الكتاب: مختصر المزني (مطبوع ملحقا بالأم للشافعي) المؤلف: إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل، أبو إبراهيم المزني (المتوفى: 264هـ) الناشر: دار المعرفة - بيروت سنة النشر: 1410هـ/1990م عدد الأجزاء: 1 (يقع في الجزء 8 من كتاب الأم)   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- مختصر المزني المزني الكتاب: مختصر المزني (مطبوع ملحقا بالأم للشافعي) المؤلف: إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل، أبو إبراهيم المزني (المتوفى: 264هـ) الناشر: دار المعرفة - بيروت سنة النشر: 1410هـ/1990م عدد الأجزاء: 1 (يقع في الجزء 8 من كتاب الأم)   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] [بَابُ الطَّهَارَةِ] كِتَابُ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 92 خَيْرُ مَا نَبْتَدِئُ بِهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ إسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَصَرْت هَذَا الْكِتَابَ مِنْ عِلْمِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ لِأُقَرِّبَهُ عَلَى مَنْ أَرَادَهُ مَعَ إعْلَامِهِ نَهْيَهُ عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ لِيَنْظُرَ فِيهِ لِدِينِهِ وَيَحْتَاطَ فِيهِ لِنَفْسِهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. بَابُ الطَّهَارَةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَكُلُّ مَاءٍ مِنْ بَحْرٍ عَذْبٍ أَوْ مَالِحٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ سَمَاءٍ أَوْ بَرَدٍ أَوْ ثَلْجٍ مُسَخَّنٍ وَغَيْرِ مُسَخَّنٍ فَسَوَاءٌ وَالتَّطَهُّرُ بِهِ جَائِزٌ وَلَا أَكْرَهُ الْمَاءَ الْمُشَمَّسَ إلَّا مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ لِكَرَاهِيَةِ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: إنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ مَاءِ وَرْدٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ عِرْقِ مَاءٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ أَوْ عُصْفُرٍ أَوْ نَبِيذٍ أَوْ مَاءٍ بُلَّ فِيهِ خُبْزٌ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ مُطْلَقٍ حَتَّى يُضَافَ إلَى مَا خَالَطَهُ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ التَّطَهُّرُ بِهِ [بَابُ الْآنِيَةِ] . بَابُ الْآنِيَةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُتَوَضَّأُ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» (قَالَ) : وَكَذَلِكَ جُلُودُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ السِّبَاعِ إذَا دُبِغَتْ إلَّا جِلْدَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ؛ لِأَنَّهُمَا نَجِسَانِ وَهُمَا حَيَّانِ (قَالَ) : وَلَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ إلَّا الْإِهَابُ وَحْدَهُ، وَلَوْ كَانَ الصُّوفُ وَالشَّعْرُ وَالرِّيشُ لَا يَمُوتُ بِمَوْتِ ذَوَاتِ الرُّوحِ أَوْ كَانَ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ كَانَ ذَلِكَ فِي قَرْنِ الْمَيْتَةِ وَسِنِّهَا وَجَازَ فِي عَظْمِهَا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ (قَالَ) : وَلَا يُدْهَنُ فِي عَظْمِ فِيلٍ وَاحْتَجَّ بِكَرَاهِيَةِ ابْنِ عُمَرَ لِذَلِكَ (قَالَ) : فَأَمَّا جِلْدُ كُلِّ ذَكِيٍّ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُدْبَغْ (قَالَ) : وَلَا أَكْرَهُ مِنْ الْآنِيَةِ إلَّا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي جَوْفِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» (قَالَ) : وَأَكْرَهُ مَا ضُبِّبَ بِالْفِضَّةِ لِئَلَّا يَكُونَ شَارِبًا عَلَى فِضَّةٍ (قَالَ) : وَلَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَاءِ مُشْرِكٍ وَبِفَضْلِ وُضُوئِهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ نَجَاسَتَهُ تَوَضَّأَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ مَاءٍ فِي جَرَّةِ نَصْرَانِيَّةٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 93 [بَابُ السِّوَاكِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأُحِبُّ السِّوَاكَ لِلصَّلَوَاتِ وَعِنْدَ كُلِّ حَالٍ تَغَيَّرَ فِيهِ الْفَمُ الِاسْتِيقَاظِ مِنْ النَّوْمِ وَالْأَزْمِ وَكُلِّ مَا يُغَيِّرُ الْفَمَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَمَرَهُمْ بِهِ شَقَّ أَوْ لَمْ يَشْقُقْ [بَابُ نِيَّةِ الْوُضُوءِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا يُجْزِئُ طَهَارَةٌ مِنْ غُسْلٍ وَلَا وُضُوءٍ وَلَا تَيَمُّمٍ إلَّا بِنِيَّةٍ وَاحْتَجَّ عَلَى مَنْ أَجَازَ الْوُضُوءَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَهُمَا طَهَارَتَانِ فَكَيْفَ يَفْتَرِقَانِ (قَالَ) : وَإِذَا تَوَضَّأَ لِنَافِلَةٍ أَوْ لِقِرَاءَةِ مُصْحَفٍ أَوْ لِجِنَازَةٍ أَوْ لِسُجُودِ قُرْآنٍ أَجْزَأَ وَإِنْ صَلَّى بِهِ فَرِيضَةً. (قَالَ) : وَإِنْ نَوَى فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ عَزَبَتْ نِيَّتُهُ أَجْزَأَتْهُ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يُحْدِثْ نِيَّةً أَنْ يَتَبَرَّدَ أَوْ يَتَنَظَّفَ بِالْمَاءِ فَيُعِيدُ مَا كَانَ غَسَلَهُ لِتَبَرُّدٍ أَوْ تَنَظُّفٍ. [بَابُ سُنَّةِ الْوُضُوءِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» قَالَ الْمُزَنِيّ أَشُكُّ فِي ثَلَاثٍ (قَالَ) : فَإِذَا قَامَ الرَّجُلُ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ نَوْمٍ أَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَوَضِّئٍ فَأُحِبُّ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ، ثُمَّ يُفْرِغَ مِنْ إنَائِهِ عَلَى يَدَيْهِ وَيَغْسِلَهُمَا ثَلَاثًا، ثُمَّ يُدْخِلَ يَدَهُ الْيُمْنَى فِي الْإِنَاءِ فَيَغْرِفَ غَرْفَةً لِفِيهِ وَأَنْفِهِ وَيَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ ثَلَاثًا وَيُبْلِغَ خَيَاشِيمَهُ الْمَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا فَيُرْفِقَ، ثُمَّ يَغْرِفَ الْمَاءَ الثَّانِيَةَ بِيَدَيْهِ فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ رَأْسِهِ إلَى أُصُولِ أُذُنَيْهِ وَمُنْتَهَى اللِّحْيَةِ إلَى مَا أَقْبَلَ مِنْ وَجْهِهِ وَذَقَنِهِ، فَإِنْ كَانَ أَمْرَدَ غَسَلَ بَشَرَةَ وَجْهِهِ كُلَّهَا وَإِنْ نَبَتَتْ لِحْيَتُهُ وَعَارِضَاهُ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى لِحْيَتِهِ وَعَارِضَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى بَشَرَةِ وَجْهِهِ الَّتِي تَحْتَ الشَّعْرِ أَجْزَأَهُ إذَا كَانَ شَعْرُهُ كَثِيرًا، ثُمَّ يَغْسِلَ ذِرَاعَهُ الْيُمْنَى إلَى الْمِرْفَقِ، ثُمَّ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ وَيُدْخِلَ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْوُضُوءِ فِي الْغُسْلِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدَيْنِ غَسَلَ مَا بَقِيَ مِنْهُمَا إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَقْطَعَهُمَا مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ فَلَا فَرْضَ عَلَيْهِ فِيهِمَا وَأُحِبُّ أَنْ لَوْ مَسَّ مَوْضِعُهُ الْمَاءَ ثُمَّ يَمْسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا وَأُحِبُّ أَنْ يَتَحَرَّى جَمِيعَ رَأْسِهِ وَصُدْغَيْهِ يَبْدَأُ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ يَذْهَبُ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ وَيَمْسَحَ أُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا بِمَاءٍ جَدِيدٍ وَيُدْخِلَ أُصْبُعَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا إلَى الْكَعْبَيْنِ وَالْكَعْبَانِ هُمَا النَّاتِئَانِ وَهُمَا مُجْتَمَعُ مِفْصَلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ وَعَلَيْهِمَا الْغُسْلُ كَالْمِرْفَقَيْنِ وَيُخَلِّلَ أَصَابِعَهُمَا لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيطَ بْنَ صَبِرَةَ بِذَلِكَ وَذَلِكَ أَكْمَلُ الْوُضُوءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (قَالَ) : وَأُحِبُّ أَنْ يَمُرَّ الْمَاءُ عَلَى مَا سَقَطَ مِنْ اللِّحْيَةِ عَنْ الْوَجْهِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِيهَا قَوْلَانِ (قَالَ) : يَجْزِيهِ فِي أَحَدِهِمَا وَلَا يَجْزِيهِ فِي الْآخَرِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا يَجْزِيهِ أَشْبَهَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْعَلُ مَا سَقَطَ مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ مِنْ الرَّأْسِ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ مَا سَقَطَ مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الْوَجْهِ مِنْ الْوَجْهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ غَسَلَ وَجْهَهُ مَرَّةً وَلَمْ يَغْسِلْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 94 يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمَا قَذَرٌ وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ مَرَّةً مَرَّةً وَمَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ بِيَدِهِ أَوْ بِبَعْضِهَا مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَنَابِتِ شَعْرِ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالنَّزْعَتَانِ مِنْ الرَّأْسِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مَرَّةً مَرَّةً وَعَمَّ بِكُلِّ مَرَّةٍ مَا غَسَلَ أَجْزَأَهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ «هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ تَبَارَكَ تَعَالَى صَلَاةً إلَّا بِهِ» ، ثُمَّ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ «مَنْ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ آتَاهُ اللَّهُ أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ» ، ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ «هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي وَوُضُوءُ خَلِيلِي إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ» . (قَالَ) : وَفِي تَرْكِهِ أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ وَيَمْسَحَ أُذُنَيْهِ تَرْكٌ لِلسُّنَّةِ وَلَيْسَتْ الْأُذُنَانِ مِنْ الْوَجْهِ فَيُغْسَلَا وَلَا مِنْ الرَّأْسِ فَيَجْزِي مَسْحُهُ عَلَيْهِمَا فَهُمَا سُنَّةٌ عَلَى حِيَالِهِمَا وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ مِمَّا يَلِيهِمَا مِنْ الرَّأْسِ وَلَا عَلَى مَا وَرَاءَهُمَا مِمَّا يَلِي مَنَابِتَ شَعْرِ الرَّأْسِ إلَيْهِمَا وَلَا عَلَى مَا يَلِيهِمَا إلَى الْعُنُقِ مَسْحٌ وَهُوَ إلَى الرَّأْسِ أَقْرَبُ كَانَتْ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ أَبْعَدُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : لَوْ كَانَتَا مِنْ الرَّأْسِ أَجْزَأَ مَنْ حَجَّ حَلَقَهُمَا عَنْ تَقْصِيرِ الرَّأْسِ فَصَحَّ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ عَلَى حِيَالِهِمَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَجْزِي مِنْ مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ وَلَا يَجْزِي إلَّا مَسْحُ كُلِّ الْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ أَنَّ مَسْحَ الْوَجْهِ بَدَلٌ مِنْ الْغَسْلِ يَقُومُ مَقَامَهُ وَمَسْحَ بَعْضِ الرَّأْسِ أَصْلٌ لَا بَدَلٌ مِنْ غَيْرِهِ (قَالَ) : وَإِنْ فَرَّقَ وُضُوءَهُ وَغَسْلَهُ أَجُزْأَهُ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِابْنِ عُمَرَ (قَالَ) : وَإِنْ بَدَأَ بِذِرَاعَيْهِ قَبْلَ وَجْهِهِ رَجَعَ إلَى ذِرَاعَيْهِ فَغَسَلَهُمَا حَتَّى يَكُونَا بَعْدَ وَجْهِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْوُضُوءَ وَلَاءً كَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]- (هَكَذَا قَرَأَهُ الْمُزَنِيّ إلَى الْكَعْبَيْنِ) : فَإِنْ صَلَّى بِالْوُضُوءِ عَلَى غَيْرِ وَلَاءٍ رَجَعَ فَبَنَى عَلَى الْوَلَاءِ مِنْ وُضُوئِهِ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَزَّ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] فَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّفَا وَقَالَ «نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» (قَالَ) : وَإِنْ قَدَّمَ يُسْرَى قَبْلَ يُمْنَى أَجْزَأَهُ وَلَا يَحْمِلُ الْمُصْحَفَ وَلَا يَمَسُّهُ إلَّا طَاهِرًا وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إلَّا جُنُبًا. (قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ) : إنْ قَدَّمَ الْوُضُوءَ وَأَخَّرَ يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ [بَابُ الِاسْتِطَابَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا بِغَائِطٍ وَلَا بِبَوْلٍ وَلِيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» وَنَهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَذَلِكَ فِي الصَّحَارَى؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جَلَسَ عَلَى لَبِنْتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ» فَدَلَّ أَنَّ الْبِنَاءَ مُخَالِفٌ لِلصَّحَارَى (قَالَ) : وَإِنْ جَاءَ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ خَرَجَ مِنْ ذَكَرِهِ أَوْ مِنْ دُبُرِهِ شَيْءٌ فَلْيَسْتَنْجِ بِالْمَاءِ وَلِيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ لَيْسَ فِيهَا رَجِيعٌ وَلَا عَظْمٌ وَلَا يَمْسَحْ بِحَجَرٍ قَدْ مَسَحَ بِهِ مَرَّةً إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ طَهَّرَهُ بِالْمَاءِ وَالِاسْتِنْجَاءُ مِنْ الْبَوْلِ كَالِاسْتِنْجَاءِ مِنْ الْخَلَاءِ وَيَسْتَنْجِي بِشِمَالِهِ. وَإِنْ اسْتَطَابَ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْحِجَارَةِ مِنْ الْخَزَفِ وَالْآجُرِّ وَقِطَعِ الْخَشَبِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَأَنْقَى مَا هُنَالِكَ أَجْزَأَهُ مَا لَمْ يَعْدُ الْمَخْرَجَ، فَإِنْ عَدَا الْمَخْرَجَ فَلَا يُجْزِئُهُ فِيهِ إلَّا الْمَاءُ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ يَسْتَطِيبُ بِالْأَحْجَارِ إذَا لَمْ يَنْتَشِرْ مِنْهُ إلَّا مَا يَنْتَشِرُ مِنْ الْعَامَّةِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَحَوْلَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَسْتَطِيبَ بِيَمِينِهِ فَيُجْزِئَ وَبِالْعَظْمِ فَلَا يُجْزِئُ أَنَّ الْيَمِينَ أَدَاةٌ وَالنَّهْيَ عَنْهَا أَدَبٌ وَالِاسْتِطَابَةَ طَهَارَةٌ وَالْعَظْمَ لَيْسَ بِطَاهِرٍ، فَإِنْ مَسَحَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 95 فَلَمْ يُنَقِّ أَعَادَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَثَرًا إلَّا أَثَرًا لَاصِقًا لَا يُخْرِجُهُ إلَّا الْمَاءُ وَلَا بَأْسَ بِالْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ أَنْ يُسْتَطَابَ بِهِ وَإِنْ اسْتَطَابَ بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ كَانَ كَثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ إذَا أَنْقَى وَلَا يُجْزِئَ أَنْ يَسْتَطِيبَ بِعَظْمٍ وَلَا نَجَسٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَاَلَّذِي يُوجِبُ الْوُضُوءَ الْغَائِطُ وَالْبَوْلُ وَالنَّوْمُ مُضْطَجِعًا وَقَائِمًا وَرَاكِعًا وَسَاجِدًا وَزَائِلًا عَنْ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ قَلِيلًا كَانَ النَّوْمَ أَوْ كَثِيرًا وَالْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ بِجُنُونٍ أَوْ مَرَضٍ مُضْطَجِعًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُضْطَجِعٍ وَالرِّيحُ يَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ وَمُلَامَسَةُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ وَالْمُلَامَسَةُ أَنْ يُفْضِيَ بِشَيْءٍ مِنْهُ إلَى جَسَدِهَا أَوْ تُفْضِيَ إلَيْهِ لَا حَائِلَ بَيْنَهُمَا أَوْ يُقَبِّلَهَا وَمَسُّ الْفَرْجِ بِبَطْنِ الْكَفِّ مِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ وَمِنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحَيِّ وَالْمَيِّتِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَسَوَاءٌ كَانَ الْفَرْجُ قُبُلًا أَوْ دُبُرًا أَوْ مَسُّ الْحَلْقَةِ نَفْسِهَا مِنْ الدُّبُرِ وَلَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ مَسَّ ذَلِكَ مِنْ بَهِيمَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهَا وَلَا تَعَبُّدَ عَلَيْهَا وَكُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ دُبُرٍ أَوْ قُبُلٍ مِنْ دُودٍ أَوْ دَمٍ أَوْ مَذْيٍ أَوْ وَدْيٍ أَوْ بَلَلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ كَمَا وَصَفْت وَلَا اسْتِنْجَاءَ عَلَى مَنْ نَامَ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ. (قَالَ) : وَنُحِبُّ لِلنَّائِمِ قَاعِدًا أَنْ يَتَوَضَّأَ وَلَا يَبِينُ أَنْ أُوجِبَهُ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ فَيَنَامُونَ أَحْسَبُهُ قَالَ قُعُودًا وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ قَاعِدًا وَيُصَلِّي فَلَا يَتَوَضَّأُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ صِرْنَا إلَى النَّظَرِ كَانَ إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ النَّوْمُ تَوَضَّأَ بِأَيِّ حَالَاتِهِ كَانَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا وَرُوِيَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ أَوْ سَفْرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافِنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ بَوْلٍ وَغَائِطٍ وَنَوْمٍ» (قَالَ الْمُزَنِيّ) : فَلَمَّا جَعَلَهُنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُمِّي هُوَ وَأُمِّي، فِي مَعْنَى الْحَدَثِ وَاحِدًا اسْتَوَى الْحَدَثُ فِي جَمِيعِهِنَّ مُضْطَجِعًا كَانَ أَوْ قَاعِدًا، وَلَوْ اخْتَلَفَ حَدَثُ النَّوْمِ لِاخْتِلَافِ حَالِ النَّائِمِ لَاخْتَلَفَ كَذَلِكَ الْغَائِطُ وَالْبَوْلُ وَلَأَبَانَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا أَبَانَ أَنَّ الْأَكْلَ فِي الصَّوْمِ عَامِدًا مُفْطِرٌ وَنَاسِيًا غَيْرُ مُفْطِرٍ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنَانِ اُسْتُطْلِقَ الْوِكَاءُ» مَعَ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ مَنْ اسْتَجْمَعَ نَوْمًا مُضْطَجِعًا أَوْ قَاعِدًا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ اسْتَجْمَعَ نَوْمًا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَعَنْ الْحَسَنِ إذَا نَامَ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا تَوَضَّأَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : فَهَذَا اخْتِلَافٌ يُوجِبُ النَّظَرَ وَقَدْ جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ فِي النَّظَرِ فِي مَعْنَى مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ كَيْفَ كَانَ تَوَضَّأَ فَكَذَلِكَ النَّائِمُ فِي مَعْنَاهُ كَيْفَ كَانَ يَتَوَضَّأُ وَاحْتَجَّ فِي الْمُلَامَسَةِ بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] وَبِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَجَسُّهَا بِيَدِهِ مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَاحْتَجَّ فِي مَسِّ الذَّكَرِ بِحَدِيثِ بُسْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَقَاسَ الدُّبُرَ بِالْفَرْجِ مَعَ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ إذَا مَسَّتْ الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا تَوَضَّأَتْ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ» فَكَانَتْ الْأَمَةُ فِي مَعْنَى الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ الدُّبُرُ فِي مَعْنَى الذَّكَرِ (قَالَ) : وَمَا كَانَ مِنْ سِوَى ذَلِكَ مِنْ قَيْءٍ أَوْ رُعَافٍ أَوْ دَمٍ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِ الْحَدَثِ فَلَا وُضُوءَ فِي ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لَا وُضُوءَ فِي الْجُشَاءِ الْمُتَغَيِّرِ وَلَا الْبُصَاقِ لِخُرُوجِهِمَا مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِ الْحَدَثِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ فَاهُ وَمَا أَصَابَ الْقَيْءُ مِنْ جَسَدِهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ عَصَرَ بَثْرَةً بِوَجْهِهِ فَخَرَجَ مِنْهَا دَمٌ فَدَلَّكَهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ، ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَغْسِلْ يَدَهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ اغْسِلْ أَثَرَ الْمَحَاجِمِ عَنْك وَحَسْبُك وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ رَعَفَ فَمَسَحَ أَنْفَهُ بِصُوفَةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَعَنْ الْقَاسِمِ لَيْسَ عَلَى الْمُحْتَجِمِ وُضُوءٌ (قَالَ) : وَلَيْسَ فِي قَهْقَهَةِ الْمُصَلِّي وَلَا فِيمَا مَسَّتْ النَّارُ وُضُوءٌ بِمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» . (قَالَ) : وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ الْوُضُوءَ فَهُوَ بِالْعَمْدِ وَالسَّهْوِ سَوَاءٌ (قَالَ) : وَمَنْ اسْتَيْقَنَ الطُّهْرَ، ثُمَّ شَكَّ فِي الْحَدَثِ أَوْ اسْتَيْقَنَ الْحَدَثَ، ثُمَّ شَكَّ فِي الطُّهْرِ فَلَا يَزُولُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 96 [بَابُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ فَعَلْته أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاغتسلناه» . وَرَوَاهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ» (قَالَ) : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَامِرٍ الدِّمَشْقِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِثْلَهُ. (قَالَ) : وَإِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَالْتِقَاؤُهُمَا أَنْ تَغِيبَ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ فَيَكُونُ خِتَانُهُ حِذَاءَ خِتَانِهَا فَذَاكَ الْتِقَاؤُهُمَا كَمَا يُقَالُ الْتَقَى الْفَارِسَانِ إذَا تَحَاذَيَا وَإِنْ لَمْ يَتَضَامَّا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَيْهِمَا (قَالَ الْمُزَنِيّ) : الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ أَنْ يُحَاذِيَ خِتَانُ الرَّجُلِ خِتَانَ الْمَرْأَةِ لَا أَنْ يُصِيبَ خِتَانُهُ خِتَانَهَا وَذَلِكَ أَنَّ خِتَانَ الْمَرْأَةِ مُسْتَعْلٍ وَيَدْخُلُ الذَّكَرُ أَسْفَلَ مِنْ خِتَانِ الْمَرْأَةِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: الْعَرَبُ تَقُولُ إذَا حَاذَى الْفَارِسُ الْفَارِسَ الْتَقَى الْفَارِسَانِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ أَنْزَلَ الْمَاءَ الدَّافِقَ مُتَعَمِّدًا أَوْ نَائِمًا أَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَيْهِمَا وَمَاءُ الرَّجُلِ الَّذِي يُوجِبُ الْغُسْلَ هُوَ الْمَنِيُّ الْأَبْيَضُ الثَّخِينُ الَّذِي يُشْبِهُ رَائِحَةَ الطَّلْعِ فَمَتَى خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ ذَكَرِ الرَّجُلِ أَوْ رَأَتْ الْمَرْأَةُ الْمَاءَ الدَّافِقَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ وَقَبْلَ الْبَوْلِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ، (قَالَ) : وَتَغْتَسِلُ الْحَائِضُ إذَا طَهُرَتْ وَالنُّفَسَاءُ إذَا ارْتَفَعَ دَمُهَا. [بَابُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : يَبْدَأُ الْجُنُبُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ ثَلَاثًا قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ، ثُمَّ يَغْسِلُ مَا بِهِ مِنْ الْأَذَى، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ الْعَشْرَ فِي الْإِنَاءِ يُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ، ثُمَّ يَحْثِي عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جَسَدِهِ حَتَّى يَعُمَّ جَمِيعَ جَسَدِهِ وَشَعْرِهِ وَيُمِرُّ يَدَيْهِ عَلَى مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ جَسَدِهِ وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ) : فَإِنْ تَرَكَ إمْرَارَ يَدَيْهِ عَلَى جَسَدِهِ فَلَا يَضُرُّهُ وَفِي إفَاضَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُدَلِّكْهُ أَجْزَأَهُ وَبِقَوْلِهِ «إذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمْسِسْهُ جِلْدَك» (قَالَ) : وَفِي أَمْرِهِ الْجُنُبَ الْمُتَيَمِّمَ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ اغْتَسِلْ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِوُضُوءٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ بِفَرْضٍ. (قَالَ) : وَإِنْ تَرَكَ الْوُضُوءَ لِلْجَنَابَةِ وَالْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فَقَدْ أَسَاءَ وَيُجْزِئُهُ وَيَسْتَأْنِفُ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - غَسْلَ الْوَجْهِ مِنْ الْحَدَثِ كَمَا فَرَضَ غَسْلَهُ مَعَ سَائِرِ الْبَدَنِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَكَيْفَ يُجْزِئُهُ تَرْكُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَا يُجْزِئُهُ مِنْ الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ غُسْلُ الْمَرْأَةِ إلَّا أَنَّهَا تَحْتَاجُ مِنْ غَمْرِ ضَفَائِرِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْمَاءُ أُصُولَ الشَّعْرِ إلَى أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الرَّجُلُ. وَرُوِيَ «أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضُهُ لِلْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ؟ فَقَالَ لَا إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَحْثِي عَلَيْهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ مَاءٍ تُفِيضِي عَلَيْك الْمَاءَ» (قَالَ) : وَأُحِبُّ أَنْ يُغَلْغِلَ الْمَاءَ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ وَكَمَا وَصَلَ الْمَاءُ إلَى شَعْرِهَا وَبَشَرِهَا أَجْزَأَهَا، وَكَذَلِكَ غُسْلُهَا مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَلَمَّا أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ قَالَ «خُذِي فِرْصَةً - وَالْفِرْصَةُ الْقِطْعَةُ مِنْ مَسْكٍ - فَتَطْهُرِي بِهَا» فَقَالَتْ عَائِشَةُ تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَطِيبًا فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَالْمَاءُ كَافٍ وَمَا بَدَأَ بِهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي الْغُسْلِ أَجْزَأَهُمَا (قَالَ) : وَإِنْ أَدْخَلَ الْجُنُبُ أَوْ الْحَائِضُ أَيْدِيَهُمَا فِي الْإِنَاءِ وَلَا نَجَاسَةَ فِيهَا لَمْ يَضُرَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 97 [بَابُ فَضْلِ الْجُنُبِ وَغَيْرِهِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى بِالْوَضُوءِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ فَرَأَيْت الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّأَ النَّاسُ مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّئُوا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ جَمِيعًا» وَرُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ تَعْنِي مِنْ الْجَنَابَةِ، وَأَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ حَائِضٌ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا بَأْسَ أَنْ يُتَوَضَّأَ وَيُغْتَسَلَ بِفَضْلِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اغْتَسَلَ وَعَائِشَةُ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ فَقَدْ اغْتَسَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِفَضْلِ صَاحِبِهِ (قَالَ) : وَلَيْسَتْ الْحَيْضَةُ فِي الْيَدِ وَلَا الْمُؤْمِنُ بِنَجَسٍ إنَّمَا تَعَبُّدٌ أَنْ يُمَاسَّ الْمَاءُ فِي بَعْضِ حَالَاتِهِ، وَكَذَلِكَ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَوَضَّأَ بِفَضْلِ صَاحِبِهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ دَلَالَةٌ أَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ فِيمَا - يَتَطَهَّرُ بِهِ الْمُغْتَسِلُ وَالْمُتَوَضِّئُ إلَّا عَلَى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ وَقَدْ يَخْرِقُ بِالْكَثِيرِ فَلَا يَكْفِي وَيُرْفِقُ بِالْقَلِيلِ فَيَكْفِي (قَالَ) : وَأُحِبُّ أَنْ لَا يُنْقَصَ عَمَّا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِالْمُدِّ وَاغْتَسَلَ بِالصَّاعِ» [بَابُ التَّيَمُّمِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] الْآيَةُ وَرُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تَيَمَّمَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ» (قَالَ) : وَمَعْقُولٌ إذَا كَانَ بَدَلًا مِنْ الْوُضُوءِ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ أَنْ يُؤْتَى بِالتَّيَمُّمِ عَلَى مَا يُؤْتَى بِالْوُضُوءِ عَلَيْهِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالتَّيَمُّمُ أَنْ يَضْرِبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الصَّعِيدِ وَهُوَ التُّرَابُ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ سَبَخِهَا وَمَدَرِهَا وَبَطْحَائِهَا وَغَيْرِهِ مِمَّا يَعْلَقُ بِالْيَدِ مِنْهُ غُبَارٌ مَا لَمْ تُخَالِطْهُ نَجَاسَةٌ وَيَنْوِي بِالتَّيَمُّمِ الْفَرِيضَةَ فَيَضْرِبُ عَلَى التُّرَابِ ضَرْبَةً وَيُفَرِّقُ أَصَابِعَهُ حَتَّى يُثِيرَ التُّرَابَ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِيَدِهِ وَجْهَهُ كَمَا وَصَفْت فِي الْوُضُوءِ، ثُمَّ يَضْرِبُ ضَرْبَةً أُخْرَى كَذَلِكَ، ثُمَّ يَمْسَحُ ذِرَاعَهُ الْيُمْنَى فَيَضَعُ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُمْنَى وَأَصَابِعِهَا، ثُمَّ يُمِرُّهَا عَلَى ظَهْرِ الذِّرَاعِ إلَى مِرْفَقِهِ، ثُمَّ يُدِيرُ كَفَّهُ إلَى بَطْنِ الذِّرَاعِ، ثُمَّ يُقْبِلُ بِهَا إلَى كُوعِهِ، ثُمَّ يُمِرُّهَا عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِهِ وَيَكُونُ بَطْنُ كَفِّهِ الْيُمْنَى لَمْ يَمَسَّهَا شَيْءٌ مِنْ يَدِهِ فَيَمْسَحُ بِهَا الْيُسْرَى كَمَا وَصَفْت فِي الْيُمْنَى وَيَمْسَحُ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بِالْأُخْرَى وَيُخَلِّلُ بَيْنَ أَصَابِعِهِمَا فَإِنْ أَبْقَى شَيْئًا مِمَّا كَانَ يَمُرُّ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ حَتَّى صَلَّى أَعَادَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ التَّيَمُّمِ، ثُمَّ يُصَلِّي. وَإِنْ بَدَأَ بِيَدَيْهِ قَبْلَ وَجْهِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ وَيَمْسَحَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا بَعْدَ وَجْهِهِ مِثْلَ الْوُضُوءِ سَوَاءً وَإِنْ قَدَّمَ يُسْرَى يَدَيْهِ عَلَى الْيُمْنَى أَجْزَأَهُ. (قَالَ) : وَلَوْ نَسِيَ الْجَنَابَةَ فَتَيَمَّمَ لِلْحَدَثِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ الْجَنَابَةَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ التَّيَمُّمِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : لَيْسَ عَلَى الْمُحْدِثِ عِنْدِي مَعْرِفَةُ أَيِّ الْأَحْدَاثِ كَانَ مِنْهُ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ لِلْحَدَثِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ أَيِّ الْأَحْدَاثِ كَانَ مِنْهُ كَمَا عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ أَيِّ الصَّلَوَاتِ عَلَيْهِ لَوَجَبَ لَوْ تَوَضَّأَ مِنْ رِيحٍ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ حَدَثَهُ بَوْلٌ أَوْ اغْتَسَلَتْ امْرَأَةٌ تَنْوِي الْحَيْضَ وَإِنَّمَا كَانَتْ جُنُبًا أَوْ مِنْ حَيْضٍ وَإِنَّمَا كَانَتْ نُفَسَاء لَمْ يُجْزِئْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى يَعْلَمَ الْحَدَثَ الَّذِي تَطَهَّرَ مِنْهُ وَلَا يَقُولُ بِهَذَا أَحَدٌ نَعْلَمُهُ، وَلَوْ كَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 98 الْوُضُوءُ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِمَا يَتَوَضَّأُ لَهُ لَمَا جَازَ لِمَنْ يَتَوَضَّأُ لِقِرَاءَةِ مُصْحَفٍ أَوْ لِصَلَاةٍ عَلَى جِنَازَةِ أَوْ تَطَوُّعٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الْفَرْضَ فَلَمَّا صَلَّى بِهِ الْفَرْضَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ لِلْفَرْضِ أَجْزَأَهُ أَنْ لَا يَنْوِيَ لِأَيِّ الْفُرُوضِ وَلَا لِأَيِّ الْأَحْدَاثِ تَوَضَّأَ وَلَا لِأَيِّ الْأَحْدَاثِ اغْتَسَلَ. (قَالَ) : وَإِذَا وَجَدَ الْجُنُبُ الْمَاءَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ اغْتَسَلَ وَإِذَا وَجَدَهُ الَّذِي لَيْسَ بِجُنُبٍ تَوَضَّأَ وَإِذَا تَيَمَّمَ فَفَرَغَ مِنْ تَيَمُّمِهِ بَعْدَ طَلَبِ الْمَاءِ، ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَاءِ وَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ بَعْدَ دُخُولِهِ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَأَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ (وَقَالَ الْمُزَنِيّ) : وُجُودُ الْمَاءِ عِنْدِي يَنْقُضُ طُهْرَ التَّيَمُّمِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ كَمَا أَنَّ مَا نَقَضَ الطُّهْرَ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي مَنَعَ نَقْضَ طُهْرِهِ الصَّلَاةَ لَمَا ضَرَّهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ أَجْمَعُوا وَالشَّافِعِيُّ مَعَهُمْ أَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ تَوَضَّأَ أَحَدُهُمَا وَتَيَمَّمَ الْآخَرُ فِي سَفَرٍ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَنَّهُمَا طَاهِرَانِ وَأَنَّهُمَا قَدْ أَدَّيَا فَرْضَ الطُّهْرِ، فَإِنْ أَحْدَثَ الْمُتَوَضِّئُ وَوَجَدَ الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ أَنَّهُمَا فِي نَقْضِ الطُّهْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ فَلِمَ لَا كَانَا فِي نَقْضِ الطُّهْرِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا سَوَاءً؟ وَمَا الْفَرْقُ وَقَدْ قَالَ فِيهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ إنَّ عِدَّةَ مَنْ لَمْ تَحِضْ الشُّهُورُ، فَإِنْ اعْتَدَّتْ بِهَا إلَّا يَوْمًا، ثُمَّ حَاضَتْ أَنَّ الشُّهُورَ تَنْتَقِضُ لِوُجُودِ الْحَيْضِ فِي بَعْضِ الطُّهْرِ فَكَذَلِكَ التَّيَمُّمُ يَنْتَقِضُ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ وُجُودُ الْمَاءِ كَمَا يَنْتَقِضُ طُهْرُ الْمُتَوَضِّئِ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ إذَا كَانَ الْحَدَثُ وَهَذَا عِنْدِي بِقَوْلِهِ أَوْلَى. (قَالَ) : وَلَا يَجْمَعُ بِالتَّيَمُّمِ صَلَاتَيْ فَرْضٍ بَلْ يُجَدِّدُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ طَلَبًا لِلْمَاءِ وَتَيَمُّمًا بَعْدَ الطَّلَبِ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] وَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " لَا تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ إلَّا بِتَيَمُّمٍ ". (قَالَ) : وَيُصَلِّي بَعْدَ الْفَرِيضَةِ النَّوَافِلَ وَعَلَى الْجَنَائِزِ وَيَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ وَيَسْجُدُ سُجُودَ الْقُرْآنِ وَإِنْ تَيَمَّمَ بِزِرْنِيخٍ أَوْ نَوْرَةٍ أَوْ ذُرَاوَةٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجْزِهِ. بَابُ جَامِعِ التَّيَمُّمِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَيْسَ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَتَيَمَّمَ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَإِعْوَازِ الْمَاءِ بَعْدَ طَلَبِهِ وَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يَتَيَمَّمَ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ سَفَرٍ طَالَ، أَوْ قَصُرَ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَبِأَثَرِ ابْنِ عُمَرَ وَلَا يَتَيَمَّمُ مَرِيضٌ فِي شِتَاءٍ وَلَا صَيْفٍ إلَّا مَنْ بِهِ قُرْحٌ لَهُ غَوْرٌ أَوْ بِهِ ضَنًى مِنْ مَرَضٍ يَخَافُ إنْ يَمَسُّهُ الْمَاءُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ التَّلَفُ أَوْ يَكُونَ مِنْهُ الْمَرَضُ الْمَخُوفُ لَا لِشَيْنٍ وَلَا لِإِبْطَاءِ بُرْءٍ. (قَالَ) : فِي الْقَدِيمِ: يَتَيَمَّمُ إذَا خَافَ إنْ مَسَّهُ الْمَاءُ شِدَّةَ الضَّنَى (قَالَ) : وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ جَسَدِهِ دُونَ بَعْضٍ غَسَلَ مَا لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ وَيَتَيَمَّمُ لَا يُجْزِئُهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى قُرْحِهِ دَمٌ يَخَافُ إنْ غَسَلَهُ تَيَمَّمَ وَأَعَادَ إذَا قَدَرَ عَلَى غَسْلِ الدَّمِ وَإِذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ فِي حَشٍّ أَوْ مَوْضِعٍ نَجَسٍ أَوْ مَرْبُوطًا عَلَى خَشَبَةٍ صَلَّى يُومِئُ وَيُعِيدُ إذَا قَدَرَ (قَالَ) : وَلَوْ أَلْصَقَ عَلَى مَوْضِعِ التَّيَمُّمِ لُصُوقًا نَزَعَ اللُّصُوقَ وَأَعَادَ وَلَا يَعْدُو بِالْجَبَائِرِ مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَلَا يَضَعُهَا إلَّا عَلَى وُضُوءٍ كَالْخُفَّيْنِ، فَإِنْ خَافَ الْكَسِيرُ غَيْرُ مُتَوَضِّئِ التَّلَفَ إذَا أُلْقِيَتْ الْجَبَائِرُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: يَمْسَحُ عَلَيْهَا وَيُعِيدُ مَا صَلَّى إذَا قَدَرَ عَلَى الْوُضُوءِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: لَا يُعِيدُ، وَإِنْ صَحَّ حَدِيثُ «عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ انْكَسَرَ إحْدَى زَنْدَيْهِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ» قُلْت بِهِ وَهَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) أَوْلَى قَوْلَيْهِ بِالْحَقِّ عِنْدِي أَنْ يُجْزِئَهُ وَلَا يُعِيدُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا عَجَزَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 99 عَنْهُ الْمُصَلِّي وَفِيمَا رُخِّصَ لَهُ فِي تَرْكِهِ مِنْ طُهْرٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْعُلَمَاءُ وَالشَّافِعِيُّ مَعَهُمْ أَنْ لَا تُعِيدَ الْمُسْتَحَاضَةُ وَالْحَدَثُ فِي صَلَاتِهَا دَائِمٌ وَالنَّجَسُ قَائِمٌ وَلَا الْمَرِيضُ الْوَاجِدُ لِلْمَاءِ وَلَا الَّذِي مَعَهُ الْمَاءُ يَخَافُ الْعَطَشَ إذَا صَلَّيَا بِالتَّيَمُّمِ وَلَا الْعُرْيَانُ وَلَا الْمُسَافِرُ يُصَلِّي إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ يُومِئُ إيمَاءً فَقَضَى ذَلِكَ مِنْ إجْمَاعِهِمْ عَلَى طَرْحِ مَا عَجَزَ عَنْهُ الْمُصَلِّي وَرَفْعِ الْإِعَادَةِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يُوَضِّئُهُ فِي سَفَرِهِ وَخَافَ الْعَطَشَ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَجِدْ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَكَذَلِكَ مَنْ عَلَى قُرُوحِهِ دَمٌ يَخَافُ إنْ غَسَلَهَا كَمَنْ لَيْسَ بِهِ نَجَسٌ. وَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا يَتَيَمَّمُ صَحِيحٌ فِي مِصْرٍ لِمَكْتُوبَةٍ وَلَا لِجِنَازَةٍ، وَلَوْ جَازَ مَا قَالَ غَيْرِي: " يَتَيَمَّمُ " لِلْجِنَازَةِ لِخَوْفِ الْفَوْتِ لَزِمَهُ ذَلِكَ لِفَوْتِ الْجُمُعَةِ وَالْمَكْتُوبَةِ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ لِفَوْتِ الْأَوْكَدِ كَانَ مِنْ أَنْ يَجُوزَ فِيمَا دُونَهُ أَبْعَدَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي عَلَى جِنَازَةٍ إلَّا مُتَوَضِّئًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفَرِ مِنْ الْمَاءِ مَا لَا يَغْسِلُهُ لِلْجَنَابَةِ غَسَلَ أَيَّ بَدَنِهِ شَاءَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: يَتَيَمَّمُ وَلَا يَغْسِلُ مِنْ أَعْضَائِهِ شَيْئًا وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُطَهِّرُ بَدَنَهُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا هَذَا أَشْبَهُ بِالْحَقِّ عِنْدِي لِأَنَّ كُلَّ بَدَلٍ لِعَدَمٍ فَحُكْمُ مَا وَجَدَ مِنْ بَعْضِ الْمَعْدُومِ حُكْمُ الْعَدَمِ كَالْقَاتِلِ خَطَأً يَجِدُ بَعْضَ رَقَبَةٍ فَحُكْمُ الْبَعْضِ كَحُكْمِ الْعَدَمِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْبَدَلُ وَلَوْ لَزِمَهُ غَسْلُ بَعْضِهِ لِوُجُودِ بَعْضِ الْمَاءِ وَكَمَالِ الْبَدَلِ لَزِمَهُ عِتْقُ بَعْضِ رَقَبَةٍ لِوُجُودِ الْبَعْضِ وَكَمَالِ الْبَدَلِ وَلَا يَقُولُ بِهَذَا أَحَدٌ نَعْلَمُهُ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأُحِبُّ تَعْجِيلَ التَّيَمُّمِ لِاسْتِحْبَابِي تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ لَوْ أَخَّرَهُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ رَجَاءَ أَنْ يَجِدَ الْمَاءَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا كَأَنَّ التَّعْجِيلَ بِقَوْلِهِ أَوْلَى لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُصَلِّيَ مَا بَيْنَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَآخِرِهِ فَلَمَّا كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِهِ فِي أَدَاءِ الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ فَالتَّيَمُّمُ مِثْلُهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ) : فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ فِي رَحْلِهِ أَعَادَ وَإِنْ وَجَدَهُ بِثَمَنٍ فِي مَوْضِعِهِ وَهُوَ وَاجِدُ الثَّمَنِ غَيْرُ خَائِفٍ إنْ اشْتَرَاهُ الْجُوعَ فِي سَفَرِهِ فَلَيْسَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَإِنْ أُعْطِيَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَيَتَيَمَّمُ. وَلَوْ كَانَ مَعَ رَجُلٍ مَاءٌ فَأَجْنَبَ رَجُلٌ وَطَهُرَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْحَيْضِ وَمَاتَ رَجُلٌ وَلَمْ يَسَعْهُمْ الْمَاءُ كَانَ الْمَيِّتُ أَحَبَّهُمْ إلَى أَنْ يَجُودُوا بِالْمَاءِ عَلَيْهِ وَيَتَيَمَّمُ الْحَيَّانِ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَقْدِرَانِ عَلَى الْمَاءِ وَالْمَيِّتُ إذَا دُفِنَ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى غُسْلِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعَ الْمَيِّتِ مَاءٌ فَهُوَ أَحَقُّهُمْ بِهِ، فَإِنْ خَافُوا الْعَطَشَ شَرِبُوهُ وَيَمَّمُوهُ وَأَدَّوْا ثَمَنَهُ فِي مِيرَاثِهِ [بَابُ مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا وَقَعَ فِي الْإِنَاءِ نُقْطَةُ خَمْرٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ دَمٍ أَوْ أَيُّ نَجَاسَةٍ كَانَتْ مِمَّا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ فَقَدْ فَسَدَ الْمَاءُ وَلَا تُجْزِئُ بِهِ الطَّهَارَةُ. وَإِنْ تَوَضَّأَ رَجُلٌ، ثُمَّ جَمَعَ وُضُوءَهُ فِي إنَاءٍ نَظِيفٍ، ثُمَّ تَوَضَّأَ بِهِ أَوْ غَيْرُهُ لَمْ يَجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى بِهِ الْوُضُوءَ الْفَرْضَ مَرَّةً وَلَيْسَ بِنَجَسٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ وَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْ بَلَلِ الْوُضُوءِ مَا يُصِيبُ ثِيَابَهُ وَلَا نَعْلَمُهُ غَسَلَهُ وَلَا أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَهُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ لِأَنَّ عَلَى النَّاسِ تَعَبُّدًا فِي أَنْفُسِهِمْ بِالطَّهَارَةِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ وَلَيْسَ عَلَى ثَوْبٍ وَلَا أَرْضٍ تَعَبُّدٌ وَلَا أَنْ يُمَاسَّهُ مَاءٌ مِنْ غَيْرِهِ نَجَاسَةٌ. وَإِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَقَدْ نَجُسَ الْمَاءُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُهْرِيقَهُ وَيَغْسِلَ مِنْهُ الْإِنَاءَ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِتُرَابٍ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَالَ) : فَإِنْ كَانَ فِي بَحْرٍ لَا يَجِدُ فِيهِ تُرَابًا فَغَسَلَهُ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ التُّرَابِ فِي التَّنْظِيفِ مِنْ أُشْنَانٍ أَوْ نُخَالَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَطْهُرَ إلَّا بِأَنْ يُمَاسَّهُ التُّرَابُ وَالْآخَرُ يَطْهُرُ بِمَا يَكُونُ خَلَفًا مِنْ تُرَابٍ، أَوْ أَنْظَفَ مِنْهُ كَمَا وَصَفْت كَمَا نَقُولُ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 100 الِاسْتِنْجَاءِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا: هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْخَزَفَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ كَالْحِجَارَةِ لِأَنَّهَا تُنَقِّي إنْقَاءَهَا فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ الْأُشْنَانَ كَالتُّرَابِ؛ لِأَنَّهُ يُنَقِّي إنْقَاءَهُ أَوْ أَكْثَرَ وَكَمَا جَعَلَ مَا عَمِلَ عَمَلَ الْقَرَظِ وَالشَّثِّ فِي الْإِهَابِ فِي مَعْنَى الْقَرَظِ وَالشَّثِّ فَكَذَلِكَ الْأُشْنَانُ فِي تَطْهِيرِ الْإِنَاءِ فِي مَعْنَى التُّرَابِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : الشَّثُّ شَجَرَةٌ تَكُونُ بِالْحِجَازِ (قَالَ) : وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ النَّجَاسَةِ سِوَى ذَلِكَ ثَلَاثًا أَحَبُّ إلَيَّ، فَإِنْ غَسَلَهُ وَاحِدَةً تَأَنَّى عَلَيْهِ طَهُرَ. وَمَا مَسَّ الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ مِنْ الْمَاءِ مِنْ أَبْدَانِهِمَا نَجَّسَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا قَذَرٌ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْخِنْزِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ فَقَاسَهُ عَلَيْهِ وَقَاسَ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ النَّجَاسَاتِ عَلَى أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ فِي دَمِ الْحَيْضَةِ يُصِيبُ الثَّوْبَ أَنْ تَحُتَّهُ، ثُمَّ تَقْرُصَهُ بِالْمَاءِ وَتُصَلِّيَ فِيهِ وَلَمْ يُوَقِّتْ فِي ذَلِكَ سَبْعًا وَاحْتَجَّ فِي جَوَازِ الْوُضُوءِ بِفَضْلِ مَا سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ بِحَدِيثِ «رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ أَنَتَوَضَّأُ بِمَا أَفْضَلَتْ الْحُمُرِ؟ قَالَ نَعَمْ وَبِمَا أَفْضَلَتْ السِّبَاعُ كُلُّهَا» وَبِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي الْهِرَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ» وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا سَقَطَ الذُّبَابُ فِي الْإِنَاءِ فَامْقُلُوهُ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَحْيَاءِ نَجَاسَةٌ إلَّا مَا ذَكَرْت مِنْ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ (قَالَ) : وَغَمْسُ الذُّبَابِ فِي الْإِنَاءِ لَيْسَ يَقْتُلُهُ وَالذُّبَابُ لَا يُؤْكَلُ، فَإِنْ مَاتَ ذُبَابٌ أَوْ خُنْفُسَاءُ أَوْ نَحْوُهُمَا فِي إنَاءٍ نَجَّسَهُ (وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ) إنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الَّذِي يُنَجِّسُهُ مِثْلُهُ نَجَّسَهُ إذَا كَانَ مِمَّا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا أَوْلَى بِقَوْلِ الْعُلَمَاءِ وَقَوْلُهُ مَعَهُمْ أَوْلَى بِهِ مِنْ انْفِرَادِهِ عَنْهُمْ (قَالَ) : وَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ جَرَادَةٌ مَيِّتَةٌ أَوْ حُوتٌ لَمْ تُنَجِّسْهُ؛ لِأَنَّهُمَا مَأْكُولَانِ مَيِّتَيْنِ، (قَالَ) : وَلُعَابُ الدَّوَابِّ وَعِرْقُهَا قِيَاسًا عَلَى بَنِي آدَمَ (قَالَ) : وَأَيُّمَا إهَابِ مَيْتَةٍ دَبَغَ بِهِ الْعَرَبُ أَوْ نَحْوِهِ فَقَدْ طَهُرَ وَحَلَّ بَيْعُهُ وَتُوُضِّئَ فِيهِ إلَّا جِلْدَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ؛ لِأَنَّهُمَا نَجِسَانِ وَهُمَا حَيَّانِ وَلَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ عَظْمٌ وَلَا صُوفٌ وَلَا شَعْرٌ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ. [بَابُ الْمَاءِ الَّذِي يَنْجُسُ وَاَلَّذِي لَا يَنْجُسُ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا أَوْ قَالَ خَبَثًا» وَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ ابْنِ جُرَيْجٍ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِسْنَادٍ لَا يَحْضُرُ الشَّافِعِيَّ ذِكْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا كَانَ الْمَاء قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا» وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ بِقِلَالِ هَجَرَ " قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَقَدْ رَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ فَالْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ تَكُونَ الْقُلَّتَانِ خَمْسَ قِرَبٍ (قَالَ) : وَقِرَبُ الْحِجَازِ كِبَارٌ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك تَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ تُطْرَحُ فِيهَا الْمَحَايِضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَمَا يُنْجِي النَّاسُ فَقَالَ الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» قَالَ وَمَعْنَى لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إذَا كَانَ كَثِيرًا لَمْ يُغَيِّرْهُ النَّجَسُ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ رِيحَهُ أَوْ طَعْمَهُ» وَقَالَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ نَزَحَ زَمْزَمَ مِنْ زِنْجِيٍّ مَاتَ فِيهَا إمَّا لَا نَعْرِفُهُ وَزَمْزَمُ عِنْدَنَا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ " أَرْبَعٌ لَا يَخْبُثْنَ " فَذَكَرَ الْمَاءَ وَهُوَ لَا يُخَالِفُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ يَكُونُ الدَّمُ ظَهَرَ فِيهَا فَنَزَحَهَا إنْ كَانَ فَعَلَ أَوْ تَنْظِيفًا لَا وَاجِبًا. (قَالَ) : وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ خَمْسُ قِرَبٍ كِبَارٍ مِنْ قِرَبِ الْحِجَازِ فَوَقَعَ فِيهِ دَمٌ أَوْ أَيُّ نَجَاسَةٍ كَانَتْ فَلَمْ تُغَيِّرْ طَعْمَهُ وَلَا لَوْنَهُ وَلَا رِيحَهُ لَمْ يَنْجُسْ وَهُوَ بِحَالِهِ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ خَمْسُ قِرَبٍ فَصَاعِدًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 101 وَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الْكَثِيرِ الَّذِي لَا يُنَجِّسُهُ إلَّا مَا غَيَّرَهُ وَبَيْنَ الْقَلِيلِ الَّذِي يُنَجِّسُهُ مَا لَمْ يُغَيِّرْهُ، فَإِنْ وَقَعَتْ مَيْتَةٌ فِي بِئْرٍ فَغَيَّرَتْ طَعْمَهَا أَوْ رِيحَهَا أَوْ لَوْنَهَا أُخْرِجَتْ الْمَيْتَةُ وَنُزِحَتْ الْبِئْرُ حَتَّى يَذْهَبَ تَغَيُّرُهَا فَتَطْهُرَ بِذَلِكَ. (قَالَ) : وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ فَخَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ لَيْسَتْ بِقَائِمَةٍ نَجَّسَتْهُ، فَإِنْ صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ أَوْ صُبَّ عَلَى مَاءٍ آخَرَ حَتَّى يَكُونَ الْمَاءَانِ جَمِيعًا خَمْسَ قِرَبٍ فَصَاعِدًا فَطَهُرَا لَمْ يُنَجِّسْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ (قَالَ) : فَإِنْ فُرِّقَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُنَجِّسَا بَعْدَ مَا طَهُرَا إلَّا بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهِمَا وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ مَا لَا يَخْتَلِطُ بِهِ مِثْلُ الْعَنْبَرِ أَوْ الْعُودِ أَوْ الدُّهْنِ الطَّيِّبِ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَخُوضًا بِهِ وَإِذَا كَانَ مَعَهُ فِي السَّفَرِ إنَاءَانِ يَسْتَيْقِنُ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ نَجُسَ وَالْآخَرَ لَيْسَ بِنَجَسٍ تَأَخَّى وَأَرَاقَ النَّجِسَ عَلَى الْأَغْلَبِ عِنْدَهُ وَتَوَضَّأَ بِالطَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تُمْكِنُ وَالْمَاءَ عَلَى أَصْلِهِ طَاهِرٌ [بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ يَعْنِي عَبْدَ الْوَهَّابِ عَنْ الْمُهَاجِرِ أَبِي مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إذَا تَطَهَّرَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا» (قَالَ) : وَإِذَا تَطَهَّرَ الرَّجُلُ الْمُقِيمُ بِغُسْلٍ أَوْ وُضُوءٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ، ثُمَّ أَحْدَثَ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا مِنْ وَقْتِ مَا أَحْدَثَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَذَلِكَ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا مَسَحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهنَّ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ وَإِذَا جَاوَزَ الْوَقْتَ فَقَدْ الْقَطْعُ الْمَسْحُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ وَصَلَّى بَعْدَ ذَهَابِ وَقْتِ الْمَسْحِ أَعَادَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ وَالصَّلَاةَ، وَلَوْ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ، ثُمَّ سَافَرَ أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ، وَلَوْ مَسَحَ مُسَافِرًا، ثُمَّ أَقَامَ مَسَحَ مَسْحَ مُقِيمِ. وَإِذَا تَوَضَّأَ فَغَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَهَا الْخُفَّ، ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى، ثُمَّ أَدْخَلَهَا الْخُفَّ لَمْ يُجْزِئْهُ إذَا أَحْدَثَ أَنْ يَمْسَحَ حَتَّى يَكُونَ طَاهِرًا بِكَمَالِهِ قَبْلَ لِبَاسِهِ أَحَدَ خُفَّيْهِ، فَإِنْ نَزَعَ الْخُفَّ الْأَوَّلَ الْمَلْبُوسَ قَبْلَ تَمَامِ طَهَارَتِهِ، ثُمَّ لَبِسَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ؛ لِأَنَّ لِبَاسَهُ مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : كَيْفَمَا صَحَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى طُهْرٍ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ عِنْدِي. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ تَخَرَّقَ مِنْ مُقَدَّمِ الْخُفِّ شَيْءٌ بَانَ مِنْهُ بَعْضُ الرِّجْلِ وَإِنْ قَلَّ لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى خُفٍّ غَيْرِ سَاتِرٍ لِجَمِيعِ الْقَدَمِ وَإِنْ كَانَ خَرْقُهُ مِنْ فَوْقِ الْكَعْبَيْنِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ وَلَا يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَوْرَبَانِ مُجَلِّدِي الْقَدَمَيْنِ إلَى الْكَعْبَيْنِ حَتَّى يَقُومَا مَقَامَ الْخُفَّيْنِ وَمَا لَبِسَ مِنْ خُفِّ خَشَبٍ، أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهُ أَجْزَأَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ وَلَا يَمْسَحُ عَلَى جُرْمُوقَيْنِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا وَلَا أَعْلَمُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا وَقَوْلُهُ مَعَهُمْ أَوْلَى بِهِ مِنْ انْفِرَادِهِ عَنْهُمْ وَزَعَمَ إنَّمَا أُرِيدَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ الْمِرْفَقُ فَكَذَلِكَ الْجُرْمُوقَانِ مِرْفَقٌ وَهُوَ بِالْخُفِّ شَبِيهٌ. (قَالَ) : وَإِنْ نَزَعَ خُفَّيْهِ بَعْدَ مَسْحِهِمَا غَسَلَ قَدَمَيْهِ وَفِي الْقَدِيمِ وَكِتَابِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَتَوَضَّأُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا وَاَلَّذِي قَبْلَ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ غَسْلَ الْأَعْضَاءِ لَا يُنْتَقَضُ فِي السُّنَّةِ إلَّا بِالْحَدَثِ وَإِنَّمَا اُنْتُقِضَ طُهْرُ الْقَدَمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِمَا كَانَ لِعَدَمِ ظُهُورِهِمَا كَمَسْحِ التَّيَمُّمِ لِعَدَمِ الْمَاءِ فَلَمَّا كَانَ وُجُودُ الْمَعْدُومِ مِنْ الْمَاءِ بَعْدَ الْمَسْحِ يُبْطِلُ الْمَسْحَ وَيُوجِبُ الْغُسْلَ كَانَ كَذَلِكَ ظُهُورُ الْقَدَمَيْنِ بَعْدَ الْمَسْحِ يُبْطِلُ الْمَسْحَ وَيُوجِبُ الْغُسْلَ وَسَائِرُ الْأَعْضَاءِ سِوَى الْقَدَمَيْنِ مَغْسُولٌ وَلَا غَسْلَ عَلَيْهَا ثَانِيَةً إلَّا بِحَدَثٍ ثَانٍ. . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 102 [بَابُ كَيْفَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ» وَاحْتَجَّ بِأَثَرِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ. (قَالَ) : وَأُحِبُّ أَنْ يَغْمِسَ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ، ثُمَّ يَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى تَحْتَ عَقِبِ الْخُفِّ وَكَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ يُمِرُّ الْيُمْنَى إلَى سَاقِهِ وَالْيُسْرَى إلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ. (قَالَ) : فَإِنْ مَسَحَ عَلَى بَاطِنِ الْخُفِّ وَتَرَكَ الظَّاهِرَ أَعَادَ وَإِنْ مَسَحَ عَلَى الظَّاهِرِ وَتَرَكَ الْبَاطِنَ أَجْزَأَهُ وَكَيْفَمَا أَتَى بِالْمَسْحِ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ بِكُلِّ الْيَدِ أَوْ بِبَعْضِهِ أَجْزَأَهُ [بَابُ الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ وَالْأَعْيَادِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالِاخْتِيَارُ فِي السُّنَّةِ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ الِاغْتِسَالُ لَهَا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْغُسْلُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» يُرِيدُ وُجُوبَ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» وَقَالَ عُمَرُ لِعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حِينَ رَاحَ وَالْوُضُوءُ أَيْضًا؟ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ، وَلَوْ عَلِمَا وُجُوبَهُ لَرَجَعَ عُثْمَانُ وَمَا تَرَكَهُ عُمَرُ (قَالَ) : وَيَجْزِيهِ غُسْلُهُ لَهَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَاغْتَسَلَ لَهُمَا جَمِيعًا أَجْزَأَهُ (قَالَ) : وَأَحَبُّ الْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ (قَالَ) : وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ لِلْأَعْيَادِ سُنَّةٌ اخْتِيَارًا وَإِنْ تَرَكَ الْغُسْلَ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ أَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ وَإِنْ نَوَى الْغُسْلَ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ لَمْ يَجْزِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ حَتَّى يَنْوِيَ الْجَنَابَةَ وَأَوْلَى الْغُسْلِ أَنْ يَجِبَ عِنْدِي بَعْدَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَالْوُضُوءُ مِنْ مَسِّهِ مُفْضِيًا إلَيْهِ، وَلَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْت بِهِ ثُمَّ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَلَا نُرَخِّصُ فِي تَرْكِهِ وَلَا نُوجِبُهُ إيجَابًا لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : إذَا لَمْ يَثْبُتْ فَقَدْ ثَبَتَ تَأْكِيدُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ فَهُوَ أَوْلَى وَأَجْمَعُوا إنْ مَسَّ خِنْزِيرًا أَوْ مَسَّ مَيْتَةً أَنَّهُ لَا غُسْلَ وَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ إلَّا غَسْلَ مَا أَصَابَهُ فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ؟ ،. [بَابُ حَيْضِ الْمَرْأَةِ وَطُهْرِهَا وَاسْتِحَاضَتِهَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : مِنْ الْمَحِيضِ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : تَطَهَّرْنَ بِالْمَاءِ (قَالَ) : وَإِذَا اتَّصَلَ بِالْمَرْأَةِ الدَّمُ نَظَرَتْ، فَإِنْ كَانَ دَمُهَا ثَخِينًا مُحْتَدِمًا يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ لَهُ رَائِحَةٌ فَتِلْكَ الْحَيْضَةُ نَفْسُهَا فَلْتَدَعْ الصَّلَاةَ فَإِذَا ذَهَبَ ذَلِكَ الدَّمُ وَجَاءَهَا الدَّمُ الْأَحْمَرُ الرَّقِيقُ الْمُشْرِقُ فَهُوَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ الْحَيْضَةُ وَهُوَ الطُّهْرُ وَعَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ كَمَا وَصَفْت وَتُصَلِّيَ، وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَسْتَظْهِرَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا - يُرِيدُ الْحَيْضَةَ - فَاغْسِلِي الدَّمَ عَنْك وَصَلِّي» وَلَا يَقُولُ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا إلَّا وَهِيَ بِهِ عَارِفَةٌ (قَالَ) : وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ دَمُهَا بِمَا وَصَفْت ثَمَّ فَتَعْرِفُهُ وَكَانَ مُشْتَبِهًا نَظَرَتْ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَيْضَتُهَا فِيمَا مَضَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 103 مِنْ دَهْرِهَا فَتَرَكَتْ الصَّلَاةَ لِلْوَقْتِ الَّذِي كَانَتْ تَحِيضُ فِيهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِتَنْظُرَ عِدَّةَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنْ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا مَا أَصَابَهَا فَلْتَدَعْ الصَّلَاةَ فَإِذَا خَلَفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ، ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ، ثُمَّ تُصَلِّي» (قَالَ) : وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ، ثُمَّ إذَا ذَهَبَ ذَلِكَ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ، وَإِنْ كَانَ الدَّمُ مُبْتَدِئًا لَا مَعْرِفَةَ لَهَا بِهِ أَمْسَكَتْ عَنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ إذَا جَاوَزَتْ خَمْسَةَ عَشَرَةَ يَوْمًا اسْتَيْقَنَتْ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ وَأَشْكَلَ وَقْتُ الْحَيْضِ عَلَيْهَا مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ إلَّا أَقَلَّ مَا تَحِيضُ لَهُ النِّسَاءُ وَذَلِكَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَعَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتَقْضِيَ الصَّلَاةَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَأَكْثَرُ النِّفَاسِ سِتُّونَ يَوْمًا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : الَّذِي يُبْتَلَى بِالْمَذْيِ فَلَا يَنْقَطِعُ مِثْلُ الْمُسْتَحَاضَةِ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرِيضَةٍ بَعْدَ غَسْلِ فَرْجِهِ وَيُعَصِّبُهُ. [كِتَاب الصَّلَاة] [بَابُ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَالْأَذَانِ وَالْعُذْرِ فِيهِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْوَقْتُ لِلصَّلَاةِ وَقْتَانِ وَقْتُ مَقَامٍ وَرَفَاهِيَةٍ وَوَقْتُ عُذْرٍ وَضَرُورَةٍ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْأَذَانِ، ثُمَّ لَا يَزَالُ وَقْتُ الظُّهْرِ قَائِمًا حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ بِأَقَلِّ زِيَادَةٍ فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَالْأَذَانِ، ثُمَّ لَا يَزَالُ وَقْتُ الْعَصْرِ قَائِمًا حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ كُلٍّ مِثْلَيْهِ فَمَنْ جَاوَزَهُ فَقَدْ فَاتَهُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ أَقُولَ فَاتَتْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَهُوَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَالْأَذَانِ وَلَا وَقْتَ لِلْمَغْرِبِ إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ فَإِذَا غَابَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ فَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَالْأَذَانِ، ثُمَّ لَا يَزَالُ وَقْتُ الْعِشَاءِ قَائِمًا حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ وَلَا أَذَانَ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ خَلَا الصُّبْحَ فَإِنَّهَا يُؤَذِّنُ قَبْلَهَا بِلَيْلٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقِيَاسٍ وَلَكِنْ اتَّبَعْنَا فِيهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ «إنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» ، ثُمَّ لَا يَزَالُ وَقْتُ الصُّبْحِ قَائِمًا بَعْدَ الْفَجْرِ مَا لَمْ يَسْفِرْ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً مِنْهَا فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُهَا فَاعْتَمِدْ فِي ذَلِكَ عَلَى إمَامَةِ جِبْرِيلَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ (قَالَ) : وَالْوَقْتُ الْآخِرُ هُوَ وَقْتُ الْعُذْرِ وَالضَّرُورَةِ فَإِذَا أُغْمِيَ عَلَى رَجُلٍ فَأَفَاقَ وَطَهُرَتْ امْرَأَةٌ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ وَأَسْلَمَ نَصْرَانِيٌّ وَبَلَغَ صَبِيٌّ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ بِرَكْعَةٍ أَعَادُوا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَكَذَلِكَ قَبْلَ الْفَجْرِ بِرَكْعَةٍ أَعَادُوا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَكَذَلِكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِرَكْعَةٍ أَعَادُوا الصُّبْحَ وَذَلِكَ وَقْتُ إدْرَاكِ الصَّلَوَاتِ فِي الْعُذْرِ وَالضَّرُورَاتِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ» «وَأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ بِعَرَفَةَ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وَقْتَهُمَا لِلضَّرُورَاتِ وَاحِدٌ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ أَدْرَكَ الْإِحْرَامَ فِي وَقْتِ الْآخِرَةِ صَلَّاهُمَا جَمِيعًا (قَالَ الْمُزَنِيّ) : لَيْسَ هَذَا عِنْدِي بِشَيْءٍ وَزَعَمَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْنِ أَتَمَّهَا جُمُعَةً وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً أَتَمَّهَا ظُهْرًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» وَمَعْنَى قَوْلِهِ عِنْدِي إنْ لَمْ تَفُتْهُ وَإِذَا لَمْ تَفُتْهُ صَلَّاهَا جُمُعَةً وَالرَّكْعَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِسَجْدَتَيْنِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا إلَّا بِكَمَالِ سَجْدَتَيْنِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا وَالظُّهْرُ مَعَهَا بِإِحْرَامٍ قَبْلَ الْمَغِيبِ فَأَحَدُ قَوْلَيْهِ يَقْضِي عَلَى الْآخَرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 104 [بَابُ صفة الْأَذَان] ِ وَمَا يُقَامُ لَهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَا يُؤَذَّنُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا أُحِبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ فِي أَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ إلَّا مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ لَا تَزُولُ قَدَمَاهُ وَلَا وَجْهُهُ عَنْهَا وَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَمُدُّ صَوْتَهُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَ أَبَا مَحْذُورَةَ هَذَا الْأَذَانَ (قَالَ) : وَيَلْتَوِي فِي: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ يَمِينًا وَشِمَالًا لِيُسْمِعَ النَّوَاحِيَ وَحَسَنٌ أَنْ يَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَيَكُونُ عَلَى طُهْرٍ، فَإِنْ أَذَّنَ جُنُبًا كَرِهْته وَأَجْزَأَهُ وَأُحِبُّ رَفْعَ الصَّوْتِ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ وَأَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِي أَذَانِهِ فَإِنْ تَكَلَّمَ لَمْ يُعِدْ وَمَا فَاتَ وَقْتُهُ أَقَامَ وَلَمْ يُؤَذِّنْ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُبِسَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِهَوًى مِنْ اللَّيْلِ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلَمْ يُؤَذِّنْ وَجَمَعَ بِعَرَفَةَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَبِمُزْدَلِفَةَ بِإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُؤَذَّنْ فَدَلَّ أَنَّ مَنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى مِنْهُمَا فَبِأَذَانٍ وَفِي الْآخِرَةِ فَبِإِقَامَةٍ وَغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِي جَمَاعَةٍ وَلَا وَحْدَهُ إلَّا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ أَجْزَأَهُ وَأُحِبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُقِيمَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ أَجْزَأَهَا وَمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَحْبَبْت أَنْ يَقُولَ مِثْلَ مَا يَقُولُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَلَاةٍ فَإِذَا فَرَغَ قَالَهُ وَتَرْكُ الْأَذَانِ فِي السَّفَرِ وَأَخَفُّ مِنْهُ فِي الْحَضَرِ، وَالْإِقَامَةُ فُرَادَى إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ. وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ أَبُو مَحْذُورَةَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ أَمَرَ بِلَالًا بِأَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ قِيلَ: لَهُ فَأَنْتَ تُثَنِّي اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَتَجْعَلُهَا مَرَّتَيْنِ، (وَقَالَ الْمُزَنِيّ) قَدْ قَالَ فِي الْقَدِيمِ يَزِيدُ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ التَّثْوِيبَ وَهُوَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ وَرَوَاهُ عَنْ بِلَالٍ مُؤَذِّنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَرِهَهُ فِي الْجَدِيدِ؛ لِأَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ لَمْ يَحْكِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَقِيَاسُ قَوْلَيْهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ أَوْلَى بِهِ فِي الْأَخْبَارِ كَمَا أُخِذَ فِي التَّشَهُّدِ بِالزِّيَادَةِ وَفِي دُخُولِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيْتَ بِزِيَادَةِ أَنَّهُ صَلَّى فِيهِ وَتَرَكَ مَنْ قَالَ لَمْ يَفْعَلْ، (قَالَ) : وَأُحِبُّ أَنْ لَا يُجْعَلَ مُؤَذِّنُ الْجَمَاعَةِ إلَّا عَدْلًا ثِقَةً لِإِشْرَافِهِ عَلَى النَّاسِ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ صَيِّتًا وَأَنْ يَكُونَ حَسَنَ الصَّوْتِ أَرَقَّ لِسَامِعِهِ، وَأُحِبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ مُتَرَسِّلًا بِغَيْرِ تَمْطِيطٍ وَلَا يُغَنِّي فِيهِ وَأُحِبُّ الْإِقَامَةَ إدْرَاجًا مُبِينًا وَكَيْفَمَا جَاءَ بِهِمَا أَجْزَأَ (قَالَ) : وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُصَلَّى بِهِ فَاضِلًا عَالِمًا قَارِئًا وَأَيُّ النَّاسِ أَذَّنَ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُونَ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي حَفِظْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالٍ وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنْ كَانَ الْمُؤَذِّنُونَ أَكْثَرَ أَذَّنُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَلَا يَرْزُقُهُمْ الْإِمَامُ وَهُوَ يَجِدُ مُتَطَوِّعًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُتَطَوِّعًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْزُقَ مُؤَذِّنًا وَلَا يَرْزُقُهُ إلَّا مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْزُقَهُ مِنْ الْفَيْءِ وَلَا مِنْ الصَّدَقَاتِ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مَالِكًا مَوْصُوفًا وَأُحِبُّ الْأَذَانَ لِمَا جَاءَ فِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَئِمَّةُ ضُمَنَاءُ وَالْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ فَأَرْشَدَ اللَّهُ الْأَئِمَّةَ وَغَفَرَ لِلْمُؤَذِّنِينَ» . وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا إلَّا أَنْ يَشْتَدَّ الْحَرُّ فَيُبْرَدَ بِهَا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 105 فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ» وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ» وَأَقَلُّ مَا لِلْمُصَلِّي فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا مُحَافِظًا وَمِنْ الْمُخَاطَرَةِ بِالنِّسْيَانِ وَالشُّغْلِ وَالْآفَاتِ خَارِجًا وَرِضْوَانُ اللَّهِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمُحْسِنِينَ وَالْعَفْوُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُقَصِّرِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ] ِ وَلَا فَرْضَ إلَّا الْخَمْسُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ صَلَاةُ فَرِيضَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ وَلَا سُجُودُ قُرْآنٍ وَلَا جِنَازَةٍ إلَّا مُتَوَجِّهًا إلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ مَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى رُؤْيَتِهِ إلَّا فِي حَالَتَيْنِ إحْدَاهُمَا النَّافِلَةُ فِي السَّفَرِ رَاكِبًا وَطَوِيلُ السَّفَرِ وَقَصِيرُهُ سَوَاءٌ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ» وَأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُوتِرُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَا فَرْضَ إلَّا الْخَمْسُ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَعْرَابِيِّ حِينَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ شِدَّةُ الْخَوْفِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] قَالَ ابْنُ عُمَرَ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرِ مُسْتَقْبِلِيهَا فَلَا يُصَلِّي فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ إلَّا إلَى الْبَيْتِ إنْ كَانَ مُعَايَنًا فَبِالصَّوَابِ وَإِنْ كَانَ مَغِيبًا فَبِالِاجْتِهَادِ بِالدَّلَائِلِ عَلَى صَوَابِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ رَجُلَيْنِ لَمْ يَسْعَ أَحَدَهُمَا اتِّبَاعُ صَاحِبِهِ، فَإِنْ كَانَ الْغَيْمُ وَخَفِيَتْ الدَّلَائِلُ عَلَى رَجُلٍ فَهُوَ كَالْأَعْمَى وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَمَنْ دَلَّهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ أَعْمَى وَسِعَهُ اتِّبَاعُهُ وَلَا يَسَعُ بَصِيرًا خَفِيَتْ عَلَيْهِ الدَّلَائِلُ اتِّبَاعُهُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ جَهِلَ الْقِبْلَةَ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ مَنْ جَهِلَهَا لِعَدَمِ الْبَصَرِ وَقَدْ جَعَلَ الشَّافِعِيُّ مَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الدَّلَائِلُ كَالْأَعْمَى فَهُمَا سَوَاءٌ (قَالَ) : وَلَا تَتْبَعْ دَلَالَةَ مُشْرِكٍ بِحَالٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ اجْتَهَدَ فَصَلَّى إلَى الْمَشْرِقِ، ثُمَّ رَأَى الْقِبْلَةَ إلَى الْغَرْبِ اسْتَأْنَفَ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ خَطَأِ جِهَتِهَا إلَى يَقِينِ صَوَابِ جِهَتِهَا وَيُعِيدُ الْأَعْمَى مَا صَلَّى مَعَهُ مَتَى أَعْلَمَهُ وَإِنْ كَانَ شَرْقًا، ثُمَّ رَأَى أَنَّهُ مُنْحَرِفٌ وَتِلْكَ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرِفَ وَيَعْتَدَّ بِمَا مَضَى، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَعْمَى يَنْحَرِفُ بِانْحِرَافِهِ وَإِذَا اجْتَهَدَ بِهِ رَجُلٌ، ثُمَّ قَالَ لَهُ رَجُلٌ آخَرُ: قَدْ أَخْطَأَ بِك فَصَدَّقَهُ تَحَرَّفَ حَيْثُ قَالَ لَهُ وَمَا مَضَى مُجْزِئٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ اجْتَهَدَ بِهِ مَنْ لَهُ قَبُولُ اجْتِهَادِهِ، (قَالَ الْمُزَنِيّ) قَدْ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ فِيمَنْ اجْتَهَدَ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ بِأَنْ قَالَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ تَوَخَّى الْقِبْلَةَ، ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ كَمَالِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ أَخْطَأَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ كَمَا يُجْزِئُ ذَلِكَ فِي خَطَأِ عَرَفَةَ وَاحْتَجَّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ: إذَا تَوَخَّى فِي أَحَدِ الْإِنَاءَيْنِ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَالْآخَرَ نَجِسٌ فَصَلَّى، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثَانِيَةً فَكَانَ الْأَغْلَبُ عِنْدَهُ أَنَّ الَّذِي تَرَكَ هُوَ الطَّاهِرُ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَتَيَمَّمُ وَيُعِيدُ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِتَيَمُّمٍ؛ لِأَنَّ مَعَهُ مَاءً مُتَيَقَّنًا وَلَيْسَ كَالْقِبْلَةِ يَتَوَخَّاهَا فِي مَوْضِعٍ ثُمَّ يَرَاهَا فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَاحِيَةٍ إلَّا وَهِيَ قِبْلَةٌ لِقَوْمٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) فَقَدْ أَجَازَ صَلَاتَهُ وَإِنْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا كُلِّفَ وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ إصَابَةَ الْعَيْنِ لِلْعَجْزِ عَنْهَا فِي حَالِ الصَّلَاةِ، (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَهَذَا الْقِيَاسُ عَلَى مَا عَجَزَ عَنْهُ الْمُصَلِّي فِي الصَّلَاةِ مِنْ قِيَامٍ وَقُعُودٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَسَتْرٍ أَنَّ فَرْضَ اللَّهِ كُلَّهُ سَاقِطٌ عَنْهُ دُونَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَاءِ عُرْيَانًا فَإِذَا قَدَرَ مِنْ بَعْدُ لَمْ يَعُدْ فَكَذَلِكَ إذَا عَجَزَ عَنْ التَّوَجُّهِ إلَى عَيْنِ الْقِبْلَةِ كَانَ عَنْهُ أَسْقَطَ وَقَدْ حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ ثُمَّ صَلَّى أَهْلُ قُبَاءَ رَكْعَةً إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ أَتَاهُمْ آتٍ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ فَاسْتَدَارُوا وَبَنَوْا بَعْدَ يَقِينِهِمْ أَنَّهُمْ صَلَّوْا إلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ، وَلَوْ كَانَ صَوَابُ عَيْنِ الْقِبْلَةِ الْمُحَوَّلِ إلَيْهَا فَرْضًا مَا أَجْزَأَهُمْ خِلَافُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 106 الْفَرْضِ لِجَهْلِهِمْ بِهِ كَمَا لَا يُجْزِئُ مَنْ تَوَضَّأَ بِغَيْرِ مَاءٍ طَاهِرٍ لِجَهْلِهِ بِهِ ثُمَّ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ غَيْرُ طَاهِرٍ فَتَفَهَّمْ - رَحِمَك اللَّهُ -، (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَدَخَلَ فِي قِيَاسِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ، أَوْ مَا أُمِرَ بِهِ فِيهَا أَوْ لَهَا أَنَّ ذَلِكَ سَاقِطٌ عَنْهُ لَا يُعِيدُ إذَا قَدَرَ وَهُوَ أَوْلَى بِأَحَدِ قَوْلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَنْ صَلَّى فِي ظُلْمَةٍ أَوْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الدَّلَائِلُ، أَوْ بِهِ دَمٌ لَا يَجِدُ مَا يَغْسِلُهُ بِهِ، أَوْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي نَجِسٍ أَنَّهُ يُصَلِّي كَيْفَ أَمْكَنَهُ وَيُعِيدُ إذَا قَدَرَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ دَخَلَ غُلَامٌ فِي صَلَاةٍ فَلَمْ يُكْمِلْهَا أَوْ صَوْمِ يَوْمٍ فَلَمْ يُكْمِلْهُ حَتَّى اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَحْبَبْت أَنْ يُتِمَّ وَيُعِيدَ وَلَا يَبِينُ أَنَّ عَلَيْهِ إعَادَةً (قَالَ الْمُزَنِيّ) لَا يُمْكِنُهُ صَوْمُ يَوْمٍ هُوَ فِي آخِرِهِ غَيْرُ صَائِمٍ وَيُمْكِنُهُ صَلَاةٌ هُوَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا غَيْرُ مُصَلٍّ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ الْعَصْرَ مِنْ أَوَّلِهَا وَلَا يُمْكِنُهُ فِي آخِرِ يَوْمٍ أَنْ يَبْتَدِئَ صَوْمَهُ مِنْ أَوَّلِهِ فَيُعِيدُ الصَّلَاةَ لِإِمْكَانِ الْقُدْرَةِ وَلَا يُعِيدُ الصَّوْمَ لِارْتِفَاعِ إمْكَانِ الْقُدْرَةِ وَلَا تَكْلِيفَ مَعَ الْعَجْزِ. [بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَمَا يَجُوزُ مِنْهَا وَمَا يُفْسِدُهَا] وَعَدَدُ سُجُودِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أَحْرَمَ إمَامًا، أَوْ وَحْدَهُ نَوَى صَلَاتَهُ فِي حَالِ التَّكْبِيرِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، أَوْ: اللَّهُ الْأَكْبَرُ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ بِالْعَرَبِيَّةِ كَبَّرَ بِلِسَانِهِ. وَكَذَلِكَ الذِّكْرُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ، وَلَا يُكَبِّرُ إنْ كَانَ إمَامًا حَتَّى تَسْتَوِيَ الصُّفُوفُ خَلْفَهُ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا كَبَّرَ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَأْخُذُ كُوعَهُ الْأَيْسَرَ بِكَفِّهِ الْيُمْنَى وَيَجْعَلُهَا تَحْتَ صَدْرِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: " وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ " ثُمَّ يَتَعَوَّذُ فَيَقُولُ: " أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " ثُمَّ يَقْرَأُ مُرَتِّلًا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَبْتَدِئُهَا بِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَعَدَّهَا آيَةً فَإِذَا قَالَ {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قَالَ: آمِينَ فَيَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ لِيَقْتَدِيَ بِهِ مَنْ خَلْفُهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» وَبِالدَّلَالَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ جَهَرَ بِهَا وَأَمَرَ الْإِمَامَ بِالْجَهْرِ بِهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلْيُسْمِعْ مَنْ خَلْفَهُ أَنْفُسَهُمْ، ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ بِسُورَةٍ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا وَأَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ ابْتَدَأَ التَّكْبِيرَ قَائِمًا فَكَانَ فِيهِ وَهُوَ يَهْوِي رَاكِعًا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ حِينَ يَبْتَدِئُ التَّكْبِيرَ وَيَضَعُ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَيَمُدُّ ظَهْرَهُ وَعُنُقَهُ وَلَا يَخْفِضُ عُنُقَهُ عَنْ ظَهْرِهِ وَلَا يَرْفَعُهُ وَيَكُونُ مُسْتَوِيًا وَيُجَافِي مُرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَيَقُولُ إذَا رَكَعَ: " سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمُ " ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَى الْكَمَالِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ ابْتَدَأَ قَوْلَهُ مَعَ الرَّفْعِ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا قَالَ أَيْضًا " رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ " وَيَقُولُهَا مَنْ خَلْفُهُ وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا هَوَى لِيَسْجُدَ ابْتَدَأَ التَّكْبِيرَ قَائِمًا ثُمَّ هَوَى مَعَ ابْتِدَائِهِ حَتَّى يَكُونَ انْقِضَاءُ تَكْبِيرِهِ مَعَ سُجُودِهِ فَأَوَّلُ مَا يَقَعُ مِنْهُ عَلَى الْأَرْضِ رُكْبَتَاهُ ثُمَّ يَدَاهُ، ثُمَّ جَبْهَتُهُ وَأَنْفُهُ وَيَكُونُ عَلَى أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ: " سُبْحَان رَبِّي الْأَعْلَى " ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَى الْكَمَالِ وَيُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ حَتَّى إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَا يَسْتُرُهُ رِيئَتْ عُفْرَةُ إبْطَيْهِ وَيُفَرِّجُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَيُقِلُّ بَطْنَهُ عَنْ فَخْذَيْهِ وَيُوَجِّهُ أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَرْفَعُ مُكَبِّرًا كَذَلِكَ حَتَّى يَعْتَدِلَ جَالِسًا عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَيَسْجُدُ سَجْدَةً أُخْرَى كَذَلِكَ فَإِذَا اسْتَوَى قَاعِدًا نَهَضَ مُتَعَمِّدًا عَلَى الْأَرْضِ بِيَدَيْهِ حَتَّى يَعْتَدِلَ قَائِمًا وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي السُّجُودِ وَلَا فِي الْقِيَامِ مِنْ السُّجُودِ ثُمَّ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَجْلِسُ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى رِجْلِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 107 الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى وَيَبْسُطُ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَيَقْبِضُ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى إلَّا الْمُسَبِّحَةَ يُشِيرُ بِهَا مُتَشَهِّدًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : يَنْوِي بِالْمُسَبِّحَةِ الْإِخْلَاصَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (قَالَ) : فَإِذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ قَامَ مُكَبِّرًا مُعْتَمِدًا عَلَى الْأَرْضِ بِيَدَيْهِ حَتَّى يَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِثْلَ ذَلِكَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ سِرًّا فَإِذَا قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ أَمَاطَ رِجْلَيْهِ جَمِيعًا وَأَخْرَجَهُمَا جَمِيعًا عَنْ وَرِكِهِ الْيُمْنَى وَأَمْضَى بِمَقْعَدِهِ إلَى الْأَرْضِ وَأَضْجَعَ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى وَوَجَّهَ أَصَابِعَهَا إلَى الْقِبْلَةِ وَبَسَطَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعَهَا إلَّا الْمُسَبِّحَةَ وَأَشَارَ بِهَا مُتَشَهِّدًا، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيُمَجِّدُهُ وَيَدْعُو قَدْرًا أَقَلَّ مِنْ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُخَفِّفُ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ وَيَفْعَلُونَ مِثْلَ فِعْلِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَسَرَّ قَرَأَ مَنْ خَلْفَهُ وَإِذَا جَهَرَ لَمْ يَقْرَأْ مَنْ خَلْفَهُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ رَوَى أَصْحَابُنَا عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يَقْرَأُ مَنْ خَلْفَهُ وَإِنْ جَهَرَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ (قَالَ) : مُحَمَّدُ بْنُ عَاصِمٍ وَإِبْرَاهِيمُ يَقُولَانِ سَمِعْنَا الرُّبَيِّعَ يَقُولُ: (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ جَهَرَ، أَوْ لَمْ يَجْهَرْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَسَمِعْت الرُّبَيِّعَ يَقُولُ: (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ أَحْسَنَ أَقَلَّ مِنْ سَبْعِ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَأَمَّ، أَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا رَدَّدَ بَعْضَ الْآيِ حَتَّى يَقْرَأَ بِهِ سَبْعَ آيَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ يَعْنِي إعَادَةً. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ لَمْ أَكْرَهْ أَنْ يُطِيلَ ذِكْرَ اللَّهِ وَتَمْجِيدَهُ وَالدُّعَاءَ رَجَاءَ الْإِجَابَةِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ "، ثُمَّ عَنْ شِمَالِهِ: " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " حَتَّى يُرَى خَدَّاهُ وَلَا يَثْبُتُ سَاعَةَ يُسَلِّمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ نِسَاءٌ فَيَثْبُتُ لِيَنْصَرِفْنَ قَبْلَ الرِّجَالِ وَيَنْصَرِفُ حَيْثُ شَاءَ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ وَيَقْرَأُ بَيْنَ كُلٍّ سُورَتَيْنِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ ظُهْرًا، أَوْ عَصْرًا أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ فِي جَمِيعِهَا وَإِنْ كَانَتْ عِشَاءِ الْآخِرَةِ، أَوْ مَغْرِبًا جَهَرَ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ مِنْهُمَا وَأَسَرَّ فِي بَاقِيهِمَا وَإِنْ كَانَتْ صُبْحًا جَهَرَ فِيهَا كُلِّهَا، (قَالَ) : وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الصُّبْحِ وَفَرَغَ مِنْ قَوْلِهِ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ " قَالَ وَهُوَ قَائِمٌ " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت وَعَافَنِي فِيمَنْ عَافَيْت وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْت وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْت وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْت إنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت تَبَارَكْت رَبَّنَا وَتَعَالَيْت " وَالْجِلْسَةُ فِيهَا كَالْجِلْسَةِ فِي الرَّابِعَةِ فِي غَيْرِهَا (قَالَ) : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْغَزِّيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ ابْنِ جَعْفَرٍ الدَّارِيِّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَا زَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا وَاحْتَجَّ فِي الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ بِمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَنَتَ قَبْلَ قَتْلِ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةٍ ثُمَّ قَنَتَ بَعْدَ قَتْلِهِمْ فِي الصَّلَاةِ سِوَاهَا، ثُمَّ تَرَكَ الْقُنُوتَ فِي سِوَاهَا» وَقَنَتَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ، (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالتَّشَهُّدُ أَنْ يَقُولَ: " التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " يَقُولُ هَذَا فِي الْجِلْسَةِ الْأُولَى وَفِي آخِرِ صَلَاتِهِ فَإِذَا تَشَهَّدَ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ فَيَقُولُ " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ " (قَالَ) : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى الْكُوفِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ إلْيَاسَ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَّمَنِي الصَّلَاةَ فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَبَّرَ بِنَا فَقَرَأَ بِنَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَجَهَرَ بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ» . (قَالَ) : وَمَنْ ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ فِي أُخْرَى أَتَمَّهَا، ثُمَّ قَضَى (قَالَ) : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: التَّشَهُّدُ بِهِمَا مُبَاحٌ فَمَنْ أَخَذَ يَتَشَهَّدُ ابْنُ مَسْعُودٍ لَمْ يُعَنِّفْ إلَّا أَنَّ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 108 زِيَادَةً وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي عَمَلِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَضُمَّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَأَنْ تُلْصِقَ بَطْنَهَا فِي السُّجُودِ بِفَخْذَيْهَا كَأَسْتَرِ مَا يَكُونُ وَأُحِبُّ ذَلِكَ لَهَا فِي الرُّكُوعِ وَفِي جَمِيعِ عَمَلِ الصَّلَاةِ وَأَنْ تُكَثِّفَ جِلْبَابَهَا وَتُجَافِيَهُ رَاكِعَةً وَسَاجِدَةً لِئَلَّا تَصِفَهَا ثِيَابُهَا وَأَنْ تَخْفِضَ صَوْتَهَا وَإِنْ نَابَهَا شَيْءٌ فِي صَلَاتِهَا صَفَّقَتْ فَإِنَّمَا التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَالَ) : وَعَلَى الْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ حُرَّةً أَنْ تَسْتَتِرَ فِي صَلَاتِهَا حَتَّى لَا يَظْهَرَ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا وَجْهُهَا وَكَفَّاهَا، فَإِنْ ظَهَرَ مِنْهَا شَيْءٌ سِوَى ذَلِكَ أَعَادَتْ الصَّلَاةَ، فَإِنْ صَلَّتْ الْأَمَةُ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ أَجْزَأَهَا وَأُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي قَمِيصٍ وَرِدَاءٍ وَإِنْ صَلَّى فِي إزَارٍ وَاحِدٍ، أَوْ سَرَاوِيلَ أَجْزَأَ وَكُلُّ ثَوْبٍ يَصِفُ مَا تَحْتَهُ وَلَا يَسْتُرُ لَمْ تُجْزِئْ الصَّلَاةُ فِيهِ. وَمَنْ سَلَّمَ، أَوْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا أَوْ نَسِيَ شَيْئًا مِنْ صُلْبِ الصَّلَاةِ بَنَى مَا لَمْ يَتَطَاوَلْ ذَلِكَ وَإِنْ تَطَاوَلَ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ وَإِنْ تَكَلَّمَ أَوْ سَلَّمَ عَامِدًا، أَوْ أَحْدَثَ فِيمَا بَيْنَ إحْرَامِهِ وَبَيْنَ سَلَامِهِ اسْتَأْنَفَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» . وَإِنْ عَمِلَ فِي الصَّلَاةِ عَمَلًا قَلِيلًا مِثْلُ دَفْعِهِ الْمَارَّ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ قَتْلِ حَيَّةٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ وَيَنْصَرِفُ حَيْثُ شَاءَ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ أَحْبَبْت الْيَمِينَ لِمَا كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُحِبُّ مِنْ التَّيَامُنِ. (قَالَ) : وَإِنْ فَاتَ رَجُلًا مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَتَانِ مِنْ الظُّهْرِ قَضَاهُمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ كَمَا فَاتَهُ وَإِنْ كَانَتْ مَغْرِبًا وَفَاتَهُ مِنْهَا رَكْعَةٌ قَضَاهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَقَعَدَ وَمَا أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ: (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قَدْ جَعَلَ هَذِهِ الرَّكْعَةَ فِي مَعْنَى أُولَى يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ حُكْمِ الثَّالِثَةِ وَجَعَلَهَا فِي مَعْنَى الثَّالِثَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ بِالْقُعُودِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ حُكْمِ الْأُولَى فَجَعْلُهَا آخِرَةً أَوْلَى وَهَذَا مُتَنَاقِضٌ وَإِذَا قَالَ مَا: أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ فَالْبَاقِي عَلَيْهِ آخِرُ صَلَاتِهِ وَقَدْ قَالَ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَدْرَكَ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : فَيَقْرَأُ فِي الثَّالِثَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيُسِرُّ وَيَقْعُدُ وَيُسَلِّمُ فِيهَا هَذَا أَصَحُّ لِقَوْلِهِ: وَأَقْيَسُ عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ كُلَّ مُصَلٍّ لِنَفْسِهِ لَا يُفْسِدُهَا عَلَيْهِ بِفَسَادِهَا عَلَى إمَامِهِ وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَبْتَدِئُ صَلَاتَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا بِالْإِحْرَامِ بِهَا، فَإِنْ فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ بَعْضُهَا فَكَذَلِكَ الْبَاقِي عَلَيْهِ مِنْهَا آخِرُهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيُصَلِّي الرَّجُلُ قَدْ صَلَّى مَرَّةً مَعَ الْجَمَاعَةِ كُلَّ صَلَاةٍ وَالْأُولَى فَرْضُهُ وَالثَّانِيَةُ سُنَّةٌ بِطَاعَةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ قَالَ: «إذَا جِئْت فَصَلِّ وَإِنْ كُنْت قَدْ صَلَّيْت» . (قَالَ) : وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ إلَّا أَنْ يُومِئَ أَوْمَأَ وَجَعَلَ السُّجُودَ أَخَفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ (قَالَ) : وَأُحِبُّ إذَا قَرَأَ آيَةَ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَ أَوْ آيَةَ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ وَالنَّاسُ (قَالَ) : وَبَلَغَنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ. (قَالَ) : وَإِنْ صَلَّتْ إلَى جَنْبِهِ امْرَأَةٌ صَلَاةً هُوَ فِيهَا لَمْ تُفْسِدْ عَلَيْهِ وَإِذَا قَرَأَ السَّجْدَةَ سَجَدَ فِيهَا. وَسُجُودُ الْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً سِوَى سَجْدَةِ " ص " فَإِنَّهَا سَجْدَةُ شُكْرٍ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَجَدَ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ وَقَالَ فُضِّلَتْ بِأَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْجُدُ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ (قَالَ) : وَسَجَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] وَعُمَرُ فِي {وَالنَّجْمِ} [النجم: 1] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِي الْمُفَصَّلِ سُجُودًا وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَاحْتُجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ وَتَرَكَ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا إلَّا أَنْ نَشَاءَ. وَيُصَلِّي فِي الْكَعْبَةِ الْفَرِيضَةَ وَالنَّافِلَةَ وَعَلَى ظَهْرِهَا إنْ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْبِنَاءِ مَا يَكُونُ سُتْرَةً لِمُصَلٍّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يُصَلِّ إلَى غَيْرِ شَيْءٍ مِنْ الْبَيْتِ، وَيَقْضِي الْمُرْتَدُّ كُلَّ مَا تَرَكَ فِي الرِّدَّةِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 109 [بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ وَسُجُودِ الشُّكْرِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثْلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، وَكَذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سَجَدَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ» (قَالَ) : وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ فِي الْخَامِسَةِ سَجَدَ، أَوْ لَمْ يَسْجُدْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ، أَوْ لَمْ يَقْعُدْ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ لِلرَّابِعَةِ وَيَتَشَهَّدُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. فَإِنْ نَسِيَ الْجُلُوسَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَذَكَرَ فِي ارْتِفَاعِهِ وَقَبْلَ انْتِصَابِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْجُلُوسِ، ثُمَّ يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ فَإِنَّهُ يَمْضِي وَإِنْ جَلَسَ فِي الْأُولَى فَذَكَرَ قَامَ وَبَنَى وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ وَإِنْ ذَكَرَ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ نَاسٍ لِسَجْدَةٍ مِنْ أُولَى بَعْدَمَا اعْتَدَلَ قَائِمًا فَلْيَسْجُدْ لِلْأُولَى حَتَّى تَتِمَّ قَبْلَ الثَّانِيَةِ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى، فَإِنَّ عَمَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ كَلَا عَمَلٍ فَإِذَا سَجَدَ فِيهَا كَانَتْ مِنْ حُكْمِ الْأُولَى وَتَمَّتْ الْأُولَى بِهَذِهِ السَّجْدَةِ وَسَقَطَتْ الثَّانِيَةُ. وَإِنْ ذَكَرَ فِي الرَّابِعَةِ أَنَّهُ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ فَإِنَّ الْأُولَى صَحِيحَةٌ إلَّا سَجْدَةً وَعَمَلُهُ فِي الثَّانِيَةِ كَلَا عَمَلٍ فَلَمَّا سَجَدَ فِيهَا سَجْدَةً كَانَتْ مِنْ حُكْمِ الْأُولَى وَتَمَّتْ الْأُولَى وَبَطَلَتْ الثَّانِيَةُ وَكَانَتْ الثَّالِثَةُ ثَانِيَةً فَلَمَّا قَامَ فِي ثَالِثَةٍ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الثَّانِيَةَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ ثَالِثَةً كَانَ عَمَلُهُ كَلَا عَمَلٍ فَلَمَّا سَجَدَ فِيهَا سَجْدَةً كَانَتْ مِنْ حُكْمِ الثَّانِيَةِ فَتَمَّتْ الثَّانِيَةُ وَبَطَلَتْ الثَّالِثَةُ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ رَابِعَةً ثُمَّ يَقُومُ فَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ السَّلَامِ، وَعَلَى هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ. (قَالَ) : وَإِنْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا؟ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ وَإِنْ اسْتَيْقَنَ السَّهْوَ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ أَمْ لَا؟ سَجَدَهُمَا وَإِنْ شَكَّ هَلْ سَجَدَ سَجْدَةً أَوَسَجْدَتَيْنِ سَجَدَ أُخْرَى وَإِنْ سَهَا سَهْوَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا سَجْدَتَا السَّهْوِ وَمَا سَهَا عَنْهُ مِنْ تَكْبِيرٍ سِوَى تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، أَوْ ذِكْرٍ فِي رُكُوعٍ، أَوْ فِي سُجُودٍ، أَوْ جَهَرَ فِيمَا يُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ، أَوْ أَسَرَّ فِيمَا يَجْهَرُ فَلَا سُجُودَ لِلسَّهْوِ إلَّا فِي عَمَلِ الْبَدَنِ. وَإِنْ ذَكَرَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ فَإِنْ ذَكَرَ قَرِيبًا أَعَادَهُمَا وَسَلَّمَ وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ لَمْ يُعِدْ. وَمَنْ سَهَا خَلْفَ إمَامِهِ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَهَا إمَامُهُ سَجَدَ مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ إمَامُهُ سَجَدَ مِنْ خَلْفِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَهُ إمَامُهُ بِبَعْضِ صَلَاتِهِ سَجَدَهُمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ اتِّبَاعًا لِإِمَامِهِ لَا لِمَا يَبْقَى مِنْ صَلَاتِهِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : الْقِيَاسُ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَسْجُدُ مَعَهُ مَا لَيْسَ مِنْ فَرْضِي فِيمَا أَدْرَكْت مَعَهُ اتِّبَاعًا لِفِعْلِهِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ سَقَطَ عَنِّي اتِّبَاعُهُ وَكُلٌّ يُصَلِّي عَنْ نَفْسِهِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : سَمِعْت الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إذَا كَانَتْ سَجْدَتَا السَّهْوِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ تَشَهَّدَ لَهُمَا وَإِذَا كَانَتَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَجْزَأَهُ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا تَكَلَّمَ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا بَنَى وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَى «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ سَاهِيًا فَبَنَى» وَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى مَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ نَهْيِهِ عَنْ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ لَمَّا قَدِمَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْعَمْدِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأُحِبُّ سُجُودَ الشُّكْرِ وَيَسْجُدُ الرَّاكِبُ إيمَاءً وَالْمَاشِي عَلَى الْأَرْضِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا كَبَّرَ وَلَا يَسْجُدُ إلَّا طَاهِرًا (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَرُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَأَى نُغَاشًا فَسَجَدَ شُكْرًا لِلَّهِ» وَسَجَدَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ بَلَغَهُ فَتْحُ الْيَمَامَةِ شُكْرًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : النُّغَاشُ النَّاقِصُ الْخَلْقِ. . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 110 [بَابُ أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ مِنْ عَمَلِ الصَّلَاةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ عَمَلِ الصَّلَاةِ أَنْ يُحْرِمَ وَيَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ يَبْتَدِئُهَا بِ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] إنْ أَحْسَنَهَا وَيَرْكَعَ حَتَّى يَطْمَئِنَّ رَاكِعًا وَيَرْفَعَ حَتَّى يَعْتَدِلَ قَائِمًا وَيَسْجُدَ حَتَّى يَطْمَئِنَّ سَاجِدًا عَلَى الْجَبْهَةِ، ثُمَّ يَرْفَعُ حَتَّى يَعْتَدِلَ جَالِسًا، ثُمَّ يَسْجُدَ الْأُخْرَى كَمَا وَصَفْت، ثُمَّ يَقُومُ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي كُلِّسَ رَكْعَةٍ وَيَجْلِسَ فِي الرَّابِعَةِ وَيَتَشَهَّدَ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسْلِيمَةً يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ أَجْزَأْته صَلَاتُهُ وَضَيَّعَ حَظَّ نَفْسِهِ فِيمَا تَرَكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ أُمَّ الْقُرْآنِ فَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُكَبِّرُهُ مَكَانَ أُمِّ الْقُرْآنِ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ غَيْرَ أُمِّ الْقُرْآنِ قَرَأَ بِقَدْرِهَا سَبْعَ آيَاتٍ لَا يُجْزِئُهُ دُونَ ذَلِكَ (قَالَ) : فَإِنْ تَرَكَ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ حَرْفًا وَهُوَ فِي الرَّكْعَةِ رَجَعَ إلَيْهِ وَأَتَمَّهَا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَتَطَاوَلَ ذَلِكَ أَعَادَ. [بَابُ طُولِ الْقِرَاءَةِ وَقِصَرِهَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَأُحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الصُّبْحِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الظُّهْرِ شَبِيهًا بِقِرَاءَةِ الصُّبْحِ وَفِي الْعَصْرِ نَحْوًا مِمَّا يَقْرَؤُهُ فِي الْعِشَاءِ وَأُحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْعِشَاءِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَ " إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ " وَمَا أَشْبَهَهَا فِي الطُّولِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِالْعَادِيَاتِ وَمَا أَشْبَهَهَا. [بَابُ الصَّلَاةِ بِالنَّجَاسَةِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ مِنْ مَسْجِدٍ وَغَيْرِهِ] . بَابُ الصَّلَاةِ بِالنَّجَاسَةِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ مِنْ مَسْجِدٍ وَغَيْرِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا صَلَّى الْجُنُبُ بِقَوْمٍ أَعَادَ وَلَمْ يُعِيدُوا وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَالْعَبَّاسِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : يَقُولُ كَمَا لَا يُجْزِئُ عَنِّي فِعْلُ إمَامِي فَكَذَلِكَ لَا يَفْسُدُ عَلَى فَسَادِ إمَامِي، وَلَوْ كَانَ مَعْنَايَ فِي إفْسَادِهِ مَعْنَاهُ لَمَا جَازَ أَنْ يُحْدِثَ فَيَنْصَرِفُ وَأَبْنِي وَلَا أَنْصَرِفُ وَقَدْ بَطَلَتْ إمَامَتُهُ وَاتِّبَاعِي لَهُ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتِي وَلَا طَهَارَتِي بِانْتِقَاضِ طُهْرِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ صَلَّى رَجُلٌ وَفِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ مِنْ دَمٍ، أَوْ قَيْحٍ وَكَانَ قَلِيلًا مِثْلَ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَمَا يَتَعَافَاهُ النَّاسُ لَمْ يُعِدْ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا بَوْلًا، أَوْ عَذِرَةً، أَوْ خَمْرًا وَمَا كَانَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَغَيْرِ الْوَقْتِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَلَا يَعْدُو مَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيًا فَرْضَهُ، أَوْ غَيْرَ مُؤَدٍّ وَلَيْسَ ذَهَابُ الْوَقْتِ بِمُزِيلٍ مِنْهُ فَرْضًا لَمْ يُؤَدِّهِ وَلَا إمْكَانُ الْوَقْتِ بِمُوجِبٍ عَلَيْهِ إعَادَةَ فَرْضٍ قَدْ أَدَّاهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ أَحَدُهُمَا طَاهِرٌ وَالْآخَرُ نَجِسٌ وَلَا يَعْرِفُهُ فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَيُصَلِّي فِيهِ وَيُجْزِئُهُ، وَكَذَلِكَ إنَاءَانِ مِنْ مَاءٍ أَحَدُهُمَا طَاهِرٌ وَالْآخَرُ نَجِسٌ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِأَحَدِهِمَا عَلَى التَّحَرِّي وَيُجْزِئُهُ وَإِنْ خَفِيَ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ مِنْ الثَّوْبِ غَسَلَهُ كُلَّهُ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ. وَإِنْ أَصَابَ ثَوْبَ الْمَرْأَةِ مِنْ دَمِ حَيْضِهَا قَرَصَتْهُ بِالْمَاءِ حَتَّى تُنَقِّيَهُ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى بِثَوْبِ الْحَائِضِ وَالثَّوْبِ الَّذِي جَامَعَ فِيهِ الرَّجُلُ أَهْلَهُ وَإِنْ صَلَّى فِي ثَوْبِ نَصْرَانِيٍّ أَجْزَأَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ فِيهِ قَذِرًا، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ وَأَصْلُ الْأَبْوَالِ وَمَا خَرَجَ مِنْ مَخْرَجِ حَيٍّ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَكُلُّ ذَلِكَ نَجَسٌ إلَّا مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ مِنْ الرَّشِّ عَلَى بَوْلِ الصَّبِيِّ مَا لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ وَلَا يَتَبَيَّنُ لِي فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَوْلِ الصَّبِيَّةِ، وَلَوْ غُسِلَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَيَفْرُكُ الْمَنِيَّ فَإِنْ صَلَّى بِهِ وَلَمْ يَفْرُكْهُ فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 111 قَالَتْ: كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ " وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ أَمِطْهُ عَنْك بِإِذْخِرَةٍ فَإِنَّمَا هُوَ كَبُصَاقٍ أَوْ مُخَاطٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيُصَلَّى عَلَى جِلْدِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إذَا ذُكِّيَ وَفِي صُوفِهِ وَشَعْرِهِ وَرِيشِهِ إذَا أُخِذَ مِنْهُ وَهُوَ حَيٌّ، وَلَا يَصِلُ مَا انْكَسَرَ مِنْ عَظْمِهِ إلَّا بِعَظْمِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ذَكِيًّا، فَإِنْ رَقَّعَهُ بِعَظْمِ مَيْتَةٍ أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ عَلَى قَلْعِهِ، فَإِنْ مَاتَ صَارَ مَيِّتًا كُلُّهُ، وَاَللَّهُ حَسِيبُهُ وَلَا تَصِلُ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا بِشَعْرِ إنْسَانٍ وَلَا شَعْرِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِحَالٍ. وَإِنْ بَالَ رَجُلٌ فِي مَسْجِدٍ، أَوْ أَرْضٍ يُطَهَّرُ بِأَنْ يُصَبَّ عَلَيْهِ ذَنُوبٌ مِنْ مَاءٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي - بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ حِينَ بَالَ فِي الْمَسْجِدِ - «صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهُوَ الدَّلْوُ الْعَظِيمُ وَإِنْ بَالَ اثْنَانِ لَمْ يُطَهِّرْهُ إلَّا دَلْوَانِ وَالْخَمْرُ فِي الْأَرْضِ كَالْبَوْلِ وَإِنْ لَمْ تَذْهَبْ رِيحُهُ. وَإِنْ صَلَّى فَوْقَ قَبْرٍ، أَوْ إلَى جَنْبِهِ وَلَمْ يَنْبُشْ أَجْزَأَهُ وَمَا خَالَطَ التُّرَابَ مِنْ نَجِسٍ لَا تُنَشِّفُهُ الْأَرْضُ إنَّمَا يَتَفَرَّقُ فِيهِ فَلَا يُطَهِّرُهُ إلَّا الْمَاءُ وَإِنْ ضُرِبَ لَبَنٌ فِيهِ بَوْلٌ لَمْ يَطْهُرْ إلَّا بِمَا تَطْهُرُ بِهِ الْأَرْضُ مِنْ الْبَوْلِ، وَالنَّارُ لَا تُطَهِّرُ شَيْئًا. وَالْبِسَاطُ كَالْأَرْضِ إنْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ طَاهِرٍ وَالْبَاقِي نَجِسٌ وَلَمْ تَسْقُطْ عَلَيْهِ ثِيَابُهُ أَجْزَأَهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَمُرَّ الْجُنُبُ فِي الْمَسْجِدِ مَارًّا وَلَا يُقِيمُ فِيهِ وَتَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ - جَلَّ ذِكْرُهُ - {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] (قَالَ) : وَذَلِكَ عِنْدِي مَوْضِعُ الصَّلَاةِ (قَالَ) : وَأَكْرَهُ مَمَرَّ الْحَائِضِ فِيهِ. (قَالَ) :: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ الْمُشْرِكُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] ، (قَالَ الْمُزَنِيّ) : فَإِذَا بَاتَ فِيهِ الْمُشْرِكُ فَالْمُسْلِمُ الْجُنُبُ أَوْلَى أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ وَيَبِيتَ وَأُحِبُّ إعْظَامَ الْمَسْجِدِ عَنْ أَنْ يَبِيتَ فِيهِ الْمُشْرِكُ، أَوْ يَقْعُدَ فِيهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : «وَالنَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ اخْتِيَارًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَإِنَّهَا جِنٌّ مِنْ جِنٍّ خُلِقَتْ» وَكَمَا «قَالَ حِينَ نَامُوا عَنْ الصَّلَاةِ: اُخْرُجُوا بِنَا مِنْ هَذَا الْوَادِي فَإِنَّ بِهِ شَيْطَانًا» فَكَرِهَ قُرْبَهُ لَا لِنَجَاسَةِ الْإِبِلِ وَلَا مَوْضِعًا فِيهِ شَيْطَانٌ وَقَدْ مَرَّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْطَانٌ فَخَنَقَهُ وَلَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ وَمَرَاحُ الْغَنَمِ الَّذِي تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ الَّذِي لَا بَوْلَ فِيهِ وَلَا بَعْرَ وَالْعَطَنُ مَوْضِعٌ قُرْبَ الْبِئْرِ الَّذِي يَتَنَحَّى إلَيْهِ الْإِبِلُ لِيَرِدَ غَيْرُهَا الْمَاءَ لَا الْمَرَاحُ الَّذِي تَبِيتُ فِيهِ. [بَابُ السَّاعَاتِ الَّتِي يُكْرَهُ فِيهَا صَلَاةُ التَّطَوُّعِ] ِ وَيَجُوزُ فِيهَا الْقَضَاءُ وَالْجِنَازَةُ وَالْفَرِيضَةُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ ذَلِكَ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِمَكَّةَ إلَّا بِمَكَّةَ إلَّا بِمَكَّةَ " وَعَنْ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 112 فَإِذَا غَرُبَتْ فَارَقَهَا» وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ» وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ مَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ مِنْ أَمْرَ النَّاسِ شَيْئًا فَلَا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ، أَوْ صَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ، أَوْ نَهَارٍ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَبِهَذَا أَقُولُ وَالنَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ عَنْ التَّطَوُّعِ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلتَّهْجِيرِ حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ فَأَمَّا صَلَاةُ فَرْضٍ، أَوْ جِنَازَةٍ، أَوْ مَأْمُورٍ بِهَا مُؤَكَّدَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَرْضًا، أَوْ كَانَ يُصَلِّيهَا فَأَغْفَلَهَا فَتُصَلَّى فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِالدَّلَالَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» «وَبِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَأَى قَيْسًا يُصَلِّي بَعْدَ الصُّبْحِ فَقَالَ مَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ؟ قَالَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ» «وَبِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَسَأَلَتْهُ عَنْهُمَا أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَ هُمَا رَكْعَتَانِ كُنْت أُصَلِّيهِمَا فَشَغَلَنِي عَنْهُمَا الْوَفْدُ» وَثَبَتَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» فَأُحِبُّ فَضْلَ الدَّوَامِ وَصَلَّى النَّاسُ عَلَى جَنَائِزِهِمْ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَهْيُهُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي السَّاعَاتِ الَّتِي نَهَى فِيهَا عَنْهَا إلَّا عَلَى مَا وَصَفْت وَالنَّهْيُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ ثَابِتٌ إلَّا بِمَكَّةَ وَلَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ شَيْءٌ مُخْتَلِفٌ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا: هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ فِيمَنْ نَسِيَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ وَالْوِتْرَ حَتَّى صَلَّى الصُّبْحَ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ وَاَلَّذِي قَبْلَ هَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ وَأَشْبَهُ عِنْدِي بِأَصْلِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَمَنْ ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ فِي أُخْرَى أَتَمَّهَا، ثُمَّ قَضَى وَإِنْ ذَكَرَ خَارِجَ الصَّلَاةِ بَدَأَ بِهَا، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ وَقْتِ الَّتِي حَضَرَتْ بَدَأَ بِهَا ثُمَّ قَضَى، (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قَالَ أَصْحَابُنَا يَقُولُ الشَّافِعِيِّ التَّطَوُّعُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: صَلَاةُ جَمَاعَةٍ مُؤَكَّدَةٍ لَا أُجِيزُ تَرْكَهَا لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا وَهِيَ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَكُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَصَلَاةُ مُنْفَرِدٍ وَصَلَاةُ بَعْضِهَا أَوْكَدُ مِنْ بَعْضٍ فَأَوْكَدُ ذَلِكَ الْوِتْرُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ صَلَاةَ التَّهَجُّدِ ثُمَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَمَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا أَسْوَأُ حَالًا مِمَّنْ تَرَكَ جَمِيعَ النَّوَافِلِ وَقَالُوا إنْ فَاتَهُ الْوِتْرُ حَتَّى تُقَامَ الصُّبْحُ لَمْ يَقْضِ وَإِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ حَتَّى تُقَامَ الظُّهْرُ لَمْ يَقْضِ وَلَا أُرَخِّصُ لِمُسْلِمٍ فِي تَرْكِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَإِنْ لَمْ أُوجِبْهُمَا (وَقَالَ) : إنْ فَاتَهُ الْوِتْرُ لَمْ يَقْضِ وَإِنْ فَاتَهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ حَتَّى تُقَامَ صَلَاةُ الظُّهْرِ لَمْ يَقْضِ وَقَالُوا فَأَمَّا صَلَاةُ فَرِيضَةٍ أَوْ جِنَازَةٍ، أَوْ مَأْمُورٍ بِهَا مُؤَكَّدَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَرْضًا أَوْ كَانَ يُصَلِّيهَا فَأَغْفَلَهَا فَلْيُصَلِّ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدَّلَالَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» «وَبِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَأَى قَيْسًا يُصَلِّي بَعْدَ الصُّبْحِ فَقَالَ مَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ؟ فَقَالَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ» «وَبِأَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَسَأَلَتْهُ عَنْهُمَا أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَ هُمَا رَكْعَتَانِ كُنْت أُصَلِّيهِمَا فَشَغَلَنِي عَنْهُمَا الْوَفْدُ» وَثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» وَأُحِبُّ فَضْلَ الدَّوَامِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : يُقَالُ لَهُمْ فَإِذَا سَوَّيْتُمْ فِي الْقَضَاءِ بَيْنَ التَّطَوُّعِ الَّذِي لَيْسَ بِأَوْكَدَ وَبَيْنَ الْفَرْضِ لِدَوَامِ التَّطَوُّعِ الَّذِي لَيْسَ بِأَوْكَدَ فَلِمَ أَبَيْتُمْ قَضَاءَ الْوِتْرِ الَّذِي هُوَ أَوْكَدُ، ثُمَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اللَّتَيْنِ تَلِيَانِ فِي التَّأْكِيدِ اللَّتَيْنِ هُمَا أَوْكَدُ؟ أَفَتَقْضُونَ الَّذِي لَيْسَ بِأَوْكَدَ وَلَا تَقْضُونَ الَّذِي هُوَ أَوْكَدُ؟ وَهَذَا مِنْ الْقَوْلِ غَيْرُ مُشْكِلٍ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ - وَمِنْ احْتِجَاجِكُمْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَضَاءِ التَّطَوُّعِ «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» فَقَدْ خَالَفْتُمْ مَا احْتَجَجْتُمْ بِهِ فِي هَذَا، فَإِنْ قَالُوا فَيَكُونُ الْقَضَاءُ عَلَى الْقُرْبِ لَا عَلَى الْبُعْدِ قِيلَ لَهُمْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى مَعْنَى مَا قُلْتُمْ أَنْ لَا يَقْضِيَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ نِصْفَ النَّهَارِ لِبُعْدِ قَضَائِهِمَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: يَقْضِي مَا لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ وَهَذَا مُتَبَاعِدٌ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَقُولُوا إنْ صَلَّى الصُّبْحَ عِنْدَ الْفَجْرِ آنَ لَهُ أَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 113 يَقْضِيَ الْوِتْرَ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا إلَى الْفَجْرِ أَقْرَبُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ فَلْيُوتِرْ» فَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الْوَقْتِ وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَهُ وَفِي ذَلِكَ إبْطَالُ مَا اعْتَلَلْتُمْ بِهِ. [بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَقِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : الْفَرْضُ خَمْسٌ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَعْرَابِيِّ حِينَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالتَّطَوُّعُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا صَلَاةُ جَمَاعَةٍ مُؤَكَّدَةٍ فَلَا أُجِيزُ تَرْكَهَا لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا وَهِيَ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَكُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَصَلَاةِ مُنْفَرِدٍ وَبَعْضُهَا أَوْكَدُ مِنْ بَعْضٍ فَأَوْكَدُ ذَلِكَ الْوِتْرُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ صَلَاةَ التَّهَجُّدِ، ثُمَّ رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَلَا أُرَخِّصُ لِمُسْلِمٍ فِي تَرْكِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَا أُوجِبُهُمَا، وَمَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا أَسْوَأُ حَالًا مِمَّنْ تَرَكَ جَمِيعَ النَّوَافِلِ (قَالَ) : وَإِنْ فَاتَهُ الْوِتْرُ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ لَمْ يَقْضِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْوِتْرُ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ (قَالَ) : فَإِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ حَتَّى تُقَامَ الظُّهْرُ لَمْ يَقْضِ؛ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ " وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» وَفِي ذَلِكَ دَلَالَتَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّوَافِلَ مَثْنَى مَثْنَى بِسَلَامٍ مَقْطُوعَةً وَالْمَكْتُوبَةَ مَوْصُولَةٌ، وَالْأُخْرَى أَنَّ الْوِتْرَ وَاحِدَةٌ فَيُصَلِّي النَّافِلَةَ مَثْنَى مَثْنَى قَائِمًا وَقَاعِدًا إذَا كَانَ مُقِيمًا، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَحَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ دَابَّتُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْوِتْرَ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ. (قَالَ) : فَأَمَّا قِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ وَرَأَيْتهمْ بِالْمَدِينَةِ يَقُومُونَ بِتِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَأَحَبُّ إلَيَّ عِشْرُونَ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ يَقُومُونَ بِمَكَّةَ وَيُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ (قَالَ) :: وَلَا يُقْنَتُ فِي رَمَضَانَ إلَّا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ ابْنُ عُمَرَ وَمُعَاذٌ الْقَارِي (قَالَ) : وَآخِرُ اللَّيْلِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَوَّلِهِ، فَإِنْ جَزَّأَ اللَّيْلَ أَثْلَاثًا فَالْأَوْسَطُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقُومَهُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا فِي كِتَابِ اخْتِلَافِهِ وَمَالِكِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَيَجُوزُ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ لَيْسَ قَبْلَهَا شَيْءٌ؟ قَالَ نَعَمْ وَاَلَّذِي أَخْتَارُهُ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ وَالْحُجَّةُ فِي الْوِتْرِ بِوَاحِدَةٍ السُّنَّةُ وَالْآثَارُ. رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ» وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ وَأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ بِرَكْعَةٍ هِيَ وِتْرُهُ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَصَابَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا فَهَذَا بِهِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَى مَالِكٍ قَوْلَهُ: لَا يُحِبُّ أَنْ يُوتِرَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ وَيُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ مَنْ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَقَدْ فَصَلَهُمَا مِمَّا بَعْدَهُمَا وَأَنْكَرَ عَلَى الْكُوفِيِّ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ كَالْمَغْرِبِ فَالْوِتْرُ بِوَاحِدَةٍ أَوْلَى بِهِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَلَا أَعْلَمُ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَ مَوْضِعَ الْقُنُوتِ مِنْ الْوِتْرِ وَيُشْبِهُ قَوْلَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ كَمَا قَالَ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ وَلَمَّا كَانَ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَهُوَ دُعَاءٌ كَانَ هَذَا الْمَوْضِعُ بِالْقُنُوتِ الَّذِي هُوَ دُعَاءٌ أَشْبَهَ؛ وَلِأَنَّ مَنْ قَالَ يَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا، ثُمَّ يَدْعُو وَإِنَّمَا حُكْمُ مَنْ كَبَّرَ بَعْدَ الْقِيَامِ إنَّمَا هُوَ لِلرُّكُوعِ فَهَذِهِ تَكْبِيرَةٌ زَائِدَةٌ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَثْبُتْ بِأَصْلٍ وَلَا قِيَاسٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 114 [بَابُ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَالْعُذْرِ بِتَرْكِهَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا أُرَخِّصُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي تَرْكِ إتْيَانِهَا إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَإِنْ جَمَعَ فِي بَيْتِهِ، أَوْ فِي مَسْجِدٍ وَإِنْ صَغُرَ أَجْزَأَ عَنْهُ، وَالْمَسْجِدُ الْأَعْظَمُ وَحَيْثُ كَثُرَتْ الْجَمَاعَاتُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ مُنَادِيَهُ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَاللَّيْلَةِ ذَاتِ الرِّيحِ أَنْ يَقُولَ: أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ» وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ فَلْيَبْدَأْ بِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ» قَالَ فِيهِ أَقُولُ لِأَنَّ الْغَائِطَ يَشْغَلُهُ عَنْ الْخُشُوعِ قَالَ فَإِذَا حَضَرَ فِطْرُهُ أَوْ طَعَامٌ مُطَرٍّ وَبِهِ إلَيْهِ حَاجَةٌ وَكَانَتْ نَفْسُهُ شَدِيدَةَ التَّوَقَانِ إلَيْهِ أَرْخَصْت لَهُ فِي تَرْكِ إتْيَانِ الْجَمَاعَةِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَقَدْ احْتَجَّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ» (قَالَ الْمُزَنِيّ) : فَتَأَوَّلَهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لِئَلَّا يُشْغِلَهُ مُنَازَعَةُ نَفْسِهِ عَمَّا يَلْزَمُهُ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ. [بَابُ صَلَاةِ الْإِمَامِ قَائِمًا بِقُعُودٍ أَوْ قَاعِدًا بِقِيَامٍ] ٍ أَوْ بِعِلَّةٍ مَا تَحْدُثُ وَصَلَاةُ مَنْ بَلَغَ، أَوْ احْتَلَمَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ، فَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا وَصَلَّى الَّذِينَ خَلْفَهُ قِيَامًا أَجْزَأَتْهُ وَإِيَّاهُمْ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ وَفِعْلُهُ الْآخِرُ نَاسِخٌ لِفِعْلِهِ الْأَوَّلِ وَفَرَضَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الْمَرِيضِ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا إذَا لَمْ يَقْدِرْ قَائِمًا وَعَلَى الصَّحِيحِ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا فَكُلٌّ قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ، فَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ جَالِسًا رَكْعَةً ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ قَامَ فَأَتَمَّ صَلَاتَهُ، فَإِنْ تَرَكَ الْقِيَامَ أَفْسَدَ عَلَى نَفْسِهِ وَتَمَّتْ صَلَاتُهُمْ إلَّا أَنْ يَعْلَمُوا بِصِحَّتِهِ، وَتَرْكُهُ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ فَيَتَّبِعُونَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّى قَائِمًا رَكْعَةً، ثُمَّ ضَعُفَ عَنْ الْقِيَامِ، أَوْ أَصَابَتْهُ عِلَّةٌ مَانِعَةٌ فَلَهُ أَنْ يَقْعُدَ وَيَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ. وَإِنْ صَلَّتْ أَمَةٌ رَكْعَةً مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ، ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَتِرَ إنْ كَانَ الثَّوْبُ قَرِيبًا مِنْهَا وَتَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهَا فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ، أَوْ كَانَ الثَّوْبُ بَعِيدًا مِنْهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهَا (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا: وَكَذَلِكَ الْمُصَلِّي عُرْيَانًا لَا يَجِدُ ثَوْبًا، ثُمَّ يَجِدُهُ وَالْمُصَلِّي خَائِفًا، ثُمَّ يَأْمَنُ وَالْمُصَلِّي مَرِيضًا يُومِئُ ثُمَّ يَصِحُّ، أَوْ يُصَلِّي وَلَا يُحْسِنُ أُمَّ الْقُرْآنِ ثُمَّ يُحْسِنُ أَنَّ مَا مَضَى جَائِزٌ عَلَى مَا كُلِّفَ وَمَا بَقِيَ عَلَى مَا كُلِّفَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَعَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ أَنْ يُؤَدِّبُوا أَوْلَادَهُمْ وَيُعَلِّمُوهُمْ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ وَيَضْرِبُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ إذَا عَقَلُوا فَمَنْ احْتَلَمَ، أَوْ حَاضَ، أَوْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَ سَنَةً لَزِمَهُ الْفَرْضُ. [بَابُ اخْتِلَافِ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَغَيْرِ ذَلِكَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِقَوْمٍ الظُّهْرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَجَاءَ قَوْمٌ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ يَنْوُونَ الْعَصْرَ أَجْزَأَتْهُمْ الصَّلَاةُ جَمِيعًا وَقَدْ أَدَّى كُلٌّ فَرْضَهُ وَقَدْ «أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُ الْمَكْتُوبَةَ، ثُمَّ يُصَلِّيَ بِقَوْمِهِ» هِيَ لَهُ نَافِلَةٌ وَلَهُمْ مَكْتُوبَةٌ وَقَدْ كَانَ عَطَاءٌ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ الْقُنُوتَ، ثُمَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 115 يَعْتَدُّ بِهَا مِنْ الْعَتَمَةِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ فَبَنَى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْعَتَمَةِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَإِذَا جَازَ أَنْ يَأْتَمَّ الْمُصَلِّي نَافِلَةً خَلْفَ الْمُصَلِّي فَرِيضَةً فَكَذَلِكَ الْمُصَلِّي فَرِيضَةً خَلْفَ الْمُصَلِّي نَافِلَةً وَفَرِيضَةً وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا أَحَسَّ الْإِمَامُ بِرَجُلٍ وَهُوَ رَاكِعٌ لَمْ يَنْتَظِرْهُ وَلْتَكُنْ صَلَاتُهُ خَالِصَةً لِلَّهِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا وَرَأَيْت فِي رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ عَنْهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِانْتِظَارِهِ وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِتَقْدِيمِهَا عَلَى مَنْ قَصَّرَ فِي إتْيَانِهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيُؤْتَمُّ بِالْأَعْمَى وَبِالْعَبْدِ وَأَكْرَهُ إمَامَةَ مَنْ يَلْحَنَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُحِيلُ الْمَعْنَى، فَإِنْ أَحَالَ، أَوْ لَفَظَ بِالْعَجَمِيَّةِ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْهُ دُونَهُمْ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا أَجْزَأَتْهُمْ. وَأَكْرَهُ إمَامَةَ مَنْ بِهِ تَمْتَمَةٌ أَوْ فَأْفَأَةٌ، فَإِنْ أَمَّ أَجْزَأَ إذَا قَرَأَ مَا يُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَؤُمُّ أَرَتُّ وَلَا أَلْثَغُ وَلَا يَأْتَمُّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلَا بِخُنْثَى، فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ. وَأَكْرَهُ إمَامَةَ الْفَاسِقِ وَالْمُظْهِرِ لِلْبِدَعِ وَلَا يُعِيدُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِمَا، فَإِنْ أَمَّ أُمِّيٌّ بِمَنْ يَقْرَأُ أَعَادَ الْقَارِئُ وَإِنْ ائْتَمَّ بِهِ مِثْلُهُ أَجْزَأَهُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قَدْ أَجَازَ صَلَاةَ مَنْ ائْتَمَّ بِجُنُبٍ وَالْجُنُبُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ فَكَيْفَ لَا يَجُوزُ مَنْ ائْتَمَّ بِأُمِّيٍّ وَالْأُمِّيُّ فِي صَلَاةٍ وَقَدْ وُضِعَتْ الْقِرَاءَةُ عَنْ الْأُمِّيِّ وَلَمْ يُوضَعْ الطُّهْرُ عَنْ الْمُصَلِّي وَأَصْلُهُ أَنَّ كُلًّا مُصَلٍّ عَنْ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يُجْزِئُهُ خَلْفَ الْعَاصِي بِتَرْكِ الْغُسْلِ وَلَا يُجْزِئُهُ خَلْفَ الْمُطِيعِ الَّذِي لَمْ يُقَصِّرْ وَقَدْ احْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى قَاعِدًا بِقِيَامٍ وَفَقْدُ الْقِيَامِ أَشَدُّ مِنْ فَقْدِ الْقِرَاءَةِ فَنَفْهَمُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : الْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ مُصَلٍّ خَلْفَ جُنُبٍ وَامْرَأَةٍ وَمَجْنُونٍ وَكَافِرٍ يُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِمْ لِأَنَّ كُلَّ مُصَلٍّ لِنَفْسِهِ لَا نُفْسِدُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ بِفَسَادِهَا عَلَى غَيْرِهِ قِيَاسًا عَلَى أَصْلِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لِلطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ رَكْعَتُهَا مَعَ الْإِمَامِ إذَا نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى وَقَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى الْإِمَامِ وَأَجْزَأَتْهُمْ عِنْدَهُ (قَالَ) : وَلَا يَكُونُ هَذَا أَكْثَرَ مِمَّنْ تَرَكَ أُمَّ الْقُرْآنِ فَقَدْ أَجَازَ لِمَنْ صَلَّى رَكْعَةً يَقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا إمَامُهُ وَهُوَ فِي مَعْنَى مَا وَصَفْت. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ ائْتَمَّ بِكَافِرٍ ثُمَّ عَلِمَ أَعَادَ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا إسْلَامًا مِنْهُ وَعُزِّرَ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَكُونُ إمَامًا بِحَالٍ وَالْمُؤْمِنَ يَكُونُ إمَامًا فِي الْأَحْوَالِ الظَّاهِرَةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ أَحْرَمَ فِي مَسْجِدٍ، أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ جَاءَ الْإِمَامُ فَتَقَدَّمَ بِجَمَاعَةٍ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُكْمِلَ رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمَ يَكُونَانِ لَهُ نَافِلَةً وَيَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ مَعَهُ وَكَرِهْت لَهُ أَنْ يَفْتَتِحَهَا صَلَاةَ انْفِرَادٍ ثُمَّ يَجْعَلَهَا صَلَاةَ جَمَاعَةٍ وَهَذَا يُخَالِفُ صَلَاةَ الَّذِينَ افْتَتَحَ بِهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ، ثُمَّ ذَكَرَ فَانْصَرَفَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَمَّهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ افْتَتَحُوا الصَّلَاةَ جَمَاعَةً وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: قَالَ قَائِلٌ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ وَيَعْتَدُّ بِمَا مَضَى (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا عِنْدِي عَلَى أَصْلِهِ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ فَلَمْ يَضُرَّهُمْ وَصَحَّ إحْرَامُهُمْ وَلَا إمَامَ لَهُمْ ثُمَّ ابْتَدَأَ بِهِمْ وَقَدْ سَبَقُوهُ بِالْإِحْرَامِ، وَكَذَلِكَ سَبَقَهُ أَبُو بَكْرٍ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ جَاءَ فَأَحْرَمَ وَائْتَمَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَهَكَذَا الْقَوْلُ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدِي عَلَى فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [بَابُ مَوْقِفِ الْمَأْمُومِ مَعَ الْإِمَامِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أَمَّ رَجُلٌ رَجُلًا قَامَ الْمَأْمُومُ عَنْ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ خُنْثَى مُشْكِلًا، أَوْ امْرَأَةً قَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَلْفَهُ وَحْدَهُ وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّ أَنَسًا وَعَجُوزًا مُنْفَرِدَةً خَلْفَ أَنَسٍ» «وَرَكَعَ أَبُو بَكْرٍ وَحْدَهُ وَخَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةٍ» . (قَالَ) : وَإِنْ صَلَّتْ بَيْنَ يَدَيْهِ امْرَأَةٌ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَعَائِشَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ» . (قَالَ) : وَإِنْ صَلَّى رَجُلٌ فِي طَرَفِ الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ فِي طَرَفِهِ وَلَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 116 بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، أَوْ فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ صَلَّى أَبُو هُرَيْرَةَ فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ. (قَالَ) : فَإِنْ صَلَّى قُرْبَ الْمَسْجِدِ وَقُرْبُهُ مَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ مِنْ أَنْ يَتَّصِلَ بِشَيْءٍ بِالْمَسْجِدِ لَا حَائِلَ دُونَهُ فَيُصَلِّيَ مُنْقَطِعًا عَنْ الْمَسْجِدِ، أَوْ فِنَائِهِ عَلَى قَدْرِ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ أَوَثَلَثِمِائَةٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ لَمْ يَجْزِهِ، وَكَذَلِكَ الصَّحْرَاءُ وَالسَّفِينَةُ وَالْإِمَامُ فِي أُخْرَى، وَلَوْ أَجَزْت أَبْعَدَ مِنْ هَذَا أَجَزْت أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مِيلٍ وَمَذْهَبُ عَطَاءٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ مَنْ عَلِمَهَا وَلَا أَقُولُ بِهَذَا (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قَدْ أَجَازَ الْقُرْبَ فِي الْإِبِلِ بِلَا تَأْقِيتُ وَهُوَ عِنْدِي أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّأْقِيتِ لَا يُدْرَكُ إلَّا بِخَبَرٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ صَلَّى فِي دَارٍ قُرْبَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَجْزِهِ إلَّا بِأَنْ تَتَّصِلَ الصُّفُوفُ وَلَا حَائِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَأَمَّا فِي عُلُوِّهَا فَلَا يُجْزِئُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهَا بَائِنَةٌ مِنْ الْمَسْجِدِ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ نِسْوَةً صَلَّيْنَ فِي حُجْرَتِهَا فَقَالَ لَا تُصَلِّينَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّكُنَّ دُونَهُ فِي حِجَابٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ خَرَجَ مِنْ إمَامَةِ الْإِمَامِ فَأَتَمَّ لِنَفْسِهِ لَمْ يَبِنْ أَنْ يُعِيدَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الرَّجُلَ خَرَجَ مِنْ صَلَاةِ مُعَاذٍ بَعْدَ مَا افْتَتَحَ مَعَهُ فَصَلَّى لِنَفْسِهِ فَأَعْلَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فَلَمْ نَعْلَمْهُ أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ. [بَابُ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَصِفَةِ الْأَئِمَّةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَصَلَاةُ الْأَئِمَّةِ مَا قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَا صَلَّيْت خَلْفَ أَحَدٍ قَطُّ أَخَفَّ وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ السَّقِيمَ وَالضَّعِيفَ» (قَالَ) : فَيَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ وَأَفْقَهُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ ذَلِكَ فِي وَاحِدٍ، فَإِنْ قُدِّمَ أَفْقَهُهُمْ إذَا كَانَ يَقْرَأُ مَا يُكْتَفَى بِهِ فِي الصَّلَاةِ فَحَسَنٌ وَإِنْ قَدَّمَ أَقْرَأَهُمْ إذَا عَلِمَ مَا يَلْزَمُهُ فَحَسَنٌ وَيُقَدَّمُ هَذَانِ عَلَى أَسَنَّ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا قِيلَ: يَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ أَنَّ مَنْ مَضَى كَانُوا يُسْلِمُونَ كِبَارًا فَيَتَفَقَّهُونَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَءُوا وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ صِغَارًا قَبْلَ أَنْ يَتَفَقَّهُوا فَإِنْ اسْتَوَوْا أَمَّهُمْ أَسَنُّهُمْ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فَقُدِّمَ ذُو النَّسَبِ فَحَسَنٌ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً وَقَالَ فِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» (قَالَ) : فَإِنْ أَمَّ مَنْ بَلَغَ غَايَةً فِي خِلَافِ الْحَمْدِ فِي الدِّينِ أَجْزَأَ صَلَّى ابْنُ عُمَرَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ. (قَالَ) :: وَلَا يَتَقَدَّمُ أَحَدٌ فِي بَيْتِ رَجُلٍ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا فِي وِلَايَةِ سُلْطَانٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَا فِي بَيْتِ رَجُلٍ، أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى تَأَذِّيه. [بَابُ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ] . بَابُ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا صَلَّتْ بِنِسْوَةٍ الْعَصْرَ فَقَامَتْ وَسَطَهُنَّ وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا أَمَّتْهُنَّ فَقَامَتْ وَسَطَهُنَّ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ جَارِيَةً لَهُ تَقُومُ بِأَهْلِهِ فِي رَمَضَانَ وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ بِنِسَاءٍ تَقُومُ وَسَطَهُنَّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 117 [بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَالْجَمْعِ فِي السَّفَرِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا سَافَرَ الرَّجُلُ سَفَرًا يَكُونُ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا بِالْهَاشِمِيِّ فَلَهُ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ سَافَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْيَالًا فَقَصَرَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَقْصُرُ إلَى جُدَّةَ وَإِلَى الطَّائِفِ وَعُسْفَانَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَقْرَبُ ذَلِكَ إلَى مَكَّةَ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا بِالْهَاشِمِيِّ وَسَافَرَ ابْنُ عُمَرَ إلَى رِئْمٍ فَقَصَرَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرْدٍ. (قَالَ) : وَأَكْرَهُ تَرْكَ الْقَصْرِ رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ فَأَمَّا أَنَا فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَقْصُرَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ احْتِيَاطًا عَلَى نَفْسِي وَإِنَّ تَرْكَ الْقَصْرِ مُبَاحٌ لِي، قَصَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَتَمَّ. (قَالَ) : وَلَا يَقْصُرُ إلَّا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالصُّبْحُ فَلَا يُقْصَرَانِ وَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي أَيَّامِ رَمَضَانَ فِي سَفَرِهِ وَيَقْضِيَ، فَإِنْ صَامَ فِيهِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ صَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ فِي سَفَرٍ وَإِذَا نَوَى السَّفَرَ فَلَا يَقْصُرُ حَتَّى يُفَارِقَ الْمَنَازِلَ إنْ كَانَ حَضَرِيًّا وَيُفَارِقَ مَوْضِعَهُ إنْ كَانَ بَدَوِيًّا، فَإِنْ نَوَى السَّفَرَ فَأَقَامَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَصَامَ وَاحْتَجَّ فِيمَنْ أَقَامَ أَرْبَعَةً يُتِمُّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا «وَبِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ بِمِنًى ثَلَاثًا يَقْصُرُ وَقَدِمَ مَكَّةَ فَأَقَامَ قَبْلَ خُرُوجِهِ إلَى عَرَفَةَ ثَلَاثًا يَقْصُرُ» وَلَمْ يَحْسِبْ الْيَوْمَ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِ سَائِرًا وَلَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ سَائِرًا وَأَنَّ عُمَرَ أَجْلَى أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنْ الْحِجَازِ وَضَرَبَ لِمَنْ يَقْدَمُ مِنْهُمْ تَاجِرًا مَقَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَشْبَهَ مَا وَصَفْت أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَقَامَ السَّفَرِ وَمَا جَاوَزَهُ مَقَامَ الْإِقَامَةِ وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مَنْ أَقَامَ أَرْبَعًا أَتَمَّ وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مِنْ أَجْمَعَ إقَامَةَ أَرْبَعٍ أَتَمَّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا جَاوَزَ أَرْبَعًا لِحَاجَةٍ أَوْ مَرَضٍ وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى الْخُرُوجِ أَتَمَّ وَإِنْ قَصَرَ أَعَادَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي خَوْفٍ، أَوْ حَرْبٍ فَيَقْصُرُ، قَصَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ لِحَرْبِ هَوَازِنَ سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانِ عَشْرَةَ (وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ) إنْ أَقَامَ عَلَى شَيْءٍ يُنْجِحُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَزَالُ يَقْصُرُ مَا لَمْ يَجْمَعْ مُكْثًا أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ سَبْعَ عَشْرَةَ، أَوْ ثَمَانِ عَشْرَةَ يَقْصُرُ حَتَّى خَرَجَ إلَى حُنَيْنٍ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَمَشْهُورٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُ يَقُولُ أَخْرُجُ الْيَوْمَ وَأَخْرُجُ غَدًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : فَإِذَا قَصَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَرْبِهِ سَبْعَ عَشَرَةَ، أَوْ ثَمَانِ عَشَرَةَ، ثُمَّ ابْنُ عُمَرَ وَلَا عَزَمَ عَلَى وَقْتِ إقَامَةٍ فَالْحَرْبُ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ قَالَهُ قَائِلٌ كَانَ مَذْهَبًا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ خَرَجَ فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ قَصَرَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمْ يَقْصُرْ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ أَنْ يُتِمَّ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إنْ أَمْكَنَتْ الْمَرْأَةَ الصَّلَاةُ فَلَمْ تُصَلِّ حَتَّى حَاضَتْ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهَا لَزِمَتْهَا، وَإِنْ لَمْ تُمْكِنْ لَمْ تَلْزَمْهَا فَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُهَا وَهُوَ مُقِيمٌ لَزِمَتْهُ صَلَاةُ مُقِيمٍ وَإِنَّمَا تَجِبُ عِنْدَهُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْإِمْكَانِ وَإِنَّمَا وَسِعَ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْقَصْرَ مَعَ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ أَحْرَمَ وَلَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ كَانَ عَلَى أَصْلِ فَرْضِهِ أَرْبَعًا، وَلَوْ كَانَ فَرْضُهَا رَكْعَتَيْنِ مَا صَلَّى مُسَافِرٌ خَلْفَ مُقِيمٍ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : لَيْسَ هَذَا بِحُجَّةٍ وَكَيْفَ يَكُونُ حُجَّةً وَهُوَ يُجِيزُ صَلَاةَ فَرِيضَةٍ خَلْفَ نَافِلَةٍ وَلَيْسَتْ النَّافِلَةُ فَرِيضَةً وَلَا بَعْضَ فَرِيضَةٍ وَرَكْعَتَا الْمُسَافِرِ فَرْضٌ، وَفِي الْأَرْبَعِ مِثْلُ الرَّكْعَتَيْنِ فَرْضٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِنْ نَسِيَ صَلَاةً فِي سَفَرٍ فَذَكَرَهَا فِي حَضَرٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا صَلَاةَ حَضَرٍ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْقَصْرِ هِيَ النِّيَّةُ وَالسَّفَرُ فَإِذَا ذَهَبَتْ الْعِلَّةُ ذَهَبَ الْقَصْرُ وَإِذَا نَسِيَ صَلَاةَ حَضَرٍ فَذَكَرَهَا فِي سَفَرٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ أَرْبَعٌ فَلَا يُجْزِئْهُ أَقَلُّ مِنْهَا وَإِنَّمَا أُرَخِّصُ لَهُ فِي الْقَصْرِ مَا دَامَ وَقْتُ الصَّلَاةِ قَائِمًا وَهُوَ مُسَافِرٌ فَإِذَا زَالَ وَقْتُهَا ذَهَبَتْ الرُّخْصَةُ. (قَالَ) : وَإِنْ أَحْرَمَ يَنْوِي الْقَصْرَ، ثُمَّ نَوَى الْمُقَامَ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا وَمَنْ خَلْفَهُ مِنْ الْمُسَافِرِينَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 118 وَلَوْ أَحْرَمَ فِي مَرْكَبٍ، ثُمَّ نَوَى السَّفَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ وَإِنْ أَحْرَمَ خَلْفَ مُقِيمٍ، أَوْ خَلْفَ مَنْ لَا يَدْرِي فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ كَانَ عَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يُتِمَّ أَرْبَعًا وَإِنْ أَحْدَثَ إمَامٌ مُسَافِرٌ بِمُسَافِرِينَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ عَلِمَ الْمَأْمُومُ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا رَكْعَتَانِ وَإِنْ شَكَّ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَرْبَعٌ. فَإِنْ رَعَفَ وَخَلْفَهُ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ فَقَدَّمَ مُقِيمًا كَانَ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَعَلَى الرَّاعِفِ أَنْ يُصَلُّوا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الصَّلَاةَ حَتَّى كَانَ فِيهَا فِي صَلَاةِ مُقِيمٍ (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا غَلَطٌ الرَّاعِفُ يَبْتَدِئُ وَلَمْ يَأْتَمَّ بِمُقِيمٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُسَافِرِ إتْمَامٌ، وَلَوْ صَلَّى الْمُسْتَخْلَفُ بَعْدَ حَدَثِهِ أَرْبَعًا لَمْ يُصَلِّ هُوَ إلَّا رَكْعَتَانِ؛ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ لَمْ يَأْتَمَّ بِمُقِيمٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا كَانَ لَهُ طَرِيقَانِ يَقْصُرُ فِي أَحَدِهِمَا وَلَا يَقْصُرُ فِي الْآخَرِ، فَإِنْ سَلَكَ الْأَبْعَدَ لِخَوْفٍ، أَوْ حُزُونَةٍ فِي الْأَقْرَبِ قَصَرَ وَإِلَّا لَمْ يَقْصُرْ وَفِي الْإِمْلَاءِ إنْ سَلَكَ الْأَبْعَدَ قَصَرَ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَهَذَا عِنْدِي أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ سَفَرٌ مُبَاحٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ لِأَحَدٍ سَافَرَ فِي مَعْصِيَةٍ أَنْ يَقْصُرَ وَلَا يَمْسَحَ مَسْحَ الْمُسَافِرِ، فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ وَلَا تَخْفِيفَ عَلَى مَنْ سَفَرُهُ فِي مَعْصِيَةٍ وَإِنْ صَلَّى مُسَافِرٌ بِمُقِيمِينَ وَمُسَافِرِينَ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَالْمُسَافِرُونَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ وَيَأْمُرُ الْمُقِيمِينَ أَنْ يُتِمُّوا أَرْبَعًا، وَكُلُّ مُسَافِرٍ فَلَهُ أَنْ يُتِمَّ وَإِنَّمَا رُخِّصَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ إنْ شَاءَ، فَإِنْ أَتَمَّ فَلَهُ الْإِتْمَامُ وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يُتِمُّ الصَّلَاةَ. وَاحْتَجَّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ «بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ فِي سَفَرِهِ إلَى تَبُوكَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ جَمِيعًا» وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ «وَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّفَرِ؟ كَانَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ الزَّوَالِ وَإِذَا سَافَرَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَحْسَبُهُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مِثْلَ ذَلِكَ وَهَكَذَا فَعَلَ بِعَرَفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ تَقْدِيمُ الْعَصْرِ لِيَتَّصِلَ لَهُ الدُّعَاءُ وَأَرْفَقُ بِهِ بِالْمُزْدَلِفَةِ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ لِيَتَّصِلَ لَهُ السَّفَرُ فَلَا يَنْقَطِعُ بِالنُّزُولِ لِلْمَغْرِبِ كَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ الْقَصْرُ فَلَهُ الْجَمْعُ كَمَا وَصَفْت وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي أَيِّ الْوَقْتَيْنِ شَاءَ وَلَا يُؤَخِّرُ الْأُولَى عَنْ وَقْتِهَا إلَّا بِنِيَّةِ الْجَمْعِ وَإِنْ صَلَّى الْأُولَى فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَلَمْ يَنْوِ مَعَ التَّسْلِيمِ الْجَمْعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْجَمْعُ، فَإِنْ نَوَى مَعَ التَّسْلِيمِ الْجَمْعَ كَانَ لَهُ الْجَمْعُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا عِنْدِي أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِي الْجَمْعِ فِي الْمَطَرِ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَاتِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَا يَجْمَعُ إلَّا مَنْ افْتَتَحَ الْأُولَى بِنِيَّةِ الْجَمْعِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ قَالَ مَالِكٌ أَرَى ذَلِكَ فِي مَطَرٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالسُّنَّةُ فِي الْمَطَرِ كَالسُّنَّةِ فِي السَّفَرِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَالْقِيَاسُ عِنْدِي إنْ سَلَّمَ وَلَمْ يَنْوِ الْجَمْعَ فَجَمَعَ فِي قُرْبٍ مَا سَلَّمَ بِقَدْرِ مَا لَوْ أَرَادَ الْجَمْعَ كَانَ ذَلِكَ فَصْلًا قَرِيبًا بَيْنَهُمَا أَنَّ لَهُ الْجَمْعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ جَمَعَ الصَّلَاتَيْنِ إلَّا وَبَيْنَهُمَا انْفِصَالٌ فَكَذَلِكَ كُلُّ جَمْعٍ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ سَهَا فَسَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَلَمْ يُطِلْ فَصْلَ مَا بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يُتِمُّ كَمَا أَتَمَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ فَصَلَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَطْعًا لِاتِّصَالِ الصَّلَاةِ فِي الْحُكْمِ فَكَذَلِكَ عِنْدِي إيصَالُ جَمْعِ الصَّلَاتَيْنِ أَنْ لَا يَكُونَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِمِقْدَارِ مَا لَا يَطُولُ. [بَابُ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَمْرِهَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْخِطْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ بَنِي وَائِلٍ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 119 مُسْلِمٍ إلَّا امْرَأَةً، أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَمْلُوكًا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَتَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ وَإِنْ كَثُرَ أَهْلُهُ حَتَّى لَا يَسْمَعَ أَكْثَرُهُمْ النِّدَاءَ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ الْجَامِعِ وَعَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ الْمِصْرِ إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ وَكَانَ الْمُنَادِي صَيِّتًا وَكَانَ لَيْسَ بِأَصَمَّ مُسْتَمِعًا وَالْأَصْوَاتُ هَادِئَةً وَالرِّيحُ سَاكِنَةً، وَلَوْ قُلْنَا حَتَّى يَسْمَعَ جَمِيعُهُمْ مَا كَانَ عَلَى الْأَصَمِّ جُمُعَةٌ وَلَكِنْ إذَا كَانَ لَهُمْ السَّبِيلُ إلَى عِلْمِ النِّدَاءِ بِمَنْ يَسْمَعُهُ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ} [الجمعة: 9] الْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ قَرْيَةٌ مُجْتَمِعَةُ الْبِنَاءِ وَالْمَنَازِلِ وَكَانَ أَهْلُهَا لَا يَظْعَنُونَ عَنْهَا شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلَّا ظَعْنَ حَاجَةٍ وَكَانَ أَهْلُهَا أَرْبَعِينَ رَجُلًا حُرًّا بَالِغًا غَيْرَ مَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ وَاحْتَجَّ بِمَا لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ جَمَعَ بِأَرْبَعِينَ رَجُلًا» وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: " كُلُّ قَرْيَةٍ فِيهَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا فَعَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ " وَمِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ خَطَبَ بِهِمْ وَهُمْ أَرْبَعُونَ، ثُمَّ انْفَضُّوا عَنْهُ، ثُمَّ رَجَعُوا مَكَانَهُمْ صَلَّوْا صَلَاةَ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ يَعُودُوا حَتَّى تَبَاعَدَ أَحْبَبْت أَنْ يَبْتَدِئَ الْخُطْبَةَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ صَلَّاهَا بِهِمْ ظُهْرًا، فَإِنْ انْفَضُّوا بَعْدَ إحْرَامِهِ بِهِمْ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا إنْ بَقِيَ مَعَهُ اثْنَانِ حَتَّى تَكُونَ صَلَاتُهُ صَلَاةَ جَمَاعَةٍ أَجْزَأَتْهُمْ الْجُمُعَةُ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لَا تُجْزِئُهُمْ بِحَالٍ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ أَرْبَعُونَ يُكْمِلُ بِهِمْ الصَّلَاةَ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا: لَيْسَ لِقَوْلِهِ إنْ بَقِيَ مَعَهُ اثْنَانِ أَجْزَأَتْهُمْ الْجُمُعَةُ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ فِي الِاسْتِقْبَالِ فِي مَعْنَى الْمُنْفَرِدِ فِي الْجُمُعَةِ وَلَا جَمَاعَةَ تَجِبُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ عِنْدَهُ أَقَلَّ مِنْ الْأَرْبَعِينَ فَلَوْ جَازَتْ بِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْأَرْبَعِينَ جَازَتْ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْأَرْبَعِينَ فَلَيْسَ لِهَذَا وَجْهٌ فِي مَعْنَاهُ هَذَا وَاَلَّذِي هُوَ أَشْبَهُ بِهِ إنْ كَانَ صَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ انْفَضُّوا صَلَّى أُخْرَى مُنْفَرِدًا كَمَا لَوْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَجُلٌ رَكْعَةً صَلَّى أُخْرَى مُنْفَرِدًا وَلَا جُمُعَةَ لَهُ إلَّا بِهِمْ وَلَا لَهُمْ إلَّا بِهِ فَأَدَاؤُهُ رَكْعَةً بِهِمْ كَأَدَائِهِمْ رَكْعَةً بِهِ عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّهُ لَوْ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ أَحْدَثَ بَنَوْا وُحْدَانًا رَكْعَةً وَأَجْزَأَتْهُمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ زُحِمَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ حَتَّى قَضَى الْإِمَامُ سُجُودَهُ تَبِعَ الْإِمَامَ إذَا قَامَ وَاعْتَدَّ بِهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْأُولَى فَلَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ حَتَّى يَرْكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ إمَامَتِهِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا سَجَدُوا لِلْعُذْرِ قَبْلَ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ فَيَرْكَعُ مَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ وَتَسْقُطُ الْأُخْرَى وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ فِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يَتْبَعُهُ، وَلَوْ رَكَعَ حَتَّى يَفْرُغَ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنْ قَضَى مَا فَاتَ لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ وَتَبِعَهُ فِيمَا سِوَاهُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا: الْأَوَّلُ عِنْدِي أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ قِيَاسًا عَلَى أَنَّ السُّجُودَ إنَّمَا يُحْسَبُ لَهُ إذَا جَاءَ وَالْإِمَامُ يُصَلِّي بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ وَيَسْقُطُ بِسُقُوطِ إدْرَاكِ الرُّكُوعِ وَقَدْ قَالَ: إنْ سَهَا عَنْ رَكْعَةٍ رَكَعَ الثَّانِيَةَ مَعَهُ، ثُمَّ قَضَى الَّتِي سَهَا عَنْهَا وَفِي هَذَا مِنْ قَوْلِهِ لِأَحَدِ قَوْلَيْهِ دَلِيلٌ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ -. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ أَحْدَثَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ بِأَمْرِهِ، أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَقَدْ كَانَ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ حَدَثِهِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَدْرَكَ مَعَهُ التَّكْبِيرَةَ صَلَّاهَا ظُهْرًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُبْتَدِئًا (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا إذَا كَانَ إحْرَامُهُ بَعْدَ حَدَثِ الْإِمَامِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ وَلَا عَبْدٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا مَرِيضٍ وَلَا مَنْ لَهُ عُذْرٌ وَإِنْ حَضَرُوهَا أَجْزَأَتْهُمْ، وَلَا أُحِبُّ لِمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ بِالْعُذْرِ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَتَأَخَّى انْصِرَافُ الْإِمَامِ ثُمَّ يُصَلِّي جَمَاعَةً فَمَنْ صَلَّى مِنْ الَّذِينَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْإِمَامِ أَجْزَأَتْهُمْ وَإِنْ صَلَّى مَنْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَعَادَهَا ظُهْرًا بَعْدَ الْإِمَامِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ مَرِضَ لَهُ وَلَدٌ، أَوْ وَالِدٌ فَرَآهُ مَنْزُولًا بِهِ، أَوْ خَافَ فَوْتَ نَفْسِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَدَعَ الْجُمُعَةَ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذُو قَرَابَةٍ وَكَانَ ضَائِعًا لَا قَيِّمَ لَهُ غَيْرُهُ، أَوْ لَهُ قَيِّمٌ غَيْرُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 120 لَهُ شُغْلٌ عَنْهُ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَدَعَ لَهُ الْجُمُعَةَ تَرَكَهَا ابْنُ عُمَرَ لِمَنْزُولٍ بِهِ وَمَنْ طَلَعَ لَهُ الْفَجْرُ فَلَا يُسَافِرُ حَتَّى يُصَلِّيَهَا. . [بَابُ الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ وَالْخُطْبَةِ وَمَا يَجِبُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالسُّنَّةُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْجُمُعَةِ كُلُّ مُحْتَلِمٍ وَمَنْ اغْتَسَلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَجْزَأَهُ وَمَنْ تَرَكَ الْغُسْلَ لَمْ يُعِدْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنَعِمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَجَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ فَقَدْ انْقَطَعَ الرُّكُوعُ فَلَا يَرْكَعُ أَحَدٌ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ رَكَعَ فَيَرْكَعُ. وَرُوِيَ «أَنْ سُلَيْكًا الْغَطَفَانِيُّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ أَرَكَعْت؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» وَأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَكَعَهُمَا وَمَرْوَانُ يَخْطُبُ وَقَالَ مَا كُنْت لِأَدَعَهُمَا بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَالَ) : " وَيُنْصِتُ النَّاسُ وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ قَائِمًا خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا جِلْسَةً خَفِيفَةً " إلَّا أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا فَيَخْطُبُ جَالِسًا وَلَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ مَا لَمْ يَخْطُبْ وَيُحَوِّلُ النَّاسُ وُجُوهَهُمْ إلَى الْإِمَامِ وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ فَإِذَا فَرَغَ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ يَبْتَدِئُهَا بِ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] وَبِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَيَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1] ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ وَلَا يَقْرَأُ مَنْ خَلْفَهُ وَمَتَى دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ مِنْ الْجُمُعَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّهَا ظُهْرًا وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْنِ أَتَمَّهَا جُمُعَةً وَإِنْ تَرَكَ سَجْدَةً فَلَمْ يَدْرِ أَمِنَ الَّتِي أَدْرَكَ أَمْ الْأُخْرَى حَسَبَهَا رَكْعَةً وَأَتَمَّهَا ظُهْرًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» وَمَعْنَى قَوْلِهِ إنْ لَمْ تَفُتْهُ وَمَنْ لَمْ تَفُتْهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَأَقَلُّهَا رَكْعَةٌ بِسَجْدَتَيْهَا «وَحُكِيَ فِي أَدَاءِ الْخُطْبَةِ اسْتِوَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ قَائِمًا، ثُمَّ سَلَّمَ وَجَلَسَ عَلَى الْمُسْتَرَاحِ حَتَّى فَرَغَ الْمُؤَذِّنُونَ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ الْأُولَى، ثُمَّ جَلَسَ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ الثَّانِيَةَ» وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا خَطَبَ اعْتَمَدَ عَلَى عَنَزَتِهِ اعْتِمَادًا وَقِيلَ عَلَى قَوْسٍ» (قَالَ) : وَأُحِبُّ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ مَا أَشْبَهَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَحْبَبْت أَنْ يُسْكِنَ جَسَدَهُ وَيَدَيْهِ إمَّا بِأَنْ يَجْعَلَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَوْ يُقِرَّهُمَا فِي مَوْضِعِهِمَا وَيُقْبِلَ بِوَجْهِهِ قَصْدَ وَجْهِهِ وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا وَأُحِبُّ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ حَتَّى يُسْمِعَ وَأَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ مُتَرَسِّلًا مُبَيَّنًا مُعْرَبًا بِغَيْرِ مَا يُشْبِهُ الْعِيَّ وَغَيْرِ التَّمْطِيطِ وَتَقْطِيعِ الْكَلَامِ وَمَدِّهِ وَلَا مَا يُسْتَنْكَرُ مِنْهُ وَلَا الْعَجَلَةُ فِيهِ عَلَى الْأَفْهَامِ وَلَا تَرْكِ الْإِفْصَاحِ بِالْقَصْدِ وَلْيَكُنْ كَلَامُهُ قَصِيرًا بَلِيغًا جَامِعًا وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ خُطْبَةٍ مِنْهُمَا أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُوصِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ وَيَقْرَأَ آيَةً فِي الْأُولَى وَيَحْمَدَ اللَّهَ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُوصِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَيَدْعُو فِي الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ مَعْقُولًا أَنَّ الْخُطْبَةَ جَمْعُ بَعْضِ الْكَلَامِ مِنْ وُجُوهٍ إلَى بَعْضٍ وَهَذَا مِنْ أَوْجَزِهِ وَإِذَا حُصِرَ الْإِمَامُ لُقِّنَ وَإِذَا قَرَأَ سَجْدَةً فَنَزَلَ فَسَجَدَ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ كَمَا لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ (قَالَ) : وَأُحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْآخِرَةِ بِآيَةٍ ثُمَّ يَقُولَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ. وَإِنْ سَلَّمَ رَجُلٌ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ كَرِهْته وَرَأَيْت أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ فَرْضٌ وَيَنْبَغِي تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ لَا يُشَمِّتُهُ وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ إلَّا إشَارَةً (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُلْت: أَنَا الْجَدِيدُ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ فَرْضٌ وَالصَّمْتَ سُنَّةٌ، وَالْفَرْضُ أَوْلَى مِنْ السُّنَّةِ وَهُوَ يَقُولُ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلَّمَ قَتَلَةَ ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 121 الْخُطْبَةِ» وَكَلَّمَ سُلَيْكًا الْغَطَفَانِيُّ وَهُوَ يَقُولُ: يَتَكَلَّمُ الرَّجُلُ فِيمَا يَعْنِيهِ وَيَقُولُ: لَوْ كَانَتْ الْخُطْبَةُ صَلَاةً مَا تَكَلَّمَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا وَصَفْت، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْجُمُعَةُ خَلْفَ كُلِّ إمَامٍ صَلَّاهَا مِنْ أَمِيرٍ وَمَأْمُورٍ وَمُتَغَلِّبٍ عَلَى بَلَدٍ وَغَيْرِ أَمِيرٍ جَائِزَةٌ وَخَلْفَ عَبْدٍ وَمُسَافِرٍ كَمَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ فِي غَيْرِهَا وَلَا يُجْمَعُ فِي مِصْرٍ وَإِنْ عَظُمَ وَكَثُرَتْ مَسَاجِدُهُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَأَيُّهَا جَمَعَ فِيهِ فَبَدَأَ بِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ فَهِيَ الْجُمُعَةُ وَمَا بَعْدَهَا فَإِنَّمَا هِيَ ظُهْرٌ يُصَلُّونَهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَعْدَهُ صَلَّوْا فِي مَسْجِدِهِ وَحَوْلَ الْمَدِينَةِ مَسَاجِدُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ جَمَعَ إلَّا فِيهِ، وَلَوْ جَازَ فِي مَسْجِدَيْنِ لَجَازَ فِي مَسَاجِدِ الْعَشَائِرِ. [بَابُ التَّبْكِيرِ إلَى الْجُمُعَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً قَالَ: فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأُحِبُّ التَّبْكِيرَ إلَيْهَا وَأَنْ لَا تُؤْتَى إلَّا مَشْيًا لَا يَزِيدُ عَلَى سَجِيَّةِ مِشْيَتِهِ وَرُكُوبِهِ وَلَا يُشَبِّكُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ» . [بَابُ الْهَيْئَةِ لِلْجُمُعَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ السَّبَّاقِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي جُمُعَةٍ مِنْ الْجُمَعِ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ فَاغْتَسِلُوا وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَأُحِبُّ أَنْ يَتَنَظَّفَ بِغُسْلٍ وَأَخْذِ شَعْرٍ وَظُفْرٍ وَعِلَاجٍ لِمَا يَقْطَعُ تَغْيِيرَ الرِّيحِ مِنْ جَمِيعِ جَسَدِهِ وَسِوَاكٍ وَيَسْتَحْسِنُ ثِيَابَهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَيُطَيِّبُهَا اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ وَلِئَلَّا يُؤْذِيَ أَحَدًا قَارَبَهُ وَأَحَبُّ مَا يُلْبَسُ إلَيَّ الْبَيَاضُ، فَإِنْ جَاوَزَهُ بِعَصَبِ الْيَمَنِ وَالْقَطَرِيِّ وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يُصْنَعُ غَزْلُهُ وَلَا يُصْبَغُ بَعْدَ مَا يُنْسَجُ فَحَسَنٌ وَأَكْرَهُ لِلنِّسَاءِ الطِّيبَ وَمَا يَشْتَهُونَ بِهِ وَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ مِنْ حُسْنِ الْهَيْئَةِ أَكْثَرَ وَأَنْ يَعْتَمَّ وَيَرْتَدِيَ بِبُرْدٍ فَإِنَّهُ يُقَالُ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْتَمُّ وَيَرْتَدِي بِبُرْدٍ» . [بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا صَلُّوا فِي سَفَرٍ صَلَاةَ الْخَوْفِ مِنْ عَدُوٍّ غَيْرِ مَأْمُونٍ صَلَّى الْإِمَامُ بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً وَطَائِفَةٌ وِجَاءَ الْعَدُوِّ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا قَامَ فَثَبَتَ قَائِمًا وَأَطَالَ الْقِيَامَ وَأَتَمَّتْ الطَّائِفَةُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهَا تَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَتُخَفِّفُ ثُمَّ تُسَلِّمُ وَتَنْصَرِفُ فَتَقِفُ وِجَاءَ الْعَدُوِّ وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 122 الْإِمَامُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ فَيَقْرَأُ فِيهَا بَعْدَ إتْيَانِهِمْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ قَصِيرَةٍ وَيَثْبُتُ جَالِسًا وَتَقُومُ الطَّائِفَةُ فَتُتِمُّ لِأَنْفُسِهَا الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ قَصِيرَةٍ، ثُمَّ تَجْلِسُ مَعَ الْإِمَامِ قَدْرَ مَا يَعْلَمُهُمْ تَشَهَّدُوا، ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ وَقَدْ صَلَّتْ الطَّائِفَتَانِ جَمِيعًا مَعَ الْإِمَامِ وَأَخَذَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَعَ إمَامِهَا مَا أَخَذَتْ الْأُخْرَى مِنْهُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102] الْآيَةُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ نَحْوَ ذَلِكَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالطَّائِفَةُ ثَلَاثَةٌ فَأَكْثَرُ وَأَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَقَلَّ مِنْ طَائِفَةٍ وَأَنْ يَحْرُسَهُ أَقَلُّ مِنْ طَائِفَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَإِنْ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ فَحَسَنٌ وَإِنْ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ فَجَائِزٌ، ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهَا مَا بَقِيَ ثُمَّ يَثْبُتُ جَالِسًا حَتَّى تَقْضِيَ مَا بَقِيَ عَلَيْهَا ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةَ حَضَرٍ فَلْيَنْتَظِرْ جَالِسًا فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ قَائِمًا فِي الثَّالِثَةِ حَتَّى تُتِمَّ الطَّائِفَةُ الَّتِي مَعَهُ، ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهَا كَمَا وَصَفْت فِي الْأُخْرَى، وَلَوْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ فَصَلَّى بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً وَثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً وَثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّو، ثُمَّ بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً وَثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا، ثُمَّ بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً وَثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا كَانَ فِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَسَاءَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ فَاسِدَةٌ وَتَتِمُّ صَلَاةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُمَا خَرَجَتَا مِنْ صَلَاتِهِ قَبْلَ فَسَادِهَا؛ لِأَنَّ لَهُ انْتِظَارًا وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ وَتَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ عَلِمَ مِنْ الْبَاقِيَتَيْنِ بِمَا صَنَعَ وَائْتَمَّ بِهِ دُونَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ (قَالَ) : وَأُحِبُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَأْخُذَ سِلَاحَهُ فِي الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَكُنْ نَجِسًا أَوْ يَمْنَعَهُ مِنْ الصَّلَاةِ، أَوْ يُؤْوِيَ بِهِ أَحَدًا، وَلَا يَأْخُذُ الرُّمْحَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَاشِيَةِ النَّاسِ، وَلَوْ سَهَا فِي الْأُولَى أَشَارَ إلَى مَنْ خَلْفَهُ بِمَا يَفْهَمُونَ أَنَّهُ سَهَا فَإِذَا قَضَوْا سَجَدُوا لِلسَّهْوِ، ثُمَّ سَلَّمُوا وَإِنْ لَمْ يَسْهُ هُوَ وَسَهَوْا هُمْ بَعْدَ الْإِمَامِ سَجَدُوا لِسَهْوِهِمْ وَتَسْجُدُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مَعَهُ لِسَهْوِهِ فِي الْأُولَى، وَإِنْ كَانَ خَوْفًا أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْمُسَايَفَةُ وَالْتِحَامُ الْقِتَالِ وَمُطَارَدَةُ الْعَدُوِّ حَتَّى يَخَافُوا إنْ وَلَّوْا أَنْ يَرْكَبُوا أَكْتَافَهُمْ فَتَكُونُ هَزِيمَتُهُمْ فَيُصَلُّوا كَيْفَ أَمْكَنَهُمْ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا وَقُعُودًا عَلَى دَوَابِّهِمْ وَقِيَامًا فِي الْأَرْضِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ يُومِئُونَ بِرُءُوسِهِمْ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرِ مُسْتَقْبِلِيهَا قَالَ نَافِعٌ لَا أَرَى ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَالَ) : وَلَوْ صَلَّى عَلَى فَرَسِهِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ رَكْعَةً، ثُمَّ أَمِنَ نَزَلَ فَصَلَّى أُخْرَى مُوَاجِهَةَ الْقِبْلَةِ وَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً آمِنًا، ثُمَّ سَارَ إلَى شِدَّةِ الْخَوْفِ فَرَكِبَ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ عَمَلَ النُّزُولِ خَفِيفٌ وَالرُّكُوبَ أَكْثَرُ مِنْ النُّزُولِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا: قَدْ يَكُونُ الْفَارِسُ أَخَفَّ رُكُوبًا وَأَقَلَّ شَغْلًا لِفُرُوسِيَّتِهِ مِنْ نُزُولِ ثَقِيلٍ غَيْرِ فَارِسٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا بَأْسَ أَنْ يَضْرِبَ فِي الصَّلَاةِ الضَّرْبَةَ وَيَطْعَنَ الطَّعْنَةَ فَأَمَّا إنْ تَابَعَ الضَّرْبَ، أَوْ رَدَّدَ الطَّعْنَةَ فِي الْمَطْعُونِ أَوْ عَمِلَ مَا يَطُولُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ رَأَوْا سَوَادًا أَوْ جَمَاعَةً، أَوْ إبِلًا فَظَنُّوهُمْ عَدُوًّا فَصَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ يُومِئُونَ إيمَاءً، ثُمَّ بَانَ لَهُمْ أَنْ لَيْسَ عَدُوٌّ أَوْ شَكُّوا أَعَادُوا وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ لَا يُعِيدُونَ لِأَنَّهُمْ صَلَّوْا وَالْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ عِنْدِي أَنْ يُعِيدُوا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ قَلِيلًا مِنْ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ وَالْمُسْلِمُونَ كَثِيرًا يَأْمَنُونَهُمْ فِي مُسْتَوًى لَا يَسْتُرهُمْ شَيْءٌ إنْ حَمَلُوا عَلَيْهِمْ رَأَوْهُمْ صَلَّى الْإِمَامُ بِهِمْ جَمِيعًا وَرَكَعَ وَسَجَدَ بِهِمْ جَمِيعًا إلَّا صَفًّا يَلِيهِ، أَوْ بَعْضَ صَفٍّ يَنْظُرُونَ الْعَدُوَّ فَإِذَا قَامُوا بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ سَجَدَ الَّذِينَ حَرَسُوهُ أَوَّلًا إلَّا صَفًّا، أَوْ بَعْضَ صَفٍّ يَحْرُسْهُ مِنْهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا سَجْدَتَيْنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 123 وَجَلَسُوا سَجَدَ الَّذِينَ حَرَسُوهُمْ، ثُمَّ يَتَشَهَّدُونَ ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ جَمِيعًا مَعًا وَهَذَا نَحْوُ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عُسْفَانَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الَّذِي حَرَسَهُ إلَى الصَّفِّ الثَّانِي وَتَقَدَّمَ الثَّانِي فَحَرَسَهُ فَلَا بَأْسَ. وَلَوْ صَلَّى فِي الْخَوْفِ بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَهَكَذَا صَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَطْنِ نَخْلٍ (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَهَذَا عِنْدِي يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ فَرِيضَةٍ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي نَافِلَةً؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ فَرِيضَةً لَهُمْ وَنَافِلَةً لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ؛ لِأَنَّهُ آمِنٌ وَطَلَبُهُمْ تَطَوُّعٌ وَالصَّلَاةُ فَرَائِضُ وَلَا يُصَلِّيهَا كَذَلِكَ إلَّا خَائِفًا. [بَابُ مَنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْخَوْفِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : كُلُّ قِتَالٍ كَانَ فَرْضًا، أَوْ مُبَاحًا لِأَهْلِ الْكُفْرِ وَالْبَغْيِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَمَنْ أَرَادَ دَمَ مُسْلِمٍ، أَوْ مَالَهُ، أَوْ حَرِيمَهُ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» فَلِمَنْ قَاتَلَهُمْ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَمَنْ قَاتَلَ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ، وَلَوْ كَانُوا مُوَلِّينَ لِلْمُشْرِكِينَ أَدْبَارَهُمْ غَيْرَ مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ وَلَا مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ وَكَانُوا يُومِئُونَ أَعَادُوا لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ عَاصُونَ وَالرُّخْصَةُ لَا تَكُونُ لِعَاصٍ (قَالَ) : وَلَوْ غَشِيَهُمْ سَيْلٌ وَلَا يَجِدُونَ نَجْوَةً صَلَّوْا يُومِئُونَ عَدْوًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَرِكَابِهِمْ. [بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ اللِّبَاسِ وَالْمُبَارَزَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَكْرَهُ لُبْسَ الدِّيبَاجِ وَالدِّرْعِ الْمَنْسُوجَةِ بِالذَّهَبِ وَالْقَبَاءِ بِأَزْرَارِ الذَّهَبِ فَإِنْ فَاجَأَتْهُ الْحَرْبُ فَلَا بَأْسَ وَلَا أَكْرَهُ لِمَنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ فِي الْحَرْبِ بَلَاءً أَنْ يُعْلِمَ وَلَا أَنْ يَرْكَبَ الْأَبْلَقَ قَدْ أَعْلَمَ حَمْزَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَلَا أَكْرَهُ الْبِرَازَ، قَدْ بَارَزَ عُبَيْدَةُ وَحَمْزَةُ وَعَلِيٌّ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ) : وَيُلْبِسُ فَرَسَهُ وَأَدَاتَهُ جِلْدَ مَا سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ مِنْ جِلْدِ قِرْدٍ وَفِيلٍ وَأَسَدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جُنَّةٌ لِلْفَرَسِ وَلَا تَعَبُّدَ عَلَى الْفَرَسِ. [بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْعِيدَيْنِ وَأُحِبُّ الْغُسْلَ بَعْدَ الْفَجْرِ لِلْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى فَإِنْ تَرَكَ الْغُسْلَ تَارِكٌ أَجْزَأَهُ (قَالَ) : وَأُحِبُّ إظْهَارَ التَّكْبِيرِ جَمَاعَةً وَفُرَادَى فِي لَيْلَةِ الْفِطْرِ وَلَيْلَةِ النَّحْرِ مُقِيمِينَ وَسَفَرًا فِي مَنَازِلِهِمْ وَمَسَاجِدِهِمْ وَأَسْوَاقِهِمْ وَيَغْدُونَ إذَا صَلَّوْا الصُّبْحَ لِيَأْخُذُوا مَجَالِسَهُمْ وَيَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ وَيُكَبِّرُونَ بَعْدَ الْغُدُوِّ حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ إلَى الصَّلَاةِ وَقَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ حَتَّى يَفْتَتِحَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ وَلَمْ يُحْرِمْ إمَامُهُ وَلَمْ يَخْطُبْ فَجَائِزٌ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي شَهْرِ رَمَضَانَ {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ وَأَبِي سَلَمَةَ وَأَبِي بَكْرٍ يُكَبِّرُونَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ يَجْهَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 124 وَشَبَّهَ لَيْلَةَ النَّحْرِ بِهَا، إلَّا مَنْ كَانَ حَاجًّا فَذِكْرُهُ التَّلْبِيَةُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ حَيْثُ هُوَ أَرْفَقُ بِهِمْ وَأَنْ يَمْشِيَ إلَى الْمُصَلَّى وَيَلْبَسَ عِمَامَةً وَيَمْشِيَ النَّاسُ وَيَلْبَسُونَ الْعَمَائِمَ وَيَمَسُّونَ مِنْ طِيبِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوا وَرَوَى الزُّهْرِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَكِبَ فِي عِيدٍ وَلَا جِنَازَةٍ قَطُّ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأُحِبُّ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَضْعُفَ فَيَرْكَبَ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُ الْإِمَامِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُوَافِي فِيهِ الصَّلَاةَ وَذَلِكَ حِينَ تَبْرُزُ الشَّمْسُ وَيُؤَخَّرُ الْخُرُوجُ فِي الْفِطْرِ عَنْ ذَلِكَ قَلِيلًا وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنْ عَجِّلْ الْأَضْحَى وَأَخِّرْ الْفِطْرَ وَذَكِّرْ النَّاسَ» وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْبَسُ بُرْدَ حِبَرَةٍ وَيَعْتَمُّ فِي كُلِّ عِيدٍ وَيُطْعِمُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ» وَرُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُطْعِمُ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْجَبَّانِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَأْمُرُ بِهِ» وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَأْكُلُونَ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ يَوْمَ النَّحْرِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَغْدُو إلَى الْمُصَلَّى فِي يَوْمِ الْفِطْرِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَيُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى فَيُكَبِّرُ بِالْمُصَلَّى حَتَّى إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ تَرَكَ التَّكْبِيرَ وَعَنْ عُرْوَةَ وَأَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُمَا كَانَا يَجْهَرَانِ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَغْدُوَانِ إلَى الْمُصَلَّى. (قَالَ) : وَأُحِبُّ أَنْ يَلْبَسَ أَحْسَنَ مَا يَجِدُ فَإِذَا بَلَغَ الْإِمَامُ الْمُصَلَّى نُودِيَ: " الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ " بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، ثُمَّ يُحْرِمُ بِالتَّكْبِيرِ فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَيَرْفَعُ - كُلَّمَا كَبَّرَ - يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَقِفُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ آيَةٍ لَا طَوِيلَةٍ وَلَا قَصِيرَةٍ يُهَلِّلُ اللَّهَ وَيُكَبِّرُهُ وَيَحْمَدُهُ وَيُمَجِّدُهُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ سَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يَقْرَأُ بِ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] وَيَجْهَرُ بِقِرَاءَتِهِ، ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فَإِذَا قَامَ فِي الثَّانِيَةِ كَبَّرَ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ سِوَى تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ مِنْ الْجُلُوسِ وَيَقِفُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ كَقَدْرِ قِرَاءَةِ آيَةٍ لَا طَوِيلَةٍ وَلَا قَصِيرَةٍ كَمَا وَصَفْت فَإِذَا فَرَغَ مِنْ خَمْسِ تَكْبِيرَاتٍ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] ، ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَلَا يَقْرَأُ مَنْ خَلْفَهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَبَّرُوا فِي الْعِيدَيْنِ سَبْعًا وَخَمْسًا وَصَلَّوْا قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَجَهَرُوا بِالْقِرَاءَةِ وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ بِ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] وَ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] » (قَالَ) : ثُمَّ يَخْطُبُ فَإِذَا ظَهَرَ عَلَى الْمِنْبَرِ يُسَلِّمُ وَيَرُدُّ النَّاسُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُرْوَى غَالِبًا وَيُنْصِتُونَ وَيَسْتَمِعُونَ مِنْهُ وَيَخْطُبُ قَائِمًا خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا جِلْسَةً خَفِيفَةً وَأُحِبُّ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى شَيْءٍ وَأَنْ يُثَبِّتَ يَدَيْهِ وَجَمِيعَ بَدَنِهِ، فَإِنْ كَانَ الْفِطْرُ أَمَرَهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَحَضَّهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَالْكَفِّ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، ثُمَّ يَنْزِلُ فَيَنْصَرِفُ. (قَالَ) : وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَقَّلَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا فِي بَيْتِهِ وَالْمَسْجِدِ وَطَرِيقِهِ وَحَيْثُ أَمْكَنَهُ كَمَا يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا وَرُوِيَ أَنَّ سَهْلًا السَّاعِدِيَّ وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ كَانَا يُصَلِّيَانِ قَبْلَ الْعِيدِ وَبَعْدَهُ وَيُصَلِّي الْعِيدَيْنِ الْمُنْفَرِدُ فِي بَيْتِهِ وَالْمُسَافِرُ وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ. (قَالَ) : وَأُحِبُّ حُضُورَ الْعَجَائِزِ غَيْرِ ذَاتِ الْهَيْئَةِ الْعِيدَيْنِ وَأُحِبُّ إذَا حَضَرَ النِّسَاءُ الْعِيدَيْنِ أَنْ يَتَنَظَّفْنَ بِالْمَاءِ وَلَا يَلْبَسْنَ شُهْرَةً مِنْ الثِّيَابِ وَتُزَيَّنُ الصِّبْيَانُ بِالصِّبْغِ وَالْحُلِيِّ وَرُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَغْدُو مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعُ مِنْ أُخْرَى» (قَالَ) : وَأُحِبُّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ. (قَالَ) : وَإِذَا كَانَ الْعُذْرُ مِنْ مَطَرٍ، أَوْ غَيْرِهِ أَمَرْته أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسَاجِدِ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ صَلَّى بِالنَّاسِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ فِي الْمَسْجِدِ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ. (قَالَ) : وَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ مَنْ يُصَلِّي بِضَعَفَةِ النَّاسِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمِصْرِ وَمَنْ جَاءَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ جَلَسَ حَتَّى يَفْرُغَ فَإِذَا فَرَغَ قَضَى مَكَانَهُ، أَوْ فِي بَيْتِهِ. (قَالَ) : وَإِذَا كَانَ الْعِيدُ أَضْحَى عَلَّمَهُمْ الْإِمَامُ كَيْفَ يَنْحَرُونَ وَأَنَّ عَلَى مَنْ نَحَرَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجِبَ وَقْتُ نَحْرِ الْإِمَام أَنْ يُعِيدَ وَيُخْبِرُهُمْ بِمَا يَجُوزُ مِنْ الْأَضَاحِيّ وَمَا لَا يَجُوزُ وَيُسَنُّ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَأَنَّهُمْ يُضَحُّونَ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 125 كُلَّهَا (قَالَ) : وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ، ثُمَّ لَا يَزَالُ يُكَبِّرُ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةِ فَرِيضَةٍ مِنْ الظُّهْرِ مِنْ النَّحْرِ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَيُكَبِّرُ بَعْدَ الصُّبْحِ ثُمَّ يَقْطَعُ وَبَلَغَنَا نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَالصُّبْحُ آخِرُ صَلَاةٍ بِمِنًى وَالنَّاسُ لَهُمْ تَبَعٌ. [بَابُ التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : التَّكْبِيرُ كَمَا كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَوَاتِ (قَالَ) : فَأُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ الْإِمَامُ فَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا نَسَقًا وَمَا زَادَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَحَسَنٌ وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ قَضَى، ثُمَّ كَبَّرَ وَيُكَبِّرُ خَلْفَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : الَّذِي قَبْلَ هَذَا عِنْدِي أَوْلَى بِهِ لَا يُكَبِّرُ إلَّا خَلْفَ الْفَرَائِضِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ فِي الْفِطْرِ بِأَنَّ الْهِلَالَ كَانَ بِالْأَمْسِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الزَّوَالِ صَلَّى بِالنَّاسِ الْعِيدَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يُصَلُّوا؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ فِي وَقْتٍ إذَا جَاوَزَهُ لَمْ يُعْمَلْ فِي غَيْرِهِ كَعَرَفَةَ وَقَالَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ: وَأُحِبُّ أَنْ أَذْكُرَ فِيهِ شَيْئًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا أَنْ يُعْمَلَ مِنْ الْغَدِ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ احْتَجَّ فَقَالَ لَوْ جَازَ أَنْ يَقْضِيَ كَانَ بَعْدَ الظُّهْرِ أَجْوَزَ وَإِلَى وَقْتِهِ أَقْرَبَ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ عَلَى صَوَابِ أَحَدِ قَوْلَيْهِ عِنْدِي دَلِيلٌ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فِي أَيِّ وَقْتٍ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي نِصْفِ النَّهَارِ، أَوْ بَعْدَ الْعَصْرِ فَسَوَاءٌ وَيَتَوَجَّهُ الْإِمَامُ إلَى حَيْثُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ فَيَأْمُرُ بِالصَّلَاةِ جَامِعَةً، ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَقْرَأُ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ إنْ كَانَ يَحْفَظُهَا أَوْ قَدْرِهَا مِنْ الْقُرْآنِ إنْ كَانَ لَا يَحْفَظُهَا، ثُمَّ يَرْكَعُ فَيُطِيلُ وَيَجْعَلُ رُكُوعَهُ قَدْرَ قِرَاءَةِ مِائَةِ آيَةٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، ثُمَّ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقَدْرِ مِائَتَيْ آيَةٍ مِنْ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ يَرْكَعُ بِقَدْرِ مَا يَلِي رُكُوعَهُ الْأَوَّلَ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُومُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَيَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقَدْرِ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ آيَةً مِنْ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ يَرْكَعُ بِقَدْرِ سَبْعِينَ آيَةً مِنْ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقَدْرِ مِائَةِ آيَةٍ مِنْ الْبَقَرَةِ ثُمَّ يَرْكَعُ بِقَدْرِ خَمْسِينَ آيَةً مِنْ الْبَقَرَةِ ثُمَّ يَرْفَعُ، ثُمَّ يَسْجُدُ وَإِنْ جَاوَزَ هَذَا، أَوْ قَصَّرَ عَنْهُ فَإِذَا قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَهُ وَيُسِرُّ فِي خُسُوفِ الشَّمْسِ بِالْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ «خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ مَعَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا قَالَ نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَقَالَ إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ» وَوُصِفَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْت إلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا سَمِعْت مِنْهُ حَرْفًا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : لِأَنَّهُ أَسَرَّ، وَلَوْ سَمِعَهُ مَا قَدَّرَ قِرَاءَتَهُ وَرُوِيَ «أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ صَلَّى فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكِبَ فَخَطَبَنَا فَقَالَ: إنَّمَا صَلَّيْت كَمَا رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي» قَالَ: وَبَلَغَنَا عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ صَلَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَيْنِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 126 قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ اجْتَمَعَ عِيدٌ وَخُسُوفٌ وَاسْتِسْقَاءٌ وَجِنَازَةٌ بُدِئَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَضَرَ الْإِمَامُ أَمَرَ مَنْ يَقُومُ بِهَا وَبُدِئَ بِالْخُسُوفِ، ثُمَّ يُصَلِّي الْعِيدَ ثُمَّ أَخَّرَ الِاسْتِسْقَاءَ إلَى يَوْمٍ آخَرَ وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْعِيدِ صَلَّاهَا وَخَفَّفَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إلَى صَلَاةِ الْخُسُوفِ ثُمَّ يَخْطُبُ لِلْعِيدِ وَلِلْخُسُوفِ وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَخْطُبَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَهُمَا، وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ بَدَأَ بِصَلَاةِ الْخُسُوفِ وَخَفَّفَ فَقَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَمَا أَشْبَهَهَا، ثُمَّ يَخْطُبُ لِلْجُمُعَةِ وَيَذْكُرُ فِيهَا الْخُسُوفَ، ثُمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ وَإِنْ خَسَفَ الْقَمَرُ صَلَّى كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةُ اللَّيْلِ، فَإِنْ خُسِفَ بِهِ فِي وَقْتِ قُنُوتٍ بَدَأَ بِالْخُسُوفِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَقَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَإِنْ فَاتَتَا؛ لِأَنَّهُمَا صَلَاةُ انْفِرَادٍ وَيَخْطُبُ بَعْدَ صَلَاةِ الْخُسُوفِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَيَحُضُّ النَّاسَ عَلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُهُمْ بِالتَّوْبَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَيُصَلِّي حَيْثُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ لَا حَيْثُ يُصَلِّي الْأَعْيَادَ، فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى تَغِيبَ كَاسِفَةً، أَوْ مُنْجَلِيَةً، أَوْ خَسَفَ الْقَمَرُ فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى تُجْلَى أَوْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ لَمْ يُصَلِّ لِلْخُسُوفِ، فَإِنْ غَابَ خَاسِفًا صَلَّى لِلْخُسُوفِ بَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ وَيُخَفِّفُ لِلْفَرَاغِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِنْ طَلَعَتْ أَوْ أَحْرَمَ فَتَجَلَّتْ أَتَمُّوهَا، فَإِنْ جَلَّلَهَا سَحَابٌ أَوْ حَائِلٌ فَهِيَ عَلَى الْخُسُوفِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ تَجَلِّيَ جَمِيعِهَا، وَإِذَا اجْتَمَعَ أَمْرَانِ فَخَافَ فَوْتَ أَحَدِهِمَا بَدَأَ بِاَلَّذِي يَخَافُ فَوْتَهُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْآخَرِ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الْخُسُوفِ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَهُ وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي تَرْكُهَا لِمُسَافِرٍ وَلَا لِمُقِيمٍ بِإِمَامٍ وَمُنْفَرِدِينَ وَلَا آمُرُ بِصَلَاةِ جَمَاعَةٍ فِي سِوَاهَا وَآمُرُ بِالصَّلَاةِ مُنْفَرِدِينَ. [بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَيَسْتَسْقِي الْإِمَامُ حَيْثُ يُصَلِّي الْعِيدَ وَيَخْرُجُ مُتَنَظِّفًا بِالْمَاءِ وَمَا يَقْطَعُ تَغَيُّرَ الرَّائِحَةِ مِنْ سِوَاكٍ وَغَيْرِهِ فِي ثِيَابِ تَوَاضُعٍ وَفِي اسْتِكَانَةٍ وَمَا أَحْبَبْته لِلْإِمَامِ مِنْ هَذَا أَحْبَبْته لِلنَّاسِ كَافَّةً وَيُرْوَى «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ خَرَجَ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ بِأَحْسَنِ هَيْئَةٍ» وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ مُتَوَاضِعًا» ، وَقَالَ أَحْسَبُ الَّذِي رَوَاهُ قَالَ مُتَبَذِّلًا (قَالَ) : وَأُحِبُّ أَنْ تَخْرُجَ الصِّبْيَانُ وَيَتَنَظَّفُوا لِلِاسْتِسْقَاءِ وَكِبَارُ النِّسَاءِ وَمَنْ لَا هَيْئَةَ لَهَا مِنْهُنَّ وَأَكْرَهُ إخْرَاجَ مَنْ يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ لِلِاسْتِسْقَاءِ فِي مَوْضِعِ مُسْتَسْقَى الْمُسْلِمِينَ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ خَرَجُوا مُتَمَيِّزِينَ لَمْ أَمْنَعْهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَيَأْمُرُ الْإِمَامُ النَّاسَ قَبْلَ ذَلِكَ أَنْ يَصُومُوا ثَلَاثًا وَيَخْرُجُوا مِنْ الْمَظَالِمِ وَيَتَقَرَّبُوا إلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - بِمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ خَيْرٍ وَيَخْرُجُ بِهِمْ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ إلَى أَوْسَعِ مَا يَجِدُ وَيُنَادِي: " الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ " ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدَيْنِ سَوَاءً وَيَجْهَرُ فِيهِمَا وَرُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَيُكَبِّرُونَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ سَبْعًا وَخَمْسًا» وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ كَبَّرَ سَبْعًا وَخَمْسًا، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: يُكَبِّرُ مِثْلَ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ سَبْعًا وَخَمْسًا قَالَ ثُمَّ يَخْطُبُ الْخُطْبَةَ الْأُولَى، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ يُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ الْآخِرَةَ مُسْتَقْبِلَ النَّاسِ فِي الْخُطْبَتَيْنِ وَيُكْثِرُ فِيهِمَا الِاسْتِغْفَارَ، وَيَقُولُ كَثِيرًا: " {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا - يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 10 - 11] ، ثُمَّ يُحَوِّلُ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ فَيَجْعَلُ طَرَفَهُ الْأَسْفَلَ الَّذِي عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَطَرَفَهُ الْأَسْفَلَ الَّذِي عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرَ وَإِنْ حَوَّلَهُ وَلَمْ يُنَكِّسْهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ سَاجٌ جَعَلَ مَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَمَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَيَفْعَلُ النَّاسُ مِثْلَ ذَلِكَ وَرُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 127 أَنَّهُ كَانَتْ عَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا فَيَجْعَلَهُ أَعْلَاهَا فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ قَلَبَهَا» (قَالَ) : وَيَدْعُو سِرًّا وَيَدْعُو النَّاسُ مَعَهُ وَيَكُونُ مِنْ دُعَائِهِمْ: " اللَّهُمَّ أَنْتَ أَمَرْتنَا بِدُعَائِك وَوَعَدْتنَا إجَابَتَك فَقَدْ دَعَوْنَاكَ كَمَا أَمَرْتنَا فَأَجِبْنَا كَمَا وَعَدْتنَا اللَّهُمَّ فَامْنُنْ عَلَيْنَا بِمَغْفِرَةِ مَا قَارَفْنَا وَإِجَابَتِكَ إيَّانَا فِي سُقْيَانَا وَسِعَةِ رِزْقِنَا "، ثُمَّ يَدْعُو بِمَا يَشَاءُ مِنْ دِينٍ وَدُنْيَا وَيَبْدَءُونَ وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَيُفَصِّلُ بِهِ كَلَامَهُ وَيَخْتِمُ بِهِ، ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَيَحُضَّهُمْ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِمْ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَيَقْرَأُ آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ وَيَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، ثُمَّ يَنْزِلُ، فَإِنْ سَقَاهُمْ اللَّهُ وَإِلَّا عَادُوا مِنْ الْغَدِ لِلصَّلَاةِ وَالِاسْتِسْقَاءِ حَتَّى يَسْقِيَهُمْ اللَّهُ (قَالَ) : وَإِذَا حَوَّلُوا أَرْدِيَتَهُمْ أَقَرُّوهَا مُحَوَّلَةً كَمَا هِيَ حَتَّى يَنْزِعُوهَا مَتَى نَزَعُوهَا، وَإِنْ كَانَتْ نَاحِيَةٌ جَدْبَةٌ وَأُخْرَى خِصْبَةٌ فَحَسَنٌ أَنْ يَسْتَسْقِيَ أَهْلُ الْخِصْبَةِ لِأَهْلِ الْجَدْبَةِ وَلِلْمُسْلِمِينَ وَيَسْأَلُوا اللَّهَ الزِّيَادَةَ لِلْمُخْصِبِينَ فَإِنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَاسِعٌ وَيَسْتَسْقِي حَيْثُ لَا يَجْمَعُ مِنْ بَادِيَةٍ وَقَرْيَةٍ وَيَفْعَلُهُ الْمُسَافِرُونَ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِإِحَالَةِ فَرْضٍ وَيَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْأَمْصَارِ مِنْ صَلَاةٍ وَخُطْبَةٍ وَيُجْزِئُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ الْإِمَامُ بِغَيْرِ صَلَاةٍ وَخَلْفَ صَلَوَاتِهِ. [بَابُ الدُّعَاءُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ] . بَابُ الدُّعَاءُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ رَبَاحٍ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا اسْتَسْقَى قَالَ اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ وَلَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا مَحْقٍ وَلَا بَلَاءٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَرُوِيَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا اسْتَسْقَى قَالَ اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا هَنِيئًا مُرِيعًا غَدَقًا مُجَلَّلًا عَامًّا طَبَقًا سَحًّا دَائِمًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ اللَّهُمَّ إنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ وَالْبَهَائِمِ وَالْخَلْقِ مِنْ الْبَلَاءِ وَالْجَهْدِ وَالضَّنْكِ مَا لَا نَشْكُو إلَّا إلَيْك اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْجُوعَ وَالْعَرَى وَاكْشِفْ عَنَّا مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُك اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُك إنَّك كُنْت غَفَّارًا فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا» ، وَأُحِبُّ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا كُلَّهُ وَلَا وَقْتَ فِي الدُّعَاءِ لَا يُجَاوِزُ [بَابُ الْحُكْمِ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ مُتَعَمِّدًا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : يُقَالُ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا بِلَا عُذْرٍ: لَا يُصَلِّيهَا غَيْرُك، فَإِنْ صَلَّيْت وَإِلَّا اسْتَتَبْنَاك، فَإِنْ تُبْت وَإِلَّا قَتَلْنَاك كَمَا يُكَفَّرُ فَنَقُولُ إنْ آمَنْت وَإِلَّا قَتَلْنَاك وَقَدْ قِيلَ: يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا فَإِنْ صَلَّى فِيهَا وَإِلَّا قُتِلَ وَذَلِكَ حَسَنٌ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قَدْ قَالَ فِي الْمُرْتَدِّ إنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ وَلَمْ يُنْتَظَرْ بِهِ ثَلَاثًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَرَكَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ» وَقَدْ جُعِلَ تَارِكُ الصَّلَاةِ بِلَا عُذْرٍ كَتَارِكِ الْإِيمَانِ فَلَهُ حُكْمُهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ مِثْلُهُ وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ ثَلَاثًا. . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 128 [كِتَابُ الْجَنَائِزِ] [بَابُ إغْمَاضِ الْمَيِّتِ] ِ بَابُ إغْمَاضِ الْمَيِّتِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ أَوْلِيَاءُ الْمَيِّتِ أَنْ يَتَوَلَّى أَرْفَقُهُمْ بِهِ إغْمَاضَ عَيْنَيْهِ بِأَسْهَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَأَنْ يَشُدَّ لَحْيَهُ الْأَسْفَلَ بِعِصَابَةٍ عَرِيضَةٍ وَيَرْبِطَهَا مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ لِئَلَّا يَسْتَرْخِيَ لَحْيُهُ الْأَسْفَلُ فَيَنْفَتِحَ فُوهُ فَلَا يَنْطَبِقُ وَيَرُدُّ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يُلْصِقَهُمَا بِعَضُدَيْهِ، ثُمَّ يَمُدَّهُمَا أَوْ يَرُدَّهُمَا إلَى فَخِذَيْهِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ بِمَفَاصِلِ رُكْبَتَيْهِ، وَيَرُدُّ فَخِذَيْهِ إلَى بَطْنِهِ، ثُمَّ يَمُدُّهُمَا وَيُلَيِّنُ أَصَابِعَهُ حَتَّى يتباقى لِينُهُ عَلَى غَاسِلِهِ وَيَخْلَعُ عَنْهُ ثِيَابَهُ وَيُجْعَلُ عَلَى بَطْنِهِ سَيْفٌ، أَوْ حَدِيدٌ وَيُسَجَّى بِثَوْبٍ يُغَطَّى بِهِ جَمِيعُ جَسَدِهِ وَيُجْعَلُ عَلَى لَوْحٍ أَوْ سَرِيرٍ. [بَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَغُسْلِ الزَّوْجِ امْرَأَتَهُ وَالْمَرْأَةِ زَوْجَهَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيُفْضَى بِالْمَيِّتِ إلَى مُغْتَسَلِهِ وَيَكُونُ كَالْمُنْحَدَرِ قَلِيلًا، ثُمَّ يُعَادُ تَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ وَيُطْرَحُ عَلَيْهِ مَا يُوَارِي مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إلَى سُرَّتِهِ وَيُسْتَرُ مَوْضِعُهُ الَّذِي يُغْسَلُ فِيهِ فَلَا يَرَاهُ أَحَدٌ إلَّا غَاسِلُهُ وَمَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعُونَتِهِ عَلَيْهِ وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ عَنْهُ إلَّا فِيمَا لَا يُمْكِنُ غَيْرُهُ لِيَعْرِفَ الْغَاسِلُ مَا غَسَلَ وَمَا بَقِيَ، وَيَتَّخِذُ إنَاءَيْنِ إنَاءٌ يَغْرِفُ بِهِ مِنْ الْمَاءِ الْمَجْمُوعِ فَيَصُبُّ فِي الْإِنَاءِ الَّذِي يَلِي الْمَيِّتَ فَمَا تَطَايَرَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ إلَى الْإِنَاءِ الَّذِي يَلِيهِ لَمْ يَصُبَّ الْآخَرُ، وَغَيْرُ الْمُسَخَّنِ مِنْ الْمَاءِ أَحَبُّ إلَيَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَرْدٌ، أَوْ يَكُونَ بِالْمَيِّتِ مَا لَا يُنَقِّيهِ إلَّا الْمُسَخَّنُ فَيُغَسَّلُ بِهِ، وَيُغَسِّلُ فِي قَمِيصٍ وَلَا يَمَسُّ عَوْرَةَ الْمَيِّتِ بِيَدِهِ وَيُعِدُّ خِرْقَتَيْنِ نَظِيفَتَيْنِ لِذَلِكَ قَبْلَ غُسْلِهِ، وَيُلْقَى الْمَيِّتُ عَلَى ظَهْرِهِ ثُمَّ يَبْدَأُ غَاسِلُهُ فَيُجْلِسُهُ إجْلَاسًا رَفِيقًا وَيُمِرُّ يَدَهُ عَلَى بَطْنِهِ إمْرَارًا بَلِيغًا وَالْمَاءُ يُصَبُّ عَلَيْهِ لِيَخْفَى شَيْءٌ إنْ خَرَجَ مِنْهُ وَعَلَى يَدِهِ إحْدَى الْخِرْقَتَيْنِ حَتَّى يُنَقِّيَ مَا هُنَالِكَ ثُمَّ يُلْقِهَا لِتُغْسَلَ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْأُخْرَى، ثُمَّ يَبْدَأُ فَيُدْخِلُ أُصْبُعَهُ فِي فِيهِ بَيْنَ شَفَتَيْهِ. وَلَا يَفْغَرُ فَاهُ فَيُمِرُّهَا عَلَى أَسْنَانِهِ بِالْمَاءِ وَيُدْخِلُ طَرَفَ أُصْبُعَيْهِ فِي مَنْخِرَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ فَيُنَقِّيَ شَيْئًا إنْ كَانَ هُنَاكَ، وَيُوَضِّئُهُ وُضُوءَ الصَّلَاةِ وَيَغْسِلُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ حَتَّى يُنَقِّيَهُمَا، وَيُسَرِّحُهُمَا تَسْرِيحًا رَفِيقًا، ثُمَّ يُغَسِّلُهُ مِنْ صَفْحَةِ عُنُقِهِ الْيُمْنَى وَشِقِّ صَدْرِهِ وَجَنْبِهِ وَفَخِذِهِ وَسَاقِهِ، ثُمَّ يَعُودُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرَ فَيَصْنَعُ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَحْرِفُهُ إلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرَ فَيَغْسِلُ ظَهْرَهُ وَقَفَاهُ وَفَخِذَهُ وَسَاقَهُ الْيُمْنَى وَهُوَ يَرَاهُ مُتَمَكِّنًا ثُمَّ يَحْرِفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيَصْنَعُ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَغْسِلُ مَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ وَمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ وَأَلْيَتَيْهِ بِالْخِرْقَةِ وَيَسْتَقْصِي ذَلِكَ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى جَمِيعِهِ الْمَاءَ الْقَرَاحَ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَافُورٌ (قَالَ) :: وَأَقَلُّ غُسْلِ الْمَيِّتِ فِيمَا أُحِبُّ ثَلَاثًا، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْإِنْقَاءَ فَخَمْسًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 129 قَالَ لِمَنْ غَسَّلَ ابْنَتَهُ «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ» (قَالَ) : وَيَجْعَلُ فِي كُلِّ مَاءٍ قَرَاحٍ كَافُورًا وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ إلَّا فِي الْآخِرَةِ أَجْزَأَهُ وَيَتَتَبَّعُ مَا بَيْنَ أَظَافِرِهِ بِعُودٍ، وَلَا يَخْرُجُ حَتَّى يُخْرِجَ مَا تَحْتَهَا مِنْ الْوَسَخِ وَكُلَّمَا صَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ الْقَرَاحَ بَعْدَ السِّدْرِ حَسِبَهُ غُسْلًا وَاحِدًا وَيَتَعَاهَدُ مَسْحَ بَطْنِهِ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ، وَيُقْعِدُهُ عِنْدَ آخِرِ غَسْلَةٍ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَنْقَاهُ بِالْخِرْقَةِ كَمَا وَصَفْت وَأَعَادَ عَلَيْهِ غُسْلَهُ، ثُمَّ يُنَشِّفُ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ يَصِيرُ فِي أَكْفَانِهِ وَإِنْ غَسَلَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ مَرَّةً أَجْزَأَهُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ رَأَى حَلْقَ الشَّعْرِ وَتَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَتَرْكُهُ أَعْجَبُ إلَيَّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ إلَى بَلَى عَنْ قَلِيلٍ وَنَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ ذَلِكَ الْمَصِيرِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا يَقْرَبُ الْمُحْرِمُ الطِّيبَ فِي غُسْلِهِ وَلَا حَنُوطِهِ وَلَا يُخَمِّرُ رَأْسَهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ اللَّذَيْنِ مَاتَ فِيهِمَا وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ» وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» وَإِنَّ ابْنًا لِعُثْمَانَ تُوُفِّيَ مُحْرِمًا فَلَمْ يُخَمِّرْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُقَرِّبْهُ طِيبًا. (قَالَ) : وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ الْمَيِّتِ مِجْمَرَةٌ لَا تَنْقَطِعُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ غُسْلِهِ فَإِذَا رَأَى مِنْ الْمَيِّتِ شَيْئًا لَا يَتَحَدَّثُ بِهِ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ سَتْرِ أَخِيهِ. (قَالَ) : وَأَوْلَاهُمْ بِغُسْلِهِ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَيُغَسِّلُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَالْمَرْأَةُ زَوْجَهَا. غَسَّلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ زَوْجَهَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلِيٌّ امْرَأَتَهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَتْ عَائِشَةُ لَوْ اسْتَقْبَلْنَا مِنْ أَمْرِنَا مَا اسْتَدْبَرْنَا مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا نِسَاؤُهُ. (قَالَ) : وَلَيْسَ لِلْعِدَّةِ مَعْنًى يَحِلُّ لِأَحَدِهِمَا فِيهَا مَا لَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَيُغَسِّلُ الْمُسْلِمُ قَرَابَتَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَيَتْبَعُ جِنَازَتَهُ وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ عَلِيًّا فَغَسَّلَ أَبَا طَالِبٍ» . [بَابُ عَدَدِ الْكَفَنِ وَكَيْفَ الْحَنُوطُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأُحِبُّ عَدَدَ الْكَفَنِ إلَى ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ رِيَاطٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ (قَالَ) : وَيُجَمَّرُ بِالْعُودِ حَتَّى يَعْبَقَ بِهَا، ثُمَّ يُبْسَطُ أَحْسَنُهَا وَأَوْسَعُهَا، ثُمَّ الثَّانِيَةُ عَلَيْهَا، ثُمَّ الَّتِي تَلِي الْمَيِّتَ وَيَذَرُّ فِيمَا بَيْنَهَا الْحَنُوطَ، ثُمَّ يَحْمِلُ الْمَيِّتَ فَيُوضَعُ فَوْقَ الْعُلْيَا مِنْهَا مُسْتَلْقِيًا، ثُمَّ يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ قُطْنٍ مَنْزُوعِ الْحَبِّ فَيَجْعَلُ فِيهِ الْحَنُوطَ وَالْكَافُورَ ثُمَّ يُدْخِلُهُ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ إدْخَالًا بَلِيغًا وَيُكْثِرُ لِيَرُدَّ شَيْئًا إنْ جَاءَ مِنْهُ عِنْدَ تَحْرِيكِهِ إذَا حُمِلَ وَزُعْزِعَ وَيَشُدُّ عَلَيْهِ خِرْقَةً مَشْقُوقَةَ الطَّرَفِ تَأْخُذُ أَلْيَتَيْهِ وَعَانَتِهِ، ثُمَّ يُشَدُّ عَلَيْهِ كَمَا يُشَدُّ التُّبَّانُ الْوَاسِعُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : لَا أُحِبُّ مَا قَالَ مِنْ إبْلَاغِ الْحَشْوِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قُبْحًا يَتَنَاوَلُ بِهِ حُرْمَتَهُ وَلَكِنْ يُجْعَلُ كَالْمَوْزَةِ مِنْ الْقُطْنِ فِيمَا بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ، وَسُفْرَةُ قُطْنٍ تَحْتَهَا، ثُمَّ يُضَمُّ إلَى أَلْيَتَيْهِ وَالشِّدَادُ مِنْ فَوْقِ ذَلِكَ كَالتُّبَّانِ يُشَدُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ جَاءَ مِنْهُ شَيْءٌ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ فَهَذَا أَحْسَنُ فِي كَرَامَتِهِ مِنْ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيَأْخُذُ الْقُطْنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ الْحَنُوطَ وَالْكَافُورَ فَيَضَعُهُ عَلَى فِيهِ وَمَنْخِرَيْهِ وَعَيْنَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَمَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِهِ جِرَاحٌ نَافِذَةٌ وَضَعَ عَلَيْهَا وَيُحَنِّطُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْكَافُورِ وَعَلَى مَسَاجِدِهِ وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ مِنْ الْكَفَنِ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي يَبْقَى مِنْهُ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ أَقَلُّ مِمَّا يَبْقَى مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ، ثُمَّ يَثْنِي عَلَيْهِ ضَيِّقَ الثَّوْبِ الَّذِي يَلِيهِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ يَثْنِي ضَيِّقَ الثَّوْبِ الْآخَرِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ كَمَا وَصَفْت كَمَا يَشْتَمِلُ الْحَيُّ بِالسِّيَاجِ، ثُمَّ يَصْنَعُ بِالْأَثْوَابِ كُلِّهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ يَجْمَعُ مَا عِنْدَ رَأْسِهِ مِنْ الثِّيَابِ جَمْعَ الْعِمَامَةِ، ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ يَرُدُّ مَا عَلَى رِجْلَيْهِ عَلَى ظُهُورِ رِجْلَيْهِ إلَى حَيْثُ بَلَغَ، فَإِنْ خَافُوا أَنْ تَنْتَشِرَ الْأَكْفَانُ عَقَدُوهَا عَلَيْهِ فَإِذَا أَدْخَلُوهُ الْقَبْرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 130 حَلُّوهَا وَأَضْجَعُوهُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ وَوَسَّدُوا رَأْسَهُ بِلَبِنَةٍ وَأَسْنَدُوهُ لِئَلَّا يَسْتَلْقِيَ عَلَى ظَهْرِهِ وَأَدْنَوْهُ إلَى اللَّحْدِ مِنْ مُقَدِّمَتِهِ لِئَلَّا يَنْكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَيُنْصَبُ اللَّبِنُ عَلَى اللَّحْدِ وَيُسَدُّ فَرْجُ اللَّبِنِ ثُمَّ يُهَالُ التُّرَابُ عَلَيْهِ وَالْإِهَالَةُ أَنْ يَطْرَحَ مِنْ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ التُّرَابَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، ثُمَّ يُهَالُ بِالْمَسَاحِي وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُرَدَّ فِي الْقَبْرِ أَكْثَرُ مِنْ تُرَابِهِ لِئَلَّا يَرْتَفِعَ جِدًّا، وَيُشْخَصُ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ وَيُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَيُوضَعُ عَلَيْهِ الْحَصْبَاءُ وَيُوضَعُ عِنْدَ رَأْسِهِ صَخْرَةٌ، أَوْ عَلَامَةٌ مَا كَانَتْ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْقَبْرِ فَقَدْ أَكْمَلَ وَيَنْصَرِفُ مَنْ شَاءَ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ إذَا وُورِيَ فَذَلِكَ لَهُ وَاسِعٌ (قَالَ) : وَبَلَغَنَا «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سَطَّحَ قَبْرَ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَوَضَعَ عَلَيْهِ حَصْبَاءَ مِنْ حَصْبَاءِ الْعَرْصَةِ وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَشَّ عَلَى قَبْرِهِ» وَرُوِيَ عَنْ الْقَاسِمِ قَالَ رَأَيْت قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُسَطَّحَةً (قَالَ) : وَلَا تُبْنَى الْقُبُورُ وَلَا تُجَصَّصُ (قَالَ) :: وَالْمَرْأَةُ فِي غُسْلِهَا كَالرَّجُلِ وَتُتَعَهَّدُ بِأَكْثَرَ مَا يُتَعَهَّدُ بِهِ الرَّجُلُ وَأَنْ يُضَفَّرَ شَعْرُ رَأْسِهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ فَيُلْقَيْنَ خَلْفَهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِذَلِكَ أُمَّ عَطِيَّةَ فِي ابْنَتِهِ وَبِأَمْرِهِ غَسَّلَتْهَا (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَتُكَفَّنُ بِخَمْسَةِ أَثْوَابٍ خِمَارٍ وَإِزَارٍ وَثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهَا دِرْعًا لِمَا رَأَيْت فِيهِ مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ قَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً مَعَهَا، ثُمَّ خَطَّ عَلَيْهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمُؤْنَةُ الْمَيِّتِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ دُونَ وَرَثَتِهِ وَغُرَمَائِهِ فَإِنْ اشْتَجَرُوا فِي الْكَفَنِ فَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ إنْ كَانَ وَسَطًا لَا مُوسِرًا وَلَا مُقِلًّا وَمِنْ الْحَنُوطِ بِالْمَعْرُوفِ لَا سَرَفًا وَلَا تَقْصِيرًا (قَالَ) :: وَيُغَسَّلُ السَّقْطُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ إنْ اسْتَهَلَّ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَدُفِنَ وَالْخِرْقَةُ الَّتِي تُوَارِيهِ لِفَافَةُ تَكْفِينِهِ. [بَابُ الشَّهِيدِ وَمَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُغَسَّلُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالشُّهَدَاءُ الَّذِينَ عَاشُوا وَأَكَلُوا الطَّعَامَ، أَوْ بَقُوا مُدَّةً يَنْقَطِعُ فِيهَا الْحَرْبُ وَإِنْ لَمْ يَطْعَمُوا كَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمَوْتَى وَاَلَّذِينَ قَتَلَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فِي الْمُعْتَرَكِ يُكَفَّنُونَ بِثِيَابِهِمْ الَّتِي قُتِلُوا بِهَا إنْ شَاءَ أَوْلِيَاؤُهُمْ وَتُنْزَعُ عَنْهُمْ الْخِفَافُ وَالْفِرَاءُ وَالْجُلُودُ وَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَامِّ لِبَاسِ النَّاسِ وَلَا يُغَسَّلُونَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ» (قَالَ) : وَعُمَرُ شَهِيدٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُقْتَلْ فِي الْمُعْتَرَكِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَالْغُسْلُ وَالصَّلَاةُ سُنَّةٌ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا مَنْ أَخْرَجَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [بَابُ حَمْلِ الْجِنَازَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَرُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ حَمَلَ فِي جِنَازَةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ» وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ حَمَلَ سَرِيرَ ابْنِ عَوْفٍ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ عَلَى كَاهِلِهِ وَأَنَّ عُثْمَانَ حَمَلَ بَيْنَ عَمُودَيْ سَرِيرِ أُمِّهِ فَلَمْ يُفَارِقْهُ حَتَّى وُضِعَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ حَمَلَ بَيْنَ عَمُودَيْ سَرِيرِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ حَمَلَ بَيْنَ عَمُودَيْ سَرِيرِ الْمِسْوَرِ. (قَالَ) : وَوَجْهُ حَمْلِهَا مِنْ الْجَوَانِبِ أَنْ يَضَعَ يَاسِرَةَ السَّرِيرِ الْمُقَدَّمَةَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ يَاسِرَتَهُ الْمُؤَخَّرَةَ، ثُمَّ يَامِنَةَ السَّرِيرِ الْمُقَدَّمَةَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ يَامِنَتَهُ الْمُؤَخَّرَةَ، فَإِنْ كَثُرَ النَّاسُ أَحْبَبْت أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ حَمْلِهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَمِنْ أَيْنَ حُمِلَ فَحَسَنٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 131 [بَابُ الْمَشْيِ أَمَامَ الْجِنَازَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْمَشْيُ بِالْجِنَازَةِ الْإِسْرَاعُ وَهُوَ فَوْقَ سَجِيَّةِ الْمَشْيِ وَالْمَشْيُ أَمَامَهَا أَفْضَلُ «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ» . [بَابُ مَنْ أَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْوَلِيُّ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ مِنْ الْوَالِي؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الْخَاصَّةِ وَأَحَقُّ قَرَابَتِهِ الْأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، ثُمَّ الْوَلَدُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ، ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ، ثُمَّ أَقْرَبُهُمْ بِهِ عَصَبَةً فَإِنْ اجْتَمَعَ لَهُ أَوْلِيَاءُ فِي دَرَجَةٍ فَأَحَبُّهُمْ إلَيَّ أَسَنُّهُمْ فَإِنْ لَمْ يُحْمَدْ حَالُهُ فَأَفْضَلُهُمْ وَأَفْقَهُهُمْ فَإِنْ اسْتَوَوْا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ وَالْوَلِيُّ الْحُرُّ أَوْلَى مِنْ الْوَلِيِّ الْمَمْلُوكِ. [بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَيُصَلَّى عَلَى الْجَنَائِزِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَإِنْ اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَأَرَادُوا الْمُبَادَرَةَ جَعَلُوا النِّسَاءَ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الرِّجَالُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: وَالْخَنَاثَى فِي مَعْنَاهُ يَكُونُ النِّسَاءُ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الصِّبْيَانِ كَمَا جَعَلَهُمْ فِي الصَّلَاةِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. [بَابُ الْقِيَامُ عِنْدَ وُرُودِ الْجِنَازَةِ لِلصَّلَاةِ وَكَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ وَالدَّفْنِ] بَابُ هَلْ يُسَنُّ الْقِيَامُ عِنْدَ وُرُودِ الْجِنَازَةِ لِلصَّلَاةِ وَفِي كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ وَالدَّفْنِ (قَالَ) : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ: الْقِيَامُ فِي الْجَنَائِزِ مَنْسُوخٌ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إبْرَاهِيمُ: قَالَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمِصِّيصِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ «عَنْ قَيْسِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ شَهِدَ جِنَازَةً مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَرَأَى النَّاسَ قِيَامًا يَنْتَظِرُونَ أَيْنَ تُوضَعُ فَأَشَارَ إلَيْهِمْ بِدُرَّةٍ أَوْ سَوْطٍ اجْلِسُوا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جَلَسَ بَعْدَمَا كَانَ يَقُومُ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ مَسْعُودٍ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلَهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 132 [بَابُ التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَائِزِ] ِ وَمَنْ أَوْلَى بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْقَبْرَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ أَرْبَعًا وَقَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَجَهَرَ بِهَا وَقَالَ إنَّمَا فَعَلْت لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ كُلَّمَا كَبَّرَ عَلَى الْجِنَازَةِ وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ مِثْلُهُ (قَالَ) : وَيُكَبِّرُ الْمُصَلِّي عَلَى الْمَيِّتِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ الثَّانِيَةَ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَذَلِكَ ثُمَّ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ الثَّالِثَةَ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَذَلِكَ وَيَدْعُو لِلْمَيِّتِ فَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك خَرَجَ مِنْ رَوَحِ الدُّنْيَا وَسِعَتِهَا وَمَحْبُوبِهِ وَأَحِبَّائِهِ فِيهَا إلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَمَا هُوَ لَاقِيهِ وَكَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك وَرَسُولُك وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ اللَّهُمَّ نَزَلَ بِك وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ وَأَصْبَحَ فَقِيرًا إلَى رَحْمَتِك وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ وَقَدْ جِئْنَاك رَاغِبِينَ إلَيْك شُفَعَاءَ لَهُ، اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِك رِضَاكَ وَقِه فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَهُ وَأَفْسِحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَجَافِ الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِك الْأَمْنَ مِنْ عَذَابِك حَتَّى تَبْعَثَهُ إلَى جَنَّتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ثُمَّ يُكَبِّرُ الرَّابِعَةَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ وَيُخْفِي الْقِرَاءَةَ وَالدُّعَاءَ وَيَجْهَرُ بِالسَّلَامِ (قَالَ) : وَمَنْ فَاتَهُ بَعْضُ الصَّلَاةِ افْتَتَحَ وَلَمْ يَنْتَظِرْ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ، ثُمَّ قَضَى مَكَانَهُ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ. وَرُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ» وَعَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ مِثْلُهُ. (قَالَ) : وَلَا يُدْخِلُ الْمَيِّتَ قَبْرَهُ إلَّا الرِّجَالُ مَا كَانُوا مَوْجُودِينَ وَيُدْخِلُهُ مِنْهُمْ أَفْقَهُهُمْ وَأَقْرَبُهُمْ بِهِ رَحِمًا، وَيُدْخِلُ الْمَرْأَةَ زَوْجُهَا وَأَقْرَبُهُمْ بِهَا رَحِمًا وَيَسْتُرُ عَلَيْهَا بِثَوْبٍ إذَا أُنْزِلَتْ الْقَبْرَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونُوا وِتْرًا ثَلَاثَةً، أَوْ خَمْسَةً (قَالَ) : وَيُسَلُّ الْمَيِّتُ سَلًّا مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ» (قَالَ) : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ أَبِي الصَّبَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ الْمِنْهَالِ عَنْ خَلِيفَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ قَبْرًا لَيْلًا فَأُسْرِجَ لَهُ وَأَخَذَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ» (قَالَ) : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ مَنِيعٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مَاتَ فَشَهِدَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَأَدْخَلَهُ مِنْ قِبَلِ رِجْلِهِ الْقَبْرَ. [بَابُ مَا يُقَالُ إذَا أُدْخِلَ الْمَيِّتُ قَبْرَهُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أُدْخِلَ الْمَيِّتُ قَبْرَهُ قَالَ الَّذِينَ يُدْخِلُونَهُ " بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ سَلَّمَهُ إلَيْك الْأَشِحَّاءُ مِنْ وَلَدِهِ وَأَهْلِهِ وَقَرَابَتِهِ وَإِخْوَانِهِ وَفَارَقَ مَنْ كَانَ يُحِبُّ قُرْبَهُ وَخَرَجَ مِنْ سِعَةِ الدُّنْيَا وَالْحَيَاةِ إلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَضِيقِهِ وَنَزَلَ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ إنْ عَاقَبْته فَبِذَنْبِهِ وَإِنْ عَفَوْت فَأَنْتَ أَهْلُ الْعَفْوِ أَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ وَهُوَ فَقِيرٌ إلَى رَحْمَتِك اللَّهُمَّ اُشْكُرْ حَسَنَاتِهِ وَاغْفِرْ سَيِّئَاتِهِ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَاجْمَعْ لَهُ بِرَحْمَتِك الْأَمْنَ مِنْ عَذَابِك وَاكْفِهِ كُلَّ هَوْلٍ دُونَ الْجَنَّةِ اللَّهُمَّ اُخْلُفْهُ فِي تَرِكَتِهِ فِي الْغَابِرِينَ وَارْفَعْهُ فِي عِلِّيِّينَ وَعُدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ رَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 133 [بَابُ التَّعْزِيَةِ وَمَا يُهَيَّأُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأُحِبُّ تَعْزِيَةَ أَهْلِ الْمَيِّتِ رَجَاءَ الْأَجْرِ بِتَعْزِيَتِهِمْ وَأَنْ يُخَصَّ بِهَا خِيَارُهُمْ وَضُعَفَاؤُهُمْ عَنْ احْتِمَالِ مُصِيبَتِهِمْ وَيُعَزَّى الْمُسْلِمُ بِمَوْتِ أَبِيهِ النَّصْرَانِيِّ فَيَقُولُ: " أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَخْلَفَ عَلَيْك " وَيَقُولُ فِي تَعْزِيَةِ النَّصْرَانِيِّ لِقَرَابَتِهِ " أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك وَلَا نَقَصَ عَدَدَك " (وَقَالَ) وَأُحِبُّ لِقَرَابَةِ الْمَيِّتِ وَجِيرَانِهِ أَنْ يَعْمَلُوا لِأَهْلِ الْمَيِّتِ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ طَعَامًا يَسَعُهُمْ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ وَفِعْلُ أَهْلِ الْخَيْرِ. [بَاب الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَأُرَخِّصُ فِي الْبُكَاءِ بِلَا نَدْبٍ وَلَا نِيَاحَةٍ لِمَا فِي النَّوْحِ مِنْ تَجْدِيدِ الْحُزْنِ وَمَنْعِ الصَّبْرِ وَعَظِيمِ الْإِثْمِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» وَذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ: - رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ - وَاَللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمَيِّتَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ " وَلَكِنْ قَالَ " إنَّ اللَّهَ يَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ " (قَالَ) : وَقَالَتْ عَائِشَةُ حَسْبُكُمْ الْقُرْآنُ {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ عِنْدَ ذَلِكَ: اللَّهُ أَضْحَكَ وَأَبْكَى. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : مَا رَوَتْ عَائِشَةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْبَهُ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وَقَالَ {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه: 15] «، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِرَجُلٍ فِي ابْنِهِ إنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْك وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ» وَمَا زِيدَ فِي عَذَابِ الْكَافِرِ فَبِاسْتِيجَابِهِ لَهُ لَا بِذَنْبِ غَيْرِهِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) بَلَغَنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يُوصُونَ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ وَبِالنِّيَاحَةِ أَوْ بِهِمَا وَهِيَ مَعْصِيَةٌ وَمَنْ أَمَرَ بِهَا فَعُمِلَتْ بَعْدَهُ كَانَتْ لَهُ ذَنْبًا فَيَجُوزُ أَنْ يُزَادَ بِذَنْبِهِ عَذَابًا - كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - لَا بِذَنْبِ غَيْرِهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 134 [كِتَابُ الزَّكَاةِ] [بَابُ فَرْضِ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ] ِ بَابُ فَرْضِ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ أَنَسٍ، أَوْ ابْنِ فُلَانِ بْنِ أَنَسٍ شَكَّ الشَّافِعِيُّ «عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ هَذِهِ الصَّدَقَةُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بِهَا فَمَنْ سَأَلَهَا عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطَهَا وَمَنْ سَأَلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطَهُ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةَ الْجَمَلِ فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ إلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ جَذَعَةٌ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إنْ اسْتَيْسَرَتَا عَلَيْهِ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَإِذَا بَلَغَتْ عَلَيْهِ الْحِقَّةُ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ حِقَّةٌ وَعِنْدَهُ جَذَعَةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ وَيُعْطِيهِ الْمُتَصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ شَاتَيْنِ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ثَابِتٌ مِنْ جِهَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِ عُمَرَ فِي الصَّدَقَةِ الَّتِي كَانَ يَأْخُذُ عَلَيْهَا فَحَكَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ أَوَّلِهِ إلَى قَوْلِهِ: «فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا بِالْحَوْلِ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَيْءٌ وَلَا فِيمَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ شَيْءٌ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، فَإِنْ جَاءَ بِابْنِ لَبُونٍ وَابْنَةِ مَخَاضٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ابْنَ لَبُونٍ ذَكَرًا وَابْنَةُ مَخَاضٍ مَوْجُودَةٌ، وَإِبَانَةٌ أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ أَنْ تَكُونَ الْإِبِلُ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَيَكُونُ فِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَلَيْسَ فِي زِيَادَتِهَا شَيْءٌ حَتَّى تَكْمُلَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ فَإِذَا أَكْمَلْتهَا فَفِيهَا حِقَّةٌ وَابْنَتَا لَبُونٍ وَلَيْسَ فِي زِيَادَتِهَا شَيْءٌ حَتَّى تَكْمُلَ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ فَإِذَا أَكْمَلَتْهَا فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَابْنَةُ لَبُونٍ وَلَيْسَ فِي زِيَادَتِهَا شَيْءٌ حَتَّى تَكْمُلَ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَإِذَا كَمَّلْتَهَا فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَلَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَكْمُلَ مِائَةً وَسِتِّينَ فَإِذَا كَمَّلْتَهَا فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَلَيْسَ فِي زِيَادَتِهَا شَيْءٌ حَتَّى تَكْمُلَ مِائَةً وَسَبْعِينَ فَإِذَا كَمَّلْتَهَا فَفِيهَا حِقَّةٌ وَثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَلَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَثَمَانِينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَابْنَتَا لَبُونٍ وَلَيْسَ فِي زِيَادَتِهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَتِسْعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَابْنَةُ لَبُونٍ وَلَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 135 تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ فَإِذَا بَلَغَتْهَا، فَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعُ حِقَاقٍ مِنْهَا خَيْرًا مِنْ خَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ أَخَذَهَا الْمُصَدِّقُ وَإِنْ كَانَتْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ خَيْرًا مِنْهَا أَخَذَهَا لَا يَحِلُّ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنْ أَخَذَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ الصِّنْفَ الْأَدْنَى كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ الْفَضْلَ فَيُعْطِيَهُ أَهْلَ السُّهْمَانِ، فَإِنْ وَجَدَ أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ وَلَمْ يَجِدْ الْآخَرَ أَخَذَ الَّذِي وَجَدَ وَلَا يُفَرِّقُ الْفَرِيضَةَ وَإِنْ كَانَ الْفَرْضَانِ مَعِيبَيْنِ بِمَرَضٍ، أَوْ هُيَامٍ أَوْ جَرَبٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَسَائِرُ الْإِبِلِ صِحَاحٌ قِيلَ لَهُ إنْ جِئْت بِالصِّحَاحِ وَإِلَّا أَخَذْنَا مِنْك السِّنَّ الَّتِي هِيَ أَعْلَى وَرَدَدْنَا، أَوْ السِّنَّ الَّتِي هِيَ أَسْفَلُ وَأَخَذْنَا وَالْخِيَارُ فِي الشَّاتَيْنِ، أَوْ الْعِشْرِينَ دِرْهَمًا إلَى الَّذِي أَعْطَى وَلَا يَخْتَارُ السَّاعِي إلَّا مَا هُوَ خَيْرٌ لِأَهْلِ السُّهْمَانِ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ أَعْلَى بِسِنِينَ، أَوْ أَسْفَلَ فَالْخِيَارُ بَيْنَ أَرْبَعِ شِيَاهٍ، أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَلَا يَأْخُذُ مَرِيضًا وَفِي الْإِبِلِ عَدَدٌ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مَعِيبَةً لَمْ يُكَلِّفْهُ صَحِيحًا مِنْ غَيْرِهَا وَيَأْخُذُ جَبْرَ الْمَعِيبِ، وَإِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَاخِضًا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ، وَلَوْ كَانَتْ إبِلُهُ مَعِيبَةً وَفَرِيضَتُهَا شَاةً وَكَانَتْ أَكْثَرَ ثَمَنًا مِنْ بَعِيرٍ مِنْهَا قِيلَ: لَك الْخِيَارُ فِي أَنْ تُعْطِيَ بَعِيرًا مِنْهَا تَطَوُّعًا مَكَانَهَا، أَوْ شَاةً مِنْ غَنَمِك تَجُوزُ أُضْحِيَّةٌ، فَإِنْ كَانَتْ غَنَمُهُ مَعْزًا فَثَنِيَّةٌ أَوْ ضَأْنًا فَجَذَعَةٌ وَلَا أَنْظُرُ إلَى الْأَغْلَبِ فِي الْبَلَدِ لِأَنَّهُ إنَّمَا قِيلَ: إنَّ عَلَيْهِ شَاةً مِنْ شَاةِ بَلَدِهِ تَجُوزُ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ، وَإِذَا كَانَتْ إبِلُهُ كِرَامًا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ الصَّدَقَةَ دُونَهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ لِئَامًا لَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهَا كِرَامًا وَإِذَا عَدَّ عَلَيْهِ السَّاعِي فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ حَتَّى نَقَصَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ فَرَّطَ فِي دَفْعِهَا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَمَا هَلَكَ، أَوْ نَقَصَ فِي يَدَيْ السَّاعِي فَهُوَ أَمِينٌ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ مِثْلَهُ. [بَابُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ السَّائِمَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ مُعَاذًا أَخَذَ مِنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا وَمِنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً. (قَالَ) : وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ مُعَاذًا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا وَمِنْ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً نَصًّا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهَذَا مَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَقِيته خِلَافًا وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ «أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يَأْخُذُ مِنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا وَمِنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً وَأَنَّهُ أُتِيَ بِدُونِ ذَلِكَ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، وَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ شَيْئًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَلْقَاهُ فَأَسْأَلَهُ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ مُعَاذٌ وَأَنَّ مُعَاذًا أُتِيَ بِوَقْصِ الْبَقَرِ فَقَالَ لَمْ يَأْمُرْنِي فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : الْوَقْصُ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْفَرِيضَةَ (قَالَ) : وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ وَلَيْسَ فِيمَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ شَيْءٌ وَإِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ إحْدَى السِّنَّيْنِ وَهُمَا فِي بَقَرَةٍ أَخَذَ الْأَفْضَلَ وَإِذَا وَجَدَ إحْدَاهُمَا لَمْ يُكَلِّفْهُ الْأُخْرَى وَلَا يَأْخُذُ الْمَعِيبَ وَفِيهَا صِحَاحٌ كَمَا قُلْت فِي الْإِبِلِ [بَابُ صَدَقَةِ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ مَعْنَى مَا أَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ أَنْ لَيْسَ فِي الْغَنَمِ صَدَقَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ فَإِذَا بَلَغْتهَا فَفِيهَا شَاةٌ وَلَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا شَاتَانِ وَلَيْسَ فِي زِيَادَتِهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 136 مِائَتَيْنِ وَشَاةً فَإِذَا بَلَغْتهَا فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، ثُمَّ لَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَمِائَةٍ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ وَمَا نَقَصَ عَنْ مِائَةٍ فَلَا شَيْءَ فِيهَا وَتُعَدُّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةُ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِسَاعِيهِ اعْتَدَّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ يَرُوحُ بِهَا الرَّاعِي وَلَا تَأْخُذْهَا وَلَا تَأْخُذْ الْأَكُولَةَ وَلَا الرُّبَّى وَلَا الْمَاخِضَ وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ وَخُذْ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْمَالِ وَخِيَارِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالرُّبَّى هِيَ الَّتِي يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا وَالْمَاخِضُ الْحَامِلُ وَالْأَكُولَةُ السَّمِينَةُ تُعَدُّ لِلذَّبْحِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَبَلَغَنَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمُعَاذٍ إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَبِهَذَا نَأْخُذُ، أَوْ لَمَّا لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا عَلِمْت مَعَ مَا وَصَفْت فِي أَنْ لَا يُؤْخَذَ أَقَلُّ مِنْ جَذَعَةٍ، أَوْ ثَنِيَّةٍ إذَا كَانَتْ فِي غَنَمِهِ، أَوْ أَعْلَى مِنْهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا أَرَادُوا مَا تَجُوزُ أُضْحِيَّةً وَلَا يُؤْخَذُ أَعْلَى إلَّا أَنْ يَطَّوَّعَ، وَيَخْتَارُ السَّاعِي السِّنَّ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ إذَا كَانَتْ الْغَنَمُ كُلُّهَا وَاحِدَةً فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا فَوْقَ الثَّنِيَّةِ خَيَّرَ رَبَّهَا فَإِنْ جَاءَ بِثَنِيَّةٍ إنْ كَانَتْ مَعْزًا، أَوْ بِجَذَعَةٍ إنْ كَانَتْ ضَأْنًا إلَّا أَنْ يَطَّوَّعَ فَيُعْطِيَ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهَا نَقْصٌ لَا تَجُوزُ أُضْحِيَّةً وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ السِّنِّ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ قُبِلَتْ مِنْهُ إنْ جَازَتْ أُضْحِيَّةً إلَّا أَنْ تَكُونَ تَيْسًا فَلَا تُقْبَلُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي فَرْضِ الْغَنَمِ ذُكُورٌ وَهَكَذَا الْبَقَرُ إلَّا أَنْ يَجِبَ فِيهَا تَبِيعٌ وَالْبَقَرُ ثِيرَانٌ فَيُعْطِيَ ثَوْرًا فَيُقْبَلُ مِنْهُ إذَا كَانَ خَيْرًا مِنْ تَبِيعٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْإِبِلِ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا نَأْخُذُ ذَكَرًا مَكَانَ أُنْثَى إلَّا أَنْ تَكُونَ مَاشِيَتُهُ كُلُّهَا ذُكُورًا (قَالَ) : وَلَا يَعْتَدُّ بِالسَّخْلَةِ عَلَى رَبِّ الْمَاشِيَةِ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ السَّخْلُ مِنْ غَنَمِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَيَكُونَ أَصْلُ الْغَنَمِ أَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا فَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْغَنَمُ مِمَّا فِيهِ الصَّدَقَةُ فَلَا يُعْتَدُّ بِالسَّخْلِ حَتَّى تَتِمَّ بِالسَّخْلِ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلَ بِهَا الْحَوْلَ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ رَبِّ الْمَاشِيَةِ. (قَالَ) : وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعُونَ فَأَمْكَنَهُ أَنْ يُصْدِقَهَا فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَتْ، أَوْ بَعْضَهَا فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ حَتَّى مَاتَتْ مِنْهَا شَاةٌ فَلَا زَكَاةَ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَلَوْ أَخْرَجَهَا بَعْدَ حَوْلِهَا فَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهَا إلَى أَهْلِهَا أَوْ الْوَالِي حَتَّى هَلَكَتْ لَمْ تَجْزِ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا بَقِيَ مَا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ زَكَّى وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكُلُّ فَائِدَةٍ مِنْ غَيْرِ نِتَاجِهَا فَهِيَ لِحَوْلِهَا. وَلَوْ نَتَجَتْ أَرْبَعِينَ قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ، ثُمَّ جَاءَ الْمُصَدِّقُ وَهِيَ أَرْبَعُونَ جَدْيًا أَوْ بَهْمَةً، أَوْ بَيْنَ جَدْيٍ وَبَهْمَةٍ، أَوْ كَانَ هَذَا فِي إبِلٍ فَجَاءَ الْمُصَدِّقُ وَهِيَ فِصَالٌ، أَوْ فِي بَقَرٍ وَهِيَ عُجُولٌ أَخَذَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذَا وَأَخَذَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ أُنْثَى وَمِنْ الْبَقَرِ ذَكَرًا. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا وَاحِدًا إنْ كَانَتْ الْبَقَرُ ثَلَاثِينَ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعِينَ فَأُنْثَى فَإِذَا كَانَتْ الْعُجُولُ إنَاثًا وَوَجَبَ تَبِيعٌ قِيلَ: إنْ شِئْت فَائِتِ بِذَكَرٍ مِثْلَ أَحَدِهَا وَإِنْ شِئْت أَعْطَيْت مِنْهَا أُنْثَى وَأَنْتَ مُتَطَوِّعٌ بِالْفَضْلِ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي أَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ عَنْ الصِّغَارِ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْأُمَّهَاتِ مَعَ الْأُمَّهَاتِ فَكَذَلِكَ إذَا حَالَ عَلَيْهَا حَوْلُ الْأُمَّهَاتِ وَلَا نُكَلِّفُهُ كَبِيرَةً مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ: لِي دَعْ الرُّبَّى وَالْمَاخِضَ وَذَاتَ الدَّرِّ وَفَحْلَ الْغَنَمِ وَخُذْ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ عَقَلْت أَنَّهُ قِيلَ: لِي دَعْ خَيْرًا مِمَّا تَأْخُذُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ خَيْرٌ مِنْهُ وَدُونَهُ وَخُذْ الْعَدْلَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَمَا يُشْبِهُ رُبْعَ عُشْرِ مَالِهِ فَإِذَا كَانَتْ عِنْدَهُ أَرْبَعُونَ تُسَاوِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَكُلْفَتُهُ شَاةٌ تُسَاوِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَلَمْ آخُذْ عَدْلًا بَلْ أَخَذْت قِيمَةَ مَالِهِ كُلِّهِ فَلَا آخُذُ صَغِيرًا وَعِنْدَهُ كَبِيرٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا صَغِيرٌ أَخَذْت الصَّغِيرَ كَمَا أَخَذْت الْأَوْسَطَ مِنْ التَّمْرِ وَلَا آخُذُ الجعرور فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا الجعرور أَخَذْت مِنْهُ الجعرور وَلَمْ نُنْقِصْ مِنْ عَدَدِ الْكَيْلِ وَلَكِنْ نَقَصْنَا مِنْ الْجَوْدَةِ لَمَّا لَمْ نَجِدْ الْجَيِّدَ كَذَلِكَ نَقَصْنَا مِنْ السِّنِّ إذَا لَمْ نَجِدْهَا وَلَمْ نُنْقِصْ مِنْ الْعَدَدِ وَلَوْ كَانَتْ ضَأْنًا وَمَعْزًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 137 كَانَتْ سَوَاءً، أَوْ بَقَرًا وَجَوَامِيسَ وَعِرَابًا وَدِرْبَانِيَةً وَإِبِلًا مُخْتَلِفَةً فَالْقِيَاسُ أَنْ نَأْخُذَ مِنْ كُلٍّ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ إبِلُهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ عَشْرٌ مُهْرِيَّةٌ وَعَشْرٌ أَرْحَبِيَّةٌ وَخَمْسٌ عِيدِيَّةٌ فَمَنْ قَالَ يَأْخُذُ مِنْ كُلٍّ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ قَالَ يَأْخُذُ ابْنَةَ مَخَاضٍ بِقِيمَةِ خُمْسَيْ مُهْرِيَّةٍ وَخُمْسَيْ أَرْحَبِيَّةٍ وَخُمْسِ عِيدِيَّةٍ. وَلَوْ أَدَّى فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً مُتَفَرِّقَةً كَرِهْت ذَلِكَ وَأَجْزَأَهُ وَعَلَى صَاحِبِ الْبَلَدِ الْآخَرِ أَنْ يُصَدِّقَهُ، فَإِنْ اتَّهَمَهُ أَحْلَفَهُ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَدِّقُ هِيَ وَدِيعَةٌ، أَوْ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهَا الْحَوْلُ صَدَّقَهُ، وَإِنْ اتَّهَمَهُ أَحْلَفَهُ. وَلَوْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ أَنَّ لَهُ هَذِهِ الْمِائَةَ بِعَيْنِهَا مِنْ رَأْسِ الْحَوْلِ فَقَالَ قَدْ بِعْتهَا ثُمَّ اشْتَرَيْتهَا صُدِّقَ، وَلَوْ مَرَّتْ بِهِ سَنَةٌ وَهِيَ أَرْبَعُونَ فَنَتَجَتْ شَاةً فَحَالَتْ عَلَيْهَا سَنَةٌ ثَانِيَةٌ وَهِيَ إحْدَى وَأَرْبَعُونَ فَنَتَجَتْ شَاةً فَحَالَتْ عَلَيْهَا سَنَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ. وَلَوْ ضَلَّتْ، أَوْ غَصَبَهَا أَحْوَالًا فَوَجَدَهَا زَكَّاهَا لِأَحْوَالِهَا وَالْإِبِلُ الَّتِي فَرِيضَتُهَا مِنْ الْغَنَمِ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّاةَ الَّتِي فِيهَا فِي رِقَابِهَا يُبَاعُ مِنْهَا بِغَيْرٍ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا وَهَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي أَنَّ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ حَالَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ فِي كُلِّ حَوْلٍ شَاةٌ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : الْأَوَّلُ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ لَا يُسَاوِي وَاحِدُهَا شَاةً لِعُيُوبِهَا إنْ سَلَّمَ وَاحِدًا مِنْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَاةٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ ارْتَدَّ فَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى غَنَمِهِ أَوْقَفْته، فَإِنْ تَابَ أُخِذَتْ صَدَقَتُهَا وَإِنْ قُتِلَ كَانَتْ فَيْئًا خُمُسُهَا لِأَهْلِ الْخُمْسِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِأَهْلِ الْفَيْءِ. وَلَوْ غَلَّ صَدَقَتَهُ عُزِّرَ إنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْجَهَالَةَ وَلَا يُعَزَّرُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ عَدْلًا. وَلَوْ ضَرَبَتْ غَنَمُهُ فُحُولَ الظِّبَاءِ لَمْ يَكُنْ حُكْمُ أَوْلَادِهَا كَحُكْمِ الْغَنَمِ كَمَا لَمْ يَكُنْ لِلْبَغْلِ فِي السُّهْمَانِ حُكْمُ الْخَيْلِ. [بَابُ صَدَقَةِ الْخُلَطَاءِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : جَاءَ الْحَدِيثُ «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَلَّذِي لَا أَشُكُّ فِيهِ أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَقْسِمَا الْمَاشِيَةَ خَلِيطَانِ، وَتَرَاجُعُهُمَا بِالسَّوِيَّةِ أَنْ يَكُونَا خَلِيطَيْنِ فِي الْإِبِلِ فِيهَا الْغَنَمُ فَتُوجَدُ الْإِبِلُ فِي يَدَيْ أَحَدِهِمَا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ صَدَقَتُهَا فَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِالسَّوِيَّةِ (قَالَ) : وَقَدْ يَكُونُ الْخَلِيطَانِ الرَّجُلَيْنِ يَتَخَالَطَانِ بِمَاشِيَتِهِمَا وَإِنْ عَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاشِيَتَهُ وَلَا يَكُونَانِ خَلِيطَيْنِ حَتَّى يُرِيحَا وَيَسْرَحَا وَيَحْلُبَا مَعًا وَيَسْقِيَا مَعًا وَيَكُونَ فُحُولَتُهُمَا مُخْتَلِطَةً فَإِذَا كَانَا هَكَذَا صَدَّقَا صَدَقَةَ الْوَاحِدِ بِكُلِّ حَالٍ وَلَا يَكُونَانِ خَلِيطَيْنِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ اخْتَلَطَا وَيَكُونَانِ مُسْلِمَيْنِ، فَإِنْ تَفَرَّقَا فِي مَرَاحٍ، أَوْ مَسْرَحٍ أَوْ سَقْيٍ، أَوْ فَحْلٍ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ فَلَيْسَا خَلِيطَيْنِ وَيُصْدِقَانِ صَدَقَةَ الِاثْنَيْنِ وَهَكَذَا إذَا كَانَا شَرِيكَيْنِ. (قَالَ) : وَلَمَّا لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا إذَا كَانَ ثَلَاثَةُ خُلَطَاءَ لَوْ كَانَتْ لَهُمْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً أُخِذَتْ مِنْهُمْ وَاحِدَةٌ وَصَدَّقُوا صَدَقَةَ الْوَاحِدِ فَنَقَصُوا الْمَسَاكِينَ شَاتَيْنِ مِنْ مَالِ الْخُلَطَاءِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ لَوْ تَفَرَّقَ مَالُهُمْ كَانَتْ فِيهِ ثَلَاثَةُ شِيَاهٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَقُولُوا لَوْ كَانَتْ أَرْبَعُونَ شَاةً مِنْ ثَلَاثَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِمْ شَاةٌ؛ لِأَنَّهُ صَدَّقُوا الْخُلَطَاءَ صَدَقَةَ الْوَاحِدِ (قَالَ) : وَبِهَذَا أَقُولُ فِي الْمَاشِيَةِ كُلِّهَا وَالزَّرْعِ وَالْحَائِطِ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ حَائِطًا صَدَقَتُهُ مُجَزَّأَةٌ عَلَى مِائَةِ إنْسَانٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا عَشْرَةُ أَوْسُقٍ أَمَا كَانَتْ فِيهِ صَدَقَةُ الْوَاحِدِ؟ وَمَا قُلْت فِي الْخُلَطَاءِ مَعْنَى الْحَدِيثِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَوْلُ عَطَاءٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَأَلْت عَطَاءً عَنْ الِاثْنَيْنِ، أَوْ النَّفَرِ يَكُونُ لَهُمْ أَرْبَعُونَ شَاةً فَقَالَ عَلَيْهِمْ شَاةٌ " الشَّافِعِيُّ الَّذِي شَكَّ " (قَالَ) : وَمَعْنَى قَوْلِهِ «لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 138 وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ» لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ خُلَطَاءَ فِي عِشْرِينَ وَمِائَةِ شَاةٍ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ شَاةٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا فُرِّقَتْ كَانَ فِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ رَجُلٍ لَهُ مِائَةُ شَاةٍ وَشَاةٍ وَرَجُلٍ لَهُ مِائَةُ شَاةٍ، فَإِذَا تُرِكَا مُفْتَرِقِينَ فَعَلَيْهِمَا شَاتَانِ وَإِذَا جُمِعَتَا فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَالْخَشْيَةُ خَشْيَةُ السَّاعِي أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَةُ وَخَشْيَةُ رَبِّ الْمَالِ أَنْ تَكْثُرَ الصَّدَقَةُ فَأَمَرَ أَنْ يُقَرَّ كُلٌّ عَلَى حَالِهِ. (قَالَ) : وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا شَاةٌ وَعُدَّتُهُمَا سَوَاءٌ فَظَلَمَ السَّاعِي وَأَخَذَ مِنْ غَنَمِ أَحَدِهِمَا عَنْ غَنَمِهِ وَغَنَمِ الْآخَرِ شَاةً رَبَّى فَأَرَادَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ الشَّاةَ الرُّجُوعَ عَلَى خَلِيطِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ مَا أُخِذَ عَنْ غَنَمِهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ إلَّا بِقِيمَةِ نِصْفِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ جَذَعَةً أَوْ ثَنِيَّةً؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ ظُلْمٌ. (قَالَ) : وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً فَأَقَامَتْ فِي يَدِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهَا، ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا أَخَذَ مِنْ نَصِيبِ الْأَوَّلِ نِصْفَ شَاةٍ لِحَوْلِهِ الْأَوَّلِ فَإِذَا حَالَ حَوْلُهُ الثَّانِي أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ شَاةٍ لِحَوْلِهِ. وَلَوْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَخَالَطَهُ رَجُلٌ بِغَنَمٍ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَلَمْ يَكُونَا شَائِعًا زُكِّيَتْ مَاشِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حَوْلِهَا وَلَمْ يُزَكَّيَا زَكَاةَ الْخَلِيطَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي اخْتَلَطَا فِيهِ فَإِذَا كَانَ قَابِلَ وَهُمَا خَلِيطَانِ كَمَا هُمَا زُكِّيَا زَكَاةَ الْخَلِيطَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَالَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ اخْتَلَطَا، فَإِنْ كَانَتْ مَاشِيَتُهُمَا ثَمَانِينَ وَحَوْلُ أَحَدِهِمَا فِي الْمُحَرَّمِ وَحَوْلُ الْآخَرِ فِي صَفَرٍ أُخِذَ مِنْهُمَا نِصْفُ شَاةٍ فِي الْمُحَرَّمِ وَنِصْفُ شَاةٍ فِي صَفَرٍ. وَلَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاةً وَلِأَحَدِهِمَا بِبَلَدٍ آخَرَ أَرْبَعُونَ شَاةً أَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ شَاةً ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا عَنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ الْغَائِبَةِ وَرُبْعُهَا عَنْ الَّذِي لَهُ عِشْرُونَ لِأَنِّي أَضُمُّ مَالَ كُلِّ رَجُلٍ إلَى مَالِهِ. [بَابُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَتَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى كُلِّ مَالِكٍ تَامِّ الْمِلْكِ مِنْ الْأَحْرَارِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، أَوْ مَعْتُوهًا، أَوْ امْرَأَةً لَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ كَمَا تَجِبُ فِي مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا لَزِمَ مَالُهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ جِنَايَةٌ، أَوْ مِيرَاثٌ، أَوْ نَفَقَةٌ عَلَى وَالِدٍ، أَوْ وَلَدٍ زَمِنٍ مُحْتَاجٍ وَسَوَاءٌ ذَلِكَ فِي الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ وَزَكَاةِ الْفِطْرَةِ وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتِيمِ، أَوْ قَالَ: فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ» وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ أَنَّ الزَّكَاةَ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى. (قَالَ) : فَأَمَّا مَالُ الْمُكَاتَبِ فَخَارِجٌ مِنْ مِلْكِ مَوْلَاهُ إلَّا بِالْعَجْزِ وَمِلْكُهُ غَيْرُ تَامٍّ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَتَقَ فَكَأَنَّهُ اسْتَفَادَ مِنْ سَاعَتِهِ وَإِنْ عَجَزَ فَكَأَنَّ مَوْلَاهُ اسْتَفَادَ مِنْ سَاعَتِهِ. [بَابُ الْوَقْتِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَأَيْنَ يَأْخُذُهَا الْمُصَدِّقُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأُحِبُّ أَنْ يَبْعَثَ الْوَالِي الْمُصَدِّقَ فَيُوَافِي أَهْلَ الصَّدَقَةِ مَعَ حُلُولِ الْحَوْلِ فَيَأْخُذُ صَدَقَاتِهِمْ وَأُحِبُّ ذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ وَكَذَا رَأَيْت السُّعَاةَ عِنْدَمَا كَانَ الْمُحَرَّمُ شِتَاءً، أَوْ صَيْفًا (قَالَ) : وَيَأْخُذُهَا عَلَى مِيَاهِ أَهْلِ الْمَاشِيَةِ وَعَلَى رَبِّ الْمَاشِيَةِ أَنْ يُورِدَهَا الْمَاءَ لِتُؤْخَذْ صَدَقَتُهَا عَلَيْهِ وَإِذَا جَرَتْ الْمَاشِيَةُ عَنْ الْمَاءِ فَعَلَى الْمُصَدِّقِ أَنْ يَأْخُذَهَا فِي بُيُوتِ أَهْلِهَا وَأَفْنِيَتِهِمْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُتْبِعَهَا رَاعِيَةً وَيَحْصُرَهَا إلَى مَضِيقٍ تَخْرُجُ مِنْهُ وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَيَعُدُّهَا كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى عِدَّتِهَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 139 [بَابُ تَعْجِيلِ الصَّدَقَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بِكْرًا فَجَاءَتْهُ إبِلٌ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ قَالَ أَبُو رَافِعٍ فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْضِيَهُ إيَّاهَا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : الْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ وَالصَّدَقَةُ لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا وَقَدْ تَسَلَّفَ لِأَهْلِهَا مَا يَقْضِيهِ مِنْ مَالِهِمْ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَالِفِ بِاَللَّهِ «فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ وَيُكَفِّرُ، ثُمَّ يَحْنَثُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ إلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ. (قَالَ) : فَبِهَذَا نَأْخُذُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَنَجْعَلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا هُوَ أَوْلَى بِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسَلَّفَ صَدَقَةَ الْعَبَّاسِ قَبْلَ حُلُولِهَا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا تَسَلَّفَ الْوَالِي لَهُمْ فَهَلَكَ مِنْهُ قَبْلَ دَفْعِهِ إلَيْهِمْ وَقَدْ فَرَّطَ، أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ فَهُوَ ضَامِنٌ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِمْ أَهْلَ رُشْدٍ لَا يُوَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ الَّذِي يَأْخُذُ لَهُ مَا لَا صَلَاحَ لَهُ إلَّا بِهِ. وَلَوْ اسْتَسْلَفَ لِرَجُلَيْنِ بَعِيرًا فَأَتْلَفَاهُ وَمَاتَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمَا لِأَهْلِ السُّهْمَانِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا لَمْ يَبْلُغَا الْحَوْلَ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمَا فِي صَدَقَةٍ قَدْ حَلَّتْ فِي حَوْلٍ لَمْ يَبْلُغَاهُ، وَلَوْ مَاتَا بَعْدَ الْحَوْلِ كَانَا قَدْ اسْتَوْفَيَا الصَّدَقَةَ، وَلَوْ أَيْسَرَا قَبْلَ الْحَوْلِ، فَإِنْ كَانَ يُسْرُهُمَا مِمَّا دَفَعَ إلَيْهِمَا فَإِنَّمَا بُورِكَ لَهُمَا فِي حَقِّهِمَا فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ يُسْرُهُمَا مِنْ غَيْرِ مَا أَخَذَا أُخِذَ مِنْهُمَا مَا دَفَعَ إلَيْهِمَا لِأَنَّ الْحَوْلَ لَمْ يَأْتِ إلَّا وَهُمَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الصَّدَقَةِ. وَلَوْ عَجَّلَ رَبُّ الْمَالِ زَكَاةَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ قَبْلَ الْحَوْلِ وَهَلَكَ مَالُهُ قَبْلَ الْحَوْلِ فَوَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ الْمُعْطَى لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى مِنْ مَالِهِ مُتَطَوِّعًا لِغَيْرِ ثَوَابٍ، وَلَوْ مَاتَ الْمُعْطَى قَبْلَ الْحَوْلِ وَفِي يَدَيْ رَبِّ الْمَالِ مِائَتَا دِرْهَمٍ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَمَا أَعْطَى كَمَا تَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ أَنْفَقَهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى. وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ لَهُ مَالٌ لَا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ فَأَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ إنْ أَفَدْت مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَهَذِهِ زَكَاتُهَا لَمْ يَجُزْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهَا بِلَا سَبَبِ مَالٍ تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ فَيَكُونُ قَدْ عَجَّلَ شَيْئًا لَيْسَ عَلَيْهِ إنْ حَالَ عَلَيْهِ فِيهِ حَوْلٌ. وَإِذَا عَجَّلَ شَاتَيْنِ مِنْ مِائَتَيْ شَاةٍ فَحَالَ الْحَوْلُ وَقَدْ زَادَتْ شَاةً أَخَذَ مِنْهَا شَاةً ثَالِثَةً فَيَجْزِي عَنْهُ مَا أَعْطَى مِنْهُ وَلَا يُسْقِطُ تَقْدِيمُهُ الشَّاتَيْنِ الْحَقَّ عَلَيْهِ فِي الشَّاةِ الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَوْلِ كَمَا لَوْ أَخَذَ مِنْهَا شَاتَيْنِ فَحَالَ الْحَوْلُ وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا شَاةٌ رَدَّ عَلَيْهِ شَاةً. [بَابُ النِّيَّةِ فِي إخْرَاجِ الصَّدَقَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا وَلَّى إخْرَاجَ زَكَاتِهِ لَمْ يَجْزِهِ إلَّا بِنِيَّةِ أَنَّهُ فَرْضٌ وَلَا يُجْزِئُهُ ذَهَبٌ عَنْ وَرِقٍ وَلَا وَرِقٌ عَنْ ذَهَبٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ. وَلَوْ أَخْرَجَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ إنْ كَانَ مَالِي الْغَائِبُ سَالِمًا فَهَذِهِ زَكَاتُهُ أَوْ نَافِلَةٌ فَكَانَ مَالُهُ سَالِمًا لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِالنِّيَّةِ قَصْدَ فَرْضٍ خَالِصٍ إنَّمَا جَعَلَهَا مُشْتَرِكَةً بَيْنَ فَرْضٍ وَنَافِلَةٍ، وَلَوْ قَالَ عَنْ مَالِي الْغَائِبِ إنْ كَانَ سَالِمًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَالِمًا فَنَافِلَةٌ أَجْزَأَتْ عَنْهُ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ عَنْ الْغَائِبِ هَكَذَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ، وَلَوْ أَخْرَجَهَا لِيَقْسِمَهَا وَهِيَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَهَلَكَ مَالُهُ كَانَ لَهُ حَبْسُ الدَّرَاهِمِ، وَلَوْ ضَاعَتْ مِنْهُ الَّتِي أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ رَجَعَ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِذَا أَخَذَ الْوَالِي مِنْ رَجُلٍ زَكَاتَهُ بِلَا نِيَّةٍ فِي دَفْعِهَا إلَيْهِ أَجْزَأَتْ عَنْهُ كَمَا يُجْزِئُ فِي الْقَسْمِ لَهَا أَنْ يَقْسِمَهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ، أَوْ السُّلْطَانُ وَلَا يَقْسِمُهَا بِنَفْسِهِ وَأُحِبُّ أَنْ يَتَوَلَّى الرَّجُلُ قَسْمَهَا عَنْ نَفْسِهِ لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَدَائِهَا عَنْهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 140 [بَابُ مَا يُسْقِطُ الصَّدَقَةَ عَنْ الْمَاشِيَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ» وَإِذَا كَانَ هَذَا ثَابِتًا فَلَا زَكَاةَ فِي غَيْرِ سَائِمَةٍ وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَيْسَ فِي الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ حَتَّى تَكُونَ سَائِمَةً وَالسَّائِمَةُ الرَّاعِيَةُ وَذَلِكَ أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهَا أَمْرَانِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا مُؤْنَةٌ فِي الْعَلَفِ وَيَكُونَ لَهَا نَمَاءُ الرَّعْيِ فَأَمَّا إنْ عُلِفَتْ فَالْعَلَفُ مُؤْنَةٌ تَحْبَطُ بِفَضْلِهَا وَقَدْ كَانَتْ النَّوَاضِحُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ خُلَفَائِهِ فَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا رَوَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ مِنْهَا صَدَقَةً وَلَا أَحَدًا مِنْ خُلَفَائِهِ (قَالَ) : وَإِنْ كَانَتْ الْعَوَامِلُ تَرْعَى مُدَّةً وَتُتْرَكُ أُخْرَى، أَوْ كَانَتْ غَنَمًا تُعْلَفُ فِي حِينٍ وَتُرْعَى فِي آخَرَ فَلَا يَبِينُ لِي أَنَّ فِي شَيْءٍ مِنْهَا صَدَقَةً وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» (قَالَ) :: وَلَا صَدَقَةَ فِي خَيْلٍ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ عَدَا الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ بِدَلَالَةِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قَالَ قَائِلُونَ: فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الْمُسْتَعْمَلَةِ وَغَيْرِ الْمُسْتَعْمَلَةِ وَمَعْلُوفَةٍ وَغَيْرِ مَعْلُوفَةٍ سَوَاءٌ فَالزَّكَاةُ فِيهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ فِيهَا الزَّكَاةَ وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينِ يُقَالُ لَهُمْ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ -، وَكَذَلِكَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ كَمَا فَرَضَهَا فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَزَعَمْتُمْ أَنَّ مَا اُسْتُعْمِلَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَهِيَ ذَهَبٌ وَوَرِقٌ كَمَا أَنَّ الْمَاشِيَةَ إبِلٌ وَبَقَرٌ فَإِذَا أَزَلْتُمْ الزَّكَاةَ عَمَّا اُسْتُعْمِلَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَأَزِيلُوهَا عَمَّا اُسْتُعْمِلَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ. [بَابُ الْمُبَادَلَةِ بِالْمَاشِيَةِ وَالصَّدَاقِ مِنْهَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا بَادَلَ إبِلًا بِإِبِلٍ، أَوْ غَنَمًا بِغَنَمٍ، أَوْ بَقَرًا بِبَقَرٍ، أَوْ صِنْفًا بِصِنْفٍ غَيْرِهَا فَلَا زَكَاةَ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَى الثَّانِيَةِ مِنْ يَوْمِ يَمْلِكُهَا وَأَكْرَهُ الْفِرَارَ مِنْ الصَّدَقَةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ بِالْمِلْكِ وَالْحَوْلِ لَا بِالْفِرَارِ، وَلَوْ رَدَّ أَحَدُهُمَا بِعَيْبٍ قَبْلَ الْحَوْلِ اسْتَأْنَفَ بِهَا الْحَوْلَ، وَلَوْ أَقَامَتْ فِي يَدِهِ حَوْلًا ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهَا نَاقِصَةً عَمَّا أَخَذَهَا عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ بِمَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ كَانَتْ الْمُبَادَلَةُ فَاسِدَةً زَكَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ، وَلَوْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا، ثُمَّ بَادَلَ بِهَا، أَوْ بَاعَهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مُبْتَاعَهَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ بِنَقْصِ الصَّدَقَةِ، أَوْ يُجِيزَ الْبَيْعَ وَمَنْ قَالَ بِهَذَا قَالَ فَإِنْ أَعْطَى رَبُّ الْمَالِ الْبَائِعُ الْمُصَدِّقَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا مِنْ مَاشِيَةٍ غَيْرِهَا فَلَا خِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْ الْبَيْعِ شَيْءٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا يَمْلِكُ وَمَا لَا يَمْلِكُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَا بَيْعًا مُسْتَأْنَفًا. وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَرْبَعِينَ شَاةً بِأَعْيَانِهَا فَقَبَضَتْهَا، أَوْ لَمْ تَقْبِضْهَا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَأَخَذَتْ صَدَقَتَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْغَنَمِ وَبِنِصْفِ قِيمَةِ الَّتِي وَجَبَتْ فِيهَا، وَكَانَتْ الصَّدَقَةُ مِنْ حِصَّتِهَا مِنْ النِّصْفِ، وَلَوْ أَدَّتْ عَنْهَا مِنْ غَيْرِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا شَيْءٌ هَذَا إذَا لَمْ تَزِدْ وَلَمْ تَنْقُصْ، وَكَانَتْ بِحَالِهَا يَوْمَ أَصْدَقَهَا أَوْ يَوْمَ قَبَضَتْهَا مِنْهُ، وَلَوْ لَمْ تُخْرِجْهَا بَعْدَ الْحَوْلِ حَتَّى أَخَذَتْ نِصْفَهَا فَاسْتَهْلَكَتْهُ أَخَذَ مِنْ النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدَيْ زَوْجِهَا شَاةً وَرَجَعَ عَلَيْهَا بِقِيمَتِهَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 141 [بَابُ رَهْنِ الْمَاشِيَةِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ رَهَنَهُ مَاشِيَةً وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ أُخِذَتْ مِنْهَا وَمَا بَقِيَ فَرَهْنٌ، وَلَوْ بَاعَهُ بَيْعًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ إيَّاهَا كَانَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ كَمَنْ رَهَنَ شَيْئًا لَهُ وَشَيْئًا لَيْسَ لَهُ، وَلَوْ حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ وَجَبَتْ فِيهَا الصَّدَقَةُ، فَإِنْ كَانَتْ إبِلًا فَرِيضَتُهَا الْغَنَمُ بِيعَ مِنْهَا فَاسْتُوْفِيَتْ صَدَقَتُهَا وَكَانَ مَا بَقِيَ رَهْنًا وَمَا نَتَجَ مِنْهَا خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ وَلَا يُبَاعُ مِنْهَا مَاخِضٌ حَتَّى تَضَعَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الرَّاهِنُ. [بَابُ زَكَاةِ الثِّمَارِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ» (قَالَ) : فَبِهَذَا نَأْخُذُ وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي - وَالْخَلِيطَانِ فِي أَصْلِ النَّخْلِ يُصْدِقَانِ صَدَقَةَ الْوَاحِدِ فَإِنْ وَرِثُوا نَخْلًا فَاقْتَسَمُوهَا بَعْدَمَا حَلَّ بَيْعُ ثَمَرِهَا وَكَانَ فِي جَمَاعَتِهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَعَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ لِأَنَّ أَوَّلَ وُجُوبِهَا كَانَ وَهُمْ شُرَكَاءُ اقْتَسَمُوهَا قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ بَيْعُ ثَمَرِهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ حَتَّى تَبْلُغَ حِصَّتُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا عِنْدِي غَيْرُ جَائِزٍ فِي أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ عِنْدَهُ كَالْبَيْعِ، وَلَا يَجُوزُ قَسْمُ التَّمْرِ جُزَافًا وَإِنْ كَانَ مَعَهُ نَخْلٌ كَمَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ عَرَضٌ بِعَرَضٍ مَعَ كُلِّ عَرَضٍ ذَهَبٌ تَبَعٌ لَهُ أَوْ غَيْرُ تَبَعٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَثَمَرُ النَّخْلِ يَخْتَلِفُ فَثَمَرُ النَّخْلِ يُوجَدُ بِتِهَامَةَ وَهِيَ بِنَجْدٍ بُسْرٌ وَبَلَحٌ فَيُضَمُّ بَعْضُ ذَلِكَ إلَى بَعْضٍ لِأَنَّهَا ثَمَرَةُ عَامٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهَا الشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ وَإِذَا أَثْمَرَتْ فِي عَامٍ قَابِلٍ لَمْ يُضَمَّ وَإِذَا كَانَ آخِرُ إطْلَاعِ ثَمَرٍ أَطْلَعَتْ قَبْلَ أَنْ يَجِدَّ فَالْأَطْلَاعُ الَّتِي بَعْدَ بُلُوغِ الْآخِرَةِ كَأَطْلَاعِ تِلْكَ النَّخْلِ عَامًا آخَرَ لَا تُضَمُّ إلَّا طِلَاعَةً إلَى الْعَامِ قَبْلَهَا (قَالَ) : وَيُتْرَكُ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ جَيِّدُ التَّمْرِ مِنْ الْبَرْدِيِّ وَالْكَبِيسِ وَلَا يُؤْخَذُ الجعرور وَلَا مُصْرَانُ الْفَأْرَةِ وَلَا عِذْقُ ابْنُ حُبَيْقٍ وَيُؤْخَذُ وَسَطٌ مِنْ التَّمْرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَمْرُهُ بَرْدِيًّا كُلُّهُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ، أَوْ جعرورا كُلُّهُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ (قَالَ) : وَإِنْ كَانَ لَهُ نَخْلٌ مُخْتَلِفَةٌ وَاحِدٌ يَحْمِلُ فِي وَقْتٍ وَالْآخَرُ حِمْلَيْنِ، أَوْ سَنَةٌ حَمِيلَيْنِ فَهُمَا مُخْتَلِفَانِ. [بَابُ كَيْفَ تُؤْخَذُ زَكَاةُ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ بِالْخَرْصِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ التَّمَّارِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ - فِي زَكَاةِ الْكَرْمِ -: يُخْرَصُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ، ثُمَّ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا» وَبِإِسْنَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ مَنْ يَخْرُصُ عَلَى النَّاسِ كُرُومَهُمْ وَثِمَارَهُمْ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِيَهُودِ خَيْبَرَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ أُقِرُّكُمْ عَلَى مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ عَلَى أَنَّ التَّمْرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ قَالَ فَكَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَقُولُ إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي فَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَقْتُ الْخَرْصِ إذَا حَلَّ الْبَيْعُ وَذَلِكَ حِينَ يَرَى فِي الْحَائِطِ الْحُمْرَةَ أَوْ الصُّفْرَةَ، وَكَذَلِكَ حِينَ يَتَمَوَّهُ الْعِنَبُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 142 وَيُوجَدُ فِيهِ مَا يُؤْكَلُ مِنْهُ (قَالَ) : وَيَأْتِي الْخَارِصُ النَّخْلَةَ فَيَطِيفُ بِهَا حَتَّى يَرَى كُلَّ مَا فِيهَا، ثُمَّ يَقُولُ خَرْصُهَا رُطَبًا كَذَا وَكَذَا وَيَنْقُصُ إذَا صَارَا تَمْرًا كَذَا وَكَذَا فَيَبْنِيهَا عَلَى كَيْلِهَا تَمْرًا وَيَصْنَعُ ذَلِكَ بِجَمِيعِ الْحَائِطِ وَهَكَذَا الْعِنَبُ، ثُمَّ يُخَلِّي بَيْنَ أَهْلِهِ وَبَيْنَهُ فَإِذَا صَارَ تَمْرًا، أَوْ زَبِيبًا أَخَذَ الْعُشْرَ عَلَى خَرْصِهِ، فَإِنْ ذَكَر أَهْلُهُ أَنَّهُ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ أَذْهَبَتْهُ، أَوْ شَيْئًا مِنْهُ صَدَقُوا فَإِنْ اُتُّهِمُوا حَلَفُوا. وَإِنْ قَالَ قَدْ أَحْصَيْت مَكِيلَةَ مَا أَخَذْت وَهُوَ كَذَا وَمَا بَقِيَ كَذَا فَهَذَا خَطَأٌ فِي الْخَرْصِ صُدِّقَ؛ لِأَنَّهَا زَكَاةٌ هُوَ فِيهَا أَمِينٌ، وَإِنْ قَالَ: سُرِقَ بَعْدَمَا صَيَّرْته إلَى الْجَرِينِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا يَبِسَ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الْوَالِي، أَوْ إلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ فَقَدْ ضَمِنَ مَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ فَفَرَّطَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ بَعْدَ هَذَا وَلَوْ اسْتَهْلَكَ رَجُلٌ ثَمَرَةً وَقَدْ خَرَصَ عَلَيْهِ أُخِذَ بِثَمَنِ عُشْرِ وَسَطِهَا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ رُطَبًا، أَوْ بُسْرًا بَعْدَ الْخَرْصِ ضَمِنَ مَكِيلَةَ خَرْصِهِ وَإِنْ أَصَابَ حَائِطَهُ عَطَشٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ ثَمَرَهُ أَضَرَّ بِالنَّخْلِ وَإِنْ قَطَعَهَا بَعْدَ أَنْ يَخْرُصَ بَطَلَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ ثَمَنِهَا كَانَ لَهُ قَطْعُهَا وَيُؤْخَذُ ثَمَنُ عُشْرِهَا، أَوْ عُشْرُهَا مَقْطُوعَةً وَمَنْ قَطَعَ مِنْ ثَمَرِ نَخْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ بَيْعُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ عُشْرٌ وَأَكْرَهُ ذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْكُلَهُ أَوْ يُطْعِمَهُ، أَوْ يُخَفِّفَهُ عَنْ نَخْلِهِ وَإِنْ أَكَلَ رُطَبًا ضَمِنَ عُشْرَهُ تَمْرًا مِثْلَ وَسَطِهِ. وَإِنْ كَانَ لَا يَكُونُ تَمْرًا أَعْلَمَ الْوَالِي لِيَأْمُرَ مَنْ يَبِيعُ مَعَهُ عَشْرَةً رُطَبًا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ خَرَصَهُ لِيَصِيرَ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ، ثُمَّ صَدَّقَ رَبَّهُ فِيمَا بَلَغَ رُطَبُهُ وَأَخَذَ عُشْرَ ثَمَنِهِ، فَإِنْ أَكَلَ أَخَذَ مِنْهُ قِيمَةَ عُشْرِهِ رُطَبًا وَمَا قُلْت فِي النَّخْلِ وَكَانَ فِي الْعِنَبِ فَهُوَ مِثْلُهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ بَعَثَ مَعَ ابْنِ رَوَاحَةَ غَيْرَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَفِي كُلٍّ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ خَارِصَانِ، أَوْ أَكْثَرَ وَقَدْ قِيلَ: يَجُوزُ خَارِصٌ وَاحِدٌ كَمَا يَجُوزُ حَاكِمٌ وَاحِدٌ. وَلَا تُؤْخَذُ صَدَقَةُ شَيْءٍ مِنْ الشَّجَرِ غَيْرَ الْعِنَبِ وَالنَّخْلِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْهُمَا وَكِلَاهُمَا قُوتٌ وَلَا شَيْءَ فِي الزَّيْتُونِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ أُدْمًا وَلَا فِي الْجَوْزِ وَلَا فِي اللَّوْزِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَكُونُ أُدْمًا وَيَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ؛ لِأَنَّهُ فَاكِهَةٌ لَا أَنَّهُ كَانَ بِالْحِجَازِ قُوتًا عَلِمْنَاهُ؛ وَلِأَنَّ الْخَبَرَ فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ خَاصٌّ. [بَابُ صَدَقَةِ الزَّرْعِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : - فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى - {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ الزَّكَاةَ عَلَى الزَّرْعِ (قَالَ) : فَمَا جَمَعَ أَنْ يَزْرَعَهُ الْآدَمِيُّونَ وَيَيْبَسَ وَيُدَّخَرَ وَيُقْتَاتَ مَأْكُولًا خُبْزًا وَسَوِيقًا، أَوْ طَبِيخًا فَفِيهِ الصَّدَقَةُ وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ» وَهَذَا مِمَّا يُزْرَعُ وَيُقْتَاتُ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْعَلَسِ وَهُوَ الْحِنْطَةُ وَالسُّلْتُ وَالْقُطْنِيَّةُ كُلُّهَا إذَا بَلَغَ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَالْعَلَسُ وَالْقَمْحُ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَلَا يُضَمُّ صِنْفٌ مِنْ الْقُطْنَةِ انْفَرَدَ بِاسْمٍ إلَى صِنْفٍ وَلَا شَعِيرٌ إلَى حِنْطَةٍ، وَلَا حَبَّةٌ عُرِفَتْ بِاسْمٍ مُنْفَرِدٍ إلَى غَيْرِهَا فَاسْمُ الْقُطْنِيَّةِ يَجْمَعُ الْعَدَسَ وَالْحِمَّصَ قِيلَ: ثُمَّ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ بِاسْمٍ دُونَ صَاحِبِهِ وَقَدْ يَجْمَعُهَا اسْمُ الْحُبُوبِ، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَخَذَ عُمَرُ الْعُشْرَ مِنْ النَّبَطِ فِي الْقُطْنِيَّةِ قِيلَ: «وَأَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعُشْرَ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ» وَأَخَذَ عُمَرُ الْعُشْرَ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ وَالزَّبِيبِ أَفَيُضَمُّ ذَلِكَ كُلُّهُ؟ قَالَ: وَلَا يَبِينُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْفَثِّ وَإِنْ كَانَ قُوتًا وَلَا مِنْ حَبِّ الْحَنْظَلِ وَلَا مِنْ حَبِّ شَجَرَةٍ بَرِّيَّةٍ كَمَا لَا يُؤْخَذُ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ وَلَا مِنْ الظِّبَاءِ صَدَقَةٌ وَلَا مِنْ الثُّفَّاءِ وَلَا الْإِسْفِيوشِ وَلَا مِنْ حُبُوبِ الْبُقُولِ، وَكَذَلِكَ الْقِثَّاءُ وَالْبِطِّيخُ وَحَبُّهُ، وَلَا مِنْ الْعُصْفُرِ وَلَا مِنْ حَبِّ الْفُجْلِ وَلَا مِنْ السِّمْسِمِ وَلَا مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 143 التُّرْمُسِ لِأَنِّي لَا أَعْلَمُهُ يُؤْكَلُ إلَّا دَوَاءً، أَوْ تَفَكُّهًا، وَلَا مِنْ الأبذار. وَلَا يُؤْخَذُ زَكَاةُ شَيْءٍ مِمَّا يَيْبَسُ حَتَّى يَيْبَسَ وَيُدَاسَ وَيَيْبَسَ زَبِيبُهُ وَتَمْرُهُ وَيَنْتَهِي وَإِنْ أَخَذَهُ رَطْبًا كَانَ عَلَيْهِ رَدُّهُ، أَوْ رَدُّ قِيمَتِهِ إنْ لَمْ يُوجَدْ وَأَخَذَهُ يَابِسًا وَلَا أُجِيزُ بَيْعَ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ رَطْبًا لِاخْتِلَافِ نُقْصَانِهِ، وَالْعُشْرُ مُقَاسَمَةً كَالْبَيْعِ وَلَوْ أَخَذَهُ مِنْ عِنَبٍ لَا يَصِيرُ زَبِيبًا، أَوْ مِنْ رُطَبٍ لَا يَصِيرُ تَمْرًا أَمَرْته بِرَدِّهِ لِمَا وَصَفْت وَكَانَ شَرِيكًا فِيهِ يَبِيعُهُ وَلَوْ قَسَمَهُ عِنَبًا مُوَازَنَةً كَرِهْته لَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُرْمٌ. [بَابُ الزَّرْعِ فِي أَوْقَاتٍ] ٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : الذُّرَةُ تُزْرَعُ مَرَّةً فَتَخْرُجُ فَتُحْصَدُ، ثُمَّ تَسْتَخْلِفُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَتُحْصَدُ أُخْرَى فَهُوَ زَرْعٌ وَاحِدٌ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ حَصْدَتُهُ الْأُخْرَى وَهَكَذَا بَذْرُ الْيَوْمِ وَبَذْرُ بَعْدِ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ وَاحِدٌ لِلزَّرْعِ وَتَلَاحُقُهُ فِيهِ مُتَقَارِبٌ (قَالَ) : وَإِذَا زُرِعَ فِي السَّنَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي خَرِيفٍ وَرَبِيعٍ وَصَيْفٍ فَفِيهِ أَقَاوِيلُ مِنْهَا أَنَّهُ زَرْعٌ وَاحِدٌ إذَا زُرِعَ فِي سَنَةٍ وَإِنْ أُدْرِكَ بَعْضُهُ فِي غَيْرِهَا وَمِنْهَا أَنْ يُضَمَّ مَا أُدْرِكَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا أُدْرِكَ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى ضُمَّ إلَى مَا أُدْرِكَ فِي الْأُخْرَى وَمِنْهَا أَنَّهُ مُخْتَلِفٌ لَا يُضَمُّ وَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - فِي مَوْضِعٍ آخَرَ -: وَإِذَا كَانَ الزَّرْعَانِ وَحَصَادُهُمَا مَعًا فِي سَنَةٍ فَهُمَا كَالزَّرْعِ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَ بَذْرُ أَحَدِهِمَا قَبْلَ السَّنَةِ وَحَصَادُ الْآخَرِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ السَّنَةِ فَهُمَا زَرْعَانِ لَا يُضَمَّانِ وَلَا يُضَمُّ زَرْعُ سَنَةٍ إلَى زَرْعِ سَنَةٍ غَيْرِهَا. [بَابُ قَدْرِ الصَّدَقَةِ فِيمَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ قَوْلًا مَعْنَاهُ: «مَا سُقِيَ بِنَضْحٍ، أَوْ غَرْبٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَمَا سُقِيَ بِغَيْرِهِ مِنْ عَيْنٍ، أَوْ سَمَاءٍ فَفِيهِ الْعُشْرُ» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَعْنَى ذَلِكَ، وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا وَبِهَذَا أَقُولُ وَمَا سُقِيَ مِنْ هَذَا بِنَهْرٍ، أَوْ سَيْلٍ، أَوْ مَا يَكُونُ فِيهِ الْعُشْرُ فَلَمْ يَكْتَفِ بِهِ حَتَّى يُسْقَى بِالْغَرْبِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَا عَاشَ فِي السِّقْيَيْنِ، فَإِنْ عَاشَ بِهِمَا نِصْفَيْنِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ، وَإِنْ عَاشَ بِالسَّيْلِ أَكْثَرَ زِيدَ فِيهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَقَدْ قِيلَ: يُنْظَرُ أَيُّهُمَا عَاشَ بِهِ أَكْثَرَ فَيَكُونُ صَدَقَتُهُ بِهِ وَالْقِيَاسُ مَا وَصَفْت وَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الزَّرْعِ مَعَ يَمِينِهِ وَأَخْذُ الْعُشْرِ أَنْ يُكَالَ لِرَبِّ الْمَالِ تِسْعَةً وَيَأْخُذَ الْمُصَدِّقُ الْعَاشِرَ وَهَكَذَا نِصْفُ الْعُشْرِ مَعَ خَرَاجِ الْأَرْضِ وَمَا زَادَ مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَبِحِسَابِهِ. [بَابُ صَدَقَةِ الْوَرِقِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» (قَالَ) : وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَإِذَا بَلَغَ الْوَرِقُ خَمْسَ أَوَاقٍ وَذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ بِدَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ وَكُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ دَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ ذَهَبٍ بِمِثْقَالِ الْإِسْلَامِ فَفِي الْوَرِقِ صَدَقَةٌ. وَلَوْ كَانَتْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ تَنْقُصُ حَبَّةً، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ تَجُوزُ جَوَازَ الْوَازِنَةِ أَوْ لَهَا فَضْلٌ عَلَى الْوَازِنَةِ غَيْرُهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَوْسُقٍ بَرْدِيٌّ خَيْرٌ قِيمَةً مِنْ مِائَةِ وَسْقٍ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا زَكَاةٌ. وَلَوْ كَانَتْ لَهُ وَرِقٌ رَدِيئَةٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 144 وَوَرِقٌ جَيِّدَةٌ أُخِذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا بِقَدْرِهَا وَأَكْرَهُ لَهُ الْوَرِقَ الْمَغْشُوشَ لِئَلَّا يَغُرَّ بِهِ أَحَدًا، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ فِضَّةٌ خَلَطَهَا بِذَهَبٍ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُدْخِلَهَا النَّارَ حَتَّى يُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا فَيُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. وَلَوْ كَانَتْ لَهُ فِضَّةٌ مَلْطُوخَةٌ عَلَى لِجَامٍ، أَوْ مُمَوَّهٌ بِهَا سَقْفُ بَيْتٍ وَكَانَتْ تُمَيَّزُ فَتَكُونُ شَيْئًا إنْ جُمِعَتْ بِالنَّارِ فَعَلَيْهِ إخْرَاجُ الصَّدَقَةِ عَنْهَا وَإِلَّا فَهِيَ مُسْتَهْلَكَةٌ. وَإِذَا كَانَ فِي يَدَيْهِ أَقَلُّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ وَمَا يُتِمُّ خَمْسَ أَوَاقٍ دَيْنًا لَهُ، أَوْ غَائِبًا عَنْهُ أَحْصَى الْحَاضِرَةَ وَانْتَظَرَ الْغَائِبَةَ، فَإِنْ اقْتَضَاهَا أَدَّى رُبْعَ عُشْرِهَا وَمَا زَادَ، وَلَوْ قِيرَاطًا فَبِحِسَابِهِ وَإِنْ ارْتَدَّ، ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ وَالثَّانِي يُوقَفُ، فَإِنْ أَسْلَمَ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ بِالرِّدَّةِ وَإِنْ قُتِلَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زَكَاةٌ وَبِهَذَا أَقُولُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : أَوْلَى بِقَوْلِهِ عِنْدِي الْقَوْلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَعْنَاهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَحَرَامٌ أَنْ يُؤَدِّيَ الرَّجُلُ الزَّكَاةَ مِنْ شَرِّ مَالِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: 267] يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لَا تُعْطُوا فِي الزَّكَاةِ مَا خَبُثَ أَنْ تَأْخُذُوهُ لِأَنْفُسِكُمْ وَتَتْرُكُوا الطَّيِّبَ عِنْدَكُمْ. [بَابُ صَدَقَةِ الذَّهَبِ وَقَدْرِ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَا أَعْلَمُ اخْتِلَافًا فِي أَنْ لَيْسَ فِي الذَّهَبِ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا جَيِّدًا كَانَ، أَوْ رَدِيئًا، أَوْ إنَاءً، أَوْ تِبْرًا، فَإِنْ نَقَصَتْ حَبَّةٌ أَوْ أَقَلُّ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا صَدَقَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ مَعَهَا خَمْسُ أَوَاقٍ فِضَّةً إلَّا قِيرَاطًا، أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَكَاةٌ، وَإِذَا لَمْ يُجْمَعْ التَّمْرُ إلَى الزَّبِيبِ وَهُمَا يُخْرَصَانِ وَيُعْشَرَانِ وَهُمَا حُلْوَانِ مَعًا وَأَشَدُّ تَقَارُبًا فِي الثَّمَنِ وَالْخِلْقَةِ وَالْوَزْنِ مِنْ الذَّهَبِ إلَى الْوَرِقِ فَكَيْفَ يَجْمَعُ جَامِعٌ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ؟ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ قَالَ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» فَأَخَذَهَا فِي أَقَلَّ، فَإِنْ قَالَ ضَمَمْت إلَيْهَا غَيْرَهَا قِيلَ: تُضَمُّ إلَيْهَا بَقَرًا، فَإِنْ قَالَ: لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِهَا قِيلَ: وَكَذَلِكَ فَالذَّهَبُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْوَرِقِ (قَالَ) :: وَلَا يَجِبُ عَلَى رَجُلٍ زَكَاةٌ فِي ذَهَبٍ حَتَّى يَكُونَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَآخِرِهِ، فَإِنْ نَقَصَتْ شَيْئًا ثُمَّ تَمَّتْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى تَسْتَقْبِلَ بِهَا حَوْلًا مِنْ يَوْمِ تَمَّتْ عِشْرِينَ. [بَابُ زَكَاةِ الْحُلِيِّ] ِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُحَلِّي بَنَاتِ أَخِيهَا أَيْتَامًا فِي حِجْرِهَا فَلَا تُخْرِجُ مِنْهُ زَكَاةً وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتِهِ وَجَوَارِيهِ ذَهَبًا، ثُمَّ لَا يُخْرِجُ زَكَاتَهُ. (قَالَ) : وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ فِي الْحُلِيِّ الزَّكَاةَ، وَهَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ فَمَنْ قَالَ: فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّى خَاتَمَهُ وَحِلْيَةَ سَيْفِهِ وَمِنْطَقَتَهُ وَمُصْحَفَهُ وَمَنْ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِيهِ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِي خَاتَمِهِ وَلَا حِلْيَةِ سَيْفِهِ وَلَا مِنْطَقَتِهِ إذَا كَانَتْ مِنْ وَرِقٍ، فَإِنْ اتَّخَذَهُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ حُلِيَّ امْرَأَةٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُحَلَّى ذَهَبًا، أَوْ وَرِقًا وَلَا أَجْعَلُ حُلِيَّهَا زَكَاةً فَإِنْ اتَّخَذَ رَجُلٌ، أَوْ امْرَأَةٌ إنَاءً مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ وَرِقٍ زَكَّيَاهُ فِي الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا اتِّخَاذُهُ، فَإِنْ كَانَ وَزْنُهُ أَلْفًا وَقِيمَتُهُ مَصُوغًا أَلْفَيْنِ فَإِنَّمَا زَكَاتُهُ عَلَى وَزْنِهِ لَا عَلَى قِيمَتِهِ وَإِنْ انْكَسَرَ حُلِيُّهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ. وَلَوْ وَرِثَ رَجُلٌ حُلِيًّا، أَوْ اشْتَرَاهُ فَأَعْطَاهُ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِهِ، أَوْ خَدَمِهِ هِبَةً، أَوْ عَارِيَّةً، أَوْ أَرْصَدَهُ لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي قَوْلِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 145 مَنْ قَالَ لَا زَكَاةَ فِيهِ إذَا أَرْصَدَهُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ، فَإِنْ أَرْصَدَهُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي غَيْرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ وَهَذَا أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّ أَصْلُهُ أَنَّ فِي الْمَاشِيَةِ زَكَاةً وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعْمَلِ مِنْهَا زَكَاةٌ فَكَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ وَلَيْسَ فِي الْمُسْتَعْمَلِ مِنْهُمَا زَكَاةٌ. [بَابُ مَا لَا يَكُونُ فِيهِ زَكَاةٌ] ٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَا كَانَ مِنْ لُؤْلُؤٍ، أَوْ زَبَرْجَدٍ أَوْ يَاقُوتٍ وَمِرْجَانٍ وَحِلْيَةِ بَحْرٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَلَا فِي مِسْكٍ وَلَا عَنْبَرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْعَنْبَرِ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِمَّا خَالَفَ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ وَالْمَاشِيَةَ وَالْحَرْثَ عَلَى مَا وَصَفْت. [بَابُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ أَنَّ أَبَاهُ حِمَاسًا قَالَ مَرَرْت عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلَى عُنُقِي آدِمَةٌ أَحْمِلُهَا فَقَالَ أَلَا تُؤَدِّي زَكَاتَك يَا حِمَاسُ؟ فَقُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا لِي غَيْرُ هَذِهِ وَأَهَبُ فِي الْقَرْظِ فَقَالَ ذَاكَ مَالٌ فَضَعْ فَوَضَعْتهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَسِبَهَا فَوَجَدَهَا قَدْ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ فَأَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا اتَّجَرَ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَارَتْ ثَلَثَمِائَةٍ قَبْلَ الْحَوْلِ، ثُمَّ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ زَكَّى الْمِائَتَيْنِ لِحَوْلِهَا وَالْمِائَةَ الَّتِي زَادَتْ لِحَوْلِهَا وَلَا يُضَمُّ مَا رَبِحَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا وَإِنَّمَا صَرَفَهَا فِي غَيْرِهَا، ثُمَّ بَاعَ مَا صَرَفَهَا فِيهِ وَلَا يُشْبِهُ أَنْ يَمْلِكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ يَشْتَرِي بِهَا عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ فَيَحُولَ الْحَوْلُ وَالْعَرْضُ فِي يَدَيْهِ فَيَقُولُ الْعَرْضُ بِزِيَادَتِهِ أَوْ بِنَقْصِهِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ تَحَوَّلَتْ فِي الْعَرَضِ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ وَصَارَ الْعَرَضُ كَالدَّرَاهِمِ يُحْسَبُ عَلَيْهَا لِحَوْلِهَا فَإِذَا نَضَّ ثَمَنُ الْعَرَضِ بَعْدَ الْحَوْلِ أُخِذَتْ الزَّكَاةُ مِنْ ثَمَنِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ. (قَالَ) : وَلَوْ اشْتَرَى عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بِعَرَضٍ فَحَال الْحَوْلُ عَلَى عَرَضٍ التِّجَارَةِ قُوِّمَ بِالْأَغْلَبِ مِنْ نَقْدِ بَلَدِهِ دَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ وَإِنَّمَا قَوَّمْته بِالْأَغْلَبِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ بِعَرْضٍ (قَالَ) : وَيُخْرِجُ زَكَاتَهُ مِنْ الَّذِي قُوِّمَ بِهِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدَيْهِ عَرَضٌ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِي قِيمَتِهِ الزَّكَاةُ وَأَقَامَ فِي يَدَيْهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بِدَنَانِيرَ فَأَقَامَ فِي يَدَيْهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَقَدْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالَيْنِ مَعًا وَقَامَ أَحَدُهُمَا مَكَانَ صَاحِبِهِ فَيُقَوِّمُ الْعَرَضُ الَّذِي فِي يَدَيْهِ وَيُخْرِجُ زَكَاتَهُ. وَلَوْ اشْتَرَى عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بِدَنَانِيرَ، أَوْ بِدَرَاهِمَ، أَوْ بِشَيْءٍ تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَكَانَ إفَادَةُ مَا اشْتَرَى بِهِ ذَلِكَ الْعَرَضَ مِنْ يَوْمِهِ لَمْ يُقَوَّمْ الْعَرْضُ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَ ثَمَنَ الْعَرْضِ، ثُمَّ يُزَكِّيهِ بَعْدَ الْحَوْلِ، وَلَوْ أَقَامَ هَذَا الْعَرْضَ فِي يَدَيْهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ بَاعَهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَأَقَامَتْ فِي يَدَيْهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ زَكَّاهَا (قَالَ الْمُزَنِيّ) : إذَا كَانَتْ فَائِدَتُهُ نَقْدًا فَحَوْلُ الْعَرَضِ مِنْ حِينِ أَفَادَ النَّقْدَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قِيمَةِ الْعَرَضِ لِلتِّجَارَةِ وَالنَّقْدِ فِي الزَّكَاةِ رُبْعُ عُشْرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ زَكَاةُ الْمَاشِيَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ بِالْحَوْلِ شَاةً أَفَيُضَمُّ مَا فِي حَوْلِهِ زَكَاةُ شَاةٍ إلَى مَا فِي حَوْلِهِ زَكَاةُ رُبْعِ عُشْرٍ وَمِنْ قَوْلِهِ لَوْ أَبْدَلَ إبِلًا بِبَقَرٍ، أَوْ بَقَرًا بِغَنَمٍ لَمْ يَضُمَّهَا فِي حَوْلٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا فِي الزَّكَاةِ مُخْتَلِفٌ، وَكَذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَضُمَّ فَائِدَةَ مَاشِيَةٍ زَكَاتُهَا شَاةٌ، أَوْ تَبِيعٌ، أَوْ بِنْتُ لَبُونٍ أَوْ بِنْتُ مَخَاضٍ إلَى حَوْلِ عَرَضٍ زَكَاتُهُ رُبْعُ عُشْرٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 146 فَحَوْلُ هَذَا الْعَرَضِ مِنْ حِينِ اشْتَرَاهُ لَا مِنْ حِينِ أَفَادَ الْمَاشِيَةَ الَّتِي بِهَا اشْتَرَاهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى الْعَرَضَ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَمْ يُقَوَّمْ إلَّا بِدَرَاهِمَ، وَإِنْ كَانَ الدَّنَانِيرُ الْأَغْلَبَ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ بِدَنَانِيرَ قَوَّمَ الدَّنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ وَزُكِّيَتْ الدَّنَانِيرُ بِقِيمَةِ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ مَا اشْتَرَى بِهِ الْعَرَضَ الدَّرَاهِمُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى بِالدَّنَانِيرِ لَمْ يُقَوَّمْ الْعَرَضُ إلَّا بِالدَّنَانِيرِ وَلَوْ بَاعَهُ بِدَرَاهِمَ وَعَرَضٍ قُوِّمَ بِالدَّنَانِيرِ. وَلَوْ أَقَامَتْ عِنْدَهُ مِائَةُ دِينَارٍ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ مِائَةَ دِينَارٍ فَلَا زَكَاةَ فِي الدَّنَانِيرِ الْأَخِيرَةِ وَلَا فِي الدَّرَاهِمِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهَا؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا بِأَنْفُسِهَا وَلَوْ اشْتَرَى عَرَضًا لِغَيْرِ تِجَارَةٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ مَلَكَ بِغَيْرِ شِرَاءٍ، فَإِنْ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ. وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ نَوَاهُ لِقِنْيَةٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَأُحِبُّ لَوْ فَعَلَ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا السَّائِمَةَ إذَا نَوَى عَلَفَهَا فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْ السَّائِمَةِ حَتَّى يَعْلِفَهَا، وَلَوْ كَانَ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِمَّا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ زَكَّى ثَمَنَ الْعَرَضِ مِنْ يَوْمِ مِلْكِ الْعَرَضِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَحَوَّلَتْ فِيهِ بِعَيْنِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَكَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ يَحُولُ الْحَوْلُ أَقَلَّ سَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهَا تَحَوَّلَتْ فِيهِ وَفِي ثَمَنِهِ إذَا بِيعَ لَا فِيمَا اشْتَرَى بِهِ. (قَالَ) : وَلَا تَمْنَعُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ فِي الرَّقِيقِ زَكَاةَ الْفِطْرِ إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى عَدَدِ الْأَحْرَارِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِمَالٍ إنَّمَا هِيَ طَهُورٌ لِمَنْ لَزِمَهُ اسْمُ الْإِيمَانِ. وَإِذَا اشْتَرَى نَخْلًا، أَوْ زَرْعًا لِلتِّجَارَةِ، أَوْ وَرِثَهَا زَكَّاهَا زَكَاةَ النَّخْلِ وَالزَّرْعِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ النَّخْلِ غِرَاسٌ لَا زَكَاةَ فِيهَا زَكَّاهَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ وَالْخُلَطَاءُ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ كَالْخُلَطَاءِ فِي الْمَاشِيَةِ وَالْحَرْثِ عَلَى مَا وَصَفْت سَوَاءٌ. [بَابُ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْقَرَابَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ أَلْفَ دِرْهَمٍ قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تُزَكَّى كُلُّهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِرَبِّ الْمَالِ أَبَدًا حَتَّى يُسَلِّمَ إلَيْهِ رَأْسَ مَالِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَامِلُ نَصْرَانِيًّا فَإِذَا سَلَّمَ لَهُ رَأْسَ مَالِهِ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ وَهَذَا أَشْبَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي الْأَلْفِ وَالْخَمْسِمِائَةِ وَوُقِفَتْ زَكَاةُ خَمْسِمِائَةٍ، فَإِنْ حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ صَارَتْ لِلْعَامِلِ زَكَّاهَا إنْ كَانَ مُسْلِمًا فَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ رِبْحُهُ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ زَكَّاهَا؛ لِأَنَّهُ خَلِيطٌ بِهَا، وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ نَصْرَانِيًّا وَالْعَامِلُ مُسْلِمًا فَلَا رِبْحَ لِمُسْلِمٍ حَتَّى يُسَلِّمَ إلَى النَّصْرَانِيِّ رَأْسَ مَالِهِ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ بِرِبْحِهِ حَوْلًا، وَالْقَوْلُ الثَّانِي يُحْصَى ذَلِكَ كُلُّهُ، فَإِنْ سَلَّمَ لَهُ رِبْحَهُ أَدَّى زَكَاتَهُ كَمَا يُؤَدِّي مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ مُنْذُ كَانَ لَهُ فِي الْمَالِ فَضْلٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : أَوْلَى بِقَوْلِهِ عِنْدِي أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْعَامِلِ زَكَاةٌ حَتَّى يُحَصِّلَ رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ فِي الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَوْ كَانَ لَهُ شَرِكَةٌ فِي الْمَالِ، ثُمَّ نَقَصَ قَدْرُ الرِّبْحِ كَانَ لَهُ فِي الْبَاقِي شِرْكٌ فَلَا رِبْحَ لَهُ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ رَأْسِ الْمَالِ. [بَابُ الدَّيْنِ مَعَ الصَّدَقَةِ وَزَكَاةِ اللُّقَطَةِ وَكِرَاءِ الدُّورِ وَالْغَنِيمَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا كَانَتْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ السُّلْطَانُ قَبْلَ الْحَوْلِ وَلَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ أَخْرَجَ زَكَاتَهَا، ثُمَّ قَضَى غُرَمَاءَهُ بَقِيَّتَهَا، وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ وَجَعَلَ لَهُمْ مَالَهُ حَيْثُ وَجَدُوهُ قَبْلَ الْحَوْلِ، ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْغُرَمَاءُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 147 لِأَنَّهُ صَارَ لَهُمْ دُونَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ وَهَكَذَا فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَالْمَاشِيَةِ الَّتِي صَدَقَتُهَا مِنْهَا كَالْمُرْتَهِنِ لِلشَّيْءِ فَيَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ مَالُهُ فِيهِ وَلِلْغُرَمَاءِ فَضْلُهُ. (قَالَ) : وَكُلُّ مَالٍ رُهِنَ فَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ أَخْرَجَ مِنْهُ الزَّكَاةَ قَبْل الدَّيْنِ (وَقَالَ الْمُزَنِيّ) : وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إذَا كَانَتْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ مِنْ قَوْلَيْهِ مَشْهُورٌ (قَالَ) : وَإِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ فَعَلَيْهِ تَعْجِيلُ زَكَاتِهِ كَالْوَدِيعَةِ، وَلَوْ جَحَدَ مَالَهُ، أَوْ غَصَبَهُ، أَوْ غَرِقَ فَأَقَامَ زَمَانًا، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ؛ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ، فَإِنْ قَبَضَ مِنْ ذَلِكَ مَا فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِثْلِهِ زَكَاةٌ فَكَانَ لَهُ مَالٌ ضَمَّهُ إلَيْهِ وَإِلَّا حَسَبَهُ فَإِذَا قَبَضَ مَا إذَا جَمَعَ إلَيْهِ ثَبَتَ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّى لِمَا مَضَى. (قَالَ) : وَإِذَا عَرَّفَ لُقَطَةً سَنَةً، ثُمَّ حَالَ عَلَيْهَا أَحْوَالٌ وَلَمْ يُزَكِّهَا، ثُمَّ جَاءَهُ صَاحِبُهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَى الَّذِي وَجَدَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالِكًا قَطُّ حَتَّى جَاءَ صَاحِبُهَا وَالْقَوْلُ فِيهَا كَمَا وَصَفْت فِي أَنَّ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ لِمَا مَضَى؛ لِأَنَّهَا مَالُهُ، أَوْ فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْهُ فِي مُقَامِهَا فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ بَعْدَ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ أَكْلُهَا (قَالَ الْمُزَنِيّ) : أُشَبِّهُ الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِقَوْلِهِ: إنَّ مِلْكِهِ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ فِي بَابِ صَدَقَاتِ الْغَنَمِ، وَلَوْ ضَلَّتْ غَنَمُهُ، أَوْ غَصَبَهَا أَحْوَالًا، ثُمَّ وَجَدَهَا زَكَّاهَا لِأَحْوَالِهَا فَقَضَى مَا لَمْ يَخْتَلِفْ مِنْ قَوْلِهِ فِي هَذَا لِأَحَدِ قَوْلَيْهِ فِي أَنَّ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ كَمَا قَطَعَ فِي ضَوَالِّ الْغَنَمِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَكْرَى دَارًا أَرْبَعَ سِنِينَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَالْكِرَاءُ حَالٌّ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَجَلًا فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ زَكَّى خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا وَفِي الْحَوْلِ الثَّانِي خَمْسِينَ لِسَنَتَيْنِ إلَّا قَدْرَ زَكَاةِ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ دِينَارًا وَفِي الْحَوْلِ الثَّالِثِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ دِينَارًا لِثَلَاثِ سِنِينَ إلَّا قَدْرَ زَكَاةِ السَّنَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ وَفِي الْحَوْلِ الرَّابِعِ زَكَّى مِائَةً لِأَرْبَعِ سِنِينَ إلَّا قَدْرَ زَكَاةِ مَا مَضَى، وَلَوْ قَبَضَ الْمُكْرِي الْمَالَ ثُمَّ انْهَدَمَتْ الدَّارُ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ إلَّا فِيمَا سَلَّمَ لَهُ وَلَا يُشْبِهُ صَدَاقَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ عَلَى الْكَمَالِ، فَإِنْ طَلَّقَ انْتَقَضَ النِّصْفُ وَالْإِجَارَةُ لَا يُمَلَّكُ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا بِسَلَامَةِ مَنْفَعَةِ الْمُسْتَأْجِرِ مُدَّةً يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الْإِجَارَةِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا خِلَافٌ أَصْلُهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهَا حَالَّةً يَمْلِكُهَا الْمُكْرِي إذَا سَلَّمَ مَا أَكْرَى كَثَمَنِ السِّلْعَةِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَجَلًا وَقَوْلُهُ هَا هُنَا أَشْبَهُ عِنْدِي بِأَقَاوِيلِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمِلْكِ لَا عَلَى مَا عَبَّرَ فِي الزَّكَاةِ (قَالَ) : وَلَوْ غَنِمُوا فَلَمْ يَقْسِمْهُ الْوَالِي حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ فَقَدْ أَسَاءَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ وَلَا زَكَاةَ فِي فِضَّةٍ مِنْهَا وَلَا ذَهَبٍ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ بِهَا حَوْلًا بَعْدَ الْقَسْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهِ بِعَيْنِهِ وَأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ قِسْمَتَهُ إلَّا أَنْ يُمَكِّنَهُ؛ وَلِأَنَّ فِيهَا خَمْسًا وَإِذَا عُزِلَ سَهْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا لِمَا يَنُوبُ الْمُسْلِمِينَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِمَالِكٍ بِعَيْنِهِ. [بَابُ الْبَيْعِ فِي الْمَالِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِالْخِيَارِ وَغَيْرِهِ] ِ وَبَيْعِ الْمُصَدِّقِ وَمَا قَبَضَ مِنْهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ بَاعَ بَيْعًا صَحِيحًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ، أَوْ الْمُشْتَرِي، أَوْ هُمَا قَبَضَ، أَوْ لَمْ يَقْبِضْ فَحَالَ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ مَلَكَ الْبَائِعُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ بِخُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِهِ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ وَلِمُشْتَرِيهِ الرَّدُّ بِالتَّغَيُّرِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ بِالزَّكَاةِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَقَدْ قَالَ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ إنَّ الْمِلْكَ يَتِمُّ بِخِيَارِهِمَا، أَوْ بِخِيَارِ الْمُشْتَرِي وَفِي الشُّفْعَةِ أَنَّ الْمِلْكَ يَتِمُّ بِخِيَارِ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : الْأَوَّلُ إذَا كَانَا جَمِيعًا بِالْخِيَارِ عِنْدِي أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ فَبَاعَهُ أَنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 148 عَتِيقٌ وَالسَّنَدُ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ جَمِيعًا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا تَفَرُّقَ الْأَبَدَانِ فَلَوْلَا أَنَّهُ مَلَكَهُ مَا عَتَقَ عَلَيْهِ عَبْدُهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ مَلَكَ ثَمَرَةَ نَخْلٍ مِلْكًا صَحِيحًا قَبْلَ أَنْ تُرَى فِيهِ الصُّفْرَةُ أَوْ الْحُمْرَةُ فَالزَّكَاةُ عَلَى مَالِكِهَا الْآخَرِ يُزَكِّيهَا حِينَ تَزْهَى. وَلَوْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ بَعْدَمَا يَبْدُو صَلَاحُهَا فَالْعُشْرُ فِيهَا وَالْبَيْعُ فِيهَا مَفْسُوخٌ كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَبْدَيْنِ أَحَدُهُمَا لَهُ وَالْآخَرُ لَيْسَ لَهُ وَلَوْ اشْتَرَاهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا عَلَى أَنْ يَجُدَّهَا أَخَذَ يَجُدُّهَا، فَإِنْ بَدَا صَلَاحُهَا فُسِخَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُقْطَعَ فَيَمْنَعَ الزَّكَاةَ وَلَا يُجْبَرُ رَبُّ النَّخْلِ عَلَى تَرْكِهَا وَقَدْ اشْتَرَطَ قَطْعَهَا، وَلَوْ رَضِيَا التَّرْكَ فَالزَّكَاةُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ التَّرْكَ وَأَبَى الْمُشْتَرِي فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يُجْبَرَ عَلَى التَّرْكِ وَالثَّانِي أَنْ يُفْسَخَ؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَطَا الْقَطْعَ، ثُمَّ بَطَلَ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : فَأَشْبَهَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِقَوْلِهِ: أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ قِيَاسًا عَلَى فَسْخِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ اسْتَهْلَكَ رَجُلٌ ثَمَرَةً وَقَدْ خُرِصَتْ أَخَذَ بِثَمَنِ عُشْرِ وَسَطِهَا وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَوْ بَاعَ الْمُصَدِّقُ شَيْئًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ أَوْ يَقْسِمَهُ عَلَى أَهْلِهِ لَا يَجْزِي غَيْرُهُ وَأَفْسَخُ بَيْعَهُ إذَا قَدَرْت عَلَيْهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَكْرَهُ لِلرَّجُلِ شِرَاءَ صَدَقَتِهِ إذَا وَصَلَتْ إلَى أَهْلِهَا وَلَا أَفْسَخُهُ. [بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعَادِنِ إلَّا ذَهَبًا، أَوْ وَرِقًا فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا ذَهَبٌ أَوْ وَرِقٌ فَكَانَ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ حَتَّى يُعَالَجَ بِالنَّارِ أَوْ الطَّحْنِ، أَوْ التَّحْصِيلِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَصِيرَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا، فَإِنْ دَفَعَ مِنْهُ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا فَالْمُصَدِّقُ ضَامِنٌ وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ اسْتَهْلَكَهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعَادِنِ بِحَالٍ لِأَنَّهُ ذَهَبٌ، أَوْ وَرِقٌ مُخْتَلِطٌ بِغَيْرِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا إلَى أَنَّ فِي الْمَعَادِنِ الزَّكَاةَ، وَغَيْرُهُمْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمَعَادِنَ رِكَازٌ فَفِيهَا الْخُمُسُ (قَالَ) : وَمَا قِيلَ: فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ الذَّهَبُ مِنْهُ عِشْرِينَ مِثْقَالًا وَالْوَرِقُ مِنْهُ خَمْسَ أَوَاقٍ (قَالَ) : وَيَضُمُّ مَا أَصَابَ فِي الْأَيَّامِ الْمُتَتَابِعَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمَعْدِنُ غَيْرَ حَاقِدٍ فَقَطَعَ الْعَمَلَ فِيهِ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَهُ لَمْ يَضُمَّ كَثُرَ الْقَطْعُ عَنْهُ لَهُ أَوْ قَلَّ وَالْقَطْعُ تَرْكُ الْعَمَلِ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَدَّاهُ، أَوْ عِلَّةِ مَرَضٍ، أَوْ هَرَبِ عَبِيدٍ لَا وَقْتَ فِيهِ إلَّا مَا وَصَفْت، وَلَوْ تَابَعَ فَحَقَدَ وَلَمْ يَقْطَعْ الْعَمَلَ فِيهِ ضَمَّ مَا أَصَابَ مِنْهُ بِالْعَمَلِ الْآخَرِ إلَى الْأَوَّلِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَاَلَّذِي أَنَا فِيهِ وَاقِفُ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْدِنِ وَالتِّبْرِ الْمَخْلُوقِ فِي الْأَرْضِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : إذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَصْلٌ فَأَوْلَى بِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ فَائِدَةً يُزَكَّى لِحَوْلِهِ وَقَدْ أَخْبَرَنِي عَنْهُ بِذَلِكَ مَنْ أَثِقُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدِي وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ مَا يَقُولُ الْمُصَدِّقُ إذَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ لِمَنْ يَأْخُذُهَا مِنْهُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 149 الدُّعَاءُ لَهُمْ عِنْدَ أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْهُمْ فَحَقٌّ عَلَى الْوَالِي إذَا أَخَذَ صَدَقَةَ امْرِئٍ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ وَأُحِبُّ أَنْ يَقُولَ آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْت وَجَعَلَهُ طَهُورًا لَك وَبَارَكَ لَك فِيمَا أَبْقَيْت. [بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» . وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ «مِمَّنْ تَمُونُونَ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَلَمْ يَفْرِضْهَا إلَّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَالْعَبِيدُ لَا مَالَ لَهُمْ وَإِنَّمَا فَرْضُهُمْ عَلَى سَيِّدِهِمْ فَهُمْ وَالْمَرْأَةُ مِمَّنْ يُمَوَّنُونَ فَكُلُّ مَنْ لَزِمَتْهُ مُؤْنَةُ أَحَدٍ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ تَرْكُهَا أَدَّى زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَذَلِكَ مَنْ أَجْبَرْنَاهُ عَلَى نَفَقَتِهِ مِنْ وَلَدِهِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ الزَّمْنَى الْفُقَرَاءِ وَآبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ الزَّمْنَى الْفُقَرَاءِ وَزَوْجَتِهِ وَخَادِمٍ لَهَا وَيُؤَدِّي عَنْ عَبِيدِهِ الْحُضُورِ وَالْغُيَّبِ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ رَجْعَتَهُمْ إذَا عَلِمَ حَيَاتَهُمْ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَيَاتَهُمْ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِابْنِ عُمَرَ بِأَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي عَنْ غِلْمَانِهِ بِوَادِي الْقُرَى. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ أَوْلَى (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيُزَكِّي عَمَّنْ كَانَ مَرْهُونًا أَوْ مَغْصُوبًا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَرَقِيقُ رَقِيقِهِ وَرَقِيقُ الْخِدْمَةِ وَالتِّجَارَةِ سَوَاءٌ. وَإِنْ كَانَ فِيمَنْ يُمَوِّنُ كَافِرًا لَمْ يُزَكِّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالزَّكَاةِ إلَّا مُسْلِمٌ قَالَ مُحَمَّدٌ وَابْنُ عَاصِمٍ: قَالَ سَمِعْت: الْمَغْصُوبُ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ فِي وِلَايَتِهِ لَهُمْ أَمْوَالٌ زَكَّى مِنْهَا عَنْهُمْ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ فَيَجْزِي عَنْهُمْ فَإِنْ تَطَوَّعَ حُرٌّ مِمَّنْ يُمَوِّنُ فَأَخْرَجَهَا عَنْ نَفْسِهِ أَجْزَأَهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ عَمَّنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ نَهَارِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَغَابَتْ الشَّمْسُ لَيْلَةَ شَوَّالٍ فَيُزَكِّي عَنْهُ وَإِنْ مَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ وَإِنْ وُلِدَ لَهُ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَلَدٌ، أَوْ مَلَكَ عَبْدًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي عَامِهِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ يَمْلِكُ نِصْفَهُ وَنِصْفُهُ حُرٌّ فَعَلَيْهِ فِي نِصْفِهِ نِصْفُ زَكَاتِهِ، فَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ مَا يَقُوتُهُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ وَيَوْمِهِ أَدَّى النِّصْفَ عَنْ نِصْفِهِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا اكْتَسَبَ فِي يَوْمِهِ. وَإِنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فَأَهَلَّ شَوَّالٌ وَلَمْ يَخْتَرْ إنْفَاذَ الْبَيْعِ، ثُمَّ أَنْفَذَهُ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَالزَّكَاةُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْمِلْكُ لَهُ وَهُوَ كَمُخْتَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا جَمِيعًا فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْمُشْتَرِي (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا غَلَطٌ فِي أَصْلِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ فِي رَجُلٍ لَوْ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ بِعْته فَبَاعَهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَتِمَّ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا تَفَرُّقَ الْأَبَدَانِ فَهُمَا فِي خِيَارِ التَّفَرُّقِ كَهُوَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ بِوَقْتٍ لَا فَرْقَ فِي الْقِيَاسِ بَيْنَهُمَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ مَاتَ حِينَ أَهَلَّ شَوَّالٌ وَلَهُ رَقِيقٌ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ فِي مَالِهِ مُبْدَأَةٌ عَلَى الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ مِيرَاثٍ وَوَصَايَا، وَلَوْ وَرِثُوا رَقِيقًا، ثُمَّ أَهَلَّ شَوَّالٌ فَعَلَيْهِمْ زَكَاتُهُمْ بِقَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ شَوَّالٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ زَكَّى عَنْهُمْ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّهُمْ فِي مِلْكِهِمْ. وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَمَاتَ، ثُمَّ أَهَلَّ شَوَّالٌ أَوْقَفْنَا زَكَاتَهُ فَإِنْ قِيلَ: فَهِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ إلَى مِلْكِهِ وَإِنْ رَدَّ فَهِيَ عَلَى الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ، فَإِنْ قَبِلُوا فَزَكَاةُ الْفِطْرِ فِي مَالِ أَبِيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ بِمِلْكِهِ مَلَكُوهُ. وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَوَّالٌ وَعِنْدَهُ قُوتُهُ وَقُوتُ مَنْ يَقُوتُ لِيَوْمِهِ وَمَا يُؤَدِّي بِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ أَدَّاهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بَعْدَ الْقُوتِ لِيَوْمِهِ إلَّا مَا يُؤَدِّي عَنْ بَعْضِهِمْ أَدَّى عَنْ بَعْضِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا قُوتُ يَوْمِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مِمَّنْ يَقُوتُ وَاجِدًا لِزَكَاةِ الْفِطْرِ لَمْ أُرَخِّصْ لَهُ فِي تَرْكِ أَدَائِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 150 يَبِينُ لِي أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَهَا بَعْد أَدَائِهَا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا وَغَيْرُهَا مِنْ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَالتَّطَوُّعِ. وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدًا، أَوْ مُكَاتَبًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهَا، فَإِنْ زَوَّجَهَا حُرًّا فَعَلَى الْحُرِّ الزَّكَاةُ عَنْ امْرَأَتِهِ، فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا فَعَلَى سَيِّدِهَا فَإِنْ لَمْ يُدْخِلْهَا عَلَيْهِ، أَوْ مَنَعَهَا مِنْهُ فَعَلَى السَّيِّدِ. [بَابُ مَكِيلَةِ زَكَاةِ الْفِطْرِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَبَيَّنَ فِي سُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ الْبَقْلِ مِمَّا يَقْتَاتُ الرَّجُلُ وَمَا فِيهِ الزَّكَاةُ (قَالَ) : وَأَيُّ قُوتٍ كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَى الرَّجُلِ أَدَّى مِنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ كَانَ حِنْطَةً، أَوْ ذُرَةً أَوْ عَلَسًا، أَوْ شَعِيرًا، أَوْ تَمْرًا، أَوْ زَبِيبًا وَمَا أَدَّى مِنْ هَذَا أَدَّى صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تُقَوَّمُ الزَّكَاةُ وَلَوْ قُوِّمَتْ كَانَ لَوْ أَدَّى ثَمَنَ صَاعِ زَبِيبٍ ضُرُوعٍ أَدَّى ثَمَنَ آصُعَ حِنْطَةً (قَالَ) : وَلَا يُؤَدِّي إلَّا الْحَبَّ نَفْسَهُ لَا يُؤَدِّي دَقِيقًا وَلَا سَوِيقًا وَلَا قِيمَةً وَأَحَبُّ إلَيَّ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ أَنْ لَا يُؤَدُّوا أَقِطًا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ قُوتًا فَالْفَثُّ قُوتٌ وَقَدْ يُقْتَاتُ الْحَنْظَلُ وَاَلَّذِي لَا أَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُمْ يُؤَدُّونَ مِنْ قُوتِ أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ بِهِمْ إلَّا أَنْ يَقْتَاتُوا ثَمَرَةً لَا زَكَاةَ فِيهَا فَيُؤَدُّونَ مِنْ ثَمَرَةٍ فِيهَا زَكَاةٌ، وَلَوْ أَدَّوْا أَقِطًا لَمْ أَرَ عَلَيْهِمْ إعَادَةً (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قِيَاسُ مَا مَضَى أَنْ يَرَى عَلَيْهِمْ إعَادَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهَا فِيمَا يُقْتَاتُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَرَةً فِيهَا زَكَاةٌ، أَوْ يُجِيزُ الْقُوتَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زَكَاةٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ الرَّجُلُ نِصْفَ صَاعٍ حِنْطَةً وَنِصْفَ صَاعٍ شَعِيرًا إلَّا مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ قُوتُهُ حِنْطَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ شَعِيرًا وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ مُسَوَّسٍ وَلَا مَعِيبٍ، فَإِنْ كَانَ قَدِيمًا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَلَا لَوْنُهُ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ قُوتُهُ حُبُوبًا مُخْتَلِفَةً فَاخْتَارَ لَهُ خَيْرَهَا وَمِنْ أَيْنَ أَخْرَجَهُ أَجْزَأَهُ. وَيُقَسِّمُهَا عَلَى مَنْ تُقَسَّمُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمَالِ وَأَحَبُّ إلَيَّ ذَوُو رَحِمِهِ إنْ كَانَ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ بِحَالٍ. وَإِنْ طَرَحَهَا عِنْدَ مَنْ تُجْمَعُ عِنْدَهُ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. سَأَلَ رَجُلٌ سَالِمًا فَقَالَ أَلَمْ يَكُنْ ابْنُ عُمَرَ يَدْفَعُهَا إلَى السُّلْطَانِ؟ فَقَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ لَا يَدْفَعَهَا إلَيْهِ. [بَابُ الِاخْتِيَارِ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «خَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَلْيَبْدَأْ أَحَدُكُمْ بِمَنْ يَعُولُ» (قَالَ) : فَهَكَذَا أُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ بِمَنْ يَعُولُ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ مَنْ يَعُولُ فَرْضٌ وَالْفَرْضُ أَوْلَى بِهِ مِنْ النَّفْلِ، ثُمَّ قَرَابَتُهُ، ثُمَّ مَنْ شَاءَ وَرُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَتْ صَنَاعًا وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ فَقَالَتْ لَقَدْ شَغَلْتنِي أَنْتَ وَوَلَدُك عَنْ الصَّدَقَةِ فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَك فِي ذَلِكَ أَجْرَانِ فَأَنْفِقِي عَلَيْهِمْ» ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 151 [كِتَابُ الصِّيَامِ] [بَابُ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ] ِ بَابُ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ صِيَامُ فَرْضٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَا نَذْرٍ وَلَا كَفَّارَةٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ فَلَا بَأْسَ إنْ أَصْبَحَ وَلَمْ يَطْعَمْ شَيْئًا أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِهِ فَيَقُولُ هَلْ مِنْ غَدَاءٍ؟ ، فَإِنْ قَالُوا: لَا قَالَ: إنِّي صَائِمٌ» . وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّ الْهِلَالَ قَدْ كَانَ، أَوْ يَسْتَكْمِلَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ فَيَعْلَمَ أَنَّ الْحَادِيَ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَتَقَدَّمُ الصِّيَامَ بِيَوْمٍ وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْهِلَالَ رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ، أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَوَجَبَ الصِّيَامُ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَى رُؤْيَتِهِ عَدْلٌ وَاحِدٌ رَأَيْت أَنْ أَقْبَلَهُ لِلْأَثَرِ فِيهِ وَالِاحْتِيَاطِ وَرَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَصُومُ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ. (قَالَ) : وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْبَلَ عَلَى مَغِيبٍ إلَّا شَاهِدَانِ. (قَالَ) :: وَعَلَيْهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ نِيَّةُ الصِّيَامِ لِلْغَدِ وَمَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ، أَوْ احْتِلَامٍ اغْتَسَلَ وَأَتَمَّ صَوْمَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ، ثُمَّ يَصُومُ (قَالَ) : وَإِنْ كَانَ يَرَى الْفَجْرَ لَمْ يَجِبْ وَقَدْ وَجَبَ، أَوْ يَرَى أَنَّ اللَّيْلَ قَدْ وَجَبَ وَلَمْ يَجِبْ أَعَادَ. وَإِنْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي فِيهِ طَعَامٌ لَفَظَهُ فَإِنْ ازْدَرَدَهُ أَفْسَدَ صَوْمَهُ وَإِنْ كَانَ مُجَامِعًا أَخْرَجَهُ مَكَانَهُ، فَإِنْ مَكَثَ شَيْئًا، أَوْ تَحَرَّكَ لِغَيْرِ إخْرَاجِهِ أَفْسَدَ وَقَضَى كَفَّارَةً. وَإِنْ كَانَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ مَا يَجْرِي بِهِ الرِّيقُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَقَيَّأَ عَامِدًا أَفْطَرَ وَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ لَمْ يُفْطِرْ وَاحْتَجَّ فِي الْقَيْءِ بِابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَقَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ الْمُزَنِيّ) : أَقْرَبُ مَا يَحْضُرُنِي لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا يَجْرِي بِهِ الرِّيقُ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ مَا غَلَبَ النَّاسَ مِنْ الْغُبَارِ فِي الطَّرِيقِ وَغَرْبَلَةِ الدَّقِيقِ وَهَدْمِ الرَّجُلِ الدَّارَ وَمَا يَتَطَايَرُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعُيُونِ وَالْأُنُوفِ وَالْأَفْوَاهِ وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ يَصِلُ إلَى الْحَلْقِ حِينَ يَفْتَحُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ فَيُشْبِهُ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ مِنْ قِلَّةِ مَا يَجْرِي بِهِ الرِّيقُ. (قَالَ) : وَحَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ قَالَ سَمِعْت الرُّبَيِّعَ أَخْبَرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ الَّذِي أُحِبُّ أَنْ يُفْطِرَ يَوْمَ الشَّكِّ أَنْ لَا يَكُونَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ وَيَحْتَمِلُ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ أَنْ يَكُونَ مُتَطَوِّعًا قَبْلَهُ وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ (قَالَ) : وَإِنْ أَصْبَحَ لَا يَرَى أَنَّ يَوْمَهُ مِنْ رَمَضَانَ وَلَمْ يَطْعَمْ، ثُمَّ اسْتَبَانَ ذَلِكَ لَهُ فَعَلَيْهِ صِيَامُهُ وَإِعَادَتُهُ. وَلَوْ نَوَى أَنْ يَصُومَ غَدًا، فَإِنْ كَانَ أَوَّلَ الشَّهْرِ فَهُوَ فَرْضٌ وَإِلَّا فَهُوَ تَطَوُّعٌ، فَإِنْ بَانَ لَهُ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ عَلَى أَنَّهُ فَرْضٌ وَإِنَّمَا صَامَهُ عَلَى الشَّكِّ. وَلَوْ عَقَدَ رَجُلٌ عَلَى أَنَّ غَدًا عِنْدَهُ مِنْ رَمَضَانَ فِي يَوْمِ شَكٍّ ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ وَأَوْلَجَ عَامِدًا فَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْهُ وَعَنْهَا وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِلْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَكْلِ النَّاسِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 152 قَالَ) وَالْكَفَّارَةُ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ أَفْطَرَ فِيهِمَا ابْتَدَأَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحْتَجَّ بِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَخْبَرَهُ الْوَاطِئُ أَنَّهُ لَا يَجِدُ رَقَبَةً وَلَا يَسْتَطِيعُ صِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَلَا يَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا أَتَى بِعِرْقٍ فِيهِ تَمْرٌ قَالَ سُفْيَانُ وَالْعِرْقُ الْمِكْتَلُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اذْهَبْ فَتَصَدَّقْ بِهِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْمِكْتَلُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَهُوَ سِتُّونَ مُدًّا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّوْمِ، ثُمَّ وَجَدَ رَقَبَةً فَلَهُ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ. وَإِنْ أَكَلَ عَامِدًا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْعُقُوبَةُ وَلَا كَفَّارَةَ إلَّا بِالْجِمَاعِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. (قَالَ) : وَإِنْ تَلَذَّذَ بِامْرَأَتِهِ حَتَّى يُنْزِلَ فَقَدْ أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ أَدْخَلَ فِي دُبُرِهَا حَتَّى يُغَيِّبَهُ، أَوْ فِي بَهِيمَةٍ، أَوْ تَلَوَّطَ ذَاكِرًا لِلصَّوْمِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إذَا خَافَتَا عَلَى وَلَدِهِمَا أَفْطَرَتَا وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَتَصَدَّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ عَلَى مِسْكِينٍ بِمُدٍّ مِنْ حِنْطَةٍ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : كَيْفَ يُكَفِّرُ مِنْ أُبِيحَ لَهُ الْأَكْلُ وَالْإِفْطَارُ وَلَا يُكَفِّرُ مَنْ لَمْ يُبَحْ لَهُ الْأَكْلُ فَأَكَلَ وَأَفْطَرَ وَفِي الْقِيَاسِ أَنَّ الْحَامِلَ كَالْمَرِيضِ وَكَالْمُسَافِرِ وَكُلٌّ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فَهُوَ فِي الْقِيَاسِ سَوَاءٌ وَاحْتَجَّ بِالْخَبَرِ «مَنْ اسْتَقَاءَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ» (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلِمْته فِيهِ كَفَّارَةً وَقَدْ أَفْطَرَ عَامِدًا وَكَذَا قَالُوا فِي الْحَصَاةِ يَبْتَلِعُهَا الصَّائِمُ. (قَالَ) : وَمَنْ حَرَّكَتْ الْقُبْلَةُ شَهْوَتَهُ كَرِهْتهَا لَهُ وَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَنْتَقِضْ صَوْمُهُ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ (قَالَ إبْرَاهِيمُ) : سَمِعْت الرَّبِيعَ يَقُولُ: فِيهِ قَوْلٌ آخَرَ أَنَّهُ يُفْطِرُ إلَّا أَنْ يَغْلِبَهُ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْمُكْرَهِ يَبْقَى مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَفِي فِيهِ مِنْ الطَّعَامِ فَيَجْرِي بِهِ الرِّيقُ وَرُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي (قَالَ) : وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَكْرَهَانِهَا لِلشَّبَابِ وَلَا يَكْرَهَانِهَا لِلشَّيْخِ. (قَالَ) : وَإِنْ وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ وَلَمْ يُكَفِّرْ وَإِنْ تَلَذَّذَ بِالنَّظَرِ فَأَنْزَلَ لَمْ يُفْطِرْ. وَإِذَا أُغْمِيَ عَلَى رَجُلٍ فَمَضَى لَهُ يَوْمٌ، أَوْ يَوْمَانِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَمْ يَكُنْ أَكَلَ وَلَا شَرِبَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَإِنْ أَفَاقَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ فَهُوَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ صَائِمٌ، وَكَذَلِكَ إنْ أَصْبَحَ رَاقِدًا، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : إذَا نَوَى مِنْ اللَّيْلِ، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَهُوَ عِنْدِي صَائِمٌ أَفَاقَ، أَوْ لَمْ يُفِقْ وَالْيَوْمُ الثَّانِي لَيْسَ بِصَائِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ فِي اللَّيْلِ، وَإِذَا لَمْ يَنْوِ فِي اللَّيْلِ فَأَصْبَحَ مُفِيقًا فَلَيْسَ بِصَائِمٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فَلَا صَوْمَ عَلَيْهَا فَإِذَا طَهُرَتْ قَضَتْ الصَّوْمَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا أَنْ تُعِيدَ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا مَا كَانَ فِي وَقْتِهَا الَّذِي هُوَ وَقْتُ الْعُذْرِ وَالضَّرُورَةِ كَمَا وَصَفْت فِي بَابِ الصَّلَاةِ. (قَالَ) : وَأُحِبُّ تَعْجِيلَ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرَ السُّحُورِ اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَإِذَا سَافَرَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ سَفَرًا يَكُونُ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا بِالْهَاشِمِيِّ كَانَ لَهُمَا أَنْ يُفْطِرَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَيَأْتِيَ أَهْلَهُ، فَإِنْ صَامَا فِي سَفَرِهِمَا أَجْزَأَهُمَا وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ دَيْنًا وَلَا قَضَاءَ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَجْزِهِ لِرَمَضَانَ وَلَا لِغَيْرِهِ «صَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّفَرِ وَأَفْطَرَ وَقَالَ لِحَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنْ شِئْت فَصُمْ وَإِنْ شِئْت فَأَفْطِرْ» . (قَالَ) : وَإِنْ قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ سَفَرٍ نَهَارًا مُفْطِرًا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ حَائِضًا فَطَهُرَتْ كَانَ لَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا، وَلَوْ تَرَكَ ذَلِكَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ. وَلَوْ أَنَّ مُقِيمًا نَوَى الصَّوْمَ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ الْفَجْرِ مُسَافِرًا لَمْ يُفْطِرْ يَوْمَهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ مُقِيمًا (قَالَ الْمُزَنِيّ) : رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ صَامَ فِي مَخْرَجِهِ إلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ وَصَامَ النَّاسُ مَعَهُ، ثُمَّ أَفْطَرَ وَأَمَرَ مَنْ صَامَ مَعَهُ بِالْإِفْطَارِ» ، وَلَوْ كَانَ لَا يَجُوزُ فِطْرُهُ مَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَالَ) : وَمَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ وَجَبَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 153 عَلَيْهِ الصِّيَامُ، فَإِنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ وَلَا يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلتُّهْمَةِ بِتَرْكِ فَرْضِ اللَّهِ وَالْعُقُوبَةِ مِنْ السُّلْطَانِ (قَالَ) : وَلَا أَقْبَلُ عَلَى رُؤْيَةِ الْفِطْرِ إلَّا عَدْلَيْنِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا بَعْضٌ لِأَحَدِ قَوْلَيْهِ أَنْ لَا يَقْبَلَ فِي الصَّوْمِ إلَّا عَدْلَيْنِ (قَالَ) : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَامَ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَامَ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ الِاحْتِيَاطُ قَالَ وَإِنْ صَحَّا قَبْلَ الزَّوَالِ أَفْطَرَ وَصَلَّى بِهِمْ الْإِمَامُ صَلَاةَ الْعِيدِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَا صَلَاةَ فِي يَوْمِهِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِيدَ مِنْ الْغَدِ لِمَا ذُكِرَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي مِنْ الْغَدِ وَهُوَ عِنْدِي أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَقْضِيَ جَازَ فِي يَوْمِهِ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْقَضَاءُ فِي أَقْرَبِ الْوَقْتِ كَانَ فِيمَا بَعْدَهُ أَبْعَدَ، وَلَوْ كَانَ ضُحَى غَدٍ مِثْلَ ضُحَى الْيَوْمِ لَزِمَ فِي ضُحَى يَوْمٍ بَعْدَ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ ضُحَى الْيَوْمِ. قَالَ وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ فَلَمْ يَقْضِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ آخَرُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ الشَّهْرَ ثُمَّ يَقْضِيَ مِنْ بَعْدِهِ الَّذِي عَلَيْهِ وَيُكَفِّرُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدًّا لِمِسْكِينٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ مَاتَ أَطْعَمَ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْقَضَاءُ حَتَّى مَاتَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ (قَالَ) : وَمَنْ قَضَى مُتَفَرِّقًا أَجْزَأَهُ وَمُتَتَابِعًا أَحَبُّ إلَيَّ وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الْفِطْرِ وَلَا يَوْمُ النَّحْرِ وَلَا أَيَّامُ مِنًى فَرْضًا، أَوْ نَفْلًا. (قَالَ) : وَإِنْ بَلَعَ حَصَاةً، أَوْ مَا لَيْسَ بِطَعَامٍ، أَوْ احْتَقَنَ، أَوْ دَاوَى جُرْحَهُ حَتَّى يَصِلَ إلَى جَوْفِهِ أَوْ اسْتَعَطَ حَتَّى يَصِلَ إلَى جَوْفِ رَأْسِهِ فَقَدْ أَفْطَرَ إذَا كَانَ ذَاكِرًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ نَاسِيًا، وَإِذَا اسْتَنْشَقَ رَفْقُ فَإِنْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَى الرَّأْسِ أَوْ الْجَوْفِ فِي الْمَضْمَضَةِ وَهُوَ عَامِدٌ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ أَفْطَرَ (وَقَالَ) فِي كِتَابِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: لَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يُحْدِثَ ازْدِرَادًا فَأَمَّا إنْ كَانَ أَرَادَ الْمَضْمَضَةَ فَسَبَقَهُ لِإِدْخَالِ النَّفَسِ وَإِخْرَاجِهِ فَلَا يُعِيدُ هَذَا خَطَأٌ فِي مَعْنَى النِّسْيَانِ، أَوْ أَخَفُّ مِنْهُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : إذَا كَانَ الْآكِلُ لَا يَشُكُّ فِي اللَّيْلِ فَيُوَافِي الْفَجْرَ مُفْطِرًا بِإِجْمَاعٍ وَهُوَ بِالنَّاسِي أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ صَائِمٌ وَالسَّابِقُ إلَى جَوْفِهِ الْمَاءُ يَعْلَمُ أَنَّهُ صَائِمٌ فَإِذَا أَفْطَرَ فِي الْأَشْبَهِ بِالنَّاسِي كَانَ الْأَبْعَدُ عِنْدِي أَوْلَى بِالْفِطْرِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ اشْتَبَهَتْ الشُّهُورُ عَلَى أَسِيرٍ فَتَحَرَّى شَهْرَ رَمَضَانَ فَوَافَقَهُ، أَوْ مَا بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ وَلِلصَّائِمِ أَنْ يَكْتَحِلَ وَيَنْزِلَ الْحَوْضَ فَيَغْطِسَ فِيهِ وَيَحْتَجِمَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْتَجِمُ صَائِمًا. قَالَ، وَمِمَّا سَمِعْت مِنْ الرَّبِيعِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا أَعْلَمُ فِي الْحِجَامَةِ شَيْئًا يَثْبُتُ وَلَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثَانِ: حَدِيثُ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ» ، وَحَدِيثٌ آخَرُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» فَإِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ وَإِنَّ فِيهِ بَيَانًا وَأَنَّهُ زَمَنُ الْفَتْحِ وَحِجَامَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدُهُ. وَأَكْرَهُ الْعِلْكَ؛ لِأَنَّهُ يَجْلِبُ الرِّيقَ. قَالَ: وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ بَالِغٍ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ. وَمَنْ احْتَلَمَ مِنْ الْغِلْمَانِ، أَوْ أَسْلَمَ مِنْ الْكُفَّارِ بَعْدَ أَيَّامٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُمَا يَسْتَقْبِلَانِ الصَّوْمَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا فِيمَا مَضَى. وَأُحِبُّ لِلصَّائِمِ أَنْ يُنَزِّهَ صِيَامَهُ عَنْ اللَّغَطِ الْقَبِيحِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَإِنْ شُوتِمَ أَنْ يَقُولَ إنِّي صَائِمٌ لِلْخَبَرِ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 154 قَالَ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ وَيَقْدِرُ عَلَى الْكَفَّارَةِ يَتَصَدَّقُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ بِمُدٍّ مِنْ حِنْطَةٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ - {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] قَالَ الْمَرْأَةُ الْهَرِمَةُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ الْهَرِمُ يُفْطِرَانِ وَيُطْعِمَانِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ يَقْرَءُونَهَا {يُطِيقُونَهُ} [البقرة: 184] ، وَكَذَلِكَ نَقْرَؤُهَا، وَنَزْعُمُ أَنَّهَا نَزَلَتْ حِينَ نَزَلَ فَرْضُ الصَّوْمِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ قَالَ وَآخِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} [البقرة: 184] فَزَادَ عَلَى مِسْكِينٍ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ثُمَّ قَالَ {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] قَالَ فَلَا يَأْمُرُ بِالصِّيَامِ مَنْ لَا يُطِيقُهُ، ثُمَّ بَيَّنَ فَقَالَ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] ، وَإِلَى هَذَا نَذْهَبُ وَهُوَ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا بَيِّنٌ فِي التَّنْزِيلِ مُسْتَغْنًى فِيهِ عَنْ التَّأْوِيلِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا أَكْرَهُ فِي الصَّوْمِ السِّوَاكَ بِالْعُودِ الرَّطْبِ وَغَيْرِهِ وَأَكْرَهُهُ بِالْعَشِيِّ لِمَا أُحِبُّ مِنْ خُلُوفِ فَمِ الصَّائِمِ. [بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَمَّتِهِ «عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ أَنَّهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت خَبَّأْنَا لَك حَيْسًا فَقَالَ أَمَا إنِّي كُنْت أُرِيدُ الصَّوْمَ وَلَكِنْ قَرِّبِيهِ» قَالَ: وَقَدْ «صَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرِهِ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ ثُمَّ أَفْطَرَ» وَرَكَعَ عُمَرُ رَكْعَةً ثُمَّ انْصَرَفَ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّمَا هُوَ تَطَوُّعٌ فَمَنْ شَاءَ زَادَ وَمَنْ شَاءَ نَقَصَ وَمِمَّا يَثْبُتُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُ ذَلِكَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَابِرٍ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بِالْإِفْطَارِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ بَأْسًا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رَجُلٍ صَلَّى رَكْعَةً وَلَمْ يُصَلِّ مَعَهَا لَهُ أَجْرُ مَا احْتَسَبَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ فَأَحَبَّ أَنْ يَسْتَتِمَّ وَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ التَّمَامِ لَمْ يُعِدْ. [بَابُ النَّهْيِ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْوِصَالِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك تُوَاصِلُ قَالَ إنِّي لَسْت مِثْلَكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَفَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ النَّاسِ فِي أُمُورٍ أَبَاحَهَا لَهُ حَظَرَهَا عَلَيْهِمْ وَفِي أُمُورٍ كَتَبَهَا عَلَيْهِ خَفَّفَهَا عَنْهُمْ. [بَابُ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ شابور وَغَيْرُهُ عَنْ أُمِّ قَزْعَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ أَبِي حَرْمَلَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 155 السَّنَةِ وَالسَّنَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً» قَالَ فَأُحِبُّ صَوْمَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ حَاجًّا فَأُحِبُّ لَهُ تَرْكَ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ حَاجٌّ مُضَحٍّ مُسَافِرٌ وَلِتَرْكِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَوْمَهُ فِي الْحَجِّ وَلِيَقْوَى بِذَلِكَ عَلَى الدُّعَاءِ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ يَوْمُ عَرَفَةَ. [بَابُ النَّهْيِ عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَنْهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا وَلَوْ صَامَهَا مُتَمَتِّعٌ لَا يَجِدُ هَدْيًا لَمْ يُجْزِ عَنْهُ عِنْدَنَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قَدْ كَانَ قَالَ يُجْزِيهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ. [بَابُ فَضْلِ الصَّدَقَةِ فِي رَمَضَانَ وَطَلَبِ الْقِرَاءَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَانَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَإِذَا لَقِيَهُ كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأُحِبُّ لِلرَّجُلِ الزِّيَادَةَ بِالْجُودِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ اقْتِدَاءً بِهِ وَلِحَاجَةِ النَّاسِ فِيهِ إلَى مَصَالِحِهِمْ وَلِتَشَاغُلِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ عَنْ مَكَاسِبِهِمْ. [بَابُ الِاعْتِكَافِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنْ اعْتِكَافِهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ قَالَ وَأُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتهَا قَالَ وَرَأَيْتنِي أَسْجُدُ فِي صَبِيحَتِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ فَوَكَفَ الْمَسْجِدَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْصَرَفَ عَلَيْنَا وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ فِي صَبِيحَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَحَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَاَلَّذِي يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ لَيْلَةُ إحْدَى أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَلَا أُحِبُّ تَرْكَ طَلَبِهَا فِيهَا كُلِّهَا وَرُوِيَ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَغَسَلْته وَأَنَا حَائِضٌ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَلَا بَأْسَ أَنْ يُدْخِلَ الْمُعْتَكِفُ رَأْسَهُ فِي الْبَيْتِ لِيُغْسَلَ وَيُرَجَّلَ وَالِاعْتِكَافُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَيَجُوزُ بِغَيْرِ صَوْمٍ وَفِي يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : لَوْ كَانَ الِاعْتِكَافُ يُوجِبُ الصَّوْمَ وَإِنَّمَا هُوَ تَطَوُّعٌ لَمْ يَجُزْ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ تَطَوُّعٍ وَفِي اعْتِكَافِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصُمْ لِلِاعْتِكَافِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 156 فَتَفَهَّمُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ وَدَلِيلٌ آخَرُ لَوْ كَانَ الِاعْتِكَافُ لَا يَجُوزُ إلَّا مُقَارِنًا لِلصَّوْمِ لَخَرَجَ مِنْهُ الصَّائِمُ بِاللَّيْلِ لِخُرُوجِهِ فِيهِ مِنْ الصَّوْمِ فَلَمَّا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ مِنْ الِاعْتِكَافِ بِاللَّيْلِ وَخَرَجَ فِيهِ مِنْ الصَّوْمِ ثَبَتَ مُنْفَرِدًا بِغَيْرِ الصَّوْمِ، وَقَدْ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً كَانَتْ عَلَيْهِ نَذْرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا صِيَامَ فِيهَا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ دَخَلَ فِيهِ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَإِذَا هَلَّ شَوَّالٌ فَقَدْ أَتَمَّ الْعَشْرَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي الِاعْتِكَافِ الَّذِي أَوْجَبَهُ بِأَنْ يَقُولَ إنْ عَرَضَ لِي عَارِضٌ خَرَجْت وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْتَكِفَ وَلَا يَنْوِيَ أَيَّامًا مَتَى شَاءَ خَرَجَ وَاعْتِكَافُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَحَبُّ إلَيَّ فَإِنْ اعْتَكَفَ فِي غَيْرِهِ فَمِنْ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ. (قَالَ) : وَيَخْرُجُ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ إلَى مَنْزِلِهِ وَإِنْ بَعُدَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الْمَرِيضِ إذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ وَإِنْ أَكَلَ فِيهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يُقِيمُ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ وَيَخِيطَ وَيُجَالِسَ الْعُلَمَاءَ وَيُحَدِّثَ بِمَا أَحَبَّ مَا لَمْ يَكُنْ مَأْثَمًا وَلَا يُفْسِدُهُ سِبَابٌ وَلَا جِدَالٌ وَلَا يَعُودُ الْمَرْضَى وَلَا يَشْهَدُ الْجِنَازَةَ إذَا كَانَ اعْتِكَافُهُ وَاجِبًا. (قَالَ) : وَلَا بَأْسَ إذَا كَانَ مُؤَذِّنًا أَنْ يَصْعَدَ الْمَنَارَةَ، وَإِنْ كَانَ خَارِجًا وَأَكْرَهُ الْأَذَانَ بِالصَّلَاةِ لِلْوُلَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ شَهَادَةٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ فَإِنْ فَعَلَ خَرَجَ مِنْ اعْتِكَافِهِ، وَإِنْ مَرِضَ أَوْ أَخْرَجَهُ السُّلْطَانُ وَاعْتِكَافُهُ وَاجِبٌ فَإِذَا بَرِئَ أَوْ خُلِّيَ عَنْهُ بَنَى فَإِنْ مَكَثَ بَعْدَ بُرْئِهِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ابْتَدَأَ، وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ نُقِضَ اعْتِكَافُهُ فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا بِصَوْمٍ فَأَفْطَرَ اسْتَأْنَفَ. (وَقَالَ) : فِي بَابِ مَا جَمَعْت لَهُ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ وَالسُّنَنِ وَالْآثَارِ لَا يُبَاشِرُ الْمُعْتَكِفُ فَإِنْ فَعَلَ أَفْسَدَ اعْتِكَافَهُ. (وَقَالَ) : فِي مَوْضِعٍ مِنْ مَسَائِلَ فِي الِاعْتِكَافِ لَا يَفْسُدُ الِاعْتِكَافُ مِنْ الْوَطْءِ إلَّا مَا يُوجِبُ الْحَدَّ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ فِي الِاعْتِكَافِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ عَنْ الْجِمَاعِ فَلَمَّا لَمْ يَفْسُدْ عِنْدَهُ صَوْمٌ وَلَا حَجٌّ بِمُبَاشَرَةٍ دُونَ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ أَوْ الْإِنْزَالَ فِي الصَّوْمِ كَانَتْ الْمُبَاشَرَةُ فِي الِاعْتِكَافِ كَذَلِكَ عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ شَهْرٍ وَلَمْ يَقُلْ مُتَتَابِعًا أَحْبَبْته مُتَتَابِعًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ مُتَفَرِّقًا. (قَالَ) : وَإِنْ نَوَى يَوْمًا فَدَخَلَ فِي نِصْفِ النَّهَارِ اعْتَكَفَ إلَى مِثْلِهِ، وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ يَوْمٍ دَخَلَ فِيهِ قَبْلَ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَإِنْ قَالَ يَوْمَيْنِ فَإِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةُ النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ وَيَجُوزُ اعْتِكَافُهُ لَيْلَةً، وَإِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمَ يَقْدُمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ اعْتَكَفَ فِي مَا بَقِيَ فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَإِذَا قَدَرَ قَضَاهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إذْ قَدِمَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أَنْ يَقْضِيَ مِقْدَارَ مَا مَضَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ يَوْمٍ آخَرَ حَتَّى يَكُونَ قَدْ أَكْمَلَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ، وَقَدْ يَقْدُمُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَدْ مَضَى بَعْضُ يَوْمٍ فَيَقْضِي بَعْضَ يَوْمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ قَضَائِهِ حَتَّى يَتِمَّ يَوْمٌ وَلَوْ اسْتَأْنَفَ يَوْمًا حَتَّى يَكُونَ اعْتِكَافُهُ مَوْصُولًا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَ الْمُعْتَكِفُ وَالْمُعْتَكِفَةُ وَيَأْكُلَا وَيَتَطَيَّبَا بِمَا شَاءَا، وَإِنْ هَلَكَ زَوْجُهَا خَرَجَتْ فَاعْتَدَّتْ ثُمَّ بَنَتْ وَلَا بَأْسَ أَنْ تُوضَعَ الْمَائِدَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ فِي الطَّشْتِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُنْكِحَ نَفْسَهُ وَيُنْكِحَ غَيْرَهُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْمُسَافِرُونَ يَعْتَكِفُونَ حَيْثُ شَاءُوا؛ لِأَنَّهُ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 157 [كِتَابُ الْحَجِّ] ِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَرَضَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - الْحَجَّ عَلَى كُلِّ حُرٍّ بَالِغٍ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَنْ حَجَّ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي دَهْرِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالِاسْتِطَاعَةُ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُسْتَطِيعًا بِبَدَنِهِ وَاجِدًا مِنْ مَالِهِ مَا يُبَلِّغُهُ الْحَجَّ بِزَادٍ وَرَاحِلَةٍ؛ لِأَنَّهُ، «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِطَاعَةُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَادٌ وَرَاحِلَةٌ» وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مَعْضُوبًا فِي بَدَنِهِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى مَرْكَبٍ بِحَالٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْ يُطِيعُهُ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِطَاعَتِهِ لَهُ أَوْ يَسْتَأْجِرَهُ فَيَكُونَ هَذَا مِمَّنْ لَزِمَهُ فَرْضُ الْحَجِّ كَمَا قَدَرَ وَمَعْرُوفٌ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: أَنَا مُسْتَطِيعٌ لَأَنْ أَبْنِيَ دَارِي أَوْ أَخِيطَ ثَوْبِي يَعْنِي بِالْإِجَارَةِ أَوْ بِمَنْ يُطِيعُنِي وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَمْسِكَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَهَلْ تَرَى أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَهَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ نَعَمْ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ نَفَعَهُ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَاءَهَا الْحَجَّ عَنْهُ كَقَضَائِهَا الدَّيْنَ عَنْهُ فَلَا شَيْءَ أَوْلَى أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُ مِمَّا جَمَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ كُنْت حَجَجْت فَلَبِّ عَنْهُ، وَإِلَّا فَاحْجُجْ» وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِشَيْخٍ كَبِيرٍ لَمْ يَحُجَّ إنْ شِئْت فَجَهَّزَ رَجُلًا يَحُجُّ عَنْك [بَابُ الِاسْتِطَاعَةِ بِالْغَيْرِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا اسْتَطَاعَ الرَّجُلُ فَأَمْكَنَهُ مَسِيرُ النَّاسِ مِنْ بَلَدِهِ فَقَدْ لَزِمَهُ الْحَجُّ فَإِنْ مَاتَ قَضَى عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ لِبُعْدِ دَارِهِ وَدُنُوِّ الْحَجِّ مِنْهُ، وَلَمْ يَعِشْ حَتَّى يُمْكِنَهُ مِنْ قَابِلٍ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ كَانَ عَامَ جَدْبٍ أَوْ عَطَشٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ أَوْ كَانَ خَوْفُ عَدُوٍّ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَاجِدٍ لِلسَّبِيلِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلَمْ يَبْنِ عَلَى أَنْ أُوجِبَ عَلَيْهِ رُكُوبَ الْبَحْرِ لِلْحَجِّ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ أَنَّهُمَا قَالَا: الْحَجَّةُ الْوَاجِبَةُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ الْقِيَاسُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَلْيَسْتَأْجِرْ عَنْهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِأَقَلَّ مَا يُؤْجَرُ مِنْ مِيقَاتِهِ وَلَا يَحُجُّ عَنْهُ إلَّا مَنْ قَدْ أَدَّى الْفَرْضَ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَجَّ فَهِيَ عَنْهُ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَرُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ فُلَانٍ فَقَالَ لَهُ إنْ كُنْت حَجَجْت فَلَبِّ عَنْهُ، وَإِلَّا فَاحْجُجْ عَنْ نَفْسِك» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ " لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ " فَقَالَ: وَيْحَك، " وَمَنْ شُبْرُمَةُ؟ " فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ " اُحْجُجْ عَنْ نَفْسِك ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ ". (قَالَ) : وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْرَمَ مُتَطَوِّعًا وَعَلَيْهِ حَجٌّ كَانَ فَرْضَهُ أَوْ عُمْرَةٌ كَانَتْ فَرْضَهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 158 [بَابُ بَيَانِ وَقْتِ فَرْضِ الْحَجِّ وَكَوْنِهِ عَلَى التَّرَاخِي] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أُنْزِلَتْ فَرِيضَةُ الْحَجِّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ «وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ وَتَخَلَّفَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ تَبُوكَ لَا مُحَارِبًا وَلَا مَشْغُولًا بِشَيْءٍ وَتَخَلَّفَ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ قَادِرِينَ عَلَى الْحَجِّ وَأَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلَوْ كَانَ كَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفَرْضَ وَلَا تَرَكَ الْمُتَخَلِّفُونَ عَنْهُ وَلَمْ يَحُجَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ إلَّا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ، وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ تِسْعَ سِنِينَ وَلَمْ يَحُجَّ ثُمَّ حَجَّ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَوَقْتُ الْحَجِّ مَا بَيْنَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَمُوتَ. [بَابُ بَيَانِ وَقْتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَزَّ - {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] الْآيَةَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَتِسْعٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَمَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ إلَى الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَرُوِيَ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ أَيُهَلُّ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ؟ قَالَ لَا وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ أَرَأَيْت رَجُلًا جَاءَ مُهِلًّا بِالْحَجِّ فِي رَمَضَانَ مَا كُنْت قَائِلًا لَهُ؟ قَالَ أَقُولُ لَهُ اجْعَلْهَا عُمْرَةً وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ اللَّهِ - جَلَّ وَعَزَّ - {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] . (قَالَ) : فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحُجَّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنْ فَعَلَ فَإِنَّهَا تَكُونُ عُمْرَةً كَرَجُلٍ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا فَتَكُونُ نَافِلَةً. (قَالَ) : وَوَقْتُ الْعُمْرَةِ مَتَى شَاءَ وَمَنْ قَالَ لَا يَعْتَمِرُ إلَّا مَرَّةً فِي السَّنَةِ خَالَفَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ أَعْمَرَ عَائِشَةَ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مَرَّتَيْنِ وَخَالَفَ فِعْلَ عَائِشَةَ نَفْسِهَا وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. [بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْعُمْرَةَ وَاجِبَةٌ كَالْحَجِّ] ِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ - جَلَّ ذِكْرُهُ - {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَقَرَنَ الْعُمْرَةَ بِهِ وَأَشْبَهَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ أَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ وَاجِبَةً «وَاعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْحَجِّ» وَمَعَ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إلَّا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَاجِبَتَانِ. (قَالَ) : وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ مَكِّيِّينَا وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِرَانِ الْعُمْرَةِ مَعَ الْحَجِّ هَدْيًا وَلَوْ كَانَتْ نَافِلَةً أَشْبَهَ أَنْ لَا تُقْرَنَ مَعَ الْحَجِّ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَرُوِيَ أَنَّ «فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ الْعُمْرَةَ هِيَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 159 [بَابُ الْقِرَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيُجْزِئُهُ أَنْ يَقْرُنَ الْعُمْرَةَ مَعَ الْحَجِّ وَيُهْرِيقَ دَمًا وَالْقَارِنُ أَخَفُّ حَالًا مِنْ الْمُتَمَتِّعِ. وَإِنْ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى يُنْشِئَ الْحَجَّ أَنْشَأَهُ مِنْ مَكَّةَ لَا مِنْ الْمِيقَاتِ، وَلَوْ أَفْرَدَ الْحَجَّ وَأَرَادَ الْعُمْرَةَ بَعْدَ الْحَجِّ خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ أَهَلَّ مِنْ أَيْنَ شَاءَ فَسَقَطَ عَنْهُ بِإِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ بِهَا مِنْ أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِنْ مِيقَاتِهَا وَلَا مِيقَاتَ لَهَا دُونَ الْحِلِّ كَمَا يَسْقُطُ مِيقَاتُ الْحَجِّ إذَا قَدَّمَ الْعُمْرَةَ قَبْلَهُ لِدُخُولِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ. (قَالَ) : وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ مِنْهَا فَإِنْ أَخْطَأَهُ ذَلِكَ فَمِنْ التَّنْعِيمِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْمَرَ عَائِشَةُ مِنْهَا وَهِيَ أَقْرَبُ الْحِلِّ إلَى الْبَيْتِ فَإِنْ أَخْطَأَهُ ذَلِكَ فَمِنْ الْحُدَيْبِيَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهَا وَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بِعُمْرَةٍ مِنْهَا. [بَابُ بَيَانِ إفْرَادِ الْحَجِّ عَنْ الْعُمْرَةِ] ِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فِي مُخْتَصَرِ الْحَجِّ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُفْرِدَ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ عِنْدَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدَ، وَقَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ أَفْرَدَ الْحَجَّ يُشْبِهُ أَنْ يَقُولَ قَالَهُ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِي أَدْرَكَ وَفْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أَحَدًا لَا يَكُونُ مُقِيمًا عَلَى حَجٍّ إلَّا، وَقَدْ ابْتَدَأَ إحْرَامَهُ بِحَجٍّ وَأَحْسَبُ عُرْوَةَ حِينَ حَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ بِحَجٍّ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ يَفْعَلُ فِي حَجِّهِ هَذَا الْمَعْنَى، وَقَالَ فِيمَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَخْرَجِهِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الِاخْتِلَافِ أَيْسَرَ مِنْ هَذَا، وَإِنْ كَانَ الْغَلَطُ فِيهِ قَبِيحًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ ثُمَّ السُّنَّةَ ثُمَّ مَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَإِفْرَادَ الْحَجِّ وَالْقِرَانِ وَاسِعٌ كُلُّهُ وَثَبَتَ أَنَّهُ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ فِيمَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَهَلَّ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً، وَقَالَ لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَمَا سُقْت الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً» . (فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ) : فَمِنْ أَيْنَ أَثْبَتَ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَطَاوُسٍ دُونَ حَدِيثِ مَنْ قَالَ قَرَنَ؟ . (قِيلَ) : لِتَقَدُّمِ صُحْبَةِ جَابِرٍ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُسْنِ سِيَاقِهِ لِابْتِدَاءِ الْحَدِيثِ وَآخِرِهِ وَلِرِوَايَةِ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَضْلِ حِفْظِهَا عَنْهُ وَقُرْبِ ابْنُ عُمَرَ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّ مَنْ وَصَفَ انْتِظَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَضَاءَ إذْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ الْمَدِينَةِ بَعْدَ نُزُولِ فَرْضِ الْحَجِّ طَلَبَ الِاخْتِيَارِ فِيمَا وَسَّعَ اللَّهُ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَحْفَظَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَانْتَظَرَ الْقَضَاءَ كَذَلِكَ حُفِظَ عَنْهُ فِي الْحَجِّ يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : إنْ ثَبَتَ حَدِيثُ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَرَنَ حَتَّى يَكُونَ مُعَارِضًا لِلْأَحَادِيثِ سِوَاهُ فَأَصْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعُمْرَةَ فَرْضٌ وَأَدَاءُ الْفَرْضَيْنِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ أَدَاءِ فَرْضٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ مَنْ كَثُرَ عَمَلُهُ لِلَّهِ كَانَ أَكْثَرَ فِي ثَوَابِ اللَّهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 160 [بَابُ بَيَانِ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ وَبَيَانِ الْمَوَاقِيتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَزَّ - {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] الْآيَةَ فَإِذَا أَهَلَّ بِالْحَجِّ فِي شَوَّالٍ أَوْ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ ذِي الْحِجَّةِ صَارَ مُتَمَتِّعًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَصُومَ حِينَ يَدْخُلُ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. (قَالَ) : وَعَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْحَجِّ حَتَّى يَصُومَ إذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَأَنْ يَكُونَ آخِرُ مَالَهُ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فِي آخِرِ صِيَامِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بَعْدَ عَرَفَةَ مِنْ الْحَجِّ، وَيَكُونُ فِي يَوْمٍ لَا صَوْمَ فِيهِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَا يُصَامُ فِيهِ وَلَا أَيَّامِ مِنًى لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا وَأَنَّ مَنْ طَافَ فِيهَا فَقَدْ حَلَّ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ أَقُولَ هَذَا فِي حَجٍّ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْهُ، وَقَدْ كُنْت أَرَاهُ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْ قَالَ يَصُومُ أَيَّامَ مِنًى ذَهَبَ عَنْهُ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قَوْلُهُ هَذَا قِيَاسٌ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوَّى فِي نَهْيِهِ عَنْهَا وَعَنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ صِيَامُ يَوْمِ النَّحْرِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ فَكَذَلِكَ أَيَّامُ مِنًى لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا. (قَالَ) : وَيَصُومُ السَّبْعَةَ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى مَاتَ تُصُدِّقَ عَمَّا أَمْكَنَهُ فَلَمْ يَصُمْهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ فَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَدَخَلَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَإِنْ أَهْدَى فَحَسَنٌ وَحَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِينَ لَا مُتْعَةَ عَلَيْهِمْ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ دُونَ لَيْلَتَيْنِ وَهُوَ حِينَئِذٍ أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ سَافَرَ إلَيْهِ صَلَّى صَلَاةَ الْحَضَرِ وَمِنْهُ يَرْجِعُ مَنْ لَمْ يَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ حَتَّى يَطُوفَ فَإِنْ جَاوَزَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَصِيرَ مُسَافِرًا أَجْزَأَهُ دَمٌ. [بَابُ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ] ِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْجُحْفَةِ وَأَهْلِ تِهَامَةِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ وَأَهْلِ نَجْدِ الْيَمَنِ قَرْنًا وَأَهْلِ الْمَشْرِقِ ذَاتَ عِرْقٍ وَلَوْ أَهَلُّوا مِنْ الْعَقِيقِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَالْمَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا وَلِكُلِّ مَنْ يَمُرُّ بِهَا مِمَّنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً وَأَيُّهُمْ مَرَّ بِمِيقَاتِ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَأْتِ مِنْ بَلَدِهِ كَانَ مِيقَاتُهُ مِيقَاتَ ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي مَرَّ بِهِ وَالْمَوَاقِيتُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْقِرَانِ سَوَاءٌ وَمَنْ سَلَكَ بَرًّا أَوْ بَحْرًا تَأَخَّرَ حَتَّى يُهِلَّ مِنْ حَذْوِ الْمَوَاقِيتِ أَوْ مِنْ وَرَائِهَا وَلَوْ أَتَى عَلَى مِيقَاتٍ لَا يُرِيدُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً فَجَاوَزَهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُحْرِمَ أَحْرَمَ مِنْهُ وَذَلِكَ مِيقَاتُهُ وَمَنْ كَانَ أَهْلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ فَمِيقَاتُهُ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ مِنْ أَهْلِهِ لَا يُجَاوِزُهُ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَهَلَّ مِنْ الْفُرْعِ وَهَذَا عِنْدَنَا أَنَّهُ مَرَّ بِمِيقَاتِهِ لَا يُرِيدُ إحْرَامًا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَهَلَّ مِنْهُ أَوْ جَاءَ إلَى الْفُرْعِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَهَلَّ مِنْهُ، وَرُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ» . [بَابُ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الْإِحْرَامَ اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ مِنْ مِيقَاتِهِ وَتَجَرَّدَ وَلَبِسَ إزَارًا وَرِدَاءً أَبْيَضَيْنِ وَيَتَطَيَّبُ لِإِحْرَامِهِ إنْ أَحَبَّ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَرْكَبُ فَإِذَا تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ لَبَّى وَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً عِنْدَ دُخُولِهِ فِيهِ وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالْغُسْلِ وَتَطَيَّبَ لِإِحْرَامِهِ» وَتَطَيَّبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. (قَالَ) : فَإِنْ لَبَّى بِحَجٍّ وَهُوَ يُرِيدُ عُمْرَةً فَهِيَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 161 عُمْرَةٌ، وَإِنْ لَبَّى بِعُمْرَةٍ يُرِيدُ حَجًّا فَهُوَ حَجٌّ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِنْ لَبَّى يُرِيدُ الْإِحْرَامَ وَلَمْ يَنْوِ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً فَلَهُ الْخِيَارُ أَيُّهُمَا شَاءَ. وَإِنْ لَبَّى بِأَحَدِهِمَا فَنَسِيَهُ فَهُوَ قَارِنٌ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتَانِي جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَوْ مَنْ مَعِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ» . (قَالَ) : وَيُلَبِّي الْمُحْرِمُ قَائِمًا، وَقَاعِدًا وَرَاكِبًا وَنَازِلًا وَجُنُبًا وَمُتَطَهِّرًا وَعَلَى كُلِّ حَالٍ رَافِعًا صَوْتَهُ فِي جَمِيعِ مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَكَانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ اضْطِمَامِ الرِّفَاقِ وَعِنْدَ الْإِشْرَافِ وَالْهُبُوطِ وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَفِي اسْتِقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَبِالْأَسْحَارِ وَنُحِبُّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. (قَالَ) : وَالتَّلْبِيَةُ أَنْ يَقُولَ «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك» ؛ لِأَنَّهَا تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَضِيقُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ. وَأَخْتَارُ أَنْ يُفْرِدَ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقْصُرُ عَنْهَا وَلَا يُجَاوِزُهَا إلَّا أَنْ يَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَيَقُولُ «لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ» فَإِنَّهُ لَا يُرْوَى عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ أَنَّهُ زَادَ غَيْرَ هَذَا فَإِذَا فَرَغَ مِنْ التَّلْبِيَةِ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَأَلَ اللَّهَ رِضَاهُ وَالْجَنَّةَ وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنْ النَّارِ فَإِنَّهُ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَالَ) : وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ إلَّا مَا أُمِرَتْ بِهِ مِنْ السَّتْرِ وَأَسْتَرُ لَهَا أَنْ تَخْفِضَ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ، وَإِنَّ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ الْقَمِيصَ وَالْقَبَاءَ وَالدِّرْعَ وَالسَّرَاوِيلَ وَالْخِمَارَ وَالْخُفَّيْنِ وَالْقُفَّازَيْنِ، وَإِحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا فَلَا تُخَمِّرُهُ وَتَسْدُلُ عَلَيْهِ الثَّوْبَ وَتُجَافِيهِ عَنْهُ وَلَا تَمَسُّهُ وَتُخَمِّرُ رَأْسَهَا فَإِنْ خَمَّرَتْ وَجْهَهَا عَامِدَةً افْتَدَتْ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَخْتَضِبَ لِلْإِحْرَامِ قَبْلَ أَنْ تُحْرِمَ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ «مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَمْسَحَ الْمَرْأَةُ بِيَدَيْهَا شَيْئًا مِنْ الْحِنَّاءِ وَلَا تُحْرِمُ وَهِيَ غُفْلٌ» وَأُحِبُّ لَهَا أَنْ تَطُوفَ لَيْلًا وَلَا رَمَلَ عَلَيْهَا وَلَكِنْ تَطُوفُ عَلَى هَيْنَتِهَا. [بَابُ فِيمَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُحْرِمِ مِنْ اللُّبْسِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ قَمِيصًا وَلَا عِمَامَةً وَلَا بُرْنُسًا وَلَا خُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا لَبِسَ سَرَاوِيلَ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ كُلِّهِ وَلَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا وَرْسٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الطِّيبِ وَلَا يُغَطِّي رَأْسَهُ، وَلَهُ أَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى تَغْطِيَةِ رَأْسِهِ وَلُبْسِ ثَوْبٍ مَخِيطٍ وَخُفَّيْنِ فَفَعَلَ ذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي مَكَانِهِ كَانَتْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ فَرَّقَ ذَلِكَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كَانَ عَلَيْهِ لِكُلِّ لُبْسَةٍ فِدْيَةٌ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى حَلْقِ رَأْسِهِ فَحَلَقَهُ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ، وَإِنْ تَطَيَّبَ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَطَيَّبَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَالْفَرْقُ فِي الْمُتَطَيِّبِ بَيْنَ الْجَاهِلِ وَالْعَالِمِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْأَعْرَابِيَّ، وَقَدْ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ خَلُوقٌ بِنَزْعِ الْجُبَّةِ وَغَسْلِ الصُّفْرَةِ» ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ فِي الْخَبَرِ بِفِدْيَةٍ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : فِي هَذَا دَلِيلٌ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَرِ وَهَكَذَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّائِمِ يَقَعُ عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 162 امْرَأَتِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتِقْ وَافْعَلْ» وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَأَجْمَعُوا أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَا شَمَّ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ مِمَّا لَا يُتَّخَذُ طِيبًا أَوْ أَكَلَ تُفَّاحًا أَوْ أُتْرُجًّا أَوْ دَهَنَ جَسَدَهُ بِغَيْرِ طِيبٍ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَهَنَ رَأْسَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ بِدُهْنٍ غَيْرِ طِيبٍ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الدَّهْنِ وَتَرْجِيلِ الشَّعْرِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَيَدْهِنُ الْمُحْرِمُ الشِّجَاجَ فِي مَوَاضِعَ لَيْسَ فِيهَا شَعْرٌ مِنْ الرَّأْسِ وَلَا فِدْيَةَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَالْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الزَّيْتُ لِكُلِّ حَالٍ يَدْهَنُ بِهِ الْمُحْرِمُ الشَّعْرَ بِغَيْرِ طِيبٍ وَلَوْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ مَا أَكَلَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَا أَكَلَ مِنْ خَبِيصٍ فِيهِ زَعْفَرَانٌ يَصْبُغُ اللِّسَانَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ وَالْعُصْفُرُ لَيْسَ مِنْ الطِّيبِ، وَإِنْ مَسَّ طِيبًا يَابِسًا لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ، وَإِنْ بَقِيَ لَهُ رِيحٌ فَلَا فِدْيَةَ وَلَهُ أَنْ يَجْلِسَ عِنْدَ الْعَطَّارِ وَيَشْتَرِيَ الطِّيبَ مَا لَمْ يَمَسَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ وَيَجْلِسَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَهِيَ تُجْمَرُ، وَإِنْ مَسَّهَا وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهَا رَطْبَةٌ فَعَلِقَ بِيَدِهِ طِيبٌ غَسَلَهُ فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ افْتَدَى، وَإِنْ حَلَقَ وَتَطَيَّبَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ فِدْيَتَانِ، وَإِنْ حَلَقَ شَعْرَةً فَعَلَيْهِ مُدٌّ، وَإِنْ حَلَقَ شَعْرَتَيْنِ فَمُدَّانِ، وَإِنْ حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فَدَمٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فَفِي كُلِّ شَعْرَةٍ مُدٌّ وَكَذَلِكَ الْأَظْفَارُ وَالْعَمْدُ فِيهَا وَالْخَطَأُ سَوَاءٌ وَيَحْلِقُ الْمُحْرِمُ شَعْرَ الْمُحِلِّ، وَلَيْسَ لِلْمُحِلِّ أَنْ يَحْلِقَ شَعْرَ الْمُحْرِمِ فَإِنْ فَعَلَ بِأَمْرِ الْمُحْرِمِ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَإِنْ فَعَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ مُكْرَهًا كَانَ أَوْ نَائِمًا رَجَعَ عَلَى الْحَالِّ بِفِدْيَةٍ وَتَصَدَّقَ بِهَا فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَأَصَبْت فِي سَمَاعِي مِنْهُ ثُمَّ خَطَّ عَلَيْهِ أَنْ يَفْتَدِيَ وَيَرْجِعَ بِالْفِدْيَةِ عَلَى الْمُحِلِّ وَهَذَا أَشْبَهَ بِمَعْنَاهُ عِنْدِي. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا بَأْسَ بِالْكُحْلِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ فَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ افْتَدَى وَلَا بَأْسَ بِالِاغْتِسَالِ وَدُخُولِ الْحَمَّامِ اغْتَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ وَدَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ حَمَّامَ الْجُحْفَةِ فَقَالَ مَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِأَوْسَاخِكُمْ شَيْئًا. (قَالَ) : وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْطَعَ الْعِرْقَ وَيَحْتَجِمَ مَا لَمْ يَقْطَعْ شَعْرًا «وَاحْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحْرِمًا» وَلَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ فَإِنْ نَكَحَ أَوْ أَنْكَحَ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ إذَا طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ وَيَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْمِنْطَقَةَ لِلنَّفَقَةِ وَيَسْتَظِلُّ فِي الْمَحْمَلِ وَنَازِلًا فِي الْأَرْضِ. [بَابُ مَا يَلْزَمُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَبَيَانُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأُحِبُّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْ ذِي طُوًى لِدُخُولِ مَكَّةَ وَيَدْخُلُ مِنْ ثَنِيَّةَ كَذَا وَتَغْتَسِلُ الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ «لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْمَاءَ بِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْحَائِضِ افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» (قَالَ) : فَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ قَالَ اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَعَظَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً. (وَقَالَ) : وَتَقُولُ " اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ " وَيَفْتَتِحُ الطَّوَافَ بِالِاسْتِلَامِ فَيُقَبِّلُ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ وَيَسْتَلِمُ الْيَمَانِيَّ بِيَدِهِ وَيُقَبِّلُهَا وَلَا يُقَبِّلُهُ؛ لِأَنَّى لَمْ أَعْلَمْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَبَّلَ إلَّا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَاسْتَلَمَ الْيَمَانِيَّ، وَأَنَّهُ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَى شَيْءٍ دُونَ الطَّوَافِ وَلَا يَبْتَدِئُ بِشَيْءٍ غَيْرِ الطَّوَافِ إلَّا أَنْ يَجِدَ الْإِمَامَ فِي الْمَكْتُوبَةِ أَوْ يَخَافَ فَوْتَ فَرْضٍ أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. (قَالَ) : وَيَقُولُ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ الطَّوَافَ وَالِاسْتِلَامَ " بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 163 بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَيَضْطَبِعُ لِلطَّوَافِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اضْطَبَعَ حِينَ طَافَ» ثُمَّ عُمَرُ. (قَالَ) : وَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يَشْتَمِلَ بِرِدَائِهِ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ وَمِنْ تَحْتِ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ فَيَكُونُ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا حَتَّى يُكْمِلَ سَعْيَهُ وَالِاسْتِلَامُ فِي كُلِّ وِتْرٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ فِي كُلِّ شَفْعٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيَرْمُلُ ثَلَاثًا وَيَمْشِي أَرْبَعًا وَيَبْتَدِئُ الطَّوَافَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَيَرْمُلُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إلَيْهِ ثَلَاثًا» وَالرَّمَلُ هُوَ الْخَبَبُ لَا شِدَّةَ السَّعْيِ وَالدُّنُوُّ مِنْ الْبَيْتِ أَحَبُّ إلَيَّ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّمَلُ وَكَانَ إذَا وَقَفَ وَجَدَ فُرْجَةً وَقَفَ ثُمَّ رَمَلَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَحْبَبْت أَنْ يَصِيرَ حَاشِيَةً فِي الطَّوَافِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَهُ كَثْرَةُ النِّسَاءِ فَيَتَحَرَّكَ حَرَكَةَ مَشْيِهِ مُتَقَارِبًا وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَثِبَ مِنْ الْأَرْضِ، وَإِنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الثَّلَاثِ لَمْ يَقْضِ فِي الْأَرْبَعِ، وَإِنْ تَرَكَ الِاضْطِبَاعَ وَالرَّمَلَ وَالِاسْتِلَامَ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ كَبَّرَ، وَقَالَ فِي رَمَلِهِ " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا " وَيَقُولُ فِي سَعْيِهِ " اللَّهُمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " وَيَدْعُو فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ مِنْ دِينٍ وَدُنْيَا وَلَا يُجْزِئُ الطَّوَافُ إلَّا بِمَا تُجْزِئُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنْ الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ وَغَسْلِ النَّجَسِ فَإِنْ أَحْدَثَ تَوَضَّأَ وَابْتَدَأَ، وَإِنْ بَنَى عَلَى طَوَافٍ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ طَافَ فَسَلَكَ الْحِجْرَ أَوْ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ أَوْ عَلَى شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ فِي الطَّوَافِ، وَإِنْ نَكَّسَ الطَّوَافَ لَمْ يُجْزِهِ بِحَالٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : الشَّاذَرْوَانُ تَأْزِيرُ الْبَيْتِ خَارِجًا عَنْهُ وَأَحْسَبُهُ عَلَى أَسَاسِ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُبَايِنًا لِأَسَاسِ الْبَيْتِ لَأَجْزَأَهُ الطَّوَافُ عَلَيْهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا فَرَغَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : ثُمَّ يَعُودُ إلَى الرُّكْنِ فَيَسْتَلِمُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ الصَّفَا فَيَرْقَى عَلَيْهَا فَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيَدْعُو اللَّهَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ مِنْ دِينٍ وَدُنْيَا ثُمَّ يَنْزِلُ فَيَمْشِي حَتَّى إذَا كَانَ دُونَ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ بِنَحْوٍ مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ سَعَى سَعْيًا شَدِيدًا حَتَّى يُحَاذِيَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَدَارِ الْعَبَّاسِ ثُمَّ يَمْشِيَ حَتَّى يَرْقَى عَلَى الْمَرْوَةِ فَيَصْنَعَ عَلَيْهَا كَمَا صَنَعَ عَلَى الصَّفَا حَتَّى يُتِمَّ سَبْعًا يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا وَكَانَ مَعَهُ هَدْيٌ نَحَرَ وَحَلَقَ أَوْ قَصَّرَ وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ، وَقَدْ فَرَغَ مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَا يَقْطَعُ الْمُعْتَمِرُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَفْتَتِحَ الطَّوَافَ مُسْتَلِمًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَلِمٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ وَلَكِنْ يُقَصِّرْنَ. وَإِنْ كَانَ حَاجًّا أَوْ قَارِنًا أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ «؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ وَكَانَتْ قَارِنَةً طَوَافُك يَكْفِيك لِحَجِّك وَعُمْرَتِك» غَيْرَ أَنَّ عَلَى الْقَارِنِ الْهَدْيَ؛ لِقِرَانِهِ وَيُقِيمُ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يُتِمَّ حَجَّهُ مَعَ إمَامِهِ. وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّة بَعْدَ الظُّهْرِ بِمَكَّةَ وَيَأْمُرُهُمْ بِالْغُدُوِّ مِنْ الْغَدِ إلَى مِنًى لِيُوَافُوا الظُّهْرَ بِمِنًى فَيُصَلِّي بِهَا الْإِمَامُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ الْآخِرَةَ وَالصُّبْحَ مِنْ الْغَدِ ثُمَّ يَغْدُو إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ إلَى عَرَفَةَ وَهُوَ عَلَى تَلْبِيَتِهِ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ صَعِدَ الْإِمَامُ فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى فَإِذَا جَلَسَ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُونَ فِي الْأَذَانِ وَأَخَذَ هُوَ فِي الْكَلَامِ وَخَفَّفَ الْكَلَامَ الْآخِرَ حَتَّى يَنْزِلَ بِقَدْرِ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ الْأَذَانِ وَيُقِيمُ الْمُؤَذِّنُ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ يُقِيمُ فَيُصَلِّي الْعَصْرَ وَلَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ يَرْكَبُ فَيَرُوحُ إلَى الْمَوْقِفِ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِالدُّعَاءِ وَحَيْثُمَا وَقَفَ النَّاسُ مِنْ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «هَذَا مَوْقِفٌ وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ» . (قَالَ) : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ سَمِعْت الشَّافِعِيُّ يَقُولُ عَرَفَةُ كُلُّ سَهْلٍ وَجَبَلٍ أَقْبَلَ عَلَى الْمَوْقِفِ فِيمَا بَيْنَ التَّلْعَةِ الَّتِي تُفْضِي إلَى طَرِيقِ نُعْمَانَ، وَإِلَى حُصَيْنٍ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ كَبْكَبٍ وَأُحِبُّ لِحَاجٍّ تَرْكَ صَوْمِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَصُمْهُ وَأَرَى أَنَّهُ أَقْوَى لِلْمُفْطِرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 164 عَلَى الدُّعَاءِ وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ يَوْمُ عَرَفَةَ. فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ دَفَعَ الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ الْوَقَارُ وَالسَّكِينَةُ فَإِنْ وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ فَإِذَا أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ جَمَعَ مَعَ الْإِمَامِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِإِقَامَتَيْنِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهُمَا بِهَا وَلَمَّا يُنَادِ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَّا بِإِقَامَةٍ وَلَا يُسَبِّحُ بَيْنَهُمَا وَلَا عَلَى إثْرِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَيَبِيتُ بِهَا فَإِنْ لَمْ يَبِتْ بِهَا فَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُنْت فِيمَنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ ضَعَفَةِ أَهْلِهِ يَعْنِي مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى. (قَالَ) : وَيَأْخُذُ مِنْهَا الْحَصَى لِلرَّمْيِ يَكُونُ قَدْرَ حَصَى الْخَذْفِ؛ لِأَنَّ بِقَدْرِهَا رَمَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ حَيْثُ أَخَذَ أَجْزَأَ إذَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ حَجَرٍ مَرْمَرٍ أَوْ بِرَامٍ أَوْ كَذَّانَ أَوْ فِهْرٍ فَإِنْ كَانَ كُحْلًا أَوْ زِرْنِيخًا أَوْ مَا أَشْبَهَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ رَمَى بِمَا قَدْ رَمَى بِهِ مَرَّةً كَرِهْته وَأَجْزَأَ عَنْهُ وَلَوْ رَمَى فَوَقَعَتْ حَصَاةٌ عَلَى مَحْمَلٍ ثُمَّ اسْتَنَّتْ فَوَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ الْحَصَى أَجْزَأَهُ، وَإِنْ وَقَعَتْ فِي ثَوْبِ رَجُلٍ فَنَفَضَهَا لَمْ يُجْزِهِ فَإِذَا أَصْبَحَ صَلَّى الصُّبْحَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ يَقِفُ عَلَى قُزَحَ حَتَّى يُسْفِرَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ يَدْفَعُ إلَى مِنًى فَإِذَا صَارَ فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ حَرَّكَ دَابَّتَهُ قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ فَإِذَا أَتَى مِنًى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي سَبْعَ حَصَيَاتٍ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كُلَّمَا رَمَى حَتَّى يُرَى بَيَاضُ مَا تَحْتِ مَنْكِبَيْهِ، وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَإِنْ رَمَى قَبْلَ الْفَجْرِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَجْزَأَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أُمَّ سَلَمَةَ أَنْ تُعَجِّلَ الْإِفَاضَةَ وَتُوَافِيَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِمَكَّةَ وَكَانَ يَوْمَهَا فَأَحَبَّ أَنْ يُوَافِيَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ رَمَتْ إلَّا قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ يَنْحَرُ الْهَدْيَ إنْ كَانَ مَعَهُ ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ وَيَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ هَدْيِهِ، وَقَدْ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ فَقَطْ وَلَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ بِأَوَّلِ حَصَاةٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ وَعُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ لَمْ يَزَالُوا يُلَبُّونَ حَتَّى رَمَوْا الْجَمْرَةَ. (قَالَ) : وَيَتَطَيَّبُ إنْ شَاءَ لِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَطَيَّبَ لِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ بَعْدَ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيُعَلِّمُ النَّاسَ النَّحْرَ وَالرَّمْيَ وَالتَّعْجِيلَ لِمَنْ أَرَادَهُ فِي يَوْمَيْنِ بَعْدَ النَّحْرِ وَمَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ أَوْ نَحَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ أَوْ قَدَّمَ الْإِفَاضَةَ عَلَى الرَّمْيِ أَوْ قَدَّمَ نُسُكًا قَبْلَ نُسُكٍ مِمَّا يُفْعَلُ يَوْمَ النَّحْرِ فَلَا حَرَجَ وَلَا فِدْيَةَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا سُئِلَ يَوْمئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ إلَّا قَالَ «افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» وَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْفَرْضِ وَهِيَ الْإِفَاضَةُ، وَقَدْ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ ثُمَّ يَرْمِي أَيَّامَ مِنًى الثَّلَاثَةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ الْجَمْرَةُ الْأُولَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ وَالثَّالِثَةَ بِسَبْعٍ فَإِنْ رَمَى بِحَصَاتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَهُنَّ كَوَاحِدَةٍ، وَإِنْ نَسِيَ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ شَيْئًا مِنْ الرَّمْيِ رَمَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَمَا نَسِيَهُ فِي الثَّانِي رَمَاهُ فِي الثَّالِثِ. (قَالَ) : وَلَا بَأْسَ إذَا رَمَى الرِّعَاءُ الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يَصْدُرُوا وَيَدَعُوا الْمَبِيتَ بِمِنًى فِي لَيْلَتِهِمْ وَيَدَعُوا الرَّمْيَ مِنْ الْغَدِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ ثُمَّ يَأْتُوا مِنْ بَعْدِ الْغَدِ وَهُوَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ فَيَرْمُونَ لِلْيَوْمِ الْمَاضِي ثُمَّ يَعُودُوا فَيَسْتَأْنِفُوا يَوْمَهُمْ ذَلِكَ وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ بَعْدَ الظُّهْرِ يَوْمَ الثَّالِثِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ النَّفْرُ الْأَوَّلُ فَيُوَدِّعُ الْحَاجَّ وَيُعْلِمُهُمْ أَنَّ مَنْ أَرَادَ التَّعْجِيلَ فَذَلِكَ لَهُ وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَخْتِمُوا حَجَّهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ فَمَنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ حَتَّى يُمْسِيَ رَمَى مِنْ الْغَدِ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ انْقَضَتْ أَيَّامُ مِنًى. وَإِنْ تَدَارَكَ عَلَيْهِ رَمْيَانُ فِي أَيَّامِ مِنًى ابْتَدَأَ الْأَوَّلَ حَتَّى يُكْمِلَ ثُمَّ عَادَ فَابْتَدَأَ الْآخَرَ وَلَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَرْمِيَ بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ حَصَاةً فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ فَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُ الرَّمْيِ وَتَرَكَ حَصَاةً فَعَلَيْهِ مُدُّ طَعَامٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمِسْكِينٍ، وَإِنْ كَانَتْ حَصَاتَانِ فَمُدَّانِ لِمِسْكِينَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثُ حَصَيَاتٍ فَدَمٌ، وَإِنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي مِنًى فَعَلَيْهِ مُدٌّ، وَإِنْ تَرَكَ لَيْلَتَيْنِ فَعَلَيْهِ مُدَّانِ، وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَدَمٌ وَالدَّمُ شَاةٌ يَذْبَحُهَا لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَلَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى إلَّا لِرِعَاءِ الْإِبِلِ وَأَهْلِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ دُونَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 165 غَيْرِهِمْ. وَلَا رُخْصَةَ فِيهَا إلَّا لِمَنْ وَلِيَ الْقِيَامَ عَلَيْهَا مِنْهُمْ وَسَوَاءٌ مَنْ اُسْتُعْمِلَ عَلَيْهَا مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ لِأَهْلِ السِّقَايَةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَنْ يَبِيتُوا بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى وَيَفْعَلُ الصَّبِيُّ فِي كُلِّ أَمْرِهِ مَا يَفْعَلُ الْكَبِيرُ وَمَا عَجَزَ عَنْهُ الصَّبِيُّ مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ حُمِلَ وَفُعِلَ ذَلِكَ بِهِ وَجُعِلَ الْحَصَى فِي يَدِهِ لِيَرْمِيَ فَإِنْ عَجَزَ رُمِيَ عَنْهُ، وَلَيْسَ عَلَى الْحَاجِّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الرَّمْيِ أَيَّامَ مِنًى إلَّا وَدَاعُ الْبَيْتِ فَيُوَدِّعُ الْبَيْتَ ثُمَّ يَنْصَرِفُ إلَى بَلَدِهِ وَالْوَدَاعُ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَهُ فَإِنْ لَمْ يَطُفْ وَانْصَرَفَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَلَيْسَ عَلَى الْحَائِضِ وَدَاعٌ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ لَهَا أَنْ تَنْفِرَ بِلَا وَدَاعٍ. وَإِذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ امْرَأَتَهُ الْمُحْرِمَةَ فَغَيَّبَ الْحَشَفَةَ مَا بَيْنَ أَنْ يُحْرِمَ إلَى أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ فَقَدْ أَفْسَدَ حَجَّهُ وَسَوَاءٌ وَطِئَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فَسَادٌ وَاحِدٌ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ بَدَنَةٌ وَيَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ بِامْرَأَتِهِ وَيُجْزِي عَنْهُمَا هَدْيٌ وَاحِدٌ وَمَا تَلَذَّذَ مِنْهَا دُونَ الْجِمَاعِ فَشَاةٌ تُجْزِئُهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُفْسِدُ بَدَنَةً فَبَقَرَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَسَبْعًا مِنْ الْغَنَمِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قُوِّمَتْ الْبَدَنَةُ دَرَاهِمَ بِمَكَّةَ وَالدَّرَاهِمُ طَعَامًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا هَكَذَا كُلُّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ يَعْسُرُ بِهِ مَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصُّ خَبَرٍ وَلَا يَكُونُ الطَّعَامُ وَالْهَدْيُ إلَّا بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى وَالصَّوْمُ حَيْثُ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِأَهْلِ الْحَرَمِ فِي الصَّوْمِ وَمَنْ وَطِئَ أَهْلَهُ بَعْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَيُتِمُّ حَجَّهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قَرَأْت عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قُلْت أَنَا: إنْ لَمْ تَكُنْ الْبَدَنَةُ إجْمَاعًا أَوْ أَصْلًا فَالْقِيَاسُ شَاةٌ؛ لِأَنَّهَا هَدْيٌ عِنْدِي. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ أَفْسَدَ الْعُمْرَةَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي ابْتَدَأَهَا مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ أَنْ تَقْضِيَ الْعُمْرَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ إنَّمَا كَانَتْ قَارِنًا وَكَانَ عُمْرَتُهَا شَيْئًا اسْتَحْسَنَتْهُ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا لَا أَنَّ عُمْرَتَهَا كَانَتْ قَضَاءً لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا «طَوَافُك يَكْفِيك لِحَجِّك وَعُمْرَتِك.» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» . (قَالَ) : وَمَنْ فَاتَهُ ذَلِكَ فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَمَرَهُ أَنْ يُحِلَّ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحِلَاقٍ. (قَالَ) : وَإِنْ حَلَّ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ فَلَيْسَ أَنَّ حَجَّهُ صَارَ عُمْرَةً وَكَيْفَ يَصِيرُ عُمْرَةً، وَقَدْ ابْتَدَأَهُ حَجًّا (قَالَ الْمُزَنِيّ) : إذَا كَانَ عَمَلُهُ عِنْدَهُ عَمَلَ حَجٍّ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ إلَى عُمْرَةٍ فَقِيَاسُ قَوْلِهِ أَنْ يَأْتِيَ بِبَاقِي الْحَجِّ وَهُوَ الْمَبِيتُ بِمِنًى وَالرَّمْيُ بِهَا مَعَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَتَأَوَّلَ قَوْلَ عُمَرَ افْعَلْ مَا يَفْعَلُ الْمُعْتَمِرُ إنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ لَا أَنَّهَا عُمْرَةٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا يَدْخُلُ مَكَّةَ إلَّا بِإِحْرَامٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ؛ لِمُبَايَنَتِهَا جَمِيعَ الْبُلْدَانِ إلَّا أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ رَخَّصَ لِلْحَطَّابِينَ وَمَنْ يَدْخُلُهُ لِمَنَافِعِ أَهْلِهِ أَوْ كَسْبِ نَفْسِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَعَلَّ حَطَّابِيهِمْ عَبِيدٌ وَمَنْ دَخَلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. [بَابُ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَةَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَلْيَأْتِ الْبَيْتَ وَلْيَطُفْ بِهِ وَلْيَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ لِيَحْلِق أَوْ يُقَصِّرْ إنْ شَاءَ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَنْحَرْهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَيَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فَإِذَا أَدْرَكَ الْحَجَّ قَابِلًا فَلْيَحْجُجْ وَلْيَهْدِ " وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ " اصْنَعْ مَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ ثُمَّ قَدْ حَلَلْتُ فَإِذَا أَدْرَكْتُ الْحَجَّ قَابِلًا فَاحْجُجْ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ "، وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 166 أَيْضًا لِهَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ مِثْلَ مَعْنَى ذَلِكَ وَزَادَ " فَإِنْ لَمْ تَجِدْ هَدْيًا فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْت ". (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ (قَالَ) : وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ دَلَالَةٌ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ أَبَا أَيُّوبَ عَمَلَ الْمُعْتَمِرِ لَا أَنَّ إحْرَامَهُ صَارَ عُمْرَةً. [بَابُ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَالْعَبْدُ إذَا عَتَقَ وَالذِّمِّيُّ إذَا أَسْلَمَ، وَقَدْ أَحْرَمُوا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا بَلَغَ غُلَامٌ أَوْ أُعْتِقَ عَبْدٌ أَوْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ، وَقَدْ أَحْرَمُوا ثُمَّ وَافَوْا عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ أَدْرَكُوا الْحَجَّ وَعَلَيْهِمْ دَمٌ. (وَقَالَ) : وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَا يَبِينُ لَهُ أَنَّ الْغُلَامَ وَالْعَبْدَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ دَمٌ وَأَوْجَبَهُ عَلَى الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ قَبْلَ عَرَفَةَ وَهُوَ كَافِرٌ لَيْسَ بِإِحْرَامٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : فَإِذَا لَمْ يَبِنْ عِنْدَهُ أَنَّ عَلَى الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ دَمًا وَهُمَا مُسْلِمَانِ فَالْكَافِرُ أَحَقُّ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ مَعَ الْكُفْرِ لَيْسَ بِإِحْرَامٍ وَالْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مَعَ الْإِسْلَامِ بِعَرَفَاتٍ فَكَأَنَّهَا مَنْزِلُهُ أَوْ كَرَجُلٍ صَارَ إلَى عَرَفَةَ وَلَا يُرِيدُ حَجًّا ثُمَّ أَحْرَمَ أَوْ كَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ لَا يُرِيدُ حَجًّا ثُمَّ أَحْرَمَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَفْسَدَ الْعَبْدُ حَجَّهُ قَبْلَ عَرَفَةَ ثُمَّ أُعْتِقَ وَالْمُرَاهِقُ بِوَطْءٍ قَبْلَ عَرَفَةَ ثُمَّ احْتَلَمَ أَتَمَّا وَلَمْ تُجْزِ عَنْهُمَا مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ إلَيْهِ مِنْ مِحَفَّتِهَا صَبِيًّا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ» . (قَالَ) : وَإِذَا جَعَلَ لَهُ حَجًّا فَالْحَاجُّ إذَا جَامَعَ أَفْسَدَ حَجَّهُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَكَذَلِكَ فِي مَعْنَاهُ عِنْدِي يُعِيدُ وَيُهْدِي. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَحْبَبْت أَنْ يَدَعَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَهُ حَبْسُهُ وَفِيهِ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: تُقَوَّمُ الشَّاةُ دَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمُ طَعَامًا ثُمَّ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا ثُمَّ يُحِلُّ. وَالْآخَرُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يُعْتَقَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ شَاةٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : أَوْلَى بِقَوْلِهِ وَأَشْبَهُ عِنْدِي بِمَذْهَبِهِ أَنْ يُحِلَّ وَلَا يُظْلَمُ مَوْلَاهُ بِغَيْبَتِهِ وَمَنْعِ خِدْمَتِهِ فَإِذَا أُعْتِقَ أَهْرَاقَ دَمًا فِي مَعْنَاهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَمَتَّعَ فَأَعْطَاهُ دَمًا لِتَمَتُّعِهِ لَمْ يُجْزِ عَنْهُ إلَّا الصَّوْمُ مَا كَانَ مَمْلُوكًا وَيُجْزِي أَنْ يُعْطَى عَنْهُ مَيِّتًا كَمَا يُعْطَى عَنْ مَيِّتٍ قَضَاءً؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ سَعْدًا أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ أُمِّهِ بَعْدَ مَوْتِهَا. [بَابُ هَلْ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ مَعًا أَوْ يَحُجُّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ حَجًّا آخَرَ أَوْ بِعُمْرَتَيْنِ مَعًا أَوْ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا أُخْرَى فَهُوَ حَجٌّ وَاحِدٌ وَعُمْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا فِدْيَةَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي حَجَّتَيْنِ أَوْ حَجَّةٍ فَإِذَا أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ عَمَلَ حَجَّتَيْنِ فِي حَالٍ وَلَا عُمْرَتَيْنِ وَلَا صَوْمَيْنِ فِي حَالٍ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى إلَّا لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَبَطَلَتْ الْأُخْرَى. [بَابُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْحَجِّ وَالْوَصِيَّةِ بِهِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَرْكَبٍ لِضَعْفِهِ أَوْ كِبَرِهِ إلَّا بِأَنْ يَقُولَ يُحْرِمُ عَنْهُ مِنْ مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ وَقَّتَ لَهُ وَقْتًا فَأَحْرَمَ قَبْلَهُ فَقَدْ زَادَهُ، وَإِنْ تَجَاوَزَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 167 فَرَجَعَ مُحْرِمًا أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فَعَلَيْهِ دَمٌ مِنْ مَالِهِ وَيَرُدُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ يَفْعَلُهُ فَمِنْ مَالِهِ دُونَ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ أَفْسَدَ إجَارَتَهُ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ لِمَا أَفْسَدَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ لَمْ يُفْسِدْ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْحَجَّ فَلَهُ بِقَدْرِ عَمَلِهِ وَلَا يُحْرِمُ عَنْ رَجُلٍ إلَّا مَنْ قَدْ حَجَّ مَرَّةً، وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَارِثٌ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أُحِجَّ عَنْهُ بِأَقَلِّ مَا يُوجَدُ أَحَدٌ يَحُجُّ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ أَحَجَّ عَنْهُ غَيْرُهُ وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ يَحُجُّ بِهَا عَنْهُ فَمَا زَادَ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ فَهُوَ وَصِيَّةٌ لَهُ فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يَحُجَّ عَنْهُ أَحَدٌ إلَّا بِأَقَلِّ مَا يُوجَدُ بِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ. [بَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَعَلَى مَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ الْجَزَاءُ عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً وَالْكَفَّارَةُ فِيهِمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مَمْنُوعٌ بِحُرْمَةٍ وَكَانَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَقِيَاسُ مَا اخْتَلَفُوا مِنْ كَفَّارَةِ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا عَلَى مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ كَفَّارَةِ قَتْلِ الصَّيْدِ عَمْدًا (قَالَ) : وَالْعَامِدُ أَوْلَى بِالْكَفَّارَةِ فِي الْقِيَاسِ مِنْ الْمُخْطِئِ. [بَابُ كَيْفِيَّةِ الْجَزَاءِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَزَّ - {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالنَّعَمُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ. (قَالَ) : وَمَا أُكِلَ مِنْ الصَّيْدِ صِنْفَانِ دَوَابُّ وَطَائِرٌ فَمَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ مِنْ الدَّوَابِّ نُظِرَ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الْمَقْتُولِ شَبَهًا مِنْ النَّعَمِ فَفَدَى بِهِ، وَقَدْ حَكَمَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَغَيْرُهُمْ فِي بُلْدَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَزْمَانٍ شَتَّى بِالْمِثْلِ مِنْ النَّعَمِ فَحَكَمَ حَاكِمُهُمْ فِي النَّعَامَةِ بِبَدَنَةٍ وَهِيَ لَا تَسْوَى بَدَنَةً، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بِبَقَرَةٍ وَهُوَ لَا يَسْوَى بَقَرَةً وَفِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَهُوَ لَا يَسْوَى كَبْشًا وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ، وَقَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا أَضْعَافًا وَدُونَهَا وَمِثْلَهَا وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجُفْرَةٍ وَهُمَا لَا يُسَاوِيَانِ عَنَاقًا وَلَا جُفْرَةً فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ نَظَرُوا إلَى أَقْرَبِ مَا يُقْتَلُ مِنْ الصَّيْدِ شَبَهًا بِالْبَدَلِ مِنْ النَّعَمِ لَا بِالْقِيمَةِ وَلَوْ حَكَمُوا بِالْقِيمَةِ لَاخْتَلَفَتْ لِاخْتِلَافِ الْأَسْعَارِ وَتَبَايُنِهَا فِي الْأَزْمَانِ وَكُلُّ دَابَّةٍ مِنْ الصَّيْدِ لَمْ نُسَمِّهَا فَفِدَاؤُهَا قِيَاسًا عَلَى مَا سَمَّيْنَا فِدَاءَهُ مِنْهَا لَا نَخْتَلِفُ وَلَا يُفْدَى إلَّا مِنْ النَّعَمِ وَفِي صِغَارِ أَوْلَادِهَا صِغَارُ أَوْلَادِ هَذِهِ، وَإِذَا أَصَابَ صَيْدًا أَعْوَرَ أَوْ مَكْسُورًا فَدَاهُ بِمِثْلِهِ وَالصَّحِيحُ أَحَبُّ إلَيَّ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ. (قَالَ) : وَيُفْدَى الذَّكَرُ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَيَفْدِي بِالْإِنَاثِ أَحَبُّ إلَيَّ، وَإِنْ جَرَحَ ظَبْيًا فَنَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ الْعُشْرُ فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ مِنْ ثَمَنِ شَاةٍ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ النَّقْصُ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : عَلَيْهِ عُشْرُ الشَّاةِ أَوْلَى بِأَصْلِهِ، وَإِنْ قَتَلَ الصَّيْدَ فَإِنْ شَاءَ جَزَاءً بِمِثْلِهِ، وَإِنْ شَاءَ قُوِّمَ الْمِثْلُ دَرَاهِمَ ثُمَّ الدَّرَاهِمُ طَعَامًا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءِ مِنْ الْجَزَاءِ إلَّا بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى فَأَمَّا الصَّوْمُ فَحَيْثُ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْ لَحْمِهِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ إلَّا فِي قَتْلِهِ أَوْ جَرْحِهِ. وَلَوْ دَلَّ عَلَى صَيْدٍ كَانَ مُسِيئًا وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَمَرَ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ وَكَانَ مُسِيئًا وَمَنْ قَطَعَ مِنْ شَجَرَةِ الْحَرَمِ شَيْئًا جَزَاهُ مُحْرِمًا كَانَ أَوْ حَلَالًا وَفِي الشَّجَرَةِ الصَّغِيرَةِ شَاةٌ وَفِي الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ وَذَكَرُوا هَذَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءٍ. (قَالَ) : وَسَوَاءٌ مَا قُتِلَ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي الْإِحْرَامِ مُفْرِدًا كَانَ أَوْ قَارِنًا فَجَزَاءٌ وَاحِدٌ وَلَوْ اشْتَرَكُوا فِي قَتَلَ صَيْدٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ إلَّا جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَمَا قُتِلَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 168 مِنْ الصَّيْدِ لِإِنْسَانٍ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ لِلْمَسَاكِينِ وَقِيمَتُهُ لِصَاحِبِهِ وَلَوْ جَازَ إذَا تَحَوَّلَ حَالَ الصَّيْدِ مِنْ التَّوَحُّشِ إلَى الِاسْتِئْنَاسِ أَنْ يَصِيرَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَنِيسِ جَازَ أَنْ يُضَحِّيَ بِهِ وَيُجْزِي بِهِ مَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ، وَإِذَا تَوَحَّشَ الْإِنْسِيُّ مِنْ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ أَنْ يَكُونَ صَيْدًا يُجْزِيهِ الْمُحْرِمُ وَلَا يُضَحِّي بِهِ وَلَكِنْ كُلٌّ عَلَى أَصْلِهِ وَمَا أَصَابَ مِنْ الصَّيْدِ فَدَاهُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ إحْرَامِهِ وَخُرُوجُهُ مِنْ الْعُمْرَةِ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحِلَاقِ وَخُرُوجُهُ مِنْ الْحَجِّ خُرُوجَانِ الْأَوَّلُ الرَّمْيُ وَالْحَلْقُ وَهَكَذَا لَوْ طَافَ بَعْدَ عَرَفَةَ وَحَلَقَ، وَإِنْ لَمْ يَرْمِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الْإِحْرَامِ فَإِنْ أَصَابَ بَعْدَ ذَلِكَ صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. [بَابُ جَزَاءِ الطَّائِرِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالطَّائِرُ صِنْفَانِ حَمَامٌ وَغَيْرُ حَمَامٍ فَمَا كَانَ مِنْهَا حَمَامًا فَفِيهِ شَاةٌ اتِّبَاعًا لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَنَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ وَابْنِ عُمَرَ وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. (قَالَ) : وَهَذَا إذَا أُصِيبَ بِمَكَّةَ أَوْ أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ قَالَ عَطَاءٌ فِي الْقُمْرِيّ وَالدُّبْسِيِّ شَاةٌ. (قَالَ) : وَكُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ فَهُوَ حَمَامٌ وَفِيهِ شَاةٌ وَمَا سِوَاهُ مِنْ الطَّيْرِ فَفِيهِ قِيمَتُهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أُصِيبَ فِيهِ، وَقَالَ عُمَرُ لِكَعْبٍ فِي جَرَادَتَيْنِ مَا جَعَلْت فِي نَفْسِك قَالَ دِرْهَمَيْنِ قَالَ بَخٍ دِرْهَمَانِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ جَرَادَةٍ افْعَلْ مَا جَعَلْتُ فِي نَفْسِك وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي جَرَادَةٍ تَمْرَةٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي جَرَادَةٍ تَصَدَّقْ بِقَبْضَةِ طَعَامٍ وَلْيَأْخُذَنَّ بِقَبْضَةِ جَرَادَاتٍ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا رَأَيَا فِي ذَلِكَ الْقِيمَةَ فَأَمَرَا بِالِاحْتِيَاطِ، وَمَا كَانَ مِنْ بَيْضِ طَيْرٍ يُؤْكَلُ فَفِي كُلِّ بَيْضَةٍ قِيمَتُهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا فَرْخٌ فَقِيمَتُهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ وَلَا يَأْكُلُهَا مُحْرِمٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الصَّيْدِ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهَا صَيْدٌ. (قَالَ) : وَإِنْ نَتَفَ طَيْرًا فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ النَّتْفُ فَإِنْ تَلِفَ بَعْدُ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَفْدِيَهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُمْتَنِعًا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ نَتْفِهِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ حَبَسَهُ وَأَلْقَطَهُ وَسَقَاهُ حَتَّى يَصِيرَ مُمْتَنِعًا وَفَدَى مَا نَقَصَ النَّتْفُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَسَرَهُ فَجَبَرَهُ فَصَارَ أَعْرَجَ لَا يَمْتَنِعُ فَدَاهُ كَامِلًا. [بَابُ مَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلِلْمُحْرِمِ أَنْ يَقْتُلَ الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ وَالْفَأْرَةَ وَالْحِدَأَةَ وَالْغُرَابَ وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ وَمَا أَشْبَهَ الْكَلْبَ الْعَقُورَ مِثْلَ السَّبُعِ وَالنِّمْرِ وَالْفَهْدِ وَالذِّئْبِ صِغَارُ ذَلِكَ وَكِبَارُهُ سَوَاءٌ وَلَيْسَ فِي الرَّخَمِ وَالْخَنَافِسِ وَالْقِرْدَانِ وَالْحَلَمِ وَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ جَزَاءٌ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الصَّيْدِ، وَقَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْهِمْ مَا كَانَ لَهُمْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ حَلَالًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ أَنْ يَحْرُمَ فِي الْإِحْرَامِ خَاصَّةً إلَّا مَا كَانَ مُبَاحًا قَبْلَهُ. [بَابُ الْإِحْصَارِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَزَّ - {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] «وَأُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحُدَيْبِيَةِ فَنَحَرَ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. (قَالَ) : وَإِذَا أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ كَافِرٍ أَوْ مُسْلِمٍ أَوْ سُلْطَانٍ يَحْبِسُ فِي سَجْنٍ نَحَرَ هَدْيًا لِإِحْصَارِهِ حَيْثُ أُحْصِرَ فِي حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 169 وَاجِبًا فَيَقْضِي، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا يَشْتَرِيهِ أَوْ كَانَ مُعْسِرًا فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَحِلَّ إلَّا بِهَدْيٍ. وَالْآخَرُ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ حَلِّ وَأَتَى بِهِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَقِيلَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ إطْعَامٌ أَوْ صِيَامٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَلَمْ يَقْدِرْ فَمَتَى قَدَرَ. (وَقَالَ) فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَشْبَهُهُمَا بِالْقِيَاسِ: إذَا أُمِرَ بِالرُّجُوعِ لِلْخَوْفِ أَنْ لَا يُؤْمَرَ بِالْمُقَامِ لِلصِّيَامِ وَالصَّوْمُ يُجْزِئُهُ فِي كُلِّ مَكَان. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : الْقِيَاسُ عِنْدَهُ حَقٌّ، وَقَدْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا أَشْبَهُ بِالْقِيَاسِ، وَالصَّوْمُ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ أَنْ يُقَوِّمَ الشَّاةُ دَرَاهِمَ ثُمَّ الدَّرَاهِمُ طَعَامًا ثُمَّ يَصُومُ مَكَانَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا حَصْرَ إلَّا حَصْرَ الْعَدُوِّ وَذَهَبَ الْحَصْرُ الْآنَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لَا يُحِلُّ مُحْرِمٌ حَبَسَهُ بَلَاءٌ حَتَّى يَطُوفَ إلَّا مَنْ حَبَسَهُ عَدُوٌّ. (قَالَ) : فَيُقِيمُ عَلَى إحْرَامِهِ قَالَ فَإِنْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَإِلَّا طَافَ وَسَعَى وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ وَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا أَجْزَأَهُ وَلَا وَقْتَ لِلْعُمْرَةِ فَتَفُوتَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُحْصَرِ بِالْعَدُوِّ وَالْمَرَضِ أَنَّ الْمُحْصَرَ بِالْعَدُوِّ خَائِفُ الْقَتْلِ إنْ أَقَامَ، وَقَدْ رُخِّصَ لِمَنْ لَقِيَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَتَحَرَّفَ لِقِتَالٍ أَوْ يَتَحَيَّزَ إلَى فِئَةٍ فَيَنْتَقِلُ بِالرُّجُوعِ مِنْ خَوْفِ قَتْلٍ إلَى أَمْنٍ وَالْمَرِيضُ حَالُهُ وَاحِدَةٌ فِي التَّقَدُّمِ وَالرُّجُوعِ، وَالْإِحْلَالُ رُخْصَةٌ فَلَا يُعَدَّى بِهَا مَوْضِعُهَا كَمَا أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ رُخْصَةٌ فَلَمْ يُقَسْ عَلَيْهِ مَسْحُ عِمَامَةٍ وَلَا قُفَّازَيْنِ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَاسَ حِلُّ الْمَرِيضِ عَلَى حَصْرِ الْعَدُوِّ جَازَ أَنْ يُقَاسَ حِلُّ مُخْطِئِ الطَّرِيقِ وَمُخْطِئِ الْعَدَدِ حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ عَلَى حَصْرِ الْعَدُوِّ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ إحْرَامِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَالْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا فَهُمَا فِي مَعْنَى الْإِحْصَارِ وَلِلسَّيِّدِ وَالزَّوْجِ مَنْعُهُمَا، وَهُمَا فِي مَعْنَى الْعَدُوِّ فِي الْإِحْصَارِ وَفِي أَكْثَرَ مِنْ مَعْنَاهُ فَإِنَّ لَهُمَا مَنْعَهُمَا وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْعَدُوِّ وَمُخَالِفُونَ لَهُ فِي أَنَّهُمَا غَيْرُ خَائِفِينَ خَوْفَهُ. [بَابٌ يُذْكَرُ فِيهِ الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ وَالْمَعْدُودَاتُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ الْعَشْرُ وَآخِرُهَا يَوْمُ النَّحْرِ وَالْمَعْدُودَاتُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ النَّحْرِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : سَمَّاهُنَّ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِاسْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الِاسْمَيْنِ لَمْ يَقَعَا عَلَى أَيَّامٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَقَعَا عَلَى أَيَّامٍ وَاحِدَةٍ فَأَشْبَهُ الْأَمْرَيْنِ أَنْ تَكُونَ كُلُّ أَيَّامٍ مِنْهَا غَيْرَ الْأُخْرَى كَمَا أَنَّ اسْمَ كُلِّ يَوْمٍ غَيْرُ الْآخَرِ وَهُوَ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ عِنْدِي. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَتْ الْمَعْلُومَاتُ الْعَشْرَ لَكَانَ النَّحْرُ فِي جَمِيعِهَا فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ النَّحْرُ فِي جَمِيعِهَا بَطَلَ أَنْ تَكُونَ الْمَعْلُومَاتُ فِيهَا، يُقَالُ لَهُ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا - وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [نوح: 15 - 16] وَلَيْسَ الْقَمَرُ فِي جَمِيعِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ فِي وَاحِدِهَا أَفَيَبْطُلُ أَنْ يَكُونَ الْقَمَرُ فِيهِنَّ نُورًا كَمَا قَالَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَزَّ - وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ لِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ الْهَدْيِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْهَدْيُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَمَنْ نَذَرَ لِلَّهِ هَدْيًا فَسَمَّى شَيْئًا فَهُوَ عَلَى مَا سَمَّى، وَإِنْ لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 170 يُسَمِّهِ فَلَا يُجْزِئُهُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الْأُنْثَى فَصَاعِدًا وَيُجْزِئُهُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَلَا يُجْزِئُهُ مِنْ الضَّأْنِ إلَّا الْجَذَعُ فَصَاعِدًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْحَرَ دُونَ الْحَرَمِ وَهُوَ مَحِلُّهَا لِقَوْلِ اللَّهِ - جَلَّ وَعَزَّ - {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] إلَّا أَنْ يُحْصَرَ فَيَنْحَرَ حَيْثُ أُحْصِرَ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحُدَيْبِيَةِ، وَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً قَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ وَأَشْعَرَهَا وَضَرَبَ شِقَّهَا الْأَيْمَنَ مِنْ مَوْضِعِ السَّنَامِ بِحَدِيدَةٍ حَتَّى يُدْمِيَهَا وَهِيَ مُسْتَقْبِلَةٌ الْقِبْلَةَ، وَإِنْ كَانَتْ شَاةً قَلَّدَهَا خُرَبَ الْقِرَبِ وَلَا يُشْعِرُهَا، وَإِنْ تَرَكَ التَّقْلِيدَ وَالْإِشْعَارَ أَجْزَأَهُ. (قَالَ) : وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ السَّبْعَةُ فِي الْبَدَنَةِ الْوَاحِدَةِ وَفِي الْبَقَرَةِ كَذَلِكَ وَرُوِيَ «عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَدَنَةَ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» . (قَالَ) : وَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ نَاقَةً فَنُتِجَتْ سِيقَ مَعَهَا فَصِيلُهَا وَتُنْحَرُ الْإِبِلُ مَعْقُولَةً وَغَيْرَ مَعْقُولَةٍ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ نَحَرَهَا بَارِكَةً وَيَذْبَحُ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ فَإِنْ ذَبَحَ الْإِبِلَ وَنَحَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَكَرِهْته لَهُ فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا نَحَرَهُ بَعْدَ مَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ وَحَيْثُ نَحَرَ مِنْ فِجَاجِ مَكَّةَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ حَاجًّا نَحَرَهُ بَعْدَمَا يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَحَيْثُ نَحَرَ مَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ وَمَا كَانَ مِنْهَا تَطَوُّعًا أَكَلَ مِنْهَا لِقَوْلِ اللَّهِ - جَلَّ وَعَزَّ - {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 36] «وَأَكَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ لَحْمِ هَدْيِهِ وَأَطْعَمَ وَكَانَ هَدْيُهُ تَطَوُّعًا» وَمَا عَطِبَ مِنْهَا نَحَرَهَا وَخَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسَاكِينِ وَلَا بَدَلَ عَلَيْهِ فِيهَا وَمَا كَانَ وَاجِبًا مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا شَيْئًا فَإِنْ أَكَلَ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا أَكَلَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَمَا عَطِبَ مِنْهَا فَعَلَيْهِ مَكَانَهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 171 [كِتَابُ الْبَيْعِ] [بَابُ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَنَهَى عَنْهُ مِنْ الْمُبَايَعَاتِ وَسُنَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ] ِ بَابُ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَنَهَى عَنْهُ مِنْ الْمُبَايَعَاتِ وَسُنَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَزَّ - {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَلَمَّا «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بُيُوعٍ تَرَاضَى بِهَا الْمُتَبَايِعَانِ» اسْتَدْلَلْنَا أَنَّ اللَّهَ - جَلَّ وَعَزَّ - أَحَلَّ الْبُيُوعَ إلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ فَإِذَا عَقَدَا بَيْعًا مِمَّا يَجُوزُ وَافْتَرَقَا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا بِهِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا رَدُّهُ إلَّا بِعَيْبٍ أَوْ بِشَرْطِ خِيَارٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَقَدْ أَجَازَ فِي الْإِمْلَاءِ وَفِي كِتَابِ الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ وَفِي الصَّدَاقِ وَفِي الصُّلْحِ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ جَائِزٍ فِي مَعْنَاهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَهَذَا بِنَفْيِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْلَى بِهِ إذْ أَصْلُ قَوْلِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْبَيْعَ بَيْعَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا صِفَةٌ مَضْمُونَةٌ وَعَيْنٌ مَعْرُوفَةٌ وَأَنَّهُ يَبْطُلُ بَيْعُ الثَّوْبِ لَمْ يُرَ بَعْضُهُ لِجَهْلِهِ بِهِ فَكَيْفَ يُجِيزُ شِرَاءَ مَا لَمْ يَرَ شَيْئًا مِنْهُ قَطُّ، وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ ثَوْبٌ أَمْ لَا حَتَّى يَجْعَلَ لَهُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ. [بَابُ خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُوجِبَ الْبَيْعَ مَشَى قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي الْوَضِيءِ قَالَ كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَبَاعَ صَاحِبٌ لَنَا فَرَسًا مِنْ رَجُلٍ فَلَمَّا أَرَدْنَا الرَّحِيلَ خَاصَمَهُ فِيهِ إلَى أَبِي بَرْزَةَ فَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» . (قَالَ) : وَفِي الْحَدِيثِ مَا لَمْ يَحْضُرْ يَحْيَى بْنَ حَسَّانَ حِفْظُهُ، وَقَدْ سَمِعْته مِنْ غَيْرِهِ أَنَّهُمَا بَاتَا لَيْلَةً ثُمَّ غَدَوَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَا أَرَاكُمَا تَفَرَّقْتُمَا وَجَعَلَ لَهُمَا الْخِيَارَ إذْ بَقِيَا فِي مَكَان وَاحِدٍ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَقَالَ عَطَاءٌ يُخَيَّرُ بَعْدَ وُجُوبِ الْبَيْعِ، وَقَالَ شُرَيْحٌ: شَاهِدُ عَدْلٍ أَنَّكُمَا تَفَرَّقْتُمَا بَعْدَ رِضًا بِبَيْعٍ أَوْ خَيَّرَ أَحَدُكُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْأَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْآثَارِ بِالْبُلْدَانِ. (قَالَ) : وَهُمَا قَبْلَ التَّسَاوُمِ غَيْرُ مُتَسَاوِمَيْنِ ثُمَّ يَكُونَانِ مُتَسَاوِمَيْنِ ثُمَّ يَكُونَانِ مُتَبَايِعَيْنِ فَلَوْ تَسَاوَمَا فَقَالَ رَجُلٌ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كُنْتُمَا تَبَايَعْتُمَا كَانَ صَادِقًا، وَإِنَّمَا جَعَلَ لَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخِيَارَ بَعْدَ التَّبَايُعِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا فَلَا تَفَرُّقَ بَعْدَمَا صَارَا مُتَبَايِعَيْنِ إلَّا تَفَرُّقَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 172 الْأَبْدَانِ فَكُلُّ مُتَبَايِعَيْنِ فِي سِلْعَةٍ وَعَيْنٍ وَصَرْفٍ وَغَيْرِهِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُ الْبَيْعِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا تَفَرُّقَ الْأَبْدَانِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَكُونَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ، وَإِذَا كَانَ يَجِبُ التَّفَرُّقُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَكَذَلِكَ يَجِبُ إذَا خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَكَذَلِكَ قَالَ طَاوُسٌ «خَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا بَعْدَ الْبَيْعِ فَقَالَ الرَّجُلُ عَمْرَكَ اللَّهُ مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرُؤٌ مِنْ قُرَيْشٍ» (قَالَ) : فَكَانَ طَاوُسٌ يَحْلِفُ مَا الْخِيَارُ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ (قَالَ) : فَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَأَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ الْخِيَارِ، وَاخْتَارَ الْبَائِعُ نَقْضَ الْبَيْعِ كَانَ لَهُ وَكَانَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مَا لَمْ يَتِمَّ مِلْكُهُ فَإِنْ أَعْتَقَهَا الْبَائِعُ كَانَ جَائِزًا، وَلَوْ عَجَّلَ الْمُشْتَرِي فَوَطِئَهَا فَأَحْبَلَهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ فِي غَفْلَةٍ مِنْ الْبَائِعِ فَاخْتَارَ الْبَائِعُ فَسْخَ الْبَيْعِ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي مَهْرُ مِثْلِهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهِ مِنْهَا يَوْمَ تَلِدُهُ وَلَحِقَهُ بِالشُّبْهَةِ، وَإِنْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ فَهِيَ أَمَتُهُ وَالْوَطْءُ اخْتِيَارٌ لِفَسْخِ الْبَيْعِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَهَذَا عِنْدِي دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اخْتَارَهَا، وَقَدْ طَلُقَتْ الْأُخْرَى كَمَا جَعَلَ الْوَطْءَ اخْتِيَارًا لِفَسْخِ الْبَيْعِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَالْخِيَارُ لِوَارِثِهِ، وَإِنْ كَانَتْ بَهِيمَةً فَنُتِجَتْ قَبْلَ التَّفَرُّقِ ثُمَّ تَفَرَّقَا فَوَلَدُهَا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ وَهُوَ حَمْلٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ خِيَارٍ بِشَرْطٍ جَائِزٍ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَلَا بَأْسَ بِنَقْدِ الثَّمَنِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ، وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ خِيَارٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَلَوْلَا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْمُصَرَّاةِ وَلِحَبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ فِيمَا اشْتَرَى ثَلَاثًا لَمَا جَازَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ سَاعَةً وَلَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ الِانْتِفَاعُ بِالثَّمَنِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي الِانْتِفَاعُ بِالْجَارِيَةِ فَلَمَّا أَجَازَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ ثَلَاثًا اتَّبَعْنَاهُ وَلَمْ نُجَاوِزْهُ وَذَلِكَ أَنَّ أَمْرَهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثًا حَدًّا. [بَابُ الرِّبَا وَمَا لَا يَجُوزُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَلَا مُؤَجَّلًا وَالصَّرْفِ] ِ سَمِعْت الْمُزَنِيَّ يَقُولُ: (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَرَجُلٍ آخَرَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ وَلَا الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَلَا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَلَا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَلَا الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَكِنْ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ وَالتَّمْرَ بِالْمِلْحِ وَالْمِلْحَ بِالتَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْتُمْ» . (قَالَ) : وَنَقَصَ أَحَدُهُمَا التَّمْرَ وَالْمِلْحَ وَزَادَ الْآخَرُ «فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْأَحَادِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّرْفِ وَبِهِ قُلْنَا وَبِهَا تَرَكْنَا قَوْلَ مَنْ رَوَى عَنْ أُسَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ وَكُلُّ ذَلِكَ مُفَسَّرٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الرِّبَا أَفِي صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ذَهَبٌ بِوَرِقٍ أَوْ تَمْرٌ بِحِنْطَةٍ؟ فَقَالَ «الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» فَحَفِظَهُ فَأَدَّى قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُؤَدِّ الْمَسْأَلَةَ. (قَالَ) : وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» يُعْطِي بِيَدٍ وَيَأْخُذُ بِأُخْرَى فَيَكُونُ الْأَخْذُ مَعَ الْإِعْطَاءِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَتَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتَّى يَتَقَابَضَا فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ عُمَرُ لِمَالِكِ بْنِ أَوْسٍ لَا تُفَارِقُهُ حَتَّى تُعْطِيَهُ وَرِقَهُ أَوْ تَرُدَّ إلَيْهِ ذَهَبَهُ، وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَخْرَجَ «هَاءَ وَهَاءَ» تَقَابُضُهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا، وَالرِّبَا مِنْ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: فِي النَّقْدِ بِالزِّيَادَةِ وَفِي الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ. وَالْآخَرُ: يَكُونُ فِي الدَّيْنِ بِزِيَادَةِ الْأَجَلِ، وَإِنَّمَا حَرَّمْنَا غَيْرَ مَا سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَأْكُولِ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا سَمَّى وَلَمْ يَجُزْ أَنْ نَقِيسَ الْوَزْنَ عَلَى الْوَزْنِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَأْكُولَيْنِ وَمُبَايِنَانِ لِمَا سِوَاهُمَا وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ لَا رِبَا إلَّا فِي ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ مَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 173 يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ. (قَالَ) : وَهَذَا صَحِيحٌ وَلَوْ قِسْنَا عَلَيْهِمَا الْوَزْنَ لَزِمَنَا أَنْ لَا نُسْلِمَ دِينَارًا فِي مَوْزُونٍ مِنْ طَعَامٍ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ نُسْلِمَ دِينَارًا فِي مَوْزُونٍ مِنْ وَرِقٍ وَلَا أَعْلَمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ اخْتِلَافًا أَنَّ الدِّينَارَ وَالدِّرْهَمَ يُسْلَمَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يُسْلَمُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ غَيْرَ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُسْلِمَ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا فِي فُلُوسٍ وَهُوَ عِنْدَنَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَلَا فِي تِبْرِهَا، وَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِثَمَنٍ لِلْأَشْيَاءِ الْمُتْلَفَةِ، وَإِنَّمَا أَنْظُرُ فِي التِّبْرِ إلَى أَصْلِهِ، وَالنُّحَاسُ مِمَّا لَا رِبَا فِيهِ، وَقَدْ أَجَازَ عَدَدٌ مِنْهُمْ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ السَّلَفَ فِي الْفُلُوسِ وَكَيْفَ يَكُونُ مَضْرُوبُ الذَّهَبِ دَنَانِيرَ وَمَضْرُوبُ الْوَرِقِ دَرَاهِمَ فِي مَعْنَى الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ غَيْرَ مَضْرُوبَيْنِ وَلَا يَكُونُ مَضْرُوبُ النُّحَاسِ فُلُوسًا فِي مَعْنَى النُّحَاسِ غَيْرَ مَضْرُوبٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلِفَ شَيْئًا بِمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ جَازَا مُتَفَاضِلَيْنِ يَدًا بِيَدٍ قِيَاسًا عَلَى الذَّهَبِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَفَ فِي الْفِضَّةِ وَالْفِضَّةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَنْ تُسَلَّفَ فِي الذَّهَبِ وَكُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا إلَى أَجَلٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلَّفَ بَعِيرًا فِي بَعِيرَيْنِ أُرِيدَ بِهِمَا الذَّبْحُ أَوْ لَمْ يُرَدْ وَرِطْلَ نُحَاسٍ بِرِطْلَيْنِ وَعَرْضًا بِعَرْضَيْنِ إذَا دَفَعَ الْعَاجِلَ وَوَصَفَ الْآجِلَ وَمَا أُكِلَ أَوْ شُرِبَ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَلَا يُبَاعُ مِنْهُ يَابِسٌ بِرَطْبٍ قِيَاسًا عِنْدِي عَلَى مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ وَمَا يَبْقَى وَيُدَّخَرُ أَوْ لَا يَبْقَى وَلَا يُدَّخَرُ وَكَانَ أَوْلَى بِنَا مِنْ أَنْ نَقِيسَهُ بِمَا يُبَاعُ عَدَدًا مِنْ غَيْرِ الْمَأْكُولِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْخَشَبِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَصْلُحُ عَلَى قِيَاسِ هَذَا الْقَوْلِ رُمَّانَةٌ بِرُمَّانَتَيْنِ عَدَدًا وَلَا وَزْنًا وَلَا سَفَرْجَلَةٌ بِسَفَرْجَلَتَيْنِ وَلَا بِطِّيخَةٌ بِبِطِّيخَتَيْنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَيُبَاعُ جِنْسٌ مِنْهُ بِجِنْسٍ مِنْ غَيْرِهِ مُتَفَاضِلًا وَجُزَافًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا بَأْسَ بِرُمَّانَةٍ بِسَفَرْجَلَتَيْنِ كَمَا لَا بَأْسَ بِمُدِّ حِنْطَةٍ بِمُدَّيْنِ مِنْ تَمْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَمَا كَانَ مِنْ الْأَدْوِيَةِ هِلِيلَجِهَا وَبِلِيلَجِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُقْتَاتُ فَقَدْ تُعَدُّ مَأْكُولَةً وَمَشْرُوبَةً فَهِيَ بِأَنْ تُقَاسَ عَلَى الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ لِلْقُوتِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَهَا فِي مَعْنَى الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ لِمَنْفَعَةِ الْبَدَنِ أَوْلَى مِنْ أَنْ تُقَاسَ عَلَى مَا خَرَجَ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَالْخَشَبِ وَغَيْرِهَا. وَأَصْلُ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ الْكَيْلُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ بِمِثْلِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا وَزْنًا بِكَيْلٍ؛ لِأَنَّ الصَّاعَ يَكُونُ وَزْنُهُ أَرْطَالًا وَصَاعٌ دُونَهُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ فَلَوْ كَيْلًا كَانَ صَاعٌ بِأَكْثَرَ مِنْ صَاعٍ كَيْلًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَفَاضِلًا فِي نَحْوِ ذَلِكَ وَلَا بَأْسَ بِخَلِّ الْعِنَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَأَمَّا خَلُّ الزَّبِيبِ فَلَا خَيْرَ فِي بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمَاءَ يَقِلُّ فِيهِ وَيَكْثُرُ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَجْنَاسُ فَلَا بَأْسَ وَلَا خَيْرَ فِي التَّحَرِّي فِيمَا فِي بَعْضِهِ بِبَعْضٍ رِبًا وَلَا خَيْرَ فِي مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْ عَجْوَةٍ حَتَّى يَكُونَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكُلُّ زَيْتٍ وَدُهْنِ لَوْزٍ وَجَوْزٍ وَبُزُورٍ لَا يَجُوزُ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ. فَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَجُوزُ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مَطْبُوخٌ بِنِيءٍ مِنْهُ بِحَالٍ إذَا كَانَ إنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخًا وَلَا مَطْبُوخَ مِنْهُ بِمَطْبُوخٍ؛ لِأَنَّ النَّارَ تُنْقِصُ مِنْ بَعْضٍ أَكْثَرَ مِمَّا تُنْقِصُ مِنْ بَعْضٍ وَلَيْسَ لَهُ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا كَمَا يَكُونُ لِلتَّمْرِ فِي الْيُبْسِ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : مَا أَرَى لِاشْتِرَاطِهِ - يَعْنِي الشَّافِعِيَّ - إذَا كَانَ إنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ مَا اُدُّخِرَ وَمَا لَمْ يُدَّخَرْ وَاحِدٌ وَالنَّارُ تُنْقِصُهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا يُبَاعُ عَسَلُ نَحْلٍ بِعَسَلِ نَحْلٍ إلَّا مُصَفَّيَيْنِ مِنْ الشَّمْعِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ بِيعَا وَزْنًا وَفِي أَحَدِهِمَا شَمْعٌ وَهُوَ غَيْرُ الْعَسَلِ كَانَ الْعَسَلُ بِالْعَسَلِ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَكَذَلِكَ لَوْ بِيعَا كَيْلًا وَلَا خَيْرَ فِي مُدِّ حِنْطَةٍ فِيهَا قَصْلٌ أَوْ زُوَانٌ بِمُدِّ حِنْطَةٍ لَا شَيْءَ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا حِنْطَةٌ بِحِنْطَةٍ مُتَفَاضِلَةٍ وَمَجْهُولَةٍ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا اخْتَلَطَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَزِيدُ فِي كَيْلِهِ مِنْ قَلِيلِ التُّرَابِ وَمَا دَقَّ مِنْ تِبْنِهِ. فَأَمَّا الْوَزْنُ فَلَا خَيْرَ فِي مِثْلِ هَذَا وَلَبَنُ الْغَنَمِ مَاعِزِهِ وَضَأْنِهِ صِنْفٌ، وَلَبَنُ الْبَقَرِ عِرَابِهَا وَجَوَامِيسِهَا صِنْفٌ وَلَبَنُ الْإِبِلِ مُهْرِيِّهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 174 وَعِرَابِهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ. فَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَلَا بَأْسَ مُتَفَاضِلًا يَدٌ بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِي زُبْدِ غَنَمٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ؛ لِأَنَّ الزُّبْدَ شَيْءٌ مِنْ اللَّبَنِ وَلَا خَيْرَ فِي سَمْنِ غَنَمٍ بِزُبْدِ غَنَمٍ، وَإِذَا أُخْرِجَ مِنْهُ الزُّبْدُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ بِزُبْدٍ وَسَمْنٍ وَلَا خَيْرَ فِي شَاةٍ فِيهَا لَبَنٌ يُقْدَرُ عَلَى حَلْبِهِ بِلَبَنٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ فِي الشَّاةِ لَبَنًا لَا أَدْرِي كَمْ حِصَّتُهُ مِنْ اللَّبَنِ الَّذِي اشْتَرَيْت بِهِ نَقْدًا، وَإِنْ كَانَتْ نَسِيئَةً فَهُوَ أَفْسَدُ لِلْبَيْعِ، وَقَدْ «جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّبَنِ التَّصْرِيَةَ بَدَلًا» ، وَإِنَّمَا اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ الْمَبِيعِ فِي قِشْرِهِ يَسْتَخْرِجُهُ صَاحِبُهُ أَنَّى شَاءَ، وَلَيْسَ كَالْوَلَدِ لَا يُقْدَرُ عَلَى اسْتِخْرَاجِهِ وَكُلُّ مَا لَمْ يَجُزْ التَّفَاضُلُ فِيهِ فَالْقَسْمُ فِيهِ كَالْبَيْعِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ تَمْرٍ بِرُطَبٍ بِحَالٍ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟» فَنَهَى عَنْهُ فَنَظَرَ إلَى الْمُتَعَقِّبِ. فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ رُطَبٍ بِرُطَبٍ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْمُتَعَقِّبِ مَجْهُولَا الْمِثْلِ تَمْرًا، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَمْحٌ مَبْلُولٌ بِقَمْحٍ جَافٍ. (قَالَ) : وَإِذَا كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ بِأَعْيَانِهِمَا إذَا تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَا فِي مَعْنَى مَنْ لَمْ يُبَايِعْ دَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ سِلْعَةٍ بَاعَهَا فَهَلَكَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَمِنْ مَالِ بَائِعِهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا فَلَمَّا هَلَكَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ ثَمَنِهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا اشْتَرَى بِالدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ بِأَعْيَانِهَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ فَإِنْ وَجَدَ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ عَيْبًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَبَسَ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ سَوَاءٌ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ حَبَسَ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ نَقَضَ الْبَيْعَ، وَإِذَا تَبَايَعَا ذَلِكَ بِغَيْرِ عَيْنِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَتَقَابَضَا ثُمَّ وَجَدَ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ بَعْضِ الدَّرَاهِمِ عَيْبًا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا أَبْدَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ الْمَعِيبَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَفِيهِ أَقَاوِيلُ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَالْجَوَابِ فِي الْعَيْنِ. وَالثَّانِي: أَنْ يُبَدَّلَ الْمَعِيبُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ صِفَةٍ أَجَازَهَا الْمُسْلِمُونَ إذَا قُبِضَتْ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حُجَّتِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى سَلَمًا بِصِفَةٍ ثُمَّ قَبَضَهُ فَأَصَابَ بِهِ عَيْبًا أَخَذَ صَاحِبُهُ بِمِثْلِهِ. (قَالَ) : وَتَنَوُّعُ الصِّفَاتِ غَيْرُ تَنَوُّعِ الْأَعْيَانِ وَمَنْ أَجَازَ بَعْضَ الصَّفْقَةِ رَدَّ الْمَعِيبَ مِنْ الدَّرَاهِمِ بِحِصَّتِهَا مِنْ الدِّينَارِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : إذَا كَانَ بَيْعُ الْعَيْنِ وَالصِّفَاتِ مِنْ الدَّنَانِيرِ بِالدَّرَاهِمِ فِيمَا يَجُوزُ بِالْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ سَوَاءٌ وَفِيمَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ مِنْ الِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ سَوَاءٌ لَزِمَ أَنْ يَكُونَا فِي حُكْمِ الْمَعِيبِ بَعْدَ الْقَبْضِ سَوَاءً، وَقَدْ قَالَ يَرُدُّ الدَّرَاهِمَ بِقَدْرِ حِصَّتِهَا مِنْ الدِّينَارِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ رَاطَلَ مِائَةَ دِينَارٍ عُتُقٍ مَرْوَانِيَّةٍ وَمِائَةَ دِينَارٍ مِنْ ضَرْبٍ مَكْرُوهٍ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ مِنْ ضَرْبٍ وَسَطٍ خَيْرٌ مِنْ الْمَكْرُوهِ وَدُونَ الْمَرْوَانِيَّةِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنِّي لَمْ أَرَ بَيْنَ أَحَدٍ مِمَّنْ لَقِيت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتِلَافًا فِي أَنَّ مَا جَمَعَتْهُ الصَّفْقَةُ مِنْ عَبْدٍ وَدَارٍ أَنَّ الثَّمَنَ مَقْسُومٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ قِيمَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَكَانَ قِيمَةُ الْجَيِّدِ مِنْ الذَّهَبِ أَكْثَرَ مِنْ الرَّدِيءِ وَالْوَسَطُ أَقَلَّ مِنْ الْجَيِّدِ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الدَّرَاهِمَ مِنْ الصَّرَّافِ وَيَبِيعَهَا مِنْهُ إذَا قَبَضَهَا بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ وَعَادَةٌ وَغَيْرُ عَادَةٍ سَوَاءٌ. [بَابُ بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : اللَّحْمُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَحْشِيُّهُ، وَإِنْسِيُّهُ وَطَائِرُهُ لَا يَحِلُّ فِيهِ الْبَيْعُ حَتَّى يَكُونَ يَابِسًا وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِيهَا قَوْلَانِ. فَخَرَّجَهُمَا ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: وَمَنْ قَالَ اللَّحْمَانِ صِنْفٌ وَاحِدٌ لَزِمَهُ إذَا حَدَّهُ بِجِمَاعِ اللَّحْمِ أَنْ يَقُولَهُ فِي جِمَاعِ الثَّمَرِ فَيَجْعَلُ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ الثِّمَارِ صِنْفًا وَاحِدًا وَهَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : فَإِذَا كَانَ تَصْيِيرُ اللَّحْمَانِ صِنْفًا وَاحِدًا قِيَاسًا لَا يَجُوزُ بِحَالٍ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الْأَسْمَاءِ الْجَامِعَةِ وَأَنَّهَا عَلَى الْأَصْنَافِ وَالْأَسْمَاءِ الْخَاصَّةِ فَقَدْ قَطَعَ بِأَنَّ اللَّحْمَانِ أَصْنَافٌ. (قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 175 الْمُزَنِيّ) : وَقَدْ قَطَعَ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ بِأَنَّ أَلْبَانَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ فَلُحُومُهَا الَّتِي هِيَ أَصْلُ الْأَلْبَانِ بِالِاخْتِلَافِ أَوْلَى، وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ الْمَجْمُوعَةِ: فَإِذَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُ الْحِيتَانِ فَلَا بَأْسَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَكَذَلِكَ لُحُومُ الطَّيْرِ إذَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَفِي ذَلِكَ كِفَايَةٌ لِمَا وَصَفْنَا. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جَزُورًا نُحِرَتْ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَجَاءَ رَجُلٌ بِعَنَاقٍ فَقَالَ أَعْطُونِي جُزْءًا بِهَذِهِ الْعَنَاقِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَصْلُحُ هَذَا وَكَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَرِّمُونَ بَيْعَ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ عَاجِلًا وَآجِلًا يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ وَلَا يُرَخِّصُونَ فِيهِ. (قَالَ) : وَبِهَذَا نَأْخُذُ كَانَ اللَّحْمُ مُخْتَلِفًا أَوْ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبَا بَكْرٍ، وَإِرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّهُ جَائِزٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فَصِيلٌ بِجَزُورٍ قَائِمَيْنِ جَائِزًا وَلَا يَجُوزَانِ مَذْبُوحَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا طَعَامَانِ لَا يَحِلُّ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَهَذَا لَحْمٌ وَهَذَا حَيَوَانٌ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْقِيَاسِ إنْ كَانَ فِيهِ قَوْلٌ مُتَقَدِّمٌ مِمَّنْ يَكُونُ بِقَوْلِهِ اخْتِلَافٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَابِتًا فَيَكُونُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [بَابُ بَيْعِ الثَّمَرِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ بَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ يُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِبَارَ حَدًّا لِمِلْكِ الْبَائِعِ فَقَدْ جَعَلَ مَا قَبْلَهُ حَدًّا لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي وَأَقَلُّ الْإِبَارِ أَنْ يُؤَبَّرَ شَيْءٌ مِنْ حَائِطِهِ، وَإِنْ قَلَّ، وَإِنْ لَمْ يُؤَبَّرْ الَّذِي إلَى جَنْبِهِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى مَا أُبِّرَ كُلُّهُ، وَلَوْ تَشَقَّقَ طَلْعُ إنَاثِهِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا أُبِّرَ كُلُّهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا فُحُولُ نَخْلٍ بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ الْإِنَاثُ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ وَهِيَ قَبْلَ الْإِبَارِ وَبَعْدَهُ فِي الْبَيْعِ فِي مَعْنَى مَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ مِنْ أَنَّ كُلَّ ذَاتِ حَمْلٍ مِنْ بَنِي آدَمَ وَمِنْ الْبَهَائِمِ بِيعَتْ فَحَمْلُهَا تَبَعٌ لَهَا كَعُضْوٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُزَايِلْهَا فَإِنْ بِيعَتْ بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْ فَالْوَلَدُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَالْكُرْسُفُ إذَا بِيعَ أَصْلُهُ كَالنَّخْلِ إذَا خَرَجَ جَوْزُهُ، وَلَمْ يَتَشَقَّقْ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِذَا تَشَقَّقَ فَهُوَ لِلْبَائِعِ. (قَالَ) : وَيُخَالِفُ الثِّمَارُ مِنْ الْأَعْنَابِ وَغَيْرِهَا النَّخْلَ فَتَكُونُ كُلُّ ثَمَرَةٍ خَرَجَتْ بَارِزَةً وَتُرَى فِي أَوَّلِ مَا تَخْرُجُ كَمَا تُرَى فِي آخِرِهِ فَهُوَ فِي مَعْنَى ثَمَرِ النَّخْلِ بَارِزًا مِنْ الطَّلْعِ، فَإِذَا بَاعَهُ شَجَرًا مُثْمِرًا فَهُوَ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ فَارَقَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَوْدَعًا فِي الشَّجَرِ كَمَا يَكُونُ الْحَمْلُ مُسْتَوْدَعًا فِي الْأَمَةِ، وَمَعْقُولٌ إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ أَنَّ عَلَى الْمُشْتَرِي تَرْكَهَا فِي شَجَرِهَا إلَى أَنْ تَبْلُغَ الْجِدَادَ أَوْ الْقِطَافَ أَوْ اللِّقَاطَ فِي الشَّجَرِ فَإِذَا كَانَ لَا يُصْلِحُهَا إلَّا السَّقْيُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي تَخْلِيَةُ الْبَائِعِ وَمَا يَكْفِي مِنْ السَّقْيِ، وَإِنَّمَا لَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا فِيهِ صَلَاحُ ثَمَرِهِ فَإِذَا كَانَتْ الشَّجَرَةُ مِمَّا تَكُونُ فِيهِ الثَّمَرَةُ ظَاهِرَةً ثُمَّ تَخْرُجُ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ الْخَارِجَةُ ثَمَرَةَ غَيْرِهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 176 فَإِنْ تَمَيَّزَ فَلِلْبَائِعِ الثَّمَرَةُ الْخَارِجَةُ وَلِلْمُشْتَرِي الْحَادِثَةُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَيَّزُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ كُلَّهَا فَيَكُونُ قَدْ زَادَهُ حَقًّا لَهُ أَوْ يَتْرُكَهُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ فَيَعْفُو لَهُ عَنْ حَقِّهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَفِي الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ مَفْسُوخٌ وَهَكَذَا قَالَ فِي بَيْعِ الْبَاذِنْجَانِ فِي شَجَرِهِ وَالْخِرْبِزِ وَهَكَذَا قَالَ فِيمَنْ بَاعَ قُرْطًا جَزَّهُ عِنْدَ بُلُوغِ الْجِزَازِ فَتَرَكَهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى زَادَ كَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَدَعَ لَهُ الْفَضْلَ الَّذِي لَهُ بِلَا ثَمَنٍ أَوْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ حِنْطَةً فَانْثَالَتْ عَلَيْهَا حِنْطَةٌ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الزِّيَادَةَ أَوْ يَفْسَخَ لِاخْتِلَاطِ مَا بَاعَ بِمَا لَمْ يَبِعْ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ بِمَذْهَبِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَبَضَ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَيْهِ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ مَا دَامَ فِي يَدَيْهِ وَلَا يُكَلَّفُ مَا لَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا فَإِذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَمْ يَضُرَّ الْبَيْعَ شَيْءٌ لِتَمَامِهِ وَهَذَا الْمُخْتَلَطُ لَهُمَا يَتَرَاضَيَانِ فِيهِ بِمَا شَاءَا إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ لَا أَدْرِي مَا لِي فِيهِ، وَإِنْ تَدَاعَيَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي كَانَتْ الثَّمَرَةُ فِي يَدَيْهِ وَالْآخَرُ مُدَّعٍ عَلَيْهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَكُلُّ أَرْضٍ بِيعَتْ فَلِلْمُشْتَرِي جَمِيعُ مَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَأَصْلٍ وَالْأَصْلُ مَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ مِنْ كُلِّ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ وَزَرْعٍ مُثْمِرٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ فَهُوَ لِلْبَائِعِ يُتْرَكُ حَتَّى يُحْصَدَ، وَإِنْ كَانَ زَرْعًا يُجَزُّ مِرَارًا فَلِلْبَائِعِ جِزَّةٌ وَاحِدَةٌ وَمَا بَقِيَ فَكَالْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا حَبٌّ قَدْ بَذَرَهُ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ أَحَبَّ نَقْضَ الْبَيْعِ أَوْ تَرْكَ الْبَذْرِ حَتَّى يَبْلُغَ فَيُحْصَدَ، وَإِنْ كَانَتْ فِيهَا حِجَارَةٌ مُسْتَوْدَعَةٌ فَعَلَى الْبَائِعِ نَقْلُهَا وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ حَالَهَا لَا يَتْرُكُهَا حُفَرًا وَلَوْ كَانَ غَرَسَ عَلَيْهَا شَجَرًا فَإِنْ كَانَتْ تَضُرُّ بِعُرُوقِ الشَّجَرِ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَضُرُّ بِهَا وَيَضُرُّهَا إذَا أَرَادَ قَلْعَهَا قِيلَ لِلْبَائِعِ: أَنْتَ بِالْخِيَارِ إنْ سَلَّمْتهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَإِنْ أَبَيْت قِيلَ لِلْمُشْتَرِي أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي الرَّدِّ أَوْ يَقْلَعُهُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَفْسَدَ عَلَيْك. [بَابُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا تُزْهِي قَالَ حَتَّى تَحْمَرَّ» وَرَوَى عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنُ عُمَرَ «حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» وَرَوَى غَيْرُهُ «حَتَّى تَنْجُوَ مِنْ الْعَاهَةِ» . (قَالَ) : فَبِهَذَا نَأْخُذُ وَفِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَنَعَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَزَّ - الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟» دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ الَّتِي تُتْرَكُ حَتَّى تَبْلُغَ غَايَةَ إبَانِهَا لَا أَنَّهُ نَهَى عَمَّا يُقْطَعُ مِنْهَا وَذَلِكَ أَنَّ مَا يُقْطَعُ مِنْهَا لَا آفَةَ تَأْتِي عَلَيْهِ تَمْنَعُهُ إنَّمَا يُمْنَعُ مَا يُتْرَكُ مُدَّةً يَكُونُ فِي مِثْلِهَا الْآفَةُ كَالْبَلَحِ وَكُلِّ مَا دُونَ الْبُسْرِ يَحِلُّ بَيْعُهُ عَلَى أَنْ يُقْطَعَ مَكَانَهُ، وَإِذَا أَذِنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْعِهِ إذَا صَارَ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ فَقَدْ أَذِنَ فِيهِ إذَا بَدَا فِيهِ النُّضْجُ وَاسْتُطِيعَ أَكْلُهُ خَارِجًا مِنْ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ بَلَحًا وَصَارَ عَامَّتُهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ يَمْتَنِعُ فِي الظَّاهِرِ مِنْ الْعَاهَةِ لِغِلَظِ نَوَاتِهِ فِي عَامَّتِهِ وَبُسْرِهِ. (قَالَ) : وَكَذَلِكَ كُلُّ ثَمَرَةٍ مِنْ أَصْلٍ يُرَى فِيهِ أَوَّلُ النُّضْجِ لَا كِمَامَ عَلَيْهَا وَلِلْخِرْبِزِ نُضْجٌ كَنُضْجِ الرُّطَبِ فَإِذَا رُئِيَ ذَلِكَ فِيهِ حَلَّ بَيْعُ خِرْبِزِهِ وَالْقِثَّاءُ يُؤْكَلُ صِغَارًا طَيِّبًا فَبُدُوُّ صَلَاحِهِ أَنْ يَتَنَاهَى عِظَمُهُ أَوْ عِظَمُ بَعْضِهِ ثُمَّ يُتْرَكُ حَتَّى يَتَلَاحَقَ صِغَارُهُ بِكِبَارِهِ وَلَا وَجْهَ لِمَنْ قَالَ: يَجُوزُ إذَا بَدَا صَلَاحُهُمَا وَيَكُونُ لِمُشْتَرِيهِمَا مَا ثَبَتَ أَصْلُهُمَا أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ مَا خَرَجَ مِنْهُمَا وَهَذَا مُحَرَّمٌ وَكَيْفَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُمَا كَمَا لَا يَحِلُّ بَيْعُ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَيَحِلُّ مَا لَمْ يُرَ وَلَمْ يُخْلَقْ مِنْهُمَا وَلَوْ جَازَ لِبُدُوِّ صَلَاحِهِمَا شِرَاءُ مَا لَمْ يُخْلَقْ مِنْهُمَا لَجَازَ لِبُدُوِّ صَلَاحِ ثَمَرِ النَّخْلِ شِرَاءُ مَا لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 177 يَحْمِلْ النَّخْلُ سِنِينَ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ. (قَالَ) : وَكُلُّ ثَمَرَةٍ وَزَرْعٍ دُونَهَا حَائِلٌ مِنْ قِشْرٍ أَوْ كِمَامٍ وَكَانَتْ إذَا صَارَتْ إلَى مَا يُكِنُّهَا أَخْرَجُوهَا مِنْ قِشْرِهَا وَكِمَامِهَا بِلَا فَسَادٍ عَلَيْهَا إذَا ادَّخَرُوهَا فَاَلَّذِي أَخْتَارُ فِيهَا أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهَا فِي شَجَرِهَا وَلَا مَوْضُوعَةً بِالْأَرْضِ لِلْحَائِلِ وَقِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى شِرَاءِ لَحْمِ شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ عَلَيْهَا جِلْدُهَا لِلْحَائِلِ دُونَ لَحْمِهَا. (قَالَ) : وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَأْخُذُ عُشْرَ الْحُبُوبِ فِي أَكْمَامِهَا وَلَا يُجِيزُ بَيْعَ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَنَا أُجِيزَ بَيْعَ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا لَزِمَهُ أَنْ يُجِيزَهُ فِي تِبْنِهَا أَوْ فِضَّةً فِي تُرَابٍ بِالتُّرَابِ وَعَلَى الْجَوْزِ قِشْرَتَانِ وَاحِدَةٌ فَوْقَ الْقِشْرَةِ الَّتِي يَرْفَعُهَا النَّاسُ عَنْهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَعَلَيْهِ الْقِشْرَةُ الْعُلْيَا؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يُرْفَعَ بِدُونِ الْعُلْيَا. وَكَذَلِكَ الرَّانِجُ وَمَا كَانَتْ عَلَيْهِ قِشْرَتَانِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ التَّمْرِ مُدًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ الْمُدُّ مِنْ الْحَائِطِ أَسَهْمٌ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ أَوْ مِنْ مِائَةٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَهَذَا مَجْهُولٌ وَلَوْ اسْتَثْنَى رُبُعَهُ أَوْ نَخَلَاتٍ بِعَيْنِهَا فَجَائِزٌ. وَإِنْ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطٍ وَفِيهِ الزَّكَاةُ فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي أَنْ يَأْخُذَ مَا جَاوَزَ الصَّدَقَةَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الرَّدُّ. وَالثَّانِي: إنْ شَاءَ أَخَذَ الْفَضْلَ عَنْ الصَّدَقَةِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ الرَّدَّ وَلِلسُّلْطَانِ أَخْذُ الْعُشْرِ مِنْ الثَّمَرَةِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ فِيمَنْ اشْتَرَى مَا فِيهِ الزَّكَاةُ أَنَّهُ يَجْعَلُ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ بَاطِلٌ وَلَمْ يَقُلْهُ هَا هُنَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا يَرْجِعُ مَنْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ وَسُلِّمَتْ إلَيْهِ بِالْجَائِحَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ سُفْيَانُ وَهَنَ حَدِيثَهُ فِي الْجَائِحَةِ لَصِرْت إلَيْهِ فَإِنِّي سَمِعْته مِنْهُ وَلَا يَذْكُرُ الْحَائِجَةَ ثُمَّ ذَكَرَهَا، وَقَالَ كَانَ كَلَامٌ قَبْلَ وَضْعِ الْجَوَائِحِ لَمْ أَحْفَظْهُ وَلَوْ صِرْت إلَى ذَلِكَ لَوَضَعْت كُلَّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ أُصِيبَ مِنْ السَّمَاءِ بِغَيْرِ جِنَايَةِ أَحَدٍ فَأَمَّا أَنْ يُوضَعَ الثُّلُثُ فَصَاعِدًا وَلَا يُوضَعُ مَا دُونَهُ فَهَذَا لَا خَبَرَ وَلَا قِيَاسَ وَلَا مَعْقُولَ. [بَابُ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ] . بَابُ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ» وَالْمُحَاقَلَةُ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الزَّرْعَ بِمِائَةِ فَرَقِ حِنْطَةٍ وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يَبِيعَ التَّمْرَ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِمِائَةِ فَرَقِ تَمْرٍ. (قَالَ) : وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ مَا الْمُحَاقَلَةُ؟ قَالَ: الْمُحَاقَلَةُ فِي الْحَرْثِ كَهَيْئَةِ الْمُزَابَنَةِ فِي النَّخْلِ سَوَاءٌ بَيْعُ الزَّرْعِ بِالْقَمْحِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقُلْت لِعَطَاءٍ أَفَسَّرَ لَكُمْ جَابِرٌ الْمُحَاقَلَةَ كَمَا أَخْبَرْتَنِي؟ قَالَ نَعَمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَبِهَذَا نَقُولُ إلَّا فِي الْعَرَايَا، وَجِمَاعُ الْمُزَابَنَةِ: أَنْ يَنْظُرَ كُلُّ مَا عَقَدَ بَيْعَهُ مِمَّا الْفَضْلُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ رِبًا فَلَا يَجُوزُ مِنْهُ شَيْءٌ يُعْرَفُ بِشَيْءٍ مِنْهُ جُزَافًا وَلَا جُزَافًا بِجُزَافٍ مِنْ صِنْفِهِ فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ أَضْمَنُ لَك صُبْرَتَك هَذِهِ بِعِشْرِينَ صَاعًا فَمَا زَادَ فَلِي وَمَا نَقَصَ فَعَلَيَّ تَمَامُهَا فَهَذَا مِنْ الْقِمَارِ وَالْمُخَاطَرَةِ وَلَيْسَ مِنْ الْمُزَابَنَةِ. [بَابُ الْعَرَايَا] أَخْبَرَنَا الْمُزَنِيّ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 178 خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» الشَّكُّ مِنْ دَاوُد، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا» . (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَرَوَى الشَّافِعِيُّ حَدِيثًا فِيهِ قُلْت لِمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ: أَوْ قَالَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَإِمَّا غَيْرُهُ مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ؟ فَقَالَ فُلَانٌ وَفُلَانَةُ وَسَمَّى «رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ شَكَوْا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَبْتَاعُونَ بِهِ رُطَبًا يَأْكُلُونَهُ مَعَ النَّاسِ وَعِنْدَهُمْ فُضُولٌ مِنْ قُوتِهِمْ مِنْ التَّمْرِ فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَبْتَاعُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَحَدِيثُ سُفْيَانَ يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ هَذَا أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا» . (قَالَ الْمُزَنِيّ) : اخْتَلَفَ مَا وَصَفَ الشَّافِعِيُّ فِي الْعَرَايَا وَكَرِهْت الْإِكْثَارَ فَأَصَحُّ ذَلِكَ عِنْدِي مَا جَاءَ فِيهِ الْخَبَرُ وَمَا قَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ " وَفِي الْإِمْلَاءِ أَنَّ قَوْمًا شَكَوْا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا نَقْدَ عِنْدَهُمْ وَلَهُمْ تَمْرٌ مِنْ فَضْلِ قُوتِهِمْ فَأَرْخَصَ لَهُمْ فِيهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَكُونَ الْعَرِيَّةُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَلَا أَفْسَخُهُ فِي الْخَمْسَةِ وَأَفْسَخُهُ فِي أَكْثَرَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : يَلْزَمُهُ فِي أَصْلِهِ أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ؛ لِأَنَّهُ شَكٌّ وَأَصْلُ بَيْعِ التَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ حَرَامٌ بِيَقِينٍ وَلَا يَحِلُّ مِنْهُ إلَّا مَا أَرْخَصَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَقِينٍ فَأَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ يَقِينٌ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ وَلَيْسَتْ الْخَمْسَةُ بِيَقِينٍ فَلَا يَبْطُلُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا يَبْتَاعُ الَّذِي يَشْتَرِي الْعَرِيَّةَ بِالتَّمْرِ إلَّا بِأَنْ يَخْرُصَ الْعَرِيَّةَ كَمَا يَخْرُصُ الْعُشْرَ فَيُقَالُ فِيهَا الْآنَ رُطَبًا كَذَا، وَإِذَا يَبِسَ كَانَ كَذَا فَيَدْفَعُ مِنْ التَّمْرِ مَكِيلَةً خَرَصَهَا تَمْرًا وَيَقْبِضُ النَّخْلَةَ بِتَمْرِهَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ دَفْعِهِ فَسَدَ الْبَيْعُ. (قَالَ) : وَيَبِيعُ صَاحِبُ الْحَائِطِ لِكُلِّ مَنْ أَرْخَصَ لَهُ، وَإِنْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ حَائِطِهِ وَالْعَرَايَا مِنْ الْعِنَبِ كَهِيَ مِنْ التَّمْرِ لَا يَخْتَلِفَانِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَّ الْخَرْصَ فِي ثَمَرَتِهِمَا وَلَا حَائِلَ دُونَ الْإِحَاطَةِ بِهِمَا. [بَابُ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَّا الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُكْتَالَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِرَأْيِهِ وَلَا أَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مِثْلَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُقْبَضَ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَلَمْ يَتَكَامَلْ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ تَمَامُ مِلْكٍ فَيَجُوزُ بِهِ الْبَيْعُ كَذَلِكَ قِسْنَا عَلَيْهِ بَيْعَ الْعُرُوضِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ وَرِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَمَنْ ابْتَاعَهُ جُزَافًا فَقَبَضَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَقَدْ رَوَى «عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الطَّعَامَ جُزَافًا فَيَبْعَثُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَأْمُرُهُمْ بِنَقْلِهِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي ابْتَاعُوهُ فِيهِ إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِهِ» وَمَنْ وَرِثَ طَعَامًا كَانَ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ وَبَاعَ طَعَامًا آخَرَ فَأَحْضَرَ الْمُشْتَرِي مَنْ اكْتَالَهُ مِنْ بَائِعِهِ، وَقَالَ اكْتَالَهُ لَك لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ فَإِنْ قَالَ أَكْتَالُهُ لِنَفْسِي وَخُذْهُ بِالْكَيْلِ الَّذِي حَضَرْته لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ كَيْلًا فَلَا يَبْرَأُ حَتَّى يَكِيلَهُ لِمُشْتَرِيهِ وَيَكُونَ لَهُ زِيَادَتُهُ وَعَلَيْهِ نُقْصَانُهُ، وَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 179 الطَّعَامِ حَتَّى تَجْرِيَ فِيهِ الصِّيعَانُ» وَلَا يَقْبِضُ الَّذِي لَهُ طَعَامٌ مِنْ طَعَامٍ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ وَكِيلًا لِنَفْسِهِ مُسْتَوْفِيًا لَهَا قَابِضًا مِنْهَا. (قَالَ) : وَلَوْ حَلَّ لَهُ عَلَيْهِ طَعَامٌ فَأَحَالَ بِهِ عَلَى رَجُلٍ لَهُ عَلَيْهِ طَعَامٌ أَسْلَفَهُ إيَّاهُ لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ أَصْلَ مَا كَانَ لَهُ بَيْعٌ، وَإِحَالَتُهُ بِهِ بَيْعٌ مِنْهُ لَهُ بِطَعَامٍ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ أَعْطَاهُ طَعَامًا فَصَدَّقَهُ فِي كَيْلِهِ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ قَبَضَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ مَعَ يَمِينِهِ فِيمَا وَجَدَ وَلَوْ كَانَ الطَّعَامُ سَلَفًا جَازَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا شَاءَ يَدًا بِيَدٍ. [بَابُ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ لِلْبَيْعِ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالتَّصْرِيَةُ أَنْ تُرْبَطَ أَخْلَافُ النَّاقَةِ أَوْ الشَّاةِ ثُمَّ تُتْرَكَ مِنْ الْحِلَابِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ حَتَّى يَجْتَمِعَ لَهَا لَبَنٌ فَيَرَاهُ مُشْتَرِيهَا كَثِيرًا فَيَزِيدَ فِي ثَمَنِهَا لِذَلِكَ ثُمَّ إذَا حَلَبَهَا بَعْدَ تِلْكَ الْحَلْبَةِ حَلْبَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ عَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَبَنِهَا لِنُقْصَانِهِ كُلَّ يَوْمٍ عَنْ أَوَّلِهِ وَهَذَا غُرُورٌ لِلْمُشْتَرِي وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ أَلْبَانَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْكَثْرَةِ وَالْأَثْمَانِ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَلَهَا ثَمَنًا وَاحِدًا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. (قَالَ) : وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ فَإِنْ كَانَ رَضِيَهَا الْمُشْتَرِي وَحَلَبَهَا زَمَانًا ثُمَّ أَصَابَ بِهَا عَيْبًا غَيْرَ التَّصْرِيَةِ فَلَهُ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ وَيَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ثَمَنًا لِلَبَنِ التَّصْرِيَةِ وَلَا يَرُدُّ اللَّبَنَ الْحَادِثَ فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ» . [بَابُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مَخْلَدِ بْنِ خَفَّافٍ أَنَّهُ ابْتَاعَ غُلَامًا فَاسْتَغَلَّهُ ثُمَّ أَصَابَ بِهِ عَيْبًا فَقَضَى لَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِرَدِّهِ وَغَلَّتِهِ فَأَخْبَرَ عُرْوَةُ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ «الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ» فَرَدَّ عُمَرُ قَضَاءَهُ، وَقَضَى لِمَخْلَدِ بْنِ خَفَّافٍ بِرَدِّ الْخَرَاجِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَبِهَذَا نَأْخُذُ فَمَا حَدَثَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي مِنْ غَلَّةٍ وَنِتَاجِ مَاشِيَةٍ وَوَلَدِ أَمَةٍ فَكُلُّهُ فِي مَعْنَى الْغَلَّةِ لَا يَرُدُّ مِنْهَا شَيْئًا وَيَرُدُّ الَّذِي ابْتَاعَهُ وَحْدَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ نَاقِصًا عَمَّا أَخَذَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً ثَيِّبًا فَوَطِئَهَا فَالْوَطْءُ أَقَلُّ مِنْ الْخِدْمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَافْتَضَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا نَاقِصَةً كَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهَا نَاقِصَةً وَيَرْجِعُ بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهَا مَعِيبَةً وَصَحِيحَةً مِنْ الثَّمَنِ. وَلَوْ أَصَابَ الْمُشْتَرِيَانِ صَفْقَةً وَاحِدَةً مِنْ رَجُلٍ بِجَارِيَةٍ عَيْبًا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ وَالْآخَرُ الْإِمْسَاكَ فَذَلِكَ لَهُمَا؛ لِأَنَّ مَوْجُودًا فِي شِرَاءِ الِاثْنَيْنِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرٍ لِلنِّصْفِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا جَعْدَةً فَوَجَدَهَا سَبْطَةً فَلَهُ الرَّدُّ. وَلَوْ كَانَ بَاعَهَا أَوْ بَعْضَهَا ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ وَلَا مِنْ قِيمَةِ الْعَيْبِ، وَإِنَّمَا لَهُ قِيمَةُ الْعَيْبِ إذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 180 فَاتَتْ بِمَوْتٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ حَدَثَ بِهَا عِنْدَهُ عَيْبٌ لَا يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَرُدَّ بِهِ إلَيْهِ فَإِنْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ كَانَ لَهُ قِيمَةُ الْعَيْبِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَقْبَلَهَا نَاقِصَةً فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ إلَّا إنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي حَبْسَهَا وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعَيْبِ وَمِثْلُهُ يَحْدُثُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْبَتِّ لَقَدْ بَاعَهُ بَرِيئًا مِنْ هَذَا الْعَيْبِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ وَأَوْصَلْته إلَيْك وَبِهِ هَذَا الْعَيْبُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبِيعُهُ إيَّاهُ وَهُوَ بَرِيءٌ ثُمَّ يُصِيبُهُ قَبْلَ أَنْ يُوصِلَهُ إلَيْهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : يَنْبَغِي فِي أَصْلِ قَوْلِهِ أَنْ يُحَلِّفَهُ لَقَدْ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ قَبْلَ دَفْعِهِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَيَجْعَلُ لِلْمُشْتَرِي رَدَّهُ بِمَا حَدَثَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَوْ لَمْ يُحَلِّفْهُ إلَّا عَلَى أَنَّهُ بَاعَهُ بَرِيئًا مِنْ هَذَا الْعَيْبِ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا، وَقَدْ حَدَثَ الْعَيْبُ عِنْدَهُ قَبْلَ الدَّفْعِ فَنَكُونُ قَدْ ظَلَمْنَا الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ لَهُ الرَّدَّ بِمَا حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهَذَا يُبَيِّنُ لَك مَا وَصَفْنَا أَنَّهُ لَازِمٌ فِي أَصْلِهِ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ مَذْهَبِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ كُلُّ مَا اشْتَرَيْت مِمَّا يَكُونُ مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ فَكَسَرْته فَأَصَبْته فَاسِدًا فَلَكَ رَدُّهُ وَمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ فَاسِدًا صَحِيحًا وَقِيمَتِهِ فَاسِدًا مَكْسُورًا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ وَلِلْمُشْتَرِي مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَفَاسِدًا إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فَاسِدًا قِيمَةٌ فَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ الرَّانِجُ مَكْسُورًا كَمَا لَا يُرَدُّ الثَّوْبُ مَقْطُوعًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ بَاعَ عَبْدَهُ، وَقَدْ جَنَى فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ كَمَا يَكُونُ الْعِتْقُ جَائِزًا وَعَلَى السَّيِّدِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشُ جِنَايَتِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْجِنَايَةَ فِي عُنُقِهِ كَالرَّهْنِ فَيُرَدُّ الْبَيْعُ وَيُبَاعُ فَيُعْطِي رَبَّ الْجِنَايَةِ جِنَايَتَهُ، وَبِهَذَا أَقُولُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ السَّيِّدُ بِدَفْعِ الْجِنَايَةِ أَوْ قِيمَةِ الْعَبْدِ إنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ أَكْثَرَ كَمَا يَكُونُ هَذَا فِي الرَّهْنِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا أَقُولُهُ كَمَا يَكُونُ الْعِتْقُ جَائِزًا تَجْوِيزًا مِنْهُ لِلْعِتْقِ، وَقَدْ سَوَّى فِي الرَّهْنِ بَيْنَ إبْطَالِ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ فَإِذَا جَازَ الْعِتْقُ فِي الْجِنَايَةِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ مِثْلُهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَيَكُونَ مَبِيعًا مَعَهُ فَمَا جَازَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ مَالِهِ جَازَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ مَالِ عَبْدِهِ وَمَا حَرُمَ مِنْ ذَلِكَ حَرُمَ مِنْ هَذَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِمَالِكِ الْعَبْدِ فَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَلَوْ كَانَ اشْتَرَطَ مَالَهُ مَجْهُولًا، وَقَدْ يَكُونُ دَيْنًا وَاشْتَرَاهُ بِدَيْنٍ كَانَ هَذَا بَيْعَ الْغَرَرِ وَشِرَاءَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ " إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ " عَلَى مَعْنَى مَا حَلَّ كَمَا أَبَاحَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ الْبَيْعَ مُطْلَقًا عَلَى مَعْنَى مَا يَحِلُّ لَا عَلَى مَا يَحْرُمُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا: وَقَدْ كَانَ الشَّافِعِيُّ قَالَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ مَالَهُ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ كَمَا يَجُوزُ حَمْلُ الْأَمَةِ تَبَعًا لَهَا وَحُقُوقُ الدَّارِ تَبَعًا لَهَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَمْلِ دُونَ أُمِّهِ وَلَا حُقُوقُ الدَّارِ دُونَهَا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إلَى مَا قَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ أَصَحُّ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَحَرَامٌ التَّدْلِيسُ وَلَا يُنْتَقَضُ بِهِ الْبَيْعُ. (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَاصِمٍ) : سَمِعْت الْمُزَنِيَّ يَقُولُ هَذَا غَلَطٌ عِنْدِي فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُحَرَّمًا بِالتَّدْلِيسِ كَانَ الْبَيْعُ بِالثَّمَنِ الْمُحَرَّمِ مُنْتَقَضًا، وَإِذَا قَالَ: لَا يُنْقَضُ بِهِ الْبَيْعُ فَقَدْ ثَبَتَ تَحْلِيلُ الثَّمَنِ غَيْرَ أَنَّهُ بِالتَّدْلِيسِ مَأْثُومٌ فَتَفَهَّمْ فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُحَرَّمًا وَبِهِ وَقَعَتْ الْعُقْدَةُ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا أَرَأَيْت لَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 181 اشْتَرَاهَا بِجَارِيَةٍ فَدَلَّسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ كَمَا دَلَّسَ الْبَائِعُ بِمَا بَاعَ فَهَذَا إذًا حَرَامٌ بِحَرَامٍ يَبْطُلُ بِهِ الْبَيْعُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا حَرُمَ عَلَيْهِ التَّدْلِيسُ وَالْبَيْعُ فِي نَفْسِهِ جَائِزٌ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا سَبَبٌ يَحْرُمُ فَلَيْسَ السَّبَبُ هُوَ الْبَيْعُ، وَلَوْ كَانَ هُوَ السَّبَبُ حَرُمَ الْبَيْعُ، وَفَسَدَ الشِّرَاءُ فَتَفَهَّمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَكْرَهُ بَيْعَ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَعْصِرُ الْخَمْرَ وَالسَّيْفَ مِمَّنْ يَعْصِي اللَّهَ بِهِ وَلَا أَنْقُضُ الْبَيْعَ. [بَابُ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : إذَا بَاعَ الرَّجُلُ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بِالْبَرَاءَةِ فَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ قَضَاءُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمْهُ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ عَلِمَهُ وَلَمْ يُسَمِّهِ لَهُ وَيَقِفُهُ عَلَيْهِ تَقْلِيدًا فَإِنَّ الْحَيَوَانَ مُفَارِقٌ لِمَا سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْتَدَى بِالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ وَتَحَوُّلِ طَبَائِعِهِ فَقَلَّمَا يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ يَخْفَى أَوْ يَظْهَرُ، وَإِنْ أَصَحَّ فِي الْقِيَاسِ لَوْلَا مَا وَصَفْنَا مِنْ افْتِرَاقِ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ أَنْ لَا يَبْرَأَ مِنْ عُيُوبٍ تَخْفَى لَهُ لَمْ يَرَهَا وَلَوْ سَمَّاهَا لِاخْتِلَافِهَا أَوْ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. [بَابُ بَيْعِ الْأَمَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : إذَا بَاعَهُ جَارِيَةً لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا فِيهَا مُوَاضَعَةٌ فَإِذَا دَفَعَ الثَّمَنَ لَزِمَ الْبَائِعَ التَّسْلِيمُ وَلَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى إخْرَاجِ مِلْكِهِ مِنْ يَدِهِ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ لَا يَلْزَمُ دَفْعُ الثَّمَنِ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا لِلْجَهْلِ بِوَقْتِ دَفْعِ الثَّمَنِ. وَفَسَادٌ آخَرُ: أَنَّ الْجَارِيَةَ لَا مُشْتَرَاةَ شِرَاءَ الْعَيْنِ فَيَكُونُ لِصَاحِبِهَا أَخْذُهَا وَلَا عَلَى بَيْعِ الصِّفَةِ فَيَكُونُ الْأَجَلُ مَعْلُومًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ إلَى أَجَلٍ وَلَا لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ حَمِيلًا بِعُهْدَةٍ وَلَا بِوَجْهٍ، وَإِنَّمَا التَّحَفُّظُ قَبْلَ الشِّرَاءِ. [بَابُ الْبَيْعِ مُرَابَحَةً] ً (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْعَشَرَةِ وَاحِدٌ، وَقَالَ قَامَتْ عَلَيَّ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ أَخْطَأْت وَلَكِنَّهَا قَامَتْ عَلَيَّ بِتِسْعِينَ فَهِيَ وَاجِبَةٌ لِلْمُشْتَرِي بِرَأْسِ مَالِهَا وَبِحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ فَإِنْ قَالَ: ثَمَنُهَا أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَهُوَ مُكَذِّبٌ لَهَا وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ خَانَهُ حَطَطْت الْخِيَانَةَ وَحِصَّتَهَا مِنْ الرِّبْحِ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ وَلَمْ أُفْسِدْ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى مُحَرَّمٍ عَلَيْهِمَا مَعًا إنَّمَا، وَقَعَ مُحَرَّمًا عَلَى الْخَائِنِ مِنْهُمَا كَمَا يُدَلَّسُ لَهُ بِالْعَيْبِ فَيَكُونُ التَّدْلِيسُ مُحَرَّمًا وَمَا أُخِذَ مِنْ ثَمَنِهِ مُحَرَّمًا وَكَانَ لِلْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ الْخِيَارُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 182 [بَابُ الرَّجُلِ يَبِيعُ الشَّيْءَ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ إلَى أَجَلٍ وَيَشْتَرِيَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ بِنَقْدٍ وَعَرْضٍ، وَإِلَى أَجَلٍ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ إنَّ امْرَأَةً أَتَتْ عَائِشَةَ فَسَأَلَتْهَا عَنْ بَيْعٍ بَاعَتْهُ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِكَذَا وَكَذَا إلَى الْعَطَاءِ ثُمَّ اشْتَرَتْهُ مِنْهُ بِأَقَلَّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ بِئْسَمَا اشْتَرَيْت وَبِئْسَمَا ابْتَعْت أَخْبِرِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يَتُوبَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهُوَ مُجْمَلٌ وَلَوْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا فَقَدْ تَكُونُ عَائِشَةُ عَابَتْ الْبَيْعَ إلَى الْعَطَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَجَلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَزَيْدٌ صَحَابِيٌّ، وَإِذَا اخْتَلَفُوا فَمَذْهَبُنَا الْقِيَاسُ وَهُوَ مَعَ زَيْدٍ وَنَحْنُ لَا نُثْبِتُ مِثْلَ هَذَا عَلَى عَائِشَةَ، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ السِّلْعَةُ لِي كَسَائِرِ مَالِي لِمَ لَا أَبِيعُ مِلْكِي بِمَا شِئْت وَشَاءَ الْمُشْتَرِي. [بَابُ تَفْرِيقِ صِفَةِ الْبَيْعِ وَجَمْعِهَا] (قَالَ الْمُزَنِيّ) : اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَجَمْعِهَا وَبَيَّضْت لَهُ مَوْضِعًا لِأَجْمَعَ فِيهِ شَرْحَ أَوْلَى قَوْلَيْهِ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى: وَإِذَا اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِهِ وَوَجَدَ بِالْآخَرِ عَيْبًا، وَاخْتَلَفَا فِي ثَمَنِ الثَّوْبِ فَقَالَ الْبَائِعُ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ قَدْ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ فَإِنْ أَرَادَ رَدَّ الثَّوْبِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَرَادَ الرُّجُوعَ بِالْعَيْبِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يُعْطِيهِ بِقَوْلِهِ الزِّيَادَةَ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ: إنَّهُ كَالْبَيْعِ، وَقَالَ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ إنْ صَالَحَهُ مِنْ دَارٍ بِمِائَةٍ وَبِعَبْدٍ ثَمَنُهُ مِائَةٌ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ إنْ شَاءَ رَدَّ الْعَبْدَ وَأَخَذَ الْمِائَةَ بِنِصْفِ الصُّلْحِ وَيَسْتَرِدُّ نِصْفَ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ عَلَى شَيْئَيْنِ. وَقَالَ فِي نُشُوزِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَفِي كِتَابِ الشُّرُوطِ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَاسْتَحَقَّ نِصْفَهُ إنْ شَاءَ رَدَّ الثَّمَنَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ. وَقَالَ فِي الشُّفْعَةِ: إنْ اشْتَرَى شِقْصًا وَعَرْضًا صَفْقَةً وَاحِدَةً أُخِذَتْ الشُّفْعَةُ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ: وَإِذَا صَرَفَ دِينَارًا بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَقَبَضَ تِسْعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَلَمْ يَجِدْ دِرْهَمًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ التِّسْعَةَ عَشَرَةَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الدِّينَارِ ويتناقضه الْبَيْعَ بِحِصَّةِ الدِّرْهَمِ ثُمَّ إنْ شَاءَ اشْتَرَى مِنْهُ بِحِصَّةِ الدِّينَارِ مَا شَاءَ يَتَقَابَضَانِهِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا مَتَى شَاءَ أَخَذَهُ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْجَدِيدِ الْأَوَّلِ: لَوْ اشْتَرَى بِمِائَةِ دِينَارٍ مِائَةَ صَاعِ تَمْرٍ وَمِائَةَ صَاعِ حِنْطَةٍ وَمِائَةَ صَاعِ شَعِيرٍ جَازَ وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا بِقِيمَتِهِ مِنْ الْمِائَةِ، وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ الْمَجْمُوعَةِ: وَإِذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ بَرْدِيًّا وَعَجْوَةً بِعَشَرَةٍ وَقِيمَةُ الْبَرْدِيِّ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الثَّمَنِ وَقِيمَةُ الْعَجْوَةِ سُدُسُ الْعَشَرَةِ فَالْبَرْدِيُّ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ الثَّمَنِ وَالْعَجْوَةُ بِسُدُسِ الثَّمَنِ وَبِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ لَا يَجُوزُ ذَهَبٌ جَيِّدٌ وَرَدِيءٌ بِذَهَبٍ وَسَطٍ وَلَا تَمْرٌ جَيِّدٌ وَرَدِيءٌ بِتَمْرٍ وَسَطٍ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الصِّنْفَيْنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 183 حِصَّةً فِي الْقِيمَةِ فَيَكُونُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مَجْهُولًا وَبِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ مِائَةَ دِينَارٍ فِي مِائَةِ صَاعِ تَمْرٍ وَمِائَةِ صَاعِ حِنْطَةٍ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ. وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ الْمَجْمُوعَةِ: إنَّ الصَّفْقَةَ إذَا جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَقَالَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: لَوْ ابْتَاعَ غَنَمًا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ الْمُصَّدِّقُ الصَّدَقَةَ مِنْهَا فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي رَدِّ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ كَمَا اشْتَرَى كَامِلًا أَوْ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَقَالَ: إنْ أَسْلَفَ فِي رُطَبٍ فَنَفِدَ رَجَعَ بِحِصَّةِ مَا بَقِيَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَ إلَى قَابِلٍ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ: وَلَوْ أَصْدَقَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ أَلْفًا قُسِمَتْ عَلَى مُهُورِهِنَّ. (قَالَ) : وَلَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا فَاسْتُحِقَّ نِصْفُهُ كَانَ الْخِيَارُ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ نِصْفَهُ وَالرُّجُوعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ أَوْ الرَّدُّ. (قَالَ الْمُزَنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) : فَأَمَّا قِيمَةُ مَا اُسْتُحِقَّ مِنْ الْعَبْدِ فَهَذَا غَلَطٌ فِي مَعْنَاهُ وَكَيْفَ تَأْخُذُ قِيمَةَ مَا لَمْ تَمْلِكْهُ قَطُّ؟ بَلْ قِيَاسُ قَوْلِهِ هَذَا تَرْجِعُ بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا كَمَا لَوْ اُسْتُحِقَّ كُلُّهُ كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا. وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى الْمُوَطَّإِ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً أَوْ جَارِيَتَيْنِ فَأَصَابَ بِإِحْدَاهُمَا عَيْبًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ أَنَّهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُرَدُّ إلَّا مَعًا كَمَا يَكُونُ لَهُ لَوْ بِيعَ مِنْ دَارٍ أَلْفُ سَهْمٍ وَهُوَ شَفِيعُهَا أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ السُّهْمَانِ دُونَ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا مَنَعْت أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَنَّهُ وَقَعَ غَيْرَ مَعْلُومِ الْقِيمَةِ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بَعْدُ وَأَيُّ شَيْءٍ عَقَدَاهُ بِرِضَاهُمَا عَلَيْهِ كَذَلِكَ كَانَ فَاسِدًا لَا يَجُوزُ أَنْ أَقُولَ أَشْتَرِي مِنْك الْجَارِيَةَ بِهَاتَيْنِ الْجَارِيَتَيْنِ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِقِيمَتِهَا مِنْهَا وَلَوْ سَمَّيْت أَيَّتَهمَا أَرْفَعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى أَمْرٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ، وَقَالَ فَإِنْ فَاتَتْ إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ بِمَوْتٍ أَوْ بِوِلَادَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّ الَّتِي بِعَيْبٍ وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ مِنْ الْجَارِيَةِ كَانَتْ قِيمَةُ الَّتِي فَاتَتْ عِشْرِينَ وَاَلَّتِي بَقِيَتْ ثَلَاثِينَ وَقِيمَةُ الْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرَى بِهَا خَمْسُونَ فَصَارَ حِصَّةُ الْمَعِيبَةِ مِنْ الْجَارِيَةِ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِهَا وَكَانَ الْعَيْبُ يُنْقِصُهَا الْعُشْرَ فَيَرْجِعُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْإِمْلَاءِ عَلَى الْمُوَطَّإِ وَلَوْ صَرَفَ الدِّينَارَ بِالدَّرَاهِمِ فَوَجَدَ مِنْهَا زَائِفًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِهِ وَرَدِّهِ وَيَنْقُضُ الصَّرْفَ؛ لِأَنَّهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: فَإِنْ كَانَ الدِّرْهَمُ زَائِفًا مِنْ قِبَلِ السِّكَّةِ أَوْ قُبْحِ الْفِضَّةِ فَلَا بَأْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي أَنْ يَقْبَلَهُ فَإِنْ رَدَّهُ رَدَّ الصَّرْفَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهَا بَيْعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ زَافَ عَلَى أَنَّهُ نُحَاسٌ أَوْ تِبْرٌ غَيْرُ فِضَّةٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ وَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ الْمَجْمُوعَةِ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ بِوَرِقٍ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَإِنْ تَفَرَّقَا مِنْ مَقَامِهِمَا وَبَقِيَ قِبَلَ أَحَدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ فَسَدَ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ إنَّهُ كَالْبَيْعِ فَإِنْ صَالَحَهُ مِنْ دَارٍ بِمِائَةٍ وَبِعَبْدٍ قِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَأَصَابَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَنْقُضَ الصُّلْحَ كُلَّهُ أَوْ يُجِيزَهُ مَعًا، وَقَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ انْتَقَضَ الصُّلْحُ كُلُّهُ، وَقَالَ فِي الصَّدَاقِ فَإِذَا ذَهَبَ بَعْضُ الْبَيْعِ لَمْ أَرُدَّ الْبَاقِيَ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ نِصْفُهُ عَبْدٌ وَنِصْفُهُ حُرٌّ كَانَ فِي مَعْنَى مَنْ بَاعَ مَا يَمْلِكُ وَمَا لَا يَمْلِكُ وَفَسَدَتْ الْكِتَابَةُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَهَذَا كُلُّهُ مَنْعُ تَفْرِيقِ صَفْقَةٍ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : فَإِذَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ تَنَافَيَا، وَكَانَا كُلًّا مَعْنًى، وَكَانَ أَوْلَاهُمَا بِهِ مَا أَشْبَهَ قَوْلَهُ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ. (قَالَ) : وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ الْمُزَنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَخْتَارُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ وَيَرَاهُ أَوْلَى قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. [بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَإِذَا قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا أَدْفَعُ حَتَّى أَقْبِضَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ» الجزء: 8 ¦ الصفحة: 184 قَالَ) : وَقَالَ مَالِكٌ إنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَيُّمَا بَيِّعَيْنِ تَبَايَعَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ أَوْ يَتَرَادَّانِ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» فَإِذَا تَبَايَعَا عَبْدًا فَقَالَ الْبَائِعُ بِأَلْفٍ وَالْمُشْتَرِي بِخَمْسِمِائَةٍ فَالْبَائِعُ يَدَّعِي فَضْلَ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي السِّلْعَةَ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ فَيَتَحَالَفَانِ فَإِذَا حَلَفَا مَعًا قِيلَ لِلْمُشْتَرِي: أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي أَخْذِهِ بِأَلْفٍ أَوْ رَدِّهِ وَلَا يَلْزَمُك مَا لَا تُقِرُّ بِهِ فَأَيُّهُمَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَحَلَفَ صَاحِبُهُ حُكِمَ لَهُ. (قَالَ) : وَإِذَا حَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمَا مُتَصَادِقَانِ عَلَى الْبَيْعِ وَمُخْتَلِفَانِ فِي الثَّمَنِ بِنَقْضِ الْبَيْعِ وَوَجَدْنَا الْفَائِتَ فِي كُلِّ مَا نَقَضَ فِيهِ الْقَائِمُ مُنْتَقَضًا فَعَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّهُ إنْ كَانَ قَائِمًا أَوْ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ فَائِتًا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : يَقُولُ صَارَا فِي مَعْنَى مَنْ لَمْ يَتَبَايَعْ فَيَأْخُذُ الْبَائِعُ عَبْدَهُ قَائِمًا أَوْ قِيمَتَهُ مُتْلَفًا. (قَالَ) : فَرَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إلَى مَا قُلْنَا وَخَالَفَ صَاحِبَيْهِ. وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ مَا قَالَا إلَّا خِلَافَ الْقِيَاسِ وَالسُّنَّةِ. (قَالَ) : وَالْمَعْقُولُ إذَا تَنَاقَضَاهُ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَنَاقَضَاهُ وَهِيَ فَائِتَةٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ أَنْ يُفْسَخَ الْعَقْدُ فَقَائِمٌ وَفَائِتٌ وَسَوَاءٌ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَلَوْ لَمْ يَخْتَلِفَا، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا أَدْفَعُ حَتَّى أَقْبِضَ فَاَلَّذِي أَحَبَّ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَقَاوِيلَ وَصَفَهَا أَنْ يُؤْمَرَ الْبَائِعُ بِدَفْعِ السِّلْعَةِ وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ مِنْ سَاعَتِهِ فَإِنْ غَابَ وَلَهُ مَالٌ أَشْهَدَ عَلَى وَقْفِ مَالِهِ وَأَشْهَدَ عَلَى وَقْفِ السِّلْعَةِ فَإِذَا دَفَعَ أُطْلِقَ عَنْهُ الْوَقْفُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَهَذَا مُفْلِسٌ وَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِسِلْعَتِهِ وَلَا يَدَعُ النَّاسَ يَتَمَانَعُونَ الْحُقُوقَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُمْ. (قَالَ) : وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَرْضًا أَوْ ذَهَبًا بِعَيْنِهِ فَتَلِفَ مِنْ يَدَيْ الْمُشْتَرِي أَوْ تَلِفَتْ السِّلْعَةُ مَعَ يَدَيْ الْبَائِعِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ. (قَالَ) : وَلَا أُحِبُّ مُبَايَعَةَ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ مِنْ رِبًا أَوْ مِنْ حَرَامٍ وَلَا أَفْسَخُ الْبَيْعَ لِإِمْكَانِ الْحَلَالِ فِيهِ. [بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا خَسَارَةَ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنِهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلَوْ قَبَضَهَا فَأَعْتَقَهَا لَمْ يَجُزْ عِتْقُهَا، وَإِنْ أَوْلَدَهَا رُدَّتْ إلَى رَبِّهَا وَكَانَ عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهِ يَوْمَ خَرَجَ مِنْهَا فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ وَلَوْ كَانَ بَاعَهَا فَسَدَ الْبَيْعُ حَتَّى تُرَدَّ إلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ مَاتَتْ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْفَاسِدِ أَوْ أَقَلَّ وَلَوْ اشْتَرَى زَرْعًا وَاشْتَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ حَصَادَهُ كَانَ فَاسِدًا. وَلَوْ قَالَ بِعْنِي هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ إرْدَبٍّ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تَزِيدَنِي إرْدَبًّا أَوْ أُنْقِصُك إرْدَبًّا كَانَ فَاسِدًا وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا النَّحْوِ فَالْبَيْعُ فِيهِ فَاسِدٌ وَلَوْ اشْتَرَطَ فِي بَيْعِ السَّمْنِ أَنْ يَزِنَهُ بِظُرُوفِهِ مَا جَازَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنْ يَطْرَحَ عَنْهُ وَزْنَ الظُّرُوفِ جَازَ. وَلَوْ اشْتَرَطَ الْخِيَارَ فِي الْبَيْعِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَسَدَ الْبَيْعُ. [بَابُ بَيْعِ الْغَرَرِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» قَالَ «وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَمَنِ عَسْبِ الْفَحْلِ» وَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ وَمِنْ بُيُوعِ الْغَرَرِ عِنْدَنَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك وَبَيْعُ الْحَمْلِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَالطَّيْرِ وَالْحُوتِ قَبْلَ أَنْ يُصَادَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ عَبْدًا لِرَجُلٍ وَلَمْ يُوَكِّلْهُ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ أَجَازَهُ السَّيِّدُ أَوْ لَمْ يُجِزْهُ كَمَا اشْتَرَى آبِقًا فَوَجَدَهُ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى فَسَادٍ إذْ لَمْ يَدْرِ أَيَجِدُهُ أَوْ لَا يَجِدُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 185 وَكَذَلِكَ مُشْتَرِي الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لَا يَدْرِي أَيُجِيزُهُ الْمَالِكُ أَوْ لَا يُجِيزُهُ وَلَوْ اشْتَرَى مِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْ دَارٍ لَمْ يَجُزْ لِجَهْلِهِ بِالْأَذْرُعِ وَلَوْ عَلِمَا ذَرْعَهَا فَاشْتَرَى مِنْهَا أَذْرُعًا مُشَاعَةً جَازَ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضُّرُوعِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَكْرَهُ بَيْعَ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ وَاللَّبَنِ فِي ضُرُوعِهَا إلَّا بِكَيْلٍ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمِسْكِ فِي فَأْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى كَمَا وَزْنُهُ مِنْ وَزْنِ جُلُودِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ إذَا رَآهُ بِعَيْنِهِ حَتَّى يُحِيطَ بِهِ عِلْمًا جُزَافًا. [بَابُ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَشِرَاءِ الْأَعْمَى] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ» وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إلَى أَنْ تُنْتِجَ النَّاقَةَ ثُمَّ تُنْتِجَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا عَقَدَا الْبَيْعَ عَلَى هَذَا فَمَفْسُوخٌ لِلْجَهْلِ بِوَقْتِهِ، وَقَدْ لَا تُنْتِجُ أَبَدًا. وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ» وَالْمُلَامَسَةُ عِنْدَنَا أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ بِثَوْبِهِ مَطْوِيًّا فَيَلْمِسهُ الْمُشْتَرِي أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَيَقُولُ رَبُّ الثَّوْبِ أَبِيعُك هَذَا عَلَى أَنَّهُ إذَا وَجَبَ الْبَيْعُ فَنَظَرُك إلَيْهِ اللَّمْسُ لَا خِيَارَ لَك إذَا نَظَرْت إلَى جَوْفِهِ أَوْ طُولِهِ وَعَرْضِهِ. وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ أَنْبِذَ إلَيْك ثَوْبِي وَتَنْبِذَ إلَيَّ ثَوْبَك عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ وَلَا خِيَارَ إذَا عَرَفْنَا الطُّولَ وَالْعَرْضَ وَكَذَلِكَ أَنْبِذُهُ إلَيْك بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ (قَالَ) : وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْأَعْمَى، وَإِنْ ذَاقَ مَا لَهُ طَعْمٌ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ فِي الثَّمَنِ بِاللَّوْنِ إلَّا فِي السَّلَمِ بِالصِّفَةِ، وَإِذَا وَكَّلَ بَصِيرًا يَقْبِضُ لَهُ عَلَى الصِّفَةِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِلَفْظَةِ الْأَعْمَى الَّذِي عَرَفَ الْأَلْوَانَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَى فَأَمَّا مَنْ خُلِقَ أَعْمَى فَلَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِالْأَلْوَانِ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَنْ اشْتَرَى مَا يَعْرِفُ طَعْمَهُ وَيَجْهَلُ لَوْنَهُ وَهُوَ يُفْسِدُهُ فَتَفَهَّمْهُ وَلَا تغلط عَلَيْهِ. [بَابُ الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الْمَجْهُولِ وَبَيْعِ النَّجْشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهُمَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ قَدْ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ نَقْدًا أَوْ بِأَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ قَدْ وَجَبَ لَك بِأَيِّهِمَا شِئْتُ أَنَا وَشِئْتَ أَنْتَ فَهَذَا بَيْعُ الثَّمَنِ فَهُوَ مَجْهُولٌ. الثَّانِي: أَنْ يَقُولَ قَدْ بِعْتُك عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَك بِأَلْفٍ فَإِذَا وَجَبَ لَك عَبْدِي وَجَبَتْ لِي دَارُك؛ لِأَنَّ مَا نَقَصَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا بَاعَ ازْدَادَهُ فِيمَا اشْتَرَى فَالْبَيْعُ فِي ذَلِكَ مَفْسُوخٌ. «وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّجْشِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالنَّجْشُ خَدِيعَةُ وَلَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ أَهْلِ الدِّينِ وَهُوَ أَنْ يَحْضُرَ السِّلْعَةَ تُبَاعُ فَيُعْطِي بِهَا الشَّيْءَ وَهُوَ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيَقْتَدِيَ بِهَا السَّوَامُّ فَيُعْطِي بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانُوا يُعْطُونَ لَوْ لَمْ يَعْلَمُوا سَوْمَهُ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ بِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَقْدُ الشِّرَاءِ نَافِذٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ النَّجْشِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبِعْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَبَيَّنَ فِي مَعْنَى نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ أَنْ يَتَوَاجَبَا السِّلْعَةَ فَيَكُونَ الْمُشْتَرِي مُغْتَبِطًا أَوْ غَيْرَ نَادِمٍ فَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ مِثْلَ سِلْعَتِهِ أَوْ خَيْرًا مِنْهَا بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ فَيَفْسَخُ بَيْعَ صَاحِبِهِ بِأَنَّ لَهُ الْخِيَارَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَيَكُونُ هَذَا إفْسَادٌ، وَقَدْ عَصَى اللَّهَ إذَا كَانَ بِالْحَدِيثِ عَالِمًا وَالْبَيْعُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 186 فِيهِ لَازِمٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَكَذَلِكَ الْمُدَلِّسُ عَصَى اللَّهَ بِهِ وَالْبَيْعُ فِيهِ لَازِمٌ وَكَذَلِكَ الثَّمَنُ حَلَالٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : الثَّمَنُ حَرَامٌ عَلَى الْمُدَلِّسِ. [بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ وَالنَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي السِّلَعِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» وَزَادَ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» . (قَالَ) : فَإِنْ بَاعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ فَهُوَ عَاصٍ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ وَلَمْ يُفْسَخْ؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» يَتَبَيَّنُ أَنَّ عُقْدَةَ الْبَيْعِ جَائِزَةٌ وَلَوْ كَانَتْ مَفْسُوخَةً لَمْ يَكُنْ بَيْعُ حَاضِرٍ لِبَادٍ يَمْنَعُ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْ فَضْلِ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا كَانَ أَهْلُ الْبَوَادِي إذَا قَدِمُوا بِسِلَعِهِمْ يَبِيعُونَهَا بِسُوقِ يَوْمِهِمْ لِلْمُؤْنَةِ عَلَيْهِمْ فِي حَبْسِهَا وَاحْتِبَاسِهِمْ عَلَيْهَا وَلَا يُعْرَفُ مِنْ قِلَّةِ سِلْعَتِهِ وَحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا مَا يَعْلَمُ الْحَاضِرُ فَيُصِيبُ النَّاسُ مِنْ بُيُوعِهِمْ رِزْقًا، وَإِذَا تَوَكَّلَ لَهُمْ أَهْلُ الْقَرْيَةِ الْمُقِيمُونَ تَرَبَّصُوا بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ فِي الْمُقَامِ بِهَا فَلَمْ يُصِبْ النَّاسُ مَا يَكُونُ فِي بَيْعِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَتَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَسَمِعْت فِي هَذَا الْحَدِيثِ «فَمَنْ تَلَقَّاهَا فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ بَعْدَ أَنْ يَقْدُمَ السُّوقَ» . (قَالَ) : وَبِهَذَا نَأْخُذُ إنْ كَانَ ثَابِتًا وَهَذَا دَلِيلٌ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ غَيْرَ أَنَّ لِصَاحِبِهَا الْخِيَارَ بَعْدَ قُدُومِ السُّوقِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهَا مِنْ الْبَدْوِيِّ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى مَوْضِعِ الْمُتَسَاوِمَيْنِ مِنْ الْغَرَرِ بِوَجْهِ النَّقْصِ مِنْ الثَّمَنِ فَلَهُ الْخِيَارُ. [بَابُ بَيْعٍ وَسَلَفٍ] ٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ سُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَكُونَ الْأَثْمَانُ مَعْلُومَةً وَالْبَيْعُ مَعْلُومًا فَلَمَّا كُنْتُ إذَا اشْتَرَيْتُ مِنْك دَارًا بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ أُسَلِّفَك مِائَةً كُنْتُ لَمْ أَشْتَرِهَا بِمِائَةٍ مُفْرَدَةٍ وَلَا بِمِائَتَيْنِ، وَالْمِائَةُ السَّلَفُ عَارِيَّةٌ لَهُ بِهَا مَنْفَعَةٌ مَجْهُولَةٌ وَصَارَ الثَّمَنُ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُسَلِّفَهُ مِائَةً عَلَى أَنْ يُقْبِضَهُ خَيْرًا مِنْهَا وَلَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهَا فِي بَلَدِ كَذَا، وَلَوْ أَسْلَفَهُ إيَّاهَا بِلَا شَرْطٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْكُرَهُ فَيَقْضِيَهُ خَيْرًا مِنْهَا، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ حَالٍّ فَأَخَّرَهُ بِهِ مُدَّةً كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَتَى شَاءَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْ مِلْكِهِ وَلَا أَخَذَ مِنْهُ عِوَضًا فَيَلْزَمُهُ، وَهَذَا مَعْرُوفٌ لَا يَجِبُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ. [بَابُ تَصَرُّفِ الْوَصِيِّ فِي مَالِ مُوَلِّيهِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأُحِبُّ أَنْ يَتَّجِرَ الْوَصِيُّ بِأَمْوَالِ مَنْ يَلِي وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَدْ اتَّجَرَ عُمَرُ بِمَالِ يَتِيمٍ وَأَبْضَعَتْ عَائِشَةُ بِأَمْوَالِ بَنِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فِي الْبَحْرِ وَهُمْ أَيْتَامٌ تَلِيهِمْ، وَإِذَا كُنَّا نَأْمُرُ الْوَصِيَّ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَالِ الْيَتِيمِ عَقَارًا؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ لَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَ لَهُ عَقَارًا إلَّا لِغِبْطَةٍ أَوْ حَاجَةٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 187 [بَابُ تَصَرُّفِ الرَّقِيقِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أَدَانَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا كَانَ عَبْدًا وَمَتَى عَتَقَ اُتُّبِعَ بِهِ، وَكَذَلِكَ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ جِنَايَةٍ وَلَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ مِنْ حِرْزِهَا يُقْطَعُ فِي مِثْلِهَا قَطَعْنَاهُ، وَإِذَا صَارَ حُرًّا أَغْرَمْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا لِلَّهِ فِي يَدَيْهِ فَأَخَذْنَاهُ، وَالْآخَرُ لِلنَّاسِ فِي مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ فَأَخَّرْنَاهُ بِهِ كَالْمُعْسِرِ نُؤَخِّرُهُ بِمَا عَلَيْهِ فَإِذَا أَفَادَ أَغْرَمْنَاهُ وَلَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ. [بَابُ بَيْعِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِيًا نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» . (قَالَ) : وَلَا يَحِلُّ لِلْكَلْبِ ثَمَنٌ بِحَالٍ وَلَوْ جَازَ ثَمَنُهُ جَازَ حُلْوَانُ الْكَاهِنِ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ، وَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ إلَّا لِصَاحِبِ صَيْدٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمْ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ فِي حَيَاتِهِ بِيعَ وَحَلَّ ثَمَنُهُ وَقِيمَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُؤْكَلُ مِنْ ذَلِكَ الْفَهْدُ يُعَلَّمُ لِلصَّيْدِ وَالْبَازِي وَالشَّاهِينِ وَالصَّقْرُ مِنْ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ وَمِثْلُ الْهِرِّ وَالْحِمَارِ الْإِنْسِيِّ وَالْبَغْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ حَيًّا وَكُلُّ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مِنْ وَحْشٍ مِثْلَ الْحِدَأَةِ وَالرَّخَمَةِ وَالْبُغَاثَةِ وَالْفَأْرَةِ وَالْجِرْذَانِ وَالْوَزَغَانِ وَالْخَنَافِسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَأَرَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ لَا يَجُوزَ شِرَاؤُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَلَا قِيمَةَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْمَنْفَعَةِ فِيهِ حَيًّا وَلَا مَذْبُوحًا فَثَمَنُهُ كَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ. [بَابُ السَّلَمِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَوْ ابْنِ كَثِيرٍ الشَّكُّ مِنْ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسَلِّفُونَ فِي التَّمْرِ السَّنَةَ وَرُبَّمَا قَالَ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسَلِّفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَدْ أَذِنَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَزَّ - فِي الرَّهْنِ وَالسَّلَمِ فَلَا بَأْسَ بِالرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ فِيهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا جَازَ السَّلَمُ فِي التَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالتَّمْرُ قَدْ يَكُونُ رُطَبًا فَقَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَجَازَ الرُّطَبَ سَلَفًا مَضْمُونًا فِي غَيْرِ حِينِهِ الَّذِي يَطِيبُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَفَ سَنَتَيْنِ كَانَ فِي بَعْضِهَا فِي غَيْرِ حِينِهِ. (قَالَ) : وَإِنْ فُقِدَ الرُّطَبُ أَوْ الْعِنَبُ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْبَلَدِ الَّذِي أَسْلَفَهُ فِيهِ قِيلَ الْمُسَلِّفُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا بَقِيَ مِنْ سَلَفِهِ بِحِصَّتِهِ أَوْ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ إلَى رُطَبٍ قَابِلٍ وَقِيلَ يَنْفَسِخُ بِحِصَّتِهِ «وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكِيمًا عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ» وَأَجَازَ السَّلَفَ فَدَلَّ أَنَّهُ نَهَى حَكِيمًا عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 188 عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا وَذَلِكَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ فَإِذَا أَجَازَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصِفَةٍ مَضْمُونًا إلَى أَجَلٍ كَانَ حَالًّا أَجْوَزَ وَمِنْ الْغَرَرِ أَبْعَدَ فَأَجَازَهُ عَطَاءٌ حَالًّا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا وَاَلَّذِي اخْتَارَ الشَّافِعِيُّ أَنْ لَا يُسَلَّفَ جُزَافًا مِنْ ثِيَابٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَوْ كَانَ دِرْهَمًا حَتَّى يَصِفَهُ بِوَزْنِهِ وَسِكَّتِهِ وَبِأَنَّهُ وَضَحٌ أَوْ أَسْوَدُ كَمَا يَصِفُ مَا أَسْلَمَ فِيهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا: فَقَدْ أَجَازَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنْ يَدْفَعَ سِلْعَتَهُ غَيْرَ مَكِيلَةٍ وَلَا مَوْزُونَةٍ فِي سَلَمٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَهَذَا أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ وَاَلَّذِي احْتَجَّ بِهِ فِي تَجْوِيزِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسَلَّفَ بِكْرًا فَصَارَ بِهِ عَلَيْهِ حَيَوَانًا مَضْمُونًا» وَأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَاعَ جَمَلًا بِعِشْرِينَ جَمَلًا إلَى أَجَلٍ وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ اشْتَرَى رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ إلَى أَجَلٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا: وَهَذَا مِنْ الْجُزَافِ الْعَاجِلِ فِي الْمَوْصُوفِ الْآجِلِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ لَمْ يَذْكُرَا فِي السَّلَمِ أَجَلًا فَذَكَرَاهُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ وَلَوْ أَوْجَبَاهُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ لَمْ يَجُزْ (قَالَ) : وَلَا يَجُوزُ فِي السَّلَفِ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّمَنَ قَبْلَ يُفَارِقُهُ وَيَكُونَ مَا سَلَّفَ فِيهِ مَوْصُوفًا، وَإِنْ كَانَ مَا سَلَّفَ فِيهِ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَا وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ جَازَ قَالَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] فَلَمْ يَجْعَلْ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ عِلْمًا إلَّا بِهَا فَلَا يَجُوزُ إلَى الْحَصَادِ وَالْعَطَاءِ لِتَأْخِيرِ ذَلِكَ وَتَقْدِيمِهِ وَلَا إلَى فَصْحِ النَّصَارَى وَقَدْ يَكُونُ عَامًا فِي شَهْرٍ وَعَامًا فِي غَيْرِهِ عَلَى حِسَابٍ يُنْسِئُونَ فِيهِ أَيَّامًا فَلَوْ أَجَزْنَاهُ كُنَّا قَدْ عَمِلْنَا فِي دِينِنَا بِشَهَادَةِ النَّصَارَى وَهَذَا غَيْرُ حَلَالٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ أَجَلُهُ إلَى يَوْمِ كَذَا فَحَتَّى يَطْلُعَ فَجْرُ ذَلِكَ الْيَوْمِ. (قَالَ) : وَإِنْ كَانَ مَا سَلَّفَ فِيهِ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ سَمَّيَا مِكْيَالًا مَعْرُوفًا عَنْ الْعَامَّةِ وَيَكُونُ الْمُسَلَّفُ فِيهِ مَأْمُونًا فِي مَحَلِّهِ فَإِنْ كَانَ تَمْرًا قَالَ صَيْحَانِيٌّ أَوْ بَرْدِيٌّ أَوْ كَذَا، وَإِنْ كَانَ حِنْطَةً قَالَ شَامِيَّةٌ أَوْ ميسانية أَوْ كَذَا، وَإِنْ كَانَ يَخْلُفُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بالحدارة وَالرِّقَّةِ وَصَفَا مَا يَضْبِطَانِهِ بِهِ، وَقَالَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ: جَيِّدًا وَأَجَلًا مَعْلُومًا أَوْ قَالَ حَالًّا وَعَتِيقًا مِنْ الطَّعَامِ أَوْ جَدِيدًا، وَأَنْ يَصِفَ ذَلِكَ بِحَصَادِ عَامِ كَذَا مُسَمًّى أَصَحُّ وَيَكُونُ الْمَوْضِعُ مَعْرُوفًا وَلَا يُسْتَغْنَى فِي الْعَسَلِ مِنْ أَنْ يَصِفَهُ بِبَيَاضٍ أَوْ صُفْرَةٍ أَوْ خُضْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَايَنُ فِي ذَلِكَ وَلَوْ اشْتَرَطَا أَجْوَدَ الطَّعَامِ أَوْ أَرْدَأَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ. وَلَوْ كَانَ مَا أَسْلَفَ فِيهِ رَقِيقًا قَالَ: عَبْدًا نَوْبِيًّا خُمَاسِيًّا أَوْ سُدَاسِيًّا أَوْ مُحْتَلِمًا وَوَصَفَ سِنَّهُ وَأَسْوَدُ هُوَ أَوْ وَضِيءٌ أَبْيَضُ أَوْ أَصْفَرُ أَوْ أَسْحَمُ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ جَارِيَةً وَصَفَهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ مَعَهَا وَلَدَهَا وَلَا أَنَّهَا حُبْلَى، وَإِنْ كَانَ فِي بَعِيرٍ قَالَ: مِنْ نَعَمِ بَنِي فُلَان مِنْ ثَنِيٍّ غَيْرِ مُودَنٍ نَقِيٌّ مِنْ الْعُيُوبِ سَبْطُ الْخَلْقِ أَحْمَرُ مَجْفَرُ الْجَنْبَيْنِ رُبَاعُ أَوْ قَالَ بَازِلٌ، وَهَكَذَا الدَّوَابُّ يَصِفُهَا بِنِتَاجِهَا وَجِنْسِهَا وَأَلْوَانِهَا وَأَسْنَانِهَا وَيَصِفُ الثِّيَابَ بِالْجِنْسِ مِنْ كَتَّانٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ وَشْيٍ إسْكَنْدَرَانِيٍّ أَوْ يَمَانِيٍّ وَنَسْجِ بَلَدِهِ وَذَرْعِهِ مِنْ عَرْضٍ وَطُولٍ أَوْ صَفَّافَةٍ أَوْ دِقَّةٍ أَوْ جَوْدَةٍ. وَهَكَذَا النُّحَاسُ يَصِفُهُ أَبْيَضَ أَوْ شَبَهً أَوْ أَحْمَرَ وَيَصِفُ الْعَبِيدَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَبِجِنْسٍ إنْ كَانَ لَهُ فِي نَحْوِ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ فِي لَحْمٍ قَالَ لَحْمُ مَاعِزٍ ذَكَرٌ خَصِيٌّ أَوْ غَيْرُ خَصِيٍّ أَوْ لَحْمُ مَاعِزَةٍ ثَنِيَّةٌ أَوْ ثَنِيٌّ أَوْ جَذَعٌ رَضِيعٌ أَوْ فَطِيمٌ وَسَمِينٌ أَوْ مُنَقًّى مِنْ فَخِذٍ أَوْ يَدٍ وَيَشْتَرِطُ الْوَزْنَ فِي نَحْوِ ذَلِكَ وَيَقُولُ فِي لَحْمِ الْبَعِيرِ خَاصَّةً بَعِيرٌ رَاعٍ مِنْ قِبَلِ اخْتِلَافِ لَحْمِ الرَّاعِي وَلَحْمِ الْمَعْلُوفِ، وَأَكْرَهُ اشْتِرَاطَ الْأَعْجَفِ وَالْمَشْوِيِّ وَالْمَطْبُوخِ. وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي لُحُومِ الصَّيْدِ إذَا كَانَتْ بِبَلَدٍ لَا تَخْتَلِفُ وَيَقُولُ فِي السَّمْنِ: سَمْنُ مَاعِزٍ أَوْ ضَأْنٍ أَوْ بَقَرٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْهَا شَيْءٌ يَخْتَلِفُ بِبَلَدٍ سَمَّاهُ وَيَصِفُ اللَّبَنَ كَالسَّمْنِ فَإِنْ كَانَ لَبَنَ إبِلٍ قَالَ: لَبَنُ عُودٍ أَوْ أَوْارَكٍ أَوْ حَمْضِيَّةٍ وَيَقُولُ رَاعِيَةٌ أَوْ مَعْلُوفَةٌ لِاخْتِلَافِ أَلْبَانِهَا فِي الثَّمَنِ وَالصِّحَّةِ وَيَقُولُ حَلِيبُ يَوْمِهِ وَلَا يُسَلِّفُ فِي اللَّبَنِ الْمَخِيضِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَاءً وَهَكَذَا كُلُّ مُخْتَلِطٍ بِغَيْرِهِ لَا يُعْرَفُ أَوْ مُصْلَحٍ بِغَيْرِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : يَدْخُلُ فِي هَذَا الطِّيبُ الْغَالِيَةُ وَالْأَدْهَانُ الْمُرَبِّبَةُ وَنَحْوُهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُسَمِّيَ لَبَنًا حَامِضًا؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ حُمُوضَتِهِ زِيَادَةُ نَقْصٍ، وَيُوصَفُ اللِّبَأُ كَاللَّبَنِ إلَّا أَنَّهُ مَوْزُونٌ وَيَقُولُ فِي الصُّوفِ صُوفُ ضَأْنِ بَلَدِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 189 كَذَا لِاخْتِلَافِهِ فِي الْبُلْدَانِ وَيُسَمِّي لَوْنًا لِاخْتِلَافِ أَلْوَانِهَا، وَيَقُولُ جَيِّدًا نَقِيًّا وَمَغْسُولًا لِمَا يَعْلَقُ بِهِ فَيَثْقُلُ فَيُسَمِّي قِصَارًا أَوْ طِوَالًا بِوَزْنٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَ صُوفُ فُحُولِهَا مِنْ غَيْرِهَا وَصْفًا مَا يَخْتَلِفُ وَكَذَلِكَ الْوَبَرُ وَالشَّعْرُ وَيَقُولُ فِي الْكُرْسُفِ: كُرْسُفُ بَلَدِ كَذَا وَيَقُولُ جَيِّدًا أَبْيَضَ نَقِيًّا أَوْ أَسْمَرَ، وَإِنْ اخْتَلَفَ قَدِيمُهُ وَجَدِيدُهُ سَمَّاهُ، وَإِنْ كَانَ يَكُونُ نَدِيًّا سَمَّاهُ جَافًّا بِوَزْنٍ. (قَالَ إبْرَاهِيمُ) : وَحَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ فِيهَا حَتَّى يُسَمِّيَ أَخْضَرَ أَوْ أَبْيَضَ أَوْ زبيريا أَوْ سِيلَانِيًّا وَبِأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ عِرْقٌ وَلَا كُلِّي وَيَقُولُ فِي الْحَطَبِ سُمْرٌ أَوْ سَلَمٌ أَوْ حَمْضٌ أَوْ أَرَاكٌ أَوْ عَرْعَرٌ وَيَقُولُ فِي عِيدَانِ الْقِسِيِّ عُودُ شَوْحَطَةٍ جَدْلٌ مُسْتَوِي الْبِنْيَةِ. (قَالَ) : وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ فِي الشَّيْءِ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ وَزْنًا، وَيُسَلِّفُ فِي لَحْمِ الطَّيْرِ بِصِفَةٍ وَوَزْنٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَا سِنَّ لَهُ يَعْنِي يُعْرَفُ فَيُوصَفُ بِصَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ وَمَا احْتَمَلَ أَنْ يُبَاعَ مُبَعَّضًا وُصِفَ مَوْضِعُهُ، وَكَذَلِكَ الْحِيتَانُ وَمَا ضُبِطَتْ صِفَتُهُ مِنْ خَشَبِ سَاجٍ أَوْ عِيدَانِ قِسِيٍّ مِنْ طُولٍ أَوْ عَرْضٍ جَازَ فِيهِ السَّلَمُ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ حِجَارَةُ الْأَرْحَاءِ وَالْبُنْيَانِ وَالْآنِيَةِ. (قَالَ) : وَيَجُوزُ السَّلَفُ فِيمَا لَا يَنْقَطِعُ مِنْ الْعِطْرِ فِي أَيْدِي النَّاسِ بِوَزْنٍ وَصِفَةٍ كَغَيْرِهِ وَالْعَنْبَرُ مِنْهُ الْأَشْهَبُ وَالْأَخْضَرُ وَالْأَبْيَضُ وَلَا يَجُوزُ حَتَّى يُسَمَّى، وَإِنْ سَمَّاهُ قِطْعَةً أَوْ قِطَعًا صِحَاحًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مُفَتَّتًا وَمَتَاعُ الصَّيَادِلَةِ كَمَتَاعِ الْعَطَّارِينَ وَلَا خَيْرَ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ خَالَطَهُ لُحُومُ الْحَيَّاتِ مِنْ الدرياق؛ لِأَنَّ الْحَيَّاتِ مُحَرَّمَاتٌ وَلَا مَا خَالَطَهُ لَبَنُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّينَ. وَلَوْ أَقَالَهُ بَعْضَ السَّلَمِ، وَقَبَضَ بَعْضًا فَجَائِزٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَلِكَ الْمَعْرُوفُ وَأَجَازَهُ عَطَاءٌ. (قَالَ) : وَإِذَا أَقَالَهُ فَبَطَلَ عَنْهُ الطَّعَامُ وَصَارَ عَلَيْهِ ذَهَبًا تَبَايَعَا بَعْدُ بِالذَّهَبِ مَا شَاءَا وَتَقَابَضَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا مِنْ عَرْضٍ وَغَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ فِي السَّلَفِ الشَّرِكَةُ وَلَا التَّوْلِيَةُ؛ لِأَنَّهُمَا بَيْعٌ وَالْإِقَالَةُ فَسْخُ بَيْعٍ وَلَوْ عَجَّلَ لَهُ قَبْلَ مَحَلِّهِ أَدْنَى مِنْ حَقِّهِ أَجَزْتُهُ وَلَا أَجْعَلُ لِلتُّهْمَةِ مَوْضِعًا. [بَابُ مَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي النَّبْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْدَرُ عَلَى ذَرْعِ ثَخَانَتِهَا لِرِقَّتِهَا وَلَا وَصْفِهِ مَا فِيهَا مِنْ رِيشٍ وَعَقِبٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا فِي اللُّؤْلُؤِ، وَلَا فِي الزَّبَرْجَدِ وَلَا الْيَاقُوتِ مِنْ قِبَلِ أَنَّى لَوْ قُلْت لُؤْلُؤَةٌ مُدَحْرَجَةٌ صَافِيَةٌ صَحِيحَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ وَزْنُهَا كَذَا فَقَدْ تَكُونُ الثَّقِيلَةُ الْوَزْنِ وَزْنَ شَيْءٍ وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَأُخْرَى أَخَفُّ مِنْهَا وَهِيَ كَبِيرَةٌ مُتَفَاوِتَتَيْنِ فِي الثَّمَنِ وَلَا أَضْبِطُ أَنْ أَصِفَهَا بِالْعِظَمِ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي جَوْزٍ وَلَا رَانِجٍ وَلَا قِثَّاءٍ وَلَا بِطِّيخٍ وَلَا رُمَّانٍ وَلَا سَفَرْجَلٍ عَدَدًا؛ لِتَبَايُنِهَا إلَّا أَنْ يُضْبَطَ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَيُوصَفُ بِمَا يَجُوزُ. (قَالَ) : وَأَرَى النَّاسَ تَرَكُوا وَزْنَ الرُّءُوسِ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ الصُّوفِ وَأَطْرَافِ الْمَشَافِرِ وَالْمَنَاخِرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ فَلَوْ تَحَامَلَ رَجُلٌ فَأَجَازَ السَّلَفَ فِيهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا مَوْزُونًا. (قَالَ) : وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ فِي جُلُودِ الْغَنَمِ وَلَا جُلُودِ غَيْرِهَا وَلَا إهَابٍ مِنْ رِقٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الذَّرْعُ لِاخْتِلَافِ خِلْقَتِهِ وَلَا السَّلَفُ فِي خُفَّيْنِ وَلَا نَعْلَيْنِ وَلَا السَّلَفُ فِي الْبُقُولِ جَزْمًا حَتَّى يُسَمِّيَ وَزْنًا وَجِنْسًا وَصَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَأَجَلًا مَعْلُومًا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 190 [بَابُ التَّسْعِيرِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ دَاوُد بْنِ صَالِحٍ التَّمَّارِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ مَرَّ بِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ بِسُوقِ الْمُصَلِّي وَبَيْنَ يَدَيْهِ غِرَارَتَانِ فِيهِمَا زَبِيبٌ فَسَأَلَهُ عَنْ سِعْرِهِمَا فَسَّرَ لَهُ مُدَّيْنِ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ عُمَرُ لَقَدْ حَدَثَتْ بَعِيرٌ مُقْبِلَةٌ مِنْ الطَّائِفِ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَهُمْ يَعْتَبِرُونَ سِعْرَك فَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ فِي السِّعْرِ، وَإِمَّا أَنْ تُدْخِلَ زَبِيبَك الْبَيْتَ فَتَبِيعَهُ كَيْفَ شِئْت فَلَمَّا رَجَعَ عُمَرُ حَاسَبَ نَفْسَهُ ثُمَّ أَتَى حَاطِبًا فِي دَارِهِ فَقَالَ لَهُ إنَّ الَّذِي قُلْتُ لَك لَيْسَ بِعَزِيمَةٍ مِنِّي وَلَا قَضَاءٍ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ أَرَدْت بِهِ الْخَيْرَ لِأَهْلِ الْبَلَدِ فَحَيْثُ شِئْتَ فَبِعْ وَكَيْفَ شِئْتَ فَبِعْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهَذَا الْحَدِيثُ مُسْتَقْصًى لَيْسَ بِخِلَافٍ لِمَا رَوَى مَالِكٌ وَلَكِنَّهُ رَوَى بَعْضَ الْحَدِيثِ أَوْ رَوَاهُ مَنْ رَوَى عَنْهُ وَهَذَا أَتَى بِأَوَّلِ الْحَدِيثِ وَآخِرِهِ وَبِهِ أَقُولُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَهَا وَلَا شَيْئًا مِنْهَا بِغَيْرِ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ إلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَلْزَمُهُمْ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهَا. [بَابُ الزِّيَادَةِ فِي السَّلَفِ وَضَبْطِ مَا يُكَالُ وَمَا يُوزَنُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَصْلُ مَا يَلْزَمُ الْمُسَلِّفَ قَبُولُ مَا سَلَّفَ فِيهِ أَنَّهُ يَأْتِيهِ بِهِ مِنْ جِنْسِهِ فَإِنْ كَانَ زَائِدًا صَلُحَ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ مَا سَلَّفَ فِيهِ أُجْبِرَ عَلَى قَبْضِهِ وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ تَطَوُّعًا فَإِنْ اخْتَلَفَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَنْفَعَةٍ أَوْ ثَمَنٍ كَانَ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَقَلَّ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ الصِّفَةُ، وَإِنْ كَانَتْ حِنْطَةً فَعَلَيْهِ أَنْ يُوفِيَهُ إيَّاهَا نَقِيَّةً مِنْ التِّبْنِ وَالْقَصْلِ وَالْمَدْرِ وَالزُّوَانِ وَالشَّعِيرِ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ التَّمْرَ إلَّا جَافًّا وَلَوْ كَانَ لَحْمَ طَائِرٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْوَزْنِ الرَّأْسَ وَالرِّجْلَيْنِ مِنْ دُونِ الْفَخِذَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا لَحْمَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ لَحْمَ حِيتَانٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْوَزْنِ وَالرَّأْسِ وَلَا الذَّنَبِ مِنْ حَيْثُ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ لَحْمٌ، وَإِنْ أَعْطَاهُ مَكَانَ كَيْلٍ وَزْنًا أَوْ مَكَانَ وَزْنٍ كَيْلًا أَوْ مَكَانَ جِنْسٍ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ السَّلَمِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى وَأَصْلُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ بِالْحِجَازِ فَكُلُّ مَا وُزِنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَصْلُهُ الْوَزْنُ وَمَا كِيلَ فَأَصْلُهُ الْكَيْلُ وَمَا أَحْدَثَ النَّاسُ رُدَّ إلَى الْأَصْلِ وَلَوْ جَاءَهُ بِحَقِّهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ فَإِنْ كَانَ نُحَاسًا أَوْ تِبْرًا أَوْ عَرْضًا غَيْرَ مَأْكُولٍ وَلَا مَشْرُوبٍ وَلَا ذِي رُوحٍ أَجْبَرْته عَلَى أَخْذِهِ، وَإِنْ كَانَ مَأْكُولًا أَوْ مَشْرُوبًا فَقَدْ يُرِيدُ أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ جَدِيدًا، وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا فَلَا غِنَى بِهِ عَنْ الْعَلَفِ أَوْ الرَّعْيِ فَلَا نَجْبُرُهُ عَلَى أَخْذِهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِيهِ مُؤْنَةٌ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى وَقْتِهِ فَعَلَى هَذَا، هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ. [بَابُ الرَّهْنِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَذِنَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - بِالرَّهْنِ فِي الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ حَقٌّ فَكَذَلِكَ كُلُّ حَقٍّ لَزِمَ فِي حِينِ الرَّهْنِ وَمَا تَقَدَّمَ الرَّهْنُ، وَقَالَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] (قَالَ) : وَلَا مَعْنَى لِلرَّهْنِ حَتَّى يَكُونَ مَقْبُوضًا مِنْ جَائِزِ الْأَمْرِ حِينَ رَهَنَ وَحِينَ أَقْبَضَ وَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ رَهْنُهُ، وَقَبْضُهُ مِنْ مُشَاعٍ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلرَّاهِنِ تَسْلِيمُ الرَّهْنِ إلَى وَارِثِهِ وَمَنْعُهُ وَلَوْ قَالَ أَرْهَنُك دَارِي عَلَى أَنْ تُدَايِنَنِي فَدَايَنَهُ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا حَتَّى يَعْقِدَ الرَّهْنَ مَعَ الْحَقِّ أَوْ بَعْدَهُ. (قَالَ) : حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعَهُ أَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 191 بَعْدَهُ فَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا رَهْنَ قَالَ: وَيَجُوزُ ارْتِهَانُ الْحَاكِمِ وَوَلِيُّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَهُ وَرَهْنُهُمَا عَلَيْهِ فِي النَّظَرِ لَهُ وَذَلِكَ أَنْ يَبِيعَا وَيَفْضُلَا وَيَرْتَهِنَا فَأَمَّا أَنْ يُسَلِّفَا وَيَرْتَهِنَا فَهُمَا ضَامِنَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَضْلَ لَهُ فِي السَّلَفِ يَعْنِي الْقَرْضَ وَمَنْ قُلْت لَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ إلَّا فِيمَا يَفْضُلُ مِنْ وَلِيٍّ لِيَتِيمٍ أَوْ أَبٍ لِابْنٍ طِفْلٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ وَالدَّيْنَ لَازِمٌ. (قَالَ) : فَالرَّهْنُ نَقْصٌ عَلَيْهِمْ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنُوا إلَّا حَيْثُ يَجُوزُ أَنْ يُودِعُوا أَمْوَالَهُمْ مِنْ الضَّرُورَةِ بِالْخَوْفِ إلَى تَحْوِيلِ أَمْوَالِهِمْ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ لِابْنِهِ الطِّفْلِ عَلَيْهِ حَقٌّ جَازَ أَنْ يَرْتَهِنَ لَهُ شَيْئًا مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْقَبْضِ لَهُ، وَإِذَا قَبَضَ الرَّهْنَ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ إخْرَاجُهُ مِنْ الرَّهْنِ حَتَّى يَبْرَأَ مِمَّا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ. وَلَوْ أَكْرَى الرَّهْنَ مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ أَعَارَهُ إيَّاهُ لَمْ يَنْفَسِخْ الرَّهْنُ وَلَوْ رَهَنَهُ وَدِيعَةً لَهُ فِي يَدِهِ وَأَذِنَ لَهُ بِقَبْضِهِ فَجَاءَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْبِضَهُ فِيهَا فَهُوَ قَبْضٌ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ وَدِيعَةً غَيْرُ قَبْضِهِ رَهْنًا. (قَالَ) : وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْوَدِيعَةِ فِي بَيْتِهِ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا حَتَّى يَصِيرَ إلَى مَنْزِلِهِ وَهِيَ فِيهِ وَلَا يَكُونُ الْقَبْضُ إلَّا مَا حَضَرَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ وَكِيلُهُ لَا حَائِلَ دُونَهُ. وَالْإِقْرَارُ بِقَبْضِ الرَّهْنِ جَائِزٌ إلَّا فِيمَا لَا يُمْكِنُ فِي مِثْلِهِ فَإِنْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُرْتَهِنَ أَنَّهُ قَبَضَ مَا كَانَ أَقَرَّ لَهُ بِقَبْضِهِ أَحَلَفْتَهُ وَالْقَبْضُ فِي الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ وَمَا يَحُولُ أَنْ يَأْخُذَهُ مُرْتَهِنُهُ مِنْ يَدَيْ رَاهِنِهِ، وَقَبَضَ مَا لَا يَحُولُ مِنْ أَرْضٍ وَدَارٍ أَنْ يُسَلَّمَ لَا حَائِلَ دُونَهُ وَكَذَلِكَ الشِّقْصُ وَشِقْصُ السَّيْفِ أَنْ يَحُولَ حَتَّى يَضَعَهُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ أَوْ يَدَيْ الشَّرِيكِ. وَلَوْ كَانَ فِي يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ بِغَصْبٍ لِلرَّاهِنِ فَرَهَنَهُ إيَّاهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ فَقَبَضَهُ كَانَ رَهْنًا وَكَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ بِالْغَصْبِ حَتَّى يَدْفَعَهُ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَوْ يُبْرِئَهُ مِنْ ضَمَانِ الْغَصْبِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا يُشْبِهُ أَصْلَ قَوْلِهِ إذَا جَعَلَ قَبْضَ الْغَصْبِ فِي الرَّهْنِ جَائِزًا كَمَا جَعَلَ قَبْضَهُ فِي الْبَيْعِ جَائِزًا أَنْ لَا يَجْعَلَ الْغَاصِبَ فِي الرَّهْنِ ضَامِنًا إذْ الرَّهْنُ عِنْدَهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ رَهَنَهُ دَارَيْنِ فَقَبَضَ إحْدَاهُمَا وَلَمْ يَقْبِضْ الْأُخْرَى كَانَتْ الْمَقْبُوضَةُ رَهْنًا دُونَ الْأُخْرَى بِجَمِيعِ الْحَقِّ وَلَوْ أَصَابَهَا هَدْمٌ بَعْدَ الْقَبْضِ كَانَتْ رَهْنًا بِحَالِهَا، وَمَا سَقَطَ مِنْ خَشَبِهَا أَوْ طُوبِهَا يَعْنِي الْآجُرَّ. وَلَوْ رَهَنَهُ جَارِيَةً قَدْ وَطِئَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ أَقَرَّ بِهِ فَهِيَ خَارِجَةٌ مِنْ الرَّهْنِ وَلَوْ اغْتَصَبَهَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَوَطِئَهَا فَهِيَ بِحَالِهَا فَإِنْ افْتَضَّهَا فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا يَكُونُ رَهْنًا مَعَهَا أَوْ قِصَاصًا مِنْ الْحَقِّ فَإِنْ أَحْبَلَهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهَا لَمْ تُبَعْ مَا كَانَتْ حَامِلًا فَإِذَا وَلَدَتْ بِيعَتْ دُونَ وَلَدِهَا وَعَلَيْهِ مَا نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ، وَإِنْ مَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا تَكُونُ رَهْنًا أَوْ قِصَاصًا مِنْ الْحَقِّ. (قَالَ) : وَلَا يَكُونُ إحْبَالُهُ لَهَا أَكْبَرَ مِنْ عِتْقِهَا وَلَا مَالَ لَهُ فَأُبْطِلَ الْعِتْقَ وَتُبَاعُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : يَعْنِي إذَا كَانَ مُعْسِرًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ كَانَتْ تُسَاوِي أَلْفًا وَالْحَقُّ مِائَةٌ بِيعَ مِنْهَا بِقَدْرِ الْمِائَةِ وَالْبَاقِي لِسَيِّدِهَا وَلَا تُوطَأُ وَتُعْتَقُ بِمَوْتِهِ فِي قَوْلِ مَنْ يُعْتِقُهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: قَدْ قَطَعَ بِعِتْقِهَا فِي كِتَابِ عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ. (قَالَ) : وَفِي الْأُمِّ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ، وَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ بِيعَتْ أُمُّ الْوَلَدِ بِمَا وَصَفْت ثُمَّ مَلَكَهَا سَيِّدُهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ بِذَلِكَ الْوَلَدِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت: أَنَا أُشَبِّهُ بِقَوْلِ أَنْ لَا تَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنَّ الْعَقْدَ إذَا لَمْ يَجُزْ فِي وَقْتِهِ لَمْ يَجُزْ بَعْدَهُ حَتَّى يُبْتَدَأَ بِمَا يَجُوزُ، وَقَدْ قَالَ لَا يَكُونُ إحْبَالُهُ لَهَا أَكْبَرَ مِنْ عِتْقِهَا. (قَالَ) : وَلَوْ أَعْتَقَهَا أَبْطَلْتُ عِتْقَهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا فَهِيَ فِي مَعْنَى مَنْ أَعْتَقَهَا مَنْ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ فِيهَا فَهِيَ رَقِيقٌ بِحَالِهَا فَكَيْفَ تُعْتَقُ أَوْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِحَادِثٍ مِنْ شِرَاءٍ وَهِيَ فِي مَعْنَى مَنْ أَعْتَقَهَا مَحْجُورٌ ثُمَّ أُطْلِقَ عَنْهُ الْحَجْرُ فَهُوَ لَا يَجْعَلُهَا حُرَّةً عَلَيْهِ أَبَدًا بِهَذَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَحْبَلَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الرَّاهِنُ أَعْتَقْتهَا بِإِذْنِك، وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَهِيَ رَهْنٌ وَهَذَا إذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا فَأَمَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا أَخَذَ مِنْهُ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ، وَالْعِتْقُ وَالْوَلَاءُ لَهُ وَتَكُونُ مَكَانَهَا أَوْ قِصَاصًا. وَلَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 192 أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ بِوَطْئِهَا وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ زَوْجٍ لَهَا وَادَّعَاهُ الرَّاهِنُ فَهُوَ ابْنُهُ وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَلَا يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ وَفِي الْأَصْلِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : أَصْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إنْ أَعْتَقَهَا أَوْ أَحْبَلَهَا، وَهِيَ رَهْنٌ فَسَوَاءٌ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أُخِذَتْ مِنْهُ الْقِيمَةُ وَكَانَتْ رَهْنًا مَكَانَهَا أَوْ قِصَاصًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ إبْطَالُ الرَّهْنِ بِالْعِتْقِ وَلَا بِالْإِحْبَالِ وَبِيعَتْ فِي الرَّهْنِ فَلَمَّا جَعَلَهَا الشَّافِعِيُّ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ أَحْبَلَهَا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَلَمْ تُبَعْ كَأَنَّهُ أَحْبَلَهَا وَلَيْسَتْ بِرَهْنٍ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مُوسِرًا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ قِيمَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَحْبَلَهَا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا تُبَاعُ كَأَنَّهُ أَحْبَلَهَا وَلَيْسَتْ بِرَهْنٍ فَتَفَهَّمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ وَطِئَهَا الْمُرْتَهِنُ حُدَّ وَوَلَدُهُ مِنْهَا رَقِيقٌ لَا يَلْحَقُهُ وَلَا مَهْرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا أَقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَاهُ الْجَهَالَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْلَمَ حَدِيثًا أَوْ بِبَادِيَةٍ نَائِيَةٍ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَلَوْ كَانَ رَبُّهَا أَذِنَ لَهُ فِي وَطْئِهَا وَكَانَ يَجْهَلُ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَكَانَ حُرًّا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ سَقَطَ وَفِي الْمَهْرِ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَلَيْهِ الْغُرْمَ. وَالْآخَرُ: لَا غُرْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَبَاحَهَا لَهُ وَمَتَى مَلَكَهَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا قَدْ مَضَى فِي مِثْلِ هَذَا جَوَابِي لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ أَبَدًا. (قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ) : وَهِمَ الْمُزَنِيّ فِي هَذَا فِي كِتَابِ الرَّبِيعِ وَمَتَى مَلَكَهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ إلَى أَجَلٍ فَأَذِنَ لِلرَّاهِنِ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ فَبَاعَهُ فَجَائِزٌ وَلَا يَأْخُذُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا وَلَا مَكَانَهُ رَهْنًا؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَجِبْ لَهُ الْبَيْعُ، وَإِنْ رَجَعَ فِي الْإِذْنِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَلَوْ قَالَ أَذِنْت لَهُ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي ثَمَنَهُ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ الشَّرْطَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ. وَلَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ إلَّا عَلَى أَنْ يُعَجِّلَهُ حَقَّهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ، وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ بِهِ، وَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا أُشَبِّهُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنْ لَا يَفْسَخَ الشَّرْطُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْطٌ. أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ أَمَرْت رَجُلًا أَنْ يَبِيعَ ثَوْبِي عَلَى أَنَّ لَهُ عُشْرَ ثَمَنِهِ فَبَاعَهُ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ لَا يَفْسَخُهُ فَسَادُ الشَّرْطِ فِي الثَّمَنِ وَكَذَا إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَفْسَخُهُ فَسَادُ الشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا وَيَنْبَغِي إذَا نَفَذَ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَكَانَ الرَّهْنِ أَوْ يَتَقَاصَّانِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ بِحَقٍّ حَالٍّ فَأَذِنَ لَهُ فَبَاعَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ بَيْعُهُ وَأَخَذَ حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهِ. وَلَوْ رَهَنَهُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ فَإِنْ كَانَ فِيهَا غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ لِلرَّاهِنِ فَهُوَ رَهْنٌ، وَإِنْ أَدَّى عَنْهَا الْخَرَاجَ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لَا يَرْجِعُ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَفَعَهُ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ بِهِ كَرَجُلٍ اكْتَرَى أَرْضًا مِنْ رَجُلٍ اكْتَرَاهَا فَدَفَعَ الْمُكْتَرِي الثَّانِي كِرَاءَهَا عَنْ الْأَوَّلِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ. وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَرَهَنَهُ قَبْلَهَا فَجَائِزٌ وَهُوَ قَطْعٌ لِخِيَارِهِ، وَإِيجَابٌ لِلْبَيْعِ فِي الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَرَهَنَهُ قَبْلَ الثَّلَاثِ فَتَمَّ لَهُ مِلْكُهُ بَعْدَ الثَّلَاثِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ وَمِلْكُهُ عَلَى الْعَبْدِ غَيْرُ تَامٍّ وَيَجُوزُ رَهْنُ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ وَالْقَاتِلِ فَإِنْ قُتِلَ بَطَلَ الرَّهْنُ. وَلَوْ أَسْلَفَهُ أَلْفًا بِرَهْنٍ ثُمَّ سَأَلَهُ الرَّاهِنُ أَنْ يَزِيدَهُ أَلْفًا وَيَجْعَلَ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ رَهْنًا بِهَا وَبِالْأَلْفِ الْأُولَى فَفَعَلَ لَمْ يَجُزْ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ رَهْنًا كُلَّهُ بِالْأَلْفِ الْأُولَى كَمَا لَوْ تَكَارَى دَارًا سَنَةً بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اكْتَرَاهَا تِلْكَ السَّنَةَ بِعَيْنِهَا بِعِشْرِينَ لَمْ يَكُنْ الْكِرَاءُ الثَّانِي إلَّا بَعْدَ فَسْخِ الْأَوَّلِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا: وَأَجَازَهُ فِي الْقَدِيمِ وَهُوَ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَ فِي الْحَقِّ الْوَاحِدِ بِالرَّهْنِ الْوَاحِدِ أَنْ يَزِيدَهُ فِي الْحَقِّ رَهْنًا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَهُ فِي الرَّهْنِ حَقًّا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَشْهَدَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّ هَذَا الرَّهْنَ فِي يَدِهِ بِأَلْفَيْنِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ فِي الْحُكْمِ فَإِنْ تَصَادَقَا فَهُوَ مَا قَالَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا قَدْ صَارَتْ فِي عُنُقِهِ جِنَايَةٌ عَلَى آدَمِيٍّ أَوْ فِي مَالٍ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ، وَلَوْ أَبْطَلَ رَبُّ الْجِنَايَةِ حَقَّهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَوْلَى بِهِ بِحَقٍّ لَهُ فِي عُنُقِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُسَاوِي دِينَارًا وَالْعَبْدُ يُسَاوِي أَلْفًا وَهَذَا أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنُهُ بِحَقٍّ ثُمَّ رَهَنَهُ بَعْدَ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 193 الثَّانِي، وَلَوْ ارْتَهَنَهُ فَقَبَضَهُ ثُمَّ أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّهُ جَنَى قَبْلَ الرَّهْنِ جِنَايَةً ادَّعَى بِهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ فِي عُنُقِ عَبْدِهِ وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَقِيلَ يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ مَا عَلِمَ فَإِذَا حَلَفَ كَانَ الْقَوْلُ فِي إقْرَارِ الرَّاهِنِ بِأَنَّ عَبْدَهُ جَنَى قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ وَاحِدًا مِنْ قَوْلَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَبْدَ رَهْنٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ بِحَقَّيْنِ لِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ قِبَلِ الْجِنَايَةِ وَالْآخَرُ مِنْ قِبَلِ الرَّهْنِ، وَإِذَا فُكَّ مِنْ الرَّهْنِ، وَهُوَ لَهُ فَالْجِنَايَةُ فِي رَقَبَتِهِ بِإِقْرَارِ سَيِّدِهِ إنْ كَانَتْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ لَا قِصَاصَ، وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا فِيهَا قِصَاصٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الْعَبْدِ إذَا لَمْ يُقِرَّ بِهَا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا أُخِذَ مِنْ السَّيِّدِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَوْ أَرْشُ الْجِنَايَةِ فَيُدْفَعُ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِأَنَّ فِي عُنُقِ عَبْدِهِ حَقًّا أَتْلَفَهُ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِرَهْنِهِ إيَّاهُ وَكَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ، وَقَدْ جَنَى وَهُوَ مُوسِرٌ أَوْ أَتْلَفَهُ أَوْ قَتَلَهُ فَيَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ، وَإِنَّمَا أُتْلِفَ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَمَتَى خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ فَالْجِنَايَةُ فِي عُنُقِهِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ بِبَيْعٍ فَفِي ذِمَّةِ سَيِّدِهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشُ جِنَايَتِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا: وَهَذَا أَصَحُّهَا وَأَشْبَهُهَا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ وَالْعُلَمَاءُ مُجْمِعَةٌ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِمَا يَضُرُّهُ لَزِمَهُ، وَمَنْ أَقَرَّ بِمَا يُبْطِلُ بِهِ حَقَّ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ عَلَى غَيْرِهِ، وَمَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا لِغَيْرِهِ فِيهِ حَقٌّ فَهُوَ ضَامِنٌ بِعُدْوَانِهِ، وَقَدْ قَالَ: إنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمُرْتَهِنُ عَلَى عِلْمِهِ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْلَى بِهِ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الْمَعْنَى لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ لَمْ يَضُرَّ الْمُرْتَهِنَ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهُ فَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا بِيعَ فِي الرَّهْنِ. (قَالَ) : وَمَتَى رَجَعَ إلَيْهِ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّهُ حُرٌّ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ جَنَى بَعْدَ الرَّهْنِ ثُمَّ بَرِئَ مِنْ الْجِنَايَةِ بِعَفْوٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى حَالِهِ رَهْنٌ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الرَّهْنِ كَانَ صَحِيحًا وَلَوْ دَبَّرَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ كَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ عِتْقًا قَدْ يَقَعُ قَبْلَ حُلُولِ الرَّهْنِ فَلَا يَسْقُطُ الْعِتْقُ، وَالرَّهْنُ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي التَّدْبِيرِ إلَّا بِأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ. وَلَوْ قَالَ لَهُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ رَهَنَهُ كَانَ هَكَذَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: وَقَدْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : إنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ فَلَوْ أَوْصَى بِهِ ثُمَّ رَهَنَهُ أَمَا كَانَ جَائِزًا؟ فَكَذَلِكَ التَّدْبِيرُ فِي أَصْلِ قَوْلِهِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْكِتَابِ الْجَدِيدِ آخِرُ مَا سَمِعْنَاهُ مِنْهُ: وَلَوْ قَالَ فِي الْمُدَبَّرِ إنْ أَدَّى بَعْدَ مَوْتِي كَذَا فَهُوَ حُرٌّ أَوْ وَهَبَهُ هِبَةَ بَتَاتٍ قَبَضَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ وَرَجَعَ فَهَذَا رُجُوعٌ فِي التَّدْبِيرِ هَذَا نَصُّ قَوْلِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: فَقَدْ أَبْطَلَ تَدْبِيرَهُ بِغَيْرِ إخْرَاجٍ لَهُ مِنْ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ، وَإِذَا رَهَنَهُ فَقَدْ أَوْجَبَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقًّا فِيهِ فَهُوَ أَوْلَى بِرَقَبَتِهِ مِنْهُ وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ بَيْعُهُ لِلْحَقِّ الَّذِي عَقَدَهُ فِيهِ فَكَيْفَ يَبْطُلُ التَّدْبِيرُ بِقَوْلِهِ إنْ أَدَّى كَذَا فَهُوَ حُرٌّ أَوْ وَهَبَهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ حَتَّى رَجَعَ فِي هِبَتِهِ وَمِلْكُهُ فِيهِ بِحَالِهِ وَلَا حَقَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ وَلَا يَبْطُلُ تَدْبِيرُهُ بِأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ يَدِهِ إلَى يَدِ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِرَقَبَتِهِ مِنْهُ وَبَيْعُهُ، وَقَبْضُ ثَمَنِهِ فِي دَيْنِهِ وَمُنِعَ سَيِّدُهُ مِنْ بَيْعِهِ فَهَذَا أَقْيَسُ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ شَرَحْت لَك فِي كِتَابِ الْمُدَبَّرِ فَتَفَهَّمْهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ رَهَنَهُ عَصِيرًا حُلْوًا كَانَ جَائِزًا فَإِنْ حَالَ إلَى أَنْ يَصِيرَ خَلًّا أَوْ مُرًّا أَوْ شَيْئًا لَا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ فَإِنْ حَالَ الْعَصِيرُ إلَى أَنْ يُسْكِرَ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حَرَامًا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ كَمَا لَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا فَمَاتَ الْعَبْدُ فَإِنْ صَارَ الْعَصِيرُ خَمْرًا ثُمَّ صَارَ خَلًّا مِنْ غَيْرِ صَنْعَةِ آدَمِيٍّ فَهُوَ رَهْنٌ فَإِنْ صَارَ خَلًّا بِصَنْعَةِ آدَمِيٍّ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ حَلَالًا وَلَوْ قَالَ رَهَنْتُكَهُ عَصِيرًا ثُمَّ صَارَ فِي يَدَيْك خَمْرًا، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ رَهَنْتَنِيهِ خَمْرًا فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ كَمَا يَحْدُثُ الْعَيْبُ فِي الْبَيْعِ، وَمَنْ قَالَ هَذَا أَرَاقَ الْخَمْرَ وَلَا رَهْنَ لَهُ، وَالْبَيْعُ لَازِمٌ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا يَحِلُّ لَهُ ارْتِهَانُهُ بِحَالٍ وَلَيْسَ كَالْعَيْبِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي يَحِلُّ مِلْكُهُ وَالْعَيْبُ بِهِ وَالْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا هَذَا عِنْدِي أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مُدَّعٍ. (قَالَ) : وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْهَنَ الْجَارِيَةَ وَلَهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 194 وَلَدٌ صَغِيرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَفْرِقَةٍ لَوْ ارْتَهَنَ نَخْلًا مُثْمِرًا فَالثَّمَرُ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ طَلْعًا كَانَ أَوْ بُسْرًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ مَعَ النَّخْلِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ تُرَى وَمَا هَلَكَ فِي يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ مِنْ رَهْنٍ صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِذَا رَهَنَهُ مَا يَفْسُدُ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ غَدِهِ أَوْ مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ يَابِسًا مِثْلُ الْبَقْلِ وَالْبِطِّيخِ فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ حَالًّا فَجَائِزٌ وَيُبَاعُ، وَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ يَفْسُدُ إلَيْهِ كَرِهْتُهُ وَمَنَعَنِي مِنْ فَسْخِهِ أَنَّ لِلرَّاهِنِ بَيْعَهُ قَبْلَ مَحِلِّ الْحَقِّ عَلَى أَنْ يُعْطَى صَاحِبَ الْحَقِّ حَقُّهُ بِلَا شَرْطٍ فَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُبَاعَ إلَى أَنْ يَحِلَّ الْحَقُّ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ. وَلَوْ رَهَنَهُ أَرْضًا بِلَا نَخْلٍ فَأَخْرَجَتْ نَخْلًا فَالنَّخْلُ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَلْعُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْهَا حَتَّى يَحِلَّ الْحَقُّ فَإِنْ بَلَغَتْ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ لَمْ تُقْلَعْ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ قُلِعَتْ، وَإِنْ فَلِسَ بِدُيُونِ النَّاسِ بِيعَتْ الْأَرْضُ بِالنَّخْلِ ثُمَّ قُسِمَ الثَّمَنُ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ بِلَا نَخْلٍ وَعَلَى مَا بَلَغَتْ بِالنَّخْلِ فَأُعْطِيَ الْمُرْتَهِنُ ثَمَنَ الْأَرْضِ وَالْغُرَمَاءُ ثَمَنَ النَّخْلِ. (قَالَ) : وَلَوْ رَهَنَهُ أَرْضًا وَنَخْلًا ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الرَّاهِنُ أَحْدَثْت فِيهَا نَخْلًا وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ وَلَمْ تَكُنْ دَلَالَةٌ وَأَمْكَنَ مَا قَالَ الرَّاهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ثُمَّ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَلَوْ شَرَطَ لِلْمُرْتَهِنِ إذَا حَلَّ الْحَقُّ أَنْ يَبِيعَهُ لِمَنْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَ لِنَفْسِهِ إلَّا بِأَنْ يَحْضُرَهُ رَبُّ الرَّهْنِ فَإِنْ امْتَنَعَ أَمَرَ الْحَاكِمُ بِبَيْعِهِ وَلَوْ كَانَ الشَّرْطُ لِلْعَدْلِ جَازَ بَيْعُهُ مَا لَمْ يَفْسَخَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَكَالَتَهُ وَلَوْ بَاعَ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَلَمْ يُفَارِقْهُ حَتَّى جَاءَ مَنْ يَزِيدُهُ قَبِلَ الزِّيَادَةَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَبَيْعُهُ مَرْدُودٌ. وَإِذَا بِيعَ الرَّهْنُ فَثَمَنُهُ مِنْ الرَّاهِنِ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ، وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ فَأَمَرَ الْحَاكِمُ عَدْلًا فَبَاعَ الرَّهْنَ وَضَاعَ الثَّمَنُ مِنْ يَدَيْ الْعَدْلِ فَاسْتُحِقَّ الرَّهْنُ لَمْ يَضْمَنْ الْحَاكِمُ وَلَا الْعَدْلُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَأَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ مَتَاعَهُ وَالْحَقُّ وَالثَّمَنُ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ كَهِيَ لَوْ بَاعَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَيْسَ الَّذِي يَبِيعُ لَهُ الرَّهْنَ مِنْ الْعُهْدَةِ بِسَبِيلٍ وَلَوْ بَاعَ الْعَدْلُ فَقَبَضَ الثَّمَنَ فَقَالَ ضَاعَ فَهُوَ مُصَدَّقٌ، وَإِنْ قَالَ: دَفَعْته إلَى الْمُرْتَهِنِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَعَلَى الدَّافِعِ الْبَيِّنَةُ وَلَوْ بَاعَ بِدَيْنٍ كَانَ ضَامِنًا. وَلَوْ قَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا: بِعْ بِدَنَانِيرَ وَالْآخَرُ بِعْ بِدَرَاهِمَ لَمْ يَبِعْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي ثَمَنِ الرَّهْنِ وَحَقِّ الرَّاهِنِ فِي رَقَبَتِهِ وَثَمَنِهِ وَجَاءَ الْحَاكِمُ حَتَّى يَأْمُرَهُ بِالْبَيْعِ بِنَقْدِ الْبَلَدِ ثُمَّ يَصْرِفَهُ فِيمَا الرَّهْنُ فِيهِ، وَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُ الْعَدْلِ فَأَيُّهُمَا دَعَا إلَى إخْرَاجِهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَرَادَ الْعَدْلُ رَدَّهُ وَهُمَا حَاضِرَانِ فَذَلِكَ لَهُ وَلَوْ دَفَعَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ مَحْضَرِهِمَا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَا بِعِيدَيْ الْغَيْبَةِ لَمْ أَرَ أَنْ يَضْطَرَّهُ عَلَى حَبْسِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ وَكَالَةٌ لَيْسَتْ لَهُ فِيهَا مَنْفَعَةٌ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ إلَى عَدْلٍ. وَلَوْ جَنَى الْمَرْهُونُ عَلَى سَيِّدِهِ فَلَهُ الْقِصَاصُ فَإِنْ عَفَا فَلَا دَيْنَ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ وَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ فَإِنْ جَنَى عَبْدُهُ الْمَرْهُونُ عَلَى عَبْدٍ لَهُ آخَرَ مَرْهُونٍ فَلَهُ الْقِصَاصُ فَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ فَالْمَالُ مَرْهُونٌ فِي يَدَيْ مُرْتَهِنِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِحَقِّهِ الَّذِي بِهِ أَجَزْت لِسَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ الْجِنَايَةَ مِنْ عُنُقِ عَبْدِهِ الْجَانِي وَلَا يَمْنَعُ الْمُرْتَهِنُ السَّيِّدَ مِنْ الْعَفْوِ بِلَا مَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْعَبْدِ مَالٌ حَتَّى يَخْتَارَهُ الْوَلِيُّ وَمَا فَضَلَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَهُوَ رَهْنٌ، وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ بِمَا فِيهِ قِصَاصٌ جَائِزٌ كَالْبَيِّنَةِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ قِصَاصٌ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ، وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ فِي الرَّهْنِ قِيلَ لِسَيِّدِهِ إنْ فَدَيْته بِجَمِيعِ الْجِنَايَةِ فَأَنْتَ مُتَطَوِّعٌ، وَهُوَ رَهْنٌ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ بِيعَ فِي جِنَايَتِهِ فَإِنْ تَطَوَّعَ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يَرْجِعْ بِهَا عَلَى السَّيِّدِ، وَإِنْ فَدَاهُ بِأَمْرِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَهْنًا بِهِ مَعَ الْحَقِّ الْأَوَّلِ فَجَائِزٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَزْدَادَ حَقًّا فِي الرَّهْنِ الْوَاحِدِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ أَمَرَ الْعَبْدَ بِالْجِنَايَةِ فَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ بَالِغًا فَهُوَ آثِمٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ أَعْجَمِيًّا فَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ كُلِّفَ السَّيِّدُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ يَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ بِرَهْنِهِ فَجَنَى فَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ فَأَشْبَهَ الْأَمْرَيْنِ أَنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ وَلَيْسَ كَالْمُسْتَعِيرِ الَّذِي مَنْفَعَتُهُ مَشْغُولَةٌ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ عَنْ مُعِيرِهِ وَلِلسَّيِّدِ فِي الرَّهْنِ أَنْ يَسْتَخْدِمَ عَبْدَهُ وَالْخَصْمُ فِيمَا جَنَى عَلَى الْعَبْدِ سَيِّدُهُ فَإِنْ أَحَبَّ الْمُرْتَهِنُ حَضَرَ خُصُومَتَهُ فَإِذَا قَضَى لَهُ بِشَيْءٍ أَخَذَهُ رَهْنًا وَلَوْ عَفَا الْمُرْتَهِنُ كَانَ عَفْوُهُ بَاطِلًا. وَلَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 195 رَهَنَهُ عَبْدًا بِدَنَانِيرَ وَعَبْدًا بِحِنْطَةٍ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ كَانَتْ الْجِنَايَةُ هَدَرًا. وَأَكْرَهُ أَنْ يَرْهَنَ مِنْ مُشْرِكٍ مُصْحَفًا أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا وَأُجْبِرُهُ عَلَى أَنْ يَضَعَهُمَا عَلَى يَدَيْ مُسْلِمٍ وَلَا بَأْسَ بِرَهْنِهِ مَا سِوَاهُمَا «رَهَنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِرْعَهُ عِنْدَ أَبِي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فِي غَيْرِ كِتَابِ الرَّهْنِ الْكَبِيرِ: إنَّ الرَّهْنَ فِي الْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ النَّصْرَانِيِّ بَاطِلٌ. [بَابُ اخْتِلَافِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَعْقُولٌ إذَا أَذِنَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَزَّ - بِالرَّهْنِ أَنَّهُ زِيَادَةُ وَثِيقَةٍ لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِالْحَقِّ بِعَيْنِهِ وَلَا جُزْءًا مِنْ عَدَدِهِ وَلَوْ بَاعَ رَجُلًا شَيْئًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ مِنْ مَالِهِ مَا يَعْرِفَانِهِ يَضَعَانِهِ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ أَوْ عَلَى يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا وَلَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ تَامًّا حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ، وَلَوْ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ أَنْ يُقْبِضَهُ الرَّهْنَ لَمْ يُجْبِرْهُ وَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ فِي إتْمَامِ الْبَيْعِ بِلَا رَهْنٍ أَوْ رَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِذِمَّتِهِ دُونَ الرَّهْنِ وَهَكَذَا لَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ حَمِيلًا بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَتَحَمَّلْ لَهُ فَلَهُ رَدُّ الْبَيْعِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ نَقْصٌ يَكُونُ لَهُ بِهِ الْخِيَارُ، وَلَوْ كَانَا جَهِلَا الرَّهْنَ أَوْ الْحَمِيلَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: هَذَا عِنْدِي غَلَطٌ الرَّهْنُ فَاسِدٌ لِلْجَهْلِ بِهِ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ لِعِلْمِهِمَا بِهِ وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَتَمَّ الْبَيْعَ بِلَا رَهْنٍ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ لِبُطْلَانِ الْوَثِيقَةِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ قَالَ: أَرْهَنُك أَحَدَ عَبْدَيَّ كَانَ فَاسِدًا لَا يَجُوزُ إلَّا مَعْلُومًا يَعْرِفَانِهِ جَمِيعًا بِعَيْنِهِ، وَلَوْ أَصَابَ الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالرَّهْنِ عَيْبًا فَقَالَ: كَانَ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَأَنَا أَفْسَخُ الْبَيْعَ. وَقَالَ الرَّاهِنُ: بَلْ حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا كَانَ مِثْلُهُ يَحْدُثُ، وَلَوْ قُتِلَ الرَّهْنُ بِرِدَّةٍ أَوْ قُطِعَ بِسَرِقَةٍ قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: فِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّ الْبَيْعَ وَإِنْ جَهِلَا الرَّهْنَ أَوْ الْحَمِيلَ غَيْرُ فَاسِدٍ، وَإِنَّمَا لَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ إثْبَاتِهِ لِجَهْلِهِ بِالرَّهْنِ أَوْ الْحَمِيلِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ كَانَ حَدَثَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ، وَلَوْ مَاتَ فِي يَدَيْهِ، وَقَدْ دَلَّسَ لَهُ فِيهِ بِعَيْبٍ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ فَسْخَ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ؛ لِمَا فَاتَ مِنْ الرَّهْنِ. وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطَا رَهْنًا فِي الْبَيْعِ فَتَطَوَّعَ الْمُشْتَرِي فَرَهَنَهُ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى إخْرَاجِهِ مِنْ الرَّهْنِ وَبَقِيَ مِنْ الْحَقِّ شَيْءٌ. وَلَوْ اشْتَرَطَا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ نَفْسُهُ رَهْنًا فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ الْمَبِيعُ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ مَحْبُوسًا عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَوْ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ: أَرْهَنُك عَلَى أَنْ تَزِيدَنِي فِي الْأَجَلِ فَفَعَلَا فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَالْحَقُّ الْأَوَّلُ بِحَالِهِ وَيَرُدُّ مَا زَادَهُ. وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّ الْمَوْضُوعَ عَلَى يَدَيْهِ قَبَضَ الرَّهْنَ جَعَلْته رَهْنًا، وَلَمْ أَقْبَلْ قَوْلَ الْعَدْلِ لَمْ أَقْبِضْهُ وَأَيُّهُمَا مَاتَ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ فِي اخْتِلَافِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ فِي الْحَقِّ، وَالْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ فِيمَا يُشْبِهُ وَلَا يُشْبِهُ وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلَيْنِ رَهَنْتُمَانِي عَبْدَكُمَا هَذَا بِمِائَةٍ، وَقَبَضْته مِنْكُمَا فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ كَانَ نِصْفُهُ رَهْنًا بِخَمْسِينَ وَنِصْفُهُ خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ فَإِنْ شَهِدَ شَرِيكُ صَاحِبِ نِصْفِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ بِدَعْوَى الْمُرْتَهِنِ، وَكَانَ عَدْلًا حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ مَعَهُ وَكَانَ نَصِيبُهُ مِنْهُ رَهْنًا بِخَمْسِينَ وَلَا مَعْنَى فِي شَهَادَتِهِ نَرُدُّهَا بِهِ. وَإِذَا كَانَتْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفَانِ إحْدَاهُمَا بِرَهْنٍ وَالْأُخْرَى بِغَيْرِ رَهْنٍ فَقَضَاهُ أَلْفًا ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْقَاضِي: هِيَ الَّتِي فِي الرَّهْنِ. وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: هِيَ الَّتِي بِلَا رَهْنٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي مَعَ يَمِينِهِ. وَلَوْ قَالَ رَهَنْته هَذِهِ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدَيْهِ بِأَلْفٍ وَلَمْ أَدْفَعْهَا إلَيْهِ فَغَصَبَنِيهَا أَوْ تَكَارَاهَا مِنَى رَجُلٌ وَأَنْزَلَهُ فِيهَا أَوْ تَكَارَاهَا هُوَ مِنِّي فَنَزَلَهَا وَلَمْ أُسَلِّمْهَا رَهْنًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 196 [بَابُ انْتِفَاعِ الرَّاهِنِ بِمَا يَرْهَنُهُ] ُ قَالَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي الْمُزَنِيّ قَالَ: (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ» . (قَالَ) : وَمَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ رَهَنَ ذَاتَ دَرٍّ وَظَهْرٍ لَمْ يُمْنَعْ الرَّاهِنُ مِنْ ظَهْرِهَا وَدَرِّهَا، وَأَصْلُ الْمَعْرِفَةِ بِهَذَا الْبَابِ أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ حَقًّا فِي رَقَبَةِ الرَّهْنِ دُونَ غَيْرِهِ، وَمَا يَحْدُثُ مِمَّا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ غَيْرُهُ وَكَذَلِكَ سُكْنَى الدُّورِ وَزُرُوعِ الْأَرَضِينَ وَغَيْرِهَا فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَخْدِمَ فِي الرَّهْنِ عَبْدَهُ وَيَرْكَبَ دَوَابَّهُ وَيُؤَاجِرَهَا وَيَحْلُبَ دَرَّهَا وَيَجُزَّ صُوفَهَا وَتَأْوِي بِاللَّيْلِ إلَى مُرْتَهِنِهَا أَوْ إلَى يَدَيْ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى يَدَيْهِ وَكُلُّ وَلَدِ أَمَةٍ وَنِتَاجِ مَاشِيَةٍ وَثَمَرِ شَجَرَةٍ وَنَخْلَةٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ يُسَلَّمُ لِلرَّاهِنِ وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ رُهُونِهِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ رَقِيقِهِ فَعَلَيْهِ كَفَنُهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمَةِ تُعْتَقُ أَوْ تُبَاعُ فَيَتْبَعُهَا وَلَدُهَا وَبَيْنَ الرَّهْنِ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ أَوْ بَاعَ زَالَ مِلْكُهُ وَحَدَثَ الْوَلَدُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، وَإِذَا رَهَنَ فَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ وَحَدَثَ الْوَلَدُ فِي مِلْكِهِ إلَّا أَنَّهُ مُحَوَّلٌ دُونَهُ لِحَقٍّ حُبِسَ بِهِ لِغَيْرِهِ كَمَا يُؤَاجِرُهَا فَتَكُونُ مُحْتَبِسَةً بِحَقِّ غَيْرِهِ. وَإِنْ وَلَدَتْ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُهَا فِي ذَلِكَ مَعَهَا وَالرَّهْنُ كَالضَّمِينِ لَا يَلْزَمُ إلَّا مَنْ أَخَلَّ نَفْسَهُ فِيهِ وَوَلَدُ الْأَمَةِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الرَّهْنِ قَطُّ، وَأَكْرَهُ رَهْنَ الْأَمَةِ إلَّا أَنْ تُوضَعَ عَلَى يَدَيْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَخْذُهَا لِلْخِدْمَةِ خَوْفًا أَنْ يُحْبِلَهَا، وَمَا كَانَتْ مِنْ زِيَادَةٍ لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهَا مِثْلُ الْجَارِيَةِ تَكْبَرُ وَالثَّمَرَةُ تَعْظُمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ مِنْهَا وَهِيَ رَهْنٌ كُلُّهَا. وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ مَاشِيَةً فَأَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يُنْزِيَ عَلَيْهَا أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا أَنْ يَخْتِنَهُ أَوْ احْتَاجَ إلَى شُرْبِ دَوَاءٍ أَوْ فَتْحِ عِرْقٍ أَوْ الدَّابَّةِ إلَى تَوْدِيجٍ أَوْ تبزيع فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِمَّا فِيهِ لِلرَّهْنِ مَنْفَعَةٌ، وَيَمْنَعُهُ مِمَّا فِيهِ مَضَرَّةٌ. [بَابُ رَهْنِ الْمُشْتَرَكِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا رَهَنَاهُ مَعًا عَبْدًا بِمِائَةٍ، وَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ فَجَائِزٌ، وَإِنْ أَبْرَأَ أَحَدَهُمَا مِمَّا عَلَيْهِ فَنِصْفُهُ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ. وَلَوْ رَهَنَهُ مِنْ رَجُلَيْنِ بِمِائَةٍ، وَقَبَضَاهُ فَنِصْفُهُ مَرْهُونٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِينَ فَإِنْ أَبْرَأَهُ أَحَدَهُمَا أَوْ قَبَضَ مِنْهُ نِصْفَ الْمِائَةِ فَنِصْفُهُ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ. وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ كَانَ لِلَّذِي افْتَكَّ نِصْفَهُ أَنْ يُقَاسِمَ الْمُرْتَهِنَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ فِي أَنْ يَرْهَنَ عَبْدَهُ إلَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ أَوْ أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَإِنْ رَهَنَهُ بِأَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ مِنْ الرَّهْنِ شَيْءٌ وَلَوْ رَهَنَهُ بِمَا أَذِنَ لَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَخْذَهُ بِافْتِكَاكِهِ وَكَانَ الْحَقُّ حَالًّا كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَتَبِعَ فِي مَالِهِ حَتَّى يُوفِيَ الْغَرِيمَ حَقَّهُ وَلَوْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ الْغَرِيمُ أَسْلَمَ عَبْدَهُ الْمَرْهُونَ، وَإِنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِافْتِكَاكِهِ إلَّا إلَى مَحِلِّهِ. وَلَوْ رَهَنَ عَبْدَهُ رَجُلَيْنِ وَأَقَرَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَبْضِهِ كُلِّهِ بِالرَّهْنِ، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ رَهْنَهُ وَقَبْضَهُ كَانَ قَبْلَ صَاحِبِهِ، وَلَيْسَ الرَّهْنُ فِي يَدَيْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَصَدَّقَ الرَّاهِنُ أَحَدَهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ. وَلَوْ أَنْكَرَ أَيُّهُمَا الْأَوَّلَ أُحْلِفَ وَكَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا، وَإِنْ كَانَ فِي يَدَيْ أَحَدِهِمَا وَصَدَّقَ الَّذِي لَيْسَ فِي يَدَيْهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: يُصَدَّقُ وَالْآخَرُ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ الْعَبْدُ يَمْلِكُ بِالرَّهْنِ مِثْلَ مَا يَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ غَيْرَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: أَصَحُّهُمَا أَنْ يُصَدَّقَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ اجْتَمَعَ فِيهِ إقْرَارُ الْمُرْتَهِنِ وَرَبُّ الرَّهْنِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : ثُمَّ رَأَيْت أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مُقِرٌّ لَهُ أَنَّهُ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ فِي جُمْلَةِ قَوْلِهِ وَلَهُ فَضْلُ يَدَيْهِ عَلَى صَاحِبِهِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الرَّاهِنِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 197 الَّذِي فِي يَدَيْهِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ قَبَضَهُ فَيَعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ قَبْضَ صَاحِبِهِ قَبْلَهُ. [بَابُ رَهْنِ الْأَرْضِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : إذَا رَهَنَ أَرْضًا وَلَمْ يَقُلْ بِبِنَائِهَا وَشَجَرِهَا فَالْأَرْضُ رَهْنٌ دُونَ بِنَائِهَا وَشَجَرِهَا وَلَوْ رَهَنَ شَجَرًا وَبَيْنَ الشَّجَرِ بَيَاضٌ فَالشَّجَرُ رَهْنٌ دُونَ الْبَيَاضِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ إلَّا مَا سَمَّى. وَإِذَا رَهَنَ ثَمَرًا قَدْ خَرَجَ مِنْ نَخْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ بَيْعُهُ وَمَعَهُ النَّخْلُ فَهُمَا رَهْنٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَوْ حَلَّ جَازَ أَنْ يُبَاعَ وَكَذَلِكَ إذَا بَلَغَتْ هَذِهِ الثَّمَرَةُ قَبْلَ مَحِلِّ الْحَقِّ وَبِيعَتْ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهَا مَرْهُونًا مَعَ النَّخْلِ أَوْ قِصَاصًا إلَّا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الثَّمَرَةُ تَيْبَسُ فَلَا يَكُونُ لَهُ بَيْعُهَا إلَّا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ. وَلَوْ رَهَنَهُ الثَّمَرَ دُونَ النَّخْلِ طَلْعًا أَوْ مُؤَبَّرَةً أَوْ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ إلَّا أَنْ يَتَشَارَطَا أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ إذَا حَلَّ حَقُّهُ قَطْعَهَا وَبَيْعَهَا فَيَجُوزُ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ الثَّمَرِ أَنَّهُ يُتْرَكُ إلَى أَنْ يَصْلُحَ أَلَا تَرَى «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» لِمَعْرِفَةِ النَّاسِ أَنَّهَا تُتْرَكُ إلَى بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ ثَمَرَةٍ وَزَرْعٍ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا فَمَا لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ فَلَا يَجُوزُ رَهْنُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّمَرِ شَيْءٌ يَخْرُجُ فَرَهَنَهُ وَكَانَ يَخْرُجُ بَعْدَهُ غَيْرُهُ مِنْهُ فَلَا يَتَمَيَّزُ الْخَارِجُ الْأَوَّلُ الْمَرْهُونُ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَا أَنْ يُقْطَعَ فِي مُدَّةٍ قَبْلَ أَنْ يُلْحَقُهُ الثَّانِي فَيَجُوزَ الرَّهْنُ فَإِنْ تُرِكَ حَتَّى يَخْرُجَ بَعْدَهُ ثَمَرَةٌ لَا تَتَمَيَّزُ فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَفْسُدُ الرَّهْنُ كَمَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ فِي قَدْرِ الثَّمَرَةِ الْمُخْتَلِطَةِ مِنْ الْمَرْهُونَةِ كَمَا لَوْ رَهَنَهُ حِنْطَةً فَاخْتَلَطَتْ بِحِنْطَةٍ لِلرَّاهِنِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي قَدْرِ الْمَرْهُونَةِ مِنْ الْمُخْتَلِطَةِ بِهَا مَعَ يَمِينِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ بَيَّنْته فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ ثَمَرِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ. (قُلْت أَنَا) : وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِي الزِّيَادَةِ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ فِي يَدَيْهِ وَالرَّاهِنُ مُدَّعٍ قَدْرَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ فِي قِيَاسِهِ عِنْدِي، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا رَهَنَهُ ثَمَرَةً فَعَلَى الرَّاهِنِ سَقْيُهَا وَصَلَاحُهَا وَجِدَادُهَا وَتَشْمِيسُهَا كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْعَبْدِ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ وَلَا لِلْمُرْتَهِنِ قَطْعُهَا قَبْلَ أَوَانِهَا إلَّا بِأَنْ يَرْضَيَا بِهِ، وَإِذَا بَلَغَتْ إبَّانَهَا فَأَيُّهُمَا أَرَادَ قَطْعَهَا جُبِرَ الْآخَرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَلَاحِهَا فَإِنْ أَبَى الْمَوْضُوعَةُ عَلَى يَدَيْهِ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِأَنْ يَضَعَهَا فِي مَنْزِلِهِ إلَّا بِكِرَاءٍ قِيلَ لِلرَّاهِنِ عَلَيْك لَهَا مَنْزِلٌ تُحْرَزُ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صَلَاحِهَا فَإِنْ جِئْت بِهِ، وَإِلَّا اكْتَرَى عَلَيْك مِنْهَا. [بَابُ مَا يُفْسِدُ الرَّهْنَ مِنْ الشَّرْطِ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : إنْ اشْتَرَطَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ مَنَافِعِ الرَّهْنِ شَيْئًا فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَلْفٌ فَقَالَ زِدْنِي أَلْفًا عَلَى أَنْ أَرْهَنَك بِهِمَا مَعًا رَهْنًا يَعْرِفَانِهِ كَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا. وَلَوْ قَالَ لَهُ: بِعْنِي عَبْدًا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ أُعْطِيَك بِهَا وَبِالْأَلْفِ الَّتِي لَك عَلَيَّ بِلَا رَهْنٍ دَارِي رَهْنًا فَفَعَلَ كَانَ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ مَفْسُوخًا وَلَوْ أَسْلَفَهُ أَلْفًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ بِهَا رَهْنًا وَشَرَطَ الْمُرْتَهِنُ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي السَّلَفِ وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى مِنْهُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَالْبَيْعُ بِالْخِيَارِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ إثْبَاتِهِ وَالرَّهْنِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قُلْت أَنَا: أَصْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ كُلَّ بَيْعٍ فَاسِدٍ بِشَرْطٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أُجِيزَ حَتَّى يُبْتَدَأَ بِمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 198 يَجُوزُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ اُشْتُرِطَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ لَا يُبَاعَ الرَّهْنُ عِنْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ إلَّا بِمَا يُرْضِي الرَّاهِنَ أَوْ حَتَّى يَبْلُغَ كَذَا أَوْ بَعْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ بِشَهْرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَانَ الرَّهْنُ فَاسِدًا حَتَّى لَا يَكُونَ دُونَ بَيْعِهِ حَائِلٌ عِنْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ. وَلَوْ رَهَنَهُ نَخْلًا عَلَى أَنَّ مَا أَثْمَرَتْ أَوْ مَاشِيَةً عَلَى أَنَّ مَا نَتَجَتْ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الرَّهْنِ كَانَ الرَّهْنُ مِنْ النَّخْلِ وَالْمَاشِيَةِ رَهْنًا وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ ثَمَرُ الْحَائِطِ وَلَا نِتَاجُ الْمَاشِيَةِ إذَا كَانَ الرَّهْنُ بِحَقٍّ وَاجِبٍ قَبْلَ الرَّهْنِ وَهَذَا كَرَجُلٍ رَهَنَ مِنْ رَجُلٍ دَارًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ أُخْرَى غَيْرَ أَنَّ الْبَيْعَ إنْ وَقَعَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فُسِخَ الرَّهْنُ وَكَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ لَهُ الشَّرْطُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ هَذَا جَائِزٌ فِي قَوْلِ مَنْ أَجَازَ أَنْ يَرْهَنَهُ عَبْدَيْنِ فَيُصِيبَ أَحَدَهُمَا حُرًّا فَيُجِيزَ الْجَائِزَ وَيَرُدَّ الْمَرْدُودَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ يَفْسُدُ كَمَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ إذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ جَائِزًا وَغَيْرَ جَائِزٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: مَا قَطَعَ بِهِ وَأَثْبَتَهُ أَوْلَى وَجَوَابَاتُهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى بِاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ شَبِيهٌ. وَقَدْ قَالَ لَوْ تَبَايَعَا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ هَذَا الْعَصِيرَ فَرَهَنَهُ إيَّاهُ فَإِذَا هُوَ مِنْ سَاعَتِهِ خَمْرٌ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ لَهُ الرَّهْنُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ حَقًّا فَقَالَ قَدْ رَهَنْتُكَهُ بِمَا فِيهِ، وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ وَرَضِيَ كَانَ الْحَقُّ رَهْنًا وَمَا فِيهِ خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ لِجَهْلِ الْمُرْتَهِنِ بِمَا فِيهِ وَأَمَّا الْخَرِيطَةُ فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ فِيهَا إلَّا بِأَنْ يَقُولَ دُونَ مَا فِيهَا وَيَجُوزُ فِي الْحَقِّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْحَقِّ أَنَّ لَهُ قِيمَةً وَالظَّاهِرُ مِنْ الْخَرِيطَةِ أَنْ لَا قِيمَةَ لَهَا، وَإِنَّمَا يُرَادُ مَا فِيهَا وَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِلرَّهْنِ وَدَفَعَهُ فَالرَّهْنُ فَاسِدٌ وَغَيْرُ مَضْمُونٍ. [بَابُ ضَمَانِ الرَّهْنِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ وَالرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» وَوَصَلَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهُ أَوْ مِثْلُ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ إذْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ فَمَنْ كَانَ مِنْهُ شَيْءٌ فَضَمَانُهُ مِنْهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ» ثُمَّ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ «لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» وَغُنْمُهُ سَلَامَتُهُ وَزِيَادَتُهُ وَغُرْمُهُ عَطَبُهُ وَنُقْصَانُهُ. أَلَا تَرَى لَوْ ارْتَهَنَ خَاتَمًا بِدِرْهَمٍ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَهَلَكَ الْخَاتَمُ فَمَنْ قَالَ ذَهَبَ دِرْهَمُ الْمُرْتَهِنِ بِالْخَاتَمِ زَعَمَ أَنَّ غُرْمَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ دِرْهَمَهُ ذَهَبَ، وَكَانَ الرَّاهِنُ بَرِيئًا مِنْ غُرْمِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ ثَمَنَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ، وَلَمْ يَغْرَمْ لَهُ شَيْئًا، وَأَحَالَ مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَالَ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُرْتَهِنُ بِأَنْ يَدَعَ الرَّاهِنُ قَضَاءَ حَقِّهِ عِنْدَ مَحِلِّهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : مِلْكُ الرَّهْنِ لِرَبِّهِ وَالْمُرْتَهِنُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِأَخْذِهِ وَلَا مُخَاطِرٌ بِارْتِهَانِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إذَا هَلَكَ بَطَلَ مَالُهُ كَانَ مُخَاطِرًا بِمَالِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - وَثِيقَةً لَهُ وَكَانَ خَيْرًا لَهُ تَرْكُ الِارْتِهَانِ بِأَنْ يَكُونَ مَالُهُ مَضْمُونًا فِي جَمِيعِ مَالِ غَرِيمِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَا ظَهَرَ هَلَاكُهُ وَخَفِيَ سَوَاءٌ لَا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ وَلَا الْمَوْضُوعُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الرَّهْنِ شَيْئًا إلَّا فِيمَا يَضْمَنَانِ فِيهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ بِالتَّعَدِّي فَإِنْ قَضَاهُ مَا فِي الرَّهْنِ ثُمَّ سَأَلَهُ الرَّاهِنُ فَحَبَسَهُ عَنْهُ وَهُوَ يُمْكِنُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 199 [كِتَابُ التَّفْلِيسِ] ِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُزَنِيّ قَالَ: (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْمُعْتَمِرِ بْنُ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ خَلْدَةَ أَوْ ابْنِ خَلْدَةَ الزُّرَقِيِّ الشَّكُّ مِنْ الْمُزَنِيِّ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا أَفْلَسَ فَقَالَ هَذَا الَّذِي قَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَفِي ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ نَقْضَ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ إنْ شَاءَ إذَا مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيُقَالُ لِمَنْ قَبِلَ الْحَدِيثَ فِي الْمُفْلِسِ فِي الْحَيَاةِ دُونَ الْمَوْتِ قَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ عَلَى الْحَيِّ فَحَكَمْتُمْ بِهَا عَلَى وَرَثَتِهِ فَكَيْفَ لَمْ تَحْكُمُوا فِي الْمُفْلِسِ فِي مَوْتِهِ عَلَى وَرَثَتِهِ كَمَا حَكَمْتُمْ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ فَقَدْ جَعَلْتُمْ لِلْوَرَثَةِ أَكْثَرَ مِمَّا لِلْمُوَرِّثِ الَّذِي عَنْهُ مَلَكُوا وَأَكْثَرُ حَالِ الْوَارِثِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إلَّا مَا لِلْمَيِّتِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا أَجْعَلُ لِلْغُرَمَاءِ مَنْعَهُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ وَلَا لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَقَدْ جَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقَّ بِهِ مِنْهُمْ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْتُ أَنَا: وَقَالَ فِي الْمُحْبَسِ إذَا هَلَكَ أَهْلُهُ رَجَعَ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْمُحْبِسِ فَقَدْ جُعِلَ لِأَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبِسِ فِي حَيَاتِهِ مَا لَمْ يَجْعَلْ لِلْمُحْبِسِ، وَهَذَا عِنْدِي جَائِزٌ. (قَالَ) : وَإِنْ تَغَيَّرَتْ السِّلْعَةُ بِنَقْصٍ فِي بَدَنِهَا بِعَوَرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ زَادَتْ فَسَوَاءٌ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا كَمَا تُنْقَضُ الشُّفْعَةُ بِهَدْمٍ مِنْ السَّمَاءِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا. (قَالَ) : وَلَوْ بَاعَهُ نَخْلًا فِيهِ ثَمَرٌ أَوْ طَلْعٌ قَدْ أُبِّرَ وَاسْتَثْنَاهُ الْمُشْتَرِي وَقَبَضَهَا وَأَكَلَ الثَّمَرَ أَوْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ ثُمَّ فَلِسَ أَوْ مَاتَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ عَيْنَ مَالِهِ وَيَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِي حِصَّةِ الثَّمَرِ يَوْمَ قَبَضَهُ لَا يَوْمَ أَكَلَهُ وَلَا يَوْمَ أَصَابَتْهُ الْجَائِحَةُ. (قَالَ) : وَلَوْ بَاعَهَا مَعَ ثَمَرٍ فِيهَا قَدْ اخْضَرَّ ثُمَّ فَلِسَ وَالثَّمَرُ رُطَبٌ أَوْ تَمْرٌ أَوْ بَاعَهُ زَرْعًا مَعَ أَرْضٍ خَرَجَ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ ثُمَّ أَصَابَهُ مُدْرَكًا أَخَذَهُ كُلَّهُ. وَلَوْ بَاعَهُ حَائِطًا لَا ثَمَرَ فِيهِ أَوْ أَرْضًا لَا زَرْعَ فِيهَا ثُمَّ فَلِسَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ النَّخْلُ قَدْ أُبِّرَ وَالْأَرْضُ قَدْ زُرِعَتْ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي النَّخْلِ وَالْأَرْضِ وَتَبْقَى الثِّمَارُ إلَى الْجِدَادِ وَالزَّرْعُ إلَى الْحَصَادِ إنْ أَرَادَ الْغُرَمَاءُ تَأْخِيرَ ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ ضَرَبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ أَرَادَ الْغُرَمَاءُ بَيْعَ الثَّمَرِ قَبْلَ الْجِدَادِ، وَالزَّرْعُ بَقْلًا فَذَلِكَ لَهُمْ. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ أَمَةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَفْلَسَ كَانَتْ لَهُ الْأَمَةُ إنْ شَاءَ وَالْوَلَدُ لِلْغُرَمَاءِ وَإِنْ كَانَتْ حُبْلَى كَانَتْ لَهُ حُبْلَى؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْإِبَارَ كَالْوِلَادَةِ وَإِذَا لَمْ تُؤَبَّرْ فَهِيَ كَالْحَامِلِ لَمْ تَلِدْ. وَلَوْ بَاعَهُ نَخْلًا لَا ثَمَرَ فِيهَا ثُمَّ أَثْمَرَتْ فَلَمْ تُؤَبَّرْ حَتَّى أَفْلَسَ فَلَمْ يَخْتَرْ الْبَائِعُ حَتَّى أُبِّرَتْ كَانَ لَهُ النَّخْلُ دُونَ الثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَيْنَ مَالِهِ إلَّا بِالتَّفْلِيسِ وَالِاخْتِيَارِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ فِي أَكْمَامٍ فَيَنْشَقُّ كَالْكُرْسُفِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَإِذَا انْشَقَّ فَمِثْلُ النَّخْلِ يُؤَبَّرُ وَإِذَا لَمْ يَنْشَقَّ فَمِثْلُ النَّخْلِ لَمْ يُؤَبَّرْ. وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ اخْتَرْتَ عَيْنَ مَالِي قَبْلَ الْإِبَارِ وَأَنْكَرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 200 الْمُفْلِسُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْبَائِعِ الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْغُرَمَاءُ لَمْ أَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ الثَّمَرِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمْ أَقَرُّوا بِهِ لِلْبَائِعِ وَأَجْعَلُهُ لِلْغَرِيمِ سِوَى مَنْ صَدَّقَ الْبَائِعَ ويحاصهم فِيمَا بَقِيَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ مِنْ الْغُرَمَاءِ عَدْلَانِ فَيَجُوزُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُفْلِسُ وَكَذَّبَهُ الْغُرَمَاءُ فَمَنْ أَجَازَ إقْرَارَهُ أَجَازَهُ وَمَنْ لَمْ يُجِزْهُ لَمْ يُجِزْهُ وَأُحْلِفَ لَهُ الْغُرَمَاءُ الَّذِينَ يَدْفَعُونَهُ وَلَوْ وَجَدَ بَعْضَ مَالٍ كَانَ لَهُ بِحِصَّتِهِ وَيَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ فِي بَقِيَّتِهِ، وَلَوْ كَانَتْ دَارًا فَبُنِيَتْ أَوْ أَرْضًا فَغُرِسَتْ خَيَّرْته بَيْنَ أَنْ يُعْطَى الْعِمَارَةَ، وَيَكُونَ ذَلِكَ لَهُ أَوْ يَكُونَ لَهُ الْأَرْضُ وَالْعِمَارَةُ تُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ أَنْ يَقْلَعُوا وَيَضْمَنُوا مَا نَقَصَ الْقَلْعُ فَيَكُونَ لَهُمْ. (وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ) : إنْ لَمْ يَأْخُذْ الْعِمَارَةَ وَأَبَى الْغُرَمَاءُ أَنْ يَقْلَعُوهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: الْأَوَّلُ عِنْدِي بِقَوْلِهِ أَشْبَهُ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الثَّوْبَ إذَا صُبِغَ لِبَائِعِهِ يَكُونُ بِهِ شَرِيكًا وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ تُغْرَسُ لِبَائِعِهَا يَكُونُ بِهَا شَرِيكًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ بِمِائَةٍ فَقَبَضَ نِصْفَ الثَّمَنِ وَبَقِيَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ وَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ نِصْفُ الثَّمَنِ وَنِصْفُ الَّذِي قَبَضَ ثَمَنُ الْهَالِكِ كَمَا لَوْ رَهَنَهُمَا بِمِائَةٍ فَقَبَضَ تِسْعِينَ وَهَلَكَ أَحَدُهُمَا كَانَ الْآخَرُ رَهْنًا بِالْعَشَرَةِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: أَصْلُ قَوْلِهِ أَنْ لَيْسَ الرَّهْنُ مِنْ الْبَيْعِ بِسَبِيلٍ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَعْنًى وَاحِدٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ مَا بَقِيَ مِنْ الْحَقِّ شَيْءٌ. (قَالَ) : وَلَوْ بَقِيَ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ فِي التَّفْلِيسِ دِرْهَمٌ لَمْ يَرْجِعْ فِي قَوْلِهِ مِنْ السِّلْعَةِ إلَّا بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَكْرَاهُ أَرْضًا فَفَلِسَ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ فِي أَرْضِهِ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِقَدْرِ مَا أَقَامَتْ الْأَرْضُ فِي يَدَيْهِ إلَى أَنْ أَفْلَسَ وَيَقْلَعَ الزَّرْعَ؛ عَنْ أَرْضِهِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ بِأَنْ يَدْفَعُوا إلَيْهِ إجَارَةَ مِثْلِ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ؛ لِأَنَّ الزَّارِعَ كَانَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ السَّقْيِ قِيلَ لِلْغُرَمَاءِ إنْ تَطَوَّعْتُمْ بِأَنْ تُنْفِقُوا عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ فَتَأْخُذُوا نَفَقَتَكُمْ مَعَ مَالِكُمْ بِأَنْ يَرْضَاهُ صَاحِبُ الزَّرْعِ وَإِنْ لَمْ تَشَاءُوا وَشِئْتُمْ الْبَيْعَ فَبِيعُوهُ بِحَالِهِ. (قَالَ) : وَإِنْ بَاعَهُ زَيْتًا فَخَلَطَهُ بِمِثْلِهِ أَوْ أَرْدَأَ مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَهُ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ وَإِنْ خَلَطَهُ بِأَجْوَدَ مِنْهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى مَالِهِ فِيهِ إلَّا زَائِدًا بِمَالِ غَرِيمِهِ، وَهُوَ أَصَحُّ وَبِهِ أَقُولُ وَلَا يُشْبِهُ الثَّوْبَ يُصْبَغُ وَلَا السَّوِيقُ يُلَتُّ؛ لِأَنَّ هَذَا عَيْنُ مَالٍ فِيهِ زِيَادَةٌ وَالذَّائِبُ إذَا اخْتَلَطَ انْقَلَبَ حَتَّى لَا يُوجَدَ عَيْنُ مَالِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يُنْظَرَ إلَى قِيمَةِ زَيْتِهِ وَالْمَخْلُوطُ بِهِ مُتَمَيِّزَيْنِ ثُمَّ يَكُونُ شَرِيكًا بِقَدْرِ قِيمَةِ زَيْتِهِ أَوْ يَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِزَيْتِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْتُ أَنَا: هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ زَيْتَهُ إذَا خُلِطَ بِأَرْدَأَ وَهُوَ لَا يَتَمَيَّزُ عَيْنَ مَالِهِ كَمَا جَعَلَ الثَّوْبَ يُصْبَغُ وَلَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّمْيِيزُ عَيْنَ مَالِهِ فَلَمَّا قَدَرَ عَلَى قَسْمِ الزَّيْتِ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ بِلَا ظُلْمٍ قَسَمَهُ وَلَمَّا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَسْمِ الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ أَشْرَكَهُمَا فِيهِ بِالْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ لَا يُمْنَعُ خَلْطُ زَيْتِهِ بِأَجْوَدَ مِنْهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَيْنَ مَالِهِ فِيهِ وَفِي قَسْمِهِ ظُلْمٌ وَهُمَا شَرِيكَانِ بِالْقِيمَةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: وَبِهِ أَقُولُ يَأْخُذُهَا وَيُعْطَى قِيمَةَ الطَّحْنِ؛ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَالِهِ. (قَالَ) : وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ يَصْبُغُهُ أَوْ يُقَصِّرُهُ يَأْخُذُهُ، وَلِلْغُرَمَاءِ زِيَادَتُهُ فَإِنْ قَصَّرَهُ بِأُجْرَةِ دِرْهَمٍ فَزَادَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ كَانَ الْقَصَّارُ شَرِيكًا فِيهِ بِدِرْهَمٍ، وَالْغُرَمَاءُ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ شُرَكَاءُ بِهَا وَبِيعَ لَهُمْ فَإِنْ كَانَتْ أُجْرَتُهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَزَادَ دِرْهَمًا كَانَ شَرِيكًا فِي الثَّوْبِ بِدِرْهَمٍ، وَضَرَبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِأَرْبَعَةٍ وَبِهَذَا أَقُولُ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: أَنَّ الْقَصَّارَ غَرِيمٌ بِأُجْرَةِ الْقِصَارَةِ؛ لِأَنَّهَا أَثَرٌ لَا عَيْنٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا الْبَيَاضُ فِي الثَّوْبِ عَنْ الْقِصَارَةِ كَالسَّمْنِ عَنْ الطَّعَامِ، وَالْعَلَفِ وَكِبَرِ الْوَدِيِّ عَنْ السَّقْيِ وَهُوَ لَا يَجْعَلُ الزِّيَادَةَ لِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ عَيْنَ مَالِهِ فَكَذَلِكَ زِيَادَةُ الْقِصَارَةِ لَيْسَتْ عَيْنَ مَالِهِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْأَجِيرِ يَبِيعُ فِي حَانُوتٍ أَوْ يَرْعَى غَنَمًا أَوْ يُرَوِّضُ دَوَابَّ فَالْأَجِيرُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، فَهَذِهِ الزِّيَادَاتُ عَنْ هَذِهِ الصِّنَاعَاتِ الَّتِي هِيَ آثَارٌ لَيْسَتْ بِأَعْيَانِ مَالٍ حُكْمُهَا عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ وَاحِدٌ إلَّا أَنْ تَخُصَّ السُّنَّةُ مِنْهَا شَيْئًا فَيُتْرَكُ لَهَا الْقِيَاسُ. (قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 201 الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ تَبَايَعَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَفَلِسَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إجَازَةُ الْبَيْعِ وَرَدُّهُ دُونَ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ مُسْتَحْدَثٍ فَإِنْ أَخَذَهُ دُونَ صِفَتِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْغُرَمَاءُ. وَلَوْ أَسْلَفَهُ فِضَّةً بِعَيْنِهَا فِي طَعَامٍ ثُمَّ فَلِسَ كَانَ أَحَقَّ بِفِضَّتِهِ. وَلَوْ أَكْرَى دَارًا ثُمَّ فَلِسَ الْمُكْرِي فَالْكِرَاءُ لِصَاحِبِهِ فَإِذَا تَمَّ سُكْنَاهُ بِيعَتْ لِلْغُرَمَاءِ، وَلَوْ أَكْرَاهُ سَنَةً، وَلَمْ يَقْبِضْ الْكِرَاءَ ثُمَّ فَلِسَ الْمُكْتَرِي كَانَ لِلْمُكْرِي فَسْخُ الْكِرَاءِ. وَلَوْ قَسَمَ الْحَاكِمُ مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ ثُمَّ قَدِمَ آخَرُونَ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْحِصَصِ وَإِذَا أَرَادَ الْحَاكِمُ بَيْعَ مَتَاعِهِ أَوْ رَهْنَهُ أَحْضَرَهُ أَوْ وَكِيلَهُ لِيُحْصِيَ ثَمَنَ ذَلِكَ فَيَدْفَعَ مِنْهُ حَقَّ الرَّهْنِ مِنْ سَاعَتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ ارْتَضَوْا بِمَنْ يَكُونُ عَلَى يَدَيْهِ الثَّمَنُ وَبِمَنْ يُنَادِي عَلَى مَتَاعِهِ فِيمَنْ يَزِيدُ وَلَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ إلَّا مِنْ ثِقَةٍ وَأُحِبُّ أَنْ يُرْزَقَ مَنْ وَلِيَ هَذَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، وَلَمْ يَعْمَلْ إلَّا بِجُعْلٍ شَارَكُوهُ فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا اجْتَهَدَ لَهُمْ وَلَمْ يُعْطَ شَيْئًا وَهُوَ يَجِدُ ثِقَةً يَعْمَلُ بِغَيْرِ جُعْلٍ، وَيُبَاعُ فِي مَوْضِعِ سُوقِهِ، وَمَا فِيهِ صَلَاحُ ثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَلَا يَدْفَعُ إلَى مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ، وَمَا ضَاعَ مِنْ الثَّمَنِ فَمِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ، وَيَبْدَأُ فِي الْبَيْعِ بِالْحَيَوَانِ وَيَتَأَنَّى بِالْمَسَاكِنِ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَهْلُ الْبَصَرِ بِهَا أَنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ أَثْمَانَهَا، وَإِنْ وَجَدَ الْإِمَامُ ثِقَةً يُسَلِّفُهُ الْمَالَ حَالًّا لَمْ يَجْعَلْهُ أَمَانَةً، وَيَنْبَغِي إذَا رُفِعَ إلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ وَقَفَ مَالَهُ عَنْهُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ، وَلَا يَهَبَ، وَمَا فَعَلَ مِنْ هَذَا فَفِيهِ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ فَضَلَ جَازَ فِيهِ مَا فَعَلَ. وَالْآخَرُ: أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: قَدْ قَطَعَ فِي الْمُكَاتَبِ إنْ كَاتَبَهُ بَعْدَ الْوَقْفِ فَأَدَّى لَمْ يُعْتَقْ بِحَالٍ. (قَالَ) : وَإِذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ زَعَمَ أَنَّهُ لَزِمَهُ قَبْلَ الْوَقْفِ فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَائِزٌ كَالْمَرِيضِ يَدْخُلُ مَعَ غُرَمَائِهِ وَبِهِ أَقُولُ. وَالثَّانِي: أَنَّ إقْرَارَهُ لَازِمٌ لَهُ فِي مَالٍ إنْ حَدَثَ لَهُ أَوْ يَفْضُلُ عَنْ غُرَمَائِهِ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ إلَى أَنَّ دُيُونَ الْمُفْلِسِ إلَى أَجَلٍ تَحِلُّ حُلُولُهَا عَلَى الْمَيِّتِ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْمُؤَخَّرُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ لَهُ ذِمَّةً، وَقَدْ يَمْلِكُ وَالْمَيِّتُ بَطَلَتْ ذِمَّتُهُ، وَلَا يَمْلِكُ بَعْدَ الْمَوْتِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْتُ أَنَا: هَذَا أَصَحُّ وَبِهِ قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ عَمْدًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَخْذُ الْمَالِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ. (قَالَ) : وَلَيْسَ عَلَى الْمُفْلِسِ أَنْ يُؤَاجِرَ وَذُو الْعُسْرَةِ يُنْظَرُ إلَى مَيْسَرَةٍ، وَيُتْرَكُ لَهُ مِنْ مَالِهِ قَدْرَ مَا لَا غِنَى بِهِ عَنْهُ وَأَقَلُّ مَا يَكْفِيهِ وَأَهْلُهُ يَوْمَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَإِنْ كَانَ لِبَيْعِ مَالِهِ حُبِسَ أُنْفِقَ مِنْهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى أَهْلِهِ كُلَّ يَوْمٍ أَقَلَّ مَا يَكْفِيهِمْ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ كَانَ ذَلِكَ فِي شِتَاءٍ أَوْ صَيْفٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ قَسْمِ مَالِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ، وَإِنْ كَانَتْ ثِيَابُهُ كُلُّهَا عَوَالِيَ مُجَاوَزَةَ الْقَدْرِ اُشْتُرِيَ لَهُ مِنْ ثَمَنِهَا أَقَلُّ مَا يَلْبَسُ أَقْصِدُ مَا يَكْفِيهِ فِي مِثْلِ حَالِهِ، وَمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ. وَإِنْ مَاتَ كُفِّنَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ قِبَلَ الْغُرَمَاءِ وَحُفِرَ قَبْرُهُ، وَمُيِّزَ بِأَقَلَّ مَا يَكْفِيهِ وَكَذَلِكَ مَنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ ثُمَّ قُسِّمَ الْبَاقِي بَيْنَ غُرَمَائِهِ، وَيُبَاعُ عَلَيْهِ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ؛ لِأَنَّ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا. وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ وَلَمْ يَحْلِفْ مَعَ شَاهِدِهِ فَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْلِفُوا لَيْسَ لَهُمْ إلَّا مَا تَمَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ دُونَهُمْ. [بَابُ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : مَنْ بِيعَ عَلَيْهِ فِي دَيْنٍ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ فِي حَيَاتِهِ أَوْ تَفْلِيسِهِ فَهَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ وَالْعُهْدَةُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ كَهِيَ فِي مَالِ الْحَيِّ لَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، وَلَوْ بِيعَتْ دَارُهُ بِأَلْفٍ وَقَبَضَ أَمِينُ الْقَاضِي الثَّمَنَ فَهَلَكَ مِنْ يَدِهِ وَاسْتُحِقَّتْ الدَّارُ فَلَا عُهْدَةَ عَلَى الْغَرِيمِ الَّذِي بِيعَتْ لَهُ وَأَحَقُّ النَّاسِ بِالْعُهْدَةِ الْمَبِيعُ عَلَيْهِ فَإِنْ وُجِدَ لَهُ مَالٌ بِيعَ ثُمَّ رُدَّ عَلَى الْمُشْتَرِي مَالُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْهُ بِبَيْعٍ وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاضِي، وَلَا أَمِينِهِ، وَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي أَنْتَ غَرِيمُ الْمُفْلِسِ أَوْ الْمَيِّتِ كَغُرَمَائِهِ سَوَاءٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 202 [بَابُ جَوَازِ حَبْسِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِيعَ مَا ظَهَرَ لَهُ وَدَفَعَ، وَلَمْ يُحْبَسْ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حُبِسَ وَبِيعَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ ذَكَرَ عُسْرَهُ قُبِلَتْ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ - جَلَّ وَعَزَّ - {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَأَحْلِفهُ مَعَ ذَلِكَ بِاَللَّهِ وَأُخْلِيهِ، وَمَنَعْتُ غُرَمَاءَهُ مِنْ لُزُومِهِ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنْ قَدْ أَفَادَ مَالًا فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا فِي يَدَيْهِ مَالًا سَأَلْته فَإِنْ قَالَ: مُضَارَبَةً قَبِلْتُ مِنْهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا غَايَةَ لِحَبْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ الْكَشْفِ عَنْهُ فَمَتَى اسْتَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ مَا وَصَفْت لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسُهُ، وَلَا يَغْفُلُ الْمَسْأَلَةَ عَنْهُ، وَإِذَا أَفَادَ مَالًا فَجَائِزٌ مَا صَنَعَ فِيهِ حَتَّى يُحْدِثَ لَهُ السُّلْطَانُ وَقْفًا آخَرَ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ رَشِيدٍ. وَإِذَا أَرَادَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ السَّفَرَ، وَأَرَادَ غَرِيمُهُ مَنْعَهُ لِبُعْدِ سَفَرِهِ وَقُرْبِ أَجَلِهِ أَوْ يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا بِهِ مُنِعَ مِنْهُ، وَقِيلَ لَهُ: حَقُّك حَيْثُ وَضَعْتَهُ وَرَضِيتَهُ. [بَابُ الْحَجْرِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْبُلُوغُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً إلَّا أَنْ يَحْتَلِمَ الْغُلَامُ أَوْ تَحِيضَ الْجَارِيَةُ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَالَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] فَأَثْبَتَ الْوِلَايَةَ عَلَى السَّفِيهِ وَالضَّعِيفِ وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ وَأَمَرَ وَلِيَّهُ بِالْإِمْلَاءِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ فِيمَا لَا غِنَى بِهِ عَنْهُ فِي مَالِهِ مَقَامَهُ، وَقِيلَ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ وَهُوَ أَشْبَهُ مَعَانِيهِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِذَا أَمَرَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَزَّ - بِدَفْعِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى إلَيْهِمْ بِأَمْرَيْنِ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِمْ إلَّا بِهِمَا وَهُوَ الْبُلُوغُ وَالرُّشْدُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالرُّشْدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ حَتَّى تَكُونَ الشَّهَادَةُ جَائِزَةً مَعَ إصْلَاحِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ إصْلَاحُ الْمَالِ بِأَنْ يُخْتَبَرَ الْيُتْمَانُ وَالِاخْتِبَارُ يَخْتَلِفُ بِقَدْرِ حَالِ الْمُخْتَبِرِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَبْتَذِلُ فَيُخَالِطُ النَّاسَ بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ فَيَقْرُبُ اخْتِبَارُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَانُ عَنْ الْأَسْوَاقِ فَاخْتِبَارُهُ أَبْعَدُ فَيُخْتَبَرُ فِي نَفَقَتِهِ فَإِنْ أَحْسَنَ إنْفَاقَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَشِرَاءَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَوْ يَدْفَعُ إلَيْهِ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ فَإِذَا أَحْسَنَ تَدْبِيرَهُ وَتَوْفِيرَهُ، وَلَمْ يُخْدَعْ عَنْهُ دَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ، وَاخْتِبَارُ الْمَرْأَةِ مَعَ عِلْمِ صَلَاحِهَا لِقِلَّةِ مُخَالَطَتُهَا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَبْعَدُ فَتَخْتَبِرُهَا النِّسَاءُ وَذَوُو الْمَحَارِمِ بِمِثْلِ مَا وَصَفْت فَإِذَا أُونِسَ مِنْهَا الرُّشْدُ دُفِعَ إلَيْهَا مَالُهَا تَزَوَّجَتْ أَمْ لَمْ تَتَزَوَّجْ كَمَا يُدْفَعُ إلَى الْغُلَامِ نَكَحَ أَوْ لَمْ يَنْكِحْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي دَفْعِ أَمْوَالِهِمَا إلَيْهِمَا بِالْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَزْوِيجًا وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْحَجْرِ بِعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا كَانَ وَاجِبًا أَنْ يَحْجُرَ عَلَى مَنْ قَارَبَ الْبُلُوغَ، وَقَدْ عَقَلَ نَظَرًا لَهُ، وَإِبْقَاءً لِمَالِهِ فَكَانَ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَشَدَّ تَضْيِيعًا لِمَالِهِ وَأَكْثَرَ إتْلَافًا لَهُ فَلِمَ لَا يَجِبُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ وَالْمَعْنَى الَّذِي أُمِرَ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ بِهِ فِيهِ قَائِمٌ. وَإِذَا حَجَرَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ لِسَفَهِهِ، وَإِفْسَادِهِ مَالَهُ أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ فَمَنْ بَايَعَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ فَهُوَ الْمُتْلِفُ لِمَالِهِ، وَمَتَى أَطْلَقَ عَنْهُ الْحَجْرَ ثُمَّ عَادَ إلَى حَالِ الْحَجْرِ حَجَرَ عَلَيْهِ، وَمَتَى رَجَعَ بَعْدَ الْحَجْرِ إلَى حَالِ الْإِطْلَاقِ أَطْلَقَ عَنْهُ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ أَجَزْت إطْلَاقَهُ عَنْهُ وَهُوَ إتْلَافُ مَالٍ؟ قِيلَ لَيْسَ بِإِتْلَافِ مَالٍ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمُوتُ فَلَا تُورَثُ عَنْهُ امْرَأَتُهُ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ فِيهَا هِبَةٌ، وَلَا بَيْعُهُ، وَيُورَثُ عَنْهُ عَبْدُهُ، وَيُبَاعُ عَلَيْهِ، وَيَمْلِكُ ثَمَنَهُ فَالْعَبْدُ مَالٌ بِكُلِّ حَالٍ وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ يُؤْذَنُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالنِّكَاحِ فَيَكُونُ لَهُ الطَّلَاقُ وَالْإِمْسَاكُ دُونَ سَيِّدِهِ وَلِمَالِكِهِ أَخْذُ مَالِهِ كُلِّهِ دُونَهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 203 [بَابُ الصُّلْحِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَمَا جَازَ فِي الْبَيْعِ جَازَ فِي الصُّلْحِ، وَمَا بَطَلَ فِيهِ بَطَلَ فِي الصُّلْحِ فَإِنْ صَالَحَ رَجُلٌ أَخَاهُ مِنْ مُوَرِّثِهِ فَإِنْ عَرَفَا مَا صَالَحَهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ جَازَ. وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فَصَالَحَهُ مِنْ دَعْوَاهُ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ، وَيَرْجِعُ الْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ صَاحِبُهُ مَا أَعْطَاهُ وَلَوْ صَالَحَ عَنْهُ رَجُلٌ يُقِرُّ عَنْهُ بِشَيْءٍ جَازَ الصُّلْحُ وَلَيْسَ لِلَّذِي أَعْطَى عَنْهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَطَوَّعَ بِهِ. وَلَوْ أَشْرَعَ جُنَاحًا عَلَى طَرِيقٍ نَافِذَةٍ فَصَالَحَهُ السُّلْطَانُ أَوْ رَجُلٌ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ وَنُظِرَ فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ تُرِكَ، وَإِنْ ضَرَّ قُطِعَ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا دَارًا فِي يَدَى رَجُلٍ فَقَالَا وَرِثْنَاهَا عَنْ أَبِينَا فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِنِصْفِهَا فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِهِ عَلَى شَيْءٍ كَانَ لِأَخِيهِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِيهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: يَنْبَغِي فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ أَنْ يَبْطُلَ الصُّلْحُ فِي حَقِّ أَخِيهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لِأَخِيهِ بِإِقْرَارِهِ قَبْلَ أَنْ يُصَالِحَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَالَحَ بِأَمْرِهِ فَيَجُوزُ عَلَيْهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهَا فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِالنِّصْفِ وَجَحَدَ لِلْآخَرِ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ فِي ذَلِكَ حَقٌّ، وَكَانَ عَلَى خُصُومَتِهِ. وَلَوْ كَانَ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ الدَّارِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُقِرَّ لِلْآخَرِ بِأَنَّ لَهُ النِّصْفَ فَلَهُ الْكُلُّ، وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ بِأَنَّ لَهُ النِّصْفَ وَلِأَخِيهِ النِّصْفَ كَانَ لِأَخِيهِ أَنْ يَرْجِعَ بِالنِّصْفِ عَلَيْهِ. وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى دَارٍ أَقَرَّ لَهُ بِهَا بِعَبْدٍ قَبَضَهُ فَاسْتَحَقَّ الْعَبْدَ رَجَعَ إلَى الدَّارِ فَأَخَذَهَا مِنْهُ. وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ وَقْتًا فَهِيَ عَارِيَّةٌ إنْ شَاءَ أَخْرَجَهُ مِنْهَا أَوْ صَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ سَنَةً فَبَاعَهُ الْمَوْلَى كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ وَتَكُونَ الْخِدْمَةُ عَلَى الْعَبْدِ لِلْمُصَالِحِ أَوْ يَرُدَّ الْبَيْعَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ جَازَ مِنْ الصُّلْحِ بِقَدْرِ مَا اُسْتُخْدِمَ وَبَطَلَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ. وَإِذَا تَدَاعَى رَجُلَانِ جِدَارًا بَيْنَ دَارَيْهِمَا فَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا اتِّصَالَ الْبُنْيَانِ الَّذِي لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ إلَّا مِنْ أَوَّلِ الْبُنْيَانِ جَعَلْته لَهُ دُونَ الْمُنْقَطِعِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ يَحْدُثُ مِثْلُهُ بَعْدَ كَمَالِ بُنْيَانِهِ مِثْلَ نَزْعِ طُوبَةٍ، وَإِدْخَالِ أُخْرَى أَحَلَفْتهمَا بِاَللَّهِ وَجَعَلْته بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَوْصُولٍ بِوَاحِدٍ مِنْ بِنَائِهِمَا أَوْ مُتَّصِلًا بِبِنَائِهِمَا جَمِيعًا جَعَلْته بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَنْ أُحَلِّفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا أَنْظُرَ إلَى مَنْ إلَيْهِ الْخَوَارِجُ، وَلَا الدَّوَاخِلُ، وَلَا أَنْصَافُ اللَّبِنِ، وَلَا مَعَاقِدُ الْقِمْطِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا دَلَالَةٌ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ، وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ أَحَلَفْتَهُمَا وَأَقْرَرْتُ الْجُذُوعَ بِحَالِهَا وَجَعَلْت الْجِدَارَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَرْتَفِقُ بِجِدَارِ الرَّجُلِ بِالْجُذُوعِ بِأَمْرِهِ وَغَيْرِ أَمْرِهِ، وَلَمْ أَجْعَلْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْتَحَ فِيهِ كُوَّةً، وَلَا يَبْنِي عَلَيْهِ بِنَاءً إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَقَسَمْته بَيْنَهُمَا إنْ شَاءَ إنْ كَانَ عَرْضُهُ ذِرَاعًا أُعْطِيهِ شِبْرًا فِي طُولِ الْجِدَارِ ثُمَّ قُلْت لَهُ إنْ شِئْت أَنْ تَزِيدَ مِنْ عَرْصَةِ دَارِك أَوْ بَيْتِك شِبْرًا آخَرَ لِيَكُونَ لَك جِدَارٌ خَالِصٌ فَذَلِكَ لَك. وَلَوْ هَدَمَاهُ ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثَاهُ عَلَى أَنْ يَحْمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا شَاءَ عَلَيْهِ إذَا بَنَاهُ فَالصُّلْحُ فَاسِدٌ، وَإِنْ شَاءَا أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَسَمْت أَرْضَهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ السُّفْلُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَالْعُلُوُّ فِي يَدَيْ آخَرَ فَتَدَاعَيَا سَقْفَهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ سَقْفَ السُّفْلِ تَابِعٌ لَهُ وَسَطْحَ الْعُلُوِّ أَرْضٌ لَهُ فَإِنْ سَقَطَ لَمْ يُجْبَرْ صَاحِبُ السُّفْلِ عَلَى بِنَائِهِ فَإِنْ تَطَوَّعَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ بِأَنْ يَبْنِيَ السُّفْلَ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَبْنِيَ عُلُوَّهُ كَمَا كَانَ فَذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ صَاحِبِ السُّفْلِ مِنْ سُكْنَاهُ وَنَقْضِ الْجُدْرَانِ لَهُ، وَمَتَى شَاءَ أَنْ يَهْدِمَهَا هَدَمَهَا وَكَذَلِكَ الشُّرَكَاءُ فِي نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ لَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمْ عَلَى الْإِصْلَاحِ لِضَرَرٍ، وَلَا غَيْرِهِ، وَلَا يُمْنَعُ الْمَنْفَعَةَ فَإِنْ أَصْلَحَ غَيْرُهُ فَلَهُ عَيْنُ مَالِهِ مَتَى شَاءَ نَزَعَهُ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 204 كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِذَا أَفَادَ صَاحِبُ السُّفْلِ مَالًا أَخَذَ مِنْهُ قِيمَةَ مَا أَنْفَقَ فِي السُّفْلِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْتُ أَنَا: الْأَوَّلُ أَوْلَى بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ مُتَطَوِّعٌ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُرَاضِيَهُ عَلَيْهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ نَخْلَةٌ أَوْ شَجَرَةٌ فَاسْتَعْلَتْ وَانْتَشَرَتْ أَغْصَانُهَا عَلَى دَارِ رَجُلٍ فَعَلَيْهِ قَطْعُ مَا شَرَعَ فِي دَارِ غَيْرِهِ فَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى تَرْكِهِ فَلَيْسَ بِجَائِزٍ وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ أَوْ عَلَى دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِالْقَبْضِ فَإِنْ قَبَضَ بَعْضًا وَبَقِيَ بَعْضٌ جَازَ فِيمَا قَبَضَ وَانْتَقَضَ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ إذَا رَضِيَ بِذَلِكَ الْمُصَالِحُ الْقَابِضُ. وَإِذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ فِي دَارٍ فِي أَيْدِيهِمْ بِحَقٍّ لِرَجُلٍ ثُمَّ صَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَالْوَارِثُ الْمُقِرُّ مُتَطَوِّعٌ لَا يَرْجِعُ عَلَى إخْوَتِهِ بِشَيْءٍ. وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بَيْتًا فِي يَدَيْهِ فَاصْطَلَحَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا سَطْحُهُ وَالْبِنَاءُ عَلَى جُدْرَانِهِ بِنَاءً مَعْلُومًا فَجَائِزٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْتُ أَنَا: لَا يَجُوزُ أَقِيسُ عَلَى قَوْلِهِ فِي إبْطَالِهِ أَنْ يُعْطِيَ رَجُلًا مَالًا عَلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي بِنَائِهِ حَقًّا فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ يَبْنِيَ عَلَى جُدْرَانِهِ بِنَاءً. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ اشْتَرَى عُلُوَّ بَيْتٍ عَلَى أَنْ يَبْنِيَ عَلَى جُدْرَانِهِ، وَيَسْكُنَ عَلَى سَطْحِهِ أَجَزْت ذَلِكَ إذَا سَمَّيَا مُنْتَهَى الْبُنْيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْأَرْضِ فِي احْتِمَالِ مَا يُبْنَى عَلَيْهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا عِنْدِي غَيْرُ مَنْعِهِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي أَنْ يَقْتَسِمَا دَارًا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا السُّفْلُ وَلِلْآخِرِ الْعُلُوُّ حَتَّى يَكُونَ السُّفْلُ وَالْعُلُوُّ لِوَاحِدٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ كَانَتْ مَنَازِلُ سُفْلٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَالْعُلُوُّ فِي يَدَيْ آخَرَ فَتَدَاعَيَا الْعَرْصَةَ فَهِيَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَ فِيهَا دَرَجٌ إلَى عُلُوِّهَا فَهِيَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ كَانَتْ مَعْقُودَةً أَوْ غَيْرَ مَعْقُودَةٍ؛ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ مَمَرًّا، وَإِنْ انْتَفَعَ بِمَا تَحْتَهَا. وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ زَرْعًا فِي أَرْضٍ فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى دَرَاهِمَ فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ زَرْعَهُ أَخْضَرَ مِمَّنْ يَقْصِلُهُ وَلَوْ كَانَ الزَّرْعُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَصَالَحَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى نِصْفِ الزَّرْعِ لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْسِمَ الزَّرْعَ أَخْضَرَ، وَلَا يَجْبُرُ شَرِيكُهُ عَلَى أَنْ يَقْلَعَ مِنْهُ شَيْئًا. [بَابُ الْحَوَالَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ أَنَّ الْحَقَّ يَتَحَوَّلُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَيَبْرَأُ مِنْهُ الْمُحِيلُ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ أَبَدًا كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ مُعْدِمًا غَرِمْته أَوْ لَمْ يَغْرَمْنَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إذَا أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ مُفْلِسًا رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ لِمَا صَبَرَ الْمُحْتَالُ عَلَى مَنْ أُحِيلَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ عَلَى الْمُحِيلِ، وَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ قَدْ تَحَوَّلَ عَنِّي فَصَارَ إلَى غَيْرَى فَلَمْ يَأْخُذْنِي بِمَا بَرِئْت مِنْهُ؛ لَأَنْ أُفْلِسَ غَيْرِي أَوْ لَا يَكُونُ حَقُّهُ تَحَوَّلَ عَنِّي فَلِمَ أَبْرَأَنِي مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُفْلِسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِأَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي الْحَوَالَةِ أَوْ الْكَفَالَةِ يَرْجِعُ صَاحِبُهَا لَا تَوًى عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهُوَ عِنْدِي يَبْطُلُ مِنْ وَجْهَيْنِ وَلَوْ صَحَّ مَا كَانَ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي قَالَ ذَلِكَ فِي الْحَوَالَةِ أَوْ الْكَفَالَةِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذِهِ مَسَائِلُ تَحَرَّيْتُ فِيهَا مَعَانِي جَوَابَاتِ الشَّافِعِيِّ فِي الْحَوَالَةِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا مِنْ ذَلِكَ: وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهُ ثُمَّ أَحَالَ الْبَائِعُ بِالْأَلْفِ عَلَى رَجُلٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاحْتَالَ ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَرَدَّهُ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ، وَإِنْ رَدَّ الْعَبْدَ بَعْدَ أَنْ قَبَضَ الْبَائِعُ مَا احْتَالَ بِهِ رَجَعَ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ وَكَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مِنْهُ بَرِيئًا (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَفِي إبْطَالِ الْحَوَالَةِ نَظَرٌ (قَالَ) : وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ أَحَالَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِهَذِهِ الْأَلْفِ رَجُلًا لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ تَصَادَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي تَبَايَعَاهُ حُرُّ الْأَصْلِ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ لَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 205 تُنْتَقَضُ؛ لِأَنَّهُمَا يُبْطِلَانِ بِقَوْلِهِمَا حَقًّا لِغَيْرِهِمَا، فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْمُحْتَالُ أَوْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ انْتَقَضَتْ الْحَوَالَةُ. وَلَوْ أَحَالَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَضَمِنَهَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُحِيلُ: أَنْتَ وَكِيلِي فِيهَا وَقَالَ الْمُحْتَالُ: بَلْ أَنْتَ أَحَلْتنِي بِمَالِي عَلَيْك وَتَصَادَقَا عَلَى الْحَوَالَةِ وَالضَّمَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالُ مُدَّعٍ وَلَوْ قَالَ الْمُحْتَالُ أَحَلْتنِي عَلَيْهِ لِأَقْبِضَهُ لَك، وَلَمْ تُحِلْنِي بِمَالِي عَلَيْك فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَالْمُحِيلُ مُدَّعٍ لِلْبَرَاءَةِ مِمَّا عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ. وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَحَالَهُ الْمَطْلُوبُ بِهَا عَلَى رَجُلٍ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَحَالَهُ بِهَا الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ عَلَى ثَالِثٍ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ بَرِئَ الْأَوَّلَانِ، وَكَانَتْ لِلطَّالِبِ عَلَى الثَّالِثِ. [بَابُ الْكَفَالَةِ] ِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قَالَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - {سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ} [القلم: 40] وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ» وَالزَّعِيمُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْكَفِيلُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِنَازَةٍ فَلِمَا وُضِعَتْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ مِنْ دَيْنٍ فَقَالُوا نَعَمْ دِرْهَمَانِ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَقَالَ عَلِيٌّ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ - هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا لَهُمَا ضَامِنٌ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ جَزَاك اللَّهُ عَنْ الْإِسْلَامِ خَيْرًا وَفَكَّ رِهَانَك كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيك» . (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ لَزِمَ غَيْرَهُ بِأَنْ ضَمِنَهُ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِثَلَاثَةٍ» ذَكَرَ مِنْهَا رَجُلًا تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ فَحَلَّتْ الصَّدَقَةُ. (قُلْت أَنَا) : فَكَانَتْ الصَّدَقَةُ مُحَرَّمَةً قَبْلَ الْحَمَالَةِ فَلَمَّا تَحَمَّلَ لَزِمَهُ الْغُرْمُ بِالْحَمَالَةِ فَخَرَجَ مِنْ مَعْنَاهُ الْأَوَّلِ إلَى أَنْ حَلَّتْ لَهُ الصَّدَقَةُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا ضَمِنَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ حَقًّا فَلِلْمَضْمُونِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ فَإِنْ ضَمِنَ بِأَمْرِهِ وَغَرِمَ رَجَعَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَطَوَّعَ بِالضَّمَانِ لَمْ يَرْجِعْ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْتُ أَنَا: وَكَذَلِكَ كُلُّ ضَامِنٍ فِي دَيْنٍ وَكَفَالَةٍ بِدَيْنٍ وَأُجْرَةٍ، وَمَهْرٍ وَضَمَانِ عُهْدَةٍ وَأَرْشِ جُرْحٍ وَدِيَةِ نَفْسٍ فَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ الضَّامِنُ عَنْ الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِأَمْرِهِ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَدَّاهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا لَا يَرْجِعُ بِهِ فَإِنْ أَخَذَ الضَّامِنُ بِالْحَقِّ وَكَانَ ضَمَانُهُ بِأَمْرِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ فَلَهُ أَخْذُهُ بِخَلَاصِهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ. وَلَوْ ضَمِنَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَمْرِهِ ضَامِنٌ ثُمَّ ضَمِنَ عَنْ الضَّامِنِ ضَامِنٌ بِأَمْرِهِ فَجَائِزٌ فَإِنْ قَبَضَ الطَّالِبُ حَقَّهُ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْلُ الْمَالِ أَوْ أَحَالَهُ بِهِ بَرِئُوا جَمِيعًا وَلَوْ قَبَضَهُ مِنْ الضَّامِنِ الْأَوَّلِ رَجَعَ بِهِ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ وَبَرِئَ مِنْهُ الضَّامِنُ الْآخَرُ، وَإِنْ قَبَضَهُ مِنْ الضَّامِنِ الثَّانِي رَجَعَ بِهِ عَلَى الضَّامِنِ الْأَوَّلِ وَرَجَعَ بِهِ الْأَوَّلُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ. وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَبْرَأَ الطَّالِبُ الضَّامِنَيْنِ جَمِيعًا بَرِئَا، وَلَا يَبْرَأُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِحَوَالَةٍ وَلَكِنَّ الْحَقَّ عَلَى أَصْلِهِ وَالضَّامِنُ مَأْخُوذٌ بِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلَيْنِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ ضَامِنٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِأَمْرِهِ فَدَفَعَهَا أَحَدُهُمَا رَجَعَ نِصْفُهَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ أَبْرَأَ الطَّالِبُ أَحَدَهُمَا مِنْ الْأَلْفِ سَقَطَ عَنْهُ نِصْفُهَا الَّذِي عَلَيْهِ وَبَرِئَ مِنْ ضَمَانِ نِصْفِهَا الَّذِي عَلَى صَاحِبِهِ، وَلَمْ يَبْرَأْ صَاحِبُهَا مِنْ نِصْفِهَا الَّذِي عَلَيْهِ. وَلَوْ أَقَامَ الرَّجُلُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، وَمِنْ رَجُلٍ غَائِبٍ عَبْدًا وَقَبَضَاهُ مِنْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ ضَامِنٌ لِذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهِ بِأَمْرِهِ قَضَى عَلَيْهِ وَعَلَى الْغَائِبِ بِذَلِكَ وَغَرِمَ الْحَاضِرُ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَرَجَعَ بِالنِّصْفِ عَلَى الْغَائِبِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْتُ أَنَا: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 206 وَهَذَا مِمَّا يُجَامِعُنَا عَلَيْهِ مَنْ أَنْكَرَ الْقَضَاءَ عَلَى غَائِبٍ. وَلَوْ ضَمِنَ عَنْ رَجُلٍ بِأَمْرِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَيْهِ لِرَجُلٍ فَدَفَعَهَا بِمَحْضَرِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ الطَّالِبُ أَنْ يَكُونَ قَبَضَ شَيْئًا حَلَفَ وَبَرِئَ وَقَضَى عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِدَفْعِ الْأَلْفِ إلَى الطَّالِبِ، وَيَدْفَعُ أَلْفًا إلَى الضَّامِنِ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهَا بِأَمْرِهِ وَصَارَتْ لَهُ دَيْنًا عَلَيْهِ فَلَا يُذْهِبُ حَقَّهُ ظُلْمُ الطَّالِبِ لَهُ وَلَوْ أَنَّ الطَّالِبَ طَلَبَ الضَّامِنَ فَقَالَ لَمْ تَدْفَعْ إلَيَّ شَيْئًا قُضِيَ عَلَيْهِ بِدَفْعِهَا ثَانِيَةً، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآمِرِ إلَّا بِالْأَلْفِ الَّتِي ضَمِنَهَا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ أَنَّ الثَّانِيَةَ ظُلْمٌ مِنْ الطَّالِبِ لَهُ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ مَنْ ظَلَمَهُ وَلَوْ ضَمِنَ لِرَجُلٍ مَا قَضَى بِهِ لَهُ عَلَى آخَرَ أَوْ مَا شَهِدَ بِهِ فُلَانٌ عَلَيْهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : لَا يَجُوزُ هَذَا، وَهَذِهِ مُخَاطَرَةٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ ضَمِنَ دَيْنَ مَيِّتٍ بَعْدَمَا يَعْرِفُهُ، وَيَعْرِفُ لِمَنْ هُوَ فَالضَّمَانُ لَازِمٌ تَرَكَ الْمَيِّتُ شَيْئًا أَوْ لَمْ يَتْرُكْهُ. وَلَا تَجُوزُ كَفَالَةُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ بِالتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِهْلَاكٌ، وَلَوْ ضَمِنَ عَنْ مُكَاتَبٍ أَوْ مَالًا فِي يَدَيْ وَصِيٍّ أَوْ مُقَارِضٍ وَضَمِنَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ نَفْسِهِ فَالضَّمَانُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بَاطِلٌ وَضَمَانُ الْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ، وَلَا يَجُوزُ ضَمَانُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، وَلَا مَجْنُونٌ، وَلَا مُبَرْسَمٌ يَهْذِي، وَلَا مُغْمًى عَلَيْهِ، وَلَا أَخْرَسُ لَا يَعْقِلُ، وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ الْإِشَارَةَ وَالْكِتَابَ فَضَمِنَ لَزِمَهُ وَضَعَّفَ الشَّافِعِيُّ كَفَالَةَ الْوَجْهِ فِي مَوْضِعٍ وَأَجَازَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَّا فِي الْحُدُودِ. [بَابُ الشَّرِكَةِ] ِ قَالَ الْمُزَنِيّ: الشَّرِكَةُ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا الْغَنِيمَةُ أَزَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مِلْكَ الْمُشْرِكِينَ عَنْ خَيْبَرَ فَمَلَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنُونَ وَكَانُوا فِيهِ شُرَكَاءَ فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهَا فَأَخْرَجَ مِنْهَا خُمُسَ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - لِأَهْلِهِ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِأَهْلِهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى قَسْمِ الْأَمْوَالِ وَالضَّرْبِ عَلَيْهَا بِالسِّهَامِ، وَمِنْهَا الْمَوَارِيثُ، وَمِنْهَا الشَّرِكَةُ فِي الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ فِي قَوْلِهِ، وَمِنْهَا التِّجَارَاتُ وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْقَسْمُ إذَا كَانَ مِمَّا يُقْسَمُ وَطَلَبَهُ الشَّرِيكُ، وَمِنْهَا الشَّرِكَةُ فِي الصَّدَقَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي قَوْلِهِ، وَهِيَ الْأَحْبَاسُ، وَلَا وَجْهَ لِقَسْمِهَا فِي رِقَابِهَا لِارْتِفَاعِ الْمِلْكِ عَنْهَا فَإِنْ تَرَاضَوْا مِنْ السُّكْنَى سَنَةً بِسَنَةٍ فَلَا بَأْسَ وَاَلَّذِي يُشْبِهُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ فِي الْعَرَضِ، وَلَا فِيمَا يَرْجِعُ فِي حَالِ الْمُفَاضَلَةِ إلَى الْقِيمَةِ لِتَغَيُّرِ الْقِيَمِ، وَلَا أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا عَرْضًا وَالْآخَرُ دَنَانِيرَ، وَلَا تَجُوزُ إلَّا بِمَالٍ وَاحِدٍ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ فَإِنْ أَرَادَا أَنْ يَشْتَرِكَا، وَلَمْ يُمْكِنْهُمَا إلَّا عَرَضٌ فَإِنَّ الْمَخْرَجَ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَبِيعَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ عَرَضِهِ بِنِصْفِ عَرَضِ صَاحِبِهِ، وَيَتَقَابَضَانِ فَيَصِيرُ جَمِيعُ الْعَرْضَيْنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَيَكُونَانِ فِيهِ شَرِيكَيْنِ إنْ بَاعَا أَوْ حَبَسَا أَوْ عَارَضَا لَا فَضْلَ فِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا. (قَالَ) : وَشَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَجُوزُ بِحَالٍ، وَالشَّرِكَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَنَانِيرَ مِثْلَ دَنَانِيرِ صَاحِبِهِ، وَيَخْلِطَاهُمَا فَيَكُونَانِ فِيهَا شَرِيكَيْنِ فَإِنْ اشْتَرَيَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ فَإِنْ جَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يَتَّجِرَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَا رَأَى مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ قَامَ فِي ذَلِكَ مَقَامَ صَاحِبِهِ فَمَا رَبِحَا أَوْ خَسِرَا فَلَهُمَا وَعَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، وَمَتَى فَسَخَ أَحَدُهُمَا الشَّرِكَةَ انْفَسَخَتْ، وَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ، وَلَا يَبِيعَ حَتَّى يَقْسِمَا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَتْ الشَّرِكَةُ، وَقَاسَمَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ شَرِيكَهُ فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ بَالِغًا رَشِيدًا فَأُحِبُّ أَنْ يُقِيمَ عَلَى مِثْلِ شَرِكَتِهِ كَأَبِيهِ فَجَائِزٌ، وَلَوْ اشْتَرَيَا عَبْدًا وَقَبَضَاهُ فَأَصَابَا بِهِ عَيْبًا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ وَالْآخَرُ الْإِمْسَاكَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ مَعْقُولًا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اشْتَرَى نِصْفَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ كَانَ مَا اشْتَرَى لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ، وَلَوْ أَجَازَهُ شَرِيكُهُ مَا جَازَ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ مَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 207 يَجُوزُ عَلَيْهِ. وَأَيُّهُمَا ادَّعَى فِي يَدَيْ صَاحِبِهِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا شَيْئًا فَهُوَ مُدَّعٍ وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَعَلَى صَاحِبِهِ الْيَمِينُ وَأَيُّهُمَا ادَّعَى خِيَانَةَ صَاحِبِهِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَأَيُّهُمَا زَعَمَ أَنَّ الْمَالَ قَدْ تَلِفَ فَهُوَ أَمِينٌ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَمَرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِبَيْعِهِ فَبَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَبِعْ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْبَائِعُ وَادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبْرَأُ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ وَهُوَ حِصَّةُ الْمُقِرِّ، وَيَأْخُذُ الْبَائِعُ نِصْفَ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَيُسَلِّمُ لَهُ، وَيَحْلِفُ لِشَرِيكِهِ مَا قَبَضَ مَا ادَّعَى فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ صَاحِبُهُ وَاسْتَحَقَّ الدَّعْوَى، وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ الَّذِي بَاعَ هُوَ الَّذِي أَقَرَّ بِأَنَّ شَرِيكَهُ الَّذِي لَمْ يَبِعْ قَبَضَ مِنْ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الثَّمَنِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ وَادَّعَى ذَلِكَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبْرَأُ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّ شَرِيكَهُ قَدْ قَبَضَ؛ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ أَمِينٌ، وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالنِّصْفِ الْبَاقِي فَيُشَارِكُهُ فِيهِ صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى حِصَّةٍ مِنْ الشَّرِكَةِ تُسَلَّمُ إلَيْهِ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِي أَنْ لَا يَضْمَنَ شَيْئًا لِصَاحِبِهِ فَأَمَّا أَنَّهُ يَكُونُ فِي يَدَيْهِ بَعْضُ مَالٍ بَيْنَهُمَا فَيَدَّعِي عَلَى شَرِيكِهِ مُقَاسَمَةً يَمْلِكُ بِهَا هَذَا الْبَعْضَ خَاصَّةً فَلَا يَجُوزُ، وَيَحْلِفُ لِشَرِيكِهِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ شَرِيكُهُ وَاسْتَحَقَّ دَعْوَاهُ. وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَغَصَبَ رَجُلٌ حِصَّةَ أَحَدِهِمَا ثُمَّ إنَّ الْغَاصِبَ وَالشَّرِيكَ الْآخَرَ بَاعَا الْعَبْدَ مِنْ رَجُلٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ الْبَائِعِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَاصِبِ وَلَوْ أَجَازَهُ الْمَغْصُوبُ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِتَجْدِيدِ بَيْعٍ فِي مَعْنَى الشَّافِعِيِّ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 208 [كِتَابُ الْوَكَالَةِ] ِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] الْآيَةَ. فَأَمَرَ بِحِفْظِ أَمْوَالِهِمْ حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُمْ الرُّشْدُ وَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْبُلُوغِ مُصْلِحًا لِمَالِهِ عَدْلًا فِي دِينِهِ وَقَالَ - تَعَالَى - {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] وَوَلِيُّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ الْقَيِّمُ بِمَالِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : فَإِذَا جَازَ أَنْ يَقُومَ بِمَالِهِ بِتَوْصِيَةِ أَبِيهِ بِذَلِكَ إلَيْهِ وَأَبُوهُ غَيْرُ مَالِكٍ كَانَ أَنْ يَقُومَ فِيهِ بِتَوْكِيلِ مَالِكِهِ أَجْوَزُ. وَقَدْ وَكَّلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَقِيلًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَذَكَرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا عَقِيلٌ مَا قَضَى عَلَيْهِ فَعَلَيَّ، وَمَا قَضَى لَهُ فَلِي. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا أَحْسَبُهُ كَانَ يُوَكِّلُهُ إلَّا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلَعَلَّهُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَوَكَّلَ أَيْضًا عَنْهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلِيٌّ حَاضِرٌ فَقَبِلَ ذَلِكَ عُثْمَانُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : فَلِلنَّاسِ أَنْ يُوَكِّلُوا فِي أَمْوَالِهِمْ وَطَلَبِ حُقُوقِهِمْ وَخُصُومَاتِهِمْ، وَيُوصُوا بِتَرِكَاتِهِمْ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوُكَلَاءِ، وَلَا عَلَى الْأَوْصِيَاءِ، وَلَا عَلَى الْمُودِعِينَ، وَلَا عَلَى الْمُقَارِضِينَ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّوْا فَيَضْمَنُوا وَالتَّوْكِيلُ مِنْ كُلِّ مُوَكِّلٍ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ تَخْرُجُ أَوْ لَا تَخْرُجُ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ حَضَرَ خَصْمٌ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ جَائِزٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : لَيْسَ الْخَصْمُ مِنْ الْوَكَالَةِ بِسَبِيلٍ، وَقَدْ يَقْضِي لِلْخَصْمِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَيَكُونُ حَقًّا يَثْبُتُ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : فَإِنْ وَكَّلَهُ بِخُصُومَةٍ فَإِنْ شَاءَ قَبِلَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَإِنْ قَبِلَ فَإِنْ شَاءَ فَسَخَ، وَإِنْ شَاءَ ثَبَتَ فَإِنْ ثَبَتَ وَأَقَرَّ عَلَى مَنْ وَكَّلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ بِالْإِقْرَارِ، وَلَا بِالصُّلْحِ، وَلَا بِالْإِبْرَاءِ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ وَكَّلَهُ بِطَلَبِ حَدٍّ لَهُ أَوْ قِصَاصٍ قُبِلَتْ الْوَكَالَةُ عَلَى تَثْبِيتِ الْبَيِّنَةِ فَإِذَا حَضَرَ الْحَدُّ أَوْ الْقِصَاصُ لَمْ أَحُدَّ، وَلَمْ أَقُصَّ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَحْدُودُ لَهُ وَالْمُقَصُّ لَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ يُقِرُّ لَهُ، وَيُكَذِّبُ الْبَيِّنَةَ أَوْ يَعْفُو فَيَبْطُلُ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ الْمُوَكِّلُ، وَإِنْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ مَتَاعِهِ فَبَاعَهُ فَقَالَ الْوَكِيلُ: قَدْ دَفَعْتُ إلَيْك الثَّمَنَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ طَلَبَ مِنْهُ الثَّمَنَ فَمَنَعَهُ مِنْهُ فَقَدْ ضَمِنَهُ إلَّا فِي حَالٍ لَا يُمْكِنُهُ فِيهِ دَفْعُهُ فَإِنْ أَمْكَنَهُ فَمَنَعَهُ ثُمَّ جَاءَ لِيُوَصِّلَهُ إلَيْهِ فَتَلِفَ ضَمِنَهُ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ دَفَعْته إلَيْك لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَلَوْ قَالَ صَاحِبٌ لَهُ قَدْ طَلَبْتُهُ مِنْك فَمَنَعْتنِي فَأَنْتَ ضَامِنٌ فَهُوَ مُدَّعٍ أَنَّ الْأَمَانَةَ تَحَوَّلَتْ مَضْمُونَةً وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ. (قَالَ) : وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك بِبَيْعِ مَتَاعِي وَقَبَضْتَهُ مِنِّي فَأَنْكَرَ ثُمَّ أَقَرَّ أَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِالْجُحُودِ مِنْ الْأَمَانَاتِ وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك بِبَيْعِ مَتَاعِي فَبِعْته فَقَالَ: مَالَك عِنْدِي شَيْءٌ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَقَالَ صَدَقُوا، وَقَدْ دَفَعْت إلَيْهِ ثَمَنَهُ فَهُوَ مُصَدِّقٌ؛ لِأَنَّ مَنْ دَفَعَ شَيْئًا إلَى أَهْلِهِ فَلَيْسَ هُوَ عِنْدَهُ، وَلَمْ يُكَذِّبْ نَفْسَهُ فَهُوَ عَلَى أَصْلِ أَمَانَتِهِ وَتَصْدِيقِهِ وَلَوْ أَمَرَ الْمُوَكِّلُ الْوَكِيلَ أَنْ يَدْفَعَ مَالًا إلَى رَجُلٍ فَادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] وَبِأَنَّ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ لَيْسَ هُوَ الَّذِي ائْتَمَنَهُ عَلَى الْمَالِ كَمَا أَنَّ الْيَتَامَى لَيْسُوا الَّذِينَ ائْتَمَنُوهُ عَلَى الْمَالِ وَقَالَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] الْآيَةَ وَبِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 209 قَوْلِهِ لِمَنْ ائْتَمَنَهُ: قَدْ دَفَعْته إلَيْك يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ لِمَنْ لَمْ يَأْتَمِنْهُ عَلَيْهِ: قَدْ دَفَعْته إلَيْك فَلَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَيْسَ ائْتَمَنَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ جَعَلَ لِلْوَكِيلِ فِيمَا وَكَّلَهُ جُعْلًا فَقَالَ لِلْمُوَكِّلِ جُعْلِي قِبَلَك، وَقَدْ دَفَعْتُ إلَيْك مَالَك فَقَالَ بَلْ خُنْتنِي فَالْجُعْلُ مَضْمُونٌ لَا تُبَرِّئُهُ مِنْهُ دَعْوَاهُ الْخِيَانَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ طَعَامًا فَسَلَّفَهُ ثُمَّ اشْتَرَى لَهُ بِمِثْلِهِ طَعَامًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْمَالِ وَالطَّعَامُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ وَكَالَتِهِ بِالتَّعَدِّي وَاشْتَرَى بِغَيْرِ مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ، وَلَا الْمُوصَى أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ نَفْسِهِ، وَمَنْ بَاعَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَبَيْعُهُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَلَفٌ عَلَى صَاحِبِهِ فَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَمَعْنَاهُ وَلَوْ قَالَ أَمَرْتُك أَنْ تَشْتَرِيَ لِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِعَشَرَةٍ فَاشْتَرَيْتهَا بِعِشْرِينَ فَقَالَ الْوَكِيلُ بَلْ أَمَرْتنِي بِعِشْرِينَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَتَكُونُ الْجَارِيَةُ فِي الْحُكْمِ لِلْوَكِيلِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَالشَّافِعِيُّ يُحِبُّ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَرْفُقَ الْحَاكِمُ بِالْآمِرِ لِلْمَأْمُورِ فَيَقُولُ إنْ كُنْت أَمَرْته أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِعِشْرِينَ فَقُلْ بِعْته إيَّاهَا بِعِشْرِينَ، وَيَقُولُ الْآخَرُ قَدْ قَبِلْتُ لِيَحِلَّ لَهُ الْفَرْجُ وَلِمَنْ يَبْتَاعُهُ مِنْهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً فَاشْتَرَى غَيْرَهَا أَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ جَارِيَةً فَزَوَّجَهُ غَيْرَهَا بَطَلَ النِّكَاحُ وَكَانَ الشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي لَا لِلْآمِرِ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَكَّلَنِي فُلَانٌ بِقَبْضِهِ مِنْك فَصَدَّقَهُ وَدَفَعَهُ وَتَلِفَ وَأَنْكَرَ رَبُّ الْحَقِّ أَنْ يَكُونَ وَكَّلَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ فَإِذَا أَغْرَمَ الدَّافِعَ لَمْ يَرْجِعْ الدَّافِعُ عَلَى الْقَابِضِ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ وَكِيلٌ بَرِئَ، وَإِنْ أَغْرَمَ الْقَابِضَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الدَّافِعِ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَظْلُومٌ بَرِئَ. وَإِنْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ سِلْعَةٍ فَبَاعَهَا نَسِيئَةً كَانَ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مَا وَكَّلَهُ إلَّا بِالنَّقْدِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ سِلْعَةٍ فَأَصَابَ بِهَا عَيْبًا كَانَ لَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ مَا رَضِيَ بِهِ الْآمِرُ وَكَذَلِكَ الْمُقَارِضُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَمَعْنَاهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ) : الْمُزَنِيّ: وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ، وَقَدْ وَكَّلَ هَذَا بِقَبْضِهِ لَمْ يَقْضِ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ بِدَفْعِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِتَوْكِيلِ غَيْرِهِ فِي مَالٍ لَا يَمْلِكُهُ، وَيَقُولُ لَهُ إنْ شِئْتَ فَادْفَعْ أَوْ دَعْ، وَلَا أُجْبِرُك عَلَى أَنْ تَدْفَعَ. (قَالَ) : وَلِلْوَكِيلِ وَلِلْمُقَارِضِ أَنْ يَرُدَّا مَا اشْتَرَيَا بِالْعَيْبِ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُحَلِّفَهُمَا مَا رَضِيَ رَبُّ الْمَالِ، وَقَالَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ تَعَدَّيَا لَمْ يُنْتَقَضْ الْبَيْعُ وَلَزِمَهُمَا الثَّمَنُ وَكَانَتْ التِّبَاعَةُ عَلَيْهِمَا لِرَبِّ الْمَالِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 210 [كِتَابُ الْإِقْرَارِ] [بَابُ الْإِقْرَارِ بِالْحُقُوقِ وَالْمَوَاهِبِ وَالْعَارِيَّةِ] ِ بَابُ الْإِقْرَارِ بِالْحُقُوقِ وَالْمَوَاهِبِ وَالْعَارِيَّةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَجُوزُ إلَّا إقْرَارُ بَالِغٍ حُرٍّ رَشِيدٍ، وَمَنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعَهُ لَمْ يَجُزْ إقْرَارَهُ فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ ثُمَّ جَحَدَ قِيلَ لَهُ أَقْرِرْ بِمَا شِئْت مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ شَيْءٍ مِنْ مَالٍ أَوْ تَمْرَةٍ أَوْ فَلْسٍ وَاحْلِفْ مَا لَهُ قِبَلَك غَيْرَهُ فَإِنْ أَبِي حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَى مَا ادَّعَى وَاسْتَحَقَّهُ مَعَ نُكُولِ صَاحِبِهِ، وَسَوَاءٌ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَالٌ أَوْ مَالٌ كَثِيرٌ أَوْ عَظِيمٌ فَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَالٍ فَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا أَعْلَمُهُ خَبَرًا، وَلَا قِيَاسًا أَرَأَيْت إذَا أَغْرَمْت مِسْكِينًا يَرَى الدِّرْهَمَ عَظِيمًا أَوْ خَلِيفَةً يَرَى أَلْفَ أَلْفٍ قَلِيلًا إذَا أَقَرَّ بِمَالٍ عَظِيمٍ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَالْعَامَّةُ تَعْلَمُ أَنَّ مَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ مِنْ مَخْرَجِ قَوْلَيْهِمَا مُخْتَلِفٌ فَظَلَمْتُ الْمُقَرَّ لَهُ إذْ لَمْ تُعْطِهِ مِنْ خَلِيفَةٍ إلَّا التَّافِهَ وَظَلَمْتُ الْمِسْكِينَ إذْ أَغْرَمْتَهُ أَضْعَافَ الْعَظِيمِ إذْ لَيْسَ عِنْدَك فِي ذَلِكَ إلَّا مَحْمَلُ كَلَامِ النَّاسِ، وَسَوَاءٌ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ أَوْ عَظِيمَةٌ أَوْ لَمْ يَقُلْهَا فَهِيَ ثَلَاثَةٌ. وَإِذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ، وَلَمْ يُسَمِّ الْأَلْفَ قِيلَ لَهُ أَعْطِهِ أَيَّ أَلْفٍ شِئْتَ فُلُوسًا أَوْ غَيْرَهَا وَاحْلِفْ أَنَّ الْأَلْفَ الَّتِي أَقْرَرْت بِهَا هِيَ هَذِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ وَعَبْدٍ أَوْ أَلْفٍ وَدَارٍ لَمْ يَجْعَلْ الْأَلْفَ الْأَوَّلَ عَبِيدًا أَوْ دُورًا، وَإِذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا دِرْهَمًا قِيلَ لَهُ أَقِرَّ لَهُ بِأَيِّ أَلْفٍ شِئْت إذَا كَانَ الدِّرْهَمُ مُسْتَثْنًى مِنْهَا، وَيَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا كُرَّ حِنْطَةٍ أَوْ إلَّا عَبْدًا أَجْبَرْتُهُ عَلَى أَنْ يُبْقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَإِنْ أَقَرَّ بِثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ أَوْ تَمْرٍ فِي جِرَابٍ فَالْوِعَاءُ لِلْمُقِرِّ، وَإِنْ قَالَ لَهُ قِبَلِي كَذَا أَقَرَّ بِمَا شَاءَ وَاحِدًا، وَلَوْ قَالَ كَذَا وَكَذَا أَقَرَّ بِمَا شَاءَ اثْنَيْنِ، وَإِنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا قِيلَ لَهُ أَعْطِهِ دِرْهَمَيْنِ؛ لِأَنَّ كَذَا يَقَعُ عَلَى دِرْهَمٍ. ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا قِيلَ لَهُ أَعْطِهِ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ كَذَا يَقَعُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَهَذَا خِلَافُ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ كَذَا يَقَعُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ، وَلَا يُعْطَى إلَّا الْيَقِينُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْإِقْرَارُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ سَوَاءٌ يَتَحَاصُّونَ مَعًا، وَلَوْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ فَلَمْ يَمُتْ حَتَّى حَدَثَ لَهُ وَارِثٌ يَحْجُبُهُ فَالْإِقْرَارُ لَازِمٌ، وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ وَارِثٌ فَمَنْ أَجَازَ الْإِقْرَارَ لِوَارِثٍ أَجَازَهُ، وَمَنْ أَبَاهُ رَدَّهُ، وَلَوْ أَقَرَّ لِغَيْرِ وَارِثٍ فَصَارَ وَارِثًا بَطَلَ إقْرَارُهُ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ ابْنَ هَذِهِ الْأَمَةِ وَلَدُهُ مِنْهَا، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ ابْنُهُ، وَهُمَا حُرَّانِ بِمَوْتِهِ، وَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ الَّذِي قَدْ يَكُونُ مُؤَجَّلًا، وَيَجُوزُ إبْطَالُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ حُرِّيَّةٍ بَعْدَ ثُبُوتِهَا، وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِحَمْلٍ بِدَيْنٍ كَانَ الْإِقْرَارُ بَاطِلًا حَتَّى يَقُولَ كَانَ لِأَبِي هَذَا الْحَمْلُ أَوْ لِجَدِّهِ عَلَيَّ مَالٌ وَهُوَ وَارِثُهُ فَيَكُونُ إقْرَارًا لَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا عِنْدِي خِلَافُ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي الرَّجُلِ يُقِرُّ أَنَّ فُلَانًا وَكِيلٌ لِفُلَانٍ فِي قَبْضِ مَا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِدَفْعِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِالتَّوْكِيلِ فِي مَالٍ لَا يَمْلِكُهُ، وَيَقُولُ لَهُ إنْ شِئْتَ فَادْفَعْ أَوْ دَعْ وَكَذَلِكَ هَذَا إذَا أَقَرَّ بِمَالٍ لِرَجُلٍ وَأَقَرَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَاتَ وَوَرِثَهُ غَيْرُهُ وَهَذَا عِنْدِي بِالْحَقِّ أَوْلَى وَهَذَا وَذَاكَ عِنْدِي سَوَاءٌ فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ فِيهِمَا عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ مَاتَ حَيًّا وَأَنْكَرَ الَّذِي لَهُ الْمَالُ الْوَكَالَةَ رَجَعَا عَلَيْهِ بِمَا أَتْلَفَ عَلَيْهِمَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ قَالَ هَذَا الرَّقِيقُ لَهُ إلَّا وَاحِدًا كَانَ لِلْمُقِرِّ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَلَوْ قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 211 غَصَبْت هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ، وَمِلْكُهَا لِفُلَانٍ فَهِيَ لِفُلَانٍ الَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْهُ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ، وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتهَا مِنْ فُلَانٍ لَا بَلْ مِنْ فُلَانٍ كَانَتْ لِلْأَوَّلِ، وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ لِلثَّانِي وَكَانَ الثَّانِي خَصْمًا لِلْأَوَّلِ، وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْعَبْدِ فِي الْمَالِ إلَّا بِأَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي التِّجَارَةِ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ فَمَتَى عَتَقَ، وَمَلَكَ غَرِمَ، وَيَجُوزُ إقْرَارُهُ فِي الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ وَالْحَدِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ. وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ فَأَتَاهُ بِأَلْفٍ فَقَالَ هِيَ هَذِهِ الَّتِي أَقْرَرْت لَك بِهَا كَانَتْ لَك عِنْدِي وَدِيعَةٌ فَقَالَ بَلْ هَذِهِ وَدِيعَةٌ وَتِلْكَ أُخْرَى فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَوْدَعَ شَيْئًا فَجَائِزٌ أَنْ يَقُولَ لِفُلَانٍ عِنْدِي وَلِفُلَانٍ عَلَيَّ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُهْلِكْ، وَقَدْ يُودَعُ فَيَتَعَدَّى فَيَكُونُ عَلَيْهِ دَيْنًا فَلَا أُلْزِمُهُ إلَّا بِالْيَقِينِ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةٌ أَوْ مُضَارَبَةٌ دَيْنًا كَانَتْ دَيْنًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَدَّى فِيهَا فَتَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ دَفَعَهَا إلَيَّ أَمَانَةً عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَهَا لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا بِشَرْطِ ضَمَانِ مَا أَصْلُهُ أَمَانَةٌ، وَلَوْ قَالَ لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ أَلْفُ دِرْهَمٍ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ فَإِنْ قَالَ: نَفِدَ فِيهِ أَلْفًا قِيلَ كَمْ لَك مِنْهُ؟ فَمَا قَالَ إنَّهُ لَهُ مِنْهُ اشْتَرَاهُ بِهِ فَهُوَ كَمَا قَالَ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا أَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يُغْبَنَانِ، وَيَغْبِنَانِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ كَانَ إقْرَارًا عَلَى أَبِيهِ بِدَيْنٍ وَلَوْ قَالَ فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبَى كَانَتْ هِبَةً إلَّا أَنْ يُرِيدَ إقْرَارًا. وَلَوْ قَالَ لَهُ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ عَارِيَّةٌ كَانَتْ مَضْمُونَةً، وَلَوْ أَقَرَّ فِي عَبْدٍ فِي يَدِهِ لِفُلَانٍ وَأَقَرَّ الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي تَرَكَهُ أَبُوهُ لِفُلَانٍ ثُمَّ وَصَلَ أَوْ لَمْ يَصِلْ دَفَعَهُ أَوْ لَمْ يَدْفَعْهُ فَقَالَ بَلْ لِفُلَانٍ آخَرَ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ، وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ لِلْآخَرِ، وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى إبْطَالِ إقْرَارِهِ فِي مَالٍ قَدْ قَطَعَهُ لِلْأَوَّلِ، وَإِذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَرَدَّا ثُمَّ اشْتَرَيَاهُ فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْبَائِعُ رَدَّ الثَّمَنَ، وَكَانَ لَهُ الْوَلَاءُ، وَإِنْ كَذَّبَهُمَا عَتَقَ بِإِقْرَارِهِمَا، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ وَتَرَكَ مَالًا كَانَ مَوْقُوفًا حَتَّى يُصَدِّقَهُمَا فَيَرُدَّ الثَّمَنَ إلَيْهِمَا وَالْوَلَاءُ لَهُ دُونَهُمَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَصْلُ قَوْلِهِ أَنَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ مُنِعَهُ ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ أَخَذَهُ، وَلَا يَخْلُو الْمُشْتَرِيَانِ فِي قَوْلِهِمَا فِي الْعِتْقِ مِنْ صِدْقٍ أَوْ كَذِبٍ فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُمَا صِدْقًا فَالثَّمَنُ دَيْنٌ لَهُمَا عَلَى الْجَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَوْلًى لَهُ، وَمَا تَرَكَ فَهُوَ لِمَوْلَاهُ، وَلَهُمَا أَخْذُ الثَّمَنِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُمَا كَذِبًا فَهُوَ عَبْدُهُمَا، وَمَا تَرَكَ فَهُوَ لَهُمَا، وَالْيَقِينُ أَنَّ لَهُمَا قَدْرَ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرَ بَائِعِهِ وَتَرَكَ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ مَا تَرَكَ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا غَيْرُهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ ثُمَّ قَالَ هِيَ نَقْصٌ أَوْ زَيْفٌ لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ قَالَ هِيَ مِنْ سِكَّةِ كَذَا وَكَذَا صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ كَانَ أَدْنَى الدَّرَاهِمِ أَوْ أَوْسَطُهَا أَوْ جَائِزَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ غَيْرِ جَائِزَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ أَعْطَاهُ أَيَّ ثَوْبٍ أَقَرَّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَلْبَسُهُ أَهْلُ بَلَدِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ دُرَيْهِمٌ أَوْ دُرَيْهِمَاتٌ فَهِيَ وَازِنَةٌ قَضَاءً عَلَى قَوْلِهِ إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ فَهِيَ وَازِنَةٌ، وَلَا يُشْبِهُ الثَّوْبُ نَقْدَ الْبَلَدِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِدِرْهَمٍ سِلْعَةً جَازَ لِمَعْرِفَتِهِمَا بِنَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِثَوْبٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِجَهْلِهِمَا بِالثَّوْبِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي دِينَارٍ فَإِنْ أَرَادَ دِرْهَمًا وَدِينَارًا، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ فَهُمَا دِرْهَمَانِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ قِيلَ إنْ أَرَدْت فَدِرْهَمٌ لَازِمٌ فَهُوَ دِرْهَمٌ، وَلَوْ قَالَ دِرْهَمٌ تَحْتَ دِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمٌ أَوْ فَوْقَ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ لِجَوَازِ أَنْ يَقُولَ فَوْقَ دِرْهَمٍ فِي الْجَوْدَةِ أَوْ تَحْتَهُ فِي الرَّدَاءَةِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمٌ مَعَهُ دِينَارٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقُولُ مَعَ دِينَارٍ لِي وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ قَبْلَهُ دِرْهَمٌ أَوْ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ دِرْهَمَانِ. وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ قَفِيزُ حِنْطَةٍ مَعَهُ دِينَارٌ كَانَ عَلَيْهِ قَفِيزٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقُولُ مَعَ دِينَارٍ لِي، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ قَفِيرٌ لَا بَلْ قَفِيزَانِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا قَفِيزَانِ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِينَارٌ لَا بَلْ قَفِيزُ حِنْطَةٍ كَانَ مُقِرًّا بِهِمَا ثَابِتًا عَلَى الْقَفِيزِ رَاجِعًا عَنْ الدِّينَارِ فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِينَارٌ فَقَفِيزُ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ الدِّينَارُ، وَلَمْ تَلْزَمْهُ الْحِنْطَةُ وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ يَوْمَ السَّبْتِ بِدِرْهَمٍ وَأَقَرَّ لَهُ يَوْمَ الْأَحَدِ بِدِرْهَمٍ فَهُوَ دِرْهَمٌ. وَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَكَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ فَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ مِنْ بَعْدِهِ هِيَ وَدِيعَةٌ، وَقَدْ هَلَكَتْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ ضَمِنَ ثُمَّ ادَّعَى الْخُرُوجَ فَلَا يُصَدَّقُ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ مِنْ مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ سُئِلَ فَإِنْ قَالَ هِبَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 212 إلَى نَفْسِهِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ وَرَثَتُهُ. وَلَوْ قَالَ لَهُ مِنْ دَارِي هَذِهِ نِصْفُهَا فَإِنْ قَالَ هِبَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهَا إلَى نَفْسِهِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ وَرَثَتُهُ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ نِصْفُهَا لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لَك هِبَةٌ عَارِيَّةٌ أَوْ هِبَةٌ سُكْنَى كَانَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْهَا مَتَى شَاءَ. وَلَوْ أَقَرَّ لِلْمَيِّتِ بِحَقٍّ وَقَالَ هَذَا ابْنُهُ وَهَذِهِ امْرَأَتُهُ قُبِلَ مِنْهُ. (قُلْت الْمُزَنِيّ) : هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ فِيمَا مَضَى مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْوَكَالَةِ فِي الْمَالِ وَهَذَا عِنْدِي أَصَحُّ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك جَارِيَتِي هَذِهِ فَأَوْلَدْتهَا. فَقَالَ: بَلْ زَوَّجْتنِيهَا وَهِيَ أَمَتُك فَوَلَدُهَا حُرٌّ وَالْأَمَةُ أُمُّ وَلَدٍ بِإِقْرَارِ السَّيِّدِ، وَإِنَّمَا ظَلَمَهُ بِالثَّمَنِ، وَيَحْلِفُ، وَيَبْرَأُ فَإِنْ مَاتَ فَمِيرَاثُهُ لِوَلَدِهِ مِنْ الْأَمَةِ وَوَلَاؤُهَا مَوْقُوفٌ. وَلَوْ قَالَ لَا أُقِرُّ، وَلَا أُنْكِرُ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حَلَفَ صَاحِبَهُ مَعَ نُكُولِهِ وَاسْتَحَقَّ. وَلَوْ قَالَ وَهَبْت لَك هَذِهِ الدَّارَ وَقَبَضْتهَا ثُمَّ قَالَ لَمْ تَكُنْ قَبَضْتهَا فَأَحْلِفُ أَحَلَفْته لَقَدْ قَبَضَهَا فَإِنْ نَكَلَ رَدَدْت الْيَمِينَ عَلَى صَاحِبِهِ وَرَدَدْتهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَتِمُّ الْهِبَةُ إلَّا بِالْقَبْضِ عَنْ رِضَا الْوَاهِبِ. وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِأَلْفٍ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْعَبْدُ عَتَقَ وَالْأَلْفُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ فَهُوَ حُرٌّ وَالسَّيِّدُ مُدَّعِي الْأَلْفِ وَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ. وَلَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِذِكْرِ حَقٍّ مِنْ بَيْعٍ ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَقْبِضْ الْمَبِيعَ أَحَلَفْته مَا قَبَضَ، وَلَا يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِأَلْفٍ وَآخَرُ بِأَلْفَيْنِ فَإِنْ زَعَمَ الَّذِي شَهِدَ بِالْأَلْفِ أَنَّهُ شَكَّ فِي الْأَلْفَيْنِ وَأَثْبَتَ أَلْفًا فَقَدْ ثَبَتَ لَهُ أَلْفٌ بِشَاهِدَيْنِ فَإِنْ أَرَادَ الْأَلْفَ الْأُخْرَى حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَكَانَتْ لَهُ. وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ وَقَالَ الْآخَرُ مِنْ ثَمَنِ ثِيَابٍ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأَلْفَيْنِ غَيْرُ الْأَلْفِ فَلَا يَأْخُذُ إلَّا بِيَمِينٍ مَعَ كُلِّ شَاهِدٍ مِنْهُمَا. وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ تَكَفَّلَ لَهُ بِمَالٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَأَنْكَرَ الْكُفُولُ لَهُ الْخِيَارَ فَمَنْ جَعَلَ الْإِقْرَارَ وَاحِدًا أَحْلَفَهُ عَلَى الْخِيَارِ وَأَبْرَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِخِيَارٍ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُبَعِّضُ إقْرَارَهُ أَلْزَمَهُ مَا يَضُرُّهُ وَأَسْقَطَ مَا ادَّعَى الْمُخْرِجَ بِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ أَنَّ الْإِقْرَارَ وَاحِدٌ وَكَذَا قَالَ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْخِيَارِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ، وَقَدْ قَالَ إذَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ فَوَصَفَهُ وَوَصَلَهُ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَلَمْ أَجْعَلْ قَوْلًا وَاحِدًا إلَّا حُكْمًا وَاحِدًا، وَمَنْ قَالَ أَجْعَلُهُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مُقِرًّا وَفِي الْأَجَلِ مُدَّعِيًا لَزِمَهُ إذَا أَقَرَّ بِدِرْهَمٍ نَقْدُ الْبَلَدِ فَإِنْ وَصَلَ إقْرَارُهُ بِأَنْ يَقُولَ طَبَرِيٌّ جَعَلَهُ مُدَّعِيًا؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى نَقْصًا مِنْ وَزْنِ الدِّرْهَمِ، وَمِنْ عَيْنِهِ وَلَزِمَهُ لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا عَشَرَةً أَنْ يَلْزَمَهُ أَلْفًا وَلَهُ أَقَاوِيلُ كَذَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ عُهْدَةَ دَارٍ اشْتَرَاهَا وَخَلَاصَهَا وَاسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الضَّامِنِ إنْ شَاءَ وَلَوْ أَقَرَّ أَعْجَمِيٌّ بِأَعْجَمِيَّةٍ كَانَ كَالْإِقْرَارِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ، وَلَمْ يَقُولُوا بِأَنَّهُ صَحِيحُ الْعَقْلِ فَهُوَ عَلَى الصِّحَّةِ حَتَّى يَعْلَمَ غَيْرَهَا. [بَابُ إقْرَارِ الْوَارِثِ بِوَارِثٍ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - الَّذِي أَحْفَظُ مِنْ قَوْلِ الْمَدَنِيِّينَ فِيمَنْ تَرَكَ ابْنَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ أَنَّ نَسَبَهُ لَا يُلْحَقُ، وَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمَعْنًى إذَا ثَبَتَ وَرِثَ وَوَرَّثَ فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ بِذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى لَمْ يَثْبُتْ لَهُ وَهَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ بَاعَ دَارًا مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ فَجَحَدَ الْمُقَرُّ لَهُ الْبَيْعَ فَلَمْ نُعْطِهِ الدَّارَ، وَإِنْ أَقَرَّ صَاحِبُهَا لَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إنَّهَا مِلْكٌ لَهُ إلَّا، وَمَمْلُوكٌ عَلَيْهِ بِهَا شَيْءٌ فَلَمَّا سَقَطَ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا عَلَيْهِ سَقَطَ الْإِقْرَارُ لَهُ فَإِنْ أَقَرَّ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَوَرِثَ وَوَرَّثَ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ وَقَوْلُهُ «هُوَ لَك يَا عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» وَقَالَ فِي الْمَرْأَةِ تَقْدُمُ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ، وَمَعَهَا وَلَدٌ فَيَدَّعِيهِ رَجُلٌ بِأَرْضِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ ابْنُهُ، وَلَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ خَرَجَ إلَى أَرْضِ الرُّومِ فَإِنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ أَمَتَانِ لَا زَوْجَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَوَلَدَتَا وَلَدَيْنِ فَأَقَرَّ السَّيِّدُ أَنَّ أَحَدَهُمَا ابْنُهُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ فَمَاتَ أَرَيْتُهُمَا الْقَافَةَ فَأَيَّهُمَا أَلْحَقُوهُ بِهِ جَعَلْنَاهُ ابْنَهُ وَوَرَّثْنَاهُ مِنْهُ وَجَعَلْنَا أُمَّهُ أُمَّ وَلَدٍ وَأَوْقَفْنَا ابْنَهُ الْآخَرَ وَأُمَّهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَافَةٌ لَمْ نَجْعَلْ وَاحِدًا مِنْهُمَا ابْنَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 213 وَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ أَعْتَقْنَاهُ وَأُمَّهُ وَأَوْقَفْنَا الْآخَرَ وَأُمَّهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَوْ قَالَ عِنْدَ وَفَاتِهِ لِثَلَاثَةِ أَوْلَادٍ لِأَمَتِهِ أَحَدُ هَؤُلَاءِ وَلَدِي، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَلَهُ ابْنٌ مَعْرُوفٌ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ عَتَقَ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ نَسَبٌ، وَلَا مِيرَاثٌ وَأُمُّ الْوَلَدِ تُعْتَقُ بِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُهُ عَلَى أَصْلِهِ الْمَعْرُوفِ أَنْ يَجْعَلَ لِلِابْنِ الْمَجْهُولِ مُورِثًا مَوْقُوفًا يُمْنَعُ مِنْهُ الِابْنُ الْمَعْرُوفُ وَلَيْسَ جَهْلُنَا بِأَيُّهَا الِابْنُ جَهْلًا بِأَنَّ فِيهِمْ ابْنًا، وَإِذَا عَقَلْنَا أَنَّ فِيهِمْ ابْنًا فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ لَهُ مَوْرِثَ ابْنٍ، وَلَوْ كَانَ جَهْلُنَا بِأَيِّهِمْ الِابْنِ جَهْلًا بِأَنَّ فِيهِمْ ابْنًا لَجَهِلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ حُرًّا وَبِيعُوا جَمِيعًا وَأَصْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ طَلَّقَ نِسَاءَهُ إلَّا وَاحِدَةً ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ يُوقَفُ مُورِث وَاحِدَةٍ حَتَّى يَصْطَلِحْنَ، وَلَمْ يُجْعَلْ جَهْلُهُ بِهَا جَهْلًا بِمُورِثِهَا وَهَذَا وَذَاكَ عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ سَوَاءٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَقُولُ أَنَا فِي الثَّلَاثَةِ الْأَوْلَادِ: إنْ كَانَ الْأَكْبَرُ هُوَ الِابْنَ؛ فَهُوَ حُرٌّ وَالْأَصْغَرُ وَالْأَوْسَطُ حُرَّانِ بِأَنَّهُمَا ابْنَا أُمِّ وَلَدٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْسَطُ هُوَ الِابْنَ فَهُوَ حُرٌّ، وَالْأَصْغَرُ حُرٌّ بِأَنَّهُ ابْنُ أُمِّ وَلَدٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْغَرُ هُوَ الِابْنُ فَهُوَ حُرٌّ بِالْبُنُوَّةِ فَالْأَصْغَرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ حُرٌّ لَا شَكَّ فِيهِ فَكَيْفَ يَرِقُّ إذَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ بِالرِّقِّ وَتُمْكِنُ حُرِّيَّةُ الْأَوْسَطِ فِي حَالَيْنِ، وَيَرِقُّ فِي حَالٍ وَتُمْكِنُ حُرِّيَّةُ الْأَكْبَرِ فِي حَالٍ، وَيَرِقُّ فِي حَالَيْنِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا رَقِيقَيْنِ لِلِابْنِ الْمَعْرُوفِ وَالِابْنِ الْمَجْهُولِ نِصْفَيْنِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الِابْنُ هُوَ الْأَكْبَرُ فَيَكُونَ الثَّلَاثَةُ أَحْرَارًا فَالْقِيَاسُ عِنْدِي عَلَى مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنْ أُعْطِيَ الْيَقِينَ وَأَقِفَ الشَّكَّ فَلِلِابْنِ الْمَعْرُوفِ نِصْفُ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ وَاَلَّذِي أَقَرَّ بِهِ ابْنَانِ فَلَهُ النِّصْفُ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَعْرِفَ أَوْ يَصْطَلِحُوا وَالْقِيَاسُ عَلَى مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيُّ الْوَقْفُ إذَا لَمْ أَدْرِ أَهُمَا عَبْدَانِ أَوْ حُرَّانِ أَمْ عَبْدٌ وَحُرٌّ أَنْ يُوقَفَا، وَمُورِث ابْنٍ حَتَّى يَصْطَلِحُوا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَ فُلَانٍ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنَةِ، وَإِنْ قَالُوا بَلَغْنَا أَنَّ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ لَمْ يُقْسَمْ الْمِيرَاثُ حَتَّى يُعْلَمَ كَمْ هُوَ فَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ دُعِيَ الْوَارِثُ بِكَفِيلٍ لِلْمِيرَاثِ، وَلَا تَجْبُرُهُ، وَإِنْ قَالُوا: لَا وَارِثَ غَيْرَهُ قُبِلَتْ عَلَى مَعْنًى لَا نَعْلَمُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى الْإِحَاطَةِ كَانَ خَطَأً، وَلَمْ أُرِدْهُمْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَؤُولُ بِهِمْ إلَى الْعِلْمِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 214 [كِتَابُ الْعَارِيَّةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكُلُّ عَارِيَّةٍ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَإِنْ تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ «اسْتَعَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صَفْوَانَ سِلَاحَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ مُؤَدَّاةٌ» وَقَالَ مَنْ لَا يَضْمَنُ الْعَارِيَّةَ فَإِنْ قُلْنَا إذَا اشْتَرَطَ الْمُسْتَعِيرُ الضَّمَانَ ضَمِنَ قُلْت إذًا تَتْرُكُ قَوْلَك قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت مَا تَقُولُ فِي الْوَدِيعَةِ إذَا اشْتَرَطَ الْمُسْتَوْدِعُ أَوْ الْمُضَارِبُ الضَّمَانَ أَهُوَ ضَامِنٌ؟ قَالَ لَا يَكُونُ ضَامِنًا قُلْت فَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَى الْمُسْتَسْلِفِ أَنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ أَيَبْرَأُ؟ قَالَ لَا قُلْت، وَيَرُدُّ مَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ إلَى أَصْلِهِ، وَمَا كَانَ مَضْمُونًا إلَى أَصْلِهِ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ فِيهِمَا؟ قَالَ نَعَمْ. قُلْت: وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تَقُولَ فِي الْعَارِيَّةِ وَكَذَلِكَ شَرَطَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُشْتَرَطُ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ لِمَا لَا يُضْمَنُ قَالَ فَلِمَ شَرَطَ؟ قُلْت لِجَهَالَةِ صَفْوَانَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُشْرِكًا لَا يَعْرِفُ الْحُكْمَ وَلَوْ عَرَفَهُ مَا ضَرَّهُ شَرْطُهُ لَهُ قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا أَحَدٌ؟ قُلْت: فِي هَذَا كِفَايَةٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ إنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ. (قَالَ) : وَلَوْ قَالَ رَبُّ الدَّابَّةِ أَكْرَيْتُكَهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا وَقَالَ الرَّاكِبُ بَلْ عَارِيَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَوْ قَالَ أَعَرْتنِيهَا وَقَالَ رَبُّهَا غَصَبْتنِيهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَعِيرِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا عِنْدِي خِلَافُ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ مَنْ سَكَنَ دَارَ رَجُلٍ كَمَنْ تَعَدَّى عَلَى سِلْعَتِهِ فَأَتْلَفَهَا فَلَهُ قِيمَةُ السُّكْنَى، وَقَوْلُهُ مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَ، وَمَنْ ادَّعَى الْبَرَاءَةَ لَمْ يَبْرَأْ فَهَذَا مُقِرٌّ بِأَخْذِ سُكْنَى وَرُكُوبِ دَابَّةٍ، وَمُدَّعٍ الْبَرَاءَةَ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَعَلَى الْمُنْكِرِ رَبِّ الدَّابَّةِ وَالدَّارِ الْيَمِينُ، وَيَأْخُذُ الْقِيمَةَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ تَعَدَّى فِي وَدِيعَةٍ ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا الَّذِي كَانَتْ فِيهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْأَمَانَةِ، وَلَمْ يُحْدِثْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ اسْتِئْمَانًا فَلَا يَبْرَأُ حَتَّى يَدْفَعَهَا إلَيْهِ، وَإِذَا أَعَارَهُ بُقْعَةً يَبْنِي فِيهَا بِنَاءً لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْبُقْعَةِ أَنْ يُخْرِجَهُ حَتَّى يُعْطِيَهُ قِيمَةَ بِنَائِهِ قَائِمًا يَوْمَ يُخْرِجُهُ، وَلَوْ وَقَّتَ لَهُ وَقْتًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْبِنَاءِ مُطْلَقًا وَلَكِنْ لَوْ قَالَ فَإِنْ انْقَضَى الْوَقْتُ كَانَ عَلَيْك أَنْ تَنْقُضَ بِنَاءَك كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ إنَّمَا غَرَّ نَفْسَهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 215 [كِتَابُ الْغَصْبِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِذَا شَقَّ رَجُلٌ لِرَجُلٍ ثَوْبًا شَقًّا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا يَأْخُذُ مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ طُولًا وَعَرْضًا أَوْ كَسَرَ لَهُ شَيْئًا كَسْرًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا أَوْ رَضَّضَهُ أَوْ جَنَى لَهُ عَلَى مَمْلُوكٍ فَأَعْمَاهُ أَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ، وَيُقَوَّمُ الْمَتَاعُ كُلُّهُ، وَالْحَيَوَانُ غَيْرُ الرَّقِيقِ صَحِيحًا، وَمَكْسُورًا أَوْ صَحِيحًا، وَمَجْرُوحًا قَدْ بَرِئَ مِنْ جُرْحِهِ ثُمَّ يُعْطِي مَالِكَ ذَلِكَ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، وَيَكُونُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لِصَاحِبِهِ نَفَعَهُ أَوْ لَمْ يَنْفَعْهُ فَأَمَّا مَا جَنَى عَلَيْهِ مِنْ الْعَبْدِ فَيُقَوَّمُ صَحِيحًا قَبْلَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى الْجِنَايَةِ فَيُعْطَى أَرْشُهَا مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ صَحِيحًا كَمَا يُعْطَى الْحُرُّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ مِنْ دِيَتِهِ بَالِغًا ذَلِكَ مَا بَلَغَ، وَلَوْ كَانَتْ قِيَمًا كَمَا يَأْخُذُ الْحُرُّ دِيَاتٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَكَيْفَ غَلِطَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إنْ جَنَى عَلَى عَبْدِي فَلَمْ يُفْسِدْهُ أَخَذْته وَقِيمَةَ مَا نَقَصَهُ، وَإِنْ زَادَ الْجَانِي مَعْصِيَةَ اللَّهِ - تَعَالَى - فَأَفْسَدَهُ سَقَطَ حَقِّي إلَّا أَنْ أُسْلِمَهُ يَمْلِكُهُ الْجَانِي فَيَسْقُطُ حَقِّي بِالْفَسَادِ حِينَ عَظُمَ، وَيَثْبُتُ حِينَ صَغُرَ، وَيَمْلِكُ عَلَيَّ حِينِ عَصَى فَأَفْسَدَ فَلَمْ يَمْلِكْ بَعْضًا بِبَعْضِ مَا أَفْسَدَ وَهَذَا الْقَوْلُ خِلَافٌ لِأَصْلِ حُكْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ الْمَالِكِينَ عَلَى مِلْكِهِمْ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهِمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ وَخِلَافُ الْمَعْقُولِ وَالْقِيَاسِ. (قَالَ) : وَلَوْ غَصَبَ جَارِيَةً تُسَاوِي مِائَةً فَزَادَتْ فِي يَدِهِ بِتَعْلِيمٍ مِنْهُ أَوْ لِسِمَنٍ وَاعْتِنَاءٍ مِنْ مَالِهِ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي أَلْفًا ثُمَّ نَقَصَتْ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي مِائَةً فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَتِسْعَمِائَةٍ مَعَهَا كَمَا تَكُونُ لَهُ لَوْ غَصَبَهُ إيَّاهَا وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفًا فَنَقَصَتْ تِسْعَمِائَةٍ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْحُكْمُ فِي وَلَدِهَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْغَصْبِ كَالْحُكْمِ فِي بَدَنِهَا، وَلَوْ بَاعَهَا الْغَاصِبُ فَأَوْلَدَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا الْمَغْصُوبُ أُخِذَ مِنْ الْمُشْتَرِي مَهْرَهَا وَقِيمَتَهَا إنْ كَانَتْ مَيْتَةً وَأَخَذَهَا إنْ كَانَتْ حَيَّةً وَأَخَذَ مِنْهُ قِيمَةَ أَوْلَادِهَا يَوْمَ سَقَطُوا أَحْيَاءَ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ مَنْ سَقَطَ مَيِّتًا، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ بِجَمِيعِ مَا ضَمِنَهُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، وَلَا أَرُدُّهُ بِالْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ كَالشَّيْءِ يُتْلِفُهُ فَلَا يَرْجِعُ بِغُرْمِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِذَا كَانَ الْغَاصِبُ هُوَ الَّذِي أَوْلَدَهَا أَخَذَهَا، وَمَا نَقَصَهَا، وَمَهْرَ مِثْلِهَا وَجَمِيعَ وَلَدِهَا وَقِيمَةَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مَيِّتًا وَعَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ لَمْ يَأْتِ بِشُبْهَةٍ فَإِنْ كَانَ ثَوْبًا فَأَبْلَاهُ الْمُشْتَرِي أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا يَوْمَ غَصْبِهِ وَبَيْنَ قِيمَتِهِ، وَقَدْ أَبْلَاهُ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَ وَلَسْت أَنْظُرُ فِي الْقِيمَةِ إلَى تَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ، وَإِنَّمَا أَنْظُرُ إلَى تَغَيُّرِ الْأَبْدَانِ، وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ دَابَّةً فَشَغَلَهَا الْغَاصِبُ أَوْ لَمْ يَشْغَلْهَا أَوْ دَارًا فَسَكَنَهَا أَوْ أَكْرَاهَا أَوْ لَمْ يَسْكُنْهَا، وَلَمْ يُكْرِهَا فَعَلَيْهِ كِرَاءٌ مِثْلُ كِرَاءِ ذَلِكَ مِنْ حِينِ أَخَذَهُ حَتَّى يَرُدَّهُ وَلَيْسَ الْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ إلَّا لِلْمَالِكِ الَّذِي قَضَى لَهُ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَدْخَلَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ الْغَاصِبَ إذَا ضَمِنَ سَقَطَ عَنْهُ الْكِرَاءُ قَوْلُهُ إذَا اكْتَرَى قَمِيصًا فائتزر بِهِ أَوْ بَيْتًا فَنَصَبَ فِيهِ رَحًى أَنَّهُ ضَامِنٌ وَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ. قَالَ: وَلَوْ اسْتَكْرَهَ أَمَةً أَوْ حُرَّةً فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ، وَلَا مَعْنَى لِلْجِمَاعِ إلَّا فِي مَنْزِلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا: أَنْ تَكُونَ هِيَ زَانِيَةٌ مَحْدُودَةٌ فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَمَنْزِلَةٌ تَكُونُ مُصَابَةً بِنِكَاحٍ فَلَهَا مَهْرُهَا، وَمَنْزِلَةٌ تَكُونُ شُبْهَةً بَيْنَ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالزِّنَا الصَّرِيحِ فَلَمَّا لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهَا إذَا أُصِيبَتْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهَا وَلَهَا الْمَهْرُ عِوَضًا مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 216 الْجِمَاعِ انْبَغَى أَنْ يَحْكُمُوا لَهَا إذَا اُسْتُكْرِهَتْ بِمَهْرٍ عِوَضًا مِنْ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُبِحْ نَفْسَهَا فَإِنَّهَا أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الْعَاصِيَةِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ إذَا كَانَتْ عَالِمَةً. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي السَّرِقَةِ حُكْمَانِ أَحَدُهُمَا لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَالْآخَرُ لِلْآدَمِيِّينَ فَإِذَا قُطِعَ لِلَّهِ - تَعَالَى - أُخِذَ مِنْهُ مَا سَرَقَ لِلْآدَمِيِّينَ فَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ فَقِيمَتُهُ؛ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَحَدًا ضَمِنَ مَالًا بِعَيْنِهِ بِغَصْبٍ أَوْ عُدْوَانٍ فَيَفُوتُ إلَّا ضَمِنَ قِيمَتَهُ، وَلَا أَجِدُ فِي ذَلِكَ مُوسِرًا مُخَالِفًا لِمُعْسِرٍ. وَفِي الْمُغْتَصَبَةِ: حُكْمَانِ. أَحَدُهُمَا لِلَّهِ وَالْآخَرُ لِلْمُغْتَصِبَةِ بِالْمَسِيسِ الَّذِي الْعِوَضُ مِنْهُ الْمَهْرُ فَأَثْبَتَ ذَلِكَ وَالْحَدُّ عَلَى الْمُغْتَصِبِ كَمَا أَثْبَتَ الْحَدَّ وَالْغُرْمَ عَلَى السَّارِقِ. وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْلَعَ غَرَسَهُ، وَيَرُدَّ مَا نَقَصَتْ الْأَرْضُ وَلَوْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا فَأَرَادَ الْغَاصِبُ دَفْنَهَا فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَنْفَعْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّقَ دَارًا كَانَ لَهُ نَزْعُ التَّزْوِيقِ حَتَّى يَرُدَّ ذَلِكَ بِحَالِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَقَلَ عَنْهَا تُرَابًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا نَقَلَ عَنْهَا حَتَّى يُوَفِّيَهُ إيَّاهَا بِالْحَالِ الَّتِي أَخَذَهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : غَيْرَ هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَوْ غَصَبَ غَزْلًا فَنَسَجَهُ ثَوْبًا أَوْ نُقْرَةً فَطَبَعَهَا دَنَانِيرَ أَوْ طِينًا فَضَرَبَهُ لَبِنًا فَهَذَا أَثَرٌ لَا عَيْنٌ، وَمَنْفَعَةٌ لِلْمَغْصُوبِ، وَلَا حَقَّ فِي ذَلِكَ لِلْغَاصِبِ فَكَذَلِكَ نَقْلُ التُّرَابِ عَنْ الْأَرْضِ. وَالْبِئْرُ إذَا لَمْ تُبْنَ بِطُوبٍ أَثَرٌ لَا عَيْنٌ، وَمَنْفَعَةٌ لِلْمَغْصُوبِ، وَلَا حَقَّ فِي ذَلِكَ لِلْغَاصِبِ مَعَ أَنَّ هَذَا فَسَادٌ لِنَفَقَتِهِ، وَإِتْعَابُ بَدَنِهِ وَأَعْوَانِهِ بِمَا فِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَى أَخِيهِ، وَلَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ غَصَبَ جَارِيَةً فَهَلَكَتْ فَقَالَ ثَمَنُهَا عَشَرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ فَعَلَيْهِ مِثْلُ كَيْلِهِ وَوَزْنِهِ وَلَوْ كَانَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ فَزَادَ فِي قِيمَتِهِ قِيلَ لِلْغَاصِبِ: إنْ شِئْت فَاسْتَخْرِجْ الصَّبْغَ عَلَى أَنَّك ضَامِنٌ لِمَا نَقَصَ، وَإِنْ شِئْت فَأَنْتَ شَرِيكٌ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فَإِنْ مَحَقَ الصَّبْغَ فَلَمْ تَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ قِيلَ لَيْسَ لَك هَا هُنَا مَالٌ يَزِيدُ فَإِنْ شِئْت فَاسْتَخْرِجْهُ وَأَنْتَ ضَامِنٌ لِنُقْصَانِ الثَّوْبِ، وَإِنْ شِئْت فَدَعْهُ، وَإِنْ كَانَ يَنْقُصُ الثَّوْبَ ضَمِنَ النُّقْصَانَ، وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ الصَّبْغَ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ مَا نَقَصَ الثَّوْبَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا نَظِيرُ مَا مَضَى فِي نَقْلِ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ كَانَ زَيْتًا فَخَلَطَهُ بِمِثْلِهِ أَوْ خَيْرٍ مِنْهُ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مِنْ هَذَا مَكِيلَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مِثْلَ زَيْتِهِ، وَإِنْ خَلَطَهُ بِشَرٍّ مِنْهُ أَوْ صَبَّهُ فِي بَانٍ فَعَلَيْهِ مِثْلُ زَيْتِهِ وَلَوْ أَغْلَاهُ عَلَى النَّارِ أَخَذَهُ، وَمَا نَقَصَتْ مَكِيلَتُهُ أَوْ قِيمَتُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ خَلَطَ دَقِيقًا بِدَقِيقٍ. فَكَالزَّيْتِ، وَإِنْ كَانَ قَمْحًا فَعَفِنَ عِنْدَهُ رَدَّهُ وَقِيمَةَ مَا نَقَصَ، وَإِنْ غَصَبَهُ ثَوْبًا وَزَعْفَرَانًا فَصَبَغَهُ بِهِ فَرَبُّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهُ أَبْيَضَ وَزَعْفَرَانُهُ صَحِيحًا وَضَمَّنَهُ قِيمَةَ مَا نَقَصَ. وَلَوْ كَانَ لَوْحًا فَأَدْخَلَهُ فِي سَفِينَةٍ أَوْ بَنَى عَلَيْهِ جِدَارًا أُخِذَ بِقَلْعِهِ أَوْ خَيْطًا خَاطَ بِهِ ثَوْبَهُ فَإِنْ خَاطَ بِهِ جُرْحَ إنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ ضَمِنَ الْخَيْطَ، وَلَمْ يُنْزَعْ. وَلَوْ غَصَبَ طَعَامًا فَأَطْعَمَهُ مَنْ أَكَلَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ كَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ أَخْذُ الْغَاصِبِ بِهِ فَإِنْ غَرِمَهُ فَلَا شَيْءَ لِلْوَاهِبِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَوْهُوبَ لَهُ فَإِنْ غَرِمَهُ فَقَدْ قِيلَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْوَاهِبِ وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ بِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ: إنَّ هِبَةَ الْغَاصِبِ لَا مَعْنَى لَهَا، وَقَدْ أَتْلَفَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَا لَيْسَ لَهُ، وَلَا لِلْوَاهِبِ فَعَلَيْهِ غُرْمُهُ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ فَإِنْ غَرِمَهُ الْغَاصِبُ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ هَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ حَلَّ دَابَّةً أَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ فَوَقَفَا ثُمَّ ذَهَبَا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُمَا أَحْدَثَا الذَّهَابَ وَلَوْ حَلَّ زِقًّا أَوْ رَاوِيَةً فَانْدَفِقَا ضَمِنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزِّقُّ ثَبَتَ مُسْتَنِدًا فَكَانَ الْحَلُّ لَا يَدْفَعُ مَا فِيهِ ثُمَّ سَقَطَ بِتَحْرِيكٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْحَلَّ قَدْ كَانَ، وَلَا جِنَايَةَ فِيهِ، وَلَوْ غَصَبَهُ دَارًا فَقَالَ الْغَاصِبُ هِيَ بِالْكُوفَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَوْ غَصَبَهُ دَابَّةً فَضَاعَتْ فَأَدَّى قِيمَتَهَا ثُمَّ ظَهَرَتْ رُدَّتْ عَلَيْهِ وَرُدَّ مَا قَبَضَ مِنْ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ قِيمَتَهَا عَلَى أَنَّهَا فَائِتَةٌ فَكَأَنَّ الْفَوْتَ قَدْ بَطَلَ لَمَّا وُجِدَتْ وَلَوْ كَانَ هَذَا بَيْعًا مَا جَازَ أَنْ تُبَاعَ دَابَّةٌ غَائِبَةٌ كَعَيْنٍ جَنَى عَلَيْهَا فَابْيَضَّتْ أَوْ عَلَى سِنِّ صَبِيٍّ فَانْقَلَعَتْ فَأَخَذَ أَرْشَهَا بَعْدَ أَنْ أَيِسَ مِنْهَا ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ وَنَبَتَتْ السِّنُّ فَلَمَّا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 217 عَادَا رَجَعَ حَقُّهُمَا وَبَطَلَ الْأَرْشُ بِذَلِكَ فِيهِمَا. (وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ) : وَلَوْ قَالَ الْغَاصِبُ أَنَا أَشْتَرَيْتهَا مِنْك وَهِيَ فِي يَدِي قَدْ عَرَفْتهَا فَبَاعَهُ إيَّاهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنَعَ بَيْعَ الْغَائِبِ فِي إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَجَازَهُ فِي الْأُخْرَى. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ بَاعَهُ عَبْدًا وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْ رَجُلٍ فَإِنْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي نَقَضْنَا الْبَيْعَ وَرَدَدْنَاهُ إلَى رَبِّهِ، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى إبْطَالِ الْبَيْعِ، وَيُصَدَّقُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ، وَإِنْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى رَبِّهِ الْمُقَرِّ لَهُ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَعْتَقَهُ ثُمَّ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّهُ لِلْمَغْصُوبِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي رَدِّ الْعِتْقِ وَلِلْمَغْصُوبِ الْقِيمَةُ إنْ شَاءَ أَخَذْنَاهَا لَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْمُعْتِقِ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ مَا لَا يَمْلِكُ. وَإِنْ كَسَرَ لِنَصْرَانِيٍّ صَلِيبًا فَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ الْمَنَافِعِ مُفَصَّلًا فَعَلَيْهِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مُفَصَّلًا، وَمَكْسُورًا، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَاقَ لَهُ خَمْرًا أَوْ قَتَلَ لَهُ خِنْزِيرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا قِيمَةَ لِمُحَرَّمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ مِلْكٌ وَاحْتَجَّ عَلَى مَنْ جَعَلَ لَهُ قِيمَةَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّهُمَا مَالُهُ فَقَالَ أَرَأَيْت مَجُوسِيًّا اشْتَرَى بَيْنَ يَدَيْك غَنَمًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ وَقَذَهَا كُلَّهَا لِيَبِيعَهَا فَحَرَقَهَا مُسْلِمٌ أَوْ مَجُوسِيٌّ فَقَالَ لَك هَذَا مَالِي وَهَذِهِ ذَكَاتُهُ عِنْدِي وَحَلَالٌ فِي دِينِي وَفِيهِ رِبْحٌ كَثِيرٌ وَأَنْتَ تُقِرُّنِي عَلَى بَيْعِهِ وَأَكْلِهِ وَتَأْخُذُ مِنِّي الْجِزْيَةَ عَلَيْهِ فَخُذْ لِي قِيمَتَهُ فَقَالَ أَقُولُ لَيْسَ ذَلِكَ بِاَلَّذِي يُوجِبُ لَك أَنْ أَكُونَ شَرِيكًا لَك فِي الْحَرَامِ، وَلَا حَقَّ لَك قَالَ فَكَيْفَ حَكَمْت بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ وَهُمَا عِنْدَك حَرَامٌ [مُخْتَصَرُ الشُّفْعَةِ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ ثَلَاثَةِ كُتُبٍ مُتَفَرِّقَةٍ] ٍ مِنْ بَيْنِ وَضْعٍ وَإِمْلَاءٍ عَلَى مُوَطَّإِ مَالِكٍ، وَمِنْ اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ، وَمِمَّا أَوْجَبْت فِيهِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ» وَوَصَلَهُ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ مَالِكٍ أَيُّوبُ وَأَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ مَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ وَاحْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» وَقَالَ فَأَقُولُ لَلشَّرِيك الَّذِي لَمْ يُقَاسِمْ وَلِلْمُقَاسِمِ شُفْعَةٌ كَانَ لَصِيقًا أَوْ غَيْرَ لَصِيقٍ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّارِ طَرِيقٌ نَافِذَةٌ قُلْت لَهُ: فَلِمَ أَعْطَيْت بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ وَاسْمُ الْجِوَارِ يَلْزَمُهُمْ فَمَنَعْت مَنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ ذِرَاعٌ إذَا كَانَ نَافِذًا وَأَعْطَيْت مَنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ رَحْبَةٌ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفِ ذِرَاعٍ إذَا لَمْ تَكُنْ نَافِذَةً؟ فَقُلْت لَهُ فَالْجَارُ أَحَقُّ بِسَبْقِهِ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنَيَيْنِ لِكُلِّ جَارٍ أَوْ لِبَعْضِ الْجِيرَانِ دُونَ بَعْضٍ فَلَمَّا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا شُفْعَةَ فِيمَا قُسِمَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ لِلْجَارِ الَّذِي لَمْ يُقَاسِمْ دُونَ الْجَارِ الَّذِي قَاسَمَ وَحَدِيثُك لَا يُخَالِفُ حَدِيثَنَا؛ لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ وَحَدِيثُنَا مُفَسِّرٌ وَالْمُفَسِّرُ يُبَيِّنُ الْمُجْمَلَ قَالَ وَهَلْ يَقَعُ اسْمُ الْجِوَارِ عَلَى الشَّرِيكِ؟ قُلْت نَعَمْ امْرَأَتُك أَقْرَبُ إلَيْك أَمْ شَرِيكُك؟ قَالَ بَلْ امْرَأَتِي؛ لِأَنَّهَا ضَجِيعَتِي قُلْت فَالْعَرَبُ تَقُولُ امْرَأَةُ الرَّجُلِ جَارَتُهُ قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت قَالَ الْأَعْشَى: أَجَارَتَنَا بِينِي فَإِنَّك طَالِقَةٌ ... وَمَوْمُوقَةٌ مَا كُنْت فِينَا وَوَامِقَةٌ أَجَارَتَنَا بِينِي فَإِنَّك طَالِقَةٌ ... كَذَاك أُمُورُ النَّاسِ تَغْدُو وَطَارِقَةٌ وَبِينِي فَإِنَّ الْبَيْنَ خَيْرٌ مِنْ الْعَصَا ... وَأَنْ لَا تَزَالِي فَوْقَ رَأْسِك بَارِقَةٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 218 حَبَسْتُك حَتَّى لَامَنِي النَّاسُ كُلُّهُمْ ... وَخِفْت بِأَنْ تَأْتِيَ لَدَيَّ بِبَائِقَةٍ وَذُوقِي فَتَى حَيٍّ فَإِنِّي ... ذَائِقٌ فَتَاةٍ لِحَيٍّ مِثْلَ مَا أَنْتِ ذَائِقَةٌ فَقَالَ عُرْوَةُ نَزَلَ الطَّلَاقُ مُوَافِقًا لِطَلَاقِ الْأَعْشَى. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحَدِيثُنَا أَثْبَتُ إسْنَادًا مِمَّا رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ وَأَشْبَهُهُمَا لَفْظًا وَأَعْرَفُهُمَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُقَاسِمِ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يُقَاسِمْ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ مُشَاعًا بَاعَ غَيْرَ متجزي فَيَكُونُ شَرِيكُهُ أَحَقَّ بِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ شَائِعٌ فِيهِ وَعَلَيْهِ فِي الدَّاخِلِ سُوءُ مُشَارَكَةٍ، وَمُؤْنَةُ مُقَاسَمَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَقْسُومُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا شُفْعَةَ إلَّا فِي مُشَاعٍ وَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ فَإِنْ عَلِمَ فَطَلَبَ مَكَانَهُ فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ فَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ فَإِنْ عَلِمَ فَأَخَّرَ الطَّلَبَ فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ حَبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَإِلَّا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَلَا يَقْطَعُهَا طُولُ غَيْبَتِهِ، وَإِنَّمَا يَقْطَعُهَا أَنْ يَعْلَمَ فَيَتْرُكَ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِسِلْعَةٍ فَهِيَ لَهُ بِقِيمَةِ السِّلْعَةِ، وَإِنْ تَزَوَّجَ بِهَا فَهِيَ لِلشَّفِيعِ بِقِيمَةِ الْمَهْرِ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الشِّقْصِ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ قِيلَ لِلشَّفِيعِ إنْ شِئْت فَعَجِّلْ الثَّمَنَ وَتَعَجَّلْ الشُّفْعَةَ، وَإِنْ شِئْت فَدَعْ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ وَرِثَهُ رَجُلَانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَلَهُ ابْنَانِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَأَرَادَ أَخُوهُ الشُّفْعَةَ دُونَ عَمِّهِ فَكِلَاهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُمَا فِيهَا شَرِيكَانِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا أَصَحُّ مِنْ أَحَدِ قَوْلَيْهِ إنَّ أَخَاهُ أَحَقُّ بِنَصِيبِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَفِي تَسْوِيَتِهِ بَيْنَ الشُّفْعَتَيْنِ عَلَى كَثْرَةِ مَا لِلْعَمِّ عَلَى الْأَخِ قَضَاءٌ لِأَحَدِ قَوْلَيْهِ عَلَى الْآخَرِ فِي أَخْذِ الشُّفَعَاءِ بِقَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي الْمُعْتِقَيْنِ نَصِيبَيْنِ مِنْ عَبْدٍ أَحَدُهُمَا أَكْثَرُ مِنْ الْآخَرِ فِي أَنْ جَعَلَ عَلَيْهِمَا قِيمَةَ الْبَاقِي مِنْهُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ قَضَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى مَا وَصَفْنَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِوَرَثَةِ الشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذُوا مَا كَانَ يَأْخُذُهُ أَبُوهُمْ بَيْنَهُمْ عَلَى الْعَدَدِ امْرَأَتُهُ وَابْنُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَهَذَا يُؤَكِّدُ مَا قُلْت أَيْضًا، (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ حَضَرَ أَحَدُ الشُّفَعَاءِ أَخَذَ الْكُلَّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَإِنْ حَضَرَ ثَانٍ أَخَذَ مِنْهُ النِّصْفَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ فَإِنْ حَضَرَ ثَالِثٌ أَخَذَ مِنْهُمَا الثُّلُثَ بِثُلُثِ الثَّمَنِ حَتَّى يَكُونُوا سَوَاءً فَإِنْ كَانَ الِاثْنَانِ اقْتَسَمَا كَانَ لِلثَّالِثِ نَقْضُ قِسْمَتِهِمَا فَإِنْ سَلَّمَ بَعْضُهُمْ مَا يَكُنْ لِبَعْضٍ إلَّا أَخْذُ الْكُلِّ أَوْ التَّرْكُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَصَابَهَا هَدْمٌ مِنْ السَّمَاءِ إمَّا أَخَذَ الْكُلَّ بِالثَّمَنِ، وَإِمَّا تَرَكَ وَلَوْ قَاسَمَ وَبَنَى قِيلَ لِلشَّفِيعِ إنْ شِئْت فَخُذْ بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ الْيَوْمَ أَوْ دَعْ؛ لِأَنَّهُ بَنَى غَيْرَ مُتَعَدٍّ فَلَا يُهْدَمُ مَا بَنَى. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا عِنْدِي غَلَطٌ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا، وَقَدْ بَنَى فِيمَا لِلشَّفِيعِ فِيهِ شِرْكٌ مُشَاعٌ وَلَوْلَا أَنَّ لِلشَّفِيعِ فِيهِ شِرْكًا مَا كَانَ شَفِيعًا إذْ كَانَ الشَّرِيكُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي الدَّارِ وَالْعَرْصَةِ بِحَقٍّ مُشَاعٍ فَكَيْفَ يُقْسَمُ وَصَاحِبُ النَّصِيبِ وَهُوَ الشَّفِيعُ غَائِبٌ وَالْقَسْمُ فِي ذَلِكَ فَاسِدٌ وَبَنَى فِيمَا لَيْسَ لَهُ فَكَيْفَ يَبْنِي غَيْرَ مُتَعَدٍّ وَالْمُخْطِئُ فِي الْمَالِ وَالْعَامِدُ سَوَاءٌ عِنْدَ الشَّافِعِيُّ. أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى عَرْصَةً بِأَمْرِ الْقَاضِي فَبَنَاهَا فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ أَنَّهُ يَأْخُذُ عَرْصَتَهُ، وَيَهْدِمُ الْبَانِي بِنَاءَهُ، وَيَقْلَعُهُ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَالْعَامِدُ وَالْمُخْطِئُ فِي بِنَاءِ مَا لَا يَمْلِكُ سَوَاءٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ كَانَ الشِّقْصُ فِي النَّخْلِ فَزَادَتْ كَانَ لَهُ أَخْذُ زَائِدِهِ. (قَالَ) : وَلَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ لَا بَيَاضَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْقَسْمَ وَأَمَّا الطَّرِيقُ الَّتِي لَا تُمْلَكُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا، وَلَا بِهَا وَأَمَّا عَرْصَةُ الدَّارِ تَكُونُ مُحْتَمِلَةً لِلْقَسْمِ وَلِلْقَوْمِ طَرِيقٌ إلَى مَنَازِلِهِمْ فَإِذَا بِيعَ مِنْهَا شَيْءٌ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ. (قَالَ) : وَلِوَلِيِّ الْيَتِيمِ وَأَبِي الصَّبِيِّ أَنْ يَأْخُذَا بِالشُّفْعَةِ لِمَنْ يَلِيَانِ إذَا كَانَتْ غِبْطَةً فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَا فَإِذَا وَلِيَا مَالَهُمَا أَخَذَاهَا فَإِنْ اشْتَرَى شِقْصًا عَلَى أَنَّهُمَا جَمِيعًا بِالْخِيَارِ فَلَا شُفْعَةَ حَتَّى يُسَلِّمَ الْبَائِعُ. (قَالَ) : وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَفِيهِ الشُّفْعَةُ، وَلَوْ كَانَ مَعَ ` الشُّفْعَةِ عَرَضٌ وَالثَّمَنُ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الشُّفْعَةَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَعُهْدَةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 219 الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ وَعُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي. (قَالَ الْمُزَنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) : وَهَذِهِ مَسَائِلُ أَجَبْت فِيهَا عَلَى مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَإِذَا تَبَرَّأَ الْبَائِعُ مِنْ عُيُوبِ الشُّفْعَةِ ثُمَّ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ كَانَ لَهُ الرَّدُّ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ الشَّفِيعِ رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَاهَا بِدَنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا ثُمَّ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِوَزْنِهَا فَاسْتُحِقَّتْ الدَّنَانِيرُ الْأُولَى فَالشِّرَاءُ وَالشُّفْعَةُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ بِعَيْنِهَا تَقُومُ مَقَامَ الْعَرَضِ بِعَيْنِهِ فِي قَوْلِهِ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ الدَّنَانِيرُ الثَّانِيَةُ كَانَ عَلَى الشَّفِيعِ بَدَلُهَا. (قَالَ) : وَلَوْ حَطَّ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَهِيَ هِبَةٌ لَهُ وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَحُطَّ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ اشْتَرَى شِقْصًا لَهُ فِيهِ شُفْعَةٌ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ فَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَ الشَّفِيعُ قَضَيْت لَهُ بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ أَقَامَ الشَّفِيعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَقَامَ ذَلِكَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهُ إيَّاهَا قَضَيْت لَهُ بِالشُّفْعَةِ، وَلَا يَمْنَعُ الشِّرَاءُ الْوَدِيعَةَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ بَاعَا مِنْ رَجُلٍ شِقْصًا فَقَالَ الشَّفِيعُ: أَنَا آخُذُ مَا بَاعَ فُلَانٌ وَأَدَعُ حِصَّةَ فُلَانٍ فَذَلِكَ لَهُ فِي الْقِيَاسِ. قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى رَجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ شِقْصًا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّةَ أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَوْ زَعَمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِأَلْفٍ ثُمَّ أَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهَا بِأَلْفَيْنِ قَضَى لَهُ بِأَلْفَيْنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّهُ اسْتَوْفَى جَمِيعَ حَقِّهِ. وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَبْدًا فَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ ثُمَّ أَصَابَ الْبَائِعُ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَلَهُ رَدُّهُ، وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الشِّقْصِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ وَرَجَعَ الْبَائِعُ فَأَخَذَ شِقْصَهُ. وَلَوْ صَالَحَهُ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى شِقْصٍ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيُّ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّعْوَى فَيَجُوزُ، وَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ الشُّفْعَةِ بِمِثْلِ الْحَقِّ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الصُّلْحُ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ أَوْ قِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ، وَلَوْ أَقَامَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ هَذِهِ الدَّارِ شِقْصًا، وَأَرَادَ أَخْذَ شِقْصِ صَاحِبِهِ بِشُفْعَتِهِ فَإِنْ وَقَّتَتْ الْبَيِّنَةُ فَاَلَّذِي سَبَقَ بِالْوَقْتِ لَهُ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ لَمْ تُؤَقِّتَ وَقْتًا بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا اشْتَرَيَا مَعًا وَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ. وَلَوْ أَنَّ الْبَائِعَ قَالَ: قَدْ بِعْت مِنْ فُلَانٍ شِقْصِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَنَّهُ قَبَضَ الشِّقْصَ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ فُلَانٌ وَادَّعَاهُ الشَّفِيعُ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَدْفَعُ الْأَلْفَ إلَى الْبَائِعِ، وَيَأْخُذُ الشِّقْصَ. وَإِذَا كَانَ لِلشِّقْصِ ثَلَاثَةُ شُفَعَاءَ فَشَهِدَ اثْنَانِ عَلَى تَسْلِيمِ الثَّالِثِ فَإِنْ كَانَا سَلَّمَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا سَلَّمَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا مَا سَلَّمَهُ صَاحِبُهُمَا، وَلَوْ ادَّعَى الشَّفِيعُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى الشِّقْصَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ مِنْ صَاحِبِهِ الْغَائِبِ وَدَفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَهُ، وَأَقَامَ عَدْلَيْنِ بِذَلِكَ عَلَيْهِ أَخَذَ بِشُفْعَتِهِ وَنَفَذَ الْحُكْمُ بِالْبَيْعِ عَلَى صَاحِبِهِ الْغَائِبِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَهُوَ عِنْدِي تَرْكٌ لِأَصْلِهِمْ فِي أَنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَى غَائِبٍ وَهَذَا غَائِبٌ قَضَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ بَاعَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَأَبْرَأَ مِنْهُ إلَيْهِ الْمُشْتَرِي وَبِذَلِكَ أَوْجَبُوا الشُّفْعَةَ لِلشَّفِيعِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ اشْتَرَى شِقْصًا وَهُوَ شَفِيعٌ فَجَاءَ شَفِيعٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي خُذْهَا كُلَّهَا بِالثَّمَنِ أَوْ دَعْ وَقَالَ هُوَ: بَلْ آخُذُ نِصْفَهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ شُفْعَتَهُ لِغَيْرِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَلَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً عَمْدًا فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى شِقْصٍ وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِالْأَرْشِ، وَلَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ شِقْصًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَتَقَابَضَا ثُمَّ قَامَ الشَّفِيعُ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ نَصْرَانِيَّةً فَأَسْلَمَ، وَلَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا فَسَوَاءٌ لَا شُفْعَةَ لَهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ لَا قِيمَةَ لَهُمَا عِنْدَهُ بِحَالٍ، وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ، وَلَا شُفْعَةَ فِي عَبْدٍ، وَلَا أَمَةٍ، وَلَا دَابَّةٍ، وَلَا مَا لَا يَصْلُحُ فِيهِ الْقَسْمُ هَذَا كُلُّهُ قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَمَعْنَاهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 220 [مُخْتَصَرُ الْقِرَاضِ إمْلَاءً] ً، وَمَا دَخَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ صَيَّرَ رِبْحَ ابْنَيْهِ فِي الْمَالِ الَّذِي تَسَلَّفَا بِالْعِرَاقِ فَرَبِحَا فِيهِ بِالْمَدِينَةِ فَجَعَلَهُ قِرَاضًا عِنْدَمَا قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ لَوْ جَعَلْته قِرَاضًا فَفَعَلَ وَأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَفَعَ مَالًا قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ إلَّا فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ الَّتِي هِيَ أَثْمَانٌ لِلْأَشْيَاءِ وَقِيَمِهَا. (قَالَ) : وَإِنْ قَارَضَهُ، وَجَعَلَ رَبُّ الْمَالِ مَعَهُ غُلَامَهُ وَشَرَطَ أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَامِلِ وَالْغُلَامِ أَثْلَاثًا فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَانَ لِرَبِّ الْمَالِ الثُّلُثَانِ وَلِلْعَامِلِ الثُّلُثُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَارِضَهُ إلَى مُدَّةٍ مِنْ الْمُدَدِ، وَلَا يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا دِرْهَمًا عَلَى صَاحِبِهِ، وَمَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا أَوْ يَشْتَرِطَ أَنْ يُوَلِّيَهُ سِلْعَةً أَوْ عَلَى أَنْ يَرْتَفِقَ أَحَدُهُمَا فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ دُونَ صَاحِبِهِ أَوْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إلَّا مِنْ فُلَانٍ أَوْ لَا يَشْتَرِي إلَّا سِلْعَةً بِعَيْنِهَا وَاحِدَةً أَوْ نَخْلًا أَوْ دَوَابَّ يَطْلُبُ ثَمَرَ النَّخْلِ وَنِتَاجَ الدَّوَابِّ وَبِحَبْسِ رِقَابِهَا فَإِنْ فَعَلَ فَذَلِكَ كُلُّهُ فَاسِدٌ فَإِنْ عَمِلَ فِيهِ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَالرِّبْحُ وَالْمَالُ لِرَبِّهِ. (قَالَ) : وَلَوْ اشْتَرَطَ أَنْ يَشْتَرِيَ صِنْفًا مَوْجُودًا فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَجَائِزٌ، وَإِذَا سَافَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَكْتَرِيَ مِنْ الْمَالِ مَنْ يَكْفِيهِ بَعْضَ الْمُؤْنَةِ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَا يَعْمَلُهَا الْعَامِلُ وَلَهُ النَّفَقَةُ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِنْ خَرَجَ بِمَالٍ لِنَفْسِهِ كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ بِالْحِصَصِ، وَمَا اشْتَرَى فَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ، وَإِنْ اشْتَرَى وَبَاعَ بِالدَّيْنِ فَضَامِنٌ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي ذَهَابِ الْمَالِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِذَا اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِإِذْنِهِ عَتَقَ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَالْمُضَارِبُ ضَامِنٌ وَالْعَبْدُ لَهُ وَالْمَالِكُ إنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْبَحَ فِي بَيْعِهِ فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ يَشْتَرِي أَبَا سَيِّدِهِ فَالشِّرَاءُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ، وَلَا مَالَ لَهُ. (وَقَالَ) فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ فِي شِرَاءِ الْعَبْدِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى مَوْلَاهُ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا جَائِزٌ وَالْآخَرُ لَا يَجُوزُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قِيَاسُ قَوْلِهِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ أَنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ لَا ذِمَّةَ لَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ اشْتَرَى الْمُقَارِضُ أَبَا نَفْسِهِ بِمَالِ رَبِّ الْمَالِ وَفِي الْمَالِ فَضْلٌ أَوْ لَا فَضْلَ فِيهِ فَسَوَاءٌ، وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقُومُ مَقَامَ وَكِيلٍ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ، وَلَا رِبْحَ لِلْعَامِلِ إلَّا بَعْدَ قَبْضِ رَبِّ الْمَالِ مَالَهُ، وَلَا يَسْتَوْفِيهِ رَبُّهُ إلَّا، وَقَدْ بَاعَ أَبَاهُ وَلَوْ كَانَ يَمْلِكُ مِنْ الرِّبْحِ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ الْمَالُ إلَى رَبِّهِ كَانَ مُشَارِكًا لَهُ وَلَوْ خَسِرَ حَتَّى لَا يَبْقَى إلَّا أَقَلَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَانَ فِيمَا بَقِيَ شَرِيكًا؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا زَائِدًا مَلَكَهُ نَاقِصًا. (قَالَ) : وَمَتَى شَاءَ رَبُّهُ أَخْذَ مَالِهِ قَبْلَ الْعَمَلِ وَبَعْدَهُ، وَمَتَى شَاءَ الْعَامِلُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْقِرَاضِ خَرَجَ مِنْهُ، وَإِنْ مَاتَ رَبُّ الْمَالِ صَارَ لِوَارِثِهِ فَإِنْ رَضِيَ تَرَكَ الْمُقَارِضَ عَلَى قِرَاضِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ انْفَسَخَ قِرَاضُهُ، وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ لَمْ يَكُنْ لِوَارِثِهِ أَنْ يَعْمَلَ مَكَانَهُ، وَيَبِيعَ مَا كَانَ فِي يَدَيْهِ مَعَ مَا كَانَ مِنْ ثِيَابٍ أَوْ أَدَاةِ السَّفَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ كَانَ لِوَارِثِهِ، وَإِنْ كَانَ خُسْرَانٌ كَانَ ذَلِكَ، وَإِنْ قَارَضَ الْعَامِلُ بِالْمَالِ آخَرَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ فَإِنْ رَبِحَ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ شَطْرُ الرِّبْحِ ثُمَّ يَكُونُ لِلَّذِي عَمِلَ شَطْرُهُ فِيمَا يَبْقَى. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا قَوْلُهُ قَدِيمًا وَأَصْلُ قَوْلِهِ الْجَدِيدِ الْمَعْرُوفِ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ فَاسِدٍ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ جُوِّزَ حَتَّى يُبْتَدَأَ بِمَا يَصْلُحُ فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى بِعَيْنِ الْمَالِ فَهُوَ فَاسِدٌ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَى بِغَيْرِ الْعَيْنِ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ لِلْمُقَارِضِ الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلِلْعَامِلِ الثَّانِي أَجْرُ مِثْلِهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ حَالَ عَلَى سِلْعَةٍ فِي الْقِرَاضِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 221 حَوْلٌ وَفِيهَا رِبْحٌ فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحَ وَحِصَّةَ رِبْحِ صَاحِبِهِ، وَلَا زَكَاةَ عَلَى الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ رِبْحَهُ فَائِدَةٌ فَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ مُنْذُ قُوِّمَ صَارَ لِلْمُقَارِضِ رِبْحُ زَكَاةٍ مَعَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ خَلِيطٌ بِرِبْحِهِ، وَإِنْ رَجَعَتْ السِّلْعَةُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ كَانَ لِرَبِّ الْمَالِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا تُزَكَّى بِرِبْحِهَا لِحَوْلِهَا؛ لِأَنَّهَا لِرَبِّ الْمَالِ، وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِي الرِّبْحِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُسَلَّمَ إلَى رَبِّ الْمَالِ مَالُهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَوْ اشْتَرَى الْعَامِلُ أَبَاهُ وَفِي الْمَالِ رِبْحٌ كَانَ لَهُ بَيْعُهُ فَلَوْ مَلَكَ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا لَعَتَقَ عَلَيْهِ، وَهَذَا دَلِيلٌ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ كَانَ لَهُ رِبْحٌ قَبْلَ دَفْعِ الْمَالِ إلَى رَبِّهِ لَكَانَ بِهِ شَرِيكًا وَلَوْ خَسِرَ حَتَّى لَا يَبْقَى إلَّا قَدْرَ رَأْسِ الْمَالِ كَانَ فِيمَا بَقِيَ شَرِيكًا؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا زَائِدًا مَلَكَهُ نَاقِصًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَتَى شَاءَ رَبُّ الْمَالِ أَخْذَ مَالِهِ، وَمَتَى أَرَادَ الْعَامِلُ الْخُرُوجَ مِنْ الْقِرَاضِ فَذَلِكَ لَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذِهِ مَسَائِلُ أَجَبْتُ فِيهَا عَلَى قَوْلِهِ وَقِيَاسِهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : مِنْ ذَلِكَ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ خُذْهَا فَاشْتَرِ بِهَا هَرَوِيًّا أَوْ مَرَوِيًّا بِالنِّصْفِ كَانَ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ فَإِنْ اشْتَرَى فَجَائِزٌ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَإِنْ بَاعَ فَبَاطِلٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ. (قَالَ) : فَإِنْ قَالَ خُذْهَا قِرَاضًا أَوْ مُضَارَبَةً عَلَى مَا شَرَطَ فُلَانٌ مِنْ الرِّبْحِ لِفُلَانٍ فَإِنْ عَلِمَا ذَلِكَ فَجَائِزٌ، وَإِنْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَفَاسِدٌ فَإِنْ قَارَضَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّ ثُلُثَ رِبْحِهَا لِلْعَامِلِ، وَمَا بَقِيَ مِنْ الرِّبْحِ فَثُلُثُهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَثُلُثَاهُ لِلْعَامِلِ فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ مَعْلُومَةٌ، وَإِنْ قَارَضَهُ عَلَى دَنَانِيرَ فَحَصَلَ فِي يَدَيْهِ دَرَاهِمُ أَوْ عَلَى دَرَاهِمَ فَحَصَلَ فِي يَدَيْهِ دَنَانِيرُ فَعَلَيْهِ بَيْعُ مَا حَصَلَ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ مَا لِرَبِّ الْمَالِ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ وَإِذَا دَفَعَ مَالًا قِرَاضًا فِي مَرَضِهِ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ أَنْ اشْتَرَى وَبَاعَ وَرَبِحَ أَخَذَ الْعَامِلُ رِبْحَهُ وَاقْتَسَمَ الْغُرَمَاءُ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ. وَإِنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَقَالَ الْعَامِلُ: اشْتَرَيْته لِنَفْسِي بِمَالِي وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: بَلْ فِي الْقِرَاضِ بِمَالِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ وَالْآخَرُ مُدَّعٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ قَالَ الْعَامِلُ: اشْتَرَيْته مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: بَلْ لِنَفْسِك وَفِيهِ خُسْرَانٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُصَدَّقٌ فِيمَا فِي يَدَيْهِ وَلَوْ قَالَ الْعَامِلُ: اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ الْقِرَاضِ ثُمَّ اشْتَرَيْت الْعَبْدَ الثَّانِيَ بِتِلْكَ الْأَلْفِ قَبْلَ أَنْ أَنْقُدَ كَانَ الْأَوَّلُ فِي الْقِرَاضِ وَالثَّانِي لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ، وَإِنْ نَهَى رَبُّ الْمَالِ الْعَامِلَ أَنْ يَشْتَرِيَ، وَيَبِيعَ وَفِي يَدَيْهِ عَرَضٌ اشْتَرَاهُ فَلَهُ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدَيْهِ عَيْنٌ فَاشْتَرَى فَهُوَ مُتَعَدٍّ وَالثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ وَالرِّبْحُ لَهُ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَى بِالْمَالِ بِعَيْنِهِ فَالشِّرَاءُ بَاطِلٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ، وَيَتَرَادَّانِ حَتَّى تَرْجِعَ السِّلْعَةُ إلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ هَلَكَتْ فَلِصَاحِبِهَا قِيمَتُهَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَيَرْجِعُ بِهَا الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي، وَيَتَرَادَّانِ الثَّمَنَ الْمَدْفُوعَ وَلَوْ قَالَ الْعَامِلُ رَبِحْت أَلْفًا ثُمَّ قَالَ غَلِطْت أَوْ خِفْت نَزْعَ الْمَالِ مِنِّي فَكَذَبْت لَزِمَهُ إقْرَارُهُ، وَلَمْ يَنْفَعْهُ رُجُوعُهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ. وَلَوْ اشْتَرَى الْعَامِلُ أَوْ بَاعَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَبَاطِلٌ وَهُوَ لِلْمَالِ ضَامِنٌ. وَلَوْ اشْتَرَى فِي الْقِرَاضِ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ دَفَعَ الثَّمَنَ فَالشِّرَاءُ بَاطِلٌ، وَهُوَ لِلْمَالِ ضَامِنٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ. [الْمُسَاقَاةُ مَجْمُوعَةٌ مِنْ إمْلَاءٍ وَمَسَائِلَ شَتَّى] جَمَعْتهَا مِنْهُ لَفْظًا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «سَاقَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى أَنَّ نِصْفَ الثَّمَرِ لَهُمْ وَكَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَيُخَرَّصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ثُمَّ يَقُولُ إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْخَرْصِ إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي أَنْ يَخْرُصَ النَّخْلَ كُلَّهُ كَأَنَّهُ خَرَصَهَا مِائَةَ وَسْقٍ وَعَشَرَةَ أَوْسُقٍ رُطَبًا ثُمَّ قَدَّرَ أَنَّهَا إذَا صَارَتْ تَمْرًا نَقَصَتْ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ فَصَحَّتْ مِنْهَا مِائَةُ وَسْقٍ تَمْرًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 222 فَيَقُولُ: إنْ شِئْتُمْ دَفَعْت إلَيْكُمْ النِّصْفَ الَّذِي لَيْسَ لَكُمْ الَّذِي أَنَا فِيهِ قَيِّمٌ لِأَهْلِهِ عَلَى أَنْ تَضْمَنُوا لِي خَمْسِينَ وَسْقًا تَمْرًا مِنْ تَمْرٍ يُسَمِّيهِ، وَيَصِفُهُ وَلَكُمْ أَنْ تَأْكُلُوهَا وَتَبِيعُوهَا رُطَبًا كَيْفَ شِئْتُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي أَنْ أَكُونَ هَكَذَا مِثْلُكُمْ وَتُسَلِّمُونَ إلَيَّ نِصْفَكُمْ وَأَضْمَنُ لَكُمْ هَذِهِ الْمَكِيلَةَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا سَاقَى عَلَى النَّخْلِ أَوْ الْعِنَبِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ فَهِيَ الْمُسَاقَاةُ الَّتِي سَاقَى عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا بَيْضَاءَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا الْمَدْفُوعَةُ إلَيْهِ فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا مِنْ شَيْءٍ فَلَهُ جُزْءٌ مَعْلُومٌ فَهَذِهِ الْمُخَابَرَةُ الَّتِي نَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ تَرِدْ إحْدَى السُّنَّتَيْنِ بِالْأُخْرَى فَالْمُسَاقَاةُ جَائِزَةٌ بِمَا وَصَفْت فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ دُونَ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَذَ صَدَقَةَ ثَمَرَتِهِمَا بِالْخَرْصِ، وَثَمَرُهُمَا مُجْتَمِعٌ بَائِنٌ مِنْ شَجَرِهِ لَا حَائِلَ دُونَهُ يَمْنَعُ إحَاطَةَ النَّاظِرِ إلَيْهِ وَثَمَرُ غَيْرِهِمَا مُتَفَرِّقٌ بَيْنَ أَضْعَافِ وَرَقٍ لَا يُحَاطُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ إلَّا عَلَى النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ سِنِينَ. وَإِذَا سَاقَاهُ عَلَى نَخْلٍ وَكَانَ فِيهِ بَيَاضٌ لَا يُوَصِّلُ إلَى عَمَلِهِ إلَّا الدُّخُولُ عَلَى النَّخْلِ وَكَانَ لَا يُوَصِّلُ إلَى سَقْيِهِ إلَّا بِشِرْكِ النَّخْلِ فِي الْمَاءِ فَكَانَ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ جَازَ أَنْ يُسَاقِيَ عَلَيْهِ مَعَ النَّخْلِ لَا مُنْفَرِدًا وَحْدَهُ وَلَوْلَا الْخَبَرُ فِيهِ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ دَفَعَ إلَى أَهْلِ خَيْبَرَ النَّخْلَ عَلَى أَنَّ لَهُمْ النِّصْفَ مِنْ النَّخْلِ وَالزَّرْعِ وَلَهُ النِّصْفُ» وَكَانَ الزَّرْعُ كَمَا وَصَفْت بَيْنَ ظَهْرَانَيْ النَّخْلِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْمُسَاقِي فِي النَّخْلِ أَنْ يَزْرَعَ الْبَيَاضَ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّهِ فَإِنْ فَعَلَ فَكَمَنْ زَرَعَ أَرْضَ غَيْرِهِ، وَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ إلَّا عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ، وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى أَنَّ لَهُ ثَمَرَ نَخَلَاتٍ بِعَيْنِهَا مِنْ الْحَائِطِ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ وَلَوْ دَخَلَ فِي النَّخْلِ عَلَى الْإِجَارَةِ بِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ، وَيَحْفَظَ بِشَيْءٍ مِنْ التَّمْرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ وَكُلُّ مَا كَانَ فِيهِ مُسْتَزَادٍ فِي الثَّمَرِ مِنْ إصْلَاحِ الْمَاءِ وَطَرِيقِهِ وَتَصْرِيفِ الْجَرِيدِ، وَإِبَارِ النَّخْلِ وَقَطْعِ الْحَشِيشِ الْمُضِرِّ بِالنَّخْلِ وَنَحْوِهِ جَازَ شَرْطُهُ عَلَى الْعَامِلِ فَأَمَّا شَدُّ الْحِظَارِ فَلَيْسَ فِيهِ مُسْتَزَادٌ، وَلَا صَلَاحٌ فِي الثَّمَرَةِ فَلَا يَجُوزُ شَرْطُهُ عَلَى الْعَامِلِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 223 [كِتَابُ الشَّرْطِ فِي الرَّقِيقِ يَشْتَرِطُهُمْ الْمُسَاقِي] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُسَاقِي عَلَى رَبِّ النَّخْلِ غِلْمَانًا يَعْمَلُونَ مَعَهُ، وَلَا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي غَيْرِهِ. (قَالَ) : وَنَفَقَةُ الرَّقِيقِ عَلَى مَا يَتَشَارَطَانِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ نَفَقَةُ الرَّقِيقِ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَتِهِمْ فَإِذَا جَازَ أَنْ يَعْمَلُوا لِلْمُسَاقِي بِغَيْرِ أُجْرَةٍ جَازَ أَنْ يَعْمَلُوا لَهُ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذِهِ مَسَائِلُ أَجَبْت فِيهَا عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ وَقِيَاسِهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. فَمِنْ ذَلِكَ لَوْ سَاقَاهُ عَلَى نَخْلٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً عَلَى أَنْ يَعْمَلَا فِيهَا جَمِيعًا لَمْ يَجُزْ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ قِيَاسًا عَلَى شَرْطِ الْمُضَارَبَةِ يَعْمَلَانِ فِي الْمَالِ جَمِيعًا فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَعَانَهُ مَعُونَةً مَجْهُولَةَ الْغَايَةِ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ. وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى النِّصْفِ عَلَى أَنْ يُسَاقِيَهُ فِي حَائِطٍ آخَرَ عَلَى الثُّلُثِ لَمْ يَجُزْ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ كَالْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَلَهُ فِي الْفَاسِدِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي عَمَلِهِ فَإِنْ سَاقَاهُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَلَى النِّصْفِ وَالْآخَرُ نَصِيبَهُ عَلَى الثُّلُثِ جَازَ وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى حَائِطٍ فِيهِ أَصْنَافٌ مِنْ دَقَلٍ وَعَجْوَةٍ وَصَيْحَانِيٍّ عَلَى أَنَّ لَهُ مِنْ الدَّقَلِ النِّصْفَ، وَمِنْ الْعَجْوَةِ الثُّلُثَ، وَمِنْ الصَّيْحَانِيِّ الرُّبُعَ وَهُمَا يَعْرِفَانِ كُلَّ صِنْفٍ كَانَ كَثَلَاثَةِ حَوَائِطَ مَعْرُوفَةٍ، وَإِنْ جَهِلَا أَوْ أَحَدُهُمَا كُلَّ صِنْفٍ لَمْ يَجُزْ. وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى نَخْلٍ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ ثُلُثَ الثَّمَرَةِ، وَلَمْ يَقُولَا غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا، وَمَا بَعْدَ الثُّلُثِ فَهُوَ لِرَبِّ النَّخْلِ، وَإِنْ اشْتَرَطَا أَنَّ لِلرَّبِّ النَّخْلِ ثُلُثَ الثَّمَرَةِ، وَلَمْ يَقُولَا غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ لَمْ يَعْلَمْ نَصِيبَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ لِرَبِّهَا إلَّا مَا شَرَطَ مِنْهَا لِلْعَامِلِ فَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ نَصِيبِ الْعَامِلِ لِمَنْ الْبَاقِي. وَإِذَا اشْتَرَطَ رَبُّ النَّخْلِ لِنَفْسِهِ الثُّلُثَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ نَصِيبَ الْعَامِلِ مِنْ الْبَاقِي فَنَصِيبُ الْعَامِلِ مَجْهُولٌ، وَإِذَا جُهِلَ النَّصِيبُ فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ وَلَوْ كَانَتْ النَّخْلُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَسَاقَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ ثُلُثَيْ الثَّمَرَةِ مِنْ جَمِيعِ النَّخْلِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَ كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ سَاقَى شَرِيكَهُ فِي نِصْفِهِ عَلَى ثُلُثِ ثَمَرَتِهِ وَلَوْ سَاقَى شَرِيكَهُ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ الثُّلُثَ وَلِصَاحِبِهِ الثُّلُثَيْنِ لَمْ يَجُزْ كَرَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ قَارَضَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِي نِصْفِهِ فَمَا رَزَقَ اللَّهُ فِي الْأَلْفِ مِنْ رِبْحٍ فَالثُّلُثَانِ لِلْعَامِلِ وَلِصَاحِبِهِ الثُّلُثُ فَإِنَّمَا قَارَضَهُ فِي نِصْفِهِ عَلَى ثُلُثِ رِبْحِهِ فِي نِصْفِهِ. وَلَوْ قَارَضَهُ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ ثُلُثَ الرِّبْحِ وَالثُّلُثَيْنِ لِصَاحِبِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ عَقَدَ لَهُ الْعَامِلُ أَنْ يَخْدُمَهُ فِي نِصْفِهِ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَسَلَّمَ لَهُ مَعَ خِدْمَتِهِ مِنْ رِبْحٍ نِصْفُهُ تَمَامُ ثُلُثَيْ الْجَمِيعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَإِنْ عَمِلَ الْمُسَاقِي فِي هَذَا أَوْ الْمُقَارِضُ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَا أُجْرَةَ لِلْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ عَلَى غَيْرِ بَدَلٍ وَلَوْ سَاقَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى نَخْلٍ بَيْنَهُمَا سَنَةً مَعْرُوفَةً عَلَى أَنْ يَعْمَلَا فِيهَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِمُسَاقَاتِهِمَا مَعْنًى فَإِنْ عَمِلَا فَلِأَنْفُسِهِمَا عَمِلَا وَالثَّمَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَلَوْ سَاقَى رَجُلٌ رَجُلًا نَخْلًا مُسَاقَاةً صَحِيحَةً فَأَثْمَرَتْ ثُمَّ هَرَبَ الْعَامِلُ اكْتَرَى عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فِي مَالِهِ مَنْ يَقُومُ فِي النَّخْلِ مَقَامَهُ، وَإِنْ عَلِمَ مِنْهُ سَرِقَةً فِي النَّخْلِ وَفَسَادًا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَتُكُورِيَ عَلَيْهِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَإِنْ مَاتَ قَامَتْ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فَإِنْ أَنْفَقَ رَبُّ النَّخْلِ كَانَ مُتَطَوِّعًا بِهِ، وَيَسْتَوْفِي الْعَامِلُ شَرْطَهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ وَلَوْ عَمِلَ فِيهَا الْعَامِلُ فَأَثْمَرَتْ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَبُّهَا أَخَذَهَا وَثَمَرَهَا، وَلَا حَقَّ عَلَيْهِ فِيمَا عَمِلَ فِيهَا الْعَامِلُ؛ لِأَنَّهَا آثَارٌ لَا عَيْنٌ وَرَجَعَ الْعَامِلُ عَلَى الدَّافِعِ بِقِيمَةِ مَا عَمِلَ فَإِنْ اقْتَسَمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 224 الثَّمَرَةَ فَأَكَلَاهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَبُّهَا رَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَكِيلَةِ الثَّمَرَةِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا مِنْ الدَّافِعِ لَهَا وَرَجَعَ الدَّافِعُ عَلَى الْعَامِلِ بِالْمَكِيلَةِ الَّتِي غَرِمَهَا وَرَجَعَ الْعَامِلُ عَلَى الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ. وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ سَقَاهَا بِمَاءِ سَمَاءٍ أَوْ نَهْرٍ فَلَهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ سَقَاهَا بِالنَّضْحِ فَلَهُ النِّصْفُ كَانَ هَذَا فَاسِدًا؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ كَانَ وَالنَّصِيبُ مَجْهُولٌ وَالْعَمَلُ غَيْرُ مَعْلُومٍ كَمَا لَوْ قَارَضَهُ بِمَالٍ عَلَى أَنَّ مَا رَبِحَ فِي الْبَرِّ فَلَهُ الثُّلُثُ، وَمَا رَبِحَ فِي الْبَحْرِ فَلَهُ النِّصْفُ فَإِنْ عَمِلَ كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فَإِنْ اشْتَرَطَ الدَّاخِلُ أَنَّ أُجْرَةَ الْأُجَرَاءِ مِنْ الثَّمَرَةِ فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ. وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى وَدْيٍ لِوَقْتٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُثْمِرُ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ أَنْ أَثْمَرَتْ النَّخْلُ عَلَى مُسَاقَاةٍ صَحِيحَةٍ فَقَالَ رَبُّ النَّخْلِ عَلَى الثُّلُثِ وَقَالَ الْعَامِلُ بَلْ عَلَى النِّصْفِ تَحَالَفَا وَكَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّ لَهُ بِهِ رَبُّ النَّخْلِ أَوْ أَقَلَّ، وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى سَقَطَتَا وَتَحَالَفَا كَذَلِكَ أَيْضًا. وَلَوْ دَفَعَا نَخْلًا إلَى رَجُلٍ مُسَاقَاةً فَلَمَّا أَثْمَرَتْ اخْتَلَفُوا فَقَالَ الْعَامِلُ: شَرَطْتُمَا لِي النِّصْفَ وَلَكُمَا النِّصْفُ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ كَانَ لَهُ مُقَاسَمَةُ الْمُقِرِّ فِي نِصْفِهِ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ وَتَحَالَفَ هُوَ وَالْمُنْكِرُ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي نِصْفِهِ وَلَوْ شَرَطَ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ النِّصْفَ، وَمِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ بِعَيْنِهِ الثُّلُثَ جَازَ، وَإِنْ جَهِلَا ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ وَفُسِخَ فَإِنْ عَمِلَ عَلَى ذَلِكَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَالثَّمَرُ لِرَبِّهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [مُخْتَصَرٌ مِنْ الْجَامِعِ فِي الْإِجَارَةِ] ِ مِنْ ثَلَاثِ كُتُبٍ فِي الْإِجَارَةِ، وَمَا دَخَلَ فِيهِ سِوَى ذَلِكَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] ، وَقَدْ يَخْتَلِفُ الرَّضَاعُ فَلَمَّا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ إلَّا هَذَا جَازَتْ فِيهِ الْإِجَارَةُ وَذَكَرَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ وَعَمِلَ بِهَا بَعْضُ أَنْبِيَائِهِ فَذَكَرَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِجَارَتَهُ نَفْسَهُ ثَمَانِيَ حِجَجٍ مَلَكَ بِهَا بُضْعَ امْرَأَتِهِ وَقِيلَ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يَرْعَى لَهُ غَنَمًا فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى تَجْوِيزِ الْإِجَارَةِ، وَمَضَتْ بِهَا السُّنَّةُ وَعَمِلَ بِهَا بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا وَعَوَامِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَالْإِجَارَاتُ صِنْفٌ مِنْ الْبُيُوعِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ وَلِذَلِكَ يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي فِي الْعَبْدِ وَالدَّارِ وَالدَّابَّةِ إلَى الْمُدَّةِ الَّتِي اشْتَرَطَهَا حَتَّى يَكُونَ أَحَقَّ بِهَا مِنْ مَالِكِهَا، وَيَمْلِكُ بِهَا صَاحِبُهَا الْعِوَضَ فَهِيَ مَنْفَعَةٌ مَعْقُولَةٌ مِنْ عَيْنٍ مَعْلُومَةٍ فَهِيَ كَالْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ وَلَوْ كَانَ حُكْمُهَا بِخِلَافِ الْعَيْنِ كَانَتْ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكْتَرِيَ بِدَيْنٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ دَيْنًا بِدَيْنٍ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. (قَالَ) : وَإِذَا دَفَعَ مَا أَكْرَى وَجَبَ لَهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ كَمَا إذَا دَفَعَ جَمِيعَ مَا بَاعَ وَجَبَ لَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَجَلًا فَإِذَا قَبَضَ الْعَبْدَ فَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ الْمَسْكَنَ فَسَكَنَهُ ثُمَّ هَلَكَ الْعَبْدُ أَوْ انْهَدَمَ الْمَسْكَنُ حَسَبَ قَدْرَ مَا اسْتَخْدَمَ وَسَكَنَ فَكَانَ لَهُ وَرَدَّ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ عَلَى الْمُكْتَرِي كَمَا لَوْ اشْتَرَى سَفِينَةَ طَعَامٍ كُلَّ قَفِيزٍ بِكَذَا فَاسْتَوْفَى بَعْضًا فَاسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ هَلَكَ الْبَاقِي كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا قَبَضَ وَرَدَّ قَدْرَ مَا بَقِيَ، وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا مَا كَانَتْ الدَّارُ قَائِمَةً، وَلَيْسَ الْوَارِثُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمَوْرُوثِ الَّذِي عَنْهُ وَرِثُوا فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ انْتَفَعَ الْمُكْرِي بِالثَّمَنِ قِيلَ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي رُطَبٍ لِوَقْتٍ فَانْقَطَعَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ، وَقَدْ انْتَفَعَ بِهِ الْبَائِعُ وَلَوْ بَاعَ مَتَاعًا غَائِبًا بِبَلَدٍ وَدَفَعَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ الْمُبْتَاعُ رَجَعَ بِالثَّمَنِ، وَقَدْ انْتَفَعَ بِهِ الْبَائِعُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا تَجْوِيزُ بَيْعِ الْغَائِبِ وَنَفَاهُ فِي مَكَان آخَرَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ تَكَارَى دَابَّةً مِنْ مَكَّةَ إلَى بَطْنِ مَرٍّ فَتَعَدَّى بِهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 225 إلَى عُسْفَانَ فَعَلَيْهِ كِرَاؤُهَا إلَى مَرٍّ وَكِرَاءُ مِثْلِهَا إلَى عُسْفَانَ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ دَارِهِ وَعَبْدَهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَأَيُّ الْمُتَكَارِيَيْنِ هَلَكَ فَوَرَثَتُهُ تَقُومُ مَقَامَهُ. [بَابُ كِرَاءِ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكِرَاءُ الْإِبِلِ جَائِزٌ لِلْمَحَامِلِ وَالزَّوَامِلِ وَالرِّجَالِ وَكَذَلِكَ الدَّوَابُّ لِلسُّرُوجِ وَالْأَكُفِّ وَالْحَمُولَةِ، وَلَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ مَغِيبٌ حَتَّى يَرَى الرَّاكِبِينَ وَظَرْفَ الْمَحْمِلِ وَالْوِطَاءِ وَالظِّلِّ إنْ شَرَطَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فَيَتَبَايَنُ وَالْحَمُولَةُ بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ أَوْ كَيْلٍ مَعْلُومٍ فِي ظُرُوفٍ تُرَى أَوْ تَكُونُ إذَا شُرِطَتْ عُرِفَتْ مِثْلَ غَرَائِرَ جَبَلِيَّةٍ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا، وَإِنْ ذَكَرَ مَحْمِلًا أَوْ مَرْكَبًا أَوْ زَامِلَةً بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ، وَلَا صِفَةٍ فَهُوَ مَفْسُوخٌ لِلْجَهْلِ بِذَلِكَ، وَإِنْ أَكْرَاهُ مَحْمِلًا وَأَرَاهُ إيَّاهُ وَقَالَ مَعَهُ مَعَالِيقُ أَوْ قَالَ مَا يُصْلِحُهُ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ فَاسِدٌ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَهُ بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ النَّاسُ وَسَطًا، وَإِنْ أَكْرَاهُ إلَى مَكَّةَ فَشَرَطَ سَيْرًا مَعْلُومًا فَهُوَ أَصَحُّ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فَاَلَّذِي أَحْفَظُهُ أَنَّ السَّيْرَ مَعْلُومٌ عَلَى الْمَرَاحِلِ؛ لِأَنَّهَا الْأَغْلَبُ مِنْ سَيْرِ النَّاسِ كَمَا أَنَّ لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ الْأَغْلَبَ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَأَيُّهُمَا أَرَادَ الْمُجَاوَزَةَ أَوْ التَّقْصِيرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَإِنْ تَكَارَى إبِلًا بِأَعْيَانِهَا رَكِبَهَا، وَإِنْ ذَكَرَ حَمُولَةً مَضْمُونَةً، وَلَمْ تَكُنْ بِأَعْيَانِهَا رَكِبَ مَا يَحْمِلُهُ غَيْرَ مَضْرِبِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُرْكِبَ الْمَرْأَةَ، وَيُنْزِلَهَا عَنْ الْبَعِيرِ بَارِكًا؛ لِأَنَّهُ رُكُوبُ النِّسَاءِ، وَيُنْزِلَ الرَّجُلَ لِلصَّلَاةِ، وَيَنْتَظِرَهُ حَتَّى يُصَلِّيَهَا غَيْرَ مُعَجِّلٍ لَهُ وَلِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنْ الْوُضُوءِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَكَارَى بَعِيرًا بِعَيْنِهِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ إلَّا عِنْدَ خُرُوجِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْبَعِيرُ رَدَّ الْجَمَّالُ مِنْ الْكِرَاءِ مِمَّا أَخَذَ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَمُولَةُ مَضْمُونَةً كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِإِبِلٍ غَيْرِهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الرِّحْلَةِ رَحَلَ لَا مَكْبُوبًا، وَلَا مُسْتَلْقِيًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يُبَدِّلَ مَا يَبْقَى مِنْ الزَّادِ وَلَوْ قِيلَ إنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ الزَّادِ يَنْقُصُ فَلَا يُبَدَّلُ كَانَ مَذْهَبًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : الْأَوَّلُ أَقْيَسُهُمَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ هَرَبَ الْجَمَّالُ فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَكْتَرِيَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ. [تَضْمِينُ الْأُجَرَاءِ مِنْ الْإِجَارَةِ مِنْ كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأُجَرَاءُ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ، وَمَا تَلِفَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ غَيْرِ جِنَايَتِهِمْ فَفِيهِ وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ. أَحَدُهُمَا: الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْأَجْرَ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لَا ضَمَانَ إلَّا بِالْعُدْوَانِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا أَوْلَاهُمَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ بِأَنْ لَا ضَمَانَ عَلَى الْحَجَّامِ يَأْمُرُهُ الرَّجُلُ أَنْ يَحْجُمَهُ أَوْ يَخْتِنَ غُلَامَهُ أَوْ يُبَيْطِرَ دَابَّتَهُ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا أَلْقَوْا عَنْ هَؤُلَاءِ الضَّمَانَ لَزِمَهُمْ إلْقَاؤُهُ عَنْ الصُّنَّاعِ، وَقَالَ: مَا عَلِمْتُ أَنَّى سَأَلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَرَوَى عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ لَا ضَمَانَ عَلَى صَانِعٍ، وَلَا أَجِيرٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ ضَمَّنَ الرَّاعِيَ الْمُنْفَرِدَ بِالْأُجْرَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرَكِ، وَلَا أُضَمِّنُ الْأَجِيرَ فِي الْحَانُوتِ يَحْفَظُ مَا فِيهِ مِنْ الْبَزِّ، وَيَبِيعُهُ وَالصَّانِعُ بِالْأُجْرَةِ عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ مِثْلُهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا اسْتَأْجَرَ مَنْ يَخْبِزُ لَهُ خُبْزًا مَعْلُومًا فِي تَنُّورٍ أَوْ فُرْنٍ فَاحْتَرَقَ فَإِنْ كَانَ خَبَزَهُ فِي حَالٍ لَا يُخْبَزُ فِي مِثْلِهَا؛ لِاسْتِعَارِ التَّنُّورِ؛ أَوْ شِدَّةِ حَمْوِهِ أَوْ تَرَكَهُ تَرْكًا لَا يَجُوزُ فِي مِثْلِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ كَانَ مَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 226 فَعَلَ صَلَاحًا لِمِثْلِهِ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ مَنْ لَا يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ، وَإِنْ اكْتَرَى دَابَّةً فَضَرَبَهَا أَوْ كَبَحَهَا بِاللِّجَامِ فَمَاتَتْ فَإِنْ كَانَ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَفْعَلُ الْعَامَّةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ فَعَلَ مَا لَا يَفْعَلُ الْعَامَّةُ ضَمِنَ فَأَمَّا الرُّوَّاضُ فَإِنَّ شَأْنَهُمْ اسْتِصْلَاحُ الدَّوَابِّ وَحَمْلُهَا عَلَى السَّيْرِ وَالْحَمْلُ عَلَيْهَا بِالضَّرْبِ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا يَفْعَلُ الرَّاكِبُ غَيْرُهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَرَاهُ الرُّوَّاضُ صَلَاحًا بِلَا إعْنَاتٍ بَيِّنٍ لَمْ يَضْمَنْ فَإِنْ فَعَلَ خِلَافَ ذَلِكَ فَهُوَ مُتَعَدٍّ وَضَمِنَ. (قَالَ) : وَالرَّاعِي إذَا فَعَلَ مَا لِلرُّعَاةِ فِعْلُهُ مِمَّا فِيهِ صَلَاحٌ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ ضَمِنَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا يَقْضِي لِأَحَدِ قَوْلَيْهِ بِطَرْحِ الضَّمَانِ كَمَا وَصَفْت وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ أَكْرَى حَمْلَ مَكِيلَةٍ، وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ فَهُوَ فِي الْمَكِيلَةِ جَائِزٌ وَفِي الزَّائِدِ فَاسِدٌ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَوْ حَمَلَ لَهُ مَكِيلَةً فَوُجِدَتْ زَائِدَةً فَلَهُ أَجْرُ مَا حَمَلَ مِنْ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ كَانَ الْحَمَّالُ هُوَ الْكَيَّالُ فَلَا كِرَاءَ لَهُ فِي الزِّيَادَةِ وَلِصَاحِبِهِ الْخِيَارُ فِي أَخْذِ الزِّيَادَةِ فِي مَوْضِعِهِ أَوْ يَضْمَنُ قَمْحَهُ بِبَلَدِهِ. وَمُعَلِّمُ الْكُتَّابِ وَالْآدَمِيِّينَ مُخَالِفٌ لِرَاعِي الْبَهَائِمِ وَصُنَّاعِ الْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيِّينَ يُؤَدَّبُونَ بِالْكَلَامِ فَيَتَعَلَّمُونَ وَلَيْسَ هَكَذَا مُؤَدِّبُ الْبَهَائِمِ فَإِذَا ضَرَبَ أَحَدًا مِنْ الْآدَمِيِّينَ لِاسْتِصْلَاحِ الْمَضْرُوبِ أَوْ غَيْرِ اسْتِصْلَاحِهِ فَتَلِفَ كَانَتْ فِيهِ دِيَةٌ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ وَالتَّعْزِيرُ لَيْسَ بِحَدٍّ يَجِبُ بِكُلِّ حَالٍ، وَقَدْ يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَلَا يَأْثَمُ مَنْ تَرَكَهُ قَدْ فُعِلَ غَيْرُ شَيْءٍ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ حَدٍّ فَلَمْ يَضْرِبْ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْغُلُولُ وَغَيْرُهُ، وَلَمْ يُؤْتَ بِحَدٍّ قَطُّ فَعَفَاهُ وَبَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى امْرَأَةٍ فِي شَيْءٍ بَلَغَهُ عَنْهَا فَأَسْقَطَتْ فَقِيلَ لَهُ إنَّك مُؤَدِّبٌ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ كَانَ اجْتَهَدَ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَجْتَهِدْ فَقَدْ غَشَّ، عَلَيْك الدِّيَةُ فَقَالَ عُمَرُ عَزَمْت عَلَيْك أَنْ لَا تَجْلِسَ حَتَّى تَضْرِبَهَا عَلَى قَوْمِك فَبِهَذَا قُلْنَا خَطَأُ الْإِمَامِ عَلَى عَاقِلَتِهِ دُونَ بَيْتِ الْمَالِ. (قَالَ) : وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي ثَوْبٍ فَقَالَ رَبُّهُ أَمَرْتُك أَنْ تَقْطَعَهُ قَمِيصًا وَقَالَ الْخَيَّاطُ بَلْ قَبَاءً. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ وَصَفَ قَوْلَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْخَيَّاطِ؛ لِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الْقَطْعِ. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ فَقَالَ رَهْنٌ وَقَالَ رَبُّهُ وَدِيعَةٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَعَلَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ، وَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْقَطْعِ فَلَمْ يَعْمَلْ لَهُ عَمَلَهُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى حَمْلٍ بِإِجَارَةٍ فَقَالَ قَدْ حَمَلْته لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ إلَّا بِإِقْرَارِ صَاحِبِهِ وَهَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ وَكِلَاهُمَا مَدْخُولٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَوْلُ مَا شَبَّهَ الشَّافِعِيُّ بِالْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ بَيْنَهُمْ أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِحَدَثِهِ وَأَنَّ الدَّعْوَى لَا تَنْفَعُهُ فَالْخَيَّاطُ مُقِرٌّ بِأَنَّ الثَّوْبَ لِرَبِّهِ وَأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهِ حَدَثًا وَادَّعَى إذْنَهُ، وَإِجَارَةً عَلَيْهِ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ، وَإِلَّا حَلَفَ صَاحِبُهُ وَضَمَّنَهُ مَا أَحْدَثَ فِي ثَوْبِهِ. [مُخْتَصَرٌ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ وَكِرَاءِ الْأَرْضِ وَالشَّرِكَةِ فِي الزَّرْعِ] ِ، وَمَا دَخَلَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَمَسَائِلَ سَمِعْتُهَا مِنْهُ لَفْظًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ اكْتَرَى دَابَّةً فَحَبَسَهَا قَدْرَ الْمَسِيرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَبَسَهَا أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ ذَلِكَ ضَمِنَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْت عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ يَقُولُ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ «كُنَّا نُخَابِرُ، وَلَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا حَتَّى أَخْبَرَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 227 الْمُخَابَرَةِ» فَتَرَكْنَاهَا لِقَوْلِ رَافِعٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمُخَابَرَةُ اسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَهْيِهِ عَنْ الْمُخَابَرَةِ عَلَى أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُزَارَعَةُ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَا عَلَى الرُّبُعِ، وَلَا جُزْءٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَلَا يَجُوزُ الْكِرَاءُ إلَّا مَعْلُومًا، وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالْعَرَضِ، وَمَا نَبَتَ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ عَلَى صِفَةِ تَسْمِيَةٍ كَمَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْمَنَازِلِ، وَإِجَارَةُ الْعَبِيدِ، وَلَا يَجُوزُ الْكِرَاءُ إلَّا عَلَى سَنَةٍ مَعْرُوفَةٍ، وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ الْأَرْضَ ذَاتَ الْمَاءِ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ النَّهْرِ أَوْ النِّيلِ أَوْ عَثَرِيًّا أَوْ غَيْلًا أَوْ الْآبَارِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا غَلَّةَ شِتَاءٍ وَصَيْفٍ فَزَرَعَهَا إحْدَى الْغَلَّتَيْنِ وَالْمَاءُ قَائِمٌ ثُمَّ نَضَبَ الْمَاءُ فَذَهَبَ قَبْلَ الْغَلَّةِ الثَّانِيَةِ فَأَرَادَ رَدَّ الْأَرْضِ لِذَهَابِ الْمَاءِ عَنْهَا فَذَلِكَ لَهُ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ بِحِصَّةِ مَا زَرَعَ إنْ كَانَ الثُّلُثَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَسَقَطَتْ عَنْهُ حِصَّةُ مَا لَمْ يَزْرَعْ؛ لِأَنَّهُ لَا صَلَاحَ لِلزَّرْعِ إلَّا بِهِ وَلَوْ تَكَارَاهَا سَنَةً فَزَرَعَهَا فَانْقَضَتْ السَّنَةُ وَالزَّرْعُ فِيهَا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يُحْصَدَ فَإِنْ كَانَتْ السَّنَةُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا زَرْعًا يُحْصَدُ قَبْلَهَا فَالْكِرَاءُ جَائِزٌ وَلَيْسَ لِرَبِّ الزَّرْعِ أَنْ يُثْبِتَ زَرْعَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْقُلَهُ عَنْ الْأَرْضِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ تَرْكَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا شَرَطَ أَنْ يَزْرَعَهَا صِنْفًا مِنْ الزَّرْعِ يَسْتَحْصِدُ أَوْ يَسْتَقْصِلُ قَبْلَ السَّنَةِ فَأَخَّرَهُ إلَى وَقْتٍ مِنْ السَّنَةِ وَانْقَضَتْ السَّنَةُ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ تَكَارَاهَا لِمُدَّةٍ أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ وَشَرَطَ أَنْ يَزْرَعَهَا شَيْئًا بِعَيْنِهِ، وَيَتْرُكَهُ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَحْصِدَ فِي مِثْلِ الْمُدَّةِ الَّتِي تَكَارَاهَا فَالْكِرَاءُ فِيهِ فَاسِدٌ مِنْ قِبَلِ أَنِّي إنْ أَثْبَتَ بَيْنَهُمَا شَرْطَهُمَا، وَلَمْ أُثْبِتْ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَبْقَى زَرْعُهُ فِيهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَبْطَلْت شَرْطَ الزَّارِعِ أَنْ يَتْرُكَهُ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ، وَإِنْ أَثْبَتُ لَهُ زَرْعَهُ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ أَبْطَلْت شَرْطَ رَبِّ الْأَرْضِ فَكَانَ هَذَا كِرَاءً فَاسِدًا وَلِرَبِّ الْأَرْضِ كِرَاءُ مِثْلِ أَرْضِهِ إذَا زَرَعَهُ وَعَلَيْهِ تَرْكُهُ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا تَكَارَى الْأَرْضَ الَّتِي لَا مَاءَ لَهَا إنَّمَا تُسْقَى بِنَطْفِ سَمَاءٍ أَوْ بِسَيْلٍ إنْ جَاءَ فَلَا يَصِحُّ كِرَاؤُهَا إلَّا عَلَى أَنْ يُكْرِيَهُ إيَّاهَا أَرْضًا بَيْضَاءَ لَا مَاءَ لَهَا يَصْنَعُ بِهَا الْمُسْتَكْرِي مَا شَاءَ فِي سَنَتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْنِي، وَلَا يَغْرِسُ فَإِذَا وَقَعَ عَلَى هَذَا صَحَّ الْكِرَاءُ وَلَزِمَهُ زَرَعَ أَوْ لَمْ يَزْرَعْ فَإِنْ أَكْرَاهُ إيَّاهَا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا، وَلَمْ يَقُلْ أَرْضًا بَيْضَاءَ لَا مَاءَ لَهَا وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهَا لَا تُزْرَعُ إلَّا بِمَطَرٍ أَوْ سَيْلٍ يَحْدُثُ فَالْكِرَاءُ فَاسِدٌ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ ذَاتَ نَهْرٍ مِثْلِ النِّيلِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَعْلُو الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا زَرْعًا لَا يَصْلُحُ إلَّا بِأَنْ يُرْوَى بِالنِّيلِ لَا بِئْرَ لَهَا، وَلَا مَشْرَبَ غَيْرُهُ فَالْكِرَاءُ فَاسِدٌ، وَإِذَا تَكَارَاهَا وَالْمَاءُ قَائِمٌ عَلَيْهَا، وَقَدْ يَنْحَسِرُ لَا مَحَالَةَ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ فِيهِ الزَّرْعُ فَالْكِرَاءُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَنْحَسِرُ، وَلَا يَنْحَسِرُ كَرِهْت الْكِرَاءَ إلَّا بَعْدَ انْحِسَارِهِ، وَإِنْ غَرَّقَهَا بَعْدَ أَنْ صَحَّ كِرَاؤُهَا نِيلٌ أَوْ سَيْلٌ أَوْ شَيْءٌ يُذْهِبُ الْأَرْضَ أَوْ غُصِبَتْ انْتَقَضَ الْكِرَاءُ بَيْنَهُمَا مِنْ يَوْمِ تَلِفَتْ الْأَرْضُ فَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهَا وَبَقِيَ بَعْضٌ، وَلَمْ يُزْرَعْ فَرَبُّ الزَّرْعِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْكِرَاءِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَمْ تُسَلَّمْ لَهُ كُلُّهَا، وَإِنْ كَانَ زَرَعَ بَطَلَ عَنْهُ مَا تَلِفَ وَلَزِمَهُ حِصَّةُ مَا زَرَعَ مِنْ الْكِرَاءِ. وَكَذَا إذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ مِائَةَ صَاعٍ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فَتَلِفَ خَمْسُونَ صَاعًا فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْسِينَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ أَوْ يَرُدَّ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ كُلَّ مَا اشْتَرَى وَكَذَلِكَ لَوْ اكْتَرَى دَارًا فَانْهَدَمَ بَعْضُهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ مِنْهَا مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْكِرَاءِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَا يَتَبَعَّضُ مِنْ عَبْدٍ اشْتَرَاهُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَخْذِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ رَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ مَا هُوَ غَيْرُ مَعِيبٍ وَالْمَسْكَنُ يَتَبَعَّضُ مِنْ الْمَسْكَنِ مِنْ الدَّارِ وَالْأَرْضُ كَذَلِكَ، وَإِنْ مَرَّ بِالْأَرْضِ مَاءٌ فَأَفْسَدَ زَرْعَهُ أَوْ أَصَابَهُ حَرِيقٌ أَوْ جَرَادٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ جَائِحَةٌ عَلَى الزَّرْعِ لَا عَلَى الْأَرْضِ كَمَا لَوْ اكْتَرَى مِنْهُ دَارًا لِلْبَزِّ فَاحْتَرَقَ الْبَزُّ وَلَوْ اكْتَرَاهَا؛ لِيَزْرَعَهَا قَمْحًا فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا مَا لَا يَضُرُّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 228 بِالْأَرْضِ إلَّا إضْرَارَ الْقَمْحِ، وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِهَا مِثْلُ عُرُوقٍ تَبْقَى فِيهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ مُتَعَدٍّ وَرَبُّ الْأَرْضِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْكِرَاءَ، وَمَا نَقَصَتْ الْأَرْضُ عَمَّا يُنْقِصُهَا زَرْعُ الْقَمْحِ أَوْ يَأْخُذُ مِنْهُ كِرَاءَ مِثْلِهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا اكْتَرَى وَزَادَ عَلَى الْمُكْرِي ضَرَرًا كَرَجُلٍ اكْتَرَى مَنْزِلًا يُدْخِلُ فِيهِ مَا يَحْمِلُ سَقْفُهُ فَحَمَّلَ فِيهِ أَكْثَرَ فَأَضَرَّ ذَلِكَ بِالْمَنْزِلِ فَقَدْ اسْتَوْفَى سُكْنَاهُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ ضَرَرِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ اكْتَرَى مَنْزِلًا سُفْلًا فَجَعَلَ فِيهِ الْقَصَّارِينَ أَوْ الْحَدَّادِينَ فَتَقَلَّعَ الْبِنَاءُ فَقَدْ اسْتَوْفَى مَا اكْتَرَاهُ وَعَلَيْهِ بِالتَّعَدِّي مَا نَقَصَ بِالْمَنْزِلِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ قَالَ لَهُ: ازْرَعْهَا مَا شِئْتَ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ زَرْعِ مَا شَاءَ، وَلَوْ أَرَادَ الْغِرَاسَ فَهُوَ غَيْرُ الزَّرْعِ، وَإِنْ قَالَ ازْرَعْهَا أَوْ اغْرِسْهَا مَا شِئْت فَالْكِرَاءُ جَائِزٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : أَوْلَى بِقَوْلِهِ أَنْ لَا يَجُوزَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي يَغْرِسُ أَكْثَرَ الْأَرْضِ فَيَكْثُرُ الضَّرَرُ عَلَى صَاحِبِهَا أَوْ لَا يَغْرِسُ فَتَسْلَمُ أَرْضُهُ مِنْ النُّقْصَانِ بِالْغَرْسِ فَهَذَا فِي مَعْنَى الْمَجْهُولِ، وَمَا لَا يَجُوزُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ انْقَضَتْ سِنُوهُ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَقْلَعَ غَرْسَهُ حَتَّى يُعْطِيَهُ قِيمَتَهُ وَقِيمَةَ ثَمَرَتِهِ إنْ كَانَتْ فِيهِ يَوْمَ يَقْلَعُهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِرَبِّ الْغِرَاسِ إنْ شَاءَ أَنْ يَقْلَعَهُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَ الْأَرْضَ، وَالْغِرَاسُ كَالْبِنَاءِ إذَا كَانَ بِإِذْنِ مَالِكِ الْأَرْضِ مُطْلَقًا، وَمَا اكْتَرَى فَاسِدًا وَقَبَضَهَا، وَلَمْ يَزْرَعْ، وَلَمْ يَسْكُنْ حَتَّى انْقَضَتْ السَّنَةُ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْمِثْلِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقِيَاسُ عِنْدِي - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ - أَنَّهُ إذَا أَجَّلَ لَهُ أَجَلًا يَغْرِسُ فِيهِ فَانْقَضَى الْأَجَلُ أَوْ أَذِنَ لَهُ بِبِنَاءٍ فِي عَرْصَةٍ لَهُ سِنِينَ وَانْقَضَى الْأَجَلُ أَنَّ الْأَرْضَ وَالْعَرْصَةَ مَرْدُودَتَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعِرْهُ شَيْئًا فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ عَلَى أَهْلِهِ، وَلَا يُجْبَرُ صَاحِبُ الْأَرْضِ عَلَى شِرَاءِ غِرَاسٍ، وَلَا بِنَاءٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَهَذَا قَدْ مَنَعَ مَالَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ مَا لَا يَرْضَى شِرَاءَهُ فَأَيْنَ التَّرَاضِي. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِذَا اكْتَرَى دَارًا سَنَةً فَغَصَبَهَا رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كِرَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ مَا اكْتَرَى، وَإِذَا اكْتَرَى أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ فَعَلَيْهِ فِيمَا أَخْرَجَتْ الصَّدَقَةُ، خَاطَبَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وَهَذَا مَالُ مُسْلِمٍ وَحَصَادُ مُسْلِمٍ فَالزَّكَاةُ فِيهِ وَاجِبَةٌ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي اكْتِرَاءِ دَابَّةٍ إلَى مَوْضِعٍ أَوْ فِي كِرَائِهَا أَوْ فِي إجَارَةِ الْأَرْضِ تَحَالَفَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الرُّكُوبِ وَالزَّرْعِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ كِرَاءُ الْمِثْلِ وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ بِكِرَاءٍ، وَقَالَ الْمُزَارِعُ عَارِيَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ مَعَ يَمِينِهِ، وَيَقْلَعُ الزَّارِعُ زَرْعَهُ وَعَلَى الزَّارِعِ كِرَاءُ مِثْلِهِ إلَى يَوْمِ قَلْعِ زَرْعِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي إبَّانِ الزَّرْعِ أَوْ غَيْرِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ فِي رَاكِبِ الدَّابَّةِ يَقُولُ أَعَرْتَنِيهَا، وَيَقُولُ بَلْ أَكْرَيْتُكَهَا إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاكِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَخِلَافُ قَوْلِهِ فِي الْغَسَّالِ يَقُولُ صَاحِبُ الثَّوْبِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ، وَيَقُولُ الْغَسَّالُ بِأُجْرَةٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ، وَأَوْلَى بِقَوْلِهِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ فِي كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ، وَقَدْ بَيَّنْتُهُ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ. [إحْيَاءُ الْمَوَاتِ] ِ مِنْ كِتَابٍ وَضَعَهُ بِخَطِّهِ لَا أَعْلَمُهُ سُمِعَ مِنْهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِلَادُ الْمُسْلِمِينَ شَيْئَانِ عَامِرٌ، وَمَوَاتٌ فَالْعَامِرُ لِأَهْلِهِ وَكُلُّ مَا صَلَحَ بِهِ الْعَامِرُ مِنْ طَرِيقٍ وَفِنَاءٍ، وَمَسِيلِ مَاءٍ وَغَيْرِهِ فَهُوَ كَالْعَامِرِ فِي أَنْ لَا يُمْلَكَ عَلَى أَهْلِهِ إلَّا بِإِذْنِهِمْ وَالْمَوَاتُ شَيْئَانِ مَوَاتُ مَا قَدْ كَانَ عَامِرًا لِأَهْلِهِ مَعْرُوفًا فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ ذَهَبَتْ عِمَارَتُهُ فَصَارَ مَوَاتًا فَذَلِكَ كَالْعَامِرِ لِأَهْلِهِ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِإِذْنِهِمْ، وَالْمَوَاتُ الثَّانِي مَا لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ فِي الْإِسْلَامِ يُعْرَفُ، وَلَا عِمَارَةَ مِلْكٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا لَمْ يُمْلَكْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 229 فَذَلِكَ الْمَوَاتُ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ لَهُ» وَعَطِيَّتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَّةٌ لِمَنْ أَحْيَا الْمَوَاتَ أَثْبَتُ مِنْ عَطِيَّةِ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ سُلْطَانٍ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ إلَى جَنْبِ قَرْيَةٍ عَامِرَةٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ حَيْثُ كَانَ، وَقَدْ «أَقْطَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدُّورَ فَقَالَ حَيٌّ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَبْدِ بْنِ زُهْرَةَ نَكَبَ عَنَّا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِمَ ابْتَعَثَنِي اللَّهُ إذَنْ إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَا يُقَدِّسُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ فِيهِمْ لِلضَّعِيفِ حَقُّهُ» وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْطَعَ بِالْمَدِينَةِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ عِمَارَةِ الْأَنْصَارِ مِنْ الْمَنَازِلِ وَالنَّخْلِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْعَامِرِ» وَدَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَا قَارَبَ الْعَامِرَ يَكُونُ مِنْهُ مَوَاتٌ وَالْمَوَاتُ الَّذِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُقْطِعَهُ مَنْ يَعْمُرُهُ خَاصَّةً وَأَنْ يَحْمِيَ مِنْهُ مَا يَرَى أَنْ يَحْمِيَهُ عَامًّا لِمَنَافِعِ الْمُسْلِمِينَ وَاَلَّذِي عَرَفْنَا نَصًّا وَدَلَالَةً فِيمَا حَمَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ حَمَى النَّقِيعَ» وَهُوَ بَلَدٌ لَيْسَ بِالْوَاسِعِ الَّذِي إذَا حَمَى ضَاقَتْ الْبِلَادُ عَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي حَوْلَهُ وَأَضَرَّ بِهِمْ وَكَانُوا يَجِدُونَ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْبِلَادِ سَعَةً لِأَنْفُسِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ وَأَنَّهُ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ مُجَاوِزٍ لِلْقَدْرِ وَفِيهِ صَلَاحٌ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ تَكُونَ الْخَيْلُ الْمُعَدَّةُ لِسَبِيلِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - وَمَا فَضَلَ مِنْ سُهْمَانِ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ، وَمَا فَضَلَ مِنْ النَّعَمِ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ الْجِزْيَةِ تَرْعَى جَمِيعُهَا فِيهِ فَأَمَّا الْخَيْلُ فَقُوَّةٌ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَسْلَكُ سَبِيلِهَا أَنَّهَا لِأَهْلِ الْفَيْءِ وَالْمُجَاهِدِينَ، وَأَمَّا النَّعَمُ الَّتِي تَفْضُلُ عَنْ سُهْمَانِ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ فَيُعَادُ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا، وَأَمَّا نَعَمُ الْجِزْيَةِ فَقُوَّةٌ لِأَهْلِ الْفَيْءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَبْقَى مُسْلِمٌ إلَّا دَخَلَ عَلَيْهِ مَنْ هَذَا خَصْلَةُ صَلَاحٍ فِي دِينِهِ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ مَنْ يَلْزَمُهُ أَمْرُهُ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ عَامَّةٍ مِنْ مُسْتَحِقِّي الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ مَا حَمَى عَنْ خَاصَّتِهِمْ أَعْظَمَ مَنْفَعَةً لِعَامَّتِهِمْ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ وَقُوَّةً عَلَى مَنْ خَالَفَ دَيْنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ عَدُوِّهِمْ. قَدْ حَمَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَلَّى عَلَيْهِ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ هُنَيُّ وَقَالَ لَهُ يَا هُنَيُّ ضُمَّ جَنَاحَك لِلنَّاسِ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُجَابَةٌ وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ، وَإِيَّاكَ وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ فَإِنَّهُمَا إنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ، وَإِنَّ رَبَّ الْغُنَيْمَةِ يَأْتِينِي بِعِيَالِهِ فَيَقُولُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا لَا أَبَا لَك؟ وَالْكَلَأُ أَهْوَنُ مِنْ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ مِنْ الْأَرْضِ إلَّا أَقَلَّهَا الَّذِي لَا يَتَبَيَّنُ ضَرَرُهُ عَلَى مَنْ حَمَاهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا حِمًى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» . (قَالَ) : وَكَانَ الرَّجُلُ الْعَزِيزُ مِنْ الْعَرَبِ إذَا انْتَجَعَ بَلَدًا مُخْصِبًا أَوْفَى بِكَلْبٍ عَلَى جَبَلٍ إنْ كَانَ بِهِ أَوْ نَشْزٍ إنْ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ اسْتَعْوَى كَلْبًا وَأَوْقَفَ لَهُ مَنْ يَسْمَعُ مُنْتَهَى صَوْتِهِ بِالْعُوَاءِ فَحَيْثُ انْتَهَى صَوْتُهُ حَمَاهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ لِنَفْسِهِ، وَيَرْعَى مَعَ الْعَامَّةِ فِيمَا سِوَاهُ، وَيَمْنَعُ هَذَا مِنْ غَيْرِهِ لِضَعْفِ مَاشِيَتِهِ، وَمَا أَرَادَ مَعَهَا فَنَرَى أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا حِمًى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» : لَا حِمًى عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الْخَاصِّ، وَأَنَّ قَوْلَهُ لِلَّهِ: فَلِلَّهِ كُلَّ مَحْمِيِّ وَغَيْرُهُ، وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا يُحْمَى لِصَلَاحِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَا لِمَا يَحْمِي لَهُ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَمْلِكْ مَالًا إلَّا مَا لَا غِنَى بِهِ وَبِعِيَالِهِ عَنْهُ، وَمَصْلَحَتِهِمْ حَتَّى صَيَّرَ مَا مَلَّكَهُ اللَّهُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، وَمَالَهُ إذَا حَبَسَ قُوتَ سَنَتِهِ مَرْدُودًا فِي مَصْلَحَتِهِمْ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عِدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ وَلِأَنَّ نَفْسَهُ، وَمَالَهُ كَانَ مُفَرَّغًا لِطَاعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - (قَالَ) : وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ، وَلَا يَأْخُذَ مِنْ الَّذِي حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ أُعْطِيَهُ فَعَمَّرَهُ نُقِضَتْ عِمَارَتُهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 230 [بَابُ مَا يَكُونُ إحْيَاءً] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْإِحْيَاءُ مَا عَرَفَهُ النَّاسُ إحْيَاءً لِمِثْلِ الْمُحْيَا إنْ كَانَ مَسْكَنًا فَبِأَنْ يَبْنِيَ بِمِثْلِ مَا يَكُونُ مِثْلُهُ بِنَاءً، وَإِنْ كَانَ لِلدَّوَابِّ فَبِأَنْ يَبْنِيَ مُحْظِرَةً وَأَقَلُّ عِمَارَةِ الزَّرْعِ الَّتِي تُمْلَكُ بِهَا الْأَرْضُ أَنْ يَجْمَعَ تُرَابًا يُحِيطُ بِهَا تَتَبَيَّنُ بِهِ الْأَرْضُ مِنْ غَيْرِهَا، وَيَجْمَعُ حَرْثَهَا وَزَرْعَهَا، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَيْنُ مَاءٍ أَوْ بِئْرٌ حَفَرَهَا أَوْ سَاقَهُ مِنْ نَهْرٍ إلَيْهَا فَقَدْ أَحْيَاهَا وَلَهُ مَرَافِقُهَا الَّتِي لَا يَكُونُ صَلَاحُهَا إلَّا بِهَا، وَمَنْ أَقْطَعَ أَرْضًا أَوْ تَحَجَّرَهَا فَلَمْ يُعَمِّرْهَا رَأَيْت لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقُولَ لَهُ إنْ أَحْيَيْتهَا، وَإِلَّا خَلَّيْنَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ يُحْيِيهَا فَإِنْ تَأَجَّلَهُ رَأَيْت أَنْ يَفْعَلَ. [مَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ وَمَا لَا يَجُوزُ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ يُعْرَفُ صِنْفَانِ أَحَدُهُمَا مَا مَضَى، وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِمَا يَسْتَحْدِثُهُ فِيهِ وَالثَّانِي مَا لَا تُطْلَبُ الْمَنْفَعَةُ فِيهِ إلَّا بِشَيْءٍ يَجْعَلُ فِيهِ غَيْرَهُ وَذَلِكَ الْمَعَادِنُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ مِنْ الذَّهَبِ وَالتِّبْرِ وَالْكُحْلِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْمِلْحِ وَغَيْرِهِ، وَأَصْلُ الْمَعَادِنِ صِنْفَانِ مَا كَانَ ظَاهِرًا كَالْمِلْحِ فِي الْجِبَالِ تَنْتَابُهُ النَّاسُ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ لِأَحَدٍ أَنْ يُقْطِعَهُ بِحَالٍ وَالنَّاسُ فِيهِ شَرَعٌ، وَهَكَذَا النَّهْرُ وَالْمَاءُ الظَّاهِرُ وَالنَّبَاتُ فِيمَا لَا يُمْلَكُ لِأَحَدٍ «، وَقَدْ سَأَلَ الْأَبْيَضُ بْنُ حَمَّالٍ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْطَعَهُ مِلْحَ مَأْرِبَ فَأَقْطَعَهُ إيَّاهُ أَوْ أَرَادَهُ فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ كَالْمَاءِ الْعِدِّ فَقَالَ فَلَا إذَنْ» قَالَ، وَمِثْلُ هَذَا كُلُّ عَيْنٍ ظَاهِرَةٍ كَنِفْطٍ أَوْ قِيرٍ أَوْ كِبْرِيتٍ أَوْ مُومِيًا أَوْ حِجَارَةٍ ظَاهِرَةٍ فِي غَيْرِ مِلْكِ أَحَدٍ فَهُوَ كَالْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ وَلَوْ كَانَتْ بُقْعَةٌ مِنْ السَّاحِلِ يَرَى أَنَّهُ إنْ حَفَرَ تُرَابًا مِنْ أَعْلَاهَا ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا مَاءٌ ظَهَرَ لَهَا مِلْحٌ كَانَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُقْطِعَهَا وَلِلرَّجُلِ أَنْ يُعَمِّرَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيَمْلِكَهَا. بَابُ تَفْرِيعِ الْقَطَائِعِ وَغَيْرِهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْقَطَائِعُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا مَا مَضَى: وَالثَّانِي إقْطَاعُ إرْفَاقٍ لَا تَمْلِيكٍ مِثْلَ الْمَقَاعِدِ بِالْأَسْوَاقِ الَّتِي هِيَ طَرِيقُ الْمُسْلِمِينَ فَمَنْ قَعَدَ فِي مَوْضِعٍ مِنْهَا لِلْبَيْعِ كَانَ بِقَدْرِ مَا يَصْلُحُ لَهُ مِنْهَا مَا كَانَ مُقِيمًا فِيهِ فَإِذَا فَارَقَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ كَأَفْنِيَةِ الْعَرَبِ وَفَسَاطِيطِهِمْ فَإِذَا انْتَجَعُوا لَمْ يَمْلِكُوا بِهَا حَيْثُ تَرَكُوا. [إقْطَاعُ الْمَعَادِنِ وَغَيْرِهَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي إقْطَاعِ الْمَعَادِنِ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُخَالِفُ إقْطَاعَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَقْطَعَ أَرْضًا فِيهَا مَعَادِنُ أَوْ عَمِلَهَا وَلَيْسَتْ لِأَحَدٍ سَوَاءٌ كَانَتْ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ نُحَاسًا أَوْ مَا لَا يَخْلُصُ إلَّا بِمُؤْنَةٍ؛ لِأَنَّهُ بَاطِنٌ مُسْتَكِنٌّ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ تُرَابٍ أَوْ حِجَارَةٍ كَانَتْ هَذِهِ كَالْمَوَاتِ فِي أَنَّ لَهُ أَنْ يُقْطِعَهُ إيَّاهَا، وَمُخَالِفَةٌ لِلْمَوَاتِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّ الْمَوَاتَ إذَا أُحْيِيَتْ مَرَّةً ثَبَتَ إحْيَاؤُهَا وَهَذِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ يُبْتَدَأُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 231 إحْيَاؤُهَا لِبُطُونِ مَا فِيهَا، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْطِعَهُ مِنْ الْمَعَادِنِ إلَّا قَدْرَ مَا يَحْتَمِلُ عَلَى أَنَّهُ إنْ عَطَّلَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعٌ مِنْ أَخْذِهِ، وَمِنْ حُجَّتِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّ لَهُ بَيْعَ الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ الْمَعَادِنِ وَأَنَّهَا كَالْبِئْرِ تُحْفَرُ بِالْبَادِيَةِ فَتَكُونُ لِحَافِرِهَا، وَلَا يَكُونُ لَهُ مَنْعُ الْمَاشِيَةِ فَضْلَ مَائِهَا وَكَالْمَنْزِلِ بِالْبَادِيَةِ هُوَ أَحَقُّ بِهِ فَإِذَا تَرَكَهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَنْ نَزَلَهُ. وَلَوْ أُقْطِعَ أَرْضًا فَأَحْيَاهَا ثُمَّ ظَهَرَ فِيهَا مَعْدِنٌ مَلَكَهُ مِلْكَ الْأَرْضِ فِي الْقَوْلَيْنِ مَعًا وَكُلُّ مَعْدِنٍ عَمِلَ فِيهِ جَاهِلِيٌّ ثُمَّ اسْتَقْطَعَهُ رَجُلٌ فَفِيهِ أَقَاوِيلُ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَالْبِئْرِ الْجَاهِلِيِّ وَالْمَاءِ الْعِدِّ فَلَا يُمْنَعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ فَإِذَا اسْتَبَقُوا إلَيْهِ فَإِنْ وَسِعَهُمْ عَمِلُوا مَعًا، وَإِنْ ضَاقَ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ أَيُّهُمْ يَبْدَأُ ثُمَّ يَتْبَعُ الْآخَرُ فَالْآخَرُ حَتَّى يَتَأَسَّوْا فِيهِ وَالثَّانِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُقْطِعَهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ يَعْمَلُ فِيهِ، وَلَا يَمْلِكُهُ إذَا تَرَكَهُ وَالثَّالِثُ يُقْطِعُهُ فَيَمْلِكُهُ مِلْكَ الْأَرْضِ إذَا أَحْدَثَ فِيهَا عِمَارَةً وَكُلُّ مَا وَصَفْت مِنْ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَإِقْطَاعِ الْمَعَادِنِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّمَا عَنَيْته فِي عَفْوِ بِلَادِ الْعَرَبِ الَّذِي عَامِرُهُ عُشْرٌ وَعَفْوُهُ مَمْلُوكٌ وَكُلُّ مَا ظُهِرَ عَلَيْهِ عَنْوَةً مِنْ بِلَادِ الْعَجَمِ فَعَامِرُهُ كُلُّهُ لِمَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ، وَمَا كَانَ فِي قِسْمِ أَحَدِهِمْ مِنْ مَعْدِنٍ ظَاهِرٍ فَهُوَ لَهُ كَمَا يَقَعُ فِي قِسْمَةِ الْعَامِرِ بِقِيمَتِهِ فَيَكُونَ لَهُ وَكُلُّ مَا كَانَ فِي بِلَادِ الْعَنْوَةِ مِمَّا عُمِرَ مَرَّةً ثُمَّ تُرِكَ فَهُوَ كَالْعَامِرِ الْقَائِمِ الْعِمَارَةِ مِثْلَ مَا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ الْأَنْهَارُ وَعُمِرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى نَطْفِ السَّمَاءِ أَوْ بِالرِّشَاءِ وَكُلُّ مَا كَانَ لَمْ يُعْمَرْ قَطُّ مِنْ بِلَادِهِمْ فَهُوَ كَالْمَوَاتِ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ، وَمَا كَانَ مِنْ بِلَادِ الْعَجَمِ صُلْحًا فَمَا كَانَ لَهُمْ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ غَيْرَ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِهِمْ فَإِنْ صُولِحُوا عَلَى أَنَّ لِلْمُسْلِمِينَ الْأَرْضَ، وَيَكُونُونَ أَحْرَارًا ثُمَّ عَامَلَهُمْ الْمُسْلِمُونَ بَعْدُ فَالْأَرْضُ كُلُّهَا صُلْحٌ وَخُمُسُهَا لِأَهْلِ الْخُمُسِ، وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِجَمَاعَةِ أَهْلُ الْفَيْءِ، وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ مَوَاتٍ فَهُوَ كَالْمَوَاتِ غَيْرِهِ فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى عَامِرِهَا، وَمَوَاتِهَا كَانَ الْمَوَاتُ مَمْلُوكًا لِمَنْ مَلَكَ الْعَامِرَ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَوَاتِ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إذَا حَازَهُ رَجُلٌ، وَمَنْ عَمِلَ فِي مَعْدِنٍ فِي أَرْضٍ مِلْكُهَا لِغَيْرِهِ فَمَا خَرَجَ مِنْهُ فَلِمَالِكِهَا وَهُوَ مُتَعَدٍّ بِالْعَمَلِ، وَإِنْ عَمِلَ بِإِذْنِهِ أَوْ عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ عَمَلِهِ فَهُوَ لَهُ فَسَوَاءٌ وَأَكْثَرُ هَذَا أَنْ يَكُونَ هِبَةً لَا يَعْرِفُهَا الْوَاهِبُ، وَلَا الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَلَمْ يُحَزْ، وَلَمْ يُقْبَضْ وَلِلْآذِنِ الْخِيَارُ فِي أَنْ يُتِمَّ ذَلِكَ أَوْ يَرُدَّ وَلَيْسَ كَالدَّابَّةِ يَأْذَنُ فِي رُكُوبِهَا؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمَا أَعْطَاهُ وَقَبَضَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ مَنَعَهُ اللَّهُ فَضْلَ رَحْمَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ الْمَاشِيَةِ مِنْ فَضْلِ مَائِهِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَا يُسْقَى بِهِ الزَّرْعُ أَوْ الشَّجَرُ إلَّا بِإِذْنِهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 232 [كِتَابُ الْعَطَايَا وَالصَّدَقَاتِ وَالْحَبْسِ] ِ، وَمَا دَخَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ السَّائِبَةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجْمَعُ مَا يُعْطَى النَّاسُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ ثُمَّ يَتَشَعَّبُ كُلُّ وَجْهٍ مِنْهَا فَفِي الْحَيَاةِ مِنْهَا وَجْهَانِ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ مِنْهَا وَجْهٌ فَمِمَّا فِي الْحَيَاةِ الصَّدَقَاتُ وَاحْتَجَّ فِيهَا بِأَنَّ «عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَلَكَ مِائَةَ سَهْمٍ مِنْ خَيْبَرَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُصِبْ مَالًا مِثْلَهُ قَطُّ، وَقَدْ أَرَدْت أَنْ أَتَقَرَّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبِّسْ الْأَصْلَ وَسَبِّلْ الثَّمَرَةَ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَمَّا أَجَازَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُحَبِّسَ أَصْلَ الْمَالِ وَتُسَبَّلَ الثَّمَرَةُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى إخْرَاجِهِ الْأَصْلَ مِنْ مِلْكِهِ إلَى أَنْ يَكُونَ مَحْبُوسًا لَا يَمْلِكُ مَنْ سَبَّلَ عَلَيْهِ ثَمَرَهُ بَيْعَ أَصْلِهِ فَصَارَ هَذَا الْمَالُ مُبَايِنًا لِمَا سِوَاهُ، وَمُجَامِعًا لَأَنْ يَخْرُجَ الْعَبْدُ مِنْ مِلْكِهِ بِالْعِتْقِ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - إلَى غَيْرِ مَالِكٍ فَمَلَّكَهُ بِذَلِكَ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ لَا رَقَبَتَهُ كَمَا يَمْلِكُ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةَ الْمَالِ لَا رَقَبَتَهُ، وَمُحَرَّمٌ عَلَى الْمُحَبِّسِ أَنْ يَمْلِكَ الْمَالَ كَمَا مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُعْتِقِ أَنْ يَمْلِكَ الْعَبْدَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيَتِمُّ الْحَبْسُ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ الْمُصَدِّقُ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَزَلْ يَلِي صَدَقَتَهُ - فِيمَا بَلَغَنَا - حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَلَمْ يَزَلْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَلِي صَدَقَتَهُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ - تَعَالَى -، وَلَمْ تَزَلْ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَلِي صَدَقَتَهَا حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَدِيثًا ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ تَصَدَّقَتْ بِمَالِهَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَأَنَّ عَلِيًّا - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ وَأَدْخَلَ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَاتُ الْمَفْرُوضَاتُ وَلَقَدْ حَفِظْنَا الصَّدَقَاتِ عَنْ عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَلَقَدْ حَكَى لِي عَدَدٌ مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَأَهْلِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَلَّوْنَهَا حَتَّى مَاتُوا يَنْقُلُ ذَلِكَ الْعَامَّةُ مِنْهُمْ عَنْ الْعَامَّةِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّ أَكْثَرَ مَا عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ، وَمَكَّةَ مِنْ الصَّدَقَاتِ لَعَلَى مَا وَصَفْت لَمْ يَزَلْ مَنْ تَصَدَّقَ بِهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ السَّلَفِ يَلُونَهَا حَتَّى مَاتُوا، وَإِنَّ نَقْلَ الْحَدِيثِ فِيهَا كَالتَّكَلُّفِ. (قَالَ) : وَاحْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِحَدِيثِ شُرَيْحٍ «أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ بِإِطْلَاقِ الْحَبْسِ» فَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْحَبْسُ الَّذِي جَاءَ بِإِطْلَاقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ كَانَ حَدِيثًا ثَابِتًا كَانَ عَلَى مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَحْبِسُ مِنْ الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَحْبَاسَهُمْ، وَلَا نَعْلَمُ جَاهِلِيًّا حَبَسَ دَارًا عَلَى وَلَدٍ، وَلَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا عَلَى مَسَاكِينَ «وَأَجَازَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ الْحَبْسَ» عَلَى مَا رَوَيْنَا وَاَلَّذِي جَاءَ بِإِطْلَاقِهِ غَيْرُ الْحَبْسِ الَّذِي أَجَازَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَالَ) : وَاحْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِقَوْلِ شُرَيْحٍ لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ جَعَلَ عَرْصَةً لَهُ مَسْجِدًا لَا تَكُونُ حَبْسًا عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَكَذَلِكَ مَا أَخْرَجَ مِنْ مَالِهِ فَلَيْسَ بِحَبْسٍ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيَجُوزُ الْحَبْسُ فِي الرَّقِيقِ وَالْمَاشِيَةِ إذَا عُرِفَتْ بِعَيْنِهَا قِيَاسًا عَلَى النَّخْلِ وَالدُّورِ وَالْأَرَضِينَ فَإِذَا قَالَ تَصَدَّقْت بِدَارِي عَلَى قَوْمٍ أَوْ رَجُلٍ مَعْرُوفٍ حَيٍّ يَوْمَ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ، وَقَالَ صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ أَوْ قَالَ مَوْقُوفَةٌ أَوْ قَالَ صَدَقَةٌ مُسَبَّلَةٌ فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ فَلَا تَعُودُ مِيرَاثًا أَبَدًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ مِلْكِهِ إلَّا إلَى مَالِكِ مَنْفَعَةٍ يَوْمَ يُخْرِجُهَا إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُسَبِّلْهَا عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً أَبَدًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 233 فَإِذَا انْقَرَضَ الْمُتَصَدَّقُ بِهَا عَلَيْهِ كَانَتْ مُحَرَّمَةً أَبَدًا وَرَدَدْنَاهَا عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِاَلَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا يَوْمَ تَرْجِعُ، وَهِيَ عَلَى مَا شَرَطَ مِنْ الْأَثَرَةِ وَالتَّقْدِمَةَ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْغِنَى وَالْحَاجَةِ، وَمِنْ إخْرَاجِ مَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا بِصِفَةٍ وَرَدِّهِ إلَيْهَا بِصِفَةٍ. (وَمِنْهَا) : فِي الْحَيَاةِ الْهِبَاتُ وَالصَّدَقَاتُ غَيْرُ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَهُ إبْطَالُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ فَإِنْ قَبَضَهَا أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ بِأَمْرِهِ فَهِيَ لَهُ، وَيَقْبِضُ لِلطِّفْلِ أَبُوهُ. نَحَلَ أَبُو بَكْرٍ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا فَلَمَّا مَرِضَ قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّك كُنْتِ قَبَضْتِيهِ وَهُوَ الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ. (وَمِنْهَا) : بَعْدَ الْوَفَاةِ الْوَصَايَا وَلَهُ إبْطَالُهَا مَا لَمْ يَمُتْ. [بَابُ الْعُمْرَى مِنْ كِتَابِ اخْتِلَافِهِ وَمَالِكٍ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ حُجْرٍ الْمَدَرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ جَعَلَ الْعُمْرَى لِلْوَارِثِ» ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُعْمِرُوا، وَلَا تُرْقِبُوا فَمَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا أَوْ أُرْقِبَهُ فَهُوَ سَبِيلُ الْمِيرَاثِ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عُمَرَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِهِ أَقُولُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ عِنْدِي فِي الْعُمْرَى أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ قَدْ جَعَلْت دَارِي هَذِهِ لَك عُمُرَك أَوْ حَيَاتَك أَوْ جَعَلْتهَا لَك عُمْرَى أَوْ رُقْبَى، وَيَدْفَعُهَا إلَيْهِ فَهِيَ مِلْكٌ لِلْمُعَمِّرِ تُورَثُ عَنْهُ إنْ مَاتَ. [بَابُ عَطِيَّةِ الرَّجُلِ وَلَدَهُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ يُحَدِّثَانِهِ «عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكُلَّ وَلَدِك نَحَلْتَ مِثْلَ هَذَا، قَالَ لَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَارْجِعْهُ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَسَمِعْت فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَلَيْسَ يَسُرُّك أَنْ يَكُونُوا فِي الْبِرِّ إلَيْك سَوَاءً؟ فَقَالَ بَلَى قَالَ فَارْجِعْهُ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أُمُورٍ مِنْهَا حُسْنُ الْأَدَبِ فِي أَنْ لَا يُفَضِّلَ فَيَعْرِضَ فِي قَلْبِ الْمَفْضُولِ شَيْءٌ يَمْنَعُهُ مِنْ بِرِّهِ فَإِنَّ الْقَرَابَةَ يَنْفُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَا لَا يَنْفُسُ الْعِدَى. وَمِنْهَا أَنَّ إعْطَاءَهُ بَعْضَهُمْ جَائِزٌ وَلَوْلَا ذَلِكَ لِمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَارْجِعْهُ "، وَمِنْهَا أَنَّ لِلْوَالِدِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا أَعْطَى وَلَدَهُ، وَقَدْ فَضَّلَ أَبُو بَكْرٍ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِنَخْلٍ وَفَضَّلَ عُمَرُ عَاصِمًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِشَيْءٍ أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَفَضَّلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَلَدَ أُمِّ كُلْثُومٍ وَلَوْ اتَّصَلَ حَدِيثُ طَاوُسٍ «لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ إلَّا وَالِدٌ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ» لَقُلْت بِهِ، وَلَمْ أُرِدْ وَاهِبًا غَيْرَهُ وَهَبَ لِمَنْ يَسْتَثِيبُ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ لَا يَسْتَثِيبُ. (قَالَ) : وَتَجُوزُ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَأْخُذُهَا لِمَا رَفَعَ اللَّهُ مِنْ قَدْرِهِ وَأَبَانَهُ مِنْ خَلْقِهِ إمَّا تَحْرِيمًا، وَإِمَّا لِئَلَّا يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ يَدٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الصَّدَقَةِ لَا يُرَادُ ثَوَابُهَا، وَمَعْنَى الْهَدِيَّةِ يُرَادُ ثَوَابُهَا، وَكَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ «وَرَأَى لَحْمًا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَقَالَ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 234 [كِتَابُ اللُّقَطَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا فَشَأْنُك بِهَا» وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَحْوُ ذَلِكَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَبِهَذَا أَقُولُ وَالْبَقَرُ كَالْإِبِلِ؛ لِأَنَّهُمَا يَرِدَانِ الْمِيَاهَ، وَإِنْ تَبَاعَدَتْ، وَيَعِيشَانِ أَكْثَرَ عَيْشِهِمَا بِلَا رَاعٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْرِضَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْمَالُ وَالشَّاةُ لَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا فَإِنْ وَجَدَهُمَا فِي مَهْلَكَةٍ فَلَهُ أَكْلُهُمَا وَغُرْمُهُمَا إذَا جَاءَ صَاحِبُهُمَا. (وَقَالَ) : فِيمَا وَضَعَهُ بِخَطِّهِ لَا أَعْلَمُهُ سُمِعَ مِنْهُ وَالْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ كَالْبَعِيرِ؛ لِأَنَّ كُلَّهَا قَوِيٌّ مُمْتَنِعٌ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ بَعِيدُ الْأَثَرِ فِي الْأَرْضِ، وَمِثْلُهَا الظَّبْيُ لِلرَّجُلِ وَالْأَرْنَبُ وَالطَّائِرُ لِبُعْدِهِ فِي الْأَرْضِ وَامْتِنَاعِهِ فِي السُّرْعَةِ. (قَالَ) : وَيَأْكُلُ اللُّقَطَةَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَمَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ قَدْ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مِنْ أَيْسَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ كَأَيْسَرِهِمْ وَجَدَ صُرَّةً فِيهَا ثَمَانُونَ دِينَارًا أَنْ يَأْكُلَهَا» «وَأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ وَجَدَ دِينَارًا فَأَمَرَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ فَلَمْ يُعْرَفْ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ بِأَكْلِهِ فَلَمَّا جَاءَ صَاحِبُهُ أَمَرَهُ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ» وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِمَّنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صُلْبِيَّةِ بَنِي هَاشِمٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ تَرْكَ لُقَطَةٍ وَجَدَهَا إذَا كَانَ أَمِينًا عَلَيْهَا فَعَرَّفَهَا سَنَةً عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ، وَمَوَاضِعِ الْعَامَّةِ، وَيَكُونُ أَكْثَرُ تَعْرِيفِهِ فِي الْجُمُعَةِ الَّتِي أَصَابَهَا فِيهَا فَيَعْرِفُ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَعَدَدَهَا وَوَزْنَهَا وَحِلْيَتَهَا، وَيَكْتُبُهَا، وَيُشْهِدُ عَلَيْهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا فَهِيَ لَهُ بَعْدَ سَنَةٍ عَلَى أَنَّهُ مَتَى جَاءَ صَاحِبُهَا فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ إنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهَا. وَسَوَاءٌ قَلِيلُ اللُّقَطَةِ وَكَثِيرُهَا فَيَقُولُ مَنْ ذَهَبَتْ لَهُ دَنَانِيرُ إنْ كَانَتْ دَنَانِيرَ، وَمَنْ ذَهَبَتْ لَهُ دَرَاهِمُ إنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ، وَمَنْ ذَهَبَ لَهُ كَذَا، وَلَا يَصِفُهَا فَيُنَازَعَ فِي صِفَتِهَا أَوْ يَقُولُ جُمْلَةً إنَّ فِي يَدِي لُقَطَةٌ فَإِنْ كَانَ مَوْلِيًّا عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ صِغَرٍ ضَمَّهَا الْقَاضِي إلَى وَلِيِّهِ وَفَعَلَ فِيهَا مَا يَفْعَلُ الْمُلْتَقِطُ فَإِنْ كَانَ عَبْدًا أُمِرَ بِضَمِّهَا إلَى سَيِّدِهِ فَإِنْ عَلِمَ بِهَا السَّيِّدُ فَأَقَرَّهَا فِي يَدَيْهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا فِي رَقَبَةِ عَبْدِهِ. (قَالَ) : فَمَا وَضَعَ بِخَطِّهِ لَا أَعْلَمُهُ سُمِعَ مِنْهُ: لَا غُرْمَ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يُعْتَقَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ لَهُ أَخْذَهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : الْأَوَّلُ أَقْيَسُ إذَا كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ وَالْعَبْدُ عِنْدِي لَيْسَ بِذِي ذِمَّةٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا السَّيِّدُ فَهِيَ فِي رَقَبَتِهِ إنْ اسْتَهْلَكَهَا قَبْلَ السَّنَةِ وَبَعْدَهَا دُونَ مَالِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ اللُّقَطَةَ عُدْوَانٌ إنَّمَا يَأْخُذُ اللُّقَطَةَ مَنْ لَهُ ذِمَّةٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ، وَلَا يَخْلُو سَيِّدُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلِمَهُ فَإِقْرَارُهُ إيَّاهَا فِي يَدِهِ يَكُونُ تَعَدِّيًا فَكَيْفَ لَا يَضْمَنُهَا فِي جَمِيعِ مَالِهِ أَوْ لَا يَكُونُ تَعَدِّيًا فَلَا تَعْدُو رَقَبَةَ عَبْدِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ كَانَ حُرًّا غَيْرَ مَأْمُونٍ فِي دِينِهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَأْمُرَ بِضَمِّهَا إلَى مَأْمُونٍ، وَيَأْمُرَ الْمَأْمُونَ وَالْمُلْتَقِطَ بِالْإِنْشَادِ بِهَا. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: لَا يَنْزِعُهَا مِنْ يَدَيْهِ، وَإِنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يَرْضَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ فَلَا قَوْلَ لَهُ إلَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ أَوْلَى بِالْحَقِّ عِنْدِي وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدْ قَطَعَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّ عَلَى الْإِمَامِ إخْرَاجَهَا مِنْ يَدِهِ لَا يَجُوزُ فِيهَا غَيْرُهُ وَهَذَا أَوْلَى بِهِ عِنْدِي. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْمُكَاتَبُ فِي اللُّقَطَةِ كَالْحُرِّ؛ لِأَنَّ مَالَهُ يَسْلَمُ لَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 235 وَالْعَبْدُ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ عَبْدٌ فَإِنْ الْتَقَطَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ مُخَلًّى لِنَفْسِهِ أُقِرَّتْ فِي يَدِهِ وَكَانَتْ بَعْدَ السَّنَةِ لَهُ كَمَا لَوْ كَسَبَ فِيهِ مَالًا كَانَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي لِسَيِّدِهِ أَخَذَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ فِيهِ لِسَيِّدِهِ. (قَالَ) : وَيُفْتَى الْمُلْتَقَطُ إذَا عَرَّفَ الرَّجُلُ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَالْعَدَدَ وَالْوَزْنَ وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ أَنْ يُعْطِيَهُ، وَلَا أَجْبُرُهُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ الصِّفَةَ بِأَنْ يَسْمَعَ الْمُلْتَقِطَ يَصِفُهَا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَأَنْ يُؤَدِّيَ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا مَعَهَا وَلِيَعْلَمَ إذَا وَضَعَهَا فِي مَالِهِ أَنَّهَا لُقَطَةٌ، وَقَدْ يَكُونُ لِيَسْتَدِلَّ عَلَى صِدْقِ الْمُعَرِّفِ أَرَأَيْت لَوْ وَصَفَهَا عَشْرَةٌ أَيُعْطُونَهَا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّهُمْ كَاذِبٌ إلَّا وَاحِدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا، وَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ طَعَامًا رَطْبًا لَا يَبْقَى فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ إذَا خَافَ فَسَادَهُ، وَيَغْرَمَهُ لِرَبِّهِ. (وَقَالَ) : فِيمَا وَضَعَهُ بِخَطِّهِ لَا أَعْلَمُهُ سُمِعَ مِنْهُ: إذَا خَافَ فَسَادَهُ أَحْبَبْتُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَيُقِيمَ عَلَى تَعْرِيفِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ لِلْمُلْتَقِطِ شَأْنُك بِهَا إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ مَهْلَكَةٍ كَالشَّاةِ فَيَكُونُ لَهُ أَكْلُهُ، وَيَغْرَمُهُ إذَا جَاءَ صَاحِبُهُ. (وَقَالَ) : فِيمَا وَضَعَ بِخَطِّهِ لَا أَعْلَمُهُ سُمِعَ مِنْهُ: إذَا وَجَدَ الشَّاةَ أَوْ الْبَعِيرَ أَوْ الدَّابَّةَ أَوْ مَا كَانَتْ بِالْمِصْرِ أَوْ فِي قَرْيَةٍ فَهِيَ لُقَطَةٌ يُعَرِّفُهَا سَنَةً، وَإِذْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَوَالَّ الْإِبِلِ فَمَنْ أَخَذَهَا ثُمَّ أَرْسَلَهَا ضَمِنَ. (قَالَ) : وَلَا جُعْلَ لِمَنْ جَاءَ بِآبِقٍ، وَلَا ضَالَّةٍ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ لَهُ وَسَوَاءٌ مَنْ عُرِفَ بِطَلَبِ الضَّوَالِّ، وَمَنْ لَا يُعْرَفُ بِهِ. وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ إنْ جِئْتنِي بِعَبْدٍ فَلَكَ كَذَا وَلِآخَرَ مِثْلُ ذَلِكَ وَلِثَالِثٍ مِثْلُ ذَلِكَ فَجَاءُوا بِهِ جَمِيعًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ مَا جَعَلَهُ لَهُ اتَّفَقَتْ الْأَجْعَالِ أَوْ اخْتَلَفَتْ. [بَابُ الْتِقَاطِ الْمَنْبُوذِ] ِ يُوجَدُ مَعَهُ الشَّيْءُ بِمَا وَضَعَ بِخَطِّهِ لَا أَعْلَمُهُ سُمِعَ مِنْهُ، وَمِنْ مَسَائِلَ شَتَّى سَمِعْتهَا مِنْهُ لَفْظًا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا وَضَعَ بِخَطِّهِ -: مَا وُجِدَ تَحْتَ الْمَنْبُوذِ مِنْ شَيْءٍ مَدْفُونٍ مِنْ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ أَوْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ فَهُوَ لُقَطَةٌ أَوْ كَانَتْ دَابَّةً فَهِيَ ضَالَّةٌ فَإِنْ وُجِدَ عَلَى دَابَّتِهِ أَوْ عَلَى فِرَاشِهِ أَوْ عَلَى ثَوْبِهِ مَالٌ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُلْتَقِطُهُ غَيْرَ ثِقَةٍ نَزَعَهُ الْحَاكِمُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ ثِقَةً وَجَبَ أَنْ يُشْهِدَ بِمَا وَجَدَ لَهُ، وَأَنَّهُ مَنْبُوذٌ، وَيَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ مِنْهُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَمَا أَخَذَ ثَمَنَهُ الْمُلْتَقِطُ وَأَنْفَقَ مِنْهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْحَاكِمِ فَهُوَ ضَامِنٌ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ وَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَرُمَ تَضْيِيعُهُ عَلَى مَنْ عَرَّفَهُ حَتَّى يُقَامَ بِكَفَالَتِهِ فَيُخْرِجَ مَنْ بَقِيَ مِنْ الْمَأْثَمِ، وَلَوْ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ أَنْ يَسْتَسْلِفَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ يَكُونُ عَلَيْهِ دَيْنًا فَمَا ادَّعَى قُبِلَ مِنْهُ إذَا كَانَ مِثْلُهُ قَصْدًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : لَا يَجُوزُ قَوْلُ أَحَدٍ فِيمَا يَتَمَلَّكُهُ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى وَلَيْسَ كَالْأَمِينِ يَقُولُ فَيَبْرَأُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ وَجَدَهُ رَجُلَانِ فَتَشَاحَّاهُ أَقْرَعْتُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ دَفَعْته إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ خَيْرًا لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُقَصِّرًا عَمَّا فِيهِ مَصْلَحَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 236 أَحَدُهُمَا مُقِيمًا بِالْمِصْرِ وَالْآخَرُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ دُفِعَ إلَى الْمُقِيمِ، وَإِنْ كَانَ قَرَوِيًّا وَبَدْوِيًّا دُفِعَ إلَى الْقَرَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْقَرْيَةَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْبَادِيَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا وَحُرًّا دُفِعَ إلَى الْحُرِّ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَنَصْرَانِيًّا فِي مِصْرٍ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ الْأَقَلَّ دُفِعَ إلَى الْمُسْلِمِ وَجَعَلْته مُسْلِمًا وَأَعْطَيْته مِنْ سُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْ نَفْسِهِ فَإِذَا أَعْرَبَ عَنْ نَفْسِهِ فَامْتَنَعَ مِنْ الْإِسْلَامِ لَمْ يَبِنْ لِي أَنْ أَقْتُلَهُ، وَلَا أُجْبِرَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنْ وُجِدَ فِي مَدِينَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا مُسْلِمَ فِيهِمْ فَهُوَ ذِمِّيٌّ فِي الظَّاهِرِ حَتَّى يَصِفَ الْإِسْلَامَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَوْ أَرَادَ الَّذِي الْتَقَطَهُ الظَّعْنَ بِهِ فَإِنْ كَانَ يُؤْمَنُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ فَذَلِكَ لَهُ وَإِلَّا مُنِعَهُ. وَجِنَايَتُهُ خَطَأً عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ: عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي فَإِنْ قَتَلَ عَمْدًا فَلِلْإِمَامِ الْقَوَدُ أَوْ الْعَقْلُ، وَإِنْ كَانَ جُرْحًا حُبِسَ لَهُ الْجَارِحُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَخْتَارَ الْقَوَدَ أَوْ الْأَرْشَ فَإِنْ كَانَ مَعْتُوهًا فَقِيرًا أَحْبَبْتُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ الْأَرْشَ، وَيُنْفِقَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْحُرِّ حَتَّى يَبْلُغَ فَيُقِرَّ فَإِنْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ قَبِلْته وَرَجَعْت عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَهُ وَجَعَلْت جِنَايَتَهُ فِي عُنُقِهِ وَلَوْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ لَمْ أَحِدَّ لَهُ حَتَّى أَسْأَلْهُ فَإِنْ قَالَ أَنَا حُرٌّ حَدَدْت قَاذِفَهُ، وَإِنْ قَذَفَ حُرًّا حُدَّ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَمِعْته يَقُولُ اللَّقِيطُ حُرٌّ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْآدَمِيِّينَ الْحُرِّيَّةُ إلَّا مَنْ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ الْعُبُودِيَّةُ، وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ كَمَا لَا أَبَ لَهُ فَإِنْ مَاتَ فَمِيرَاثُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا كُلُّهُ يُوجِبُ أَنَّهُ حُرٌّ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُهُ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ لِلْمَقْذُوفِ أَنَّهُ حُرٌّ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ ادَّعَاهُ الَّذِي وَجَدَهُ: أَلْحَقْته بِهِ فَإِنْ ادَّعَاهُ آخَرُ أَرَيْته الْقَافَةَ فَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِالْآخَرِ أَرَيْتَهُمْ الْأَوَّلَ فَإِنْ قَالُوا إنَّهُ ابْنُهُمَا لَمْ نَنْسُبْهُ إلَى أَحَدِهِمَا حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبَ إلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُلْحَقْ بِالْآخَرِ فَهُوَ ابْنُ الْأَوَّلِ قَالَ: وَلَوْ ادَّعَى اللَّقِيطَ رَجُلَانِ فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ جَعَلْته لِلَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ أَوَّلًا، وَلَيْسَ هَذَا كَمِثْلِ الْمَالِ وَدَعْوَةُ الْمُسْلِمِ وَالْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ غَيْرَ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا ادَّعَاهُ وَوُجِدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَلْحَقْته بِهِ أَحْبَبْتُ أَنْ أَجْعَلَهُ مُسْلِمًا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَأَنْ آمُرَهُ إذَا بَلَغَ بِالْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ إجْبَارٍ. (وَقَالَ) : فِي كِتَابِ الدَّعْوَى إنَّا نَجْعَلُهُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُهُ كَمَا قَالَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : عِنْدِي هَذَا أَوْلَى بِالْحَقِّ؛ لِأَنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ لَمْ يَزُلْ حَقُّهُ بِالدَّعْوَى فَقَدْ ثَبَتَ لِلْإِسْلَامِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ وَجَرَى حُكْمُهُ عَلَيْهِ بِالدَّارِ فَلَا يَزُولُ حَقُّ الْإِسْلَامِ بِدَعْوَى مُشْرِكٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهُ بَعْدَ أَنْ عَقَلَ وَوَصَفَ الْإِسْلَامَ أَلْحَقْنَاهُ بِهِ، وَمَنَعْنَاهُ أَنْ يُنَصِّرَهُ فَإِذَا بَلَغَ فَامْتَنَعَ مِنْ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ مُرْتَدًّا نَقْتُلُهُ وَأَحْبِسُهُ وَأُخِيفُهُ رَجَاءَ رُجُوعِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِيَاسُ: مَنْ جَعَلَهُ مُسْلِمًا أَنْ لَا يَرُدَّهُ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا دَعْوَةَ لِلْمَرْأَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ أَقَامَتْ امْرَأَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهَا لَمْ أَجْعَلْهُ ابْنَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى أُرِيَهُ الْقَافَةَ فَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِوَاحِدَةٍ لَحِقَ بِزَوْجِهَا، وَلَا يَنْفِيهِ إلَّا بِاللِّعَانِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَخْرَجُ قَوْلِ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ وَهُوَ الزَّوْجُ فَلَمَّا أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِالْمَرْأَةِ كَانَ زَوْجُهَا فِرَاشًا يَلْحَقُهُ وَلَدُهَا، وَلَا يَنْفِيهِ إلَّا بِلِعَانٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ اللَّقِيطَ أَنَّهُ عَبْدُهُ لَمْ أَقْبَلْ الْبَيِّنَةَ حَتَّى تَشْهَدَ أَنَّهَا رَأَتْ أَمَةَ فُلَانٍ وَلَدْته وَأَقْبَلُ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ، وَإِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَقْبَلَ شُهُودَهُ أَنَّهُ عَبْدُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرَى فِي يَدِهِ فَيَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُهُ. (وَقَالَ) : فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْتِقَاطِ الْمُلْتَقِطِ أَرَفَقْتُهُ لَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَأَوْلَى بِالْحَقِّ عِنْدِي مِنْ الْأَوَّلِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا بَلَغَ اللَّقِيطُ فَاشْتَرَى وَبَاعَ وَنَكَحَ وَأَصْدَقَ ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِرَجُلٍ أَلْزَمْته مَا يَلْزَمُهُ قَبْلَ إقْرَارِهِ، وَفِي إلْزَامِهِ الرِّقَّ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ إقْرَارَهُ يَلْزَمُهُ فِي نَفْسِهِ وَفِي الْفَضْلِ مِنْ مَالٍ عَمَّا لَزِمَهُ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَمَنْ قَالَ أُصَدِّقُهُ فِي الْكُلِّ قَالَ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْأَصْلِ، وَمَنْ قَالَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَالَهُ فِي امْرَأَةٍ نُكِحَتْ ثُمَّ أَقَرَّتْ بِمِلْكٍ لِرَجُلٍ لَا أُصَدِّقُهَا عَلَى إفْسَادِ النِّكَاحِ، وَلَا مَا يَجِبُ عَلَيْهَا لِلزَّوْجِ وَأَجْعَلُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 237 طَلَاقَهُ إيَّاهَا ثَلَاثًا وَعِدَّتَهَا ثَلَاثَ حِيَضً وَفِي الْوَفَاةِ عِدَّةَ أَمَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا فِي الْوَفَاةِ حَقٌّ يَلْزَمُهَا لَهُ وَأَجْعَلُ وَلَدَهُ قَبْلَ الْإِقْرَارِ وَلَدَ حُرَّةٍ وَلَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ أَقَامَ عَلَى النِّكَاحِ كَانَ وَلَدُهُ رَقِيقًا وَأَجْعَلُ مِلْكَهَا لِمَنْ أَقَرَّتْ لَهُ بِأَنَّهَا أَمَتُهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَجْمَعَتْ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ لَزِمَهُ، وَمَنْ ادَّعَاهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ بِدَعْوَاهُ، وَقَدْ لَزِمَتْهَا حُقُوقٌ بِإِقْرَارِهَا فَلَيْسَ لَهَا إبْطَالُهَا بِدَعْوَاهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا أُقِرُّ اللَّقِيطَ بِأَنَّهُ عَبْدٌ لِفُلَانٍ وَقَالَ لِفُلَانٍ مَا مَلَكْته قَطُّ ثُمَّ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِالرِّقِّ بَعْدُ لَمْ أَقْبَلْ إقْرَارَهُ وَكَانَ حُرًّا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ. [اخْتِصَارُ الْفَرَائِضِ] [بَابُ مَنْ لَا يَرِثُ] اخْتِصَارُ الْفَرَائِضِ مِمَّا سَمِعْته مِنْ (الشَّافِعِيِّ) : وَمِنْ الرِّسَالَةِ، وَمِمَّا وَضَعْته عَلَى نَحْوِ مَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ فِي الْفَرَائِضِ نَحْوَ قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بَابُ مَنْ لَا يَرِثُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَهُوَ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَا تَرِثُ الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَبِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْعَمِّ وَالْجَدَّةُ أُمُّ أَبِ الْأُمِّ وَالْخَالُ وَابْنُ الْأَخِ لِلْأُمِّ، وَالْعَمُّ أَخُو الْأَبِ لِلْأُمِّ وَالْجَدُّ أَبُو الْأُمِّ وَوَلَدُ الْبِنْتِ وَوَلَدُ الْأُخْتِ، وَمَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُمْ وَالْكَافِرُونَ وَالْمَمْلُوكُونَ وَالْقَاتِلُونَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَمَنْ عُمِّيَ مَوْتُهُ كُلُّ هَؤُلَاءِ لَا يَرِثُونَ، وَلَا يُحْجَبُونَ، وَلَا تَرِثُ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ مَعَ الْجَدِّ، وَإِنْ عَلَا، وَلَا مَعَ الْوَلَدِ، وَلَا مَعَ وَلَدِ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ، وَلَا تَرِثُ الْإِخْوَةُ، وَلَا الْأَخَوَاتُ مَنْ كَانُوا مَعَ الْأَبِ، وَلَا مَعَ الِابْنِ، وَلَا مَعَ ابْنِ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ، وَلَا يَرِثُ مَعَ الْأَبِ أَبَوَاهُ، وَلَا مَعَ الْأُمِّ جَدَّةٌ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيُّ وَمَعْنَاهُ. [بَابُ الْمَوَارِيثِ] ِ (قَالَ الْمُزَنِيِّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ، وَإِنْ سَفَلَ فَلَهُ الرُّبُعُ وَلِلْمَرْأَةِ الرُّبُعُ فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ، وَإِنْ سَفَلَ فَلَهَا الثُّمُنُ وَالْمَرْأَتَانِ وَالثَّلَاثُ وَالْأَرْبَعُ شُرَكَاءُ فِي الرُّبُعِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَفِي الثُّمُنِ إذَا كَانَ وَلَدٌ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ أَوْ اثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ فَصَاعِدًا فَلَهَا السُّدُسُ إلَّا فِي فَرِيضَتَيْنِ إحْدَاهُمَا زَوْجٌ وَأَبَوَانِ وَالْأُخْرَى امْرَأَةٌ وَأَبَوَانِ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي هَاتَيْنِ الْفَرِيضَتَيْنِ لِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا يَبْقَى بَعْدَ نَصِيبِ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأَبِ وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلِابْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ فَإِذَا اسْتَكْمَلَ الْبَنَاتُ الثُّلُثَيْنِ فَلَا شَيْءَ لِبَنَاتِ الِابْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمَيِّتِ ابْنُ ابْنٍ فَيَكُونَ مَا بَقِيَ لَهُ وَلِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ أَوْ أَقْرَبَ إلَى الْمَيِّتِ مِنْهُ مِنْ بَنَاتِ الِابْنِ مَا بَقِيَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ إلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ وَبِنْتُ ابْنٍ أَوْ بَنَاتُ ابْنٍ فَلِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَلِبِنْتِ الِابْنِ أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَتَسْقُطُ بَنَاتُ ابْنِ الِابْنِ إذَا كُنَّ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ ابْنُ ابْنٍ فِي دَرَجَتِهِنَّ أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُنَّ فَيَكُونَ مَا بَقِيَ لَهُ وَلِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ أَوْ أَقْرَبَ إلَى الْمَيِّتِ مِنْهُ مِنْ بَنَاتِ الِابْنِ مِمَّنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الثُّلُثَيْنِ شَيْئًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَيَسْقُطُ مَنْ أَسْفَلَ مِنْ الذَّكَرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَانَ مَعَ بِنْتِ الِابْنِ أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ ابْنُ ابْنٍ فِي دَرَجَتِهِنَّ فَلَا سُدُسَ لَهُنَّ وَلَكِنْ مَا بَقِيَ لَهُ وَلَهُنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَإِنْ كَانَ مَعَ الْبِنْتِ أَوْ الْبَنَاتِ لِلصُّلْبِ ابْنٌ فَلَا نِصْفَ، وَلَا ثُلُثَيْنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 238 وَلَكِنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَيَسْقُطُ جَمِيعُ وَلَدِ الِابْنِ وَوَلَدُ الِابْنِ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِ الصُّلْبِ فِي كُلٍّ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدَ صُلْبٍ وَبَنُو الْإِخْوَةِ لَا يَحْجُبُونَ الْأُمَّ عَنْ الثُّلُثِ، وَلَا يَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ وَلِوَاحِدِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثُ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ فَإِذَا اسْتَوْفَى الْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ الثُّلُثَيْنِ فَلَا شَيْءَ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ فَيَكُونَ لَهُ وَلَهُنَّ مَا بَقِيَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أُخْتٌ وَاحِدَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتٍ أَوْ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ فَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ أَوْ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْأُخْتِ أَوْ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ أَخٌ لِأَبٍ فَلَا سُدُسَ لَهُنَّ وَلَهُنَّ وَلَهُ مَا بَقِيَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَإِنْ كَانَ مَعَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَخٌ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَلَا نِصْفَ، وَلَا ثُلُثَيْنِ وَلَكِنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَتَسْقُطُ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ إلَّا فِي فَرِيضَةٍ وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ، وَإِخْوَةٌ لِأُمٍّ، وَإِخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَيَكُونُ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ الثُّلُثُ، وَيُشَارِكُهُمْ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فِي ثُلُثِهِمْ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ سَوَاءٌ. فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ إخْوَةٌ لِأَبٍ لَمْ يَرِثُوا وَلِلْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ مَا بَقِيَ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ، وَيُسَمَّيْنَ بِذَلِكَ عَصَبَةَ الْبَنَاتِ وَلِلْأَبِ: مَعَ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ السُّدُسُ فَرِيضَةً، وَمَا بَقِيَ بَعْدَ أَهْلِ الْفَرِيضَةِ فَلَهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ، وَلَا وَلَدُ ابْنٍ فَإِنَّمَا هُوَ عَصَبَةٌ لَهُ الْمَالُ، وَلِلْجَدَّةِ وَالْجَدَّتَيْنِ السُّدُسُ. (قَالَ) : وَإِنْ قَرُبَ بَعْضُهُنَّ دُونَ بَعْضٍ فَكَانَتْ الْأَقْرَبَ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَهِيَ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَتْ الْأَبْعَدَ شَارَكَتْ فِي السُّدُسِ وَأَقْرَبُ اللَّائِي قِبَلَ الْأَبِ تَحْجُبُ بُعْدَاهُنَّ وَكَذَلِكَ تَحْجُبُ أَقْرَبُ اللَّائِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ بُعْدَاهُنَّ. [بَابُ أَقْرَبِ الْعَصَبَةِ] ِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَقْرَبُ الْعَصَبَةِ الْبَنُونَ ثُمَّ بَنُو الْبَنِينَ ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ إنْ لَمْ يَكُنْ جَدٌّ فَإِنْ كَانَ جَدٌّ شَارَكَهُمْ فِي بَابِ الْجَدِّ ثُمَّ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الْإِخْوَةِ، وَلَا مِنْ بَنِيهِمْ، وَلَا بَنَى بَنِيهِمْ، وَإِنْ سَفَلُوا فَالْعَمُّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأَبِ ثُمَّ بَنُو الْعَمِّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثُمَّ بَنُو الْعَمِّ لِلْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الْعُمُومَةِ، وَلَا بَنِيهِمْ، وَلَا بَنِي بَنِيهِمْ، وَإِنْ سَفَلُوا فَعَمُّ الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَمُّ الْأَبِ لِلْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبَنُوهُمْ وَبَنُو بَنِيهِمْ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ الْعُمُومَةِ وَبَنِيهِمْ وَبَنِي بَنِيهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَعَمُّ الْجَدِّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَمُّ الْجَدِّ لِلْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبَنُوهُمْ وَبَنُو بَنِيهِمْ عَلَى مَا وَصَفْت فِي عُمُومَةِ الْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَأَرْفَعُهُمْ بَطْنًا وَكَذَلِكَ نَفْعَلُ فِي الْعَصَبَةِ إذَا وُجِدَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ سَفَلَ لَمْ يُورَثْ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ ابْنِهِ، وَإِنْ قَرُبَ، وَإِنْ وُجِدَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ ابْنِهِ، وَإِنْ سَفَلَ لَمْ يُورَثْ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ جَدِّهِ، وَإِنْ قَرُبَ، وَإِنْ وُجِدَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ جَدِّهِ، وَإِنْ سَفَلَ لَمْ يُورَثْ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ أَبِي جَدِّهِ، وَإِنْ قَرُبَ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْعَصَبَةِ أَقْرَبَ بِأَبٍ فَهُوَ أَوْلَى لِأَبٍ كَانَ أَوْ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَإِنْ كَانُوا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَاَلَّذِي لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْلَى فَإِذَا اسْتَوَتْ قَرَابَتُهُمْ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْمِيرَاثِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَصَبَةٌ بِرَحِمٍ يَرِثُ فَالْمَوْلَى الْمُعْتَقُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَقْرَبُ عَصَبَةِ مَوْلَاهُ الذُّكُورِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبَيْتُ الْمَالِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 239 [بَابُ مِيرَاثِ الْجَدِّ] (قَالَ) : وَالْجَدُّ لَا يَرِثُ مَعَ الْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ فَالْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ تَرَكَ أَحَدًا مِنْ وَلَدِ أَبِيهِ الْأَدْنِينَ أَوْ أَحَدًا مِنْ أُمَّهَاتِ أَبِيهِ، وَإِنْ عَالَتْ الْفَرِيضَةُ إلَّا فِي فَرِيضَتَيْنِ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ أَوْ امْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِمَا مَكَانَ الْأَبِ جَدٌّ صَارَ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ كَامِلًا، وَمَا بَقِيَ فَلِلْجَدِّ بَعْدَ نَصِيبِ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ، وَأُمَّهَاتُ الْأَبِ لَا يَرِثْنَ مَعَ الْأَبِ، وَيَرِثْنَ مَعَ الْجَدِّ وَكُلُّ جَدٍّ، وَإِنْ عَلَا فَكَالْجَدِّ إذَا لَمْ يَكُنْ جَدٌّ دُونَهُ فِي كُلِّ حَالٍ إلَّا فِي حَجْبِ أُمَّهَاتِ الْجَدِّ، وَإِنْ بَعُدْنَ فَالْجَدُّ يَحْجُبُ أُمَّهَاتِهِ، وَإِنْ بَعُدْنَ، وَلَا يَحْجُبُ أُمَّهَاتِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ اللَّائِي لَمْ يَلِدْنَهُ، وَإِذَا كَانَ مَعَ الْجَدِّ أَحَدٌ مِنْ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَلَيْسَ مَعَهُنَّ مَنْ لَهُ فَرْضٌ مُسَمًّى قَاسَمَ أَخًا أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَخًا وَأُخْتًا فَإِنْ زَادُوا كَانَ لِلْجَدِّ ثُلُثُ الْمَالِ، وَمَا بَقِيَ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ مَنْ لَهُ فَرْضٌ مُسَمًّى زَوْجٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ أُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ أَوْ بَنَاتُ ابْنٍ، وَكَانَ ذَلِكَ الْفَرْضُ الْمُسَمَّى النِّصْفَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ بَدَأْت بِأَهْلِ الْفَرَائِضِ ثُمَّ قَاسَمَ الْجَدُّ مَا يَبْقَى أُخْتًا أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَخًا وَأُخْتًا، وَإِنْ زَادُوا كَانَ لِلْجَدِّ ثُلُثُ مَا يَبْقَى، وَمَا بَقِيَ فَلِلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ كَثُرَ الْفَرْضُ الْمُسَمَّى بِأَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ، وَلَمْ يُجَاوِزْ الثُّلُثَيْنِ قَاسَمَ أُخْتًا أَوْ أُخْتَيْنِ فَإِنْ زَادُوا فَلِلْجَدِّ السُّدُسُ، وَإِنْ زَادَتْ الْفَرَائِضُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ لَمْ يُقَاسِمْ الْجَدُّ أَخًا، وَلَا أُخْتًا، وَكَانَ لَهُ السُّدُسُ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ عَالَتْ الْفَرِيضَةُ فَالسُّدُسُ لِلْجَدِّ. وَالْعَوْلُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا يَدْخُلُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَ يُعَالُ لِأَحَدٍ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْجَدِّ إلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ وَجَدٍّ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ يُعَالُ بِهِ ثُمَّ يَضُمُّ الْجَدُّ سُدُسَهُ إلَى نِصْفِ الْأُخْتِ فَيَقْسِمَانِ ذَلِكَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ بِنِصْفِهَا وَتَصِحُّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ وَلِلْأُمِّ سِتَّةٌ وَلِلْجَدِّ ثَمَانِيَةٌ وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يُعَادُّونَ الْجَدَّ بِالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ، وَلَا يَصِيرُ فِي أَيْدِي الَّذِينَ لِلْأَبِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ أُخْتٌ وَاحِدَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَيُصِيبُهَا بَعْدَ الْمُقَاسَمَةِ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ فَزِدْ مَا زَادَ عَلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ مَعَ الْجَدِّ إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، وَأَكْثَرُ مَا تَعُولُ بِهِ الْفَرِيضَةُ ثُلُثَاهَا. [بَابُ مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ] ِّ (قَالَ) : وَمِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُرْتَدِّ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» وَاحْتَجَّ عَلَى مَنْ وَرَّثَ وَرَثَتَهُ الْمُسْلِمِينَ مَالَهُ، وَلَمْ يُوَرِّثْهُ مِنْهُمْ فَقَالَ هَلْ رَأَيْت أَحَدًا لَا يَرِثُ وَلَدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا، وَيَرِثُهُ وَلَدُهُ، وَإِنَّمَا أَثْبَتَ اللَّهُ الْمَوَارِيثَ لِلْأَبْنَاءِ مِنْ الْآبَاءِ حَيْثُ أُتِيَتْ الْمَوَارِيثُ لِلْآبَاءِ مِنْ الْأَبْنَاءِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) : قَدْ زَعَمَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ إذَا كَانَ حُرًّا يَرِثُهُ أَبُوهُ إذَا مَاتَ، وَلَا يَرِثُ هَذَا النِّصْفَ مِنْ أَبِيهِ إذَا مَاتَ أَبُوهُ فَلَمْ يُوَرِّثْهُ مِنْ حَيْثُ وَرِثَ مِنْهُ، وَالْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ يَرِثُ مِنْ حَيْثُ يُورَثُ. (وَقَالَ) : فِي الْمَرْأَةِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا مَرِيضًا فِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا تَرِثُهُ وَالْآخَرُ لَا تَرِثُهُ وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُورِثَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 240 بِإِجْمَاعٍ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ الَّذِي بِهِ يَتَوَارَثَانِ فَكَذَلِكَ لَا تَرِثُهُ كَمَا لَا يَرِثُهَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ عِنْدَهُ يَرِثُونَ مِنْ حَيْثُ يُورَثُونَ، وَلَا يَرِثُونَ مِنْ حَيْثُ لَا يُورَثُونَ. [بَابُ مِيرَاثِ الْمُشْتَرَكَةِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُلْنَا فِي الْمُشْتَرَكَةِ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَخَوَيْنِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَيُشْرِكُهُمْ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَمَّا سَقَطَ سَقَطَ حُكْمُهُ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَصَارُوا بَنِي أُمٍّ مَعًا. (قَالَ) : وَقَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ هَلْ وَجَدْت الرَّجُلَ مُسْتَعْمَلًا فِي حَالٍ ثُمَّ تَأْتِي حَالَةٌ أُخْرَى فَلَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا؟ . (قُلْت) : نَعَمْ مَا قُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ وَخَالَفْنَا فِيهِ صَاحِبَك مِنْ أَنَّ الزَّوْجَ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ بَعْدَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَحِلُّ لِلزَّوْجِ قَبْلَهُ، وَيَكُونُ مُبْتَدِئًا لِنِكَاحِهَا وَتَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى ثَلَاثٍ وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدَ طَلْقَةٍ لَمْ تَنْهَدِمْ كَمَا تَنْهَدِمُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ مَعْنًى فِي إحْلَالِ الْمَرْأَةِ هَدَمَ الطَّلَاقِ الَّذِي تَقَدَّمَهُ إذَا كَانَتْ لَا تَحِلُّ إلَّا بِهِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى فِي الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ وَكَانَتْ تَحِلُّ لِزَوْجِهَا بِنِكَاحٍ قَبْلَ زَوْجٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى فَنَسْتَعْمِلُهُ. (قَالَ) : إنَّا لَنَقُولُ بِهَذَا فَهَلْ تَجِدُ مِثْلَهُ فِي الْفَرَائِضِ؟ . (قُلْت) : نَعَمْ الْأَبُ يَمُوتُ ابْنُهُ وَلِلِابْنِ إخْوَةٌ فَلَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ قَاتِلًا وَرِثُوا، وَلَمْ يَرِثْ الْأَبُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ حُكْمَ الْأَبِ قَدْ زَالَ، وَمَنْ زَالَ حُكْمُهُ فَكَمَنْ لَمْ يَكُنْ. [بَابُ مِيرَاثِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقُلْنَا إذَا مَاتَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدُ الزِّنَا وَرِثَتْ أُمُّهُ حَقَّهَا، وَإِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَنَظَرْنَا مَا بَقِيَ فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ مَوْلَاةً، وَلَاءَ عَتَاقَةٍ كَانَ مَا بَقِيَ مِيرَاثًا لِمَوَالِي أُمِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً أَوْ لَا وَلَاءَ لَهَا كَانَ مَا بَقِيَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِيهَا بِقَوْلِنَا إلَّا فِي خَصْلَةٍ إذَا كَانَتْ عَرَبِيَّةً أَوْ لَا وَلَاءَ لَهَا فَعَصَبَتُهُ عَصَبَةُ أُمِّهِ وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةٍ لَا تَثْبُتُ وَقَالُوا كَيْفَ لَمْ تَجْعَلُوا عَصَبَتَهُ عَصَبَةَ أُمِّهِ كَمَا جَعَلْتُمْ مَوَالِيَهُ مَوَالِيَ أُمِّهِ؟ . (قُلْنَا) : بِالْأَمْرِ الَّذِي لَمْ نَخْتَلِفْ فِيهِ نَحْنُ، وَلَا أَنْتُمْ ثُمَّ تَرَكْتُمْ فِيهِ قَوْلَكُمْ أَلَيْسَ الْمَوْلَاةِ الْمُعْتَقَةُ تَلِدُ مِمَّنْ هُوَ مَمْلُوكٌ؟ أَلَيْسَ وَلَدُهَا تَبَعًا لِوَلَائِهَا كَأَنَّهُمْ أَعْتَقُوهُمْ، وَيَعْقِلُ عَنْهُمْ مُوَالَى أُمِّهِمْ، وَيَكُونُونَ أَوْلِيَاءَ فِي التَّزْوِيجِ لَهُمْ؟ قَالُوا نَعَمْ قُلْنَا فَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً أَتَكُونُ عَصَبَتُهَا عَصَبَةَ وَلَدِهَا يَعْقِلُونَ عَنْهُمْ أَوْ يُزَوِّجُونَ الْبَنَاتِ مِنْهُمْ؟ . قَالُوا: لَا. قُلْنَا: فَإِذَا كَانَ مُوَالِي الْأُمِّ يَقُومُونَ مَقَامَ الْعَصَبَةِ فِي وَلَدِ مَوَالِيهِمْ وَكَانَ الْأَخْوَالُ لَا يَقُومُونَ ذَلِكَ الْمَقَامَ فِي بَنِي أُخْتِهِمْ فَكَيْفَ أَنْكَرْت مَا قُلْنَا، وَالْأَصْلُ الَّذِي ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَاحِدٌ؟ . [بَابُ مِيرَاثِ الْمَجُوسِيِّ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا مَاتَ الْمَجُوسِيُّ وَبِنْتُهُ امْرَأَتُهُ أَوْ أُخْتُهُ أُمُّهُ نَظَرْنَا إلَى أَعْظَمِ السَّبَبَيْنِ فَوَرَّثْنَاهَا بِهِ وَأَلْقَيْنَا الْآخَرَ وَأَعْظَمُهُمَا أَثْبَتُهُمَا بِكُلِّ حَالٍ فَإِذَا كَانَتْ أُمٌّ أُخْتًا وَرَّثْنَاهَا بِأَنَّهَا أُمٌّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ تَثْبُتُ فِي كُلِّ حَالٍ وَالْأُخْتُ قَدْ تَزُولُ وَهَكَذَا جَمِيعُ فَرَائِضِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (وَقَالَ) : بَعْضُ النَّاسِ أُوَرِّثُهَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ مَعًا قُلْنَا فَإِذَا كَانَ مَعَهَا أُخْتٌ وَهِيَ أُمٌّ؟ قَالَ أَحْجُبُهَا مِنْ الثُّلُثِ بِأَنَّ مَعَهَا أُخْتَيْنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 241 وَأُوَرِّثُهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِأَنَّهَا أُخْتٌ. (قُلْنَا) : أَوْ لَيْسَ إنَّمَا حَجَبَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - بِغَيْرِهَا لَا بِنَفْسِهَا؟ . (قَالَ) : بَلَى قُلْنَا وَغَيْرُهَا خِلَافُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْنَا فَإِذَا نَقَصْتهَا بِنَفْسِهَا فَهَذَا خِلَافُ مَا نَقَصَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - بِهِ أَوَرَأَيْتَ مَا إذَا كَانَتْ أُمًّا عَلَى الْكَمَالِ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُعْطِيَهَا بِبَعْضِهَا دُونَ الْكَمَالِ؟ تُعْطِيهَا أُمًّا كَامِلَةً وَأُخْتًا كَامِلَةً وَهُمَا بَدَنَانِ وَهَذَا بَدَنٌ وَاحِدٌ؟ . قَالَ: فَقَدْ عَطَّلْتَ أَحَدَ الْحَقَّيْنِ. قُلْنَا: لَمَّا لَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إلَى اسْتِعْمَالِهِمَا مَعًا إلَّا بِخِلَافِ الْكِتَابِ وَالْمَعْقُولِ، لَمْ يَجُزْ إلَّا تَعْطِيلُ أَصْغَرِهِمَا لِأَكْبَرِهِمَا. [بَابُ ذَوِي الْأَرْحَامِ] ِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: احْتِجَاجُ الشَّافِعِيِّ فِيمَنْ يُؤَوِّلُ الْآيَةَ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ قَالَ لَهُمْ الشَّافِعِيُّ لَوْ كَانَ تَأْوِيلُهَا كَمَا زَعَمْتُمْ كُنْتُمْ قَدْ خَالَفْتُمُوهَا. قَالُوا فَمَا مَعْنَاهَا؟ . قُلْنَا: تَوَارَثَ النَّاسُ بِالْحِلْفِ وَالنُّصْرَةِ ثُمَّ تَوَارَثُوا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب: 6] عَلَى مَا فَرَضَ اللَّهُ لَا مُطْلَقًا أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُ ذَوُو الْأَرْحَامِ، وَلَا رَحِمَ لَهُ أَوْ لَا تَرَى أَنَّكُمْ تُعْطُونِ ابْنَ الْعَمِّ الْمَالَ كُلَّهُ دُونَ الْخَالِ وَأَعْطَيْتُمْ مَوَالِيَهُ جَمِيعَ الْمَالِ دُونَ الْأَخْوَالِ فَتَرَكْتُمْ الْأَرْحَامَ وَأَعْطَيْتُمْ مَنْ لَا رَحِمَ لَهُ؟ . [بَابُ الْجَدِّ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا وَرِثَ الْجَدُّ مَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ لِلْأَبِ قَاسَمَهُمْ مَا كَانَتْ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِذَا كَانَ الثُّلُثُ خَيْرًا لَهُ مِنْهَا أُعْطِيَهُ، وَهَذَا قَوْلُ زَيْدٍ وَعَنْهُ قَبِلْنَا أَكْثَرَ الْفَرَائِضِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا فِيهِ مِثْلَ قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْ فُقَهَاءِ الْبُلْدَانِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ الْجَدَّ أَبٌ لِخِصَالٍ. مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - قَالَ: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] فَأَسْمَى الْجَدَّ فِي النَّسَبِ أَبًا، وَلَمْ يُنْقِصْهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ السُّدُسِ وَهَذَا حُكْمُهُمْ لِلْأَبِ وَحَجَبُوا بِالْجَدِّ بَنِي الْأُمِّ، وَهَكَذَا حُكْمُهُمْ فِي الْأَبِ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ تُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحْكَامِهِ وَأَحْكَامِ الْأَبِ فِيمَا سِوَاهَا؟ قُلْنَا إنَّهُمْ لَمْ يَجْمَعُوا بَيْنَ أَحْكَامِهِمَا فِيهَا قِيَاسًا مِنْهُمْ لِلْجَدِّ عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إنَّمَا يَرِثُ بِاسْمِ الْأُبُوَّةِ لَوَرِثَ وَدُونَهُ أَبٌ أَوْ كَانَ قَاتِلًا أَوْ مَمْلُوكًا أَوْ كَافِرًا فَالْأُبُوَّةُ تَلْزَمُهُ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ، وَإِنَّمَا وَرَّثْنَاهُ بِالْخَبَرِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ دُونَ بَعْضٍ لَا بِاسْمِ الْأُبُوَّةِ، وَنَحْنُ لَا نُنْقِصُ الْجَدَّةَ مِنْ السُّدُسِ أَفَتَرَى ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْأَبِ يَحْجُبُونَ بِهَا الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ، وَقَدْ حَجَبْتُمْ الْإِخْوَةَ مِنْ الْأُمِّ بِابْنَةِ ابْنٍ مُتَسَفِّلَةٍ؟ . أَفَتَحْكُمُونَ لَهَا بِحُكْمِ الْأَبِ وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْفَرَائِضَ تَجْتَمِعُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ؟ . وَقُلْنَا: أَلَيْسَ إنَّمَا يُدْلِي الْجَدُّ بِقَرَابَةِ أَبِ الْمَيِّتِ بِأَنْ يَقُولَ الْجَدُّ: أَنَا أَبُو أَبِ الْمَيِّتِ، وَالْأَخُ: أَنَا ابْنُ أَبِي الْمَيِّتِ فَكِلَاهُمَا يُدْلِي بِقَرَابَةِ أَبِي الْمَيِّتِ؟ . قُلْنَا: أَفَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ أَبُوهُ الْمَيِّتَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ أَيُّهُمَا كَانَ أَوْلَى بِمِيرَاثِهِ؟ . قَالُوا: يَكُونُ لِأَخِيهِ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ وَلِجَدِّهِ سُدُسٌ قُلْنَا فَإِذَا كَانَ الْأَخُ أَوْلَى بِكَثْرَةِ الْمِيرَاثِ مِمَّنْ يُدْلِيَانِ بِقَرَابَتِهِ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يَحْجُبَ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْأَبِ الَّذِي يُدْلِيَانِ بِقَرَابَتِهِ بِاَلَّذِي هُوَ أَبْعَدُ؟ وَلَوْلَا الْخَبَرُ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُعْطَى الْأَخُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ وَالْجَدُّ سَهْمًا كَمَا وَرَّثْنَاهُمَا حِينَ مَاتَ ابْنُ الْجَدِّ، وَأَبُو الْأَخِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 242 [كِتَابُ الْوَصَايَا] مِمَّا وَضَعَ الشَّافِعِيُّ بِخَطِّهِ لَا أَعْلَمُهُ سُمِعَ مِنْهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» يَحْتَمِلُ مَا الْحَزْمُ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ «يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» ، وَيَحْتَمِلُ مَا الْمَعْرُوفُ فِي الْأَخْلَاقِ إلَّا هَذَا لَا مِنْ جِهَةِ الْفَرْضِ. (قَالَ) : فَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ، وَلَا ابْنَ لَهُ غَيْرَهُ فَلَهُ النِّصْفُ فَإِنْ لَمْ يُجِزْ الِابْنُ فَلَهُ الثُّلُثُ. (وَلَوْ قَالَ) : بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَلَدِي فَلَهُ مَعَ الِاثْنَيْنِ الثُّلُثُ، وَمَعَ الثَّلَاثَةِ الرُّبُعُ حَتَّى يَكُونَ كَأَحَدِهِمْ وَلَوْ كَانَ وَلَدُهُ رِجَالًا وَنِسَاءً أَعْطَيْته نَصِيبَ امْرَأَةٍ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ وَابْنَةُ ابْنٍ أَعْطَيْته سُدُسًا. (وَلَوْ قَالَ) : مِثْلَ نَصِيبِ أَحَدِ وَرَثَتِي: أَعْطَيْتُهُ مِثْلَ أَقَلِّهِمْ نَصِيبًا (وَلَوْ قَالَ) : ضِعْفَ مَا يُصِيبُ أَحَدُ وَلَدِي أَعْطَيْتُهُ مِثْلَهُ مَرَّتَيْنِ. (وَإِنْ قَالَ) : ضِعْفَيْنِ فَإِنْ كَانَ نَصِيبُهُ مِائَةً أَعْطَيْته ثَلَاثَمِائَةٍ فَكُنْت قَدْ أَضْعَفْت الْمِائَةَ الَّتِي تُصِيبُهُ بِمَنْزِلَةِ مَرَّةٍ بَعْدَ مَرَّةٍ. (وَلَوْ قَالَ) : لِفُلَانٍ نَصِيبٌ أَوْ حَظٌّ أَوْ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ مِنْ مَالِي مَا عَرَفْت لِكَثِيرٍ حَدًّا وَوَجَدْت رُبُعَ دِينَارٍ قَلِيلًا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ، وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ كَثِيرًا فِيهَا زَكَاةٌ وَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمٌ قَلِيلٍ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمٌ كَثِيرٍ، وَقِيلَ لِلْوَرَثَةِ أَعْطُوهُ مَا شِئْتُمْ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَا قَالَ الْمَيِّتُ. (وَلَوْ) : أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِهِ وَلِآخَرَ بِرُبُعِهِ فَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ قَسْمَ الثُّلُثِ عَلَى الْحِصَصِ، وَإِنْ أَجَازُوا قُسِمَ الْمَالُ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ جُزْءًا لِصَاحِبِ النِّصْفِ سِتَّةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ وَلِصَاحِبِ الرُّبُعِ ثَلَاثَةٌ حَتَّى يَكُونُوا سَوَاءً فِي الْعَوْلِ. وَلَوْ أَوْصَى بِغُلَامِهِ لِرَجُلٍ وَهُوَ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ وَبِدَارِهِ لِآخَرَ وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفًا وَبِخَمْسِمِائَةٍ لِآخَرَ وَالثُّلُثُ أَلْفٌ دَخَلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَوْلُ نِصْفٍ وَكَانَ لِلَّذِي لَهُ الْغُلَامُ نِصْفُهُ وَلِلَّذِي لَهُ الدَّارُ نِصْفُهَا وَلِلَّذِي لَهُ خَمْسُمِائَةٍ نِصْفُهَا. (وَلَوْ) : أَوْصَى لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ فَلَمْ يُجِيزُوا فَلِلْأَجْنَبِيِّ النِّصْفُ، وَيَسْقُطُ الْوَارِثُ. وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِمَا فِي الْبَطْنِ وَبِمَا فِي الْبَطْنِ إذَا كَانَ يَخْرُجُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ خَرَجُوا عَدَدًا ذُكْرَانًا، وَإِنَاثًا فَالْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ سَوَاءٌ، وَهُمْ لِمَنْ أَوْصَى بِهِمْ لَهُ. (وَلَوْ) أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ أَوْ بِغَلَّةِ دَارِهِ أَوْ بِثَمَرِ بُسْتَانِهِ وَالثُّلُثُ يَحْتَمِلُهُ جَازَ ذَلِكَ. وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُجِيزُوهُ بَعْدَ مَوْتِهِ. (وَلَوْ قَالَ) : أَعْطُوهُ رَأْسًا مِنْ رَقِيقِي أُعْطِيَ مَا شَاءَ الْوَارِثُ مَعِيبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَعِيبٍ وَلَوْ هَلَكَتْ إلَّا رَأْسًا كَانَ لَهُ إذَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ. (وَلَوْ) : أَوْصَى لَهُ بِشَاةٍ مِنْ مَالِهِ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ أَعْطُوهُ أَوْ اشْتَرُوهَا لَهُ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً ضَائِنَةٌ أَوْ مَاعِزَةً. (وَلَوْ قَالَ) : بَعِيرًا أَوْ ثَوْرًا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ نَاقَةً، وَلَا بَقَرَةً وَلَوْ قَالَ عَشْرُ أَيْنُقُ أَوْ عَشْرُ بَقَرَاتٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ ذَكَرًا. (وَلَوْ قَالَ) : عَشَرَةُ أَجْمَالٍ أَوْ أَثْوَارٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ أُنْثَى (فَإِنْ قَالَ) : عَشَرَةٌ مِنْ إبِلِي أَعْطُوهُ مَا شَاءُوا. (فَإِنْ قَالَ) : أَعْطُوهُ دَابَّةً مِنْ مَالِي فَمِنْ الْخَيْلِ أَوْ الْبِغَالِ أَوْ الْحَمِيرِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا أَعْجَفَ أَوْ سَمِينًا. (وَلَوْ قَالَ) : أَعْطُوهُ كَلْبًا مِنْ كِلَابِي أَعْطَاهُ الْوَارِثُ أَيَّهَا شَاءَ. (وَلَوْ قَالَ) : أَعْطُوهُ طَبْلًا مِنْ طُبُولِي وَلَهُ طَبْلَانِ لِلْحَرْبِ وَاللَّهْوِ أَعْطَاهُ أَيَّهُمَا شَاءَ فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ الَّذِي لِلَّهْوِ إلَّا لِلضَّرْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ إلَّا الَّذِي لِلْحَرْبِ. (وَلَوْ قَالَ) : عُودًا مِنْ عِيدَانِي وَلَهُ عِيدَانٌ يُضْرَبُ بِهَا وَعِيدَانُ قَسِّيٍّ وَعَصَى فَالْعُودُ الَّذِي يُوَاجَهُ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ هُوَ الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ فَإِنْ صَلُحَ لِغَيْرِ الضَّرْبِ جَازَ بِلَا وَتَرٍ وَهَكَذَا الْمَزَامِيرُ. (وَلَوْ قَالَ) : عُودًا مِنْ الْقَسِّيِّ لَمْ يُعْطَ قَوْسَ نَدَّافٍ، وَلَا جلاهق وَأُعْطِيَ مَعْمُولَةً أَيْ قَوْسَ نَبْلٍ أَوْ نُشَّابٍ أَوْ حُسْبَانٍ وَتُجْعَلُ وَصِيَّتُهُ فِي الرِّقَابِ فِي الْمُكَاتِبِينَ، وَلَا يُبْتَدَأُ مِنْهُ عِتْقٌ، وَلَا يَجُوزُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ رِقَابٍ فَإِنْ نَقَصَ ضَمِنَ حِصَّةَ مَنْ تَرَكَ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ثَلَاثَ رِقَابٍ وَبَلَغَ أَقَلَّ رَقَبَتَيْنِ يَجِدُهُمَا ثَمَنًا، وَفَضَلَ فَضْلٌ جَعَلَ الرَّقَبَتَيْنِ أَكْثَرَ ثَمَنًا حَتَّى يُعْتِقَ رَقَبَتَيْنِ، وَلَا يُفَضِّلُ شَيْئًا لَا يَبْلُغُ قِيمَةَ رَقَبَةٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 243 وَيُجْزِئُ صَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا. (وَلَوْ أَوْصَى) : أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَإِنْ بَلَغَ ثُلُثُهُ حَجَّةً مِنْ بَلَدِهِ أَحَجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أَحَجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَلَّذِي يُشْبِهُ قَوْلَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي قَوْلِهِ دَيْنٌ عَلَيْهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَالَ أَحِجُّوا عَنِّي رَجُلًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَعْطُوا مَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِي فُلَانًا وَأَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ نِصْفُ الثُّلُثِ وَلِلْحَاجِّ وَالْمُوصَى لَهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ نِصْفُ الثُّلُثِ، وَيَحُجُّ عَنْهُ رَجُلٌ بِمِائَةٍ. وَلَوْ أَوْصَى بِأَمَةٍ لِزَوْجِهَا وَهُوَ حُرٌّ فَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى وَضَعَتْ لَهُ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا أَوْلَادًا فَإِنْ قَبِلَ عَتَقُوا، وَلَمْ تَكُنْ أُمُّهُمْ أُمَّ وَلَدٍ حَتَّى تَلِدَ مِنْهُ بَعْدَ قَبُولِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ قَبْلَ الْقَبُولِ وَطْءُ نِكَاحٍ، وَوَطْءُ الْقَبُولِ وَطْءُ مِلْكٍ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ أَوْ يَرُدَّ قَامَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فَإِنْ قَبِلُوا فَإِنَّمَا مَلَكُوا أَمَةً لِأَبِيهِمْ، وَأَوْلَادُ أَبِيهِمْ الَّذِينَ وَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا أَحْرَارٌ وَأُمُّهُمْ مَمْلُوكَةٌ، وَإِنْ رُدُّوا كَانُوا مَمَالِيكَ وَكَرِهْتُ مَا فَعَلُوا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : لَوْ مَاتَ أَبُوهُمْ قَبْلَ الْمِلْكِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْلِكُوا عَنْهُ مَا لَمْ يَمْلِكْ، وَمِنْ قَوْلِهِ أَهَلَّ شَوَّالٌ ثُمَّ قَبِلَ كَانَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ مُتَقَدِّمٌ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَا لَا يَمْلِكُ. (قَالَ) : وَلَوْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ، وَمَاتَ ثُمَّ وَهَبَ لِلْجَارِيَةِ مِائَةَ دِينَارٍ وَهِيَ تَسْوَى مِائَةَ دِينَارٍ وَهِيَ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ وَوَلَدَتْ ثُمَّ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ فَالْجَارِيَةُ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ فِيمَا وَهَبَ لَهَا وَوَلَدُهَا إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ وَلَدُهَا، وَمَا وَهَبَ لَهَا مِنْ مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ رَدَّهَا فَإِنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ مِلْكِهِ إلَى الْمَيِّتِ وَلَدُ وَلَدِهَا، وَمَا وُهِبَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَمْلِكُهُ حَادِثًا بِقَبُولِ الْوَصِيَّةِ. وَهَذَا قَوْلٌ مُنْكَرٌ لَا نَقُولُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ إنَّمَا هُوَ عَلَى مِلْكٍ مُتَقَدِّمٍ وَلَيْسَ بِمِلْكٍ حَادِثٍ، وَقَدْ قِيلَ تَكُونُ لَهُ الْجَارِيَةُ وَثُلُثُ وَلَدِهَا وَثُلُثُ مَا وُهِبَ لَهَا قَالَ الْمُزَنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَكُونُ لَهُ الْجَارِيَةُ وَثُلُثُ وَلَدِهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَكُونُ لَهُ ثُلُثَا الْجَارِيَةِ وَثُلُثَا وَلَدِهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَأَحَبُّ إلَيَّ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا وَوَلَدُهَا عَلَى قَبُولِ مِلْكٍ مُتَقَدِّمٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَقَدْ قَطَعَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي إذْ الْمِلْكُ مُتَقَدِّمٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَقَامَ الْوَارِثُ فِي الْقَبُولِ مَقَامَ أَبِيهِ فَالْجَارِيَةُ لَهُ بِمِلْكٍ مُتَقَدِّمٍ وَوَلَدُهَا، وَمَا وُهِبَ لَهَا مِلْكٌ حَادِثٌ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَيَنْبَغِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنْ تَكُونَ امْرَأَتُهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَكَيْفَ تَكُونُ أَوْلَادُهَا بِقَبُولِ الْوَارِثِ أَحْرَارًا عَلَى أَبِيهِمْ، وَلَا تَكُونُ أُمُّهُمْ أُمَّ وَلَدٍ لِأَبِيهِمْ وَهُوَ يُجِيزُ أَنْ يَمْلِكَ الْأَخُ أَخَاهُ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَوْ كَانَ مِلْكًا حَادِثًا لِوَلَدِ الْمَيِّتِ لَكَانُوا لَهُ مَمَالِيكَ، وَقَدْ قَطَعَ بِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قُلْت فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَتَفَهَّمْهُ كَذَلِكَ تَجِدْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَاسْتَحَقَّ ثُلُثَاهُ كَانَ لَهُ الثُّلُثُ الْبَاقِي إنْ احْتَمَلَهُ ثُلُثُهُ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِلْمَسَاكِينِ نُظِرَ إلَى مَالِهِ فَقُسِمَ ثُلُثُهُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِغَازِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُمْ الَّذِينَ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي بِهِ مَالُهُ. وَلَوْ أَوْصَى لَهُ فَقَبِلَ أَوْ رَدَّ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي كَانَ لَهُ قَبُولُهُ وَرَدُّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَسَوَاءٌ أَوْصَى لَهُ بِأَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِدَارٍ كَانَتْ لَهُ، وَمَا ثَبَتَ فِيهَا مِنْ أَبْوَابِهَا وَغَيْرِهَا دُونَ مَا فِيهَا، وَلَوْ انْهَدَمَتْ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي كَانَتْ لَهُ إلَّا مَا انْهَدَمَ مِنْهَا فَصَارَ غَيْرَ ثَابِتٍ فِيهَا. (قَالَ) : وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْمَرِيضِ. (وَقَالَ) : فِي الْإِمْلَاءِ يَلْحَقُ الْمَيِّتَ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ ثَلَاثٌ حَجٌّ يُؤَدَّى، وَمَالٌ يُتَصَدَّقُ بِهِ عَنْهُ أَوْ دَيْنٌ يُقْضَى، وَدُعَاءٌ أَجَازَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ وَنَدَبَ اللَّهُ - تَعَالَى - إلَى الدُّعَاءِ وَأَمَرَ بِهِ رَسُولَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِذَا جَازَ لَهُ الْحَجُّ حَيًّا جَازَ لَهُ مَيِّتًا وَكَذَلِكَ مَا تُطَوِّعَ بِهِ عَنْهُ مِنْ صَدَقَةٍ. (وَقَالَ) : فِي كِتَابٍ آخَرَ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ وَلِمَنْ لَا يُحْصَى بِثُلُثِهِ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كَأَحَدِهِمْ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 244 [الْوَصِيَّةُ لِلْقَرَابَةِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَالَ ثُلُثِي لِقَرَابَتِي أَوْ لِذَوِي أَرْحَامِي أَوْ لِأَرْحَامِي فَسَوَاءٌ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَأَقْرَبُهُمْ وَأَبْعَدُهُمْ وَأَغْنَاهُمْ وَأَفْقَرُهُمْ سَوَاءٌ لِأَنَّهُمْ أُعْطُوا بِاسْمِ الْقَرَابَةِ كَمَا أُعْطِيَ مَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ بِاسْمِ الْحُضُورِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ أُعْطِيَ بِقَرَابَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ الْعَامَّةِ فَيُنْظَرُ إلَى الْقَبِيلَةِ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا فَيُقَالُ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ثُمَّ يُقَالُ، وَقَدْ تَفْتَرِقُ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ فَمِنْ أَيِّهِمْ؟ قِيلَ مِنْ بَنِي عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ فَإِنْ قِيلَ أَفَيَتَمَيَّزُ هَؤُلَاءِ؟ قِيلَ نَعَمْ هُمْ قَبَائِلُ فَإِنْ قِيلَ فَمِنْ أَيِّهِمْ؟ قِيلَ مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ فَإِنْ قِيلَ أَفَيَتَمَيَّزُ هَؤُلَاءِ؟ قِيلَ نَعَمْ بَنُو السَّائِبِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ فَإِنْ قِيلَ أَفَيَتَمَيَّزُ هَؤُلَاءِ؟ قِيلَ نَعَمْ بَنُو شَافِعٍ وَبَنُو عَلِيٍّ وَبَنُو عَبَّاسٍ أَوْ عَيَّاشٌ شَكَّ الْمُزَنِيّ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ بَنُو السَّائِبِ فَإِنْ قِيلَ أَيَتَمَيَّزُ هَؤُلَاءِ؟ قِيلَ نَعَمْ كُلُّ بَطْنٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَتَمَيَّزُ عَنْ صَاحِبِهِ فَإِذَا كَانَ مِنْ آلِ شَافِعٍ قِيلَ لِقَرَابَتِهِ هُمْ آلُ شَافِعٍ دُونَ آلِ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ؛ لِأَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ مُتَمَيِّزٌ ظَاهِرٌ وَلَوْ قَالَ لِأَقْرَبِهِمْ بِي رَحِمًا أُعْطِيَ أَقْرَبُهُمْ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ سَوَاءٌ وَأَيُّهُمْ جَمَعَ قَرَابَةَ الْأَبِ وَالْأُمِّ كَانَ أَقْرَبَ مِمَّنْ انْفَرَدَ بِأَبٍ أَوْ أُمٍّ فَإِنْ كَانَ أَخٌ وَجَدٌّ كَانَ لِلْأَخِ فِي قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ أَوْلَى بِوَلَاءِ الْمُوَالَى. [بَابُ مَا يَكُونُ رُجُوعًا فِي الْوَصِيَّةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ أَوْ قَدْ أَوْصَيْت بِاَلَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ لِفُلَانٍ كَانَ هَذَا رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ إلَى الْآخَرِ. وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ وَهَبَهُ كَانَ هَذَا رُجُوعًا وَلَوْ أَجَّرَهُ أَوْ عَلَّمَهُ أَوْ زَوَّجَهُ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا وَلَوْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ قَمْحًا فَخَلَطَهُ بِقَمْحٍ أَوْ طَحَنَهُ دَقِيقًا أَوْ دَقِيقًا فَصَيَّرَهُ عَجِينًا كَانَ أَيْضًا رُجُوعًا وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِمَكِيلَةِ حِنْطَةٍ مِمَّا فِي بَيْتِهِ ثُمَّ خَلَطَهَا بِمِثْلِهَا لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا، وَكَانَتْ لَهُ الْمَكِيلَةُ بِحَالِهَا. [بَابُ الْمَرَضِ الَّذِي تَجُوزُ فِيهِ الْعَطِيَّةُ] ُ، وَلَا تَجُوزُ وَالْمَخُوفُ غَيْرُ الْمَرَضِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلُّ مَرَضٍ كَانَ الْأَغْلَبُ فِيهِ أَنَّ الْمَوْتَ مَخُوفٌ عَلَيْهِ فَعَطِيَّتُهُ إنْ مَاتَ فِي حُكْمِ الْوَصَايَا، وَإِلَّا فَهُوَ كَالصَّحِيحِ، وَمِنْ الْمَخُوفِ مِنْهُ إذَا كَانَتْ حُمَّى بَدَأَتْ بِصَاحِبِهَا ثُمَّ إذَا تَطَاوَلَتْ فَهُوَ مَخُوفٌ إلَّا الرِّبْعَ فَإِنَّهَا إذَا اسْتَمَرَّتْ بِصَاحِبِهَا رِبْعًا فَغَيْرُ مَخُوفَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَجَعٌ كَانَ مَخُوفًا، وَذَلِكَ مِثْلُ الْبِرْسَامِ أَوْ الرُّعَافِ الدَّائِمِ أَوْ ذَاتُ الْجَنْبِ أَوْ الْخَاصِرَةِ أَوْ الْقُولَنْجِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ مَخُوفٌ، وَإِنْ سَهُلَ بَطْنُهُ يَوْمًا أَوْ اثْنَيْنِ وَتَأْتِي مِنْهُ الدَّمُ عِنْدَ الْخَلَاءِ لَمْ يَكُنْ مَخُوفًا فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ حَتَّى يُعَجِّلَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ النَّوْمَ أَوْ يَكُونَ الْبَطْنُ مُتَحَرِّقًا فَهُوَ مَخُوفٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَحَرِّقًا، وَمَعَهُ زَحِيرٌ أَوْ تَقْطِيعٌ فَهُوَ مَخُوفٌ. وَإِذَا أَشْكَلَ سُئِلَ عَنْهُ أَهْلُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 245 الْبَصَرِ، وَمَنْ سَاوَرَهُ الدَّمُ حَتَّى تَغَيَّرَ عَقْلُهُ أَوْ الْمِرَارُ أَوْ الْبَلْغَمُ كَانَ مَخُوفًا فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهِ فَالِجٌ فَالْأَغْلَبُ إذَا تَطَاوَلَ بِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَخُوفٍ، وَالسُّلُّ غَيْرُ مَخُوفٍ، وَالطَّاعُونُ مَخُوفٌ حَتَّى يَذْهَبَ، وَمَنْ أَنْفَدَتْهُ الْجِرَاحُ فَمَخُوفٌ فَإِنْ لَمْ تَصِلْ إلَى مَقْتَلٍ، وَلَمْ تَكُنْ فِي مَوْضِعِ لَحْمٍ، وَلَمْ يَغْلِبْهُ لَهَا وَجَعٌ، وَلَا ضَرَبَانٌ، وَلَمْ يَأْتَكِلْ، وَيَرْمِ فَغَيْرُ مَخُوفٍ، وَإِذَا الْتَحَمَتْ الْحَرْبُ فَمَخُوفٌ فَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِي مُشْرِكِينَ يَقْتُلُونَ الْأَسْرَى فَمَخُوفٌ. (وَقَالَ) : فِي الْإِمْلَاءِ إذَا قَدِمَ مَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ غَيْرُ مَخُوفٍ مَا لَمْ يَجْرَحُوا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُتْرَكُوا فَيَحْيَوْا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَسْلَمَ مِنْ الْتِحَامِ الْحَرْبِ، وَمِنْ كُلِّ مَرَضٍ مَخُوفٍ. (قَالَ) : وَإِذَا ضَرَبَ الْحَامِلَ الطَّلْقُ فَهُوَ مَخُوفٌ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّلَفِ وَأَشَدُّ وَجَعًا، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. [بَابُ الْأَوْصِيَاءِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ إلَّا إلَى بَالِغٍ مُسْلِمٍ حُرٍّ عَدْلٍ أَوْ امْرَأَةٍ كَذَلِكَ فَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ أُخْرِجَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ يَدِهِ وَضُمَّ إلَيْهِ إذَا كَانَ ضَعِيفًا أَمِينٌ مَعَهُ فَإِنْ أَوْصَى إلَى غَيْرِ ثِقَةٍ فَقَدْ أَخْطَأَ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ. وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَغَيَّرَ أُبْدِلَ مَكَانُهُ آخَرَ فَإِنْ اخْتَلَفَا قُسِمَ بَيْنَهُمَا مَا كَانَ يَنْقَسِمُ وَجُعِلَ فِي أَيْدِيهِمَا نِصْفَيْنِ وَأُمِرَا بِالِاحْتِفَاظِ بِمَا لَا يَنْقَسِمُ وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ بِمَا أَوْصَى بِهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَرْضَ الْمُوصَى إلَيْهِ الْآخَرَ. (وَلَوْ قَالَ) : فَإِنْ حَدَثَ بِوَصِيٍّ حَدَثٌ فَقَدْ أَوْصَيْتُ إلَى مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْصَى بِمَالِ غَيْرِهِ. (وَقَالَ) : فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى: إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا قَالَ قَدْ أَوْصَيْت إلَيْك بِتَرِكَةِ فُلَانٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُ هَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ الْكُوفِيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا وِلَايَةَ لِلْوَصِيِّ فِي إنْكَاحِ بَنَاتِ الْمَيِّتِ. [مَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَصْنَعَهُ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُخْرِجُ الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ كُلُّ مَا لَزِمَهُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ وَجِنَايَتِهِ، وَمَا لَا غَنَاءَ بِهِ عَنْهُ مِنْ نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِذَا بَلَغَ الْحُلُمَ، وَلَمْ يَرْشُدْ زَوَّجَهُ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى خَادِمٍ، وَمِثْلُهُ يُخْدَمُ اشْتَرَى لَهُ، وَلَا يَجْمَعُ لَهُ امْرَأَتَيْنِ، وَلَا جَارِيَتَيْنِ لِلْوَطْءِ، وَإِنْ اتَّسَعَ مَالُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضِيقَ فِي جَارِيَةٍ لِلْوَطْءِ فَإِنْ أَكْثَرَ الطَّلَاقَ لَمْ يُزَوَّجْ وَسَرَّى وَالْعِتْقُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا آخِرُ مَا وَصَفْت مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ وَضَعَهُ بِخَطِّهِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا سَمِعَهُ مِنْهُ وَسَمِعْته يَقُولُ لَوْ قَالَ أَعْطُوهُ كَذَا وَكَذَا مِنْ دَنَانِيرِي أُعْطِيَ دِينَارَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ مِنْ دَنَانِيرِي أَعْطَوْهُ مَا شَاءُوا اثْنَيْنِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 246 [كِتَابُ الْوَدِيعَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاذَا أَوْدَعَ رَجُلٌ وَدِيعَةً فَأَرَادَ سَفَرًا فَلَمْ يَثِقْ بِأَحَدٍ يَجْعَلُهَا عِنْدَهُ فَسَافَرَ بِهَا بَرًّا أَوْ بَحْرًا ضَمِنَ، وَإِنْ دَفَنَهَا فِي مَنْزِلِهِ، وَلَمْ يُعْلِمْ بِهَا أَحَدًا يَأْتَمِنُهُ عَلَى مَالِهِ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ، وَإِذَا أَوْدَعَهَا غَيْرَهُ وَصَاحِبُهَا حَاضِرٌ عِنْدَ سَفَرِهِ ضَمِنَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فَأَوْدَعَهَا أَمِينًا يُودِعُهُ مَالَهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ تَعَدَّى فِيهَا ثُمَّ رَدَّهَا فِي مَوْضِعِهَا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ لِخُرُوجِهِ بِالتَّعَدِّي مِنْ الْأَمَانَةِ، وَلَوْ أَوْدَعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَأَنْفَقَ مِنْهَا دِرْهَمًا ثُمَّ رَدَّهُ فِيهَا وَلَوْ ضَمِنَ الدِّرْهَمَ أَوْدَعَهُ وَأَمَرَهُ بِعَلَفِهَا وَسَقْيِهَا فَأَمَرَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهَا فِي دَارِهِ كَمَا يَفْعَلُ بِدَوَابِّهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ بَعَثَهَا إلَى غَيْرِ دَارِهِ وَهِيَ تُسْقَى فِي دَارِهِ ضَمِنَ. وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِعَلَفِهَا، وَلَا بِسَقْيِهَا، وَلَمْ يَنْهَهُ فَحَبَسَهَا مُدَّةً إذَا أَتَتْ عَلَى مِثْلِهَا لَمْ تَأْكُلْ، وَلَمْ تَشْرَبْ هَلَكَتْ ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ فَتَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمُ حَتَّى يُوَكِّلَ مَنْ يَقْبِضُ مِنْهُ النَّفَقَةَ عَلَيْهَا، وَيَكُونَ دَيْنًا عَلَى رَبِّهَا أَوْ يَبِيعَهَا فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَلَوْ أَوْصَى الْمُودِعُ إلَى أَمِينٍ لَمْ يَضْمَنْ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَمِينٍ ضَمِنَ فَإِنْ انْتَقَلَ مِنْ قَرْيَةٍ آهِلَةٍ إلَى غَيْرِ آهِلَة ضَمِنَ. وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ فَأَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ضَمِنَ فَإِنْ كَانَ ضَرُورَةً وَأَخْرَجَهَا إلَى حِرْزٍ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ قَالَ الْمُودَعُ أَخْرَجْتُهَا لَمَّا غَشِيَتْنِي النَّارُ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ نَارٌ أَوْ أَثَرٌ يَدُلُّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَلَوْ قَالَ دَفَعْتهَا إلَى فُلَانٍ بِأَمْرِك: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ، وَلَوْ قَالَ دَفَعْتهَا إلَيْك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ وَلَوْ حَوَّلَهَا مِنْ خَرِيطَةٍ إلَى أَحْرَزَ أَوْ مِثْلِ حِرْزِهَا لَمْ يَضْمَنْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِرْزًا لَهَا ضَمِنَ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ رَجُلٌ عَلَى أَخْذِهَا: لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَرْقُدَ عَلَى صُنْدُوقٍ هِيَ فِيهِ فَرَقَدَ عَلَيْهِ كَانَ قَدْ زَادَهُ حِرْزًا. وَلَوْ قَالَ لَمْ تُودِعْنِي شَيْئًا ثُمَّ قَالَ قَدْ كُنْت اسْتَوْدَعْتَنِيهِ فَهَلَكَ ضَمِنَ، وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَرْبِطَهَا فِي كُمِّهِ فَأَمْسَكَهَا بِيَدِهِ فَتَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ، وَيَدُهُ أَحْرَزُ، وَإِذَا هَلَكَ وَعِنْدَهُ وَدِيعَةٌ بِعَيْنِهَا فَهِيَ لِرَبِّهَا، وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا مِثْلَ دَنَانِيرَ أَوْ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ حَاصَّ رَبُّ الْوَدِيعَةِ الْغُرَمَاءَ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ الْوَدِيعَةَ مِثْلَ عَبْدٍ أَوْ بَعِيرٍ فَقَالَ هِيَ لِأَحَدِكُمَا، وَلَا أَدْرِي أَيَّكُمَا هُوَ قِيلَ لَهُمَا هَلْ تَدَّعِيَانِ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا بِعَيْنِهِ؟ فَإِنْ قَالَا لَا أُحْلِفَ الْمُودَعُ بِاَللَّهِ مَا يَدْرِي أَيَّهُمَا هُوَ، وَوَقَفَ ذَلِكَ لَهُمَا جَمِيعًا حَتَّى يَصْطَلِحَا فِيهِ أَوْ يُقِيمَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً وَأَيُّهُمَا حَلَفَ مَعَ نُكُولِ صَاحِبِهِ كَانَ لَهُ. [مُخْتَصَرٌ مِنْ كِتَابِ قَسْمِ الْفَيْءِ وَقَسْمِ الْغَنَائِمِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَصْلُ مَا يَقُومُ بِهِ الْوُلَاةُ مِنْ جُمَلِ الْمَالِ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ أَحَدُهَا مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ مُسْلِمٍ تَطْهِيرًا لَهُ فَذَلِكَ لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ لَا لِأَهْلِ الْفَيْءِ وَالْوَجْهَانِ الْآخَرَانِ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ مُشْرِكٍ كِلَاهُمَا مُبَيَّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلِهِ. فَأَحَدُهُمَا الْغَنِيمَةُ قَالَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ الْفَيْءُ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: 7] الْآيَةَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَالْغَنِيمَةُ وَالْفَيْءُ يَجْتَمِعَانِ فِي أَنَّ فِيهِمَا مَعًا الْخُمُسَ مِنْ جَمِيعِهِمَا لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُ فِي الْآيَتَيْنِ مَعًا سَوَاءٌ ثُمَّ تَفْتَرِقُ الْأَحْكَامُ فِي الْأَرْبَعَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 247 الْأَخْمَاسِ بِمَا بَيَّنَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي فِعْلِهِ فَإِنَّهُ قَسَمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ وَهِيَ الْمُوجَفُ عَلَيْهَا بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ، وَالْفَيْءُ هُوَ مَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ، وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قُرًى عَرَبِيَّةٍ أَفَاءَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِينَ يَضَعُهُ حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ - تَعَالَى - قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ اخْتَصَمَ إلَيْهِ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي أَمْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ، وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ فَمَا فَضَلَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عِدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَلِيَهَا أَبُو بَكْرٍ بِمِثْلِ مَا وَلِيَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ وَلِيَهَا عُمَرُ بِمِثْلِ مَا وَلِيَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ فَوَلَّيْتكُمَاهَا عَلَى أَنْ تَعْمَلَا فِيهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إلَيَّ أَكْفِيكُمَاهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَكَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ أَمْضَيَا مَا بَقِيَ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ الَّتِي كَانَتْ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا رَأَيَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْمَلُ بِهِ فِيهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مِمَّا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ مِنْ الْفَيْءِ مَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُمَا فِيهِ أُسْوَةٌ بِالْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ سِيرَتُهُمَا وَسِيرَةُ مَنْ بَعْدَهُمَا، وَقَدْ مَضَى مَنْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِمْ، وَلَا خَالَفَ فِي أَنْ تُجْعَلَ تِلْكَ النَّفَقَاتُ حَيْثُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْعَلُ فُضُولَ غَلَّاتِ تِلْكَ الْأَمْوَالِ فِيمَا فِيهِ صَلَاحٌ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْتَسِمَنَّ وَرَثَتِي دِينَارًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ أَهْلِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ» قَالَ فَمَا صَارَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ فَيْءٍ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ فَخُمُسُهُ حَيْثُ قَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ عَلَى مَا سَأُبَيِّنُهُ وَكَذَلِكَ مَا أُخِذَ مِنْ مُشْرِكٍ مِنْ جِزْيَةٍ وَصُلْحٍ عَنْ أَرْضِهِمْ أَوْ أُخِذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إذَا اخْتَلَفُوا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مَاتَ مِنْهُمْ مَيِّتٌ، لَا وَارِثَ لَهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا أَخَذَهُ الْوُلَاةُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَالْخُمُسُ فِيهِ ثَابِتٌ عَلَى مَنْ قَسَمَهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْخُمُسِ الْمُوجَفِ عَلَيْهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - الْفَيْءُ وَفُتِحَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فُتُوحٌ مِنْ قُرًى عَرَبِيَّةٍ وَعَدَهَا اللَّهُ رَسُولَهُ قَبْلَ فَتْحِهَا فَأَمْضَاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ سَمَّاهَا اللَّهُ لَهُ، وَلَمْ يَحْبِسْ مِنْهَا مَا حَبَسَ مِنْ الْقُرَى الَّتِي كَانَتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً يُرِيدُ مَا كَانَ يَكُونُ لِلْمُوجِفِينَ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ فَاسْتَدْلَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ خُمُسَ ذَلِكَ كَخُمُسِ مَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ لِأَهْلِهِ وَجُمْلَةُ الْفَيْءِ مَا رَدَّهُ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ مِنْ مَالِ مَنْ خَالَفَ دِينَهُ. [بَابُ الْأَنْفَالِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْخُمُسِ شَيْءٌ غَيْرُ السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ. «قَالَ أَبُو قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حُنَيْنٍ قَالَ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ فَرَأَيْت رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فَاسْتَدَرْت لَهُ حَتَّى أَتَيْته مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْته عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْت مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْت عُمَرَ فَقَالَ مَا بَالُ النَّاسِ؟ قُلْت أَمْرُ اللَّهِ ثُمَّ إنَّ النَّاسَ رَجَعُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 248 مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْت فَقُلْت مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْت يَقُولُ وَأَقُولُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالَك يَا أَبَا قَتَادَةَ؟ فَاقْتَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنْهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَاهَا اللَّهِ إذًا لَا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ - تَعَالَى - يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَ فَأَعْطِهِ إيَّاهُ فَأَعْطَانِيهِ فَبِعْت الدِّرْعَ وَابْتَعْت بِهِ مَخْرَقًا فِي بَنِي سَلِمَةَ فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ» وَرُوِيَ أَنَّ شِبْرَ بْنَ عَلْقَمَةَ قَالَ بَارَزْت رَجُلًا يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَبَلَغَ سَلَبُهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَنَفَّلَنِيهِ سَعْدٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - الَّذِي لَا أَشُكُّ فِيهِ أَنْ يُعْطَى السَّلَبَ مَنْ قَتَلَ مُشْرِكًا مُقْبِلًا مُقَاتِلًا مِنْ أَيِّ جِهَةٍ قَتَلَهُ مُبَارِزًا أَوْ غَيْرَ مُبَارِزٍ، وَقَدْ «أَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَبَ مَرْحَبٍ مَنْ قَتَلَهُ مُبَارِزًا» وَأَبُو قَتَادَةَ غَيْرُ مُبَارِزٍ وَلَكِنَّ الْمَقْتُولِينَ مُقْبِلَانِ وَلِقَتْلِهِمَا مُقْبِلِينَ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ مُؤْنَةٌ لَيْسَتْ لَهُ إذَا انْهَزَمُوا أَوْ انْهَزَمَ الْمَقْتُولُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ» يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعْدَ مَا قَتَلَ أَبُو قَتَادَةَ الرَّجُلَ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ حُكْمٌ عِنْدَنَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَقَدَّ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ ثُمَّ قَتَلَهُ آخَرُ فَإِنَّ سَلَبَهُ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فَقَتَلَهُ آخَرُ كَانَ سَلَبُهُ لِلْآخَرِ وَلَوْ قَتَلَهُ اثْنَانِ كَانَ سَلَبُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالسَّلَبُ الَّذِي يَكُونُ لِلْقَاتِلِ كُلُّ ثَوْبٍ يَكُونُ عَلَيْهِ وَسِلَاحُهُ، وَمِنْطَقَتُهُ وَفَرَسُهُ إنْ كَانَ رَاكِبَهُ أَوْ مُمْسِكَهُ وَكُلُّ مَا أُخِذَ مِنْ يَدِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالنَّفَلُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ «نَفْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَنِيمَةٍ قِبَلَ نَجْدٍ بَعِيرًا بَعِيرًا» وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ كَانُوا يُعْطَوْنَ النَّفَلَ مِنْ الْخُمُسِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَفَّلَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خُمُسِهِ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ بِسَائِرِ مَالِهِ فِيمَا فِيهِ صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا سِوَى سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جَمِيعِ الْخُمُسِ لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْتَهِدَ إذَا كَثُرَ الْعَدُوُّ وَاشْتَدَّتْ شَوْكَتُهُ وَقَلَّ مَنْ بِإِزَائِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيُنَفِّلُ مِنْهُ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا لَمْ يَفْعَلْ. وَقَدْ رُوِيَ فِي النَّفْلِ فِي الْبُدَاءَةِ وَالرَّجْعَةِ الثُّلُثُ فِي وَاحِدَةٍ وَالرُّبُعُ فِي الْأُخْرَى وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّهُ نَفَّلَ نِصْفَ السُّدُسِ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّفْلِ حَدٌّ لَا يُجَاوِزُهُ الْإِمَامُ وَلَكِنْ عَلَى الِاجْتِهَادِ. [بَابُ تَفْرِيقِ الْقَسْمِ فِي الْغَنِيمَة] بَابُ تَفْرِيقِ الْقَسْمِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلُّ مَا حَصَلَ مِمَّا غُنِمَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ مِنْ شَيْءٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ قُسِّمَ إلَّا الرِّجَالَ الْبَالِغِينَ، فَالْإِمَامُ فِيهِمْ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَمُنَّ أَوْ يَقْتُلَ أَوْ يُفَادِيَ أَوْ يَسْبِيَ وَسَبِيلُ مَا سُبِيَ أَوْ أُخِذَ مِنْهُمْ مِنْ شَيْءٍ عَلَى إطْلَاقِهِمْ سَبِيلَ الْغَنِيمَةِ «وَفَادَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ» ، وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْزِلَ خُمُسَ مَا حَصَلَ بَعْدَمَا وَصَفْنَا كَامِلًا، وَيُقِرَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِأَهْلِهَا ثُمَّ يَحْسِبَ مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ مِنْ الرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ، وَيَرْضَخَ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَغَيْرِ الْبَالِغِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالنِّسَاءِ فَيُنَفِّلَهُمْ شَيْئًا لِحُضُورِهِمْ، وَيَرْضَخَ لِمَنْ قَاتَلَ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَدْ قِيلَ يَرْضَخُ لَهُمْ مِنْ الْجَمِيعِ ثُمَّ يَعْرِفُ عَدَدَ الْفَرَسَانِ وَالرَّجَّالَةِ الَّذِينَ حَضَرُوا الْقِتَالَ فَيَضْرِبُ كَمَا «ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلْفَارِسِ سَهْمًا وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» وَلَيْسَ يَمْلِكُ الْفَرَسُ شَيْئًا إنَّمَا يَمْلِكُهُ صَاحِبُهُ؛ لِمَا تَكَلَّفَ مِنْ اتِّخَاذِهِ؛ وَاحْتَمَلَ مِنْ مُؤْنَتِهِ وَنَدَبَ اللَّهُ - تَعَالَى - إلَى اتِّخَاذِهِ لِعَدُوِّهِ، وَمَنْ حَضَرَ بِفَرَسَيْنِ فَأَكْثَرَ لَمْ يُعْطَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 249 إلَّا لِوَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْقَى إلَّا بِوَاحِدٍ وَلَوْ أَسْهَمَ لِاثْنَيْنِ لَأَسْهَمَ لِأَكْثَرَ، وَلَا يُسْهِمُ لِرَاكِبِ دَابَّةٍ غَيْرِ دَابَّةِ الْخَيْلِ، وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَاهَدَ الْخَيْلَ فَلَا يُدْخِلُ إلَّا شَدِيدًا، وَلَا يُدْخِلُ حَطِمًا، وَلَا قَمْحًا ضَعِيفًا، وَلَا ضَرْعًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَحْمُ الْكَبِيرُ وَالضَّرْعُ الصَّغِيرُ، وَلَا أَعْجَفَ رَازِحًا، وَإِنْ أُغْفِلَ فَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَقَدْ قِيلَ لَا يُسْهِمُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي غَنَاءَ الْخَيْلِ الَّتِي يُسْهَمُ لَهَا، وَلَا أَعْلَمُهُ أَسْهَمَ فِيمَا مَضَى عَلَى مِثْلِ هَذِهِ، وَإِنَّمَا يُسْهِمُ لِلْفَرَسِ إذَا حَضَرَ صَاحِبُهُ شَيْئًا مِنْ الْحَرْبِ فَارِسًا فَأَمَّا إذَا كَانَ فَارِسًا إذَا دَخَلَ بِلَادَ الْعَدُوِّ ثُمَّ مَاتَ فَرَسُهُ أَوْ كَانَ فَارِسًا بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَرْبِ وَجَمْعِ الْغَنِيمَةِ فَلَا يُضْرَبُ لَهُ. وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ ثُبِتَ فِي الدِّيوَانِ حِينَ دَخَلَ لَكَانَ صَاحِبُهُ إذَا دَخَلَ ثُبِتَ فِي الدِّيوَانِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْغَنِيمَةِ أَحَقَّ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ. وَلَوْ دَخَلَ يُرِيدُ الْجِهَادَ فَمَرِضَ، وَلَمْ يُقَاتِلْ أَسْهَمَ لَهُ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ أَجِيرٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فَقَدْ قِيلَ يُسْهَمُ لَهُ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُسْهِمَ لَهُ وَتُطْرَحَ الْإِجَارَةُ، وَلَا يُسْهَمُ لَهُ وَقِيلَ يُرْضَخُ لَهُ. (قَالَ) : وَلَوْ أَفْلَتَ إلَيْهِمْ أَسِيرٌ قَبْلَ تَحَرُّزِ الْغَنِيمَةِ فَقَدْ قِيلَ يُسْهَمُ لَهُ وَقِيلَ لَا يُسْهَمُ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قِتَالٌ فَيُقَاتِلَ فَأَرَى أَنْ يُسْهَمَ لَهُ. وَلَوْ دَخَلَ تُجَّارٌ فَقَاتَلُوا لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يُسْهَمَ لَهُمْ وَقِيلَ لَا يُسْهَمُ لَهُمْ، وَلَوْ جَاءَهُمْ مَدَدٌ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ فَحَضَرُوا مِنْهَا شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ شَرَكُوهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ فَإِنْ انْقَضَتْ الْحَرْبُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْغَنِيمَةِ مَانِعٌ لَمْ يُشْرِكُوهُمْ وَلَوْ أَنَّ قَائِدًا فَرَّقَ جُنْدَهُ فِي وَجْهَيْنِ فَغَنِمَتْ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ أَوْ غَنِمَ الْعَسْكَرُ، وَلَمْ تَغْنَمْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا شَرَكُوهُمْ؛ لَأَنَّهُمْ جَيْشٌ وَاحِدٌ وَكُلُّهُمْ رِدْءٌ لِصَاحِبِهِ «قَدْ مَضَتْ خَيْلُ الْمُسْلِمِينَ فَغَنِمُوا بِأَوْطَاسٍ غَنَائِمَ كَثِيرَةً وَأَكْثَرُ الْعَسَاكِرِ بِحُنَيْنٍ فَشَرِكُوهُمْ وَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلَكِنْ لَوْ كَانَ قَوْمٌ مُقِيمِينَ بِبِلَادِهِمْ فَخَرَجَتْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ فَغَنِمُوا لَمْ يُشْرِكُوهُمْ، وَإِنْ كَانُوا مِنْهُمْ قَرِيبًا؛ لِأَنَّ السَّرَايَا كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الْمَدِينَةِ فَتَغْنَمُ فَلَا يُشْرِكُهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ. وَلَوْ أَنَّ إمَامًا بَعَثَ جَيْشَيْنِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِدٌ وَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَوَجَّهَ نَاحِيَةً غَيْرَ نَاحِيَةِ صَاحِبِهِ مِنْ بِلَادِ عَدُوِّهِمْ فَغَنِمَ أَحَدُ الْجَيْشَيْنِ لَمْ يُشْرِكْهُمْ الْآخَرُونَ فَإِذَا اجْتَمَعُوا فَغَنِمُوا مُجْتَمَعِينَ فَهُمْ كَجَيْشٍ وَاحِدٍ. [بَابُ تَفْرِيقِ الْخُمُسِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ، وَرُوِيَ أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَسَّمَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَتَيْته أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلَاءِ إخْوَانُنَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِمَكَانِك الَّذِي وَضَعَك اللَّهُ بِهِ مِنْهُمْ، أَرَأَيْت إخْوَانَنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتهمْ وَتَرَكْتنَا وَإِنَّمَا قَرَابَتُنَا وَقَرَابَتُهُمْ وَاحِدَةٌ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» وَرَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعْطِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلَا بَنِي نَوْفَلٍ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَيُعْطِي سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى فِي ذِي الْقُرْبَى حَيْثُ كَانُوا، وَلَا يُفَضَّلُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ حَضَرَ الْقِتَالَ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ إلَّا سَهْمُهُ فِي الْغَنِيمَةِ كَسَهْمِ الْعَامَّةِ وَلَا فَقِيرٌ عَلَى غَنِيٍّ وَيُعْطِي الرَّجُلَ سَهْمَيْنِ وَالْمَرْأَةَ سَهْمًا؛ لِأَنَّهُمْ أُعْطُوا بِاسْمِ الْقَرَابَةِ فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَعْطَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضَهُمْ مِائَةَ وَسْقٍ وَبَعْضَهُمْ أَقَلَّ قِيلَ: لِأَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ ذَا وَلَدٍ فَإِذَا أَعْطَاهُ حَظَّهُ وَحَظَّ غَيْرِهِ فَقَطْ أَعْطَاهُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا حَكَيْت مِنْ التَّسْوِيَةِ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَقِيت مِنْ عُلَمَاءِ أَصْحَابِنَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ، وَإِنْ بِاسْمِ الْقَرَابَةِ أُعْطُوا وَإِنَّ حَدِيثَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 250 بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيُفَرِّقُ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ الْخُمُسِ عَلَى مَنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ يُحْصُونَ ثُمَّ يُوَزَّعُ بَيْنَهُمْ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ سَهْمُهُ لَا يُعْطَى لِأَحَدٍ مِنْهُمْ سَهْمُ صَاحِبِهِ فَقَدْ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي - فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ عِنْدَنَا فِي سَهْمِهِ فَمِنْهُمْ مِنْ قَالَ: يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَعَهُ؛ لِأَنِّي رَأَيْت الْمُسْلِمِينَ قَالُوا فِيمَنْ سُمِّيَ لَهُ سَهْمٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ فَلَمْ يُوجَدْ رُدَّ عَلَى مَنْ سُمِّيَ مَعَهُ وَهَذَا مَذْهَبٌ يَحْسُنُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَضَعُهُ الْإِمَامُ حَيْثُ رَأَى عَلَى الِاجْتِهَادِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَضَعُهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَاَلَّذِي أَخْتَارُ أَنْ يَضَعَهُ الْإِمَامُ فِي كُلِّ أَمْرٍ حَصُنَ بِهِ الْإِسْلَامُ وَأَهْلُهُ مِنْ سَدِّ ثَغْرٍ أَوْ إعْدَادِ كُرَاعٍ أَوْ سِلَاحٍ أَوْ إعْطَاءِ أَهْلِ الْبَلَاءِ فِي الْإِسْلَامِ نَفْلًا عِنْدَ الْحَرْبِ وَغَيْرِ الْحَرْبِ إعْدَادًا لِلزِّيَادَةِ فِي تَعْزِيرِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ عَلَى مَا صَنَعَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ وَنَفَلَ فِي الْحَرْبِ وَأَعْطَى عَامَ حُنَيْنٍ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَهْلُ حَاجَةٍ وَفَضْلٍ وَأَكْثَرُهُمْ أَهْلُ حَاجَةٍ وَنَرَى ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ سَهْمِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي ذَوِي الْقُرْبَى أَنْ رَوَى حَدِيثًا عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: لَقِيت عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقُلْت لَهُ: بِأَبِي وَأُمِّي مَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي حَقِّكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ الْخُمُسِ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ أَمَّا أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ أَخْمَاسٌ وَمَا كَانَ فَقَدْ أَوْفَانَاهُ، وَأَمَّا عُمَرُ فَلَمْ يَزَلْ يُعْطِينَاهُ حَتَّى جَاءَهُ مَالُ السُّوسِ وَالْأَهْوَازِ أَوْ قَالَ: مَالُ فَارِسَ. (الشَّافِعِيُّ يَشُكُّ) . وَقَالَ عُمَرُ فِي حَدِيثِ مَطَرٍ أَوْ حَدِيثٍ آخَرَ: إنَّ فِي الْمُسْلِمِينَ خَلَّةً فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ تَرَكْتُمْ حَقَّكُمْ فَجَعَلْنَاهُ فِي خَلَّةِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَأْتِيَنَا مَالٌ فَأُوفِيَكُمْ حَقَّكُمْ مِنْهُ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ لَا تُطْمِعْهُ فِي حَقِّنَا، فَقُلْت: يَا أَبَا الْفَضْلِ أَلَسْنَا مِنْ أَحَقِّ مَنْ أَجَابَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَفَعَ خَلَّةَ الْمُسْلِمِينَ فَتَوَفَّى عُمَرُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ مَالٌ فيقضيناه. وَقَالَ الْحَكَمُ فِي حَدِيثِ مَطَرٍ أَوْ الْآخَرِ: إنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لَكُمْ حَقًّا وَلَا يَبْلُغُ عِلْمِي إذْ كَثُرَ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ كُلُّهُ فَإِنْ شِئْتُمْ أَعْطَيْتُكُمْ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَرَى لَكُمْ فَأَبَيْنَا عَلَيْهِ إلَّا كُلُّهُ فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَنَا كُلَّهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْمُنَازِعِ فِي سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى: أَلَيْسَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا كَانَ مَنْصُوصًا فِي كِتَابِ اللَّهِ مُبَيَّنًا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فَعَلَهُ أَنَّ عَلَيْهِمْ قَبُولَهُ، وَقَدْ ثَبَتَ سَهْمُهُمْ فِي آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَبَرِ الثِّقَةِ لَا مُعَارِضَ لَهُ فِي إعْطَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَنِيًّا لَا دِينَ عَلَيْهِ فِي إعْطَائِهِ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ فِي كَثْرَةِ مَالِهِ يَعُولُ عَامَّةَ بَنِي الْمُطَّلِبِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا بِالْقَرَابَةِ لَا بِالْحَاجَةِ كَمَا أَعْطَى الْغَنِيمَةَ مَنْ حَضَرَهَا لَا بِالْحَاجَةِ وَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَحَقَّ الْمِيرَاثَ بِالْقَرَابَةِ لَا بِالْحَاجَةِ. وَكَيْفَ جَازَ لَك أَنْ تُرِيدَ إبْطَالَ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ بِأَنْ تَقُولَ: هِيَ بِخِلَافِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَلَيْسَتْ مُخَالِفَةً لَهُ ثُمَّ تَجِدُ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى مَنْصُوصًا فِي آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعَهُمَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَرُدُّهُ؟ أَرَأَيْت لَوْ عَارَضَك مُعَارِضٌ فَأَثْبَتَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى وَأَسْقَطَ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ مَا حُجَّتُك عَلَيْهِ إلَّا كَهِيَ عَلَيْك. [تَفْرِيقُ مَا أَخَذَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ غَيْرِ الْمُوجَفِ عَلَيْهِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيَنْبَغِي لِلْوَالِي أَنْ يُحْصِيَ جَمِيعَ مَنْ فِي الْبُلْدَانِ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَهُمْ مَنْ قَدْ احْتَلَمَ أَوْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً مِنْ الرِّجَالِ وَيُحْصِيَ الذُّرِّيَّةَ وَهُمْ مَنْ دُونَ الْمُحْتَلِمِ وَدُونَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً وَالنِّسَاءُ صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ وَيَعْرِفُ قَدْرَ نَفَقَاتِهِمْ وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ مُؤْنَاتِهِمْ بِقَدْرِ مَعَاشِ مِثْلِهِمْ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 251 بُلْدَانِهِمْ، ثُمَّ يُعْطِي الْمُقَاتِلَةَ فِي كُلِّ عَامٍ عَطَاءَهُمْ وَالذُّرِّيَّةَ وَالنِّسَاءَ مَا يَكْفِيهِمْ لِسَنَتِهِمْ فِي كُسْوَتِهِمْ وَنَفَقَاتِهِمْ طَعَامًا أَوْ قِيمَتَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ يُعْطِي الْمَنْفُوسَ شَيْئًا ثُمَّ يُزَادُ كُلَّمَا كَبِرَ عَلَى قَدْرِ مُؤْنَتِهِ وَهَذَا يَسْتَوِي؛ لِأَنَّهُمْ يُعْطُونَ الْكِفَايَةَ وَيُخْتَلَفُ فِي مَبْلَغِ الْعَطَاءِ بِاخْتِلَافِ أَسْعَارِ الْبُلْدَانِ وَحَالَاتِ النَّاسِ فِيهَا، فَإِنَّ الْمُؤْنَةَ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ أَثْقَلُ مِنْهَا فِي بَعْضٍ وَلَا أَعْلَمُ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْعَطَاءَ لِلْمُقَاتِلَةِ حَيْثُ كَانَتْ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْفَيْءِ وَقَالُوا: لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ كِفَايَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَلَغَ فِي الْعَطَاءِ خَمْسَةَ آلَافٍ وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ كِفَايَةِ الرَّجُلِ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: خَمْسَةُ آلَافٍ بِالْمَدِينَةِ وَيَغْزُو إذَا غُزِيَ وَلَسْت بِأَكْثَرَ مِنْ الْكِفَايَةِ إذَا غَزَا عَلَيْهَا لِبُعْدِ الْمَغْزَى. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهَذَا كَالْكِفَايَةِ عَلَى أَنَّهُ يَغْزُو، وَإِنْ لَمْ يَغْزُ فِي كُلِّ سَنَةٍ. (قَالَ) : وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ لَقِيته فِي أَنْ لَيْسَ لِلْمَمَالِيكِ فِي الْعَطَاءِ حَقٌّ، وَلَا الْأَعْرَابِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الصَّدَقَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّفْضِيلِ عَلَى السَّابِقَةِ وَالنَّسَبِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أُسَوِّي بَيْنَ النَّاسِ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ قَالَ لَهُ عُمَرُ: أَتَجْعَلُ لِلَّذِينَ جَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَهَجَرُوا دِيَارَهُمْ كَمَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ كُرْهًا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنَّمَا عَمِلُوا لِلَّهِ وَإِنَّمَا أُجُورُهُمْ عَلَى اللَّهِ وَإِنَّمَا الدُّنْيَا بَلَاغٌ وَسَوَّى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ النَّاسِ وَلَمْ يُفَضِّلْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا الَّذِي أَخْتَارُهُ وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَذَلِكَ أَنِّي رَأَيْت اللَّهَ تَعَالَى قَسَّمَ الْمَوَارِيثَ عَلَى الْعَدَدِ فَسَوَّى فَقَدْ تَكُونُ الْإِخْوَةُ مُتَفَاضِلِي الْغَنَاءِ عَنْ الْمَيِّتِ فِي الصِّلَةِ فِي الْحَيَاةِ وَالْحِفْظِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ لِمَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ عَلَى الْعَدَدِ فَسَوَّى وَمِنْهُمْ مَنْ يُغْنِي غَايَةَ الْغَنَاءِ وَيَكُونُ الْفُتُوحُ عَلَى يَدَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ مَحْضَرُهُ إمَّا غَيْرَ نَافِعٍ وَإِمَّا ضَارًّا بِالْجُبْنِ وَالْهَزِيمَةِ فَلَمَّا وَجَدْت الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ عَلَى التَّسْوِيَةِ كَمَا وَصَفْت كَانَتْ التَّسْوِيَةُ أَوْلَى مِنْ التَّفْضِيلِ عَلَى النَّسَبِ أَوْ السَّابِقَةِ، وَلَوْ وُجِدَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى التَّفْضِيلِ أَرْجَحَ بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ كُنْت إلَى التَّفْضِيلِ بِالدَّلَالَةِ مَعَ الْهَوَى أَسْرَعَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا قَرِبَ الْقَوْمُ مِنْ الْجِهَادِ وَرَخُصَتْ أَسْعَارُهُمْ أُعْطُوا أَقَلَّ مَا يُعْطَى مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ وَغَلَا سِعْرُهُ وَهَذَا، وَإِنْ تَفَاضَلَ عَدَدُ الْعَطِيَّةِ تَسْوِيَةً عَلَى مَعْنَى مَا يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْجِهَادِ إذَا أَرَادَهُ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَغْزُوا إذَا غَزَوْا وَيَرَى الْإِمَامُ فِي إغْزَائِهِمْ رَأْيَهُ، فَإِنْ اسْتَغْنَى مُجَاهِدُهُ بِعَدَدٍ وَكَثْرَةٍ مِنْ قُرْبِهِ أَغْزَاهُمْ إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِنْ مُجَاهِدِهِمْ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي إعْطَاءِ الذُّرِّيَّةِ وَنِسَاءِ أَهْلِ الْفَيْءِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُعْطُونَ وَأَحْسَبُ مِنْ حُجَّتِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَمُؤْنَتُهُمْ تَلْزَمُ رِجَالَهُمْ فَلَمْ يُعْطِهِمْ الْكِفَايَةَ فَيُعْطِيهِمْ كَمَالَ الْكِفَايَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إذَا أُعْطُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا فَلَيْسُوا بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ ذُرِّيَّةِ الْأَعْرَابِ وَنِسَائِهِمْ وَرِجَالِهِمْ الَّذِينَ لَا يُعْطُونَ مِنْ الْفَيْءِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: مَا أَحَدٌ إلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ أُعْطِيَهُ أَوْ مُنِعَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ مِنْهَا أَنْ نَقُولَ: لَيْسَ أَحَدٌ بِمَعْنَى حَاجَةٍ مِنْ الصَّدَقَةِ أَوْ بِمَعْنَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ الَّذِينَ يَغْزُونَ إلَّا وَلَهُ فِي مَالِ الْفَيْءِ أَوْ الصَّدَقَةِ حَقٌّ، وَكَانَ هَذَا أَوْلَى مَعَانِيهِ بِهِ فَإِنْ قِيلَ: مَا دَلَّ عَلَى هَذَا؟ قِيلَ: «قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّدَقَةِ، لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مَرَّةٍ مُكْتَسِبٍ» وَاَلَّذِي أَحْفَظُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْأَعْرَابَ لَا يُعْطُونَ مِنْ الْفَيْءِ. (قَالَ) : وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ أَهْلَ الْفَيْءِ كَانُوا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَعْزِلٍ عَنْ الصَّدَقَةِ وَأَهْلَ الصَّدَقَةِ بِمَعْزِلٍ عَنْ أَهْلِ الْفَيْءِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْعَطَاءُ الْوَاجِبُ فِي الْفَيْءِ لَا يَكُونُ إلَّا لِبَالِغٍ يُطِيقُ مِثْلُهُ الْقِتَالَ. (قَالَ) : «ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عُرِضْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ سَنَةً فَرَدَّنِي وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 252 فَأَجَازَنِي» وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الْمُقَاتِلَةِ وَالذُّرِّيَّةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ كَمَّلَهَا أَعْمَى لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ أَبَدًا أَوْ مَنْقُوصُ الْخَلْقِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ أَبَدًا لَمْ يُفْرَضْ لَهُ فَرْضُ الْمُقَاتَلَةِ وَأُعْطِيَ عَلَى كِفَايَةِ الْمَقَامِ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالذُّرِّيَّةِ، فَإِنْ فُرِضَ لِصَحِيحٍ ثُمَّ زَمِنَ خَرَجَ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ، وَإِنْ مَرِضَ طَوِيلًا يُرْجَى أُعْطِيَ كَالْمُقَاتِلَةِ. (قَالَ) : وَيَخْرُجُ الْعَطَاءُ لِلْمُقَاتِلَةِ كُلَّ عَامٍ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَالذُّرِّيَّةِ عَلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِذَا صَارَ مَالُ الْفَيْءِ إلَى الْوَالِي ثُمَّ مَاتَ مَيِّتٌ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ عَطَاءَهُ أُعْطِيَهُ وَرَثَتُهُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَيْهِ مَالُ ذَلِكَ الْعَامِ لَمْ يُعْطَهُ وَرَثَتُهُ. (قَالَ) : وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْفَيْءِ شَيْءٌ بَعْدَمَا وَصَفْت مِنْ إعْطَاءِ الْعَطَايَا وَضَعَهُ الْإِمَامُ فِي إصْلَاحِ الْحُصُونِ وَالِازْدِيَادِ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَكُلُّ مَا قَوِيَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، فَإِنْ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ وَكَمُلَتْ كُلُّ مَصْلَحَةٍ لَهُمْ فَرَّقَ مَا يَبْقَى مِنْهُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّونَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ ضَاقَ عَنْ مَبْلَغِ الْعَطَاءِ فَرَّقَهُ بَيْنَهُمْ بَالِغًا مَا بَلَغَ لَمْ يَحْبِسْ عَنْهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ. (قَالَ) : وَيُعْطِي مِنْ الْفَيْءِ رِزْقَ الْحُكَّامِ وَوُلَاةَ الْأَحْدَاثِ وَالصَّلَاةِ لِأَهْلِ الْفَيْءِ وَكُلَّ مَنْ قَامَ بِأَمْرِ أَهْلِ الْفَيْءِ مِنْ وَالٍ وَكَاتِبٍ وَجُنْدِيٍّ مِمَّنْ لَا غَنَاءَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ عَنْهُ رُزِقَ مِثْلَهُ فَإِنْ وُجِدَ مَنْ يُغْنِي غَنَاءَهُ وَكَانَ أَمِينًا بِأَقَلَّ لَمْ يَزِدْ أَحَدًا عَلَى أَقَلَّ مَا يَجِدُ؛ لِأَنَّ مَنْزِلَةَ الْوَالِي مِنْ رَعِيَّتِهِ مَنْزِلَةُ وَالِي الْيَتِيمِ مِنْ مَالِهِ لَا يُعْطَى مِنْهُ عَنْ الْغَنَاءِ لِلْيَتِيمِ إلَّا أَقَلَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَمَنْ وُلِّيَ عَلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ كَانَ رِزْقُهُ مِمَّا يُؤْخَذُ مِنْهَا لَا يُعْطَى مِنْ الْفَيْءِ عَلَيْهَا كَمَا لَا يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَاتِ عَلَى الْفَيْءِ. (قَالَ) : وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَذَهَبُوا مَذَاهِبَ لَا أَحْفَظُ عَنْهُمْ تَفْسِيرَهَا وَلَا أَحْفَظُ أَيَّهُمْ قَالَ مَا أَحْكِي مِنْ الْقَوْلِ دُونَ مَنْ خَالَفَهُ وَسَأَحْكِي مَا حَضَرَنِي مِنْ مَعَانِي كُلِّ مَنْ قَالَ فِي الْفَيْءِ شَيْئًا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا الْمَالُ لِلَّهِ تَعَالَى دَلَّ عَلَى مَنْ يُعْطَاهُ فَإِذَا اجْتَهَدَ الْوَالِي فَفَرَّقَهُ فِي جَمِيعِ مَنْ سُمِّيَ لَهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى مِنْ اسْتِحْقَاقِهِمْ بِالْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَإِنْ فَضُلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْعَطَاءِ فَذَلِكَ تَسْوِيَةٌ إذَا كَانَ مَا يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَدَّ خَلَّتَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ صِنْفًا مِنْهُمْ وَيُحْرِمَ صِنْفًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إذَا اجْتَمَعَ الْمَالُ نَظَرَ فِي مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ فَرَأَى أَنْ يَصْرِفَ الْمَالَ إلَى بَعْضِ الْأَصْنَافِ دُونَ بَعْضٍ فَإِنْ كَانَ الصِّنْفُ الَّذِي يَصْرِفُهُ إلَيْهِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ شَيْءٍ مِمَّا يَصْرِفُهُ إلَيْهِ وَكَانَ أَرْفَقَ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ صَرَفَهُ وَحَرَمَ غَيْرَهُ وَيُشْبِهُ قَوْلَ الَّذِي يَقُولُ هَذَا أَنَّهُ إنَّ طَلَبَ الْمَالِ صِنْفَانِ وَكَانَ إذَا حَرَمَهُ أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ تَمَاسَكَ وَلَمْ يُدْخِلْ عَلَيْهِ خَلَّةً مُضِرَّةً، وَإِنْ سَاوَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّنْفِ الْآخَرِ كَانَتْ عَلَى الصِّنْفِ الْآخَرِ خَلَّةٌ مُضِرَّةٌ أَعْطَاهُ الَّذِينَ فِيهِمْ الْخَلَّةُ الْمُضِرَّةُ كُلَّهُ. (قَالَ) : ثُمَّ قَالَ بَعْضُ مَنْ قَالَ: إذَا صَرَفَ مَالَ الْفَيْءِ إلَى نَاحِيَةٍ فَسَدَّهَا وَحَرَمَ الْأُخْرَى ثُمَّ جَاءَهُ مَالٌ آخَرُ أَعْطَاهَا إيَّاهُ دُونَ النَّاحِيَةِ الَّتِي سَدَّهَا فَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا عَجَّلَ أَهْلَ الْخَلَّةِ وَأَخَّرَ غَيْرَهُمْ حَتَّى أَوْفَاهُمْ بَعْدُ. (قَالَ) : وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ قَالَ: يُعْطِي مَنْ يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَاتِ وَلَا مُجَاهِدًا مِنْ الْفَيْءِ وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ: وَإِنْ أَصَابَتْ أَهْلَ الصَّدَقَاتِ سَنَةٌ فَهَلَكَتْ أَمْوَالُهُمْ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْفَيْءِ فَإِذَا اسْتَغْنَوْا عَنْهُ مُنِعُوا الْفَيْءَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي مَالِ الصَّدَقَاتِ هَذَا الْقَوْلُ يَرُدُّ بَعْضَ مَالِ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ وَأَحْفَظُ عَمَّنْ أَرْضَى مِمَّنْ سَمِعْت أَنْ لَا يُؤَخِّرَ الْمَالَ إذَا اجْتَمَعَ وَلَكِنْ يُقَسِّمُ فَإِنْ كَانَتْ نَازِلَةً مِنْ عَدُوٍّ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ بِهَا، وَإِنْ غَشِيَهُمْ عَدُوٌّ فِي دَارِهِمْ وَجَبَ النَّفِيرُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ غَشِيَهُ أَهْلِ الْفَيْءِ وَغَيْرِهِمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْبَرَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَالٌ أُصِيبَ بِالْعِرَاقِ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ بَيْتِ الْمَالِ: أَلَا نُدْخِلُهُ بَيْتَ الْمَالِ؟ قَالَ: لَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ لَا يُؤْوَى تَحْتَ سَقْفِ بَيْتٍ حَتَّى أُقَسِّمَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَوُضِعَ فِي الْمَسْجِدِ وَوُضِعَتْ عَلَيْهِ الْأَنْطَاعُ وَحَرَسَهُ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا مَعَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 253 آخِذًا بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ أَحَدُهُمَا آخِذٌ بِيَدِهِ فَلَمَّا رَأَوْهُ كَشَفُوا الْأَنْطَاعَ عَنْ الْأَمْوَالِ فَرَأَى مَنْظَرًا لَمْ يَرَ مِثْلَهُ الذَّهَبُ فِيهِ وَالْيَاقُوتُ وَالزَّبَرْجَدُ وَاللُّؤْلُؤُ يَتَلَأْلَأُ فَبَكَى فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا: إنَّهُ وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِيَوْمِ بُكَاءٍ لَكِنَّهُ وَاَللَّهِ يَوْمُ شُكْرٍ وَسُرُورٍ فَقَالَ: إنِّي وَاَللَّهِ مَا ذَهَبْت حَيْثُ ذَهَبْت وَلَكِنْ وَاَللَّهِ مَا كَثُرَ هَذَا فِي قَوْمٍ قَطُّ إلَّا وَقَعَ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْقِبْلَةِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك أَنْ أَكُونَ مُسْتَدْرَجًا فَإِنِّي أَسْمَعُك تَقُولُ: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 182] ثُمَّ قَالَ أَيْنَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمَ؟ فَإِنِّي بِهِ أَشْعَرُ الذِّرَاعَيْنِ دَقِيقُهُمَا فَأَعْطَاهُ سِوَارَيْ كِسْرَى وَقَالَ: الْبِسْهُمَا فَفَعَلَ فَقَالَ: قُلْ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ: فَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَلَبَهُمَا كِسْرَى بْنَ هُرْمُزَ وَأَلْبَسَهُمَا سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمَ أَعْرَابِيًّا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ وَإِنَّمَا أَلْبَسَهُ إيَّاهُمَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِسُرَاقَةَ وَنَظَرَ إلَى ذِرَاعِهِ كَأَنَّ بِك وَقَدْ لَبِسْت سِوَارَيْ كِسْرَى وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ إلَّا سِوَارَيْهِ وَجَعَلَ يُقَلِّبُ بَعْضَ ذَلِكَ بَعْضًا ثُمَّ قَالَ: إنَّ الَّذِي أَدَّى هَذَا لَأَمِينٌ فَقَالَ قَائِلٌ: أَنَا أُخْبِرُك أَنَّك أَمِينُ اللَّهِ وَهُمْ يُؤَدُّونَ إلَيْك مَا أَدَّيْت إلَى اللَّهِ فَإِذَا رَتَعْت رَتَعُوا قَالَ: صَدَقْت ثُمَّ فَرَّقَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَأَخْبَرَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ أَنْفَقَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَهْلِ الرَّمَادَةِ فِي مُقَامِهِمْ حَتَّى وَقَعَ مَطَرٌ فَتُرَحَّلُوا فَخَرَجَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَاكِبًا إلَيْهِمْ فَرَسًا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ كَيْفَ يَتَرَحَّلُونَ فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ مُحَارِبٍ حِصْفَةٍ أَشْهَدُ أَنَّهَا انْحَسَرَتْ عَنْك وَلَسْت بِابْنِ أُمَيَّةَ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَيْلُك ذَاكَ لَوْ كُنْت أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِي أَوْ مَالِ الْخَطَّابِ إنَّمَا أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. [مَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ مِنْ الْأَرْضِينَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلُّ مَا صُولِحَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ بِغَيْرِ قِتَالٍ خَيْلٌ وَلَا رِكَابٌ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْفَيْءِ عَلَى قَسْمِهِ وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَرْضِينَ وَدُورٍ فَهِيَ وَقْفٌ لِلْمُسْلِمِينَ يُسْتَغَلُّ وَيُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ عَامٍ كَذَلِكَ أَبَدًا. (قَالَ) : وَأَحْسَبُ مَا تَرَكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِلَادَ أَهْلِ الشِّرْكِ هَكَذَا أَوْ شَيْئًا اسْتَطَابَ أَنْفُسَ مَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَرِكَابٍ فَتَرَكُوهُ، كَمَا اسْتَطَابَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْفُسَ أَهْلِ سَبْيِ هَوَازِنَ فَتَرَكُوا حُقُوقَهُمْ وَفِي حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ عَوَّضَهُ مِنْ حَقِّهِ وَعَوَّضَ امْرَأَتَهُ مِنْ حَقِّهَا بِمِيرَاثِهَا كَالدَّلِيلِ عَلَى مَا قُلْت. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا} [الحجرات: 13] الْآيَةَ. (قَالَ) : وَرَوَى الزُّهْرِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَّفَ عَامَ حُنَيْنٍ عَلَى كُلِّ عَشْرَةٍ عَرِيفًا» . (قَالَ) : وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُهَاجِرِينَ شِعَارًا وَلِلْأَوْسِ شِعَارًا وَلِلْخَزْرَجِ شِعَارًا. (قَالَ) : وَعَقَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَلْوِيَةَ فَعَقَدَ لِلْقَبَائِلِ قَبِيلَةً فَقَبِيلَةً حَتَّى جَعَلَ فِي الْقَبِيلَةِ أَلْوِيَةً كُلُّ لِوَاءٍ لِأَهْلِهِ وَكُلُّ هَذَا لِيَتَعَارَفَ النَّاسُ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا فَتَخِفَّ الْمُؤْنَةُ عَلَيْهِمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ وَعَلَى الْوَالِي كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي تَفَرُّقِهِمْ إذَا أُرِيدُوا مُؤْنَةً عَلَيْهِمْ وَعَلَى وَالِيهِمْ، فَهَكَذَا أُحِبُّ لِلْوَالِي أَنْ يَضَعَ دِيوَانَهُ عَلَى الْقَبَائِلِ وَيَسْتَظْهِرَ مَنْ غَابَ عَنْهُ وَمَنْ جَهِلَ مِمَّنْ حَضَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ قَبَائِلِهِمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصِّدْقِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ وَكَانَ بَعْضُهُمْ أَحْسَنَ اقْتِصَاصًا لِلْحَدِيثِ مِنْ بَعْضٍ وَقَدْ زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا دَوَّنَ الدِّيوَانَ قَالَ: أَبْدَأُ بِبَنِي هَاشِمٍ ثُمَّ قَالَ: حَضَرْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْطِيهِمْ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ فَإِذَا كَانَتْ السِّنُّ فِي الْهَاشِمِيِّ قَدَّمَهُ عَلَى الْمُطَّلِبِيِّ وَإِذَا كَانَتْ فِي الْمُطَّلِبِيِّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 254 قَدَّمَهُ عَلَى الْهَاشِمِيِّ فَوَضَعَ الدِّيوَانَ عَلَى ذَلِكَ وَأَعْطَاهُمْ عَطَاءَ الْقَبِيلَةِ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ اسْتَوَتْ لَهُ بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ وَنَوْفَلٌ فِي قِدَمِ النَّسَبِ فَقَالَ: عَبْدُ شَمْسٍ إخْوَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ دُونَ نَوْفَلٍ فَقَدَّمَهُمْ ثُمَّ دَعَا بِبَنِي نَوْفَلٍ يَلُونَهُمْ ثُمَّ اسْتَوَتْ لَهُ عَبْدُ الْعُزَّى وَعَبْدُ الدَّارِ فَقَالَ فِي بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى أَصْهَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ الْمُطَيَّبِينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ حِلْفٌ مِنْ الْفُضُولِ وَفِيهِمْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ ذَكَرَ سَابِقَةً فَقَدَّمَهُمْ عَلَى بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ثُمَّ دَعَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ يَلُونَهُمْ ثُمَّ انْفَرَدَتْ لَهُ زُهْرَةُ فَدَعَاهَا تَتْلُو عَبْدَ الدَّارِ ثُمَّ اسْتَوَتْ لَهُ تَيْمٌ وَمَخْزُومٌ قَالَ فِي تَيْمٍ: إنَّهُمْ مِنْ حِلْفِ الْفُضُولِ وَالْمُطَيَّبِينَ وَفِيهِمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ: ذَكَرَ سَابِقَةً وَقِيلَ: ذَكَرَ صِهْرًا فَقَدَّمَهُمْ عَلَى مَخْزُومٍ ثُمَّ دَعَا مَخْزُومًا يَلُونَهُمْ ثُمَّ اسْتَوَتْ لَهُ سَهْمٌ وَجَمَحَ وَعَدِيُّ بْنُ كَعْبٍ فَقِيلَ: أَبْدَأُ بِعَدِيٍّ فَقَالَ: بَلْ أُقِرُّ نَفْسِي حَيْثُ كُنْت فَإِنَّ الْإِسْلَامَ دَخَلَ وَأَمْرُنَا وَأَمْرُ بَنِي سَهْمٍ وَاحِدٌ وَلَكِنْ اُنْظُرُوا بَيْنَ جُمَحٍ وَسَهْمٍ فَقِيلَ: قَدَّمَ بَنِي جُمَحٍ ثُمَّ دَعَا بَنِي سَهْمٍ وَكَانَ دِيوَانُ عَدِيٍّ وَسَهْمٍ مُخْتَلِطًا كَالدَّعْوَةِ الْوَاحِدَةِ، فَلَمَّا خَلَصَتْ إلَيْهِ دَعْوَتُهُ كَبَّرَ تَكْبِيرَةً عَالِيَةً ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَوْصَلَ إلَيَّ حَظِّي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ دَعَا عَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ الْفِهْرِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا رَأَى مَنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ قَالَ: أَكُلُّ هَؤُلَاءِ يُدْعَى أَمَامِي؟ فَقَالَ: يَا أَبَا عُبَيْدَةَ اصْبِرْ كَمَا صَبَرْت أَوْ كَلِّمْ قَوْمَك فَمَنْ قَدَّمَك مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ أَمْنَعْهُ فَأَمَّا أَنَا وَبَنُو عَدِيٍّ فَنُقَدِّمُك إنْ أَحْبَبْت عَلَى أَنْفُسِنَا قَالَ: فَقَدِمَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ فَفَصَلَ بِهِمْ بَيْنَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَأَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَشَجَرَ بَيْنَ بَنِي سَهْمٍ وَعَدِيٍّ شَيْءٌ فِي زَمَانِ الْمَهْدِيِّ فَافْتَرَقُوا فَأَمَرَ الْمَهْدِيُّ بِبَنِي عَدِيٍّ فَقُدِّمُوا عَلَى سَهْمٍ وَجَمَحَ لِسَابِقَةٍ فِيهِمْ. (قَالَ) : فَإِذَا فُرِغَ مِنْ قُرَيْشٍ بُدِئَتْ الْأَنْصَارُ عَلَى الْعَرَبِ لِمَكَانِهِمْ مِنْ الْإِسْلَامِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : النَّاسُ عِبَادُ اللَّهِ فَأَوْلَاهُمْ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا أَقْرَبُهُمْ بِخَيْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِرِسَالَتِهِ وَمُسْتَوْدَعُ أَمَانَتِهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَخَيْرُ خَلْقِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ فَرَضَ لَهُ الْوَالِي مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ رَأَيْت أَنْ يُقَدَّمَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا اسْتَوَوْا قُدِّمَ أَهْلُ السَّابِقَةِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ السَّابِقَةِ مِمَّنْ هُوَ مِثْلُهُمْ فِي الْقَرَابَةِ. [مُخْتَصَرُ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ مِنْ كِتَابَيْنِ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ] ٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرَضَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى أَهْلِ دِينِهِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقًّا لِغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ الْمُسْلِمِينَ الْمُحْتَاجِينَ إلَيْهِ لَا يَسَعُهُمْ حَبْسُهُ عَمَّنْ أُمِرُوا بِدَفْعِهِ إلَيْهِ أَوْ وُلَاتِهِ وَلَا يَسَعُ الْوُلَاةَ تَرْكُهُ لِأَهْلِ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى أَخْذِهِ لِأَهْلِهِ وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَهُ عَامًا لَا يَأْخُذُهَا فِيهِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا أَعْطَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتهمْ عَلَيْهَا. (قَالَ) : فَإِذَا أُخِذَتْ صَدَقَةُ مُسْلِمٍ دُعِيَ لَهُ بِالْأَجْرِ وَالْبَرَكَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ. (قَالَ) : وَالصَّدَقَةُ هِيَ الزَّكَاةُ وَالْأَغْلَبُ عَلَى أَفْوَاهِ الْعَامَّةِ أَنَّ لِلثَّمَرِ عُشْرًا وَلِلْمَاشِيَةِ صَدَقَةً وَلِلْوَرِقِ زَكَاةً وَقَدْ سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا كُلَّهُ صَدَقَةً فَمَا أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ مِنْ زَكَاةِ مَالٍ نَاضٍّ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ زَكَاةِ فِطْرٍ أَوْ خُمُسِ رِكَازٍ أَوْ صَدَقَةِ مَعْدِنٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعِ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ فَمَعْنَاهُ وَاحِدٌ وَقَسْمُهُ وَاحِدٌ وَقَسْمُ الْفَيْءِ خِلَافُ هَذَا فَالْفَيْءُ مَا أُخِذَ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 255 مُشْرِكٍ تَقْوِيَةً لِأَهْلِ دِينِ اللَّهِ وَلَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَسْمُ الصَّدَقَاتِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] ثُمَّ أَكَّدَهَا وَشَدَّدَهَا فَقَالَ {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ وَهِيَ سَهْمَانِ ثَمَانِيَةٌ لَا يُصْرَفُ مِنْهَا سَهْمٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ أَهْلِهِ مَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّهُ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ بَلَدٍ وَفِيهِ أَهْلُهُ، «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ بَعَثَهُ فَإِنْ أَجَابُوك فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَتُرَدُّ حِصَّةُ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ وَيَجْمَعُ أَهْلُ السُّهْمَانِ أَنَّهُمْ أَهْلُ حَاجَةٍ إلَى مَالِهِمْ مِنْهَا وَأَسْبَابُ حَاجَتِهِمْ مُخْتَلِفَةٌ، وَكَذَلِكَ أَسْبَابُ اسْتِحْقَاقِهِمْ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٌ فَإِذَا اجْتَمَعُوا فَالْفُقَرَاءُ الزَّمْنَى الضِّعَافُ الَّذِينَ لَا حِرْفَةَ لَهُمْ وَأَهْلُ الْحِرْفَةِ الضَّعِيفَةِ الَّذِينَ لَا تَقَعُ فِي حِرْفَتِهِمْ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِمْ وَلَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ (وَقَالَ) وَفِي الْجَدِيدِ زَمِنًا كَانَ أَوْلَى أَوْ غَيْرَ زَمِنٍ سَائِلًا أَوْ مُتَعَفِّفًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْمَسَاكِينُ السُّؤَالُ وَمَنْ لَا يَسْأَلُ مِمَّنْ لَهُ حِرْفَةٌ لَا تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا وَلَا تُغْنِيهِ وَلَا عِيَالَهُ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ سَائِلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) أَشْبَهَ بِقَوْلِهِ مَا قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّ أَهْلَ هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ يَسْتَحِقُّونَهُمَا بِمَعْنَى الْعَدَمِ وَقَدْ يَكُونُ السَّائِلُ بَيْنَ مَنْ يَقِلُّ مُعْطِيهِمْ وَصَالِحٌ مُتَعَفِّفٌ بَيْنَ مَنْ يُبْدُونَهُ بِعَطِيَّتِهِمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ رَجُلٌ جَلْدٌ يَعْلَمُ الْوَالِي أَنَّهُ صَحِيحٌ مُكْتَسِبٌ يُغْنِي عِيَالَهُ أَوْ لَا عِيَالَ لَهُ يُغْنِي نَفْسَهُ بِكَسْبِهِ لَمْ يُعْطِهِ، فَإِنْ قَالَ الْجَلْدُ: لَسْت مُكْتَسِبًا لِمَا يُغْنِينِي وَلَا يُغْنِي عِيَالِي، وَلَهُ عِيَالٌ وَلَيْسَ عِنْدَ الْوَالِي يَقِينُ مَا قَالَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ وَاحْتُجَّ بِأَنَّ «رَجُلَيْنِ أَتَيَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَاهُ مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ إنْ شِئْتُمَا وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مَرَّةٍ مُكْتَسِبٍ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : رَأَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صِحَّةً وَجَلَدًا يُشْبِهُ الِاكْتِسَابَ فَأَعْلَمَهُمَا أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا مَعَ الِاكْتِسَابِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَمُكْتَسِبَانِ أَمْ لَا فَقَالَ " إنْ شِئْتُمَا " بَعْدَ أَنْ أَعْلَمْتُكُمَا أَنْ لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِمُكْتَسِبٍ فَعَلْت. (قَالَ) : وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا مَنْ وَلَّاهُ الْوَالِي قَبْضَهَا وَمَنْ لَا غِنَى لِلْوَالِي عَنْ مَعُونَتِهِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْخَلِيفَةُ وَوَالِي الْإِقْلِيمِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يَلِي قَبْضَ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ كَانَا مِنْ الْقَائِمِينَ بِالْأَمْرِ بِأَخْذِهَا فَلَيْسَا عِنْدَنَا مِمَّنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَلِيَانِ أَخْذَهَا وَشَرِبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ مِنْ نِعَمِ الصَّدَقَةِ فَأَدْخَلَ أُصْبُعُهُ فَاسْتَقَاءَهُ. (قَالَ) : وَيُعْطَى الْعَامِلُ بِقَدْرِ غَنَائِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ عَلَى مَعْنَى الْإِجَارَةِ. (قَالَ) : وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ فِي مُتَقَدِّمِ الْأَخْبَارِ ضَرْبَانِ ضَرْبٌ مُسْلِمُونَ أَشْرَافٌ مُطَاعُونَ يُجَاهِدُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْوَى الْمُسْلِمُونَ بِهِمْ وَلَا يَرَوْنَ مِنْ نِيَّاتِهِمْ مَا يَرَوْنَ مِنْ نِيَّاتِ غَيْرِهِمْ فَإِذَا كَانُوا هَكَذَا فَأَرَى أَنْ يُعْطُوا مِنْ سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ مَا يَتَأَلَّفُونَ بِهِ سِوَى سِهَامِهِمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ هَذَا السَّهْمَ خَالِصًا لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّهُ فِي مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ (وَاحْتُجَّ) بِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِنْ الْخُمُسِ مِثْلَ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ وَأَصْحَابِهَا وَلَمْ يُعْطِ عَبَّادَ بْنَ مِرْدَاسٍ وَكَانَ شَرِيفًا عَظِيمَ الْغَنَاءِ حَتَّى اسْتَعْتَبَ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا أَرَادَ مَا أَرَادَ الْقَوْمُ اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ شَيْءٌ حِينَ رَغِبَ عَمَّا صُنِعَ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَأَعْطَاهُ عَلَى مَعْنَى مَا أَعْطَاهُمْ وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ رَأَى أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ مَالِهِ حَيْثُ رَأَى أَنْ يُعْطِيَهُ؛ لِأَنَّهُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَالِصًا لِلتَّقْوِيَةِ بِالْعَطِيَّةِ وَلَا نَرَى أَنْ قَدْ وُضِعَ مِنْ شَرَفِهِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَعْطَى مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ النَّفْلِ، وَغَيْرِ النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ لَهُ وَأَعْطَى صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ وَلَمْ يُسْلِمْ وَلَكِنَّهُ أَعَارَهُ أَدَاةً فَقَالَ فِيهِ عِنْدَ الْهَزِيمَةِ أَحْسَنُ مِمَّا قَالَ بَعْضُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَذَلِكَ أَنَّ الْهَزِيمَةَ كَانَتْ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ أَوَّلَ النَّهَارِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ غَلَبَتْ هَوَازِنُ وَقُتِلَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بِفِيك الْحَجَرُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 256 فَوَاَللَّهِ لَرَبٌّ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ رَبٍّ مِنْ هَوَازِنَ ثُمَّ أَسْلَمَ قَوْمُهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانَ كَأَنَّهُ لَا يَشُكُّ فِي إسْلَامِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا رَأَيْت أَنْ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ لِلِاقْتِدَاءِ بِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَلَوْ قَالَ) قَائِلٌ كَانَ هَذَا السَّهْمُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ لَهُ أَنْ يَضَعَ سَهْمَهُ حَيْثُ يَرَى فَقَدْ فَعَلَ هَذَا مَرَّةً وَأَعْطَى مِنْ سَهْمِهِ بِخَيْبَرَ رِجَالًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ يَضَعُهُ حَيْثُ رَأَى وَلَا يُعْطِي أَحَدًا الْيَوْمَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ خُلَفَائِهِ أَعْطَى أَحَدًا بَعْدَهُ، وَلَوْ قِيلَ: لَيْسَ لِلْمُؤَلَّفَةِ فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ سَهْمٌ مَعَ أَهْلِ السَّهْمَيْنِ كَانَ مَذْهَبًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ) : وَلِلْمُؤَلَّفَةِ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ سَهْمٌ وَاَلَّذِي أَحْفَظُ فِيهِ مِنْ مُتَقَدِّمِ الْخَبَرِ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ جَاءَ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَحْسَبُهُ بِثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ صَدَقَاتِ قَوْمِهِ فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْهَا ثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَلْحَقَ بِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قَوْمِهِ فَجَاءَهُ بِزُهَاءِ أَلْفِ رَجُلٍ وَأَبْلَى بَلَاءً حَسَنًا وَاَلَّذِي يَكَادُ يَعْرِفُ الْقَلْبُ بِالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَخْبَارِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ إيَّاهَا مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ، فَإِمَّا زَادَهُ تَرْغِيبًا فِيمَا صَنَعَ وَإِمَّا لِيَتَأَلَّفَ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ قَوْمِهِ مِمَّنْ لَمْ يَثِقْ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا يَثِقُ بِهِ مِنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ. (قَالَ) : فَأَرَى أَنْ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى إنْ نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ - وَلَنْ تَنْزِلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ بِمَوْضِعِ مُنْتَاطٍ لَا يَنَالُهُ الْجَيْشُ إلَّا بِمُؤْنَةٍ وَيَكُونَ بِإِزَاءِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ فَأَعَانَ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الصَّدَقَاتِ إمَّا بَلِيَّةً فَأَرَى أَنْ يَقْوَوْا بِسَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ الصَّدَقَاتِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُقَاتِلُوا إلَّا بِأَنْ يُعْطُوا سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ أَوْ مَا يَكْفِيهِمْ مِنْهُ، وَكَذَا إذَا انْتَاطَ الْعَدُوُّ وَكَانُوا أَقْوَى عَلَيْهِ مِنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ يُوَجَّهُونَ إلَيْهِ بِبُعْدِ دِيَارِهِمْ وَثِقَلِ مُؤْنَاتِهِمْ وَيَضْعُفُونَ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُ مَا وَصَفْت مِمَّا كَانَ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ امْتِنَاعِ أَكْثَرِ الْعَرَبِ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الرِّدَّةِ وَغَيْرِهَا لَمْ أَرَ أَنْ يُعْطَى أَحَدٌ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَعْطَوْا أَحَدًا تَأَلُّفًا عَلَى الْإِسْلَامِ وَقَدْ أَغْنَى اللَّهُ - فَلَهُ الْحَمْدُ - الْإِسْلَامَ عَنْ أَنْ يَتَأَلَّفَ عَلَيْهِ رِجَالٌ. (وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ) لَا يُعْطَى مُشْرِكٌ يَتَأَلَّفُ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ أَمْوَالَ الْمُشْرِكِينَ لَا الْمُشْرِكِينَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ وَجَعَلَ صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ مَرْدُودَةً فِيهِمْ. (قَالَ) : وَالرِّقَابُ الْمُكَاتَبُونَ مِنْ حَيِّزٍ إنَّمَا الصَّدَقَاتُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا يُعْتَقُ عَبْدٌ يُبْتَدَأُ عِتْقُهُ فَيُشْتَرَى وَيُعْتَقُ (وَالْغَارِمُونَ) صِنْفَانِ صِنْفٌ دَانُوا فِي مَصْلَحَتِهِمْ أَوْ مَعْرُوفٍ وَغَيْرِ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ عَجَزُوا عَنْ أَدَاءِ ذَلِكَ فِي الْعَرْضِ وَالنَّقْدِ فَيُعْطُونَ فِي غُرْمِهِمْ لِعَجْزِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ عُرُوضٌ يَقْضُونَ مِنْهَا دُيُونَهُمْ فَهُمْ أَغْنِيَاءٌ لَا يُعْطُونَ حَتَّى يَبْرَءُوا مِنْ الدَّيْنِ ثُمَّ لَا يَبْقَى لَهُمْ مَا يَكُونُونَ بِهِ أَغْنِيَاءً، وَصِنْفٌ دَانُوا فِي صَلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ وَمَعْرُوفٍ وَلَهُمْ عُرُوضٌ تَحْمِلُ حَمَّالَاتهمْ أَوْ عَامَّتَهَا، وَإِنْ بِيعَتْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرُوا فَيُعْطَى هَؤُلَاءِ وَتُوَفَّرُ عُرُوضُهُمْ كَمَا يُعْطَى أَهْلُ الْحَاجَةِ مِنْ الْغَارِمِينَ حَتَّى يَقْضُوا سَهْمَهُمْ (وَاحْتُجَّ) بِأَنَّ «قَبِيصَةَ بْنَ الْمُخَارِقِ قَالَ: تَحَمَّلْت بِحَمَالَةٍ فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلْته فَقَالَ نُؤَدِّيهَا عَنْك أَوْ نُخْرِجُهَا عَنْك إذَا قَدِمَ نَعَمُ الصَّدَقَةِ يَا قَبِيصَةُ الْمَسْأَلَةُ حَرُمَتْ إلَّا فِي ثَلَاثٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا ثُمَّ يُمْسِكَ وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ أَوْ حَاجَةٌ حَتَّى شَهِدَ أَوْ تَكَلَّمَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ أَنَّ بِهِ فَاقَةً أَوْ حَاجَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ ثُمَّ يُمْسِكَ وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الصَّدَقَةُ حَتَّى يُصِيبَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ ثُمَّ يُمْسِكَ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ سُحْتٌ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَذَا قُلْت فِي الْغَارِمِينَ وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ فِي الْفَاقَةِ وَالْحَاجَةِ» يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا الْغَارِمِينَ وَقَوْلُهُ «حَتَّى يُصِيبَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ» يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَقَلَّ اسْمِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 257 الْغَنَاءِ وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ: لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ لِغَارِمٍ أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ أَوْ لِرَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتَصَدَّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَى الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ» فَبِهَذَا قُلْت: يُعْطَى الْغَازِي وَالْعَامِلُ، وَإِنْ كَانَا غَنِيَّيْنِ وَالْغَارِمُ فِي الْحَمَالَةِ عَلَى مَا أَبَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا عَامًّا، وَيُقْبَلُ قَوْلُ ابْنِ السَّبِيلِ إنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَوِيٍّ حَتَّى تَعْلَمَ قُوَّتَهُ بِالْمَالِ، وَمَنْ طَلَبَ بِأَنَّهُ يَغْزُو أُعْطِيَ وَمَنْ طَلَبَ بِأَنَّهُ غَارِمٌ أَوْ عَبْدٌ بِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ لَمْ يُعْطَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ أَصْلَ النَّاسِ أَنَّهُ غَيْرُ غَارِمِينَ حَتَّى يُعْلَمَ غُرْمُهُمْ وَالْعَبِيدُ غَيْرُ مُكَاتَبِينَ حَتَّى تَعْلَمَ كِتَابَتَهُمْ وَمَنْ طَلَبَ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ لَمْ يُعْطَ إلَّا بِأَنْ يُعْلَمَ ذَلِكَ، وَمَا وَصَفْت أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِهِ وَسَهْمُ سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا وَصَفْت يُعْطَى مِنْهُ مَنْ أَرَادَ الْغَزْوَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ فَقِيرًا كَانَ أَوْ غَنِيًّا وَلَا يُعْطَى مِنْهُ غَيْرُهُمْ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى الدَّفْعِ عَنْهُمْ فَيُعْطَاهُ مَنْ دَفَعَ عَنْهُمْ الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَابْنُ السَّبِيلِ عِنْدِي ابْنُ السَّبِيلِ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ الَّذِي يُرِيدُ الْبَلَدَ غَيْرَ بَلَدِهِ لِأَمْرٍ يَلْزَمُهُ. [بَابُ كَيْفَ تَفْرِيقُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَنْبَغِي لِلسَّاعِي أَنْ يَأْمُرَ بِإِحْصَاءِ أَهْلِ السُّهْمَانِ فِي عَمَلِهِ حَتَّى يَكُونَ فَرَاغُهُ مِنْ قَبْضِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ تَنَاهِي أَسْمَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ وَحَالَاتِهِمْ وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ وَيُحْصِي مَا صَارَ فِي يَدَيْهِ مِنْ الصَّدَقَاتِ فَيَعْزِلُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ بِقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّونَ بِأَعْمَالِهِمْ فَإِنْ جَاوَزَ سَهْمَ الْعَامِلِينَ رَأَيْت أَنْ يُعْطِيَهُمْ سَهْمَ الْعَامِلِينَ، وَيَزِيدُهُمْ قَدْرَ أُجُورِ أَعْمَالِهِمْ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ، وَلَوْ أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ مِنْ السُّهْمَانِ مَا رَأَيْت ذَلِكَ ضَيِّقًا أَلَا تَرَى أَنَّ مَالَ الْيُتْمِ يَكُونُ بِالْمَوْضِعِ فَيَسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ إذَا خِيفَ ضَيْعَتُهُ مَنْ يَحُوطُهُ، وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ لِمَا اُحْتُجَّ بِهِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَتُفْضَ جَمِيعُ السُّهْمَانِ عَلَى أَهْلِهَا كَمَا أَصِفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ الْفُقَرَاءُ عَشْرَةً وَالْمَسَاكِينُ عِشْرِينَ وَالْغَارِمُونَ خَمْسَةً وَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ وَكَانَ سُهْمَانُهُمْ الثَّلَاثَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَلِكُلِّ صِنْفٍ أَلْفٌ فَإِنْ كَانَ الْفُقَرَاءُ يَغْتَرِقُونَ سَهْمَهُمْ كَفَافًا يَخْرُجُونَ بِهِ مِنْ حَدِّ الْفَقْرِ إلَى أَدْنَى الْغِنَى أُعْطُوهُ، وَإِنْ كَانَ يُخْرِجُهُمْ مِنْ حَدِّ الْفُقَرَاءِ إلَى أَدْنَى الْغِنَى أَقَلَّ وَقَفَ الْوَالِي مَا بَقِيَ مِنْهُ ثُمَّ يُقَسِّمُ عَلَى الْمَسَاكِينِ سَهْمَهُمْ هَكَذَا وَعَلَى الْغَارِمِينَ سَهْمَهُمْ هَكَذَا وَإِذَا خَرَجُوا مِنْ اسْمِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ فَصَارُوا إلَى أَدْنَى اسْمِ الْغِنَى وَمِنْ الْغُرْمِ فَبَرِئَتْ ذِمَمُهُمْ وَصَارُوا غَيْرَ غَارِمِينَ فَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ. (قَالَ) : وَلَا وَقْتَ فِيمَا يُعْطَى الْفَقِيرُ إلَّا مَا يُخْرِجُهُ مِنْ حَدِّ الْفَقْرِ إلَى الْغِنَى أَقَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ يُعْطَاهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ غَنِيًّا وَلَا مَالَ لَهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَفَقِيرًا بِكَثْرَةِ الْعِيَالِ وَلَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنَّمَا الْغِنَى وَالْفَقْرُ مَا يَعْرِفُ النَّاسُ بِقَدْرِ حَالِ الرِّجَالِ وَيَأْخُذُ الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا بِقَدْرِ أُجُورِهِمْ فِي مِثْلِ كِفَايَتِهِمْ وَقِيَامِهِمْ وَأَمَانَتِهِمْ وَالْمُؤْنَةِ عَلَيْهِمْ فَيَأْخُذُ لِنَفْسِهِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَيُعْطِي الْعَرِيفَ وَمَنْ يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ وَكُلْفَتِهِ وَذَلِكَ خَفِيفٌ؛ لِأَنَّهُ فِي بِلَادِهِ وَكَذَلِكَ الْمُؤَلَّفَةُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِمْ وَالْمُكَاتَبُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُعْتَقَ، وَإِنْ دُفِعَ إلَى سَيِّدِهِ كَانَ أَحَبُّ إلَيَّ وَيُعْطَى الْغَازِي الْحُمُولَةَ وَالسِّلَاحَ وَالنَّفَقَةَ وَالْكُسْوَةَ، وَإِنْ اتَّسَعَ الْمَالُ زِيدُوا الْخَيْلَ وَيُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ قَدْرَ مَا يُبْلِغُهُ الْبَلَدَ الَّذِي يُرِيدُ مِنْ نَفَقَتِهِ وَحُمُولَتِهِ إنْ كَانَ الْبَلَدُ بَعِيدًا أَوْ كَانَ ضَعِيفًا، وَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ قَرِيبًا وَكَانَ جَلْدًا الْأَغْلَبُ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 258 مِثْلِهِ لَوْ كَانَ غَنِيًّا الْمَشْيُ إلَيْهَا أُعْطِيَ مُؤْنَتَهُ وَنَفَقَتَهُ بِلَا حُمُولَةٍ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ وَيَرْجِعَ أُعْطِيَ مَا يَكْفِيهِ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ مِنْ النَّفَقَةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَأْتِي عَلَى السَّهْمِ كُلِّهِ أُعْطِيَهُ كُلَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ابْنُ سَبِيلٍ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَأْتِي إلَّا عَلَى سَهْمٍ، سَهْمٌ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. (قَالَ) : وَيُقْسَمُ لِلْعَامِلِ بِمَعْنَى الْكِفَايَةِ وَابْنِ السَّبِيلِ بِمَعْنَى الْبَلَاغِ؛ لِأَنَّى لَوْ أَعْطَيْت الْعَامِلَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالْغَازِيَ بِالِاسْمِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الْعَامِلِ اسْمُ الْعَامِلِ مَا لَمْ يُعْزَلْ وَلَا عَنْ ابْنِ السَّبِيلِ اسْمُ ابْنِ السَّبِيلِ مَا دَامَ مُجْتَازًا أَوْ يُرِيدُ الِاجْتِيَازَ وَلَا عَنْ الْغَازِي مَا كَانَ عَلَى الشُّخُوصِ لِلْغَزْوِ، وَأَيُّ السُّهْمَانِ فَضَلَ عَنْ أَهْلِهِ رُدَّ عَلَى عَدَدٍ مِنْ عَدَدِ مَنْ بَقِيَ السُّهْمَانُ كَانَ بَقِيَ فُقَرَاءُ وَمَسَاكِينُ لَمْ يَسْتَغْنُوا وَغَارِمُونَ لَمْ تُقْضَ كُلُّ دُيُونِهِمْ فَيُقْسَمْ مَا بَقِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ فَإِنْ اسْتَغْنَى الْغَارِمُونَ رُدَّ بَاقِي سَهْمِهِمْ عَلَى هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ نِصْفَيْنِ حَتَّى تَنْفَدَ السُّهْمَانُ، وَإِنَّمَا رَدَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا جَعَلَ هَذَا الْمَالَ لَا مَالِكَ لَهُ مِنْ الْآدَمِيِّينَ بِعَيْنِهِ يُرَدُّ إلَيْهِ كَمَا تُرَدُّ عَطَايَا الْآدَمِيِّينَ وَوَصَايَاهُمْ لَوْ أُوصِيَ بِهَا لِرَجُلٍ فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْمُوصِي كَانَتْ وَصِيَّتُهُ رَاجِعَةً إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَالُ مُخَالِفًا لِلْمَالِ يُورَثُ هَا هُنَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَوْلَى بِهِ عِنْدَنَا فِي قَسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَقْرَبَ مِمَّنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى لَهُ هَذَا الْمَالَ، وَهَؤُلَاءِ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى لَهُ هَذَا الْمَالَ وَلَمْ يَبْقَ مُسْلِمٌ مُحْتَاجٌ إلَّا وَلَهُ حَقٌّ سِوَاهُ أَمَّا أَهْلُ الْفَيْءِ فَلَا يَدْخُلُونَ عَلَى أَهْلِ الصَّدَقَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الصَّدَقَةِ الْأُخْرَى فَهُوَ مَقْسُومٌ لَهُمْ صَدَقَتُهُمْ فَلَوْ كَثُرَتْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ وَوَاحِدٌ مِنْهُمْ يَسْتَحِقُّهَا فَكَمَا كَانُوا لَا يُدْخَلُ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ فَكَذَلِكَ لَا يَدْخُلُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ مَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْهَا شَيْئًا. (قَالَ) : وَإِنْ اسْتَغْنَى أَهْلُ عَمَلٍ بِبَعْضِ مَا قُسِمَ لَهُمْ وَفَضَلَ عَنْهُمْ فَضْلٌ رَأَيْت أَنْ يُنْقَلَ الْفَضْلُ مِنْهُمْ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِهِمْ فِي الْجِوَارِ، وَلَوْ ضَاقَتْ السُّهْمَانُ قُسِمَتْ عَلَى الْجِوَارِ دُونَ النَّسَبِ وَكَذَلِكَ إنْ خَالَطَهُمْ عَجَمٌ غَيْرُهُمْ فَهُمْ مَعَهُمْ فِي الْقَسْمِ عَلَى الْجِوَارِ فَإِنْ كَانُوا أَهْلَ بَادِيَةٍ عِنْدَ النُّجْعَةِ يَتَفَرَّقُونَ مَرَّةً وَيَخْتَلِطُونَ أُخْرَى فَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ قَسَمَهَا عَلَى النَّسَبِ إذَا اسْتَوَتْ الْحَالَاتُ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْحَالَاتُ فَالْجِوَارُ أَوْلَى مِنْ النَّسَبِ، وَإِنْ قَالَ مَنْ تَصَدَّقَ: إنَّ لَنَا فُقَرَاءَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَاءِ وَهُمْ كَمَا وَصَفْت يَخْتَلِطُونَ فِي النُّجْعَةِ قَسَمَ بَيْنَ الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ، وَلَوْ كَانُوا بِالطَّرَفِ مِنْ بَادِيَتِهِمْ فَكَانُوا أَلْزَمَ لَهُ قَسَمَ بَيْنَهُمْ وَكَانَتْ كَالدَّارِ لَهُمْ وَهَذَا إذَا كَانُوا مَعًا أَهْلَ نُجْعَةٍ لَا دَارَ لَهُمْ يُقِرُّونَ بِهَا فَأَمَّا إنْ كَانَتْ لَهُمْ دَارٌ يَكُونُونَ لَهَا أَلْزَمَ فَإِنِّي أُقْسِمُهَا عَلَى الْجِوَارِ بِالدَّارِ. (وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ) إذَا اسْتَوَى فِي الْقُرْبِ أَهْلُ نَسَبِهِمْ وَعِدًى قَسَمْت عَلَى أَهْلِ نَسَبِهِمْ دُونَ الْعِدَى، وَإِنْ كَانَ الْعِدَى أَقْرَبَ مِنْهُمْ دَارًا وَكَانَ أَهْلُ نَسَبِهِمْ مِنْهُمْ عَلَى سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ قَسَمْت عَلَى الْعِدَى إذَا كَانَتْ دُونَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِاسْمِ حَضْرَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ نَسَبِهِمْ دُونَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَالْعِدَى أَقْرَبُ مِنْهُمْ قَسَمْت عَلَى أَهْلِ نَسَبِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ بِالْبَادِيَةِ غَيْرَ خَارِجِينَ مِنْ اسْمِ الْجِوَارِ وَكَذَلِكَ هُمْ فِي الْمَنَعَةِ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا وَلِيَ الرَّجُلُ إخْرَاجَ زَكَاةِ مَالِهِ قَسَمَهَا عَلَى قَرَابَتِهِ وَجِيرَانِهِ مَعًا، فَإِنْ ضَاقَتْ فَآثَرَ قَرَابَتَهُ فَحَسَنٌ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُوَلِّيَهَا غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَاسَبُ عَلَيْهَا وَالْمَسْئُولُ عَنْهَا وَأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ نَفْسِهِ وَفِي شَكٍّ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ وَأَقَلُّ مَنْ يُعْطَى مِنْ أَهْلِ السَّهْمِ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ كُلَّ صِنْفٍ جَمَاعَةً فَإِنْ أَعْطَى اثْنَيْنِ وَهُوَ يَجِدُ الثَّالِثَ ضَمِنَ ثُلُثَ سَهْمٍ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ لَمْ يَبِنْ لِي أَنَّ عَلَيْهِ إعَادَةً؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى أَهْلَهُ بِالِاسْمِ، وَإِنْ تَرَكَ الْجِوَارَ، وَإِنْ أَعْطَى قَرَابَتَهُ مِنْ السُّهْمَانِ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَانَ أَحَقَّ بِهَا مِنْ الْبَعِيدِ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ قَرَابَتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِمْ وَكَذَلِكَ خَاصَّتُهُ وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ قَرَابَتِهِ مَا عَدَا وَلَدَهُ وَوَالِدَهُ وَلَا يُعْطِي وَلَدَ الْوَلَدِ صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا زَمِنًا وَلَا أَخًا وَلَا جَدًّا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 259 وَلَا جِدَّةً زَمِنَيْنِ وَيُعْطِيهِمْ غَيْرَ زَمْنَى؛ لِأَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ إلَّا زَمْنَى وَلَا يُعْطِي زَوْجَتَهُ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا تَلْزَمُهُ فَإِنْ ادَّانُوا أَعْطَاهُمْ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ وَكَذَلِكَ مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ عَنْهُمْ وَلَا حَمْلُهُمْ إلَى بَلَدٍ أَرَادُوهُ فَلَا يَكُونُونَ أَغْنِيَاءَ عَنْ هَذَا بِهِ كَمَا كَانُوا بِهِ أَغْنِيَاءَ عَنْ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ، فَأَمَّا آلُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ جُعِلَ لَهُمْ الْخُمُسُ عِوَضًا مِنْ الصَّدَقَةِ فَلَا يُعْطُونَ مِنْ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ، وَإِنْ كَانُوا مُحْتَاجِينَ وَغَارِمِينَ وَهُمْ أَهْلُ الشُّعَبِ وَهُمْ صُلْبِيَّةُ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ وَرُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ مِنْ سِقَايَاتٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقُلْت لَهُ: أَتَشْرَبُ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: إنَّمَا حَرُمَتْ عَلَيْنَا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ «وَقَبِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْهَدِيَّةَ مِنْ صَدَقَةٍ تُصُدِّقَ بِهَا عَلَى بَرِيرَةَ» وَذَلِكَ أَنَّهَا مِنْ بَرِيرَةَ تَطَوُّعٌ لَا صَدَقَةٌ وَإِذَا كَانَ فِيهِمْ غَارِمُونَ لَا أَمْوَالَ لَهُمْ فَقَالُوا: أَعْطِنَا بِالْغُرْمِ وَالْفَقْرِ قِيلَ: لَا، إنَّمَا نُعْطِيكُمْ بِأَيِّ الْمَعْنَيَيْنِ شِئْتُمْ فَإِذَا أَعْطَيْنَاهُ بِاسْمِ الْفَقْرِ فَلِغُرَمَائِهِ أَنْ يَأْخُذُوا مِمَّا فِي يَدَيْهِ حُقُوقَهُمْ وَإِذَا أَعْطَيْنَاهُ بِمَعْنَى الْغُرْمِ أَحْبَبْت أَنْ يَتَوَلَّى دَفْعَهُ عَنْهُ وَإِلَّا فَجَائِزٌ كَمَا يُعْطَى الْمُكَاتَبُ فَإِنْ قِيلَ: وَلِمَ لَا يُعْطَى بِمَعْنَيَيْنِ؟ قِيلَ: الْفَقِيرُ مِسْكِينٌ وَالْمِسْكِينُ فَقِيرٌ يَجْمَعُهُمَا اسْمٌ وَيَتَفَرَّقُ بِهِمَا اسْمٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى إلَّا بِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يُعْطَى رَجُلٌ بِفَقْرٍ وَغُرْمٍ وَبِأَنَّهُ ابْنُ سَبِيلٍ وَغَازٍ وَمُؤَلَّفٌ فَيُعْطَى بِهَذِهِ الْمَعَانِي كُلِّهَا فَالْفَقِيرُ هُوَ الْمِسْكِينُ وَمَعْنَاهُ أَنْ لَا يَكُونَ غَنِيًّا بِحِرْفَةٍ وَلَا مَالٍ فَإِذَا جُمِعَا مَعًا فَقُسِمَ لِصِنْفَيْنِ بِهِمَا لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ حَالَيْهِمَا بِأَنْ يَكُونَ الْفَقِيرُ الَّذِي بُدِئَ بِهِ أَشُدَّهُمَا فَقْرًا، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي اللِّسَانِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ ضُرِبَ عَلَيْهِ الْبَعْثُ فِي الْغَزْوِ وَلَمْ يُعْطَ فَإِنْ قَالَ: لَا أَغْزُو وَاحْتَاجَ أُعْطِيَ فَإِنْ هَاجَرَ بَدْوِيٌّ وَاقْتَرَضَ وَغَزَا صَارَ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ وَأَخَذَ فِيهِ، وَلَوْ احْتَاجَ وَهُوَ فِي الْفَيْءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الصَّدَقَاتِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْفَيْءِ وَيَعُودَ إلَى الصَّدَقَاتِ فَيَكُونَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رِقَابٌ وَلَا مُؤَلَّفَةٌ وَلَا غَارِمُونَ اُبْتُدِئَ الْقَسْمُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ أَخْمَاسًا عَلَى مَا وَصَفْت، فَإِنْ ضَاقَتْ الصَّدَقَةُ قُسِمَتْ عَلَى عَدَدِ السُّهْمَانِ وَيُقْسَمُ بَيْنَ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ وَلَا يُعْطَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ سَهْمٍ، وَإِنْ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ وَقَلَّ مَا يُصِيبُهُ مِنْ سَهْمِ غَيْرِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ ثُمَّ يُرَدُّ فَضْلٌ إنْ كَانَ عَنْهُ وَيُقْسَمُ فَإِنْ اجْتَمَعَ حَقُّ أَهْلِ السُّهْمَانِ فِي بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ اجْتَمَعَ فِيهِ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ أَوْ أَكْثَرُ أُعْطُوهُ، وَيُشْرَكُ بَيْنَهُمْ فِيهِ وَلَمْ يُبَدَّلْ بِغَيْرِهِ كَمَا يُعْطَاهُ مَنْ أَوْصَى لَهُمْ بِهِ وَكَذَلِكَ مَا يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ، وَإِذَا أَعْطَى الْوَالِي مَنْ وَصَفْنَا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ نَزَعَ ذَلِكَ مِنْهُ إلَى أَهْلِهِ فَإِنْ فَاتَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ لِمَنْ يُعْطِيهِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ لَا لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُ كُلِّفَ فِيهِ الظَّاهِرُ، وَإِنْ تَوَلَّى ذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَضْمَنُ وَالْآخَرُ كَالْوَالِي لَا يَضْمَنُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي الزَّكَاةِ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَضْمَنُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيُعْطَى الْوُلَاةُ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ الثَّمَرَةُ وَالزَّرْعُ وَالْمَعْدِنُ وَالْمَاشِيَةُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ الْوُلَاةُ لَمْ يَسَعْ أَهْلَهَا إلَّا قَسْمُهَا فَإِنْ جَاءَ الْوُلَاةُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَأْخُذُوهُمْ بِهَا، وَإِنْ ارْتَابُوا بِأَحَدٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحْلِّفُوهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ قَسَمَهَا فِي أَهْلِهَا، وَإِنْ أَعْطَوْهُمْ زَكَاةَ التِّجَارَاتِ وَالْفِطْرَةِ وَالرِّكَازِ أَجْزَأَهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ أَهْلُ السُّهْمَانِ سِوَى الْعَامِلِينَ حَقَّهُمْ يَوْمَ يَكُونُ الْقَسْمُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 260 [بَابُ مِيسَمِ الصَّدَقَاتِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي لِوَالِي الصَّدَقَاتِ أَنْ يَسِمَ كُلَّ مَا أُخِذَ مِنْهَا مِنْ بَقَرٍ أَوْ إبِلٍ فِي أَفْخَاذِهَا وَيَسِمَ الْغَنَمَ فِي أُصُولِ آذَانِهَا وَمِيسَمُ الْغَنَمِ أَلْطَفُ مِنْ مِيسَمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَيَجْعَلَ الْمِيسَمَ مَكْتُوبًا لِلَّهِ؛ لِأَنَّ مَالِكَهَا أَدَّاهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَكُتِبَ لِلَّهِ وَمِيسَمُ الْجِزْيَةِ مُخَالِفٌ لِمِيسَمِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهَا أُدِّيَتْ صِغَارًا لَا أَجْرَ لِصَاحِبِهَا فِيهَا وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عَنْ عُمَّالِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِمُونَ وَقَالَ أَسْلَمُ لِعِمْرَانَ فِي الظَّهْرِ نَاقَةٌ عَمْيَاءُ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَدْفَعُهَا إلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَنْتَفِعُونَ بِهَا يَقْطُرُونَهَا بِالْإِبِلِ. قَالَ: قُلْت: كَيْفَ تَأْكُلُ مِنْ الْأَرْضِ؟ قَالَ عُمَرُ: أَمِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ أَوْ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ؟ قُلْت: لَا بَلْ مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ. فَقَالَ عُمَرُ أَرَدْتُمْ وَاَللَّهِ أَكْلَهَا فَقُلْت: إنَّ عَلَيْهَا مِيسَمَ الْجِزْيَةِ قَالَ: فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ فَنُحِرَتْ قَالَ: فَكَانَتْ عِنْدَهُ صِحَافٌ تَسَعُ فَلَا تَكُونُ فَاكِهَةً وَلَا طَرِيفَةً إلَّا وَجُعِلَ مِنْهَا فِي تِلْكَ الصِّحَافِ فَيُبْعَثُ بِهَا إلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَكُونُ الَّذِي يُبْعَثُ بِهِ إلَى حَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ آخِرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ كَانَ فِي حَظِّهَا قَالَ: فَجُعِلَ فِي تِلْكَ الصِّحَافِ مِنْ لَحْمِ تِلْكَ الْجَزُورِ فَبُعِثَ بِهِ إلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَ بِمَا بَقِيَ مِنْ اللَّحْمِ فَصُنِعَ فَدَعَا عَلَيْهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ. (قَالَ) : وَلَا أَعْلَمُ فِي الْمِيسَمِ عِلَّةً إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا أُخِذَ مِنْ الصَّدَقَةِ مَعْلُومًا فَلَا يَشْتَرِيهِ الَّذِي أَعْطَاهُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ لِلَّهِ، كَمَا «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي فَرَسٍ حُمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَرَآهُ يُبَاعُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَهُ» وَكَمَا تَرَكَ الْمُهَاجِرُونَ نُزُولَ مَنَازِلِهِمْ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوهَا لِلَّهِ تَعَالَى. [بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا مُؤَلَّفَةَ فَيُجْعَلُ سَهْمُهُمْ وَسَهْمُ سَبِيلِ اللَّهِ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ ابْنُ السَّبِيلِ مَنْ مَرَّ يُقَاسِمُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي بِهِ الصَّدَقَاتُ وَقَالَ أَيْضًا حَيْثُ كَانَتْ الْحَاجَةُ أَكْثَرَ فَهِيَ وَاسِعَةٌ كَأَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ فَوْضَى بَيْنَهُمْ يَقْسِمُونَهُ عَلَى الْعَدَدِ وَالْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أَهْلِ صِنْفٍ مِنْهُمْ سَهْمًا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: إذَا تَمَاسَكَ أَهْلُ الصَّدَقَةِ وَأَجْدَبَ آخَرُونَ نُقِلَتْ إلَى الْمُجْدِبِينَ إذَا كَانُوا يُخَافُ عَلَيْهِمْ الْمَوْتُ كَأَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ هَذَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَسَمَهُ لِأَهْلِ السُّهْمَانِ لِمَعْنَى صَلَاحِ عِبَادِ اللَّهِ عَلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَأَحْسَبُهُ يَقُولُ: وَتُنْقَلُ سُهْمَانُ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ إلَى أَهْلِ الْفَيْءِ إنْ جَهَدُوا وَضَاقَ الْفَيْءُ إلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ إنْ جَهَدُوا وَضَاقَتْ الصَّدَقَاتُ عَلَى مَعْنَى إرَادَةِ صَلَاحِ عِبَادِ اللَّهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنَّمَا قُلْت بِخِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ جَعَلَ الْمَالَ قِسْمَيْنِ: أَحَدَهُمَا فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ الَّتِي هِيَ طَهِرَةٌ فَسَمَّاهَا اللَّهُ الثَّمَانِيَةَ أَصْنَافَ وَوَكَّدَهَا، وَجَاءَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ لَا فُقَرَاءِ غَيْرِهِمْ وَلِغَيْرِهِمْ فُقَرَاءُ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا عِنْدِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ فِيهَا غَيْرُ مَا قُلْت مِنْ أَنْ لَا تُنْقَلَ عَنْ قَوْمٍ وَفِيهِمْ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا، وَلَا يَخْرُجُ سَهْمُ ذِي سَهْمٍ مِنْهُمْ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ يَسْتَحِقُّهُ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهُ تَعَالَى أَصْنَافًا فَيَكُونُونَ مَوْجُودِينَ مَعًا فَيُعْطَى أَحَدٌ سَهْمَهُ وَسَهْمَ غَيْرِهِ، وَلَوْ جَازَ هَذَا عِنْدِي جَازَ أَنْ يُجْعَلَ فِي سَهْمِ وَاحِدٍ جَمِيعُ سِهَامِ سَبْعَةٍ مَا فُرِضَ لَهُمْ وَيُعْطَى وَاحِدٌ مَا لَمْ يُفْرَضْ لَهُ وَاَلَّذِي يُخَالِفُنَا يَقُولُ: لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِفُقَرَاءِ بَنِي فُلَانٍ وَغَارِمِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 261 بَنِي فُلَانٍ رَجُلٌ آخَرُ وَبَنِي سَبِيلٍ بَنِي فُلَانٍ رَجُلٌ آخَرُ إنَّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يُعْطَوْنَ مِنْ ثُلُثِهِ وَأَنْ لَيْسَ لِوَصِيٍّ وَلَا وَالٍ أَنْ يُعْطِيَ الثُّلُثَ صِنْفًا دُونَ صِنْفٍ، وَإِنْ كَانَ أَحْوَجَ وَأَفْقَرَ مِنْ صِنْفٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا ذُو حَقٍّ بِمَا سُمِّيَ لَهُ، وَإِذَا كَانَ هَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ قَائِلٍ هَذَا الْقَوْلَ فِيمَا أَعْطَى الْآدَمِيُّونَ أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يَمْضِيَ إلَّا عَلَى مَا أَعْطَوْا فَعَطَاءُ اللَّهِ أَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يَمْضِيَ إلَّا عَلَى مَا أَعْطَى. (قَالَ) : وَإِذَا قَسَمَ اللَّهُ الْفَيْءَ وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِمَنْ أَوْجَفَ عَلَى الْغَنِيمَةِ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَلَمْ نَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضَّلَ ذَا غَنَاءٍ عَلَى مَنْ دُونَهُ وَلَمْ يُفَضِّلْ الْمُسْلِمُونَ الْفَارِسَ أَعْظَمَ النَّاسِ غَنَاءً عَلَى جَبَانٍ فِي الْقَسْمِ وَكَيْفَ جَازَ لِمُخَالِفِنَا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَقَدْ قَسَمَهَا اللَّهُ تَعَالَى أَبْيَنَ الْقَسْمِ فَيُعْطِي بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ وَيَنْقُلُهَا عَنْ أَهْلِهَا الْمُحْتَاجِينَ إلَيْهَا إلَى غَيْرِهِمْ؛ لَأَنْ كَانُوا أَحْوَجَ مِنْهُمْ أَوْ يُشْرِكُهُمْ مَعَهُمْ أَوْ يَنْقُلُهَا عَنْ صِنْفٍ مِنْهُمْ إلَى صِنْفٍ غَيْرِهِ (أَرَأَيْت) لَوْ قَالَ قَائِلٌ لِقَوْمِ أَهْلِ غَزْوٍ كَثِيرٍ: أَوْجَفُوا عَلَى عَدُوٍّ أَنْتُمْ أَغْنِيَاءٌ فَآخُذُ مَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ فَأَقْسِمُهُ عَلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ الْمُحْتَاجِينَ إذَا كَانَ عَامُ سَنَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ عِيَالِ اللَّهِ تَعَالَى هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ مَنْ قَسَمَ اللَّهُ لَهُ بِحَقٍّ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَنْ لَمْ يُقْسَمْ لَهُ أَحْوَجَ مِنْهُ وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي أَهْلِ الصَّدَقَاتِ وَهَكَذَا لِأَهْلِ الْمَوَارِيثِ لَا يُعْطَى أَحَدٌ مِنْهُمْ سَهْمَ غَيْرِهِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ سَهْمِهِ لِفَقْرٍ وَلَا لِغِنًى. وَقَضَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيُّمَا رَجُلٌ انْتَقَلَ مِنْ مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ إلَى غَيْرِ مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ فَعُشْرُهُ وَصَدَقَتُهُ إلَى مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ. فَفِي هَذَا مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَعَلَ صَدَقَتَهُ وَعُشْرَهُ لِأَهْلِ مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ لَمْ يَقُلْ لِقَرَابَتِهِ دُونَ أَهْلِ الْمِخْلَافِ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ الصَّدَقَةَ إذَا ثَبَتَتْ لِأَهْلِ مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ لَمْ تُحَوَّلْ عَنْهُمْ صَدَقَتُهُ وَعُشْرُهُ بِتَحَوُّلِهِ عَنْهُمْ وَكَانَتْ كَمَا يَثْبُتُ بَدَأَ فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ جَاءَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِصَدَقَاتِ وَالزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ فَهُمَا، وَإِنْ جَاءَا بِهَا فَقَدْ تَكُونُ فَضْلًا عَنْ أَهْلِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِالْمَدِينَةِ أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِمْ نَسَبًا وَدَارًا مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَى سَعَةٍ مِنْ مُضَرَ وَطِيء مِنْ الْيَمَنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْ حَوْلَهُمْ ارْتَدُّوا فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهَا حَقٌّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُؤْتَى بِهَا أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ يَرُدَّهَا إلَى غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ نَصِيرُ إلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُؤْتَى بِنَعَمٍ مِنْ الصَّدَقَةِ فَبِالْمَدِينَةِ صَدَقَاتُ النَّخْلِ وَالزَّرْعِ وَالنَّاضِّ وَالْمَاشِيَةِ وَلِلْمَدِينَةِ سَاكِنٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَحُلَفَاءَ لَهُمْ وَأَشْجَعُ وَجُهَيْنَةُ وَمُزَيِّنَة بِهَا وَبِأَطْرَافِهَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ فَعِيَالُ سَاكِنِ الْمَدِينَةِ بِالْمَدِينَةِ وَعِيَالُ عَشَائِرِهِمْ وَجِيرَانِهِمْ وَقَدْ يَكُونُ عِيَالُ سَاكِنِي أَطْرَافِهَا بِهَا وَعِيَالُ جِيرَانِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ فَيُؤْتَوْنَ بِهَا وَتَكُونُ مَجْمَعًا لِأَهْلِ السُّهْمَانِ كَمَا تَكُونُ الْمِيَاهُ وَالْقُرَى مَجْمَعًا لِأَهْلِ السُّهْمَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَلَعَلَّهُمْ اسْتَغْنَوْا فَنَقَلَهَا إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِهِمْ، وَكَانُوا بِالْمَدِينَةِ (فَإِنْ قِيلَ) فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَحْمِلُ عَلَى إبِلٍ كَثِيرَةٍ إلَى الشَّامِ وَالْعِرَاقِ فَإِنَّمَا هِيَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْمِلُ عَلَى مَا يَحْتَمِلُ مِنْ الْإِبِلِ وَأَكْثَرُ فَرَائِضِ الْإِبِلِ لَا تَحْمِلُ أَحَدًا وَقَدْ كَانَ يُبْعَثُ إلَى عُمَرَ بِنَعَمِ الْجِزْيَةِ فَيَبْعَثُ فَيَبْتَاعُ بِهَا إبِلًا جُلَّةً فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا (وَقَالَ) بَعْضُ النَّاسِ مِثْلَ قَوْلِنَا فِي أَنَّ مَا أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الصَّدَقَاتِ وَقَالُوا: وَالرِّكَازُ سَبِيلُ الصَّدَقَاتِ وَرَوَوْا مَا رَوَيْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَقَالَ «الْمَعَادِنُ مِنْ الرِّكَازِ وَكُلُّ مَا أُصِيبَ مِنْ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ رِكَازٌ» ثُمَّ عَادَ لِمَا شَدَّدَ فِيهِ فَأَبْطَلَهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ رِكَازًا فَوَاسِعٌ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَكْتُمَهُ، وَلِلْوَالِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ أَوْ يَدَعَهُ لَهُ فَقَدْ أُبْطِلَ بِهَذَا الْقَوْلِ السُّنَّةُ فِي أَخْذِهِ، وَحَقُّ اللَّهِ فِي قَسْمِهِ لِمَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ جَازَ فِي جَمِيعِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ لِمَنْ جَعَلَهُ لَهُ (قَالَ) : فَإِنَّا رَوَيْنَا عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ أَرْبَعَةَ أَوْ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَأَقْضِيَنَّ فِيهَا قَضَاءً بَيِّنًا أَمَّا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ فَلَكَ، وَخُمُسٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 262 لِلْمُسْلِمِينَ ثُمَّ قَالَ: وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْك. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهَذَا الْحَدِيثُ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا إذَا زُعِمَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: وَالْخُمُسُ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَرَى لِلْمُسْلِمِينَ فِي مَالِ رَجُلٍ شَيْئًا ثُمَّ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ أَوْ يَدَعَهُ لَهُ وَهَذَا عَنْ عَلِيٍّ مُسْتَنْكَرٌ، وَقَدْ رَوَوْا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِإِسْنَادٍ مَوْصُولٍ أَنَّهُ قَالَ: أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لَك وَاقْسِمْ الْخُمُسَ فِي فُقَرَاءِ أَهْلِك فَهَذَا الْحَدِيثُ أَشْبَهُ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَعَلَّ عَلِيًّا عَلِمَهُ أَمِينًا وَعَلِمَ فِي أَهْلِهِ فُقَرَاءَ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَهُ فِيهِمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُمْ يُخَالِفُونَ مَا رَوَوْا عَنْ الشَّعْبِيِّ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَلَيْسَ لِلْوَالِي أَنْ يُعْطِيَهُ وَلَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ السُّهْمَانِ الْمَقْسُومَةِ بَيْنَ مَنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى وَلَا مِنْ الصَّدَقَاتِ تَطَوُّعًا، وَاَلَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا تَرَكَ لَهُ خُمُسَ رِكَازِهِ رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ سِوَاهَا وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ الْوَالِي مِنْهُ وَاجِبًا فِي مَالٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى أَحَدٍ يَعُولُهُ وَيَزْعُمُونَ أَنْ لَوْ وَلِيَهَا هُوَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسُهَا وَلَا دَفْعُهَا إلَى أَحَدٍ يَعُولُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَكْتُمَهَا وَلِلْوَالِي أَنْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ فَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِ وَتَرْكُهَا وَأَخْذُهَا سَوَاءٌ وَقَدْ أَبْطَلُوا بِهَذَا الْقَوْلِ السُّنَّةَ فِي أَنَّ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسَ وَأَبْطَلُوا حَقَّ مَنْ قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ الثَّمَانِيَةِ، فَإِنْ قَالَ: لَا يَصْلُحُ هَذَا إلَّا فِي الرِّكَازِ قِيلَ: فَإِنْ قِيلَ لَك: لَا يَصْلُحُ فِي الرِّكَازِ وَيَصْلُحُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ صَدَقَةٍ وَمَاشِيَةٍ وَعُشْرِ زَرْعٍ وَوَرَقٍ فَمَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا كَهِيَ عَلَيْك؟ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [مُخْتَصَرٌ فِي النِّكَاحِ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَمَا جَاءَ فِي أَمْرِ النَّبِيِّ وَأَزْوَاجِهِ] مُخْتَصَرٌ فِي النِّكَاحِ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَمَا جَاءَ فِي أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَزْوَاجِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمَا خَصَّ بِهِ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَحْيِهِ وَأَبَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ بِمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَتِهِ افْتَرَضَ عَلَيْهِ أَشْيَاءَ خَفَّفَهَا عَنْ خَلْقِهِ لِيَزِيدَهُ بِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ قُرْبَةً وَأَبَاحَ لَهُ أَشْيَاءَ حَظَرَهَا عَلَى خَلْقِهِ زِيَادَةً فِي كَرَامَتِهِ وَتَبْيِينًا لِفَضِيلَتِهِ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ زَوْجَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ تَخْيِيرُهَا، وَأُمِرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُخَيِّرَ نِسَاءَهُ فَاخْتَرْنَهُ فَقَالَ تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] «قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ» قَالَ: كَأَنَّهَا تَعْنِي اللَّاتِي حَظَرَهُنَّ عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50] الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} [الأحزاب: 32] فَأَبَانَهُنَّ بِهِ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَخَصَّهُ بِأَنْ جَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجَهُ أُمَّهَاتِهِمْ قَالَ: أُمَّهَاتُهُمْ فِي مَعْنًى دُونَ مَعْنًى وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ نِكَاحُهُنَّ بِحَالٍ وَلَمْ تَحْرُمْ بَنَاتٌ لَوْ كُنَّ لَهُنَّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ زَوَّجَ بَنَاتَه وَهُنَّ أَخَوَاتُ الْمُؤْمِنِينَ. [التَّرْغِيبُ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ] ِ مِنْ الْجَامِعِ وَمِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ جَدِيدٍ وَقَدِيمٍ، وَمِنْ الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأُحِبُّ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَا إذَا تَاقَتْ أَنْفُسُهُمَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِهِ وَرَضِيَهُ وَنَدَبَ إلَيْهِ وَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمْ الْأُمَمَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 263 حَتَّى بِالسِّقْطِ» وَأَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي وَمِنْ سُنَّتِي النِّكَاحُ» وَيُقَالُ: إنَّ الرَّجُلَ لَيُرْفَعُ بِدُعَاءِ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ. (قَالَ) : وَمَنْ لَمْ تَتُقْ نَفْسُهُ إلَى ذَلِكَ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَخَلَّى لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى. (قَالَ) : وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} [النور: 60] وَذَكَرَ عَبْدًا أَكْرَمَهُ فَقَالَ {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: 39] وَالْحَصُورُ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَمْ يَنْدُبْهُنَّ إلَى النِّكَاحِ فَدَلَّ أَنَّ الْمَنْدُوبَ إلَيْهِ مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ. (قَالَ) : وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا حَاسِرَةً وَيَنْظُرَ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَهِيَ مُتَغَطِّيَةٌ بِإِذْنِهَا وَبِغَيْرِ إذْنِهَا قَالَ اللَّه تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قَالَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ. [بَابُ مَا عَلَى الْأَوْلِيَاءِ وَإِنْكَاحُ الْأَبِ الْبِكْرَ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَوَجْهُ النِّكَاحِ] ِ وَالرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ أَمَتَهُ وَيَجْعَلُ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا مِنْ جَامِعِ كِتَابِ النِّكَاحِ وَأَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَكِتَابُ النِّكَاحِ إمْلَاءٌ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ، وَاخْتِلَافُ الْحَدِيثِ وَالرِّسَالَةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةُ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى أَنَّ حَقًّا عَلَى الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُزَوِّجُوا الْحَرَائِرَ البوالغ إذَا أَرَدْنَ النِّكَاحَ وَدَعَوْنَ إلَى رِضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 232] . (قَالَ) : وَهَذِهِ أَبْيَنُ آيَةً فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى دَلَالَةً عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ. (قَالَ) : وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ أَنَّهُ زَوَّجَ أُخْتَهُ رَجُلًا فَطَلَّقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ طَلَبَ نِكَاحَهَا وَطَلَبَتْهُ فَقَالَ: زَوَّجْتُك أُخْتِي دُونَ غَيْرِك ثُمَّ طَلَّقْتهَا لَا أُنْكِحُكهَا أَبَدًا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَرَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلَاثًا فَإِنْ مَسَّهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا فَإِنْ اشْتَجَرُوا أَوْ قَالَ اخْتَلَفُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» . (قَالَ) : وَفِي ذَلِكَ دَلَالَاتٌ. مِنْهَا أَنَّ لِلْوَلِيِّ شِرْكًا فِي بُضْعِهَا لَا يَتِمُّ النِّكَاحُ إلَّا بِهِ مَا لَمْ يُعْضِلْهَا وَلَا نَجِدُ لِشِرْكِهِ فِي بُضْعِهَا مَعْنًى إلَّا فَضْلَ نَظَرِهِ لِحِيَاطَةِ الْمَوْضِعِ أَنْ يَنَالَهَا مَنْ لَا يُكَافِئُهَا نَسَبُهُ وَفِي ذَلِكَ عَارٌ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْعَقْدَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ بِإِجَازَتِهِ وَأَنَّ الْإِصَابَةَ إذَا كَانَتْ بِشُبْهَةٍ فَفِيهَا الْمَهْرُ وَدُرِئَ الْحَدُّ. (قَالَ) : وَلَا وِلَايَةَ لِوَصِيٍّ؛ لِأَنَّ عَارَهَا لَا يَلْحَقُهُ وَجَمَعَتْ الطَّرِيقُ رُفْقَةً فِيهِمْ امْرَأَةٌ ثَيِّبٌ فَوَلَّتْ أَمْرَهَا رَجُلًا مِنْهُمْ فَتَزَوَّجْهَا فَجَلَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النَّاكِحَ وَالْمُنْكِحَ وَرَدَّ نِكَاحَهُمَا وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» دَلَالَةً عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ فِي أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ إذْنَ الْبِكْرِ الصَّمْتُ وَاَلَّتِي تُخَالِفُهَا الْكَلَامُ. وَالْآخَرُ: أَنَّ أَمْرَهُمَا فِي وِلَايَةِ أَنْفُسِهِمَا مُخْتَلِفٌ، فَوِلَايَةُ الثَّيِّبِ أَنَّهَا أَحَقُّ مِنْ الْوَلِيِّ وَالْوَلِيُّ هَا هُنَا الْأَبُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - دُونَ الْأَوْلِيَاءِ. وَمِثْلُ هَذَا حَدِيثُ «خَنْسَاءَ زَوَّجَهَا أَبُوهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِكَاحَهُ وَفِي تَرْكِهِ أَنْ يَقُولَ لِخَنْسَاءَ إلَّا أَنْ تَشَائِي أَنْ تُجِيزِي مَا فَعَلَ أَبُوك» دَلَالَةً عَلَى أَنَّهَا لَوْ أَجَازَتْهُ مَا جَازَ وَالْبِكْرُ مُخَالِفَةٌ لَهَا لِاخْتِلَافِهِمَا فِي لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانَا سَوَاءً كَانَ لَفْظُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمَا أَحَقُّ بِأَنْفُسِهِمَا، «وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا ابْنَةُ سَبْعِ سِنِينَ وَدَخَلَ بِي وَأَنَا ابْنَةُ تِسْعٍ» وَهِيَ لَا أَمْرَ لَهَا وَكَذَلِكَ إذَا بَلَغَتْ، وَلَوْ كَانَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا أَشْبَهَ أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ عَلَيْهَا قَبْلَ بُلُوغِهَا كَمَا قُلْنَا فِي الْمَوْلُودِ يُقْتَلُ أَبُوهُ يُحْبَسُ قَاتِلُهُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَقْتُلَ أَوْ يَعْفُوَ. (قَالَ) : وَالِاسْتِئْمَارُ لِلْبِكْرِ عَلَى اسْتِطَابَةِ النَّفْسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] لَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدٍ رَدَّ مَا رَأَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 264 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ لِاسْتِطَابَةِ أَنْفُسِهِمْ وَلِيُقْتَدَى بِسُنَّتِهِ فِيهِمْ، وَقَدْ أَمَرَ نُعَيْمًا أَنْ يُؤَامِرَ أُمَّ بِنْتِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» وَرَوَاهُ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ) بِابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَأَنَّ عُمَرَ " رَدَّ نِكَاحًا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ، فَقَالَ هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ وَلَا أُجِيزُهُ، وَلَوْ تَقَدَّمْت فِيهِ لَرَجَمْتُ " وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " لَا تَنْكِحُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ السُّلْطَانِ ". (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالنِّسَاءُ مُحَرَّمَاتُ الْفُرُوجِ فَلَا يَحْلِلْنَ إلَّا بِمَا بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَيَّنَ «وَلِيًّا وَشُهُودًا، وَإِقْرَارَ الْمَنْكُوحَةِ الثَّيِّبِ وَصَمْتَ الْبِكْرِ» . (قَالَ) : وَالشُّهُودُ عَلَى الْعَدْلِ حَتَّى يُعْلَمَ الْجَرْحُ يَوْمَ وَقَعَ النِّكَاحُ. (قَالَ) : وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةٌ ثَيِّبٌ أُصِيبَتْ بِنِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا تُزَوَّجُ إلَّا بِإِذْنِهَا وَلَا يُزَوِّجُ الْبِكْرَ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلَا يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ إلَّا أَبُوهَا أَوْ جَدُّهَا بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهَا. (قَالَ) : وَلَوْ كَانَ الْمُولَى عَلَيْهِ يَحْتَاجُ إلَى النِّكَاحِ زَوَّجَهُ وَلِيُّهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَجَاوَزَ مَهْرَ مِثْلِهَا رَدَّ الْفَضْلَ، وَلَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فَتَزَوَّجَ كَانَ لَهَا الْفَضْلُ مَتَى عَتَقَ وَفِي إذْنِهِ لِعَبْدِهِ إذْنٌ بِاكْتِسَابِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَعْطَى مِمَّا فِي يَدَيْهِ، وَلَوْ ضَمِنَ لَهَا السَّيِّدُ مَهْرَهَا وَهُوَ أَلْفٌ عَنْ الْعَبْدِ لَزِمَهُ فَإِنْ بَاعَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِتِلْكَ الْأَلْفِ بِعَيْنِهَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ عُقْدَةَ الْبَيْعِ وَالْفَسْخِ وَقَعَا مَعًا، وَلَوْ بَاعَهَا إيَّاهُ بِأَلْفٍ لَا بِعَيْنِهَا كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا وَعَلَيْهَا الثَّمَنُ وَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ مِنْ قِبَلِهَا وَقِبَلِ السَّيِّدِ وَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِعَبْدِهِ وَيَمْنَعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ إلَى امْرَأَتِهِ وَفِي مِصْرِهِ إلَّا فِي الْحِينِ الَّذِي لَا خِدْمَةَ لَهُ فِيهِ، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ أَمَتُهُ: أَعْتِقْنِي عَلَى أَنْ أَنْكِحَك وَصَدَاقِي عِتْقِي فَأَعْتَقَهَا عَلَى ذَلِكَ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي أَنْ تَنْكِحَ أَوْ تَدَعَ وَيُرْجَعَ عَلَيْهَا بِقِيمَتِهَا فَإِنْ نَكَحَتْهُ وَرَضِيَ بِالْقِيمَةِ الَّتِي عَلَيْهَا فَلَا بَأْسَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) يَنْبَغِي فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ أَنْ لَا يُجِيزَ هَذَا الْمَهْرَ حَتَّى يَعْرِفَ قِيمَةَ الْأَمَةِ حِينَ أَعْتَقَهَا فَيَكُونُ الْمَهْرُ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُجِيزُ الْمَهْرَ غَيْرَ مَعْلُومٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) سَأَلْت الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ حَدِيثِ «صَفِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النِّكَاحِ أَشْيَاءُ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ» . [اجْتِمَاعُ الْوُلَاةِ وَأَوْلَاهُمْ وَتَفَرُّقُهُمْ] ْ وَتَزْوِيجُ الْمَغْلُوبِينَ عَلَى عُقُولِهِمْ وَالصِّبْيَانِ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ مِنْ النِّكَاحِ الْقَدِيمِ، وَإِنْكَاحُ أَمَةِ الْمَأْذُونِ لَهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ مَعَ الْأَبِ فَإِنْ مَاتَ فَالْجَدُّ ثُمَّ أَبُو الْجَدِّ ثُمَّ أَبُو أَبِي الْجَدِّ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كُلَّهُمْ أَبٌ فِي الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ سَوَاءٌ وَلَا وِلَايَةَ بَعْدَهُمْ لِأَحَدٍ مَعَ الْإِخْوَةِ ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ الْعَصَبَةِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْإِخْوَةِ (فَقَالَ) فِي الْجَدِيدِ: مَنْ انْفَرَدَ فِي دَرَجَةٍ بِأُمٍّ كَانَ أَوْلَى (وَقَالَ) فِي الْقَدِيمِ هُمَا سَوَاءٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قَدْ جَعَلَ الْأَخَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْلَى مِنْ الْأَخِ لِلْأَبِ وَجَعَلَهُ فِي الْمِيرَاثِ أَوْلَى مِنْ الْأَخِ لِلْأَبِ وَجَعَلَهُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا الَّذِي وَضَعَهُ بِخَطِّهِ لَا أَعْلَمُهُ سُمِعَ مِنْهُ إذَا أَوْصَى لِأَقْرَبِهِمْ بِهِ رَحِمًا، أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْأَخِ لِلْأَبِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقِيَاسُ قَوْلِهِ أَنَّهُ أَوْلَى بِإِنْكَاحِ الْأُخْتِ مِنْ الْأَخِ لِلْأَبِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يُزَوِّجُ الْمَرْأَةَ ابْنُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ عَصَبَةً لَهَا. (قَالَ) : الجزء: 8 ¦ الصفحة: 265 وَلَا وِلَايَةَ بَعْدَ النَّسَبِ إلَّا لِلْمُعْتِقِ ثُمَّ أَقْرَبِ النَّاسِ بِعَصَبَةِ مُعْتِقِهَا فَإِنْ اسْتَوَتْ الْوُلَاةُ فَزَوَّجَهَا بِإِذْنِهَا دُونَ أَسَنِّهِمْ وَأَفْضَلِهِمْ كُفُؤًا جَازَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ كُفُؤٍ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ قَبْلَ إنْكَاحِهِ فَيَكُونُ حَقًّا لَهُمْ تَرَكُوهُ. (قَالَ) : وَلَيْسَ نِكَاحُ غَيْرِ الْكُفُؤِ بِمُحَرَّمٍ فَأَرُدُّهُ بِكُلِّ حَالٍ إنَّمَا هُوَ تَقْصِيرٌ عَنْ الْمُزَوَّجَةِ وَالْوُلَاةِ وَلَيْسَ نَقْصُ الْمَهْرِ نَقْصًا فِي النَّسَبِ وَالْمَهْرُ لَهَا دُونَهُمْ فَهِيَ أَوْلَى بِهِ مِنْهُمْ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَثَمَّ أَوْلَى مِنْهُ فَإِنْ كَانَ أَوْلَاهُمْ بِهَا مَفْقُودًا أَوْ غَائِبًا بَعِيدَةً كَانَتْ غَيْبَتُهُ أَمْ قَرِيبَةً زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ بَعْدَ أَنْ يَرْضَى الْخَاطِبُ وَيَحْضُرَ أَقْرَبُ وُلَاتِهَا وَأَهْلُ الْحَزْمِ مِنْ أَهْلِهَا وَيَقُولُ: هَلْ تَنْقِمُونَ شَيْئًا؟ فَإِنْ ذَكَّرُوهُ نَظَرَ فِيهِ، وَلَوْ عَضَلهَا الْوَلِيُّ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ وَالْعَضْلُ أَنْ تَدْعُوَ إلَى مِثْلِهَا فَيَمْتَنِعُ. (قَالَ) : وَوَكِيلُ الْوَلِيِّ يَقُومُ مَقَامَهُ فَإِنْ زَوَّجَهَا غَيْرُ كُفُؤٍ لَمْ يَجُزْ وَوَلِيُّ الْكَافِرَةِ كَافِرٌ وَلَا يَكُونُ الْمُسْلِمُ وَلِيًّا لِكَافِرَةٍ لِقَطْعِ اللَّهِ الْوِلَايَةَ بَيْنَهُمَا بِالدِّينِ إلَّا عَلَى أَمَتِهِ وَإِنَّمَا صَارَ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَهُ تَزَوَّجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّ حَبِيبَةَ وَوَلِيَ عُقْدَةَ نِكَاحِهَا ابْنُ سَعِيدِ بْنُ الْعَاصِ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَأَبُو سُفْيَانَ حَيٌّ وَكَانَ وَكِيلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) لَيْسَ هَذَا حُجَّةً فِي إنْكَاحِ الْأَمَةِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ لَا مَعْنَى لِكَافِرٍ فِي مُسْلِمَةٍ، فَكَانَ ابْنُ سَعِيدٍ وَوَكِيلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْلِمَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ لِأَبِيهَا مَعْنًى فِي وِلَايَةِ مُسْلِمَةٍ إذَا كَانَ كَافِرًا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا غَيْرَ عَالِمٍ بِمَوْضِعِ الْحَظِّ أَوْ سَقِيمًا مُؤْلَمًا أَوْ بِهِ عِلَّةٌ تُخْرِجُهُ مِنْ الْوِلَايَةِ فَهُوَ كَمَنْ مَاتَ فَإِذَا صَلُحَ صَارَ وَلِيًّا، وَلَوْ قَالَتْ: قَدْ أَذِنْت فِي فُلَانٍ فَأَيُّ وُلَاتِي زَوَّجَنِي فَهُوَ جَائِزٌ فَأَيُّهُمْ زَوَّجَهَا جَازَ، وَإِنْ تَشَاحُّوا أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ السُّلْطَانُ، وَلَوْ أَذِنَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يُزَوِّجَهَا لَا فِي رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَزَوَّجَهَا كُلُّ وَاحِدٍ رَجُلًا فَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ» فَإِنْ لَمْ تُثْبِتْ الشُّهُودُ أَيُّهُمَا أَوَّلٌ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلَا شَيْءَ لَهَا، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا أَحَدُهُمَا عَلَى هَذَا كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَهُمَا يُقِرَّانِ أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ غَائِبَةً عَنْ النِّكَاحِ، وَلَوْ ادَّعَيَا عَلَيْهَا أَنَّهَا تَعْلَمُ أُحْلِفَتْ مَا تَعْلَمُ، وَإِنْ أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا لَزِمَهَا، وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِأَمْرِهَا مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ نَفْسِهِ. (قَالَ) : وَيُزَوِّجُ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ الِابْنَةَ الَّتِي يُؤَيَّسُ مِنْ عَقْلِهَا؛ لِأَنَّ لَهَا فِيهِ عَفَافًا وَغِنًى وَرُبَّمَا كَانَ شِفَاءً، وَسَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا وَيُزَوِّجُ الْمَغْلُوبَ عَلَى عَقْلِهِ أَبُوهُ إذَا كَانَتْ بِهِ إلَى ذَلِكَ حَاجَةٌ وَابْنَهُ الصَّغِيرَ فَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا أَوْ مَخْبُولًا كَانَ النِّكَاحُ مَرْدُودًا؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ وَلَيْسَ لِأَب الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ أَنْ يُخَالِعَ عَنْهُ وَلَا يَضْرِبَ لِامْرَأَتِهِ أَجَلَ الْعِنِّينِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَوْ بِكْرًا لَمْ يُعْقَلْ أَنْ يَدْفَعَهَا عَنْ نَفْسِهِ بِالْقَوْلِ أَنَّهَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ وَلَا يُخَالِعُ عَنْ الْمَعْتُوهَةِ وَلَا يُبْرِئُ زَوْجَهَا مِنْ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهَا، فَإِنْ هَرَبَتْ وَامْتَنَعَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ فِيهَا وَقِيلَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ فِيهَا فَيْء أَوْ طَلِّقْ فَإِنْ قَذَفَهَا أَوْ انْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا قِيلَ لَهُ: إنْ أَرَدْت أَنْ تَنْفِيَ وَلَدَهَا فَالْتَعِنْ فَإِذَا الْتَعَنَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَنُفِيَ عَنْهُ الْوَلَدُ فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَلَمْ يُعَزَّرْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الصَّبِيَّةَ عَبْدًا وَلَا غَيْرَ كُفْءٍ وَلَا مَجْنُونًا وَلَا مَخْبُولًا وَلَا مَجْذُومًا وَلَا أَبْرَصَ وَلَا مَجْبُوبًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكْرِهَ أَمَتَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ بِنِكَاحٍ وَلَا يُزَوِّجُ أَحَدٌ أَحَدًا مِمَّنْ بِهِ إحْدَى هَذِهِ الْعِلَلِ وَلَا مَنْ لَا يُطَاقُ جِمَاعُهَا وَلَا أَمَةً؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَخَافُ الْعَنَتَ وَيُنْكِحُ أَمَةَ الْمَرْأَةِ وَلِيُّهَا بِإِذْنِهَا وَأَمَةُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مَمْنُوعَةٌ مِنْ السَّيِّدِ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنًا إنْ كَانَ عَلَيْهِ وَيُحْدِثَ لَهُ حَجْرًا ثُمَّ هِيَ أَمَتُهُ، وَلَوْ أَرَادَ السَّيِّدُ أَنْ يُزَوِّجَهَا دُونَ الْعَبْدِ أَوْ الْعَبْدَ دُونَ السَّيِّدِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا وِلَايَةَ لِلْعَبْدِ بِحَالٍ، وَلَوْ اجْتَمَعَا عَلَى تَزْوِيجِهَا لَمْ يَجُزْ (وَقَالَ) فِي بَابِ الْخِيَارِ مِنْ قِبَلِ النَّسَبِ: لَوْ انْتَسَبَ الْعَبْدُ لَهَا أَنَّهُ حُرٌّ فَنَكَحَتْهُ وَقَدْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ عَلِمَتْ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ انْتَسَبَ إلَى نَسَبٍ وُجِدَ دُونَهُ وَهِيَ فَوْقَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ؛ لِأَنَّهُ مَنْكُوحٌ بِعَيْنِهِ وَغَرَّرَ بِشَيْءٍ وُجِدَ دُونَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّ النِّكَاحَ مَفْسُوخٌ كَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي رَجُلٍ بِعَيْنِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 266 فَزُوِّجَتْ غَيْرَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ قُطِعَ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ دُونَ مَا انْتَسَبَ إلَيْهِ وَهُوَ كُفُؤٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَا لِوَلِيِّهَا الْخِيَارُ وَفِي ذَلِكَ إبْطَالُ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى مَنْ أَذِنَتْ لَهُ فِي رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَزُوِّجَتْ غَيْرَهُ فَقَدْ بَطَلَ الْفَسْخُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ وَثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي غَرَّتْهُ بِنَسَبٍ فَوَجَدَهَا دُونَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: إنْ شَاءَ فَسَخَ بِلَا مَهْرٍ وَلَا مُتْعَةٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْإِصَابَةِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا. وَالثَّانِي: لَا خِيَارَ لَهُ إنْ كَانَتْ حُرَّةً؛ لِأَنَّ بِيَدِهِ طَلَاقَهَا وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْعَارِ مَا يَلْزَمُهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ إذَا غَرَّتْهُ فَوَجَدَهَا أَمَةً كَمَا جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ إذَا غَرَّهَا فَوَجَدَتْهُ عَبْدًا فَجَعَلَ مَعْنَاهُمَا فِي الْخِيَارِ بِالْغَرُورِ وَاحِدًا وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى أَنَّ الطَّلَاقَ إلَيْهِ وَلَا إلَى أَنْ لَا عَارَ فِيهَا عَلَيْهِ وَكَمَا جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ بِالْغَرُورِ فِي نَقْصِ النَّسَبِ عَنْهَا وَجَعَلَهُ لَهَا فِي الْعَبْدِ فَقِيَاسُهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ الْخِيَارَ بِالْغَرُورِ فِي نَقْصِ النَّسَبِ عَنْهُ كَمَا جَعَلَهُ لَهُ فِي الْأَمَةِ. [الْمَرْأَةُ لَا تَلِي عُقْدَةَ النِّكَاحِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ بَعْضُ النَّاسِ زَوَّجَتْ عَائِشَةُ ابْنَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ غَائِبٌ بِالشَّامِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَمِثْلِي يُفْتَاتُ عَلَيْهِ فِي بَنَاتِهِ؟ . (قَالَ) : فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا زَوَّجَتْهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ قِيلَ: فَكَيْفَ يَكُونُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَكَّلَ عَائِشَةَ لِفَضْلِ نَظَرِهَا إنْ حَدَثَ حَدَثٌ أَوْ رَأَتْ فِي مَغِيبِهِ لِابْنَتِهِ حَظًّا أَنْ تُزَوِّجَهَا احْتِيَاطًا وَلَمْ يَرَ أَنَّهَا تَأْمُرُ بِتَزْوِيجِهَا إلَّا بَعْدَ مُؤَامَرَتِهِ وَلَكِنْ تُوَاطِئُ وَتَكْتُبُ إلَيْهِ فَلَمَّا فَعَلَتْ قَالَ هَذَا، وَإِنْ كُنْت قَدْ فَوَّضْت إلَيْك فَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَفْتَاتِي عَلَيَّ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ زَوِّجِي أَيْ وَكِّلِي مَنْ يُزَوِّجُ فَوَكَّلَتْ قَالَ: فَلَيْسَ لَهَا هَذَا فِي الْخَيْرِ قِيلَ: لَا وَلَكِنْ لَا يُشْبِهُ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهَا رَوَتْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ بَاطِلًا» أَوَكَانَ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ بِكْرًا وَأَبُوهَا غَائِبٌ دُونَ إخْوَتِهَا أَوْ السُّلْطَانِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) مَعْنَى تَأْوِيلِهِ فِيمَا رَوَتْ عَائِشَةُ عِنْدِي غَلَطٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ إنْكَاحُ الْمَرْأَةِ وَوَكِيلُهَا مِثْلُهَا فَكَيْفَ يُعْقَلُ بِأَنْ تُوَكَّلَ وَهِيَ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ إنْكَاحُهَا، وَلَوْ قَالَ: إنَّهُ أَمَرَ مَنْ يُنَفِّذُ رَأْيَ عَائِشَةَ فَأَمَرَتْهُ فَأَنْكَحَ خَرَجَ كَلَامُهُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لِلْأَبِ حِينَئِذٍ وَالطَّاعَةُ لِعَائِشَةَ فَيَصِحُّ وَجْهُ الْخَبَرِ عَلَى تَأْوِيلِهِ الَّذِي يَجُوزُ عِنْدِي لَا أَنَّ الْوَكِيلَ وَكِيلٌ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلَكِنَّهُ وَكِيلٌ لَهُ فَهَذَا تَأْوِيلُهُ. [الْكَلَامُ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ وَالْخِطْبَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ] ِ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ، وَمِنْ كِتَابِ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَسْمَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى النِّكَاحَ فِي كِتَابِهِ بِاسْمَيْنِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِمَا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ وَلَمْ نَجِدْ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ إحْلَالَ نِكَاحٍ إلَّا بِنِكَاحٍ أَوْ تَزْوِيجٍ، وَالْهِبَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجْمَعٌ أَنْ يَنْعَقِدَ لَهُ بِهَا النِّكَاحُ بِأَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لَهُ بِلَا مَهْرٍ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ إلَّا بِاسْمِ التَّزْوِيجِ أَوْ النِّكَاحِ وَالْفَرْجُ مُحَرَّمٌ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَا يَحِلُّ أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يَقُولَ الْوَلِيُّ: قَدْ زَوَّجْتُكهَا أَوْ أَنْكَحْتُكهَا وَيَقُولَ الْخَاطِبُ: قَدْ قَبِلْت تَزْوِيجَهَا أَوْ نِكَاحَهَا أَوْ يَقُولَ الْخَاطِبُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 267 زَوِّجْنِيهَا وَيَقُولَ الْوَلِيُّ: قَدْ زَوَّجْتُكهَا فَلَا يُحْتَاجُ فِي هَذَا إلَى أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ قَدْ قَبِلْت، وَلَوْ قَالَ: قَدْ مَلَّكْتُك نِكَاحَهَا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَقَبِلَ لَمْ يَكُنْ نِكَاحًا وَإِذَا كَانَتْ الْهِبَةُ أَوْ الصَّدَقَةُ تُمْلَكُ بِهَا الْأَبْدَانُ وَالْحُرَّةُ لَا تَمْلِكُ فَكَيْفَ تَجُوزُ الْهِبَةُ فِي النِّكَاحِ؟ فَإِنْ قِيلَ مَعْنَاهَا زَوَّجْتُك قِيلَ: فَقَوْلُهُ قَدْ أَحْلَلْتهَا لَك أَقْرَبُ إلَى زَوَّجْتُكهَا وَهُوَ لَا يُجِيزُهُ. (قَالَ) : وَأُحِبُّ أَنْ يُقَدِّمَ بَيْنَ يَدَيْ خِطْبَتِهِ وَكُلِّ أَمْرٍ طَلَبَهُ سِوَى الْخِطْبَةِ حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْوَصِيَّةَ بِتَقْوَى اللَّهِ ثُمَّ يَخْطُبَ وَأُحِبُّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَنْ يَقُولَ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَنْكَحْتُك عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ إمْسَاكٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٍ بِإِحْسَانٍ. [مَا يَحِلُّ مِنْ الْحَرَائِرِ وَلَا يَتَسَرَّى الْعَبْدُ] ُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَكِتَابِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالرَّجُلُ يَقْتُلُ أَمَتَهُ وَلَهَا زَوْجٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : انْتَهَى اللَّهُ تَعَالَى بِالْحَرَائِرِ إلَى أَرْبَعٍ تَحْرِيمًا لَأَنْ يَجْمَعَ أَحَدٌ غَيْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا عَلَى الْأَحْرَارِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] وَمِلْكُ الْيَمِينِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْأَحْرَارِ الَّذِينَ يَمْلِكُونَ الْمَالَ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ. (قَالَ) : فَإِذَا فَارَقَ الْأَرْبَعُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا تَزَوَّجَ مَكَانَهُنَّ فِي عِدَّتِهِنَّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ لِمَنْ لَا امْرَأَةَ لَهُ أَرْبَعًا وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَنْكِحُ أَرْبَعًا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْأَرْبَعِ؛ لِأَنِّي لَا أُجِيزُ أَنْ يَجْتَمِعَ مَاؤُهُ فِي خَمْسٍ أَوْ فِي أُخْتَيْنِ (قُلْت) فَأَنْتَ تَزْعُمُ لَوْ خَلَا بِهِنَّ وَلَمْ يُصِبْهُنَّ أَنَّ عَلَيْهِنَّ الْعِدَّةَ فَلَمْ يَجْتَمِعْ فِيهِنَّ مَاؤُهُ فَأُبِحْ لَهُ النِّكَاحَ وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ حُكْمِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَجَعَلَ إلَيْهِ الطَّلَاقَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَجَعَلْته يَعْتَدُّ مَعَهَا ثُمَّ نَاقَضْت فِي الْعِدَّةِ. (قَالَ) : وَأَيْنَ؟ قُلْت: إذْ جَعَلْت عَلَيْهِ الْعِدَّةَ كَمَا جَعَلْتهَا عَلَيْهَا أَفَيَجْتَنِبُ مَا تَجْتَنِبُ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ الطِّيبِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ؟ قَالَ: لَا قُلْت: فَلَا جَعَلْته فِي الْعِدَّةِ بِمَعْنَاهَا وَلَا فَرَّقْت بِمَا فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَقَدْ جَعَلَهُنَّ اللَّهُ مِنْهُ أَبْعَدَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ؛ لِأَنَّهُنَّ لَا يَحْلِلْنَ لَهُ إلَّا بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجٍ وَطَلَاقِهِ أَوْ مَوْتِهِ وَعِدَّةٍ تَكُونُ بَعْدَهُ وَالْأَجْنَبِيَّات يَحْلِلْنَ لَهُ مِنْ سَاعَتِهِ. (قَالَ) : وَلَوْ قَتَلَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ أَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَإِنْ بَاعَهَا حَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ طَلَبَ أَنْ يُبَوِّئَهَا مَعَهُ بَيْتًا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى السَّيِّدِ. (قَالَ) : وَلَوْ وَطِئَ رَجُلٌ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَأَوْلَدَهَا كَانَ عَلَيْهِ مَهْرُهَا وَقِيمَتُهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قِيَاسُ قَوْلِهِ أَنْ لَا تَكُونَ مِلْكًا لِأَبِيهِ وَلَا أُمَّ وَلَدٍ بِذَلِكَ وَقَدْ أَجَازَ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَمَتَهُ فَيُولِدَهَا فَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بِأَنْ يُولِدَهَا مِنْ حَلَالٍ أُمَّ وَلَدٍ بِقِيمَةٍ فَكَيْفَ بِوَطْءٍ حَرَامٍ وَلَيْسَ بِشَرِيكٍ فِيهَا فَيَكُونُ فِي مَعْنَى مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي أَمَةٍ وَهُوَ لَا يَجْعَلُهَا أُمَّ وَلَدٍ لِلشَّرِيكِ إذَا أَحْبَلَهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ وَهَذَا مِنْ ذَلِكَ أَبْعَدُ. (قَالَ) : وَإِنْ لَمْ يُحْبِلْهَا فَعَلَيْهِ عُقْرُهَا وَحَرُمَتْ عَلَى الِابْنِ وَلَا قِيمَةَ لَهُ بِأَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ وَقَدْ تَرْضِعُ امْرَأَةُ الرَّجُلِ بِلَبَنِهِ جَارِيَتَهُ الصَّغِيرَةَ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا قِيمَةَ لَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] الْآيَةَ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلُ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَرَادَ الْأَحْرَارَ؛ لِأَنَّ الْعَبِيدَ لَا يَمْلِكُونَ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» فَدَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ مَالًا بِحَالٍ وَإِنَّمَا يُضَافُ إلَيْهِ مَالُهُ كَمَا يُضَافُ إلَى الْفَرَسِ سَرْجُهُ وَإِلَى الرَّاعِي غَنَمُهُ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْعَبْدَ يَتَسَرَّى. (قِيلَ) وَقَدْ رُوِيَ خِلَافُهُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا يَطَأُ الرَّجُلُ إلَّا وَلِيدَةً إنْ شَاءَ بَاعَهَا، وَإِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 268 شَاءَ وَهَبَهَا، وَإِنْ شَاءَ صَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ قَالَ: وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَتَسَرَّى الْعَبْدُ وَلَا مَنْ لَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ بِحَالٍ وَلَا يُفْسَخُ نِكَاحُ حَامِلٍ مِنْ زِنًا، وَأُحِبُّ أَنْ تُمْسَكَ حَتَّى تَضَعَ «وَقَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ امْرَأَتِي لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ؛ قَالَ طَلِّقْهَا قَالَ: إنِّي أُحِبُّهَا قَالَ فَأَمْسِكْهَا» وَضَرَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجُلًا وَامْرَأَةً فِي زِنًا وَحَرَصَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَأَبَى الْغُلَامُ. [نِكَاحُ الْعَبْدِ وَطَلَاقُهُ] ُ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابٍ قَدِيمٍ وَكِتَابٍ جَدِيدٍ، وَكِتَابِ التَّعْرِيضِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيَنْكِحُ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالَ عُمَرُ: يُطَلِّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ وَتَعْتَدُّ الْأَمَةُ حَيْضَتَيْنِ وَاَلَّتِي لَا تَحِيضُ شَهْرَيْنِ أَوْ شَهْرًا وَنِصْفًا، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إذَا طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ اثْنَتَيْنِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَالْأَمَةِ حَيْضَتَانِ وَسَأَلَ نُفَيْعٌ عُثْمَانَ وَزَيْدًا فَقَالَ: طَلَّقْت امْرَأَةً لِي حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ فَقَالَا: حَرُمَتْ عَلَيْك حَرُمَتْ عَلَيْك. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَبِهَذَا كُلِّهِ أَقُولُ: وَإِنْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ وَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا إذَا عَتَقَ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَنَكَحَ نِكَاحًا فَاسِدًا فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَإِذْنِهِ لَهُ بِالتِّجَارَةِ فَيُعْطَى مِنْ مَالٍ إنْ كَانَ لَهُ وَإِلَّا فَمَتَى عَتَقَ وَالْآخَرُ كَالضَّمَانِ عَنْهُ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَبِيعَهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ. [بَابُ مَا يَحْرُمُ وَمَا يَحِلُّ مِنْ نِكَاحِ الْحَرَائِرِ وَمِنْ الْإِمَاءِ] ِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُنَّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَمِنْ النِّكَاحِ الْقَدِيمِ وَمِنْ الْإِمْلَاءِ وَمِنْ الرَّضَاعِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَصْلُ مَا يَحْرُمُ بِهِ النِّسَاءُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا بِأَنْسَابٍ، وَالْآخَرُ بِأَسْبَابٍ مِنْ حَادِثِ نِكَاحٍ أَوْ رَضَاعٍ وَمَا حَرُمَ مِنْ النَّسَبِ حَرُمَ مِنْ الرَّضَاعِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا» وَنَهَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْأُمِّ وَابْنَتِهَا مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَدِدْت أَنَّ عُمَرَ كَانَ فِي ذَلِكَ أَشَدَّ مِمَّا هُوَ وَنَهَتْ عَنْ ذَلِكَ عَائِشَةُ وَقَالَ عُثْمَانُ فِي جَمْعِ الْأُخْتَيْنِ: أَمَّا أَنَا فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَصْنَعَ ذَلِكَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ كَانَ إلَيَّ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ ثُمَّ وَجَدْت رَجُلًا يَفْعَلُ ذَلِكَ لَجَعَلْته نَكَالًا، قَالَ الزُّهْرِيُّ أَرَاهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أُخْتَهَا أَوْ عَمَّتَهَا أَوْ خَالَتَهَا، وَإِنْ بَعُدَتْ فَنِكَاحُهَا مَفْسُوخٌ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَنِكَاحُ الْأُولَى ثَابِتٌ وَتَحِلُّ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ، وَإِنْ نَكَحَهُمَا مَعًا فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ، وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ أُمُّهَا؛ لِأَنَّهَا مُبْهَمَةٌ وَحَلَّتْ لَهُ ابْنَتُهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الرَّبَائِبِ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ أُمُّهَا وَلَا ابْنَتُهَا أَبَدًا، وَإِنْ وَطِئَ أَمَتَهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أُمُّهَا وَلَا ابْنَتُهَا أَبَدًا وَلَا يَطَأُ أُخْتَهَا وَلَا عَمَّتَهَا وَلَا خَالَتَهَا حَتَّى يُحَرِّمَهَا فَإِنْ وَطِئَ أُخْتَهَا قَبْلَ ذَلِكَ اجْتَنِبْ الَّتِي وَطِئَ آخِرًا وَأَحْبَبْت أَنْ يَجْتَنِبَ الْوَلِيَّ حَتَّى يَسْتَبْرِئَ الْآخِرَةَ فَإِذَا اجْتَمَعَ النِّكَاحُ وَمِلْكُ الْيَمِينِ فِي أُخْتَيْنِ أَوْ أَمَةٍ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ لَا يُفْسِخُهُ مِلْكُ الْيَمِينِ كَانَ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ وَحَرُمَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 269 لِأَنَّ النِّكَاحَ يُثْبِتُ حُقُوقًا لَهُ وَعَلَيْهِ، وَلَوْ نَكَحَهُمَا مَعًا انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا، وَلَوْ اشْتَرَاهُمَا مَعًا ثَبَتَ مِلْكُهُمَا وَلَا يَنْكِحُ أُخْتَ امْرَأَتِهِ وَيَشْتَرِيهَا عَلَى امْرَأَتِهِ وَلَا يُمَلِّكُ امْرَأَتَهُ غَيْرَهُ وَيُمَلِّكُ أَمَتَهُ غَيْرَهُ فَهَذَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجَةِ أَبِيهَا وَبَيْنَ امْرَأَةِ الرَّجُلِ وَابْنَةِ امْرَأَتِهِ إذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ بَيْنَهُنَّ. [مَا جَاءَ فِي الزِّنَا لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ] َ مِنْ الْجَامِعِ وَمِنْ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - الزِّنَا لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) :؛ لِأَنَّ الْحَرَامَ ضِدُّ الْحَلَالِ فَلَا يُقَاسُ شَيْءٌ عَلَى ضِدِّهِ قَالَ لِي قَائِلٌ يَقُولُ لَوْ قَبَّلَتْ امْرَأَتُهُ ابْنَهُ بِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَبَدًا لِمَ قُلْت لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ؟ قُلْت: مِنْ قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا حَرَّمَ أُمَّهَاتِ نِسَائِكُمْ وَنَحْوَهَا بِالنِّكَاحِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ الْحَرَامُ بِالْحَلَالِ فَقَالَ: أَجِدُ جِمَاعًا وَجِمَاعًا قُلْت جِمَاعًا حُمِدْتَ بِهِ وَجِمَاعًا رُجِمْتَ بِهِ وَأَحَدُهُمَا نِعْمَةٌ وَجَعَلَهُ اللَّهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَأَوْجَبَ حُقُوقًا وَجَعَلَك مَحْرَمًا بِهِ لِأُمِّ امْرَأَتِك وَلِابْنَتِهَا تُسَافِرُ بِهِمَا وَجُعِلَ الزِّنَا نِقْمَةً فِي الدُّنْيَا بِالْحَدِّ وَفِي الْآخِرَةِ بِالنَّارِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَا فَتَقِيسُ الْحَرَامَ الَّذِي هُوَ نِقْمَةٌ عَلَى الْحَلَالِ الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ؟ وَقُلْت لَهُ: فَلَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ وَجَدْت الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا تَحِلُّ بِجِمَاعِ زَوْجٍ فَأَحَلَّهَا بِالزِّنَا؛ لِأَنَّهُ جِمَاعٌ كَجِمَاعٍ كَمَا حَرَّمْت بِهِ الْحَلَالَ؛ لِأَنَّهُ جِمَاعٌ وَجِمَاعٌ قَالَ: إذًا نُخْطِئُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّهَا بِإِصَابَةِ زَوْجٍ قِيلَ وَكَذَلِكَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِنِكَاحِ زَوْجٍ وَإِصَابَةِ زَوْجٍ قَالَ: أَفَيَكُونُ شَيْءٌ يُحَرِّمُهُ الْحَلَالُ وَلَا يُحَرِّمُهُ الْحَرَامُ فَأَقُولُ بِهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَنْكِحُ أَرْبَعًا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْكِحَ مِنْ النِّسَاءِ خَامِسَةً أَفَيَحْرُمُ عَلَيْهِ إذَا زَنَى بِأَرْبَعٍ شَيْءٌ مِنْ النِّسَاءِ قَالَ: لَا يَمْنَعُهُ الْحَرَامُ مِمَّا يَمْنَعُهُ الْحَلَالُ. (قَالَ) : وَقَدْ تَرْتَدُّ فَتَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا؟ قُلْت: نَعَمْ وَعَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ وَأَقْتُلُهَا وَأَجْعَلُ مَالَهَا فَيْئًا. (قَالَ) : فَقَدْ أَوْجَدْتُك الْحَرَامَ يُحَرِّمُ الْحَلَالَ قُلْت: أَمَّا فِي مِثْلِ مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ فَلَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرَكْت ذَلِكَ لِكَثْرَتِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. [نِكَاحُ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ إمَائِهِمْ وَإِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ] َ مِنْ الْجَامِعِ وَمِنْ كِتَابِ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَحِلُّ نِكَاحُ حَرَائِرِهِمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى دُونَ الْمَجُوسِ وَالصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَهُمْ فِي أَصْلِ مَا يُحِلُّونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيُحَرِّمُونَ فَيَحْرُمُونَ كَالْمَجُوسِ، وَإِنْ كَانُوا يُجَامِعُونَهُمْ عَلَيْهِ وَيَتَأَوَّلُونَ فَيَخْتَلِفُونَ فَلَا يُحَرَّمُونَ، فَإِذَا نَكَحَهَا فَهِيَ كَالْمُسْلِمَةِ فِيمَا لَهَا وَعَلَيْهَا إلَّا أَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ وَالْحَدُّ فِي قَذْفِهَا التَّعْزِيرُ وَيُجْبِرُهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ وَالتَّنَظُّفِ بِالِاسْتِحْدَادِ وَأَخْذِ الْأَظْفَارِ وَيَمْنَعُهَا مِنْ الْكَنِيسَةِ وَالْخُرُوجِ إلَى الْأَعْيَادِ كَمَا يَمْنَعُ الْمُسْلِمَةَ مِنْ إتْيَانِ الْمَسَاجِدِ وَيَمْنَعُهَا مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ إذَا كَانَ يَتَقَذَّرُ بِهِ وَمِنْ أَكْلِ مَا يَحِلُّ إذَا تَأَذَّى بِرِيحِهِ، وَإِنْ ارْتَدَّتْ إلَى مَجُوسِيَّةٍ أَوْ إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنْ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ انْقَضَتْ قَبْلَ أَنْ تَرْجِعَ فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَبْتَدِئَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 270 [بَابُ الِاسْتِطَاعَةِ لِلْحَرَائِرِ وَغَيْرِ الِاسْتِطَاعَةِ] ِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] وَفِي ذَلِكَ دَلِيلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَحْرَارَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُمْ وَلَا يَحِلُّ مِنْ الْإِمَاءِ إلَّا مُسْلِمَةً وَلَا تَحِلُّ حَتَّى يَجْتَمِعَ شَرْطَانِ أَنْ لَا يَجِدَ طَوْلَ حُرَّةٍ وَيَخَافُ الْعَنَتَ إنْ لَمْ يَنْكِحْهَا وَالْعَنَتُ، الزِّنَا وَاحْتُجَّ بِأَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَنْ وَجَدَ صَدَاقَ امْرَأَةٍ فَلَا يَتَزَوَّجُ أَمَةً قَالَ طَاوُسٌ: لَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْحُرِّ الْأَمَةَ وَهُوَ يَجِدُ صَدَاقَ الْحُرَّةِ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: لَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْإِمَاءِ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّهُ يَجِدُ طَوْلًا إلَى الْحُرَّةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ عَقَدَ نِكَاحَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ مَعًا قِيلَ: يَثْبُتُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَقِيلَ: يَنْفَسِخَانِ مَعًا وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ نِكَاحُ الْحُرَّةِ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ مَعَهَا أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا أَقْيَسُ وَأَصَحُّ فِي أَصْلِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَقُومُ بِنَفْسِهِ وَلَا يُفْسَدُ بِغَيْرِهِ فَهِيَ فِي مَعْنَى مَنْ تَزَوَّجَهَا وَقِسْطًا مَعَهَا مِنْ خَمْرٍ بِدِينَارٍ فَالنِّكَاحُ وَحْدَهُ ثَابِتٌ وَالْقِسْطُ الْخَمْرُ وَالْمَهْرُ فَاسِدَانِ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ أَيْسَرَ لَمْ يُفْسِدْهُ مَا بَعْدَهُ وَحَاجَّنِي مَنْ لَا يَفْسَخُ نِكَاحَ إمَاءِ غَيْرِ الْمُسْلِمَاتِ فَقَالَ كَمَا أَحَلَّ اللَّهُ بَيْنَهُمَا وَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ لَهُ نَفْسَهَا بِالرِّدَّةِ، وَإِنْ ارْتَدَّتْ مِنْ نَصْرَانِيَّةٍ إلَى يَهُودِيَّةٍ أَوْ مِنْ يَهُودِيَّةٍ إلَى نَصْرَانِيَّةٍ لَمْ تَحْرُمْ تَعَالَى نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ دَلَّ عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ قُلْت: قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَيْتَةَ وَاسْتَثْنَى إحْلَالَهَا لِلْمُضْطَرِّ فَهَلْ تَحِلُّ لِغَيْرِ مُضْطَرٍّ وَاسْتَثْنَى مِنْ تَحْرِيمِ الْمُشْرِكَاتِ إحْلَالَ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَهَلْ يَجُوزُ حَرَائِرُ غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَا تَحِلُّ إمَاؤُهُمْ وَإِمَاؤُهُمْ غَيْرُ حَرَائِرِهِمْ وَاشْتُرِطَ فِي إمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إلَّا بِالشَّرْطِ وَقُلْت لَهُ: لِمَ لَا أَحْلَلْت الْأُمَّ كَالرَّبِيبَةِ وَحَرَّمْتهَا بِالدُّخُولِ كَالرَّبِيبَةِ؟ . (قَالَ) : لِأَنَّ الْأُمَّ مُبْهَمَةٌ وَالشَّرْطَ فِي الرَّبِيبَةِ (قُلْت) فَهَكَذَا قُلْنَا فِي التَّحْرِيمِ فِي الْمُشْرِكَاتِ وَالشَّرْطُ فِي التَّحْلِيلِ فِي الْحَرَائِرِ وَإِمَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ. (قَالَ) : وَالْعَبْدُ كَالْحُرِّ فِي أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ وَأَيُّ صِنْفٍ حَلَّ نِكَاحُ حَرَائِرِهِمْ حَلَّ وَطْءُ إمَائِهِمْ بِالْمِلْكِ وَمَا حَرُمَ نِكَاحُ حَرَائِرِهِمْ حَرُمَ وَطْءُ إمَائِهِمْ بِالْمِلْكِ وَلَا أَكْرَهُ نِكَاحَ نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ إلَّا لِئَلَّا يُفْتَنَ عَنْ دِينِهِ أَوْ يُسْتَرَقَّ وَلَدُهُ. [بَابُ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ] ِ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعْرِيضَ فِي الْعِدَّةِ جَائِزٌ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ التَّعْرِيضِ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَسَمُ بَعْضَهُ وَالتَّعْرِيضُ كَثِيرٌ وَهُوَ خِلَافُ التَّصْرِيحِ وَهُوَ تَعْرِيضُ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ بِمَا يَدُلُّهَا بِهِ عَلَى إرَادَةِ خِطْبَتِهَا بِغَيْرِ تَصْرِيحٍ وَتُجِيبُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَالْقُرْآنُ كَالدَّلِيلِ إذْ أَبَاحَ التَّعْرِيضَ وَالتَّعْرِيضُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ جَائِزٌ سِرًّا وَعَلَانِيَةً عَلَى أَنَّ السِّرَّ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ هُوَ الْجِمَاعُ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: أَلَا زَعَمْت بَسْبَاسَةُ الْقَوْمِ أَنَّنِي ... كَبِرْت وَأَنْ لَا يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثَالِي كَذَبْت لَقَدْ أَصْبَى عَنْ الْمَرْءِ عُرْسُهُ ... وَأَمْنَعُ عُرْسِي أَنْ يَزْنِيَ بِهَا الْخَالِي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 271 [بَابُ النَّهْيِ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ إذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي قَالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْت أَخْبَرْته أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي فَقَالَ أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ انْكِحِي أُسَامَةَ» فَدَلَّتْ خِطْبَتُهُ عَلَى خِطْبَتِهِمَا أَنَّهَا خِلَافُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إذَا كَانَتْ قَدْ أَذِنَتْ فِيهِ فَكَانَ هَذَا فَسَادًا عَلَيْهِ وَفِي الْفَسَادِ مَا يُشْبِهُ الْإِضْرَارَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَفَاطِمَةُ لَمْ تَكُنْ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أَذِنَتْ فِي أَحَدِهِمَا. [بَابُ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ وَمَنْ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ] ٍ مِنْ هَذَا، وَمِنْ كِتَابِ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ أَحْسَبُهُ إسْمَاعِيلَ بْنَ إبْرَاهِيم عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «أَسْلَمَ غَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ الدَّيْلَمِيُّ أَوْ ابْنُ الدَّيْلَمِيِّ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ أُخْتَانِ اخْتَرْ أَيَّتَهمَا شِئْت وَفَارِقْ الْأُخْرَى» «وَقَالَ لِنَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَعِنْدَهُ خَمْسٌ فَارِقْ وَاحِدَةً وَأَمْسِكْ أَرْبَعًا» قَالَ فَعَمَدْت إلَى أَقْدَمِهِنَّ فَفَارَقْتهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَذَا أَقُولُ وَلَا أُبَالِي أَكُنَّ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي عُقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ إذَا كَانَ مَنْ يَمْسِكُ مِنْهُنَّ يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَهَا فِي الْإِسْلَامِ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ قَبْلَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِمَا؛ لِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَسْلَمَا قَبْلُ ثُمَّ أَسْلَمَتْ امْرَأَتَاهُمَا فَاسْتَقَرَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِنْدَ زَوْجِهَا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ، وَأَسْلَمَتْ امْرَأَةُ صَفْوَانَ وَامْرَأَةُ عِكْرِمَةَ ثُمَّ أَسْلَمَا فَاسْتَقَرَّتَا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ أَسْلَمَ وَقَدْ نَكَحَ أُمًّا وَابْنَتَهَا مَعًا فَدَخَلَ بِهِمَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَبَدًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهِمَا قُلْنَا: أَمْسِكْ أَيَّتَهمَا شِئْت وَفَارِقْ الْأُخْرَى، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: يُمْسِكُ الِابْنَةَ وَيُفَارِقُ الْأُمَّ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ عِنْدِي وَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ وَقَالَ أَوَّلًا كَانَتْ الْأُمُّ أَوْ آخِرًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ إمَاءٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْسِرًا يَخَافُ الْعَنَتَ أَوْ فِيهِنَّ حُرَّةٌ انْفَسَخَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ حُرَّةً وَيَخَافُ الْعَنَتَ وَلَا حُرَّةَ فِيهِنَّ اخْتَارَ وَاحِدَةً وَانْفَسَخَ نِكَاحُ الْبَوَاقِي، وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْضُهُنَّ بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ وَيَنْتَظِرُ إسْلَامَ الْبَوَاقِي فَمَنْ اجْتَمَعَ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُ الزَّوْجِ قَبْلَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِيهِنَّ، وَلَوْ أَسْلَمَ الْإِمَاءُ مَعَهُ وَعَتَقْنَ وَتَخَلَّفَتْ حُرَّةٌ وُقِفَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ فَإِنْ أَسْلَمَتْ الْحُرَّةُ انْفَسَخَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ، وَلَوْ اخْتَارَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً وَلَمْ تُسْلِمْ الْحُرَّةُ ثَبَتَتْ، وَلَوْ عَتَقْنَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمْنَ كُنَّ كَمَنْ اُبْتُدِئَ نِكَاحُهُ وَهُنَّ حَرَائِرُ. (قَالَ) : وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ عِنْدَهُ إمَاءٌ وَحَرَائِرُ مُسْلِمَاتٌ أَوْ كِتَابِيَّاتٌ وَلَمْ يَخْتَرْنَ فِرَاقَهُ أَمْسَكَ اثْنَتَيْنِ، وَلَوْ عَتَقْنَ قَبْلَ إسْلَامِهِ فَاخْتَرْنَ فِرَاقَهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُنَّ؛ لِأَنَّهُ لَهُنَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَعَدَدُهُنَّ عَدَدُ الْحَرَائِرِ فَيُحْصَيْنَ مِنْ حِينِ اخْتَرْنَ فِرَاقَهُ فَإِنْ اجْتَمَعَ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُهُنَّ فِي الْعِدَّةِ فَعَدَدُهُنَّ عَدَدُ حَرَائِرَ مِنْ يَوْمِ اخْتَرْنَ فِرَاقَهُ وَإِلَّا فَعَدَدُهُنَّ عَدَدُ حَرَائِرَ مِنْ يَوْمِ أَسْلَمَ مُتَقَدِّمُ الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ مِنْ يَوْمِئِذٍ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْنَ فِرَاقَهُ وَلَا الْمُقَامَ مَعَهُ خُيِّرْنَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 272 إذَا اجْتَمَعَ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُهُنَّ مَعًا، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إسْلَامُهُنَّ قَبْلَ إسْلَامِهِ فَاخْتَرْنَ فِرَاقَهُ أَوْ الْمُقَامَ مَعَهُ ثُمَّ أَسْلَمْنَ خُيِّرْنَ حِينَ يُسْلِمْنَ؛ لِأَنَّهُنَّ اخْتَرْنَ وَلَا خِيَارَ لَهُنَّ، وَلَوْ اجْتَمَعَ إسْلَامُهُنَّ وَإِسْلَامُهُ وَهُنَّ إمَاءٌ ثُمَّ أُعْتِقْنَ مِنْ سَاعَتِهِنَّ ثُمَّ اخْتَرْنَ فِرَاقَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُنَّ إذَا أَتَى عَلَيْهِنَّ أَقَلُّ أَوْقَاتِ الدُّنْيَا وَإِسْلَامُهُنَّ وَإِسْلَامُهُ مُجْتَمِعٌ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عِتْقُهُ وَهُنَّ مَعًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ هَذَا عِنْدِي بِشَيْءٍ قَدْ قَطَعَ فِي كِتَابَيْنِ بِأَنَّ لَهَا الْخِيَارَ لَوْ أَصَابَهَا فَادَّعَتْ الْجَهَالَةَ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنَّ عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُؤَجِّلَهَا أَكْثَرَ مُقَامِهَا فَكَمْ يَمُرُّ بِهَا مِنْ أَوْقَاتِ الدُّنْيَا مِنْ حِينِ أُعْتِقَتْ إلَى أَنْ جَاءَتْ إلَى السُّلْطَانِ وَقَدْ يَبْعُدُ ذَلِكَ وَيَقْرَبُ إلَى أَنْ يَفْهَمَ عَنْهَا مَا تَقُولُ ثُمَّ إلَى انْقِضَاءِ أَجَلِ مُقَامِهَا ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى فَكَيْفَ يَبْطُلُ خِيَارُ إمَاءٍ يُعْتَقْنَ إذَا أَتَى عَلَيْهِنَّ أَقَلُّ أَوْقَاتِ الدُّنْيَا وَإِسْلَامُهُنَّ وَإِسْلَامُ الزَّوْجِ مُجْتَمِعٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا قَدَرْنَ إذَا أُعْتِقْنَ تَحْتَ عَبْدٍ أَنْ يَخْتَرْنَ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُنَّ لَا يَقْدِرْنَ يَخْتَرْنَ إلَّا بِحُرُوفٍ وَكُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا فِي وَقْتٍ غَيْرِ وَقْتِ الْآخَرِ وَفِي ذَلِكَ إبْطَالُ الْخِيَارِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ اجْتَمَعَ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُ حُرَّتَيْنِ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ اثْنَتَانِ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ إلَّا اثْنَتَيْنِ مِنْ أَيِّ الْأَرْبَعِ شَاءَ لَا يَثْبُتُ لَهُ بِعَقْدِ الْعُبُودِيَّةِ إلَّا اثْنَتَانِ وَيَنْكِحُ تَمَامَ أَرْبَعٍ إنْ شَاءَ، وَلَوْ أَسْلَمَ وَأَسْلَمَ مَعَهُ أَرْبَعٌ فَقَالَ: قَدْ فَسَخْت نِكَاحَهُنَّ سُئِلَ فَإِنْ أَرَادَ طَلَاقًا فَهُوَ مَا أَرَادَ، وَإِنْ أَرَادَ حِلَّهُ بِلَا طَلَاقٍ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا وَأُحْلِفَ، وَلَوْ كُنَّ خَمْسًا فَأَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ فِي الْعُقْدَةِ فَقَالَ: قَدْ اخْتَرْت حَبْسَهَا حَتَّى قَالَ ذَلِكَ لِأَرْبَعٍ ثَبَتَ نِكَاحُهُنَّ بِاخْتِيَارِهِ وَانْفَسَخَ نِكَاحُ الْبَوَاقِي، وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ مِنْكُنَّ فَقَدْ اخْتَرْت فَسْخَ نِكَاحِهَا لَمْ يَكُنْ هَذَا شَيْئًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ طَلَاقًا فَإِنْ اخْتَارَ إمْسَاكَ أَرْبَعٍ فَقَدْ انْفَسَخَ نِكَاحُ مَنْ زَادَ عَلَيْهِنَّ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقِيَاسُ عِنْدِي عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ فَقَذَفَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ أَوْ ظَاهَرَ أَوْ آلَى كَانَ ذَلِكَ مَوْقُوفًا فَإِنْ اخْتَارَهَا كَانَ عَلَيْهِ فِيهَا مَا عَلَيْهِ فِي الزَّوْجَاتِ، وَإِنْ فَسَخَ نِكَاحَهَا سَقَطَ عَنْهُ الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَجُلِدَ بِقَذْفِهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ أَسْلَمْنَ مَعَهُ فَقَالَ: لَا أَخْتَارُ حُبِسَ حَتَّى يَخْتَارَ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِنَّ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ لَهُنَّ بِعَقْدٍ مُتَقَدِّمٍ وَلَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ كَمَا يُطَلِّقُ عَلَى الْمَوْلَى فَإِنْ امْتَنَعَ مَعَ الْحَبْسِ عُزِّرَ وَحُبِسَ حَتَّى يَخْتَارَ، وَإِنْ مَاتَ أَمَرْنَاهُنَّ أَنْ يَعْتَدِدْنَ الْآخَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ أَوْ مِنْ ثَلَاثِ حِيَضٍ وَيُوقَفُ لَهُنَّ الْمِيرَاثُ حَتَّى يَصْطَلِحْنَ فِيهِ، وَلَوْ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ وَثَنِيَّةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا فِي عِدَّتِهَا فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) أَشْبَهَ بِقَوْلِهِ: إنَّ النِّكَاحَ مَوْقُوفٌ كَمَا جَعَلَ نِكَاحَ مَنْ لَمْ تُسْلِمْ مَوْقُوفًا فَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ عَلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ امْرَأَتَهُ، وَإِنْ انْقَضَتْ قَبْلَ أَنْ تُسْلِمَ عَلِمَ أَنَّهُ لَا امْرَأَةَ لَهُ فَيَصِحُّ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَهُنَّ وَلَا امْرَأَةَ لَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى انْقَضَتْ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ مَتَى شَاءَ أَنْ يُسْلِمَ كَانَا عَلَى النِّكَاحِ، وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمُسْلِمُ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ فِي أَيَّامِ كُفْرِهَا؛ لِأَنَّهَا الْمَانِعَةُ لِنَفْسِهَا مِنْهُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ كَانَ حَلَالًا وَنِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ كَانَ حَرَامًا وَمُتْعَةً إنْ لَمْ يَكُنْ فَرَضَ لَهَا؛ لِأَنَّ فَسْخَ النِّكَاحِ مِنْ قِبَلِهِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ صَدَاقٍ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ مِنْ قِبَلِهَا. (قَالَ) : وَلَوْ أَسْلَمَا مَعًا فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ قَالَ: أَسْلَمَ أَحَدُنَا قَبْلَ صَاحِبِهِ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلَا نِصْفَ مَهْرٍ حَتَّى يُعْلَمَ فَإِنْ تَدَاعَيَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ ثَابِتٌ فَلَا يَبْطُلُ نِصْفُ الْمَهْرِ إلَّا بِأَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 273 تُسْلِمَ قَبْلَهُ، وَإِنْ قَالَتْ: أَسْلَمَ أَحَدُنَا قَبْلَ الْآخَرِ وَقَالَ هُوَ مَعًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا تُصَدِّقُ عَلَى فَسْخِ النِّكَاحِ وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ النِّكَاحَ مَفْسُوخٌ حَتَّى يَتَصَادَقَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) أَشْبَهَ بِقَوْلِهِ أَنْ لَا يَنْفَسِخَ النِّكَاحُ بِقَوْلِهَا كَمَا لَمْ يَنْفَسِخْ نِصْفُ الْمَهْرِ بِقَوْلِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقَدْ قَالَ: لَوْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَقَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ إسْلَامِك وَقَالَ: بَلْ بَعْدُ فَلَا تُصَدِّقُ عَلَى فَسْخِ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ النِّكَاحِ. (قَالَ) : وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ نَكَحَهَا فِي الشِّرْكِ بِمُتْعَةٍ أَوْ عَلَى خِيَارٍ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْكِحْهَا عَلَى الْأَبَدِ. [بَابُ الْخِلَافِ فِي إمْسَاكِ الْأَوَاخِرِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاحْتَجَجْت عَلَى مَنْ يُبْطِلُ الْأَوَاخِرَ «بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ الدَّيْلَمِيِّ وَعِنْدَهُ أُخْتَانِ اخْتَرْ أَيَّتَهمَا شِئْتَ وَفَارِقْ الْأُخْرَى» وَبِمَا قَالَ لِنَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَتَخْيِيرِهِ غَيْلَانُ فَلَوْ كَانَ الْأَوَاخِرُ حَرَامًا مَا خَيَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُلْتَ لَهُ أَحْسَنُ حَالَةً أَنْ يَعْقِدُوهُ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ قُلْت: وَيُرْوَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْكِحُونَ فِي الْعِدَّةِ وَبِغَيْرِ شُهُودٍ قَالَ: أَجَلْ، قُلْت: وَهَذَا كُلُّهُ فَاسِدٌ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ: أَجَلْ قُلْت: فَلَمَّا لَمْ يَسْأَلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْعَقْدِ كَانَ عَفْوًا لِفَوْتِهِ كَمَا حَكَمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ بِعَفْوِ الرِّبَا إذَا فَاتَ بِقَبْضِهِ وَرَدَّ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَدْرَكَهُ كَمَا رَدَّ مَا جَاوَزَ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَدْرَكَهُنَّ مَعَهُ وَالْعُقَدُ كُلُّهَا لَوْ ابْتَدَأَتْ فِي الْإِسْلَامِ فَاسِدَةً فَكَيْفَ نَظَرْت إلَى فَسَادِهَا مَرَّةً وَلَمْ تَنْظُرْ أُخْرَى فَرَجَعَ بَعْضُ أَصْحَابِهِمْ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: مَا عَلِمْتُ أَحَدًا احْتَجَّ بِأَحْسَنَ مِمَّا احْتَجَجْتَ بِهِ وَلَقَدْ خَالَفْتُ أَصْحَابِي فِيهِ مُنْذُ زَمَانٍ وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ عَلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقِيَاسُ. [بَابُ ارْتِدَادِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ هُمَا وَمِنْ شِرْكٍ إلَى شِرْكٍ] ٍ مِنْ كِتَابِ جَامِعِ الْخُطْبَةِ وَمِنْ كِتَابِ الْمُرْتَدِّ وَمِنْ كِتَابِ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا ارْتَدَّا أَوْ أَحَدُهُمَا مُنِعَا الْوَطْءَ فَإِنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ قَبْلَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِمَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ أَصَابَهَا فِي الرِّدَّةِ، فَإِنْ اجْتَمَعَ إسْلَامُهُمَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ، وَلَوْ هَرَبَ مُرْتَدًّا ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مُسْلِمًا وَادَّعَى أَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَهَا فَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا. (قَالَ) : وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَارْتَدَّتْ فَلَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ مِنْ قِبَلِهَا، وَإِنْ ارْتَدَّ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ مِنْ قِبَلِهِ، وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ نَصْرَانِيَّةٌ فَتَمَجَّسَتْ أَوْ تَزَنْدَقَتْ فَكَالْمُسْلِمَةِ تُرِيدُ. (وَقَالَ) فِي كِتَابِ الْمُرْتَدِّ حَتَّى تَرْجِعَ إلَى الَّذِي حَلَّتْ بِهِ مِنْ يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ، وَمَنْ دَانَ دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ الْعَرَبِ أَوْ الْعَجَمِ غَيْرَ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ وَمَا يَحْرُمُ مِنْهُ أَوْ يَحِلُّ كَأَهْلِ الْأَوْثَانِ (وَقَالَ) فِي كِتَابِ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ مَنْ ارْتَدَّ مِنْ يَهُودِيَّةٍ إلَى نَصْرَانِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ إلَى يَهُودِيَّةٍ حَلَّ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ الَّذِي خَرَجَتْ إلَيْهِ حَلَّ نِكَاحُهَا (وَقَالَ) فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ لَا يُنْكَحُ مَنْ ارْتَدَّ عَنْ أَصْلِ دِينِ آبَائِهِ؛ لِأَنَّهُمْ بَدَّلُوا بِغَيْرِهِ الْإِسْلَامَ فَخَالَفُوا حَالَهُمْ عَمَّا أُذِنَ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ عَلَيْهِ وَأُبِيحَ مِنْ طَعَامِهِمْ وَنِسَائِهِمْ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 274 [بَابُ طَلَاقِ الشِّرْكِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذْ أَثْبَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِكَاحَ الشِّرْكِ وَأَقَرَّ أَهْلَهُ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَجُزْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ طَلَاقُ الشِّرْكِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَثْبُتُ بِثُبُوتِ النِّكَاحِ وَيَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ فَإِنْ أَسْلَمَا وَقَدْ طَلَّقَهَا فِي الشِّرْكِ ثَلَاثًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ فِي الشِّرْكِ حَلَّتْ لَهُ وَلِمُسْلِمٍ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا. [بَابُ عَقْدِ نِكَاحِ أَهْلِ الذِّمَّةِ] ِ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ ثَلَاثَةِ كُتُبٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعُقْدَةُ نِكَاحِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُهُورِهِمْ كَأَهْلِ الْحَرْبِ فَإِنْ نَكَحَ نَصْرَانِيٌّ وَثَنِيَّةً أَوْ مَجُوسِيَّةً أَوْ نَكَحَ وَثَنِيٌّ نَصْرَانِيَّةً أَوْ مَجُوسِيَّةً لَمْ أَفْسَخْ مِنْهُ شَيْئًا إذَا أَسْلَمُوا. (قَالَ) : وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ مَنْ وُلِدَ مِنْ وَثَنِيٍّ وَنَصْرَانِيَّةٍ وَلَا مِنْ نَصْرَانِيٍّ وَوَثَنِيَّةٍ وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ ابْنَتِهِمَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كِتَابِيَّةً خَالِصَةً (وَقَالَ) وَفِي كِتَابٍ آخَرَ إنْ كَانَ أَبُوهَا نَصْرَانِيًّا حَلَّتْ، وَإِنْ كَانَ وَثَنِيًّا لَمْ تَحِلَّ؛ لِأَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى النَّسَبِ وَلَيْسَتْ كَالصَّغِيرَةِ يُسْلِمُ أَحَدُ أَبَوَيْهَا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُشْرِكُهُ الشِّرْكُ وَالشِّرْكُ يُشْرِكُهُ الشِّرْكُ. (قَالَ) : وَلَوْ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا وَجَبَ أَنْ نَحْكُمَ بَيْنَهُمْ كَانَ الزَّوْجُ الْجَانِيَ أَوْ الزَّوْجَةُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُكْمٌ مَضَى لَمْ نُزَوِّجْهُمْ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشُهُودٍ مُسْلِمِينَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا قَرِيبٌ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهُ حُكْمٌ عَلَيْهَا فَإِذَا تَحَاكَمُوا إلَيْنَا بَعْدَ النِّكَاحِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُ فِي الْإِسْلَامِ أَجَزْنَاهُ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ قَدْ مَضَى فِي الشِّرْكِ وَكَذَلِكَ مَا قَبَضَتْ مِنْ مَهْرٍ حَرَامٍ، وَلَوْ قَبَضَتْ نِصْفَهُ فِي الشِّرْكِ حَرَامًا ثُمَّ أَسْلَمَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَالنَّصْرَانِيُّ فِي إنْكَاحِ ابْنَتِهِ وَابْنِهِ الصَّغِيرَيْنِ كَالْمُسْلِمِ. [بَابُ إتْيَانِ الْحَائِضِ وَوَطْءِ اثْنَتَيْنِ قَبْلَ الْغُسْلِ] بَابُ إتْيَانِ الْحَائِضِ وَوَطْءِ اثْنَيْنِ قَبْلَ الْغُسْلِ مِنْ هَذَا وَمِنْ كِتَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِاعْتِزَالِ الْحُيَّضِ فَاسْتَدْلَلْنَا بِالسُّنَّةِ عَلَى مَا أَرَادَ فَقُلْنَا: تَشُدُّ إزَارَهَا عَلَى أَسْفَلِهَا وَيُبَاشِرُهَا فَوْقَ إزَارِهَا حَتَّى يَطْهُرْنَ حَتَّى يَنْقَطِعَ الدَّمُ وَتَرَى الطُّهْرَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الطَّهَارَةَ الَّتِي تَحِلُّ بِهَا الصَّلَاةُ الْغُسْلُ أَوْ التَّيَمُّمُ. (قَالَ) : وَفِي تَحْرِيمِهَا لِأَذَى الْمَحِيضِ كَالدَّلَالَةِ عَلَى تَحْرِيمِ الدُّبُرِ؛ لِأَنَّ أَذَاهُ لَا يَنْقَطِعُ، وَإِنْ وَطِئَ فِي الدَّمِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا يَعُودُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ إمَاءٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْتِيَهُنَّ مَعًا قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ، وَلَوْ تَوَضَّأَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَأُحِبُّ لَوْ غَسَلَ فَرْجَهُ قَبْلَ إتْيَانِ الَّتِي بَعْدَهَا، وَلَوْ كُنَّ حَرَائِرَ فَحَلَلْنَهُ فَكَذَلِكَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 275 [إتْيَانُ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ] َّ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِنْ كِتَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي إتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ إلَى إحْلَالِهِ وَآخَرُونَ إلَى تَحْرِيمِهِ، وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ تَقُولُ: مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي قُبُلِهَا مِنْ دُبُرِهَا جَاءَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَيِّ الْخُرْبَتَيْنِ أَوْ فِي أَيِّ الْخُرْزَتَيْنِ أَوْ فِي أَيِّ الْخُصْفَتَيْنِ أَمِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا فَنَعَمْ أَمْ مِنْ دُبُرِهَا فِي دُبُرِهَا فَلَا إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَلَسْت أُرَخِّصُ فِيهِ بَلْ أَنْهَى عَنْهُ فَأَمَّا التَّلَذُّذُ بِغَيْرِ إيلَاجٍ بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ أَصَابَهَا فِي الدُّبُرِ لَمْ يُحْصِنْهَا وَيَنْهَاهُ الْإِمَامُ فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ فَإِنْ كَانَ فِي زِنًا حَدَّهُ، وَإِنْ كَانَ غَاصِبًا أَغْرَمَهُ الْمَهْرَ وَأَفْسَدَ حَجَّهُ. [الشِّغَارُ وَمَا دَخَلَ فِيهِ] ِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا أَنْكَحَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أَوْ الْمَرْأَةَ تَلِي أَمْرَهَا الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أَوْ الْمَرْأَةَ تَلِي أَمْرَهَا عَلَى أَنَّ صَدَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الْأُخْرَى وَلَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقًا فَهَذَا الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَفْسُوخٌ، وَلَوْ سَمَّى لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا صَدَاقًا فَلَيْسَ بِالشِّغَارِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَالْمَهْرُ فَاسِدٌ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَنِصْفُ مَهْرٍ إنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ ثَبَتَ النِّكَاحُ بِلَا مَهْرٍ قِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجَازَهُ فِي كِتَابِهِ فَأَجَزْنَاهُ وَالنِّسَاءُ مُحَرَّمَاتُ الْفُرُوجِ إلَّا بِمَا أَحَلَّهُنَّ اللَّهُ بِهِ فَلَمَّا نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ لَمْ أُحِلَّ مُحَرَّمًا بِمُحَرَّمٍ وَبِهَذَا قُلْنَا فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالْمُحَرَّمِ. (قَالَ) : وَقُلْت لِبَعْضِ النَّاسِ: أَجَزْت نِكَاحَ الشِّغَارِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَدَدْت نِكَاحَ الْمُتْعَةِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا تَحَكُّمٌ أَرَأَيْت إنْ عُورِضْت فَقِيلَ لَك «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا أَوْ عَلَى عَمَّتِهَا» وَهَذَا اخْتِيَارٌ فَأُجِزْهُ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قِيلَ: وَكَذَلِكَ عَقْدُ الشِّغَارِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الشِّغَارِ إنَّمَا نَهَى عَنْ النِّكَاحِ نَفْسِهِ لَا عَنْ الصَّدَاقِ، وَلَوْ كَانَ عَنْ الصَّدَاقِ لَكَانَ النِّكَاحُ ثَابِتًا وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا. [نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَالْمُحَلِّلِ] ِ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَمِنْ الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ وَمِنْ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَأَكْلِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 276 لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ» . (قَالَ) : وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ ثَابِتًا فَهُوَ مُبَيِّنٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَلَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ ثُمَّ قَالَ هِيَ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . (قَالَ) : وَفِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب: 49] فَلَمْ يُحَرِّمْهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْأَزْوَاجِ إلَّا بِالطَّلَاقِ وَقَالَ تَعَالَى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ} [البقرة: 229] وَقَالَ تَعَالَى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} [النساء: 20] فَجَعَلَ إلَى الْأَزْوَاجِ فُرْقَةَ مَنْ عَقَدُوا عَلَيْهِ النِّكَاحَ مَعَ أَحْكَامِ مَا بَيْنَ الْأَزْوَاجِ فَكَانَ بَيِّنًا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ مَنْسُوخٌ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ إلَى مُدَّةٍ ثُمَّ نَجِدُهُ يَنْفَسِخُ بِلَا إحْدَاثِ طَلَاقٍ فِيهِ وَلَا فِيهِ أَحْكَامُ الْأَزْوَاجِ. [بَابُ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ» وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ رَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَكَحَ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَهُوَ مُحْرِمٌ قُلْت: رِوَايَةُ عُثْمَانَ ثَابِتَةٌ وَيَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ ابْنُ أُخْتِهَا وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَتِيقُهَا أَوْ ابْنُ عَتِيقِهَا يَقُولَانِ: نَكَحَهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَثَالِثٌ وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَيَنْفَرِدُ عَلَيْك حَدِيثُ عُثْمَانَ الثَّابِتُ وَقُلْت: أَلَيْسَ أَعْطَيْتنِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَظَرْت فِيمَا فَعَلَ أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ فَأَخَذْت بِهِ وَتَرَكْت الَّذِي يُخَالِفُهُ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْت فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَيَزِيدُ بْنُ ثَابِتٍ يَرُدَّانِ نِكَاحَ الْمُحْرِمِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا أَعْلَمُ لَهُمَا مُخَالِفًا فَلِمَ لَا قُلْت بِهِ؟ . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ كَانَ الْمُحْرِمُ حَاجًّا فَحَتَّى يَرْمِيَ وَيَحْلِقَ وَيَطُوفَ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَحَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ فَإِنْ نَكَحَ قَبْلَ ذَلِكَ فَمَفْسُوخٌ وَالرَّجْعَةُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى النِّكَاحِ لَيْسَا بِنِكَاحٍ. [الْعَيْبُ فِي الْمَنْكُوحَةِ] ِ مِنْ كِتَابِ نِكَاحِ الْجَدِيدِ وَمِنْ النِّكَاحِ الْقَدِيمِ وَمِنْ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ إمْلَاءٌ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَمَسَّهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ عَلَى وَلِيِّهَا وَقَالَ أَبُو الشَّعْثَاءِ: أَرْبَعٌ لَا يَجُزْنَ فِي النِّكَاحِ إلَّا أَنْ تُسَمَّى: الْجُنُونُ، وَالْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ، وَالْقَرْنُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : الْقَرْنُ الْمَانِعُ لِلْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهَا فِي غَيْرِ مَعْنَى النِّسَاءِ. (قَالَ) : فَإِنْ اخْتَارَ فِرَاقَهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَا نِصْفَ مَهْرٍ وَلَا مُتْعَةَ، وَإِنْ اخْتَارَ فِرَاقَهَا بَعْدَ الْمَسِيسِ فَصَدَّقَتْهُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا بِالْمَسِيسِ وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ فِي عِدَّتِهَا وَلَا سُكْنَى وَلَا يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى وَلِيِّهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الَّتِي نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا: فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ مَسَّهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا وَلَمْ يَرُدَّهُ بِهِ عَلَيْهَا وَهِيَ الَّتِي غَرَّتْهُ فَهُوَ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ الَّذِي لِلزَّوْجِ فِيهِ الْخِيَارُ أَوْلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 277 أَنْ يَكُونَ لِلْمَرْأَةِ وَإِذَا كَانَ لَهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَغْرَمَهُ وَلِيُّهَا، وَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الَّتِي نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا أَنَّ لَهَا الْمَهْرَ. (قَالَ) : وَمَا جَعَلْتُ لَهُ فِيهِ الْخِيَارَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ ثُمَّ حَدَثَ بِهَا فَلَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى قَائِمٌ فِيهَا لِحَقِّهِ فِي ذَلِكَ وَحَقِّ الْوَلَدِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَذَلِكَ مَا فَسَخَ عَقْدَ نِكَاحِ الْأَمَةِ مِنْ الطُّولِ إذَا حَدَثَ بَعْدَ النِّكَاحِ فَسْخُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْنَى الَّذِي يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَكَذَلِكَ هِيَ فِيهِ فَإِنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَا مَهْرَ وَلَا مُتْعَةَ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ حَتَّى أَصَابَهَا فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ فَلَهَا الْمَهْرُ مَعَ الْفِرَاقِ وَاَلَّذِي يَكُونُ بِهِ مِثْلُ الرَّتْقِ بِهَا أَنْ يَكُونَ مَجْبُوبًا فَأُخَيِّرُهَا مَكَانَهَا وَأَيُّهُمَا تَرَكَهُ أَوْ وَطِئَ بَعْدَ الْعِلْمِ فَلَا خِيَارَ لَهُ (وَقَالَ) فِي الْقَدِيمِ: إنْ حَدَثَ بِهِ فَلَهَا الْفَسْخُ وَلَيْسَ لَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) أَوْلَى بِقَوْلِهِ: إنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْحَدِيثِ كَمَا كَانَا فِيهِ سَوَاءً قَبْلَ الْحَدِيثِ. (قَالَ) : وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ فِيمَا زَعَمَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالطِّبِّ يُعْدِي وَلَا تَكَادُ نَفْسُ أَحَدٍ تَطِيبُ أَنْ يُجَامِعَ مَنْ هُوَ بِهِ وَلَا نَفْسُ امْرَأَةٍ بِذَلِكَ مِنْهُ وَأَمَّا الْوَلَدُ فَقَلَّمَا يَسْلَمُ فَإِنْ سَلِمَ أَدْرَكَ ذَلِكَ نَسْلَهُ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ، وَالْجُنُونُ وَالْخَبَلُ لَا يَكُونُ مَعَهُمَا تَأْدِيَةٌ لِحَقِّ زَوْجٍ وَلَا زَوْجَةٍ بِعَقْلٍ وَلَا امْتِنَاعٌ مِنْ مُحَرَّمٍ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ مِثْلِهِ الْقَتْلُ وَلِوَلِيِّهَا مَنْعُهَا مِنْ نِكَاحِ الْمَجْنُونِ كَمَا يَمْنَعُهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ مِنْ حَكَمٍ بَيْنَهُمَا فِيهِ الْخِيَارُ أَوْ الْفُرْقَةُ؟ قِيلَ: نَعَمْ الْمَوْلَى يَمْتَنِعُ مِنْ الْجِمَاعِ بِيَمِينٍ لَوْ كَانَتْ عَلَى غَيْرَ مَأْثَمٍ كَانَتْ طَاعَةُ اللَّهِ أَنْ لَا يَحْنَثَ فَأُرَخِّصُ لَهُ فِي الْحِنْثِ بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَالْعِلْمُ مُحِيطٌ بِأَنَّ الضَّرَرَ بِمُبَاشَرَةِ الْأَجْذَمِ وَالْأَبْرَصِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَخْبُولِ أَكْثَرُ مِنْهَا بِتَرْكِ مُبَاشَرَةِ الْمَوْلَى مَا لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا مُسْلِمَةٌ فَإِذَا هِيَ كِتَابِيَّةٌ كَانَ لَهُ فَسْخُ النِّكَاحِ بِلَا نِصْفِ مَهْرٍ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا كِتَابِيَّةٌ فَإِذَا هِيَ مُسْلِمَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَسْخُ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ كِتَابِيَّةٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَمَةً عَلَى أَنَّهَا نَصْرَانِيَّةٌ فَأَصَابَهَا مُسْلِمَةً فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا وَإِذَا اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا مُسْلِمَةٌ فَوَجَدَهَا نَصْرَانِيَّةً فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا. [بَابُ الْأَمَةِ تَغُرُّ مِنْ نَفْسِهَا] مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ الْجَدِيدِ وَمِنْ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ وَمِنْ نِكَاحِ الْقَدِيمِ وَمِنْ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، إمْلَاءٌ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا وَكَّلَ بِتَزْوِيجِ أَمَتِهِ فَذَكَرَتْ وَالْوَكِيلُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا حُرَّةٌ فَزَوَّجَهَا ثُمَّ عَلِمَ فَلَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ اخْتَارَ فِرَاقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا نِصْفَ مَهْرٍ وَلَا مُتْعَةَ، وَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا سُمِّيَ أَوْ أَقَلَّ؛ لِأَنَّ فِرَاقَهَا فَسْخٌ وَلَا يُرْجَعُ بِهِ فَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْ فَهُمْ أَحْرَارٌ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمْ يَوْمَ سَقَطُوا وَذَلِكَ أَوَّلُ مَا كَانَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ أَنْفُسِهِمْ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الَّذِي غَرَّهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَغْرَمَهَا فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا فَوَلَدُهُ أَحْرَارٌ؛ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَ عَلَى أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ وَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ حَتَّى يُعْتَقَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقِيمَةُ الْوَلَدِ فِي مَعْنَاهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا غُرْمَ عَلَى مَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِقَتْلٍ خَطَأٍ أَوْ بِعِتْقٍ حَتَّى يَغْرَمَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْغَارَّةُ رَجَعَ عَلَيْهَا بِهِ إذَا أُعْتِقَتْ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُكَاتَبَةً فَيَرْجِعَ عَلَيْهَا فِي كِتَابَتِهَا؛ لِأَنَّهَا كَالْجِنَايَةِ فَإِنْ عَجَزَتْ فَحَتَّى تُعْتَقَ فَإِنْ ضَرَبَهَا أَحَدٌ فَأَلْقَتْ جَنِينًا فَفِيهِ مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ جَعَلَ الشَّافِعِيُّ جَنِين الْمُكَاتَبَةَ كَجَنِينِ الْحُرَّةِ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 278 [الْأَمَةُ تُعْتَقُ وَزَوْجُهَا عَبْدٌ] ٌ مِنْ كِتَابٍ قَدِيمٍ وَمِنْ إمْلَاءٍ وَكِتَابِ نِكَاحٍ وَطَلَاقٍ إمْلَاءٌ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ بَرِيرَةَ أُعْتِقَتْ فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (قَالَ) : وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَيْسَ بَيْعُهَا طَلَاقَهَا إذْ خَيِّرْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ بَيْعِهَا فِي زَوْجِهَا وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ عَبْدًا «وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَا عَبَّاسُ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ رَاجَعْته فَإِنَّمَا هُوَ أَبُو وَلَدِك فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَمْرِك؟ قَالَ: إنَّمَا أَنَا شَفِيعٌ قَالَتْ: فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عَبْدًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يُشْبِهُ الْعَبْدُ الْحُرَّ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَلِأَنَّ لِلسَّيِّدِ إخْرَاجَهُ عَنْهَا وَمَنْعَهُ مِنْهَا وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ لِوَلَدِهَا وَلَا وِلَايَةَ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا فَلِهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - كَانَ لَهَا الْخِيَارُ إذَا أُعْتِقَتْ مَا لَمْ يُصِبْهَا زَوْجُهَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا أَعْلَمُ فِي تَأْقِيتِ الْخِيَارِ شَيْئًا يُتْبَعُ إلَّا قَوْلَ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَمَسَّهَا. (قَالَ) : فَإِنْ أَصَابَهَا فَادَّعَتْ الْجَهَالَةَ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا خِيَارَ لَهَا. وَالْآخَرُ: لَهَا الْخِيَارُ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيْنَا (قُلْت أَنَا) وَقَدْ قُطِعَ بِأَنَّ لَهَا الْخِيَارَ فِي كِتَابَيْنِ وَلَا مَعْنَى فِيهَا لِقَوْلَيْنِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ وَلَمْ يَمَسَّهَا فَلَا صَدَاقَ لَهَا فَإِنْ أَقَامَتْ مَعَهُ فَالصَّدَاقُ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ، وَلَوْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ طَلْقَةٍ فَلَهَا الْفَسْخُ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهِيَ عَلَى وَاحِدَةٍ وَعَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُؤَجِّلَهَا أَكْثَرَ مِنْ مُقَامِهَا فَإِنْ كَانَتْ صَبِيَّةً فَحَتَّى تَبْلُغَ وَلَا خِيَارَ لِأَمَةٍ حَتَّى تَكْمُلَ فِيهَا الْحُرِّيَّةُ، وَلَوْ أُعْتِقَ قَبْلَ الْخِيَارِ فَلَا خِيَارَ لَهَا. [أَجَلُ الْعِنِّينِ وَالْخَصِيِّ غَيْرِ الْمَجْبُوبِ وَالْخُنْثَى] مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابٍ قَدِيمٍ وَمِنْ كِتَابِ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَجَّلَ الْعِنِّينَ سَنَةً. (قَالَ) : وَلَا أَحْفَظُ عَمَّنْ لَقِيته خِلَافًا فِي ذَلِكَ فَإِنْ جَامَعَ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ قُطِعَ مِنْ ذَكَرِهِ فَبَقِيَ مِنْهُ مَا يَقَعُ مَوْقِعَ الْجِمَاعِ أَوْ كَانَ خُنْثَى يَبُولُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الرِّجَالُ أَوْ كَانَ يُصِيبُ غَيْرَهَا وَلَا يُصِيبُهَا فَسَأَلَتْ فِرْقَتَهُ أَجَّلْته سَنَةً مِنْ يَوْمِ تَرَافَعَا إلَيْنَا. (قَالَ) : فَإِنْ أَصَابَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَلَا تَكُونُ إصَابَتُهَا إلَّا بِأَنْ يُغَيِّبَ الْحَشَفَةَ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْ الذَّكَرِ فِي الْفَرْجِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا خَيَّرَهَا السُّلْطَانُ فَإِنْ شَاءَتْ فِرَاقَهُ فُسِخَ نِكَاحُهَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ إلَيْهَا دُونَهُ فَإِنْ أَقَامَتْ مَعَهُ فَهُوَ تَرْكٌ لِحَقِّهَا فَإِنْ فَارَقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ سَأَلَتْ أَنْ يُؤَجَّلَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَكَيْفَ يَكُونُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ وَلَمْ تَكُنْ إصَابَةٌ وَأَصْلُ قَوْلِهِ لَوْ اسْتَمْتَعَ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَقَالَتْ: لَمْ يُصِبْنِي وَطَلَّقَ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 279 وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ قَالَتْ: لَمْ يُصِبْنِي، وَقَالَ: قَدْ أَصَبْتهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا تُرِيدُ فَسْخَ نِكَاحِهَا وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ فَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا أُرِيَهَا أَرْبَعًا مِنْ النِّسَاءِ عُدُولًا وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهَا فَإِنْ شَاءَ أَحْلَفَهَا ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ نَكَلَتْ وَحَلَفَ أَقَامَ مَعَهَا وَذَلِكَ أَنَّ الْعُذْرَةَ قَدْ تَعُودُ فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِهَا إذَا لَمْ يُبَالِغْ فِي الْإِصَابَةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلِلْمَرْأَةِ الْخِيَارُ فِي الْمَجْبُوبِ وَغَيْرِ الْمَجْبُوبِ مِنْ سَاعَتِهَا؛ لِأَنَّ الْمَجْبُوبَ لَا يُجَامِعُ أَبَدًا وَالْخَصِيُّ نَاقِصٌ عَنْ الرِّجَالِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ ذَكَرٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَلِمَتْ فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يُجَامِعْهَا الصَّبِيُّ أُجِّلَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) مَعْنَاهُ عِنْدِي صَبِيٌّ قَدْ بَلَغَ أَنْ يُجَامَعَ مِثْلُهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ كَانَ خُنَثِي يَبُولُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الرَّجُلُ فَهُوَ رَجُلٌ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ تَبُولُ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ الْمَرْأَةُ فَهِيَ امْرَأَةٌ تَتَزَوَّجُ رَجُلًا، وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا لَمْ يُزَوَّجْ، وَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِنَفْسِك فَأَيُّهُمَا شِئْت أَنْكَحْنَاك عَلَيْهِ ثُمَّ لَا يَكُونُ لَك غَيْرُهُ أَبَدًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) فَبِأَيِّهِمَا تَزَوَّجَ وَهُوَ مُشْكِلٌ كَانَ لِصَاحِبِهِ الْخِيَارُ لِنَقْصِهِ قِيَاسًا عَلَى قَوْلٍ فِي الْخَصِيِّ لَهُ الذَّكَرُ إنَّ لَهَا فِيهِ الْخِيَارَ لِنَقْصِهِ. [الْإِحْصَانُ الَّذِي بِهِ يُرْجَمُ مَنْ زَنَى] مِنْ كِتَابِ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِذَا أَصَابَ الْحُرُّ الْبَالِغُ أَوْ أُصِيبَتْ الْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ فَهُوَ إحْصَانٌ فِي الشِّرْكِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا فَلَوْ كَانَ الْمُشْرِكُ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا كَمَا قَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَمَّا رَجَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ مُحْصَنٍ. [الصَّدَاقُ] ُ مُخْتَصَرٌ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَاقِ وَمِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَمِنْ كِتَابِ اخْتِلَافِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : ذَكَرَ اللَّهُ الصَّدَاقَ وَالْأَجْرَ فِي كِتَابِهِ وَهُوَ الْمَهْرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] فَدَلَّ أَنَّ عُقْدَةَ النِّكَاحِ بِالْكَلَامِ وَأَنَّ تَرْكَ الصَّدَاقِ لَا يُفْسِدُهَا فَلَوْ عُقِدَ بِمَجْهُولٍ أَوْ بِحَرَامٍ ثَبَتَ النِّكَاحُ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: 20] دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا وَقْتَ لِلصَّدَاقِ يَحْرُمُ بِهِ لِتَرْكِهِ النَّهْيَ عَنْ التَّكْثِيرِ وَتَرْكِهِ حَدَّ الْقَلِيلِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَدُّوا الْعَلَائِقَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْعَلَائِقُ؟ قَالَ مَا تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ» . (قَالَ) : وَلَا يَقَعُ اسْمُ عَلَقٍ إلَّا عَلَى مَا لَهُ قِيمَةٌ، وَإِنْ قَلَّتْ مِثْلَ الْفَلْسِ وَمَا أَشْبَهَهُ «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ الْتَمِسْ، وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ هَلْ مَعَك شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: نَعَمْ سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا فَقَالَ قَدْ زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» وَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اسْتَحَلَّ بِدِرْهَمٍ فَقَدْ اسْتَحَلَّ» وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي ثَلَاثِ قَبَضَاتِ زَبِيبٍ مَهْرٌ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ لَوْ أَصْدَقَهَا سَوْطًا جَازَ، وَقَالَ رَبِيعَةُ: دِرْهَمٌ، قَالَ: قُلْت: وَأَقَلُّ؟ قَالَ: وَنِصْفُ دِرْهَمٍ قَالَ: قُلْت: لَهُ فَأَقَلُّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَحَبَّةُ حِنْطَةٍ أَوْ قَبْضَةُ حِنْطَةٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا لِشَيْءٍ أَوْ مَبِيعًا بِشَيْءٍ أَوْ أُجْرَةً لِشَيْءٍ جَازَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَالِكَةً لِأَمْرِهَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 280 [الْجُعَلُ وَالْإِجَارَةُ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَاقِ] ِ وَكِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ الْقَدِيمِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا أَنْكَحَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقُرْآنِ فَلَوْ نَكَحَهَا عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهَا قُرْآنًا أَوْ يَأْتِيَهَا بِعَبْدِهَا الْآبِقِ فَعَلَّمَهَا أَوْ جَاءَهَا بِالْآبِقِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رُجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ أَجْرِ التَّعْلِيمِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَبِنِصْفِ أَجْرِ الْمَجِيءِ بِالْآبِقِ فَإِنْ لَمْ يُعَلِّمْهَا أَوْ لَمْ يَأْتِهَا بِالْآبِقِ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا يُعَلِّمُهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَكَذَا لَوْ قَالَ: نَكَحْت عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ فَهَلَكَ الثَّوْبُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ مَاتَ رَجَعَتْ فِي مَالِهِ بِأَجْرِ مِثْلِهِ فِي تَعْلِيمِهِ. [صَدَاقُ مَا يَزِيدُ بِبَدَنِهِ وَيَنْقُصُ] ُ مِنْ الْجَامِعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ الصَّدَاقِ وَنِكَاحِ الْقَدِيمِ وَمِنْ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَمِنْ مَسَائِلَ شَتَّى. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكُلُّ مَا أَصْدَقَهَا فَمَلَكَتْهُ بِالْعُقْدَةِ وَضَمِنَتْهُ بِالدَّفْعِ فَلَهَا زِيَادَتُهُ وَعَلَيْهَا نُقْصَانُهُ فَإِنْ أَصْدَقَهَا أَمَةً أَوْ عَبْدًا صَغِيرَيْنِ فَكَبِرَا أَوْ أَعْمَيَيْنِ فَأَبْصَرَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَعَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَتِهِمَا يَوْمَ قَبَضَهُمَا إلَّا أَنْ تَشَاءَ دَفْعَهُمَا زَائِدَيْنِ فَلَا يَكُونُ لَهُ إلَّا ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ غَيَّرَتْهُمَا بِأَنْ يَكُونَا كَبِرَا كِبَرًا بَعِيدًا بِالصَّغِيرِ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْكَبِيرُ فَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ قِيمَتِهِمَا، وَإِنْ كَانَا نَاقِصَيْنِ فَلَهُ نِصْفُ قِيمَتِهِمَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُمَا نَاقِصَيْنِ فَلَيْسَ لَهَا مَنْعُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَا يَصْلُحَانِ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الصَّغِيرُ فِي نَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَقْضِ لَهُ الْقَاضِي بِنِصْفِهِ فَتَكُونُ هِيَ حِينَئِذٍ ضَامِنَةً لِمَا أَصَابَهُ فِي يَدَيْهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا وَالنَّخْلُ مُطْلِعَةٌ فَأَرَادَ أَخْذَ نِصْفِهَا بِالطَّلْعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَكَانَتْ كَالْجَارِيَةِ الْحُبْلَى وَالشَّاةِ الْمَاخِصِ وَمُخَالِفَةً لَهُمَا فِي أَنَّ الْإِطْلَاعَ لَا يَكُونُ مُغَيِّرًا لِلنَّخْلِ عَنْ حَالِهَا فَإِنْ شَاءَتْ أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ نِصْفَهَا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَجَرٍ إلَّا أَنْ يُرْقِلُ الشَّجَرُ فَيَصِيرُ قِحَامًا فَلَا يَلْزَمُهُ وَلَيْسَ لَهَا تَرْكُ الثَّمَرَةِ عَلَى أَنْ تَسْتَجْنِيَهَا ثُمَّ تَدْفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ الشَّجَرِ لَا يَكُونُ حَقُّهُ مُعَجَّلًا فَتُؤَخِّرُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَى أَنْ تَجِدَ الثَّمَرَةَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَذَلِكَ أَنَّ النَّخْلَ وَالشَّجَرَ يَزِيدَانِ إلَى الْجِذَاذِ وَأَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَهَا وَفِيهَا الزِّيَادَةُ كَانَ مَحُولًا دُونَهَا وَكَانَتْ هِيَ الْمَالِكَةُ دُونَهُ وَحَقُّهُ فِي قِيمَتِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) لَيْسَ هَذَا عِنْدِي بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ يُجِيزُ بَيْعَ النَّخْلِ قَدْ أُبِّرَتْ فَيَكُونُ ثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ حَتَّى يَسْتَجْنِيَهَا وَالنَّخْلُ لِلْمُشْتَرِي مُعَجَّلَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ مُؤَخَّرَةً مَا جَازَ بَيْعُ عَيْنٍ مُؤَخَّرَةٍ فَلَمَّا جَازَتْ مُعَجَّلَةً وَالثَّمَرُ فِيهَا جَازَ رَدُّ نِصْفِهَا لِلزَّوْجِ مُعَجَّلًا وَالثَّمَرُ فِيهَا وَكَانَ رَدُّ النِّصْفِ فِي ذَلِكَ أَحَقَّ بِالْجَوَازِ مِنْ الشِّرَاءِ فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي الشِّرَاءِ جَازَ فِي الرَّدِّ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ تَزْرَعُهَا أَوْ تَغْرِسُهَا أَوْ تَحْرُثُهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) الزَّرْعُ مُضِرٌّ بِالْأَرْضِ مُنْقِصٌ لَهَا، وَإِنْ كَانَ لِحَصَادِهِ غَايَةٌ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي قَبُولِ نِصْفِ الْأَرْضِ مُنْتَقِصَةً أَوْ الْقِيمَةُ وَالزَّرْعُ لَهَا وَلَيْسَ ثَمَرُ النَّخْلِ مُضِرًّا بِهَا فَلَهُ نِصْفُ النَّخْلِ وَالثَّمَرُ لَهَا وَأَمَّا الْغِرَاسُ فَلَيْسَ بِشَبِيهٍ لَهُمَا؛ لِأَنَّ لَهُمَا غَايَةً يُفَارِقَانِ فِيهَا مَكَانَهُمَا مِنْ جِذَاذٍ وَحَصَادٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 281 الْغِرَاسُ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْأَرْضِ فَلَهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا وَأَمَّا الْحَرْثُ فَزِيَادَةٌ لَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُعْطِيَهُ نِصْفَ مَا زَادَ فِي مِلْكِهَا إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَهَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ وُلِدَتْ الْأَمَةُ فِي يَدَيْهِ أَوْ نَتَجَتْ الْمَاشِيَةُ فَنَقَصَتْ عَنْ حَالِهَا كَانَ الْوَلَدُ لَهَا دُونَهُ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهَا فَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ أَنْصَافَهَا نَاقِصَةً، وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ أَنْصَافَ قِيمَتِهَا يَوْمَ أَصْدَقَهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا قِيَاسُ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ بَابِ مَا جَاءَ فِي الصَّدَاقِ فِي كِتَابِ الْأُمِّ وَهُوَ قَوْلُهُ وَهَذَا خَطَأٌ عَلَى أَصْلِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ أَصْدَقَهَا عَرَضًا بِعَيْنِهِ أَوْ عَبْدًا فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهُ فَلَهَا قِيمَتُهُ يَوْمَ وَقَعَ النِّكَاحُ فَإِنْ طَلَبَتْهُ فَمَنَعَهَا فَهُوَ غَاصِبٌ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ مَا كَانَ قِيمَةً. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قَدْ قَالَ فِي كِتَابِ الْخُلْعِ: لَوْ أَصْدَقَهَا دَارًا فَاحْتَرَقَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهَا كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي أَنْ تَرْجِعَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ تَكُونَ لَهَا الْعَرْصَةُ بِحِصَّتِهَا مِنْ الْمَهْرِ، وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: لَوْ خَلَعَهَا عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا كَمَا يَرْجِعُ لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْهَا فَمَاتَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ الَّذِي قَبَضَتْ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ بَدَلَ النِّكَاحِ وَبَدَلَ الْخُلْعِ فِي مَعْنَى بَدَلِ الْبَيْعِ الْمُسْتَهْلَكِ فَإِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ وَقَدْ قَبَضَ الْبَدَلَ وَاسْتُهْلِكَ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْمُسْتَهْلَكِ وَكَذَلِكَ النِّكَاحُ وَالْخُلْعُ إذَا بَطَلَ بَدَلُهُمَا رَجَعَ بِقِيمَتِهِمَا وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ كَالْبَيْعِ الْمُسْتَهْلَكِ. (قَالَ) : وَلَوْ جَعَلَ ثَمَرَ النَّخْلِ فِي قَوَارِيرَ وَجَعَلَ عَلَيْهَا صَقْرًا مِنْ صَقْرِ نَخْلِهَا كَانَ لَهَا أَخْذُهُ وَنَزْعُهُ مِنْ الْقَوَارِيرِ فَإِذَا كَانَ إذَا نَزَعَ فَسَدَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ يُنْتَفَعُ بِهِ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي أَنْ تَأْخُذَهُ أَوْ تَأْخُذَ مِنْهُ مِثْلَهُ وَمِثْلَ صَقْرِهِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ أَوْ قِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ، وَلَوْ رَبَّهُ بِرُبٍّ مِنْ عِنْدَهُ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي أَنْ تَأْخُذَهُ وَتَنْزِعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الرُّبِّ أَوْ تَأْخُذَ مِثْلَ التَّمْرِ إذَا كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ الرُّبِّ لَا يَبْقَى يَابِسًا بَقَاءَ التَّمْرِ الَّذِي لَمْ يُصِبْهُ الرُّبُّ أَوْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ. (قَالَ) : وَكُلُّ مَا أُصِيبَ فِي يَدَيْهِ بِفِعْلِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ فِيهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَمَةٌ فَيَطَأهَا فَتَلِدُ مِنْهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَيَقُولُ: كُنْت أَرَاهَا لَا تَمْلِكُ إلَّا نِصْفَهَا حَتَّى أَدْخُلَ فَيَقُومُ الْوَلَدُ عَلَيْهِ يَوْمَ سَقَطَ وَيَلْحَقُ بِهِ وَلَهَا مَهْرُهَا، وَإِنْ شَاءَتْ أَنْ تَسْتَرِقَّهَا فَهِيَ لَهَا، وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ قِيمَتَهَا مِنْهُ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ قِيمَةً وَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَإِنَّمَا جُعِلَتْ لَهَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ تُغَيِّرُهَا عَنْ حَالِهَا يَوْمَ أَصْدَقَهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقَدْ قَالَ: وَلَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا فَأَصَابَتْ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّتْهُ أَنَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَهَذَا بِقَوْلِهِ أَوْلَى. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَإِذَا لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ أَنَّ لَهَا الرَّدَّ كَالرَّدِّ فِي الْبَيْعِ بِالْعَيْبِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ قِيمَةِ مَا رَدَّتْ فِي الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا تَرْجِعُ إلَى مَا دَفَعَتْ فَإِنْ كَانَ فَائِتًا فَقِيمَتُهُ وَكَذَلِكَ الْبُضْعُ عِنْدَهُ كَالْمَبِيعِ الْفَائِتِ، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي الْخُلْعِ لَوْ خَلَعَهَا بِعَبْدٍ فَأَصَابَ بِهِ عَيْبًا أَنَّهُ يَرُدُّهُ وَيَرْجِعُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَسَوَّى فِي ذَلِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَهَذَا بِقَوْلِهِ أَوْلَى. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَصْدَقَهَا شِقْصًا مِنْ دَارٍ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ فِي عَامَّةِ حُكْمِهِ كَالْبَيْعِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُهَا بِعَبْدٍ يُسَاوِي أَلْفًا عَلَى أَنْ زَادَتْهُ أَلْفًا وَمَهْرُ مِثْلِهَا يَبْلُغُ أَلْفًا فَأَبْطَلَهُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَأَجَازَهُ فِي الْآخَرِ وَجَعَلَ مَا أَصَابَ قَدْرَ الْمَهْرِ مِنْ الْعَبْدِ مَهْرًا وَمَا أَصَابَ قَدْرَ الْأَلْفِ مِنْ الْعَبْدِ مَبِيعًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) أَشْبَهَ عِنْدِي بِقَوْلِهِ أَنْ لَا يُجِيزَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجِيزُ الْبَيْعَ إذَا كَانَ فِي عَقْدِهِ كِرَاءٌ وَلَا الْكِتَابَةَ إذَا كَانَ فِي عَقْدِهَا بَيْعٌ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا فَدَبَّرَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَرْجِعْ فِي نِصْفِهِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَكُونُ إلَّا بِإِخْرَاجِهَا إيَّاهُ مِنْ مِلْكِهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قَدْ أَجَازَ الرُّجُوعَ فِي كِتَابِ التَّدْبِيرِ بِغَيْرِ إخْرَاجٍ لَهُ مِنْ مِلْكِهِ وَهُوَ بِقَوْلِهِ أَوْلَى. (قَالَ الْمُزَنِيّ) إذَا كَانَ التَّدْبِيرُ وَصِيَّةً لَهُ بِرَقَبَتِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِغَيْرِهِ بِرَقَبَتِهِ مَعَ أَنَّ رَدَّ نِصْفِهِ إلَيْهِ إخْرَاجٌ مِنْ الْمِلْكِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ فَوُجِدَ حُرًّا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا غَلَطٌ وَهُوَ يَقُولُ: لَوْ تَزَوَّجَهَا بِشَيْءٍ فَاسْتُحِقَّ رَجَعَتْ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَمْ تَكُنْ لَهَا قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْهُ فَهِيَ مِنْ مِلْكِ قِيمَةِ الْحُرِّ أَبْعَدُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا شَاهَدَ الزَّوْجُ الْوَلِيَّ وَالْمَرْأَةَ أَنَّ الْمَهْرَ كَذَا وَيُعْلِنُ أَكْثَرَ مِنْهُ فَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 282 فِي مَوْضِعِ السِّرِّ، وَقَالَ فِي غَيْرِهِ الْعَلَانِيَةُ وَهَذَا أَوْلَى عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى الْعُقُودِ وَمَا قَبْلَهَا وَعْدٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ عَقَدَ عَلَيْهِ النِّكَاحَ بِعِشْرِينَ يَوْمَ الْخَمِيسِ ثُمَّ عَقَدَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِثَلَاثِينَ وَطَلَبَتْهُمَا مَعًا فَهُمَا لَهَا؛ لِأَنَّهُمَا نِكَاحَانِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلزَّوْجِ أَنْ يَقُولَ: كَانَ الْفِرَاقُ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَهْرٌ وَنِصْفٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَصْدَقَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ أَلْفًا قُسِمَتْ عَلَى قَدْرِ مُهُورِهِنَّ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَرْبَعَةَ أَعْبُدٍ فِي صَفْقَةٍ فَيَكُونُ الثَّمَنُ مَقْسُومًا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمْ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَظِيرُهُنَّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ عَبْدًا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَتَجْهَلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَمَنَ عَبْدِهَا كَمَا جَهِلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَهْرَ نَفْسِهَا وَفَسَادُ الْمَهْرِ بِقَوْلِهِ أَوْلَى. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ أَصْدَقَ عَنْ ابْنِهِ وَدَفَعَ الصَّدَاقَ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ طَلَّقَ فَلِلِابْنِ النِّصْفُ كَمَا لَوْ وَهَبَهُ لَهُ فَقَبَضَهُ، وَلَوْ تَزَوَّجَ الْمُولَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِ وَلِيِّهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُجِيزَ النِّكَاحَ، وَإِنْ أَصَابَهَا فَلَا صَدَاقَ لَهَا وَلَا شَيْءَ تَسْتَحِلُّ بِهِ إذَا كُنْت لَا أَجْعَلُ عَلَيْهِ فِي سِلْعَةٍ يَشْتَرِيهَا فَيُتْلِفُهَا شَيْئًا لَمْ أَجْعَلْ عَلَيْهِ بِالْإِصَابَةِ شَيْئًا. [بَابُ التَّفْوِيضِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَاقِ] بَابُ التَّفْوِيضِ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَاقِ وَمِنْ النِّكَاحِ الْقَدِيمِ، وَمِنْ الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : التَّفْوِيضُ الَّذِي مَنْ تَزَوَّجَ بِهِ عُرِفَ أَنَّهُ تَفْوِيضٌ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ الثَّيِّبَ الْمَالِكَةَ لِأَمْرِهَا بِرِضَاهَا وَيَقُولُ لَهَا: أَتَزَوَّجُك بِغَيْرِ مَهْرٍ فَالنِّكَاحُ فِي هَذَا ثَابِتٌ فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا حَتَّى طَلَّقَهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ بَدَلًا مِنْ الْعُقْدَةِ وَلَا وَقْتَ فِيهَا وَاسْتُحْسِنَ بِقَدْرِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا أَوْ مَا رَأَى الْوَالِي بِقَدْرِ الزَّوْجَيْنِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسَمِّيَ مَهْرًا أَوْ مَاتَتْ فَسَوَاءٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي «أَنَّهُ قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ وَنُكِحَتْ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَمَاتَ زَوْجُهَا فَقَضَى لَهَا بِمَهْرِ نِسَائِهَا وَبِالْمِيرَاثِ» فَإِنْ كَانَ يَثْبُتُ فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَالُ مَرَّةً عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَمَرَّةً عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ وَمَرَّةً عَنْ بَعْضِ بَنِي أَشْجَعَ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا مَهْرَ وَلَهَا الْمِيرَاثُ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَابْنِ عُمَرَ. (قَالَ) : وَمَتَى طَلَبَتْ الْمَهْرَ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَفْرِضَهُ السُّلْطَانُ لَهَا أَوْ يَفْرِضَهُ هُوَ لَهَا بَعْدَ عِلْمِهَا بِصَدَاقِ مِثْلِهَا فَإِنْ فَرَضَهُ فَلَمْ تَرْضَهُ حَتَّى فَارَقَهَا لَمْ يَكُنْ إلَّا مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْعُقْدَةِ وَقَدْ يَدْخُلُ فِي التَّفْرِيضِ وَلَيْسَ بِالتَّفْوِيضِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ أَنْ تَقُولَ لَهُ: أَتَزَوَّجُك عَلَى أَنْ تَفْرِضَ لِي مَا شِئْت أَنْتَ أَوْ شِئْت أَنَا فَهَذَا كَالصَّدَاقِ الْفَاسِدِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا بِالتَّفْوِيضِ أَشْبَهُ. [تَفْسِيرُ مَهْرِ مِثْلِهَا] مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَاقِ وَكِتَابِ الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَتَى قُلْت: لَهَا مَهْرُ نِسَائِهَا فَإِنَّمَا أَعْنِي نِسَاءَ عَصَبَتِهَا وَلَيْسَ أُمُّهَا مِنْ نِسَائِهَا وَأَعْنِي نِسَاءَ بَلَدِهَا وَمَهْرَ مَنْ هُوَ فِي مِثْلِ سِنِّهَا وَعَقْلِهَا وَحُمْقِهَا وَجَمَالِهَا وَقُبْحِهَا وَيُسْرِهَا وَعُسْرِهَا وَأَدَبِهَا وَصَرَاحَتِهَا وَبِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا؛ لِأَنَّ الْمُهُورَ بِذَلِكَ تَخْتَلِفُ وَأَجْعَلُهُ نَقْدًا كُلَّهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْقِيمَةِ لَا يَكُونُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 283 بِدَيْنٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَسَبٌ فَمَهْرُ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهَا شَبَهًا فِيمَا وَصَفْت، وَإِنْ كَانَ نِسَاؤُهَا إذَا نَكَحْنَ فِي عَشَائِرِهِنَّ خَفَّفْنَ خَفَّفَتْ فِي عَشِيرَتِهَا. [الِاخْتِلَافُ فِي الْمَهْرِ] ِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَاقِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ تَحَالَفَا وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَبَدَأْت بِالرَّجُلِ وَهَكَذَا الزَّوْجُ وَأَبُو الصَّبِيَّةِ الْبِكْرِ وَوَرَثَةُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ مَا قَبَضَتْ مَهْرَهَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ فَلَا يَزُولُ إلَّا بِإِقْرَارِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ وَمَنْ إلَيْهِ الْحَقُّ فَإِنْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ الَّذِي قَبَضْت هَدِيَّةٌ وَقَالَ: بَلْ هُوَ مَهْرٌ فَقَدْ أَقَرَّتْ بِمَالٍ وَادَّعَتْ مِلْكَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. (قَالَ) : وَيَبْرَأُ بِدَفْعِ الْمَهْرِ إلَى أَبِي الْبِكْرِ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً الَّتِي يَلِي أَبُوهَا بُضْعَهَا وَمَالَهَا [الشَّرْطُ فِي الْمَهْرِ] ِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَاقِ وَمِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَمِنْ الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا عَقَدَ النِّكَاحَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِأَبِيهَا أَلْفًا فَالْمَهْرُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ لَيْسَ بِمَهْرٍ لَهَا وَلَا بِحَقٍّ لَهُ بِاشْتِرَاطِهِ إيَّاهُ، وَلَوْ نَكَحَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفٍ وَعَلَى أَنْ يُعْطِيَ أَبَاهَا أَلْفًا كَانَ جَائِزًا وَلَهَا مَنْعُهُ وَأَخْذُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ أَوْ وَكَالَةٌ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَلْفًا عَلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَنْكِحَ عَلَيْهَا أَوْ لَا يَتَسَرَّى أَوْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ مَنْعَ مَا لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَإِنْ كَانَ قَدْ زَادَهَا عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَزَادَهَا الشَّرْطَ أَبْطَلْتَ الشَّرْطَ وَلَمْ أَجْعَلْ لَهَا الزِّيَادَةَ لِفَسَادِ عَقْدِ الْمَهْرِ بِالشَّرْطِ، أَلَا تَرَى لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَزِقِّ خَمْرٍ فَمَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَرَضِيَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِائَةَ وَيُبْطِلَ الزِّقَّ الْخَمْرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ انْعَقَدَ بِمَا لَا يَجُوزُ فَبَطَلَ وَكَانَتْ لَهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا دَارًا وَاشْتَرَطَ لَهُ أَوْ لَهُمَا الْخِيَارَ فِيهَا كَانَ الْمَهْرُ فَاسِدًا. (قَالَ) : وَلَوْ ضَمِنَ نَفَقَتَهَا أَبُو الزَّوْجِ عَشْرَ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ كَذَا لَمْ يَجُزْ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ وَأَنَّهُ مَرَّةً أَقَلُّ وَمَرَّةً أَكْثَرُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: ضَمِنْت لَك مَا دَايَنْت بِهِ فُلَانًا أَوْ مَا وَجَبَ لَك عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ مَا لَمْ يَكُنْ وَمَا يَجْهَلُ. [عَفْوُ الْمَهْرِ] ِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْجَامِعِ وَمِنْ كِتَابِ الصَّدَاقِ، وَمِنْ الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] . (قَالَ) : وَاَلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الزَّوْجُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يَعْفُو مِنْ مِلْكٍ فَجَعَلَ لَهَا مِمَّا وَجَبَ لَهَا مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ أَنْ تَعْفُوَ وَجَعَلَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ بِأَنْ يُتِمَّ لَهَا الصَّدَاقَ وَبَلَغَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الزَّوْجُ وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 284 وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَأَمَّا أَبُو الْبِكْرِ وَأَبُو الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ عَفْوُهُمَا كَمَا لَا تَجُوزُ لَهَا هِبَةُ أَمْوَالِهِمَا، وَأَيُّ الزَّوْجَيْنِ عَفَا عَمَّا فِي يَدَيْهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الدَّفْعِ أَوْ الرَّدُّ وَالتَّمَامُ أَفْضَلُ. (قَالَ) : وَلَوْ وَهَبَتْ لَهُ صَدَاقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ وَالْآخَرُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مَلَكَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَالَ فِي كِتَابِ الْقَدِيمِ: لَا يَرْجِعُ إذَا قَبَضَتْهُ فَوَهَبَتْهُ لَهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ؛ لِأَنَّ هِبَتَهَا لَهُ إبْرَاءٌ لَيْسَ كَاسْتِهْلَاكِهَا إيَّاهُ لَوْ وَهَبَتْهُ لِغَيْرِهِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَرْجِعُ عَلَيْهَا فَمَا صَارَ إلَيْهِ؟ . (قَالَ) : وَكَذَلِكَ إنْ أَعْطَاهَا نِصْفَهُ ثُمَّ وَهَبَتْ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ وَلَا أَعْلَمُ قَوْلًا غَيْرَ هَذَا إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: هِبَتُهَا لَهُ كَهِبَتِهَا لِغَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ عِنْدَنَا أَحْسَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلِكُلِّ وَجْهٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَالْأَحْسَنُ أَوْلَى بِهِ مِنْ الَّذِي لَيْسَ بِأَحْسَنَ وَالْقِيَاسُ عِنْدِي عَلَى قَوْلِهِ مَا قَالَ فِي كِتَابِ الْإِمْلَاءِ إذَا وَهَبَتْ لَهُ النِّصْفَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا بَقِيَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ خَالَعَتْهُ بِشَيْءٍ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ فَمَا بَقِيَ فَعَلَيْهِ نِصْفُهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مُشَاعٌ فِيمَا قَبَضَتْ وَبَقِيَ. (قَالَ) : فَأَمَّا فِي الصَّدَاقِ غَيْرِ الْمُسَمَّى أَوْ الْفَاسِدِ فَالْبَرَاءَةُ فِي ذَلِكَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ مِمَّا لَا تَعْلَمُ. (قَالَ) : وَلَوْ قَبَضَتْ الْفَاسِدَ ثُمَّ رَدَّتْهُ عَلَيْهِ كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بَاطِلَةً وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمَهْرِ أَوْ يُعْطِيَهَا مَا تَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ أَقَلُّ وَتُحَلِّلُهُ مِمَّا بَيْنَ كَذَا إلَى كَذَا أَوْ يُعْطِيهَا أَكْثَرَ وَيُحَلِّلُهَا مِمَّا بَيْنَ كَذَا إلَى كَذَا. [بَابُ الْحُكْمِ فِي الدُّخُولِ وَإِغْلَاقِ الْبَابِ وَإِرْخَاءِ السِّتْرِ] ِ مِنْ الْجَامِعِ وَمِنْ كِتَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ الْقَدِيمِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَيْسَ لَهُ الدُّخُولُ بِهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا الْمَالَ فَإِنْ كَانَ كُلُّهُ دَيْنًا فَلَهُ الدُّخُولُ بِهَا وَتُؤَخِّرُ يَوْمًا وَنَحْوَهُ لِتُصْلِحَ أَمْرَهَا وَلَا يُجَاوِزُ بِهَا ثَلَاثًا إلَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً لَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ فَيَمْنَعُهُ أَهْلُهَا حَتَّى تَحْتَمِلَ وَالصَّدَاقُ كَالدَّيْنِ سَوَاءٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَفْعُ صَدَاقِهَا وَلَا نَفَقَتِهَا حَتَّى تَكُونَ فِي الْحَالِ الَّتِي يُجَامَعُ مِثْلُهَا وَيُخَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ، وَإِنْ كَانَتْ بَالِغَةً فَقَالَ: لَا أَدْفَعُ حَتَّى تُدْخِلُوهَا وَقَالُوا: لَا نُدْخِلُهَا حَتَّى تَدْفَعَ فَأَيُّهُمَا تَطَوَّعَ أَجْبَرْت الْآخَرَ، فَإِنْ امْتَنَعُوا مَعًا أَجْبَرْت أَهْلَهَا عَلَى وَقْتٍ يُدْخِلُونَهَا فِيهِ وَأَخَذْت الصَّدَاقَ مِنْ زَوْجِهَا فَإِذَا دَخَلَتْ دَفَعْته إلَيْهَا وَجَعَلْت لَهَا النَّفَقَةَ إذَا قَالُوا: نَدْفَعُهَا إلَيْهِ إذَا دَفَعَ الصَّدَاقَ إلَيْنَا، وَإِنْ كَانَتْ نِضْوًا أُجْبِرَتْ عَلَى الدُّخُولِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ مَرَضٍ لَا يُجَامَعُ فِيهِ مِثْلُهَا فَتُمْهَلُ، وَإِنْ أَفْضَاهَا فَلَمْ تَلْتَئِمْ فَعَلَيْهِ دِيَتُهَا وَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا وَلَهَا مَنْعُهُ أَنْ يُصِيبَهَا حَتَّى تَبْرَأَ الْبُرْءَ الَّذِي إنْ عَادَ لَمْ يَنْكَأْهَا وَلَمْ يَزِدْ فِي جَرْحِهَا وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهَا، فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَمَسَّهَا حَتَّى طَلَّقَهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] فَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِالْأَثَرِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي إغْلَاقِ الْبَابِ وَإِرْخَاءِ السِّتْرِ أَنَّهُ يُوجِبُ الْمَهْرَ فَمِنْ قَوْلِ عُمَرَ مَا ذَنْبُهُنَّ لَوْ جَاءَ بِالْعَجْزِ مِنْ قَبْلِكُمْ؟ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَجِبُ إذَا خَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا كَوُجُوبِ الثَّمَنِ بِالْقَبْضِ، وَإِنْ لَمْ يُغْلِقْ بَابًا وَلَمْ يُرْخِ سِتْرًا. (قَالَ) : وَسَوَاءٌ طَالَ مُقَامُهُ مَعَهَا أَوْ قَصُرَ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ وَالْعِدَّةُ إلَّا بِالْمَسِيسِ نَفْسِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَى مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 285 [بَابُ الْمُتْعَةِ] ِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جَعَلَ اللَّهُ الْمُتْعَةَ لِلْمُطَلَّقَاتِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ إلَّا الَّتِي فَرَضَ لَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَحَسْبُهَا نِصْفُ الْمَهْرِ. (قَالَ) : فَالْمُتْعَةُ عَلَى كُلِّ زَوْجٍ طَلَّقَ وَلِكُلِّ زَوْجَةٍ إذَا كَانَ الْفِرَاقُ مِنْ قِبَلِهِ أَوْ يَتِمُّ بِهِ مِثْلَ أَنْ يُطَلِّقَ أَوْ يُخَالِعَ أَوْ يَمْلِكَ أَوْ يُفَارِقَ وَإِذَا كَانَ الْفِرَاقُ مِنْ قِبَلِهِ فَلَا مُتْعَةَ لَهَا وَلَا مَهْرَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُطَلَّقَةٍ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ أَمَةً فَبَاعَهَا سَيِّدُهَا مِنْ زَوْجِهَا فَهُوَ أَفْسَدَ النِّكَاحَ بِبَيْعِهِ إيَّاهَا مِنْهُ فَأَمَّا الْمُلَاعَنَةُ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْهُ وَمِنْهَا وَلِأَنَّهُ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا فَهِيَ كَالْمُطَلَّقَةِ وَأَمَّا امْرَأَةُ الْعِنِّينِ فَلَوْ شَاءَتْ أَقَامَتْ مَعَهُ وَلَهَا عِنْدِي مُتْعَةٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا عِنْدِي غَلَطٌ عَلَيْهِ وَقِيَاسُ قَوْلِهِ لَا حَقَّ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفِرَاقَ مِنْ قِبَلِهَا دُونَهُ. [الْوَلِيمَةُ وَالنَّثْرُ] ُ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ إمْلَاءٌ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوَلِيمَةُ الَّتِي تُعْرَفُ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ وَكُلُّ دَعْوَةٍ عَلَى إمْلَاكٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ خِتَانٍ أَوْ حَادِثِ سُرُورٍ فَدَعَا إلَيْهَا رَجُلٌ فَاسْمُ الْوَلِيمَةِ يَقَعُ عَلَيْهَا وَلَا أُرَخِّصُ فِي تَرْكِهَا وَمَنْ تَرَكَهَا لَمْ يَبِنْ لِي أَنَّهُ عَاصٍ كَمَا يَبِينُ لِي فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ؛ لِأَنِّي لَا أَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ الْوَلِيمَةَ عَلَى عُرْسٍ وَلَا أَعْلَمُهُ أَوْلَمَ عَلَى غَيْرِهِ، «وَأَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي سَفَرٍ بِسَوِيقٍ وَتَمْرٍ وَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْلِمْ، وَلَوْ بِشَاةٍ» (قَالَ) : وَإِنْ كَانَ الْمَدْعُوُّ صَائِمًا أَجَابَ الدَّعْوَةَ وَبَرَكَ وَانْصَرَفَ وَلَيْسَ بِحَتْمٍ أَنْ يَأْكُلَ وَأُحِبُّ لَوْ فَعَلَ وَقَدْ دُعِيَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَجَلَسَ وَوُضِعَ الطَّعَامُ فَمَدَّ يَدُهُ وَقَالَ: خُذُوا بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ قَبَضَ يَدَهُ، وَقَالَ: إنِّي صَائِمٌ. (قَالَ) : فَإِنْ كَانَ فِيهَا الْمَعْصِيَةُ مِنْ الْمُنْكَر أَوْ الْخَمْرِ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْمَعَاصِي الظَّاهِرَةِ نَهَاهُمْ فَإِنْ نَحَّوْا ذَلِكَ عَنْهُ وَإِلَّا لَمْ أُحِبَّ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ لَمْ أُحِبَّ لَهُ أَنْ يُجِيبَ فَإِنْ رَأَى صُوَرًا ذَاتَ أَرْوَاحٍ لَمْ يَدْخُلْ إنْ كَانَتْ مَنْصُوبَةً، وَإِنْ كَانَتْ تُوطَأُ فَلَا بَأْسَ فَإِنْ كَانَ صُوَرُ الشَّجَرِ فَلَا بَأْسَ وَأُحِبُّ أَنْ يُجِيبَ أَخَاهُ وَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَوْ أُهْدَى إلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْت، وَلَوْ دُعِيت إلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْت» . (قَالَ) : فِي نَثْرِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالسُّكْرِ فِي الْعُرْسِ لَوْ تُرِكَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ؛ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ بِخِلْسَةٍ وَنُهْبَةٍ وَلَا يَبِينُ أَنَّهُ حَرَامٌ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَغْلِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَيَأْخُذُ مِنْ غَيْرِهِ أَحَبَّ إلَى صَاحِبِهِ. [مُخْتَصَرُ الْقَسْمِ وَنُشُوزِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ] ِ مِنْ الْجَامِعِ وَمِنْ كِتَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمِنْ كِتَابِ نُشُوزِ الْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ وَمِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِنْ الْإِمْلَاءِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَجِمَاعُ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ كَفُّ الْمَكْرُوهِ وَإِعْفَاءُ صَاحِبِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْنَةِ فِي طَلَبِهِ لَا بِإِظْهَارِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 286 الْكَرَاهِيَةِ فِي تَأْدِيَتِهِ فَأَيُّهُمَا مَطَلَ بِتَأْخِيرِهِ فَمَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَتُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تِسْعٍ وَكَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ وَوَهَبَتْ سَوْدَةُ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ -. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَبِهَذَا نَقُولُ وَيُجْبَرُ عَلَى الْقَسْمِ فَأَمَّا الْجِمَاعُ فَمَوْضِعُ تَلَذُّذٍ وَلَا يُجْبَرُ أَحَدٌ عَلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129] . (قَالَ) : بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بِمَا فِي الْقُلُوبِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُجَاوِزُهُ {فَلا تَمِيلُوا} [النساء: 129] لَا تُتْبِعُوا أَهْوَاءَكُمْ أَفْعَالَكُمْ فَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ وَالْقَوْلُ مَعَ الْهَوَاءِ فَذَلِكَ كُلُّ الْمَيْلِ وَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْسِمُ فَيَقُولُ «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ وَأَنْتَ أَعْلَمُ فِيمَا لَا أَمْلِكُ» يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِيمَا لَا أَمْلِكُ؛ قَلْبَهُ (قَالَ) : وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ يُطَافُ بِهِ مَحْمُولًا فِي مَرَضِهِ عَلَى نِسَائِهِ حَتَّى حَلَّلَتْهُ. (قَالَ) : وَعِمَادُ الْقَسْمِ اللَّيْلُ؛ لِأَنَّهُ سَكَنٌ فَقَالَ {أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم: 21] فَإِنْ كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ حَرَائِرُ مُسْلِمَاتٌ وَذِمِّيَّاتٌ فَهُنَّ فِي الْقَسْمِ سَوَاءٌ. (قَالَ) : وَيَقْسِمُ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةً إذَا خَلَّى الْمَوْلَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي لَيْلَتِهَا وَيَوْمِهَا وَلِلْأَمَةِ أَنْ تُحَلِّلَهُ مِنْ قَسْمِهَا دُونَ الْمَوْلَى وَلَا يُجَامِعُ الْمَرْأَةَ فِي غَيْرِ يَوْمِهَا وَلَا يَدْخُلُ فِي اللَّيْلِ عَلَى الَّتِي لَمْ يُقْسَمْ لَهَا (قَالَ) : وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا بِالنَّهَارِ فِي حَاجَةٍ وَيَعُودَهَا فِي مَرَضِهَا فِي لَيْلَةِ غَيْرِهَا فَإِذَا ثَقُلَتْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا حَتَّى تَخِفَّ أَوْ تَمُوتَ ثُمَّ يُوفِيَ مَنْ بَقِيَ مِنْ نِسَائِهِ مِثْلَ مَا أَقَامَ عِنْدَهَا، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقْسِمَ لَيْلَتَيْنِ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثَلَاثًا كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَأَكْرَهُ مُجَاوَزَةَ الثَّلَاثِ وَيَقْسِمُ لِلْمَرِيضَةِ وَالرَّتْقَاءِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَلِلَّتِي آلَى أَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا وَلَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ؛ لِأَنَّ فِي مَبِيتِهِ سُكْنَى وَإِلْفًا، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَلْزَمَ مَنْزِلًا يَأْتِينَهُ فِيهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ عَلَيْهِنَّ فَأَيَّتُهُنَّ امْتَنَعَتْ سَقَطَ حَقُّهَا وَكَذَلِكَ الْمُمْتَنِعَةُ بِالْجُنُونِ. (قَالَ) : وَإِنْ سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ فَلَا قَسْمَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ أَشْخَصَهَا فَيَلْزَمَهُ كُلُّ ذَلِكَ لَهَا وَعَلَى وَلِيِّ الْمَجْنُونِ أَنْ يَطُوفَ بِهِ عَلَى نِسَائِهِ أَوْ يَأْتِيَهُ بِهِنَّ، وَإِنْ عَمَدَ أَنْ يَجُوزَ بِهِ أَثِمَ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ وَاحِدَةٍ فِي اللَّيْلِ أَوْ أَخْرَجَهُ سُلْطَانٌ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُوفِيَهَا مَا بَقِيَ مِنْ لَيْلَتِهَا وَلَيْسَ لِلْإِمَاءِ قَسْمٌ وَلَا يُعَطَّلْنَ، وَإِذَا ظَهَرَ الْإِضْرَارُ مِنْهُ بِامْرَأَتِهِ أَسْكَنَاهَا إلَى جَنْبِ مَنْ نَثِقُ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ امْرَأَتَيْنِ فِي بَيْتٍ إلَّا أَنْ تَشَاءَا وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ شُهُودِ جِنَازَةِ أُمِّهَا وَأَبِيهَا وَوَلَدِهَا وَمَا أُحِبُّ ذَلِكَ لَهُ. [بَابُ الْحَالِ الَّتِي يَخْتَلِفُ فِيهَا حَالُ النِّسَاءِ] ِ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِنْ نُشُوزِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فِي «قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إنْ شِئْت سَبَّعْتُ عِنْدَكِ وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ، وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْت عِنْدَك وَدُرْت» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَالثَّيِّبَ ثَلَاثًا وَلَا يَحْتَسِبُ عَلَيْهِ بِهَا نِسَاؤُهُ اللَّاتِي عِنْدَهُ قَبْلَهَا وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ، قَالَ: وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَلَا شُهُودِ جِنَازَةٍ وَلَا بِرٍّ كَانَ يَفْعَلُهُ وَلَا إجَابَةِ دَعْوَةٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 287 [الْقَسْمُ لِلنِّسَاءِ إذَا حَضَرَ سَفَرٌ] ٌ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِنْ نُشُوزِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْبَرَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ أَحْسَبُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ " شَكَّ الْمُزَنِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ بِاثْنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَقْرَعَ، وَإِنْ خَرَجَ بِوَاحِدَةٍ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْسِمَ لِمَنْ بَقِيَ بِقَدْرِ مَغِيبِهِ مَعَ الَّتِي خَرَجَ بِهَا، وَلَوْ أَرَادَ السَّفَرَ لِنَقْلَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَاحِدَةٍ إلَّا أَوْفَى الْبَوَاقِيَ مِثْلَ مُقَامِهِ مَعَهَا، وَلَوْ خَرَجَ بِهَا مُسَافِرًا بِقُرْعَةٍ ثُمَّ أَزْمَعَ الْمُقَامَ لِنَقْلَةٍ احْتَسَبَ عَلَيْهَا مُقَامَهُ بَعْدَ الْإِزْمَاعِ. [بَابُ نُشُوزِ الْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ] ِ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ نُشُوزِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَمِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء: 34] الْآيَةَ. (قَالَ) : وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى اخْتِلَافِ حَالِ الْمَرْأَةِ فِيمَا تُعَاتَبُ فِيهِ وَتُعَاقَبُ عَلَيْهِ فَإِذَا رَأَى مِنْهَا دَلَالَةً عَلَى الْخَوْفِ مِنْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ وَعَظَهَا فَإِنْ أَبْدَتْ نُشُوزًا هَجَرَهَا فَإِنْ أَقَامَتْ عَلَيْهِ ضَرَبَهَا وَقَدْ يُحْتَمَلُ {تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء: 34] إذَا نَشَزْنَ فَخِفْتُمْ لَجَاجَتِهِنَّ فِي النُّشُوزِ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ جَمْعُ الْعِظَةِ وَالْهَجْرِ وَالضَّرْبِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَضْرِبُوا إمَاءَ اللَّهِ قَالَ فَأَتَاهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَئِرَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَأْذَنْ فِي ضَرْبِهِنَّ فَأَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ كُلُّهُنَّ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَدْ أَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ سَبْعُونَ امْرَأَةً كُلُّهُنَّ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ فَلَا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ» وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ بِضَرْبِهِنَّ ثُمَّ أَذِنَ فَجَعَلَ لَهُمْ الضَّرْبَ فَأَخْبَرَ أَنَّ الِاخْتِيَارَ تَرْكُ الضَّرْبِ. [بَابُ الْحُكْمِ فِي الشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ] ِ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِنْ نُشُوزِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا خِفْنَا الشِّقَاقَ بَيْنَهُمَا بِالْحَكَمَيْنِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا غَيْرُ حُكْمِ الْأَزْوَاجِ فَإِذَا اشْتَبَهَ حَالَاهُمَا فَلَمْ يَفْعَلْ الرَّجُلُ الصُّلْحَ وَلَا الْفُرْقَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ تَأْدِيَةَ الْحَقِّ وَلَا الْفِدْيَةَ وَصَارَا مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ إلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُمَا وَلَا يَحْسُنُ وَتَمَادَيَا بَعَثَ الْإِمَامُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا مَأْمُونَيْنِ بِرِضَا الزَّوْجَيْنِ وَتَوْكِيلِهِمَا إيَّاهُمَا بِأَنْ يَجْمَعَا أَوْ يُفَرِّقَا إذَا رَأَيَا ذَلِكَ، وَاحْتُجَّ بِقَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، ثُمَّ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ: هَلْ تَدْرِيَانِ مَا عَلَيْكُمَا؟ عَلَيْكُمَا أَنْ تَجْمَعَا إنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا وَأَنْ تُفَرِّقَا إنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: رَضِيت بِكِتَابِ اللَّهِ بِمَا عَلَيَّ فِيهِ وَلِي فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا فَقَالَ عَلِيٌّ: كَذَبْت وَاَللَّهِ حَتَّى تُقِرَّ بِمِثْلِ الَّذِي أَقَرَّتْ بِهِ فَدَلَّ أَنَّ ذَلِكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 288 لَيْسَ لِلْحَاكِمِ إلَّا بِرِضَا الزَّوْجَيْنِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَبَعَثَ بِغَيْرِ رِضَاهُمَا. (قَالَ) : وَلَوْ فَوَّضَا مَعَ الْخُلْعِ وَالْفُرْقَةِ إلَى الْحَكَمَيْنِ الْأَخْذَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ كَانَ عَلَى الْحَكَمَيْنِ الِاجْتِهَادُ فِيمَا يَرَيَانِهِ أَنَّهُ صَلَاحٌ لَهُمَا بَعْدَ مَعْرِفَةِ اخْتِلَافِهِمَا، وَلَوْ غَابَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَلَمْ يَفْسَخْ الْوَكَالَةَ أَمْضَى الْحَكَمَانِ رَأْيَهُمَا، وَأَيُّهُمَا غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يُمْضِ الْحَكَمَانِ بَيْنَهُمَا شَيْئًا حَتَّى يُفِيقَ ثُمَّ يُحْدِثَ الْوَكَالَةَ وَعَلَى السُّلْطَانِ إنْ لَمْ يَرْضَيَا حَكَمَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ مَا يَلْزَمُ وَيُؤَدِّبُ أَيَّهُمَا رَأَى أَدَبَهُ إنْ امْتَنَعَ بِقَدْرِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ (وَقَالَ) فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ نُجْبِرُهُمَا عَلَى الْحَكَمَيْنِ كَانَ مَذْهَبًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا ظَاهِرُ الْآيَةِ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الطَّلَاقَ لِلْأَزْوَاجِ فَلَا يَكُونُ إلَّا لَهُمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ اسْتَكْرَهَهَا عَلَى شَيْءٍ أَخَذَهُ مِنْهَا عَلَى أَنْ طَلَّقَهَا وَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً رَدَّ مَا أَخَذَهُ وَلَزِمَهُ مَا طَلَّقَ وَكَانَتْ لَهُ الرَّجْعَةُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 289 [كِتَابُ الْخُلْعِ] [بَابُ الْوَجْهِ الَّذِي تَحِلُّ بِهِ الْفِدْيَةُ] ِ بَابُ الْوَجْهِ الَّذِي تَحِلُّ بِهِ الْفِدْيَةُ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة: 229] الْآيَةَ «وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ لَا أَنَا وَلَا ثَابِتٌ لِزَوْجِهَا فَلَمَّا جَاءَ ثَابِتٌ قَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذِهِ حَبِيبَةُ تَذْكُرُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ فَقَالَتْ حَبِيبَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خُذْ مِنْهَا فَأَخَذَ مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْمَانِعَةُ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ الْمُفْتَدِيَةُ تَخْرُجُ مِنْ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ حَقَّهُ أَوْ كَرَاهِيَةً لَهُ فَتَحِلُّ الْفِدْيَةُ لِلزَّوْجِ وَهَذِهِ مُخَالَفَةٌ لِلْحَالِ الَّتِي تَشْتَبِهُ فِيهَا حَالُ الزَّوْجَيْنِ خَوْفَ الشِّقَاقِ. (قَالَ) : وَلَوْ خَرَجَ فِي بَعْضِ مَا تَمْنَعُهُ مِنْ الْحَقِّ إلَى أَدَبِهَا بِالضَّرْبِ أَجَزْت ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَذِنَ لِثَابِتٍ بِأَخْذِ الْفِدْيَةِ مِنْ حَبِيبَةَ وَقَدْ نَالَهَا بِضَرْبٍ، وَلَمْ يَقُلْ: لَا يَأْخُذُ مِنْهَا إلَّا فِي قُبُلِ عِدَّتِهَا كَمَا أَمَرَ الْمُطَلِّقَ غَيْرَهُ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ وَعَنْ عُثْمَانَ قَالَ: هِيَ تَطْلِيقَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ سَمَّيْتَ شَيْئًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقُطِعَ فِي بَابِ الْكَلَامِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ فَلَا يَقَعُ إلَّا بِمَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ أَوْ مَا يُشْبِهُهُ مِنْ إرَادَةِ الطَّلَاقِ فَإِنْ سَمَّى عَدَدًا أَوْ نَوَى عَدَدًا فَهُوَ مَا نَوَى. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا كَانَ الْفِرَاقُ عَنْ تَرَاضٍ، وَلَا يَكُونُ إلَّا بِالزَّوَاجِ وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ لَيْسَ فِي أَصْلِهِ عِلَّةٌ فَالْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّهُ طَلَاقٌ، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا فَاجْعَلْ لَهُ الرَّجْعَةَ قِيلَ لَهُ: لَمَّا أَخَذَ مِنْ الْمُطَلَّقَةِ عِوَضًا وَكَانَ مَنْ مَلَكَ عِوَضِ شَيْءٍ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَجْعَةٌ فِيمَا مَلَكَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ الْمُخَلَّعَةُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسًا عَلَى غَيْرِ فِرَاقٍ حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسًا وَيَأْخُذَ مَا الْفِرَاقُ بِهِ (وَقَالَ) فِي كِتَابِ الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ، وَلَوْ خَلَعَهَا تَطْلِيقَةً بِدِينَارٍ عَلَى أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ فَالطَّلَاقُ لَازِمٌ لَهُ، وَلَهُ الرَّجْعَةُ وَالدِّينَارُ مَرْدُودٌ وَلَا يَمْلِكُهُ وَالرَّجْعَةَ مَعًا وَلَا أُجِيزُ عَلَيْهِ مِنْ الطَّلَاقِ إلَّا مَا أَوْقَعَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ هَذَا قِيَاسُ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ النِّكَاحَ وَالْخُلْعَ بِالْبَدَلِ الْمَجْهُولِ وَالشَّرْطِ الْفَاسِدِ سَوَاءً وَيَجْعَلُ لَهَا فِي النِّكَاحِ مَهْرَ مِثْلِهَا وَلَهُ عَلَيْهَا فِي الْخُلْعِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَمِنْ قَوْلِهِ: لَوْ خَلَعَهَا بِمِائَةٍ عَلَى أَنَّهَا مَتَى طَلَبَتْهَا فَهِيَ لَهَا وَلَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا أَنَّ الْخُلْعَ ثَابِتٌ وَالشَّرْطَ وَالْمَالَ بَاطِلٌ وَعَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمِنْ قَوْلِهِ: لَوْ خَلَعَ مَحْجُورًا عَلَيْهَا بِمَالٍ إنَّ الْمَالَ يَبْطُلُ وَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ أَرَادَ يَكُونُ بَائِنًا كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنًا لَمْ تَكُنْ بَائِنًا وَكَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَكَذَلِكَ إذَا طَلَّقَهَا بِدِينَارٍ عَلَى أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ لَا يُبْطِلُهُ الشَّرْطُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَلْحَقُ الْمُخْتَلِعَةَ طَلَاقٌ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ فِي الْعِدَّةِ وَاحْتُجَّ بِبَعْضِ التَّابِعِينَ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْإِجْمَاعِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْحَقُهَا بِمَا ذَكَرَ اللَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 290 بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ اللِّعَانِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالْمِيرَاثِ وَالْعِدَّةِ بِوَفَاةِ الزَّوْجِ فَدَلَّتْ خَمْسُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ، وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَى الزَّوْجَةِ فَخَالَفَ الْقُرْآنَ وَالْأَثَرَ وَالْقِيَاسَ ثُمَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مُتَنَاقِضٌ فَزَعَمَ إنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَتَّةٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ، فَإِنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ لَا يَنْوِيهَا وَلَا غَيْرَهَا طُلِّقَ نِسَاؤُهُ دُونَهَا، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فَكَيْفَ يُطَلِّقُ غَيْرَ امْرَأَتِهِ. [بَابُ مَا يَقَعُ وَمَا لَا يَقَعُ عَلَى امْرَأَتِهِ مِنْ الطَّلَاقِ وَمِنْ إبَاحَةِ الطَّلَاقِ] ِ وَمِمَّا سَمِعَتْ مِنْهُ لَفْظًا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فِي كُلِّ سَنَةٍ وَاحِدَةً فَوَقَعَتْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ ثُمَّ نَكَحَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَجَاءَتْ سَنَةٌ وَهِيَ تَحْتَهُ لَمْ يَقَعْ بِهَا طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ خَلَتْ مِنْهُ وَصَارَتْ فِي حَالٍ لَوْ أَوْقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ وَإِنَّمَا صَارَتْ عِنْدَهُ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ فَلَا يَقَعُ فِيهِ طَلَاقُ نِكَاحٍ غَيْرِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ مِنْ قَوْلِهِ تَطْلُقُ كُلَّمَا جَاءَتْ سَنَةٌ وَهِيَ تَحْتَهُ طَلُقَتْ حَتَّى يَنْقَضِيَ طَلَاقُ ذَلِكَ الْمِلْكِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَخْلُو قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ مَعَانٍ إمَّا أَنْ يُرِيدَ فِي هَذَا النِّكَاحِ الَّذِي عَقَدْت فِيهِ الطَّلَاقَ فَقَدْ بَطَلَ وَحَدَثَ غَيْرُهُ فَكَيْفَ يَلْزَمُهُ؟ وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ فِي غَيْرِ مِلْكِي فَهَذَا لَا يَذْهَبُ إلَيْهِ أَحَدٌ يَعْقِلُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ فِي نِكَاحٍ يَحْدُثُ فَقَوْلُهُ لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ فَهَذَا طَلَاقٌ قَبْلَ النِّكَاحِ. فَتَفَهَّمْ يَرْحَمُك اللَّهُ. [بَابُ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ] ِ مِنْ الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمِنْ مَسَائِلَ شَتِّي سَمِعْتهَا لَفْظًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ أَوْ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ لِعَبْدٍ إنْ مَلَكْتُك حُرٌّ فَتَزَوَّجَ أَوْ مَلَكَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي لَهُ الْحُكْمُ كَانَ وَهُوَ غَيْرُ مَالِكٍ فَبَطَلَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ لَا يَمْلِكُهَا: أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ لَمْ تَطْلُقْ فَهِيَ بَعْدَ مُدَّةٍ أَبْعَدُ فَإِذَا لَمْ يَعْمَلْ الْقَوِيُّ فَالضَّعِيفُ أَوْلَى أَنْ لَا يَعْمَلَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى طَلَاقِ مَنْ لَمْ يَمْلِكْ لِلسُّنَّةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَهِيَ مِنْ أَنْ تَطْلُقَ بِبِدْعَةٍ أَوْ عَلَى صِفَةٍ أَبْعَدُ. [بَابُ مُخَاطَبَةِ الْمَرْأَةِ بِمَا يَلْزَمُهَا مِنْ الْخُلْعِ وَمَا لَا يَلْزَمُهَا] مِنْ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَإِمْلَاءٌ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إنْ طَلَّقْتنِي ثَلَاثًا فَلَكَ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَهُوَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ يَعْنِي ثَوْبَك هَذَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَلَهُ الْمِائَةُ، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ: اخْلَعْنِي أَوْ بِتِّنِي أَوْ أَبِنِّي أَوْ ابْرَأْ مِنِّي أَوْ بَارِئْنِي وَلَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَهِيَ تُرِيدُ الطَّلَاقَ وَطَلَّقَهَا فَلَهُ مَا سَمَّتْ لَهُ، وَلَوْ قَالَتْ: اخْلَعْنِي عَلَى أَلْفٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 291 كَانَتْ لَهُ أَلْفٌ مَا لَمْ يَتَنَاكَرَا فَإِنْ قَالَتْ: عَلَيَّ أَلْفٌ ضَمِنَهَا لَك غَيْرِي أَوْ عَلَيَّ أَلْفُ فَلْسٍ وَأَنْكَرَ تَحَالَفَا وَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي وَلَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى الْأَلْفِ إنْ شِئْتِ فَلَهَا الْمَشِيئَةُ وَقْتَ الْخِيَارِ، وَإِنْ أَعْطَتْهُ إيَّاهَا فِي وَقْتِ الْخِيَارِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَسَوَاءٌ هَرَبَ الزَّوْجُ أَوْ غَابَ حَتَّى مَضَى وَقْتُ الْخِيَارِ أَوْ أَبْطَأَتْ هِيَ بِالْأَلْفِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَعْطَتْهُ إيَّاهَا زَائِدَةً فَعَلَيْهِ طَلْقَةٌ؛ لِأَنَّهَا أَعْطَتْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَزِيَادَةً، وَلَوْ أَعْطَتْهُ إيَّاهَا رَدِيئَةً فَإِنْ كَانَتْ فِضَّةً يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ دَرَاهِمَ طَلُقَتْ وَكَانَ عَلَيْهَا بَدَلُهَا فَإِنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا اسْمُ دَرَاهِمَ لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ قَالَ: مَتَى مَا أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَذَلِكَ لَهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَخْذِهَا وَلَا لَهَا إذَا أَعْطَتْهُ أَنْ تَرْجِعَ فِيهَا، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَلَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَلَهُ الْأَلْفُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ عَلَيْهَا إلَّا طَلْقَةٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً كَانَتْ لَهُ الْأَلْفُ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ مَقَامَ الثَّلَاثِ فِي أَنَّهَا تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقِيَاسُ قَوْلِهِ مَا حَرَّمَهَا إلَّا الْأَوَّلِيَّانِ مَعَ الثَّلَاثَةِ كَمَا لَمْ يُسْكِرْهُ فِي قَوْلِهِ إلَّا الْقَدَحَانِ مَعَ الثَّالِثِ وَكَمَا لَمْ يَعْمِ الْأَعْوَرَ الْمَفْقُوءَةَ عَيْنُهُ الْبَاقِيَةُ إلَّا الْفَقْءُ الْأَوَّلُ مَعَ الْفَقْءِ الْآخَرِ وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْفَاقِئِ الْأَخِيرِ عِنْدَهُ إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ: لَمْ يُحَرِّمْهَا عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ إلَّا الْأَوَّلِيَّانِ مَعَ الثَّالِثَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا ثُلُثُ الْأَلْفِ بِالطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا كَانَ لَهُ الْأَلْفُ وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِالِاثْنَتَيْنِ، وَلَوْ بَقِيَتْ لَهُ عَلَيْهَا طَلْقَةٌ فَقَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ وَاحِدَةً أُحَرَّمُ بِهَا عَلَيْك وَاثْنَتَيْنِ إنْ نَكَحْتنِي بَعْدَ زَوْجٍ؛ فَلَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا إذَا طَلَّقَهَا كَمَا قَالَتْ، وَلَوْ خَلَعَهَا عَلَى أَنْ تَكْفُلَ وَلَدَهُ عَشْرَ سِنِينَ فَجَائِزَانِ اشْتِرَاطًا إذَا مَضَى الْحَوْلَانِ نَفَقَتُهُ بَعْدَهُمَا فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا قَمْحًا وَكَذَا زَيْتًا فَإِنْ كُفِيَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِمَا يَكْفِيهِ، وَإِنْ مَاتَ رُجِعَ عَلَيْهِ بِمَا بَقِيَ، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فَطَلِّقِي نَفْسَك إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَضَمِنَتْهَا فِي وَقْتِ الْخِيَارِ لَزِمَهَا وَلَا يَلْزَمُهَا فِي غَيْرِ وَقْتِ الْخِيَارِ، كَمَا لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا إلَيْهَا لَمْ يَجُزْ إلَّا فِي وَقْتِ الْخِيَارِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ أَعْطَيْتنِي عَبْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ أَيَّ عَبْدٍ مَا كَانَ فَهِيَ طَالِقٌ وَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدَ وَإِنَّمَا يَقَعُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا يَقَعُ بِهِ الْحِنْثُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ هَذَا قِيَاسَ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الْعِوَضِ وَقَدْ قَالَ فِي هَذَا الْبَابِ: مَتَى أَوْ مَتَى مَا أَعْطَيْتنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَذَلِكَ لَهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَخْذِهَا وَلَا لَهَا أَنْ تَرْجِعَ إنْ أَعْطَتْهُ فِيهَا وَالْعَبْدُ وَالدِّرْهَمُ عِنْدِي سَوَاءٌ غَيْرَ أَنَّ الْعَبْدَ مَجْهُولٌ فَيَكُونُ لَهُ عَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَقَدْ قَالَ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ أعطيتيني شَاةً مَيِّتَةً أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ زِقَّ خَمْرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفَعَلَتْ طَلُقَتْ وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا، وَلَوْ خَلَعَهَا بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَصَابَ بِهِ عَيْبًا رَدَّهُ وَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَهِيَ طَالِقٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك حَجَّةٌ، وَلَوْ تَصَادَقَا أَنَّهَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَهَا عَلَى ذَلِكَ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَلَوْ خَلَعَهَا عَلَى ثَوْبٍ عَلَى أَنَّهُ مَرْوِيٌّ فَإِذَا هُوَ هَرَوِيٌّ فَرَدَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَالْخُلْعُ فَمَا وَصَفْت كَالْبَيْعِ الْمُسْتَهْلَكِ، وَلَوْ خَلَعَهَا عَلَى أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهُ وَقْتًا مَعْلُومًا فَمَاتَ الْمَوْلُودُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَدِرُّ عَلَى الْمَوْلُودِ وَلَا تَدِرُّ عَلَى غَيْرِهِ وَيَقْبَلُ ثَدْيَهَا وَلَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ وَيَتَرَأَّمُهَا فتستمريه وَلَا يستمري غَيْرَهَا وَلَا يَتَرَأَّمْهُ وَلَا تَطِيبُ نَفْسًا لَهُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ أَبُو امْرَأَتِهِ: طَلِّقْهَا وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ صَدَاقِهَا، فَطَلَّقَهَا طَلُقَتْ وَمَهْرُهَا عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ شَيْئًا وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، وَلَوْ أَخَذَ مِنْهَا أَلْفًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا إلَى شَهْرٍ فَطَلَّقَهَا فَالطَّلَاقُ ثَابِتٌ وَلَهَا الْأَلْفُ وَعَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَلَوْ قَالَتَا: طَلِّقْنَا بِأَلْفٍ، ثُمَّ ارْتَدَّتَا فَطَلَّقَهُمَا بَعْدَ الرِّدَّةِ وُقِفَ الطَّلَاقُ فَإِنْ رَجَعَتَا فِي الْعِدَّةِ لَزِمَهُمَا وَالْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعَا حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ لَمْ يَلْزَمْهُمَا شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ لَهُمَا: أَنْتُمَا طَالِقَانِ إنْ شِئْتُمَا بِأَلْفٍ لَمْ يُطَلَّقَا وَلَا وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَشَاءَا مَعًا فِي وَقْتِ الْخِيَارِ، وَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مَحْجُورًا عَلَيْهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا وَطَلَاقُ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا بَائِنٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 292 وَعَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأُخْرَى وَيَمْلِكُ رَجْعَتَهَا (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا عِنْدِي يَقْضِي عَلَى فَسَادِ تَجْوِيزِهِ مَهْرَ أَرْبَعٍ فِي عُقْدَةٍ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَهْرِ أَرْبَعٍ فِي عُقْدَةٍ بِأَلْفٍ وَخُلْعِ أَرْبَعٍ فِي عُقْدَةٍ بِأَلْفٍ فَإِذَا أَفْسَدَهُ فِي إحْدَاهُمَا لِلْجَهْلِ بِمَا يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَسَدَ فِي الْأُخْرَى، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَعَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ قَالَ لَهُ أَجْنَبِيٌّ طَلِّقْ فُلَانَةَ عَلَى أَنَّ لَك عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ فَالْأَلْفُ لَهُ لَازِمَةٌ وَلَا يَجُوزُ مَا اخْتَلَعَتْ بِهِ الْأَمَةُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا وَلَا الْمُكَاتَبَةُ، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا سَيِّدُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ لِلسَّيِّدِ فَيَجُوزُ إذْنُهُ فِيهِ وَلَا لَهَا فَيَجُوزُ مَا صَنَعَتْ فِي مَالِهَا وَطَلَاقُهُمَا بِذَلِكَ بَائِنٌ فَإِذَا أُعْتِقَتَا اتَّبَعَ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِمَهْرِ مِثْلِهَا كَمَا لَا أَحْكُمُ عَلَى الْمُفْلِسِ حَتَّى يُوسِرَ وَإِذَا أَجَزْت طَلَاقَ السَّفِيهِ بِلَا شَيْءٍ كَانَ مَا أَخَذَ عَلَيْهِ جُعْلًا أَوْلَى وَلِوَلِيِّهِ أَنْ يَلِيَ عَلَى مَا أَخَذَ بِالْخُلْعِ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ وَمَا أَخَذَ الْعَبْدُ بِالْخُلْعِ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَا مَا أَخَذَا رَجَعَ الْوَلِيُّ وَالسَّيِّدُ عَلَى الْمُخْتَلِعَةِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ حَقٌّ لَزِمَهَا فَدَفَعَتْهُ إلَى مَنْ لَا يَجُوزُ لَهَا دَفْعُهُ إلَيْهِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَهُوَ كَاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعِينَ فَإِنْ قَالَتْ: خَلَعْتنِي بِأَلْفٍ وَقَالَ: بِأَلْفَيْنِ أَوْ قَالَتْ: عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي ثَلَاثًا فَطَلَّقْتنِي وَاحِدَةً تَحَالَفَا وَلَهُ صَدَاقُ مِثْلِهَا وَلَا يَرُدُّ الطَّلَاقَ وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ إلَّا مَا أَقَرَّ بِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ قَالَ: طَلَّقْتُك بِأَلْفٍ وَقَالَتْ: بَلْ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ فَهُوَ مُقِرٌّ بِطَلَاقٍ لَا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ فَيَلْزَمُهُ وَهُوَ مُدَّعِي مَا لَا يَمْلِكُهُ بِدَعْوَاهُ وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي الْخُلْعِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ ذِمِّيًّا فَإِنْ خَلَعَ عَنْهَا بِمَا لَا يَجُوزُ فَالطَّلَاقُ لَا يُرَدُّ وَهُوَ كَشَيْءٍ اشْتَرَاهُ لَهَا فَقَبَضَتْهُ وَاسْتَهْلَكَتْهُ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمِنَ ذَلِكَ لَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ هَذَا عِنْدِي بِشَيْءٍ وَالْخُلْعُ عِنْدَهُ كَالْبَيْعِ فِي أَكْثَرِ مَعَانِيهِ، وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ مَا وَكَّلَهُ بِهِ صَاحِبُهُ بِمَا لَا يَجُوزُ مِنْ الثَّمَنِ بَطَلَ الْبَيْعُ فَكَذَلِكَ لَمَّا طَلَّقَهَا عَلَيْهِ بِمَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْبَدَلِ بَطَلَ الطَّلَاقُ عَنْهُ كَمَا بَطَلَ الْبَيْعُ عَنْهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ وَكَّلَ مَنْ يُخَالِعُهَا بِمِائَةٍ فَخَالَعَهَا بِخَمْسِينَ فَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِمِائَةٍ فَأَعْطَتْهُ خَمْسِينَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا بَيَانٌ لِمَا قُلْت فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا. [بَابُ الْخُلْعِ فِي الْمَرَضِ] ِ مِنْ كِتَابِ نُشُوزِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيَجُوزُ الْخُلْعُ فِي الْمَرَضِ كَمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمَرِيضُ فَخَالَعَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِهَا ثُمَّ مَاتَ فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ، فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمَرِيضَةَ فَخَالَعَتْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ثُمَّ مَاتَتْ مِنْ مَرَضِهَا جَازَ لَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا وَكَانَ الْفَضْلُ وَصِيَّةً يُحَاصُّ أَهْلُ الْوَصَايَا بِهَا فِي ثُلُثِهَا، وَلَوْ كَانَ خَلَعَهَا بِعَبْدٍ يُسَاوِي مِائَةً وَمَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسُونَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ وَنِصْفَ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ يَرُدُّ وَيَرْجِعُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ فَاسْتُحِقَّ نِصْفُهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ هَذَا عِنْدِي بِشَيْءٍ وَلَكِنْ لَهُ مِنْ الْعَبْدِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَمَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ بَعْدَ مَهْرِ مِثْلِهَا وَصِيَّةٌ لَهُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ مِنْ الثُّلُثِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ وَصِيَّتَهُ وَهُوَ الثُّلُثُ مِنْ نِصْفِ الْعَبْدِ، وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْعَبْدَ وَأَخَذَ مَهْرَ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا صَارَ فِي الْعَبْدِ شِرْكٌ لِغَيْرِهِ فَهُوَ عَيْبٌ يَكُونُ فِيهِ الْخِيَارُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 293 [بَابُ خُلْعِ الْمُشْرِكِينَ] َ مِنْ كِتَابِ نُشُوزِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ اخْتَلَعَتْ الذِّمِّيَّةُ بِخَمْرٍ أَوْ بِخِنْزِيرٍ فَدَفَعَتْهُ ثُمَّ تَرَافَعَا إلَيْنَا أَجَزْنَا الْخُلْعَ وَالْقَبْضَ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ دَفَعَتْهُ جَعَلْنَا لَهُ عَلَيْهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَهَكَذَا أَهْلُ الْحَرْبِ إلَّا أَنَّا لَا نَحْكُمُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَى الرِّضَا وَنَحْكُمُ عَلَى الذِّمِّيَّيْنِ إذَا جَاءَانَا أَوْ أَحَدُهُمَا. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 294 [كِتَابُ الطَّلَاقِ] [بَابُ إبَاحَةِ الطَّلَاقِ وَوَجْهُهُ وَتَفْرِيعُهُ] ِ بَابُ إبَاحَةِ الطَّلَاقِ وَوَجْهُهُ وَتَفْرِيعُهُ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِنْ إبَاحَةِ الطَّلَاقِ وَمِنْ جِمَاعِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَقَدْ قُرِئَتْ لِقَبْلِ عِدَّتِهِنَّ (قَالَ) : وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ «وَطَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عُمَرُ فَسَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مَرَّةً فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» (قَالَ) : وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَيُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ يُخَالِفُونَ نَافِعًا فِي شَيْءٍ مِنْهُ قَالُوا كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَرَّةً فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ» وَلَمْ يَقُولُوا: ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ (قَالَ) : وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَى الْحَائِضِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ بِالْمُرَاجَعَةِ إلَّا مَنْ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ. (قَالَ) : وَأُحِبُّ أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً لِتَكُونَ لَهُ الرَّجْعَةُ لِلْمَدْخُولِ بِهَا وَخَاطِبًا لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الطَّلَاقَ فَلَيْسَ بِمَحْظُورٍ وَعَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ عُمَرَ مَوْضِعَ الطَّلَاقِ فَلَوْ كَانَ فِي عَدَدِهِ مَحْظُورٌ وَمُبَاحٌ لِعِلْمِهِ إيَّاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ. «وَطَلَّقَ الْعَجْلَانِيُّ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثًا فَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ» «وَسَأَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُكَانَةَ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ مَا أَرَدْت» ؟ وَلَمْ يَنْهَهُ أَنْ يَزِيدَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ طَلَّقَهَا طَاهِرًا بَعْدَ جِمَاعٍ أَحْبَبْت أَنْ يَرْتَجِعَهَا ثُمَّ يُمْهِلَ لِيُطَلِّقَ كَمَا أُمِرَ وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ بَعْدَ جِمَاعٍ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوْ دَخَلَ بِهَا وَكَانَتْ حَامِلًا أَوْ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ أَوْ الْبِدْعَةِ طَلُقَتْ مَكَانَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا سُنَّةَ فِي طَلَاقِهَا وَلَا بِدْعَةَ وَإِنْ كَانَتْ تَحِيضُ فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا مَعًا وَإِنْ كَانَتْ مُجَامَعَةً أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ حِينَ تَطْهُرُ مِنْ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ وَحِينَ تَطْهُرُ الْمُجَامَعَةُ مِنْ أَوَّلِ حَيْضٍ بَعْدَ قَوْلِهِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ، وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت أَنْ تَقَعَ فِي كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةً وَقَعْنَ مَعًا فِي الْحُكْمِ وَعَلَى مَا نَوَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَلَوْ كَانَ قَالَ فِي كُلِّ قُرْءٍ وَاحِدَةً فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا حُبْلَى وَقَعَتْ الْأُولَى وَلَمْ تَقَعْ الثِّنْتَانِ إنْ كَانَتْ تَحِيضُ عَلَى الْحَبَلِ أَوْ لَا تَحِيضُ حَتَّى تَلِدَ ثُمَّ تَطْهُرَ فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ لَهَا رَجْعَةً حَتَّى تَلِدَ بَانَتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا غَيْرُ الْأُولَى. وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ وَقَعَتْ اثْنَتَانِ فِي أَيِّ الْحَالَيْنِ كَانَتْ وَالْأُخْرَى إذَا صَارَتْ فِي الْحَالِ الْأُخْرَى (قُلْت) أَنَا أَشْبَهُ بِمَذْهَبِهِ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَ بَعْضِهِنَّ يَحْتَمِلُ وَاحِدَةً فَلَا يَقَعُ غَيْرُهَا أَوْ اثْنَتَيْنِ فَلَا يَقَعُ غَيْرُهُمَا أَوْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ بَعْضُهَا فَيَقَعُ بِذَلِكَ ثَلَاثٌ فَلَمَّا كَانَ الشَّكُّ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ مَا أَرَادَ بِبَعْضِهِنَّ فِي الْحَالِ الْأُولَى إلَّا وَاحِدَةً وَبَعْضُهُنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 295 الْبَاقِي فِي الْحَالِ الثَّانِيَةِ فَالْأَقَلُّ يَقِينٌ وَمَا زَادَ شَكٌّ وَهُوَ لَا يَسْتَعْمِلُ الْحُكْمَ بِالشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ. (قَالَ) : وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَعْدَلُ أَوْ أَحْسَنُ أَوْ أَكْمَلُ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ سَأَلْته عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَقَعَ الطَّلَاقُ لِلسُّنَّةِ، وَلَوْ قَالَ: أَقْبَحُ أَوْ أَسْمَجُ أَوْ أَفْحَشُ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ سَأَلْته عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَقَعَ لِلْبِدْعَةِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً حَسَنَةً قَبِيحَةً أَوْ جَمِيلَةً فَاحِشَةً طَلُقَتْ حِينَ تَكَلَّمَ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ لِلسُّنَّةِ فَقَدِمَ فُلَانٌ فَهِيَ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِفُلَانٍ أَوْ لِرِضَا فُلَانٍ طَلُقَتْ مَكَانَهُ، وَلَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَفَ عَنْهَا حَتَّى تَمُرَّ لَهَا دَلَالَةٌ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَمْلِ، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ: طَلَّقَنِي فَقَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ الَّتِي سَأَلَتْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَزَلَهَا بِنِيَّتِهِ. [بَابُ مَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ الْكَلَامِ وَمَا لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ] ِ وَالطَّلَاقُ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الرَّجْعَةِ وَمِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَمِنْ إمْلَاءِ مَسَائِلِ مَالِكٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّلَاقَ فِي كِتَابِهِ بِثَلَاثَةِ أَسْمَاءٍ الطَّلَاقُ وَالْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَدْ طَلَّقْتُكِ أَوْ فَارَقْتُكِ أَوْ سَرَّحْتُكِ لَزِمَهُ وَلَمْ يَنْوِ فِي الْحُكْمِ وَيَنْوِي فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ طَلَاقًا مِنْ وِثَاقٍ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ يُرِيدُ حُرَّ النَّفْسِ وَلَا يَسْعَ امْرَأَتَهُ وَعَبْدَهُ أَنْ قَبِلَا مِنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ غَضَبٍ أَوْ مَسْأَلَةِ طَلَاقٍ أَوْ رِضًا، وَقَدْ يَكُونُ السَّبَبُ وَيَحْدُثُ كَلَامٌ عَلَى غَيْرِ السَّبَبِ فَإِنْ قَالَ: قَدْ فَارَقْتُك سَائِرًا إلَى الْمَسْجِدِ أَوْ سَرَّحْتُك إلَى أَهْلِك أَوْ قَدْ طَلَّقْتُك مِنْ وِثَاقِك أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَكُونُ هَذَا طَلَاقًا تَقَدَّمَ فَأَتْبَعَهُ كَلَامًا يَخْرُجُ بِهِ مِنْهُ قِيلَ: قَدْ يَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَيَكُونُ مُؤْمِنًا يُبَيِّنُ آخِرَ الْكَلَامِ عَنْ أَوَّلِهِ، وَلَوْ أَفْرَدَ " لَا إلَهَ " كَانَ كَافِرًا. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَرِيئَةٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ فَإِنْ قَالَ قُلْته وَلَمْ أَنْوِ طَلَاقًا وَأَنْوِي بِهِ السَّاعَةَ طَلَاقًا لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا حَتَّى يَبْتَدِئَهُ وَنِيَّتُهُ الطَّلَاقُ وَمَا أَرَادَ مِنْ عَدَدٍ (قَالَ) : وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ حُرَّةٌ يُرِيدُ الطَّلَاقَ وَلِأَمَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يُرِيدُ الْعِتْقَ لَزِمَهُ ذَلِكَ. وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنًا كَانَتْ وَاحِدَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ فِي الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ بِالرَّجْعَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ وَلَا وَلَاءَ لِي عَلَيْك، كَانَ حُرًّا وَالْوَلَاءُ لَهُ جَعَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ» كَمَا جَعَلَ اللَّهُ الرَّجْعَةَ لِمَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ «وَطَلَّقَ رُكَانَةُ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَأَحْلَفَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً وَرَدَّهَا عَلَيْهِ» وَطَلَّقَ الْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبٍ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَمْسِكْ عَلَيْك امْرَأَتَك فَإِنَّ الْوَاحِدَةَ تَبُتُّ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِرَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِك مَا أَرَدْت؟ وَقَالَ شُرَيْحٌ: أَمَّا الطَّلَاقُ فَسُنَّةٌ فَأَمْضُوهُ وَأَمَّا أَلْبَتَّةَ فَبِدْعَةٌ فَدَيِّنُوهُ. (قَالَ) : وَيَحْتَمِلُ طَلَاقَ الْبَتَّةِ يَقِينًا وَيَحْتَمِلُ الْإِبْتَاتَ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ وَيَحْتَمِلُ وَاحِدَةً مُبَيَّنَةً مِنْهُ حَتَّى يَرْتَجِعَهَا فَلَمَّا احْتَمَلَتْ مَعَانِيَ جُعِلَتْ إلَى قَائِلِهَا. وَلَوْ كَتَبَ بِطَلَاقِهَا فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهُ كَمَا لَا يَكُونُ مَا خَالَفَ الصَّرِيحَ طَلَاقًا إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهُ فَإِذَا كَتَبَ إذَا جَاءَك كِتَابِي فَحَتَّى يَأْتِيَهَا فَإِنْ كَتَبَ أَمَّا بَعْدُ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ مِنْ حِينِ كَتَبَ وَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا خَطُّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ حَتَّى يُقِرَّ بِهِ. وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: اخْتَارِي أَوْ أَمْرُك بِيَدِك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ: مَا أَرَدْت طَلَاقًا - لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا إلَّا بِأَنْ يُرِيدَهُ وَلَوْ أَرَادَ طَلَاقًا فَقَالَتْ: قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي، سُئِلَتْ فَإِنْ أَرَادَتْ طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِنْ لَمْ تُرِدْهُ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 296 وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّهَا إنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا مِنْ الْمَجْلِسِ وَتُحْدِثُ قَطْعًا لِذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَيْهَا فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِهَذَا الْمَوْضِعِ إجْمَاعٌ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ: وَإِنْ مَلَكَ أَمْرَهَا غَيْرُهَا فَهَذِهِ وَكَالَةٌ مَتَى أَوْقَعَ الطَّلَاقَ وَقَعَ وَمَتَى شَاءَ الزَّوْجُ رَجَعَ وَقَالَ فِيهِ وَسَوَاءٌ قَالَتْ: طَلَّقْتُك أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي إذَا أَرَادَتْ طَلَاقًا، وَلَوْ جَعَلَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً فَإِنَّ لَهَا ذَلِكَ. وَلَوْ طَلَّقَ بِلِسَانِهِ وَاسْتَثْنَى بِقَلْبِهِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَكُنْ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا بِلِسَانِهِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يُرِيدُ تَحْرِيمَهَا بِلَا طَلَاقٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ جَارِيَتَهُ فَأَمَرَ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُمَا تَحْرِيمُ فَرْجَيْنِ حِلَّيْنِ بِمَا لَمْ يُحَرَّمَا بِهِ، وَقَالَ: كُلُّ مَا أَمْلِكُ عَلَيَّ حَرَامٌ يَعْنِي امْرَأَتَهُ وَجَوَارِيَهُ وَمَالَهُ كَفَّرَ عَنْ الْمَرْأَةِ وَالْجَوَارِي كَفَّارَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يُكَفِّرْ عَنْ مَالِهِ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ: وَإِنْ نَوَى إصَابَةً قُلْنَا: أَصِبْ وَكَفِّرْ، وَلَوْ قَالَ: كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ فَهُوَ كَالْحَرَامِ. فَأَمَّا مَا لَا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ مِثْلَ قَوْلِهِ: بَارَكَ اللَّهُ فِيك أَوْ اسْقِينِي أَوْ أَطْعِمِينِي أَوْ أَرْوِينِي أَوْ زَوِّدِينِي وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَإِنْ نَوَاهُ وَلَوْ أَجَزْت النِّيَّةَ بِمَا لَا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ أَجَزْت أَنْ يُطَلِّقَ فِي نَفْسِهِ. وَلَوْ قَالَ لِلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعْنَ مَعًا وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَعَتْ الْأُولَى وَبَانَتْ بِلَا عِدَّةٍ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الطَّلَاقُ بِالْوَقْتِ وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَغَيْرِهِ] ِ مِنْ كِتَابِ إبَاحَةِ الطَّلَاقِ وَالْإِمْلَاءِ وَغَيْرِهِمَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : عَلَيْهِ وَأَيُّ أَجَلٍ طَلَّقَ إلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَلَوْ قَالَ فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي غُرَّةِ هِلَالِ كَذَا طَلُقَتْ فِي الْمَغِيبِ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي يَرَى فِيهَا هِلَالَ ذَلِكَ الشَّهْرِ، وَلَوْ قَالَ: إذَا رَأَيْت هِلَالَ شَهْرِ كَذَا حَنِثَ إذَا رَآهُ غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ رُؤْيَةَ نَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ: إذَا مَضَتْ سَنَةٌ وَقَدْ مَضَى مِنْ الْهِلَالِ خَمْسٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَمْضِيَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةٍ مِنْ يَوْمِ تَكَلَّمَ وَأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ وَخَمْسٌ بَعْدَهَا، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ الشَّهْرَ الْمَاضِي طَلُقَتْ مَكَانَهَا وَإِيقَاعُهُ الطَّلَاقَ الْآنَ فِي وَقْتٍ مَضَى مُحَالٌ، وَلَوْ قَالَ: عَنَيْت أَنَّهَا مُطَلَّقَةً مِنْ غَيْرِي لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُطَلَّقَةً مِنْ غَيْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي نُحُولِ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا طَلَّقْتُك فَإِذَا طَلَّقَهَا وَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ بِابْتِدَائِهِ الطَّلَاقَ وَالْأُخْرَى بِالْحِنْثِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ كَانَ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا طَلُقَتْ بِالْأُولَى وَحْدَهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَكَذَلِكَ لَوْ خَالَعَهَا بِطَلْقَةٍ مَدْخُولًا بِهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَلْطَفَ الشَّافِعِيُّ فِي وَقْتِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فَلَمْ يُوقِعْ إلَّا وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا لَمْ أُطَلِّقْكِ أَوْ مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك فَسَكَتَ مُدَّةً يُمْكِنُهُ فِيهَا الطَّلَاقُ طَلُقَتْ، وَلَوْ كَانَ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُطَلِّقُهَا بِمَوْتِهِ أَوْ بِمَوْتِهَا (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَرَّقَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ " إذَا " وَ " إنْ " فَأَلْزَمَ فِي " إذَا " إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَمْ يُلْزِمْهُ فِي " إنْ " إلَّا بِمَوْتِهِ أَوْ بِمَوْتِهَا. وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَقَدِمَ بِهِ مَيِّتًا أَوْ مُكْرَهًا لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ قَالَ: إذَا رَأَيْته فَرَآهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا تَأْخُذْ مَا لَك عَلَيَّ فَأَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ فَأَخَذَ مِنْهُ الْمَالَ حَنِثَ، وَلَوْ قَالَ: لَا أُعْطِيك لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْته فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَكَلَّمَتْهُ حَيْثُ يَسْمَعُ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 297 يَسْمَعْ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَلَّمَتْهُ مَيِّتًا أَوْ حَيْثُ لَا يَسْمَعُ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَلَّمَتْهُ مُكْرَهَةً لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَلَّمَتْهُ سَكْرَانَةً حَنِثَ. وَلَوْ قَالَ لِمَدْخُولٍ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَتْ الْأُولَى وَسُئِلَ مَا نَوَى فِي الثِّنْتَيْنِ بَعْدَهَا؟ فَإِنْ أَرَادَ تَبْيِينَ الْأُولَى فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَمَا أَرَادَ. وَإِنْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا لَمْ يُدَنْ فِي الْأُولَى وَدُيِّنَ فِي الثِّنْتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ وَقَعَتْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا اسْتِئْنَافٌ لِكَلَامٍ فِي الظَّاهِرِ وَدُيِّنَ فِي الثَّالِثَةِ فَإِنْ أَرَادَ بِهَا طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِنْ أَرَادَ بِهَا تَكْرِيرًا فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَكَذَلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ وَكَذَلِكَ طَالِقٌ بَلْ طَالِقٌ بَلْ طَالِقٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي كِتَابِ الْإِمْلَاءِ وَإِنْ أَدْخَلَ " ثُمَّ " أَوْ وَاوًا فِي كَلِمَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَظَاهِرُهَا اسْتِئْنَافٌ وَهِيَ ثَلَاثٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالظَّاهِرُ فِي الْحُكْمِ أَوْلَى وَالْبَاطِنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ كَقَوْلِهِ طَلَاقًا حَسَنًا. وَكُلُّ مُكْرَهٍ وَمَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ فَلَا يَلْحَقُهُ الطَّلَاقُ خَلَا السَّكْرَانَ مِنْ خَمْرٍ أَوْ نَبِيذٍ فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضًا وَلَا طَلَاقًا وَالْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ مُثَابٌ فَكَيْفَ يُقَاسُ مَنْ عَلَيْهِ الْعِقَابُ عَلَى مَنْ لَهُ الثَّوَابُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ: لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ فَيَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ تَحْرِيمُ الطَّلَاقِ أَنْ يَقُولَ وَلَا عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ كَمَا لَا يَكُونُ عَلَى الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ قَضَاءُ صَلَاةٍ. [بَابُ الطَّلَاقِ بِالْحِسَابِ وَالِاسْتِثْنَاءُ] ُ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابَيْنِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي اثْنَتَيْنِ فَإِنْ نَوَى مَقْرُونَةً بِاثْنَتَيْنِ فَهِيَ ثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى الْحِسَابَ فَهِيَ اثْنَتَانِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَوَاحِدَةٌ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا تَقَعُ عَلَيْك فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ كَانَتْ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: رَأْسُك أَوْ شَعْرُك أَوْ يَدُك أَوْ رِجْلُك أَوْ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِك طَالِقٌ فَهِيَ طَالِقٌ لَا يَقَعُ عَلَى بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بَعْضَ تَطْلِيقَةٍ كَانَتْ تَطْلِيقَةً وَالطَّلَاقُ لَا يَتَبَعَّضُ، وَلَوْ قَالَ: نِصْفَيْ تَطْلِيقَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ: قَدْ أَوْقَعْت بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةً كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَالِقًا وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ تَطْلِيقَتَيْنِ وَثَلَاثًا وَأَرْبَعًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ قَسَمَ كُلِّ وَاحِدَةٍ فَيُطَلِّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ إنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا بَقِيَ شَيْئًا فَإِذَا لَمْ يُبْقِ شَيْئًا فَمُحَالٌ، وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَوَلَدَتْ ثَلَاثًا فِي بَطْنٍ طَلُقَتْ بِالْأَوَّلِ وَاحِدَةً وَبِالثَّانِي أُخْرَى وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّالِثِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، لَمْ يَقَعْ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالنُّذُورِ كَهُوَ فِي الْأَيْمَانِ. [بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ] ِ مِنْ كِتَابِ الرَّجْعَةِ وَمِنْ الْعِدَّةِ وَمِنْ الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ وَاخْتِلَافِ الْحَدِيثِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَطَلَاقُ الْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ سَوَاءٌ، فَإِنْ طَلَّقَ مَرِيضٌ ثَلَاثًا فَلَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا (قَالَ الْمُزَنِيّ) فَذَكَرَ حُكْمَ عُثْمَانَ بِتَوْرِيثِهَا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي مَرَضِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 298 وَقَوْلَ ابْنِ الزُّبَيْرِ لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أَرَ أَنْ تَرِثَ الْمَبْتُوتَةُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْعِدَّةِ: إنَّ الْقَوْلَ بِأَنْ لَا تَرِثَ الْمَبْتُوتَةُ قَوْلٌ يَصِحُّ وَقَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ الْآثَارِ، وَقَالَ: كَيْفَ تَرِثُهُ امْرَأَةٌ لَا يَرِثُهَا وَلَيْسَتْ لَهُ بِزَوْجَةٍ (قَالَ الْمُزَنِيّ) فَقُلْت أَنَا هَذَا أَصَحُّ وَأَقْيَسُ لِقَوْلِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ إمْلَاءً عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ إنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَصَحُّهُمَا وَقَالَ فِيهِ: لَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ ثَلَاثًا لَمْ تَرِثْهُ وَحُكْمُ الطَّلَاقِ فِي الْإِيقَاعِ وَالْإِقْرَارِ فِي الْقِيَاسِ عِنْدِي سَوَاءٌ. وَقَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى: لَا تَرِثُ الْمَبْتُوتَةُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقَدْ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَنْ قَالَ: إذَا ادَّعَيَا وَلَدًا فَمَاتَ وَرِثَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ ابْنٍ وَإِنْ مَاتَا وَرِثَهُمَا كَمَالِ أَبٍ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: النَّاسُ يَرِثُونَ مَنْ يُوَرَّثُونَ فَأَلْزَمَهُمْ تَنَاقُضَ قَوْلِهِمْ: إذَا لَمْ يَجْعَلُوا الِابْنَ مِنْهُمَا كَهُمَا مِنْهُ فِي الْمِيرَاثِ فَكَذَلِكَ إنَّمَا تَرِثُ الزَّوْجَةُ الزَّوْجَ مِنْ حَيْثُ يَرِثُهَا فَإِذَا ارْتَفَعَ الْمَعْنَى الَّذِي يَرِثُهَا بِهِ لَمْ تَرِثْهُ وَهَذَا أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ وَكَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مَا قَرَّرْت مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ وَتَبِعْهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ. [بَابُ الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : لَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الشَّيْطَانَ لَعَنَهُ اللَّهُ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فَيَنْفُخُ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ فَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَشُمَّ رِيحًا» عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ يَقِينُ طَهَارَةٍ إلَّا بِيَقِينِ حَدَثٍ فَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَيْقَنَ نِكَاحًا ثُمَّ شَكَّ فِي الطَّلَاقِ لَمْ يَزُلْ الْيَقِينُ إلَّا بِالْيَقِينِ (قَالَ) : وَلَوْ قَالَ: حَنِثْت بِالطَّلَاقِ أَوْ فِي الْعِتْقِ وَقَفَ عَنْ نِسَائِهِ وَرَقِيقِهِ حَتَّى يُبَيِّنَ وَيَحْلِفَ لِلَّذِي يَدَّعِي، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَإِنْ خَرَجَ السَّهْمُ عَلَى الرَّقِيقِ عَتَقُوا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى النِّسَاءِ لَمْ يُطَلَّقْنَ وَلَمْ يُعْتَقْ الرَّقِيقُ وَالْوَرَعُ أَنْ يَدَعْنَ مِيرَاثَهُ، وَلَوْ قَالَ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا مُنِعَ مِنْهُمَا وَأُخِذَ بِنَفَقَتِهِمَا حَتَّى يُبَيِّنَ فَإِنْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ هَذِهِ بِالطَّلَاقِ كَانَ إقْرَارًا مِنْهُ لِلْأُخْرَى، وَلَوْ قَالَ: أَخْطَأْت بَلْ هِيَ هَذِهِ طَلُقَتَا مَعًا بِإِقْرَارِهِ فَإِنْ مَاتَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ وَقَفْنَا لَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِيرَاثَ زَوْجٍ. وَإِذَا قَالَ لِإِحْدَاهُمَا هَذِهِ الَّتِي طَلَّقْت رَدَدْنَا عَلَى أَهْلِهَا مَا وَقَفْنَا لَهُ وأحلفناه لِوَرَثَةِ الْأُخْرَى، وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمَيِّتُ وَقَفْنَا لَهُمَا مِيرَاثَ امْرَأَةٍ حَتَّى يَصْطَلِحَا، فَإِنْ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ قَبْلَهُ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَهَا فَقَالَ وَارِثُهُ طَلَّقَ الْأُولَى وَرِثَتْ الْأُخْرَى بِلَا يَمِينٍ، وَإِنْ قَالَ: طَلَّقَ الْحَيَّةَ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْمَيِّتِ فَيَحْلِفُ أَنَّ الْحَيَّةَ هِيَ الَّتِي طَلَّقَ ثَلَاثًا وَيَأْخُذُ مِيرَاثَهُ مِنْ الْمَيِّتَةِ قَبْلَهُ وَقَدْ يَعْلَمُ ذَلِكَ بِخَبَرِهِ أَوْ بِخَبَرِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُصَدِّقُهُ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يُوقَفُ لَهُ مِيرَاثُ زَوْجٍ مِنْ الْمَيِّتَةِ قَبْلَهُ وَلِلْحَيَّةِ مِيرَاثُ امْرَأَةٍ مِنْهُ حَتَّى يَصْطَلِحَا. [بَابُ مَا يَهْدِمُ الرَّجُلُ مِنْ الطَّلَاقِ مِنْ كِتَابَيْنِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَمَّا كَانَتْ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ تُوجِبُ التَّحْرِيمَ كَانَتْ إصَابَةُ زَوْجِ غَيْرِهِ تُوجِبُ التَّحْلِيلَ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الطَّلْقَةِ وَلَا فِي الطَّلْقَتَيْنِ مَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ لَمْ يَكُنْ لِإِصَابَةِ زَوْجِ غَيْرِهِ مَعْنًى يُوجِبُ التَّحْلِيلَ فَنِكَاحُهُ وَتَرْكُهُ سَوَاءٌ وَرَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إلَى هَذَا وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ اثْنَتَيْنِ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَطَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ قَالَ عُمَرُ: هِيَ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الطَّلَاقِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 299 [مُخْتَصَرٌ مِنْ الرَّجْعَةِ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الرَّجْعَةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ] ِ وَمِنْ كِتَابِ الْعِدَدِ وَمِنْ الْقَدِيمِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُطَلَّقَاتِ {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] وَقَالَ تَعَالَى {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] فَدَلَّ سِيَاقُ الْكَلَامِ عَلَى افْتِرَاقِ البلوغين فَأَحَدُهُمَا مُقَارَبَةُ بُلُوغِ الْأَجَلِ فَلَهُ إمْسَاكُهَا أَوْ تَرْكُهَا فَتُسَرَّحُ بِالطَّلَاقِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: إذَا قَارَبْت الْبَلَدَ تُرِيدُهُ قَدْ بَلَغْت كَمَا تَقُولُ: إذَا بَلَغْته وَالْبُلُوغُ الْآخَرُ انْقِضَاءُ الْأَجَلِ. (قَالَ) : وَلِلْعَبْدِ مِنْ الرَّجْعَةِ بَعْدَ الْوَاحِدَةِ مَا لِلْحُرِّ بَعْدَ الثِّنْتَيْنِ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً، وَالْقَوْلُ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ قَوْلُهَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ تَحْرِيمَ الْمَبْتُوتَةِ حَتَّى تُرَاجَعَ وَطَلَّقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَكَانَتْ طَرِيقُهُ إلَى الْمَسْجِدِ عَلَى مَسْكَنِهَا فَكَانَ يَسْلُكُ الطَّرِيقَ الْأُخْرَى كَرَاهِيَةَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهَا حَتَّى رَاجَعَهَا وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا يَحِلُّ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ أَرَادَ ارْتِجَاعَهَا أَوْ لَمْ يُرِدْهُ مَا لَمْ يُرَاجِعْهَا، وَقَالَ عَطَاءٌ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ: لَا يَرَاهَا فَضْلًا. (قَالَ) : وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ نِكَاحٌ وَلَا طَلَاقٌ إلَّا بِكَلَامٍ فَلَا تَكُونُ الرَّجْعَةُ إلَّا بِكَلَامٍ وَالْكَلَامُ بِهَا أَنْ يَقُولَ: قَدْ رَاجَعْتهَا أَوْ ارْتَجَعْتهَا أَوْ رَدَدْتهَا إلَيَّ فَإِنْ جَامَعَهَا يَنْوِي الرَّجْعَةَ أَوْ لَا يَنْوِيهَا فَهُوَ جِمَاعُ شُبْهَةٍ وَيُعَزَّرَانِ إنْ كَانَا عَالِمَيْنِ وَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلَوْ كَانَتْ اعْتَدَّتْ بِحَيْضَتَيْنِ ثُمَّ أَصَابَهَا ثُمَّ تَكَلَّمَ بِالرَّجْعَةِ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ الثَّالِثَةَ فَهِيَ رَجْعَةٌ وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهَا فَلَيْسَتْ بِرَجْعَةٍ، وَقَدْ انْقَضَتْ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا الْعِدَّةُ وَلَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ مَسَّهَا. وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا وَلَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ فَنِكَاحُهَا مَفْسُوخٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ كَانَ مَسَّهَا الْآخَرُ وَهِيَ زَوْجَةُ الْأَوَّلِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ» وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: هِيَ امْرَأَةُ الْأَوَّلِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً لَمْ يُفْسَخْ نِكَاحُ الْآخَرِ، وَلَوْ ارْتَجَعَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَأَقَرَّتْ بِذَلِكَ فَهِيَ رَجْعَةٌ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْهِدَ. وَلَوْ قَالَ: قَدْ رَاجَعْتُك قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِك وَقَالَتْ بَعْدُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا، وَلَوْ خَلَا بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا، وَقَالَ قَدْ: أَصَبْتُك وَقَالَتْ: لَمْ يُصِبْنِي فَلَا رَجْعَةَ، وَلَوْ قَالَتْ: أَصَابَنِي وَأَنْكَرَ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِإِقْرَارِهَا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا بِإِقْرَارِهِ، وَسَوَاءٌ طَالَ مَقَامُهُ أَوْ لَمْ يُطِلْ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ وَكَمَالُ الْمَهْرِ إلَّا بِالْمَسِيسِ نَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ: ارْتَجَعْتُك الْيَوْمَ، وَقَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ رَجْعَتِك صَدَّقْتهَا إلَّا أَنْ تُقِرَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَتَكُونُ كَمَنْ جَحَدَ حَقًّا ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ لَمْ يُقِرَّا جَمِيعًا وَلَا أَحَدُهُمَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حَتَّى ارْتَجَعَ الزَّوْجُ وَصَارَتْ امْرَأَتَهُ فَلَيْسَ لَهَا عِنْدِي نَقْضُ مَا ثَبَتَ عَلَيْهَا لَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ ارْتَدَّتْ بَعْدَ طَلَاقِهِ فَارْتَجَعَهَا مُرْتَدَّةً فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَكُنْ رَجْعَةً؛ لِأَنَّهَا تَحْلِيلٌ فِي حَالِ التَّحْرِيمِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهَا نَظَرٌ وَأَشْبَهُ بِقَوْلِهِ عِنْدِي أَنْ تَكُونَ رَجْعَةً مَوْقُوفَةً فَإِنْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلِمْنَا أَنَّهُ رَجْعَةٌ وَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا الْإِسْلَامُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ مِنْ حِينِ ارْتَدَّتْ كَمَا نَقُولُ فِي الطَّلَاقِ إذَا طَلَّقَهَا مُرْتَدَّةً أَوْ وَثَنِيَّةً فَجَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلِمْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ كَانَ وَاقِعًا وَكَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ حِينِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا الْإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ بَطَلَ الطَّلَاقُ وَكَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ حِينِ أَسْلَمَ مُتَقَدِّمَ الْإِسْلَامِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 300 [بَابُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْمُطَلَّقَةِ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] «وَشَكَتْ الْمَرْأَةُ الَّتِي طَلَّقَهَا رِفَاعَةُ ثَلَاثًا زَوْجَهَا بَعْدَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ فَقَالَ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِذَا أَصَابَهَا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فَغَيَّبَ الْحَشَفَةَ فِي فَرْجِهَا فَقَدْ ذَاقَا الْعُسَيْلَةَ وَسَوَاءٌ قَوِيُّ الْجِمَاعِ وَضَعِيفُهُ لَا يُدْخِلُهُ إلَّا بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِهَا أَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ صَبِيٍّ مُرَاهِقٍ أَوْ مَجْبُوبٍ بَقِيَ لَهُ قَدْرُ مَا يُغَيِّبُهُ تَغْيِيبَ غَيْرِ الْخَصِيِّ وَسَوَاءٌ كُلُّ زَوْجٍ وَزَوْجَةٍ، وَلَوْ أَصَابَهَا صَائِمَةً أَوْ مُحْرِمَةً أَسَاءَ وَقَدْ أَحَلَّهَا، وَلَوْ أَصَابَ الذِّمِّيَّةَ زَوْجٌ ذِمِّيٌّ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَحَلَّهَا لِلْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ زَوْجٌ «وَرَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا» وَلَا يَرْجُمُ إلَّا مُحْصَنًا قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ الْإِصَابَةُ بَعْدَ رِدَّةِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا لَمْ تُحِلَّهَا الْإِصَابَةُ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) لَا مَعْنَى لِرُجُوعِ الْمُرْتَدِّ مِنْهُمَا عِنْدَهُ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الَّتِي قَدْ أَحَلَّتْهَا إصَابَتُهُ إيَّاهَا لِلزَّوْجِ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَقَدْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ فِي قَوْلِهِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا بِالْإِصَابَةِ وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا فَقَدْ أَحَلَّهَا إصَابَتُهُ إيَّاهَا قَبْلَ الرِّدَّةِ فَكَيْفَ لَا يُحِلُّهَا؟ فَتَفَهَّمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ ذَكَرْت أَنَّهَا نُكِحَتْ نِكَاحًا صَحِيحًا وَأُصِيبَتْ وَلَا نَعْلَمُ حَلَّتْ لَهُ وَإِنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ فَالْوَرَعُ أَنْ لَا يَفْعَلَ. بَابُ الْإِيلَاءِ مُخْتَصَرٌ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الْإِيلَاءِ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ وَالْإِمْلَاءِ وَمَا دَخَلَ فِيهِ مِنْ الْأَمَالِي عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ وَمِنْ مَسَائِلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ إبَاحَةِ الطَّلَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] الْآيَةَ فَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنْ لَا سَبِيلَ عَلَى الْمُولِي لِامْرَأَتِهِ حَتَّى يَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ كَمَا لَوْ ابْتَاعَ بَيْعًا أَوْ ضَمِنَ شَيْئًا إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَدْرَكْت بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُمْ يُوقِفُ الْمُولِيَ وَكَانَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَعَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ يُوقَفُونَ الْمُولِيَ. (قَالَ) : وَلِيَ الْمُولِي مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ يَلْزَمُهُ بِهَا كَفَّارَةٌ وَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا أَوْجَبَهُ فَأَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ إنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمُولِي وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِيلَاءُ حَتَّى يُصَرِّحَ بِأَحَدِ أَسْمَاءِ الْجِمَاعِ الَّتِي هِيَ صَرِيحَةٌ وَذَلِكَ قَوْلُهُ وَاَللَّهِ لَا أَنِيكُك وَلَا أُغَيِّبُ ذَكَرِي فِي فَرْجِك أَوْ لَا أُدْخِلُهُ فِي فَرْجِك أَوْ لَا أُجَامِعُك أَوْ يَقُولُ: إنْ كَانَتْ عَذْرَاءَ وَاَللَّهِ لَا أَفْتَضُّك أَوْ مَا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ مُولٍ فِي الْحُكْمِ (وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ) لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك أَوْ لَا أَمَسُّك أَوْ لَا أُجَامِعُك فَهَذَا كُلُّهُ بَابٌ وَاحِدٌ كُلَّمَا كَانَ لِلْجِمَاعِ اسْمٌ كَنَّى بِهِ عَنْ نَفْسِ الْجِمَاعِ فَهُوَ وَاحِدٌ وَهُوَ مُولٍ فِي الْحُكْمِ قُلْنَا: مَا لَمْ يَنْوِهِ فِي لَا أَمَسُّك فِي الْحُكْمِ فِي الْقَدِيمِ وَنَوَاهُ فِي الْجَدِيدِ وَأَجْمَعَ قَوْلَهُ فِيهِمَا بِحَلِفِهِ لَا أُجَامِعُك أَنَّهُ مُولٍ وَإِنْ احْتَمَلَ أُجَامِعُك بِبَدَنِي وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَعَانِي الْعِلْمِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُبَاشِرُك أَوْ لَا أُبَاضِعُكِ أَوْ لَا أَمَسُّك أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا فَإِنْ أَرَادَ جِمَاعًا فَهُوَ مُولٍ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ فَغَيْرُ مُولٍ فِي الْحُكْمِ، وَلَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 301 قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك فِي دُبُرِك فَهُوَ مُحْسِنٌ، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا يَجْمَعُ رَأْسِي وَرَأْسَك شَيْءٌ أَوْ لَأَسُوأَنَّكِ أَوْ لَتَطُولَن غَيْبَتِي عَنْك أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا فَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُولِيًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ جِمَاعًا، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهُ لَيَطُولَن تَرْكِي لِجِمَاعِك فَإِنْ عَنِيَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ قَالَ: إذَا مَضَتْ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً فَوَقَفَ فِي الْأُولَى فَطَلَّقَ ثُمَّ ارْتَجَعَ فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ رَجْعَتِهِ وَبَعْدَ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ وَقَفَ فَإِنْ كَانَتْ رَجْعَتُهُ فِي وَقْتٍ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ السَّنَةِ إلَّا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلُّ لَمْ يُوقَفْ؛ لِأَنِّي أَجْعَلُ لَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ يَحِلُّ لَهُ الْفَرْجُ. وَإِنْ قَالَ: إنْ قَرُبْتُك فَعَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ كُلِّهِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا كَمَا لَوْ قَالَ: فَعَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ أَمْسِ وَلَوْ أَصَابَهَا وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الشَّهْرِ شَيْءٌ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أَوْ صَوْمُ مَا بَقِيَ، وَلَوْ قَالَ: إنْ قَرُبْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَفَ فَإِنْ فَاءَ وَغَابَتْ الْحَشَفَةُ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فَإِذَا أَخْرَجَهُ ثُمَّ أَدْخَلَهُ بَعْدُ فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَفِيءَ طُلِّقَ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ فَإِنْ رَاجَعَ فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ رَاجَعَ ثُمَّ هَكَذَا حَتَّى يَنْقَضِيَ طَلَاقُ ذَلِكَ الْمِلْكِ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يُرِيدُ تَحْرِيمَهَا بِلَا طَلَاقٍ أَوْ الْيَمِينَ بِتَحْرِيمِهَا فَلَيْسَ بِمُولٍ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ شَيْءٌ حُكِمَ فِيهِ بِكَفَّارَةٍ إذَا لَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ كَمَا لَا يَكُونُ الْإِيلَاءُ وَالظِّهَارُ طَلَاقًا وَإِنْ أُرِيدَ بِهِمَا طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهُ حُكِمَ فِيهِمَا بِكَفَّارَةٍ. وَلَوْ قَالَ: إنْ قَرُبْتُك فَغُلَامِي حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي إنْ تَظَاهَرْت لَمْ يَكُنْ مُولِيًا حَتَّى يُظَاهِرَ، وَلَوْ قَالَ: إنْ قَرُبْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ فُلَانًا عَنْ ظِهَارِي وَهُوَ مُتَظَاهِرٌ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَ فُلَانًا عَنْ ظِهَارِهِ وَعَلَيْهِ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ الْخَمِيسِ عَنْ الْيَوْمِ الَّذِي عَلَيَّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمِ الْخَمِيسِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْذِرْ فِيهِ بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَإِنَّ صَوْمَ يَوْمٍ لَازِمٌ فَأَيُّ يَوْمٍ صَامَهُ أَجْزَأَ عَنْهُ وَلَمْ يَجْعَلْ لِلنَّذْرِ فِي ذَلِكَ مَعْنًى يَلْزَمُهُ بِهِ كَفَّارَةٌ فَتَفَهَّمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ آلَى ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهَا فِي الْإِيلَاءِ لَمْ تَكُنْ شَرِيكَتَهَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَزِمَتْهُ لِلْأُولَى وَالْيَمِينُ لَا يُشْتَرَكُ فِيهَا، وَلَوْ قَالَ: إنْ قَرُبْتُك فَأَنْتِ زَانِيَةٌ فَلَيْسَ بِمُولٍ وَإِنْ قَرُبَهَا فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ إلَّا بِقَذْفٍ صَرِيحٍ، وَلَوْ قَالَ: لَا أُصِيبُك سَنَةً إلَّا مَرَّةً لَمْ يَكُنْ مُولِيًا فَإِنْ وَطِئَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ السَّنَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُولٍ، وَلَوْ قَالَ: إنْ أَصَبْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَصَبْتُك لَمْ يَكُنْ مُولِيًا حَتَّى يُصِيبَهَا فَيَكُونُ مُولِيًا، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ أَوْ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ يَمُوتَ أَوْ تَمُوتِي أَوْ تَفْطِمِي ابْنَك فَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ كَانَ مُولِيًا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: حَتَّى تَفْطِمِي وَلَدَك لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَفْطِمُهُ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) هَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ لِأَنَّ أَصْلَهُ أَنَّ كُلَّ يَمِينٍ مَنَعَتْ الْجِمَاعَ بِكُلِّ حَالٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا بِأَنْ يَحْنَثَ فَهُوَ مُولٍ وَقَوْلُهُ حَتَّى يَشَاءَ فُلَانٌ فَلَيْسَ بِمُولٍ حَتَّى يَمُوتَ فُلَانٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ يَمُوتَ سَوَاءٌ فِي الْقِيَاسِ وَكَذَلِكَ حَتَّى تَفْطِمِي وَلَدَك إذَا أَمْكَنَ الْفِطَامُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَوْ قَالَ: حَتَّى تَحْبَلِي فَلَيْسَ بِمُولٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ يَشَاءَ فُلَانٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْدَمُ وَيَشَاءُ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا يَكُونُ مُولِيًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ حَتَّى تَمُوتِي فَهُوَ مُولٍ بِكُلِّ حَالٍ كَقَوْلِهِ حَتَّى أَمُوتَ أَنَا وَهُوَ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك أَبَدًا فَهُوَ مُولٍ مِنْ حِينِ حَلَفَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبك إنْ شِئْت فَشَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ فَهُوَ مُولٍ، قَالَ: وَالْإِيلَاءُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا سَوَاءٌ لِمَا تَكُونُ الْيَمِينُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا سَوَاءً وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِيلَاءَ مُطْلَقًا، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حَتَّى أُخْرِجَك مِنْ هَذَا الْبَلَدِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 302 [بَابُ الْإِيلَاءِ مِنْ نِسْوَةٍ] ٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ فَهُوَ مُولٍ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ يُوقِفُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَإِذَا أَصَابَ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ خَرَجَتَا مِنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ وَيُوقِفُ لِلْبَاقِيَتَيْنِ حَتَّى يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ حَتَّى يُصِيبَ الْأَرْبَعَ اللَّائِي حَلَفَ عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ، وَلَوْ طَلَّقَ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا كَانَ مُولِيًا مِنْ الْبَاقِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَهَا وَاَللَّائِي طَلَّقَ حَنِثَ، وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُنَّ سَقَطَ عَنْهُ الْإِيلَاءُ؛ لِأَنَّهُ يُجَامِعُ الْبَوَاقِيَ وَلَا يَحْنَثُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) أَصْلُ قَوْلِهِ أَنَّ كُلَّ يَمِينٍ مَنَعَتْ الْجِمَاعَ بِكُلِّ حَالٍ فَهُوَ بِهَا مُولٍ، وَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ مُولٍ مِنْ الرَّابِعَةِ الْبَاقِيَةِ، وَلَوْ وَطِئَهَا وَحْدَهَا مَا حَنِثَ فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْهَا مُولِيًا؟ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُنَّ سَقَطَ عَنْهُ الْإِيلَاءُ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا إيلَاءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَطَأَ ثَلَاثًا يَكُونُ مُولِيًا مِنْ الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَطَأَهَا إلَّا حَنِثَ وَهَذَا بِقَوْلِهِ أَوْلَى. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ كَانَ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ وَهُوَ يُرِيدُهُنَّ كُلَّهُنَّ فَهُوَ مُولٍ يُوقِفُ لَهُنَّ فَأَيُّ وَاحِدَةٍ مَا أَصَابَ مِنْهُنَّ خَرَجَ مِنْ الْإِيلَاءِ فِي الْبَوَاقِي؛ لِأَنَّهُ حَنِثَ بِإِصَابَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِذَا حَنِثَ مَرَّةً لَمْ يَعُدْ الْحِنْثُ بِإِيلَاءِ ثَانِيَةٍ. [بَابُ عَلَى مَنْ يَجِبُ التَّأْقِيتِ فِي الْإِيلَاءِ وَمَنْ يَسْقُطُ عَنْهُ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَا تَعْرِضُ لِلْمُولِي وَلَا لِامْرَأَتِهِ حَتَّى تَطْلُبَ الْوَقْفَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ، وَلَوْ عَفَتْ ذَلِكَ ثُمَّ طَلَبَتْهُ كَانَ ذَلِكَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا تَرَكَتْ مَا لَمْ يَجِبْ لَهَا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ وَلَا لِوَلِيِّ مَعْتُوهَةٍ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَنْقَضِي وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْيَمِينِ، وَلَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَا يَقْرَبُ امْرَأَةً لَهُ أُخْرَى ثُمَّ بَانَتْ مِنْهُ ثُمَّ نَكَحَهَا فَهُوَ مُولٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَوْ آلَى مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ نَكَحَهَا نِكَاحًا جَدِيدًا وَسَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي حَالٍ لَوْ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا، وَلَوْ جَازَ أَنْ تَبِينَ امْرَأَةُ الْمُولِي حَتَّى تَصِيرَ أَمَلَكَ لِنَفْسِهَا مِنْهُ ثُمَّ يَنْكِحُهَا فَيَعُودُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ جَازَ هَذَا بَعْدَ ثَلَاثٍ وَزَوْجٍ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فِي امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا يُكَفِّرُ إنْ أَصَابَهَا كَمَا كَانَتْ قَائِمَةً قَبْلَ التَّزْوِيجِ وَهَكَذَا الظِّهَارُ مِثْلُ الْإِيلَاءِ، وَلَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَخَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ الْعَبْدُ مِنْ حُرَّةٍ ثُمَّ اشْتَرَتْهُ فَتَزَوَّجَتْهُ لَمْ يَعُدْ الْإِيلَاءُ لِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا كُلُّهُ أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ حَدَثَ لَمْ يُعْمَلْ فِيهِ إلَّا قَوْلٌ وَإِيلَاءٌ وَظِهَارٌ يَحْدُثُ، فَالْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ يَكُونُ فِي مِلْكٍ إذَا زَالَ ذَلِكَ الْمِلْكُ زَالَ مَا فِيهِ مِنْ الْحُكْمِ فَإِذَا زَالَ نِكَاحُهُ فَبَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ زَالَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ عَنْهُ فِي مَعْنَاهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْإِيلَاءُ يَمِينٌ لِوَقْتٍ فَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِيهَا سَوَاءٌ أَلَا تَرَى أَنَّ أَجَلَ الْعَبْدِ وَأَجَلَ الْحُرِّ الْعِنِّينِ سَنَةٌ، وَلَوْ قَالَتْ: قَدْ انْقَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ، وَقَالَ: لَمْ تَنْقَضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ، وَلَوْ آلَى مِنْ مُطَلَّقَةٍ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا كَانَ مُولِيًا مِنْ حِينِ يَرْتَجِعُهَا وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ رَجْعَتَهَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَالْإِيلَاءُ مِنْ كُلِّ زَوْجَةٍ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ وَمُسْلِمَةٍ وَذِمِّيَّةٍ سَوَاءٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 303 [الْوَقْفُ مِنْ كِتَابِ الْإِيلَاءِ] ِ وَمِنْ الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ لِلْمُولِي وَقَفَ وَقِيلَ لَهُ: إنْ فِئْت وَإِلَّا فَطَلِّقْ وَالْفَيْئَةُ الْجِمَاعُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ فَيَفِيءُ بِاللِّسَانِ مَا كَانَ الْعُذْرُ قَائِمًا فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ الضِّرَارِ، وَلَوْ جَامَعَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ خَرَجَ مِنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَجِّلْنِي فِي الْجِمَاعِ لَمْ أُؤَجِّلُهُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ فَإِنْ جَامَعَ خَرَجَ مِنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ وَعَلَيْهِ الْحِنْثُ فِي يَمِينِهِ وَلَا يَبِينُ أَنْ أُؤَجِّلَهُ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَهُ قَائِلٌ كَانَ مَذْهَبًا فَإِنْ طَلَّقَ وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَاحِدَةً. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَدْ قَطَعَ بِأَنَّهُ يُجْبَرُ مَكَانَهُ فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ وَهَذَا بِالْقِيَاسِ أَوْلَى، وَالتَّأْقِيتُ لَا يَجِبُ إلَّا بِخَبَرٍ لَازِمٍ وَكَذَا قَالَ فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ مَكَانَهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ فَكَانَ أَصَحَّ مِنْ قَوْلِهِ ثَلَاثًا. (قَالَ) : وَإِنَّمَا قُلْت لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى الْمُولِي أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْفَيْئَةِ إلَّا بِهِ فَإِذَا امْتَنَعَ قَدَرَ عَلَى الطَّلَاقِ عَنْهُ وَلَزِمَهُ حُكْمُ الطَّلَاقِ كَمَا يَأْخُذُ مِنْهُ كُلَّ شَيْءٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَنْ يُعْطِيَهُ (وَقَالَ فِي الْقَدِيم) فِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَحَبُّهُمَا إلَيْهِ وَالثَّانِي يُضَيِّقُ عَلَيْهِ بِالْحَبْسِ حَتَّى يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ الثَّانِي بِشَيْءٍ وَمَا عَلِمْت أَحَدًا قَالَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُقَالُ لِلَّذِي فَاءَ بِلِسَانِهِ مِنْ عُذْرٍ إذَا أَمْكَنَك أَنْ تُصِيبَهَا وَقَفْنَاك فَإِنْ أَصَبْتهَا وَإِلَّا فَرَّقْنَا بَيْنَك وَبَيْنَهَا، وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ أَحْرَمْت مَكَانَهَا بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَمْ يَأْمُرْهَا بِإِحْلَالٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ حَتَّى يُمَكَّنَ جِمَاعَهَا أَوْ تُحِلَّ إصَابَتُهَا. (قَالَ) : وَإِذَا كَانَ الْمَنْعُ مِنْ قِبَلِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَفِيءَ فِي جِمَاعٍ أَوْ فَيْءٍ مَعْذُورٍ وَفَيْءُ الْحَبْسِ بِاللِّسَانِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا آلَى فَحَبَسَ اسْتَوْقَفَتْ بِهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مُتَتَابِعَةً. (قَالَ الْمُزَنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) الْحَبْسُ وَالْمَرَضُ عِنْدِي سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ بِهِمَا فَإِذَا حُبِسَتْ عَلَيْهِ فِي الْمَرَضِ وَكَانَ يَعْجِزُ عَنْ الْجِمَاعِ بِكُلِّ حَالٍ أُجِّلَ الْمُولِي كَانَ الْمَحْبُوسُ الَّذِي يُمْكِنُهُ أَنْ تَأْتِيَهُ فِي حَبْسِهِ فَيُصِيبُهَا بِذَلِكَ أَوْلَى (وَقَالَ) فِي مَوْضِعَيْنِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَسِيرَةُ أَشْهُرٍ وَطَلَبَهُ وَكِيلُهَا بِمَا يَلْزَمُهُ لَهَا أَمَرْنَاهُ أَنْ يَفِيءَ بِلِسَانِهِ وَالْمَسِيرُ إلَيْهَا كَمَا يُمْكِنُهُ فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ. (قَالَ) : وَلَوْ غَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يُوقِفْ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ عَقْلُهُ فَإِنْ عَقَلَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ وَقَفَ مَكَانَهُ فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) هَذَا يُؤَكِّدُ أَنْ يَحْسِبَ عَلَيْهِ مُدَّةَ حَبْسِهِ وَمَنْعَ تَأَخُّرِهِ يَوْمًا أَوْ ثَلَاثًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ أَحْرَمَ قِيلَ لَهُ: إنْ وَطِئْت فَسَدَ إحْرَامُك وَإِنْ لَمْ تَفِئْ طُلِّقَ عَلَيْك. وَلَوْ آلَى ثُمَّ تَظَاهَرَ أَوْ تَظَاهَرَ ثُمَّ آلَى وَهُوَ يَجِدُ الْكَفَّارَةَ قِيلَ: أَنْتَ أَدْخَلْت الْمَنْعَ عَلَى نَفْسِك فَإِنْ فِئْت فَأَنْتَ عَاصٍ وَإِنْ لَمْ تَفِئْ طُلِّقَ عَلَيْك. وَلَوْ قَالَتْ: لَمْ يُصِبْنِي، وَقَالَ: أَصَبْتهَا فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي مَا بِهِ الْفُرْقَةُ الَّتِي هِيَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا أُرِيهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ: هِيَ بِكْرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا أُحَلِّفُهَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يُبَالِغْ فَرَجَعْت الْعُذْرَةُ بِحَالِهَا. قَالَ: وَلَوْ ارْتَدَّا أَوْ أَحَدُهُمَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ أَوْ خَالَعَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا أَوْ رَجَعَ مَنْ ارْتَدَّ مِنْهُمَا فِي الْعِدَّةِ اسْتَأْنَفَ فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ كُلِّهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ حَلَّ لَهُ الْفَرْجُ وَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 304 يُشْبِهُ هَذَا الْبَابُ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهَا فِي هَذَا الْبَابِ كَانَتْ مُحَرَّمَةً كَالْأَجْنَبِيَّةِ الشَّعْرِ وَالنَّظَرِ وَالْحِسِّ وَفِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً بِشَيْءٍ غَيْرِ الْجِمَاعِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) الْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّ مَا حَلَّ لَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ امْرَأَتِهِ وَالْإِيلَاءُ يَلْزَمُهُ بِمَعْنَاهُ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَحِلَّ لَهُ بِعَقْدِهِ الْأَوَّلِ حَتَّى يُحْدِثَ نِكَاحًا جَدِيدًا فَحُكْمُهُ مِثْلُ الْأَيِّمِ تَزَوَّجُ فَلَا حُكْمَ لِلْإِيلَاءِ فِي مَعْنَاهُ الْمُشَبَّهِ لِأَصْلِهِ. (قَالَ) : وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ بِهِ الْمُولِي فَائِتًا فِي الثَّيِّبِ أَنْ يُغَيِّبَ الْحَشَفَةَ وَفِي الْبِكْرِ ذَهَابُ الْعُذْرَةِ فَإِنْ قَالَ: لَا أَقْدِرُ عَلَى افْتِضَاضِهَا أُجِّلَ أَجَلَ الْعِنِّينِ، وَلَوْ جَامَعَهَا مُحَرَّمَةً أَوْ حَائِضًا أَوْ هُوَ مُحَرَّمٌ أَوْ صَائِمٌ خَرَجَ مِنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ. وَلَوْ آلَى ثُمَّ جُنَّ فَأَصَابَهَا فِي جُنُونِهِ أَوْ جُنُونِهَا خَرَجَ مِنْ الْإِيلَاءِ وَكَفَّرَ إذَا أَصَابَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَمْ يُكَفِّرْ إذَا أَصَابَهَا وَهُوَ مَجْنُونٌ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ عَنْهُ مَرْفُوعٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَ فِعْلَ الْمَجْنُونِ فِي جُنُونِهِ كَالصَّحِيحِ فِي خُرُوجِهِ مِنْ الْإِيلَاءِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا خَرَجَ مِنْ الْإِيلَاءِ فِي جُنُونِهِ بِالْإِصَابَةِ فَكَيْفَ لَا يُلْزِمُهُ الْكَفَّارَةَ، وَلَوْ لَمْ يُلْزِمْهُ الْكَفَّارَةَ مَا كَانَ حَانِثًا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَانِثًا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْإِيلَاءِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَالذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْإِيلَاءِ إذَا حَاكَمَ إلَيْنَا وَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ وَاحِدٌ (قَالَ) : فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ لَوْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ تَسْتَعْدِي بِأَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا أَوْ آلَى مِنْهَا أَوْ تَظَاهَرَ حَكَمْت عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حُكْمِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَطْلُبُ حَقًّا كَانَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ بِهِ؛ لِأَنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهُ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] أَنْ تَجْرِيَ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ. (قَالَ) : وَإِذَا كَانَ الْعَرَبِيُّ يَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ الْعَجَمِ وَآلَى بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ مِنْهَا فَهُوَ مُولٍ فِي الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِأَعْجَمِيَّةٍ فَقَالَ: مَا عَرَفْت مَا قُلْت وَمَا أَرَدْت إيلَاءً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَلَوْ آلَى ثُمَّ آلَى فَإِنْ حَنِثَ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لَمْ يَعُدْ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ وَإِنْ أَرَادَ بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ الْأُولَى فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَهَا فَأُحِبُّ كَفَّارَتَيْنِ. وَقَدْ زَعَمَ مَنْ خَالَفَنَا فِي الْوَقْفِ أَنَّ الْفَيْئَةَ فِعْلٌ يُحْدِثُهُ بَعْدَ الْيَمِينِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ إمَّا بِجِمَاعٍ أَوْ فَيْءٍ مَعْذُورٍ بِلِسَانِهِ وَزَعَمَ أَنَّ عَزِيمَةَ الطَّلَاقِ انْقِضَاءُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِغَيْرِ فِعْلٍ يُحْدِثُهُ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بِلَا فَصْلٍ بَيْنَهُمَا فَقُلْت لَهُ: أَرَأَيْت أَنْ لَوْ عَزَمَ أَنْ لَا يَفِيءَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ أَيَكُونُ طَلَاقًا؟ قَالَ: لَا حَتَّى يُطَلِّقَ قُلْت فَكَيْفَ يَكُونُ انْقِضَاءُ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ طَلَاقًا بِغَيْرِ عَزْمٍ وَلَا إحْدَاثِ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ [بَابُ إيلَاءِ الْخَصِيِّ غَيْرِ الْمَجْبُوبِ وَالْمَجْبُوبِ] ِ مِنْ كِتَابِ الْإِيلَاءِ وَكِتَابِ النِّكَاحِ وَإِمْلَاءً عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا آلَى الْخَصِيُّ مِنْ امْرَأَتِهِ فَهُوَ كَغَيْرِ الْخَصِيِّ إذَا بَقِيَ مِنْ ذَكَرِهِ مَا يَنَالُ بِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ مَا يَبْلُغُ الرَّجُلُ حَتَّى يُغَيِّبَ الْحَشَفَةَ وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا قِيلَ لَهُ: فِئْ بِلِسَانِك لَا شَيْءَ عَلَيْك غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا يُجَامِعُ مِثْلُهُ (وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ) وَلَا إيلَاءَ عَلَى الْمَجْبُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطِيقُ الْجِمَاعَ أَبَدًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا لَمْ تُجْعَلْ لِيَمِينِهِ مَعْنًى يُمْكِنُ أَنْ يَحْنَثَ بِهِ سَقَطَ الْإِيلَاءُ فَهَذَا بِقَوْلِهِ أَوْلَى عِنْدِي. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ آلَى صَحِيحًا ثُمَّ جُبَّ ذَكَرُهُ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ مَكَانَهَا فِي الْمَقَامِ مَعَهُ أَوْ فِرَاقِهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 305 [كِتَابُ الظِّهَارِ] [بَابُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الظِّهَارُ وَمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ] ِ بَابُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الظِّهَارُ وَمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَيْ ظِهَارٍ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] الْآيَةَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَكُلُّ زَوْجٍ جَازَ طَلَاقُهُ وَجَرَى عَلَيْهِ الْحُكْمُ مِنْ بَالِغٍ جَرَى عَلَيْهِ الظِّهَارُ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا وَفِي امْرَأَتِهِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ يَقْدِرُ عَلَى جِمَاعِهَا أَوْ لَا يَقْدِرُ بِأَنْ تَكُونَ حَائِضًا أَوْ مُحَرَّمَةً أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ صَغِيرَةً أَوْ فِي عِدَّةٍ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الَّتِي يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ إنْ رَاجَعَهَا؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ اتَّبَعَ التَّظْهِيرَ طَلَاقًا مَلَكَ فِيهِ الرَّجْعَةَ فَلَا حُكْمَ لِلْإِيلَاءِ حَتَّى يَرْتَجِعَ فَإِذَا ارْتَجَعَ رَجَعَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ، وَقَدْ جَمَعَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَهُمَا حَيْثُ يَلْزَمَانِ وَحَيْثُ يَسْقُطَانِ وَفِي هَذَا لِمَا وَصَفْت بَيَانٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَسَدَ النِّكَاحُ وَالظِّهَارُ بِحَالِهِ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ؛ لِأَنَّهَا لَزِمَتْهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ. وَلَا يَلْزَمُ الْمَغْلُوبَ عَلَى عَقْلِهِ إلَّا مِنْ سُكْرٍ (وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ) فِي ظِهَارِ السَّكْرَانِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ. وَالْآخَرُ لَا يَلْزَمُهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَلْزَمُهُ أَوْلَى وَأَشْبَهُ بِأَقَاوِيلِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَشْبَهُ بِالْحَقِّ عِنْدِي إذَا كَانَ لَا يُمَيِّزُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِلَّة جَوَازِ الطَّلَاقِ عِنْدَهُ إرَادَةُ الْمُطَلِّقِ وَلَا طَلَاقَ عِنْدَهُ عَلَى مُكْرَهٍ لِارْتِفَاعِ إرَادَتِهِ وَالسَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ مَعْنَى مَا يَقُولُ لَا إرَادَةَ لَهُ كَالنَّائِمِ، فَإِنْ قِيلَ: لِأَنَّهُ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ قِيلَ: أَوْ لَيْسَ وَإِنْ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا أَدْخَلَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ ذَهَابِ عَقْلِهِ وَارْتِفَاعِ إرَادَته، وَلَوْ افْتَرَقَ حُكْمُهُمَا فِي الْمَعْنَى الْوَاحِدِ لِاخْتِلَافِ نِسْبَتِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ لَاخْتَلَفَ حُكْمُ مَنْ جُنَّ بِسَبَبِ نَفْسِهِ وَحُكْمُ مَنْ جُنَّ بِسَبَبٍ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ بِذَلِكَ طَلَاقُ بَعْضِ الْمَجَانِين فَإِنْ قِيلَ: فَفَرْضُ الصَّلَاةِ يَلْزَمُ السَّكْرَانَ وَلَا يَلْزَمُ الْمَجْنُونَ قِيلَ: وَكَذَلِكَ فَرْضُ الصَّلَاةِ يَلْزَمُ النَّائِمَ وَلَا يَلْزَمُ الْمَجْنُونَ فَهَلْ يُجِيزُ طَلَاقَ النَّوْمِ لِوُجُوبِ فَرْضِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ فَإِنْ قِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ قِيلَ: وَكَذَلِكَ طَلَاقُ السَّكْرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] فَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَلَاةٌ حَتَّى يَعْلَمَهَا وَيُرِيدَهَا وَكَذَلِكَ لَا طَلَاقَ لَهُ وَلَا ظِهَارَ حَتَّى يَعْلَمَهُ وَيُرِيدَهُ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا ارْتَدَّ سَكْرَانُ لَمْ يُسْتَتَبْ فِي سُكْرِهِ وَلَمْ يُقْتَلْ فِيهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي ذَلِكَ دَلِيلُ أَنْ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِ لَا أَتُوبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ فَكَذَلِكَ هُوَ فِي الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ فَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ. (قَالَ) : وَلَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ تَرَكَهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُتَظَاهِرٌ وَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ يُوقِفُ لَهُ لَا يَكُونُ الْمُتَظَاهِرُ بِهِ مُولِيًا وَلَا الْمُولِي بِالْإِيلَاءِ مُتَظَاهِرًا وَهُوَ مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِتَرْكِ الْجِمَاعِ فِي الظِّهَارِ عَاصٍ لَهُ لَوْ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ وَعَاصٍ بِالْإِيلَاءِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُضَارًّا بِتَرْكِ الْكَفَّارَةِ أَوْ غَيْرَ مُضَارٍّ إلَّا أَنَّهُ يَأْثَمُ بِالضِّرَارِ كَمَا يَأْثَمُ لَوْ آلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يُرِيدُ ضِرَارًا وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْإِيلَاءِ وَلَا بِحَالِ حُكْمِ اللَّهِ عَمَّا أَنْزَلَ فِيهِ، وَلَوْ تَظَاهَرَ يُرِيدُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 306 طَلَاقًا كَانَ طَلَاقًا أَوْ طَلَّقَ يُرِيدُ ظِهَارًا كَانَ طَلَاقًا وَهَذِهِ أُصُولٌ. وَلَا ظِهَارَ مِنْ أَمَةٍ وَلَا أُمِّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] كَمَا قَالَ {يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فَعَقَلْنَا عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نِسَائِنَا وَإِنَّمَا نِسَاؤُنَا أَزْوَاجُنَا وَلَوْ لَزِمَهَا وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لَزِمَهَا كُلُّهَا. [بَابُ مَا يَكُونُ ظِهَارًا وَمَا لَا يَكُونُ ظِهَارًا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - الظِّهَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ مِنِّي أَوْ أَنْتِ مَعِي كَظَهْرِ أُمِّي وَمَا أَشْبَهَهُ فَهُوَ ظِهَارٌ، وَإِنْ قَالَ: فَرْجُك أَوْ رَأْسُك أَوْ ظَهْرُك أَوْ جِلْدُك أَوْ يَدُك أَوْ رِجْلُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ هَذَا ظِهَارًا، وَلَوْ قَالَ: كَبَدَنِ أُمِّي أَوْ كَرَأْسِ أُمِّي أَوْ كَيَدِهَا كَانَ هَذَا ظِهَارًا؛ لِأَنَّ التَّلَذُّذَ بِكُلِّ أُمِّهِ مُحَرَّمٌ، وَلَوْ قَالَ: كَأُمِّي أَوْ مِثْلِ أُمِّي وَأَرَادَ الْكَرَامَةَ فَلَا ظِهَارَ وَإِنْ أَرَادَ الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ، وَإِنْ قَالَ: لَا نِيَّةَ لِي فَلَيْسَ بِظِهَارٍ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ امْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ قَامَتْ فِي ذَلِكَ مَقَامَ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» . (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى وَحِفْظِي وَغَيْرِي عَنْهُ لَا يَكُونُ مُتَظَاهِرًا بِمَنْ كَانَتْ حَلَالًا فِي حَالٍ ثُمَّ حَرُمَتْ بِسَبَبٍ كَمَا حَرُمَتْ نِسَاءُ الْآبَاءِ وَحَلَائِلُ الْأَبْنَاءِ بِسَبَبٍ وَهُوَ لَا يَجْعَلُ هَذَا ظِهَارًا وَلَا فِي قَوْلِهِ كَظَهْرِ أَبِي (قَالَ) : وَيَلْزَمُ الْحِنْثُ بِالظِّهَارِ كَمَا يَلْزَمُ بِالطَّلَاقِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَالَ: إذَا نَكَحْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَنَكَحَهَا لَمْ يَكُنْ مُتَظَاهِرًا؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَقَعُ مِنْ النِّسَاءِ عَلَى مَنْ حَلَّ لَهُ وَلَا مَعْنَى لِلتَّحْرِيمِ فِي الْمُحَرَّمِ وَيُرْوَى مِثْلُ مَا قُلْت عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ الْقِيَاسُ (وَلَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي يُرِيدُ الظِّهَارَ فَهِيَ طَالِقٌ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالطَّلَاقِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ كَظَهْرِ أُمِّي إلَّا أَنَّك حَرَامٌ بِالطَّلَاقِ كَظَهْرِ أُمِّي، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يُرِيدُ الطَّلَاقَ فَهُوَ ظِهَارٌ، وَلَوْ قَالَ لِأُخْرَى: قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهَا أَوْ أَنْتِ شَرِيكَتُهَا أَوْ أَنْتِ كَهِيَ وَلَمْ يَنْوِ ظِهَارًا لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ شَرِيكَتُهَا فِي أَنَّهَا زَوْجَةٌ لَهُ أَوْ عَاصِيَةٌ أَوْ مُطِيعَةٌ لَهُ كَهِيَ. (قَالَ) : وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ الْجَدِيدِ وَفِي الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ أَنَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةً كَمَا يُطَلِّقُهُنَّ مَعًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ فِي الْكِتَابِ الْقَدِيمِ: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْكَفَّارَاتِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَهَذَا بِقَوْلِهِ أَوْلَى. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا مِرَارًا يُرِيدُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ ظِهَارًا غَيْرَ الْآخَرِ قَبْلَ يُكَفِّرُ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ تَظَاهُرٍ كَفَّارَةٌ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ تَطْلِيقَةٍ تَطْلِيقَةٌ، وَلَوْ قَالَهَا مُتَتَابِعًا فَقَالَ: أَرَدْت ظِهَارًا وَاحِدًا فَهُوَ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ تَابَعَ بِالطَّلَاقِ كَانَ كَطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ قَالَ: إذَا تَظَاهَرْت مِنْ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَتَظَاهَرَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ظِهَارٌ كَمَا لَوْ طَلَّقَ أَجْنَبِيَّةً لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 307 [بَابُ مَا يُوجِبُ عَلَى الْمُتَظَاهِرِ الْكَفَّارَةَ] َ مِنْ كِتَابَيْ الظِّهَارِ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ وَمَا دَخَلَهُ مِنْ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] الْآيَةَ قَالَ: وَاَلَّذِي عَقَلْت مِمَّا سَمِعْت فِي {يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] الْآيَةَ أَنَّهُ إذَا أَتَتْ عَلَى الْمُتَظَاهِرِ مُدَّةٌ بَعْدَ الْقَوْلِ بِالظِّهَارِ لَمْ يُحَرِّمْهَا بِالطَّلَاقِ الَّذِي تَحْرُمُ بِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَأَنَّهُمْ يَذْهَبُونَ إلَى أَنَّهُ إذَا أَمْسَكَ مَا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ عَادَ لِمَا قَالَ فَخَالَفَهُ فَأَحَلَّ مَا حَرَّمَ وَلَا أَعْلَمُ مَعْنًى أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَا. (قَالَ) : وَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلَمْ يَفْعَلْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ أَوْ مَاتَتْ. وَمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وَقْتٌ؛ لَأَنْ يُؤَدِّيَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمُمَاسَّةِ حَتَّى يُكَفِّرَ وَكَانَ هَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عُقُوبَةً مُكَفِّرَةً لِقَوْلِ الزُّورِ فَإِذَا مَنَعَ الْجِمَاعَ أَحْبَبْت أَنْ يَمْنَعَ الْقُبَلَ وَالتَّلَذُّذَ احْتِيَاطًا حَتَّى يُكَفِّرَ فَإِنْ مَسَّ لَمْ تَبْطُلْ الْكَفَّارَةُ كَمَا يُقَالُ لَهُ: أَدِّ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِ كَذَا وَقَبْلَ وَقْتِ كَذَا فَيَذْهَبُ الْوَقْتُ فَيُؤَدِّيهَا بَعْدَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ، وَلَوْ أَصَابَهَا وَقَدْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فِي لَيْلِ الصَّوْمِ لَمْ يُنْتَقَضْ صَوْمُهُ وَمَضَى عَلَى الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ كَانَ صَوْمُهُ يُنْتَقَضُ بِالْجِمَاعِ لَمْ تُجْزِئْهُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْجِمَاعِ. وَلَوْ تَظَاهَرَ وَأَتْبَعَ الظِّهَارَ طَلَاقًا تَحِلُّ فِيهِ قَبْلَ زَوْجٍ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ أَوْ لَا يَمْلِكُهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ طَلَّقَهَا سَاعَةَ نَكَحَهَا؛ لِأَنَّ مُرَاجَعَتَهُ إيَّاهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ أَكْثَرُ مِنْ حَبْسِهَا بَعْدَ الظِّهَارِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا خِلَافُ أَصْلِهِ كُلُّ نِكَاحٍ جَدِيدٍ لَمْ يُعْمَلْ فِيهِ طَلَاقٌ وَلَا ظِهَارٌ إلَّا جَدِيدٌ (وَقَدْ قَالَ) فِي هَذَا الْكِتَابِ لَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ أَتْبَعَهَا طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ثُمَّ نَكَحَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مِلْكٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الظِّهَارُ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُظَاهِرَ مِنْهَا فَيَعُودُ عَلَيْهِ الظِّهَارُ إذَا نَكَحَهَا جَازَ ذَلِكَ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَزَوْجٍ غَيْرِهِ وَهَكَذَا الْإِيلَاءُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ وَأَوْلَى بِقَوْلِهِ وَالْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ كَانَ فِي مِلْكٍ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ زَالَ مَا فِيهِ مِنْ الْحُكْمِ فَلَمَّا زَالَ ذَلِكَ النِّكَاحُ زَالَ مَا فِيهِ مِنْ الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ. (قَالَ) : وَلَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ لَاعَنَهَا مَكَانَهُ بِلَا فَصْلٍ سَقَطَ الظِّهَارُ، وَلَوْ كَانَ حَبَسَهَا قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ اللِّعَانُ فَلَمْ يُلَاعِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. (وَقَالَ) فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى لَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا يَوْمًا فَلَمْ يُصِبْهَا حَتَّى انْقَضَى لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ كَمَا لَوْ آلَى فَسَقَطَتْ الْيَمِينُ سَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ الْيَمِينِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَصْلُ قَوْلِهِ: إنَّ الْمُتَظَاهِرَ إذَا حَبَسَ امْرَأَتَهُ مُدَّةً يُمْكِنُهُ الطَّلَاقُ فَلَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهَا فَقَدْ عَادَ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَقَدْ حَبَسَهَا هَذَا بَعْدَ التَّظَاهُرِ يَوْمًا يُمْكِنُهُ الطَّلَاقُ فِيهِ فَتَرَكَهُ فَعَادَ إلَى اسْتِحْلَالِ مَا حَرَّمَ فَالْكَفَّارَةُ لَازِمَةٌ لَهُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ، وَكَذَا قَالَ لَوْ مَاتَ أَوْ مَاتَتْ بَعْدَ الظِّهَارِ وَأَمْكَنَ الطَّلَاقُ فَلَمْ يُطَلِّقْ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ تَظَاهَرَ وَآلَى قِيلَ: إنْ وَطِئْت قَبْلَ الْكَفَّارَةِ خَرَجْت مِنْ الْإِيلَاءِ وَأَثِمْت، وَإِنْ انْقَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَقَفْت فَإِنْ قُلْت: أَنَا أُعْتِقُ أَوْ أُطْعِمُ لَمْ نُمْهِلْك أَكْثَرَ مِمَّا يُمْكِنُك الْيَوْمَ وَمَا أَشْبَهَهُ وَإِنْ قُلْت: أَصُومُ، قِيلَ: إنَّمَا أُمِرْت بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ بِأَنْ تَفِيءَ أَوْ تُطَلِّقَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ لَك سَنَةٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 308 [بَابُ مَا يُجْزِئُ مِنْ الرِّقَابِ وَمَا لَا يُجْزِئُ وَمَا يُجْزِئُ مِنْ الصَّوْمِ وَمَا لَا يُجْزِئُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الظِّهَارِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] . (قَالَ) : فَإِذَا كَانَ وَاجِدًا لَهَا أَوْ لِثَمَنِهَا لَمْ يُجْزِئْ غَيْرُهَا وَشَرَطَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي رَقَبَةِ الْقَتْلِ مُؤْمِنَةً كَمَا شَرَطَ الْعَدْلَ فِي الشَّهَادَةِ وَأَطْلَقَ الشُّهُودَ فِي مَوَاضِعَ فَاسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ مَا أَطْلَقَ عَلَى مَعْنَى مَا شَرَطَ وَإِنَّمَا رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَا عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَفَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّدَقَاتِ فَلَمْ تَجُزْ إلَّا لِلْمُؤْمِنِينَ فَكَذَلِكَ مَا فَرَضَ اللَّهُ مِنْ الرِّقَابِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ كَانَتْ أَعْجَمِيَّةً وَصَفَتْ الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَعْتَقَ صَبِيَّةً أَحَدُ أَبَوَيْهَا مُؤْمِنٌ أَوْ خَرْسَاءَ جَبَلِيَّةً تَعْقِلُ الْإِشَارَةَ بِالْإِيمَانِ أَجْزَأَتْهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُعْتِقَهَا إلَّا أَنْ تَتَكَلَّمَ بِالْإِيمَانِ، وَلَوْ سُبِيَتْ صَبِيَّةٌ مَعَ أَبَوَيْهَا كَافِرَيْنِ فَعَقَلَتْ وَوَصَفْت الْإِسْلَامَ وَصَلَّتْ إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ لَمْ تُجْزِئْهُ حَتَّى تَصِفَ الْإِسْلَامَ بَعْدَ الْبُلُوغِ. (قَالَ) : وَوَصْفُهَا الْإِسْلَامَ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتَبْرَأَ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ وَأُحِبُّ لَوْ امْتَحَنَهَا بِالْإِقْرَارِ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَمَا أَشْبَهَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُجْزِئُ فِي رَقَبَةٍ وَاجِبَةٍ رَقَبَةٌ تُشْتَرَى بِشَرْطِ أَنْ تُعْتَقَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضَعُ مِنْ ثَمَنِهَا وَلَا يُجْزِئُ فِيهَا مُكَاتَبٌ أَدَّى مِنْ نُجُومِهِ شَيْئًا أَوْ لَمْ يُؤَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ بَيْعِهِ وَلَا يُجْزِئُ أُمُّ وَلَدٍ فِي قَوْلِ مَنْ لَا يَبِيعُهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ لَا يُجِيزُ بَيْعَهَا وَلَهُ بِذَلِكَ كِتَابٌ. (قَالَ) : وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ غَائِبًا فَهُوَ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتِقُ عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِمِلْكِهِ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ عَنْ ظِهَارِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ أَجْزَأَ عَنْهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُعْتِقَ وَلَا يَرُدَّ عِتْقَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ نِصْفَهُ فَإِنْ أَفَادَ وَاشْتَرَى النِّصْفَ الثَّانِيَ وَأَعْتَقَهُ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى أَنْ جَعَلَ لَهُ رَجُلٌ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ لَمْ يُجْزِئْهُ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ رَجُلٌ عَبْدًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ وَلَوْ أَعْتَقَهُ بِأَمْرِهِ بِجُعْلٍ أَوْ غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ وَالْوَلَاءُ لَهُ وَهَذَا مِثْلُ شِرَاءِ مَقْبُوضٍ أَوْ هِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) مَعْنَاهُ عِنْدِي أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْهُ بِجُعْلٍ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ عَنْ ظِهَارَيْنِ أَوْ ظِهَارٍ وَقَتَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْكَفَّارَتَيْنِ أَجْزَآهُ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ عَبْدًا تَامًّا نِصْفًا عَنْ وَاحِدَةٍ وَنِصْفًا عَنْ وَاحِدَةٍ ثُمَّ أُخْرَى نِصْفًا عَنْ وَاحِدَةٍ وَنِصْفًا عَنْ وَاحِدَةٍ فَكَمَّلَ فِيهَا الْعِتْقَ، وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فَصَامَ شَهْرَيْنِ عَنْ إحْدَاهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ وَكَذَلِكَ لَوْ صَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عَنْهُمَا أَجْزَأَهُ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا وَصَامَ شَهْرَيْنِ ثُمَّ مَرِضَ فَأَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا يَنْوِي بِجَمِيعِ هَذِهِ الْكَفَّارَاتِ الظِّهَارَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ فِي كُلِّ كَفَّارَةٍ بِأَنَّهَا لَزِمَتْهُ، وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَشَكَّ أَنْ تَكُونَ مِنْ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ نَذْرٍ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً عَنْ أَيُّهَا كَانَ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ أَعْتَقَهَا لَا يَنْوِي وَاحِدَةً مِنْهَا لَمْ يُجْزِئْهُ، وَلَوْ ارْتَدَّ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ فَأَعْتَقَ عَبْدًا عَنْ ظِهَارِهِ فَإِنْ رَجَعَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى دَيْنٍ أَدَّاهُ أَوْ قِصَاصٍ أُخِذَ مِنْهُ أَوْ عُقُوبَةٍ عَلَى بَدَنِهِ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ، وَلَوْ صَامَ فِي رِدَّتِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ عَمَلُ الْبَدَنِ وَعَمَلُ الْبَدَنِ لَا يُجْزِئُ إلَّا مَنْ يَكْتُبُ لَهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 309 [بَابُ مَا يُجْزِئُ مِنْ الْعُيُوبِ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ] ِ مِنْ كِتَابَيْ الظِّهَارِ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِمَّنْ مَضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَا ذُكِرَ لِي عَنْهُ وَلَا يَبْقَى مُخَالِفٌ فِي أَنَّ مِنْ ذَوَاتِ النَّقْصِ مِنْ الرِّقَابِ مَا لَا يُجْزِئُ وَمِنْهَا مَا يُجْزِئُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ فَلَمْ أَجِدْ فِي مَعَانِي مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ إلَّا مَا أَقُولُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَجِمَاعُهُ أَنَّ الْأَغْلَبَ فِيمَا يُتَّخَذُ لَهُ الرَّقِيقُ الْعَمَلُ وَلَا يَكُونُ الْعَمَلُ تَامًّا حَتَّى تَكُونَ يَدُ الْمَمْلُوكِ بَاطِشَتَيْنِ وَرِجْلَاهُ مَاشِيَتَيْنِ وَلَهُ بَصَرٌ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا وَاحِدَةً وَيَكُونُ يَعْقِلُ، وَإِنْ كَانَ أَبْكَمَ أَوْ أَصَمَّ يَعْقِلُ أَوْ أَحْمَقَ أَوْ ضَعِيفَ الْبَطْشِ. (قَالَ) : فِي الْقَدِيمِ الْأَخْرَسُ لَا يُجْزِئُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْلَى بِقَوْلِهِ أَنَّهُ يُجْزِئُ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ أَنَّ مَا أَضَرَّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ كَذَلِكَ أَجْزَأَ. (قَالَ) : وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ يُجْزِئُ، وَإِنْ كَانَ مُطْبَقًا لَمْ يُجْزِئْ وَيَجُوزُ الْمَرِيضُ لِأَنَّهُ يُرْجَى وَالصَّغِيرُ كَذَلِكَ. [مَنْ لَهُ الْكَفَّارَةُ بِالصِّيَامِ مِنْ كِتَابَيْنِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَخَادِمٌ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمَا وَلَا مَا يَشْتَرِي بِهِ مَمْلُوكًا كَانَ لَهُ أَنْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وَإِنْ أَفْطَرَ مِنْ عُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ صَامَ تَطَوُّعًا أَوْ مِنْ الْأَيَّامِ الَّتِي نُهِيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صِيَامِهَا اسْتَأْنَفَهُمَا مُتَتَابِعَيْنِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْقَدِيمِ: إنْ أَفْطَرَ الْمَرِيضُ بَنَى وَاحْتَجَّ فِي الْقَاتِلَةِ الَّتِي عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إذَا حَاضَتْ أَفْطَرَتْ فَإِذَا ذَهَبَ الْحَيْضُ بَنَتْ وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ إذَا ذَهَبَ الْمَرَضُ بَنَى. (قَالَ) : الْمُزَنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ مُنْذُ دَهْرٍ يَقُولُ: إنْ أَفْطَرَ بَنَى. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنَّ هَذَا لَشَبِيهٌ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ عُذْرٌ وَضَرُورَةٌ وَالْحَيْضُ عُذْرٌ وَضَرُورَةٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُفْطِرُ بِهِمَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ) : وَإِذَا صَامَ بِالْأَهِلَّةِ صَامَ هِلَالَيْنِ، وَإِنْ كَانَ تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً وَخَمْسِينَ وَلَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يُقَدِّمَ نِيَّةَ الصَّوْمِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَوْ نَوَى صَوْمَ يَوْمٍ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ فِيهِ ثُمَّ أَفَاقَ قَبْلَ اللَّيْلِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يُطْعِمْ أَجْزَأَهُ إذَا دَخَلَ فِيهِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَهُوَ يَعْقِلُ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّوْمِ وَهُوَ يَعْقِلُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلُّ مَنْ أَصْبَحَ نَائِمًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ صَامَ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْهُ إذَا تَقَدَّمَتْ نِيَّتُهُ. (قَالَ) : وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِيهِ وَفِي يَوْمٍ بَعْدَهُ وَلَمْ يُطْعِمْ اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ؛ لِأَنَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِيهِ كُلِّهِ غَيْرُ صَائِمٍ وَلَا يُجْزِئْهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْهُ عَلَى حِدَتِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ مِنْهُ غَيْرُ صَاحِبِهِ، وَلَوْ صَامَ شَهْرَ رَمَضَانَ فِي الشَّهْرَيْنِ أَعَادَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَاسْتَأْنَفَ شَهْرَيْنِ. (قَالَ) : وَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُ مَنْ قَالَ: إنَّ الْجِمَاعَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الصَّوْمِ يُفْسِدُ الصَّوْمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ بِالصَّوْمِ وَالْعِتْقِ لَا يُجْزِئَانِ بَعْدَ أَنْ يَتَمَاسَّا. (قَالَ) : وَاَلَّذِي صَامَ شَهْرًا قَبْلَ الْتِمَاسٍ وَشَهْرًا بَعْدَهُ أَطَاعَ اللَّهَ فِي شَهْرٍ وَعَصَاهُ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ شَهْرٍ يَصُومُهُ، وَأَنَّ مَنْ جَامَعَ قَبْلَ الشَّهْرِ الْآخَرِ مِنْهُمَا أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ مِنْ الَّذِي عَصَى اللَّهَ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ الشَّهْرَيْنِ مَعًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِنَّمَا حُكْمُهُ فِي الْكَفَّارَاتِ حِينَ يُكَفِّرُ كَمَا حُكْمُهُ فِي الصَّلَاةِ حِينَ يُصَلِّي. (قَالَ) : وَلَوْ دَخَلَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ أَيْسَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْضِيَ عَلَى الصِّيَامِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 310 وَالِاخْتِيَارُ لَهُ أَنْ يَدَعَ الصَّوْمَ وَيُعْتِقَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ فَرْضَهُ مَا جَازَ اخْتِيَارُ إبْطَالِ الْفَرْضِ وَالرَّقَبَةُ فَرْضٌ، وَإِنْ وَجَدَهَا لَا غَيْرَهَا كَمَا إنَّ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ فَرْضٌ إذَا وَجَدَهُ لَا غَيْرَهُ وَلَا خِيَارَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ فَلَا يَخْلُو الدَّاخِلُ فِي الصَّوْمِ إذَا وَجَدَ الرَّقَبَةَ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَاهُ الْمُتَقَدِّمِ فَلَا فَرْضَ عَلَيْهِ إلَّا الصَّوْمَ فَكَيْفَ يُجْزِئُهُ الْعِتْقُ وَهُوَ غَيْرُ فَرْضِهِ أَوْ يَكُونَ صَوْمُهُ قَدْ بَطَلَ لِوُجُودِ الرَّقَبَةِ فَلَا فَرْضَ إلَّا الْعِتْقَ فَكَيْفَ يُتِمُّ الصَّوْمَ فَيُجْزِئُهُ وَهُوَ غَيْرُ فَرْضِهِ فَلَمَّا لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ أَدَّى فَرْضَهُ ثَبَتَ أَنْ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ وَفِي ذَلِكَ إبْطَالُ صَوْمِهِ كَمُعْتَدَّةٍ بِالشُّهُورِ فَإِذَا حَدَثَ الْحَيْضُ بَطَلَتْ الشُّهُورُ وَثَبَتَ حُكْمُ الْحَيْضِ عَلَيْهَا وَلَمَّا كَانَ وُجُودُ الرَّقَبَةِ يُبْطِلُ صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ كَانَ وُجُودُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الشُّهُورِ يُبْطِلُ مَا بَقِيَ مِنْ الشُّهُورِ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلُ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ الرَّقَبَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ بَطَلَ مَا بَقِيَ مِنْ الشَّهْرَيْنِ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَذَا الْمَعْنَى زَعَمَ فِي الْأَمَةِ تُعْتَقُ وَقَدْ دَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ فِي عِدَّتِهَا حُرَّةً وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ أَمَةٍ، وَفِي الْمُسَافِرِ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ يُقِيمُ لَا يَكُونُ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ مُقِيمًا وَيَقْصُرُ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْقِيَاسِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) فَهَذَا مَعْنَى مَا قُلْت وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ السَّاعَةَ عَنْ ظِهَارِي إنْ تظهرته كَانَ حُرًّا لِسَاعَتِهِ وَلَمْ يُجْزِئُهُ إنْ يتظهر؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ظِهَارٌ وَلَمْ يَكُنْ سَبَبٌ مِنْهُ [بَابُ الْكَفَّارَةُ بِالطَّعَامِ مِنْ كِتَابَيْ ظِهَارٍ] ٍ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فِيمَنْ تَظَهَّرَ وَلَمْ يَجِدْ رَقَبَةً وَلَمْ يَسْتَطِعْ حِينَ يُرِيدُ الْكَفَّارَةَ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ بِمَرَضٍ أَوْ عِلَّةٍ مَا كَانَتْ أَجْزَأَهُ أَنْ يُطْعِمَ وَلَا يُجْزِئُهُ أَقَلُّ مِنْ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلُّ مِسْكِينٍ مُدًّا مِنْ طَعَامِ بَلَدِهِ الَّذِي يُقْتَاتُ حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا أَوْ أُرْزًا أَوْ سَلْتًا أَوْ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا أَوْ أَقِطًا وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ جُمْلَةً سِتِّينَ مُدًّا أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُمْ الطَّعَامَ يَخْتَلِفُ فَلَا أَدْرِي لَعَلَّ أَحَدَهُمْ يَأْخُذُ أَقَلَّ وَغَيْرُهُ أَكْثَرَ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا سَنَّ مَكِيلَةَ طَعَامٍ فِي كُلِّ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ كَفَّارَةٍ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ دَقِيقًا وَلَا سَوِيقًا وَلَا خُبْزًا حَتَّى يُعْطِيَهُمُوهُ حَبًّا وَسَوَاءً مِنْهُمْ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَلَا عَبْدًا وَلَا مُكَاتَبًا وَلَا أَحَدًا عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ (وَقَالَ) فِي الْقَدِيمِ لَوْ عَلِمَ بَعْدَ إعْطَائِهِ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَجْزَأَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا أَقْيَسُ لِأَنَّهُ أَعْطَى مَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بَلْ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ وَالْخَطَأُ عِنْدَهُ فِي الْأَمْوَالِ فِي حُكْمِ الْعَمْدِ إلَّا فِي الْمَأْثَمِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَيُكَفِّرُ بِالطَّعَامِ قَبْلَ الْمَسِيسِ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْكَفَّارَةِ قَبْلَهَا، وَلَوْ أَعْطَى مِسْكِينًا مُدَّيْنِ مُدًّا عَنْ ظِهَارِهِ وَمُدًّا عَنْ الْيَمِينِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُمَا كَفَّارَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَفِّرَ إلَّا كَفَّارَةً كَامِلَةً مِنْ أَيِّ الْكَفَّارَاتِ كَفَّرَ، وَكُلُّ الْكَفَّارَاتِ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَخْتَلِفُ، وَفِي فَرْضِ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَيْفَ يَكُونُ بِمُدِّ مَنْ لَمْ يُولَدْ فِي عَهْدِهِ أَوْ مُدًّا أُحْدِثَ بَعْدَهُ وَإِنَّمَا قُلْت: مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُكَفِّرِ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ «أَتَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعِرْقٍ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا فَقَالَ لِمُكَفِّرٍ: كَفِّرْ بِهِ» وَقَدْ أَعْلَمَهُ أَنَّ عَلَيْهِ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا فَهَذَا مَدْخَلُهُ وَكَانَتْ الْكَفَّارَةُ بِالْكَفَّارَةِ أَشْبَهَ فِي الْقِيَاسِ مِنْ أَنْ نَقِيسَهَا عَلَى فِدْيَةٍ فِي الْحَجِّ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ الْمُدُّ رَطْلَانِ بِالْحِجَازِيِّ وَقَدْ احْتَجَجْنَا فِيهِ مَعَ أَنَّ الْآثَارَ عَلَى مَا قُلْنَا فِيهِ وَأَمْرِ النَّاسِ بِدَارِ الْهِجْرَةِ وَمَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ بِهَذَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَقَالُوا أَيْضًا: لَوْ أَعْطَى مِسْكِينًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 311 وَاحِدًا طَعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا فِي سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَئِنْ أَجْزَأَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَهُوَ وَاحِدٌ لَيُجْزِئهُ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ، فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ قَالَ اللَّهُ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] شَرْطَانِ عَدَدٌ وَشَهَادَةٌ فَأَنَا أُجِيزُ الشَّهَادَةَ دُونَ الْعَدَدِ، فَإِنْ شَهِدَ الْيَوْمَ شَاهِدٌ ثُمَّ عَادَ لِشَهَادَتِهِ فَهِيَ شَهَادَتَانِ فَإِنْ قَالَ: لَا حَتَّى يَكُونَا شَاهِدَيْنِ فَكَذَلِكَ لَا حَتَّى يَكُونُوا سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَقَالَ أَيْضًا: لَوْ أَطْعَمَهُ أَهْلَ الذِّمَّةِ أَجْزَأَهُ فَإِنْ أَجْزَأَهُ فِي غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ أَوْصَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْأَسِيرِ فَلِمَ لَا يُجْزِئُ أَسِيرَ الْمُسْلِمِينَ الْحَرْبِيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُونَ إلَيْهِمْ، وَقَالَ: لَوْ غَدَّاهُمْ أَوْ عَشَّاهُمْ، وَإِنْ تَفَاوَتَ أَكْلُهُمْ فَأَشْبَعَهُمْ أَجْزَأَ، وَإِنْ أَعْطَاهُمْ قِيمَةَ الطَّعَامِ عَرَضًا أَجْزَأَ فَإِنَّهُ أَتْرَكَ مَا نَصَتَ السُّنَّةُ مِنْ الْمَكِيلَةِ فَأَطْعَمَ سِتِّينَ صَبِيًّا أَوْ رِجَالًا مَرْضَى أَوْ مَنْ لَا يُشْبِعُهُمْ إلَّا إضْعَافُ الْكَفَّارَةِ فَمَا يَقُولُ إذَا أَعْطَى عَرَضًا مَكَانَ الْمَكِيلَةِ لَوْ كَانَ مُوسِرًا يُعْتِقُ رَقَبَةً فَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا فَإِنْ أَجَازَ هَذَا فَقَدْ أَجَازَ الْإِطْعَامَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الرَّقَبَةِ، وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا رَقَبَةً فَلِمَ جَوَّزَ الْعَرَضَ وَإِنَّمَا السُّنَّةُ مَكِيلَةُ طَعَامٍ مَعْرُوفَةٌ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ هَذَا أَنْ يُحِيلَ الصَّوْمَ وَهُوَ مُطِيقٌ لَهُ إلَى الضِّدِّ. [كِتَاب اللِّعَانِ] مُخْتَصَرٌ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابَيْ لِعَانٍ جَدِيدٍ وَقَدِيمٍ، وَمَا دَخَلَ فِيهِمَا مِنْ الطَّلَاقِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِنْ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] إلَى قَوْلِهِ {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] قَالَ: فَكَانَ بَيِّنًا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ أَخْرَجَ الزَّوْجَ مِنْ قَذْفِ الْمَرْأَةِ بِالْتِعَانِهِ كَمَا أَخْرَجَ قَاذِفَ الْمُحْصَنَةِ غَيْرَ الزَّوْجَةِ بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ مِمَّا قَذَفَهَا بِهِ، وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ أَنْ لَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَلْتَعِنَ حَتَّى تَطْلُبَ الْمَقْذُوفَةُ كَمَا لَيْسَ عَلَى قَاذِفِ الْأَجْنَبِيَّةِ حَدٌّ حَتَّى تَطْلُبَ حَدَّهَا قَالَ: وَلَمَّا لَمْ يَخُصَّ اللَّهُ أَحَدًا مِنْ الْأَزْوَاجِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ كَانَ عَلَى كُلِّ زَوْجٍ جَازَ طَلَاقُهُ وَلَزِمَهُ الْفَرْضُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ زَوْجَةٍ لَزِمَهَا الْفَرْضُ وَلِعَانُهُمْ كُلِّهِمْ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُ الْقَوْلُ فِيهِ وَالْفُرْقَةُ وَنَفْيُ الْوَلَدِ. وَتَخْتَلِفُ الْحُدُودُ لِمَنْ وَقَعَتْ لَهُ وَعَلَيْهِ وَسَوَاءٌ قَالَ: زَنَتْ، أَوْ رَأَيْتهَا تَزْنِي أَوْ يَا زَانِيَةُ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ سَوَاءً إذَا قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً، وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ إمْلَاءً عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ، وَلَوْ جَاءَتْ بِحَمْلٍ وَزَوْجُهَا صَبِيٌّ دُونَ الْعَشْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُحِيطُ أَنَّهُ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ وَأَكْثَرَ، وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُولَدَ لَهُ كَانَ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ أَوْ يَمُوتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَيَكُونَ وَلَدُهُ، وَلَوْ كَانَ بَالِغًا مَجْبُوبًا كَانَ لَهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يُحِيطُ أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ لَهُ، وَلَوْ قَالَ: قَذَفْتُك وَعَقْلِي ذَاهِبٌ فَهُوَ قَاذِفٌ إلَّا إنْ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ يُصِيبُهُ فَيُصَدَّقُ. وَيُلَاعِنُ الْأَخْرَسُ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْإِشَارَةَ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا يُلَاعِنُ، وَإِنْ طَلَّقَ وَبَاعَ بِإِيمَاءٍ أَوْ بِكِتَابٍ يُفْهَمُ جَازَ قَالَ: وَأَصْمَتَتْ أُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ فَقِيلَ لَهَا: لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا؛ فَأَشَارَتْ أَنْ نَعَمْ فَرُفِعَ ذَلِكَ فَرَأَيْت أَنَّهَا وَصِيَّةٌ. قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ مَغْلُوبَةً عَلَى عَقْلِهَا فَالْتَعَنَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَنَفْيُ الْوَلَدِ إنْ انْتَفَى مِنْهُ وَلَا تُحَدُّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْحُدُودُ، وَلَوْ طَلَبَهُ وَلِيُّهَا أَوْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ أَمَةً فَطَلَبَهُ سَيِّدُهَا لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَعْفُوَ عَنْهُ فَطَلَبَهُ وَلِيُّهَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَعْنَ أَوْ يُحَدَّ لِلْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ وَيُعَزَّرَ لِغَيْرِهَا، وَلَوْ الْتَعَنَ وَأَبَيْنَ اللِّعَانَ فَعَلَى الْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ الْحَدُّ وَالْمَمْلُوكَةِ نِصْفُ الْحَدِّ وَنَفْيُ نِصْفِ سَنَةٍ وَلَا لِعَانَ عَلَى الصَّبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهَا. وَلَا أَجْبُرُ الذِّمِّيَّةَ عَلَى اللِّعَانِ إلَّا أَنْ تَرْغَبَ فِي حُكْمِنَا فَتَلْتَعِنْ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ حَدَدْنَاهَا إنْ ثَبَتَتْ عَلَى الرِّضَا بِحُكْمِنَا (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْلَى بِهِ أَنْ يَحُدَّهَا لِأَنَّهَا رَضِيَتْ وَلَزِمَهَا حُكْمُنَا، وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ إذَا بُتَّ عَلَيْهَا فَأَبَتْ الرِّضَا بِهِ سَقَطَ عَنْهَا لَمْ يَجْرِ عَلَيْهَا حُكْمُنَا أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا تَقْدِرُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 312 إذَا لَزِمَهَا بِالْحُكْمِ مَا تَكْرَهُ أَنْ لَا تُقِيمَ عَلَى الرِّضَا، وَلَوْ قَدَرَ اللَّذَانِ حَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمَا بِالرَّجْمِ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى أَنْ لَا يَرْجُمَهُمَا بِتَرْكِ الرِّضَا لَفَعَلَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَالَ) فِي الْإِمْلَاءِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ إنْ أَبَتْ أَنْ تُلَاعِنَ حَدَدْنَاهَا. وَلَوْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ مَحْدُودَةً فِي زِنًا فَقَذَفَهَا بِذَلِكَ الزِّنَا أَوْ بِزِنًا كَانَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ عُزِّرَ إنْ طَلَبَتْ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْتَعِنْ، وَإِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ قَذَفَهَا فَجَاءَتْ بِشَاهِدَيْنِ لَاعَنَ وَلَيْسَ جُحُودُهُ الْقَذْفَ إكْذَابًا لِنَفْسِهِ، وَلَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ بَلَغَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ وَلَوْ قَذَفَهَا فِي عِدَّةٍ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فِيهَا فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ، وَلَوْ بَانَتْ فَقَذَفَهَا بِزِنًا نَسَبَهُ إلَى أَنَّهُ كَانَ وَهِيَ زَوْجَتُهُ حُدَّ وَلَا لِعَانَ إلَّا أَنْ يَنْفِيَ بِهِ وَلَدًا أَوْ حَمْلًا فَيَلْتَعِنْ، فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَاعَنْت بَيْنَهُمَا وَهِيَ بَائِنٌ إذَا ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ؟ قِيلَ: كَمَا أَلْحَقْت الْوَلَدَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَتَهُ فَكَذَلِكَ لَاعَنْت بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَتَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا كَهِيَ وَهِيَ تَحْتَهُ وَإِذَا نَفَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَلَدَ وَهِيَ زَوْجَةٌ فَإِذَا زَالَ الْفِرَاشُ كَانَ الْوَلَدُ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ أَوْلَى أَنْ يُنْفَى أَوْ فِي مِثْلِ حَالِهِ قَبْلَ أَنْ تَبَيَّنَ. وَلَوْ قَالَ: أَصَابَكِ رَجُلٌ فِي دُبُرِكِ حُدَّ أَوْ لَاعَنَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: يَا زَانِيَةُ بِنْتُ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهَا حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ فَطَلَبَتْ حَدَّ أُمِّهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهَا وَحُدَّ لِأُمِّهَا إذَا طَلَبَتْهُ أَوْ وَكِيلُهَا وَالْتَعَنَ لِامْرَأَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حُبِسَ حَتَّى يَبْرَأَ جِلْدُهُ فَإِذَا بَرِئَ حُدَّ إلَّا أَنْ يَلْتَعْنَ وَمَتَى أَبَى اللِّعَانَ فَحَدَدْته إلَّا سَوْطًا ثُمَّ قَالَ: أَنَا أَلْتَعِنُ قَبِلْت رُجُوعَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا مَضَى مِنْ الضَّرْبِ كَمَا يَقْذِفُ الْأَجْنَبِيَّةَ وَيَقُولُ: لَا آتِي بِشُهُودٍ فَيُضْرَبُ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا آتِي بِهِمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا لَمْ تَلْتَعِنْ فَضُرِبَتْ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ تَقُولُ: أَنَا أَلْتَعِنُ قَبِلْنَا. وَقَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ لَاعَنْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْكُوحَةٍ نِكَاحًا فَاسِدًا بِوَلَدٍ وَاَللَّهُ يَقُولُ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فَقُلْت لَهُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ مَالِكُ الْإِصَابَةِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَوْ مِلْكِ الْيَمِينِ قَالَ: نَعَمْ هَذَا الْفِرَاشُ قُلْت: وَالزِّنَا لَا يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ وَلَا يَكُونُ بِهِ مَهْرٌ وَلَا يُدْرَأُ فِيهِ حَدٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: فَإِذَا حَدَثَتْ نَازِلَةٌ لَيْسَتْ بِالْفِرَاشِ الصَّحِيحِ وَلَا الزِّنَا الصَّرِيحِ وَهُوَ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ أَلَيْسَ سَبِيلُهَا أَنْ نَقِيسَهَا بِأَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ بِهَا شَبَهًا؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: فَقَدْ أَشْبَهَ الْوَلَدُ عَنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ الْوَلَدَ عَنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ فِي إثْبَاتِ الْوَلَدِ وَإِلْزَامِ الْمَهْرِ وَإِيجَابِ الْعِدَّةِ فَكَذَلِكَ يَشْتَبِهَانِ فِي النَّفْيِ بِاللِّعَانِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا يُلَاعِنُ إلَّا حُرَّانِ مُسْلِمَانِ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ وَتَرْكِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَاعْتَلَّ بِأَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ وَإِنَّمَا هُوَ يَمِينٌ، وَلَوْ كَانَ شَهَادَةً مَا جَازَ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدٌ لِنَفْسِهِ وَلَكَانَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ شَهَادَةِ الرَّجُلِ وَلَا كَانَ عَلَى شَاهِدِ يَمِينٍ وَلَمَا جَازَ الْتِعَانُ الْفَاسِقِينَ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا لَا تَجُوزُ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَتُوبَانِ فَيَجُوزَانِ قِيلَ: فَكَذَلِكَ الْعَبْدَانِ الصَّالِحَانِ قَدْ يُعْتَقَانِ فَيَجُوزَانِ مَكَانَهُمَا وَالْفَاسِقَانِ لَوْ تَابَا لَمْ يُقْبَلَا إلَّا بَعْدَ طُولِ مُدَّةٍ يُخْتَبَرَانِ فِيهَا فَلَزِمَهُمْ أَنْ يُجِيزُوا لِعَانَ الأعميين النَّحِيفَيْنِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا عِنْدَهُمْ لَا تَجُوزُ أَبَدًا كَمَا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودَيْنِ [بَابُ أَيْنَ يَكُونُ اللِّعَانُ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَاعَنَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْمِنْبَرِ» قَالَ: فَإِذَا لَاعَنَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا فِي مَكَّةَ فَبَيْنَ الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ أَوْ بِالْمَدِينَةِ فَعَلَى الْمِنْبَرِ أَوْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَفِي مَسْجِدِهِ وَكَذَا كُلِّ بَلَدٍ قَالَ: وَيَبْدَأُ فَيُقِيمُ الرَّجُلَ قَائِمًا وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةً فَيَلْتَعِنُ ثُمَّ يُقِيمُ الْمَرْأَةَ قَائِمَةً فَتَلْتَعِنُ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَائِضًا فَعَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَتْ مُشْرِكَةً الْتَعَنَتْ فِي الْكَنِيسَةِ وَحَيْثُ تُعَظِّمُ، وَإِنْ شَاءَتْ الْمُشْرِكَةُ أَنْ تَحْضُرَهُ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا حَضَرَتْهُ إلَّا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 313 (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا جَعَلَ لِلْمُشْرِكَةِ أَنْ تَحْضُرَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَعَسَى بِهَا مَعَ شِرْكِهَا أَنْ تَكُونَ حَائِضًا كَانَتْ الْمُسْلِمَةُ بِذَلِكَ أَوْلَى. (قَالَ) : وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ وَلَا دِينَ لَهُمَا تَحَاكَمَا إلَيْنَا لَاعَنَ بَيْنَهُمَا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ [بَابُ سُنَّةُ اللِّعَانِ وَنَفْيُ الْوَلَدِ وَإِلْحَاقُهُ بِالْأُمِّ وَغَيْرُ ذَلِكَ] َ مِنْ كِتَابَيْ لِعَانٍ جَدِيدٍ وَقَدِيمٍ وَمِنْ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَفَرَّقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ» وَقَالَ سَهْلٌ وَابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَعْنَى قَوْلِهِمَا: فُرْقَةٌ بِلَا طَلَاقِ الزَّوْجِ. (قَالَ) : وَتَفْرِيقُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ فُرْقَةِ الزَّوْجِ إنَّمَا هُوَ تَفْرِيقُ حُكْمٍ. (قَالَ) : وَإِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟» فَحَكَمَ عَلَى الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ حُكْمًا وَاحِدًا وَأَخْرَجَهُمَا مِنْ الْحَدِّ وَقَالَ «وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُدَيْعِجَ فَلَا أُرَاهُ إلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلَا مَا حَكَمَ اللَّهُ» فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْ دَلَالَةَ صِدْقِهِ عَلَيْهَا وَحَكَمَ بِالظَّاهِرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْوُلَاةِ أَوْلَى أَنْ لَا يَسْتَعْمِلَ دَلَالَةً فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى وَلَا يَقْضِيَ إلَّا بِالظَّاهِرِ أَبَدًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ» . [بَابُ كَيْفَ اللِّعَانُ] ُ مِنْ كِتَابِ اللِّعَانِ وَالطَّلَاقِ وَأَحْكَامِ الْقُرْآنِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمَّا حَكَى سَهْلٌ شُهُودَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ مَعَ حَدَاثَتِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْضُرُ أَمْرًا يُرِيدُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِتْرَهُ وَلَا يَحْضُرُهُ إلَّا وَغَيْرُهُ حَاضِرٌ لَهُ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ حُدُودِ الزِّنَا يَشْهَدُهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا أَقَلُّ مِنْهُمْ وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الزَّانِيَيْنِ {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وَفِي حِكَايَةِ مَنْ حَكَى اللِّعَانَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُمْلَةً بِلَا تَفْسِيرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا نَصَبَ اللِّعَانَ حِكَايَةً فِي كِتَابِهِ فَإِنَّمَا لَاعَنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ بِمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ وَاللِّعَانُ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ لِلزَّوْجِ قُلْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْت بِهِ زَوْجَتِي فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ مِنْ الزِّنَا وَيُشِيرُ إلَيْهَا إنْ كَانَتْ حَاضِرَةً ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُهَا حَتَّى يُكْمِلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَقِفُهُ الْإِمَامُ وَيُذَكِّرُهُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَقُولُ إنِّي أَخَافُ إنْ لَمْ تَكُنْ صَدَقْت أَنْ تَبُوءَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ فَإِنْ رَآهُ يُرِيدُ أَنْ يُمْضِيَ أَمَرَ مَنْ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى فِيهِ وَيَقُولُ إنَّ قَوْلَك وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ مُوجِبَةٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 314 فَإِنْ أَبَى تَرَكَهُ وَقَالَ قُلْ وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْت بِهِ فُلَانَةَ مِنْ الزِّنَا وَإِنْ قَذَفَهَا بِأَحَدٍ يُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ قَالَ مَعَ كُلِّ شَهَادَةٍ إنِّي لِمَنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا بِفُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَقَالَ عِنْدَ الِالْتِعَانِ وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا بِفُلَانٍ أَوْ بِفُلَانٍ وَفُلَانٍ. قَالَ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ فَنَفَاهُ أَوْ بِهَا حَمْلٌ فَانْتَفَى مِنْهُ قَالَ مَعَ كُلِّ شَهَادَةٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لِمَنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَإِنَّ هَذَا الْوَلَدَ وَلَدُ زِنًا مَا هُوَ مِنِّي وَإِنْ كَانَ حَمْلًا قَالَ وَإِنَّ هَذَا الْحَمْلَ إنْ كَانَ بِهَا حَمْلٌ لِحَمْلٍ مِنْ زِنًا مَا هُوَ مِنِّي فَإِنْ قَالَ هَذَا فَقَدْ فَرَغَ مِنْ الِالْتِعَانِ فَإِنْ أَخْطَأَ الْإِمَامُ فَلَمْ يَذْكُرْ نَفْيَ الْوَلَدِ أَوْ الْحَمْلِ فِي اللِّعَانِ قَالَ لِلزَّوْجِ إنْ أَرَدْت نَفْيَهُ أَعَدْت اللِّعَانَ وَلَا تُعِيدُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ إعَادَةِ الزَّوْجِ اللِّعَانَ إنْ كَانَتْ فَرَغَتْ مِنْهُ بَعْدَ الْتِعَانِ الزَّوْجِ وَإِنْ أَخْطَأَ وَقَدْ قَذَفَهَا بِرَجُلٍ وَلَمْ يَلْتَعِنْ بِقَذْفِهِ فَأَرَادَ الرَّجُلُ حَدَّهُ أَعَادَ عَلَيْهِ اللِّعَانَ وَإِلَّا حَدَّ لَهُ إنْ لَمْ يَلْتَعِنْ وَقَالَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَفِي الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ وَلَمَّا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الزَّوْجِ يَرْمِي الْمَرْأَةَ بِالْقَذْفِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ أَنْ يُسَمِّيَ مَنْ يَرْمِيهَا بِهِ أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ «وَرَمَى الْعَجْلَانِيُّ امْرَأَتَهُ بِابْنِ عَمِّهِ أَوْ بِابْنِ عَمِّهَا شَرِيكِ ابْنِ السَّحْمَاءِ وَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَآهُ عَلَيْهَا» وَقَالَ فِي الطَّلَاقِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فَالْتَعَنَ وَلَمْ يُحْضِرْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَرْمِيَّ بِالْمَرْأَةِ فَاسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إذَا الْتَعَنَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الزَّوْجِ لِلَّذِي قَذَفَهُ بِامْرَأَتِهِ حَدُّ وَلَوْ كَانَ لَهُ لَأَخَذَهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَبَعَثَ إلَى الْمَرْمِيَّ فَسَأَلَهُ فَإِنْ أَقَرَّ حُدَّ وَإِنْ أَنْكَرَ حُدَّ لَهُ الزَّوْجُ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ وَسَأَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِيكًا فَأَنْكَرَ فَلَمْ يُحَلِّفْهُ وَلَمْ يَحُدَّهُ بِالْتِعَانِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَحُدَّ الْعَجْلَانِيُّ الْقَاذِفَ لَهُ بِاسْمِهِ وَقَالَ فِي اللِّعَانِ لَيْسَ لِلْإِمَامِ إذَا رُمِيَ رَجُلٌ بِزِنًا أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِ فَيَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12] فَإِنْ شُبِّهَ عَلَى أَحَدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أُنَيْسًا إلَى امْرَأَةِ رَجُلٍ فَقَالَ إنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» فَتِلْكَ امْرَأَةٌ ذَكَرَ أَبُو الزَّانِي بِهَا أَنَّهَا زَنَتْ فَكَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْأَلَ فَإِنْ أَقَرَّتْ حُدَّتْ وَسَقَطَ الْحَدُّ عَمَّنْ قَذَفَهَا وَإِنْ أَنْكَرَتْ حُدَّ قَاذِفُهَا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَاذِفُهَا زَوْجَهَا. قَالَ وَلَمَّا كَانَ الْقَاذِفُ لِامْرَأَتِهِ إذَا الْتَعَنَ لَوْ جَاءَ الْمَقْذُوفُ بِعَيْنِهِ لَمْ يُؤْخَذْ لَهُ الْحَدُّ لَمْ يَكُنْ لِمَسْأَلَةِ الْمَقْذُوفِ مَعْنًى إلَّا أَنْ يُسْأَلَ لِيَحُدَّ وَلَمْ يَسْأَلْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا سَأَلَ الْمَقْذُوفَةَ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ لِلْحَدِّ الَّذِي يَقَعُ لَهَا إنْ لَمْ تُقِرَّ بِالزِّنَا وَلَمْ يَلْتَعِنْ الزَّوْجُ وَأَيُّ الزَّوْجَيْنِ كَانَ أَعْجَمِيًّا الْتَعَنَ بِلِسَانِهِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ يَعْرِفَانِ لِسَانَهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً وَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ الْتَعَنَ بِالْإِشَارَةِ وَإِنْ انْطَلَقَ لِسَانُهُ بَعْدَ الْخَرَسِ لَمْ يُعِدْ ثُمَّ تُقَامُ الْمَرْأَةُ فَتَقُولُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّ زَوْجِي فُلَانًا وَتُشِيرُ إلَيْهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا ثُمَّ تَعُودُ حَتَّى تَقُولَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَإِذَا فَرَغَتْ وَقَّفَهَا الْإِمَامُ وَذَكَّرَهَا اللَّهَ تَعَالَى وَقَالَ احْذَرِي أَنْ تَبُوئِي بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ إنْ لَمْ تَكُونِي صَادِقَةً فِي أَيْمَانِك فَإِنْ رَآهَا تَمْضِي وَحَضَرَتْهَا امْرَأَةٌ أَمَرَهَا أَنْ تَضَعَ يَدَهَا عَلَى فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَحْضُرْهَا وَرَآهَا تَمْضِي قَالَ لَهَا قُولِي وَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا فَإِذَا قَالَتْ ذَلِكَ فَقَدْ فَرَغَتْ قَالَ وَإِنَّمَا أَمَرْت بِوَقْفِهِمَا وَتَذْكِيرِهِمَا اللَّهَ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَكَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ رَجُلًا حِينَ لَاعَنَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ فِي الْخَامِسَةِ وَقَالَ إنَّهَا مُوجِبَةٌ» وَلِمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الشَّهَادَاتِ أَرْبَعًا ثُمَّ فَصَلَ بَيْنَهُنَّ بِاللَّعْنَةِ فِي الرَّجُلِ وَالْغَضَبِ فِي الْمَرْأَةِ دَلَّ عَلَى حَالِ افْتِرَاقِ اللِّعَانِ وَالشَّهَادَاتِ وَأَنَّ اللَّعْنَةَ وَالْغَضَبَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ مُوجِبَانِ عَلَى مَنْ أَوْجَبَا عَلَيْهِ بِأَنْ يَجْتَرِئَ عَلَى الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ ثُمَّ عَلَى الشَّهَادَةِ بِاَللَّهِ بَاطِلًا ثُمَّ يَزِيدُ فَيَجْتَرِئُ عَلَى أَنْ يَلْتَعْنَ وَعَلَى أَنْ يَدْعُوَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا عَرَفَ مِنْ ذَلِكَ مَا جَهِلَا أَنْ يَقِفَهُمَا نَظَرًا لَهُمَا بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 315 [بَابُ مَا يَكُونُ بَعْدَ الْتِعَانِ الزَّوْجِ مِنْ الْفُرْقَةِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ وَحَدِّ الْمَرْأَةِ] ِ مِنْ كِتَابَيْنِ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِذَا أَكْمَلَ الزَّوْجُ الشَّهَادَةَ وَالِالْتِعَانَ فَقَدْ زَالَ فِرَاشُ امْرَأَتِهِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا بِحَالٍ، وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ الْتَعَنَتْ أَوْ لَمْ تَلْتَعِنْ وَإِنَّمَا قُلْت هَذَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» وَلَمْ يَقُلْ حَتَّى تُكَذِّبَ نَفْسَك وَقَالَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا «حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ» . وَلَمَّا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» وَكَانَتْ فِرَاشًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْفِيَ الْوَلَدَ عَنْ الْفِرَاشِ إلَّا بِأَنْ يَزُولَ الْفِرَاشُ وَكَانَ مَعْقُولًا فِي حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ أَنَّهُ نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ وَإِنَّ نَفْيَهُ عَنْهُ بِيَمِينِهِ بِالْتِعَانِهِ لَا بِيَمِينِ الْمَرْأَةِ عَلَى تَكْذِيبِهِ بِنَفْيِهِ وَمَعْقُولٌ فِي إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَجُلِدَ الْحَدَّ إذْ لَا مَعْنَى لِلْمَرْأَةِ فِي نَفْسِهِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى لِلزَّوْجِ فِيمَا وَصَفْت مِنْ نَفْيِهِ وَكَيْفَ يَكُونُ لَهَا مَعْنًى فِي يَمِينِ الزَّوْجِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ وَإِلْحَاقِهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَنَّ الْأُمَّ لَوْ قَالَتْ: لَيْسَ هُوَ مِنْك إنَّمَا اسْتَعَرْته لَمْ يَكُنْ قَوْلُهَا شَيْئًا إذَا عَرَفَ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ عَلَى فِرَاشِهِ إلَّا بِلِعَانٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلْوَلَدِ دُونَ الْأُمِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: هُوَ ابْنِي، وَقَالَتْ: بَلْ زَنَيْت فَهُوَ مِنْ زِنًا كَانَ ابْنَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَ الْوَلَدِ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ إلَيْهِ دُونَ أُمِّهِ فَكَذَلِكَ نَفْيُهُ بِالْتِعَانِهِ دُونَ أُمِّهِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إذَا الْتَعَنَ ثُمَّ قَالَتْ: صَدَقَ إنِّي زَنَيْت فَالْوَلَدُ لَاحِقٌ وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا وَلَا لِعَانَ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ مَحْدُودَةً فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَنْ لَوْ كَانَ فَاسِقًا قَذَفَ عَفِيفَةً مُسْلِمَةً وَالْتَعَنَا نَفْيَ الْوَلَدِ وَهِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ أَصْدَقُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ فَاسِقَةً فَصَدَّقَتْهُ لَمْ يَنْفِ الْوَلَدَ فَجَعَلَ وَلَدَ الْعَفِيفَةِ لَا أَبَ لَهُ وَأَلْزَمَهَا عَارَهُ وَوَلَدُ الْفَاسِقَةِ لَهُ أَبٌ لَا يُنْفَى عَنْهُ قَالَ: وَأَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ الزَّوْجُ اللِّعَانَ وَرِثَ صَاحِبُهُ وَالْوَلَدُ غَيْرُ مَنْفِيٍّ حَتَّى يُكْمِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَإِنْ امْتَنَعَ أَنْ يُكْمِلَ اللِّعَانَ حُدَّ لَهَا، وَإِنْ طَلَبَ الْحَدَّ الَّذِي قَذَفَهَا بِهِ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ حُدَّ فِيهِ مَرَّةً وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ - فَلَا يَنْفِي إلَّا عَلَى مَا نَفَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ أَنَّ الْعَجْلَانِيَّ قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَنَفَى حَمْلَهَا لِمَا اسْتَبَانَهُ فَنَفَاهُ عَنْهُ بِاللِّعَانِ. وَلَوْ أَكْمَلَ اللِّعَانَ وَامْتَنَعَتْ مِنْ اللِّعَانِ وَهِيَ مَرِيضَةٌ أَوْ فِي بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ وَكَانَتْ ثَيِّبًا رُجِمَتْ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا لَمْ تُحَدَّ حَتَّى تَصِحَّ وَيَنْقَضِيَ الْحَرُّ وَالْبَرْدُ ثُمَّ تُحَدُّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8] الْآيَةَ وَالْعَذَابُ الْحَدُّ فَلَا يُدْرَأُ عَنْهَا إلَّا بِاللِّعَانِ وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ لَا يُلَاعَنُ بِحَمْلٍ لَعَلَّهُ رِيحٌ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْت لَوْ أَحَاطَ الْعِلْمَ بِأَنْ لَيْسَ حَمْلٌ أَمَا تُلَاعِنُ بِالْقَذْفِ؟ قَالَ: بَلَى، قِيلَ: فَلِمَ لَا يُلَاعِنُ مَكَانَهُ؟ وَزَعَمَ لَوْ جَامَعَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ بِحَمْلِهَا فَلَمَّا وَضَعَتْ تَرَكَهَا تِسْعًا وَثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَهِيَ فِي الدَّمِ مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ نَفَى الْوَلَدَ مَعَهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ فَيَتْرُكُ مَا حَكَمَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْعَجْلَانِيّ وَامْرَأَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ اللِّعَانِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ عَنْهُ كَمَا قُلْنَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَا قُلْنَا سُنَّةً كَانَ يَجْعَلُ السُّكَاتَ فِي مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ فِي مَعْنَى الْإِقْرَارِ فَزَعَمَ فِي الشُّفْعَةِ إذَا عَلِمَ فَسَكَتَ فَهُوَ إقْرَارٌ بِالتَّسْلِيمِ. وَفِي الْعَبْدِ يَشْتَرِيهِ إذَا اسْتَخْدَمَهُ رَضِيَ بِالْعَيْبِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَحَيْثُ شَاءَ جَعَلَهُ رِضًا ثُمَّ جَاءَ إلَى الْأَشْبَهِ بِالرِّضَا وَالْإِقْرَارِ فَلَمْ يَجْعَلْهُ رِضًا وَجَعَلَ صَمْتَهُ عَنْ إنْكَارِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً كَالْإِقْرَارِ وَأَبَاهُ فِي تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّمْتَيْنِ؟ وَزَعَمَ بِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَوْجَبَ عَلَى الزَّوْجِ الشَّهَادَةَ لِيَخْرُجَ بِهَا مِنْ الْحَدِّ فَإِذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَعْنَى الْقَذْفِ لَزِمَهُ الْحَدُّ قِيلَ لَهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَحَلَفَتْهُ لِيَخْرُجَ مِنْ شَيْءٍ وَكَذَلِكَ قُلْت: إنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فِي مَالٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ جُرْحٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 316 عَمْدٍ حَكَمْت عَلَيْهِ بِذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَلِمَ لَا تَقُولُ فِي الْمَرْأَةِ: إنَّك تُحَلِّفُهَا لِتَخْرُجَ مِنْ الْحَدِّ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا تَدْرَأُ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهَا الْعَذَابَ فَإِذَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ ذَلِكَ فَلِمَ لَمْ تُوجِبْ عَلَيْهَا الْحَدَّ كَمَا قُلْت فِي الزَّوْجِ وَفِيمَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، وَلَيْسَ فِي التَّنْزِيلِ أَنَّ الزَّوْجَ يَدْرَأُ بِالشَّهَادَةِ حَدًّا وَفِي التَّنْزِيلِ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَدْرَأَ بِالشَّهَادَةِ الْعَذَابَ وَهُوَ الْحَدُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَك وَهُوَ الْمَعْقُولُ وَالْقِيَاسُ وَقُلْت لَهُ: لَوْ قَالَتْ لَك: لِمَ حَبَسْتَنِي وَأَنْتَ لَا تَحْبِسُ إلَّا بِحَقٍّ؟ قَالَ: أَقُولُ حَبَسْتُك لِتَحْلِفِي فَتَخْرُجِي بِهِ مِنْ الْحَدِّ فَقَالَتْ: فَإِذَا لَمْ أَفْعَلْ فَأَقِمْ الْحَدَّ عَلَيَّ، قَالَ: لَا، قَالَتْ: فَالْحَبْسُ حَدٌّ، قَالَ: لَا، فَقَالَ: قَالَتْ: فَالْحَبْسُ ظُلْمٌ لَا أَنْتَ أَقَمْت عَلَيَّ الْحَدَّ وَلَا مَنَعْت عَنِّي حَبْسًا وَلَنْ تَجِدَ حَبْسِي فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ عَلَى أَحَدِهَا قَالَ: فَإِنْ قُلْت: فَالْعَذَابُ الْحَبْسُ فَهَذَا خَطَأٌ فَكَمُّ ذَلِكَ مِائَةُ يَوْمٍ أَوْ حَتَّى تَمُوتَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] أَفَتَرَاهُ عَنَى الْحَدَّ أَمْ الْحَبْسَ؟ قَالَ: بَلْ الْحَدَّ وَمَا السَّجْنُ بِحَدٍّ وَالْعَذَابُ فِي الزِّنَا الْحُدُودُ وَلَكِنَّ السَّجْنَ قَدْ يَلْزَمُهُ اسْمُ عَذَابٍ قُلْت: وَالسَّفَرُ وَالدَّهَقُ وَالتَّعْلِيقُ كُلُّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ اسْمُ عَذَابٍ قَالَ: وَاَلَّذِينَ يُخَالِفُونَنَا فِي أَنْ لَا يَجْتَمِعَا أَبَدًا، وَرَوَى فِيهِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - لَا يَجْتَمِعُ الْمُتَلَاعِنَانِ أَبَدًا رَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى مَا قُلْنَا وَأَبَى بَعْضُهُمْ [بَابُ مَا يَكُونُ قَذْفًا وَلَا يَكُونُ وَنَفْيُ الْوَلَدِ بِلَا قَذْفٍ] ٍ وَقَذْفُ ابْنِ الْمُلَاعِنَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ وَلَدَتْ امْرَأَتُهُ وَلَدًا فَقَالَ: لَيْسَ مِنِّي فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ حَتَّى يَقِفَهُ فَإِنْ قَالَ: لَمْ أَقْذِفْهَا وَلَمْ تَلِدْهُ أَوْ وَلَدَتْهُ مِنْ زَوْجٍ قَبْلِي وَقَدْ عُرِفَ نِكَاحُهَا قَبْلَهُ فَلَا يَلْحَقُهُ إلَّا بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ تَشْهَدُ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ لِوَقْتٍ يُمْكِنُ أَنْ تَلِدَ مِنْهُ فِيهِ لِأَقَلِّ الْحَمْلِ، وَإِنْ سَأَلَتْ يَمِينَهُ أَحَلَفْنَاهُ وَبَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ أَحَلَفْنَاهَا وَلَحِقَهُ فَإِنْ لَمْ تَحْلِفْ لَمْ يَلْحَقْهُ (وَقَالَ) فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لَوْ قَالَ لَهَا: مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي وَلَيْسَتْ بِزَانِيَةٍ وَلَمْ أُصِبْهَا قِيلَ: قَدْ تُخْطِئُ فَلَا يَكُونُ حَمْلًا فَيَكُونُ صَادِقًا وَهِيَ غَيْرُ زَانِيَةٍ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ، فَمَتَى اسْتَيْقَنَّا أَنَّهُ حَمْلٌ قُلْنَا: قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَأْخُذَ نُطْفَتَك فَتُدْخِلَهَا فَتَحْمِلَ مِنْك فَتَكُونَ صَادِقًا بِأَنَّك لَمْ تُصِبْهَا وَهِيَ صَادِقَةٌ بِأَنَّهُ وَلَدُك فَإِنْ قَذَفْت لَاعَنْت فَإِنْ نَفَى وَلَدَهَا وَقَالَ: لَا أُلَاعِنُهَا وَلَا أَقْذِفُهَا لَمْ يُلَاعِنْهَا وَلَزِمَهُ الْوَلَدُ، وَإِنْ قَذَفَهَا لَاعَنَهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَاعَنَهَا بِغَيْرِ قَذْفٍ فَإِنَّمَا يَدَّعِي أَنَّهَا لَمْ تَلِدْهُ وَقَدْ حَكَتْ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ اللِّعَانَ بِالْقَذْفِ فَلَا يَجِبُ بِغَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ: لَمْ تَزْنِ بِهِ وَلَكِنَّهَا عَصَتْ لَمْ يُنْفَ عَنْهُ إلَّا بِلِعَانٍ وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ. وَلَوْ قَالَ لِابْنِ مُلَاعَنَةٍ: لَسْت ابْنَ فُلَانٍ أُحْلِفَ مَا أَرَادَ قَذْفَ أُمِّهِ وَلَا حُدَّ فَإِنْ أَرَادَ قَذْفَ أُمِّهِ حَدَدْنَاهُ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يُقِرَّ بِهِ الَّذِي نَفَاهُ حُدَّ إنْ كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً إنْ طَلَبَتْ الْحَدَّ وَالتَّعْزِيرَ إنْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ أَمَةً. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِابْنِهِ: لَسْت بِابْنِي إنَّهُ لَيْسَ بِقَاذِفٍ لِأُمِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَعْزِيَهُ إلَى حَلَالٍ وَهَذَا بِقَوْلِهِ أَشْبَهُ. (قَالَ) : وَإِذَا نَفَيْنَا عَنْهُ وَلَدَهَا بِاللِّعَانِ ثُمَّ جَاءَتْ بَعْدَهُ لِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مَا يَلْزَمُهُ لَهُ نَسَبُ وَلَدِ الْمَبْتُوتَةِ فَهُوَ وَلَدُهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ وَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ فَأَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا وَنَفَى الْآخَرَ فَهُمَا ابْنَاهُ وَلَا يَكُونُ حَمْلٌ وَاحِدٌ بِوَلَدَيْنِ إلَّا مِنْ وَاحِدٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ كَانَ نَفْيُهُ بِقَذْفِهِ لِأُمِّهِ فَعَلَيْهِ لَهَا الْحَدُّ، وَلَوْ مَاتَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 317 أَحَدُهُمَا ثُمَّ الْتَعَنَ نُفِيَ عَنْهُ الْحَيُّ وَالْمَيِّتُ، وَلَوْ نَفَى وَلَدَهَا بِلِعَانٍ ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ فَأَقَرَّ بِهِ لَزِمَاهُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ حَمْلٌ وَاحِدٌ وَحُدَّ لَهَا إنْ كَانَ قَذَفَهَا، وَلَوْ لَمْ يَنْفِهِ وَقَفَ فَإِنْ نَفَاهُ وَقَالَ: الْتِعَانِي الْأَوَّلُ يَكْفِينِي؛ لِأَنَّهُ حَمْلٌ وَاحِدٌ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ حَتَّى يَلْتَعِنَ مِنْ الْآخَرِ (وَقَالَ) بَعْضُ النَّاسِ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ اللِّعَانِ لَاعَنَ وَلَزِمَهُ الْوَلَدَانِ وَهُمَا عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ حَمْلٌ وَاحِدٌ فَكَيْفَ يُلَاعِنُ وَيَلْزَمُهُ الْوَلَدُ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ وَرِثَ الْمَيِّتَ قُلْت لَهُ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَرِثُهُ؟ . (وَقَالَ) أَيْضًا لَوْ نَفَاهُ بِلِعَانٍ وَمَاتَ الْوَلَدُ فَادَّعَاهُ الْأَبُ ضُرِبَ الْحَدَّ وَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ وَلَمْ يَرِثْهُ فَإِنْ كَانَ الِابْنُ الْمَنْفِيُّ تَرَكَ وَلَدًا حُدَّ أَبُوهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَوَرِثَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ تَرَكَ وَلَدًا أَوْ لَمْ يَتْرُكْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ الْمَنْفِيَّ إذَا مَاتَ مَنْفِيَّ النَّسَبِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لَمْ يَعُدْ إلَى النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ فَارَقَ الْحَيَاةَ بِحَالٍ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهَا، وَكَذَلِكَ ابْنُ الْمَنْفِيِّ فِي مَعْنَى الْمَنْفِيِّ وَهُوَ لَا يَكُونُ ابْنًا بِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنُهُ بِالْوَلَدِ الْمَنْفِيِّ الَّذِي قَدْ انْقَطَعَ نَسَبُ الْحَيِّ مِنْهُ وَاَلَّذِي يَنْقَطِعُ بِهِ نَسَبُ الْحَيِّ يَنْقَطِعُ بِهِ نَسَبُ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قُتِلَ وَقُسِّمَتْ دِيَتُهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لَحِقَهُ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ مِنْ دَيْنِهِ وَمِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ أَمْرِهِ أَنَّ نَسَبَهُ ثَابِتٌ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْفِيٌّ مَا كَانَ أَبُوهُ مُلَاعِنًا مُقِيمًا عَلَى نَفْيِهِ. وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ: زَنَيْت بِك وَطَلَبَا جَمِيعًا مَا لَهُمَا سَأَلْنَا فَإِنْ قَالَتْ: عَنَيْت أَنَّهُ أَصَابَنِي وَهُوَ زَوْجِي أُحْلِفَتْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَيَلْتَعِنُ أَوْ يُحَدُّ، وَإِنْ قَالَتْ: زَنَيْت بِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَنِي فَهِيَ قَاذِفَةٌ لَهُ وَعَلَيْهَا الْحَدُّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مُقِرَّةٌ لَهُ بِالزِّنَا، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ أَزْنَى مِنِّي كَانَتْ قَالَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْقَذْفِ إذَا لَمْ تُرِدْ بِهِ قَذْفًا وَعَلَيْهِ الْحَدُّ أَوْ اللِّعَانُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ أَزْنَى مِنْ فُلَانَةَ أَوْ أَزْنَى النَّاسِ لَمْ يَكُنْ هَذَا قَذْفًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَذْفًا، وَلَوْ قَالَ لَهَا: يَا زَانٍ كَانَ قَذْفًا وَهَذَا تَرْخِيمٌ كَمَا يُقَالُ لِمَالِكٍ يَا مَالٍ وَلِحَارِثٍ يَا حَارٍ، وَلَوْ قَالَتْ: يَا زَانِيَةُ أَكْمَلَتْ الْقَذْفَ وَزَادَتْهُ حَرْفًا أَوْ اثْنَيْنِ (وَقَالَ) بَعْضُ النَّاسِ إذَا قَالَ لَهَا يَا: زَانٍ لَاعَنَ أَوْ حُدَّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَقَالَ نِسْوَةٌ} [يوسف: 30] وَقَالَ: وَلَوْ قَالَتْ لَهُ: يَا زَانِيَةُ لَمْ تُحَدَّ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَهَذَا جَهْلٌ بِلِسَانِ الْعَرَبِ إذَا تَقَدَّمَ فِعْلُ الْجَمَاعَةِ مِنْ النِّسَاءِ كَانَ الْفِعْلُ مُذَكَّرًا مِثْلَ قَالَ نِسْوَةٌ وَخَرَجَ النِّسْوَةُ وَإِذَا كَانَتْ وَاحِدَةً فَالْفِعْلُ مُؤَنَّثٌ مِثْلَ قَالَتْ وَجَلَسَتْ وَقَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ: لَوْ قَالَ رَجُلٌ: زَنَأْت فِي الْجَبَلِ حُدَّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْعَرَبِ أَنَّهُ صَعِدَتْ فِي الْجَبَلِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : يَحْلِفُ مَا أَرَادَ إلَّا الرُّقِيَّ فِي الْجَبَلِ وَلَا حُدَّ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حُدَّ إذَا حَلَفَ الْمَقْذُوفُ لَقَدْ أَرَادَ الْقَذْفَ. وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: زَنَيْت وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ، أَوْ قَالَ: وَأَنْتِ نَصْرَانِيَّةٌ أَوْ أَمَةٌ وَقَدْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ أَمَةً أَوْ قَالَ مُسْتَكْرَهَةً أَوْ زَنَى بِك صَبِيٌّ لَا يُجَامِعُ مِثْلُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ وَيُعَزَّرُ لِلْأَذَى إلَّا أَنْ يَلْتَعِنَ، وَلَوْ قَالَ: زَنَيْت قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك حُدَّ وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنِّي أَنْظُرُ إلَى يَوْمِ تَكَلَّمَ بِهِ وَيَوْمِ تُوقِعُهُ. وَلَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا وَلَاعَنَهَا وَطَلَبَتْهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ قَبْلَ النِّكَاحِ حُدَّ لَهَا، وَلَوْ لَمْ يَلْتَعِنْ حَتَّى حَدَّهُ الْإِمَامُ بِالْقَذْفِ الْأَوَّلِ ثُمَّ طَلَبَتْهُ بِالْقَذْفِ بَعْدَ النِّكَاحِ لَاعَنَ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ قَاذِفًا غَيْرَ زَوْجَتِهِ الْحَدُّ وَحُكْمَهُ قَاذِفًا زَوْجَتَهُ الْحَدُّ أَوْ اللِّعَانُ وَلَوْ قَالَ لَهَا: يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ لَهُ: بَلْ أَنْتَ زَانٍ لَاعَنَهَا وَحُدَّتْ لَهُ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ فَأَبْطَلَ الْحُكْمَيْنِ جَمِيعًا وَكَانَتْ حُجَّتُهُ أَنْ قَالَ: أَسْتَقْبِحُ أَنْ أُلَاعِنَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَحُدَّهَا وَمَا قَبُحَ فَأَقْبَحُ مِنْهُ تَعْطِيلُ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَذَفَهَا وَأَجْنَبِيَّةً بِكَلِمَةٍ لَاعَنَ وَحُدَّ لِلْأَجْنَبِيَّةِ، وَلَوْ قَذَفَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ لَهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَاعَنَ كُلَّ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ تَشَاحَحْنَ أَيَّتُهُنَّ تَبْدَأُ أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ وَأَيَّتُهُنَّ بَدَأَ الْإِمَامُ بِهَا رَجَوْت أَنْ لَا يَأْثَمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا وَاحِدًا وَاحِدًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْحُدُودِ: وَلَوْ قَذَفَ جَمَاعَةً كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدٌّ فَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَلْتَعِنْ كَانَ لِكُلِّ امْرَأَةٍ حَدٌّ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ. وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَصَابَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي رَمَاهَا فِيهِ فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ وَالْوَلَدُ لَهَا وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ عَطَاءٍ قَالَ: وَذَهَبَ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ أَنَّهُ إنَّمَا يُنْفَى الْوَلَدُ إذَا قَالَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 318 اسْتَبْرَأْتهَا كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى نَفْيِ وَلَدِ الْعَجْلَانِيِّ إذَا قَالَ: لَمْ أُقِرَّ بِهَا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا قِيلَ فَالْعَجْلَانِي سَمَّى الَّذِي رَأَى بِعَيْنِهِ يَزْنِي وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ أَشْهُرًا وَرَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَامَةً تُثْبِتُ صِدْقَ الزَّوْجِ فِي الْوَلَدِ فَلَا يُلَاعِنُ وَيُنْفَى عَنْهُ الْوَلَدُ إذًا إلَّا بِاجْتِمَاعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَإِنْ قِيلَ: فَمَا حُجَّتُك فِي أَنَّهُ يُلَاعِنُ وَيَنْفِي الْوَلَدَ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِبْرَاءَ؟ . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قُلْت: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةَ فَكَانَتْ الْآيَةُ عَلَى كُلِّ رَامٍ لِمُحْصَنَةٍ قَالَ الرَّامِي لَهَا: رَأَيْتهَا تَزْنِي أَوْ لَمْ يَقُلْ رَأَيْتهَا تَزْنِي؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْمُ الرَّامِي، وَقَالَ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فَكَانَ الزَّوْجُ رَامِيًا قَالَ: رَأَيْت أَوْ عَلِمْت بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ وَقَدْ يَكُونُ الِاسْتِبْرَاءُ وَتَلِدُ مِنْهُ فَلَا مَعْنَى لَهُ مَا كَانَ الْفِرَاشُ قَائِمًا. قَالَ: وَلَوْ زَنَتْ بَعْدَ الْقَذْفِ أَوْ وُطِئَتْ وَطْئًا حَرَامًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ إلَّا أَنْ يَنْفِيَ وَلَدًا فَيَلْتَعِنَ؛ لِأَنَّ زِنَاهَا دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَيْفَ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى صِدْقِهِ وَالْوَقْتُ الَّذِي رَمَاهَا فِيهِ كَانَتْ فِي الْحُكْمِ غَيْرَ زَانِيَةٍ؟ وَأَصْلُ قَوْلِهِ: إنَّمَا يُنْظَرُ فِي حَالِ مَنْ تَكَلَّمَ بِالرَّمْيِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يَزْنِ قَطُّ قَالَ: وَلَوْ لَاعَنَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا فَلَا حَدَّ لَهَا كَمَا لَوْ حُدَّ لَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا لَمْ يُحَدَّ ثَانِيَةً وَيُنْهَى فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ. وَلَوْ قَذَفَهَا بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَطَلَبَا الْحَدَّ فَإِنْ الْتَعَنَ فَلَا حَدَّ لَهُ إذَا بَطَلَ الْحَدُّ لَهَا بَطَلَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَلْتَعِنْ حُدَّ لَهُمَا أَوْ لِأَيِّهِمَا طَلَبَ؛ لِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَدِّ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ لِعَانٌ وَاحِدٌ أَوْ حَدٌّ وَاحِدٌ، وَقَدْ رَمَى الْعَجْلَانِيُّ امْرَأَتَهُ بِرَجُلٍ سَمَّاهُ وَهُوَ ابْنُ السَّحْمَاءِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَحُدَّهُ لَهُ، وَلَوْ قَذَفَهَا غَيْرُ الزَّوْجِ حُدَّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حِينَ لَزِمَهَا الْحُكْمُ بِالْفُرْقَةِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ زَانِيَةً حُدَّتْ وَلَزِمَهَا اسْمُ الزِّنَا وَلَكِنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمَا هَكَذَا، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَذَفَهَا حُبِسَ حَتَّى يَعْدِلُوا. وَلَا يُكَفَّلُ رَجُلٌ فِي حَدٍّ وَلَا لِعَانٍ وَلَا يُحْبَسُ بِوَاحِدٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا دَلِيلٌ عَلَى إثْبَاتِهِ كَفَالَةَ الْوَجْهِ فِي غَيْرِ الْحَدِّ، وَلَوْ قَالَ: زَنَى فَرْجُك أَوْ يَدُك أَوْ رِجْلُك فَهُوَ قَذْفٌ وَكُلُّ مَا قَالَهُ وَكَانَ يُشْبِهُ الْقَذْفَ إذَا احْتَمَلَ غَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا، وَقَدْ «أَتَى رَجُلٌ مِنْ فَزَارَةَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ فَلَمْ يَجْعَلْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَذْفًا» وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] فَكَانَ خِلَافًا لِلتَّصْرِيحِ وَلَا يَكُونُ اللِّعَانُ إلَّا عِنْدَ سُلْطَانٍ أَوْ عُدُولٍ يَبْعَثُهُمْ السُّلْطَانُ [بَابٌ فِي الشَّهَادَةِ فِي اللِّعَانِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا جَاءَ الزَّوْجُ وَثَلَاثَةٌ يَشْهَدُونَ عَلَى امْرَأَتِهِ مَعًا بِالزِّنَا لَاعَنَ الزَّوْجُ فَإِنْ لَمْ يَلْتَعِنْ حُدَّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الزَّوْجِ غَيْرُ حُكْمِ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَا يُلَاعِنُونَ وَيَكُونُونَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ قَذَفَةً يُحَدُّونَ إذَا لَمْ يُتِمُّوا أَرْبَعَةً، وَإِذَا عَلِمَ بِأَنَّهَا قَدْ وَتَّرَتْهُ فِي نَفْسِهِ بِأَعْظَمَ مِنْ أَنْ تَأْخُذَ كَثِيرَ مَالِهِ أَوْ تَشْتُمَ عِرْضَهُ أَوْ تَنَالَهُ بِشَدِيدٍ مِنْ الضَّرْبِ بِمَا يُبْقِي عَلَيْهِ مِنْ الْعَارِ فِي نَفْسِهِ بِزِنَاهَا تَحْتَهُ وَعَلَى وَلَدِهِ فَلَا عَدَاوَةَ تَصِيرُ إلَيْهِمَا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ تَكَادُ تَبْلُغُ هَذَا وَنَحْنُ لَا نُجِيزُ شَهَادَةَ عَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ، وَلَوْ قَذَفَهَا وَانْتَفَى مِنْ حَمْلِهَا فَجَاءَ بِأَرْبَعَةٍ فَشَهِدُوا أَنَّهَا زَنَتْ لَمْ يُلَاعِنْ حَتَّى تَلِدَ فَيَلْتَعِنَ إذَا أَرَادَ نَفْيَ الْوَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَلْتَعِنْ لَحِقَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 319 الْوَلَدُ وَلَمْ تُحَدَّ حَتَّى تَضَعَ ثُمَّ تُحَدُّ قَالَ: وَلَوْ جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ عَلَى إقْرَارِهَا بِالزِّنَا لَمْ يُلَاعِنْ وَلَمْ يُحَدَّ وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، وَلَوْ قَذَفَهَا وَقَالَ: كَانَتْ أَمَةً أَوْ مُشْرِكَةً فَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا يَوْمَ قَذَفَهَا حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُدَّعِيَةٌ الْحَدَّ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ وَيُعَزَّرُ إلَّا أَنْ يَلْتَعِنَ، وَلَوْ كَانَتْ حُرَّةً مُسْلِمَةً وَادَّعَى أَنَّهَا مُرْتَدَّةٌ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ لَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِهَا بِالزِّنَا فَسَأَلَ الْأَجَلَ لَمْ أُؤَجِّلْهُ إلَّا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَإِنْ جَاءَ بِهَا وَإِلَّا حُدَّ أَوْ لَاعَنَ، وَلَوْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَذَفَهَا كَبِيرَةً وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَذَفَهَا صَغِيرَةً فَهَذَانِ قَذْفَانِ مُفْتَرَقَانِ، وَلَوْ اجْتَمَعَ شُهُودُهَا عَلَى وَقْتٍ وَاحِدٍ فَهِيَ مُتَصَادِمَةٌ وَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَذَفَهُمَا وَقَذَفَ امْرَأَتَهُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهَا إلَّا أَنْ يَعْفُوَا قَبْلَ أَنْ يَشْهَدَا وَيَرَى مَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ حَسُنَ فَيَجُوزَا، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَذَفَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَذَفَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ لَمْ يَجُوزَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَلَامَيْنِ غَيْرُ الْآخَرِ وَيُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي بِقَذْفِهَا وَتُقْبَلُ الْوَكَالَةُ فِي تَثْبِيتِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْحُدُودِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ أَوْ يَأْخُذَ اللِّعَانَ أَحْضَرَ الْمَأْخُوذَ لَهُ الْحَدُّ وَاللِّعَانُ وَأَمَّا حُدُودُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَتُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. [الْوَقْتُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ وَنَفْيِ وَلَدِ الْأَمَةِ] ِ مِنْ كِتَابَيْ لِعَانٍ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا عَلِمَ الزَّوْجُ بِالْوَلَدِ فَأَمْكَنَهُ الْحَاكِمُ أَوْ مَنْ يَلْقَاهُ لَهُ إمْكَانًا بَيِّنًا فَتَرَكَ اللِّعَانَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ كَمَا يَكُونُ بَيْعُ الشِّقْصِ فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ تَرَكَ الشَّفِيعُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لَمْ تَكُنْ الشُّفْعَةُ لَهُ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَعْلَمَ بِالْوَلَدِ فَيَكُونُ لَهُ نَفْيُهُ حَتَّى يُقِرَّ بِهِ جَازَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ شَيْخًا وَهُوَ مُخْتَلِفٌ مَعَهُ اخْتِلَافَ الْوَلَدِ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ يَكُونُ لَهُ نَفْيُهُ ثَلَاثًا، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا كَانَ مَذْهَبًا وَقَدْ مَنَعَ اللَّهُ مَنْ قَضَى بِعَذَابِهِ ثَلَاثًا وَأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لِلْمُهَاجِرِ بَعْد قَضَاءَ نُسُكِهِ فِي مَقَامِ ثَلَاثٍ بِمَكَّةَ» وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: إنْ لَمْ يُشْهِدْ مَنْ حَضَرَهُ بِذَلِكَ فِي يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) لَوْ جَازَ فِي يَوْمَيْنِ جَازَ فِي ثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ فِي مَعْنَى ثَلَاثَةٍ وَقَدْ قَالَ لِمَنْ جَعَلَ لَهُ نَفْيَهُ فِي تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَأَبَاهُ فِي أَرْبَعِينَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّمْتَيْنِ؟ فَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ أَشْبَهُ عِنْدِي بِمَعْنَاهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ) : وَأَيُّ مُدَّةٍ؟ قُلْت لَهُ: نَفْيُهُ فِيهَا فَأَشْهَدَ عَلَى نَفْيِهِ وَهُوَ مَشْغُولٌ بِمَا يَخَافُ قُوَّتَهُ أَوْ بِمَرَضٍ لَمْ يَنْقَطِعْ نَفْيُهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَبَلَغَهُ فَأَقَامَ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ إلَّا بِأَنْ يُشْهِدَ عَلَى نَفْيِهِ ثُمَّ يَقْدَمُ فَإِنْ قَالَ: لَمْ أُصَدِّقْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا فَقَالَ: لَمْ أَعْلَمْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَلَوْ رَآهَا حُبْلَى فَلَمَّا وَلَدَتْ نَفَاهُ فَإِنْ قَالَ: لَمْ أَدْرِ لَعَلَّهُ لَيْسَ بِحَمْلٍ لَاعَنَ، وَإِنْ قَالَ: قُلْت: لَعَلَّهُ بِمَوْتٍ فَأَسْتُرُ عَلَيَّ وَعَلَيْهَا لَزِمَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ، وَلَوْ هُنِّئَ بِهِ فَرَدَّ خَيْرًا وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ يُكَافِئُ الدُّعَاءَ بِالدُّعَاءِ. وَأَمَّا وَلَدُ الْأَمَةِ «فَإِنَّ سَعْدًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي عُتْبَةُ قَدْ كَانَ عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ لَك يَا عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 320 الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» فَأَعْلَمَ أَنَّ الْأَمَةَ تَكُون فِرَاشًا مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ تَعْتَرِفُ لِسَيِّدِهَا أَنَّهُ أَلَمَّ بِهَا إلَّا أَلْحَقْت بِهِ وَلَدَهَا فَأَرْسِلُوهُنَّ بَعْدُ أَوْ أَمْسِكُوهُنَّ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عُمَرُ حَمْلَ جَارِيَةٍ لَهُ فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنْكَرَ زَيْدٌ حَمْلَ جَارِيَةٍ لَهُ وَهَذَا إنْ حَمَلَتْ وَكَانَ عَلَى إحَاطَةٍ مِنْ أَنَّهَا مَنْ تَحْمِلُ مِنْهُ فَوَاسِعٌ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي امْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ أَوْ الْأَمَةِ أَنْ يَنْفِيَ وَلَدَهَا قَالَ: وَلَوْ قَالَ: كُنْت أَعْزِلُ عَنْهَا أَلْحَقْت الْوَلَدَ بِهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ اسْتِبْرَاءً بَعْدَ الْوَطْءِ فَيَكُونُ دَلِيلًا لَهُ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَوْ وَلَدَتْ جَارِيَةٌ يَطَؤُهَا فَلَيْسَ هُوَ وَلَدَهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِوَاحِدٍ ثُمَّ جَاءَتْ بَعْدَهُ بِآخَرَ فَلَهُ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْأَوَّلِ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِالثَّانِي وَلَهُ عَبْدُهُ أَنْ يُقِرَّ بِوَاحِدٍ وَيَنْفِيَ ثَانِيًا وَبِثَالِثٍ وَيَنْفِيَ رَابِعًا ثُمَّ قَالُوا: لَوْ أَقَرَّ بِوَاحِدٍ ثُمَّ جَاءَتْ بَعْدَهُ بِوَلَدٍ فَلَمْ يَنْفِهِ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ ابْنُهُ وَلَمْ يَدَّعِهِ قَطُّ ثُمَّ قَالُوا: لَوْ أَنَّ قَاضِيًا زَوَّجَ امْرَأَةً رَجُلًا فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَفَارَقَهَا سَاعَةَ مَلَكَ عُقْدَةَ نِكَاحِهَا ثَلَاثًا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَزِمَ الزَّوْجَ قَالُوا: هَذَا فِرَاشٌ قِيلَ: وَهَلْ كَانَ فِرَاشًا قَطُّ يُمْكِنُ فِيهِ الْجِمَاعُ. (قَالَ الشَّافِعِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا أَحَاطَ الْعِلْمَ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْ الزَّوْجِ فَالْوَلَدُ مَنْفِيٌّ عَنْهُ بِلَا لِعَانٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 321 [كِتَابُ الْعِدَدِ] [عِدَّةُ الْمَدْخُولِ بِهَا] ِ عِدَّةُ الْمَدْخُولِ بِهَا مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الْعِدَدِ وَمِنْ كِتَابِ الرَّجْعَةِ وَالرِّسَالَةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] قَالَ: وَالْأَقْرَاءُ عِنْدَهُ الْأَطْهَارُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - بِدَلَالَتَيْنِ أُولَاهُمَا: الْكِتَابُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَالْأُخْرَى اللِّسَانُ. (قَالَ) : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي غَيْرِ حَدِيثٍ «لَمَّا طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ يَرْتَجِعُهَا فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِك» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِقِبَلِ عِدَّتِهِنَّ أَوْ فِي قِبَلِ عِدَّتِهِنَّ» الشَّافِعِيُّ شَكَّ فَأَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الْعِدَّةَ الْأَطْهَارُ دُونَ الْحَيْضِ وَقَرَأَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِقِبَلِ عِدَّتِهِنَّ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَسْتَقْبِلُ عِدَّتَهَا، وَلَوْ طَلُقَتْ حَائِضًا لَمْ تَكُنْ مُسْتَقْبِلَةً عِدَّتَهَا إلَّا مِنْ بَعْدِ الْحَيْضِ وَالْقُرْءُ اسْمٌ وُضِعَ لِمَعْنًى فَلَمَّا كَانَ الْحَيْضُ دَمًا يُرْخِيهِ الرَّحِمُ فَيَخْرُجُ وَالطُّهْرُ دَمًا يُحْتَبَسُ فَلَا يَخْرُجُ كَانَ مَعْرُوفًا مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ الْقُرْءَ الْحَبْسُ تَقُولُ الْعَرَبُ: هُوَ يُقْرِي الْمَاءَ فِي حَوْضِهِ وَفِي سِقَائِهِ وَتَقُولُ هُوَ يُقْرِي الطَّعَامَ فِي شِدْقِهِ وَقَالَتْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هَلْ تَدْرُونَ مَا الْأَقْرَاءُ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ وَقَالَتْ إذَا طَعَنَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَالنِّسَاءُ بِهَذَا أَعْلَمُ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ وَبَرِئَ مِنْهَا وَلَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا إلَّا وَقَدْ مَضَى بَعْضُ الطُّهْرِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] وَكَانَ شَوَّالُ وَذُو الْقَعْدَةِ كَامِلَيْنِ وَبَعْضُ ذِي الْحِجَّةِ كَذَلِكَ الْأَقْرَاءُ طُهْرَانِ كَامِلَانِ وَبَعْضُ طُهْرٍ وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ لِلْغُسْلِ بَعْدَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ مَعْنًى تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ. وَلَوْ طَلَّقَهَا طَاهِرًا قَبْلَ جِمَاعٍ أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَهُ بِطَرْفَةٍ فَذَلِكَ قُرْءٌ وَتُصَدَّقُ عَلَى ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ فِي أَقَلَّ مَا يُمْكِنُ وَأَقَلُّ مَا عَلِمْنَاهُ مِنْ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْخَبَرِ وَالْعِلْمِ وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ يَوْمًا بِلَيْلَةٍ فَيَكُونُ الْمُفَسَّرُ مِنْ قَوْلٍ يَقْضِي عَلَى الْمُجْمَلِ وَهَكَذَا أَصْلُهُ فِي الْعِلْمِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّ طُهْرَ امْرَأَةٍ أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ جَعَلْنَا الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلَهَا وَكَذَلِكَ تُصَدَّقُ عَلَى الصِّدْقِ، وَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ فِي الثَّلَاثَةِ دَفْعَةً ثُمَّ ارْتَفَعَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ الَّذِي رَأَتْ فِيهِ الدَّفْعَةَ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا وَرَأَتْ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً أَوْ لَمْ تَرَ طُهْرًا حَتَّى يُكْمِلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ فَكَذَلِكَ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ رُؤْيَتِهَا الدَّمَ وَالْحَيْضَ قَبْلَهُ قَدْرُ طُهْرٍ، وَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا، وَلَوْ طَبَقَ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ دَمُهَا يَنْفَصِلُ فَيَكُونُ فِي أَيَّامٍ أَحْمَرَ قَانِيًا مُحْتَدِمًا كَثِيرًا وَفِي أَيَّامٍ بَعْدَهُ رَقِيقًا إلَى الصُّفْرَةِ فَحَيْضُهَا أَيَّامُ الْمُحْتَدِمِ الْكَثِيرِ وَطُهْرُهَا أَيَّامُ الرَّقِيقِ الْقَلِيلِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 322 إلَى الصُّفْرَةِ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَبِهًا كَانَ حَيْضُهَا بِقَدْرِ أَيَّامِ حَيْضِهَا فِيمَا مَضَى قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ، وَإِنْ ابْتَدَأَتْ مُسْتَحَاضَةً أَوْ نَسِيَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا تَرَكَتْ الصَّلَاةَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَاسْتَقْبَلْنَا بِهَا الْحَيْضَ مِنْ أَوَّلِ هِلَالٍ يَأْتِي عَلَيْهَا بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَإِذَا هَلَّ هِلَالُ الرَّابِعِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَلَوْ كَانَتْ تَحِيضُ يَوْمًا وَتَطْهُرُ يَوْمًا وَنَحْوَ ذَلِكَ جَعَلَتْ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ الْمَعْرُوفُ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ أَنَّهُنَّ يَحِضْنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً فَلَا أَجِدُ مَعْنًى أَوْلَى بِعِدَّتِهَا مِنْ الشُّهُورِ. وَلَوْ تَبَاعَدَ حَيْضُهَا فَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْحَيْضِ حَتَّى تَبْلُغَ السِّنَّ الَّتِي مَنْ بَلَغَهَا لَمْ تَحِضْ بَعْدَهَا مِنْ الْمُؤَيِّسَاتِ اللَّاتِي جَعَلَ اللَّهُ عِدَّتَهُنَّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَاسْتَقْبَلَتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ مِثْلُ هَذَا وَهُوَ يُشْبِهُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ وَقَالَ عُثْمَانُ لِعَلِيٍّ وَزَيْدٍ فِي امْرَأَةِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ طَلَّقَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَهِيَ تُرْضِعُ فَأَقَامَتْ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا لَا تَحِيضُ ثُمَّ مَرِضَ: مَا تَرَيَانِ؟ قَالَا: نَرَى أَنَّهَا تَرِثُهُ إنْ مَاتَ وَيَرِثُهَا إنْ مَاتَتْ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقَوَاعِدِ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْحَيْضِ وَلَيْسَتْ مِنْ الْأَبْكَارِ اللَّاتِي لَمْ يَبْلُغْنَ الْمَحِيضَ ثُمَّ هِيَ عَلَى عِدَّةِ حَيْضِهَا مَا كَانَ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ فَرَجَعَ حِبَّانُ إلَى أَهْلِهِ فَأَخَذَ ابْنَتَهُ فَلَمَّا فَقَدَتْ الرَّضَاعَ حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ تُوُفِّيَ حِبَّانُ قَبْلَ الثَّالِثَةِ فَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَوَرِثَتْهُ. وَقَالَ عَطَاءٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا يَئِسَتْ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الَّتِي رَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ بَانَ بِهَا حَمْلٌ فَذَلِكَ وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بَعْدَ التِّسْعَةِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ حَلَّتْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ فِي امْرَأَةٍ قَدْ بَلَغَتْ السِّنَّ الَّتِي مَنْ بَلَغَهَا مِنْ نِسَائِهَا يَئِسْنَ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ وَجْهٌ عِنْدَنَا. (قَالَ) : وَإِنْ مَاتَ صَبِيٌّ لَا يُجَامِعُ مِثْلُهُ فَوَضَعَتْ امْرَأَتُهُ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرِ وَعَشْرٍ أَتَمَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ فَإِنْ مَضَتْ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ حَلَّتْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ بَقِيَ لَهُ شَيْءٌ يَغِيبُ فِي الْفَرْجِ أَوْ لَمْ يَبْقَ لَهُ وَكَانَ وَالْخَصِيُّ يُنْزِلَانِ لَحِقَهُمَا الْوَلَدُ وَاعْتَدَّتْ زَوْجَتَاهُمَا كَمَا تَعْتَدُّ زَوْجَةُ الْفَحْلِ، وَإِنْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ كَانَ لَهُ مَنْعُهَا حَيًّا وَلِوَرَثَتِهِ مَيِّتًا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا. وَإِنْ طَلَّقَ مَنْ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ آخِرِهِ اعْتَدَّتْ شَهْرَيْنِ بِالْأَهِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَشَهْرًا ثَلَاثِينَ لَيْلَةً حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهَا تِلْكَ السَّاعَةُ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا مِنْ الشَّهْرِ. وَلَوْ حَاضَتْ الصَّغِيرَةُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثَةِ الْأَشْهُرِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَلَوْ حَاضَتْ قَبْلَ انْقِضَائِهَا بِطَرْفَةٍ خَرَجَتْ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَاسْتَقْبَلَتْ الْأَقْرَاءَ. (قَالَ) : وَأَعْجَبُ مَنْ سَمِعْت بِهِ مِنْ النِّسَاءِ يَحِضْنَ نِسَاءُ تِهَامَةَ يَحِضْنَ لِتِسْعِ سِنِينَ فَتَعْتَدُّ إذَا حَاضَتْ مِنْ هَذِهِ السِّنِّ بِالْأَقْرَاءِ فَإِنْ بَلَغَتْ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تَحِضْ قَطُّ اعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ، وَلَوْ طَرَحَتْ مَا تَعْلَمُ أَنَّهُ وَلَدٌ مُضْغَةً أَوْ غَيْرَهَا حَلَّتْ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ فِي كِتَابَيْنِ: لَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ حَتَّى يُبَيَّنَ فِيهِ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ وَهَذَا أَقْيَسُ. قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ تَحِيضُ عَلَى الْحَمْلِ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ وَاجْتَنَبَهَا زَوْجُهَا وَلَمْ تَنْقَضِ بِالْحَيْضِ عِدَّتُهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعْتَدَّةً بِهِ وَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا وَلَا تَنْكِحُ الْمُرْتَابَةُ، وَإِنْ أَوْفَتْ عِدَّتَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْرِي مَا عِدَّتُهَا فَإِنْ نَكَحَتْ لَمْ يُفْسَخْ وَوَقَفْنَاهُ فَإِنْ بَرِئَتْ مِنْ الْحَمْلِ فَهُوَ ثَابِتٌ وَقَدْ أَسَاءَتْ، وَإِنْ وَضَعَتْ بَطَلَ النِّكَاحُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَ الْحَامِلَ تَحِيضُ وَلَمْ يَجْعَلْ لِحَيْضِهَا مَعْنًى يَعْتَدُّ بِهِ كَمَا تَكُونُ الَّتِي لَمْ تَحِضْ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ فَإِذَا حَدَثَ الْحَيْضُ كَانَتْ الْعِدَّةُ بِالْحَيْضِ وَالشُّهُورِ كَمَا كَانَتْ تَمُرُّ عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ بِعِدَّةٍ، وَكَذَلِكَ الْحَيْضُ يَمُرُّ عَلَيْهَا وَلَيْسَ كُلُّ حَيْضٍ عِدَّةً كَمَا لَيْسَ كُلُّ شُهُورٍ عِدَّةً. وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا بِوَلَدَيْنِ فَوَضَعَتْ الْأَوَّلَ فَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَلَوْ ارْتَجَعَهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 323 وَخَرَجَ بَعْضُ وَلَدِهَا وَبَقِيَ بَعْضُهُ كَانَتْ رَجْعَةً وَلَا تَخْلُو حَتَّى يُفَارِقَهَا كُلُّهُ، وَلَوْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فَلَمْ يَدْرِ أَقَبْلَ أَوْلَادِهَا أَمْ بَعْدَهُ فَقَالَ وَقَعَ بَعْدَمَا وَلَدَتْ فَلِي الرَّجْعَةُ وَكَذَّبَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ حَقٌّ لَهُ وَالْخُلُوُّ مِنْ الْعِدَّةِ حَقٌّ لَهَا وَلَمْ يَدْرِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَانَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ وَلَا نُزِيلُهَا إلَّا بِيَقِينٍ وَالْوَرَعُ أَنْ لَا يَرْتَجِعَهَا. وَلَوْ طَلَّقَهَا فَلَمْ يُحْدِثْ لَهَا رَجْعَةً وَلَا نِكَاحًا حَتَّى وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ فَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ فَهُوَ مَنْفِيٌّ بِاللِّعَانِ؛ لِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ لِمَا لَا يَلِدُ لَهُ النِّسَاءُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ عِنْدَهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَلِدَهُ مِنْهُ فَلَا مَعْنَى لِلِّعَانِ بِهِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا غَلَطًا مِنْ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: كُلَّمَا وَلَدَتْ وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ بَيْنَهُمَا سَنَةٌ طَلُقَتْ بِالْأَوَّلِ وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ بِالْآخَرِ وَلَمْ نُلْحِقْ بِهِ الْآخَرَ؛ لِأَنَّ طَلَاقَهُ وَقَعَ بِوِلَادَتِهَا ثُمَّ لَمْ يُحْدِثْ لَهَا نِكَاحًا وَلَا رَجْعَةً، وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ فَيَلْزَمُهُ إقْرَارُهُ فَكَانَ الْوَلَدُ مُنْتَفِيًا عَنْهُ بِلَا لِعَانٍ وَغَيْرُ مُمْكِنٍ أَنْ يَكُونَ فِي الظَّاهِرِ مِنْهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَوَضْعُهَا لِمَا لَا يَلِدُ لَهُ النِّسَاءُ مِنْ ذَلِكَ أَبْعَدُ وَبِأَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى لِعَانٍ بِهِ أَحَقُّ. (قَالَ) : وَلَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ نَكَحَهَا إنْ كَانَتْ بَائِنًا أَوْ أَصَابَهَا وَهِيَ تَرَى أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَلَدُ وَكَانَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ حَيًّا وَعَلَى وَرَثَتِهِ عَلَى عِلْمِهِمْ إنْ كَانَ مَيِّتًا، وَلَوْ نَكَحَ فِي الْعِدَّةِ وَأُصِيبَتْ فَوَضَعَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ نِكَاحِ الْآخَرِ وَتَمَامِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ فِرَاقِ الْأَوَّلِ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ فِرَاقِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ ابْنٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهَذَا قَدْ نَفَاهُ بِلَا لِعَانٍ فَهَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ سَوَاءٌ. (قَالَ) : فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ لَمْ يَنْفِ الْوَلَدَ إذَا أَقَرَّتْ أُمُّهُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ إقْرَارِهَا؟ قِيلَ: لِمَا أَمْكَنَ أَنْ تَحِيضَ وَهِيَ حَامِلٌ فَتُقِرُّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْحَمْلُ قَائِمٌ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْوَلَدِ بِإِقْرَارِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَلْزَمْنَاهُ الْأَبَ مَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ حَمْلًا مِنْهُ وَكَانَ الَّذِي يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَلَا يَمْلِكُهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ كِلْتَيْهِمَا تَحِلَّانِ بِانْقِضَاءٍ لِلْأَزْوَاجِ، وَقَالَ فِي بَابِ اجْتِمَاعِ الْعِدَّتَيْنِ: وَالْقَافَّةُ إنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا الْأَوَّلُ إنْ كَانَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ دَعَا لَهُ الْقَافَّةَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَهُوَ لِلثَّانِي. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَجَمَعَ بَيْنَ مَنْ لَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا وَمَنْ لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا فِي بَابِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ تَحِلَّ فِي بَابِ اجْتِمَاعِ الْعِدَّتَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [عِدَّةُ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا] لَا عِدَّةَ عَلَى الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الْآيَةَ قَالَ وَالْمَسِيسُ الْإِصَابَةُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٌ وَغَيْرُهُمَا: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إلَّا بِالْإِصَابَةِ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ هَكَذَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهَذَا ظَاهِرُ الْقُرْآنِ فَإِنْ وَلَدَتْ الَّتِي قَالَ زَوْجُهَا: لَمْ أَدْخُلْ بِهَا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ لِأَكْثَرَ مَا يَلِدُ لَهُ النِّسَاءُ مِنْ يَوْمِ عَقَدَ نِكَاحَهَا لَحِقَ نَسَبُهُ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ إذَا أَلْزَمْنَاهُ الْوَلَدَ حَكَمْنَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُصِيبٌ مَا لَمْ تَنْكِحْ زَوْجًا غَيْرَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ. (قَالَ) : وَلَوْ خَلَا بِهَا فَقَالَ: لَمْ أُصِبْهَا وَقَالَتْ: قَدْ أَصَابَنِي وَلَا وَلَدَ فَهِيَ مُدَّعِيَةٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِشَاهِدٍ بِإِقْرَارِهِ أَحَلَفْتهَا مَعَ شَاهِدِهَا وَأَعْطَيْتهَا الصَّدَاقَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 324 [بَابُ الْعِدَّةُ مِنْ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ وَزَوْجٍ غَائِبٍ] ٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا عَلِمَتْ الْمَرْأَةُ يَقِينَ مَوْتِ زَوْجِهَا أَوْ طَلَاقِهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ أَيِّ عِلْمٍ اعْتَدَّتْ مِنْ يَوْمِ كَانَتْ فِيهِ الْوَفَاةُ وَالطَّلَاقُ، وَإِنْ لَمْ تَعْتَدَّ حَتَّى تَمْضِيَ الْعِدَّةُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا غَيْرُهَا؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ وَقَدْ مَرَّتْ عَلَيْهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ تَكُونُ الْوَفَاةُ أَوْ الطَّلَاقُ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيِّ. [بَابٌ فِي عِدَّةِ الْأَمَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ فِي حَدِّ الزِّنَا فَقَالَ فِي الْإِمَاءِ {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ} [النساء: 25] الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَذَكَرَ الْمَوَارِيثَ فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ لَقِيته أَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَحْرَارِ دُونَ الْعَبِيدِ وَفَرَضَ اللَّهُ الْعِدَّةَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَفِي الْمَوْتِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَسَنَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَسْتَبْرِئَ الْأَمَةُ بِحَيْضَةٍ، وَكَانَتْ الْعِدَّةُ فِي الْحَرَائِرِ اسْتِبْرَاءً وَتَعَبُّدًا وَكَانَتْ الْحَيْضَةُ فِي الْأَمَةِ اسْتِبْرَاءً وَتَعَبُّدًا وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِمَّنْ حَفِظْت عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ نِصْفُ عِدَّةِ الْحُرَّةِ فِيمَا لَهُ نِصْفٌ مَعْدُودٌ فَلَمْ يَجُزْ إذَا وَجَدْنَا مَا وَصَفْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ عَلَى الْفَرْقِ فِيمَا ذَكَرْنَا وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ نَجْعَلَ عِدَّةَ الْأَمَةِ نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ فِيمَا لَهُ نِصْفٌ، فَأَمَّا الْحَيْضَةُ فَلَا يُعْرَفُ لَهَا نِصْفٌ فَتَكُونُ عِدَّتِهَا فِيهِ أَقْرَبَ الْأَشْيَاءِ مِنْ النِّصْفِ إذَا لَمْ يَسْقُطْ مِنْ النِّصْفِ شَيْءٌ وَذَلِكَ حَيْضَتَانِ. وَأَمَّا الْحَمْلُ فَلَا نِصْفَ لَهُ كَمَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَطْعِ نِصْفٌ فَقَطَعَ الْعَبْدَ وَالْحُرَّ. قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يُطَلِّقُ الْعَبْدُ تَطْلِيقَتَيْنِ وَتَعْتَدُّ الْأَمَةُ حَيْضَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فَشَهْرَيْنِ أَوْ شَهْرًا وَنِصْفًا قَالَ: وَلَوْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ قَبْلَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ أَكْمَلَتْ عِدَّةَ حُرَّةٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ وَهِيَ فِي مَعَانِي الْأَزْوَاجِ فِي عَامَّةِ أَمْرِهَا وَيَتَوَارَثَانِ فِي عِدَّتِهَا بِالْحُرِّيَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ كَانَ ذَلِكَ فَسْخًا بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَتُكْمِلُ مِنْهُ الْعِدَّةَ مِنْ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ أَحْدَثَ لَهَا رَجْعَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا وَلَمْ يُصِبْهَا بَنَتْ عَلَى الْعِدَّةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ لَمْ تُمْسَسْ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا عِنْدِي غَلَطٌ بَلْ عِدَّتُهَا مِنْ الطَّلَاقِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَاجَعَهَا بَطَلَتْ عِدَّتُهَا وَصَارَتْ فِي مَعْنَاهَا الْمُتَقَدِّمِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ لَا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبِلٍ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَنْ ابْتَدَأَ طَلَاقَهَا مَدْخُولًا بِهَا، وَلَوْ كَانَ طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ ثُمَّ عَتَقَتْ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَبْنِيَ عَلَى الْعِدَّةِ الْأُولَى وَلَا خِيَارَ لَهَا وَلَا تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعَانِي الْأَزْوَاجِ وَالثَّانِي أَنْ تُكْمِلَ عِدَّةَ حُرَّةٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ وَمِمَّا يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْمَرْأَةِ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ ثُمَّ تَحِيضُ: إنَّهَا تَسْتَقْبِلُ الْحَيْضَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي بَعْضِ عِدَّتِهَا حُرَّةً وَهِيَ تَعْتَدُّ عِدَّةَ أَمَةٍ وَكَذَلِكَ قَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ مُقِيمًا وَيُصَلِّيَ صَلَاةَ مُسَافِرٍ، وَقَالَ هَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ بِالْقِيَاسِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ هَذَا يَقْضِي عَلَى أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ ظِهَارٍ ثُمَّ وَجَدَ رَقَبَةً أَنْ يَصُومَ وَهُوَ مِمَّنْ يَجِدُ رَقَبَةً وَيُكَفِّرُ بِالصِّيَامِ وَلَا لِمَنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَجِدُ الْمَاءَ وَيُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ كَمَا قَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي عِدَّتِهَا مِمَّنْ تَحِيضُ وَتَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَقَاوِيلِهِ، وَقَدْ سَوَّى الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمَرْءُ وَمَا بَيْنَ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ فَجَعَلَ الْمُسْتَقْبِلَ فِيهِ كَالْمُسْتَدْبِرِ. (قَالَ) : وَالطَّلَاقُ إلَى الرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْقُرْآنِ مَعَ مَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 325 ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَثَرِ وَمَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا سِوَى هَذَا مِنْ أَنَّ الْأَحْكَامَ تُقَامُ عَلَيْهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّ الْمُحْصَنَ يَزْنِي بِالْأَمَةِ فَيُرْجَمُ وَتُجْلَدُ الْأَمَةُ خَمْسِينَ وَالزِّنَا مَعْنًى وَاحِدٌ فَاخْتَلَفَ حُكْمُهُ لِاخْتِلَافِ حَالِ فَاعِلِيهِ فَكَذَلِكَ يُحْكَمُ لِلْحُرِّ حُكْمُ نَفْسِهِ فِي الطَّلَاقِ ثَلَاثًا، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ أَمَةً وَعَلَى الْأَمَةِ عِدَّةُ أَمَةٍ، وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا. [عِدَّةُ الْوَفَاةِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 234] الْآيَةَ، فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا عَلَى الْحُرَّةِ غَيْرِ ذَاتِ الْحَمْلِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لسبيعة الْأَسْلَمِيَّةِ وَوَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ قَدْ حَلَلْت فَانْكِحِي مَنْ شِئْت» قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَمْ يُدْفَنْ لَحَلَّتْ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إذَا وَضَعَتْ حَلَّتْ قَالَ: فَتَحِلُّ إذَا وَضَعَتْ قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَمَفْسُوخٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ لِلْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا نَفَقَةٌ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: لَا نَفَقَةَ لَهَا حَسْبُهَا الْمِيرَاثُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِأَنَّ مَالِكَهُ قَدْ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا فَإِنْ مَاتَ نِصْفَ النَّهَارِ وَقَدْ مَضَى مِنْ الْهِلَالِ عَشْرُ لَيَالٍ أَحْصَتْ مَا بَقِيَ مِنْ الْهِلَالِ فَإِنْ كَانَ عِشْرِينَ حَفِظْتهَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ بِالْأَهِلَّةِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ الشَّهْرَ الرَّابِعَ فَأَحْصَتْ عِدَّةَ أَيَّامِهِ فَإِذْ كَمُلَ لَهَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا فَقَدْ أَوْفَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاسْتَقْبَلَتْ عَشْرًا بِلَيَالِيِهَا فَإِذَا أَوْفَتْ لَهَا عَشْرًا إلَى السَّاعَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَأْتِيَ فِيهَا بِحَيْضٍ كَمَا لَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَأْتِيَ فِي الْحَيْضِ بِشُهُورٍ وَلِأَنَّ كُلَّ عِدَّةٍ حَيْثُ جَعَلَهَا اللَّهُ إلَّا أَنَّهَا إنْ ارْتَابَتْ اسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا مِنْ الرِّيبَةِ. وَلَوْ طَلَّقَهَا مَرِيضًا ثَلَاثًا فَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَقَدْ قِيلَ: لَا تَرِثُ مَبْتُوتَةً وَهَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ لِمَنْ قَالَ بِهِ قُلْت: فَالِاسْتِخَارَةُ شَكٌّ، وَقَوْلُهُ: يَصِحُّ، إبْطَالٌ لِلشَّكِّ (وَقَالَ) فِي اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى: إنَّ الْمَبْتُوتَةَ لَا تَرِثُ وَهَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ وَبِمَعْنَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَّثَ الزَّوْجَةَ مِنْ زَوْجٍ يَرِثُهَا لَوْ مَاتَتْ قَبْلَهُ فَلَمَّا كَانَتْ إنْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا، وَإِنْ مَاتَ لَمْ تَعْتَدَّ مِنْهُ عِدَّةً مِنْ وَفَاتِهِ خَرَجَتْ مِنْ مَعْنَى حُكْمِ الزَّوْجَةِ مِنْ الْقُرْآنِ. وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَنْ وَرِثَ رَجُلَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ مِنْ ابْنٍ ادَّعَيَاهُ وَوَرِثَ الِابْنُ إنْ مَاتَا قَبْلَهُ الْجَمِيعَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّمَا يَرِثُ النَّاسُ مِنْ حَيْثُ يُوَرِّثُونَ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَا يَرِثَانِهِ نِصْفَيْنِ بِالْبُنُوَّةِ فَكَذَلِكَ يَرِثُهُمَا نِصْفَيْنِ بِالْأُبُوَّةِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَكَذَلِكَ إنَّمَا تَرِثُ الْمَرْأَةُ الزَّوْجَ مِنْ حَيْثُ يَرِثُ الزَّوْجُ الْمَرْأَةَ بِمَعْنَى النِّكَاحِ، فَإِذَا ارْتَفَعَ النِّكَاحُ بِإِجْمَاعٍ ارْتَفَعَ حُكْمُهُ والموارثة بِهِ وَلِمَا أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَرِثُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ كَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا لَا تَرِثُهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ قِيلَ: قَدْ وَرَّثَهَا عُثْمَانُ قِيلَ: وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي حَيَاتِهِ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إنْ مَاتَ أَنْ يُوَرِّثَهَا مِنْهُ وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أَرَ أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَةٌ وَهَذَا اخْتِلَافٌ وَسَبِيلُهُ الْقِيَاسُ وَهُوَ مَا قُلْنَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ ثَلَاثًا فَمَاتَ وَلَا تُعْرَفُ اعْتَدَّتَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا تُكْمِلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِيهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 326 [بَابٌ مَقَامُ الْمُطَلَّقَةِ فِي بَيْتِهَا وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا] مِنْ كِتَابِ الْعِدَدِ وَغَيْرِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُطَلَّقَاتِ {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ حِين أَخْبَرَتْهُ أَنَّ زَوْجَهَا قُتِلَ وَأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهَا فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْفَاحِشَةُ الْمُبَيِّنَةُ أَنْ تَبْدُوَ عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا فَإِذَا بَدَتْ فَقَدْ حَلَّ إخْرَاجُهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ مَعْنَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا أَمَرَ بِهِ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ مَعَ مَا جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إلَى مَرْوَانَ فِي مُطَلَّقَةٍ انْتَقَلَهَا اتَّقِ اللَّهَ وَارْدُدْ الْمَرْأَةَ إلَى بَيْتِهَا قَالَ مَرْوَانُ أَمَا بَلَغَك شَأْنُ فَاطِمَةَ؟ فَقَالَتْ: لَا عَلَيْك أَنْ تَذْكُرَ فَاطِمَةُ فَقَالَ: إنْ كَانَ بِك شَرٌّ فَحَسْبُك مَا بَيْنَ هَذَيْنِ مِنْ الشَّرِّ وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ تَعْتَدُّ الْمَبْتُوتَةُ فِي بَيْتِهَا فَقِيلَ لَهُ: فَأَيْنَ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؟ فَقَالَ: قَدْ فَتَنَتْ النَّاسَ كَانَتْ فِي لِسَانِهَا ذَرَابَةٌ فَاسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَعَائِشَةُ وَمَرْوَانُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ يَعْرِفُونَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ كَمَا حَدَّثَتْ وَيَذْهَبُونَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ لِلشَّرِّ وَكَرِهَ لَهَا ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا كَتَمَتْ السَّبَبَ الَّذِي بِهِ أَمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ غَيْرِ زَوْجِهَا خَوْفًا أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ سَامِعٌ فَيَرَى أَنَّ لِلْمَبْتُوتَةِ أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَلَمْ يَقُلْ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَدِّي حَيْثُ شِئْت بَلْ خَصَّهَا إذْ كَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا فَبِهَذَا كُلِّهِ أَقُولُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَهَا السُّكْنَى فِي مَنْزِلِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ أَوْ لَا يَمْلِكُهَا فَإِنْ كَانَ بِكِرَاءٍ فَهُوَ عَلَى الْمُطَلِّقِ وَفِي مَالِ الزَّوْجِ الْمَيِّتِ وَلِزَوْجِهَا إذَا تَرَكَهَا فِيمَا يَسَعُهَا مِنْ الْمَسْكَنِ وَتَسْتُرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَنْ يَسْكُنَ فِي سِوَى مَا يَسَعُهَا، وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ: لَا يُغْلِقُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا حُجْرَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ بَالِغٍ مِنْ الرِّجَالِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى زَوْجِهَا دَيْنٌ لَمْ يَبِعْ مَسْكَنَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَذَلِكَ أَنَّهَا مَلَكَتْ عَلَيْهِ سُكْنَى مَا يَكْفِيهَا حِينَ طَلَّقَهَا كَمَا يَمْلِكُ مَنْ يَكْتَرِي، وَإِنْ كَانَ فِي مَنْزِلٍ لَا يَمْلِكُهُ وَلَمْ يَكْتَرِهِ فَلِأَهْلِهِ إخْرَاجُهَا وَعَلَيْهِ غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يُفْلِسَ فَتَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِأَقَلِّ قِيمَةِ سُكْنَاهَا وَتَتْبَعُهُ بِفَضْلِهِ مَتَى أَيْسَرَ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ فِي مَوْتِهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا وَصَفْت وَمَنْ قَالَهُ احْتَجَّ «بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفُرَيْعَةَ اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» وَالثَّانِي أَنَّ الِاخْتِيَارَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَسْكُنُوهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَقَدْ مَلَكُوا دُونَهُ فَلَا سُكْنَى لَهَا كَمَا لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَمَنْ قَالَهُ قَالَ: إنَّ «قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفُرَيْعَةَ اُمْكُثِي فِي بَيْتِك مَا لَمْ يُخْرِجْك مِنْهُ أَهْلُك» ؛ لِأَنَّهَا وَصَفَتْ أَنَّ الْمَنْزِلَ لَيْسَ لِزَوْجِهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا حَامِلًا وَغَيْرَ حَامِلٍ وَقَدْ احْتَجَّ بِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ انْقَطَعَ عَنْهُ بِالْمَوْتِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَكَذَلِكَ قَدْ انْقَطَعَ عَنْهُ السُّكْنَى بِالْمَوْتِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ نَفَقَةٌ وَسُكْنَى مِنْ وَلَدٍ وَوَالِدٍ عَلَى رَجُلٍ فَمَاتَ انْقَطَعَتْ النَّفَقَةُ لَهُمْ وَالسُّكْنَى؛ لِأَنَّ مَالَهُ صَارَ مِيرَاثًا لَهُمْ فَكَذَلِكَ امْرَأَتُهُ وَوَلَدُهُ وَسَائِرُ وَرَثَتِهِ يَرِثُونَ جَمِيعَ مَالِهِ. (قَالَ) : وَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يُسَكِّنُوهَا حَيْثُ شَاءُوا إذَا كَانَ مَوْضِعُهَا حِرْزًا وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يَخُصَّهَا حَيْثُ تَرْضَى لِئَلَّا يَلْحَقَ بِالزَّوْجِ مَنْ لَيْسَ لَهُ، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ فَنَقَلَ مَتَاعَهَا وَخَدَمَهَا وَلَمْ تَنْتَقِلْ بِبَدَنِهَا حَتَّى مَاتَ أَوْ طَلَّقَ اعْتَدَّتْ فِي بَيْتِهَا الَّذِي كَانَتْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 327 فِيهِ، وَلَوْ خَرَجَ مُسَافِرًا بِهَا أَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْحَجِّ فَزَايَلَتْ مَنْزِلَهُ فَمَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَسَوَاءٌ لَهَا الْخِيَارُ فِي أَنْ تَمْضِيَ لِسَفَرِهَا ذَاهِبَةً وَجَائِيَةً وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى بَيْتِهِ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَ سَفَرَهَا وَلَا تُقِيمَ فِي الْمِصْرِ الَّذِي أَذِنَ لَهَا فِي السَّفَرِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهَا فِي الْمَقَامِ فِيهِ أَوْ النَّقْلَةِ إلَيْهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهَا إذَا بَلَغَتْ ذَلِكَ الْمِصْرَ فَإِنْ كَانَ أَخْرَجَهَا مُسَافِرَةً أَقَامَتْ مَا يُقِيمُ الْمُسَافِرُ مِثْلَهَا ثُمَّ رَجَعَتْ وَأَكْمَلَتْ عِدَّتَهَا، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فِي زِيَارَةٍ أَوْ نُزْهَةٍ فَعَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ؛ لِأَنَّ الزِّيَارَةَ لَيْسَتْ مَقَامًا وَلَا تَخْرُجُ إلَى الْحَجِّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا إلَى مَسِيرَةِ يَوْمٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَتَكُونَ مَعَ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ، وَلَوْ صَارَتْ إلَى بَلَدٍ أَوْ مَنْزِلٍ بِإِذْنِهِ وَلَمْ يَقُلْ لَهَا: أَقِيمِي وَلَا تُقِيمِي ثُمَّ طَلَّقَهَا فَقَالَ: لَمْ أَنْقُلْك وَقَالَتْ: نَقَلَتْنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا إلَّا أَنْ تُقِرَّ هِيَ أَنَّهُ كَانَ لِلزِّيَارَةِ أَوْ مُدَّةً تُقِيمُهَا فَيَكُونُ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ وَتَعْتَدَّ فِي بَيْتِهِ وَفِي مَقَامِهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تُقِيمَ إلَى الْمُدَّةِ كَمَا جَعَلَ لَهَا أَنْ تُقِيمَ فِي سَفَرِهَا إلَى غَايَةٍ. (قَالَ) : وَتَنْتَوِيَ الْبَدْوِيَّةُ حَيْثُ يَنْتَوِي أَهْلُهَا؛ لِأَنَّ سَكَنَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إنَّمَا هُوَ سُكْنَى مَقَامِ غِبْطَةٍ وَظَعْنِ غِبْطَةٍ وَإِذَا دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْبَذَاءِ عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا كَانَ الْعُذْرُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى أَوْ أَكْثَرَ. (قَالَ) : وَيُخْرِجُهَا السُّلْطَانُ فِيمَا يَلْزَمُهَا فَإِذَا فَرَغَتْ رَدَّهَا وَيَكْتَرِي عَلَيْهِ إذَا غَابَ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا بِالْمَدِينَةِ فِيمَا مَضَى أَكْرَى مَنْزِلًا إنَّمَا كَانُوا يَتَطَوَّعُونَ بِإِنْزَالِ مَنَازِلِهِمْ وَبِأَمْوَالِهِمْ مَعَ مَنَازِلِهِمْ، وَلَوْ تَكَارَتْ فَإِنْ طَلَبَتْ الْكِرَاءَ كَانَ لَهَا مِنْ يَوْمِ تَطْلُبُهُ وَمَا مَضَى حَقُّ تَرِكَتِهِ فَأَمَّا امْرَأَةُ صَاحِبِ السَّفِينَةِ إذَا كَانَتْ مُسَافِرَةً مَعَهُ فَكَالْمَرْأَةِ الْمُسَافِرَةِ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ، وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهِ فَاعْتَدَّتْ بِهِ [بَابُ الْإِحْدَادِ] ِ مِنْ كِتَابَيْ الْعِدَدِ الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمَّا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» وَكَانَتْ هِيَ وَالْمُطَلَّقَةُ الَّتِي لَا يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا مَعًا فِي عِدَّةٍ وَكَانَتَا غَيْرَ ذَوَاتَيْ زَوْجَيْنِ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ إحْدَادٌ كَهُوَ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَأُحِبُّ ذَلِكَ لَهَا وَلَا يَبِينُ أَنْ أُوجِبَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ تَخْتَلِفَانِ فِي حَالٍ، وَإِنْ اجْتَمَعَتَا فِي غَيْرِهِ، وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ الْقِيَاسُ إلَّا بِاجْتِمَاعِ كُلِّ الْوُجُوهِ بَطَلَ، الْقِيَاسُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ جَعَلَهُمَا فِي الْكِتَابِ الْقَدِيمِ فِي ذَلِكَ سَوَاءً، وَقَالَ فِيهِ وَلَا تَجْتَنِبْ الْمُعْتَدَّةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَأُمُّ الْوَلَدِ مَا تَجْتَنِبُ الْمُعْتَدَّةُ وَيَسْكُنَّ حَيْثُ شِئْنَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا الْإِحْدَادُ فِي الْبَدَنِ وَتَرْكِ زِينَةِ الْبَدَنِ وَهُوَ أَنْ تُدْخِلَ عَلَى الْبَدَنِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِهِ زِينَةً أَوْ طِيبًا يَظْهَرُ عَلَيْهَا فَيَدْعُوَ إلَى شَهْوَتِهَا فَمِنْ ذَلِكَ الدُّهْنُ كُلُّهُ فِي الرَّأْسِ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ الْأَدْهَانِ فِي تَرْجِيلِ الشَّعْرِ وَإِذْهَابِ الشَّعَثِ سَوَاءٌ، وَهَكَذَا الْمُحْرِمُ يَفْتَدِي بِأَنْ يُدْهِنَ رَأْسَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ بِزَيْتٍ لِمَا وَصَفْت، وَأَمَّا مَدُّ يَدَيْهَا فَلَا بَأْسَ إلَّا الطِّيبَ كَمَا لَا يَكُونُ بِذَلِكَ بَأْسٌ لِلْمُحْرِمِ، وَإِنْ خَالَفَتْ الْمُحْرِمَ فِي بَعْضِ أَمْرِهَا وَكُلُّ كُحْلٍ كَانَ زِينَةً فَلَا خَيْرَ فِيهِ لَهَا، فَأَمَّا الْفَارِسِيُّ وَمَا أَشْبَهَهُ إذْ احْتَاجَتْ إلَيْهِ فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِينَةٍ بَلْ يَزِيدُ الْعَيْنَ مَرَهًا وَقُبْحًا وَمَا اُضْطُرَّتْ إلَيْهِ مِمَّا فِيهِ زِينَةٌ مِنْ الْكُحْلِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 328 اكْتَحَلَتْ بِهِ لَيْلًا وَتَمْسَحُهُ نَهَارًا وَكَذَلِكَ الدِّمَامُ «دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ حَادُّ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ؟ فَقَالَتْ: إنَّمَا هُوَ صَبْرٌ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : الصَّبْرُ يُصَفِّرُ فَيَكُونُ زِينَةً وَلَيْسَ بِطِيبٍ فَأَذِنَ لَهَا فِيهِ بِاللَّيْلِ حَيْثُ لَا يُرَى وَتَمْسَحُهُ بِالنَّهَارِ حَيْثُ يُرَى وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ. (قَالَ) : وَفِي الثِّيَابِ زِينَتَانِ إحْدَاهُمَا جَمَالُ اللَّابِسِينَ وَتَسْتُرُ الْعَوْرَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] فَالثِّيَابُ زِينَةٌ لِمَنْ لَبِسَهَا، فَإِذَا أَفْرَدَتْ الْعَرَبُ التَّزَيُّنَ عَلَى بَعْضِ اللَّابِسِينَ دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّمَا مِنْ الصَّبْغِ خَاصَّةً وَلَا بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَ الْحَادُّ كُلَّ ثَوْبٍ مِنْ الْبَيَاضِ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ لَيْسَ بِمُزَيِّنٍ وَكَذَلِكَ الصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَكُلُّ مَا نُسِجَ عَلَى وَجْهِهِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ صَبْغٌ مِنْ خَزٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ صَبْغٍ لَمْ يُرَدْ بِهِ تَزْيِينُ الثَّوْبِ مِثْلَ السَّوَادِ وَمَا صُبِغَ لِيَقْبُحَ لِحُزْنٍ أَوْ لِنَفْيِ الْوَسَخِ عَنْهُ وَصِبَاغُ الْغَزْلِ بِالْخَضِرَةِ يُقَارِبُ السَّوَادَ لَا الْخَضِرَةَ الصَّافِيَةَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ. فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ زِينَةٍ أَوْ وَشْيٍ فِي ثَوْبٍ وَغَيْرِهِ فَلَا تَلْبَسُهُ الْحَادُّ وَكَذَلِكَ كُلُّ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ كَبِيرَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ مُسْلِمَةٍ أَوْ ذِمِّيَّةٍ، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ نَصْرَانِيَّةٌ نَصْرَانِيًّا فَأَصَابَهَا أَحَلَّهَا لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ وَيُحْصِنُهَا؛ لِأَنَّهُ زَوْجٌ أَلَا تَرَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا» وَلَا يُرْجَمُ إلَّا مُحْصَنًا. [اجْتِمَاعُ الْعِدَّتَيْنِ وَالْقَافَّةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِذَا تَزَوَّجَتْ فِي الْعِدَّةِ وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِنِيَّةِ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ تَعْتَدُّ مِنْ الثَّانِي وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) :؛ لِأَنَّ عَلَيْهَا حَقَّيْنِ بِسَبَبِ الزَّوْجَيْنِ وَكَذَلِكَ كُلُّ حَقَّيْنِ لَزِمَا مِنْ وَجْهَيْنِ. قَالَ: وَلَوْ اعْتَدَّتْ بِحَيْضَةٍ ثُمَّ أَصَابَهَا الثَّانِي وَحَمَلَتْ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا اعْتَدَّتْ بِالْحَمْلِ فَإِذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ نَكَحَهَا الْآخَرُ فَهُوَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ فَارَقَهَا الْأَوَّلُ وَكَانَ طَلَاقُهُ لَا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ فَهُوَ لِلْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ وَتَدَاعَيَاهُ أَوْ لَمْ يَتَدَاعَيَاهُ وَلَمْ يُنْكِرَاهُ وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمَا أُرِيهِ الْقَافَّةُ فَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِالْأَوَّلِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ وَتَبْتَدِئُ عِدَّةً مِنْ الثَّانِي، وَلَهُ خِطْبَتُهَا فَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِالثَّانِي فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ وَتَبْتَدِئُ فَتُكْمِلُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّةِ الْأَوَّلِ وَلِلْأَوَّلِ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، وَلَوْ لَمْ يُلْحِقُوهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ أَلْحَقُوهُ بِهِمَا أَوْ لَمْ تَكُنْ قَافَّةٌ أَوْ مَاتَ قَبْلَ يَرَاهُ الْقَافَّةُ أَوْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَلَا يَكُونُ ابْنٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ وَقَفَ حَتَّى يَصْطَلِحَا فِيهِ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ الصَّحِيحِ النِّكَاحِ وَلَا آخُذُهُ بِنَفَقَتِهَا حَتَّى تَلِدَهُ، فَإِنْ أُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ أَعْطَيْتهَا نَفَقَةَ الْحَمْلِ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا، وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ لَمْ آخُذْهُ بِنَفَقَتِهِ حَتَّى يُنْتَسَبَ إلَيْهِ فَإِنْ أُلْحِقَ بِصَاحِبِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا حُبْلَى مِنْ غَيْرِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَالَفَ الشَّافِعِيُّ فِي إلْحَاقِ الْوَلَدِ فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ الرَّجْعَةُ [عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ يَمُوتُ أَوْ يُطَلِّقُ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا ثُمَّ مَاتَ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَوَرِثَتْ، وَلَوْ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا تَعْتَدُّ مِنْ الطَّلَاقِ الْأَخِيرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 329 وَعَبْدِ الْكَرِيمِ وَطَاوُسٍ وَالْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ وَمَنْ قَالَ هَذَا انْبَغَى أَنْ يَقُولَ: رَجْعَتُهُ مُخَالِفَةٌ لِنِكَاحِهِ إيَّاهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا لَمْ تَعْتَدَّ فَكَذَلِكَ لَا تَعْتَدُّ مِنْ طَلَاقٍ أَحْدَثَهُ، وَإِنْ كَانَتْ رَجْعَةً إذَا لَمْ يَمَسَّهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَوْلَى بِالْحَقِّ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ إذَا ارْتَجَعَهَا سَقَطَتْ عِدَّتُهَا وَصَارَتْ فِي مَعْنَاهَا الْقَدِيمِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ لَا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبِلٍ فَإِنَّمَا طَلَّقَ امْرَأَةً مَدْخُولًا بِهَا فِي غَيْرِ عِدَّةٍ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَنْ ابْتَدَأَ طَلَاقَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ لَمْ يَرْتَجِعْهَا حَتَّى طَلَّقَهَا فَإِنَّهَا تَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا مِنْ أَوَّلِ طَلَاقِهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْعِدَّةَ لَمْ تَبْطُلْ حَتَّى طَلَّقَ وَإِنَّمَا زَادَهَا طَلَاقًا وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ بِإِجْمَاعٍ فَلَا نُبْطِلُ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ مِنْ عِدَّةٍ قَائِمَةٍ إلَّا بِإِجْمَاعٍ مِثْلِهِ أَوْ قِيَاسٍ عَلَى نَظِيرِهِ. [امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ وَعِدَّتُهَا إذَا نَكَحَتْ غَيْرَهُ] ُ وَغَيْرُ ذَلِكَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي امْرَأَةِ الْغَائِبِ أَيَّ غَيْبَةٍ كَانَتْ لَا تَعْتَدُّ وَلَا تَنْكِحُ أَبَدًا حَتَّى يَأْتِيَهَا يَقِينُ وَفَاتِهِ وَتَرِثُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَعْتَدَّ مِنْ وَفَاتِهِ وَمِثْلُهَا يَرِثُ إلَّا وَرِثَتْ زَوْجَهَا الَّذِي اعْتَدَّتْ مِنْ وَفَاتِهِ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ: إنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ. (قَالَ) : وَلَوْ طَلَّقَهَا وَهُوَ خَفِيُّ الْغَيْبَةِ أَوْ آلَى مِنْهَا أَوْ تَظَاهَرَ أَوْ قَذَفَهَا لَزِمَهُ مَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ الْحَاضِرَ، وَلَوْ اعْتَدَّتْ بِأَمْرِ حَاكِمٍ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا أَوْ نَكَحَتْ وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ كَانَ حُكْمُ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ بِحَالِهِ غَيْرَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ فَرْجِهَا بِوَطْءِ شُبْهَةٍ، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا مِنْ حِينِ نَكَحَتْ وَلَا فِي حِينِ عِدَّتِهَا مِنْ الْوَطْءِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهَا مُخْرِجَةٌ نَفْسَهَا مِنْ يَدَيْهِ وَغَيْرِ وَاقِفَةٍ عَلَيْهِ وَمُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي دَخَلَتْ فِيهِ وَلَمْ أُلْزِمْ الْوَاطِئَ بِنَفَقَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الزَّوْجَيْنِ إلَّا لُحُوقَ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ فِرَاشٌ بِالشُّبْهَةِ وَإِذَا وَضَعَتْ فَلِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا إلَّا اللِّبَأَ وَمَا إنْ تَرَكَتْهُ لَمْ يَتَعَدَّ غَيْرَهَا وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا فِي رَضَاعِهَا وَلَدَ غَيْرِهِ، وَلَوْ ادَّعَاهُ الْأَوَّلُ أَرَيْته الْقَافَّةَ، وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ وَلَا يَعْلَمُ أَيَّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا بَدَأَتْ فَاعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا؛ لِأَنَّهُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ثُمَّ اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ [بَابُ اسْتِبْرَاءِ أُمِّ الْوَلَدِ] ِ مِنْ كِتَابَيْنِ: امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ وَعِدَّتُهَا إذَا نَكَحَتْ غَيْرَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ يُتَوَفَّى عَنْهَا سَيِّدُهَا تَعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا تَحِلُّ أُمُّ الْوَلَدِ لِلْأَزْوَاجِ حَتَّى تَرَى الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ إمْلَاءً عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَشَهْرٌ. (قَالَ) : وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا أَوْ أَعْتَقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ تَعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَإِنْ تَضَعْ حَمْلَهَا، وَإِنْ اسْتَبْرَأَتْ فَهِيَ كَالْحُرَّةِ الْمُسْتَبْرَأَةِ، وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ أَوْ فِي عِدَّةِ زَوْجٍ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ فَرْجَهَا مَمْنُوعٌ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَبَاحَهُ لِزَوْجِهَا فَإِنْ مَاتَا فَعُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَاتَ قَبْلَ الْآخَرِ بِيَوْمٍ أَوْ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ أَوْ أَكْثَرَ وَلَا نَعْلَمُ أَيَّهُمَا أَوَّلًا اعْتَدَّتْ مِنْ يَوْمِ مَاتَ الْآخَرُ مِنْهُمَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فِيهَا حَيْضَةٌ وَإِنَّمَا لَزِمَهَا إحْدَاهُمَا فَإِذَا جَاءَتْ بِهِمَا فَذَلِكَ أَكْمَلُ مَا عَلَيْهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا عِنْدِي غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 330 لَمْ يَكُنْ بَيْنَ مَوْتِهِمَا إلَّا أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ فَلَا مَعْنَى لِلْحَيْضَةِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ إذَا كَانَ مَاتَ أَوَّلًا فَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ مَشْغُولَةٌ بِهِ عَنْ الْحَيْضَةِ، وَإِنْ كَانَ مَوْتُ الزَّوْجِ أَوَّلًا فَلَمْ يَنْقَضِ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ فَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِعِدَّةِ الزَّوْجِ عَنْ الْحَيْضَةِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ فَقَدْ أَمْكَنَتْ الْحَيْضَةُ فَكَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا تَرِثُ زَوْجَهَا حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّ سَيِّدَهَا مَاتَ قَبْلَ زَوْجِهَا فَتَرِثُهُ وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ كَالْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ يَطَؤُهَا تَسْتَبْرِئُ بِحَيْضَةٍ فَإِنْ نَكَحَتْ قَبْلَهَا فَمَفْسُوخٌ، وَلَوْ وَطِئَ الْمُكَاتِبُ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ وَمَنَعَتْهُ الْوَطْءَ وَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَبِيعُهَا بِحَالٍ؛ لِأَنِّي حَكَمْت لِوَلَدِهَا بِحُكْمِ الْحُرِّيَّةِ إنْ عَتَقَ أَبُوهُ. وَالثَّانِي: أَنَّ لَهُ بَيْعَهَا خَافَ الْعَجْزَ أَوْ لَمْ يَخَفْهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ لَا يَبِيعَهَا كَمَا لَا يَبِيعُ وَلَدَهَا. [بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ] ِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْإِمْلَاءِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ سَبْيِ أَوْطَاسَ أَنْ تُوطَأَ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ أَوْ حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ» وَلَا يُشَكُّ أَنَّ فِيهِنَّ أَبْكَارًا وَحَرَائِرَ كُنَّ قَبْلَ أَنْ يستأمين وَإِمَاءً وَوَضِيعَاتٍ وَشَرِيفَاتٍ وَكَانَ الْأَمْرُ فِيهِنَّ وَاحِدًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَكُلُّ مِلْكٍ يَحْدُثُ مِنْ مَالِكٍ لَمْ يَجُزْ فِيهِ الْوَطْءُ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ؛ لِأَنَّ الْفَرْجَ كَانَ مَمْنُوعًا قَبْلَ الْمِلْكِ ثُمَّ حَلَّ بِالْمِلْكِ فَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً مِنْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ وَقَبَضَتْهَا وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ ثُمَّ اسْتَقَالَهَا فَأَقَالَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْفَرْجَ حُرِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ حَلَّ لَهُ بِالْمِلْكِ الثَّانِي. (قَالَ) : وَالِاسْتِبْرَاءُ أَنْ تَمْكُثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي طَاهِرًا بَعْدَ مِلْكِهَا ثُمَّ تَحِيضُ حَيْضَةً مَعْرُوفَةً فَإِذَا طَهُرَتْ مِنْهَا فَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ، وَإِنْ اسْتَبْرَأَتْ أَمْسَكَتْ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ تِلْكَ الرِّيبَةَ لَمْ تَكُنْ حَمْلًا، وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ لَوْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَهِيَ تَرَى أَنَّهَا حَامِلٌ لَمْ تَحِلَّ إلَّا بِوَضْعِ الْحَمْلِ أَوْ الْبَرَاءَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَمْلًا فَلَا يَحِلُّ لَهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ التَّلَذُّذُ بِمُبَاشَرَتِهَا وَلَا نَظَرٌ بِشَهْوَةٍ إلَيْهَا وَقَدْ تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى وَضَعَتْ حَمْلًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ نِفَاسِهَا ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً مُسْتَقْبِلَةً مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا تَمَّ حِينَ تَفَرَّقَا عَنْ مَكَانِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ، وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً مُكَاتَبَةً فَعَجَزَتْ لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةُ الْفَرْجِ مِنْهُ ثُمَّ أُبِيحَ بِالْعَجْزِ وَلَا يُشْبِهُ صَوْمُهَا الْوَاجِبَ عَلَيْهَا وَحَيْضَتَهَا ثُمَّ تَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَمَسَّهَا وَيُقَبِّلَهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ كَمَا يَحْرُمُ إذَا زُوِّجَهَا وَإِنَّمَا قُلْت: طُهْرٌ ثُمَّ حَيْضَةٌ حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ بِقَوْلِهِ فِي ابْنِ عُمَرَ يُطَلِّقُهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْإِمَاءِ أَنْ يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ فَكَانَتْ الْحَيْضَةُ الْأُولَى أَمَامَهَا طُهْرٌ كَمَا كَانَ الطُّهْرُ أَمَامَهُ الْحَيْضُ فَكَانَ قَصْدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الِاسْتِبْرَاءِ إلَى الْحَيْضِ وَفِي الْعِدَّةِ إلَى الْأَطْهَارِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 331 [كِتَابِ الرَّضَاعِ] مُخْتَصَرُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مِنْ كِتَابِ الرَّضَاعِ وَمِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فِيمَنْ حُرِّمَ مَعَ الْقَرَابَةِ {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يَحْرُمُ كَمَا تَحْرُمُ وِلَادَةُ الْأَبِ وَسَأَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَأَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا غُلَامًا وَالْأُخْرَى جَارِيَةً هَلْ يَتَزَوَّجُ الْغُلَامُ الْجَارِيَةَ؟ فَقَالَ: لَا، اللِّقَاحُ وَاحِدٌ وَقَالَ مِثْلَهُ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ فَكُلُّ مَا حُرِّمَ بِالْوِلَادَةِ وَبِسَبَبِهَا حُرِّمَ بِالرَّضَاعِ وَكَانَ بِهِ مِنْ ذَوِي الْمَحَارِمِ وَالرَّضَاعُ اسْمٌ جَامِعٌ يَقَعُ عَلَى الْمَصَّةِ وَأَكْثَرَ إلَى كَمَالِ الْحَوْلَيْنِ، وَعَلَى كُلِّ رَضَاعٍ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَوَجَبَ طَلَبُ الدَّلَالَةِ فِي ذَلِكَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ " ثُمَّ نُسِخْنَ " بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ " فَتُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ فَكَانَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا إلَّا مَنْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ وَعَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ وَلَا الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ» . (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُلْت لِلشَّافِعِيِّ: أَفَسَمِعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ وَحَفِظَ عَنْهُ وَكَانَ يَوْمَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ تِسْعِ سِنِينَ، وَعَنْ عُرْوَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ أَنْ تُرْضِعَ سَالِمًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَتَحْرُمُ بِهِنَّ» . (قَالَ) : فَدَلَّ مَا وَصَفْت أَنَّ الَّذِي يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ خَمْسُ رَضَعَاتٍ كَمَا جَاءَ الْقُرْآنُ بِقَطْعِ السَّارِقِ فَدَلَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَرَادَ بَعْضَ السَّارِقِينَ دُونَ بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ أَبَانَ أَنَّ الْمُرَادَ بِمِائَةِ جَلْدَةٍ بَعْضُ الزُّنَاةِ دُونَ بَعْضٍ لَا مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ سَرِقَةٍ وَزِنًا وَكَذَلِكَ أَبَانَ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ بَعْضُ الْمُرْضِعِينَ دُونَ بَعْضٍ وَاحْتَجَّ فِيمَا «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَهْلَةَ بِنْتِ سَهْلٍ لَمَّا قَالَتْ لَهُ: كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا فَضْلٌ وَلَيْسَ لَنَا إلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ فَمَاذَا تَأْمُرُنِي؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيمَا بَلَغَنَا أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَيَحْرُمُ بِلَبَنِهَا فَفَعَلَتْ فَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا مِنْ الرَّضَاعَةِ» فَأَخَذَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِيمَنْ أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ وَأَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ وَقُلْنَ: مَا نَرَى الَّذِي أَمَرَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا رُخْصَةً فِي سَالِمٍ وَحْدَهُ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ فِي الْحَدِيثِ: هُوَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِذَا كَانَ خَاصًّا فَالْخَاصُّ مُخْرَجٌ مِنْ الْعَامِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فَجَعَلَ الْحَوْلَيْنِ غَايَةً وَمَا جُعِلَ لَهُ غَايَةً فَالْحُكْمُ بَعْدَ مُضِيِّ الْغَايَةِ خِلَافُ الْحُكْمِ قَبْلَ الْغَايَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فَإِذَا مَضَتْ الْأَقْرَاءُ فَحُكْمُهُنَّ بَعْدَ مُضِيِّهَا خِلَافُ حُكْمِهِنَّ فِيهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عِنْدِي عَلَى نَفْيِ الْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ بِتَأْقِيتِ حَمْلِهِ وَفِصَالِهِ ثَلَاثِينَ شَهْرًا كَمَا نَفَى تَوْقِيتُ الْحَوْلَيْنِ الرَّضَاعَ لِأَكْثَرَ مِنْ حَوْلَيْنِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَرَى رَضَاعَ الْكَبِيرِ يُحَرِّمُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ، قَالَ: وَلَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا خَمْسُ رَضَعَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ كُلُّهُنَّ فِي الْحَوْلَيْنِ قَالَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 332 وَتَفْرِيقُ الرَّضَعَاتِ أَنْ تُرْضِعَ الْمَوْلُودَ ثُمَّ تَقْطَعَ الرَّضَاعَ ثُمَّ تُرْضِعَ ثُمَّ تَقْطَعَ كَذَلِكَ فَإِذَا رَضَعَ فِي مَرَّةٍ مِنْهُنَّ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ مَا قَلَّ مِنْهُ وَمَا كَثُرَ فَهِيَ رَضْعَةٌ، وَإِنْ الْتَقَمَ الثَّدْيَ فَلَهَا قَلِيلًا وَأَرْسَلَهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ كَانَتْ رَضْعَةً وَاحِدَةً كَمَا يَكُونُ الْحَالِفُ لَا يَأْكُلُ بِالنَّهَارِ إلَّا مَرَّةً فَيَكُونُ يَأْكُلُ وَيَتَنَفَّسُ بَعْدَ الِازْدِرَادِ وَيَعُودُ يَأْكُلُ فَذَلِكَ أَكْلُ مَرَّةٍ، وَإِنْ طَالَ، وَإِنْ قَطَعَ ذَلِكَ قَطْعًا بَيِّنًا بَعْدَ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ ثُمَّ أَكَلَ حَنِثَ وَكَانَ هَذَا أَكْلَتَيْنِ، وَلَوْ أَنْفَدَ مَا فِي إحْدَى الثَّدْيَيْنِ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى الْأُخْرَى فَأَنْفَدَ مَا فِيهَا كَانَتْ رَضْعَةً وَاحِدَةً. وَالْوُجُورُ كَالرَّضَاعِ وَكَذَلِكَ السُّعُوطُ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ جَوْفٌ، وَلَوْ حُقِنَ بِهِ كَانَ فِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَوْفٌ وَذَلِكَ أَنَّهَا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ وَالْآخَرُ أَنَّ مَا وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ كَمَا وَصَلَ إلَى الْمَعِدَةِ؛ لِأَنَّهُ يَغْتَذِي مِنْ الْمَعِدَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحُقْنَةُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ جَعَلَ الْحُقْنَةَ فِي مَعْنَى مَنْ شَرِبَ الْمَاءَ فَأَفْطَرَ فَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْقِيَاسِ فِي مَعْنَى مَنْ شَرِبَ اللَّبَنَ وَإِذْ جَعَلَ السُّعُوطُ كَالْوُجُورِ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ عِنْدَهُ جَوْفٌ فَالْحُقْنَةُ إذَا وَصَلَتْ إلَى الْجَوْفِ عِنْدِي أَوْلَى، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَأَدْخَلَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى مَنْ قَالَ: إنْ كَانَ مَا خُلِطَ بِاللَّبَنِ أَغْلَبَ لَمْ يُحَرِّمْ، وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ الْأَغْلَبَ حَرَّمَ فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ خَلَطَ حَرَامًا بِطَعَامٍ وَكَانَ مُسْتَهْلِكًا فِي الطَّعَامِ أَمَا يُحَرِّمُ؟ فَكَذَلِكَ اللَّبَنُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ جَبُنَ اللَّبَنُ فَأَطْعَمَهُ كَانَ كَالرَّضَاعِ. وَلَا يُحَرِّمُ لَبَنُ الْبَهِيمَةِ إنَّمَا يُحَرِّمُ لَبَنُ الْآدَمِيَّاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] وَقَالَ {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] . قَالَ: وَلَوْ حَلَبَ مِنْهَا رَضْعَةً خَامِسَةً ثُمَّ مَاتَتْ فَأُوجِرَهُ صَبِيٌّ كَانَ ابْنَهَا، وَلَوْ رَضَعَ مِنْهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ يُحَرِّمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحِلُّ لَبَنُ الْمَيِّتَةِ. وَلَوْ حُلِبَ مِنْ امْرَأَةٍ لَبَنٌ كَثِيرٌ فَفَرَّقَ ثُمَّ أُوجِرَ مِنْهُ صَبِيٌّ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً لَمْ يَكُنْ إلَّا رَضْعَةً وَاحِدَةً وَلَيْسَ كَاللَّبَنِ يَحْدُثُ فِي الثَّدْيِ كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ حَدَثَ غَيْرُهُ. وَلَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً ثُمَّ أَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ أَوْ ابْنَتُهُ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ امْرَأَةُ ابْنِهِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ بِلَبَنِ ابْنِهِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الصَّغِيرَةُ أَبَدًا وَكَانَ لَهَا عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَرَجَعَ عَلَى الَّتِي أَرْضَعَتْهَا بِنِصْفِ صَدَاقِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَفْسَدَ شَيْئًا لَزِمَهُ قِيمَةُ مَا أَفْسَدَ بِخَطَأٍ أَوْ عَمْدٍ، وَلَوْ أَرْضَعَتْهَا امْرَأَةٌ لَهُ كَبِيرَةٌ لَمْ يُصِبْهَا حَرُمَتْ الْأُمُّ لِأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ وَلَا نِصْفَ مَهْرٍ لَهَا وَلَا مُتْعَةَ؛ لِأَنَّهَا الْمُفْسِدَةُ وَفَسَدَ نِكَاحُ الْمُرْضِعَةِ بِلَا طَلَاقٍ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ وَأُمُّهَا فِي مِلْكِهِ فِي حَالٍ وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَيَرْجِعُ عَلَى الَّتِي أَرْضَعَتْهَا بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا. وَلَوْ تَزَوَّجَ ثَلَاثًا صِغَارًا فَأَرْضَعَتْ امْرَأَةٌ اثْنَيْنِ مِنْهُنَّ الرَّضْعَةَ الْخَامِسَةَ مَعًا فَسَدَ نِكَاحُ الْأُمِّ وَنِكَاحُ الصَّبِيَّتَيْنِ مَعًا وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى وَيَرْجِعُ عَلَى امْرَأَتِهِ بِمِثْلِ نِصْفِ مَهْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَتَحِلُّ لَهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ؛ لِأَنَّهُمَا ابْنَتَا امْرَأَةٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَإِنْ أَرْضَعَتْ الثَّالِثَةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَحْرُمْ؛ لِأَنَّهَا مُنْفَرِدَةٌ قَالَ: وَلَوْ أَرْضَعَتْ إحْدَاهُنَّ الرَّضْعَةَ الْخَامِسَةَ ثُمَّ الْأُخْرَيَيْنِ الْخَامِسَةَ مَعًا حَرُمَتْ عَلَيْهِ وَاَلَّتِي أَرْضَعَتْهَا أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُمَا صَارَتَا أُمًّا وَبِنْتًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مَعًا وَحَرُمَتْ الْأُخْرَيَانِ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَتَا أُخْتَيْنِ فِي وَقْتٍ مَعًا، وَلَوْ أَرْضَعَتْهُمَا مُتَفَرِّقَتَيْنِ لَمْ يَحْرُمَا مَعًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُرْضِعْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا إلَّا بَعْدَمَا بَانَتْ مِنْهُ هِيَ وَالْأُولَى فَيَثْبُتُ نِكَاحُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُمَا بَعْدَمَا بَانَتْ الْأُولَى وَيَفْسُدُ نِكَاحُ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ امْرَأَتِهِ فَكَانَتْ كَامْرَأَةٍ نُكِحَتْ عَلَى أُخْتِهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ يَنْظُرُ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ إلَّا إلَى وَقْتِ الرَّضَاعِ فَقَدْ صَارَتَا أُخْتَيْنِ فِي وَقْتٍ مَعًا بِرَضَاعِ الْآخِرَةِ مِنْهُمَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ امْرَأَةٍ لَهُ كَبِيرَةٍ أَرْضَعَتْ امْرَأَةً لَهُ صَغِيرَةً فَصَارَتَا أُمًّا وَبِنْتًا فِي وَقْتٍ مَعًا وَبَيْنَ أَجْنَبِيَّةٍ أَرْضَعَتْ لَهُ امْرَأَتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ فَصَارَتَا أُخْتَيْنِ فِي وَقْتٍ مَعًا، وَلَوْ جَازَ أَنْ تَكُونَ إذَا أَرْضَعَتْ صَغِيرَةً ثُمَّ صَغِيرَةً كَامْرَأَةٍ نُكِحَتْ عَلَى أُخْتِهَا لَزِمَ إذَا نَكَحَ كَبِيرَةً ثُمَّ صَغِيرَةً فَأَرْضَعَتْهَا أَنْ تَكُونَ كَامْرَأَةٍ نُكِحَتْ عَلَى أُمِّهَا وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْت أَنَا وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْقَدِيمِ: لَوْ تَزَوَّجَ صَبِيَّتَيْنِ فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ بَعْدَ وَاحِدَةٍ انْفَسَخَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 333 نِكَاحُهُمَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا وَذَاكَ سَوَاءٌ وَهُوَ بِقَوْلِهِ أَوْلَى. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ كَانَ لِلْكَبِيرَةِ بَنَاتُ مَرَاضِعَ أَوْ مِنْ رَضَاعٍ فَأَرْضَعْنَ الصِّغَارَ كُلَّهُنَّ انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ مَعًا وَرَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِنِصْفِ مَهْرِ الَّتِي أَرْضَعَتْ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَرْجِعُ عَلَيْهِنَّ بِنِصْفِ مَهْرِ امْرَأَتِهِ الْكَبِيرَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ جَدَّةً مَعَ بَنَاتِ بَنَاتِهَا مَعًا وَتَحْرُمُ الْكَبِيرَةُ أَبَدًا وَيَتَزَوَّجُ الصِّغَارَ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ حَرُمْنَ جَمِيعًا أَبَدًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَأَرْضَعَتْهُنَّ أُمُّ امْرَأَتِهِ الْكَبِيرَةِ أَوْ جَدَّتُهَا أَوْ أُخْتُهَا أَوْ بِنْتُ أُخْتِهَا كَانَ الْقَوْلُ فِيهَا كَالْقَوْلِ فِي بَنَاتِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَرْضَعَتْ مَوْلُودًا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةُ الْمُرْضِعَةُ أَبَاهُ وَيَتَزَوَّجُ الْأَبُ ابْنَتَهَا أَوْ أُمَّهَا عَلَى الِانْفِرَادِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُرْضِعْهُ، وَلَوْ شَكَّ أَرْضَعَتْهُ خَمْسًا أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ ابْنًا لَهَا بِالشَّكِّ [بَابُ لَبَنِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاللَّبَنُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ كَمَا الْوَلَدُ لَهُمَا، وَالْمُرْضَعُ بِذَلِكَ اللَّبَنِ وَلَدُهُمَا. (قَالَ) : وَلَوْ وَلَدَتْ ابْنًا مِنْ زِنًا فَأَرْضَعَتْ مَوْلُودًا فَهُوَ ابْنُهَا وَلَا يَكُونُ ابْنَ الَّذِي زَنَى بِهَا وَأَكْرَهُ لَهُ فِي الْوَرَعِ أَنْ يَنْكِحَ بَنَاتِ الَّذِي وَلَدُهُ مِنْ زِنًا فَإِنْ نَكَحَ لَمْ أَفْسَخْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ابْنَهُ فِي حُكْمِ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ لِزَمْعَةَ وَأَمَرَ سَوْدَةُ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُ لَمَّا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فَلَمْ يَرَهَا وَقَدْ حَكَمَ أَنَّهُ أَخُوهَا» ؛ لِأَنَّ تَرْكَ رُؤْيَتِهَا مُبَاحٌ وَإِنْ كَانَ أَخَاهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ كَانَ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَالَ: يَتَزَوَّجُ ابْنَتَهُ مِنْ زِنًا وَيَحْتَجُّ بِهَذَا الْمَعْنَى وَقَدْ زَعَمَ أَنَّ رُؤْيَةَ ابْنِ زَمْعَةَ لِسَوْدَةِ مُبَاحٌ، وَإِنْ كَرِهَهُ فَكَذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ لَا يَفْسَخُ نِكَاحَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ وَلَمْ يَفْسَخْ نِكَاحَ ابْنِهِ مِنْ زِنَا بَنَاتِهِ مِنْ حَلَالٍ لِقَطْعِ الْأُخُوَّةِ فَكَذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ لَوْ تَزَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ زِنًا لَمْ يُفْسَخْ وَإِنْ كَرِهَهُ لِقَطْعِ الْأُبُوَّةِ وَتَحْرِيمِ الْأُخُوَّةِ كَتَحْرِيمِ الْأُبُوَّةِ وَلَا حُكْمَ عِنْدَهُ لِلزِّنَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» فَهُوَ فِي مَعْنَى الْأَجْنَبِيِّ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا فَأَصَابَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَأَرْضَعَتْ مَوْلُودًا كَانَ ابْنَهَا وَأَرَى الْمَوْلُودَ الْقَافَّةَ فَبِأَيِّهِمَا أُلْحِقَ لَحِقَ وَكَانَ الْمُرْضِعُ ابْنَهُ وَسَقَطَتْ أُبُوَّةُ الْآخَرِ، وَلَوْ مَاتَ فَالْوَرَعُ أَنْ لَا يَنْكِحَ ابْنَةَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا يَكُونُ مُحَرِّمًا لَهَا، وَلَوْ قَالُوا: الْمَوْلُودُ هُوَ ابْنُهُمَا جُبِرَ إذَا بَلَغَ عَلَى الِانْتِسَابِ إلَى أَحَدِهِمَا وَتَنْقَطِعُ أُبُوَّةُ الْآخَرِ، وَلَوْ كَانَ مَعْتُوهًا لَمْ يَلْحَقْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يَمُوتَ وَلَهُ وَلَدٌ فَيَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي الِانْتِسَابِ إلَى أَحَدِهِمَا أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ فَيَكُونُ مِيرَاثُهُ مَوْقُوفًا، وَلَوْ أَرْضَعَتْ بِلَبَنِ مَوْلُودٍ نَفَاهُ أَبُوهُ بِاللِّعَانِ لَمْ يَكُنْ أَبًا لِلْمُرْضَعِ فَإِنْ رَجَعَ لَحِقَهُ وَصَارَ أَبًا لِلْمُرْضَعِ. وَلَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ وَثَبَتَ لَبَنُهَا أَوْ انْقَطَعَ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ زَوْجًا فَأَصَابَهَا فَثَابَ لَهَا لَبَنٌ وَلَمْ يَظْهَرْ بِهَا حَمْلٌ فَهُوَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَ لَبَنُهَا ثَبَتَ فَحَمَلَتْ مِنْ الثَّانِي فَنَزَلَ بِهَا لَبَنٌ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَكُونُ لَهَا فِيهِ لَبَنٌ مِنْ الْحَمْلِ الْآخَرِ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ الْأَوَّلِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّا عَلَى عِلْمٍ مِنْ لَبَنِ الْأَوَّلِ وَفِي شَكٍّ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَلَطَهُ لَبَنُ الْآخَرِ فَلَا أُحَرِّمُ بِالشَّكِّ وَأُحِبُّ لِلْمُرْضَعِ لَوْ تَوَقَّى بَنَاتِ الزَّوْجِ الْآخَرِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: هَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ انْقَطَعَ فَلَمْ يَثِبْ حَتَّى كَانَ الْحَمْلُ الْآخَرُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ مِنْ الْأَوَّلِ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مِنْ الْأَوَّلِ بِكُلِّ حَالٍ كَمَا يَثُوبُ بِأَنْ تَرْحَمَ الْمَوْلُودَ أَوْ تَشْرَبَ دَوَاءً فَتُدِرَّ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ انْقِطَاعًا بَيِّنًا فَهُوَ مِنْ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَكُونُ مِنْ الْآخَرِ لَبَنٌ تُرْضِعُ بِهِ حَتَّى تَلِدَ فَهُوَ مِنْ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ، وَإِنْ كَانَ يَثُوبُ شَيْءٌ تُرْضِعُ بِهِ، وَإِنْ قَلَّ فَهُوَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَمَنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اللَّبَنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 334 وَالْوَلَدِ قَالَ: هُوَ لِلْأَوَّلِ وَمَنْ فَرَّقَ قَالَ: هُوَ مِنْهُمَا مَعًا، وَلَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ اللَّبَنُ حَتَّى وَلَدَتْ مِنْ الْآخَرِ فَالْوِلَادَةُ قَطْعٌ لِلَبَنِ الْأَوَّلِ فَمَنْ أَرْضَعَتْ فَهُوَ ابْنُهَا وَابْنُ الزَّوْجِ الْآخَرِ. [الشَّهَادَاتُ فِي الرَّضَاعِ وَالْإِقْرَارُ] ُ مِنْ كِتَابِ الرَّضَاعِ وَمِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ الْقَدِيمِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَحِلُّ لِلرِّجَالِ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْمَحَارِمِ أَنْ يَتَعَمَّدُوا النَّظَرَ إلَيْهِ لِغَيْرِ شَهَادَةٍ مِنْ وِلَادَةِ الْمَرْأَةِ وَعُيُوبِهَا الَّتِي تَحْتَ ثِيَابِهَا وَالرَّضَاعُ عِنْدِي مِثْلُهُ لَا يَحِلُّ لِغَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ثَدْيِهَا وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى رَضَاعِهَا بِغَيْرِ رُؤْيَةِ ثَدْيَيْهَا وَلَا يَجُوزُ مِنْ النِّسَاءِ عَلَى الرَّضَاعِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِ حَرَائِرَ بَوَالِغ عُدُولٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَجَازَ شَهَادَتِهِنَّ فِي الدَّيْنِ جَعَلَ امْرَأَتَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُنْكِرُ الرَّضَاعَ فَكَانَتْ فِيهِنَّ أُمُّهَا أَوْ ابْنَتُهَا جُزْنَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَدَّعِي الرَّضَاعَ لَمْ يَجُزْ فِيهَا أُمُّهَا وَلَا أُمَّهَاتُهَا وَلَا ابْنَتُهَا وَلَا بَنَاتُهَا وَيَجُوزُ فِي ذَلِكَ شَهَادَتُهَا الَّتِي أَرْضَعَتْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَلَا عَلَيْهَا مَا تَرُدُّ بِهِ شَهَادَتَهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَيْفَ تَجُوزُ شَهَادَتُهَا عَلَى فِعْلِهَا وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أُمِّهَا وَأُمَّهَاتِهَا وَبَنَاتِهَا فَهُنَّ فِي شَهَادَتِهِنَّ عَلَى فِعْلِهَا أَجْوَزُ فِي الْقِيَاسِ مِنْ شَهَادَتِهَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُوقَفْنَ حَتَّى يَشْهَدْنَ أَنْ قَدْ رَضَعَ الْمَوْلُودُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ يَخْلُصْنَ كُلُّهُنَّ إلَى جَوْفِهِ وَتَسَعُهُنَّ الشَّهَادَةُ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ عِلْمِهِنَّ «وَذَكَرَتْ السَّوْدَاءُ أَنَّهَا أَرْضَعَتْ رَجُلًا وَامْرَأَةً تَنَاكَحَا فَسَأَلَ الرَّجُلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ فَقَالَ وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمْت السَّوْدَاءُ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا؟» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : إعْرَاضُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَرَ هَذَا شَهَادَةً تَلْزَمُهُ وَقَوْلُهُ «وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ السَّوْدَاءُ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا؟» يُشْبِهُ أَنْ يُكْرَهَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ مَعَهَا وَقَدْ قِيلَ: إنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَهُوَ مَعْنَى مَا قُلْنَا يَتْرُكُهَا وَرَعًا لَا حُكْمًا. وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ: هَذِهِ أُخْتِي مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ قَالَتْ: هَذَا أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ وَكَذَّبَتْهُ أَوْ كَذَّبَهَا فَلَا يَحِلُّ لِوَاحِدٍ مِنْهَا أَنْ يَنْكِحَ الْآخَرَ، وَلَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ بَعْدَ عَقْدِ نِكَاحِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَذَّبَتْهُ أَخَذَتْ نِصْفَ مَا سَمَّى لَهَا، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ أَفْتَيْته أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ وَيَدَعَ نِكَاحَهَا بِطَلْقَةٍ لِتَحِلَّ بِهَا لِغَيْرِهِ إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً وَأُحَلِّفُهُ لَهَا فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَفَرَّقْت بَيْنَهُمَا. [بَابٌ رَضَاعُ الْخُنْثَى] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ كَانَ الْأَغْلَبُ مِنْ الْخُنْثَى أَنَّهُ رَجُلٌ نَكَحَ امْرَأَةً وَلَمْ يُنْزِلْ فَنَكَحَهُ رَجُلٌ فَإِذَا نَزَلَ لَهُ لَبَنٌ فَأَرْضَعَ بِهِ صَبِيًّا لَمْ يَكُنْ رَضَاعًا يُحَرِّمُ، وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ امْرَأَةٌ فَنَزَلَ لَهُ لَبَنٌ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَرْضَعَ صَبِيًّا حَرُمَ، وَإِنْ كَانَ مُشْكَلًا فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَبِأَيِّهِمَا نَكَحَ بِهِ أَوَّلًا؛ أَجَزْته وَلَمْ أَجْعَلْ لَهُ يَنْكِحُ الْآخَرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 335 [كِتَابِ النَّفَقَةِ] وُجُوبُ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ مِنْ كِتَابِ النَّفَقَةِ وَمِنْ كِتَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمِنْ الطَّلَاقِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِنْ النِّكَاحِ إمْلَاءً عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا} [النساء: 3] أَيْ لَا يَكْثُرُ مَنْ تَعُولُونَ. (قَالَ) : وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ فَأُحِبُّ أَنْ يَقْتَصِرَ الرَّجُلُ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَإِنْ أُبِيحَ لَهُ أَكْثَرُ «وَجَاءَتْ هِنْدُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَإِنَّهُ لَا يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إلَّا مَا أَخَذْت مِنْهُ سِرًّا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» «وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِك قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِك قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، فَقَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِك قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِك قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ أَنْتَ أَعْلَمُ» قَالَ سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ إذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ وَلَدُك: أَنْفِقْ عَلَيَّ إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ وَتَقُولُ: زَوْجَتُك أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ طَلِّقْنِي وَيَقُولُ خَادِمُك: أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ بِعْنِي. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بَيَانُ أَنَّ عَلَى الرَّجُلِ مَا لَا غِنَى بِامْرَأَتِهِ عَنْهُ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَخِدْمَةٍ فِي الْحَالِ الَّتِي لَا تَقْدِرُ عَلَى مَا لَا صَلَاحَ لِبَدَنِهَا مِنْ زَمَانَةٍ وَمَرَضٍ إلَّا بِهِ. (وَقَالَ) فِي كِتَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ لِخَادِمِهَا نَفَقَةً إذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَخْدُمُ نَفْسَهَا، وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ فَلَا يَبِينُ أَنْ يُعْطِيَهَا خَادِمًا وَلَكِنْ يُجْبَرُ عَلَى مَنْ يَصْنَعُ لَهَا الطَّعَامَ الَّذِي لَا تَصْنَعُهُ هِيَ وَيُدْخِلُ عَلَيْهَا مَا لَا تَخْرُجُ لِإِدْخَالِهِ مِنْ مَاءٍ وَمَا يُصْلِحُهَا وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ ذَلِكَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قَدْ أَوْجَبَ لَهَا فِي مَوْضِعٍ مِنْ هَذَا نَفَقَةَ خَادِمٍ وَقَالَهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إمْلَاءً عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ الْمَجْمُوعَةِ، وَقَالَهُ فِي كِتَابِ النَّفَقَةِ وَهُوَ بِقَوْلِهِ أَوْلَى أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ خَادِمِهَا فَكَذَلِكَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ أَخْرَجَهُنَّ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيُنْفِقُ الْمُكَاتِبُ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ أَمَتِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ: وَلَوْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ مُكَاتَبَةً وَلَيْسَتْ كِتَابَتُهُمَا وَاحِدَةً وَلَا مَوْلَاهُمَا وَاحِدًا وَوُلِدَ لَهُ فِي الْكِتَابَةِ أَوْلَادٌ فَنَفَقَتُهُمْ عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِهِمْ وَيُعْتَقُونَ بِعِتْقِهَا وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ وَلَا أَمَةٍ [قَدْرُ النَّفَقَةِ] ِ: مِنْ ثَلَاثَةِ كُتُبٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: النَّفَقَةُ نَفَقَتَانِ: نَفَقَةُ الْمُوسِعِ، وَنَفَقَةُ الْمُقْتِرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] الْآيَةَ فَأَمَّا مَا يَلْزَمُ الْمُقْتِرِ لِامْرَأَتِهِ إنْ كَانَ الْأَغْلَبُ بِبَلَدِهَا أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا مَخْدُومَةً عَالَهَا وَخَادِمًا وَاحِدًا بِمَا لَا يَقُومُ بَدَنٌ عَلَى أَقَلِّ مِنْهُ وَذَلِكَ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ طَعَامِ الْبَلَدِ الْأَغْلَبِ فِيهَا مِنْ قُوتِ مِثْلِهَا وَلِخَادِمِهَا مِثْلُهُ وَمَكِيلَةٌ مِنْ أُدُمِ بِلَادِهَا زَيْتًا كَانَ أَوْ سَمْنًا بِقَدْرِ مَا يَكْفِي مَا وَصَفْت وَيَفْرِضُ لَهَا فِي دُهْنٍ وَمُشْطٍ أَقَلَّ مَا يَكْفِيهَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لِخَادِمِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ لَهَا وَقِيلَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ رَطْلُ لَحْمٍ وَذَلِكَ الْمَعْرُوفُ لِمِثْلِهَا وَفَرَضَ لَهَا مِنْ الْكِسْوَةِ مَا يُكْسِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 336 مِثْلَهَا بِبَلَدِهَا عِنْدَ الْمُقْتِرِ مِنْ الْقُطْنِ الْكُوفِيِّ وَالْبَصْرِيِّ وَمَا أَشْبَهَهُ وَلِخَادِمِهَا كِرْبَاسُ وَمَا أَشْبَهَهُ وَفِي الْبَلَدِ الْبَارِدِ أَقَلُّ مَا يَكْفِي الْبَرْدَ مِنْ جُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ وَقَطِيفَةٍ أَوْ لِحَافٍ يَكْفِي السَّنَتَيْنِ وَقَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَخِمَارٌ أَوْ مُقَنَّعَةٌ وَلِجَارِيَتِهَا جُبَّةُ صُوفٍ وَكِسَاءٌ تلتحفه يُدْفِئُ مِثْلَهَا وَقَمِيصٌ وَمُقَنَّعَةٌ وَخُفٌّ وَمَا لَا غِنَى بِهَا عَنْهُ وَيَفْرِضُ لَهَا فِي الصَّيْفِ قَمِيصًا وَمِلْحَفَةً وَمُقَنَّعَةً، وَإِنْ كَانَتْ رَغِيبَةً لَا يُجْزِئُهَا هَذَا دَفَعَ إلَيْهَا ذَلِكَ وَتَزَيَّدَتْ مِنْ ثَمَنِ أُدُمٍ وَلَحْمٍ وَمَا شَاءَتْ فِي الْحَبِّ، وَإِنْ كَانَتْ زَهِيدَةً تَزَيَّدَتْ فِيمَا لَا يَقُوتُهَا مِنْ فَضْلِ الْمَكِيلَةِ. وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا مُوسِعًا فُرِضَ لَهَا مُدَّانِ وَمِنْ الْأُدُمِ وَاللَّحْمِ ضِعْفُ مَا وَصَفْت لِامْرَأَةِ الْمُقْتِرِ وَكَذَلِكَ فِي الدُّهْنِ وَالْمُشْطِ وَمِنْ الْكِسْوَةِ وَسَطُ الْبَغْدَادِيِّ وَالْهَرَوِيِّ وَلَيِّنِ الْبَصْرَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَيُحْشَى لَهَا إنْ كَانَتْ بِبِلَادٍ يَحْتَاجُ أَهْلُهَا إلَيْهِ وَقَطِيفَةٌ وَسَطٌ وَلَا أُعْطِيهَا فِي الْقُوتِ دَرَاهِمَ، فَإِنْ شَاءَتْ أَنْ تَبِيعَهُ فَتَصْرِفَهُ فِيمَا شَاءَتْ صَرَفَتْهُ وَأَجْعَلُ لِخَادِمِهَا مُدًّا وَثُلُثًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَعَةً لِمِثْلِهَا وَفِي كِسْوَتِهَا الْكِرْبَاسُ وَغَلِيظُ الْبَصْرِيِّ وَالْوَاسِطِيِّ وَمَا أَشْبَهَهُ وَلَا أُجَاوِزُهُ بِمُوسِعٍ مَنْ كَانَ، وَمَنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ وَلِامْرَأَتِهِ فِرَاشٌ وَوِسَادَةٌ مِنْ غَلِيظِ مَتَاعِ الْبَصْرَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَلِخَادِمِهَا فَرْوَةٌ وَوِسَادَةٌ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ عَبَاءَةٍ أَوْ كِسَاءٍ غَلِيظٍ فَإِذَا بَلِيَ أَخْلَفَهُ، وَإِنَّمَا جَعَلْت أَقَلَّ الْفَرْضِ فِي هَذَا بِالدَّلَالَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دَفْعِهِ إلَى الَّذِي أَصَابَ أَهْلَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عِرْقًا فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرً صَاعًا لِسِتِّينَ مِسْكِينًا، وَإِنَّمَا جَعَلْت أَكْثَرَ مَا فَرَضْت مُدَّيْنِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي فِدْيَةِ الْأَذَى مُدَّانِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ» فَلَمْ أُقَصِّرْ عَنْ هَذَا وَلَمْ أُجَاوِزْ هَذَا مَعَ أَنَّ مَعْلُومًا أَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ أَقَلَّ الْقُوتِ مُدٌّ وَأَنَّ أَوْسَعَهُ مُدَّانِ وَالْفَرْضُ الَّذِي عَلَى الْوَسَطِ الَّذِي لَيْسَ بِالْمُوسِعِ وَلَا الْمُقْتِرِ بَيْنَهُمَا مُدٌّ وَنِصْفٌ لِلْخَادِمَةِ مُدٌّ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْوِيَّةً فَمَا يَأْكُلُ أَهْلُ الْبَادِيَةِ وَمِنْ الْكِسْوَةِ بِقَدْرِ مَا يَلْبَسُونَ لَا وَقْتَ فِي ذَلِكَ إلَّا قَدْرَ مَا يَرَى بِالْمَعْرُوفِ وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ أَنْ يُضَحِّيَ لِامْرَأَتِهِ وَلَا يُؤَدِّيَ عَنْهَا أَجْرَ طَبِيبٍ وَلَا حَجَّامٍ [الْحَالُ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا النَّفَقَةُ وَمَا لَا يَجِبُ] ُ مِنْ كِتَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَكِتَابِ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ وَمِنْ الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَخَلَّتْ أَوْ أَهْلُهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ بِهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ مِنْ قِبَلِهِ وَقَالَ فِي كِتَابَيْنِ. وَقَدْ قِيلَ: إذَا كَانَ الْحَبْسُ مِنْ قِبَلِهِ فَعَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: يُنْفِقُ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ مَذْهَبًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ قَطَعَ بِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُخِلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى قَالَ: فَإِنْ ادَّعَتْ التَّخْلِيَةَ فَهِيَ غَيْرُ مَخْلِيَّةٍ حَتَّى يُعْلَمَ ذَلِكَ مِنْهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ كَانَتْ مَرِيضَةً لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا وَلَيْسَتْ كَالصَّغِيرَةِ. وَلَوْ كَانَ فِي جِمَاعِهَا شِدَّةُ ضَرَرٍ مُنِعَ وَأُخِذَ بِنَفَقَتِهَا، وَلَوْ ارْتَتَقَتْ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى جِمَاعِهَا فَهَذَا عَارِضٌ لَا مَنْعَ بِهِ مِنْهَا وَقَدْ جُومِعَتْ. وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فَأَحْرَمَتْ أَوْ اعْتَكَفَتْ أَوْ لَزِمَهَا نَذْرُ كَفَّارَةٍ كَانَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا. وَلَوْ هَرَبَتْ أَوْ امْتَنَعَتْ أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَمَنَعَهَا سَيِّدُهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا يُبْرِئُهُ مِمَّا وَجَبَ لَهَا مِنْ نَفَقَتِهَا، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا مَعَهَا إلَّا إقْرَارَهَا أَوْ بَيِّنَةً تَقُومُ عَلَيْهَا. وَلَوْ أَسْلَمَتْ وَثَنِيَّةٌ وَأَسْلَمَ زَوْجُهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ مَتَى شَاءَ أَسْلَمَ وَكَانَتْ امْرَأَتَهُ، وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمُسْلِمُ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ فِي أَيَّامِ كُفْرِهَا، وَإِنْ دَفَعَهَا إلَيْهَا فَلَمْ يُسْلِمْ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَا حَقَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَطَوَّعَ بِهَا، وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْقَدِيمِ: فَإِنْ أَسْلَمَ ثُمَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 337 أَسْلَمَتْ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ وَلَهَا النَّفَقَةُ فِي حَالِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْفَسِخْ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْأَوَّلُ أَوْلَى بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ تَمْنَعُ الْمُسْلِمَةَ النَّفَقَةَ بِامْتِنَاعِهَا فَكَيْفَ لَا تَمْنَعُ الْوَثَنِيَّةَ بِامْتِنَاعِهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَى الْعَبْدِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ وَالْكِتَابِيَّةِ وَالْأَمَةِ إذَا بُوِّئَتْ مَعَهُ بَيْتًا وَإِذَا احْتَاجَ سَيِّدُهَا إلَى خِدْمَتِهَا فَذَلِكَ لَهُ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا قَالَ: وَنَفَقَتُهُ نَفَقَةُ الْمُقْتِرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ إلَّا وَهُوَ فَقِيرٌ؛ لِأَنَّ مَا بِيَدِهِ، وَإِنْ اتَّسَعَ لِسَيِّدٍ. وَمَنْ لَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ فَكَالْمَمْلُوكِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَتْ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ حُرًّا فَهُوَ يَجْعَلُ لَهُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ مَا يَمْلِكُ وَيَرِثُهُ مَوْلَاهُ الَّذِي أَعْتَقَ تِسْعَةَ أَعْشَارِهِ فَكَيْفَ لَا يُنْفِقُ عَلَى قَدْرِ سَعَتِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ جَعَلَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ لَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ كَالْمَمْلُوكِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ: إذَا كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا وَنِصْفُهُ عَبْدًا كَفَّرَ بِالْإِطْعَامِ فَجَعَلَهُ كَالْحُرِّ بِبَعْضِ الْحُرِّيَّةِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ بِبَعْضِ الْحُرِّيَّةِ هَا هُنَا كَالْحُرِّ بَلْ جَعَلَهُ كَالْعَبْدِ فَالْقِيَاسُ عَلَى أَصْلِهِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْحُرَّ مِنْهُ يُنْفِقُ بِقَدْرِ سَعَتِهِ وَالْعَبْدَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ، وَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ أَنَّ عَلَى الْحُرِّ مِنْهُ بِقَدْرِهِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَعَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ بِقَدْرِ الرِّقِّ مِنْهُ فَالْقِيَاسُ مَا قُلْنَا فَتَفَهَّمُوهُ تَجِدُوهُ كَذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى [الرَّجُلُ لَا يَجِدُ نَفَقَةً] ً: مِنْ كِتَابَيْنِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَمَّا دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّ حَقَّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَعُولَهَا احْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا وَيَمْنَعَهَا حَقَّهَا وَلَا يُخَلِّيَهَا تَتَزَوَّجُ مَنْ يُغْنِيهَا وَأَنْ تُخَيَّرَ بَيْنَ مَقَامِهَا مَعَهُ وَفِرَاقِهِ. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ يَأْمُرهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا حَبَسُوا. وَهَذَا يُشْبِهُ مَا وَصَفْت. وَسَأَلَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا قِيلَ لَهُ: فَسُنَّةٌ؟ قَالَ: سُنَّةٌ وَاَلَّذِي يُشْبِهُ قَوْلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ سُنَّةٌ أَنْ يَكُونَ سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا وَجَدَ نَفَقَتَهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَمْ يُؤَجَّلْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَلَا تُمْنَعُ الْمَرْأَةُ فِي ثَلَاثٍ مِنْ أَنْ تَخْرُجَ فَتَعْمَلَ أَوْ تَسْأَلَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَفَقَتَهَا خُيِّرَتْ كَمَا وَصَفْت فِي هَذَا الْقَوْلِ، وَإِنْ وَجَدَ نَفَقَتَهَا وَلَمْ يَجِدْ نَفَقَةَ خَادِمِهَا لَمْ تُخَيَّرْ؛ لِأَنَّهَا تُمَاسِك بِنَفَقَتِهَا وَكَانَتْ نَفَقَةُ خَادِمِهَا دَيْنًا عَلَيْهِ مَتَى أَيْسَرَ أَخَذَتْهُ بِهِ وَمَنْ قَالَ هَذَا لَزِمَهُ عِنْدِي إذَا لَمْ يَجِدْ صَدَاقَهَا أَنْ يُخَيِّرَهَا؛ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِنَفَقَتِهَا (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ قَالَ: وَلَوْ أُعْسِرَ بِالصَّدَاقِ وَلَمْ يُعْسَرْ بِالنَّفَقَةِ فَاخْتَارَتْ الْمَقَامَ مَعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِرَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى بَدَنِهَا إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا فِي اسْتِئْخَارِ صَدَاقِهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ لَهَا فِيهِ كَالنَّفَقَةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ اخْتَارَتْ الْمَقَامَ مَعَهُ فَمَتَى شَاءَتْ أُجِّلَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَفْوٌ عَمَّا مَضَى، وَلَوْ عَلِمَتْ عُسْرَتَهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُوسِرَ وَيَتَطَوَّعَ عَنْهُ بِالْغُرْمِ وَلَهَا أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْهِ إذَا أَعْسَرَ بِصَدَاقِهَا حَتَّى تَقْبِضَهُ وَاحْتَجَّ عَلَى مُخَالِفِهِ فَقَالَ: إذَا خَيَّرْتهَا فِي الْعِنِّينِ يُؤَجَّلُ سَنَةً وَرَضِيَتْ مِنْهُ بِجِمَاعٍ مَرَّةً فَإِنَّمَا هُوَ فَقْدُ لَذَّةٍ وَلَا صَبْرَ لَهَا عَلَى فَقْدِ النَّفَقَةِ فَكَيْفَ أَقْرَرْتهَا مَعَهُ فِي أَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ وَفَرَّقْت بَيْنَهُمَا فِي أَصْغَرِ الضَّرَرَيْنِ. [نَفَقَةُ الَّتِي لَا يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا] وَغَيْرُ ذَلِكَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] وَقَالَ تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] فَلَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ لَهَا نَفَقَةً بِالْحَمْلِ دَلَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 338 عَلَى أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا بِخِلَافِ الْحَمْلِ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ الَّتِي يُمْلَكُ رَجْعَتُهَا فِي مَعَانِي الْأَزْوَاجِ فِي أَنَّ عَلَيْهِ نَفَقَتَهَا وَسُكْنَاهَا وَأَنَّ طَلَاقَهُ وَإِيلَاءَهُ وَظِهَارَهُ وَلِعَانَهُ يَقَعُ عَلَيْهَا وَأَنَّهَا تَرِثُهُ وَيَرِثُهَا فَكَانَتْ الْآيَةُ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ وَهِيَ الَّتِي لَا يُمْلَكُ رَجْعَتُهَا وَبِذَلِكَ جَاءَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي «فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بَتَّ زَوْجُهَا طَلَاقَهَا فَذَكَرَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَيْسَ لَك عَلَيْهِ نَفَقَةٌ» وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ " نَفَقَةُ الْمُطَلَّقَةِ مَا لَمْ تَحْرُمْ " وَعَنْ عَطَاءٍ لَيْسَتْ الْمَبْتُوتَةُ الْحُبْلَى مِنْهُ فِي شَيْءٍ إلَّا أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ أَجْلِ الْحَبَلِ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ حُبْلَى فَلَا نَفَقَةَ لَهَا. (قَالَ) : وَكُلُّ مَا وَصَفْت مِنْ مُتْعَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ سُكْنَى فَلَيْسَتْ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَأَمَّا كُلُّ نِكَاحٍ كَانَ مَفْسُوخًا فَلَا نَفَقَةَ حَامِلًا أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ فَإِنْ ادَّعَتْ الْحَمْلَ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِيَقِينٍ حَتَّى تَلِدَ فَتُعْطَى نَفَقَةُ مَا مَضَى لَهَا، وَهَكَذَا لَوْ أَوْصَى لِحَمْلٍ أَوْ كَانَ الْوَارِثُ أَوْ الْمُوصَى لَهُ غَائِبًا فَلَا يُعْطَى إلَّا بِيَقِينٍ أَرَأَيْت لَوْ أَعْطَيْنَاهَا بِقَوْلِ النِّسَاءِ ثُمَّ أَنْفَسَ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْنَا مِنْ مَالِهِ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ تُحْصِيَ مِنْ يَوْمِ فَارَقَهَا فَإِذَا قَالَ النِّسَاءُ: بِهَا حَمْلٌ، أَنْفَقَ عَلَيْهَا حَتَّى تَضَعَ وَلِمَا مَضَى. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا عِنْدِي أَوْلَى بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ بِالْحَمْلِ النَّفَقَةَ وَحَمْلُهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَنَفَاهُ وَقَذَفَهَا لَاعَنَهَا، وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ ثُمَّ أَخَذَتْ مِنْهُ النَّفَقَةَ الَّتِي بَطَلَتْ عَنْهُ، وَلَوْ أَعْطَاهَا بِقَوْلِ الْقَوَابِلِ أَنَّ بِهَا حَمْلًا ثُمَّ عَلِمَ أَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا حَمْلٌ أَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا فَجَاوَزَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَتْ، وَلَوْ كَانَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَلَمْ تُقِرَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ أَوْ كَانَ حَيْضُهَا يَخْتَلِفُ فَيَطُولُ وَيَقْصُرُ لَمْ أَجْعَلْ لَهَا إلَّا الْأَقْصَرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْيَقِينُ وَأَطْرَحُ الشَّكَّ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا حَكَمَ بِأَنَّ الْعِدَّةَ قَائِمَةٌ فَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ فِي الْقِيَاسِ لَهَا بِالْعِدَّةِ قَائِمَةٌ، وَلَوْ جَازَ قَطْعُ النَّفَقَةِ بِالشَّكِّ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَجَازَ انْقِطَاعُ الرَّجْعَةِ بِالشَّكِّ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا أَعْلَمُ حُجَّةً بِأَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَى الْأَمَةِ الْحَامِلِ، وَلَوْ زَعَمْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ كَانَتْ نَفَقَةَ الْحَمْلِ لَا تَبْلُغُ بَعْضَ نَفَقَةِ أَمَةٍ وَلَكِنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ (وَقَالَ) فِي كِتَابِ الْإِمْلَاءِ: النَّفَقَةُ عَلَى السَّيِّدِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ شَهِدَ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ وَحُكْمُ اللَّهِ أَوْلَى مِمَّا خَالَفَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَأَمَّا كُلُّ نِكَاحٍ كَانَ مَفْسُوخًا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى حَامِلًا أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ (وَقَالَ) فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الْمُصِيبُ لَهَا بِذَلِكَ لِيُحْصِنَهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهَا بِتَطَوُّعِهِ وَلَهُ تَحْصِينُهَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ [بَابٌ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَقَارِبِ] ِ مِنْ كِتَابِ النَّفَقَةِ وَمِنْ ثَلَاثَةِ كُتُبٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانُ أَنَّ عَلَى الْأَبِ أَنْ يَقُومَ بِالْمُؤْنَةِ فِي إصْلَاحِ صِغَارِ وَلَدِهِ مِنْ رَضَاعٍ وَنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَخِدْمَةٍ دُونَ أُمِّهِ وَفِيهِ دَلَالَةُ أَنَّ النَّفَقَةَ لَيْسَتْ عَلَى الْمِيرَاثِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] مِنْ أَنْ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا لَا أَنَّ عَلَيْهَا النَّفَقَةَ. (قَالَ) : فَيُنْفِقُ الرَّجُلُ عَلَى وَلَدِهِ حَتَّى يَبْلُغُوا الْحُلُمَ أَوْ الْمَحِيضَ ثُمَّ لَا نَفَقَةَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونُوا زَمْنَى فَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا لَا يُغْنُونَ أَنْفُسَهُمْ وَكَذَلِكَ وَلَدُ وَلَدِهِ، وَإِنْ سَفُلُوا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَبٌ دُونَهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ فَنَفَقَتُهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَيِّعَ شَيْئًا مِنْهُ فَكَذَلِكَ هُوَ ابْنُهُ إذَا كَانَ الْوَالِدُ زَمِنًا لَا يُغْنِي نَفْسَهُ وَلَا عِيَالَهُ وَلَا حِرْفَةَ لَهُ فَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَلَدُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 339 وَوَلَدُ وَلَدِهِ، وَإِنْ سَفَلُوا؛ لِأَنَّهُمْ وَلَدٌ وَحَقُّ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ أَعْظَمُ وَمَنْ أَجْبَرْنَاهُ عَلَى النَّفَقَةِ بِعْنَا فِيهَا الْعَقَارَ وَلَا تُجْبَرُ امْرَأَةٌ عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهَا شَرِيفَةً كَانَتْ أَوْ دَنِيئَةً مُوسِرَةً كَانَتْ أَوْ فَقِيرَةً وَأَحْكَامُ اللَّهِ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ، وَإِذَا طَلَبَتْ رَضَاعَ وَلَدِهَا وَقَدْ فَارَقَهَا زَوْجُهَا فَهِيَ أَحَقُّ بِمَا وَجَدَ الْأَبُ أَنْ يُرْضِعَ بِهِ فَإِنْ وَجَدَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَلَيْسَ لِلْأُمِّ أُجْرَةٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبِ مَعَ يَمِينِهِ (وَقَالَ) فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنْ أَرْضَعَتْ أَعْطَاهَا أَجْرَ مِثْلِهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] [بَابٌ أَيُّ الْوَالِدَيْنِ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مِنْ كُتُبٍ عِدَّةٍ] ٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ» وَمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبَوَيْهِ وَعَنْ عُمَارَةَ الْجَرْمِيِّ قَالَ: خَيَّرَنِي عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ أُمِّي وَعَمِّي ثُمَّ قَالَ لِأَخٍ لِي أَصْغَرَ مِنِّي وَهَذَا أَيْضًا لَوْ قَدْ بَلَغَ مَبْلَغَ هَذَا خَيَّرْته وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: وَكُنْت ابْنَ سَبْعِ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا اسْتَكْمَلَ سَبْعَ سِنِينَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ يَعْقِلُ عَقْلَ مِثْلِهِ خُيِّرَ وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْقَدِيمِ: إذَا بَلَغَ سَبْعًا أَوْ ثَمَانَ سِنِينَ خُيِّرَ إذَا كَانَتْ دَارُهُمَا وَاحِدَةً وَكَانَا جَمِيعًا مَأْمُونِينَ عَلَى الْوَلَدِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مَأْمُونٍ فَهُوَ عِنْدَ الْمَأْمُونِ مِنْهُمَا حَتَّى يَبْلُغَ وَإِذَا افْتَرَقَ الْأَبَوَانِ وَهُمَا فِي قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَعَلَى أَبِيهِ نَفَقَتُهُ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ تَأْدِيبِهِ وَيَخْرُجُ الْغُلَامُ إلَى الْكُتَّابِ أَوْ الصِّنَاعَةِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهَا وَيَأْوِي إلَى أُمِّهِ، فَإِنْ اخْتَارَ أَبَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ أُمَّهُ وَتَأْتِيهِ فِي الْأَيَّامِ، وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً لَمْ تُمْنَعْ أُمَّهَا مِنْ أَنْ تَأْتِيَهَا وَلَا أَعْلَمُ عَلَى أَبِيهَا إخْرَاجَهَا إلَيْهَا إلَّا أَنْ تَمْرَضَ فَيُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِهَا عَائِدَةً، وَإِنْ مَاتَتْ الْبِنْتُ لَمْ تُمْنَعْ الْأُمُّ مِنْ أَنْ تَلِيَهَا حَتَّى تُدْفَنَ وَلَا تُمْنَعُ فِي مَرَضِهَا مِنْ أَنْ تَلِيَ تَمْرِيضَهَا فِي مَنْزِلِ أَبِيهَا، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مَخْبُولًا فَهُوَ كَالصَّغِيرِ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِهِ وَلَا يُخَيَّرُ أَبَدًا وَإِذَا خُيِّرَ فَاخْتَارَ أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ ثُمَّ اخْتَارَ الْآخَرَ حُوِّلَ، وَلَوْ مُنِعَتْ مِنْهُ بِالزَّوْجِ فَطَلَّقَهَا طَلَاقًا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ أَوْ لَا يَمْلِكُهَا رَجَعَتْ عَلَى حَقِّهَا فِي وَلَدِهَا؛ لِأَنَّهَا مَنَعَتْهُ بِوَجْهٍ فَإِذَا ذَهَبَ فَهِيَ كَمَا كَانَتْ فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تَعُودُ إلَى مَا بَطَلَ بِالنِّكَاحِ؟ قِيلَ: لَوْ كَانَ بَطَلَ مَا كَانَ لِأُمِّهَا أَنْ تَكُونَ أَحَقَّ بِوَلَدِهَا مِنْ أَبِيهِمْ وَكَانَ يَنْبَغِي إذَا بَطَلَ عَنْ الْأُمِّ أَنْ يَبْطُلَ عَنْ الْجَدَّةِ الَّتِي إنَّمَا حَقُّهَا لِحَقِّ الْأُمِّ، وَقَدْ قَضَى أَبُو بَكْرٍ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِأَنَّ جَدَّةَ ابْنِهِ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ: فَمَا حَقُّ الْأُمِّ فِيهِمْ؟ قِيلَ: كَحَقِّ الْأَبِ هُمَا وَالِدَانِ يَجِدَانِ بِالْوَلَدِ فَلَمَّا كَانَ لَا يَعْقِلُ كَانَتْ الْأُمُّ أَوْلَى بِهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلْوَلَدِ لَا لِلْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ أَحْنَى عَلَيْهِ وَأَرَقَّ مِنْ الْأَبِ فَإِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ وَلِيَ نَفْسَهُ إذَا أُونِسَ رُشْدُهُ وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَأَخْتَار لَهُ بِرَّهُمَا وَتَرَكَ فِرَاقَهُمَا، وَإِذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ كَانَتْ مَعَ أَحَدِهِمَا حَتَّى تَزَوَّجَ فَتَكُونَ مَعَ زَوْجِهَا فَإِنْ أَبَتْ وَكَانَتْ مَأْمُونَةً سَكَنَتْ حَيْثُ شَاءَتْ مَا لَمْ تَرَ رِيبَةً، وَأَخْتَارُ لَهَا أَنْ لَا تُفَارِقَ أَبَوَيْهَا (قَالَ) : وَإِذَا اجْتَمَعَ الْقَرَابَةُ مِنْ النِّسَاءِ فَتَنَازَعْنَ الْمَوْلُودَ فَالْأُمُّ أَوْلَى ثُمَّ أُمُّهَا ثُمَّ أُمَّهَاتُ أُمِّهَا، وَإِنْ بَعُدْنَ ثُمَّ الْجَدَّةُ أُمُّ الْأَبِ ثُمَّ أُمُّهَا ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا ثُمَّ الْجَدَّةُ أُمُّ الْجَدِّ لِلْأَبِ ثُمَّ أُمُّهَا ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ وَالْأُمُّ ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأُمِّ ثُمَّ الْخَالَةُ ثُمَّ الْعَمَّةِ وَلَا وِلَايَةَ لِأُمِّ أَبِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ قَرَابَتَهَا بِأَبٍ لَا بِأُمٍّ فَقَرَابَةُ الصَّبِيِّ مِنْ النِّسَاءِ أَوْلَى، وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ مَعَ الْأَبِ غَيْرُ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتِهَا فَأَمَّا أَخَوَاتُهُ وَغَيْرُهُنَّ فَإِنَّمَا حُقُوقُهُنَّ بِالْأَبِ فَلَا يَكُونُ لَهُنَّ حَقٌّ مَعَهُ وَهُنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 340 يُدْلِينَ بِهِ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَبٌ أَوْ كَانَ غَائِبًا أَوْ غَيْرَ رَشِيدٍ وَكَذَلِكَ أَبُو أَبِي الْأَبِ وَكَذَلِكَ الْعُصْبَةُ يَقُومُونَ مَقَامَ الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَقْرَبَ مِنْهُمْ مَعَ الْأُمِّ وَغَيْرِهَا مِنْ أُمَّهَاتِهَا، وَإِذَا أَرَادَ الْأَبُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ الْبَلَدِ الَّذِي نَكَحَ بِهِ الْمَرْأَةَ كَانَ بَلَدُهُ أَوْ بَلَدُهَا فَسَوَاءٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إذَا قَالَ: أَرَدْت النَّقْلَةَ، وَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مُرْضِعًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَكَذَلِكَ الْعُصْبَةُ إلَّا أَنْ تَخْرُجَ الْأُمُّ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ فَتَكُونُ أَوْلَى وَلَا حَقَّ لِمَنْ لَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ فِي وَلَدِ الْحُرِّ وَإِذَا كَانَ وَلَدُ الْحُرِّ مَمَالِيكَ فَسَيِّدُهُمْ أَحَقُّ بِهِمْ وَإِذَا كَانُوا مِنْ حُرَّةٍ وَأَبُوهُمْ مَمْلُوكٌ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِمْ وَلَا يُخَيَّرُونَ فِي وَقْتِ الْخِيَارِ [بَابٌ نَفَقَةُ الْمَمَالِيكِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ بَكْرٍ أَوْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ شَكَّ " عَنْ عَجْلَانَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ» (قَالَ) : فَعَلَى مَالِكِ الْمَمْلُوكِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى الْبَالِغَيْنِ إذَا شَغَّلَهُمَا فِي عَمَلٍ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمَا وَيَكْسُوَهُمَا بِالْمَعْرُوفِ وَذَلِكَ نَفَقَةُ رَقِيقِ بَلَدِهِمَا الشِّبَعَ لِأَوْسَاطِ النَّاسِ الَّذِي تَقُومُ بِهِ أَبْدَانُهُمْ مِنْ أَيِّ الطَّعَامِ كَانَ قَمْحًا أَوْ شَعِيرًا أَوْ ذُرَةً أَوْ تَمْرًا وَكِسْوَتُهُمْ كَذَلِكَ مِمَّا يَعْرِفُ أَهْلُ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ صُوفٌ أَوْ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ الْأَغْلَبَ بِذَلِكَ الْبَلَدِ وَكَانَ لَا يُسَمَّى مِثْلُهُ ضِيقًا بِمَوْضِعِهِ وَالْجَوَارِي إذَا كَانَتْ لَهُنَّ فَرَاهَةٌ وَجَمَالٌ فَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُنَّ يُكْسَيْنَ أَحْسَنَ مِنْ كِسْوَةِ اللَّائِي دُونَهُنَّ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْمَمْلُوكِينَ: أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا كَلَامٌ مُجْمَلٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْجَوَابِ فَيَسْأَلُ السَّائِلُ عَنْ مَمَالِيكِهِ، وَإِنَّمَا يَأْكُلُ تَمْرًا أَوْ شَعِيرًا وَيَلْبَسُ صُوفًا فَقَالَ: أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَالسَّائِلُونَ عَرَبٌ وَلُبُوسُ عَامَّتِهِمْ وَطَعَامُهُمْ خَشِنٌ وَمَعَاشُهُمْ وَمَعَاشُ رَقِيقِهِمْ مُتَقَارِبٌ فَأَمَّا مَنْ خَالَفَ مَعَاشَ السَّلَفِ فَأَكَلَ رَقِيقَ الطَّعَامِ وَلَبِسَ جَيِّدَ الثِّيَابِ فَلَوْ آسَى رَقِيقَهُ كَانَ أَحْسَنَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَهُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ» فَأَمَّا مَنْ لَبِسَ الْوَشْيَ وَالْمَرْوِيَّ وَالْخَزَّ، وَأَكَلَ النَّقِيَّ وَأَلْوَانَ لُحُومِ الدَّجَاجِ فَهَذَا لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ لِلْمَمَالِيكِ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا كَفَى أَحَدَكُمْ خَادِمَهُ طَعَامَهُ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ فَلْيَدْعُهُ فَلْيُجْلِسْهُ مَعَهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُرَوِّغْ لَهُ لُقْمَةً فَيُنَاوِلْهُ إيَّاهَا» أَوْ كَلِمَةً هَذَا مَعْنَاهَا، فَلَمَّا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيُرَوِّغْ لَهُ لُقْمَةً " كَانَ هَذَا عِنْدَنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى وَجْهَيْنِ أَوْلَاهُمَا بِمَعْنَاهُ أَنَّ إجْلَاسَهُ مَعَهُ أَفْضَلُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ إذْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَإِلَّا فَلْيُرَوِّغْ لَهُ لُقْمَةً "؛ لِأَنَّ إجْلَاسَهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَنْ يُرَوِّغَ لَهُ لُقْمَةً دُونَ أَنْ يُجْلِسَهُ مَعَهُ أَوْ يَكُونَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُنَاوِلَهُ أَوْ يُجْلِسَهُ وَقَدْ يَكُونُ أَمَرَ اخْتِيَارٍ غَيْرِ الْحَتْمِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ بَيَانِ طَعَامِ الْمَمْلُوكِ وَطَعَامِ سَيِّدِهِ وَالْمَمْلُوكُ الَّذِي يَلِي طَعَامَ الرَّجُلِ مُخَالِفٌ عِنْدِي لِلْمَمْلُوكِ الَّذِي لَا يَلِي طَعَامَهُ يَنْبَغِي أَنْ يُنَاوِلَهُ مِمَّا يُقَرَّبُ إلَيْهِ، وَلَوْ لُقْمَةً، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ أَنْ لَا يَكُونَ يَرَى طَعَامًا قَدْ وَلِيَ الْعَمَلَ فِيهِ ثُمَّ لَا يَنَالُ مِنْهُ شَيْئًا يَرُدُّ بِهِ شَهْوَتَهُ وَأَقَلُّ مَا يَرُدُّ بِهِ شَهْوَتَهُ لُقْمَةٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَمَالِيكِ لَمْ يَلِهِ وَلَمْ يَرَهُ، وَالسُّنَّةُ خَصَّتْ هَذَا مِنْ الْمَمَالِيكِ دُونَ غَيْرِهِ وَفِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا يُوَافِقُ بَعْضَ مَعْنَى هَذَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8] وَلَمْ يَقُلْ: يُرْزَقُ مِثْلُهُمْ مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْ وَقِيلَ ذَلِكَ فِي الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْغَنَائِمِ، وَهَذَا أَوْسَعُ وَأَحَبُّ إلَيَّ وَيُعْطَوْنَ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ الْمُعْطِي بِلَا تَوْقِيتٍ وَلَا يُحْرَمُونَ وَمَعْنَى لَا يُكَلَّفُ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 341 الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُ يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إلَّا مَا يُطِيقُ الدَّوَامَ عَلَيْهِ لَا مَا يُطِيقُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ يَعْجَزُ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ مَا لَا يَضُرُّ بِبَدَنِهِ الضَّرَرَ الْبَيِّنَ، وَإِنْ عَمِيَ أَوْ زَمِنَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرْضِعَ الْأَمَةَ غَيْرَ وَلَدِهَا فَيَمْنَعُ مِنْهَا وَلَدَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا فَضْلٌ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ يَكُونَ وَلَدُهَا يَغْتَذِي بِالطَّعَامِ فَيُقِيمُ بَدَنَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَيُنْفِقُ عَلَى وَلَدِ أُمِّ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَيَمْنَعُهُ الْإِمَامُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى أَمَتِهِ خَرَاجًا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي عَمَلٍ وَاجِبٍ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا لَمْ يُطِقْ الْكَسْبَ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي خُطْبَتِهِ " لَا تُكَلِّفُوا الصَّغِيرَ الْكَسْبَ فَيَسْرِقَ وَلَا الْأَمَةَ غَيْرَ ذَاتِ الصَّنْعَةِ فَتَكْسِبَ بِفَرْجِهَا " [صِفَةُ نَفَقَةِ الدَّوَابِّ] ِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ دَابَّةٌ فِي الْمِصْرِ أَوْ شَاةٌ أَوْ بَعِيرٌ عَلَفَهُ بِمَا يُقِيمُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ بِعَلَفِهِ أَوْ بَيْعِهِ فَإِنْ كَانَ بِبَادِيَةٍ غَنَمٌ أَوْ إبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أُخِذَتْ عَلَى الْمَرْعَى خَلَاهَا وَالرَّعْيُ فَإِنْ أَجْدَبَتْ الْأَرْضُ عَلَفَهَا أَوْ ذَبَحَهَا أَوْ بَاعَهَا وَلَا يَحْبِسُهَا فَتَمُوتُ هَزَلًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ مُتَعَلِّقٌ وَأُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا مُتَعَلِّقٌ؛ لِأَنَّهَا عَلَى مَا فِي الْأَرْضِ تُتَّخَذُ وَلَيْسَتْ كَالدَّوَابِّ الَّتِي لَا تَرْعَى وَالْأَرْضُ مُخْصِبَةٌ إلَّا رَعْيًا ضَعِيفًا وَلَا تَقُومُ لِلْجَدْبِ قِيَامَ الرَّوَاعِي. (قَالَ) : وَلَا تُحْلَبُ أُمَّهَاتُ النَّسْلِ إلَّا فَضْلًا عَمَّا يُقِيمُ أَوْلَادَهُنَّ لَا يَحْلُبْهُنَّ فَيَمُتْنَ هَزَلًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 342 [كِتَابُ الْقَتْلِ] [بَابُ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ وَمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَمَنْ لَا يَجِبُ] ِ بَابُ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ وَمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَمَنْ لَا يَجِبُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ أَوْ زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا تَكَافَأَ الدَّمَانِ مِنْ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْعَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْأَحْرَارِ مِنْ الْمُعَاهَدِينَ أَوْ الْعَبِيدِ مِنْهُمْ قُتِلَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مُكَافِئٍ دَمُهُ مِنْهُمْ الذَّكَرُ إذَا قَتَلَ بِالذَّكَرِ وَبِالْأُنْثَى، وَالْأُنْثَى إذَا قَتَلَتْ بِالْأُنْثَى وَبِالذَّكَرِ. وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِالْمُسْتَأْمَنِ وَهُوَ فِي التَّحْرِيمِ مِثْلُ الْمُعَاهَدِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِذَا لَمْ يُقْتَلْ بِأَحَدِ الْكَافِرِينَ الْمُحَرَّمِينَ لَمْ يُقْتَلْ بِالْآخَرِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ قَائِلٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ، فَهَلْ مِنْ بَيَانٍ فِي مِثْلِ هَذَا يَثْبُتُ؟ قُلْت: نَعَمْ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ» فَهَلْ تَزْعُمُ أَنَّهُ أَرَادَ أَهْلَ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ حَلَالٌ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنَّهَا عَلَى جَمِيعِ الْكَافِرِينَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْكُفْرِ يَلْزَمُهُمْ. قُلْنَا: وَكَذَلِكَ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْكُفْرِ يَلْزَمُهُمْ فَمَا الْفَرْقُ؟ قَالَ قَائِلٌ: رَوَيْنَا حَدِيثَ ابْنِ السَّلْمَانِيِّ قُلْنَا: مُنْقَطِعٌ وَخَطَأٌ إنَّمَا رُوِيَ فِيمَا بَلَغَنَا «أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ قَتَلَ كَافِرًا كَانَ لَهُ عَهْدٌ إلَى مُدَّةٍ وَكَانَ الْمَقْتُولُ رَسُولًا فَقَتَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ» فَلَوْ كَانَ ثَابِتًا كُنْت قَدْ خَالَفْته وَكَانَ مَنْسُوخًا؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ قَبْلَ الْفَتْحِ بِزَمَانٍ، وَخُطْبَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَهْرًا وَأَنْتَ تَأْخُذُ الْعِلْمَ مِمَّنْ بَعْدُ لَيْسَ لَك بِهِ مَعْرِفَةُ أَصْحَابِنَا. (قَالَ) : وَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ وَفِيهِ قِيمَتُهُ، وَإِنْ بَلَغَتْ دِيَاتٍ (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي إجْمَاعِهِمْ أَنَّ يَدَهُ لَا تُقْطَعُ بِيَدِ الْعَبْدِ قَضَاءً عَلَى أَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ فَإِذَا مَنَعَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ يَدِهِ وَهِيَ أَقَلُّ لِفَضْلِ الْحُرِّيَّةِ عَلَى الْعُبُودِيَّةِ كَانَتْ النَّفْسُ أَعْظَمَ وَهِيَ أَنْ تُقَصَّ بِنَفْسِ الْعَبْدِ أَبْعَدُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ إجْمَاعٌ وَلَا جَدُّ مِنْ قِبَلِ أُمٍّ وَلَا أَبٌ بِوَلَدِ وَلَدٍ، وَإِنْ بَعُدَ؛ لِأَنَّهُ وَالِدٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا يُؤَكِّدُ مِيرَاثَ الْجَدِّ؛ لِأَنَّ الْأَخَ يُقْتَلُ بِأَخِيهِ وَلَا يُقْتَلُ الْجَدُّ بِابْنِ ابْنِهِ وَيَمْلِكُ الْأَخُ أَخَاهُ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَمْلِكُ جَدَّهُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَدَّ كَالْأَبِ فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ وَلَيْسَ كَالْأَخِ. (قَالَ) : وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ وَالْكَافِرُ بِالْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ وَمَنْ جَرَى عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ جَرَى عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْجِرَاحِ. وَيُقْتَلُ الْعَدَدُ بِالْوَاحِدِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَتَلَ خَمْسَةً أَوْ سَبْعَةً بِرَجُلٍ قَتَلُوهُ غِيلَةً، وَقَالَ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا مِائَةَ جُرْحٍ وَالْآخَرُ جُرْحًا وَاحِدًا فَمَاتَ كَانُوا فِي الْقَوْدِ سَوَاءً، وَيُجْرَحُونَ بِالْجُرْحِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ جُرْحُهُمْ إيَّاهُ مَعًا لَا يَتَجَزَّأُ. وَلَا يُقْتَصُّ إلَّا مِنْ بَالِغٍ وَهُوَ مَنْ احْتَلَمَ مِنْ الذُّكُورِ أَوْ حَاضَ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ بَلَغَ أَيُّهُمَا كَانَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 343 [صِفَةُ الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَجِرَاحُ الْعَمْدِ الَّتِي فِيهَا قِصَاصٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا عَمَدَ رَجُلٌ بِسَيْفٍ أَوْ خِنْجَرٍ أَوْ سِنَانِ رُمْحٍ أَوْ مَا يَشُقُّ بِحَدِّهِ إذَا ضَرَبَ أَوْ رَمَى بِهِ الْجِلْدَ وَاللَّحْمَ دُونَ الْمَقْتَلِ فَجَرَحَهُ جُرْحًا كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا فَمَاتَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْقَوْدُ، وَإِنْ شَدَخَهُ بِحَجَرٍ أَوْ تَابَعَ عَلَيْهِ الْخَنْقَ أَوْ وَالَى عَلَيْهِ بِالسَّوْطِ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ طَيَّنَ عَلَيْهِ بَيْتًا بِغَيْرِ طَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ مُدَّةً الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ فِي شِدَّةِ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْهُ فَمَاتَ فَعَلَيْهِ الْقَوْدُ. (قَالَ) : وَلَوْ قَطَعَ مَرِيئَهُ وَحُلْقُومَهُ أَوْ قَطَعَ حَشْوَتَهُ فَأَبَانَهَا مِنْ جَوْفِهِ أَوْ صَيَّرَهُ فِي حَالِ الْمَذْبُوحِ ثُمَّ ضَرَبَ عُنُقَهُ آخَرُ فَالْأَوَّلُ قَاتِلٌ دُونَ الْآخَرِ، وَلَوْ أَجَافَهُ أَوْ خَرَقَ أَمْعَاءَهُ مَا لَمْ يَقْطَعْ حَشْوَتَهُ فَيُبَيِّنُهَا مِنْهُ ثُمَّ ضَرَبَ آخَرُ عُنُقَهُ فَالْأَوَّلُ جَارِحٌ وَالْآخَرُ قَاتِلٌ قَدْ جُرِحَ مِعَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَوْضِعَيْنِ وَعَاشَ ثَلَاثًا فَلَوْ قَتَلَهُ أَحَدٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ كَانَ قَاتِلًا وَبَرِئَ الَّذِي جَرَحَهُ مِنْ الْقَتْلِ، وَلَوْ جَرَحَهُ جِرَاحَاتٍ فَلَمْ يَمُتْ حَتَّى عَادَ إلَيْهِ فَذَبَحَهُ صَارَ وَالْجِرَاحُ نَفْسًا، وَلَوْ بَرَأَتْ الْجِرَاحَاتُ ثُمَّ عَادَ فَقَتَلَهُ كَانَ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْجَارِحِ مُنْفَرِدًا وَمَا عَلَى الْقَاتِلِ مُنْفَرِدًا. (قَالَ) : وَلَوْ تَدَاوَى الْمَجْرُوحُ بِسُمٍّ فَمَاتَ أَوْ خَاطَ الْجُرْحَ فِي لَحْمٍ حَيٍّ فَمَاتَ فَعَلَى الْجَانِي نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْخِيَاطَةُ فِي لَحْمِ مَيِّتٍ فَالدِّيَةُ عَلَى الْجَانِي. وَلَوْ قَطَعَ يَدَ نَصْرَانِيٍّ فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَكُنْ قَوَدٌ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ وَهُوَ مِمَّنْ لَا قَوَدَ فِيهِ وَعَلَيْهِ دِيَةُ مُسْلِمٍ وَلَا يُشْبِهُ الْمُرْتَدَّ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ مُبَاحٌ كَالْحَدِّ وَالنَّصْرَانِيُّ يَدُهُ مَمْنُوعَةٌ، وَلَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا فَلَمْ يَقَعْ عَلَى نَصْرَانِيٍّ حَتَّى أَسْلَمَ أَوْ عَلَى عَبْدٍ فَلَمْ يَقَعْ حَتَّى أُعْتِقَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ؛ لِأَنَّ تَخْلِيَةَ السَّهْمِ كَانَتْ وَلَا قِصَاصَ وَفِيهِ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ وَالْكَفَّارَةُ، وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ يُسْلِمُ قَبْلَ وُقُوعِ السَّهْمِ لِتَحَوُّلِ الْحَالِ قَبْلَ وُقُوعِ الرَّمْيَةِ، وَلَوْ جَرَحَهُ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ فَالدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَلَا قَوْدَ لِلْحَالِ الْحَادِثَةِ، وَلَوْ مَاتَ مُرْتَدًّا كَانَ لِوَلِيِّهِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَقْتَصَّ بِالْجُرْحِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) الْقِيَاسُ عِنْدِي عَلَى أَصْلِ قَوْلِهِ أَنْ لَا وِلَايَةَ لِمُسْلِمٍ عَلَى مُرْتَدٍّ كَمَا لَا وِرَاثَةَ لَهُ مِنْهُ وَكَمَا أَنَّ مَالَهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَذَلِكَ الْوَلِيُّ فِي الْقِصَاصِ مَنْ جَرَحَهُ وَلِيُّ الْمُسْلِمِينَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ قِيمَتُهُ مِائَتَانِ مِنْ الْإِبِلِ فَأُعْتِقَ فَمَاتَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا دِيَةٌ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَنْقُصُ بِمَوْتِهِ حُرًّا وَكَانَتْ الدِّيَةُ لِسَيِّدِهِ دُونَ وَرَثَتِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّ السَّيِّدَ قَدْ مَلَكَ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَهُوَ عَبْدٌ فَلَا يَنْقُصُ مَا وَجَبَ لَهُ بِالْعِتْقِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ وَأُعْتِقَ ثُمَّ مَاتَ فَلَا قَوْدَ إذَا كَانَ الْجَانِي حُرًّا مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا حُرًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا حُرًّا وَعَلَى الْحُرِّ الدِّيَةُ كَامِلَةً فِي مَالِهِ لِلسَّيِّدِ مِنْهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَطَعَهُ وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ، وَلَوْ قَطَعَ ثَانٍ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ رِجْلَهُ وَثَالِثٌ بَعْدَهُمَا يَدَهُ فَمَاتَ فَعَلَيْهِمْ دِيَةُ حُرٍّ وَفِيمَا لِلسَّيِّدِ مِنْ الدِّيَةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُ الْأَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَنِصْفِ قِيمَتِهِ عَبْدًا وَلَا يَجْعَلُ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ عَبْدًا وَلَوْ كَانَ لَا يَبْلُغُ إلَّا بَعِيرًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ جِنَايَةٌ غَيْرَهَا وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ ثُلُثَ دِيَةِ حُرٍّ، وَلَوْ كَانَ نِصْفُ قِيمَتِهِ مِائَةَ بَعِيرٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا تَنْقُصُ بِالْمَوْتِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ لِسَيِّدِهِ الْأَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ قِيمَتِهِ عَبْدًا أَوْ ثُلُثِ دِيَتِهِ حُرًّا؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَةٍ ثَالِثَةٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ قَطَعَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَوْ جَرَحَهُ مَا الْحُكُومَةُ فِيهِ بَعِيرٌ وَلَزِمَهُ بِالْحُرِّيَّةِ وَمَنْ شَرِكَهُ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يَأْخُذْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 344 السَّيِّدُ إلَّا الْبَعِيرَ الَّذِي وَجَبَ بِالْجُرْحِ وَهُوَ عَبْدُهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهَذَا أَقْيَسُ بِقَوْلِهِ وَأَوْلَى عِنْدِي بِأَصْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يُزِدْهُ عَلَى بَعِيرٍ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْجُرْحِ وَهُوَ عَبْدُهُ فَفِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَنْقُصَهُ، وَإِنْ جَاوَزَ عَقْلَ حُرٍّ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ بِالْجُرْحِ وَهُوَ عَبْدٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَعَلَى الْمُتَغَلِّبِ بِاللُّصُوصِيَّةِ وَالْمَأْمُورِ الْقَوْدُ إذَا كَانَ قَاهِرًا لِلْمَأْمُورِ وَعَلَى السَّيِّدِ الْقَوْدُ إذَا أَمَرَ عَبْدَهُ صَبِيًّا أَوْ أَعْجَمِيًّا لَا يَعْقِلُ بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ يَعْقِلُ فَعَلَى الْعَبْدِ الْقَوْدُ، وَلَوْ كَانَا لِغَيْرِهِ فَكَانَا يُمَيِّزَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِمَا فَهُمَا قَاتِلَانِ، وَإِنْ كَانَا لَا يُمَيِّزَانِ فَالْآمِرُ الْقَاتِلُ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَلَوْ قَتَلَ مُرْتَدٌّ نَصْرَانِيًّا ثُمَّ رَجَعَ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ وَهُوَ أَوْلَاهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ وَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ. وَالثَّانِي: أَنْ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَرُّ عَلَى دِينِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ أَبَانَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَاهُمَا فَالْأَوْلَى أَحَقُّ بِالصَّوَابِ وَقَدْ دَلَّ قَوْلُهُ فِي رَفْعِ الْقَوَدِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ نَصْرَانِيًّا يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ لَكَانَ الْقَوَدُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَسْلَمَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِذَا كَانَ النَّصْرَانِيُّ الَّذِي يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ الْحَرَامُ الدَّمِ إذَا أَسْلَمَ يُقْتَلُ بِالنَّصْرَانِيِّ فَالْمُبَاحُ الدَّمُ بِالرِّدَّةِ أَحَقُّ أَنْ يُقَادَ بِالنَّصْرَانِيِّ، وَإِنْ أَسْلَمَ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُقْتَلُ الذَّابِحُ دُونَ الْمُمْسِكِ كَمَا يُحَدُّ الزَّانِي دُونَ الْمُمْسِكِ، وَلَوْ ضَرَبَهُ بِمَا الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَقْطَعُ عُضْوًا أَوْ يُوضِحُ رَأْسًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَلَوْ عَمَدَ عَيْنَهُ بِأُصْبُعِهِ فَفَقَأَهَا اُقْتُصَّ مِنْهُ لِأَنَّ الْأُصْبُعَ يَأْتِي مِنْهَا عَلَى مَا يَأْتِي بِهِ السِّلَاحُ مِنْ النَّفْسِ، وَإِنْ لَمْ تَنْفَقِئْ وَاعْتَلَّتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا أَوْ اُنْتُجِفَتْ فَفِيهَا الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ الْجَانِي مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ إلَّا السَّكْرَانَ فَإِنَّهُ كَالصَّحِيحِ. وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ ذَكَرَ خُنْثَى مُشْكِلٍ وَأُنْثَيَيْهِ وَشَفْرَيْهِ عَمْدًا قِيلَ: إنْ شِئْت وَقَفْنَاك فَإِنْ بِنْت ذَكَرًا أَقَدْنَاك فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَجَعَلْنَا لَك حُكُومَةً فِي الشَّفْرَيْنِ، وَإِنْ بِنْت أُنْثَى فَلَا قَوَدَ لَك وَجَعَلْنَا لَك دِيَةَ امْرَأَةٍ فِي الشَّفْرَيْنِ وَحُكُومَةً فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَقِيَّةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَعْنَاهُ أَنْ يُقَالَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَشَأْ أَنْ تَقِفَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُك وَعَفَوْت عَنْ الْقِصَاصِ وَبَرَأَتْ فَلَكَ دِيَةُ شَفْرَيْ امْرَأَةٍ وَحُكُومَةٌ فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ الْأَقَلُّ، وَإِنْ قُلْت: لَا أَعْفُو وَلَا أَقِفُ قِيلَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَصَّ مِمَّا لَا يُدْرَى أَيُّ الْقِصَاصِ لَك فَلَا بُدَّ لَك مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ عَلَى مَا وَصَفْنَا. [بَابُ الْخِيَارِ فِي الْقِصَاصِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «ثُمَّ أَنْتُمْ يَا بَنِي خُزَاعَةَ قَدْ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ وَأَنَا وَاَللَّهِ عَاقِلُهُ فَمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا بَعْدَهُ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الْعَقْلَ يُوَرَّثُ كَالْمَالِ وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَكُلُّ وَارِثٍ وَلِيَ زَوْجَةً أَوْ ابْنَةً لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ وِلَايَةِ الدَّمِ وَلَا يُقْتَلُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ وَحُبِسَ الْقَاتِلُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ وَيَبْلُغَ الطِّفْلُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَعْتُوهٌ فَحَتَّى يُفِيقَ أَوْ يَمُوتَ فَيَقُومَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ وَأَيُّهُمْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ كَانَ عَلَى حَقِّهِ مِنْ الدِّيَةِ، وَإِنْ عَفَا عَلَى غَيْرِ مَالٍ كَانَ الْبَاقُونَ عَلَى حُقُوقِهِمْ مِنْ الدِّيَةِ فَإِنْ عَفَوْا جَمِيعًا وَعَفَا الْمُفْلِسُ يُجْنَى عَلَيْهِ أَوْ عَلَى عَبْدِهِ الْقِصَاصُ جَازَ ذَلِكَ لَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الدَّيْنِ وَالْوَصَايَا مَنْعُهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يُمْلَكُ بِالْعَمْدِ إلَّا بِمَشِيئَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إنْ كَانَ حَيًّا وَبِمَشِيئَةِ الْوَرَثَةِ إنْ كَانَ مَيِّتًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ يُشْبِهُ هَذَا الِاعْتِلَالُ أَصْلَهُ؛ لِأَنَّهُ احْتَجَّ فِي أَنَّ الْعَفْوَ يُوجِبُ الدِّيَةَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَالَ {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: عَفَا إنْ صُولِحَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 345 عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ تَرْكٌ بِلَا عِوَضٍ فَلَمْ يَجُزْ إذَا عَفَا عَنْ الْقَتْلِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْأَمْرَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ فِي مَالِ الْقَاتِلِ أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ، وَلَوْ كَانَ إذَا عَفَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لِلْعَافِي مَا يَتْبَعُهُ بِمَعْرُوفٍ وَلَا عَلَى الْقَاتِلِ مَا يُؤَدِّيهِ بِإِحْسَانٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهَذَا مَالٌ بِلَا مَشِيئَةٍ أَوَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: إنَّ عَفْوَ الْمَحْجُورِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي مَالِهِ وَعَفْوِهِ الْمَالَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِي مَالِهِ وَهَذَا مَالٌ بِغَيْرِ مَشِيئَةٍ فَأَقْرَبُ إلَى وَجْهِ مَا قَالَ عِنْدِي فِي الْعَفْوِ الَّذِي لَيْسَ لِأَهْلِ الدَّيْنِ مَنْعُهُ مِنْهُ هُوَ أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ الْقِصَاصِ وَيَقُولَ بِغَيْرِ مَالٍ فَيَسْقُطَانِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ الْقِصَاصِ بِالسَّيْفِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] قَالَ: وَإِذَا خَلَّى الْحَاكِمُ الْوَلِيَّ وَقَتْلَ الْقَاتِلِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ يَنْظُرَ إلَى سَيْفِهِ فَإِنْ كَانَ صَارِمًا وَإِلَّا أَمَرَهُ بِصَارِمٍ؛ لِئَلَّا يُعَذِّبَهُ ثُمَّ يَدَعُهُ وَضَرْبَ عُنُقِهِ وَإِنْ ضَرَبَهُ بِمَا لَا يُخْطِئُ بِمِثْلِهِ مِنْ قَطْعِ رِجْلٍ أَوْ وَسَطٍ عُزِّرَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَلِي الْعُنُقَ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ كَتِفِهِ فَلَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِ وَأَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى أَنْ يَأْمُرَ مَنْ يُحْسِنُ ضَرْبَ الْعُنُقِ لِيُوجِئَهُ. (قَالَ) : وَلَوْ أَذِنَ لِرَجُلٍ فَتَنَحَّى بِهِ فَعَفَاهُ الْوَلِيُّ فَقَتَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَيْسَ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا عَلِمَهُ عَفَا وَلَا عَلَى الْعَافِي، وَالثَّانِي أَنْ لَيْسَ عَلَى الْقَاتِلِ قَوَدٌ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ وَهَذَا أَشْبَهُهُمَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَالْأَشْبَهُ أَوْلَى بِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا تُقْتَلُ الْحَامِلُ حَتَّى تَضَعَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا مُرْضِعٌ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَوْ تُرِكَتْ بِطِيبِ نَفْسِ الْوَلِيِّ حَتَّى يُوجَدَ لَهُ مُرْضِعٌ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قُتِلَتْ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) إذَا لَمْ يُوجَدْ لِلْمَوْلُودِ مَا يَحْيَا بِهِ لَمْ يَحِلَّ عِنْدِي قَتْلُهُ بِقَتْلِ أُمِّهِ حَتَّى يُوجَدَ مَا يَحْيَا بِهِ فَتُقْتَلَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ عَجَّلَ الْإِمَامُ فَاقْتَصَّ مِنْهَا حَامِلًا فَعَلَيْهِ الْمَأْثَمُ فَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينًا ضَمِنَهُ الْإِمَامُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دُونَ الْمُقْتَصِّ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلْ عَلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ اقْتَصَّ لِنَفْسِهِ مُخْتَارًا فَجَنَى عَلَى مَنْ لَا قِصَاصَ لَهُ عَلَيْهِ، فَهُوَ يَغْرَمُ مَا أَتْلَفَ أَوْلَى مِنْ إمَامٍ حَكَمَ لَهُ بِحَقِّهِ فَأَخَذَهُ وَمَا لَيْسَ لَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَتَلَ نَفَرًا قُتِلَ لِلْأَوَّلِ وَكَانَتْ الدِّيَاتُ لِمَنْ بَقِيَ فِي مَالِهِ فَإِنْ خَفِيَ الْأَوَّلُ مِنْهُمْ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَأَيُّهُمْ قُتِلَ أَوَّلًا قُتِلَ بِهِ وَأُعْطِيَ الْبَاقُونَ الدِّيَاتِ مِنْ مَالِهِ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَقَتَلَ آخَرَ قُطِعَتْ يَدُهُ بِالْيَدِ وَقُتِلَ بِالنَّفْسِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ مَاتَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ الْأَوَّلُ بَعْدَ أَنْ اُقْتُصَّ مِنْ الْيَدِ فَقِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ عِنْدِي أَنَّ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الدِّيَةِ فِي مَالِ قَاطِعِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ قَدْ اسْتَوْفَى قَبْلَ مَوْتِهِ مَا فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ بِاقْتِصَاصِهِ بِهِ قَاطِعَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَتَلَهُ عَمْدًا وَمَعَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَعْتُوهٌ أَوْ كَانَ حُرٌّ وَعَبْدٌ قَتَلَا عَبْدًا، أَوْ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ قَتَلَا نَصْرَانِيًّا، أَوْ قَتَلَ ابْنَهُ وَمَعَهُ أَجْنَبِيٌّ فَعَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْقِصَاصُ الْقِصَاصُ وَعَلَى الْآخَرِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَعُقُوبَةٌ إنْ كَانَ الضَّرْبُ عَمْدًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَشَبَّهَ الشَّافِعِيُّ أَخْذَ الْقَوَدِ مِنْ الْبَالِغِ دُونَ الصَّبِيِّ بِالْقَاتِلَيْنِ عَمْدًا يَعْفُو الْوَلِيُّ عَنْ أَحَدِهِمَا أَنَّ لَهُ قَتْلَ الْآخَرِ، فَإِنْ قِيلَ: وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْقَوَدُ فَزَالَ عَنْ أَحَدِهِمَا بِإِزَالَةِ الْوَلِيِّ، قِيلَ: فَإِذَا أَزَالَهُ الْوَلِيُّ عَنْهُ أَزَالَهُ عَنْ الْآخَرِ فَإِنْ قَالَ: لَا، قِيلَ: فِعْلُهُمَا وَاحِدٌ فَقَدْ حَكَمْت لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُكْمِ نَفْسِهِ لَا بِحُكْمِ غَيْرِهِ. (قَالَ) : فَإِنْ شَرِكَهُ قَاتِلُ خَطَأٍ فَعَلَى الْعَامِدِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَجِنَايَةُ الْمُخْطِئِ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَاحْتُجَّ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي مَنْعِ الْقَوَدِ مِنْ الْعَامِدِ إذَا شَارَكَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ فَقَالَ: إنْ كُنْت رَفَعْت عَنْهُ الْقَوَدَ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ عَنْهُمَا مَرْفُوعٌ وَأَنَّ عَمْدَهُمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 346 خَطَأٌ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا فَهَلَّا أَقَدْت مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إذَا قَتَلَ عَمْدًا مَعَ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ عَنْ الْأَبِ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ وَهَذَا تَرْكُ أَصْلِك. (قَالَ الْمُزَنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) قَدْ شَرِكَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ فِيمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْقِصَاصِ عَنْ الْخَاطِئِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَاحِدٌ، فَكَذَلِكَ حُكْمُ مَنْ شَارَكَهُمْ بِالْعَمْدِ وَاحِدٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ قَتَلَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ الْقَاتِلَ بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا قِصَاصَ بِحَالٍ لِلشُّبْهَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] يَحْتَمِلُ أَيَّ وَلِيٍّ قَتَلَ كَانَ أَحَقَّ بِالْقَتْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُنْزِلُونَهُ مَنْزِلَةَ الْحَدِّ لَهُمْ عَنْ أَبِيهِمْ إنْ عَفَوْا إلَّا وَاحِدًا كَانَ لَهُ أَنْ يَحُدَّهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجْهَلُ عُزِّرَ وَقِيلَ لِلْوُلَاةِ مَعَهُ: لَكُمْ حِصَصُكُمْ، وَالْقَوْلُ مِنْ أَيْنَ يَأْخُذُونَهَا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لَهُمْ مِنْ مَالِ الْقَاتِلِ يَرْجِعُ بِهَا وَرَثَةُ الْقَاتِلِ فِي مَالِ قَاتِلِهِ. وَمَنْ قَالَ هَذَا - قَالَ: فَإِنْ عَفَوْا عَنْ الْقَاتِلِ الدِّيَةَ رَجَعَ وَرَثَةُ قَاتِلِ الْمَقْتُولِ عَلَى قَاتِلِ صَاحِبِهِمْ بِحِصَّةِ الْوَرَثَةِ مَعَهُ مِنْ الدِّيَةِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي حِصَصِهِمْ أَنَّهَا لَهُمْ فِي مَالِ أَخِيهِمْ الْقَاتِلِ قَاتِلَ أَبِيهِمْ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا كَانَتْ تَلْزَمُهُ لَوْ كَانَ لَمْ يَقْتُلْهُ وَلِيٌّ، فَإِذَا قَتَلَهُ وَلِيٌّ فَلَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَالْغُرْمُ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ عَلَى مَنْ قَتَلَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ قَاتِلَ أَبِيهِ الْقِصَاصَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَى الْقَتْلِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَصْلُ قَوْلِهِ أَنَّ الْقَاتِلَ لَوْ مَاتَ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَيْسَ تَعَدِّي أَخِيهِ بِمُبْطِلٍ حَقَّهُ وَلَا بِمُزِيلِهِ عَمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ وَلَا قَوَدَ لِلشُّبْهَةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ مَفْصِلِ الْكُوعِ فَلَمْ يَبْرَأْ حَتَّى قَطَعَهَا آخَرُ مِنْ الْمَرْفِقِ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِمَا الْقَوَدُ يُقْطَعُ قَاطِعُ الْكَفِّ مِنْ الْكُوعِ وَيَدُ الْآخَرِ مِنْ الْمَرْفِقِ ثُمَّ يَقْتُلَانِ؛ لِأَنَّ أَلَمَ الْقَطْعِ الْأَوَّلِ وَاصِلٌ إلَى الْجَسَدِ كُلِّهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا تَشَاحَّ الْوُلَاةُ قِيلَ لَهُمْ: لَا يَقْتُلُهُ إلَّا وَاحِدٌ مِنْكُمْ فَإِنْ سَلَّمْتُمْ لِوَاحِدٍ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ وَقَتَلَهُ وَإِنْ تَشَاحَحْتُمْ أَقْرَعْنَا بَيْنَكُمْ فَأَيُّكُمْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ خَلَّيْنَاهُ وَقَتْلَهُ، وَيَضْرِبُ بِأَصْرَمِ سَيْفٍ وَأَشَدِّ ضَرْبٍ. [بَابُ الْقِصَاصِ بِغَيْرِ السَّيْفِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنْ طَرَحَهُ فِي نَارٍ حَتَّى يَمُوتَ طُرِحَ فِي النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ، وَإِنْ ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ فَلَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ أُعْطِيَ وَلِيُّهُ حَجَرًا مِثْلَهُ فَقَتَلَهُ بِهِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ لَمْ يَمُتْ مِنْ عَدَدِ الضَّرْبِ قُتِلَ بِالسَّيْفِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَحْبُوسِ بِلَا طَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ حَتَّى مَاتَ: إنَّهُ يُحْبَسُ فَإِنْ لَمْ يَمُتْ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ قُتِلَ بِالسَّيْفِ، وَكَذَا قَالَ: لَوْ غَرَّقَهُ فِي الْمَاءِ وَكَذَلِكَ يُلْقِيهِ فِي مَهْوَاةٍ فِي الْبُعْدِ أَوْ مِثْلِ سُدَّةِ الْأَرْضِ وَكَذَا عَدَدُ الضَّرْبِ بِالصَّخْرَةِ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ فَالْقِيَاسُ عَلَى مَا مَضَى فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنْ يَمْنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ حَتَّى يَمُوتَ كَمَا قَالَ فِي النَّارِ وَالْحَجَرِ وَالْخَنْقِ بِالْحَبْلِ حَتَّى يَمُوتَ إذَا كَانَ مَا صَنَعَ بِهِ مِنْ الْمُتْلِفِ الْحَيَّ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَمَاتَ فَعَلَ بِهِ الْوَلِيُّ مَا فَعَلَ بِصَاحِبِهِ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا قُتِلَ بِالسَّيْفِ وَلَوْ كَانَ أَجَافَهُ أَوْ قَطَعَ ذِرَاعَهُ فَمَاتَ كَانَ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ عَلَى أَنْ يَقْتُلَهُ، فَأَمَّا عَلَى أَنْ لَا يَقْتُلَهُ فَلَا يُتْرَكُ وَإِيَّاهُ. (وَقَالَ) فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: هَذَا، وَالْآخَرُ: لَا نَقُصُّهُ مِنْ ذَلِكَ بِحَالٍ لَعَلَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ أَنْ يَدَعَ قَتْلَهُ فَيَكُونَ قَدْ عَذَّبَهُ بِمَا لَيْسَ فِي مِثْلِهِ قِصَاصٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ أَبَى أَنْ يُوَالِيَ عَلَيْهِ بِالْجَوَائِفِ كَمَا وَالَى عَلَيْهِ بِالنَّارِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 347 وَالْحَجَرِ وَالْخَنْقِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْحَبْلِ حَتَّى يَمُوتَ فَفَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ عِنْدِي عَلَى مَعْنَاهُ أَنْ يُوَالِيَ عَلَيْهِ بِالْجَوَائِفِ إذَا وَالَى بِهَا عَلَيْهِ، حَتَّى يَمُوتَ كَمَا يُوَالِي عَلَيْهِ بِالْحَجَرِ وَالنَّارِ وَالْخَنْقِ حَتَّى يَمُوتَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) أَوْلَاهُمَا بِالْحَقِّ عِنْدِي فِيمَا كَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ جِرَاحٍ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ فِيهِ الْقِصَاصُ لَوْ بَرِئَ أَقَصَصْته مِنْهُ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا قَتَلْته بِالسَّيْفِ وَمَا لَا قِصَاصَ فِي مِثْلِهِ لَمْ أَقُصّهُ مِنْهُ، وَقَتَلْته بِالسَّيْفِ قِيَاسًا عَلَى مَا قَالَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ فِي الْجَائِفَةِ وَقَطْعِ الذِّرَاعِ أَنَّهُ لَا يُقِصُّهُ مِنْهُمَا بِحَالٍ وَيَقْتُلُهُ بِالسَّيْفِ. [بَابُ الْقِصَاصِ فِي الشِّجَاجِ وَالْجِرَاحِ وَالْأَسْنَانِ وَمَنْ بِهِ نَقْصٌ أَوْ شَلَلٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْقِصَاصُ دُونَ النَّفْسِ شَيْئَانِ جُرْحٌ يُشَقُّ وَطَرَفٌ يُقْطَعُ فَإِذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً فَبَرِئَ حُلِقَ مَوْضِعُهَا مِنْ رَأْسِ الشَّاجِّ ثُمَّ شُقَّ بِحَدِيدَةٍ قَدْرُ عَرْضِهَا وَطُولِهَا فَإِنْ أُخِذَتْ رَأْسُ الشَّاجِّ كُلِّهِ وَبَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ أُخِذَ مِنْهُ أَرْشُهُ، وَكَذَا كُلُّ جُرْحٍ يُقْتَصُّ مِنْهُ. وَلَوْ جَرَحَهُ فَلَمْ يُوضِحْهُ أُقِصَّ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا شُقَّ مِنْ الْمُوضِحَةِ فَإِنْ أَشْكَلَ لَمْ أُقِدْ إلَّا مِمَّا اسْتُيْقِنَ وَتُقْطَعُ الْيَدُ بِالْيَدِ وَالرِّجْلُ بِالرِّجْلِ مِنْ الْمَفَاصِلِ، وَالْأَنْفُ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنُ بِالْأُذُنِ وَالسِّنُّ بِالسِّنِّ كَانَ الْقَاطِعُ أَفْضَلَ طَرَفًا أَوْ أَدْنَى مَا لَمْ يَكُنْ نَقْصٌ أَوْ شَلَلٌ، فَإِنْ كَانَ قَاطِعُ الْيَدِ نَاقِصًا أُصْبُعًا قُطِعَتْ يَدُهُ وَأُخِذَ مِنْهُ أَرْشُ أُصْبُعٍ وَإِنْ كَانَتْ شَلَّاءَ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ اُقْتُصَّ بِأَنْ يَأْخُذَ أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ دِيَةَ الْيَدِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْطُوعُ أَشَلَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْقَوَدُ فَيَأْخُذَ أَكْثَرَ وَلَهُ حُكُومَةُ يَدٍ شَلَّاءَ، وَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ فَتَآكَلَتْ فَذَهَبَتْ كَفُّهُ أُقِيدَ مِنْ الْأُصْبُعِ وَأَخَذَ أَرْشَ يَدِهِ إلَّا أُصْبُعًا وَلَمْ يَنْتَظِرْ بِهِ أَنْ يراقى إلَى مِثْلِ جِنَايَتِهِ أَوْ لَا. (قَالَ) : وَلَوْ سَأَلَ الْقَوَدَ سَاعَةَ قُطِعَ أُصْبُعُهُ أَقَدْته فَإِنْ ذَهَبَتْ كَفُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ جَعَلْت عَلَى الْجَانِي أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ دِيَتِهَا، وَلَوْ كَانَ مَاتَ مِنْهَا قَتَلْته بِهِ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ ضَامِنٌ لِمَا حَدَثَ مِنْ جِنَايَتِهِ وَالْمُسْتَقَادَ مِنْهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ لَهُ مَا حَدَثَ مِنْ الْقَوَدِ بِسَبَبِ الْحَقِّ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ مِنْهَا عَيْنَاهُ وَشَعْرُهُ فَلَمْ يَنْبُتْ ثُمَّ بَرِئَ أُقِصَّ مِنْ الْمُوضِحَةِ فَإِنْ ذَهَبَتْ عَيْنَاهُ وَلَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَإِنْ لَمْ تَذْهَبْ عَيْنَاهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ زِدْنَا عَلَيْهِ الدِّيَةَ وَفِي الشَّعْرِ حُكُومَةٌ وَلَا أُبْلِغُ بِشَعْرِ رَأْسِهِ وَلَا بِشَعْرِ لِحْيَتِهِ دِيَةً. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ عِنْدِي قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ: إذَا قَطَعَ يَدَهُ فَمَاتَ عَنْهَا أَنَّهُ يُقْطَعُ فَإِنْ مَاتَ مِنْهَا فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، فَكَذَلِكَ إذَا شَجَّهُ مُقْتَصًّا فَذَهَبَتْ مِنْهَا عَيْنَاهُ وَشَعْرُهُ فَقَدْ أَخَذَ حَقَّهُ، غَيْرَ أَنِّي أَقُولُ: إنْ لَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ فَعَلَيْهِ حُكُومَةُ الشَّعْرِ مَا خَلَا مَوْضِعَ الْمُوضِحَةِ فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمُوضِحَةِ فَلَا نُغَرِّمُهُ مَرَّتَيْنِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَصَابَتْهُ مِنْ جُرْحِ يَدِهِ أَكَلَةٌ فَقُطِعَتْ الْكَفُّ لِئَلَّا تَمْشِيَ الْأَكَلَةُ فِي جَسَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ الْجَانِي مِنْ قَطْعِ الْكَفِّ شَيْئًا فَإِنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَنِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى الْجَانِي وَيَسْقُطُ نِصْفُهَا؛ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمَقْطُوعِ أُصْبُعَانِ شُلَّا وَإِنْ لَمْ تُقْطَعْ يَدُ الْجَانِي وَلَوْ رَضِيَ، فَإِنْ سَأَلَ الْمَقْطُوعُ أَنْ يُقْطَعَ لَهُ أُصْبُعُ الْقَاطِعِ الثَّالِثُ وَيُؤْخَذَ لَهُ أَرْشُ الْأُصْبُعَيْنِ وَالْحُكُومَةُ فِي الْكَفِّ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَلَا أُبْلِغُ بِحُكُومَةِ كَفِّهِ دِيَةَ أُصْبُعٍ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ وَكُلُّهَا مُسْتَوِيَةٌ وَلَا يَكُونُ أَرْشُهَا كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا. وَلَوْ كَانَ الْقَاطِعُ مَقْطُوعَ الْأُصْبُعَيْنِ قَطَعْت لَهُ كَفَّهُ وَأَخَذْت لِلْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ أَرْشَ أُصْبُعَيْنِ تَامَّتَيْنِ، وَلَوْ كَانَ لِلْقَاطِعِ سِتُّ أَصَابِعَ لَمْ تُقْطَعْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 348 لِزِيَادَةِ الْأُصْبُعِ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي لَهُ خَمْسُ أَصَابِعَ هُوَ الْقَاطِعُ كَانَ لِلْمَقْطُوعِ قَطْعُ يَدِهِ وَحُكُومَةُ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَلَا أُبْلِغُ بِهَا أَرْشَ أُصْبُعٍ، وَلَوْ قَطَعَ لَهُ أُنْمُلَةً لَهَا طَرَفَانِ فَلَهُ الْقَوَدُ مِنْ أُصْبُعِهِ وَزِيَادَةُ حُكُومَةٍ وَإِنْ كَانَ لِلْقَاطِعِ مِثْلُهَا أُقِيدَ بِهَا وَلَا حُكُومَةَ، فَإِنْ كَانَ لِلْقَاطِعِ طَرَفَانِ وَلِلْمَقْطُوعِ وَاحِدٌ فَلَا قَوَدَ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ. (قَالَ) : وَلَوْ قَطَعَ أُنْمُلَةَ طَرَفٍ وَمِنْ آخَرَ الْوُسْطَى مِنْ أُصْبُعٍ وَاحِدٍ فَإِنْ جَاءَ الْأَوَّلُ قَبْلُ اُقْتُصَّ لَهُ ثُمَّ الْوُسْطَى، وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُ الْوُسْطَى قِيلَ: لَا قِصَاصَ لَك إلَّا بَعْدَ الطَّرَفِ وَلَك الدِّيَةُ. (قَالَ) : وَلَا أُقِيدَ بِيُمْنَى يُسْرَى وَلَا بِيُسْرَى يُمْنَى. (قَالَ) : وَلَوْ قَلَعَ سِنَّهُ أَوْ قَطَعَ أُذُنَهُ ثُمَّ إنَّ الْمَقْطُوعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَلْصَقَهُ بِدَمِهِ وَسَأَلَ الْقَوَدَ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ بِإِبَانَتِهِ وَكَذَلِكَ الْجَانِي لَا يُقْطَعُ ثَانِيَةً إذَا أُقِيدَ مِنْهُ مَرَّةً إلَّا بِأَنْ يَقْطَعَ لِأَنَّهَا مَيِّتَةٌ. (قَالَ) : وَيُقَادُ بِذَكَرِ رَجُلٍ شَيْخٍ وَخَصِيٍّ وَصَبِيٍّ وَاَلَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ كَانَ الذَّكَرُ يَنْتَشِرُ أَوْ لَا يَنْتَشِرُ مَا لَمْ يَكُنْ بِهِ شَلَلٌ يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَنْقَبِضَ أَوْ يَنْبَسِطَ وَبِأُنْثَيَيْ الْخَصِيِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ طَرَفٌ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يُقَادَ مِنْ إحْدَى أُنْثَيَيْ رَجُلٍ بِلَا ذَهَابِ الْأُخْرَى أُقِيدَ مِنْهُ وَإِنْ قَطَعَهُمَا فَفِيهِمَا الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ تَامَّةً، فَإِنْ قَالَ الْجَانِي جَنَيْت عَلَيْهِ وَهُوَ مَوْجُوءٌ، وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: بَلْ صَحِيحٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَغِيبُ عَنْ أَبْصَارِ النَّاسِ وَلَا يَجُوزُ كَشْفُهُ لَهُمْ. (قَالَ) : وَيُقَادُ أَنْفُ الصَّحِيحِ بِأَنْفِ الْأَخْرَمِ مَا لَمْ يَسْقُطْ أَنْفُهُ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ وَأُذُنُ الصَّحِيحِ بِأُذُنِ الْأَصَمِّ وَإِنْ قَلَعَ سِنَّ مَنْ قَدْ أَثْغَرَ قُلِعَ سِنُّهُ فَإِنْ كَانَ الْمَقْلُوعُ سِنُّهُ لَمْ يُثْغِرْ فَلَا قَوَدَ حَتَّى يُثْغِرَ فيتتام طَرْحُهُ أَسْنَانَهُ وَنَبَاتُهَا، فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ سِنُّهُ وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ: لَا يَنْبُتُ؛ أَقَدْنَاهُ وَلَوْ قَلَعَ لَهُ سِنًّا زَائِدَةً فَفِيهَا حُكُومَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْقَالِعِ مِثْلُهَا فَيُقَادُ مِنْهُ وَمَنْ اقْتَصَّ حَقَّهُ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ عُزِّرَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُقْتَصُّ: أَخْرِجْ يَمِينَك فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ فَقَطَعَهَا، وَقَالَ: عَمَدْت وَأَنَا عَالِمٌ فَلَا عَقْلَ وَلَا قِصَاصَ فَإِذَا بَرِئَ اقْتَصَّ مِنْ يَمِينِهِ وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ أَوْ رَأَيْت أَنَّ الْقِصَاصَ بِهَا يَسْقُطُ عَنْ يَمِينِي لَزِمَ الْمُقْتَصَّ دِيَةُ الْيَدِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي سَرِقَةٍ لَمْ يَقْطَعْ يَمِينَهُ وَلَا يُشْبِهُ الْحَدُّ حُقُوقَ الْعِبَادِ، وَلَوْ قَالَ الْجَانِي: مَاتَ مِنْ قَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَقَالَ الْوَلِيُّ: مَاتَ مِنْ غَيْرِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ. (قَالَ) : وَيُحْضِرُ الْإِمَامُ الْقِصَاصَ عَدْلَيْنِ عَاقِلَيْنِ حَتَّى لَا يُقَادَ إلَّا بِحَدِيدَةٍ حَادَّةٍ مُسْقَاةٍ وَيَتَفَقَّدُ حَدِيدَهُ لِئَلَّا يُسَمَّ فَيَقْتُلَ فَيَقْطَعَ مِنْ حَيْثُ قُطِعَ بِأَيْسَرِ مَا يَكُونُ بِهِ الْقَطْعُ وَيُرْزَقُ مَنْ يُقِيمُ الْحُدُودَ وَيَأْخُذُ الْقِصَاصَ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْخُمُسِ كَمَا يُرْزَقُ الْحُكَّامُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْهُ الْأَجْرُ كَمَا عَلَيْهِ أَجْرُ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ فِيمَا يَلْزَمُهُ. [بَابُ عَفْوِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ثُمَّ يَمُوتُ وَغَيْرِ ذَلِكَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ قَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَمْدًا: قَدْ عَفَوْت عَنْ جِنَايَتِهِ مِنْ قَوَدٍ وَعَقْلٍ ثُمَّ صَحَّ جَازَ فِيمَا لَزِمَهُ بِالْجِنَايَةِ، وَلَمْ يَجُزْ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَجَبَتْ حِينَ عَفَا، وَلَوْ قَالَ: قَدْ عَفَوْت عَنْهَا وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا مِنْ عَقْلٍ وَقَوَدٍ ثُمَّ مَاتَ مِنْهَا فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَوَدِ لِلْعَفْوِ وَنُظِرَ إلَى أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَكَانَ فِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَائِزٌ الْعَفْوُ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْعَافِي كَأَنَّهَا مُوضِحَةٌ فَهِيَ نِصْفُ الْعَشْرِ وَيُؤْخَذُ بِبَاقِي الدِّيَةِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يُؤْخَذَ بِجَمِيعِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَفْسًا وَهَذَا قَاتِلٌ لَا يَجُوزُ لَهُ وَصِيَّةٌ بِحَالٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ فَلَمَّا بَطَلَ بَعْضُهَا بَطَلَ جَمِيعُهَا وَلِأَنَّهُ قَطَعَ بِأَنَّهُ لَوْ عَفَا وَالْقَاتِلُ عَبْدٌ جَازَ الْعَفْوُ مِنْ ثُلُثِ الْمَيِّتِ. (قَالَ) : وَإِنَّمَا أَجَزْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ مَعَ أَهْلِ الْوَصَايَا وَلِأَنَّهُ قَالَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ: لَوْ عَفَا عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ جَازَ عَفْوُهُ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ قَاتِلٍ. (قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 349 الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ خَطَأً ذِمِّيًّا لَا يَجْرِي عَلَى عَاقِلَتِهِ الْحُكْمُ أَوْ مُسْلِمًا أَقَرَّ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ فَالدِّيَةُ فِي أَمْوَالِهِمَا وَالْعَفْوُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِلْقَاتِلِ، وَلَوْ كَانَ لَهُمَا عَاقِلَةٌ لَمْ يَكُنْ عَفْوًا عَنْ الْعَاقِلَةِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ عَفَوْت عَنْهُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ أَوْ مَا يَلْزَمُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ قَدْ عَفَوْت ذَلِكَ عَنْ عَاقِلَتِهِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ لَهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ أَثْبَتَ أَنَّهَا وَصِيَّةٌ وَأَنَّهَا بَاطِلَةٌ لِقَاتِلٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ جَنَى عَبْدٌ عَلَى حُرٍّ فَابْتَاعَهُ بِأَرْشِ الْجُرْحِ فَهُوَ عَفْوٌ وَلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَا أَرْشَ الْجُرْحِ؛ لِأَنَّ الْأَثْمَانَ لَا تَجُوزُ إلَّا مَعْلُومَةً فَإِنْ أَصَابَ بِهِ عَيْبًا رَدَّهُ وَكَانَ لَهُ فِي عُنُقِهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ. [بَابُ أَسْنَانِ الْإِبِلِ الْمُغَلَّظَةِ وَالْعَمْدِ وَكَيْفَ يُشْبِهُ الْعَمْدُ الْخَطَأَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَلَا إنَّ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ الْخَطَأِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهَذَا خَطَأٌ فِي الْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فِي الضَّرْبِ وَاحْتَجَّ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَطَاءٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا: فِي تَغْلِيظِ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ خَلِفَةً وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْخَلِفَةُ الْحَامِلُ وَقَلَّ مَا تَحْمِلُ الثَّنِيَّةُ فَصَاعِدًا فَأَيَّةُ نَاقَةٍ مِنْ إبِلِ الْعَاقِلَةِ حَمَلَتْ فَهِيَ خَلِفَةٌ تُجْزِئُ فِي الدِّيَةِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعِيبَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبَهُ بِعَمُودٍ خَفِيفٍ أَوْ بِحَجَرٍ لَا يَشْدَخُ أَوْ بِحَدِّ سَيْفٍ لَمْ يَجْرَحْ أَوْ أَلْقَاهُ فِي بَحْرٍ قُرْبَ الْبَرِّ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَوْمَ أَوْ مَاءٍ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ مِنْ مِثْلِهِ فَمَاتَ فَلَا قَوَدَ وَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَكَذَلِكَ الْجِرَاحُ وَكَذَلِكَ التَّغْلِيظُ فِي النَّفْسِ وَالْجِرَاحُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ وَذِي الرَّحِمِ، وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ ابْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى فِي دِيَةِ امْرَأَةٍ وُطِئَتْ بِمَكَّةَ بِدِيَةٍ وَثُلُثٍ. (قَالَ) : وَهَكَذَا أَسْنَانُ دِيَةِ الْعَمْدِ حَالَّةٌ فِي مَالِهِ إذَا زَالَ عَنْهُ الْقِصَاصُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا كَانَتْ الْمُغَلَّظَةُ أَعْلَى سِنًّا مِنْ سَنِّ الْخَطَأِ لِلتَّغْلِيظِ فَالْعَامِدُ أَحَقُّ بِالتَّغْلِيظِ إذَا صَارَتْ عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ أَسْنَانِ الْخَطَأِ وَتَقْوِيمِهَا وَدِيَاتِ النُّفُوسِ وَالْجِرَاحِ وَغَيْرِهِمَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] فَأَبَانَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الدِّيَةَ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَرُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: إنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: دِيَةُ الْخَطَأِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ عِشْرُونَ ابْنَةَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَبِهَذَا نَأْخُذُ وَلَا يُكَلَّفُ أَحَدٌ مِنْ الْعَاقِلَةِ غَيْرَ إبِلِهِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ دُونَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِبَلَدِهِ إبِلٌ كُلِّفَ إلَى أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ إبِلُ الْعَاقِلَةِ مُخْتَلِفَةً أَدَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِنْ إبِلِهِ فَإِنْ كَانَتْ عِجَافًا أَوْ جُرْبًا قِيلَ: إنْ أَدَّيْت صِحَاحًا جُبِرَ عَلَى قَبُولِهَا، فَإِنْ أَعْوَزَتْ الْإِبِلُ فَقِيمَتُهَا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ كَمَا قَوَّمَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَالْعِلْمُ مُحِيطٌ بِأَنَّهُ لَمْ يُقَوِّمْهَا إلَّا قِيمَةَ يَوْمِهَا فَإِذَا قَوَّمَهَا كَذَلِكَ فَاتِّبَاعُهُ أَنْ تُقَوَّمَ مَتَى وَجَبَتْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 350 وَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يَكُونَ قَوَّمَهَا إلَّا فِي حِينٍ وَبَلَدٌ أَعْوَزَتْ فِيهِ أَوْ يَتَرَاضَى الْجَانِي وَالْوَلِيُّ فَيَدُلُّ عَلَى تَقْوِيمِهِ لِلْإِعْوَازِ قَوْلُهُ: لَا يُكَلَّفُ أَعْرَابِيٌّ الذَّهَبَ وَلَا الْوَرِقَ؛ لِأَنَّهُ يَجِدُ الْإِبِلَ وَأَخْذُهُ ذَلِكَ مِنْ الْقَرَوِيِّ لِإِعْوَازِ الْإِبِلِ فِيمَا أَرَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَوَّمَ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ جَعَلْنَا عَلَى أَهْلِ الْخَيْلِ الْخَيْلَ وَعَلَى أَهْلِ الطَّعَامِ الطَّعَامَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُهُ الْقَدِيمُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَرُجُوعُهُ عَنْ الْقَدِيمِ رَغْبَةٌ عَنْهُ إلَى الْجَدِيدِ وَهُوَ بِالسُّنَّةِ أَشْبَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَهِيَ الَّتِي تُبْرِزُ الْعَظْمَ حَتَّى يُقْرَعَ بِالْمِرْوَدِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى الْأَسْمَاءِ صَغُرَتْ أَوْ كَبِرَتْ شَانَتْ أَوْ لَمْ تَشِنْ وَلَوْ كَانَ وَسَطُهَا مَا لَمْ يَنْخَرِقْ فَهِيَ مُوضِحَتَانِ، فَإِنْ قَالَ: شَقَقْتهَا مِنْ رَأْسِي وَقَالَ الْجَانِي: بَلْ تَآكَلَتْ مِنْ جِنَايَتِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُمَا وَجَبَتَا لَهُ فَلَا يُبْطِلُهُمَا إلَّا إقْرَارُهُ أَوْ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِ. (وَقَالَ) فِي الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ وَتُهَشِّمُ وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ وَهِيَ الَّتِي تَكْسِرُ عَظْمَ الرَّأْسِ حَتَّى يَتَشَظَّى فَيُنْقَلُ مِنْ عِظَامِهِ لِيَلْتَئِمَ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَاللَّحْيِ الْأَسْفَلِ وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ النَّفْسِ وَهِيَ الَّتِي تَخْرِقُ إلَى جِلْدِ الدِّمَاغِ وَلَمْ أَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِشَيْءٍ فَفِيمَا دُونَهَا حُكُومَةٌ لَا يُبْلَغُ بِهَا قَدْرُ مُوضِحَةٍ، وَإِنْ كَانَ الشَّيْنُ أَكْثَرَ وَفِي كُلِّ جُرْحٍ مَا عَدَا الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ حُكُومَةٌ إلَّا الْجَائِفَةَ فَفِيهَا ثُلُثُ النَّفْسِ وَهِيَ الَّتِي تَخْرِقُ إلَى الْجَوْفِ مِنْ بَطْنٍ أَوْ ظَهْرِ صَدْرٍ أَوْ ثُغْرَةِ نَحْرٍ فَهِيَ جَائِفَةٌ وَفِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي السَّمْعِ الدِّيَةُ وَيُتَغَفَّلُ، وَيُصَاحُ بِهِ فَإِنْ أَجَابَ عُرِفَ أَنَّهُ يَسْمَعُ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يُجِبْ عِنْدَ غفلانه وَلَمْ يَفْزَعْ إذَا صِيحَ بِهِ حَلَفَ لَقَدْ ذَهَبَ سَمْعُهُ وَأَخَذَ الدِّيَةَ وَفِي ذَهَابِ الْعَقْلِ الدِّيَةُ وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي ذَهَابِ بَصَرِهِمَا الدِّيَةُ فَإِنْ نَقَصَتْ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى اخْتَبَرْته بِأَنْ أَعْصَبَ عَيْنَهُ الْعَلِيلَةَ وَأُطْلَقَ الصَّحِيحَةَ وَأَنْصِبَ لَهُ شَخْصًا عَلَى رَبْوَةٍ أَوْ مُسْتَوًى فَإِذَا أَثْبَتَهُ بِعِدَّتِهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ بَصَرُهَا ثُمَّ أَذْرَعَ بَيْنَهُمَا وَأُعْطِيَهُ عَلَى قَدْرِ مَا نَقَصَتْ عَنْ الصَّحِيحَةِ، وَلَوْ قَالَ: جَنَيْت عَلَيْهِ وَهُوَ ذَاهِبُ الْبَصَرِ فَعَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَانَ يُبْصِرُ وَيَسَعُهَا أَنْ تَشْهَدَ إذَا رَأَتْهُ يُتْبِعُ الشَّخْصَ بَصَرَهُ وَيَطْرِفُ عَنْهُ وَيَتَوَقَّاهُ وَكَذَلِكَ الْمَعْرِفَةُ بِانْبِسَاطِ الْيَدِ وَالذَّكَرِ وَانْقِبَاضِهِمَا، وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ وَالصَّبِيُّ وَمَتَى عُلِمَ أَنَّهُ صَحِيحٌ فَهُوَ عَلَى الصِّحَّةِ حَتَّى يُعْلَمَ غَيْرُهَا. (قَالَ) : وَفِي الْجُفُونِ إذَا اُسْتُؤْصِلَتْ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُبُعُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ خِلْقَتِهِ وَمَا يَأْلَمُ بِقَطْعِهِ وَفِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِبَ مَارِنُهُ جَدْعًا الدِّيَةُ وَفِي ذَهَابِ الشَّمِّ الدِّيَةُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ إذَا اُسْتُوْعِبَتَا وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ وَإِنْ خَرِسَ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُ كَلَامِهِ اُعْتُبِرَ عَلَيْهِ بِحُرُوفِ الْمُعْجَمِ ثُمَّ كَانَ مَا ذَهَبَ مِنْ عَدَدِ الْحُرُوفِ بِحِسَابِهِ، وَإِنْ قَطَعَ رُبُعَ اللِّسَانِ فَذَهَبَ بِأَقَلَّ مِنْ رُبُعِ الْكَلَامِ فَرُبُعُ الدِّيَةِ وَإِنْ ذَهَبَ نِصْفُ الْكَلَامِ فَنِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي لِسَانِ الصَّبِيِّ إذَا حَرَّكَهُ بِبُكَاءٍ أَوْ بِشَيْءٍ يُغَيِّرُ اللِّسَانَ الدِّيَةُ وَفِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ حُكُومَةٌ، فَإِنْ قَالَ: لَمْ أَكُنْ أَبْكَمَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ نَاطِقٌ فَهُوَ نَاطِقٌ حَتَّى يُعْلَمَ خِلَافُ ذَلِكَ. (قَالَ) : وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ إذَا كَانَ قَدْ أَثْغَرَ فَإِنْ لَمْ يُثْغِرْ اُنْتُظِرَ بِهِ فَإِنْ لَمْ تَنْبُتْ تَمَّ عَقْلُهَا وَإِنْ نَبَتَتْ فَلَا عَقْلَ لَهَا وَالضِّرْسُ سِنٌّ وَإِنْ سُمِّيَ ضِرْسًا كَمَا أَنَّ الثَّنِيَّةَ سِنٌّ وَإِنْ سُمِّيَتْ ثَنِيَّةً وَكَمَا أَنَّ اسْمَ الْإِبْهَامِ غَيْرُ اسْمِ الْخِنْصَرِ وَكِلَاهُمَا أُصْبُعٌ وَعَقْلُ كُلِّ أُصْبُعٍ سَوَاءٌ، فَإِنْ نَبَتَتْ سِنُّ رَجُلٍ قُلِعَتْ بَعْدَ أَخْذِهِ أَرْشَهَا، قَالَ فِي مَوْضِعٍ: يَرُدُّ مَا أَخَذَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا يَرُدُّ شَيْئًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا أَقْيَسُ فِي مَعْنَاهُ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَظِرْ بِسِنِّ الرَّجُلِ كَمَا انْتَظَرَ بِسِنِّ مَنْ لَمْ يُثْغِرْ هَلْ تَنْبُتُ أَمْ لَا؟ فَدَلَّ ذَلِكَ عِنْدِي مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ عَقْلَهَا أَوْ الْقَوَدَ مِنْهَا قَدْ تَمَّ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَانْتَظَرَ كَمَا انْتَظَرَ بِسِنِّ مَنْ لَمْ يُثْغِرْ، وَقِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ قُطِعَ لِسَانُهُ فَأَخَذَ أَرْشَهُ ثُمَّ نَبَتَ صَحِيحًا لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا، وَلَوْ قَطَعَهُ آخَرُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 351 فَفِيهِ الْأَرْشُ تَامًّا وَمِنْ أَصْلِ قَوْلِهِ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْأَسْمَاءِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَكَذَلِكَ السِّنُّ فِي الْقِيَاسِ نَبَتَتْ أَوْ لَمْ تَنْبُتْ سَوَاءٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي الصَّغِيرِ إذَا نَبَتَتْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَقْلٌ أَصْلًا فَيُتْرَكُ لَهُ الْقِيَاسُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْأَسْنَانُ الْعُلْيَا فِي عَظْمِ الرَّأْسِ وَالسُّفْلَى فِي اللَّحْيَيْنِ مُلْتَصِقَتَيْنِ فَفِي اللَّحْيَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ سِنٍّ مِنْ أَسْنَانِهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَلَوْ ضَرَبَهَا فَاسْوَدَّتْ فَفِيهَا حُكُومَةٌ. (وَقَالَ) فِي كِتَابِ عُقُولِهَا تَمَّ عَقْلُهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْحُكُومَةُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا بِالْقَطْعِ وَالْمَضْغِ وَرَدِّ الرِّيقِ وَسَدِّ مَوْضِعِهَا قَائِمَةً كَمَا لَوْ اسْوَدَّ بَيَاضُ الْعَيْنِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا بِالنَّظَرِ قَائِمَةٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ ثُلُثُ عَقْلِ أُصْبُعٍ إلَّا أُنْمُلَةَ الْإِبْهَامِ فَإِنَّهَا مَفْصِلَانِ فَفِي أُنْمُلَةِ الْإِبْهَامِ نِصْفُ عَقْلِ الْأُصْبُعِ وَأَيُّهَا شُلَّ تَمَّ عَقْلُهَا، وَإِنْ قُطِعَتْ مِنْ الذِّرَاعِ فَفِي الْكَفِّ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِيمَا زَادَ حُكُومَةٌ وَمَا زَادَ عَلَى الْقَدَمِ حُكُومَةٌ وَفِي قَدَمِ الْأَعْرَجِ وَيَدِ الْأَعْسَمِ إذَا كَانَتَا سَالِمَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَلَوْ خُلِقَتْ لِرَجُلٍ كَفَّانِ فِي ذِرَاعٍ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى فَكَانَ يَبْطِشُ بِالسُّفْلَى وَلَا يَبْطِشُ بِالْعُلْيَا فَالسُّفْلَى هِيَ الْكَفُّ الَّتِي فِيهَا الْقَوَدُ وَالْعُلْيَا زَائِدَةٌ وَفِيهَا حُكُومَةٌ وَكَذَلِكَ قَدَمَانِ فِي سَاقٍ فَإِنْ اسْتَوَتَا فَهُمَا نَاقِصَتَانِ، فَإِنْ قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا فَفِيهَا حُكُومَةٌ لَا تُجَاوِزُ نِصْفَ دِيَةِ قَدَمٍ وَإِنْ قُطِعَتَا مَعًا فَفِيهِمَا دِيَةُ قَدَمٍ وَيُجَاوَزُ بِهَا دِيَةُ قَدَمٍ، وَإِنْ قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا فَفِيهَا حُكُومَةٌ فَإِنْ عَمِلَتْ الْأُخْرَى لَمَّا انْفَرَدَتْ ثُمَّ عَادَ فَقَطَعَهَا وَهِيَ سَالِمَةٌ يَمْشِي عَلَيْهَا فَفِيهَا الْقِصَاصُ مَعَ حُكُومَةِ الْأُولَى. وَفِي الْأَلْيَتَيْنِ الدِّيَةُ وَهُمَا مَا أَشْرَفَ عَلَى الظَّهْرِ مِنْ الْمَأْكَمَتَيْنِ إلَى مَا أَشْرَفَ عَلَى اسْتِوَاءِ الْفَخِذَيْنِ وَسَوَاءٌ قُطِعَتَا مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَكُلُّ مَا قُلْت فِيهِمَا الدِّيَةُ فَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَلَا تُفَضَّلُ يُمْنَى عَلَى يُسْرَى وَلَا عَيْنُ أَعْوَرَ عَلَى عَيْنِ لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: فِيهَا دِيَةٌ تَامَّةٌ وَإِنَّمَا «قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةَ» ، وَعَيْنُ الْأَعْوَرِ كَيَدِ الْأَقْطَعِ فَإِنْ كُسِرَ صُلْبُهُ فَلَمْ يُطِقْ الْمَشْيَ فَفِيهِ الدِّيَةُ. (قَالَ) : وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ وَجِرَاحُهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَفِي ثَدْيَيْهَا دِيَتُهَا وَفِي حَلَمَتَيْهَا دِيَتُهَا؛ لِأَنَّ فِيهِمَا مَنْفَعَةَ الرَّضَاعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الرَّجُلِ فَفِيهِمَا مِنْ الرَّجُلِ حُكُومَةٌ وَفِي إسْكَتَيْهَا وَهُمَا شُفْرَاهَا إذَا أُوعِبَتَا دِيَتُهَا وَالرَّتْقَاءُ الَّتِي لَا تُؤْتَى وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ، وَلَوْ أَفْضَى ثَيِّبًا كَانَ عَلَيْهِ دِيَتُهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا بِوَطْئِهِ إيَّاهَا، وَفِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ الشَّلَّاءِ وَلِسَانِ الْأَخْرَسِ وَذَكَرِ الْأَشَلِّ فَيَكُونُ مُنْبَسِطًا لَا يَنْقَبِضُ أَوْ مُنْقَبِضًا لَا يَنْبَسِطُ وَفِي الْأُذُنَيْنِ الْمُسْتَحْشِفَتَيْنِ بِهِمَا مِنْ الِاسْتِحْشَافِ مَا بِالْيَدِ مِنْ الشَّلَلِ وَذَلِكَ أَنْ تُحَرَّكَا فَلَا تَتَحَرَّكَا أَوْ تُغْمَزَا بِمَا يُؤْلِمُ فَلَا تَأَلَّمَا، وَكُلُّ جُرْحٍ لَيْسَ فِيهِ أَرْشٌ مَعْلُومٌ وَفِي شَعْرِ الرَّأْسِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَاللِّحْيَةِ وَأَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ - فِي كُلِّ ذَلِكَ حُكُومَةٌ، وَمَعْنَى الْحُكُومَةِ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ كَمْ يَسْوَى أَنْ لَوْ كَانَ عَبْدًا غَيْرَ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ ثُمَّ يُقَوَّمَ مَجْنِيًّا عَلَيْهِ فَيُنْظَرُ كَمْ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْعُشْرَ فَفِيهِ عُشْرُ الدِّيَةِ أَوْ الْخُمُسَ فَعَلَيْهِ خُمُسُ الدِّيَةِ وَمَا كُسِرَ مِنْ سِنٍّ أَوْ قُطِعَ مِنْ شَيْءٍ لَهُ أَرْشٌ مَعْلُومٌ فَعَلَى حِسَابِ مَا ذَهَبَ مِنْهُ. (وَقَالَ) فِي التَّرْقُوَةِ جَمَلٌ وَفِي الضِّلْعِ حَمَلٌ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُشْبِهُ مَا حُكِيَ عَنْ عُمَرَ فِيمَا وَصَفْت حُكُومَةٌ لَا تَوْقِيتٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ كَمَا يُؤَوَّلُ قَوْلُ زَيْدٍ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ مِائَةُ دِينَارٍ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْحُكُومَةِ لَا تَوْقِيتٌ، وَقَدْ قَطَعَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ: فِي كُلِّ عَظْمٍ كُسِرَ سِوَى السِّنِّ حُكُومَةٌ فَإِذَا جُبِرَ مُسْتَقِيمًا فَفِيهِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الْأَلَمِ وَالشَّيْنِ وَإِنْ جُبِرَ مَعِيبًا بِعَجْزٍ أَوْ عَرَجٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ زِيدَ فِي حُكُومَتِهِ بِقَدْرِ شَيْنِهِ وَضُرِّهِ وَأَلَمِهِ لَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 352 يُبْلِغُ بِهِ دِيَةَ الْعَظْمِ لَوْ قُطِعَ. (قَالَ) : وَلَوْ جَرَحَهُ فَشَانَ وَجْهَهُ أَوْ رَأْسَهُ شَيْئًا يَبْقَى فَإِنْ كَانَ الشَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ الْجُرْحِ أَخَذَ بِالشَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ أَكْثَرَ مِنْ الشَّيْنِ أَخَذَ بِالْجُرْحِ وَلَمْ يَزِدْ لِلشَّيْنِ. (قَالَ) : فَإِنْ كَانَ الشَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ مُوضِحَةٍ نَقَصْت مِنْ الْمُوضِحَةِ شَيْئًا مَا كَانَ الشَّيْنُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُوضِحَةً مَعَهَا شَيْنٌ لَمْ أَزِدْ عَلَى مُوضِحَةٍ، فَإِذَا كَانَ الشَّيْنُ مَعَهَا وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ مُوضِحَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبْلُغَ بِهِ مُوضِحَةً وَفِي الْجِرَاحِ عَلَى قَدْرِ دِيَاتِهِمْ وَالْمَرْأَةُ مِنْهُمْ وَجِرَاحُهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي الْجِرَاحِ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ بِقَدْرِ الشَّيْنِ الْبَاقِي بَعْدَ الْتِئَامِهِ لَا يَبْلُغُ بِهَا الدِّيَةَ إنْ كَانَ حُرًّا وَلَا ثَمَنَهُ إنْ كَانَ عَبْدًا وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَسَدِ قَدْرٌ مَعْلُومٌ سِوَى الْجَائِفَةِ. وَدِيَةُ النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَاحْتُجَّ فِي ذَلِكَ بِعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَاحْتُجَّ فِي ذَلِكَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجِرَاحُهُمْ عَلَى قَدْرِ دِيَاتِهِمْ وَالْمَرْأَةُ مِنْهُمْ وَجِرَاحُهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَاحْتُجَّ فِي دِيَاتِ أَهْلِ الْكُفْرِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ ثُمَّ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ فَجَعَلَ الْكُفَّارَ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُونَ صِنْفًا مِنْهُمْ يَعْبُدُونَ وَتُؤْخَذُ أَمْوَالُهُمْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ وَصِنْفًا يُصْنَعُ ذَلِكَ بِهِمْ إلَّا أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مَنْ كَانَ خَوَلًا لِلْمُسْلِمِينَ فِي حَالٍ أَوْ خَوَلًا بِكُلِّ حَالٍ إلَّا أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ كَالْعَبْدِ الْمُخَارَجِ فِي بَعْضِ حَالَاتِهِ كَفِيئًا لِمُسْلِمٍ فِي دَمٍ وَلَا دِيَةٍ وَلَا يَبْلُغُ بِدِيَةِ كَافِرٍ دِيَةَ مُؤْمِنٍ إلَّا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَبِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَقُولُ: جِرَاحُ الْعَبْدِ مِنْ ثَمَنِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ مِنْ دِيَتِهِ فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَقِيمَتُهُ مَا كَانَتْ وَهَذَا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. (قَالَ) : وَتَحْمِلُ ثَمَنَهُ الْعَاقِلَةُ إذَا قُتِلَ خَطَأً وَفِي ذَكَرِهِ ثَمَنُهُ وَلَوْ زَادَ الْقَطْعُ فِي ثَمَنِهِ أَضْعَافًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كُنْت تَزْعُمُ أَنَّ ثَمَنَهُ كَثَمَنِ الْبَعِيرِ إذَا قُتِلَ فَلِمَ لَمْ يُحْكَمْ فِي جُرْحِهِ كَجُرْحِ الْبَعِيرِ وَبَعْضِهِ؟ قُلْت: قَدْ يُجَامِعُ الْحُرُّ الْبَعِيرَ يُقْتَلُ فَيَكُونُ ثَمَنُهُ مِثْلَ دِيَةِ الْحُرِّ فَهُوَ فِي الْحُرِّ دِيَةٌ وَفِي الْبَعِيرِ قِيمَةٌ وَالْقِيمَةُ دِيَةُ الْعَبْدِ وَقِسْته بِالْحُرِّ دُونَ الْبَهِيمَةِ بِدَلِيلٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَتْلِ النَّفْسِ الدِّيَةُ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، وَحَكَمْت وَحَكَمْنَا فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ بِدِيَاتٍ مُخْتَلِفَاتٍ وَجَعَلْنَا فِي كُلِّ نَفْسٍ مِنْهُمْ دِيَةً وَرَقَبَةً وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ فِي النَّفْسِ الرَّقَبَةَ حَيْثُ جَعَلَ الدِّيَةَ وَبَدَلُ الْبَعِيرِ وَالْمَتَاعِ قِيمَةٌ لَا رَقَبَةَ مَعَهَا فَجَامَعَ الْعَبْدُ الْأَحْرَارَ فِي أَنَّ فِيهِ كَفَّارَةٌ وَفِي أَنَّهُ إذَا قَتَلَ قُتِلَ وَإِذَا جَرَحَ جُرِحَ فِي قَوْلِنَا، وَفِي أَنَّ عَلَيْهِ حَدَّ الْحُرِّ فِي بَعْضِ الْحُدُودِ وَنِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ فِي بَعْضِ الْحُدُودِ وَأَنَّ عَلَيْهِ الْفَرَائِضَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالتَّعَبُّدِ وَكَانَ آدَمِيًّا كَالْأَحْرَارِ فَكَانَ بِالْآدَمِيِّينَ أَشْبَهَ فَقِسْته عَلَيْهِمْ دُونَ الْبَهَائِمِ وَالْمَتَاعِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقَالَ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَالْجِنَايَاتِ لَا نُحَمِّلُهُ الْعَاقِلَةَ كَمَا لَا تَغْرَمُ قِيمَةَ مَا اسْتَهْلَكَ مِنْ مَالٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) الْأَوَّلُ بِقَوْلِهِ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِالْحُرِّ فِي أَنَّ جِرَاحَهُ مِنْ ثَمَنِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ مِنْ دِيَتِهِ لَمْ يَخْتَلِفْ ذَلِكَ عِنْدِي مِنْ قَوْلِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكُلُّ جِنَايَةِ عَمْدٍ لَا قِصَاصَ فِيهَا فَالْأَرْشُ فِي مَالِ الْجَانِي، وَقِيلَ: جِنَايَةُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ عَمْدًا وَخَطَأً يَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنْ تَحْمِلَ الْعَاقِلَةُ الْخَطَأَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَلَوْ قَضَيْنَا بِهَا إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ خَالَفْنَا دِيَةَ الْعَمْدِ لِأَنَّهَا حَالَّةٌ فَلَمْ يَقْضِ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِدِيَةِ عَمْدٍ بِحَالٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ صَاحَ بِرَجُلٍ فَسَقَطَ عَنْ حَائِطٍ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَعْتُوهًا فَسَقَطَ مِنْ صَيْحَتِهِ ضَمِنَ، وَلَوْ طَلَبَ رَجُلًا بِسَيْفٍ فَأَلْقَى بِنَفْسِهِ عَنْ ظَهْرِ بَيْتٍ فَمَاتَ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ كَانَ أَعْمَى فَوَقَعَ فِي حُفْرَةٍ ضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الطَّالِبِ دِيَتَهُ؛ لِأَنَّهُ اضْطَرَّهُ إلَى ذَلِكَ وَلَوْ عَرَضَ لَهُ فِي طَلَبِهِ سَبُعٌ فَأَكَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ الْجَانِيَ غَيْرُهُ. (قَالَ) : وَيُقَالُ لِسَيِّدِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا جَنَتْ افْدِهَا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ جِنَايَتِهَا ثُمَّ هَكَذَا كُلَّمَا جَنَتْ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ مِنْ أَحَدِ قَوْلَيْهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 353 وَهُوَ أَنَّ السَّيِّدَ إذَا غَرِمَ قِيمَتَهَا ثُمَّ جَنَتْ شَرِكَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الثَّانِي الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ الْأَوَّلَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) فَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ الْأَوَّلَ قَدْ مَلَكَ الْأَرْشَ بِالْجِنَايَةِ فَكَيْفَ تَجْنِي أَمَةُ غَيْرِهِ وَيَكُونُ بَعْضُ الْغُرْمِ عَلَيْهِ. [الْتِقَاءُ الْفَارِسَيْنِ وَالسَّفِينَتَيْنِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا اصْطَدَمَ الرَّاكِبَانِ عَلَى أَيِّ دَابَّةٍ كَانَتَا فَمَاتَا مَعًا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ صَدْمَتِهِ وَصَدْمَةِ صَاحِبِهِ كَمَا لَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ وَجَرَحَهُ صَاحِبُهُ فَمَاتَ وَإِنْ مَاتَتْ الدَّابَّتَانِ فَفِي مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ قِيمَةِ دَابَّةِ صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَوْا بِالْمَنْجَنِيقِ مَعًا فَرَجَعَ الْحَجَرُ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَ أَحَدَهُمْ فَتُرْفَعُ حِصَّتُهُ مِنْ جِنَايَتِهِ وَيَغْرَمُ عَاقِلَةُ الْبَاقِينَ بَاقِيَ دِيَتِهِ. (قَالَ) : وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا وَاقِفًا فَصَدَمَهُ الْآخَرُ فَمَاتَا فَالصَّادِمُ هَدَرٌ وَدِيَةُ صَاحِبِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّادِمِ. (قَالَ) : وَإِذَا اصْطَدَمَتْ السَّفِينَتَانِ وَتَكَسَّرَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا فَمَاتَ مَنْ فِيهِمَا فَلَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَضْمَنَ الْقَائِمُ بِهِمَا فِي تِلْكَ الْحَالِ نِصْفَ كُلِّ مَا أَصَابَتْ سَفِينَتُهُ لِغَيْرِهِ أَوْ لَا يَضْمَنُ بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى تَصْرِيفِهَا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ يُطِيعُهُ فَأَمَّا إذَا غَلَبَتْهُ فَلَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي يَصْرِفُهَا أَنَّهَا غَلَبَتْهُ بِرِيحٍ أَوْ مَوْجٍ، وَإِذَا ضَمِنَ غَيْرَ النُّفُوسِ فِي مَالِهِ ضَمِنَتْ النُّفُوسَ عَاقِلَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فَيَكُونَ ذَلِكَ فِي عُنُقِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ لَا ضَمَانَ إلَّا أَنْ يُمْكِنَ صَرْفُهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا صَدَمَتْ سَفِينَتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْهَدَ بِهَا الصَّدْمُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا مِمَّا فِي سَفِينَتِهِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ دَخَلُوا غَيْرُ مُتَعَدًّى عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَإِذَا عَرَضَ لَهُمْ مَا يَخَافُونَ بِهِ التَّلَفَ عَلَيْهَا وَعَلَى مَنْ فِيهَا فَأَلْقَى أَحَدُهُمْ بَعْضَ مَا فِيهَا رَجَاءَ أَنْ تَخِفَّ فَتَسْلَمَ، فَإِنْ كَانَ مَالَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالُوا لَهُ: أَلْقِ مَتَاعَك فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ ضَمِنَ، وَلَوْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: أَلْقِهِ عَلَى أَنْ أَضْمَنَهُ أَنَا وَرُكْبَانُ السَّفِينَةِ ضَمِنَهُ دُونَهُمْ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعُوا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا عِنْدِي غَلَطٌ غَيْرُ مُشْكِلٍ وَقِيَاسُ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَلَا يَضْمَنُ أَصْحَابُهُ مَا أَرَادَ أَنْ يُضَمِّنَهُمْ إيَّاهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ خَرَقَ السَّفِينَةَ فَغَرِقَ أَهْلُهَا ضَمِنَ مَا فِيهَا وَضَمِنَ دِيَاتِ رُكْبَانِهَا عَاقِلَتُهُ وَسَوَاءٌ مَنْ خَرَقَ ذَلِكَ مِنْهَا. [بَابُ مَنْ الْعَاقِلَةُ الَّتِي تَغْرَمُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ» وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ عَلِمْته فِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْعَاقِلَةَ الْعَصَبَةُ وَهُمْ الْقَرَابَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِأَنْ يَعْقِلَ عَنْ مَوَالِي صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَضَى لِلزُّبَيْرِ بِمِيرَاثِهِمْ؛ لِأَنَّهُ ابْنُهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَعْرِفَةُ الْعَاقِلَةِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى إخْوَتِهِ لِأَبِيهِ فَيُحَمِّلَهُمْ مَا يُحَمِّلُ الْعَاقِلَةَ فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلُوهَا دَفَعْت إلَى بَنِي جَدِّهِ فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلُوهَا دَفَعْت إلَى بَنِي جَدِّ أَبِيهِ ثُمَّ هَكَذَا لَا يُدْفَعُ إلَى بَنِي أَبٍ حَتَّى يَعْجِزَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 354 وَمَنْ فِي الدِّيوَانِ وَمَنْ لَيْسَ فِيهِ مِنْهُمْ سَوَاءٌ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا دِيوَانَ فِي حَيَاتِهِ وَلَا فِي حَيَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا صَدْرٍ مِنْ وِلَايَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَرْأَةَ لَا يَحْمِلَانِ مِنْهَا شَيْئًا وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ عِنْدِي وَيُؤَدِّي الْعَاقِلَةُ الدِّيَةَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ حِينِ يَمُوتُ الْقَتِيلُ وَلَا يُقَوَّمُ نَجْمٌ مِنْ الدِّيَةِ إلَّا بَعْدَ حُلُولِهِ فَإِنْ أَعْسَرَ بِهِ أَوْ مَطَلَ حَتَّى يَجِدَ الْإِبِلَ بَطَلَتْ الْقِيمَةُ وَكَانَتْ عَلَيْهِ الْإِبِلُ وَلَا يَحْمِلُهَا فَقِيرٌ، وَإِنْ قَضَى بِهَا فَأَيْسَرَ الْفَقِيرُ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ نَجْمٌ مِنْهَا أَوْ افْتَقَرَ غَنِيُّ فَإِنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْمُوسِرِ يَوْمَ يَحِلُّ نَجْمٌ مِنْهَا. وَمَنْ غَرِمَ فِي نَجْمٍ ثُمَّ أَعْسَرَ فِي النَّجْمِ الْآخَرِ تُرِكَ فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ حُلُولِ النَّجْمِ مُوسِرًا أُخِذَ مِنْ مَالِهِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنْ لَا يَحْمِلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا قَلِيلًا وَأَرَى عَلَى مَذَاهِبِهِمْ أَنْ يَحْمِلَ مَنْ كَثُرَ مَالُهُ نِصْفَ دِينَارٍ وَمَنْ كَانَ دُونَهُ رُبُعَ دِينَارٍ لَا يُزَادُ عَلَى هَذَا وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ وَعَلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنْ الْإِبِلِ حَتَّى يَشْتَرِكَ النَّفَرُ فِي الْبَعِيرِ وَيَحْمِلَ كُلٌّ مَا كَثُرَ وَقَلَّ مِنْ قَتْلٍ أَوْ جُرْحٍ مِنْ حُرٍّ وَعَبْدٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَمَّلَهَا الْأَكْثَرَ دَلَّ عَلَى تَحْمِيلِهَا الْأَيْسَرَ، فَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ ثُلُثَ الدِّيَةِ أَدَّتْهُ فِي مُضِيِّ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ جُرِحَ الْمَجْرُوحُ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَالزِّيَادَةُ فِي مُضِيِّ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثَيْنِ فَفِي مُضِيِّ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَهَذَا مَعْنَى السُّنَّةِ وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مَا جَنَى الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ. [بَابُ عَقْلِ الْمَوَالِي] (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَا يَعْقِلُ الْمَوَالِي الْمُعْتَقُونَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْمَوَالِي الْمُعْتَقِينَ وَلَهُ قَرَابَةٌ تَحْمِلُ الْعَقْلَ فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْ بَعْضٍ حَمَلَ الْمَوَالِي الْمُعْتَقُونَ الْبَاقِيَ وَإِنْ عَجَزُوا عَنْ بَعْضٍ وَلَهُمْ عَوَاقِلُ عَقَلَتْهُ عَوَاقِلُهُمْ فَإِنْ عَجَزُوا وَلَا عَوَاقِلَ لَهُمْ عَقَلَ مَا بَقِيَ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ. (قَالَ) : وَلَا أُحَمِّلُ الْمَوَالِيَ مِنْ أَسْفَلَ عَقْلًا حَتَّى لَا أَجِدَ نَسَبًا وَلَا مَوَالِيَ مِنْ أَعْلَى ثُمَّ يَحْمِلُونَهُ لَا أَنَّهُمْ وَرَثَتُهُ وَلَكِنْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ كَمَا يَعْقِلُ عَنْهُمْ. [بَابُ أَيْنَ تَكُونُ الْعَاقِلَةُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : إذَا جَنَى رَجُلٌ جِنَايَةً بِمَكَّةَ وَعَاقِلَتُهُ بِالشَّامِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَبَرٌ مَضَى يَلْزَمُ بِهِ خِلَافُ الْقِيَاسِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكْتُبَ حَاكِمُ مَكَّةَ إلَى حَاكِمِ الشَّامِ يَأْخُذُ عَاقِلَتَهُ بِالْعَقْلِ، وَقَدْ قِيلَ: يُحَمِّلُهُ عَاقِلَةَ الرَّجُلِ بِبَلَدِهِ ثُمَّ أَقْرَبَ الْعَوَاقِلِ بِهِمْ وَلَا يُنْتَظَرُ بِالْعَقْلِ غَائِبٌ وَإِنْ احْتَمَلَ بَعْضُهُمْ الْعَقْلَ وَهُمْ حُضُورٌ فَقَدْ قِيلَ: يَأْخُذُ الْوَالِي مِنْ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَزِمَ الْكُلُّ. (قَالَ) : وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَسْتَوُوا فِيهِ. [بَابُ عَقْلِ الْحُلَفَاءِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا يَعْقِلُ الْحَلِيفُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَضَى بِذَلِكَ خَبَرٌ وَلَا الْعَدِيدُ وَلَا يُعْقَلُ عَنْهُ وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ إنَّمَا يُعْقَلُ بِالنَّسَبِ أَوْ الْوَلَاءِ الَّذِي كَالنَّسَبِ وَمِيرَاثُ الْحَلِيفِ وَالْعَقْلُ عَنْهُ مَنْسُوخٌ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ مِنْ الْحِلْفِ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَةُ وَالْيَدُ وَاحِدَةً لَا غَيْرَ ذَلِكَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 355 [بَابُ عَقْلِ مَنْ لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ وَعَقْلِ أَهْلِ الذِّمَّةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : إذَا كَانَ الْجَانِي نُوبِيًا فَلَا عَقْلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النُّوبَةِ حَتَّى يَكُونُوا يُثْبِتُونَ أَنْسَابَهُمْ إثْبَاتَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ قَبِيلَةٍ أَعْجَمِيَّةٍ أَوْ الْقِبْطِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَاءٌ يُعْلَمُ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنْ وِلَايَةِ الدِّينِ، وَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مَالَهُ إذَا مَاتَ وَمَنْ انْتَسَبَ إلَى نَسَبٍ فَهُوَ مِنْهُ إلَّا أَنْ تَثْبُتَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَلَا يُدْفَعُ نَسَبٌ بِالسَّمَاعِ وَإِذَا حَكَمْنَا عَلَى أَهْلِ الْعَهْدِ أَلْزَمْنَا عَوَاقِلَهُمْ الَّذِينَ تَجْرِي أَحْكَامُنَا عَلَيْهِمْ فَإِنْ كَانُوا أَهْلَ حَرْبٍ لَا يَجْرِي حُكْمُنَا عَلَيْهِمْ أَلْزَمْنَا الْجَانِيَ ذَلِكَ وَلَا يُقْضَى عَلَى أَهْلِ دِينِهِ إذَا لَمْ يَكُونُوا عَصَبَةً؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَهُ وَلَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِقَطْعِ الْوِلَايَةِ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَ مَالَهُ عَلَى الْمِيرَاثِ إنَّمَا يَأْخُذُونَهُ فَيْئًا. [بَابُ وَضْعِ الْحَجَرِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ وَضْعُهُ وَمَيْلِ الْحَائِطِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا فِي أَرْضٍ لَا يَمْلِكُهَا وَآخَرُ حَدِيدَةً فَتَعَلَّقَ رَجُلٌ بِالْحَجَرِ فَوَقَعَ عَلَى الْحَدِيدَةِ فَمَاتَ فَعَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُ كَالدَّافِعِ، وَلَوْ حَفَرَ فِي صَحْرَاءَ أَوْ طَرِيقٍ وَاسِعٍ مُحْتَمَلٍ فَمَاتَ بِهِ إنْسَانٌ أَوْ مَالَ حَائِطٌ مِنْ دَارِهِ فَوَقَعَ عَلَى إنْسَانٍ فَمَاتَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَهُ فِي مِلْكِهِ وَالْمَيْلُ حَادِثٌ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ وَقَدْ أَسَاءَ بِتَرْكِهِ وَمَا وَضَعَهُ فِي مِلْكِهِ فَمَاتَ بِهِ إنْسَانٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَإِنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ الْوَالِي فِيهِ أَوْ غَيْرُهُ فَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى وَقَعَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدِي فِي قِيَاسِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ. [بَابُ دِيَةِ الْجَنِينِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فِي الْجَنِينِ الْمُسْلِمِ بِأَبَوَيْهِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا غُرَّةٌ وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ بِهِ جَنِينًا أَنْ يُفَارِقَ الْمُضْغَةَ وَالْعَلَقَةَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقٍ آدَمِيٍّ أُصْبُعٌ أَوْ ظُفُرٌ أَوْ عَيْنٌ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَسَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمَتَهُ إذَا أَلْقَتْ مِنْهُ دَمًا أَنْ لَا تَكُونَ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ هَهُنَا وَلَدًا وَقَدْ جَعَلَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ وَلَدًا وَهَذَا عِنْدِي أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَكَذَلِكَ إنْ أَلْقَتْهُ مِنْ الضَّرْبِ بَعْدَ مَوْتِهَا فَفِيهِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ تُوَرَّثُ كَمَا لَوْ خَرَجَ حَيًّا فَمَاتَ؛ لِأَنَّهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ دُونَ أُمِّهِ وَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَلَا شَيْءَ لَهَا فِي الْأُمِّ وَلِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ الْغُرَّةُ أَنْ لَا يَقْبَلَهَا دُونَ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَغْنِي بِنَفْسِهَا دُونَ هَذَيْنِ السِّنَّيْنِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أُمِّهَا فِي الْبَيْعِ إلَّا فِي هَذَيْنِ السِّنَّيْنِ فَأَعْلَى وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهَا مَعِيبَةً وَلَا خَصِيًّا؛ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ عَنْ الْغُرَّةِ وَإِنْ زَادَ ثَمَنُهَا بِالْخِصَاءِ وَقِيمَتُهَا إذَا كَانَ الْجَنِينُ حُرًّا مُسْلِمًا نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ مُسْلِمٍ وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا فَنِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ مَجُوسِيَّةً وَأَبُوهُ نَصْرَانِيًّا أَوْ أُمُّهُ نَصْرَانِيَّةً وَأَبُوهُ مَجُوسِيًّا فَدِيَةُ الْجَنِينِ فِي أَكْثَرِ أَبْوَابِهِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ نَصْرَانِيٍّ، وَلَوْ جَنَى عَلَى أَمَةٍ حَامِلٍ فَلَمْ تُلْقِ جَنِينَهَا حَتَّى عَتَقَتْ أَوْ عَلَى ذِمِّيَّةٍ فَلَمْ تُلْقِ جَنِينَهَا حَتَّى أَسْلَمَتْ فَفِيهِ غُرَّةٌ؛ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَيْهَا وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ (وَقَالَ) فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَالْجِنَايَاتِ: وَلَا أَعْرِفُ أَنْ يُدْفَعَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 356 لِلْغُرَّةِ قِيمَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ لَا تُوجَدُ فِيهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا مَعْنَى أَصْلِهِ فِي الدِّيَةِ أَنَّهَا الْإِبِلُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِهَا فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَقِيمَتُهَا فَكَذَلِكَ الْغُرَّةُ إنْ لَمْ تُوجَدْ فَقِيمَتُهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيَغْرَمُهَا مَنْ يَغْرَمُ دِيَةَ الْخَطَأِ. (قَالَ) : فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ ضَمَّنَهُ مِنْ الضَّرْبَةِ حَتَّى طَرَحَتْهُ لَزِمَهُ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْجَانِي وَبَرِئَ. (قَالَ) : وَإِنْ صَرَخَ الْجَنِينُ أَوْ تَحَرَّكَ وَلَمْ يَصْرُخْ ثُمَّ مَاتَ مَكَانَهُ فَدِيَتُهُ تَامَّةٌ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ مَكَانَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي وَعَاقِلَتِهِ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ وَلَوْ خَرَجَ حَيًّا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَكَانَ فِي حَالٍ لَمْ يَتِمَّ لِمِثْلِهِ حَيَاةٌ قَطُّ فَفِيهِ الدِّيَةُ تَامَّةً وَإِنْ كَانَ فِي حَالٍ تَتِمُّ فِيهِ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَجِنَّةِ حَيَاةٌ فَفِيهِ الدِّيَةُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا سَقَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ عِنْدِي إذَا أَوْجَبَ الدِّيَةَ؛ لِأَنَّهُ بِحَالٍ تَتِمُّ لِمِثْلِهِ الْحَيَاةُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَسْقُطَ إذَا كَانَ بِحَالٍ لَا تَتِمُّ لِمِثْلِهِ حَيَاةٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقَدْ قَالَ: لَوْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا فَأَرَادَ وَرَثَتُهُ الْقَوَدَ فَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَعِيشُ الْيَوْمَ أَوْ الْيَوْمَيْنِ فَفِيهِ الْقَوَدُ ثُمَّ سَكَتَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) كَأَنَّهُ يَقُولُ: إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمَذْبُوحِ يُقْطَعُ بِاثْنَيْنِ أَوْ الْمَجْرُوحِ تَخْرُجُ مِنْهُ حُشْوَتُهُ فَنَضْرِبُ عُنُقَهُ فَلَا قَوَدَ عَلَى الثَّانِي وَلَا دِيَةَ وَفِي هَذَا عِنْدِي دَلِيلٌ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ ضَرَبَهَا فَأَلْقَتْ يَدًا وَمَاتَتْ ضَمِنَ الْأُمَّ وَالْجَنِينَ؛ لِأَنِّي قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ قَدْ جَنَى عَلَى الْجَنِينِ. [بَابُ جَنِينِ الْأَمَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ عُشْرُ قِيمَةِ أَمَةٍ يَوْمَ جُنِيَ عَلَيْهَا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) الْقِيَاسُ عَلَى أَصْلِهِ عُشْرُ قِيمَةِ أَمَةٍ يَوْمَ تُلْقِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لَوْ ضَرَبَهَا أَمَةً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَأَلْقَتْ جَنِينًا آخَرَ فَعَلَيْهِ عُشْرُ قِيمَةِ أَمَةٍ لِسَيِّدِهَا وَفِي الْآخَرِ مَا فِي جَنِينِ حُرَّةٍ لِأُمِّهِ وَلِوَرَثَتِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لِلْمَدَنِيِّينَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ حَيًّا أَلَيْسَ فِيهِ قِيمَتُهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عُشْرِ ثُمُنِ أَمَةٍ وَلَوْ كَانَ مَيِّتًا فَعُشْرُ أَمَةٍ فَقَدْ أَغْرَمْتُمْ فِيهِ مَيِّتًا أَكْثَرَ مِمَّا أَغْرَمْتُمْ فِيهِ حَيًّا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقُلْت لَهُ: أَلَيْسَ أَصْلُك جَنِينَ الْحُرَّةِ الَّتِي قَضَى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ أَذَكَرٌ هُوَ أَمْ أُنْثَى؟ قَالَ: بَلَى، قُلْت: فَجَعَلْت وَجَعَلْنَا فِيهِ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسِينَ دِينَارًا إذَا لَمْ يَكُنْ غُرَّةً قَالَ: بَلَى، قُلْت: فَلَوْ خَرَجَا حَيَّيْنِ ذَكَرًا وَأُنْثَى فَمَاتَا؟ قَالَ: فِي الذَّكَرِ مِائَةٌ وَفِي الْأُنْثَى خَمْسُونَ، قُلْت: فَإِذَا زَعَمْت أَنَّ حُكْمَهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا مُخْتَلِفَانِ فَلِمَ سَوَّيْت بَيْنَ حُكْمِهِمَا مَيِّتَيْنِ، أَمَا يَدُلُّك هَذَا أَنَّ حُكْمَهُمَا مَيِّتَيْنِ حُكْمُ غَيْرِهِمَا ثُمَّ قِسْت عَلَى ذَلِكَ جَنِينَ الْأَمَةِ فَقُلْت: إنْ كَانَ ذَكَرًا فَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَعُشْرُ قِيمَتِهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً أَلَيْسَ قَدْ جَعَلْت عَقْلَ الْأُنْثَى مِنْ أَصْلِ عَقْلِهَا فِي الْحَيَاةِ وَضِعْفَ عَقْلِ الرَّجُلِ مِنْ أَصْلِ عَقْلِهِ فِي الْحَيَاةِ لَا أَعْلَمُك إلَّا نَكَسْت الْقِيَاسَ، قَالَ: فَأَنْتَ قَدْ سَوَّيْت بَيْنَهُمَا قُلْت: مِنْ أَجْلِ أَنِّي زَعَمْت أَنَّ أَصْلَ حُكْمِهِمَا حُكْمُ غَيْرِهِمَا لَا حُكْمُ أَنْفُسِهِمَا كَمَا سَوَّيْت بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ جَنِينِ الْحُرَّةِ فَكَانَ مَخْرَجُ قَوْلِي مُعْتَدِلًا فَكَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ لِمَنْ لَمْ يَخْرُجْ حَيًّا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 357 [كِتَابُ الْقَسَامَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رِجَالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي حَوَائِجِهِمَا فَأُخْبِرَ مُحَيِّصَةُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي فَقِيرٍ أَوْ عَيْنٍ فَأَتَى يَهُودَ فَقَالَ: أَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُ؟ قَالُوا: مَا قَتَلْنَاهُ، فَقَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَأَخْبَرَهُمْ فَأَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ أَخُو الْمَقْتُولِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَبِّرْ كَبِّرْ يُرِيدُ السِّنَّ فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ ثُمَّ مُحَيِّصَةُ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ فَكَتَبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ فَكَتَبُوا إنَّا وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ، فَقَالَ لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَتَحْلِفُ يَهُودُ قَالُوا: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ فَبَعَثَ إلَيْهِمْ مِائَةَ نَاقَةٍ، قَالَ سَهْلٌ: لَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ لِلْوَلِيِّ وَغَيْرِهِ تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ وَأَنْتَ لَا تُحَلِّفُ إلَّا الْأَوْلِيَاءَ قِيلَ: يَكُونُ قَدْ قَالَ ذَلِكَ لِأَخِي الْمَقْتُولِ الْوَارِثِ وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: تَحْلِفُونَ لِوَاحِدٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُكْمُ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَكُونُ إلَّا فِيمَا يَدْفَعُ بِهَا الْمَرْءُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ يَأْخُذُ بِهَا مَعَ شَاهِدِهِ وَلَا يَجُوزُ لِحَالِفِ يَمِينٍ يَأْخُذُ بِهَا غَيْرُهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا كَانَ مِثْلُ السَّبَبِ الَّذِي قَضَى فِيهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْقَسَامَةِ حَكَمْت بِهَا وَجَعَلْت الدِّيَةَ فِيهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَإِنْ قِيلَ: وَمَا السَّبَبُ الَّذِي حَكَمَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قِيلَ: كَانَتْ خَيْبَرُ دَارَ يَهُودَ مَحْضَةً لَا يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ وَكَانَتْ الْعَدَاوَةُ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَبَيْنَهُمْ ظَاهِرَةً وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَوُجِدَ قَتِيلًا قَبْلَ اللَّيْلِ فَيَكَادُ يَغْلِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ إلَّا بَعْضُ الْيَهُودِ فَإِذَا كَانَتْ دَارُ قَوْمٍ مَحْضَةً أَوْ قَبِيلَةٍ وَكَانُوا أَعْدَاءَ لِلْمَقْتُولِ فِيهِمْ، وَفِي كِتَابِ الرَّبِيعِ أَعْدَاءَ لِلْمَقْتُولِ أَوْ قَبِيلَتِهِ وَوُجِدَ الْقَتِيلُ فِيهِمْ فَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ قَتْلَهُ فَلَهُمْ الْقَسَامَةُ وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ نَفَرٌ بَيْتًا أَوْ صَحْرَاءَ وَحْدَهُمْ أَوْ صَفَّيْنِ فِي حَرْبٍ أَوْ ازْدِحَامِ جَمَاعَةٍ فَلَا يَفْتَرِقُونَ إلَّا وَقَتِيلٌ بَيْنَهُمْ أَوْ فِي نَاحِيَةٍ لَيْسَ إلَى جَنْبِهِ عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ إلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ مُخَضَّبٌ بِدَمِهِ فِي مُقَامِهِ ذَلِكَ أَوْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ نَوَاحٍ لَمْ يَجْتَمِعُوا فِيهَا يُثْبِتُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الِانْفِرَادِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَتَتَوَاطَأُ شَهَادَاتُهُمْ وَلَمْ يَسْمَعْ بَعْضُهُمْ شَهَادَةَ بَعْضٍ. فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ لَمْ يَعْدِلُوا أَوْ يَشْهَدُ عَدْلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ سَبَبٍ مِنْ هَذَا يَغْلِبُ عَلَى عَقْلِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ كَمَا ادَّعَى وَلِيُّهُ وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُقْسِمَ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ مَنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ فِي جُمْلَتِهِمْ وَسَوَاءٌ كَانَ بِهِ جُرْحٌ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ بِمَا لَا أَثَرَ لَهُ فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ لَمْ يُسْمَعْ الْوَلِيُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ وَلَا أَنْظُرُ إلَى دَعْوَى الْمَيِّتِ وَلِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ أَنْ يُقْسِمُوا وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا عَنْ مَوْضِعِ الْقَتِيلِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ بِاعْتِرَافِ الْقَاتِلِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ لَا يَعْلَمُهُمْ الْحَاكِمُ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ عِنْدَهُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ مَا يَعْلَمُ بِهِ الْغَائِبُ وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: اتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تَحْلِفُوا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِثْبَاتِ وَتُقْبَلُ أَيْمَانُهُمْ مَتَى حَلَفُوا مُسْلِمِينَ كَانُوا عَلَى مُشْرِكِينَ أَوْ مُشْرِكِينَ عَلَى مُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ كُلًّا وَلِيُّ دَمِهِ وَوَارِثُ دِيَتِهِ وَلِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْقَسَامَةُ فِي عَبْدِهِ عَلَى الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ. (قَالَ) : وَيُقْسِمُ الْمُكَاتَبُ فِي عَبْدِهِ لِأَنَّهُ مَالُهُ فَإِنْ لَمْ يُقْسِمْ حَتَّى عَجَزَ كَانَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُقْسِمَ. (قَالَ) : وَلَوْ قُتِلَ عَبْدٌ لِأُمِّ وَلَدٍ فَلَمْ يُقْسِمْ سَيِّدُهَا حَتَّى مَاتَ وَأَوْصَى لَهَا بِثَمَنِ الْعَبْدِ لَمْ تُقْسِمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 358 وَأَقْسَمَ وَرَثَتُهُ وَكَانَ لَهَا ثَمَنُ الْعَبْدِ وَإِنْ لَمْ يُقْسِمْ الْوَرَثَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَلَا لَهَا شَيْءٌ إلَّا أَيْمَانُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ. (قَالَ) : وَلَوْ جُرِحَ رَجُلٌ فَمَاتَ أُبْطِلَتْ الْقَسَامَةُ؛ لِأَنَّ مَالَهُ فَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ كَانَتْ فِيهِ الْقَسَامَةُ لِلْوَارِثِ، وَلَوْ جُرِحَ وَهُوَ عَبْدٌ فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ حُرًّا وَجَبَتْ فِيهِ الْقَسَامَةُ لِوَرَثَتِهِ الْأَحْرَارِ وَلِسَيِّدِهِ الْمُعْتِقِ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ فِي جِرَاحِهِ وَلَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ فِي دُونِ النَّفْسِ وَلَوْ لَمْ يُقْسِمْ الْوَلِيُّ حَتَّى ارْتَدَّ فَأَقْسَمَ وُقِفَتْ الدِّيَةُ فَإِنْ رَجَعَ أَخَذَهَا وَإِنْ قُتِلَ كَانَتْ فَيْئًا وَالْأَيْمَانُ فِي الدِّمَاءِ مُخَالِفَةٌ لَهَا فِي الْحُقُوقِ وَهِيَ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ يَمِينٌ وَفِي الدِّمَاءِ خَمْسُونَ يَمِينًا، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْعَمْدِ: وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ عَمْدًا فَقَالَ: بَلْ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مَا قَتَلَهُ إلَّا خَطَأً فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي لِقَتْلِهِ عَمْدًا وَكَانَ لَهُ الْقَوَدُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا الْقِيَاسُ عَلَى أَقَاوِيلِهِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهِمَا فِي النُّكُولِ وَرَدِّ الْيَمِينِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَسَوَاءٌ فِي النُّكُولِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَغَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ مِنْهَا فِي مَالِهِ مَا يَلْزَمُ غَيْرَ الْمَحْجُورِ وَالْجِنَايَةُ خِلَافُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ يَحْلِفُونَ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُونَ؟ قِيلَ: فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: لَوْ أَنَّ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةً رُئِيَ بِالْمَشْرِقِ اشْتَرَى عَبْدًا ابْنَ مِائَةِ سَنَةٍ رُئِيَ بِالْمَغْرِبِ فَبَاعَهُ مِنْ سَاعَتِهِ فَأَصَابَ بِهِ الْمُشْتَرِي عَيْبًا أَنَّ الْبَائِعَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ لَقَدْ بَاعَهُ إيَّاهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَاَلَّذِي قُلْنَا قَدْ يَصِحُّ عِلْمُهُ بِمَا وَصَفْنَا. [بَابُ مَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَعْلَمَهُ مِنْ الَّذِي لَهُ الْقَسَامَةُ وَكَيْفَ يُقْسِمُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُ مَنْ قَتَلَ صَاحِبَك؟ فَإِنْ قَالَ: فُلَانٌ، قَالَ: وَحْدَهُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ؛ قَالَ: عَمْدًا أَوْ خَطَأً؟ فَإِنْ قَالَ: عَمْدًا، سَأَلَهُ: وَمَا الْعَمْدُ؟ فَإِنْ وَصَفَ مَا فِي مِثْلِهِ الْقِصَاصُ أُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ وَصَفَ مِنْ الْعَمْدِ مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ لَمْ يُحَلِّفْهُ عَلَيْهِ وَالْعَمْدُ فِي مَالِهِ وَالْخَطَأُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فَإِنْ قَالَ: قَتَلَهُ فُلَانٌ وَنَفَرٌ مَعَهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ حَتَّى يُسَمِّيَ النَّفَرَ أَوْ عَدَدَهُمْ إنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ، وَلَوْ أَحْلَفَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ هَذَا وَلَمْ يَقُلْ لَهُ عَمْدًا وَلَا خَطَأً أَعَادَ عَلَيْهِ عَدَدَ الْأَيْمَانِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : يُحَلَّفُ وَارِثُ الْقَتِيلِ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً فَإِنْ تَرَكَ ابْنَيْنِ كَبِيرًا وَصَغِيرًا أَوْ غَائِبًا وَحَاضِرًا أَكْذَبَ أَخَاهُ وَأَرَادَ الْآخَرُ الْيَمِينَ قِيلَ لَهُ: لَا تَسْتَوْجِبُ شَيْئًا مِنْ الدِّيَةِ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ شِئْت فَاحْلِفْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَخُذْ مِنْ الدِّيَةِ مُورَثَك وَإِنْ امْتَنَعْت فَدَعْ حَتَّى يَحْضُرَ مَعَك وَارِثٌ تُقْبَلُ يَمِينُهُ فَيَحْلِفَانِ خَمْسِينَ يَمِينًا، فَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَبْعَ عَشْرَةَ يَمِينًا يُجْبَرُ عَلَيْهِمْ كَسْرُ الْيَمِينِ فَإِنْ تَرَكَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ ابْنًا حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِينًا يُجْبِرُ الْكَسْرَ مِنْ الْأَيْمَانِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْوَرَثَةِ قَبْلَ أَنْ يُقْسِمَ قَامَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ بِقَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ وَلَوْ لَمْ يَتِمَّ الْقَسَامَةُ حَتَّى مَاتَ ابْتَدَأَ وَارِثُهُ الْقَسَامَةَ وَلَوْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ ثُمَّ أَفَاقَ بَنَى؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ لِجَمِيعِهَا. [بَابُ مَا يُسْقِطُ الْقَسَامَةَ مِنْ الِاخْتِلَافِ أَوْ لَا يُسْقِطُهَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُ الِابْنَيْنِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَحَلَّةِ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ وَحْدَهُ وَقَالَ الْآخَرُ وَهُوَ عَدْلٌ: مَا قَتَلَهُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ بِبَلَدٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ لِلْمُدَّعِي أَنْ يُقْسِمَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَسْتَحِقَّ نِصْفَ الدِّيَةِ. وَالثَّانِي: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 359 أَنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْسِمَ عَلَى رَجُلٍ يُبَرِّئُهُ وَارِثُهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قِيَاسُ قَوْلِهِ أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ السَّبَبَ الَّذِي بِهِ الْقَسَامَةُ حَلَفَ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ إنْكَارُ الْآخَرِ كَمَا لَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا شَاهِدًا لِأَبِيهِمَا بِدَيْنٍ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ مَا ادَّعَاهُ أَخُوهُ وَأَكْذَبَهُ أَنَّ لِلْمُدَّعِي مَعَ الشَّاهِدِ الْيَمِينَ وَيَسْتَحِقُّ كَذَلِكَ لِلْمُدَّعِي مَعَ السَّبَبِ الْقَسَامَةُ وَيَسْتَحِقُّ فَالسَّبَبُ وَالشَّاهِدُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ الْيَمِينَ وَالِاسْتِحْقَاقَ إلَّا أَنَّ فِي الدَّمِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَفِي غَيْرِهِ يَمِينٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَكِنْ لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَ أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَالِدٍ وَرَجُلٌ لَا أَعْرِفُهُ، وَقَالَ الْآخَرُ قَتَلَ أَبِي زَيْدُ بْنُ عَامِرٍ وَرَجُلٌ لَا أَعْرِفُهُ فَهَذَا خِلَافٌ لِمَا مَضَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا هُوَ الَّذِي عَرَفَهُ الْآخَرُ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْقَسَامَةِ، وَلَوْ قَالَ الْأَوَّلُ: قَدْ عَرَفْت زَيْدًا وَلَيْسَ بِاَلَّذِي قَتَلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ الْآخَرُ: قَدْ عَرَفْت عَبْدَ اللَّهِ وَلَيْسَ بِاَلَّذِي قَتَلَ مَعَ زَيْدٍ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ الْقَسَامَةُ عَلَى الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ وَيَأْخُذَ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّيَةِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُقْسِمَ حَتَّى تَجْتَمِعَ دَعْوَاهُمَا عَلَى وَاحِدٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قَدْ قَطَعَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَهُوَ أَقْيَسُ عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَيْنِ عِنْدَهُ فِي الدَّمِ يَحْلِفَانِ مَعَ السَّبَبِ كَالشَّرِيكَيْنِ عِنْدَهُ فِي الْمَالِ يَحْلِفَانِ مَعَ الشَّاهِدِ فَإِذَا أَكْذَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ فِي الْحَقِّ حَلَفَ صَاحِبُهُ مَعَ الشَّاهِدِ وَاسْتَحَقَّ، وَكَذَلِكَ إذَا أَكْذَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ فِي الدَّمِ حَلَفَ صَاحِبُهُ مَعَ السَّبَبِ وَاسْتَحَقَّ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَتَى قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِمَا يَمْنَعُ إمْكَانَ السَّبَبِ أَوْ بِإِقْرَارٍ وَقَدْ أُخِذَتْ الدِّيَةُ بِالْقَسَامَةِ رُدَّتْ الدِّيَةُ. [بَابُ كَيْفَ يَمِينُ مُدَّعِي الدَّمِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا وَجَبَتْ لِرَجُلٍ قَسَامَةٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ لَقَدْ قَتَلَ فُلَانٌ فُلَانًا مُنْفَرِدًا بِقَتْلِهِ مَا شَارَكَهُ فِي قَتْلِهِ غَيْرُهُ، وَإِنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَعَهُ حَلَفَ لَقَتَلَ فُلَانٌ وَآخَرُ مَعَهُ فُلَانًا مُنْفَرِدَيْنِ بِقَتْلِهِ مَا شَارَكَهُمَا فِيهِ غَيْرُهُمَا، وَإِنْ ادَّعَى الْجَانِي أَنَّهُ بَرَأَ مِنْ الْجِرَاحِ زَادَ وَمَا بَرَأَ مِنْ جِرَاحَةِ فُلَانٍ حَتَّى مَاتَ مِنْهَا وَإِذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلَفَ كَذَلِكَ مَا قَتَلَ فُلَانًا وَلَا أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ وَلَا نَالَهُ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا بِسَبَبِ فِعْلِهِ شَيْءٌ جَرَحَهُ وَلَا وَصَلَ إلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْمِي فَيُصِيبُ شَيْئًا فَيَطِيرُ الَّذِي أَصَابَهُ فَيَقْتُلُهُ وَلَا أَحْدَثَ شَيْئًا مَاتَ مِنْهُ فُلَانٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْفِرُ الْبِئْرَ وَيَضَعُ الْحَجَرَ فَيَمُوتُ مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَزِدْهُ السُّلْطَانُ عَلَى حَلِفِهِ بِاَللَّهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ الْأَيْمَانَ بِاَللَّهِ. [بَابُ دَعْوَى الدَّمِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ قَسَامَةٌ] ٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ أَوْ فِي صَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ فَلَا قَسَامَةَ وَإِنْ ادَّعَى وَلِيُّهُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَمْ يَحْلِفْ إلَّا مَنْ أَثْبَتُوهُ بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانُوا أَلْفًا فَيَحْلِفُونَ يَمِينًا يَمِينًا؛ لِأَنَّهُمْ يَزِيدُونَ عَلَى خَمْسِينَ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلَّا وَاحِدٌ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرِئَ فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ وُلَاةُ الدَّمِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاسْتَحَقُّوا الدِّيَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ إنْ كَانَ عَمْدًا وَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إنْ كَانَ خَطَأً (قَالَ) : وَفِي دِيَاتِ الْعَمْدِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْجِنَايَةِ يَلْزَمُهُ فِي مَالِهِ وَالْجِنَايَةُ خِلَافُ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إلَّا فِي إقْرَارِهِ بِجِنَايَةٍ لَا قِصَاصَ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 360 ذَلِكَ فِي مَالِ غَيْرِهِ فَمَتَى عَتَقَ لَزِمَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) فَكَمَا لَمْ يَضُرَّ سَيِّدَهُ إقْرَارُهُ بِمَا يُوجِبُ الْمَالَ فَكَذَلِكَ لَا يَضُرُّ عَاقِلَةَ الْحُرِّ قَوْلُهُ بِمَا يُوجِبُ عَلَيْهِمْ الْمَالَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ سَكْرَانَ لَمْ يَحْلِفْ حَتَّى يَصْحُوَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى إبْطَالِ طَلَاقِ السَّكْرَانِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَلَا يُمَيِّزُ وَقَدْ قِيلَ: لَا يَبْرَأُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا يُحْتَسَبُ لَهُمْ يَمِينٌ غَيْرُهُ، وَهَكَذَا الدَّعْوَى فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ مِنْ الْأَيْمَانِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ فِي الْيَدِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ وَفِي الْمُوضِحَةِ ثَلَاثَةُ أَيْمَانَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ قَالَ فِي أَوَّلِ بَابٍ مِنْ الْقَسَامَةِ وَلَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ فِي دُونِ النَّفْسِ وَهَذَا عِنْدِي أَوْلَى بِقَوْلِ الْعُلَمَاءِ. [بَابُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَقَالَ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] يَعْنِي فِي قَوْمٍ فِي دَارِ حَرْبٍ خَاصَّةً وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ قَوَدًا وَلَا دِيَةً إذَا قَتَلَهُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ مُسْلِمًا وَذَلِكَ أَنْ يُغِيرَ أَوْ يَقْتُلَهُ فِي سَرِيَّةٍ أَوْ يَلْقَاهُ مُنْفَرِدًا بِهَيْئَةِ الْمُشْرِكِينَ وَفِي دَارِهِمْ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. (قَالَ) : {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ فِي الْخَطَأِ وَفِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ فِي الْعَمْدِ أَوْلَى. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاحْتُجَّ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً سَوَاءٌ إلَّا فِي الْمَأْثَمِ فَكَذَلِكَ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً سَوَاءٌ إلَّا فِي الْمَأْثَمِ. [بَابُ لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ مِنْ كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرِثُ قَاتِلٌ خَطَأً وَلَا عَمْدًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا فَلَا يَحْرُمُ الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ عَنْهُمَا مَرْفُوعٌ، وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ: لَا يَرِثُ قَاتِلُ عَمْدٍ وَلَا يَرِثُ قَاتِلُ خَطَأٍ مِنْ الدِّيَةِ وَيَرِثُ مِنْ سَائِرِ مَالِهِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: هَلْ رَأَيْتُمْ وَارِثًا يَرِثُ بَعْضَ مَالِ رَجُلٍ دُونَ بَعْضٍ إمَّا أَنْ يَرِثَ الْكُلَّ أَوْ لَا يَرِثَ شَيْئًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَدْخُلُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَبَيْنَ الْبَالِغِ الْخَاطِئِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَيَجْعَلُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ الدِّيَةَ وَيَرْفَعُ عَنْهُمْ الْمَأْثَمَ فَكَيْفَ وَرِثَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ وَهُمْ سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى. (قَالَ) : وَيَدْخُلُ عَلَى أَصْحَابِنَا مَا دَخَلَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَلَيْسَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَاتِلِ خَطَأٍ لَا يَرِثُ وَقَاتِلِ عَمْدٍ خَبَرٌ يَلْزَمُ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا كَانَتْ فِيهِ الْحُجَّةُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَمَعْنَى تَأْوِيلِهِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ فَرْقٌ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي أَنَّهُمَا لَا يَرِثَانِ وَقَدْ قَطَعَ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَقَالَ: إذَا قَتَلَ الْعَادِلُ الْبَاغِيَ، أَوْ الْبَاغِي الْعَادِلَ لَا يَتَوَارَثَانِ؛ لِأَنَّهُمَا قَاتِلَانِ قَالَ وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 361 [بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْجِنَايَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يُقْبَلُ فِي الْقَتْلِ وَجِرَاحِ الْعَمْدِ وَالْحُدُودِ سِوَى الزِّنَا إلَّا عَدْلَانِ وَيُقْبَلُ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ وَيَمِينٌ وَشَاهِدٌ فِيمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ مِثْلُ الْجَائِفَةِ وَجِنَايَةِ مَنْ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ مِنْ مَعْتُوهٍ وَصَبِيٍّ وَمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرٍ وَحُرٍّ عَلَى عَبْدٍ وَأَبٍ عَلَى ابْنٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَالٌ فَإِنْ كَانَ الْجِرَاحُ هَاشِمَةً أَوْ مَأْمُومَةً لَمْ أَقْبَلْ أَقَلَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الَّذِي شُجَّ إنْ أَرَادَ أَنْ آخُذَ لَهُ الْقِصَاصَ مِنْ مُوضِحَةٍ فَعَلْت؛ لِأَنَّهَا مُوضِحَةٌ وَزِيَادَةٌ. (قَالَ) : وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ وَقَفْتهمَا فَإِنْ قَالَا: فَأَنْهَرَ دَمَهُ وَمَاتَ مَكَانَهُ قَبِلْتُهُمَا وَجَعَلْته قَاتِلًا، وَإِنْ قَالَا: لَا نَدْرِي أَنْهَرَ دَمَهُ أَمْ لَا بَلْ رَأَيْنَاهُ سَائِلًا لَمْ أَجْعَلْهُ جَارِحًا حَتَّى يَقُولَا: أَوْضَحَهُ هَذِهِ الْمُوضِحَةَ بِعَيْنِهَا، وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُمَا قَتَلَاهُ وَشَهِدَ الْآخَرَانِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُمَا قَتَلَاهُ وَكَانَتْ شَهَادَتُهُمَا فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ فَإِنْ صَدَّقَهُمَا وَلِيُّ الدَّمِ مَعًا أَبْطَلْت الشَّهَادَةَ وَإِنْ صَدَّقَ اللَّذَيْنِ شَهِدَا أَوَّلًا قَبِلْت شَهَادَتَهُمَا وَجَعَلْت الْآخَرَيْنِ دَافِعَيْنِ بِشَهَادَتِهِمَا، وَإِنْ صَدَّقَ اللَّذَيْنِ شَهِدَا آخِرًا أَبْطَلْت شَهَادَتَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ بِشَهَادَتِهِمَا مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ وَلَمْ يَقُلْ: خَطَأً وَلَا عَمْدًا جَعَلْته قَاتِلًا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. فَإِنْ قَالَ: عَمْدًا، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ قَالَ: خَطَأً أُحْلِفَ مَا قَتَلَهُ عَمْدًا وَكَانَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي مُضِيِّ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَوْ قَالَ: أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ غُدْوَةً وَقَالَ الْآخَرُ: عَشِيَّةً، أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا بِسَيْفٍ وَالْآخَرُ بِعَصًا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُكَذِّبٌ لِصَاحِبِهِ وَمِثْلُ هَذَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ. وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُخَالِفٌ لِلْفِعْلِ وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ ضَرَبَهُ مُلَفَّفًا فَقَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنَا أَنَّهُ كَانَ حَيًّا لَمْ أَجْعَلْهُ قَاتِلًا وَأَحْلَفْتُهُ مَا ضَرَبَهُ حَيًّا. وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ أَنَّ أَحَدَهُمْ عَفَا الْقَوَدَ وَالْمَالَ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَوَدِ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ وَأُحْلِفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَا عَفَا الْمَالَ وَيَأْخُذُ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ حَلَفَ الْقَاتِلُ مَعَ شَهَادَتِهِ لَقَدْ عَفَا عَنْهُ الْقِصَاصَ وَالْمَالَ وَبَرِئَ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ. وَلَوْ شَهِدَ وَارِثٌ أَنَّهُ جَرَحَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَمْ أَقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ قَدْ يَكُونُ نَفْسًا فَيَسْتَوْجِبُ بِشَهَادَتِهِ الدِّيَةَ فَإِنْ شَهِدَ وَلَهُ مَنْ يَحْجُبُهُ قَبِلْتُهُ فَإِنْ لَمْ أَحْكُمْ حَتَّى صَارَ وَارِثًا طَرَحْته وَلَوْ كُنْت حَكَمْت ثُمَّ مَاتَ مَنْ يَحْجُبُهُ وَرَّثْتُهُ؛ لِأَنَّهَا مَضَتْ فِي حِينٍ لَا يَجُرُّ بِهَا إلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ شَهِدَ مِنْ عَاقِلَتِهِ بِالْجُرْحِ لَمْ أَقْبَلْ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ مَالٌ فِي وَقْتِ الْعَقْلِ فَيَكُونُ دَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ بِشَهَادَتِهِ مَا يَلْزَمُهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَجَازَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا كَانَ مِنْ عَاقِلَتِهِ فِي قُرْبِ النَّسَبِ مَنْ يَحْمِلُ الْعَقْلَ حَتَّى لَا يَخْلُصَ إلَيْهِ الْغُرْمُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ. (قَالَ) : وَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ فِي تَثْبِيتِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْقَتْلِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَإِذَا كَانَ الْقَوَدُ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْوَلِيُّ أَوْ يُوَكِّلَهُ بِقَتْلِهِ فَيَكُونَ لَهُ قَتْلُهُ. (قَالَ) : وَإِذَا أَمَرَ السُّلْطَانُ بِقَتْلِ رَجُلٍ أَوْ قَطْعِهِ اُقْتُصَّ مِنْ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ هَكَذَا يُفْعَلُ وَيُعَزَّرُ الْمَأْمُورُ. [بَابُ الْحُكْمِ فِي السَّاحِرِ إذَا قَتَلَ بِسِحْرِهِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا سَحَرَ رَجُلًا فَمَاتَ سُئِلَ عَنْ سِحْرِهِ؛ فَإِنْ قَالَ: أَنَا أَعْمَلُ هَذَا لِأَقْتُلَ فَأُخْطِئَ الْقَتْلَ وَأُصِيبَ وَقَدْ مَاتَ مِنْ عَمَلِي؛ فَفِيهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ قَالَ: مَرِضَ مِنْهُ وَلَمْ يَمُتْ أَقْسَمَ أَوْلِيَاؤُهُ لَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَكَانَتْ الدِّيَةُ، وَإِنْ قَالَ: عَمَلِي يَقْتُلُ الْمَعْمُولَ بِهِ وَقَدْ عَمَدْت قَتْلَهُ بِهِ قُتِلَ بِهِ قَوَدًا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 362 [قِتَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ] [بَابُ مَنْ يَجِبُ قِتَالُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالسِّيرَةِ فِيهِمْ] ِ بَابُ مَنْ يَجِبُ قِتَالُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالسِّيرَةِ فِيهِمْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9] فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى جَدُّهُ أَنْ يُصْلَحَ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ تِبَاعَةً فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الصُّلْحَ آخِرًا كَمَا ذَكَرَ الْإِصْلَاحَ بَيْنَهُمْ أَوَّلًا قَبْلَ الْإِذْنِ بِقِتَالِهِمْ؛ فَأَشْبَهَ هَذَا أَنْ تَكُونَ التَّبِعَاتُ فِي الدِّمَاءِ وَالْجِرَاحِ وَمَا تَلِفَ مِنْ الْأَمْوَالِ سَاقِطَةً بَيْنَهُمْ، وَكَمَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ عِنْدَنَا قَدْ كَانَتْ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ دِمَاءٌ يُعْرَفُ فِي بَعْضِهَا الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ وَأُتْلِفَتْ فِيهَا أَمْوَالٌ ثُمَّ صَارَ النَّاسُ إلَى أَنْ سَكَنَتْ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ وَجَرَى الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ فَمَا عَلِمْته اُقْتُصَّ مِنْ أَحَدٍ وَلَا أُغْرِمَ مَالًا أَتْلَفَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَا عَلِمْت النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ مَا حَوَوْا فِي الْبَغْيِ مِنْ مَالٍ فَوُجِدَ بِعَيْنِهِ أَنَّ صَاحِبَهُ أَحَقُّ بِهِ. (قَالَ) : وَأَهْلُ الرِّدَّةِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرْبَانِ فَمِنْهُمْ قَوْمٌ كَفَرُوا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ مِثْلُ طُلَيْحَةَ وَمُسَيْلِمَةَ وَالْعَنْسِيِّ وَأَصْحَابِهِمْ وَمِنْهُمْ قَوْمٌ تَمَسَّكُوا بِالْإِسْلَامِ وَمَنَعُوا الصَّدَقَاتِ وَلَهُمْ لِسَانٌ عَرَبِيٌّ وَالرِّدَّةُ ارْتِدَادٌ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ وَارْتِدَادٌ بِمَنْعِ حَقٍّ كَانُوا عَلَيْهِ، وَقَوْلُ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ؟» وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ هَذَا مِنْ حَقِّهَا لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا أَعْطَوْهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتهمْ عَلَيْهَا مَعْرِفَةٌ مِنْهُمَا مَعًا أَنَّ مِمَّنْ قَاتَلُوا مَنْ تَمَسَّكَ بِالْإِسْلَامِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا شَكَّ عُمَرُ فِي قِتَالِهِمْ وَلَقَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ تَرَكُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَصَارُوا مُشْرِكِينَ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي مُخَاطَبَتِهِمْ جُيُوشَ أَبِي بَكْرٍ وَأَشْعَارِ مَنْ قَالَ الشِّعْرَ مِنْهُمْ فَقَالَ شَاعِرُهُمْ: أَلَا أَصْبِحِينَا قَبْلَ نَائِرَةِ الْفَجْرِ ... لَعَلَّ مَنَايَانَا قَرِيبٌ وَمَا نَدْرِي أَطَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ بَيْنَنَا ... فَيَا عَجَبًا مَا بَالُ مِلْكِ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّ الَّذِي سَأَلُوكُمْ فَمَنَعْتُمْ ... لَكَالتَّمْرِ أَوْ أَحْلَى إلَيْهِمْ مِنْ التَّمْرِ سَنَمْنَعُهُمْ مَا كَانَ فِينَا بَقِيَّةٌ ... كِرَامٌ عَلَى الْعَزَاءِ فِي سَاعَةِ الْعُسْرِ وَقَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ الْإِسَارِ: مَا كَفَرْنَا بَعْدَ إيمَانِنَا وَلَكِنَّا شَحَحْنَا عَلَى أَمْوَالِنَا فَسَارَ إلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَقِيَ أَخَا بَنِي بَدْرٍ الْفَزَارِيّ فَقَاتَلَهُ وَمَعَهُ عُمَرُ وَعَامَّةُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَمْضَى أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَالِدًا فِي قِتَالِ مَنْ ارْتَدَّ وَمَنَعَ الزَّكَاةَ فَقَاتَلَهُمْ بِعَوَامَّ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَنَعَ حَقًّا مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْدِرْ الْإِمَامُ عَلَى أَخْذِهِ بِامْتِنَاعِهِ قَاتَلَهُ، وَإِنْ أَتَى الْقِتَالُ عَلَى نَفْسِهِ وَفِي هَذَا الْمَعْنَى كُلُّ حَقٍّ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ فَمَنَعَهُ بِجَمَاعَةٍ وَقَالَ: لَا أُؤَدِّي وَلَا أَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ قُوتِلَ، وَكَذَا قَالَ: مَنْ مَنَعَ الصَّدَقَةَ مِمَّنْ نُسِبَ إلَى الرِّدَّةِ فَإِذَا لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِتَالِهِمْ بِمَنْعِ الزَّكَاةِ فَالْبَاغِي الَّذِي يُقَاتِلُ الْإِمَامَ الْعَادِلَ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُمْ فِي أَنَّهُ لَا يُعْطِي الْإِمَامَ الْعَادِلَ حَقًّا يَجِبُ عَلَيْهِ وَيَمْتَنِعُ مِنْ حُكْمِهِ وَيَزِيدُ عَلَى مَانِعِ الصَّدَقَةِ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَحْكُمَ هُوَ عَلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ، وَلَوْ أَنَّ نَفَرًا يَسِيرًا قَلِيلِي الْعَدَدِ وَيُعْرَفُ أَنَّ مِثْلَهُمْ لَا يَمْتَنِعُ إذَا أُرِيدُوا فَأَظْهَرُوا آرَاءَهُمْ وَنَابَذُوا الْإِمَامَ الْعَادِلَ وَقَالُوا: نَمْتَنِعُ مِنْ الْحُكْمِ فَأَصَابُوا أَمْوَالًا وَدِمَاءً وَحَدَّدُوا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 363 فِي هَذِهِ الْحَالِ مُتَأَوِّلِينَ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ وَأُخِذَتْ مِنْهُمْ الْحُقُوقُ كَمَا تُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ الْمُتَأَوِّلِينَ وَإِذَا كَانَتْ لِأَهْلِ الْبَغْيِ جَمَاعَةٌ تَكْبُرُ وَيَمْتَنِعُ مِثْلُهَا بِمَوْضِعِهَا الَّذِي هِيَ بِهِ بَعْضَ الِامْتِنَاعِ حَتَّى يُعْرَفَ أَنَّ مِثْلَهَا لَا يُنَالُ إلَّا حَتَّى تَكْثُرَ نِكَايَتُهُ وَاعْتَقَدَتْ وَنَصَبَتْ إمَامًا وَأَظْهَرَتْ حُكْمًا وَامْتَنَعَتْ مِنْ حُكْمِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ فَهَذِهِ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ الَّتِي تُفَارِقُ حُكْمَ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلَهَا. فَإِنْ فَعَلُوا مِثْلَ هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْأَلُوا مَا نَقَمُوا فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلِمَةً بَيِّنَةً رُدَّتْ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوهَا بَيِّنَةً قِيلَ: عُودُوا لِمَا فَارَقْتُمْ مِنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَأَنْ تَكُونَ كَلِمَتُكُمْ وَكَلِمَةُ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَاحِدَةً وَأَنْ لَا تَمْتَنِعُوا مِنْ الْحُكْمِ فَإِنْ فَعَلُوا قُبِلَ مِنْهُمْ وَإِنْ امْتَنَعُوا قِيلَ: إنَّا مُؤْذِنُوكُمْ بِحَرْبٍ، فَإِنْ لَمْ يُجِيبُوا قُوتِلُوا وَلَا يُقَاتَلُوا حَتَّى يُدْعَوْا وَيُنَاظَرُوا إلَّا أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ الْمُنَاظَرَةِ فَيُقَاتَلُوا حَتَّى يَفِيئُوا إلَى أَمْرِ اللَّهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْفَيْئَةُ الرُّجُوعُ عَنْ الْقِتَالِ بِالْهَزِيمَةِ أَوْ التَّرْكِ لِلْقِتَالِ أَيْ حَالَ تَرَكُوا فِيهَا الْقِتَالَ فَقَدْ فَاءُوا وَحَرُمَ قِتَالُهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُقَاتِلَ وَإِنَّمَا يُقَاتِلُ مَنْ يُقَاتِلُ فَإِذَا لَمْ يُقَاتِلْ حَرُمَ بِالْإِسْلَامِ أَنْ يُقَاتَلَ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ فَإِنَّمَا يُقَالُ: اُقْتُلُوهُ لَا قَاتِلُوهُ. نَادَى مُنَادِي عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمَ الْجَمَلِ أَلَا لَا يُتْبَعُ مُدَبَّرٌ وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ وَأَتَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمَ صِفِّينَ بِأَسِيرٍ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ لَا أَقْتُلُك صَبْرًا إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَخَلَّى سَبِيلَهُ وَالْحَرْبُ يَوْمَ صِفِّينَ قَائِمَةٌ وَمُعَاوِيَةُ يُقَاتِلُ جَادًّا فِي أَيَّامِهِ كُلِّهَا مُنْتَصِفًا أَوْ مُسْتَعْلِيًا فَبِهَذَا كُلِّهِ أَقُولُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ جَمَاعَةً مُمْتَنِعَةً فَحُكْمُهُ الْقِصَاصُ قَتَلَ ابْنُ مُلْجِمٍ عَلِيًّا مُتَأَوِّلًا فَأَمَرَ بِحَبْسِهِ، وَقَالَ لِوَلَدِهِ: إنْ قَتَلْتُمْ فَلَا تُمَثِّلُوا وَرَأَى عَلَيْهِ الْقَتْلَ وَقَتَلَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي النَّاسِ بَقِيَّةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا أَنْكَرَ قَتْلَهُ وَلَا عَابَهُ أَحَدٌ وَلَمْ يُقَدْ عَلِيٌّ - وَقَدْ وَلِيَ قِتَالَ الْمُتَأَوِّلِينَ - وَلَا أَبُو بَكْرٍ مِنْ قَتْلِهِ الْجَمَاعَةَ الْمُمْتَنِعَ مِثْلُهَا عَلَى التَّأْوِيلِ عَلَى مَا وَصَفْنَا وَلَا عَلَى الْكُفْرِ وَإِنْ كَانَ بِارْتِدَادٍ إذَا تَابُوا قَدْ قَتَلَ طُلَيْحَةُ عُكَاشَةَ بْنَ مُحْصِنٍ وَثَابِتَ بْنَ أَقْرَمَ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَمْ يَضْمَنْ عَقْلًا وَلَا قَوَدًا فَأَمَّا جَمَاعَةٌ مُمْتَنِعَةٌ غَيْرُ مُتَأَوِّلِينَ قَتَلَتْ وَأَخَذَتْ الْمَالَ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَهُمْ هُنَاكَ مَا وُضِعَ عَنْهُمْ هَهُنَا وَهَذَا أَشْبَهُ عِنْدِي بِالْقِيَاسِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا أَظْهَرُوا رَأْيَ الْخَوَارِجِ وَتَجَنَّبُوا الْجَمَاعَاتِ وَأَكْفَرُوهُمْ لَمْ يَحِلَّ بِذَلِكَ قِتَالُهُمْ. بَلَغَنَا أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ وَلَا نَمْنَعُكُمْ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَ أَيْدِينَا وَلَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ قَتَلُوا وَالِيَهُمْ أَوْ غَيْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْصِبُوا إمَامًا أَوْ يُظْهِرُوا حُكْمًا مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْإِمَامِ كَانَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ الْقِصَاصُ قَدْ سَلَّمُوا وَأَطَاعُوا وَالِيًا عَلَيْهِمْ مِنْ قِبَلِ عَلِيٍّ ثُمَّ قَتَلُوهُ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ ادْفَعُوا إلَيْنَا قَاتِلَهُ نَقْتُلُهُ بِهِ، قَالُوا: كُلُّنَا قَتَلَهُ، قَالَ: فَاسْتَسْلِمُوا نَحْكُمُ عَلَيْكُمْ قَالُوا: لَا، فَسَارَ إلَيْهِمْ فَقَاتَلَهُمْ فَأَصَابَ أَكْثَرَهُمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا قَاتَلَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ أَوْ عَبْدٌ أَوْ غُلَامٌ مُرَاهِقٌ قُوتِلُوا مُقْبِلِينَ وَتُرِكُوا مُوَلِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْهُمْ وَيَخْتَلِفُونَ فِي الْإِسَارِ، وَلَوْ أُسِرَ بَالِغٌ مِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ فَحُبِسَ لِيُبَايِعَ رَجَوْت أَنْ يَسَعَ وَلَا يَسَعُ أَنْ يُحْبَسَ مَمْلُوكٌ وَلَا غَيْرُ بَالِغٍ مِنْ الْأَحْرَارِ وَلَا امْرَأَةٌ لِتُبَايِعَ، وَإِنَّمَا يُبَايَعُ النِّسَاءُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَمَّا عَلَى الطَّاعَةِ فَهُنَّ لَا جِهَادَ عَلَيْهِنَّ فَأَمَّا إذَا انْقَضَتْ الْحَرْبُ فَلَا يُحْبَسُ أَسِيرُهُمْ وَإِنْ سَأَلُوا أَنْ يُنْظَرُوا لَمْ أَرَ بَأْسًا عَلَى مَا يَرْجُو الْإِمَامُ مِنْهُمْ وَإِنْ خَافَ عَلَى الْفِئَةِ الْعَادِلَةِ الضَّعْفَ عَنْهُمْ رَأَيْت تَأْخِيرَهُمْ إلَى أَنْ تُمَكِّنَهُ الْقُوَّةُ عَلَيْهِمْ. وَلَوْ اسْتَعَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ قُتِلَ أَهْلُ الْحَرْبِ، وَسُبُوا وَلَا يَكُونُ هَذَا أَمَانًا إلَّا عَلَى الْكَفِّ فَأَمَّا عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ فَلَوْ كَانَ لَهُمْ أَمَانٌ فَقَاتَلُوا أَهْلَ الْعَدْلِ كَانَ نَقْضًا لِأَمَانِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ فَقَدْ قِيلَ: لَيْسَ هَذَا نَقْضًا لِلْعَهْدِ قَالَ: وَأَرَى إنْ كَانُوا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 364 مُكْرَهِينَ أَوْ ذَكَرُوا جَهَالَةً فَقَالُوا: كُنَّا نَرَى إذَا حَمَلَتْنَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أُخْرَى أَنَّ دَمَهَا يَحِلُّ كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ أَوْ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ مَنْ حَمَلُونَا عَلَى قِتَالِهِ مُسْلِمٌ لَمْ يَكُنْ هَذَا نَقْضًا لِلْعَهْدِ وَأُخِذُوا بِكُلِّ مَا أَصَابُوا مِنْ دَمٍ وَمَالٍ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ وَإِنْ أَتَى أَحَدُهُمْ تَائِبًا لَمْ يُقَصَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مُحَرَّمُ الدَّمِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَقَالَ لِي قَائِلٌ: مَا تَقُولُ فِيمَنْ أَرَادَ دَمَ رَجُلٍ أَوْ مَالَهُ أَوْ حَرِيمَهُ؟ قُلْت: يُقَاتِلُهُ وَإِنْ أَتَى الْقَتْلُ عَلَى نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ إلَّا بِذَلِكَ، وَرُوِيَ حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ، وَزِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ، وَقَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ» قُلْت: هُوَ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ وَمَعْنَاهُ إذَا أَتَى وَاحِدَةً مِنْ الثَّلَاثِ حَلَّ دَمُهُ فَمَعْنَاهُ كَانَ رَجُلًا زَنَى مُحْصَنًا ثُمَّ تَرَكَ الزِّنَا وَتَابَ مِنْهُ وَهَرَبَ فَقُدِرَ عَلَيْهِ قُتِلَ رَجْمًا أَوْ قَتَلَ عَمْدًا وَتَرَكَ الْقَتْلَ وَتَابَ مِنْهُ وَهَرَبَ ثُمَّ قُدِرَ عَلَيْهِ قُتِلَ قَوَدًا، وَإِذَا كَفَرَ ثُمَّ تَابَ فَارَقَهُ اسْمُ الْكُفْرِ وَهَذَانِ لَا يُفَارِقُهُمَا اسْمُ الزِّنَا وَالْقَتْلِ وَلَوْ تَابَا وَهَرَبَا. (قَالَ) : وَلَا يُسْتَعَانُ عَلَيْهِمْ بِمَنْ يُرَى قَتْلُهُمْ مُدْبِرِينَ وَلَا بَأْسَ إذَا كَانَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرُ أَنْ يُسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَذَلِكَ أَنَّهُ تَحِلُّ دِمَاؤُهُمْ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ وَلَا يُعِينُ الْعَادِلُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ الْبَاغِيَتَيْنِ وَإِنْ اسْتَعَانَتْهُ عَلَى الْأُخْرَى حَتَّى تَرْجِعَ إلَيْهِ وَلَا يُرْمَوْنَ بِالْمَنْجَنِيقِ وَلَا نَارٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ ضَرُورَةً بِأَنْ يُحَاطَ بِهِمْ فَيَخَافُوا الِاصْطِدَامَ أَوْ يَرْمُونَ بِالْمَنْجَنِيقِ فَيَسَعُهُمْ ذَلِكَ دَفْعًا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى بِلَادٍ فَأَخَذُوا صَدَقَاتِ أَهْلِهَا وَأَقَامُوا عَلَيْهِمْ الْحُدُودَ لَمْ تُعَدَّ عَلَيْهِمْ وَلَا يُرَدُّ مِنْ قَضَاءِ قَاضِيهِمْ إلَّا مَا يُرَدُّ مِنْ قَضَاءِ قَاضِي غَيْرِهِمْ. (وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ) إذَا كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ بِرَأْيِهِ عَلَى اسْتِحْلَالِ دَمٍ وَمَالٍ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ وَلَمْ يُقْبَلْ كِتَابُهُ. (قَالَ) : وَلَوْ شَهِدَ مِنْهُمْ عَدْلٌ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَكُنْ يُرَى أَنْ يَشْهَدَ لِمُوَافِقِهِ بِتَصْدِيقِهِ، فَإِنْ قُتِلَ بَاغٍ فِي الْمُعْتَرَكِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَالشَّهِيدِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ كَالْمَوْتَى إلَّا مَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ. (قَالَ) : وَأَكْرَهُ لِلْعَدْلِ أَنْ يَعْمِدَ قَتْلَ ذِي رَحِمٍ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ وَأَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ قَتْلِ ابْنِهِ، وَأَيُّهُمَا قَتَلَ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنْ قَتَلَ الْعَادِلُ أَبَاهُ وَرِثَهُ، وَإِنْ قَتَلَهُ الْبَاغِي لَمْ يَرِثْهُ وَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَتَوَارَثَانِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَأَوِّلَانِ وَخَالَفَهُ آخَرُ فَقَالَ: لَا يَتَوَارَثَانِ؛ لِأَنَّهُمَا قَاتِلَانِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ فَيَرِثُهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ وَرَثَتِهِمَا وَمَنْ أُرِيدَ دَمُهُ أَوْ مَالُهُ أَوْ حَرِيمُهُ فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَ وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى نَفْسِ مَنْ أَرَادَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَالْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَمَانِ كُلِّ مُسْلِمٍ مِنْ حُرٍّ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ لِأَهْلِ بَغْيٍ أَوْ حَرْبٍ. [بَابُ الْخِلَافِ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إذَا كَانَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً اُسْتُمْتِعَ بِدَوَابِّهِمْ وَسِلَاحِهِمْ، وَإِذَا انْقَضَتْ الْحَرْبُ فَذَلِكَ رَدٌّ قُلْت: أَرَأَيْت إنْ عَارَضَك وَإِيَّانَا مُعَارِضٌ يَسْتَحِلُّ مَالَ مَنْ يَسْتَحِلُّ دَمَهُ فَقَالَ: الدَّمُ أَعْظَمُ فَإِذَا حَلَّ الدَّمُ حَلَّ الْمَالُ هَلْ لَك مِنْ حُجَّةٍ إلَّا أَنَّ هَذَا فِي أَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ تُرَقُّ أَحْرَارُهُمْ وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهُمْ وَالْحُكْمُ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ خِلَافُهُمْ، وَقَدْ يَحِلُّ دَمُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْقَاتِلِ وَلَا تَحِلُّ أَمْوَالُهُمَا بِجِنَايَتِهِمَا وَالْبَاغِي أَخَفُّ حَالًا مِنْهُمَا وَيُقَالُ لَهُمَا مُبَاحَا الدَّمِ مُطْلَقًا، وَلَا يُقَالُ لِلْبَاغِي: مُبَاحُ الدَّمِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: يُمْنَعُ مِنْ الْبَغْيِ إنْ قُدِرَ عَلَى مَنْعِهِ بِالْكَلَامِ أَوْ كَانَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ لَا يُقَاتِلُ لَمْ يَحِلَّ قِتَالُهُ قَالَ: إنِّي إنَّمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 365 آخُذُ سِلَاحَهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى لِي وَأَوْهَنُ لَهُمْ مَا كَانُوا مُقَاتِلِينَ فَقُلْت لَهُ: فَإِذَا أَخَذْت مَالَهُ وَقُتِلَ فَقَدْ صَارَ مِلْكُهُ كَطِفْلٍ أَوْ كَبِيرٍ لَمْ يُقَاتِلْك قَطُّ أَفَتَقْوَى بِمَالِ غَائِبٍ غَيْرِ بَاغٍ عَلَى بَاغٍ؟ فَقُلْت لَهُ: أَرَأَيْت لَوْ وَجَدْت لَهُمْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ تُقَوِّيك عَلَيْهِمْ أَتَأْخُذُهَا؟ قَالَ: لَا، قُلْت: فَقَدْ تَرَكْت مَا هُوَ أَقْوَى لَك عَلَيْهِمْ مِنْ السِّلَاحِ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ، قَالَ: فَإِنَّ صَاحِبَنَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَى قَتْلَى أَهْلِ الْبَغْيِ قُلْت: وَلِمَ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى مَنْ قَتَلَهُ فِي حَدٍّ يَجِبُ عَلَيْهِ قَتْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهُ؟ وَالْبَاغِي مُحَرَّمٌ قَتْلُهُ مُوَلِّيًا وَرَاجِعًا عَنْ الْبَغْيِ وَلَوْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَانَ مَنْ لَا يَحِلُّ إلَّا قَتْلُهُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ أَوْلَى. (قَالَ) : كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ عُقُوبَةٌ لِيُنَكَّلَ بِهَا غَيْرُهُ قُلْت: وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فَاصْلُبْهُ أَوْ حَرِّقْهُ أَوْ حُزَّ رَأْسَهُ وَابْعَثْ بِهِ فَهُوَ أَشَدُّ فِي الْعُقُوبَةِ قَالَ: لَا أَفْعَلُ بِهِ شَيْئًا مِنْ هَذَا قُلْت لَهُ: هَلْ يُبَالِي مَنْ يُقَاتِلُك عَلَى أَنَّك كَافِرٌ لَا يُصَلِّي عَلَيْك وَصَلَاتُك لَا تُقَرِّبُهُ إلَى رَبِّهِ؟ وَقُلْت لَهُ: أَيُمْنَعُ الْبَاغِي أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ أَوْ يُنَاكَحَ أَوْ شَيْئًا مِمَّا يَجْرِي لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: لَا، قُلْت: فَكَيْفَ مَنَعْته الصَّلَاةَ وَحْدَهَا؟ . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيَجُوزُ أَمَانُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَيْنِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَالْبَغْيِ فَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ فَإِنْ كَانَ يُقَاتِلُ جَازَ أَمَانُهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، قُلْت: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ يُقَاتِلُ أَوْ لَا يُقَاتِلُ؟ قَالَ: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» قُلْت: فَإِنْ قُلْت ذَلِكَ عَلَى الْأَحْرَارِ فَقَدْ أَجَزْت أَمَانَ عَبْدٍ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقَدْ رَدَدْت أَمَانَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لَا يُقَاتِلُ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا؟ قُلْت: وَيَلْزَمُك فِي أَصْلِ مَذْهَبِك أَنْ لَا تُجِيزَ أَمَانَ امْرَأَةٍ وَلَا زَمِنٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُقَاتِلَانِ وَأَنْتَ تُجِيزُ أَمَانَهُمَا. (قَالَ) : فَأَذْهَبُ إلَى الدِّيَةِ فَأَقُولُ دِيَةُ الْعَبْدِ لَا تُكَافِئُ دِيَةَ الْحُرِّ قُلْت: فَهَذَا أَبْعَدُ لَك مِنْ الصَّوَابِ. (قَالَ) : وَمِنْ أَيْنَ؟ قُلْت: دِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ وَأَنْتَ تُجِيزُ أَمَانَهَا وَدِيَةُ بَعْضِ الْعَبِيدِ أَكْثَرُ مِنْ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَلَا تُجِيزُ أَمَانَهُ وَقَدْ تَكُونُ دِيَةُ عَبْدٍ لَا يُقَاتِلُ أَكْثَرَ مِنْ دِيَةِ عَبْدٍ يُقَاتِلُ فَلَا تُجِيزُ أَمَانَهُ فَقَدْ تَرَكْت أَصْلَ مَذْهَبِك. (قَالَ) : فَإِنْ قُلْت: إنَّمَا عَنَى مُكَافَأَةَ الدِّمَاءِ فِي الْقَوَدِ، قُلْت: فَأَنْتَ تُقِيدُ بِالْعَبْدِ الَّذِي لَا يَسْوَى عَشَرَةَ دَنَانِيرَ الْحُرَّ الَّذِي دِيَتُهُ أَلْفُ دِينَارٍ كَانَ الْعَبْدُ يُحْسِنُ قِتَالًا أَوْ لَا يُحْسِنُهُ قَالَ: إنِّي لَأَفْعَلُ وَمَا هُوَ عَلَى الْقَوَدِ، قُلْت: وَلَا عَلَى الدِّيَةِ وَلَا عَلَى الْقِتَالِ قَالَ: فَعَلَامَ هُوَ؟ قُلْت: عَلَى اسْمِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إذَا امْتَنَعَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِدَارِهِمْ مِنْ أَنْ يُجْرَى الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ فَمَا أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ التُّجَّارِ وَالْأَسْرَى فِي دَارِهِمْ مِنْ حُدُودِ النَّاسِ بَيْنَهُمْ أَوْ لِلَّهِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُمْ وَلَا الْحُقُوقُ بِالْحُكْمِ وَعَلَيْهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى تَأْدِيَتُهَا إلَى أَهْلِهَا قُلْت: فَلِمَ قَتَلْته؟ قَالَ: قِيَاسًا عَلَى دَارِ الْمُحَارَبِينَ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ يُظْهَرُ عَلَيْهِمْ فَلَا يُقَادُ مِنْهُمْ، قُلْت: هُمْ مُخَالِفُونَ لِلتُّجَّارِ وَالْأَسْرَى فِي الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبْت إلَيْهِ خِلَافًا بَيِّنًا، أَرَأَيْت لَوْ سَبَى الْمُحَارَبُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ أَسْلَمُوا أَنَدَعُ السَّابِيَ يَتَخَوَّلُ الْمَسْبِيَّ مَرْقُوقًا لَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: أَفَتُجِيزُ هَذَا فِي التُّجَّارِ وَالْأَسْرَى فِي دَارِ أَهْلِ الْبَغْيِ؟ قَالَ: لَا، قُلْت: فَلَوْ غَزَانَا أَهْلُ الْحَرْبِ فَقَتَلُوا مِنَّا ثُمَّ رَجَعُوا مُسْلِمِينَ أَيَكُونُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ قَوَدٌ؟ قَالَ: لَا، قُلْت: فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ التُّجَّارُ وَالْأَسْرَى بِبِلَادِ الْحَرْبِ غَيْرَ مُكْرَهِينَ وَلَا شُبَهَ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: يُقْتَلُونَ قُلْت: أَيَسَعُ قَصْدُ قَتْلِ التُّجَّارِ وَالْأَسْرَى بِبِلَادِ الْحَرْبِ فَيُقْتَلُونَ؟ قَالَ: بَلْ يَحْرُمُ، قُلْت: أَرَأَيْت التُّجَّارَ وَالْأَسْرَى لَوْ تَرَكُوا الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَيَكُونُ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إلَّا مَا يَحِلُّ لَهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: لَا، قُلْت: فَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ لَا تُغَيِّرُ مَا أُحِلَّ لَهُمْ وَحُرِّمَ عَلَيْهِمْ فَكَيْفَ أَسْقَطْت عَنْهُمْ حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ الْآدَمِيِّينَ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ؟ ثُمَّ أَنْتَ لَا تُحِلُّ لَهُمْ حَبْسَ حَقٍّ قِبَلَهُمْ فِي دَمٍ وَلَا غَيْرِهِ وَمَا كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُمْ حَبْسُهُ فَإِنَّ عَلَى الْإِمَامِ اسْتِخْرَاجَهُ عِنْدَك فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؟ قَالَ فَأَقْيَسهمْ بِأَهْلِ الرِّدَّةِ الَّذِينَ أُبْطِلُ مَا أَصَابُوا قُلْت: فَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ يُقَادُ مِنْهُمْ مَا لَمْ يَنْصِبُوا إمَامًا وَيُظْهِرُوا حُكْمًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 366 وَالتُّجَّارُ وَالْأُسَارَى لَا إمَامَ لَهُمْ وَلَا امْتِنَاعَ وَنَزْعُمُ لَوْ قَتَلَ أَهْلُ الْبَغْيِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِلَا شُبْهَةٍ أَقَدْت مِنْهُمْ قَالَ: وَلَكِنَّ الدَّارَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ أَنْ يُجْرَى عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ، قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مُحَارَبِينَ امْتَنَعُوا فِي مَدِينَةٍ حَتَّى لَا يُجْرَى عَلَيْهِمْ حُكْمٌ فَقَطَعُوا الطَّرِيقَ وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ وَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ وَأَتَوْا الْحُدُودَ؟ قَالَ: يُقَامُ هَذَا كُلُّهُ عَلَيْهِمْ، قُلْت: فَهَذَا تَرْكُ مَعْنَاك وَقُلْت لَهُ: أَيَكُونُ عَلَى الْمَدَنِيِّينَ قَوْلُهُمْ: لَا يَرِثُ قَاتِلُ عَمْدٍ وَيَرِثُ قَاتِلُ خَطَأٍ إلَّا مِنْ الدِّيَةِ؟ فَقُلْت: لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْمُ قَاتِلٍ فَكَيْفَ لَمْ تَقُلْ بِهَذَا فِي الْقَاتِلِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْعَدْلِ؛ لِأَنَّ كُلًّا يَلْزَمُهُ اسْمُ قَاتِلٍ وَأَنْتَ تُسَوِّي بَيْنَهُمَا فَلَا تُقِيدُ أَحَدًا بِصَاحِبِهِ؟ . [بَابُ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ] ِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى أَيِّ كُفْرٍ كَانَ مَوْلُودًا عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ قُتِلَ وَأَيُّ كُفْرٍ ارْتَدَّ إلَيْهِ مِمَّا يُظْهِرُ أَوْ يُسِرُّ مِنْ الزَّنْدَقَةِ ثُمَّ تَابَ لَمْ يُقْتَلْ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ امْرَأَةً كَانَتْ أَوْ رَجُلًا عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا (وَقَالَ فِي الثَّانِي) فِي اسْتِتَابَتِهِ ثَلَاثًا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا حَدِيثُ عُمَرَ يُتَأَنَّى بِهِ ثَلَاثًا وَالْآخَرُ لَا يُؤَخَّرُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِأَنَاةٍ وَهُوَ لَوْ تَأَنَّى بِهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا ظَاهِرُ الْخَبَرِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَأَصْلُهُ الظَّاهِرُ وَهُوَ أَقْيَسُ عَلَى أَصْلِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيُوقَفُ مَالُهُ وَإِذَا قُتِلَ فَمَالُهُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَجِنَايَتِهِ وَنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَيْءٌ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَكَمَا لَا يَرِثُ مُسْلِمًا لَا يَرِثُهُ مُسْلِمٌ وَيُقْتَلُ السَّاحِرُ إنْ كَانَ مَا يَسْحَرُ بِهِ كُفْرًا إنْ لَمْ يَتُبْ. (قَالَ) : وَيُقَالُ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَقَالَ: أَنَا أُطِيقُهَا وَلَا أُصَلِّيهَا لَا يَعْمَلُهَا غَيْرُك فَإِنْ فَعَلْت وَإِلَّا قَتَلْنَاك كَمَا تَتْرُكُ الْإِيمَانَ وَلَا يَعْمَلُهُ غَيْرُك فَإِنْ آمَنْت وَإِلَّا قَتَلْنَاك وَمَنْ قَتَلَ مُرْتَدًّا قَبْلَ أَنْ يُسْتَتَابَ أَوْ جَرَحَهُ فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْجُرْحِ فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ وَيُعَزَّرُ الْقَاتِلُ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لِقَتْلِهِ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ الْحَاكِمُ. (قَالَ) : وَلَا يُسْبَى لِلْمُرْتَدِّينَ ذُرِّيَّةٌ وَإِنْ لَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْإِسْلَامِ قَدْ ثَبَتَتْ لَهُمْ وَلَا ذَنْبَ لَهُمْ فِي تَبْدِيلِ آبَائِهِمْ وَمَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ إنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ وَمَنْ وُلِدَ لِلْمُرْتَدِّينَ فِي الرِّدَّةِ لَمْ يُسْبَ؛ لِأَنَّ آبَاءَهُمْ لَمْ يُسْبَوْا وَإِنْ ارْتَدَّ مُعَاهَدُونَ وَلَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ وَعِنْدَنَا لَهُمْ ذَرَارِيُّ لَمْ نَسْبِهِمْ، وَقُلْنَا: إذَا بَلَغُوا لَكُمْ الْعَهْدُ إنْ شِئْتُمْ وَإِلَّا نَبَذْنَا إلَيْكُمْ ثُمَّ أَنْتُمْ حَرْبٌ. وَإِنْ ارْتَدَّ سَكْرَانُ فَمَاتَ كَانَ مَالُهُ فَيْئًا وَلَا يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ حَتَّى يَمْتَنِعَ مُفِيقًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت: إنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى طَلَاقِ السَّكْرَانِ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِالرِّدَّةِ فَأَنْكَرَهُ قِيلَ: إنْ أَقْرَرْت بِأَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتَبْرَأُ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ لَمْ يُكْشَفْ عَنْ غَيْرِهِ وَمَا جَرَحَ أَوْ أَفْسَدَ فِي رِدَّتِهِ أُخِذَ بِهِ وَإِنْ جَرَحَ مُرْتَدًّا ثُمَّ جَرَحَ مُسْلِمًا فَمَاتَ فَعَلَى مَنْ جَرَحَهُ مُسْلِمًا نِصْفُ الدِّيَةِ. . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 367 [كِتَابُ الْحُدُودِ] [بَابُ حَدِّ الزِّنَا وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ] ِ بَابُ حَدِّ الزِّنَا وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رَجَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحْصَنَيْنِ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا، وَرَجَمَ عُمَرُ مُحْصَنَةً وَجَلَدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِكْرًا مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَبِذَلِكَ أَقُولُ، فَإِذَا أَصَابَ الْحُرُّ أَوْ أُصِيبَتْ الْحُرَّةُ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فَقَدْ أَحْصَنَا فَمَنْ زَنَى مِنْهُمَا فَحَدُّهُ الرَّجْمُ حَتَّى يَمُوتَ ثُمَّ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْضُرَ رَجْمَهُ وَيَتْرُكَ، فَإِنْ لَمْ يُحْصِنْ جُلِدَ مِائَةً وَغُرِّبَ عَامًا عَنْ بَلَدِهِ بِالسُّنَّةِ، وَلَوْ أَقَرَّ مَرَّةً حُدَّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أُنَيْسًا أَنْ يَغْدُوَ عَلَى امْرَأَةٍ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا. وَأَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْمُرَا بِعَدَدِ إقْرَارِهِ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ الْحُدُودَ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ وَمَتَى رَجَعَ تَرَكَ وَقَعَ بِهِ بَعْضُ الْحَدِّ أَوْ لَمْ يَقَعْ. (قَالَ) : وَلَا يُقَامُ حَدُّ الْجَلْدِ عَلَى حُبْلَى وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ الْمُدْنِفِ وَلَا فِي يَوْمٍ حَرُّهُ أَوْ بَرْدُهُ مُفْرِطٌ وَلَا فِي أَسْبَابِ التَّلَفِ، وَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً حُبْلَى فَتُتْرَكَ حَتَّى تَضَعَ وَيُكْفَلَ وَلَدُهَا، وَإِنْ كَانَ الْبِكْرُ نِضْوَ الْخَلْقِ إنْ ضُرِبَ بِالسَّيْفِ تَلِفَ ضُرِبَ بِإِثْكَالِ النَّخْلِ اتِّبَاعًا لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فِي مِثْلِهِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ إلَّا أَرْبَعَةٌ يَقُولُونَ: رَأَيْنَا ذَلِكَ مِنْهُ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْهَا دُخُولَ الْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُلْت: أَنَا وَلَمْ يَجْعَلْ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ إتْيَانَ الْبَهِيمَةِ زِنًا وَلَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي مَسِّ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ وُضُوءًا. (قَالَ) : وَإِنْ شَهِدُوا مُتَفَرِّقِينَ قَبِلْتهمْ إذَا كَانَ الزِّنَا وَاحِدًا وَمَنْ رَجَعَ بَعْدَ تَمَامِ الشَّهَادَةِ لَمْ يُحَدَّ غَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ تَتِمَّ شُهُودُ الزِّنَا أَرْبَعَةً فَهُمْ قَذَفَةٌ يُحَدُّونَ فَإِنْ رُجِمَ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمْ سَأَلْته فَإِنْ قَالَ: عَمَدْت أَنْ أَشْهَدَ بِزُورٍ مَعَ غَيْرِي لِيَقْتُلَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ قَالَ: شَهِدْت وَلَا أَعْلَمُ عَلَيْهِ الْقَتْلَ أَوْ غَيْرَهُ أُحْلِفَ وَكَانَ عَلَيْهِ رُبُعُ الدِّيَةِ وَالْحَدُّ وَكَذَلِكَ إنْ رَجَعَ الْبَاقُونَ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهَا بِالزِّنَا أَرْبَعَةٌ وَشَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ عُدُولٍ أَنَّهَا عَذْرَاءُ فَلَا حَدَّ وَإِنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الزِّنَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا وَحَدُّ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ - أَحْصَنَا بِالزَّوَاجِ أَوْ لَمْ يُحْصِنَا - نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ وَالْجَلْدُ خَمْسُونَ جَلْدَةً (وَقَالَ) فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِي نَفْيِهِ نِصْفَ سَنَةٍ وَقَطَعَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنْ يُنْفَى نِصْفَ سَنَةٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُلْت: أَنَا وَهَذَا بِقَوْلِهِ أَوْلَى قِيَاسًا عَلَى نِصْفِ مَا يَجِبُ عَلَى الْحُرِّ مِنْ عُقُوبَةِ الزِّنَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَحُدُّ الرَّجُلُ أَمَتَهُ إذَا زَنَتْ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا» . [بَابُ مَا جَاءَ فِي حَدِّ الذِّمِّيِّينَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَإِنْ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا فَلَنَا أَنْ نَحْكُمَ أَوْ نَدَعَ فَإِنْ حَكَمْنَا حَدَدْنَا الْمُحْصَنَ بِالرَّجْمِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا وَجَلَدْنَا الْبِكْرَ مِائَةً وَغَرَّبْنَاهُ عَامًا (وَقَالَ) فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ: إنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ إذَا جَاءُوهُ فِي حَدِّ اللَّهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَهُ لِمَا وَصَفْت مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا أَوْلَى قَوْلَيْهِ بِهِ إذْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] أَنْ تُجْرَى عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ مَا لَمْ يَكُنْ أَمْرُ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فِيهِ تَرْكَهُمْ وَإِيَّاهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 368 [بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا قَذَفَ الْبَالِغُ حُرًّا بَالِغًا مُسْلِمًا أَوْ حُرَّةً بَالِغَةً مُسْلِمَةً حُدَّ ثَمَانِينَ فَإِنْ قَذَفَ نَفَرًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَدُّهُ فَإِنْ قَالَ: يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ، وَكَانَ أَبَوَاهُ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ مَيِّتَيْنِ فَعَلَيْهِ حَدَّانِ وَيَأْخُذُ حَدَّ الْمَيِّتِ وَلَدُهُ وَعَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، وَلَوْ قَالَ الْقَاذِفُ لِلْمَقْذُوفِ: إنَّهُ عَبْدٌ فَعَلَى الْمَقْذُوفِ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْحَدَّ وَعَلَى الْقَاذِفِ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْحَدَّ، وَلَوْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ: يَا نَبَطِيُّ، فَإِنْ قَالَ: عَنَيْت نَبَطِيَّ الدَّارِ أَوْ اللِّسَانِ؛ أَحَلَفْته مَا أَرَادَ أَنْ يَنْسُبَهُ إلَى النَّبَطِ وَنَهَيْته أَنْ يَعُودَ وَأَدَّبْته عَلَى الْأَذَى فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حَلَفَ الْمَقْذُوفُ لَقَدْ أَرَادَ نَفْيَهُ وَحُدَّ لَهُ فَإِنْ عَفَا فَلَا حَدَّ لَهُ. وَإِنْ قَالَ: عَنَيْت بِالْقَذْفِ الْأَبَ الْجَاهِلِيَّ حَلَفَ وَعُزِّرَ عَلَى الْأَذَى. وَلَوْ قَذَفَ امْرَأَةً وُطِئَتْ وَطْئًا حَرَامًا دُرِئَ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدُّ وَعُزِّرَ وَلَا يُحَدُّ مَنْ لَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ إلَّا حَدَّ الْعَبْدِ وَلَا حَدَّ فِي التَّعْرِيضِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ التَّعْرِيضَ فِيمَا حُرِّمَ عَقْدُهُ فَقَالَ {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] وَقَالَ تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] فَجَعَلَ التَّعْرِيضَ مُخَالِفًا لِلتَّصْرِيحِ فَلَا يُحَدُّ إلَّا بِقَذْفٍ صَرِيحٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 369 [كِتَابُ السَّرِقَةِ] [بَابُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ] ِ بَابُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ مِنْ كِتَابِ الْحُدُودِ وَغَيْرِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا لِثُبُوتِ الْخَبَرِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ وَأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَطَعَ سَارِقًا فِي أُتْرُجَّةٍ قُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ صِرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ قَالَ مَالِكٌ: هِيَ الْأُتْرُجَّةُ الَّتِي تُؤْكَلُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى قَطْعِ مَنْ سَرَقَ الرُّطَبَ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ إذَا بَلَغَتْ سَرِقَتُهُ رُبُعَ دِينَارٍ وَأَخْرَجَهَا مِنْ حِرْزِهَا، وَالدِّينَارُ هُوَ الْمِثْقَالُ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُقْطَعُ إلَّا مَنْ بَلَغَ الِاحْتِلَامَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْحَيْضَ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ أَيُّهُمَا اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ أَوْ لَمْ تَحِضْ، وَجُمْلَةُ الْحِرْزِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْمَسْرُوقِ فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي سُرِقَ مِنْهُ يَنْسُبُهُ الْعَامَّةُ إلَى أَنَّهُ حِرْزٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قُطِعَ إذَا أَخْرَجَهَا مِنْ الْحِرْزِ وَإِنْ لَمْ يَنْسُبْهُ الْعَامَّةُ إلَى أَنَّهُ حِرْزٌ لَمْ يُقْطَعْ وَرِدَاءُ صَفْوَانَ كَانَ مُحْرَزًا بِاضْطِجَاعِهِ عَلَيْهِ فَقَطَعَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَارِقَ رِدَائِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا ضُمَّ مَتَاعُ السُّوقِ إلَى بَعْضٍ فِي مَوْضِعِ تَبَايَعَاهُ وَرُبِطَ بِحَبْلٍ أَوْ جُعِلَ الطَّعَامُ فِي حَبْسٍ وَخِيطَ عَلَيْهِ قُطِعَ وَهَكَذَا يُحْرَزُ، وَإِذَا كَانَ يَقُودُ قِطَارَ إبِلٍ أَوْ يَسُوقُهَا وَقَطَرَ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ فَسَرَقَ مِنْهَا أَوْ مِمَّا عَلَيْهَا شَيْئًا قُطِعَ وَإِنْ أَنَاخَهَا حَيْثُ يَنْظُرُ إلَيْهَا فِي صَحْرَاءَ أَوْ كَانَتْ غَنَمًا فَآوَاهَا إلَى مُرَاحٍ فَاضْطَجَعَ حَيْثُ يَنْظُرُ إلَيْهَا فَهَذَا حِرْزُهَا، وَلَوْ ضَرَبَ فُسْطَاطًا وَآوَى فِيهِ مَتَاعَهُ فَاضْطَجَعَ فَسَرَقَ الْفُسْطَاطَ وَالْمَتَاعَ مِنْ جَوْفِهِ قُطِعَ؛ لِأَنَّ اضْطِجَاعَهُ حِرْزٌ لَهُ وَلِمَا فِيهِ إلَّا أَنَّ الْأَحْرَازَ تَخْتَلِفُ فَيُحْرَزُ كُلٌّ بِمَا تَكُونُ الْعَامَّةُ تُحْرِزُ مِثْلَهُ. وَلَوْ اضْطَجَعَ فِي صَحْرَاءَ وَوَضَعَ ثَوْبَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ تَرَكَ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ مَتَاعَهُمْ فِي مَقَاعِدَ لَيْسَ عَلَيْهَا حِرْزٌ لَمْ يُضَمَّ وَلَمْ يُرْبَطْ أَوْ أَرْسَلَ رَجُلٌ إبِلَهُ تَرْعَى أَوْ تَمْضِي عَلَى الطَّرِيقِ غَيْرَ مَقْطُورَةٍ أَوْ أَبَاتَهَا بِصَحْرَاءَ وَلَمْ يَضْطَجِعْ عِنْدَهَا أَوْ ضَرَبَ فُسْطَاطًا فَلَمْ يَضْطَجِعْ فِيهِ فَسُرِقَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ الْعَامَّةَ لَا تَرَى هَذَا حِرْزًا وَالْبُيُوتُ الْمُغْلَقَةُ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا، وَإِنْ سُرِقَ مِنْهَا شَيْءٌ فَأُخْرِجَ بِنَقْبٍ أَوْ فَتْحِ بَابٍ أَوْ قَلْعَةٍ قُطِعَ وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ مَفْتُوحًا لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ الْبَيْتِ وَالْحُجْرَةِ إلَى الدَّارِ وَالدَّارُ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَحْدَهُ لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى يُخْرِجَهُ مِنْ جَمِيعِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهَا حِرْزٌ لِمَا فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً وَأَخْرَجَهُ مِنْ الْحُجْرَةِ إلَى الدَّارِ فَلَيْسَتْ الدَّارُ بِحِرْزٍ لِأَحَدٍ مِنْ السُّكَّانِ فَيُقْطَعَ وَلَوْ أَخْرَجَ السَّرِقَةَ فَوَضَعَهَا فِي بَعْضِ النَّقْبِ وَأَخَذَهَا رَجُلٌ مِنْ خَارِجٍ لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَإِنْ رَمَى بِهَا فَأَخْرَجَهَا مِنْ الْحِرْزِ قُطِعَ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَحَمَلُوا مَتَاعًا فَأَخْرَجُوهُ مَعًا يَبْلُغُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ دِينَارٍ قُطِعُوا وَإِنْ نَقَصَ شَيْئًا لَمْ يُقْطَعُوا وَإِنْ أَخْرَجُوهُ مُتَفَرِّقًا فَمَنْ أَخْرَجَ مَا يُسَاوِي رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ وَإِنْ لَمْ يَسْوَ رُبُعَ دِينَارٍ لَمْ يُقْطَعْ. وَلَوْ نَقَبُوا مَعًا ثُمَّ أَخْرَجَ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يُخْرِجْ بَعْضٌ قُطِعَ الْمُخْرِجُ خَاصَّةً. وَإِنْ سَرَقَ سَارِقٌ ثَوْبًا فَشَقَّهُ أَوْ شَاةً فَذَبَحَهَا فِي حِرْزِهَا ثُمَّ أَخْرَجَ مَا سَرَقَ فَإِنْ بَلَغَ رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ وَإِلَّا لَمْ يُقْطَعْ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ مَا سَرَقَ رُبُعَ دِينَارٍ ثُمَّ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ فَصَارَتْ أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ ثُمَّ زَادَتْ الْقِيمَةُ فَإِنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْحَالِ الَّتِي خَرَجَ بِهَا مِنْ الْحِرْزِ وَلَوْ وُهِبَتْ لَهُ لَمْ أَدْرَأْ بِذَلِكَ عَنْهُ الْحَدَّ. وَإِنْ سَرَقَ عَبْدًا صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ أَوْ أَعْجَمِيًّا مِنْ حِرْزٍ قُطِعَ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ سَرَقَ مُصْحَفًا أَوْ سَيْفًا أَوْ شَيْئًا مِمَّا يَحِلُّ ثَمَنُهُ قُطِعَ، وَإِنْ أَعَارَ رَجُلًا بَيْتًا فَكَانَ يُغْلِقُهُ دُونَهُ فَسَرَقَ مِنْهُ رَبُّ الْبَيْتِ قُطِعَ وَيُقْطَعُ الْعَبْدُ آبِقًا وَغَيْرَ آبِقٍ وَيُقْطَعُ النَّبَّاشُ إذَا أَخْرَجَ الْكَفَنَ مِنْ جَمِيعِ الْقَبْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا حِرْزُ مِثْلِهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 370 [بَابُ قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فِي السَّرِقَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي السَّارِقِ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ الْيُسْرَى، وَقَدْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِذَا سَرَقَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مِنْ مَفْصِلِ الْكَفِّ وَحُسِمَتْ بِالنَّارِ فَإِذَا سَرَقَ الثَّانِيَةَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ مَفْصِلِ الْكَعْبِ ثُمَّ حُسِمَتْ بِالنَّارِ فَإِذَا سَرَقَ الثَّالِثَةَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى مِنْ مَفْصِلِ الْكَفِّ ثُمَّ حُسِمَتْ بِالنَّارِ فَإِذَا سَرَقَ الرَّابِعَةَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مِنْ مَفْصِلِ الْكَعْبِ ثُمَّ حُسِمَتْ بِالنَّارِ وَيَقْطَعُ بِأَخَفِّ مُؤْنَةٍ وَأَقْرَبِ سَلَامَةٍ وَإِنْ سَرَقَ الْخَامِسَةَ عُزِّرَ وَحُبِسَ وَلَا يُقْطَعُ الْحَرْبِيُّ إذَا دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ. [بَابُ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَا يُقَامُ عَلَى سَارِقٍ حَدٌّ إلَّا بِأَنْ يَثْبُتَ عَلَى إقْرَارِهِ حَتَّى يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَوْ بِعَدْلَيْنِ يَقُولَانِ: إنَّ هَذَا بِعَيْنِهِ سَرَقَ مَتَاعًا لِهَذَا مِنْ حِرْزِهِ بِصِفَاتِهِ يُسَاوِي رُبُعَ دِينَارٍ وَيَحْضُرُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَيَدَّعِي شَهَادَتَهُمَا فَإِنْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا مَتَاعُهُ غَلَبَهُ عَلَيْهِ وَابْتَاعَهُ مِنْهُ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي أَخْذِهِ لَمْ أَقْطَعْهُ؛ لِأَنِّي أَجْعَلُهُ لَهُ خَصْمًا لَوْ نَكَلَ صَاحِبُهُ أَحَلَفْت الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَدَفَعْته إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ رَبُّ الْمَتَاعِ حُبِسَ السَّارِقُ حَتَّى يَحْضُرَ. وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ عَلَى سَرِقَةٍ أَوْجَبْت الْغُرْمَ فِي الْمَالِ وَلَمْ أُوجِبْهُ فِي الْحَدِّ، وَفِي إقْرَارِ الْعَبْدِ بِالسَّرِقَةِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا لِلَّهِ فِي بَدَنِهِ فَأَقْطَعُهُ وَالْآخَرُ فِي مَالِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ مَالًا فَإِذَا أُعْتِقَ وَمَلَكَ أَغْرَمْته. [بَابُ غُرْمِ السَّارِقِ مَا سَرَقَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أُغْرِمُ السَّارِقَ مَا سَرَقَ قُطِعَ أَوْ لَمْ يُقْطَعْ، وَكَذَلِكَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ وَالْحَدُّ لِلَّهِ فَلَا يُسْقِطُ حَدُّ اللَّهِ غُرْمَ مَا أَتْلَفَ لِلْعِبَادِ. [مَا لَا قَطْعَ فِيهِ مِنْ السَّرِقَة] مَا لَا قَطْعَ فِيهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ وَلَا فِي خِلْسَةٍ وَلَا عَلَى عَبْدٍ سَرَقَ مِنْ مَتَاعِ سَيِّدِهِ وَلَا عَلَى زَوْجٍ سَرَقَ مِنْ مَتَاعِ زَوْجَتِهِ وَلَا عَلَى امْرَأَةٍ سَرَقَتْ مِنْ مَتَاعِ زَوْجِهَا وَلَا عَلَى عَبْدٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَرَقَ مِنْ مَتَاعِ صَاحِبِهِ لِلْأَثَرِ وَالشُّبْهَةِ وَلِخُلْطَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ (وَقَالَ) فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ: إذَا سَرَقَتْ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا الَّذِي لَمْ يَأْتَمِنْهَا عَلَيْهِ وَفِي حِرْزٍ مِنْهَا قُطِعَتْ (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا أَقْيَسُ عِنْدِي. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا يُقْطَعْ مَنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ أَوْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ أَجْدَادِهِ مِنْ قِبَلِ أَيِّهِمَا كَانَ وَلَا يُقْطَعُ فِي طُنْبُورٍ وَلَا مِزْمَارٍ وَلَا خَمْرٍ وَلَا خِنْزِيرٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 371 [بَابُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِّبُوا وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَلَمْ يُصَلَّبُوا وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَنَفْيُهُمْ إذَا هَرَبُوا أَنْ يُطْلَبُوا حَتَّى يُؤْخَذُوا فَيُقَامَ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَبِهَذَا أَقُولُ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ هُمْ الَّذِينَ يَعْتَرِضُونَ بِالسِّلَاحِ الْقَوْمَ حَتَّى يَغْصِبُوهُمْ الْمَالَ فِي الصَّحَارِي مُجَاهَرَةً وَأَرَاهُمْ فِي الْمِصْرِ إنْ لَمْ يَكُونُوا أَعْظَمَ ذَنْبًا فَحُدُودُهُمْ وَاحِدَةٌ، وَلَا يُقْطَعُ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ أَخَذَ رُبُعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا قِيَاسًا عَلَى السُّنَّةِ فِي السَّارِقِ وَيُحَدُّ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ فِعْلِهِ فَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَالصَّلْبُ قَتْلُهُ قَبْلَ صَلْبِهِ كَرَاهِيَةُ تَعْذِيبِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِ قَتْلِ الْعَمْدِ: يُصَلَّبُ ثَلَاثًا ثُمَّ يُتْرَكُ. (قَالَ) : وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ دُونَ الصَّلْبِ قُتِلَ وَدُفِعَ إلَى أَهْلِهِ يُكَفِّنُونَهُ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ دُونَ الْقَتْلِ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى ثُمَّ حُسِمَتْ بِالنَّارِ ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُسْرَى ثُمَّ حُسِمَتْ فِي مَكَان وَاحِدٍ ثُمَّ خُلِّيَ، وَمَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ وَكَثُرَ أَوْ هِيبَ أَوْ كَانَ رِدْءًا عُزِّرَ وَحُبِسَ، وَمَنْ قَتَلَ وَجَرَحَ أُقِصَّ لِصَاحِبِ الْجُرْحِ ثُمَّ قُطِعَ لَا يَمْنَعُ حَقُّ اللَّهِ حَقَّ الْآدَمِيِّينَ فِي الْجِرَاحِ وَغَيْرِهَا، وَمَنْ عَفَا الْجِرَاحَ كَانَ لَهُ وَمَنْ عَفَا النَّفْسَ لَمْ يُحْقَنْ بِذَلِكَ دَمُهُ وَكَانَ عَلَى الْإِمَامِ قَتْلُهُ إذَا بَلَغَتْ جِنَايَتُهُ الْقَتْلَ وَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ وَلَا تَسْقُطُ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْقُطَ كُلُّ حَقٍّ لِلَّهِ بِالتَّوْبَةِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَبِهِ أَقُولُ. (قَالَ) : وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ مِنْ الرُّفْقَةِ أَنَّ هَؤُلَاءِ عَرَضُوا لَنَا فَنَالُونَا وَأَخَذُوا مَتَاعَنَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا خَصْمَانِ وَيَسَعُهُمَا أَنْ يَشْهَدَا أَنَّ هَؤُلَاءِ عَرَضُوا لِهَؤُلَاءِ فَفَعَلُوا بِهِمْ كَذَا وَكَذَا وَأَخَذُوا مِنْهُمْ كَذَا وَكَذَا وَنَحْنُ نَنْظُرُ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَكْشِفَهُمَا عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ. (قَالَ) : وَإِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى رَجُلٍ حُدُودٌ وَقَذْفٌ بُدِئَ بِحَدِّ الْقَذْفِ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ثُمَّ حُبِسَ فَإِذَا بَرَأَ حُدَّ فِي الزِّنَا مِائَةَ جَلْدَةٍ فَإِذَا بَرَأَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ خِلَافٍ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى لِلسَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ مَعًا وَرِجْلُهُ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ مَعَ يَدِهِ ثُمَّ قُتِلَ قَوَدًا، فَإِنْ مَاتَ فِي الْحَدِّ الْأَوَّلِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْحُدُودُ كُلُّهَا وَفِي مَالِهِ دِيَةُ النَّفْسِ. [بَابُ الْأَشْرِبَةِ وَالْحَدِّ فِيهَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ وَفِيهِ الْحَدُّ قِيَاسًا عَلَى الْخَمْرِ وَلَا يُحَدُّ إلَّا بِأَنْ يَقُولَ: شَرِبْت الْخَمْرَ أَوْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ بِهِ أَوْ يَقُولَ: شَرِبْت مَا يُسْكِرُ أَوْ يَشْرَبَ مِنْ إنَاءٍ هُوَ وَنَفَرٌ فَيَسْكَرَ بَعْضُهُمْ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّرَابَ مُسْكِرٌ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا أُوتِيَ بِأَحَدٍ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ نَبِيذًا مُسْكِرًا إلَّا جَلَدْته الْحَدَّ. [بَابُ عَدَدِ حَدِّ الْخَمْرِ وَمَنْ يَمُوتُ مِنْ ضَرْبِ الْإِمَامِ وَخَطَأِ السُّلْطَانِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَارِبٍ فَقَالَ اضْرِبُوهُ فَضَرَبُوهُ بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ وَحَثَوْا عَلَيْهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 372 التُّرَابَ ثُمَّ قَالَ نَكِّبُوهُ فَنَكَّبُوهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ» قَالَ: فَلَمَّا كَانَ أَبُو بَكْرٍ سَأَلَ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ الضَّرْبَ فَقَوَّمَهُ أَرْبَعِينَ فَضَرَبَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ حَيَاتَهُ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ فِي الْخَمْرِ فَاسْتَشَارَ فَضَرَبَ ثَمَانِينَ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَشَارَ فَقَالَ عَلِيٌّ نَرَى أَنْ يُجْلَدَ ثَمَانِينَ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى أَوْ كَمَا قَالَ؛ فَجَلَدَهُ عُمَرُ ثَمَانِينَ فِي الْخَمْرِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ نُقِيمُ عَلَيْهِ حَدًّا فَيَمُوتُ فَأَجِدُ فِي نَفْسِي شَيْئًا الْحَقُّ قَتَلَهُ إلَّا حَدَّ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ شَيْءٌ رَأَيْنَاهُ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ مَاتَ مِنْهُ فَدَيْته، إمَّا قَالَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِمَّا قَالَ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ " الشَّكُّ مِنْ الشَّافِعِيِّ ". (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا ضَرَبَ الْإِمَامُ فِي خَمْرٍ أَوْ مَا يُسْكِرُ مِنْ شَرَابٍ بِنَعْلَيْنِ أَوْ طَرَفِ ثَوْبٍ أَوْ رِدَاءٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ ضَرْبًا يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ أَرْبَعِينَ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَالْحَقُّ قَتَلَهُ، وَإِنْ ضَرَبَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ بِالنِّعَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَمَاتَ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ دُونَ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إلَى امْرَأَةٍ فَفَزِعَتْ فَأَجْهَضَتْ ذَا بَطْنَهَا فَاسْتَشَارَ عَلِيًّا فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَدِيَهُ فَأَمَرَ عُمَرُ عَلِيًّا فَقَالَ عُمَرُ؛ عَزَمْت عَلَيْك لَتَقْسِمَنَّهَا عَلَى قَوْمِك. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا غَلَطٌ فِي قَوْلِهِ: إذَا ضَرَبَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ فَمَاتَ فَلَمْ يَمُتْ مِنْ الزِّيَادَةِ وَحْدَهَا وَإِنَّمَا مَاتَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَغَيْرِهَا فَكَيْفَ تَكُونُ الدِّيَةُ عَلَى الْإِمَامِ كُلُّهَا وَإِنَّمَا مَاتَ الْمَضْرُوبُ مِنْ مُبَاحٍ وَغَيْرِ مُبَاحٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: لَوْ ضَرَبَ الْإِمَامُ رَجُلًا فِي الْقَذْفِ إحْدَى وَثَمَانِينَ فَمَاتَ إنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ الدِّيَةِ. وَالْآخَرُ: أَنَّ عَلَيْهِ جُزْءًا مِنْ أَحَدٍ وَثَمَانِينَ جُزْءًا مِنْ الدِّيَةِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ جَرَحَ رَجُلًا جُرْحًا فَخَاطَهُ الْمَجْرُوحُ فَمَاتَ فَإِنْ كَانَ خَاطَهُ فِي لَحْمٍ حَيٍّ فَعَلَى الْجَارِحِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جُرْحِهِ وَالْجُرْحِ الَّذِي أَحْدَثَهُ فِي نَفْسِهِ - فَكُلُّ هَذَا يَدُلُّك إذَا مَاتَ الْمَضْرُوبُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ فَمَاتَ أَنَّهُ بِهِمَا مَاتَ فَلَا تَكُونُ الدِّيَةُ كُلُّهَا عَلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ بِالزِّيَادَةِ وَحْدَهَا حَتَّى كَانَ مَعَهَا مُبَاحٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ فِيمَنْ جَرَحَ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا آخَرَ فَمَاتَ أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ مُبَاحٍ وَغَيْرِ مُبَاحٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْمَضْرُوبُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ مُبَاحٍ وَغَيْرِ مُبَاحٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ ضَرَبَ امْرَأَةً حَدًّا فَأُجْهِضَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا وَضَمِنَ مَا فِي بَطْنِهَا؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَلَوْ حَدَّهُ بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ أَوْ غَيْرِ عَدْلَيْنِ فِي أَنْفُسِهِمَا فَمَاتَ ضَمِنَتْهُ عَاقِلَتُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ هَذَا خَطَأٌ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ وَلَيْسَ عَلَى الْجَانِي شَيْءٌ. وَلَوْ قَالَ الْإِمَامُ لِلْجَالِدِ: إنَّمَا أَضْرِبُ هَذَا ظُلْمًا ضَمِنَ الْجَالِدُ وَالْإِمَامُ مَعًا، وَلَوْ قَالَ الْجَالِدُ: قَدْ ضَرَبْتُهُ وَأَنَا أَرَى الْإِمَامَ مُخْطِئًا وَعَلِمْت أَنَّ ذَلِكَ رَأْيُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ ضَمِنَ إلَّا مَا غَابَ عَنْهُ بِسَبَبِ ضَرْبِهِ، وَلَوْ قَالَ: اضْرِبْهُ ثَمَانِينَ فَزَادَ سَوْطًا فَمَاتَ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، كَمَا لَوْ جَنَى رَجُلَانِ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا بِضَرْبَةٍ وَالْآخَرُ بِثَمَانِينَ ضَمِنَا الدِّيَةَ نِصْفَيْنِ أَوْ سَهْمًا مِنْ وَاحِدٍ وَثَمَانِينَ سَهْمًا. (قَالَ) : وَإِذَا خَافَ رَجُلٌ نُشُوزَ امْرَأَتِهِ فَضَرَبَهَا فَمَاتَتْ فَالْعَقْلُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إبَاحَةٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَوْ عَزَّرَ الْإِمَامُ رَجُلًا فَمَاتَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ. (قَالَ) : وَإِذَا كَانَتْ بِرَجُلٍ سِلْعَةٌ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِقَطْعِهَا أَوْ أَكَلَةٌ فَأَمَرَ بِقَطْعِ عُضْوٍ مِنْهُ فَمَاتَ فَعَلَى السُّلْطَانِ الْقَوَدُ فِي الْمُكْرَهِ وَقَدْ قِيلَ: عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي الَّذِي لَا يَقْتُلُ، وَقِيلَ: لَا قَوَدَ عَلَيْهِ فِي الَّذِي لَا يَقْتُلُ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَأَمَّا غَيْرُ السُّلْطَانِ يَفْعَلُ هَذَا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ أَغْلَفُ أَوْ امْرَأَةٌ لَمْ تَخْفِضْ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ فَعُزِّرَا فَمَاتَا لَمْ يَضْمَنْ السُّلْطَانُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَفْعَلَا إلَّا أَنْ يُعَزِّرَهُمَا فِي حَرٍّ شَدِيدٍ أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطٍ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ عُذْرٍ فِي مِثْلِهِ فَيَضْمَنُ عَاقِلَتُهُ الدِّيَةَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 373 [بَابُ صِفَةِ السَّوْطِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُضْرَبُ الْمَحْدُودُ بِسَوْطٍ بَيْنَ السَّوْطَيْنِ لَا جَدِيدٍ وَلَا خَلِقٍ وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ فِي الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ قَائِمًا وَتُتْرَكُ لَهُ يَدُهُ يَتَّقِي بِهَا وَلَا يُرْبَطُ، وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةً وَتُضَمُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا وَتُرْبَطُ لِئَلَّا تَنْكَشِفَ وَيَلِي ذَلِكَ مِنْهَا امْرَأَةٌ وَلَا يَبْلُغُ فِي الْحَدِّ أَنْ يُنْهَرَ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ وَإِنَّمَا يُرَادُ بِالْحَدِّ النَّكَالُ أَوْ الْكَفَّارَةُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَتَّقِي الْجَلَّادُ الْوَجْهَ وَالْفَرْجَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يُبْلَغُ بِعُقُوبَةٍ أَرْبَعِينَ تَقْصِيرًا عَنْ مُسَاوَاةِ عُقُوبَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حُدُودِهِ وَلَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ. [بَابُ قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَمَا أُصِيبَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ مَتَاعِ الْمُسْلِمِينَ] َ مِنْ كِتَابِ قَتْلِ الْخَطَأِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا أَسْلَمَ الْقَوْمُ ثُمَّ ارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى أَيِّ كُفْرٍ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ دَارِ الْحَرْبِ وَهُمْ مَقْهُورُونَ أَوْ قَاهِرُونَ فِي مَوْضِعِهِمْ الَّذِي ارْتَدُّوا فِيهِ، فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَبْدَءُوا بِجِهَادِهِمْ قَبْلَ جِهَادِ أَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ لَمْ يُسْلِمُوا قَطُّ فَإِذَا ظَفِرُوا بِهِمْ اسْتَتَابُوهُمْ فَمَنْ تَابَ حُقِنَ دَمُهُ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ بِالرِّدَّةِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَمَا أَصَابَ أَهْلُ الرِّدَّةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي حَالِ الرِّدَّةِ وَبَعْدَ إظْهَارِ التَّوْبَةِ فِي قِتَالٍ وَهُمْ مُمْتَنِعُونَ أَوْ غَيْرِ قِتَالٍ أَوْ عَلَى نَائِرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا سَوَاءٌ وَالْحُكْمُ عَلَيْهِمْ كَالْحُكْمِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَلِفُ فِي الْقَوَدِ وَالْعَقْلِ وَضَمَانِ مَا يُصِيبُونَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ فِي بَابِ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ قِيلَ: فَمَا صَنَعَ أَبُو بَكْرٍ فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ؟ قِيلَ قَالَ لِقَوْمٍ جَاءُوهُ تَائِبِينَ تَدُونُ قَتْلَانَا وَلَا نَدِي قَتْلَاكُمْ فَقَالَ عُمَرُ: لَا نَأْخُذُ لِقَتْلَانَا دِيَةً، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا قَوْلُهُ: تَدُونُ؟ قِيلَ: إنْ كَانُوا يُصِيبُونَ غَيْرَ مُتَعَمِّدِينَ وَدَوْا وَإِذَا ضَمِنُوا الدِّيَةَ فِي قَتْلِ غَيْرِ عَمْدٍ كَانَ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ فِي قَتْلِهِمْ مُتَعَمِّدِينَ وَهَذَا خِلَافُ حُكْمِ أَهْلِ الْحَرْبِ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنْ قِيلَ: فَلَا نَعْلَمُ مِنْهُمْ أَحَدًا أُقِيدَ بِأَحَدٍ قِيلَ: وَلَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ قَتْلُ أَحَدٍ بِشَهَادَةٍ وَلَوْ ثَبَتَ لَمْ نَعْلَمْ حَاكِمًا أَبْطَلَ لِوَلِيٍّ دَمًا طَلَبَهُ وَالرِّدَّةُ لَا تَدْفَعُ عَنْهُمْ قَوَدًا وَلَا عَقْلًا وَلَا تَزِيدُهُمْ خَيْرًا إنْ لَمْ تَزِدْهُمْ شَرًّا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا عِنْدِي أَقْيَسُ مِنْ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ يُطْرَحُ ذَلِكَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ أَهْلِ الرِّدَّةِ أَنْ نَرُدَّهُمْ إلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُرَقُّونَ وَلَا يُغْنَمُونَ كَأَهْلِ الْحَرْبِ فَكَذَلِكَ يُقَادُ مِنْهُمْ وَيَضْمَنُونَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا قَامَتْ لِمُرْتَدٍّ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَظْهَرَ الْقَوْلَ بِالْإِيمَانِ ثُمَّ قَتَلَهُ رَجُلٌ يَعْلَمُ تَوْبَتَهُ أَوْ لَا يَعْلَمُهَا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 374 [كِتَابُ صَوْلِ الْفَحْلِ] [بَابُ دَفْعِ الرَّجُلِ عَنْ نَفْسِهِ وَحَرِيمِهِ وَمَنْ يَتَطَلَّعُ فِي بَيْتِهِ] ِ بَابُ دَفْعِ الرَّجُلِ عَنْ نَفْسِهِ وَحَرِيمِهِ وَمَنْ يَتَطَلَّعُ فِي بَيْتِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا طَلَبَ الْفَحْلُ رَجُلًا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ إلَّا بِقَتْلِهِ فَقَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُرْمٌ، كَمَا لَوْ حَمَلَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ بِالسَّيْفِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ إلَّا بِضَرْبِهِ فَقَتَلَهُ بِالضَّرْبِ أَنَّهُ هَدْرٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا يَجُوزُ لَهُ كَانَ الْأَقَلُّ أَسْقَطَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ عَضَّ يَدَهُ رَجُلٌ فَانْتَزَعَ يَدَهُ فَنَدَرَتْ ثَنِيَّتَا الْعَاضِّ كَانَ ذَلِكَ هَدْرًا وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيَدَعُ يَدَهُ فِي فِيك تَقْضِمُهَا كَأَنَّهَا فِي فِي فَحْلٍ» وَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ. (قَالَ) : وَلَوْ عَضَّهُ كَانَ لَهُ فَكُّ لَحْيَيْهِ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، فَإِنْ عَضَّ قَفَاهُ فَلَمْ تَنَلْهُ يَدَاهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْزِعَ رَأْسَهُ مِنْ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلَهُ التَّحَامُلُ عَلَيْهِ بِرَأْسِهِ إلَى وَرَائِهِ وَمُصَعِّدًا وَمُنْحَدِرًا وَإِنْ غَلَبَهُ ضَبْطًا بِفِيهِ كَانَ لَهُ ضَرْبُ فِيهِ بِيَدِهِ حَتَّى يُرْسِلَهُ فَإِنْ بَعَجَ بَطْنَهُ بِسِكِّينٍ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ بِيَدِهِ أَوْ ضَرَبَهُ فِي بَعْضِ جَسَدِهِ ضَمِنَ وَرُفِعَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَارِيَةٌ كَانَتْ تَحْتَطِبُ فَاتَّبَعَهَا رَجُلٌ فَرَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا فَرَمَتْهُ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرٍ فَقَتَلَتْهُ فَقَالَ عُمَرُ هَذَا قَتِيلُ اللَّهِ وَاَللَّهُ لَا يُودَى أَبَدًا. (قَالَ) : وَلَوْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا فَقَالَ: وَجَدْته عَلَى امْرَأَتِي فَقَدْ أَقَرَّ بِالْقَوَدِ وَادَّعَى فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً قُتِلَ «قَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ وَجَدْتَ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَعَمْ» وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ. (قَالَ) : وَلَوْ تَطَلَّعَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ نَقْبٍ فَطَعَنَهُ بِعُودٍ أَوْ رَمَاهُ بِحَصَاةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهَا فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ فَهِيَ هَدْرٌ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَظَرَ إلَى رَجُلٍ يَنْظُرُ إلَى بَيْتِهِ مِنْ حَجَرٍ وَبِيَدِهِ مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَوْ أَعْلَمُ أَنَّك تَنْظُرُ لِي أَوْ تَنْظُرُنِي لَطَعَنْت بِهِ فِي عَيْنِك إنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ» . وَلَوْ دَخَلَ بَيْتَهُ فَأَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ فَلَمْ يَخْرُجْ فَلَهُ ضَرْبُهُ وَإِنْ أَتَى عَلَى نَفْسِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - الَّذِي عُضَّ رَأْسُهُ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ الْعَاضِّ أَوْلَى بِضَرْبِهِ وَدَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ. [بَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْبَهَائِمِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةُ «أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ دَخَلَتْ حَائِطًا فَأَفْسَدَتْ فِيهِ فَقَضَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ وَمَا أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالضَّمَانُ عَلَى الْبَهَائِمِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا أَفْسَدَتْ مِنْ الزَّرْعِ بِاللَّيْلِ ضَمِنَهُ أَهْلُهَا وَمَا أَفْسَدَتْ بِالنَّهَارِ لَمْ يَضْمَنُوهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إنْ كَانَ الرَّجُلُ رَاكِبًا فَمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ فِيهَا أَوْ ذَنَبِهَا مِنْ نَفْسٍ أَوْ جُرْحٍ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ مَنْعَهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ مِنْ كُلِّ مَا أَتْلَفَتْ بِهِ أَحَدًا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ الْمَقْطُورَةُ بِالْبَعِيرِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَائِدٌ لَهَا، وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ يَسُوقُهَا وَلَا يَجُوزُ إلَّا ضَمَانُ مَا أَصَابَتْ الدَّابَّةُ تَحْتَ الرِّجْلِ وَلَا يَضْمَنُ إلَّا مَا حَمَلَهَا عَلَيْهِ فَوَطِئَتْهُ فَأَمَّا مَنْ ضَمِنَ عَنْ يَدِهَا وَلَمْ يَضْمَنْ عَنْ رِجْلِهَا فَهَذَا تَحَكُّمٌ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 375 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنَّ الرِّجْلَ جُبَارٌ فَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْحُفَّاظَ لَمْ يَحْفَظُوهُ هَكَذَا. (قَالَ) : وَلَوْ أَنَّهُ أَوْقَفَهَا فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقِفَهَا فِيهِ ضَمِنَ وَلَوْ وَقَفَهَا فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ جَعَلَ فِي دَارِهِ كَلْبًا عَقُورًا أَوْ حِبَالَةً فَدَخَلَ إنْسَانٌ فَقَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَسَوَاءٌ عِنْدِي أَذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ. [كِتَابُ السِّيَرِ] ِ مِنْ خَمْسَةِ كُتُبٍ الْجِزْيَةِ، وَالْحُكْمِ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِمْلَاءٍ عَلَى كِتَابِ الْوَاقِدِيِّ وَإِمْلَاءٍ عَلَى غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَإِمْلَاءٍ عَلَى كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَصْلُ فَرْضِ الْجِهَادِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا مَضَتْ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُدَّةٌ مِنْ هِجْرَتِهِ أَنْعَمَ اللَّهُ فِيهَا عَلَى جَمَاعَاتٍ بِاتِّبَاعِهِ حَدَثَتْ لَهَا مَعَ عَوْنِ اللَّهِ قُوَّةٌ بِالْعَدَدِ لَمْ تَكُنْ قَبْلَهَا فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجِهَادَ فَقَالَ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: 216] وَقَالَ تَعَالَى {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 190] مَعَ مَا ذَكَرْته فُرِضَ الْجِهَادُ وَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَفْرِضْ الْجِهَادَ عَلَى مَمْلُوكٍ وَلَا أُنْثَى وَلَا عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 41] فَحَكَمَ أَنْ لَا مَالَ لِلْمَمْلُوكِ وَقَالَ {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ الذُّكُورُ «وَعُرِضَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَرَدَّهُ وَعُرِضَ عَلَيْهِ عَامَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَهُ» وَحَضَرَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوِهِ عَبِيدٌ وَنِسَاءٌ غَيْرُ بَالِغِينَ فَرَضَخَ لَهُمْ وَأَسْهَمَ لِضُعَفَاءَ أَحْرَارٍ وَجَرْحَى بَالِغِينَ فَدَلَّ أَنَّ السُّهْمَانَ إنَّمَا تَكُونُ لِمَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ مِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ فَدَلَّ بِذَلِكَ أَنْ لَا فَرْضَ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي الْجِهَادِ. [بَابُ مَنْ لَهُ عُذْرٌ بِالضَّعْفِ وَالضَّرَرِ وَالزَّمَانَةِ وَالْعُذْرِ بِتَرْكِ الْجِهَادِ] ِ مِنْ كِتَابِ الْجِزْيَةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى} [التوبة: 91] الْآيَةَ وَقَالَ {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ} [التوبة: 93] وَقَالَ {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح: 17] فَقِيلَ: الْأَعْرَجُ الْمُقْعَدُ وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ عَرَجُ الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي وَضْعِ الْجِهَادِ عَنْهُمْ. (قَالَ) : وَلَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ سَالِمَ الْبَدَنِ قَوِيَّهُ لَا يَجِدُ أُهْبَةَ الْخُرُوجِ وَنَفَقَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إلَى قَدْرِ مَا يَرَى لِمُدَّتِهِ فِي غَزْوِهِ فَهُوَ مِمَّنْ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالْخُرُوجِ وَيَدَعَ الْفَرْضَ وَلَا يُجَاهِدُ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِ الدَّيْنِ وَبِإِذْنِ أَبَوَيْهِ لِشَفَقَتِهِمَا وَرِقَّتِهِمَا عَلَيْهِ إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَإِنْ كَانَا عَلَى غَيْرِ دِينِهِ، فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ أَهْلَ دِينِهِمَا فَلَا طَاعَةَ لَهُمَا عَلَيْهِ قَدْ جَاهَدَ ابْنُ عُتْبَةَ بْنُ رَبِيعَةَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَسْت أَشُكُّ فِي كَرَاهِيَةِ أَبِيهِ لِجِهَادِهِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَاهَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُوهُ مُتَخَلِّفٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُحُدٍ يُخَذِّلُ مَنْ أَطَاعَهُ. (قَالَ) : وَمَنْ غَزَا مِمَّنْ لَهُ عُذْرٌ أَوْ حَدَثَ لَهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ عُذْرٌ كَانَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَلْتَقِ الزَّحْفَانِ أَوْ يَكُونُ فِي مَوْضِعٍ يَخَافُ إنْ رَجَعَ أَنْ يُتْلَفَ. (قَالَ) : وَيَتَوَقَّى فِي الْحَرْبِ قَتْلَ أَبِيهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَغْزُوَ بِجُعْلٍ مِنْ مَالِ رَجُلٍ وَيَرُدُّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 376 إنْ غَزَا بِهِ وَإِنَّمَا أُجْرَتُهُ مِنْ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ يَغْزُو بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّهِ. (قَالَ) : وَمَنْ ظَهَرَ مِنْهُ تَخْذِيلٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْجَافٌ بِهِمْ أَوْ عَوْنٌ عَلَيْهِمْ مَنَعَهُ الْإِمَامُ الْغَزْوَ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ وَإِنْ غَزَا لَمْ يُسْهِمْ لَهُ. وَوَاسِعٌ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لِلْمُشْرِكِ أَنْ يَغْزُوَ مَعَهُ إذَا كَانَتْ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ مَنْفَعَةٌ وَقَدْ غَزَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِيَهُودِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعِ بَعْدَ بَدْرٍ وَشَهِدَ مَعَهُ صَفْوَانُ حُنَيْنًا بَعْدَ الْفَتْحِ وَصَفْوَانُ مُشْرِكٌ. (قَالَ) : وَأُحِبُّ أَنْ لَا يُعْطَى الْمُشْرِكُ مِنْ الْفَيْءِ شَيْئًا وَيُسْتَأْجَرَ إجَارَةً مِنْ مَالٍ لَا مَالِكَ لَهُ بِعَيْنِهِ وَهُوَ سَهْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ أَغْفَلَ ذَلِكَ الْإِمَامُ أُعْطِيَ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ بِقِتَالِ مَنْ يَلِيهِ مِنْ الْكُفَّارِ وَبِالْأَخْوَفِ، فَإِنْ كَانَ الْأَبْعَدُ الْأَخْوَفَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ عَلَى مَعْنَى الضَّرُورَةِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا، وَأَقَلُّ مَا عَلَى الْإِمَامِ أَنْ لَا يَأْتِيَ عَامٌ إلَّا وَلَهُ فِيهِ غَزْوٌ بِنَفْسِهِ أَوْ بِسَرَايَاهُ عَلَى حُسْنِ النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ حَتَّى لَا يَكُونَ الْجِهَادُ مُعَطَّلًا فِي عَامٍ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَيُغْزِي أَهْلُ الْفَيْءِ كُلَّ قَوْمٍ إلَى مَنْ يَلِيهِمْ. [بَابُ النَّفِيرِ مِنْ كِتَابِ الْجِزْيَةِ وَالرِّسَالَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: 39] وَقَالَ {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ} [النساء: 95] إلَى قَوْلِهِ {وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95] فَلَمَّا وَعَدَ الْقَاعِدِينَ الْحُسْنَى دَلَّ أَنَّ فَرْضَ النَّفِيرِ عَلَى الْكِفَايَةِ فَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِالنَّفِيرِ كِفَايَةٌ حُرِّجَ مَنْ تَخَلَّفَ وَاسْتَوْجَبُوا مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ كِفَايَةٌ حَتَّى لَا يَكُونَ النَّفِيرُ مُعَطَّلًا لَمْ يَأْثَمْ مَنْ تَخَلَّفَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ جَمِيعَهُمْ الْحُسْنَى، وَكَذَلِكَ رَدُّ السَّلَامِ وَدَفْنُ الْمَوْتَى وَالْقِيَامُ بِالْعِلْمِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِذَا قَامَ بِذَلِكَ مَنْ فِيهِ الْكِفَايَةُ لَمْ يُحَرَّجْ الْبَاقُونَ وَإِلَّا حُرِّجُوا أَجْمَعُونَ. [جَامِعُ السِّيَرِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : الْحُكْمُ فِي الْمُشْرِكِينَ حُكْمَانِ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَهْلَ أَوْثَانٍ أَوْ مَنْ عَبَدَ مَا اسْتَحْسَنَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ وَقُوتِلُوا حَتَّى يُقْتَلُوا أَوْ يُسْلِمُوا لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَهْلَ كِتَابٍ قُوتِلُوا حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فَإِنْ لَمْ يُعْطُوا قُوتِلُوا وَقُتِلُوا وَسُبِيَتْ ذَرَارِيُّهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ وَدِيَارُهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَيْئًا بَعْدَ السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ فِي الْأَنْفَالِ قَالَ ذَلِكَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَقُلْهُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَّلَ أَبَا قَتَادَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ سَلَبَ قَتِيلِهِ وَمَا نَفَّلَهُ إيَّاهُ إلَّا بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ وَنَفَّلَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ سَلَبَ مَرْحَبٍ يَوْمَ خَيْبَرَ وَنَفَّلَ يَوْمَ بَدْرٍ عَدَدًا وَيَوْمَ أُحُدٍ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ أَسْلَابَ قَتْلَاهُمْ وَمَا عَلِمْته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَضَرَ مَحْضَرًا قَطُّ فَقَتَلَ رَجُلٌ قَتِيلًا فِي الْأَقْتَالِ إلَّا نَفَّلَهُ سَلَبَهُ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. (قَالَ) : ثُمَّ يُرْفَعُ بَعْدَ السَّلَبِ خُمُسُهُ لِأَهْلِهِ وَتُقْسَمُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ بَيْنَ مَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ دُونَ مَنْ بَعْدَهَا وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَا " الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ ". (قَالَ) : وَيُسْهَمُ لِلْبِرْذَوْنِ كَمَا يُسْهَمُ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِلْفَارِسِ سَهْمٌ وَلَا يُعْطَى إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ وَيُرْضَخُ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمُشْرِكِ إذَا قَاتَلَ وَلِمَنْ اُسْتُعِينَ بِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَيُسْهَمُ لِلتَّاجِرِ إذَا قَاتَلَ وَتُقْسَمُ الْغَنِيمَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ غَنِمَهَا وَهِيَ دَارُ حَرْبِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَحُنَيْنٍ. وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 377 أَبُو يُوسُفَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَمَ غَنَائِمَ بَدْرٍ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ وَقَوْلُهُ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَلَمْ يَشْهَدَا بَدْرًا فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ فَقَدْ خَالَفَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُعْطِي أَحَدًا لَمْ يَشْهَدْ الْوَقْعَةَ وَلَمْ يَقْدُمْ مَدَدًا عَلَيْهِمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : مَا قَسَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غَنَائِمَ بَدْرٍ إلَّا بِسَيْرِ شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ الصَّفْرَاءِ قَرِيبٍ مِنْ بَدْرٍ فَلَمَّا تَشَاحَّ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَنِيمَتِهَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1] فَقَسَمَهَا بَيْنَهُمْ وَهِيَ لَهُ تَفَضُّلًا وَأَدْخَلَ مَعَهُمْ ثَمَانِيَةَ نَفَرٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] بَعْدَ بَدْرٍ وَلَمْ نَعْلَمْهُ أَسْهَمَ لِأَحَدٍ لَمْ يَشْهَدْ الْوَقْعَةَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ وَمَنْ أَعْطَى مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ وَغَيْرِهِمْ فَمِنْ مَالِهِ أَعْطَاهُمْ لَا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ. وَأَمَّا مَا اُحْتُجَّ بِهِ مِنْ وَقْعَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَابْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ وَلِذَلِكَ كَانَتْ وَقْعَتُهُمْ فِي آخِرِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَتَوَقَّفُوا فِيمَا صَنَعُوا حَتَّى نَزَلَتْ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: 217] وَلَيْسَ مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْأَوْزَاعِيُّ فِي شَيْءٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا وَيَعْلِفُوا دَوَابَّهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنْ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَفِي يَدِهِ شَيْءٌ صَيَّرَهُ إلَى الْإِمَامِ وَمَا كَانَ مِنْ كُتُبِهِمْ فِيهِ طِبٌّ أَوْ مَا لَا مَكْرُوهَ فِيهِ بِيعَ وَمَا كَانَ فِيهِ شِرْكٌ أُبْطِلَ وَانْتُفِعَ بِأَوْعِيَتِهِ وَمَا كَانَ مِثْلُهُ مُبَاحًا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ مِنْ شَجَرٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ صَيْدٍ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ. وَمَنْ أَسَرَ مِنْهُمْ فَإِنْ أَشْكَلَ بُلُوغُهُمْ فَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ فَحُكْمُهُ حُكْمُ طِفْلٍ وَمَنْ أَنْبَتَ فَهُوَ بَالِغٌ وَالْإِمَامُ فِي الْبَالِغِينَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَهُمْ بِلَا قَطْعِ يَدٍ وَلَا عُضْوٍ أَوْ يُسْلِمَ أَهْلُ الْأَوْثَانِ وَيُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَوْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ أَوْ يُفَادِيَهُمْ بِمَالٍ أَوْ بِأَسْرَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يَسْتَرِقَّهُمْ فَإِنْ اسْتَرَقَّهُمْ أَوْ أَخَذَ مِنْهُمْ مَالًا فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْغَنِيمَةِ أَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ بَدْرٍ فَقَتَلَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَمَنَّ عَلَى أَبِي عَزَّةَ الْجُمَحِيِّ عَلَى أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ فَأَخْفَرَهُ وَقَاتَلَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَدَعَا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَفْلِتَ فَمَا أُسِرَ غَيْرُهُ ثُمَّ أُسِرَ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ الْحَنَفِيُّ فَمَنَّ عَلَيْهِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَفَدَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ. (قَالَ) : وَإِنْ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْأَسْرِ رُقُّوا وَإِنْ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْأَسْرِ فَهُمْ أَحْرَارٌ وَإِذَا الْتَقَوْا وَالْعَدُوُّ فَلَا يُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَارَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " مَنْ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلَمْ يَفِرَّ وَمَنْ فَرَّ مِنْ اثْنَيْنِ فَقَدْ فَرَّ ". (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : هَذَا عَلَى مَعْنَى التَّنْزِيلِ فَإِذَا فَرَّ الْوَاحِدُ مِنْ الِاثْنَيْنِ فَأَقَلَّ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ بِحَضْرَتِهِ أَوْ مُبِينَةٍ عَنْهُ فَسَوَاءٌ وَنِيَّتُهُ فِي التَّحَرُّفِ وَالتَّحَيُّزِ لِيَعُودَ لِلْقِتَالِ الْمُسْتَثْنَى الْمُخْرِجِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ فَإِنْ كَانَ هَرَبُهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى خِفْت عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّهِ (قَالَ) : وَنَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ مَنْجَنِيقًا أَوْ عَرَّادَةً وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ النِّسَاءَ وَالْوِلْدَانَ وَقَطَعَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَهَا وَشَنَّ الْغَارَةَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ غَارِينَ وَأَمَرَ بِالْبَيَاتِ وَالتَّحْرِيقِ وَقَطَعَ بِخَيْبَرَ وَهِيَ بَعْدَ النَّضِيرِ وَبِالطَّائِفِ وَهِيَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَقِيَ فِيهَا قِتَالًا فَبِهَذَا كُلِّهِ أَقُولُ وَمَا أُصِيبَ بِذَلِكَ مِنْ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ عَمْدٍ فَإِنْ كَانَ فِي دَارِهِمْ أُسَارَى مُسْلِمُونَ أَوْ مُسْتَأْمَنُونَ كَرِهْتُ النَّصْبَ عَلَيْهِمْ بِمَا يَعُمُّ مِنْ التَّحْرِيقِ وَالتَّغْرِيقِ احْتِيَاطًا غَيْرَ مُحَرِّمٍ لَهُ تَحْرِيمًا بَيِّنًا وَذَلِكَ أَنَّ الدَّارَ إذَا كَانَتْ مُبَاحَةً فَلَا يَبِينُ أَنْ يُحَرَّمَ بِأَنْ يَكُونَ فِيهَا مُسْلِمٌ يُحَرَّمُ دَمُهُ وَلَكِنْ لَوْ الْتَحَمُوا فَكَانَ يتكامن الْتِحَامُهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ رَأَيْت لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا وَكَانُوا مَأْجُورِينَ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الدَّفْعُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ. وَالْآخَرُ: نِكَايَةُ عَدُوِّهِمْ. وَلَوْ كَانُوا غَيْرَ مُلْتَحِمِينَ فَتَتَرَّسُوا بِأَطْفَالِهِمْ فَقَدْ قِيلَ: يُضْرَبُ الْمُتَتَرِّسُ مِنْهُمْ وَلَا يُعْمَدُ الطِّفْلُ وَقَدْ قِيلَ: يَكُفُّ، وَلَوْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمٍ رَأَيْت أَنْ يُكَفَّ إلَّا أَنْ يَكُونُوا مُلْتَحِمِينَ فَيُضْرَبَ الْمُشْرِكُ وَيُتَوَقَّى الْمُسْلِمُ جَهْدَهُ فَإِنْ أَصَابَ فِي هَذِهِ الْحَالِ مُسْلِمًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 378 قَالَ فِي كِتَابِ حُكْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَعْتَقَ رَقَبَةً وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ: إنْ كَانَ عَلِمَهُ مُسْلِمًا فَالدِّيَةُ مَعَ الرَّقَبَةِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ هَذَا عِنْدِي بِمُخْتَلِفٍ وَلَكِنَّهُ يَقُولُ: إنْ كَانَ قَتَلَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الدَّمِ فَالدِّيَةُ مَعَ الرَّقَبَةِ، فَإِذَا ارْتَفَعَ الْعِلْمُ فَالرَّقَبَةُ دُونَ الدِّيَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ رَمَى فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَصَابَ مُسْتَأْمَنًا وَلَمْ يَقْصِدْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا رَقَبَةٌ، وَلَوْ كَانَ عَلِمَ بِمَكَانِهِ ثُمَّ رَمَاهُ غَيْرَ مُضْطَرٍّ إلَى الرَّمْيِ فَعَلَيْهِ رَقَبَةٌ وَدِيَةٌ. وَلَوْ أَدْرَكُونَا وَفِي أَيْدِينَا خَيْلُهُمْ أَوْ مَاشِيَتُهُمْ لَمْ يَحِلَّ قَتْلُ شَيْءٍ مِنْهَا وَلَا عَقْرُهُ إلَّا أَنْ يَذْبَحَ لِمَأْكَلِهِ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لِغَيْظِهِمْ بِقَتْلِهِمْ طَلَبْنَا غَيْظَهُمْ بِقَتْلِ أَطْفَالِهِمْ، وَلَكِنْ لَوْ قَاتَلُونَا عَلَى خَيْلِهِمْ فَوَجَدْنَا السَّبِيلَ إلَى قَتْلِهِمْ بِأَنْ نَعْقِرَ بِهِمْ فَعَلْنَا؛ لِأَنَّهَا تَحْتَهُمْ أَدَاةٌ لِقَتْلِنَا وَقَدْ عَقَرَ حَنْظَلَةُ بْنُ الرَّاهِبِ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ يَوْمَ أُحُدٍ فانكسعت بِهِ فَرَسُهُ فَسَقَطَ عَنْهَا فَجَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ لِيَقْتُلَهُ فَرَآهُ ابْنُ شُعُوبٍ فَرَجَعَ إلَيْهِ فَقَتَلَهُ وَاسْتَنْقَذَ أَبَا سُفْيَانَ مِنْ تَحْتِهِ. وَقَالَ فِي كِتَابِ حُكْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ: وَإِنَّمَا تَرَكْنَا قَتْلَ الرُّهْبَانِ اتِّبَاعًا لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ فِي كِتَابِ السِّيَرِ وَيُقْتَلُ الشُّيُوخُ وَالْأُجَرَاءُ وَالرُّهْبَانُ قُتِّلَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ ابْنَ خَمْسِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ فِي شِجَارٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْجُلُوسَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُنْكِرْ قَتْلَهُ. (قَالَ) : وَرُهْبَانُ الدِّيَاتِ وَالصَّوَامِعِ وَالْمَسَاكِنِ سَوَاءٌ وَلَوْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خِلَافُ هَذَا لَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمْ بِالْجِدِّ عَلَى قِتَالِ مَنْ يُقَاتِلُهُمْ وَلَا يَتَشَاغَلُونَ بِالْمُقَامِ عَلَى الصَّوَامِعِ عَنْ الْحَرْبِ كَالْحُصُونِ لَا يُشْغَلُونَ بِالْمُقَامِ بِهَا عَمَّا يَسْتَحِقُّ النِّكَايَةَ بِالْعَدُوِّ وَلَيْسَ أَنَّ قِتَالَ أَهْلِ الْحُصُونِ حَرَامٌ، وَكَمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَطْعِ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ وَلَعَلَّهُ لِأَنَّهُ قَدْ حَضَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْطَعُ عَلَى بَنِي النَّضِيرِ وَحَضَرَهُ يَتْرُكُ وَعَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَهُمْ بِفَتْحِ الشَّامِ فَتَرَكَ قَطْعَهُ لِتَبْقَى لَهُمْ مَنْفَعَتُهُ إذَا كَانَ وَاسِعًا لَهُمْ تَرْكُ قَطْعِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي بِالْحَقِّ؛ لِأَنَّ كُفْرَ جَمِيعِهِمْ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ حِلُّ سَفْكِ دِمَائِهِمْ بِالْكُفْرِ فِي الْقِيَاسِ وَاحِدٌ، قَالَ: وَإِذَا أَمَّنَهُمْ مُسْلِمٌ حُرٌّ بَالِغٌ أَوْ عَبْدٌ يُقَاتِلُ أَوْ لَا يُقَاتِلُ أَوْ امْرَأَةٌ فَالْأَمَانُ جَائِزٌ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» وَلَوْ خَرَجُوا إلَيْنَا بِأَمَانِ صَبِيٍّ أَوْ مَعْتُوهٍ كَانَ عَلَيْنَا رَدُّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَنْ يَجُوزُ أَمَانُهُ لَهُمْ وَمَنْ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ أَنَّ عِلْجًا دَلَّ مُسْلِمِينَ عَلَى قَلْعَةٍ عَلَى أَنَّ لَهُ جَارِيَةً سَمَّاهَا فَلَمَّا انْتَهَوْا إلَيْهَا صَالَحَ صَاحِبُ الْقَلْعَةِ عَلَى أَنْ يَفْتَحَهَا لَهُمْ وَيُخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ فَفَعَلَ فَإِذَا أَهْلُهُ تِلْكَ الْجَارِيَةُ. فَأَرَى أَنْ يُقَالَ لِلدَّلِيلِ: إنْ رَضِيت الْعِوَضَ عَوَّضْنَاك بِقِيمَتِهَا وَإِنْ أَبَيْت قِيلَ لِصَاحِبِ الْقَلْعَةِ: أَعْطَيْنَاك مَا صَالَحْنَا عَلَيْهِ غَيْرَك بِجَهَالَةٍ فَإِنْ سَلَّمَتْهَا عَوَّضْنَاك وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ نَبَذْنَا إلَيْك وَقَاتَلْنَاك فَإِنْ كَانَتْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الظَّفَرِ أَوْ مَاتَتْ عُوِّضَ وَلَا يَبِينُ ذَلِكَ فِي الْمَوْتِ كَمَا يَبِينُ إذَا أَسْلَمَتْ. وَإِنْ غَزَتْ طَائِفَةٌ بِغَيْرِ أَمْرِ الْإِمَامِ كَرِهْتُهُ لِمَا فِي إذْنِ الْإِمَامِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِغَزْوِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ وَيَأْتِيهِ الْخَبَرُ عَنْهُمْ فَيُعِينُهُمْ حَيْثُ يُخَافُ هَلَاكُهُمْ فَيُقْتَلُونَ ضِيعَةً. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا أَعْلَمُ ذَلِكَ يُحَرَّمُ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إنْ قُتِلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا؟ قَالَ فَلَكَ الْجَنَّةُ قَالَ فَانْغَمَسَ فِي الْعَدُوِّ فَقَتَلُوهُ وَأَلْقَى رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ دِرْعًا كَانَ عَلَيْهِ حِينَ ذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَنَّةَ ثُمَّ انْغَمَسَ فِي الْعَدُوِّ فَقَتَلُوهُ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالَ فَإِذَا حَلَّ لِلْمُنْفَرِدِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى مَا الْأَغْلَبُ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَهُ كَانَ هَذَا أَكْثَرَ مِمَّا فِي الِانْفِرَادِ مِنْ الرَّجُلِ وَالرِّجَالِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ سَرِيَّةً وَحْدَهُمَا وَبَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ سَرِيَّةً وَحْدَهُ فَإِذَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَسَرَّى وَاحِدٌ لِيُصِيبَ غِرَّةً وَيَسْلَمَ بِالْحِيلَةِ أَوْ يُقْتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ مَا أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ غَنِيمَةٌ. قَالَ وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْغَنِيمَةِ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ حَضَرَ الْغَنِيمَةَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 379 لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ لِلْحُرِّ سَهْمًا وَيُرْضَخُ لِلْعَبْدِ. وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَفِي أَهْلِهَا أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَانَ أَخُوهُ أَوْ امْرَأَتُهُ قُطِعَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي كِتَابِ السَّرِقَةِ إنْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَمْ يُقْطَعْ. قَالَ: وَمَا اُفْتُتِحَ مِنْ أَرْضٍ مَوَاتٍ فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَمَا فَعَلَ الْمُسْلِمُونَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَزِمَهُمْ حُكْمُهُ حَيْثُ كَانُوا إذَا جُعِلَ ذَلِكَ لِإِمَامِهِمْ لَا تَضَعُ الدَّارُ عَنْهُمْ حَدَّ اللَّهِ وَلَا حَقًّا لِمُسْلِمٍ (وَقَالَ) فِي كِتَابِ السِّيَرِ وَيُؤَخَّرُ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ إلَّا أَنْ يَكُون خَلَّفَ الَّذِينَ يُقَاتَلُونَ أُمَّةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ خَلْفَ التَّرْكِ وَالْخَزَرِ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ فَلَا يُقَاتَلُونَ حَتَّى يُدْعَوْا إلَى الْإِيمَانِ فَإِنْ قُتِلَ مِنْهُمْ أَحَدٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَعَلَى مَنْ قَتَلَهُ الدِّيَةُ. [بَابُ مَا أَحْرَزَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَمْلِكُ الْمُشْرِكُونَ مَا أَحْرَزُوهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِحَالٍ أَبَاحَ اللَّهُ لِأَهْلِ دِينِهِ مِلْكَ أَحْرَارِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَلَا يُسَاوُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَبَدًا قَدْ أَحْرَزُوا نَاقَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحْرَزَتْهَا مِنْهُمْ الْأَنْصَارِيَّةُ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَيْئًا وَجَعَلَهَا عَلَى أَصْلِ مِلْكِهِ فِيهَا، وَأَبَقَ لِابْنِ عُمَرَ عَبْدٌ وَعَازَ لَهُ فَرَسٌ فَأَحْرَزَهُمَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ أَحْرَزَهُمَا عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّا عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَالِكُهُ أَحَقُّ بِهِ قَبْلَ الْقَسْمِ وَبَعْدَهُ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِي أَنَّ الْمُشْرِكِينَ إذَا أَحْرَزُوا عَبْدًا لِمُسْلِمٍ فَأَدْرَكَهُ وَقَدْ أَوْجَفَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَسْمِ أَنَّهُ لِمَالِكِهِ بِلَا قِيمَةٍ ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ مَا وَقَعَ فِي الْمَقَاسِمِ فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ بِقَوْلِنَا وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعَوِّضَ مَنْ صَارَ فِي سَهْمِهِ مِثْلَ سَهْمِهِ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ وَهُوَ سَهْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا يُوَافِقُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ، وَقَالَ غَيْرُنَا: هُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالْقِيمَةِ إنْ شَاءَ وَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالَ مُسْلِمٍ فَلَا يُغْنَمَ أَوْ مَالَ مُشْرِكٍ فَيُغْنَمَ فَلَا يَكُونُ لِرَبِّهِ فِيهِ حَقٌّ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الْحُرَّ وَلَا الْمُكَاتَبَ وَلَا أُمَّ الْوَلَدِ وَلَا الْمُدَبَّرَ وَيَمْلِكُونَ مَا سِوَاهُمْ فَإِنَّمَا يَتَحَكَّمُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَأَوْدَعَ وَبَاعَ وَتَرَكَ مَالًا ثُمَّ قُتِلَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَجَمِيعُ مَالِهِ مَغْنُومٌ (وَقَالَ) فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ مَرْدُودٌ إلَى وَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَهُ أَمَانٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا عِنْدِي أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَيًّا لَا يُغْنَمُ مَالُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَهُ أَمَانٌ فَوَارِثُهُ فِيهِ بِمَثَابَتِهِ، قَالَ: وَمَنْ خَرَجَ إلَيْنَا مِنْهُمْ مُسْلِمًا أُحْرِزَ مَالُهُ وَصِغَارُ وَلَدِهِ حَصَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَسْلَمَ ابْنَا شُعْبَةَ فَأَحْرَزَ لَهُمَا إسْلَامُهُمَا أَمْوَالَهُمَا وَأَوْلَادَهُمَا الصِّغَارَ وَسَوَاءٌ الْأَرْضُ وَغَيْرُهَا. وَلَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ فَاشْتَرَى مِنْهُمْ دَارًا أَوْ أَرْضًا أَوْ غَيْرَهَا ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ الْأَرْضُ وَالدَّارُ فَيْءٌ وَالرَّقِيقُ وَالْمَتَاعُ لِلْمُشْتَرِي، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ عَنْوَةً فَخَلَّى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَأَرَاضِيهِمْ وَدِيَارِهِمْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لِأَنَّهُ عَفَا عَنْهُمْ وَدَخَلَهَا عَنْوَةً وَلَيْسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا كَغَيْرِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : مَا دَخَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْوَةً وَمَا دَخَلَهَا إلَّا صُلْحًا، وَاَلَّذِينَ قَاتَلُوا وَأَذِنَ فِي قَتْلِهِمْ بَنُو نُفَاثَةَ قَتَلَةُ خُزَاعَةَ وَلَيْسَ لَهُمْ بِمَكَّةَ دَارٌ إنَّمَا هَرَبُوا إلَيْهَا وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ دَفَعَ فَادَّعَوْا أَنَّ خَالِدًا بَدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ وَلَمْ يُنْفِذْ لَهُمْ الْأَمَانَ وَادَّعَى خَالِدٌ أَنَّهُمْ بَدَءُوهُ ثُمَّ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ لَهُمْ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ صَارَ إلَى قَبُولِ الْأَمَانِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ دَارِهِ فَهُوَ آمِنٌ» فَمَالُ مَنْ يُغْنَمُ وَلَا يُقْتَدَى إلَّا بِمَا صَنَعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَمَا كَانَ لَهُ خَاصَّةً فَمُبَيَّنٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَيْفَ يَجُوزُ قَوْلُهُمَا بِجَعْلِ بَعْضِ مَالِ الْمُسْلِمِ فَيْئًا وَبَعْضِهِ غَيْرَ فَيْءٍ أَمْ كَيْفَ يُغْنَمُ مَالُ مُسْلِمٍ بِحَالٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) قَدْ أَحْسَنَ - وَاَللَّهِ - الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا وَجَوَّدَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 380 [بَابُ وُقُوعِ الرَّجُلِ عَلَى الْجَارِيَةِ قَبْلَ الْقَسْمِ أَوْ يَكُونُ لَهُ فِيهِمْ أَبٌ أَوْ ابْنٌ وَحُكْمِ السَّبْيِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةٍ مِنْ الْمَغْنَمِ قَبْلَ الْقَسْمِ فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا يُؤَدِّيهِ فِي الْمَغْنَمِ وَيُنْهَى إنْ جَهِلَ وَيُعَزَّرُ إنْ عَلِمَ وَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهَا شَيْئًا قَالَ: وَإِنْ أَحْصَوْا الْمَغْنَمَ فَعَلِمَ كَمْ حَقُّهُ فِيهَا مَعَ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْمَغْنَمِ سَقَطَ عَنْهُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْهَا، وَإِنْ حَمَلَتْ فَهَكَذَا وَتُقَوَّمُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ بِهَا حَمْلٌ وَكَانَتْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّبْيِ ابْنٌ وَأَبٌ لِرَجُلٍ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْسِمَهُ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ مَنْ اجْتَلَبَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ، وَهُوَ لَوْ تَرَكَ حَقَّهُ مِنْ مَغْنَمِهِ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ حَتَّى يُقْسَمَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَإِذَا كَانَ فِيهِمْ ابْنُهُ فَلَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ قَبْلَ الْقَسْمِ كَانَتْ الْأَمَةُ تَحْمِلُ مِنْهُ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ أَبْعَدُ قَالَ: وَمَنْ سُبِيَ مِنْهُمْ مِنْ الْحَرَائِرِ فَقَدْ رُقَّتْ وَبَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ كَانَ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ سَبَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَ أَوْطَاسٍ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ وَرِجَالَهُمْ جَمِيعًا فَقَسَمَ السَّبْيَ وَأَمَرَ أَنْ لَا تُوطَأَ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ ذَاتِ زَوْجٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَيْسَ قَطْعُ الْعِصْمَةِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ بِأَكْثَرَ مِنْ اسْتِبَائِهِنَّ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا حَتَّى يَبْلُغَ سَبْعَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ وَهُوَ عِنْدَنَا اسْتِغْنَاءُ الْوَلَدِ عَنْهَا، وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْوَلَدِ فَأَمَّا الْأَخَوَانِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا نَبِيعُ أَوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ مَوْتِ أُمَّهَاتِهِمْ إلَّا أَنْ يَبْلُغُوا فَيَصِفُوا الْإِسْلَامَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَمِنْ قَوْلِهِ: إذَا سُبِيَ الطِّفْلُ وَلَيْسَ مَعَهُ أَبَوَاهُ وَلَا أَحَدُهُمَا إنَّهُ مُسْلِمٌ وَإِذَا سُبِيَ وَمَعَهُ أَحَدُهُمَا فَعَلَى دِينِهِمَا فَمَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ سَبْيُ الْأَطْفَالِ مَعَ أُمَّهَاتِهِمْ فَيَثْبُتُ فِي الْإِسْلَامِ حُكْمُ أُمَّهَاتِهِمْ وَلَا يُوجِبُ إسْلَامُهُمْ مَوْتَ أُمَّهَاتِهِمْ. (قَالَ) : وَمَنْ أُعْتِقَ مِنْهُمْ فَلَا يُوَرَّثُ كَمِثْلِ أَنْ لَا تَقُومَ بِنَسَبِهِ بَيِّنَةٌ. [بَابُ الْمُبَارَزَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا بَأْسَ بِالْمُبَارَزَةِ وَقَدْ بَارَزَ يَوْمَ بَدْرٍ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِإِذْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَارَزَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ مَرْحَبًا يَوْمَ خَيْبَرَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَارَزَ يَوْمَئِذٍ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ يَاسِرًا وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِذَا بَارَزَ مُسْلِمٌ مُشْرِكًا أَوْ مُشْرِكٌ مُسْلِمًا عَلَى أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ غَيْرُهُ وَفَّى بِذَلِكَ لَهُ فَإِنْ وَلَّى عَنْهُ الْمُسْلِمُ أَوْ جَرَحَهُ فَأَثْخَنَهُ فَلَهُمْ أَنْ يَحْمِلُوا عَلَيْهِ وَيَقْتُلُوهُ؛ لِأَنَّ قِتَالَهُمَا قَدْ انْقَضَى وَلَا أَمَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ أَنَّهُ آمِنٌ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَخْرَجِهِ مِنْ الصَّفِّ فَلَا يَكُونَ لَهُمْ قَتْلُهُ وَلَهُمْ دَفْعُهُ وَاسْتِنْقَاذُ الْمُسْلِمِ مِنْهُ فَإِنْ امْتَنَعَ وَعَرَضَ دُونَهُ لِيُقَاتِلَهُمْ قَاتَلُوهُ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَ أَمَانَ نَفْسِهِ أَعَانَ حَمْزَةُ عَلِيًّا عَلَى عُتْبَةَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فِي عُبَيْدَةَ قِتَالٌ وَلَمْ يَكُنْ لِعُتْبَةَ أَمَانٌ يَكُفُّونَ بِهِ عَنْهُ، وَلَوْ أَعَانَ الْمُشْرِكُونَ صَاحِبَهُمْ كَانَ حَقًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوا صَاحِبَهُمْ وَيَقْتُلُوا مَنْ أَعَانَ عَلَيْهِ وَلَا يَقْتُلُونَ الْمُبَارِزَ مَا لَمْ يَكُنْ اسْتَنْجَدَهُمْ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 381 [بَابُ فَتْحِ السَّوَادِ وَحُكْمِ مَا يُوقِفُهُ الْإِمَامُ مِنْ الْأَرْضِ لِلْمُسْلِمِينَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا أَعْرِفُ مَا أَقُولُ فِي أَرْضِ السَّوَادِ إلَّا بِظَنٍّ مَقْرُونٍ إلَى عِلْمٍ وَذَلِكَ أَنِّي وَجَدْت أَصَحَّ حَدِيثٍ يَرْوِيهِ الْكُوفِيُّونَ عِنْدَهُمْ فِي السَّوَادِ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ وَوَجَدْت أَحَادِيثَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ تُخَالِفُهُ مِنْهَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ السَّوَادَ صُلْحٌ، وَيَقُولُونَ: إنَّ السَّوَادَ عَنْوَةٌ، وَيَقُولُونَ: بَعْضُ السَّوَادِ صُلْحٌ وَبَعْضُهُ عَنْوَةٌ، وَيَقُولُونَ: إنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ رَوَاهُ وَهَذَا أَثْبَتُ حَدِيثٍ عِنْدَهُمْ فِيهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كَانَتْ بِجَبْلَةَ رُبُعُ النَّاسِ فَقَسَمَ لَهُمْ رُبُعَ السَّوَادِ فَاسْتَغَلُّوهُ ثَلَاثَ أَوْ أَرْبَعَ سِنِينَ شَكَّ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ قَدِمْت عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعِي فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ قَدْ سَمَّاهَا وَلَمْ يَحْضُرْنِي ذِكْرُ اسْمِهَا، قَالَ عُمَرُ: لَوْلَا أَنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ لَتَرَكْتُكُمْ عَلَى مَا قُسِمَ لَكُمْ وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تَرُدُّوا عَلَى النَّاسِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَكَانَ فِي حَدِيثِهِ وعاضني مِنْ حَقِّي فِيهِ نَيِّفًا وَثَمَانِينَ دِينَارًا وَكَانَ فِي حَدِيثِهِ فَقَالَتْ فُلَانَةُ: قَدْ شَهِدَ أَبِي الْقَادِسِيَّةَ وَثَبَتَ سَهْمُهُ وَلَا أُسْلِمُ حَتَّى تُعْطِيَنِي كَذَا وَكَذَا فَأَعْطَاهَا إيَّاهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ -) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ إذْ أَعْطَى جَرِيرًا عِوَضًا مِنْ سَهْمِهِ وَالْمَرْأَةَ عِوَضًا مِنْ سَهْمِ أَبِيهَا عَلَى أَنَّهُ اسْتَطَابَ أَنْفُسَ الَّذِينَ أَوْجَفُوا عَلَيْهِ فَتَرَكُوا حُقُوقَهُمْ مِنْهُ فَجَعَلَهُ وَقْفًا لِلْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ «سَبَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَوَازِنَ وَقَسَمَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ بَيْنَ الْمُوجِفِينَ ثُمَّ جَاءَتْهُ وُفُودُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ وَأَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ فَخَيَّرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْأَمْوَالِ وَالسَّبْيِ، فَقَالُوا: خَيَّرْتنَا بَيْنَ أَحْسَابِنَا وَأَمْوَالِنَا فَنَخْتَارُ أَحْسَابَنَا، فَتَرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقَّهُ وَحَقَّ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ الْمُهَاجِرُونَ فَتَرَكُوا لَهُ حُقُوقَهُمْ وَسَمِعَ بِذَلِكَ الْأَنْصَارُ فَتَرَكُوا لَهُ حُقُوقَهُمْ، ثُمَّ بَقِيَ قَوْمٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَأَمَرَ فَعَرَّفَ عَلَى كُلِّ عَشَرَةٍ وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ: ائْتُونِي بِطِيبِ أَنْفُسِ مَنْ بَقِيَ فَمَنْ كَرِهَ فَلَهُ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْإِبِلِ إلَى وَقْتٍ ذَكَرَهُ قَالَ: فَجَاءُوهُ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ إلَّا الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ وَعُتَيْبَةَ بْنَ بَدْرٍ فَإِنَّهُمَا أَتَيَا لِيُعَيِّرَا هَوَازِنَ فَلَمْ يُكْرِهْهُمَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ حَتَّى كَأَنَّاهُمَا تُرِكَا بَعْدُ بِأَنْ خَدَعَ عُتْبَةَ عَنْ حَقِّهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَقَّ مَنْ طَابَ نَفْسًا عَنْ حَقِّهِ» قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى الْأَمْرَيْنِ بِعُمَرَ عِنْدَنَا فِي السَّوَادِ وَفُتُوحِهِ إنْ كَانَ عَنْوَةً لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَسْمٌ إلَّا عَنْ أَمْرِ عُمَرَ لِكِبَرِ قَدْرِهِ، وَلَوْ يَفُوتُ عَلَيْهِ مَا انْبَغَى أَنْ يَغِيبَ عَنْهُ قَسْمُهُ ثَلَاثَ سِنِينَ وَلَوْ كَانَ الْقَسْمُ لَيْسَ لِمَنْ قُسِمَ لَهُ مَا كَانَ لَهُ مِنْهُ عِوَضٌ وَلَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرُدُّوا الْغَلَّةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ، وَهَكَذَا صَنَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَيْبَرَ وَبَنِي قُرَيْظَةَ لِمَنْ أَوْجَفَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ وَالْخُمْسُ لِأَهْلِهِ فَمَنْ طَابَ نَفْسًا عَنْ حَقِّهِ فَجَائِزٌ لِلْإِمَامِ نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَجْعَلَهَا وَقْفًا عَلَيْهِمْ تُقْسَمُ غَلَّتُهُ فِيهِمْ عَلَى أَهْلِ الْفَيْءِ وَالصَّدَقَةِ وَحَيْثُ يَرَى الْإِمَامُ. وَمَنْ لَمْ يَطِبْ نَفْسًا فَهُوَ أَحَقُّ بِمَالِهِ. وَأَيُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى أَنَّ أَرْضَهَا لِأَهْلِهَا يُؤَدُّونَ فِيهَا خَرَاجًا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ وَمَا أُخِذَ مِنْ خَرَاجِهَا فَهُوَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ دُونَ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ؛ لِأَنَّهُ فَيْءٌ مِنْ مَالِ مُشْرِكٍ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ مُشْرِكٍ فَقَدْ مَلَكَ الْمُسْلِمُونَ رَقَبَةَ الْأَرْضِ أَفَلَيْسَ بِحَرَامٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ صَاحِبُ صَدَقَةٍ وَلَا صَاحِبُ فَيْءٍ وَلَا غَنِيٌّ وَلَا فَقِيرٌ؛ لِأَنَّهُ كَالصَّدَقَةِ الْمَوْقُوفَةِ يَأْخُذُهَا مَنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكْتَرِيَ الْمُسْلِمُ مِنْ أَرْضِ الصُّلْحِ كَمَا يَكْتَرِي دَوَابَّهُمْ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يُؤَدِّيَ الْخَرَاجَ وَلَا لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إنَّمَا هُوَ خَرَاجُ الْجِزْيَةِ وَهَذَا كِرَاءٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 382 [بَابُ الْأَسِيرِ يُؤْخَذُ عَلَيْهِ الْعَهْدُ أَنْ لَا يَهْرُبَ أَوْ عَلَى الْفِدَاءِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا أُسِرَ الْمُسْلِمُ فَأَحْلَفَهُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ بِلَادِهِمْ إلَّا أَنْ يُخَلُّوهُ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ لَا يَسَعُهُ أَنْ يُقِيمَ وَيَمِينُهُ يَمِينُ مُكْرَهٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْتَالَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَمَّنُوهُ فَهُمْ فِي أَمَانٍ مِنْهُ، وَلَوْ حَلَفَ وَهُوَ مُطْلَقٌ كَفَّرَ وَلَوْ خَلَّوْهُ عَلَى فِدَاءٍ إلَى وَقْتٍ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَادَ إلَى أَسْرِهِمْ فَلَا يَعُودُ وَلَا يَدَعُهُ الْإِمَامُ أَنْ يَعُودَ، وَلَوْ امْتَنَعُوا مِنْ تَخْلِيَتِهِ إلَّا عَلَى مَالٍ يُعْطِيهُمُوهُ فَلَا يُعْطِيهِمْ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ أَكْرَهُوهُ عَلَى دَفْعِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَوْ أَعْطَاهُمُوهُ عَلَى شَيْءٍ أَخَذَهُ مِنْهُمْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إلَّا أَدَاؤُهُ إلَيْهِمْ إنَّمَا أُطْرِحَ عَنْهُ مَا اُسْتُكْرِهَ عَلَيْهِ. (قَالَ) : وَإِذَا قَدِمَ لِيُقْتَلَ لَمْ يَجُزْ لَهُ مِنْ مَالِهِ إلَّا الثُّلُثُ. [بَابُ إظْهَارِ دِينِ النَّبِيِّ عَلَى الْأَدْيَانِ كُلِّهَا مِنْ كِتَابِ الْجِزْيَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33] وَرُوِيَ مُسْنَدًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (قَالَ) : «وَلَمَّا أَتَى كِتَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى كِسْرَى مَزَّقَهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُمَزَّقُ مُلْكُهُ» قَالَ: وَحَفِظْنَا أَنَّ قَيْصَرَ أَكْرَمَ كِتَابَهُ وَوَضَعَهُ فِي مِسْكٍ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَثْبُتُ مُلْكُهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ فَتْحَ فَارِسَ وَالشَّامِ فَأَغْزَى أَبُو بَكْرٍ الشَّامَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ فَتْحِهَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَتَحَ بَعْضَهَا وَتَمَّ فَتْحُهَا فِي زَمَنِ عُمَرَ، وَفَتَحَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْعِرَاقَ وَفَارِسَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ دِينَ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ بِأَنْ أَبَانَ لِكُلِّ مَنْ تَبِعَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ وَمَا خَالَفَهُ مِنْ الْأَدْيَانِ فَبَاطِلٌ وَأَظْهَرَهُ بِأَنَّ جِمَاعَ الشِّرْكِ دِينَانِ دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَدِينُ أُمِّيِّينَ فَقَهَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأُمِّيِّينَ حَتَّى دَانُوا بِالْإِسْلَامِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَقَتَلَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَسَبَى حَتَّى دَانَ بَعْضُهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَأَعْطَى بَعْضٌ الْجِزْيَةَ صَاغِرِينَ وَجَرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَهَذَا ظُهُورُهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ قَالَ وَيُقَالُ وَيُظْهَرُ دِينُهُ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ حَتَّى لَا يُدَانَ لِلَّهِ إلَّا بِهِ وَذَلِكَ مَتَى شَاءَ اللَّهُ. (قَالَ) : وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَنْتَابُ الشَّامَ انْتِيَابًا كَثِيرًا وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ مَعَاشِهِمْ مِنْهُ وَتَأْتِي الْعِرَاقَ فَلَمَّا دَخَلَتْ فِي الْإِسْلَامِ ذَكَرَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَوْفَهَا مِنْ انْقِطَاعِ مَعَاشِهَا بِالتِّجَارَةِ مِنْ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ إذَا فَارَقَتْ الْكُفْرَ وَدَخَلَتْ فِي الْإِسْلَامِ مَعَ خِلَافِ مُلْكِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ» فَلَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ كِسْرَى ثَبَتَ لَهُ أَمْرٌ بَعْدَهُ، وَقَالَ «إذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ» فَلَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ الشَّامِ قَيْصَرُ بَعْدَهُ، وَأَجَابَهُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالُوا وَكَانَ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَطَعَ اللَّهُ الْأَكَاسِرَةَ عَنْ الْعِرَاقِ وَفَارِسَ وَقَيْصَرَ وَمَنْ قَامَ بَعْدَهُ بِالشَّامِ وَقَالَ فِي قَيْصَرَ يَثْبُتُ مُلْكُهُ فَثَبَتَ لَهُ مُلْكُهُ بِبِلَادِ الرُّومِ إلَى الْيَوْمِ وَتَنَحَّى مُلْكُهُ عَنْ الشَّامِ وَكُلُّ هَذَا مُتَّفَقٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 383 [كِتَابُ مُخْتَصَرِ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الْجِزْيَةِ] [بَابُ مَنْ يُلْحَقُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ] ِ وَمَا دَخَلَ فِيهِ مِنْ اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ وَمِنْ كِتَابِ الْوَاقِدِيِّ وَاخْتِلَافِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِم ْ بَابُ مَنْ يُلْحَقُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : انْتَوَتْ قَبَائِلُ مِنْ الْعَرَبِ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُنَزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَدَانَتْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَأَخَذَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْجِزْيَةَ مِنْ أُكَيْدِرَ دُومَةَ، وَهُوَ رَجُلٌ يُقَالُ: إنَّهُ مِنْ غَسَّانَ أَوْ مِنْ كِنْدَةَ وَمِنْ أَهْلِ ذِمَّةِ الْيَمَنِ وَعَامَّتُهُمْ عَرَبٌ وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ وَفِيهِمْ عَرَبٌ، فَدَلَّ مَا وَصَفْت أَنَّ الْجِزْيَةَ لَيْسَتْ عَلَى الْأَحْسَابِ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْأَدْيَانِ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْعَامَّةِ أَهْلَ التَّوْرَاةِ مِنْ الْيَهُودِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ النَّصَارَى وَكَانُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَأُحِطْنَا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ كُتُبًا غَيْرَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى - وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 36 - 37] وَقَالَ تَعَالَى {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] فَأَخْبَرَ أَنَّ لَهُ كِتَابًا سِوَى هَذَا الْمَشْهُورِ قَالَ فَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ الْعَرَبِ فَنَحْنُ كُنَّا عَلَى هَذَا أَحْرَصَ، وَلَوْلَا أَنْ نَأْثَمَ بِتَمَنِّي بَاطِلٍ لَوَدِدْنَاهُ كَمَا قَالَ وَأَنْ لَا يُجْرَى عَلَى عَرَبِيٍّ صَغَارٌ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَجَلُّ فِي أَعْيُنِنَا مِنْ أَنْ نُحِبَّ غَيْرَ مَا حَكَمَ اللَّهُ بِهِ تَعَالَى. (قَالَ) : وَالْمَجُوسُ أَهْلُ كِتَابٍ دَانُوا بِغَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَخَالَفُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فِي بَعْضِ دِينِهِمْ كَمَا خَالَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فِي بَعْضِ دِينِهِمْ، وَكَانَتْ الْمَجُوسُ فِي طَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ لَا يَعْرِفُ السَّلَفُ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ مِنْ دِينِهِمْ مَا يَعْرِفُونَ مِنْ دِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حَتَّى عَرَفُوهُ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ بَدَّلُوا فَأَصْبَحُوا وَقَدْ أُسْرِيَ بِكِتَابِهِمْ وَأَخَذَهَا مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةُ مِثْلُهُمْ يُؤْخَذُ مِنْ جَمِيعِهِمْ الْجِزْيَةُ وَلَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَلَا مِمَّنْ عَبَدَ مَا اسْتَحْسَنَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ. [بَابُ الْجِزْيَةِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَالضِّيَافَةِ وَمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ] ْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ قَالَ: وَالصَّغَارُ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ وَتُجْرَى عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ وَلَا نَعْلَمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ أَحَدًا عَلَى أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ فَمَنْ أَعْطَى مِنْهُمْ دِينَارًا غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا فِي كُلِّ سَنَةٍ قَبِلَ مِنْهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ مِنْ غَنِيٍّ وَلَا فَقِيرٍ فَإِنْ زَادُوا قُبِلَ مِنْهُمْ وَقَالَ فِي كُتُبِ السِّيَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَى فَقِيرٍ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ عِنْدِي فِي أَصْلِهِ وَأَوْلَى عِنْدِي بِقَوْلِهِ وَإِنْ صَالَحُوا عَلَى ضِيَافَةِ مَا وُظِّفَتْ ثَلَاثًا قَالَ: وَيُضَيِّفُ الْمُوسِرُ كَذَا وَالْوَسَطُ كَذَا وَيُسَمَّى مَا يُطْعِمُونَهُمْ خُبْزَ كَذَا وَأُدُمَ كَذَا وَيَعْلِفُونَ دَوَابَّهُمْ مِنْ التِّبْنِ وَالشَّعِيرِ كَذَا وَيُضَيِّفُ مَنْ مَرَّ بِهِ مِنْ وَاحِدٍ إلَى كَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 384 وَأَيْنَ يُنْزِلُونَهُمْ مِنْ فُضُولِ مَنَازِلِهِمْ أَوْ فِي كَنَائِسِهِمْ أَوْ فِيمَا يَكُنْ مِنْ حَرٍّ وَبَرْدٍ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ امْرَأَةٍ وَلَا مَجْنُونٍ حَتَّى يُفِيقَ وَلَا مَمْلُوكٍ حَتَّى يَعْتِقَ وَلَا صَبِيٍّ حَتَّى يَنْبُتَ الشَّعْرُ تَحْتَ ثِيَابِهِ أَوْ يَحْتَلِمَ أَوْ يَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَيَلْزَمَهُ الْجِزْيَةُ كَأَصْحَابِهِ وَتُؤْخَذُ مِنْ الشَّيْخِ الْفَانِي وَالزَّمِنِ وَمَنْ بَلَغَ وَأُمُّهُ نَصْرَانِيَّةٌ وَأَبُوهُ مَجُوسِيٌّ أَوْ أُمُّهُ مَجُوسِيَّةٌ وَأَبُوهُ نَصْرَانِيٌّ فَجِزْيَتُهُ جِزْيَةُ أَبِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ لَسْت أَنْظُرُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَأَيُّهُمْ أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ فَالْإِمَامُ غَرِيمٌ يَضْرِبُ مَعَ غُرَمَائِهِ وَإِنْ أَسْلَمَ وَقَدْ مَضَى بَعْضُ السَّنَةِ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْهَا وَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِمْ أَنَّ مَنْ ذَكَرَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ دِينَ اللَّهِ بِمَا لَا يَنْبَغِي أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَوْ أَصَابَهَا بِاسْمِ نِكَاحٍ أَوْ فَتَنَ مُسْلِمًا عَنْ دِينِهِ أَوْ قَطَعَ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ أَوْ أَعَانَ أَهْلَ الْحَرْبِ بِدَلَالَةٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ آوَى عَيْنًا لَهُمْ فَقَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ وَأُحِلَّ دَمُهُ وَبَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى وَذِمَّةُ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُسْمِعُوا الْمُسْلِمِينَ شِرْكَهُمْ وَقَوْلَهُمْ فِي عُزَيْرٍ وَالْمَسِيحِ وَلَا يُسْمِعُونَهُمْ ضَرْبَ نَاقُوسٍ وَإِنْ فَعَلُوا عُزِّرُوا وَلَا يَبْلُغُ بِهِمْ الْحَدَّ وَلَا يُحْدِثُوا فِي أَمْصَارِ الْإِسْلَامِ كَنِيسَةً وَلَا مَجْمَعًا لِصَلَاتِهِمْ وَلَا يُظْهِرُوا فِيهَا حَمْلَ خَمْرٍ وَلَا إدْخَالَ خِنْزِيرٍ وَلَا يُحْدِثُونَ بِنَاءً يَتَطَوَّلُونَ بِهِ بِنَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ هَيْئَتِهِمْ فِي الْمَلْبَسِ وَالْمَرْكَبِ وَبَيْنَ هَيْئَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يَعْقِدُوا الزَّنَانِيرَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ وَلَا يَدْخُلُوا مَسْجِدًا وَلَا يَسْقُوا مُسْلِمًا خَمْرًا وَلَا يُطْعِمُوهُ خِنْزِيرًا فَإِنْ كَانُوا فِي قَرْيَةٍ يَمْلِكُونَهَا مُنْفَرِدِينَ لَمْ نَتَعَرَّضْ لَهُمْ فِي خَمْرِهِمْ وَخَنَازِيرِهِمْ وَرَفْعِ بُنْيَانِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ بِمِصْرَ الْمُسْلِمِينَ كَنِيسَةٌ أَوْ بِنَاءٌ طَائِلٌ لِبِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ هَدْمُ ذَلِكَ وَتُرِكُوا عَلَى مَا وُجِدُوا وَمُنِعُوا إحْدَاثَ مِثْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمِصْرُ لِلْمُسْلِمِينَ أَحْيَوْهُ أَوْ فَتَحُوهُ عَنْوَةً وَشُرِطَ هَذَا عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِنْ كَانُوا فَتَحُوا بِلَادَهُمْ عَلَى صُلْحٍ مِنْهُمْ عَلَى تَرْكِهِمْ ذَلِكَ خُلُّوا وَإِيَّاهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالَحُوا عَلَى أَنْ يَنْزِلُوا بِلَادَ الْإِسْلَامِ يُحْدِثُوا فِيهَا ذَلِكَ وَيَكْتُبُ الْإِمَامُ أَسْمَاءَهُمْ وَحِلَاهُمْ فِي دِيوَانٍ وَيُعَرِّفُ عَلَيْهِمْ عُرَفَاءَ لَا يَبْلُغُ مِنْهُمْ مَوْلُودٌ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِهِمْ إلَّا رَفَعَهُ إلَيْهِ. وَإِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ صُلْحُهُمْ بَعَثَ فِي كُلِّ بِلَادٍ فَجُمِعَ الْبَالِغُونَ مِنْهُمْ ثُمَّ يُسْأَلُونَ عَنْ صُلْحِهِمْ فَمَنْ أَقَرَّ بِأَقَلِّ الْجِزْيَةِ قُبِلَ مِنْهُ وَمَنْ أَقَرَّ بِزِيَادَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُهَا وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَالِحَ أَحَدًا مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ الْحِجَازَ بِحَالٍ وَلَا يَبِينُ أَنْ يُحَرَّمَ أَنْ يَمُرَّ ذِمِّيٌّ بِالْحِجَازِ مَارًّا لَا يُقِيمُ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ وَذَلِكَ مُقَامُ مُسَافِرٍ لِاحْتِمَالِ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِجْلَائِهِمْ عَنْهَا أَنْ لَا يَسْكُنُوهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَهَا الرُّسُلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6] الْآيَةَ وَلَوْلَا أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجَّلَ مَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْهُمْ تَاجِرًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يُقِيمُ فِيهَا بَعْدَ ثَلَاثٍ لَرَأَيْتُ أَنْ لَا يُصَالَحُوا عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا بِحَالٍ وَلَا يُتْرَكُوا يَدْخُلُونَهَا إلَّا بِصُلْحٍ كَمَا كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَأْخُذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إذَا دَخَلُوا الْمَدِينَةَ وَلَا يَتْرُكُ أَهْلَ الْحَرْبِ يَدْخُلُونَ بِلَادَ الْإِسْلَامِ تُجَّارًا فَإِنْ دَخَلُوا بِغَيْرِ أَمَانٍ وَلَا رِسَالَةٍ غَنِمُوا فَإِنْ دَخَلُوا بِأَمَانٍ وَشُرِطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ عُشْرٌ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ أُخِذَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شُرِطَ عَلَيْهِمْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ شَيْءٌ، وَسَوَاءٌ كَانُوا يُعَشِّرُونَ الْمُسْلِمِينَ إذَا دَخَلُوا بِلَادَهُمْ أَوْ يَخْمِسُونَهُمْ أَوْ لَا يَعْرِضُونَ لَهُمْ وَإِذَا اتَّجَرُوا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إلَى أُفُقٍ مِنْ الْآفَاقِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً كَالْجِزْيَةِ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَتَبَ أَنْ يُؤْخَذَ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يُكْتَبَ لَهُمْ بَرَاءَةٌ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْحَوْلِ وَلَوْلَا أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخَذَهُ مِنْهُمْ مَا أَخَذْنَاهُ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ أَحَدٍ فِي سَنَةٍ إلَّا مَرَّةً. (قَالَ) : وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا أَخَذَ عُمَرُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رُبُعُ الْعُشْرِ وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَمِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرُ اتِّبَاعًا لَهُ عَلَى مَا أَخَذَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ حَدِيثٍ صَحِيحِ الْإِسْنَادِ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ النَّبَطِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ نِصْفَ الْعُشْرِ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُكْثِرَ الْحَمْلَ إلَى الْمَدِينَةِ وَمِنْ الْقُطْنِيَّةِ الْعُشْرَ. (قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 385 الشَّافِعِيُّ) وَلَا أَحْسِبُهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُمْ إلَّا بِشَرْطٍ. (قَالَ) : وَيُحَدِّدُ الْإِمَامُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي تِجَارَاتِهِمْ مَا يَبِينُ لَهُ وَلَهُمْ وَلِلْعَامَّةِ لِيَأْخُذَهُمْ بِهِ الْوُلَاةُ وَأَمَّا الْحَرَمُ فَلَا يَدْخُلُهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ بِحَالٍ كَانَ لَهُ بِهَا مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَيَخْرُجُ الْإِمَامُ مِنْهُ إلَى الرُّسُلِ وَمَنْ كَانَ بِهَا مِنْهُمْ مَرِيضًا أَوْ مَاتَ أُخْرِجَ مَيِّتًا وَلَمْ يُدْفَنْ بِهَا. وَرُوِيَ أَنَّهُ سَمِعَ عَدَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي يَرْوُونَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَجْتَمِعُ مُسْلِمٌ وَمُشْرِكٌ فِي الْحَرَمِ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا» . [بَابٌ فِي نَصَارَى الْعَرَبِ تُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ وَمَسْلَكُ الْجِزْيَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي نَصَارَى الْعَرَبِ مِنْ تَنُوخِ وَبَهْرَاءَ وَبَنِي تَغْلِبَ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ وَلَا يُكْرَهُوا عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ، وَهَكَذَا حَفِظَ أَهْلُ الْمَغَازِي قَالُوا رَامَهُمْ عُمَرُ عَلَى الْجِزْيَةِ فَقَالُوا: نَحْنُ عَرَبٌ لَا نُؤَدِّي مَا يُؤَدِّي الْعَجَمُ وَلَكِنْ خُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يَعْنُونَ الصَّدَقَةَ؛ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا، هَذَا فَرْضٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: فَزِدْ مَا شِئْت بِهَذَا الِاسْمِ لَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ فَرَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ. (قَالَ) : فَإِذَا ضَعَّفَهَا عَلَيْهِمْ فَانْظُرْ إلَى مَوَاشِيهِمْ وَذَهَبِهِمْ وَوَرِقِهِمْ وَأَطْعِمَتِهِمْ وَمَا أَصَابُوا مِنْ مَعَادِنِ بِلَادِهِمْ وَرِكَازِهَا وَكُلِّ أَمْرٍ أُخِذَ فِيهِ مِنْ مُسْلِمٍ خُمُسٌ فَخُذْ خُمُسَيْنِ أَوْ عُشْرٌ فَخُذْ عُشْرَيْنِ أَوْ نِصْفُ عُشْرٍ فَخُذْ عُشْرًا أَوْ رُبُعُ عُشْرٍ فَخُذْ نِصْفَ عُشْرٍ، وَكَذَلِكَ مَاشِيَتُهُمْ خُذْ الضِّعْفَ مِنْهَا وَكُلُّ مَا أُخِذَ مِنْ ذِمِّيٍّ عَرَبِيٍّ فَمَسْلَكُهُ مَسْلَكُ الْفَيْءِ وَمَا اتَّجَرَ بِهِ نَصَارَى الْعَرَبِ وَأَهْلُ دِينِهِمْ وَإِنْ كَانُوا يَهُودًا تُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ فِيهِ الصَّدَقَةُ. [بَابُ الْمُهَادَنَةِ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ] َ وَنَقْضِ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الصُّلْحِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ بِقُوَّةِ عَدُوٍّ عَلَيْهِمْ - وَأَرْجُو أَنْ لَا يُنْزِلَهَا اللَّهُ بِهِمْ - هَادَنَهُمْ الْإِمَامُ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ إلَى مُدَّةٍ يَرْجُو إلَيْهَا الْقُوَّةَ عَلَيْهِمْ لَا تُجَاوِزُ مُدَّةَ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ الَّتِي هَادَنَهُمْ عَلَيْهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهِيَ عَشْرُ سِنِينَ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُهَادِنَ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ عَلَى أَنَّهُ مَتَى بَدَا لَهُ نَقَضَ الْهُدْنَةَ فَجَائِزٌ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا عَلَى الْعَدُوِّ لَمْ يُهَادِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَمَّا قَوِيَ الْإِسْلَامُ {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1] الْآيَةَ وَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَفْوَان بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ بِسِنِينَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَا أَعْلَمُهُ زَادَ أَحَدٌ بَعْدَ قُوَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَمِّنَ الرَّسُولَ وَالْمُسْتَأْمَنَ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَبْلُغَانِ حَاجَتَهُمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ بِهَا سَنَةً بِغَيْرِ جِزْيَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُهَادِنَهُمْ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ شَيْئًا بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لِلْمُسْلِمِينَ شَهَادَةٌ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ أَعَزُّ مِنْ أَنْ يُعْطَى مُشْرِكٌ عَلَى أَنْ يَكُفَّ عَنْ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ أَهْلَهُ قَاتِلِينَ وَمَقْتُولِينَ ظَاهِرُونَ عَلَى الْحَقِّ إلَّا فِي حَالٍ يَخَافُونَ الِاصْطِدَامَ فَيُعْطُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَوْ يَفْتَدِي مَأْسُورًا فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ. وَإِنْ صَالَحَهُمْ الْإِمَامُ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فَالطَّاعَةُ نَقْضُهُ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النِّسَاءِ وَقَدْ أَعْطَى الْمُشْرِكِينَ فِيهِنَّ مَا أَعْطَاهُمْ فِي الرِّجَالِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ فَجَاءَتْهُ أُمُّ كُلْثُوم بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً فَجَاءَ أَخَوَاهَا يَطْلُبَانِهَا فَمَنَعَهَا مِنْهُمَا وَأَخْبَرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 386 أَنَّ اللَّهَ مَنَعَ الصُّلْحَ فِي النِّسَاءِ وَحَكَمَ فِيهِنَّ غَيْرَ حُكْمِهِ فِي الرِّجَالِ وَبِهَذَا قُلْنَا: لَوْ أَعْطَى الْإِمَامُ قَوْمًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ الْأَمَانَ عَلَى أَسِيرٍ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مَالٍ ثُمَّ جَاءُوهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إلَّا نَزْعُهُ مِنْهُمْ بِلَا عِوَضٍ وَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ أَبَا جَنْدَلِ بْنَ سُهَيْلٍ إلَى أَبِيهِ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ إلَى أَهْلِهِ قِيلَ لَهُ أَهْلُوهُمْ أَشْفَقُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ وَأَحْرَصُهُمْ عَلَى سَلَامَتِهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَقُونَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ مِمَّا يُؤْذِيهِمْ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونُوا مُتَّهَمِينَ عَلَى أَنْ يَنَالُوهُمْ بِتَلَفٍ أَوْ عَذَابٍ وَإِنَّمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ دِينَهُمْ فَكَانُوا يُشَدِّدُونَ عَلَيْهِمْ بِتَرْكِ دِينِهِمْ كُرْهًا وَقَدْ وَضَعَ اللَّهُ الْمَأْثَمَ فِي إكْرَاهِهِمْ أَوَلَا تَرَى أَنَّ النِّسَاءَ إذَا أُرِيدَ بِهِنَّ الْفِتْنَةُ ضَعُفْنَ وَلَمْ يَفْهَمْنَ فَهْمَ الرِّجَالِ وَكَانَ التَّقِيَّةُ تَسَعُهُنَّ وَكَانَ فِيهِنَّ أَنْ يُصِيبَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَهُنَّ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ قَالَ: وَإِنْ جَاءَتْنَا امْرَأَةٌ مُهَادَنَةٌ أَوْ مُسْلِمَةٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى مَوْضِعِ الْإِمَامِ فَجَاءَ سِوَى زَوْجِهَا فِي طَلَبِهَا مُنِعَ مِنْهَا بِلَا عِوَضٍ. وَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا يُعْطَى مَا أَنْفَقَ وَهُوَ مَا دَفَعَ إلَيْهَا مِنْ الْمَهْرِ. وَالْآخَرُ لَا يُعْطَى وَقَالَ فِي آخِرِ الْجَوَابِ وَأَشْبَهُهُمَا أَنْ لَا يُعْطَوْا عِوَضًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا أَشْبَهُ بِالْحَقِّ عِنْدِي وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْقِدَ هَذَا الْعَقْدَ إلَّا الْخَلِيفَةُ أَوْ رَجُلٌ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلِي الْأَمْوَالَ كُلَّهَا وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ إنْفَاذُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى خَرْجٍ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ يَكُونُ فِي أَمْوَالِهِمْ مَضْمُونًا كَالْجِزْيَةِ وَلَا يَجُوزُ عُشُورُ مَا زَرَعُوا؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ. [بَابُ تَبْدِيلِ أَهْلِ الذِّمَّةِ دِينَهُمْ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَصْلُ مَا أَبْنِي عَلَيْهِ أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ دَانَ دِينَ كِتَابِيٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ آبَاؤُهُ دَانُوا بِهِ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ فَلَا تُقْبَلُ مِمَّنْ بَدَّلَ يَهُودِيَّةً بِنَصْرَانِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةً بِمَجُوسِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةً بِنَصْرَانِيَّةٍ أَوْ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا أَذِنَ اللَّهُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ عَلَى مَا دَانُوا بِهِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَذَلِكَ خِلَافُ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الدِّينِ بَعْدَهُ فَإِنْ أَقَامَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَإِلَّا نُبِذَ إلَيْهِ عَهْدُهُ وَأُخْرِجَ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ بِمَا لَهُ وَصَارَ حَرْبًا وَمَنْ بَدَّلَ دِينَهُ مِنْ كِتَابِيَّةٍ لَمْ يَحِلَّ نِكَاحُهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ قَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ إذَا بَدَّلَتْ بِدِينٍ يَحِلُّ نِكَاحُ أَهْلِهِ فَهِيَ حَلَالٌ وَهَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) فَمَنْ دَانَ مِنْهُمْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ نَقْضِ الْعَهْدِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا نَقَضَ الَّذِينَ عَقَدُوا الصُّلْحَ عَلَيْهِمْ أَوْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فَلَمْ يُخَالِفُوا النَّاقِضَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ظَاهِرٍ أَوْ اعْتِزَالِ بِلَادِهِمْ أَوْ يُرْسِلُونَ إلَى الْإِمَامِ أَنَّهُمْ عَلَى صُلْحِهِمْ فَلِلْإِمَامِ غَزْوُهُمْ وَقَتْلُ مُقَاتِلِيهِمْ وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ وَغَنِيمَةُ أَمْوَالِهِمْ وَهَكَذَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَنِي قُرَيْظَةَ عَقَدَ عَلَيْهِمْ صَاحِبُهُمْ فَنَقَضَ وَلَمْ يُفَارِقُوهُ وَلَيْسَ كُلُّهُمْ أَشْرَكَ فِي الْمَعُونَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ، وَلَكِنْ كُلُّهُمْ لَزِمَ حِصْنَهُ فَلَمْ يُفَارِقْ النَّاقِضَ إلَّا نَفَرٌ مِنْهُمْ، وَأَعَانَ عَلَى خُزَاعَةَ وَهُمْ فِي عَقْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَشَهِدُوا قِتَالَهُمْ فَغَزَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرَيْشًا عَامَ الْفَتْحِ بِغَدْرِ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ مِنْهُمْ وَتَرْكِهِمْ مَعُونَةَ خُزَاعَةَ وَإِيوَائِهِمْ مَنْ قَاتَلَهَا قَالَ: وَمَتَى ظَهَرَ مِنْ مُهَادِنِينَ مَا يَدُلُّ عَلَى خِيَانَتِهِمْ نُبِذَ إلَيْهِمْ عَهْدُهُمْ وَأَبْلَغَهُمْ مَأْمَنَهُمْ ثُمَّ هُمْ حَرْبٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} [الأنفال: 58] الْآيَةَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 387 [بَابُ الْحُكْمِ فِي الْمُهَادِنِينَ وَالْمُعَاهِدِينَ] َ وَمَا أُتْلِفَ مِنْ خَمْرِهِمْ وَخَنَازِيرِهِمْ وَمَا يَحِلُّ مِنْهُ وَمَا يُرَدُّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَزَلَ الْمَدِينَةَ وَادَعَ يَهُودَ كَافَّةً عَلَى غَيْرِ جِزْيَةٍ وَأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] إنَّمَا نَزَلَتْ فِيهِمْ وَلَمْ يُقَرُّوا أَنْ يُجْرَى عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ} [المائدة: 43] الْآيَةَ. (قَالَ) : وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْخِيَارُ فِي أَحَدٍ مِنْ الْمُعَاهِدِينَ الَّذِينَ يُجْرَى عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ إذَا جَاءُوهُ فِي حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَهُ لِمَا وَصَفْت مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا أَشْبَهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ لَا يُحَدُّونَ وَأَرْفَعُهُمْ إلَى أَهْلِ دِينِهِمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَا كَانُوا يَدِينُونَ بِهِ فَلَا يَجُوزُ حُكْمُنَا عَلَيْهِمْ بِإِبْطَالِهِ وَمَا أَحْدَثُوا مِمَّا لَيْسَ بِجَائِزٍ فِي دِينِهِمْ وَلَهُ حُكْمٌ عِنْدَنَا أُمْضِيَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَلَا يَكْشِفُونَ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا اسْتَحَلُّوهُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهِدٍ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ غَيْرِهِمْ وَإِنْ جَاءَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ مِنْهُمْ تَسْتَعْدِي بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا أَوْ آلَى مِنْهَا حَكَمْت عَلَيْهِ حُكْمِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرْته فِي الظِّهَارِ أَنْ لَا يُقَرَّ بِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً كَمَا يُؤَدِّي الْوَاجِبَ مِنْ حَدٍّ وَجُرْحٍ وَأَرْشٍ وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنْهُ وَأَنْفَذَ عِتْقَهُ وَلَا أَفْسَخُ نِكَاحَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَفَا عَنْ عَقْدِ مَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَأْنَفَ وَرَدَّ مَا جَاوَزَ الْعَدَدَ إلَّا أَنْ يَتَحَاكَمُوا وَهِيَ فِي عِدَّةٍ فَنَفْسَخُهُ، وَهَكَذَا كُلُّ مَا قَبَضَ مِنْ رِبًا أَوْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا عُفِيَ عَنْهُ وَمَنْ أَرَاقَ لَهُمْ خَمْرًا أَوْ قَتَلَ لَهُمْ خِنْزِيرًا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَلَا ثَمَنَ لِمُحَرَّمٍ فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتَ تُقِرُّهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ قِيلَ: نَعَمْ وَعَلَى الشِّرْكِ بِاَللَّهِ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهُوَ حَرَامٌ لَا ثَمَنَ لَهُ وَإِنْ اسْتَحَلُّوهُ. (قَالَ) : وَإِذَا كُسِرَ لَهُمْ صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غُرْمٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ عُودٍ وَكَانَ إذَا فُرِّقَ صَلَحَ لِغَيْرِ الصَّلِيبِ فَمَا نَقَصَ الْكَسْرُ الْعُودَ، وَكَذَلِكَ الطُّنْبُورُ وَالْمِزْمَارُ وَيَجُوزُ لِلنَّصْرَانِيِّ أَنْ يُقَارِضَ الْمُسْلِمَ وَأَكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُقَارِضَ النَّصْرَانِيَّ أَوْ يُشَارِكَهُ وَأَكْرَهُ أَنْ يُكْرِيَ نَفْسَهُ مِنْ نَصْرَانِيٍّ وَلَا أَفْسَخُهُ، وَإِذَا اشْتَرَى النَّصْرَانِيُّ مُصْحَفًا أَوْ دَفْتَرًا فِيهِ أَحَادِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَخْته، وَلَوْ أَوْصَى بِبِنَاءِ كَنِيسَةٍ لِصَلَاةِ النَّصَارَى فَمَفْسُوخٌ، وَلَوْ قَالَ: يَنْزِلُهَا الْمَارَّةُ أَجَزْته وَلَيْسَ فِي بِنَائِهَا مَعْصِيَةٌ إلَّا بِأَنْ تُبْنَى لِصَلَاةِ النَّصَارَى وَلَوْ قَالَ: اُكْتُبُوا بِثُلُثَيَّ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ فَسَخْته لِتَبْدِيلِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} [البقرة: 79] الْآيَةَ. [كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ] [بَابُ صِفَةِ الصَّائِدِ مِنْ كَلْبٍ وَغَيْرِهِ وَمَا يَحِلُّ مِنْ الصَّيْدِ وَمَا يُحَرَّمُ] كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ إمْلَاءً مِنْ كِتَابِ أَشْهَبَ وَمِنْ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ بَابُ صِفَةِ الصَّائِدِ مِنْ كَلْبٍ وَغَيْرِهِ وَمَا يَحِلُّ مِنْ الصَّيْدِ وَمَا يُحَرَّمُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلُّ مُعَلَّمٍ مِنْ كَلْبٍ وَفَهْدٍ وَنَمِرٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الْوَحْشِ وَكَانَ إذَا أُشْلِيَ اُسْتُشْلِيَ وَإِذَا أَخَذَ حَبَسَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ هَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَهُوَ مُعَلَّمٌ وَإِذَا قَتَلَ فَكُلْ مَا لَمْ يَأْكُلْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 388 فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَذَكَرَ الشَّعْبِيُّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ» . (قَالَ) : وَإِذَا جَمَعَ الْبَازِي أَوْ الصَّقْرَ أَوْ الْعُقَابَ أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا يَصِيدُ أَنْ يُدْعَى فَيُجِيبَ وَيُشْلَى فَيَطِيرَ وَيَأْخُذَ فَيَحْبِسَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَهُوَ مُعَلَّمٌ فَإِنْ قَتَلَ فَكُلْ وَإِذَا أَكَلَ فَفِي الْقِيَاسِ أَنَّهُ كَالْكَلْبِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ الْبَازِي كَالْكَلْبِ؛ لِأَنَّ الْبَازِيَ وَصْفُهُ إنَّمَا يُعَلَّمُ بِالطُّعْمِ وَبِهِ يَأْخُذُ الصَّيْدَ وَالْكَلْبُ يُؤَدَّبُ عَلَى تَرْكِ الطُّعْمِ وَالْكَلْبُ يُضْرَبُ أَدَبًا وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الطَّيْرِ فَهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَيُؤْكَلُ مَا قَتَلَ الْبَازِي وَإِنْ أَكَلَ وَلَا يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ الْكَلْبُ إذَا أَكَلَ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أَرْسَلَ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى فَإِنْ نَسِيَ فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ. وَلَوْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ كَلْبَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ أَوْ طَائِرَيْنِ أَوْ سَهْمَيْنِ فَقَتَلَا فَلَا يُؤْكَلُ. وَإِذَا رَمَى أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى الصَّيْدِ فَوَجَدَهُ قَتِيلًا فَالْخَبَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ غَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُلْ مَا أَصْمَيْت وَدَعْ مَا أَنْمَيْت وَمَا أَصْمَيْت هُوَ مَا قَتَلَهُ وَأَنْتَ تَرَاهُ وَمَا أَنْمَيْت مَا غَابَ عَنْك فَقَتَلَهُ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ مِنْهُ مَبْلَغَ الذَّبْحِ فَلَا يَضُرُّهُ مَا حَدَثَ بَعْدَهُ. وَإِذَا أَدْرَكَ الصَّيْدَ وَلَمْ يَبْلُغْ سِلَاحُهُ أَوْ مُعَلَّمُهُ مَا يَبْلُغُ الذَّبْحُ فَأَمْكَنَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَلَا يَأْكُلُ كَانَ مَعَهُ مَا يَذْبَحُ بِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْك أَنْ تَذْبَحَهُ وَمَعَك مَا تُذَكِّيهِ بِهِ وَلَمْ تُفَرِّطْ حَتَّى مَاتَ فَكُلْ. وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ سَهْمَهُ وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ يَرَى صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ رَأَى صَيْدًا وَنَوَاهُ، وَإِنْ أَصَابَ غَيْرَهُ وَإِنْ أَرْسَلَهُ وَلَا يَرَى صَيْدًا وَنَوَى فَلَا يَأْكُلُ وَلَا تَعْمَلُ النِّيَّةُ إلَّا مَعَ عَيْنٍ تَرَى وَلَوْ كَانَ لَا يَجُوزُ إلَّا مَا نَوَاهُ بِعَيْنِهِ لَكَانَ الْعِلْمُ يُحِيطُ أَنْ لَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا عَلَى مِائَةِ ظَبْيٍ أَوْ كَلْبًا فَأَصَابَ وَاحِدًا فَالْوَاحِدُ الْمُصَابُ غَيْرُ مَنْوِيٍّ بِعَيْنِهِ. وَلَوْ خَرَجَ الْكَلْبُ إلَى الصَّيْدِ مِنْ غَيْرِ إرْسَالِ صَاحِبِهِ فَزَجَرَهُ فَانْزَجَرَ وَأَشْلَاهُ فَاسْتُشْلِيَ فَأَخَذَ وَقَتَلَ أَكَلَ وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ غَيْرُ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَلَا يَأْكُلُ وَسَوَاءٌ اسْتَشْلَاهُ صَاحِبُهُ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ تَجُوزُ ذَكَاتُهُ. وَإِذَا ضَرَبَ الصَّيْدَ فَقَطَعَهُ قِطْعَتَيْنِ أَكَلَ وَإِنْ كَانَتْ إحْدَى الْقِطْعَتَيْنِ أَقَلَّ مِنْ الْأُخْرَى، وَلَوْ قَطَعَ مِنْهُ يَدًا أَوْ رِجْلًا أَوْ أُذُنًا أَوْ شَيْئًا يُمْكِنُ لَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَعِيشَ بَعْدُ سَاعَةً أَوْ مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْهَا ثُمَّ قَتَلَهُ بَعْدُ بِرَمْيَتِهِ أَكَلَ كُلَّ مَا كَانَ ثَابِتًا فِيهِ مِنْ أَعْضَائِهِ وَلَمْ يَأْكُلْ الْعُضْوَ الَّذِي بَانَ وَفِيهِ الْحَيَاةُ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ مَقْطُوعٌ مِنْ حَيٍّ وَحَيِيَ بَعْدَ قَطْعِهِ، وَلَوْ مَاتَ مِنْ قَطْعِ الْأَوَّلِ أَكَلَهُمَا مَعًا؛ لِأَنَّ ذَكَاةَ بَعْضِهِ ذَكَاةٌ لِكُلِّهِ. وَلَا بَأْسَ أَنْ يَصِيدَ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ مَا صَادَ الْمَجُوسِيُّ بِكَلْبِ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ حُكْمُ الْمُرْسِلِ وَإِنَّمَا الْكَلْبُ أَدَاةٌ وَأَيُّ أَبَوَيْهِ كَانَ مَجُوسِيًّا فَلَا أَرَى تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ: وَلَا يَنْكِحُ إنْ كَانَتْ جَارِيَةً وَلَيْسَتْ كَالصَّغِيرَةِ يُسْلِمُ أَحَدُ أَبَوَيْهَا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُشْرِكُهُ الشِّرْكُ وَالشِّرْكُ يُشْرِكُهُ الشِّرْكُ. وَلَا يُؤْكَلُ مَا قَتَلْتهَا لِأُحْبُولَةٍ كَانَ فِيهَا سِلَاحٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهَا ذَكَاةٌ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ. وَالذَّكَاةُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ مِنْ إنْسِيٍّ أَوْ وَحْشِيٍّ لَمْ يَحِلَّ إلَّا بِأَنْ يُذَكَّى وَمَا كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ وَحْشِيٍّ أَوْ إنْسِيٍّ فَمَا قَدَرْت بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الرَّمْيِ أَوْ السِّلَاحِ فَهُوَ بِهِ ذُكِّيَ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ سِنٍّ أَوْ ظُفُرٍ» ؛ لِأَنَّ السِّنَّ عَظْمٌ مِنْ الْإِنْسَانِ وَالظُّفُرَ مَدَى الْحَبَشِ، وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ جَعَلَ ذَكَاةَ الْإِنْسِيِّ مِثْلَ ذَكَاةِ الْوَحْشِيِّ إذَا امْتَنَعَ قَالَ: وَلَمَّا كَانَ الْوَحْشِيُّ يَحِلُّ بِالْعَقْرِ مَا كَانَ مُمْتَنِعًا فَإِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ لَمْ يَحِلَّ إلَّا بِمَا يَحِلُّ بِهِ الْإِنْسِيُّ كَانَ كَذَلِكَ الْإِنْسِيُّ إذَا صَارَ كَالْوَحْشِيِّ مُمْتَنِعًا حَلَّ بِمَا يَحِلُّ بِهِ الْوَحْشِيُّ. قَالَ: وَلَوْ وَقَعَ بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ وَطُعِنَ فَهُوَ كَالصَّيْدِ. وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فَكَسَرَهُ أَوْ قَطَعَ جَنَاحَهُ وَرَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ كَانَ حَرَامًا وَكَانَ عَلَى الرَّامِي الْآخَرِ قِيمَتُهُ بِالْحَالِ الَّتِي رَمَاهُ بِهَا مَكْسُورًا أَوْ مَقْطُوعًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ مَقْطُوعًا؛ لِأَنَّهُ رَمَاهُ فَقَطَعَ رَأْسَهُ أَوْ بَلَغَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 389 مِنْ مَقَاتِلِهِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ دُونَ جُرْحِ الْجَنَاحِ، وَلَوْ كَانَ جُرْحًا كَالْجُرْحِ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَخَذَهُ رَبُّهُ فَمَاتَ فِي يَدَيْهِ فَقَدْ مَاتَ مِنْ جُرْحَيْنِ فَعَلَى الثَّانِي قِيمَةُ جُرْحِهِ مَقْطُوعَ الْجَنَاحِ الْأَوَّلِ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا جُرْحَيْنِ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ مَقْطُوعَ الْجَنَاحَيْنِ مِنْ فِعْلِهِ وَفِعْلِ مَالِكِهِ. (قَالَ) : وَلَوْ كَانَ مُمْتَنِعًا بَعْدَ رَمْيَةِ الْأَوَّلِ يَطِيرُ إنْ كَانَ طَائِرًا أَوْ يَعْدُو إنْ كَانَ دَابَّةً ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي فَأَثْبَتَهُ كَانَ لِلثَّانِي، وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ بِهَذِهِ الْحَالِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ دُونَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا الْجُرْحَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ، وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا فَقَتَلَاهُ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ وَرَمَاهُ الثَّانِي وَلَمْ يَدْرِ أَبَلَغَ بِهِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا أَوْ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ جَعَلْنَاهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَلَوْ رَمَى طَائِرًا فَجَرَحَهُ ثُمَّ سَقَطَ إلَى الْأَرْضِ فَأَصَبْنَاهُ مَيِّتًا لَمْ نَدْرِ أَمَاتَ فِي الْهَوَاءِ أَمْ بَعْدَ مَا صَارَ إلَى الْأَرْضِ أُكِلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوصَلُ إلَى أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا إلَّا بِالْوُقُوعِ وَلَوْ حُرِّمَ هَذَا حُرِّمَ كُلُّ طَائِرٍ رُمِيَ فَوَقَعَ فَمَاتَ وَلَكِنَّهُ لَوْ وَقَعَ عَلَى جَبَلٍ فَتَرَدَّى عَنْهُ كَانَ مُتَرَدِّيًا لَا يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الرَّمْيَةُ قَدْ قَطَعَتْ رَأْسَهُ أَوْ ذَبَحَتْهُ أَوْ قَطَعَتْهُ بِاثْنَتَيْنِ فَيُعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَتَرَدَّ إلَّا مُذَكًّى وَلَا يُؤْكَلُ مَا قَتَلَهُ الرَّمْيُ إلَّا مَا خَرَقَ بِرِقَّتِهِ أَوْ قَطَعَ بِحَدِّهِ فَأَمَّا مَا جَرَحَ بِثِقَلِهِ فَهُوَ وَقِيذَةٌ. وَمَا نَالَتْهُ الْجَوَارِحُ فَقَتَلَتْهُ وَلَمْ تُدْمِهِ احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ. أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يُؤْكَلَ حَتَّى يُجْرَحَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] وَالْآخَرُ أَنَّهُ حِلٌّ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) الْأَوَّلُ أَوْلَاهُمَا بِهِ قِيَاسًا عَلَى رَامِي الصَّيْدِ أَوْ ضَارِبِهِ لَا يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ يَجْرَحَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ رَمَى شَخْصًا يَحْسِبُهُ حَجَرًا فَأَصَابَ صَيْدًا فَلَوْ أَكَلَهُ مَا رَأَيْته مُحَرَّمًا كَمَا لَوْ أَخْطَأَ شَاةً فَذَبَحَهَا لَا يُرِيدُهَا وَكَمَا لَوْ ذَبَحَهَا وَهُوَ يَرَاهَا خَشَبَةً لَيِّنَةً. وَمَنْ أَحْرَزَ صَيْدًا فَأَفْلَتَ مِنْهُ فَصَادَهُ غَيْرُهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَكُلُّ مَا أَصَابَهُ حَلَالٌ فِي غَيْرِ حَرَمٍ مِمَّا يَكُونُ بِمَكَّةَ مِنْ حَمَامِهَا وَغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ إنَّمَا نَمْنَعُ بِحَرَمِهِ بِغَيْرِهِ مِنْ حَرَمٍ أَوْ إحْرَامٍ وَلَوْ تَحَوَّلَ مِنْ بُرْجٍ إلَى بُرْجٍ فَأَخَذَهُ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَوْ أَصَابَ ظَبْيًا مُقَرَّطًا فَهُوَ لِغَيْرِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ شَقَّ السَّبُعُ بَطْنَ شَاةٍ فَوَصَلَ إلَى مَعَاهَا مَا يُسْتَيْقَنُ أَنَّهَا لَمْ تُذَكَّ مَاتَتْ فَذُكِّيَتْ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَالذَّكَاةُ جَائِزَةٌ بِالْقُرْآنِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَعْرِفُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ إذَا بَلَغَ بِهَا مَا لَا بَقَاءَ لِحَيَاتِهَا إلَّا حَيَاةِ الْمُذَكَّى وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ وَهُوَ عِنْدِي أَقْيَسُ؛ لِأَنِّي وَجَدْت الشَّاةَ تَمُوتُ عَنْ ذَكَاةٍ فَتَحِلُّ وَعَنْ عَقْرٍ فَتُحَرَّمُ فَلَمَّا وَجَدْت الَّذِي أَوْجَبَ الذَّبْحُ مَوْتَهَا وَتَحْلِيلَهَا لَا يُبَدِّلُهَا أَكْلُ السَّبُعِ لَهَا وَلَا يُرَدُّ بِهَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ إذَا أَوْجَبَ السَّبُعُ مَوْتَهَا وَتَحْرِيمَهَا لَمْ يُبَدِّلْهَا الذَّبْحُ لَهَا وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ سَبُعًا لَوْ قَطَعَ مَا يُقْطَعُ الْمُذَكِّي مِنْ أَسْفَلِ حَلْقِهَا أَوْ أَعْلَاهُ ثُمَّ ذُبِحَتْ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَقْطَعْ السَّبُعُ مِنْ حَلْقِهَا أَنَّهَا مَيْتَةٌ وَلَوْ سَبَقَ الذَّابِحُ ثُمَّ قَطَعَ السَّبُعُ حَيْثُ لَمْ يَقْطَعْ الذَّابِحُ مِنْ حَلْقِهَا أَنَّهَا ذَكِيَّةٌ وَفِي هَذَا عَلَى مَا قُلْت دَلِيلٌ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ أَدْرَكَ الصَّيْدَ وَلَمْ يَبْلُغْ سِلَاحُهُ أَوْ مُعَلَّمُهُ مَا يَبْلُغُ الذَّابِحُ فَأَمْكَنَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَلَا يَأْكُلُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الذَّابِحُ أَكَلَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَدَلِيلٌ آخَرُ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ لَوْ قَطَعَ حُلْقُومَ رَجُلٍ وَمَرِيئَهُ أَوْ قَطَعَ حَشْوَتَهُ فَأَبَانَهَا مِنْ جَوْفِهِ أَوْ صَيَّرَهُ فِي حَالِ الْمَذْبُوحِ ثُمَّ ضَرَبَ آخَرُ عُنُقَهُ فَالْأَوَّلُ قَاتِلٌ دُونَ الْآخَرِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهَذِهِ أَدِلَّةٌ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ مِنْ قَوْلِهِ الْآخَرِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَكُلُّ مَا كَانَ يَعِيشُ فِي الْمَاءِ مِنْ حُوتٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَخَذَهُ مِنْ مَكَانِهِ وَلَوْ كَانَ شَيْئًا تَطُولُ حَيَاتُهُ فَذَبَحَهُ لِاسْتِعْجَالِ مَوْتِهِ مَا كَرِهْته وَسَوَاءٌ مَنْ أَخَذَهُ مِنْ مَجُوسِيٍّ أَوْ وَثَنِيٍّ لَا ذَكَاةَ لَهُ وَسَوَاءٌ مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ وَطَفَا مِنْ مَيْتَتِهِ أَوْ أُخِذَ حَيًّا، أَكَلَ أَبُو أَيُّوبَ سَمَكًا طَافِيًا وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ» الْمَيْتَتَانِ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَالدَّمَانِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 390 أَحْسِبُهُ قَالَ: الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96] وَهَذَا عُمُومٌ فَمَنْ خَصَّ مِنْهُ شَيْئًا فَالْمَخْصُوصُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا بِسُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعِ الَّذِينَ لَا يَجْهَلُونَ مَا أَرَادَ اللَّهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ جَازَ أَنْ يُحَرَّمَ الْحُوتُ وَهُوَ ذَكِيٌّ؛ لِأَنَّهُ طَفَا لَجَازَ أَنْ يُحَرَّمَ الْمُذَكَّى مِنْ الْغَنَمِ إذَا طَفَا وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [كِتَابُ الضَّحَايَا] مِنْ كِتَابِ اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ وَمِنْ إمْلَاءٍ عَلَى كِتَابِ أَشْهَبَ وَمِنْ كِتَابِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ» وَقَالَ أَنَسٌ: وَأَنَا أُضَحِّي أَيْضًا بِكَبْشَيْنِ وَقَالَ أَنَسٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: «ضَحَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ وَذَبَحَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْأَضْحَى فَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ لِضَحِيَّةٍ أُخْرَى فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: لَا أَجِدُ إلَّا جَذَعًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ لَمْ تَجِدْ إلَّا جَذَعًا فَاذْبَحْهُ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَاحْتَمَلَ أَمْرُهُ بِالْإِعَادَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَاحْتَمَلَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَمَّا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ فَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا» دَلَّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُرَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ اشْتَرَى بِدِرْهَمَيْنِ لَحْمًا فَقَالَ: هَذِهِ أُضْحِيَّةُ ابْنِ عَبَّاسٍ. (قَالَ) : وَأَمَرَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ أَنْ لَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ شَيْئًا اتِّبَاعًا وَاخْتِيَارًا بِدَلَالَةِ السُّنَّةِ، وَرَوَتْ «عَائِشَةُ أَنَّهَا كَانَتْ تَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُقَلِّدُهَا هُوَ بِيَدِهِ ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأُضْحِيَّةُ سُنَّةُ تَطَوُّعٍ لَا نُحِبُّ تَرْكَهَا، وَإِذْ كَانَتْ غَيْرَ فَرْضٍ فَإِذَا ضَحَّى الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ فَقَدْ وَقَعَ ثَمَّ اسْمُ أُضْحِيَّةٍ. (قَالَ) : وَيَجُوزُ فِي الضَّحَايَا الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَالثَّنِيُّ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْمَعَزِ وَلَا يَجُوزُ دُونَ هَذَا مِنْ السِّنِّ وَالْإِبِلُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا مِنْ الْبَقَرِ وَالْبَقَرُ مِنْ الْغَنَمِ وَالضَّأْنُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمَعَزِ وَالْعَفْرَاءُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ السَّوْدَاءِ. وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} [الحج: 32] اسْتِسْمَانُ الْهَدْيِ وَاسْتِحْسَانُهُ. (قَالَ) : وَلَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَلَا الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا وَلَا الْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَلَا الْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي وَلَيْسَ فِي الْقَرْنِ نَقْصٌ فَيُضَحَّى بِالْجَلْحَاءِ وَالْمَكْسُورَةُ الْقَرْنُ أَكْبَرُ مِنْهَا دَمِيَ قَرْنُهَا أَوْ لَمْ يَدْمَ وَلَا تُجْزِئُ الْجَرْبَاءُ؛ لِأَنَّهُ مَرَضٌ يُفْسِدُ لَحْمَهَا. وَلَا وَقْتَ لِلذَّبْحِ يَوْمَ الْأَضْحَى إلَّا فِي قُدْرَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ حِينَ حَلَّتْ الصَّلَاةُ وَقَدْرِ خُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا الْقَدْرُ فَقَدْ حَلَّ الذَّبْحُ لِكُلِّ أَحَدٍ حَيْثُ كَانَ فَأَمَّا صَلَاةُ مَنْ بَعْدَهُ فَلَيْسَ فِيهَا وَقْتٌ. (قَالَ) : وَالذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَهِيَ مَا لَا حَيَاةَ بَعْدَهُ إذَا قُطِعَ وَكَمَالُهَا بِأَرْبَعٍ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَالْوَدَجَيْنِ وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ الذَّكَاةِ أَنْ يُبِينَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِفَرْيِ الْأَوْدَاجِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفْرَى إلَّا بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ، وَالْوَدَجَانِ عِرْقَانِ قَدْ يَنْسَلَّانِ مِنْ الْإِنْسَانِ وَالْبَهِيمَةِ ثُمَّ يَحْيَا وَمَوْضِعُ النَّحْرِ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 391 الِاخْتِيَارِ فِي السُّنَّةِ فِي اللَّبَّةِ وَمَوْضِعُ الذَّبْحِ فِي الِاخْتِيَارِ فِي السُّنَّةِ أَسْفَلُ مَجَامِعِ اللَّحْيَيْنِ فَإِذَا نُحِرَتْ بَقَرَةٌ أَوْ ذُبِحَ بَعِيرٌ فَجَائِزٌ، قَالَ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَزَادَ عُمَرُ وَلَا تَعَجَّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تُزْهَقَ وَنَهَى عَنْ النَّخْعِ. (قَالَ) : وَأُحِبُّ أَنْ لَا يَذْبَحَ الْمَنَاسِكَ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا مُسْلِمٌ فَإِنْ ذَبَحَ مُشْرِكٌ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ أَجْزَأَ عَلَى كَرَاهِيَتِي لِمَا وَصَفْت، وَذَبْحُ مَنْ أَطَاقَ الذَّبْحَ مِنْ امْرَأَةٍ حَائِضٍ وَصَبِيٍّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ ذَبْحِ النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ وَلَا بَأْسَ بِذَبِيحَةِ الْأَخْرَسِ وَأَكْرَهُ ذَبِيحَةَ السَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ فِي حَالِ جُنُونِهِ وَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهَا حَرَامٌ وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ نَصَارَى الْعَرَبِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ. (قَالَ) : وَأُحِبُّ أَنْ يُوَجِّهَ الذَّبِيحَةَ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَقُولَ الرَّجُلُ عَلَى ذَبِيحَتِهِ: بِاسْمِ اللَّهِ، وَلَا أَكْرَهُ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهَا إيمَانٌ بِاَللَّهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَنْ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ صَلَّى عَلَيْك صَلَّيْت عَلَيْهِ. (قَالَ) : فَإِنْ قَالَ: اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك فَتَقَبَّلْ مِنِّي فَلَا بَأْسَ هَذَا دُعَاءٌ فَلَا أَكْرَهُهُ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ «أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ فَقَالَ فِي أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذِكْرِ اللَّهِ اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَفِي الْآخَرِ اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا ذَبَحَهَا فَقَطَعَ رَأْسَهَا فَهِيَ ذَكِيَّةٌ. وَلَوْ ذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا فَإِنْ تَحَرَّكَتْ بَعْدَ قَطْعِ الرَّأْسِ أُكِلَتْ وَإِلَّا لَمْ تُؤْكَلْ وَإِذَا أَوْجَبَهَا أُضْحِيَّةً وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ، وَلَيْسَ شِرَاؤُهَا وَالنِّيَّةُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا إيجَابًا لَهَا فَإِذَا أَوْجَبَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَهَا بِحَالٍ وَإِنْ بَاعَهَا فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَإِنْ فَاتَتْ بِالْبَيْعِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِجَمِيعِ قِيمَتِهَا مَكَانَهَا فَإِنْ بَلَغَ أُضْحِيَّتَيْنِ اشْتَرَاهُمَا؛ لِأَنَّ ثَمَنَهَا بَدَلٌ مِنْهَا وَإِنْ بَلَغَ أُضْحِيَّةً وَزَادَ شَيْئًا لَا يَبْلُغْ أُخْرَى ضَحَّى بِأُضْحِيَّةٍ وَأَسْلَكَ الْفَضْلَ مَسْلَكَ الْأُضْحِيَّةِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْ أُضْحِيَّةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ حَتَّى يُوفِيَهُ أُضْحِيَّةً؛ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلِكٌ لِلضَّحِيَّةِ فَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُهُ أُضْحِيَّةٌ مِثْلُهَا فَإِنْ وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ ذُبِحَ مَعَهَا وَلَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا إلَّا الْفَضْلَ عَنْ وَلَدِهَا وَلَا مَا يُنْهِكُ لَحْمَهَا وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَلَا يَجُزُّ صُوفَهَا وَإِنْ أَوْجَبَهَا هَدْيًا وَهُوَ تَامٌّ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ نَقْصٌ وَبَلَغَ الْمَنْسَكَ أَجْزَأَ، إنَّمَا أَنْظُرُ فِي هَذَا كُلِّهِ إلَى يَوْمِ يُوجِبُهُ وَيَخْرُجُ مِنْ مَالِهِ إلَى مَا جَعَلَهُ لَهُ، وَإِنْ أَوْجَبَهُ نَاقِصًا ذَبَحَهُ وَلَمْ يَجُزَّهُ. وَلَوْ ضَلَّتْ بَعْدَ مَا أَوْجَبَهَا فَلَا بَدَلَ وَلَيْسَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ يُوجِبُهُ صَاحِبُهُ فَيَمُوتُ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ بَدَلٌ. وَلَوْ وَجَدَهَا وَقَدْ مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ كُلُّهَا صَنَعَ بِهَا كَمَا يَصْنَعُ فِي النَّحْرِ كَمَا لَوْ أَوْجَبَ هَدْيَهَا الْعَامَ وَأَخَّرَهَا إلَى قَابِلٍ وَمَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لِوَقْتٍ فَفَاتَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَبْطُلْ الْإِيجَابُ. وَلَوْ أَنَّ مُضَحِّيَيْنِ ذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا بَيْنَ قِيمَةِ مَا ذَبَحَ حَيًّا وَمَذْبُوحًا وَأَجْزَأَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَحِيَّتُهُ وَهَدْيُهُ فَإِذَا ذَبَحَ لَيْلًا أَجْزَأَهُ وَالضَّحِيَّةُ نُسُكٌ مَأْذُونٌ فِي أَكْلِهِ وَإِطْعَامِهِ وَادِّخَارِهِ وَأَكْرَهُ بَيْعَ شَيْءٍ مِنْهُ وَالْمُبَادَلَةَ بِهِ وَمَعْقُولُ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يَعُودَ إلَى مَالِكِهِ إلَّا مَا أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ ثُمَّ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاقْتَصَرْنَا عَلَى مَا أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ ثُمَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنَعْنَا الْبَيْعَ عَلَى أَصْلِ النُّسُكِ أَنَّهُ لِلَّهِ. وَلَا تَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ لِعَبْدٍ وَلَا كَمُدَبَّرٍ وَلَا أُمِّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ. وَإِذَا نَحَرَ سَبْعَةٌ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً فِي الضَّحَايَا أَوْ الْهَدْيِ كَانُوا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ أَوْ شَتَّى فَسَوَاءٌ وَذَلِكَ يُجْزِي وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ مُضَحِّيًا وَبَعْضُهُمْ مُهْدِيًا أَوْ مُفْتَدِيًا أَجْزَأَ؛ لِأَنَّ سُبُعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقُومُ مَقَامَ شَاةٍ مُنْفَرِدَةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُرِيدُ بِنَصِيبِهِ لَحْمًا لَا أُضْحِيَّةً وَلَا هَدْيًا وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُمْ شَتَّى. (قَالَ) : وَالْأَضْحَى جَائِزٌ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ مِنًى كُلَّهَا إلَى الْمَغِيبِ؛ لِأَنَّهَا أَيَّامُ نُسُكٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 392 عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: يُضَحِّي أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كُلَّهَا. وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يُضَحِّي فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. . [بَابُ الْعَقِيقَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ سِبَاعِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ «أُمِّ كُرْزٍ قَالَتْ: أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْأَلُهُ عَنْ لُحُومِ الْهَدْيِ فَسَمِعْته يَقُولُ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ لَا يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كُنَّ أَوْ إنَاثًا وَسَمِعْته يَقُولُ: أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكِنَاتِهَا» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيُعَقُّ عَنْ الْغُلَامِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنْ جِهَةِ مَا لَا تَأْكُلُ الْعَرَبُ] ُ مِنْ مَعَانِي الرِّسَالَةِ وَمَعَانٍ أَعْرَفَ لَهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] وَقَالَ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَإِنَّمَا خُوطِبَ بِذَلِكَ الْعَرَبُ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ عَنْ هَذَا وَنَزَلَتْ فِيهِمْ الْأَحْكَامُ وَكَانُوا يَتْرُكُونَ مِنْ خَبِيثِ الْمَآكِلِ مَا لَا يَتْرُكُ غَيْرُهُمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَسَمِعْت أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] الْآيَةَ، يَعْنِي مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ وَلَمْ يَكُنْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِيُحَرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ فِي الْإِحْرَامِ إلَّا مَا كَانَ حَلَالًا لَهُمْ فِي الْإِحْلَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَلَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا مَخْرَجُهُ وَدَلَّ عَلَى مَعْنًى آخَرَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ لَا تَأْكُلُ مِمَّا أَبَاحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتْلَهُ فِي الْإِحْرَامِ شَيْئًا وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَأَحَلَّ الضُّبُوعَ وَلَهَا نَابٌ وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَأْكُلُهَا وَتَدَعُ الْأَسَدَ وَالنَّمِرَ وَالذِّئْبَ تَحْرِيمًا لَهُ بِالتَّقَذُّرِ، وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَنْيَابِ أَنَّ مَا عَدَا مِنْهَا عَلَى النَّاسِ لِقُوَّتِهِ بِنَابِهِ حَرَامٌ وَمَا لَمْ يَعْدُ عَلَيْهِمْ بِنَابِهِ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ وَمَا أَشْبَهَهُمَا حَلَالٌ وَكَذَلِكَ تَتْرُكُ أَكْلَ النَّسْرِ وَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَالشَّاهَيْنِ وَهِيَ مِمَّا يَعْدُو عَلَى حَمَامِ النَّاسِ وَطَائِرِهِمْ، وَكَانَتْ تَتْرُكُ مِمَّا لَا يَعْدُو مِنْ الطَّائِرِ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالرَّخَمَةِ وَالْبُغَاثَةِ، وَكَذَلِكَ تَتْرُكُ اللُّحَكَاءَ وَالْعَظَاءَ وَالْخَنَافِسَ فَكَانَتْ دَاخِلَةً فِي مَعْنَى الْخَبَائِثِ وَخَارِجَةً مِنْ مَعْنَى الطَّيِّبَاتِ فَوَافَقَتْ السُّنَّةَ فِيمَا أَحَلُّوا وَحَرَّمُوا مَعَ الْكِتَابِ مَا وَصَفْت فَانْظُرْ مَا لَيْسَ فِيهِ نَصُّ تَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ، فَإِنْ كَانَتْ الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الْحَلَالِ وَالطَّيِّبَاتِ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحَلِّلُونَ مَا يَسْتَطِيبُونَ وَمَا لَمْ يَكُونُوا يَأْكُلُونَهُ بِاسْتِقْذَارِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى الْخَبَائِثِ وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الضَّبِّ وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَافَهُ فَقِيلَ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ " لَا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي " فَأُكِلَ مِنْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا تَرَكَهُ وَأَكَلَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 393 [بَابُ كَسْبِ الْحَجَّامِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا بَأْسَ بِكَسْبِ الْحَجَّامِ فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّائِلَ عَنْ كَسْبِهِ وَإِرْخَاصِهِ فِي أَنْ يُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ وَنَاضِحَهُ؟ قِيلَ: لَا مَعْنَى لَهُ إلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَكَاسِبَ حَسَنٌ وَدَنِيءٌ فَكَانَ كَسْبُ الْحَجَّامِ دَنِيئًا فَأُحِبُّ لَهُ تَنْزِيهَ نَفْسِهِ عَنْ الدَّنَاءَةِ لِكَثْرَةِ الْمَكَاسِبِ الَّتِي هِيَ أَجْمَلُ مِنْهُ فَلَمَّا زَادَهُ فِيهِ أَمَرَهُ أَنْ يَعْلِفَهُ نَاضِحَهُ وَيُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ تَنْزِيهًا لَهُ لَا تَحْرِيمًا عَلَيْهِ، وَقَدْ حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْطِي إلَّا مَا يَحِلُّ إعْطَاؤُهُ وَلِآخِذِهِ مِلْكُهُ. وَقَدْ رُوِيَ أَنْ رَجُلًا ذَا قَرَابَةٍ لِعُثْمَانَ قَدِمَ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ مَعَاشِهِ فَذَكَرَ لَهُ غَلَّةَ حَجَّامٍ أَوْ حَجَّامِينَ فَقَالَ: إنَّ كَسْبَكُمْ لَوَسَخٌ، أَوْ قَالَ: لَدَنَسٌ أَوْ لَدَنِيءٌ أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا. [بَابُ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ مِنْ الْمَيْتَةِ مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ] ٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ زَيْتٍ مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ وَلَا بَيْعُهُ وَيُسْتَصْبَحُ بِهِ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يَبِيعُهُ؟ قِيلَ: قَدْ يَنْتَفِعُ الْمُضْطَرُّ بِالْمَيْتَةِ وَلَا يَبِيعُهَا وَيَنْتَفِعُ بِالطَّعَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَا يَبِيعُهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ، قَالَ: وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَأَبَاحَ الِانْتِفَاعَ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَغَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ أَنْ يَنْتَفِعَ الرَّجُلُ بِالزَّيْتِ وَلَا يَبِيعَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ قَالَ وَلَا يَحِلُّ مِنْ الْمَيْتَةِ إلَّا إهَابُهَا بِالدِّبَاغِ وَيُبَاعُ وَلَا يَأْكُلُ الْمُضْطَرُّ مِنْ الْمَيْتَةِ إلَّا مَا يَرُدُّ نَفْسَهُ فَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ الِاضْطِرَارِ. (قَالَ) : فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ بِهَذَا أَقُولُ (وَقَالَ) فِيهِ وَمَا هُوَ بِالْبَيِّنِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الشَّيْءَ حَلَالٌ وَحَرَامٌ، فَإِذَا كَانَ حَرَامًا لَمْ يَحِلَّ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِذَا كَانَ حَلَالًا فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُحَرَّمَ مِنْهُ شِبَعٌ وَلَا غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إذَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا فَهُوَ مُحَرَّمٌ إلَّا مَا أَبَاحَ مِنْهُ بِصِفَةٍ فَإِذَا زَالَتْ الصِّفَةُ زَالَتْ الْإِبَاحَةُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَلَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ أَنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمَيْتَةِ وَهُوَ بَادِي الشِّبَعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ، فَإِذَا كَانَ خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ فَمُضْطَرٌّ فَإِذَا أَكَلَ مِنْهَا مَا يُذْهِبُ الْخَوْفَ فَقَدْ أَمِنَ فَارْتَفَعَ الِاضْطِرَارُ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْإِبَاحَةِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا ارْتَفَعَتْ الْعِلَّةُ ارْتَفَعَ حُكْمُهَا وَرَجَعَ الْحُكْمُ كَمَا كَانَ قَبْلَ الِاضْطِرَارِ وَهُوَ تَحْرِيمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْمَيْتَةَ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ. وَلَوْ جَازَ أَنْ يَرْتَفِعَ الِاضْطِرَارُ وَلَا يَرْتَفِعُ حُكْمُهُ جَازَ أَنْ يَحْدُثَ الْإِضْرَارُ وَلَا يَحْدُثُ حُكْمُهُ وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ وَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فِيمَا وَضَعَهُ بِخَطِّهِ لَا أَعْلَمُهُ سُمِعَ مِنْهُ إنْ مَرَّ الْمُضْطَرُّ بِتَمْرٍ أَوْ زَرْعٍ لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ مَا يَرُدُّ بِهِ جُوعَهُ وَيَرُدُّ قِيمَتَهُ وَلَا أَرَى لِصَاحِبِهِ مَنْعَهُ فَضْلًا عَنْهُ وَخِفْت أَنْ يَكُونَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ إذَا خَافَ عَلَيْهِ بِالْمَنْعِ الْمَوْتَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَيْتَةً وَصَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَلَوْ قِيلَ: يَأْكُلُ الصَّيْدَ وَيَفْتَدِي كَانَ مَذْهَبًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّيْدُ مُحَرَّمٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ وَمُبَاحٌ لِغَيْرِ مُحْرِمٍ وَالْمَيْتَةُ مُحَرَّمَةٌ لِعَيْنِهَا لَا لِغَيْرِهَا عَلَى كُلِّ حَلَالٍ وَحَرَامٍ فَهِيَ أَغْلَظُ تَحْرِيمًا فَإِحْيَاءُ نَفْسِهِ بِتَرْكِ الْأَغْلَظِ وَتَنَاوُلِ الْأَيْسَرِ أَوْلَى بِهِ مِنْ رُكُوبِ الْأَغْلَظِ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ الْمَدَنِيَّ وَالْكُوفِيَّ فِي الِانْتِفَاعِ بِشَعَرِ الْخِنْزِيرِ وَفِي صُوفِ الْمَيْتَةِ وَشَعَرِهَا فَقَالَ: لَا يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 394 [كِتَابُ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا سَبَقَ إلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْخُفُّ الْإِبِلُ وَالْحَافِرُ الْخَيْلُ وَالنَّصْلُ كُلُّ نَصْلٍ مِنْ سَهْمٍ أَوْ نُشَّابَةٍ وَالْأَسْبَاقُ ثَلَاثَةٌ سَبَقٌ يُعْطِيهِ الْوَالِي أَوْ غَيْرُ الْوَالِي مِنْ مَالِهِ وَذَلِكَ أَنْ يُسَبِّقَ بَيْنَ الْخَيْلِ إلَى غَايَةٍ فَيَجْعَلَ لِلسَّابِقِ شَيْئًا مَعْلُومًا وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ لِلْمُصَلِّي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ فَهَذَا حَلَالٌ لِمَنْ جُعِلَ لَهُ لَيْسَتْ فِيهِ عِلَّةٌ، وَالثَّانِي يَجْمَعُ وَجْهَيْنِ وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلَيْنِ يُرِيدَانِ أَنْ يَسْتَبِقَا بِفَرَسَيْهِمَا وَلَا يُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْبِقَ صَاحِبَهُ وَيُخْرِجَانِ سَبَقَيْنِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالْمُحَلِّلِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُمَا فَرَسًا وَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ فَرَسًا كُفْئًا لِلْفَرَسَيْنِ لَا يَأْمَنَانِ أَنْ يَسْبِقَهُمَا وَيُخْرِجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ يَتَوَاضَعَانِهِ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ يَثِقَانِ بِهِ أَوْ يَضْمَنَانِهِ وَيَجْرِي بَيْنَهُمَا الْمُحَلِّلُ فَإِنْ سَبَقَهُمَا كَانَ السَّبَقَانِ لَهُ، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا الْمُحَلِّلَ أَحْرَزَ السَّابِقُ مَالَهُ وَأَخَذَ سَبَقَ صَاحِبِهِ وَإِنْ أَتَيَا مُسْتَوِيَيْنِ لَمْ يَأْخُذْ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا وَالسَّبَقُ أَنْ يَسْبِقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَأَقَلُّ السَّبَقِ أَنْ يَسْبِقَ بِالْهَادِي أَوْ بَعْضِهِ أَوْ الْكَتِدِ أَوْ بَعْضِهِ وَسَوَاءٌ لَوْ كَانُوا مِائَةً وَأَدْخَلُوا بَيْنَهُمْ مُحَلِّلًا فَكَذَلِكَ وَالثَّالِثُ أَنْ يَسْبِقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَإِنْ سَبَقَهُ صَاحِبُهُ أَخَذَ السَّبَقَ وَإِنْ سَبَقَ صَاحِبَهُ أَحْرَزَ سَبَقَهُ. وَلَا يَجُوزُ السَّبَقُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْغَايَةُ الَّتِي يَخْرُجَانِ مِنْهَا وَيَنْتَهِيَانِ إلَيْهَا وَاحِدَةً وَالنِّضَالُ فِيمَا بَيْنَ الرُّمَاةِ كَذَلِكَ فِي السَّبَقِ وَالْعِلَلِ يَجُوزُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَجُوزُ فِي الْآخَرِ ثُمَّ يَتَفَرَّعَانِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ عِلَلُهُمَا، وَاخْتَلَفَا فَإِذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَجَعَلَا بَيْنَهَا قَرَعًا مَعْلُومًا فَجَائِزٌ أَنْ يَشْتَرِطَا مُحَاطَّةٌ أَوْ مُبَادَرَةً فَإِنْ اشْتَرَطَا مُحَاطَّةٌ فَكُلَّمَا أَصَابَ أَحَدُهُمَا وَأَصَابَ الْآخَرُ بِمِثْلِهِ أَسْقَطَا الْعَدَدَيْنِ وَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَسْتَأْنِفَانِ. وَإِنْ أَصَابَ أَقَلَّ مِنْ صَاحِبِهِ حَطَّ مِثْلَهُ حَتَّى يَخْلُصَ لَهُ فَضْلُ الْعَدَدِ الَّذِي شَرَطَ فَيَنْضُلَهُ بِهِ وَيَسْتَحِقَّ سَبَقَهُ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ كَالدَّيْنِ يَلْزَمُهُ إنْ شَاءَ أَطْعَمَ أَصْحَابَهُ وَإِنْ شَاءَ تَمَوَّلَهُ، وَإِنْ أَخَذَ بِهِ رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا فَجَائِزٌ وَلَا يَجُوزُ السَّبَقُ إلَّا مَعْلُومًا كَمَا لَا يَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ. وَلَوْ اشْتَرَطَ أَنْ يُطْعِمَ أَصْحَابَهُ كَانَ فَاسِدًا وَقَدْ رَأَيْت مِنْ الرُّمَاةِ مَنْ يَقُولُ: صَاحِبُ السَّبَقِ أَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ وَالْمُسَبِّقُ لَهُمَا يُبْدِئُ أَيَّهُمَا شَاءَ وَلَا يَجُوزُ فِي الْقِيَاسِ عِنْدِي إلَّا أَنْ يَتَشَارَطَا وَأَيُّهُمَا بَدَأَ مِنْ وَجْهٍ بَدَأَ صَاحِبُهُ مِنْ الْآخَرِ وَيَرْمِي الْبَادِئُ بِسَهْمٍ ثُمَّ الْآخَرُ بِسَهْمٍ حَتَّى يُنْفِدَا نَبْلَهُمَا، وَإِذَا عَرِقَ أَحَدُهُمَا وَخَرَجَ السَّهْمُ مِنْ يَدَيْهِ فَلَمْ يَبْلُغْ الْغَرَضَ كَانَ لَهُ أَنْ يَعُودَ بِهِ مِنْ قِبَلِ الْعَارِضِ. وَكَذَلِكَ لَوْ انْقَطَعَ وَتَرُهُ أَوْ انْكَسَرَتْ قَوْسُهُ فَلَمْ يَبْلُغْ الْغَرَضَ أَوْ عَرَضَ دُونَهُ دَابَّةٌ أَوْ إنْسَانٌ فَأَصَابَهُ أَوْ عَرَضَ لَهُ فِي يَدَيْهِ مَا لَا يَمُرُّ السَّهْمُ مَعَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَعُودَ فَأَمَّا إنْ جَازَ السَّهْمُ أَوْ أَجَازَ مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ فَهَذَا سُوءُ رَمْيٍ لَيْسَ بِعَارِضٍ غُلِبَ عَلَيْهِ فَلَا يُرَدُّ إلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ رَمْيُهُمَا مُبَادَرَةً فَبَلَغَ تِسْعَةَ عَشَرَ مِنْ عِشْرِينَ رَمَى صَاحِبُهُ بِالسَّهْمِ الَّذِي يُرَاسِلُهُ ثُمَّ رَمَى الْبَادِئُ فَإِنْ أَصَابَ سَهْمَهُ ذَلِكَ فَلَجَّ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَرْمِ الْآخَرُ بِالسَّهْمِ؛ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ أَنْ يُفَوِّتَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَيْسَ كَالْمُحَاطَةِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا عِنْدِي غَلَطٌ لَا يَنْضُلُهُ حَتَّى يَرْمِيَ صَاحِبُهُ بِمِثْلِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا تَشَارَطَا الخواسق لَمْ يُحْسَبْ خَاسِقًا حَتَّى يَخْزِقَ الْجِلْدَ بِنَصْلِهِ وَلَوْ تَشَارَطَا الْمُصِيبَ فَمَنْ أَصَابَ الشَّنَّ وَلَمْ يَخْرِقْهُ حُسِبَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُصِيبٌ وَإِذَا اشْتَرَطَا الخواسق وَالشَّنُّ مُلْصَقٌ بِالْهَدَفِ فَأَصَابَ ثُمَّ رَجَعَ فَزَعَمَ الرَّامِي أَنَّهُ خَسَقَ ثُمَّ رَجَعَ لِغِلَظٍ لَقِيَهُ مِنْ حَصَاةٍ وَغَيْرِهَا وَزَعَمَ الْمُصَابُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَخْسِقْ وَأَنَّهُ إنَّمَا قَرَعَ ثُمَّ رَجَعَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 395 بَيِّنَةٌ فَيُؤْخَذَ بِهَا وَإِنْ كَانَ الشَّنُّ بَالِيًا فَأَصَابَ مَوْضِعَ الْخَرْقِ فَغَابَ فِي الْهَدَفِ فَهُوَ مُصِيبٌ وَإِنْ أَصَابَ طَرَفَ الشَّنِّ فَخَرَقَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ خَاسِقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الشَّنِّ طَعْنَةٌ أَوْ خَيْطٌ أَوْ جِلْدٌ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الشَّنِّ يُحِيطُ بِالسَّهْمِ وَيُسَمَّى بِذَلِكَ خَاسِقًا وَقَلِيلُ ثُبُوتِهِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ. (قَالَ) : وَلَا يَعْرِفُ النَّاسُ إذَا وَجَّهُوا بِأَنْ يُقَالَ خَاسِقٌ إلَّا مَا أَحَاطَ بِهِ الْمَخْسُوقُ فِيهِ وَيُقَالُ لِلْآخَرِ خَارِمٌ لَا خَاسِقٌ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ الْخَاسِقُ قَدْ يَقَعُ بِالِاسْمِ عَلَى مَا أَوْهَنَ الصَّحِيحَ فَخَرَقَهُ فَإِذَا خَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِبَعْضِ النَّصْلِ سُمِّيَ خَاسِقًا؛ لِأَنَّ الْخَسْقَ الثَّقْبُ وَهَذَا قَدْ ثَقَبَ وَإِنْ خَرَقَ قَالَ: وَإِذَا وَقَعَ فِي خَرْقٍ وَثَبَتَ فِي الْهَدَفِ كَانَ خَاسِقًا وَالشَّنُّ أَضْعَفُ مِنْ الْهَدَفِ. وَلَوْ كَانَ الشَّنُّ مَنْصُوبًا فَمَرَقَ مِنْهُ كَانَ عِنْدِي خَاسِقًا وَمِنْ الرُّمَاةِ مَنْ لَا يَحْسُبُهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ قَالَ: فَإِنْ أَصَابَ بِالْقِدْحِ لَمْ يُحْسَبْ إلَّا مَا أَصَابَ بِالنَّصْلِ، وَلَوْ أَرْسَلَهُ مُفَارِقًا لِلشَّنِّ فَهَبَّتْ رِيحٌ فَصَرَفَتْهُ أَوْ مُقَصِّرًا فَأَسْرَعَتْ بِهِ فَأَصَابَ حُسِبَ مُصِيبًا وَلَا حُكْمَ لِلرِّيحِ، وَلَوْ كَانَ دُونَ الشَّنِّ شَيْءٌ فَهَتَكَهُ السَّهْمُ ثُمَّ مَرَّ بِحَمْوَتِهِ حَتَّى يُصِيبَ كَانَ مُصِيبًا، وَلَوْ أَصَابَ الشَّنَّ ثُمَّ سَقَطَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ حُسِبَ وَهَذَا كَنَزْعِ إنْسَانٍ إيَّاهُ. وَلَا بَأْسَ أَنْ يُنَاضِلَ أَهْلُ النُّشَّابِ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ وَأَهْلَ الْحُسْبَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّهَا نَصْلٌ، وَكَذَلِكَ الْقِسِيُّ الدُّودانِيَّةُ وَالْهِنْدِيَّةُ وَكُلُّ قَوْسٍ يُرْمَى عَنْهَا بِسَهْمٍ ذِي نَصْلٍ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَضِلَ رَجُلَانِ وَفِي يَدَيْ أَحَدِهِمَا مِنْ النَّبْلِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي يَدَيْ الْآخَرِ وَلَا عَلَى أَنْ يُحْسَبَ خَاسِقُهُ خَاسِقَيْنِ وَالْآخَرُ خَاسِقٌ وَلَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا خَاسِقًا ثَابِتًا لَمْ يَرْمِ بِهِ، وَيُحْسَبُ لَهُ مَعَ خواسقه وَلَا عَلَى أَنْ يَطْرَحَ مِنْ خواسقه خَاسِقًا وَلَا عَلَى أَنَّ خَاسِقَ أَحَدِهِمَا خَاسِقَانِ وَلَا أَنَّ أَحَدَهُمَا يَرْمِي مِنْ عَرْضٍ، وَالْآخَرَ مِنْ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَّا فِي عَرْضٍ وَاحِدٍ وَعَدَدٍ وَاحِدٍ وَلَا عَلَى أَنْ يَرْمِيَ بِقَوْسٍ أَوْ نَبْلٍ بِأَعْيَانِهَا إنْ تَغَيَّرَتْ لَمْ يُبَدِّلْهَا وَمِنْ الرُّمَاةِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمَا إذَا سَمَّيَا قَرَعًا يَسْتَبِقَانِ إلَيْهِ فَصَارَا عَلَى السَّوَاءِ أَوْ بَيْنَهُمَا زِيَادَةُ سَهْمٍ كَانَ لِلْمُسَبِّقِ أَنْ يَزِيدَ فِي عَدَدِ الْقَرَعِ مَا شَاءَ وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي عَدَدِ الْقَرَعِ مَا لَمْ يَكُونَا سَوَاءً وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ بِغَيْرِ رِضَا الْمُسَبِّقِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ كَمَا لَمْ يَكُنْ سَبَقُهُمَا فِي الْخَيْلِ وَلَا فِي الرَّمْيِ وَلَا فِي الِابْتِدَاءِ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى غَايَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَزِيدَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى زِيَادَةِ وَاحِدٍ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إنْ أَصَبْت بِهَذَا السَّهْمِ فَقَدْ نَضَلْتُك إلَّا أَنْ يَجْعَلَ رَجُلٌ لَهُ سَبَقًا إنْ أَصَابَ بِهِ وَإِنْ قَالَ: ارْمِ عَشْرَةَ أَرْشَاقٍ فَإِنْ كَانَ صَوَابُك أَكْثَرَ فَلَكَ كَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُنَاضِلَ نَفْسَهُ. وَإِذَا رَمَى بِسَهْمٍ فَانْكَسَرَ فَإِنْ أَصَابَ بِالنَّصْلِ كَانَ لَهُ خَاسِقًا وَإِنْ أَصَابَ بِالْقِدْحِ لَمْ يَكُنْ خَاسِقًا. وَلَوْ انْقَطَعَ بِاثْنَيْنِ فَأَصَابَ بِهِمَا جَمِيعًا حُسِبَ الَّذِي فِيهِ النَّصْلُ وَإِنْ كَانَ فِي الشَّنِّ نَبْلٌ فَأَصَابَ سَهْمُهُ فَوْقَ سَهْمٍ فِي الشَّنِّ لَمْ يُحْسَبْ وَرُدَّ عَلَيْهِ وَرَمَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَارِضٌ دُونَ الشَّنِّ. وَإِذَا أَرَادَ الْمُسْتَبِقُ أَنْ يَجْلِسَ وَلَا يَرْمِيَ وَلِلْمُسَبِّقِ فَضْلٌ أَوْ لَا فَضْلَ لَهُ فَسَوَاءٌ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ الْفَضْلُ فَيَنْضُلُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْفَضْلُ وَيَنْضُلُ وَالرُّمَاةُ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ مَا لَمْ يَنْضُلْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَأَحْسِبُهُ إنْ مَرِضَ مَرَضًا يَضُرُّ بِالرَّمْيِ أَوْ يُصِيبُ إحْدَى يَدَيْهِ عِلَّةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا: إذَا تَرَاضَيَا عَلَى أَصْلِ الرَّمْيِ الْأَوَّلِ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَهُ عَلَى أَنْ يُعِيدَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَبَقَهُ عَلَى أَنْ يَرْمِيَ بِالْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْمِيَ بِالْفَارِسِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَعْرُوفًا أَنَّ الصَّوَابَ عَنْ الْفَارِسِيَّةِ أَكْثَرُ مِنْهُ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ، قَالَ: وَإِنْ سَبَقَهُ وَلَمْ يُسَمِّ الْغَرَضَ كَرِهْته فَإِنْ سَمَّيَاهُ كَرِهْت أَنْ يَرْفَعَهُ أَوْ يَخْفِضَهُ وَقَدْ أَجَازَ الرُّمَاةُ لِلْمُسَبِّقِ أَنْ يُرَامِيَهُ رَشْقًا وَأَكْثَرَ فِي الْمِائَتَيْنِ وَمَنْ أَجَازَ هَذَا أَجَازَهُ فِي الرُّقْعَةِ وَفِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَثِمِائَةٍ. قَالَ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَا أَنْ يَرْمِيَا أَرْشَاقًا مَعْلُومَةً كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ فَلَا يَفْتَرِقَا حَتَّى يَفْرُغَا مِنْهَا إلَّا مِنْ عُذْرِ مَرَضٍ أَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 396 عَاصِفٍ مِنْ الرِّيحِ وَمَنْ اعْتَلَّتْ أَدَاتُهُ أَبْدَلَ مَكَانَ قَوْسِهِ وَنَبْلِهِ وَوَتَرِهِ وَإِنْ طَوَّلَ أَحَدُهُمَا بِالْإِرْسَالِ الْتِمَاسَ أَنْ تَبْرُدَ يَدُ الرَّامِي أَوْ يَنْسَى حُسْنَ صَنِيعِهِ فِي السَّهْمِ الَّذِي رَمَاهُ فَأَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ فَلْيُسْتَعْتَبْ مِنْ طَرِيقِ الْخَطَأِ فَقَالَ: لَمْ أَنْوِ هَذَا - لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ، وَقِيلَ لَهُ: ارْمِ كَمَا تَرْمِي النَّاسُ لَا مُعَجِّلًا عَنْ التَّثَبُّتِ فِي مُقَامِك وَنَزْعِك وَإِرْسَالِك وَلَا مُبْطِئًا لِإِدْخَالِ الضَّرَرِ بِالْحَبْسِ عَلَى صَاحِبِك قَالَ: وَلَوْ كَانَ الرَّامِي يُطِيلُ الْكَلَامَ وَالْحَبْسَ قِيلَ لَهُ: لَا تُطِلْ وَلَا تُعَجِّلْ عَمَّا يُفْهَمُ وَلِلْمُبْدِئِ أَنْ يَقِفَ فِي أَيِّ مُقَامٍ شَاءَ ثُمَّ لِلْآخَرِ مِنْ الْغَرَضِ الْآخَرِ أَيُّ مُقَامٍ شَاءَ وَإِذَا اقْتَسَمُوا ثَلَاثَةً وَثَلَاثَةً فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَرِعُوا وَلْيَقْتَسِمُوا قَسْمًا مَعْرُوفًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: أَخْتَارُ عَلَى أَنْ أَسْبِقَ وَلَا عَلَى أَنْ أُسْبَقَ وَلَا عَلَى أَنْ يَقْتَرِعَا، فَأَيُّهُمَا خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ سَبَقَهُ صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مُخَاطَرَةٌ وَإِذَا حَضَرَ الْغَرِيبُ أَهْلَ الْغَرَضِ فَقَسَمُوهُ فَقَالَ مَنْ مَعَهُ: كُنَّا نَرَاهُ رَامِيًا أَوْ مَنْ يَرْمِي عَلَيْهِ كُنَّا نَرَاهُ غَيْرَ رَامٍ وَهُوَ مِنْ الرُّمَاةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ عَرَفُوهُ، وَإِذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ: اطْرَحْ فَضْلَك عَلَى أَنِّي أُعْطِيَك بِهِ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِأَنْ يَتَفَاسَخَا ثُمَّ يَسْتَأْنِفَا سَبَقًا جَدِيدًا قَالَ: وَلَوْ شَرَطُوا أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ مُقَدَّمًا وَفُلَانٌ مَعَهُ وَفُلَانٌ ثَانٍ كَانَ السَّبْقُ مَفْسُوخًا وَلِكُلِّ حِزْبٍ أَنْ يُقَدِّمُوا مَنْ شَاءُوا وَيُقَدِّمُ الْآخَرُونَ كَذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ الْبَدْءُ لِأَحَدِ الْمُتَنَاضِلِينَ فَبَدَأَ الْمُبْدَأُ عَلَيْهِ فَأَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ رُدَّ ذَلِكَ السَّهْمُ عَلَيْهِ. وَالصَّلَاةُ جَائِزَةٌ فِي الْمُضْرِبَةِ وَالْأَصَابِعِ إذَا كَانَ جِلْدُهُمَا ذَكِيًّا مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ مَدْبُوغًا مِنْ جِلْدِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مَا عَدَا كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُطَهَّرُ بِالدِّبَاغِ، غَيْرُ أَنِّي أَكْرَهُهُ لِمَعْنًى وَاحِدٍ وَإِنِّي آمُرُهُ أَنْ يُفْضِيَ بِبُطُونِ كَفَّيْهِ إلَى الْأَرْضِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ مُتَنَكِّبَ الْقَوْسِ وَالْقَرْنِ إلَّا أَنْ يَتَحَرَّكَا عَلَيْهِ حَرَكَةً تَشْغَلُهُ فَأَكْرَهُهُ وَتُجْزِئُهُ. [مُخْتَصَرُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ] ِ وَمَا دَخَلَ فِيهِمَا مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ وَمِنْ الْإِمْلَاءِ وَمِنْ مَسَائِلَ شَتَّى سَمِعْتهَا لَفْظًا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَهِيَ يَمِينٌ مَكْرُوهَةٌ وَأَخْشَى أَنْ تَكُونَ مَعْصِيَةً؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ عُمَرَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَلَا إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَقَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ مَا حَلَفْت بِهَا بَعْدُ ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَكْرَهُ الْأَيْمَانَ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا فِيمَا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ طَاعَةٌ وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَأْتِيَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَيُكَفِّرَ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا وَلَمْ يَكُنْ أَثِمَ وَكَفَّرَ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} [النور: 22] نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَنْفَعُ رَجُلًا فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَهُ وَبِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي الظِّهَارِ {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ وَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» فَقَدْ أَمَرَهُ بِالْحِنْثِ عَامِدًا وَبِالتَّكْفِيرِ وَدَلَّ إجْمَاعُهُمْ أَنَّ مَنْ حَلَقَ فِي الْإِحْرَامِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ قَتَلَ صَيْدًا عَمْدًا أَوْ خَطَأً فِي الْكَفَّارَةِ سَوَاءٌ عَلَى أَنَّ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ وَقَتْلَ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فِي الْكَفَّارَةِ سَوَاءٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ قَالَ: أَقْسَمْت بِاَللَّهِ فَإِنْ كَانَ يَعْنِي حَلَفْت قَدِيمًا فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ حَادِثَةٍ وَإِنْ أَرَادَ بِهَا يَمِينًا فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ قَالَ: أُقْسِمُ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ فَإِنْ قَالَ: أُقْسِمُ بِاَللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ بِهَا يَمِينًا فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ أَرَادَ بِهَا مَوْعِدًا فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ كَقَوْلِهِ سَأَحْلِفُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْإِمْلَاءِ هِيَ يَمِينٌ، وَإِنْ قَالَ: لَعَمْرُ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهَا يَمِينًا فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ، وَلَوْ قَالَ: وَحَقِّ اللَّهِ أَوْ وَعَظَمَتِهِ أَوْ وَجَلَالِ اللَّهِ أَوْ وَقُدْرَةِ اللَّهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ يَمِينٌ نَوَى بِهَا يَمِينًا أَوْ لَا نِيَّةَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 397 لَهُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ يَمِينًا فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَقُولَ: وَحَقُّ اللَّهِ وَاجِبٌ وَقُدْرَةُ اللَّهِ مَاضِيَةٌ لَا أَنَّهُ يَمِينٌ، وَلَوْ قَالَ بِاَللَّهِ أَوْ تَاللَّهِ فَهِيَ يَمِينٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ. وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ: تَاللَّهِ يَمِينٌ وَقَالَ فِي الْقَسَامَةِ لَيْسَتْ بِيَمِينٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَقَدْ حَكَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَمِينَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} [الأنبياء: 57] (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ قَالَ: اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ فَهَذَا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ لَا يَمِينَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهَا، فَإِنْ قَالَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ فَهِيَ يَمِينٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ يَمِينًا فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ أَشْهَدُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَلَوْ قَالَ: أَشْهَدُ يَنْوِيهِ يَمِينًا لَمْ يَكُنْ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ: أَعْزِمُ بِاَللَّهِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا أَعْزِمُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ أَوْ بِعَوْنِ اللَّهِ عَلَى كَذَا وَإِنْ أَرَادَ يَمِينًا فَهِيَ يَمِينٌ، وَلَوْ قَالَ: أَسْأَلُك بِاَللَّهِ أَوْ أَعْزِمُ عَلَيْك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ فَإِنْ أَرَادَ الْمُسْتَحْلِفُ بِهَا يَمِينًا فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهَا شَيْئًا فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ، وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ عَهْدًا أَنْ يُؤَدِّيَ فَرَائِضَهُ وَكَذَلِكَ مِيثَاقُ اللَّهِ بِذَلِكَ وَأَمَانَتُهُ. [بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْأَيْمَانِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ حَلَفَ بِأَيِّ يَمِينٍ كَانَتْ ثُمَّ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ مَوْصُولًا بِكَلَامِهِ فَقَدْ اسْتَثْنَى وَالْوَصْلُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ نَسَقًا وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُ سَكْتَةٌ كَسَكْتَةِ الرَّجُلِ لِلتَّذَكُّرِ أَوْ الْعَيِّ أَوْ التَّنَفُّسِ أَوْ انْقِطَاعِ الصَّوْتِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ وَالْقَطْعُ أَنْ يَأْخُذَ فِي كَلَامٍ لَيْسَ مِنْ الْيَمِينِ مِنْ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ يَسْكُتَ السُّكُوتَ الَّذِي يُبَيِّنُ أَنَّهُ قَطَعَ وَقَالَ: لَوْ قَالَ فِي يَمِينِهِ: لَأَفْعَلَنَّ كَذَا لِوَقْتٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَإِنْ شَاءَ فَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ مَاتَ أَوْ غَابَ عَنَّا حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ حَنِثَ (قَالَ الْمُزَنِيّ) قَالَ بِخِلَافِهِ فِي بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ قَالَ فِي يَمِينِهِ: لَا أَفْعَلُ كَذَا إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَفَعَلَ وَلَمْ يَعْرِفْ شَاءَ أَوْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَحْنَثْ. [بَابُ لَغْوِ الْيَمِينِ مِنْ هَذَا وَمِنْ اخْتِلَافِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ] ِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لَغْوُ الْيَمِينِ قَوْلُ الْإِنْسَانِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاللَّغْوُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ الْكَلَامُ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَجِمَاعُ اللَّغْوِ هُوَ الْخَطَأُ وَاللَّغْوُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَلِكَ إذَا كَانَ عَلَى اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَالْعَجَلَةِ وَعَقْدُ الْيَمِينِ أَنْ يُثْبِتَهَا عَلَى الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ [بَابُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ وَأَرَادَ أَنْ يَحْنَثَ فَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ لَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى يَحْنَثَ فَإِنْ كَفَّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ بِغَيْرِ الصِّيَامِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ صَامَ لَمْ يُجِزْهُ لِأَنَّا نَزْعُمُ أَنَّ لِلَّهِ عَلَى الْعِبَادِ حَقًّا فِي أَمْوَالِهِمْ «وَتَسَلَّفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامٍ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ» وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدَّمُوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ الْفِطْرُ فَجَعَلْنَا الْحُقُوقَ فِي الْأَمْوَالِ قِيَاسًا عَلَى هَذَا، فَأَمَّا الْأَعْمَالُ الَّتِي عَلَى الْأَبْدَانِ فَلَا تُجْزِئُ إلَّا بَعْدَ مَوَاقِيتِهَا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 398 [بَابُ مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً تَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ طَلُقَتْ بِالْحِنْثِ وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا لَمْ يَحْنَثْ فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك وَلَمْ يُوَقِّتْ فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ تَمُوتَ هِيَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَإِنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا مَنْ يُشْبِهُهَا أَوْ لَا يُشْبِهُهَا خَرَجَ مِنْ الْحِنْثِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا وَإِنْ مَاتَ وَرِثَتْهُ فِي قَوْلِ مَنْ يُوَرِّثُ الْمَبْتُوتَةَ إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْمَرَضِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قَدْ قَطَعَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهَا لَا تَرِثُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَهُوَ بِالْحَقِّ أَوْلَى؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَرَّثَهَا مِنْهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي وَرَّثَهُ بِهِ مِنْهَا فَلَمَّا ارْتَفَعَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَلَمْ يَرِثْهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تَرِثَهُ. [بَابُ الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ فِي الْبُلْدَانِ كُلِّهَا وَمَنْ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ وَغَيْرُهُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيُجْزِئُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا قُلْنَا: يُجْزِي هَذَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى بِعِرْقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَدَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا» وَالْعِرْقُ فِيمَا يُقَدَّرُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَذَلِكَ سِتُّونَ مُدًّا فَلِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ فِي كُلِّ بِلَادٍ سَوَاءٌ وَلَا أَرَى أَنْ يُجْزِيَ دَرَاهِمُ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْأَمْدَادِ وَمَا اقْتَاتَ أَهْلُ الْبُلْدَانِ مِنْ شَيْءٍ أَجْزَأَهُمْ مِنْهُ مُدٌّ وَيُجْزِي أَهْلُ الْبَادِيَةِ مُدُّ أَقِطٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَجَازَ الْأَقِطَ هَا هُنَا وَلَمْ يُجِزْهُ فِي الْفِطْرَةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ بِلَادٍ قُوتٌ مِنْ طَعَامٍ سِوَى اللَّحْمَ أَدَّوْا مُدًّا مِمَّا يَقْتَاتُ أَقْرَبُ الْبُلْدَانِ إلَيْهِمْ وَيُعْطِي الرَّجُلُ الْكَفَّارَةَ وَالزَّكَاةَ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ مِنْ قَرَابَتِهِ وَهُمْ مَنْ عَدَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ وَالزَّوْجَةَ إذَا كَانُوا أَهْلَ حَاجَةٍ فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ. وَإِنْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ تَطَوُّعًا وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يُعْطِيَ حُرًّا مُسْلِمًا مُحْتَاجًا وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ أَعْطَى غَيْرَهُمْ فَعَلَيْهِ عِنْدِي أَنْ يُعِيدَ وَلَا يُطْعِمَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ وَاحْتَجَّ عَلَى مَنْ قَالَ: إنْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا مِائَةً وَعِشْرِينَ مُدًّا فِي سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ لَمْ يُجِزْهُ فَقَالَ: أَرَاك جَعَلْت وَاحِدًا سِتِّينَ مِسْكِينًا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فَإِنْ شَهِدَ الْيَوْمَ شَاهِدٌ بِحَقٍّ ثُمَّ عَادَ مِنْ الْغَدِ فَشَهِدَ بِهِ فَقَدْ شَهِدَ بِهَا مَرَّتَيْنِ فَهُوَ كَشَاهِدَيْنِ فَإِنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ الْعَدَدَ قِيلَ: وَكَذَلِكَ ذَكَرَ اللَّهُ لِلْمَسَاكِينِ الْعَدَدَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ أَطْعَمَ تِسْعَةً وَكَسَا وَاحِدًا لَمْ يُجِزْهُ حَتَّى يُطْعِمَ عَشَرَةً كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ ثَلَاثَةِ أَيْمَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فَأَعْتَقَ وَأَطْعَمَ وَكَسَا يَنْوِي الْكَفَّارَةَ وَلَا يَنْوِي عَنْ أَيُّهَا الْعِتْقَ وَلَا الْإِطْعَامَ وَلَا الْكِسْوَةَ أَجْزَأَهُ وَأَيُّهَا شَاءَ أَنْ يَكُونَ عِتْقًا أَوْ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً كَانَ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ فَالنِّيَّةُ الْأُولَى تُجْزِئُهُ قَالَ: وَلَا يُجْزِي كَفَّارَةٌ حَتَّى يُقَدِّمَ النِّيَّةَ قَبْلَهَا أَوْ مَعَهَا، وَلَوْ كَفَّرَ عَنْهُ رَجُلٌ بِأَمْرِهِ أَجْزَأَهُ وَهَذِهِ كَهِبَتِهِ إيَّاهَا مِنْ مَالِهِ وَدَفْعِهِ إيَّاهَا بِأَمْرِهِ كَقَبْضِ وَكِيلِهِ لِهِبَتِهِ لَوْ وَهَبَهَا لَهُ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: أَعْتِقْ عَنِّي فَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ وَكَانَ عِتْقُهُ مِثْلَ الْقَبْضِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَعْتَقَهُ كَانَ الْعِتْقُ كَالْقَبْضِ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَفَّرَ عَنْ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَطْعَمَ أَوْ أَعْتَقَ لَمْ يُجِزْهُ وَكَانَ هُوَ الْمُعْتِقُ لِعَبْدِهِ فَوَلَاؤُهُ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ عَنْ أَبَوَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِوَصِيَّةٍ مِنْهُمَا. وَلَوْ صَامَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 399 رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ بِأَمْرِهِ لَمْ يُجِزْهُ؛ لِأَنَّ الْأَبْدَانَ تَعَبَّدَتْ بِعَمَلٍ فَلَا يُجْزِي أَنْ يَعْمَلَهُ غَيْرُهَا إلَّا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلْخَبَرِ الَّذِي جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِأَنَّ فِيهِمَا نَفَقَةً وَلِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا فَرَضَهُمَا عَلَى مَنْ وَجَدَ السَّبِيلَ إلَيْهِمَا وَالسَّبِيلُ بِالْمَالِ. وَمَنْ اشْتَرَى مِمَّا أَطْعَمَ أَوْ كَسَا أَجْزَتْهُ وَلَوْ تَنَزَّهَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَمَنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ هُوَ وَأَهْلُهُ وَخَادِمٌ أَعْطَى مِنْ الْكَفَّارَةِ وَالزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَسْكَنِهِ فَضْلٌ عَنْ خَادِمِهِ وَأَهْلِهِ، الْفَضْلُ الَّذِي يَكُونُ بِهِ غَنِيًّا لَمْ يُعْطِ، وَإِذَا حَنِثَ مُوسِرًا ثُمَّ أَعْسَرَ لَمْ أَرَ الصَّوْمَ يُجْزِي عَنْهُ وَآمُرُهُ احْتِيَاطًا أَنْ يَصُومَ فَإِذَا أَيْسَرَ كَفَّرَ وَإِنَّمَا أَنْظُرُ فِي هَذَا إلَى الْوَقْتِ الَّذِي يَحْنَثُ فِيهِ. وَلَوْ حَنِثَ مُعْسِرًا فَأَيْسَرَ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ وَلَا يَصُومَ وَإِنْ صَامَ أَجْزَأَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حِينَ حَنِثَ حُكْمُ الصِّيَامِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقَدْ قَالَ فِي الظِّهَارِ إنَّ حُكْمَهُ حِينَ يُكَفِّرُ وَقَدْ قَالَ فِي جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ: إنْ تَظَاهَرَ فَلَمْ يَجِدْ رَقَبَةً أَوْ أَحْدَثَ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً فَلَمْ يَصُمْ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ حَتَّى وَجَدَ الرَّقَبَةَ وَالْمَاءَ إنَّ فَرْضَهُ الْعِتْقُ وَالْوُضُوءُ وَقَوْلُهُ فِي جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ أَوْلَى بِهِ مِنْ انْفِرَادِهِ عَنْهَا قَالَ: وَمَنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَالزَّكَاةِ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَلَا يُعْتِقَ فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا وَمَالُهُ غَائِبٌ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ حَتَّى يُحْضِرَ مَالَهُ إلَّا بِالْإِطْعَامِ أَوْ الْكِسْوَةِ أَوْ الْعِتْقِ. [بَابُ مَا يُجْزِي مِنْ الْكِسْوَةِ فِي الْكَفَّارَةِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَقَلُّ مَا يُجْزِي مِنْ الْكِسْوَةِ كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ كِسْوَةٍ مِنْ عِمَامَةٍ أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ إزَارٍ أَوْ مُقَنَّعَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ، وَلَوْ اسْتَدَلَّ بِمَا يَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ مِنْ الْكِسْوَةِ عَلَى كِسْوَةِ الْمَسَاكِينِ لَجَازَ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِمَا يَكْفِيهِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ أَوْ فِي السَّفَرِ مِنْ الْكِسْوَةِ، وَقَدْ أَطْلَقَهُ اللَّهُ فَهُوَ مُطْلَقٌ. [بَابُ مَا يَجُوزُ فِي عِتْقِ الْكَفَّارَاتِ وَمَا لَا يَجُوزُ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يُجْزِئُ رَقَبَةٌ فِي كَفَّارَةٍ وَلَا وَاجِبٍ إلَّا مُؤْمِنَةٌ وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِيمَانِ عَلَى الْأَعْجَمِيِّ أَنْ يَصِفَ الْإِيمَانَ إذَا أُمِرَ بِصِفَتِهِ ثُمَّ يَكُونَ بِهِ مُؤْمِنًا وَيُجْزِي فِيهِ الصَّغِيرُ إذَا كَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَوَلَدُ الزِّنَا وَكُلُّ ذِي نَقْصٍ بِعَيْبٍ لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ إضْرَارًا بَيِّنًا مِثْلَ الْعَرَجِ الْخَفِيفِ وَالْعَوَرِ وَالشَّلَلِ فِي الْخِنْصَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يُجْزِئُ الْمُقْعَدُ وَلَا الْأَعْمَى وَلَا الْأَشَلُّ الرِّجْلَ وَيُجْزِئُ الْأَصَمُّ وَالْخَصِيُّ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَيْسَ بِهِ مَرَضُ زَمَانَةٍ مِثْلُ الْفَالِجِ وَالسُّلِّ. وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتِقُ عَلَيْهِ لَمْ يُجِزْهُ وَلَا يُعْتِقُ عَلَيْهِ إلَّا الْوَالِدُونَ وَالْمَوْلُودُونَ، وَلَوْ اشْتَرَى رَقَبَةً بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهَا لَمْ تُجْزِ عَنْهُ وَيُجْزِئُ الْمُدَبَّرُ وَلَا يَجُوزُ الْمُكَاتَبُ حَتَّى يَعْجِزَ فَيُعْتِقَ بَعْدَ الْعَجْزِ وَيُجْزِئُ الْمُعْتَقُ إلَى سِنِينَ وَاحْتَجَّ فِي كِتَابِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى مَنْ أَجَازَ عِتْقَ الذِّمِّيِّ فِي الْكَفَّارَةِ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا ذَكَرَ رَقَبَةً فِي كَفَّارَةٍ فَقَالَ: مُؤْمِنَةً ثُمَّ ذَكَرَ رَقَبَةً أُخْرَى فِي كَفَّارَةٍ كَانَتْ مُؤْمِنَةً؛ لِأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي أَنَّهُمَا كَفَّارَتَانِ وَلَمَّا رَأَيْنَا مَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ مَنْقُولًا إلَى الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ فَرْضًا عَلَيْهِ فَيُعْتِقَ بِهِ ذِمِّيًّا وَيَدَعَ مُؤْمِنًا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 400 [بَابُ الصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ الْمُتَتَابِعِ وَغَيْرِهِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمٌ لَيْسَ بِمَشْرُوطٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ مُتَتَابِعًا أَجْزَأَهُ مُتَفَرِّقًا قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَالْعِدَّةُ أَنْ يَأْتِيَ بِعَدَدِ صَوْمٍ لَا وَلَاءٍ وَقَالَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ: إنَّ صِيَامَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُتَتَابِعٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا أَلْزَمُ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَرَطَ صَوْمَ كَفَّارَةِ الْمُتَظَاهِرِ مُتَتَابِعًا وَهَذَا صَوْمُ كَفَّارَةِ مِثْلِهِ كَمَا احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِشَرْطِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَقَبَةَ الْقَتْلِ مُؤْمِنَةً. (قَالَ الْمُزَنِيّ) فَجَعَلَ الشَّافِعِيُّ رَقَبَةَ الظِّهَارِ مِثْلَهَا مُؤْمِنَةً؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ شَبِيهَةٌ بِكَفَّارَةٍ فَكَذَلِكَ الْكَفَّارَةُ عَنْ ذَنْبٍ بِالْكَفَّارَةِ عَنْ ذَنْبٍ أَشْبَهَ مِنْهَا بِقَضَاءِ رَمَضَانَ الَّذِي لَيْسَ بِكَفَّارَةٍ عَنْ ذَنْبٍ فَتَفَهَّمْ، قَالَ: وَإِذَا كَانَ الصَّوْمُ مُتَتَابِعًا فَأَفْطَرَ فِيهِ الصَّائِمُ أَوْ الصَّائِمَةُ مِنْ عُذْرٍ وَغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَا الصِّيَامَ إلَّا الْحَائِضَ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ الْمَرَضُ كَالْحَيْضِ وَقَدْ يَرْتَفِعُ الْحَيْضُ بِالْحَمْلِ وَغَيْرِهِ كَمَا يَرْتَفِعُ الْمَرَضُ قَالَ: وَلَا صَوْمَ فِيمَا لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا مِثْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ. [بَابُ الْوَصِيَّةِ بِكَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ وَالزَّكَاةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ لَزِمَهُ حَقُّ الْمَسَاكِينِ فِي زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ أَوْ حَجٍّ فَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ، فَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ فِي كَفَّارَةٍ فَإِنْ حَمَلَ ثُلُثُهُ الْعِتْقَ أَعْتَقَ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثَ أَطْعَمَ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. [بَابُ كَفَّارَةِ يَمِينِ الْعَبْدِ بَعْدَ أَنْ يُعْتَقَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : لَا يُجْزِئُ الْعَبْدَ فِي الْكَفَّارَةِ إلَّا الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَالًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَصُومَ إلَّا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا لَزِمَهُ بِإِذْنِهِ وَلَوْ صَامَ فِي أَيِّ حَالٍ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ حَنِثَ ثُمَّ أَعْتَقَ وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ حُرٍّ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَالِكٌ وَلَوْ صَامَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَوْمَ حَنِثَ حُكْمُ الصِّيَامِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ مَضَتْ الْحُجَّةُ أَنَّ الْحُكْمَ يَوْمَ يُكَفِّرُ لَا يَوْمَ يَحْنَثُ كَمَا قَالَ: إنَّ حُكْمَهُ فِي الصَّلَاةِ حِينَ يُصَلِّي كَمَا يُمْكِنُهُ لَا حِينَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ. (قَالَ) : وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَنِصْفُهُ عَبْدٌ وَنِصْفُهُ حُرٌّ وَكَانَ فِي يَدَيْهِ مَالٌ لِنَفْسِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ الصَّوْمُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ مِمَّا فِي يَدَيْهِ لِنَفْسِهِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا الْمَالُ لِنِصْفِهِ الْحُرِّ لَا يَمْلِكُ مِنْهُ النِّصْفَ الْعَبْدُ شَيْئًا فَكَيْفَ يُكَفِّرُ بِالْمَالِ نِصْفُ عَبْدٍ لَا يَمْلِكُ مِنْهُ شَيْئًا فَأَحَقَّ بِقَوْلِهِ أَنَّهُ كَرَجُلٍ مُوسِرٍ بِنِصْفِ الْكَفَّارَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الصَّوْمُ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا كَانَ فِي دَارٍ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَهَا أَخَذَ فِي الْخُرُوجِ مَكَانَهُ وَإِنْ تَخَلَّفَ سَاعَةً يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا فَلَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ فَيَخْرُجُ بِبَدَنِهِ مُتَحَوِّلًا وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَتَرَدَّدَ عَلَى حَمْلِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 401 مَتَاعِهِ وَإِخْرَاجِ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِسُكْنَى، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ وَهُوَ سَاكِنٌ فَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا سَاعَةً يُمْكِنُهُ التَّحْوِيلُ عَنْهُ حَنِثَ وَلَوْ كَانَا فِي بَيْتَيْنِ فَجَعَلَ بَيْنَهُمَا حَدًّا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحُجْرَتَيْنِ بَابٌ فَلَيْسَتْ هَذِهِ بِمُسَاكَنَةٍ وَإِنْ كَانَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَالْمُسَاكَنَةُ أَنْ يَكُونَا فِي بَيْتٍ أَوْ بَيْتَيْنِ حُجْرَتُهُمَا وَاحِدَةٌ وَمَدْخَلُهُمَا وَاحِدٌ، وَإِذَا افْتَرَقَ الْبَيْتَانِ أَوْ الْحُجْرَتَانِ فَلَيْسَتْ بِمُسَاكَنَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْحُجَّةُ فِي أَنَّ النُّقْلَةَ بِبَدَنِهِ دُونَ مَتَاعِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ؟ قِيلَ: أَرَأَيْت إذَا سَافَرَ أَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ السَّفَرِ فَيَقْصُرُ؟ أَوْ رَأَيْت لَوْ انْقَطَعَ إلَى مَكَّةَ بِبَدَنِهِ أَيَكُونُ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِينَ إنْ تَمَتَّعُوا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ دَمٌ؟ فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ فَإِنَّمَا النُّقْلَةُ وَالْحُكْمُ عَلَى الْبَدَنِ لَا عَلَى مَالٍ وَأَهْلٍ وَعِيَالٍ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا فَرَقَى فَوْقَهَا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَدْخُلَ بَيْتًا مِنْهَا أَوْ عَرْصَتَهَا. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ لَابِسُهُ وَلَا يَرْكَبُ دَابَّةً وَهُوَ رَاكِبُهَا فَإِنْ نَزَعَ أَوْ نَزَلَ مَكَانَهُ، وَإِلَّا حَنِثَ وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ. وَإِنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ بَيْتًا وَهُوَ بَدْوِيٌّ أَوْ قَرَوِيٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَأَيُّ بَيْتٍ مِنْ شِعْرٍ أَوْ أُدْمٍ أَوْ خَيْمَةٍ أَوْ بَيْتٍ مِنْ حِجَارَةٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ بَيْتٍ سَكَنَهُ حَنِثَ. وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ فُلَانٌ فَاشْتَرَاهُ فُلَانٌ وَآخَرُ مَعَهُ طَعَامًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ بِعَيْنِهَا فَبَاعَهَا فُلَانٌ حَنِثَ بِأَيِّ وَجْهٍ سَكَنَهَا إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ مَا كَانَتْ لِفُلَانٍ لَمْ يَحْنَثْ إذَا خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا فَانْهَدَمَتْ حَتَّى صَارَتْ طَرِيقًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارٍ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الدَّارِ فِي مَوْضِعٍ فَحَوَّلَ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يَدْخُلَهَا فَيَحْنَثَ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ رِدَاءٌ فَقَطَعَهُ قَمِيصًا أَوْ ائْتَزَرَ بِهِ أَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ سَرَاوِيلَ فائتزر بِهِ أَوْ قَمِيصًا فَارْتَدَى بِهِ فَهَذَا كُلُّهُ لُبْسٌ يَحْنَثُ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا عَلَى نِيَّتِهِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَ رَجُلٍ مِنْ عَلَيْهِ فَوَهَبَهُ لَهُ فَبَاعَهُ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ ثَوْبًا لَبِسَهُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَلْبَسَ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا أَنْظُرُ إلَى مَخْرَجِ الْيَمِينِ ثُمَّ أُحْنِثُ صَاحِبَهَا أَوْ أَبَرُّهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَسْبَابَ مُتَقَدِّمَةٌ وَالْأَيْمَانَ بَعْدَهَا مُحْدَثَةٌ قَدْ يَخْرُجُ عَلَى مِثَالِهَا وَعَلَى خِلَافِهَا فَأُحْنِثُهُ عَلَى مَخْرَجِ يَمِينِهِ، أَرَأَيْت رَجُلًا لَوْ كَانَ قَالَ: وَهَبْت لَهُ مَالِي فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ أَمَا يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَضْرِبْهُ؟ وَلَيْسَ يُشْبِهُ سَبَبَ مَا قَالَ؟ قَالَ: وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ بَيْتَ فُلَانٍ فَدَخَلَ بَيْتًا يَسْكُنُهُ فُلَانٌ بِكِرَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ نَوَى مَسْكَنَ فُلَانٍ فَيَحْنَثُ وَلَوْ حُمِلَ فَأُدْخِلَ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ تَرَاخَى أَوْ لَمْ يَتَرَاخَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ قَالَ: نَوَيْت شَهْرًا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ إنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ عَلَى رَجُلٍ غَيْرِهِ بَيْتًا فَوَجَدَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ فِي الْبَيْتِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ حَنِثَ فِي قَوْلِ مَنْ يَحْنَثُ عَلَى غَيْرِ النِّيَّةِ وَلَا يَرْفَعُ الْخَطَأَ (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ سَوَّى الشَّافِعِيُّ فِي الْحِنْثِ بَيْنَ مَنْ حَلَفَ فَفَعَلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَن هَذَا الطَّعَامَ غَدًا فَهَلَكَ قَبْلَ غَدٍ لَمْ يَحْنَثْ لِلْإِكْرَاهِ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] فَعَقَلْنَا أَنَّ قَوْلَ الْمُكْرَهِ كَمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحُكْمِ وَعَقَلْنَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ هُوَ أَنْ يَغْلِبَ بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْهُ فَإِذَا تَلِفَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَيَفْعَلَنَّ فِيهِ شَيْئًا بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْهُ فَهُوَ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْإِكْرَاهِ. وَلَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ لِوَقْتٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ فَمَاتَ قَبْلَ يَشَاءُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَمَاتَ فُلَانٌ الَّذِي جَعَلَ الْمَشِيئَةَ إلَيْهِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا غَلَطٌ لَيْسَ فِي مَوْتِهِ مَا يَمْنَعُ إمْكَانَ بِرِّهِ وَأَصْلُ قَوْلِهِ: إنْ أَمْكَنَهُ الْبِرُّ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى فَاتَهُ الْإِمْكَانُ أَنَّهُ يَحْنَثُ وَقَدْ قَالَ: لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ فَمَاتَ الَّذِي جَعَلَ الْإِذْنَ إلَيْهِ أَنَّهُ إنْ دَخَلَهَا حَنِثَ (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَهَذَا وَذَاكَ سَوَاءٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ عِنْدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 402 رَأْسِ الْهِلَالِ أَوْ إلَى رَأْسِ الْهِلَالِ فَرَأَى فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي يُهِلُّ فِيهَا الْهِلَالُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ قَالَ فِي الَّذِي حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ إلَى رَمَضَانَ فَهَلْ إنَّهُ حَانِثٌ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا أَصَحُّ كَقَوْلِهِ: إلَى اللَّيْلِ، فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ حَنِثَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ قَالَ إلَى حِينٍ فَلَيْسَ بِمَعْلُومٍ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى مُدَّةِ الدُّنْيَا وَيَوْمٍ، وَالْفُتْيَا أَنْ يُقَالَ لَهُ: الْوَرَعُ لَك أَنْ تَقْضِيَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ الْحِينَ يَقَعُ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ حَلَفْت وَلَا نُحْنِثُك أَبَدًا لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ لِلْحِينِ غَايَةً، وَكَذَلِكَ زَمَانٌ وَدَهْرٌ وَأَحْقَابٌ وَكُلُّ كَلِمَةٍ مُفْرَدَةٍ لَيْسَ لَهَا ظَاهِرٌ يَدُلُّ عَلَيْهَا. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي فَأَمَرَ غَيْرَهُ أَوْ لَا يُطَلِّقُ فَجَعَلَ طَلَاقَهَا إلَيْهَا فَطَلُقَتْ أَوْ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى ذَلِكَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ فِعْلَيْنِ أَوْ لَا يَكُونُ أَمْرَانِ، لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكُونَا جَمِيعًا وَحَتَّى يَأْكُلَ كُلَّ الَّذِي حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ مَاءَ هَذِهِ الْإِدَاوَةِ أَوْ مَاءَ هَذَا النَّهْرِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَشْرَبَ مَاءَ الْإِدَاوَةِ كُلَّهُ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى شُرْبِ مَاءِ النَّهْرِ كُلِّهِ، وَلَوْ قَالَ مِنْ مَاءِ هَذِهِ الْإِدَاوَةِ أَوْ مِنْ مَاءِ هَذَا النَّهْرِ حَنِثَ إنْ شَرِبَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. [بَابُ مَنْ حَلَفَ عَلَى غَرِيمِهِ لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ حَلَفَ عَلَى غَرِيمِهِ لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فَفَرَّ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْهُ وَلَوْ قَالَ: لَا أَفْتَرِقُ أَنَا وَأَنْتَ حَنِثَ، وَلَوْ أَفْلَسَ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ أَوْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ فِيمَا يَرَى فَوَجَدَ فِي دَنَانِيرِهِ زُجَاجًا أَوْ نُحَاسًا حَنِثَ فِي قَوْلِ مَنْ لَا يَطْرَحُ الْغَلَبَةَ وَالْخَطَأَ عَنْ النَّاسِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَعْمِدْهُ (قَالَ) : وَلَوْ أَخَذَ بِحَقِّهِ عَرَضًا فَإِنْ كَانَ قِيمَةَ حَقِّهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ حَتَّى لَا يَبْقَى عَلَيْك مِنْ حَقِّي شَيْءٌ فَلَا يَحْنَثُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ لِلْقِيمَةِ مَعْنًى؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ إنْ كَانَتْ عَلَى عَيْنِ الْحَقِّ لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْبَرَاءَةِ فَقَدْ بَرِئَ وَالْعَرْضُ غَيْرُ الْحَقِّ سَوَّى أَوْ لَمْ يُسَوِّ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حَدُّ الْفِرَاقِ أَنْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَقَامِهِمَا الَّذِي كَانَا فِيهِ أَوْ مَجْلِسِهِمَا. (قَالَ) : وَلَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا فَقَضَاهُ الْيَوْمَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ غَدًا غَيْرُ قَضَائِهِ الْيَوْمَ فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ غَدًا حَتَّى أَقْضِيَك حَقَّك فَقَدْ بَرَّ وَهَكَذَا لَوْ وَهَبَهُ لَهُ رَبُّ الْحَقِّ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يَبْقَى عَلَيَّ غَدًا مِنْ حَقِّك شَيْءٌ فَيَبَرُّ. [بَابُ مَنْ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْتِ إلَّا بِإِذْنِي أَوْ حَتَّى آذَنَ لَك فَهَذَا عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَإِذَا خَرَجَتْ بِإِذْنِهِ فَقَدْ بَرَّ وَلَا يَحْنَثُ ثَانِيَةً إلَّا أَنْ يَقُولَ: كُلَّمَا خَرَجْتِ إلَّا بِإِذْنِي فَهَذَا عَلَى كُلِّ مَرَّةٍ وَلَوْ أَذِنَ لَهَا وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ فَخَرَجَتْ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِرَجُلٍ فَغَابَ أَوْ مَاتَ فَجَعَلَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ فِي حِلٍّ بَرِئَ غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ لَهُ فِي الْوَرَعِ لَوْ أَحْنَثَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَاصِيَةً لَهُ عِنْدَ نَفْسِهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ أَذِنَ لَهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 403 [بَابُ مَنْ يُعْتَقُ مِنْ مَمَالِيكِهِ إذَا حَنِثَ] َ أَوْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ مَا يَمْلِكُ وَلَهُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ وَمُدَبَّرُونَ وَأَشْقَاصٌ مِنْ عَبِيدٍ عَتَقُوا عَلَيْهِ إلَّا الْمُكَاتَبَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ خَارِجٌ مِنْ مِلْكِهِ بِمَعْنًى وَدَاخِلٌ فِيهِ بِمَعْنًى وَهُوَ مَحُولٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ مَالِهِ وَاسْتِخْدَامِهِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَلَا زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي رَقِيقِهِ وَلَيْسَ كَذَا أُمُّ وَلَدِهِ وَلَا مُدَبَّرُهُ. وَلَوْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ غَدًا فَبَاعَهُ الْيَوْمَ فَلَمَّا مَضَى غَدٌ اشْتَرَاهُ فَلَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ إذَا وَقَعَ مَرَّةً لَمْ يَحْنَثْ ثَانِيَةً، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ بِعْتُك فَبَاعَهُ بَيْعًا لَيْسَ بِبَيْعِ خِيَارٍ فَهُوَ حُرٌّ حِينَ عَقَدَ الْبَيْعَ وَإِنَّمَا زَعَمْته مِنْ قِبَلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، قَالَ وَتَفَرُّقُهُمَا بِالْأَبْدَانِ فَقَالَ: فَكَانَ لَوْ أَعْتَقَهُ عَتَقَ فَيُعْتَقُ بِالْحِنْثِ وَلَوْ قَالَ: إنْ زَوَّجْتُك أَوْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ، فَزَوَّجَهُ أَوْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا لَمْ يَحْنَثْ. [بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ الثَّانِي] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ فَأَكَلَ رُءُوسَ الْحِيتَانِ أَوْ رُءُوسَ الطَّيْرِ أَوْ رُءُوسَ شَيْءٍ يُخَالِفُ رُءُوسَ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ لَمْ يَحْنَثْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الَّذِي يَعْرِفُ النَّاسُ إذَا خُوطِبُوا بِأَكْلِ الرُّءُوسِ إنَّمَا هِيَ مَا وَصَفْنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِلَادٌ لَهَا صَيْدٌ يَكْثُرُ كَمَا يَكْثُرُ لَحْمُ الْأَنْعَامِ فِي السُّوقِ وَتُمَيَّزُ رُءُوسُهَا فَيَحْنَثُ فِي رُءُوسِهَا، وَكَذَلِكَ الْبَيْضُ وَهُوَ بَيْضُ الدَّجَاجِ وَالْإِوَزِّ وَالنَّعَامِ الَّذِي يُزَايِلُ بَائِضَهُ حَيًّا فَأَمَّا بَيْضُ الْحِيتَانِ فَلَا يَكُونُ هَكَذَا. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا حَنِثَ بِلَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْوَحْشِ وَالطَّيْرِ؛ لِأَنَّهُ كُلُّهُ لَحْمٌ وَلَا يَحْنَثُ فِي لَحْمِ الْحِيتَانِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْأَغْلَبِ. وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ سَوِيقًا فَأَكَلَهُ أَوْ لَا يَأْكُلَ خُبْزًا فَمَاثَّهُ فَشَرِبَهُ أَوْ لَا يَشْرَبَ شَيْئًا فَذَاقَهُ فَدَخَلَ بَطْنَهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَهُ بِالْخُبْزِ أَوْ بِالْعَصِيدَةِ أَوْ بِالسَّوِيقِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ السَّمْنَ لَا يَكُونُ مَأْكُولًا إلَّا بِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَامِدًا فَيَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَأْكُلَهُ جَامِدًا مُفْرَدًا. وَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ التَّمْرَةَ فَوَقَعَتْ فِي تَمْرٍ فَإِنْ أَكَلَهُ إلَّا تَمْرَةً أَوْ هَلَكَتْ مِنْهُ تَمْرَةٌ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ أَكَلَهَا وَالْوَرَعُ أَنْ يُحْنِثَ نَفْسَهُ. وَإِذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذِهِ الْحِنْطَةَ فَطَحَنَهَا أَوْ خَبَزَهَا أَوْ قَلَاهَا فَجَعَلَهَا سَوِيقًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ قَمْحٍ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا وَلَا شَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمًا أَوْ رُطَبًا فَأَكَلَ تَمْرًا أَوْ تَمْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا أَوْ زُبْدًا فَأَكَلَ لَبَنًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا غَيْرُ صَاحِبِهِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا ثُمَّ سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِيهِمْ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ، وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا فَالْوَرَعُ أَنْ يَحْنَثَ وَلَا يُبَيِّنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ وَالْكِتَابَ غَيْرُ الْكَلَامِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا عِنْدِي بِهِ وَبِالْحَقِّ أَوْلَى قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] إلَى قَوْلِهِ {بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11] فَأَفْهَمَهُمْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْكَلَامِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَقَدْ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْهِجْرَةَ مُحَرَّمَةٌ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَلَوْ كَتَبَ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى كَلَامِهِ لَمْ يُخْرِجْهُ هَذَا مِنْ الْهِجْرَةِ الَّتِي يَأْثَمُ بِهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَوْ كَانَ الْكِتَابُ كَلَامًا لَخَرَجَ بِهِ مِنْ الْهِجْرَةِ فَتَفَهَّمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرَى كَذَا إلَّا رَفَعَهُ إلَى قَاضٍ فَرَآهُ فَلَمْ يُمْكِنْهُ رَفْعُهُ إلَيْهِ حَتَّى مَاتَ ذَلِكَ الْقَاضِي لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُمْكِنَهُ فَيُفَرِّطَ وَإِنْ عُزِلَ فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يَرْفَعَهُ إلَيْهِ إنْ كَانَ قَاضِيًا فَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 404 يَجِبُ رَفْعُهُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ خَشِيت أَنْ يَحْنَثَ إنْ لَمْ يَرْفَعْهُ إلَيْهِ. وَلَوْ حَلَفَ مَالَهُ مَالٌ وَلَهُ عَرَضٌ أَوْ دَيْنٌ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ. (قَالَ) : وَلَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بِهَا فَإِنْ كَانَ يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهَا مَاسَّتْهُ كُلُّهَا بَرَّ وَإِنْ أَحَاطَ أَنَّهَا لَمْ تَمَاسَّهُ كُلُّهَا لَمْ يَبَرَّ وَإِنْ شَكَّ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْحُكْمِ وَيَحْنَثُ فِي الْوَرَعِ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: 44] «وَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأثكال النَّخْلِ فِي الزِّنَا» وَهَذَا شَيْءٌ مَجْمُوعٌ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ بِهَا مَاسَّتْهُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ لَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا لِوَقْتٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَإِنْ مَاتَ أَوْ غُيِّبَ عَنَّا حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ حَنِثَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَلَامًا يَبَرُّ بِهِ شَكَّ فَكَيْفَ يَحْنَثُ فِي أَحَدِهِمَا وَلَا يَحْنَثُ فِي الْآخَرِ؟ فَقِيَاسُ قَوْلِهِ عِنْدِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالشَّكِّ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ لَمْ يَقُلْ ضَرْبًا شَدِيدًا فَأَيُّ ضَرْبٍ ضَرَبَهُ إيَّاهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ ضَارِبُهُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ لَهُ هِبَةً فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَوْ نَحَلَهُ أَوْ أَعْمَرَهُ فَهُوَ هِبَةٌ فَإِنْ أَسْكَنَهُ فَإِنَّمَا هِيَ عَارِيَّةٌ لَمْ يُمَلِّكْهُ إيَّاهَا فَمَتَى شَاءَ رَجَعَ فِيهَا وَكَذَلِكَ إنْ حَبَسَ عَلَيْهِ. وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةَ الْعَبْدِ فَرَكِبَ دَابَّةَ الْعَبْدِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ إنَّمَا اسْمُهَا مُضَافٌ إلَيْهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَالَ: مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ صَدَقَةٌ عَلَى مَعَانِي الْأَيْمَانِ فَمَذْهَبُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَعِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَطَاءٍ وَالْقِيَاسُ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، وَقَالَ: مَنْ حَنِثَ فِي الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُ عَطَاءٍ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ لَا تَكُونُ إلَّا مَا فَرَضَ اللَّهُ أَوْ تَبَرُّرًا يُرَادُ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالتَّبَرُّرُ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ إنْ شَفَانِي أَنْ أَحُجَّ نَذْرًا فَأَمَّا إنْ لَمْ أَقْضِك حَقَّك فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَهَذَا مِنْ مَعَانِي الْأَيْمَانِ لَا مَعَانِي النُّذُورِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ قُطِعَ بِأَنَّهُ قَوْلُ عَدَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقِيَاسُ وَقَدْ قَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرُ حَجٍّ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَشَاءَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ إنَّمَا النَّذْرُ مَا أُرِيدَ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ عَلَى مَعَانِي الْمُعَلَّقِ وَالشَّائِي غَيْرُ النَّاذِرِ. [بَابُ النُّذُورِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ لَزِمَهُ إنْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ رَكِبَ وَأَهْرَاقَ دَمًا احْتِيَاطًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُطِقْ شَيْئًا سَقَطَ عَنْهُ وَلَا يَمْشِي أَحَدٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَإِذَا نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا مَشَى حَتَّى يَحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ ثُمَّ يَرْكَبَ وَإِذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا مَشَى حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَلَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ حَلَّ مَاشِيًا وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ مَاشِيًا، وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْمَشْيُ حَتَّى يَكُونَ بِرًّا فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَشْيِ إلَى غَيْرِ مَوَاضِعِ التَّبَرُّرِ بِرٌّ وَذَلِكَ مِثْلُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأُحِبُّ لَوْ نَذَرَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ يَمْشِيَ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» وَلَا يَبِينُ لِي أَنْ يَجِبَ كَمَا يَبِينُ لِي أَنَّ وَاجِبًا الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْبِرَّ بِإِتْيَانِ بَيْتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرْضٌ وَالْبِرُّ بِإِتْيَانِ هَذَيْنِ نَافِلَةٌ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ مِصْرَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ لَمْ يُجْزِئْهُ بِغَيْرِهَا وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَهُ بِغَيْرِهَا لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا حَيْثُ نَذَرَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِمَسَاكِينِ ذَلِكَ الْبَلَدِ. وَإِذَا نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْحَرَمِ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْحَرَمَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَةَ أَوْ مَرًّا أَوْ مِنًى أَوْ قَرِيبًا مِنْ الْحَرَمِ لَمْ يَلْزَمْهُ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ مَتَاعًا لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يُعَلِّقَهُ سِتْرًا عَلَى الْبَيْتِ أَوْ يَجْعَلَهُ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 405 طِيبِ الْبَيْتِ جَعَلَهُ حَيْثُ نَوَاهُ إذَا نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ مَا لَا يُحْمَلُ مِنْ الْأَرَضِينَ وَالدُّورِ بَاعَ ذَلِكَ وَأَهْدَى ثَمَنَهُ. وَمَنْ نَذَرَ بَدَنَةً لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا ثَنِيٌّ أَوْ ثَنِيَّةٌ، وَالْخَصِيُّ يُجْزِي وَإِذَا لَمْ يَجِدْ بَدَنَةً فَبَقَرَةً ثَنِيَّةً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَسَبْعٌ مِنْ الْغَنَمِ تُجْزِي ضَحَايَا وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ عَلَى بَدَنَةٍ مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يُجْزِئْهُ مِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ إلَّا بِقِيمَتِهَا. وَلَوْ نَذَرَ عَدَدَ صَوْمٍ صَامَهُ مُتَفَرِّقًا أَوْ مُتَتَابِعًا، وَلَوْ نَذَرَ صِيَامَ سَنَةٍ بِعَيْنِهَا صَامَهَا إلَّا رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَصُومُهُ لِرَمَضَانَ وَيَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَإِنْ نَذَرَ سَنَةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا قَضَى هَذِهِ الْأَيَّامَ كُلَّهَا. وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ عَامِي هَذَا فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدُوٌّ أَوْ سُلْطَانٌ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ حَدَثَ بِهِ مَرَضٌ أَوْ خَطَأُ عَدَدٍ أَوْ نِسْيَانٌ أَوْ تَوَانٍ قَضَاهُ. وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ فَقَدِمَ لَيْلًا فَلَا صَوْمَ عَلَيْهِ وَأُحِبُّ لَوْ صَامَ صَبِيحَتَهُ، وَلَوْ قَدِمَ نَهَارًا هُوَ فِيهِ صَائِمٌ تَطَوُّعًا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ وَقَدْ يَحْتَمِلُ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ صَائِمًا عَنْ نَذْرِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا صَوْمَ لِنَذْرِهِ إلَّا بِنِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ إلَى أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمًا إلَّا بَعْدَ مَقْدِمِهِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) قَضَاؤُهُ عِنْدِي أَوْلَى بِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَكَذَلِكَ الْحَجُّ إذَا أَمْكَنَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِعَجْزِهِ عَنْهُ بِمَرَضِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّهُ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ الشَّهْرَ كُلَّهُ فَلَمْ يَعْقِلْ فِيهِ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ، وَالنَّذْرُ عِنْدَهُ وَاجِبٌ فَقَضَاؤُهُ إذَا أَمْكَنَهُ وَإِنْ ذَهَبَ وَقْتُهُ وَاجِبٌ وَقَدْ قَطَعَ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَصْبَحَ فِيهِ صَائِمًا مِنْ نَذْرٍ غَيْرِ هَذَا أَحْبَبْت أَنْ يَعُودَ لِصَوْمِهِ لِنَذْرِهِ وَيَعُودَ لِصَوْمِهِ لِقُدُومِ فُلَانٍ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ أَبَدًا فَقَدِمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ كُلَّ اثْنَيْنِ يَسْتَقْبِلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى أَوْ تَشْرِيقٍ فَلَا يَصُومُهُ وَلَا يَقْضِيهِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا قَضَاءَ أَشْبَهَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَقْتٍ لِصَوْمٍ عِنْدَهُ لِفَرْضٍ وَلَا لِغَيْرِهِ وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَهَا نَذْرَ مَعْصِيَةٍ، وَكَذَلِكَ لَا يَقْضِي نَذْرَ مَعْصِيَةٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ صَامَهُمَا وَقَضَى كُلَّ اثْنَيْنِ فِيهِمَا وَلَا يُشْبِهُ شَهْرَ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَا بِشَيْءٍ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ النَّاذِرُ امْرَأَةً فَهِيَ كَالرَّجُلِ وَتَقْضِي كُلَّ مَا مَرَّ عَلَيْهَا مِنْ حَيْضِهَا وَلَوْ قَالَتْ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَيَّامَ حَيْضِي فَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا نَذَرَتْ مَعْصِيَةً. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا يَقْضِيَ نَذْرَ مَعْصِيَةٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِذَا نَذَرَ الرَّجُلُ صَوْمًا أَوْ صَلَاةً وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَتَانِ وَمِنْ الصَّوْمِ يَوْمٌ. وَلَوْ نَذَرَ عِتْقَ رَقَبَةٍ فَأَيُّ رَقَبَةٍ أَعْتَقَ أَجْزَأَهُ. وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ: يَمِينِي فِي يَمِينِك، فَحَلَفَ فَالْيَمِينُ عَلَى الْحَالِفِ دُونَ صَاحِبِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ فِي الْمَشْيِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَنْ زَيْدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْجَوْزِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالْحَسَنِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ أَصْلًا وَعَطَاءٌ وَشَرِيكٌ وَسَمِعْته يَقُولُ: ذَلِكَ وَذَكَرَ عَنْ اللَّيْثِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا سَعِيدًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا كَفَّارَةَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَجَبِيِّ عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَمٍّ لَهَا جَعَلَ مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ فَقَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ هِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ وَحَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِيمَنْ جَعَلَ مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ وَسُفْيَانَ يُفْتِيَانِ بِهِ. قَالَ الْحُمَيْدِيُّ وَهُوَ قَوْلِي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 406 [كِتَابُ أَدَبِ الْقَاضِي] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أُحِبُّ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ بَارِزٍ لِلنَّاسِ لَا يَكُونُ دُونَهُ حِجَابٌ وَأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لِكَثْرَةِ الْغَاشِيَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ بَيْنَ الْخُصُومِ فِي أَرْفَقِ الْأَمَاكِنِ بِهِ وَأَحْرَاهَا أَنْ لَا تُسْرِعَ مَلَالَتُهُ فِيهِ وَأَنَا لِإِقَامَةِ الْحَدِّ فِي الْمَسْجِدِ أَكْرَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَعْقُولٌ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي حِينَ يَحْكُمُ فِي حَالٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهَا خُلُقُهُ وَلَا عَقْلُهُ، وَالْحَاكِمُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ فَأَيُّ حَالٍ أَتَتْ عَلَيْهِ تَغَيَّرَ فِيهَا عَقْلُهُ أَوْ خُلُقُهُ انْبَغَى لَهُ أَنْ لَا يَقْضِيَ حَتَّى يَذْهَبَ وَأَيُّ حَالٍ صَارَ إلَيْهِ فِيهَا سُكُونُ الطَّبِيعَةِ وَاجْتِمَاعُ الْعَقْلِ حَكَمَ، وَإِنْ غَيَّرَهُ مَرَضٌ أَوْ حُزْنٌ أَوْ فَرَحٌ أَوْ جُوعٌ أَوْ نُعَاسٌ أَوْ مَلَالَةٌ تَرَكَ وَأَكْرَهُ لَهُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ خَوْفَ الْمُحَابَاةِ بِالزِّيَادَةِ وَيَتَوَلَّاهُ لَهُ غَيْرُهُ. (قَالَ) : وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ الْوَلِيمَةِ إمَّا أَنْ يُجِيبَ كُلًّا وَإِمَّا أَنْ يَتْرُكَ كُلًّا وَيَعْتَذِرَ وَيَسْأَلَهُمْ التَّحْلِيلَ وَيَعُودَ الْمَرْضَى وَيَشْهَدَ الْجَنَائِزَ وَيَأْتِيَ مَقْدَمَ الْغَائِبِ، وَإِذَا بَانَ لَهُ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ لَدَدٌ نَهَاهُ فَإِنْ عَادَ زَجَرَهُ وَلَا يَحْبِسُهُ وَلَا يَضْرِبُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ مَا يَسْتَوْجِبُهُ وَيُشَاوِرُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] وَقَالَ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] قَالَ الْحَسَنُ إنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مُشَاوَرَتِهِمْ لَغَنِيًّا وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنَّ بِذَلِكَ الْحُكَّامُ بَعْدَهُ وَلَا يُشَاوِرُ إذَا نَزَلَ بِهِ الْمُشْكِلُ إلَّا عَالِمًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَأَقَاوِيلِ النَّاسِ وَالْقِيَاسِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ وَلَا يَقْبَلُ وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ حَتَّى يَعْلَمَ كَعِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَخْتَلِفْ الرِّوَايَةُ فِيهِ أَوْ بِدَلَالَةٍ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ وَجْهًا أَظْهَرَ مِنْهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَأَمَّا أَنْ يُقَلِّدَهُ فَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَيَجْمَعُ الْمُخْتَلِفِينَ؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ لِتَقَصِّيهِ وَلِيَكْشِفَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عَقْلِهِ مَا إذَا عَقَلَ الْقِيَاسَ عَقْلُهُ وَإِذَا سَمِعَ الِاخْتِلَافَ مَيَّزَهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ وَلَا لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَقْضِيَهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَحْسِنَ بِغَيْرِ قِيَاسٍ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يُشَرِّعَ فِي الدِّينِ وَالْقِيَاسُ قِيَاسَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ وَالْآخَرُ أَنْ يُشْبِهَ الشَّيْءُ الشَّيْءَ مِنْ أَصْلٍ وَيُشْبِهَ الشَّيْءَ مِنْ أَصْلٍ غَيْرِهِ فَيُشْبِهُهُ هَذَا بِهَذَا الْأَصْلِ وَيُشْبِهُهُ الْآخَرُ بِأَصْلِ غَيْرِهِ وَمَوْضِعُ الصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ أَشْبَهَهُ أَحَدُهُمَا فِي خَصْلَتَيْنِ وَالْآخَرُ فِي خَصْلَةٍ أَلْحَقَهُ بِاَلَّذِي أَشْبَهَهُ فِي الْخَصْلَتَيْنِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي دَاوُد وَسُلَيْمَانَ {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79] قَالَ الْحَسَنُ: لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةِ لَرَأَيْت أَنَّ الْحُكَّامَ قَدْ هَلَكُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمِدَ هَذَا لِصَوَابِهِ وَأَثْنَى عَلَى هَذَا بِاجْتِهَادِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِمَّا يُثَابُ عَلَى الْآخَرِ فَلَا يَكُونُ الثَّوَابُ فِيمَا لَا يَسَعُ وَلَا فِي الْخَطَأِ الْمَوْضُوعِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : أَنَا أَعْرِفُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: لَا يُؤْجَرُ عَلَى الْخَطَأِ وَإِنَّمَا يُؤْجَرُ عَلَى قَصْدِ الثَّوَابِ وَهَذَا عِنْدِي هُوَ الْحَقُّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ اجْتَهَدَ مِنْ الْحُكَّامِ فَقَضَى بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ رَأَى أَنَّ اجْتِهَادَهُ خَطَأٌ أَوْ وَرَدَ عَلَى قَاضٍ غَيْرِهِ فَسَوَاءٌ فَمَا خَالَفَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إجْمَاعًا أَوْ مَا فِي مَعْنَى هَذَا رَدَّهُ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ لَمْ يَرُدَّهُ وَحَكَمَ فِيمَا اسْتَأْنَفَ بِاَلَّذِي هُوَ الصَّوَابُ عِنْدَهُ وَلَيْسَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَتَعَقَّبَ حُكْمَ مَنْ قَبْلَهُ وَإِنْ تَظَلَّمَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ مِمَّنْ قَبْلَهُ نَظَرَ فِيهِ فَرَدَّهُ أَوْ أَنْفَذَهُ عَلَى مَا وَصَفْت. وَإِذَا تَحَاكَمَ إلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ لَا يَعْرِفُ لِسَانَهُ لَمْ تُقْبَلْ التَّرْجَمَةُ عَنْهُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ يَعْرِفَانِ لِسَانَهُ، وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ الْقَاضِي كَتَبَ حَلَبَةَ كُلِّ رَجُلٍ وَرَفَعَ فِي نَسَبِهِ إنْ كَانَ لَهُ أَوْ وِلَايَةٌ إنْ كَانَتْ لَهُ وَسَأَلَهُ عَنْ صِنَاعَتِهِ وَكُنْيَتِهِ إنْ كَانَتْ لَهُ وَعَنْ مَسْكَنِهِ وَعَنْ مَوْضِعِ بِيَاعَتِهِ وَمُصَلَّاهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأُحِبُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سُدَّةُ عُقُولٍ أَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 407 يُفَرِّقَهُمْ ثُمَّ يَسْأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حِدَتِهِ عَنْ شَهَادَتِهِ وَالْيَوْمِ الَّذِي شَهِدَ فِيهِ وَالْمَوْضِعِ وَمَنْ فِيهِ لِيَسْتَدِلَّ عَلَى عَوْرَةٍ إنْ كَانَتْ فِي شَهَادَتِهِ، وَإِنْ جَمَعُوا الْحَالَ الْحَسَنَةَ وَالْعَقْلَ لَمْ يَفْعَلْ بِهِمْ ذَلِكَ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَصْحَابُ مَسَائِلِهِ جَامِعِينَ لِلْعَفَافِ فِي الطُّعْمَةِ وَالْأَنْفُسِ وَافِرِي الْعُقُولِ بُرَآءَ مِنْ الشَّحْنَاءِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ أَوْ الْحَيْفِ عَلَيْهِمْ أَوْ الْحَيْفِ عَلَى أَحَدٍ بِأَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْعَصَبِيَّةِ أَوْ الْمُمَاطَلَةِ لِلنَّاسِ، وَأَنْ يَكُونُوا جَامِعِينَ لِلْأَمَانَةِ فِي أَدْيَانِهِمْ لَا يتغفلون بِأَنْ يَسْأَلُوا الرَّجُلَ عَنْ عَدُوِّهِ فَيُخْفِيَ حَسَنًا وَيَقُولَ قَبِيحًا فَيَكُونَ جَرْحًا وَيَسْأَلُوهُ عَنْ صَدِيقِهِ فَيُخْفِيَ قَبِيحًا وَيَقُولَ حَسَنًا فَيَكُونَ تَعْدِيلًا. وَيَحْرِصَ عَلَى أَنْ لَا يُعَرَّفَ لَهُ صَاحِبُ مَسْأَلَةٍ فَيَحْتَالَ لَهُ وَأَنْ يَكْتُبَ لِأَصْحَابِ الْمَسَائِلِ صِفَاتِ الشُّهُودِ عَلَى مَا وَصَفْنَا وَأَسْمَاءَ مَنْ شَهِدَ لَهُ وَشَهِدَ عَلَيْهِ وَمَبْلَغَ مَا شَهِدُوا فِيهِ ثُمَّ لَا يَسْأَلُونَ أَحَدًا حَتَّى يُخْبِرُوهُ بِمَنْ شَهِدُوا لَهُ وَعَلَيْهِ وَبِقَدْرِ مَا شَهِدُوا فِيهِ فَإِنَّ الْمَسْئُولَ قَدْ يَعْرِفُ مَا لَا يَعْرِفُ الْحَاكِمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَدُوًّا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ شَرِيكًا فِيمَا شَهِدَ فِيهِ وَتَطِيبُ نَفْسُهُ عَلَى تَعْدِيلِهِ فِي الْيَسِيرِ وَيَقِفُ فِي الْكَثِيرِ، وَلَا يَقْبَلُ الْمَسْأَلَةَ عَنْهُ وَلَا تَعْدِيلَهُ وَلَا تَجْرِيحَهُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ وَيُخْفِي عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَسْمَاءَ مَنْ دَفَعَ إلَى الْآخَرِ لِتَتَّفِقَ مَسْأَلَتُهُمَا أَوْ تَخْتَلِفَ فَإِنْ اتَّفَقَتْ بِالتَّعْدِيلِ أَوْ التَّجْرِيحِ قَبِلَهُمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَعَادَهَا مَعَ غَيْرِهِمَا وَإِنْ عُدِلَ رَجُلٌ بِشَاهِدَيْنِ وَجَرَّحَ بِآخَرَيْنِ كَانَ الْجَرْحُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْجَرْحَ عَلَى الْبَاطِنِ وَلَا يَقْبَلُ الْجَرْحَ إلَّا بِالْمُعَايَنَةِ أَوْ بِالسَّمَاعِ وَلَا يَقْبَلُهُ مِنْ فَقِيهِ دِينٍ عَاقِلٍ إلَّا بِأَنْ يَقِفَهُ عَلَى مَا يَجْرَحُهُ بِهِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَتَبَايَنُونَ فِي الْأَهْوَاءِ فَيَشْهَدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْكُفْرِ وَالْفِسْقِ وَبِالتَّأْوِيلِ وَهُوَ بِالْجَرْحِ عِنْدَهُمْ أَوْلَى وَأَكْثَرُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ بَغْيًا حَتَّى يَعُدَّ الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يَكُونُ جَرْحًا وَلَا يَقْبَلُ التَّعْدِيلَ إلَّا بِأَنْ يَقُولَ: عَدَلَ عَلَيَّ وَلِيٌّ ثُمَّ لَا يَقْبَلُ حَتَّى يَسْأَلَهُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ بِهِ فَإِنْ كَانَتْ بَاطِنَةً مُتَقَادِمَةً وَإِلَّا لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ وَيَسْأَلُ عَمَّنْ جَهِلَ عَدْلَهُ سِرًّا فَإِذَا عَدَلَ سَأَلَ عَنْ تَعْدِيلِهِ عَلَانِيَةً لِيَعْلَمَ أَنَّ الْمُعَدِّلَ سِرًّا هُوَ هَذَا لَا يُوَافِقُ اسْمٌ اسْمًا وَلَا نَسَبٌ نَسَبًا. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا حَتَّى يَجْمَعَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا عَاقِلًا وَيَحْرِصَ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا لَا يُؤْتَى مِنْ جَهَالَةٍ نَزِهًا بَعِيدًا مِنْ الطَّبْعِ. وَالْقَاسِمُ فِي صِفَةِ الْكَاتِبِ عَالِمٌ بِالْحِسَابِ لَا يُخْدَعُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيَتَوَلَّى الْقَاضِي ضَمَّ الشَّهَادَاتِ وَرَفْعَهَا وَلَا يَغِيبُ ذَلِكَ عَنْهُ وَيَرْفَعُهَا فِي قِمْطَرٍ وَيَضُمُّ الشَّهَادَاتِ وَحِجَجِ الرَّجُلَيْنِ فِي مَكَان وَاحِدٍ مُتَرْجَمَةٍ بِأَسْمَائِهِمَا وَالشَّهْرِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ لِيَكُونَ أَعْرَفَ لَهُ إذَا طَلَبَهَا فَإِذَا مَضَتْ سَنَةٌ عَزَلَهَا وَكَتَبَ خُصُومَ سَنَةِ كَذَا حَتَّى تَكُونَ كُلُّ سَنَةٍ مَفْرُوزَةً وَكُلُّ شَهْرٍ مَفْرُوزًا وَلَا يَفْتَحُ الْمَوَاضِعَ الَّتِي فِيهَا تِلْكَ الشَّهَادَاتِ إلَّا بَعْدَ نَظَرِهِ إلَى خَاتَمِهِ أَوْ عَلَامَتِهِ وَأَنْ يَتْرُكَ فِي يَدَيْ الْمَشْهُودِ لَهُ نُسْخَةً بِتِلْكَ الشَّهَادَاتِ وَلَا يَخْتِمَهَا وَلَا يَقْبَلَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مِمَّا وَجَدَ فِي دِيوَانِهِ إلَّا مَا حَفِظَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْرَحُ فِي الدِّيوَانِ وَيُشْبِهُ الْخَطُّ الْخَطَّ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَهُ شُهُودٌ أَنَّهُ حَكَمَ بِحُكْمِ فَلَا يُبْطِلُهُ وَلَا يُحِقُّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْهُ وَإِنْ شَهِدُوا عِنْدَ غَيْرِهِ أَجَازَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مِنْهُ مَا يَعْرِفُ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنْ عَلِمَ غَيْرُهُ أَنَّهُ أَنْكَرَهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 408 [كِتَابُ قَاضٍ إلَى قَاضٍ] ٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيَقْبَلُ كُلُّ كِتَابٍ لِقَاضٍ عَدْلٍ وَلَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ وَحَتَّى يَفْتَحَهُ وَيَقْرَأَهُ عَلَيْهِمَا فَيَشْهَدَا أَنَّ الْقَاضِيَ أَشْهَدَهُمَا عَلَى مَا فِيهِ وَأَنَّهُ قَرَأَهُ بِحَضْرَتِهِمَا أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِمَا، وَقَالَ: اشْهَدَا أَنَّ هَذَا كِتَابِي إلَى فُلَانٍ (قَالَ) : وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِنَسْخِهِ كِتَابَةً فِي أَيْدِيهِمْ وَيُوقِعُوا شَهَادَاتِهِمْ فِيهِ فَإِنْ انْكَسَرَ خَاتَمُهُ أَوْ انمحى كِتَابَهُ شَهِدُوا بِعِلْمِهِمْ عَلَيْهِ فَإِنْ مَاتَ الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ قَبُولُهُ وَنَقْبَلُهُ كَمَا نَقْبَلُ حُكْمَهُ، وَلَوْ تَرَكَ أَنْ يَكْتُبَ اسْمَهُ فِي الْعِنْوَانِ وَقَطَعَ الشُّهُودُ بِأَنَّهُ كِتَابُهُ قَبِلَهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ لَمْ يَأْخُذْهُ بِهِ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ هُوَ فَإِذَا رَفَعَ فِي نَسَبِهِ فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَالْقَبِيلَةِ وَالصِّنَاعَةِ أَخَذَ بِذَلِكَ الْحَقَّ، وَإِنْ وَافَقَ الِاسْمَ وَالْقَبِيلَةَ وَالنَّسَبَ وَالصِّنَاعَةَ فَأَنْكَرَ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ حَتَّى يُبَانَ بِشَيْءٍ لَا يُوَافِقُهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْخَلِيفَةِ وَالْخَلِيفَةِ إلَى الْقَاضِي وَالْقَاضِي إلَى الْأَمِيرِ وَالْأَمِيرِ إلَى الْقَاضِي سَوَاءٌ لَا يُقْبَلُ إلَّا كَمَا وَصَفْت مِنْ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي. [بَابُ الْقَسَّامِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْطِيَ أَجْرَ الْقَسَّامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُمْ حُكَّامٌ وَإِنْ لَمْ يُعْطُوا خَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ طَلَبَ الْقَسَمَ وَاسْتَأْجَرَهُمْ طَالِبُ الْقَسَمِ بِمَا شَاءَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَإِنْ سَمَّوْا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فِي نَصِيبِهِ شَيْئًا مَعْلُومًا فَجَائِزٌ وَإِنْ سَمَّوْهُ عَلَى الْكُلِّ فَعَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ، وَإِذَا تَدَاعَوْا إلَى الْقَسَمِ وَأَبَى شُرَكَاؤُهُمْ فَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِمَا يَصِيرُ لَهُ مَقْسُومًا أَجْبَرْتهمْ عَلَى الْقَسَمِ فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ الْبَاقُونَ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِمْ فَأَقُولُ لِمَنْ كَرِهَ: إنْ شِئْتُمْ جَمَعْتُمْ حَقَّكُمْ فَكَانَتْ مُشَاعَةً بَيْنَكُمْ لِتَنْتَفِعُوا بِهَا. وَيَنْبَغِي لِلْقَاسِمِ أَنْ يُحْصِيَ أَهْلَ الْقَسَمِ وَمَبْلَغَ حُقُوقِهِمْ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَهُ سُدُسٌ وَثُلُثٌ وَنِصْفٌ قَسَمَهُ عَلَى أَقَلِّ السَّهْمَانِ وَهُوَ السُّدُسُ فِيهَا فَيَجْعَلُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ سَهْمًا وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةً ثُمَّ يَقْسِمُ الدَّارَ عَلَى سِتَّةِ أَجْزَاءٍ ثُمَّ يَكْتُبُ أَسْمَاءَ أَهْلِ السَّهْمَانِ فِي رِقَاعِ قَرَاطِيسَ صِغَارٍ ثُمَّ يُدْرِجُهَا فِي بُنْدُقِ طِينٍ يَدُورُ وَإِذَا اسْتَوَتْ أَلْقَاهَا فِي حِجْرِ مَنْ لَمْ يُحْضِرْ الْبُنْدُقَةَ وَلَا الْكِتَابَ ثُمَّ سَمَّى السَّهْمَيْنِ أَوَّلًا وَثَانِيًا وَثَالِثًا ثُمَّ قَالَ: أَخْرِجْ عَلَى الْأَوَّلِ بُنْدُقَةً وَاحِدَةً فَإِذَا أَخْرَجَهَا فَضَّهَا فَإِذَا خَرَجَ اسْمُ صَاحِبِهَا جَعَلَ لَهُ السَّهْمَ الْأَوَّلَ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ السُّدُسِ فَهُوَ لَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الثُّلُثِ فَهُوَ لَهُ وَالسَّهْمُ الَّذِي يَلِيهِ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ النِّصْفِ فَهُوَ لَهُ وَالسَّهْمَانِ اللَّذَانِ يَلِيَانِهِ ثُمَّ قِيلَ لَهُ: أَخْرِجْ بُنْدُقَةً عَلَى السَّهْمِ الَّذِي يَلِي مَا خَرَجَ فَإِذَا خَرَجَ فِيهَا اسْمُ رَجُلٍ فَهُوَ لَهُ كَمَا وَصَفْت حَتَّى تَنْفُذَ السَّهْمَانِ، فَإِذَا كَانَ فِي الْقَسَمِ رَدٌّ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَعْلَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَوْضِعَ سَهْمِهِ وَمَا يَلْزَمُهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ، وَإِذَا عَلِمَهُ كَمَا يَعْلَمُ الْبُيُوعَ الَّتِي تَجُوزُ أَجَزْته لَا بِالْقُرْعَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ لِأَحَدِهِمَا سُفْلًا وَلِلْآخَرِ عُلُوَّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ سُفْلُهُ وَعُلُوُّهُ لِوَاحِدٍ. وَإِذَا ادَّعَى بَعْضُهُمْ غَلَطًا كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ جَاءَ بِهَا رَدَّ الْقَسَمَ عَنْهُ وَإِذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَقْسُومِ أَوْ لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ فَبِيعَ بَعْضُهَا انْتَقَضَ الْقَسَمُ وَيُقَالُ لَهُمْ فِي الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ: إنْ تَطَوَّعْتُمْ أَنْ تُعْطُوا أَهْلَ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ أَنْفَذْنَا الْقَسَمَ بَيْنَكُمْ وَالِانْقِضَاءَ عَلَيْكُمْ وَلَا يُقْسَمُ صِنْفٌ مِنْ الْمَالِ مَعَ غَيْرِهِ وَلَا عِنَبٌ مَعَ نَخْلٍ وَلَا يَصِحُّ بَعْلٌ مَضْمُومٌ إلَى عَيْنٍ وَلَا عَيْنٌ مَضْمُومَةٌ إلَى بَعْلٍ وَلَا بَعْلٌ إلَى نَخْلٍ يُشْرَبُ بِنَهْرٍ مَأْمُونِ الِانْقِطَاعِ وَتُقْسَمُ الْأَرْضُونَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 409 وَالثِّيَابُ وَالطَّعَامُ وَكُلُّ مَا احْتَمَلَ الْقَسَمَ. وَإِذَا طَلَبُوا أَنْ يَقْسِمَ دَارًا فِي أَيْدِيهِمْ قُلْت: ثَبِّتُوا عَلَى أُصُولِ حُقُوقِكُمْ لِأَنِّي لَوْ قَسَمْتهَا بِقَوْلِكُمْ ثُمَّ رَفَعْت إلَى حَاكِمٍ كَانَ شَبِيهًا أَنْ يَجْعَلَهَا لَكُمْ وَلَعَلَّهَا لِغَيْرِكُمْ، وَقَدْ قِيلَ: يَقْسِمُ وَيَشْهَدُ أَنَّهُ قَسَمَهَا عَلَى إقْرَارِهِمْ وَلَا يُعْجِبُنِي لِمَا وَصَفْت. [بَابُ مَا عَلَى الْقَاضِي فِي الْخُصُومِ وَالشُّهُودِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُنْصِفَ الْخَصْمَيْنِ فِي الْمُدْخَلِ عَلَيْهِ لِلْحُكْمِ وَالِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى تَنْفُذَ حُجَّتُهُ وَلَا يَنْهَرَهُمَا وَلَا يَتَعَنَّتَ شَاهِدًا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُلَقِّنَ وَاحِدًا مِنْهُمَا حُجَّةً وَلَا شَاهِدًا شَهَادَةً وَلَا بَأْسَ إذَا جَلَسَ أَنْ يَقُولَ: تَكَلَّمَا أَوْ يَسْكُتَ حَتَّى يَبْتَدِئَ أَحَدُهُمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْتَدِئَ الطَّالِبُ فَإِذَا أَنْفَذَ حُجَّتَهُ تَكَلَّمَ الْمَطْلُوبُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُضَيِّفَ الْخَصْمَ دُونَ خَصْمِهِ وَلَا يَقْبَلَ مِنْهُ هَدِيَّةً، وَإِنْ كَانَ يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ حَتَّى تَنْفَدَ خُصُومَتُهُ وَإِذَا حَضَرَ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ فَإِنْ كَانَ الْمُسَافِرُونَ قَلِيلًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْدَأَ بِهِمْ وَأَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ يَوْمًا بِقَدْرِ مَا لَا يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَثُرُوا حَتَّى سَاوَوْا أَهْلَ الْبَلَدِ أَسَّاهُمْ بِهِمْ وَلِكُلٍّ حَقٌّ وَلَا يُقَدِّمَ رَجُلًا جَاءَ قَبْلَهُ رَجُلٌ، وَلَا يَسْمَعَ بَيِّنَةً فِي مَجْلِسٍ إلَّا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فَإِذَا فَرَغَ أَقَامَهُ وَدَعَا الَّذِي بَعْدَهُ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ مَعَ رِزْقِ الْقَاضِي شَيْئًا لِقَرَاطِيسِهِ وَلَا يُكَلِّفَهُ الطَّالِبَ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ لِلطَّالِبِ: إنْ شِئْت بِصَحِيفَةٍ فِيهَا شَهَادَةُ شَاهِدَيْك وَكِتَابُ خُصُومَتِك وَلَا أُكْرِهُك وَلَا أَقْبَلُ أَنْ يَشْهَدَ لَك شَاهِدٌ بِلَا كِتَابٍ وَأَنْسَى شَهَادَتَهُ فَإِنْ قَبِلَ الشَّهَادَةَ مِنْ غَيْرِ مَحْضَرِ خَصْمٍ فَلَا بَأْسَ وَيَنْبَغِي إذَا حَضَرَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ مَا شَهِدُوا بِهِ عَلَيْهِ وَيَنْسَخَهُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَنْسَابَهُمْ وَيَطْرُدَهُ جَرْحَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ حَكَمَ عَلَيْهِ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ رَجُلٍ بِإِقْرَارِهِ أَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهُ بِزُورٍ عَزَّرَهُ وَلَمْ يَبْلُغْ بِالتَّعْزِيرِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَشَهَّرَ أَمْرَهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَقَّفَهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ قَبِيلٍ وَقَّفَهُ فِي قَبِيلِهِ أَوْ فِي سُوقِهِ وَقَالَ: إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاعْرِفُوهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْخَصْمِ يُقِرُّ عِنْدَ الْقَاضِي فَقَالَ: فِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَشَاهِدٍ وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ وَالْآخَرُ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقَطَعَ بِأَنَّ سَمَاعَهُ الْإِقْرَارَ مِنْهُ أَثْبَتُ مِنْ الشَّهَادَةِ وَهَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ أَقْضِي عَلَيْهِ بِعِلْمِي وَهُوَ أَقْوَى مِنْ شَاهِدَيْنِ أَوْ بِشَاهِدَيْنِ وَبِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَبِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ النُّكُولِ وَرَدِّ الْيَمِينِ قَالَ: وَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ إذْ وَلَّى الْقَضَاءَ رَجُلًا أَنْ يَجْعَلَ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ الْقَضَاءَ مَنْ رَأَى فِي الطَّرَفِ مِنْ أَطْرَافِهِ فَيَجُوزُ حُكْمُهُ، وَلَوْ عُزِلَ فَقَالَ: قَدْ كُنْت قَضَيْتُ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِشُهُودٍ وَكُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَمَنْ لَا تَجُوزُ لَهُ شَهَادَتُهُ رَدَّ حُكْمَهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 410 [الشَّهَادَاتُ] ُ فِي الْبُيُوعِ مُخْتَصَرٌ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ اخْتِلَافِ الْحُكَّامِ وَالشَّهَادَاتِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِنْ مَسَائِلَ شَتَّى سَمِعْتهَا مِنْهُ لَفْظًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] فَاحْتَمَلَ أَمْرُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمْرَيْنِ: أَحَدَهُمَا أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا تَرْكُهُ وَالْآخَرَ حَتْمًا يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ بِتَرْكِهِ فَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي آيَةِ الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ تَبَايُعٌ بِالْإِشْهَادِ، وَقَالَ فِيهَا {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأُولَى دَلَالَةٌ عَلَى الْحَضِّ لِمَا فِي الْإِشْهَادِ مِنْ مَنْعِ التَّظَالُمِ بِالْجُحُودِ أَوْ بِالنِّسْيَانِ وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ بَرَاءَاتِ الذِّمَمِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا غَيْرُ وَكُلُّ أَمْرٍ نَدَبَ اللَّهُ إلَيْهِ فَهُوَ الْخَيْرُ الَّذِي لَا يُعْتَاضُ مِنْهُ مَنْ تَرَكَهُ وَقَدْ حُفِظَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ بَايَعَ أَعْرَابِيًّا فَرَسًا فَجَحَدَهُ بِأَمْرِ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إشْهَادٌ» فَلَوْ كَانَ حَتْمًا مَا تَرَكَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [بَابُ عِدَّةِ الشُّهُودِ] ِ وَحَيْثُ لَا يَجُوزُ فِيهِ النِّسَاءُ وَحَيْثُ يَجُوزُ وَحُكْمُ الْقَاضِي بِالظَّاهِرِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَدَلَّ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَى أَنْ لَا يَجُوزَ فِي الزِّنَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِقَوْلِهِ {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 13] «وَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت لَوْ وَجَدْت مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ فَقَالَ نَعَمْ» وَجَلَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثَلَاثَةً لَمَّا لَمْ يُقِمْ الرَّابِعُ وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي الْإِمْسَاكِ وَالْفِرَاقِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فَانْتَهَى إلَى شَاهِدَيْنِ وَدَلَّ عَلَى مَا دَلَّ قَبْلَهُ مِنْ نَفْيِ أَنْ يَجُوزَ فِيهِ إلَّا رِجَالٌ لَا نِسَاءَ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا أَنْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ، وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي آيَةِ الدَّيْنِ {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] وَلَمْ يَذْكُرْ فِي شُهُودِ الزِّنَا وَلَا الْفِرَاقِ وَلَا الرَّجْعَةِ امْرَأَةً وَوَجَدْنَا شُهُودَ الزِّنَا يَشْهَدُونَ عَلَى حَدٍّ لَا مَالٍ، وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ تَحْرِيمٌ بَعْدَ تَحْلِيلٍ وَتَثْبِيتُ تَحْلِيلٍ لَا مَالَ وَالْوَصِيَّةُ إلَى الْمُوصَى إلَيْهِ قِيَامٌ بِمَا أَوْصَى بِهِ إلَيْهِ لَا أَنَّ لَهُ مَالًا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خَالَفَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الزِّنَا إلَّا الرِّجَالُ وَأَكْثَرُهُمْ قَالَ وَلَا فِي الطَّلَاقِ وَلَا فِي الرَّجْعَةِ إذَا تَنَاكَرَ الزَّوْجَانِ، وَقَالُوا ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ فَكَانَ ذَلِكَ كَالدَّلَالَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَكَانَ أَوْلَى الْأُمُورِ بِأَنْ يُصَارَ إلَيْهِ وَيُقَاسَ عَلَيْهِ وَالدَّيْنُ مَالٌ فَمَا أَخَذَ بِهِ الْمَشْهُودُ لَهُ مَا لَا جَازَتْ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا الرِّجَالُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] وَقَالَ {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ حَيْثُ يُجَزْنَ إلَّا مَعَ الرَّجُلِ وَلَا يَجُوزُ مِنْهُنَّ إلَّا امْرَأَتَانِ فَصَاعِدًا وَأَصْلُ النِّسَاءِ أَنَّهُ قَصَرَ بِهِنَّ عَنْ أَشْيَاءَ بَلَغَهَا الرِّجَالُ أَنَّهُمْ جُعِلُوا قَوَّامِينَ عَلَيْهِنَّ وَحُكَّامًا وَمُجَاهِدِينَ وَأَنَّ لَهُمْ السَّهْمَيْنِ مِنْ الْغَنِيمَةِ دُونَهُنَّ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَالْأَصْلُ أَنْ لَا يُجَزْنَ فَإِذَا أُجِزْنَ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَعْدُ بِهِنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ وَكَيْفَ أَجَازَهُنَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَرَدَّهُنَّ فِي الْحُدُودِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنْ لَا يُجَزْنَ عَلَى الزِّنَا وَلَمْ يَسْتَبِنْ فِي الْإِعْوَازِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا يُجَزْنَ فِي الْوَصِيَّةِ إذْ لَمْ يَسْتَبِنْ فِي الْإِعْوَازِ مِنْ شَاهِدَيْنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 411 وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ لِرَجُلٍ بِمَالٍ حَلَفَ مَعَهُنَّ وَلَقَدْ خَالَفَهُ عَدَدٌ أَحْفَظُ ذَلِكَ عَنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهَذَا إجَازَةُ النِّسَاءِ بِغَيْرِ رَجُلٍ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُجِيزَ أَرْبَعًا فَيُعْطِيَ بِهِنَّ حَقًّا فَإِنْ قَالَ: إنَّهُمَا مَعَ يَمِينِ رَجُلٍ فَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُجِيزَهُمَا مَعَ يَمِينِ امْرَأَةٍ وَالْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَانَ الْقَتْلُ وَالْجِرَاحُ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَالْقَذْفِ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ عَدَدَ الشُّهُودِ فَكَانَ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ مِمَّا وَصَفْت (قَالَ) : وَلَا يُحِلُّ حُكْمُ الْحَاكِمِ الْأُمُورَ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَقْضِي بِالظَّاهِرِ وَيَتَوَلَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّرَائِرَ، فَقَالَ «مَنْ قَضَيْت لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَأْخُذُهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» فَلَوْ شَهِدَا بِزُورٍ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَفَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا كَانَتْ لَهُ حَلَالًا غَيْرَ أَنَّا نَكْرَهُ أَنْ يَطَأَهَا فَيُحَدَّا وَيَلْزَمُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ فُرْقَتَهُ فُرْقَةٌ تُحَرَّمُ بِهَا عَلَى الزَّوْجِ وَيَحِلُّ لِأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَقُولَ: لَوْ شَهِدَا لَهُ بِزُورٍ أَنَّ هَذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا فَأَبَاحَ لَهُ الْحَاكِمُ دَمَهُ أَنْ يُرِيقَ دَمَهُ وَيَحِلُّ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. [بَابُ شَهَادَةِ النِّسَاءِ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ] َّ وَالرَّدِّ عَلَى مَنْ أَجَازَ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ مِنْ كِتَابِ اخْتِلَافِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي حَنِيفَةَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْوِلَادَةُ وَعُيُوبُ النِّسَاءِ مِمَّا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا فِي أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيهِ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِهَا فَقَالَ عَطَاءٌ: لَا يَكُونُ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعٍ عُدُولٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ النِّسَاءَ فَجَعَلَ امْرَأَتَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَجَازَهُمَا فِيهِ دَلَّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إذْ أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي مَوْضِعٍ أَنْ لَا يَجُوزَ مِنْهُنَّ إلَّا أَرْبَعٌ عُدُولٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنَى حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَقُلْت لِمَنْ يُجِيزُ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ فِي الْوِلَادَةِ كَمَا يُجِيزُ الْخَبَرَ بِهَا لَا مِنْ قِبَلِ الشَّهَادَةِ وَأَيْنَ الْخَبَرُ مِنْ الشَّهَادَةِ أَتَقْبَلُ امْرَأَةً عَنْ امْرَأَةٍ أَنَّ امْرَأَةَ رَجُلٍ وَلَدَتْ هَذَا الْوَلَدَ؟ قَالَ: لَا، قُلْت: فَتُقْبَلُ فِي الْخَبَرِ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَالْخَبَرُ هُوَ مَا اسْتَوَى فِيهِ الْمُخْبِرُ وَالْمُخْبَرُ، وَالْعَامَّةُ مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَالشَّهَادَةُ مَا كَانَ الشَّاهِدُ مِنْهُ خَلِيًّا وَالْعَامَّةُ وَإِنَّمَا نُلْزِمُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ؟ قَالَ نَعَمْ: قُلْت: أَفَتَرَى هَذَا مُشْبِهًا لِهَذَا؟ قَالَ: أَمَّا فِي هَذَا فَلَا. [بَابُ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُضْرَبَ الْقَاذِفُ ثَمَانِينَ وَلَا تُقْبَلَ لَهُ شَهَادَةٌ أَبَدًا وَسَمَّاهُ فَاسِقًا إلَّا أَنْ يَتُوبَ فَإِذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا فِي الْحَرَمَيْنِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي أَنَّهُ إذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالتَّوْبَةُ إكْذَابُهُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ أَذْنَبَ بِأَنْ نَطَقَ بِالْقَذْفِ وَالتَّوْبَةُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: الْقَذْفُ بَاطِلٌ كَمَا تَكُونُ الرِّدَّةُ بِالْقَوْلِ وَالتَّوْبَةُ عَنْهَا بِالْقَوْلِ فَإِنْ كَانَ عَدْلًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِلَّا فَحَتَّى يَحْسُنَ حَالُهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: زَعَمَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّ شَهَادَةَ الْقَذْفِ لَا تَجُوزُ فَأَشْهَدُ لَأَخْبَرَنِي ثُمَّ سَمَّى الَّذِي أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي بَكْرَةَ: تُبْ تُقْبَلْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 412 شَهَادَتُك أَوْ قَالَ: إنْ تُبْتَ قُبِلَتْ شَهَادَتُك. (قَالَ) : وَبَلَغَنِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ مَعْنَى هَذَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ كُلُّنَا نَقُولُهُ قُلْت: مَنْ؟ قَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: يَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَهُ وَلَا تَقْبَلُونَ شَهَادَتَهُ؟ . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهُوَ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ شَرٌّ مِنْهُ حِينَ يُحَدَّ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا فَكَيْفَ تَرُدُّونَهَا فِي أَحْسَنِ حَالَاتِهِ وَتَقْبَلُونَهَا فِي شَرِّ حَالَاتِهِ؟ وَإِذَا قَبِلْتُمْ تَوْبَةَ الْكَافِرِ وَالْقَاتِلِ عَمْدًا كَيْفَ لَا تَقْبَلُونَ تَوْبَةَ الْقَاذِفِ وَهُوَ أَيْسَرُ ذَنْبًا؟ . [بَابُ التَّحَفُّظِ فِي الشَّهَادَةِ وَالْعِلْمِ بِهَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: 36] وَقَالَ {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] قَالَ: فَالْعِلْمُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ مِنْهَا مَا عَايَنَهُ فَيَشْهَدُ بِهِ وَمِنْهَا مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ وَثَبَتَتْ مَعْرِفَتُهُ فِي الْقُلُوبِ فَيَشْهَدُ عَلَيْهِ وَمِنْهَا مَا أَثْبَتَهُ سَمْعًا مَعَ إثْبَاتِ بَصَرٍ مِنْ الشُّهُودِ عَلَيْهِ فَبِذَلِكَ قُلْنَا: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَعْمَى؛ لِأَنَّ الصَّوْتَ يُشْبِهُ الصَّوْتَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَثْبَتَ شَيْئًا مُعَايَنَةً وَسَمْعًا وَنَسَبًا ثُمَّ عَمِيَ فَيَجُوزُ وَلَا عِلَّةَ فِي رَدِّهِ. (قَالَ) : وَالشَّهَادَةُ عَلَى مِلْكِ الرَّجُلِ الدَّارَ وَالثَّوْبَ عَلَى ظَاهِرِ الْأَخْبَارِ بِأَنَّهُ مَالِكٌ وَلَا يَرَى مُنَازِعًا فِي ذَلِكَ فَتَثْبُتُ مَعْرِفَتُهُ فِي الْقَلْبِ فَتُسْمَعُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى النَّسَبِ إذَا سَمِعَهُ يَنْسُبُهُ زَمَانًا وَسَمِعَ غَيْرَهُ يَنْسُبُهُ إلَى نَسَبِهِ وَلَمْ يَسْمَعْ دَافِعًا وَلَا دَلَالَةً يَرْتَابُ بِهَا وَكَذَلِكَ يَشْهَدُ عَلَى عَيْنِ الْمَرْأَةِ وَنَسَبِهَا إذَا تَظَاهَرَتْ لَهُ الْأَخْبَارُ مِمَّنْ يُصَدِّقُ بِأَنَّهَا فُلَانَةُ وَرَآهَا مَرَّةً وَهَذَا كُلُّهُ شَهَادَةٌ بِعِلْمٍ كَمَا وَصَفْنَا وَكَذَلِكَ يَحْلِفُ الرَّجُلُ عَلَى مَا يَعْلَمُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ فِيمَا أَخَذَ بِهِ مَعَ شَاهِدِهِ وَفِي رَدِّ يَمِينٍ وَغَيْرِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَقُلْت لِمَنْ قَالَ: لَا أُجِيزُ الشَّاهِدَ وَإِنْ كَانَ بَصِيرًا حِينَ عَلِمَ حَتَّى يُعَايِنَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ يَوْمَ يُؤَدِّيَهَا عَلَيْهِ فَأَنْتَ تُجِيزُ شَهَادَةَ الْبَصِيرِ عَلَى مَيِّتٍ وَعَلَى غَائِبٍ فِي حَالٍ وَهَذَا نَظِيرُ مَا أَنْكَرْت. [بَابُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ مِنْ الْقِيَامِ بِالشَّهَادَةِ إذَا دُعِيَ لِيَشْهَدَ أَوْ يَكْتُبَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَاَلَّذِي أَحْفَظُ عَنْ كُلِّ مَنْ سَمِعْت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ ذَلِكَ فِي الشَّاهِدِ قَدْ لَزِمَتْهُ الشَّهَادَةُ وَأَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِهَا عَلَى وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ لَا تُكْتَمُ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُحَابَى بِهَا أَحَدٌ وَلَا يُمْنَعُهَا أَحَدٌ ثُمَّ تَتَفَرَّعُ الشَّهَادَاتُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ ضِرَارًا وَفَرْضُ الْقِيَامِ بِهَا فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْجِهَادِ وَالْجَنَائِزِ وَرَدِّ السَّلَامِ، وَلَمْ أَحْفَظْ خِلَافَ مَا قُلْت عَنْ أَحَدٍ. [بَابُ شَرْطِ الَّذِينَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ] ْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَقَالَ {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] قَالَ: فَكَانَ الَّذِي يَعْرِفُ مَنْ خُوطِبَ بِهَذَا أَنَّهُ أُرِيدَ بِذَلِكَ الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ الْمُسْلِمُونَ الْمَرْضِيُّونَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 413 وَقَوْلُهُ {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] يَدُلُّ عَلَى إبْطَالِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِي الْجِرَاحِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقُوا فَإِنْ قَالَ: أَجَازَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَابْنُ عَبَّاسٍ رَدَّهَا. (قَالَ) : وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَمْلُوكٍ وَلَا كَافِرٍ وَلَا صَبِيٍّ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْمَمَالِيكَ يَغْلِبُهُمْ مَنْ يَمْلِكُهُمْ عَلَى أُمُورِهِمْ وَأَنَّ الصِّبْيَانَ لَا فَرَائِضَ عَلَيْهِمْ فَكَيْفَ يَجِبُ بِقَوْلِهِمْ فَرْضٌ وَالْمَعْرُوفُونَ بِالْكَذِبِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ فَكَيْفَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْكَافِرِينَ مَعَ كِذْبِهِمْ عَلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) أَحْسَنَ الشَّافِعِيُّ. [كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ وَالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَمَا دَخَلَ فِيهِ مِنْ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَخْزُومِيُّ عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» قَالَ عَمْرٌو فِي الْأَمْوَالِ وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» وَمِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» وَرَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَشُرَيْحٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَقَالَ عَمْرٌو: وَهُوَ الَّذِي رَوَى الْحَدِيثَ فِي الْأَمْوَالِ وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ فِي الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ مَالٌ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِهَا فِي غَيْرِ مَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مِثْلِ مَعْنَاهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْبَيِّنَةُ فِي دَلَالَةِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيِّنَتَانِ بَيِّنَةٌ كَامِلَةٌ هِيَ بِعَدَدِ شُهُودٍ لَا يَحْلِفُ مُقِيمُهَا مَعَهَا وَبَيِّنَةٌ نَاقِصَةُ الْعَدَدِ فِي الْمَالِ يَحْلِفُ مُقِيمُهَا مَعَهَا (قَالَ) : فَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ مَالٍ يَتَحَوَّلُ إلَى مَالِكٍ مِنْ مَالِكٍ غَيْرِهِ حَتَّى يَصِيرَ فِيهِ مِثْلُهُ أَوْ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُ قَضَى فِيهِ بِالشَّاهِدِ مَعَ الْيَمِينِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا وَجَبَ بِهِ مَالٌ مِنْ جُرْحٍ أَوْ قَتْلٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الْمَالَ. وَلَوْ أَتَى قَوْمٌ بِشَاهِدٍ أَنَّ لِأَبِيهِمْ عَلَى فُلَانٍ حَقًّا أَوْ أَنَّ فُلَانًا قَدْ أَوْصَى لَهُمْ فَمَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ مَعَ شَاهِدِهِ اسْتَحَقَّ مُوَرِّثَهُ أَوْ وَصِيَّتَهُ دُونَ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَعْتُوهٌ وَقَفَ حَقُّهُ حَتَّى يَعْقِلَ فَيَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ فَيَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فَيَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ وَلَا يَسْتَحِقُّ أَخٌ بِيَمِينِ أَخِيهِ وَلَيْسَ الْغَرِيمُ وَلَا الْمُوصَى لَهُ مِنْ مَعْنَى الْوَارِثِ فِي شَيْءٍ، وَإِنْ كَانُوا أَوْلَى بِمَالِ مَنْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَلَيْسَ مِنْ وَجْهٍ أَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ وَلَا يَلْزَمُهُمْ مَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ مِنْ نَفَقَةِ عَبِيدِهِ الزَّمْنَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ سِوَى مَالَهُ الَّذِي يُقَالُ لِلْغَرِيمِ: احْلِفْ عَلَيْهِ كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ الظَّاهِرَ الَّذِي لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِ الْغَرِيمُ قَالَ: وَإِذَا حَلَفَ الْوَرَثَةُ فَالْغُرَمَاءُ أَحَقُّ بِمَالِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّهُ سَرَقَ لَهُ مَتَاعًا مِنْ حِرْزٍ يُسَاوِي مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَاسْتَحَقَّ وَلَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَيْسَ بِمَالٍ كَرَجُلٍ قَالَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ إنْ كُنْت غَصَبْت فُلَانًا هَذَا الْعَبْدَ فَيَشْهَدُ لَهُ عَلَيْهِ بِغَصْبِهِ شَاهِدٌ فَيَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ الْغَصْبَ، وَلَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ وَلَا عِتْقٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحِنْثِ غَيْرُ حُكْمِ الْمَالِ. (قَالَ) : وَلَوْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى جَارِيَةٍ أَنَّهَا لَهُ وَابْنُهَا وَلَدٌ مِنْهُ حَلَفَ وَقُضِيَ لَهُ بِالْجَارِيَةِ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ وَلَا يُقْضَى لَهُ بِالِابْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ عَلَى أَنَّهُ ابْنُهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 414 يَأْخُذُهَا وَوَلَدَهَا وَيَكُونُ ابْنُهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ الْآتِي لَمْ يَخْتَلِفْ وَهُوَ قَوْلُهُ: لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى عَبْدٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ يَسْتَرِقُّهُ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لَهُ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ غَصَبَهُ هَذَا بَعْدَ الْعِتْقِ حَلَفَ وَأَخَذَهُ وَكَانَ مَوْلًى لَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهُوَ لَا يَأْخُذُهُ مَوْلَاهُ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَرِقُّهُ كَمَا أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ ابْنَهُ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَرِقُّهُ فَإِذَا أَجَازَهُ فِي الْمَوْلَى لَزِمَهُ فِي الِابْنِ. (قَالَ) : وَلَوْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ أَبَاهُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الدَّارِ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً مَوْقُوفَةً وَعَلَى أَخَوَيْنِ لَهُ فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى أَوْلَادِهِمْ أَوْ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَمَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ ثَبَتَ حَقُّهُ وَصَارَ مَا بَقِيَ مِيرَاثًا فَإِنْ حَلَفُوا مَعًا خَرَجَتْ الدَّارُ مِنْ مِلْكِ صَاحِبِهَا إلَى مَنْ جُعِلَتْ لَهُ حَيَاتَهُ وَمَضَى الْحُكْمُ فِيهَا لَهُمْ، فَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ إذَا مَاتُوا قَامَ مَقَامَ الْوَارِثِ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ إلَّا وَاحِدٌ فَنَصِيبُهُ مِنْهَا وَهُوَ الثُّلُثُ صَدَقَةٌ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ شَاهِدُهُ، ثُمَّ نَصِيبُهُ عَلَى مَنْ تَصَدَّقَ بِهِ أَبُوهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ وَبَعْدَ أَخَوَيْهِ، فَإِنْ قَالَ الَّذِينَ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الِاثْنَيْنِ: نَحْنُ نَحْلِفُ عَلَى مَا أَبَى يَحْلِفُ عَلَيْهِ الِاثْنَانِ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُمْ إلَّا مَا كَانَ لِلِاثْنَيْنِ قَبْلَهُمْ. وَالْآخَرُ: أَنَّ ذَلِكَ لَهُمْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَمْلِكُونَ إذَا حَلَفُوا بَعْدَ مَوْتِ الَّذِي جَعَلَ لَهُمْ مِلْكًا إذَا مَاتَ وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ وَبِهِ أَقُولُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ قَالَ: وَعَلَى أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا، قَالَ: فَإِذَا حَدَثَ وَلَدٌ نَقَصَ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَبْسِ وَيُوقَفُ حَقُّ الْمَوْلُودِ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَحْلِفَ فَيَأْخُذَ أَوْ يَدَعَ فَيُبْطِلَ حَقَّهُ وَيَرُدَّ كِرَاءَ مَا وُقِفَ لَهُ مِنْ حَقِّهِ عَلَى الَّذِينَ انْتَقَصُوا مِنْ أَجْلِهِ حُقُوقَهُمْ سَوَاءٌ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ مَاتَ مِنْ الْمُنْتَقِصِ حُقُوقَهُمْ أَحَدٌ فِي نِصْفِ عُمُرِ الَّذِي وُقِفَ لَهُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ رَدَّ حِصَّةَ الْمُوقِفِ عَلَى مَنْ مَعَهُ فِي الْحَبْسِ، وَأَعْطَى وَرَثَةَ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ بِقَدْرِ مَا اسْتَحَقَّ مِمَّا رَدَّ عَلَيْهِ بِقَدْرِ حَقِّهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) أَصْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُحْبِسَ أَزَالَ مِلْكَ رَقَبَتِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ مَنْفَعَتَهُ لَا رَقَبَتَهُ كَمَا أَزَالَ الْمُعْتِقُ مِلْكَهُ عَنْ رَقَبَةِ عَبْدِهِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْمُعْتَقُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ لَا رَقَبَتَهُ وَهُوَ لَا يُجِيزُ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ إلَّا فِيمَا يَمْلِكُهُ الْحَالِفُ فَكَيْفَ يُخْرِجُ رَقَبَةَ مِلْكِ رَجُلٍ بِيَمِينِ مَنْ لَا يَمْلِكُ تِلْكَ الرَّقَبَةَ وَهُوَ لَا يُجِيزُ يَمِينَ الْعَبْدِ مَعَ شَاهِدِهِ بِأَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا كَانَ السَّيِّدُ يَمْلِكُهُ مِنْ رَقَبَتِهِ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ أَنْ لَا يُجِيزَ يَمِينَ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ فِي رَقَبَتِهِ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا كَانَ الْمُحْبِسُ يَمْلِكُهُ مِنْ رَقَبَتِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَإِذَا لَمْ تَزُلْ رَقَبَةَ الْحَبْسِ بِيَمِينِهِ بَطَلَ الْحَبْسُ مِنْ أَصْلِهِ وَهَذَا عِنْدِي قِيَاسُ قَوْلِهِ عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي وَصَفْت، وَلَوْ جَازَ الْحَبْسُ عَلَى مَا وَصَفَ الشَّافِعِيُّ مَا جَازَ أَنْ يَقْرَأَ أَهْلُهُ أَنَّ لَهُمْ شَرِيكًا وَيُنْكِرَ الشَّرِيكُ الْحَبْسَ فَيَأْخُذُونَ حَقَّهُ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُمْ، فَأَصْلُ قَوْلِهِ أَنَّ حَقَّ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَحْلِفَ لَهُ وَوَارِثُهُ إنْ مَاتَ يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ حَقٍّ أَقَرَّ بِهِ لِصَاحِبِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ ذَلِكَ حَرَامٌ. [بَابُ الْخِلَافِ فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: فَقَدْ أَقَمْتُمْ الْيَمِينَ مَقَامَ شَاهِدٍ قُلْت: وَإِنْ أَعْطَيْت بِهَا كَمَا أَعْطَيْت بِشَاهِدٍ فَلَيْسَ مَعْنَاهَا مَعْنَى شَاهِدٍ وَأَنْتَ تُبَرِّئُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِشَاهِدَيْنِ وَبِيَمِينِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَتُعْطِي الْمُدَّعِيَ حَقَّهُ بِنُكُولِ صَاحِبِهِ كَمَا تُعْطِيهِ بِشَاهِدَيْنِ أَفَمَعْنَى ذَلِكَ مَعْنَى شَاهِدَيْنِ؟ قَالَ: فَكَيْفَ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ عَلَى وَصِيَّةٍ أَوْصَى بِهَا مَيِّتٌ أَوْ أَنَّ لِأَبِيهِ حَقًّا عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ صَغِيرٌ وَهُوَ إنْ حَلَفَ حَلَفَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 415 عَلَى مَا لَمْ يَعْلَمْ قُلْت: فَأَنْتَ تُجِيزُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ فُلَانًا ابْنَ فُلَانٍ وَأَبُوهُ غَائِبٌ لَمْ يَرَ أَبَاهُ قَطُّ، وَيَحْلِفُ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مَشْرِقِيًّا اشْتَرَى عَبْدًا ابْنَ مِائَةِ سَنَةٍ مَغْرِبِيًّا وُلِدَ قَبْلَ جَدِّهِ فَبَاعَهُ فَأَبِقَ أَنَّك تُحَلِّفُهُ لَقَدْ بَاعَهُ بَرِيئًا مِنْ الْإِبَاقِ عَلَى الْبَتِّ قَالَ: مَا يَجِدُ النَّاسُ بُدًّا مِنْ هَذَا غَيْرَ أَنَّ الزُّهْرِيَّ أَنْكَرَهَا قُلْت: فَقَدْ قَضَى بِهَا حِينَ وُلِّيَ أَرَأَيْت مَا رَوَيْت عَنْ عَلِيٍّ مِنْ إنْكَارِهِ عَلَى مَعْقِلٍ حَدِيثَ «بِرْوَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لَهَا الْمَهْرَ وَالْمِيرَاثَ» وَرَدَّ حَدِيثَهُ وَمَعَ عَلِيٍّ زَيْدٌ وَابْنُ عُمَرَ فَهَلْ رَدَدْت شَيْئًا بِالْإِنْكَارِ فَكَيْفَ يَحْتَجُّ بِإِنْكَارِ الزُّهْرِيِّ وَقُلْت لَهُ: وَكَيْفَ حَكَمْت بِشَهَادَةِ قَابِلَةٍ فِي الِاسْتِهْلَالِ وَهُوَ مَا يَرَاهُ الرِّجَالُ أَمْ كَيْفَ حَكَمْت عَلَى أَهْلِ مَحَلَّةٍ وَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ بِدِيَةِ الْمَوْجُودِ قَتِيلًا فِي مَحَلَّتِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَزَعَمْت أَنَّ الْقُرْآنَ يُحَرِّمُ أَنْ يَجُوزَ أَقَلَّ مِنْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَزَعَمْت أَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ بَرَاءَةٌ لِمَنْ حَلَفَ فَخَالَفْت فِي جُمْلَةِ قَوْلِك الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ. أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك أَهْلُ الْمَحَلَّةِ: أَتَدَّعِي عَلَيْنَا فَأَحْلِفْ جَمِيعَنَا وَأَبْرِئْنَا؟ قَالَ: لَا أُحَلِّفُهُمْ إذَا جَاوَزُوا خَمْسِينَ رَجُلًا وَلَا أُبَرِّئُهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ وَأُغَرِّمُهُمْ قُلْت: فَكَيْفَ جَازَ لَك هَذَا قَالَ: رَوَيْنَا هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَقُلْت: فَإِنْ قِيلَ لَك: لَا يَجُوزُ عَلَى عُمَرَ أَنْ يُخَالِفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَقَالَ عُمَرُ نَفْسُهُ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ أَتَّهِمَ مَنْ أَثِقُ بِهِ وَلَكِنْ أَقُولُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَوْلُ عُمَرَ عَلَى الْخَاصِّ: قُلْت: فَلِمَ لَمْ يَجُزْ لَنَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَجَزْت لِنَفْسِك مِنْ عُمَرَ؟ قُلْت: وَقَدْ رَوَيْتُمْ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ فَجَلَبَهُمْ إلَى مَكَّةَ وَهُوَ مَسِيرَةُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَأَحْلَفَهُمْ فِي الْحِجْرِ وَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ فَقَالُوا: مَا وَقَتْ أَمْوَالُنَا أَيْمَانَنَا وَلَا أَيْمَانُنَا أَمْوَالَنَا، فَقَالَ: حَقَنْتُمْ بِأَيْمَانِكُمْ دِمَاءَكُمْ فَخَالَفْتُمْ فِي ذَلِكَ عُمَرَ فَلَا أَنْتُمْ أَخَذْتُمْ بِكُلِّ حُكْمِهِ وَلَا تَرَكْتُمُوهُ، وَنَحْنُ نَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ «أَنَّهُ بَدَأَ فِي الْقَسَامَةِ بِالْمُدَّعِينَ فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفُوا قَالَ: تُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا» وَإِذْ قَالَ: تُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ غُرْمٌ. وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ بدى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ ثُمَّ رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِينَ وَهَذَانِ جَمِيعًا يُخَالِفَانِ مَا رَوَيْتُمْ عَنْهُ، وَقَدْ أَجَزْتُمْ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهُمْ غَيْرُ الَّذِينَ شَرَطَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُمْ وَرَدَدْتُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ قَالَ: فَإِنَّا أَجَزْنَا شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] قُلْت: سَمِعْت مَنْ أَرْضَى يَقُولُ: مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} [المائدة: 106] قُلْت: وَالْمُنْزَلُ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ فَأَجَزْت شَهَادَةَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ قَالَ لَا إلَّا شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ قُلْت: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَا إلَّا شَهَادَةَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ فَمَا الْفَرْقُ؟ فَقُلْت لَهُ: أَفَتُجِيزُ الْيَوْمَ شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى وَصِيَّةِ مُسْلِمٍ كَمَا زَعَمْت أَنَّهَا فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: لَا؛ لِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قُلْت: بِمَاذَا؟ قَالَ: بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] قُلْت: فَقَدْ زَعَمْت بِلِسَانِك أَنَّك خَالَفْت الْقُرْآنَ إذْ لَمْ يُجِزْ اللَّهُ إلَّا مُسْلِمًا فَأَجَزْت كَافِرًا، وَقَالَ لِي قَائِلٌ: إذَا نَصَّ اللَّهُ حُكْمًا فِي كِتَابِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَكَتَ عَنْهُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ قُلْت: فَقَدْ نَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْوُضُوءَ فِي كِتَابِهِ فَأَحْدَثَ فِيهِ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَنَصَّ مَا حَرَّمَ مِنْ النِّسَاءِ وَأَحَلَّ مَا وَرَاءَهُنَّ فَقُلْت: لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا وَنَصَّ الْمَوَارِيثَ فَقُلْت: لَا يَرِثُ قَاتِلٌ وَلَا مَمْلُوكٌ وَلَا كَافِرٌ وَإِنْ كَانُوا وَلَدًا أَوْ وَالِدًا، وَنَصَّ حَجْبَ الْأُمِّ بِالْإِخْوَةِ فَحَجَبْتهَا بِأَخَوَيْنِ وَنَصَّ لِلْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ أَنْ تُمَسَّ نِصْفَ الْمَهْرِ وَرَفْعَ الْعِدَّةِ فَقُلْت: إنْ خَلَا بِهَا وَلَمْ يَمَسَّهَا فَلَهَا الْمَهْرُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَهَذِهِ أَحْكَامٌ مَنْصُوصَةٌ فِي الْقُرْآنِ فَهَذَا عِنْدَك خِلَافُ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ لَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ شَيْئًا وَالْقُرْآنُ عَرَبِيٌّ فَيَكُونُ عَامًّا يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 416 وَكُلُّ كَلَامٍ احْتَمَلَ فِي الْقُرْآنِ مَعَانِيَ فَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَدُلُّ عَلَى أَحَدِ مَعَانِيهِ مُوَافِقَةً لَهُ لَا مُخَالِفَةً لِلْقُرْآنِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا تَرَكْنَا مِنْ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ مِمَّا كَتَبْنَاهُ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ مَوْضِعِ الْيَمِينِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ ادَّعَى مَالًا فَأَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدًا أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا أَوْ جِنَايَةَ خَطَأٍ بِأَنْ بَلَغَ ذَلِكَ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ ادَّعَى عَبْدٌ عِتْقًا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ ادَّعَى جِرَاحَةَ عَمْدٍ صَغُرَتْ أَوْ كَبُرَتْ أَوْ فِي طَلَاقٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ رَدِّ يَمِينٍ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ بِمَكَّةَ كَانَتْ الْيَمِينُ بَيْنَ الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ وَإِنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ كَانَتْ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَإِنْ كَانَتْ بِبَلَدٍ غَيْرِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ أُحْلِفَ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي مَسْجِدِ ذَلِكَ الْبَلَدِ بِمَا تُؤَكَّدُ بِهِ الْأَيْمَانُ وَيُتْلَى عَلَيْهِ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] الْآيَةَ، قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ حُكَّامِ الْمَكِّيِّينَ وَمُفْتِيهِمْ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ فِيهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَأَى قَوْمًا يَحْلِفُونَ بَيْنَ الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ فَقَالَ: أَعَلَى دَمٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَفَعَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: لَقَدْ خَشِيت أَنْ يَتَهَاوَنَ النَّاسُ بِهَذَا الْمَقَامِ قَالَ: فَذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْعَظِيمَ مِنْ الْأَمْوَالِ مَا وَصَفْت مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَصَاعِدًا قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: كَتَبَ إلَيَّ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي جَارِيَتَيْنِ ضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى أَنْ أَحْبِسَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ ثُمَّ أَقْرَأَ عَلَيْهِمَا {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] فَفَعَلْت فَاعْتَرَفَتْ قَالَ: وَاسْتَدْلَلْت بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} [المائدة: 106] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى تَأْكِيدِ الْيَمِينِ عَلَى الْحَالِفِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَعْظُمُ فِيهِ الْيَمِينُ وَبِكِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْلِفُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَا بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خُصُومَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ وَأَنَّ عُثْمَانَ رُدَّتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَاتَّقَاهَا، وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ تُوَافِقَ قَدْرَ بَلَاءٍ، فَيُقَالَ بِيَمِينِهِ قَالَ وَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا دَارِ السُّنَّةِ وَالْهِجْرَةِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَحَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْتَدَيْنَا وَالْمُسْلِمُونَ الْبَالِغُونَ رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَأَحْرَارُهُمْ وَعَبِيدُهُمْ وَمَمَالِيكُهُمْ يَحْلِفُونَ كَمَا وَصَفْنَا. وَيَحْلِفُ الْمُشْرِكُونَ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَالْمُسْتَأْمَنُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا يُعَظِّمُ مِنْ الْكُتُبِ وَحَيْثُ يُعَظِّمُ مِنْ الْمَوَاضِعِ مِمَّا يَعْرِفُهُ الْمُسْلِمُونَ وَمَا يُعَظِّمُ الْحَالِفُ مِنْهُمْ مِثْلَ قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا وَلَا يَحْلِفُونَ بِمَا يَجْهَلُ مَعْرِفَتَهُ الْمُسْلِمُونَ وَيَحْلِفُ الرَّجُلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِيمَا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ عَلَى الْبَتِّ مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بَرَاءَةً مِنْ حَقٍّ لَهُ فَيَحْلِفَ بِاَللَّهِ إنَّ هَذَا الْحَقَّ وَيُسَمِّيَهُ لَثَابِتٌ عَلَيْهِ مَا اقْتَضَاهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ وَلَا مُقْتَضًى بِأَمْرٍ يَعْلَمُهُ وَلَا أَحَالَ بِهِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ وَلَا أَبْرَأَهُ مِنْهُ وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَإِنَّهُ لَثَابِتٌ عَلَيْهِ إلَى أَنْ حَلَفَ بِهَذَا الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ حَقًّا لِأَبِيهِ حَلَفَ فِي نَفْسِهِ عَلَى الْبَتِّ وَفِي أَبِيهِ عَلَى الْعِلْمِ وَإِنْ أُحْلِفَ قَالَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ، ثُمَّ يُنَسِّقُ الْيَمِينَ وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ الْيَمِينَ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ الْحَاكِمُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ «رُكَانَةَ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي أَلْبَتَّةَ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً؟ فَرَدَّهَا إلَيْهِ» وَهَذَا تَجْوِيزًا لِلْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ فِي طَلَاقِ الْبَتَّةِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 417 [بَابُ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْيَمِينِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا كَانَتْ الدَّعْوَى غَيْرَ ذَمٍّ فِي مَالٍ أُحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ قِيلَ لِلْمُدَّعِي: احْلِفْ وَاسْتَحِقَّ فَإِنْ أَبَيْت سَأَلْنَاك عَنْ إبَائِك فَإِنْ كَانَ لِتَأْتِي بِبَيِّنَةٍ أَوْ لِتَنْظُرَ فِي حِسَابِك تَرَكْنَاك. وَإِنْ قُلْت: لَا أُؤَخِّرُ ذَلِكَ لِشَيْءٍ غَيْرَ أَنِّي لَا أَحْلِفُ أَبْطَلْنَا أَنْ تَحْلِفَ وَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَحْلِفْ فَنَكَلَ الْمُدَّعِي فَأَبْطَلْنَا يَمِينَهُ ثُمَّ جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ أَوْ بِشَاهِدٍ وَحَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ أَخَذْنَا لَهُ حَقَّهُ وَالْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ وَلَوْ رَدَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَقَالَ لِلْمُدَّعِي: احْلِفْ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَنَا أَحْلِفُ لَمْ أَجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنِّي قَدْ أَبْطَلْت أَنْ يَحْلِفَ وَحَوَّلْت الْيَمِينَ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَوْ قَالَ: أُحَلِّفُهُ مَا اشْتَرَيْت هَذِهِ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدَيْهِ لَمْ أُحَلِّفْهُ إلَّا مَا لِهَذَا وَيُسَمِّيهِ فِي هَذَا الدَّارِ حَقٌّ تُمْلَكُ وَلَا غَيْرَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْلِكُهَا وَتَخْرُجُ مِنْ يَدَيْهِ. [بَابُ النُّكُولِ وَرَدِّ الْيَمِينِ] ِ مِنْ الْجَامِعِ وَمِنْ اخْتِلَافِ الشَّهَادَاتِ وَالْحُكَّامِ وَمِنْ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ وَمِنْ إمْلَاءٍ فِي الْحُدُودِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَقُومُ النُّكُولُ مَقَامَ إقْرَارٍ فِي شَيْء حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ يَمِينُ الْمُدَّعِي فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ أَحَلَفْت فِي الْحُدُودِ وَالطَّلَاقِ وَالنَّسَبِ وَالْأَمْوَالِ وَجَعَلْت الْأَيْمَانَ كُلَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَجَعَلْتهَا كُلَّهَا تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعِي؟ قِيلَ: قُلْته اسْتِدْلَالًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ثُمَّ الْخَبَرِ عَنْ عُمَرَ حُكْمُ اللَّهِ عَلَى الْقَاذِفِ غَيْرِ الزَّوْجِ بِالْحَدِّ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا مِنْهُ إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وَأَخْرَجَ الزَّوْجَ مِنْ الْحَدِّ بِأَنْ يَحْلِفَ أَرْبَعَةَ أَيْمَانٍ وَيَلْتَعِنَ بِخَامِسَةٍ فَيُسْقِطَ عَنْهُ الْحَدَّ وَيُلْزِمَهَا إنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ بِأَرْبَعَةِ أَيْمَانٍ وَالْتِعَانِهَا، وَسَنَّ بَيْنَهُمَا الْفُرْقَةَ وَدَرَأَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْحَدَّ بِالْأَيْمَانِ وَالْتِعَانِهِ. وَكَانَتْ أَحْكَامُ الزَّوْجَيْنِ وَإِنْ خَالَفَتْ أَحْكَامَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ فِي شَيْءٍ فَهِيَ مُجَامَعَةٌ لَهَا فِي غَيْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ فِيهِ جَمَعَتْ دَرْءَ الْحَدِّ عَنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَفُرْقَةِ وَنَفْيِ وَلَدٍ فَكَانَ هَذَا الْحَدُّ وَالْفِرَاقُ وَالنَّفْيُ مَعًا دَاخِلَةً فِيهَا وَلَا يَحِقُّ الْحَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ حِينَ يَقْذِفُهَا الزَّوْجُ إلَّا بِيَمِينِهِ وَتَنْكُلُ عَنْ الْيَمِينِ أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ لَمْ يَلْتَعِنْ حُدَّ بِالْقَذْفِ وَلِتَرْكِ الْخُرُوجِ مِنْهُ بِالْيَمِينِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَرْأَةِ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ. أَوْ لَا تَرَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْأَنْصَارِيِّينَ تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفُوا رَدَّ الْأَيْمَانَ عَلَى يَهُودَ لِيَبْرَءُوا بِهَا فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلْهَا الْأَنْصَارِيُّونَ تَرَكُوا حَقَّهُمْ» أَوْ لَا تَرَى عُمَرَ جَعَلَ الْأَيْمَانَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفُوا رَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِينَ وَكُلُّ هَذَا تَحْوِيلُ يَمِينٍ مِنْ مَوْضِعٍ قَدْ نُدِبَتْ فِيهِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُخَالِفُهُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَعَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينُ» . وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَلَى مُدَّعًى عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ إلَّا بِخَبَرٍ لَازِمٍ وَهُمَا لَفْظَانِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» مَخْرَجُهُمَا وَاحِدٌ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنْ جَاءَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ أَخَذَ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا حَدَثَ لَهُ حُكْمُ غَيْرِهَا وَهُوَ اسْتِحْلَافُ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ وَإِنْ جَاءَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ بَرِئَ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا لَزِمَهُ مَا نَكَلَ عَنْهُ وَلَمْ يَحْدُثْ لَهُ حُكْمٌ غَيْرُهَا وَيَجُوزُ رَدُّ الْيَمِينِ كَمَا حَدَثَ لِلْمُدَّعِي، إنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا حُكْمٌ غَيْرُهُ وَهُوَ الْيَمِينُ وَإِذْ حَوَّلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَمِينَ حَيْثُ وَضَعَهَا فَكَيْفَ لَمْ تُحَوَّلْ كَمَا حَوَّلَهَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 418 [مُخْتَصَرٌ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَمَا دَخَلَهُ مِنْ الرِّسَالَةِ] [بَابُ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تَجُوزُ] بَابُ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تَجُوزُ وَمَنْ يَشْهَدُ بَعْدَ رَدِّ شَهَادَةٍ مِنْ الْجَامِعِ وَمِنْ اخْتِلَافِ الْحُكَّامِ وَأَدَبِ الْقَاضِي وَغَيْرِ ذَلِكَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : لَيْسَ مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا يُمْحِضَ الطَّاعَةَ وَالْمُرُوءَةَ حَتَّى لَا يَخْلِطَهُمَا بِمَعْصِيَةٍ وَلَا يُمْحِضَ الْمَعْصِيَةَ وَتَرْكَ الْمُرُوءَةِ حَتَّى لَا يَخْلِطَهُمَا شَيْئًا مِنْ الطَّاعَةِ وَالْمُرُوءَةِ فَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَى الرَّجُلِ الْأَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الطَّاعَةَ وَالْمُرُوءَةَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِذَا كَانَ الْأَغْلَبُ الْأَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الْمَعْصِيَةَ وَخِلَافَ الْمُرُوءَةِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَلَا يُقْبَلُ الشَّاهِدُ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ بِخَبَرٍ مِنْهُ أَوْ بَيِّنَةٍ أَنَّهُ حُرٌّ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ جَارٍ إلَى نَفْسِهِ وَلَا دَافِعٍ عَنْهَا وَلَا عَلَى خَصْمٍ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ مَوْضِعُ عَدَاوَةٍ وَلَا لِوَلَدِ بَنِيهِ وَلَا لِوَلَدِ بَنَاتِهِ وَإِنْ سَفَلُوا وَلَا لِآبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ وَإِنْ بَعِدُوا وَلَا مَنْ يُعْرَفُ بِكَثْرَةِ الْغَلَطِ أَوْ الْغَفْلَةِ. وَلَوْ كُنْت لَا أُجِيزُ شَهَادَةَ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ لِأَنَّهُ يَرِثُهَا مَا أَجَزْت شَهَادَةَ الْأَخِ لِأَخِيهِ إذَا كَانَ يَرِثُهُ وَلَا أَرُدُّ شَهَادَةَ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إذَا كَانَ لَا يَرَى أَنْ يَشْهَدَ لِمُوَافِقِهِ بِتَصْدِيقِهِ وَقَبُولِ يَمِينِهِ وَشَهَادَةُ مَنْ يَرَى كَذِبَهُ شِرْكًا بِاَللَّهِ وَمَعْصِيَةً تَجِبُ بِهَا النَّارُ أَوْلَى أَنْ تَطِيبَ النَّفْسُ بِقَبُولِهَا مِنْ شَهَادَةِ مَنْ يُخَفِّفُ الْمَأْثَمَ فِيهَا، وَكُلُّ مَنْ تَأَوَّلَ حَرَامًا عِنْدَنَا فِيهِ حَدٌّ أَوْ لَا حَدَّ فِيهِ لَمْ نَرُدَّ بِذَلِكَ شَهَادَتَهُ. أَلَا تَرَى أَنَّ مِمَّنْ حَمَلَ عَنْهُ الدَّيْنَ وَجَعَلَ عَلَمًا فِي الْبُلْدَانِ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِلُّ الْمُتْعَةَ وَالدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ نَقْدًا وَهَذَا عِنْدَنَا وَغَيْرِنَا حَرَامٌ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ اسْتَحَلَّ سَفْكَ الدِّمَاءِ وَلَا شَيْءَ أَعْظَمُ مِنْهُ بَعْدَ الشِّرْكِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ فَاسْتَحَلَّ كُلَّ مُسْكِرٍ غَيْرِ الْخَمْرِ وَعَابَ عَلَى مَنْ حَرَّمَهُ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ يُقْتَدَى بِهِ وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ رَدَّ شَهَادَةَ أَحَدٍ بِتَأْوِيلٍ، وَإِنْ خَطَّأَهُ وَضَلَّلَهُ وَاللَّاعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَالْحَمَامِ بِغَيْرِ قِمَارٍ وَإِنْ كَرِهْنَا ذَلِكَ أَخَفُّ حَالًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَكَيْفَ يَحُدُّ مَنْ شَرِبَ قَلِيلًا مِنْ نَبِيذٍ شَدِيدٍ وَيُجِيزُ شَهَادَتَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ شَرِبَ عَصِيرَ الْعِنَبِ الَّذِي عَتَقَ حَتَّى سَكِرَ وَهُوَ يَعْرِفُهَا خَمْرًا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا نَصٌّ وَمَنْ شَرِبَ سِوَاهَا مِنْ الْمُنَصَّفِ أَوْ الْخَلِيطَيْنِ فَهُوَ آثِمٌ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ إلَّا أَنْ يَسْكَرَ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ حَرَامٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَكْرَهُ اللَّعِبَ بِالنَّرْدِ لِلْخَبَرِ وَإِنْ كَانَ يُدِيمُ الْغِنَاءَ وَيَغْشَاهُ الْمُغَنُّونَ مُعْلِنًا فَهَذَا سَفَهٌ تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَقِلُّ لَمْ تُرَدَّ فَأَمَّا الِاسْتِمَاعُ لِلْحِدَاءِ وَنَشِيدِ الْأَعْرَابِ فَلَا بَأْسَ بِهِ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلشَّرِيدِ أَمَعَك مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ هِيهِ فَأَنْشَدَهُ بَيْتًا فَقَالَ هِيهِ حَتَّى بَلَغْت مِائَةَ بَيْتٍ» «وَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحِدَاءَ وَالرَّجَزَ، وَقَالَ لِابْنِ رَوَاحَةَ حَرِّكْ بِالْقَوْمِ فَانْدَفَعَ يَرْجُزُ» (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ اسْتِدْبَارًا فَقُلْت لَهُ: كَيْفَ يَلْعَبُ بِهَا اسْتِدْبَارًا؟ قَالَ يُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ ثُمَّ يَقُولُ بِأَيِّ شَيْءٍ وَقَعَ " فَيَقُولُ بِكَذَا فَيَقُولُ أُوقِعُ بِكَذَا. (قَالَ) : وَإِذَا كَانَ هَكَذَا كَانَ تَحْسِينُ الصَّوْتِ بِذِكْرِ اللَّهِ وَالْقُرْآنِ أَوْلَى مَحْبُوبًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِيٍّ حَسَنِ التَّرَنُّمِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 419 بِالْقُرْآنِ» «وَسَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ يَقْرَأُ فَقَالَ لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ بِالْأَلْحَانِ وَتَحْسِينِ الصَّوْتِ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ وَأَحَبُّ مَا يَقْرَأُ إلَيَّ حَدَرًا وَتَحْزِينًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: لَوْ كَانَ مَعْنَى يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ عَلَى الِاسْتِغْنَاءِ لَكَانَ يَتَغَانَى، وَتَحْسِينُ الصَّوْتِ هُوَ يَتَغَنَّى وَلَكِنَّهُ يُرَادُ بِهِ تَحْسِينُ الصَّوْتِ (وَقَالَ) وَلَيْسَ مِنْ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يُحِبَّ الرَّجُلُ قَوْمَهُ وَالْعَصَبِيَّةُ الْمَحْضَةُ أَنْ يَبْغُضَ الرَّجُلَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي فُلَانٍ فَإِذَا أَظْهَرَهَا وَدَعَا إلَيْهَا وَتَأَلَّفَ عَلَيْهَا فَمَرْدُودٌ، وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْمُسْلِمِينَ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ أَشْرَفُ أَنْسَابِهِمْ فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا» فَمَنْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمْرَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَالشِّعْرُ كَلَامٌ فَحَسَنُهُ كَحَسَنِ الْكَلَامِ وَقَبِيحُهُ كَقَبِيحِهِ وَفَضْلُهُ عَلَى الْكَلَامِ أَنَّهُ سَائِرٌ، وَإِذَا كَانَ الشَّاعِرُ لَا يُعْرَفُ بِشَتْمِ النَّاسِ وَأَذَاهُمْ وَلَا يَمْتَدِحُ فَيُكْثِرُ الْكَذِبَ الْمَحْضَ وَلَا يَتَشَبَّبَ بِامْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا وَلَا يُشَهِّرُهَا بِمَا يَشِينُهَا، فَجَائِزُ الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ لَمْ تَجُزْ وَيَجُوزُ شَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَا فِي الزِّنَا وَالْمَحْدُودِ فِيمَا حُدَّ فِيهِ وَالْقَرَوِيُّ عَلَى الْبَدْوِيِّ وَالْبَدْوِيُّ عَلَى الْقَرَوِيِّ إذَا كَانُوا عُدُولًا. وَإِذَا شَهِدَ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ أَوْ نَصْرَانِيٌّ بِشَهَادَةٍ فَلَا يَسْمَعُهَا وَاسْتِمَاعُهُ لَهَا تَكَلُّفٌ وَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَعْتَقَ الْعَبْدُ وَأَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ ثُمَّ شَهِدُوا بِهَا بِعَيْنِهَا قَبِلْتهَا فَأَمَّا الْبَالِغُ الْمُسْلِمُ أَرُدُّ شَهَادَتَهُ فِي الشَّيْءِ ثُمَّ يَحْسُنُ حَالُهُ فَيَشْهَدُ بِهَا فَلَا أَقْبَلُهَا؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِإِبْطَالِهَا وَجَرْحِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الشَّرْطِ أَنْ لَا يَخْتَبِرَ عَمَلَهُ قَالَ: وَلَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ ابْنَيْنِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَبِيهِ بِدَيْنٍ فَإِنْ كَانَ عَدْلًا حَلَفَ الْمُدَّعِي وَأَخَذَ الدَّيْنَ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا أَخَذَ مِنْ يَدَيْ الشَّاهِدِ بِقَدْرِ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْهُ لَوْ جَازَتْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ مَوْجُودًا فِي شَهَادَتِهِ أَنَّ لَهُ فِي يَدَيْهِ حَقًّا وَفِي يَدَيْ الْجَاحِدِ حَقًّا فَأَعْطَيْته مِنْ الْمُقِرِّ وَلَمْ أُعْطِهِ مِنْ الْمُنْكِرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ. [بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِكِتَابِ الْقَاضِي فِي كُلِّ حَقٍّ لِلْآدَمِيِّينَ مَالًا أَوْ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا وَفِي كُلِّ حَدٍّ لِلَّهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَجُوزُ، وَالْآخَرُ: لَا تَجُوزُ مِنْ قِبَلِ دَرْءِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ. (قَالَ) : وَإِذَا سَمِعَ الرَّجُلَانِ الرَّجُلَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ لَهُمَا اشْهَدَا عَلَى شَهَادَتِي فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِهَا وَلَا لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقْبَلَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَرْعِهِمَا إيَّاهَا، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: عَلَى فُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَدَهُ بِهَا، وَإِذَا اسْتَرْعَاهُمَا إيَّاهَا لَمْ يَفْعَلْ إلَّا وَهِيَ عِنْدَهُ وَاجِبَةٌ وَأُحِبُّ لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَقْبَلَ هَذَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى الصِّحَّةِ حَتَّى يَسْأَلَهُ مِنْ أَيْنَ هِيَ؟ فَإِنْ قَالَ بِإِقْرَارٍ مِنْهُ أَوْ بِبَيْعٍ حَضَرْته أَوْ سَلَفٍ أَجَازَهُ وَلَوْ لَمْ يَسْأَلْهُ رَأَيْته جَائِزًا، وَإِنْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَلَمْ يَعْدِلَاهُ قَبِلَهُمَا وَسَأَلَ عَنْهُ فَإِنْ عَدَلَ قَضَى بِهِ. (قَالَ) : وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ فَقَدْ رَأَيْت كَثِيرًا مِنْ الْحُكَّامِ وَالْمُفْتِينَ يُجِيزُونَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَخَرَّجَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ وَقَطَعَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا إلَّا عَلَى وَاحِدٍ مِمَّنْ شَهِدَا عَلَيْهِ وَآمُرُهُ بِطَلَبِ شَاهِدَيْنِ عَلَى الشَّاهِدِ الْآخَرِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ قَطَعَ بِشَيْءٍ كَانَ أَوْلَى بِهِ مِنْ حِكَايَتِهِ لَهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 420 [بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْحُدُودِ وَجَرْحِ الشُّهُودِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا سَأَلَهُمْ الْإِمَامُ أَزَنَى بِامْرَأَةٍ؟ ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَعُدُّونَ الزِّنَا وُقُوعًا عَلَى بَهِيمَةٍ وَلَعَلَّهُمْ يَعُدُّونَ الِاسْتِمْنَاءَ زِنًا فَلَا يَحُدُّ حَتَّى يُثْبِتُوا رُؤْيَةَ الزِّنَا وَتَغْيِيبَ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ أَجَازَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّ إتْيَانَ الْبَهِيمَةِ كَالزِّنَا يَحُدُّ فِيهِ قَالَ: وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ اثْنَانِ مِنْهُمْ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي بَيْتٍ وَاثْنَانِ مِنْهُمْ فِي بَيْتٍ غَيْرِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا وَمَنْ حَدَّ الشُّهُودَ إذَا لَمْ يُتِمُّوا أَرْبَعَةً حَدَّهُمْ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ قَطَعَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِحَدِّهِمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ مَاتَ الشُّهُودُ قَبْلَ أَنْ يَعْدِلُوا ثُمَّ عَدَلُوا أُقِيمَ الْحَدُّ وَيَطْرُدُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَجَرَحَ مَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ وَلَا أَقْبَلُ الْجَرْحَ مِنْ الْجَارِحِ إلَّا بِتَفْسِيرِ مَا يَجْرَحُ بِهِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْأَهْوَاءِ وَتَكْفِيرِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَيُجَرَّحُونَ بِالتَّأْوِيلِ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَهَالَةِ بِحَدٍّ لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يَعْرِضَ لَهُ بِأَنْ يَقُولَ: لَعَلَّهُ لَمْ يَسْرِقْ. وَلَوْ شَهِدَا بِأَنَّهُ سَرَقَ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ كَبْشًا لِفُلَانٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: غَدْوَةً، وَقَالَ الْآخَرُ: عَشِيَّةً أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: الْكَبْشُ أَبْيَضُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَسْوَدُ لَمْ يَقْطَعْ حَتَّى يَجْتَمِعَا وَيُحَلِّفَ مَعَ شَاهِدِهِ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ سَرَقَ ثَوْبَ كَذَا وَقِيمَتُهُ رُبُعِ دِينَارٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ سَرَقَ ذَلِكَ الثَّوْبَ بِعَيْنِهِ وَأَنَّ قِيمَتَهُ أَقَلُّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ فَلَا قَطْعَ وَهَذَا مِنْ أَقْوَى مَا تُدْرَأُ بِهِ الْحُدُودُ، وَيَأْخُذُهُ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ فِي الْغُرْمِ وَإِذَا لَمْ يَحْكُمْ بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ حَتَّى يَحْدُثَ مِنْهُ مَا تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ رَدَّهَا وَإِنْ حَكَمَ بِهَا وَهُوَ عَدْلٌ ثُمَّ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ نَرُدَّهُ؛ لِأَنِّي إنَّمَا أَنْظُرُ يَوْمَ يَقْطَعُ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِ. [بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ ضَرْبَانِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى رَجُلٍ بِشَيْءٍ يَتْلَفُ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ يُنَالُ بِقَطْعٍ أَوْ قِصَاصٍ فَأَخَذَ مِنْهُ ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعُوا فَقَالُوا: عَمَدْنَاهُ بِذَلِكَ فَهِيَ كَالْجِنَايَةِ فِيهَا الْقِصَاصُ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِعَلِيٍّ وَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ فِيهِ الْقِصَاصُ أَغْرَمُوهُ وَعَزَّرُوا دُونَ الْحَدِّ وَإِنْ قَالُوا: لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ عَزَّرُوا وَأَخَذَ مِنْهُمْ الْعَقْلَ وَلَوْ قَالُوا: أَخْطَأْنَا؛ كَانَ عَلَيْهِمْ الْأَرْشُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي طَلَاقِ ثَلَاثٍ أَغْرَمْتهمْ لِلزَّوْجِ صَدَاقَ مِثْلِهَا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا؛ لِأَنَّهُمْ حَرَّمُوهَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ إلَّا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا أَلْتَفِتُ إلَى مَا أَعْطَاهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا غَلَطًا مِنْ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ الْمَعْرُوفُ أَنْ يَطْرَحَ عَنْهُمْ ذَلِكَ بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنْ كَانَ فِي دَارٍ فَأُخْرِجَتْ مِنْ يَدَيْهِ إلَى غَيْرِهِ عُزِّرُوا عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ وَلَمْ يُعَاقَبُوا عَلَى الْخَطَأِ وَلَمْ أُغَرِّمْهُمْ مِنْ قِبَلِ أَنِّي جَعَلْتهمْ عُدُولًا بِالْأَوَّلِ فَأَمْضَيْنَا بِهِمْ الْحُكْمَ وَلَمْ يَكُونُوا عُدُولًا بِالْآخَرِ فَتُرَدُّ الدَّارُ وَلَمْ يُفِيتُوا شَيْئًا لَا يُؤْخَذُ وَلَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا؛ لِأَنْفُسِهِمْ فَانْتَزَعَهُ مِنْهُمْ وَهُمْ كَمُبْتَدِئِينَ شَهَادَةً لَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ فَلَا أُغَرِّمُهُمْ مَا أَقَرُّوهُ فِي أَيْدِي غَيْرِهِمْ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 421 [بَابُ عِلْمِ الْحَاكِمِ بِحَالِ مَنْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهُ قَضَى بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ أَوْ مُشْرِكَيْنِ أَوْ غَيْرِ عَدْلَيْنِ مِنْ جَرْحٍ بَيِّنٍ أَوْ أَحَدُهُمَا - رَدَّ الْحُكْمَ عَلَى نَفْسِهِ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بَلْ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ أَبْيَنَ خَطَأً مِنْهُ بِشَهَادَةِ الْعَبْدِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَقَالَ {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَلَيْسَ الْفَاسِقُ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ فَمَنْ قُضِيَ بِشَهَادَتِهِ فَقَدْ خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ وَرَدَّ شَهَادَةَ الْعَبْدِ إنَّمَا هُوَ تَأْوِيلٌ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنْ طَلَبَ الْخَصْمُ الْجُرْحَةَ أَجَّلَهُ بِالْمِصْرِ وَمَا قَارَبَهُ فَإِنْ لَمْ يَجِئْ بِهَا أَنْفَذَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ ثُمَّ إنْ جَرَحَهُمْ بَعْدُ لَمْ يَرُدَّ عَنْهُ الْحُكْمَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قِيَاسُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنْ يَقْبَلَ الشُّهُودَ الْعُدُولَ أَنَّهُمَا فَاسِقَانِ كَمَا يَقْبَلُ أَنَّهُمَا عَبْدَانِ وَمُشْرِكَانِ وَيَرُدُّ الْحُكْمَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أَنْفَذَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا قَطْعًا ثُمَّ بَانَ لَهُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمَا صَادِقَانِ فِي الظَّاهِرِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَقْبَلَ مِنْهُمَا فَهَذَا خَطَأٌ مِنْهُ تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ. [بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْوَصِيَّةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِعَبْدٍ أَنَّ فُلَانًا الْمُتَوَفَّى أَعْتَقَهُ وَهُوَ الثُّلُثُ فِي وَصِيَّتِهِ وَشَهِدَ وَارِثَانِ لِعَبْدٍ غَيْرِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ الثُّلُثُ فِي الِاثْنَيْنِ فَسَوَاءٌ وَيُعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قِيَاسُ قَوْلِهِ أَنْ يَقْرَعَ بَيْنَهُمَا وَقَدْ قَالَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ. (قَالَ) : وَلَوْ شَهِدَ الْوَارِثَانِ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ عِتْقِ الْأَوَّلِ وَأَعْتَقَ الْآخَرُ أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا وَإِنَّمَا أَرُدُّ شَهَادَتَهُمَا فِيمَا جَرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا فَإِذَا لَمْ يَجُرَّا فَلَا فَأَمَّا الْوَلَاءُ فَلَا يَمْلِكُ مِلْكَ الْأَمْوَالِ وَقَدْ لَا يَصِيرُ فِي أَيْدِيهِمَا بِالْوَلَاءِ شَيْءٌ وَلَوْ أَبْطَلْتهمَا بِأَنَّهُمَا يَرِثَانِ الْوَلَاءَ إنْ مَاتَ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُمَا أَبْطَلْتهَا لِذَوِي أَرْحَامِهِمَا. وَلَوْ شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدًا هُوَ الثُّلُثُ وَصِيَّةً وَشَهِدَ وَارِثَانِ أَنَّهُ رَجَعَ فِيهِ وَأَعْتَقَ عَبْدًا هُوَ السُّدُسُ عَتَقَ الْأَوَّلُ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ لِلْجَرِّ إلَى أَنْفُسِهِمَا، وَأَبْطَلْت حَقَّهُمَا مِنْ الْآخَرِ بِالْإِقْرَارِ وَلَوْ لَمْ يَقُولَا: إنَّهُ رَجَعَ فِي الْأَوَّلِ أَقْرَعْت بَيْنَهُمَا حَتَّى يَسْتَوْظِفَ الثُّلُثَ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفْتِينَ إنَّ شَهَادَةَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَالْوَرَثَةِ سَوَاءٌ مَا لَمْ يَجُرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا. (قَالَ) : وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ لِرَجُلٍ بِالثُّلُثِ وَآخَرَانِ لِآخَرَ بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ أَحَدِهِمَا فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَقَالَ فِي الشَّهَادَاتِ فِي الْعِتْقِ وَالْحُدُودِ إمْلَاءً، وَإِذَا شَهِدَا أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ فَلَمْ يَعْدِلَا فَسَأَلَ الْعَبْدَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ أَجْرٌ وَوَقَفْت إجَارَتَهُ فَإِنْ تَمَّ عِتْقُهُ أَخَذَهَا وَإِنْ رُقَّ أَخَذَهَا السَّيِّدُ، وَلَوْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ وَادَّعَى شَاهِدًا قَرِيبًا فَالْقَوْلُ فِيهَا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا وَصَفْت فِي الْوَقْفِ. وَالثَّانِي: لَا يَمْنَعُ مِنْهُ سَيِّدُهُ وَيَحْلِفُ لَهُ. [مُخْتَصَرٌ مِنْ جَامِعِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ] ِ إمْلَاءٌ عَلَى كِتَابِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى إمْلَاءٌ عَلَى كِتَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِنْ اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ وَمِنْ اخْتِلَافِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمِنْ مَسَائِلَ شَتَّى سَمِعْتهَا لَفْظًا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَحْسِبُهُ قَالَ: وَلَا أُثْبِتُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 422 قَالَ «وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» قَالَ: وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ الشَّيْءَ فِي يَدَيْ الرَّجُلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِمَنْ هُوَ فِي يَدَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى سَبَبًا فَإِنْ اسْتَوَى سَبَبُهُمَا فَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ فَإِنْ أَقَامَ الَّذِي لَيْسَ فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةُ قِيلَ لِصَاحِبِ الْيَدِ: الْبَيِّنَةُ الَّتِي لَا تَجُرُّ إلَى أَنْفُسِهَا بِشَهَادَتِهَا أَقْوَى مِنْ كَيْنُونَةِ الشَّيْءِ فِي يَدَيْك وَقَدْ يَكُونُ فِي يَدَيْك مَا لَا تَمْلِكُهُ فَهُوَ لَهُ لِفَضْلِ قُوَّةِ سَبَبِهِ عَلَى سَبَبِك فَإِنْ أَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً قِيلَ: قَدْ اسْتَوَيْتُمَا فِي الدَّعْوَى، وَالْبَيِّنَةِ وَاَلَّذِي الشَّيْءُ فِي يَدَيْهِ أَقْوَى سَبَبًا فَهُوَ لَهُ لِفَضْلِ قُوَّةِ سَبَبِهِ، وَهَذَا مُعْتَدِلٌ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَالسُّنَّةِ عَلَى مَا قُلْنَا فِي «رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا دَابَّةً، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا دَابَّتُهُ نَتَجَهَا فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ» قَالَ: وَسَوَاءٌ التَّدَاعِي وَالْبَيِّنَةُ فِي النِّتَاجِ وَغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ أَقَامَ أَحَدُهُمَا شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ وَالْآخَرُ عَشَرَةً، إنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَرْجَحَ مِنْ بَعْضٍ وَإِنْ أَرَادَ الَّذِي قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنْ أُحَلِّفَ صَاحِبَهُ مَعَ بَيِّنَتِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ إلَى مِلْكِهِ فَهَذِهِ دَعْوَى أُخْرَى فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ. وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ نَكَحَ امْرَأَةً لَمْ أَقْبَلْ دَعْوَاهُ حَتَّى يَقُولَ: نَكَحْتهَا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدِي عَدْلٍ وَرِضَاهَا فَإِنْ حَلَفَتْ بَرِئَتْ وَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ وَقُضِيَ لَهُ بِأَنَّهَا زَوْجَةٌ لَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْأَيْمَانُ فِي الدِّمَاءِ مُخَالِفَةٌ لِغَيْرِهَا لَا يَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَسَوَاءٌ النَّفْسُ وَالْجُرْحُ فِي هَذَا نَقْتُلُهُ وَنَقُصَّهُ مِنْهُ بِنُكُولِهِ وَيَمِينِ صَاحِبِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَطَعَ فِي الْإِمْلَاءِ بِأَنْ لَا قَسَامَةَ بِدَعْوَى مَيِّتٍ وَلَكِنْ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيَبْرَأُ فَإِنْ أَبَى حَلَفَ الْأَوْلِيَاءُ وَاسْتَحَقُّوا دَمَهُ وَإِنْ أَبَوْا بَطَلَ حَقُّهُمْ وَقَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ: مَنْ ادَّعَى دَمًا وَلَا دَلَالَةَ لِلْحَاكِمِ عَلَى دَعْوَاهُ كَالدَّلَالَةِ الَّتِي قَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَسَامَةِ أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا يَحْلِفُ فِيمَا سِوَى الدَّمَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا بِهِ أَشْبَهُ وَدَلِيلٌ آخَرُ «حَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَسَامَةِ بِتَبْدِئَةِ الْمُدَّعِي لَا غَيْرَهُ وَحَكَمَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ بِتَبْدِئَةِ يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا غَيْرَهُ» فَإِذَا حَكَمَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا وَصَفْت بِتَبْدِئَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ارْتَفَعَ عَدَدُ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالدَّعْوَى فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالنُّكُولِ وَرَدِّ الْيَمِينِ كَهِيَ فِي الْمَالِ إلَّا أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ ضَعِيفَةٌ وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَكْرَاهُ بَيْتًا مِنْ دَارِهِ شَهْرًا بِعَشَرَةٍ، وَأَقَامَ الْمُكْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اكْتَرَى مِنْهُ الدَّارَ كُلَّهَا ذَلِكَ الشَّهْرَ بِعَشَرَةٍ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ وَيَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ فَإِنْ كَانَ سَكَنَ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهَا. وَلَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَقَالَ: لَيْسَتْ بِمِلْكٍ لِي وَهِيَ لِفُلَانٍ فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا صَيَّرْتهَا لَهُ وَجَعَلْته خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا كَتَبَ إقْرَارَهُ وَقِيلَ لِلْمُدَّعِي: أَقِمْ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ أَقَامَهَا قُضِيَ بِهَا عَلَى الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ وَيَجْعَلُ فِي الْقَضِيَّةِ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ بِهَا عَلَى حُجَّتِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ قَطَعَ بِالْقَضَاءِ عَلَى غَائِبٍ وَهُوَ أَوْلَى بِقَوْلِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ كَانَتْ فِي يَدَيْهِ أَمْسِ لَمْ أَقْبَلْ قَدْ يَكُونُ فِي يَدَيْهِ مَا لَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهَا وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهَا فَهِيَ لِلْمَغْصُوبِ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ فِيمَا غَصَبَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا كَانَ فِي يَدَيْ الْمَيِّتِ حَلَفَ عَلَى عِلْمِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَإِذَا اشْتَرَاهُ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ. [بَابُ الدَّعْوَى فِي الْمِيرَاثِ مِنْ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ هَلَكَ نَصْرَانِيٌّ وَلَهُ ابْنَانِ: مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ فَشَهِدَ مُسْلِمَانِ لِلْمُسْلِمِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ مُسْلِمًا وَلِلنَّصْرَانِيِّ مُسْلِمَانِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ نَصْرَانِيًّا صَلَّى عَلَيْهِ، فَمَنْ أَبْطَلَ الْبَيِّنَةَ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا بِأَنْ يُكَذِّبَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 423 بَعْضُهُمْ بَعْضًا جَعَلَ الْمِيرَاثَ لِلنَّصْرَانِيِّ، وَمَنْ رَأَى الْإِقْرَاعَ أَقْرَعَ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ كَانَ الْمِيرَاثُ لَهُ وَمَنْ رَأَى أَنْ يَقْسِمَ إذَا تَكَافَأَتْ بَيِّنَتَاهُمَا جَعَلَهُ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا صَلَّى عَلَيْهِ بِالْإِشْكَالِ كَمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ لَوْ اخْتَلَطَ بِمُسْلِمِينَ مَوْتَى. (قَالَ الْمُزَنِيّ) أَشْبَهُ بِالْحَقِّ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ كَانَ أَصْلُ دِينِهِ النَّصْرَانِيَّةَ فَاَللَّذَانِ شَهِدَا بِالْإِسْلَامِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا عَلِمَا إيمَانًا حَدَثَ خَفِيَ عَلَى الْآخَرِينَ وَإِنْ لَمْ يَدْرِ مَا أَصْلُ دِينِهِ وَالْمِيرَاثُ فِي أَيْدِيهِمَا فَبَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ رَمَى أَحَدُهُمَا طَائِرًا ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي فَلَمْ يَدْرِ أَبَلَغَ بِهِ الْأَوَّلَ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا أَوْ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ جَعَلْنَاهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَهَذَا وَذَاكَ عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ سَوَاءٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ كَانَتْ دَارٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى حَالِهَا فَادَّعَاهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْمُدَّعِيَيْنِ أَنَّهُ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ فَمَنْ أَبْطَلَ الْبَيِّنَةَ تَرَكَهَا فِي يَدَيْ صَاحِبِهَا وَمَنْ رَأَى الْإِقْرَاعَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا أَوْ يَجْعَلَهَا بَيْنَهُمَا مَعًا وَيُدْخِلُ عَلَيْهِ شَنَاعَةً وَأَجَابَ بِهَذَا الْجَوَابِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الْبَيِّنَتَانِ أَنْ تَكُونَا صَادِقَتَيْنِ فِي مَوَاضِعَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَمِعْته يَقُولُ فِي مِثْلِ هَذَا: لَوْ قَسَمْته بَيْنَهُمَا كُنْت لَمْ أَقْضِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَعْوَاهُ وَلَا بِبَيِّنَتِهِ وَكُنْت عَلَى يَقِينٍ خَطَأٍ بِنَقْصِ مَنْ هُوَ لَهُ عَنْ كَمَالِ حَقِّهِ أَوْ بِإِعْطَاءِ الْآخَرِ مَا لَيْسَ لَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقَدْ أَبْطَلَ الشَّافِعِيُّ الْقُرْعَةَ فِي امْرَأَتَيْنِ مُطَلَّقَةٍ وَزَوْجَةٍ وَأَوْقَفَ الْمِيرَاثَ حَتَّى يَصْطَلِحَا، وَأَبْطَلَ فِي ابْنَيْ أَمَتِهِ اللَّذَيْنِ أَقَرَّ أَنَّ أَحَدَهُمَا ابْنُهُ الْقُرْعَةُ فِي النَّسَبِ وَالْمِيرَاثِ فَلَا يُشْبِهُ قَوْلُهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْقُرْعَةَ وَقَدْ قَطَعَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى عَلَى كِتَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي امْرَأَةٍ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَصْدَقَهَا هَذِهِ وَقَبَضَتْهَا وَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَقَبَضَهَا قَالَ: أَبْطَلَ الْبَيِّنَتَيْنِ لَا يَجُوزُ إلَّا هَذَا أَوْ الْقُرْعَةُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا لَفْظُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقُرْعَةَ لَا تُشْبِهُ قَوْلَهُ فِي الْأَمْوَالِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ قَالَ الْحُكْمُ فِي الثَّوْبِ لَا يُنْسَجُ إلَّا مَرَّةً وَالثَّوْبُ الْخَزُّ يُنْسَجُ مَرَّتَيْنِ سَوَاءٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ كَانَتْ دَارٌ فِي يَدَيْ أَخَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَأَقَرَّا أَنَّ أَبَاهُمَا هَلَكَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: كُنْت مُسْلِمًا وَكَانَ أَبِي مُسْلِمًا، وَقَالَ الْآخَرُ: أَسْلَمْت قَبْلَ مَوْتِ أَبِي فَهِيَ لِلَّذِي اجْتَمَعَا عَلَى إسْلَامِهِ وَالْآخَرُ مُقِرٌّ بِالْكُفْرِ مُدَّعٍ الْإِسْلَامَ. وَلَوْ قَالَتْ امْرَأَةُ الْمَيِّتِ وَهِيَ مُسْلِمَةٌ: زَوْجِي مُسْلِمٌ وَقَالَ وَلَدُهُ وَهُمْ كُفَّارٌ: بَلْ كَافِرٌ وَقَالَ أَخُو الزَّوْجِ وَهُوَ مُسْلِمٌ: بَلْ مُسْلِمٌ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ فَالْمِيرَاثُ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَعْرِفَ إسْلَامَهُ مِنْ كُفْرِهِ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَيْهِ. وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ هَلَكَ وَتَرَكَ هَذِهِ الدَّارَ مِيرَاثًا لَهُ وَلِأَخِيهِ أَخْرَجْتهَا مِنْ يَدِي مَنْ هِيَ فِي يَدَيْهِ وَأَعْطَيْته مِنْهَا نَصِيبَهُ وَأَخْرَجْت نَصِيبَ الْغَائِبِ وَأَكْرَى لَهُ حَتَّى يَحْضُرَ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَدَدَهُمْ وَقَفَ مَالَهُ وَتَلَوَّمَ بِهِ وَيَسْأَلُ عَنْ الْبُلْدَانِ الَّتِي وَطِئَهَا هَلْ لَهُ فِيهَا وَلَدٌ؟ فَإِذَا بَلَغَ الْغَايَةَ الَّتِي لَوْ كَانَ لَهُ فِيهَا وَلَدٌ لَعَرَفَهُ وَادَّعَى الِابْنُ أَنْ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَعْطَاهُ الْمَالَ بِالضَّمِينِ، وَحُكِيَ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ لَهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فَإِذَا جَاءَ وَارِثٌ غَيْرُهُ آخُذُ الضُّمَنَاءَ بِحَقِّهِ وَلَوْ كَانَ مَكَانُ الِابْنِ أَوْ مَعَهُ زَوْجَةٌ وَلَا يَعْلَمُونَهُ فَارَقَهَا أَعْطَيْتهَا رُبُعَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ مِيرَاثَهَا مَحْدُودٌ لِلْأَكْثَرِ وَالْأَقَلُّ الثَّمَنُ وَرُبُعُ الثَّمَنِ وَمِيرَاثُ الِابْنِ غَيْرُ مَحْدُودٍ. وَإِذَا مَاتَتْ زَوْجَتُهُ وَابْنُهُ مِنْهَا فَقَالَ أَخُوهَا: مَاتَ ابْنُهَا ثُمَّ مَاتَتْ فَلِي مِيرَاثِي مَعَ زَوْجِهَا وَقَالَ زَوْجُهَا: بَلْ مَاتَتْ فَأُحْرِزُ أَنَا وَابْنِي الْمَالَ ثُمَّ مَاتَ ابْنِي فَالْمَالُ لِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَخِ؛ لِأَنَّهُ وَارِثٌ لِأُخْتِهِ وَعَلَى الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ مَحْجُوبٌ الْبَيِّنَةُ وَعَلَى الْأَخِ فِيمَا يَدَّعِي أَنَّ أُخْتَهُ وَرِثَتْ ابْنَهَا الْبَيِّنَةُ. وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ وَرِثَ هَذِهِ الْأَمَةَ مِنْ أَبِيهِ وَأَقَامَتْ امْرَأَةٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ أَصْدَقَهَا إيَّاهَا فَهِيَ لِلْمَرْأَةِ كَمَا يَبِيعُهَا وَلَمْ يَعْلَمْ شُهُودُ الْمِيرَاثِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 424 [بَابُ الدَّعْوَى فِي وَقْتٍ قَبْلَ وَقْتٍ] ٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ لَهُ مُنْذُ سِنِينَ وَأَقَامَ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ فَهُوَ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ وَلَمْ أَنْظُرْ إلَى قَدِيمِ الْمِلْكِ وَحَدِيثِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ أَنْ يَجْعَلَ الْمِلْكَ لِلْأَقْدَامِ أَوْلَى كَمَا جَعَلَ مِلْكَ النِّتَاجِ أَوْلَى وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ النِّتَاجِ قَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ كَمَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْمِلْكِ الْأَقْدَمِ أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ. [بَابُ الدَّعْوَى عَلَى كِتَابِ أَبِي حَنِيفَةَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ مِنْهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ بِلَا وَقْتٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَهَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ الَّذِي سَمَّى شُهُودَهُ وَيَرْجِعَ بِالنِّصْفِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا أَشْبَهُ بِالْحَقِّ عِنْدِي؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ قَدْ تَكَافَأَتَا وَلِلْمُقَرِّ لَهُ بِالدَّارِ سَبَبٌ لَيْسَ لِصَاحِبِهِ كَمَا يَدَّعِيَانِهَا جَمِيعًا بِبَيِّنَةٍ وَهِيَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَتَكُونُ لِمَنْ هِيَ فِي يَدَيْهِ لِقُوَّةِ سَبَبِهِ عِنْدَهُ عَلَى سَبَبِ صَاحِبِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ قَالَ: لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى دَابَّةٍ أَنَّهُ نَتَجَهَا أَبْطَلْتهمَا وَقَبِلْت قَوْلَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَى هَذَا الثَّوْبَ مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ مِلْكُهُ بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَنَقَدَهُ وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يَمْلِكُهُ بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَنَقَدَهُ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِهِ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ لِفَضْلِ كَيْنُونَتِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْت مِنْ قَوْلِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ثَوْبُهُ بَاعَهُ مِنْ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهِ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ نِصْفَيْنِ وَيَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَقْبِضَهُ ثُمَّ يَمْلِكَهُ الْآخَرُ وَيَشْتَرِيَهُ مِنْهُ وَيَقْبِضَهُ فَيَكُونُ عَلَيْهِ ثَمَنَانِ، وَقَدْ قَالَ أَيْضًا: لَوْ شَهِدَ شُهُودُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى إقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ أَوْ أَقَرَّ بِالشِّرَاءِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنَيْنِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) سَوَاءٌ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ اشْتَرَى أَوْ أَقَرَّ بِالشِّرَاءِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ سَيِّدُهُ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ أَعْتَقَهُ وَلَمْ يُوَقِّتْ الشُّهُودَ فَإِنِّي أُبْطِلُ الْبَيِّنَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا تَضَادَّتَا وَأُحَلِّفُهُ مَا بَاعَهُ وَأُحَلِّفُهُ مَا أَعْتَقَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قَدْ أُبْطِلُ الْبَيِّنَتَيْنِ فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَا فِيهِ صَادِقَتَيْنِ فَالْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدَيْ نَفْسِهِ بِالْحُرِّيَّةِ كَمُشْتَرٍ قَبَضَ مِنْ الْبَائِعِ فَهُوَ أَنْ أَحَقَّ لِقُوَّةِ السَّبَبِ كَمَا إذَا أَقَامَا بَيِّنَةً وَالشَّيْءُ فِي يَدَيْ أَحَدِهِمَا كَانَ أَوْلَى بِهِ لِقُوَّةِ السَّبَبِ وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا أَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِنْتُ أَمَتِهِ حَتَّى يَقُولُوا: وَلَدَتْهَا فِي مِلْكِهِ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ هَذَا الْغَزْلَ مِنْ قُطْنِ فُلَانٍ جَعَلْته لِفُلَانٍ. وَإِذَا كَانَ فِي يَدَيْهِ صَبِيٌّ صَغِيرٌ يَقُولُ: هُوَ عَبْدِي فَهُوَ كَالثَّوْبِ إذَا كَانَ لَا يَتَكَلَّمُ فَإِنْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهُ جَعَلْته ابْنَهُ وَهُوَ فِي يَدَيْ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ. وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ لَا يَدَّعِيهَا فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ نِصْفَهَا لَهُ، وَآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ جَمِيعَهَا لَهُ فَلِصَاحِبِ الْجَمِيعِ النِّصْفُ وَأَبْطَلَ دَعْوَاهُمَا فَلَا حَقَّ لَهُمَا وَلَا قُرْعَةَ وَقَدْ مَضَى مَا هُوَ أَوْلَى بِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى. قَالَ: وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ ثَلَاثَةٍ فَادَّعَى أَحَدُهُمْ النِّصْفَ وَالْآخَرُ الثُّلُثَ وَآخَرُ السُّدُسَ وَجَحَدَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَهِيَ لَهُمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 425 عَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ ثُلُثًا ثُلُثًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذَا كَانَتْ فِي يَدَيْ اثْنَيْنِ فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً عَلَى الثُّلُثِ وَالْآخَرُ عَلَى الْكُلِّ جَعَلْت لِلْأَوَّلِ الثُّلُثَ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِمَّا فِي يَدَيْهِ وَمَا بَقِيَ لِلْآخَرِ. [بَابٌ فِي الْقَافَةِ وَدَعْوَى الْوَلَدِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ وَمِنْ كِتَابِ نِكَاحٍ قَدِيمٍ] ٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْرِفُ السُّرُورَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ نَظَرَ إلَى أُسَامَةَ وَزَيْدٍ عَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْقَافَةِ إلَّا هَذَا انْبَغَى أَنْ يَكُونَ فِيهِ دَلَالَةٌ أَنَّهُ عِلْمٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِلْمًا لَقَالَ لَهُ: لَا تَقُلْ هَذَا؛ لِأَنَّك إنْ أَصَبْت فِي شَيْءٍ لَمْ آمَنْ عَلَيْك أَنْ تُخْطِئَ فِي غَيْرِهِ وَفِي خَطَئِك قَذْفُ مُحْصَنَةٍ أَوْ نَفْيُ نَسَبٍ وَمَا أُقِرُّهُ إلَّا أَنَّهُ رَضِيَهُ وَرَآهُ عِلْمًا وَلَا يَسِرْ إلَّا بِالْحَقِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَدَعَا عُمَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَائِفًا فِي رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا وَلَدًا فَقَالَ: لَقَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ فَقَالَ عُمَرُ لِلْغُلَامِ: وَالِ أَيَّهمَا شِئْت وَشَكَّ أَنَسٌ فِي ابْنٍ لَهُ فَدَعَا لَهُ الْقَافَةَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَخْبَرَنِي عَدَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ أَنَّهُمْ أَدْرَكُوا الْحُكَّامَ يُفْتُونَ بِقَوْلِ الْقَافَةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمْ يُجِزْ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَسَبَ أَحَدٍ قَطُّ إلَّا إلَى أَبٍ وَاحِدٍ وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (قَالَ) : وَلَوْ ادَّعَى حُرٌّ وَعَبْدٌ مُسْلِمَانِ وَذِمِّيٌّ مَوْلُودًا وُجِدَ لَقِيطًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالتَّدَاعِي فِيمَا سِوَاهُ فَيَرَاهُ الْقَافَةَ فَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِوَاحِدٍ فَهُوَ ابْنُهُ وَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِأَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ ابْنُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبَ إلَى أَيِّهِمْ شَاءَ فَيَكُونَ ابْنُهُ وَتَنْقَطِعَ عَنْهُ دَعْوَى غَيْرِهِ. [بَابُ جَوَابِ الشَّافِعِيِّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ فِي الْوَلَدِ يَدَّعِيهِ عِدَّةُ رِجَالٍ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قُلْت لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: زَعَمْت أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ: إنْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ فَهُوَ ابْنُهُمَا بِالْأَثَرِ فَإِنْ ادَّعَاهُ ثَلَاثَةٌ فَهُوَ ابْنُهُمْ بِالْقِيَاسِ وَإِنْ ادَّعَاهُ أَرْبَعَةٌ لَمْ يَكُنْ ابْنُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، قَالَ: هَذَا خَطَأٌ مِنْ قَوْلِهِ، قُلْت: فَإِذْ زَعَمْت أَنَّهُمْ يَشْتَرِكُونَ فِي نَسَبِهِ وَلَوْ كَانُوا مِائَةً كَمَا يَشْتَرِكُونَ فِي الْمَالِ لَوْ مَاتَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِي الْمَالِ أَيَمْلِكُ الْحَيُّ إلَّا مَا كَانَ يَمْلِكُهُ قَبْلَ مَوْتِ صَاحِبِهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْت: فَقَدْ زَعَمْت إنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَرَّثَهُ مِيرَاثَ ابْنٍ تَامٍّ وَانْقَطَعَتْ أُبُوَّتُهُ فَإِنْ مَاتَ وَرَّثَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ مِيرَاثِ أَبٍ فَهَلْ رَأَيْت أَبًا قَطُّ إلَى مُدَّةٍ؟ قُلْت: أَوْ رَأَيْت إذَا قُطِعَتْ أُبُوَّتُهُ مِنْ الْمَيِّتِ أَيَتَزَوَّجُ بَنَاتِهِ وَهُنَّ الْيَوْمَ أَجْنَبِيَّاتٌ وَهُنَّ بِالْأَمْسِ لَهُ أَخَوَاتٌ؟ قَالَ: إنَّهُ لَا يَدْخُلُ هَذَا، قُلْت: وَأَكْثَرُ قَالَ: كَيْفَ كَانَ يَلْزَمُنَا أَنْ نُوَرِّثَهُ؟ قُلْت: نُوَرِّثُهُ فِي قَوْلِك مِنْ أَحَدِهِمْ سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ مِيرَاثِ ابْنٍ كَمَا نُوَرِّثُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ مِيرَاثِ أَبٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ هَذَا بِلَازِمٍ لَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ كُلِّ أَبٍ أَبُو بَعْضِ الِابْنِ وَلَيْسَ بَعْضُ الِابْنِ ابْنًا لِبَعْضِ الْأَبِ دُونَ جَمِيعِهِ كَمَا لَوْ مَلَكُوا عَبْدًا كَانَ جَمِيعُ كُلِّ سَيِّدٍ مِنْهُمْ مَالِكًا لِبَعْضِ الْعَبْدِ وَلَيْسَ بَعْضُ الْعَبْدِ مِلْكًا لِبَعْضِ السَّيِّدِ دُونَ جَمِيعِهِ؛ فَتَفَهَّمْ كَذَلِكَ تَجِدُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 426 [بَابُ دَعْوَى الْأَعَاجِمِ وِلَادَةَ الشِّرْكِ وَالطِّفْلُ يَسْلَمُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا ادَّعَى الْأَعَاجِمُ وِلَادَةً بِالشِّرْكِ فَإِنْ جَاءُونَا مُسْلِمِينَ لَا وَلَاءَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعِتْقٍ قَبِلْنَا دَعْوَاهُمْ كَمَا قَبِلْنَا غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنْ كَانُوا مَسْبِيِّينَ عَلَيْهِمْ رِقٌّ أَوْ أَعْتَقُوا فَثَبَتَ عَلَيْهِمْ وَلَاءٌ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى وِلَادَةٍ مَعْرُوفَةٍ قَبْلَ السَّبْيِ وَهَكَذَا أَهْلُ حِصْنٍ وَمَنْ يُحْمَلُ إلَيْنَا مِنْهُمْ. وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْ الطِّفْلِ أَوْ الْمَعْتُوهِ كَانَ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَى الْإِسْلَامَ عَلَى الْأَدْيَانِ وَالْأَعْلَى أَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لَهُ مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعْنَى قَوْلِنَا وَيَرْوِي عَنْ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ. [بَابُ مَتَاعِ الْبَيْتِ يَخْتَلِفُ فِيهِ الزَّوْجَانِ مِنْ كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ يَسْكُنَانِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا أَوْ بَعْدَمَا تَفَرَّقَا كَانَ الْبَيْتُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا أَوْ يَمُوتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَيَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ وَرَثَتُهُمَا فَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً فَالْقِيَاسُ الَّذِي لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ عِنْدِي بِالْغَفْلَةِ عَنْهُ عَلَى الْإِجْمَاعِ أَنَّ هَذَا الْمَتَاعَ بِأَيْدِيهِمَا جَمِيعًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَقَدْ يَمْلِكُ الرَّجُلُ مَتَاعَ الْمَرْأَةِ وَتَمْلِكُ الْمَرْأَةُ مَتَاعَ الرَّجُلِ وَلَوْ اسْتَعْمَلْت الظُّنُونَ عَلَيْهِمَا لَحَكَمْت فِي عَطَّارٍ وَدَبَّاغٍ يَتَنَازَعَانِ عِطْرًا وَدِبَاغًا فِي أَيْدِيهِمَا بِأَنْ أَجْعَلَ لِلْعَطَّارِ الْعِطْرَ وَلِلدَّبَّاغِ الدِّبَاغَ وَلَحَكَمْت فِيمَا يَتَنَازَعُ فِيهِ مُعْسِرٌ وَمُوسِرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ بِأَنْ أَجْعَلَهُ لِلْمُوسِرِ وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالظُّنُونِ. [بَابُ أَخْذِ الرَّجُلِ حَقَّهُ مِمَّنْ يَمْنَعُهُ إيَّاهُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : «وَكَانَتْ هِنْدُ زَوْجَةً لِأَبِي سُفْيَانَ وَكَانَتْ الْقَيِّمَ عَلَى وَلَدِهَا لِصِغَرِهِمْ بِأَمْرِ زَوْجِهَا فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا شَكَتْ إلَيْهِ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا بِالْمَعْرُوفِ» فَمِثْلُهَا الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الْحَقُّ عَلَى الرَّجُلِ فَيَمْنَعُهُ إيَّاهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ حَيْثُ وَجَدَهُ بِوَزْنِهِ أَوْ كَيْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ كَانَتْ قِيمَتُهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا بَاعَ عَرَضَهُ وَاسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِهِ حَقَّهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَدِّ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» قِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا لَمْ تَكُنْ الْخِيَانَةُ مَا أَذِنَ بِأَخْذِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا الْخِيَانَةُ أَنْ آخُذَ لَهُ دِرْهَمًا بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ دِرْهَمِي فَأَخُونَهُ بِدِرْهَمٍ كَمَا خَانَنِي فِي دِرْهَمِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أَخُونَهُ بِأَخْذِ مَا لَيْسَ لِي وَإِنْ خَانَنِي. [بَابُ عِتْقِ الْمُشْرِكِ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَالْوَصَايَا فِي الْعِتْقِ] بَابُ عِتْقِ الشِّرْكِ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَالْوَصَايَا فِي الْعِتْقِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ قَوَّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ وَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ الْعَبْدَ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ، وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 427 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ فِي عِتْقِ الْمُوسِرِ - وَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ الْعَبْدُ - مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُعْتَقُ بِالْقَوْلِ وَبِدَفْعِ الْقِيمَةِ. وَالْآخَرُ: أَنْ يُعْتَقَ بِقَوْلِ الْمُوسِرِ وَلَوْ أَعْسَرَ كَانَ الْعَبْدُ حُرًّا وَاتُّبِعَ بِمَا ضَمِنَ وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ فِيهِ الْقِيَاسُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا فِي الْعِتْقِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ يُعْتَقُ يَوْمَ تَكَلَّمَ بِالْعِتْقِ، وَهَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَيْضًا فَإِنْ مَاتَ الْمُعْتَقُ أُخِذَ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ أَرْشِ الْمَالِ لَا يَمْنَعُهُ الْمَوْتُ حَقًّا لَزِمَهُ كَمَا لَوْ جَنَى جِنَايَةً وَالْعَبْدُ حُرٌّ فِي شَهَادَتِهِ وَحُدُودِهِ وَمِيرَاثِهِ وَجِنَايَاتِهِ قَبِلَ الْقِيمَةَ وَدَفَعَهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقَدْ قَطَعَ بِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى أَصَحُّ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقَطَعَهُ بِهِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَحَدِ قَوْلَيْنِ لَمْ يَقْطَعْ بِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْقُرْعَةِ أَنَّ الْعِتْقَ يَوْمَ تَكَلَّمَ بِالْعِتْقِ حَتَّى أَقْرَعَ بَيْنَ الْأَحْيَاءِ وَالْمَوْتَى فَهَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ أَعْتَقَ الثَّانِي كَانَ عِتْقُهُ بَاطِلًا وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ لَوْ كَانَ مِلْكُهُ بِحَالِهِ لَوْ عَتَقَ بِإِعْتَاقِهِ إيَّاهُ وَقَوْلُهُ فِي الْأَمَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إنْ أَحْبَلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا كَالْعِتْقِ وَأَنَّ شَرِيكَهُ إنْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَخْذِ الْقِيمَةِ كَانَ مَهْرُهَا عَلَيْهِ تَامًّا وَفِي ذَلِكَ قَضَاءٌ لِمَا قُلْنَا وَدَلِيلٌ آخَرُ لِمَا كَانَ الثَّمَنُ فِي إجْمَاعِهِمْ ثَمَنَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي بَيْعٍ عَنْ تَرَاضٍ يَجُوزُ فِيهِ التَّغَابُنُ. وَالْآخَرُ: قِيمَةُ مُتْلِفٍ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّغَابُنُ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى التَّعْدِيلِ وَالتَّقْسِيطِ، فَلَمَّا حَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُعْتِقِ الْمُوسِرِ بِالْقِيمَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا قِيمَةُ مُتْلِفٍ عَلَى شَرِيكِهِ يَوْمَ أَتْلَفَهُ فَهَذَا كُلُّهُ قَضَاءٌ لِأَحَدِ قَوْلَيْهِ عَلَى الْآخَرِ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ وَصَاحِبُهُ مُوسِرٌ أَعْتَقْت نَصِيبَك وَأَنْكَرَ الْآخَرُ عِتْقَ نَصِيبِ الْمُدَّعِي وَوَقَفَ وَلَاؤُهُ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ وَادَّعَى قِيمَةَ نَصِيبِهِ عَلَى شَرِيكِهِ فَإِنْ ادَّعَى شَرِيكُهُ مِثْلَ ذَلِكَ - عَتَقَ الْعَبْدُ وَكَانَ لَهُ وَلَاؤُهُ، قَالَ: وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ إذَا لَمْ يُعْتِقْ نَصِيبَ الْأَوَّلِ لَمْ يُعْتِقْ نَصِيبَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتِقُ بِالْأَوَّلِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قَدْ قَطَعَ بِجَوَابِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ صَاحِبَهُ زَعَمَ أَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ وَقَدْ عَتَقَ نَصِيبَ الْمُقِرِّ بِإِقْرَارِهِ قَبْلَ أَخْذِهِ قِيمَتَهُ؛ فَتَفَهَّمْ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ يَضُرُّهُ لَزِمَهُ وَمَنْ ادَّعَى حَقًّا لَمْ يَجِبْ لَهُ وَهَذَا مُقِرٌّ لِلْعَبْدِ بِعِتْقِ نَصِيبِهِ فَيَلْزَمُهُ وَمُدَّعٍ عَلَى شَرِيكِهِ بِقِيمَةٍ لَا تَجِبُ لَهُ وَمِنْ قَوْلِهِ وَجَمِيعُ مَنْ عَرَفْت مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنْ لَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ: بِعْتُك نَصِيبِي بِثَمَنٍ وَسَلَّمْته إلَيْك وَأَنْتَ مُوسِرٌ وَإِنَّك قَبَضْته وَأَعْتَقْته وَأَنْكَرَ شَرِيكُهُ أَنَّهُ مُقِرٌّ بِالْعِتْقِ لِنَصِيبِهِ نَافِذٌ عَلَيْهِ مُدَّعٍ الثَّمَنَ لَا يَجِبُ لَهُ فَهَذَا وَذَاكَ عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ سَوَاءٌ وَهَذَا يَقْضِي لِأَحَدِ قَوْلَيْهِ عَلَى الْآخَرِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إذَا أَعْتَقْته فَهُوَ حُرٌّ فَأَعْتَقَهُ كَانَ حُرًّا فِي مَالِ الْمُعْتِقِ وَسَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقَدْ قَطَعَ بِعِتْقِهِ قَبْلَ دَفْعِ قِيمَتِهِ وَدَلِيلٌ آخَرُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ جَعَلَ قِيمَتَهُ يَوْمَ تَكَلَّمَ بِعِتْقِهِ فَدَلَّ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حُرٌّ قَبْلَ دَفْعِ قِيمَتِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أَدَّى الْمُوسِرُ قِيمَتَهُ كَانَ لَهُ وَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُهُ وَكَانَ شَرِيكُهُ عَلَى مِلْكِهِ يَخْدُمُهُ يَوْمًا وَيَتْرُكُ لِنَفْسِهِ يَوْمًا فَمَا اكْتَسَبَ لِنَفْسِهِ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ وَلَهُ وَارِثٌ وَرَّثَهُ بِقَدْرِ وَلَائِهِ فَإِنْ مَاتَ لَهُ مُوَرِّثٌ لَمْ يَرِثْ مِنْهُ شَيْئًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) الْقِيَاسُ أَنْ يَرِثَ مِنْ حَيْثُ يُورَثُ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ النَّاسَ يَرِثُونَ مِنْ حَيْثُ يُورَثُونَ وَهَذَا وَذَاكَ فِي الْقِيَاسِ سَوَاءٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَا تَكُونُ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ بَعْضُهَا عَبْدًا وَبَعْضُهَا حُرًّا كَمَا لَا تَكُونُ امْرَأَةٌ بَعْضُهَا طَالِقًا وَبَعْضُهَا غَيْرَ طَالِقٍ قِيلَ لَهُ: أَتَتَزَوَّجُ بَعْضَ امْرَأَةٍ كَمَا تَشْتَرِي بَعْضَ عَبْدٍ أَوْ تُكَاتِبُ الْمَرْأَةَ كَمَا يُكَاتَبُ الْعَبْدُ أَوْ يَهَبُ امْرَأَتَهُ كَمَا يَهَبُ عَبْدَهُ فَيَكُونُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَكَانَهُ؟ قَالَ: لَا، قِيلَ: فَمَا أَعْلَمُ شَيْئًا أَبْعَدَ مِنْ الْعَبْدِ مِمَّا قِسْته عَلَيْهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَعْتَقَ شَرِيكَانِ لِأَحَدِهِمَا النِّصْفُ وَلِلْآخَرِ السُّدُسُ مَعًا أَوْ وَكَّلَا رَجُلًا فَأَعْتَقَ عَنْهُمَا مَعًا كَانَ عَلَيْهِمَا قِيمَةُ الْبَاقِي لِشَرِيكَيْهِمَا سَوَاءٌ لَا أَنْظُرُ إلَى كَثِيرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 428 الْمِلْكِ وَلَا قَلِيلِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا يَقْضِي لِأَحَدِ قَوْلَيْهِ فِي الشُّفْعَةِ أَنَّ مَنْ لَهُ كَثِيرُ مِلْكٍ وَقَلِيلُهُ فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُعْتِقِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ النَّصِيبِ لَا يَخْرُجُ مِلْكُهُ مِنْهُ إلَّا بِمَا يَرْضَى. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قَدْ قَطَعَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْغَارِمِ وَهَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ وَأَقْيَسُ عَلَى أَصْلِهِ عَلَى مَا شَرَحْت مِنْ أَحَدِ قَوْلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ فِي قِيمَةِ مَا أَتْلَفَ: إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْغَارِمِ وَلِأَنَّ السَّيِّدَ مُدَّعٍ لِلزِّيَادَةِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَالْغَارِمُ مُنْكِرٌ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ قَالَ: وَلَوْ قَالَ: هُوَ خَبَّازٌ وَقَالَ الْغَارِمُ: لَيْسَ كَذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَارِمِ، وَلَوْ قَالَ: هُوَ سَارِقٌ أَوْ آبِقٌ، وَقَالَ الَّذِي لَهُ الْغُرْمُ: لَيْسَ كَذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَهُوَ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ حَتَّى يَعْلَمَ (قَالَ الْمُزَنِيّ) قَدْ قَالَ فِي الْغَاصِبِ: إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ أَنَّ بِهِ دَاءً أَوْ غَائِلَةً وَالْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْحُرِّ يَجْنِي عَلَى يَدِهِ فَيَقُولُ الْجَانِي هِيَ شَلَّاءُ - أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْغَارِمِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عِتْقًا بَتَاتًا ثُمَّ مَاتَ كَانَ فِي ثُلُثِهِ كَالصَّحِيحِ فِي كُلِّ مَالِهِ. وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ نَصِيبٍ مِنْ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يُعْتَقْ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْهُ إلَّا مَا أَوْصَى بِهِ. [بَابٌ فِي عِتْقِ الْعَبِيدِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ الثُّلُثِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ سِتَّةً مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ جُزِّئُوا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ وَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ كَمَا أَقْرَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مِثْلِهِمْ وَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ ثُلُثَ الْمَيِّتِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً لِلْوَارِثِ وَهَكَذَا كُلُّ مَا لَمْ يَحْتَمِلْ الثُّلُثَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ وَلَا سِعَايَةَ؛ لِأَنَّ فِي إقْرَاعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمْ وَفِي قَوْلِهِ: إنْ كَانَ مُعْسِرًا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ إبْطَالًا لِلسِّعَايَةِ مِنْ حَدِيثَيْنِ ثَابِتَيْنِ. وَحَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ فِي السِّعَايَةِ ضَعِيفٌ وَخَالَفَهُ شُعْبَةُ وَهِشَامٌ جَمِيعًا، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ اسْتِسْعَاءً وَهُمَا أَحْفَظُ مِنْهُ. [بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقُرْعَةِ بَيْنَ الْمَمَالِيكِ وَغَيْرِهِمْ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَبُّ الْقُرْعَةِ إلَيَّ وَأَبْعَدُهَا مِنْ الْحَيْفِ عِنْدِي أَنْ تُقْطَعَ رِقَاعٌ صِغَارٌ مُسْتَوِيَةٌ فَيُكْتَبَ فِي كُلِّ رُقْعَةٍ اسْمُ ذِي السَّهْمِ حَتَّى يَسْتَوْظِفَ أَسْمَاءَهُمْ ثُمَّ تُجْعَلَ فِي بَنَادِقِ طِينٍ مُسْتَوِيَةٍ وَتُوزَنُ ثُمَّ تُسْتَجَف ثُمَّ تُلْقَى فِي حِجْرِ رَجُلٍ لَمْ يَحْضُرْ الْكِتَابَةَ وَلَا إدْخَالَهَا فِي الْبُنْدُقِ وَيُغَطَّى عَلَيْهَا ثَوْبٌ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: أَدْخِلْ يَدَك فَأَخْرِجْ بُنْدُقَةً فَإِذَا أَخْرَجَهَا فُضَّتْ وَقُرِئَ اسْمُ صَاحِبِهَا وَدُفِعَ إلَيْهِ الْجُزْءُ الَّذِي أَقْرَعَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: أَقْرِعْ عَلَى الْجُزْءِ الثَّانِي الَّذِي يَلِيهِ وَهَكَذَا مَا بَقِيَ مِنْ السَّهْمَانِ شَيْءٌ حَتَّى تَنْفَدَ وَهَذَا فِي الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِمْ سَوَاءٌ. [بَابُ الْإِقْرَاعِ بَيْنَ الْعَبِيدِ فِي الْعِتْقِ وَالدَّيْنِ وَالتَّبْدِئَةِ بِالْعِتْقِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيُجَزَّأُ الرَّقِيقُ إذَا أَعْتَقَ ثُلُثَهُمْ ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ إذَا كَانَتْ قِيَمُهُمْ سَوَاءً وَيَكْتُبُ سَهْمَ الْعِتْقِ فِي وَاحِدٍ وَسَهْمَا الرِّقِّ فِي اثْنَيْنِ ثُمَّ يُقَالُ: أَخْرِجْ عَلَى هَذَا الْجُزْءِ بِعَيْنِهِ، وَيُعَرَّفُ فَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الْعِتْقِ عَتَقَ وَرَقَّ الْجُزْءَانِ الْآخَرَانِ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ سَهْمُ الرِّقِّ رُقَّ ثُمَّ قِيلَ: أَخْرِجْ، فَإِنْ خَرَجَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 429 سَهْمُ الْعِتْقِ عَلَى الْجُزْءِ الثَّانِي عَتَقَ وَرَقَّ الثَّالِثَ، وَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الرِّقِّ عَلَيْهِ عَتَقَ الثَّالِثُ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيَمُهُمْ ضَمَّ قَلِيلَ الثَّمَنِ إلَى كَثِيرِ الثَّمَنِ حَتَّى يَعْتَدِلُوا فَإِنْ تَفَاوَتَتْ قِيَمُهُمْ فَكَانَ قِيمَةُ وَاحِدٍ مِائَةً وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِائَةً وَقِيمَةُ ثَلَاثَةٍ مِائَةً جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ عَلَى الْقِيَمِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ وَاحِدٍ مِائَتَيْنِ وَاثْنَيْنِ خَمْسِينَ، وَثَلَاثَةٍ خَمْسِينَ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ عَلَى الْوَاحِدِ عَتَقَ مِنْهُ نِصْفُهُ وَهُوَ الثُّلُثُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْآخَرُونَ رَقِيقٌ، وَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ اثْنَيْنِ عَتَقَا ثُمَّ أُعِيدَتْ الْقُرْعَةُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالْوَاحِدِ وَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ بِالْعِتْقِ عَتَقَ مِنْهُ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ وَرُقَّ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ خَرَجَ السَّهْمُ عَلَى الِاثْنَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ فَكَانُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعًا جُزِّئُوا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ وَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ كَذَلِكَ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الثُّلُثَ وَيُجَزَّءُونَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ أَصَحُّ عِنْدِي مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ. وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِبَعْضِ رَقِيقِهِ جَزَّأَ الرَّقِيقَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ ثُمَّ جُزِّئُوا فَأَيُّهُمْ خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الدَّيْنِ بِيعُوا، ثُمَّ أَقْرَعَ لِيُعْتِقَ ثُلُثَهُمْ بَعْدَ الدَّيْنِ وَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَعْدَ ذَلِكَ بِعْت مَنْ عَتَقَ حَتَّى لَا يَبْقَى عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ أَعْتَقْت ثُلُثًا وَأَرْقَقْت ثُلُثَيْنِ بِالْقُرْعَةِ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ يَخْرُجُونَ مَعًا مِنْ الثُّلُثِ أَعْتَقْت مَنْ أَرْقَقْت وَرَفَعَتْ إلَيْهِمْ مَا اكْتَسَبُوا بَعْدَ عِتْقِ الْمَالِكِ إيَّاهُمْ وَأَيُّ الرَّقِيقِ أَرَدْت قِيمَتَهُ لِعِتْقِهِ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ نَقَصَتْ أَوْ مَاتَ فَإِنَّمَا قِيمَتُهُ يَوْمَ وَقَعَ الْعِتْقُ. فَإِنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ لِمَيِّتٍ عَلِمْنَا أَنَّهُ كَانَ حُرًّا أَوْ لِأَمَةٍ فَوَلَدَتْ عَلِمْنَا أَنَّهَا حُرَّةٌ وَوَلَدُهَا وَلَدُ حُرَّةٍ لَا أَنَّ الْقُرْعَةَ أَحْدَثَتْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ عِتْقًا يَوْمَ وَقَعَتْ إنَّمَا وَجَبَ الْعِتْقُ حِينَ الْمَوْتِ بِالْقُرْعَةِ وَلَوْ قَالَ فِي مَرَضِهِ: سَالِمٌ حُرٌّ وَغَانِمٌ حُرٌّ وَزِيَادٌ حُرٌّ، ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مَا احْتَمَلَ الثُّلُثَ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ بَتَاتٌ فَأَمَّا كُلُّ مَا كَانَ لِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ مِنْ تَدْبِيرٍ وَغَيْرِهِ فَكُلُّهُ سَوَاءٌ. (قَالَ) : وَلَوْ شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَصِيَّةً وَهُوَ الثُّلُثُ وَشَهِدَ وَارِثَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدًا غَيْرَ وَصِيَّةٍ وَهُوَ الثُّلُثُ أَعْتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) إذَا أَجَازَ الشَّهَادَتَيْنِ فَقَدْ ثَبَتَ عِتْقُ عَبْدَيْنِ وَهُمَا ثُلُثَا الْمَيِّتِ فَمَعْنَاهُ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ قَالَ لِعَشْرَةِ أَعْبُدٍ لَهُ: أَحَدُكُمْ حُرٌّ، سَأَلْنَا الْوَرَثَةَ فَإِنْ قَالُوا: لَا نَعْلَمُ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ وَأَعْتَقَ أَحَدَهُمْ كَانَ أَقَلَّهُمْ قِيمَةً أَوْ أَكْثَرَهُمْ. [بَابُ مَنْ يُعْتَقُ بِالْمِلْكِ وَفِيهِ ذِكْرُ عِتْقِ السَّائِبَةِ وَلَا وَلَاءَ إلَّا لِمُعْتِقٍ] ٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ مَلَكَ أَحَدًا مِنْ آبَائِهِ أَوْ أُمَّهَاتِهِ أَوْ أَجْدَادِهِ أَوْ جَدَّاتِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ بَنِيهِ أَوْ بَنَاتِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ بَعْدَ مِلْكِهِ بَعُدَ مِنْهُ الْوَلَدُ أَوْ قَرُبَ الْمَوْلُودُ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ سِوَى مَنْ سَمَّيْت بِحَالٍ وَإِنْ مَلَكَ شِقْصًا مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِغَيْرِ مِيرَاثِ قُوِّمَ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَرُقَّ بَاقِيهِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا وَإِنْ وَرِثَ مِنْهُ شِقْصًا عَتَقَ وَلَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ. وَإِنْ وَهَبَ لِصَبِيٍّ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ وَلَا مِلْكَ لَهُ وَلَهُ وَصِيٌّ كَانَ عَلَيْهِ قَبُولُ هَذَا كُلِّهِ وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ؛ لِأَنَّ عَلَى الْمُوسِرِ عِتْقَ مَا بَقِيَ وَإِنْ قَبِلَهُ فَمَرْدُودٌ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا: يُعْتَقُ مَا مَلَكَ الصَّبِيُّ وَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ. [بَابٌ فِي الْوَلَاءِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَفِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا وَلَاءَ إلَّا لِمُعْتِقٍ وَاَلَّذِي أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ عَلَى يَدَيْهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 430 لَيْسَ بِمُعْتِقٍ فَلَا وَلَاءَ لَهُ، وَلَوْ أَعْتَقَ مُسْلِمٌ نَصْرَانِيًّا أَوْ نَصْرَانِيٌّ مُسْلِمًا فَالْوَلَاءُ ثَابِتٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا يَتَوَارَثَانِ لِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَلَا يَقْطَعُ اخْتِلَافُ الدِّينِ الْوَلَاءَ كَمَا لَا يَقْطَعُ النَّسَبَ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} [هود: 42] {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ} [الأنعام: 74] فَلَمْ يَقْطَعْ النَّسَبَ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ وَمَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً فَهُوَ مُعْتِقٌ وَلَهُ الْوَلَاءُ وَمَنْ وَرَّثَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لَهُ فَلَهُ وَلَاؤُهُمْ وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ فِي مَعْنَى مَنْ أَعْتَقَ وَالْمُعْتِقُ السَّائِبَةَ مُعْتِقٌ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا فِي مَعْنَى الْمُعْتِقِينَ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ لَهُ وَلَاؤُهُ. (قَالَ) : فَالْمُعْتِقُ سَائِبَةً قَدْ أَنْفَذَ اللَّهُ لَهُ الْعِتْقَ؛ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ بِأَنْ لَا وَلَاءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أَخَذَ أَهْلُ الْفَرَائِضِ فَرَائِضَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَصَبَةُ قَرَابَةٍ مِنْ قِبَلِ الصُّلْبِ كَانَ مَا بَقِيَ لِلْمَوْلَى الْمُعْتَقِ. وَلَوْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ اثْنَانِ لِأُمٍّ فَهَلَكَ أَحَدُ الِاثْنَيْنِ لِأُمٍّ وَتَرَكَ مَالًا وَمَوَالِيَ فَوَرِثَ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ مَالَهُ وَوَلَاءَ مَوَالِيهِ ثُمَّ هَلَكَ الَّذِي وَرِثَ الْمَالَ وَوَلَاءَ الْمَوْلَى وَتَرَكَ ابْنَهُ وَأَخَاهُ لِأَبِيهِ فَقَالَ ابْنُهُ: قَدْ أَحْرَزْت مَا كَانَ أَبِي أَحْرَزَهُ، وَقَالَ أَخُوهُ: إنَّمَا أَحْرَزْت الْمَالَ وَأَمَّا وَلَاءُ الْمَوَالِي فَلَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : الْأَخُ أَوْلَى بِوَلَاءِ الْمَوَالِي وَقَضَى بِذَلِكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ الْعَصَبَةِ أَوْلَى بِمِيرَاثِ الْمَوَالِي وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنْ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَإِنْ كَانَ جَدٌّ وَأَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْأَخُ أَوْلَى وَكَذَلِكَ بَنُو الْأَخِ وَإِنْ سَفَلُوا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُمَا سَوَاءٌ وَلَا يَرِثُ النِّسَاءُ الْوَلَاءَ وَلَا يَرِثْنَ إلَّا مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ. [مُخْتَصَرُ كِتَابَيْ الْمُدَبَّرِ مِنْ جَدِيدٍ وَقَدِيمٍ] ٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ سَمِعَا «جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: دَبَّرَ رَجُلٌ مِنَّا غُلَامًا لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ» فَقَالَ عَمْرٌو: سَمِعْت جَابِرًا يَقُولُ: عَبْدٌ قِبْطِيٌّ مَاتَ عَامَ أَوَّلَ فِي إمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ زَادَ أَبُو الزُّبَيْرِ يُقَالُ لَهُ: يَعْقُوبُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَبَاعَتْ عَائِشَةُ مُدَبَّرَةً لَهَا سَحَرَتْهَا. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْمُدَبَّرُ وَصِيَّةٌ يَرْجِعُ فِيهِ صَاحِبُهُ مَتَى شَاءَ وَبَاعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مُدَبَّرًا فِي دَيْنِ صَاحِبِهِ وَقَالَ طَاوُسٌ: يَعُودُ الرَّجُلُ فِي مُدَبَّرِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ أَنْتَ عَتِيقٌ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ مَتَى مِتّ أَوْ مَتَى دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي - فَدَخَلَ فَهَذَا كُلُّهُ تَدْبِيرٌ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يُعْتَقُ فِي مَالِ غَائِبٍ حَتَّى يَحْضُرَ. وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي؛ فَدَخَلَ فَهَذَا كُلُّهُ تَدْبِيرٌ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يُعْتَقُ فِي مَالِ غَائِبٍ حَتَّى يَحْضُرَ وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت فَأَنْتَ حُرٌّ مَتَى مِتّ فَشَاءَ فَهُوَ مُدَبَّرٌ، وَلَوْ قَالَ: إذَا مِتّ فَشِئْت فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ إذَا مِتّ إنْ شِئْت فَسَوَاءٌ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ أَوْ أَخَّرَهَا لَا يَكُونُ حُرًّا إلَّا أَنْ يَشَاءَ. وَلَوْ قَالَ شَرِيكَانِ فِي عَبْدٍ: مَتَى مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ؛ لَمْ يُعْتَقْ إلَّا بِمَوْتِ الْآخَرِ مِنْهُمَا. وَلَوْ قَالَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ: قَدْ رَجَعْت فِي تَدْبِيرِك أَوْ نَقَضْته أَوْ أَبْطَلْته؛ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْضًا لِلتَّدْبِيرِ حَتَّى يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنْ قَالَ: إنْ أَدَّى بَعْدَ مَوْتِي كَذَا فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ وَهَبَهُ هِبَةَ بَتَاتٍ قَبَضَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ وَرَجَعَ؛ فَهَذَا رُجُوعٌ فِي التَّدْبِيرِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا رُجُوعٌ فِي التَّدْبِيرِ بِغَيْرِ إخْرَاجٍ لَهُ مِنْ مِلْكِهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْكِتَابِ الْجَدِيدِ وَقَالَ فِي الْكِتَابِ الْقَدِيمِ: لَوْ قَالَ: قَدْ رَجَعْت فِي تَدْبِيرِك أَوْ فِي رُبُعِك أَوْ فِي نِصْفِك كَانَ مَا رَجَعَ عَنْهُ رُجُوعًا فِي التَّدْبِيرِ وَمَا لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ مُدَبَّرًا بِحَالِهِ. (وَقَالَ الْمُزَنِيّ) وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ بِأَصْلِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 431 وَأَصَحُّ لِقَوْلِهِ: إذَا كَانَ الْمُدَبَّرُ وَصِيَّةً فَلِمَ لَا يَرْجِعُ فِي الْوَصِيَّةِ وَلَوْ جَازَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَ ذَلِكَ فَيُبْطِلَ الرُّجُوعَ فِي الْمُدَبَّرِ وَلَا يُبْطِلَهُ فِي الْوَصِيَّةِ لِمَعْنًى اخْتَلَفَا فِيهِ جَازَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى أَنْ يُبْطِلَ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ وَلَا يُبْطِلَ فِي الْوَصِيَّةِ فَيَصِيرُ إلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَبِيعُ الْمُدَبَّرَ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُدَبَّرِ وَالْأَيْمَانِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جَازَ إبْطَالُ عِتْقِ الْمُدَبَّرِ لِمَعْنَى الْحِنْثِ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ لَا يَجِبُ الْحِنْثُ بِهَا عَلَى مَيِّتٍ، وَقَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ بِالرُّجُوعِ فِيهِ كَالْوَصَايَا مُعْتَدِلٌ مُسْتَقِيمٌ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْهُ كَبِيرُ تَعْدِيلٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَجِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ كَجِنَايَةِ الْعَبْدِ يُبَاعُ مِنْهُ بِقَدْرِ جِنَايَاتِهِ وَالْبَاقِي مُدَبَّرٌ بِحَالِهِ. وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُدَبَّرُ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَوْجَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ سَيِّدُهُ فَهُوَ عَلَى تَدْبِيرِهِ وَلَوْ أَنَّ سَيِّدَهُ ارْتَدَّ فَمَاتَ كَانَ مَالُهُ فَيْئًا وَالْمُدَبَّرُ حُرًّا. وَلَوْ دَبَّرَهُ مُرْتَدًّا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُوقَفُ فَإِنْ رَجَعَ فَهُوَ عَلَى تَدْبِيرِهِ وَإِنْ قُتِلَ فَالتَّدْبِيرُ بَاطِلٌ وَمَالُهُ فَيْءٌ؛ لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّ رِدَّتَهُ صَيَّرَتْ مَالَهُ فَيْئًا. وَالثَّانِي: أَنَّ التَّدْبِيرَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَالَهُ خَارِجٌ مِنْهُ إلَّا بِأَنْ يَرْجِعَ وَهَذَا أَشْبَهُ الْأَقَاوِيلِ بِأَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فِيهِ أَقُولُ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ التَّدْبِيرَ مَاضٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهِ مَالَهُ إلَّا بِمَوْتِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ: إنَّهُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ رَجَعَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَقُتِلَ فَلَا زَكَاةَ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ: إنَّهُ إنْ كَاتَبَ الزَّكَاةَ إنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ رَجَعَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَقُتِلَ فَلَا زَكَاةَ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ: إنَّهُ إنْ كَاتَبَ الْمُرْتَدُّ عَبْدَهُ قَبْلَ أَنْ يُوقَفَ مَالُهُ فَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) أَصَحُّهَا عِنْدِي وَأَوْلَاهَا بِهِ أَنَّهُ مَالِكٌ لِمَالِهِ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهِ إلَّا بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَ كِتَابَةَ عَبْدِهِ وَأَجَازَ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى مَنْ يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ نَفَقَتُهُ فَلَوْ كَانَ مَالُهُ خَارِجًا مِنْهُ لَخَرَجَ الْمُدَبَّرُ مَعَ سَائِرِ مَالِهِ وَلَمَّا كَانَ لِوَلَدِهِ وَلِمَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ حَقٌّ فِي مَالِ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ مِلْكَهُ لَهُ بِإِجْمَاعٍ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَّا بِإِجْمَاعٍ وَهُوَ أَنْ يَمُوتَ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: مَتَى قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَقَدِمَ وَالسَّيِّدُ صَحِيحٌ أَوْ مَرِيضٌ عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَجِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ جِنَايَةُ عَبْدٍ. (قَالَ) : وَلَا يَجُوزُ عَلَى التَّدْبِيرِ إذَا جَحَدَ السَّيِّدُ إلَّا عَدْلَانِ. [بَابُ وَطْءِ الْمُدَبَّرَةِ وَحُكْمِ وَلَدِهَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيَطَأُ السَّيِّدُ مُدَبَّرَتَهُ وَمَا وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِهِ فَفِيهِمْ وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ كِلَاهُمَا لَهُ مَذْهَبٌ أَحَدُهُمَا: أَنَّ وَلَدَ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ بِمَنْزِلَتِهَا فَإِنْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِ الْأُمِّ حَامِلًا كَانَ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ رُجُوعًا فِي تَدْبِيرِ الْوَلَدِ فَإِنْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِ الْوَلَدِ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا فِي الْأُمِّ فَإِنْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِهَا ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ رَجَعَ فَالْوَلَدُ فِي مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ مُدَبَّرٌ، وَإِنْ وَضَعَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مَمْلُوكٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَهَذَا أَيْضًا رُجُوعٌ فِي التَّدْبِيرِ بِغَيْرِ إخْرَاجٍ مِنْ مِلْكٍ؛ فَتَفَهَّمْهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ وَلَدَهَا مَمْلُوكُونَ وَذَلِكَ أَنَّهَا أَمَةٌ أَوْصَى بِعِتْقِهَا لِصَاحِبِهَا فِيهَا الرُّجُوعُ فِي عِتْقِهَا وَبَيْعِهَا وَلَيْسَتْ الْوَصِيَّةُ بِحُرِّيَّةٍ ثَابِتَةٍ فَأَوْلَادُهَا مَمْلُوكُونَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: أَوْلَادُهَا مَمْلُوكُونَ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي وَأَشْبَهُهُمَا بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِنْدَهُ وَصِيَّةٌ بِعِتْقِهَا كَمَا لَوْ أَوْصَى بِرَقَبَتِهَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ وَلَدُهَا. (قَالَ) : وَلَوْ قَالَ: إذَا دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ سَنَةٍ فَأَنْتِ حُرَّةٌ، فَدَخَلَتْ أَنَّ وَلَدَهَا لَا يَلْحَقُهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) فَكَذَلِكَ تُعْتَقُ بِالْمَوْتِ وَوَلَدُهَا لَا يَلْحَقُهَا إلَّا أَنْ تُعْتَقَ حَامِلًا فَيُعْتَقُ وَلَدُهَا بِعِتْقِهَا. (قَالَ) : وَلَوْ قَالَتْ: وَلَدْته بَعْدَ التَّدْبِيرِ، وَقَالَ الْوَارِثُ: قَبْلَ التَّدْبِيرِ - فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ وَهِيَ الْمُدَّعِيَةُ. (قَالَ) : وَلَوْ قَالَ الْمُدَبَّرُ: أَفَدْت هَذَا الْمَالَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَالَ الْوَارِثُ: قَبْلَ الْعِتْقِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُدَبَّرِ وَالْوَارِثُ مُدَّعٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 432 [بَابٌ فِي تَدْبِيرِ النَّصْرَانِيِّ] ِّ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيَجُوزُ تَدْبِيرُ النَّصْرَانِيِّ وَالْحَرْبِيِّ فَإِنْ دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لَمْ نَمْنَعْهُ فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُدَبَّرُ قُلْنَا لِلْحَرْبِيِّ: إنْ رَجَعْت فِي تَدْبِيرِك بِعْنَاهُ عَلَيْك وَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ خَارَجْنَاهُ لَك وَمَنَعْنَاك خِدْمَتَهُ فَإِنْ خَرَجْت دَفَعْنَاهُ إلَى مَنْ وَكَّلْتَهُ فَإِذَا مِتّ فَهُوَ حُرٌّ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يُبَاعُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) يُبَاعُ أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ فَهُوَ فِي مَعْنَى عَبْدٍ أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ لَا يَجِبُ لَهُ إلَّا بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَهُوَ عَبْدٌ بِحَالِهِ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إذَا أَسْلَمَ فِي مِلْكِ مُشْرِكٍ بَذَلَهُ وَقَدْ صَارَ بِالْإِسْلَامِ عَدُوًّا لَهُ. [بَابٌ فِي تَدْبِيرِ الَّذِي يَعْقِلُ وَلَمْ يَبْلُغْ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : مَنْ أَجَازَ وَصِيَّتَهُ أَجَازَ تَدْبِيرَهُ وَلِوَلِيِّهِ بَيْعُ عَبْدِهِ عَلَى النَّظَرِ وَكَذَلِكَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) الْقِيَاسُ عِنْدِي فِي الصَّبِيِّ أَنَّ الْقَلَمَ لَمَّا رُفِعَ عَنْهُ وَلَمْ تَجُزْ هِبَتُهُ وَلَا عِتْقُهُ فِي حَيَاتِهِ أَنَّ وَصِيَّتَهُ لَا تَجُوزُ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَالِغُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ وَيُؤْجَرُ عَلَى الطَّاعَةِ وَيَأْثَمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. [مُخْتَصَرُ الْمُكَاتَبِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] قَالَ: وَلَا يَكُونُ الِابْتِغَاءُ مِنْ الْأَطْفَالِ وَلَا الْمَجَانِينِ وَلَا تَجُوزُ الْكِتَابَةُ إلَّا عَلَى بَالِغٍ عَاقِلٍ. (قَالَ) : وَأَظْهَرُ مَعَانِي الْخَيْرِ فِي الْعَبْدِ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ الِاكْتِسَابُ مَعَ الْأَمَانَةِ فَأُحِبُّ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِنْ كِتَابَتِهِ إذَا كَانَ هَكَذَا وَمَا جَازَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ جَازَ فِي الْكِتَابَةِ وَمَا رُدَّ فِيهِمَا رُدَّ فِي الْكِتَابَةِ وَلَا تَجُوزُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَجْمَيْنِ فَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ مَوْصُوفَةِ الْوَزْنِ وَالْعَيْنِ إلَى عَشْرِ سِنِينَ أَوَّلُهَا كَذَا وَآخِرُهَا كَذَا يُؤَدِّي فِي انْقِضَاءِ كُلِّ سَنَةٍ مِنْهَا كَذَا فَجَائِزٌ، وَلَا يُعْتَقُ حَتَّى يَقُولَ فِي الْكِتَابَةِ: فَإِذَا أَدَّيْت كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ يَقُولَ بَعْدَ ذَلِكَ: إنَّ قَوْلِي كَاتَبْتُك كَانَ مَعْقُودًا عَلَى أَنَّك إذَا أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ كَمَا لَا يَكُونُ الطَّلَاقُ إلَّا بِصَرِيحٍ أَوْ مَا يُشْبِهُهُ مَعَ النِّيَّةِ وَلَا تَجُوزُ عَلَى الْعَرْضِ حَتَّى يَكُونَ مَوْصُوفًا كَالسَّلَمِ. وَلَا بَأْسَ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ وَدِينَارٍ بَعْدَ الشَّهْرِ وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ بَعْدَ الشَّهْرِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْدُثُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْعَمَلِ بَعْدَ الشَّهْرِ وَلَيْسَ بِمَضْمُونٍ يُكَلَّفُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ فَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى إنْ بَاعَهُ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَلْزَمُ بِكُلِّ حَالٍ وَالْكِتَابَةُ لَا تَلْزَمُ مَتَى شَاءَ تَرَكَهَا. وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ يُؤَدِّيهَا إلَيْهِ فِي عَشْرِ سِنِينَ كَانَ النَّجْمُ مَجْهُولًا لَا يَدْرِي أَفِي أَوَّلِهَا أَوْ آخِرِهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَكَذَا يُؤَدِّي إلَيْهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَشَرَةً مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَفِي أَوَّلِ كُلِّ سَنَةٍ أَوْ آخِرِهَا حَتَّى يَقُولَ فِي انْقِضَاءِ كُلِّ سَنَةٍ عَشَرَةٌ فَتَكُونُ النُّجُومُ مَعْلُومَةً. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ كَاتَبَ ثَلَاثَةً كِتَابَةً وَاحِدَةً عَلَى مِائَةٍ مُنَجَّمَةٍ عَلَى أَنَّهُمْ إذَا أَدَّوْا عَتَقُوا كَانَتْ جَائِزَةً وَالْمِائَةُ مَقْسُومَةً عَلَى قِيمَتِهِمْ يَوْمَ كُوتِبُوا، فَأَيُّهُمْ أَدَّى حِصَّتَهُ عَتَقَ وَأَيُّهُمْ عَجَزَ رُقَّ وَأَيُّهُمْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ مَاتَ رَقِيقًا كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَلَوْ أَدَّوْا فَقَالَ مَنْ: قَلَّتْ قِيمَتُهُ أَدَّيْنَا عَلَى الْعَدَدِ، وَقَالَ الْآخَرُونَ عَلَى الْقِيَمِ فَهُوَ عَلَى الْعَدَدِ أَثْلَاثًا وَلَوْ أَدَّى أَحَدُهُمْ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فَإِنْ تَطَوَّعَ فَعَتَقُوا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فَإِنْ أَدَّى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 433 بِإِذْنِهِمْ رَجَعَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَحَمَّلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ الْكِتَابَةَ فَإِنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ. وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدًا كِتَابَةً فَاسِدَةً فَأَدَّى عَتَقَ وَرَجَعَ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ عَتَقَ وَرَجَعَ عَلَى السَّيِّدِ بِمَا دَفَعَ فَأَيُّهُمَا كَانَ لَهُ الْفَضْلُ رَجَعَ بِهِ، فَإِنْ أَبْطَلَ السَّيِّدُ الْكِتَابَةَ وَأَشْهَدَ عَلَى إبْطَالِهَا أَوْ أَبْطَلَهَا الْحَاكِمُ ثُمَّ أَدَّاهَا الْعَبْدُ لَمْ يُعْتَقْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَقَوْلِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ أَنَّ الْيَمِينَ لَا بَيْعَ فِيهَا بِحَالٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَالْكِتَابَةُ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا فَاتَ رَدَّ قِيمَتَهُ وَإِنْ أَدَّى الْفَاسِدَةَ إلَى الْوَارِثِ لَمْ يُعْتَقْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْقَائِلُ إنْ أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ وَلَوْ لَمْ يَمُتْ السَّيِّدُ وَلَكِنَّهُ حُجِرَ عَلَيْهِ أَوْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ فَتَأَدَّاهَا مِنْهُ لَمْ يُعْتَقْ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَخْبُولًا عَتَقَ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ. وَلَوْ كَانَتْ كِتَابَةً صَحِيحَةً فَمَاتَ السَّيِّدُ وَلَهُ وَارِثَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنَّ أَبَاهُ كَاتَبَهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَحَلَفَ مَا عَلِمَ أَنَّ أَبَاهُ كَاتَبَهُ كَانَ نِصْفُهُ مُكَاتَبًا وَنِصْفُهُ مَمْلُوكًا يَخْدُمُ يَوْمًا وَيُخَلَّى يَوْمًا، وَيَتَأَدَّى مِنْهُ الْمُقِرُّ نِصْفَ كُلِّ نَجْمٍ لَا يَرْجِعُ بِهِ أَخُوهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَتَقَ لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ أَنَّهُ عَتَقَ بِشَيْءٍ فَعَلَهُ أَبُوهُ وَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ رَقِيقًا بَيْنَهُمَا. وَلَوْ وَرِثَا مُكَاتَبًا فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الْكِتَابَةِ فَإِنْ أَدَّى إلَى أَخِيهِ نَصِيبَهُ عَتَقَ وَكَانَ الْوَلَاءُ لِلْأَبِ وَإِنْ عَجَزَ قُوِّمَ عَلَيْهِ وَعَتَقَ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَوَلَاؤُهُ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَنِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ لِأَخِيهِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُعْتَقُ نِصْفُهُ عَجَزَ أَوْ لَمْ يَعْجِزْ وَوَلَاؤُهُ لِلْأَبِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي عَقَدَ كِتَابَتَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَإِنْ مَاتَ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ وَوَلَدٌ مَاتَ عَبْدًا وَلَا يُعْتَقُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ جَاءَهُ بِالنَّجْمِ فَقَالَ السَّيِّدُ: هُوَ حَرَامٌ أَجْبَرْت السَّيِّدَ عَلَى أَخْذِهِ أَوْ يُبَرِّئُهُ مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَلَا يَتَسَرَّى بِحَالٍ فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ أَمَتُهُ بَعْدَ عِتْقِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَتْ فِي حُكْمِ أُمِّ وَلَدِهِ وَإِنْ وَضَعَتْ لِأَقَلَّ فَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ إلَّا بِوَطْءٍ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَهُ بَيْعُهَا. (قَالَ) : وَيُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى أَنْ يَضَعَ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْئًا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] وَهَذَا عِنْدِي مِثْلُ قَوْلِهِ {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241] وَاحْتَجَّ بِابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفًا وَوَضَعَ عَنْهُ خَمْسَةَ آلَافٍ أَحْسِبُهُ قَالَ مِنْ آخِرِ نُجُومِهِ. وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ وَقَدْ قَبَضَ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ حَاصَّ الْمُكَاتَبُ بِاَلَّذِي لَهُ أَهْلَ الدَّيْنِ وَالْوَصَايَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) يَلْزَمُهُ أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى الْوَصَايَا عَلَى أَصْلِ قَوْلِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِي ذَلِكَ وَلَوْ اخْتَلَفَ السَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبُ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا. وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ فَقَالَ سَيِّدُهُ: قَدْ أَدَّى إلَيَّ كِتَابَتَهُ وَجَرَّ إلَيَّ وَلَاءَ وَلَدُهُ مِنْ حُرَّةٍ وَأَنْكَرَ مَوَالِي الْحُرَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَوَالِي الْحُرَّةِ. قَالَ وَلَوْ قَالَ: قَدْ اسْتَوْفَيْت مَالِي عَلَى أَحَدِ مُكَاتَبَيْ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ لَهُ الْعِتْقُ عَتَقَ وَالْآخَرُ عَلَى نُجُومِهِ وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَإِنْ مَاتَ وَعِنْدَهُ وَفَاءٌ فَهُوَ وَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ وَكَيْفَ يَمُوتُ عَبْدًا ثُمَّ يَصِيرُ بِالْأَدَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ حُرًّا وَإِذَا كَانَ لَا يُعْتَقُ فِي حَيَاتِهِ إلَّا بَعْدَ الْأَدَاءِ فَكَيْفَ يَصِحُّ عِتْقُهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ. (قَالَ) : وَلَوْ أَدَّى كِتَابَتَهُ فَعَتَقَ وَكَانَتْ عَرَضًا فَأَصَابَ بِهِ السَّيِّدُ عَيْبًا رَدَّهُ وَرَدَّ الْعِتْقَ (قَالَ) : وَلَوْ فَاتَ الْمَعِيبُ قِيلَ لَهُ: إنْ جِئْت بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَإِلَّا فَلِسَيِّدِك تَعْجِيزُك كَمَا لَوْ دَفَعْت دَنَانِيرَ نَقْصًا لَمْ تُعْتَقْ إلَّا بِدَفْعِ نُقْصَانِ دَنَانِيرِك. وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ أُنْظِرُ يَوْمًا وَأَكْثَرُهُ ثَلَاثٌ فَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدٍ حَلَفَ وَبَرِئَ وَلَوْ عَجَزَ أَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ بُدِئَ بِهَا عَلَى السَّيِّدِ. [كِتَابَةُ بَعْضِ عَبْدٍ وَالشَّرِيكَانِ فِي الْعَبْدِ يُكَاتِبَانِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : لَا يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَ بَعْضَ عَبْدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَاقِيهِ حُرًّا وَلَا بَعْضًا مِنْ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ وَالِاكْتِسَابِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَاهُ مَعًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 434 حَتَّى يَكُونَا فِيهِ سَوَاءٌ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْإِمْلَاءِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَإِذَا أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يُكَاتِبَهُ فَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ وَلِلَّذِي لَمْ يُكَاتِبْهُ أَنْ يَخْتَدِمَهُ يَوْمًا وَيُخَلِّيَ وَالْكَسْبَ يَوْمًا فَإِنْ أَبْرَأَهُ مِمَّا عَلَيْهِ كَانَ نَصِيبُهُ حُرًّا وَقُوِّمَ عَلَيْهِ الْبَاقِي وَعَتَقَ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَرُقَّ إنْ كَانَ مُعْسِرًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) الْأَوَّلُ بِقَوْلِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ زَعَمَ لَوْ كَانَتْ كِتَابَتُهُمَا فِيهِ سَوَاءً فَعَجَزَهُ أَحَدُهُمَا فَأَنْظَرَهُ الْآخَرُ فُسِخَتْ الْكِتَابَةُ بَعْدَ ثُبُوتِهَا حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى الْإِقَامَةِ عَلَيْهَا فَالِابْتِدَاءُ بِذَلِكَ أَوْلَى. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ كِتَابَةُ نَصِيبِهِ جَائِزَةً كَبَيْعِهِ إيَّاهُ فَلَا مَعْنَى لِإِذْنِ شَرِيكِهِ أَوْ لَا تَجُوزُ فَلِمَ جَوَّزَهُ بِإِذْنِ مَنْ لَا يَمْلِكُهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ كَاتَبَاهُ جَمِيعًا بِمَا يَجُوزُ فَقَالَ: دَفَعْت إلَيْكُمَا مُكَاتَبَتِي وَهِيَ أَلْفٌ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ رَجَعَ الْمُنْكِرُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ مَا أَقَرَّ بِقَبْضِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ الشَّرِيكُ عَلَى الْعَبْدِ بِشَيْءٍ وَيُعْتِقُ نَصِيبَ الْمُقِرِّ فَإِنْ أَدَّى إلَى الْمُنْكِرِ تَمَامَ حَقِّهِ عَتَقَ وَإِنْ عَجَزَ رُقَّ نِصْفُهُ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ حُرٌّ، وَلَوْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِشَرِيكِهِ أَنْ يَقْبِضَ نَصِيبَهُ فَقَبَضَهُ ثُمَّ عَجَزَ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يُعْتَقُ نَصِيبُهُ مِنْهُ وَلَا يَرْجِعُ شَرِيكُهُ وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ الْبَاقِي إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَجَمِيعُ مَا فِي يَدَيْهِ لِلَّذِي بَقِيَ لَهُ فِيهِ الرِّقُّ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءُ عِتْقٍ وَإِلَّا عَجَزَ بِالْبَاقِي، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْعَجْزِ فَمَا فِي يَدَيْهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ يَرِثُ أَحَدُهُمَا بِقَدْرِ الْحُرِّيَّةِ وَالْآخَرُ بِقَدْرِ الْعُبُودِيَّةِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يُعْتَقُ وَيَكُونُ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ فَيُشْرِكَهُ فِيمَا قَبَضَهُ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ بِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ: إنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَمَا فِي يَدَيْهِ مَوْقُوفٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ فِيمَا أَذِنَ لَهُ بِقَبْضِهِ إلَّا بِمَعْنَى اسْبِقْنِي بِقَبْضِ النِّصْفِ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مِثْلَهُ فَلَيْسَ يَسْتَحِقُّ بِالسَّبْقِ مَا لَيْسَ لَهُ كَأَنَّهُ وَزَنَ لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ الْآخَرِ، قَالَ فِي كِتَابِ الْإِمْلَاءِ عَلَى كِتَابِ مَالِكٍ: إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَيُعْتِقُ نَصِيبَهُ وَالْبَاقِي عَلَى كِتَابَتِهِ فَإِنْ أَدَّى فَالْوَلَاءُ بَيْنَهَا وَإِنْ عَجَزَ قُوِّمَ عَلَى الْمُعْتَقِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَرُقَّ إنْ كَانَ مُعْسِرًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قَدْ قَالَ: وَلَوْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا قُوِّمَ عَلَيْهِ الْبَاقِي إنْ كَانَ مُوسِرًا وَعَتَقَ كُلُّهُ وَإِلَّا كَانَ الْبَاقِي مُكَاتَبًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَبْرَأَهُ كَانَ كَعِتْقِهِ إيَّاهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) فَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ وَأَوْلَى بِأَصْلِهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ فَأَبْرَأَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ مِنْ حِصَّتِهِ عَتَقَ نَصِيبُهُ عَجَزَ أَوْ لَمْ يَعْجِزْ وَوَلَاؤُهُ لِلَّذِي كَاتَبَهُ وَلَا أُقَوِّمُ عَلَيْهِ وَالْوَلَاءُ لِغَيْرِهِ وَأَعْتَقَهُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ رَقِّهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ رِقٌّ فَعَجَزَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالْآخَرُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ وَكَانَ لَهُ وَلَاؤُهُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ الْأُولَى بَطَلَتْ وَأَعْتَقَ هَذَا مِلْكَهُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْأَوَّلُ بِمَعْنَاهُ أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ إذْ زَعَمَ أَنَّهُ إذَا أَبْرَأَهُ مِنْ قَدْرِ حَقِّهِ مِنْ دَرَاهِمِ الْكِتَابَةِ عَتَقَ نَصِيبُهُ بِمَعْنَى عَقْدِ الْأَبِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُزِيلَ مَا ثَبَتَ، وَإِذْ زَعَمَ أَنَّهُ إنْ عَجَزَ فِيهِ فَقَدْ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ الْأُولَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُبْطِلَ عِتْقَ النَّصِيبِ بِالْإِبْرَاءِ مِنْ قَدْرِ النَّصِيبِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَمْ يُعْتِقْهُ إلَّا بِأَدَاءِ الْجَمِيعِ فَكَأَنَّ الْأَبَ أَبْرَأَهُ مِنْ جَمِيعِ الْكِتَابَةِ وَلَا عِتْقَ بِإِبْرَائِهِ مِنْ بَعْضِ الْكِتَابَةِ. [بَابٌ فِي وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ مَوْقُوفٌ فَإِذَا أَدَّتْ فَعَتَقَتْ عَتَقُوا وَإِنْ عَجَزَتْ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْأَدَاءِ رُقُّوا، فَإِنْ جَنَى عَلَى وَلَدِهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ لِلسَّيِّدِ قِيمَتَهُ وَمَا كَانَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْلِكُ وَلَدَهَا وَيُؤْخَذُ السَّيِّدُ بِنَفَقَتِهِ وَإِنْ اكْتَسَبَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ وَوَقَفَ الْبَاقِي وَلَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَخْذُهُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ عِتْقِ أُمِّهِ كَانَ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ عَتَقَ بِعِتْقِهَا كَانَ مَالُهُ لَهُ وَإِنْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ جَازَ عِتْقُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ ابْنَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 435 الْمُكَاتَبِ مِنْ أَمَتِهِ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ وَإِنَّمَا فَرَّقْت بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا تَمْلِكُ وَلَدَهَا وَإِنَّمَا حُكْمُهُ حُكْمُهَا وَالْمُكَاتَبُ يَمْلِكُ وَلَدَهُ مِنْ أَمَتِهِ لَوْ كَانَ يَجْرِي عَلَيْهِ رِقٌّ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ أُمَّهُمْ أَحَقُّ بِمَا مَلَكُوا تَسْتَعِينُ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يُعْتَقُونَ بِعِتْقِهَا وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُهُمَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) الْآخَرُ أَشْبَهُهُمَا بِقَوْلِهِ: إذَا كَانُوا يُعْتَقُونَ بِعِتْقِهَا فَهُمْ أَوْلَى بِحُكْمِهَا. وَمِمَّا يُثْبِتُ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ: لَوْ وَطِئَ ابْنَةَ مُكَاتَبَتِهِ أَوْ أُمَّهَا كَانَ عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَهُنَا يَقْضِي لِمَا وَصَفْت مِنْ مَعْنَى وَلَدِهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْءِ مُكَاتَبَتِهِ فَإِنْ وَطِئَهَا طَائِعَةً فَلَا حَدَّ وَيُعَزَّرَانِ وَإِنْ أَكْرَهَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَيُعَزَّرُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وَلَدِهَا فَقَالَتْ: وَلَدْت بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَقَالَ السَّيِّدُ: بَلْ قَبْلُ - فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وَلَدِ الْمُكَاتَبِ مِنْ أَمَتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ. [بَابُ الْمُكَاتَبَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَطَؤُهَا أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا وَطِئَهَا أَحَدُهُمَا فَلَمْ تَحْبَلْ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا يُدْفَعُ إلَيْهَا فَإِنْ عَجَزَتْ قَبْلَ دَفْعِهِ كَانَ لِلَّذِي لَمْ يَطَأْهَا نِصْفُهُ مِنْ شَرِيكِهِ، فَإِنْ حَبِلَتْ وَلَمْ تَدَّعِ الِاسْتِبْرَاءَ فَاخْتَارَتْ الْعَجْزَ أَوْ مَاتَ الْوَاطِئُ فَإِنَّ لِلَّذِي لَمْ يَطَأْ نِصْفَ الْمَهْرِ وَنِصْفُ قِيمَتِهَا عَلَى الْوَاطِئِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ حُرَّةً بِمَوْتِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ وَطِئَاهَا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا فَإِنْ عَجَزَتْ تَقَاصَّا الْمَهْرَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ حَبِلَتْ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي وَلَمْ يَسْتَبْرِئْهَا الْأَوَّلُ فَهُوَ وَلَدُهُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا وَنِصْفُ مَهْرِهَا، وَفِي نِصْفِ قِيمَةِ وَلَدِهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يَغْرَمُهُ. وَالْآخَرُ: لَا غُرْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَجَبَ بِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) الْقِيَاسُ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا نِصْفُ قِيمَتِهَا دُونَ نِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا بِالْحَبَلِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فِي الْوَاطِئِ الْآخَرِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يَغْرَمُ نِصْفَ مَهْرِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْحَمْلِ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ نِصْفِ الْقِيمَةِ. وَالْآخَرُ: جَمِيعَ مَهْرِ مِثْلِهَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ أُمَّ وَلَدٍ لِصَاحِبِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الْآخَرِ مِنْهُمَا كِلَاهُمَا يَدَّعِيهِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَا تَدَّعِي اسْتِبْرَاءً فَهِيَ أُمُّ وَلَدِ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ عَجَزَتْ أَخَذَ بِنَفَقَتِهَا وَأُرِيَ الْقَافَةَ فَبِأَيِّهِمَا أَلْحَقُوهُ لَحِقَ فَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِهِمَا لَمْ يَكُنْ ابْنَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبَ إلَى أَحَدِهِمَا وَتَنْقَطِعُ عَنْهُ أُبُوَّةُ الْآخَرِ وَعَلَيْهِ لِلَّذِي انْقَطَعَتْ أُبُوَّتُهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَنِصْفُهَا لِشَرِيكِهِ بِحَالِهِ وَالصَّدَاقَانِ سَاقِطَانِ عَنْهُمَا وَلَوْ جَاءَتْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِوَلَدٍ يَدَّعِيهِ وَلَمْ يَدَّعِهِ صَاحِبُهُ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مُوسِرًا أَدَّى نِصْفَ قِيمَتِهَا وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِهَا لِشَرِيكِهِ وَالْقَوْلُ فِي نِصْفِ وَلَدِهَا كَمَا وَصَفْت وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ الْآخَرُ بِالْوَاطِئِ الْآخَرِ وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا كُلُّهُ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ سَقَطَ تَكُونُ قِصَاصًا مِنْ نِصْفِ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَإِنَّمَا لَحِقَ وَلَدُهَا بِهِ بِالشُّبْهَةِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقَدْ قَضَى قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا قُلْت؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ لِلْأَوَّلِ أُمُّ وَلَدٍ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ نِصْفِ الْقِيمَةِ لَمَا كَانَ عَلَى الْمُحْبِلِ الثَّانِي جَمِيعُ مَهْرِهَا وَلَا قِيمَةُ وَلَدِهِ مِنْهَا؛ فَتَفَهَّمْ ذَلِكَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ وَلَدَهُ وُلِدَ قَبْلَ وَلَدِ صَاحِبِهِ أُلْحِقَ بِهِمَا الْوَلَدَانِ وَوُقِفَتْ أُمُّ الْوَلَدِ وَأَخَذَا بِنَفَقَتِهَا وَإِذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَتَقَ نَصِيبُهُ وَأَخَذَ الْآخَرُ بِنَفَقَةِ نَصِيبِ نَفْسِهِ، فَإِذَا مَاتَ عَتَقَتْ وَوَلَاؤُهَا مَوْقُوفٌ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُعْسِرٌ وَالْآخَرُ مُوسِرٌ فَوَلَاؤُهَا مَوْقُوفٌ بِكُلِّ حَالٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 436 [بَابُ تَعْجِيلِ الْكِتَابَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى قَبُولِ النَّجْمِ إذَا عَجَّلَهُ لَهُ الْمُكَاتَبُ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا كَانَتْ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ أَوْ مَا لَا يَتَغَيَّرُ عَلَى طُولِ الْمُكْثِ مِثْلُ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَأَمَّا مَا يَتَغَيَّرُ عَلَى طُولِ الْمُكْثِ أَوْ كَانَتْ لِحُمُولَتِهِ مُؤْنَةٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَبُولُهُ إلَّا فِي مَوْضِعِهِ فَإِنْ كَانَ فِي طَرِيقٍ بِخَرَابَةٍ أَوْ فِي بَلَدٍ فِيهِ نَهْبٌ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَاتَبَهُ فَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُ. (قَالَ) : وَلَوْ عَجَّلَ لَهُ بَعْضَ الْكِتَابَةِ عَلَى أَنْ يُبَرِّئَهُ مِنْ الْبَاقِي لَمْ يَجُزْ وَرَدَّ عَلَيْهِ مَا أَخَذَ وَلَمْ يُعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِمَّا لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَصِحَّ هَذَا فَلْيَرْضَ الْمُكَاتَبُ بِالْعَجْزِ وَيَرْضَ السَّيِّدُ بِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ فَيَجُوزُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) عِنْدِي أَنْ يَضَعَ عَنْهُ عَلَى أَنْ يَتَعَجَّلَ وَأَجَازَهُ فِي الدَّيْنِ. [بَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَشِرَاؤُهُ وَبَيْعُ كِتَابَتِهِ وَبَيْعُ رَقَبَتِهِ وَجَوَابَاتٌ فِيهِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَبَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَشِرَاؤُهُ وَالشُّفْعَةُ لَهُ وَعَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ وَالْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ إلَّا أَنَّ الْمُكَاتَبَ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِهْلَاكِ مَالِهِ وَأَنْ يَبِيعَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ وَلَا يَهَبَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَلَا يُكَفِّرَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكَفَّارَاتِ إلَّا بِالصَّوْمِ وَإِنْ بَاعَ فَلَمْ يفترقها حَتَّى مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَجَبَ الْبَيْعُ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ وَلَا يَبِيعُ بِدَيْنٍ وَلَا يَهَبُ لِثَوَابٍ وَإِقْرَارُهُ فِي الْبَيْعِ جَائِزٌ. وَلَوْ كَانَتْ لَهُ عَلَى مَوْلَاهُ دَنَانِيرُ وَلِمَوْلَاهُ عَلَيْهِ دَنَانِيرُ فَجَعَلَا ذَلِكَ قِصَاصًا جَازَ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ نُجُومِهِ حَالَّةٌ وَلَهُ عَلَى السَّيِّدِ مِائَةُ دِينَارٍ حَالَّةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَا الْأَلْفَ بِالْمِائَةِ قِصَاصًا لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ دَيْنُهُ عَلَيْهِ عَرَضًا وَكِتَابَتُهُ نَقْدًا. قَالَ: وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ كَاتَبَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَأَدَّى كِتَابَتَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ. وَفِي الْوَلَاءِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ وَلَاءَهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ كَانَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْ حَتَّى يَمُوتَ فَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ عَبْدٌ لِعَبْدِهِ عَتَقَ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَلَاءَ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ فِي حِينِ لَا يَكُونُ لَهُ بِعِتْقِهِ وَلَاؤُهُ فَإِنْ مَاتَ عَبْدُ الْمُكَاتَبِ الْمُعْتَقُ بَعْدَ مَا يُعْتَقُ وَقَفَ مِيرَاثُهُ فِي قَوْلِ مَنْ وَقَفَ الْمِيرَاثَ كَمَا وَصَفْت، فَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ الَّذِي أَعْتَقَهُ فَلَهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ عَجَزَ فَلِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ إذَا كَانَ حَيًّا يَوْمَ يَمُوتُ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَلِوَرَثَتِهِ مِنْ الرِّجَالِ مِيرَاثُهُ وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ وَلَاءَهُ لَهُ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى كِتَابِ مَالِكٍ: إنَّهُ لَوْ كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ عَبْدَهُ فَأَدَّى لَمْ يُعْتَقْ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ لَمْ يُعْتَقْ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَبَيْعُ نُجُومِهِ مَفْسُوخٌ فَإِنْ أَدَّى إلَى الْمُشْتَرِي كِتَابَتَهُ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ عَتَقَ كَمَا يُؤَدِّي إلَى وَكِيلِهِ فَيُعْتَقُ. قَالَ: وَلَيْسَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 437 لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يُعْتِقَ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ حُرًّا وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهُمْ إنْ أَوْصَى لَهُ بِهِمْ وَيَكْتَسِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَيَأْخُذَ فَضْلَ كَسْبِهِمْ وَمَا أَفَادُوا فَإِنْ مَرِضُوا أَوْ عَجَزُوا عَنْ الْكَسْبِ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ جَنَوْا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْدِيَهُمْ وَبِيعَ مِنْهُمْ بِقَدْرِ جِنَايَاتِهِمْ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ فَإِنْ قِيلَ: بِيعَتْ بَرِيرَةَ قِيلَ: هِيَ الْمُسَاوِمَةُ بِنَفْسِهَا عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَالْمُخْبِرَةُ بِالْعَجْزِ بِطَلَبِهَا أُوقِيَّةً وَالرَّاضِيَةُ بِالْبَيْعِ فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى «قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ اشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ؟» قُلْت أَنَا لِلشَّافِعِيِّ فِي هَذَا جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا يُبْطِلُ الشَّرْطَ وَيُجِيزُ الْعِتْقَ وَيَجْعَلُهُ خَاصًّا وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: هَذَا مِنْ أَشَدِّ مَا يَغْلَطُ فِيهِ وَإِنَّمَا جَاءَ بِهِ هِشَامٌ وَحْدَهُ وَغَيْرُهُ قَدْ خَالَفَهُ وَضَعَّفَهُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَكَانِهِ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُنْكِرُ عَلَى نَاسٍ شَرْطًا بَاطِلًا وَيَأْمُرُ أَهْلَهُ بِإِجَابَتِهِمْ إلَى بَاطِلٍ وَهُوَ عَلَى أَهْلِهِ فِي اللَّهِ أَشَدُّ وَعَلَيْهِمْ أَغْلَظُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ اشْتَرِطِي عَلَيْهِمْ أَنَّ لَك إنْ اشْتَرَيْت وَأَعْتَقْت الْوَلَاءَ أَيْ لَا تُغْرِيهِمْ، وَاللُّغَةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {لَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرعد: 25] وَقَالَ {أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ} [آل عمران: 87] وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا} [النساء: 109] وَقَالَ {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أَيْ فَعَلَيْهَا وَقَالَ {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات: 2] فَقَامَتْ لَهُمْ مَقَامَ " عَلَيْهِمْ " فَتَفَهَّمْ رَحِمَك اللَّهُ. [بَابُ كِتَابَةِ النَّصْرَانِيِّ] ِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَتَجُوزُ كِتَابَةُ النَّصْرَانِيِّ بِمَا تَجُوزُ بِهِ كِتَابَةُ الْمُسْلِمِ فَإِنْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ ثُمَّ تَرَافَعَا إلَيْنَا فَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ فَيُبَاعَ عَلَى النَّصْرَانِيِّ فَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى حَلَالٍ عِنْدَهُمْ حَرَامٍ عِنْدَنَا أَبْطَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ فَإِنْ أَدَّاهَا ثُمَّ تَحَاكَمَا إلَيْنَا فَقَدْ عَتَقَ الْعَبْدُ وَلَا يَرُدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَضَى فِي النَّصْرَانِيَّةِ وَلَوْ أَسْلَمَا وَبَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ شَيْءٌ مِنْ خَمْرٍ فَقَبَضَهُ السَّيِّدُ عَتَقَ بِقَبْضِهِ آخِرَ كِتَابَتِهِ وَرَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بِقِيمَتِهِ. وَلَوْ اشْتَرَى مُسْلِمًا فَكَاتَبَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْكِتَابَةَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِخْرَاجٍ لَهُ مِنْ مِلْكِهِ تَامٍّ فَإِنْ أَدَّى جَمِيعَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ بِكِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ وَتَرَاجَعَا كَمَا وَصَفْت. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: إنَّهَا جَائِزَةٌ فَمَتَى عَجَزَ بِيعَ عَلَيْهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) الْقَوْلُ الْآخَرُ أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ النَّصْرَانِيِّ بِكِتَابَتِهِ وَعَسَى أَنْ يُؤَدِّيَ فَيُعْتِقَ فَإِنْ عَجَزَ رُقَّ وَبِيعَ مَكَانَهُ وَفِي تَثْبِيتِهِ الْكِتَابَةَ إذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ وَمَوْلَاهُ نَصْرَانِيٌّ عَلَى مَا قُلْت دَلِيلٌ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [كِتَابَةُ الْحَرْبِيِّ] ِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : إذَا كَاتَبَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَا مُسْتَأْمَنَيْنِ أَثْبَتَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحْدَثَ لَهُ قَهْرًا فِي إبْطَالِ كِتَابَتِهِ فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ، وَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ مُسْلِمًا فَالْكِتَابَةُ ثَابِتَةٌ فَإِنْ سُبِيَ لَمْ يَكُنْ رَقِيقًا؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَانًا مِنْ مُسْلِمٍ بِعِتْقِهِ إيَّاهُ وَلَوْ كَاتَبَهُ الْمُسْتَأْمَنُ عِنْدَنَا وَأَرَادَ إخْرَاجَهُ مُنِعَ وَقِيلَ: إنْ أَقَمْت فَأَدِّ الْجِزْيَةَ وَإِلَّا فَوَكَّلَ بِقَبْضِ نُجُومِهِ، فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ وَالْوَلَاءُ لَك وَإِنْ مِتّ دُفِعَتْ إلَى وَرَثَتِك، وَقَالَ فِي كِتَابِ السِّيَرِ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 438 يَكُونُ مَغْنُومًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) الْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَيًّا لَا يُغْنَمُ مَالَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهُ مَالٌ لَهُ أَمَانٌ فَوَارِثُهُ فِيهِ بِمَثَابَتِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ خَرَجَ فَسُبِيَ فَمُنَّ عَلَيْهِ أَوْ فُودِيَ بِهِ لَمْ يَكُنْ رَقِيقًا وَرَدَّ مَالَ مُكَاتِبِهِ إلَيْهِ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ اُسْتُرِقَّ وَعَتَقَ مُكَاتَبُهُ بِالْأَدَاءِ وَمَاتَ الْحَرْبِيُّ رَقِيقًا لَمْ يَكُنْ رَقِيقًا وَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ بِسَبَبِهِ وَالْمُكَاتَبُ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُعْتَقَ الْحَرْبِيُّ قَبْلَ مَوْتِهِ فَيَكُونَ لَهُ وَلَاءُ مُكَاتَبِهِ وَمَا أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَالٌ كَانَ مَوْقُوفًا لَهُ أَمَانٌ فَلَمْ يَبْطُلْ أَمَانُهُ مَا كَانَ رَقِيقًا وَلَمْ نَجْعَلْهُ لَهُ فِي حَالِ رِقِّهِ فَيَأْخُذُهُ مَوْلَاهُ فَلَمَّا عَتَقَ كَانَتْ الْأَمَانَةُ مُؤَدَّاةً. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي لَمَّا رُقَّ كَانَ مَا أَدَّى مُكَاتَبُهُ فَيْئًا وَقَالَ فِي كِتَابِ السِّيَرِ: يَصِيرُ مَالُهُ مَغْنُومًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ الَّذِي خَتَمَ بِهِ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ أَنْ يَمْلِكَ بَطَلَ عَنْ مَالِهِ مِلْكُهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَغَارَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى مُكَاتَبٍ ثُمَّ اسْتَنْقَذَهُ الْمُسْلِمُونَ كَانَ عَلَى كِتَابَتِهِ. وَلَوْ كَاتَبَهُ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ الْمُكَاتَبُ إلَيْنَا مُسْلِمًا كَانَ حُرًّا. [كِتَابَةُ الْمُرْتَدِّ] ِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ كَاتَبَ الْمُرْتَدُّ عَبْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الْحَاكِمُ مَالَهُ كَانَ جَائِزًا وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمُدَبَّرِ: إذَا دَبَّرَ الْمُرْتَدُّ عَبْدَهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ قَدْ وَصَفْتهَا فِيهِ وَقَضَيْت أَنَّ جَوَابَهُ فِي الْمُكَاتَبِ أَصَحُّهَا قَالَ: فَإِنْ نَهَى الْحَاكِمُ الْمُكَاتَبَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْمُرْتَدِّ كِتَابَتَهُ فَدَفَعَهَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْهَا وَأَخَذَهُ بِهَا فَإِنْ عَجَزَ ثُمَّ أَسْلَمَ السَّيِّدُ أَلْغَى السَّيِّدُ التَّعْجِيزَ، وَلَوْ ارْتَدَّ الْعَبْدُ ثُمَّ كَاتَبَهُ جَازَ وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ. [جِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى سَيِّدِهِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ عَلَى سَيِّدِهِ عَمْدًا فَلَهُ الْقِصَاصُ فِي الْجُرْحِ وَلِوَارِثِهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ أَوْ الْأَرْشِ فَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى كِتَابَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ فَلَهُمْ تَعْجِيزُهُ وَلَا دَيْنَ لَهُمْ عَلَى عَبْدِهِمْ وَبِيعَ فِي جِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ. [بَابُ جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ وَرَقِيقِهِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ فَعَلَى سَيِّدِهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ عَبْدِهِ الْجَانِي يَوْمَ جَنَى أَوْ أَرْشُ الْجِنَايَةِ فَإِنْ قَوِيَ عَلَى أَدَائِهَا مَعَ الْكِتَابَةِ فَهُوَ مُكَاتَبٌ وَلَهُ تَعْجِيلُ الْكِتَابَةِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ وَقَبْلَ الدَّيْنِ الْحَالِّ مَا لَمْ يَقِفْ الْحَاكِمُ لَهُمْ مَالَهُ كَالْحُرِّ فِيمَا عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُعَجِّلَ الدَّيْنَ قَبْلَ مَحِلِّهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، فَإِنْ وَقَفَ الْحَاكِمُ مَالَهُ أَدَّى إلَى سَيِّدِهِ وَإِلَى النَّاسِ دُيُونَهُمْ شَرْعًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي هَذَا كُلَّهُ عَجَزَهُ فِي مَالِ الْأَجْنَبِيِّ إلَّا أَنْ يُنْظِرُوهُ وَمَتَى شَاءَ مَنْ أَنْظَرَهُ عَجَزَهُ ثُمَّ خَيَّرَ الْحَاكِمُ سَيِّدَهُ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ يُبَاعَ فِيهَا فَيُعْطِيَ أَهْلَ الْجِنَايَةِ حُقُوقَهُمْ دُونَ مَنْ دَايَنَهُ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ وَمَتَى عَتَقَ اتَّبَعَ بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَاتُ مُتَفَرِّقَةً أَوْ مَعًا وَبَعْضُهَا قَبْلَ التَّعْجِيزِ وَبَعْدَهُ يَتَحَاصُّونَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 439 فِي ثَمَنِهِ مَعًا وَإِنْ أَبْرَأَهُ بَعْضُهُمْ كَانَ ثَمَنُهُ لِلْبَاقِينَ مِنْهُمْ. وَلَوْ قَطَعَ يَدَ سَيِّدِهِ فَبَرَأَ وَعَتَقَ بِالْأَدَاءِ اتَّبَعَهُ بِأَرْشِ يَدِهِ وَأَيُّ الْمُكَاتَبَيْنِ جَنَى وَكِتَابَتُهُمْ وَاحِدَةٌ لَزِمَتْهُ دُونَ أَصْحَابِهِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْجَانِي وَلَدَ الْمُكَاتِبِ وُهِبَ لَهُ أَوْ مِنْ أَمَتِهِ أَوْ وَلَدَ مُكَاتَبِهِ لَمْ يَفْدِ بِشَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ؛ لِأَنِّي لَا أَجْعَلُ لَهُ بَيْعَهُمْ وَيُسَلَّمُونَ فَيُبَاعُ مِنْهُمْ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ وَمَا بَقِيَ بِحَالِهِ يُعْتَقُ بِعِتْقِ الْمُكَاتَبِ أَوْ الْمُكَاتَبَةِ. وَإِنْ جَنَى بَعْضُ عَبِيدِهِ عَلَى بَعْضٍ عَمْدًا فَلَهُ الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَالِدًا فَلَا يَقْتُلُ وَالِدَهُ بِعَبْدِهِ وَهُوَ لَا يُقْتَلُ بِهِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ بِغَيْرِ أَدَاءِ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ الْجِنَايَةَ، وَلَوْ كَانَ أَدَّى فَعَتَقَ فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ نَفْسِهِ أَوْ الْجِنَايَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْجِزْ وَلَوْ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى ثُمَّ أَدَّى فَعَتَقَ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَلَيْهِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ الْجِنَايَةَ يَشْتَرِكَانِ فِيهَا. وَالْآخَرُ أَنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ الْجِنَايَةَ وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ جِنَايَاتٌ كَثِيرَةٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قَدْ قَطَعَ فِي هَذَا الْبَابِ بِأَنَّ الْجِنَايَاتِ مُتَفَرِّقَةً أَوْ مَعًا فَسَوَاءٌ وَهُوَ عِنْدِي بِالْحَقِّ أَوْلَى. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ جَنَى عَلَى الْمُكَاتِبِ عَبْدُهُ جِنَايَةً لَا قِصَاصَ فِيهَا كَانَتْ هَدَرًا وَلِلْمُكَاتِبِ أَنْ يُؤَدِّبَ رَقِيقَهُ وَلَا يَحُدَّهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَكُونُ لِغَيْرِ حُرٍّ. [بَابُ مَا جَنَى عَلَى الْمُكَاتَبِ لَهُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَرْشُ مَا جَنَى عَلَى الْمُكَاتَبِ لَهُ وَلَوْ قَتَلَهُ السَّيِّدُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَإِنْ كَانَ يُعْتَقُ بِأَرْشِ يَدِهِ وَطَلَبَهُ الْعَبْدُ جَعَلَ قِصَاصًا وَعَتَقَ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ ضَمِنَ مَا يَضْمَنُ لَوْ جَنَى عَلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَعَتَقَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ غَيْرَ حَالَّةٍ كَانَ لَهُ تَعْجِيلُ الْأَرْشِ فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى مَاتَ سَقَطَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَالًا لَهُ. [الْجِنَايَةُ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَرَقِيقِهِ عَمْدًا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا جَنَى عَبْدٌ عَلَى الْمُكَاتَبِ عَمْدًا فَأَرَادَ الْقِصَاصَ، وَالسَّيِّدُ الدِّيَةَ فَلِلْمُكَاتَبِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِهِ وَبَدَنِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ إلَّا عَلَى الِاسْتِيفَاءِ لِجَمِيعِ الْأَرْشِ وَلَوْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ وَالْأَرْشِ مَعًا ثُمَّ عَتَقَ كَانَ لَهُ أَخْذُ الْمَالِ وَلَا قَوَدَ؛ لِأَنَّهُ عَفَا وَلَا يَمْلِكُ إتْلَافَ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ الْعَفْوُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ. [بَابُ عِتْقِ السَّيِّدِ الْمُكَاتَبِ فِي الْمَرَضِ وَغَيْرِهِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : إذَا وَضَعَ السَّيِّدُ عَنْ الْمُكَاتَبِ كِتَابَتَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ فِي الْمَرَضِ فَالْعِتْقُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ فَهُوَ حُرٌّ وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثَ فَوَضَعَ عَنْهُ مِنْ الْكِتَابَةِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ وَكَانَ الْبَاقِي مِنْهُ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ عَتَقَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ إنْ كَانَ قِيمَتُهُ أَلْفًا وَبَاقِي كِتَابَتِهِ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ كَانَتْ أَلْفًا وَثَمَنُهُ خَمْسَمِائَةٍ فَيُعْتَقُ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ. وَلَوْ أَعْتَقَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ فَإِنْ أَدَّى ثُلُثَيْ الْكِتَابَةِ عَتَقَ كُلُّهُ، وَإِنْ عَجَزَ رُقَّ ثُلُثَاهُ وَلَوْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ كِتَابَتَهُ فَهِيَ وَصِيَّةٌ لَهُ فَيُعْتَقُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ كِتَابَتِهِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 440 حَالَّةً أَوْ دَيْنًا، يُحْسَبُ فِي الثُّلُثِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ فِي مَرَضِهِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَقَفْت فَإِنْ أَفَادَ السَّيِّدُ مَالًا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الثُّلُثِ جَازَتْ الْكِتَابَةُ وَإِنْ لَمْ يُفِدْ جَازَتْ كِتَابَةُ ثُلُثِهِ، إذَا كَانَتْ كِتَابَةُ مِثْلِهِ وَلَمْ تَجُزْ فِي ثُلُثَيْهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ: لَا تَجُوزُ كِتَابَةُ بَعْضِ عَبْدِهِ وَمَا أَقَرَّ بِقَبْضِهِ فِي مَرَضِهِ فَهُوَ كَالدَّيْنِ يُقِرُّ بِقَبْضِهِ فِي صِحَّتِهِ وَإِذَا وَضَعَ عَنْهُ دَنَانِيرَ وَعَلَيْهِ دَرَاهِمُ أَوْ شَيْئًا وَعَلَيْهِ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ قَالَ: قَدْ اسْتَوْفَيْت آخِرَ كِتَابَتِك إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ شَاءَ فُلَانٌ - لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ. [الْوَصِيَّةُ لِلْعَبْدِ أَنْ يُكَاتَبَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُكَاتَبَ عَبْدٌ لَهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ حَاصَّ أَهْلَ الْوَصَايَا وَكُوتِبَ عَلَى كِتَابَةِ مِثْلِهِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ وَصَايَا وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ قِيلَ: إنْ شِئْت كَاتَبْنَا ثُلُثَك، وَوَلَاءُ ثُلُثِك لِسَيِّدِك وَالثُّلُثَانِ رَقِيقٌ لِوَرَثَتِهِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا خِلَافُ أَصْلِ قَوْلِهِ مِثْلَ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَوْ قَالَ: كَاتِبُوا أَحَدَ عَبِيدِي لَمْ يُكَاتِبُوا أَمَةً، وَلَوْ قَالَ: إحْدَى إمَائِي لَمْ يُكَاتِبُوا عَبْدًا وَلَا خُنْثَى، وَإِنْ قَالَ: أَحَدُ رَقِيقِي كَانَ لَهُمْ الْخِيَارُ فِي عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا أَوْ خُنْثَى. [بَابُ مَوْتِ سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَنْكَحَ ابْنَةً لَهُ مُكَاتَبَهُ بِرِضَاهَا فَمَاتَ وَابْنَتُهُ غَيْرُ وَارِثَةٍ إمَّا لِاخْتِلَافِ دِينِهِمَا أَوْ لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَإِنْ كَانَتْ وَارِثَةً فَسَدَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ مِنْ زَوْجِهَا بَعْضَهُ فَإِنْ دَفَعَ مِنْ الْكِتَابَةِ مَا عَلَيْهِ إلَى أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ أَوْ أَحَدَ وَارِثَيْنِ أَوْ إلَى وَارِثٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ وَصَايَا لَمْ يُعْتَقْ إلَّا بِوُصُولِ الدَّيْنِ إلَى أَهْلِهِ، وَكُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ إذَا لَمْ يَدْفَعْ بِأَمْرِ حَاكِمٍ أَوْ إلَى وَصِيٍّ. [بَابُ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَفْسَخَ كِتَابَتَهُ حَتَّى يَعْجِزَ عَنْ أَدَاءِ نَجْمٍ فَيَكُونَ لَهُ فَسْخُهَا بِحَضْرَتِهِ إنْ كَانَ بِبَلَدِهِ، وَإِذَا قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي مَالٌ فَأَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ عَجَزَهُ بَطَلَتْ كَانَ عِنْدَ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِابْنِ عُمَرَ فَإِنْ سَأَلَهُ أَنْ يُنْظِرَهُ مُدَّةً يُؤَدِّي إلَيْهَا نَجْمَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُنْظِرَهُ إلَّا أَنْ يُحْضِرَهُ مَالَهُ يَبِيعُهُ مَكَانَهُ إلَى الْمُدَّةِ فَيُنْظِرَهُ قَدْرَ بَيْعِهِ فَإِنْ حَلَّ عَلَيْهِ نَجْمٌ فِي غَيْبَتِهِ فَأَشْهَدَ سَيِّدُهُ أَنْ قَدْ عَجَزَ أَوْ فَسَخَ كِتَابَتَهُ فَهُوَ عَاجِزٌ وَلَا يَعْجِزُهُ السُّلْطَانُ إلَّا أَنْ تَثْبُتَ بَيِّنَةٌ عَلَى حُلُولِ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِهِ. فَإِنْ قَالَ: قَدْ أَنْظَرْته وَبَدَا لِي كَتَبَ السُّلْطَانُ إلَى حَاكِمِ بَلَدِهِ فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يُؤَدِّ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَكِيلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَكِيلٌ أَنْظَرَهُ قَدْرَ مَسِيرِهِ إلَى سَيِّدِهِ، فَإِنْ جَاءَ وَإِلَّا عَجَزَهُ حَاكِمُ بَلَدِهِ. وَلَوْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَعْجِزَهُ حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمُ وَلَا يَعْجِزَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَسْأَلَ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ وَجَدَهُ أَدَّى عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ عَجَزَهُ وَأَخَذَ السَّيِّدُ بِنَفَقَتِهِ وَإِنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا، كَانَ لَهُ قَبْلَ التَّعْجِيزِ فَكُّ الْعَجْزِ عَنْهُ وَرَدَّ عَلَى سَيِّدِهِ نَفَقَتَهُ مَعَ كِتَابَتِهِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنْ أَوْصَلَ إلَيْهِ كِتَابَتَهُ وَجَاءَ بِشَاهِدٍ أَحْلَفَهُ مَعَهُ وَأَبْرَأَهُ. وَلَوْ دَفَعَ الْكِتَابَةَ وَكَانَتْ عَرَضًا بِصِفَةٍ وَعِتْقٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ قِيلَ لَهُ: إنْ أَدَّيْت مَكَانَك وَإِلَّا رُقِقْت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 441 [بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْمُكَاتَبِ وَالْوَصِيَّةِ لَهُ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ وَعَجَزَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ ثُمَّ مَلَكَهُ حَتَّى يُجَدِّدَ وَصِيَّةً لَهُ بِهِ وَإِذَا أَوْصَى بِكِتَابَتِهِ جَازَتْ فِي الثُّلُثِ فَإِذَا أَدَّاهَا عَتَقَ فَإِنْ أَرَادَ الَّذِي أَوْصَى لَهُ تَأْخِيرَهُ وَالْوَارِثُ تَعْجِيزَهُ فَذَلِكَ لِلْوَارِثِ تَصِيرُ رَقَبَتُهُ لَهُ. وَلَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَلَوْ أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ وَكِتَابَتُهُ فَاسِدَةٌ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ فَكَيْفَ لَا يَجُوزُ مَا صَنَعَ فِي مِلْكِهِ؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَمِثْلَ نِصْفِهِ، وُضِعَ عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ بِمَا شَاءُوا وَمِثْلُ نِصْفِهِ، وَلَوْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ مَا عَلَيْهِ وَمِثْلَهُ وُضِعَ عَنْهُ الْكِتَابَةُ كُلُّهَا وَالْفَضْلُ بَاطِلٌ، وَلَوْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ مَا شَاءَ فَشَاءَهَا كُلَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَنْ يُبْقِيَ مِنْهَا شَيْئًا. [كِتَابُ عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ كُتُبٍ] ٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا وَطِئَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ مَا يَبِينُ أَنَّهُ مِنْ خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ عَيْنٌ أَوْ ظُفْرٌ أَوْ أُصْبُعٌ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَا تُخَالِفُ الْمَمْلُوكَةَ فِي أَحْكَامِهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ مِلْكِهِ فِي دَيْنٍ وَلَا غَيْرِهِ فَإِذَا مَاتَ عَتَقَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهِ مِنْ خَلْقِ آدَمِيٍّ سَأَلْنَا عُدُولًا مِنْ النِّسَاءِ فَإِنْ زَعَمْنَ أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ خَلْقِ آدَمِيٍّ كَانَتْ بِهِ أُمُّ وَلَدٍ، فَإِنْ شَكَكْنَ لَمْ تَكُنْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَتِهَا يُعْتَقُونَ بِعِتْقِهَا كَانُوا مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ، وَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَهُمْ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ عَتَقُوا بِمَوْتِهِ كَأُمِّهِمْ. وَلَوْ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ وَهِيَ أَمَةٌ حَامِلٌ مِنْهُ ثُمَّ وَضَعَتْ عِنْدَهُ عَتَقَ وَلَدُهَا مِنْهُ وَلَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ أَبَدًا حَتَّى تَحْمِلَ مِنْهُ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ. وَلِلْمُكَاتِبِ أَنْ يَبِيعَ أُمَّ وَلَدِهِ فَإِنْ أَوْصَى رَجُلٌ لِأُمِّ وَلَدِهِ أَوْ لِمُدَبَّرِهِ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَهِيَ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا يُعْتَقَانِ بِمَوْتِهِ. وَلَوْ جَنَتْ أُمُّ الْوَلَدِ جِنَايَةً ضَمِنَ السَّيِّدُ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَرْشِ أَوْ الْقِيمَةِ فَإِنْ أَدَّى قِيمَتَهَا ثُمَّ عَادَتْ فَجَنَتْ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ إسْلَامَهُ قِيمَتَهَا كَإِسْلَامِهِ بَدَنِهَا وَيَرْجِعُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الثَّانِي بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْأَوَّلِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهَا بِقَدْرِ جِنَايَتِهِمَا ثُمَّ هَكَذَا كُلَّمَا جَنَتْ، وَيَدْخُلُ فِيهَا أَنَّ إسْلَامَهُ قِيمَتَهَا كَانَ كَإِسْلَامِ بَدَنِهَا إلَى الْأَوَّلِ لَزِمَ الْأَوَّلَ إخْرَاجُهَا إلَى الثَّانِي إذَا بَلَغَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ قِيمَتَهَا. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَدْفَعُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ الْجِنَايَةَ فَإِنْ عَادَتْ فَجَنَتْ وَقَدْ دَفَعَ الْأَرْشَ رَجَعَ عَلَى السَّيِّدِ وَهَكَذَا كُلَّمَا جَنَتْ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَالثَّانِي أَشْبَهُ عِنْدِي بِالْحَقِّ؛ لِأَنَّ إسْلَامَ قِيمَتِهَا لَوْ كَانَ كَإِسْلَامِ بَدَنِهَا لَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى قِيمَتِهَا وَبَطَلَتْ الشَّرِكَةُ وَفِي إجْمَاعِهِمْ عَلَى إبْطَالِ ذَلِكَ إبْطَالُ هَذَا الْقَوْلِ وَفِي إبْطَالِهِ ثُبُوتُ الْقَوْلِ الْآخَرِ إذْ لَا وَجْهَ لِقَوْلٍ ثَالِثٍ نَعْلَمُهُ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ لَا يَبِيعُ أُمَّهَات الْأَوْلَادِ فَإِذَا افْتَكَّهَا رَبُّهَا صَارَتْ بِمَعْنَاهَا الْمُتَقَدِّمِ لَا جِنَايَةَ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى سَيِّدِهَا بِهَا فَكَيْفَ إذَا جَنَتْ لَا يَكُونُ عَلَيْهَا مِثْلُ ذَلِكَ قِيَاسًا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقَدْ مَلَكَ الْمَجْنِيُّ عَلَى الْأَرْشِ بِحَقٍّ فَكَيْفَ يَجْنِي غَيْرُهُ وَغَيْرُ مِلْكِهِ وَغَيْرُ مَنْ هُوَ عَاقِلُهُ لَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ غُرْمُهُ أَوْ غُرْمُ شَيْءٍ مِنْهُ. (قَالَ) : فَإِنْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ حِيلَ بَيْنَهُمَا وَأَخَذَ بِنَفَقَتِهَا وَتَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ لَهُ مِثْلَهَا فَإِنْ أَسْلَمَ خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَإِنْ مَاتَ عَتَقَتْ. فَإِذَا تُوُفِّيَ سَيِّدُ أُمِّ الْوَلَدِ أَوْ أَعْتَقَهَا فَلَا عِدَّةَ وَتُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْحَيْضِ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَحَبُّ إلَيْنَا. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: قَدْ سَوَّى الشَّافِعِيُّ بَيْنَ اسْتِبْرَاءِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 442 الْأَمَةِ وَعِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ فِي كِتَابِ الْعِدَدِ وَجَعَلَهَا حَيْضَةً فَأَشْبَهَ بِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْحَيْضِ أَنْ يَقُومَ الشَّهْرُ فِيهِمَا مَقَامَ الْحَيْضَةِ كَمَا قَالَ: إنَّ الشَّهْرَ فِي الْأَمَةِ يَقُومُ مَقَامَ الْحَيْضَةِ وَقَدْ قَالَ فِي بَابِ اسْتِبْرَاءِ أُمِّ الْوَلَدِ فِي كِتَابِ الْعِدَدِ: لَا تَحِلُّ أُمُّ الْوَلَدِ لِلْأَزْوَاجِ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ إلَّا بِشَهْرٍ وَهَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ وَأَشْبَهُ بِأَصْلِهِ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: قَدْ قَطَعَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ كِتَابًا بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَوَقَفَ فِي غَيْرِهَا وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْقَدِيمِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا وَقَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ: إنَّهَا كَالْمَمْلُوكَةِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهَا إلَّا أَنَّهَا لَا تُبَاعُ وَفِي كِتَابِ الرَّجْعَةِ لَهُ أَنْ يَخْتَدِمَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ. (قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: وَهَذَا أَصَحُّ قَوْلَيْهِ؛ لِأَنَّ رِقَّهَا لَمْ يَزُلْ فَكَذَلِكَ مَا كَانَ لَهُ مِنْ وَطْئِهَا وَخِدْمَتِهَا وَإِنْكَاحِهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا لَمْ يَزُلْ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 443