الكتاب: البهجة في شرح التحفة ((شرح تحفة الحكام)) المؤلف: علي بن عبد السلام بن علي، أبو الحسن التُّسُولي (المتوفى: 1258هـ) المحقق: ضبطه وصححه: محمد عبد القادر شاهين الناشر: دار الكتب العلمية - لبنان / بيروت الطبعة: الأولى، 1418هـ - 1998م   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- البهجة في شرح التحفة التُّسُولي الكتاب: البهجة في شرح التحفة ((شرح تحفة الحكام)) المؤلف: علي بن عبد السلام بن علي، أبو الحسن التُّسُولي (المتوفى: 1258هـ) المحقق: ضبطه وصححه: محمد عبد القادر شاهين الناشر: دار الكتب العلمية - لبنان / بيروت الطبعة: الأولى، 1418هـ - 1998م   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] (خطْبَة الْكتاب) الْحَمد لله الْوَاحِد الْأَحَد ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام، الْمُبين لِعِبَادِهِ على لِسَان رسله شرائع الْأَحْكَام من وَاجِب وحلال وَحرَام، وكلفهم بِالْوُقُوفِ عِنْد حُدُودهَا وَاتِّبَاع أوامرها وَاجْتنَاب نواهيها تكليفاً لَا انْفِصَال لَهُم عَنهُ وَلَا انفصام، وَأمر رسله وورثتهم من خلقه بتنفيذها بَين عباده ليرتفع الظُّلم وَالْفساد والهرج والعناد تنفيذاً لَا يشوبه حيف فِي إِقَامَة الْحق بَين ذَوي الْخِصَام، وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد قطب دَائِرَة الكونين الْمُؤَيد بِالْوَحْي والإلهام، وعَلى آله وَأَصْحَابه الَّذين مهدوا للدّين من بعده فَاسْتَنَارَ الْحق واستقام وَقَامُوا بالشريعة المطهرة أحسن قيام. وَبعد: فَيَقُول أفقر العبيد إِلَى الله الْغَنِيّ بِهِ عَمَّن سواهُ الراجي عَفوه فِي سره ونجواه عَليّ بن عبد السَّلَام التسولي أصلا ومنشأً، الفاسي دَارا وقراراً: لما كَانَت تحفة الْحُكَّام من أجل مَا ألف فِي علم الوثائق والإبرام لِسَلَامَةِ نظمها ووجازة لَفظهَا، ولكونها قد اجْتمع فِيهَا مَا افترق فِي غَيرهَا ومنّ الله علينا بتدريسها وإقرائها وإبراز خَفِي مَعَانِيهَا وَذكر فروع تناسبها ونكت تقيد شواردها وَتحل مقفلها، طلب مني الْكثير من طلبة الْوَقْت أَن أَضَع لَهُم شرحاً عَلَيْهَا يشفي الغليل ويكمل المرام، ويكشف من خَفِي مَعَانِيهَا مَا وَرَاء اللثام ويحتوي على إِعْرَاب كل ألفاظها ليتدرب المبتدىء بِعلم النَّحْو الَّذِي عَلَيْهِ الْمدَار فِي الْفَهم والإفهام، وعَلى بَيَان منطوقها وَمَفْهُوم الْكَلَام، وعَلى إبراز فرائد الْفَوَائِد وفروع تناسب الْمقَام مُبينًا فِيهِ مَا بِهِ الْعَمَل عِنْد الْمُتَأَخِّرين من قُضَاة الْعدْل وَالْأَئِمَّة الْكِرَام، مصلحاً فِيهِ مَا يحْتَاج إِلَى الْإِصْلَاح من أَلْفَاظه المخلة بالنظام، شارحاً فِيهِ غَالب وثائق الْأَبْوَاب وَإِن أدّى ذَلِك إِلَى الإطناب ليتدرب بذلك من لم يتَقَدَّم لَهُ مَسِيس بالفتوى من الْأَنَام ويهتدي إِلَى كَيْفيَّة تَنْزِيل الْفِقْه على وثائق الْأَحْكَام، فأجبتهم إِلَى ذَلِك بعد التَّوَقُّف والإحجام، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 وَتَقْدِيم رجل وَتَأْخِير أُخْرَى فِي مُدَّة من الْأَيَّام مستعيناً على ذَلِك كُله بِالْوَاحِدِ الْأَحَد الْملك العلام، مرتكباً فِي ذَلِك أبسط الْعبارَة غير مكتف عَن التَّصْرِيح بالرمز وَالْإِشَارَة ليطابق الشَّرْح المشروح ويهتدي إِلَى فهمه من تقدم لَهُ أدنى مَسِيس بِعلم الْفِقْه والعربية، وخلا ذهنه عَن رَدِيء الأوهام مُشِيرا بِصُورَة (خَ) الْمُعْجَمَة إِلَى الشَّيْخ خَلِيل وبصورة (ت) إِلَى شيخ شُيُوخنَا سَيِّدي مُحَمَّد التاودي أحد شرَّاح هَذَا الْكتاب وبصورة (م) إِلَى الشَّيْخ ميارة ذِي الْعلم الْجَلِيل وبصورة (ح) الْمُهْملَة إِلَى الإِمَام الْحطاب، وَلكَون الْإِعْرَاض يَكْفِي فِي الْإِشَارَة لأولي الْأَلْبَاب لم أصرح بالانتقاد على أحد من شرَّاح هَذَا الْكتاب. نعم وَقع بعض ذَلِك فِي صَدره ليقاس عَلَيْهِ مَا بَقِي من بعده، وَأَيْضًا فَإِن لكل أحد منهجاً يَقْتَضِيهِ ومذهباً يختاره للْفَتْوَى ويصطفيه. وَأَقُول كَمَا قَالَ صَاحب التسهيل: وَإِذا كَانَت الْعُلُوم منحاً إلهية ومواهب اختصاصية فَغير مستبعد أَن يدّخر لبَعض الْمُتَأَخِّرين مَا عسر على كثير من الْمُتَقَدِّمين. وَلما منَّ الله تَعَالَى عليَّ بِالشُّرُوعِ فِيهِ وَلم يكن اطلع عَلَيْهِ أحد وَهُوَ مِمَّا نضمره ونخفيه أَخْبرنِي بعض الطّلبَة الطالبين للشرح الْمَذْكُور الصَّادِق فِي خلوص الطوية والمحبة أَنه رأى فِي الْمَنَام أَنِّي وضعت عَلَيْهَا شرحاً فائقاً كبدر التَّمام، فزادني ذَلِك انتشاطاً وتثبتاً بِالْمَقْصُودِ واغتباطاً لعلمي بِصدق طويته وَعدم كذبه فِي خَبره على الدَّوَام، وَكنت ترددت أَيَّامًا فِي كَيْفيَّة تَسْمِيَته فَأَشَارَ إليَّ هَاتِف فِي الْمَنَام بِأَن أسعيه الْبَهْجَة فِي شرح التُّحْفَة مأخوذاً من قَوْله تَعَالَى: ذَات بهجة} (النَّمْل: 60) وَالله سُبْحَانَهُ المسؤول فِي بُلُوغ المأمول إِنَّه على مَا يَشَاء قدير، وبالإجابة جدير وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل. فالناظم رَحمَه الله: هُوَ القَاضِي أَبُو بكر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَاصِم الأندلسي الغرناطي، ولد رَحمَه الله ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى من عَام سِتِّينَ وَسَبْعمائة وَتُوفِّي حادي عشر شَوَّال من عَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 تِسْعَة وَعشْرين وَثَمَانمِائَة، وَقد أنْشد أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم بن القَاضِي بَيْتا رمز فِيهِ لولادة النَّاظِم ووفاته وبلده على طَرِيق نظم الوفيات لِلْكَاتِبِ القشتالي فَقَالَ: وَقد (رقصت) غرناطة بِابْن عَاصِم و (سحت دموعاً) للْقَضَاء الْمنزل فرمز بحروف رقصت لسنة الْولادَة ومجموعها بِحِسَاب الْجمل سِتُّونَ وَسَبْعمائة مَعَ مَا فِي التَّعْبِير بالرقص من الْمُنَاسبَة، إِذْ الرقص الْفَرح وَالسُّرُور، ورمز للوفاة بحروف سحت دموعاً ومجموعها بِالْحِسَابِ الْمَذْكُور ثَمَانمِائَة وَتِسْعَة وَعِشْرُونَ مَعَ مَا فِي التَّعْبِير بذلك من الْإِشَارَة للْمَوْت. وَمن شُيُوخه رَحمَه الله الْأُسْتَاذ أَبُو سعيد فرج بن قَاسم بن لب، والأستاذ أَبُو عبد الله القيجاطي، وناصر السّنة الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الشاطبي، وقاضي الْجَمَاعَة الْحَافِظ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن علاق، وخالاه مُحَمَّد وَأحمد ولدا أبي الْقَاسِم بن جزي، والشريف أَبُو عبد الله مُحَمَّد التلمساني، وَالْقَاضِي أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الله النميري، والأستاذ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ البلنسي وَغَيرهم. كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى فَاضلا متقناً لعلم الْفِقْه والقراءات، مشاركاً فِي الْعَرَبيَّة والمنطق وَالْأُصُول والحساب والفرائض مُشَاركَة حَسَنَة مُتَقَدما فِي الْأَدَب نظماً ونثراً وَكِتَابَة وشعراً إِلَى براعة خطّ وإحكام رسم وإتقان بعض الصَّنَائِع العلمية كتسفير الْكتب وتنزيل الذَّهَب وَغَيرهمَا. وَله تآليف عديدة مِنْهَا هَذِه الأرجوزة، وَأُخْرَى فِي الْأُصُول سَمَّاهَا: مهيع الْوُصُول فِي علم الْأُصُول، وَأُخْرَى فِي النَّحْو حَاذَى بهَا رجز ابْن مَالك، وَأُخْرَى فِي الْفَرَائِض، وقصيدة سَمَّاهَا: إِيضَاح الْمعَانِي فِي قِرَاءَة الثماني، وَأُخْرَى سَمَّاهَا: الأمل المرقوب فِي قِرَاءَة يَعْقُوب، وَغير ذَلِك كَمَا فِي الابتهاج للشَّيْخ أَحْمد بَابا كَانَ الله للْجَمِيع آمين. قَالَ رَحمَه الله (بِسم) جَار ومجرور مُتَعَلق بِمَحْذُوف قدره بَعضهم فعلا وَبَعْضهمْ مصدرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 مَرْفُوعا على الِابْتِدَاء، وَالتَّقْدِير على الأول بِسم الله أؤلف أَو أنظم، وَقدر مُؤَخرا طلبا للاهتمام والاختصاص، وعَلى الثَّانِي تأليفي أَو نظمي بِسم الله ثَابت أَو حَاصِل، فَحذف الْمُبْتَدَأ وَخَبره وَبَقِي مَعْمُول الْمُبْتَدَأ، وَالْبَاء للاستعانة أَو للمصاحبة، وَإِنَّمَا قدر الْعَامِل هُنَا من مَادَّة التَّأْلِيف أَو النّظم لِأَن الَّذِي يَتْلُو الْبَسْمَلَة هُنَا مؤلف وناظم والتالي لَهَا فِي كل مَحل يعين الْعَامِل الْمَحْذُوف. ثمَّ إِن لفظ اسْم الَّذِي هُوَ ألف سين مِيم يُطلق فِي اللُّغَة إطلاقاً شَائِعا على مَا يعم أَنْوَاع الْكَلِمَة فَيصدق بِلَفْظ زيد وَلَفظ قَامَ وَهل مثلا، وَفِي اصْطِلَاح النُّحَاة على مَا يُقَابل الْحَرْف وَالْفِعْل وَيُطلق أَيْضا فِي اللُّغَة إطلاقاً غير شَائِع على الذَّات فَيصدق بِذَات زيد وَذَات عَمْرو، وَهَكَذَا. قَالَ الْفَخر: الِاسْم يُطلق لمعان ثَلَاث إِلَى أَن قَالَ الثَّانِي ذَات الشَّيْء، وَقَالَ ابْن عَطِيَّة: يُقَال ذَات وَنَفس وَعين وَاسم بِمَعْنى اه. فعلى الشَّائِع مَدْلُوله اللَّفْظ الْمُفْرد الْمَوْضُوع لِمَعْنى الصَّادِق بِلَفْظ زيد وَلَفظ قَامَ وَهل وَنَحْوهَا من الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على معنى وَهُوَ الذَّات فِي الأول وَالْقِيَام فِي الثَّانِي والاستفهام فِي الثَّالِث، وعَلى غير الشَّائِع مَدْلُوله الذَّات الصادقة بِذَات زيد وَذَات عَمْرو وَنَحْوهمَا. فَإِذا قلت: رَأَيْت اسْم زيد فَمَعْنَاه رَأَيْت ذَاته وعينه لَا لَفظه، فَقَوْلهم قد اخْتلف هَل الِاسْم عين الْمُسَمّى أَو غَيره؟ مُرَادهم اخْتلف فِي مَدْلُول لفظ اسْم حَيْثُ اسْتعْمل فِي التراكيب الْجُزْئِيَّة الَّتِي لَا يُرَاد فِيهَا مَدْلُوله الَّذِي هُوَ مُطلق اللَّفْظ على الشَّائِع أَو مُطلق الذَّات على غَيره، وَإِنَّمَا يُرَاد بعض مَا صدقَات مَدْلُوله فِي الْجُمْلَة فَقيل فِيهِ إِذْ ذَاك: إِن مَدْلُوله لفظ زيد مثلا الَّذِي هُوَ على الشَّائِع من مَا صدقَات مَدْلُوله، وَلَفظ زيد غير الْمُسَمّى الَّذِي هُوَ ذَاته، وَقيل إِن مَدْلُوله عين الْمُسَمّى وَهُوَ ذَات زيد مثلا الَّتِي هِيَ على غير الشَّائِع من مَا صدقاته وعَلى الشَّائِع هِيَ مَدْلُول مَا صدقه وَلَيْسَ مَدْلُوله لفظ زيد على هَذَا القَوْل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 وَبِالْجُمْلَةِ فذات زيد مثلا هِيَ بعض مَدْلُول مَا صدقَات الِاسْم على الأول وَهِي بعض مَا صدقاته على الثَّانِي لِأَن مَدْلُول الِاسْم على الأول هُوَ اللَّفْظ الدَّال على معنى وَلَفظ زيد بعض مَا صدق عَلَيْهِ ذَلِك اللَّفْظ وذاته هِيَ مَدْلُول مَا صدقه وعَلى الثَّانِي هِيَ مَا صدقه لَا مَدْلُول مَا صدقه فمدلوله على الأول لفظ دَال على معنى أياً كَانَ، ومدلوله على الثَّانِي نفس الْمَعْنى أياً كَانَ. وَدَلِيل القَوْل الأول قَوْله تَعَالَى: وَللَّه الْأَسْمَاء الْحسنى} (الْأَعْرَاف: 180) أَي أَلْفَاظ دَالَّة عَلَيْهِ فَادعوهُ بهَا} (الْأَعْرَاف: 180) وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما) أَي لفظا للْقطع بِأَن الْمُسَمّى وَاحِد لَا تعدد فِيهِ. وَدَلِيل القَوْل الثَّانِي قَوْله تَعَالَى: سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} (الْأَعْلَى: 1) وَالتَّسْبِيح الَّذِي هُوَ التَّنْزِيه عَن صِفَات المحدثات إِنَّمَا هُوَ للذات دون اللَّفْظ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: مَا تَعْبدُونَ من دونه إِلَّا أَسمَاء سميتموها} (يُوسُف: 40) وعبادتهم إِنَّمَا هِيَ للمسميات دون الْأَسَامِي. وَإِذا تقرر هَذَا علمت أَن لفظ اسْم فِي الْبَسْمَلَة هُوَ مقحم على الأول أَو بِمَعْنى التَّسْمِيَة أَو من إِضَافَة الْعَام إِلَى الْخَاص إِذْ مَعْنَاهُ بدأت مستعيناً بِاللَّه أَو بِتَسْمِيَة الله أَو بِسم هُوَ الله، وَأما على الثَّانِي فَلَا يؤول بِشَيْء إِذْ مَعْنَاهُ مستعيناً بمسمى الله ومسماه هُوَ ذَاته الْعلية أَي مستعيناً بمسمى هَذَا اللَّفْظ على أَن الْخلاف لَفْظِي كَمَا صرح بِهِ الشَّيْخ زَكَرِيَّا وَغَيره فَمن قَالَ: إِنَّه غير الْمُسَمّى أَرَادَ حَيْثُ يكون الحكم مناسباً لغير الْمُسَمّى كَقَوْلِك: تَلَوت اسْم زيد أَي لَفظه وَمن قَالَ: إِنَّه عين الْمُسَمّى أرَاهُ حَيْثُ يكون الحكم مناسباً لذَلِك أَيْضا كَقَوْلِك: رَأَيْت اسْم زيد أَي ذَاته، وَأما تَقْسِيم الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَسمَاء الله تَعَالَى إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام مَا هُوَ نفس الْمُسَمّى أَي مَدْلُوله نفس الْمُسَمّى مثل لفظ الله الدَّال على ذَاته تَعَالَى، وَمَا هُوَ غَيره كالخالق والرازق وَنَحْوهمَا من صِفَات الْأَفْعَال أَي يفهم مِنْهَا غَيره تَعَالَى وَهُوَ الْخلق والرزق الناشئان عَن قدرته بِخِلَاف الأول إِذْ لَا يفهم من لفظ الله سوى ذَاته تَعَالَى وَمَا هُوَ لَا عينه وَلَا غَيره كالعالم والقادر وَنَحْوهمَا من الصِّفَات الْقَدِيمَة، فَلَيْسَ من هَذَا الْقَبِيل لِأَنَّهُ لم يقل ذَلِك فِي لفظ الِاسْم، وَالْخلاف الْمُتَقَدّم إِنَّمَا هُوَ فِي لفظ الِاسْم لَكِن قَالَ بَعضهم: إِن قَوْله لَا عينه وَلَا غَيره لَا يَخْلُو من صعوبة وإشكال، وَقد انْفَصل عَن ذَلِك بَعضهم بِأَن المُرَاد أَن تِلْكَ الصّفة الْحَقِيقِيَّة لَيست غير الذَّات مفهوماً أَي مدلولاً وَلَا عينهَا خَارِجا اه. وَلَعَلَّه يُرِيد أَنه لَا يُقَال أَن مدلولها غير الذَّات وَلَا عين الذَّات، بل مدلولها الذَّات بصفتها وَالله أعلم. وَهَذِه الْمَسْأَلَة عويصة بسطت الْكَلَام فِيهَا لصعوبتها على الْولدَان المبتدئين. تَنْبِيه: قَالَ الْبَغَوِيّ فِي اخْتِصَار قَوَاعِد الْقَرَافِيّ مَا نَصه: قَالَ صَاحب الْخِصَال الأندلسي: يجوز الْحلف بِقَوْلِك: بِسم الله، وَتجب بِهِ الْكَفَّارَة، قَالَ الْقَرَافِيّ: هَذِه الْمَسْأَلَة فِيهَا جور بِسَبَب أَن الِاسْم هَهُنَا إِن أُرِيد بِهِ الْمُسَمّى استقام الحكم، وَإِن لم يرد بِهِ الْمُسَمّى فقد حكى ابْن السَّيِّد البطليوسي أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي لفظ الِاسْم هَل هُوَ مَوْضُوع للقدر الْمُشْتَرك بَين الْأَسْمَاء فمسماه لفظ أَو وضع فِي اللُّغَة للقدر الْمُشْتَرك بَين المسميات فَلَا يتَنَاوَل إِلَّا مُسَمّى؟ قَالَ: وَهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 هُوَ خلاف تَحْقِيق الْعلمَاء فِي أَن الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى أَولا، وَأَن الْخلاف إِنَّمَا هُوَ لفظ الِاسْم الَّذِي هُوَ ألف سين مِيم، وَأما لفظ نَار وَذهب فَلَا يَصح أَن يَقُول عَاقل أَن لفظ نَار هُوَ عين النَّار حَتَّى تحرق فَم من ينْطق بِهَذَا اللَّفْظ، وَإِذا فرعنا على هَذَا وَقُلْنَا الِاسْم مَوْضُوع للقدر الْمُشْتَرك بَين الْأَسْمَاء، وَأَن مُسَمَّاهُ لفظ فَيَنْبَغِي أَن لَا تلْزم بِهِ كَفَّارَة إِذا حلف بِهِ وَأَن لَا يجوز الْحلف بِهِ كَمَا لَو قُلْنَا: ورزق الله فَإِن إِضَافَة الْمُحدث إِلَى الله لَا يصيره مِمَّا يجوز الْحلف بِهِ، وَإِن قُلْنَا هُوَ مَوْضُوع للقدر الْمُشْتَرك بَين مسميات وَالْقَاعِدَة أَن الدَّال على الْأَعَمّ غير دَال على الْأَخَص وَمَا يكون كَذَلِك لَا يحلف بِهِ وَلَا يكون قسما إِلَّا بنية أَو عرف ناقل وَلَا وَاحِد مِنْهُمَا هَهُنَا فَلَا تجب كَفَّارَة إِذا لم يتَعَيَّن صرف اللَّفْظ لجِهَة الله اه لَفظه. قلت: تَأمل قَوْله: فَلَا يَصح أَن يَقُول عَاقل أَن لفظ نَار هُوَ عين النَّار الخ. فَإِنَّهُ غير سديد. وَصَوَابه: أَن يَقُول فَلَا خلاف فِي أَن مَدْلُول لفظ نَار هُوَ عين النَّار لِأَن الْخلاف إِنَّمَا هُوَ فِي مَدْلُول لفظ الِاسْم لَا فِي مَدْلُول غَيره إِذْ مَدْلُول غَيره من الْأَلْفَاظ هُوَ عين الْمُسَمّى اتِّفَاقًا. (الله) : مُضَاف إِلَيْهِ وَأَصله إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; هـ أسقط مِنْهُ الْهَمْز ثمَّ أبدل بأل كَمَا قَالَ: وَالِاسْم ذُو التَّقْدِيس هُوَ الله على الْأَصَح أَصله إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; هـ أسقط مِنْهُ الْهَمْز ثمَّ أبدلا بأل التَّعْرِيف لذاك جعلا وَهل مُشْتَقّ أَو جامد؟ فِيهِ أَقْوَال لَيْسَ هَذَا محلهَا وَلَا بَأْس بِالْإِشَارَةِ إِلَى بَعْضهَا فَقيل: هُوَ مُشْتَقّ من التأله وَهُوَ التنسك والتعبد يُقَال إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; هـ آلِهَة أَي عبد عبَادَة، وَقيل من الإل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; هـ وَهُوَ الِاعْتِمَاد يُقَال: ألهت إِلَى فلَان أَي فزعت إِلَيْهِ واعتمدت عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ: أَن الْخلق يفزعون ويتضرعون إِلَيْهِ فِي الْحَوَادِث والحوائج فَهُوَ يألههم أَي يجيرهم فَسُمي إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; هَا. وَقيل: هُوَ من ألهت فِي الشَّيْء إِذا تحيرت فِيهِ فَلم تهتد إِلَيْهِ وَمَعْنَاهُ: أَن الْعُقُول تتحير فِي كنه صفته وعظمته والإحاطة بكيفيته فَهُوَ إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; هـ كَمَا يُقَال للمكتوب كتاب وللمحسوب حِسَاب. وَقَالَ الْمبرد: هُوَ من قَول الْعَرَب ألهت إِلَى فلَان أَي سكنت إِلَيْهِ فَكَأَن الْخلق يسكنون ويطمئنون بِذكرِهِ، وَقيل: أَصله من الوله وَهُوَ ذهَاب الْعقل لفقدان من يعز عَلَيْك، وَكَأَنَّهُ سمي بذلك لِأَن الْقُلُوب تتوله لمحبته وتطرب وتشتاق عِنْد ذكره، وَقيل: مَعْنَاهُ المحتجب لِأَن الْعَرَب إِذا عرفت شَيْئا ثمَّ حجب عَن أبصارها سمته إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; هَا تَقول: لاهت الْعَرُوس تلوه لوهاً إِذا احْتَجَبت، ف الله تَعَالَى هُوَ الظَّاهِر بالربوبية بالدلائل والأعلام الحديث: 1648 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 والمحتجب من جِهَة الْكَيْفِيَّة عَن الأوهام. حكى هَذِه الْأَقْوَال الشَّيْخ عبد الْقَادِر الجيلاني فِي كِتَابه الْمُسَمّى: غنية الطَّالِب نفعنا الله بِهِ. (الرَّحْمَن الرَّحِيم) : نعتان لله، وَقيل الرَّحْمَن بدل والرحيم نعت للرحمن والرحمن الْمُنعم بجلائل النعم والرحيم الْمُنعم بدقائقها، وَقدم الأول وَهُوَ الله لدلالته على الذَّات، ثمَّ الثَّانِي لاختصاصه بِهِ وَلِأَنَّهُ أبلغ من الثَّالِث، فَقدم عَلَيْهِ ليَكُون كالتتمة والرديف، وَلِأَن الثَّالِث لَا يخْتَص بِهِ تَعَالَى بِدَلِيل قَوْله: بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم} (التَّوْبَة: 128) : الْحَمْدُ لله الَّذِي يَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْهِ جَلَّ شَأْناً وَعَلاَ (الْحَمد لله) : مُبْتَدأ وَخبر أَي الصِّفَات الجميلة كلهَا وَاجِبَة لله، وَمعنى، وُجُوبهَا أَنه لَا يتَصَوَّر فِي الْعقل عدم وَصفه بهَا، وَالْجُمْلَة خبرية لفظا إنشائية معنى إِذْ المُرَاد إنْشَاء الثَّنَاء بمضمونها أَي أنشىء وَصفه تَعَالَى بِكُل جميل، وأتى بِالْحَمْد بعد الْبَسْمَلَة اقْتِدَاء بِالْكتاب الْعَزِيز وامتثالاً لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كل أَمر ذِي بَال لَا يبتدأ فِيهِ بِالْحَمْد لله فَهُوَ أَجْذم) أَي مَقْطُوع الْبركَة. كَمَا ورد عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ: (كل أَمر ذِي بَال لَا يبتدأ فِيهِ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَهُوَ أَبتر) أَي ذَاهِب الْبركَة، فَحمل النَّاظِم رَحمَه الله حَدِيث الْبَسْمَلَة على الِابْتِدَاء الْحَقِيقِيّ بِحَيْثُ لَا يسْبقهُ شَيْء، وَحَدِيث الحمدلة على الِابْتِدَاء الإضافي الْقَرِيب مِنْهُ بِأَن يذكر الْحَمد عقب الْبَسْمَلَة مُتَّصِلا بهَا كَمَا يدل عَلَيْهِ الْقُرْآن فَهُوَ مُبين لكيفية الْعَمَل بِالْحَدِيثين، وَهَذَا أحد الْأَجْوِبَة عَمَّا أوردوه من أَن الِابْتِدَاء بِأَحَدِهِمَا يفوت الِابْتِدَاء بِالْآخرِ، ولنقتصر عَلَيْهِ لكَونه أحْسنهَا. ثمَّ إِن الْحَمد لُغَة هُوَ الْوَصْف بالجميل على الْجَمِيل على جِهَة التَّعْظِيم والتبجيل، فَالْمُرَاد بِالْوَصْفِ الذّكر بِاللِّسَانِ فَقَط، وَخرج بالجميل الْوَصْف بالقبيح فَلَيْسَ حمداً بل ذماً وَبِقَوْلِهِ: على جِهَة التَّعْظِيم الخ، الْوَصْف بالجميل تهكماً نَحْو: ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم} (الدُّخان: 49) وَقيل: لَا حَاجَة لزِيَادَة هَذَا الْقَيْد بل هُوَ مُسْتَغْنى عَنهُ بقوله: بالجميل على الْجَمِيل وَهُوَ الظَّاهِر لِأَنَّهُ فِي الْآيَة الْكَرِيمَة وَصفه بالجميل وَهُوَ غير متصف بِهِ فِي الْحَقِيقَة بل مجَازًا بِاعْتِبَار مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَالْمجَاز غير مُحْتَرز عَنهُ فِي الْحُدُود بل إِنَّمَا يحْتَرز فِيهَا عَمَّا يُشَارك الْمَحْدُود فِي الْإِطْلَاق الْحَقِيقِيّ. وَله أَرْكَان خَمْسَة: الصِّيغَة والحامد والمحمود وَهَذِه الثَّلَاثَة يتضمنها لفظ الْوَصْف وَهُوَ لَا يكون إِلَّا بِاللِّسَانِ، وَالرَّابِع: الْمَحْمُود بِهِ وَهُوَ صفة كَمَال يدْرك الْعقل السَّلِيم حسنها، وَالْمرَاد كَونه جميلاً فِي الْوَاقِع أَو عِنْد الحامد أَو الْمَحْمُود بزعم الحامد، وَالْخَامِس: الْمَحْمُود عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يَقع الْوَصْف الْجَمِيل بإزائه ومقابلته فَهُوَ الْبَاعِث على الْحَمد، وَهَذَانِ مُصَرح بهما فِي التَّعْرِيف فَلفظ الْحَمد فِي كَلَام النَّاظِم يتَضَمَّن الصِّيغَة أَي اللَّفْظ الَّذِي يُؤدى بِهِ الْوَصْف ويتضمن الحامد أَي الواصف ويتضمن أَيْضا الْمَحْمُود بِهِ، إِذْ كل واصف لَا بُد لَهُ من لفظ بِصفة يصف بهَا غَيره، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وَقَوله: (لله) هُوَ الْمَحْمُود، فَهَذِهِ أَرْبَعَة، وَأما الْمَحْمُود عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَاعِث على الْحَمد فقد يُسْتَفَاد من قَوْله الَّذِي يقْضِي الخ أَي فكونه يقْضِي على غَيره وَلَا يقْضى عَلَيْهِ هُوَ صفة جميلَة فِي غَايَة الْكَمَال، وَذَلِكَ هُوَ الْبَاعِث على وَصفه بِكُل جميل فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْوَصْف بِكُل جميل من قدرَة وَعلم وَغَيرهمَا ثَابت لله، والباعث على وصفي لَهُ بذلك هُوَ كَونه يقْضِي وَلَا يقْضى عَلَيْهِ، وَأَيْضًا فَإِن الْمَحْمُود بِهِ والمحمود عَلَيْهِ قد يتحدان معنى ويفترقان بِالِاعْتِبَارِ كَمَا لَو قلت: أَحْمَده تَعَالَى بِالصِّفَاتِ الجميلة من قدرَة وَنَحْوهَا لكَونه متصفاً بهَا فالقدرة مثلا من حَيْثُ الْوَصْف بهَا مَحْمُود بهَا وَمن حَيْثُ إِنَّهَا باعثة على الْحَمد مَحْمُود عَلَيْهَا فَلَا شكّ أَن الْحَمد فِي النّظم مُتَضَمّن للأركان الْخَمْسَة. وَالْحَمْد والمدح مُتَرَادِفَانِ كَانَا فِي مُقَابلَة نعْمَة أم لَا. كَمَا للزمخشري فِي فائقه خلافًا للرازي حَيْثُ فرق بَين الْحَمد والمدح بِأَن الْمَدْح أَعم من الْحَمد لِأَنَّهُ يحصل للعاقل وَغَيره قَائِلا: أَلا ترى أَنه يمدح الْيَاقُوت على نِهَايَة صفائه وصقالته فَيُقَال: مَا أحْسنه وَمَا أصفاه، وَالْحَمْد لَا يكون إِلَّا للْفَاعِل الْمُخْتَار على مَا يصدر مِنْهُ من الإنعام كَانَ ذَلِك الإنعام واصلاً إِلَيْك أَو إِلَى غَيْرك اه. وَعَلِيهِ فيقيد الْمَحْمُود عَلَيْهِ بالاختياري وبكونه فِي مُقَابلَة نعْمَة ليخرج الْمَدْح، لَكِن يلْزم على التَّقْيِيد بِهِ خُرُوج الثَّنَاء على الصِّفَات الْقَدِيمَة وَأَنه لَا يكون حمداً بل مدحاً فَقَط وَلَيْسَ كَذَلِك، وَمَا أُجِيب بِهِ عَن خُرُوج الصِّفَات الْقَدِيمَة من تَعْرِيف الْحَمد بِنَاء على ذَلِك التَّقْيِيد من أَنَّهَا لما كَانَت مبدأ للأفعال الاختيارية كَانَ الْحَمد عَلَيْهَا حمد على تِلْكَ الْأَفْعَال الاختيارية تمحل غير سديد، فَلَا يعول عَلَيْهِ، وَالصَّوَاب مَا فِي الْفَائِق من ترادفهما. قَالَه الشَّيْخ الْبنانِيّ فِي شرح السّلم. وَأما الْحَمد عرفا أَي: شرعا فَهُوَ فعل ينبىء عَن تَعْظِيم الْمُنعم بِسَبَب كَونه منعماً وَهُوَ مساوٍ للشكر لُغَة وَبَينهمَا وَبَين الْحَمد لُغَة عُمُوم وخصوص من وَجه فعمومهما بِاعْتِبَار المورد لِأَنَّهُمَا يكونَانِ بِاللِّسَانِ وَبِغَيْرِهِ من الْأَركان وعمومه هُوَ بِاعْتِبَار الْمُتَعَلّق لِأَنَّهُ يكون فِي مُقَابلَة نعْمَة وَغَيرهَا فيجتمعان فِيمَا إِذا كَانَ الْوَصْف بِاللِّسَانِ فِي مُقَابلَة نعْمَة، وينفردان عَنهُ فِيمَا إِذا كَانَا بِغَيْر اللِّسَان فِي مُقَابلَة نعْمَة وينفرد هُوَ عَنْهُمَا فِيمَا إِذا كَانَ بِاللِّسَانِ لَا فِي مُقَابلَة نعْمَة. وَأما الشُّكْر عرفا؛ فَهُوَ صرف العَبْد جَمِيع مَا نعم الله بِهِ عَلَيْهِ من سمع وَغَيره إِلَى مَا خلق لأَجله فَهُوَ أخص مُطلقًا من كل وَاحِد من الثَّلَاثَة قبله لتقييده بمنعم مَخْصُوص وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ حَيْثُ قيل فِي حَده: جَمِيع مَا أنعم الله بِهِ عَلَيْهِ، وَلم يقل أنعم بِهِ عَلَيْهِ ولتقييده أَيْضا بِنِعْمَة واصلة إِلَى عَبده الشاكر، ولشموله لجَمِيع الْجَوَارِح بِخِلَاف الحمدين قبله وَالشُّكْر لُغَة فَلم تقيد النِّعْمَة فِي ذَلِك بمنعم مَخْصُوص وَلَا بِكَوْنِهَا واصلة إِلَى الحامد أَو الشاكر، بل وصلت إِلَيْهِ وَإِلَى غَيره، وَلَا يكون ذَلِك بِجَمِيعِ الْجَوَارِح كَمَا لَا يخفى، وَهَذَا الشُّكْر هُوَ الشُّكْر الْمَأْمُور بِهِ شرعا الْمعبر عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 بالتقوى والاستقامة الَّذِي أخبر عَنهُ تَعَالَى بقوله: وَقَلِيل من عبَادي الشكُور} (سبأ: 13) وَقَوله تَعَالَى: إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَقَلِيل مَا هم} (ص: 24) فَلَا يبلغ العَبْد حَقِيقَة الشُّكْر شرعا إِلَّا بِكَمَال التَّقْوَى والاستقامة الظَّاهِرَة والباطنة أما المخلط فِي أَحْوَاله فَلم يؤد مَا وَجب عَلَيْهِ من الشُّكْر بِتَمَامِهِ نعم الطَّاعَة الصادرة مِنْهُ هِيَ بعض مَا وَجب عَلَيْهِ من الشُّكْر، وَلما لم يكن المخلط مُؤديا مَا وَجب عَلَيْهِ وَكَانَ الْكثير من النَّاس مخلطاً قَالَ تَعَالَى: وَقَلِيل من عبَادي الشكُور} الخ. إِذْ المُرَاد بِصَرْف الْجَمِيع أَن لَا يخرج العَبْد عَن طَاعَة مَوْلَاهُ بِأَن تسلم جوارحه كلهَا من مُخَالفَة أمره وَنَهْيه فِي جَمِيع الْأَوْقَات فَلَا يكون شاكراً لنعم الله تَعَالَى شكرا حَقِيقِيًّا إِلَّا بِصَرْف الْجَمِيع، وَالْعَبْد لَا يَخْلُو عَن نعم الله طرفَة عين، وَعَن ذَلِك أفْصح الْجُنَيْد رَضِي الله عَنهُ بقوله: الشُّكْر أَن لَا يعْصى الله بنعمه، أَي جوارحه لِأَنَّهَا نعْمَة من الله عَلَيْهِ قَالَ هَذِه القولة فِي صباه. وبأدنى تَأمل يعلم أَن النّسَب سِتّ إِذْ بَين كل وَاحِد من الثَّلَاثَة وَالشُّكْر عرفا الْعُمُوم وَالْخُصُوص بِإِطْلَاق، فَهَذِهِ ثَلَاث نسب، وَبَين الْحَمد لُغَة وَالْحَمْد عرفا وَالشُّكْر لُغَة الْعُمُوم وَالْخُصُوص من وَجه وَبَين الْحَمد عرفا وَالشُّكْر لُغَة الترادف، فَهَذِهِ ثَلَاثَة أخر وَقد نظم ذَلِك الشَّيْخ (عج) رَحمَه الله بقوله: إِذا نسبا للحمد وَالشُّكْر رمتها بِوَجْه لَهُ عقل اللبيب يؤالف فَشكر لَدَى عرف أخص جَمِيعهَا وَفِي لُغَة للحمد عرفا يرادف عُمُوم لوجه فِي سوى ذين نِسْبَة فذي نسب سِتّ لمن هُوَ عَارِف وأل فِي الْحَمد للاستغراق وَهِي الَّتِي يصلح فِي موضعهَا كل نَحْو: إِن الْإِنْسَان لفي خسر} (الْعَصْر: 2) وَذَلِكَ لِأَن الْحَمد إِمَّا قديم وَهُوَ حمد الله تَعَالَى لنَفسِهِ أَو لمن شَاءَ من خلقه، أَو حَادث وَهُوَ حمد الْعباد لرَبهم سُبْحَانَهُ أَو لبَعْضهِم بَعْضًا، فالقديم صفته وَوَصفه والحادث خلقه وَملكه فَالْحَمْد كُله لَهُ، وَقيل للْجِنْس لِأَن جنس الْحَمد إِذا ثَبت لله ثَبت لَهُ جَمِيع أَفْرَاده فمؤداهما وَاحِد، وَقيل للْعهد لِأَن الله سُبْحَانَهُ لما علم عجز خلقه عَمَّا يسْتَحقّهُ من الْحَمد حمد نَفسه بِنَفسِهِ فِي أزله قبل وجود خلقه ثمَّ لما أوجدهم أَمرهم أَن يحمدوه بذلك. وَلَام لله للاستحقاق أَي جَمِيع المحامد مُسْتَحقَّة لله تَعَالَى، وَلَا يَصح كَونهَا للْملك لِأَن من أَقسَام الْحَمد حمد الله تَعَالَى لنَفسِهِ أَو لمن شَاءَ من خلقه فِي أزله كَقَوْلِه: نعم العَبْد وَنَحْوه، وحمده لنَفسِهِ أَو لخلقه بِكَلَامِهِ وَكَلَامه قديم، وَالْقَدِيم لَا يَصح أَن يملك فَتعين كَونهَا للاستحقاق أَي يسْتَحق الْوَصْف بِكُل جميل لكَونه وَاجِبا لَهُ لَا يتَصَوَّر فِي الْعقل عَدمه. وَاسم الْجَلالَة علم على الذَّات الْوَاجِب الْوُجُود الْمُسْتَحق لجَمِيع المحامد وَهُوَ أشهر أَسْمَائِهِ تَعَالَى، قيل: إِنَّه اسْم الله الْأَعْظَم الَّذِي إِذا سُئِلَ بِهِ أعْطى وَإِذا دعِي بِهِ أجَاب إِذا وجد شَرطه وَهُوَ التَّقْوَى، وَلذَا قبض الله تَعَالَى عَنهُ الألسن فَلم يتسم بِهِ أحد قَالَ تَعَالَى: هَل تعلم لَهُ سمياً} (مَرْيَم: 56) أَي هَل تعلم أحدا من الْمَخْلُوقَات سمي الله؟ والاستفهام بِمَعْنى النَّفْي أَي لم يتسم بِهِ غَيره وَهُوَ أعرف المعارف قَالَه سِيبَوَيْهٍ. (الَّذِي) نعت لله (يَقضي) بِفَتْح الْيَاء صلته والرابط ضمير يعود على الله (وَلَا يُقضى) بِضَم الْيَاء مَبْنِيا للْمَفْعُول (عَلَيْهِ) يتَعَلَّق بِهِ، وَالْجُمْلَة معطوفة على الصِّلَة والمعطوف على الصِّلَة صلَة أَيْضا، وَمَعْنَاهُ يحكم وَلَا يحكم عَلَيْهِ أَي وكل قَاض وحاكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 سواهُ تَعَالَى مقضي عَلَيْهِ من مَوْلَاهُ وَمِمَّنْ ولاه فَيُقَال لَهُ: مَا أحقك أَن تستشعر ذَلِك وتستحضر أَنَّك مسؤول عَن كل حكم حكمت بِهِ هُنَالك. وَفِي الْبَيْت براعة الاستهلال وَهِي أَن يَأْتِي الْمُتَكَلّم فِي أول كَلَامه بِمَا يشْعر بمقصوده، فَإِنَّهُ لما كَانَ قَصده أَن يتَكَلَّم فِي أَحْكَام الْقَضَاء وصف الله سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ يقْضِي وَلَا يقْضى عَلَيْهِ. (جلّ) : فعل مَاض بِمَعْنى عَظِيم (شَأْنًا) : تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل كَقَوْلِه تَعَالَى: واشتعل الرَّأْس شيباً} (مَرْيَم: 4) أَي عظم شَأْنه والشأن الْأَمر وَالْحَال قَالَه الْجَوْهَرِي. (وَعلا) : فعل مَاض أَيْضا مَعْطُوف على جلّ وتمييزه مَحْذُوف أَي قدرا أَي جلّ شَأْنه وَعلا قدره، وَيحْتَمل أَن يكون مصدرا من قَوْلهم: علا فِي المكارم من بَاب تَعب عَلَاء بِفَتْح الْعين وَمد اللَّام كَمَا فِي الْمِصْبَاح قصره ضَرُورَة فَيكون مَعْطُوفًا على قَوْله شَأْنًا أَي عظم شَأْنًا وعلاء وَلَا يَصح أَن يكون اسْم مصدر لِأَن اسْم الْمصدر هُوَ مَا كَانَ لغير الثلاثي بِوَزْن مَا للثلاثي كأعطى عَطاء واغتسل غسلا، فاسم الْمصدر هُوَ عَطاء وَغسل والمصدر إِعْطَاء واغتسال فَيَقْتَضِي أَن عَلَاء بِمَعْنى إعلاء كَمَا أَن عَطاء بِمَعْنى إِعْطَاء وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْمَعْنى يأباه. ثُمَّ الصَّلاَةُ بِدَاوَامِ الأَبَدِ عَلَى الرَّسُولِ المُصْطَفَى مُحَمَّدِ (ثمَّ الصَّلَاة) من الله تَعَالَى أَي الرَّحْمَة مِنْهُ إِذْ الصَّلَاة لُغَة من الله رَحْمَة، وَمن الْمَلَائِكَة اسْتِغْفَار، وَمن الْآدَمِيّين دُعَاء بِخَير، وَلَكِن لما كَانَ فِي التَّعْبِير عَن الرَّحْمَة بِالصَّلَاةِ من التَّعْظِيم مَا لَيْسَ فِي لفظ الرَّحْمَة قَالَ تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ} (الْأَحْزَاب: 65) الْآيَة. فَالْمُرَاد أَن يطْلب العَبْد من الله تَعَالَى زِيَادَة التكريم والإنعام والتعظيم لنَبيه عَلَيْهِ السَّلَام، وَإِلَّا فَأصل الرَّحْمَة حَاصِل لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام فَلَا يطْلب تَحْصِيله ونفعها عَائِد على الْمُصَلِّي لخَبر: (من صلّى عليَّ مرّة وَاحِدَة صلى الله عَلَيْهِ بهَا عشرا) فَالصَّلَاة عَلَيْهِ من أجلّ الْأَذْكَار وَأَعْظَمهَا ثَوابًا. (بدوام) : يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من الصَّلَاة أَي مُؤَقَّتَة بدوام (الْأَبَد) : أَي الدَّهْر وَهُوَ حَرَكَة الْفلك. (على الرَّسُول) : خبر عَن الصَّلَاة (الْمُصْطَفى) : نعت للرسول (مُحَمَّد) : بدل وَالْجُمْلَة معطوفة بثم على جملَة الْحَمد قبلهَا. وَالرَّسُول إِنْسَان أُوحِي إِلَيْهِ بشرع وَأمر بتبليغه، والمصطفى مُشْتَقّ من الصفو وَهُوَ الْخَالِص من الكدر والشوائب كلهَا وطاؤه مبدلة من تَاء وَكِلَاهُمَا مقرون بأل علم بالغلبة على نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا أطلقا لَا ينصرفان لغيره من الرُّسُل والأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهَذِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 الْجُمْلَة خبر فِي اللَّفْظ وَمَعْنَاهُ الطّلب فَكَأَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ صلِّ على الرَّسُول الخ. . ثمَّ لَا يتَوَهَّم الْمُصَلِّي على النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن صَلَاتنَا عَلَيْهِ شَفَاعَة منا لَهُ عِنْد الله تَعَالَى فِي زِيَادَة رفعته وعلو دَرَجَته فَإِن مثلنَا لَا يشفع لعَظيم الْقدر عِنْد ربه، بل هُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَرْفُوع الدرجَة عِنْد ربه فِي غَايَة التكرمة والإنعام وعلو الْقدر، وَلَكِن لما أحسن عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَيْنَا بهدايته إيانا إحساناً لم يُحسنهُ إِلَيْنَا أحد من الْمَخْلُوقَات أمرنَا سُبْحَانَهُ بمكافأته بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَي بِأَن تطلب من الله سُبْحَانَهُ أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ لتَكون صلَاته عَلَيْهِ مُكَافَأَة لَهُ منا وإقراراً برسالته ونبوته وَتَصْدِيقًا بِهِ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ من وحدانية الله سُبْحَانَهُ. وَآلِهِ وَالْفِئَةِ المتَّبِعَهْ فِي كلِّ مَا قَدْ سَنَّهُ وَشَرَعَهْ (وَآله) أَقَاربه الْمُؤْمِنُونَ من بني هَاشم. إِذْ هُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب واسْمه شيبَة بن هَاشم بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن الياس بن مُضر بن نذار بن معد بن عدنان. قَالَ ابْن الْحَاجِب: وَبَنُو هَاشم آل، وَمَا فَوق غَالب غير آل وَفِيمَا بَينهمَا قَولَانِ اه. وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (آل مُحَمَّد كل تَقِيّ) وَهل أَصله أهل قلبت الْهَاء همزَة ثمَّ قلبت الْهمزَة ألفا وَاقْتصر عَلَيْهِ صَاحب الْكَشَّاف أَو أَصله أول وَهُوَ رَأْي الْكسَائي، وَرجحه بَعضهم وَهُوَ صَرِيح فِي أَنه جمع لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه وَتظهر ثَمَرَة الْخلاف فِي التصغير على أهيل أَو أويل، وَكِلَاهُمَا مسموع وَلَا يُضَاف إِلَّا لذِي شرف فَلَا يُقَال آل الْحجام، وَأما آل فِرْعَوْن فَلهُ شرف دُنْيَوِيّ وَهُوَ عطف على مُحَمَّد إِذْ تجوز الصَّلَاة على غير الْأَنْبِيَاء تبعا واتفاقاً وَفِي جَوَازهَا اسْتِقْلَالا وكراهتها ومنعها خلاف، وعَلى الْجَوَاز فَإِنَّمَا يقْصد بهَا الدُّعَاء لِأَنَّهَا بِمَعْنى التَّعْظِيم خَاصَّة بالأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام كخصوص عز وَجل بِاللَّه تَعَالَى، فَلَا يُقَال مُحَمَّد عز وَجل وَإِن كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَزِيزًا جَلِيلًا، وَكَذَا السَّلَام هُوَ خَاص بالأنبياء فَلَا يُقَال أَبُو بكر عَلَيْهِ السَّلَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 (والفئة) الْجَمَاعَة (المتبعة) لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة فَيشْمَل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين (فِي كل مَا) أَي حكم (قد سنه) عَلَيْهِ السَّلَام أَي: جعله طَريقَة فِي الدّين (وشرعه) عطف تَفْسِير عَلَيْهِ وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بقوله المتبعة. وَبَعْدُ، فَالْقَصْدُ بِهَذَا الرَّجَزِ تَقْرِيرُ الأحْكَامِ بِلَفَظٍ مُوجَزِ (وَبعد) : ظرف زمَان كثيرا وَمَكَان قَلِيلا تَقول فِي الزَّمَان جَاءَ زيد بعد عَمْرو وَفِي الْمَكَان دَار زيد بعد دَار عَمْرو، وَتَصِح هُنَا للزمان بِاعْتِبَار الرقم وَهِي من الظروف اللَّازِمَة للإضافة فَإِذا قطعت عَنْهَا لفظا ونوي معنى الْمُضَاف إِلَيْهِ بنيت كَمَا هُنَا لشبهها بالحرف فِي الافتقار لما بعده وبنيت على حَرَكَة لتعذر السّكُون، وَكَانَت ضمة لِأَنَّهَا حَرَكَة لَا تكون لَهَا فِي حَالَة الْإِعْرَاب لِأَنَّهَا إِذْ ذَاك إِمَّا مَنْصُوبَة على الظَّرْفِيَّة أَو مجرورة بِمن، وَهِي كلمة تسْتَعْمل فِي الْكَلَام الفصيح لقطع مَا قبلهَا عَمَّا بعْدهَا. قَالَ الْفراء: مَعْنَاهَا دع مَا كُنَّا فِيهِ وَخذ غَيره، وَدخلت الْفَاء بعْدهَا إِمَّا على توهم وجود مَا قبلهَا لِأَن الشَّيْء إِذا كثر الْإِتْيَان بِهِ وَترك توهم وجوده وَقد كثر فِي أما مصاحبتها لبعد، فَإِذا تركت توهم أَنَّهَا مَوْجُودَة، وَأما على تقديرها فِي الْكَلَام وَالْوَاو نِيَابَة عَنْهَا. وَمعنى أما المتوهمة أَو الْمقدرَة مهما يكن من شَيْء بعد الْحَمد وَالصَّلَاة فالقصد الخ. فَوَقَعت أما موقع اسْم مُبْتَدأ لِأَن مهما مُبْتَدأ والاسمية لَازِمَة للمبتدأ، ويكن شَرط. وَالْفَاء: لَازِمَة لَهُ غَالِبا فحين تَضَمَّنت أما معنى الِابْتِدَاء، وَالشّرط لَزِمت الْفَاء ولصوق الِاسْم إِقَامَة للازم مقَام الْمَلْزُوم وإبقاء لأثره فِي الْجُمْلَة قَالَه السعد. وَقَالَ الدماميني: بعد: ظرف مَقْطُوع عَن الْإِضَافَة مَبْنِيّ على الضَّم مَعْمُول لقَوْل مَحْذُوف تَقْدِيره: وَأَقُول بَعْدَمَا تقدم وَالْمقول مَحْذُوف أَي وَأَقُول بعد ذَلِك تنبه. (فالقصد) : أَي الْمَقْصُود فَأطلق الْمصدر وَأَرَادَ بِهِ الْمَفْعُول (بِهَذَا) النّظم (الرجز) وَهُوَ أحد أبحر الشّعْر الْخَمْسَة عشر ووزنه مستفعلن سِتّ مَرَّات (تَقْرِير) تَبْيِين (الْأَحْكَام) خبر عَن قَوْله: فالقصد وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ، وَيقْرَأ الْأَحْكَام بِنَقْل حَرَكَة الْهمزَة للام للوزن وَهُوَ جمع حكم، وَالْمرَاد بِهِ الْفِقْه المتقرر فِي الْكتب الْمُعْتَمدَة كالمدونة وَغَيرهَا ليفصل بِهِ بَين الْخُصُوم (بِلَفْظ) : يتَعَلَّق بتقرير (موجز) : نعت لَهُ أَي قَلِيل الْحُرُوف كثير الْمعَانِي. آثَرْتُ فِيهِ المَيْلَ لِلَّتْبيِينِ وَصُنْتُهُ جُهْدِي مِنَ التَضّمِينِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 (آثرت) : فعل مَاض بِمَعْنى قدمت واخترت قَالَ تَعَالَى: ويؤثرون على أنفسهم} (الْحَشْر: 9) أَي يقدمُونَ الْمُهَاجِرين على أنفسهم حَتَّى أَن من كَانَ عِنْده امْرَأَتَانِ نزل عَن وَاحِدَة وَزوجهَا من أحدهم (فِيهِ) : أَي فِي هَذَا الرجز يتَعَلَّق بآثرت (الْميل) : الجنوح والركون مفعول بآثرت (للتبيين) : مصدر بَين إِذا وضح يتَعَلَّق بالميل (وصنته) : حفظته (جهدي) : بِضَم الْجِيم مفعول بِهِ على حذف مُضَاف أَي غَايَة جهدي أَي طاقتي ووسعي، وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة آثرت (من التَّضْمِين) : يتَعَلَّق بقوله صنته والتضمين توقف معنى الْبَيْت على الْبَيْت الَّذِي بعده لكَونه خَبرا أَو جَوَاب شَرط أَو اسْتثِْنَاء، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يتم معنى الأول إِلَّا بِالثَّانِي وَهُوَ عِنْد العروضيين من عُيُوب الشّعْر، وَفِيه يَقُول الخزرجي: وتضمينها أحواج معنى لذا وَذَا. الخ، قيل: وَفِيه تَعْرِيض بِابْن الْحَاج معاصر ابْن رشد فَإِن لَهُ نظماً فِي الْقَضَاء مُشْتَمِلًا على ألف بَيت سَمَّاهُ الياقوتة وَوَقع فِيهِ التَّضْمِين كثيرا مِنْهُ قَوْله فِي رُجُوع الشَّاهِد عَن شَهَادَته: وَإِن يَك الرُّجُوع بعد الحكم لم يجز وَيغرم امتثالاً للْحكم جَمِيع مَا أتلف بالشهاده فصِّل وَفِي بدءٍ وَفِي إِعَادَة يلْزم من يقْضِي بِأَن يسعف من كلفه الْكتب لحكام الزَّمن بِمَا بِهِ قضى وَمَا قد ثبتا وَالْعَمَل الْيَوْم وَمَا إِن مقتا على قبُول كتب الْقُضَاة من غير إِشْهَاد لَهَا وَيَأْتِي منع الْقبُول مَعَ مَا عَلَيْهِ عَملنَا وقصدنا إِلَيْهِ فَانْظُر هَذِه الأبيات فَإِن كل وَاحِد مِنْهَا لَا يتم مَعْنَاهُ إِلَّا بِالَّذِي بعده، وَهُوَ كثير فِي ذَلِك النّظم وَلَكِن ذَلِك مغتفر بِالنِّسْبَةِ لما أَفَادَهُ وَجمعه كَمَا اعتذر عَن ذَلِك فِي خطبَته حَيْثُ قَالَ: وَقد نظمت بعض أَحْكَام القضا مبتغياً أجرا ونيلاً للرضا مُسْتَعْملا مَا شَذَّ من زحاف وَبَعض مَا قد عيب فِي القوافي وَذَاكَ مغْفُور لَدَى من أنصفا فِي جنب مَا جِئْت بِهِ مُعَرفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 مغلباً تحسيني الْمَعْنى على تحسيني اللَّفْظ الَّذِي عَنهُ انجلا الخ رَحمَه الله ونفعنا بِهِ وبعلومه. وَجِئْتُ فِي بَعْضٍ مِن المَسَائِلِ بالْخُلْفِ رَعْياً لاشتِهَارِ الْقَائِلِ (وَجئْت) : أَي أتيت (فِي بعض من الْمسَائِل) لَا فِي كلهَا (بالخلف) أَي الْخلاف والمجروران يتعلقان بقوله جِئْت (رعياً) حَال أَي مُرَاعَاة (لاشتهار الْقَائِل) بذلك القَوْل يتَعَلَّق بقوله رعياً، وَفهم من قَوْله فِي بعض: إِن الْكثير من الْمسَائِل لَا يَأْتِي بهَا بِالْخِلَافِ، وَإِنَّمَا يقْتَصر فِيهِ على قَول وَاحِد إِمَّا لشهرته أَو لجَرَيَان الْعَمَل بِهِ، وَأَنه إِنَّمَا يَأْتِي بِالْخِلَافِ فِي بَعْضهَا لغَرَض وَهُوَ كَون الْقَائِل بذلك مَشْهُورا بِالْعلمِ وَالتَّحْقِيق فَلَا يَنْبَغِي إهمال قَوْله هَذَا إِذا كَانَ مُسَاوِيا للْآخر فِي المشهورية، بل وَإِن كَانَ مُخَالفا للمشهور أَو الْمَعْمُول بِهِ فَالْأول مَعَ اتِّحَاد الْقَائِل كَقَوْلِه: وَمن لطَالب بِحَق شَهدا وَلم يُحَقّق عِنْد ذَاك العددا فَمَا لَك عَنهُ بِهِ قَولَانِ الخ. . وَكَقَوْلِه فِي الجوائح: والقصب الحلو بِهِ قَولَانِ كورق التوت هما سيان وَمَعَ اختلافه كَقَوْلِه فِي الْبيُوع: وَالْخلف فِي الْخَفي مِنْهُ وَالْحلف وَالثَّانِي كَقَوْلِه فِي الْيَمين: وَفِي سوى الْمَشْهُور يحلف الْأَب عَن ابْنه وَحلف الابْن مَذْهَب وَكَقَوْلِه: وَالْبيع مَعَ بَرَاءَة إِن نصت على الْأَصَح بالرقيق اخْتصّت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 وَبَعْضهمْ فِيهِ الْجَوَاز أطلقا الخ. . وَالثَّالِث كَقَوْلِه فِي الضَّمَان: وَقيل إِن لم يلق من يضمنهُ للخصم لَازمه وَلَا يسجنه وَأَشْهَب بضامن الْوَجْه قضى عَلَيْهِ حتما وَبِقَوْلِهِ القضا وَتارَة يَكْتَفِي بِمُجَرَّد التصدير بقول ثمَّ يَحْكِي غَيره بقيل كَقَوْلِه: وَالْمُدَّعِي من قَوْله مُجَرّد من أصل أَو عرف بِصدق يشْهد إِلَى أَن قَالَ: وَقيل من يَقُول قد كَانَ ادعا. الخ ... وَهَكَذَا: وَهَذَا معنى كَلَامه رَحمَه الله وَلَا يَعْنِي بذلك مُرَاعَاة الْخلاف الَّذِي هُوَ عبارَة كَمَا لِابْنِ عَرَفَة عَن إِعْمَال دَلِيل الْخصم فِي لَازم مَدْلُوله الَّذِي أعمل فِي نقيضه دَلِيل آخر، فَالضَّمِير فِي مَدْلُوله يعود على الدَّلِيل، وَالضَّمِير فِي نقيضه يعود على الْمَدْلُول الَّذِي هُوَ أقرب مَذْكُور مِثَاله إِعْمَال مَالك رَحمَه الله دَلِيل خَصمه الْقَائِل بِعَدَمِ فسخ صَرِيح الشّغَار فِي لَازم مَدْلُوله ومدلوله عدم فَسخه ولازمه ثُبُوت الْإِرْث بَين الزَّوْجَيْنِ، وَهَذَا الْمَدْلُول وَهُوَ عدم الْفَسْخ أعمل فِي نقيضه وَهُوَ الْفَسْخ دَلِيل آخر وَهُوَ دَلِيل فَسخه اه. وَحَاصِله؛ أَن الدَّلِيل هُوَ الحَدِيث أَو الْقيَاس والمدلول هُوَ الْفَسْخ أَو عَدمه، فمالك اسْتدلَّ لفسخه بِنَصّ حَدِيث أَو قِيَاس، وَأَبُو حنيفَة اسْتدلَّ بِعَدَمِ فَسخه بِنَصّ حَدِيث أَو قِيَاس، فأعمل مَالك رَحمَه الله دَلِيله فِي الْفَسْخ فِي الْحَيَاة، وأعمل دَلِيل خَصمه فِي لَازم مَدْلُوله فَقَالَ بتوارثهما، وَيكون الْفَسْخ طَلَاقا مَعَ أَن قِيَاس دَلِيله هُوَ عدم توارثهما وَعدم كَون الْفَسْخ بِطَلَاق، إِذْ عدم صِحَة النِّكَاح تَسْتَلْزِم عدم الْإِرْث، وَعدم الطَّلَاق، وَهَذَا كَمَا يُقَال فِي البيع وَغَيره يفْسخ العقد قبل الْفَوات ويمضي بعده، ومثاله أَيْضا: إِن الإِمَام يَقُول بِفساد إنكاح الْمَرْأَة نَفسهَا مستدلاً بقوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 تَعَالَى: وَلَا تعضلوهن} (النِّسَاء: 19) وَالْخطاب للأولياء فَدلَّ ذَلِك على أَن الْمَرْأَة لَا تنْكح نَفسهَا وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (أَيّمَا امْرَأَة نكحت بِغَيْر إِذن مواليها أَي أوليائها فنكاحها بَاطِل) ثَلَاثًا فَإِن دخل بهَا فالمهر لَهَا بِمَا أصَاب مِنْهَا الخ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز إنكاحها نَفسهَا قِيَاسا على البيع فأعمل مَالك دَلِيله فِي الْحَيَاة وَدَلِيل خَصمه فِي لَازم مَدْلُوله بعد الْمَمَات، فَأوجب توارثهما، وَكَون الْفَسْخ بِطَلَاق وَلِأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: (فالمهر لَهَا بِمَا أصَاب مِنْهَا) بعد أَن حكم على نِكَاحهَا بِالْبُطْلَانِ، فَدلَّ ذَلِك على أَن العقد الْبَاطِل يحكم لَهُ بِحكم الصَّحِيح بعد الْفَوات، وَإِلَّا فَمُقْتَضى الْقيَاس أَن الْفَسْخ بِغَيْر طَلَاق وَأَنه لَا مهر لَهَا لِأَنَّهَا زَانِيَة وَهِي لَا مهر لَهَا، وَذَلِكَ كُله رَاجع إِلَى تَقْدِيم الِاسْتِحْسَان على الْقيَاس. انْظُر ابْن عَرَفَة فِي فصل الصَدَاق. والمعيار أَوَاخِر الْمُعَاوَضَات، فقد نقل عَن القباب وَغَيره مَا يشفي الغليل قَالَ: وَالِاسْتِحْسَان معنى ينقدح فِي نفس الْمُجْتَهد تعسر الْعبارَة عَنهُ اه. وَانْظُر مَا بنى عَلَيْهِ مَالك مذْهبه فِي بَاب الْقِسْمَة من هَذَا الشَّرْح عِنْد قَوْله: فِي غير مَا من الطَّعَام الْمُمْتَنع. فِيهِ تفاضل الخ. فَإِن من جملَة مَا بنى عَلَيْهِ مذْهبه مُرَاعَاة الْخلاف فَتَارَة يراعيه وَتارَة لَا يراعيه. تَنْبِيه: إِنَّمَا قُلْنَا لَا يُداعى النَّاظِم مَسْأَلَة مُرَاعَاة الْخلاف الَّذِي هُوَ إِعْمَال دَلِيل الْخصم الخ لِأَن ذَلِك من دأب الْمُجْتَهدين الناظرين فِي الْأَدِلَّة، فَحَيْثُ ترجح عِنْدهم دَلِيل الْخصم فِي لَازم مَدْلُوله أعملوه وَحَيْثُ لم يتَرَجَّح أهملوه، والناظم إِنَّمَا هُوَ ناظم لكَلَام الْفُقَهَاء الْمُتَقَدِّمين فَهُوَ وَإِن ذكر حكما وَجهه عِنْد من قَالَ بِهِ مُرَاعَاة للْخلاف لَكِن لَا يذكر فِيهِ خلافًا، بل يجْزم بالحكم الَّذِي جزم بِهِ الْمُجْتَهد من غير ذكر خلاف أصلا كَقَوْلِه: ففسخ فَاسد بِلَا وفَاق بِطَلْقَة تعد فِي الطَّلَاق وَإِن يمت قبل وُقُوع الْفَسْخ فِي ذَا فَمَا لإرثه من نسخ ... الخ فَضِمْنُهُ الْمُفِيدُ وَالْمُقَرِّبُ والْمَقْصَدُ المَحْمُودُ والمُنْتَخبُ (فضمنه) : بِكَسْر الضَّاد بِمَعْنى الْمَضْمُون كالذبح بِمَعْنى الْمَذْبُوح وَهُوَ مُبْتَدأ خَبره (الْمُفِيد) أَي مُفِيد الْحُكَّام لِابْنِ هِشَام (والمقرب) لِابْنِ أبي زمنين بِفَتْح الزَّاي وَالْمِيم وَكسر النُّون (والمقصد الْمَحْمُود) لِابْنِ الْقَاسِم الجزيري (والمنتخب) لِابْنِ أبي زمنين أَيْضا وَمَعْنَاهُ أَن هَذَا النّظم تضمن أَي اشْتَمَل على فَوَائِد ونفائس من هَذِه الْكتب، وَلَا يَعْنِي أَن نظمه هَذَا اشْتَمَل على جَمِيع مَا فِيهَا بل وَلَا على جله، وَلَعَلَّه إِنَّمَا خص هَذِه الْكتب بِالذكر لتتم لَهُ التورية بِأَن كِتَابه هَذَا مُفِيد مقرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 مَحْمُود منتخب، وإلاَّ فكثيراً مَا يُحَاذِي عبارَة ابْن سَلمُون فَلَو قيل إِنَّه تضمنه مَا بعد. نَظَمْتُهُ تَذْكِرَةً وَحَيْثُ تَمَّ بِمَا بِهِ الْبَلْوَى تَعُمّ قَدْ أَلَمَّ (نظمته) أَي: جمعته من قَوْلهم: نظمت العقد إِذا جمعت جواهره على وَجه يستحسن. (تذكرة) : مفعول لأَجله فَهُوَ بَيَان للسبب الْحَامِل لَهُ على نظمه أَي نظمته لأجل أَن يتَذَكَّر بِهِ الْعَالم مثله مَا ذهل عَنهُ ونسيه. يُرِيد: وتبصرة لمن لم يتَقَدَّم لَهُ علم بِمَا فِيهِ من الصغار والكبار فَهُوَ كَقَوْل ابْن بري: يكون للمبتدئين تبصره وللشيوخ المقرئين تذكره وكقول الْعِرَاقِيّ فِي ألفيته الحديثية: نظمتها تبصرة للمبتدي تذكرة للمنتهى والمسند (وَحَيْثُ) : ظرف زمَان يتَعَلَّق بقوله سميته وَالْوَاو دَاخِلَة على قَوْله سميته. وَقَوله: (تمّ) بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة فَوق أَي كمل، وفاعله ضمير يعود على النّظم، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حِين إِلَيْهَا، وَقَوله: (بِمَا) يتَعَلَّق بقوله ألم وَمَا وَاقعَة على الْأَحْكَام. (بِهِ) يتَعَلَّق بقوله تعم، وَقَوله: (الْبلوى) : مُبْتَدأ وَمَعْنَاهُ المحنة وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (ائْذَنْ لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ على بلوى تصيبه) وَالْمرَاد محنة الْقَضَاء لمن ابْتُلِيَ بِهِ. (تعم) : خبر الْمُبْتَدَأ وَالْجُمْلَة صلَة مَا والرابط الضَّمِير الْمَجْرُور بِالْيَاءِ (قد ألم) بِفَتْح الْهمزَة بِمَعْنى أشعر وَهُوَ فعل مَاض وفاعله ضمير يعود على النّظم وَالْجُمْلَة حَال من فَاعل تمّ. سَمَّيْتُهُ: بِتُحْفَةِ الْحُكّامِ فِي نُكَتِ الْعُقُودِ وَالأحْكَامِ (سميته) فعل وفاعل ومفعول (بتحفة) يتَعَلَّق بِهِ (الْحُكَّام) مُضَاف إِلَيْهِ وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة نظمته وَالتَّقْدِير نظمته تذكرة وسميته حِين كمل حَاله كَونه ملماً أَي مشعراً بِمَا الْبلوى تعم بِهِ الْقُضَاة بتحفة الْحُكَّام. والتحفة: مَا يتحف بِهِ الرجل من الْإِحْسَان واللطف، وَيحْتَمل أَن يكون الظّرْف ضمن معنى الشَّرْط، وَقَوله: سميته هُوَ جَوَابه، وَالتَّقْدِير: وَلما تمّ هَذَا النّظم وكمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 حَال كَونه مشعراً بِمَا الْبلوى تعم بِهِ سميته الخ. وَهَذَا الْوَجْه أظهر معنى، وعَلى كلا الإعرابين فَكَلَامه صَرِيح فِي أَن التَّسْمِيَة وَالْخطْبَة تأخرتا عَن نظم الْكتاب والفراع مِنْهُ. (فِي نكت) بِالْمُثَنَّاةِ فَوق يتَعَلَّق بتحفة وَهُوَ جمع نُكْتَة بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة أَيْضا وَهِي التَّنْبِيه على مَا ينبو عَنهُ النّظر وَلَا يدْرك بِسُرْعَة (الْعُقُود) مُضَاف إِلَيْهِ جمع عقد، وَالْمرَاد بهَا الصكوك والوثائق الْمَكْتُوب فِيهَا مَا انبرم بَين الْمُتَعَاقدين من بيع أَو نِكَاح أَو غَيرهمَا. (وَالْأَحْكَام) : مَعْطُوف على الْعُقُود جمع حكم وَهُوَ الْإِخْبَار بِحكم شَرْعِي على وَجه الْإِلْزَام على مَا يَأْتِي أول بَاب الْقَضَاء، وَهَذِه التَّسْمِيَة مشعرة بِأَن للناظم كلَاما على الوثائق وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الْفِقْه الْمَذْكُور فِي النّظم هُوَ الَّذِي بنيت عَلَيْهِ الْعُقُود، وَبِه رسمت الوثائق فمعرفته طَرِيق لمعْرِفَة مَا يَصح من الوثائق وَمَا يبطل مِنْهَا، أَلا ترى أَنه ذكر الرَّهْن مثلا وأركانه وشروطه، وَأَنه إِذا لم يُوجد الرُّكْن أَو الشَّرْط فِي وثيقته بطلت وَلم ينْتَفع صَاحبهَا بهَا فَقَالَ: الرَّهْن تَوْثِيق بِحَق الْمُرْتَهن وَإِن حوى قَابل غيبَة ضمن إِلَى أَن قَالَ: والحوز من تَمَامه وَإِن حصل وَلَو معاراً عِنْد رَاهن بَطل إِلَى أَن قَالَ أَيْضا: وَالشّرط أَن يكون مَا يرتهن مِمَّا بِهِ اسْتِيفَاء حق يُمكن إِلَى أَن قَالَ: وَجَاز فِي الرَّهْن اشْتِرَاط المنفعه إِلَّا فِي الْأَشْجَار فَكل مَنعه وَهَكَذَا فعل فِي غَيره من الْأَبْوَاب فَقَالَ فِي الضَّمَان أَيْضا: وَإِن ضَمَان الْوَجْه جَاءَ مُجملا أَي فِي الْوَثِيقَة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 فَالْحكم أَن المَال قد تحملا وَأَشَارَ إِلَى شَرطه بقوله: وَهُوَ من الْمَعْرُوف فالمنع اقْتضى من أَخذه أجرا بِهِ أَو عوضا يَعْنِي: أَنه إِذا وجد فِي الْوَثِيقَة أَنه أَخذ بِهِ أجرا أَو عوضا فَهُوَ بَاطِل، وَهَكَذَا فعل النَّاظِم وَغَيره فِي سَائِر أَبْوَاب الْفِقْه فالفقه الَّذِي ذَكرُوهُ عَلَيْهِ تنبني وثائق تِلْكَ الْأَبْوَاب وَلَيْسَ للتوثيق أَرْكَان وشروط خَارِجَة عَن الْفِقْه الَّذِي ذَكرُوهُ كَمَا ظَنّه كثير من جهلة الطّلبَة، وَهَذَا هُوَ السَّبَب فِي تعرضنا لغالب وثائق أَبْوَاب هَذَا النّظم ليعلم الْوَاقِف عَلَيْهَا أَن مدَار الوثائق كلهَا على الْفِقْه، وَيعلم أَن بعض ألفاظها إِنَّمَا يذكر لزِيَادَة الْبَيَان كَمَا ستراه إِن شَاءَ الله، أَو للِاحْتِيَاط وَالْخُرُوج من الْخلاف كَقَوْلِه فِي الْهِبَة: وَحَيْثُ جَازَ الاعتصار يذكر وَضمن الْوِفَاق فِي الْحُضُور إِن كَانَ الاعتصار من كَبِير وَكَقَوْلِه فِي الضَّمَان: وَلَا اعْتِبَار بِرِضا من ضمنا. الخ فرضاه لَا يشْتَرط فِي صِحَة الضَّمَان، وَلَكِن لذكره فَائِدَة كَمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله، وَكَذَا إِنْزَال البَائِع المُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَاهُ من الْأُصُول أَي إقباضه إِيَّاه كَمَا يَأْتِي فِي وَثِيقَة البيع صدر الْبيُوع وَعند قَوْله فِي الِاسْتِحْقَاق: وناب عَن حِيَازَة الشُّهُود. الخ. وَذَاكَ لمَّا أَن بُلِيتُ بِالقَضَا بَعْدَ شَبَابٍ مَرَّ عَنِّي وانْقَضَى (وَذَاكَ) النّظم وَالتَّسْمِيَة كَانَا (لما) حِين خبر كَانَ المحذوفة كَمَا قَررنَا وَكَانَ مَعَ خَبَرهَا خبر اسْم الْإِشَارَة (أَن) زَائِدَة للتوكيد وزيادتها بعد لما مطردَة كَقَوْلِه تَعَالَى: وَلما أَن جَاءَ البشير} (يُوسُف: 96) وَقَوله: وَلما أَن جَاءَت رسلنَا} (العنكبوت: 33) وَيجوز أَن تكون مَصْدَرِيَّة تسبك هِيَ وَمَا بعْدهَا بمصدر على مَذْهَب الْفَارِسِي الْآتِي. (بليت) بِضَم الْبَاء وَكسر اللَّام مَبْنِيّ للْمَفْعُول وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة لما الحينية إِلَيْهَا (بالقضا) ء يتَعَلَّق بِهِ على حذف مُضَاف أَي بخطة الْقَضَاء. وَالْقَضَاء: الحكم أَي الْإِخْبَار بِحكم شَرْعِي على وَجه الْإِلْزَام كَمَا مر. (بعد) ظرف يتَعَلَّق ببليت أَيْضا (شباب) مُضَاف إِلَيْهِ، والشباب عبارَة عَن كَمَال الْقُوَّة بعد الْبلُوغ إِلَى الْأَرْبَعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وَمَا بعد ذَلِك كهولة (مر) : فعل مَاض وفاعله ضمير الشَّبَاب، وَالْجُمْلَة نعت لشباب (عني) يتَعَلَّق بِهِ (وانقضى) مَعْطُوف على مر، وَالتَّقْدِير وَذَاكَ النّظم وَالتَّسْمِيَة كَانَا حِين بليت بخطة الْقَضَاء بعد مُرُور شَبَابِي وانقضائه، وَهَذَا على مَذْهَب الْفَارِسِي وَابْن جني وَمن تبعهما من أَن لما فِي مثل هَذَا التَّرْكِيب بِمَعْنى حِين، وَأما على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ فَهِيَ حرف وجود لوُجُود، فَإِذا قلت: لما جَاءَ زيد جَاءَ عَمْرو فَلَمَّا عِنْد سِيبَوَيْهٍ حرف وجود لوُجُود أَي فوجود مَجِيء زيد لوُجُود مَجِيء عَمْرو أَكَانَ مجيئهما فِي زمن وَاحِد أم لَا. وَعند الْفَارِسِي حِين جَاءَ زيد جَاءَ عَمْرو فَيَقْتَضِي مَجِيء كل مِنْهُمَا فِي زمن وَاحِد وَهُوَ غير لَازم عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور، وَعَلِيهِ فاسم الْإِشَارَة فِي النّظم فَاعل كَانَ محذوفة وَهُوَ الْمُفَسّر لجواب لما وَهِي حرف وجود لوُجُود وَالتَّقْدِير، وَلما بليت بِالْقضَاءِ بعد مُرُور شَبَابِي وانقضائه كَانَ ذَلِك النّظم وَالتَّسْمِيَة، وَكَانَت ولَايَته بخطة الْقَضَاء بِمَدِينَة وادآش فِي صفر عَام عشْرين وَثَمَانمِائَة، ثمَّ نقل عَنْهَا إِلَى قَضَاء الْجَمَاعَة بِحَضْرَة غرناطة فِي الْعَاشِر لذِي الْقعدَة من أَرْبَعَة وَعشْرين قَالَه وَلَده، وَلَا شكّ فِي ذهَاب الشَّبَاب عَنهُ لبلوغه السِّتين على مَا مر فِي تَارِيخ وِلَادَته رحم الله الْجَمِيع بفضله وَكَرمه. وَإنّني أَسْأَلْ مِنْ رَبَ قَضَى بِهِ عَلَيَّ الرِّفْقَ مِنْهُ فِي الْقَضَا (وإنني أسأَل) أَي أطلب بذلة وخضوع لِأَن السُّؤَال من الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى دُعَاء وَعَكسه أَمر وَمن المساوى التمَاس، وَقَالَ بعض السُّؤَال وَالدُّعَاء مُتَرَادِفَانِ وَلَا فرق بَينهمَا وَبَين الْأَمر والالتماس من جِهَة الصِّيغَة الَّتِي تدل على طلب الْفِعْل، وَإِنَّمَا يحصل الْفرق بالمقارنة فَإِن قارنه الاستعلاء فَهُوَ أَمر، وَإِن قارنه التَّسَاوِي فَهُوَ التمَاس، وَإِن قارنه الخضوع فَهُوَ سُؤال (من رب) يتَعَلَّق بأسأل من التربية وَهِي نقل الشَّيْء من أَمر إِلَى أَمر حَتَّى يصل إِلَى غَايَة أرادها المربي، ثمَّ نقل إِلَى الْمَالِك والمصلح للُزُوم التربية لَهما غَالِبا قَالَه السنوسي (قضى) أَي قدر وَحكم فِي أزله (بِهِ) أَي بِالْقضَاءِ أَي بخطته (على) يتَعَلَّق هُوَ وَمَا قبله بقضى وَالْجُمْلَة صفة لرب (الرِّفْق) مفعول بأسأل (مِنْهُ فِي القضا) يتعلقان بالرفق، وَمَعْنَاهُ اللطف ولطف الله بِعَبْدِهِ إِيصَال مُرَاده إِلَيْهِ بلطف، وَفسّر الْجَوْهَرِي والقاموس اللطف بالتوفيق. والتوفيق: خلق الْقُدْرَة على الطَّاعَة. وَقَالَ المتكلمون: اللطف مَا يَقع بِهِ صَلَاح الْمُكَلف عِنْده بِالطَّاعَةِ وَالْإِيمَان دون فَسَاده بالْكفْر والعصيان وعَلى هَذَا فالرفق واللطف والتوفيق أَلْفَاظ مترادفة، فالناظم رَحمَه الله طلب من ربه تَعَالَى الَّذِي قدر وَحكم عَلَيْهِ بِهَذِهِ الخطة فِي أزله أَن يرفق بِهِ فِيهَا رفقا لائقاً بِهِ جلّ جَلَاله من توفيقه للْعَمَل بِالطَّاعَةِ، وَخلق الْقُدْرَة عَلَيْهَا وَعدم الْوُقُوع فِي الْمعْصِيَة وَخلق الْقُدْرَة على تَركهَا وإتحافه بِالنعَم واللطف بِهِ فِي أَحْوَاله كلهَا. وَهَذَا التَّعْمِيم مُسْتَفَاد من أل الاستغراقية. وَالْحَمْلَ وَالتَّوْفِيقَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أُمَّةٍ بِالحَقِّ يَعْدِلُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 (وَالْحمل) أَي وأسأله قُوَّة الْحمل لأثقال مَا كلفته من هَذِه الخطة (والتوفيق) تقدم أَنه بِمَعْنى الرِّفْق واللطف وَهُوَ وَمَا قبله معطوفان على الرِّفْق (أَن) بِفَتْح الْهمزَة على حذف الْجَارِي أَي إِلَى أَن (أكون من أمة) أَي جمَاعَة من صفتهمْ قَالَ فيهم جلّ جَلَاله: وَمِمَّنْ خلقنَا أمة يهْدُونَ (بِالْحَقِّ) وَبِه (يعدلُونَ} (الآعراف: 181) . حَتَّى أُرَى مِنْ مَفْرَدِ الثَّلاَثَهْ وَجَنَّةُ الفِرْدَوْسِ لِي وِرَاثَهْ (حَتَّى) بِمَعْنى إِلَى وَهِي معطوفة بِحَذْف العاطف على أَن و (أُرى) بِضَم الْهمزَة مَبْنِيا للْمَفْعُول مَنْصُوبًا بِأَن مضمرة بعْدهَا وَالتَّقْدِير أسأله الرِّفْق وَالْحمل والتوفيق إِلَى أَن أكون وَإِلَى أَن أرى (من مُفْرد الثَّلَاثَة) الَّذين قَالَ فيهم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حَسْبَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: (الْقُضَاة ثَلَاثَة اثْنَان فِي النَّار وَوَاحِد فِي الْجنَّة. رجل عرف الْحق فَقضى بِهِ فَهُوَ فِي الْجنَّة، وَرجل عرف الْحق وَلم يقْض بِهِ فَهُوَ فِي النَّار، وَرجل لم يعرف الْحق فَقضى للنَّاس على جهل فَهُوَ فِي النَّار) (وجنة) بِفَتْح الْجِيم مُبْتَدأ (الفردوس) مُضَاف إِلَيْهِ (لي) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (وراثة) وَالْجُمْلَة حَال من نَائِب أرِي وَالْجنَّة الحديقة ذَات النّخل وَالشَّجر قَالَه فِي الْقَامُوس، والفردوس عِنْد الْعَرَب الْبُسْتَان الَّذِي فِيهِ الْكَرم قَالَه الْفراء. وَقَالَ ابْن عَطِيَّة: الفردوس مَدِينَة الْجنَّة وَهِي جنَّة الأعناب، واللفظة فِيمَا قَالَ مُجَاهِد رُومِية عربت، وَالْعرب تَقول للكروم فراديس اه. وَمعنى كَونهَا وراثة لَهُ أَن يكون من أَهلهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: الَّذين يَرِثُونَ الفردوس هم فِيهَا خَالدُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 11) ويروى: أَن الْجنَّة مائَة دَرَجَة أَعْلَاهَا وأوسطها الفردوس مِنْهَا تفجر الْأَنْهَار وَعَلَيْهَا الْعَرْش فَإِذا سَأَلْتُم الله فَاسْأَلُوهُ الفردوس لَا أحرمنا الله وَجَمِيع الْمُسلمين مِنْهَا آمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 (بَاب الْقَضَاء وَمَا يتَعَلَّق بِهِ) من أَرْكَانه وشروطه وجائزاته ومستحباته وَغير ذَلِك. وَهُوَ لُغَة كَمَا قَالَ أَبُو مَنْصُور الْأَزْهَرِي على وُجُوه مرجعها إِلَى انْقِضَاء الشَّيْء وَتَمَامه اه. الْقُسْطَلَانِيّ فَيرد بِمَعْنى الْأَمر مِنْهُ. وَقضى رَبك وَالْعلم مِنْهُ قضيت لَك بِكَذَا أعلمتك، بِهِ والإتمام مِنْهُ فَإِذا قضيتم الصَّلَاة} (النِّسَاء: 103) ، وَالْفِعْل مِنْهُ فَاقْض مَا أَنْت قَاض، والإرادة مِنْهُ فَإِذا قضى أمرا، وَالْمَوْت مِنْهُ ليَقْضِ علينا رَبك، وَالْكِتَابَة مِنْهُ وَكَانَ أمرا مقضياً، والفصل مِنْهُ، وَقضى بَينهم بِالْحَقِّ، والخلق مِنْهُ، فقضاهن سبع سموات اه وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْقَضَاء الحكم وَفِي التَّبْصِرَة معنى قَوْلهم قضى القَاضِي أَي ألزم الْحق أَهله قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا قضينا عَلَيْهِ الْمَوْت} (سبأ: 14) أَي ألزمناه إِيَّاه. وأصل مشروعيته من الْكتاب قَوْله تَعَالَى: يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة} (ص: 26) الْآيَة. وَقَوله تَعَالَى: إِنَّا أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ لتَحكم بَين النَّاس} (النِّسَاء: 10) وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله} (الْمَائِدَة: 49) وَمن السّنة مَا خرجه التِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُد عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاضِيا إِلَى الْيمن. وَفِي الْمُوَطَّأ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: (إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ وَإِنَّكُمْ تختصمون إِلَيّ وَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض فأقضي لَهُ على نَحْو مَا أسمع) الحَدِيث. ثمَّ إِنَّه من الْعُقُود الْجَائِزَة فَلِكُل مِنْهُمَا الْفَسْخ شرع أم لَا كَمَا يفهم من عجز الْبَيْت الْآتِي. فَمن شبهه بالجعل والقراض مُرَاده فِي مُطلق الْجَوَاز لِأَنَّهُمَا يلزمان بِالشُّرُوعِ بِخِلَافِهِ هُوَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وَهُوَ من فروض الْكِفَايَة حَيْثُ تعدد من فِيهِ أَهْلِيَّته وإلاَّ تعين حِينَئِذٍ وَلزِمَ الْمُتَعَيّن أَو الْخَائِف فتْنَة إِن لم يتول أَو ضيَاع الْحق الْقبُول والطلب، وأجبر عَلَيْهِ وَأَن يضْرب وَإِلَّا فَلهُ الْهَرَب الخ، وَإِنَّمَا كَانَ فرضا لِأَن الْإِنْسَان لَا يسْتَقلّ بِأَمْر دُنْيَاهُ فَيكون طحاناً خبازاً جزاراً حراثاً مثلا، وبالضرورة يحصل التشاجر وَالْخِصَام فاحتيج إِلَى من يقطع ذَلِك وَلكَون الْقطع الْمَذْكُور يحصل بِوَاحِد أَو جمَاعَة كَانَ كِفَايَة ولعظم خطره جَازَ لَهُ الْهَرَب مَعَ عدم الْخَوْف وضياع الْحق أَي وَلَا يتَعَيَّن عَلَيْهِ بِتَعْيِين الإِمَام بِخِلَاف غَيره من فروض الْكِفَايَة (خَ) فِي الْجِهَاد: وَتعين بِتَعْيِين الإِمَام. وَعرفا قَالَ ابْن عَرَفَة: صفة حكمِيَّة توجب لموصوفها نُفُوذ حكمه الشَّرْعِيّ وَلَو بتعديل أَو تجريح لَا فِي عُمُوم مصَالح الْمُسلمين فَتخرج ولَايَة الشرطة والتحكيم وَأَخَوَاتهَا وَالْولَايَة الْعُظْمَى اه. فَقَوله: وَلَو بتعديل الخ مُبَالغَة فِي مُقَدّر أَي نُفُوذ حكمه فِي كل شَيْء وَلَو بتعديل الخ. وَبِذَلِك الْمُقدر تدخل التأجيلات وَنَحْوهَا لِأَنَّهَا أَحْكَام يَنْبَنِي عَلَيْهَا من بعده وَتخرج ولَايَة الشرطة وَأَخَوَاتهَا لِأَنَّهَا خَاصَّة بِبَعْض الْأَشْيَاء كالحسبة بِأَحْكَام السُّوق، وَكَذَا يخرج بقوله ثَبت عِنْدِي كَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحكم كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 قلت: وَالظَّاهِر أَن مفعول قَوْله توجب مَحْذُوف وَأَن نُفُوذ على حذف مُضَاف ومتعلق أَي توجب لموصوفها كَونه بصدد نُفُوذ حكمه، فالصفة إِن كَانَت توجب كَونه بصدد نُفُوذ حكمه فِي كل شَيْء فَمن قَامَت بِهِ قَاض وَإِن كَانَت توجب كَونه بصدد حكمه فِيمَا حكم فِيهِ فَقَط فمحكم، فَالْقَاضِي من ثبتَتْ لَهُ تِلْكَ الصّفة فصل أَو لم يفصل، وَبِه يسْقط قَول (خَ) لم يظْهر لي وَجه خُرُوجه قَالَ: لِأَن الْمُحكم ينفذ حكمه بِكُل شَيْء حكم بِهِ صَوَابا مثل القَاضِي، وَإِنَّمَا يفترقان فِي الْجَوَاز ابْتِدَاء. وَقَول (ت) إِن التَّحْكِيم خَارج بِعُمُوم الْإِضَافَة فِي حكمه أَي جَمِيع أَحْكَامه يرد بِأَن هَذَا الْعُمُوم هُوَ الْمُقدر قبل الْمُبَالغَة وَهُوَ شَامِل للمحكم الْمَذْكُور لِأَنَّهُ أَيْضا تنفذ جَمِيع أَحْكَامه الَّتِي حكمهَا صَوَابا (خَ) وَمضى أَن حكم صَوَابا تَأمل. وَقَوله: حكمِيَّة أَي اعتبارية. وَقَوله: نُفُوذ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة بِمَعْنى الْمُضِيّ واللزوم لَا بِمَعْنى التَّنْفِيذ بِالْفِعْلِ لتعذره فِي الْجَبَابِرَة. وَقَوله: حكمه أَي إِلْزَامه أَي توجب لموصوفها لُزُوم إِلْزَامه، فاللزوم فرع الْإِلْزَام والتنفيذ بِالْفِعْلِ أَمر زَائِد على ذَلِك وَخرج بالشرعي غَيره فَلَا يمْضِي. وَقَوله: وَلَو بتعديل أَو تجريح الخ، قَالَ (ت) لم يظْهر لي وَجه الْمُبَالغَة عَلَيْهِمَا بخصوصهما، فَإِن قيل: لكَونه يسْتَند لعلمه فيهمَا قيل مثلهمَا تَأْدِيب من أَسَاءَ عَلَيْهِ وَضرب خصم لد الخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 قلت: إِنَّمَا قَصده على أَن يُبَالغ على جنس مَا يسْتَند فِيهِ لعلمه، ويكفيه أَن يذكر مِنْهُ بعض أَفْرَاده وَالْمُبَالغَة عَلَيْهِ أولى من الْحُدُود لقُوَّة توهمه وَقَوله: لَا فِي عُمُوم الخ بِهِ خرجت الْولَايَة الْعُظْمَى لِأَن نظرها أوقع لِأَن القَاضِي لَيْسَ لَهُ قسْمَة الْغَنَائِم وَلَا تَفْرِيق الزَّكَاة وَلَا تَرْتِيب الجيوش وَلَا قتال الْبُغَاة وَلَا الإقطاعات. ثمَّ كَمَا يُطلق الْقَضَاء فِي الِاصْطِلَاح على الصّفة الْمَذْكُورَة، كَذَلِك يُطلق على الحكم والفصل فَيُقَال: قَضَاء القَاضِي حق أَو بَاطِل وَتقدم عَن الْجَوْهَرِي أَنه يُطلق على ذَلِك لُغَة. قلت: وَبِاعْتِبَار الْإِطْلَاق الثَّانِي رسمه الْقَرَافِيّ فَقَالَ: الحكم إنْشَاء إِلْزَام أَو إِطْلَاق فالإلزام كَالْحكمِ بِلُزُوم الصَدَاق أَو النَّفَقَة أَو الشُّفْعَة، وَقد يكون بِعَدَمِ الْإِلْزَام كَالْحكمِ بِعَدَمِ لُزُوم مَا ذكر، وَالْإِطْلَاق كَالْحكمِ بِزَوَال الْملك عَن أَرض زَالَ إحياؤها أَو زَوَال ملك الصَّائِد عَن صيد ند الخ، وَكَذَا رسمه ابْن رشد بِاعْتِبَار هَذَا الْإِطْلَاق أَيْضا حَيْثُ قَالَ: هُوَ الْإِخْبَار بِحكم شَرْعِي على وَجه الْإِلْزَام أَي إنْشَاء الْإِخْبَار فَهُوَ مساوٍ لرسم الْقَرَافِيّ إِلَّا أَن الحكم فِي كَلَام ابْن رشد لَا يفسره بالإلزام بل بِالْخِطَابِ أَي بخطاب شَرْعِي، وَالْخطاب الشَّرْعِيّ هُوَ خطاب الله تَعَالَى الْمُتَعَلّق بِفعل الْمُكَلف، ثمَّ تبين لي أَنه يَصح تَفْسِيره بإلزام أَيْضا أَي بإلزام شَرْعِي ألزم الشَّارِع بِهِ عباده على وَجه إِلْزَامه هُوَ لِلْخَصْمَيْنِ أَو أَحدهمَا وكل من الرسمين غير مطرد لصدقهما بحكمي الصَّيْد وَسَائِر الخطط الشَّرْعِيَّة، فَلَو قَالَا إنْشَاء إِلْزَام يُوجب نُفُوذه فِي كل شَيْء وَلَو بتعديل الخ لسلما من ذَلِك، وَالضَّمِير فِي قَوْلنَا يُوجب يعود على الْإِنْشَاء وَفِي قَوْلنَا نُفُوذه يعود على الْإِلْزَام. ثمَّ إِنَّه على الْإِطْلَاق الثَّانِي تعرض لَهُ الْأَحْكَام الْخَمْسَة وَلَا إِشْكَال. وَكَذَا على الأول لِأَن قَوْله نُفُوذ حكمه مَعْنَاهُ كَمَا مرّ لُزُوم إِلْزَامه وإلزامه يعرض لَهُ مَا ذكر وَبِه يسْقط قَول من قَالَ: إِنَّمَا تعرض لَهُ بِاعْتِبَار الْقبُول والطلب لِأَن الْقَضَاء صفة وَلَا شَيْء من الصِّفَات بمعروض للْأَحْكَام الْمَذْكُورَة، ثمَّ إِن المُصَنّف اكْتفى بتعريف القَاضِي عَن تَعْرِيف الْقَضَاء المبوب لَهُ فَقَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 مُنَفِّذٌ بالشِّرْعِ لِلأَحْكَامِ لَهُ نِيِابَةٌ عَنِ الإمَامِ (منفذ) أَي هُوَ القَاضِي الْمَفْهُوم من الْقَضَاء منفذ الخ لِأَن الْقَضَاء على مَعْنَاهُ من المصدرية لَا بُد لَهُ من شخص يقوم بِهِ، وَيحْتَمل أَن يُرِيد بِالْقضَاءِ الْوَصْف أَي بَاب القَاضِي وعَلى كل فَفِي الْكَلَام اسْتِخْدَام لِأَنَّهُ فِي الأول أطلق الْقَضَاء على مَعْنَاهُ المصدري، وَأعَاد عَلَيْهِ الضَّمِير الْمُقدر قبل قَوْله منفذ بِاعْتِبَار الْوَصْف، وَفِي الثَّانِي أطلقهُ على الْوَصْف وَأعَاد عَلَيْهِ الضَّمِير فِي بِهِ بِاعْتِبَار مَعْنَاهُ المصدري و (بِالشَّرْعِ) وَهُوَ مَا شَرعه الله للعباد يتَعَلَّق بِهِ، وَكَذَا قَوْله (للْأَحْكَام) وأل فِيهِ للاستغراق فَتخرج بِهِ سَائِر الخطط لِأَن أَحْكَامهَا خَاصَّة بِبَعْض الْأَشْيَاء كَمَا مر مَا عدا الْإِمَامَة الْعُظْمَى أخرجهَا بقوله: (لَهُ) أَي القَاضِي (نِيَابَة عَن الإِمَام) فَهُوَ من تَمام الْحَد، وَالْجُمْلَة خبر ثَان وَكَأَنَّهُ قَالَ القَاضِي هُوَ النَّائِب عَن الإِمَام فِي تَنْفِيذ جَمِيع الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة أَي إلزامها نفذت بِالْفِعْلِ أم لَا، فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن الْقَضَاء بِالْمَعْنَى المصدري هُوَ نِيَابَة عَن الإِمَام فِي تَنْفِيذ الْأَحْكَام إِلَخ، إِذْ يلْزم من تَعْرِيف الْفَرْع تَعْرِيف الأَصْل، وَأَن النَّائِب لَا يقوى قُوَّة المنوب عَنهُ فَلَيْسَ لَهُ النّظر فِي تجهيز الجيوش وَقسم الْغَنَائِم وَنَحْو ذَلِك مِمَّا مر وَأَن للْإِمَام عَزله لِأَنَّهُ وَكيل عَنهُ وَكَذَا لَهُ هُوَ عزل نَفسه لِأَنَّهُ من الْعُقُود الْجَائِزَة شرع أم لَا كَمَا فِي ضيح وَابْن فَرِحُونَ وَغَيرهمَا. وَقَوله: للْأَحْكَام جمع حكم وَهُوَ مَا يلْزمه القَاضِي لأحد الْخَصْمَيْنِ، ثمَّ إِن حكم فِي مَسْأَلَة اجتهادية تتقارب فِيهَا المدارك لأجل مصلحَة دنيوية فمحكمة إنْشَاء، فَإِذا قضى الْمَالِكِي مثلا بِلُزُوم الطَّلَاق فِي الَّتِي علق طَلاقهَا على نِكَاحهَا فقضاؤه إنْشَاء نَص خَاص وَارِد من قبله سُبْحَانَهُ فِي خُصُوص هَذِه الْمَرْأَة الْمعينَة فَلَيْسَ للشَّافِعِيّ أَن يُفْتِي فِيهَا بِعَدَمِ لُزُوم الطَّلَاق استناداً لدليله الْعَام الشَّامِل لهَذِهِ الصُّورَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 ولغيرها لِأَن حكم الْحَاكِم فِيهَا جعله الله تَعَالَى نصا خَاصّا وارداً من قبله رفعا للخصومات وقطعاً للمشاجرة وَالْقَاعِدَة الْأُصُولِيَّة إِذا تعَارض خَاص وعام قدم الْخَاص. نعم للشَّافِعِيّ أَن يُفْتِي وَيحكم فِي غَيرهَا بِمُقْتَضى دَلِيله، وَكَذَا لَو حكم الشَّافِعِي فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة باستمرار الزَّوْجِيَّة بَينهمَا خرجت عَن دَلِيل الْمَالِكِي وَلَزِمَه أَن يُفْتِي فِيهَا بِلُزُوم النِّكَاح ودوامه وَفِي غَيرهَا بِلُزُوم الطَّلَاق. وَهَكَذَا حكمه فِي مَوَاطِن الْخلاف كَانَ دَاخل الْمَذْهَب أَو خَارجه وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَرفع الْخلاف الخ. قلت: وَهَذَا فِي الْمُجْتَهد أَو الْمُقَلّد الَّذِي مَعَه فِي مَذْهَب إِمَامه من النّظر مَا يرجح بِهِ أحد الدَّلِيلَيْنِ على الآخر، وَأما غَيرهمَا فمحجر عَلَيْهِ الحكم بِغَيْر الْمَشْهُور أَو الرَّاجِح أَو مَا بِهِ الْعَمَل فَحكمه بذلك إِخْبَار وتنفيذ مَحْض. نعم إِذا تساوى الْقَوْلَانِ فِي التَّرْجِيح فَحكمه إنْشَاء رفع للْخلاف، وَخرج باجتهادية حكم حكمه فِي مَوَاضِع الْإِجْمَاع فَإِنَّهُ إِخْبَار مَحْض لَا إنْشَاء فِيهِ لتعين الحكم بذلك وثبوته وبقيد التقارب الخ الْمدْرك الضَّعِيف كالشفعة للْجَار واستسعاء الْمُعْتق فَالْحكم بسقوطهما إِخْبَار مَحْض وَالْحكم بثبوتهما ينْقض لضعف الْمدْرك عِنْد الْقَائِل بِهِ، وبقيد الْمصلحَة الدُّنْيَوِيَّة الْعِبَادَات كتحريم السبَاع وطهارة الْأَوَانِي والمياه، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا اخْتلف فِيهِ أهل الِاجْتِهَاد لَا للدنيا بل للآخرة، فَهَذِهِ تدْخلهَا الْفَتْوَى فَقَط إِذْ لَيْسَ للْحَاكِم أَن يحكم بِأَن هَذِه الصَّلَاة صَحِيحَة أَو بَاطِلَة بِخِلَاف الْمُنَازعَة فِي الْأَمْلَاك والأوقاف والرهون، وَنَحْوهَا مِمَّا اخْتلف فِيهَا لمصْلحَة الدُّنْيَا، وَكَذَا أَخذه لِلزَّكَاةِ فِي مَوَاطِن الْخلاف فَهُوَ حكم من جِهَة أَنه تنَازع بَين الْفُقَرَاء والأغنياء لَا أَن أخبر عَن نِصَاب اخْتلف فِيهِ أَنه يُوجب الزَّكَاة ففتوى فَقَط ثمَّ لَا يتَوَقَّف حكمه على قَوْله حكمت بل إِن لم يفعل أَكثر من تَقْرِير الْحَادِثَة أَو سُكُوته كَمَا لَو رفعت إِلَى حَنَفِيّ امْرَأَة زوجت نَفسهَا بِغَيْر ولي فَسكت عَنْهَا، فَالْحكم عِنْد ابْن الْقَاسِم لَيْسَ لمن أَتَى بعده من مالكي أَو غَيره النّظر فِي خُصُوص تِلْكَ الْحَادِثَة لِأَن إِقْرَاره إِيَّاه كَالْحكمِ بإجازته. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: لَيْسَ بِحكم فَإِن قَالَ عِنْد رَفعهَا إِلَيْهِ أَنا لَا أُجِيز النِّكَاح بِغَيْر ولي من غير أَن يحكم بفسخه ففتوى فَقَط قَالَه ابْن شَاس وَتَبعهُ غَيره. وَقَالَ ابْن عَرَفَة: الظَّاهِر أَنه حكم فَلَيْسَ لغيره نقضه وَهُوَ الْمُوَافق لما مر لِأَن قَوْله: أَنا لَا أُجِيز النِّكَاح بِغَيْر ولي إِخْبَار عَن رَأْيه ومعتقده، وَلَا يلْزم من ذَلِك فَسخه، وَإِذا لم يلْزم بَقِي ساكتاً عَنهُ وَالسُّكُوت تَقْرِير لَهُ وَهُوَ حكم عِنْد ابْن الْقَاسِم، وَاخْتلف فِي قَوْله: ثَبت عِنْدِي كَذَا هَل هُوَ وَالْحكم بِمَعْنى أَو الثُّبُوت غير الحكم وَهُوَ الصَّوَاب لِأَنَّهُ يُوجد بِدُونِهِ كثبوت هِلَال رَمَضَان، وطهارة الْمِيَاه ونجاستها وَالتَّحْرِيم بَين الزَّوْجَيْنِ بِالرّضَاعِ حَيْثُ لَا تنَازع بَينهمَا فِيهِ، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا تدخله الْأَحْكَام وَإِذا وجد بِدُونِ حكم كَانَ أَعم مِنْهُ، والأعم من الشَّيْء غَيره ثمَّ الَّذِي يفهم من الثُّبُوت نهوض الْحجَّة كالبينة وَنَحْوهَا السالمة من الطعْن فَمَتَى وجد ذَلِك يَقُول فِيهِ القَاضِي ثَبت عِنْدِي كَذَا، وَقد يُوجد الحكم أَيْضا بِدُونِ الثُّبُوت كَالْحكمِ بِالِاجْتِهَادِ فِي قدر التأجيلات وَنَحْوهَا، فبينهما حِينَئِذٍ الْعُمُوم وَالْخُصُوص من وَجه، وَأَيْضًا يفرق بَينهمَا بِأَن ثُبُوت الْحجَّة مُغَاير للْكَلَام النفساني الإنشائي الَّذِي هُوَ الحكم، وَلَا يخفى أَن نهوض الْحجَّة مقدم على الحكم فَهُوَ غَيره قطعا. قَالَ الْقَرَافِيّ: وَقد علمت مِنْهُ أَن قَول القَاضِي أعلم بِثُبُوتِهِ أَو باستقلاله أَو ثَبت عِنْدِي وَنَحْوه يكون بعد كَمَال الْبَيِّنَة وَقبل الْإِعْذَار فِيهَا، لِأَن الْأَعْذَار فرع ثُبُوتهَا وقبولها فَلَا يعْذر للخصم فِي شَيْء لم يثبت عِنْده، وَفعله جعل إِذْ الْإِعْذَار سُؤال الْحَاكِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 من توجه عَلَيْهِ الحكم هَل لَهُ مَا يسْقطهُ وَيمْتَنع سُؤَاله قبل الْأَدَاء وَالْقَبُول والثبوت. وَقَوله فِي النَّص السالمة من الطعْن يَعْنِي فِي ظَنّه واعتقاده لِأَنَّهُ يسند لعلمه فِي ذَلِك فَقَوْل (ت) وَلَا يكون أَي الثُّبُوت إِلَّا بعد كَمَال الْبَيِّنَة والإعذار فِيهَا سَهْو بل يكون الثُّبُوت فِيمَا لَا خُصُومَة فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا مرّ. تَنْبِيهَات الأول: قَالَ الْقَرَافِيّ: الْفَتْوَى وَالْحكم كِلَاهُمَا خبر عَن الله تَعَالَى، وَيجب على السَّامع اعْتِقَاد ذَلِك إِلَّا أَن الْفَتْوَى مَحْض إِخْبَار وَالْحكم إِخْبَار مَعْنَاهُ الْإِنْشَاء والإلزام، وَكِلَاهُمَا يلْزم الْمُكَلف، فالمفتي مَعَ الله تَعَالَى كالمترجم مَعَ القَاضِي ينْقل عَنهُ مَا وجده عِنْده واستفاده مِنْهُ بِإِشَارَة أَو عبارَة أَو فعل أَو تَقْرِير أَو ترك، وَالْحَاكِم مَعَ الله تَعَالَى كنائب الْحَاكِم ينشىء الْأَحْكَام والإلزام وَلَيْسَ بناقل ذَلِك بل مستنبئه فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: أَي شَيْء حكمت بِهِ على الْقَوَاعِد فقد جعلته حكمي، فكلاهما مُطِيع لله تَعَالَى ناقل لحكمه غير أَن أَحدهمَا منشىء وَالْآخر ناقل اه. وَقَوله: وَيجب على السَّامع اعْتِقَاد ذَلِك الخ. من أجل ذَلِك قَالَ قَاض لخصم اتهمه فِي حكمه لست بِمُؤْمِن، فَقَالَ وَبِمَ كفرتني؟ فَقَالَ لَهُ قَالَ تَعَالَى: فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك} إِلَى آخر قَوْله: ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجاً} (النِّسَاء: 56) الْآيَة. الثَّانِي: علما الْقَضَاء وَالْفَتْوَى أخص من الْعلم بالفقه لِأَن مُتَعَلق الْفِقْه كلي من حَيْثُ صدق كليته على جزئيات فحال الْفِقْه من حَيْثُ هُوَ فَقِيه كَحال عَالم بكبرى قِيَاس الشكل الأول فَقَط، وَحَال القَاضِي والمفتي كَحال عَالم بهَا مَعَ علمه بصغراه وَلَا خَفَاء أَن الْعلم بهما أشق وأخص، وَأَيْضًا فقها الْقَضَاء وَالْفَتْوَى مبنيان على إِعْمَال النّظر فِي الصُّور الْجُزْئِيَّة وَإِدْرَاك مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من الْأَوْصَاف الكائنة فِيهَا فيلغي طرديها وَيعْمل معتبرها قَالَه ابْن عَرَفَة فَقَوله: وَأَيْضًا فقها الخ، هُوَ بَيَان لوجه كَونهمَا أخص بعد أَن بَينه بالمثال وَقَوله: طرديها أَي الْأَوْصَاف الطردية الَّتِي لَا تنبني على وجودهَا أَو فقدها ثَمَرَة، وَهَذَا وَجه تخطئة الْمُفْتِينَ والقضاة لبَعْضهِم بَعْضًا، فقد يَبْنِي القَاضِي والمفتي حكمه على الْأَوْصَاف الطردية المحتفة بالنازلة ويغفل عَن أوصافها الْمُعْتَبرَة، وأصل مَا ذكره ابْن عَرَفَة لِابْنِ عبد السَّلَام. وَنَصه: وَعلم الْقَضَاء وَإِن كَانَ أحد أَنْوَاع علم الْفِقْه وَلكنه يتَمَيَّز بِأُمُور لَا يحسنها كل الْفُقَهَاء، وَرُبمَا كَانَ بعض النَّاس عَارِفًا بفصل الْخِصَام وَإِن لم يكن لَهُ بَاعَ فِي غير ذَلِك من أَبْوَاب الْفِقْه، كَمَا أَن علم الْفَرَائِض كَذَلِك وَلَا غرابة فِي امتياز علم الْقَضَاء عَن غَيره من أَنْوَاع الْفِقْه، وَإِنَّمَا الغرابة فِي اسْتِعْمَال كليات الْفِقْه وتطبيقها على جزئيات الوقائع وَهُوَ عسير، فتجد الرجل يحفظ كثيرا من الْعلم وَيفهم وَيعلم غَيره، وَإِذا سُئِلَ عَن وَاقعَة بِبَعْض الْعَوام من مسَائِل الْإِيمَان وَنَحْوهَا لَا يحسن الْجَواب عَنْهَا، وللشيوخ فِي ذَلِك حكايات نبه ابْن سهل فِي أول كِتَابه على بَعْضهَا اه. وَبِه تعلم أَن معنى قَوْله فِي ضيح: وَعلم الْقَضَاء وَإِن كَانَ أحد أَنْوَاع الْفِقْه، لكنه يتَمَيَّز بِأُمُور لَا يحسنها كل الْفُقَهَاء، وَقد يحسنها من لَا بَاعَ لَهُ فِي الْفِقْه اه. هُوَ أَنه من لَا بَاعَ لَهُ فِي حفظ مسَائِل الْفِقْه، لكنه مَعَه من الفطنة مَا يدْخل بِهِ الجزئيات تَحت كلياتها بِخِلَاف غَيره، فَهُوَ وَإِن كَانَ كثير الْحِفْظ لمسائله لَكِن لَيْسَ مَعَه من تِلْكَ الفطنة شَيْء كَمَا يرشد إِلَيْهِ كَلَام ابْن عبد السَّلَام، وَلذَلِك نقلته برمتِهِ. وَكثير من الحمقاء اغْترَّ بِظَاهِر كَلَام ضيح حَتَّى قَالَ: إِن الْقَضَاء صناعَة يُحسنهُ من لَا شَيْء مَعَه من الْفِقْه، وَجرى ذَلِك على أَلْسِنَة كثير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 مِنْهُم، وَاحْتَجُّوا بقول المُصَنّف الْآتِي وَيسْتَحب الْعلم فِيهِ الخ وَهُوَ احتجاج سَاقِط. قَالَ ابْن رشد: لَيْسَ الْعلم الَّذِي هُوَ الْفِقْه فِي الدّين بِكَثْرَة الرِّوَايَة وَالْحِفْظ إِنَّمَا هُوَ نور يَضَعهُ الله حَيْثُ شَاءَ، وَقد أجبْت عَن ضيح بِمَا مر قبل الْوُقُوف على كَلَام ابْن عبد السَّلَام وَالله أعلم. الثَّالِث: تثبت ولَايَة الْقَضَاء بِالشَّهَادَةِ على الْإِمَامَة مشافهة أَنه ولى فلَانا أَو بالاستفاضة وانتشار الْخَبَر أَنه ولاه، وَمنع بَعضهم ثُبُوتهَا بِكِتَاب يقْرَأ عَن الإِمَام إِلَّا أَن ينظر الشُّهُود فِيمَا يَقْرَؤُهُ القارىء لجَوَاز أَن يقْرَأ مَا لَيْسَ فِي الْكتاب وتنعقد بِالصَّرِيحِ: كوليتك وقلدتك واستخلفتك واستنبتك وبالكناية: كاعتمدت عَلَيْك وعولت عَلَيْك ورددت إِلَيْك وَجعلت إِلَيْك وفوضت إِلَيْك ووكلت إِلَيْك وأسندت إِلَيْك وعهدت إِلَيْك، وَلَا بُد أَن يقْتَرن بِالْكِنَايَةِ مَا يَنْفِي عَنْهَا الِاحْتِمَال مثل: احكم فِيمَا اعتمدت عَلَيْك فَإِن كَانَ الْمولى بِالْفَتْح غَائِبا فَيجوز قبُوله على التَّرَاخِي وَيَكْفِي فِي الْقبُول شُرُوعه، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ الْقبُول إِذا ولاه الْأَمِير الْغَيْر الْعدْل وَلَا تتمّ تَوليته، حَتَّى يكون المولِي بِالْكَسْرِ عَالما بشرائط الْولَايَة فِي الْمولى بِالْفَتْح وَإِن جهلها وَقت العقد لم تصح واستأنف، وَلَا بُد أَيْضا من تعْيين الْبَلَد الَّذِي عقدت عَلَيْهِ الْولَايَة فِيهِ وَتَعْيِين الخطة من كَونهَا قَضَاء أَو إِمَارَة أَو جباية ليعلم على أَي نظر عقدت لَهُ وإلاَّ فَسدتْ. الرَّابِع: لَا يخفى أَن قَول النَّاظِم منفذ الخ. يتَضَمَّن أَرْكَان الْقَضَاء الْخَمْسَة لِأَن المنفذ يسْتَلْزم مقضياً لَهُ وَعَلِيهِ وَفِيه. وَقَوله: بِالشَّرْعِ هُوَ الْمقْضِي بِهِ وَكَيْفِيَّة الْقَضَاء وَسَتَأْتِي مفصلة إِن شَاءَ الله. لَطِيفَة: نقل الْحطاب عَن المشذالي أَن عمر بن عبد الْعَزِيز كتب إِلَى عَامله بِالْبَصْرَةِ أَن اجْمَعْ بَين إِيَاس بن مُعَاوِيَة وَالقَاسِم بن ربيعَة فولِّ الْقَضَاء أنفذهما، فَجمع الْعَامِل بَينهمَا وَذكر لَهما مَا كتب لَهُ بِهِ فَقَالَ لَهُ إِيَاس: سل عني وَعَن الْقَاسِم فقيهي الْمصر الْحسن الْبَصْرِيّ وَابْن سِيرِين، وَكَانَ إِيَاس لَا يأتيهما وَالقَاسِم يأتيهما، فَعلم الْقَاسِم أَنه إِن سَأَلَهُمَا أشارا بِهِ فَقَالَ لَهُ: لَا تسْأَل عني وَلَا عَنهُ، فوَاللَّه الَّذِي لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; هـ إِلَّا هُوَ إِن إياساً أفقه مني وَأعلم بِالْقضَاءِ، فَإِن كنت كَاذِبًا فَمَا عَلَيْك أَن توليني وَأَنا كَاذِب وَإِن كنت صَادِقا فَيَنْبَغِي لَك أَن تقبل قولي فَقَالَ لَهُ إِيَاس: إِنَّك جِئْت بِرَجُل وأوقفته على شفا جَهَنَّم فنجى نَفسه مِنْهَا بِيَمِين كَاذِبَة فيستغفر الله مِنْهَا وينجو مِمَّا يخَاف فَقَالَ لَهُ الْعَامِل: أما إِنَّك إِذا فهمتها فَأَنت لَهَا فاستقضاه اه. واسْتُحْسِنَتْ فِي حَقَّهِ الْجَزَالَهْ وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَالْعَدَالَهْ (واستحسنت) : أَي اسْتحبَّ (فِي حَقه) أَي القَاضِي (الجزالة) من جزل فَهُوَ جزيل أَي عَاقل أصيل الرَّأْي، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ لازمها الَّذِي هُوَ جودة الفطنة فالمستحب شَيْء خَاص وَهُوَ أَصَالَة الرَّأْي وَكَثْرَة الفطنة الْمُوجبَة للشهرة بهَا بِشَرْط أَن لَا تصل إِلَى حد الدهاء، وإلاَّ فالمطلوب السَّلامَة مِنْهَا، وَأما مُطلق الفطنة الْمَانِع من كَثْرَة التغفل ومشي الْحِيَل عَلَيْهِ فَهُوَ شَرط صِحَة فِي ولَايَته دَاخل فِي قَوْله: (وَشَرطه) أَي شُرُوط صِحَة ولَايَته (التَّكْلِيف) أَي الْعقل وَالْبُلُوغ فَلَا تَنْعَقِد لصبيٍ وَلَا لفاقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 الْعقل من مَجْنُون ومعتوه، إِذْ لَا يجْرِي عَلَيْهِم قلم وَلَا لفاقد تَمَامه كمغفل لِأَن التغفل إِذا كَانَ مَانِعا من الشَّهَادَة فأحرى الْقَضَاء (وَالْعَدَالَة) وَهِي تَسْتَلْزِم الْإِسْلَام وَعدم الْفسق، فالكافر لَا ولَايَة لَهُ لقَوْله تَعَالَى: وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} (النِّسَاء: 141) وَالْفَاسِق كَذَلِك لَا تصح ولَايَته وَلَا ينفذ حكمه وَافق الْحق أم لَا. لِأَنَّهُ لَا تقبل شَهَادَته فأحرى قَضَاؤُهُ وَقَالَ أصبغ: تَنْعَقِد ولَايَته وَيجب عَزله ويمضى من أَحْكَامه مَا وَافق الْحق على الْمَشْهُور، والجور نوع من الْفسق فَإِذا ثَبت جوره فِي قَضِيَّة بِإِقْرَار وَنَحْوه نقضت أَحْكَامه كلهَا. وَمِنْه تَقْدِيمه للشَّهَادَة من يعرف جرحه فَلَا عذر لَهُ فِي أَنه إِنَّمَا يقدمهُ خوفًا من موليه، إِذْ لَا طَاعَة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق. وَفِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا يخَاف الْعَزْل فَقَط. فَإِن قيل: الْعَدَالَة كَمَا تَسْتَلْزِم الْإِسْلَام وَعدم الْفسق كَذَلِك تَسْتَلْزِم الْحُرِّيَّة والتكليف أَيْضا، فَلَو اكْتفى النَّاظِم بهَا وأبدل التَّكْلِيف بالفطنة وَأسْقط الْحُرِّيَّة الْآتِيَة كَمَا فعل خَلِيل حَيْثُ قَالَ: أهل الْقَضَاء عدل ذكر فطن الخ. لَكَانَ أحسن وأخصر. قُلْنَا: الْعَدَالَة عِنْد خَلِيل تَسْتَلْزِم مَا ذكر لِأَنَّهُ فَسرهَا فِي الشَّهَادَات بذلك فَقَالَ: الْعدْل حر مُسلم عَاقل بَالغ بِلَا فسق الخ. فَلذَلِك حسن مِنْهُ الِاكْتِفَاء فِي بَاب الْقَضَاء بِخِلَافِهَا عِنْد النَّاظِم فَإِنَّمَا تَسْتَلْزِم الْإِسْلَام وَعدم الْفسق بِدَلِيل قَوْله الْآتِي: وَالْعدْل من يجْتَنب الْكَبَائِر وَيَتَّقِي فِي الْغَالِب الصَّغَائِر وَأنْ يَكُونَ ذَكَراً حُرًّا سَلِمْ مِنْ فَقْدِ رُؤْيَةٍ وَسَمْعٍ وَكَلِمْ (وَأَن يكون ذكرا) فَلَا تَنْعَقِد ولَايَة الْمَرْأَة لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (لن يفلح قوم ولوا أَمرهم امْرَأَة) وَلِأَن بعض النِّسَاء رُبمَا كَانَت صورتهَا فتْنَة. (حرا) وَلَو عتيقاً على الْمَشْهُور. وَقَالَ سَحْنُون: لَا تصح ولَايَته لِأَنَّهُ قد يستحي فَترد أَحْكَامه، وَأما الرَّقِيق وَلَو بشائبة فَلَا ولَايَة لَهُ لِأَنَّهُ مَمْنُوع من ولَايَة نَفسه، فَكيف لولاية غَيره وَلِأَنَّهُ أثر كفر. وَبَقِي من شُرُوط الصِّحَّة كَونه وَاحِدًا فَلَا تصح تَوْلِيَة اثْنَيْنِ على أَن لَا ينفذ حكم فِي كل قَضِيَّة إِلَّا باجتماعهما مَعًا عَلَيْهِ لاخْتِلَاف الْأَغْرَاض وَتعذر الِاتِّفَاق غَالِبا، وَذَلِكَ يُفْضِي لتعطيل الْأَحْكَام، وَأما تَوْلِيَة كل مِنْهُمَا على سَبِيل الِاسْتِقْلَال فَجَائِز، وَكَذَا فِي قَضِيَّة وَاحِدَة مُعينَة كَمَا فِي ابْن عَرَفَة (خَ) : وَجَاز تعدد مُسْتَقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وخاص بِنَاحِيَة أَو نوع الخ. وَكَونه مُجْتَهدا فَلَا تصح تَوْلِيَة الْمُقَلّد مَعَ وجوده، وَاخْتلف الأصوليون هَل يُمكن خلو زمَان من الْأَزْمِنَة عَن مُجْتَهد أم لَا؟ وَلَا تصح الدَّعْوَى بِعَدَمِ وجوده إِلَّا من مُجْتَهد إِذْ القَوْل بانتفائه فرع إِدْرَاك مرتبته فَإِن لم يُوجد الْمُجْتَهد فَيُسْتَحَب تَوْلِيَة أعلم المقلدين، وَهُوَ مُرَاد خَلِيل بقوله: مُجْتَهد إِن وجد وإلاَّ فأمثل مقلِّد بِكَسْر اللَّام فَحكم بقول مقلَّده بِفَتْحِهَا فكونه أمثل مقلد مُسْتَحبّ لَا وَاجِب كَمَا يُعْطِيهِ كَلَامه. وَكَونه غير دَافع رشوة لتحصيله فَإِن دَفعهَا فَلَا تَنْعَقِد ولَايَته وقضاؤه مَرْدُود، وَلَو وَافق الْحق وتوفرت فِيهِ شُرُوط الْقَضَاء كَمَا فِي التَّبْصِرَة، وَاعْتَمدهُ الزّرْقَانِيّ وَقَول الْحطاب، وَالظَّاهِر أَنه إِذا طلب الْقَضَاء فولي لَا يجب عَزله الخ يَعْنِي إِذا طلبه بِغَيْر رشوة وَالله أعلم. ثمَّ إِنَّه إِذا انْفَرد وَاحِد بِهَذِهِ الشُّرُوط تعين عَلَيْهِ (خَ) : وَلزِمَ الْمُتَعَيّن أَو الْخَائِف فتْنَة إِن لم يتول أَو ضيَاع الْحق الْقبُول والطلب الخ، ابْن عَرَفَة: وَهَذَا كُله مَا لم تكن تَوليته ملزومة لما لَا يحل من تَكْلِيفه تَقْدِيم مَا لَا يحل تَقْدِيمه للشَّهَادَة، وَقد شاهدنا من ذَلِك مَا الله أعلم بِهِ اه. يُرِيد إِنَّمَا يلْزمه الْقبُول تعين أم لَا إِذا كَانَ يعان على الْحق وَإِلَّا لم يلْزمه وَظَاهر قَوْله: (سلم. من فقد رُؤْيَة وَسمع وكلم) أَن السَّلامَة من فقد جَمِيعهَا شَرط صِحَة وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الْمَذْهَب أَن السَّلامَة من فقد أَحدهَا شَرط فِي جَوَاز ولَايَته ابْتِدَاء وَفِي جَوَاز دوامها فَتَصِح ولَايَته بعد الْوُقُوع وَينفذ مَا حكم بِهِ وَيجب عَزله كَمَا أَفَادَهُ خَلِيل بقوله: وَنفذ حكم أعمى وأبكم وأصم وَوَجَب عَزله الخ. قلت: فَلَو قَالَ على مَا مر من أَن الْعَدَالَة تَسْتَلْزِم الْحُرِّيَّة والتكليف مَا نَصه، وَشَرطه الفطنة وَالْعَدَالَة. وَأَن يكون ذكرا وواحداً وعالماً مُجْتَهدا إِن وجدا ورؤية سمع كَلَام إِن سلب وَاحِد ذِي الثَّلَاث فالعزل يجب لسلم مِمَّا ورد عَلَيْهِ هُنَا، وَفِي قَوْله: وَيسْتَحب الْعلم الخ. قلت: وَقد يُجَاب عَن الأول بِأَن إِحْدَى الواوين فِي قَوْله: وَسمع وكلم بِمَعْنى أَو وَالْأُخْرَى بِمَعْنى مَعَ أَي سالما من فقد رُؤْيَة مَعَ سمع أَو كَلَام أَو من فقد سمع مَعَ كَلَام أَي شَرط الصِّحَّة السَّلامَة من فقد اثْنَيْنِ مِنْهَا، فَإِن فقدهما فَلَا تَنْعَقِد ولَايَته وَأَحْرَى أَن فقد الثَّلَاثَة كَمَا صرح بِهِ ابْن عبد السَّلَام. وَأما فقد وَاحِد مِنْهَا فَشرط فِي الْجَوَاز ابْتِدَاء كَمَا مرّ. وَبِه تعلم أَن قَول (ت) : فتنعقد ولَايَة فاقدها أَي الثَّلَاثَة الخ، صَوَابه فَاقِد أَحدهَا، وَعَن الثَّانِي بِأَن الْمُسْتَحبّ فِي قَوْله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وَيُسْتَحَبُّ الْعِلْمُ فِيهِ وَالْوَرَعْ مَعَ كَوْنِهِ الأُصُولَ لِلْفِقْهِ جَمَعْ (وَيسْتَحب الْعلم فِيهِ) على حذف مُضَاف أَي يسْتَحبّ غزارة الْعلم فِيهِ أَي زِيَادَته بِأَن يكون أمثل مقلد وَأفضل مُجْتَهد، أَو على حذف الصّفة كَقَوْلِه تَعَالَى: الْآن جِئْت بِالْحَقِّ} (الْبَقَرَة: 71) أَي الْبَين أَي يسْتَحبّ فِيهِ الْعلم الْموصل للِاجْتِهَاد كَمَا فِي الْمُقدمَات، فَهُوَ يُفِيد شَرْطِيَّة الْعلم فِي الْجُمْلَة، وَأَن الْمُسْتَحبّ علم خَاص وَهُوَ مَا يتَوَصَّل بِهِ للِاجْتِهَاد. ابْن عَرَفَة: فَفِي صِحَة تَوْلِيَة الْمُقَلّد مَعَ وجود الْمُجْتَهد قَولَانِ: لِابْنِ زرقون مَعَ ابْن رشد، وعياض مَعَ ابْن الْعَرَبِيّ، والمازري، وَمَعَ فَقده جَائِز وَمَعَ وجوده الْمُجْتَهد أولى اتِّفَاقًا فيهمَا اه. وَهَذَا الْحمل وَإِن كَانَ يَقْتَضِي أَن الْمُقَلّد تصح تَوليته مَعَ وجود الْمُجْتَهد وَهُوَ مَرْجُوح كَمَا مرّ، لَكِن حمله عَلَيْهِ أولى من بَقَائِهِ على ظَاهره الْمُقْتَضِي لصِحَّة تَوْلِيَة الْجَاهِل الْمَحْض مَعَ أَنه لَا تَنْعَقِد لَهُ ولَايَة وَلَا ينفذ لَهُ حكم صَادف الْحق أم لَا شاور أم لَا. وَمَا ورد عَن ابْن حبيب وَابْن زرقون وَغَيرهمَا مِمَّا يُوهم صِحَة تَوليته لَيْسَ على ظَاهره، بل المُرَاد بِهِ عِنْدهم الْمُقَلّد كَمَا لأبي الْحسن وَابْن نَاجِي والأبي وَغَيرهم. وَفِي المعيار عَن اليزناسي أَنه لَا خلاف فِي جَوَاز تعقب أَي تصفح أَحْكَام الْمُقَلّد وَهُوَ الَّذِي يعبر عَنهُ فِي كتاب أَئِمَّتنَا بالجاهل اه. وَفِي أول جَامع الْبُرْزُليّ بعد أَن ذكر حَقِيقَة الِاجْتِهَاد وشروط الْمُجْتَهد مَا نَصه: والعامي من لَيْسَ لَهُ مَا ذكرنَا من آلَة الِاجْتِهَاد، فالمقلد وَالْجَاهِل والعامي عِنْدهم أَلْفَاظ مترادفة، وَبِهَذَا تعلم أَن المُرَاد بالجاهل فِي قَول (خَ) : أَو جَاهِل لم يشاور الخ الْمُقَلّد، وَأَن أَحْكَامه إِذا لم يشاور فِيهَا تتعقب أَي تتصفح فَيرد خطؤها ويمضي غَيره، وَأَن قَوْله: وَرفع الْخلاف. وَقَوله: وَلَا يتعقب حكم الْعدْل الْعَالم إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُجْتَهد وَلَو فِي مَذْهَب إِمَامه، فَيدْخل نَحْو ابْن رشد وَاللَّخْمِيّ وَمن بعدهمْ من الْمُتَأَخِّرين الَّذِي لَهُم تصرف فِي القياسات وَإِدْخَال الجزئيات تَحت كلياتها، وَلَيْسَ المُرَاد خُصُوص الْمُجْتَهد الْمُطلق، وَأما الْمُقَلّد فَلَا يرفع الْخلاف وتتعقب أَحْكَامه وَلَا يعْتَبر مِنْهَا إِلَّا مَا وَافق الْمَشْهُور أَو الرَّاجِح أَو مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا مرّ. فَإِن قيل: الْجَاهِل الْحَقِيقِيّ إِذا شاور صَار مُقَلدًا وَحِينَئِذٍ فَتجوز تَوليته حَيْثُ دخل على الْمَشْهُورَة. قُلْنَا: هُوَ لَا يُمَيّز بَين الْحق وَالْبَاطِل وَلَا بَين مَا يجب قبُوله من أحد الْخَصْمَيْنِ وَمَا لَا، وَمَا يُوجب على خَصمه حَقًا أَو جَوَابا وَمَا لَا، وَإِن كتب لَهُ عَمَّا سَأَلَ عَنهُ لم يفهم مواقع الْجَواب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وَمَا يعرض فِيهِ من الِاحْتِمَال بِحَيْثُ يُعِيد عَنهُ السُّؤَال وَنَحْو ذَلِك. فَكيف تَنْعَقِد ولَايَته وتنفذ أَحْكَامه وَلَا سِيمَا مَعَ اخْتِلَاف المشاورين عَلَيْهِ إِذْ الْحَاكِم لَا يحكم بقول مشاوره بِالْفَتْح تقليداً لَهُ كَمَا لِابْنِ عبد الْبر حَتَّى يتَبَيَّن لَهُ الْحق بِالدَّلِيلِ الَّذِي تبين بِهِ للمشاور، وهم إِذا اخْتلفُوا لم يعلم بِمَاذَا يَأْخُذ بِخِلَافِهِ إِذا كَانَ فَقِيها فَإِنَّهُ وَإِن أَمر بالمشورة، لَكِن إِذا اخْتلفُوا عَلَيْهِ اجْتهد فِي اخْتلَافهمْ وترقى أحسن أقاويلهم، وأمعن النّظر فِي دلائلهم وَالله أعلم. ابْن مُحرز: إِن حكم بِالظَّنِّ والتخمين من غير قصد إِلَى الِاجْتِهَاد فِي الْأَدِلَّة فَذَلِك بَاطِل لِأَن الحكم بالتخمين فسق وظلم وَخلاف الْحق، وَيفْسخ هَذَا الحكم هُوَ وَغَيره إِذا ثَبت عِنْد الْغَيْر أَنه على هَذَا حكم اه. وَفِي أقضية الْبُرْزُليّ: لَا خلاف أَن الحكم بالحزر والتخمين لَا يجوز. قَالَ شَيخنَا الإِمَام: وَكَثِيرًا مَا رَأَيْت بَعضهم يحكم فِي النَّازِلَة وَهُوَ لَا يسْتَند لنقل يذكرهُ لما استقرى من حَاله إِذا رُوجِعَ فِي بعض أَحْكَامه لَا يسْتَند لنقل وَلَا قِيَاس اه. على نقل الْبُرْزُليّ، وَهَذَا كثير فِي بعض قُضَاة الكور. ابْن الْحَاجِب: وَهُوَ جور وَفسق وَإِن صَادف الْحق فَالْمَشْهُور فَسخه وَإِن لم يصادفه فالإجماع على فَسخه وإغرام مَا أتْلفه بِحكمِهِ اه. وَهَذَا فِي الْمُقَلّد إِذْ الْجَاهِل لَا يعرف الْأَدِلَّة فضلا عَن الْقَصْد إِلَيْهَا. (والورع) وَهُوَ ترك الشُّبُهَات والتوقف فِي الْأُمُور والتثبت فِيهَا (مَعَ) مُتَعَلق بقوله: يسْتَحبّ و (كَونه) مُضَاف إِلَيْهِ (الحَدِيث) مفعول مقدم و (للفقه) يتَعَلَّق بقوله: (جمع) أَي يسْتَحبّ فِيهِ الْعلم مَعَ كَونه جمع الحَدِيث أَي مدارك أَحْكَامه للفقه بِأَن لَا يكون صَاحب حَدِيث لَا فقه عِنْده وَلَا صَاحب فقه لَا حَدِيث عِنْده. قَالَ أَبُو بكر الطرطوشي: وَجُمْهُور المقلدين فِي هَذَا الزَّمَان لَا تَجِد عِنْدهم من الْآثَار كَبِير شَيْء، وَإِنَّمَا مصحفهم مَذْهَب إمَامهمْ، وَإِنَّمَا اسْتحبَّ فِي الْمُقَلّد مَا ذكره النَّاظِم لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِ أَن لَا يخرج عَن مَشْهُور قَول مقلده بِالْفَتْح، وَلَا يجوز لَهُ عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 عدم وُقُوفه على مَا شهره الشُّيُوخ من الرِّوَايَتَيْنِ أَو الْقَوْلَيْنِ أَن يحكم بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا بِغَيْر نظر فِي التَّرْجِيح فَإِن ذَلِك جهل كَمَا مرّ عِنْد ابْن مُحرز وَلَا يَتَأَتَّى لَهُ النّظر إِلَّا بِالْجمعِ بَين مَا ذكر فَإِن نظر وَلم يظْهر لَهُ دَلِيل التَّرْجِيح أَو لم يكن من أَهله فَقَوْل مَالك فِي الْمُدَوَّنَة مقدم على قَول ابْن الْقَاسِم فِيهَا رَوَاهُ عَنهُ ابْن الْقَاسِم أَو غَيره لِأَنَّهُ الإِمَام الْأَعْظَم. وَقَول ابْن الْقَاسِم فِيهَا مقدم على قَول غَيره فِيهَا وعَلى رِوَايَة غَيره فِي غير مَا عَن الإِمَام، وَقَول غَيره فِيهَا مقدم على قَول ابْن الْقَاسِم فِي غَيرهَا وَذَلِكَ لصحتها، فَإِن فقد ذَلِك فليفزع فِي التَّرْجِيح إِلَى صفاتهم فَيعْمل بقول الْأَكْثَر والأورع والأعلم، فَإِذا اخْتصَّ وَاحِد مِنْهُم بِصفة أُخْرَى قدم الَّذِي هُوَ أَحْرَى مِنْهُمَا بالإصابة، فالأعلم الْوَرع مقدم على الأورع الْعَالم، وَكَذَا لَو وجد قَوْلَيْنِ أَو وَجْهَيْن لم يبلغهُ عَن أحد بَيَان الْأَصَح مِنْهُمَا اعْتبر أَوْصَاف ناقليهما، وَالتَّرْجِيح بِالصّفةِ جَار فِي الْمذَاهب الْأَرْبَعَة، وَمِنْه تَقْدِيم ابْن رشد على ابْن يُونُس وَابْن يُونُس على اللَّخْمِيّ قَالَه المشذالي. وَهَذَا فِيمَا عدا مَا نبه الشُّيُوخ على ضعف كَلَام ابْن رشد فِيهِ، وَلذَا اقْتصر (خَ) فِي عدَّة مَوَاضِع على كَلَام اللَّخْمِيّ دون ابْن رشد مَعَ علمه بِهِ وَنَقله لَهُ فِي ضيح، وَهَذَا كُله فِي قوليهما من عِنْد أَنفسهمَا لَا فِي نقليهما عَن الْمَذْهَب فَإِنَّهُمَا متساويان كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ عِنْد قَوْله فِي الزَّكَاة: كالثمر نوعا أَو نَوْعَيْنِ. وتأمله فَإِنَّهُ لم يظْهر لي وَجهه لِأَنَّهُ إِذا قدم ابْن رشد لشدَّة حفظه وَقُوَّة فهمه فَلَا فرق بَين مَا قَالَاه عَن أَنفسهمَا أَو نَقَلَاه عَن غَيرهمَا، إِذْ الْعلَّة الَّتِي هِيَ شدَّة الْحِفْظ والفهم والتثبت مَوْجُودَة فِي الْجَمِيع وَلم أَقف على التَّفْصِيل الْمَذْكُور لغيره وَالله أعلم. فَإِن تساوى الْقَوْلَانِ عِنْده من كل وَجه وَعجز عَن التَّرْجِيح بِشَيْء مِمَّا ذكر وَغَيره؛ فليحكم بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَلَا يجوز لَهُ وَلَا للمفتي أَن يتساهل فِي الحكم أَو الْفَتْوَى بِأَن يسْرع فِي الحكم أَو الْفَتْوَى قبل اسْتِيفَاء حَقّهمَا من النّظر والفكر، أَو تحمله الْأَغْرَاض الْفَاسِدَة على تتبع الحِيل المحظورة أَو الْمَكْرُوهَة والتمسك بالشبه طلبا للترخيص على من يروم نَفعه من الْجَبَابِرَة والقرابة وَنَحْوهمَا. أَو التَّغْلِيظ على من يروم ضره وَمن فعل مثل هَذَا وَعرف بِهِ فَلَا يجوز أَن يستفتي، وَقد هان عَلَيْهِ دينه نسْأَل الله تَعَالَى الْعَفو والعافية. ثمَّ إِن الْمَشْهُور مَا قوي دَلِيله وَقيل مَا كثر قَائِله، وَالصَّحِيح الأول وَمُقَابل الْمَشْهُور شَاذ وَمُقَابل الْأَشْهر مَشْهُور دونه فِي الشُّهْرَة قَالَه فِي ضيح، ابْن خويز منداد: مسَائِل الْمَذْهَب تدل على أَن الْمَشْهُور مَا قوي دَلِيله وَأَن مَالِكًا رَحمَه الله كَانَ يُرَاعِي من الْخلاف مَا قوي دَلِيله لَا مَا كثر قَائِله. ابْن رشد: وَيُعَكر على الأول أَن الْأَشْيَاخ رُبمَا ذكرُوا فِي قَول إِنَّه الْمَشْهُور وَيَقُولُونَ فِي مُقَابِله إِنَّه الصَّحِيح اه. ابْن فَرِحُونَ: لَا إِشْكَال فِي هَذَا لِأَن الْمَشْهُور هُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة، وَقد يعضد الآخر حَدِيث صَحِيح، وَرُبمَا رَوَاهُ مَالك وَلَا يَقُول بِهِ لعَارض قَامَ عِنْده لَا يتحققه هَذَا الْمُقَلّد وَلَا يظْهر لَهُ وَجه الْعُدُول عَنهُ فَيَقُول: وَالصَّحِيح كَذَا لقِيَام الدَّلِيل وَصِحَّة الحَدِيث اه. قلت: فيفهم من هَذَا الْكَلَام أَن الْمُقَلّد لَا يعدل عَن الْمَشْهُور وَإِن صَحَّ مُقَابِله وَأَنه لَا يطْرَح نَص إِمَامه للْحَدِيث وَإِن قَالَ إِمَامه وَغَيره بِصِحَّتِهِ، وَقد صرح بذلك ابْن الصّلاح وَغَيره وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يلْزم من عدم اطلَاع الْمُقَلّد على الْمعَارض انتفاؤه، فالإمام قد يتْرك الْأَخْذ بِهِ مَعَ صِحَّته عِنْده لمَانع اطلع عَلَيْهِ وخفي على غَيره، فَلَيْسَ مُرَاد النَّاظِم بقوله: مَعَ كَونه الحَدِيث الخ، أَنه يعْمل بِمَا صَحَّ من الحَدِيث الْمعَارض لنَصّ إِمَامه بل ليتأتى لَهُ التَّرْجِيح عِنْد عدم الْوُقُوف عَلَيْهِ كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 مرّ. الْقَرَافِيّ: إِذا كَانَ الإِمَام مُجْتَهدا فَلَا يجوز لَهُ أَن يحكم أَو يُفْتِي إِلَّا بالراجح عِنْده، وَإِن كَانَ مُقَلدًا جَازَ لَهُ أَن يُفْتِي بالمشهور فِي مذْهبه وَأَن يحكم بِهِ وَإِن لم يكن راجحاً عِنْده مُقَلدًا فِي رُجْحَان القَوْل الْمَحْكُوم بِهِ إِمَامه الَّذِي قَلّدهُ، وَأما اتِّبَاع الْهوى فِي الحكم وَالْفَتْوَى فَحَرَام إِجْمَاعًا اه. فَجعل حكم الْمُجْتَهد بِغَيْر الرَّاجِح عِنْده، والمقلد بِغَيْر الْمَشْهُور وَإِن ترجح عِنْده بِقِيَام دَلِيل من صِحَة حَدِيث وَنَحْوه من اتِّبَاع الْهوى وَأَنه حرَام، وَذَلِكَ يدل على وجوب نقضه. وَلذَا قَالَ ناظم الْعَمَل: حكم قُضَاة الْوَقْت بالشذوذ ينْقض لَا يتم بالنفوذ وَمن عوام لَا تجز مَا وافقا قولا فَلَا اخْتِيَار مِنْهُم مُطلقًا وَمرَاده بالشاذ مَا قَابل الْمَشْهُور أَو الرَّاجِح كَمَا مرّ وَمرَاده بالعوام المقلدون أَي لَا تجز أحكامهم بِغَيْر الْمَشْهُور، وَإِن وَافَقت بعض الْأَقْوَال لِأَن أحكامهم لَا ترفع الْخلاف واختياراتهم لمقابل الْمَشْهُور لَا تعْتَبر، وَنَصّ فِي إقرارات المعيار على أَن الْفَتْوَى بِغَيْر الْمَشْهُور توجب عُقُوبَة الْمُفْتِي وَكَذَا الْجَاهِل بعد التَّقَدُّم إِلَيْهِ اه. وَهَذَا مَا لم يجر الْعَمَل بالشاذ، وَإِلَّا فَيقدم على الْمَشْهُور بعد أَن يثبت بِشَهَادَة الْعُدُول المثبتين فِي الْمسَائِل أَن الْعَمَل جرى بِهِ غير مَا مرّة من الْعلمَاء المقتدى بهم قَالَه ميارة فِي شرح اللامية قَالَ: وَلَا يثبت الْعَمَل الْمَذْكُور بقول عوام الْعُدُول مِمَّن لَا خبْرَة لَهُ بِمَعْنى لفظ الْمَشْهُور أَو الشاذ فضلا عَن غَيره جرى الْعَمَل بِكَذَا، فَإِذا سَأَلته عَمَّن أفتى بِهِ أَو حكم بِهِ من الْعلمَاء توقف وتزلزل، فَإِن مثل هَذَا لَا يثبت بِهِ مُطلق الْخَبَر فضلا عَن حكم شَرْعِي اه. ثمَّ إِن الْعَمَل الْجَارِي بِبَلَد لأجل عرفهَا الْخَاص لَا يعم سَائِر الْبلدَانِ بل يقصر على ذَلِك الْعرف فِي أَي بلد وجد لِأَن مبناه عَلَيْهِ. فَإِن قيل: جرى الْعَمَل بِأَن النّحاس مثلا يحكم بِهِ للنِّسَاء عِنْد اختلافهن مَعَ الْأزْوَاج لِأَن عرف الْبَلَد أَنه من متاعهن لم يعم الْبَلَد الَّذِي لَا عرف لَهُم بذلك، وَإِذا تغير الْعرف فِي ذَلِك الْبَلَد فِي بعض الْأَزْمَان سقط الْعَمَل الْمَذْكُور وَوَجَب الرُّجُوع للمشهور، وَهَذَا فِي الْعرف الَّذِي تنبني عَلَيْهِ الْأَحْكَام وَهُوَ مَا لم يخرج عَن أصُول الشَّرِيعَة وإلاَّ فَلَا عِبْرَة بِهِ، وَأما الْعَمَل الْجَارِي لمصْلحَة عَامَّة أَو سَبَب كَذَلِك الْمشَار لَهُ فِي اللامية بقوله: لما قد فَشَا من قبح حَال وحيلة. الخ. فَظَاهر عُمُومه مَا دَامَت تِلْكَ الْمصلحَة وَذَلِكَ السَّبَب وإلاَّ وَجب الرُّجُوع للمشهور، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر قَالَه المسناوي أَي وَذَلِكَ كَمَا قَالُوا فِي الرَّاعِي الْمُشْتَرك، وَقد يعبرون بِالْعَمَلِ عَمَّا حكمت بِهِ الْأَئِمَّة لرجحانه عِنْدهم لَا لعرف وَلَا لمصْلحَة، وَمِنْه قَول (خَ) وَهل يُرَاعى حَيْثُ الْمُدعى عَلَيْهِ وَبِه عمل وفيهَا الْإِطْلَاق وَعمل بِهِ، وَهُوَ كثير فِي هَذَا النّظم وَغَيره. انْظُر مصطفى آخر بَاب الْقَضَاء، وَانْظُر أَوَائِل شرح نظم الْعَمَل الْمُطلق، ثمَّ هَذَا الْعَمَل الَّذِي يعبرون بِهِ عَن الرَّاجِح يجب أَن يسْتَمر على حَاله، وَلَا تجوز مُخَالفَته حَتَّى يثبت عَن قُضَاة الْعدْل وَأهل الْفَتْوَى من ذَوي الْعلم المقتدى بهم أَنهم رجعُوا عَنهُ وَعمِلُوا بِخِلَافِهِ لمصْلحَة أَو ظُهُور دَلِيل قوي وَنَحْو ذَلِك كَمَا قَالُوا: إِن الْعَمَل كَانَ قَدِيما بقول ابْن الْقَاسِم بِاعْتِبَار الْحَال فِي الْمَحْجُور دون الْولَايَة حَكَاهُ ابْن أبي زمنين، ثمَّ جرى الْعَمَل بقول مَالك بِاعْتِبَار الْولَايَة، ثمَّ جرى فِي الْمِائَة التَّاسِعَة بقول ابْن الْقَاسِم، وَلَا زَالَ الْعَمَل بِهِ إِلَى الْآن كَمَا يَأْتِي فِي الْحجر، وَهَذَا كثير أَيْضا يجْرِي الْعَمَل قَدِيما بِشَيْء ثمَّ يجْرِي الْعَمَل بِخِلَافِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَالْعَمَل الَّذِي بِمَعْنى الرَّاجِح هُوَ الْكثير فِي هَذَا النّظم وَغَيره، وَلَا تجوز مُخَالفَته حَتَّى يثبت الْعُدُول عَنهُ مِمَّن يعْتد بِهِ من قُضَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 الْعدْل وَأهل الْفَتْوَى وَعمل فاس ونواحيها تَابع لعمل الأندلس لَا لعمل أهل تونس كَمَا يَأْتِي، فَإِن لم يجد الْمُقَلّد نصا لإمامه وَلَا لأَصْحَابه فِي عين النَّازِلَة فَهِيَ معرضة للِاجْتِهَاد، لَكِن لَا يجْتَهد فِيهَا إِلَّا من فِيهِ أَهْلِيَّة. الْقَرَافِيّ: الْمُقَلّد إِن كَانَ محيطاً بقواعد إِمَامه جَازَ لَهُ تَخْرِيج غير الْمَنْصُوص على الْمَنْصُوص بِشَرْط تعذر الْفَارِق وَمَعَ إِمْكَانه يمْتَنع وَإِن لم يحط بقواعد إِمَامه فَيمْتَنع، وَإِن عدم الْفَارِق لاحْتِمَال لَو اطلع على قَوَاعِد إِمَامه لأوجب لَهُ الْفَارِق اه. وَلَا يرد على هَذَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من اجْتهد فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ، وَإِن أَخطَأ فَلهُ أجر وَاحِد) . لِأَنَّهُ خَاص كَمَا فِي الْمُقدمَات بِمن فِيهِ أَهْلِيَّة قَالَ: وإلاَّ فَلَا أجر لَهُ إِن أَخطَأ بل هُوَ آثم، وَإِن أصَاب لتقحمه وجرأته على الله تَعَالَى فِي الحكم بِغَيْر علم اه. وَقَالَ فِي أجوبته: سُئِلَ القَاضِي الْعَارِف بِمذهب مَالك وَلم يبلغ دَرَجَة التَّحْقِيق بِمَعْرِِفَة قِيَاس الْفُرُوع على الْأُصُول فِيمَا مرّ بَين يَدَيْهِ من النَّوَازِل الَّتِي لَا نَص فِيهَا أَن لَا يقْضِي فِيهَا إِلَّا بفتوى من يعرف وَجه الْقيَاس إِن وجده وإلاَّ طلبه فِي غير بَلَده فَإِن قضى فِيهَا بِرَأْيهِ كَانَ حكمه مَوْقُوفا على النّظر اه. وَكَلَامه صَرِيح فِي وجوب المشورة لغيره حِينَئِذٍ، بل ورد فِي كَلَامهم مَا يدل على وجوب المشورة وَإِن اطلع على نَص لِأَن تطبيق النَّازِلَة على النَّص عسير، أَلا ترى كَيفَ غفل أَسد بن الْفُرَات فَأفْتى الْأَمِير بِجَوَاز دُخُوله الْحمام مَعَ جواريه دون سَاتِر، وَأَفْتَاهُ غَيره بِالْمَنْعِ لِأَن نظر بَعضهنَّ إِلَى بعض لَا يجوز، وَلِهَذَا تَجِد الْأَئِمَّة يخطىء بَعضهم بَعْضًا فِي الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَام. خَلِيل: وأحضر الْعلمَاء أَو شاورهم الخ. ابْن فَرِحُونَ: إِطْلَاقهم المشورة ظَاهره كَانَ عَالما بالحكم أَو جَاهِلا اه. وَانْظُر الْحطاب فَإِن لم يتَبَيَّن لَهُ وَجه الحكم بعد المشورة فَسَيَأْتِي فِي قَوْله: وَلَيْسَ بالجائز للْقَاضِي إِذا لم يبد وَجه الحكم أَن ينفذا والصح يَسْتَدْعِي لَهُ إِن أشكلا الخ وَمِمَّا يسْتَحبّ فِيهِ كَونه غَنِيا حَلِيمًا نزيهاً نسيباً خَالِيا عَن بطانة السوء لَيْسَ بمحدود وَلَا زَائِد فِي الدهاء كَمَا فِي خَلِيل، وَزَاد غَيره كَونه بلدياً ليعرف المقبولين والمسخوطين من الشُّهُود، وَقيل: يرجح غير الْبَلَدِي لِأَنَّهُ يقل حاسدوه. وَحَيْثُ لاَقَ لِلْقَضَاءِ يَعْقُدُ وَفِي الْبِلاَدِ يُسْتَحِبُّ الْمَسْجِدُ (وَحَيْثُ) ظرف ليقعد (لَاق) صلح (للْقَضَاء) يتَعَلَّق بقبوله (يقْعد) أَيْضا. وَظَاهره كَانَ ببادية أَو حَاضِرَة، وَهُوَ كَذَلِك لَكِن يسْتَحبّ فِي الْحَاضِرَة الْمَسْجِد كَمَا سَيَأْتِي، وَظَاهره يقْعد حَيْثُ لَاق وَلَو بداره. وَبِه قَالَ أَشهب وَعَلِيهِ يَأْتِي قَول ابْن شعْبَان من الْعدْل كَون القَاضِي بوسط مصره، وَلابْن المناصف أَن عمر بن الْخطاب أنكر ذَلِك على أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا وَأمر بإحراق دَاره عَلَيْهِ فَدَعَا واستقال فَلم يعد إِلَى ذَلِك قَالَ: فَإِن دَعَتْهُ ضَرُورَة إِلَى ذَلِك فليفتح أَبْوَابهَا وَيجْعَل سَبِيلهَا سَبِيل الْمَوَاضِع الْمُبَاحَة لذَلِك. (وَفِي الْبِلَاد) أَي الْحَاضِرَة (يسْتَحبّ الْمَسْجِد) أَي رحابه فَهُوَ على حذف مُضَاف أَي يسْتَحبّ لَهُ الْقعُود برحاب الْمَسْجِد الْخَارِجَة عَنهُ ليصل إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 الْكَافِر وَالْحَائِض وَالْجنب والضعيف والسلامة من امتهانه بِكَثْرَة اللجاج وَدخُول بعض الْعَوام وبرجله بَلل وَغير ذَلِك، وَمَا قَرَّرْنَاهُ بِهِ هُوَ الَّذِي فِي الْوَاضِحَة وَاخْتَارَهُ الْمُتَأَخّرُونَ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: الْقَضَاء فِي الْمَسْجِد من الْأَمر الْقَدِيم وَهُوَ ظَاهر النّظم إِلَّا أَنه لَا يحمل عَلَيْهِ لما تقدم على أَن مَا فِي الْمُدَوَّنَة يُمكن تَأْوِيله بِمَا ذكر أَي الْقَضَاء فِي رحاب الْمَسْجِد الْخَارِجَة عَنهُ من الْأَمر الْقَدِيم فَيكون وفَاقا لما فِي الْوَاضِحَة وَالله أعلم. وَيسْتَحب أَن يجلس مُسْتَقْبل الْقبْلَة وَأَن يكون متربعاً أَو مُحْتَبِيًا، فَإِن لم يجلس وَحكم فِي حَال مَشْيه أَو جلس مُتكئا فَهُوَ قَول خَلِيل، وَفِي كَرَاهَة حكمه فِي مَشْيه أَو مُتكئا أَو إِلْزَام يَهُودِيّ حكما بسبته وتحدثه بمجلسه لضجر قَولَانِ: وَيَنْبَغِي أَن يجلس للْحكم فِي أَوْقَات مَعْلُومَة وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يسْتَغْرق النَّهَار كُله، وَلَا يَنْبَغِي أَن يحكم مَعَ مَا يدهشه عَن تَمام فكر من جوع وعطش مفرطين وَغَضب وَأكل فَوق الْكِفَايَة (خَ) : وَلَا يحكم مَعَ مَا يدهش عَن الْفِكر وَمضى أَن وَقع وَلَا بَأْس أَن يرفع صَوته فِيمَن يستأهل ذَلِك من الْخَصْمَيْنِ وَأَن يحد بَصَره ويحتج لمن ضعف عَن حجَّته، وَلَا يجلس فِي كَثْرَة الْمَطَر والوحل وَلَا بعد الصُّبْح وَلَا بَين صَلَاتي الظّهْر وَالْعصر وَلَا بَين العشاءين وَلَا فِي عيد وَلَا يَوْم قدوم حَاج أَو خُرُوجه (خَ) وَجلسَ بِهِ أَي برحاب الْمَسْجِد أَي بِغَيْر عيد وقدوم حَاج وَخُرُوجه ومطر أَو نَحوه، وَلم يشتر بِمَجْلِس قَضَائِهِ كسلف وقراض وأبضاع وَحُضُور وَلِيمَة إِلَّا لنكاح وَقبُول هَدِيَّة وَلَو كافأ عَلَيْهَا إِلَّا من قريب وَندب اتِّخَاذ من يُخبرهُ بِمَا يُقَال فِي سيرته وشهوده الخ. فَقَوله: وَقبُول هَدِيَّة أَي والمفتي كَالْقَاضِي فِي ذَلِك فَلَا يحل لَهُ أَخذهَا مِمَّن يَرْجُو أَن يُعينهُ فِي حجَّة أَو فِي خُصُومَة عِنْد حَاكم يسمع مِنْهُ وَيقف عِنْد قَوْله لِأَن قَول الْحق وَاجِب عَلَيْهِ، وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: (من شفع لِأَخِيهِ شَفَاعَة وَأهْدى إِلَيْهِ هَدِيَّة فقبلها فقد أَتَى بَابا عَظِيما من أَبْوَاب الرِّبَا) . وَمن هَذَا انْقِطَاع الرّعية إِلَى الْعلمَاء المتعلقين بالسلاطين ليرْفَع الظُّلم عَنْهُم فيهدون لَهُم ويكرمونهم فَذَلِك بَاب من أَبْوَاب الرِّشْوَة، لِأَن رفع الظُّلم وَاجِب على كل من قدر عَلَيْهِ عَن أَخِيه الْمُسلم. وَقَوله: وَلم يشتر الخ. قَالَ فِي مُخْتَصر الْوَاضِحَة: إِذا اشْترى الإِمَام الْعدْل من رجل أَو بَاعَ ثمَّ عزل أَو مَاتَ خير البَائِع مِنْهُ أَو المُشْتَرِي فِي الْأَخْذ أَو التّرْك، نَقله ابْن فَرِحُونَ فِي تبصرته فِي الْفَصْل الثَّانِي، فقف على هَذَا الْفَصْل فِيهِ ترى الْعجب فِي الْآدَاب اللَّازِمَة لَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 (فصل فِي معرفَة أَرْكَان الْقَضَاء) أَي أَجزَاء ماهيته الَّتِي لَا يتم الْقَضَاء الَّذِي هُوَ الحكم مَعَ اختلال وَاحِد مِنْهَا. وَهِي سِتَّة: القَاضِي وَقد تقدم فِي قَوْله: منفذ بِالشَّرْعِ الخ. وَالْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعى فِيهِ، وَعبر ابْن فَرِحُونَ عَن الْأَوَّلين بالمقضى لَهُ وَعَلِيهِ، وَعَن الثَّالِث بالمقضى فِيهِ. وَزَاد ركنين آخَرين أَحدهمَا: المقضى بِهِ يَعْنِي من كتاب أَو سنة أَو إِجْمَاع بِالنِّسْبَةِ للمجتهد أَو الْمُتَّفق عَلَيْهِ أَو الْمَشْهُور أَو الرَّاجِح أَو مَا بِهِ الْعَمَل بِالنِّسْبَةِ للمقلد، وَهَذَا الرُّكْن يفهم من قَول النَّاظِم فِيمَا مرّ وَيسْتَحب الْعلم فِيهِ الخ. على مَا تقدم من أَنه على حذف مُضَاف أَي يسْتَحبّ زِيَادَة الْعلم فِيهِ، وَأما أصل الْعلم فركن من أَرْكَانه وَشرط صِحَة فِيهِ كَمَا مرّ، فَإِن خرج الْمُجْتَهد عَمَّا ذكر من الْكتاب والسنّة وَالْإِجْمَاع لم ينفذ حكمه لاختلال رُكْنه وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَنقض وَبَين السَّبَب مُطلقًا مَا خَالف قَاطعا أَو جلي قِيَاس كاستسعاء مُعتق وشفعة جَار الخ. وَإِن خرج الْمُقَلّد عَمَّا ذكر من الِاتِّفَاق وَمَا مَعَه لم ينفذ حكمه لاختلال رُكْنه أَيْضا، إِذْ حكمه لَا يرفع الْخلاف كَمَا مرّ (ت) الْإِشَارَة إِلَيْهِ. وَقَول (ت) هُنَا: إِلَّا أَن هَذَا بِالنِّسْبَةِ للِاجْتِهَاد لَيْسَ على مَا يَنْبَغِي بل كَلَام ابْن فَرِحُونَ فِي الْمُجْتَهد والمقلد كَمَا يعلم باستيعاب كَلَامه فِي هَذَا الرُّكْن. وَثَانِيهمَا: كَيْفيَّة الْقَضَاء وَهِي تتَوَقَّف على أَشْيَاء كمعرفة مَا هُوَ حكم فَلَا يتعقب لِأَن حكم الْمُجْتَهد يرفع الْخلاف وَمَا لَيْسَ بِحكم كَقَوْلِه: أَنا لَا أُجِيز النِّكَاح بِغَيْر ولي أَو لَا أحكم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين فيتعقب أَي: فَلِمَنْ بعده من حَنَفِيّ أَن يحكم بِصِحَّة النِّكَاح أَو مالكي أَن يحكم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين كَمَا مرّ فِي التَّرْجَمَة قبله، وَمَعْرِفَة مَا يفْتَقر لحكم كَالطَّلَاقِ بالإعسار والإضرار وَالطَّلَاق على الْمولى، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يحْتَاج فِيهِ إِلَى نظر وتحرير فِي تَحْقِيق سَببه كالتفليس وَبيع من أعْتقهُ الْمديَان وَالْعِتْق بالمثلة وَمَا لَا يفْتَقر كتحريم الْمُحرمَات الْمُتَّفق عَلَيْهَا ورد الودائع والغصوب، وَمِنْه الْعتْق بِالْقَرَابَةِ. وَمن أعتق جَزَاء فِي عبد بَينه وَبَين غَيره فيكمل من غير حكم على الْمَشْهُور وَمَعْرِفَة مَا يدْخلهُ الحكم من أَبْوَاب الْفِقْه كَالنِّكَاحِ وتوابعه وَسَائِر الْمُعَاوَضَات، وَمَا لَا يدْخلهُ كالعبادات وَمَعْرِفَة الْفرق بَين أَلْفَاظ الحكم الَّتِي جرت بهَا عَادَة الْحُكَّام كَقَوْلِه: حكمت بِثُبُوت العقد وَصِحَّته فَيلْزم ذَلِك وَقفا كَانَ العقد أَو بيعا أَو غَيرهمَا، وَبَين مَا لم تجر الْعَادة بِهِ كَقَوْلِه: أَسْفَل الرَّسْم أَو على ظَهره ورد على هَذَا الْكتاب فقبلته قبُول مثله، وألزمت الْعَمَل بِمُوجبِه أَو بمضمونه فَلَيْسَ بِحكم لاحْتِمَال عود الضَّمِير فِي مُوجبه ومضمونه على الْكتاب، وَإِن مَا تضمنه من إِقْرَار أَو إنْشَاء لَيْسَ بزور مثلا فَيكون مُرَاده تَصْحِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 الْكتاب وَإِثْبَات الْحجَّة فَلِمَنْ بعده النّظر فِيهِ، فَإِن قَالَ: حكمت بِمُوجب الْإِقْرَار أَو الْوَقْف الَّذِي تضمنه الْكتاب فَهُوَ حكم بِصِحَّتِهِ وَمَعْرِفَة الْفرق بَين الثُّبُوت وَالْحكم، وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي التَّرْجَمَة قبله وَمَعْرِفَة الْمُدَّعِي من الْمُدعى عَلَيْهِ فالمدعي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ ركنان مستقلان عِنْده، أَعنِي عِنْد ابْن فَرِحُونَ، وَالْحَال الَّتِي يعرف بهَا كل مِنْهُمَا من أَجزَاء الرُّكْن السَّادِس الَّذِي هُوَ الْكَيْفِيَّة. قلت: تَأمل فَفِي الْقلب مِنْهُ شَيْء لِأَن الحكم على الشَّيْء فرع تصَوره فَلَا يحكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُدع حَتَّى تعرف حَاله وَمَعْرِفَة الدَّعْوَى الصَّحِيحَة وشروطها، وَمَعْرِفَة حكم جَوَاب الْمُدعى عَلَيْهِ من إِقْرَار أَو إِنْكَار أَو امْتنَاع مِنْهُمَا، وَقد أَشَارَ النَّاظِم إِلَى هذَيْن الْأَخيرينِ بقوله: تحقق الدَّعْوَى مَعَ الْبَيَان. وَبِقَوْلِهِ بعد: وَمن أَبى إِقْرَارا أَو إنكاراً الخ. وَمَعْرِفَة كَيْفيَّة الْإِعْذَار وَمَعْرِفَة صفة الْيَمين ومكانها والتغلظ فِيهَا، وَقد أَشَارَ النَّاظِم لهذين أَيْضا فِي فَصلي الْإِعْذَار وَالْيَمِين، فَهَذِهِ كلهَا من أَجزَاء هَذَا الرُّكْن، فالناظم رَحمَه الله قد أَشَارَ لبَعض أَجزَاء هَذَا الرُّكْن الَّذِي هُوَ الْكَيْفِيَّة وَلم يهمله كل الإهمال، وَبِهَذَا تعلم أَن جعل الْكَيْفِيَّة من الْأَركان صَحِيح لَا تسَامح فِيهِ خلافًا ل (ت) لِأَنَّهُ إِن لم يكن عَارِفًا بتفاريعها اخْتَلَّ حكمه باخْتلَاف مَحَله إِذْ قد يحكم بِالصِّحَّةِ فِيمَا حكم غَيره بِالْفَسَادِ، وَبِالْعَكْسِ مَعَ كَون الحكم الأول لَا يتعقب، وَقد يحكم فِيمَا لَا يفْتَقر لحكم فَحكمه كَالْعدمِ لِأَنَّهُ من تَحْصِيل الْحَاصِل، وَهَذَا إِذا لم يعرف كَون الدَّعْوَى صَحِيحَة وَلَا كَيْفيَّة الْإِعْذَار وَلَا مَحل الْيَمين وَنَحْو ذَلِك. وَقد علمت بِهَذَا أَن النَّاظِم تكلم على الْأَركان السِّتَّة خلافًا لما فِي (م) و (ت) . وَلما كَانَ بَين الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ التباس وَعلم الْقَضَاء يَدُور على التَّمْيِيز بَينهمَا إِذْ من ميز بَينهمَا، فقد عرف وَجه الْقَضَاء كَمَا قَالَ سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ: إِذْ لم يخْتَلف الْعلمَاء فِيمَا لكل مِنْهُمَا من أَن الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على الْمُدعى عَلَيْهِ اعتنى النَّاظِم بشأنهما مصدرا بهما فِي هَذَا الْفَصْل فَقَالَ: تَمْيِيزُ حَالِ المُدَّعِي والمدَّعَى عَلَيْهِ جُمْلَة القَضَاءِ جَمَعَا فَقَوله: (جملَة الْقَضَاء) مفعول لقَوْله: (جمعا) ، وَالْجُمْلَة خبر تَمْيِيز، وَالظَّاهِر أَن لَفْظَة حَال لَيست مقحمة لِأَن الشَّيْء إِنَّمَا يتَمَيَّز من غَيره بِصفتِهِ، فالمدعي يتَمَيَّز بِكَوْنِهِ يتجرد قَوْله عَن مُصدق وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ بعكسه كَمَا قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 (فالمدعي من قَوْله مُجَرّد من أصل أَو عرف بِصدق يشْهد) فَالمُدَّعِي مَنْ قَوْلُهُ مُجَرَّدُ مِنْ أَصْلٍ أَوْ عُرْف بِصدْقِ يَشْهَدُ (أَو) بِمَعْنى الْوَاو إِذْ لَا بُد من تجرد دَعْوَاهُ مِنْهُمَا مَعًا، فَإِن تجردت من أَحدهمَا دون الآخر فَهُوَ مدعى عَلَيْهِ كَمَا قَالَ: وَالمدَّعَى عَلَيهِ من قد عَضَدا مَقالَة عُرف أَو أصْل شهِدا (وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من قد عضدا) أَي قوي (مقاله عرف) أَي سَبَب كحائز شَيْئا مُدَّة الْحِيَازَة فِي وَجه الْقَائِم وَادّعى الشِّرَاء مِنْهُ أَو الْهِبَة، فالحائز مدعى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تقوى جَانِبه بالحيازة، والقائم مُدع وسيشير النَّاظِم إِلَى هَذَا فِي الْحَوْز بقوله: وَالْيَمِين لَهُ إِن ادّعى الشِّرَاء مِنْهُ بِعَمَلِهِ، وكجزار ودباغ تداعيا جلدا تَحت يدهما أَو لَا يَد عَلَيْهِ، فالجزار مدعى عَلَيْهِ والدباغ مُدع فَإِن كَانَ تَحت يَد أَحدهمَا فالحائز مدعى عَلَيْهِ، وكقاض وجندي تداعيا رمحاً تَحت يدهما أَو لَا يَد عَلَيْهِ فالجندي مدعى عَلَيْهِ وَالْقَاضِي مُدع، وكعطار وصباغ تداعيا مسكاً وصبغاً فالعطار مُدع فِي الصَّبْغ مدعى عَلَيْهِ فِي الْمسك والصباغ بِالْعَكْسِ، وَمِنْه اخْتِلَاف الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاع للبيت، فللمرأة الْمُعْتَاد للنِّسَاء مَا لم يزدْ على نقد صَدَاقهَا وَهِي مَعْرُوفَة بالفقر كَمَا يَأْتِي للناظم فِي فصل اخْتِلَافهمَا فِيهِ إِن شَاءَ الله، وَمِنْه النّكُول وَدَعوى الشّبَه عِنْد الِاخْتِلَاف فِي الصَدَاق أَو البيع أَو غَيرهمَا وَدَعوى الْعَامِل فِي الْقَرَاض أَو الْمُودع عِنْده الرَّد حَيْثُ قَبضه بِغَيْر إِشْهَاد، فقد علمت أَن الْمُدعى عَلَيْهِ فِي هَذِه الْأَمْثِلَة هُوَ من تقوى جَانِبه بِسَبَب من حِيَازَة أَو شبه أَو نُكُول صَاحبه أَو أَمَانَة أَو كَون الْمُتَنَازع فِيهِ مِمَّا شَأْنه أَن يكون لَهُ، وَالْمُدَّعِي من تجرد قَوْله عَن ذَلِك السَّبَب (أَو أصل شَهدا) كاختلافهما فِي رد الْوَدِيعَة أَو الْقَرَاض المقبوضين بإشهاد، لِأَن رب المَال والوديعة لما دفعا بإشهاد انْتَفَت أَمَانَة الْقَابِض وَلَا سَبَب يعضد قَوْله غَيرهَا، فَهُوَ مُدع وهما مدعى عَلَيْهِمَا، وَإِن كَانَا طَالِبين لِأَن الأَصْل عدم الرَّد، وَمِنْه اخْتِلَاف الْيَتِيم بعد بُلُوغه ورشده مَعَ وَصِيّه فِي الدّفع، فَإِن الْيَتِيم متمسك بِالْأَصْلِ الَّذِي هُوَ عدم الدّفع فَهُوَ مدعى عَلَيْهِ، وَالْوَصِيّ مُدع لِأَنَّهُ غير أَمِين فِي الدّفع عِنْد التَّنَازُع لقَوْله تَعَالَى: فأشهدوا عَلَيْهِم} (النِّسَاء: 6) وكاختلافهما فِي قَضَاء الدّين أَو فِي أَصله أَو فِي رَقَبَة حائز نَفسه يَدعِي الْحُرِّيَّة لِأَن الأَصْل عدم الْقَضَاء وَبَرَاءَة الذِّمَّة وَالْحريَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وَقِيلَ مَنْ يَقُولُ قَدْ كَانَ ادَّعا وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ عَلَيْهِ يُدّعَى (وَقيل) : فِي تعريفهما أَي الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ. (من يَقُول قد كَانَ ادعا وَلم يكن لمن عَلَيْهِ يدعى) وَهُوَ لِابْنِ الْمسيب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كل من قَالَ قد كَانَ فَهُوَ مُدع وكل من قَالَ لم يكن فَهُوَ مدعى عَلَيْهِ اه. قَالَ الشَّارِح: وَلَيْسَ بِخِلَاف للرسم الأول، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْرِيف أخصر وتوضيح أوجز. ورد بِدَعْوَى الْمَرْأَة على زَوجهَا الْحَاضِر أَنه لم ينْفق عَلَيْهَا، وَقَالَ هُوَ أنفقت وبدعوى الْمَرْأَة الْمَسِيس على زَوجهَا فِي خلْوَة الاهتداء وَادّعى هُوَ عَدمه فَهُوَ مدعى عَلَيْهِ فِي الأولى لشهادة الْعرف لَهُ وَهِي مدعية وهما فِي الثَّانِيَة على الْعَكْس وَهَذَا التَّعْرِيف يَقْتَضِي أَنَّهَا فِي الأولى مدعى عَلَيْهَا لِأَنَّهَا تَقول لم يكن وَفِي الثَّانِيَة مدعية لِأَنَّهَا تَقول قد كَانَ. وَقيل كل طَالب فَهُوَ مدّعٍ وكل مَطْلُوب فَهُوَ مدعى عَلَيْهِ. ورد أَيْضا بِمَا تقدم فِي رَبًّا المَال والوديعة مَعَ الْإِشْهَاد، وباليتيم مَعَ وَصِيّه وبدعوى الْمَرْأَة فِي خلْوَة الاهتداء فَإِن كلا مِنْهُم طَالب مَعَ أَنه مدعى عَلَيْهِ. وَأجِيب: بِأَن الرَّد على التعريفين بِمَا ذكر إِنَّمَا يتم لَو كَانَ الْقَائِل بهما يسلم أَن الطَّالِب وَمن يَقُول قد كَانَ فِيمَا ذكر مدعى عَلَيْهِ، وإلاَّ فقد يَقُول: إِنَّه مدّعٍ قَامَ لَهُ شَاهد من عرف أَو أصل وَلَا يحْتَج على الْإِنْسَان بِمذهب مثله، وَاخْتَارَ هَذَا الْجَواب ابْن رحال. وَالْحَاصِل على مَا يظْهر من كَلَامهم وَهُوَ الَّذِي يُوجِبهُ النّظر أَن المتداعيين إِمَّا أَن يتَمَسَّك أَحدهمَا بِالْعرْفِ فَقَط كالاختلاف فِي مَتَاع الْبَيْت وَدَعوى الشّبَه وَاخْتِلَاف القَاضِي والجندي فِي الرمْح، والجزار والدباغ فِي الْجلد وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لم يتعارض فِيهِ الْعرف وَالْأَصْل، وَإِمَّا أَن يتَمَسَّك بِالْأَصْلِ فَقَط كالاختلاف فِي أصل الدّين وَفِي قَضَائِهِ وَفِي دَعْوَى الْحَائِز نَفسه الْحُرِّيَّة، وَدَعوى رب المَال وَالْمُودع عدم الرَّد مَعَ دفعهما بإشهاد وَدَعوى الْيَتِيم عدم الْقَبْض وَنَحْو ذَلِك، فالمدعى عَلَيْهِ فِي هذَيْن هُوَ المتمسك بذلك الْعرف أَو الأَصْل على الرَّسْم الأول، وَالْمَطْلُوب هُوَ من يَقُول لم يكن على التعريفين الْأَخيرينِ، وَإِمَّا أَن يتَمَسَّك أَحدهمَا بِالْأَصْلِ وَالْآخر بِالْعرْفِ فَيَأْتِي الْخلاف كدعوى الزَّوْج على سيد الْأمة أَنه غره بتزويجها، فَالْأَصْل عدم الْغرُور، وَبِه قَالَ سَحْنُون. وَالْغَالِب عدم رضَا الْحر بتزوج الْأمة وَبِه قَالَ أَشهب وَهُوَ الرَّاجِح، وكمسألة اخْتِلَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 المتراهنين فِي قدر الدّين فَإِن الرَّهْن شَاهد عرفي وَالْأَصْل بَرَاءَة ذمَّة الرَّاهِن، وكمسألة الْحِيَازَة الْمُتَقَدّمَة وَدَعوى عَامل الْقَرَاض وَالْمُودع الرَّد مَعَ عدم الْإِشْهَاد لِأَن الْغَالِب صدق الْأمين، وَدَعوى الْمَرْأَة الْمَسِيس وَعدم الْإِنْفَاق وَنَحْو ذَلِك، فالمدعى عَلَيْهِ فِي مثل هَذَا على الرَّسْم الأول هُوَ المتمسك بِالْعرْفِ لِأَن قَول النَّاظِم أَو عرف أَعم من كَونه عَارضه أصل أم لَا. وعَلى الرسمين الْأَخيرينِ هُوَ الْمَطْلُوب، وَمن يَقُول: لم يكن، لَكِن لما ترجح جَانب الْمُدَّعِي فِيهَا بِشَهَادَة الْعرف لِأَنَّهُ أقوى صَار الْمُدَّعِي مدعى عَلَيْهِ، وَيدل لهَذَا قَول ابْن رشد مَا نَصه: الْمَعْنى الَّذِي من أَجله وَجب على الْمُدَّعِي إِقَامَة الْبَيِّنَة تجرد دَعْوَاهُ من سَبَب يدل على صدقه فِيمَا يَدعِيهِ، فَإِن كَانَ لَهُ سَبَب يدل على صدقه أقوى من سَبَب الْمُدعى عَلَيْهِ كالشاهد الْوَاحِد أَو الرَّهْن أَو مَا أشبه ذَلِك من إرخاء السّتْر وَجب أَن يبْدَأ بِالْيَمِينِ دون الْمُدعى عَلَيْهِ اه. وَنَقله القلشاني وَغَيره فَتَأمل كَيفَ سَمَّاهُ مُدعيًا وَجعل الرَّهْن وإرخاء السّتْر وَالشَّاهِد الْحَقِيقِيّ سَببا لصيرورته مدعى عَلَيْهِ، لكَونه فِي ذَلِك أقوى من سَبَب خَصمه المتمسك بِالْأَصْلِ، وَقد اخْتلف هَل الْعرف كشاهد أَو كشاهدين؟ الْبُرْزُليّ: الْقَاعِدَة إحلاف من شهد لَهُ الْعرف فَيكون بِمَثَابَة الشَّاهِد، وَقيل: هُوَ كالشاهدين اه. وَقد درج (خَ) فِي مَوَاضِع على أَنه كالشاهد مِنْهَا قَوْله فِي الرَّهْن وَهُوَ كالشاهد فِي قدر الدّين، وَقد عقد فِي التَّبْصِرَة بَابا فِي رُجْحَان قَول الْمُدَّعِي بالعوائد. وَقَالَ الْقَرَافِيّ: أَجمعُوا على اعْتِبَار الْغَالِب وإلغاء الأَصْل فِي الْبَيِّنَة إِذا شهِدت فَإِن الْغَالِب صدقهَا وَالْأَصْل بَرَاءَة ذمَّة الْمَشْهُود عَلَيْهِ اه. فَهَذَا كُله يُوضح لَك الْجَواب الْمُتَقَدّم عَمَّا ورد على التعريفين، ويدلك على عدم الْفرق بَين التعاريف الثَّلَاثَة لِأَن الْمُدَّعِي قد يَنْقَلِب مدعى عَلَيْهِ لقِيَام سَبَب أقوى من سَبَب خَصمه كَانَ ذَلِك السَّبَب حَقِيقِيًّا أَو عرفياً إِلَّا أَن الْعرفِيّ لَا يقوى عِنْدهم قُوَّة الْحَقِيقِيّ فَلَيْسَتْ الْيَمين مَعَه تَكْمِلَة للنصاب حَتَّى يُؤَدِّي ذَلِك لنفي يَمِين الْإِنْكَار بِدَلِيل أَنه إِذا انْضَمَّ إِلَيْهِ شَاهد حَقِيقِيّ لَا يثبت الْحق بِدُونِ الْيَمين كَمَا نَقله بَعضهم عَن المتيطي عِنْد قَول (خَ) وَهُوَ كالشاهد الخ. فاعتراض (ت) على الْجَواب السَّابِق بِكَوْنِهِ يُؤَدِّي لنفي يَمِين الْإِنْكَار الخ. سَاقِط، وَقد علم مِمَّا مر أَن الشّبَه وَالْغَالِب وَالْعرْف وَالْعَادَة كلهَا بِمَعْنى، وَأَنه إِذا تعَارض الأَصْل وَالْغَالِب فَيقدم الْغَالِب لقَوْله تَعَالَى: وَأمر بِالْعرْفِ} (الْأَعْرَاف: 199) فَكل شَيْء كذبه الْعرف وَجب أَن لَا يعْمل بِهِ إِلَّا فِي مَسْأَلَة دَعْوَى الدّين إِذا كَانَ مدعيه أتقى النَّاس وَأَعْلَاهُمْ فِي الْعلم وَالدّين، فَإِن الْغَالِب صدقه وَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 فَيقدم الأَصْل على الْغَالِب فِي هَذِه عِنْد الْمَالِكِيَّة، وَقدم الشَّافِعِيَّة الأَصْل فِي جَمِيع صور التَّعَارُض. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا تمسك كل مِنْهُمَا بِالْعرْفِ كَمَا إِذا أشبها مَعًا فِيمَا يرجع فِيهِ للشبه كتنازع جزار مَعَ جزار فِي جلد وَنَحْو ذَلِك، فيحلفان وَيقسم بَينهمَا حَيْثُ لم يكن بيد أَحدهمَا، وَإِن تمسك كل مِنْهُمَا بِالْأَصْلِ كدعوى الْمُكْتَرِي للرحى أَو الدَّار أَنَّهَا تهدمت أَو انْقَطع المَاء عَنْهَا ثَلَاثَة أشهر. وَقَالَ الْمُكْتَرِي: شَهْرَان فَقَط فَقيل الْمُكْتَرِي هُوَ الْمُدعى عَلَيْهِ لِأَن الأَصْل بَرَاءَة ذمَّته من الغرامة فيستصحب ذَلِك، والمكري مُدع، وَقيل بِالْعَكْسِ لِأَن عقد الْكِرَاء أوجب دينا فِي ذمَّة الْمُكْتَرِي، وَهُوَ يَدعِي إِسْقَاط بعضه فَلَا يصدق، وكما لَو قبض شخص من رجل دَنَانِير، فَلَمَّا طلبه بهَا الدَّافِع زعم أَنه قبضهَا من مثلهَا الْمُرَتّب لَهُ فِي ذمَّته، فَإِن اعْتبرنَا كَون الدَّافِع بَرِيء الذِّمَّة من سلف هَذَا الْقَابِض كَانَ الدَّافِع مدعى عَلَيْهِ وَهُوَ الرَّاجِح كَمَا لِابْنِ رشد وَأبي الْحسن وَغَيرهمَا، وَإِن اعْتبرنَا حَال الْقَابِض وَأَن الأَصْل فِيهِ أَيْضا بَرَاءَة الذِّمَّة فَلَا يُؤَاخذ بِأَكْثَرَ مِمَّا أقرّ بِهِ جَعَلْنَاهُ هُوَ الْمُدعى عَلَيْهِ. فَافْهَم فبهذه الْوُجُوه صَعب علم الْقَضَاء ودق. الثَّانِي: من معنى مَا مر إِذا علق الزَّوْج طَلَاق زَوجته أَو خَيرهَا على عدم حُضُوره مَعهَا بِمَجْلِس الشَّرْع يَوْم كَذَا، وَوَقعت فِي حُدُود الْأَرْبَعين بعد الْمِائَتَيْنِ وَالْألف فَقَامَتْ الْمَرْأَة بعد مُضِيّ الْيَوْم وأرادت أَن تشهد بِأَنَّهَا اخْتَارَتْ فِرَاقه، فَامْتنعَ الْعُدُول من أَن يشْهدُوا عَلَيْهَا إِلَّا بمشورة القَاضِي فشاورته فَمنعهَا القَاضِي من ذَلِك حَتَّى تثبت عدم حُضُوره فِي الْيَوْم الْمُعَلق عَلَيْهِ، وَهَذَا من أفظع الْجَهْل من الْعُدُول وَمن القَاضِي، إِذْ حُضُوره فِي الْيَوْم الْمَذْكُور مُحْتَمل، وَالْأَصْل عَدمه فَهِيَ مدعى عَلَيْهَا وَهُوَ مدعٍ، وَكَثِيرًا مَا كَانَ يصدر مثل هَذَا من هَذَا القَاضِي فَكَانَ يمْنَع الأوصياء من بيع مَال الْأَيْتَام حَتَّى يثبتوا أَنهم لَا مَال لَهُم ظَاهرا وَلَا بَاطِنا، وَلَا يَكْتَفِي بمحاسبتهم على زِمَام التَّرِكَة، وَإِذا بيع عَلَيْهِم صَفْقَة منع أوصياءهم من الْإِمْضَاء حَتَّى يثبتوا مَا ذكر، وَهَكَذَا كل مَا الأَصْل عَدمه وَمَا دري أَن إثباتهما مَا ذكر لَا يُفِيد شَيْئا لِأَن الشَّهَادَة فِي ذَلِك لَا تكون إِلَّا على نفي الْعلم، فَإِذا طلقت نَفسهَا أَو بَاعَ الْوَصِيّ بعد الْإِثْبَات الْمَذْكُور ثمَّ أثبت الزَّوْج الْحُضُور أَو الْيَتِيم الوفر وَقت البيع لقدمت بيناتهما على بَيِّنَة الزَّوْجَة وَالْوَصِيّ لِأَنَّهَا على الْقطع مثبتة، وَالْأُخْرَى على الْعلم نَافِيَة فَلم يكن لتكليفهما بهَا فَائِدَة. وَقد نَص ابْن الْقَاسِم على أَنه إِذا علق أمرهَا بِيَدِهَا على عدم بَعثه لَهَا بِالنَّفَقَةِ يَوْم كَذَا فَرفعت أمرهَا للْحَاكِم، وَزَعَمت أَنه لم يبْعَث لَهَا شَيْئا وَطلقت نَفسهَا، فَإِن قدم وَأثبت الْبَعْث فَهُوَ أَحَق بهَا، وَإِن كَانَت تزوجت فَكَذَا (ت) الوليين. الثَّالِث: قَالَ الْقَرَافِيّ: خولفت قَاعِدَة الدَّعَاوَى فِي خمس: فِي لعان الزَّوْج فِي الْحمل وَالْولد فَقبل قَوْله: لِأَن الْعَادة أَن يَنْفِي الزَّوْج عَن زوجه الْفَوَاحِش فَحَيْثُ رَمَاهَا بهَا مَعَ إيمَانه قدمه الشَّرْع، وَفِي الْقسَامَة فَقبل فِيهَا قَول الْقَتِيل لترجيحه باللوث، وَفِي دَعْوَى الْأُمَنَاء التّلف فَقيل قَوْلهم لِئَلَّا يزهد النَّاس فِي قبُول الْأَمَانَات فتفوت مصالحها والأمين قد يكون من جِهَة مُسْتَحقّ الْأَمَانَة، وَقد يكون من جِهَة الشَّرْع كالوصي والملتقط وَمن أَلْقَت الرّيح ثوبا فِي بَيته. وَفِي التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح قيل فيهمَا قَول الْحَاكِم لِئَلَّا تفوت الْمصَالح الْمرتبَة على الْولَايَة، وَفِي دَعْوَى الْغَاصِب التّلف قبل قَوْله: لِئَلَّا يخلد فِي السجْن اه الخ. فَتَأمل قَوْله فِي اللّعان والقسامة وَالْأَمَانَة، فَإِن الظَّاهِر أَن ذَلِك مِمَّا قدم فِيهِ الْغَالِب على الأَصْل كَمَا مرّ فَلم تكن فِيهِ مُخَالفَة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وَبَعْضهمْ يعبر عَن الْأمين بِأَن الْغَالِب صدقه أَي فِي الرَّد والتلف، وَبعد أَن ذكرهَا المكناسي فِي مجالسه قَالَ: وَمِنْهَا اللُّصُوص إِذا قدمُوا بمتاع وَادّعى شخص أَنه لَهُ وَأَنَّهُمْ نزعوه مِنْهُ فَيقبل قَوْله مَعَ يَمِينه وَيَأْخُذهُ، وَمِنْهَا السمسار إِذا ادّعى عَلَيْهِ أَنه غيب مَا أعْطى لَهُ للْبيع وَكَانَ مَعْلُوما بالعداء وبإنكار النَّاس فَيصدق الْمُدَّعِي بِيَمِينِهِ وَيغرم السمسار. وَمِنْهَا السَّارِق إِذا سرق مَتَاع رجل وانتهب مَاله وَأَرَادَ قَتله وَقَالَ الْمَسْرُوق: أَنا أعرفهُ فَيصدق الْمَسْرُوق بِيَمِينِهِ. وَهَذِه الْمسَائِل الَّتِي زَادهَا لَا تحملهَا الْأُصُول كَمَا لأبي الْحسن. وَقَالَ الْقَرَافِيّ فِي الْفرق بَين مَا يقدم فِيهِ النَّادِر على الْغَالِب مَا نَصه: أَخذ السراق المتهومين بالتهم وقرائن أَحْوَالهم كَمَا يَفْعَله الْأُمَرَاء الْيَوْم دون الْإِقْرَار الصَّحِيح والبينات الْمُعْتَبرَة الْغَالِب مصادفته للصَّوَاب والنادر خَطؤُهُ، وَمَعَ ذَلِك ألغى الشَّارِع هَذَا الْغَالِب صونا للأعراض والأطراف عَن الْقطع اه. ففهم مِنْهُ أَنه إِنَّمَا ألغى الشَّارِع هَذَا الْغَالِب بِالنِّسْبَةِ للأعراض والأطراف لَا بِالنِّسْبَةِ للغرامة فَإِنَّهُ يغرم فيوافق مَا للمكناسي وَلِهَذَا درج ناظم الْعَمَل على ذَلِك حَيْثُ قَالَ: لوالد الْقَتِيل مَعَ يَمِين القَوْل فِي الدَّعْوَى بِلَا تَبْيِين إِذا ادّعى دراهماً وأنكرا القاتلون مَا ادَّعَاهُ وطرا فَلَا مَفْهُوم لقَوْله: الْقَتِيل بل الْمدَار على كَون الْمُدعى عَلَيْهِ مَعْرُوفا بِالْغَصْبِ والعداء انْظُر شَرحه، وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الْغَصْب وَلَا بُد. وَالمُدَّعَى فِيهِ لَهُ شَرْطَانِ تَحَقُّقُ الدَّعْوَى مَعَ البَيَانِ (وَالْمُدَّعى فِيهِ لَهُ شَرْطَانِ) أَحدهمَا: (تحقق الدَّعْوَى) بِهِ أَي جزمها وقطعها بِأَن يَقُول: لي عَلَيْهِ كَذَا احْتِرَازًا من نَحْو أَشك أَو أَظن أَن لي عَلَيْهِ كَذَا فَإِنَّهَا لَا تسمع الْقَرَافِيّ: وَفِيه نظر لِأَن من وجد وَثِيقَة فِي تَرِكَة مُوَرِثه أَو أخبرهُ عدل بِحَق لَهُ فَلَا يفِيدهُ ذَلِك إِلَّا الظَّن، وَمَعَ ذَلِك يجوز لَهُ الدَّعْوَى بِهِ، وَإِن صرح بِالظَّنِّ كَمَا لَو شهدُوا بالاستفاضة وَالسَّمَاع والفلس وَحصر الْوَرَثَة، وَصرح بِالظَّنِّ الَّذِي هُوَ مُسْتَنده فِي الشَّهَادَة، فَلَا يكون قادحاً، فَكَذَلِك هَهُنَا لِأَن مَا جَازَ الإقداح مَعَه لَا يكون النُّطْق بِهِ قادحاً. وَأجَاب بَعضهم بِأَن الظَّن هَهُنَا لقُوته نزل منزلَة الْقطع، وَقد جَازَ لَهُ الْحلف مَعَه (خَ) وَاعْتمد البات على ظن قوي كخطه أَو خطّ أَبِيه الخ. ثمَّ عدم سماعهَا فِي الظَّن الَّذِي لَا يُفِيد الْقطع مَبْنِيّ على القَوْل بِأَن يَمِين التُّهْمَة لَا تتَوَجَّه. أَبُو الْحسن: وَالْمَشْهُور توجهها. ابْن فَرِحُونَ: يُرِيد بعد إِثْبَات كَون الْمُدعى عَلَيْهِ مِمَّن تلْحقهُ التُّهْمَة اه. وَعَلِيهِ فَتسمع فِيمَن ثبتَتْ تهمته وإلاَّ فَلَا (خَ) وَاسْتحق بِهِ بِيَمِين إِن حقق وَيَمِين تُهْمَة بِمُجَرَّد النّكُول الخ وسيقول النَّاظِم: وتهمة إِن قويت بهَا تجب يَمِين متهوم الخ. قلت: وَلقَائِل أَن يَقُول: إِن الدَّعْوَى تسمع هَهُنَا، وَلَو قُلْنَا بِعَدَمِ توجه يَمِين التُّهْمَة فَيُؤْمَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 بِالْجَوَابِ لَعَلَّه يقر فَتَأَمّله، فَلَو قَالَ: أَظن أَن لي عَلَيْهِ ألفا فَقَالَ الآخر: أَظن أَنِّي قَضيته لم يقْض عَلَيْهِ بِشَيْء لتعذر الْقَضَاء بِالْمَجْهُولِ إِذْ كل مِنْهُمَا شَاك فِي وجوب الْحق لَهُ أَو عَلَيْهِ، فَلَيْسَ الْقَضَاء بقول الْمُدَّعِي بِأولى من الْقَضَاء بقول الآخر، فَلَو قَالَ الْمَطْلُوب: نعم كَانَ لَهُ الْألف عَليّ، وأظن أَن قَضيته لزمَه الْألف قطعا وَعَلِيهِ الْبَيِّنَة أَنه قَضَاهُ، وَثَانِيهمَا قَوْله: (مَعَ الْبَيَان) أَي مَعَ بَيَانه فأل عوض عَن الضَّمِير إِمَّا بِبَيَان عينه كَهَذا الثَّوْب أَو الْفرس أَو الدَّرَاهِم أَو بَيَان صفته. كلي فِي ذمَّته ثوب أَو فرس صفتهما كَذَا أَو دَرَاهِم يزيدية أَو محمدية، أَو سبني أَو شَتَمَنِي أَو قذفني بِلَفْظ كَذَا إِذْ لَيْسَ كل سبّ وَشتم يُوجب الْحَد، وَأما بِبَيَان سَبَب الْمُدعى فِيهِ الْمعِين أَو سَبَب مَا فِي ذمَّة الْمعِين، فَالْأول كدعوى الْمَرْأَة الطَّلَاق أَو الرِّدَّة لتحرز نَفسهَا لِأَنَّهَا معِين، وَالثَّانِي كدعوى الْمَرْأَة الْمَسِيس أَو الْقَتْل خطأ ليترتب الصَدَاق أَو الدِّيَة فِي ذمَّة الزَّوْج أَو الْعَاقِلَة الْمعينَة بالنوع، فبيان سَبَب الْمُدعى فِيهِ فِي هذَيْن المثالين وَنَحْوهمَا بَيَان شرعا للْمُدَّعى فِيهِ، فهما راجعان فِي الْمَعْنى للقسم الأول لِأَن المدعية تَقول فيهمَا أحرزت نَفسِي لِأَنَّك طلقتني ولي عَلَيْك صدَاق أَو دِيَة لِأَنَّك مسستني أَو قتلت وليي، وَكَذَا لَو قَالَت: بِعْت لَك دَاري أَو وأجرتها مِنْك فادفع لي ثمنهَا أَو أجرتهَا فَهُوَ رَاجع لما ذكر، فَكَانَ هَذَا الْقسم لَا يحْتَاج الْمُدَّعِي فِيهِ لبَيَان السَّبَب لِأَنَّهُ مَذْكُور بِخِلَاف الْقسم الأول فَلَا بُد من بَيَانه كَأَن يَقُول من تعد أَو بيع (خَ) وَكفى بِعْت وَتَزَوَّجت، وَحمل على الصَّحِيح وإلاَّ فليسأله الْحَاكِم عَن السَّبَب، ثمَّ قَالَ: وللمدعى عَلَيْهِ السُّؤَال عَن السَّبَب. قَالَ الْحطاب: وَلَيْسَ بَيَان السَّبَب من تَمام صِحَة الدَّعْوَى بِدَلِيل قَوْله ولمدعى عَلَيْهِ الخ. وَاعْتَرضهُ طفي قَائِلا: بل هُوَ من تَمام صِحَة الدَّعْوَى مَعَ عدم ادِّعَاء النسْيَان، وَاحْتج بِكَلَام الْمَجْمُوعَة وَابْن عَرَفَة فَانْظُرْهُ فِيهِ، وَاعْتِرَاض الشَّيْخ بذلك عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَو كَانَ شرطا لبطلت الدَّعْوَى مَعَ عدم ادِّعَاء النسْيَان سَاقِط لما علمت من أَن هَذَا إِنَّمَا هُوَ شَرط صِحَة إِذا لم يدع النسْيَان كَمَا أَن الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ سَاقِطَة مَعَ الْقُدْرَة على التَّفْسِير عِنْد الْمَازرِيّ وَغَيره كَمَا يَأْتِي، فالتحقق فِي كَلَام النَّاظِم رَاجع للتصديق، وَالْبَيَان رَاجع للتصور أَي لَا بُد أَن يكون الْمُدعى فِيهِ متصوراً فِي ذهن الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ وَالْقَاضِي فَلَا يُغني أحدهم عَن الآخر. وَخرج بِهَذَا الشَّرْط الدَّعْوَى بِمَجْهُول الْعين أَو الصّفة كلي عَلَيْهِ شَيْء لَا يدْرِي جنسه ونوعه أَو أَرض لَا يدْرِي حُدُودهَا أَو ثوب لَا يدْرِي صفته أَو دَرَاهِم لَا يدْرِي صفتهَا وَلَا قدرهَا وَنَحْو ذَلِك، فَلَا تسمع لِأَن الْمَطْلُوب لَو أقرّ وَقَالَ: نعم لَهُ عَليّ مَا يَدعِيهِ أَو أنكر وَقَامَت الْبَيِّنَة بذلك لم يحكم عَلَيْهِ بِهَذَا الْإِقْرَار، وَلَا بِتِلْكَ الشَّهَادَة، إِذْ الْكل مَجْهُول وَالْحكم بِهِ مُتَعَذر فَلَيْسَ الحكم بالمروي بِأولى من الْمَرْوِيّ مثلا، وَلَا باليزيدية بِأولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 من المحمدية، إِذْ من شَرط صِحَة الحكم تعْيين الْمَحْكُوم بِهِ وَلَا تعْيين هَهُنَا. وَهَكَذَا نَقله غير وَاحِد. قلت: وَهُوَ ظَاهر على أحد الْقَوْلَيْنِ الآتيين فِي قَوْله: وَمن لطَالب الخ. وَقَالَ الْمَازرِيّ: تسمع الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ الْبِسَاطِيّ وَهُوَ الصَّوَاب لقَولهم يلْزم الْإِقْرَار بِالْمَجْهُولِ وَيُؤمر بتفسيره، فَكَذَلِك هَذَا يُؤمر بِالْجَوَابِ لَعَلَّه يقر فَيُؤْمَر بالتفسير ويسجن لَهُ، فَإِن ادّعى الْمقر الْجَهْل أَيْضا فَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَمن لطَالب بِحَق شَهدا. الخ وَانْظُر شرحنا للشامل أول بَاب الصُّلْح قَالَ الْحطاب: مسَائِل الْمُدَوَّنَة صَرِيحَة فِي صِحَة الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ. الْمَازرِيّ: وَلَيْسَ مِنْهُ الدَّعْوَى على سمسار دفع إِلَيْهِ ثوبا ليَبِيعهُ بدينارين وَقِيمَته دِينَار وَنصف لِأَن الدَّعْوَى هُنَا تعلّقت بِأَمْر مَعْلُوم فِي الأَصْل وَلَا يضرّهُ كَونه لَا يدْرِي مَا يجب لَهُ يَعْنِي السمسار هَل الثّمن الَّذِي سَمَّاهُ إِن بَاعَ أَو قِيمَته إِن اسْتَهْلكهُ أَو غيبه إِن لم يبع اه الخ. قلت: الدَّعْوَى هُنَا إِنَّمَا هِيَ فِي الثَّوْب وَهُوَ معِين فَهُوَ يُطَالِبهُ برده، لَكِن إِن اسْتهْلك أَو بَاعَ فَيرد الثّمن أَو الْقيمَة لقيامها مقَامه تَأمل. وَإِلَى مَا مر أَشَارَ خَلِيل بقوله: فيدعي بِمَعْلُوم مُحَقّق قَالَ: وَكَذَا شَيْء وَإِلَّا لم تسمع كأظن الخ. وَقَالَ فِي الْإِقْرَار: وَقبل تَفْسِيره كشيء وَكَذَا وسجن لَهُ الخ وَمحل الْخلاف إِذا كَانَ الْمُدَّعِي لَا يدْرِي جنسه وَلَا قدره، وَإِلَّا فَإِن علم وأبى ذكره لم تسمع اتِّفَاقًا، وَمحله أَيْضا إِذا لم يكن الشَّيْء الَّذِي يَدعِيهِ من فضلَة حِسَاب كَانَ بَينهمَا بِبَيِّنَة. وَقَالَت: لَا نَعْرِف قدرهَا وَإِلَّا فَتسمع بِلَا خلاف كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَام ابْن فَرِحُونَ، وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 وَمن لطَالب بِحَق شَهدا وَلم يُحَقّق عِنْد ذَاك العددا ثمَّ مَا قَررنَا بِهِ كَلَام النَّاظِم من أَنه حذف مُتَعَلق الدَّعْوَى وَأَن أل فِي قَوْله: الْبَيَان عوض عَن الضَّمِير هُوَ الَّذِي ظهر لنا من كَلَام الْقَرَافِيّ وَغَيره، وَبِه ينْدَفع مَا قيل إِن مَا ذكره شَرط فِي الدَّعْوَى لَا فِي الْمُدعى فِيهِ إِذْ لَا يخفى أَن الدَّعْوَى وَالْمُدَّعى فِيهِ متلازمان فَمَا كَانَ شرطا فِي أَحدهمَا فَهُوَ شَرط فِي الآخر، وَمَا كَانَ تقسيماً لأَحَدهمَا فَهُوَ تَقْسِيم للْآخر، فَيَنْتَفِي حِينَئِذٍ التَّدَاخُل فِي الْأَقْسَام الَّتِي عِنْد (ت) وَغَيره وَالله أعلم. وَبَقِي على النَّاظِم شُرُوط أخر كَون الْمُدعى فِيهِ ذَا غَرَض صَحِيح احْتِرَازًا من الدَّعْوَى بقمحة أَو شعيرَة وَنَحْو ذَلِك، وَلذَا لَا يُمكن الْمُسْتَأْجر للْبِنَاء وَنَحْوه من قلع مَا لَا قيمَة لَهُ وَكَونه مِمَّا لَو أقرّ بِهِ الْمَطْلُوب لقضى عَلَيْهِ بِهِ احْتِرَازًا من الدَّعْوَى بِأَنَّهُ قَالَ: دَاري صَدَقَة بِيَمِين مُطلقًا أَو بغَيْرهَا وَلم يعين الخ. وَمن الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِالْوَصِيَّةِ للْمَسَاكِين، وَمِمَّا يُؤمر فِيهِ بِالطَّلَاق من غير قَضَاء كَقَوْلِه: إِن كنت تحبيني أَو تبغضيني، وَمن الدَّعْوَى على الْمَحْجُور بِبيع وَنَحْوه من الْمُعَامَلَات فَلَا يلْزمه، وَلَو ثَبت بِالْبَيِّنَةِ بِخِلَاف مَا إِذا ثَبت عَلَيْهِ الِاسْتِهْلَاك وَالْغَصْب وَنَحْوهمَا (خَ) : وَضمن مَا أفسد إِن لم يُؤمن عَلَيْهِ، وَالظَّاهِر أَن هَذَا الشَّرْط يُغني عَن الَّذِي قبله وَلَا يحْتَرز بِهِ من دَعْوَى الْهِبَة والوعد لِأَنَّهُ يُؤمر بِالْجَوَابِ فيهمَا. وَلَو على القَوْل بِعَدَمِ لُزُومهَا بالْقَوْل لاحْتِمَال أَن يقر وَلَا يرجع عَن الْهِبَة وَلَا يخلف وعده، وَكَون الْعَادة لَا تكذب الدَّعْوَى بِهِ احْتِرَاز من الدَّعْوَى بِالْغَصْبِ وَالْفساد على رجل صَالح (خَ) وأدب مُمَيّز كمدعيه على صَالح، وَمن مَسْأَلَة الْحِيَازَة الْمُعْتَبرَة فَإِن الدَّعْوَى لَا تسمع فِيهَا وَقيل تسمع وَيُؤمر الْمَطْلُوب بجوابها لَعَلَّه يقر أَو يُنكر فَيحلف قَالَه (ح) وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا يَأْتِي فِي فصل الْحَوْز. تَنْبِيهَانِ. الأول: علم مِمَّا مر أَن هَذِه الشُّرُوط كلهَا مبحوث فِيهَا مَا عدا الشَّرْط الرَّابِع، وَظَاهره أَن الْمَحْجُور لَا تسمع الدَّعْوَى عَلَيْهِ فِي الْمُعَامَلَات، وَلَو نَصبه وليه لمعاملات النَّاس بِمَال دَفعه إِلَيْهِ للتِّجَارَة ليختبره، وَهُوَ كَذَلِك إِذْ الدّين اللَّاحِق لَهُ لَا يلْزمه لَا فِيمَا دفع إِلَيْهِ وَلَا فِيمَا بَقِي وَلَا فِي ذمَّته لِأَنَّهُ لم يخرج بذلك من الْولَايَة قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة، وَقيل: يلْزمه ذَلِك فِي المَال الْمَدْفُوع إِلَيْهِ خَاصَّة، وَهَذَا إِذا لم يضمن بِهِ مَاله، وإلاَّ فَيضمن فِي المَال المصون وَهُوَ مَحْمُول على عدم التصوين وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَجَاز للْوَصِيّ فِيمَن حجرا أعطَاهُ بعض مَاله مختبرا الثَّانِي: تقدم أَن بَيَان السَّبَب من تَمام صِحَة الدَّعْوَى لِإِمْكَان أَن يكون سَبَب مَا يَدعِيهِ فَاسِدا كَكَوْنِهِ ثمن خمر أَو رَبًّا وَنَحْو ذَلِك، وَلذَا قَالَ ابْن حَارِث: إِذا لم يسْأَله القَاضِي عَنهُ كَانَ كالخابط خبط عشواء قَالَ: فَإِن سَأَلَهُ الْحَاكِم أَو الْمُدعى عَلَيْهِ عَنهُ وَامْتنع من بَيَانه لم يُكَلف الْمَطْلُوب بِالْجَوَابِ، فَإِن ادّعى نسيانه قبل بِغَيْر يَمِين. قلت: وَيَنْبَنِي على بَيَانه أَن الْمَطْلُوب إِذا قَالَ فِي جَوَابه: لَا حق لَك عَليّ لَا يَكْتَفِي مِنْهُ بذلك بل حَتَّى يَنْفِي السَّبَب الَّذِي بَينه الْمُدَّعِي كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَمن أَبى إِقْرَارا أَو إنكاراً. الخ ... وَإِذا ميزت الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ بِمَا مرّ. وَالمُدَّعِي مُطالَبٌ بالبَيِّنَه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 ْ وحالَةُ العُمُومِ فِيهِ بيَّنَهْ (وَالْمُدَّعِي مطَالب بِالْبَيِّنَةِ) . إِذا أنكر الْمَطْلُوب لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر) . وَهَكَذَا ذكر ابْن رشد وَغَيره هَذَا الحَدِيث. وَذكره ابْن عبد الْبر عَن عمر بن شُعْبَة عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر) . وَأنكر ذَلِك ابْن سهل وَقَالَ: إِنَّمَا الحَدِيث: (شَاهِدَاك أَو يَمِينه) . وَالْبَيِّنَة: تَشْمَل الشَّاهِدين وَالْأَرْبَعَة، وَالشَّاهِد مَعَ الْيَمين والمرأتين كَمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله. (وَحَالَة الْعُمُوم فِيهِ) أَي فِي الْمُدَّعِي من كَونه صَالحا أَو طالحاً ادّعى على صَالح أَو طالح (بَيِّنَة) لقَوْل الْقَرَافِيّ وَغَيره: أَجمعت الْأمة على أَن الصَّالح التقي مثل أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا لَو ادّعى على أفسق النَّاس درهما وَاحِدًا لَا يصدق فِيهِ وَعَلِيهِ الْبَيِّنَة فَهَذَا مِمَّا قدم فِيهِ الأَصْل على الْغَالِب لِأَن الْغَالِب أَن الصَّالح التقي لَا يَدعِي إلاَّ حَقًا. وَبِهَذَا الْإِجْمَاع احْتج الشَّافِعِيَّة علينا فِي تَقْدِيم الْغَالِب على الأَصْل فِي دَعْوَى الْمَرْأَة الْمَسِيس وَعدم الْإِنْفَاق وَنَحْوهمَا مِمَّا شهد الْعرف فِيهِ للْمُدَّعِي كَمَا مرَّ فَقَوْل (ت) يَسْتَثْنِي من الْعُمُوم الْمَذْكُور مسألتا التدمية والمحتملة غصبا إِذا ادَّعَت الْوَطْء فَيقبل فيهمَا قَول الْمُدَّعِي بِغَيْر بَيِّنَة الخ. فِيهِ نظر لِأَن الْمُدَّعِي فيهمَا لترجيح جَانِبه بِالْعرْفِ صَار مدعى عَلَيْهِ فهما كمسألتي الْمَسِيس وَعدم الْإِنْفَاق وَنَحْوهمَا داخلان فِي قَول النَّاظِم من قد عضدا. مقاله عرف الخ. وَالمُدَّعَى عَلَيْهِ باليَمِينِ فِي عَجْزِ مُدَّعٍ عنِ التَّبيينِ (وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ) مُبْتَدأ (بِالْيَمِينِ) يتَعَلَّق بخاص خَبره أَي مطَالب بِالْيَمِينِ وحذفه لدلَالَة مَا تقدم عَلَيْهِ، وَلَا يَصح عطفه على الْمُدَّعِي وباليمين على الْبَيِّنَة لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى الْعَطف على معمولي عاملين مُخْتَلفين وَهُوَ لَا يجوز وَإِنَّمَا يُطَالب بِالْيَمِينِ (فِي) حَال (عجز مُدع عَن التَّبْيِين) أَي عَن الْبَيِّنَة وَفِي حَال كَون الدَّعْوَى فِي المَال أَو مَا يؤول إِلَيْهِ وإلاَّ فَكل دَعْوَى لَا تثبت إِلَّا بعدلين فَلَا يَمِين بمجردها كَنِكَاح وَعتق وَنَحْوهمَا وَشَمل كَلَامه مَا إِذا طلب الطَّالِب يَمِين الْمَطْلُوب لعَجزه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 عَن الْبَيِّنَة، فَادّعى عَلَيْهِ الْمَطْلُوب أَنه كَانَ حلفه على تِلْكَ الدَّعْوَى، فَإِن الطَّالِب لَا يتَوَصَّل ليمين الْمَطْلُوب حَتَّى يحلف أَنه مَا حلفه (خَ) وَله يَمِينه أَنه لم يحلفهُ أَولا اه. وَقَالَ فِي اللامية: لمن يزْعم الأحلاف إحلاف خَصمه على نفي أحلاف لَهُ قد تقبلا وَقَول ناظم الْعَمَل: وَلَا يَمِين حَيْثُ قَالَ احْلِف لي إِنَّك مَا حلفتني من قبلي لَا يعول عَلَيْهِ وَإِن اخْتَارَهُ ابْن رحال وَمَا عللوه بِهِ من أَن تَمْكِينه من تَحْلِيفه فِيهِ ضَرَر عَظِيم وَيلْزم عَلَيْهِ مُقَابلَة يَمِين بِيَمِين كُله لَا ينْهض حجَّة لأَنهم حَافظُوا على حق الطَّالِب، وأخلوا بِحَق الْمَطْلُوب. وَقد تكون دَعْوَاهُ صَحِيحَة فَفِيهِ تَرْجِيح دَعْوَى أحد الْخَصْمَيْنِ بِلَا مُرَجّح، ومقابلة الْيَمين بِالْيَمِينِ تَنْتفِي بقلب الْيَمين على الْمَطْلُوب وَالله أعلم. وَهَذَا كُله إِذا قَالَ: إِنَّك حلفتني، وَأما إِن قَالَ لَهُ: إِنَّك أسقطت عني الْيَمين وأبرأتني مِنْهَا فاحلف لي مَا أسقطتها عني، فَإِن الطَّالِب لَا تجب عَلَيْهِ يَمِين لرد هَذِه الدَّعْوَى كَمَا فِي الدّرّ النثير ونوازل الدَّعَاوَى من المعيار، وأشعر قَول النَّاظِم مطَالب بِالْيَمِينِ الخ، أَنه لَو حلف قبل أَن يطْلبهَا الْخصم مِنْهُ لم تجزه وَلَو بِأَمْر القَاضِي وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي التَّبْصِرَة وَقَالَ فِي اللامية: وَذُو حلف من غير إحلاف خَصمه وَغير رضَا لم يستفد شَيْئا أملا وَأَحْرَى فِي عدم الْإِجْزَاء إِن حلف بِغَيْر حُضُور خَصمه، وَظَاهر النّظم أَن الْيَمين تجب عَلَيْهِ فِي عجز الْمُدَّعِي عَن الْبَيِّنَة، وَلَو لم تكن خلْطَة، وَهُوَ قَول ابْن نَافِع وَابْن عبد الحكم من الْمَالِكِيَّة، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة وَغَيرهمَا وَبِه الْعَمَل الْآن قَالَ ناظمه: وَدون خلْطَة توجه الْيَمين على الَّذِي عَلَيْهِ إِلَّا دَعَا يبين وَظَاهر هَذَا الْعَمَل عدم التَّفْرِيق بَين ذَوي الْعلَا والمروءة وَغَيرهم، وَفرق بَعضهم بَين الدَّعْوَى على الرجل المنقبض عَن مداخلة النَّاس ومخالطتهم، وَالْمَرْأَة المستورة المحتجبة فَلَا تجب عَلَيْهِمَا الْيَمين بِالدَّعْوَى إِلَّا بعد ثُبُوت الْخلطَة ابْن عبد الْبر: وَهُوَ الْمَعْمُول بِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الزّرْقَانِيّ فِي لاميته بقوله: لَكِن ببلدة يُوسُف يخص بهَا ذَات الْحجاب وَذُو الْعلَا الخ وَنَحْوه لِابْنِ هِلَال عَن ابْن رشد، وَاخْتَارَهُ ابْن رحال وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَاده، إِذْ كثير من النَّاس يتجرأ على ذَوي الْفضل وَالدّين وَيُرِيد إهانتهم بالأيمان فِي الدَّعَاوَى الْبَاطِلَة، وَقد شاهدنا من ذَلِك فِي هَذَا الزَّمَان مَا الله أعلم بِهِ. ثمَّ الْعَمَل بترك الْخلطَة إِنَّمَا هُوَ فِي الدَّعَاوَى بِالْمَالِ من مُعَاملَة وَنَحْوهَا لَا فِي الدَّعَاوَى الَّتِي يشْتَرط فِي توجه الْيَمين بهَا الظنة والتهمة كالغصب والتعدي وَالسَّرِقَة وَنَحْوهَا فَلم يجر عمل بتوجهها بِدُونِ ثُبُوت التُّهْمَة كَمَا مرّ عَن ابْن فَرِحُونَ وَنَحْوه فِي (ح) والرعيني بل تقدم أَنه إِذا ادّعى بذلك على صَالح لم تسمع دَعْوَاهُ ويؤدب وَيَأْتِي للناظم: وتهمة إِن قويت الخ. فَانْظُر هُنَاكَ، وَالْمرَاد بثوبتها أَن يكون مِمَّن قد أُشير إِلَيْهِ بِالْغَصْبِ وَنَحْوه سَوَاء ثَبت أَو لم يثبت، وَلَكِن علم أَنه قد ادّعى بهَا عَلَيْهِ كَمَا فِي ابْن سهل، وَفهم من قَول النَّاظِم فِي عجز مُدع الخ أَن الْمُدَّعِي إِذْ لم يعجز وَأقَام الْبَيِّنَة على دَعْوَاهُ يقْضِي لَهُ بِحقِّهِ من غير يَمِين تلْزمهُ مَعَ كَمَال بَينته وَهُوَ كَذَلِك مَا لم يدع عَلَيْهِ الْمَطْلُوب الْقَضَاء، أَو أَنه عَالم بفسق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 شُهُوده، وإلاَّ فَتجب (خَ) : وَكَذَا أَنه عَالم بفسق شُهُوده أَي حقق عَلَيْهِ الدَّعْوَى بِأَنَّهُ عَالم بِعِلْمِهِ بفسق شُهُوده فتتوجه عَلَيْهِ الْيَمين. (فرع) : من وَجَبت عَلَيْهِ يَمِين فتغيب طالبها فَإِن القَاضِي يُوكل من يتقاضاها لَهُ بعد ثُبُوت مغيبه، وَيشْهد بذلك قَالَه ابْن عَاتٍ فِي طرره وَيَأْتِي نَحوه عِنْد قَول النَّاظِم: وَمن أَلد فِي الْخِصَام وانتهج. الخ. فَإِن سَأَلَ الطَّالِب تَأْخِيرهَا وَسَأَلَ الْمَطْلُوب تَعْجِيلهَا أَو بِالْعَكْسِ، فَالْقَوْل لطَالب تَعْجِيلهَا، وَإِذا كَانَت الدَّعْوَى على امْرَأَة وَطلب الْخصم أَن تحلف بمحضره فَإِن كَانَت من ذَوي الْقدر والشرف فيبعث الْحَاكِم من يحلفها وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِأَن يقف حَيْثُ يسمع يَمِينهَا وَلَا يرى شخصها. (فَائِدَة) : رَأَيْت أَن نذْكر رِسَالَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ الْمَعْرُوفَة برسالة الْقَضَاء. ابْن سهل: هَذِه الرسَالَة أصل فِيمَا تضمنته من فُصُول الْقَضَاء ومعاني الْأَحْكَام قَالَ فِي ضيح: فَيَنْبَغِي حفظهَا والاعتناء بهَا. وَهِي: (بِسم الله الرّحم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ن الرّحيم) ، من عمر بن الْخطاب أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ سَلام عَلَيْك. أما بعد: فَإِن الْقَضَاء فَرِيضَة محكمَة وسنّة متبعة فَافْهَم إِذا أدلي إِلَيْك وأنفذ إِذا تبين لَك فَإِنَّهُ لَا ينفع تكلم بِحَق لَا نَفاذ لَهُ وَهُوَ بَين النَّاس فِي وَجهك وعدلك ومجلسك حَتَّى لَا يطْمع شرِيف فِي حيفك، وَلَا ييأس ضَعِيف من عدلك، الْبَيِّنَة على من ادّعى وَالْيَمِين على من أنكر، وَالصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين إلاّ صلحا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالا، وَلَا يمنعك قَضَاء قَضيته بالْأَمْس ثمَّ راجعت فِيهِ نَفسك وهديت فِيهِ لرشدك أَن ترجع إِلَى الْحق، ومراجعته خير من الْبَاطِل والتمادي فِيهِ. الْفَهم الْفَهم فِيمَا تلجلج فِي صدرك مِمَّا لم يبلغك فِي الْكتاب وَالسّنة أعرف الْأَمْثَال والأشباه، وَقس الْأُمُور عِنْد ذَلِك، واعمد إِلَى أقربها إِلَى الله تَعَالَى، وأشبهها بِالْحَقِّ فِيمَا ترى، وَاجعَل لمن ادّعى حَقًا غَائِبا أَو بَيِّنَة أمداً يَنْتَهِي إِلَيْهِ فَإِن أحضر بَيِّنَة أخذت لَهُ بِحقِّهِ وإلاَّ أوجبت لَهُ الْقَضَاء فَإِن ذَلِك أنفى للشَّكّ وأبلغ للْعُذْر. النَّاس عدُول بَعضهم على بعض إِلَّا مجلوداً فِي حد أَو مجرباً عَلَيْهِ شَهَادَة زور أَو ظنيناً فِي وَلَاء أَو نسب، فَإِن الله تَعَالَى تولى مِنْكُم السرائر وَدَرَأَ عَنْكُم بِالْبَيِّنَاتِ والأيمان وَإِيَّاك والقلق والضجر والتأذي بِالنَّاسِ والتنكير عِنْد الْخُصُومَات فَإِن الْحق فِي مَوَاطِن الْحق يعظم بِهِ الْأجر وَيحسن عَلَيْهِ الذخر، فَإِن من يصلح مَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَهُوَ على نَفسه يكفه الله مَا بَينه وَبَين النَّاس وَمن تزين للنَّاس بِمَا يعلم الله مِنْهُ غَيره شانه الله، فَمَا ظَنك بِثَوَاب الله فِي عَاجل رزقه وخزائن رَحمته وَالسَّلَام ابْن سهل. وَقَوله فِي هَذِه الرسَالَة: الْمُسلمُونَ عدُول بَعضهم على بعض الخ. رَجَعَ عَنهُ بِمَا رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ قَالَ ربيعَة: قدم رجل من أهل الْعرَاق على عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: قد جئْتُك على أَمر لَا رَأس لَهُ وَلَا ذَنْب، فَقَالَ عمر: مَا هُوَ؟ فَقَالَ: شَهَادَة الزُّور ظَهرت بأرضنا. فَقَالَ عمر: وَالله لَا يؤسر رجل فِي الْإِسْلَام بِغَيْر عدُول، وَهَذَا يدل على رُجُوعه عَمَّا فِي هَذِه الرسَالَة. وَأخذ الْحسن وَاللَّيْث بن سعيد من التَّابِعين بِمَا فِي هَذِه الرسَالَة من أُمُور الشُّهُود وَالْأَكْثَر على خِلَافه لقَوْله تَعَالَى: وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} (الطَّلَاق: 2) مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} (الْبَقَرَة: 282) اه. وَإِذا كَانَ الْمُتَنَازع فِيهِ الْمعِين كدار وثوب وَفرس مثلا فِي غير بلد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 الْمُدعى عَلَيْهِ كَانَ فِي بلد الْمُدَّعِي أم لَا، وَأَرَادَ الْمُدَّعِي رفع الْمُدعى عَلَيْهِ لقَاضِي بَلَده يحاكمه عِنْده لم يكن لَهُ ذَلِك حَيْثُ امْتنع الْمَطْلُوب وَأَرَادَ الْمُخَاصمَة عِنْد قاضيه كَمَا قَالَ: وَالحكْمُ فِي المَشْهورِ حَيْث المدَّعى عَليْهِ فِي الأصُولِ والمالِ مَعا (وَالْحكم فِي الْمَشْهُور حَيْثُ الْمُدعى. عَلَيْهِ فِي الْأُصُول و) فِي (المَال) الْمعِين (مَعًا) (خَ) : وَهل يُرَاعى حَيْثُ الْمُدعى عَلَيْهِ وَبِه عمل أَو الْمُدَّعِي وأقيم مِنْهَا الخ. فَإِن كَانَ النزاع فِي دين فِي الذِّمَّة. وَشبهه كقصاص فَهُوَ قَوْله: وحَيْثُ يُلْفِيهِ بِما فِي الذِّمَّهْ يَطْلُبهُ وَحَيْثُ أَصْلٌ ثَمَّهْ (وَحَيْثُ يلفيه بِمَا فِي الذِّمَّة يَطْلُبهُ) أَي ويخاصمه بِمَا فِي ذمَّته حَيْثُ مَا وجده. ابْن حبيب: وَكَذَا إِن كَانَ الْمُتَنَازع فِيهِ الْمعِين من دَار وَنَحْوهَا مَعَ الْمَطْلُوب فِي الْمحل الَّذِي لقِيه فِيهِ فَلهُ أَن يحْبسهُ لمخاصمته فِي ذَلِك الْمحل، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: (وَحَيْثُ أصل ثمه) بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة ظرف مَكَان يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر عَن قَوْله أصل وَالْهَاء للسكت أَي ويطلبه فِي الْمَكَان الَّذِي لقِيه فِيهِ حَيْثُ كَانَ الأَصْل ثمَّة أَي فِي ذَلِك الْمَكَان. فَتحصل أَن الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا لم يخرج من بَلَده فَلَيْسَتْ الدَّعْوَى إِلَّا هُنَالك كَانَ الْمُتَنَازع فِيهِ هُنَاكَ أم لَا، وَإِن خرج من بَلَده فإمَّا أَن يلقاه فِي مَحل الأَصْل الْمُتَنَازع فِيهِ، أَو يكون المَال الْمعِين مَعَه أَو لَا، فَيُجِيبهُ لمخاصمته هُنَاكَ فِي الأوّل دون الثَّانِي، وَأما مَا فِي الذِّمَّة فيخاصمه حَيْثُمَا لقِيه. وَقُدِّمَ السَّابِقُ لِلْخِصامِ وَالمُدَّعِي لِلْبَدْءِ بالْكَلاَمِ (و) إِذا اجْتمع لَدَى القَاضِي خصوم وَتَنَازَعُوا فِي من يسْبق للتحاكم (قدم السَّابِق) مِنْهُم (للخصام) ثمَّ الَّذِي يَلِيهِ، وَهَكَذَا إِلَّا أَن يكون فيهم مُسَافر أَو مَا يخْشَى فيقدمان حِينَئِذٍ على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 السَّابِق كَمَا قَالَ (خَ) وَقدم مُسَافر وَمَا يخْشَى فَوَاته ثمَّ السَّابِق قَالَ: وَإِن بحقين بِلَا طول الخ. قَالَ فِي التَّوْضِيح: وَيَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يُوكل من يعرف السَّابِق من الْخُصُوم من اللَّاحِق الخ. وَاعْلَم أَن الْمُدَّعِي يُطلق على مَعْنيين، أَحدهمَا: الْمَأْمُور بِالْبَيِّنَةِ وَهُوَ مَا مر فِي قَوْله: فالمدعي من قَوْله مُجَرّد. وَالْآخر: الجالب الَّذِي يُؤمر بالْكلَام وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: (و) قدم (الْمُدَّعِي) أَي الجالب لصَاحبه (للبدء بالْكلَام) ويسكت الآخر حَتَّى يفرغ الْمُدَّعِي من دَعْوَاهُ، فَإِن صحت باستجماع شُرُوطهَا الْمُتَقَدّمَة أمره بجوابه وإلاَّ صرفه عَنهُ، فَإِن جلسا بَين يَدَيْهِ وَلم يعلم الجالب مِنْهُمَا فَلَا بَأْس أَن يَقُول: مَا لَكمَا وَمَا خصومتكما أَو يسكت ليبتدياه، وَلَا يبتدىء أَحدهمَا فَيَقُول: مَا تَقول أَو مَا لَك؟ إِلَّا أَن يعلم أَنه الْمُدَّعِي وَلَا بَأْس أَن يَقُول: أيكما الْمُدَّعِي؟ فَإِن قَالَ أَحدهمَا: أَنا أمره بالْكلَام، فَإِن قَالَ كل مِنْهُمَا: أَنا الْمُدَّعِي أَو الْمُدعى عَلَيْهِ صرفهما عَنهُ حَتَّى يَأْتِي أَحدهمَا أَولا كَمَا قَالَ: وَحَيْثُ خُصْم حالَ خَصْمٍ يَدَّعِي فاصْرِفْ وَمَنْ يَسْبِقْ فَذَاكَ المُدَّعِي فخصم: مُبْتَدأ وسوغ الِابْتِدَاء بِهِ قصد الْجِنْس، وَيَدعِي: خَبره، وَقَوله: فاصرف جَوَاب مَا تضمنته حَيْثُ من معنى الشَّرْط: وَدخلت عَلَيْهِ الْفَاء لِأَنَّهُ لَا يصلح أَن يكون شرطا. وَعِنْدَ جَهْلِ سابِقٍ أوْ مُدَّعي منْ لَجّ إذْ ذَاكَ لِقُرْعَةٍ دُعي (وَعند جهل سَابق) فِي الصُّورَة الأولى (أَو) جهل (مدعي) فِي الثَّانِيَة فَإِن رجعا دفْعَة وَاحِدَة بعد أَن صرفهما ولجأ فِي تعْيين السَّابِق فِي الأولى وَالْمُدَّعِي فِي الثَّانِيَة فَإِنَّهُ يقرع بَينهمَا كَمَا قَالَ (من لج إِذْ ذَاك لقرعة دعِي) فَقَوله: من لج بِالْجِيم من اللجاج أَي الْخُصُومَة وَهُوَ مُبْتَدأ وَعند جهل يتَعَلَّق بِهِ ولكونه ظرفا صَحَّ تَقْدِيمه على الْمَوْصُول وصلته لأَنهم يتوسعون فِيهِ. وَالْجُمْلَة من قَوْله: لقرعة دعِي: خَبره وَإِذا ذَاك يتَعَلَّق بدعي وَذَاكَ إِشَارَة للجاج، وَخَبره مَحْذُوف أَي حَاصِل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذْ إِلَيْهَا. وَكَيْفِيَّة الْقرعَة أَن تكْتب أَسمَاؤُهُم فِي بطائق وتخلط فَمن خرج اسْمه بدىء بِهِ، وَمَا ذكره النَّاظِم من الْقرعَة عِنْد جهل الْمُدَّعِي صدر بِهِ فِي الشَّامِل، وَقيل: يبْدَأ بِمن شَاءَ مِنْهُمَا، والضعيف أولى وَقيل يصرفهما وَقيل يَتَحَالَفَانِ اه. (فصل فِي رفع الْمُدعى عَلَيْهِ) لمجلس الحكم (وَمَا يتَعَلَّق بِهِ) أَي بِالرَّفْع الْمَذْكُور من الطَّبْع على من أَبى الْحُضُور وَأُجْرَة العون على من تكون. ثمَّ اعْلَم أَن الْخَصْمَيْنِ لَا يَخْلُو حَالهمَا، إِمَّا أَن يحضرا مَعًا مجْلِس الحكم متفقين على الدَّعْوَى أَو مُخْتَلفين، وَقد مر ذَلِك، وَإِمَّا أَن يحضر الطَّالِب فَقَط، وَفِي هَذِه إِمَّا أَن يكون الْمَطْلُوب من غير مَحل ولَايَة القَاضِي وَقد تقدم فِي قَوْله: وَالْحكم فِي الْمَشْهُور حَيْثُ الْمُدعى عَلَيْهِ الخ، وَإِمَّا أَن يكون من مَحل ولَايَته وَفِيه صُورَتَانِ فَتَارَة يخرج عَنْهَا لزيارة أَو تِجَارَة أَو نَحْوهمَا، وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله فِي الْبيُوع فِي فصل الحكم على الْغَائِب، وَتارَة لَا يخرج عَنْهَا فَلَا يَخْلُو حَاله من ثَلَاثَة أوجه: إِمَّا أَن يكون فِي الْبَلَد، أَو على مَسَافَة قريبَة أَو بعيدَة حسا أَو حكما، وعَلى هَذِه الثَّلَاث تكلم هُنَا فَأَشَارَ إِلَى الأول فَقَالَ: وَمَعْ مَخِيلةٍ بِصِدْقِ الطَّالِبِ يُرْفَعُ بالإرْسالِ غيْرُ الغائِبِ (وَمَعَ مخيلة) أَي دَلِيل أَي شُبْهَة أَي لطخ كجرح أَو شَاهد أَو أثر ضرب وَنَحْو ذَلِك (بِصدق الطَّالِب، يرفع بِالْإِرْسَال) إِلَيْهِ لَا بالخاتم على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا فِي اليزناسي (غير الْغَائِب) وَهُوَ الْحَاضِر فِي الْبَلَد فَغير بِالرَّفْع نَائِب فَاعل يرفع وَمَعَ يتَعَلَّق بِهِ، وَيحْتَمل أَن يكون مَبْنِيا للْفَاعِل وفاعله القَاضِي. وَهَذَا قَول سَحْنُون وَإِن الحكم لَا يرفع الْمَطْلُوب حَتَّى يَأْتِي الطَّالِب بِشُبْهَة لِئَلَّا يكون الطَّالِب مُدعيًا بَاطِلا، وَظَاهر قَول ابْن أبي زمنين أَنه يرفع وَإِن لم يَأْتِ بِشُبْهَة. ابْن عَرَفَة، وَبِه الْعَمَل وَإِلَى الثَّانِي بقوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 وَمَنْ عَلَى يَسِير الأمْيالِ يَحُلْ فالكتب كَاف فيهِ مَعْ أمْن السُّبُلْ (وَمن على يسير الأميال) كالفرسخ فَمَا دونه (يحل) جمع ميل بِكَسْر الْمِيم والميل، كَمَا قَالَ ابْن عبد الْبر ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة ذِرَاع، والذراع مَا بَين طرفِي الْمرْفق وَرَأس الْأصْبع الْوُسْطَى كل ذِرَاع سِتّ وَثَلَاثُونَ أصبعاً كل أصْبع سِتّ شعيرات بطن إِحْدَاهمَا لظهر الْأُخْرَى، كل شعيرَة سِتّ شَعرَات من شعر البرذون. وَقَالَ ابْن حبيب: الْميل ألف بَاعَ بباع الْفرس، وَقيل بباع الْبَعِير، والباع: ذراعان. والذراع: شبران، والشبر: اثْنَا عشر أصبعاً، والأصبع: سِتّ حبوب من وسط الشّعير بطن إِحْدَاهمَا لظهر الْأُخْرَى وعَلى الأول اقْتصر شرَّاح الْمُخْتَصر. (فالكتب) إِلَيْهِ فِي كتاب إِن أحضر مجْلِس الحكم ويطبع وَيدْفَع للطَّالِب الَّذِي أَتَى بالمخيلة لِأَنَّهَا مُرَاعَاة عِنْد النَّاظِم فِي هَذِه بالأحرى، وَإِن كَانَ الْعَمَل على خِلَافه كَمَا مرّ (كَاف فِيهِ) عَن إرْسَال الرَّسُول إِلَيْهِ وَهَذَا (مَعَ أَمن السبل) أَي الطّرق الَّتِي يسلكها لمحل الحكم (خَ) وجلب الْخصم بِخَاتم أَو رَسُول إِن كَانَ على مَسَافَة الْعَدْوى لَا أَكثر كستين ميلًا. إِلَّا بِشَاهِد اه. ومسافة الْعَدْوى ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ ميلًا فَهِيَ مَسَافَة الْقصر كَمَا فِي التَّبْصِرَة الْجَوْهَرِي الْعَدْوى طَلَبك إِلَى وَال ليعديك على من ظلمك أَي ينْتَقم مِنْهُ يُقَال: استعديت على فلَان الْأَمِير فأعداني أَي استعنت بِهِ فَأَعَانَنِي عَلَيْهِ. (تَنْبِيه) : لَا يكْتب إِلَيْهِ فِي هَذَا وَلَا يُرْسل خَلفه فِي الَّتِي قبلهَا حَتَّى يذكر دَعْوَاهُ وتتوفر شُرُوطهَا بِبَيَان السَّبَب، وَغير ذَلِك مِمَّا مر لِئَلَّا تكون دَعْوَاهُ غير صَحِيحَة فيجلبه من مَسَافَة الْعَدْوى لغير شَيْء، ويفوت عَلَيْهِ كثيرا من مَصَالِحه وَإِلَى الثَّالِث بقوله: وَمَعَ بُعْدٍ أَو مَخَافَةٍ كتبْ لأمثَل القَوْمِ أنْ افْعَلْ مَا يَجِبْ (وَمَعَ بعد) وَهُوَ مَا فَوق مَسَافَة الْعَدْوى (أَو مَخَافَة) فِي الطَّرِيق من لصوص وَنَحْوهم وَإِن كَانَ على أقل مِنْهَا (كتب لأمثل الْقَوْم) الَّذين هُوَ فيهم أَي أفضلهم فِي الْعلم وَالدّين (أَن افْعَل مَا يجب) من النّظر الْمُؤَدِّي للتناصف بَينهمَا. أَمَّا باصْلاَح أَو الإغْرَامِ أَوْ أَزْعِج المطْلُوبَ لِلْخِصَامِ (إِمَّا بالإصلاح) بَينهمَا (أَو الإغرام) للمطلوب حَيْثُ توجه الحكم بِهِ عَلَيْهِ (أَو أزعج الْمَطْلُوب) أَي أرفعه (للخصام) . وَالْحَاصِل أَن القَاضِي فِي هَذَا الْوَجْه الثَّالِث لَا يكْتب لأمثل الْقَوْم إِلَّا مَعَ قيام الشَّاهِد وَنَحْوه من جرح وَأثر ضرب وَقَوله: كَاف يَعْنِي على جِهَة الْأَوْلَوِيَّة وإلاَّ فَلهُ أَن يُرْسل إِلَيْهِ رَسُولا كَمَا مرّ عَن (خَ) فَلَا مُخَالفَة بَينهمَا فِي الصُّورَتَيْنِ، ابْن عَرَفَة: عَن ابْن عبد الحكم: من استعدى الْحَاكِم على من مَعَه فِي الْمصر أَو قَرِيبا مِنْهُ أعطَاهُ طابعاً فِي جلبه أَو رَسُولا وَإِن بعد من الْمصر لم يجلبه إِلَّا أَن يشْهد عَلَيْهِ شَاهد بِالْحَقِّ فَيكْتب لمن يَثِق بِهِ من أمنائه أما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 أنصفه وإلاَّ فليرتفع مَعَه اه. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب: ويجلب الْخصم مَعَ مدعيه بِخَاتم أَو رَسُول إِذا لم يزدْ على مَسَافَة الْعَدْوى، فَإِن زَاد لم يجلبه مَا لم يشْهد شَاهد فَيكْتب إِلَيْهِ، إِمَّا أَن يحضر أَو يرضى أَي خَصمه فَقَوْل النَّاظِم: إِمَّا بالإصلاح أَو الإغرام هُوَ قَول ابْن الْحَاجِب أَو يرضى خَصمه إِلَّا أَن النَّاظِم اشْترط المخيلة فِي الصُّور كلهَا وَقد علمت أَنه خلاف لِابْنِ الْحَاجِب وَغَيره من أَنَّهَا لَا تشْتَرط إِلَّا فِي الثَّالِثَة. تَنْبِيهَانِ. الأول: فهم من قَول النَّاظِم كتب لأمثل الْقَوْم الخ أَن القَاضِي إِذا أرسل إِلَى فَقِيه وَقَالَ لَهُ: انْظُر بَينهمَا ثمَّ اقْضِ مَا ترى فِي ذَلِك فَذَلِك نَافِذ وَهُوَ كَذَلِك عِنْد ابْن حبيب، وَقَالَ سَحْنُون: لَا ينفذ حكم الْفَقِيه بَينهمَا حَتَّى يُجِيزهُ القَاضِي ويقره، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَة اسْتِخْلَاف إِلَّا أَنه فِي نازلة خَاصَّة، وَأما استخلافه من يَنُوب عَنهُ فِي الْأَحْكَام فَإِن أذن لَهُ فِيهِ نصا جَازَ مُطلقًا وَإِن نهى عَنهُ امْتنع مُطلقًا وَإِن لم يكن إِذن وَلَا نهي فَإِن جرت الْعَادة بِهِ فَيَنْبَغِي أَن يكون كالنص، وإلاَّ فَفِي جَوَازه لمَرض أَو سفر قَولَانِ للأخوين وَسَحْنُون. فَإِن انتفيا لم يجز إِلَّا فِي جِهَة بعد (ت) كَمَا فِي (ح) ثمَّ لَيْسَ للمستخلف بِالْفَتْح أَن يسْتَخْلف إِلَّا بِإِذن من الَّذِي قدمه أَو عرف كَمَا فِي (ح) قَالَ: فَحكم النواب مَعَ من استنابهم حكم الْقُضَاة مَعَ السُّلْطَان قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَلَا يسجل نَائِب القَاضِي بِمَا ثَبت عِنْده، فَإِن فعل فَلَا يجوز تسجيله وَيبْطل إِلَّا أَن يُجِيزهُ الْمُسْتَخْلف بِالْكَسْرِ قبل أَن يعْزل أَو يَمُوت. قَالَ: وَإِذا قُلْنَا لَا يسجل فَلهُ أَن يسمع الْبَيِّنَة وَيشْهد عِنْده الشُّهُود فِيمَا فِيهِ النزاع، وَيقبل من عرف مِنْهُم بعدالة وتعقد عِنْده المقالات، ثمَّ يرفع ذَلِك كُله إِلَى الْمُسْتَخْلف بِالْكَسْرِ لينفذه ويسجل بِهِ للمحكوم لَهُ الخ. وَقَول (ت) : وإلاَّ فَإِن كَانَ لعذر جَازَ الخ فِيهِ مَعَ قَوْله بعد فِي جِهَة بعد (ت) نظر لَا يخفى لِأَن الْعذر الَّذِي جَازَ مَعَه الِاسْتِخْلَاف اتِّفَاقًا من مطرف وَسَحْنُون هُوَ بعد الْجِهَات، وَاخْتِلَاف الكور الَّتِي لَا يلْزمه الدوران عَلَيْهَا وَلَا الجلب مِنْهَا. فَالصَّوَاب حذفه والاكتفاء بقوله فِي جِهَة بعد (ت) . الثَّانِي: إِن لم يكن للْمُدَّعِي حق لم تجب على الْمُدعى عَلَيْهِ الْإِجَابَة وَمَتى علم الْخصم بإعسار الْمَطْلُوب حرم عَلَيْهِ طلبه، وَإِن رَفعه إِلَى الْحَاكِم وَعلم أَنه يحكم عَلَيْهِ بجور لم تجب الْإِجَابَة وَتحرم حِينَئِذٍ فِي الدّماء والجروح وَالْحُدُود وَسَائِر الْعُقُوبَات الشَّرْعِيَّة، وَإِن دَعَاهُ إِلَى حق مُخْتَلف فِي ثُبُوته وخصمه يعْتَقد الثُّبُوت وَجَبت الْإِجَابَة وإلاَّ سَقَطت وَمَتى طُولِبَ بِحَق وَجب عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ بالفور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 لِأَن المطل ظلم ووقوف النَّاس عِنْد الْحُكَّام صَعب قَالَه الْقَرَافِيّ فِي الْقَوَاعِد، وَنَقله (ح) بأتم مِمَّا هُنَا، وَمحله وَالله أعلم إِذا كَانَ هُنَاكَ من يُعينهُ على الْحق ويتثبت فِي أمره، وَأما إِذا فقد ذَلِك كَمَا فِي زَمَاننَا الْيَوْم فَتجب الْإِجَابَة فِي الْجَمِيع لِئَلَّا يَقع فِيمَا هُوَ أعظم. وَمَنْ عَصَى الأمْر وَلَمْ يَحْضُرْ طُبِعْ عَليْهِ مَا يَهُمُّهُ كَيْ يَرْتَفَعْ (وَمن عصى) من الْخُصُوم (الْأَمر) أَي أَمر القَاضِي الَّذِي أرسل إِلَيْهِ أَو أَمر أمثل الْقَوْم الْمَكْتُوب إِلَيْهِم وتغيب عَن مجْلِس الحكم (وَلم يحضر) فإمَّا أَن يكون لَهُ مَال ظَاهر أم لَا؟ فَإِن كَانَ الأول فَإِن القَاضِي يحكم عَلَيْهِ بِمَا ثَبت عِنْده من بَيِّنَة الطَّالِب ويعديه فِي مَاله الظَّاهِر، وَسَوَاء اختفى ببيته أَو لَا يدرى أَيْن هُوَ وَلَا ترجى لَهُ حجَّة إِن تغيب بعد اسْتِيفَاء حججه وَإِلَّا رجيت كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْله: وَمن أَلد فِي الْخِصَام وانتهج. الخ وَإِن لم يكن لَهُ مَال ظَاهر وَلم يختف فِي بَيته (طبع عَلَيْهِ مَا يهمه) شَأْنه مِمَّا لَا صَبر لَهُ عَنهُ كداره وحانوته (كي يرْتَفع) مَعَ خَصمه، وَصفَة الطَّبْع أَن يلصق شمعاً أَو عجيناً بِالْبَابِ ويطبع عَلَيْهِ بِطَابع فِيهِ نقش أَو كِتَابَة بِحَيْثُ إِذا فتحت الْبَاب تغير ذَلِك عَن حَاله، فَيعلم أَنه قد دَخلهَا فيفعل بِهِ مَا يَأْتِي من المناداة على بَابه وإرسال الْعُدُول أَو الهجم وَنَحْو ذَلِك، وَكَذَا إِن اختفى فِي بَيته وَثَبت ذَلِك، فَمنهمْ من يرى أَنه يخْتم على بَابه أَي يطبع عَلَيْهَا بِمَا ذكر أَيْضا وَيبْعَث رَسُولا ثِقَة وَمَعَهُ شَاهِدَانِ يُنَادي بحضرتهما ثَلَاثَة أَيَّام كل يَوْم ثَلَاث مَرَّات: يَا فلَان ابْن فلَان القَاضِي فلَان يَأْمُرك بِحُضُور مجْلِس الحكم مَعَ خصمك وإلاَّ نصب لَك وَكيلا، فَإِذا فعل وإلاَّ نصب لَهُ وَكيلا وَسمع من شُهُود الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة وَقضى عَلَيْهِ إِلَى أَن يقدر على اسْتِخْرَاج المَال مِنْهُ، وَمِنْهُم من يرى أَن يهجم عَلَيْهِ، وَمِنْهُم من يرى أَن يُرْسل عَدْلَيْنِ ومعهما جمَاعَة من الخدم والنسوان والأعوان، فَتكون الأعوان بِالْبَابِ وَيدخل النسوان والخدم ويعزلن حرم الْمَطْلُوب فِي بَيت ويفتش الْمنزل بَغْتَة الْمنزل. هَكَذَا ذكر فِي الْبَيَان عَن ابْن شعْبَان قَالَ: إِذا توارى الْخصم وَأثبت الطَّالِب حَقه حكم عَلَيْهِ إِن كَانَ لَهُ مَال ظَاهر، وَإِن لم يكن لَهُ مَال ظَاهر وَثَبت أَنه فِي منزله فَمنهمْ من يرى أَنه يخْتم على بَابه أَي الَّتِي هُوَ فِيهَا بالاستئجار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وَنَحْوه إِلَى آخر الْأَقْوَال الْمَذْكُورَة، فَظَاهره أَن الطَّبْع إِنَّمَا هُوَ إِذا لم يكن لَهُ مَال ظَاهر وَهُوَ خلاف إِطْلَاق النَّاظِم وَخلاف قَول الجزيري، وَإِن تغيب الْمُدعى عَلَيْهِ طبع القَاضِي على دَاره وَهُوَ أحسن من التسمير لِأَنَّهُ يفْسد الْبَاب، فَإِن لم يُفْسِدهُ سمّره بعد أَن يخرج مِنْهَا مَا فِيهَا من الْحَيَوَان وَبني آدم اه. فَظَاهره أَنه يطبع عَلَيْهِ وَلَو كَانَ لَهُ مَال ظَاهر، لَكِن مَا قَررنَا بِهِ هُوَ الملائم لقَوْله فِيمَا يَأْتِي: وَغير مستوف لَهَا ان استتر الخ، لِأَنَّهُ صَادِق بِمَا إِذا توارى بعد أَن جلس بَين يَدي القَاضِي مرّة فَمَا فَوْقهَا، وَبِمَا إِذا لم يجلس بَين يَدَيْهِ أصلا وَعَلِيهِ فَقَوْل النَّاظِم: طبع عَلَيْهِ مَا يهمه خَاص بِمَا إِذا لم يكن لَهُ مَال ظَاهر سَوَاء اختفى فِي بَيته على القَوْل الأول من الْأَقْوَال الْمَذْكُورَة، أَو اختفى فِي غَيره وَلم يعلم الْمحل الَّذِي اختفى فِيهِ. وَالْحَاصِل أَن المتغيب إِذا ثَبت تغيبه وعصيانه، وَفِي مَعْنَاهُ الْمَرِيض والمحبوس يمتنعان من التَّوْكِيل يحكم عَلَيْهِ إِن طَال تغيبه بعد أَن يتلوم لَهُ بِالِاجْتِهَادِ سَوَاء تغيب من أول الْأَمر أَو بعد أَن أنشب الْخُصُومَة، وَسَوَاء قُلْنَا: إِن المتغيب يطبع عَلَيْهِ مُطلقًا كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم والجزيري أَو إِن لم يكن لَهُ مَال ظَاهر كَمَا هُوَ ظَاهر ابْن شعْبَان وَصَاحب الشَّامِل وَغَيرهمَا، لَكِن ترجى لَهُ الْحجَّة حَيْثُ لم يسْتَوْف حججه كَمَا يَأْتِي وَالله أعلم. وَنقل فِي التَّبْصِرَة عَن بَعضهم أَنه لَا ترجى لَهُ حجَّة عُقُوبَة لَهُ، وَظَاهره تغيب ابْتِدَاء أَو بعد نشب الْخُصُومَة، وَمن هَذَا الْمَعْنى أحد الشَّرِيكَيْنِ يطْلب صَاحبه بِالْقِسْمَةِ ويتغيب الآخر فَإِن القَاضِي يُوكل من يقسم عَنهُ بعد أَن يفعل بِهِ مَا مر. تَنْبِيه: قَالَ فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة: وَيَنْبَغِي للْقَاضِي أَن لَا يقبل قَول الرَّسُول فِي تغيب الْمَطْلُوب حَتَّى يكْشف وَيسْأل، وَفِي الْمُفِيد: من استهان بدعوة القَاضِي وَلم يجب ضرب أَرْبَعِينَ. الْمَاوَرْدِيّ وَابْن الفخار: ويجرح إِن كَانَ عدلا لقَوْله تَعَالَى: إِذا دعوا إِلَى الله وَرَسُوله ليحكم بَينهم أَن يَقُولُوا سمعنَا وأطعنا} (النُّور: 15) . وَأُجْرَةُ العَوْنِ على صاحِبِ حَقْ ومَنْ سِواهُ إنْ أُلَدَّ تُستَحَق (وَأُجْرَة العون) الجالب للخصم إِذا لم يرْزق من عِنْد القَاضِي وَلَا من بَيت المَال الَّذِي هُوَ الأَصْل فِيهَا كنظائرها من أرزاق الْقُضَاة والقاسمين وَنَحْوهم (على طَالب حق) فيتفق مَعَ العون عَلَيْهَا بِمَا يرَاهُ إِلَّا أَن يثبت لدد الْمَطْلُوب بالطالب، وَأَنه امْتنع من الْحُضُور بعد أَن دَعَاهُ إِلَيْهِ بطابعه كَمَا مرّ فِي قَوْله: فالكتب كَاف الخ. فَلم يجب فالأجرة على الْمَطْلُوب كَمَا قَالَ: (وَمن سواهُ إِن أَلد) أَي اشتدت خصومته بمطله وامتناعه من الانقياد إِلَى الْحق (تسْتَحقّ) هِيَ أَي الْأُجْرَة قَالَه ابْن الْعَطَّار وَاللَّخْمِيّ وَغَيرهمَا. وانتقده ابْن الفخار بِأَنَّهُ لَا يعلم فِي الشَّرْع ذَنْب يُبِيح مَال مُسلم إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 الْكفْر. وَأجِيب: بِأَنَّهُ لما تسبب بامتناعه فِي إِتْلَاف الْأُجْرَة على الطَّالِب توجه الْغرم عَلَيْهِ كَمَا قَالُوهُ فِي مدية حَتَّى تلف المذكي، وَمثل أُجْرَة العون أُجْرَة السجان لِأَن اللدد فِيهِ أبين قَالَه (ق) : (قلت) : وَهَذَا تبين أَنه سجن فِي حق كَمَا يَأْتِي الخ. تَنْبِيهَات. الأول: قَول النَّاظِم: إِن أَلد ظَاهر فِي أَنه ثَبت لدده ومطله، وَقد فصل ابْن الشماع فِي ذَلِك فَقَالَ: إِن كَانَ الْحق جلياً وَالْمَطْلُوب بِهِ مَلِيًّا وَالْحَاكِم الْمَدْعُو إِلَيْهِ من حكام الْعدْل، فَالصَّوَاب إغرامه حَيْثُ لَا عذر لَهُ فِي التَّخَلُّف، وَإِن كَانَ لَهُ عذر ظَاهر فِي التَّخَلُّف من غرم أَو يخَاف أَن يسجن وَلَا يعرف عَدمه أَو كَانَ طَالبه مؤاخذاً لَهُ بِشَهَادَة زور مثلا أَو كَانَ الْحَاكِم مثلا من حكام الْجور. وَنَحْو ذَلِك، فَلَا غرم عَلَيْهِ وَإِن لم تعرف حَقِيقَة الْأَمر فِي ذَلِك، فَالْأَصْل عصمَة مَال الْمُسلم فَلَا يُبَاح بِالِاحْتِمَالِ وَالشَّكّ إِذْ لَا يرْتَفع الْيَقِين إِلَّا بِالْيَقِينِ اه. قلت: وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي أقضية المعيار عَن القباني فِيمَن سجن فِي تُهْمَة دم أَو سَرقَة وَلم يثبت عَلَيْهِ مَا يُوجب غرماً وَلَا قوداً أَن أُجْرَة السجان على مدعي الدَّم وَالسَّرِقَة، وَعَلِيهِ فَلَا تجب الْأُجْرَة على الْمَطْلُوب حَتَّى يثبت لدده بِثُبُوت مَا يَدعِيهِ الطَّالِب فتوقف ابْن رحال فِي ذَلِك قُصُور، وَانْظُر آخر أقضية المعيار فقد ذكر فِيهَا نَظَائِر من ذَلِك: أُجْرَة الأمينة وَأُجْرَة الْمُقَوّم فِي البيع الْفَاسِد قَالَ: هِيَ على الطَّالِب وَلَيْسَت على البَائِع فِي الْفَاسِد. الثَّانِي: قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَيجب أَن يكون أعوان القَاضِي فِي زِيّ الصَّالِحين فَإِنَّهُ يسْتَدلّ على الْمَرْء بِصَاحِبِهِ وَغُلَامه، وَيَأْمُرهُمْ بالرفق واللين فِي غير ضعف وَلَا تَقْصِير، وَيَنْبَغِي أَن يُخَفف مِنْهُم مَا اسْتَطَاعَ وَإِن اسْتغنى عَن اتخاذهم كَانَ أحسن. الْمَازرِيّ: كل من يَسْتَعِين بِهِ القَاضِي لَا يكون إلاَّ ثِقَة مَأْمُونا لِأَنَّهُ قد يخَاف عَلَيْهِ من النسوان إِذا احتجن إِلَى الْخِصَام. الثَّالِث: المطل: هُوَ تَأْخِير الدّفع عِنْد اسْتِحْقَاق الْحق وَالْقُدْرَة عَلَيْهِ وَهُوَ مِمَّا ترد بِهِ الشَّهَادَة كَمَا قَالَ (خَ) عاطفاً على المبطلات ومطل لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمَّاهُ ظلما فِي قَوْله: (مطل الْغَنِيّ ظلم) وَخَصه بالغني دون الْمُعسر لقَوْله تَعَالَى: وَإِن كَانَ ذُو عسرة} (الْبَقَرَة: 280) الْآيَة. وَفِي بعض الرِّوَايَات عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ: (مطل الْوَاجِد يحل عرضه وعقوبته) . فعرضه المتظلم مِنْهُ يَقُول: مطلني وظلمني، وعقوبته سجنه حَتَّى يُؤَدِّي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 (فصل فِي مسَائِل) جع مَسْأَلَة: وَهِي كَمَا فِي الْمحلى مَطْلُوب خبري يبرهن عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْعلم (من الْقَضَاء) من تِلْكَ الْمسَائِل قَوْله: وَلَيْسَ بالجَائِزِ لِلقاضي إذَا لَمْ يَبْدُ وَجْهُ الحُكْمِ أَنْ يُنَفِّذَا (وَلَيْسَ بالجائز للْقَاضِي إِذا. لم يبد) يظْهر (وَجه الحكم) كنهه وَحَقِيقَته (أَن ينفذا) الحكم على أحد الْخَصْمَيْنِ لِأَن الحكم مَعَ عدم تبين وَجهه حدس وتخمين، وَهُوَ مِمَّا ينْقض فِيهِ حكم الْحَاكِم. وَلَو وَافق الصَّوَاب فِي ظَاهره كَمَا فِي ابْن شَاس وَغَيره، وَحِينَئِذٍ فَإِن لم يبين وَجهه من جِهَة عدم تصَوره كَلَام الْخَصْمَيْنِ أَمرهمَا بِالْإِعَادَةِ ليفهم عَنْهُمَا صَرَاحَة لَا تَلْوِيحًا. قَالَ عِيَاض عِنْد قَوْلهَا: إِذا أدلى الخصمان بحجتيهما، وَفهم القَاضِي عَنْهُمَا الخ مَا نَصه: مُرَاده بفهم القَاضِي عَنْهُمَا تحَققه مَا سمع مِنْهُمَا دون احْتِمَال لَا أَنه فهم من معرض كَلَامهمَا ولحن خطابهما لَيْسَ هَذَا مِمَّا تُقَام الْأَحْكَام بِهِ اه. وَنَحْوه فِي المعيار عَن الْمَازرِيّ وَعَلِيهِ عول فِي اللامية حَيْثُ قَالَ: وفكرك فرغ واطلب النَّص وافهمن فَبعد حُصُول الْفَهم قطعا لتفصلا وَسَيَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم وَقَول سَحْنُون بِهِ الْيَوْم الْعَمَل الخ: أَن القَاضِي لَا يحكم بِمَا سَمعه من أحد الْخَصْمَيْنِ فِي مَجْلِسه دون إِشْهَاد عَلَيْهِ، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَكيف يحكم بِمَا فهمه عَنْهُمَا؟ قَالَ ابْن مُحرز: مَا فهمه عَنْهُمَا يَقُول مقَام مَا سَمعه، وَالْخلاف جَار على جَوَاز الشَّهَادَة بالفهم، وَثَالِثهَا أَن يبين شَهَادَته بالفهم لَا بالتصريح ابْن نَاجِي وَالْعَمَل على قبُولهَا قَالَ: وَبهَا حكم ابْن عبد السَّلَام فِي مَال مُعْتَبر اه. وَنقل الْخلاف الْمَذْكُور الشَّارِح فِي فصل الْإِعْذَار وَقَالَ بعده مَا حَاصله: إِنَّه لَا يبعد أَن يفرق بَين الحكم وَالشَّهَادَة فَإِن الضَّرُورَة تَدْعُو إِلَى الشَّهَادَة بالفهم وَلَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى إِنْفَاذ الحكم دون تَحْقِيق الْفَهم على الْخَصْمَيْنِ اه. قلت: وَهُوَ ظَاهر وَلَا سِيمَا على مَا يَأْتِي فِي الْبَيْت الْمَذْكُور. نعم يكون شَاهدا بِمَا فهمه عَنْهُمَا على القَوْل بجوازها بالفهم وَالله أعلم. وَإِن لم يبد لكَونه لم يقف على أصل النَّازِلَة فِي كتاب وَلَا سنة وَلَا غير ذَلِك أَو شكّ هَل هِيَ من أصل كَذَا أَو أصل كَذَا أَو تجاذبها أصلان وَلم يتَرَجَّح أَحدهمَا؟ شاور أهل الْعلم فِي هَذِه الْأَوْجه الثَّلَاثَة أَو صرفهما إِلَى من هُوَ أعلم مِنْهُ وجوبا فَإِن بَقِي الْإِشْكَال على حَاله بعد المشورة أَو لم يجد من يشاوره فَهُوَ قَوْله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 والصُّلْحُ يَسْتَدْعِي لهُ إنْ أشْكَلاَ حُكْم وإنْ تَعَيَّنَ الحَقُّ فَلاَ (وَالصُّلْح يَسْتَدْعِي لَهُ إِن أشكلا. حكم) أَي دَامَ إشكاله بعد الْمَشْهُورَة، وَأمكن الصُّلْح فِيهِ لَا فِيمَا لَا يُمكن كَطَلَاق. وَقيل: إِذا تجاذب النَّازِلَة أصلان وَلم يتَرَجَّح أَحدهمَا عِنْده وَلَا عِنْد غَيره من المشاورين تخيّر فِي الحكم بِأَيِّهِمَا شَاءَ قِيَاسا على تعَارض الْحَدِيثين دون تَارِيخ (وَإِن تعين الْحق) وَلَو بمشورة أَو سُؤال (فَلَا) يَدْعُو إِلَيْهِ (خَ) وَلَا يَدْعُو للصلح إِن ظهر وَجهه أَي لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن حطيطة لبَعض الْحق، الْبُرْزُليّ: فَإِن جبرهما على الصُّلْح حِينَئِذٍ فَهُوَ جرحة فِيهِ. قَالَ مَالك: وَلَا أرى للوالي أَي بعد تبين الْحق أَن يلح على أحد الْخَصْمَيْنِ أَو يعرض عَن خصومته لأجل أَن يُصَالح اه. فَإِن دَعَا فِي الْغَرَض الْمَذْكُور فَلَا بُد أَن يبين لصَاحب الْحق أَن الْقَضَاء أوجب لَهُ حَقه وإلاَّ فَلَا يلْزمه الصُّلْح وَله الْقيام لِأَن القَاضِي قد دلّس عَلَيْهِ وجار وَالْقَوْل قَوْله فِي عدم الْبَيَان كَمَا يفهم من جَوَاب لِابْنِ لب نَقله اليزناسي فِي عُيُوب الزَّوْجَيْنِ. وَقَالَ عقبه: إِن بعض الْقُضَاة يحكم بالجور أَو الْجَهْل فيظن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بجهله أَو لعدم النَّاصِر للحق أَن ذَلِك لَازم لَهُ فيصالح أَو يرضى بِالْيَمِينِ أَو يلْتَزم الْأَدَاء وَنَحْو ذَلِك، وَهُوَ فِي ذَلِك كُله مُضْطَر مغرور بِحكم القَاضِي فَإِذا سَأَلَ أَو وجد من ينصره وأعيد النّظر يَقُول النَّاظر فِيهَا: إِنَّك رضيت الْيَمين أَو صالحت أَو التزمت وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يسْقط حَقه قَالَ: وَكنت أستعظم ذَلِك وأتمنى الِاطِّلَاع فِيهِ على نَص حَتَّى وقفت على هَذَا الْجَواب يَعْنِي جَوَاب ابْن لب المتضمن لعدم لُزُوم شَيْء من ذَلِك اه. قلت: وَهَذَا مَفْهُوم من قَول (خَ) وَغَيره فَلَا يحل لظَالِم. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا شهد الْعَالم فِي شَيْء عِنْد القَاضِي فأعياه الحكم فِيهِ فَلَا يستشيره فِيمَا شهد فِيهِ قَالَه سَحْنُون أَي لِأَنَّهُ يتهم فِي فتواه بِمَا يمْضِي شَهَادَته، وَقيل: إِنَّه لَا بَأْس باستشارته فِي ذَلِك وَفِي أقضية المعيار أَن الْخصم إِذا طلب إِحْضَار أهل الْعلم لأجل الحكم عَلَيْهِ أَو لَهُ فَلَيْسَ للخصم فِيهِ مدْخل، وَإِنَّمَا ذَلِك إِلَى القَاضِي قَالَ: وللقاضي أَن يمْتَنع من الحكم إِن رأى دُخُول ضَرَر عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ. الثَّانِي: إِذا كَانَ القَاضِي عدلا فِي أَحْوَاله بَصيرًا فِي قَضَائِهِ فَلَا يقبل الْأَمِير شكوى من شكاه وَلَا يجلس الْفُقَهَاء للنَّظَر فِي أَحْكَامه، وَذَلِكَ خطأ مِنْهُ إِن فعله. وَمن الْفُقَهَاء، إِن تابعوه على ذَلِك وَإِن كَانَ عِنْده مُتَّهمًا أَو جَاهِلا فليعزله، فَإِن جهل الْأَمِير فأجلس الْفُقَهَاء للنَّظَر فِي أَحْكَام الْعدْل وجهلوهم أَيْضا أَو أكْرهُوا ففسخوا أَحْكَامه أَو بَعْضهَا، فَلِمَنْ تولى بعد ذَلِك النّظر فيمضي مَا كَانَ صَوَابا مُوَافقا للمشهور أَو الْمَعْمُول بِهِ وينقض مَا عداهُ إِن كَانَ حكم القَاضِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 الأول أَو الْفُقَهَاء وَإِن أَمرهم بتصفح أَحْكَام الْمُتَّهم جَازَ لَهُم وَنَقَضُوا مَا لَيْسَ بصواب، فَإِن اخْتلف الْفُقَهَاء فَلَا ينظر إِلَى قَول أَكْثَرهم وَلَكِن ينظر فِي وَجه أَحْكَام الِاخْتِلَاف فَمَا رَآهُ صَوَابا قضى بِهِ، وَكَذَا القَاضِي إِذا اخْتلف عَلَيْهِ المشاورون. ابْن عبد الْبر فِي كافيه: وَلَا يجوز لَهُ أَن يشاور وَهُوَ جَاهِل لَا يُمَيّز الْحق من الْبَاطِل لِأَنَّهُ إِذا أُشير عَلَيْهِ وَهُوَ جَاهِل بِحكم لم يعلم هَل حكم بِحَق أَو بَاطِل اه. وَنَقله ابْن سَلمُون وَغَيره، وَهَذَا فِي الْعَاميّ الصّرْف كَمَا تقدم أول الْبَاب، وَإِلَى ذَلِك كُله أَشَارَ (خَ) بقوله: ونبذ حكم جَائِر أَو جَاهِل لم يشاور أَي: وَلَو وَافق كل مِنْهُمَا الْحق فِي ظَاهر الْأَمر وَلم تعلم صِحَة الْبَاطِن، فَإِن ثَبت بِالْبَيِّنَةِ صِحَة بَاطِنه فَلَا ينْقض وإلاّ تعقب وأمضى غير الْجور وَلَا يتعقب حكم الْعدْل الْعَالم قَالَ فِي المعيار عَن ابْن الْحَاج: وَالَّذِي يشاور من أهل الْعلم العابد الْخَيْر الدّين الْوَرع الْعَالم بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبأحكام من مضى الْعَارِف باللغة ومعاني الْكَلَام الموثوق بِدِينِهِ لَا يمِيل إِلَى هوى وَلَا طمع، وَقَالَ قبل ذَلِك: وَمَا أفتى مَالك حَتَّى استفتاه أَرْبَعُونَ محنكاً، والتحنك اللثام تَحت الحنك لِأَنَّهُ شعار الْعلمَاء فِي الْقَدِيم. مَا لَمْ يَخف بِنافِذِ الأحْكامِ فِتْنَةً أَو شَحْناً أُولِي الأرْحام (مَا لم يخف بنافذ الْأَحْكَام) . أَي بتنفيذها (فتْنَة) بَين الْخَصْمَيْنِ من قتل وَنَحْوه، فَيجب حِينَئِذٍ الْأَمر بِالصُّلْحِ وَلَو تبين الْحق لأَحَدهمَا قَالَه اللَّخْمِيّ (أَو شحنا) بِالْمدِّ وقصره ضَرُورَة أَي الْعَدَاوَة والبغضاء. (أولي الْأَرْحَام) أَو أولي الْفضل فَينْدب الْأَمر بِالصُّلْحِ فِي هذَيْن وَلَا يجب لقَوْل عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: رددوا الحكم بَين ذَوي الْأَرْحَام حَتَّى يصطلحوا فَإِن فصل الْقَضَاء يُورث الضغائن وأولو الْفضل كذي الرَّحِم، فقد ترافع إِلَى سَحْنُون رجلَانِ من أهل الْعلم فَأبى أَن يسمع مِنْهُمَا وَقَالَ لَهما: استرا على أنفسكما وَلَا تطلعاني على مَا ستره الله عَلَيْكُمَا. اللخميّ: وَالصُّلْح بَين الْأَقَارِب حق وَإِن تبين لأَحَدهمَا أَو لَهما وَعَلِيهِ اقْتصر شرَّاح الْمَتْن، ثمَّ لَا يَنْبَغِي أَن يرددهم أَكثر من مرَّتَيْنِ إِن طمع فِي الصُّلْح بَينهمَا كَمَا فِي التَّبْصِرَة وَابْن سَلمُون قَالَا: وَعَن بَعضهم أَن قَول عمر رَضِي الله عَنهُ: رددوا الحكم مَحْمُول على مَا إِذا لم يتَبَيَّن الْحق لأَحَدهمَا، وإلاَّ فَلَا يَنْبَغِي عدم إِنْفَاذه، وَقَول (ق) عَن ابْن حجر اسْتحبَّ الْجُمْهُور من غير الْمَالِكِيَّة للْحَاكِم أَن يُشِير بِالصُّلْحِ أَي بَين الْأَقَارِب والأرحام وَغَيرهمَا، وَإِن ظهرا الْحق الخ. مَعْنَاهُ وَالله أعلم بعد أَن يبين لمن وَجب لَهُ الْحق أَن الْحق لَهُ، وإلاَّ فَيمْنَع لِأَنَّهُ مُدَلّس بكتمانه ظُهُور الْحق لرَبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 معِين على أكل الْأَمْوَال بِالْبَاطِلِ، وَلَا يحل مَال امرىء إِلَّا عَن طيب نفس ابْن عَاتٍ: إِنَّمَا يجوز لَهُ أَن يَأْمر بِالصُّلْحِ إِذا تقاربت الحجتان بَين الْخَصْمَيْنِ غير أَن أَحدهمَا أَلحن بحجته من الآخر أَو تكون الدَّعْوَى فِي أُمُور تشابهت وتقادمت، وَأما إِن تبين الْحق فَلَا يَسعهُ إِلَّا فصل الْقَضَاء. وَخَصْم إنْ يَعْجِزْ عَن الْقاءِ الحُجَجْ لمُوجِبٍ لُقِّنَها وَلَا حَرَج (وخصم) طَالبا كَانَ أَو مَطْلُوبا (أَن يعجز عَن إِلْقَاء الْحجَج) أَي بثها وتبيينها للْقَاضِي (لموجب) من غَفلَة أَو بله أَو دهش (لقنها) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر عَن قَوْله: خصم وسوغ الِابْتِدَاء بِهِ وُقُوع الشَّرْط بعده لِأَنَّهُ وصف فِي الْمَعْنى، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب مفعول ثَان، وَالْمَفْعُول الأوّل ضمير يعود على الْخصم. أَي: لقن القَاضِي الْخصم إِيَّاهَا على الْمَشْهُور خلافًا لسَحْنُون. قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَصُورَة ذَلِك أَن يَقُول للخصم: يلزمك على قَوْلك كَذَا وَكَذَا، فيفهم خَصمه حجَّته وَلَا يَقُول لمن لَهُ الْمَنْفَعَة قل لَهُ كَذَا. ابْن عبد الحكم: لَا بَأْس أَن يلقنه حجَّة لَا يعرفهَا. ابْن الْمَاجشون: يَنْبَغِي للْقَاضِي تَنْبِيه كل خصم على تَقْيِيد مَا ينْتَفع بِهِ من قَول خَصمه إِن غفل (وَلَا حرج) عَلَيْهِ فِي التَّلْقِين الْمَذْكُور، بل ذكر ابْن يُونُس فِي ذَلِك حَدِيثا: من ثبَّت غبياً فِي خُصُومَة حَتَّى يثبتها ثَبت الله قدمه يَوْم تزل الْأَقْدَام اه. وَقد يُقَال: إِن التَّلْقِين وَاجِب إِذا كَانَ الْخصم جَاهِلا ضَعِيفا عَنْهَا هَذَا هُوَ الظَّاهِر، وإلاَّ فَكيف يحكم عَلَيْهِ بِحجَّة صَاحبه وحجته صَحِيحَة إِلَّا أَنه لضعف عقله لم يبينها قَالَ ابْن رحال (خَ) فَإِن أقرّ فَلهُ الْإِشْهَاد عَلَيْهِ وللحاكم تنبيهه عَلَيْهِ الخ. ابْن عَرَفَة: فَإِذا ظن القَاضِي أَن الْمَعْذُور إِلَيْهِ يجهل مَا يسْقط عَنهُ الْحجَّة نبهه الْحَاكِم على مَا يُسْقِطهَا اه. نعم يمْتَنع على القَاضِي وَغَيره تلقين الْفُجُور وَهُوَ جرحة فِيمَن فعله فَقِيها كَانَ أَو غَيره، وَيضْرب على يَدَيْهِ ويشهر فِي الْمجَالِس، وَقد فعله بعض قُضَاة قرطبة لكبير من الْفُقَهَاء بمشورة أهل الْعلم وَلَيْسَ مِنْهُ قَول الْمُفْتِي لمعلق الثَّلَاث مثلا خَالعهَا قبل الْفِعْل وَلَك مراجعتها بعده وَلَا يلزمك إِلَّا وَاحِدَة كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: فَلَو فعلت الْمَحْلُوف عَلَيْهِ حَال بينونتها لم يلْزم الخ. لِأَن هَذَا وَمثله لَيْسَ من الْفُجُور. وَفِي (ق) عَن ابْن علوان أَنه قَالَ لامْرَأَة عسر عَلَيْهَا التَّخَلُّص من زَوجهَا الَّذِي أَسَاءَ عشرتها: ادعِي عَلَيْهِ أَن بداخل دبره برصاً فادعت ذَلِك فَحكم بِأَن ينظر إِلَى ذَلِك الْمحل، فَلَمَّا رأى زَوجهَا ذَلِك طَلقهَا الْبُرْزُليّ: وَهَذَا التحيل إِن ثَبت عِنْده أَنَّهَا مظلومة فالفتوى بِهِ سَائِغَة وإلاَّ فَهُوَ من تلقين الْخصم القادح فِي الْعَدَالَة. وَالْحَاصِل إِن علم مِنْهُ الْمُفْتِي قصد التحيل للفجور فإفتاؤه بِمَا يوصله إِلَيْهَا وتنبيهه عَلَيْهَا من التَّلْقِين الْمَمْنُوع وَإِن لم يعلم قَصده أصلا أما إِن كَانَ قَصده إِلَى رفع الظُّلم عَنهُ أَو إِلَى الْخُرُوج من ورطة يَمِين وَقع فِيهَا فالإفتاء مَشْرُوع أَو وَاجِب لِأَن تَركه من الكتمان بل فِي ضيح: إِن القَاضِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 يُعلمهُ بالتجريح إِن كَانَ مِمَّن يجهله وَسَوَاء كَانَ ذَلِك قبل الْخِصَام فِيمَا فِيهِ خصام أَو بعده فَقَوْل الشَّيْخ مس رَحمَه الله: مَا يَفْعَله الْمفْتُون الْيَوْم من الْإِفْتَاء قبل الْخِصَام إِنَّمَا هُوَ من التَّلْقِين الْمَمْنُوع لِأَنَّهُ يستفتي لينْظر هَل الْحق لَهُ أَو عَلَيْهِ فيحتال على إِبْطَاله الخ. صَحِيح إِن علم الْمُفْتِي بِقَصْدِهِ للتحيل الْمَذْكُور وَالله أعلم. وَقَوله قبل ذَلِك الْإِفْتَاء إِنَّمَا كَانَ فِي الصَّدْر الأول بعد تسجيل القَاضِي الحكم الخ. مَبْنِيّ على أَن الْإِعْذَار لَا يكون إلاَّ بعد الحكم، وَالْمَشْهُور أَنه قبله كَمَا يَأْتِي وَلَا معنى للإعذار حِينَئِذٍ إِلَّا سُؤال أهل الْعلم عَن فُصُول الْوَثِيقَة وشروطها أَو تجريح شهودها وَنَحْو ذَلِك، وَفهم من قَول النَّاظِم: وخصم الخ، إِن الشَّاهِد إِذا غلط فِي شَهَادَته لَا يلقن. قَالَ فِي التَّبْصِرَة: إِذا غلط الشَّاهِد فِي نَص الشَّهَادَة فعلى القَاضِي أَن يَأْمر الْخَصْمَيْنِ بِالْإِعْرَاضِ عَنهُ لَا الْمُدَّعِي بتلقين وَلَا الْمُدعى عَلَيْهِ بتوبيخ، فَإِن فعل أَحدهمَا ذَلِك بعد النَّهْي أَمر بأدبه. وَكَانَ سَحْنُون إِذا غلط الشَّاهِد عِنْده أعرض عَنهُ وَأمر الْكَاتِب أَن لَا يكْتب وَرُبمَا قَالَ لَهُ: تثبت ثمَّ يردده، فَإِذا ثَبت على شَهَادَته أَمر كَاتبه بكتب لفظ شَهَادَة من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان. ومُنِعَ الإفْتاءُ لِلحُكَّامِ فِي كلِّ مَا يَرجِعُ لِلْخِصامِ (وَمنع الْإِفْتَاء للحكام) مُتَعَلق بالإفتاء أَو بِمَنْع، وَاللَّام بِمَعْنى من على كل حَال (فِي كل مَا) شَيْء (يرجع للخصام) فِيهِ بَين يَدَيْهِ من أَبْوَاب الْمُعَامَلَات لِأَن الْخصم إِذا عرف مَذْهَبهم تحيل إِلَى الْوُصُول إِلَيْهِ أَو الِانْتِقَال عَنهُ وَمَا ذكره من الْمَنْع هُوَ أحد الْأَقْوَال ومحلها فِيمَا إِذا كَانَ مُجْتَهدا أَو مُقَلدًا. وَفِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ متساويان مثلا وإلاَّ فَيجوز لِأَنَّهُ محجر عَلَيْهِ فِي الحكم بِغَيْر الْمَشْهُور كَمَا مرّ، وَفِيمَا قبل الْجُلُوس بَين يَدَيْهِ وإلاَّ فَهُوَ مَا قبله فَلَا مُعَارضَة بَين الْبَيْتَيْنِ، وَفِيمَا يُمكن فِيهِ الْخِصَام بَين يَدَيْهِ كَمَا قَررنَا لَا أَن سُئِلَ عَن ذَلِك من خَارج ولَايَته أَو من بعض الكور أَو على يَدي عماله أَو كَانَ لَا يرجع للخصام كالعبادات فَلَا يكره وَلَا يمْنَع وَمُقَابل الْمَنْع الْكَرَاهَة لمَالِك وَهُوَ الْمَشْهُور، وَالْجَوَاز لِابْنِ عبد الحكم وَبِه الْعَمَل قَالَ ناظمه: وشاع إِفْتَاء الْقُضَاة فِي الْخِصَام مِمَّا يُغير حكمهم لَهُ قوام وَمَفْهُوم للحكام أَن غَيرهم لَهُ الْإِفْتَاء مُطلقًا وَهُوَ كَذَلِك. ابْن الْعَرَبِيّ: الْمصلحَة أَن تكون الْفَتْوَى مُرْسلَة وَلَا تكون الشَّهَادَة إِلَّا إِن ولاه القَاضِي لِأَن الْمُفْتِي إِذا زاغ فضحه الْعلم (ق) : إِن كَانَ الْقُضَاة مولين بالجاه لَا بالمرجحات الشَّرْعِيَّة ففتوى الْمُفْتِينَ حِينَئِذٍ من الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، وَفِي الْبُرْزُليّ وَنَحْوه فِي المعيار: لَا يَنْبَغِي للفقيه المقبول القَوْل أَن يكْتب للقضاة بِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 يَفْعَلُونَ إِلَّا أَن يسْأَلُوا لِأَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى الأنفة المؤذية، قَالَ: وَقد أدْركْت بعض شُيُوخنَا إِذا ورد عَلَيْهِم سُؤال فِيهِ حكم قَاض من بعض الكور يردهُ حَتَّى يبْعَث إِلَيْهِ قاضيه اه. قلت: وَهَذَا إِذا كَانَ مِمَّن توفرت فِيهِ شُرُوط الْقَضَاء لِأَنَّهُ مَحْمُول حِينَئِذٍ على أَنه استقصى الْوَاجِب فِي ذَلِك وإلاّ فَهِيَ من الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر كَمَا مرّ. وَرَأَيْت فِي اخْتِصَار الونشريسي للبرزلي مَا نَصه: لَا يجوز للْقَاضِي إِقَامَة الْمُفْتِي ليستفتيه وَإِنَّمَا يقيمه أهل الْحل والربط وهم الْفُقَهَاء قَالَه الْمَازرِيّ اه. وَهُوَ ظَاهر لَا يخْتَلف فِيهِ اثْنَان، وَفِي نَوَازِل التَّمْلِيك من المعيار أَن فَقِيه سوسة أَتَى الرّبيع المزدغي بفتوى من قَالَ: الْحَلَال عَلَيْهِ حرَام بِلُزُوم الْوَاحِدَة، وَأمر حَاكم الْبَلَد أَن يحكم بذلك ليتحصن بِحكم الْحَاكِم، وَحمله على ذَلِك كَون الرجل لَهُ أَوْلَاد من زَوجته، فَبلغ الْخَبَر إِلَى أبي الْقَاسِم فَأفْتى بِنَقْض الحكم وإلزامه الثَّلَاث قَائِلا لَا يعْتَبر من قُضَاة الْوَقْت إِلَّا الحكم بالمشهور، وَلَا يعول إِلَّا على مفتي تونس بإفريقية. قيل: هَذَا تعسف مِنْهُ بل كل من يعرف الْعلم وَإِن كَانَ فِي بادية يعول على فتواه إِذا رَآهُ النَّاس أَهلا لذَلِك كَهَذا الشَّيْخ المزدغي نفع الله بِعِلْمِهِ وَعَمله. قلت: أَي قَالَ صَاحب المعيار: حكى الأصوليون الْإِجْمَاع على استفتاء من علم بِالْعلمِ وَالْعَدَالَة، وَقد انْتهى الْأَمر فِي هَذِه الْأَزْمِنَة إِلَى خرق هَذَا الْإِجْمَاع وقصرها على جهلة لمُجَرّد الرياسة والجاه وحسيبهم الله اه. قلت: قد انْتهى الْأَمر فِي زَمَاننَا هَذَا فِي حُدُود الثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ وَالْألف وَقبل ذَلِك بسنين إِلَى قطعهَا بِالْكُلِّيَّةِ مُوَافقَة لأغراض جهلة الْقُضَاة ويعللون ذَلِك بِأَن فِي إرسالها تشويشاً عَلَيْهِم فِي الْأَحْكَام، وَمَا ذَاك إِلَّا ليتوصلوا للأغراض الْفَاسِدَة من تَمام الرياسة وَعدم نقض أحكامهم المؤسسة على الحدس والتخمين، وإلاَّ فالمفتي إِن صَادف الصَّوَاب بفتواه وإلاَّ ألغيت وطرحت فَأَي تشويش فِيهَا؟ فَبَقيَ النَّاس يموج بَعضهم فِي بعض فتأتي النَّوَازِل من سوس الْأَقْصَى وَغَيرهَا وَلَا يَجدونَ من يكْتب لَهُم حرفا وَاحِدًا لَا من الْقُضَاة لغَلَبَة جهلهم وَلَا من غَيرهم للتحجير عَلَيْهِم من الإِمَام مَعَ أَنَّهَا فرض كِفَايَة كالقضاء، فَهَذَا من أفظع الْأَمر الَّذِي لَا يحل السُّكُوت عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى: إِن الَّذين يكتمون مَا أنزلنَا من الْبَينَات} (الْبَقَرَة: 951) الْآيَة. فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون. وَفي الشُّهُودِ يَحْكُمُ القَاضِي بِما يَعْلَمُ مِنْهُمْ باتِّفاقِ العُلَمَا (وَفِي الشُّهُود) : يتَعَلَّق بقوله: (يحكم القَاضِي) وَكَذَا قَوْله: (بِمَا يعلم مِنْهُم) من تَعْدِيل أَو تجريح إِجْمَاعًا وَعَلِيهِ فَلَا تحْتَاج لدَلِيل لِأَن الْإِجْمَاع لَا بُد لَهُ من دَلِيل يسْتَند إِلَيْهِ وَإِن لم نطلع عَلَيْهِ، وَقيل لغَلَبَة شهرة الْعَدَالَة وَالتَّجْرِيح عِنْد النَّاس فضعفت التُّهْمَة، وَقيل: لَو لم يسْتَند لعلمه فيهمَا لافتقر لمعدلين آخَرين فيتسلسل. وَتعقب بانقطاعه بِمَشْهُور الْعَدَالَة. وَأجِيب: بِأَن انْقِطَاعه بذلك نَادِر وَالتَّعْلِيل الثَّانِي أظهر لما يَأْتِي، وَظَاهر النّظم أَنه يعْمل على مَا علم من التجريح وَلَو عدله آخَرُونَ وَهُوَ كَذَلِك (بِاتِّفَاق العلما) إِلَّا ابْن الْمَوَّاز قَالَ: تقدم بَيِّنَة التَّعْدِيل على علمه بالتجريح، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 ورده ابْن عبد الْبر بِالْإِجْمَاع إِلَّا أَن يطول زمن مَا بَين علمه بجرحته وَبَين الشَّهَادَة بتعديله فَيعْمل على التَّعْدِيل قَالَه أصبغ وَابْن عَبدُوس عَن ابْن الْقَاسِم، وَأما الْعَكْس وَهُوَ أَن يعلم الْعَدَالَة ويجرحه آخَرُونَ، فَالْحق أَنه لَا يعْمل فِيهِ على علمه لِأَن غَيره علم مَا لم يُعلمهُ إِلَّا أَن يتَحَقَّق نفي السَّبَب الَّذِي جرحوه بِهِ كَمَا لَو جرحوه بِشرب الْخمر وَقت كَذَا وَهُوَ يعلم أَنه أكره عَلَيْهِ (خَ) بِخِلَاف الْجرْح وَهُوَ الْمُقدم، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يشْهد بِمَا علمه مِنْهُم عِنْد غَيره كَمَا فِي التَّبْصِرَة وَكَذَا يسْتَند للشهرة بالجرحة وَالْعَدَالَة، فقد شهد ابْن أبي حَازِم عِنْد قَاضِي الْمَدِينَة فَقَالَ: أما الِاسْم فاسم عدل، وَلَكِن من يعرف أَنَّك ابْن أبي حَازِم. ابْن عَرَفَة: شهد البرقي فَقِيه المهدية فِي مسيره لِلْحَجِّ عِنْد قَاضِي الاسكندرية، فَلَمَّا قَرَأَ اسْمه قَالَ: أَنْت البرقي فَقِيه المهدية؟ قَالَ: نعم فكلف الْمَشْهُود لَهُ الْبَيِّنَة على أَنه هُوَ وَحكم بِشَهَادَتِهِ دون طلب تعديله، ثمَّ مَحل كَلَام النَّاظِم مَا لم يقر الْخصم بعدالة الشَّاهِد، وإلاّ فَيحكم عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِ وَلَو علم جرحته أَو شهِدت الْبَيِّنَة بهَا خلافًا لأصبغ وَسَوَاء أقرّ بهَا قبل الْأَدَاء أَو بعده لِأَن إِقْرَاره بِالْعَدَالَةِ كَالْإِقْرَارِ بِالْحَقِّ، فَفِي الْبُرْزُليّ: إِن بَعضهم كَانَ إِذا شهد عِنْده من لَا يرتضيه يتلطف فِي رد شَهَادَته وَالْعَمَل بِإِقْرَار الْمَطْلُوب فَيَقُول: مَا تَقول فِي شَهَادَة فلَان. فَيَقُول؟ هُوَ عِنْدِي صَادِق أَو شَهَادَته صَحِيحَة اه. (خَ) أَو إِقْرَار خصم بِالْعَدَالَةِ وَظَاهر التَّعْلِيل أَنه يحكم عَلَيْهِ، وَلَو رَجَعَ عَن إِقْرَاره وَكَانَ الشَّاهِد وَاحِدًا من غير يَمِين الطَّالِب، مَعَ أَن ابْن عَرَفَة بحث فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِمَا يعلم بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن عبد السَّلَام: يَنْبَغِي أَن يتَأَوَّل على مَا إِذا أقرّ بعدالته بعد أَدَاء الشَّهَادَة لَا قبلهَا لأَنهم قَالُوا: إِذا قَالَ أحد الْخَصْمَيْنِ كل مَا شهد بِهِ على فلَان حق فَشهد عَلَيْهِ أَنه لَا يلْزمه لِأَنَّهُ يَقُول: ظَنَنْت أَنه لَا يشْهد إِلَّا بِحَق. ضيح: وَفرق بَينهمَا بِأَنَّهُ إِذا أقرّ بعدالته أَي بِأَمْر مُتَقَدم يُعلمهُ مِنْهُ بِخِلَاف من الْتزم مَا يشْهد بِهِ لِأَنَّهُ يَقُول: ظَنَنْت أَنه لَا يشْهد إِلَّا بِحَق اه. فَتَأمل هَذَا الْفرق فَإِن كَانَ مَعْنَاهُ أَن الْإِقْرَار بِالْعَدَالَةِ كَانَ بعد علمه بِمَا شهد بِهِ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِك قبل الْأَدَاء عِنْد القَاضِي أَو بعده كَمَا يدل عَلَيْهِ التَّعْلِيل من أَنه كَالْإِقْرَارِ بِالْحَقِّ فَهُوَ مَا يَقُوله ابْن عبد السَّلَام لِأَنَّهُ مُرَاده بِالْأَدَاءِ، وَإِن كَانَ المُرَاد أَنه أقرّ بهَا قبل أَن يعلم بِشَهَادَتِهِ فَلَا يخفى أَنه لَا فرق بَينه وَبَين قَوْله: كل مَا شهد بِهِ فلَان حق إِذْ لَا يَقُول ذَلِك حَتَّى يكون فلَان عدلا عِنْده، وَقد قَالُوا: إِنَّه لَا يكون بِمُجَرَّدِهِ إِقْرَارا، وَلَكِن ينظر إِن كَانَ فلَان عدلا لَزِمته شَهَادَته مَعَ يَمِين الطَّالِب، وإلاَّ فَلَا هَذَا مُحَصل قَول (خَ) فِي الْإِقْرَار كَأَن حلف فِي غير الدَّعْوَى أَو شهد فلَان الخ، أَي فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَلَو حلف أَو شهد لِأَنَّهُ يَقُول: ظَنَنْت أَن لَا يحلف على الْبَاطِل وَأَن لَا يشْهد بِهِ. ابْن سهل: هَذَا إِذا أنكر ذَلِك حِين شهد عَلَيْهِ أما إِذا سكت حِين الشَّهَادَة ثمَّ رَجَعَ لم يكن لَهُ ذَلِك، وَهَذَا الأَصْل فِي كل من الْتزم مَا لَا يلْزمه بِحكم اه. ثمَّ يبْقى النّظر هَل يعْذر فِيهِ للْمَشْهُود عَلَيْهِ إِن كَانَ عدلا أَو لَا لِأَنَّهُ قد سلم شَهَادَته؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 قَولَانِ. وَالْمُعْتَمد الأول لِأَنَّهُ يَقُول: ظَنَنْت أَن لَا يشْهد بل فِي معاوضات المعيار فِي رجل شهدُوا عَلَيْهِ فجرحهم ثمَّ رَضِي بِشَهَادَتِهِم وَقَالَ: كل مَا شهدُوا بِهِ عَليّ جَائِز فَشَهِدُوا عَلَيْهِ بذلك الْحق، فَأَرَادَ أَن يقْدَح فيهم وَقَالَ: ظَنَنْت أَنهم يرجعُونَ إِلَى الْحق أَنه يمكِّن من الْقدح فيهم بعد أَن يحلف أَنه مَا أجَاز شَهَادَتهم إِلَّا ظنا بهم أَنهم يرجعُونَ للحق. تَنْبِيهَات. الأول: مَا مر من عدم لُزُوم الْإِقْرَار فِي هَذِه الْمَسْأَلَة هُوَ الْمَشْهُور. وَقَالَ مطرف: ذَلِك لَازم لَهُ، وَثَالِثهَا أَن تحقق مَا نوزع فِيهِ لم يلْزمه وَإِلَّا لزمَه وَسَوَاء فِي هَذِه الْأَقْوَال كَانَ الشَّاهِد عدلا أَو فَاسِقًا أَو نَصْرَانِيّا، وَيَنْبَغِي أَن يُقيد عدم اللُّزُوم على الْمَشْهُور بِمَا إِذا قَالَ ذَلِك قبل أَن يعرف بِمَا فِي ذَلِك من الْخلاف وَإِلَّا فَتلْزمهُ شَهَادَته لِأَنَّهُ الْتزم قَول قَائِل من أهل الْعلم وأراح الْحَاكِم من النّظر فِي مَسْأَلته قَالَه أَبُو الضياء. مِصْبَاح فِي النَّوَازِل الْمَذْكُورَة قَالَ: وَعَلِيهِ يدل قَول مَالك فِي ضَمَان الْغَائِب أَنه مِمَّن اشْترط عَلَيْهِ الضَّمَان من الْمُتَبَايعين وَرَأى أَن ذَلِك الْتِزَام لأحد الْقَوْلَيْنِ وَبِه الْعَمَل اه. الثَّانِي: لَو عدل شخص رجلا فَشهد عَلَيْهِ بِحَق فَذَلِك لَازم لَهُ فَإِن أَرَادَ تجريحه بِمَا حدث من القواد (ح) فِيهِ بعد تعديله، فَالظَّاهِر تَمْكِينه من ذَلِك، وَانْظُر هَل لَهُ ذَلِك بالقواد؟ (ح) الَّتِي قبل التَّعْدِيل لِأَنَّهَا قد تخفى عَلَيْهِ حِين التَّعْدِيل أم لَا؟ فَإِن شهد الْمعدل بِالْفَتْح بجرحة الأَصْل أَو عدل القَاضِي شُهُودًا فَشَهِدُوا بجرحته فَلَا يقبل تجريحهم لِأَن الْقدح فِي الأَصْل قدح فِي الْفَرْع قَالَه الْبُرْزُليّ. وَأَصله لِابْنِ رشد قَالَ: وَنَظِيره الرجل يتوفى وَله أمة حَامِل وعبدان ويرثه غَاصِب فَيعتق الْعَبْدَيْنِ وتلد الْأمة ذكرا فَيشْهد العبدان بعد عتقهما أَن الْأمة كَانَت حَامِلا من سَيِّدهَا الْمُتَوفَّى فَإِن شَهَادَتهمَا لَا تجوز لِأَنَّهَا تُؤدِّي لإبطال عتقهما فَيُؤَدِّي إِلَى إجَازَة شَهَادَة العَبْد اه. الثَّالِث: لَو رَضِي ذمِّي بِشَهَادَة مثله فَقضى عَلَيْهِ حاكمهم بهَا فَقَالَ ابْن الْمَاجشون: لَهُ الرُّجُوع وينقض الحكم قَالَه فِي الشَّامِل. وَفِي سِوَاهُمْ مالِكٌ قَدْ شَدَّدَا فِي مَنْعِ حُكْمهِ بِغَيْرِ الشُّهَدَا (وَفِي سواهُم) أَي الشُّهُود أَي تعديلهم وتجريحهم (مَالك) مُبْتَدأ (قد شددا) خَبره وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 سواهُم يتَعَلَّق بِهِ وَكَذَا قَول (فِي منع حكمه) و (بِغَيْر الشهدا) مُتَعَلق بِمَنْع فَلَا يحكم بِمَا علمه قبل ولَايَته وَلَا بِمَا علمه بعْدهَا وَقبل جُلُوسه للحكومة أَو بعد الْجُلُوس وَقبل أَن يجلسا للحكومة مثل أَن يسمعهما أَو أَحدهمَا يقر للْآخر، فَلَمَّا تقدما للحكومة أنكر وَهُوَ فِي ذَلِك كُله شَاهد عِنْد اللَّخْمِيّ وَابْن مُحرز وَغَيرهمَا، وَقيل تقبل شَهَادَته فِي ذَلِك كَمَا لم يمض حكمه فِيهِ فَإِن حكم بِعِلْمِهِ فِي شَيْء من ذَلِك نقضه هُوَ وَغَيره إِمَّا اتِّفَاقًا. فِي الأولى أَو على الْمَشْهُور فِيمَا عَداهَا (خَ) : أَو بِعلم سبق مَجْلِسه (تت) ينْقضه هُوَ وَغَيره وَاسْتظْهر ابْن عبد السَّلَام عدم نقضه مُرَاعَاة لمن أجَاز لَهُ الحكم بِعِلْمِهِ مُطلقًا كَأبي حنيفَة فَقَوْل (ق) ينْقضه هُوَ فَقَط على الْمَشْهُور فِيهِ نظر، فَفِي الشَّامِل مشبهاً بِمَا ينْقضه هُوَ وَغَيره، وَكَذَا يعلم سبق مَجْلِسه على الْأَصَح الخ. وَنَحْوه فِي النَّوَادِر وَنَقله (ح) عِنْد قَول (خَ) وَإِن أنكر مَحْكُوم عَلَيْهِ الخ. وَكَذَا نَص عَلَيْهِ فِي الْجَوَاهِر، فَإِن كَانَ الْإِقْرَار بعد جُلُوسه للحكومة وتقدمهما إِلَيْهِ فَقَالَ مَالك وَابْن الْقَاسِم، وَهُوَ الْمَشْهُور: لَا يحكم حَتَّى يشْهد عَلَيْهِ عَدْلَانِ وَعَلِيهِ الْعَمَل كَمَا فِي ابْن سَلمُون والمفيد وَغَيرهمَا، وَعَلِيهِ فإحضار الشُّهُود وَقت جُلُوسه للحكومة وَاجِب. وَقَالَ أصبغ وَسَحْنُون ومطرف وَابْن الْمَاجشون: يجوز لَهُ أَن يحكم عَلَيْهِ وَعَلِيهِ فإحضار الشُّهُود مُسْتَحبّ، وتمسكوا بقوله عَلَيْهِ السَّلَام: (إِنَّكُم لتختصمون لدي وَلَعَلَّ بَعْضكُم أَلحن بحجته من بعض فأقضي لَهُ على نَحْو مَا أسمع) الحَدِيث. إِذْ لم يقل على نَحْو مَا ثَبت عِنْدِي، وَبِه أَخذ مُنْذر بن سعيد القَاضِي قَالَ بعض الموثقين: وَلم تزل الْقُضَاة تسْقط فِي سجلاتها إِثْبَات إِقْرَار الْمقر وإنكار الْمُنكر يَعْنِي عملا بِمَا لسَحْنُون وَعَلِيهِ عول النَّاظِم فَقَالَ: وَقَوْلُ سَحْنُونٍ بِهِ اليَوْمَ العَمَلْ فِيما عَلَيْهِ مَجْلِسُ الحُكْم اشْتَمَلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وَفِي الْبُرْزُليّ قبيل النَّفَقَات: إِن حكم القَاضِي بِعِلْمِهِ إِنَّمَا يمْنَع فِيمَا لم تكن فِيهِ شهرة وَإِلَّا جَازَ ثمَّ الْخلاف الْمَذْكُور فِي الْإِقْدَام على الحكم ابْتِدَاء أَي: هَل يقدم على الحكم بِمَا سَمعه ابْتِدَاء قبل الْإِشْهَاد عَلَيْهِ أم لَا؟ وعَلى الأول يحكم وَلَو أنكر وعَلى الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْمَشْهُور لَا يحكم إِلَّا إِذا اسْتمرّ. هَكَذَا قرر الشَّيْخ طفي هَذَا الْخلاف قَائِلا إِن مَحَله إِذا أنكر قبل أَن يحكم عَلَيْهِ، وَاسْتدلَّ لَهُ بِكَلَام اللَّخْمِيّ وَابْن رشد وَغَيرهمَا. قَالَ: أما إِذا اسْتمرّ فَمحل اتِّفَاق أَنه يحكم عَلَيْهِ، وَظَاهر (ح) و (عج) أَن الْخلاف عَام اسْتمرّ أم لَا، فَإِن أنكر بعد الحكم فَهُوَ قَول (خَ) وَإِن أنكر مَحْكُوم عَلَيْهِ إِقْرَاره بعده لم يفده الخ، فمفهوم الظّرْف أَنه إِذا أنكر قبل الحكم فيفيده وَلَا يحكم عَلَيْهِ حِينَئِذٍ على قَول ابْن الْقَاسِم، فَإِن حكم عَلَيْهِ فَانْظُر هَل يتَرَجَّح النَّقْض لِأَنَّهُ مقرّ بِأَنَّهُ اسْتندَ فِي حكمه بعد الْإِنْكَار إِلَى علمه السَّابِق عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يفِيدهُ الظّرْف الْمَذْكُور أَو ينْقضه هُوَ وَلَا ينْقضه غَيره، وَهُوَ قَول ابْن الْحَاجِب. وَأما مَا أقرّ بِهِ فِي مجْلِس الْخُصُومَة فَلَا ينْقض وَهُوَ الظَّاهِر لقَولهم وَرفع الْخلاف، لَكِن الْجَارِي على مَا للمتأخرين من أَن القَاضِي مَحْجُور عَلَيْهِ الحكم بِغَيْر الْمَشْهُور أَن ينْقضه هُوَ وَغَيره. وَالْحَاصِل أَن اسْتِمْرَار إِقْرَاره وَعَدَمه لَا يعلم إِلَّا من قَول القَاضِي وَإِلَّا خرجنَا عَن مَوْضُوع الْمَسْأَلَة فَصَارَ إِذا قَالَ القَاضِي اسْتمرّ على إِقْرَاره حَتَّى حكمت عَلَيْهِ وَلم يفده إِنْكَاره، وَإِن قَالَ: حكمت عَلَيْهِ بعد الْإِنْكَار فَتقدم أَنه ينْقضه هُوَ وَلَا ينْقضه غَيره اللَّخْمِيّ: اخْتلف إِذْ أقرّ بعد أَن جلس للخصومة، ثمَّ أنكر فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: لَا يحكم عَلَيْهِ، وَقَالَ عبد الْملك وَسَحْنُون: يحكم وَلذَلِك قصداه وَإِن لم يُنكر حَتَّى حكم ثمَّ أنكر هَذَا الحكم. وَقَالَ: مَا كنت أَقرَرت بِشَيْء لم ينظر لإنكاره، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور من الْمَذْهَب وَقَالَ الْجلاب: لم يمض عَلَيْهِ حكم الْحَاكِم إِلَّا بِبَيِّنَة يَعْنِي على إِقْرَاره وَهُوَ أشبه بقضاة الْوَقْت لضعف عدالتهم قَالَ: وَلَا أرى أَن يُبَاح القَوْل الأول لأحد من قُضَاة الْوَقْت اه. وَمَا للجلاب نَحوه لأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن قَالَ فِي مسَائِله حَسْبَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة أَن قَول ابْن الْقَاسِم أصح لفساد الزَّمَان، وَلَو أدْرك عبد الْملك وَسَحْنُون زمننا هَذَا لرجعا عَمَّا قَالَا، وَلَو أَخذ النَّاس بقوليهما لذهبت أَمْوَال وَحكم عَلَيْهِم بِمَا لم يقرُّوا بِهِ اه. وَنَقله فِي التَّبْصِرَة وَنَحْوه قَول ابْن سهل: لَو أدْرك سَحْنُون زمننا هَذَا لقَالَ يَقُول ابْن الْقَاسِم فِي كَون الْحَاكِم لَا يسْتَند لعلمه فِيمَا أقرّ بِهِ أحد الْخَصْمَيْنِ بَين يَدَيْهِ اه. قَالَ وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: (فأقضي لَهُ على نَحْو مَا أسمع) الخ. مؤول عِنْد ابْن الْقَاسِم أَي إِذا شهد بذلك عِنْدِي ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 الْمَوَّاز وَلَا خلاف أعلمهُ بَين أَصْحَاب مَالك فِي كَون القَاضِي لَا يقْضِي بِمَا سَمعه فِي مجْلِس قَضَائِهِ وَقَالَهُ مَالك بن سهل. وَلَقَد صدق ابْن الْمَوَّاز فِي قَوْله: أعلمهُ لِأَنَّهُ لم يعلم قَول ابْن الْمَاجشون وَغَيره بِأَنَّهُ يقْضِي بِمَا سمع المتيطي: لم تزل الْقُضَاة بالأندلس تسْقط فِي سجلاتها ثُبُوت إِقْرَار الْمقر وإنكار الْمُنكر من الْخَصْمَيْنِ حَتَّى تولى أَحْمد بن تَقِيّ الْقَضَاء بقرطبة فأحدث فِي سجلاته أَنه ثَبت عِنْده إِقْرَار الْمقر وإنكار الْمُنكر، وَهُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب، وَبِه عملت الْقُضَاة بعده، وَقَالَ مطرف وَابْن الْمَاجشون: مَا أقرّ الْمقر بِهِ المقرّ بَين يَدَيْهِ يُؤَاخذ بِهِ وَلذَلِك جلس ليلزم كل وَاحِد مِنْهُمَا مقَالَته يَعْنِي بِغَيْر إِثْبَات ثمَّ ذكر مَا مر عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن. وَقَالَ الْمَازرِيّ: من الْحِكْمَة والمصلحة منع القَاضِي الحكم بِعِلْمِهِ خوف كَونه غير عدل فَيَقُول علمت فِيمَا لَا علم لَهُ بِهِ اه. فتعليلهم بِمَا ذكر يدل على أَنهم فَهموا قَول ابْن الْقَاسِم على مَا فهمه الْجلاب من أَنه لَا يحكم عَلَيْهِ وَلَو اسْتمرّ على إِقْرَاره وَإِن فعل فَهُوَ مَرْدُود وَهُوَ مَا فهمه ابْن الْقصار والقرافي وَغَيرهمَا قَالَ الْقَرَافِيّ فِي قَوَاعِده: الْقَضَاء بِعلم الْحَاكِم عندنَا وَعند ابْن حَنْبَل يمْتَنع لوجوه أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: (شَاهِدَاك أَو يَمِينه لَيْسَ لَك إلاَّ ذَاك) . فحصر الْحجَّة فِي الْبَيِّنَة وَالْيَمِين دون علم الْحَاكِم وَهُوَ الْمَطْلُوب، وَإِن الْحَاكِم غير مَعْصُوم فيتهم فِي الْقَضَاء بِعِلْمِهِ على عَدو أَو صديق وَنحن لَا نَعْرِف ذَلِك فحسبنا ذَلِك صونا لمنصب الْقَضَاء عَن التهم، وَأَن ابْن عبد الْبر قَالَ فِي الاستذكار: اتَّفقُوا على أَن القَاضِي لَو قتل أَخَاهُ لعلمه بِأَنَّهُ قَاتل ولي خَصمه أَنه كالقاتل عمدا لَا يَرث مِنْهُ شَيْئا للتُّهمَةِ فِي الْمِيرَاث فقيس عَلَيْهِ بَقِيَّة الصُّور بِجَامِع التُّهْمَة اه بِحَذْف مَا لم يتَعَلَّق بِهِ غَرَض، فَهَذَا يدل على أَن مَالِكًا وَابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب يَقُولُونَ: لَا يحكم بِعِلْمِهِ وَلَو مَعَ اسْتِمْرَار الْمقر إِذْ التُّهْمَة لَا تَنْتفِي بذلك، وَأَيْضًا قَضَاؤُهُ بِعِلْمِهِ السَّابِق على مَجْلِسه إِنَّمَا منع للتُّهمَةِ فَكَذَلِك مَا كَانَ بمجلسه إِذْ الْكل لَا يعلم إِلَّا من قَوْله كَمَا مر فَأَما أَن يُقَال بِالْجَوَازِ فِي الْجَمِيع كَمَا عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّة أَو بِالْمَنْعِ فِي الْجَمِيع كَمَا عَلَيْهِ الإِمَام وَابْن الْقَاسِم، وَيدل لهَذَا مَا يَأْتِي من الْخلاف فِي الْإِعْذَار فِي شَاهد الْمجْلس إِذْ لَو كَانَ يمْضِي حكمه مَعَ الِاسْتِمْرَار مَا قَالَ قَائِل بِوُجُوب الْإِعْذَار فَتَأمل ذَلِك، فَهَذَا كُله يضعف مَا مر عَن (خَ) وَيُقَوِّي مَا مر عَن الْجلاب وَمن مَعَه وَلِهَذَا رَجحه غير وَاحِد من الْمُتَأَخِّرين. قَالَ فِي أقضية المعيار: الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل أَن لَا يحكم الْحَاكِم بِعِلْمِهِ وَلَا ينفذهُ إِلَّا بعدلين وَعَلِيهِ فَلَا يقبل قَول القَاضِي شهد عِنْدِي بِكَذَا أَو أعذرته إِلَى فلَان أَو أجلته أَو عجزته إِلَّا بِبَيِّنَة، وَمِنْه قَوْله: رفع على خطهما عَدْلَانِ فَقبلا بل لَا بُد من تسميتهما والإعذار فيهمَا، وَأَحْرَى لَو قَالَ عرفت خطهما أَو قَالَ: ثَبت عِنْدِي جرحتهما وَلم يعين المجرح كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده وَمَا لِابْنِ رشد وَابْن بطال: مِمَّا يُخَالف هَذَا حَسْبَمَا فِي التَّبْصِرَة وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ لَهُ (خَ) بِمَفْهُوم قَوْله: وَلَا تقبل شَهَادَته بعده أَنه قضى بِكَذَا كُله لَا يعول عَلَيْهِ، وَسَوَاء كَانَ على وَجه الْخطاب أَو الشَّهَادَة كَمَا لِابْنِ رحال وَغَيره وَسَيَأْتِي فِي فصل مسَائِل من أَحْكَام البيع أَن مَا للخمي هُوَ الْمَعْمُول بِهِ قَالَه ابْن حجر أَيْضا والتالي وَعَلِيهِ فَلَو قَالَ النَّاظِم: وَالْقَاضِي لَا يقْضِي بِلَا عدل على إِقْرَار خَصمه لَدَيْهِ مسجلا كَقَوْلِك أجلت فِي الْإِعْذَار وينقض الحكم على الْمُخْتَار وَعَدْلٌ إنْ أَدَّى على مَا عِنْدَهُ خِلاَفُهُ مُنِعَ أنْ يَرُدَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 (وَعدل) المُرَاد بِهِ الْجِنْس فَيشْمَل الْوَاحِد فَأكْثر وَهُوَ مُبْتَدأ وسوغ الِابْتِدَاء بِهِ الشَّرْط الَّذِي هُوَ (إِن أدّى) أَي شهد لِأَنَّهُ فِي معنى الصّفة أَي مؤد (على مَا) شَيْء يتَعَلَّق بأدى وَقَوله (عِنْده) أَي القَاضِي (خِلَافه) جملَة من مُبْتَدأ وَخبر صفة لما وَقَوله (منع أَن يردهُ) جَوَاب الشَّرْط وَالشّرط وَجَوَابه خبر الْمُبْتَدَأ أَي منع أَن يرد شَهَادَته وَإِن كَانَ يعلم خلَافهَا كَأَن يشْهدُوا بتعمير ذمَّة وَهُوَ يعلم أَن ذَلِك صوري فَقَط وَنَحْو ذَلِك لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الحكم بِعِلْمِهِ بِإِسْقَاط حق الْقَائِم بِشَهَادَة الْعدْل. وَحَقُّهُ إنَّهَاءُ مَا فِي عِلْمِهِ لِمَنْ سِواهُ شَاهدا بحُكْمِهِ (وَحقه) أَي القَاضِي الْعَالم خلاف ذَلِك وَهُوَ مُبْتَدأ خَبره قَوْله (إنهاء مَا فِي علمه) أَي رفع شَهَادَته (لمن سواهُ) من الْقُضَاة وولاة السُّوق والأمراء، وَلمن حكمه الخصمان حَال كَون القَاضِي (شَاهدا بِحكمِهِ) أَي فِي رُتْبَة الشَّاهِد فَينزل عَن رُتْبَة القَاضِي وَحكمه إِلَى رُتْبَة الشَّاهِد وَحكمه قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَإِذا شهد عِنْد القَاضِي شُهُود عدُول بِمَا يعلم خِلَافه فَلَا يحل لَهُ أَن يقْضِي بِشَهَادَتِهِم وَيدْفَع الْخَصْمَيْنِ عَن نَفسه، وَيكون شَاهدا عِنْد من يتحاكمان إِلَيْهِ ذكره ابْن الْعَطَّار. وَقَالَ ابْن الْمَوَّاز: إِذا شهد الْعُدُول عِنْد القَاضِي بِشَيْء يعلم أَنه بَاطِل فَلَا يجوز لَهُ أَن ينظر شَهَادَتهم وينفذها بعد الِانْتِظَار الْيَسِير قَالَ: وَأرى أَن يعلم الَّذِي حكم عَلَيْهِ أَن لَهُ عِنْده شَهَادَة تنَاقض مَا شهدُوا بِهِ الخ. وَهُوَ يُفِيد أَنه ينفذها، وَإِذا أنفذها لَا ينْقض حكمه، وَلَكِن يخبر الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بِمَا فِي علمه، وَعَن سَحْنُون أَنه لَا ينفذها لِأَنَّهُ قَالَ: لَا يجوز لي أَن أحكم بِشَهَادَتِهِمَا وَلَا أَن أردهَا لظُهُور عدالتهما وَلَكِن أرفع ذَلِك لمن فَوقِي وَأشْهد بِمَا علمت وغيري بِمَا علم، وَكَذَا لَو شهد القَاضِي فِي قَضِيَّة مَعَ شَاهد آخر لَا يسْتَقلّ الحكم بِهِ فَإِنَّهُ يرفع ذَلِك لمن فَوْقه، ثمَّ هَل يجوز أَن يشْهد وَلَو عِنْد من تَحْتَهُ من نوابه أَو لَا يجوز لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ شهد عِنْد نَفسه قَولَانِ، وعَلى الثَّانِي اقْتصر أَبُو الْحسن قَالَ: يرفع الْقَضِيَّة إِلَى من فَوْقه وَيشْهد عِنْده وَلَا يحكم فِي ذَلِك بِعِلْمِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وَلَا يقدم من يُؤَدِّي عِنْده لِأَن مقدمه كَهُوَ على مَا لَا يخفى اه. وَهَذَا فِي غير السُّلْطَان الْأَعْلَى يشْهد عِنْد قاضيه وَإِلَّا فَيجوز على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة فَإِن كَانَ الْمَرْفُوع إِلَيْهِ بَعيدا بِحَيْثُ لَا يلْزم الرافع الْأَدَاء مِنْهُ فَلهُ أَن يشْهد على شَهَادَته عَدْلَيْنِ وينقلانها عَنهُ، وَأفهم قَوْله عدل أَن هَذَا فِي ظَاهر الْعَدَالَة الْمَشْهُور بهَا كَمَا فِي النَّقْل كَانَ منتصباً للشَّهَادَة أم لَا سَوَاء قدمه هَذَا القَاضِي لَهَا أَو غَيره مِمَّن قبله وَسَوَاء زكي عِنْده أم لَا. إِذْ قبُول من قبله لشهادته وَحكمه بهَا يُوجب عَلَيْهِ قبُولهَا دون تَزْكِيَة وَلَا مَعْرفَته بعدالته كَمَا لِابْنِ رشد فِي أجوبته فَإِن كَانَ مَجْهُول الْحَال فَهُوَ مَا مر فِي قَوْله: وَفِي الشُّهُود يحكم القَاضِي الخ. إِذْ لَا تُهْمَة تلْحقهُ فِي عدم قبُوله، وَظَاهره أَنه لَا يردهَا بِعِلْمِهِ الجرحة بالأحرى وَهُوَ كَذَلِك، وإلاَّ أدّى إِلَى إبِْطَال حق الْقَائِم فِي ردهَا بِعِلْمِهِ وَمَا مر من أَنه يسْتَند لعلمه فِي التجريح إِنَّمَا هُوَ فِي غير المنتصب للشَّهَادَة أَو فِي المنتصب لَهَا بِالنِّسْبَةِ لتأخيره عَنْهَا فِي الْمُسْتَقْبل لَا بِالنِّسْبَةِ لإبطال الْحُقُوق فِيمَا مضى لِأَنَّهُ تصير الْأَحْكَام حِينَئِذٍ دَائِرَة على علم القَاضِي فمهما أَرَادَ إِثْبَات حق أَو إِبْطَاله قَالَ: إِن شَاهده معدل أَو مجرح وَلذَا علل جَوَاز استناده لعلمه فيهمَا بِمَا إِذا اشْتهر عِنْد النَّاس كَمَا مرّ وَقد قَالَ ابْن عَرَفَة فِي قَاض آخر شَاهدا عَن الشَّهَادَة فَأتى من بعده ورده إِلَى الشَّهَادَة وتبطلت حُقُوق كَثِيرَة بِسَبَب التَّأَخُّر الْمَذْكُور مَعَ أَنه لم يجرحه أحد من الْقُضَاة عدا من ذكر فَإِنَّهُ يجب الْبَحْث الْآن عَن حَال الشَّاهِد الْمَذْكُور فَإِن تحصل عِنْد من لَهُ الْأَحْكَام جرحته أَو عَدَالَته عمل على ذَلِك، وَإِن لم يتَحَصَّل لَهُ شَيْء أمضى شَهَادَته. الْبُرْزُليّ: إِنَّمَا اخْتَار الْبَحْث الْمَذْكُور لغَلَبَة الْهوى على الْقُضَاة، وإلاَّ فَالرِّوَايَة إِذا تقادمت جرحة الشَّاهِد وَكَانَت ثَابِتَة عِنْد القَاضِي وَمضى لَهَا أشهر، ثمَّ أَتَى من زَكَّاهُ بعد ذَلِك أَنه يقبله وَيحمل على انْتِقَاله إِلَى خير اه، وَذكر فِي نَوَازِل الْأَيْمَان أَن التجريح لَا يصلح بِأَمْر مُحْتَمل، وَقد قَالُوا فِي استفسار اللفيف وَنَحْوه لَا بُد أَن يكون بِمحضر عَدْلَيْنِ فِرَارًا من أَن يكون حكم بِعِلْمِهِ لِأَن اللفيف غير عدُول، فَإِذا رتب الحكم على أَدَائِهِ الَّذِي غَابَ عَلَيْهِ وَلم يُعلمهُ غَيره فقد رتبه على علمه قَالَه ابْن لب والمكناسي وَغَيرهمَا. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب: وَلَو سَأَلَهُ ذُو الْحق عَن المجرح فعلى الْحَاكِم إخْبَاره بِهِ المتيطي: من حق الشَّاهِد والمشهود لَهُ أَن يعلمَا بالمجرح، فقد تكون هُنَاكَ عَدَاوَة أَو قرَابَة يمنعان التجريح، وَاخْتلف إِذا كَانَ الشَّاهِد والمشهود لَهُ مِمَّن يتقى شَره فَقَالَ سَحْنُون: يعلم، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: إِذا قَالَ المجرح أكره عَدَاوَة النَّاس جَازَ التجريح سرا اللَّخْمِيّ: وَقَول سَحْنُون أحسن لفساد الْقُضَاة الْيَوْم ابْن رحال فِي شَرحه: وَمَا قَالَه اللَّخْمِيّ حسن غَايَة لِأَنَّهُ إِذا كَانَ ذَلِك فِي قُضَاة زَمَانه فَكيف بقضاتنا الْيَوْم؟ قلت: وَمَا لسَحْنُون مثله لِابْنِ حبيب قَالَ: التجريح لَا يكون إِلَّا عَلَانيَة إِذْ لَا بُد من الْإِعْذَار فِي شَهَادَة المجرحين، وَهَذَا التَّعْلِيل يُوجب أَن لَا يقبل التجريح سرا من قُضَاة الْوَقْت كَانَ الْمَشْهُود لَهُ مِمَّن يتقى شَره أم لَا وَمَا لِابْنِ عبد السَّلَام من قبُوله سرا على أظهر الْقَوْلَيْنِ وَنَحْوه لشراح الْمُخْتَصر مَبْنِيّ على نفي التهم عَن الْقُضَاة، وَمذهب الْمُدَوَّنَة يجوز لمن يخْشَى مِنْهُ كَمَا يَأْتِي فِي فصل الْإِعْذَار وَقد تقدم عَن الْقَرَافِيّ وَابْن سهل وَغَيرهمَا ضعفه وَهَذَا كُله فِي غير الْمَشْهُور بِالْعَدَالَةِ المنتصب لَهَا، وَأما مَا عَمت بِهِ الْبلوى فِي هَذَا الزَّمَان من كَون القَاضِي ينصب شُهُودًا أَو يجدهم منتصبين ويقرهم على ذَلِك، ثمَّ بعد تحملهم للحقوق من دُيُون وَغَيرهَا يظْهر لَهُ تأخيرهم عَنْهَا، وَيبْطل رسوم تِلْكَ الْحُقُوق كلهَا ويعتل بِأَنَّهُ يسْتَند لعلمه فِي التجريح وَإِن الجرحة إِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 طرأت بعد الْأَدَاء فَهِيَ مُؤثرَة فَكيف بهَا قبل الْأَدَاء لِأَن الْعبْرَة بِزَمن الْأَدَاء فَلَا أخالهم يَخْتَلِفُونَ فِي عدم قبُول قَوْله بِالنِّسْبَةِ لما مضى إِذْ لَيْسَ قبُول قَوْله بالتجريح الْآن بِأولى من قَوْله بالتعديل أَو لَا بِالنِّسْبَةِ لما شهدُوا بِهِ من الدُّيُون وَغَيرهَا، لِأَنَّهُ قد اسْتندَ إِلَى علمه فِي إبِْطَال تِلْكَ الْحُقُوق بعد وُجُوبهَا لأربابها بتعديله الأول وَهُوَ من التلاعب بِحُقُوق الْمُسلمين وَفِي ضيح مَا نَصه: فَإِن اسْتحق الشَّاهِد الْحر برق لم ترد شَهَادَته لِأَنَّهُ قد لَا يعرف غَيره الْحق الْمَشْهُود بِهِ اه. وَنَقله (ز) وَغَيره أول الشَّهَادَات وَهُوَ صَرِيح فِيمَا قُلْنَاهُ، وَفِي المعيار قد شاع وذاع عَن الْقُضَاة عزل بعض من لَا يسْتَحق الْعَزْل وتقديمهم لمن لَا يصلح تعديله لهواه أَو لكَونه قَرِيبه أَو صديقه أَو صهره أَو لمعروفه عَلَيْهِ، وَذَلِكَ كُله من الْهوى وَالْفساد أعاذنا الله من ذَلِك. وَتقدم عَن الْبُرْزُليّ الرِّوَايَة إِذا تقادمت جرحة الشَّاهِد الخ. وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قَول أصبغ: إِذا علم القَاضِي جرحته وَقت الشَّهَادَة أَو بِقرب ذَلِك عمل عَلَيْهَا وَأما إِن طَال الزَّمَان، فَهَذَا بِمَنْزِلَة من جهل حَاله إِذا عدل عِنْده قبله يَعْنِي وَبِالْعَكْسِ، وَلذَا قَالَ اللَّخْمِيّ فِي تعَارض بينتي التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح فِي مجلسين متغايرين قضى بِشَهَادَة الْجرْح لِأَنَّهَا زَادَت علما فِي الْبَاطِن، وَإِن تبَاعد مَا بَين المجلسين قضى بأحدثهما تَارِيخا، وَيحمل على أَنه كَانَ عدلا ففسق أَو فَاسِقًا فَعدل الخ. وَالْمَقْصُود مِنْهُ قَوْله: وَإِن تبَاعد الخ. وَبِهَذَا كُله تعلم أَن قَول (خَ) عاطفاً على المبطلات لَا إِن حدث فسق بعد الْأَدَاء مُقَيّد بِمَا إِذا حدث وَقت الشَّهَادَة أَو قربهَا وإلاَّ فَهُوَ من الِاسْتِصْحَاب المعكوس وَهُوَ ضَعِيف عِنْد الْأُصُولِيِّينَ وَخلاف الرِّوَايَة كَمَا ترى، وَلذَا قَالُوا: إِذا قَامَ للصَّبِيّ شَاهد وَاحِد حلف الْمَطْلُوب وسجلت شَهَادَته لِئَلَّا يطْرَأ فسقه كَمَا يَأْتِي، وَلَا يُقَال تسجيل شَهَادَته بِمَنْزِلَة الحكم بهَا وطرو الْفسق بعد الحكم غير مُضر لَا يَقْتَضِيهِ كَلَام (ز) لأَنا نقُول هَذَا يَقْتَضِي أَن الشَّاهِد للصَّبِيّ إِذا رَجَعَ بعد تسجيلها وكتبها يغرم وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ لَا حكم أصلا إِذْ الحكم يتَوَقَّف على يَمِين الصَّبِي بعد الْبلُوغ، وَإِذا ثَبت هَذَا الحكم فِي الشَّاهِد للصَّبِيّ فَكَذَلِك الشَّاهِد لغيره لَا يضر طرُو الْفسق لَهُ بعد، وَبِمَا إِذا كَانَت الشَّهَادَة استرعائية لَا أَصْلِيَّة كَمَا يَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم: وزمن الْأَدَاء لَا التَّحَمُّل، وَبِمَا إِذا كَانَ الطارىء مِمَّا يخفى كَالزِّنَا وَنَحْوه لَا كَالْقَتْلِ والعداوة كَمَا للخمي والمازري قَالَ فِي ضيح عِنْد الْكَلَام على شَهَادَة النَّقْل وَهُوَ كَلَام صَحِيح، وَبِمَا إِذا ثَبت الْفسق لَا بالتهمة عَلَيْهِ كَمَا لشراحه وَالله أعلم. وَهَذَا فِي الْحَقِيقَة من تعَارض التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح وَسَيَأْتِي بَقِيَّة الْكَلَام عَلَيْهِ فِي مَحَله إِن شَاءَ الله تَعَالَى. تَنْبِيه: إِذا تقرر مَا تقدم وَعلمت أَن التَّأْخِير عَن الشَّهَادَة لدعوى القَاضِي جرحته لَا يبطل الْحُقُوق الَّتِي كَانَ شهد بهَا قبل ذَلِك وَمَات هَذَا الْمُؤخر أَو غَابَ قبل أَدَائِهَا فَإِنَّهُ يرفع على خطه وَيَقُولُونَ مثلا كَانَ متصفاً وَقت تَارِيخ الرَّسْم أَعْلَاهُ بِقبُول الشَّهَادَة، وَلَا زَالَ على ذَلِك إِلَى أَن أخر عَنْهَا لغير مُوجب فِي علمهمْ. وعِلْمُه بِصِدْقِ فِي غَيْرِ العَدْلِ لاَ يُبيحُ أنْ يَقْبَلَ مَا تَحمَلاَ (وَعلمه) أَي القَاضِي (بِصدق غير الْعدْل) يشْهد عِنْده ظَاهره كَانَ ظَاهر الجرحة أَو مَجْهُول الْحَال. وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ مَحْمُول عَلَيْهَا (لَا يُبِيح) لَهُ (أَن يقبل مَا تحملا) غير الْعدْل وَالْجُمْلَة خبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 عَن قَوْله علمه وبصدق يتَعَلَّق بِهِ، وَإِنَّمَا لم يَصح لَهُ قبُوله لِأَنَّهُ آيل إِلَى الحكم بِعِلْمِهِ وَسبب لتطرق التُّهْمَة إِلَيْهِ لِأَن غير الْعدْل كَالْعدمِ فَرد شَهَادَته حق لله وَلذَا قَالَ ابْن عَرَفَة: الحكم برد شَهَادَة الْفَاسِق حق لله وَلَو شهد بِحَق اه. وَأَيْضًا لَا بُد أَن يَقُول فِي حكمه بعد أَن صحت عِنْدِي عدالتهما وَهُوَ إِنَّمَا صَحَّ عِنْده جرحتهما أَو لم يَصح عِنْده شَيْء، فَإِن وَقع وَحكم فينقضه هُوَ وَغَيره (خَ) عاطفاً على مَا ينْقض بِهِ الحكم أَو أظهر أَنه قضى بعبدين أَو فاسقين وَمَفْهُوم صدق غير الْعدْل أَنه إِذا علم بكذب الْعدْل فَهُوَ مَا قبله. ومَنْ جَفا القاضِي فالتَّأدِيبُ أوْلى وَذَا لِشَاهِدٍ مَطْلُوبُ (وَمن جَفا القَاضِي) أَي لمزه بِمَا يكره فِي مجْلِس حكمه فَقَالَ: ظلمتني مثلا وَأَرَادَ أَذَاهُ (فالتأديب) لَهُ أَي التَّعْزِير إِذا كَانَ القَاضِي من أهل الْفضل (أولى) من الْعَفو عَنهُ، وَظَاهره أَنه يسْتَند لعلمه فِي ذَلِك وَهُوَ كَذَلِك، وَقَوْلِي بِمَجْلِس حكمه احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ ذَلِك بِغَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك وَلَو ثَبت بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ لَا يحكم لنَفسِهِ فِي مثل ذَلِك وَيَرْفَعهُ لغيره إِن شَاءَ، وَقَوْلِي لمزه احْتِرَازًا مِمَّا إِذا صرح لَهُ بالإساءة فَيجب التَّأْدِيب حِينَئِذٍ كَمَا لِابْنِ عبد السَّلَام. وَنَقله فِي التَّبْصِرَة. وَقَوْلِي: ظلمتني لَيْسَ من الصَّرِيح لِإِمْكَان أَن يُرِيد الْمجَاز. وَمن مَوْصُولَة مُبْتَدأ، وَالْجُمْلَة من قَوْله: فالتأديب أولى خَبره والرابط مَحْذُوف وَدخلت الْفَاء فِي الْخَبَر لِأَن الْمَوْصُول لعمومه كالشرط. (وَذَا) التَّأْدِيب (لشاهد) أَي لجفائه أَو جفَاء الْخصم أَو الْمُفْتِي (مَطْلُوب) أَي وَاجِب كَأَن يَقُول لَهُ شهِدت عليَّ بزور أَو مَا أَنْت من أهل الْعَدَالَة وَالدّين، وَلَا يجوز الْعَفو عَنهُ حَيْثُ كَانَ بِالْمَجْلِسِ قَامَت بِهِ بَيِّنَة أم لَا. لانتهاكه حُرْمَة الشَّرْع فَإِن كَانَ بِغَيْر الْمجْلس وَثَبت بِبَيِّنَة فَالْحق حِينَئِذٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 للشَّاهِد وَنَحْوه لَا لله ويؤدب فِي ذَلِك كُله بِقدر الرجل المنتهك حرمته، وَقدر الشاتم فِي إذاية النَّاس إِلَّا أَن يكون الشاتم من أهل الْفضل وَذَلِكَ مِنْهُ فلتة فليتجاف عَنهُ كَمَا قَالَ: وفَلْتَةٌ مِنْ ذِي مُرُوءَةٍ عَثَرْ فِي جانِبِ الشَّاهِدِ مِمَّا يُغْتَفَرْ (وفلتة) مُبْتَدأ سوغ الِابْتِدَاء بِهِ وَصفه بقوله: (من ذِي مُرُوءَة) وَقَوله: (عثر) فِي مَوضِع الصّفة لذى أَو فِي مَوضِع الْحَال من فلتة لتخصيصه بِالصّفةِ والرابط مَحْذُوف أَي بهَا و (فِي جَانب الشَّاهِد) يتَعَلَّق بِهِ وَمثله من ذكر مَعَه و (مِمَّا يغْتَفر) خبر الْمُبْتَدَأ (خَ) وتأديب من أَسَاءَ عَلَيْهِ أَو على خَصمه أَو مفت أَو شَاهد لَا بشهدت عَليّ بباطل كخصمه كذبت الخ. ومَنْ ألَدَّ فِي الْخِصَامِ وانْتَهَجْ نهْجَ الفِرَارِ بَعْدَ إتْمَامِ الْحُجَجْ (وَمن أَلد فِي الْخِصَام) أَي أَكثر مِنْهُ وَهُوَ اسْم شَرط أَو مَوْصُول مُبْتَدأ (وانتهج) مَعْطُوف على الصِّلَة (نهج الْفِرَار) مصدر نَوْعي أَي سلك طَرِيقه خوفًا من الْقَضَاء عَلَيْهِ وَثَبت ذَلِك عَلَيْهِ بِبَيِّنَة لَا بقول الرَّسُول فَلَا يَخْلُو من ثَلَاثَة أوجه فَإِن كَانَ ذَلِك (بعد) الْحُضُور بَين يَدَيْهِ و (إتْمَام الْحجَج) الَّتِي يُدْلِي بهَا وسؤاله عَنْهَا وعجزه عَن الطعْن فِي حجج خَصمه بعد الإجالات والتلومات كَمَا هُوَ ظَاهره فَهَذَا. يُنَفِّذُ الحُكْمَ عَليْه الْحَكَمُ قَطْعاً لِكُلِّ مَا بِهِ يَخْتَصِمُ (ينفذ الحكم) بِالنّصب مفعول مقدم (عَلَيْهِ الحكم) بِفَتْح الْكَاف لُغَة فِي الْحَاكِم فَاعل بقوله ينفذ (قطعا) حَال أَي قَاطعا (لكل مَا بِهِ يخْتَصم) وَالْجُمْلَة خبر من أَو جَوَابه وَسَوَاء كَانَ الْمُتَنَازع فِيهِ عقارا أَو غَيره كَمَا هُوَ ظَاهره وَإِن وَجَبت لَهُ يَمِين قَضَاء أَو اسْتِحْقَاق وكل الْحَاكِم من يقتضيها لَهُ وَيشْهد بذلك وَلَا تسمع لَهُ حجَّة يَأْتِي بهَا بعد ذَلِك لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْحَاضِر وَإِن كَانَ ذَلِك قبل نشب الْخُصُومَة أَو بعد نشبها بَين يَدَيْهِ وَقيل اسْتِيفَاء النّظر فِيهَا فَهُوَ قَوْله: وَغَيْرُ مُسْتَوْفٍ لَهَا إِن اسْتَترْ لَمْ تَنقَطِعْ حُجَّتُهُ إذَا ظَهَرْ (وَغير مستوف لَهَا) أَي للحجج فَيشْمَل من لم ينشبها بِالْكُلِّيَّةِ لِأَن السالبة لَا تَقْتَضِي وجود الْمَوْضُوع (إِن استتر) أَي دَامَ استتاره بعد أَن فعل القَاضِي بِهِ مَا مر فِي قَوْله: وَمن عصى الْأَمر وَلم يحضر طبع. الخ، فَهَذَا تسمع الْبَيِّنَة فِي غيبته إِن تغيب قبل سماعهَا على الْمَذْهَب وَإِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 سَمِعت فَيحكم عَلَيْهِ بمقتضاها كَمَا يحكم عَلَيْهِ إِن تغيب بعد أَن سَمعهَا وَقبل اسْتِيفَاء حججه وَلَا يُقيم لَهُ وَكيلا على الْمُعْتَمد، وَمذهب ابْن الْقَاسِم لِأَن الْوَكِيل لَا يعرف حجج الْمُوكل، فالقضاء عَلَيْهِ وإرجاء الْحجَّة أَنْفَع لَهُ كَمَا قَالَ (لم تَنْقَطِع حجَّته) الَّتِي يَأْتِي بهَا من الطعْن فِي الْبَيِّنَة الَّتِي لخصمه أَو معارضتها بِبَيِّنَة الْبَرَاءَة وَنَحْو ذَلِك (إِذا ظهر) بعد أَن قضى عَلَيْهِ وَقيل يُقَام لَهُ الْوَكِيل وَلَا ترجى لَهُ حجَّة فَغير بِالرَّفْع مُبْتَدأ وَيجوز نَصبه على الْحَال من ضمير استتر وَجُمْلَة لم تَنْقَطِع خبر وَجَوَاب. لَكِنَّما الحُكْمَ عَلَيْهِ يُمْضِي بَعْدَ تَلَوُّمٍ لَهُ مَنْ يَقْضِي (لكنما) اسْتِدْرَاك وَمَا كَافَّة (الحكم عَلَيْهِ) بِالنّصب مفعول (يمْضِي) بِضَم الْيَاء مضارع أمضى وَيجوز رَفعه بِالِابْتِدَاءِ وَالْجُمْلَة بعده خَبره، والرابط مَحْذُوف أَي يمضيه وَيجوز قِرَاءَته بِفَتْح الْيَاء وضميره يعود على الحكم هُوَ الرابط وَمن يقْضِي فَاعل الْمصدر فِي قَوْله: (بعد تلوم لَهُ) أَي لغير المستوفي (من يقْضِي) فَاعل يمْضِي على ضم يائه وَالضَّمِير فِي تلوم يعود عَلَيْهِ فَهُوَ عَائِد على مُتَأَخّر لفظا لَا رُتْبَة، وَظَاهره أَن الأول لَا يتلوم لَهُ وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الْغَرَض أَنه فر بعده وَظَاهره أَيْضا أَن غير المستوفي لَا تَنْقَطِع حجَّته، وَلَو قَالَ لخصمه: إِن لم أحضر مَعَك عِنْد القَاضِي فِي أجل كَذَا فدعواك حق ودعواي بَاطِلَة وَنَحْوه، وَهُوَ كَذَلِك كَانَ طَالبا أَو مَطْلُوبا (خَ) كَقَوْلِه: أجلني الْيَوْم فَإِن لم أوافك غَدا فَالَّذِي تدعيه حق، وَمَفْهُوم قَوْله: إِذا ظهر أَنه لَا كَلَام لوَارِثه فِي نقض الحكم قبل ظُهُوره وَلَو طَالَتْ غيبته وَهُوَ كَذَلِك لِأَن كل أَمر يتَوَقَّف ثُبُوته وإبطاله على اخْتِيَار شخص فَالْحكم بِالصِّحَّةِ والإبطال قبل علم مَا عِنْده محَال إِذْ قد يقدم فَيقر بِوُقُوع الحكم على الصَّوَاب، وَظَاهره إِذا أَتَى بِالْحجَّةِ وَعجز خَصمه عَن معارضتها يبطل الحكم وينقض البيع وَيرد الْغُرَمَاء مَا أَخَذُوهُ وَهُوَ كَذَلِك قَالَه الْمَازرِيّ وَيَأْتِي فِي فصل الحكم على الْغَائِب مَا يُخَالِفهُ وَلَا مَفْهُوم لقَوْله بعد تلوم لِأَنَّهُ إِذا لم يتلوم ترجى لَهُ الْحجَّة بالأحرى وأشعر قَوْله ينفذ، وَقَوله: يمْضِي أَنه مستوطن فِي مَحل ولَايَته أَو لَهُ مَال ظَاهر أَو كَفِيل أَو وَكيل وَإِلَّا يكن شَيْء من هَذِه الْأُمُور، فَالْحكم عَلَيْهِ كَالْحكمِ على من لَيْسَ فِي إيالته، وَقد تقدم. 5 وَالْحكم فِي الْمَشْهُور حَيْثُ الْمُدعى عَلَيْهِ وَشَمل قَوْله نهج الْفِرَار مَا إِذا فرّ حَقِيقَة أَو حكما كَمَا لَو مرض أَو سجن وَامْتنع من التَّوْكِيل فَيجْرِي على التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم قَالَ فِي الشَّامِل: وَحكم من تعذر أَو تغيب كالغائب فيتلوم لَهُ إِن تغيب قبل اسْتِيفَاء حججه ثمَّ قضى عَلَيْهِ وترجى حجَّته وَبعد استيفائها يقْضى وَلَا حجَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 لَهُ. وَمضى إِن كَانَ لَهُ مَال ظَاهر وإلاَّ ختم على بَابه، فَذكر مَا مرّ عِنْد قَوْله وَمن عصى الْأَمر الخ. وَقَوله: تعذر أَي بِسَبَب تعصبه بِذِي جاه أَو مرض أَو سجن كَمَا مرّ، وَلَا بُد من تَسْمِيَة الشُّهُود كَمَا يَأْتِي فِي فصل الحكم على الْغَائِب. (فصل فِي الْمقَال) أَي دَعْوَى الْمُدَّعِي (وَالْجَوَاب) مَا يُجيب بِهِ الْمَطْلُوب فَإِن قيدت الدَّعْوَى فِي كتاب فَهُوَ التَّوْقِيف الْآتِي ذكره، وَمن الدَّعْوَى مَا يجب كتبه وَمَا يحسن ترك كتبه وَمَا يجوز فِيهِ الْأَمْرَانِ والكتب أحسن كَمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله. وَاعْلَم أَن من ادّعى شَيْئا بيد غَيره فَأَما أَن يَدعِي أَنه لَهُ أَو وصل إِلَيْهِ من موروثه أَو يَدعِي فِيهِ بالنيابة عَن غَيره بإيصاء أَو وكَالَة، فَإِذا صحت الدَّعْوَى فِي الْجَمِيع بشروطها الْمُتَقَدّمَة وَأثبت مَعَ ذَلِك فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَخيرينِ موت الْمَوْرُوث وعدة ورثته وتناسخ الوراثات إِلَى أَن وصلت إِلَيْهِ، وَأثبت الْإِيصَاء وَالتَّوْكِيل كلف الْمَطْلُوب حِينَئِذٍ بِالْجَوَابِ، فَإِذا أجَاب بِإِقْرَار صَرِيح فَلهُ الْإِشْهَاد عَلَيْهِ، وللحاكم تنبيهه عَلَيْهِ وَلَيْسَ من الصَّرِيح قَوْله: وَأَنا لي عَلَيْك كَذَا جَوَابا لقَوْله: لي عَلَيْك كَذَا لِإِمْكَان أَن يكون مُرَاده مُقَابلَة الْبَاطِل بِالْبَاطِلِ قَالَه الْمَازرِيّ، وَنَقله فِي التَّبْصِرَة. وَكَذَا قَوْله: هَب أَنِّي فعلت كَذَا قَالَه (غ) فِي التَّكْمِيل وَنَقله ابْن رحال فِي الارتفاق مُسلما قَائِلا مهما لَاحَ الِاحْتِمَال فِي الْإِقْرَار عِنْدهم بَقِي الشَّيْء على أَصله اه. وَهُوَ ظَاهر لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يَقُوله إرخاء للعنان وتقديراً لصدور ذَلِك مِنْهُ، وَلَا شكّ أَن قَائِله على هَذَا الْوَجْه لَيْسَ بمقر وتأمله مَعَ مَا فِي أواسط أَجنَاس المعيار من أَنه إِذا قَالَ: هَب أَنِّي بِعْت مِنْك فَإِن أُمِّي لم تبع أَن ذَلِك إِقْرَار على الْأَرْجَح وَأطَال فِي ذَلِك فَانْظُرْهُ، فَإِن قَالَ لي عَلَيْك عشرَة فَقَالَ: لَا أَدْرِي أعشرة هِيَ أم خَمْسَة فإقرار وَتلْزَمهُ الْعشْرَة إِن حققها الطَّالِب قَالَه فِي معاوضات المعيار وَنَحْوه فِي بَاب الْعُيُوب من الْمُتَيْطِيَّة، وَإِن شكا مَعًا فَقيل يقسم الْمَشْكُوك، وَقيل يسْقط. وَكَذَا إِن قَالَ: أسلفتك أَو أودعتك عشرَة، وَقَالَ الآخر: بل قبضتها عَن مثلهَا لي عَلَيْك فَقيل لَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَا أقرّ إِلَّا بِقَبض شَرط فِيهِ أَنه يسْتَحقّهُ فَلَا يُؤَاخذ بِأَكْثَرَ مِمَّا أقرّ بِهِ، وَقيل القَوْل للدافع فِي صفة مَا دفع، وَهُوَ يَدعِي أَنه دفع سلفا لَا قَضَاء حَكَاهُمَا الْمَازرِيّ. ونقلها فِي ضيح فِي بَاب الْحِوَالَة، وَاقْتصر أَبُو الْحسن فِي بَاب الشَّهَادَات وَغَيره على الثَّانِي، فَيُفِيد أَنه الْمُعْتَمد وَفِي إقرارات المعيار إِذا قَالَ: ألم تسلفني مائَة دِينَار ورددتها إِلَيْك فَقَالَ: مَا رددت إِلَيّ شَيْئا فَقَالَ: مَا أسلفتني إِذا شَيْئا أَنه لَا يلْزمه شَيْء اه. وتأمله مَعَ قَول (خَ) عاطفاً على مَا يلْزمه فِيهِ الْإِقْرَار أَو أَلَيْسَ مَا أقرضتني أَو مَا أقرضتني أَو ألم تقرضني الخ. فَإِن قَالَ لَهُ عليَّ ألف من ثمن خمر وَنَحْوه فَقَالَ الْقَرَافِيّ، فِي فروقه مُقْتَصرا عَلَيْهِ أَنه لَيْسَ بِإِقْرَار قَالَ: لِأَن الْكَلَام بآخر، وَالْقَاعِدَة أَن كل كَلَام لَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ إِذا اتَّصل بِكَلَام مُسْتَقل بِنَفسِهِ يصير المستقل غير مُسْتَقل قَالَ: وَقَوله من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 ثمن خمر لَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ فَيصير الأول المستقل غير مُسْتَقل وَذكر لذَلِك أَمْثِلَة انظرها فِي الْفرق الثَّانِي عشر مِنْهُ، وَانْظُر أَيْضا الْفرق الثَّانِي وَالْعِشْرين والمائتين، وَاقْتصر (خَ) على إِنَّه إِقْرَار وَإِن أجَاب بالإنكار الصَّرِيح عمل بِمُقْتَضَاهُ، وَقيل للطَّالِب: أَلَك حجَّة فَإِن نفاها واستحلفه فَلَا تسمع لَهُ بعد بَيِّنَة إِلَّا لعذر كنسيان، وَقَالَ أَشهب: تسمع وَهُوَ دَلِيل قَول عمر رَضِي الله عَنهُ: بَيِّنَة عادلة خير من يَمِين فاجرة وَإِن ادَّعَاهَا كلف بإثباتها وأعذر للمطلوب فِيمَا أَتَى بِهِ كَمَا يَأْتِي وَلَيْسَ من الصَّرِيح قَوْله: مَا أَظن لَهُ عِنْدِي شَيْئا وَلَا قَوْله لَا حق لَك عَليّ وَذَلِكَ لما مر من أَن الطَّالِب لَا بُد أَن يبين فِي دَعْوَاهُ الْوَجْه الَّذِي ترَتّب لَهُ بِهِ الْحق من بيع أَو قرض أَو قِرَاض أَو نَحْو ذَلِك، فَيلْزمهُ أَن يَنْفِي ذَلِك الْوَجْه أَو يقر بِهِ وتتوجه الْيَمين فِي الْإِنْكَار على طبق الدَّعْوَى (خَ) : وَيَمِين الْمَطْلُوب مَا لَهُ عِنْدِي كَذَا وَلَا شَيْء مِنْهُ فَإِن قضى نوى سلفا يجب رده اه. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: يَكْفِيهِ فِي الْجَواب وَالْيَمِين لَا حق لَك على ابْن عبد السَّلَام، وَهُوَ التَّحْقِيق لِأَن نفي الْأَعَمّ يسْتَلْزم نفي الْأَخَص، فَإِن أجَاب بإنكار كَونه لَهُ بِأَن قَالَ: هُوَ وقف أَو لوَلَدي أَو لشخص سَمَّاهُ فَيُقَال للْمُدَّعِي: اثْبتْ مَا تدعيه فَإِن هَذَا لَا ينازعك وتنتقل خصومتك للْمقر لَهُ (خَ) وَإِن قَالَ وقف أَو لوَلَدي لم يمْنَع مُدع من إِقَامَة بَيِّنَة، وَإِن قَالَ لفُلَان فَإِن حضر ادّعى عَلَيْهِ فَإِن حلف فللمدعي تَحْلِيف الْمقر أَنه صَادِق فِي إِقْرَاره، وَانْظُر الْفَصْل الثَّالِث من أَقسَام الْجَواب من التَّبْصِرَة وَإِن امْتنع من الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار فَهُوَ قَوْله: ومنْ أَبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; إقْراراً أَو إنْكارا لِخَصْمِهِ كَلِّفَهُ إجْبَارا (وَمن أَبى) مَوْصُول مُبْتَدأ أَو شَرط وَاقع على الْمُكَلف الرشيد (إِقْرَارا أَو) بِمَعْنى الْوَاو (إنكاراً) لغير غَرَض شَرْعِي بل سكت أَو قَالَ: أقِم الْبَيِّنَة على مَا تَدعِي وَأَنا لَا أقرّ وَلَا أنكر أَو قَالَ: مَا لَهُ عِنْدِي شَيْء أَو لَا حق لَهُ عَليّ كَمَا مر. وَقَالَ الأخوان مطرف وَابْن الْمَاجشون: يقنع مِنْهُ بذلك فِي هذَيْن الْأَخيرينِ وَهُوَ ظَاهر لِأَن نفي الْأَعَمّ يسْتَلْزم نفي الْأَخَص، أَو قَالَ: لَا أجاوب حَتَّى أوكل من يُجيب على الْمَعْمُول بِهِ كَمَا يَأْتِي فِي بَاب الْوكَالَة أَو قَالَ حَتَّى يتَبَيَّن هَل مَا تدعيه برسم أَو بِغَيْر رسم (يخصمه) يتنازعه الْمصدر إِن قبله (كلفه) بِضَم الْكَاف خبر أَو جَوَاب والرابط نَائِبه والبارز يعود على الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار وأفرده لكَون الْعَطف بِأَو أَو بِاعْتِبَار مَا ذكر (إجبارا) أَي جبر بِالضَّرْبِ والسجن، وَهَذَا إِن لم يكن وَصِيّا أَو مقدما يخاصمان عَن أيتامهما فِيمَا لم يتولياه من الْمُعَامَلَات، وإلاَّ فَلَا يكلفان بِإِقْرَار وَلَا بإنكار، وَيُقَال للطَّالِب: أقِم الْبَيِّنَة على مَا تَدعِي وَذَلِكَ لِأَن إقرارهما لَا يُفِيد فَلَا فَائِدَة لجبرهما، فَإِن أقرا باختيارهما فهما شَاهِدَانِ تعْتَبر فيهمَا شُرُوط الشَّهَادَة فَإِن أقرا عَلَيْهِ بِطَلَاق أَو عتق فَلَا تمْضِي حَتَّى يكمل النّصاب فَإِن خاصما فِيمَا تولياه أجبرا على ذَلِك، وَإِن تَوَجَّهت الْيَمين عَلَيْهِمَا حلفا وإلاَّ ضمنا وَفهم من وُقُوع من على الرشيد أَن السَّفِيه لَا يُؤمر بِالْجَوَابِ فضلا عَن الْإِجْبَار إِذْ لَا يلْزمه إِقْرَار كَمَا مرّ فِي شُرُوط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 الدَّعْوَى ونكوله عَن الْيَمين كإقراره على الْمُعْتَمد كَمَا يَأْتِي فِي بَاب الْيَمين، وَيُقَال للطَّالِب حِينَئِذٍ: أثبت دعواك وإلاَّ فَلَا شَيْء لَك إِلَّا الْيَمين تُؤخر لوقت رشده، وَهَذَا فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ والاستهلاك والإتلاف لما لم يُؤمن عَلَيْهِ وَاسْتِحْقَاق شَيْء من مَاله وَنَحْو ذَلِك، وَأما الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِالْبيعِ وَالشِّرَاء وَالسَّلَف وَالْإِبْرَاء وَنَحْوهَا فَلَا تسمع عَلَيْهِ وَلَو ثبتَتْ بِالْبَيِّنَةِ بِخِلَاف الطَّلَاق والجراح الَّتِي فِيهَا الْقصاص وَعتق مستولدته وَنَحْوه فيكلف بِالْجَوَابِ للُزُوم إِقْرَاره فِيهَا كَمَا فِي (خَ) حَيْثُ قَالَ فِي الْحجر لاطلاقه الخ. والسكران كالسفيه لَا يلْزمه إِقْرَاره وَلَا الْعُقُود من بيع وَنَحْوه وَلَو بِالْبَيِّنَةِ وَيلْزمهُ الْإِقْرَار بالجنايات وَالطَّلَاق وَالْعِتْق وَلَو لغير مستولدته كَمَا قيل: لَا يلْزم السَّكْرَان إِقْرَار عُقُود بل مَا جنى عتق طَلَاق وحدود وَقَوْلِي لغير غَرَض شَرْعِي احْتِرَازًا مِمَّا إِذا قَالَ: لَا أجاوب حَتَّى يجمع دعاويه فَإِنَّهُ لَا يجْبر حَتَّى يجمعها، وَمِمَّا إِذا قَالَ: لَا أجاوب حَتَّى أوكل من يُجيب أَو قَالَ الْوَكِيل: حَتَّى أشاور موكلي على أحد قَوْلَيْنِ كَمَا يَأْتِي، وَمِمَّا إِذا قَالَ: لَا أجاوب لِأَنِّي لست على يَقِين من الْأَمر الَّذِي يَدعِيهِ وَحلف على ذَلِك فَإِن الطَّالِب يُكَلف بالإثبات من غير إِجْبَار للمطلوب كَذَا فِي التَّبْصِرَة وَنَحْوه لِابْنِ سَلمُون ولامية الزقاق وَعَلِيهِ فَمَا مرّ من أَنه لَا يَكْفِيهِ فِي قَوْله: مَا أَظن لَهُ عِنْدِي شَيْئا إِنَّمَا هُوَ إِذا لم يحلف، وَقَول (ز) وَمثل عدم جَوَابه فِي الحكم عَلَيْهِ بِلَا يَمِين شكه فِي أَن لَهُ عِنْده مَا يَدعِيهِ الخ، يَعْنِي إِذا لم يحلف وإلاَّ فالذمم لَا تعمر إِلَّا بِيَقِين. فإنْ تمادَى فَلِطَالِبٍ قُضِي دُون يَمِينٍ أَوْ بِهَا وَذَا ارْتُضِي (فَإِن) نكل عَن الْيَمين فِي هَذِه سجن وَضرب أَيْضا فَإِن (تَمَادى) على الِامْتِنَاع فِيهَا وَفِي الأولى (فلطالب قضى) بِالْحَقِّ (دون يَمِين) تلْزمهُ بِنَاء على أَنه إِقْرَار وَهِي رِوَايَة أَشهب وصوبها ابْن الْمَوَّاز (أَو) لتنويع الْخلاف أَي وَقيل (بهَا) أَي قضى لَهُ بِالْحَقِّ مَعهَا أَي بِالْيَمِينِ ابْتِدَاء لَا بعد الضَّرْب والسجن كَمَا هُوَ ظَاهره فالباء بِمَعْنى مَعَ بِنَاء على أَن امْتِنَاعه نُكُول لِأَن الِامْتِنَاع من الْجَواب امْتنَاع من الْيَمين فِي الْمَعْنى، وَهُوَ قَول أصبغ، وَاخْتَارَهُ النَّاظِم. وَلذَا قَالَ: (وَذَا ارتضي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وَالْمُعْتَمد الأول (خَ) وَإِن لم يجب حبس وأدب ثمَّ حكم عَلَيْهِ بِلَا يَمِين وَظَاهره كالناظم أَنه لَا تسمع لَهُ حجَّة لِأَنَّهُ إِقْرَار بِالْحَقِّ كَمَا مرّ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيده بِمَا إِذا أعلمهُ بِأَنَّهُ إِذا تَمَادى على الِامْتِنَاع حكم عَلَيْهِ كَمَا أَنه فِي القَوْل الثَّانِي لَا يحكم عَلَيْهِ حَتَّى يُعلمهُ بذلك، فَإِن كَانَت الدَّعْوَى لَا تثبت إِلَّا بِشَاهِدين قضى على الْمُمْتَنع فِيمَا يلْزمه الْإِقْرَار بِهِ كإنكاح مجبرته وَعتق عَبده وَطَلَاق زَوجته وَلَا يقْضى عَلَيْهِ على القَوْل الثَّانِي لِأَن امْتِنَاعه نُكُول. تَنْبِيهَات. الأول: تقدم أَن الْمَطْلُوب لَا يُؤمر بِالْجَوَابِ حَتَّى يثبت الْمُدَّعِي موت من يقوم عَنهُ ورثته وتناسخ الوراثات حَيْثُمَا بلغت، فَإِن لم يثبت ذَلِك فَلَا يَمِين لَهُ على الْمَطْلُوب، وَإِن قَالَ لَهُ: أَنْت عَالم بِمَوْتِهِ وعدة ورثته لِأَن من حجَّته أَن يَقُول: إِن أَبَاك أَو من تَدعِي عَنهُ حَيّ وسيقدم ويقر أَنه لَا حق لَهُ عِنْدِي قَالَه ابْن الفخار. قَالَ: فَإِن أقرّ بذلك لم يقبل لما فِيهِ من إِلْزَام الْحُقُوق وتوريث زَوجته وتزويجها وإنفاذ وَصَايَاهُ وَغير ذَلِك وَلَا يَمِين عَلَيْهِ فِي شَيْء من ذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ شَاهد بذلك لَا مقرّ وَقد قَالَ أَحْمد بن ميسرَة: من أقرّ بقتل رجل لم يُؤْخَذ بِهِ لما فِي ذَلِك من التوريث وَالتَّزْوِيج اه. وَعَلِيهِ عول فِي اللامية حَيْثُ قَالَ: وَمن يَدعِي حَقًا لمَيت ليثبتن لَهُ الْمَوْت والوراث بعد لتفصلا إِلَى أَن قَالَ: وَإِن يكن أهمل ثُبُوت فَعَن مَطْلُوب أسقط يَمِينه. الخ. قَالَ: مُقَيّد هَذَا الشَّرْح على ابْن عبد السَّلَام أمديدش التسولي سامحه الله، وَمَا قَالَه ابْن الفخار وَتَبعهُ صَاحب اللامية مَبْنِيّ على أَن الدَّعْوَى لَا تتبعض وَأَن الشَّهَادَة إِذا رد بَعْضهَا للسّنة ردَّتْ كلهَا، وَالْإِقْرَار تَابع لَهَا إِذْ هُوَ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَنَحْوهَا شَهَادَة على النَّفس والغير، وَهُوَ وَإِن كَانَ مُوَافقا لقولها فِي الْوَصَايَا إِذا مَاتَ رجل فَشهد على مَوته امْرَأَتَانِ وَرجل فَإِن لم تكن لَهُ زَوْجَة وَلَا أوصى بِعِتْق عبد وَلَا لَهُ مُدبر وَلَيْسَ إِلَّا قسْمَة التَّرِكَة فشهادتهن جَائِزَة اه. فمفهومها لَو كَانَ هُنَاكَ زَوْجَة أَو أم ولد أَو أوصى بِعِتْق وَنَحْوه لم تجز لَا فِي المَال وَلَا فِي غَيره أَي وَالْإِقْرَار كَذَلِك إِذْ مَا لَا يثبت بِالشَّاهِدِ والمرأتين أَو أَحدهمَا مَعَ الْيَمين لَا يَمِين فِيهِ لَكِن يبعد كل الْبعد أَن يَنْفِي الْمقر الشَّيْء عَن ملكه وَنحن نثبت ملكيته لَهُ وَمَا فِي وصاياها معَارض لقولها فِي الشَّهَادَات إِن شهد شَاهد بِوَصِيَّة فِيهَا عتق ووصايا لقوم ردَّتْ فِي الْعتْق وَجَازَت فِي الْوَصَايَا، ولقولها من شهد عَلَيْهِ رجل وَاحِد بِالسَّرقَةِ لم يقطع وَلَكِن يحلف الْمَسْرُوق مِنْهُ مَعَ شَاهده وَيسْتَحق مَتَاعه اه. الوانوغي: يُؤْخَذ من هَذِه الْمَسْأَلَة لَو شهد رجل وَامْرَأَتَانِ بِطَلَاق زَوجته، وَقد كَانَ عَلَيْهِ صَدَاقهَا مُؤَجّلا بِمَوْت أَو فِرَاق، وَقُلْنَا: لَا يحكم عَلَيْهِ إِلَّا بِالْمَوْتِ أَو الْفِرَاق أَن الشَّهَادَة تبطل فِي الطَّلَاق وَتَصِح فِي حُلُول الصَدَاق، وَكَذَا لَو شهد رجل وَامْرَأَتَانِ على رجل بِطَلْقَة وتصييره دَاره فِي صَدَاقهَا أَنَّهَا تصح فِي التصيير لَا فِي الطَّلَاق اه. ابْن رشد: الْمَشْهُور أَن الشَّهَادَة إِذْ رد بَعْضهَا للسّنة كَشَهَادَة رجل وَاحِد أَو امْرَأتَيْنِ بِوَصِيَّة فِيهَا عتق وَمَال أَن يجوز مِنْهَا مَا أجازته السنّة وَهُوَ الشَّهَادَة بِالْمَالِ فَيثبت بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين أَو الْمَرْأَتَيْنِ مَعَ الْيَمين، وَقيل يبطل الْجَمِيع لِأَنَّهُ لما رد بَعْضهَا وَجب رد كلهَا وَهُوَ قَائِم من الْمُدَوَّنَة اه. وَإِذا علمت أَن شَهَادَة الْوَاحِد والمرأتين أَو أَحدهمَا مَعَ الْيَمين عاملة فِي مثل هَذِه بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ على الْمَشْهُور، فأحرى فِي الْإِقْرَار لِأَنَّهُ شَهَادَة على النَّفس وَلَا تشْتَرط فِيهِ الْعَدَالَة. وَلذَا قَالَ ابْن عَرَفَة وَغَيره: الْإِقْرَار بالشَّيْء أقوى من قيام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ اه. وَالْقَاعِدَة أَن من أقرّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 على نَفسه وَغَيره لزمَه الْإِقْرَار على نَفسه، وَلم يلْزم على غَيره وَلَكِن يكون فِيهِ شَاهدا وَإِن كل مَا يثبت بِالشَّاهِدِ والمرأتين أَو أَحدهمَا مَعَ الْيَمين يلْزم فِيهِ الْإِقْرَار وتتوجه فِيهِ الْيَمين كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: فِي عجز مُدع عَن التَّبْيِين. أَلا ترى أَنه لَو ادّعى عَلَيْهِ شخص أَن أَبَاهُ أوصى لَهُ بِمَال وَعتق عَبده فلَان للزمته الْيَمين بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ دون الْعتْق، وَكَذَا لَو ادّعى عَلَيْهِ بِالسَّرقَةِ فنكل للزمه الْغرم دون الْقطع، وَهَكَذَا فالموت وَإِن كَانَ لَيْسَ بِمَال لكنه يؤول لِلْمَالِ بِالنِّسْبَةِ للإرث فَيثبت بِالشَّاهِدِ الْوَاحِد على الْمَذْهَب، وَمن عده مِمَّا لَا يثبت إِلَّا بعدلين كَابْن نَاجِي فمراده بِالنِّسْبَةِ لغير الْإِرْث، وَحِينَئِذٍ فَإِذا قَالَ لَهُ: قد انْتقل هَذَا المَال الَّذِي بِيَدِك كُله أَو بعضه الَّذِي هُوَ الرّبع مِنْهُ مثلا إليَّ بِسَبَب موت مَالِكه وَأَنت عَالم بذلك فَلَا إِشْكَال فِي توجه الْيَمين عَلَيْهِ وَلُزُوم إِقْرَاره بِالنِّسْبَةِ لنصيب الْمُدَّعِي وَيبقى نصيب الزَّوْجَة وَنَحْوهَا بيد الْمَطْلُوب حَتَّى يطلباه، وغايته أَن الْمَطْلُوب لما أقرّ أَو نكل سرى إِقْرَاره عَلَيْهِ فِيمَا لَهُ فِيهِ حق وَبَقِي مَا عداهُ على أَصله فَلَا تتَزَوَّج زَوجته وَلَا يعْتق مدبره وَنَحْوه حَتَّى يثبت مَوته كَمَا يُؤَاخذ بِإِقْرَارِهِ بِالْقَتْلِ أَيْضا وَلَا تتَزَوَّج زَوجته وَلَا يُورث حَتَّى يثبت مَوته فَالْمَسْأَلَة فِي الْحَقِيقَة من الدَّعْوَى بِغَيْر المَال لَكِنَّهَا تؤول لِلْمَالِ وَقد حرر غير وَاحِد أَن الْمَوْت يثبت بِالشَّاهِدِ الْوَاحِد مَعَ الْيَمين بِالنِّسْبَةِ للإرث فَهُوَ يَدعِي بأمرين الْمَوْت وَالْإِرْث كَمَا أَنه فِي الْوَصِيَّة وَالسَّرِقَة المذكورتين يَدعِي بأمرين أَحدهمَا مَال وَالْآخر غَيره، وَالْعجب من ابْن فَرِحُونَ والبرزلي وَابْن سَلمُون وَصَاحب اللامية وشروحها كَيفَ سلمُوا كَلَام ابْن الفخار مَعَ أَن كثيرا من مشاهير المؤلفين أعرض عَنهُ فِيمَا علمت بل ذكر فِي اخْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة أَن ابْن كنَانَة سَأَلَ مَالِكًا عَمَّن بِيَدِهِ دَار فَقَامَ عَلَيْهِ فِيهَا رجل وَزعم أَنَّهَا لجده وَسَأَلَهُ عَن ذَلِك فَقَالَ الْحَائِز: لَا أقرّ وَلَا أنكر وَلَكِن ليقيم الْبَيِّنَة على مَا يَدعِي فَقَالَ مَالك: يجْبر على الْإِقْرَار أَو الْإِنْكَار وَلَا يتْرك. قَالَ بعض الشُّيُوخ: معنى الْمَسْأَلَة أَن الْقَائِم على أَنه وَارِث جده بِبَيِّنَة أَو بِإِقْرَار الْحَائِز وَلَو لم يعلم ذَلِك حلف الْحَائِز أَنَّهَا ملكه وَلَا حق للقائم مَعَه فِيهَا اه. وَلَئِن سلمناه لِابْنِ الفخار لم يثبت مَا ذكر بِالشَّاهِدِ والمرأتين أَو أَحدهمَا مَعَ الْيَمين إِذْ الْإِقْرَار بالشَّيْء أقوى من الْبَيِّنَة التَّامَّة كَمَا مرّ فَمَا لَا يلْزم بِالْإِقْرَارِ أَو النّكُول الَّذِي هُوَ كَالْإِقْرَارِ لَا يلْزم بِمَا ذكر بالأحرى، وَيحْتَاج على تَسْلِيمه إِلَى استثنائه من قَوْلهم: الْمقر مؤاخذ بِإِقْرَارِهِ على نَفسه، وَمن قَوْلهم: مَا لَيْسَ بِمَال ويؤول لِلْمَالِ يثبت بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين وَلَا يلْزم فِيهِ الْإِقْرَار وَالله أعلم. هَذَا وَقد ذكر ابْن رحال فِي أَنْوَاع الشَّهَادَات الْآتِي أَن الْمَذْهَب هُوَ ثُبُوت الْمَوْت بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين بِالنِّسْبَةِ للإرث. الثَّانِي: تقدم أَيْضا أَنه لَا بُد أَن يثبت تناسخ الوراثات حَيْثُمَا بلغت وَيبقى النّظر إِذا أثبت موت من يقوم بِسَبَبِهِ وعدة ورثته وَأثبت موت بعض وَرَثَة الْمَوْرُوث الأول وجر الْقَائِم ذَلِك إِلَى نَفسه، وَلَكِن لم يجد من يشْهد لَهُ بعدة سَائِر وَرَثَة الْوَارِثين غير من يُدْلِي بِهِ هَل هُوَ يقْضِي لَهُ بِخَطِّهِ لِأَنَّهُ لَا جهل فِيهِ لِأَنَّهُ استبان أَنه يَرث من الأول الرّبع مثلا وَلَا عَلَيْهِ فِيمَن يَرث الثَّلَاثَة الأرباع أَو لَا يسْتَحق شَيْئا حَتَّى يثبت تناسخ الوراثات حَيْثُمَا بلغت كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة: أفتى شيخ شُيُوخنَا سَيِّدي عمر الفاسي بِأَنَّهُ يحكم للقائم بِقدر مِيرَاثه لعلم نصِيبه وتحققه، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يثبت تناسخ الوراثات الَّذين لَا يُدْلِي بهم، وَانْظُر أقضية المعيار وَمَا يَأْتِي فِي الِاسْتِحْقَاق. وَقَوْلنَا: الرَّابِع مثلا احْتِرَازًا مِمَّا إِذا قَالَت: لَا نعلم كم الْوَرَثَة فَإِنَّهُ لَا يقْضى للقائم بِشَيْء وَلَا ينظر إِلَى تَسْمِيَته للْوَرَثَة كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 الثَّالِث: كَمَا أَن الْمَطْلُوب لَا يُكَلف بِالْجَوَابِ إِذا مَاتَ رب الْحق حَتَّى يثبت الطَّالِب مَوته ووراثته، كَذَلِك إِذا مَاتَ الْمَطْلُوب وَقَامَ رب الْحق أَو ورثته على وَرَثَة الْمَطْلُوب فَلَا تكلّف ورثته بِالْجَوَابِ حَتَّى يثبت الْقَائِم مَوته وعدة ورثته من أجل مَا يحْتَاج من الْإِعْذَار إِلَيْهِم كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَهَذَا إِن كَانُوا كبارًا مالكين أَمرهم فَإِن كَانُوا صغَارًا تَحت إيصاء أثبت الْقَائِم الْإِيصَاء وَقبُول الْوَصِيّ لَهُ بِالشَّهَادَةِ على عينه ليتَمَكَّن من الْإِعْذَار إِلَيْهِ فَإِن عجز عَن الْإِثْبَات وَقَالَ: للمالكين أَمرهم أَنْتُم عالمون بِالْمَوْتِ وعدة الْوَرَثَة، وَقد اسْتَقر مَال الْهَالِك بيدكم فَلَا إِشْكَال فِي لُزُوم الْيَمين لَهُم كَمَا مر فِي التَّنْبِيه الأول، فَإِن أقرُّوا أَو نكلوا استوفى الْقَائِم دينه مِمَّا بِأَيْدِيهِم فَقَط، وَإِن بَقِي لَهُ شَيْء تبع بِهِ الصغار فَإِذا بلغُوا حلفوا أَو أَدّوا هَذَا هُوَ التَّحْرِير، وَمَا فِي اللامية من إِسْقَاط الْيَمين فِي هَذِه أَيْضا لَا يلْتَفت إِلَيْهِ، بل قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَلَا تسمع الدَّعْوَى على الْمَيِّت إِلَّا بعد ثُبُوت وَفَاته وعدة ورثته، فَإِن أقرّ الْوَارِث الرشيد بهَا وَلم يكن ثمَّ غَيره لم يفْتَقر إِلَى ثُبُوتهَا اه. فقولها فَإِن أقرّ الْوَارِث بهَا الخ. صَرِيح فِي لُزُوم الْيَمين لِأَنَّهَا دَعْوَى فِي المَال وكل مَا يَصح فِيهِ الْإِقْرَار تتَوَجَّه فِيهِ الْيَمين. وَلَا مَفْهُوم لقَوْله: وَلم يكن ثمَّ غَيره إِذْ إِقْرَاره يسري عَلَيْهِ فِي نصِيبه الَّذِي بِيَدِهِ كَانَ هُنَاكَ غَيره أم لَا. بل إِن أَدَّاهُ على وَجه الشَّهَادَة وَكَانَ عدلا حلف رب الدّين مَعَه، وَأخذ جَمِيع الدّين وَلَو كَانَ بَاقِي الْوَرَثَة صغَارًا لِأَن الْمَوْت بِاعْتِبَار المَال يَكْفِي فِيهِ الْعدْل والمرأتان أَو أَحدهمَا مَعَ الْيَمين على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم خلافًا لأَشْهَب. قَالَ اللَّخْمِيّ: وَإِن شهد رجل وَامْرَأَتَانِ على نِكَاح بعد موت الزَّوْج أَو الزَّوْجَة أَو على ميت أَن فلَانا أعْتقهُ أَو على نسب أَن هَذَا ابْنه أَو أَخُوهُ وَلم يكن لَهُ وَارِث ثَابت النّسَب صحت هَذِه الشَّهَادَة على قَول ابْن الْقَاسِم، وَكَانَ لَهُ الْمِيرَاث وَلم تجز على قَول أَشهب لِأَنَّهُ قَالَ: لَا يسْتَحق الْمِيرَاث إِلَّا بعد إِثْبَات الأَصْل بِشَهَادَة رجلَيْنِ فَإِن ثَبت ذَلِك ثمَّ شهد وَاحِد أَنه لَا يعلم لَهُ وَارِثا سوى هَذَا جَازَت وَاسْتحق المَال اه. وَبِه تعلم مَا فِي كَلَام ابْن فَرِحُونَ فِي الْبَاب الثَّالِث من الْقسم الثَّانِي فَإِن كَلَامه يُوهم أَنه لَا بُد من عَدْلَيْنِ فِي الْمَوْت وَالْمِيرَاث مَعًا وَقد علمت أَنه لَا يجْرِي إِلَّا على قَول أَشهب. نعم صرح هُوَ فِي الْمحل الْمَذْكُور أَن حصر الْوَرَثَة يَكْفِي فِيهِ الشَّاهِد وَالْيَمِين اتِّفَاقًا وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ اللَّخْمِيّ بقوله: فَإِن ثَبت ذَلِك ثمَّ شهد وَاحِد الخ. وَمثله لَهُ فِيمَا إِذا شكّ فِي تقدم موت الْأُم أَو ابْنهَا مثلا. قَالَ: إِن مِيرَاث الابْن لِأَبِيهِ وميراث الْأُم لزَوجهَا وأخيها بعد أيمانهما مَعَ أَن تَارِيخ تقدم الْمَوْت لَيْسَ بِمَال كَمَا صرح بِهِ هُوَ وَغَيره، وَلكنه آيل لِلْمَالِ وَنَحْوه لأبي الْعَبَّاس الْمقري فِي رجلَيْنِ وَأُخْت شقائق توفّي الْأَخ وَالْأُخْت فَادّعى الْأَخ الثَّانِي أَن الْأُخْت توفيت بعد الْأَخ وَادّعى ابْن الْأَخ أَن أَبَاهُ توفّي بعد موت الْأُخْت بعد إقرارهما بموتهما ودفنهما بمحضرهما قَالَ: تتَوَجَّه الْيَمين على كل مِنْهُمَا فَإِن حلف الْكل أَو نكل فَكل يَرِثهُ ورثته وَإِن نكل الْبَعْض قضى للْآخر قَالَ: وَالْمَسْأَلَة من بَاب الدَّعَاوَى فَكل مِنْهُمَا مُدع ومدعى عَلَيْهِ وَقَول: من قَالَ كل دَعْوَى لَا تثبت إِلَّا بعدلين فَلَا يَمِين بمجردها غلط اه. فَتبين أَن الْمَوْت وَحصر الْوَرَثَة كِلَاهُمَا يثبت بِالشَّاهِدِ الْوَاحِد اتِّفَاقًا فِي الثَّانِي، وعَلى الْمَشْهُور فِي الأول وَعَلِيهِ اقْتصر (خَ) فِي مَوَاضِع فَقَالَ فِي التَّنَازُع: حَلَفت مَعَه وورثت، وَقَالَ فِي آخر: الْعتْق وَحلف واستؤني بِالْمَالِ إِن شهد بالبت شَاهد أَو اثْنَان أَنَّهُمَا لم يَزَالَا يسمعان أَنه مَوْلَاهُ الخ. وَمحل ذَلِك إِن لم يكن للْمَيت وَارِث ثَابت النّسَب كَمَا رَأَيْته وإلاَّ فَلَا بُد من عَدْلَيْنِ على الْمَذْهَب كَمَا فِي ضيح و (ح) وَلَا يرد هَذَا علينا لِأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 الْمَوْضُوع أَن الْمقر شَاهد أَن مُوَرِثه مَاتَ وَأَنه لَا يعلم لَهُ وَارِثا سوى هَؤُلَاءِ الْوَرَثَة المعروفين فلَان وَفُلَان مثلا فالمستفاد من شَهَادَته الْمَوْت وَحصر الْوَرَثَة فَقَط لَا نسبهم من الْهَالِك بل هُوَ مَعْرُوف مِنْهُ وَمن غَيره، وَأَحْرَى إِن كَانَ مصب شَهَادَته حصرهم فَقَط ولكونه لَا بُد من عَدْلَيْنِ إِذا كَانَ لَهُ وَارِث ثَابت النّسَب تواطأ شرَّاح (خَ) على اعْتِرَاض قَوْله فِي الِاسْتِحْقَاق وَعدل يحلف مَعَه وَيَرِث وَلَا نسب تبعا لاعتراض ابْن عَرَفَة وضيح قَول ابْن الْحَاجِب وَعدل يحلف مَعَه ويشاركهما فِي الْإِرْث وَلَا نسب بِأَنَّهُ خلاف الْمَذْهَب من أَنه لَا يَرث إِلَّا بعدلين. فَإِن قلت: هلا حملُوا كَلَامهمَا على مَا إِذا لم يكن للْمَيت وَارِث ثَابت النّسَب؟ فَالْجَوَاب: أَن ابْن الْحَاجِب لما فرض الْمَسْأَلَة فِي الْوَلَدَيْنِ وَقَرِيب مِنْهُ كَلَام (خَ) لزم قطعا حُصُول الْوَارِث الْمَعْرُوف، وَبِهَذَا يَزُول مَا يختلج فِي الصَّدْر من مُعَارضَة مَا اعْترض بِهِ الشُّرَّاح كَلَامه فِي الِاسْتِلْحَاق لما صَرَّحُوا بِهِ فِي الشَّهَادَات أَن مَا لَيْسَ بِمَال وَهُوَ آيل إِلَى المَال يَكْفِي فِيهِ الشَّاهِد وَالْيَمِين ومثلوه بِالْمَوْتِ أَو سبقيته وَالنِّكَاح بعد الْمَوْت. كَذَا قيل: وَالظَّاهِر أَنه معَارض وَإِن كَانَ هُنَاكَ وَارِث معِين لِأَن قَاعِدَة مَا لَيْسَ بِمَال، وَلَكِن يؤول إِلَى المَال فِيهَا خلاف هَل يَكْفِي فِيهَا الشَّاهِد وَالْيَمِين بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ أم لَا؟ وَالْمذهب أَنه يَكْفِي فِيهَا ذَلِك وَمَا يَكْفِي الشَّاهِد فِيهِ مَعَ الْيَمين يلْزم فِيهِ الْإِقْرَار وتتوجه فِيهِ الْيَمين حَسْبَمَا عقدوه، وَلذَلِك اقْتصر (خَ) وَابْن الْحَاجِب وَابْن شَاس فِي الِاسْتِلْحَاق على أَنه يحلف مَعَ الْعدْل وَيَرِث ليُوَافق مَا فِي الشَّهَادَات، وَلَا سِيمَا أَن مَا اقتصروا عَلَيْهِ هُوَ قَول لِابْنِ الْقَاسِم كَمَا فِي ابْن عَرَفَة قَالَ وَنَحْوه قَوْلهَا فِي الْوَلَاء: إِن أقرَّت الْبَيِّنَتَانِ لرجل بِأَنَّهُ أعتق أباهما وهما عدلتان حلف مَعَهُمَا وَورث الثُّلُث الْبَاقِي اه فَمَا تبع (خَ) ابْن الْحَاجِب مَعَ اعتراضه عَلَيْهِ فِي ضيح إِلَّا لرجحان هَذَا القَوْل عِنْده لموافقته لما فِي الشَّهَادَات ولجري الْمسَائِل على وتيرة وَاحِدَة فَتَأَمّله وَالله أعلم. ثمَّ إِنَّمَا يُكَلف رب الدّين بِإِثْبَات موت الْمَدِين وَحصر ورثته فِيهَا يظْهر لَو كَانَ دينه حل بِالْمَوْتِ وإلاَّ فيكفيه أَن يثبت فَقده أَو غيبته وملكيته لِلْمَالِ الَّذِي يُرِيد أعداءه فِيهِ على مَا هُوَ مُبين فِي مَحَله وَالله أعلم. الرَّابِع: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة وَإِن شهد لصَاحب الدّين وَاحِد من الْوَرَثَة بِدِينِهِ حلف مَعَه إِن كَانَ عدلا وَاسْتحق حَقه فَإِن نكل أَخذ من شَاهده قدر مَا ينوبه من الدّين وَإِن كَانَ سَفِيها لم تجز شَهَادَته وَلم يرجع عَلَيْهِ فِي حِصَّته بِشَيْء اه وَنَقله (ح) فِي الِاسْتِلْحَاق وأطلنا فِي الْمَسْأَلَة لاغترار النَّاس بِكَلَام ابْن الفخار فَضَاعَت بذلك أَمْوَال يعلمهَا الْكَبِير المتعال إِذْ كثير من النَّاس لَا يقوم إِلَّا بعد طول الزَّمَان أَو يَمُوت موروثه فِي بلد بعيد لَا يعْرفُونَ أَهله وَلَا ورثته اه. الْخَامِس: قَالَ الْبُرْزُليّ: أَوَائِل النِّكَاح أُجْرَة الْمَوْت وعدة الْوَرَثَة على جَمِيع الْوَرَثَة على عدد رؤوسهم إِن أقاموها كلهم وَمن طلب نُسْخَة مِنْهَا فَلهُ ذَلِك بِالْقضَاءِ بِخِلَاف مَا لَو أَقَامَهَا أحدهم، حَتَّى تمّ حَقه فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يعطيهم نُسْخَة مِنْهَا إِلَّا بِرِضَاهُ وَنزلت بتونس وَحكم بذلك وَوَقعت الْفتيا بِهِ اه. السَّادِس: إِن ادّعى على عبد بِمَا يُوجب قصاصا فَيلْزمهُ الْجَواب وَإِن ادّعى عَلَيْهِ بِمَا يُوجب الْأَرْش فيجيب السَّيِّد: وَإِن ادّعى عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَهُوَ مَأْذُون فَهُوَ كَالْحرِّ وَإِن كَانَ غير مَأْذُون وقف إِقْرَاره على سَيّده (خَ) :. ويجيب عَن الْقصاص العَبْد، وَعَن الْأَرْش السَّيِّد، وَانْظُر إِذا امْتنع العَبْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 من الْجَواب فِيمَا فِيهِ قصاص هَل يعد كإقراره فيقتص مِنْهُ أم لَا؟ وَهُوَ الظَّاهِر لخطر الدِّمَاء فَلَا تستباح بِالشَّكِّ. وَالْكَتْبُ يَقْتَضِي علَيهِ المُدَّعِي منْ خَصْمِهِ الجَوَابَ تَوْقِيفاً دُعِي (والكتب) بِفَتْح الْكَاف أَي الْمَكْتُوب من إِطْلَاق الْمصدر وَإِرَادَة الْمَفْعُول كالنسج بِمَعْنى المنسوج مُبْتَدأ (يَقْتَضِي) يطْلب (عَلَيْهِ الْمُدَّعِي) فَاعل (من خَصمه) يتَعَلَّق بقوله يَقْتَضِي (الْجَواب) مَفْعُوله وَالْجُمْلَة حَال من الْمُبْتَدَأ على قلَّة لَا صفة (توقيفاً) مفعول ثَان بقوله: (دعِي) أَي سمي ومفعوله الأول هُوَ النَّائِب الْعَائِد على الْمُبْتَدَأ وَالْجُمْلَة خبر، وَالْمعْنَى أَن الْمَكْتُوب يطْلب الْمُدَّعِي من خَصمه الْجَواب عَلَيْهِ يُسمى فِي اصْطِلَاح الموثقين توقيفاً لكَون الطَّالِب يُوقف الْمَطْلُوب على الْجَواب عَنهُ كَمَا يُسمى أَيْضا مقَالا وَصفته قَالَ فلَان أَو ادّعى أَن لَهُ قبل فلَان كَذَا من سكَّة كَذَا إِن اخْتلفت السكَك من ثمن كَذَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَقَبضه وَبَقِي الثّمن فِي ذمَّته حَتَّى الْآن، وَإِن كَانَ من سلف قلت قَبضه مِنْهُ مُنْذُ كَذَا وَإِن كَانَت الدَّعْوَى فِي دَار أَو أَرض قلت: إِن على ملكه دَارا بِمَدِينَة كَذَا حُدُودهَا كَذَا وَإِن فلَانا يتَعَدَّى عَلَيْهِ فِيهَا أَو وضع يَده عَلَيْهَا وَيُرِيد مِنْهُ أَن يُمكنهُ من جَمِيع ذَلِك ثمَّ تَقول: حضر فلَان الْمُدعى عَلَيْهِ وقرىء عَلَيْهِ الْمقَال وَبعد فهمه أجَاب بِالْإِقْرَارِ فِي جَمِيع الْمَذْكُور أَو بِبَعْضِه وَهُوَ كَذَا أَو بالإنكار للْجَمِيع أَو للْبَعْض وَهُوَ كَذَا، ثمَّ تقيد الْإِشْهَاد وتؤرخ وَإِن كَانَ الْإِقْرَار بِمَجْلِس الحكم قلت أقرّ فلَان لمنازعه فلَان بِمَجْلِس الحكم الشَّرْعِيّ بِأَن لَهُ قبله كَذَا من وَجه كَذَا حَالَة أَو مُؤَجّلَة ليسقط الْإِعْذَار بشاهدي الْمجْلس إِن أدياها فِيهِ كَمَا يَأْتِي. وَقَوْلنَا: إِن اخْتلفت احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم تخْتَلف فَإِنَّهُ يَقْضِيه من أَي السكَك شَاءَ لِأَن من بَاعَ سلْعَة وسكك الْبَلَد مُتعَدِّدَة متحدة الرواج وَلم يبين فَإِن البيع صَحِيح ويقضيه من أَيهَا شَاءَ، وَإِن اخْتلفت رواجاً فسد وَيرد مَعَ الْقيام وَيقْضى فِيهِ بِالْقيمَةِ من غَالب السكَك مَعَ الْفَوات كَمَا يَأْتِي. وَقَوْلنَا: قَبضه احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يقل ذَلِك فَإِن الْمَطْلُوب لَا يجْبر على الْجَواب لِأَن الْجَبْر لَا يجب إِلَّا بِحَيْثُ لَو امْتنع من الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار قضى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ كَمَا مرّ وَهُوَ لَا يقْضى عَلَيْهِ فِي هَذِه الْحَالة إِذا امْتنع مِنْهُمَا لِإِمْكَان عدم الْقَبْض فَلَا يلْزمه الثّمن (خَ) : وَفِي قبض الثّمن أَو السّلْعَة فَالْأَصْل بقاؤهما إِلَّا لعرف الخ بل لَو أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَة تشهد أَن لَهُ بِذِمَّة الْمَطْلُوب مائَة من ثمن سلْعَة اشْتَرَاهَا مِنْهُ فَإِن شَهَادَتهمَا سَاقِطَة حَتَّى يَقُولَا وَقبض السّلْعَة قَالَه ابْن عبد الْملك وَنَقله فِي التَّبْصِرَة وَغَيرهَا مُسلما قَالَ: وَكَذَا إِن شهد أَنه خاط لفُلَان ثوبا لم تجز حَتَّى يَقُولَا ورد الثَّوْب مخيطاً وَكَذَا سَائِر الصناع اه. وَكَذَا أَيْضا يُقَال فِي السّلف لِأَنَّهُ يلْزم بالْقَوْل فَإِذا لم يقل وَقَبضه فَلَا تصح دَعْوَاهُ لِإِمْكَان أَن لَا يكون قَبضه فَلَا يلْزمه رده وَلَو شهِدت الْبَيِّنَة بذلك وَلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 تنص على الْقَبْض، فَإِن الْمَطْلُوب لَا يجْبر لِإِمْكَان أَن لَا يكون قد قَبضه فَلَا يلْزمه رده وَلَو شهِدت الْبَيِّنَة بذلك وَلم تنص على الْقَبْض لم تقبل أَيْضا (خَ) : وَملك أَي بالْقَوْل وَلم يلْزم رده إِلَّا بِشَرْط أَو عَادَة الخ. وَقَوْلنَا: وَبَقِي الثّمن فِي ذمَّته الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يقل ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يجْبر لِإِمْكَان أَن يكون قد قَضَاهُ، وَلَو أَقَامَ شَاهدا بذلك لم تتمّ شَهَادَته حَتَّى يَقُول: لَا يعلم بَرَاءَته من الثّمن الْمَذْكُور إِلَى الْآن قَالَ فِي شَهَادَات المعيار مَا نَصه: شَهَادَة الشَّاهِد بِحَق غير عاملة حَتَّى يذكر فِي شَهَادَته انْتِفَاء علمه بالمبطل لَهَا. وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي أول خطاب الْقُضَاة. وَقَوْلنَا فِي السّلف مُنْذُ كَذَا ليعلم هَل مضى من الْمدَّة مَا ينْتَفع مثله بالسلف فِيهَا عِنْد الشَّرْط فَيلْزمهُ الرَّد أم لَا كَمَا مر فِي قَول (خَ) : وَلم يلْزمه رده الخ وَقَوْلنَا: حُدُودهَا كَذَا الخ ليتعين الْمُدعى فِيهِ إِذْ الدَّعْوَى لَا بُد أَن تكون بِمعين أَو بِمَا فِي ذمَّة معِين كَمَا مرّ وَتَعْيِين الأَرْض وَنَحْوهَا بِذكر حُدُودهَا، وَلَو سقط ذَلِك من لَفظه لم يجْبر الْمَطْلُوب على جَوَابه وَلَو سقط ذَلِك من الشَّهَادَة لم يقْض بهَا إِلَّا إِن شهد بالحدود غَيرهم كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَجَاز أَن يثبت ملكا شَهدا. وبالحيازة سواهُم شَهدا الخ. ثمَّ الْمُدَّعِي تَارَة يستظهر بالرسم من أول الْأَمر لكَون مَا يَدعِيهِ ثَابتا عِنْده، وَتارَة لَا يكون ثَابتا عِنْده فِي الْحَال فيقيد حِينَئِذٍ الْمقَال لِأَن فَائِدَته كَمَا فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة أَن الْمُدعى عَلَيْهِ قد يقر فيستغني الْمُدَّعِي عَن إِثْبَات دَعْوَاهُ وكل من الرَّسْم والمقال إِمَّا أَن يكون بَينا فِي نَفسه فيكلف الْمَطْلُوب بِالْجَوَابِ عَلَيْهِ فِي الْحِين كَمَا قَالَ: وَمَا يَكونُ بَيِّناً إنْ لَمْ يُجِبْ علَيهِ فِي الحِينِ فالإجْبَارُ يَجِبْ (وَمَا) أَي الْمقَال أَو الرَّسْم الَّذِي (يكون بَينا) سهلاً لَا يحْتَاج إِلَى تَأمل وَسَوَاء كَانَ الرَّسْم استرعائياً وَهُوَ مَا يصدر بيشهد من يضع اسْمه الخ أم لَا (إِن لم يجب) الْمَطْلُوب بِضَم الْيَاء (عَلَيْهِ) أَي الرَّسْم أَو الْمقَال البينين (فِي الْحِين فالإجبار) بِنَقْل حَرَكَة الْهمزَة إِلَى اللَّام للوزن مُبْتَدأ وَقَوله: (يجب) خبر وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَالشّرط وَجَوَابه خبر الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ الْمَوْصُول والرابط بَين الْجُمْلَة الْكُبْرَى والموصول مَحْذُوف أَي فالإجبار على الْجَواب عَلَيْهِ وَاجِب وَمحله مَا لم يطْلب المهلة فِي الرَّسْم الاسترعائي وإلاَّ فَلَا يجْبر فِي الْحِين وَيُمكن دُخُوله فِي قَول النَّاظِم فِي الْفَصْل بعده وَالْمُدَّعِي النسْيَان إِن طَال الزَّمن قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَيجْبر الْخصم على الْجَواب فِيمَا وَقفه خَصمه عَلَيْهِ فِي جَمِيع الوثائق القليلة الْمعَانِي والفصول حاشا وثائق الاسترعاء فَإِنَّهُ لَا يجْبر على الْجَواب عَنْهَا فِي ذَلِك الْمجْلس اه. وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون عَن ابْن سهل. نعم ذكرُوا أَنه لَا يجْبر على الْجَواب عَنْهَا إِلَّا بعد ثُبُوتهَا أَي بِالْأَدَاءِ وَالْقَبُول كَمَا فِي أواسط الشَّهَادَات من المعيار فَقَوْل (ت) وَيكون فِي غير وثائق الاسترعاء غير ظَاهر، وَمحله أَيْضا مَا لم يطْلب التَّأْخِير لمقصد وإلاَّ فَفِي الْإِجْبَار قَولَانِ كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده، وَأما أَن يكون كل من الرَّسْم والمقال يحتوي على فُصُول يحْتَاج الْمُجيب عَنْهَا إِلَى تفكر وتدبر فَلَا يُكَلف الْمَطْلُوب بِالْجَوَابِ عَنْهَا فِي الْحِين، بل يُقيد الْمقَال على الْمُدَّعِي وَحده، وَيَأْخُذ الْمَطْلُوب نُسْخَة مِنْهُ أَو من الرَّسْم استرعائياً أم لَا ليتأمل ذَلِك فيجيب عَنهُ كَمَا قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وكلُّ مَا افْتَقَرَ لِلَّتأَمُّلِ فالْحُكْمُ نَسْخُهُ وَضَرْبُ الأجَلِ (وكل مَا افْتقر) من المقالات والرسوم (للتأمل) كحدود الْعقار وَنَحْو ذَلِك (فَالْحكم) مُبْتَدأ (نسخه) للمطلوب خَبره (وَضرب الْأَجَل) عَلَيْهِ وَالْجُمْلَة خبر كل وَمَا مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ وافتقر صلته وَالْأَجَل فِي مثل هَذَا بِالِاجْتِهَادِ. قَالَ ابْن الْهِنْدِيّ: إِن كَانَت الْوَثِيقَة مختصرة تفهم مَعَانِيهَا بِمُجَرَّد سماعهَا لم يُعْط الْمَطْلُوب نسختها، وَإِن كَانَت طَوِيلَة كَثِيرَة الْمعَانِي تحْتَاج إِلَى التثبت أعطي نسختها ابْن عَرَفَة، وَقيل: يعْطى نسختها مُطلقًا وعَلى الأول الْعَمَل ابْن رحال: الْعَمَل عندنَا على إعطائها مُطلقًا. وطَالِبُ التَّأْخِيرِ فِيما سَهُلاَ لِمَقْصِدِ يُمْنِعُهُ وَقِيلَ لاَ (وطالب التَّأْخِير) والمهلة فِي الْجَواب مُبْتَدأ (فِيمَا سهلا) فهمه من رسم أَو مقَال فَإِن كَانَ لغير غَرَض فَالْحكم أَنه يجْبر وَلَا يُؤَخر وَإِن كَانَ (لمقصد) وغرض كتوكيله من يُجيب عَنهُ فَقَوْلَانِ قيل: (يمنعهُ) بِضَم الْيَاء مَبْنِيا للْمَفْعُول وضميره الْمُسْتَتر النَّائِب يعود على الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ طَالب وَهُوَ الرابط بَين الْمُبْتَدَأ وَخَبره، وَالْجُمْلَة وَالضَّمِير البارز هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي يعود على التَّأْخِير ولمقصد يتَعَلَّق بطالب وَفِيمَا يتَعَلَّق بِالتَّأْخِيرِ وَجُمْلَة قَوْله (وَقيل لَا) يمنعهُ معطوفة على الْجُمْلَة قبلهَا والمنفي بِلَا مَحْذُوف كَمَا قَررنَا، وَصحح ابْن سهل وَابْن النَّاظِم الأول. ابْن سَلمُون والمتيطي: وَبِه الْعَمَل وَاقْتصر عَلَيْهِ صَاحب اللامية، وَصحح ابْن الْهِنْدِيّ الثَّانِي انْظُر (ح) . فرعان. الأول: فَإِن قَالَ الْوَكِيل: لَا أجاوب حَتَّى أشاور موكلي فَإِنَّهُ يجْبر وَلَا يُمْهل، وَمَا أقرّ بِهِ لَازم لمُوكلِه إِن كَانَ من معنى الْخُصُومَة الَّتِي وكل عَلَيْهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 الثَّانِي: من ادّعى على رجل أَن بِيَدِهِ رسماً لَهُ فِيهِ حق وطالبه بِإِخْرَاجِهِ لينْظر فِيهِ مَا يَنْفَعهُ فَإِنَّهُ يلْزمه إِخْرَاجه قَالَه فِي أقضية المعيار عَن الْمَازرِيّ، وكرره فِي نَوَازِل الدَّعَاوَى عَن ابْن أبي زيد، وَنَحْوه لِابْنِ فَرِحُونَ عَن ابْن سهل فِي الْفَصْل الثَّالِث فِي تَقْسِيم الْمُدعى عَلَيْهِم، وَبِه يبطل مَا أفتى بِهِ ابْن سَوْدَة وَأَبُو مُحَمَّد عبد الْقَادِر الفاسي من أَنه لَا يلْزمه ذَلِك محتجين بِأَنَّهُ لَو مكن النَّاس من هَذَا لفتح عَلَيْهِم بَاب يعسر سَده الخ. لِأَنَّهُ مصادم للمعقول وَالْمَنْقُول لِأَنَّهُمَا احتاطا للمطلوب وأخلاَّ بِحَق الطَّالِب من غير مُوجب وَلَا دَلِيل، وَقد تكون بَينهمَا مُعَاملَة أَو شركَة أَو وراثة وَنَحْو ذَلِك، وَلذَا ضعف ابْن رحال فتواهما. وَلما كَانَ تَقْيِيد الْمقَال موكولاً إِلَى اخْتِيَار الطَّالِب، لَكِن رُبمَا يجب فِي بعض الأحيان نبه على الْمحل الَّذِي يجب عَلَيْهِ التَّقْيِيد فِيهِ فَقَالَ: ويُوجِبُ التّقْيِيدَ لِلْمَقَالِ تَشَعُّبُ الدَّعْوى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; وعُظْمُ المالِ (وَيُوجب) مضارع أوجب مَبْنِيّ للْفَاعِل (التَّقْيِيد) مَفْعُوله (للمقال) يتَعَلَّق بِهِ (تشعب الدَّعْوَى) فَاعل يُوجب أَي تفرقها وَكَثْرَة فروعها (و) مَعَ (عظم المَال) بِضَم الْعين أَي كثرته فَهُوَ مِمَّا يُؤَكد الْوُجُوب الْمَذْكُور، فَالْكَلَام الأول من حَيْثُ الْإِجْبَار والنسخ مَعَ الْإِمْهَال وَالْكَلَام هُنَا من حَيْثُ وجوب التَّقْيِيد وَعَدَمه فَلَا تكْرَار ثمَّ علل الْوُجُوب بقوله: لأنَّهُ أضْبَطُ لِلأَحْكَامِ وَلانحِصارِ ناشِىءِ الخِصامِ (لِأَنَّهُ) أَي التَّقْيِيد (أضبط للْأَحْكَام) فينحصر ذهن القَاضِي وَالْمَطْلُوب للنَّظَر (ولانحصار) مَعْطُوف على الْمصدر المنسبك من أَن ومدخولها لَا على قَوْله للْأَحْكَام خلافًا لمن وهم أَي لضبطه للْأَحْكَام ولانحصار الدَّعْوَى (ناشىء الْخِصَام) وَهُوَ الْمُدَّعِي فَلَا يقدر على زِيَادَة شَيْء فِيهَا وَلَا على الِانْتِقَال عَنْهَا إِلَى غَيرهَا فيفهم مِنْهُ أَن فَائِدَته هُوَ انحصاره وَأَنه إِن زَاد أَو انْتقل بطلت دَعْوَاهُ وَهُوَ كَذَلِك وتدل لَهُ مسَائِل وَقعت فِي الْمَذْهَب مُتَفَرِّقَة مِنْهَا مَا هُوَ على الْعُمُوم وَمِنْهَا مَا هُوَ على الْخُصُوص فَمن الأول مَا يَأْتِي فِي الْفَصْل بعد هَذَا أَن من اخْتلف قَوْله واضطرب مقاله سَقَطت دَعْوَاهُ وبينته، وَمِنْهَا مَا فِي المعيار عَن العبدوسي من تنَاقض كَلَامه فَلَا حجَّة لَهُ، وَمِنْهَا مَا نَقله بَعضهم عَن ابْن يُونُس عَن أَشهب أَن من اخْتلفت دَعْوَاهُ بِأَمْر بَين فَلَا شَيْء لَهُ هَذَا قَول مَالك اه. وَمِنْهَا: مَا نقل الْمَازرِيّ عَن ضيح أَن الدَّعْوَى على شخص إِبْرَاء لغيره، وَمِنْهَا مَا نقل عَن ابْن عرضون أَن من أعْطى نُسْخَة من الرَّسْم فأبطلت فاستظهر بآخر أَن الرَّسْم الثَّانِي مستراب لِأَنَّهُ انْتِقَال من دَعْوَى لأخرى. قَالَ: وَلَو أُبِيح الِانْتِقَال مَا انْقَطَعت حجَّة الْمَدِين اه. وَمثله لسيدي أَحْمد البعل حَسْبَمَا فِي أَوَائِل نَوَازِل العلمي وأواسط الشَّهَادَات مِنْهُ. قلت: وَفِي عد مُجَرّد الِاسْتِظْهَار بالرسم الثَّانِي انتقالاً مَعَ عدم اشتماله على زِيَادَة على الأول نظر لَا يخفى إِذْ لَا يلْزمه أَن يقوم بِجَمِيعِ شُهُود الْحق، لَكِن إِذا قَامَ بعدلين مِنْهُم فبطلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 شَهَادَتهمَا لاختلال فصولهما أَو لتجريحهما كَانَ لَهُ الْقيام بِغَيْرِهِمَا وَأَحْرَى لَو كَانَ لم يعلم بِشَهَادَة من قَامَ بِهِ ثَانِيًا أَو نَسيَه (خَ) فَإِن نفاها واستحلفه فَلَا بَيِّنَة إِلَّا لعذر كنسيان لَكِن يُمكن الْجَواب عَنْهُمَا بِأَنَّهُ لَا يكون انتقالاً إِلَّا إِذا كَانَت الثَّانِيَة مُشْتَمِلَة على زِيَادَة أَو نُقْصَان، وإلاَّ فَلَيْسَ ذَلِك انتقالاً لأخرى. نعم ذكرُوا أَن من خَاصم فِي حق وَادّعى أَن بَينته بعيدَة الْغَيْبَة وَأَرَادَ تَحْلِيف الْمَطْلُوب مَعَ بَقَائِهِ على حجَّته لَا يُمكن من تَحْلِيفه إِلَّا إِذا سمى بَينته الغائبة وَحلف على صِحَة مَا يَدعِيهِ من غيبتها، فَهَذَا إِذا حلف الْمَطْلُوب بعد حلفه هُوَ على مَا ذكر لَا قيام لَهُ بِغَيْر الَّذِي سمى وَإِن لم يعلم بِهِ، وَمن الثَّانِي مَا فِي المعيار عَن عِيَاض أَن من ادّعى الْإِرْث ثمَّ الشِّرَاء سَقَطت دَعْوَاهُ. وَمِنْهَا مَا فِي بَاب الْقَضَاء من الْمعِين فِيمَن ادّعى فِي دَار أَنَّهَا وراثة من آبَائِهِ، فَلَمَّا أثبت غَيره الملكية أَقَامَ هُوَ بَيِّنَة بِالشِّرَاءِ مِنْهُ. وَمِنْهَا مسَائِل مضمن الْإِقْرَار الْمَذْكُورَة فِي الْقَضَاء والوكالات والوديعة وَسَتَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم: ومنكر للخصم مَا ادَّعَاهُ. وَمِنْهَا: مَا نَقله القلشاني وَغَيره فِيمَا إِذا أقسم الْأَوْلِيَاء على وَاحِد من جمَاعَة، ثمَّ بدا لَهُم وَأَرَادُوا أَن يقسموا على غَيره من تِلْكَ الْجَمَاعَة فَلَا يمكنون كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَغير وَاحِد بهَا لن يقبلا. وَمِنْهَا: إِن قَالَ: قتلني فلَان بل فلَان، وَمِنْهَا: إِذا سُئِلَ عَن قَاتله، فَقَالَ: لَا أعرفهُ، ثمَّ قَالَ: فلَان. وَمِنْهَا: مَا فِي نَوَازِل الدَّعَاوَى من المعيار فِي مَرِيض تصدق على أَخِيه فَقبض الْأَخ الصَّدَقَة وحازها ثمَّ مَاتَ الْمَرِيض فَرد على ورثته مَا زَاد على الثُّلُث، ثمَّ تبين أَن الصَّدَقَة فِي الصِّحَّة وَأَنَّهَا جَائِزَة كلهَا. وَمِنْهَا: من ادّعى فِي ملك أَنه من أوقاف فلَان ثمَّ ادّعى أَنه ملك لموروثه. أفتى (ح) بِأَنَّهُ لَا حق لَهُ. وَمِنْهَا: من ادّعى فِي ملك أَنه من متخلف أَبِيه فَأثْبت غَيره أَنه ملك لموروثه فَادّعى أَنه أوصى لَهُ بِهِ. وَمِنْهَا: من ادّعى فِي دَار أَنَّهَا وراثة بَينه وَبَين إخْوَته ثمَّ ادّعى أَنه انْفَرد بهَا بِوَصِيَّة أَو صَدَقَة من الْمَوْرُوث. قَالَ سَحْنُون: لَا تقبل دَعْوَاهُ وَلَا بَينته. ذكر الثَّلَاث الْأَخِيرَة (ح) فِي بَاب الْإِقْرَار، وَذكر عَن الْقَرَافِيّ أَنه اعْتمد فِي الْمَسْأَلَة الْأَخِيرَة خلاف قَول سَحْنُون فَقَالَ فِي الْفرق الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ بَين مَا يقبل فِيهِ الرُّجُوع عَن الْإِقْرَار وَمَا لَا يقبل مَا نَصه: ضَابِط مَا لَا يقبل الرُّجُوع فِيهِ أَن يكون الرُّجُوع لغير عذر عادي، وَضَابِط مَا يقبل الرُّجُوع فِيهِ أَن يكون هُنَاكَ عذر عادي كَأَن يقر الْوَارِث للْوَرَثَة أَن مَا تَركه أَبوهُ مِيرَاث بَينهم، ثمَّ جَاءَهُ شُهُود أَخْبرُوهُ أَو وجد رسماً بِأَن أَبَاهُ كَانَ تصدق عَلَيْهِ بِهَذِهِ الدَّار فِي صغره وحازها فَإِنَّهُ إِذا رَجَعَ وَادّعى أَنه لم يكن عَالما بذلك فَإِنَّهُ تسمع دَعْوَاهُ وعذره وَلَا يكون إِقْرَاره السَّابِق مُكَذبا لبينته اه. قلت: وَنزلت فأفتيت فِيهَا بِمَا للقرافي وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي الْبُرْزُليّ عَن الْمَازرِيّ فِيمَن اقتسم تَرِكَة موروثه مَعَ الْوَرَثَة، ثمَّ وجد بَيِّنَة تشهد لَهُ بِبَعْضِهَا أَنه يحلف مَا علم بِبَيِّنَة إِلَى الْآن وَيسْتَحق وَنَحْوه فِي نَوَازِل الزياتي فِيمَن سلم فِي شَيْء ظنا مِنْهُ أَنه لَا يسْتَحقّهُ ثمَّ تبين أَنه يسْتَحقّهُ فَإِن التَّسْلِيم لَا يلْزمه وأمثال هَذَا مَا اتَّضَح فِيهِ الْعذر كَثِيرَة انْظُر شرحنا للشامل فِي الرَّهْن وَالْإِقْرَار والشهادات، ثمَّ ظَاهر النّظم وَمَا تقدم أَن الِانْتِقَال يبطل الدَّعْوَى حَيْثُ لم يَتَّضِح الْعذر سَوَاء حصرها وَأشْهد أَنه لَا دَعْوَى لَهُ غَيرهَا أم لَا، وَهُوَ كَذَلِك. وَفِي التَّبْصِرَة وَآخر الْفَصْل السَّادِس فِي سيرته مَعَ الْخُصُوم أَن مَحل ذَلِك فِيمَا إِذا شهد أَنه لَا دَعْوَى لَهُ سواهَا وَنَحْوه فِي أقضية الْبُرْزُليّ عَن ابْن حَارِث قَائِلا: لَيْسَ من ادّعى دَعْوَى يحْجر عَلَيْهِ فِيمَا سواهَا إِن ادّعى نِسْيَانا إِلَّا أَن يكون فِي الْكَشْف أَي التَّقْيِيد إِقْرَار الْمُدَّعِي أَن الَّذِي كشف عَنهُ هُوَ آخر دَعْوَاهُ اه. (بخ) وَنَحْوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 فِي أقضية المعيار عَن فُقَهَاء قرطبة فِيمَن وقف خَصمه عِنْد قَاض على ذهب زعم أَنه أنفقهُ بأَمْره على أهل دَاره ودوابه فِي مُدَّة عينهَا على وَجه السّلف، فَأنكرهُ الْمَطْلُوب ثمَّ قَالَ بعد أَن أنكر مرّة ثَانِيَة: إِنَّمَا أنْفق على الدَّوَابّ من ربح أحد وَثَلَاثِينَ مِثْقَالا كَانَت عِنْده قراضا، فَلم يبطلوا دَعْوَاهُ. فَانْظُر ذَلِك إِن شِئْت وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَحل عقد شهر التَّأْجِيل الخ. . وَحَيْثُما الأَمْرُ خَفِيفٌ بَيِّنُ فالتَّرْكُ لِلتَّقَيِيدِ مِمَّا يحْسُنُ (وحيثما) ظرف مضمن معنى الشَّرْط (الْأَمر) مُبْتَدأ أَي أَمر الدَّعْوَى خَبره (خَفِيف) سهل كلي عَلَيْهِ عشرَة من سلف (بَين) عطف بَيَان أَو بدل أَو خبر بعد خبر وَالْأول أقرب (فالترك) مُبْتَدأ (للتَّقْيِيد) مُتَعَلق بِهِ (مِمَّا يحسن) خَبره وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط والرابط الْفَاء ثمَّ علل حسن ترك التَّقْيِيد بقوله: فَرُبَّ قَوْلٍ كَانَ بالخِطابِ أَقْرَبَ لِلْفَهْمِ مِنْ الكِتابِ (فَرب قَول) وَالْفَاء تعليلية، وَرب: حرف جر لَا تتَعَلَّق بِشَيْء قَالَ ناظم الْمُغنِي: وَقَوْلنَا لَا بُد من تعلق يخرج مِنْهُ سِتَّة فحقق أَحدهَا الزَّائِد من خَالق وَالثَّانِي لَوْلَا فِي مقَال صَادِق وَهَكَذَا لَعَلَّ فِيمَن جرّبه وكاف تَشْبِيه وَرب فانتبه (كَانَ) نَاقِصَة وَاسْمهَا ضمير القَوْل (بِالْخِطَابِ) يتَعَلَّق بِهِ (أقرب) خبر كَانَ (للفهم من الْكتاب) يتعلقان بأقرب وَجُمْلَة كَانَ صفة لقَوْل. وَفهم من قَوْله مِمَّا يحسن أَنه يجوز التَّقْيِيد وَأَن مَا كَانَ بَين الخفة والتشعب يجوز فِيهِ الْأَمْرَانِ أَيْضا لَكِن التَّقْيِيد فِيهِ أولى لِأَنَّهُ أقطع للنزاع. (فصل فِي بَيَان مِقْدَار الْآجَال) جمع أجل بِفَتْح الْألف وَالْجِيم وَهُوَ لُغَة مُدَّة الشَّيْء فَيشْمَل وَقت الْمَوْت وحلول الدّين والمدة الَّتِي يضْربهَا الْحَاكِم مهلة لأحد المتداعيين، أَولهمَا: لما عَسى أَن يَأْتِي بِهِ من حجَّة وَهُوَ المُرَاد هُنَا. ولاِجْتِهادِ الحاكِمِ الآجالُ مَوْكُولَةٌ حَيْثُ لهَا اسْتِعْمَالُ (ولاجتهاد الْحَاكِم) يتَعَلَّق بموكولة (الْآجَال) مُبْتَدأ أَي الَّتِي لَا نَص فِي قدرهَا من الشَّارِع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 احْتِرَازًا مِمَّا فِيهَا نَص كأجل الْمُعْتَرض سنة. وَكَذَا الْمَجْنُون والمجذوم وَأجل الْمَفْقُود أَربع سِنِين وَنِصْفهَا للْعَبد وَأجل الْحر الْمُسلم فِي الْإِيلَاء لَا الْكفَّار، وَإِن تحاكموا إِلَيْنَا فَلَا مَانع من دُخُول الِاجْتِهَاد فِيهِ قَالَه (ت) وتأمله فَإِنَّهُم إِذا تحاكموا إِلَيْنَا فَإِنَّمَا يحكم بَينهم بِحكم الْإِسْلَام وَأي اجْتِهَاد يدْخلهُ حِينَئِذٍ، وَإِن لم يتحاكموا إِلَيْنَا فَلَا نتعرض لَهُم على مَذْهَبنَا وَمِمَّا لَا يدْخلهُ أجل التَّعْمِير وَنَحْو ذَلِك (موكولة) خبر (خَ) : وَمن استمهل لدفع بَيِّنَة أمْهل بِالِاجْتِهَادِ (حَيْثُ) يتَعَلَّق بموكولة (لَهَا اسْتِعْمَال) مُبْتَدأ وَخبر وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ أَي الْآجَال الَّتِي لَا نَص فِيهَا حَيْثُ تسْتَعْمل موكولة فِي قدرهَا وَجَمعهَا وتفريقها إِلَى نظر الْحَاكِم فَفِي كَلَامه حذف الصّفة كَمَا ترى بِدَلِيل مَا يَأْتِي فِي الْإِيلَاء والمفقود وعيوب الزَّوْجَيْنِ وحذفها قَلِيل، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: إِنَّه لَيْسَ من أهلك} (هود: 46) أَي الناجين الْآن جِئْت بِالْحَقِّ} (الْبَقَرَة: 71) أَي الْبَين وَالْأَصْل فِيمَا ذكره النَّاظِم قَول الْفَارُوق رَضِي الله عَنهُ فِي رسَالَته الْمُتَقَدّمَة وَاجعَل لمن ادّعى حَقًا غَائِبا أمداً يَنْتَهِي الخ. وَصفته فِي الْإِثْبَات أجل قَاضِي حَضْرَة كَذَا وَهُوَ أعزه الله فلَان بن فلَان فِي إِثْبَات مَا ادَّعَاهُ فِي الْمقَال أَعْلَاهُ أَو حوله أَََجَلًا مبلغه كَذَا من غَد تَارِيخه بعد أَن أَخذ من خَصمه فلَان حميلاً بِوَجْهِهِ شهد على إِشْهَاد من ذكر دَامَت كرامته بِمَا فِيهِ عَنهُ، وعَلى الْمُؤَجل بالتزامه حكم الْأَجَل واعترافه بِأَن بَينته فِي الْبَلَد أَو على قرب مِنْهُ، وعَلى الْحميل بالحمالة على عين المتحمل عَنهُ وَرضَاهُ من أشهدوه بِهِ وعرفهم بِحَال صِحَة وطوع وَجَوَاز، وَفِي كَذَا فَإِن أثبت الْمُدَّعِي ذَلِك وأعذر للمطلوب قلت أجل قَاضِي كَذَا وَهُوَ أعزه الله فلَان بن فلَان فِي حل الرَّسْم أَعْلَاهُ أَو حوله بعد أَخذه نسخته ومعرفته بِمن ثَبت بِهِ الْحق وقبوله أَََجَلًا مبلغه كَذَا من غَد تَارِيخه، ثمَّ تكمل العقد وتقيد اعترافه بِأخذ النُّسْخَة ومعرفته بِمن ثَبت والتزامه الْأَجَل كَمَا مرّ، فقولنا بعد أَن أَخذ حميلاً الخ. هَذَا على مَا بِهِ الْعَمَل من أَن الْحميل بِالْوَجْهِ يجب بِمُجَرَّد الدَّعْوَى فَإِن لم يجده فيسجن الْمَطْلُوب بعد أَن يحلف الطَّالِب على صِحَة مَا يَدعِي وَوُجُود بَينته كَمَا يَأْتِي فِي قَول النَّاظِم: وضامن الْوَجْه على من أنكرا دَعْوَى امرىء خشيَة أَن لَا يحضرا وَقَوْلنَا: شهد على إِشْهَاد من ذكر الخ، احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم ينصوا على إشهاده بذلك فَإِن هَذَا التَّأْجِيل لَا يبْنى عَلَيْهِ من بعده إِذا عزل هُوَ أَو مَاتَ، لِأَن التَّأْجِيل حكم من أَحْكَامه فَلَا يثبت إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 بإشهاده كَغَيْرِهِ من الْأَحْكَام قَالَه فِي النِّهَايَة أَوَائِل النِّكَاح (خَ) وَلم يشْهد على حَاكم قَالَ: ثَبت عِنْدِي إِلَّا بإشهاده أَي وَلَيْسَ للعدل أَن يشْهد عَلَيْهِ بِمَا سَمعه مِنْهُ من غير أَن يشهده لِأَن ذَلِك قد يصدر مِنْهُ من غير عزم على الْإِشْهَاد بِهِ، وَترك الْبيَاض ليضع علامته فِيهِ هُوَ الصَّوَاب لِأَن كل مَا أشهد بِهِ القَاضِي من إبرام حكم أَو اسْتِقْلَال رسم أَو صِحَّته أَو تَأْجِيل وَنَحْوه لَا بُد فِيهِ من ذَلِك، وَلذَا يَفْعَلُونَهُ فِي التسجيل على رسم اللفيف وَنَحْوه لِئَلَّا يُنكر القَاضِي الْإِشْهَاد عَلَيْهِ بذلك، وَقد شهد شُهُود فِي وقتنا هَذَا على القَاضِي فِي قَضِيَّة وَلم يتْركُوا لَهُ بَيَاضًا يضع علامته فِيهِ بل كتب الْكَاتِب أشهد القَاضِي فلَان ابْن فلَان أَنه حكم بِكَذَا أَو أجل فلَانا الخ. وَبعد حِين قيم بِالشَّهَادَةِ فأنكرها وزجرهم وأدبهم، وَأَيْضًا فَإِن ذَلِك مفض للتزوير عَلَيْهِ إِذْ قد يشْهد الشَّاهِد عَلَيْهِ بإبرام حكم ويؤديها عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يشْعر إِذْ كثير من الْقُضَاة الْيَوْم لَا يتصفحون الرسوم عِنْد الْأَدَاء بل بِمُجَرَّد قَبضه للرسم يَقُول للعدل: هَذِه شهادتك؟ فَيَقُول لَهُ: نعم فيخاطب عَلَيْهِ بِالْأَدَاءِ وَالْقَبُول من غير قِرَاءَة للرسم وَلَا معرفَة مَا فِيهِ، وَأَحْرَى إِن لم يؤدها عِنْده بل عِنْد غَيره بعد عَزله أَو مَوته وَالله أعلم. وَقَوْلنَا: وعَلى المتأجل الخ. زِيَادَة تحصين وإلاَّ فالأجل لَازم لَهُ وَإِن لم يلتزمه. وَقَوْلنَا: واعترافه بِأَن بَينته حَاضِرَة الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا سقط اعترافه بذلك من الرَّسْم فَإِنَّهُ لَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ حكم لِأَن الْمُدَّعِي قد يَدعِي بعد بَينته وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الْيَمين على الْمَطْلُوب كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَإِن تكن بعيدَة فالمدعي الخ. وكقول اللامية: كبينة غَابَتْ بِقرب لمدع إِلَى قَوْله: وَإِن بَعدت يحلف لَهُ الخ ... وَقَوْلنَا بعد اعترافه بِأخذ النُّسْخَة الخ. . لِئَلَّا يجْحَد أَخذهَا. وَقَوْلنَا: ومعرفته بِمن ثَبت الخ. لِئَلَّا يَدعِي بعد انْقِضَاء الْأَجَل أَنه لم يعرف الشَّاهِد عَلَيْهِ، فَلم يتَمَكَّن من الطعْن فِيهِ فَيسْقط عَنهُ الْأَجَل فيهمَا. وَقَوْلنَا: وقبوله لِئَلَّا يَدعِي أَنه أعذر لَهُ فِي غير مَقْبُول عِنْده إِذْ الْإِعْذَار لَا يكون إِلَّا بعد اسْتِيفَاء الشُّرُوط وَتَمام النّظر كَمَا فِي ابْن سهل وَمن جُمْلَتهَا الْأَدَاء وَالْقَبُول، وَقَوْلنَا: من غَد تَارِيخه لِأَن الْيَوْم الْمَكْتُوب فِيهِ يلغى كَمَا يَأْتِي مَعَ نَظَائِره، ثمَّ مَحل كَون الْآجَال موكولة للِاجْتِهَاد إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لأهل الِاجْتِهَاد من قُضَاة الْعدْل، أما بِالنِّسْبَةِ لمن ضعفت عَدَالَته كقضاة الْوَقْت فَلَا يخرج عَمَّا حدّ لَهُ كَمَا يَأْتِي آخر الْفَصْل، وَلذَا قَالَ: وَبِثَلاثَةِ مِنَ الأيَّامِ أُجِّلَ فِي بَعْضٍ منَ الأَحْكامِ (وبثلاثة) يتَعَلَّق بقوله أجل (من الْأَيَّام) صفة لَهُ (أجل فِي بعض) يتَعَلَّق بِهِ أَيْضا (من الْأَحْكَام) صفة لبَعض، وَذكر مِنْهَا خَمْسَة فَقَالَ وَذَلِكَ. كَمِثْلِ إحْضَارِ الشَّفِيعِ لِلثَّمَنْ والمُدِّعِي النِّسْيَانَ إنْ طالَ الزَّمَنْ (كَمثل إِحْضَار الشَّفِيع) من إِضَافَة الْمصدر لفَاعِله (للثّمن) يتَعَلَّق بإحضار على أَنه مَفْعُوله، وَالْكَاف فِي قَوْله: كَمثل زَائِدَة وَهُوَ خبر لمبتدأ مَحْذُوف كَمَا ترى، وَمَعْنَاهُ أَن الشَّفِيع إِذا قَالَ: أَنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 آخذ بشفعتي بالمضارع أَو اسْم الْفَاعِل سَوَاء قَالَ المُشْتَرِي سلمت لَك أَو سكت أَو امْتنع كَمَا هُوَ ظَاهر إِطْلَاق ابْن رشد، فَإِن الشَّفِيع يُؤَجل لإحضار الثّمن ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن أحضرهُ وإلاَّ سَقَطت شفعته لِأَن كلاًّ من الْمُضَارع وَاسم الْفَاعِل مُحْتَمل للوعد وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الْأَخْذ، فَلَا فرق حِينَئِذٍ بَين سكُوت وَامْتِنَاع وَتَسْلِيم، ويترجح الِاحْتِمَال الْمَذْكُور فِي الْجَمِيع بعد إِتْيَانه بِالثّمن فَقَوله: وَإِذا سكت أَو امْتنع لَا يُؤَجل ثَلَاثًا يُرِيد بِالِاجْتِهَادِ الخ. مُخَالف للإطلاق الْمَذْكُور ومناف للتَّعْلِيل ف الله أعلم بِصِحَّتِهِ قَالَه بعض قَالَ: وَهَذَا وَالله أعلم إِذا لم يقل لَهُ المُشْتَرِي لَا أكتفي مِنْك بِهَذَا، بل لَا بُد أَن تَقول أخذت أَو تركت وَإِن كَانَ لَهُ استعجاله بالتلفظ بِأحد اللَّفْظَيْنِ اه فَتَأَمّله. قلت: قَوْله: وَهَذَا إِذا لم يقل الخ. يُؤَيّدهُ ظَاهر قَول ابْن الْمَوَّاز وَغَيره: إِذا أوقفهُ الإِمَام فَقَالَ: أخروني الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَة أَنه لَا يُؤَخر، وَيُقَال لَهُ: إِمَّا خُذ شفعتك الْآن وَإِلَّا فَلَا شُفْعَة لَك اه. وَأما إِن قَالَ: أخذت بالماضي، فإمَّا أَن يسلم لَهُ المُشْتَرِي أَو يسكت أَو يمْتَنع، فَفِي الأول إِن عرف الثّمن لزمَه ذَلِك وَيُبَاع عَلَيْهِ الشّقص وَغَيره إِن عجز عَن أَدَائِهِ، وَلَا يبطل فِيهِ البيع إِلَّا برضاهما مَا لم يشْتَرط عَلَيْهِ إِن أَتَاهُ بِالثّمن، وَإِلَّا فَلَا شُفْعَة فَيعْمل بِشَرْطِهِ كَمَا فِي أبي الْحسن، وَفِي الثَّانِي يؤجله الْحَاكِم للثّمن بِاجْتِهَادِهِ فَإِن لم يَأْتِ بِهِ فَيُخَير المُشْتَرِي فِي بيع الشّقص وَفِي إِسْقَاط شفعته، وَفِي الثَّالِث يُؤَجل فَإِن أَتَى بِهِ وإلاَّ سَقَطت، وَظَاهر النّظم أَن التَّأْجِيل بِالثلَاثِ للثّمن جَار فِي الصُّور كلهَا إِلَّا أَنه تَارَة يُبَاع عَلَيْهِ وَتارَة تسْقط شفعته كَمَا رَأَيْت، وَإِن كَانَ فِي الْمُدَوَّنَة خصص التَّأْجِيل بِالثلَاثِ بِمَا إِذا زَاد الْأَخْذ وتبعها (خَ) فَقَالَ: وَإِن قَالَ أَنا آخذ أجل ثَلَاثًا للنقد وَلَكِن ظَاهر التَّبْصِرَة وَغَيرهَا كظاهر النّظم، بل فِي ابْن سَلمُون مَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِك لِأَنَّهُ ذكر بعد وَثِيقَة الاستشفاع مَا نَصه: وَإِذا طلب أَن يضْرب لَهُ أجل بِالثّمن بعد أَخذه بِالشُّفْعَة أجّل ثَلَاثَة أَيَّام على مَا بِهِ الْعَمَل اه بِاخْتِصَار. وَنَحْوه فِي ضيح وَهُوَ ظَاهر إِذْ الشُّفْعَة بيع وَالثمن قد تخلد فِي ذمَّته فِيمَا إِذا قَالَ: أخذت وَسلم المُشْتَرِي أَو سكت كَمَا مرّ. وَقد قَالَ ابْن رشد: إِذا سَأَلَ الْغَرِيم الْحَاكِم التَّأْخِير بِالدّينِ الْيَوْم وَنَحْوه فَإِن الْقُضَاة الْيَوْم يؤخرونه الثَّلَاثَة الْأَيَّام وَفِي (خَ) وَإِن وعد بِالْقضَاءِ وَسَأَلَ تَأْخِيرا كَالْيَوْمِ أعْطى حميلاً بِالْمَالِ، وَعَن العبدوسي فِيمَن اشْترى سلْعَة أَو دَابَّة بِالنَّقْدِ فَلَمَّا طلب بِهِ سَأَلَ التَّأْخِير قَالَ: لَا يُؤَخر بِهِ إِلَّا الأمد الْيَسِير الَّذِي لَا ضَرَر فِيهِ على البَائِع كالثلاثة الْأَيَّام وَنَحْوهَا إِلَّا أَن يثبت أَنه لَا ناض لَهُ فَيحلف على ذَلِك ويؤجل حيئنذ فِي بيع مَا هُوَ أسْرع بيعا عَلَيْهِ بعد أَن يُعْطي فِي جَمِيع الْوُجُوه حميلاً بِالْمَالِ اه بِاخْتِصَار. وافهم قَوْله لإحضار الثّمن أَنه إِذا طلب المهلة ليتروى ويستشير ولينظر للْمُشْتَرِي لَا يُؤَخر وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور وَمذهب الْمُدَوَّنَة (خَ) : واستعجل إِن قصد ارتياء أَو نظرا للْمُشْتَرِي إِلَّا كساعة الخ. وَظَاهر قَوْله: كساعة الخ، وَلَو كَانَ الْمَشْفُوع خَارج الْبَلَد وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي ابْن عَرَفَة، وَمُقَابل الْمَشْهُور أَنه يُؤَجل ثَلَاثَة أَيَّام ليستشير وَينظر وَهُوَ قَول مَالك فِي مُخْتَصر ابْن عبد الحكم، وَبِه صدر ابْن فَرِحُونَ وَابْن سَلمُون وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ إِن وَقفه بفور الشِّرَاء أَو بعد أَيَّام وَلم يعلم بِهِ، وَعَلِيهِ درج الفاسي فِي عملياته كَمَا درج على أَنه يُؤَجل ثَلَاثَة أَيَّام ليستشير وَينظر لإحضار الثّمن إِلَى شَهْرَيْن فَقَالَ: وأجلوا ثَلَاثَة الْأَيَّام للآخذ بِالشُّفْعَة للإتمام وَزيد فِي أجل إِحْضَار الثّمن أَكثر للشهرين إِن ضَاقَ الزَّمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وَقَالَ أصبغ: يُؤَجل للإحضار بِحَسب قلَّة المَال وكثرته وأقصاه شهر، وَاخْتَارَهُ ابْن زرب وَابْن نَاجِي: وَبِه كنت أَقْْضِي وَرُبمَا أَزِيد على الشَّهْر. (وَالْمُدَّعِي) مَعْطُوف على إِحْضَار النسْيَان (النسْيَان) مَفْعُوله وكمثل من ادعِي عَلَيْهِ بِمَال أَو غَيره فَادّعى النسْيَان فيؤجل ثَلَاثَة أَيَّام ليتذكر فَيقْرَأ وينكر (إِن طَال الزَّمن) الَّذِي بَين الْوَاقِعَة وَالْأَدَاء فَهُوَ شَرط فِي يُؤَجل الْمُقدر (تَنْبِيه) : قَالَ ابْن عَرَفَة: إِن قَالَ من وَجَبت عَلَيْهِ يَمِين اضْرِب لي أَََجَلًا أنظر فِي حسابي وأمري أنظر بِقدر مَا يرَاهُ، وَعَلِيهِ عول (ح) فَقَالَ: وَمن استمهل لدفع بَيِّنَة أمْهل بِالِاجْتِهَادِ إِلَى قَوْله كحساب بكفيل بِالْمَالِ الخ. وَفِي الطرر عَن الشَّعْبَانِي أَن من تَوَجَّهت عَلَيْهِ يَمِين وَطلب التَّأْجِيل لينْظر فِي محاسبة أجل الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَة وَلَا يُزَاد. ابْن عَرَفَة: وَأما عكس هَذَا وَهُوَ أَن يطْلب الْمُدَّعِي تَأْخِير حلف الْمُدعى عَلَيْهِ فَفِي نَوَازِل ابْن الْحَاج لَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا بِرِضا الْمَطْلُوب. ابْن عَرَفَة: وَهُوَ مُقْتَضى قَول ابْن عَاتٍ من وَجَبت لَهُ يَمِين على رجل فتغيب عَن قبضهَا كلف القَاضِي من يقتضيها إِذا ثَبت عِنْده مغيبه وَيشْهد على ذَلِك اه. ابْن رحال وَفِي الْكَافِي: وَمن سَأَلَ الْحَاكِم النظرة فِي يَمِينه فَلهُ ذَلِك مَا لم يتَبَيَّن ضَرَره اه. قَالَ: فالسائل للتأخير فِي كَلَامه هُوَ الطَّالِب للْيَمِين لَا الْمَطْلُوب بهَا اه. والمُدَّعِي أنَّ لَهُ مَا يَدْفَعُ بِهِ يَمِيناً أمْرُها مُسْتَبْشَعُ (وَالْمُدَّعِي) مَعْطُوف على إِحْضَار أَيْضا (أَن لَهُ) خبر مقدم (مَا) مَوْصُولَة أَو نكرَة مَوْصُوفَة اسْم أَن وَالْجُمْلَة من قَوْله (يدْفع) صلَة أَو صفة والرابط الضَّمِير فِي (بِهِ يَمِينا) مفعول بقوله يدْفع (أمرهَا مستبشع) جملَة من مُبْتَدأ وَخبر صفة ليمين، وَالْجُمْلَة من أَن وَمَا دخلت عَلَيْهِ مقدرَة بمصدر مفعول بقوله الْمُدَّعِي أَي وكالذي ادّعى عِنْد توجه الْيَمين عَلَيْهِ وجود مدفع يدْفع بِهِ الخ، فيؤجل للإتيان بِمَا ذكر، والبشع الطَّعَام الكريه فِيهِ جفوف ومرارة وَوصف الْيَمين بذلك لِأَنَّهَا مستكرهة للنفوس سَوَاء قُلْنَا بِجَوَاز الصُّلْح عَنْهَا فِي دَعْوَى تحقق بُطْلَانهَا كَمَا يَأْتِي أم لَا. وَمُثْبِتٌ ديْناً لمدْيانٍ وَفِي إخْلاءِ مَا كالرّبعِ ذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; لِكَ اقْتَفِي (ومثبت) بِفَتْح الْبَاء مَعْطُوف على أَن وَمَا دخلت عَلَيْهِ فَهُوَ من إِطْلَاق الْمَفْعُول وَإِرَادَة الْمصدر كمسند بِمَعْنى إِسْنَاد وكمحلوف بِمَعْنى حلف أَي: وكالذي ادّعى أَن يثبت دينا أَي إثْبَاته لديان أَو عَلَيْهِ وَيجوز قِرَاءَته بِكَسْرِهَا عطفا على إِحْضَار أَي وكمدّع مُثبت أَي يثبت أَي يُرِيد أَن يثبت فَهُوَ اسْم فَاعل بِمَعْنى الِاسْتِقْبَال (دينا) مفعول بِهِ على كلا الإعرابين (لمديان) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صفة أَي كَائِنا لمديان زعم أَنه لَا شَيْء لَهُ فيريد الْمُدَّعِي أَن يثبت أَن لَهُ دينا على آخر، فَاللَّام على بَابهَا أَو بِمَعْنى على فَتكون لإِثْبَات الدّين على الْمُنكر (وَفِي إخلاء) يتَعَلَّق باقتفى (مَا) مُضَاف إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 (كالربع) صلته (ذَلِك) التَّأْجِيل الْمَفْهُوم من أجل بِثَلَاثَة أَيَّام مُبْتَدأ (اقتفي) اتبع خَبره أَي من اسْتحق من يَده ربع بعدلين وَلم يبْق لَهُ إِلَّا الْإِعْذَار وَطلب الْمُسْتَحق توقيفه بإخلائه كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: ووقف مَا كالدور غلق الخ. فَإِن الْحَائِز يُؤَجل لإخلائه بِمَا ذكر. وشَرْطُه ثبوتُ الاسْتِحقاقِ برسمٍ الإعذارُ فِيهِ باقِي (وَشَرطه) أَي التَّأْجِيل للإخلاء مُبْتَدأ (ثُبُوت الِاسْتِحْقَاق) خَبره (برسم) يتَعَلَّق بِثُبُوت (الْإِعْذَار فِيهِ بَاقِي) جملَة من مُبْتَدأ وَخبر صفة لرسم أَي لم يبْق فِيهِ إِلَّا الْإِعْذَار لثُبُوته بعدلين كَمَا قَررنَا، فَهَذِهِ خَمْسَة فروع التَّأْجِيل فِيهَا بِثَلَاثَة وَيُزَاد عَلَيْهَا غَيرهَا مِمَّا يشبهها كَمَا مرّ فِيمَن اشْترى سلْعَة بِالنَّقْدِ أَو وعد بِالْقضَاءِ وَنَحْو ذَلِك وَالله أعلم. وَفِي سِوَى أصْلٍ لهُ ثمانيَهْ ونصْفُها لستةٍ مُوَالِيَهْ (وَفِي سوى أصل) يتَعَلَّق بالاستقرار الَّذِي تعلق بِهِ الْخَبَر فِي (لَهُ ثَمَانِيَة) مُبْتَدأ أَي ثَمَانِيَة أَيَّام ثَابِتَة فِي إِثْبَات سوى الْأُصُول مِمَّا عدا مَا مر (وَنِصْفهَا) وَهُوَ أَرْبَعَة مُبْتَدأ (لسِتَّة) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (موَالِيه) أَي تَابِعَة للستة الَّتِي تلِي الثَّمَانِية فيؤجل أَولا ثَمَانِيَة ثمَّ سِتَّة ثمَّ أَرْبَعَة. ثمَّ ثَلاَثَةٌ لِذاك تَتْبَعُ تلوُّماً وأصْلُهُ تَمَتَّعْوا (ثمَّ ثَلَاثَة) مُبْتَدأ (لذاك) التَّأْجِيل بالأربع (تتبع) بِفَتْح التَّاء مضارع تبع خبر ولذاك يتَعَلَّق بِهِ (تلوماً) حَال من الضَّمِير فِي تتبع أَو مفعول لأَجله والتلوم الْأَجَل الْأَخير (وَأَصله) أَي التَّلَوُّم بِالثلَاثِ مُبْتَدأ (تمَتَّعُوا) خبر قصد لَفظه أَي قَوْله تَعَالَى: فَقَالَ تمَتَّعُوا فِي داركم ثَلَاثَة أَيَّام} (هود: 56) فمجموع الْأَجَل فِي سوى الأَصْل أحد وَعِشْرُونَ يَوْمًا كَمَا ترى. وَاعْلَم أَنه يجب على القَاضِي أَن يوقفه عِنْد انْقِضَاء كل أجل فَإِن أَتَى بِشَيْء وإلاَّ كتب تَحْتَهُ وأجله قَاضِي كَذَا وَهُوَ وَفقه الله أَََجَلًا ثَانِيًا بعد أَن حضر عِنْده المتأجل الْمَذْكُور وأعلمه بانصرام أَجله فَادّعى أَنه لم يَأْتِ بِشَيْء بِمحضر من يُوقع اسْمه أَثَره مِمَّن حضر لذَلِك وأشهده القَاضِي الْمَذْكُور إِلَى آخر الْإِشْهَاد كَمَا مرّ. قَالَ فِي النِّهَايَة: وَكَانَ بعض الْقُضَاة يَكْتَفِي بإحضاره فِي ابْتِدَاء التَّأْجِيل وَلَا يحضرهُ فِي الثَّانِي وَالثَّالِث، بل إِذا انْقَضى الأول كتب تَحْتَهُ أَََجَلًا ثَانِيًا من غير حُضُور المتأجل وَلَا سُؤَاله فَإِذا انصرفت الْآجَال والتلوم أحضرهُ حِينَئِذٍ، فَإِن أحضر إِلَيْهِ شَيْئا وَإِلَّا عَجزه. وَقَالَ: إِنَّمَا يلْزَمنِي إِحْضَاره فِي التَّأْجِيل الأول، فَإِذا عرف أَنِّي أجلته لم يلْزَمنِي إِحْضَاره بعد ذَلِك فِي سَائِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 التأجيلات كَمَا لَو جمعتها عَلَيْهِ قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا بِتمَام لِأَنَّهُ إِذا لم يحضرهُ رُبمَا ادّعى أَنه لم يُؤَجل غير الْأَجَل الأول اه. بِاخْتِصَار وَبَعضه بِالْمَعْنَى. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا تمّ الْأَجَل الأول فَلَا تكْتب الثَّانِي فِي الْيَوْم الَّذِي يتم فِيهِ الأول لِأَنَّهُ لَا يتم إِلَّا بانقضائه، بل اكتبه فِي الْيَوْم الَّذِي بعده ثمَّ لَا تحسب بذلك الْيَوْم الَّذِي كتبت فِيهِ كَمَا مرّ قَالَه ابْن مَالك الْقُرْطُبِيّ. الثَّانِي: لَا يُؤَجل فِي قَوْله: سوى أصل تَأْجِيل العبيد للإتيان بِشَاهِد ثَان على حُرِّيَّته بل يُؤَجل الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَة، وَلَا سِيمَا إِن ادّعى غيبته كَمَا فِي التَّبْصِرَة، وَكَذَا من شهد عَلَيْهِ بِمَا يَقْتَضِي الْقَتْل من زندقة وَنَحْوهَا فَادّعى أَن بَينه وَبَين القَاضِي عَدَاوَة تمنع حكمه فَإِنَّهُ يُؤَجل لإثباتها شَهْرَيْن اتّفق عَلَيْهِ أهل قرطبة. الثَّالِث: إِذا انْقَضتْ الْآجَال وَلم يَأْتِ بِشَيْء وَأَرَادَ التسجيل عَلَيْهِ فأظهر وَثِيقَة أَو بَيِّنَة وَأَرَادَ إثباتهما فَقيل يضْرب لَهُ بعد ذَلِك أَََجَلًا قَاطعا فَإِن أثبت وإلاَّ سجل عَلَيْهِ وَقيل يسجل عَلَيْهِ وَلَا يُؤَجل. وَقَالَ ابْن حَارِث: الصَّوَاب عدم التسجيل عَلَيْهِ وَبعده بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ ليَوْم بِعَيْنِه، فَإِن أثبت وَإِلَّا سجل عَلَيْهِ وَقيل: ذَلِك مَصْرُوف لاجتهاد القَاضِي فَإِن رأى لَهُ فِي ذَلِك مَنْفَعَة أَجله بِالِاجْتِهَادِ وإلاَّ سجل عَلَيْهِ. ذكر ذَلِك فِي اخْتِصَار الْبُرْزُليّ. وَنقل ذَلِك أَيْضا فِي أقضية المعيار. قلت: وَلَعَلَّه خلاف فِي حَال وَأَن من قَالَ لَا يُؤَجل رَآهُ ملداً كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَمثله حائز ملك سكنه. ثمَّ قَالَ الْبُرْزُليّ بعد ذَلِك: وَمن ثَبت عَلَيْهِ أَنه غَاصِب لدار مثلا فَضربت لَهُ الْآجَال وانصرمت فَقَالَ بعد ذَلِك: لَا حق لي فِيهَا وَهِي لأخي فَقيل: يسجل عَلَيْهِ وَلَا يعْذر للْأَخ، وَعَن ابْن زرب: إِن ألفيت الْأَمْلَاك بيد أحد من سَبَب الْأَخ فيعذر فِيهِ للْأَخ وإلاَّ سجل عَلَيْهِ بِمَا ثَبت. الرَّابِع: إِذا أَجله الْحَاكِم الْأَجَل الأول مثلا ثمَّ تغيب حَتَّى مضى مِقْدَار الْأَجَل الثَّانِي وَالثَّالِث فقد ذكرُوا فِي أَوَائِل الْأَنْكِحَة من الْمُتَيْطِيَّة فِي ذَلِك خلافًا. وَقَالَ أَبُو الْحسن على قَوْلهَا: من اشْترى شَيْئا بِالْخِيَارِ وَلم يضْرب لَهُ أَََجَلًا جَازَ وَجعل لَهُ من الأمد مَا يَنْبَغِي فِي مثل تِلْكَ السّنة مَا نَصه قَالَ الشُّيُوخ: مَعْنَاهُ إِذا عثر عَلَيْهِ قبل مُضِيّ أمد الْخِيَار، وَأما إِن لم يعثر عَلَيْهِ حَتَّى مضى الْقدر الَّذِي يضْرب لتِلْك السّلْعَة فَإِن الإِمَام يوقفه فإمَّا أَن يخْتَار أَو يرد. انْظُر هَل يقوم من هُنَا أَن الْخصم إِذا تغيب مِقْدَار مَا يؤجله الْحَاكِم ثمَّ ظهر فَإِنَّهُ يوقفه وَلَا يؤجله وَأَخذه من هُنَا بَين. قَالَ الْفَقِيه: وَأما أَنا فأحتاط وأستأنف لَهُ ضرب الْأَجَل، وَلَكِن يخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف الْخُصُوم فَرب خصم يظْهر مِنْهُ أَن ذَلِك لدد فَلَا يُؤَجل لَهُ اه. وَفِي الأُصُول وَفِي الإرْث الْمُعْتَبَرْ مِنْ عَددِ الأيَّامِ خَمْسَةَ عَشَرْ (وَفِي) إِثْبَات (الْأُصُول وَفِي) إِثْبَات (الْإِرْث) والمجروران يتعلقان بالمبتدأ الَّذِي هُوَ (الْمُعْتَبر) وَكَذَا (من عدد الْأَيَّام) أَي الْمُعْتَبر فِي التَّأْجِيل وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بِعَدَد الْأَيَّام فِي إِثْبَات الْأُصُول من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 إِرْث أَو غَيره، وَفِي إِثْبَات الْإِرْث من غير الْأُصُول (خَمْسَة عشر) أَولا خبر الْمُبْتَدَأ. ثمَّ تَلِي أربعةٌ تُسْتَقْدَمُ بضِعْفِها ثُم يَلي التَّلوُّمُ (ثمَّ تلِي) الْخَمْسَة عشر (أَرْبَعَة) فَاعل تلِي وَالْجُمْلَة معطوفة (تستقدم بضعفها) وَهُوَ ثَمَانِيَة. وَالْجُمْلَة صفة لأربعة أَي يُؤَجل خَمْسَة عشر أَولا ثمَّ ثَمَانِيَة ثمَّ أَرْبَعَة (ثمَّ يَلِي) الْأَرْبَعَة الَّتِي بعد الثَّمَانِية (التَّلَوُّم) بِثَلَاثَة فَاعل يَلِي وَالْجُمْلَة معطوفة أَيْضا فالمجموع شهر كَامِل، وَهَذَا مَعَ حُضُور الْبَيِّنَة فِي الْبَلَد أَو بِقُرْبِهِ فَإِن بَعدت غيبتها فَهُوَ قَوْله. وَفِي أصولِ إرْثٍ أَو سِوَاهُ ثَلاَثَةُ الأشْهُرِ مُنْتَهَاهُ (وَفِي) إِثْبَات (أصُول إِرْث أَو سواهُ) أَي الْإِرْث (ثَلَاثَة الْأَشْهر) خبر مقدم (منتهاه) مُبْتَدأ وضميره للتأجيل وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ أَي مُنْتَهى الْأَجَل فِي أصُول الْإِرْث أَو غَيره ثَلَاثَة أشهر. لَكِنْ مَعَ ادِّعاءِ بُعْدِ البَيِّنَهْ وَمثْلُهُ حائزُ مِلكٍ سَكَنهْ (لَكِن) مَحل التَّأْجِيل بذلك (مَعَ ادِّعَاء بعد الْبَيِّنَة) فالظرف خبر للمبتدأ الْمُقدر بعد لَكِن الاستدراكية ثمَّ لَا يُوقف الأَصْل الْمَذْكُور وَلَا يُحَال بَينه وَبَين صَاحبه بِمُجَرَّد هَذِه الدَّعْوَى كَمَا يَأْتِي فِي الإيقاف والبعد كالعراق من الْمَدِينَة. وَكَلَام النَّاظِم إِنَّمَا هُوَ إِذا سَأَلَ الْمَطْلُوب من الْحَاكِم أَن يقطع عَنهُ شغب الطَّالِب، وإلاَّ فَلَا حَاجَة للتأجيل الْمَذْكُور، بل يَقُول للطَّالِب اثْبتْ دعواك فَإِن أَرَادَ الطَّالِب تَحْلِيف الْمَطْلُوب مَعَ بَقَائِهِ على حجَّته فَلَا بُد من تَسْمِيَة الشُّهُود كَمَا مرّ، وَيَأْتِي أَيْضا عِنْد قَول النَّاظِم وَإِن تكن بعيدَة الخ (وَمثله) خبر عَن قَوْله (حائز ملك) وَقَوله (سكنه) جملَة فعلية صفة لملك. معْ حُجَّةٍ قَوِيَّةٍ لَهُ مَتَى أثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ مَنْ أثْبَتَا (مَعَ) ادِّعَاء (حجَّة قَوِيَّة لَهُ) أَي للحائز والظرف فِي مَحل نصب على الْحَال أَي الْحَائِز للْملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 بِالسُّكْنَى مثلا يطْلب المهلة مَعَ ادِّعَاء حجَّة قَوِيَّة مماثل لما قبله فِي التَّأْجِيل الْمَذْكُور (مَتى أثْبته) أَي الْملك الَّذِي بِيَدِهِ (لنَفسِهِ من) مَوْصُولَة فَاعل أثْبته (أثبتا) صلته والعائد مَحْذُوف وَالْجُمْلَة شَرط فِي الحكم الَّذِي هُوَ الْمُمَاثلَة وَالْجَوَاب مَحْذُوف لتقدم مَا يدل عَلَيْهِ كَقَوْلِه: أَنْت ظَالِم إِن فعلت، وَالتَّقْدِير والحائز الطَّالِب للمهلة مَعَ ادِّعَاء الْحجَّة مماثل لما قبله فِي التَّأْجِيل إِن أثبت الْملك الَّذِي بِيَدِهِ لنَفسِهِ الْقَائِم الَّذِي أثْبته أَي الَّذِي كَانَ يُرِيد إثْبَاته فَهُوَ على حذف الْكَوْن والإرادة. وَحَاصِل مَعْنَاهُ أَن الْحَائِز لشَيْء إِذا نوزع فِيهِ وَادّعى أَن لَهُ حجَّة تقطع حجَّة الْقَائِم فَإِنَّهُ يُؤَجل لإثباتها بِثَلَاثَة أشهر، وأسهل من هَذَا الْبَيْت لَو قَالَ إِثْر قَوْله سكنه مَا نَصه: يدع حجَّة تعَارض الَّتِي أثبت قَائِم بِغَيْر عِلّة وَبِغير عِلّة حَال أَي أثبتها حَال كَونهَا بغيرعلة توهنها. قَالَ فِي الْعُتْبِيَّة: فَإِذا انْقَضتْ الثَّلَاثَة وَلم يثبتها وَادّعى غيبَة شُهُوده وتفرقهم وَسَأَلَ الزِّيَادَة فِي الْأَجَل فَإِن كَانَ مَأْمُونا لَا يتهم بباطل زيد لَهُ فِيهِ وَإِن كَانَ ملداً يُرِيد الْإِضْرَار بخصمه لم يزدْ لَهُ إِلَّا أَن يذكر أمداً يُقَارب شَأْنه وَلم يعلم كذبه فِي مثله اه. فَقَوله: وَمثله حائز الخ أَي يُؤَجل بذلك وَلَو لم يدع بعد بَينته فَهُوَ مشبه فِيهِ بِدُونِ قَيده كَمَا هُوَ ظَاهر الْمُتَيْطِيَّة والتبصرة، وَفِي الْأَقْضِيَة من أجوبة ابْن رشد فِيمَن أجل أَََجَلًا بعد أجل ثمَّ تلوم لَهُ فاستظهر برسم فِيهِ ابتياع أَبِيه من الْقَائِم عقد ببياسة وَهِي لَا حَاكم بهَا تثبت عِنْده الْحُقُوق ويخاطب بهَا قَالَ: الْوَاجِب أَن يُوسع عَلَيْهِ فِي الْأَجَل فَإِن طَال الْأَمر وَلم يقدم ببياسة حَاكم كتب القَاضِي الَّذِي يتخاصمون عِنْده إِلَى رجل ثِقَة عدل مرضِي من أهل بياسة فَيشْهد عِنْده الشُّهُود ويخاطبه بذلك، فَإِذا ورد عَلَيْهِ جَوَابه بِشَهَادَة الشُّهُود عِنْده وقبوله لَهُم ثَبت العقد بذلك وَقضى بِهِ اه. وَهُوَ يُؤَيّد مَا مر فِي التَّنْبِيه الثَّالِث. وَبيْعُ مِلْكٍ لِقَضَاءِ دَيْنِ قَدْ أَجَّلُوا فِيهِ إِلَى شهْرَيْنِ (وَبيع ملك) دَار أَو غَيرهَا مُبْتَدأ (لقَضَاء دين) على رَبهَا الْغَائِب أَو الْحَاضِر وَهُوَ يتَعَلَّق بِبيع (قد أجلوا فِيهِ) أَي فِي تسويفه للْبيع من شهر (إِلَى شَهْرَيْن) يتَعَلَّق بأجلوا. وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ (خَ) وَعجل بيع الْحَيَوَان واستؤني بعقاره كالشهرين، ثمَّ إِذا انْقَضى الشهران فَإِنَّهُ يُبَاع عَلَيْهِ وَلَو لم يبلغ الْقيمَة لِأَنَّهُ غَايَة الْمَقْدُور كَمَا لِابْنِ مُحرز، وَكَذَا بيع ربع الْيَتِيم للنَّفَقَة عَلَيْهِ، وَإِذا بيع عَلَيْهِ وَأثبت أَن فِي البيع غبناً فَلَا يسمع لِأَن مثل هَذَا البيع لَا يتَصَوَّر فِيهِ الْغبن كَمَا يَأْتِي فِي فَصلي الْغبن وَالْبيع على الْغَائِب إِن شَاءَ الله. وحلُّ عَقْدٍ شَهْرٌ التَّأجِيلُ فِيهِ وَذَا عِنْدَهُمُ المقْبُولُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 (وَحل عقد) مُبْتَدأ (شهر) خبر عَن قَوْله (التَّأْجِيل فِيهِ) وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ (وَذَا) مُبْتَدأ (عِنْدهم) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (المقبول) وَمُقَابِله يُؤَجل بشهرين وَحل الْعُقُود كَمَا قَالَ ولد النَّاظِم أول الشَّهَادَات من شَرحه وَنَقله فِي شَهَادَات المعيار أَيْضا: يكون بأَشْيَاء إِمَّا بِظُهُور تنَاقض على السوَاء فِي الاسترعاء أَو بِظُهُور تنَاقض من المشهد أَو من فِي حكمه فِي الأَصْل كاختلاف قَول أَو اضْطِرَاب مقَال أَو بمضادة قَوْله لنَصّ مَا شهدُوا لَهُ بِهِ، وَإِمَّا بتجريح شُهُوده وَإِمَّا بِثُبُوت استرعاء أَو إِقْرَار على صفة بعداوة بَين الشُّهُود وَبَين الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فِي غير ذَات الله يثبت اتصالها من قبل تَارِيخ أَدَاء الشَّهَادَة الْمَدْفُوع فِيهَا بالعداوة إِلَى تَارِيخ شَهَادَة العارفين بالعداوة الْمَذْكُورَة، وَإِمَّا بِثُبُوت استرعاء مَعْرُوف السَّبَب فِيمَا انْعَقَد بعوض أَو غير مَعْرُوف السَّبَب فِيمَا انْعَقَد بِغَيْر عوض، وَإِمَّا بِظُهُور اسْتِحَالَة فِي متون الرسوم اه. قلت: تقدّمت أُمُور من الِاضْطِرَاب عِنْد قَوْله: ولانحصار ناشىء الْخِصَام الخ. فمثال تنَاقض الاسترعاء أَن يشْهدُوا بملكية فرس مثلا لشخص وَأَنه من مَاله، وَأَنه من نتاج كَسبه لَا يعلمُونَ بَاعه وَلَا وهبه وَلَا خرج عَن ملكه مُنْذُ تملكه بِالشِّرَاءِ الصَّحِيح من فلَان الخ. فعجز الْوَثِيقَة يُنَاقض صدرها والاسترعاء هِيَ الشَّهَادَة الَّتِي يُمْلِيهَا الشَّاهِد من حفظه ويسندها إِلَى علمه كتعديل أَو تجريح أَو تصرف فِي ملك أَو معاوينة غصب أَو سَرقَة وَنَحْو ذَلِك وتصدر بفي علم شهيديه أَو بِفعل وَمَا فِي مَعْنَاهُ مُصَرحًا بِهِ أَو محذوفاً للاختصار فالمصرح بِهِ كَقَوْلِه يشْهد أَو يعلم من يضع اسْمه أَو من يتسمى أَثَره، وَنَحْو ذَلِك والمحذوف كَقَوْلِه: حضر من يُوقع اسْمه اغتصاب فلَان لفلانة وَنَحْوه، فَإِن تَقْدِيره يشْهد من يتسمى بعد هَذَا أَنهم حَضَرُوا كَذَا ووسطه أَوْصَاف مَا تحمل مَعْلُوما عِنْد الشَّاهِد وعجزه فعل لَا غير كَقَوْلِه: شهد بِمَا فِي الرَّسْم من حضر لذَلِك أَو عاينه وَنَحْو ذَلِك. وَقَوله: أَو بِظُهُور تنَاقض من المشهد وَمن فِي حكمه أَي المشهد بِضَم الْمِيم وَكسر الْهَاء وَهُوَ من يشْهد الشُّهُود على عقد عقده أَو دين الْتَزمهُ أَو اعْترف بِهِ وَنَحْو ذَلِك، وَالَّذِي فِي حكمه هُوَ وَكيله أَو وَارثه أَو غَرِيمه وَالْأَصْل هُوَ مَا يمليه الْعَاقِد إِن على الشُّهُود من بيع أَو هبة أَو صدَاق أَو كِرَاء، وَنَحْو ذَلِك وصدره فعل وَافْعل وافتعل كوهب وشفع أَو أصدق أَو أنكح أَو اشْترى أَو اكترى وَنَحْو ذَلِك ووسطه أَوْصَاف مَا أشهد بِهِ المشهد من الْوُجُوه الَّتِي التزمها وعجزه شهد على إِشْهَاد الْوَاهِب أَو الْمُتَبَايعين وَنَحْو ذَلِك. وَبِالْجُمْلَةِ، فَكل فعل فِي الصَّدْر والإعجاز كَانَ مُضَافا إِلَى الشَّاهِد فَهُوَ استرعاء وكل فعل فِي الصَّدْر والإعجاز كَانَ مُضَافا إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 المشهد، وَمن فِي حكمه، فَهُوَ أصل. وَمِثَال تناقضه أَن يشهدهم أَن الدَّار الْفُلَانِيَّة مثلا ورثهَا عَن أَبِيه وَلَا زَالَ يتَصَرَّف فِيهَا مُنْذُ تَملكهَا بِالْهبةِ أَو الشِّرَاء من فلَان الخ. أَو يشهدهم أَنه حَبسهَا على أَوْلَاده وَأَعْقَابهمْ حبسا مُؤَبَّدًا تكون مَالهم وملكهم وَنَحْو ذَلِك، وَكَأن يكون صدر الرَّسْم استرعائياً وعجزه أَصْلِيًّا مثل أَن يَقُول: يشْهد من يضع اسْمه بِأَن فلَانا غصب جَمِيع كَذَا من فلَان فِي وَقت كَذَا شهد على إِشْهَاد الْغَاصِب بِالْغَصْبِ الْمَذْكُور، وَكَذَا الْعَكْس. وَلذَا قَالَ الشَّارِح: يجب الاهتمام بصيغ الْأَلْفَاظ لتَكون متفقة فِي الصَّدْر والإعجاز لِئَلَّا يلتبس حكم كل مِنْهُمَا أَي من الأَصْل والاسترعاء بِحكم الآخر فيفضي إِلَى اخْتِلَاف الْمَعْنى اه. وَقَوله: كاختلاف قَول الخ. مِثَال على اللف والنشر الْمُرَتّب أَي كاختلاف قَول الشَّاهِد فِي الاسترعاء واضطراب مقَال المشهد فِي الأَصْل كَمَا قَررنَا وَالضَّمِير الْمَجْرُور بالْقَوْل فِي قَوْله أَو بمضادة قَوْله الخ. يعود على الْمَشْهُود لَهُ الَّذِي هُوَ صَاحب الْحق الْمَفْهُوم من السِّيَاق لَا على المشهد السَّابِق لفساد الْمَعْنى لِأَن المشهد هُوَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فَهُوَ مشهود عَلَيْهِ لَا لَهُ، ومثاله أَن يشهدَا لَهُ بالملكية للْفرس مثلا وَأَنه من نتاج كَسبه فيعترف هُوَ أَنه تملكه بِالشِّرَاءِ، وَمن هَذَا مَا فِي معاوضات المعيار عَن سَيِّدي مِصْبَاح فِيمَن اشْترى أَرضًا فَسئلَ عَن ثمنهَا فَقَالَ كَذَا، فَلَمَّا أَقَامَ الْبَيِّنَة بابتياعه شهِدت بِأَقَلّ من الثّمن الَّذِي ذكره أَو بِأَكْثَرَ قَالَ: إِنَّه مكذب لبينته فِي الابتياع خَاصَّة على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ وَلَيْسَ مُكَذبا لَهُم فِيمَا يُصدقهُمْ فِيهِ من غير تِلْكَ الْقَضِيَّة إِذْ لَا يجرح الشَّاهِد بِالْكَذِبِ حَتَّى يكون مجرباً عَلَيْهِ اه. ثمَّ ذكر عَنهُ فِي مثلهَا بعد ذَلِك بِنَحْوِ الورقتين أَنه لَا يكون مُكَذبا إِن ادّعى النسْيَان أَو الْغَلَط إِلَّا أَن يكون فِي خصام فَيكون مُكَذبا لِأَنَّهُ مَوضِع التَّحَرُّز اه. وَمِنْه مَا فِي تبصرة اللَّخْمِيّ فِيمَن شهد أَن فلَانا ذبح فلَانا وَشهد الآخر أَنه أحرقه، والمشهود عَلَيْهِ مُنكر الشَّهَادَتَيْنِ فَإِن قَامَ الْأَوْلِيَاء بِالشَّهَادَتَيْنِ بَطل الدَّم، وَإِن قَامُوا بِإِحْدَاهُمَا أَقْسمُوا مَعَه اه. وَإِنَّمَا بطلتا مَعًا إِذا قَامُوا بهما لِأَن من أدلى برسم فَهُوَ قَائِل بِهِ فهم يَقُولُونَ بِلِسَان الْحَال ذبحه أحرقه فقد كذبا كلا مِنْهُمَا وَقد تقدم كثير من هَذَا عِنْد قَوْله. ولانحصار ناشىء الْخِصَام. وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الِاسْتِحْقَاق إِن شَاءَ الله عِنْد ابْن رشد فِيمَن أقرّ أَبوهُ أَن الْملك بَينه وَبَين قوم آخَرين وَمَات فَادّعى وَلَده بعد نَحْو السِّتين سنة وَهُوَ يحوزه أَن الْملك خَاص بِأَبِيهِ أَن والمقوم عَلَيْهِ إِن كذب بَيِّنَة الْإِقْرَار وَعجز عَن إِبْطَالهَا أَو صدقهَا وَادّعى أَن أَبَاهُ كَانَ اشْترى حِصَّة غَيره وَعجز عَن إِثْبَات الشِّرَاء وَلَو بِالسَّمَاعِ، فَإِنَّهُ يحكم بِالْملكِ للقائم إِن كَانَ غَائِبا فِي مُدَّة الْحِيَازَة. وَقَوله: وَإِمَّا بِثُبُوت استرعاء وَإِقْرَار إِلَى قَوْله: بالعداوة الْجَار وَالْمَجْرُور من قَوْله على صفة يتنازع فِيهِ استرعاء وَإِقْرَار بالاسترعاء كَأَن يشْهد شَاهِدَانِ بعداوة بَين شُهُود الْحق الْمُقَوّم بِهِ وَبَين الْمَشْهُود عَلَيْهِ فَتسقط شَهَادَة شُهُود الْحق بِشَرْط كَون الْعَدَاوَة دنيوية لَا دينية وبشرط كَونهَا سَابِقَة على تَارِيخ أَدَاء الشَّهَادَة بِالْحَقِّ واتصلت إِلَى حِين أَدَاء الشَّهَادَة بِهَذِهِ الْعَدَاوَة وَالْإِقْرَار أَن يشْهد عَدْلَانِ بِإِقْرَار الْقَائِم صَاحب الْحق بالعداوة بَين شُهُود الْحق وَبَين الْمَشْهُود عَلَيْهِ على الْوَجْه الْمَذْكُور. وَقَوله: وَإِمَّا بِثُبُوت استرعاء مَعْرُوف السَّبَب الخ. المُرَاد بالاسترعاء هُنَا مَعْنَاهُ الْخَاص وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بالاستحفاظ كَمَا يَأْتِي فِي بَاب الصُّلْح إِن شَاءَ الله، وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ الاسترعاء بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدّم. وَقَوله: مَعْرُوف السَّبَب هُوَ مَا وَقع لأَجله الاستحفاظ من تقية خوف أَو إِنْكَار غَرِيم، فَإِذا كَانَ الاسترعاء فِي الْمُعَاوَضَات من بيع أَو إِجَارَة أَو خلع وَنَحْوه، فَلَا يَكْفِي شَهَادَة الشُّهُود عَلَيْهِ بِأَن مَا يعقده على نَفسه فِي الْمُسْتَقْبل من بيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 وَنَحْوه غير مُلْتَزم لَهُ، وَإِنَّمَا يَفْعَله خوفًا من كَذَا، بل حَتَّى يشْهد الشُّهُود المذكورون أَو غَيرهم بِصِحَّة مَا ذكره من الْخَوْف وَقت البيع أَو الْخلْع أَو الْإِنْكَار وَنَحْو ذَلِك بِخِلَاف التَّبَرُّعَات من عتق وَهبة وَنَحْوهمَا، فَإِنَّهُ يَكْفِي إشهاده بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَفْعَله خوفًا من كَذَا، وَلَا يحْتَاج لإِثْبَات التقية، وَالْفرق أَنه فِي الْمُعَاوَضَات أَخذ الْعِوَض فَلَا يصدق فِيمَا يَدعِيهِ من الْخَوْف وَنَحْوه حَتَّى يُثبتهُ بِخِلَاف التَّبَرُّعَات. وَقَوله: أَو بِظُهُور اسْتِحَالَة الخ. أَي بِظُهُور مَا يَسْتَحِيل عَادَة كَأَن يستظهر الْقَائِم برسم يظْهر من تَارِيخه أَن الْمُقَوّم عَلَيْهِ كَانَ وقتئذ لم يُوجد أَو لم يبلغ الْحلم، وَمِنْه مَا فِي المعيار عَن ابْن رشد فِي سبخَة بَين أَرض قوم لم يَدعهَا أحد إِلَى أَن قَامَ رجل وأثبتها لنَفسِهِ بِبَيِّنَة غَرِيبَة من أهل الْموضع فَأنكرهُ أَهله زاعمين أَنَّهَا لَهُم لكَونهَا بَين أراضيهم مجاورة لَهَا فَهِيَ من أفنيتها. وَفِي الْبَلَد نَاس مَضَت عَلَيْهِم أعصار لم يشْهد أحد قطّ بِمثل مَا شهد بِهِ أُولَئِكَ الغرباء قَالَ: إِذا كَانَ فِي الْبَلَد عدُول لَا يدعونَ فِي السبخة حَقًا وَلَا يعْرفُونَ للقائم فِيهَا ملكا بِشَهَادَة الغرباء غير جَائِزَة وَالْوَاجِب أَن تبقى مسرحاً لجميعهم. تَنْبِيه: الاسترعاء بِمَعْنى الاستحفاظ لَا يكون إِلَّا فِي شَهَادَة الأَصْل لَا فِي شَهَادَة الاسترعاء بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدّم فَهُوَ مِمَّا تفترق فِيهِ شَهَادَة الاسترعاء من شَهَادَة الأَصْل زِيَادَة على مَا مرّ وَمِمَّا تفترق فِيهِ أَيْضا أَن الأَصْل يُوقف الْخصم عَلَيْهِ وَيسْأل عَنهُ قبل ثُبُوته لِيُقِر أَو يُنكر، وَلَا يسئل الْمُقدم عَلَيْهِ بالاسترعاء وَلَا يُوقف عَلَيْهِ حَتَّى يثبت كَمَا مرّ، وَإِن الاسترعاء قد يُوجب أحكاماً عَامَّة كثبوت هِلَال رَمَضَان للصيام بِخِلَاف الأَصْل فَلَا يُوجب إِلَّا أحكاماً خَاصَّة، وَأَن الحكم فِي تعَارض الأَصْل مُعَلّق بالتاريخ وَفِي الاسترعاء مُعَلّق بالأعدل من شُهُود الرسمين المتعارضين، وَأَن كل وَثِيقَة قَامَ بهَا الْخصم على خَصمه ولخصمه فِيهَا مَنْفَعَة يرجوها فَإِن لَهُ أَخذ نُسْخَة مِنْهَا بِخِلَاف الاسترعاءات كرسم الإراثة وَنَحْوه فَلَا يلْزمه إِعْطَاء نسختها لِأَن الَّذين شهدُوا بهَا وَبِمَا تضمنته حُضُور فَلهُ أَن يَقُول اذْهَبْ إِلَى من شهد لي يُقيد لَك شَهَادَته كَمَا قيدها لي إِذا كَانُوا حضوراً وَأَنه يستكثر من شُهُوده فِي الترشيد والتسفيه كَمَا يَأْتِي، وَكَذَلِكَ فِي الرَّضَاع عِنْد ابْن الجهم قَالُوا: وَكَذَا يَنْبَغِي فِي كل مَوضِع تكون فِيهِ الشَّهَادَة على الظَّن الْغَالِب الَّذِي لَا سَبِيل فِيهِ إِلَى الْقطع كالتفليس وَحصر الْوَرَثَة والاستحقاق وَالشَّهَادَة لامْرَأَة بغيبة زَوجهَا وَتركهَا بِغَيْر نَفَقَة وَالشَّهَادَة بِالسَّمَاعِ وَنَحْو ذَلِك، فَإِن لم يُمكنهُ الاستكثار الْمَذْكُور فيكفيه العدلان حَتَّى فِي التسفيه والترشيد كَمَا فِي أقضية الْبُرْزُليّ بِخِلَاف الأَصْل فَإِنَّهُ لَا يطْلب فِيهِ الاستكثار من شُهُوده وَلَو مَعَ الْإِمْكَان، وَلذَا قَالَ ابْن رشد: إِذا طلب البَائِع بِالدّينِ الْإِشْهَاد على مُشْتَرِيه بِأَكْثَرَ من اثْنَيْنِ وَامْتنع الآخر فَإِن البَائِع لَا يُجَاب وَأَن شُهُود الاسترعاء يستفسرون عَن شَهَادَتهم بعد أَدَائِهَا دون شُهُود الأَصْل لِأَنَّهُ فِي الأَصْل إِنَّمَا هُوَ حاك عَن غَيره وَأَنه لَا يقبل فِي الاسترعاء إِلَّا الْعدْل المبرز المتيقظ الضَّابِط الْعَارِف بطرق الشَّهَادَة وتحملها وأدائها ومعاني الْأَلْفَاظ وَمَا تدل عَلَيْهِ نصا وظاهراً ومفهوماً قَالَه ابْن أبي الدُّنْيَا. قَالَ: وَهَذَا بِحَسب مَا يدل عَلَيْهِ عقد الاسترعاء فِي فصوله وَمن طول الأمد وقربه لما يعرض فِي طول الأمد من النسْيَان، لَا سِيمَا إِذا كَانَ العقد يتَضَمَّن فصولاً اه. نَقله فِي المعيار وَنَحْوه فِي الْفَائِق قَالَ: وَعَن بعض المفتيين لَا تقبل شَهَادَة الاسترعاء إِذا تَأَخَّرت عَن زمن تحملهَا إلاَّ حفظا من صَدره اه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 قلت: وَهَذَا لَا يجْرِي فِي اللفيف الَّذِي بِهِ الْعَمَل عندنَا إِذْ لَا تُوجد فيهم الْعَدَالَة فضلا عَن التبريز. تُجْمَعُ الآجالُ والتَّفْصِيلُ فِي وَقْتِنَا هـ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ذَا هُوَ المَعْمُولُ (وَتجمع) بِضَم التَّاء مَبْنِيا للْمَفْعُول (الْآجَال) نَائِبه قَالَ المتيطي: وَله أَن يضْرب لَهُ أَََجَلًا قَاطعا من ثَلَاثِينَ يَوْمًا ويخبره أَنه جمع لَهُ فِي ذَلِك الْآجَال والتلوم حَتَّى يعرف مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ اه. وَانْظُر هَل إخْبَاره بذلك وَاجِب بِحَيْثُ يبطل الحكم إِذا لم يُخبرهُ أم لَا؟ وَهُوَ الظَّاهِر من وَثِيقَة لَهُ فِي أَوَائِل النِّكَاح ذكر فِيهَا مَا نَصه: وأجله وَفقه الله لإِثْبَات عَدمه بِالصَّدَاقِ آجالاً جمعهَا لَهُ مَعَ التَّلَوُّم فِي أحد وَعشْرين يَوْمًا أَولهَا كَذَا شهد على إِشْهَاد القَاضِي الخ. فَلم يذكر فِيهَا أَنه أخبرهُ بِالْجمعِ الْمَذْكُور، فَلَو كَانَ وَاجِبا مَا أمكنه تَركه وَلَا يلْزم من التَّنْصِيص عَلَيْهِ فِي رسم الْآجَال أَن يكون علم بِهِ لِأَن رسم الْآجَال لَا يكون بِيَدِهِ بل بيد الطَّالِب (وَالتَّفْصِيل) للآجال مُبْتَدأ و (فِي وقتنا) يتَعَلَّق بِهِ (هَذَا) نعت لوقت (هُوَ) مُبْتَدأ ثَان (الْمَعْمُول) بِهِ خَبره. وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَخَبره خبر الأول، وَيجوز أَن يكون فِي وقتنا يتَعَلَّق بالمعمول أَي وَالتَّفْصِيل للآجال على حسب مَا مرّ فِي وقتنا. هَذَا هُوَ الْمَعْمُول بِهِ عِنْد قُضَاة الْعدْل دون جمعهَا، وَمن ثَمَرَته مَا مرّ من أَنه يوقفه عِنْد تَمام كل أجل. تَنْبِيه: تقدم أَن الْآجَال موكولة لاجتهاد الْحُكَّام وَأَن التَّفْصِيل الْمَذْكُور لَا يجب الْوُقُوف عِنْده، لَكِن الْمُنَاسب لما مر عِنْد قَوْله وَقَول سَحْنُون بِهِ الْيَوْم الْعَمَل الخ. من ضعف عَدَالَة قُضَاة الْوَقْت أَن لَا يقبل مِنْهُم أقل من هَذِه التحديدات الْمَذْكُورَة، وَأَنه إِن حكم عَلَيْهِ بعد أَن أَجله بِأَقَلّ وعاجله بالحكم والمحكوم عَلَيْهِ يطْلب مَا وَجب لَهُ على التَّفْصِيل الْمَار ينْقض حكمه وتعجيزه إِن أَتَى بِحجَّة لأَنهم إِنَّمَا استحسنوا التحديدات الْمَذْكُورَة وَعمِلُوا بهَا رفعا للتهم فَكَمَا لَا يقبل قَول قَاضِي الْوَقْت: حكمت بعد أَن أجلت وَنَحْوه كَمَا مرّ كَذَلِك لَا يقبل قَوْله اجتهدت فِي قدر أَجله إِذْ لَيْسَ هُوَ من أهل الِاجْتِهَاد، وَلذَا صرح غير وَاحِد بِأَن الْعَمَل على التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم. وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم فِي التَّوَقُّف فَلَا غنى عَن أجل مَضْرُوب. (فصل فِي الْإِعْذَار) مصدر أعذر إِذا بَالغ فِي طلب الْعذر. وَقَالَ الْمبرد فِي مَعَاني الْقُرْآن: يُقَال أعذر الرجل إِذا أَتَى بِعُذْر صَحِيح، وَمِنْه الْمثل: من أنذر فقد أعذر أَي قد بَالغ فِي الْعذر من تقدم إِلَيْك فأنذرك، وَمِنْه أعذر القَاضِي إِلَى من ثَبت عَلَيْهِ حق فِي الْمَشْهُود بِهِ. وَفِي الْعرف قَالَ ابْن عَرَفَة: سُؤال الْحَاكِم من توجه عَلَيْهِ مُوجب حكم هَل لَهُ مَا يسْقطهُ اه. وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى فِي قصَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 الهدهد: لأعذبنه عذَابا شَدِيدا} (النَّمْل: 21) الْآيَة. فَجعل لَهُ عذرا إِذا أَتَاهُ بسُلْطَان مُبين وَقَوله تَعَالَى: وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى} (الْإِسْرَاء: 51) إِلَى غير ذَلِك. ويعذر فِي الْمُزَكي والمزكى وَكَذَا فِي شُهُود الْخط وَيُسمى ذَلِك للْمَشْهُود عَلَيْهِ. وَاخْتلف هَل يَقُول لَهُ دُونك فجرح وَإِلَّا حكمت أَو لَا يَقُول لَهُ ذَلِك؟ ثَالِثا: إِن كَانَ قبولهم بالتزكية، وَرَابِعهَا لِابْنِ الْقَاسِم يَقُول ذَلِك لمن لَا يدريه كَالْمَرْأَةِ والضعيف. وَقَبْلَ حُكْمٍ يَثْبُتُ الإعْذَارُ بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَذَا المُخْتَارُ (وَقبل حكم) يتَعَلَّق بقوله (يثبت) بِفَتْح أَوله وَضم ثالثه بِمَعْنى يجب أَي يُثَاب على فعله ويعاقب على تَركه (الْإِعْذَار) فَاعله أَي يجب الْإِعْذَار للخصم عِنْد إِرَادَة الحكم عَلَيْهِ فَهُوَ قريب من كَلَام ابْن عَرَفَة (بشاهدي عدل) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف لَا بيثبت الْمَذْكُور كَمَا يَأْتِي إِلَّا أَن يُرِيد بِهِ الْحَقِيقَة وَالْمجَاز أَي أطلقهُ على الْوُجُوب قبل الحكم وعَلى الثُّبُوت الْحَقِيقِيّ بعده أَي يجب على الْحَاكِم قبل حكمه الْإِعْذَار بقوله لمن توجه عَلَيْهِ الحكم أبقيت لَك حجَّة أَو هَل لَك مَا يُحَقّق دعواك وَيثبت الْإِعْذَار بذلك عِنْد التَّنَازُع فِيهِ بشاهدي عدل فمعمول الْإِعْذَار مَحْذُوف وَالْعَامِل فِي الْجَار على الْوَجْه الأول كَذَلِك كَمَا ترى، وَيدل لحذف الْعَامِل فِي الْجَار قَوْله بعده وَشَاهد الْإِعْذَار الخ، تَأمل، فيستفاد مِنْهُ حِينَئِذٍ أَن الحكم من غير تقدم إعذار بِمَا ذكر بَاطِل وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ شَرط صِحَة فِيهِ على الْمَذْهَب لحق الله وَمَا للبناني من أَنه إِنَّمَا يبطل إِذا خلا من الْإِعْذَار رَأْسا لَا قبل الحكم وَلَا بعده فِيهِ نظر يعلم بِالْوُقُوفِ على مَسْأَلَة الترجالي فِي أنكحة المعيار، وعَلى مَا فِي نَوَازِل الضَّرَر مِنْهُ وَأَن الْإِعْذَار لَا يثبت بِمُجَرَّد قَول القَاضِي أعذرت فحكمت بل حَتَّى تشهد بذلك بَيِّنَة كَمَا مرّ عِنْد قَوْله وَقَول سَحْنُون بِهِ الْيَوْم الْعَمَل الخ. وَتعلق الْجَار بيثبت الْمَذْكُور مَعَ إِطْلَاقه على حَقِيقَته لَا يُفِيد مَا ذَكرْنَاهُ كَمَا يعلم بِالتَّأَمُّلِ إِذْ لَا دَاعِي لإثباته قبل الحكم إِذْ لَا نزاع فِيهِ حَتَّى يطْلب إثْبَاته. نعم إِذا قُلْنَا التَّأْجِيل إعذار وَاخْتلف فِيهِ قبل الحكم فَيمكن ذَلِك وَسَيَأْتِي أَنه يعْذر لَهُ ابْتِدَاء وانتهاء. وَالْحَاصِل أَنه تَارَة يتفقان على أَن الحكم وَقع قبل الْإِعْذَار وَتارَة يَخْتَلِفَانِ فَيَقُول القَاضِي: مَا حكمت حَتَّى أعذرت لَك، فَلم تأت بِحجَّة، وَأنكر الْمَحْكُوم عَلَيْهِ الْإِعْذَار لَهُ وَفِي كل مِنْهُمَا خلاف وَالْمُعْتَمد بطلَان الحكم فيهمَا حَتَّى يثبت الْإِعْذَار وَلذَا قَالَ: (وَذَا) أَي مَا ذكر من كَون الْإِعْذَار وَاجِبا قبل الحكم وَكَونه يثبت بِشَاهِدين هُوَ (الْمُخْتَار) الْمَعْمُول بِهِ خلافًا لمن قَالَ أَنه يحكم أَولا وَبعد ذَلِك يعْذر للمحكوم عَلَيْهِ فَإِن أبدى مطعناً وَإِلَّا اسْتمرّ الحكم عَلَيْهِ، وَلمن قَالَ يثبت الْإِعْذَار بِمُجَرَّد قَول القَاضِي وَإِن لم يعلم إِلَّا من قَوْله كَمَا فِي التَّبْصِرَة وَغَيرهَا فَإِن ذَلِك كُله ضَعِيف لم يَصْحَبهُ عمل، وَلذَا احْتَاجَ النَّاظِم إِلَى نفي الْإِعْذَار فِي شَاهده فَقَالَ: وَشَاهد الْإِعْذَار الخ. وَعلله بالتسلسل إِذْ لَو كَانَ قَول القَاضِي فِيهِ مَقْبُولًا لم يعلله بذلك فَقَوله الْمُخْتَار رَاجع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 لثُبُوت الْإِعْذَار ولوجوبه قبل الحكم كَمَا قَررنَا لَا لتثنية شَاهِدي عدل لِأَنَّهُ كَمَا يثبت بالشاهدين يثبت بِالشَّاهِدِ الْوَاحِد على الْمُعْتَمد، ثمَّ إِذا أعذر لَهُ بِمَا مرّ فَإِن ذكر حجَّة أَجله للإتيان بهَا على حسب مَا مرّ، وَإِن ذكر أَن لَهُ بَيِّنَة بعيدَة كالعراق وَالْمغْرب من الْمَدِينَة أَو مصر حكم عَلَيْهِ وَكتب فِي كِتَابه وَمَتى أحضرها فَهُوَ على حجَّته. قَالَ فِي الشَّامِل: وَلَو أَحْلف خَصمه بِدُونِ حَاكم وَله بَيِّنَة بعيدَة فَلهُ الْقيام أَي بهَا إِذا قدمت وَلَا مَفْهُوم لقَوْله بِدُونِ حَاكم بل بالأحرى إِذا أحلفه بحاكم كَمَا فِي النكت، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ الْقيام إِذا أحلفه بِدُونِ حَاكم لِأَنَّهُ لَو رفع الْأَمر للْحَاكِم لم يفعل غير ذَلِك. تَنْبِيهَات. الأول: فهم من كَلَام ابْن عَرَفَة والناظم أَن الْإِعْذَار بقوله: أَلَك حجَّة وَنَحْوه قد يَتَعَدَّد لِأَنَّهُ مُعَلّق على توجه الحكم وَهُوَ قد يتَوَجَّه مرَارًا فَيتَوَجَّه من أول الْأَمر كَمَا لَو ادّعى عَلَيْهِ بدين مثلا، فَأنكرهُ، فَالْحكم قد توجه على الطَّالِب فيعذر لَهُ بِمَا ذكر، فَإِذا ادّعى حجَّة وَأجل للإتيان بهَا وانقضى أَجله الأول وَأَوْقفهُ أعذر لَهُ بذلك أَيْضا، وَهَكَذَا إِلَى انْقِضَاء الْآجَال والتلومات فيعذر لَهُ بذلك أَيْضا، وَكَذَا يُقَال فِي الْمَطْلُوب إِن ادّعى مطعناً فِيمَا أثْبته الطَّالِب ففائدته أَولا ليعلم مَا عِنْده من أدعائها أَو نَفيهَا، وَفَائِدَته أخيراً ليظهرها إِن أَتَى بهَا أَو يُبْدِي عذرا يُوجب تَأْخِيره كَمَا مرّ، وليظهر عَجزه إِن لم يَأْتِ بِشَيْء فَيشْهد عَلَيْهِ بِعَدَمِ الْإِتْيَان أَو ادِّعَاء نَفيهَا فَيَقَع الحكم مَعَ تبين اللدد أَو مَعَ عَدمه وَنَحْو ذَلِك كَمَا مرّ فِي الْآجَال، وَيدل لما ذَكرْنَاهُ قَول ابْن سهل وَغَيره لَا بدّ للْقَاضِي أَن يَقُول للمتخاصمين أخيراً أبقيت لَكمَا حجَّة اه. وَحِينَئِذٍ فَلَا بدّ أَن يَقُول فِي رسم التسجيل لما تحاكم الخصمان أَعْلَاهُ وانصرمت الْآجَال والتلومات الثَّابِتَة أَعْلَاهُ أَو حوله وَلم يَأْتِ المتأجل بِشَيْء اقْتضى نظر قَاضِي كَذَا وَهُوَ الخ إِن حكم على فلَان المتأجل الْمَذْكُور بِكَذَا بعد أَن أعذر لَهُ بأبقيت لَك حجَّة فادعاها أَو نفاها حكما لَازِما قطع بِهِ شغبه وَأوجب الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ أشهد على إشهاده بِمَا ذكر وَهُوَ بِحَيْثُ يجب لَهُ ذَلِك وعَلى الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ عَنهُ الخ. فَالْحكم بَاطِل إِن خلا من الْإِعْذَار بِمَا ذكر وَلم يشْهد بِهِ الْغَيْر كَمَا مرّ. وَقَوْلنَا فادعاها أَو نفاها الخ. يَنْبَنِي عَلَيْهِ قَول (خَ) ثمَّ لَا تسمع بَيِّنَة أَن عَجزه قَاض مدعي حجَّة وظاهرها الْقبُول إِن أقرّ على نَفسه بِالْعَجزِ اه. وَسَيَأْتِي تَمام هَذَا فِي الْفَصْل بعده إِن شَاءَ الله وَلَا يُعَارض مَا مرّ عَن ابْن سهل وَغَيره قَول النَّاظِم: وَمن أَلد فِي الْخِصَام الخ. لِأَن هَذَا لما علم لدده وَأَنه يدعيها وَإِلَّا لما فر، وَأَيْضًا الفار متسبب بفراره فِي إِسْقَاط حَقه. الثَّانِي: فهم من قَوْله الْإِعْذَار الَّذِي هُوَ طلب الْعذر كَمَا مرّ أَنه لَا يكون فِي شَهَادَة ورسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 ناقصين كَمَا لَا يُكَلف بِجَوَاب الدَّعْوَى النَّاقِصَة كَمَا مرّ لِأَن الْعذر مَوْجُود حِينَئِذٍ فَطَلَبه من طلب تَحْصِيل مَا هُوَ حَاصِل، وَلذَا قَالَ ابْن سهل وَغَيره: والإعذار لَا يكون إِلَّا بعد اسْتِيفَاء الشُّرُوط وَتَمام النّظر والإعذار فِي شَيْء نَاقص لَا يفِيدهُ، وَكَذَا الْخطاب بِالْقبُولِ وَالْأَدَاء لَا يكون فِي شَيْء نَاقص كَمَا يَأْتِي فِي أول الْفَصْل بعده. الثَّالِث: إِذا قَامَ الْمُسْتَحق وَأثبت أَن فلَانا غصبه أملاكاً وباعها ثمَّ بَاعهَا المُشْتَرِي مِنْهُ لآخر فالإعذار يكون للْمُشْتَرِي الَّذِي بِيَدِهِ الْأَمْلَاك وَتَكون الْخُصُومَة مَعَه خَاصَّة فَإِن أَتَى بمدفع فَذَاك وإلاَّ رَجَعَ على بَيْعه وينتقل الْإِعْذَار لَهُ فَيُطَالب بالمدفع الَّذِي كَانَ يُطَالب بِهِ المُشْتَرِي مِنْهُ وَهَكَذَا حَتَّى يصل إِلَى الأول قَالَه فِي أقضية الْبُرْزُليّ، وَيَأْتِي مثله فِي الِاسْتِحْقَاق إِن شَاءَ الله، ثمَّ إِذا أنكر الْمَحْكُوم عَلَيْهِ والمتأجل الْإِعْذَار والتأجيل فاستظهر الْمَحْكُوم لَهُ بعدلين عَلَيْهِمَا فَسَأَلَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ الْإِعْذَار لَهُ فِي شاهديهما، فَإِن الْمُنكر لذَلِك لَا يُجَاب كَمَا قَالَ: وشاهِدُ الإعْذَارِ غَيْرُ مَعْمَلِ فِي شَأْنِهِ الإعْذَارُ لِلتَّسَلْسُلِ (وَشَاهد الْإِعْذَار) مُبْتَدأ (غير معمل) خَبره (فِي شَأْنه) يتَعَلَّق بِهِ (الْإِعْذَار) نَائِب فَاعل معمل لِأَنَّهُ اسْم مفعول بِضَم الْمِيم الأولى وَفتح الثَّانِيَة (للتسلسل) يتَعَلَّق باسم الْمَفْعُول الْمَذْكُور. وَبَيَانه: أَنه لَو مكن من ذَلِك لم يكن بُد من إِشْهَاد شَاهِدين على ذَلِك ثمَّ يجْحَد الْإِعْذَار ثَانِيًا وَيسْأل الْإِعْذَار فِي شاهديه، وَهَكَذَا كلما أعذر لَهُ بِشَاهِدين جحد. وَقَالَ: اعذر لي فِيمَن شهد بِهِ، وَنَظِيره مَا تقدم فِي كَون القَاضِي إِن لم يسْتَند لعلمه فِي الشُّهُود لزم التسلسل، وَإِن كَانَ القَاضِي يُمكنهُ قطع التسلسل اللَّازِم فِي عدم استناده إِلَى علمه بتزكية شَاهِدين مشهورين عِنْد النَّاس بِالْعَدَالَةِ كَمَا مرّ، فَهُنَا لَا يُمكن ذَلِك وَتَقْرِير (م) لَهُ بِأَنَّهُ لَو مكن من ذَلِك لجرحهما فَيبْطل الْإِعْذَار وَيبْطل الحكم بِبُطْلَانِهِ لِأَنَّهُ مُتَوَقف على الْإِعْذَار وَالْفَرْض أَن لَهُ تجريح شَاهده فيتعذر الحكم أبدا الخ. فِيهِ نظر فَإِن تَقْرِير التسلسل بِهَذَا الْمَعْنى يُؤَدِّي إِلَى نفي الْإِعْذَار من أَصله فِي كل شَيْء لَا فِي خُصُوص شَاهِدي الْإِعْذَار لِأَن كل مَعْذُور فِيهِ يُمكن تجريحه. وَقَول (ت) إِن التسلسل الْمَذْكُور يَنْقَطِع بالإعذار بالمبرزين وَإنَّهُ إِنَّمَا يمْنَع فِي العقليات الخ. يُرِيد بِأَن المبرز يغلب تعذره كَمَا يَأْتِي وَبِأَنَّهُ يقْدَح فِيهِ بالعداوة والقرابة كَمَا يقْدَح فِيهِ بِغَيْرِهِمَا على الْمُخْتَار عِنْد اللَّخْمِيّ وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا فِي (خَ) وشراحه، وَبِأَن التسلسل الْمَذْكُور بِالْمَعْنَى الَّذِي قدمْنَاهُ عَقْلِي كَمَا لِابْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 عَرَفَة راداً بِهِ على ابْن عبد السَّلَام فِي التسلسل اللَّازِم على عدم استناد القَاضِي لعلمه، ثمَّ إِن كَلَام النَّاظِم هُنَا شَامِل لكل مَا أشهد بِهِ القَاضِي على نَفسه من إعذار أَو تَأْجِيل أَو ثُبُوت أَو إبرام حكم وَنَحْو ذَلِك، فَإِن الْإِعْذَار فِي ذَلِك كُله يُؤَدِّي للتسلسل الْمَذْكُور. أَلا ترى أَنه إِذا أعذر لَهُ فِي شَاهِدي الحكم مثلا وَعجز عَن الطعْن فيهمَا فَحكم بعجزه أنكر الْعَجز وَقَالَ لَهُ: اعذر لي فِي شاهديه وَهَكَذَا وَلَا يدْخل مَا هُنَا فِي قَوْله: وَلَا الَّذِي بَين يَدَيْهِ قد شهد. الخ. . لِأَنَّهُ فِيمَا أقرّ بِهِ أحد الْخَصْمَيْنِ بَين يَدَيْهِ وَلَا يلْزم من عدم الْإِعْذَار فِيمَا أقرّ بِهِ بَين يَدَيْهِ عَدمه فِيمَا أشهد بِهِ على نَفسه، لِأَن التُّهْمَة فِي الشَّهَادَة وعَلى النَّفس أقوى، أَلا ترى أَنه فِي الْإِقْرَار يكون شَاهدا بِهِ عِنْد الْغَيْر بِخِلَاف الآخر، فَإِنَّهُ شَهَادَة على فعل النَّفس لَا تقبل فالمسألتان متباينتان، وَقد تقدم أَن قَول (خَ) وَلَا تقبل شَهَادَته بعده أَي بعد الْعَزْل أَنه قضى بِكَذَا أَنه لَا مَفْهُوم للظرف، بل كَذَلِك قبل الْعَزْل على الْمُعْتَمد، وَلَا فرق بَين أَن يكون قَوْله ذَلِك على وَجه الْخطاب أَو الشَّهَادَة، وَلَو كَانَ قَوْله مَقْبُولًا مَا احْتَاجَ النَّاظِم إِلَى تَعْلِيل نفي الْإِعْذَار بالتسلسل، فالتعليل بِهِ جَار فِي القَاضِي المشهد بالإعذار وَنَحْوه، وَفِي الَّذِي أَتَى بعده كَمَا هُوَ ظَاهر وَالله أعلم. وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا يَأْتِي من وجوب إِعْطَاء النُّسْخَة من الحكم لِأَنَّهُ لم يَأْخُذهَا من جِهَة الْإِعْذَار فِي شاهديه، بل ليراجع فصوله عِنْد أهل الْعلم وليعلم هَل صَادف فِيهِ الصَّوَاب أم لَا وإلاَّ فَهُوَ مقرّ بِوُقُوع الحكم عَلَيْهِ. وَلَا الذِي وَجَّهَهُ الْقَاضِي إِلَى مَا كَانَ كالتحْلِيفِ مِنهُ بَدلا (وَلَا) الْوَاو عاطفة على معنى الْبَيْت الْمُتَقَدّم وَلَا لتأكيد النَّفْي أَي لَا يعْمل الْإِعْذَار فِي شَأْن شَاهد الْإِعْذَار وَلَا (الَّذِي وَجهه القَاضِي إِلَى) يتَعَلَّق بِوَجْهِهِ (مَا) مَوْصُولَة (كَانَ) صلتها وَاسْمهَا عَائِد على مَا (كالتحليف) خَبَرهَا، وأدخلت الْكَاف الموجه للحيازة والموجه لآخذ الْمَرْأَة بشرطها وتطليق نَفسهَا والموجه للنَّظَر فِي الْعُيُوب وتقويم الْمَسْرُوق هَل فِيهِ نِصَاب فَيقطع أَو لَا؟ وتقويم الْمُتْلفَات لتغرم وَنَحْو ذَلِك، وَلَكِن عدم الْإِعْذَار فِي الموجه للعيب والتقويم إِنَّمَا هُوَ من جِهَة الطعْن فِيهِ لَا من جِهَة معارضته بِشَهَادَة أُخْرَى أقوى مِنْهُ أَو سُؤال أهل الْعلم عَن فُصُول شَهَادَته فيعذر لَهُ من هَذِه الْحَيْثِيَّة، وأدخلت أَيْضا الموجه للأعذار لمريض أَو مسجون أَو امْرَأَة لَا تخرج، وَإِنَّمَا لم يعْذر فِيمَن وَجه إِلَى من ذكر لِأَن القَاضِي أَقَامَهُ مقَام نَفسه وَجعله (مِنْهُ بَدَلا) مفعول لأَجله فَيُفِيد أَن عدم الْإِعْذَار إِنَّمَا هُوَ لأجل مَا ذكر أَو حَال من الَّذِي، وَمِنْه يتَعَلَّق بِهِ وَلَا يلْزمه تَسْمِيَته إِذْ مَا لَا إعذار فِيهِ وَلَا فَائِدَة فِي تَسْمِيَته قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة، قَالَ: وَقد قيل لَا يسْقط الْإِعْذَار فِي الموجهين للتحليف وبالأول الحكم وَالْعَمَل قَالَ: وَكَذَا الْإِعْذَار فِي الموجهين للأعذار إِلَى مَرِيض وَنَحْوه وَلَا فِي الموجهين للحيازة. ابْن سهل: وَسَأَلت ابْن عتاب عَن ذَلِك فَقَالَ: لَا إعذار فِيمَن وَجه للأعذار ويعذر فِي الموجهين للحيازة. قَالَ ابْن الْهِنْدِيّ: وَبِه جرى الْعَمَل وَقد اخْتلف أَيْضا فِي ذَلِك اه. وَفهم مِنْهُ أَنه إِذا لم يُوَجه من قبل القَاضِي إِلَى ذَلِك فِيهِ الْإِعْذَار وَهُوَ كَذَلِك وَفهم من قَوْله مِنْهُ بَدَلا أَن عدم الْإِعْذَار إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ الَّذِي وجههما هُوَ الْحَاكِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 فِي الْقَضِيَّة، فَإِن عزل أَو مَاتَ بعد التَّوْجِيه أَو قبل الحكم وَتَوَلَّى غَيره وَقُلْنَا يبْنى على مَا فعل الأول كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْل بعده فالإعذار وَاجِب لانْتِفَاء الْعلَّة. وَلَا الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ قَدْ شَهِدْ وَلَا اللَّفِيفُ فِي الْقَسَامَةِ اعتُمِدْ (وَلَا) عاطفة كَالَّتِي قبلهَا أَي وَلَا يعْمل أَيْضا فِي شَأْن الشَّاهِد (الَّذِي بَين يَدَيْهِ) يتَعَلَّق بقوله (قد شهد) بِفَتْح الشين وَكسر الْهَاء صلَة الَّذِي وَالضَّمِير فِي يَدَيْهِ يعود على القَاضِي أَي شهد بِإِقْرَار الْخَصْمَيْنِ أَو أَحدهمَا بَين يَدي القَاضِي، والظرف يتَعَلَّق بِإِقْرَار الْمَعْمُول لشهد لَا لنَفس شهد، فالظروف يتوسع فِيهَا وَإِن تقدّمت على الْمصدر الْمَحْذُوف أَي: فَإِن الْخصم إِذا أنكر وَطلب الْإِعْذَار فِي شَاهِدي الْإِقْرَار لَا يُجَاب بل يحكم عَلَيْهِ بِمُقْتَضى الْإِقْرَار من غير إعذار فِي شاهديه لمشاركته فهما فِي سَماع الْإِقْرَار. ابْن سهل: وَيُؤَيِّدهُ قَول مَالك فِي سَماع أَشهب فِي الْقَوْم يشْهدُونَ عِنْد القَاضِي ويعدلون عِنْده هَل يَقُول للْمَشْهُود عَلَيْهِ دُونك فجرح؟ فَقَالَ: إِن فِي ذَلِك لتوهيناً للشَّهَادَة وَلَا أرَاهُ إِذا كَانَ عدلا أَو عدل عِنْده أَن يفعل قَالَ: فقد أسقط مَالك الْإِعْذَار هَهُنَا فِيمَن عدل عِنْده، فَكيف فِيمَن هُوَ عِنْده عدل وَشهد عِنْده بِمَا اسْتَوَى فِيهِ علم الشُّهُود وَعلمه مِمَّا سَمعه فِي مَجْلِسه، وَإِن كَانَ لم يصحب هَذِه القولة يَعْنِي قولة مَالك بِعَدَمِ الْإِعْذَار فِي الْمعدل بِالْفَتْح عمل قَالَ: بل الْعَمَل فِي الْمعدل بِالْفَتْح على الْإِعْذَار فِيهِ بالتجريح وَغَيره هُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة وَابْن نَافِع وَسَحْنُون وشاهدت بِهِ الْقَضَاء بِإِجْمَاع من أدركنا من الْعلمَاء اه بِنَقْل المتيطي أَوَائِل النِّكَاح، وَبِه تعلم أَن الَّذِي أسقط فِيهِ مَالك الْإِعْذَار هُوَ الْمعدل بِفَتْح الدَّال، لَكِن لم يصحب قَوْله عمل لَا الْمعدل بِالْكَسْرِ أَي مزكي السِّرّ كَمَا فهمه (ت) وبناني فِي حَاشِيَته مؤولاً بِهِ كَلَام ابْن سهل الَّذِي اختصر زَرُّوق فَهُوَ غلط نَشأ لَهما من ظنهما أَن الَّذِي يَصح بِهِ الاستشهاد هُوَ الْمعدل بِالْكَسْرِ، لِأَنَّهُ الَّذِي لَا إعذار فِيهِ مَعَ أَن ابْن سهل لم يتَكَلَّم عَلَيْهِ أصلا، وَإِنَّمَا اسْتشْهد بقول مَالك بِعَدَمِ الْإِعْذَار فِي الْمعدل بِالْفَتْح، وَإِن كَانَ قَوْله بذلك ضَعِيفا لَكِن فِيهِ تَقْوِيَة لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ الْإِعْذَار فِيمَا وَقع بَين يَدَيْهِ كَمَا ترى، وَرُبمَا أشعر قَوْله قد شهد الخ أَنه أَدَّاهَا بذلك الْمجْلس بِعَيْنِه لِأَنَّهَا لَا تسمى شَهَادَة إِلَّا بِالْأَدَاءِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا إعذار فِيهِ على الْمَشْهُور كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة. قَالَ: وَأما إِن كتبُوا مقَالَته وَوَضَعُوا أَسْمَاءَهُم عَلَيْهَا ثمَّ شهدُوا بهَا بعد أَيَّام من تَارِيخ تِلْكَ الْمقَالة أَو حفظوا مقَالَته فِي الْمجْلس دون أَن يكتبوا شَهَادَتهم عَلَيْهَا، ثمَّ يؤدونها عِنْده بعد ذَلِك الْمجْلس فَإِنَّهُ يعْذر إِلَى الْمَشْهُود عَلَيْهِ إِذا أنكر مقَالَته تِلْكَ من غير خلاف أعلمهُ فِي هذَيْن الْوَجْهَيْنِ، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الْوَجْه الأول اه. وَنَقله صَاحب التَّبْصِرَة عَن الْمُفِيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 تَنْبِيهَانِ. الأول: يفهم من هَذَا أَن عدم الْإِعْذَار إِنَّمَا هُوَ إِذا نَص الشُّهُود على أَن الْإِقْرَار أَو الْإِنْكَار وَقع بِالْمَجْلِسِ، وَنَصّ القَاضِي أَيْضا أَن الْأَدَاء وَقع بذلك الْمجْلس فَيَقُول مثلا: أديا بِمَجْلِس الْإِقْرَار أَعْلَاهُ الخ. وَإِلَّا فَمن أَيْن لنا أَن كلاًّ من الْإِقْرَار وَالْأَدَاء وَقع بِالْمَجْلِسِ حَتَّى يسْقط الْإِعْذَار فِي ذَلِك عِنْد هَذَا الْحَاكِم أَو عِنْد من بعده وَالله أعلم. الثَّانِي: مَا اقْتصر عَلَيْهِ النَّاظِم من عدم الْإِعْذَار فِي شَاهِدي الْمجْلس صرح المتيطي بمشهوريته كَمَا مرّ، وَبِه قَالَ ابْن الْعَطَّار وَغَيره. وَقَالَ ابْن الفخار: لَا بُد من الْإِعْذَار فيهمَا لِأَن القَاضِي لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ وَلَا بِمَا يقر بِهِ عِنْده دون بَيِّنَة وَلَا بِشَهَادَة غير العدلين وَهُوَ يعلم أَن مَا شَهدا بِهِ حق فَإِذا كَانَ هَكَذَا فَكيف يقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا من غير إعذار وَكَيف ينْكَشف عِنْد الْإِعْذَار أَنَّهُمَا غير عَدْلَيْنِ بِإِثْبَات عَدَاوَة أَو فسق؟ ابْن سهل: وَهَذَا عِنْدِي هُوَ الْقيَاس الصَّحِيح المطرد لمن قَالَ: إِن القَاضِي لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ وَلَا بِمَا سمع فِي مجْلِس نظره، لَكِن الَّذِي قَالَه ابْن الْعَطَّار بِهِ جرى الْعَمَل وَهُوَ عِنْدِي الِاسْتِحْسَان ويعضده قَول مطرف وَابْن الْمَاجشون وَبِه أَخذ سَحْنُون أَنه يقْضِي بِمَا سمع فِي مجْلِس نظره اه. فقد علمت من هَذَا أَن سُقُوط الْإِعْذَار فِي مَسْأَلَة النَّاظِم لَا يتمشى إِلَّا على قَول سَحْنُون وَمن مَعَه دون الْمَشْهُور من قَول مَالك وَابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب: من أَن القَاضِي لَا يحكم بِمَا سَمعه كَمَا رَأَيْته فِي كَلَام ابْن سهل وَابْن الفخار. وَبَيَانه: أَنه إِذا أسقط الْإِعْذَار فيهمَا قَالَ الْخصم: إِنَّمَا أردْت أَن تحكم عَليّ بعلمك، وَزَعَمت أَنه شهد عَليّ شَاهِدَانِ ومنعتني من تسميتهما والإعذار فيهمَا فَمَا ذَاك إِلَّا لتتوصل إِلَى الحكم بعلمك بل بهواك، فَالْبَيِّنَة حِينَئِذٍ مُسْتَغْنى عَنْهَا لوجودها فِي الصُّورَة فَقَط وَلَو سَمَّاهَا وَأبْدى مطعناً لم يقبل مِنْهُ فَلم يبْق سَبَب لحكمه إِلَّا مُجَرّد علمه، وَقد تقدم قَوْله: وَعلمه بِصدق غير الْعدْل لَا الخ. فالجاري على مَذْهَب مَالك وَابْن الْقَاسِم أَنه لَا بُد من الْإِعْذَار كَمَا قَالَ ابْن الفخار. قَالَ ابْن مُحرز: وَهُوَ الظَّاهِر وَإِذا تَأَمَّلت مَا مرّ عِنْد قَوْله وَقَول سَحْنُون بِهِ الْيَوْم الْعَمَل الخ. علمت أَن الْوَاجِب فِي زَمَاننَا هَذَا هُوَ الْإِعْذَار وَأَن مَا قَالَه النَّاظِم وَغَيره يجب كتمه بِالنِّسْبَةِ لقضاة الزَّمَان إِذْ مَا شَاءَ حَاكم أَن يحكم بِرَأْيهِ إِلَّا زعم أَنه أقرّ عِنْده فِي مَجْلِسه، وَشهد على إِقْرَاره شَاهِدَانِ وَأَنه لَا يلْزمه الْإِعْذَار فيهمَا وَلَا تسميتهما لِأَنَّهُ لَو سَمَّاهَا وأتى بمطعن لَا يقبل، وَلَو صَحَّ مَا ذكر هُنَا لبطل قَوْله فِيمَا مر وَعلمه بِصدق الخ. ولصح قَوْله وَقَول سَحْنُون الخ لِأَن الْأَمر آل هُنَا إِلَى حكمه بِعِلْمِهِ كَمَا ترى وكما يَأْتِي عِنْد قَوْله: والفحص من تِلْقَاء قَاض قنعا فِيهِ بِوَاحِد فِي الْأَمريْنِ مَعًا وَلذَا كَانَ الْقُضَاة الْيَوْم يُعْطون النّسخ من أحكامهم وتأجيلاتهم وإعذاراتهم وَالله أعلم. (وَلَا) عاطفة كَالَّتِي قبلهَا أَي وَلَا يعْمل فِي (اللفيف فِي الْقسَامَة) يتَعَلَّق بقوله (اعْتمد) وَالْجُمْلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 حَال من اللفيف أَي حَال كَونه اعْتمد عَلَيْهِ فِي الْقسَامَة وَجعل لوثاً فِيهَا وَهُوَ أحد قَوْلَيْنِ. مشهورهما أَنه لَيْسَ بلوث وعَلى مُقَابِله درج النَّاظِم فِي الدِّمَاء حَيْثُ قَالَ فِي أَمْثِلَة اللوث: أَو بِكَثِير من لفيف الشهدا. الخ. وَفهم من قَوْله فِي الْقسَامَة أَنه لَا يعْتَمد عَلَيْهِ فِي غَيرهَا وَالْعَمَل بفاس على جَوَاز شَهَادَته فِي الدِّمَاء وَالْأَمْوَال وَغَيرهمَا فَيثبت بهَا الدَّم وَغَيره ويقتص من الْقَاتِل بهَا مَعَ الْقسَامَة حَيْثُ بلغ اللفيف اثْنَي عشر فَأكْثر على مَا هُوَ مُبين فِي شرح اللامية وَغَيرهَا وَمعنى عدم الْإِعْذَار فِيهِ أَنه لَا يقبل التجريح فِيهِ بِكُل مَا يجرح بِهِ الْعدْل من مطل وَحلف بِعِتْق وَطَلَاق وَنَحْو ذَلِك لِأَنَّهُ مَدْخُول فِيهِ على عدم الْعَدَالَة. نعم لَا بُد فِيهِ من ستر الْحَال فَلَا يقبل تَارِك الصَّلَاة وَلَا المجاهر بالكبائر من كَثْرَة كذب وَإِظْهَار سكر وقمار وسفه ومجون وَلَا مُتَّهم كصديق وَقَرِيب للْمَشْهُود لَهُ أَو عَدو للْمَشْهُود عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَلَا مِمَّن فِيهِ عصبية فَفِي الْبُرْزُليّ قبيل النَّفَقَات أثْنَاء كَلَامه على شَهَادَة اللفيف مَا نَصه: شاع وذاع فِي الْعَامَّة أَن يشْهد بَعضهم لبَعض على وَجه الْإِعَانَة واستخلاص الْحُقُوق ويستند بَعضهم إِلَى خبر بعض من غير تَحْقِيق علم اه. وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الدِّمَاء عِنْد قَوْله: أَو بِكَثِير من لفيف الشهدا. الخ ... ثمَّ لَا بُد من استفساره لِأَنَّهُ قَائِم مقَام تزكيته، وَسَوَاء كَانَ فِي الرَّسْم إِجْمَال أَو احْتِمَال أم لَا لِأَن كل من لَا يكْتب شَهَادَته لَا بُد من استفساره لفيفاً أَو غَيره إِذْ لَعَلَّ الْكَاتِب كتب مَا لم يشْهد بِهِ وَهُوَ من حق الْخصم على عمل الفاسيين. وَصفته: أَن يقْرَأ الرَّسْم الْمُقَيد عَنْهُم أَولا على كل وَاحِد مِنْهُم إِن لم يحضروا جَمِيعًا أَو على جَمِيعهم إِن حَضَرُوا كلهم قِرَاءَة تفهم، فَإِذا كملت قِرَاءَته سَأَلَهُ عَن أَدَاء شَهَادَته كَيفَ يُؤَدِّيهَا وَعَن مُسْتَند علمه فِيهَا فَإِذا أجَاب بِشَيْء كتبه بِلَفْظِهِ حرفا حرفا وَلَو ملحوناً ويسأله عَن كل فصل يتَوَقَّف تَمام الشَّهَادَة عَلَيْهِ على حِدته فَيَقُول لَهُ: مَا علمك فِي هَذَا الْفَصْل وَفِي هَذَا وَلَا يكْتب عَلَيْهِ أَنه أسقط فصلا من فصولها بِمُجَرَّد سُكُوته عَنهُ كَمَا يَفْعَله كثير من جهلة الْعُدُول، بل حَتَّى يسْأَله عَنهُ بِخُصُوصِهِ وَلَا يُحَقّق فِيهِ شَيْئا وَإِن غلط فَلَا يؤاخذه بِهِ كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وخصم إِن يعجز الخ. وَهَكَذَا يفعل فِي الثَّانِي وَالثَّالِث حَتَّى يَأْتِي على الْأَخير وَإِن رَجَعَ بَعضهم كتب ذَلِك. وَإِن امْتنع من الْأَدَاء كتب يشْهد من يضع اسْمه أَثَره أَنه حضر بِموضع كَذَا وَسَأَلَ الشَّاهِد أَعْلَاهُ أَو حوله عَن شَهَادَته فَامْتنعَ من أَدَائِهَا امتناعاً كلياً فَمن عاين امْتِنَاعه الْمَذْكُور قَيده فِي كَذَا، فَإِذا ثَبت امْتِنَاعه سَقَطت شَهَادَته كامتناع الْعدْل من أَدَائِهَا. وَقيل: يهدد الْمُمْتَنع فَإِذا لج فِي الِامْتِنَاع جَازَت شَهَادَته، ثمَّ إِذا كمل الاستفسار وَوَافَقَ أَدَاؤُهُ مَا قيد عَنْهُم أَولا ثبتَتْ شَهَادَتهم وَيبقى المدفع فيهم بالعداوة وَترك الصَّلَاة وَنَحْوهَا مِمَّا مرّ لَا بِكُل قَادِح لِأَنَّهُ مَدْخُول فيهم على عدم تَمام الْعَدَالَة كَمَا مرّ، وَإِن خَالف أَدَاؤُهُ شَهَادَته أَولا سَقَطت الأولى وَالثَّانيَِة وَالْمُعْتَبر فِي الْمُخَالفَة اخْتِلَاف الْمَعْنى لَا اللَّفْظ، وَإِن بَقِي إِجْمَال بعد الاستفصال بغفلة مِمَّن بحثهم عَنهُ سئلوا عَنهُ كَمَا يسْأَل الشَّاهِد عَنهُ بعد أَدَاء شَهَادَته كَمَا فِي المعيار قَالَ فِيهِ وَمَا يتحيل بِهِ الشُّهُود من سُؤال الشَّاهِد المستفسر عَن أَشْيَاء تغلطه من الْفساد، بل الَّذِي دلّت عَلَيْهِ الرِّوَايَة أَن القَاضِي يسْأَله عَمَّا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الحكم وَلَا يشْتَرط حُضُور الْمَشْهُود عَلَيْهِ للاستفسار كَمَا لَا يجب على الْمَشْهُود لَهُ جلبهم لَهُ وَإِن كَانُوا من الْبَادِيَة مثلا، وَإِنَّمَا يجب عَلَيْهِ أَن يعينهم للمطلوب وشأنه باستفسارهم قَالَه العبدوسي وَغَيره، ثمَّ إِذا مَاتَ الشُّهُود أَو غَابُوا قبل الاستفسار فَإِنَّهُ يحكم بِشَهَادَتِهِم حَيْثُ كَانَت خَالِيَة من الْإِجْمَال وَالِاحْتِمَال لِأَن الأَصْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 استمرارها وَعدم وجود مَا يُبْطِلهَا فَإِذا كَانَ فِيهَا إِجْمَال فَفِي الْبُرْزُليّ عَن أبي عمرَان يستفسر الشُّهُود إِذا قَالُوا: هَذِه الدَّابَّة لفُلَان هَل يعلمُونَ أَنه بَاعهَا أم لَا؟ فَإِن غَابُوا حكم بِشَهَادَتِهِم، وَقيل: إِذا كَانُوا من أهل الْعلم وإلاَّ فَلَا اه. وَاخْتلف إِذا كَانُوا حضوراً وَلم يقم الْمَشْهُود لَهُ بهَا حَتَّى مَضَت سِتَّة أشهر فَأكْثر، وَالَّذِي بِهِ الْعَمَل أَن الرَّسْم إِذا جَاوز الْمدَّة الْمَذْكُورَة وَادّعى الْخصم فِيهِ مطعناً من غير الاستفسار مكن مِنْهُ، وَأما إِن طلب نُسْخَة للاستفسار فَإِنَّهُ لَا يُمكن وَيحكم بِهِ كَذَلِك من غير استفسار قَالَه أَبُو زيد التَّالِي. وَنَقله سَيِّدي الْعَرَبِيّ الفاسي، وَفِي المعيار جرى عمل بعض قُضَاة الْمغرب باستحسان ترك الاستفسار بعد مُضِيّ سِتَّة أشهر من أَدَاء الشَّهَادَة مُعْتَلًّا بِأَن هَذِه مَظَنَّة النسْيَان. زَاد فِي الْفَائِق مَا نَصه: وَبَعْضهمْ يَقُول بِاعْتِبَار سِتَّة أشهر إِن أَدَّاهَا إِثْر تحملهَا، وَأما إِن طَال زمن تحملهَا ثمَّ زعم نسيانها بعد سِتَّة أشهر من أَدَائِهَا فَإِنَّهُ لَا يقبل قَالَ: وَهَذِه كلهَا استحسانات خَارِجَة عَن الْأُصُول اه. وَمَفْهُوم قَوْله من أَدَائِهَا أَنهم إِذا مَاتُوا أَو غَابُوا قبل الْأَدَاء لَا يعْمل بهَا وَهُوَ الَّذِي نَقله بعض الثِّقَات عَن المجاصي وَأَنه رفعت إِلَيْهِ بَيِّنَة اللفيف على عين بلد لأَوْلَاد ابْن بكار وَهِي غير مُؤَدَّاة وَلها نَحْو الثَّمَانِينَ سنة فَلم يحكم بهَا اه. وَهَذَا ظَاهر إِن كَانَ الْأَدَاء غير الاستفسار كَمَا فِي (ت) فِي شرح اللامية: وإلاَّ فالمعمول بِهِ الْيَوْم أَن القَاضِي يَكْتَفِي بِمَا قَيده المتلقي عَنْهُم وَيكْتب عقب أَدّوا أَو شهدُوا لَدَى من قدم لذَلِك فَثَبت الخ. وَلَا يطالبهم بِالْأَدَاءِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قدم المتلقي للتلقية وَالْأَدَاء، وَحِينَئِذٍ فَيعْمل بِهِ حَيْثُ كتب القَاضِي شهدُوا وأدوا وَلَو طَال الزَّمَان وَمَا قَالَه المجاصي لَعَلَّه مَبْنِيّ على أَن الْأَدَاء لَا يكون إِلَّا عِنْد القَاضِي أَي فيؤدون عَلَيْهِ بعد التلقية، ثمَّ إِن طلب الاستفسار استفسروا وَهُوَ الَّذِي لأبي الْحسن، وَمن الْمَعْلُوم أَن الِاسْتِحْسَان مقدم على الْقيَاس، وَلذَا عول عَلَيْهِ ناظم الْعَمَل الْمُطلق فَقَالَ: واستحسنوا إِن مر نصف عَام من الْأَدَاء ترك الِاسْتِفْهَام وَفِي جَوَاب لسيدي عَليّ بن هَارُون مَا نَصه: جرى الْعَمَل بالتحديد فِي نُسْخَة الاستفسار بِسِتَّة أشهر مَعَ الْعلم فَإِن زَادَت الْمدَّة فَلَا تُعْطى فِيهَا نُسْخَة وتعطى مُطلقًا مَعَ عدم الْعلم، وَالْقَوْل قَول من لَهُ الْحق فِي ذَلِك أَنه لَا علم عِنْده وَلَوْلَا ذَلِك لضاعت الْحُقُوق اه. قلت: وَلَعَلَّ هَذَا القَوْل الْمفصل هُوَ الَّذِي أصَاب الْمفصل. تَنْبِيهَات الأول: الشَّاهِد غير المبرز الَّذِي لَا يعرف مَا تصح بِهِ الشَّهَادَة حكمه حكم اللفيف فِي وجوب الاستفسار عَن كَيْفيَّة علمه بِمَا شهد بِهِ كَمَا فِي التَّبْصِرَة، وَظَاهره كَانَ فِي الْوَثِيقَة إِجْمَال أم لَا. وَأما الْعدْل المبرز الْعَارِف بِمَا تصح بِهِ الشَّهَادَة فَلَا يستفسر حَيْثُ لَا إِجْمَال مُطلقًا، وَأما المبرز غير الْعَالم بِمَا تصح بِهِ الشَّهَادَة فيستفسر إِذا أبهم أَو أجمل كَالَّذي قبله كشهادته بِأَن الْمَرْأَة اخْتلعت من زَوجهَا وسلمت لَهُ فِي جَمِيع صَدَاقهَا ومطالبها ثمَّ قَامَت بعد ذَلِك تطالبه بِحَق خَارج عَن مطَالب الزَّوْجِيَّة زاعمة أَن تَسْلِيمهَا إِنَّمَا وَقع فِيمَا يرجع للزوجية فَهُنَا يسْأَل الشَّاهِد عَمَّا شهد بِهِ وَعَما فهمه من حَال الْمَرْأَة عِنْد الشَّهَادَة هَل مَا ادَّعَتْهُ الْآن أَو مَا ادَّعَاهُ الزَّوْج عَلَيْهَا من التَّعْمِيم قَالَه سَيِّدي الْعَرَبِيّ الفاسي. قلت: وَيفهم مِنْهُ أَن الْخلاف بَين ابْن رشد وَابْن الْحَاج الْمشَار لَهُ بقول اللامية: وَإِن عمم الْإِبْرَاء وَالْخلْع سَابق الخ. إِنَّمَا هُوَ إِذا لم يُحَقّق الشَّاهِد عِنْد الاستفسار شَيْئا أَو تعذر استفساره لمَوْته أَو غيبته وإلاَّ فَالْعِبْرَة بِمَا حَقَّقَهُ الشَّاهِد اتِّفَاقًا مِنْهُمَا فتحققه منصفاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 الثَّانِي: لَا بُد فِي الاستفسار من شَاهِدين يسألان اللفيف عَمَّا شهدُوا بِهِ وَلَا يَكْفِي الْوَاحِد لأَنهم إِن ثبتوا على شَهَادَتهم على نَحْو مَا قيدها عَنْهُم الْأَوَّلَانِ فسماع هَذَا مِنْهُم زَائِد لَا عِبْرَة بِهِ، وَإِن رجعُوا عَنْهَا فَلَا يثبت رجوعهم بِالشَّاهِدِ الْوَاحِد قَالَه الزياتي فِي نوازله عَن سَيِّدي الْعَرَبِيّ الفاسي قَالَ: وَأما السماع من اللفيف فَعمل المراكشيين على أَنه لَا بُد من اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ كالنقل، وَعمل الفاسيين على الِاكْتِفَاء بِالْوَاحِدِ لِأَنَّهُ من بَاب الْأَدَاء وَالسَّامِع مِنْهُ نَائِب عَن القَاضِي فِي ذَلِك، فَيشْهد اللفيف عِنْد عدل عينه القَاضِي نصا أَو بِعُمُوم الْإِذْن لَهُ فِي تحمل الشَّهَادَات، فَإِذا أدّى اللفيف لَدَيْهِ كتب مضمن شَهَادَتهم فِي رسم وأرخه ثمَّ كتب أَسْمَاءَهُم عقب التَّارِيخ ثمَّ يطالع القَاضِي بذلك فَيكْتب بِخَطِّهِ عقب أسمائهم شهدُوا لَدَى من قدم لذَلِك لموجبه فَثَبت فَقَوله: شهدُوا أَي اللفيف لَدَى أَي عِنْد من قدم أَي قدمه القَاضِي لسَمَاع الْبَينَات بِإِذن خَاص أَو عَام، فالفاعل الَّذِي حول عَنهُ الْإِسْنَاد هُوَ القَاضِي لذَلِك أَي لسَمَاع الْبَينَات اللفيفية لموجبه أَي لموجب تَقْدِيمه لذَلِك لكَونه عدلا صَالحا لذَلِك، ولضرورة استنابة القَاضِي إِيَّاه فِي ذَلِك لعسر مُبَاشرَة القَاضِي فَثَبت أَي أداؤهم أَي أَدَاء اللفيف عِنْد من ذكر، ثمَّ يكْتب بعد ذَلِك رسم التسجيل عقبه فِيهِ إِشْهَاد القَاضِي بِثُبُوت ذَلِك الرَّسْم عِنْده. الثَّالِث: مَا مر من أَن الرَّسْم يقْرَأ على اللفيف عِنْد إِرَادَة الاستفسار هُوَ مَا وقفت عَلَيْهِ لغير وَاحِد من الْمُتَأَخِّرين، وَأما غير اللفيف فَقَالَ فِي التَّبْصِرَة شَهَادَة الاسترعاء لَا بُد أَن يستحضرها الشُّهُود من غير أَن يرَوا الْوَثِيقَة إِذا كَانَت الْوَثِيقَة مَبْنِيَّة على معرفَة الشُّهُود كشهادتهم بمعاينة الْغَصْب والحيازة وَنَحْوهمَا، فَإِذا رأى الْحَاكِم رِيبَة من إِجْمَال أَو احْتِمَال توجب التثبت، فَيَنْبَغِي أَن يَقُول لَهُم مَا تَشْهَدُون بِهِ فَإِن ذكرُوا بألسنتهم مَا فِي الْوَثِيقَة وَإِلَّا ردهَا. قَالَ: وَأما إِن كَانَت الْوَثِيقَة منعقدة على إِشْهَاد الشَّاهِدين، فَلَا يَنْبَغِي أَن يُؤَاخذ الشُّهُود بِحِفْظ مَا فِي الْوَثِيقَة وحسبهم أَن يَقُولُوا: إِن شَهَادَتهم فِيهَا حق وَلَا يمسك القَاضِي الْكتاب ويسألهم عَنْهَا اه بِبَعْض اخْتِصَار وَزِيَادَة إِيضَاح. وَظَاهره أَن المنعقدة على إِشْهَاد الشَّاهِدين لَا استفسار فِيهَا وَلَو مَعَ إِجْمَال أَو احْتِمَال لِأَن الشَّاهِد حِينَئِذٍ إِنَّمَا حكى قَول الْمُتَعَاقدين وَهُوَ مُخَالف لما مرّ فِي مَسْأَلَة الْخلْع من أَنهم يسْأَلُون عَمَّا فهموه من حَال الْمُتَعَاقدين ومخالف لما نَص عَلَيْهِ ابْن لب فِي جَوَاب لَهُ نَقله الشَّارِح وَغَيره عِنْد قَوْله: وَالزَّوْج حَيْثُ لم يجدهَا بكرا. الخ. قَائِلا مَا نَصه الْوَاجِب فِي شَأْن اتِّصَال تِلْكَ الْعِصْمَة أَن يستفسر شُهُود التفاصل والانفصال فَإِن كَانُوا قد فَهموا من الزَّوْج الطَّلَاق وأدوا على ذَلِك فَهُوَ كَذَلِك وَإِن فَهموا بَقَاء الْعِصْمَة وأدوا على ذَلِك قلدوا وَحلف الزَّوْج أَنه مَا أَرَادَ طَلَاقا اه. وَهَذَا من أدل دَلِيل على دُخُول الاستفسار فِي شَهَادَة الأَصْل خلافًا لمن وهم من بعض شُيُوخنَا وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة رَاجع إِلَى الشَّهَادَة بالفهم وَفِي إعمالها نزاع تقدم عِنْد قَوْله: وَلَيْسَ بالجائز للْقَاضِي إِذا. وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله عِنْد قَوْله: وغالب الظَّن الخ ... إِن الشَّهَادَة بِمَا يفهم من الْقَرَائِن وَالْأَحْوَال لَا تقبل إِلَّا من المبرز فِي علم الْحَقَائِق وَأَيْنَ هُوَ، وَلذَا لم يذكر فِي الْفَائِق وجوب الاستفسار إِلَّا فِي شُهُود الاسترعاء فَقَالَ: إِن عمل الْقُضَاة جرى باستفسار شُهُود الاسترعاء عَن شَهَادَتهم وَبعد أَدَائِهَا عَن فُصُول الْوَثِيقَة ومضمونها الخ. وَيفهم مِنْهُ وَمِمَّا مر أَنهم لَا يستفسرون عَمَّا لَيْسَ من فُصُول الْوَثِيقَة كسؤالهم عَن وَقت الْوَاقِعَة ومكانها وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يضر جَهله كَمَا يَفْعَله بعض الْقُضَاة الْيَوْم، بل ذَلِك من الْفساد كَمَا مرّ، وَإِنَّمَا استحسنوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 ذَلِك فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَة كَمَا قَالَ (خَ) وَندب سُؤَالهمْ كالسرقة مَا هِيَ وَكَيف أخذت الخ. . بل ذكر شراحه عِنْد قَوْله فِي الْقسَامَة، وَإِذا اخْتلف شاهداه بَطل أَن شُهُود اللوث لَا يلْزمهُم بَيَان الزَّمَان وَالْمَكَان وَنَحْوهمَا، وَإِذا كَانَ هَذَا فِيمَا يُوجب الْقَتْل فَكيف بِهِ فِي غَيره. الرَّابِع: مَا مرّ من أَن الْعبْرَة فِي الْمُخَالفَة اخْتِلَاف الْمَعْنى لَا اللَّفْظ هُوَ الَّذِي صرح بِهِ من لَا يُحْصى مِمَّن تكلم على شَهَادَة اللفيف فَلَا يرد مَا لِابْنِ الْهِنْدِيّ فِي وثائقه من أَن شَهَادَة الأبداد لَا تعْمل شَيْئا إِذا شهد كل وَاحِد مِنْهُم بِغَيْر نَص مَا شهد بِهِ صَاحبه وَإِن اتّفقت شَهَادَتهم فِي الْمَعْنى اه. لِأَن كَلَامه فِي الْعُدُول العارفين بمعاني الْأَلْفَاظ وصيغها واللفيف لَا يَتَأَتَّى مِنْهُم ذَلِك فِي الْغَالِب على أَنه قد ورد عَن مَالك مَا يدل على جَوَازهَا فَفِي أَحْكَام ابْن سهل عَن الإِمَام مَالك فِي شَاهِدين شهد أَحدهمَا فِي منزل أَنه مسكن هَذَا وَشهد آخر أَنَّهَا حيزه فَقَالَ: هِيَ شَهَادَة وَاحِدَة وَلَا تفرق، وَقد يكون الْكَلَام فِي الشَّهَادَة مُخْتَلفا، وَالْمعْنَى وَاحِد فأراهما قد اجْتمعَا على الشَّهَادَة، قَالَ سَحْنُون: معنى حيزه أَنه ملكه وَحقه وَفِي التَّقْرِيب على التَّهْذِيب: لَو شهد رجل أَن زيدا بَاعَ سلْعَته من عَمْرو وَشهد آخر بإقرارهما بِالْبيعِ فشهادتهما كَامِلَة لِأَنَّهُمَا فِي الْمَعْنى قد اجْتمعَا على نقل الْملك اه. والأبداد: بدالين مهملتين التَّفَرُّق وَمِنْه قَوْلهم بدد الله شَمل الْعَدو. وَلَا الكَثِيرُ فِيهِمُ العُدُولُ والْخُلْفُ فِي جَمِيعها مَنْقُولُ (وَلَا الْكثير) مَعْطُوف على مَا مرّ (فيهم) خبر (الْعُدُول) مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة حَال، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى مَا ذكره ابْن سهل فِي مَسْأَلَة أبي الْخَيْر الملقب لزندقته بِأبي الشَّرّ شهد عَلَيْهِ بأنواع كَثِيرَة من الزندقة الْوَاضِحَة عدد كثير ثبتَتْ عَدَالَة نَحْو الْعشْرين مِنْهُم وَأكْثر من ضعفهم استظهاراً، فَأفْتى قَاضِي الْجَمَاعَة مُنْذر بن سعيد وَإِسْحَاق بن إبراهم وَأحمد بن مطرف بقتْله دون إعذار وَحكم بِهِ وَلم يلْتَفت إِلَى من قَالَ بالإعذار لَهُ، وَظَاهر إِطْلَاق النَّاظِم أَن الْإِعْذَار مُنْتَفٍ مَعَ الْكَثْرَة الْمَذْكُورَة فِي الْأَمْوَال وَغَيرهَا لِأَنَّهُ إِذا انْتَفَى فِي الدِّمَاء مَعَ خطرها فَكيف بِهِ فِي الْأَمْوَال وَهُوَ كَذَلِك؟ قَالَ ابْن سهل عقب نَقله لفتوى من أفتى بقتل الزنديق الْمَذْكُور مَا نَصه: وَالْحق أَن من تظاهرت الشَّهَادَة عَلَيْهِ فِي إلحاد أَو غَيره هَذَا التظاهر فالإعذار إِلَيْهِ مَعْدُوم الْفَائِدَة، وَفهم من قَوْله الْكثير أَنهم إِذا لم يكثروا يعْذر فيهم وَهُوَ كَذَلِك قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَأما الْآجَال فِي حق الزَّنَادِقَة فمذهب الْمُحَقِّقين أَن الْمَشْهُود عَلَيْهِ إِن استفاضت عَلَيْهِ الْأُمُور الْمُوجبَة للْقِيَام عَلَيْهِ فَلَا يعْذر إِلَيْهِ وَلَا يضْرب لَهُ أجل، وَإِن كَانَ على اخْتِلَاف ذَلِك فَإِنَّهُ يُؤَجل شهرا لدفع الْبَيِّنَة، فَإِن طلب أَََجَلًا آخر ورجى ثُبُوت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 حجَّته أجل أَََجَلًا آخر دون الأول أَو مثله بِالِاجْتِهَادِ وَإِن لم يرج لم يُوسع عَلَيْهِ (وَالْخلف) مُبْتَدأ (فِي جَمِيعهَا) أَي جَمِيع مَا مر أَنه لَا يعْذر فِيهِ يتَعَلَّق بقوله: (مَنْقُول) خبر الْمُبْتَدَأ، وَقد نبهنا على الْخلاف فِي كل مَسْأَلَة بخصوصها عِنْد الْكَلَام عَلَيْهَا. تَنْبِيهَانِ الأول: مَا تقدم من عدم الْإِعْذَار فِي الموجه للتطليق وَعَدَمه إِنَّمَا هُوَ من حَيْثُ الطعْن فِيهِ بالقوادح كَمَا يفهم من التَّعْلِيل بقوله مِنْهُ بَدَلا الخ. لَا من حَيْثُ معارضته بِبَيِّنَة أُخْرَى كَمَا إِذا شهد الموجه بِأَنَّهَا طلقت نَفسهَا فِي وَقت كَذَا من يَوْم كَذَا وَطلب الزَّوْج أَن يَأْتِي بِبَيِّنَة تشهد بِأَنَّهَا لم تتلفظ بِالطَّلَاق أصلا فِي ذَلِك الْوَقْت أَو لم يحلفهُ فِي ذَلِك الْوَقْت وَنَحْو ذَلِك من الْوُجُوه الْمُعَارضَة الْمُوجبَة للتهاتر أَو الصيرورة للترجيح، فَهَذَا يَنْبَغِي أَن يعْذر لَهُ فِيهِ ويؤجل لإثباته إِذْ لَا أقل أَن توجب الْمُعَارضَة الْمَذْكُورَة الْخلاف، وَيحْتَاج النَّاظر فِي الْقَضِيَّة حِينَئِذٍ إِلَى مزِيد تَحْرِير وإتقان، وَقد نقل (ح) أَن الْبَيِّنَتَيْنِ إِذا تَعَارَضَتَا فنفت كل مِنْهُمَا مَا أثبتته الْأُخْرَى فِي وَقت مَخْصُوص وَمَكَان مَخْصُوص يكون تهاتراً ويصار للترجيح فَانْظُرْهُ، وَلَا سِيمَا والموجه قد يكون وَاحِدًا وَكَذَا يُقَال فِي اللفيف على مَا بِهِ الْعَمَل من إِعْمَال شَهَادَته مُطلقًا. وَقُلْنَا لَا يعْذر فِيهِ بِكُل القوادح إِذا أَرَادَ الْخصم معارضته فَيمكن كَمَا نَص عَلَيْهِ غير وَاحِد. الثَّانِي: بَقِي على النَّاظِم مِمَّا لَا إعذار فِيهِ شَهَادَة الْقَافِلَة بَعضهم لبَعض فِي حرابة إِذا شهد عَدْلَانِ مِنْهُم على من حاربهم بِأخذ مَال أَو قتل، فَإِن مَذْهَب مَالك فِي السلابة والمغيرين وَمَا أشبههم إِذا شهد المسلوبون والمنتهبون قبُول شَهَادَتهم عَلَيْهِم إِذا كَانُوا من أهل الْقبُول دون إعذار، وَإِن أدّى إِلَى سفك دِمَائِهِمْ كَمَا فِي ابْن سهل عَن أبي إِبْرَاهِيم إِسْحَاق الْمَذْكُور، وَكَذَا لَا إعذار فِي شَهَادَة أهل الْقَافِلَة بَعضهم لبَعض عِنْد حَاكم الْبَلَد أَو الْقرْيَة الَّتِي حلوا أَو مروا بهَا بِمَا وَقع بَينهم من الْمُعَامَلَات فِي ذَلِك السّفر وَإِن لم يعرف حَاكم الْبَلَد عدالتهم كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ المُصَنّف فِيمَا يَأْتِي بقوله: وَمن عَلَيْهِ وسم خير قد ظهر. الخ. لِأَنَّهُ فِي ضَرُورَة السّفر مَدْخُول فيهم على عدم الْعَدَالَة، وَكَذَا لَا إعذار فِي مزكي السِّرّ كَمَا مرّ وَلَكِن الَّذِي عَلَيْهِ الْقُضَاة الْيَوْم وجوب الْإِعْذَار فِيهِ لما نبهنا عَلَيْهِ قبل فِي شَاهِدي الْمجْلس، وَيَأْتِي قَول النَّاظِم: والفحص من تَلقاهُ قَاض قنعا. وَأما المبرز فِي الْعَدَالَة فَالْمُعْتَمَد وجوب الْإِعْذَار فِيهِ بِكُل قَادِح كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: وَفِي المبرز بعداوة وقرابة وَإِن بِدُونِهِ كغيرهما على الْمُخْتَار، وَكَذَا من يخْشَى مِنْهُ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة وجوب الْإِعْذَار فِيهِ، وَإِنَّمَا ذكره (خَ) مَعَ من لَا إعذار فِيهِ جمعا للنظائر قَالَه طفي أَي: لِأَن الْجمع للنظائر قد يرتكب فِيهِ غير الْمَشْهُور، وَكَذَا لَا إعذار فِي الشَّهَادَة بِالضَّرَرِ وَلَا فِي حكم الْحكمَيْنِ وَلَا فِي الشَّاهِد على القَاضِي بالجرحة، لِأَن طلبه للإعذار فِيهِ طلب لخطة الْقَضَاء وطلبها جرحة كَمَا تقدم، وَأما الْوكَالَة فَإِنَّمَا ترك الْإِعْذَار فِيهَا من تَركه لِأَن القَاضِي لَا بُد لَهُ من الْإِعْذَار عِنْد إِرَادَة الحكم بقوله: أبقيت لَك حجَّة فاستغني بذلك عَن الْإِعْذَار فِيهَا ابْتِدَاء فَلَا يسْقط فِيهَا الْإِعْذَار جملَة كَمَا فِي غَيرهَا مِمَّا مرّ، وَكَذَا الإراثة كَمَا فِي (ح) عَن ابْن بشير القَاضِي. وَالْحَاصِل أَن الطَّالِب للإعذار إِن كَانَ هُوَ الْمُوكل فَإِن طلبه قبل قبض الْوَكِيل وَلم يتَعَلَّق للْوَكِيل حق بِالْوكَالَةِ من بيع رهن بِيَدِهِ ليستوفي دينه وَنَحْو ذَلِك فَلَا وَجه للإعذار لِأَنَّهُ مُمكن من عَزله، وَإِن كَانَ بعد الْقَبْض وَتلف الْمَقْبُوض أَو تعلق للْوَكِيل حق بهَا فَلَا إِشْكَال فِي وجوب الْإِعْذَار لَهُ، وَإِن كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الطَّالِب لَهُ هُوَ الدَّافِع فَإِن قُلْنَا: إِن الدَّافِع لَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَو ظَهرت سخطَة بشاهديها بعد قبض الْوَكِيل وهروبه أَو إفلاسه كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَامهم لِأَنَّهُ دفع بِحكم، والمصيبة من الْمُوكل فَلَا حق للدافع فِي الْإِعْذَار بِلَا إِشْكَال، وَإِن قُلْنَا بضمانه فَكيف لَا يعْذر لَهُ إِذا طلبه ابْتِدَاء وانتهاء. بل استظهر ابْن رحال فِي شَرحه وجوب الْإِعْذَار لَهُ مَعَ عدم الضَّمَان قَائِلا لِأَنَّهُ قَائِم مقَام الْمُوكل فِي ذَلِك وَأما إِن قَالَ: لَا أدفَع المَال حَتَّى يعْذر إِلَى الْمُوكل فَفِي ابْن سَلمُون: إِن قربت غيبَة الْمُوكل كالثلاثة فدون كتب إِلَيْهِ وَإِن بَعدت الْغَيْبَة حكم عَلَيْهِ بِالدفع، وَحِينَئِذٍ فَمن نفى الْإِعْذَار فِيهَا مُرَاده إِذا طلب الْغَرِيم الْإِعْذَار لنَفسِهِ مُطلقًا أَو لرب الْحق مَعَ بعد الْغَيْبَة كَمَا ترى، وَهَذَا كُله إِذا ثبتَتْ الْوكَالَة عِنْد القَاضِي، وَأما إِن لم تثبت واعترف الْغَرِيم بِصِحَّتِهَا فَحكم عَلَيْهِ الْحَاكِم بِالْأَدَاءِ ثمَّ تبين عدم صِحَّتهَا وَقد هرب الْوَكِيل أَو فلس فعلى الدَّافِع الْغرم والمصيبة مِنْهُ لِأَنَّهُ غَار لنَفسِهِ باعترافه كَمَا نَص عَلَيْهِ ابْن فَرِحُونَ فِي الْقَضَاء بالإمارات هَذَا تَحْرِير الْمَسْأَلَة فِيمَا يظْهر وَلم أَقف عَلَيْهِ محرراً هَكَذَا وَالله أعلم. (فصل فِي خطاب الْقُضَاة) وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّيْخ (م) أَن يكْتب قَاضِي بلد إِلَى قَاضِي بلد آخر بِمَا ثَبت عِنْده من حق الْإِنْسَان فِي بلد القَاضِي الْكَاتِب على آخر فِي بلد الْمَكْتُوب إِلَيْهِ ليحكم عَلَيْهِ هُنَالك عملا بقوله: وَالْحكم فِي الْمَشْهُور حَيْثُ الْمُدعى عَلَيْهِ الخ ... وَهَذَا التَّعْرِيف لَا يَشْمَل الإنهاء بالمشافهة مَعَ أَنه خطاب فَهُوَ غير منعكس، لَكِن لما لم يتَعَرَّض المُصَنّف لَهُ دَاخل الْفَصْل اقْتصر على تَعْرِيفه بِمَا ذكر، وَهُوَ يَشْمَل الإنهاء بِالْكِتَابَةِ وَالْخطاب على الرسوم الَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ النَّاظِم هَهُنَا. (وَمَا يتَعَلَّق بِهِ) من التَّعْجِيز والبشر وَنَحْوهمَا. ثُمَّ الخِطابُ لِلرُّسُومِ إنْ طُلِبْ حَتْمٌ عَلَى القاضِي وإلاَّ لَمْ يَجِبْ (ثمَّ) هِيَ للتَّرْتِيب الإخباري (الْخطاب) من قَاض لآخر بِمَا ثَبت عِنْده من صِحَة الرَّسْم وعدالة شاهديه، وَهُوَ مُبْتَدأ (للرسوم) فِيهَا أَو عَلَيْهَا كَقَوْلِه تَعَالَى: ويخرون للأذقان} (الْإِسْرَاء: 109) أَي عَلَيْهَا وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة} (الْأَنْبِيَاء: 47) أَي فِيهِ يتَعَلَّق بِالْخِطَابِ (إِن طلب) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول شَرط أَي إِن طلبه الْخصم من القَاضِي (حتم) خبر وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف للْعلم بِهِ مِمَّا قبله كَقَوْلِه: أَنْت ظَالِم إِن فعلت لِأَن رُتْبَة قَوْله: حتم التَّقْدِيم (على القَاضِي وَإِلَّا) يَطْلُبهُ الْخصم من القَاضِي (لم يجب) عَلَيْهِ وَلَا مَفْهُوم للرسوم بل بالمشافهة، كَذَلِك حَيْثُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 طلبه الْخصم أَيْضا (خَ) وأنهى لغيره بمشافهة إِن كَانَ كل بولايته وبشاهدين مُطلقًا الخ. ابْن رشد: يجب على القَاضِي الْمَكْتُوب إِلَيْهِ أَن يصل نظره بِمَا ثَبت عِنْد القَاضِي الْكَاتِب، فَإِن كتب بِثُبُوت شَهَادَتهم فَقَط أَي لَا بقبولهم لم يؤمروا بِإِعَادَة شَهَادَتهم وَنظر فِي تعديلهم، وَإِن كتب بتعديلهم وقبوله إيَّاهُم أعذر للْمَشْهُود عَلَيْهِ فيهم، وَإِن كتب أَنه أعذر فعجز عَن الدّفع أمضى الحكم عَلَيْهِ. وَالْحَاصِل أَنه يبْنى على فعل الأول (خَ) فنفذه الثَّانِي وَبنى كَأَن نقل لخطة أُخْرَى وَإِن حدا إِن كَانَ أَهلا أَو قَاضِي مصر الخ ... وَإِنَّمَا كَانَ يَبْنِي لِأَن إِشْهَاد القَاضِي الأول بِمَا ثَبت من شَهَادَتهم أَو تعديلهم أَو إعذار فيهم وَنَحْوه حكم بذلك، فَلَو لم يبن لَكَانَ متعقباً لحكم الأول. وَفِي (خَ) وَلَا يتعقب حكم الْعدْل الْعَالم، وَلِهَذَا اشْترط فِي الْبَانِي أَن يكون أَهلا أَو قَاضِي مصر لم يعرف جوره وَلَا جَهله لِأَن شَأْن قُضَاة الْأَمْصَار الْعلم، ثمَّ إِذا كَانَ الْخطاب على الحكم بِالْحَقِّ بِشَاهِدين فَإِن الْمُخَاطب بِالْفَتْح يعْذر فيهمَا للخصم فَإِن أَتَى بمدفع فيهمَا لم يحكم عَلَيْهِ، وَإِن ادّعى الدّفع فيهمَا بِحجَّة فِي بلد الْكَاتِب قيل لَهُ: أدِّ هُنَا مَا ثَبت عَلَيْك وامض فَإِن أثبت مَا تدعيه من الْحجَّة رجعت، وَإِنَّمَا وَجب الْإِعْذَار لِأَن الْمَكْتُوب إِلَيْهِ لم يوجههما بل هما موجهان إِلَيْهِ فَلَا يُعَارض مَا مرّ، وَيفهم من هَذَا أَن الْخطاب إِذا لم يكن بالشاهدين بل بِأَعْلَم بِصِحَّتِهِ وَنَحْوه على مَا بِهِ الْعَمَل الْيَوْم كَمَا يَأْتِي حكم بِمَا خَاطب بِهِ، وَإِن لم يكن إِشْهَاد فيبنى أَيْضا وَهُوَ وَاضح، وَأَن الْمَكْتُوب إِلَيْهِ إِذا لم يعرف خطّ الْكَاتِب وَعرف لَهُ بِهِ غَيره لَا بُد من الْإِعْذَار فِي الْعرف بِالْكَسْرِ وَهُوَ كَذَلِك، وَأَن إِشْهَاد الْحَاكِم بِصِحَّة الرَّسْم أَو ثُبُوته وَنَحْوهمَا أَو إِعْلَامه بذلك من غير إِشْهَاد على مَا بِهِ الْعَمَل لَيْسَ حكما بِالْحَقِّ وإلاَّ مَا احْتَاجَ الْمَكْتُوب إِلَيْهِ إِلَى الْبناء بل ينفذ ذَلِك الحكم فَقَط، وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون اللَّفْظ الْمَذْكُور مُحْتملا للْحكم بِالْحَقِّ وللحكم بتعديل الْبَيِّنَة وَنَحْوه دون إِيقَاع حكم وَلَا يلْزم من الحكم بالتعديل مثلا الحكم بِالْحَقِّ لِأَن التَّعْدِيل رَاجع للْحكم بِعلم القَاضِي، وَقد يُعَارضهُ تجريح وَنَحْوه يمْنَع من الحكم بِالْحَقِّ على أَن كَونه حكما بالتعديل وَنَحْوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 هُوَ مَا لِابْنِ رشد كَمَا مرّ عَنهُ وَصرح بِهِ ابْن عَرَفَة، وَالَّذِي لغيره أَنه لَيْسَ بِحكم أصلا وَهُوَ مَا تقدم أول الْبَاب، وَبِه صرح النَّاظِم فِي قَوْله بعد: وَلَيْسَ يُغني كتب قَاض كاكتفى. الخ ... وَلذَا قَالَ الْمَازرِيّ وَغَيره فِي قَاض خَاطب آخر بقوله: ثَبت عِنْدِي أَن فلَانا وَفُلَانًا اشتريا من فلَان فِي عقد وَاحِد كَذَا بِثمن سَمَّاهُ الخ أَن ذَلِك لَا يُوجب نقل الْملك فتترتب عَلَيْهِ آثاره من شُفْعَة وَنَحْوهَا إِذْ النَّقْل لَا يثبت إِلَّا باعتراف الْمُتَعَاقدين أَو حكم الْحَاكِم عَلَيْهِمَا بعد الْإِنْكَار، وَالْخطاب الْمَذْكُور لم يُصَرح فِيهِ بالاعتراف وَلَا بالحكم بِالْبيعِ، بل هُوَ مُحْتَمل للْحكم وَلما سواهُ من اسْتِمَاع لما أثْبته من بَيِّنَة زكيت دون إِيقَاع حكم وَلَا تلْزم القضايا بِلَفْظ فِيهِ إِشْكَال وإبهام اتِّفَاقًا. انْظُر أقضية المعيار وَأَن القَاضِي إِذا خَاطب بِحكم يجب أَن يكْتب حكمه وكل حجَّة لَهُ من تَعْدِيل أَو تجريح وَمُوجب حكمه لتَكون لَهُ حجَّة على الْمَحْكُوم عَلَيْهِ إِن نازعه، إِذْ لَا يتم الْمَعْنى الَّذِي وَجب الْخطاب لأَجله إلاَّ بذلك وَأَن الْخطاب على رسم نَاقص لَا يجب إِذْ الْحجَّة لَا تقوم بِهِ لِأَنَّهُ سَاقِط الِاعْتِبَار كَمَا لَا تُعْطى مِنْهُ نُسْخَة كَمَا مرّ، فَإِذا أشهد الشَّاهِدين بوقتين مثلا وَلم يُقيد فِيهِ أَنه لَا يعلم أَن الدّين تأدى وَلَا سقط وَطلب الْخصم الْخطاب عَلَيْهِ فَلَا يُجَاب إِذْ لَا خطاب بِشَيْء نَاقص كَمَا فِي المعيار، وَفِي التَّبْصِرَة أَن الشَّهَادَة بِالدّينِ لمَيت أَو عَلَيْهِ لَا تتمّ إِلَّا إِذا قَالَ الشَّاهِد: إِنَّه لَا يعلم أَن الدّين تأدى أَو سقط اه بِالْمَعْنَى، وَهل يُسمى الْمُخَاطب بِالْكَسْرِ الشُّهُود الَّذِي بنى عَلَيْهِم حكمه فِي خطابه يجْرِي ذَلِك على مَا يَأْتِي فِي فصل الحكم على الْغَائِب من أَنه إِذا كَانَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ غَائِبا فَلَا بُد من التَّسْمِيَة لِأَنَّهُ على حجَّته. (خَ) وسمى الشُّهُود وإلاَّ نقض الخ. وَإِن كَانَ حَاضرا فالتسمية مُسْتَحبَّة، وَبِه الْعَمَل كَمَا فِي ضيح والتبصرة، وَلَكِن الْمُوَافق لما مرّ عِنْد قَول النَّاظِم وَقَول سَحْنُون الخ. وجوب التَّسْمِيَة حَتَّى فِي حق الْحَاضِر لَا استحبابها فَقَط لضعف عَدَالَة قُضَاة الْوَقْت، وَقد قَالَ فِي تَكْمِيل التَّقْيِيد مَا نَصه الْمَازرِيّ من الْمصلحَة وَالْحكمَة منع القَاضِي الحكم بِعِلْمِهِ خوف كَونه غير عدل فَيَقُول: علمت فِيمَا لم يُعلمهُ وَعَلِيهِ فَلَا يقبل قَوْله ثَبت عِنْدِي كَذَا إِلَّا أَن يُسَمِّي الْبَيِّنَة اه. وَأما إِن خَاطب بِمُجَرَّد شَهَادَتهم أَو بتعديله إيَّاهُم فَلَا بُد من التَّسْمِيَة لبَقَاء الْإِعْذَار وَلَا يُمكن إِلَّا بهَا، فَإِن قَالَ: ثَبت عِنْدِي بَيِّنَة عادلة أَن لفُلَان على فلَان كَذَا وَلم يسمهم رد خطابه، ثمَّ إِن الْأَحْوَط تَارِيخ الْخطاب لاحْتِمَال عزل القَاضِي الْكَاتِب لِأَن خطابه بعد عَزله وَقبل الْعلم بِهِ سَاقِط على أحد الْقَوْلَيْنِ فِي الْوَكِيل يتَصَرَّف بعد الْعَزْل، وَقبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 الْعلم الْمشَار لَهما بقول (خَ) وَفِي عَزله بعزله وَلم يعلم خلاف، وَلِأَن الْبَيِّنَة الَّتِي خَاطب بقبولها قد يَنْقَلِب حَالهَا إِلَى جرحة لم تكن فَإِذا تَأَخّر الْعَمَل بِالْخِطَابِ ثمَّ أعذر للخصم فِيهَا وَلم يكن تَارِيخ أمكنه إِبْطَالهَا بالجرحة الثَّابِتَة الْآن، وَلَا يُمكنهُ ذَلِك مَعَ التَّارِيخ لِسَلَامَةِ وَقت الْأَدَاء من الجرحة الْحَادِثَة قَالَه الشَّارِح. وَنَقله فِي المعيار مُسلما. قلت: وَالتَّعْلِيل الْأَخير يَقْتَضِي وجوب التَّارِيخ وَهُوَ يُؤَيّد مَا مرّ عِنْد قَوْله وَحقه إنهاء مَا فِي علمه الخ. من أَن الْفسق الطارىء بعد الْأَدَاء لَا يبطل الشَّهَادَة فَتَأَمّله، وَفِي نَوَازِل الزياتي أَن القَاضِي أَبَا عبد الله المكناسي سُئِلَ عَمَّن استظهر برسم عَلَيْهِ خطاب قَاض مَعْرُوف مَاتَ معزولاً، فَادّعى الْمَطْلُوب أَن القَاضِي خَاطب عَلَيْهِ بعد عَزله، وَخَالفهُ الطَّالِب فَقَالَ: إِن لم يكن للخطاب تَارِيخ يعلم بِهِ قدمه على عَزله لم يعْمل بِهِ اه. قلت: وَقد يؤرخ فِي حَال الْعَزْل بِالْيَوْمِ الَّذِي كَانَ مولى فِيهِ، وَقد شاهدنا من ذَلِك الْعجب العجاب فَلَا تَنْتفِي التُّهْمَة إِلَّا بالتسجيل عَلَيْهِ وَالله أعلم. وَلما أخبر أَن الْخطاب وَاجِب إِن طلبه الْخصم، وَكَانَ ذَلِك شَامِلًا للخطاب فِي الشَّاهِدين على كتاب القَاضِي الْكَاتِب يَشْهَدَانِ بِمَا فِيهِ عِنْد الْمَكْتُوب إِلَيْهِ كَمَا مرّ عَن (خَ) وللخطاب الْمُجَرّد عَنْهُمَا، وَسَوَاء كَانَت الْكِتَابَة فِي بطاقة على حدتها مَعَ الإحالة على رسم الْحق أَو فِي رسم الْحق نَفسه، وَقَوله: للرسوم لَا يُنَافِي ذَلِك لِأَن المُرَاد على مضمنها كَانَ فِيهَا أَو على حِدته كَانَ بِشَاهِدين أم لَا؟ بَين أَن الصُّور كلهَا جَائِزَة، وَأَن الْخطاب بِالْكِتَابَةِ حَيْثُ كَانَ بِلَفْظ أعلم مَقْبُول على أَي وَجه كَانَ فَقَالَ: وَالْعَمَلُ الْيَوْمَ عَلَى قَبُولِ مَا خاطَبَهُ قَاضٍ بِمثْلِ اعْلَما (وَالْعَمَل) مُبْتَدأ (الْيَوْم) ظرف يتَعَلَّق بِهِ (على قبُول مَا) خبر الْمُبْتَدَأ وَمَا مَوْصُولَة مُضَاف إِلَيْهِ وصلتها (خاطبه قَاض) و (بِمثل أعلما) يتَعَلَّق بِهِ وَهُوَ مقحم أَو بِمَعْنى نفس كَمَا قيل بِكُل مِنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى: فَإِن آمنُوا بِمثل مَا آمنتم} (الْبَقَرَة: 137) الْآيَة. وَلَو قَالَ بِلَفْظ أعلما لِأَن الْخطاب إِنَّمَا كَانَ فِي زَمَانه بِهِ لَا بِمثلِهِ وَلَا بِهِ وبمثله كأخبر كَانَ أولى قَالَه (ت) قلت: وَسَيَأْتِي أَن الِاقْتِصَار على لفظ أعلما مُجَرّد اصْطِلَاح وَلَو تغير الِاصْطِلَاح إِلَى غَيره مِمَّا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ لصَحَّ الْخطاب بِهِ فاعتراضه إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لتقييد النّظم بِالْيَوْمِ اه. وَظَاهر النّظم الْقبُول وَإِن لم يكن إِشْهَاد وَهُوَ مُوَافق لما حَكَاهُ ابْن المناصف عَن أهل عصره من اتِّفَاقهم على قبُول كتاب القَاضِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 بِمُجَرَّد معرفَة خطه دون إِشْهَاد عَلَيْهِ. قَالَ: وَلَا يَسْتَطِيع أحد صرفهم عَنهُ فِيمَا أَظن مَعَ أَنِّي لَا أعلم فِيهِ خلافًا إِلَّا مَا وَقع فِي الْمَذْهَب أَن كتاب القَاضِي لَا يجوز بِمَعْرِِفَة خطه اه. وَقَوله: لَا أعلم فِيهِ خلافًا الخ. يَعْنِي بِهِ إلاَّ مَا وَقع لسَحْنُون من قبُوله كتب أمنائه كَمَا يَأْتِي، وَظَاهره أَيْضا أَن الْخطاب بِأَعْلَم يقبل مُطلقًا كَانَ الْمُخَاطب بِالْفَتْح معينا أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي الْعُتْبِيَّة فَيعْمل بِهِ مَعَ عدم التَّعْيِين كل من يقف عَلَيْهِ من الْقُضَاة إِذا عرف خطه أَو ثَبت بِبَيِّنَة عادلة أَنه خطه وَلَو بِشَاهِد وَاحِد على مَا للمكناسي فِي مجالسه عَمَّن أدْركهُ من الْقُضَاة ابْن المناصف، وَإِذا ثَبت خطّ القَاضِي الْكَاتِب وَجب الْعَمَل بِهِ، وَإِن لم تقم بَيِّنَة بذلك، وَالْقَاضِي يعرف خطّ القَاضِي الْكَاتِب فَوَاجِب عِنْدِي قبُوله بِمَعْرِِفَة خطه، وَقبُول سَحْنُون كتب أمنائه بِلَا بَيِّنَة يدل على ذَلِك وَلَيْسَ ذَلِك من بَاب قَضَاء القَاضِي بِعِلْمِهِ الَّذِي لَا يجوز الْقَضَاء بِهِ لِأَن وُرُود كتاب القَاضِي عَلَيْهِ بذلك الْحق كقيام بَيِّنَة عِنْده فقبوله الْكتاب بِمَا عرفه من خطه كقبوله بَيِّنَة بِمَا عرف من عدالتها اه. قلت: وَحَاصِل مَا قَالَه أَن قَضَاء القَاضِي يُعلمهُ الْمُجَرّد عَن الْوَاسِطَة كعلمه أَن لزيد على عَمْرو درهما مُمْتَنع، وَأما إِن علمه بِوَاسِطَة الْبَيِّنَة الَّتِي يعرف عدالتها أَو بِوَاسِطَة الْخط الَّذِي يعرف عَدَالَة كَاتبه، فَهَذَا جَائِز قَضَاؤُهُ بِهِ لبعد التُّهْمَة، وَقد يُقَال: إِن التُّهْمَة تقَوِّي فِي انْفِرَاده بِمَعْرِِفَة الْخط لمشاركة بعض النَّاس لَهُ فِي الْعلم بِالْعَدَالَةِ وللبحث عَن تحققها بالأعذار، وَلذَا نظر فِيهِ المكناسي فِي مجالسه قَائِلا يلْزم عَلَيْهِ أَن من قَامَ بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ ميتين أَو غائبين، وَلم يُوجد من يعرف خطهما، وَالْقَاضِي يعرف خطهما أَن يحكم بذلك الرَّسْم، وَهَذَا مِمَّا لَا يَقُوله أحد أَي لِأَنَّهُ من الحكم بِعِلْمِهِ إِذْ لَا فرق فِيمَا يظْهر بَين خطّ الشَّاهِد وَخط القَاضِي، بل صرح أَبُو الْحسن كَمَا فِي أقضية المعيار بِعَدَمِ قبُوله فِي خطّ القَاضِي قَائِلا لِأَنَّهُ حَاكم بِعِلْمِهِ وَهُوَ الْمُوَافق لما مرّ فِي الْبَيْت قبله عَن الْمَازرِيّ، وَلَا سِيمَا مَعَ ضعف عَدَالَة قُضَاة الْيَوْم، فَيَنْبَغِي أَن لَا يُبَاح أَلْبَتَّة فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَأما مَعَ التَّعْيِين فَيعْمل بِهِ الْمَكْتُوب إِلَيْهِ أَو من ولي بعده كَمَا يَأْتِي فِي قَول النَّاظِم: ومعلم يخلفه وَالِي القضا الخ. وَظَاهره أَيْضا أَنه يقبل وَإِن مَاتَ الْمُخَاطب بِالْكَسْرِ أَو عزل أَو مَاتَ الْمُخَاطب بِالْفَتْح أَو عزل وَهُوَ كَذَلِك فِي الْجَمِيع على الْمُعْتَمد، وَبِه الْعَمَل كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَاعْتمد الْقبُول بعض من مضى الخ. وَمَا يَأْتِي للناظم مِمَّا يُعَارض إِطْلَاقه هُنَا. وَفِي قَوْله: وَإِن يمت مُخَاطب الخ. وَنَحْوه للشَّيْخ (م) عَن ابْن المناصف فِي الْفَرْع الثَّالِث لَا يعول عَلَيْهِ، وكيفيته مَعَ عدم التَّعْيِين على مَا بِهِ الْعَمَل الْيَوْم بفاس وَمَا والاها أَن يكْتب أَسْفَل الرَّسْم أَو عرضه أَو فِي ظَهره الْحَمد لله أديا فَقبلا، وَأعلم بِهِ فِي تَارِيخ كَذَا على مَا هُوَ الْأَحْوَط أَو الْوَاجِب كَمَا مرّ وَإِن كَانَ النَّاس الْيَوْم فِيمَا شَاهَدْنَاهُ على عدم التَّارِيخ أَو الْحَمد لله أديا فَثَبت وَأعلم بِهِ أَو الْحَمد لله أعلم بِصِحَّتِهِ أَو بِثُبُوتِهِ أَو باستقلاله وَإِن كَانَ فِي الصَّك رسوم نبه على جَمِيعهَا إِن أَرَادَ ذَلِك وَصحت عِنْده وإلاَّ قيد بالأخيرين مثلا أَو بِمَا ثَبت عِنْده مِنْهَا وَإِن كَانَ فِي الرَّسْم عدل وَاحِد أَو عدد كثير وَلم يقبل إِلَّا وَاحِد فَيكْتب على مَا شهدناه الْيَوْم أُدي فَقبل وَأعلم بِهِ فلَان، وَكَانَ الضَّمِير عِنْدهم فِي بِهِ فِي الْخطاب على الْوَاحِد يعود على الْأَدَاء الْمَفْهُوم من أدّى وَلَيْسَ لَهُ أَن يُخَاطب على الْوَاحِد بقوله أعلم بِصِحَّة الرَّسْم أَو بِثُبُوتِهِ أَو باستقلاله مَعَ قَصده بذلك ثُبُوت الْحق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 على الْمَطْلُوب، وَأَنه لم يبْق لَهُ فِيهِ مقَال بطعن وَلَا غَيره لما علمت أَن الْحق لَا يثبت بِالْوَاحِدِ إِلَّا بعد الْيَمين مَعَه، وَهَذَا فِي الْأَمْوَال، وَأما فِي غَيرهَا مِمَّا لَا يثبت إِلَّا بعدلين فَلَا وَجه للخطاب فِيهَا على الْوَاحِد لما مرّ أَنه لَا خطاب على رسم نَاقص لَا ينْتَفع بِهِ ربه، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُرْجَى أَن يُضَاف إِلَيْهِ شَاهد آخر فِي غير مَوضِع الْخطاب فيخاطب حِينَئِذٍ، وَإِن كَانَ الْخطاب بِوَرَقَة مفصولة عَن رسم الْحق غير ملصقة بِهِ فَلَا بُد أَن يَقُول أعلم بِصِحَّة الرَّسْم الَّذِي بيد حامله فلَان المتضمن للحق الَّذِي لَهُ على فلَان المؤرخ بِكَذَا الَّذِي شُهُوده فلَان وَفُلَان وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يعين الرَّسْم الْمُخَاطب عَلَيْهِ، وَإِن ألصق ورقة بالرسم وخاطب فِيهَا قَالَ أعلم بِصِحَّة العقد المرتسم بِالْوَرَقَةِ الملتصقة لهَذَا المتضمن لفُلَان قبل فلَان كَذَا، أَو المتضمن تَوْكِيل فلَان فلَانا على كَذَا وَنَحْوه مِمَّا يعين الْحق الْمُخَاطب بِهِ، فَلَا بُد من زِيَادَة المتضمن الخ. خشيَة أَن يلصق ورقة الْخطاب بِوَرَقَة حق غير الْحق الَّذِي بِهِ وَقع الْخطاب، وَلَا يعْمل بِهِ إِن سقط ذَلِك مِنْهُ كَمَا لَا يعْمل بِهِ إِن كَانَ الْخطاب مُلْصقًا وَلم يقل فِيهِ بالملتصق أَعْلَاهُ لِإِمْكَان إِزَالَته من ورقة أُخْرَى، وَلَا يَكْفِي عَن زِيَادَة المتضمن الخ. مَا صدر بِهِ من قَوْله بالملتصق أَعْلَاهُ كَمَا يقْتَصر عَلَيْهِ الْجُهَّال من الْقُضَاة لِأَن ذَلِك لَا يمْنَع إلصاقه بِوَرَقَة أُخْرَى، وَأما مَعَ التَّعْيِين فكيفيته الْحَمد لله أعلم بِصِحَّة الرَّسْم الْمُقَيد فَوق هَذَا على مَا يجب الشَّيْخ الْفَقِيه أَبُو فلَان فلَان ابْن فلَان أدام الله توفيقه وتسديده، وليه فِي الله تَعَالَى وموثقه فلَان ابْن فلَان، وَيكْتب اسْمه بتخليط وتعمية، وَيُسمى الْعَلامَة والشكل لِئَلَّا يُخَاطب على لِسَانه غَيره، وَإِنَّمَا قدمُوا مفعول أعلم وَهُوَ اسْم الْمَكْتُوب إِلَيْهِ على الْفَاعِل الْكَاتِب تَعْظِيمًا لَهُ واهتماماً بِهِ، ثمَّ إِذا وصل الْخطاب للمكتوب إِلَيْهِ الْمعِين كتب تَحْتَهُ بِخَط يَده أعملته، وَكَذَا إِن كَانَ الْمَكْتُوب إِلَيْهِ غير معِين ووقف عَلَيْهِ بعض الْقُضَاة وَكَانَ الْخِصَام عِنْده فَإِن لم يكن الْخِصَام عِنْده بل بِبَلَد آخر لَا يعرف قاضيها خطّ القَاضِي الْكَاتِب، وَلَكِن يعرف خطّ الْوَاقِف عَلَيْهِ كتب الْوَاقِف الْمَذْكُور الْحَمد لله أعلم بِأَعْمَالِهِ فلَان ابْن فلَان، وَهَكَذَا حَتَّى يصل إِلَى بلد قَاضِي بلد النزاع. وَلما كَانَ الْخطاب الَّذِي لم يُصَرح فِيهِ بالإعلام لَغوا غير مَقْبُول وَلَا مَعْمُول بِهِ عِنْد الْقُضَاة نبه عَلَيْهِ بقوله: ولَيْسَ يُغْني كَتْبُ قَاضٍ كاكْتَف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ى عَنِ الخطابِ والمَزِيدُ قَدْ كَف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ى (وَلَيْسَ) فعل نَاقص (يُغني) خَبَرهَا (كتب قَاض) اسْمهَا (كاكتفى) مفعول بقوله كتب لِأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 الْكَاف اسْم بِمَعْنى مثل (عَن الْخطاب) يتَعَلَّق بيغني أَي لَيْسَ كتب القَاضِي تَحت الرَّسْم اكْتفى، وَمثله من نَحْو اسْتَقل أَو صَحَّ أَو ثَبت مغنياً عَن الْخطاب بِأَعْلَم، بل حَتَّى يزِيد وَأعلم بِهِ أَو يَقُول أعلم باستقلاله وَنَحْوه مِمَّا مرّ وَهُوَ صَرِيح فِي أَن الثُّبُوت لَيْسَ بِحكم فَقَوله: (والمزيد) مَنْصُوب على نزع الْخَافِض بقوله: (قد كفى) أَي كَفاهُ عَن زِيَادَة الشُّهُود فَهُوَ يتَعَدَّى للْأولِ بِنَفسِهِ وَللثَّانِي بِحرف الْجَرّ كَقَوْلِه تَعَالَى: وَاخْتَارَ مُوسَى قومه} (الْأَعْرَاف: 551) وَيجوز أَن تكون لَيْسَ مُهْملَة بِمَنْزِلَة لَا وَأَن يكون اسْمهَا ضمير للشأن وَالْجُمْلَة خَبَرهَا. وَحَاصِله: أَن القَاضِي إِذا اقْتصر على كتب اكْتفى أَو اسْتَقل أَو نَحْوهمَا كَانَ ذَلِك قاصراً عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ تذكرة لنَفسِهِ بِأَنَّهُ وقف على مُوجب اكْتِفَاء الرَّسْم لعدالة شاهديه وَنَحْو ذَلِك، وإخبار للْمَشْهُود لَهُ بِأَنَّهُ يَكْفِيهِ ذَلِك عَن الزِّيَادَة فَلَا يلْزم قَاضِيا آخر إِذا وقف على ذَلِك أَن يمضيه اعْتِمَادًا على قَوْله اكْتفى وَنَحْوه، لِأَنَّهُ لم يخاطبه وَلَو أَمْضَاهُ لَكَانَ غير مُعْتَمد على شَهَادَة وَلَا خبر من القَاضِي الأول. قلت: وَذَلِكَ وَالله أعلم أَن الأول قد يَكْتُبهُ اعْتِمَادًا على مَا ظهر لَهُ فِيهِ ابْتِدَاء وَإِن كَانَ سيراجع فِيهِ نَفسه ويبحث عَن بَاطِنه فَلَا يدل ذَلِك على أَنه استقصى أمره فِيهِ، فَكَمَا أَن النَّاقِل لَا ينْقل إِلَّا بإشهاد فَكَذَلِك الْمُخَاطب بِالْفَتْح لَا يعْمل بِهِ إِلَّا بإعلام لاشْتِرَاط الْإِذْن فِي كل مِنْهُمَا، وَلذَا قَالَ (خَ) : وَلم يشْهد على حَاكم قَالَ: ثَبت عِنْدِي إِلَّا بإشهاد الخ. وَلذَا أَتَى النَّاظِم بالحصر فَقَالَ: وإنَّمَا الخِطابُ مِثْلُ أَعْلَمَا إذْ مُعْلَماً بِهِ اقْتَضَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ومُعْلِما (وَإِنَّمَا) حرف تَأْكِيد وَحصر (الْخطاب) مُبْتَدأ خَبره (مثل أعلما) بِصِحَّتِهِ أَو استقلاله أَو اسْتَقل وَأعلم بِهِ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يَقْتَضِي أَن الْمُخَاطب بِالْكَسْرِ أذن لمن يقف عَلَيْهِ أَن يعْمل بِمُقْتَضَاهُ واقتصارهم على لفظ أعلم مُجَرّد اصْطِلَاح فَلَو تغير الِاصْطِلَاح إِلَى سواهَا مِمَّا يُؤَدِّي مَعْنَاهَا كأخبر وَنَحْوه لصَحَّ، وَلذَا قَالَ النَّاظِم بِمثل أعلم أَي بِأَعْلَم أَو مثله مِمَّا اصْطلحَ قُضَاة الْوَقْت عَلَيْهِ (إِذْ) تعليلة (معلما بِهِ) بِفَتْح اللَّام اسْم مفعول من أعلم وَضمير بِهِ يعود على الرَّسْم الْمُخَاطب عَلَيْهِ على حذف مُضَاف أَي بِثُبُوتِهِ وَنَحْوه وَهُوَ مفعول مقدم بقوله: (اقْتضى) أَي طلب وافهم (ومعلما) بِكَسْر اللَّام مَعْطُوف على الأول، وَيكون النَّاظِم ساكتاً عَن الشَّخْص الْمعلم بِالْفَتْح، وَيجوز الْعَكْس وَهُوَ كسر اللَّام فِي الأول وَفتحهَا فِي الثَّانِي، وَعَلِيهِ فقد تضمن كَلَامه الثَّلَاثَة الْمعلم بِالْكَسْرِ وَهُوَ فَاعل الْإِعْلَام، وَالشَّيْء الَّذِي وَقع بِهِ الْإِعْلَام وَعَلِيهِ يعود الضَّمِير فِي بِهِ والشخص الْمعلم بِالْفَتْح أَي لِأَنَّهُ اقْتضى معلما بالشَّيْء الَّذِي تضمنه الرَّسْم وشخصاً معلما وَهُوَ الْمُخَاطب بِالْفَتْح، وَيجوز فتح اللَّام فيهمَا وَيكون الْمعلم بِالْكَسْرِ مستفاداً من اللَّفْظ، إِذْ لفظ الْإِعْلَام لَا بُد لَهُ من فَاعل يوقعه، وَفِي كل وَجه من هَذِه الْأَوْجه يَصح التَّنَازُع فِي بِهِ على قَول من أجَازه فِي مُتَقَدم أَي لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 اقْتضى شَيْئا معلما بِهِ وشخصاً معلما بِالْفَتْح وَالْكَسْر بذلك الشَّيْء، وَهَكَذَا وَالضَّمِير فِي بِهِ على كل حَال يعود على الشَّيْء الَّذِي وَقع بِهِ الْإِعْلَام، ثمَّ إِن هَذَا الْبَيْت لَيْسَ فِيهِ كَبِير فَائِدَة مَعَ مَا قدمه فِي قَوْله: وَالْعَمَل الْيَوْم الخ إِلَّا مَا أَفَادَهُ من الْحصْر، وَمن بَيَان وَجه كَون اكْتفى وَنَحْوه لَا يَكْفِي فِي الْخطاب أَي لكَونه لَا يَقْتَضِي مَا ذكر وَحِينَئِذٍ، فَلَو قدم هَذَا الْبَيْت وَجعل بعده قَوْله: وَالْعَمَل الْيَوْم الخ. وَيَقُول بعده مَا نَصه: من أجل ذَا لَا يُغني كتب كاكتفى عَن الْخطاب والمزيد قد كفى أَي لَا يُغني قَاضِيا كتب كاكتفى الخ. ليسلم من التّكْرَار مَعَ إِفَادَة تَعْلِيل عدم الِاكْتِفَاء بذلك، وَإِنَّمَا كَانَ أعلم يَقْتَضِي مَا ذكر لِأَن قَوْلهم أعلم باستقلاله وَنَحْوه لَا بُد لَهُ من الْفَاعِل الَّذِي هُوَ الْمعلم بِالْكَسْرِ، وَهُوَ هُنَا فلَان القَاضِي الَّذِي جرت الْعَادة أَن يكْتب اسْمه شكلاً يُسمى الْعَلامَة وَهُوَ يتَعَدَّى إِلَى ثَلَاثَة حذف؛ أَولهَا: الَّذِي هُوَ الْمعلم بِالْفَتْح للتعميم أَي كل من يقف عَلَيْهِ كَقَوْلِه تَعَالَى: وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام} (يُونُس: 52) وَالثَّانِي وَالثَّالِث: الَّذِي هُوَ الْمعلم بِهِ سد مسدهما الْمصدر المنسبك من أَن، وَالْفِعْل إِذْ الأَصْل أعلم فلَان فلَانا رسماً مُسْتقِلّا كَقَوْلِك: أعلمت زيدا عمرا قَائِما، فَلَمَّا دخلت أَن على الثَّانِي وَالثَّالِث للتَّأْكِيد وَنَحْوه سبكا بمصدر، وَكَانَ الأَصْل أَن يتَعَدَّى إِلَيْهِمَا بِنَفسِهِ كَمَا تَقول: أعلمت زيدا قيام عَمْرو، وَلَكنهُمْ اصْطَلحُوا هُنَا على جَرّه بِالْبَاء الزَّائِدَة كَمَا ترى، وَقد سُئِلَ الشَّيْخ المكودي رَحمَه الله عَن وَجه زيادتهم لَهَا فَقَالَ: إِنَّمَا سُئِلَ عَنهُ لَو كَانَ من كَلَام الْعَرَب. وَهَذَا مَا يَكْتُبهُ القَاضِي الْكَاتِب، وَأما الْمَكْتُوب إِلَيْهِ فقد تقدم أَنه يكْتب تَحْتَهُ أعملته من غير أَن يضع علامته، وَكَأَنَّهُ تذكرة لنَفسِهِ فَقَط وَسَوَاء كَانَ معينا أم لَا على مَا بِهِ الْعَمَل، وَقيل: إِن كَانَ معينا كتب قبلته وَذَلِكَ مُجَرّد اصْطِلَاح فَإِن احْتِيجَ لتسجيل الإعمال والاستقلال وَنَحْوهمَا كتب تَحْتَهُ: أشهد عَدْلَانِ أشهد قَاضِي كَذَا، وَهُوَ بإعمال واستقلال الرَّسْم أَعْلَاهُ الإعمال أَو الِاسْتِقْلَال التَّام لصِحَّته عِنْده وثبوته لَدَيْهِ بواجبه وَهُوَ بِحَيْثُ يجب لَهُ ذَلِك من حَيْثُ ذكر فَإِذا طولع بِهِ القَاضِي وَوضع علامته مَوضِع الْبيَاض وَوضع العدلان علامتيهما إِثْر تَارِيخه وَلَيْسَ لمن لم يسع من الْعُدُول إشهاده بالإعمال الْمَذْكُور أَن يشْهد عَلَيْهِ بالإعمال وَنَحْوه اتكالاً على رُؤْيَة مَا كتبه من قَوْله أعملته أَو اسْتَقل وَنَحْوهمَا، لِأَن هَذَا شَاهد على خطه لَا على إشهاده قَالَ (غ) : وَهَذَا وَإِن تسَامح فِيهِ أهل فاس وعملها، لَكِن لَا يعلم لَهُ أصل إِذْ كَيفَ تصح الشَّهَادَة على خطه، وَقد لَا يكون بَين مَقْعَده، ودكان الشَّاهِد الأقدر غلوة أَو أقل اه. وَنَحْوه للمكناسي فِي مجالسه، والغلوة: مُنْتَهى الرَّمية يَعْنِي أَن الشَّهَادَة على الْخط إِنَّمَا تجوز مَعَ بعد الْغَيْبَة أَو الْمَوْت وَالْقَاضِي هُنَا بِخِلَاف ذَلِك فَكَانَ الْوَاجِب أَن لَا يشْهد عَلَيْهِ حَتَّى يسمع إشهاده، وَلَا سِيمَا وَقد تقدم أَنه يكْتب ذَلِك غير جازم بِهِ بل ليراجع فِيهِ نَفسه، وَكَأَنَّهُم اعتمدوا فِي ذَلِك على مَا فِي وثائق الفشتالي حَيْثُ قَالَ مَا نَصه: فَإِذا ثَبت الرَّسْم عِنْد القَاضِي وَكتب تَحْتَهُ: أكتفي فتكتب فِي الرَّسْم أشهد قَاضِي كَذَا باكتفاء الرَّسْم فَوْقه الِاكْتِفَاء التَّام الخ. فَظَاهر أَنه بِمُجَرَّد رُؤْيَة خطه يشْهد عَلَيْهِ، وَإِن لم يشهده وَفِي ذَلِك من التسامح مَا لَا يخفى. قلت: وَتَأمل هَذَا هَل تصدق على هَذَا الشَّاهِد حَقِيقَة شَهَادَة الزُّور وَهِي كَمَا لِابْنِ عَرَفَة أَن يشْهد بِمَا لم يعلم عمدا وَلَو طابق الْوَاقِع وَهُوَ الظَّاهِر أم لَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 تَنْبِيه: اسْتُفِيدَ من النَّاظِم أَن اكْتفى واستقل وَثَبت وَنَحْوهَا أَلْفَاظ مترادفة وَأَن بَعْضهَا يَقع مَوضِع بعض، وَأَن الْإِعْلَام بهَا هُوَ الْوَاجِب لإعمال الْمُخَاطب بمقتضاها لما مرّ، وَهُوَ ظَاهر ابْن المناصف، وَعَن العقباني أَن الْخطاب بالاستقلال فِيمَا ثَبت بِشَهَادَة المبرزين وبالثبوت فِيمَا ثَبت بدونهم، وبالاكتفاء فِي الْأَدْنَى وَهُوَ مُجَرّد اصْطِلَاح. وَإِن يَمُتْ مُخَاطِبٌ أَو عُزِلا رُدَّ خِطابُهُ سِو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ى مَا سُجِّلا (وَإِن يمت) شَرط (مُخَاطب) بِالْكَسْرِ فَاعله (أَو عزلا) عطف على فعل الشَّرْط (رد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (خطابه) نَائِبه، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط أَي يلغى خطابه وَلَا يعْمل بِهِ على هَذَا القَوْل الَّذِي صدر بِهِ النَّاظِم، لأَنهم نزلُوا خطابه بالرسم منزلَة خطابه بالمشافهة، وَهُوَ إِذا مَاتَ لَا يتَكَلَّم، وَإِذا عزل لَا يقبل كَلَامه (خَ) : وَلَا تقبل شَهَادَته بعده أَنه قضى بِكَذَا أَي إِلَّا بِبَيِّنَة على ذَلِك، وَهُوَ معنى قَول النَّاظِم: (سوى) اسْتثِْنَاء (مَا) مَوْصُول مجرور وَاقعَة على الْمُخَاطب بِهِ (سجلا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَو الْفَاعِل، والعائد على مَا فِي هَذَا الْوَجْه مَحْذُوف أَي سوى مَا سجله القَاضِي على نَفسه بِأَن يشْهد عَدْلَيْنِ باستقلال الرَّسْم، أَو اكتفائه على حسب مَا مرّ قبله، أَو يشهدهما بِأَنَّهُ قد أَجله أَو أعذر لَهُ، أَو حكم عَلَيْهِ وَنَحْو ذَلِك كَمَا مرّ فِي فَصلي الْإِعْذَار والآجال لِأَن إشهاده بالتأجيل وَنَحْوه حكم أَمْضَاهُ بِدَلِيل أَن الْمُخَاطب بِالْفَتْح يَبْنِي عَلَيْهِ كَمَا مرّ فإطلاق النَّاظِم شَامِل للأمرين إِذْ التسجيل إِشْهَاد القَاضِي على نَفسه بِأَيّ شَيْء كَانَ، وَلَا يقصر إِطْلَاقه على الأول فَقَط لاقْتِضَائه أَنه إِذا أشهدهما على نَفسه بالتأجيل أَو الحكم مثلا وخاطب عَلَيْهِمَا بالإعلام من غير تسجيل للخطاب أَنه يرد على هَذَا القَوْل وَلَيْسَ كَذَلِك، وَبِه تعلم أَن اعْتِرَاض (ت) على (م) بِأَن التسجيل بالحكم لَا يُقرر بِهِ كَلَام النَّاظِم لبعده، وَلِأَنَّهُ إِذا حكم عَلَيْهِ وَمَاله غَائِب ألزمهُ الضَّامِن أَو الرَّهْن، وَلَا يحْتَاج إِلَى خطاب من ينفذ الحكم الخ. سَاقِط لِأَنَّهُ قد يحكم ويعجز عَن التَّنْفِيذ لسطوته أَو لفراره بِمَالِه بعد الحكم وَقبل إِلْزَامه بالضامن أَو الرَّهْن، وَقد قَالَ فِي الْمُفِيد: وَلَو كَانَ الْمَطْلُوب بِالدّينِ فِي بلد القَاضِي الْكَاتِب فَقَالَ فِي خطابه: قد أنفذت حكمي بِالشَّهَادَةِ على خطّ الشُّهُود فَإِن حكمه ينفذ وَإِن تعذر قبض الْحق مِنْهُ حَتَّى خرج من بلد القَاضِي الْكَاتِب لزمَه الحكم وَلَا يوهنه خُرُوجه عَن بلد القَاضِي الْكَاتِب اه. وَهُوَ صَرِيح فِي أَنه مَعَ الْعَجز يُخَاطب من ينفذهُ مِمَّن يَأْتِي بعده أَو غَيره، كَيفَ وَقد تقدم وَمَا بالعهد من قدم، عَن الْمَازرِيّ: أَنه يُخَاطب بِمَا حكم بِهِ لحاضره على غائبه وأشعر فرض النَّاظِم الْكَلَام فِي القَاضِي أَن نَائِبه لَيْسَ لَهُ أَن يسجل بِمَا ثَبت عِنْده وَهُوَ كَذَلِك، فَإِن فعل فَلَا يمْضِي إِلَّا أَن يُجِيزهُ الْمُسْتَخْلف بِالْكَسْرِ مَا لم يكن اسْتَخْلَفَهُ بِإِذن الإِمَام وإلاَّ فَيقبل تسجيله من غير إجَازَة، وَإِذا قُلْنَا لَا يسجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 فَلهُ أَن يسمع الْبَيِّنَة وَيقبل من عرف عَدَالَته وتعقد عِنْده المقالات، وَيرْفَع ذَلِك إِلَى الْمُسْتَخْلف بِالْكَسْرِ لينْظر فِيهِ قَالَه فِي التَّبْصِرَة، وَيفهم من قَوْله: وَيدْفَع ذَلِك لمستخلفه أَنه لَيْسَ لَهُ الرّفْع وَلَا الْخطاب بِهِ إِلَى الْغَيْر، وَإِن فعل لَا يمضى مَاتَ الْمُسْتَخْلف بِالْكَسْرِ أَو عزل أَو كَانَ حَيا وَالله أعلم. واعْتَمَد القَبُولَ بَعْضُ مَنْ مَضى وَمُعْلمٌ يَخْلُفُه وَالِي القَضَا (وَاعْتمد الْقبُول) مفعول وَالْفَاعِل (بعض من مضى) قَالَ الفشتالي فِي وثائقه: وَإِن كَانَ القَاضِي لم يشْهد بالتسجيل عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كتب فِي الرَّسْم بِخَطِّهِ أعلم باكتفائه فلَان أَو أعلم بِثُبُوتِهِ أَو استقلاله، ثمَّ وصل إِلَى غَيره، فَإِنَّهُ يعمله على مَا جرى بِهِ الْعَمَل سَوَاء عين فِيهِ الْمَكْتُوب لَهُ أَو لم يُعينهُ، وَسَوَاء مَاتَ الْكَاتِب أَو عزل وَوصل إِلَى الْمَكْتُوب لَهُ هَذَا قَوْله فِي الْمُدَوَّنَة اه. وَنَحْوه للعقباني فِي الدُّرَر المكنونة ولليزناسي فِي شَرحه للنظم، وَقد تبين أَن الْخطاب المسجل يعْمل بِهِ مُطلقًا اتِّفَاقًا وَغير المسجل يعْمل بِهِ كَذَلِك إِن كَانَ الْمُخَاطب بِالْكَسْرِ لم يعْزل وَلم يمت وإلاَّ فَقَوْلَانِ، بِالرَّدِّ وَهُوَ مَا صدر بِهِ النَّاظِم وَعَدَمه قَالُوا: وَبِه الْعَمَل الْيَوْم وَهُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة كَمَا رَأَيْته، وَحَكَاهُ ابْن المناصف أَيْضا عَن مُخْتَصر الْوَاضِحَة، وَلَكِن قَيده بِمَا إِذا أشهد القَاضِي الْكَاتِب لِأَن إشهاده على ذَلِك كإشهاده على حكم مضى قَالَ: وَأما مَا الْتَزمهُ الْحَاكِم وَعمِلُوا بِهِ فِي أقْصَى قطر الْمغرب من الاجتزاء بِمَعْرِِفَة خطّ القَاضِي الْكَاتِب وَالْعَمَل بِهِ دون إِشْهَاد فَلَا يَصح إِلَّا أَن يصل للمكتوب إِلَيْهِ وَالْكَاتِب على حَال ولَايَته اه. وَاعْتمد تَقْيِيده الْمَذْكُور غير وَاحِد، وَذكر ابْن عَرَفَة أَنَّهَا نزلت فِي وسط الْقرن الثَّامِن وَأَن شَيْخه أَبَا عبد الله السبطي رَجَعَ إِلَى تَقْيِيد ابْن المناصف، وَلذَا صدر بِهِ النَّاظِم وَهُوَ الْأَحْوَط فِي الْعَزْل لِأَنَّهُ قد يَفْعَله بعد عَزله ويوهم أَنه صدر مِنْهُ قبله، فَإِذا كَانَ قَول القَاضِي بعد عَزله قد كنت حكمت بِكَذَا قبله أَو أجلت وَنَحْوه لَا يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة لاحْتِمَال كذبه، فَكَذَلِك هَذَا إِذا خاطبه الْوَارِد بعد عَزله بِمَنْزِلَة قَوْله ذَلِك، وَأما فِي الْمَوْت فِي حَال الْولَايَة فَلَا يتَطَرَّق هَذَا الِاحْتِمَال مَعَ معرفَة خطه فَتَأَمّله، ثمَّ بعد كتبي مَا تقدم وقفت فِي شَهَادَات المعيار على جَوَاب لِابْنِ زِيَادَة الله وَابْن الْفراء الَّذِي يَقْتَضِيهِ النّظر هُوَ مَا ذَكرْنَاهُ فَالْحَمْد لله على الْمُوَافقَة. (و) إِن مَاتَ أَو عزل (معلم) بِفَتْح اللَّام أَي مُخَاطب بِالْفَتْح فَهُوَ فَاعل بِفعل شَرط مُقَدّر يدل عَلَيْهِ فعل الشَّرْط الْمُتَقَدّم لَا مَعْطُوف على مُخَاطب لِأَن الْعَطف يَقْتَضِي التَّشْرِيك فِي الحكم، وَلَيْسَ الْأَمر هُنَا كَذَلِك خلافًا ل (ت) وَيجوز أَن يكون مُبْتَدأ وسوغ الِابْتِدَاء بِهِ كَونه صفة لمَحْذُوف (يخلفه) بِفَتْح الْيَاء وَضم اللَّام مضارع خَلفه إِذا قَامَ مقَامه خبر أَو جَوَاب، وعَلى كل حَال فَهُوَ مَرْفُوع لَكِن إِن قدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 الْفَاعِل مَاضِيا كَانَ رَفعه حسنا لقَوْل ابْن مَالك: وَبعد مَاض رفعك الجزا حسن. وَإِن قدر مضارعاً فالرفع ضَعِيف (وَالِي) فَاعل يخلف (القضا) مفعول فِي الْمَعْنى بوالي مجرور فِي اللَّفْظ بِالْإِضَافَة أَي إِن مَاتَ أَو عزل الْمُخَاطب بِالْفَتْح قبل وُصُول الْخطاب إِلَيْهِ فَإِن مُتَوَلِّي الْقَضَاء بعده يخلفه فِي الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: وَإِن يمت الخ. فَقَالَ: والحَكَمُ العَدْلُ عَلَى قَضائِهِ خِطابُهُ لَا بُدَّ من إمْضائِهِ (وَالْحكم) بِفَتْح الْكَاف لُغَة فِي الْحَاكِم مُبْتَدأ (الْعدْل) صفة (على قَضَائِهِ) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال أَي مستمراً على قَضَائِهِ وَلم يحصل لَهُ موت وَلَا عزل (خطابه) مُبْتَدأ ثَان (لَا) نَافِيَة للْجِنْس (بُد) اسْمهَا (من إمضائه) خَبَرهَا. وَالْجُمْلَة خبر الثَّانِي وَالثَّانِي وَخَبره خبر الأول أَي: لَا مخلص من إمضائه. وَمَفْهُوم الْعدْل أَن غَيره لَا يعْمل بخطابه لِأَنَّهُ لَا تصح تَوليته كَمَا مرّ. ابْن عَرَفَة: وَشرط إِعْمَال خطاب القَاضِي صِحَة ولَايَته مِمَّن تصح تَوليته، وَقد تقدم قَول (خَ) : إِن كَانَ أَهلا أَو قَاضِي مصر، وَظَاهر النّظم أَن الْمُخَاطب بِالْفَتْح يمضيه وَيعْمل بِهِ سَوَاء وَافق مذْهبه أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك على مَا بِهِ الْعَمَل إِن كَانَ الْمُخَاطب بِالْكَسْرِ قد حكم بِمَا خَاطب بِهِ، وَأما إِن لم يحكم بِهِ، وَإِنَّمَا خاطبه بِمَا ثَبت عِنْده فَلَا يحكم إِلَّا بِمَا يُوَافق مذْهبه قَالَه فِي الْمُفِيد. وَذكر ابْن فَرِحُونَ الْقَوْلَيْنِ عَن الْمَازرِيّ من غير تعرض للمعمول بِهِ مِنْهُمَا. قلت: وَهَذَا بَين إِن كَانَ الْحَاكِم حكم بِأحد حكمين متساويين، أَو كَانَ من أهل الِاجْتِهَاد فِي الْمَذْهَب وَالنَّظَر فِي تَرْجِيح الْأَقْوَال، أَو كَانَ من مَذْهَب آخر كشافعي يخاطبه مالكي مثلا لِأَن حكمه حِينَئِذٍ يرفع الْخلاف، وإلاَّ بِأَن قصرت رتبته عَن الِاجْتِهَاد وَالنَّظَر فِي التَّرْجِيح وَلم يكن من مَذْهَب آخر، فَلَا يمْضِي حكمه وينقضه لِأَنَّهُ محجر عَلَيْهِ فِي الحكم بِغَيْر الْمَشْهُور أَو الرَّاجِح أَو مَا جرى بِهِ الْعَمَل كَمَا مرّ. وَفِي الأداءِ عِنْدَ قاضٍ حلَّ فِي غيرِ مَحلِّ حُكْمِهِ الخُلْفُ اقْتَفِي (وَفِي الْأَدَاء عِنْد قَاض) من صفته (حل) أَي نزل (فِي) بلد (غير مَحل) أَي بلد (حكمه الْخلف) مُبْتَدأ (اقتفي) أَي اتبع خَبره، وَفِي الْأَدَاء يتَعَلَّق بِهِ، وَعند قَاض يتَعَلَّق بِالْأَدَاءِ، وَمَعْنَاهُ أَنه اخْتلف إِذا نزل القَاضِي بِبَلَد لَا ولَايَة لَهُ عَلَيْهَا، هَل لَهُ أَن يسمع بذلك الْبَلَد النَّازِل فِيهِ بَيِّنَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 شَاهده بِحَق لمن هُوَ لَهُ فِي ولَايَته على غَائِب نَازل بولايته وَيعْمل على مَا أخبرهُ بِهِ قَاضِي ذَلِك الْبَلَد من عدالتهم، وَهُوَ قَول أصبغ قَالَ: وَلَو اجْتمع الخصمان عِنْده بذلك الْمحل النَّازِل فِيهِ، والمتنازع فِيهِ فِي مَحل ولَايَته لم ينظر بَينهمَا إِلَّا أَن يتراضيا عَلَيْهِ أَو لَيْسَ لَهُ أَن يسمع ذَلِك على من غَابَ بولايته، وَلَا أَن يُخَاطب بذلك إِلَى أحد، وَله أَن يسْأَل عَن حَال بَيِّنَة شهِدت عِنْده، وَهُوَ قَول ابْن عبد الحكم، وَانْظُر قَوْله: وَله أَن يسْأَل عَن حَال بَيِّنَة شهِدت عِنْده أَي شهِدت عِنْده فِي ولَايَته وَيسْأل عَن عدالتها هَهُنَا، وَظَاهره لَهُ أَن يسْأَل قَاضِي الْبَلَد أَو غَيره مِمَّن يعرفهُ بِالْعَدَالَةِ فَتَأَمّله مَعَ مَا يَأْتِي، ثمَّ إِنَّه يُؤْخَذ من قَول أصبغ هَذَا أَن للْقَاضِي أَن يسمع الْبَيِّنَة بِغَيْر حَضْرَة الْمَطْلُوب وَلَو قربت غيبته، وَهُوَ كَذَلِك على مَا بِهِ الْعَمَل وَهُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة، وَبِه قَالَ ابْن الْمَاجشون إلاَّ أَنه إِذا حضر قُرِئت عَلَيْهِ الشَّهَادَة وَأَسْمَاء الشُّهُود فَإِن كَانَ لَهُ فيهم مدفع، وإلاَّ قضى عَلَيْهِ. وَقَالَ سَحْنُون: لَا يسمع الشَّهَادَة إِلَّا بِمحضر الْمَطْلُوب إِلَّا أَن يكون بعيد الْغَيْبَة. انْظُر تبصرة ابْن فَرِحُونَ. ومَنْعُهُ فِيهِ الخِطابَ المُرْتَض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ى وَسوَّغ التَّعْرِيفَ بعضُ مَنْ مَض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ى (وَمنعه) أَي القَاضِي مُبْتَدأ مُضَاف إِلَى الْمَفْعُول الأول (فِيهِ) يتَعَلَّق بقوله: (الْخطاب) مفعول ثَان، وَالصَّوَاب أَنه على نزع الْخَافِض كَقَوْلِه تَعَالَى: وَاخْتَارَ مُوسَى قومه} (الْأَعْرَاف: 551) وَالضَّمِير الْمَجْرُور يرجع لغير مَحل حكمه (المرتضى) خبر الْمُبْتَدَأ وَأَشَارَ بِهِ لقَوْل ابْن سهل بعد نَقله الْخلاف الْمُتَقَدّم، وَسَأَلت ابْن عتاب عَن قَاض حل بِغَيْر بَلَده وَقد ثَبت عِنْده بِبَلَدِهِ حق لرجل، فَطلب أَن يُخَاطب بِهِ قَاضِي مَوضِع الْمَطْلُوب قَالَ: لَا يجوز ذَلِك، فَإِن فعل بَطل ثمَّ قَالَ: وَلَا يبعد أَن ينفذ (وسوغ) أَي جوز (التَّعْرِيف) مفعول (بعض من) فَاعل (مضى) صلَة من وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قَول ابْن سهل إِثْر مَا مر قلت لِابْنِ عتاب: فَإِن كَانَ الْحق الثَّابِت عِنْده بِبَلَدِهِ على من هُوَ بِموضع احتلاله أَي نُزُوله فَأعْلم قَاضِي الْموضع بذلك مشافهة بِمَا ثَبت عِنْده أَيكُون كمخاطبته بذلك؟ قَالَ: لَيْسَ مثله يَعْنِي لَيْسَ كمخاطبته إِيَّاه بذلك من مَحل ولَايَته، ثمَّ قَالَ ابْن سهل: وَرَأَيْت فُقَهَاء طليطلة يجيزون إِخْبَار القَاضِي المحتل بذلك الْبَلَد قَاضِي الْبَلَد، ويرونه كمخاطبته إِيَّاه اه. فَأَشَارَ النَّاظِم بقوله: وسوغ الخ. إِلَى مَا قَالَه فُقَهَاء طليطلة، وَيفهم مِنْهُ أَن الْبَعْض الآخر لم يسوغ ذَلِك وَهُوَ مَا قَالَه ابْن عتاب وَمُقَابل قَوْله: المرتضى هُوَ قَول ابْن عتاب، وَلَا يبعد أَن ينفذ الخ. فالخطاب بِالْكِتَابَةِ فِيهِ قَولَانِ لِابْنِ عتاب وَغَيره وَفِي المشافهة قَولَانِ لَهُ وللطليطليين، وَلَكِن قد علمت أَن الْكِتَابَة قَائِمَة مقَام المشافهة، فَمن قَالَ بِجَوَاز خطابه فِي غير مَحل ولَايَته بالمشافهة وهم الطليطليون يلْزمه أَن يَقُول بِجَوَازِهِ بِالْكِتَابَةِ إِذْ هِيَ قَائِمَة مقَامهَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وَالْعَكْس بِالْعَكْسِ فَمَا قَالَه ابْن عتاب: من أَنه لَا يبعد أَن ينفذ مُوَافق لقَوْل الطليطليين فترجع المسألتان إِلَى مَسْأَلَة وَاحِدَة، وَحِينَئِذٍ فَيجب أَن يعمم فِي قَول النَّاظِم وَمنعه فِيهِ الْخطاب أَي: كَانَ بالمشافهة أَو بِالْكِتَابَةِ، وَكَذَا فِي قَوْله التَّعْرِيف أَي بِالْكِتَابَةِ أَو بالمشافهة، وَيكون هَذَا مُقَابلا لقَوْله المرتضى كَمَا هُوَ ظَاهر وَلَا معنى لجعلهما مَسْأَلَتَيْنِ بل الْمَسْأَلَة الأولى عِنْد التَّأَمُّل رَاجِعَة إِلَى هَذَا أَيْضا، وَبَيَانه: أَن قولي ابْن عبد الحكم وَابْن عتاب كِلَاهُمَا جَار على الْمَشْهُور: من أَن القَاضِي إِذا حل فِي غير بَلَده فَهُوَ مَعْزُول فَلَا يُخَاطب وَلَا يسمع بَيِّنَة هُنَاكَ لِأَن سماعهَا يَسْتَدْعِي تعديلها فَإِن شافهه قَاضِي ذَلِك الْبَلَد بعدالتها لم يحل لَهُ أَن يحكم بذلك إِذا رَجَعَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ حَاكم بِعلم سبق مَجْلِسه كَمَا فِي ابْن شَاس وَابْن الْحَاج وَهُوَ مَا أَفَادَهُ (خَ) بقوله: وأنهى لغيره بمشافهة إِن كَانَ كل بولايته الخ. وَقد جعل غير وَاحِد قَول أصبغ والطليطليين مُقَابلا فَلَو أَتَى المُصَنّف بفاء التَّفْرِيع بدل الْوَاو فَيَقُول فَمَنعه فِيهِ الْخطاب الخ. إِشَارَة إِلَى أَن هَذَا بَيَان للْخلاف الْمَذْكُور لَكَانَ أظهر وَالله أعلم. تَنْبِيه: قَالَ الشَّارِح: وعَلى مَا ذهب إِلَيْهِ فُقَهَاء طليطلة الْعَمَل عِنْد قُضَاة الْجَمَاعَة بالحضرة. يُرِيد حَضْرَة غرناطة، وَانْظُر مَا الَّذِي بِهِ الْعَمَل الْآن فِي هَذِه الأقطار، وَظَاهر قَوْلهم: إِن عمل الْمغرب تَابع لعمل الأندلس أَنه على ذَلِك. ويُثْبِتُ القَاضِي عَلَى المَحْوِ وَمَا أشْبَهَهُ الرَّسْمَ على مَا سَلِما (وَيثبت) بِضَم الْيَاء مضارع أثبت (القَاضِي) فَاعله (على المحو) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من الرَّسْم (وَمَا) عطف على المحو (أشبهه) صلته أَي من بشر وَقطع وقرض فار (الرَّسْم) مفعول يثبت (على مَا سلما) حَال من القَاضِي، أَو بدل من الرَّسْم، بدل بعض من كل أَي: وَيثبت القَاضِي الرَّسْم فِي حَال اشتماله على المحو وَنَحْوه إِذا طُولِبَ بِالْخِطَابِ عَلَيْهِ حَال كَونه منبهاً على مَا سلم مِنْهُ فَيَقُول مثلا: أعلم بِصِحَّة الرَّسْم أَعْلَاهُ مَا عدا المحو أَو الْبشر الَّذِي مبدؤه كَذَا ومنتهاه كَذَا، أَو أعلم بِثُبُوت مَا عدا المحو الَّذِي بَين لَفْظَة كَذَا وَكَذَا فِي الرَّسْم أَعْلَاهُ، فَلَا بُد من تنصيصه على الِابْتِدَاء والانتهاء، وَظَاهره أَنه يثبت السَّالِم سَوَاء كتب فِي مَحل المحو والبشر شَيْء من فُصُول الْوَثِيقَة أم لَا. أحتمل أَن يكون مَوضِع الْبشر وَنَحْوه مَا يبطل الرَّسْم أَو يضاد مَا لم يسترب فِيهِ أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك إِذا لم يسترب فِي جَمِيع فُصُول الرَّسْم من أجل ذَلِك، وَفهم من قَوْله: على المحو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 الخ. أَن التقطيع الَّذِي لم تذْهب مَعَه الْكِتَابَة بِأَن بَقِي الْمَقْطُوع ملزقاً بخيط أَو بِطرف مِنْهُ، وَنَحْو ذَلِك يُثبتهُ كُله، وَهُوَ كَذَلِك لَكِن لَا يحكم بِهِ إِلَّا بعد الإيقاف زَمنا رَجَاء أَن يظْهر لَهُ أَمر فَإِن طَال حكم بِهِ بعد الِاسْتِظْهَار بِالْيَمِينِ كَمَا فِي وَصَايَا المعيار، وَفهم من قَوْله: على مَا سلما أَن السَّالِم يسْتَقلّ بِنَفسِهِ وَإِلَّا سقط الرَّسْم كُله وَهُوَ كَذَلِك، فَإِذا كَانَ رسم الصَدَاق فِيهِ سطر ممحو مثلا كتب فِيهِ أَي فِي مَحل هَذَا المحو اشْتِرَاط عدم الرحيل مثلا، وَلم يحفظ الشُّهُود ذَلِك أَو غَابُوا أَو مَاتُوا حلف الزَّوْج أَنه مَا اشْترط لَهَا ذَلِك وسافر حَيْثُ شَاءَ، وَكَذَلِكَ إِن قَالَ فِي الْوَثِيقَة لفُلَان على فلَان مائَة وَخَمْسُونَ دِينَارا فَوَقع المحو وَنَحْوه على الْخمسين، فَإِن الْمِائَة تثبت وَلَا إِشْكَال. وَانْظُر هَل تسْقط الْخَمْسُونَ الزَّائِدَة أَو ينظر للتمييز، فَإِن كَانَ مَنْصُوبًا فَيحمل على أقل الْعُقُود وَهُوَ أحد عشر، وَهُوَ الظَّاهِر هَذَا معنى قَوْله: على مَا سلما، فَإِن حصلت الرِّيبَة فِي جَمِيع فُصُول العقد بِسَبَب الْبشر وَنَحْوه لم يُحَقّق شُهُود مَا يُوجب حكما أَو غَابُوا أَو مَاتُوا قبل أَن يسْأَلُوا بَطل الرَّسْم كُله قَالَه فِي المعيار. قَالَ: والبشر أَشد وأكبر رِيبَة عِنْد بَعضهم، وَفِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا: إِذا وجد فِي ذكر حق محو أَو بشر غير معتذر عَنهُ إِن كَانَ ذَلِك لَا يخل بِشَرْط وَلَا قيد فِي الرَّسْم لم يضر، وَإِن أبطل قيدا من قيود الرَّسْم بَطل بِذَاتِهِ مثل أَن يخل بتاريخ أَو عدد وَنَحْوه، وَإِن كَانَ مِمَّا يَنْبَنِي عَلَيْهِ الرَّسْم مثل اسْم الْمَحْكُوم عَلَيْهِ أَو لَهُ بَطل جَمِيعه. وَقَالَ فِي الطرر: إِذا وَقع فِي الْوَثِيقَة بشر أَو محو أَو ضرب فِي مَوَاضِع العقد مثل عدد الدَّنَانِير أَو آجالها أَو التَّارِيخ وَلم يعْتَذر عَنهُ سُئِلت الْبَيِّنَة فَإِن حفظت الشَّيْء بِعَيْنِه من غير أَن يرَوا الْوَثِيقَة مَضَت وَإِن لم يحفظوه سئلوا عَن الْبشر فَإِن حفظوه مَضَت أَيْضا، وَإِلَّا سَقَطت، وَإِن كَانَ ذَلِك فِي غير مَوَاضِع العقد لم يضر الْوَثِيقَة وَإِن لم يعْتَذر عَنهُ اه بِنَقْل المعيار، وَمثل عدم حفظهم لمحل الْبشر وَنَحْوه مَوْتهمْ أَو غيبتهم كَمَا مر وَظَاهر قَوْله: وَإِلَّا سَقَطت الخ. سُقُوط الْوَثِيقَة كلهَا سَوَاء كَانَ الْبَاقِي يسْتَقلّ بِنَفسِهِ أم لَا. وَلَيْسَ كَذَلِك بِدَلِيل مَا مرّ لِأَنَّهَا إِذا كَانَت تسْقط كلهَا لم يبْق للنظم محمل يحمل عَلَيْهِ. وَفِي كَلَام (ت) نظر، ثمَّ بعد كتبي هَذَا وقفت على أَن مافي الطرر وَإِن نَقله غير وَاحِد مُسلما، فقد بحث فِيهِ سَيِّدي يعِيش فَقَالَ: يظْهر لي أَن فِيهِ أموراً. الأول: إِنَّه إِذا سُئِلت الْبَيِّنَة من غير أَن يرَوا الْوَثِيقَة وحفظت الشَّيْء بِعَيْنِه فالاعتماد إِذن على حفظهم لَا على الْوَثِيقَة حَتَّى يُقَال مَضَت. الثَّانِي: إِن قَوْله على الْبشر فِيهِ إِجْمَال لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يُرِيد بذلك عَن الْكِتَابَة الْوَاقِعَة فِي مَوضِع الْبشر، أَو عَن الْبشر الَّذِي يبْقى الْكَلَام فِيهِ لَهُ معنى، وَأما الْبشر الَّذِي لَيْسَ كَذَلِك كبشر سطر وَنَحْوه من غير كِتَابَة، فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ قَوْله بعد فَإِن حفظوه مَضَت. الثَّالِث: أَن قَوْله: وَإِن لم يحفظوه سَقَطت الْوَثِيقَة فِيهِ جور على رب الرَّسْم بل إِذا سلم فِيهِ مثلا وَتقَابَضَا الثّمن والمثمن مُعَاينَة خَاطب القَاضِي عَلَيْهِ لينْتَفع بِهِ. الرَّابِع: قَوْله: وَإِن كَانَ ذَلِك فِي غير مَوضِع العقد لم يضر الْوَثِيقَة فِيهِ نظر، إِذْ قد يكون مثلا فِي وَثِيقَة التصيير فِي قَول الموثق وحازه مُعَاينَة وَيَقَع النزاع فِي الْحَوْز، بل هَذَانِ الْأَمْرَانِ مخالفان لقَوْل النَّاظِم: وَيثبت القَاضِي على المحو الخ، فَإِن ظَاهره كَانَ الَّذِي سلم فِي العقد أَو فِي غَيره من الرَّسْم اه. قلت: وَيُمكن أَن يُجَاب عَن الأول بِأَن الضَّمِير فِي مَضَت يعود على الشَّهَادَة وَعَن الثَّانِي بِأَنَّهُ يُمكن أَن يبشر السطر كُله ويحفظوا كل مَا كَانَ فِيهِ من غير كِتَابَة كَمَا هُوَ ظَاهر، وَعَن الرَّابِع بِأَن المُرَاد بِالْعقدِ مَا لَا يتم العقد إِلَّا بِهِ فَيشْمَل مَا هُوَ شَرط فِيهِ، وَإِن كَانَ خَارِجا عَنهُ كالحيازة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وَنَحْوهَا، نعم يرد على الْإِطْلَاق فِي قَوْله: وَإِلَّا سَقَطت كَمَا مرّ التَّنْبِيه عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَحْث الثَّالِث عِنْده وَالله أعلم. فرع: إِذا كَانَت النُّسْخَة مسجلة على القَاضِي بِالصِّحَّةِ بعد الْمُقَابلَة والمماثلة من شاهديها المعروفين بِالْعَدَالَةِ وَمَا تَقْتَضِيه أَلْفَاظ التسجيل، فَشهد غَيرهمَا بِأَن الأَصْل المنتسخ مِنْهُ كَانَ فِيهِ تقطيع أَو محو وَنَحْوه، فَإِن شَهَادَة الْغَيْر لَا تعَارض شَهَادَة شَاهِدي النُّسْخَة لجَوَاز أَن يكون الْبشر وَنَحْوه طَرَأَ بعد الانتساخ، أَو يكون هَذَا الَّذِي رَآهُ الْغَيْر نَظِير المنتسخ مِنْهُ لكَون شاهديه عدلا عَنهُ، لما فِيهِ من الْبشر وَنَحْوه، وَكتب غَيره سليما وَمن هَذَا السَّلِيم أخذت النُّسْخَة قَالَه فِي المعيار إِثْر مَا مرّ. وعِنْدَ مَا يَنْفُذُ حُكْمٌ وطُلِبْ تَسْجِيلُهُ فإنَّهُ أمْرٌ يَجِبْ (وعندما) ظرف زمَان مضمن معنى الشَّرْط فَهُوَ كحيث الْوَاقِعَة على الزَّمَان (ينفذ) بِضَم الْفَاء (حكم) فَاعله وَيجوز نَصبه على أَنه مفعول ينفذ بِكَسْر الْفَاء الْمُشَدّدَة وفاعله ضمير يعود على القَاضِي (وَطلب) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول نَائِبه ضَمِيره الْعَائِد على القَاضِي. (تسجيله) مفعول ثَان، وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة ينفذ مدخولة للشّرط الْمَذْكُور (فَإِنَّهُ أَمر) الْفَاء رابطة بَين الشَّرْط وَجَوَابه (يجب) صفة لأمر أَي: أَي وحيثما نفذ القَاضِي حكما وَطلب مِنْهُ أحد الْخَصْمَيْنِ تسجيله أَي كتبه وإشهاد شَاهِدين عَلَيْهِ ليتمسك بِهِ تحصيناً لنَفسِهِ من مفْسدَة تَجْدِيد الْخُصُومَة فَإِنَّهُ أَمر وَاجِب عَلَيْهِ فعله وَتَقَدَّمت كَيْفيَّة تسجيله فِي الْآجَال، وَفهم مِنْهُ أَنه لَا بُد من تَسْمِيَة شَاهِدي التسجيل والإعذار والآجال وشاهدي الْحق، إِذْ لَا تتمّ الْحجَّة إِلَّا بذلك. وَهُوَ كَذَلِك. وَسَوَاء كَانَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ غَائِبا أَو حَاضرا لِأَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ إِذا أنكر حكم القَاضِي وَالْخُصُومَة عِنْده فَلَا يقبل قَول القَاضِي عَلَيْهِ كَمَا مرّ عِنْد قَوْله وَقَول سَحْنُون الخ. وَشَمل قَوْله: وَطلب مَا إِذا طلبه كل مِنْهُمَا وَهُوَ نَص فِي وجوب إِعْطَاء الْحَاكِم النُّسْخَة للمحكوم عَلَيْهِ من حكمه، وَلَا سِيمَا إِذا قَالَ حكم عَلَيْهِ بِمَا لَا نَص فِيهِ. وَقد صرح بِهِ الْفَقِيه سَيِّدي أَبُو الْقَاسِم بن حجُّوا حَسْبَمَا فِي نَوَازِل الزياتي قَائِلا: من الْبدع الْمُحرمَة منع قُضَاة الكور تسجيل الحكم وَمَا بني عَلَيْهِ من الْمَحْكُوم عَلَيْهِ. فَمن منع ذَلِك فَهُوَ ذُو حيف مُبْتَدع اه. قلت: وَلَا سِيمَا مَعَ ضعف عَدَالَة قُضَاة الْوَقْت وَعدم معرفتهم بكيفية إِجْرَاء الْأَحْكَام على قوانينها، وَانْظُر أَوَاخِر الرُّكْن الثَّانِي من الْقسم الأول من التَّبْصِرَة فَإِنَّهُ ذكر فِيهِ: أَن القَاضِي إِذا قَالَ: شهدُوا عِنْدِي بِكَذَا وحكمت وَأنْكرت الْبَيِّنَة الشَّهَادَة عِنْده بذلك هَل ينْقض حكمه أَو لَا؟ قَولَانِ: الرَّاجِح مِنْهُمَا لمناسبة تُهْمَة قُضَاة الْوَقْت النَّقْض. وَمَا عَلَى القَاضِي جُناحٌ لَا وَلا مِنْ حَرَجٍ إِن ابْتداءً فَعَلا (وَمَا) نَافِيَة (على القَاضِي) خبر (جنَاح) أَي إِثْم مُبْتَدأ (لَا) تَأْكِيد لما (وَلَا) نَافِيَة (من) زَائِدَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 (حرج) مجرور لفظا وَهُوَ مَرْفُوع معنى مَعْطُوف على جنَاح وَمَعْنَاهُ الْإِثْم أَيْضا فهما بِمَعْنى (إِن) شَرط (ابْتِدَاء) مصدر مَنْصُوب على نزع الْخَافِض وَفعل الشَّرْط مَحْذُوف يفسره (فعلا) وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ مَا قبله أَي لَيْسَ على القَاضِي جنَاح، وَلَا حرج إِن فعل كتب الحكم وتسجيله ابْتِدَاء قبل أَن يطْلب مِنْهُ. وَسَاغَ مَعَ سُؤَالِهِ تَسْجِيلُ مَا لَمْ يُواقِعِ النِّزاعُ فِيهِ كَلِما (وساغ مَعَ سُؤَاله) يتَعَلَّق بساغ وَهُوَ مصدر مُضَاف للْمَفْعُول وضميره للْقَاضِي (تسجيل) فَاعل سَاغَ (مَا) نكرَة أَو مَوْصُولَة (لم يُوقع) بِضَم الْيَاء مَعَ كسر الْقَاف أَو فتحهَا. (النزاع) فَاعله أَو نَائِبه (فِيهِ) يتَعَلَّق بالنزاع (كلما) بِكَسْر اللَّام وَفتح الْكَاف جمع بِمَعْنى كَلَام مفعول بقوله يُوقع بِكَسْر الْقَاف على أَنه مَبْنِيّ للْفَاعِل أَو بِضَم الْكَاف وَتَشْديد اللَّام مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة الزمانية بساغ لِأَن مَا الَّتِي أضيفت إِلَيْهِ كل بِمَعْنى الزَّمَان وَهِي نكرَة حذفت صفتهَا تقديرها يسْأَل مِنْهُ ذَلِك على أَن يُوقع بِفَتْح الْقَاف مَبْنِيا للْمَفْعُول، وعَلى كل فالجملة صفة لما الأولى أَو صلتها والرابط الضَّمِير فِي فِيهِ، وَالْمعْنَى على الأول وساغ للْقَاضِي مَعَ سُؤَاله تسجيل شَيْء لم يُوقع النزاع فِيهِ كلَاما، وَالْمعْنَى على الثَّانِي وساغ لَهُ تسجيل الشَّيْء الَّذِي لم يُوقع النزاع فِيهِ كل زمَان يسْأَل مِنْهُ ذَلِك. قَالَ الشَّارِح: وَذَلِكَ مثل رسوم الأحباس الَّتِي يهْلك شهودها وَيشْهد على خطوطهم وَغير ذَلِك مِمَّا ثَبت عِنْده وَلم يَقع فِيهِ خصام اه. فَمَعْنَى التسجيل هُنَا إشهاده بِصِحَّة تِلْكَ الرسوم وَكتب ذَلِك الْإِشْهَاد فَلَيْسَ فِيهِ حكم، إِذْ الحكم يَسْتَدْعِي مَحْكُومًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ للتحصين والاستعداد بِخِلَاف الأول فَإِنَّهُ إِشْهَاد بالحكم وَكتبه كَمَا مرّ. وسائلُ التَّعْجِيزِ ممنْ قَدْ قض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ى يُمْضى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; لَهُ فِي كلِّ شيءٍ بالقَضَا (وَسَائِل التَّعْجِيز) أَي: الحكم بِعَدَمِ قبُول مَا يَأْتِي بِهِ من حجَّة زِيَادَة على الحكم بِالْحَقِّ قَالَه اللَّقَّانِيّ، وَقيل: إِن التَّعْجِيز هُوَ نفس الحكم بِالْحَقِّ أَو بِالْإِبْرَاءِ مِنْهُ وَلَيْسَ هُوَ شَيْئا زَائِدا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يكْتب تَأْكِيدًا للْحكم وَهُوَ مفَاد التَّوْضِيح وعياض وارتضاه طفي وَهُوَ ظَاهر مَا للموثقين، وَلَا سِيمَا المتيطي فِي عدَّة مَوَاضِع من وَثِيقَة النِّكَاح مِنْهَا قَوْله: فَإِذا انْقَضتْ الْآجَال والتلوم وَلم يَأْتِ الْمُؤَجل بِشَيْء يُوجب لَهُ نظر أعجزه القَاضِي وأنفذ الْقَضَاء عَلَيْهِ وسجل بذلك وَقطع شغبه عَن خَصمه فِي ذَلِك، ثمَّ قَالَ: لَا تسمع لَهُ بعد ذَلِك حجَّة وَلَا بَيِّنَة كَانَ طَالبا أَو مَطْلُوبا إِلَّا فِي الْعتْق وَالطَّلَاق وَالدَّم وَالنّسب. قَالَه مطرف وَابْن الْقَاسِم وَابْن وهب وَأَشْهَب، وَاخْتَارَهُ ابْن حبيب اه. وَمثله لِابْنِ سهل وَقد قَالَ ابْن رشد: اخْتلف فِيمَن أَتَى بِبَيِّنَة بعد الحكم عَلَيْهِ بالتعجيز على ثَلَاثَة أَقْوَال الخ. فَلَو كَانَ التَّعْجِيز هُوَ الحكم بِعَدَمِ قبُول الْحجَّة مَا تأتى لَهُ حِكَايَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 الْخلاف، لِأَن حكم الْحَاكِم يرفع الْخلاف على أَن الَّذِي فِي الزّرْقَانِيّ أَنه لَا تقبل حجَّته بعده على الْمَذْهَب، وَلَو لم يحكم بِعَدَمِ قبُول حجَّته وحينئذٍ فتنفيذ الْقَضَاء فِي النَّص الْمُتَقَدّم لَيْسَ أمرا زَائِدا على الحكم بِالْحَقِّ كَمَا مرّ أول الْكتاب، فَلم يبْق معنى لقَولهم عَجزه إِلَّا الحكم بِثُبُوت الْحق أَو نَفْيه، فالتعجيز فِي النّظم على حذف مُضَاف أَي سَائل كتبه تَأْكِيدًا للْحكم أَو سَائل إِيقَاعه أَي التَّعْجِيز بِمَعْنى الحكم أَي سَائل إِيقَاع الحكم، وَلَا يتَكَرَّر مَعَ قَوْله قبل وعندما ينفذ حكم الخ لِأَن ذَلِك فِي سُؤَاله كِتَابَة الحكم بعد إِيقَاعه، وَهَذَا فِي سُؤَاله كِتَابَة التَّعْجِيز تَأْكِيدًا للْحكم الْمَذْكُور، أَو فِي سُؤَاله إِيقَاعه أَي التَّعْجِيز الَّذِي هُوَ الحكم حَيْثُ لم يَأْتِ الْمُؤَجل بِشَيْء. وَالْحَاصِل أَن الْمَحْكُوم لَهُ طَالبا أَو مَطْلُوبا إِذا سَأَلَ (مِمَّن قد قضى) لَهُ بِالْحَقِّ أَو نَفْيه أَن يكْتب تعجيز الْمَطْلُوب تَأْكِيدًا للْحكم الْمَذْكُور أَو سَأَلَ مِنْهُ إِيقَاع الحكم حَيْثُ لم يَأْتِ الْمُؤَجل بِشَيْء فَإِنَّهُ يُجَاب إِلَى ذَلِك فِي الأول اسْتِحْبَابا وَفِي الثَّانِي وجوبا، فَقضى بِمَعْنى الْمُضَارع على الْوَجْه الأول أَو على حذف الْإِرَادَة على الْوَجْه الثَّانِي، وَقد: للتحقيق على كل حَال، وَالْمَجْرُور من الْمَوْصُول وصلته يتَعَلَّق بالمبتدأ الَّذِي هُوَ سَائل وَخَبره قَوْله: (يُمضي) بِضَم الْيَاء مَبْنِيا للْمَفْعُول ونائبه ضمير يعود على التَّعْجِيز (لَهُ) يتَعَلَّق بِهِ (فِي كل شَيْء) وَيجوز قِرَاءَته بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وفاعله ضمير يعود على التَّعْجِيز بِمَعْنى الحكم أَي سَائل الحكم مِمَّن يقْضِي بَين النَّاس يُوجب إِلَيْهِ ويمضي حكمه على الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فِي كل شَيْء مَال أَو غَيره (بالقضا) ء فِيهِ، وَهَذَا على الْوَجْه الثَّانِي من أَن المُرَاد بالتعجيز إِيقَاع الحكم لَا كِتَابَته تَأْكِيدًا لَهُ، وإلاَّ فيؤول يمْضِي بيكتب أَي يُجَاب إِلَيْهِ وَيكْتب لَهُ فِي كل شَيْء قضى بِهِ، وَلَكِن هَذَا الْحمل مَعَ قلَّة فَائِدَته بعيد من لفظ يمْضِي وَمن الِاسْتِثْنَاء فِي قَوْله: إلاّ ادِّعاءُ حُبْسٍ أَو طَلاَقِ أوْ نَسَبٍ أوْ دَمٍ أوْ عَتَاقِ (إِلَّا ادِّعَاء حبس) مَنْصُوب على الِاسْتِثْنَاء أَي سَائل الحكم يُوجب إِلَيْهِ، ويمضي ذَلِك الحكم فِي كل شَيْء وَلَا تسمع للمحكوم عَلَيْهِ حجَّة بعد ذَلِك إِلَّا ادِّعَاء حبس أَو طَلَاق الخ، فَإِنَّهُ لَا يُجَاب إِلَيْهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا شرع لقطع النزاع والشغب وَهُوَ إِن حكم فِي هَذِه الْأُمُور، فَإِن الطَّالِب على حجَّته فَلم يكن لحكمه فَائِدَة، وَبِهَذَا تعلم افْتِرَاق هَذِه المستثنيات من غَيرهَا، فَإِن الطَّالِب يحكم عَلَيْهِ فِي غَيرهَا بعد عَجزه وَلَا تسمع حجَّته بعد بِخِلَافِهَا فَلَا يحكم عَلَيْهِ إِذْ لَا ثَمَرَة لَهُ وَإِنَّمَا يعرض عَنْهُمَا كَمَا قَالُوهُ عِنْد قَوْله: أَو وجد ثَانِيًا أَو مَعَ يَمِين لم يره الأول وَغَايَة مَا يَقُول للزَّوْجَة وَنَحْوهَا بعد الْعَجز عَن الْإِثْبَات لَا تسمع هَذِه الدَّعْوَى مُجَرّدَة ويخلى بَينهَا وَبَين زَوجهَا، وَهَذَا لَيْسَ بِحكم كَمَا إِذا قَالَ: لَا أحكم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين أَو لَا أسمع هَذِه الْبَيِّنَة وَنَحْو ذَلِك كَمَا فِي التَّبْصِرَة وَهُوَ قَول خَلِيل: لَا أجيزه أَو أُفْتِي كَمَا مر أول الْكتاب، وَبِه أَيْضا تعلم ضعف مَا مرّ عَن اللَّقَّانِيّ من أَن التَّعْجِيز هُوَ الحكم بِعَدَمِ قبُول الْحجَّة لِأَنَّهُ حينئذٍ يصير الْمدَار فِي قطع النزاع والشغب على صُدُور التَّعْجِيز بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور، وَالْحكم بِدُونِهِ لَا يقطع ذَلِك. وَهَذَا بعيد لَا دَلِيل عَلَيْهِ عقلا وَلَا نقلا، وَقَول ابْن فَرِحُونَ تبعا للجزيري: إِن قضى القَاضِي على الْقَائِم بِإِسْقَاط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 دَعْوَاهُ من غير صُدُور تعجيز ثمَّ وجد بَيِّنَة فَلهُ الْقيام بهَا الخ. مَرْدُود كَمَا فِي طفي، وَأَيْضًا هُوَ مَبْنِيّ على الْمُقَابل من أَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ تسمع حجَّته الْمشَار لَهُ بقول (خَ) فَإِن نفاها واستحلفه فَلَا بَيِّنَة إِلَّا لعذر كنسيان الخ. أَعنِي: إِذا حكم عَلَيْهِ بِإِسْقَاط دَعْوَاهُ، وَلم يقل فِي حكمه أَنه لَا تقبل لَهُ حجَّة يَأْتِي بهَا ثمَّ أَتَى بِبَيِّنَة نَسَبهَا أَو لم يعلم بهَا فَإِنَّهَا لَا تقبل وَهَذَا وان كَانَ مُوَافقا لنَصّ خَلِيل الْمَذْكُور لكنه خلاف الْمَشْهُور كَمَا ستراه فَإِن قَالَ فِي حكمه: لَا تقبل لَهُ بَيِّنَة يَأْتِي بهَا فَلَا تقبل حينئذٍ اتِّفَاقًا لِأَن حكمه بِعَدَمِ قبُول الْحجَّة يرفع الْخلاف، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعْتَمَد من قَول ابْن الْقَاسِم يُوَافق ابْن الْمَاجشون فِي عدم الحكم على الطَّالِب فِي هَذِه المستثنيات ويختلفان فِي غَيرهَا، فَرَأى ابْن الْمَاجشون أَن كل شَيْء عجز الطَّالِب عَن إثْبَاته ابْتِدَاء فَلَا يحكم فِيهِ وَيتْرك وَتحقّق دَعْوَاهُ مَتى أمكنه، وكل شَيْء أثْبته وَأوجب فِيهِ عملا على الْمَطْلُوب فَأثْبت الْمَطْلُوب مَا يسْقطهُ وينقضه فَادّعى الطَّالِب حجَّة عجز عَن إِثْبَاتهَا بعد ضرب الْأَجَل لَهُ فَإِنَّهُ يحكم عَلَيْهِ وتقطع حجَّته. وَرَأى ابْن الْقَاسِم أَنه يحكم عَلَيْهِ فِي غير المستثنيات مُطلقًا إِذا سَأَلَ الْمَطْلُوب ذَلِك وَالْحجّة لَهُ مَا تقدم فِي رِسَالَة الْقَضَاء لعمر رَضِي الله عَنهُ من قَوْله: اجْعَل للْمُدَّعِي أَََجَلًا يَنْتَهِي إِلَيْهِ فَإِن أحضر بَيِّنَة أخذت لَهُ بِحقِّهِ وإلاَّ وجهت الْقَضَاء عَلَيْهِ الخ. وَظَاهر قَوْله: حبس سَوَاء ادّعى أَن هَذِه الدَّار مثلا حبس على الْفُقَرَاء أَو على معِين وَهُوَ فِي الأول ظَاهر لحق الْغَائِب مِنْهُ، وَكَذَا فِي الثَّانِي لِأَن الْحَبْس حق لله لَا يجوز بَيْعه وَيدخل فِي الْحَبْس الطَّرِيق الْعَامَّة. (أَو طَلَاق) ادَّعَتْهُ الْمَرْأَة وعجزت عَن إثْبَاته، فَلَا يُجَاب الزَّوْج إِلَى الحكم بِقطع دَعْوَاهَا، وَأما إِذا أثبتته وَعجز الزَّوْج عَن الطعْن فِيمَا أَتَت بِهِ فَإِنَّهُ يحكم بِهِ عَلَيْهِ وَلَا تسمع حجَّته بعد، وَكَذَا يُقَال فِي بَاقِي المستثنيات فَلَا يعجز مدعي إِثْبَاتهَا ويعجز مدعي نَفيهَا مَا عدا الدَّم لخطره كَمَا ستراه. (أَو نسب) ادّعى شخص أَنه من ذُرِّيَّة فلَان وَعجز عَن إثْبَاته فَلَا يُجَاب من هُوَ من ذُريَّته إِلَى الحكم بِقطع دَعْوَاهُ (أَو دم) ادَّعَاهُ شخص على آخر غيلَة أَو حرابة فعجز الْوَلِيّ عَن إِثْبَات ذَلِك فَلَا يُجَاب الْقَاتِل إِلَى الحكم بِقطع دَعْوَى الْوَلِيّ هَذَا هُوَ المُرَاد بِالدَّمِ لِأَن ضَابِط الْمسَائِل الْخمس كل حق لَيْسَ لمدعيه إِسْقَاطه بعد ثُبُوته، وَلَيْسَ المُرَاد ادعاءه أَنه قتل وليه عمدا فِي غير الغيلة والحرابة وَعجز عَن إثْبَاته، فَإِن هَذَا يحكم عَلَيْهِ وَلَا تقبل حجَّته بعد لعدم دُخُوله فِي الضَّابِط الْمَذْكُور وَلَا ادِّعَاء الْعَفو أَو التجريح فعجز عَن إثباتهما فَحكم بقتْله فَوجدَ الْبَيِّنَة بهما قبل أَن يُقتل، فَإِن هَذَا يقبل مِنْهُ مَا أَتَى بِهِ من الْعَفو وَالتَّجْرِيح لخطر الدِّمَاء فَقَط، وَلَو كَانَ مَالا لم يقبل مِنْهُ وَلَكِن لَا يُقرر بِهِ كَلَام النَّاظِم لِأَن الْكَلَام فِي الحكم على الطَّالِب كَمَا مرّ، وَهَذَا مَطْلُوب. وَأَيْضًا فَإِن هَذَا من دَعْوَى الْعَفو فِي الْحُدُود فَلَا يخْتَص بِالْقَتْلِ بل الْقَذْف كَذَلِك وَالتَّجْرِيح فِي السّرقَة بِالنِّسْبَةِ للْقطع كَذَلِك، وَلَو أرادوه لقالوا أَو عفوا الخ. وَأَيْضًا لَو كَانَ المُرَاد بِالْكُلِّيَّةِ مَا يَشْمَل الطَّالِب وَالْمَطْلُوب لورد عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 الْغَائِب واليتيم إِذْ لكل مِنْهُمَا الْإِسْقَاط بعد الْقدوم والرشد مَعَ أَنه يحكم عَلَيْهِمَا وَينْزع الشَّيْء من يدهما وهما على حجتهما وَالله أعلم. (أَو عتاق) ادَّعَاهُ العَبْد على سَيّده وَعجز عَن إثْبَاته فَإِنَّهُ لَا يعْمل بِدَعْوَاهُ ويخلى بَينه وَبَين سَيّده وَتسمع حجَّته إِن وجدهَا وعتاق بِفَتْح الْعين مصدر عتق كَمَا فِي الْقَامُوس. ثُمَّ عَلَى ذَا القولِ ليسَ يُلْتَفَتْ لِمَا يُقَالُ بَعْدَ تَعْجِيزٍ ثَبَتْ (ثمَّ) عاطفة جملَة على جملَة (على ذَا القَوْل) يتَعَلَّق بقوله: (لَيْسَ) وَاسْمهَا ضمير الشَّأْن وَجُمْلَة (يلْتَفت) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خَبَرهَا (لما يُقَال) يتَعَلَّق بِهِ وَكَذَا (بعد تعجيز) وَجُمْلَة (ثَبت) صفة تعجيز أَي ثمَّ إِذا أُجِيب سَائل التَّعْجِيز أَي الحكم لما سَأَلَهُ على هَذَا القَوْل الْمَذْكُور من إِيجَابه إِلَيْهِ وإمضائه عَلَيْهِ فِي كل شَيْء إِلَّا مَا اسْتثْنِي لَا يلْتَفت لما يَأْتِي بِهِ بعد من حجَّة طَالبا أَو مَطْلُوبا وإلاَّ لم تكن فَائِدَة لضرب الْآجَال وَلَا تَنْقَطِع حجَّة أحد أبدا وَظَاهره أقرّ بِالْعَجزِ أم لَا كَانَ هُنَاكَ عذر من نِسْيَان وَنَحْوه أم لَا. كَانَت الْحجَّة الَّتِي أَتَى بهَا فِي غير المستثنيات تجريحاً أَو غَيره، وَهُوَ كَذَلِك فِي الْجَمِيع على الرَّاجِح الْمَعْمُول بِهِ قَالَ فِي الشَّامِل: ثمَّ لَا حجَّة للمحكوم عَلَيْهِ بعده، وَكَذَا إِن أقرّ بِالْعَجزِ على الْمَشْهُور. وَثَالِثهَا: إلاَّ لوجه. وَرَابِعهَا: تقبل عِنْد من حكم عَلَيْهِ فَقَط وَقيل تقبل من الطَّالِب وَحده، وَقيل إِن لم يدْخل خَصمه فِي عمل اه فَعلم مِنْهُ بِحَسب ظَاهره أَنه إِذا حكم عَلَيْهِ وَهُوَ يَدعِي الْحجَّة لَا تقبل حجَّته بعد اتِّفَاقًا وَإِن مَحل الْخلاف إِذا أقرّ بِالْعَجزِ وَهُوَ كَذَلِك وبالمشهور قَالَ أَشهب ومطرف: وَفِي كتاب ابْن دبوس: إِذا فصل الْحَاكِم بَين الْخَصْمَيْنِ لم ينظر لَهُ فِي بَيِّنَة بعد ذَلِك وَلم يعْذر فِي غيبتها أَو جهلها أَو جهل من يجرح من شهد عَلَيْهِ، وَنفذ الحكم عَلَيْهِ على مَا عَلَيْهِ حكام أهل الْمَدِينَة. قَالَ أصبغ: وَبِه قَالَ ابْن الْقَاسِم وأصحابنا اه. وَفِي ابْن سهل: إِنَّه الَّذِي جرى بِهِ الْعَمَل، وَكَذَا فِي الجزيري وَابْن رحال فِي حَاشِيَته هُنَا، وَفِي التَّبْصِرَة إِذا قَالَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بعد الحكم كنت أغفلت حجَّة كَذَا لم يقبل مِنْهُ ذَلِك اه بخ. قلت: وَبِهَذَا تعلم أَن قَول (خَ) فَإِن نفاها واستحلفه فَلَا بَيِّنَة إِلَّا لعذر كنسيان الخ. وَكَذَا قَوْله: أَو ظهر أَنه قضى بفاسقين الخ كِلَاهُمَا مُقَابل، وَيدخل فِي الْفسق الْعَدَاوَة والقرابة وَسَائِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 القواد (ح) كَمَا لِابْنِ رحال فِي شَرحه. وَفِي التَّبْصِرَة أَن الْمَازرِيّ صوب عدم النَّقْض، وَمِمَّنْ صرح بالمقابلة بَين المحلين ابْن سهل فِي أَحْكَامه وَنَقله المتيطي فِي أول نهايته قَالَ بعد أَن ذكر عَن سَحْنُون أَنه مَا ضربت لَهُ الْآجَال ووسع عَلَيْهِ إِلَّا لتقطع حجَّته وَأَنه لَا يَقُول فِي ذَلِك بقول ابْن الْقَاسِم بن سهل يُرِيد: الَّذِي روى عَنهُ فِي موضِعين قَوْله فِي أقضية الْمُدَوَّنَة إِن أَتَى بِمَالِه وَجه قبل مِنْهُ مثل أَن يَأْتِي بِشَاهِد عِنْد من لَا يرى الشَّاهِد وَالْيَمِين، فَوجدَ بعد الحكم عَلَيْهِ شَاهدا آخر، وَفِي السّرقَة مِنْهَا مثل أَن يظفر بِبَيِّنَة لم يعلمهَا، وَفِي كتاب التَّبْصِرَة: إِن وجد من يجرح من حكم عَلَيْهِ بهم فَإِنَّهُ يسمع مِنْهُ ذَلِك عِنْد ذَلِك الْحَاكِم وَعند غَيره ثمَّ قَالَ: وَفِي سَماع أصبغ عَنهُ فِيمَن ادّعى نِكَاح امْرَأَة وَادّعى بَيِّنَة بعيدَة وأنكرته لم تُؤمر بانتظاره إِلَّا أَن تكون الْبَيِّنَة قريبَة لَا يضر ذَلِك بِالْمَرْأَةِ فَإِن عَجزه الْحَاكِم ثمَّ جَاءَ بِبَيِّنَة فقد مضى الحكم أنكحت أم لَا؟ قَالَ: وَهَذِه الرِّوَايَة نَحْو رِوَايَته عَنهُ فِي كتاب ابْن حبيب خلاف الْمُدَوَّنَة وَفِي سَماع يحيى لِأَنَّهُ لم يسمع مِنْهُ بعد التَّعْجِيز اه. وَهَذِه الرِّوَايَة هِيَ قَول خَلِيل فِي التَّنَازُع، وَأمرت بانتظاره لبينة قريبَة ثمَّ لم تسمع بَينته إِن عَجزه قَاض مدعي حجَّة الخ لَكِن مَا فِي الْمُدَوَّنَة من قبُول حجَّته بعد الحكم إِن أَتَى بِمَالِه وَجه الخ. طَالبا كَانَ أَو مَطْلُوبا صرح فِي معاوضات المعيار فِي جَوَاب لمؤلفه بِأَنَّهُ الْمَشْهُور فِي الْمَذْهَب قَالَ: وَسَوَاء كَانَ الحكم بعد الْعَجز أَو التَّعْجِيز على طَرِيق أَكثر الْمَشَايِخ خلافًا لِابْنِ رشد وَصَاحب الْمعِين اه. وَفِي الوثائق الْمَجْمُوعَة أَنه الَّذِي بِهِ الْعَمَل فَقَوله: خلافًا لِابْنِ رشد يُرِيد لِأَنَّهُ جعل الحكم مَعَ التَّعْجِيز أَن بَين اللدد قَاطعا لكل حجَّة يَأْتِي بهَا علمهَا أم لَا، وَقصر الْخلاف على مَا إِذا أقرّ بِالْعَجزِ، وَقد علمت مِنْهُ أَن أَكثر الْمَشَايِخ على خلاف قَوْله فَتَأَمّله مَعَ مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم، وَفِي الْحطاب عِنْد قَوْله: وتؤولت على الْكَمَال فِي الْأَخير الخ، من النقول مَا يشْهد لما شهره فِي المعيار فَانْظُرْهُ، لَكِن الأول أقوى لِأَنَّهُ الَّذِي بِهِ الْعَمَل. تَنْبِيهَانِ الأول: إِذا قَالَ الْمُدَّعِي فِي غير المستثنيات بينتي غَائِبَة فَإِن كَانَت قريبَة الْغَيْبَة أنظر بِقدر ذَلِك، وَإِن كَانَت بعيدَة قضى عَلَيْهِ وَهُوَ على حجَّته إِذا قدمت فَإِن سَأَلَ من القَاضِي أَن يحلفهُ لَهُ ويبقي على حجَّته أُجِيب إِن حلف أَنَّهَا بِموضع بعيد وسماها وإلاَّ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيف الْمَطْلُوب مَعَ بَقَائِهِ على حجَّته كَمَا فِي اللامية. ابْن عَرَفَة: وَلَا بُد أَن يعين الْموضع خوف أَن يعْتَقد بعد مَا لَيْسَ بِبَعِيد وَالْخَوْف مَعَ الْقرب كالبعد. الثَّانِي: لم تجر الْعَادة عِنْد الموثقين بإفراد عقد التَّعْجِيز أَي الحكم، وَإِنَّمَا يضمنونه عقد التسجيلات أَي الْآجَال ورسوم الْحق الَّتِي أشهد على نَفسه بقبولها وعدالة شهودها وَكَيْفِيَّة ذَلِك أَن تَقول: لما انصرمت الْآجَال والتلومات الثَّابِتَة أَعْلَاهُ أَو حوله، وَلم يَأْتِ المتأجل بِشَيْء يُوجب لَهُ نظرا سَأَلَ الْقَائِم بِالْحَقِّ أَو الْمَطْلُوب بِهِ أَعْلَاهُ أَو حوله مِمَّن يجب سدده الله وَهُوَ إِعْمَال الْوَاجِب فِي ذَلِك وَأَن يحكم لَهُ بِمَا ثَبت لَهُ على المتأجل الْمَذْكُور أَو يقطع دَعْوَاهُ عَنهُ، فَاقْتضى نظره السديد أَن حكم على المتأجل الْمَذْكُور بِكَذَا بعد أَن أعذر لَهُ بأبقيت لَك حجَّة فادعاها أَو نفاها حكما لَازِما أنفذه وأمضاه وَأوجب الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ شهد على إِشْهَاد من ذكر إِلَى آخر مَا تقدم فِي فصل الْإِعْذَار فَإِن سَأَلَ كِتَابَة التَّعْجِيز تَأْكِيدًا للْحكم الْمَذْكُور على حسب مَا مر زَاد بعد قَوْله أنفذه وعجزه، وَأوجب الْعَمَل الخ. وَقَوْلنَا: بعد أَن أعذر الخ. لَا بُد مِنْهُ كَمَا مر فِي أول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 فصل الْإِعْذَار وَصفَة الْوَثِيقَة ظَاهر مِمَّا مر آنِفا وَالله أعلم فَإِن ذهبت إِلَى كتبه مُفردا فَانْظُر كَيْفيَّة ذَلِك فِي التَّبْصِرَة. (بَاب الشُّهُود) جمع شَاهد (وأنواع الشَّهَادَات) الْخمس (وَمَا يتَعَلَّق بذلك) من التَّوْقِيف وتعارض الْبَينَات. وَالْفرق بَين الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة مَعَ أَن كلا مِنْهُمَا خبر هُوَ أَن الْخَبَر إِن تعلق بجزئي وَقصد بِهِ تَرْتِيب فصل الْقَضَاء عَلَيْهِ كَقَوْلِك: لفُلَان على فلَان كَذَا فَهُوَ الشَّهَادَة، وَإِن تعلق بِأَمْر عَام لَا يخْتَص بِمعين كالأعمال بِالنِّيَّاتِ وَالشُّفْعَة فِيمَا لَا يَنْقَسِم أَو تعلق بجزئي، لَكِن من غير قصد تَرْتِيب فصل الْقَضَاء عَلَيْهِ كَحَدِيث: يخرب الْكَعْبَة ذُو السويقتين من الْحَبَشَة وَنَحْوهمَا مِمَّا يقْصد بِهِ تَعْرِيف دَلِيل الحكم الشَّرْعِيّ لَا تَرْتِيب فصل الْقَضَاء، فَهُوَ الرِّوَايَة، وَلذَا قَالَ فِي جمع الْجَوَامِع الْإِخْبَار عَن عَام لَا ترفع فِيهِ الرِّوَايَة وخلافه الشَّهَادَة اه. وَشَاهِدٌ صِفَتُهُ المَرْعِيَّهْ عَدَالَةٌ تَيَقُّظٌ حُرِّيَّهْ (وَشَاهد) مُبْتَدأ سوغ الِابْتِدَاء بِهِ قصد الْجِنْس أَو كَونه صفة لمَحْذُوف (صفته) مُبْتَدأ ثَان (المرعية) نعت لَهُ أَي الْمُعْتَبرَة فِيهِ (عَدَالَة) وَمَا عطف عَلَيْهِ بِحَذْف العاطف خبر عَن الثَّانِي، وَالْجُمْلَة خبر الأول وَلَا يخفى أَنَّهَا تَتَضَمَّن الْإِسْلَام وَالْعقل وَالْبُلُوغ إِذْ كل عدل مُطلقًا كَانَ عدل رِوَايَة أَو شَهَادَة لَا بُد فِيهِ مِنْهَا وَقت الْأَدَاء والإخبار. (تيقظ) أَي فطنة بِحَيْثُ لَا تتمشى عَلَيْهِ الْحِيَل فَهُوَ أخص من الْعقل، إِذْ لَا يلْزم من وجود الْعقل وجود التيقظ كَمَا أَنه لَا يلْزم من وجود التيقظ وجود الْبلُوغ فَلَا يتَكَرَّر مَعَ مَا قبله وَخرج بِهِ الْمُغَفَّل إِذا شهد فِيمَا يلتبس لَا إِن شهد فِي غَيره كَقَوْلِه: رَأَيْت هَذَا يقطع يَد هَذَا فَتقبل فمفهوم هَذَا الْقَيْد فِيهِ تَفْصِيل، فَلَا يعْتَرض بِهِ. والمغفل من لَا يسْتَعْمل قُوَّة التنبه مَعَ وجودهَا فِيهِ، وَأما البليد فَهُوَ خَال مِنْهَا فَلَا تجوز شَهَادَته مُطلقًا وَخرج بِهِ أَيْضا السَّفِيه كَانَ مولى عَلَيْهِ أم لَا على مَا بِهِ الْعَمَل من أَنه يحْجر عَلَيْهِ لِأَن من اسْتحق التحجير لعدم حفظه مَاله وَعدم حسنه النّظر فِيهِ لخداعه فِي البيع وَنَحْوه لَا تيقظ لَهُ كَمَا خرج بِمَا قبله الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَالْكَافِر، فَلَا تجوز شَهَادَتهم وَلَو على مثلهم إِلَّا الصَّبِي على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 مثله فِي الْجراح كَمَا يَأْتِي (حريَّة) وَلَو عتيقاً بعضه لِأَن المناصب الدِّينِيَّة من الْقَضَاء وَالشَّهَادَة فِيهَا إِلْزَام والنفوس تأبى أَن يلْزمهَا من دونهَا مِمَّن فِيهِ شَائِبَة رق لِأَنَّهُ أثر كفر، وَلِهَذَا جَازَت رِوَايَته لِأَنَّهُ لَا إِلْزَام فِيهَا لمُعين كَمَا مرّ وَأسْقط قيد الذكورية لتدخل الْأُنْثَى فَقَوله: وَشَاهد أَي وشخص شَاهد، فالناظم قصد بَيَان شُرُوط الشَّاهِد من حَيْثُ هُوَ، وَإِن كَانَت شَهَادَة النِّسَاء إِنَّمَا تجوز فِي الْبَعْض دون الْبَعْض فَغير المبرز، كَذَلِك تجوز شَهَادَته فِي الْبَعْض دون الْبَعْض فَلَو كَانَ مَقْصُوده من تجوز شَهَادَته فِي كل شَيْء لخرجا مَعًا. وَلَا يُقَال كَانَ الْقيَاس إِدْخَال شَهَادَة الصّبيان لِأَنَّهَا تجوز فِي الْبَعْض أَيْضا. لأَنا نقُول جَوَازهَا على خلاف الأَصْل كَمَا يَأْتِي. وَلما كَانَت الْقُيُود الْمَذْكُورَة لَا تَكْفِي فِي جَوَاز شَهَادَة الشَّاهِد، بل لَا بُد من قيدين آخَرين نبه على أَولهمَا بقوله: والعَدْلُ مَنْ يَجْتَنِبُ الكَبَائرا وَيتّقِي فِي الغَالبِ الصّغَائِرا (و) الشَّاهِد (الْعدْل) الَّذِي يسْتَحق أَن يُسمى عدلا وَأَن تجوز شَهَادَته شرعا هُوَ (من) وجدت فِيهِ الْقُيُود الْمُتَقَدّمَة و (يجْتَنب) مَعهَا الذُّنُوب (الكبائرا) دَائِما وَهِي مَا توعد عَلَيْهِ من حقد وحسد ورياء وَسُمْعَة وسرقة وفاسقي الإعتقاد كالقدري والخارجي وَنَحْو ذَلِك. وَكَذَا صغائر الخسة كسرقة لقْمَة وتطفيف حَبَّة، وَإِن لم تكن كَبِيرَة، وَالْمرَاد بالاجتناب أَن لَا تصدر مِنْهُ رَأْسا أَو عرفت تَوْبَته مِنْهَا، فالعدل مُبْتَدأ حذفت صفته كَمَا قَررنَا خَبره مَا بعده من الْمَوْصُول وصلته (وَيَتَّقِي) مَعْطُوف على الصِّلَة (فِي الْغَالِب) يتَعَلَّق بِهِ (الصغائرا) الْغَيْر الخسة كالنظرة للأجنبية والكذبة الْوَاحِدَة فِي السّنة لَا الصَّغَائِر من حَيْثُ هِيَ لما مرّ من أَن صَغِيرَة الخسة لحقت بالكبائر فِي دوَام الاجتناب لَا فِي الْغَالِب فَقَط، فَكَلَامه مساوٍ لقَوْل الشَّيْخ خَلِيل: الْعدْل حر مُسلم عَاقل بَالغ بِلَا فسق وَحجر لم يُبَاشر كَبِيرَة أَو صَغِيرَة خسة الخ. لِأَن مَفْهُوم قَوْله: أَو صَغِيرَة خسة أَن غير الخسة فِيهِ تَفْصِيل بَين الإدمان عَلَيْهِ فيقدح وَعَدَمه فَلَا يقْدَح كَمَا فِي النّظم لِأَن النَّادِر لَا يسلم مِنْهُ إِلَّا من عصمه الله، وَقد قَالَ مَالك: من الرِّجَال رجال لَا تذكر عيوبهم. ابْن يُونُس: إِذا كَانَ عَيبه خَفِيفا وَالْأَمر كُله حسن فَلَا يذكر الْيَسِير الَّذِي لَا عصمَة مِنْهُ لأحد من أهل الصّلاح وعَلى ثَانِيهمَا بقوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وَمَا أبيحَ وَهُوَ فِي العِيان يَقْدَحُ فِي مُروءَةِ الْإِنْسَان (وَمَا) مَوْصُول مَعْطُوف على الصَّغَائِر بِقَيْد الْغَلَبَة كَمَا هُوَ ظَاهر. أَي: وَيَتَّقِي فِي الْغَالِب مَا (أُبِيح) شرعا من قَول أَو فعل (وَهُوَ) مُبْتَدأ وَالْوَاو للْحَال (فِي العيان) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال أَي: وَهُوَ حَال وجوده فِي العيان بِنَاء على مَجِيء الْحَال من الْمُبْتَدَأ أَو يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله: (يقْدَح فِي مُرُوءَة الْإِنْسَان) كالإدمان على لعب الْحمام وَلَو بِغَيْر قمار، وَالشطْرَنْج وكحرف المهنة من دباغة وحجامة وحياكة اخْتِيَارا فِي بلد يزري بِهِ التحرف بذلك وَلَيْسَ هُوَ من أَهله، أما إِن كَانَ لَا يزري بِهِ فِي ذَلِك الْبَلَد أَو كَانَ من أَهله أَو اضْطر لَهُ فَلَا. وكالتصريح بأقوال لم ينْطق الشَّرْع بهَا إِلَّا بِالْكِنَايَةِ وَنَحْو ذَلِك (خَ) ومروءة بترك غير لَائِق من حمام وَسَمَاع غناء ودباغة وحياكة اخْتِيَارا الخ. وَبِالْجُمْلَةِ؛ فالمروءة هِيَ الْمُحَافظَة على فعل مُبَاح يُوجب تَركه الذَّم عرفا كَتَرْكِ الانتعال للمليء فِي بلد يزري بِمثلِهِ ذَلِك وعَلى ترك مُبَاح يُوجب فعله الذَّم عرفا كَالْأَكْلِ فِي السُّوق لغير السوقي وَفِي حَانُوت الطباخ لغير الْغَرِيب، وَقَوْلنَا بِقَيْد الْغَلَبَة إِشَارَة إِلَى أَن النَّادِر من الْمُبَاح القادح لَا يضر لِأَنَّهُ إِذا كَانَت صَغِيرَة غير الخسة إِنَّمَا يطْلب اتقاؤها فِي الْغَالِب فأحرى الْمُبَاح القادح فِي الْمُرُوءَة، وَبِمَا قَررنَا بِهِ هَذِه الأبيات ينْدَفع مَا أوردوه وَلَا يفوتهُ شَيْء مِمَّا شرطوه. وَلما كَانَ الاجتناب والاتقاء الْمَذْكُورَان فِي طوق الشَّاهِد واختياره دون غَيرهمَا وآفات الْعَدَالَة إِنَّمَا تَأتي فِي الْغَالِب من ناحيتهما عبر بَعضهم كَابْن رشد عَن حَدهَا بِأَنَّهَا اجْتِنَاب الْكَبَائِر واتقاء الصَّغَائِر وَحفظ الْمُرُوءَة إِشَارَة إِلَى أَن على ذَلِك مدَار الْعَدَالَة وروحها، فَتَبِعَهُ النَّاظِم فَأَعَادَ لفظ الْعدْل فِي الْبَيْت قبله إِشَارَة إِلَى ذَلِك، وَإِلَّا فَهُوَ فِي غنى عَنهُ بِأَن يَقُول مثلا مَعَ كَونه يجْتَنب الخ. وَلَا يَصح جعل الْبَيْتَيْنِ وَحدهمَا تَفْسِيرا للعدالة الْمُتَقَدّمَة كَمَا قيل: لما علمت من عدم شمولهما لكل قيودها. ثمَّ اعْلَم أَن هَذِه الشُّرُوط إِنَّمَا تشْتَرط فِي حَال الْأَدَاء فَقَط لَا التَّحَمُّل إِلَّا الْعقل، فَإِنَّهُ يشْتَرط فيهمَا وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: وزمن الْأَدَاء لَا التَّحَمُّل. الخ. قيل: وَهَذَا التَّفْصِيل إِنَّمَا هُوَ فِيمَا عدا شُهُود الْخط وَالنِّكَاح، وَأما هما فَلَا بُد من الشُّرُوط كلهَا فِي التَّحَمُّل وَالْأَدَاء اه. قلت: إِن كَانَ مُرَاده بِالنِّكَاحِ أَن الزَّوْج لَا يعْتَمد فِي دُخُوله بِزَوْجَتِهِ على شَهَادَة الصَّبِي وَمن فِي مَعْنَاهُ مِمَّن لم تتوفر فِيهِ الشُّرُوط وَإِن فعل فَيصدق عَلَيْهِ أَنه دخل بِلَا إِشْهَاد فَيحد وَيفْسخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وَلَو أَدَّاهَا حينئذٍ بعد زَوَال الْمَانِع فَوَاضِح، وَإِن كَانَ المُرَاد أَن العقد لَا يثبت بِشَهَادَة من تحمله حَال الْمَانِع وَلَو أَدَّاهَا بعد زَوَاله وَقبل الدُّخُول أَو بعده أَو بعد الْمَوْت فَهُوَ يحْتَاج إِلَى نَص يساعده، وَأما الْخط فَإِن كَانَ المُرَاد أَن من عرف خطّ شخص حَال الْمَانِع بالممارسة والتكرر لَا يرفع على عينه بعد زَوَال الْمَانِع وَلَو مبرزاً فَفِيهِ نظر، وَإِن كَانَ المُرَاد لَا يرفع عَلَيْهِ فِي غيبته اعْتِمَادًا على مَا عرفه مِنْهُ حَال الْمَانِع، فَهَذَا لَا يخْتَص بِهِ من تلبس بالمانع حَال التَّحَمُّل بل غَيره كَذَلِك إِذْ مُعَاينَة الرسوم لَا تفِيد خلافًا لأبي الْحسن كَمَا يَأْتِي، وَالله أعلم. تَنْبِيه: ظَاهر النّظم كَغَيْرِهِ أَن الفاقد لوَاحِد من الشُّرُوط الْمَذْكُورَة لَا تقبل شَهَادَته وَلَو فِي بلد لَا عدُول فِيهِ، وَسَوَاء شهد على مَعْرُوف بِالسَّرقَةِ والعداء أم لَا، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور وَمذهب الْجُمْهُور قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي أَحْكَامه: إِذا كَانَت قَرْيَة لَيْسَ فِيهَا عدُول وبعدوا عَن الْعُدُول فَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَن لَا تجوز شَهَادَتهم لبَعْضهِم بَعْضًا، لَكِن نقل فِي الذَّخِيرَة عَن النَّوَادِر أَنا إِذا لم نجد فِي جِهَة إِلَّا غير الْعُدُول أَقَمْنَا أَصْلحهم وَأَقلهمْ فجوراً للشَّهَادَة وَيلْزم ذَلِك فِي الْقَضَاء وَغَيره لِئَلَّا تضيع الْمصَالح، وَمَا أَظن أحدا يُخَالف فِي هَذَا لِأَن التَّكْلِيف شَرطه الْإِمْكَان اه. وَبِه عمل الْمُتَأَخّرُونَ حَسْبَمَا فِي ابْن سَلمُون والمعيار وَنَحْوهمَا، وَفِي المازونية أَنه تجوز على السَّارِق شَهَادَة من لقِيه من النِّسَاء وَالصبيان والرعاة إِذا عرفوه وَقَالُوا فلَان رَأَيْنَاهُ سرق كَذَا أَو غصبه وَنَحْو ذَلِك قَالَ: وَقد سُئِلَ مَالك عَن مثل هَذَا الْأَمر فِي لصوص الْحجاز والبرابر فَقَالَ: تجوز عَلَيْهِم شَهَادَة من لَقِيَهُمْ من النِّسَاء. قيل لَهُ: إِنَّهُم غير عدُول. قَالَ: وَأَيْنَ يُوجد الْعُدُول فِي مَوَاضِع السَّارِق واللص وَإِنَّمَا يتبعان الخلوات اه. وَهَذَا من بَاب قَوْلهم إِن الْمَعْرُوف بالظلم والتعدي يغلب الحكم فِي حَقه لِأَن شَهَادَة غير الْعدْل كَالْعدمِ، وَإِلَى مثل هَذَا أَشَارَ فِي العمليات بقوله: لوالد الْقَتِيل مَعَ يَمِين القَوْل فِي الدَّعْوَى بِلَا تَبْيِين وَهُوَ وَإِن كَانَ خلاف الْأُصُول لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي) وَلقَوْل عمر رَضِي الله عَنهُ: وَالله لَا يوسر أحد فِي الْإِسْلَام بِغَيْر الْعُدُول الخ. لَكِن عَمَلهم عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي فِي بَاب الْغَصْب اه. فَإِن أقرّ الْخصم بِالْعَدَالَةِ فَلَا تشْتَرط حِينَئِذٍ كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَفِي الشُّهُود يحكم القَاضِي بِمَا الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا يجرح بِهِ الشَّاهِد الْعدْل وَأَنه قِسْمَانِ مبرز وَغَيره فَقَالَ: فالْعَدْلُ ذُو التَّبرِيزِ لَيْسَ يَقْدَحُ فِيهِ سِوى عَدَاوَةٍ تُسْتَوْضَحُ (فالعدل) مُبْتَدأ (ذُو التبريز) نعت لَهُ أَي المبرز بِكَسْر الرَّاء الْمُشَدّدَة من برز بِالتَّشْدِيدِ وَالْفَتْح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 أَي فاق أَصْحَابه فضلا وعدالة مُتَقَدما فِي ذَلِك عَلَيْهِم، وَأَصله من تبريز الْخَيل فِي السَّبق وَتقدم سابقها، وَلَيْسَ هُوَ من تصدى لتحمل الشَّهَادَة وَبَيْعهَا فِي الْأَسْوَاق بِإِذن قَاض أَو أَمِير كَمَا يَعْتَقِدهُ الْعَامَّة بل هُوَ الْفَائِق فِي الْفضل كَمَا مرّ، وَأَيْنَ هُوَ الْيَوْم؟ وَكَانَ بعض الشُّيُوخ يمثله بِأبي مُحَمَّد صَالح ونظائره، وَقيل هُوَ مَعْدُوم فِي زَمَاننَا كبيض الأنوق أَي الرخمة قَالَ فِي المعيار: أما عدم هَذَا الْوَصْف الَّذِي هُوَ التبريز فِي الْعَدَالَة وعزته فِي المنتصبين للشَّهَادَة مِمَّن أدركنا من عدُول الْمغرب الْأَوْسَط والأقصى فَغير بعيد، وَأما عَدمه وعزته مُطلقًا فِي المنتصبين وَغَيرهم فَغير مُسلم، وَقد شاهدنا مِنْهُم وَالْحَمْد لله الْعدَد الْكثير اه. (لَيْسَ يقْدَح) خبر لَيْسَ وَاسْمهَا ضمير الشَّأْن (فِيهِ) يتَعَلَّق بيقدح (سوى عَدَاوَة) فَاعل يقْدَح أَو اسْم لَيْسَ على أَنه من بَاب التَّنَازُع بَين مُشْتَقّ وجامد عِنْد من أجَازه (تستوضح) مَبْنِيّ للْمَفْعُول صفة لعداوة، وَالْجُمْلَة من لَيْسَ وَمَا بعْدهَا خبر الْمُبْتَدَأ. وَقَوله: عَدَاوَة أَي دنيوية بَينه وَبَين الْمَشْهُود عَلَيْهِ أَو ابْنه أَو أَبِيه وَنَحْوهمَا من الْأُصُول وَالْفُرُوع وَإِن علوا أَو سفلوا، لِأَن الْعَدَاوَة تورث، وَأما على الْحَوَاشِي فَقَوْلَانِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْع لَا إِن تمحضت الدِّينِيَّة فَقَط فَلَا أثر لَهَا لجَوَاز شَهَادَة الْمُسلم على الْكَافِر، وَفِي معنى الْعَدَاوَة الْقَرَابَة بِدَلِيل قَوْله فِيمَا يَأْتِي: وَالْأَب لِابْنِهِ وَعَكسه منع الخ. فَحذف الْقَرَابَة هُنَا اتكالاً على مَا يَأْتِي، وَمَفْهُوم عَدَاوَة أَنه لَا يقْدَح فِيهِ بغَيْرهَا وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن سَلمُون و (خَ) فِي بَاب الْقَضَاء حَيْثُ قَالَ: والمبرز بِغَيْر عَدَاوَة وقرابة الخ. وَالْمَشْهُور وَهُوَ اخْتِيَار اللَّخْمِيّ أَنه يقْدَح فِيهِ بِغَيْرِهِمَا مِمَّا يقْدَح بِهِ فِي الْمُتَوَسّط (خَ) فِي الشَّهَادَات، وقدح فِي الْمُتَوَسّط بِكُل وَفِي المبرز بعداوة وقرابة وَإِن بِدُونِهِ كغيرهما على الْمُخْتَار، وَهَذَا فِي غير الملاطفة، وَأما هِيَ فَلَا يقْدَح بهَا فِي المبرز، وَاحْترز بقوله: تستوضح من الْعَدَاوَة الْخفية الَّتِي لَا تورث شَحْنَاء كالمخاصمة فِي ثمن الثَّوْب وَنَحْوه فَإِنَّهَا لَا تقدح كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَابْن عَرَفَة وَكَيْفِيَّة وَثِيقَة الْعَدَاوَة يعرف الْوَاضِع شكله وأثره فلَانا وَفُلَانًا معرفَة تَامَّة بعينهما واسمهما وَمَعَهَا يشْهد بِأَن بَينهمَا عَدَاوَة قديمَة وشحناء ومقاطعة على أَسبَاب الدُّنْيَا وحطامها مُنْذُ كَذَا قبل تَارِيخ الشَّهَادَة بِالْحَقِّ أَعْلَاهُ أَو حوله وَلَا يعلمهما اصطلحا ورجعا عَن ذَلِك حَتَّى الْآن أَو حَتَّى مَاتَا أَو أَحدهمَا، وَقيد بذلك شَهَادَته فِي كَذَا فقولنا: وشحناء ومقاطعة تَأْكِيد وَتَفْسِير للعداوة، وَلَو اقْتصر على أحد هَذِه الْأَلْفَاظ لكفاه لِأَن مُجَرّد الهجران وَقطع الْكَلَام يرد الشَّهَادَة إِذا زَاد على ثَلَاثَة أَيَّام. انْظُر شرحنا على الشَّامِل، وَقَوْلنَا على أَسبَاب الدُّنْيَا أَي كالمنازعة فِي مَال أَو جاه وَفِي مَعْنَاهُمَا فَفِي المعيار إِن كَانَ بَين الشَّاهِد والمشهود عَلَيْهِ مقاسمة المغارم والكلف الَّتِي تلْزم الرّعية من السلاطين والمدافعة عَلَيْهِ وَبَينهمَا التشكي للعمال والقضاة على ذَلِك لم تجز شَهَادَته عَلَيْهِ، وَفِي الطرر عَن الِاسْتِغْنَاء فِي أهل مَسْجِد قَامُوا فِي حَبسه أَو فِي حَقه على رجل شهدُوا فِيهِ فأنكرهم لم تجز شَهَادَتهم لأَنهم خصماؤه، فَإِن قَامَ عَلَيْهِ مِنْهُم طَائِفَة وَشهد غَيرهم جَازَت لأَنهم غير خصماء اه. وَمِنْه شَهَادَة الْمَشْهُود عَلَيْهِ على الشَّاهِد وَلَو بعد شَهْرَيْن من شَهَادَة الشَّاهِد كَمَا فِي الشَّامِل، فَإِن كَانَت الْعَدَاوَة غَضبا لله تَعَالَى لكَون المغضوب عَلَيْهِ كَافِرًا أَو فَاسِقًا فَلَا تمنع الْقبُول لِأَن ذَلِك يدل على قُوَّة الْإِيمَان قَالَه ابْن شَاس، وَقَوْلنَا: مُنْذُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 كَذَا الخ بَيَان لعدم الْعَدَاوَة وَإِنَّهَا قبل الْأَدَاء احْتِرَازًا من الْعَدَاوَة الْحَادِثَة بعده فَلَا تضر، وَقَول (خَ) وَلَا إِن حدث فسق بعد الْأَدَاء مُقَيّد بِغَيْر الْعَدَاوَة كَمَا تقدم عِنْد قَول النَّاظِم: وَحقه إنهاء مَا فِي علمه. الخ، فَإِن حدثت الْعَدَاوَة بعد التَّحَمُّل وَقبل الْأَدَاء بطلت الشَّهَادَة، وَلذَا كَانَ يجب تَارِيخ الْخطاب بِالْأَدَاءِ كَمَا مرّ فِي فَصله وَفِي التَّبْصِرَة وَابْن شَاس اخْتلف فِيمَن كَانَت عِنْده شَهَادَة، وَكَانَ يذكرهَا ثمَّ عَادَاهُ الْمَشْهُود عَلَيْهِ فَاحْتَاجَ إِلَى الْقيام بهَا قَالَ اللَّخْمِيّ: قبُولهَا هُنَا أَحَق إِن كَانَت قد قيدت اه. وَفِي المعيار من حكم عَلَيْهِ القَاضِي فبادر لمخاصمته لَا يرفع الحكم عَنهُ، وَكَذَا من شكا بِالْقَاضِي للسُّلْطَان فَعدل بَيِّنَة تشهد عَلَيْهِ لَا يرد تعديله اه. وَإِذا شهد عَدوك لَك وَعَلَيْك فَإِن شهد بذلك فِي مجْلِس وَاحِد سَقَطت لِأَنَّهُ يتهم فِي جَوَاز شَهَادَته عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِ لَهُ، وَإِن شهد عَلَيْك فِي وَقت ثمَّ شهد لَك فِي وَقت آخر جَازَت فِيمَا لَك لَا فِيمَا عَلَيْك. وَقَوْلنَا: وَلَا يعلمهما اصطلحا احْتِرَازًا مِمَّا إِذا زَالَت الْعَدَاوَة بِالصُّلْحِ وَالرُّجُوع لما كَانَا عَلَيْهِ قبل الْعَدَاوَة وَطَالَ ذَلِك طولا يدل على براءتهما مِنْهَا لِأَنَّهُ يتهم إِذا شهد بِقرب صلحه أَنه إِنَّمَا صَالحه ليشهد عَلَيْهِ، وَفِي الْمسَائِل الملقوطة فِي قوم بَينهم فتْنَة أَو بَين آبَائِهِم وأجدادهم ثمَّ اصْطَلحُوا فَلَا يشْهد بَعضهم على بعض حَتَّى يَنْقَضِي قرن الَّذين شهدُوا الْفِتْنَة اه. نَقله الْحطاب، وَلَعَلَّ مَا فِي الْمسَائِل الملقوطة لَا يُخَالف مَا قبله لِأَن الْعَدَاوَة بَين الْجَمَاعَة وَالْقَوْم أَشد إِذْ الْفِتْنَة رُبمَا أفضت للْقَتْل فَإِن سقط هَذَا الْفَصْل من أَصله فَالْأَصْل الِاسْتِصْحَاب لِأَن الْمَانِع قد ثَبت وَاحْتِمَال ارتفاعه لَا يُؤثر لِأَنَّهُ شكّ فِي ارْتِفَاع الْمَانِع لَا فِي نفس الْمَانِع قَالَه بعض. تَنْبِيه: فَإِن اعْترف الْمَشْهُود عَلَيْهِ أَنه لَا معرفَة لَهُ بِالشَّاهِدِ، ثمَّ قَامَ يجرحه بالعداوة لم يقبل مِنْهُ وَله أَن يجرحه بغَيْرهَا قَالَه فِي اخْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة وَنَقله ابْن سَلمُون. وَغيْرُ ذِي التَّبْريز قدْ يُجَرَّحُ بِغَيْرِها مِنْ كُلِّ مَا يُسْتَقْبَحُ (وَغير ذِي التبريز) مُبْتَدأ خَبره (قد يجرج) و (بغَيْرهَا) يتَعَلَّق بِهِ وَكَذَا قَوْله (من كل مَا) مَصْدَرِيَّة أَو نكرَة مَوْصُوفَة (يستقبح) وَهُوَ تَفْسِير لغير وَالضَّمِير الْمُضَاف إِلَيْهِ غير الْعَدَاوَة أَي يجرح بِكُل مستقبح شرعا غير الْعَدَاوَة وَأَحْرَى بهَا، وَظَاهره سَوَاء بَين المجرح السَّبَب أم لَا وكيفيته يعرف الْوَاضِع شكله فلَانا بِعَيْنِه واسْمه وَمَعَهَا يشْهد بِأَنَّهُ مِمَّن لَا تقبل شَهَادَته لقبح مذْهبه وَسُوء صنعه وَلَا يعلمونه رَجَعَ عَن ذَلِك إِلَى الْآن وَبِذَلِك قيد شَهَادَته الخ. وَهَذَا على أَن شَهَادَة التجريح تقبل مجملة من أهل الْعلم وَعَلِيهِ غير وَاحِد من الشُّيُوخ وَالصَّوَاب كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة أَن لَا تقبل مجملة كَانَ الشَّاهِد من أهل الْعلم أم لَا، قَالَ لوَجْهَيْنِ، أَحدهمَا: إِن كثيرا من الْجرْح يخْتَلف الْعلمَاء فِيهِ فبعضهم يرَاهُ جرحا وَبَعْضهمْ لَا يرَاهُ. الثَّانِي: إِنَّه يتَعَلَّق بِهِ حقان حق الشَّاهِد لانتهاك حرمته وَحقّ الْمَشْهُود لَهُ فِي إِسْقَاط حَقه فَكَانَ من حَقّهمَا بَيَان مَا يَقع بِهِ التجريح إِذْ قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 يكون شَاهد التجريح سمع مِنْهُ كلمة أَو رأى مِنْهُ فعلا لَهُ فِيهِ تَأْوِيل لَا تسْقط الشَّهَادَة مَعَه اه. وَهُوَ ظَاهر قَول خَلِيل، وَإِن لم يعرف الِاسْم وَلَا اللقب بِخِلَاف الْجرْح أَي التجريح فَلَا بدّ فِيهِ من بَيَان السَّبَب لغلط كثير مِنْهُم فِيهِ كَالَّذي فسره بالبول قَائِما وبعدم تَرْجِيح الْمِيزَان وَعَلِيهِ فَتَقول بعد قَوْلك: مِمَّن لَا تقبل شَهَادَته الخ، بِأَنَّهُ يعْمل بالربا أَو يخرج الصَّلَاة عَن وَقتهَا أَو أقرّ بِوَطْء جَارِيَة اشْتَرَاهَا قبل استبرائها أَو مِمَّن يجهل أَحْكَام قصر الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَهُوَ من أهل السّفر وَالْمَال، أَو مِمَّن يشرب الْخمر أَو يَبِيع الْعِنَب لمن يعصرها خمرًا أَو يكثر سَماع الْغناء أَو يكذب أَو يضْرب الْخط أَو يشْتَغل بِالسحرِ وَالْكهَانَة أَو يتْرك زَوجته تخرج بادية الْأَطْرَاف من غير عذر لَهُ أَو يحضر محافل الْفُسَّاق أَو يختلي بِالنسَاء والأطفال أَو يتَوَلَّى أَخذ الْمَظَالِم والمغارم والمكوس من الرّعية ويقسطها عَلَيْهِم أَو يُعَامل أهل الغصوب أَو يشْهد بالزور أَو يتَعَرَّض لأخذ الزكوات كَمَا فِي المعيار أَو يشْتَغل بالغيبة والنميمة أَو يلقن الْفُجُور للخصوم أَو يحلف بِالطَّلَاق وَالْعتاق، أَو يدوام الْأكل عِنْد الْعمَّال، أَو يقبل جوائزهم، أَو يدْخل الْحمام بِغَيْر مئزر، أَو يلْتَفت فِي الصَّلَاة أَو ينتسب إِلَى غير أَبِيه أَو من أهل العصبية وَهِي أَن يبغض الرجل الرجل لكَونه من بني كَذَا وَنَحْو ذَلِك، وَلَيْسَ مِنْهَا من ترك تعاهد الْقُرْآن مشتغلاً بِغَيْرِهِ من الْوَاجِب حَتَّى نَسيَه فَلَا إِثْم عَلَيْهِ بِخِلَاف إِن تَركه اسْتِخْفَافًا بِهِ كَمَا فِي الْبُرْزُليّ وَلَيْسَ للعمال أَيْضا أَن يقدحوا فِي شَهَادَة الرّعية عَلَيْهِم بِأَنَّهُم يغرمونهم كَمَا فِي الْبُرْزُليّ أَيْضا فقولنا بِعَيْنِه واسْمه احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ لَا يعرفهُ بهما أَو يعرفهُ بالإسم فَقَط، فَإِن كَانَ يعرفهُ بِالْعينِ دون الِاسْم واللقب كَفاهُ أَن يُؤَدِّي الشَّهَادَة على عينه كَمَا مرَّ عَن خَلِيل وكما يَأْتِي فِي قَول النَّاظِم: ومطلقاً مَعْرُوف عين عدلا. الخ. إِذْ لَا فرق بَين التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح وَغَيرهمَا من الْمُعَامَلَات فِي هَذَا الْبَاب، وَإِذا حكم بتعديله أَو تجريحه أَو لُزُوم بَيْعه وَنَحْوه فَإِنَّهُ يسجل على صفته وحليته حَيْثُ لم يعرفهُ شُهُود الحكم بِالْعينِ وَالِاسْم وَإِلَّا سجلوا على مَعْرفَته، وَبِهَذَا يُقيد إِطْلَاق اللامية فِي قَوْلهَا شَهَادَة مَعْرُوف الخ، وَقَوْلنَا: وَلَا يعلمونه رَجَعَ الخ تقدم فِي الْوَثِيقَة قبله أَن سُقُوطه لَا يضر اه. وَهَذَا مَعَ تعذر الاستفسار وَإِلَّا فَيسْأَل عَن انْتِفَاء علمه وَظَاهر النّظم قبُول التجريح فِيهِ وَلَو أثْبته بعد مَوته وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي ابْن عَرَفَة فِي أثْنَاء الْكَلَام على الشَّهَادَة على الْخط وَفهم من النّظم أَن تَأْخِير القَاضِي للعدل عَن الشَّهَادَة لَا يبطل شَهَادَته فِيمَا شهد فِيهِ كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَعدل إِن أدّى على مَا عِنْده. الخ. لِأَنَّهُ قد اسْتندَ إِلَى علمه فِي إبِْطَال حق ثَبت وَهُوَ لَا يسْتَند لعلمه، وَمن ذَلِك إِذا رأى القَاضِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَقَالَ لَهُ: لَا تحكم بِشَهَادَة فلَان فَإِن ذَلِك لَا يصده عَن الحكم بهَا إِذا كَانَ الشَّاهِد عدلا قَالَه ابْن رشد. ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَن غير الْمَعْرُوف بِالْعَدَالَةِ على أَرْبَعَة أَحْوَال بِاعْتِبَار افتقاره للتزكية وَعدم افتقاره لَهَا فَقَالَ: وَمَنْ عَلْيهِ وَسْمُ خيْرٍ قَدْ ظَهَرْ زُكِّيَ إلاَّ فِي ضَرُورَةِ السَّفَرْ (وَمن) مُبْتَدأ مَوْصُول (عَلَيْهِ) يتَعَلَّق بقوله ظهر (وسم) أَي عَلامَة (خير) مُبْتَدأ خَبره (قد ظهر) وَالْجُمْلَة صلَة من (زكي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر الْمَوْصُول أَو جَوَاب الشَّرْط إِن جَعلتهَا شَرْطِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وَلَا تقبل شَهَادَته دون تَزْكِيَة فِي زمَان وَمَكَان (إِلَّا فِي) زمَان (ضَرُورَة السّفر) أَي السّفر الضَّرُورِيّ فَتقبل شَهَادَة الْقَافِلَة بَعضهم لبَعض فِيمَا يَقع بَينهم من الْمُعَامَلَات والكراآت عِنْد حَاكم الْقرْيَة الَّتِي مروا بهَا وَإِن لم يعدلُوا وَلَا إعذار فيهم كَمَا مرّ فِي فَصله ثمَّ مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم من جَوَازهَا فِي ضَرُورَة السّفر هُوَ مَا لِابْنِ حبيب ودرج عَلَيْهِ فِي الْمُتَيْطِيَّة وَهُوَ خلاف الْمَذْهَب. ابْن رشد: لَا خلاف أعلمهُ فِي الْمَذْهَب أَن الْمَجْهُول الْحَال لَا تجوز شَهَادَته حَتَّى يعدل لقَوْله تَعَالَى: مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} (الْبَقَرَة: 282) وَلَا يرضى إِلَّا من عرفت عَدَالَته، غير أَن ابْن حبيب أجَاز شَهَادَته على التوسم فِيمَا يَقع بَين الْمُسَافِرين فِي السّفر للضَّرُورَة قِيَاسا على جَوَاز شَهَادَة الصّبيان فِيمَا بَينهم فِي الْجراح اه. وَلذَا لم يعرج خَلِيل على مَا لِابْنِ حبيب، وَإِنَّمَا تعرض لجوازها على الْمُحَارب فَقَالَ: والقافلة بَعضهم لبَعض فِي حرابة يَعْنِي وَالشُّهُود من الْقَافِلَة عدُول كَمَا لشراحه. وَمَنْ بِعَكْسِ حَالِهِ فَلاَ غِنَى عَنْ أنْ يُزكِّي والَّذِي قَدْ أَعْلَنَا (وَمن) مَوْصُول مُبْتَدأ (بعكس) خبر قَوْله (حَاله) وَالْجُمْلَة صلَة من أَي وَمن ظهر عَلَيْهِ وسم الشَّرّ وَلم يتَحَقَّق عَلَيْهِ (فَلَا) نَافِيَة للْجِنْس (غنى) اسْمهَا مركب مَعهَا (من أَن يُزكي) يتَعَلَّق بغنى وخبرها مَحْذُوف أَي فَلَا غنى عَن تزكيته مَوْجُود وَسَوَاء كَانَ فِي سفر أَو حضر وَظَاهره، وَلَو كَانَ القَاضِي يعرف عَدَالَته وتأمله مَعَ مَا مر عِنْد قَوْله وَفِي الشُّهُود يحكم القَاضِي بِمَا الخ (وَالَّذِي) مُبْتَدأ (قد أعلنا) صلته. بِحَالَة الْجَرْحِ فَلَيْس تُقْبَلُ لهُ شَهادةٌ وَلَا يُعَدلُ (بِحَالَة الْجرْح) من الْقَذْف وَشرب الْخمر وَنَحْوهمَا مِمَّا مرّ (فَلَيْسَ تقبل. لَهُ شَهَادَة) مَرْفُوع على أَنه اسْم لَيْسَ أَو نَائِب عَن الْفَاعِل يتَقَبَّل إِن جعلت اسْم لَيْسَ ضمير الشَّأْن وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ (وَلَا يعدل) مَعْطُوف على مَا قبله أَي لَا يقبل تعديله لظُهُور فسقه. وإنْ يَكُنْ مَجْهُولَ حالٍ زُكِّيا وشُبْهَةً تُوجِبُ فِيمَا ادُّعِيا (وَإِن يكن) شَرط (مَجْهُول حَال) خبر يكن أَي لم يظْهر عَلَيْهِ وسم خير وَلَا شَرّ (زكيا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول جَوَاب الشَّرْط أَي وَلَا يقبل دون تَزْكِيَة لَا فِي حضر وَلَا فِي سفر (و) لَكِن لَا تلغى شَهَادَته قبلهَا مُطلقًا بل (شُبْهَة) مفعول بقوله (توجب) بِكَسْر الْجِيم، وفاعله ضمير يعود على الْمُحْتَاج للتزكية بِدَلِيل تَأْخِيره فَيشْمَل من ظهر عَلَيْهِ وسم الْخَيْر والمجهول لِأَن الْكل تقبل تزكيته (فِيمَا) يتَعَلَّق بِمَا قبله (ادّعَيَا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صلتها والعائد مَحْذُوف أَي فِيهِ فتوجب الْكَفِيل وتوقيف الْمُدعى فِيهِ وَلَو عقارا وتقوي تُهْمَة وجوب الْيَمين على القَوْل بِعَدَمِ وجوب شَيْء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 من ذَلِك بِمُجَرَّد الدَّعْوَى على مَا يَأْتِي وَأَحْرَى على القَوْل بِوُجُوبِهَا فِي الْجَمِيع مَعَ التجرد وَبِه الْعَمَل وَتَكون لوثاً فِي الدِّمَاء على أحد قولي مَالك الْآتِي فِي قَول النَّاظِم: وَمَالك فِيمَا رَوَاهُ أَشهب. الْبَيْت. وَإِذا كَانَ هَذَا فِي الْمَجْهُول فَمن ظهر عَلَيْهِ وسم الْخَيْر أَحْرَى، وَكَذَا من ظهر عَلَيْهِ وسم الشَّرّ إِذْ الْمدَار على كَونه مِمَّن ترجى تزكيته فيعمم فِي النّظر كَمَا قَررنَا وَالله أعلم. وَقد علم أَن كل مَا عدا الْمُعْلن بِالْفِسْقِ من هَذِه الْأَقْسَام تقبل تزكيته وَأَن شَهَادَته قبلهَا شُبْهَة لِأَن كل من يُرْجَى ثُبُوت الْحق بِهِ إِذا زكى فَهُوَ شُبْهَة كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَامهم فِي فصل التَّوْقِيف خلافًا لما فِي الْمُتَيْطِيَّة من أَن شَهَادَة من ظهر عَلَيْهِ وسم الشَّرّ لَا تكون شُبْهَة إِذْ لَا يخفى أَنَّهَا أقوى مِمَّن شهِدت بالنشدان وَنَحْوه، وَعلم مِنْهُ أَيْضا أَن الأَصْل فِي النَّاس الجرحة وَلَو كَانَ مِمَّن تتوهم فِيهِ الْعَدَالَة كرواة الْعلم فَلَا بُد من تزكيته وَهُوَ كَذَلِك كَمَا لِابْنِ نَاجِي فِي شرح الْمُدَوَّنَة قَالَ: وَاخْتَارَ ابْن عبد الْبر وَهُوَ قَول جمَاعَة من الْعلمَاء قبُول رُوَاة الْعلم حَتَّى تظهر جرحتهم لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (يحمل هَذَا الدّين من كل خلف عَدو لَهُ) اه. فَالْمُرَاد برواته من تضلعوا فِيهِ واطلعوا على سرائره بِدَلِيل الحَدِيث الْمَذْكُور لَا كل من يتعلمه. ومُطْلَقاً مَعْرُوفُ عَيْنٍ عدِّلا والعَكْسُ حاضِراً وإنْ غَابَ فَلا (ومطلقاً مَعْرُوف عين) مُبْتَدأ خَبره (عدلا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ومطلقاً حَال من نَائِبه أَي الشَّاهِد الْمَعْرُوف بِالْعينِ وَالِاسْم وَالنّسب عِنْد القَاضِي أَو عِنْد النَّاس وَإِن لم يعرفهُ القَاضِي تقبل تزكيته مُطلقًا سَوَاء حضر مجْلِس القَاضِي وَأديت التَّزْكِيَة على عينه أم لَا. لِأَن من كَانَ مَعْرُوفا عِنْد النَّاس مَشْهُورا تمكن القَاضِي بمعرفته من مُطلق النَّاس (وَالْعَكْس) مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف لدلَالَة مَا تقدم عَلَيْهِ أَي وَالْعَكْس وَهُوَ مَا إِذا كَانَ الشَّاهِد غير مَعْرُوف عِنْد القَاضِي وَلَا مَشْهُورا عِنْد النَّاس يعدل حَال كَونه (حَاضرا) مجْلِس القَاضِي، وَظَاهره وَإِن لم يعرف الْمُزَكي بِالْكَسْرِ اسْمه وَلَا نسبه وَلَا كنيته لِأَنَّهُ إِنَّمَا يشْهد على عينه وتسجل وَثِيقَة التَّعْدِيل على حليته وَصفته وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَغير ذِي التبريز الخ. وَلَا يلْزم من المخالطة فِي الْحَضَر وَالسّفر مَعَ طول الْعشْرَة الخ. اللَّتَيْنِ يعْتَمد عَلَيْهِمَا المزكى أَن يكون عَارِفًا باسمه، وَنسبه إِذْ قد يخالطه وتطول الْعشْرَة وينسى اسْمه وَلَا يعرف اسْمه بِالْكُلِّيَّةِ، وَمن اشْتهر بكنيته حَتَّى صَارَت علما عَلَيْهِ هُوَ كمعروف الِاسْم فَلَيْسَ هُوَ من مَحل الْخلاف، (وَإِن غَابَ) غير مَعْرُوف الْعين (فَلَا) يعدل وَظَاهره وَلَو بَعدت غيبته، وَالَّذِي لِابْنِ عَرَفَة عَن عبد الْحق أَن مَحل هَذَا إِن غَابَ عَن الْمجْلس وَهُوَ فِي الْبَلَد أَو قريب مِنْهُ وإلاَّ جَازَت تزكيته كَمَا يقْضى عَلَيْهِ وَنَحْوه فِي التَّبْصِرَة عَن الْمَازرِيّ، فيقيد كَلَام النَّاظِم بالقريب أَو الْحَاضِر فِي الْبَلَد: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وشاهِدٌ تَعْدِيلُهُ بِاثْنَيْنِ كذَاكَ تَجْرِيُ مُبَرِّزَيْن (وَشَاهد) مُبْتَدأ سوغ الِابْتِدَاء بِهِ قصد الْجِنْس أَو الْعُمُوم كَقَوْلِهِم: كل يَمُوت أَي كل شَاهد (تعديله) مُبْتَدأ ثَان (بِاثْنَيْنِ) خَبره وَالْجُمْلَة خبر الأول (كَذَاك) خبر عَن قَوْله (تجريح) بِالتَّنْوِينِ (مبرزين) صفة لمَحْذُوف أَي تجريح كَائِن كَذَلِك بِاثْنَيْنِ مبرزين، فَالْأول على حذف الصّفة كَقَوْلِه تَعَالَى: الْآن جِئْت بِالْحَقِّ} (الْبَقَرَة: 71) أَي الْبَين وإلاَّ فموسى عَلَيْهِ السَّلَام لم يَأْتِ إِلَّا بِالْحَقِّ فَحذف النَّاظِم مبرزين من الأول لدلَالَة الثَّانِي عَلَيْهِ أَو هُوَ من بَاب الاحتباك فَحذف من كل مَا أثبت نَظِيره فِي الآخر، وَهَذَا أولى من جعله صفة لاثْنَيْنِ الْمَذْكُور لما فِيهِ من الْفَصْل بأجنبي، وَفهم مِنْهُ أَن كلا من التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح لَا يثبت إِلَّا بِاثْنَيْنِ مبرزين وَهُوَ فِي التَّعْدِيل مُسلم إِذْ لَا يقبل فِيهِ إِلَّا المبرز الفطن الَّذِي لَا يخدع فِي عقله وَلَا يتزلزل فِي رَأْيه مُعْتَمدًا على طول عشرته من أهل سوق المزكى بِالْفَتْح، ومحلته على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ والقضاة الْيَوْم يتساهلون ويقبلون التَّزْكِيَة من مُطلق الْعُدُول، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُم ذَلِك وَإِن كَانَ رُوِيَ عَن مَالك أَن شُهُود التَّزْكِيَة كشهود سَائِر الْحُقُوق، لكنه غير الْمَشْهُور، وَأما فِي التجريح فَإِن لم يبينوا سَببه بل أجملوا وَقَالُوا: هُوَ غير عدل وَلَا جَائِز الشَّهَادَة، فَكَذَلِك لَا يقبل إِلَّا من المبرزين أَيْضا العارفين بِوُجُوه التجريح كَمَا لِابْنِ رشد، وَنَقله ابْن عَرَفَة وَهُوَ معنى مَا لِابْنِ عتاب حَسْبَمَا فِي ابْن سهل وَنَقله فِي التَّبْصِرَة من أَن الَّذِي أحَاط بِهِ الْعلم وَجرى بِهِ الحكم أَن التبريز لَا يشْتَرط فِي التجريح بالعداوة، وَإِنَّمَا يطْلب التبريز فِي غَيرهَا من وُجُوه التجريح اه. وَنَحْوه لِابْنِ مغيث فِي مقنعه قَالَ: لَا يكون التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح بِأَقَلّ من اثْنَيْنِ مبرزين قَالَه أَكثر الْأَصْحَاب، وَبِه مَضَت الْفَتْوَى عِنْد الشُّيُوخ وتبعهم الشَّارِح وَهُوَ ظَاهر النّظم، وَلَكِن مُرَادهم وَالله أعلم إِذا أجملوا كَمَا مرّ عَن ابْن رشد لِأَن التَّوْفِيق بَين كَلَام الْأَئِمَّة مَطْلُوب مَا أمكن، وَأما إِن لم يبينوا السَّبَب فَهُوَ وَإِن كَانَ فِيهِ خلاف فِي اشْتِرَاط التبريز أَيْضا، لَكِن الرَّاجِح عدم اشْتِرَاطه كَانَ المقدوح فِيهِ مبرزاً أم لَا، وَهُوَ قَول مطرف. وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ قَالَ: لِأَن الْجرْح مِمَّا يكتم وَلَا يطلع عَلَيْهِ كل النَّاس وَعَلِيهِ عول (خَ) فِي قَوْله وَإِن بِدُونِهِ، وَسَيَأْتِي عِنْد قَوْله وثابت الْجرْح الخ. أَنه يبطل بتجريح عَدْلَيْنِ شَهَادَة من يعدله الْعدَد الْكثير من المبرزين، فيقيد إِطْلَاق النَّاظِم بِعَدَمِ بَيَان السَّبَب ليَكُون مَاشِيا على الْمُعْتَمد. وَقَوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 بِاثْنَيْنِ يَعْنِي وَلَيْسَ المزكى بِالْفَتْح شَاهدا مَعَ الْمُزَكي بِالْكَسْرِ على ذَلِك الْحق أَو نَاقِلا مَعَه فِيهِ، وإلاَّ فَلَا يجوز لِأَن الْحق حِينَئِذٍ ثَبت بِعدْل وَاحِد، وَظَاهر قَوْله بِاثْنَيْنِ وَلَو كَانَ المزكى بِالْفَتْح قد جرح فِي الْقَدِيم وَالَّذِي فِي الْمُقدمَات أَن التَّزْكِيَة فِي هَذَا لَا تقبل إِلَّا مِمَّن علم بجرحته وَشهد بتوبته مِنْهَا ونزوعه عَنْهَا، وَمَفْهُوم قَوْله بِاثْنَيْنِ أَن تَزْكِيَة الْوَاحِد لَا تَكْفِي وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وَقَالَ مطرف: يجوز تَعْدِيل الْوَاحِد وَهَذَا كُله فِي تَزْكِيَة الْعَلَانِيَة. وَأما تَزْكِيَة السِّرّ فَأَشَارَ لَهَا بقوله: والفَحْصُ مِنْ تِلْقاءِ قَاضٍ قُنِعا فِيهِ بِواحِدٍ فِي الأمْرَيْنِ مَعا (والفحص) مُبْتَدأ أَي الْبَحْث (من تِلْقَاء قَاض) أَي جِهَته يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صفة أَي الفحص الْوَاقِع من جِهَة القَاضِي (قنعا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (فِيهِ) يتَعَلَّق بِهِ (بِوَاحِد) نَائِب فَاعل قنعا (فِي الْأَمريْنِ) أَي التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح يتَعَلَّق بِهِ أَيْضا (مَعًا) حَال وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ والرابط الضَّمِير الْمَجْرُور بفي وَوجه ذَلِك خُرُوجه من بَاب الشَّهَادَة الَّتِي يشْتَرط فِيهَا التَّعَدُّد إِلَى بَاب الْخَبَر الَّذِي لَا يشْتَرط فِيهِ ذَلِك، وَصفته أَن يتَّخذ الْحَاكِم رجلا من أهل الْعدْل وَالرِّضَا مجمعا عَلَيْهِ بذلك فيوليه السُّؤَال عَن الشُّهُود سرا أَو يبْدَأ الْحَاكِم بالسؤال عَن الشَّاهِد مِمَّن يظنّ أَنه خَبِير بِحَالهِ من جِيرَانه وَأهل سوقه ومحلته. وَالْحَاصِل إِمَّا أَن يتَوَلَّى السُّؤَال بِنَفسِهِ أَو يولي من يسْأَل وعَلى كل حَال لَا يكْتَفى فِي السَّائِل مِنْهُمَا بسؤال وَاحِد خشيَة أَن تكون بَينه وَبَين الشَّاهِد عَدَاوَة، وَإِنَّمَا يسألان عَنهُ الثِّقَات وَأهل الْخِبْرَة بِهِ وَفهم من قَوْله: قنعا بِوَاحِد الخ، أَن الِاثْنَيْنِ أولى وَهُوَ كَذَلِك بل الَّذِي فِي الْمُتَيْطِيَّة والوثائق الْمَجْمُوعَة أَن الْعَمَل وَالْقَضَاء على عدم الاجتزاء بِالْوَاحِدِ فِي تَعْدِيل السِّرّ وتجريحه وَقَالَ اللَّخْمِيّ: لَا أرى الْيَوْم أَن يجتزأ بِأَقَلّ من اثْنَيْنِ قولا وَاحِدًا اه وَلَكِن مَا اقْتصر عَلَيْهِ النَّاظِم هُوَ الَّذِي فِي ابْن الْحَاجِب ومختصر خَلِيل، ثمَّ من حق الشَّاهِد والمشهود عَلَيْهِ أَن يعلمَا بالمجرح، فقد تكون بَينه وَبَين أَحدهمَا عَدَاوَة أَو بَينه وَبَين الْمَشْهُود لَهُ قرَابَة أَو غير ذَلِك مِمَّا يمْنَع التجريح قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا، قَالَ: وَاخْتلف إِذا كَانَ الشَّاهِد والمشهود لَهُ مِمَّن يتقى شَره هَل يعلم بالمجرح أم لَا؟ فَقَالَ سَحْنُون: يعلم. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: إِذا قَالَ الشُّهُود نكره عَدَاوَة النَّاس جَازَ التجريح سرا. اللَّخْمِيّ: وَقَول سَحْنُون أحسن لفساد الْقُضَاة الْيَوْم اه. وَقَالَ ابْن رحال: إِذا كَانَ هَذَا فِي زمن اللَّخْمِيّ فَكيف بزمننا؟ قَالَ: وَبِه تعلم أَن الِاكْتِفَاء بِالْوَاحِدِ فِي السِّرّ تَزْكِيَة وتجريحاً وَعدم الْقدح فِيهِ لَا يُنَاسب زمننا لِأَن القَاضِي رُبمَا يَقُول: عدل عِنْدِي الشُّهُود أَو جرحوا، وَلم يكن شَيْء من ذَلِك، فَلذَلِك اعْتمد النَّاس تَزْكِيَة الظَّاهِر وتجريحه، وأهملوا ذَلِك فِي السِّرّ بِحَسب مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 أدركنا عَلَيْهِ الْقُضَاة من شُيُوخنَا اه. قلت: وعَلى مَا قَالَ من إهمال تَزْكِيَة السِّرّ وتجريحه وَأَنه لَا بُد من الْإِعْذَار فِيهِ أدركنا الْأَشْيَاخ الْيَوْم حَسْبَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ فِي آخر فصل الْإِعْذَار وَالله أعلم. وَمَنْ يُزَكِّي فَلْيَقُلْ عَدْلٌ رِضَا وبَعْضُهُمْ يُجِيزَانِ أَوْ يُبَعِّضا (وَمن) شَرط (يُزكي) فعل الشَّرْط (فَلْيقل) جَوَابه (عدل) خبر لمَحْذُوف (رضَا) خبر ثَان وَالْجُمْلَة محكية بالْقَوْل وَمَا ذكره من الْجمع بَين اللَّفْظَيْنِ هُوَ الْمَشْهُور، وَمذهب الْمُدَوَّنَة (خَ) بِأَن شهد أَنه عدل رضَا. قَالَ فِي ضيح: لِأَن الْعَدَالَة تشعر بسلامة الدّين وَالرِّضَا يشْعر بالسلامة من البله والغفلة، وَكثير من الْعُدُول لَا يفهم معنى اللَّفْظَيْنِ فَيجب سُؤَاله عَن مَعْنَاهُمَا إِذا ظن بِهِ عدم معرفتهما على أَنه قد تقدم أَن التَّعْدِيل لَا يَصح إِلَّا من المبرز الْعَارِف بِمَا يَصح بِهِ التَّعْدِيل وَفهم من قَوْله عدل رضَا أَنه لَو قَالَ: هُوَ مِمَّن تقبل شَهَادَته أَو يقْضى بهَا أَو قَالَ نعم العَبْد أَنه لَا يكون تَزْكِيَة، وَقيل إِنَّه تَزْكِيَة إِن كَانَ من أهل الْعلم، وَظَاهر النّظم أَنه يَكْتَفِي بِمَا ذكر سَوَاء أَدَّاهُ بِلَفْظ أشهد أَو أعرف أَو أعلم أَو أرَاهُ أَو غير ذَلِك، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَذْهَب وَظَاهر نَص (خَ) الْمُتَقَدّم أَنه لَا بُد من لفظ أشهد وَفِي الْمَسْأَلَة اضْطِرَاب هَل لفظ أشهد فِي أَدَاء الشَّهَادَة من حَيْثُ هِيَ متعبد بِهِ فَإِذا أدّيت بِغَيْرِهِ ألغيت وَعَلِيهِ اقْتصر ناظم الْعَمَل حَيْثُ قَالَ: لَا بُد فِي تأدية من يشْهد الخ أَولا فتؤدى بِهِ وَبِغَيْرِهِ مِمَّا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا مر. (وَبَعْضهمْ) مُبْتَدأ خَبره قَوْله (يُجِيز أَن يبعضا) بِكَسْر الْعين الْمُشَدّدَة وضميره الشَّاهِد أَي أَن يبعض الشَّاهِد اللَّفْظَيْنِ الْمُتَقَدِّمين فيكفيه الِاقْتِصَار على أَحدهمَا، وَيحْتَمل قِرَاءَته بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وضميره يعود على اللَّفْظ الَّذِي تقع بِهِ التَّزْكِيَة، لَكِن الأول أولى لسلامته من سناد التَّوْجِيه وَالْقَوْل بالتبعيض هُوَ الْمَذْهَب عِنْد ابْن زرقون وَابْن فتوح لِأَن كلاًّ من اللَّفْظَيْنِ يسْتَلْزم معنى الآخر وَعَلِيهِ درج ناظم الْعَمَل حَيْثُ قَالَ: وَإِن يقل رضَا مزَك قِبلا. وَلابْن رشد الِاخْتِيَار أَن يجمع بَين اللَّفْظَيْنِ لقَوْله تَعَالَى: مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} (الْبَقَرَة: 282) مَعَ قَوْله تَعَالَى: وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} (الطَّلَاق: 2) فَإِن اقْتصر على أَحدهمَا أَجْزَأَ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذكر كل لَفْظَة على حدتها وَفصل اللَّخْمِيّ فَقَالَ: إِن اقْتصر على إِحْدَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 الْكَلِمَتَيْنِ وَلم يسْأَل عَن الْأُخْرَى فَهُوَ تَعْدِيل وَإِن سُئِلَ عَنْهَا فَوقف فَهُوَ رِيبَة يسئل عَن سَبَب وَقفه فقد يذكر مَا لَا يقْدَح أَو يذكر مَا يريب فَيُوقف عَنهُ اه. وَقد تقدم أَن الْعَدَالَة مُعْتَبرَة فِي كل زمَان بأَهْله وَأَن التَّزْكِيَة لَا تقبل إِلَّا من المبرز الفطن الْعَارِف الْكَائِن من أهل سوق المزكى ومحلته لَا من غَيرهم لِأَن توقفهم عَن تزكيته رِيبَة الْمَعْرُوف عِنْد القَاضِي لَا غير مَعْرُوف إِلَّا لعذر بِأَن لَا يكون فِي أهل سوقه عدُول معروفون عِنْد القَاضِي أَو كَانَ المزكى بِالْفَتْح غَرِيبا أَو امْرَأَة، فَيصح أَن يكون الْمُزَكي حِينَئِذٍ بِالْكَسْرِ مَجْهُولا عِنْد القَاضِي ثمَّ يُزَكِّيه آخَرُونَ معروفون عِنْده وَهُوَ معنى قَول من قَالَ: تَعْدِيل احْتَاجَ لتعديل هبا إِلَّا مزكي امْرَأَة أَو غربا وَيكْتب فِي ذَلِك شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة تَامَّة ويعلمونه عدلا فِي أَحْوَاله رضَا فِي شَهَادَته وَلَا يعلمونه رَجَعَ عَن ذَلِك إِلَى الْآن، وقيدوا بذلك شَهَادَتهم على عينه فِي كَذَا، فَإِن سقط قَوْلهم وَلَا يعلمونه الخ لم يكن تعديلاً إِلَّا إِذا كَانُوا من أهل الْعلم، وَإِن سقط لفظ التَّعْدِيل أَو الرِّضَا، فَهُوَ مَحل الْخلاف الْمُتَقَدّم. وَقَوْلنَا: على عينه هَذَا إِذا كَانَ غير مَعْرُوف عِنْد القَاضِي وَهُوَ حَاضر الْبَلَد أَو قريب الْغَيْبَة، وإلاَّ فالمعروف عِنْده أَو بعيد الْغَيْبَة لَا يحْتَاج فِيهَا إِلَى ذَلِك وأشعر اشْتِرَاط التبريز أَن تَزْكِيَة النِّسَاء لَا تقبل لِأَن التبريز صفة تخْتَص بِالرِّجَالِ لنُقْصَان مرتبَة النِّسَاء فِي الشَّهَادَة، وَلذَلِك لم تجز فِي نِكَاح وَلَا طَلَاق وَجعلت شَهَادَة امْرَأتَيْنِ كَرجل فَلَا يزكين الرِّجَال وَلَا النِّسَاء فِيمَا تجوز شَهَادَتهنَّ فِيهِ وَلَا فِيمَا لَا يجوز قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة، وَلابْن نَافِع وَابْن الْمَاجشون جَوَاز تزكيتهن الرِّجَال فِيمَا تجوز فِيهِ شَهَادَتهنَّ، وَأَجَازَ بعض الشُّيُوخ تزكيتهن النِّسَاء أَيْضا قَالَ: لِأَن مَالِكًا أجَاز شَهَادَتهنَّ فِي الْأَمْوَال والتزكية فِي الْأَمْوَال تجر إِلَيْهِ. قلت: وَهَذَا يتلمح مِمَّا تقدم عَن مَالك من عدم اشْتِرَاط التبريز فِي التَّعْدِيل وَأَن شُهُوده كشهود سَائِر الْحُقُوق. تَنْبِيه: ابْن رشد: لَا يلْزم الشَّاهِد فِي التَّعْدِيل أَن يَقُول هُوَ من أهل الْعَدَالَة لِأَن الْقطع بِهِ لَا يَصح وَلَو قَالَه لم يضرّهُ، وَلَا يكون غموساً لِأَن مَعْنَاهُ فِي ظَنِّي وَهَذَا يجْرِي أَيْضا فِيمَا إِذا قطعُوا فِي الْملك فَيَقُولُونَ وَلم يخرج عَن ملكه يُرِيد: إِذا كَانَ من أهل الْعلم وإلاَّ فَلَا تقبل مِنْهُ مجملة وَالله أعلم. وثابِتُ الْجَرحِ مُقَدَّمٌ عَلَى ثابِت تَعْدِيلٍ إذَا مَا اعْتَدَلا (وثابت الْجرْح) بِفَتْح الْجِيم مُبْتَدأ خَبره (مقدم على. ثَابت تَعْدِيل) يتَعَلَّق بالْخبر الْمَذْكُور (إِذا) ظرف يتَعَلَّق بالْخبر أَيْضا (مَا) زَائِدَة (اعتدلا) جملَة فِي مَحل خفض بِإِضَافَة إِذا. وَألف التَّثْنِيَة فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 يعود على التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح أَي إِذا تَعَارَضَت بينتاهما وتكافأتا فِي الْعَدَالَة فَتقدم بَيِّنَة الْجرْح وَالتَّعْبِير بالتقديم هُنَا مجَاز فِيمَا يظْهر لِأَنَّهُمَا لَو تكافأتا سقطتا، وَالْأَصْل فِي النَّاس الجرحة، وَمَفْهُوم قَوْله: إِذا مَا اعتدلا أَنه إِذا كَانَت إِحْدَاهمَا أعدل يعْمل عَلَيْهَا، وَهُوَ كَذَلِك إِذا قطعت كل مِنْهُمَا بكذب الْأُخْرَى كَقَوْل المعدلة: بَات معتكفاً على الصَّلَاة لَيْلَة كَذَا، وَقَالَت المجرحة: بَات معتكفاً على شرب الْخمر فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَأما إِن لم تقطع كل مِنْهُمَا بكذب الْأُخْرَى بل أرْسلت كل مِنْهُمَا الشَّهَادَة بِالنِّسْبَةِ للزمان وَالْمَكَان فَلَيْسَ من التَّعَارُض فِي شَيْء فَتقدم بَيِّنَة الْجرْح حِينَئِذٍ وَلَو كَانَت أقل عَدَالَة كَمَا مر عَن (خَ) فِي قَوْله بِخِلَاف الْجرْح وَهُوَ الْمُقدم الخ. وَعَن سَحْنُون لَو عدله أَرْبَعَة وجرحه اثْنَان وَالْأَرْبَعَة أعدل لأخذت بِشَهَادَة المجرحين لعلمهما من بَاطِن الْأَمر مَا لم يُعلمهُ الْآخرُونَ اه. فَكَلَام النَّاظِم إِنَّمَا هُوَ فِي التَّعَارُض كَمَا قَررنَا بِدَلِيل قَوْله: إِذا مَا اعتدلا إِذْ الِاعْتِدَال وَعَدَمه إِنَّمَا ينظر إِلَيْهِ مَعَ ذَلِك لَا مَعَ عَدمه لِأَنَّهُمَا إِذا أرسلا الشَّهَادَة لم يتواردا على زمَان وَاحِد فالمعدلة شاهدة بِعَدَمِ علم الجرحة والمجرحة شاهدة بوجودها مِنْهُ فَكل مِنْهُمَا صَادِق بِحَسب الظَّاهِر بِمَنْزِلَة مَا إِذا شهِدت إِحْدَاهمَا بِعَدَمِ علم البيع وَالْأُخْرَى بِوُقُوعِهِ وَالشَّهَادَة بالبت لَا تعارضها الشَّهَادَة على نفي الْعلم فِي كل شَيْء من غير نظر للأعدل من غَيره فَلَا ترد هَذِه على مَفْهُوم النّظم، وَمحل مَا ذكرنَا من أَنه لَا تعَارض مَعَ إرسالهما للشَّهَادَة إِذا قرب تَارِيخ التجريح من تَارِيخ التَّعْدِيل وإلاَّ قضي بأحدثهما تَارِيخا وَيحمل على أَنه كَانَ عدلا ففسق أَو فَاسِقًا فَعدل. وَالْحَاصِل؛ أَنَّهُمَا إِذا تواردتا على زمن وَاحِد وتكافأتا سقطتا وَبَقِي الشَّيْء على أَصله وَهُوَ الجرحة وَإِن كَانَت إِحْدَاهمَا أعدل فَيَقْضِي بِهِ وَهَذَا معنى كَلَام النَّاظِم منطوقاً ومفهوماً وَإِذا قضينا بالمجرحة إِن كَانَت أعدل وَقد جرحته بِمَا فِيهِ أدب أَو حد فَلَا أدب عَلَيْهِ وَلَا حد وَإِن لم تتواردا على زمن وَاحِد فَلَا تعَارض وَلَكِن إِن قرب تَارِيخ إِحْدَاهمَا من الْأُخْرَى قضى بالمجرحة وَإِن تبَاعد مَا بَين التاريخين قضى بالأحدث تَارِيخا إِلَّا أَن يكون فِي وَقت تقييداً لمجرح ظَاهر الْعَدَالَة فالمجرحة أولى قَالَه اللَّخْمِيّ وَغَيره وَهُوَ الْمُوَافق لما مرّ عِنْد قَوْله: وَعدل إِن أدّى على مَا عِنْده. الخ. وَقَوله: وثابت الْجرْح الخ يَعْنِي بعدلين وَأما بِعلم القَاضِي فَتقدم فِي قَوْله: وَفِي الشُّهُود يحكم القَاضِي الخ. وَإِذا ثَبت بعدلين فَظَاهره اتفقَا على سَببه أم لَا. كَقَوْل أَحدهمَا يعْمل بالربا، وَقَول الآخر يشرب الْخمر لِأَنَّهُمَا متفقان فِي الْمَعْنى على أَنه رجل سوء وَقيل لَا تجوز حَتَّى يتَّفقَا على الشّرْب أَو الرِّبَا، فَإِن قَالَ أَحدهمَا خائن وَالْآخر يَأْكُل أَمْوَال الْيَتَامَى جَازَت اتِّفَاقًا. وطالِبُ التجْدِيدِ لِلتَّعْدِيلِ مَعْ مُضِيِّ مُدَّةٍ فَالأُوْلى يُتَّبَعْ (وطالب التَّجْدِيد) مُبْتَدأ (للتعديل) الْوَاقِع على مَجْهُول الْحَال ظهر عَلَيْهِ وسم خير أَو شَرّ أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 لم يظْهر عَلَيْهِ وَاحِد مِنْهُمَا وَهُوَ يتَعَلَّق بالتجديد (مَعَ) وجود (مُضِيّ مُدَّة) ظرف يتَعَلَّق بالمبتدأ والتنوين فِي مُدَّة للتقليل أَي إِذا شهد الْمَجْهُول الْمَذْكُور فِي قَضِيَّة وزكى ثمَّ بعد مُدَّة يسيرَة دون السّنة شهد فِي قَضِيَّة أُخْرَى وَطلب الْمَشْهُود عَلَيْهِ ثَانِيًا تَجْدِيد تعديله فَإِنَّهُ لَا يُجَاب فِي قَول ابْن الْقَاسِم إِلَّا أَن يشْهد بعد سنة من شَهَادَته الأولى لِأَن السّنة تَتَغَيَّر فِيهَا الْأَحْوَال وتحدث فِيهَا الْأَحْدَاث. وَقَالَ سَحْنُون: يُجَاب مُطلقًا شهد بعد السّنة أَو قبلهَا حَتَّى يكثر تعديله ويشتهر. ابْن عَرَفَة: الْعَمَل على قَول سَحْنُون، وَلذَا قَالَ النَّاظِم: (فَالْأولى) بِنَقْل حَرَكَة الْهمزَة للام مُبْتَدأ خَبره (يتبع) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه يعود على التَّجْدِيد، وَالْجُمْلَة من الثَّانِي وَخَبره خبر الأول وَدخلت الْفَاء لما فِي الْمُبْتَدَأ الأول من الْعُمُوم أَي فَالْأولى وَالْأَحْسَن إجَابَته لما طلب من التَّجْدِيد مُطلقًا حَتَّى يكثر المعدلون كَمَا قَالَ سَحْنُون فَإِن عجز عَن تعديله قبل السّنة أَو بعْدهَا لفقد من عدله أَولا وَجَهل النَّاس بِحَالهِ الْآن قبلت شَهَادَته لِأَن طلب تعديله ثَانِيًا إِنَّمَا هُوَ اسْتِحْسَان. ولأخيهِ يشْهَدُ الْمُبَرِّزُ إلاَّ بِمَا التُّهْمَةُ فيهِ تَبْرُزُ (ولأخيه) يتَعَلَّق بقوله (يشْهد المبرز) أَي فِي كل شَيْء مَال أَو غَيره حَيْثُ لم يكن فِي عِيَاله (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (بِمَا) يتَعَلَّق بمقدر أَي إِلَّا إِذا شهد بِمَا (التُّهْمَة) مُبْتَدأ (فِيهِ) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله: (تبرز) . وَالْجُمْلَة صلَة مَا وَمَا ذكره من اشْتِرَاط التبريز نَحوه فِي (خَ) وَهُوَ الَّذِي فِي أَوَائِل الْمُدَوَّنَة وَوَقع فِي أَثْنَائِهَا مَا ظَاهره عدم اشْتِرَاطه وَهُوَ ظَاهر الرسَالَة أَيْضا، وَبِه صدر ابْن الْحَاجِب وَابْن شَاس وَصرح القلشاني وَالشَّيْخ زَرُّوق بِأَنَّهُ الْمَشْهُور، وَمَا ذكره من عدم جَوَازهَا لَهُ فِيمَا إِذا ظَهرت التُّهْمَة نَحوه للخمي، وَصَوَّبَهُ القلشاني وَغَيره، بل حكى الْمَازرِيّ اتِّفَاق الْمَذْهَب على رد شَهَادَة الْأَخ لِأَخِيهِ مَعَ قُوَّة التُّهْمَة كَأَن يشْهد لَهُ بِمَا يكْتَسب بِهِ شرفاً أَو يدْفع بِهِ معرة أَو تَقْتَضِيه الحمية والعصبية مثل أَن يشْهد لِأَخِيهِ وَهُوَ وضيع الْقدر أَنه تزوج امْرَأَة يتشرف بنكاحها أَو أَن فلَانا قذفه أَو يجرح من جرح أَخَاهُ، وَكَذَلِكَ رأى غَيره أَنه يتَّفق على رد شَهَادَته لَهُ بِالْمَالِ الْكثير الَّذِي يحصل لَهُ بِهِ الشّرف وَلَا يجوز لَهُ فِي جراح عمد على الْمَشْهُور قَالَه فِي ضيح والشامل، وَظَاهر قَول (خَ) بِخِلَاف أَخ لأخ إِن برز وَلَو بتعديل الخ. جَوَازهَا بِالشّرطِ الْمَذْكُور مُطلقًا قويت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 التُّهْمَة أم لَا بِدَلِيل قَوْله: وَلَو بتعديل لِأَنَّهُ مِمَّا يتشرف بِهِ وَيدْفَع بِهِ معرة عَن نَفسه، وَلَكِن فِي اخْتِصَار المتيطي مَا نَصه: وَلَا تجوز شَهَادَته لِأَخِيهِ فِي الْفِرْيَة وَلَا فِي نِكَاح من يتشرف بهَا بِخِلَاف الدّين وَالتَّعْدِيل وَشبهه إِذا كَانَ الْأَخ الشَّاهِد مبرزاً وَلَيْسَ فِي عِيَال الْمَشْهُود لَهُ اه. ثمَّ قَالَ: وَاخْتلف فِيمَن شهد لِأَخِيهِ بِمَال فَقيل تجوز إِن كَانَ مبرزاً، وأجازها بَعضهم فِي الْقَلِيل دون الْكثير، وَلَا تجوز فِيمَا يُدْرِكهُ فِيهِ حمية وَلَا فِيمَا يكسبه حظوة، وَاخْتلف فِي شَهَادَته لَهُ فِي جراح الْعمد الخ، وَقد تبين أَن الْمُعْتَمد هُوَ مَا للناظم من اشْتِرَاط نفي التُّهْمَة، وَأما اشْتِرَاط التبريز فَفِيهِ قَولَانِ. شهد كل مِنْهُمَا وَفهم مِنْهُ أَن غير المبرز لَا تجوز شَهَادَته مُطلقًا قويت التُّهْمَة أم لَا. وَأَن غير الْأَخ تجوز شَهَادَته لَهُ بِغَيْر شَرط التبريز وَهُوَ كَذَلِك. قَالَ اللَّخْمِيّ: وَشَهَادَة الرجل لِابْنِ أَخِيه ولعمه وَلابْن عَمه بِالْمَالِ جَائِزَة مَا لم يكن الشَّاهِد فِي نَفَقَة الْمَشْهُود لَهُ، وَلَا تجوز فِيمَا يجمعهُمْ فِيهِ الحمية والعصبية وَلَا فِيمَا يدْفع بِهِ المعرة أَو يكْتَسب بِهِ شرفاً وهم فِي هَذَا الْوَجْه كالأخ اه. وَأفهم قَوْله: مَا لم يكن الشَّاهِد فِي نَفَقَة الْمَشْهُود لَهُ الخ، أَن الْعَكْس وَهُوَ كَون الْمَشْهُود لَهُ فِي نَفَقَة الشَّاهِد يجوز وَهُوَ كَذَلِك عِنْد ابْن حبيب، وَقَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين: يَنْبَغِي أَن لَا تجوز لَهُ بِمَال لِأَنَّهُ يدْفع بذلك نَفَقَته وَإِن كَانَت لَا تلْزمهُ لِأَن ترك النَّفَقَة عَلَيْهِ معرة لَهُ، وَأما إِن كَانَ الْمَشْهُود لَهُ أَجْنَبِيّا وَهُوَ فِي عِيَال الشَّاهِد فشهادته لَهُ جَائِزَة كَمَا فِي التَّبْصِرَة. تَنْبِيه: هَذِه إِحْدَى الْمسَائِل السَّبع الَّتِي يشْتَرط فِيهَا التبريز الْمَذْكُورَة فِي قَول (خَ) بِخِلَاف أَخ لأخ إِن برز وَلَو بتعديل كأجير وَمولى وملاطف ومفاوض فِي غير الْمُفَاوضَة وزائد وناقص، وَذكر بعد شكّ وتزكية. قلت: وَفِي المعيار عَن سَيِّدي مِصْبَاح اشْتِرَاطه فِي الشَّهَادَة فِي الْحَبْس فَمن قَامَ يَدعِي حبسا بِشَهَادَة غير مبرزين لم يقْض لَهُ بِهِ لما فِيهِ من الاستبعاد، وَتقدم فِي قَول النَّاظِم كَذَاك تجريح الخ، أَنه يشْتَرط أَيْضا فِي التجريح بِغَيْر الْعَدَاوَة، وَفِي الْبَاب الثَّانِي من الْقسم الثَّانِي من التَّبْصِرَة اشْتِرَاطه فِي الشَّاهِد مَعَ الْيَمين وفيهَا فِي الْبَاب الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ اشْتِرَاطه فِي الشَّاهِد على الْخط، وَرُبمَا يشْعر بِهَذَا قَول النَّاظِم فِيمَا يَأْتِي وَشَاهد برز الخ. . وَفِي المعيار اشْتِرَاطه فِي شَهَادَة الرجل لزوج حفيدته كَمَا يَأْتِي. وَفِي الغرناطية اشْتِرَاطه أَيْضا فِيمَن أشهد على نَفسه بِحَق وَأَنه لَا يجْبر على إِشْهَاد غَيرهمَا زِيَادَة عَلَيْهِمَا، وَإِن كَانَ ابْن رشد أطلق فَقَالَ: لَا يجْبر من أشهد على نَفسه بِشَيْء على زِيَادَة الْإِشْهَاد بعدلين، وَإِن طلب الْمَشْهُود لَهُ ذَلِك. وَقَالَ الْبُرْزُليّ: إِن كثر الْعدْل فيهم أجبروا وإلاَّ فَلَا. وَفِي شرح العمليات اشْتِرَاطه أَيْضا فِي الْمَشْهُود لَهُ على خطه، وَفِي الْخَامِس عشر من الْفَائِق اشْتِرَاطه فِي سَائِر عُقُود الاسترعاء. والأبُ لابنِهِ وعَكْسُهُ مُنِعْ وَفِي ابنِ زَوْجَةٍ وَعَكْسُ ذَا اتُّبِعْ (وَالْأَب) مُبْتَدأ على حذف مُضَاف أَي وَشَهَادَة الْأَب (لِابْنِهِ) يتَعَلَّق بالمضاف الْمَذْكُور (وَعَكسه) مُبْتَدأ على حذف مُضَاف أَيْضا أَي وَشَهَادَة الابْن لِأَبِيهِ كَذَلِك وَقَوله: (منع) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ الأول فَهُوَ مُؤخر من تَقْدِيم، وَالْقِيَاس منعت بتاء التَّأْنِيث الساكنة وحذفها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 لجوازه مَعَ ضمير التَّأْنِيث الْمجَازِي كَقَوْلِه: وَلَا أَرض أبقل أبقالها. وَظَاهره شهد أَحدهمَا للْآخر بِحَق أَو بتعديل، وَالْمرَاد بِالْأَبِ مَا يَشْمَل الْأُم، وَإِن علت وبالابن مَا يَشْمَل الْبِنْت وَإِن سفلت، وَظَاهره عدم جَوَازهَا وَلَو شهد لأحد ولديه على الآخر ولأحد أَبَوَيْهِ كَذَلِك وَهُوَ كَذَلِك، لَكِن يشْتَرط ظُهُور الْميل للْمَشْهُود لَهُ كشهادته لِلْبَارِّ على الْعَاق أَو للسفيه على الرشيد كَمَا فِي (خَ) وَتجوز شَهَادَة الْوَلَد على أَبِيه بِطَلَاق أمه إِن كَانَت مُنكرَة، وَكَذَلِكَ إِن كَانَت هِيَ الْقَائِمَة بذلك عِنْد ابْن الْقَاسِم، (وَفِي ابْن زَوْجَة) يشْهد لزوج أمه (وَعكس) وَهُوَ شهادتها لَهُ أَو شَهَادَة الرجل لِابْنِ زَوجته وَإِن سفل (ذَا) مُبْتَدأ وَالْإِشَارَة للْمَنْع الْمُتَقَدّم (اتبع) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خَبره، وَفِي ابْن زَوْجَة يتَعَلَّق بِهِ وَعكس بِالتَّنْوِينِ مَعْطُوف على ابْن. وَوالِديْ زَوْجَةٍ أَوْ زَوْجةِ أبْ وحَيْثُما التُّهْمَةُ حالُها غَلَبْ (ووالدي زَوْجَة) عطف على ابْن أَي وَاتبع هَذَا الْمَنْع أَيْضا فِي وَالِدي زَوْجَة بِأَن يشْهد الرجل لأبي زَوجته أَو لأمها، وَبِالْعَكْسِ بِأَن يشْهد الرجل لزوج ابْنَته وَالْمَرْأَة لزوج ابْنَتهَا وَأَحْرَى شَهَادَة الزَّوْجَيْنِ للْآخر (أَو زَوْجَة أَب) تشهد لربيبها ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَإِن سفل، وَكَذَا لَا يشْهد ربيبها وَإِن سفل لَهَا، وَأَحْرَى شَهَادَة الرجل لزوج جده وَزوج جدته وَإِن بعد، أَو لزوجة ابْن ابْنه أَو زوج بنت ابْنه وَإِن سفل، إِذْ الْمدَار على قُوَّة التُّهْمَة كَمَا قَالَ: (وحيثما التُّهْمَة حَالهَا غلب) وَظَاهره عدم الْجَوَاز وَلَو كَانَ الشَّاهِد مبرزاً وَهُوَ كَذَلِك كَمَا هُوَ ظَاهر قَول (خَ) وَلَا متأكد الْقرب كأب وَإِن علا الخ. وَاخْتَارَ عِيَاض حَسْبَمَا فِي المعيار جَوَاز شَهَادَة المبرز لزوج حفيدته بعد أَن قرر فِي ذَلِك خلافًا، وَحكى فِي الشَّامِل ثَلَاثَة أَقْوَال فِي جَوَازهَا لزوجة ابْنه أَو زوج ابْنَته. ثَالِثهَا: جَوَازهَا من المبرز دون غَيره لَكِن الْمُعْتَمد مَا مرّ لِأَن التُّهْمَة حَاصِلَة فِي الْجَمِيع، والمدار على قوتها كَمَا تقدم وَعَلِيهِ فَكل من يحرم نِكَاحه تمنع الشَّهَادَة لَهُ قَالَه ابْن رحال، وحيثما اسْم شَرط والتهمة مُبْتَدأ وَجُمْلَة حَالهَا غلب خَبره، وَيجوز فِي التُّهْمَة أَن يكون فَاعِلا بِفعل مُقَدّر أَي وحيثما غلبت التُّهْمَة وحالها مُبْتَدأ وَغلب خَبره، وَالْجُمْلَة مُؤَكدَة لِمَعْنى مَا قبلهَا وَقَوله: كَحالَةِ العَدُوِّ والظَّنين والْخَصْمِ والوصِيِّ والمَدِينِ (كحالة الْعَدو) مِثَال لبَعض مَا صدق عَلَيْهِ الشَّرْط قبله لِأَنَّهُ صَادِق بتهمة الْقَرَابَة وتهمة الْعَدَاوَة وَغَيرهَا، فَلَا تقبل شَهَادَة الْعَدو على عدوه وَلَو على ابْنه إِن كَانَت الْعَدَاوَة دنيوية لَا دينية كَمَا مر فِي قَوْله سوى عَدَاوَة الخ وَظَاهره وَلَو شهد الْعَدو لعَدوه وَعَلِيهِ وَهُوَ كَذَلِك إِذا كَانَ فِي مجْلِس وَاحِد، فَإِن كَانَا فِي مجلسين صحت الشَّهَادَة لَهُ لَا عَلَيْهِ قَالَه فِي التَّبْصِرَة. (والظنين) أَي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 الْمُتَّهم فِي شَهَادَته كالحارص على قبُول شَهَادَته الْمشَار إِلَيْهِ بقوله (خَ) وَلَا إِن حرص على الْقبُول كمخاصمة مشهود عَلَيْهِ مُطلقًا أَو جربها كشهادته على موروثه الْمُحصن بِالزِّنَا أَو قتل الْعمد ليقْتل فيرثه أَو دفع بهَا كَشَهَادَة بعض الْعَاقِلَة بفسق شُهُود الْقَتْل وكشهادة الملاطف لملاطفه إِن لم يكن مبرزاً أَو شَهَادَة البدوي لحضري أَو شَهَادَة كل من العدلين لصَاحبه للتُّهمَةِ على اشْهَدْ لي وَأشْهد لَك على مَا عِنْد اللَّخْمِيّ، وَيَنْبَغِي اعْتِمَاده وَإِن كَانَ (خَ) درج على جَوَازهَا أَو تَزْكِيَة من شهد لمن لَا تجوز شَهَادَته لَهُ كأبيه مثلا الْمشَار إِلَيْهِ بقول (خَ) وَمن امْتنعت لَهُ لم يزك شَاهده وَلم يجرح شَاهدا عَلَيْهِ الخ. وَنَحْو ذَلِك مِمَّا تكفل بِهِ (خَ) وَغَيره (و) من ذَلِك شَهَادَة (الْخصم) على خَصمه (وَالْوَصِيّ) بِمَال ليتيمه لاتهامه على قَبضه وَظَاهره وَلَو عزل نَفسه وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِك بعد الْتِزَامه النّظر. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يشْهد لرشيد ملك نَفسه، فَتجوز شَهَادَته لَهُ لانْتِفَاء التُّهْمَة وَمَا ذكره هُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة وَهُوَ الْمُعْتَمد وَرُوِيَ جَوَازهَا وشهره الْبَاجِيّ، وَفِي الْكَافِي أَنه هُوَ الصَّوَاب، وَأما عَكسه وَهُوَ أَن يشْهد على يتيمه فَجَائِز إِن كَانَ عدلا وَأفهم قَوْله الْوَصِيّ إِن المشرف تجوز شَهَادَته للْيَتِيم وَهُوَ كَذَلِك إِذْ لَا تلْحقهُ تُهْمَة. (والمدين) لرب الدّين وَظَاهره كَانَ الْمَدِين مُعسرا أم لَا. وَقَيده (خَ) بالإعسار فَقَالَ عاطفاً على الْمَوَانِع أَو الْمديَان الْمُعسر لرَبه، وَالْمرَاد مُعسر فِي نفس الْأَمر لَا أَنه ثَابت الْعسر، وَإِلَّا جَازَت. وَظَاهره أَيْضا عدم الْجَوَاز وَلَو شهد لَهُ بِغَيْر المَال كَالْقصاصِ وَالْقَذْف، وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الْمديَان كَمَا قَالَ مطرف كالأسير فِي يَد رب الدّين وَظَاهره أَيْضا كظاهر (خَ) عدم الْجَوَاز سَوَاء حل الدّين أَو قرب حُلُوله أم لَا. وَهُوَ ظَاهر اللَّخْمِيّ وَابْن شَاس وَابْن الْحَاجِب قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه: وَهُوَ الْحق لِأَنَّهُ الْجَارِي على مَا ذَكرُوهُ فِي بُيُوع الْآجَال من اعْتِبَار التُّهْمَة، وَلَو لم يقرب الْأَجَل، وَقيد فِي الشَّامِل الْمَنْع بالحلول أَو قربه وَنَحْوه لشراح (خَ) وَأَصله لِابْنِ رشد والباجي، وَأما شَهَادَة رب الدّين للمديان بِمَال فتمنع كَذَلِك إِن كَانَ الْمَدِين مُعسرا وَحل الدّين أَو قرب حُلُوله، وإلاَّ جَازَت كشهادته لَهُ بِغَيْر المَال كقصاص وَقذف، وَمن ذَلِك من دفع مَالا لِرجلَيْنِ ليدفعاه لرجل، وَقَالَ: لَا تشهدا على الدّفع غيركما ففعلا فشهادتهما سَاقِطَة وَلَا يضمنَانِ لِأَنَّهُمَا مأموران بذلك قَالَه الْبُرْزُليّ. وَأفهم قَوْله الْمَدِين أَن عَامل الْقَرَاض تجوز شَهَادَته لرَبه، وَكَذَا الْعَكْس وَسَوَاء كَانَ الْعَامِل مَلِيًّا أَو معدماً شغل المَال أم لَا، وَهُوَ كَذَلِك على مَا صدر بِهِ الشَّامِل من أَقْوَال ثَلَاثَة، وَمِمَّا أدخلته الْكَاف شَهَادَة المصلح بَين النَّاس لِأَنَّهُ يتهم على إتْمَام فعل نَفسه، وَكَذَلِكَ شَهَادَة الْخَاطِب أَو السمسار إِن تولى العقد كل مِنْهُمَا وإلاَّ جَازَت، لَكِن مَحل السمسار إِن كَانَت سمسرته مَعْلُومَة لَا تزيد لزِيَادَة ثمن وَلَا تنقص لنقصه، وَفَاتَ الْفَسْخ وَإِن كَانَ قبل الْفَوات فَلَا تجوز لِأَنَّهُ يجر نفعا بِسَبَب عدم الْفَسْخ، وَأما شَهَادَة الْوزان الْمَنْصُوب من القَاضِي للوزن بَين النَّاس فجائزة، فَإِن لم ينصبه القَاضِي وَشهد بِأَن وزن مَا قَبضه فلَان كَذَا لم تقبل وَإِن شهد بِأَن فلَانا قبض مَا وَزنه جَازَت وَإِن شهد بهما فَالظَّاهِر الْبطلَان لِأَن الشَّهَادَة إِذا رد بَعْضهَا للتُّهمَةِ ردَّتْ كلهَا قَالَه الأَجْهُورِيّ. وَهَذَا كُله فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 التُّهْمَة الْمَوْجُودَة وَقت الْأَدَاء، أما الْحَادِثَة بعده فَلَا عِبْرَة بهَا كَالرّجلِ يتَزَوَّج الْمَرْأَة بعد أَن شهد لَهَا أَو يخاصمه بعد أَن يشْهد عَلَيْهِ. وَسَاغَ أنْ يَشْهَدَ الابْنُ فِي مَحَلْ مَعَ أبِيهِ وبِه جَرَى العَمَلْ (وساغ) أَي جَازَ (أَن يشْهد) فِي مَوضِع رفع فَاعل سَاغَ (الابْن) وَإِن سفل فَاعل يشْهد (فِي مَحل) يتَعَلَّق بِهِ وَكَذَا (مَعَ أَبِيه) وَإِن علا فَيثبت الْحق بِشَهَادَتِهِمَا بِغَيْر يَمِين وَلَا يتهم أَحدهمَا فِي إِرَادَته إتْمَام شَهَادَة الآخر (وَبِه) يتَعَلَّق بقوله: (جرى الْعَمَل) وَهُوَ قَول مطرف وَابْن الْمَاجشون، وَظَاهره اشْتِرَاط عدم التبريز وَهُوَ كَذَلِك خلافًا لسَحْنُون فِي اشْتِرَاطه، وَمَا ذكره من الْعَمَل الْمَذْكُور نَحوه فِي الْمُفِيد وَابْن سَلمُون والتبصرة والقشتالي وَغَيرهم، وَعَلِيهِ درج فِي العمليات حَيْثُ قَالَ: وَالِابْن مَعَ أَبِيه فِي مَحل قد يَشْهَدَانِ مَعَ قَول الْكل وَبِه وَقع الحكم من الإِمَام المذهبي حِين اخْتلف فَقِيها عصره السراج والْحميدِي فَأفْتى الأول بِمَا قَالَ (خَ) وَالثَّانِي بِمَا للناظم، وَأفهم قَوْله: وَبِه جرى الْعَمَل أَن هُنَاكَ قولا آخر بِعَدَمِ جَوَاز ذَلِك، وَأَن الْحق لَا يسْتَقلّ بِشَهَادَتِهِمَا بل لَا بُد من شَاهد آخر أَو يَمِين الطَّالِب فِي الْأَمْوَال، وَهُوَ قَول أصبغ. وَفِي الوثائق الْمَجْمُوعَة والمتيطية والجزيري أَنه الَّذِي بِهِ الْعَمَل وَعَلِيهِ اقْتصر (خَ) فَقَالَ: وَشَهَادَة ابْن مَعَ أَب وَاحِدَة وَعلة ذَلِك أَن الْأَب لَو شهد لِابْنِهِ لم تجز، وَكَذَلِكَ عَكسه فهما إِذا شَهدا مَعًا فَكَأَن أَحدهمَا زكى الآخر، وَكَأَنَّهُ قد شهد بعضهما لبَعض فَلذَلِك صَارَت شَهَادَتهمَا وَاحِدَة قَالَه فِي الْمُفِيد، وَهَذَا التَّعْلِيل يُفِيد أَن مِثَال الْأَب مَعَ الابْن عِنْد أصبغ صَار فِي بَاقِي الْقَرَابَة الَّذين لَا تجوز شَهَادَة بَعضهم لبَعض مِمَّا مرّ إِذا شهدُوا لغَيرهم وَعَلِيهِ فَهَل المقبول من الشَّاهِدين وَاحِد لَا بِعَيْنِه فَإِذا جرح أَحدهمَا بقيت شَهَادَة الآخر وَهُوَ الظَّاهِر من التَّعْلِيل الْمَذْكُور، واستظهره ابْن رحال أَيْضا أَو المقبول هُوَ الَّذِي شهد أَولا، وَهُوَ صَرِيح قَول ابْن سهل سَقَطت الْأَخِيرَة أَي لِأَنَّهُ يتهم على إتْمَام شَهَادَة الأول وَعَلِيهِ فَالْأول هُوَ مَحل الْإِعْذَار، وَإِذا جرح لم تبْق شَهَادَة أصلا، وَظَاهر النّظم جَوَازهَا وَإِن لم يَكُونَا مبرزين وَهُوَ كَذَلِك خلافًا لسَحْنُون كَمَا مرّ، وَفهم من قَوْله مَعَ أَبِيه أَن شَهَادَته مَعَ أَخِيه أَو عَمه جَائِزَة وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي ابْن عَرَفَة وَفهم من قَوْله مَعَ الخ. إِن شَهَادَة أَحدهمَا عِنْد الآخر إِذا كَانَ حَاكما أَو على شَهَادَته بِمَعْنى أَن ينْقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 أَحدهمَا عَن الآخر أَو على حكمه إِذا عزل أَو شَهَادَة أَحدهمَا على خطّ الآخر لَا تجوز، وَهُوَ أحد قَوْلَيْنِ وَعَلِيهِ اقْتصر (خَ) حَيْثُ قَالَ: ككل عِنْد الآخر أَو على شَهَادَته أَو حكمه الخ. لَكِن قَالَ ابْن نَاجِي فِي شرح الْمُدَوَّنَة: أَفْتيت بجوازها على خطّ أَبِيه اه. وفتواه هَذِه تؤذن بترجيح القَوْل بِالْجَوَازِ فِي الْجَمِيع إِذْ لَا فرق بَين هَذِه الصُّور، نعم شَهَادَة كل مِنْهُمَا عِنْد الآخر يتَرَجَّح فِيهَا الْمَنْع لما فِيهَا من التَّعْدِيل الْمُتَّفق على مَنعه. وَزَمَنُ الأداءِ لَا التَّحْمُّلِ صَحَّ اعْتبارُهُ لِمُقْتَضٍ جَلِي (وزمن الْأَدَاء) مُبْتَدأ وَهُوَ كَمَا لِابْنِ عَرَفَة إِعْلَام الشَّاهِد الْحَاكِم بِشَهَادَتِهِ بِمَا يحصل لَهُ الْعلم بِمَا شهد بِهِ اه. فالمصدر مُضَاف للْفَاعِل وَالْحَاكِم مَفْعُوله وَالْمَجْرُور بعده يتَعَلَّق بإعلام سد مسد الْمَفْعُول الثَّانِي وَالثَّالِث، وباؤه للتعدية وَالْبَاء الثَّانِيَة تتَعَلَّق بإعلام وَهِي للتعدية أَيْضا أَو سَبَبِيَّة وَمَا وَاقعَة على أَلْفَاظ الْأَدَاء وَهِي بدل من شَهَادَته، وَيحصل بالتضعيف صفة لما أَو صلَة، وفاعله ضمير يعود على مَا وَالْعلم مَفْعُوله وَالْبَاء الثَّالِثَة تتَعَلَّق بِالْعلمِ، وَالْمرَاد بِهِ الظَّن لِأَنَّهُ الَّذِي يحصل للْحَاكِم بِسَبَب الشَّهَادَة وَالضَّمِير فِي لَهُ يعود على الْحَاكِم، وَالتَّقْدِير أَن يعلم الشَّاهِد الْحَاكِم بِأَنَّهُ يشْهد بِكَذَا بِلَفْظ يحصل للْحَاكِم الْعلم بِمَا شهد بِهِ، وَالْأَقْرَب أَن الْمَجْرُور الثَّانِي يتَعَلَّق بِمَحْذُوف جَوَاب سُؤال مُقَدّر، وَكَأَنَّهُ لما قَالَ: إِعْلَام الشَّاهِد الْحَاكِم بِشَهَادَتِهِ قيل لَهُ بِأَيّ شَيْء يكون الْإِعْلَام الْمَذْكُور؟ فَقَالَ: بِمَا أَي بِلَفْظ يحصل لَهُ الْعلم الخ قَالَ: وَفِي النَّوَادِر عَن أَشهب قَوْله للْقَاضِي هَذِه شهادتي أَدَاء لَهَا قَالَ: وَالْأَظْهَر أَن الْإِشَارَة المفهمة فِي ذَلِك تَكْفِي وَتقدم عِنْد قَوْله: وَمن يزك فَلْيقل الخ. أَن الْأَدَاء لَا يخْتَص بِلَفْظ: أشهد على الرَّاجِح ثمَّ إِن القَاضِي لَا يَقُول للشَّاهِد عِنْد الْأَدَاء أشهد بِكَذَا لِأَنَّهُ تلقين، وَإِذا نسي فَلَا بَأْس أَن يذكرهُ الآخر لقَوْله تَعَالَى: إِن تضل إِحْدَاهمَا فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى} (الْبَقَرَة: 282) أَي إِن تنس إِحْدَاهمَا الخ وَإِن اتَّهَمَهُمَا القَاضِي بالغلط فَلَا يفرق بَينهمَا لِئَلَّا يرعب الشَّاهِد ويختلط عقله خلافًا لما فِي الْمُفِيد قَالَه الشَّارِح فِي الْفَصْل بعد هَذَا، وَلَا يَكْتَفِي القَاضِي فِي الْأَدَاء من الْعَوام بقوله: هَذِه شهادتك، فَيَقُول الشَّاهِد: نعم بل حَتَّى ينص شَهَادَته نصا لَا احْتِمَال فِيهِ وَلَا إِجْمَال، وَالْمرَاد بالعامي غير الْعَالم بِمَا تصح بِهِ الشَّهَادَة، وَلَا بُد من سُؤَاله أَيْضا عَن كَيْفيَّة علمه ومستنده فِي تِلْكَ الشَّهَادَة لِأَن غير الْعَالم بِمَا تصح بِهِ إِنَّمَا يكْتب فِي الْغَالِب جَريا على المساطير، وَإِن لم يكْتب فأحرى لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يعرف مَا فِي الرَّسْم وَالْمُعْتَبر فِي الْأَدَاء أَن يكون عِنْد القَاضِي لَا عِنْد المبرزين إِلَّا فِي اللفيف على مَا عَلَيْهِ عَمَلهم من استفساره عِنْد المبرز كَمَا مرّ، وَفِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن سهل أَن شَهَادَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 الاسترعاء إِذا تَأَخَّرت عَن وَقت تحملهَا فَلَا ينقلها إِلَّا من حفظه، وَجَرت عَادَة الْقُضَاة الْيَوْم أَنه يقْرَأ الْوَثِيقَة ثمَّ يطْلب الشَّاهِد بِالْحِفْظِ. (لَا) زمن (التَّحَمُّل) مَعْطُوف على الْمُبْتَدَأ أَي لِأَنَّهُ إِذا تحملهَا كَافِرًا أَو صَبيا أَو عبدا أَو فَاسِقًا ثمَّ أَدَّاهَا عِنْد القَاضِي وَهُوَ بِخِلَاف هَذِه الصِّفَات أَو تحملهَا عدلا ثمَّ أَدَّاهَا فَاسِقًا (صَحَّ اعْتِبَاره) فَاعل بصح، وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ (لمقتض) يتَعَلَّق بصح (جلي) صفة لَهُ أَي ظَاهر فَيعْمل بِشَهَادَتِهِ فِي الأولى وتلغى فِي الثَّانِيَة وَذَلِكَ لِأَن روح الشَّهَادَة وثمرتها هُوَ أَدَاؤُهَا، وَمَتى لم تُؤَد فَهِيَ كَالْعدمِ، فَلِذَا كَانَت شُرُوط الشَّهَادَة كلهَا مَا عدا الْعقل إِنَّمَا تشْتَرط حَال الْأَدَاء لَا حَال التَّحَمُّل كَمَا مرّ أول الْبَاب. ابْن عَرَفَة: والتحمل تَحْصِيل علم مَا شهد بِهِ بِسَبَب اخْتِيَاري وَهُوَ مَأْمُور بِهِ شرعا لِأَنَّهُ فرض كِفَايَة إِذْ لَو تَركه النَّاس كلهم لضاعت الْحُقُوق، وَأما كَونه كِفَايَة فَلِأَن الْغَرَض يحصل بِالْبَعْضِ فَإِن لم يُوجد من يقوم بِهِ غَيره كَانَ فرض عين وَلَو فَاسِقًا لِأَنَّهُ قد يحسن حَاله عِنْد الْأَدَاء، وَيجوز أَن ينْتَفع على التَّحَمُّل بِأُجْرَة وَنَحْوهَا دون الْأَدَاء لِأَنَّهُ فرض عين (خَ) فَإِن انْتفع فجرح وأشعر قَوْله علم أَنه لَا يجوز مَعَ غَيره من شكّ أَو وهم، وَقد يكون قَطْعِيا، وَقد يكون غَلَبَة ظن كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وغالب الظَّن الخ. فَالْمُرَاد بِالْعلمِ مَا يَشْمَل الظَّن والاعتقاد وَهُوَ الْعَزْم على الشَّيْء والتصميم عَلَيْهِ وَالنِّيَّة الَّتِي هِيَ إِرَادَة الْفِعْل مُتَأَخِّرَة عَنهُ لِأَنَّهُ يعزم على أَن يَنْوِي قَالَه (تت) فِي شرح الرسَالَة وَخرج بقوله بِسَبَب اخْتِيَاري علمه دون اخْتِيَار كمن قرع سَمعه صَوت مُطلق فَإِنَّهُ لَا يُسمى تحملاً، وَإِنَّمَا يكون فرض كِفَايَة إِن كَانَ الْمَشْهُود فِيهِ أمرا جَائِزا أَو مَنْدُوبًا أَو وَاجِبا وإلاَّ فَيكْرَه فِي الْمَكْرُوه وَيحرم فِي الْمحرم، فَإِن فعل زَاد فِي الْوَثِيقَة وَالْأَمر بَينهمَا مَحْمُول على مَا يُصَحِّحهُ الشَّرْع مِنْهُ أَو يُبطلهُ، وَمن الْعلمَاء من أجَازه فِي الْمحرم بِقصد أَن يرد. قلت: وَهُوَ الظَّاهِر لِأَن عدم تحمله إبِْطَال الْحق الْقَائِم بفسخه انْظُر (ح) وَمَا مر من جَوَاز الْأُجْرَة على التَّحَمُّل. قَالَ ابْن عَرَفَة: بِهِ اسْتمرّ الْعَمَل وَتَكون مَعْلُومَة بِمَا اتفقَا عَلَيْهِ من قَلِيل أَو كثير مَا لم يكن الْمَكْتُوب لَهُ مُضْطَرّا لِلْكَاتِبِ لقصر القَاضِي الْكتب عَلَيْهِ أَو لكَونه لم يجد بذلك الْموضع غَيره، فَيجب على الْكَاتِب أَن لَا يطْلب فَوق حَقه فَإِن فعل فَهُوَ جرحة فَإِن لم يسميا شَيْئا فَهُوَ عِنْدِي كَهِبَة الثَّوَاب فَإِن أعطَاهُ أُجْرَة الْمثل لزمَه وَإِلَّا كَانَ مُخَيّرا فِي قبُول مَا أعطَاهُ وتمسكه بِمَا كتب لَهُ إِلَّا أَن يتَعَلَّق بذلك حق للمكتوب لَهُ فَيكون فوتاً وَيجْبر على أُجْرَة الْمثل، وَظَاهر النّظم أَن الجرحة الْحَادِثَة بعد الْأَدَاء لَا تضر وَهُوَ الْمُوَافق لما مر فِي فصل خطاب الْقُضَاة من أَنه يجب تَارِيخ الْخطاب بِالْأَدَاءِ ليسقط التجريح بِمَا حدث بعده، وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا مَا فِي الْبُرْزُليّ والمعيار أَن القَاضِي إِذا كتب أَن الرَّسْم ثَبت عِنْده فَإِنَّهُ حكم نفذ فَلَا تسْقط شَهَادَتهم بحدوث عزلهم بجرحة وَنَحْوهَا، وَهُوَ الْمُوَافق أَيْضا لما مر من أَن القَاضِي إِذا خَاطب بِالْأَدَاءِ أَو بِالْعَدَالَةِ فَإِن من بعده يَبْنِي على فعله وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون الْخطاب بذلك حكما وَلَا يُعَارض. هَذَا قَول (خَ) وَلَا إِن حدث فسق بعد الْأَدَاء الخ. لِإِمْكَان أَن يكون هَذَا فِيمَا لَا خطاب فِيهِ وَلَا حكم بِثُبُوتِهِ، فَتَأمل ذَلِك إِذْ التَّوْفِيق بَين كَلَام الْأَئِمَّة مَطْلُوب مَا أمكن بل ظَاهر النّظم أَيْضا أَن الْعبْرَة بِزَمن الْأَدَاء كَانَ الرَّسْم أصلا أَو استرعاء. وَفِي الشَّارِح أول الْبَاب أَن الأَصْل يعْتَبر فِيهِ تَارِيخ التَّحَمُّل للشَّهَادَة لَا تَارِيخ أَدَائِهَا قَالَ: وَلَا عِبْرَة بتاريخ الْأَدَاء إِلَّا فِي مَسْأَلَة حل الأَصْل بِإِثْبَات الْعَدَاوَة بَين الشُّهُود وَبَين الْمَحْكُوم عَلَيْهِ الخ. فيستفاد مِنْهُ أَن الجرحة الْحَادِثَة بعد تَارِيخ التَّحَمُّل إِن كَانَت الشَّهَادَة أَصْلِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 لَا تضر، وَبِهَذَا تعلم أَن الْوَاجِب فِي الْعُدُول المنتصبين للشَّهَادَة إِذا قيدوا شَهَادَة أَصْلِيَّة ثمَّ طَرَأَ فسقهم بعد تقييدها وَقبل أَدَائِهَا أَو بعده أَن لَا يسْقط الْحق الْمَشْهُود بِهِ كَمَا مرّ عِنْد قَوْله. وَحقه إنهاء مَا فِي علمه. الخ وَإِلَّا دخل الضَّرَر على أَرْبَاب الْحُقُوق لكَوْنهم تحَصَّنُوا لحقوقهم عِنْد من أمروا بالتحصين عِنْده من المنتصبين لتحمل الشَّهَادَة وَالله أعلم. ( فصل فِي مسَائِل من الشَّهَادَات:) ذكر فِيهِ جَوَاز شَهَادَة المختفي وَالشَّهَادَة على الْخط وَالرُّجُوع عَن الشَّهَادَات وَالنَّقْص وَالزِّيَادَة، وَحكم إِعَادَة الشَّهَادَة بعد كتبهَا وأدائها وَمَا يتَعَلَّق بذلك. وَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ بالإقْرَارِ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ عَلَى المُخْتَارِ (وَيشْهد الشَّاهِد بِالْإِقْرَارِ) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال أَي وَيشْهد الشَّاهِد بِالْحَقِّ على الْمقر مُعْتَمدًا على إِقْرَاره الصَّادِر مِنْهُ (من غير إِشْهَاد) وَقَوله: (على الْمُخْتَار) يتَعَلَّق بيشهد وَمَا ذكره هُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَل كَمَا فِي الْمُفِيد وَابْن سَلمُون وَغَيرهمَا، وَظَاهره كَانَ الْحق مالياً أَو بدنياً كَانَ الشَّاهِد فَقِيها استفتاه الْمقر فِيمَا لَا يَنْوِي فِيهِ أم لَا. كَانَ الشَّاهِد مختفياً بِحَيْثُ لَا يرَاهُ الْمقر أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك فِي الْجَمِيع لَكِن بِشَرْطِ أنَّ يَسْتَوْعِبَ الكَلاما مِع المُقِرِّ البَدْءَ والتَّمَامَا (بِشَرْط أَن يستوعب) الشَّاهِد (الكلاما) مفعول بِالْفِعْلِ قبله (من الْمقر) يتَعَلَّق بذلك الْفِعْل أَو بِمَحْذُوف صفة للْكَلَام (البدء والتماما) بدلان من الْكَلَام أَي أَوله وَآخره وَالْألف وَاللَّام فِي الْكَلَام والتمام معاقبة للضمير، وَهَذَا الشَّرْط يعْتَمد عَلَيْهِ الشَّاهِد فَقَط. والوثيقة مَقْبُولَة إِن لم ينص عَلَيْهِ فِيهَا وَكَانَ من أهل الْعلم فَإِن لم يكن من أهل الْعلم فَيَنْبَغِي استفساره، وَإِنَّمَا اشْترط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 هَذَا الشَّرْط لِأَنَّهُ إِذا لم يستوعب الْكَلَام قد يفوتهُ شَيْء لَو سَمعه لم يشْهد عَلَيْهِ، إِذْ قد يَقُول لَهُ سرا، مَا الَّذِي عَلَيْك إِن جِئْت بِكَذَا، فَيَقُول لَك عِنْدِي كَذَا وَيسمع الشَّاهِد الْجَواب فَقَط وَنَحْو ذَلِك، فَلَا يشْهد حَتَّى يُحِيط بسرهم وجهرهم اه. وَبَقِي شَرط آخر وَهُوَ أَن لَا يكون الْمقر مخدوعاً وَلَا خَائفًا قَالَه ابْن الْمَوَّاز، وَإِنَّمَا تَركه النَّاظِم لِأَنَّهُ شَرط فِي كل شَهَادَة لَا فِي خُصُوص الشَّهَادَة بِالْإِقْرَارِ، وَمَعَ ذَلِك لَو أنكر الضَّعِيف الْجَاهِل الْإِقْرَار جملَة لَزِمته الشَّهَادَة وَإِنَّمَا يصدق مَعَ يَمِينه إِذا قَالَ: إِنَّمَا أَقرَرت لما ذكر من الْخَوْف وَالْخداع وَنَحْوهمَا. وَمثل الْإِقْرَار الَّذِي هُوَ مَوْضُوع المُصَنّف الْإِنْشَاء كَمَا لَو سمع رجلا يُطلق زَوجته أَو يقذف رجلا، وَظَاهره أَيْضا أَنه يشْهد عَلَيْهِ بِمَا سمع مِنْهُ وَلَو قَالَ لَهُ قبل ذَلِك: لَا تشهد عليَّ بِمَا تَقول وَهُوَ كَذَلِك فَعَن مَالك فِي الرجلَيْن يَقُولَانِ للعدل لَا تشهد علينا بِشَيْء، فَإنَّا تقاررنا بأَشْيَاء من أمرنَا لَا نَدْرِي أيتم ذَلِك بَيْننَا أم لَا. فيتكلمان ثمَّ يعترفان ويسأله أَحدهمَا الشَّهَادَة بِمَا سَمعه مِنْهُمَا قَالَ: لَا أرى أَن يعجل بِالشَّهَادَةِ فَإِن أقرا أَو جحدا شهد بِمَا سَمعه مِنْهُمَا، وَمُقَابل الْمُخْتَار مَرْوِيّ عَن مَالك أَنه لَا يشْهد عَلَيْهِ حَتَّى يشهده، وَمَفْهُوم قَوْله: من غير إِشْهَاد أَنه إِذا أشهده جَازَت الشَّهَادَة عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَيكْتب الموثق حِينَئِذٍ أشهد فلَان بِأَن قبله لفُلَان كَذَا ليتخلص من الْخلاف وَهِي حِينَئِذٍ أَصْلِيَّة وَلَا تضع علامتك فِيهَا إِن كَانَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ مِمَّن يظنّ أَنه لم يحط فِيمَا فِيهَا علما أَو أَن يكون مخدوعاً حَتَّى تقرأها عَلَيْهِ، وَإِن قَالَ لَك قبل ذَلِك مَا فِيهَا هُوَ حق أميّاً كَانَ أَو قَارِئًا قَالَه فِي التَّبْصِرَة، وَأما فِي غير مَوْضُوع المُصَنّف فَهِيَ استرعائية وتصدر وثيقتها بأقر أَو أعترف لدينا أَو بحضرتنا وَنَحْو ذَلِك، وَلَا بُد فِيهَا من معرفَة الْمَشْهُود عَلَيْهِ أَو لَهُ أَو التَّعْرِيف بهما أَو وصفهما وَالْوَصْف هُوَ الَّذِي عمل بِهِ الْمُوثقُونَ والتعريف ضَعِيف كَمَا فِي المعيار والبرزلي، ثمَّ إِذا وَصفه لَا يحكم عَلَيْهِ حَيا كَانَ أَو مَيتا حَتَّى يثبت أَن تِلْكَ الصِّفَات من صِفَاته، وَلَا بُد فِي الاسترعائية من قَوْله: لدينا أَو بحضرتنا كَمَا مرّ، وَإِن كَانَ الدّين من بيع قَالُوا: بَاعَ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا بحضرتنا أَو بِإِقْرَارِهِ عندنَا بِالْبيعِ وَقبض الْمَبِيع، فَإِن سقط من الْوَثِيقَة لفظ لدينا أَو بحضرتنا أَو قبض الْمَبِيع فِي البيع لم تعْمل الشَّهَادَة حَتَّى يبينوا ذَلِك فَإِن تعذر استفسارهم بِأَن غَابُوا أَو مَاتُوا سَقَطت كَمَا تسْقط إِذا لم يتَعَرَّضُوا لمعْرِفَة وَلَا تَعْرِيف وَلَا صفة وَتعذر أداؤهم على عينه وَلم يَكُونُوا من أهل الضَّبْط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 والتحفظ وإلاَّ قبلت، فَإِن سُئِلَ الشَّاهِد عَمَّن عرفه بالمشهود عَلَيْهِ فَلَا يُعينهُ، وسؤاله عَنهُ جهل من الْقُضَاة فَإِن عين شخصه بطلت لِأَنَّهَا صَارَت كالنقل وان عين جنسه فَفِي أجوبة ابْن رشد أَن الشَّاهِد إِذا قطع بِمَعْرِِفَة الْمَشْهُود عَلَيْهَا ثمَّ بعد ذَلِك قَالَ: إِنَّه لم يعرفهَا وَإِنَّمَا عينهَا لَهُ حِين الْإِشْهَاد عَلَيْهَا امْرَأَة وثق بهَا أَن الشَّهَادَة عاملة إِذا كَانَ هُوَ الَّذِي ابْتَدَأَ سُؤال الْمَرْأَة الْمعرفَة لِأَن ذَلِك من بَاب الْخَبَر اه. فيفهم مِنْهُ أَن تعْيين الْجِنْس غير مُضر فَانْظُرْهُ. وَما بِهِ قَدْ وَقَعَتْ شَهادَهْ وَطُلِبَ العَودُ فَلا إعادَهْ (وَمَا) مُبْتَدأ مَوْصُول وَاقعَة على الْحق وَجُمْلَة (بِهِ قد وَقعت شَهَادَة) صلتها وَالْمَجْرُور بِالْبَاء يتَعَلَّق بوقعت أَو شَهَادَة هُوَ الرابط (وَطلب) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (الْعود) نَائِبه وأل فِيهِ عوض عَن الضَّمِير وَهُوَ اسْم مصدر بِمَعْنى إِعَادَة، وَالْجُمْلَة معطوفة على الصّفة (فَلَا) نَافِيَة للْجِنْس (إِعَادَة) اسْمهَا وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: وَالْحق الَّذِي وَقعت شَهَادَة بِهِ سَوَاء كتبت وَأديت أَو كتبت فَقَط أَو أدّيت فَقَط وَطلب من الشَّاهِد إِعَادَة الشَّهَادَة بِهِ معتذراً بضياع الرَّسْم وَشبه ذَلِك فَلَا إِعَادَة جَائِزَة، وَظَاهره سَوَاء طلب إِعَادَة الْكِتَابَة وَالْأَدَاء مَعًا أَو إِعَادَة الْأَدَاء فَقَط برسمه أَو بِدُونِهِ عِنْد القَاضِي الأول أَو عِنْد غَيره وَهُوَ كَذَلِك لِئَلَّا يتَكَرَّر الْحق على الْمَطْلُوب، وَهَذَا فِيمَا يُمكن فِيهِ التّكْرَار كَالدّين وَالْوَصِيَّة وَالْكِتَابَة والجراح ونظمها بَعضهم فَقَالَ: دين وَصِيَّة كِتَابَة دَمًا لَا نسخ فِي رسومها قد علما على أَنه لَا مَفْهُوم لهَذِهِ الْأَرْبَع، بل كَذَلِك الْوَدِيعَة والقراض المقبوضان بإشهاد، وَكَذَا البضاعة والقطاعة المقبوضان بِهِ أَيْضا فضابط الْمَنْع كل مَا يخْشَى فِيهِ التّكْرَار، وَأما مَا لَا يخْشَى فِيهِ ذَلِك كرسوم الملكيات الْمُشْتَملَة على التَّصَرُّف وَعدم النزاع ورسوم البيع لِلْأُصُولِ وَنَحْوهَا بِالْعقدِ وَنَحْو ذَلِك فَتجوز إِعَادَة كتبه وأدائه لَكِن فِي الْأَدَاء بِرِضا الشَّاهِد إِذْ لَا يلْزمه الْأَدَاء مرَّتَيْنِ لقَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 تَعَالَى: وَلَا يضار كَاتب وَلَا شَهِيد} (الْبَقَرَة: 282) إِلَّا أَن يكون فِي الرَّسْم إِجْمَال أَو إِبْهَام فَيلْزمهُ تَفْسِيره كَمَا فِي المعيار وكما لَا تُعَاد الشَّهَادَة فِيمَا يخْشَى فِيهِ التّكْرَار كَذَلِك لَا تُعْطى النُّسْخَة من رسمه مسجلة على القَاضِي، كَمَا أَشَارَ لَهُ ناظم الْعَمَل: وَالْحكم بالنسخة مَشْرُوط بِأَن تقوى الْعَدَالَة وَحَال من فطن لَكِن رسم الدّين وَالْوَصِيَّة مُحْتَمل التّكْرَار والتدمية وَظَاهر النّظم أَنه إِن أَعَادَهَا لَا يقْضِي بهَا سَوَاء أَعَادَهَا جهلا أم لَا كَانَ الْمَشْهُود لَهُ مَأْمُونا أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك خلافًا لِابْنِ الْمَاجشون فِي أَنه يقْضِي بهَا إِن أَعَادَهَا جهلا، ولمطرف فِي أَنَّهَا تُعَاد لِلْمَأْمُونِ فَقَط، وَقد سُئِلت عَمَّن ادّعى على شخص بدين من سلف فَقَالَ الْمَطْلُوب: لَا حق لَهُ قبلي فاستظهر برسم تضمن أَنه أسلفه مائَة وحازها بالمعاينة، وَأَنه كتب لَهُ بذلك رسماً، وَزعم الْآن ضيَاعه فأعيدت لَهُ الشَّهَادَة بذلك، فأجبت بِأَن الطَّالِب لَا ينْتَفع بِمَا استظهر بِهِ مَعَ فقد أَصله لِإِمْكَان كَون الْمَطْلُوب مزق الرَّسْم عِنْد أَدَاء مَا فِيهِ وَسَوَاء ادّعى الْقَضَاء أَو أنكر الدّين رَأْسا كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَام الْكَافِي وَغَيره، وَقد قَالَ العقباني وَغَيره: لَا يعْمل على النُّسْخَة إِن كَانَ الأَصْل مِمَّا لَا يَصح نسخه كَالدّين وَالْوَصِيَّة وَنَحْوهمَا لِئَلَّا يتَكَرَّر التقاضي وإعادة الشَّاهِد شَهَادَته نسخ لَهَا فِي الْحَقِيقَة، وَقَول ابْن الْمَاجشون: إِن جهلوا وأعادوا قضى بهَا مُقَابل للمشهور بِدَلِيل مَا مرّ عَن العقباني، وَيدل أَيْضا على كَونه مُقَابلا قَول الْمَشْهُور يقْضِي بِأخذ الْمَدِين الْوَثِيقَة أَو تقطيعها كَمَا فِي (خَ) إِذْ لَو كَانَ رب الدّين ينْتَفع بِالْإِعَادَةِ لم يكن لأخذ الْمَدِين الْوَثِيقَة أَو تقطيعها فَائِدَة وَمَا لَا فَائِدَة فِيهِ يمْتَنع الْقَضَاء بِهِ، وَفِي حَدِيث ابْن عمر: أرى أَن تشق الصَّحِيفَة فَجعل شقها إبطالاً للحق كَمَا فِي مسَائِل ابْن الْحَاج وَلَو عمل بِمَا لِابْنِ الْمَاجشون لم تحصل لغريم أبدا بَرَاءَة إِذْ عوائد النَّاس تمزيق الرسوم عِنْد أَدَاء الدُّيُون كَمَا هُوَ مشَاهد قَدِيما وحديثاً وَلَا يَسْتَطِيع أَن يردهم عَن ذَلِك إِلَى كتب الْبَرَاءَة حَاكم وَلَا غَيره، وَمَا قيل من أَن الْعَمَل على كتب الْبَرَاءَة دون التقطيع إِنَّمَا هُوَ عِنْد التَّنَازُع فِيمَا يظْهر. أَعنِي: إِذا طلب أَحدهمَا التقطيع وَطلب الآخر الْكتب لَا فِيمَا بعد الْوُقُوع مَعَ كَون الْعَادة جَارِيَة بالتقطيع وَالله أعلم. ووافقني على ذَلِك مفتي فاس فِي حِينه شَيْخي سَيِّدي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم وَغَيره. وشاهِدٌ بُرِّزَ خَطَّهُ عَرَفْ نَسِيَ مَا ضَمَّنَهُ فِيمَا سَلَفْ (وَشَاهد) مُبْتَدأ سوغ الِابْتِدَاء بِهِ الْوَصْف بقوله: (برز) وَبِقَوْلِهِ: (خطه عرف) وَبِقَوْلِهِ: (نسي مَا ضمنه) وفاعل الْأَفْعَال الثَّلَاثَة ضمير مستتر يعود على الشَّاهِد، وَمَا وَاقعَة على الْقِصَّة، وَيجوز أَن تكون الجملتان الأخيرتان معطوفتين على جملَة برز بِحَذْف العاطف، وَلَكِن الْمَعْطُوف على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 الْوَصْف وصف فَهُوَ رَاجع للمعنى الأول (فِيمَا سلف) يتَعَلَّق بِمَا قبله يَلِيهِ وَمَا الثَّانِيَة وَاقعَة على الزَّمَان، يَعْنِي أَن الشَّاهِد إِذا عرف خطه فِي الْوَثِيقَة، والشكل الَّذِي يكنى بِهِ الشَّاهِد عِنْد تَسْمِيَة نَفسه أَو فِي الشكل فَقَط وَنسي الْقَضِيَّة الَّتِي تضمنتها الْوَثِيقَة فِي الزَّمَان السالف. لَا بُدَّ مِنْ أَدَائِهِ بِذَلِكْ إلاَّ مَعَ اسْتِرَابَةٍ هُنَالِكَ (لَا بُد من أَدَائِهِ) عِنْد القَاضِي (بذلك) الْمَعْنى الَّذِي تضمنته الْوَثِيقَة مُعْتَمدًا على خطه أَو شكله جَازِمًا بذلك غير ذَاكر للْقَاضِي أَنه نسي الْقِصَّة. وَالْجُمْلَة من لَا وخبرها خبر الْمُبْتَدَأ، وَمعنى لَا بُد لَا محَالة وَلَا فرار أَي لَا تخلص مَوْجُود من أَدَائِهِ، وَإِذا أدّى فَإِنَّهُ يقْضى بهَا كَمَا هُوَ ظَاهره إِذْ لَا فَائِدَة للْأَدَاء إِلَّا ذَاك، وَظَاهره أَيْضا أَنه يقْضِي بهَا، وَلَو ذكر للْقَاضِي أَنه نَسِيَهَا وَهُوَ كَذَلِك على مَا يظْهر من التَّعْلِيل بِكَثْرَة النسْيَان الْيَوْم وَهُوَ الظَّاهِر من نظم الْعَمَل الْآتِي، وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن مَالك فِي الْمُوَطَّأ، فَيَنْبَغِي أَن يعْتَمد وَإِن كَانَ فِي الشَّامِل صحّح أَنه إِذا ذكر لَهُ أَنه نَسِيَهَا لزمَه ردهَا وَعدم الْقَضَاء بهَا، وَعَزاهُ فِي ضيح لمطرف وَابْن الْمَاجشون وَاقْتصر عَلَيْهِ ابْن سَلمُون (إِلَّا) إِن أدّى (مَعَ) وجود (استرابة) من محو أَو بشر لم يعْتَذر عَنهُ (هُنَالك) أَي فِي الرَّسْم ظرف مَكَان يتَعَلَّق باسترابة وَالسِّين وَالتَّاء زائدتان فَإِنَّهُ لَا يقْضِي بهَا حِينَئِذٍ لوُجُود الرِّيبَة زِيَادَة على النسْيَان، وَيفهم من عدم الْقَضَاء بهَا مَعَ الرِّيبَة عدم وجوب أَدَائِهَا إِذْ لَا فَائِدَة لَهُ، فالاستثناء من مُقَدّر كَمَا ترى، وَمَا ذكره المُصَنّف هُوَ قَول مَالك المرجوع عَنهُ، وَبِه قَالَ ابْن الْمَاجشون ومطرف والمغيرة وَابْن وهب وَابْن عبد الحكم وَابْن دِينَار وَابْن أبي حَازِم، وَصَوَّبَهُ اللَّخْمِيّ وَغَيره قائلين: لَو وكل النَّاس الْيَوْم إِلَى الْحِفْظ لما أدّى وَاحِد شَهَادَته ولضاعت الْحُقُوق اه وَلِأَنَّهُ لَو لم يشْهد حَتَّى يذكرهَا لما كَانَ لوضع شكله فَائِدَة وَعَلِيهِ الْعَمَل الْآن قَالَ ناظمه: وَالشَّاهِد الْعَارِف خطه وَلم يذكر شَهَادَته أدّى للْحكم إِن لم يكن محو بِهِ أَو رِيبَة وَتَنْفَع الشَّهَادَة الْمَطْلُوبَة وَمُقَابِله المرجوع إِلَيْهِ هُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة أَنه لَا يشْهد حَتَّى يستيقن الشَّهَادَة ويذكرها، وَعَلِيهِ اقْتصر (خَ) فَقَالَ: لَا على خطّ نَفسه حَتَّى يذكرهَا وَأدّى بِلَا نفع أَي ذَاكِرًا لَهُ أَنه نَسِيَهَا، وَقيل: إِن كَانَت الْوَثِيقَة مَكْتُوبَة بِخَطِّهِ فليشهد، وَإِن لم يكن لَهُ إِلَّا مُجَرّد الشكل فَلَا، وَظَاهر المُصَنّف أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 يُؤَدِّي سَوَاء كَانَ كل من الْوَثِيقَة والشكل بِخَط يَده، أَو لم يكن بِخَط يَده إِلَّا الشكل وَحده وَهُوَ كَذَلِك كَمَا قَررنَا، لَكِن لَا يجب عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا فِي الصُّورَتَيْنِ إِلَّا إِذا تحقق من نَفسه أَنه لم يكْتب خطّ مُسَامَحَة، وَأما لَو كَانَ يكْتب فِي بعض الأحيان مُسَامَحَة، ثمَّ رَاجع نَفسه وَتَابَ فَلَا يُؤَدِّي مَا يجده بِخَطِّهِ حَتَّى يتَحَقَّق أَنه بعد تَارِيخ تَوْبَته قَالَه عِيَاض، وَظَاهر النّظم أَيْضا أَنه لَا يُؤَدِّي مَعَ وجود الرِّيبَة من محو وَنَحْوه وَلَو كَانَ الْبَاقِي يسْتَقلّ، وَلَيْسَ كَذَلِك بل يُؤَدِّي بذلك المستقل وَيحكم بِهِ القَاضِي كَمَا مر فِي قَوْله: وَيثبت القَاضِي على المحو وَمَا أشبهه الخ. وَأفهم قَوْله برز أَن غير المبرز لَا يُؤَدِّيهَا وَإِن أَدَّاهَا لَا يعْمل الْحَاكِم عَلَيْهَا، وَهُوَ كَذَلِك إِذا أقرّ أَنه كَانَ نَسِيَهَا لِأَنَّهُ إِذا اشْترط التبريز مَعَ التَّذَكُّر كَمَا مر عَن (خَ) فِي قَوْله: وذاكر بعد شكّ فأحرى أَن يشْتَرط مَعَ عَدمه، وَلَا يُقَال مَا ذكره (خَ) إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا لم تكن الشَّهَادَة مَكْتُوبَة وَمَا هُنَا فِي الْمَكْتُوبَة، لأَنا نقُول: لَا فرق بَين الْكِتَابَة وَعدمهَا عِنْده فِي الذاكر بعد الشَّك كَمَا هُوَ ظَاهره كَمَا أَنَّهُمَا عِنْده سَوَاء فِيمَا إِذا لم يتذكرها، وَأَنَّهَا لَا تقبل كتب أم لَا. لقَوْله: وَأدّى بِلَا نفع فالكتابة لَا أثر لَهَا فِي مثل هَذَا إِذْ الْخط يُمكن الضَّرْب عَلَيْهِ، بل هُوَ كثير وَلَا تحصل الثِّقَة بِعَدَمِ الضَّرْب إِلَّا من المبرز لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يتحراه ويتفطن للضرب وَعَدَمه، وَلذَا لَا يرفع على الخطوط إِلَّا المبرز الفطن كَمَا يَأْتِي وَالله أعلم. والْحُكْمُ فِي القاضِي كمْثلِ الشَّاهِدِ وَقِيلَ بالفرْقِ لِمَعْنًى زَائِدِ (وَالْحكم) مُبْتَدأ (فِي القَاضِي) يتَعَلَّق بِهِ (كَمثل الشَّاهِد) خبر، وَالْمعْنَى أَن القَاضِي إِذا وجد فِي ديوانه حكما بِخَطِّهِ وَهُوَ لَا يذكر الْقَضِيَّة فَإِنَّهُ ينفذهُ ويمضيه حَيْثُ لم تكن رِيبَة كَمَا أَن الشَّاهِد كَذَلِك (وَقيل) مَبْنِيّ للْمَفْعُول (بِالْفرقِ) نَائِب عَن فَاعله (لِمَعْنى) يتَعَلَّق بقيل (زَائِد) صفة لِمَعْنى ومعموله مَحْذُوف أَي زَائِد فِيهِ أَي فِي القَاضِي، وَهُوَ أَنه كَانَ قَادِرًا على أَن يشْهد على حكمه عَدْلَيْنِ بِخِلَاف الشَّاهِد، فقد فعل مقدوره فَهُوَ مَعْذُور، وَأَيْضًا فَإِن القَاضِي هُوَ المنفذ لما تضمنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 خطه وَلَا يرفع الْأَمر إِلَى غَيره بِخِلَاف الشَّاهِد فَإِنَّهُ يرفع للْقَاضِي شَهَادَته وَينْهى إِلَيْهِ مَا عِنْده مِنْهَا وَمَعَ ذَلِك لَا يثبت الْحق بِشَهَادَتِهِ وَحده، بل لَا بُد من يَمِين أَو شَاهد ثَان قَالَه ابْن مَنْظُور. تَنْبِيه: اعْترض الشَّارِح وَغَيره كَلَام النَّاظِم بِأَن الْخلاف الْمُسْتَفَاد من كَلَام ابْن المناصف على الْوَجْه الْمَذْكُور إِنَّمَا هُوَ فِي قبُول كتب القَاضِي إِلَى قَاض بِمُجَرَّد معرفَة خطه، هَذَا هُوَ الَّذِي حكى فِيهِ الْخلاف بَين أهل عصره وَأهل الْمَذْهَب كَمَا تقدم فِي خطاب الْقُضَاة، وَأما مَسْأَلَة القَاضِي يجد فِي ديوانه حكما بِخَطِّهِ فَلَيْسَ عِنْده إِلَّا عدم جَوَاز التَّنْفِيذ قولا وَاحِدًا قَالَ: وَلَا يتَخَرَّج فِيهِ القَوْل بالتنفيذ من الْخلاف فِي الشَّاهِد يتَيَقَّن خطه، وَلَا يذكر الْوَاقِعَة لعذر الشَّاهِد فِي الْجُمْلَة إِذْ ذَاك مقدوره، وَالْقَاضِي كَانَ قَادِرًا على الْإِشْهَاد على حكمه اه بِاخْتِصَار. فمسألة القَاضِي يجد حكما فِي ديوانه بِخَطِّهِ دون أَن يذكرهُ لَيْسَ فِيهَا قَول بالتنفيذ دون إِشْهَاد لَا نصا وَلَا تخريجاً، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي قبُول كتاب القَاضِي بِمُجَرَّد معرفَة خطه كَمَا مرّ وَقد أصلحه (ت) بقوله: وَالْحكم فِي القَاضِي بعكس الشَّاهِد فَلَا ينفذ لِمَعْنى زَائِد وخَطُّ عَدْلٍ مَاتَ أَوْ غابَ اكْتُفي فِيهِ بِعَدْلَيْنِ وَفِي المالِ اقْتُفِي (وَخط عدل) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (مَاتَ) فِي مَوضِع الصّفة لعدل (أَو غَابَ) مَعْطُوف على مَاتَ، وَمرَاده غَابَ ببعد كَمَا صرح بِهِ بعد فِي قَوْله وَفِي مَسَافَة الْقصر الخ. (اكْتفي) مَبْنِيّ للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ (فِيهِ) يتَعَلَّق بِهِ وَهُوَ على حذف مُضَاف (بعدلين) نَائِب فَاعل اكْتفى أَي: اكْتفى القَاضِي فِي ثُبُوته بعدلين يَشْهَدَانِ أَنَّهُمَا نظرا إِلَى الْوَثِيقَة أَعْلَاهُ مثلا وحروفها أَو شكلها المختومة بِهِ فتحققا أَنَّهَا بِخَط فلَان لَا يشكان فِي ذَلِك، وَأَنه مَاتَ أَو غَابَ بِبَلَد كَذَا أَو جهل مَحَله وَبِه قيدا شَهَادَتهمَا الخ. وَهَذِه الشَّهَادَة على الْكَيْفِيَّة هِيَ ظَاهر النّظم وَهِي معنى قَول (خَ) إِن عرفه كالمعين وَهِي كَافِيَة حَيْثُ كَانَ ذُو الْخط مَعْرُوفا بِالْعَدَالَةِ عِنْد القَاضِي أَو غير مَعْرُوف، وعدله عِنْده غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 الشَّاهِد بِخَطِّهِ فَإِن لم يعدله أحد ألغيت شَهَادَته. وَالْحَاصِل أَن من لم يعرف عَدَالَة ذِي الْخط لَا يشْهد إِلَّا بِمَعْرِِفَة خطه خَاصَّة، ثمَّ إِن احْتَاجَ القَاضِي فِيهِ إِلَى تَعْدِيل عدل وإلاَّ فَلَا، وَلَيْسَ من تَمام التَّعْرِيف التَّعَرُّض للتعديل كَمَا هُوَ ظَاهر ابْن سَلمُون وَالْفَائِق وَغَيرهمَا لِأَن التَّعْدِيل مِمَّا يسْتَند فِيهِ القَاضِي إِلَى علمه فَإِن أَرَادَ الشَّاهِد بالخط تَعْدِيل صَاحبه لمعرفته بِحَالهِ زَاد بعد قَوْله: لَا يشك فِي ذَلِك مَا نَصه: وَإنَّهُ كَانَ حِين إِيقَاعه لَهَا ووضعها فِيهِ من أهل الْعَدَالَة وَقبُول الشَّهَادَة، وَاسْتمرّ على ذَلِك فِي علمه إِلَى أَن مَاتَ أَو إِلَى أَن غَابَ، وَكَذَا إِن عدله غير الشَّاهِد بِخَطِّهِ. وَهَذَا معنى قَول (خَ) وتحملها عدلا أَي ووضعها فِي حَال الْعَدَالَة، وَإِنَّمَا اشْترط هَذَا لِئَلَّا يكون وَضعهَا وَهُوَ فَاسق وَلَو كَانَ حَيا لم يؤدها، وَإِنَّمَا اشْترط الِاسْتِمْرَار على الْعَدَالَة لِئَلَّا يكون قد طرأت جرحته، فَفِي اخْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة قَالَ مَالك: لَا تجوز الشَّهَادَة على خطّ الشَّاهِد وَمَعْرِفَة عَدَالَته حَتَّى يَقُول الشَّاهِد بِخَطِّهِ: إِنَّه كَانَ فِي تَارِيخ الشَّهَادَة عدلا وَلم يزل على ذَلِك حَتَّى توفّي احْتِيَاطًا من أَن تكون شَهَادَته سَقَطت لوجه مَا وَنَقله (ح) وَغَيره اه. وَقَوله: وَلم يزل على ذَلِك الخ. ظَاهر كَلَام غير وَاحِد كصاحب الشَّامِل وشراح الْمُخْتَصر والمتيطي فِي بَاب الْحَبْس وَابْن سَلمُون وَابْن عَرَفَة أَنه شَرط صِحَة. وَقَالَ ابْن رحال فِي شَرحه: لَعَلَّه شَرط كَمَال فَقَط لِأَن الْعَدَالَة إِذا ثبتَتْ فَالْأَصْل بَقَاؤُهَا، وَيدل لذَلِك قَوْله احْتِيَاطًا لِأَن الِاحْتِيَاط يدل على عدم الْوُجُوب اه. وَفِيه نظر، فَإِن الرّفْع بِمَنْزِلَة أَدَاء الشَّاهِد الْمَرْفُوع على خطه، وَهُوَ إِذا طَرَأَ عَلَيْهِ فسق قبل الْأَدَاء كَانَ جرحة فِيهِ فَلَا بُد حِينَئِذٍ من قَوْلهم وَاسْتمرّ على ذَلِك فِي علمهمْ حَتَّى مَاتَ الخ. وَلِأَن الشَّاهِد لَا يعْمل بِشَهَادَتِهِ حَتَّى يذكر اقتفاء علمه بالمبطل لَهَا كَمَا مرّ فِي خطاب الْقُضَاة. وَظَاهر قَوْله: وَلم يزل على ذَلِك الخ. أَنه يَسُوقهَا مساق الْقطع، وَلَيْسَ ذَلِك بل على الْعلم فَقَط كَمَا مرّ، وَهل لَا بُد أَن يشْهد الشَّاهِد بالخط أَو غَيره أَن الْمَشْهُود على خطه كَانَ يعرف من أشهده معرفَة عين لِئَلَّا يكون قد شهد على من لَا يعرف، وَلَا سِيمَا وَقد غلب تساهل النَّاس فِي وضع شَهَادَتهم على من لَا يعْرفُونَ. وَهَذَا قَول ابْن زرب وَصحح ودرج عَلَيْهِ (خَ) فِي قَوْله: وَإنَّهُ كَانَ يعرف مشهده أَو لَا يشْتَرط ذَلِك وَهُوَ ظَاهر النّظم وَكَلَام الْمُتَقَدِّمين. ابْن رشد: وَهُوَ الصَّوَاب وَبِه الْعَمَل لِأَن ذَا الْخط يحمل على أَنه لم يَضَعهَا إِلَّا عَن معرفَة وَإِلَّا كَانَ شَاهدا بزور وَالْغَرَض أَنه عدل، وَهَذَا إِذا كَانَت الْوَثِيقَة الْمَشْهُود على خطها خَالِيَة من الْمعرفَة والتعريف وَالْوَصْف، وإلاَّ فَلَا يشْتَرط ذَلِك اتِّفَاقًا، وَظَاهر النّظم أَنه لَا يشْتَرط إِدْرَاك صَاحب الْخط وَهُوَ كَذَلِك على مَا بِهِ الْعَمَل، وَنَقله فِي المعيار عَن اللَّخْمِيّ وَغَيره قَالُوا: وَلَو تكَرر عَلَيْهِ خطه وَعلمه بالتواتر حَتَّى لَا يشك فِيهِ صَحَّ أَن يشْهد أَنه خطه لِأَنَّهُ إِذا تكَرر وَطَالَ حصل الْعلم بِهِ كَمَا نقطع بخطوط قوم مَاتُوا، وَمَا أدركناهم الخ. وَفِي نَوَازِل الْبيُوع مَا نَصه: إِذا كَانَ الشَّاهِد مَعْرُوفا بِالشَّهَادَةِ فِي ذَلِك الْبَلَد وتكررت مِنْهُ فِي الوثائق جَازَ لمن عِنْده الْعلم بهَا أَن يُحْيِيهَا، وَإِن لم يعاصره اه. وَعَلِيهِ عول ناظم الْعَمَل حَيْثُ قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وَرفع عَدْلَيْنِ على خطوط من عاصر أَو سواهُ من أهل الزَّمن وَقيل: لَا يرفع على خطه إِلَّا من رَآهُ يكْتب علامته على الرسوم فِي تِلْكَ الْوَثِيقَة أَو غَيرهَا. وَقَول النَّاظِم: خطّ أَي سَالم من الرِّيبَة كمحو وكشط وَنَحْوهمَا بِدَلِيل قَوْله: إِلَّا مَعَ استرابة الخ. لِأَنَّهُ إِذا اشْترط فِي خطّ نَفسه فأحرى فِي غَيره، وَقَوله: عدل أَي منتصب للشَّهَادَة لِأَن الْغَالِب إِطْلَاقه عَلَيْهِ، وإلاَّ فَلَا يرفع على خطه، وَلَو كَانَ مَشْهُورا بِالْعَدَالَةِ لِأَن الْعَادة أَن النَّاس إِنَّمَا يتوثقون فِي الرسوم من المبرزين المنتصبين لَا من غَيرهم. قَالَه العبدوسي وَعَلِيهِ عول ناظم الْعَمَل حَيْثُ قَالَ: وارفع على الْعُدُول خطّ الْعَادة إِذْ غَيرهم لَا يكْتب الشَّهَادَة وَأما غير الْعُدُول وَهُوَ الْفَاسِق فَلَا معنى للرفع عَلَيْهِ. وَقَوله: عَدْلَيْنِ أَي: فطنين عارفين بالخطوط ممارسين لَهَا فَحذف الصّفة فِي هَذَا وَفِي الَّذين قبله فَلَا يقبل الرّفْع من مُطلق الْعُدُول، وَظَاهر قَوْله: اكْتفى فِيهِ بعدلين أَن القَاضِي لَا يَكْتَفِي بمعرفته، بل لَا بُد من الرّفْع، وَإِلَّا كَانَ قَاضِيا بِعِلْمِهِ وَهُوَ كَذَلِك على مَا مرَّ فِي خطاب الْقُضَاة وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مرّ فِي أول التَّقْرِير من أَن القَاضِي إِذا عرف عَدَالَة الْغَائِب أَو الْمَيِّت فَيعْمل عَلَيْهَا لِأَن ذَلِك بعد التَّعْرِيف لَهُ بالخط وَظَاهر النّظم أَنه لَا يَمِين على الْمَشْهُود لَهُ لضعف الشَّهَادَة وَهُوَ كَذَلِك، لَكِن لَا يقْضِي لَهُ إِلَّا بعد الِاسْتِثْنَاء والتثبت كَمَا فِي التَّبْصِرَة لضعف الشَّهَادَة، وَأما يَمِينا الْقَضَاء والاستحقاق فَلَا بُد مِنْهُمَا. وَمَفْهُوم قَوْله عَدْلَيْنِ أَن الرّفْع بِالْوَاحِدِ لَا يَكْفِي وَهُوَ الْمَنْصُوص، وَجرى الْعَمَل بالاكتفاء بِالْوَاحِدِ وَلَو تعدد الْخط دون يَمِين قَالَه فِي الْفَائِق، وَبِه أفتى المجاصي وَغَيره قيل وَهُوَ مِمَّا لَا يساعده نَص وَلَا تجريح. وَعَن الشَّيْخ برذلة أَن الِاكْتِفَاء بِالْوَاحِدِ من بَاب الْخَبَر قَالَ: هَكَذَا تلقيت ذَلِك من شَيخنَا ابْن سَوْدَة وَغَيره وَنَحْوه. نَقله بعض عَن فَتْوَى الشَّيْخ (م) قَائِلا أَنه بِمَنْزِلَة الْمُقَوّم وَالقَاسِم والمخبر بِالْعَيْبِ فَكَمَا يرجع لأهل الصَّنَائِع فِي صنعتهم كَذَلِك يرجع لأهل الْخط فِي الْإِخْبَار بِأَن هَذَا خطّ فلَان اه. وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله وَوَاحِد لجزئي فِي بَاب الْخَبَر وَمَا فِي (ت) من أَن الِاكْتِفَاء بِالْوَاحِدِ هُوَ قَول أَشهب كَمَا فِي التَّبْصِرَة تَحْرِيف وَقع فِي نسخته، وَالَّذِي فِي النّسخ المخلطة بِاللَّامِ وَالله أعلم. وَفهم من قَوْله: مَاتَ أَو غَابَ الخ. أَن الْحَاضِر لَا يرفع على خطه وَكَذَلِكَ الْغَائِب غيبَة قريبَة على أقل من مَسَافَة الْقصر، لِأَن امْتنَاع الشَّاهِد من أَدَاء شَهَادَته مَعَ حُضُوره أَو قرب مَوْضِعه رِيبَة فِيهَا قَالَه فِي ضيح. تَنْبِيهَات الأول: مَا تقدم عَن (خَ) والمتيطي وَغَيرهمَا من أَنه لَا بُد أَن يَقُول الشَّاهِد أَنه وَضعهَا فِي حَال الْعَدَالَة وَلم يزل على ذَلِك إِلَى مَوته الخ. هُوَ الْمَنْقُول الْمَنْصُوص لغير وَاحِد كَالْإِمَامِ وَغَيره كَمَا رَأَيْته، وَذكر ناظم الْعَمَل أَن الْعَمَل جرى بِعَدَمِ اشْتِرَاطه فَقَالَ: وشاع فِي الرّفْع الشَّهَادَة على موت برسم مَا عَلَيْهِ عولا إِلَى قَوْله: فإننا نَعْرِف خطهم وَلَا نَعْرِف من أَحْوَالهم مَا جهلا وَنقل كَلَام ابْن سَوْدَة فَقَالَ: علم حَال الشَّاهِد وَقت شَهَادَته من عَدَالَة وجرحة والاستمرار على ذَلِك من المتعذر، فَإنَّا نشْهد على خطّ من قبلنَا وَلَا نَدْرِي هَل كَانَ عدلا حِين الشَّهَادَة، وَهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 اسْتمرّ على ذَلِك أم لَا اه؟ قَالَ ابْن رحال فِي شرح الْمُخْتَصر: وَفِي هَذَا الْعَمَل نظر، ثمَّ قَالَ وَقَوله: لم يزل على ذَلِك الخ. لَعَلَّه شَرط كَمَال إِلَى آخر مَا مرّ. وَقَوله: فِيهِ نظر أَي لكَونه مُخَالفا للمنصوص وَالْعَمَل لَا بُد لَهُ من مُوَافقَة قَول. الثَّانِي: لَا بُد للرافع على الْخط من تَسْمِيَة نَفسه وَوضع علامته ليتَمَكَّن الْخصم من الْإِعْذَار فِيهِ كَمَا تقدم. الثَّالِث: لَا يجوز الرّفْع إِلَّا على الخطوط الْمَعْرُوفَة الَّتِي لَا يقدر على الضَّرْب عَلَيْهَا قَالَه فِي المعيار وَنَحْوه لِابْنِ عرضون قَائِلا: إِذا كَانَت الْعَلامَة يُمكن الضَّرْب عَلَيْهَا من الْفجار لعدم قُوَّة تشكيلها، فَلَا يجوز لحَاكم أَن يقبل الرّفْع عَلَيْهَا لِأَن الشَّك يتَطَرَّق إِلَيْهَا وَحَيْثُ يتَطَرَّق سقط الحكم اه بِالْمَعْنَى. الرَّابِع: لَا بُد أَن يكون الْخط الْمَرْفُوع عَلَيْهِ حَاضرا لِأَن الْخط عين قَائِمَة فَلَا بُد من الشَّهَادَة على عينه عِنْد القَاضِي قَالَه ابْن عبد السَّلَام وَغَيره. وَعَلِيهِ نبهنا بقولنَا فِي الْوَثِيقَة نظرا إِلَى الْوَثِيقَة أَعْلَاهُ الخ لِأَنَّهَا إِذا لم تكن حَاضِرَة كَانَت هِيَ الْمَسْأَلَة الْمعبر عَنْهَا بمعاينة الرسوم وَهِي لَا تفِيد خلافًا لأبي الْحسن فِي قَوْله: لَا يشْتَرط الْحُضُور. الْخَامِس: إِذا تَعَارَضَت الشهادتان فِي أَنه خطه وَغير خطه فالمثبتة أولى من النافية قَالَه ابْن زيتون. السَّادِس: إِذا لم يضع ذَا والخط علامته فَلَا يرفع عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رُبمَا كتب وَلم يتم الْأَمر قَالَه الْبُرْزُليّ عَن الطرر. قلت: وتأمله مَعَ مَا يَقع كثيرا من عدُول فاس يقيدون الْحُقُوق حَتَّى يتفرغون لكتابتها، ثمَّ يطْرَأ موت قبل الْكِتَابَة. وَلما كَانَت الخطوط تتشابه قَالَ بَعضهم: لَا تجوز على الْخط فِي شَيْء من الْأَشْيَاء لِأَنَّهُ قد يحصل غلط لِلْعَقْلِ بذلك، وَعَزاهُ الْبَاجِيّ للمشهور، وَقيل: إِن الْغَلَط نَادِر، وَعَلِيهِ فَهَل تجوز فِيمَا يجوز فِيهِ الشَّاهِد وَالْيَمِين فَقَط أَو فِيهِ وَفِي الأحباس الْقَدِيمَة وَإِلَى الثَّانِي أَشَارَ بقوله: (وَفِي المَال) يتَعَلَّق بقوله: (اقتفي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه يعود على الِاكْتِفَاء الْمَفْهُوم من اكْتفي، وَالْجُمْلَة مستأنفة أَي وأتبع الِاكْتِفَاء بعدلين فِي المَال وَمَا يؤول إِلَيْهِ فَقَط. والْحَبْسُ إنْ يَقْدُمْ وقِيلَ يُعْتَمَلْ فِي كلِّ شَيْءٍ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلْ (و) قيل: يَكْتَفِي بهما فِي ذَلِك وَفِي (الْحَبْس أَن يقدم) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ، وَالْوَاو هُنَا بِمَعْنى أَو لتنويع الْخلاف كَمَا قَالَ ابْن الْهِنْدِيّ، وبجوازها فِي الْأَمْوَال والأحباس جرى الْعَمَل قَالَ: وَيلْزم من أجازها فِي الأحباس أَن يجيزها فِي غَيرهَا لِأَن الْحُقُوق عِنْد الله سَوَاء وكما قَالَ ابْن حَارِث: الْعَمَل بجوازها وَلَا أرى أحدا فرق بَين الأحباس وَغَيرهَا وَنَحْوه فِي أَحْكَام ابْن سهل عَن مولى ابْن الطلاع وَهُوَ معنى قَوْله: (وَقيل يعتمل) مَبْنِيّ للْمَفْعُول ونائب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 الثَّانِي يعود على الِاكْتِفَاء أَي يعتمل الِاكْتِفَاء بهَا (فِي كل شَيْء) وَلَو حدا أَو طَلَاقا أَو نِكَاحا (وَبِه) يتَعَلَّق بقوله: (جرى الْعَمَل) بقرطبة زمن ابْن حَارِث، وَاسْتمرّ إِلَى زمن النَّاظِم وزماننا. كَذَاكَ فِي الْغَيْبَةِ مُطْلَقاً وَفي مَسَافَةِ الْقَصْرِ أُجِيزَ فَاعْرِفِ (كَذَاك) خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي الْعَمَل الْآن بِهِ كَذَلِك (فِي الْغَيْبَة) يتَعَلَّق بالاستقرار (مُطلقًا) حَال أَي كَانَ الْمَشْهُود بِهِ مَالا أَو غَيره، وَأعَاد هَذَا مَعَ استفادته من قَوْله: أَو غَابَ الخ لإِفَادَة شَرطهَا الَّذِي هُوَ مَسَافَة الْقصر فَأكْثر كَمَا قَالَ: (وَفِي مَسَافَة الْقصر) يتَعَلَّق بقوله (أُجِيز) ونائبه يعود على الِاكْتِفَاء الْمَذْكُور، وَيجوز أَن يكون النَّائِب فِي اقتفى ويعتمل وأجيز ضميراً يعود على الشَّهَادَة المضافة لعدلين فِي التَّقْدِير لِأَن الْمَعْنى اكْتفى فِيهِ بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ على خطه على حد قَوْله: وَلَا أَرض أبقل إبقالها. (فاعرف) أَمر حذف مَفْعُوله أَي فاعرف ذَلِك وَهُوَ تتميم وَمَا ذكره من التَّحْدِيد بمسافة الْقصر هُوَ قَول ابْن الْمَاجشون. ابْن مَنْظُور: وَبِه الْعَمَل عَن ابْن عبد السَّلَام، وَالْأَحْسَن قَول سَحْنُون عدم التَّحْدِيد إِلَّا بِمَا تنَال الشَّاهِد فِيهِ مشقة وَالْقَاضِي يعلم ذَلِك عِنْد نُزُوله قَالَ: وَجَرت الْعَادة عندنَا أَن اخْتِلَاف عمل الْقُضَاة يتنزل منزلَة الْبعد وَإِن كَانَ مَا بَين العملين قَرِيبا لِأَن حَال الشَّاهِد يعلم فِي بَلَده وَعند قاضيه لَا فِي غير ذَلِك وَفِيه مَعَ ذَلِك ضعف فَإِن الَّذِي يشْهد على خطه كالناقل عَنهُ، فَلَا بُد أَن يعدله أَو يكون مَعْلُوما عِنْد القَاضِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وكَاتبٌ بِخَطِّهِ مَا شاءَهُ وماتَ بَعْدُ أَوْ أَبى إمْضاءَهُ (وَكَاتب) مُبْتَدأ سوغ الِابْتِدَاء بِهِ عمله فِي قَوْله: (بِخَطِّهِ) وَقَوله: (مَا شاءه) مفعول لكاتب وَجُمْلَة شاءه صلَة مَا وَهِي وَاقعَة على حُقُوق الْغَيْر من دُيُون وأمانات وَطَلَاق وَنَحْوهَا. وَالْجُمْلَة فِي قَوْله: (وَمَات بعد) معطوفة على كَاتب أَي بعد أَن كتب مَا ذكر مَاتَ وَأنكر ذَلِك وَارثه (أَو) لم يمت وَأنكر هُوَ أَن يكون خطه و (أَبى إمضاءه) مفعول بقوله أَبى، وَالْجُمْلَة معطوفة على كَاتب أَو على مَاتَ. يُثْبَتُ خَطّهُ ويَمْضِي مَا اقْتَضى دُونَ يَمِينٍ وبِذَا اليَوْمَ القَضَا (يثبت) بِضَم أَوله وَفتح ثالثه مَبْنِيّ للْمَفْعُول (خطه) نَائِب وَالْجُمْلَة خبر (ويمضي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه قَوْله (مَا) وَهِي مَوْصُولَة صلتها (اقْتضى) والعائد مَحْذُوف أَي يمْضِي الْحق الَّذِي اقْتَضَاهُ خطه، وَيجوز بِنَاؤُه للْفَاعِل أَي يمْضِي القَاضِي الْمَفْهُوم من السِّيَاق مَا اقْتَضَاهُ خطه (دون يَمِين) على الطَّالِب. والظرف يتَعَلَّق بيمضي (وبذا) خبر وَالْإِشَارَة للْحكم الْمَذْكُور فِي قَوْله: يمْضِي دون يَمِين (الْيَوْم) يتَعَلَّق بالمبتدأ الَّذِي هُوَ (القضا) ء لِأَنَّهُ الْمَشْهُور (خَ) وَجَازَت على خطّ مقرّ بِلَا يَمِين اه. وَقيل: لَا بُد من الْيَمين وهما رِوَايَتَانِ ومنشؤهما هَل ينزل الشَّاهِدَانِ على خطه منزلَة الشَّاهِدين على الْإِقْرَار أَو منزلَة الشَّاهِد فَقَط لضعف الشَّهَادَة على الْخط فَلَا يَمِين على الأول، وَلَو قَامَ بالخط شَاهد وَاحِد فَهَل يحلف الطَّالِب مَعَه وَيسْتَحق أَو تبطل شَهَادَته؟ رِوَايَتَانِ أَيْضا مبنيتان على الِاحْتِيَاج مَعَ الشَّاهِدين إِلَى الْيَمين فَلَا تقبل أَولا فَتقبل مَعَ الْيَمين. وَفِي التَّبْصِرَة عَن صَاحب الطرر أَن الصَّوَاب عدم الحكم بهَا اه. وَلابْن رشد لم يخْتَلف قَول مَالك فِي قبُول شَهَادَة الشَّاهِد الْوَاحِد على الْخط مَعَ الْيَمين وَنَحْوه لِابْنِ يُونُس، فَهَذَا أقوى مِمَّا فِي الطرر انْظُر شرحنا على الشَّامِل، وَظَاهر مَا بِهِ الْعَمَل فِي الْمَسْأَلَة الَّتِي قبل هَذِه أَنه يثبت خطه هُنَا بِغَيْر يَمِين أَيْضا، وَظَاهر النّظم أَنه يقْضِي بِالشَّهَادَةِ على الْخط، وَلَو كَانَ بالغبارى أَو غَيره كالمعبر عَنهُ برسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 الزَّمَان، وَلَو لم يضع علامته عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي المعيار وَفِي الشَّامِل، وَلَو كتب ذكر حر على نَفسه بِخَطِّهِ وَلم يكْتب شَهَادَته أَي علامته فَهُوَ إِقْرَار فَإِن كتبهَا يَعْنِي الشَّهَادَة أَي الْعَلامَة بأقوى أَي فَهُوَ أقوى فِي الْإِقْرَار اه. فَإِن كَانَت الْوَثِيقَة مَكْتُوبَة بِخَط غَيره والعلامة مَكْتُوبَة بِخَطِّهِ، فَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ بِإِقْرَار، وَلَو كتب الْحق على أَبِيه وَأقر أَن شَهَادَته فِيهِ، وَزعم أَنه كتبهَا بِغَيْر حق أَو أنكرها فَشهد عَلَيْهِ فَقيل يُؤْخَذ بِالْحَقِّ لِأَن مَال أَبِيه لما صَار إِلَيْهِ فَكَأَن الشَّهَادَة على نَفسه، وَاخْتَارَهُ ابْن حبيب وَقيل: لَا يُؤْخَذ بِالْحَقِّ إِلَّا بِإِقْرَار وَبِغير خطه وبشهادته. ابْن رشد: وَهُوَ أَقيس قَالَه فِي ضيح وَمَفْهُوم قَوْله يثبت خطه أَنه إِذا لم يثبت أَنه لم يقْض عَلَيْهِ بِشَيْء وَهل يجْبر حِينَئِذٍ الْمَطْلُوب على الْكِتَابَة وَيطول عَلَيْهِ فِيهَا بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ اسْتِعْمَال غير خطه لتقابله بالخط الَّذِي عِنْد الطَّالِب، أَو لَا يجْبر؟ قَولَانِ للخمي وَعبد الحميد، وَاسْتظْهر ابْن عَرَفَة الثَّانِي وَرجح بعض الشُّيُوخ الأول كَمَا فِي التَّبْصِرَة. تَنْبِيه: مَا مرّ من جَوَازهَا فِي الطَّلَاق مَحَله كَمَا لِابْنِ رشد إِذا كتب الزَّوْج بِخَطِّهِ أَنه طلق زَوجته وَأرْسل ذَلِك إِلَيْهَا أَو إِلَى رجل يعلمهَا بذلك، فَيحكم لَهَا حِينَئِذٍ بطلاقه إِذا شهد على خطه عَدْلَانِ، وَأما إِن لم يخرج الْكتاب من يَده فَلَا يحكم لَهَا بِهِ إِلَّا أَن يقرّ أَنه كتبه مجمعا على الطَّلَاق أَي أَو ينص فِيهِ على أَنه أنفذه كَمَا قَالَ فِي نوازله أَيْضا فِي مَسْأَلَة الْعتْق وَنَصه: وَأما إِن كَانَ دَفعه أَي الْكتاب إِلَى العَبْد أَو كَانَ قد نَص فِيهِ على أَنه أنفذه على نَفسه فالشهادة على خطه يَعْنِي فِي حَيَاته أَو بعد مَوته عاملة كَالشَّهَادَةِ على خطه بِالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ قَالَ: وَفِي قبُول قَوْله إِنَّه كتبه غير مجمع على الطَّلَاق بعد إِنْكَاره كتبه خلاف اه. وَيفهم مِنْهُ أَنه إِذا كتب الطَّلَاق بِخَطِّهِ وَلم يُخرجهُ من يَده أَنه إِذا مَاتَ تَرثه وَلَو كَانَ انْقَضتْ عدتهَا على تَارِيخ الْكتاب، وَإِنَّمَا يبْقى النّظر فِيمَا إِذا أشهد بِطَلَاقِهَا وَكتبه بعدلين وَلم يعلمهَا بذلك حَتَّى مَاتَ، وَوجد الْكتاب وَالطَّلَاق بَائِن أَو خرجت من الْعدة وَهِي مَعَه فِي الْمصر أَو بِحَيْثُ يُمكنهُ إعلامها، وَالَّذِي فِي حفظي أَنَّهَا تَرثه مَعَ جهل مَحل النَّص الَّذِي وَقعت عَلَيْهِ بإرثها إِيَّاه فِي الْوَقْت، وَكَثِيرًا مَا يَفْعَله بعض الْفجار فِرَارًا من أَن تَرثه وَالله أعلم. وامْتَنَعَ النّقْصَانُ والزِّيادَهْ إلاَّ لِمَنْ بَرَّزَ فِي الشَّهادَهْ (وَامْتنع النُّقْصَان) فَاعل على حذف مُضَاف أَي قبُول النُّقْصَان (وَالزِّيَادَة) مَعْطُوف عَلَيْهِ (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (لمن) مَوْصُولَة وَاللَّام بِمَعْنى من كَقَوْلِه: لنا الْفضل فِي الدُّنْيَا وأنفك راغم وَنحن لكم يَوْم الْقِيَامَة أفضل والمستثنى مِنْهُ مَحْذُوف أَي من كل أحد إِلَّا مِمَّن (برز) بِفَتْح الرَّاء وتشديدها صلَة من (فِي الشَّهَادَة) يتَعَلَّق بِهِ كَأَن يشْهد بِعشْرَة لزيد على عَمْرو أَو بِربع فِي دَار ثمَّ بعد أَدَائِهِ شهد بِأَنَّهَا خَمْسَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 أَو خَمْسَة عشر أَو بِأَن لَهُ النّصْف أَو الثّمن فِي الدَّار فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ وَيعْمل على مَا أدّى بِهِ ثَانِيًا إِن ادّعى نِسْيَان ذَلِك أَو لَا. وَظَاهره كَانَ ذَلِك قبل الحكم أَو بعده طابقت شَهَادَته دَعْوَى الْمُدَّعِي أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك فِي الزِّيَادَة فَإِن الْمُدَّعِي يحلف مَعَه على طبق دَعْوَاهُ فَقَط، وَالزَّائِد يسْقط لِأَن الْمُدَّعِي لَا يَدعِيهِ فَيحمل على أَنه قَبضه وَلَا يفِيدهُ رُجُوعه عَن الدَّعْوَى إِلَى شَهَادَة الشَّاهِد وَمحل الْقَضَاء لَهُ بِمَا يَدعِيهِ إِذا لم يكذب الشَّاهِد فِي الزِّيَادَة فَإِن كذبه فَلَا شَيْء لَهُ لِأَنَّهُ قد جرحه كمن شهد لَهُ بِشَيْء فَصدقهُ فِي الْبَعْض وَكذبه فِي الْبَعْض الآخر، وَأما فِي نُقْصَان شَهَادَته عَن الدَّعْوَى فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون قبل الحكم فَيحلف على طبق الشَّهَادَة فَقَط وَيسْقط مَا بَقِي مِمَّا ادَّعَاهُ وَإِن كَانَ بعد الحكم فَلَا يسْقط شَيْء وَيغرم الشَّاهِد النَّقْص لِأَنَّهُ من الرُّجُوع بعد الحكم إِن لم يتَعَذَّر، وَهَذَا فِيمَا إِذا زَاد أَو نقص بعد الْأَدَاء وإلاَّ فَيعْمل على مَا أدّى بِهِ كَانَ مبرزاً أم لَا. وَمَفْهُوم فِي النُّقْصَان وَالزِّيَادَة أَن تَفْسِير الْمُجْمل وَتَخْصِيص الْعُمُوم وَتَقْيِيد الْمُطلق يقبل من الشَّاهِد مُطلقًا وَهُوَ كَذَلِك قَالَه فِي هبات المعيار وَنَحْوه لِابْنِ نَاجِي عِنْد قَوْلهَا فِي التَّخْيِير وَالتَّمْلِيك، وَإِن قَالَت: اخْتَرْت نَفسِي سُئِلت عَن نِيَّتهَا الخ. قَالَ: أَقَامَ شَيخنَا حفظه الله من قَوْلهَا سُئِلت أَن الشَّاهِد إِذا شهد شَهَادَة مجملة فَإِنَّهُ يُفَسِّرهَا وَلَا يكون زِيَادَة فِيهَا وَوَقع الحكم بذلك عندنَا بالقيروان اه. وسئلت عَن نازلة من هَذَا الْمَعْنى وَهِي أَن رجلا حبس على أَوْلَاده الصغار جَمِيع الْبُسْتَان فِي مَحل كَذَا، وَأشْهد بذلك ثمَّ مَاتَ فَقَامَ من نَازع الصغار، وَأثبت أَن الْمحبس كَانَ يَأْكُل غَلَّته من تمر وَزرع وَغَيرهمَا، وَاسْتمرّ على ذَلِك وَلم ينْتَقل عَنهُ إِلَى أَن سَافر السّفر الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِقُرْبِهِ ومستند علمهمْ فِي ذَلِك المخالطة التَّامَّة والمعاينة الخ ثمَّ قَالُوا فِي الاستفسار بعد الْأَدَاء أَنهم عرفُوا ذَلِك بالمخالطة وَإِقْرَار الْمحبس فَأفْتى من يعْتد بِهِ من فُقَهَاء سجلماسة بِبُطْلَان الْحَبْس لأجل مَا ثَبت من أكله الْغلَّة الْمَذْكُورَة، وَأَن زِيَادَة الْإِقْرَار فِي الاستفسار بَيَان لما أجمله فِي المخالطة فَلَا تضره، وَأَيْضًا فَإِن المضر هُوَ زِيَادَة الْعدَد كَمَا فِي الشُّرَّاح. فأجبت عَن ذَلِك بِمَا نَصه: الْحَمد لله من تَأمل الشَّهَادَة بِأَكْل الْمحبس غلَّة حَبسه مَعَ استفسارها علم أَنَّهَا نَاقِصَة عَن دَرَجَة الِاعْتِبَار لِأَن لفظ المخالطة والمعاينة الْمُؤَدى بِهِ أَولا لَيْسَ من قبيل الْمُجْمل كَلَفْظِ غَرِيم لرب الدّين والمدين حَتَّى يقبل من الشَّاهِد فِي الاستفسار قصره على بعض محتملاته وَلَا من الْعَام كمن الشّرطِيَّة والموصولة حَتَّى يقبل من الشَّاهِد قصره على بعض أَفْرَاده وَلَا من الْمُطلق الدَّال على مُطلق الْمَاهِيّة كنحو دَابَّة وَدَار حَتَّى يقبل من الشَّاهِد تَقْيِيده بِبَعْض خواصه، بل هُوَ نَص فِي مَعْنَاهُ الْخَاص الَّذِي لَا يقبل أَن يُفَسر بِغَيْرِهِ فَذكرهمْ الْإِقْرَار فِي الاستفسار زِيَادَة على اللَّفْظ الْمُؤَدى بِهِ قطعا إِذْ المخالطة الْمُعَامَلَة والمعاينة الْمُشَاهدَة بحاسة الْبَصَر إِذْ هُوَ مفاعلة من عاين الشَّيْء يعاينه إِذا رَآهُ ببصره فَلَا يُطلق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 وَاحِد مِنْهُمَا على الآخر، وَمِمَّا تمجه الأسماع والطباع وَيرد على قَائِله بِلَا نزاع قَول الْقَائِل خالطه بِإِقْرَارِهِ لَدَيْهِ، فالمخالطة لَا تدل على الْإِقْرَار لَا بالمطابقة وَلَا بالتضمن والالتزام، فالإقرار حِينَئِذٍ من الزِّيَادَة الَّتِي لَا تقبل إِلَّا من المبرز وَأَيْنَ هُوَ الْيَوْم هَذَا لَو تمحضت الزِّيَادَة، كَيفَ وَالشَّاهِد أسْند علمه أَولا إِلَى المخالطة والمعاينة وَثَانِيا إِلَى المخالطة وَالْإِقْرَار، وَأسْقط المعاينة فقد اشْتَمَلت شَهَادَته أَولا وَثَانِيا على الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان مَعًا، فإسقاطه مُعَاينَة بعد أَدَائِهِ بهَا رُجُوع عَنْهَا إِلَى غَيرهَا، وَذَلِكَ لَا يقبل من مبرز وَلَا من غَيره وَلَيْسَت الزِّيَادَة فِي كَلَام الْأَئِمَّة خَاصَّة بِزِيَادَة الْعدَد، بل فرضهم ذَلِك فِي الْعدَد إِنَّمَا هُوَ على جِهَة الْمِثَال، وَإِلَّا فَالزِّيَادَة كل معنى لَا يَصح أَن يتَنَاوَلهُ اللَّفْظ الأول بِشَيْء من الدلالات الْمَذْكُورَة، وَفِي المعيار عَن العبدوسي الاستفسار سُؤال الشَّاهِد عَن شَهَادَته الَّتِي أَدَّاهَا فَإِن أَتَى بِشَهَادَتِهِ نصا أَو معنى وَإِن اخْتلف اللَّفْظ صحت وإلاَّ بطلت. وَفِيه أَيْضا من جَوَاب لمؤلفه فِيمَن شهد بعمرى وَأدّى بهَا، وَلم يذكر قبُول المعمر بِالْفَتْح ثمَّ بعد الْأَدَاء ذكر أَنه كَانَ قد قبل مَا نَص الْغَرَض مِنْهُ إِذا نَص الشَّاهِد شَهَادَته ثَانِيًا على نقص أَو زِيَادَة لم تَتَضَمَّن شَيْئا مِنْهُ شَهَادَته الأولى سَوَاء قَالَ: إِن الزِّيَادَة وَالنَّقْص من شَهَادَته الأولى كَانَ لنسيان أَو غَفلَة، وَلَو سُئِلت عَنهُ لأثبته وَإِنَّمَا سكت عَنهُ لِأَنِّي اعتقدت أَن السُّكُوت عَنهُ غير قَادِح أَو ظَنَنْت أَن الزِّيَادَة ثَانِيًا لَا يحْتَاج إِلَيْهَا أَولا وَإِن ذكرهَا ثَانِيًا لَا يذكر بِالْبُطْلَانِ على شهادتي أَولا. فَالْحكم فِي ذَلِك كُله قبُوله من المبرز دون غَيره وشهادته أَولا وَثَانِيا سَاقِطَة اه. وراجِعٌ عنْها قَبُولُهُ اعتُبِرْ مَا الحكْمُ لَمْ يَمْضِ وإنْ لَمْ يَعْتَذِرْ (وراجع) مُبْتَدأ سوغ الِابْتِدَاء بِهِ عمله فِي (عَنْهَا) أَي عَن شَهَادَته (قبُوله) مُبْتَدأ ثَان وضميره للرُّجُوع الْمَفْهُوم من رَاجع (اعْتبر) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر الثَّانِي وَهُوَ مَعَ خَبره خبر عَن الأول (مَا) ظرفية تتَعَلَّق باعتبر (الحكم) مُبْتَدأ (لم يمض) خَبره أَي قبُول رُجُوعه مُعْتَبر مُدَّة كَون الحكم لم يَقع هَذَا إِذا اعتذر عَن رُجُوعه بِأَن قَالَ: اشْتبهَ عَليّ مثلا وظننته أَنه الْمَشْهُود عَلَيْهِ بل (وَإِن لم يعْتَذر) فَتسقط شَهَادَته وَتصير كَالْعدمِ وَلَا يلْزمه غرم اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي أدبه وَقبُول شَهَادَته فِي الْمُسْتَقْبل، فَفِي الْمُتَيْطِيَّة إِن كَانَ مَأْمُونا وأتى بِشُبْهَة قبل وإلاَّ فَلَا. قَالَ: وَلَا يُؤَدب عِنْد أَشهب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 وَسَحْنُون مَخَافَة أَن لَا يرجع أحد وَبِه الْعَمَل. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: يُؤَدب وَمحله مَا لم يكن الرُّجُوع عَن زنا، وإلاَّ فَيحد، وَظَاهره أَنه يعْتَبر رُجُوعه قبل الحكم وَلَو بعد الْأَدَاء وَهُوَ كَذَلِك إِن رَجَعَ عِنْد القَاضِي الَّذِي أدّى عِنْده اتِّفَاقًا فَإِن رَجَعَ عِنْد غَيره من الْعُدُول أَو عِنْد غير قاضيه فَقَوْلَانِ بِالْقبُولِ. ابْن نَاجِي: وَبِه الْعَمَل وبعدمه أفتى الغبريني، وَصدر بِهِ ابْن سَلمُون قَالَ الْحميدِي: وَبِه الْعَمَل عندنَا، وَبِه أفتى سَيِّدي إِبْرَاهِيم الجلالي، وَظَاهر هَذَا أَنه إِذا رَجَعَ عِنْد غير قاضيه لَا يعْمل بِرُجُوعِهِ وَلَو مَاتَ فَظهر بِهَذَا قُوَّة هَذَا القَوْل دون مَا تقدم عَن ابْن نَاجِي، وَاقْتصر عَلَيْهِ ناظم الْعَمَل الْمُطلق. قلت: وموضوع هَذَا الْخلاف أَن الرَّاجِع مقرّ بِرُجُوعِهِ أَو لم يعلم مَا عِنْده لغيبته أَو مَوته وإلاَّ فَلَا يعْمل بِرُجُوعِهِ لِأَن الرُّجُوع شَهَادَة، وَالشَّاهِد عَلَيْهِ ناقل، وَيشْتَرط فِي النَّقْل أَن لَا يكذبهُ الأَصْل وَإِن كَانَ قد علل ذَلِك سَيِّدي إِبْرَاهِيم الجلالي بِأَن تصديقهما لَيْسَ بِأولى من تَصْدِيقه، وَلَكِن التَّعْلِيل بِمَا مر أولى. وَفِي التَّبْصِرَة لَو لَقِي الشَّاهِد الْمَشْهُود عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: مَا شهِدت بِهِ عَلَيْك بَاطِل أَو لَا شَهَادَة لي عَلَيْك فَلَا يضرّهُ ذَلِك، وَإِن كَانَت لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة إِلَّا أَن يرجع عَن شَهَادَته رُجُوعا بَينا وَيقف عَلَيْهِ وَلَا يُنكره فَإِن قَالَ لَهُ عِنْد الْحَاكِم أَو عِنْد إِرَادَة نقلهَا عَنهُ فَذَلِك إبِْطَال لَهَا اه. وَنَحْوه لِابْنِ سَلمُون وَابْن عَرَفَة. قلت: وتأمله مَعَ مَالك وشراحه عِنْد قَوْله: وَمكن مُدع رُجُوعا من بَيِّنَة كيمين إِن أَتَى بلطخ، وَاخْتلف إِذا أدّى شَهَادَته ثمَّ رَجَعَ إِلَى القَاضِي وَقَالَ لَهُ: نالني من أجل شهادتي أَذَى، وَبِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا شهِدت إِلَّا بِحَق لكني قد رجعت عَنْهَا فَلَا تقض بهَا. فَقيل: لَيْسَ قَوْله ذَلِك بِرُجُوع لِأَن الرُّجُوع أَن يكذب نَفسه أَو يَقُول: دخلني شكّ. وَقَالَ ابْن زرب: إِنَّه رُجُوع. قَالَه فِي المعيار، وَلَيْسَ من الرُّجُوع من أدّى شَهَادَته ثمَّ بعد طول لَقِي الْمَشْهُود عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا شهِدت عَلَيْك بِشَيْء وَكتبه لَهُ نَاسِيا لما أدّى بِهِ أَولا قَالَه السجسْتانِي فِي نوازله، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: مَا الحكم لم يمض الخ. فَقَالَ: وإنْ مَضَى الْحكْمُ فَلا واخْتُلِفَا فِي غُرْمِهِ لِمَا بِهَا قَدْ أُتْلِفا (وَإِن) شَرط (مضى الحكم) فَاعل أَي وَقع (فَلَا) جَوَاب الشَّرْط أَي فَلَا يقبل رُجُوعه بعد وُقُوع الحكم بل ينفذ ويمضي وَتبطل شَهَادَته الْأَخِيرَة الَّتِي رَجَعَ إِلَيْهَا (و) إِذا أبطلت فقد (اخْتلفَا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (فِي غرمه) بِفَتْح الْغَيْن وَضمّهَا يتَعَلَّق باختلف (لما) يتَعَلَّق بغرم (بهَا) أَي الشَّهَادَة يتَعَلَّق بقوله: (قد أتلفا) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل أَو الْمَفْعُول صلَة مَا فَقَالَ ابْن الْمَاجشون: لَا غَرَامَة لِأَنَّهُمَا لَو غرما حَيْثُ لم يتعمدا الزُّور لتورع النَّاس عَن الشَّهَادَة مَعَ كَثْرَة الِاحْتِيَاج إِلَيْهَا، وَبِه قَالَ الْمُغيرَة وَابْن أبي حَازِم وَقَالَ مَالك وَابْن الْقَاسِم: إِذا رجعا بعد الحكم، وَقيل الِاسْتِيفَاء كَمَا إِذا حكم بغرم المَال أَو الْقصاص وَقبل استيفائهما رَجَعَ، فَإِن الْحَاكِم لَا ينْقض ويستوفي المَال وَالدَّم ويغرمان الدِّيَة وَالْمَال للمحكوم عَلَيْهِ لِأَن الْعمد وَالْخَطَأ فِي أَمْوَال النَّاس سَوَاء وَوَافَقَهُمَا أَشهب وَغَيره فِي اسْتِيفَاء المَال دون الدَّم لِحُرْمَتِهِ وَرجع إِلَيْهِ ابْن الْقَاسِم أَيْضا قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه: وَهُوَ الَّذِي يظْهر رجحانه من كَلَامهم وَلَا أَقُول بِغَيْرِهِ، وعَلى الأول اقْتصر (خَ) فَقَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 لَا رجوعهم وغرما مَالا ودية وَلَو تعمدا الزُّور فَإِن المَال يسْتَوْفى وَلَا يقْتَصّ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا عَلَيْهِمَا الدِّيَة فَقَط فِي أموالهما، وَأما إِن رجعا بعد الحكم والاستيفاء فَلَيْسَ إِلَّا غرم المَال وَالدية وَإِن لم يثبت عمدهما فَإِن ثَبت فَالدِّيَة عِنْد ابْن الْقَاسِم أَيْضا وَالْقصاص عِنْد أَشهب، فَقَوْل النَّاظِم: وَإِن مضى الحكم الخ، صَادِق بالصورتين وَشَمل أَيْضا مَا إِذا تَبرأ الشُّهُود من الشَّهَادَة بعد الحكم بهَا وادّعوا عدم أَدَائِهَا، وَإِن الْإِشْكَال مستعملة عَلَيْهِم وجوروا القَاضِي فَإِنَّهُ لَا يلْتَفت إِلَيْهِم كَمَا مرّ فِي المعيار وَغَيره، وَتقدم عَن التَّبْصِرَة أَن فِيهِ قَوْلَيْنِ وبعدم النَّقْض قَالَ ابْن الْقَاسِم لِأَن ذَلِك رُجُوع. وَانْظُر هَل يجْرِي فيهم الْخلاف بالغرامة وَعدمهَا أَو لَا لأَنهم لم يقرُّوا بِالشَّهَادَةِ الْمُوجبَة للغرامة، وَشَمل أَيْضا مَا إِذا ثَبت الرَّسْم عِنْد القَاضِي وَأشْهد أَنه ثَبت عِنْده وَأَنه حكم بإمضائه وإعماله ثمَّ طرأت جرحة من عزل أَو رُجُوع أَو نَحْوهمَا. فَالظَّاهِر أَنه حكم نفذ فَلَا تسْقط الشَّهَادَة لِأَنَّهُ حكم بإنفاذه قَاصِدا لهَذَا الْوَجْه قَالَه الْبُرْزُليّ. وَقد تحصل أَن الرُّجُوع بعد الحكم وَقبل الِاسْتِيفَاء فِيهِ قَولَانِ فِي الدَّم، وَأما المَال فيستوفى اتِّفَاقًا من ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب، وَأما بعد الحكم والاستيفاء فَقَوْلَانِ فِي الدَّم بِالْقصاصِ وَعَدَمه مَعَ الْعمد، وَكَذَا فِي المَال بالغرامة وَعدمهَا كَعَدم التعمد فِي الدَّم وَمحل الْخلاف فِي اسْتِيفَاء الدَّم مَا لم يثبت كذبهمْ كحياة من قتل أوجبه قبل الزِّنَا وَمحله أَيْضا إِذا ادّعى الْوَهم والتشبيه فَإِن اعْترف بالزور فَهُوَ قَوْله: وشاهِدُ الزُّورِ اتِّفاقاً يَغْرِمُهْ فِي كلّ حالٍ والعِقابُ يَلْزَمُهْ (وَشَاهد الزُّور) مُبْتَدأ وَهُوَ كَمَا لِابْنِ عَرَفَة الشَّاهِد بِغَيْر مَا يعلم عمدا وَلَو طابق الْوَاقِع رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ: (عدلت شَهَادَة الزُّور الْإِشْرَاك بِاللَّه) ثَلَاث مَرَّات. وَيدل للْحَدِيث الْكَرِيم قَوْله تَعَالَى: فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور} (الْحَج: 30) الْآيَة وَهُوَ مَأْخُوذ من الزُّور وَهُوَ الانحراف كَمَا أَن الْإِفْك مَأْخُوذ من الْإِفْك وَهُوَ الصّرْف، فَإِن الْكَذِب محرف مَصْرُوف عَن الْوَاقِع قَالَه الْبَيْضَاوِيّ. (اتِّفَاقًا) أَي من ابْن الْمَاجشون وَغَيره وَهُوَ حَال من الْغرم الْمَدْلُول عَلَيْهِ بالْخبر الَّذِي هُوَ (يغرمه) فَالضَّمِير الْمُسْتَتر يعود على الشَّاهِد والبارز يعود على مَا الْوَاقِعَة على الشَّيْء الْمُتْلف بِفَتْح اللَّام فِي الْبَيْت قبله أَي يغرم مَا أتْلفه حَال كَون غرمه مُتَّفقا عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَب (فِي كل حَال) أَي كَانَ الْمَشْهُود بِهِ مَالا أَو دَمًا عِنْد ابْن الْقَاسِم كَمَا مر عَن (خَ) فِي قَوْله: وَلَو تعمد الخ. وَقَالَ أَشهب: يقْتَصّ مِنْهُ فِي الْعمد وَهُوَ أقرب لأَنهم قتلوا نفسا بِغَيْر شُبْهَة، وَالْجَار يتَعَلَّق بقوله يغرمه فَإِن علم الْحَاكِم بزورهم أَو بقادح فيهم أَو علم مُقيم الْبَيِّنَة بكذبهما فالقصاص عَلَيْهِمَا أَو على من علم مِنْهُمَا. وَفهم من قَوْله: لما بهَا الخ أَنه إِذا رَجَعَ أَحدهمَا أَو أقرّ بالزور غرم نصف الْحق فَقَط لِأَنَّهُ لم يتْلف بهَا إلاَّ ذَاك، فَإِن حكم بِشَهَادَتِهِ مَعَ يَمِين الطَّالِب فَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَابْن وهب: يغرم المَال كُله وَهُوَ الْمُعْتَمد، وَإِن كَانَ مَبْنِيا على ضَعِيف من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 أَن الْيَمين استظهار لَا كالشاهد. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: عَلَيْهِ نصف الْحق لِأَن الْيَمين كالشاهد وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَإِن رَجَعَ أَحدهمَا غرم نصف الْحق كَرجل مَعَ نسَاء إِلَى قَوْله: وَعَن بعضه غرم نصف الْبَعْض وَإِن رَجَعَ من يسْتَقلّ الحكم بِعَدَمِهِ فَلَا غرم، فَإِذا رَجَعَ غَيره فالجميع (وَالْعِقَاب) مُبْتَدأ خَبره (يلْزمه) فيطاف بِهِ فِي الْمجَالِس وَيضْرب ويسجن (خَ) وعزر شَاهد بزور فِي الْمَلأ بِنِدَاء وَلَا يحلق رَأسه أَو لحيته وَلَا يسخمه ثمَّ فِي قبُوله تردد الخ. وبعدم الْقبُول وَإِن تَابَ قَالَ مَالك والمتيطي: وَبِه الْعَمَل اه. فَلَا تصح ولَايَة القَاضِي إِن قبل شَهَادَته أَو قبل شَهَادَة الْفَاسِق وَنَحْوه لغير عذر، وَلَيْسَ من الْعذر خَوفه من الْعَزْل إِن لم يقبله كَمَا لِابْنِ عَرَفَة وَغَيره، وَالْقَاضِي إِذا ثَبت عَلَيْهِ الْجور أَو أقرّ بِهِ أقبح من شَاهد الزُّور فَلَا تجوز ولَايَته أبدا وَلَا شَهَادَته وَإِن صلحت حَاله وَعَلِيهِ الْعقُوبَة الموجعة قَالَه ابْن عتاب وَغَيره. ( فصل ) فِي (أَنْوَاع) أَي أَقسَام (الشَّهَادَات) بِاعْتِبَار مَا توجبه وَهِي الْمَذْكُورَة فِي الْفُصُول الْآتِيَة. ثُمَّ الشَّهادَةُ لَدى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; الأداءِ جُمْلُتها خَمْسٌ بالاسْتِقْراءِ (ثمَّ) للتَّرْتِيب الإخباري (الشَّهَادَة) مُبْتَدأ (لَدَى الْأَدَاء) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صفة أَي الْحَاصِلَة عِنْد الْأَدَاء أما قبله فَهِيَ كَالْعدمِ (جُمْلَتهَا) مُبْتَدأ ثَان أَي جملَة أقسامها (خمس) خبر وَالْجُمْلَة خبر الأول (بالاستقراء) يتَعَلَّق بجملتها أَي جُمْلَتهَا بطرِيق الاستقراء أَي التتبع خمس، وَيحْتَمل أَن يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خَاص حَال أَي جملَة أقسامها حَال كَونهَا منحصرة بالاستقراء خمس لَا زَائِد عَلَيْهَا، وَتبع فِي هَذَا التَّقْسِيم الجزيري فِي وثائقه وَهُوَ بِاعْتِبَار مَا توجبه كَمَا مرّ، وَلابْن شَاس وَمن تبعه تَقْسِيم آخر بِاعْتِبَار مَا يَكْفِي فِي الْمَشْهُود فِيهِ وسموه مَرَاتِب، فالزنا مثلا يَكْفِي فِيهِ أَرْبَعَة، وَمَا لَيْسَ بِمَال وَلَا آيل إِلَيْهِ يَكْفِي فِيهِ عَدْلَانِ وَهَكَذَا وكلا الاعتبارين لَهُ وَجه. تَخْتَصُّ أُولاَهَا عَلَى التَّعْيِينِ أنْ تُوجِبَ الحقَّ بِلاَ يَمِينِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 (تخْتَص أولاها) تَأْنِيث أول فَاعل تخْتَص وَالضَّمِير الْمُضَاف إِلَيْهِ يعود على خمس، وَالْجُمْلَة بدل مفصل من مُجمل (على التَّعْيِين) أَي مَعَ تَعْيِينهَا للأولية لكَونهَا توجب الْحق بمجردها فاستحقت التَّقْدِيم، لذَلِك قَالَ عوض عَن الضَّمِير وعَلى بِمَعْنى مَعَ كَقَوْلِه تَعَالَى: وَإِن رَبك لذُو مغْفرَة للنَّاس على ظلمهم} (الرَّعْد: 6) وَهِي حَال من أولاها أَي تخْتَص أولاها حَال كَونهَا مصاحبة لتعيينها للأولية (أَن) أَي بِأَن يتَعَلَّق بقوله تخْتَص (توجب) بِكَسْر الْجِيم (الْحق) مفعول (بِلَا يَمِين) يتَعَلَّق بتوجب، وَالْمرَاد بِغَيْر يَمِين تقَوِّي الشَّهَادَة وتعضدها فَهُوَ على حذف الصّفة فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا قد تجب مَعهَا يَمِين الْقَضَاء حَيْثُ تكون الشَّهَادَة على ميت أَو غَائِب أَو مَا فِي مَعْنَاهُ من صَغِير أَو سَفِيه أَو مَسَاكِين أَو بَيت مَال أَو يَمِين الِاسْتِحْقَاق فِي غير الْعقار أَو فِيهِ على مَا بِهِ الْعَمَل لِأَنَّهَا فِي الأولى لرد دَعْوَى مقدرَة، وَفِي الثَّانِيَة لرد دَعْوَى مُحَققَة إِن كَانَ الْمُسْتَحق من يَده حَاضرا وَادّعى خُرُوجه عَن ملك الْمُسْتَحق كَمَا فِي ابْن سَلمُون لِأَن الشُّهُود إِنَّمَا يَقُولُونَهُ وَلَا يعلمونه خرج عَن ملكه وَلَا يلْزم من نفي علمهمْ بِالْخرُوجِ عدم الْخُرُوج، وَإِن كَانَ غَائِبا أَو لم يُحَقّق دَعْوَى الْخُرُوج بِأَن جوزه فَقَط رجعت للقسم الأول لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ فِي مُقَابلَة فرض دَعْوَى صيرورة الشَّيْء الْمُسْتَحق لمن ملك الْمُسْتَحق مِنْهُ ذَلِك. وَالْحَاصِل أَنَّهَا فيهمَا لمُجَرّد رفع الِاحْتِمَال فَفِي الأول لرفع احْتِمَال الْقَضَاء والإحالة وَنَحْوهمَا، وَفِي الثَّانِي لرفع احْتِمَال الْخُرُوج حَيْثُ غَابَ أَو حضر وَلم يُحَقّق دَعْوَاهُ لَا أَنَّهَا مقوية للشَّهَادَة رَاجِعَة للْيَمِين مَعَ الشَّاهِد كَمَا للشَّيْخ (م) فِي شرح اللامية فَإِن صدقه فِي عدم الْخُرُوج فَلَا يَمِين ثمَّ الشَّهَادَة الَّتِي توجب الْحق بِلَا يَمِين تحتهَا سِتَّة أَنْوَاع أَشَارَ لأولها بِالْفَاءِ جَوَابا لشرط مُقَدّر أَي إِن أردْت معرفَة مَا يُوجب الْحق بِلَا يَمِين. فَفِي الزِّنَا مِنَ الذِّكُورِ أُرْبَعَهْ وَمَا عَدا الزِّنا فَفِي اثْنَيْنِ سَعَهْ (فَفِي الزِّنَا) خبر مقدم أَي فَفِي الشَّهَادَة بِرُؤْيَتِهِ (من الذُّكُور) حَال من ضمير الِاسْتِقْرَار (أَرْبَعَة) مُبْتَدأ وَلَا بُد من كَونهم عُدُولًا واللواط مثله، وَإِنَّمَا اشْترط فيهمَا أَرْبَعَة لقصد السّتْر وَدفع عَار الزَّانِي والمزني بهَا وَأَهْلهَا اللَّخْمِيّ. وَهَذَا إِن شهدُوا بِالزِّنَا طَوْعًا وَإِن شهدُوا بِهِ على الْإِكْرَاه فَكَذَلِك على حد الرجل فِي الْإِكْرَاه وإلاَّ كفى فِي ذَلِك رجلَانِ لما تستحقه الْمَرْأَة من الْمهْر على الواطىء أَو على مكرهه اه. وَقَوله: وَإِلَّا كفى فِي ذَلِك رجلَانِ يُرِيد أَو أَحدهمَا مَعَ الْيَمين لِأَن ذَلِك يؤول إِلَى المَال ثمَّ إِن كَيْفيَّة الشَّهَادَة أَن يَأْتِي الْأَرْبَعَة مُجْتَمعين يشْهدُونَ أَنهم رَأَوْا فرجه فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 فرجهَا أَو غيب حشفته فِيهَا فِي وَقت وَاحِد وَمَوْضِع وَاحِد وَصفَة وَاحِدَة فَإِن تمت هَكَذَا حدّا سَوَاء كَانَا بكرين أَو ثيبين رَأَوْهُ دفْعَة وَاحِدَة أَو وَاحِدًا بعد وَاحِد فِي لحظات مُتَّصِلَة لِأَن ذَلِك اتِّحَاد عرفا وَلَيْسَ من تَمام الشَّهَادَة زِيَادَة قَوْلهم كالمرود فِي المكحلة، بل هُوَ تَأْكِيد فَقَط كَمَا قَالَه ابْن مَرْزُوق وَهُوَ ظَاهر قَول (خَ) وللزنا واللواط أَرْبَعَة بِوَقْت ورؤية اتحدا وَفرقُوا فَقَط أَنه أَدخل فرجه فِي فرجهَا وَلكُل النّظر للعورة الخ. وَقيل: لَا بُد مِنْهَا وَبِه قَرَّرَهُ شراحه ثمَّ لَا يلْزم من اجْتِمَاعهم عِنْد الْإِتْيَان اجْتِمَاعهم عِنْد الْأَدَاء لأَنهم عِنْد الْأَدَاء يفرقون فَإِن أَتَوا مفترقين أَو اخْتلف وَقت الرُّؤْيَة أَو مَوْضِعه كَأَن يَقُول بَعضهم زنى بهَا فِي غرفَة وَيَقُول الْآخرُونَ فِي بَيت أَو صفته كَأَن يَقُول أحدهم كَانَت مستلقية وَالْآخرُونَ متكئة أَو بَعضهم زَنَيَا طائعين وَالْآخرُونَ مكرهين أَو أَحدهمَا بطلت وحد الشُّهُود دون الْمَشْهُود عَلَيْهِمَا. أَبُو عمرَان: يسئل شُهُود الزِّنَا وَالسَّرِقَة فَإِن أَبَوا أَن يبينوا هَذِه الْوُجُوه سَقَطت شَهَادَتهم وَإِن غَابُوا قبل السُّؤَال حكم بِشَهَادَتِهِم، وَقيل: إِن كَانُوا من أهل الْعلم بِمَا يُوجب الْحَد وإلاَّ فَلَا اه. وَالْأول هُوَ الَّذِي درج عَلَيْهِ (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَندب سُؤَالهمْ كالسرقة مَا هِيَ وَكَيف أخذت الخ. وَالثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمد كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وغالب الظَّن الخ. ولثانيها بقوله: (وَمَا) مُبْتَدأ (عدا) خبر مُبْتَدأ مُضْمر وَالْجُمْلَة صلَة أَي والحقوق الَّتِي هِيَ غير (الزِّنَا فَفِي) عَدْلَيْنِ (اثْنَيْنِ) خبر عَن قَوْله (سعه) أَي توسعة فِي ثُبُوت الْحق بهما، وَالْجُمْلَة خبر الْمَوْصُول ولعمومه دخلت الْفَاء فِي خَبره، وَقَوله: اثْنَيْنِ أَي من الذُّكُور بِدَلِيل الْبَيْتَيْنِ بعده وأشعر قَوْله فَفِي اثْنَيْنِ الخ أَن البَائِع بِالدّينِ مثلا إِذا طلب الْإِشْهَاد بِأَكْثَرَ وأبى الْمَشْهُود عَلَيْهِ من الزِّيَادَة عَلَيْهِمَا أَن البَائِع لَا يُجَاب وَهُوَ مَا لِابْنِ رشد. وَقَالَ الْبُرْزُليّ: الصَّوَاب أَن يُجَاب إِذا كثر فيهم الْعَزْل لجرحة أَو مُطلقًا وَشَمل المُصَنّف سَائِر الْحُقُوق مَالِيَّة أَو بدنية على تَفْصِيل فِي أفرادها إِذْ مِنْهَا مَا لَا يثبت إِلَّا بعدلين، وَمِنْهَا مَا يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِد والمرأتان أَو أَحدهمَا مَعَ الْيَمين، وَمَا يَكْفِي فِيهِ امْرَأَتَانِ. وَهَكَذَا كَمَا يَأْتِي فَمن الأول الْعتْق وَالْإِسْلَام وَالرِّدَّة وَالنِّكَاح وَالطَّلَاق وَالرَّجْعَة وَالنّسب وَالتَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح وَالْكِتَابَة وَالتَّدْبِير وَنقل الشَّهَادَة فِيمَا لَيْسَ بِمَال، وَمِنْه إِثْبَات الْعَدَم وَإِسْقَاط الْحَضَانَة وَكَذَا الْحَبْس وَالْوَصِيَّة لغير مُعينين والإيصاء كَمَا فِي ابْن نَاجِي أول أقضية الْمُدَوَّنَة، وَلَيْسَ مِنْهَا الْمَوْت بِاعْتِبَار الْإِرْث كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْل بعده وَمن جعله مِنْهَا فَإِنَّمَا يَعْنِي بِاعْتِبَار اعْتِدَاد زَوجته وَعتق مدبره، وَمِنْهَا الْعدة أَي الْخلْوَة الْمُوجبَة لَهَا أَو بِاعْتِبَار ابتدائها فِي الْمَوْت، وَأما فِي الطَّلَاق فَهِيَ مصدقة فِي انْقِضَائِهَا، وَأما دَعْوَاهُ هُوَ الِانْقِضَاء فِي الرجعى لتسقط عَنهُ النَّفَقَة فَيَكْفِي الشَّاهِد وَالْيَمِين فِيمَا يظْهر قَالَه ابْن رحال، وَكَذَا الْبلُوغ بِاعْتِبَار إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 لَا بِاعْتِبَار الإسهام لَهُ فِي الْغَنِيمَة فَيَكْفِي فِيهِ الشَّاهِد وَالْيَمِين، وَتَأمل قَول (خَ) فِي الْحجر وَصدق إِن لم يرب الخ. وَكَذَا الْوَلَاء بِاعْتِبَار المَال يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِد وَالْيَمِين (خَ) وَإِن شهد وَاحِد بِالْوَلَاءِ أَو اثْنَان أَنَّهُمَا لم يَزَالَا يسمعان أَنه مَوْلَاهُ أَو وَارثه لم يثبت، لكنه يحلف وَيَأْخُذ المَال الخ. وَكَذَا الْوكَالَة فِي غير النِّكَاح وَنَحْوه إِن لم يتَعَلَّق بهَا حق للْوَكِيل، فَإِن تعلق ككون الْوَكِيل لَهُ دين على الْمُوكل الْغَائِب أَو كَانَت بِأُجْرَة وَنَحْو ذَلِك فَتثبت بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين كالشركة والآجال لِأَن الشّركَة مَال والآجال آيل إِلَيْهِ وَكِلَاهُمَا يثبت بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِد، وَأما الْوكَالَة فِي النِّكَاح وَنَحْوه مِمَّا لَيْسَ بِمَال فَلَا تثبت إِلَّا بِشَاهِدين فَإِن ادّعى أَنَّهَا وكلت وَزوجهَا وكيلها مِنْهُ وَأقَام شَاهِدين على النِّكَاح وواحداً بِالْوكَالَةِ حَلَفت أَنَّهَا مَا وكلت وَلَا رضيت بصنعه إِن كَانَت بِموضع لَا يخفى عَلَيْهَا فِيهِ الْأَمر غَالِبا. وَإِدْخَال الْحَبْس وَالْوَصِيَّة على غير مَعْنيين فِي هَذَا الْقسم صَحِيح بِالنِّسْبَةِ للشَّاهِد وَالْيَمِين لتعذرها من غير المعينين لَا بِالنِّسْبَةِ للشَّاهِد والمرأتين فيثبتان بهما كَمَا فِي ابْن عَرَفَة. ولثالثها بقوله: ورَجُلٌ بامْرَأَتَيْنِ يَعْتَضِدْ فِي مَا يَرْجِعُ لِلْمَالِ اعْتُمِدْ (وَرجل) أَي عدل مُبْتَدأ سوغ الِابْتِدَاء بِهِ وَصفه بِمَا ذكر وَبِالْجُمْلَةِ فِي قَوْله: (بامرأتين) عدلتين يتَعَلَّق ب (يعتضد) بِفَتْح الْيَاء وَكسر الضَّاد مَبْنِيّ للْفَاعِل (فِي كل مَا) أَي حق (يرجع) بِفَتْح الْيَاء مَبْنِيّ للْفَاعِل صفة لما (لِلْمَالِ) يتَعَلَّق بِهِ وَالْمَجْرُور بفي يتَعَلَّق بقوله (اعْتمد) مَبْنِيّ للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ، وَظَاهره وَلَيْسَ بِمَال كَالْوكَالَةِ إِن تعلق بهَا حق للْوَكِيل كَمَا مرّ أَو لمن عَامل الْوَكِيل بِبيع وَنَحْوه، وَنقل الشَّهَادَة عَمَّن شهد بِمَال كَمَا فِي (خَ) حَيْثُ قَالَ عاطفاً على الْحَائِز، وَنقل امْرَأتَيْنِ مَعَ رجل فِي بَاب شَهَادَتهنَّ الخ. وَالْأَجَل فِي الثّمن أَو الصَدَاق يَدعِيهِ المُشْتَرِي أَو الزَّوْج ويخالفهما البَائِع أَو الْمَرْأَة سَوَاء اخْتلفَا فِي أَصله أَو قدره أَو انقضائه لَا الْأَجَل فِي الْعتْق وَالْكِتَابَة، فَالْقَوْل للْعَبد فِي قدره وانقضائه للتشوف للحرية، وَأما إِن حلف بِالطَّلَاق أَو الْحُرِّيَّة ليقضين فلَانا حَقه إِلَى أجل كَذَا أَو ليدخلن الدَّار إِلَى أجل كَذَا، فَزَعَمت الْمَرْأَة أَو العَبْد أَنه قد انْقَضى وَلم يفعل وَأَقَامَا بذلك شَاهدا وَامْرَأَتَيْنِ، وَزعم الْحَالِف أَنه لم ينْقض فَلَا يقْضى عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ لِأَن هَذَا من الْقسم الأول. نعم يحلف لرد الشَّهَادَة، وَكَذَا لَو أَثْبَتَت الْمَرْأَة الطَّلَاق وَالْعَبْد الْعتْق، وأعذر للزَّوْج وَللسَّيِّد وَأنكر الْأَجَل فِي ذَلِك فَلَا يثبت عَلَيْهِمَا إِلَّا بِشَاهِدين وَهَذَا وَنَحْوه مُرَاد من قَالَ: إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 الْأَجَل بِحَسب الْمُؤَجل فِيهِ فَفِي الطَّلَاق وَالْعِتْق وَالْعَفو لَا يثبت إِلَّا بِشَاهِدين وكالخيار وَالشُّفْعَة وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَيْسَ بِمَال، وَلَكِن يرجع إِلَيْهِ وَمِمَّا يرجع لِلْمَالِ إِذا شهد رجل وَامْرَأَتَانِ على نِكَاح بعد موت الزَّوْج أَو الزَّوْجَة أَو على ميت أَن فلَانا أعْتقهُ أَو على نسب أَن هَذَا ابْنه أَو أَخُوهُ، وَلم يكن لَهُ وَارِث ثَابت النّسَب صحت الشَّهَادَة على قَول ابْن الْقَاسِم، وَكَانَ لَهُ الْمِيرَاث وَلم تجز على قَول أَشهب لِأَنَّهُ قَالَ: لَا يسْتَحق الْمِيرَاث إِلَّا بعد إِثْبَات الأَصْل بِشَهَادَة رجلَيْنِ فَإِن ثَبت ذَلِك ثمَّ شهد وَاحِد أَنه لَا يعلم لَهُ وَارِثا سوى هَذَا جَازَت وَاسْتحق المَال قَالَه اللَّخْمِيّ، وَاخْتَصَرَهُ (ق) بِإِسْقَاط التَّفْصِيل بَين كَونه لَهُ وَارِث أم لَا. فأوهم كَلَامه خلاف المُرَاد وَمَا ذكره فِي الشَّاهِد والمرأتين يجْرِي فِي الشَّاهِد وَالْيَمِين كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْل بعده، وَفهم من قَوْله: يرجع لِلْمَالِ جَوَازهَا فِيهِ وَلَو قارنه مَا لَيْسَ بِمَال وَلَا آيل إِلَيْهِ كَشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ على رجل بِطَلَاق زَوجته وتصييره دَاره فِي صَدَاقهَا شَهَادَة وَاحِدَة فَتَصِح فِي التصيير دون الطَّلَاق على الْمَشْهُور من أَن الشَّهَادَة إِذا ردّ بَعْضهَا للتُّهمَةِ رد كلهَا، وَإِن ردّ بَعْضهَا للسّنة جَازَ مِنْهَا مَا أجازته السّنة دون غَيره، وَقد ذكر فِي التَّبْصِرَة فِي الْبَاب الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ أَمْثِلَة وَفهم مِنْهُ أَيْضا جَوَازهَا فِي نفس المَال بالأحرى كعشرة من سلف أَو بيع وَنَحْوهمَا وَمثل مَا فِي النّظم عَكسه وَهُوَ الشَّهَادَة بِالْمَالِ، وَلَكِن يؤول لغيره كَشَهَادَة من ذكر للْأمة بِأَنَّهَا أدَّت نُجُوم الْكِتَابَة أَو بِأَن ابْنهَا أَو زَوجهَا قد اشْتَرَاهَا من سَيِّدهَا فتؤدي إِلَى الْعتْق فِي الْأَوَّلين وَإِلَى الْفِرَاق فِي الثَّالِث، وَفهم من قَوْله بامرأتين أَن الْوَاحِدَة لَا تَكْفِي وَلَا بُد من الْيَمين حِينَئِذٍ. وَقَوله: بامرأتين أَي فَأكْثر وَلَو كن مائَة لتنزلهن منزلَة الْعدْل الْوَاحِد كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْل بعده. ولرابعها وَهُوَ شَهَادَة امْرَأتَيْنِ بقوله: وَفِي اثْنَتَيْنِ حَيْثُ لَا يَطَّلِعُ إلاَّ النِّساءُ كالمَحِيضِ مَقْنَعُ (وَفِي) امْرَأتَيْنِ (اثْنَتَيْنِ) خبر عَن قَوْله: مقنع وَفِي بِمَعْنى الْبَاء (حَيْثُ) ظرف مَكَان مُتَعَلق بالاستقرار فِي الْخَبَر (لَا يطلع) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل (إِلَّا النِّسَاء) فَاعله، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (كالمحيض) خبر لمَحْذُوف وَهُوَ من إِطْلَاق الْمَفْعُول على مصدره كَمَا هُوَ أَيْضا فِي قَوْله: (مقنع) أَي قناعة كائنة بامرأتين فِي الْمحل الَّذِي لَا يطلع على الْمَشْهُود بِهِ أحد غَالِبا إِلَّا النِّسَاء، وَذَلِكَ كالحيض وَالرّضَاع والاستهلال والولادة وَالْحمل وإرخاء السّتْر وعيوب الْفرج، فَإِن كَانَ الْعَيْب فِي غير الْفرج مِمَّا هُوَ عَورَة فَفِي نفي الثَّوْب عَن مَحَله لينظره الرِّجَال أَو يَكْتَفِي بالمرأتين؟ قَولَانِ. وَاقْتصر الْبَاجِيّ على الأول وَهُوَ ظَاهر النّظم فَيُفِيد أَنه الْمُعْتَمد، وَأفهم قَوْله: بامرأتين أَن الْوَاحِدَة لَا تَكْفِي وَهُوَ كَذَلِك إِذْ الْوَاحِدَة لَا تجوز شهادتها فِي شَيْء كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة إِلَّا فِي الْخلطَة على القَوْل باشتراطها فِي توجه الْيَمين، وَظَاهره لَا تَكْفِي الْوَاحِدَة وَلَو أرسلها القَاضِي لتنظر الْعَيْب وَنَحْوه وَهُوَ كَذَلِك، وَظَاهره، بل صَرِيحه أَنه لَا يَمِين مَعَهُمَا تَيَقّن الْقَائِم بهما صدقهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 كالبكارة والثيوبة أم لَا، كالحيض والولادة، وَقيل: تلْزم الْيَمين مَعَ التيقن لِأَنَّهَا تحقق الدَّعْوَى بكذبه وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا تتَوَجَّه عَلَيْهِ إِذا قَامَت شَهَادَتهمَا بِأَنَّهُ أرْخى السّتْر عَلَيْهِمَا، وَأنكر هُوَ ذَلِك فتحلف وتستحق الصَدَاق وَظَاهر قَوْله: حَيْثُ لَا يطلع الخ أَن الْمَوْلُود إِذا مَاتَ وَدفن تجوزشهادتهما بذكوريته أَو أنوثيته إِذْ لَا يطلع على ذَلِك غَالِبا إِلَّا النِّسَاء وَيُورث وَيَرِث بالجهة الَّتِي شهدتا بهَا وَهُوَ كَذَلِك على قَول ابْن الْقَاسِم، لَكِن مَعَ يَمِين، وَقيل: لَا تجوز لِأَنَّهُ يصير نسبا قبل أَن يصير مَالا وَيُورث على أَنه أُنْثَى إِلَّا أَن يكون لَا يبْقى أَو أَن أخر دَفنه إِلَى شُهُود الرِّجَال قَالَه أَشهب وَسَحْنُون وَأصبغ. وَرَوَاهُ ابْن الْقَاسِم أَيْضا. وَقَالَ أصبغ أَيْضا: إِن فَاتَ بِالدّينِ والطول حَتَّى تغير ذكره، فَإِن كَانَ فضل المَال يرجع إِلَى بَيت المَال أَو إِلَى رجل بعيد جَازَت كَمَا قَالَ ابْن الْقَاسِم، وَإِن كَانَ يرجع إِلَى بعض الْوَرَثَة دون بعض أخذت بقول أَشهب. وَسبب الْخلاف أَنَّهَا شَهَادَة بِغَيْر مَال لَكِنَّهَا ترجع إِلَى المَال فَهَل هِيَ كَالْمَالِ نَفسه أم لَا؟ فَهَذَا حِينَئِذٍ من إِفْرَاد قَوْله ثَانِيَة توجب حَقًا مَعَ الْقسم فِي المَال الخ. وَظَاهر مَا مر جَوَازهَا فِي الْولادَة وَلَو كَانَت تؤول إِلَى الْعتْق كَمَا إِذا قَالَ الرجل لأمته: أول ولد تلدينه فَهُوَ حر فتلد توأمين فَشهد امْرَأَتَانِ على أَولهمَا خُرُوجًا أَو شهدتا بِوِلَادَة أمة أنكر السَّيِّد وِلَادَتهَا وَقد كَانَ أقرّ بِوَطْئِهَا بعدلين فَيعتق أول التوأمين كَمَا فِي الْمُنْتَخب وَتصير الْأمة أم ولد كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة ثمَّ مَا مرّ من جَوَازهَا فِي الاستهلال مَحَله إِذا لم يقطع بكذبهما لعدم تَمام خلقته، وَكَذَا إِذا شهدتا بِظُهُور الْحمل، وَأَنه من شَهْرَيْن أَو من أقل من ثَلَاثَة أشهر أَو بتحركه وَأَنه من أقل من أَرْبَعَة أشهر وَعشر لَا يشكان فِي ذَلِك فَإِن الْأمة لَا ترد لبائعها بِشَهَادَتِهِمَا لِأَن الْحمل لَا يظْهر ظهوراً بَينا من غير تحرّك أَو مَعَ تحرّك فِي أقل مِمَّا ذكر والموجب لسقوطها جزمهما بِأَنَّهُ أقل مِمَّا ذكر إِذْ ذَاك مِمَّا لَا يُمكن الْقطع بِهِ فقولهما لَا يشكان فِي ذَلِك أَو تحققناه كذبا وزوراً فَإِن قَالَتَا فِي ظننا وَنَحْوه أَو لم تتعرضا لمدته صحت وَنظر، فَإِن كَانَت مكثت عِنْد المُشْتَرِي ثَلَاثَة فَأكْثر فِي الظُّهُور أَو أَرْبَعَة وَعشرا فِي التحرك لم ترد لِإِمْكَان حُدُوثه وإلاَّ ردَّتْ وَلَا ينْتَظر وَضعهَا، فَإِن أنفش بعد ردهَا فَلَا ترد للْمُشْتَرِي إِذْ لَعَلَّهَا أسقطته فَإِن تَعَارَضَت شَهَادَة النِّسَاء فِي الْحمل وَمَا مَعَه فالمثبتة أولى من النافية إِلَّا أَن تقوى النافية قُوَّة بَيِّنَة فِيمَا يظْهر. ولخامسها بقوله: وواحِدٌ يُجْزِىءُ فِي بابِ الْخَبَرْ وَاثْنانِ أَوْلَى عِنْدَ كلِّ ذِي نَظَرْ (وَوَاحِد) مُبْتَدأ سوغه الْوَصْف أَي وَاحِد عدل أَو شخص وَاحِد، وَظَاهره وَلَو أُنْثَى وَهُوَ كَذَلِك فِيمَا تجوز فِيهِ شَهَادَة النِّسَاء كَمَا إِذا لم يجد من يترجم لَهُ مثلا من الرِّجَال غَيرهَا فِي المَال وَمَا يؤول إِلَيْهِ أَو فِيمَا لَا يظْهر للرِّجَال (يجزىء) خبر (فِي بَاب الْخَبَر) يتَعَلَّق بِهِ، وَتَقْدِيره شخص أولى ليشْمل الرجل وَالْمَرْأَة كَمَا مرّ وَإِدْخَال هَذَا النَّوْع فِي أَقسَام الشَّهَادَة من حَيْثُ إِنَّه يُوجب الْحق بِغَيْر يَمِين وإلاَّ فَلَيْسَ مِنْهَا (وَاثْنَانِ) مُبْتَدأ سوغه مَا مر (أولى) خبر (عِنْد كل ذِي نظر) يتَعَلَّق بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وَالْخَبَر مَا شَأْنه أَن يُشَارك الْمخبر بِهِ غَيره كَذَا قيل وَفِيه نظر فَإِن الشَّهَادَة كَذَلِك لِأَن الْخَبَر أَعم. قَالَ فِي جمع الْجَوَامِع: الْإِخْبَار عَن عَام لَا ترافع فِيهِ الرِّوَايَة أَي الْخَبَر وخلافه الشَّهَادَة، وَقَالَ ابْن بشير: الْفرق الَّذِي بَين الْخَبَر وَالشَّهَادَة أَن مَا خص الْمَشْهُود عَلَيْهِ فبابه بَاب الشَّهَادَة وكل مَا عَم وَلزِمَ الْقَائِل مِنْهُ مَا يلْزم الْمَقُول لَهُ فبابه بَاب الْخَبَر اه. وَالْمَقْصُود مِنْهُ هُنَا مَا اجْتمعت فِيهِ الشائبتان لِأَن الْكَلَام فِيمَا فِيهِ النزع لَا فِي غَيره كنجاسة المَاء والأعمال بِالنِّيَّاتِ، وَالظَّاهِر أَن مَا اجْتمع فِيهِ مَا ذكر مَحْصُور بالعد لَا بِالْحَدِّ. قَالَ فِي الذَّخِيرَة: المتردد بَين الشَّهَادَة وَالْخَبَر سبع: الْقَائِف والترجمان والكاشف عَن الْبُنيان وقائس الْجرْح، والناظر فِي الْعُيُوب كالبيطار والطبيب والمستنكه للسكران، إِذا أَمر الْحَاكِم بذلك، وَأما الشَّهَادَة على الشّرْب فَلَا بُد من اثْنَيْنِ كالتقويم للسلع والعيوب والرقبة وَالصَّيْد فِي الْحَج. وَاخْتلف فِي الْحكمَيْنِ فَقيل: اثْنَان وَقيل وَاحِد لِأَنَّهُ حَاكم اه. بِنَقْل (تت) قَالَ: وأضفت إِلَى ذَلِك الْمُزَكي على أحد الْقَوْلَيْنِ وَكَاتب القَاضِي والمحلف. قلت: وَذكر الْقَرَافِيّ أول الفروق من قَوَاعِده أَن من ذَلِك الْمُفْتِي والمترجم عَن الخطوط وَالقَاسِم والخارص، وَكَذَا الْمخبر بِنَجَاسَة المَاء وبرؤية هِلَال رَمَضَان، وَفِي الْبَاب الرَّابِع عشر من التَّبْصِرَة جملَة وافرة من ذَلِك، وَلما اجْتمعت فِي هَذِه الْأُمُور وَنَحْوهَا شائبتا الْخَبَر وَالشَّهَادَة كَانَت مترددة بَينهمَا كَمَا مرّ عَن الذَّخِيرَة، فالقائف والترجمان مثلا من حَيْثُ إِن فِي قوليهما إلزاماً لمُعين صَارا كالشاهد، وَمن حَيْثُ إنَّهُمَا منتصبان انتصاباً عَاما لجَمِيع النَّاس صَارا كالراوي الْمخبر، وَأَيْضًا فَإِنَّهُمَا أشبها الْحَاكِم من حَيْثُ إِنَّه وجههما لذَلِك، وَهَكَذَا يُقَال فِي الخارص وَالقَاسِم وَغَيرهمَا من كل مَا لَا يباشره القَاضِي بِنَفسِهِ، وَلما كَانَت شُبْهَة الشَّهَادَة أقوى فِي جلّ الْأَفْرَاد أَو كلهَا لِأَن الشَّاهِد يشاركهم فِي الانتصاب الْمَذْكُور، وَإِن لم يشاركهم فِي غَيره كَانَ الِاثْنَان أولى كَمَا قَالَ النَّاظِم: وبقوة الشُّبْهَة وضعفها اخْتلف التَّرْجِيح فِي هَذِه الْأَفْرَاد فالمخبر عَن النَّجَاسَة أشبه الشَّاهِد فِي كَونه أخبر عَن وُقُوع نجس معِين فِي مَاء معِين. وَلما كَانَت حُرْمَة اسْتِعْمَاله لَا تخْتَص بِمعين كَانَ خَبرا مَحْضا وَكفى فِيهِ الْوَاحِد قطعا، وَلما كَانَ هِلَال رَمَضَان فِيهِ إِلْزَام الصَّوْم لمعينين موجودين فِي هَذَا الشَّهْر دون الْمَاضِي والآتي من الشُّهُور ترجح فِيهِ جَانب الشَّهَادَة فَلَا يَكْفِي فِيهِ غير عَدْلَيْنِ على الْمَشْهُور وَهَكَذَا. وَفِي المعيار عَن أبي مُحَمَّد أَن الْقرى بالبوادي إِذا كَانَت عَادَتهم التنيير عِنْد رُؤْيَة الْهلَال فَمن أصبح صَائِما لذَلِك التنيير فصيامه صَحِيح قِيَاسا على قَول ابْن الْمَاجشون فِي الرجل يَأْتِي الْقَوْم فيخبرهم بِأَن الْهلَال قد رُؤِيَ اه. وَظَاهر النّظم أَن الْوَاحِد الْمَذْكُور لَا بُد فِيهِ من الْعَدَالَة لذكره لَهُ فِي سِيَاق من تشْتَرط فِيهِ، وَهُوَ كَذَلِك مَا لم تتعذر فِي نَاظر الْعَيْب والطبيب وَنَحْوهمَا (خَ) وَقبل للتعذر غير عدُول وَإِن مُشْرِكين فَإِن قصر وَوجد لذَلِك من لَا نَعْرِف عَدَالَته مَعَ وجود الْعدْل لم يجز لَهُ الحكم بقوله، وَظَاهره أَيْضا أَنه يقبل الْوَاحِد وَلَو لم يُوجد لذَلِك من قبل الْحَاكِم وَهُوَ كَذَلِك فِي نَحْو الْمُفْتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 ونجاسة المَاء ورؤية الْهلَال عِنْد من يَكْتَفِي فِيهِ بِالْوَاحِدِ لَا فِي نَحْو الترجمان وَالقَاسِم وَنَحْوهمَا فَقَوْل الذَّخِيرَة: إِذا أَمر الْحَاكِم بذلك رَاجع للسبع الْمُتَقَدّمَة فقائس الْجرْح والناظر فِي الْعَيْب مثلا إِنَّمَا يقبلان إِذا توجها بِأَمْر الْحَاكِم وإلاَّ فَلَا بُد من اثْنَيْنِ كَمَا إِذا أديا بعد برْء الْجرْح أَو انهدام الْبُنيان أَو دفن الْأَب فِي الْقَافة (خَ) وَإِنَّمَا تعتمد الْقَافة على أَب لم يدْفن الخ. أَو موت الْمَعِيب وتغيره أَو غيبته أَو عِنْد حَاكم آخر، وَكَذَا بعد موت المترجم عَنهُ أَو المحلف بِفَتْح اللَّام فِيمَا يظْهر. وَقَوْلنَا: وتغيره احْتِرَازًا مِمَّا إِذا مَاتَ وَلم يتَغَيَّر فَإِنَّهُ مُلْحق بالحي كَمَا قَالَ بَعضهم. قلت: وَيدل لَهُ مَا مر عَن (خَ) فِي الْقَافة وَظَاهر إطلاقاتهم فِي الترجمان وَالقَاسِم يقبلان، وَلَو بعد إِنْكَار المترجم عَنهُ والمقسوم عَلَيْهِ كالمحلف بِالْكَسْرِ وإلاَّ أدّى للتسلسل هَذَا. وَفِي ابْن شَاس مَا نَصه: وَيشْتَرط التَّعَدُّد فِي الْمُزَكي والمترجم اه. قَالَ (ز) بِنَاء على أَنه أَي المترجم شَاهد وَهُوَ الْمَشْهُور وَحِينَئِذٍ فَقَوْل من قَالَ: إِن كَلَام ابْن شَاس فِيمَا إِذا أَتَى الْخصم بِمن يترجم عَنهُ غير ظَاهر بل كَلَامه مُطلق كَمَا ترى وَفِي (ح) عَن الْعُمْدَة أَن الحكم إِذا كَانَ لَا يتَضَمَّن مَالا فَلَا يجزىء إِلَّا بترجمة اثْنَيْنِ على الْمَذْهَب وإلاَّ فَقَوْلَانِ اه. فالترجمان مِمَّا ترجح فِيهِ جَانب الشَّهَادَة على هَذَا خلافًا لما فِي (خَ) حَيْثُ قَالَ: والمترجم مخبر هَذَا فِي ترجمان القَاضِي، وَيشْتَرط فِيهِ على الْقَوْلَيْنِ أَن لَا يكون عدوا للمترجم عَنهُ وَلَا قَرِيبا لخصمه كَمَا فِي التَّبْصِرَة وَانْظُر هَل غَيره من الْقَاسِم وَنَحْوه كَذَلِك وَهُوَ الظَّاهِر أم لَا؟ وَعَلِيهِ فَإِذا طلب الْمَقْسُوم عَلَيْهِ وَنَحْوه الْقدح بِمَا ذكر أُجِيب وَأجل لَهُ، وَأما ترجمان الْفَتَاوَى والخطوط فَالْمُرَاد بِهِ أَن يقْرَأ الْفَتْوَى لمن لَا يحسن الْكِتَابَة أَو لَا يفهم الْقَلَم الَّذِي كتبت بِهِ أَو يَقُول إِنَّه خطّ فلَان، وَالْمرَاد بالمستنكه للسكران أَي شام ريح فِيهِ من نكهه كسمعه أَي نشقه أَي: ويجد. وَقَوله: كالتقويم للسلع أَي السّلع الْمُتْلفَات ولأروش الْجِنَايَات وَنَحْو ذَلِك كتقويم الْعرض الْمَسْرُوق هَل بلغت قِيمَته نِصَابا فَيقطع أم لَا (خَ) وَكفى قَاسم وَاحِد أَي فِيمَا يخبر أَنه صَار لكل وَاحِد مِنْهُم لَا مقوم الخ. أَي: فَلَا بُد فِيهِ من اثْنَيْنِ بل ذكر ناظم عمل فاس فِي شَرحه لَهُ أَن الْعَمَل بِعَدَمِ الِاكْتِفَاء بِالْوَاحِدِ فِي الْقَاسِم والمخبر عَن قدم الْعَيْب وحدوثه فَانْظُرْهُ. وَقَوله: والعيوب والرقبة أَي مَعَ الرَّقَبَة قَالُوا وَبِمَعْنى مَعَ أَي الْمُقَوّم للعيب مَعَ الرَّقَبَة وَقَوله: وَاخْتلف فِي الْحكمَيْنِ أَي فِي النُّشُوز، وَالله أعلم. تَنْبِيه: قَالَ المكناسي فِي مجالسه: إِن القَاضِي يشْتَرط على أَرْبَاب الْبَصَر بالمباني أَن لَا يحكموا بِالْحَائِطِ لأحد. وحسبهم أَن يصفوه فَقَط بِوَصْف يزِيل الْإِشْكَال وَيرْفَع الِاحْتِمَال، ثمَّ ينظر القَاضِي بعد أَدَاء شَهَادَتهم فِيهِ وَيحكم اه. قلت: وَكَذَا الواقفون مِنْهُم على الْحُدُود فِي الْأَرْضين والأجنات وَنَحْوهَا حسبهم أَن يصفوا لِأَن أَرْبَاب الْبَصَر مِمَّن لَا علم عِنْدهم فِي الْغَالِب، فقد يستندون إِلَى دَلَائِل ضَعِيفَة لَا تعْتَبر شرعا أَو مُعْتَبرَة، لكِنهمْ يأخذونها على غير وَجههَا، فَلِذَا وَجب أَن يذكرُوا الدَّلَائِل الَّتِي استندوا إِلَيْهَا من كَون العقد والقمط وَنَحْوهمَا لناحية كَذَا، وَمن كَون الحاجز فِي الْحُدُود هُوَ كَذَا. أما قبُول قَوْلهم: ظهر لنا أَن الْحَائِط لفُلَان مُطلقًا من غير بَيَان كَمَا عندنَا فِي هَذَا الزَّمَان فَمن الاستخفاف الَّذِي لَا يخْتَلف فِيهِ اثْنَان. ولسادسها بقوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 وبِشَهادةٍ من الصِّبْيانِ فِي جَرْحٍ وقَتْلٍ بَيْنَهُمْ قدِ اكْتُفِي (وبشهادة) يتَعَلَّق بقوله اكْتفى (من الصّبيان) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صفة (فِي قتل) يتَعَلَّق بالاستقرار الَّذِي تعلق بِهِ الصّفة (وجرح) مَعْطُوف على مَا قبله (بَينهم) فِي مَحل الصّفة لقتل وجرح على وَجه التَّنَازُع أَو مَحْذُوف من الأول لدلَالَة الثَّانِي عَلَيْهِ (قد اكْتفي) مَبْنِيّ للْمَفْعُول، ونائبه مَحْذُوف لدلَالَة السِّيَاق أَي عَن الْعُدُول. وَظَاهره أَنه يَكْتَفِي بهَا من غير قسَامَة وَهُوَ كَذَلِك وَمَا ذكره من جَوَازهَا عَلَيْهِ أَكثر أهل الْمَدِينَة وَهُوَ الْمَشْهُور فِي الْمَذْهَب، وَخَالف ابْن عَبَّاس وَالقَاسِم وَسَالم وَقَالُوا بِعَدَمِ جَوَازهَا وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَابْن حَنْبَل وَأبي حنيفَة رَضِي الله عَنْهُم، وَبِه قَالَ ابْن عبد الحكم، وَاحْتج الْمَشْهُور بِأَنَّهَا لَو كَانَت لم تجز لَأَدَّى ذَلِك إِلَى إهدار دِمَائِهِمْ مَعَ أَنهم يندبون إِلَى تعلم الرَّمْي والصراع وَحمل السِّلَاح، وَالْغَالِب أَن الْكِبَار لَا يحْضرُون مَعَهم، وَلِهَذَا لم تجز شَهَادَة النِّسَاء وَإِن كن عُدُولًا فِيمَا يَقع بَينهُنَّ من قتل وجرح فِي عرس وحمام ومأتم بميم مَفْتُوحَة فهمزة سَاكِنة فمثناة فوقية أَي حزن لعدم ندبهن لذَلِك أَي: فَلَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى الِاجْتِمَاع الْمَذْكُور لِأَنَّهُ غير مَشْرُوع فاجتماعهن قَادِح فِي عدالتهن وَإِن شهدن بقتل الصّبيان الَّذِي يؤول لِلْمَالِ فأحرى بقتل بَعضهنَّ لِأَنَّهُ فِيهِ الْقصاص فِي الْعمد. وَلما كَانَت شَهَادَة الصّبيان على خلاف الأَصْل لم تجز إِلَّا بِشُرُوط أَشَارَ لأولها بقوله: وشَرْطُها التَّمْيِيُ والذُّكورَه والاتّفَاقُ فِي وقُوعِ الصُّورَه (وَشَرطهَا) مُبْتَدأ (التَّمْيِيز) خبر لِأَن غير الْمُمَيز لَا يضْبط مَا يَقُول وحدّ سنّ الْمُمَيز فِي الْمُدَوَّنَة لمن بلغ عشر سِنِين فَأَقل مِمَّا قاربها. وَعَن عبد الْوَهَّاب أَنه الَّذِي يعقل الشَّهَادَة وَهُوَ أخص مِمَّا فِي الْمُدَوَّنَة (و) ثَانِيهَا (الذُّكُورَة) مَعْطُوف على الْخَبَر فَلَا تقبل شَهَادَة الْإِنَاث (و) ثَالِثهَا (الِاتِّفَاق) مَعْطُوف على الْخَبَر أَيْضا (فِي وُقُوع الصُّورَة) يتَعَلَّق بالِاتِّفَاقِ، فَإِن اخْتلفُوا وَقت تلقيها مِنْهُم سَقَطت كَمَا لَو قَالَ بَعضهم: قَتله الصَّبِي زيد وَقَالَ الآخر: بل الصَّبِي عَمْرو، وَلَا إِشْكَال فِي هَذِه إِن اتَّحد الْقَائِل من الْجَانِبَيْنِ لعدم تَمام النّصاب، وَكَذَا لَو شهد اثْنَان أَن الَّذِي قَتله فلَان وَقَالَ آخرَانِ بل ركضته دَابَّة على الصَّحِيح خلافًا لِابْنِ الْمَاجشون فِي قَوْله تقدم الشَّهَادَة بِالْقَتْلِ على الشَّهَادَة بالركض لِأَنَّهَا أثبت حَقًا، وَكَذَا لَو قَالَ اثْنَان: ضربه بعصا، والآخران بحديدة، أَو قَالَ اثْنَان: قَتله أَو شجه زيد، وَقَالَ الْآخرَانِ: بل عَمْرو هَذَا ظَاهره وَعَلِيهِ فَلَو لعب مِنْهُم سِتَّة فِي بَحر فغرق وَاحِد مِنْهُم فَقَالَ ثَلَاثَة من الْخَمْسَة الْبَاقِيَة: إِنَّمَا غرقه الِاثْنَان وَعكس الِاثْنَان فَقَالَا: إِنَّمَا غرقه الثَّلَاثَة سَقَطت شَهَادَتهم لعدم الِاتِّفَاق وَهُوَ ظَاهر نَص (خَ) الْآتِي أَيْضا. وَقيل: الدِّيَة على عَاقِلَة الْخَمْسَة لاتفاقهم أَن الْقَتْل لم يخرج عَنْهُم، وَبِه صدر فِي الشَّامِل وَنسبه فِي التَّبْصِرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 لمَالِك مُقْتَصرا عَلَيْهِ فِي الْقسم الثَّانِي وَصدر فِي الْقسم الثَّالِث بالسقوط، وَبِه صدر اللَّخْمِيّ أَيْضا وَقرر بِهِ (تت) وَغَيره كَلَام الْمُخْتَصر: مِن قَبْل أنْ يَفْتَرِقُوا أَو يَدْخُلا فِيهِمْ كَبِيرٌ خَوفَ أَن يُبَدَّلا (من قبل أَن يفترقوا) حَال من الِاتِّفَاق، وَهَذَا شَرط رَابِع فَإِن تلقيت بعد التَّفَرُّق لم تقبل وَلَو اتَّفقُوا (أَو) من قبل أَن (يدخلا فيهم) وَقت الْقَتْل أَو الْجرْح (كَبِير) أَي بَالغ ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى عدلا أَو غَيره، فَإِن حضر مَعَهم لم تقبل، وَهَذَا شَرط خَامِس. وأو بِمَعْنى الْوَاو وَيدخل مَعْطُوف على يفترقوا، وَفِيهِمْ يتَعَلَّق بِهِ وكبير فَاعله وَإِنَّمَا اشْترط عدم التَّفَرُّق وَعدم الدُّخُول (خوف أَن يبدلا) الْكَبِير الْكَيْفِيَّة وَيُعلمهُم كَيفَ يشْهدُونَ فَهُوَ مفعول لأَجله تَعْلِيل للافتراق وَالدُّخُول، وَلَو قَالَ: أَو يحضرا مَعَهم كَبِير خوف أَن يُغير السّلم مِمَّا يُوهِمهُ لفظ الدُّخُول من أَنه دخل فيهم بعد الْفَرَاغ من الْوَاقِعَة، لِأَن هَذَا إِنَّمَا تسْقط بِهِ شَهَادَتهم إِذا قضى مَا يُمكنهُ فِيهِ التَّعْلِيم وَلَا يُمكن عدلا، وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي (خَ) فَلَا يُنَاسب إِطْلَاقه وَمَا مر من أَن حُضُور الْكَبِير يسْقط الشَّهَادَة وَاضح إِن كَانَ الْكَبِير غير عدل، وإلاَّ عمل على شَهَادَته إِن شهد بِشَيْء للاستغناء بِشَهَادَتِهِ مَعَ يَمِين الْمُدَّعِي وينتظر بُلُوغه إِن كَانَ صَغِيرا وَلَو كَانَ الْكَبِير الْعدْل امْرَأتَيْنِ فَأكْثر لِأَنَّهُنَّ يجزن فِي الْخَطَأ وَعمد الصَّبِي خطأ قَالَه الْبَاجِيّ. وَإِن لم يشْهد بِشَيْء وَقَالَ: لَا أَدْرِي عمل بِشَهَادَة الصّبيان انْظُر (ح) وسادس الشُّرُوط الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام فَلَا تقبل شَهَادَة الصَّبِي العَبْد أَو الْكَافِر، وسابعها أَن يَتَعَدَّد فَلَا تقبل شَهَادَة الْوَاحِد مِنْهُم وَالْأول مَفْهُوم من قَوْله: وبشهادة لِأَن العَبْد الْكَبِير إِذا كَانَت شَهَادَته لَا تسمى شَهَادَة وَهِي كَالْعدمِ فأحرى الصَّغِير وَالثَّانِي من الْجمع فِي قَوْله: الصّبيان. وثامنها: أَن لَا يشْهدُوا على كَبِير أَوله وَهَذَا يفهم من قَوْله بَينهم. وتاسعها: أَن لَا يكون الشَّاهِد عدوا للْمَشْهُود عَلَيْهِ وَلَا قَرِيبا للْمَشْهُود لَهُ وَلَا مَعْرُوفا بِالْكَذِبِ وَسَوَاء كَانَت الْعَدَاوَة بَين الصّبيان أَو بَين آبَائِهِم وَرُبمَا يفهم هَذَا من قَوْله شَهَادَة على حسب مَا مر فِي الشَّرْط السَّادِس. وعاشرها: أَن يعاين الْبدن مقتولاً فَلَا تقبل شَهَادَتهم مَعَ فَقده كَمَا لَو سقط فِي بَحر وَلم يخرج مِنْهُ وَرُبمَا يشْعر بِهِ قَوْله فِي قتل إِذْ لَا يَتَّصِف الْمَقْتُول بِالْقَتْلِ على التَّحْقِيق إِلَّا بمعاينته مَيتا (خَ) إِلَّا الصّبيان لَا نسَاء فِي كعرس فِي جرح أَو قتل وَالشَّاهِد حر مُمَيّز ذكر تعدد لَيْسَ بعدو وَلَا قريب وَلَا خلاف بَينهم وَفرْقَة إِلَّا أَن يشْهد عَلَيْهِم قبلهَا وَلم يحضر كَبِير وَيشْهد عَلَيْهِ أَولا. وَلَا يقْدَح رجوعهم وَلَا تجريحهم الخ. وَالْمُنَاسِب للاختصار إِسْقَاط قَوْله: إِلَّا أَن يشْهد عَلَيْهِم قبلهَا لِأَن عدم الْفرْقَة إِنَّمَا اشْترط لمظنة التَّعْلِيم مَعَ وجودهَا وهم إِذا شهدُوا عَلَيْهِم قبلهَا انْتَفَت المظنة وَصدق عَلَيْهِم أَنهم مشهود عَلَيْهِم قبل الْفرْقَة فَمَا اسْتَثْنَاهُ مَفْهُوم من قَوْله وَلَا فرقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 تَنْبِيهَانِ الأول: مَا تقدم من أَن الدِّيَة فِي مَسْأَلَة الصّبيان الَّذين يَلْعَبُونَ فِي الْبَحْر على عواقلهم هُوَ مَذْهَب الإِمَام نَقله الْقَرَافِيّ فِي شرح الْجلاب. وَنقل ابْن يُونُس عَن رِوَايَة ابْن وهب مثله ثمَّ قَالَ بعده قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي ابْن الْمَوَّاز هَذَا أَي مَا قَالَه الإِمَام غلط، بل لَا تجوز يَعْنِي شَهَادَتهم فِي تِلْكَ الصُّورَة ولضعف مَا للْإِمَام صدر اللَّخْمِيّ بمقابله كَابْن فَرِحُونَ فِي أول الْقسم الثَّالِث من تبصرته قَائِلا لِأَن الصّبيان لَا إِقْرَار لَهُم قَالَ: فليسوا كالكبار السِّتَّة مثلا يَلْعَبُونَ فِي الْبَحْر فيغرق وَاحِد مِنْهُم فَيشْهد ثَلَاثَة مِنْهُم على اثْنَيْنِ أَنَّهُمَا غرقاه، وَيشْهد الِاثْنَان بعكس ذَلِك فَإِن الدِّيَة فِي أَمْوَالهم إِن قَالُوا عمدا وعَلى عاقلتهم إِن قَالُوا خطأ لأَنهم تقاروا أَن مَوته كَانَ من قبلهم وسببهم إِلَّا أَنهم تراموا بِهِ بِخِلَاف الصغار فَإِنَّهُم لَا إِقْرَار لَهُم فاستفيد من هَذَا تَرْجِيح القَوْل بِعَدَمِ الْجَوَاز كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم، وَإِن كَانَ اللَّخْمِيّ حكى قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَة الْكِبَار بالسقوط وَعَدَمه وَاخْتَارَ السُّقُوط وَهُوَ الظَّاهِر إِذْ لَا إِقْرَار هُنَا فِي الْحَقِيقَة وَلَا سِيمَا إِن لم يَكُونُوا عُدُولًا فَإِن كَانُوا عُدُولًا فَهُوَ من إِعْمَال شَهَادَة كل فريق على الآخر وَيجْرِي هَذَا الْخلاف فِيمَا إِذا قتلوا دَابَّة أَو كسروا آنِية وتراموا ذَلِك. الثَّانِي: لَو شهد صبيان فَأكْثر بِأَن الصَّبِي فلَانا قتل صَبيا آخر وَشهد عَدْلَانِ أَنه لم يقْتله بل مَاتَ بِسَبَب آخر فَقَوْلَانِ. بِتَقْدِيم شَهَادَة الصّبيان لِأَنَّهَا أوجبت حَقًا أَو العدلين وَاخْتَارَ اللَّخْمِيّ تَقْدِيم العدلين اه. ( فصل ) ذكر فِيهِ الْقسم الثَّانِي من أَقسَام الشَّهَادَات فَقَالَ: ثَانِيَةٌ تُوجِبُ حَقاً مَعْ قَسَمْ فِي المالِ أَو مَا آلَ لِلْمالِ تَؤَمْ (ثَانِيَة) مُبْتَدأ سوغه الْوَصْف أَي شَهَادَة ثَانِيَة (توجب) بِضَم التَّاء وَكسر الْجِيم (حَقًا) مفعول وَالْجُمْلَة خبر (مَعَ قسم) بِسُكُون الْعين يتَعَلَّق بتوجب أَي توجب هِيَ أَي الشَّهَادَة مَعَ الْقسم من الْمُدَّعِي الْحق الْمُدعى بِهِ (فِي المَال) يتَعَلَّق بتؤم (أَو مَا آل لِلْمَالِ) مَعْطُوف على مَا قبله (تؤم) أَي تقصد بِضَم التَّاء وَفتح الْهمزَة مَبْنِيّ للْمَفْعُول حَال من فَاعل توجب وَقَوله: أَو مَا آل لِلْمَالِ أَي إِلَيْهِ أَي كالأجل وَالْكَفَالَة وَالْخيَار وَالشُّفْعَة وَالْإِجَارَة وَقتل الْخَطَأ وجراحة وَأَدَاء كِتَابَة وإيصاء بِتَصَرُّف فِيهِ أَي المَال، أَو بِأَنَّهُ حكم لَهُ بِهِ قَالَه (خَ) . وَمعنى الْأَخير أَن من حكم لَهُ القَاضِي بِمَال ثمَّ أَرَادَ طلبه فِي غير مَحل الحكم وَعِنْده شَاهد وَاحِد أَو امْرَأَتَانِ على حكم القَاضِي فَإِنَّهُ يحلف وَيسْتَحق على الْمَشْهُور وَمُقَابِله ضَعِيف، وَإِن شهره ابْن الْحَاجِب وَفهم مِنْهُ أَن مَا لَيْسَ بِمَال وَلَا يؤول إِلَيْهِ لَا يثبت بِشَاهِد أَو امْرَأتَيْنِ مَعَ الْيَمين. وَيرد عَلَيْهِ مَا فِيهِ الْقصاص من جراح الْعمد فَإِنَّهُ يثبت بِمَا ذكر. وَأجِيب: بِأَن هَذَا اسْتِحْسَان وَالْقِيَاس خِلَافه، وَظَاهر قَوْله فِي المَال أَنه يثبت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 بِمَا ذكر، وَلَو أدّى لغير المَال وَهُوَ كَذَلِك كَشَهَادَة من ذكر بِأَن الْأمة قد أدَّت نُجُوم الْكِتَابَة أَو أَن ابْنهَا أَو زَوجهَا قد اشْتَرَاهَا فتؤدي إِلَى الْعتْق فِي الْأَوَّلين وَإِلَى الْفِرَاق فِي الثَّالِث كَمَا مرّ، وَكَذَا لَو شهد من ذكر بِاسْتِحْقَاق حدّ قذف فَإِن الْحَد يسْقط عَن قَاذفه وَأَحْرَى فِي الَّذِي يؤول لِلْمَالِ كَشَهَادَة من ذكر بدين على رجل وَقد أعتق عبدا لَا يملك غَيره، فَإِن الْعتْق يرد وَيرجع العَبْد إِلَى الْملك، وَاخْتلف هَل يحلف الْمَشْهُود لَهُ مَعَ شَاهده قبل الْإِعْذَار أَو حَتَّى يعْذر للمطلوب فِيهِ لِئَلَّا تذْهب يَمِينه بَاطِلا وَهُوَ الصَّحِيح؟ قَولَانِ: مَا قَالَه أَبُو الْحسن فِي كتاب الْجِنَايَات. قَالَ: بذلك وَقعت الْفَتْوَى بسؤال أَتَى من سبتة اه. وَنَقله ابْن رحال فِي شَرحه وَقَالَ بعده: وَكَذَا يَمِين الِاسْتِحْقَاق فَإِن هَذِه الْعلَّة جَارِيَة فِيهِ لِأَن الْمُسْتَحق من يَده رُبمَا يخرج بِبَيِّنَة الْمُسْتَحق فتذهب يَمِينه بَاطِلا اه. وَقَوله: بِيَمِين الِاسْتِحْقَاق نَحوه فِي المعيار عَن بَعضهم وعللوه بِمَا مرّ وَهُوَ خلاف قَول النَّاظِم الْآتِي وَفِي سواهَا قبل الْإِعْذَار بِحَق الخ، وَإِذا فرعنا على الصَّحِيح فَإِنَّمَا ذَلِك ابْتِدَاء فَإِذا وَقع مضى فَمن اسْتحق دَابَّة مثلا وأتى بهَا إِلَى بَلَده وأثبتها وحلفه قَاضِي بَلَده يَمِين الِاسْتِحْقَاق فَإِنَّهَا تُجزئه ويعذر للْمُسْتَحقّ مِنْهُ فِي الْبَيِّنَة إِن طلب ذَلِك فَإِن عجز أَو لم يطْلب الْقدح اكْتفى بِتِلْكَ الْيَمين، وَكَذَا يُقَال فِي الْيَمين مَعَ الشَّاهِد وَالله أعلم. ثمَّ إِن هَذَا الْقسم الَّذِي يُوجب الْحق مَعَ الْقسم تَحْتَهُ أَرْبَعَة أَنْوَاع. أَشَارَ لأولها بقوله: شَهادَةُ العَدْلِ لمِنْ أقامَهْ وامْرَأتانِ قامَتا مَقَامَهْ (شَهَادَة الْعدْل) الْوَاحِد مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي من ذَلِك شَهَادَة الْعدْل الخ. أَو وَهِي شَهَادَة الْعدْل (لمن) يتَعَلَّق بِشَهَادَة (أَقَامَهُ) صلَة من أَي شهد لَهُ بِمِائَة من سلف مثلا أَو إِن البيع بَينهمَا بِخِيَار أَو نَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ يحلف مَعَه وَيسْتَحق. ولثانيها بقوله: (وَامْرَأَتَانِ) عدلتان مُبْتَدأ خَبره (قامتا مقَامه) بِفَتْح الْمِيم ظرف من قَامَ الثلاثي وضميره يعود على الْعدْل، وَأما بضَمهَا فَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 من أَقَامَ الرباعي أَي قامتا مقَامه فِي ثُبُوت الْحق بِشَهَادَتِهِمَا مَعَ الْيَمين، وَيجوز أَن يكون قَوْله امْرَأَتَانِ بِأَلف التَّثْنِيَة مُبْتَدأ حذف خَبره أَو خبر لمبتدأ مُضْمر أَي من ذَلِك أَو هِيَ امْرَأَتَانِ أَي شَهَادَتهمَا بِحَذْف الْمُضَاف وَإِقَامَة الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه وَالْجُمْلَة بعده صفة أَي من صفتهما قامتا مقَامه فِي الاتصاف بِالْعَدَالَةِ فَهُوَ من عطف الْجمل فِي هَذِه الْوُجُوه، وَإِمَّا على نُسْخَة الْيَاء إِن صحت فَوَاضِح عطفه على الْعدْل فَهُوَ من عطف الْمُفْردَات. وَقَوله: وَامْرَأَتَانِ أَي فَأكْثر وَلَو كن مائَة فهن بِمَنْزِلَة الْعدْل الْوَاحِد قَالَ فِي الرسَالَة: وَمِائَة امْرَأَة كامرأتين وَذَلِكَ كَرجل وَاحِد الخ. قَالَ شراحها: يُرِيد أَو أَكثر من مائَة وَكَانَ الغبريني يَقُول: إِذا بلغن هَذَا الْعدَد خرجن من بَاب الشَّهَادَة إِلَى بَاب الانتشار المحصل للْعلم وَانْظُر (ق) عِنْد قَوْله: وَبِمَا لَيْسَ بِمَال الخ. وَظَاهر قَوْله: توجب الْحق الخ. أَن صَاحب الشَّاهِد وَالْيَمِين يحاصص مَعَ ذِي الشَّاهِدين لِأَن كلاًّ من الْحَقَّيْنِ ثَابت وَهُوَ كَذَلِك، وَظَاهره أَيْضا جَوَازهَا فِي المَال وَمَا يؤول إِلَيْهِ وَلَو شاركهما مَا لَيْسَ بِمَال وَلَا آيل إِلَيْهِ كَشَهَادَة امْرَأتَيْنِ مثلا بدين وَطَلَاق أَو بِوَصِيَّة بِمَال وَعتق فَتبْطل فِي الطَّلَاق وَالْعِتْق دون المَال وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور من أَن الشَّهَادَة إِذا جَازَ بَعْضهَا للسّنة جَازَ مِنْهَا مَا أجازته دون غَيره. تَنْبِيه: إِذا نكل عَن الْيَمين مَعَ شَاهده فَوجدَ ثَانِيًا لم يعلم بِهِ بعد تَحْلِيف خَصمه أَو قبله ضم إِلَى الأول وَقضى لَهُ بِغَيْر يَمِين وَلَيْسَ نُكُوله تَكْذِيبًا لشهادة الأول، وَكَذَا لَو نكل مَعَ شَاهده فِي حق لم يمنعهُ نُكُوله أَن يحلف مَعَه إِذا شهد لَهُ فِي حق آخر وَلَا يَرث من أَقَامَ شَاهدا أَو امْرَأتَيْنِ بِمَوْت فلَان وَأَنه وَارثه مَعَ الثَّابِت النّسَب بِشَاهِدين. نعم إِن لم يكن لَهُ وَارِث ثَابت النّسَب حلف من ذكر وَاسْتحق المَال لَا النّسَب، وَكَذَا الْمَرْأَة تقيم امْرَأتَيْنِ أَو شَاهدا على النِّكَاح بعد مَوته فَإِنَّهَا تحلف وتستحق على قَول ابْن الْقَاسِم خلافًا لما يُوهِمهُ كَلَام ابْن فَرِحُونَ فِي الْبَاب الثَّالِث من الْقسم الثَّانِي من أَنه لَا بُد من عَدْلَيْنِ مُطلقًا إِلَّا فِي حصر الْوَرَثَة فَيَكْفِي الشَّاهِد وَالْيَمِين، لِأَن ذَلِك لَا يجْرِي إِلَّا على قَول أَشهب كَمَا ذكره هُوَ فِي الْمحل الْمَذْكُور. فَإِن قلت: فَمَا بَال الشُّرَّاح تواطؤوا على اعْتِرَاض قَول (خَ) فِي الِاسْتِلْحَاق وَعدل يحلف مَعَه وَيَرِث وَلَا نسب الخ. تبعا لاعتراض ابْن عَرَفَة وضيح على قَول ابْن الْحَاجِب، وَعدل يحلف مَعَه ويشاركهما وَلَا نسب الخ. وهلا حملُوا كَلَامهمَا على مَا إِذا لم يكن للْمَيت وَارِث ثَابت النّسَب؟ قلت: لما فرض ابْن الْحَاجِب الْمَسْأَلَة فِي الْوَلَدَيْنِ لزم مُطلقًا حُصُول الْوَارِث الْمَعْرُوف وَهِي مُتَّفق فِيهَا على عدم الْإِرْث، وَبِهَذَا أَيْضا يَتَّضِح مَا اعْترض بِهِ الشُّرَّاح قَول (خَ) فِي الِاسْتِلْحَاق، وَبِمَا جزم بِهِ فِي الشَّهَادَات من أَن مَا لَيْسَ بِمَال وَهُوَ آيل إِلَى المَال يَكْفِي فِيهِ الشَّاهِد والمرأتان أَو أَحدهمَا مَعَ الْيَمين، وَمثله بقوله: وَنِكَاح بعد موت أَو سبقيته وَلَا زَوْجَة وَلَا مُدبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 الخ. ثمَّ قَالَ فِي الْعتْق: وَالْوَلَاء أَن الشَّاهِد بِالْقطعِ أَو الشَّاهِدين على السماع بِالنّسَبِ يثبت بهما المَال مَعَ الْيَمين أَي لتقييد مَا فِي الشَّهَادَات وَالْعِتْق وَالْوَلَاء بِمَا إِذا لم يكن للْمَيت وَارِث ثَابت النّسَب وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِك التَّقْيِيد فِي كتاب الِاسْتِلْحَاق لفرض ابْن الْحَاجِب وَقَرِيب مِنْهُ كَلَام (خَ) الْمَسْأَلَة مَعَ وجود الْوَارِث الثَّابِت النّسَب، وَقد علم من هَذَا أَن الْمَوْت يثبت بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين بِاعْتِبَار الْإِرْث كَمَا مرّ عَن (خَ) . وَقد صرح ابْن رحال فِي حَاشِيَته بِأَنَّهُ الْمَذْهَب وَأَحْرَى مَعَ حصر الْوَرَثَة كَمَا مرّ عَن ابْن فَرِحُونَ، وَتقدم فِي الْفَصْل قبله عَن اللَّخْمِيّ وَمَفْهُوم قَوْله بعد موت أَنه فِي الْحَيَاة لَا يثبت بذلك وَهُوَ كَذَلِك. فَإِن قلت: هُوَ فِي الْحَيَاة لَيْسَ بِمَال وَلكنه يؤول لِلْمَالِ وَهُوَ الصَدَاق، وَحِينَئِذٍ فَالْوَاجِب أَن يثبت بِمَا ذكر. قُلْنَا: هُوَ يؤول لِلْمَالِ وَلغيره من الزَّوْجِيَّة ولواحقها من النّسَب وَغَيره لَا لِلْمَالِ فَقَط، فَلَو أعملنا فِيهِ الشَّاهِد وَالْيَمِين أدّى إِلَى التَّنَاقُض وَهُوَ الإعمال فِي المَال وَعدم الإعمال فِي الزَّوْجِيَّة فَتكون الشَّهَادَة عاملة غير عاملة قَالَه القلشاني. وتأمله مَعَ قَوْلهم الْمَعْرُوف من الْمَذْهَب أَن الشَّهَادَة إِذْ رد بَعْضهَا للسّنة صحت فِي غَيره كمن شهد فِي وَصِيَّة بِعِتْق وَمَال لرجل تبطل فِي الْعتْق، وَتَصِح فِي المَال للرجل نَقله ابْن عَرَفَة. وَمثله قَول (خَ) وَالْمَال دون الْقطع فِي سَرقَة كَقَتل عبدا آخر الخ. فَلم لَا يُقَال تصح فِي الصَدَاق وَتبطل فِي الزَّوْجِيَّة ولواحقها إِلَّا أَن يُقَال الصَدَاق فرع النِّكَاح فَلَا يثبت إِلَّا حَيْثُ يثبت أَصله. تَنْبِيه: الحكم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين مِمَّا خَالف فِيهِ أهل الأندلس مَذْهَب الإِمَام مَالك كَمَا مرّ مَعَ نَظَائِره. قَالَ ابْن لبَابَة: اخْتِلَاف الْعلمَاء وَمَا ذهب إِلَيْهِ مَالك فِي الشَّاهِد وَالْيَمِين مَعْرُوف وقضاتنا لَا يرَوْنَ ذَلِك. وَقَالَ ابْن الْقصار فِي اخْتِصَار مسَائِل الْخلاف للْقَاضِي عبد الْوَهَّاب: كل مَوضِع قبل فِيهِ شَاهد وَامْرَأَتَانِ قبل فِيهِ الشَّاهِد وَالْيَمِين عندنَا، وَعند الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر وَدَاوُد وَهُوَ قَول أبي بكر وَعلي وَالْفُقَهَاء السَّبْعَة وَشُرَيْح، وَقَالَ اللَّخْمِيّ وَابْن أبي ليلى وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: لَا يجوز الحكم بِالشَّاهِدِ يَعْنِي أَو الْمَرْأَتَيْنِ مَعَ الْيَمين وَإِن حكم قَاض بذلك نقض حكمه وَهُوَ بِدعَة وَبِذَلِك قَالَ الزُّهْرِيّ قَالَ: وَالْحكم بِهِ بِدعَة وَأول من قضى بِهِ مُعَاوِيَة اه. فَأطلق كالناظم فَظَاهره كَانَ مبرزاً أم لَا، وَهُوَ كَذَلِك على الْمُعْتَمد كَمَا أطلق فِي ذَلِك (خَ) وَغَيره، خلافًا لِابْنِ عبد الحكم فِي أَن ذَلِك إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُبين الْعَدَالَة لَا غير. ولثالثها بقوله: وَهَا هُنا عنَّ شاهِدٍ قد يُغْني إرْخَاءُ سِتْرٍ واحْتيازُ رَهْنِ (وَهَهُنَا عَن شَاهد) يتَعَلَّق بقوله: (قد يُغني) وَقد للتحقيق لِكَثْرَة ذَلِك (إرخاء ستر) فَاعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 يُغني (واحتياز رهن) مَعْطُوف على مَا يَلِيهِ. واليَدُ مَعْ مُجَرَّدِ الدَّعْوى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; أَو أنْ تَكَافَأتْ بَيِّنَتان فاسْتَبِنْ (وَالْيَد) بِالرَّفْع مَعْطُوف على إرخاء (مَعَ مُجَرّد الدَّعْوَى) فِي مَحل نصب على الْحَال من الْيَد (أَو أَن) بِفَتْح الْهمزَة وَنقل حركتها للواو (تكافأت بينتان) الْجُمْلَة فِي تَأْوِيل مصدر مَعْطُوف على مُجَرّد أَي الْيَد مَعَ مُجَرّد الدَّعْوَى أَو تكافىء الْبَيِّنَتَيْنِ، وَفِي بعض النّسخ وَإِن بِكَسْر الْهمزَة وَالْوَاو الَّتِي بِمَعْنى أَو فَهِيَ شَرط مَعْطُوف على مَعَ مَدْخُول الْيَد، وَفعله الْجُمْلَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل من تكافأت بينتان وَالْجَوَاب مَحْذُوف لدلَالَة مَا تقدم عَلَيْهِ، إِذْ الْمَعْنى وَإِن تكافأت الْبَيِّنَتَانِ فاليد تغني. (فاستبن) تتميم. والمُدَّعى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; عَلَيْهِ يَأْبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; القَسَما وَفِي سِو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ى ذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; لِكَ خُلْفٌ عُلِما (وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ) مَعْطُوف على إرخاء (يَأْبَى القسما) حَال من الْمَعْطُوف الْمَذْكُور، فَهَذِهِ أَمْثِلَة خَمْسَة للشَّاهِد الْعرفِيّ وَهُوَ بَيَان لقَوْله فِيمَا مر: وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من قد عضدا مقاله عرف أَو أصل شَهدا وَكَأَنَّهُ عقد فِي هَذِه الأبيات قَول المتيطي مَا نَصه: وَأما الشَّهَادَة الَّتِي توجب الْمَشْهُود بِهِ مَعَ الْيَمين فَإِنَّهَا أَقسَام أَحدهَا: شَاهد عدل أَو امْرَأَتَانِ فِي الْأَمْوَال، ثمَّ قَالَ: وَالثَّالِث مَا يقوم مقَام الشَّاهِد من الرَّهْن وإرخاء السّتْر ونكول الْمُدعى عَلَيْهِ وَمَعْرِفَة العفاص والوكاء وَالْيَد مَعَ مُجَرّد الدَّعْوَى أَو مَعَ تكافىء الْبَيِّنَتَيْنِ وَمَا أشبه ذَلِك اه. فأسقط مِنْهُ المُصَنّف معرفَة العفاص والوكاء لترجيح عدم الْيَمين فيهمَا وأدخلهما مَعَ غَيرهمَا فِي قَوْله: (وَفِي سوى ذَلِك) يتَعَلَّق بعلما (خلف) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 مُبْتَدأ (علما) خَبره فَأَشَارَ (خَ) لأولها بقوله: وصدقت فِي خلْوَة الاهتداء وَإِن بمانع شَرْعِي الخ. وَالْمرَاد بإرخاء السّتْر مُجَرّد الْخلْوَة وَإِن لم يكن هُنَاكَ ستر وَلَا غلق بَاب، وَلذَا كَانَت الْمَغْصُوبَة تحمل بِبَيِّنَة مصدقة كَالزَّوْجَةِ فِي دَعْوَى الْوَطْء وَلكُل مِنْهُمَا الصَدَاق كَامِلا. وَيَكْفِي فِي ثُبُوت خلْوَة الاهتداء وَالْغَصْب شَاهد أَو امْرَأَتَانِ مَعَ الْيَمين لِأَنَّهَا دَعْوَى تؤول إِلَى المَال، وَأما بِاعْتِبَار الْعدة والاستبراء وَقد أنْكرت الْخلْوَة وَالْوَطْء فَلَا بُد من عَدْلَيْنِ وَبِاعْتِبَار حد الْغَاصِب لَا بُد من أَرْبَعَة. ولثانيها بقوله: ولراهن بِيَدِهِ رَهنه، وَقَوله: هُوَ كالشاهد فِي قدر الدّين لِأَن معنى مَا فِي النّظم أَن احتياز الرَّهْن شَاهد للرَّاهِن بِدفع الدّين وللمرتهن بِقدر دينه، فَإِذا حازه الرَّاهِن بعد أَن كَانَ بيد الْمُرْتَهن فَهُوَ شَاهد بِالدفع، وَإِن كَانَ لَا زَالَ محوزاً بيد الْمُرْتَهن فَهُوَ شَاهد بِقدر الدّين، ولثالثها بقوله: وبيد ان لم ترجح بَيِّنَة مُقَابِله، فَقَوله: إِن لم ترجح قَضِيَّة سالبة لَا تَقْتَضِي وجود الْمَوْضُوع فَتصدق بِمَا إِذا لم تُوجد بَيِّنَة فِي مُقَابلَة الْيَد أصلا، وَإِنَّمَا هُنَاكَ مُجَرّد الدَّعْوَى أَو وجدت وتكافأت مَعَ بَيِّنَة ذِي الْيَد فيتساقطان كَمَا أَشَارَ لَهُ بعد بقوله: وَإِن تعذر التَّرْجِيح سقطتا. وَبَقِي بيد حائزه وَهُوَ الْمِثَال الرَّابِع فِي النّظم ولخامسها بقوله: وَإِن نكل فِي مَال وَحقه اسْتحق بِهِ بِيَمِين إِن حقق فضمير نكل للمطلوب وضميراستحق وحقق للطَّالِب وَضمير بِهِ للنكول، وَمَفْهُوم إِن حقق أَنه فِي دَعْوَى الاتهام يسْتَحق بِمُجَرَّد النّكُول فَقَوْل النَّاظِم: يَأْبَى القسما أَعم من أَن يكون فِي دَعْوَى تَحْقِيق أَو اتهام إِلَّا أَن النّكُول فِي الاتهام كشاهدين لَا كشاهد فَقَط، قَالَ ابْن شَاس: وَإِذا قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا أَحْلف أَو أَنا ناكل أَو قَالَ للْمُدَّعِي: احْلِف أَنْت وَتَمَادَى على الِامْتِنَاع فقد تمّ نُكُوله فَإِذا قَالَ بعد ذَلِك: أَنا أَحْلف لم يقبل مِنْهُ اه وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَلَا يُمكن مِنْهَا ان نكل وَقَالَ قبله: وَلَيْسَ للْحَاكِم حكمه أَي حكم النّكُول بِأَن يشْرَح للمطلوب مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ، وَأَنه إِن نكل حلف الطَّالِب وَاسْتحق وَأَنه لَا يقبل مِنْهُ الرُّجُوع للْيَمِين، وَظَاهره كعبارة الْمُدَوَّنَة الْوُجُوب وَعَلِيهِ فَهُوَ شَرط فِي صِحَة الحكم كالإعذار. كَمَا قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه: وَهُوَ الْحق وَلَعَلَّ مَحل الْوُجُوب إِذا كَانَ الْمَطْلُوب يجهل حكمه، وَرُبمَا أشعر قَول النَّاظِم: يَأْبَى القسما أَن الطَّالِب إِذا امْتنع من الْحلف مَعَ شَاهده فنكوله شَاهد للمطلوب فَيحلف وَيبرأ لِأَن الطَّالِب بشاهده صَار فِي معنى الْمُدعى عَلَيْهِ، ثمَّ إِن الْإِشَارَة فِي قَول النَّاظِم: ذَلِك الخ. رَاجِعَة لما مرّ من الْأَمْثِلَة فَيشْمَل العفاص والوكاء فِي اللّقطَة (خَ) ورد بِمَعْرِِفَة مشدود فِيهِ وَبِه وعدده بِلَا يَمِين، وَقَالَ فِي النِّكَاح: وَقبل دَعْوَى الْأَب فَقَط فِي إعارته لَهَا فِي السّنة بِيَمِين وصدقت فِي انْقِضَاء عدَّة الإقراء والوضع بِلَا يَمِين مَا أمكن والغمط وَالْعقد فِي الْحِيطَان، وَدَعوى الشّبَه فِي الْبياعَات كَقَوْلِه فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين وَصدق مُشْتَر ادّعى الْأَشْبَه وَإِن اخْتلفَا فِي انْتِهَاء الْأَجَل، فَالْقَوْل لمنكر التقضي. وَفِي قبض الثّمن أَو السّلْعَة فَالْأَصْل بقاؤهما وَالْقَوْل لمُدعِي الصِّحَّة وَقَوله فِي الْعُيُوب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 وَالْقَوْل للْبَائِع فِي الْعَيْب أَو قدمه إِلَّا بِشَهَادَة عَادَة للْمُشْتَرِي وَفِي الوكالات، وَالْقَوْل لَهُ إِن ادّعى الْإِذْن أَو صفة لَهُ وَصدق فِي الرَّد كَالْمُودعِ، وَفِي الْإِجَارَات وَالْقَوْل للْأَجِير أَنه وصل كتابا أَو خُولِفَ فِي الصّفة أَو فِي الْأُجْرَة إِن أشبه وَحَازَ إِلَى غير ذَلِك، فالمغني عَن الشَّاهِد الْحَقِيقِيّ أحد أَمريْن الأَصْل أَو الْعرف، وَذَلِكَ شَائِع فِي أَبْوَاب الْفِقْه كَمَا ترى فَقَوله: خلف أَي فِي الرَّاجِح فالشاهد الْعرفِيّ وَإِن اخْتلف فِيهِ من أَصله هَل هُوَ كشاهد أَو شَاهِدين، لَكِن اخْتلف الرَّاجِح باخْتلَاف أَفْرَاده فَكَأَنَّهُ يَقُول هَذِه الْأَمْثِلَة الرَّاجِح فِيهَا أَنَّهَا كشاهد وَفِي سواهَا اخْتلف الرَّاجِح باخْتلَاف الْأَفْرَاد فَفِي بَعْضهَا الرَّاجِح أَنه كشاهدين فَلَا يَمِين كاللقطة وانقضاء الْعدة والنكول فِي التُّهْمَة وَبعد الْقلب كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده وَنَحْو ذَلِك وَفِي بَعْضهَا أَنه كشاهد فَقَط كالأمثلة الْبَاقِيَة. انْظُر شرح المنجور لمنهج الزقاق، وَمن الْأَفْرَاد الَّتِي الرَّاجِح فِيهَا أَنه كشاهدين نُكُول الْمُدَّعِي بعد نُكُول الْمُدعى عَلَيْهِ كَمَا قَالَ: [وَلَا يَمِينَ مَعْ نُكُولِ المُدَّعي بَعْدُ ويُقْض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ى بِسُقُوطِ مَا ادُّعِي (وَلَا) نَافِيَة للْجِنْس (يَمِين) اسْمهَا وَلَو فَرعه بِالْفَاءِ المفيدة لكَونه من أَفْرَاد قَوْله خلف لَكَانَ أظهر (مَعَ نُكُول الْمُدَّعِي) خَبَرهَا (بعد) ظرف مَقْطُوع يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من نُكُول أَي: لَا يَمِين على الْمَطْلُوب ثَابِتَة مَعَ نُكُول الْمُدَّعِي حَال كَونه كَائِنا بعد نُكُول الْمَطْلُوب وَعكس كَلَام النَّاظِم، وَهُوَ أَن ينكل الْمَطْلُوب بعد نُكُول الطَّالِب من الْحلف مَعَ شَاهده كَذَلِك، وَهُوَ معنى قَوْلهم: النّكُول بِالنّكُولِ تَصْدِيق للناكل الأول، وَظَاهره أَنه لَا يَمِين على الْمَطْلُوب سَوَاء قلب الْيَمين المتوجبة عَلَيْهِ على الطَّالِب فَقَالَ لَهُ: احْلِف أَنْت وَلَك مَا تدعيه أَو لم يقلبها، وَلَكِن قَالَ: أَنا لَا أَحْلف أَو تَمَادى على الِامْتِنَاع فنكل الطَّالِب أَيْضا وَهُوَ كَذَلِك، وَيتم نُكُول الْمُدَّعِي هُنَا بِمَا يتم بِهِ نُكُول الْمَطْلُوب فِي الْبَيْت قبله، وَإِذا تمّ نُكُوله بِمَا مرّ فَلَا يُمكن مِنْهَا إِن أقلع عَن نُكُوله كَمَا مر عَن (خَ) وَابْن شَاس وَهُوَ معنى قَوْله: (وَيَقْضِي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (بِسُقُوط) نَائِبه (مَا) مَصْدَرِيَّة أَو مَوْصُولَة (ادعِي) صلتها أَي دَعْوَاهُ أَو الَّذِي ادَّعَاهُ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يجد بَيِّنَة بعد نُكُوله فَلَا يسْقط حَقه حِينَئِذٍ كَمَا فِي التَّبْصِرَة وَظَاهر قَوْله بعد أَي بعد نُكُوله كَانَ مَعَ الْقلب أَو بِدُونِهِ أَن لَهُ الْقلب وَلَو كَانَ الْتزم حَلفهَا كَمَا أَفَادَهُ (ح) بقوله بِخِلَاف مدعى عَلَيْهِ التزمها، ثمَّ رَجَعَ الخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وَهَذَا قَول أبي عمرَان، وَعلله بِأَن الْتِزَامه لَا يكون أَشد من إِلْزَام الله إِيَّاه فَإِن كَانَ لَهُ أَن يرد الْيَمين ابْتِدَاء مَعَ إِلْزَام الله لَهُ إِيَّاهَا فالتزامه هُوَ تَأْكِيد فَقَط لَا يُؤثر شَيْئا. ورده اللَّقَّانِيّ فِي حَوَاشِي ضيح بِأَنا لَا نسلم أَن الله ألزمهُ الْيَمين بل خَيره بَينهَا وَبَين ردهَا على الْمُدَّعِي، وَمن التزمها فقد أسقط حَقه من ردهَا اه. وَنَحْوه لِابْنِ رحال فِي شَرحه قَائِلا لِأَن الْمَذْهَب أَن من الْتزم حَقًا لغيره لزمَه بالْقَوْل وَهُوَ قد الْتزم أَن لَا ينْتَقل عَن الْيَمين إِلَى قَلبهَا، وَالْمُدَّعِي لَهُ حق فِي عدم الْقلب، فَكيف يَصح تَعْلِيل أبي عمرَان لمن أنصف، وَإِنَّمَا يجْزم بقول ابْن الْكَاتِب الْقَائِل بِأَن الِالْتِزَام الْمَذْكُور يسْقط حَقه من ردهَا. قَالَ: وتعليل أبي عمرَان مَأْخُوذ من لفظ الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر، وَذَلِكَ غير مُفِيد لِأَن ذَلِك مَحْمُول على الْخِيَار بِلَا خلاف، وَأَيْضًا يلْزم عَلَيْهِ أَن الْمُدَّعِي يلْزمه إِقَامَة الْبَيِّنَة مَعَ أَنه يجوز لَهُ تَركهَا وَيحلف الْمَطْلُوب اه بِاخْتِصَار. قلت: وَالْحَاصِل أَن الْمُدعى عَلَيْهِ الْتزم هُنَا الْحلف والناكل فِيمَا مرّ الْتزم عَدمه، وبالالتزام الْمَذْكُور فِي الصُّورَتَيْنِ يتَعَلَّق حق الْخصم إِذْ من الْتزم شَيْئا فقد أسْقطه حَقه من غَيره، فَابْن الْكَاتِب طرد الحكم فيهمَا وَأَبُو عمرَان فصل بِمَا ترى وَهُوَ محجوج بِمَا مرّ، وَلذَا درج ناظم الْعَمَل على مَا لِابْنِ الْكَاتِب فَقَالَ: والخصم يخْتَار الْيَمين وَنكل فَمَا لقلبها سَبِيل أَو مَحل وَيُؤَيِّدهُ مَا يَأْتِي عَن التَّبْصِرَة عِنْد قَوْله يسوغ قَلبهَا وَمَا إِن تقلب الخ. وَمَفْهُوم قَول النَّاظِم مَعَ نُكُول الْمُدَّعِي الخ أَنه إِذا لم ينكل وَإِنَّمَا سكت سكُوتًا لَا يعد بِهِ ناكلاً عرفا لم يسْقط حَقه وَيُمكن من الْيَمين (خَ) : وَإِن ردَّتْ على مُدع وَسكت زَمنا فَلهُ الْحلف الخ. وَلَا مَفْهُوم لقَوْله: مُدع، وَلذَا قيل لَو قَالَ وَلَو سكت من تَوَجَّهت عَلَيْهِ زَمنا الخ. تَنْبِيه: تقدم أَن من صور النّكُول أَن يَقُول: من تَوَجَّهت عَلَيْهِ الْيَمين من طَالب أَو مَطْلُوب احْلِف أَنْت وَإنَّهُ إِن أَرَادَ أَن يقْلع عَن رِضَاهُ وَيرجع إِلَى الْيَمين لَا يُمكن كَمَا مرّ وَيبقى النّظر إِذا أَرَادَ أَن يُقيم الْبَيِّنَة على دَعْوَاهُ فَأفْتى ابْن عتاب بِأَن لَهُ ذَلِك قَالَ: وَلَيْسَ قَوْله رضيت بيمينك إِسْقَاطًا لبينته بل حَتَّى يفصح وَيُصَرح بإسقاطها، وَبِه قرر الشُّرَّاح قَول (خَ) وَإِن استحلفه وَله بَيِّنَة حَاضِرَة أَو كَالْجُمُعَةِ يعلمهَا لم تسمع أَي وَإِن حلفه بِالْفِعْلِ وَله بَيِّنَة الخ. وَأفْتى ابْن رَشِيق بِأَن رِضَاهُ بِالْيَمِينِ مَعَ علمه بِالْبَيِّنَةِ الْحَاضِرَة يُوجب عدم رُجُوعه إِلَيْهَا وَهُوَ ظَاهر إطلاقات الشُّرَّاح عِنْد قَول (خَ) فِي الْإِقْرَار كَانَ حلف فِي غير الدَّعْوَى لأَنهم قَالُوا: إِن قَالَ لَهُ فِي الدَّعْوَى: احْلِف وَخذ فَلَا رجوح لَهُ، وَقد ألم الْبُرْزُليّ فِي الْحمالَة بِجَمِيعِ ذَلِك. قلت: وَهُوَ الظَّاهِر فَمَا مر عَن ابْن الْكَاتِب يَنْبَغِي اعْتِمَاده لِأَن رِضَاهُ الْتِزَام أَي لِأَنَّهُ لما رَضِي بِالْيَمِينِ أسقط حَقه من الْبَيِّنَة كَمَا أَن من قلب الْيَمين أسقط حَقه مِنْهَا كَمَا مرّ فَلَيْسَ لكل مِنْهُمَا الرُّجُوع إِلَى مَا أسقط حَقه مِنْهُ، وَلما ذكر ابْن نَاجِي فِي شرح الرسَالَة قَول الْمُدَوَّنَة إِذا استحلفه وَهُوَ عَالم بِبَيِّنَتِهِ تَارِكًا لَهَا لم يكن لَهُ قيام بهَا قَالَ مَا نَصه: إِلَّا أَن قَوْله تَارِكًا لَهَا. قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيم: سَقَطت فِي بعض الْمَوَاضِع فَقيل: اخْتِلَاف. قلت: وعَلى القَوْل باشتراطه فَهَل المُرَاد تَصْرِيحًا أَو إعراضه كَاف وَعَلِيهِ الْأَكْثَر فِي ذَلِك؟ تَأْوِيلَانِ. حَكَاهُمَا عِيَاض اه. فنسب للْأَكْثَر مثل مَا لِابْنِ رَشِيق، كَذَا وجدت بِخَط أبي الْعَبَّاس الملوي وَهَذَا كُله إِذا رَضِي الْيَمين مَعَ علمه بهَا، وَأما إِن حلفه بِالْفِعْلِ، وَأَرَادَ الْقيام بِالْبَيِّنَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 بعد ذَلِك فَالْمَشْهُور كَمَا مرّ عَن (خَ) عدم الْقيام بهَا إِلَّا إِن كَانَ لَا يعلمهَا كَمَا قَالَ أَيْضا: فَإِن نفاها واستحلفه فَلَا بَيِّنَة إِلَّا لعذر كنسيان الخ. وَالْمَشْهُور أَيْضا أَنه لَا يعْذر وَلَو مَعَ النسْيَان كَمَا مرّ قبل بَاب الشَّهَادَات. ولرابع الْأَقْسَام الَّتِي توجب الْحق بِيَمِين بقوله: وغالِبُ الظَّنَّ بِهِ الشَّهادَهْ بِحيْثُ لَا يَصحُّ قَطْعُ عَادَهْ (وغالب الظَّن) مَعْطُوف على قَوْله شَهَادَة الْعدْل (بِهِ الشَّهَادَة) مُبْتَدأ وَخبر، وَالْجُمْلَة فِي مَحل نصب حَال من غَالب (بِحَيْثُ) ظرف مَكَان يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (لَا يَصح قطع) فَاعل يَصح، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (عَادَة) مَنْصُوب على إِسْقَاط الْخَافِض وَالتَّقْدِير وَهِي شَهَادَة الْعدْل وَشَهَادَة غَالب الظَّن فِي حَال كَون الشَّهَادَة كائنة بِهِ أَي بِسَبَبِهِ فِي الْمَكَان الَّذِي لَا يَصح فِي الْعَادة الْقطع فِيهِ، وَيجوز أَن يكون غَالب مُبْتَدأ والظرف مُتَعَلق بِهِ، وَالشَّهَادَة مُبْتَدأ ثَان وَالْمَجْرُور خَبره، وَالْجُمْلَة خبر الأول وَالتَّقْدِير وغالب الظَّن فِي الْمَكَان الَّذِي لَا يَصح الْقطع فِيهِ الشَّهَادَة عاملة بِهِ كَذَلِك أَي مَعَ الْقسم فَيكون من عطف الْجمل وَلَيْسَ فِيهِ الْفَصْل بأجنبي لِأَن الْجُمْلَة خبر وَهِي معمولة للمبتدأ الَّذِي تعلق بِهِ الظّرْف، وَلَك أَن تجْعَل الظّرْف فِي هَذَا الْوَجْه حَالا من الْمُبْتَدَأ الأول، وَقَوله: بِحَيْثُ لَا يَصح أَي كَشَهَادَة عَدْلَيْنِ بِاعْتِبَار الْمديَان وضرر الزَّوْجَيْنِ والرشد وضده وَاسْتِحْقَاق الْملك وَحصر الْوَرَثَة وَكَون الزَّوْج غَابَ وَتركهَا بِغَيْر نَفَقَة وَالتَّعْدِيل والتعريف بالخط وَنَحْو ذَلِك. قَالَ فِي الفروق: مدارك الْعلم الَّتِي لَا يسْتَند إِلَيْهَا الشَّاهِد أَرْبَعَة: الْعقل وَأحد الْحَواس الْخمس وَالنَّقْل الْمُتَوَاتر وَالِاسْتِدْلَال فَتجوز الشَّهَادَة بِمَا علم بِأحد هَذِه الْوُجُوه، ثمَّ قَالَ فِي الْجَوَاهِر مَا لَا يثبت بالحس بل بقرائن الْأَحْوَال كالإعسار يدْرك بالخبرة الْبَاطِنَة بقرائن الصَّبْر على الْجُوع وَالضَّرَر يَكْفِي فِيهِ الظَّن الْقَرِيب من الْيَقِين (خَ) : وَاعْتمد فِي إعسار بِصُحْبَتِهِ وقرينة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 صَبر كضرر الزَّوْجَيْنِ الخ. وَظَاهر النّظم أَن هَذِه الْيَمين على الْبَتّ لِأَنَّهَا الأَصْل لَا على نفي الْعلم وَهُوَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا وَجَبت الْيَمين لِأَن الشَّهَادَة فِي ذَلِك إِنَّمَا هِيَ على نفي الْعلم فَيَقُولُونَ مثلا: لَا يعلمُونَ لَهُ مَالا ظَاهرا وَلَا يعلمُونَ أَنه رَجَعَ عَن الْإِضْرَار بهَا إِذْ لَا تتمّ الشَّهَادَة بِالضَّرَرِ إِلَّا بِزِيَادَة ذَلِك، وَأَنه لم يخرج عَن ملكه فِي علمهمْ، وَأَنه لَا يعلم لَهُ وَارِثا سوى من ذكر وَأَنه لم يتْرك لَهَا نَفَقَة فِي علمهمْ وَأَنه عدل لَا يعلمونه انْتقل عَنْهَا إِلَى غَيرهَا، وَقد يكون الْمَشْهُود بِهِ على خلاف ذَلِك، فاستظهر على الْبَاطِن بِالْيَمِينِ لَكِن يسْتَثْنى من ذَلِك حصر الْوَرَثَة والترشيد وضده وَاسْتِحْقَاق الْعقار وَالتَّعْدِيل والتعريف بالمشهود لَهُ أَو عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَمِين فِي ذَلِك وَكَذَا الْأَب إِن أثبت الْعسر لينفق عَلَيْهِ ابْنه فَإِن جزموا بِالشَّهَادَةِ فَقَالُوا: لَا مَال لَهُ قطعا أَو لم يرجع عَن الْإِضْرَار بهَا قطعا أَو لم يخرج عَن ملكه قطعا بطلت وَإِن أطْلقُوا وَلم يَقُولُوا قطعا صحت من أهل الْعلم كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَمن يزكِّ فَلْيقل عدل رضَا. الخ. وَبَطلَت من غَيرهم إِن تعذر سُؤَالهمْ كَمَا يَأْتِي قَرِيبا وَقَوْلِي: كَشَهَادَة عَدْلَيْنِ احْتِرَازًا من شَهَادَة عدل وَاحِد بِمَا ذكر فَإِنَّهُ لَا يعْمل بِهِ فِي الْعَدَم كَمَا فِي ابْن نَاجِي والترشيد وضده كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَكَذَا فِي ضَرَر الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّهُ يؤول إِلَى خِيَار الزَّوْجَة وَكَذَا التَّعْدِيل وَيعْمل بِهِ فِي الْبَاقِي لَكِن يحلف بيمينين إِحْدَاهمَا لتكميل النّصاب وَالْأُخْرَى للاستظهار، وَلَا يجمعان وَكِلَاهُمَا على الْبَتّ كَمَا مرّ وَظَاهر قَوْله: غَالب الظَّن أَنه يعْتَمد الشَّاهِد عَلَيْهِ لَا أَنه يُصَرح بِهِ عِنْد الْأَدَاء. أَو فِي الْوَثِيقَة: وإلاَّ لم تقبل قَالَه ابْن عَرَفَة وانظره مَعَ مَا للقرافي فِي الْفرق الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ وَالْمِائَة من أَن الشَّاهِد إِذا صرح بمستند علمه فِي الشَّهَادَة بِالسَّمَاعِ الْمُفِيد للْعلم أَو بِالظَّنِّ فِي الْفلس أَو حصر الْوَرَثَة، فَلَا يكون تصريحه قادحاً على الصَّحِيح قَالَ: وَقَول بعض الشَّافِعِيَّة يقْدَح لَيْسَ لَهُ وَجه فَإِن مَا جوزه الشَّرْع لَا يكون النُّطْق بِهِ مُنْكرا اه. وَانْظُر شرحنا للشامل عِنْد قَوْله: وَاعْتمد فِي إعسار الخ، وَمَا ذَكرْنَاهُ من أَن الشَّاهِد يعْتَمد على ذَلِك فَقَط هُوَ نَظِير مَا مرّ فِي التَّعْدِيل من أَنه يعْتَمد فِيهِ على طول عشرَة الخ وَهُوَ صَرِيح لفظ (خَ) الْمُتَقَدّم أَي: وَلَا يتَوَقَّف قبُول شَهَادَته على بَيَان مُسْتَند علمه فِي ذَلِك من طول الْعشْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 فِي الْحَضَر وَالسّفر فِي التَّعْدِيل وَالصَّبْر على الْجُوع وَالْبرد فِي الْإِعْسَار وَنَحْو ذَلِك، وَهُوَ وَاضح إِن كَانَ الشَّاهِد بذلك من أهل الْعلم وإلاَّ فَلَا بُد من سُؤَاله عَن مُسْتَند علمه فَإِن تعذر سُؤَاله لمَوْته أَو غيبته سَقَطت. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الملوي: وَهُوَ الَّذِي جرت عَلَيْهِ الْفَتْوَى من فُقَهَاء الْعَصْر حَتَّى لَا يُسْتَطَاع صرفهم عَنهُ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ بِهِ اليزناسي كَمَا فِي أحباس المعيار أَنه الْمَذْهَب مُعْتَرضًا على ابْن سهل بِمَا يعلم بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ، وَانْظُر (ح) عِنْد نَص (خَ) الْمُتَقَدّم آنِفا، وَانْظُر مَا يَأْتِي عَن الوثائق الْمَجْمُوعَة وَغَيرهَا عِنْد قَوْله: وحيثما العقد لقاض ولى، الخ. وَفِي الْمَسْأَلَة خلاف شهير فرجح الصّباغ كَمَا فِي أنكحة المعيار أَن بَيَان مُسْتَند الْعلم إِنَّمَا هُوَ شَرط كَمَال فَقَط، وَهُوَ مُخْتَار ابْن سهل وَعَلِيهِ عول (خَ) فِي الشّركَة حَيْثُ قَالَ: وَلَو لم يشْهد بِالْإِقْرَارِ بهَا على الْأَصَح. قلت: وَعِنْدِي أَن هَذَا خلاف فِي حَال، فَابْن سهل وَمن مَعَه تكلم على مَا علم من عدُول وقتهم، وغالبهم عُلَمَاء عارفون وَغَيره تكلم على مَا غلب فِي بَلَده وَوَقته من الْجَهْل بِمَا تصح بِهِ الشَّهَادَة، وإلاَّ فَكيف يَقُول منصف بِقبُول شَهَادَة الْجَاهِل مُرْسلَة، وَلذَا اقْتصر ابْن فَرِحُونَ فِي فصل مَرَاتِب الشُّهُود على أَن غير الْعَالم بِمَا تصح بِهِ الشَّهَادَة لَا بُد من سُؤَاله عَن مُسْتَند علمه وَنَحْوه فِي الطرر والمعين والمتيطية، وَكَذَا فِي الوكالات وَبيع الْوَكِيل من ابْن سَلمُون وَنقل ابْن رحال فِي الارتفاق نَحوه عَن كثير، وَذكر الفشتالي وَابْن سَلمُون صدر وثائقهما أَن قَول الموثق مِمَّن يعرف الْإِيصَاء لَا يَكْفِي حَتَّى يَقُول بإشهاد من الْمُوصى عَلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَ من أهل الْعلم، وعَلى أهل الْعلم يحمل قَول ابْن سَلمُون فِي الشَّهَادَات إِذا قَالَ الشَّاهِد أشهدتني فُلَانَة، وَلم يقل أعرفهَا بِالْعينِ وَالِاسْم فَهِيَ شَهَادَة تَامَّة اه. وَفِي ابْن عَرَفَة أَن الشَّاهِد إِذا لم يذكر معرفَة وَلَا تعريفاً وَتعذر سُؤَاله سَقَطت شَهَادَته إِن لم يكن من أهل الْعلم، وَذكر فِي كتاب الْمَأْذُون من الْمُتَيْطِيَّة مَا نَصه: وَلَيْسَ لَهُم تلفيق الشَّهَادَة بِأَن يَقُولُوا نشْهد أَنه مَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة وَلَا يفسرون الْوَجْه الَّذِي علمُوا بِهِ ذَلِك أَي من أَنه أذن لَهُ سَيّده بمحضرهم أَو أقرّ بذلك لديهم قَالَ: وَمن التلفيق أَن يشْهدُوا أَن لفُلَان على فلَان كَذَا وَكَذَا دِينَارا وَلَا يبينون وَجه ذَلِك، بل لَا تقبل حَتَّى يَقُولُوا أسلفه لدينا أَو أقرّ بمحضرنا وَإِن كَانَ الدّين من بيع فسروا ذَلِك أَيْضا فَيَقُولُونَ: بَاعَ مِنْهُ بمحضرنا أَو أقرّ بذلك لدينا. قَالَ: وَإِنَّمَا لم تجز الشَّهَادَة إِلَّا مَعَ الْبَيَان لِأَن الشُّهُود أَكْثَرهم جهلة فقد يتوهمون أَنه وَجب من حَيْثُ لَا يجب اه بخ. وَنَقله الفشتالي فِي بَاب الْقَضَاء مُقْتَصرا عَلَيْهِ قَائِلا فَيجب بَيَان مُسْتَند الْعلم فِي جَمِيع الْأَشْيَاء من دين أَو غَيره لِأَن أَكثر الشُّهُود لَا يفهم مَا تصح بِهِ الشَّهَادَة اه. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: إِن الْأَرْبَعَة إِذا شهدُوا بِالزِّنَا وغابوا أَو بَعضهم قبل أَن يسْأَلُوا عَن كَيْفيَّة الشَّهَادَة فَإِن الْحَد يُقَام إِن كَانَ الْغَائِب عَالما بِمَا يُوجب الْحَد وإلاَّ سقط، وَفِي الْبُرْزُليّ عَن الْمَازرِيّ إِن الشَّاهِد إِذا كَانَ من أهل الْعَدَالَة والمعرفة فَلَا يستفسر، ففهم مِنْهُ إِذا لم يكن كَذَلِك استفسر. قَالَ: وَلم يكن الْمُوثقُونَ يستفسرون إِلَّا فِي الْحُدُود وَالزِّنَا للحرص على السّتْر، فَأَنت ترى تَعْلِيلهم بِكَثْرَة الْجَهْر وَبِه يَتَّضِح لَك أَن قَول (خَ) وَلَو لم يشْهد بِالْإِقْرَارِ بهَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْعَالم، وَالله أعلم. تَنْبِيه: علم مِمَّا مرّ أَن الشَّاهِد إِذا شهد بِإِقْرَار شخص لَدَيْهِ بدين لغيره مثلا فالشهادة تَامَّة اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ قد بَين فِيهَا مُسْتَند علمه وَهُوَ الْإِقْرَار لَدَيْهِ، فَمَا فِي الْمعِين عَن بعض الْمُتَأَخِّرين حَسْبَمَا فِي التَّبْصِرَة والحطاب مُسلما من أَنه لَا يُؤَاخذ بِإِقْرَارِهِ حَتَّى يشْهدُوا بِإِقْرَارِهِ بالسلف أَو الْمُعَامَلَة وهم ظَاهر لِأَن الْخلاف كَمَا علمت فِي إرْسَال الشَّاهِد شَهَادَته لَا فِي إرْسَال الْمقر إِقْرَاره لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 مؤاخذ بِهِ، وَإِن لم يبين سَببه بل لَو بَينه بِمَا يُوجب رَفعه لم يقبل مِنْهُ وَلَو نسقاً (خَ) : وَلزِمَ أَن نوكر فِي ألف من ثمن خمر الخ. وَأَيْضًا لَو كَانَ الحكم كَمَا قَالَ لم تصح الشَّهَادَة بِالْإِقْرَارِ بِشَيْء مَعَ أَنَّهَا صَحِيحَة ويجبره على تَفْسِيره، وَالله أعلم. ( فصل فِي التَّوْقِيف) وَذكر أَسبَابه وكيفيته وَيُسمى العقلة والإيقاف. ثالِثَةٌ لَا تُوجِبُ الحَقِّ نَعَمْ تُوجِبُ تَوْقِيفاً بِهِ حُكْمُ الحَكَمْ (ثَالِثَة) مُبْتَدأ سوغ الِابْتِدَاء بِهِ الْوَصْف أَيْضا وَجُمْلَة (لَا توجب الْحق) خَبره (نعم) حرف جَوَاب فِي الأَصْل وَهِي هُنَا بِمَعْنى لَكِن وَلَيْسَت على مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ الَّذِي أَشَارَ لَهُ عج بقوله: نعم لتقرير الَّذِي قبلهَا إِثْبَاتًا أَو نفيا كَذَا حرروا بلَى جَوَاب النَّفْي لكنه يصير إِثْبَاتًا كَذَا قرروا (توجب توقيفاً) مفعول (بِهِ) خبر عَن قَوْله (حكم الحكم) وَالْجُمْلَة صفة لتوقيف. وَحَاصِله: أَن الطَّالِب إِمَّا أَن يَأْتِي بعدلين أَو بِعدْل أَو بِمَجْهُول مرجو تزكيته أَو مجهولين كَذَلِك، أَو بلطخ أَو بِمُجَرَّد الدَّعْوَى، فالتوقيف فِي الأول لَيْسَ إِلَّا للإعذار فَيُوقف مَا لَا خراج لَهُ من الْعقار بالغلق، وَمَا لَهُ خراج يُوقف خراجه وَغير الْعقار من الْعرُوض وَالثِّمَار والحبوب بِالْوَضْعِ تَحت يَد أَمِين وَبيع وَوضع ثمنه عِنْده فِي الثِّمَار إِن كَانَ مِمَّا يفْسد، وَفِي الثَّانِي للإعذار فِيهِ أَو لإِقَامَة ثانٍ إِن لم يرد أَن يحلف مَعَه لرجائه شَاهدا آخر، فالمنع من التفويت فَقَط فِي الْعقار وَلَا ينْزع من يَده لَكِن يُوقف مَا لَهُ خراج مِنْهُ وَفِي غير الْعقار بِالْوَضْعِ تَحت يَد أَمِين وَبيع مَا يفْسد أَيْضا إِلَّا أَن يَقُول: إِن لم أجد ثَانِيًا فَلَا أَحْلف مَعَ هَذَا الْبَتَّةَ فَلَا يُبَاع حِينَئِذٍ بل يتْرك للمطلوب، وَفِي الثَّالِث للتزكية والإعذار بعْدهَا وَحكمه على مَا لِابْنِ رشد وَأبي الْحسن وَابْن الْحَاجِب حكم الَّذِي قبله فِي سَائِر الْوُجُوه، قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه: هُوَ كالعدل المقبول فِي وجوب الإيقاف بِهِ إِلَّا أَنه لَا يحلف مَعَه، وَفِي الرَّابِع للتزكية والإعذار أَيْضا، وَحكمه كَالَّذي قبله لَا فِي بيع مَا يفْسد فَيُبَاع على كل حَال. وَفِي الْخَامِس وَلَا يَتَأَتَّى إِلَّا فِي غير الْعقار بِالْوَضْعِ عِنْد أَمِين مَا لم يكن مِمَّا يفْسد فيخلى بَينه وَبَين حائزه فِيمَا يظْهر لِأَنَّهُ كالعدل الَّذِي لَا يُرِيد صَاحبه الْحلف مَعَه. وَفِي السَّادِس لَا عقل أصلا إِذْ لَا يعقل على أحد بِشَيْء بِمُجَرَّد دَعْوَى الْغَيْر فِيهِ على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 الْمَنْصُوص وَجرى الْعَمَل بالإيقاف بِمُجَرَّد الدَّعْوَى فِي غير الْعقار كَمَا يَأْتِي، فَأَشَارَ النَّاظِم إِلَى الأول بقوله: وهْيَ شَهادَةٌ بقَطْعِ ارْتُضِي وبَقيَ الإعْذَارُ فِيمَا تَقْتَضِي (وَهِي شَهَادَة) مُبْتَدأ وَخبر (بِقطع) يتَعَلَّق بِشَهَادَة (ارتضي) صفة لقطع والرابط الضَّمِير النَّائِب أَي بِقطع مرتضى لكَونه بعدلين مقبولين، وَتثبت الْحِيَازَة بهما أَو بِغَيْرِهِمَا فِي الْعقار أَو بموافقة الْخَصْمَيْنِ على حُدُوده لِأَن التَّوْقِيف يَسْتَدْعِي تعْيين الْمَوْقُوف وَلَا يتَعَيَّن إِلَّا بذلك وَاحْترز بِقطع عَن شَهَادَة السماع فَإِنَّهَا لَا توجب توقيفاً إِذْ لَا ينْزع بهَا من يَد حائز. نعم إِن ادّعى مَعهَا بَيِّنَة قطع قريبَة فتوجبه كَمَا يَأْتِي وَبِقَوْلِهِ: ارتضي عَن الْعدْل أَو الْمَجْهُول أَو المجهولين فَإِن التَّوْقِيف فِي ذَلِك للتزكية والإعذار لَا للإعذار فَقَط، وبالمنع من التفويت فَقَط فِي الْعقار، فَإِذا شهد عَدْلَانِ بِاسْتِحْقَاق الدَّار مثلا (و) قد (بَقِي الْإِعْذَار فِيمَا تَقْتَضِي) شَهَادَتهمَا لِأَن الحكم بِدُونِهِ بَاطِل، فَهَذِهِ الشَّهَادَة لم توجب حَقًا الْآن بل توقيفاً فَقَوله: وَبَقِي الْإِعْذَار جملَة حَالية تقدر قد مَعهَا، وفاعل تَقْتَضِي ضمير يعود على الشَّهَادَة والعائد على مَا مَحْذُوف أَي فِيمَا تَقْتَضِيه. وحَيْثُ تَوْقِيفٌ مِنَ المطْلُوبِ فَلا غِنًى عَن أجَلٍ مَضْرُوبِ (وَحَيْثُ) ظرف مَكَان ضمن معنى الشَّرْط وَلذَا دخلت الْفَاء فِي جَوَابه (تَوْقِيف) مُبْتَدأ (من) بِمَعْنى فِي مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف خبر أَي حصل أَو وجد فِي الشَّيْء (الْمَطْلُوب) وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (فَلَا) نَافِيَة للْجِنْس (غنى) اسْمهَا (من) بِمَعْنى عَن (أجل) يتَعَلَّق بغنى (مَضْرُوب) صفة لأجل وَالْخَبَر مَحْذُوف، وَبِه يتَعَلَّق بالظرف أَي لَا غنى عَن أجل مَضْرُوب مَوْجُود حَيْثُ تَوْقِيف حصل فِي الشَّيْء الْمَطْلُوب كَانَ التَّوْقِيف للإعذار أَو للتزكية أَو للإتيان بِبَيِّنَة أَو بِشَاهِد ثَان وَتقدم فِي فصل الْآجَال أَن الْأَجَل فِي هَذَا يخْتَلف باخْتلَاف الْمُتَنَازع فِيهِ وَأَن ذَلِك الْحَد لَا ينقص مِنْهُ وَلَا يُزَاد عَلَيْهِ لِأَن مُسْتَند الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان هِيَ الْقَرَائِن وَهِي كَمَا قَالَ الْمَازرِيّ: لَا يضبطها إِلَّا المبرز فِي علم الْحَقَائِق فَإِن رخصنا فِي الِاعْتِمَاد عَلَيْهَا لحاذق فيزعم الآخر أَنه أحذق مِنْهُ وَالزَّمَان فَاسد اه. قَالَ ابْن رحال عقبه وَصدق رَحمَه الله: وَلِهَذَا ضبط الْفُقَهَاء الْأُمُور وحدوها بتحديد حَتَّى إِذا تخطاه القَاضِي أنكر عَلَيْهِ. أَلا ترى أَن اللفيف عندنَا حد بِاثْنَيْ عشر. وَقَالَ بعض: لَا حد فِي ذَلِك بل هُوَ موكول لاجتهاد القَاضِي فَمَا حصل بِهِ غَلَبَة الظَّن فِي الصدْق اكْتفى بِهِ انْظُر تَمَامه عِنْد قَول (خَ) فِي الشَّهَادَات: وَحلف بِشَاهِد الخ. ثمَّ إِن انْقَضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 الْأَجَل وَلم يَأْتِ بمطعن قضى بِهِ للطَّالِب وَإِن أَتَى بمطعن كتجريح أَو بَيِّنَة تشهد أَنه اشْتَرَاهَا من الْقَائِم وَنَحْو ذَلِك وَطلب الْقَائِم الْإِعْذَار فِيمَا أَتَى بِهِ فَيمكن مِنْهُ وَلَا إِشْكَال، وَهل ينْحل الْعقل على الْمَطْلُوب ويخلي بَينه وَبَين شَيْئه فِي مُدَّة تَأْجِيل الطَّالِب، وَهُوَ الظَّاهِر، وَبِه رَأَيْت بعض الْقُضَاة يحكم أَو يسْتَمر الْعقل حَتَّى يعجز الطَّالِب انْظُر ذَلِك. وعَلى الأول إِن أَتَى الطَّالِب بمطعن أُعِيد الْعقل وَهَكَذَا حَتَّى يعجز أَحدهمَا وَالله أعلم. ثمَّ أَشَارَ إِلَى كَيْفيَّة التَّوْقِيف فِي هَذَا الْوَجْه فَقَالَ: وَوَقْفُ مَا كالدُّورِ غَلْقٌ مَعْ أَجَلْ لِنَقْلِ مَا فِيهَا بِهِ صَحَّ العَمَلْ (ووقف مَا كالدور) مُبْتَدأ وأدخلت الْكَاف كل مَا يُرَاد للسُّكْنَى لَا للغلة من أَرض وَنَحْوهَا (غلق) خَبره. فَإِن كَانَت فِي غير الْحَاضِرَة بعث أَمينا يغلقها وتوضع مفاتحها عِنْد أَمِين (مَعَ) بِسُكُون الْعين يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صفة لغلق (أجل) يضْرب (لنقل مَا) أَي الْأَمْتِعَة الَّتِي (فِيهَا) وَإِن سَأَلَ أَن يتْرك مَا يثقل عَلَيْهِ نَقله أُجِيب كَمَا فِي التَّبْصِرَة وَظَاهر قَوْله: مَعَ أجل أَن الغلق مصاحب للأجل وَلَيْسَ كَذَلِك إِلَّا أَن يُقَال أَنه مصاحب لانتهائه لَا لابتدائه، وَتقدم أَن قدر الْأَجَل فِي النَّقْل ثَلَاثَة أَيَّام حَيْثُ قَالَ: وبثلاثة من الْأَيَّام إِلَى قَوْله: وَفِي إخلاء مَا كالربع فِي ذَاك اقتفي. (بِهِ) يتَعَلَّق بقوله: (صَحَّ الْعَمَل) أَي بِهَذَا القَوْل الَّذِي هُوَ وقف مَا يُرَاد للسُّكْنَى بالغلق مَعَ قيام العدلين وَمَا لَهُ خراج يُوقف خراجه وَيمْنَع الْحَرْث فِي الأَرْض وبالمنع من الإحداث فَقَط مَعَ قيام الشَّاهِد الْعدْل أَو المرجو تزكيته فِي الْأُصُول، إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يَأْتِي جرى عمل الْقُضَاة وَهُوَ قَول مَالك فِي الْمُوَطَّأ، وَقَول ابْن الْقَاسِم فِي الْعُتْبِيَّة وَمُقَابِله مَذْهَب الْمُدَوَّنَة: أَن الرّبع الَّذِي لَا يحول وَلَا يَزُول وَلَا يُوقف بالحيلولة وقف الْخراج، بل بِالْمَنْعِ من الإحداث فَقَط وَهُوَ الْمَشْهُور الَّذِي أفتى بِهِ (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَالْغلَّة لَهُ للْقَضَاء وَالنَّفقَة على المقضى لَهُ بِهِ إِذْ الْخراج بِالضَّمَانِ وَالنَّفقَة على من لَهُ الْخراج فَقَوله قبل: وحيلت أمة مُطلقًا كَغَيْرِهَا إِن طلبت بِعدْل أَو اثْنَيْنِ يزكيان الخ مُرَاده بِالْغَيْر الْعرُوض لَا الْأُصُول إِذْ لَا حيلولة فِيهَا عِنْده. وَمَا لَهُ كالفُرْنِ خَرْجٌ والرَّحا فَفيه تَوْقيفُ الخَراجِ وَضَحا (وَمَا) أَي الأَصْل الَّذِي (لَهُ خرج) بِسُكُون الرَّاء لُغَة فِي الْخراج مُبْتَدأ وَالْمَجْرُور خَبره وَالْجُمْلَة صلَة مَا. (كالفرن) حَال من خرج أَو خبر عَن مَحْذُوف (والرحا) والحانوت والفندق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَهُ غلَّة (فَفِيهِ) يتَعَلَّق بوضح (تَوْقِيف الْخراج) مُبْتَدأ (وضحا) خَبره. وَالْجُمْلَة خبر الْمَوْصُول وَدخلت الْفَاء لشبهه أَي الْمَوْصُول بِالشّرطِ فِي الْعُمُوم والإبهام أَي يُوقف خراجه فَقَط عِنْد أَمِين وَلَا يغلق وَلَا تعطل منفعَته. وهَوَ فِي الأرْضِ المَنْعُ مِنْ أنْ تَعْمَرا والحَظُّ يُكْرَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ويُوَقَّفُ الكِرَا (وَهُوَ) أَي التَّوْقِيف مُبْتَدأ (فِي الأَرْض) حَال مِنْهُ (الْمَنْع) خَبره (من أَن تعمرا) بحراثة أَو بِنَاء أَو نَحْوهمَا يتَعَلَّق بِالْمَنْعِ (والحظ) مُبْتَدأ خَبره (يكرى) أَي وتوقيف الْحَظ إِن كَانَ النزاع فِيهِ فَقَط كثلث من أَرض أَو حَانُوت مثلا فَفِي الأَرْض يمْنَع من حرث كلهَا. وَفِي الْحَانُوت وَنَحْوه مِمَّا لَهُ غلَّة يكرى جَمِيعه أَيْضا (وَيُوقف الكرا) جملَة من فعل ونائب معطوفة على جملَة يكْرِي وَاخْتلف. قيلَ جَميعاً أَوْ بِقَدْرِ مَا يَجِبْ لِلْحَظِّ مِنْ ذاكَ والأوَّلُ انْتُخِبْ (قيل) يُوقف ذَلِك الْكِرَاء حَال كَونه (جَمِيعًا) مَا يَنُوب الْمُتَنَازع فِيهِ وَغَيره (أَو) أَي وَقيل يُوقف (بِقدر مَا يجب للحظ) الْمُتَنَازع فِيهِ (من ذَاك) الْكِرَاء فَقَط والمجروران يتعلقان بيجب (وَالْأول) مُبْتَدأ (انتخب) أَي اختير خَبره قَالَ فِي التَّبْصِرَة: فَإِن كَانَت الدَّعْوَى فِي حِصَّة فتعقل جَمِيع الأَرْض وَالدَّار وَجَمِيع الْخراج فِيمَا لَهُ خراج، وَقيل يعقل من الْخراج مَا يَنُوب الْحصَّة الْمُدعى فِيهَا وَيدْفَع بَاقِيَة للْمُدَّعى عَلَيْهِ. وَفِي المقرب وَالْقَوْل الأول أولى عِنْدِي بِالصَّوَابِ اه. قلت: لم يظْهر لي وَجه كَونه أولى بِالصَّوَابِ فَإِن الَّذِي يَقْتَضِيهِ النّظر الْعَكْس لِأَن تَوْقِيف الْجُمْلَة ضَرَر على الْمَطْلُوب يمنعهُ من التَّصَرُّف فِيمَا لَا نزاع فِيهِ وَلَا يضر بِأحد لينْتَفع غَيره، بل لَا نفع للطَّالِب فِي وقف الْجُمْلَة وَلِهَذَا وَالله أعلم قَالَ الشَّارِح: تَوْقِيف الْجُمْلَة لَا يَخْلُو من إِشْكَال فَتَأَمّله اه. وَعَلِيهِ فَالَّذِي تَقْتَضِيه الْقَوَاعِد هُوَ القَوْل الثَّانِي فَلَا يَنْبَغِي أَن يعدل عَنهُ، وَمَفْهُوم قَوْله: ووقف مَا كالدور الخ. أَن غير الرّبع من الْعرُوض وَالْحَيَوَان يُوقف بِالْوَضْعِ تَحت يَد أَمِين، وَهُوَ كَذَلِك وَللثَّانِي بقوله: وشاهِدٌ عَدْلٌ بِهِ الأصْلُ وُقِفْ وَلَا يُزَالُ مِنْ يَدٍ بهَا أُلِفْ (وَشَاهد) مُبْتَدأ سوغه الْوَصْف بقوله: (عدل) أَو امْرَأَتَانِ عدلتان (بِهِ) يتَعَلَّق بوقف (الأَصْل) مُبْتَدأ خَبره (وقف) أَي إِذا طلب الْمَطْلُوب الْإِعْذَار فِيهِ، وَكَذَا بعد الْإِعْذَار إِذا أَبى الطَّالِب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 أَن يحلف مَعَه لرجائه شَاهدا آخر وَأجل للإتيان بِهِ أَو كَانَ القَاضِي مِمَّن لَا يرى الشَّاهِد وَالْيَمِين وأجله للإتيان بثان أَيْضا، وَأَشَارَ إِلَى كَيْفيَّة الإيقاف بِهِ بقوله: (وَلَا يزَال) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير يعود على الأَصْل (من يَد) يتَعَلَّق بِهِ (بهَا) يتَعَلَّق بقوله: (ألف) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالْجُمْلَة صفة ليد فَعلم مِنْهُ أَن توقيفه إِنَّمَا هُوَ بِالْمَنْعِ من الإحداث وَمَعْنَاهُ كَمَا لأبي الْحسن أَن يُقَال للحائز: لَا تحدث فِيهِ حَدثا من تَفْوِيت وَلَا تَغْيِير أَي هدم أَو بِنَاء وَلَا يخرج من يدك، وَهَذَا فِي الأَصْل الَّذِي لَا يُرَاد للخراج بل للسُّكْنَى كالدور أَو للحراثة كالأرض، وَأما مَا لَهُ خراج كالفرن والرحا فتوقف غَلَّته كلهَا أَو بَعْضهَا إِن كَانَ النزاع فِي حِصَّة مِنْهُ كَمَا قَالَ: وبِاتِّفاقِ وَقْفُ مَا يُفادُ مِنْهُ إِذا مَا أُمِنَ الفَسَادُ (وباتفاق) خبر عَن قَوْله (وقف مَا) أَي الْخراج الَّذِي (يفاد مِنْهُ) أَي من الأَصْل الْمَوْقُوف بِشَهَادَة عدل، وَإِنَّمَا يُوقف ذَلِك الْخراج (إِذا) ظرف يتَعَلَّق بقوله وقف لَا بيفاد (مَا) زَائِدَة (أَمن) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (الْفساد) نَائِبه، وَالْجُمْلَة فِي مَحل خفض بِإِضَافَة إِذا وجوابها مَحْذُوف لدلَالَة مَا تقدم عَلَيْهِ، وَذَلِكَ كثمرة تيبس وكراء وَنَحْوهمَا، فَإِذا لم يُؤمن فَسَاده بيع ووقف ثمنه كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وكل شَيْء يسْرع الْفساد لَهُ. الخ. وَمَفْهُوم قَول الأَصْل أَن الْعرُوض وَالْحَيَوَان توقف بِالْوَضْعِ على يَد أَمِين وَمَفْهُوم عدل أَن غَيره يَأْتِي فِي قَوْله: وحيثما يكون حَال الْبَيِّنَة الخ وَقَوله: بِاتِّفَاق يَعْنِي وَالله أعلم أَنه على القَوْل الَّذِي صَحَّ بِهِ الْعَمَل من التَّوْقِيف بِالشَّاهِدِ الْعدْل اتَّفقُوا على وقف الْخراج فِيمَا لَهُ خراج من الْأُصُول الموقفة بِهِ، وإلاَّ فالإيقاف بِالْعَدْلِ الْوَاحِد مُخْتَلف فِيهِ من أَصله اخْتِلَافا قَوِيا كَمَا فِي ابْن سهل وَغَيره فَلَا يظنّ بالناظم أَنه لم يطلع عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 ولثالثها وَرَابِعهَا بقوله: وَحَيْثُما يَكُونُ حالُ البَيِّنَهْ فِي حَقِّ مَنْ يَحْكُم غيْرَ بَيِّنَهْ (وحيثما) ظرف مُجَرّد عَن الشَّرْط يتَعَلَّق بيوقف بعد وَمَا زَائِدَة (يكون حَال الْبَيِّنَة) بِالرَّفْع اسْم يكون (فِي حق من يحكم) يتَعَلَّق بيكون (غير بَيِّنَة) خَبَرهَا وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ ولجواز تذكير الْحَال وتأنيثها أنث بَيِّنَة. يُوَقِّفُ الفَائِدُ لَا الأصولُ بِقَدْرِ مَا يُسْتَكْمَلُ التَّعْدِيلُ (يُوقف الفائد) نَائِب (لَا الْأُصُول) مَعْطُوف على الفائد (بِقدر مَا) أَي الزَّمَان الَّذِي (يستكمل) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (التَّعْدِيل) نَائِبه وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بيوقف والعائد على مَا مَحْذُوف أَي: فِيهِ، وَيجوز أَن تكون مَا مَصْدَرِيَّة وَمَعْنَاهُ أَن الشاهدة بِالِاسْتِحْقَاقِ سَوَاء كَانَت شخصا وَاحِدًا أَو مُتَعَددًا إِذا كَانَت مَجْهُولَة عِنْد القَاضِي لَا يعرفهَا بعدالة وَلَا جرحة وَسَأَلَ الطَّالِب الإيقاف حَتَّى يعدلها فَإِن الفائد أَي الْخراج الَّذِي يُؤمن فَسَاده يُوقف بِقدر استكمال التَّعْدِيل بل وبقدر الْإِعْذَار للمطلوب بعده لَا الْأُصُول فَإِنَّهَا لَا توقف بِالْمَنْعِ من التَّصَرُّف بل بِالْمَنْعِ من الإحداث فَقَط كَمَا مرّ فِي الْعدْل، فَكَلَام النَّاظِم فِي فائد الْأُصُول بِدَلِيل قَوْله: لَا الْأُصُول، وَأما غَيرهَا من الْحَيَوَان وَالْعرُوض فَإِنَّهَا تُوضَع بِنَفسِهَا عِنْد أَمِين وَلَا يَكْتَفِي بوقف فائدها فَلَا يشملها كَلَامه، وَقَوله: بِقدر مَا يستكمل الخ مُسْتَغْنى عَنهُ بِمَا قدمه فِي فصل الْآجَال وَلَيْسَ المُرَاد بقوله: لَا الْأُصُول أَنَّهَا لَا توقف أصلا، وَإِنَّمَا مُرَاده أَنَّهَا لَا توقف بِالْمَنْعِ من التَّصَرُّف فِيهَا بل من الإحداث فَقَط كَمَا قَررنَا وَجَعَلنَا الْبَيِّنَة فِي كَلَامه شَامِلَة للْوَاحِد الْمَجْهُول وللمجهولين أولى من قصره على المجهولين فَقَط لِأَن الْبَيِّنَة شرعا تطلق على المتعدد وَالْوَاحد لِأَنَّهُ يسْتَحق بِهِ مَعَ الْيَمين وَلِأَن الْوَاحِد الْمَجْهُول يُوقف بِهِ كَمَا مرّ فِي قَول النَّاظِم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وَإِن يكن مَجْهُول حَال زكيا وشبهة توجب فِيمَا ادّعَيَا وَفِي الْمُقدمَات شَهَادَة الشُّهُود غير الْعُدُول فِي اسْتِحْقَاق الشَّيْء الْمعِين توجب توقيفه عِنْد أصبغ. وَنَقله ابْن هِلَال فِي نوازله والمكناسي فِي مجالسه وَقَالَ: كل مِنْهُمَا بِهِ جرى الْعَمَل، وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن الْحَاجِب كَمَا مرّ على أَن ظَاهر الْعبارَة يصدق حَتَّى بِمَعْلُوم الجرحة وَكَذَا ظَاهر عبارَة ابْن نَاجِي الْآتِيَة، لَكِن تقدم فِي النّظم أَن مَعْلُوم الجرحة لَا توجب شَهَادَته شَيْئا وَالْجمع فِي قَول الشُّهُود غير مُرَاد بِدَلِيل تَخْصِيصه التَّوْقِيف بأصبغ، وبدليل قَوْلهم: بِهِ جرى الْعَمَل لِأَن التَّوْقِيف بالمجهولين فَأكْثر مَشْهُور مَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَة وَغَيرهَا فَلَا وَجه حِينَئِذٍ لتخصيصه بأصبغ وَلَا لقَولهم بِهِ جرى الْعَمَل، وَيدل لَهُ قَول الْمُتَيْطِيَّة، وَأَصله لِابْنِ رشد كَمَا فِي أبي الْحسن، وَالشَّاهِد الَّذِي لَا تتوسم فِيهِ الْعَدَالَة وَلَا الجرحة لَا تجوز شَهَادَته دون تَزْكِيَة إِلَّا أَنَّهَا شُبْهَة فِي بعض الْمَوَاضِع توجب الْيَمين عِنْد بعض الْعلمَاء وتوجب الْقسَامَة والحميل وتوقيف الشَّيْء الْمُدعى فِيهِ اه. وَفِي التَّبْصِرَة: أَن الرّيع يُوقف بِالْمَنْعِ من الإحداث بِالشَّاهِدِ الْعدْل أَو المرجو تزكيته وباللطخ كالشهود غير الْعُدُول الخ. فَانْظُرْهُ وَلَعَلَّ مُرَاده بِغَيْر الْعُدُول أَي الَّذين لَا ترجى تزكيتهم وهم من تتوسم فيهم الجرحة وَلم تثبت، وَأما مَعْلُوم الجرحة فَلَا توجب شَهَادَته شَيْئا على مَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَفِي ابْن نَاجِي مَا نَصه، وَظَاهر قَوْله يَعْنِي فِي الْمُدَوَّنَة: وَأقَام شَاهدا عدلا أَنه لَو أَتَى بِرَجُل أَو رجلَيْنِ فَأكْثر وَلم يكن فيهم من يُزكي وَطلب وضع قِيمَته ليذْهب بِهِ أَنه لَا يُمكن من ذَلِك، وَظَاهر مَا بعده يَعْنِي قَوْلهَا أَو بَيِّنَة تشهد على السماع أَنه سرق لَهُ مثل هَذَا العَبْد أَنه يُمكن من بَاب أَحْرَى لأَنهم شهدُوا بِالْقطعِ أَنه عَبده وَالْعَمَل على الثَّانِي اه. فَتَأمل قَوْله: وَلم يكن فيهم من يُزكي الخ. فَإِن الَّذِي لَا يُزكي هُوَ مَعْلُوم الجرحة واحترزت فِي أصل التَّقْرِير بِقَوْلِي الَّذِي يُؤمن فَسَاده مِمَّا إِذا لم يُؤمن فَإِنَّهُ ينظر فَإِن رُجي حُصُول مَا لَا يتم الحكم إِلَّا بِهِ من إعذار وتعديل قبل فَسَاده وقف، وَإِن خيف فَسَاده قبل ذَلِك بيع ووقف ثمنه كَمَا قَالَ: وكلُّ شَيءٍ يُسْرِعُ الفَسادُ لَهْ وَقِفَ لَا لأنْ يُرى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; قَدْ دَخَلَهْ (وكل شَيْء) مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة فِي قَوْله (يسْرع الْفساد لَهُ) صفة لشَيْء سَوَاء اسْتحق بعدلين أَو بِعدْل أَو بِمَجْهُول أَو بمجهولين كَانَ مُسْتَحقّا أَو فائد مَا اسْتحق كلحم ومشمش وَنَحْوهمَا (وقف) لمُدَّة قَليلَة لَا يدْخلهُ الْفساد فِيهَا (لَا لِأَن) اللَّام بِمَعْنى إِلَى وَأَن زَائِدَة وَالْمَجْرُور بَالَام مَحْذُوف وَجُمْلَة (يرى) صفته أَي وقف لمُدَّة قَليلَة لَا إِلَى مُدَّة يرى أَن الْفساد (قد دخله) فِيهَا وَالْجُمْلَة من وقف وَمَا بعده خبر الْمُبْتَدَأ وَلَك أَن تجْعَل أَن غير زَائِدَة وَيكون الْمَعْنى وقف لرؤية عدم دُخُول الْفساد فِيهِ لَا لرؤية دُخُوله وَهُوَ أقرب. والحُكْمُ بَيْعُهُ وتَوْقِيفُ الثَّمَنْ إنْ خِيفَ فِي التَّعْدِيل من طُول الزَّمَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 (فَالْحكم) مُبْتَدأ وَالْفَاء جَوَاب سُؤال مُقَدّر (بَيْعه) خبر وضميره يرجع لما يفْسد بِالتَّأْخِيرِ (وتوقيف الثّمن) مَعْطُوف على الْخَبَر (إِن خيف) شَرط فِي البيع وتوقيف الثّمن (فِي) التَّأْخِير لأجل (التَّعْدِيل) والإعذار يتَعَلَّق بخيف (من طول الزَّمن) نَائِب فَاعل خيف وَقد علمت أَنه لَا مَفْهُوم للتعديل بل التَّأْخِير للإعذار كَذَلِك، وَكَذَا لإِقَامَة ثَان حَيْثُ لم يحلف مَعَ هَذَا لرجائه شَاهدا آخر، فَإِن وجده وإلاَّ حلف فَإِن قَالَ: لَا أَحْلف مَعَ هَذَا إِن لم يجد آخر لم يبع بل يتْرك بيد حائزه يفعل بِهِ مَا شَاءَ. وَحِينَئِذٍ لَا يُقَال: إِن الإيقاف لتعديل الْمَجْهُول أَو المجهولين يُبَاع فِيهِ مَا يفْسد بِخِلَاف الْعدْل فَإِنَّهُ لَا يُبَاع بل يتْرك بيد حائزه مَعَ أَن الحكم كَمَا يتَوَقَّف على تَعْدِيل الْمَجْهُول كَذَلِك يتَوَقَّف على إِقَامَة ثَان فَأَما أَن يُبَاع فيهمَا أَو يتْرك للمطلوب فيهمَا. لأَنا نقُول: إِنَّمَا قُلْنَا بِعَدَمِ البيع فِي الْعدْل حَيْثُ قَالَ صَاحبه: لَا أَحْلف مَعَه إِن لم أجد آخر كَمَا مرّ لِأَنَّهُ قَادر على إِثْبَات حَقه بِيَمِينِهِ، فَلَمَّا ترك ذَلِك اخْتِيَارا صَار كَأَنَّهُ مكنه مِنْهُ بِخِلَاف ذِي الْمَجْهُول أَو المجهولين، فَلَا قدرَة لَهُ قَالَه عبد الْحق، وللمازري فرق آخر اُنْظُرْهُ فِي (ح) وَلَقَد أطنب النَّاظِم فِي هَذِه الأبيات فَلَو قَالَ بعد قَوْله: وَلَا يزَال من يدٍ بهَا ألف. مَا نَصه: إِلَّا الَّذِي لَهُ الْخراج يُوقف وَحكم مَجْهُول كَذَاك يعرف وكل مَاله الْفساد يسْرع فبيعه للْوَقْف مِمَّا يشرع لكفاه وَالله أعلم. ولخامسها بقوله: والمدَّعِي كالعَبْدِ والنِّشْدانُ ثبوتُهُ قامَ بهِ البُرْهانُ (وَالْمُدَّعِي) مُبْتَدأ (كَالْعَبْدِ) يتَعَلَّق بِهِ وأدخلت الْكَاف الثَّوْب وَالْفرس وَنَحْوهمَا (والنشدان) مُبْتَدأ وَالْوَاو للْحَال (ثُبُوته) مُبْتَدأ ثَان وَقَوله: (قَامَ بِهِ برهَان) خَبره وَالْجُمْلَة خبر النشدان بِكَسْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 النُّون مصدر نَشد الضَّالة نشداً ونشدة ونشداناً بِكَسْر النُّون فيهمَا إِذا طلبَهَا والبرهان الْحجَّة. أَو السِّماعُ أنْ عبَدَهُ أَبِقْ إنْ طَلَبَ التّوْقيفَ فَهْو مُسْتَحِقْ (أَو السماع) مُبْتَدأ (أَن) بِفَتْح الْهمزَة على حذف الْجَار يتَعَلَّق بِالسَّمَاعِ (عَبده أبق) بِفَتْح الْبَاء وَقد تكسر خَبَرهَا. وَالْجُمْلَة فِي تَأْوِيل مصدر يتَعَلَّق بِالسَّمَاعِ وَخَبره مَحْذُوف لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ أَي قَامَ بِهِ برهَان، وَالْجُمْلَة معطوفة على الْجُمْلَة الحالية قبلهَا، وَيجوز عطف السماع على النشدان وَظَاهره كظاهر نَص الْمُدَوَّنَة و (ح) الآتيين، وَلَو ثَبت النشدان أَو السماع بِعدْل وَاحِد وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ بَيِّنَة فِي الْحَقِيقَة يثبت بِهِ الْحق فَكيف باللطخ (إِن طلب التَّوْقِيف) شَرط (فَهُوَ مُسْتَحقّ) لَهُ بِكَسْر الْحَاء جَوَابه، وَالْجُمْلَة من الشَّرْط وَالْجَوَاب خبر الْمُدَّعِي. وَمَعْنَاهُ أَن الْمُدَّعِي لنَحْو عبد. وَقد أثبت بِعدْل أَو عَدْلَيْنِ نشدان عبد أَو سَمَاعا بإباق عبد لَهُ فَهُوَ مُسْتَحقّ لتوقيفه الْخَمْسَة أَيَّام وَنَحْوهَا حَيْثُ ادّعى أَن لَهُ بَيِّنَة حَاضِرَة أَو قريبَة الْغَيْبَة تشهد على عينه بِالْقطعِ فَقَوله: لخَمْسَةٍ أوْ فَوْقَها يَسيرا حَيْثُ ادَّعَى بَيِّنَةً حُضورا (لخمسة) يتَعَلَّق بتوقيف كَمَا قَررنَا وَاللَّام للغاية بِمَعْنى إِلَى (أَو فَوْقهَا) مَعْطُوف (يَسِيرا) حَال أَي فَوق الْخَمْسَة بِيَوْم أَو ثَلَاثَة لَا أَكثر (حَيْثُ) ظرف مُتَعَلق بمستحق كَمَا قَررنَا أَيْضا وَالْجُمْلَة من قَوْله: (ادّعى بَيِّنَة) فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (حضورا) صفة لبينة أَي حَاضِرَة بِالْبَلَدِ أَو على مَسَافَة ثَلَاثَة أَيَّام لِأَن الْقَرِيب كالحاضر فَإِن لم يَأْتِ بِشَيْء أسلم إِلَى الْمَطْلُوب بعد يَمِينه إِن ظن بِهِ الْعلم فَإِن أَتَى الطَّالِب بعد ذَلِك بِبَيِّنَة حكم لَهُ بهَا. وَاعْلَم أَن الإيقاف على وَجْهَيْن فَتَارَة يُرِيد الْمُسْتَحق أَن يذهب بِهِ ليقيم الْبَيِّنَة على عينه وَتارَة ليَأْتِي بِالْبَيِّنَةِ تشهد على عينه، وَكَلَام النَّاظِم فِي الْوَجْه الثَّانِي، وَأما الأول فَلم يتَعَرَّض لَهُ، وَسَيَأْتِي حكمه بعد هَذَا إِن شَاءَ الله فَقَوله: أَو السماع من عطف الْعَام على الْخَاص لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يكون من الْمُسْتَحق وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بالنشدان أَو من غَيره بِأَن يَقُولُوا سمعنَا من الثِّقَات أَو من غَيرهم أَنه ذهب لَهُ عبد مثلا، وَلِهَذَا اقْتصر فِي الْمُدَوَّنَة على السماع وَلم يذكر نشداناً وَعَلِيهِ فَلَو قَالَ النَّاظِم: وَالْمُدَّعِي لنَحْو عَبدك اسْتحق توقيفه بلطخ أَنه أبق لخمسة الخ. وَمَا ذكره النَّاظِم من التَّحْدِيد بالخمسة وَنَحْوهَا هُوَ قَول سَحْنُون، وَمذهب ابْن الْقَاسِم أَنه يُوقف لَهُ من غير تَحْدِيد بالخمسة وَلَا غَيرهَا بل بِالِاجْتِهَادِ. قَالَ فِي التَّهْذِيب: فَإِن جَاءَ بِشَاهِد أَو سَماع وَسَأَلَ إيقاف العَبْد ليَأْتِي بِبَيِّنَة فَإِن كَانَت بعيدَة وَفِي إيقافه ضَرَر اسْتحْلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 القَاضِي الْمُدعى عَلَيْهِ وَسلمهُ إِلَيْهِ بِغَيْر كَفِيل، وَإِن ادّعى شُهُودًا حضوراً على حَقه أوقفته لَهُ نَحْو الْخَمْسَة أَيَّام أَو الْجُمُعَة، وَهَذَا التَّحْدِيد لغير ابْن الْقَاسِم، وَرَأى ابْن الْقَاسِم أَن يُوقف لَهُ أَي من غير تَحْدِيد أَبُو الْحسن فَقَوْل سَحْنُون خلافًا لِابْنِ الْقَاسِم فِي التَّحْدِيد قَالَ: وَمَفْهُوم قَوْله بعيدَة هُوَ قَوْله: وَإِن ادّعى شُهُودًا حضوراً، وَقَوله بِشَاهِد أَي عدل وأبى أَن يحلف مَعَه لرجائه شَاهدا آخر كَمَا تقدم فِي شرح النّظم قبل هَذِه الأبيات. وَفِي التَّبْصِرَة إِن أَتَى بلطخ كالقوم غير الْعُدُول أَو عدُول يشْهدُونَ بِالسَّمَاعِ فَإِن أَرَادَ الْمُدَّعِي أَن يذهب بِالْعَبدِ إِلَى مَوضِع بَينته، فَذَلِك لَهُ بعد أَن يضع قِيمَته قَالَ: وَإِن لم يرد أَن يضع قِيمَته وَقَالَ يُوقف حَتَّى آتِي ببينتي فَإِن كَانَ مِمَّا يقرب وقف لَهُ مَا بَين الْخَمْسَة الْأَيَّام إِلَى الْجُمُعَة قَالَه سَحْنُون، وَإِن كَانَ مِمَّا يبعد وَفِيه مضرَّة لم يجب توقيفه وأحلف الْمَطْلُوب وأخلي سَبيله من غير كَفِيل يلْزمه انْتهى الْمَقْصُود مِنْهُ. وَبِهَذَا تعلم أَن قَول النَّاظِم حَيْثُ ادّعى بَيِّنَة حضوراً قيد فِي التَّوْقِيف بِالسَّمَاعِ أَو النشدان كَمَا هُوَ ظَاهره، فَقَوْل من قَالَ صَوَابه أَو ادّعى بَيِّنَة حضوراً الخ. غير ظَاهر لِأَنَّهُ إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ لَو كَانَ كَلَامه غير مُطَابق للمنصوص وَمُجَرَّد دَعْوَى الْبَيِّنَة الْحَاضِرَة مَسْأَلَة ثَالِثَة لم يتَكَلَّم عَلَيْهَا النَّاظِم كَمَا لم يتَكَلَّم على التَّوْقِيف للذهاب بِهِ كَمَا مرّ، وَتكلم على ذَلِك فِي الْمُخْتَصر وَلم يتَكَلَّم على مَا فِي النّظم كَمَا يَأْتِي. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى مَفْهُوم قَوْله حضوراً وَهُوَ الْوَجْه الأول فِي الْمُدَوَّنَة والوجة الثَّالِث فِي التَّبْصِرَة فَقَالَ: وإنْ تَكُنْ بَعِيدَةً فالمُدَّعَى عَليْهِ مَا القَسَمُ عَنْهُ ارْتَفَعا (وَإِن تكن) شَرط (بعيدَة) بِأَن زَادَت على الْجُمُعَة خبر تكن (فالمدعى عَلَيْهِ) مُبْتَدأ (مَا) نَافِيَة (الْقسم) مُبْتَدأ مُتَعَلّقه مَحْذُوف أَي مَا الْقسم بِأَنَّهُ لَا يعلم فِيهِ حَقًا للقائم (عَنهُ ارتفعا) خَبره وَالْجُمْلَة خبر الأول وَالْجُمْلَة من الأول وَخَبره جَوَاب الشَّرْط، فَإِن نكل وقف هَذَا ظَاهره لِأَن فَائِدَة الْيَمين إِنَّمَا تظهر فِي النّكُول وَظَاهره كظاهر الْمُدَوَّنَة الْمُتَقَدّم أَنه يحلف كَانَا من بلد وَاحِد أَو أَحدهمَا طارئاً وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ إِذا ادّعى الطارىء على الْمُقِيم. قَالَ الْمُقِيم: أَنْت لَا تَدعِي عَليّ معرفَة ذَلِك، وَكَذَا الْعَكْس فَلَا يحلف أَحدهمَا للْآخر فِي طرُو أَحدهمَا قَالَه أَبُو الْحسن عَن اللَّخْمِيّ وَنَحْوه فِي التَّبْصِرَة لِابْنِ فَرِحُونَ. كَذاكَ مَعْ عَدْلٍ بِنِشْدَانٍ شَهِدْ وَبُعْدِ بَاقِيهِمْ يَمِينُهُ تَرِدْ (كَذَاك) حَال من فَاعل ترد (مَعَ عدل) يتَعَلَّق بترد أَيْضا وَجُمْلَة قَوْله: (بنشدان شهد) صفة لعدل (وَبعد باقيهم) بِضَم الْبَاء وَسُكُون الْعين عطف على عدل (يَمِينه) مُبْتَدأ (ترد) خَبره أَي ترد يَمِين الْمَطْلُوب مَعَ عدل شهد للطَّالِب بنشدان وَمَعَ ادعائه بعد بَاقِي الشُّهُود بِهِ أَي بالنشدان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 حَال كَونهَا كَذَلِك من أَنه يحلف لَا يعلم فِيهِ حَقًا للقائم، وَإِنَّمَا وَجَبت الْيَمين وَلم يُوقف لِأَن اللطخ لم يتم. هَذَا ظَاهر النّظم عِنْد شراحه وَعَلِيهِ قرروه وَلم يدعموه بِنَقْل وَهُوَ يَقْتَضِي أَن الشَّاهِد الْعدْل بِالسَّمَاعِ أَو بالنشدان لَا يكون لطخاً وَفِيه نظر، فَإِن مُجَرّد دَعْوَى قرب الْبَيِّنَة الشاهدة بِالْقطعِ لطخ كَمَا يَأْتِي فَكيف مَعَ الشَّاهِد الْوَاحِد بالنشدان أَو السماع؟ فَإِن قلت: مُرَادهم لَا يكون لطخاً مَعَ بعد الْبَيِّنَة الشاهدة بِالْقطعِ. قُلْنَا: لَو ثَبت النشدان بعدلين فِي هَذِه لَا يكون لطخاً كَمَا فِي الْبَيْت قبله. فَإِن قلت: مُرَادهم لَا يكون لطخاً يُوجب وَقفه خَمْسَة أَيَّام أَو فَوْقهَا وَمُجَرَّد دَعْوَى الْبَيِّنَة الْحَاضِرَة إِنَّمَا يُوقف مَعهَا الْيَوْم وَنَحْوه. قُلْنَا: لَا دَلِيل فِي كَلَامهم عَلَيْهِ على أَنه لَيْسَ حلف الْمَطْلُوب هُنَا لرد شَاهد اللطخ بِأولى من حلف الطَّالِب مَعَ شَاهده وَيُوقف لَهُ مَا لَا ضَرَر فِيهِ كالخمسة وَنَحْوهَا، بل حلف الطَّالِب أَنه سرق لَهُ مَعَ شَاهد النشدان أَو السماع ليوقف بِهِ مَا ذكر أولى لِأَنَّهُ يؤول لِلْمَالِ وَلِأَن الشَّاهِد بالنشدان على الْقطع أقوى من بَيِّنَة السماع بِهِ وَالله أعلم. وَحِينَئِذٍ فَالْوَاجِب أَن الضَّمِير فِي قَوْله باقيهم يرجع لعدل بِدُونِ قَيده أَي وَادّعى بعد بَاقِي شُهُود الْقطع لَا شُهُود النشدان كَقَوْلِهِم: عِنْدِي دِرْهَم وَنصفه، وَالْمرَاد بِالْعَدْلِ الْجِنْس فَيشْمَل الْوَاحِد والمعتدد، وَهَذَا وَإِن كَانَ مفهوماً من الْبَيْت قبله لكنه أولى من الْفساد. تَنْبِيهَانِ. الأول: مَا تقدم إِنَّمَا هُوَ فِي تَوْقِيف الْمُدعى فِيهِ وَأما تَوْقِيف الْمُدعى عَلَيْهِ نَفسه حَيْثُ كَانَت الدَّعْوَى بِمَا فِي الذِّمَّة وَلم يَأْتِ بحميل بِالْوَجْهِ فَسَيَأْتِي فِي قَوْله: وضامن الْوَجْه على من أنكرا دَعْوَى امرىء خشيَة أَن لَا يحضرا الثَّانِي: تقدم أَن النَّاظِم لم يتَكَلَّم على الإيقاف للذهاب، وَقد صرح فِي الْمُدَوَّنَة بِأَنَّهُ إيقاف أَيْضا وَلَا على الإيقاف للإتيان بِالْبَيِّنَةِ الْحَاضِرَة وَتكلم عَلَيْهِمَا (خَ) وَلم يتَكَلَّم على مَا فِي النّظم فَقَالَ مُخْتَصرا لما فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِن سَأَلَ ذُو الْعدْل أَو بَيِّنَة سَمِعت وَإِن لم تقطع وضع قيمَة العَبْد ليذْهب بِهِ إِلَى بلد يشْهد لَهُ على عينه. أُجِيب: لَا انتفيا أَي الْعدْل وَالسَّمَاع وَطلب إيقافه ليَأْتِي بِبَيِّنَة وَإِن على مَسَافَة كيومين إِلَّا أَن يَدعِي بَيِّنَة حَاضِرَة أَو سَمَاعا بِالْبَلَدِ يثبت بِهِ فَيُوقف ويوكل بِهِ فِي كَيَوْم اه. وَظَاهر قَوْله: ليذْهب بِهِ الخ. وَلَو كَانَت بِبَلَد بعيد وَهُوَ كَذَلِك إِن كَانَت الطَّرِيق مَأْمُونَة وإلاَّ فَيَنْبَغِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 الرُّجُوع بِالصّفةِ اتِّفَاقًا قَالَه الرجراجي، وَعَلِيهِ فَالْفرق بَين هَذَا وَبَين مَا مر من أَنه لَا يُوقف لَهُ مَعَ بعد الْبَيِّنَة أَن الذّهاب مَعَ وضع الْقيمَة أخف من الإيقاف من غير ذهَاب لِأَنَّهُ إِذا هلك فِي الذّهاب أَخذ الْمَطْلُوب الْقيمَة، وَفِي الإيقاف لَا يَأْخُذ شَيْئا قَالَ أَبُو الْحسن والعبدوسي: وَقَوله ليذْهب الخ. هَذَا فِي الطَّالِب، وَكَذَا فِي الْمَطْلُوب إِن أَرَادَ الذّهاب بهما ليثبت ملكيتها بعد أَن أثبتها الطَّالِب، وَالْخلاف الَّذِي فِي الذّهاب بالدابة الْمُسْتَحقَّة هَل يتسلسل أَو هُوَ للْأولِ الْمُسْتَحق من يَده فَقَط مَخْصُوص بِمن يُرِيد الرُّجُوع بِثمنِهِ، وَأما من أَرَادَ إِثْبَات ملكيتها فَلهُ الذّهاب أيّاً كَانَ وَلَا يدْخلهُ الْخلاف، قَالَ مَعْنَاهُ ابْن رحال، وَهَذِه الْمَسْأَلَة لَهَا فروع تتَعَلَّق بهَا أضربنا عَنْهَا لكَونهَا أَجْنَبِيَّة من النّظم وَالله أعلم. وَقَوله: إِلَّا أَن يَدعِي الخ هَذِه هِيَ الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة الَّتِي تقدم أَن النَّاظِم لم يتَكَلَّم عَلَيْهَا لِأَن الإيقاف بِغَيْر ذهَاب إِمَّا بالنشدان أَو السماع مَعَ دَعْوَى حُضُور الْبَيِّنَة فيهمَا أَو دَعْوَى حُضُور الْبَيِّنَة من غير نشدان وَلَا سَماع إِلَّا أَنه فِي الأولى وَالثَّانيَِة يُوقف من الْخَمْسَة إِلَى الْجُمُعَة، وَفِي الثَّالِثَة الْيَوْم وَنَحْوه كَمَا مر، وَقَوله أَو سَمَاعا يثبت بِهِ الخ أَي يثبت بِهِ اللطخ لَا السماع الْمُفِيد للْعلم فَهُوَ دَاخل تَحت قَوْله: حَاضِرَة، وَقَوله وضع قِيمَته أَي عينا وَلَا يَكْتَفِي مِنْهُ بكفيل إِلَّا بِرِضا الآخر إِلَّا أَن يكون العَبْد قد اسْتحق نَفسه بحريّة فيكتفي مِنْهُ بِهِ، وَمَفْهُوم حَاضِرَة أَنه إِذا لم يدع ذَلِك لَا إيقاف أصلا لَا للذهاب وَلَا للإتيان بِبَيِّنَة وَهُوَ ظَاهر قَول النَّاظِم ومدع كَالْعَبْدِ الخ. وَحكى ابْن نَاجِي الِاتِّفَاق على عدم الإيقاف حِينَئِذٍ. 9 قَالَ ابْن أبي زمنين: وَلَو جَازَ هَذَا أَي الإيقاف بِغَيْر لطخ لاعترض النَّاس أَمْوَال النَّاس اه. وَهَذَا هُوَ الْقسم السَّادِس الْمُتَقَدّم فِي التَّحْصِيل. قلت: وَجرى الْعَمَل بالإيقاف بِمُجَرَّد الدَّعْوَى وتمكينه من وضع الْقيمَة وَلَو لبلد بعيد قَالَ ناظمه: وكل مُدع للاستحقاق مكن من الْإِثْبَات بِالْإِطْلَاقِ وَبحث فِي هَذَا الْعَمَل غير وَاحِد بِأَن الْعَمَل لَا بُد أَن يسْتَند إِلَى قَول وَلَا قَائِل بإيقاف بِمُجَرَّد الدَّعْوَى. قلت: رَأَيْت فِي اخْتِصَار الوانشريسي للبرزلي ناسباً لأوائله مَا نَصه: لَا يُفْتى بِغَيْر قَول ابْن الْقَاسِم إِلَّا فِي خمس مسَائِل فَذكرهَا إِلَى أَن قَالَ: الرَّابِعَة تَوْقِيف المخصوم فِيهِ قبل إِثْبَات الطَّالِب وَهُوَ رِوَايَة ابْن عبد الحكم وَابْن كنَانَة اه. وَقد علمت أَن مَا مرّ فِي النّظم و (خَ) كُله فِي الْمُدَوَّنَة فَلم يبْق حمله إِلَّا على مُجَرّد الدَّعْوَى فَانْظُر ذَلِك فِي أَوَائِل الْبُرْزُليّ، وانظره مَعَ مَا مرّ عَن ابْن نَاجِي من الِاتِّفَاق على أَن هَذَا الْعَمَل إِن صَحَّ مُسْتَنده فَفِيهِ مَا لَا يخفى من الْإِخْلَال بِحَق الْمَطْلُوب والمحافظة على حق الطَّالِب، فَإِن كَانَ وَلَا بدّ فَيَنْبَغِي أَن يضع قيمَة كرائها فِي أَيَّام الذّهاب والإيقاف زِيَادَة على قيمتهَا، فَإِن لم يثبت شَيْئا أَخذه الْمَطْلُوب لِأَن هَذَا قد اعْترض مَال غَيره وعطله عَن مَنَافِعه من غير أَن يسْتَند إِلَى لطخ بِخِلَاف مَا إِذا اسْتندَ لَهُ فَلَا يضمن الْكِرَاء للشُّبْهَة وَلم أر ذَلِك مَنْصُوصا لأحد مِمَّن قَالَ بِهَذَا الْعَمَل، وَقد حكى كثير من النَّاس أَنهم كَانُوا إِذا تعذر عَلَيْهِم المعاش يذهبون للفنادق فيعترضون دَوَاب الواردين حَتَّى يصالحوهم بِقَلِيل أَو كثير، وَلَا سِيمَا إِن كَانَ رب الدَّابَّة مزعوجاً يُرِيد الْخُرُوج فِي الْحِين، وَقد شاهدنا من ذَلِك الْعجب العجاب وَقد قَالَ فِي الذَّخِيرَة: إِذا الْتزم الْمُدعى عَلَيْهِ إِحْضَار الْمُدعى فِيهِ لتشهد الْبَيِّنَة على عينه فَإِن ثَبت الْحق فالمؤنة على الْمُدعى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُبْطل وإلاَّ فعلى الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ مُبْطل فِي ظَاهر الشَّرْع وَلَا تجب أُجْرَة تَعْطِيل الْمُدَّعِي بِهِ فِي مُدَّة الْإِحْضَار اه. فَتَأمل قَوْله لِأَنَّهُ مُبْطل فِي ظَاهر الشَّرْع الخ. مَعَ أَن مَا قَالَه من وجوب الْإِحْضَار إِنَّمَا هُوَ مَعَ قيام اللطخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 ( فصل ) ذكر فِيهِ النَّوْع الرَّابِع من أَنْوَاع الشَّهَادَات. رَابِعَةُ مَا تُلْزِمُ اليَمِينا لَا الحَقَّ ل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; كِنْ لِلْمُطالِبينا (رَابِعَة) أَي شَهَادَة رَابِعَة مُبْتَدأ (مَا) مَوْصُولَة وَاقعَة على الشَّهَادَة وَهِي مَعَ صلتها خبر (تلْزم) بِضَم التَّاء مضارع ألزم (اليمينا) مفعول (لَا الْحق) مَعْطُوف عَلَيْهِ (لَكِن) حرف اسْتِدْرَاك وَابْتِدَاء لَا عاطفة لتخلف شَرطهَا الَّذِي هُوَ تقدم النَّفْي أَو النَّهْي (للمطالبينا) بِفَتْح اللَّام اسْم مفعول يتَعَلَّق بِمَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ مَا قبله أَي لَكِن تلزمها للمطالبين لَا للطَّالِب كَمَا فِي الْقسم الثَّانِي، وَاللَّام الجارة بِمَعْنى (على) إِن فسرنا تلْزم بتوجب وَأما إِن أبقيناه على مَعْنَاهُ فَهِيَ زَائِدَة لَا تتَعَلَّق بِشَيْء. شَهادةُ العَدْلِ أَو اثْنَتْينِ فِي طَلاقٍ أَو عتاقٍ أَو قَذْفٍ يَفِي (شَهَادَة) خبر مُبْتَدأ مُضْمر أَي وَهِي شَهَادَة (الْعدْل) الْوَاحِد (أَو) شَهَادَة امْرَأتَيْنِ (اثْنَتَيْنِ فِي طَلَاق) يتَعَلَّق بتفي على قِرَاءَته بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة فَوق على أَنه حَال من شَهَادَة وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ أَي حَال كَون شَهَادَة الْعدْل أَو الْمَرْأَتَيْنِ كائنة فِي طَلَاق (أَو عتاق أَو قذف) وَيجوز أَن يتَعَلَّق الْمَجْرُور بِشَهَادَة و (يَفِي) بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة تَحت صفة لقذف، فَإِذا أَقَامَت الزَّوْجَة شَاهدا أَو امْرَأتَيْنِ بِالطَّلَاق أَو أَقَامَ العَبْد شَاهدا بِالْعِتْقِ أَو أَقَامَ الْمَقْذُوف شَاهدا أَو امْرَأتَيْنِ بِالْقَذْفِ حلف الْمَطْلُوب فِي الْجَمِيع لرد شَهَادَة الشَّاهِد وبرىء وَفهم مِنْهُ أَنه لَا يَمِين بِمُجَرَّد الدَّعْوَى. قَالَ مَالك: وَلَو جَازَ هَذَا للنِّسَاء وَالْعَبِيد لم يَشَأْ عبد إِلَّا حلف سَيّده وَلَا امْرَأَة إِلَّا حَلَفت زَوجهَا كل يَوْم. وتُوقَفُ الزَّوْجَةُ ثمَّ إنْ نَكَلْ زَوْجٌ فَسِجْنٌ ولِعامٍ العَمَلْ (وَتوقف الزَّوْجَة) قبل الْحلف أَي يُحَال بَينهَا وَبَين زَوجهَا، وَكَذَا العَبْد للإعذار فِي الشَّاهِد أَو لإِرَادَة إِقَامَة ثَان فَإِن عجز الْمَطْلُوب عَن الدّفع وَعجز الطَّالِب عَن الْإِتْيَان بثان تَوَجَّهت الْيَمين (ثمَّ إِن نكل) عَنْهَا (زوج) أَو سيد أَو قَاذف (فسجن) لَازم للْجَمِيع وَفِي قدر مدَّته رِوَايَات قيل أبدا حَتَّى يحلف، وَقيل إِلَى أَن يطول والطول بِالِاجْتِهَادِ وَقيل عَام كَمَا قَالَ: (ولعام الْعَمَل) فَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 حلفوا بعْدهَا وَإِلَّا أطْلقُوا، وَإِنَّمَا لم يكن النّكُول كشاهد لِأَن هَذِه لَيست بِمَال، وَكَانَ مَالك يَقُول: تطلق بِالنّكُولِ مَعَ الشَّاهِد ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَا فِي النّظم فَقَوله: فسجن مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف كَمَا ترى وَثمّ للتَّرْتِيب عطفت جملتي الشَّرْط وَالْجَزَاء على جملَة توقف، وَفهم من تَخْصِيصه الحكم بِهَذِهِ الثَّلَاث أَن غَيرهَا مِمَّا لَا يثبت إِلَّا بعدلين لَا يجزى فِيهِ ذَلِك، فَلَا يحلف السَّارِق لرد شَهَادَة الشَّاهِد بِالنِّسْبَةِ لقطعه وَلَا الصَّبِي لرد شَهَادَة الشَّاهِد بِبُلُوغِهِ بِالنِّسْبَةِ لإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ، وَلَا الْمُرْتَد لرد شَهَادَة الشَّاهِد التَّعْدِيل والتسفيه وَنَحْو ذَلِك، وَلَا يسجن الْوَلِيّ بِعَدَمِ حلفه لرد شَهَادَة الشَّاهِد بعفوه بل يسْقط الْقصاص، كَمَا إِذا لم يحلف مَعَ مُجَرّد الدَّعْوَى (خَ) وللقاتل الِاسْتِحْلَاف على الْعَفو الخ. وَذَلِكَ لِأَن الْعَفو تخلفت فِيهِ قَاعِدَة كل دَعْوَى لَا تثبت إِلَّا بعدلين فَلَا يَمِين بمجردها. وَكَذَا النِّكَاح إِن ادَّعَاهُ أحد الزَّوْجَيْنِ على الآخر فَلَا يَمِين لرد شَهَادَة شَاهده لِأَنَّهُ لَو أقرّ بِهِ لم يثبت بِخِلَاف الطَّلَاق وَمَا مَعَه، وَلِأَن الْغَالِب شهرته فالعجز عَن شَاهِدين دَلِيل على كذب مدعيه مَا لم يَكُونَا طارئين وإلاَّ تَوَجَّهت لرد شَهَادَة الشَّاهِد لِأَن الشُّهْرَة لَا تتأتى فِي الطارئين (خَ) وَحلف بِشَاهِد فِي طَلَاق وَعتق لَا نِكَاح، فَإِن نكل حبس وَإِن طَال دين. وقيلَ لِلزَّوْجَةِ إذْ يُدَيَّنُ تَمْنَعُ نَفْسَها وَلَا تَزَيَّنُ (وَقيل للزَّوْجَة إِذْ يدين) مَبْنِيّ للْمَفْعُول نَائِبه يعود على الزَّوْج، وَهَذَا وَجه تَخْصِيصه بِالذكر فِيمَا مر، وَإِلَّا فالسجن لَا يخْتَص بِهِ كَمَا مرّ وَالْمَجْرُور والظرف يتعلقان بقيل (تمنع نَفسهَا وَلَا تزين) أَي لَا تسْتَعْمل زِينَة النِّسَاء فَهُوَ مَبْنِيّ للْفَاعِل حذفت مِنْهُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ لِأَن أَصله لَا تتزين وَالْجُمْلَة من تمنع وَمَا عطف عَلَيْهَا فِي مَحل رفع نَائِب فَاعل قيل: أَي يُقَال لَهَا هَذَا اللَّفْظ وَلَا مَفْهُوم للزَّوْجَة، بل أمة الْوَطْء كَذَلِك فِي الْعتْق وَمَا ذكره فِي الزَّوْجَة ظَاهر إِذا كَانَ الطَّلَاق بَائِنا (خَ) وَلَا تمكنه إِن سَمِعت إِقْرَاره وَبَانَتْ أَي وَالْحَال أَنَّهَا بَانَتْ وَلَا تتزين إِلَّا كرها ولتفتد مِنْهُ وَفِي جَوَاز قَتلهَا لَهُ عِنْد مجاورتها قَولَانِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 ( فصل ) ذكر فِيهِ الْقسم الْخَامِس من أَقسَام الشَّهَادَة الْمُتَقَدّمَة فِي قَوْله: ثمَّ الشَّهَادَة لَدَى الْأَدَاء. جُمْلَتهَا خمس الخ. وَمَا يُقَال هُنَا من أَن هَذَا الْقسم لَيْسَ من أقسامها، بل هُوَ قسيم أَي مُقَابل لَهَا مناقشة لفظية لَا طائل تحتهَا. خامِسَةٌ لَيْسَ عَليها عَمَلُ وهْيَ الشَّهاةُ الَّتِي لَا تُقْبَلُ (خَامِسَة) مُبْتَدأ سوغه الْوَصْف كَمَا مرّ وَالْجُمْلَة من قَوْله: (لَيْسَ عَلَيْهَا عمل) خَبره أَي لَا عمل عَلَيْهَا فِي شَيْء فَلَا توجب يَمِينا وَلَا توقيفاً فضلا عَن غَيرهمَا (وَهِي) مُبْتَدأ (الشَّهَادَة) خَبره (الَّتِي لَا تقبل) صفة أَي لَا تقبل مَا لتخلف شَرط من الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة أول الْبَاب. كَشَاهِدِ الزُّور والإبْنِ لِلأبِ وَمَا جَرِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; مَجْرَاهُما مِمَّا أُبي (كشاهد الزُّور) سَوَاء ظهر عَلَيْهِ فِي هَذِه الشَّهَادَة أَو فِيمَا قبلهَا لِأَنَّهُ فَاسق (و) أما الْقيام مَانع كَشَهَادَة (الابْن للْأَب) وَالزَّوْج للزَّوْجَة (وَمَا جرى مجراهما مِمَّا أبي) أَي منع فمما جرى مجْرى الأول فقد الْعقل وَالْبُلُوغ وَالْحريَّة وَعدم اجْتِنَاب الْكَبَائِر الْمشَار لَهَا بقوله أول الْبَاب: وَشَاهد صفته المرعية، إِلَى قَوْله: وَمَا أُبِيح وَهُوَ فِي العيان الخ. وَمن ذَلِك من اعْتَادَ مؤاجرة نَفسه لأهل الذِّمَّة يستعملونه فِي الحراثة وَشبههَا لما فِيهِ من إهانة الْإِسْلَام، وَمِمَّا جرى مجْرى الثَّانِي الْعَدَاوَة وتهمة الْجَرّ وَالدَّفْع الْمشَار لَهَا بقوله: وَالْأَب لِابْنِهِ وَعَكسه منع. إِلَى قَوْله: وحيثما التُّهْمَة حَالهَا غلب. كحالة الْعَدو والظنين الخ. فَقَوله مجراهما بِفَتْح الْمِيم ظرف يتَعَلَّق بجرى، وَمِمَّا بَيَان لما يتَعَلَّق بجرى وأبى بِضَم الْهمزَة مَبْنِيّ للْمَفْعُول صلَة مَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 ( فصل فِي شَهَادَة السماع) وَهِي قِسْمَانِ: مَا يُفِيد الْعلم سَوَاء بلغ حد التَّوَاتُر الْمُفِيد للْقطع كالسماع بِأَن مَكَّة مَوْجُودَة وَعَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو حدّ الاستفاضة المفيدة للظن الْقوي الْقَرِيب من الْقطع، كالسماع بِأَن نَافِعًا مولى ابْن عمر، وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن الْقَاسِم، وَهَذَا الْقسم لَا يُصَرح الشَّاهِد فِيهِ بِالسَّمَاعِ، بل يجْزم الشَّهَادَة فقد قيل لِابْنِ الْقَاسِم: أيشهد بأنك ابْن الْقَاسِم من لَا يعرف أَبَاك وَلَا أَنَّك ابْنه إِلَّا بِالسَّمَاعِ؟ فَقَالَ: نعم يقطع بِهَذِهِ الشَّهَادَة وَيثبت بهَا النّسَب وَالْإِرْث. ابْن رشد: لَا خلاف فِي هَذَا لِأَن الْخَبَر إِذا انْتَشَر أَفَادَ الْعلم فَإِذا انْتَشَر الْخَبَر بِأَن فلَانا تزوج فُلَانَة وَكثر القَوْل بِهِ جَازَت الشَّهَادَة بِالنِّكَاحِ على الْقطع، وَإِن لم يحضر لعقده وَكَذَا الْمَوْت وَالنّسب وَغَيرهمَا إِذا حصل لَهُ الْعلم بذلك من جِهَة السماع فَيُؤَدِّي شَهَادَته على الْقطع فَيَقُول: نعلم أَنَّهَا زَوجته وَأَنه ابْن فلَان وَلَا يخبر بِأَن ذَلِك الْعلم إِنَّمَا حصل لَهُ من جِهَة السماع. قلت: إِذا أخبر بذلك هَل تبطل بِهِ الشَّهَادَة كَمَا مرّ عِنْد قَوْله وغالب الظَّن الخ. وَالظَّاهِر أَنَّهَا لَا تبطل إِذا صرح بالانتشار أَو التَّوَاتُر. الْقسم الثَّانِي: مَا لَا يُفِيد الْعلم وَلَا الظَّن الْقَرِيب مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يقْصد الْفُقَهَاء الْكَلَام عَلَيْهِ، وَإِذا أطلقت شَهَادَة السماع إِنَّمَا تَنْصَرِف إِلَيْهِ وَهُوَ رَاجع فِي الْحَقِيقَة للشَّهَادَة الَّتِي توجب الْحق مَعَ الْيَمين. ابْن عَرَفَة: هِيَ لقب لما يُصَرح الشَّاهِد فِيهِ بِإِسْنَاد شَهَادَته لسَمَاع من غير معِين فَتخرج شَهَادَة الْبَتّ وَالنَّقْل فالبت خرج بقوله بِإِسْنَاد شَهَادَته لسَمَاع، وَالنَّقْل بقوله من غير معِين، وَالْكَلَام عَلَيْهَا فِي هَذَا الْقسم من وَجْهَيْن. الأول: شَرطهَا وَمِنْه تعلم كيفيتها. الثَّانِي: محلهَا أَي الْمحل الَّذِي تجوز فِيهِ دون غَيره، فَأَما الشَّرْط فَسَيَأْتِي فِي قَول النَّاظِم: وَشَرطهَا استفاضة إِلَى قَوْله: مَعَ السَّلامَة من ارتياب الخ. وَأما محلهَا وَهُوَ مَا تقبل فِيهِ فَفِيهِ طرق. ثَالِثهَا لِابْنِ شَاس وَابْن الْحَاجِب وَغَيرهمَا أَنَّهَا تجوز فِي مسَائِل مَعْدُودَة، ولرجحانها اقْتصر النَّاظِم عَلَيْهَا فَقَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وأُعْمِلَتْ شَهادَةُ السَّماعِ فِي الحَمْلِ والنِّكاح والرَّضَاعِ (وأعملت شَهَادَة السماع فِي الْحمل) يتَعَلَّق بأعملت أَي يشْهدُونَ بِالسَّمَاعِ الفاشي أَن الْأمة الْفُلَانِيَّة حملت من سَيِّدهَا فلَان حملا ظَاهرا لَا خَفَاء فِيهِ فَتَصِير بذلك أم ولد إِن ادَّعَت سُقُوطه وَتصدق فِي ذَلِك، وإلاَّ فَهُوَ قَوْله فِيمَا يَأْتِي والميلاد الخ. وَهَذَا ظَاهر إِن كَانَ السَّيِّد قد مَاتَ أَو كَانَ حَيا أَو أقرّ بِوَطْئِهَا وإلاَّ فَلَا. (وَالنِّكَاح) أَي يشْهدُونَ بِالسَّمَاعِ الفاشي على أَلْسِنَة أهل الْعدْل وَغَيرهم أَن فلَانا نكح فُلَانَة هَذِه بِالصَّدَاقِ الْمُسَمّى وَأَن وَليهَا فلَانا عقد عَلَيْهَا نِكَاحهَا بِرِضَاهَا وَأَنه فَشَا وشاع بالدف وَالدُّخَان. هَكَذَا ذكر المتيطي هَذِه الْوَثِيقَة فِي نهايته قَالَ: فَإِذا أعذر القَاضِي للْمَرْأَة وَلم تَجِد مطعناً ثَبت النِّكَاح وَاسْتحق الْبناء بهَا. وَقَالَ قبل هَذِه الْوَثِيقَة مَا نَصه: فَإِن أَتَى الْمُدَّعِي مِنْهُمَا بِبَيِّنَة بِالسَّمَاعِ الفاشي من أهل الْعدْل وَغَيرهم على النِّكَاح واشتهاره بالدف وَالدُّخَان ثَبت النِّكَاح على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ. وَقَالَ أَبُو عمرَان: إِنَّمَا يعْمل بِالسَّمَاعِ فِي النِّكَاح إِذا اتّفق الزَّوْجَانِ عَلَيْهِ وإلاّ فَلَا اه. وَاقْتصر ابْن هَارُون فِي اختصاره على قَوْله: فَإِن أَتَى الْمُدَّعِي الخ. وَكَذَا ابْن فَرِحُونَ فِي تبصرته، فَظَاهر كَلَامهم أَن قَول ابْن عمرَان مُقَابل وَصرح بِهِ فِي الشَّامِل فِي تنَازع الزَّوْجَيْنِ فَقَالَ: وَلَا يثبت النِّكَاح إِلَّا بِبَيِّنَة وَلَو بِسَمَاع على اشتهاره بدف ودخان على الْمَشْهُور، وَقيل: إِن اتفقَا على الزَّوْجِيَّة اه. وَشهر فِي شَهَادَة السماع فِي بَاب الشَّهَادَات مَا لأبي عمرَان فَقَالَ: وَنِكَاح اتّفق عَلَيْهِ الزَّوْجَانِ على الْمَشْهُور وإلاَّ فَلَا اه. قَالَ ابْن رحال: عقبه مَا قَالَه أَبُو عمرَان وشهره فِي الشَّامِل يَعْنِي فِي بَاب الشَّهَادَات فِيهِ مَا فِيهِ، وَقَالَ فِي حَاشِيَته: هُنَا الرَّاجِح الْجَوَاز وَإِن لم تكن تَحت الْحجاب وَنَحْوه ل (ز) فِي تنَازع الزَّوْجَيْنِ وعَلى خلاف أبي عمرَان رد (خَ) بقوله فِي التَّنَازُع وَلَو بِالسَّمَاعِ وَقد علمت من هَذَا أَن النِّكَاح يثبت بِالسَّمَاعِ على الْمَعْمُول بِهِ، وَلَو أنْكرت الْمَرْأَة أَو لم تكن تَحت حجاب الزَّوْج خلافًا لأبي عمرَان فِي الْإِنْكَار وَلابْن الْحَاج فِيمَا إِذا لم تكن تَحت الْحجاب وَهَذَا كُله إِذا لم تكن تَحت زوج آخر، وإلاَّ فَلَا تنْزع مِنْهُ بِالسَّمَاعِ اتِّفَاقًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 فَإِن قيل: ظَاهر ابْن الْحَاج أَنه لَا يعْمل بهَا إِذا لم تكن تَحت حجابه وَلَو مقرة بِالنِّكَاحِ وَظَاهر مَا لأبي عمرَان عَكسه وَكَيف يكلفان بِثُبُوتِهِ مَعَ الْإِقْرَار وَكَونهَا تَحت الْحجاب؟ قُلْنَا: يكلفان حَيْثُ كَانَا بلديين لرفع الْحَد عَنْهُمَا وَلَا يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِد كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: رَابِعَة مَا تلْزم الْيَمين الخ. وَظَاهر مَا مر عَن المتيطي أَن بَيِّنَة السماع لَا بُد أَن تذكر الْعَاقِد وَالصَّدَاق كبينة الْقطع، وَهَذَا ظَاهر إِذا حملنَا كَلَامه على شَرط الصِّحَّة، وَالظَّاهِر أَنه شَرط كَمَال بِدَلِيل قَوْله: وَإِن فَشَا وشاع بالدخان. الخ، مَعَ أَنَّهُمَا لَا تشْتَرط معاينتهما وَلَا كَونهمَا من جملَة المسموع كَمَا فِي (ز) وَغَيره وَلِأَن الْفَرْض أَن النزاع فِي أصل الزَّوْجِيَّة لَا فِي تِلْكَ الْفُصُول فَإِذا رَجَعَ الْمُنكر عَن إِنْكَار أصل الزَّوْجِيَّة إِلَى أَنَّهَا وَقعت بِغَيْر ولد أَو بِغَيْر رِضَاهَا فَذَلِك انْتِقَال من دَعْوَى لأخرى فَتبْطل الأولى وَالثَّانيَِة، وَهَذَا كُله إِذا لم يطلّ الزَّمَان وَإِلَّا فَيَكْفِي السماع بِأَنَّهَا زَوجته وَلَا سِيمَا مَعَ موت أَحدهمَا. ابْن رشد: إِذا كَانَت الْمَرْأَة مُنْقَطِعَة عَمَّن تقاررت مَعَه على النِّكَاح وَلَا بَيِّنَة على أَصله وليسا بطارئين فَقيل لَا مِيرَاث بَينهمَا، وَإِن طَال ذَلِك وَفَشَا فِي الْجِيرَان قَالَ: وَهَذَا القَوْل بعيد لِأَن النِّكَاح مِمَّا تصح فِيهِ شَهَادَة السماع إِذا مضى من الزَّمَان مَا يبيد فِيهِ الشُّهُود أَي كالعشرين سنة وَنَحْوهَا. وَقَول المتيطي والشامل بالدف وَالدُّخَان لَا مَفْهُوم لَهُ، بل لَو لم يتَعَرَّضُوا لَهما لصَحَّ، وَكَذَا لَو لم يتَعَرَّضُوا للصداق فِيمَا يظْهر وَيجب صدَاق الْمثل كَمَا ذَكرُوهُ فِيمَا إِذا شهدُوا بِالْقطعِ وَلم يحفظوا صَدَاقا لجَوَاز نِكَاح التَّفْوِيض وَالله أعلم. (وَالرّضَاع) أَي لم يزَالُوا يسمعُونَ أَنَّهَا أُخْته أَو أمه من الرَّضَاع فتنتشر الْحُرْمَة وَظَاهره كَغَيْرِهِ أَنه يفرق بَينهمَا بِهَذِهِ وَلَو بعد العقد كَمَا أَن ظَاهر كَلَامهم أَيْضا أَن السماع الفاشي بِالْعِتْقِ ينتزع بِهِ من حائزه حَيْثُ لم تكن لَهُ بَيِّنَة قَاطِعَة بملكة وإلاَّ لم يكن لبينة السماع فَائِدَة. وَبَيَانه: أَن مدعي رقبته لَهُ لَا يسْتَحقّهُ بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ، فَإِن كَانَت لَهُ بَيِّنَة بِملكه قدمت بَيِّنَة الْملك فَلَا حَاجَة لبينة السماع فيهمَا، وَإِن لم يكن لَهُ إِلَّا مُجَرّد الْحَوْز فَهُوَ الَّذِي تظهر فِيهِ ثَمَرَتهَا وَهُوَ الْمَطْلُوب فَتَأمل ذَلِك، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلهم بَيِّنَة السماع لَا ينتزع بهَا من حائز مَخْصُوص بِمَا يحول وَيَزُول وَالله أعلم. والحَيْضِ والمِيرَاثِ والمِيلادِ وحالِ إسْلامِ أَو ارْتِدادِ (وَالْحيض) فَيثبت بِهِ الْخُرُوج من الْعدة فِي الطَّلَاق الرَّجْعِيّ فَلَا توارث بَينهمَا بعده (وَالْمِيرَاث) حَيْثُ شهدُوا بِالسَّمَاعِ أَنه مَاتَ وَأَنه لَا وَارِث لَهُ سوى فلَان لكَونه مَوْلَاهُ أَو ابْن عَمه وَأَنَّهُمْ سمعُوا أَنه يجْتَمع مَعَه فِي الْجد الْفُلَانِيّ أَو فِي جد وَاحِد كَمَا فِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن رشد، وَهَذَا حَيْثُ لم يكن هُنَاكَ وَارِث مَعْلُوم النّسَب (والميلاد) فَتَصِير الْأمة أم ولد وَتخرج بِهِ الْحرَّة من الْعدة فَلَا توارث إِن مَاتَ أَحدهمَا (وَحَال إِسْلَام أَو) حَال (ارتداد) فتبنى عَلَيْهِمَا أحكامهما من الْإِرْث وَغَيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 والجَرْحِ والتَّعْدِيلِ والوَلاءِ والرُّشْدِ والتَّسْفِيهِ والإيصاءِ (وَالْجرْح) بِفَتْح الْجِيم أَي التجريح وَظَاهره كَغَيْرِهِ بينوا سَببه أم لَا كَقَوْلِهِم: لم تزل تسمع أَنه مجرح فَتسقط شَهَادَته (وَالتَّعْدِيل) فَيعْمل بِشَهَادَتِهِ وَمَا ذكره فِي التجريح وَالتَّعْدِيل قَالَ الْقَرَافِيّ فِي فروقه: مَحَله إِذا لم يدْرك زمَان المجرح والمعدل بِالْفَتْح وَإِلَّا فَلَا بدّ من الْقطع (وَالْوَلَاء) وَالْمرَاد بِهِ اللحمة الَّتِي هِيَ كلحمة النّسَب لَا مُجَرّد المَال فَقَط خلافًا لقَوْل (خَ) فِي الْعتْق وَالْوَلَاء: وَإِن شهد وَاحِد بِالْوَلَاءِ أَو اثْنَان أَنَّهُمَا لم يَزَالَا يسمعان أَنه مَوْلَاهُ لم يثبت لكنه يحلف وَيَأْخُذ المَال الخ فَإِنَّهُ خلاف الْمُعْتَمد. (والرشد) فتمضي أَفعاله وَلَو مولى عَلَيْهِ على مَا بِهِ الْعَمَل من اعْتِبَار الْحَال لَا الْولَايَة (والتسفيه) فَترد أَفعاله وَلَو لم يكن مولى عَلَيْهِ (والإيصاء) بِالنّظرِ لشخص معِين على الْأَوْلَاد كَمَا فِي التَّبْصِرَة عَن الْكَافِي، وَأما الْوَصِيَّة بِالْمَالِ فَهِيَ دَاخِلَة فِي الْهِبَة وَالصَّدَََقَة كَمَا قَالَ: وَفِي تَمَلُّكٍ لمِلْكٍ بِيَدِ يُقامُ فِيهِ بَعْدَ طُولِ المَدَدِ (و) أعملت أَيْضا (فِي) سَبَب (تملك) أَي دُخُول (لملك) أصلا كَانَ أَو غَيره (بيد) حائزه فأطلقوا السَّبَب الَّذِي هُوَ التَّمَلُّك بِمَعْنى الدُّخُول فِي الْملك على سَببه الَّذِي هُوَ مَا يُوجب النَّقْل من الشِّرَاء وَالصَّدَََقَة وَنَحْوهمَا، وَالْبَاء بِمَعْنى فِي تتَعَلَّق بِملك وَالْأَصْل إِضَافَة تملك لملك لَكِن لما كَانَت الْإِضَافَة بِمَعْنى اللَّام أظهرها للوزن أَي وأعملت فِي سَبَب دُخُول الْملك فِي ملك ذِي يَد، فَإِذا كَانَ الْملك بِيَدِهِ ثمَّ (يُقَام) عَلَيْهِ (فِيهِ بعد طول المدد) جمع مُدَّة كالعشرين سنة على مَا بِهِ الْعَمَل وَأثبت الْقَائِم أَن الْملك لِأَبِيهِ أَو جده، فَإِن ذَا الْيَد يَكْفِيهِ بَيِّنَة السماع أَنه اشْتَرَاهُ من كَأبي الْقَائِم أَو وهبه لَهُ أَو تصدق بِهِ عَلَيْهِ أَو أوصى بِهِ لَهُ، وَإِنَّمَا تسمع بَيِّنَة الْقَائِم وَيحْتَاج الْحَائِز إِلَى ردهَا بِبَيِّنَة السماع إِذا كَانَ لَهُ عذر من غيبَة أَو سفه وَنَحْوهمَا، وإلاَّ فمجرد الْحِيَازَة مُدَّة من عشر سِنِين قَاطع لبينته كَمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله، وَمَفْهُوم بعد طول أَنه لَا يعْمل بهَا مَعَ عَدمه وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الطول مَظَنَّة انْقِرَاض الْبَينَات، فَلِذَا اكْتفى مَعَه بِالسَّمَاعِ وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله مَعَ السَّلامَة من ارتياب، وَظَاهره أَنه خَاص بالتملك الْمَذْكُور وَهُوَ خلاف ظَاهر. ابْن الْحَاجِب: من شرطيته فِي جَمِيع الْإِفْرَاد وَعَلِيهِ قَرَّرَهُ ابْن عبد السَّلَام وَهُوَ مَا عول عَلَيْهِ الشَّارِح فِيمَا يَأْتِي حَيْثُ قَالَ: من شُرُوطهَا تقادم الْعَهْد وَطول الزَّمن. قَالَ ابْن رحال فِي حَاشِيَته: هُنَا طول الزَّمَان يشْتَرط فِي جَمِيع أَفْرَاد شَهَادَة السماع إِلَّا فِي ضَرَر الزَّوْجَيْنِ اه. . وَيُمكن تمشية المُصَنّف عَلَيْهِ بِجعْل قَوْله: يُقَام فِيهِ الخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 رَاجعا لجَمِيع مَا مر وَأَنه حذفه من قَوْله وعزل حَاكم الخ لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ، وَقَوله: إِلَّا فِي ضَرَر الزَّوْجَيْنِ يُرِيد وَكَذَلِكَ النِّكَاح فِي حَيَاة الزَّوْجَيْنِ كَمَا مر تَفْصِيله، وَتَأمل مَا معنى اشْتِرَاطه حِينَئِذٍ فِي نَحْو الْحيض وَالْحمل، وَالظَّاهِر أَن مَعْنَاهُ فِي الْحمل حِينَئِذٍ أَن تحْتَاج الْأمة بعد موت سَيِّدهَا من نَحْو عشْرين سنة إِلَى إِثْبَات كَونهَا حملت من سَيِّدهَا لتثبت حريتها أَو يحْتَاج أَوْلَادهَا الَّذين نشأوا بعد ذَلِك الْحمل إِلَى ذَلِك ليَكُون لَهُم حكمهَا، وَكَذَا فِي الْحيض فَإِن الزَّوْج إِذا طلق زَوجته طَلَاقا رَجْعِيًا وَأشْهد بارتجاعها فَمَاتَتْ الزَّوْجَة وَبعد مُدَّة من عشْرين سنة مثلا تنَازع الزَّوْج وورثتها فِي الْمِيرَاث فَأَقَامَ الْوَرَثَة بَيِّنَة بِالسَّمَاعِ أَنَّهَا حَاضَت الثَّالِثَة قبل تَارِيخ الارتجاع فَلَا مِيرَاث للزَّوْج، وإلاَّ فالمرأة مصدقة فِي انْقِضَاء عدتهَا فِيمَا يُمكن فَلَا تحْتَاج لسَمَاع وَالَّذِي لِابْنِ هَارُون وَاعْتَمدهُ ابْن عَرَفَة أَن الطول إِنَّمَا يشْتَرط فِي الْأَمْلَاك والأشربة والأحباس والأنكحة وَالصَّدَََقَة وَالْوَلَاء وَالنّسب والحيازة اه. فَانْظُر ذَلِك فَإِن كثيرا من الْمُتَأَخِّرين مِمَّن وقفنا عَلَيْهِ يسْرد هَذِه الْأُمُور من غير بَيَان لكيفية تصورها. تَنْبِيه: ظَاهر النّظم أَنه لَا يحْتَاج فِي الْوَثِيقَة إِلَى بَيَان قدر الطول، وَإِنَّمَا يعْتَمد الشَّاهِد عَلَيْهِ فَقَط قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَلَا يجب فِي الشَّهَادَة بَيَان مُدَّة السماع وَبِه جرى الْعَمَل عِنْد غير وَاحِد من الموثقين. وَقَالَ ابْن المكودي وَغَيره من الأندلسيين: لَا بُد من ذكر الْمدَّة للِاخْتِلَاف فِي قدر الْمدَّة الَّتِي تجوز فِيهَا شَهَادَة السماع اه بِلَفْظ الِاخْتِصَار. قلت: وَمَا لِابْنِ المكودي هُوَ الْوَاجِب فِيمَا إِذا كَانَ الشَّاهِد من غير أهل الْعلم، وَعَلِيهِ فَإِن سقط ذكر الْمدَّة من الْوَثِيقَة فيسئل عَنْهَا كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وغالب الظَّن الخ. وكما قَالُوا فِي الْحِيَازَة القاطعة لحجة الْقَائِم من أَن الْعَمَل على أَنه لَا بُد من التَّصْرِيح فِي وثيقتها بِعشر سِنِين لاخْتِلَاف النَّاس فِي قدر مدَّتهَا كَمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله. وَيَنْبَغِي أَن يكون مَحل الْخلاف الْمَذْكُور إِنَّمَا هُوَ إِذا قَالَ الشَّاهِد: كنت أسمع أَو سَمِعت سَمَاعا فاشياً الخ. أما إِذا قَالَ (لم) أزل أسمع فَقَالَ أَبُو الْحسن فِي كتاب اللّقطَة: يقوم مِنْهَا أَي من الْمُدَوَّنَة أَن الشَّاهِد إِذا قَالَ: لم أزل أسمع أَن هَذَا الْموضع حبس فِي وَجه كَذَا أَن الشَّهَادَة عاملة وَيحمل على أَنه من يَوْم عقل وَفهم، وَإِذا قَالَ كنت أسمع أَو سَمِعت فَإِنَّهُ يلْزمه تَحْدِيد لمُدَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 واستمرارها إِلَى حِين التَّارِيخ لِأَن قَوْله: سَمِعت إِنَّمَا يحمل على مُدَّة وَاحِدَة وَكَأن تَقْتَضِي التّكْرَار وَلَا تَقْتَضِي استغراق الْمَاضِي وَإِن كَانَ فِيهَا خلاف بَين الْأُصُولِيِّينَ اه وَنَحْوه للفشتالي فِي وَثِيقَة السماع بِالْحَبْسِ. وحَبْسِ مَنْ جَازَ مِنَ السِّنِينا عَلَيْهِ مَا يُناهِزُ العِشْرِينَا (و) أعملت أَيْضا فِي (حبس من) نَعته (جَازَ من السنينا عَلَيْهِ مَا يناهز) أَي يُقَارب (العشرينا) سنة فَمَا فَاعل جَازَ ويناهز صلتها وَعَلِيهِ يتَعَلَّق بجاز وَمن السنين بَيَان لما. وَكَيْفِيَّة وثيقته أَن يَقُولُوا لم يزَالُوا يسمعُونَ سَمَاعا فاشياً من أهل الْعدْل وَغَيرهم أَن الدَّار الْفُلَانِيَّة مثلا محبسة على مَسْجِد كَذَا أَو على بني فلَان وعقبهم ويعرفونها تحاز بِمَا تحاز بِهِ الأحباس وتحترم بحرمتها واتصل ذَلِك فِي علمهمْ إِلَى الْآن ويحوزونها بِالْوُقُوفِ إِلَيْهَا وَالتَّعْيِين لَهَا مَتى دعوا إِلَى ذَلِك الخ. فَإِن سقط من الْوَثِيقَة أَنَّهَا تحاز، أَو الْمعرفَة بِأَنَّهَا تحاز فالشهادة غير عاملة. وَفِي الْمُدَوَّنَة مَا ظَاهره أَنَّهَا تَامَّة إِذا سَقَطت الْمعرفَة فَقَط فَفِيهَا وَالشَّهَادَة على السماع فِي الأحباس جَائِزَة لطول زمانها يشْهدُونَ أَنا لم نزل نسْمع أَن هَذِه الدَّار حبس تحاز بِمَا تحاز بِهِ الأحباس الخ، لَكِن حملهَا ابْن نَاجِي على خلاف ظَاهرهَا فَقَالَ: قصد بقوله تحاز الْقطع بذلك فَيَقُولُونَ نعلم أَنَّهَا تحاز بحوز الأحباس على الْقطع لَا أَنه دَاخل تَحت السماع وعَلى ذَلِك حمله ابْن رشد وَنَقله ابْن فتوح وَغَيره على الْمَذْهَب، وَبِه الْعَمَل. وَقيل: لَا يشْتَرط ذَلِك بل إِدْخَاله تَحت السماع كَاف قَالَه ابْن سهل اه. فَعلم من هَذِه الْوَثِيقَة أَنهم إِذا قَالُوا لم نزل نسْمع أَنَّهَا حبس وَلم نسْمع تحبيس من هِيَ فالشهادة تَامَّة وَهُوَ كَذَلِك قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَهُوَ ظَاهر ابْن سهل وَغَيره خلافًا لما فِي التَّبْصِرَة من أَنه لَا بُد أَن يضمن فِي الْوَثِيقَة أَن الدَّار كَانَت ملكا للمحبس لِأَن معرفَة الْمحبس وَإِثْبَات ملكه إِنَّمَا يحْتَاج إِلَى التَّنْصِيص عَلَيْهِمَا فِي الشَّهَادَة على أصل التحبيس بتاً لَا سَمَاعا كَمَا لِابْنِ عبد السَّلَام، وَفِي وَصَايَا المعيار أثْنَاء جَوَاب مَا نَصه: شاهدت عِنْد أبي بكر القَاضِي شُورَى فِي عقد حبس كتبه أَبُو عمر الشاطبي وَفِيه: يعْرفُونَ الْمَوَاضِع الَّتِي بِموضع كَذَا حبسا من حبس فلَان وَأَنَّهَا تحترم بِحرْمَة الأحباس فَقَالَ ابْن عتاب لِابْنِ ذكْوَان: لَا يجوز بِهَذَا الرَّسْم حكم إِلَّا بعد ثُبُوت ملك الْمحبس وَمَوته وعدة ورثته والإعذار فِي ذَلِك، وَكَانَ الشاطبي الْمَذْكُور بالحضرة فَقَالَ لِابْنِ عتاب: كَيفَ لَا يحكم بالرسم وَقد نَص فِيهِ على أَنَّهَا تحترم بِحرْمَة الأحباس؟ فَقَالَ لَهُ ابْن عتاب: اسْكُتْ إِنَّمَا عَلَيْك أَن تسمع وَلَا تعترض اه. وَلابْن رشد فِي أجوبته: لَا يجب الْقَضَاء بِالْحَبْسِ إِلَّا بعد أَن يثبت التحبيس وَملك الْمحبس لما حبس يَوْم التحبيس وَتَعْيِين الْأَمْلَاك المحبسة بالحيازة فَإِذا ثَبت ذَلِك وأعذر فِيهِ للمقوم عَلَيْهِ فالقضاء بِالْحَبْسِ وَاجِب اه. وَهُوَ مُوَافق لما مرّ عَن ابْن عتاب، وَذكر هَذَا ابْن فتوح فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة فِي عدَّة عُقُود لما ذكر فِي بَعْضهَا أَنه إِن عرف الشُّهُود الْملك كَانَ أتم، وَذكر فِي بَعْضهَا أَن الشُّهُود إِذا لم يعرفوا الْملك أسقط من الْوَثِيقَة فمقتضاه عدم اشْتِرَاط ثُبُوت الْملك فِي الشَّهَادَة ببت الْحَبْس إِلَّا أَنه إِن ذكر فَهُوَ أتم، وَنَحْوه للمتيطي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وبكلامهما اعْترض ابْن عَرَفَة على ابْن عبد السَّلَام قَالَ بعض الْفُضَلَاء: وَفِيه نظر، فَإِن مُقْتَضى مَا لِابْنِ عتاب وَابْن رشد وَغَيرهمَا أَن اشْتِرَاط ذَلِك هُوَ الْمَذْهَب، وَمَا فِي المتيطي وَابْن فتوح لَا نسلم أَنه يَقْتَضِي عدم الِاشْتِرَاط لاحْتِمَال أَن يكون مَعْنَاهُ إِن لم يعرف الشُّهُود ذَلِك أسقطوه ثمَّ لَا يتم الحكم بِالْحَبْسِ إِلَّا بِهِ بِأَن يشْهد بِالْملكِ من يعرفهُ من غَيرهَا وَقد صرح المتيطي بذلك فِي مَوضِع آخر فَتَأَمّله وَهَذَا كُله فِي شَهَادَة الْبَتّ، وَأما شَهَادَة السماع فَلَا يشْتَرط فِيهَا تَسْمِيَة الْمحبس وَلَا إِثْبَات ملكه اه. المُرَاد من كَلَام هَذَا الْفَاضِل وَمَا ذكره فِي الْبَتّ من اشْتِرَاط ثُبُوت الْملك نَحوه فِي (ح) وضيح مقتصرين عَلَيْهِ، وَصرح ابْن رحال برجحانيته، وَفِي الفشتالية فَإِن ذكر فِي الْوَثِيقَة أَي وَثِيقَة السماع اسْم الْمحبس فَلَا بدّ من إِثْبَات الْملك وَمَوته وعدة ورثته. قَالَ صَاحب الوثائق الْمَجْمُوعَة، وَقيل إِن بعد عهد موت الْمحبس وَتعذر إِثْبَات ورثته فَإِن ذَلِك سَاقِط وَلَا يلْزم إِثْبَات ذَلِك اه. فَأَنت ترى كَيفَ ضعفه بقيل، وَمَا ذكره عَن ابْن عَرَفَة من الِاعْتِرَاض تبعه عَلَيْهِ الْبُرْزُليّ فِي نوازله وَسلمهُ، وعَلى القَوْل بِاشْتِرَاط ثُبُوت الْملك فَمَعْنَاه أَن الْحَبْس لَا يكون حجَّة للقائم بِهِ بِحَيْثُ يُقَابل التحبيس الْملك الَّذِي أثْبته الْغَيْر فَإِن لم يقم فِيهِ أحد فَيثبت الْحَبْس وَإِن لم يثبت ملكه وبالوجه الَّذِي يرد للْوَرَثَة يكون حبسا قَالَه ابْن رحال. تَنْبِيه: إِنَّمَا يعْمل السماع بِالْحَبْسِ فِيمَا بيد الْمَشْهُود لَهُ أَو لَا بُد لأحد عَلَيْهِ إِذْ السماع لَا ينْزع بِهِ من يَد حائزه كَمَا مرّ، وَظَاهر ابْن عَرَفَة وَغَيره أَنه ينْزع بِهِ انْظُر (ز) وَحش وَإِنَّمَا يعْمل بِهِ أَيْضا فِي الْحَبْس إِذا نصوا على التَّعْصِيب، والمرجع فَإِن سقط التَّنْصِيص عَلَيْهِ فالشهادة نَاقِصَة لَا تعْمل شَيْئا قَالَه فِي الفشتالية والمتيطية وَغَيرهمَا. قَالَ أَبُو عبد الله المجاصي فِي جَوَاب لَهُ: وَالْمرَاد بالسقوط عِنْد الْأَدَاء لَا فِي الْوَثِيقَة، وَإِنَّمَا يضر الْإِجْمَال فِي الْعقب والمرجع إِذا ذكرا مَعًا أَو أَحدهمَا أما مَعَ عدم التَّعَرُّض لَهما وَلَا لأَحَدهمَا فِي الشَّهَادَة فَيثبت الْحَبْس وَيكون القَوْل لمُدعِي التعقيب إِذْ هُوَ غَالب أحباس زَمَاننَا لَا كَمَا يفهمهُ حكام الْبَوَادِي فَإِن الْعرف مُحكم. ذكر هَذَا القَاضِي أَبُو مهْدي سَيِّدي عِيسَى السجسْتانِي اه. وعَزْلِ حَاكِمٍ وَفِي تَقْدِيمهِ وضَرَرِ الزَّوْجَيْنِمِنْ تَتْمِيمِهِ (و) أعملت فِي (عزل حَاكم) أَيْضا كَقَوْلِهِم لم نزل نسْمع من أهل الْعدْل وَغَيرهم أَنه عزل فِي تَارِيخ كَذَا فَلَا يمْضِي مَا صدر مِنْهُ من الْأَحْكَام بعد ذَلِك (و) أعملت (فِي تَقْدِيمه) أَي الْحَاكِم أَي تَوليته فتمضي أَحْكَامه الَّتِي حكمهَا بعد تاريخها (و) فِي (ضَرَر الزَّوْجَيْنِ) كَقَوْلِهِم: سمعنَا من أهل الْعدْل وَغَيرهم أَن فلَانا يضر بِزَوْجَتِهِ من غير ذَنْب يُوجب ذَلِك أَو أَنَّهَا تسيء عشرتها لَهُ، فَيثبت لَهَا الْخِيَار فِي طَلَاق نَفسهَا فِي الأول، وَيرد الزَّوْج المَال إِن ثبتَتْ الشَّهَادَة بعد الْخلْع (خَ) ورد المَال بِشَهَادَة سَماع على الضَّرَر الخ، ويأتمنه الْحَاكِم عَلَيْهَا فِي الثَّانِي أَو يخالعها لَهُ بِالنّظرِ كَمَا يَأْتِي فِي فصل إِثْبَات الضَّرَر إِن شَاءَ الله. (من تتميمه) حَال أَي حَال كَون ضَرَر الزَّوْجَيْنِ متمماً لما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 يجوز فِيهِ السماع، وَهَذَا فِيمَا حضر للناظم الْآن، وَجُمْلَة مَا ذكره تِسْعَة عشر، وَزَاد ابْن الْعَرَبِيّ السبتي وَولده: الصَّدَقَة، وَالْهِبَة وَالْقِسْمَة وَالْبيع وَالْوَصِيَّة وَالْخلْع والحرابة والإباق، لَكِن الْخمس الأول دَاخِلَة فِي قَول النَّاظِم: وَفِي تملك الْملك بيد الخ. كَمَا مرّ لما علمت أَن السماع لَا ينْزع بِهِ من يَد حائز، وَحِينَئِذٍ فَلَا بُد أَن يكون الْمَوْهُوب وَنَحْوه تَحت الْحَائِز وَلَا يُمكن تصور ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَت بيد الْوَاهِب وَنَحْوه فَتَأمل ذَلِك، وَزَاد بَعضهم الْحِوَالَة وَهِي بيع فِي الْحَقِيقَة والحيازة وَالْوكَالَة وَالْعِتْق والأسر والعدم وتنفيذ الْوَصَايَا وَدخُول الاهتداء وَالرَّفْع على خطّ الْعُدُول وتقية الظَّالِم وَدفع نقد الْمهْر وَالْمَوْت وَيشْتَرط فِي جَوَازهَا فِيهِ طول الزَّمَان أَو تنائي الْبلدَانِ، وَيُمكن دُخُوله فِي قَول المُصَنّف: وَالْمِيرَاث. قَالَ الجزيري: لَا بُد فِي شَهَادَة السماع بِالْمَوْتِ أَن يَقُولُوا سمعنَا فلَانا الَّذِي نعرفه بِعَيْنِه واسْمه وَنسبه مَاتَ يَوْم كَذَا فِي وَقت كَذَا، وَلَا يسْتَغْنى عَن التَّارِيخ الَّذِي مَاتَ فِيهِ من جِهَة من يوارثه ليعلم بِهِ من مَاتَ قبله أَو بعده اه. وَفِي الفشتالية: وَلَا تغفل أَن تَقول فِي السماع بِالْمَوْتِ ويعرفون أَن أهل الْإِحَاطَة بإرثه فلَان لِأَنَّك إِذا عطفت حصر الْوَرَثَة على السماع دخل فِي ذَلِك مَا دخل السماع بِالْحَبْسِ وَالنّسب. قَالَ ابْن الْهِنْدِيّ: مثل أَن يشْهدُوا بِالسَّمَاعِ الفاشي من أهل الْعدْل وَغَيرهم أَن فلَان بن فلَان قرشي من فَخذ كَذَا يعرفونه وآباءه من قبله قد حازوا هَذَا النّسَب، وَلَا يعلمُونَ أحدا يطعن عَلَيْهِم فِيهِ إِلَى الْآن فَمن نَفَاهُ عَن هَذَا النّسَب بعد حد لَهُ اه. فيستفاد مِنْهُ أَنه يعْمل بِهِ فِي الشّرف أَيْضا، وَزيد أَيْضا اللوث كَأَن يَقُولُوا سمعنَا سَمَاعا فاشياً أَن فلَانا قتل فلَانا عمدا أَو خطأ، وَقد نقل ابْن عرضون فِي عُقُود الطَّلَاق منظومة فِي ذَلِك أنهى فِيهَا مسائلها إِلَى خمسين فانظرها إِن شِئْت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وَلما تكلم على مَا حَضَره من الْأَفْرَاد الَّتِي تجوز فِيهَا تكلم على شُرُوطهَا الْعَامَّة فِي كل فَرد مِنْهَا فَقَالَ: وشَرْطُها اسْتِفَاضَةٌ بَحَيْثُ لَا يُحْصَرُ مَنْ عَنْهُ السَّماعُ نُقِلاَ (وَشَرطهَا) مُبْتَدأ خَبره (استفاضة بِحَيْثُ) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صفة (لَا يحصر) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول: (من) نَائِب (عَنهُ) يتَعَلَّق بنقلا (السماع) مُبْتَدأ (نقلا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر وَالْجُمْلَة صلَة من وَالْجُمْلَة من قَوْله لَا يحصر الخ فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ، وَيجوز أَن يكون بِحَيْثُ عطف بَيَان على استفاضة وَتَفْسِير لَهُ، فالاستفاضة هِيَ أَن يكون الْمَنْقُول عَنهُ غير معِين وَلَا مَحْصُور، وَهَذَا الشَّرْط لَا بُد من التَّصْرِيح بِهِ فِي الْوَثِيقَة أَو عِنْد الْأَدَاء، وَهُوَ الَّذِي يعبرون عَنهُ بكيفية شَهَادَة السماع وصفتها أَي: هَذِه الْكَيْفِيَّة وَالصّفة شَرط فِيهَا فَيَقُولُونَ سمعنَا أَو لم نزل نسْمع سَمَاعا فاشياً من أهل الْعدْل وَغَيرهم وَلَا يسمون المسموع مِنْهُ فَإِن سموهُ خرجت إِلَى شَهَادَة النَّقْل فَتعْتَبر حِينَئِذٍ شُرُوطه الْمشَار لَهَا بقول (خَ) كأشهد على شهادتي إِن غَابَ الأَصْل أَو مَاتَ أَو مرض وَلم يطْرَأ فسق أَو عَدَاوَة الخ. أما اشْتِرَاط الفشو فمتفق عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم إِذْ هُوَ مُرَاده بالاستفاضة، وَأما كَونه عَن الْعُدُول وَغَيرهم فَفِيهِ خلاف فَالَّذِي للمتيطي وَابْن فتوح وَهُوَ ظَاهر قَول ابْن الْقَاسِم فِي الْمُوازِية؛ أَنه لَا بُد من الْجمع بَين الْكَلِمَتَيْنِ الْعُدُول وَغَيرهم فِي الْوَثِيقَة أَو عِنْد الْأَدَاء وَإِلَّا سَقَطت الشَّهَادَة قَالُوا: وَبِه الْعَمَل وَهَذَا ظَاهر قَول النّظم بِحَيْثُ لَا يحصر الخ. أَي: بِحَيْثُ لَا يحصر من نقل عَنهُ السماع فِي الْعُدُول أَو فِي غَيرهم وَظَاهر الْمُدَوَّنَة أَن السماع من أَحدهمَا كَاف وَهُوَ مَا شهره فِي ضيح وَابْن عَرَفَة فِي بَاب الْخلْع والمتيطي فِي ضَرَر الزَّوْجَيْنِ فَقَالُوا: إِن الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ صِحَة الشَّهَادَة بِالسَّمَاعِ فِي الضَّرَر، وَإِن لم يكن من عدُول بل من لفيف النِّسَاء وَالْجِيرَان فَقَط، وَجعلُوا القَوْل بِاشْتِرَاط كَونه من الْعُدُول وَغَيرهم مُقَابلا، وَالظَّاهِر من حكايتهم الْأَقْوَال الْمُقَابلَة أَنه لَا خُصُوصِيَّة للضَّرَر بذلك لِأَن تِلْكَ الْأَقْوَال جَارِيَة فِي جَمِيع الْأَفْرَاد، وعَلى هَذَا عول العبدوسي فِي قصيدته حَيْثُ قَالَ على مَا أصلحه بِهِ ابْن غَازِي: وَلَيْسَ سَمعهَا من الْعُدُول شرطا بل اللفيف فِي الْمَنْقُول وَكَذَا ابْن عرضون فِي آخر قصيدته الْآتِيَة وَرجحه (ح) فِي الشَّهَادَات فَتبين أَن كلاًّ من الْقَوْلَيْنِ عمل بِهِ، وَزَاد الْأَخير على الأول بِكَوْنِهِ مَشْهُورا ظَاهر الْمُدَوَّنَة بِخِلَاف الأول، فَإِنَّمَا هُوَ ظَاهر الْمُوازِية كَمَا صرح بِهِ المتيطي فِي نهايته فِي ضَرَر الزَّوْجَيْنِ وَمَا تقدم عَنهُ من أَنه لَا بُد من الْجمع بَين الْكَلِمَتَيْنِ. ذكره فِي بَاب الْحَبْس وَلم يُصَرح أحد بتشهيره فِيمَا علمت. فَإِن قيل: التشهير الْمَذْكُور خَاص بِالضَّرَرِ. قُلْنَا: هُوَ خلاف ظَاهر كَلَامهم، وَيلْزم عَلَيْهِ أَن الْعَمَل الْمَذْكُور خَاص بِالْحَبْسِ لأَنهم فِيهِ ذَكرُوهُ، وَأَيْضًا (فَإِن الْعلَّة) الَّتِي علل بهَا عدم الِاشْتِرَاط كَمَا لِابْنِ عبد السَّلَام وَغَيره، وَهِي أَن الْمَقْصُود حُصُول الْعلم أَو الظَّن للشَّاهِد، وَذَلِكَ يحصل من خبر غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 الْعدْل كَمَا يحصل من الْعدْل جَارِيَة فِي الْجَمِيع، وَأَيْضًا إِذا كَانَ لَا يشْتَرط ذَلِك فِي الضَّرَر الْمُؤَدِّي للفراق فأحرى غَيره، وَبِهَذَا تعلم مَا فِي رد طفي لكَلَام (ح) فِي الشَّهَادَات وَظَاهر القَوْل بالاشتراط أَن الشَّهَادَة تسْقط، وَلَو كَانَ الشُّهُود من أهل الْعلم، وَيَنْبَغِي أَن يُقيد بِمَا إِذا لم يَكُونُوا من أهل الْعلم كَمَا نَص عَلَيْهِ (م) فِي شرح اللامية عِنْد قَوْلهَا شَهَادَة إِعْتَاق. مَعَ السَّلامَةِ مِنِ ارْتياب يُفْضِي إِلَى تَغْلِيظٍ وإكْذابِ (مَعَ السَّلامَة) فِي مَحل الْحَال من استفاضة لِأَنَّهَا قد خصصت بِالْوَصْفِ (من ارتياب) يتَعَلَّق بالسلامة (يُفْضِي) بِضَم أَوله أَي يُؤَدِّي (إِلَى تغليط) وَهُوَ الْكَذِب لَا عَن عمد (أَو إكذاب) وَهُوَ الْكَذِب عَن عمد، وَالْجُمْلَة صفة لارتياب، وَمَفْهُومه أَنه إِذا لم تسلم الشَّهَادَة بالاستفاضة من الارتياب كَأَن يشْهد اثْنَان بهَا. وَفِي الْقَبِيل أَي الْبَلَد مائَة من أسنانهما لَا يعْرفُونَ شَيْئا مِنْهَا لم تقبل إِلَّا أَن يَكُونَا شيخين كبيرين قد باد جيلهما فَتقبل حِينَئِذٍ لانْتِفَاء الرِّيبَة. وَحَاصِل شُرُوطهَا خَمْسَة أَرْبَعَة فِي النّظم طول الزَّمَان لِأَن قصر الزَّمَان مَظَنَّة لوُجُود شَهَادَة الْقطع كَمَا نبه عَلَيْهِ بقوله: يُقَام فِيهِ بعد طول المدد الخ. والاستفاضة وَانْتِفَاء الرِّيبَة وَعدم تَسْمِيَة المسموع مِنْهُ كَمَا نبه عَلَيْهِ بقوله: بِحَيْثُ لَا يحصر الخ. لِأَن عدم الْحصْر يَسْتَدْعِي عدم التَّسْمِيَة وَلم يبْق عَلَيْهِ إِلَّا تَحْلِيف الْمَشْهُود لَهُ لِأَن السماع ضَعِيف، فَلَا بُد مَعَه من الْيَمين. انْظُر الشَّارِح فِي الْبَيْت بعده، وَزيد سادس وَهُوَ كَون الْمَشْهُود بِهِ تَحت يَد الْمَشْهُود لَهُ يَدعِيهِ لنَفسِهِ وَلم تقم بَيِّنَة قَاطِعَة بِأَنَّهُ لغيره. قَالَ ابْن عرضون فِي آخر الْمَنْظُومَة الْمشَار إِلَيْهَا آنِفا: فَمن شَرطهَا طول الزَّمَان لديهم وتحليف من قد قَامَ بِالسَّمْعِ واعتلا وَأَن تَنْتفِي عَنْهَا قبائح رِيبَة وَأَن لَا يُسمى من فَشَا عَنهُ أَولا وَلَا تنتزع بِالسَّمْعِ مَا تَحت حائز على مَذْهَب الْجُمْهُور والصفوة الملا وَلَا تشْتَرط فِي السّمع وصف عَدَالَة خُصُوصا وَلَكِن باللفيف تسربلا اه. وَأما اشْتِرَاط الاشتهار، وَهُوَ أَن لَا يكون الْمَشْهُود فِيهِ من شَأْنه الاشتهار، وَأَن لَا يخْتَص بمعرفته بعض النَّاس كالأحباس الْعَامَّة والأنساب دون الْحَبْس الْخَاص بِمعين، فَإِنَّهُ قد لَا يشْتَهر كَمَا فِي الشَّارِح فَهُوَ رَاجع لانْتِفَاء الريب. وَاعْلَم أَن الْمَوْت لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون فِي الْبَلَد أَو فِي غَيره فَالْأول يثبت بِالسَّمَاعِ عِنْد من قَالَ بِهِ كَابْن هَارُون وَابْن رحال فِي حَاشِيَته إِلَّا بِشَرْط الطول الَّذِي تنقرض فِيهِ الْبَينَات وَيَنْقَطِع فِيهِ أهل الْعلم، وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْمَجْمُوعَة الْمُتَقَدّم لِأَن ظَاهرهَا كَانَت الشَّهَادَة فِي الْمَوْت أَو فِي غَيره، وَهُوَ معنى قَول ابْن هَارُون الْمُشْتَرط فِي الْمَوْت أما طول الزَّمن أَو تنائي الْبلدَانِ يُرِيد طول الزَّمَان فِي الْبَلَد أَو تنائي الْبلدَانِ فِي غَيره، وَمِنْهُم من قَالَ: لَا تقبل فِي الْبَلَد إِلَّا على الْقطع لِأَنَّهُ فِي الْبَلَد مَظَنَّة تَوَاتر الْخَبَر فَيحصل الْعلم وَهُوَ ظَاهر قَول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 (خَ) وَمَوْت ببعد وَقَالَ فِي الشَّامِل: وَعمل بِالسَّمَاعِ على الْمَوْت فِيمَا بعد عَن بلد الْمَوْت لَا فِيمَا قرب أما فِي بَلَده فَإِنَّمَا هِيَ شَهَادَة (بت) وَلَو كَانَ أَصْلهَا السماع اه. ويُكْتف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ى فِيهَا بِعَدْلَيْنِ عَلَى مَا تابَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ العَمَلا (ويكتفى) مَبْنِيّ للْمَفْعُول (فِيهَا) يتَعَلَّق بِهِ (بعدلين) نَائِب (على مَا) أَي القَوْل الَّذِي (تَابع النَّاس عَلَيْهِ العملا) وَالْمَجْرُور بعلى الأولى يتَعَلَّق بيكتفى وبالثانية يتَعَلَّق بِالْمَصْدَرِ وَمَا ذكره من الِاكْتِفَاء بالعدلين هُوَ الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة قَالَ فِي الْمُفِيد: وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم وَبِه الحكم. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: أقل مَا يجوز فِي ذَلِك أَرْبَعَة شُهَدَاء لِأَنَّهَا شَبيهَة بِالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة، وَمَفْهُوم عَدْلَيْنِ أَن الْوَاحِد لَا يَكْفِي وَهُوَ كَذَلِك، فَإِن شهد أَحدهمَا بِالْحَبْسِ مثلا وحيازته على الْقطع وَشهد آخر بِهِ على السماع لم يحكم بهَا حَتَّى يشْهدُوا على السماع أَو الْقطع قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 ( فصل ) فِي مسَائِل من الشَّهَادَات كنقصانها وَالْقِيَام بهَا بعد الْإِنْكَار وتعارضها. ومَنْ لِطَالِبٍ بِحَقَ شَهِدَا ولَم يُحَقِّقْ عِنْدَ ذَاكَ العَدَدَا (وَمن) مَوْصُولَة وَاقعَة على الْعدْل أَو شَرْطِيَّة (لطَالب بِحَق) يتعلقان ب (شَهدا وَلم يُحَقّق عِنْد ذَاك) أَي عِنْد أَدَاء الشَّهَادَة يتَعَلَّق بيحقق (العددا) مَفْعُوله الْجُمْلَة المقرونة بِالْوَاو حَالية كشهادتهم أَنه أسلفه دَرَاهِم بمحضرهم لَا يدرونها ثَلَاثَة أَو أقل أَو أَكثر أَو أَن لَهُ حَقًا فِي هَذِه الدَّار أَو الأَرْض لَا يَدْرُونَ قدره أَو لَا يجوزونها أَو أَن لَهُ عَلَيْهِ حَقًا أَو أسلفه بمحضرهم مائَة لَا يَدْرُونَ جِنْسهَا أَو غصبه بمحضرهم أَرضًا لَا يَدْرُونَ حُدُودهَا أَو أَنه قَضَاهُ بمحضرهم من دينه شَيْئا لَا يَدْرُونَ قدره وَنَحْو ذَلِك والمتبادر من قَوْله: وَلم يُحَقّق الخ. أَنهم علمُوا ذَلِك ونسوه، فَهَذِهِ الْأُمُور كلهَا يجْرِي فِيهَا قَوْله: فَمَالِكٌ عَنْهُ بِهِ قَوْلانِ لِلْحُكْم فِي ذَاكَ مُبَيِّنانِ (فمالك) مُبْتَدأ (عَنهُ بِهِ) يتعلقان بالاستقرار الَّذِي هُوَ خبر عَن الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَهُوَ (قَولَانِ) وَالضَّمِير فِي عَنهُ يرجع لمَالِك وَالْبَاء فِي بِهِ للظرفية وضميره يرجع لمن أَو للفرع الْمَذْكُور (للْحكم فِي ذَاك مبينان) بِفَتْح الْبَاء وَكسرهَا صفة لقولان وللحكم يتَعَلَّق بِهِ وَفِي ذَاك يتَعَلَّق بالحكم، وَالتَّقْدِير فمالك قَولَانِ كائنان عَنهُ فِي الْفَرْع الْمَذْكُور مبينان للْحكم فِي ذَلِك، واحترزت بِقَوْلِي بمحضرهم عَمَّا لَو شهدُوا أَعلَى إِقْرَاره بِأَن فِي ذمَّته لَهُ دَرَاهِم أَو مائَة فَإِنَّهُ يلْزمه التَّفْسِير كَمَا لَو أقرّ بِشَيْء كَمَا يَأْتِي. إلْغاؤها كأنَّها لَمْ تُذكَرْ وتَرْفَعُ الدَّعْوى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; يمِينَ المُنْكِرْ (إلغاؤها) بدل من قَولَانِ أَي أَحدهمَا إلغاؤها حَتَّى (كَأَنَّهَا لم تذكر) بِضَم التَّاء مَبْنِيا للْمَفْعُول ونائبه يعود على الشَّهَادَة وَالْحكم فِيهَا إِذا لم تذكر أَن يحلف الْمَطْلُوب لإنكاره كَمَا قَالَ: (وترفع) بِفَتْح أَوله مَبْنِيا للْفَاعِل (الدَّعْوَى) مَفْعُوله (يَمِين الْمُنكر) فَاعله، وَأَشَارَ لِلْقَوْلِ الثَّانِي بقوله: أَو يُلْزَمُ المطلُوبُ أَن يُقِرَّا ثمَّ يُؤَدِّي مَا بهِ أَقْرَّا (أَو يلْزم) بِضَم أَوله وَنصب آخِره مَبْنِيا للْمَفْعُول مَعْطُوفًا على قَوْله إلغاؤها من بَاب قَوْله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وَإِن على اسْم خَالص فعل عطف. الخ (الْمَطْلُوب) نَائِب (أَن يقرا) فِي مَحل نصب مفعول ثَان أَي أَو لَا تلْغي الشَّهَادَة بل يلْزم الْمَطْلُوب الْإِقْرَار بذلك وَيجْبر عَلَيْهِ بالسجن (ثمَّ) إِذا أقرّ بِشَيْء (يُؤَدِّي مَا بِهِ أقرا) من قَلِيل أَو كثير وَيبرأ. بَعْدَ يمينهِ وإنْ تَجَنّبا تَعْييناً أَو عُيِّنَ والحَلْفَ أَبى (بعد يَمِينه) أَنه لَيْسَ فِي ذمَّته سواهُ حَيْثُ نازعه الطَّالِب وَادّعى أَكثر مِمَّا أقرّ بِهِ وإلاَّ فَلَا يَمِين فَيُؤَدِّي مَعْطُوف على يقر وَرَفعه ضَرُورَة وَمَا مَفْعُوله والظرف يتَعَلَّق بِمَحْذُوف كَمَا قَررنَا. (وَإِن تجنبا) الْمَطْلُوب (تعييناً) لقدر الْمَشْهُود بِهِ ولجنسه بِأَن جزم بِأَنَّهُ لَا شَيْء عَلَيْهِ، أَو قَالَ إِنَّه لَا يعرف حَقِيقَة مَا يَدعِيهِ وَلَا مَا شهدُوا بِهِ وَحلف على ذَلِك، (أَو) أقرّ بِقَدرِهِ و (عين) جنسه فِي مَجْهُول الْجِنْس، وَلَكِن ادّعى الطَّالِب أَكثر مِمَّا عين (وَالْحلف أَبى) أَي امْتنع مِنْهُ الْمَطْلُوب فِي الثَّانِيَة فالحلف بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون اللَّام مفعول بأبى وَهُوَ مصدر حلف كضرب ولمصدره ثَلَاثَة أوزان: حلفا بِسُكُون اللَّام وحلفاً بِكَسْرِهَا ومحلوفاً، وَهُوَ أحد المصادر الَّتِي جَاءَت على مفعول كمجلود يُقَال: حلف محلوفاً وجلدته مجلوداً أَي حلفا وجلداً بِسُكُون اللَّام فيهمَا، وَالْحلف بِكَسْر الْحَاء الْعَهْد يكون بَين الْقَوْم يُقَال: حالفه أَي عاهده وتحالفوا تَعَاهَدُوا، وَأما عَكسه وَهُوَ إتْيَان الْمصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول أَو الْفَاعِل فكثير من ذَلِك قَوْله تَعَالَى: طَرِيقا فِي الْبَحْر يبساً} (طه: 77) أَي يَابسا على أَن يبساً مصدر، وَقَوْلهمْ الحكم خطاب الله أَي كَلَامه الْمُخَاطب بِهِ بِكَسْر الطَّاء عباده. كُلِّفَ مَنْ يَطْلُبُهُ التَّعْيينا وَهُوَ لهُ إِن أَعْمَلَ اليَمينا (كلف) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول جَوَاب الشَّرْط (من) أَي الْمُدَّعِي الَّذِي (يَطْلُبهُ) أَي الْمَطْلُوب ففاعله الْمُسْتَتر يعود على من هُوَ الرابط بَين الْمَوْصُول وصلته وضميره البارز يعود على الْمَطْلُوب كَمَا ترى (التعيينا) للقدر وَالْجِنْس مفعول ثَان يُكَلف وَالْمَفْعُول الأول الْمَوْصُول النَّائِب فَإِن عينه وَحلف أَخذه كَمَا قَالَ (وَهُوَ لَهُ) مُبْتَدأ وَخبر (إِن أعمل اليمينا) وأتى بِمَا يشبه فَهُوَ شَرط حذف جَوَابه لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ كَقَوْلِك: أَنْت ظَالِم إِن فعلت. وَإِن أَبى أَو قَالَ لَسْتُ أَعْرِفُ بَطَلَ حَقُّهُ وَذَاكَ الأعْرَفٌ (وَإِن أَبى) الطَّالِب أَن يحلف بعد أَن عين الْقدر وَنَحْوه (أَو قَالَ لست أعرف) قدر حَقي أَو جنسه (بَطل حَقه) جَوَاب الشَّرْط أَي بَطل حق الْمُدَّعِي فِي الزَّائِد على مَا أقرّ بِهِ الْمَطْلُوب فِي الثَّانِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 لِأَن النّكُول بِالنّكُولِ تَصْدِيق للْأولِ وَفِي الْجَمِيع فِي الأولى سَوَاء جزم بالإنكار أَو قَالَ: لَا يعرف حَقِيقَة مَا يَدعِيهِ لما مرّ إِن الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ لَا تسمع فضلا عَن توجه الْيَمين بِسَبَبِهَا وَهُوَ إِذا قَالَ: لَا أعرف فقد ادّعى بِهِ، وَلما مرّ أَيْضا عِنْد قَوْله: وَمن أَبى إِقْرَارا أَو إنكاراً. الخ. من أَن الْمَطْلُوب إِذا قَالَ: لاأعرف حَقِيقَة مَا يَدعِيهِ وَحلف أَن الطَّالِب إِمَّا أَن يثبت دَعْوَاهُ أَو يبطل حَقه. هَذَا ظَاهر النّظم وَالْقَوَاعِد توافقه كَمَا علمت، وَالْفرق بَين القَوْل الأول وَالثَّانِي ظَاهر وَهُوَ أَن الشَّهَادَة فِي الأول كَالْعدمِ وَالْمَطْلُوب يُمكن من الْيَمين بِمُجَرَّد إِنْكَاره بِخِلَافِهِ على الثَّانِي، فَإِن للشَّهَادَة أثرا فِي أَن الْمَطْلُوب لَا يُمكن مِنْهَا بِمُجَرَّد الْإِنْكَار بل حَتَّى يعرف مَا عِنْد الطَّالِب، وَكَانَ النَّاظِم اعْتمد فِي هَذَا قَول مطرف الْمَنْقُول فِي الْبَاب الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ من التَّبْصِرَة: لَو أقرّ الْمَطْلُوب بِالْحَقِّ كُله وَادّعى أَنه قد قَضَاهُ مِنْهُ شَيْئا وأتى بِشَاهِدين شَهدا أَنه أشهدنا أَنه اقْتضى مِنْهُ شَيْئا لم يسمه فشهادتهم جَائِزَة، وَقيل للْمَشْهُود عَلَيْهِ سم هَذَا الَّذِي ثَبت عَلَيْك أَنَّك تقاضيته فَمَا سمي من ذَلِك حلف عَلَيْهِ، وَكَانَ القَوْل لَهُ وَإِن أَبى أَن يقر بِشَيْء قيل للْمَشْهُود لَهُ: أتعرف هَذَا الَّذِي شهد لَك بِهِ فَإِن عرفه وَسَماهُ حلف عَلَيْهِ وبرىء مِنْهُ وَإِن تجاهل بِهِ أَو نكل عَن الْيَمين لزمَه غرم الْجَمِيع لِأَنَّهُ قد مكنه من حَقه بجهله أَو نُكُوله، وَرَأى أصبغ وَابْن الْمَاجشون أَن الشَّهَادَة سَاقِطَة. قَالَ ابْن حبيب، وَقَول مطرف: أحب إِلَيّ، وَبِه أَقُول اه. وَقَوله: وَإِن أَبى أَن يقرّ بِشَيْء يُرِيد أَو أقرّ، وَلم يحلف بِدَلِيل السوابق واللواحق، وَقَالَ فِي التَّبْصِرَة أَيْضا قبل هَذَا مَا نَصه: وَإِذا ادّعى رجل على آخر أَنه أودعهُ ثيابًا فَأنكرهُ فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَة أَنه أودعهُ أعكاماً لَا يَدْرُونَ مَا فِيهَا ويظنون ثيابًا فَيجب أَن يسجن الْمُدعى عَلَيْهِ ويهدد، فَإِن أقرّ بذلك حلف عَلَيْهِ وَكَانَ القَوْل قَوْله، وَإِن تَمَادى على إِنْكَاره حلف صَاحب الْوَدِيعَة على مَا يشبه أَنه يملك مثله وَيَأْخُذهُ بذلك والظالم أَحَق أَن يحمل عَلَيْهِ، وَقد قيل إِنَّه يحلف إِذا لم تعين الْبَيِّنَة شَيْئا بعد أَن يستبرأ أمره بالتضييق والتهديد إِذا تَمَادى على إِنْكَاره وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وبالأول الْقَضَاء من الِاسْتِغْنَاء اه. وَالْغَرَض مِنْهُ قَوْله: وَبِه الْقَضَاء. وَقَوله: حلف صَاحب الْوَدِيعَة الخ. إِذْ مَفْهُومه أَن صَاحب الْوَدِيعَة إِذا لم يحلف بل قَالَ: لَا أعرف أَو أعرف، وَقَالَ: لَا أَحْلف لم يكن لَهُ شَيْء لِأَنَّهُ أناط الحكم بحلفه فَيكون مُوَافقا لقَوْل مطرف وكل ذَلِك شَاهد للناظم إِلَّا مَا فِي هَذَا الْأَخير من زِيَادَة التهديد والسجن عِنْد التَّمَادِي على الْإِنْكَار فَقَوله: (وَذَاكَ الأعرف) إِشَارَة إِلَى القَوْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 الثَّانِي إِذْ بِهِ الْقَضَاء كَمَا ترى لَكِن يرد على قَوْله بَطل حَقه أَنه لَيْسَ قولا لمَالِك وَهُوَ قد قَالَ قبل ذَلِك فَعَن مَالك الخ فَأَما أَن يُقَال فِيهِ حذف الْوَاو مَعَ مَا عطفت أَي فَعَن مَالك وَبَعض أَصْحَابه، أَو يُقَال لما كَانَ أَصْحَابه لَا يَقُولُونَ إِلَّا مَا كَانَ جَارِيا على قَوَاعِده جَازَت نسبته لَهُ حِينَئِذٍ، وَلَو على ضرب من الْمجَاز. فَإِن قلت: وَمَا هُوَ الْمَنْقُول عَن مَالك فِي هَذَا الْفَرْع؟ قلت: الْمَنْقُول عَنهُ رِوَايَتَانِ. الْبطلَان وَهُوَ رِوَايَة ابْن نَافِع كَمَا صدر بِهِ النَّاظِم وَعَدَمه، وَهُوَ رِوَايَة مطرف إِلَّا أَنه فِي هَذِه الرِّوَايَة لَا يَقُول يبطل حق الْمَشْهُود لَهُ بِنُكُولِهِ أَو بقوله: لست أعرف، بل إِذا قَالَ ذَلِك يسجن الْمَطْلُوب حَتَّى يقر وَيحلف على مَا أقرّ بِهِ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة والتبصرة وَغَيرهمَا وَلَعَلَّ النَّاظِم: إِنَّمَا عدل عَن سجن الْمَطْلُوب الْمَنْقُول فِي هَذِه الرِّوَايَة إِلَى قَول مطرف بِبُطْلَان الْحق لعدم جريانها على الْقَوَاعِد من أَن النّكُول بِالنّكُولِ تَصْدِيق للْأولِ، وَمن أَن الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ لَا تسمع فَهِيَ وَإِن سَمِعت هُنَا لقوتها بِالشَّهَادَةِ فَلَا توجب يَمِينا، وَلذَا قَالَ ولد النَّاظِم هَذِه الرِّوَايَة لَا تَخْلُو من إِشْكَال. فَإِن قلت: قَول مطرف هَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي الشَّهَادَة بِالْإِقْرَارِ بِشَيْء. قلت: وَكَذَا رِوَايَته عَن مَالك الْمُتَقَدّمَة لِأَن الشُّهُود شهدُوا فِيهَا أَنَّهُمَا تحاسبا وَبَقِي لأَحَدهمَا على الآخر حق لَا يعْرفُونَ قدره، وَمَعْلُوم أَن الْبَاقِي لَا يُعلمهُ الشُّهُود إِلَّا بِالْإِقْرَارِ. تَنْبِيه: لَيْسَ الْمَقْصُود من الرِّوَايَة، وَقَول مطرف الْمُتَقَدِّمين خُصُوص الْإِقْرَار، بل الشَّهَادَة بِمَجْهُول الْقدر وَلذَلِك جعل غير وَاحِد كالمتيطي وَغَيره مَوْضُوع الْخلاف فِيمَن أَقَامَ بَيِّنَة على رجل بِحَق لَا يَدْرُونَ كم هُوَ أَو لَا يَدْرُونَ عدده كَمَا قَررنَا بِهِ مَوْضُوع النّظم سَوَاء كَانَ الْحق فِي الْأُصُول أَو غَيرهَا كَانَت الشَّهَادَة بِإِقْرَار أَو غَيره لَكِن الْمُفْتى بِهِ فِي الْإِقْرَار صِحَة الشَّهَادَة وَلُزُوم التَّفْسِير لكَون إِبْهَام الْمَشْهُود بِهِ إِنَّمَا هُوَ من جِهَة المقرّ فِي الْحَقِيقَة لَا من جِهَة الشَّهَادَة. نعم لَو نسوه لَكَانَ الْإِبْهَام من جِهَة الشَّهَادَة حِينَئِذٍ، وَلذَا قَالَ (خَ) : وَمَال نِصَاب وَالْأَحْسَن تَفْسِيره كشيء وَكَذَا وسجن لَهُ الخ، فَإِن فسره بعد السجْن أَو قبله حلف إِن ادّعى الْمقر لَهُ أَكثر فَإِن نكل حلف الْمقر لَهُ على طبق دَعْوَاهُ، وَأخذ كَأَن حقق الْمقر لَهُ الدَّعْوَى وَجَهل الْمقر بِأَن قَالَ لَهُ على شَيْء أَو حق لَا أعرف قدره قَالَه فِي الشَّامِل: فَإِن أقرّ بِثَوْب أَو عبد من غصب أَو غَيره وَلم تعاينه الْبَيِّنَة فَذَلِك من الْإِبْهَام فِي الْقدر لِأَن الْقيمَة تخْتَلف باخْتلَاف الصّفة فَلَا تبطل الشَّهَادَة أَيْضا لِأَن الْإِبْهَام إِنَّمَا هُوَ من الْمقر لَا من الشَّهَادَة، وَهل يقْضِي عَلَيْهِ بالوسط من ذَلِك أَو بِمَا يَدعِيهِ الْمقر لَهُ مَعَ يَمِينه إِن أشبه؟ اللَّخْمِيّ: وَهُوَ أحسن وَلكَون الْإِبْهَام فِي الْإِقْرَار إِنَّمَا هُوَ من جِهَة الْمقر أخرجناه من مَوْضُوع النّظم كَمَا مرّ فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَقد ألم الزقاق فِي منهجه بِهَذَا حَيْثُ قَالَ: وَالْحق لَا يلْزم لَكِن إِن شهد غير بِهِ تمت وَإِلَّا فاعتمد على الْيَمين وَكَذَا جهل الْعدَد بَيِّنَة أَو نسيت وَقد ورد الرَّد فيهمَا ورد مثبتاً الخ. وَنقل شَارِحه هُنَاكَ كلَاما حسنا فَانْظُرْهُ وَلَا بُد. وَلما كَانَ الْخلاف الْمَذْكُور شَامِلًا لِلْأُصُولِ وَغَيرهَا كَمَا مرّ، وَكَانَ القَوْل الثَّانِي لَا يَقُول بإجبار الْمَطْلُوب بالسجن بل ينْزع الأَصْل من يَده حَتَّى يقر أَشَارَ لذَلِك فَقَالَ: وَمَا عَلَى المطلُوبه إجبارٌ إِذا مَا شَهِدُوا فِي أصْلِ مِلْكٍ هـ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; كَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 (وَمَا) نَافِيَة (على الْمَطْلُوب) خبر عَن قَوْله (إِجْبَار إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (مَا) زَائِدَة (شهدُوا فِي أصل مَالك) يتَعَلَّق بِمَا قبله (هَكَذَا) حَال من مَضْمُون قَوْله شهدُوا أَي حَال كَون الشَّهَادَة هَكَذَا وَيجوز أَن يكون الْمَجْرُور من اسْم الْإِشَارَة مُتَعَلقا بشهدوا أَي شهدُوا هَكَذَا أَي بِحَق من غير بَيَان قدره أَو حُدُوده فِي أصل مَالك. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: آخر بَاب الصُّلْح، وَلَو أَنهم شهدُوا بِأَن لهَذَا الْقَائِم حِصَّة فِي الدَّار لَا يعلمُونَ مبلغها فَفِي رِوَايَة مطرف عَن مَالك أَنه يُقَال لَهُ للمطلوب: أقرّ بِمَا شِئْت مِنْهَا واحلف عَلَيْهِ، فَإِن أَبى قيل للطَّالِب سم مَا شِئْت مِنْهَا واحلف عَلَيْهِ وخذه، فَإِن أَبى أخرجت الدَّار من يَد الْمَطْلُوب حَتَّى يقر بِشَيْء مِنْهَا. قَالَ مطرف: وَكُنَّا نقُول وَأكْثر أَصْحَابنَا إِذا لم يعرف الشُّهُود الْحصَّة فَلَا شَهَادَة لَهُم حَتَّى قَالَ لنا ذَلِك مَالك فرجعنا إِلَى قَوْله واستمرت الْأَحْكَام بِهِ اه. وَنَقله فِي التَّبْصِرَة بأبسط من هَذَا. فَتحصل مِمَّا مر أَن القَوْل بِالْبُطْلَانِ جَار فِي الْأُصُول وَغَيرهَا، وَكَذَا القَوْل بِالصِّحَّةِ إِلَّا أَنه يخْتَلف فِيمَا إِذا قَالَ الْمَشْهُود لَهُ: لَا أَحْلف أَو لست أعرف فَعِنْدَ مطرف يبطل حَقه، وَعَلِيهِ درج النَّاظِم وعَلى قِيَاسه فِي الْأُصُول لَا ينْزع الأَصْل من يَد الْمَطْلُوب بل يبطل حق الطَّالِب بقوله ذَلِك وَحِينَئِذٍ فَلَا جبر على مَا مَشى عَلَيْهِ النَّاظِم لَا فِي الْأُصُول وَلَا فِي غَيرهَا وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَيْت مَا يدل على أَن الأَصْل ينْزع من يَد الْمَطْلُوب، بل كَلَامه ظَاهر فِي عدم النزع لِأَن النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تعم فتشمل نفي الْإِجْبَار بالسجن وَنزع الشَّيْء من يَده لِأَنَّهُ نوع من الْإِجْبَار فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن مختاره فِي الْأُصُول هُوَ مختاره فِي غَيرهَا من بطلَان الْحق بقوله: لَا أَحْلف أَو لست أعرف كَمَا لَا يخفى وَعند مَالك يسجن فِي غير الْأُصُول وَينْزع الأَصْل من يَده فِي الْأُصُول، وَكَذَا فِي المعينات كَثوب وَنَحْوه حَتَّى يقر وَيحلف على مَا أقرّ بِهِ. وَالْحَاصِل أَن القَوْل بإعمال الشَّهَادَة أقوى من القَوْل ببطلانها كَمَا يدل عَلَيْهِ مَا يَأْتِي فِي التَّنْبِيه بعده، وكما يدل عَلَيْهِ اقْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا عَلَيْهِ هُنَا، وَبِه أفتى ابْن زرب مُقْتَصرا عَلَيْهِ حَسْبَمَا فِي اسْتِحْقَاق المعيار، وَلذَا قَالَ النَّاظِم: وَذَاكَ الأعرف وَبعد كَونه أرجح وَأقوى هَل يبطل حق الطَّالِب بِنُكُولِهِ أَو تجاهله فِيهِ مَا ترى، وَظَاهر النّظم أَن الْقَوْلَيْنِ بِالْبُطْلَانِ وَعَدَمه جاريان أمكن الاستنزال أم لَا وَهُوَ كَذَلِك. إِذْ فِي الْمَسْأَلَة سِتَّة أَقْوَال كَمَا لِابْنِ رشد فِي الْبَيَان. ثَالِثهَا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 يسْتَنْزل الشُّهُود فَإِذا شهدُوا بِمَال فَيُقَال لَهُم أتعلمون أَنه مائَة؟ فَإِن قَالُوا: لَا. قيل لَهُم: أخمسون هُوَ وَهَكَذَا لَا زَالُوا ينزلون حَتَّى يقفوا على مَا لَا يَشكونَ فِيهِ، والمعمول عَلَيْهِ هُوَ أَن لَا يعدل عَنهُ مَعَ إِمْكَانه لقَوْله فِي المازونية ونوازل الْمديَان من المعيار أَن بِهَذَا القَوْل الْعَمَل عِنْد الموثقين، وَبِه أفتى ابْن رشد أَيْضا حَسْبَمَا فِي نَوَازِل الْغَصْب وَالْإِكْرَاه من المعيار فِيمَن غصب ضَيْعَة واستغلها أَن الْبَيِّنَة تستنزل إِلَى مَا تقطع بِهِ فِي الاستغلال من غير شكّ، وَيلْزمهُ غرم ذَلِك وَنَحْوه فِي التَّبْصِرَة فِي الْبَاب التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ. وَقَالَ أَبُو الْحسن فِي كتاب الرَّجْم من الْمُدَوَّنَة: إِنَّه الَّذِي اعْتَمدهُ أهل السجلات. قَالَ: وَهَذَا فِي الشَّهَادَة على عدد متماثل كَقَوْلِهِم لَهُ عَلَيْهِ مائَة دِينَار أَو مائَة وَخَمْسَة بِأَو الَّتِي للشَّكّ والتردد فَإِن كَانَت الشَّهَادَة على فُصُول فَلَا تبطل إِلَّا فِي ذَلِك الْفَصْل الَّذِي نسباها فِيهِ إِلَّا أَن يكون مرتبطاً بِغَيْرِهِ فَتبْطل فِيهِ وَفِي غَيره كَمَا لَو كَانَت الشَّهَادَة على خطّ غَائِب أَو ميت، وَفِي الْوَثِيقَة محو فِي بعض الْفُصُول فَلَا تبطل إِلَّا فِيهِ إِلَّا أَن يرتبط بِغَيْرِهِ فَإِذا شهدُوا على كَذَا وَكَذَا ثمراً وامتحى مَوضِع عَجْوَة صحت فِيمَا أَيقَن بِهِ الشُّهُود وَيبقى الْخلاف بَين المتداعيين فِي الصّفة كَأَنَّهَا فصل على حياله اه. قلت: وَكَذَا لَو شهدُوا بِالْبيعِ وَقبض الثّمن لَا يقبض الْمَبِيع أَو بِالْعَكْسِ أَو شهدُوا بالسلف دون قَبضه أَو شهدُوا بِالْبيعِ دون التَّأْجِيل أَو الْحُلُول فَإِن الشَّهَادَة تَامَّة فِي ذَلِك وَيبقى الْخلاف بَينهمَا فِيمَا لم يشْهدُوا بِهِ، وَيجْرِي على مَا يَأْتِي فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين إِذْ لَا ارتباط للمنسي بِغَيْرِهِ وَمن المرتبط مَا إِذا شهدُوا بِالْبيعِ ونسوا الثّمن عِنْد من قَالَ بِالْبُطْلَانِ كَمَا يَأْتِي وَحِينَئِذٍ فَقَوْل ابْن رشد فِي أجوبته: إِن الشَّاهِد إِذا لم يَأْتِ بِشَهَادَتِهِ على وَجههَا وَسقط عَن حفظه بَعْضهَا فَإِنَّهَا تسْقط كلهَا بِإِجْمَاع الخ. يحمل على مَا إِذا ارْتبط الْفَصْل المنسي بِغَيْرِهِ وإلاَّ فَلَا كَمَا ترى لِأَن التَّوْفِيق بَين كَلَام الْأَئِمَّة مَطْلُوب مَا أمكن، وَأَيْضًا فَإِن هَذَا إِنَّمَا يظْهر إِذا اعْترف الشَّاهِد بِالنِّسْيَانِ كَمَا يشْعر بِهِ قَوْله وَسقط عَن حفظه بَعْضهَا الخ. وَأما إِذا لم يشْهدُوا بِالْفَصْلِ الْمَذْكُور لكَونه لم يَقع بمحضرهم فَلَا يَنْبَغِي أَن يخْتَلف فِي الْأَعْمَال حَيْثُ لم يرتبط بِغَيْرِهِ لِأَن النسْيَان يُوجب قُوَّة الشَّك فِي الشَّهَادَة بِخِلَافِهِ مَعَ فَقده فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَأَيْضًا فَإِن الْإِجْمَاع مَرْدُود بِمَا حصله هُوَ بِنَفسِهِ من الْأَقْوَال السِّتَّة. تَنْبِيه: شَمل قَول النَّاظِم: وَلم يُحَقّق عِنْد ذَاك العددا. الخ. مَا إِذا شهدُوا بِعقد نِكَاح أَو بيع وَلم يسموا الثّمن وَالصَّدَاق، وَأنكر البَائِع فالشهادة عِنْد مَالك تَامَّة، لَكِن لَا على التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم فِي القَوْل الثَّانِي بل يُقَال للْبَائِع: بكم بعتها فَإِن سمى ثمنا وَوَافَقَهُ الْمُبْتَاع أَدَّاهُ وَإِن اخْتلفَا فِيهِ تحَالفا وَردت السّلْعَة وَإِن تَمَادى البَائِع على الْإِنْكَار سُئِلَ الْمُبْتَاع على الثّمن فَإِن سمى مَا يشبه حلف وَأَدَّاهُ وَإِن سمى مَا لَا يشبه قيل لَهُ إِن أَعْطَيْت مَا يشبه أَخَذتهَا وإلاَّ فَلَا. رَوَاهُ مطرف عَن مَالك وَاسْتَحْسنهُ ابْن حبيب، وَإِن كَانَ الْأَمر بِالْعَكْسِ ادّعى البَائِع البيع وَأنكر الْمُبْتَاع حلف البَائِع على مَا سمى من الثّمن إِن أشبه وَيَأْخُذهُ من المُشْتَرِي فَإِن لم يكن لَهُ غير السّلْعَة بِيعَتْ عَلَيْهِ وَتَبعهُ بِالنَّفسِ إِن لم يَفِ ثمنهَا الثَّانِي بِالْأولِ قَالَه فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين من الْمُتَيْطِيَّة مُقْتَصرا عَلَيْهِ كَأَنَّهُ الْمَذْهَب. وَكَذَا اقْتصر عَلَيْهِ ابْن فتحون وَكَذَا ابْن فَرِحُونَ آخر الْبَاب الْمُتَقَدّم، وَذكر فِي أنكحة المعيار أَن ابْن المكوي وَابْن الْعَطَّار أجابا عَن ذَلِك بِصِحَّة الشَّهَادَة وَإِن الزَّوْج والمبتاع يسميان الثّمن وَالصَّدَاق وَإِلَّا حلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 الطَّالِب إِن أَتَى بِمَا يشبه، وَأجَاب أَبُو إِبْرَاهِيم التجِيبِي بِسُقُوط الشَّهَادَة وَذكر أَنَّهَا رِوَايَة أصبغ عَن ابْن الْقَاسِم، وَكَذَا ذكر ابْن سَلمُون الْقَوْلَيْنِ، وَقَالَ: إِن القَوْل بالسقوط أحسن وَنسبه لصَاحب الِاسْتِغْنَاء وَنَحْوه فِي طرر ابْن عَاتٍ عَن الِاسْتِغْنَاء أَيْضا، وَعلله بِأَن البيع إِنَّمَا يكون بِثمن يرضاه البَائِع والمبتاع وَالْقيمَة تَعْدِيل من غَيرهمَا، وَقد تخرج عَن رضاهما جَمِيعًا أَو عَن رضَا أَحدهمَا الخ. وَقَوله: وَالْقيمَة تَعْدِيل الخ. وَهُوَ مَا مر عَن الْمُتَيْطِيَّة فِي قَوْله: سمي مَا يشبه أَي مَا يشبه أَن يكون قيمَة وَثمنا لَهَا عِنْد أهل الْمعرفَة، وبالقول الأول أفتى أَبُو الْفضل العقباني حَسْبَمَا فِي أَوَائِل معاوضات المعيار والمازونية قَائِلا: إِن البيع لَازم وَالْجهل بِالثّمن لَا يضران ادِّعَاء أحد الْمُتَعَاقدين أَي لِأَن القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة، وَإِنَّمَا يضر جهلهما مَعًا وَقد يكون الثّمن مَعْلُوما فِيمَا بَينهمَا وَلم يذكراه الْمَشْهُود. وَقَالَ أَبُو عبد الله الغوري حَسْبَمَا فِي نَوَازِل العلمي أَن الرَّاجِح صِحَة النِّكَاح الَّذِي لم يتَعَرَّض شُهُوده لمبلغ الصَدَاق وَيحكم فِيهِ بِالتَّسْمِيَةِ المشبهة إِن ادَّعَاهَا وَإِلَّا فَهُوَ نِكَاح تَفْوِيض اه. وعَلى قِيَاسه فِي البيع يُقَال يحكم بِالتَّسْمِيَةِ المشبهة إِن ادَّعَاهَا المُشْتَرِي وإلاَّ فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَيْهَا إِلَّا أَن دفع ثمن الْمثل كَمَا تقدم. كَمَا أَنه فِي نِكَاح التَّفْوِيض لَا يصل للزَّوْجَة إِلَّا إِن فرض لَهَا الْمثل، فَتبين بِهَذَا رُجْحَان القَوْل بِصِحَّة الشَّهَادَة لاقتصار غير وَاحِد من الفحول عَلَيْهِ، وَلم يذكرُوا لَهُ مُقَابلا وبنوا وثائقهم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَول الإِمَام وَمُقَابِله انْفَرد صَاحب الِاسْتِغْنَاء باستحسانه والتجيبي بالفتوى بِهِ فِيمَا وقفت عَلَيْهِ فتعبير بَعضهم عَنهُ بالمشهور فِي عهدته وَالله أعلم. وَبِالْجُمْلَةِ فماهية البيع من عَاقد ومعقود عَلَيْهِ وَصِيغَة مَوْجُودَة ثَابِتَة وَانْتِفَاء الْجَهْل فِي قدر الثّمن شَرط خَارج عَن الْمَاهِيّة فَيجْرِي حكمه على اخْتِلَافهمَا فِيهِ على حياله. فَإِن قلت: كَانَ الْقيَاس إِذا لم يسموا الثّمن وَالصَّدَاق أَن يتحالفا ويتفاسخا مَعَ قيام السّلْعَة سَوَاء سمى البَائِع ثمنا وَخَالفهُ الْمُبْتَاع فِيهِ أَو اسْتمرّ البَائِع على إِنْكَار العقد وَمَعَ الْفَوات بِصدق مُشْتَر ادّعى الْأَشْبَه كَمَا فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين فِي قدر الثّمن. قلت: التَّحَالُف والتفاسخ لَا يَتَأَتَّى مَعَ اسْتِمْرَار البَائِع على الْإِنْكَار لِأَن الْخلاف حِينَئِذٍ لَيْسَ فِي الْقدر بل فِي أصل العقد، وَلم يسم البَائِع ثمنا مُخَالفا لما ادَّعَاهُ المُشْتَرِي حَتَّى يرجعا للِاخْتِلَاف فِي الْقدر، بل لما ثَبت البيع عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ حمل على ثمن الْمثل لِأَنَّهُ الْغَالِب فِي بياعات النَّاس وَالْحمل على الْغَالِب وَاجِب، فَإِذا ادَّعَاهُ المُشْتَرِي أَو أَدَّاهُ اسْتحق الْمَبِيع وإلاَّ فَلَا. ومُنكِرٌ لِلِخِصْمِ مَا ادَّعاهُ أثْبَتَ بعْدُ أَنَّهُ قَضَاهُ (ومنكر) مُبْتَدأ سوغه تعلق (للخصم) بِهِ (مَا) أَي حَقًا مفعول بمنكر (ادَّعَاهُ) صفة أَو صلَة لما وضميره الْمُسْتَتر يعود على الْخصم والبارز على مَا كدعواه عَلَيْهِ بِعشْرَة من بيع أَو قرض مثلا فَأنْكر فَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَة بهَا ف (أثبت) هُوَ أَي الْمُنكر (بعد) أَي بعد قِيَامهَا عَلَيْهِ أَو بعد إِقْرَاره بهَا (أَنه) أَي الْمُنكر (قَضَاهُ) إِيَّاهَا وَأَن وَمَا بعْدهَا فِي تَأْوِيل مصدر مفعول أثبت وَجُمْلَة أثبت صفة لمنكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 لَيْسَ عَلى شُهُودِه مَنْ عَمَلِ لِكَوْنِهِ كَذَّبَهُمْ فِي الأوَّلِ (لَيْسَ على شُهُوده) خبر (من عمل) اسْم لَيْسَ جر بِمن الزَّائِدَة (لكَونه) أَي الْمُنكر (كذبهمْ فِي) القَوْل (الأول) حَيْثُ أنكر وَالْجُمْلَة من لَيْسَ وَمَا بعْدهَا خبر الْمُبْتَدَأ. وَمن كذب بَينته فقد أسقطها، وَقد علمت من هَذَا التَّقْرِير أَنه ادّعى عَلَيْهِ بِشَيْء خَاص كالسلف وَالْبيع فَأنْكر هُوَ ذَلِك الْخَاص. وَقَالَ: مَا أسلفتني وَلَا بعتني، فَلَمَّا أثبت عَلَيْهِ البيع وَالسَّلَف وَقبض الْمَبِيع وَالْقَرْض أثبت هُوَ الْقَضَاء. وَقَوْلنَا: وَقبض الْمَبِيع وَالْقَرْض احْتِرَازًا مِمَّا لَو أَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَة بِمُجَرَّد عقد البيع وَالسَّلَف دون الْقَبْض فَإِن ذَلِك لَا يُوجب على الْمَطْلُوب غرماً. وَقَوْلِي فَأنْكر ذَلِك الْخَاص احْتِرَازًا مِمَّا إِذا أَتَى بِلَفْظ عَام كَقَوْلِه فِي الْمِثَال الْمَذْكُور: لَا حق لَك عليّ أَو لَيْسَ لَك عَليّ شَيْء أَو لَا وَدِيعَة لَك عِنْدِي أَو لَيست الدَّار لَك وَنَحْو ذَلِك فَإِن هَذَا لم يكذبهم كَمَا هُوَ مَفْهُوم من النّظم فَتقبل حِينَئِذٍ بَينته بِالْقضَاءِ لعدم استلزام إِنْكَاره حِينَئِذٍ لتكذيبها. (خَ) : وَإِن أنكر مَطْلُوب الْمُعَامَلَة فَالْبَيِّنَة ثمَّ لَا تقبل بَينته بِالْقضَاءِ بِخِلَاف لَا حق لَك عَليّ أَي لِأَن قَوْله لَا حق لَك عَليّ أعلم فَيصدق بِمَا إِذا لم يسلفه أصلا أَو أسلفه فقضاه فَمن حجَّته أَن يَقُول: صدقت مَا كَانَ لَك عَليّ شَيْء فِي هَذَا الْوَقْت لِأَنِّي كنت قضيتك أَو اشْتريت الدَّار مِنْك، وَنَحْو ذَلِك. وَكَذَا لَو كَانَ البَائِع للدَّار مثلا مستمراً على الْإِقْرَار بِالْبيعِ بعد إِنْكَار المُشْتَرِي شراءها فَإِن للْمُشْتَرِي أَن يرجع عَن إِنْكَاره وَتَكون الدَّار لَهُ كَمَا لَو قَالَ لَهُ: كنت بِعْت لَك دَاري. فَقَالَ: مَا اشْتَرَيْتهَا مِنْك وَبَقِي البَائِع مستمراً فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوع إِلَى قَوْله بِخِلَاف مَا إِذا أنكر الْهِبَة وَنَحْوهَا، فَلَمَّا ثبتَتْ عَلَيْهِ استظهر بالاسترعاء فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يقبل استرعاؤه، وَظَاهر النّظم كَغَيْرِهِ أَنَّهَا لَا تقبل بَينته وَلَو كَانَ جَاهِلا لَا يفرق بَين قَوْله مَا أسلفتني وَلَا أودعتني وَبَين قَوْله مَا لَك عَليّ وَلَا عِنْدِي. وَذكر ابْن نَاجِي فِي شرح الْمُدَوَّنَة أَن الْجَاهِل يعْذر وَمثله للح عَن الرعيني. وَكَذَا نقل أَبُو الْحسن فِي كتاب اللّعان عِنْد قَوْلهَا وَإِن أَقَامَت الْمَرْأَة بَيِّنَة أَن الزَّوْج قَذفهَا وَهُوَ يُنكر حدا لَا أَن يَدعِي رُؤْيَة فيلتعن وَيقبل مِنْهُ بعد جحوده لِأَنَّهُ يَقُول كنت أُرِيد أَن أكتم اه مَا نَصه ابْن مُحرز. هَذِه الْمَسْأَلَة أصل لمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 ادّعى عَلَيْهِ حق فجحده فَقَامَتْ الْبَيِّنَة عَلَيْهِ بِهِ فَادّعى الْقَضَاء فعلى مَذْهَب الْغَيْر لَا يُمكن، وعَلى قَول ابْن الْقَاسِم يعْتَبر جحوده على أَي وَجه كَانَ فَإِن كَانَ لَهُ عذر من جَهله أَو جهل من يحكم عَلَيْهِ أَو سطوته أَو غيبَة بَينته ويخشى أَن لَا يُمْهل لقدومها أَو كَانُوا مِمَّن لَا يوثق بِعَدَالَتِهِمْ وَلَا يُؤمن من جرحتهم، فَيمكن من إِقَامَة الْبَيِّنَة كَمَا يُمكن هَذَا من اللّعان بعد إِنْكَاره اه. وَنَقله فِي الْمُتَيْطِيَّة أَيْضا مُسلما فَتبين أَن الْجَاهِل إِذا كَانَ يعْذر فَكَذَلِك يعْذر غَيره إِذا ذكر أحد هَذِه الْوُجُوه وَأثبت سطوة الْحَاكِم أَو غيبَة الْبَيِّنَة وَنَحْو ذَلِك من كَونهم لَا يوثق بِعَدَالَتِهِمْ أَو يَحْتَاجُونَ للتزكية كَمَا أَن الْجَاهِل لَا بُد أَن يثبت أَن مثله مِمَّن يجهل ذَلِك. وَالْحَاصِل أَنهم قَالُوا الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ عدم الْقبُول كَمَا لأبي الْحسن وَغَيره قَالُوا: وَإِلَّا لم يكن لتقييد الْمقَال فَائِدَة كَمَا فِي قَول النَّاظِم: ولانحصار ناشىء الْخِصَام، وَظَاهر إطلاقاتهم كالناظم و (خَ) أَنه لَا فرق بَين من لَهُ عذر وَبَين من لَا عذر لَهُ، وَلَكِن قَالُوا: يَنْبَغِي تَقْيِيده بِمن لَا عذر لَهُ كَمَا يُقيد أَيْضا بِغَيْر الْعقار وَالْقَذْف على مَا لشراح (خَ) : وَلَكِن فِي الْمُتَيْطِيَّة وَأبي الْحسن وَابْن عَاتٍ أَن الْعَمَل على عدم قبُولهَا حَتَّى فِي الْعقار، وَحِينَئِذٍ فَمَا للشراح من قبُولهَا فِيهِ مُقَابل لهَذَا الْعَمَل فَلَا يعول عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ قَول ابْن الْقَاسِم كَمَا سَيَأْتِي فِي آخر بَاب الضَّمَان أَن هَذِه إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي خَالف فِيهَا أهل الأندلس ابْن الْقَاسِم وَإِن فَرضنَا مشهوريته لكَونه فِي الْمُدَوَّنَة فَإِن الْعَمَل مقدم على الْمَشْهُور وَمُخَالفَة الْعَمَل لَيست بِالْأَمر الهين كَمَا لِابْنِ سراج والشاطبي على أَن الْمَعْمُول بِهِ مَشْهُور أَيْضا وَمَا خَفِي قَول ابْن الْقَاسِم على هَؤُلَاءِ الْأَشْيَاخ كَمَا يَأْتِي فِي الْوَدِيعَة، وَقد أَشَرنَا إِلَى ذَلِك أَيْضا فِي حَاشِيَة اللامية وَبَاب الْوكَالَة من شرح الشَّامِل، ثمَّ إِن الْمَسْأَلَة من بَاب الْإِقْرَار الْحَاصِل بالتضمن لَا بالتصريح وَفِي أَعماله خلاف. قيل: يضر، وَقيل: لَا يضر، وَاسْتَحْسنهُ اللَّخْمِيّ قَائِلا لِأَنَّهُ يَقُول أردْت أَن أَحْلف وَلَا أتكلف الْبَيِّنَة، وَيُؤَيِّدهُ مَا مرّ من أَنه يَقُول: كنت أُرِيد أَن أكتم الخ. وأقامة السيوري من الْمُدَوَّنَة قَائِلا: الصَّوَاب أَن النَّاس أجمع معذورون وَأَن لَهُم الرُّجُوع إِلَى إِقَامَة الْبَيِّنَة بعد التَّصْرِيح بالجحود. وَثَالِثهَا لِابْنِ الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة لَا يضر فِي الْحُدُود وَالْأُصُول ويضر فِي غَيرهَا. وَفِي (خَ) من هَذَا مسَائِل مِنْهَا مَا مرّ فِي قَوْله: وَإِن أنكر مَطْلُوب الخ. وَمِنْهَا قَوْله فِي الْعتْق: وَإِن شهد على شَرِيكه بِعِتْق نصِيبه فنصيب الشَّاهِد حر الخ. وَقَوله فِي الِاسْتِلْحَاق: وَإِن اشْترى مستلحقه وَالْملك لغيره عتق كشاهد ردَّتْ شَهَادَته. وَقَوله فِي الطَّلَاق: وَإِن قَالَ سائبة مني حلف على نَفْيه فَإِن نكل نوى فِي عدده، وَقَوله فِي التَّخْيِير: وَقبل إِرَادَة الْوَاحِدَة بعد قَوْله لم أرد طَلَاقا الخ، وَقَوله فِي الْوَدِيعَة: ويجحدها ثمَّ فِي قبُول الْبَيِّنَة الرَّد خلاف الخ، وَمعنى التضمن الْمَذْكُور أَن بَيِّنَة الْقَضَاء وَالشِّرَاء مثلا تضمنتا وجود الْمُعَامَلَة وَالْملك اللَّذين أنكرهما الْمَطْلُوب فإنكاره تَكْذِيب، لَكِن لَا بالصراحة إِذْ لم يقل إِنَّهَا كَاذِبَة وَلَيْسَ من التَّكْذِيب من ادّعى على أخوته أَن لَهُ حَقًا فِي دَار بِالْإِرْثِ من أَبِيهِم، فأنكروا أَن يكون صَار إِلَيْهِم من أَبِيهِم شَيْء مِنْهَا فَأثْبت أَنَّهَا موروثة عَن الْأَب لِأَن الطَّالِب أَتَى بِبَيِّنَة شهِدت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 باشتراكهم قَالَه فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة، وَقد تقدم أَن الطَّالِب إِذا كَانَ مستمراً على الْإِقْرَار فللمنكر الرُّجُوع إِلَى قَوْله وَلَيْسَ مِنْهُ أَيْضا مَا إِذا قَالَ: دفعت مَا عَليّ من السّلف مثلا لرَبه، فَلَمَّا كلف بِالْبَيَانِ أثبت أَنه دَفعه لزوجته لِأَن النَّاس يرَوْنَ أَن مَال الزَّوْجَة مَال لزَوجهَا قَالَه فِي المعيار. وَلَيْسَ مِنْهُ أَيْضا إِنْكَار الزَّوْج بعد موت زَوجته إِيرَاد الجهاز لبيتها فَقَامَتْ الْبَيِّنَة بإيراد أَشْيَاء كَمَا لَا يخفى وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْيَمين أَنه مَا غَابَ على شَيْء إِذْ لَو أقرّ بالإيراد الْمَذْكُور لم يلْزمه غير ذَلِك قَالَه فِي المعيار، وَظَاهر النّظم أَنه لَا فرق فِي ذَلِك بَين إِنْكَار الْوَكِيل وَغَيره. وَانْظُر عِنْد قَوْله فِي الْوكَالَة. والنقض للإقرار وَالْإِنْكَار الخ. وَمَفْهُوم قَوْله: للخصم أَنه إِذا أنكر لغير الْخصم كَمَا لَو سَأَلَهُ رجل بِمحضر شَاهِدين عَن شِرَائِهِ أَو سلفه من فلَان مثلا فَقَالَ: مَا اشْتريت وَلَا تسلفت مِنْهُ شَيْئا، فَلَمَّا سمع ذَلِك البَائِع أَو الْمقْرض قَامَ وَأثبت أَن الدَّار لَهُ وأصل السّلف، فَإِن بَيِّنَة الْمُنكر تقبل بِالشِّرَاءِ وَالْقَضَاء لِأَن الْإِنْكَار إِنَّمَا يعْتَبر وَقت الْخِصَام وَتَقْيِيد الْمقَال لِأَنَّهُ مَوضِع التَّحَرُّز فَلَا يَنْفَعهُ فِيهِ دَعْوَى الْغَلَط وَالنِّسْيَان بِخِلَاف غَيره. قَالَ فِي المعيار عَن سَيِّدي مِصْبَاح: وَيدل لَهُ مَا مر من قَوْلهم: وَإِلَّا لم يكن لتقييد الْمقَال فَائِدَة فَقَوْلهم ذَلِك يدل عَن أَن الْإِنْكَار الْمُعْتَبر هُوَ الْوَاقِع وَقت الْخِصَام وَهُوَ ظَاهر. تَنْبِيه: إِذا قُلْنَا هُوَ مكذب بإنكاره الْمَذْكُور فَلَا يبطل حَقه إِلَّا فِيمَا كذبهمْ فِيهِ فَقَط لَا فِي غَيره مِمَّا شهدُوا بِهِ لَهُ أَو عَلَيْهِ لِأَن تَكْذِيبه من بَاب الْإِسْقَاط لَا من بَاب التجريح إِذْ لَا يجرح الشَّاهِد بِالْكَذِبِ حَتَّى يكون مجرباً فِيهِ، وَأَيْضًا لَو قَالَ كذبتهم فِي ذَلِك الْيَوْم لجرحة لم تكن فيهم وَقت الشَّهَادَة السالفة لصَحَّ ذَلِك وَلم يكن تنَاقض فِي قَوْله قَالَه فِي المعيار عَن أبي الْحسن وسيدي مِصْبَاح. وَفِي ذَوِي عَدْلٍ يُعَارِضانِ مُبَرِّزاً أتَى لَهُمْ قَوْلانِ (وَفِي ذَوي عدل) صفة لمَحْذُوف يتَعَلَّق بقوله أَتَى (يعارضان) صفة بعد صفة (مبرزاً) مفعول بِمَا قبله (أَتَى لَهُم) يتَعَلَّق بالفاعل وَهُوَ (قَولَانِ) وَالضَّمِير الْمَجْرُور لأَصْحَاب مَالك أَي أَتَى قَولَانِ لَهُم فِي شَاهِدين ذَوي عدل يعارضان شَاهدا وَاحِدًا مبرزاً. وبالشَّهيدَيْنِ مُطَرِّفٌ قَضَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; والحَلْفَ والأعْدَلَ أصْبَغُ ارتَضى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; (وبالشهيدين) لَو فَرعه بِالْفَاءِ لَكَانَ أظهر (مطرف) مُبْتَدأ (قضى) خَبره وبالشهيدين يتَعَلَّق بِهِ أَي قدم مطرف الشهيدين على المبرز. ابْن رشد: وَهُوَ أظهر إِذْ من أهل الْعلم من لَا يرى الشَّاهِد وَالْيَمِين وَكَذَا يقدم الشَّاهِدَانِ من جَانب على الشَّاهِد الْغَيْر المبرز مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ من الْجَانِب الآخر، فَإِن كَانَ مَعَهُمَا مبرز قدم عَلَيْهِمَا (خَ) وَرجح بِشَاهِدين على شَاهد وَيَمِين أَو امْرَأتَيْنِ. (وَالْحلف) بِسُكُون اللَّام مفعول مقدم بقوله: ارتضى (والأعدل) مَعْطُوف عَلَيْهِ (أصبغ) مُبْتَدأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 (ارتضى) خَبره أَي ارتضى تَقْدِيم الأعدل مَعَ الْيَمين على الشَّاهِدين. ابْن رشد: وَهُوَ إغراق فِي الْقيَاس وَرُبمَا يفهم مِمَّا فِي كتاب. ابْن الْمَوَّاز: تَرْجِيح مَا لأصبغ لِأَنَّهُ قَالَ: إِن أَقَامَ أَحدهمَا شَاهدا وَأقَام الآخر أَرْبَعَة فَإِن كَانَ الْوَاحِد أعدل قضيت بِهِ مَعَ الْيَمين قَالَه أَشهب، وَتَابعه عَلَيْهِ أَصْحَاب مَالك، وَقَالَهُ أصبغ أَيْضا نَقله ابْن رحال وَبِه قرر كَلَام (خَ) فِي شَرحه وَفهم من قَوْله مبرزاً أَنَّهُمَا يقدمان على غَيره اتِّفَاقًا وَأَن الأعدل من الْبَيِّنَتَيْنِ مقدم على غَيره وَلَو أَكثر عددا (خَ) وبمزيد عَدَالَة لَا عدد وَظَاهر هَذَا أَنه يقْضِي بالأعدلية وَإِن كَانَ الْمُتَنَازع فِيهِ تَحت يَد الآخر، وَأَن الأعدلية تراعى وَإِن لم تبلغ حد التبريز وَأَنَّهَا تعْتَبر وَلَو كَانَت فِي أحد الشَّاهِدين فَقَط وَهُوَ كَذَلِك فِي الْجَمِيع، وَإِذا قُلْنَا بالترجيح بِزِيَادَة الْعَدَالَة فَإِن ذَلِك مَعَ الْيَمين فِي المَال وَمَا يؤول إِلَيْهِ لَا فِي غَيره كَالنِّكَاحِ وَالْعِتْق لِأَن زِيَادَة الْعَدَالَة كشاهد وَاحِد على الْمَشْهُور وَمحل عدم التَّرْجِيح بِزِيَادَة الْعدَد إِذا لم يكثروا بِحَيْثُ يقطع بصدقهم وإلاَّ وَجب التَّرْجِيح بِزِيَادَة الْعدَد، وَلَو كن نسَاء كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَامْرَأَتَانِ قامتا مقَامه وَلَو كَانَت الْأُخْرَى أعدل لِأَن غَايَة مَا تفيده زِيَادَة الْعَدَالَة غَلَبَة الظَّن بِخِلَاف الْكَثْرَة فتفيد الْعلم. وَقَوله فِي الْمُدَوَّنَة: وَامْرَأَتَانِ وَمِائَة امْرَأَة سَوَاء مَحْمُول على الْمُبَالغَة كَمَا للخمي وَغَيره. انْظُر طفي أول الشَّهَادَات، ثمَّ إِنَّمَا يُصَار للترجيح بالأعدلية فِي شَهَادَة الاسترعاء كَمَا أَن التَّرْجِيح بالتاريخ مُعَلّق بِشَهَادَة الأَصْل قَالَه الشَّارِح أول الْبَاب وَتقدم ذَلِك عِنْد قَوْله: وَحل عقد شهر التَّأْجِيل الخ. وَتَأمل قَوْله: إِن التَّرْجِيح بالتاريخ مُعَلّق بِشَهَادَة الأَصْل فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنه إِذا شهِدت إِحْدَاهمَا أَن هَذِه الأَرْض مثلا ملكه وَشهِدت الْأُخْرَى أَنَّهَا ملك لفُلَان وأرخت إِحْدَاهمَا دون الْأُخْرَى أَو أرختا وَلَكِن إِحْدَاهمَا أقدم تَارِيخا أَنه لَا يرجح بالتاريخ هَهُنَا لكَونهَا شَهَادَة استرعاء وَلَيْسَ كَذَلِك بل يرجح بِهِ كَمَا قَالَ. وَقِدَمُ التّارِيخَ تَرْجِيحٌ قُبِلْ لَا مَعْ يدٍ والعَكْسُ عَنْ بَعْضٍ نُقِلْ (وَقدم التَّارِيخ) مُبْتَدأ (تَرْجِيح) خَبره (قبل) صفة لَهُ فَإِذا شهِدت بَيِّنَة أَنه يملك هَذِه الْأمة مُنْذُ عَام وَشهِدت الْأُخْرَى لآخر أَنه يملكهَا مُنْذُ عَاميْنِ قضى بِذَات العامين وَلَو كَانَت الْأُخْرَى أعدل. ابْن عبد السَّلَام: لِأَنَّهُمَا تساقطتا فِيمَا تَعَارَضَتَا فِيهِ وَهُوَ الْعَام وَبَقِي اسْتِصْحَاب الْحَال لذات الأقدم خَالِيا عَن الْمعَارض اه. وَسَوَاء كَانَ الْمُتَنَازع فِيهِ بيدهما أَو بيد أَحدهمَا أَو لَا يَد عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة قَالَ فِيهَا: إِلَّا أَن يحوزها الْأَقْرَب تَارِيخا بِالْوَطْءِ والخدمة والادعاء لَهَا بِحَضْرَة الآخر فَهَذَا يقطع دَعْوَاهُ اه. وَإِنَّمَا كَانَ قَاطعا لدعواه لِأَن ذَلِك من بَاب الْحِيَازَة القاطعة لحجة الْقَائِم كَمَا يَأْتِي فِي مَحَله إِن شَاءَ الله. (لَا مَعَ يَد) بالْعَطْف على مَحْذُوف أَي قبل حَال كَونه كَائِنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 مَعَ عدم الْيَد لَا مَعَ الْيَد أَي يرجح بقدم التَّارِيخ مَا لم يكن الْمُتَنَازع فِيهِ بيد الآخر خلاف النَّقْل وَلَا حجَّة لَهُ فِي قَول الْمُدَوَّنَة إِلَّا أَن يحوزها الْأَقْرَب الخ. لِأَنَّهُ من بَاب الْحِيَازَة كَمَا مرّ، وَلَا فِي قَوْلهم إِن الْيَد من المرجحات لِأَن التَّرْجِيح بهَا إِنَّمَا يعْتَبر إِن لم يُوجد مُرَجّح أصلا كَمَا قَالَ (خَ) : وبيد ان لم ترجح بَيِّنَة تقابله الخ على أَن عدهَا من المرجحات تجوز لِأَن الْبَيِّنَتَيْنِ لما تعادلتا سقطتا وَبَقِي الشَّيْء بيد حائزه، وَمحل التَّرْجِيح بقدم التَّارِيخ مَعَ أعدلية إِحْدَاهمَا مَا لم تكن الْأَخِيرَة شهِدت بِالْولادَةِ كَمَا لَو شهِدت إِحْدَاهمَا أَنه يملكهُ مُنْذُ ثَلَاث سِنِين وَشهِدت الْأُخْرَى أَنَّهَا ولدت عِنْده مُنْذُ سنتَيْن فَإِنَّهَا تهاتر وَيَقْضِي بالأعدلية هَهُنَا قَالَه ابْن يُونُس، ويقيد بِمَا إِذا لم يقطع بِكَوْن سنّ الْمُتَنَازع فِيهِ من ثَلَاث سِنِين فَقَط أَو من سنتَيْن فَقَط وإلاَّ قضى بِذَات السن للْقطع بكذب الْأُخْرَى وَلَا مَفْهُوم لقَوْله: وَقدم التَّارِيخ بل كَذَلِك إِذا لم يكن هُنَاكَ أقدم بِأَن أرخت إِحْدَاهمَا وَلم تؤرخ الْأُخْرَى أصلا أَو أرخت إِحْدَاهمَا بالشهر وَالْأُخْرَى بِالْيَوْمِ الثَّالِث مِنْهُ أَو الْعَاشِر مثلا، فَإِن ذَات التَّارِيخ فِي الأولى أَو ذَات الْأَخَص فِي الثَّانِيَة تقدم. (وَالْعَكْس) مُبْتَدأ وَهُوَ تَقْدِيم ذَات التَّارِيخ الْأَقْرَب وَلَو كَانَ الشَّيْء بيد الآخر (عَن بعض) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ جملَة (نقل) قيل وَهَذَا نقل غَرِيب لم يُوقف عَلَيْهِ، وَلَيْسَ من المرجحات الْملك على الْحَوْز وَلَا النَّقْل على الِاسْتِصْحَاب لِأَن الْحَوْز أَعم من الْملك إِذْ يكون عَن ملك وَعَن غَيره، والأعم لَا يُعَارض الْأَخَص، وَلذَا لَو شهدُوا لرجل بِملك شَيْء وشهدوا لمن هُوَ بِيَدِهِ بالحوز لِأَن شَهَادَتهمَا عاملة لِأَنَّهُمَا شَهدا بعلمهما فِي الْأَمريْنِ وحيازة الْحَائِز يحْتَمل أَن تكون بإرفاق أَو تَوْكِيل وَلَا يلْزمهُم الْكَشْف عَن ذَلِك فَلَا تنَاقض فِي شَهَادَتهمَا قَالَه ابْن عتاب. وَكَذَا بَيِّنَة الِاسْتِصْحَاب لَا تعَارض الناقلة لِأَن المستصحبة شهِدت بِنَفْي الْعلم بِالْخرُوجِ عَن ملكه، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي عدم الْخُرُوج فَلم يحصل تعَارض فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ حَتَّى يُصَار للترجيح فَيعْمل بِبَيِّنَة الْملك وَالنَّقْل لعدم مُعَارضَة الْأُخْرَى لَهَا. وَلذَا لم يذكرهَا النَّاظِم من المرجحات. نعم بَقِي عَلَيْهِ التَّرْجِيح بِسَبَب الْملك على عَدمه وبالإثبات على النَّفْي وبالإصالة على الفرعية فَالْأول كَشَهَادَة إِحْدَاهمَا بِأَنَّهُ ملك لزيد وَالْأُخْرَى بِأَنَّهُ ملك لعَمْرو ونسجه أَو نتج عِنْده أَو نسخ الْكتاب بِيَدِهِ أَو اصطاد مَا يصطاد سَوَاء قَالُوا لنَفسِهِ أم لَا. فَتقدم ذَات السَّبَب (خَ) : والأرجح بِسَبَب مَالك كنسج ونتاج لَا يملك من المقاسم، وَالثَّانيَِة المثبتة للْحكم كَشَهَادَة إِحْدَاهمَا بِأَنَّهُ خطه أَو كُفْء لَهَا أَو هِيَ بَالِغَة أَو بِأَنَّهُ بَاعَ أَو طلق فِي وَقت كَذَا وَشهِدت الْأُخْرَى أَنه غير خطه أَو غير كُفْء أَو تزوجت قبل الْبلُوغ أَو لم يتَلَفَّظ بِالطَّلَاق أَو بِالْبيعِ فِي ذَلِك الْوَقْت فَإِن المثبتة لِلْخَطِّ والكفاءة وَغَيرهمَا أولى لِأَنَّهَا أَثْبَتَت حكما وأوجبته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 أَي أوجبت حَقًا لم يكن وأثبتته وَهُوَ مَا ذكر من الْخط الْمُوجب لثُبُوت الْحق وَغير ذَلِك. وَذَلِكَ رَاجع فِي الْحَقِيقَة إِلَى تَقْدِيم الناقلة على المستصحبة كَمَا بَيناهُ فِي حَاشِيَة اللامية وكشهادة إِحْدَاهمَا أَنه قتل زيد عمرا يَوْم كَذَا وَشهِدت الْأُخْرَى أَنه كَانَ ذَلِك الْيَوْم بِبَلَد بعيد لِأَن شَهَادَة الْقَتْل أوجبت حكما وأثبتته وَهُوَ الْقصاص. ابْن رشد: هَذَا مَشْهُور الْمَذْهَب، وَقَالَ إِسْمَاعِيل القَاضِي: يقْضِي بِبَيِّنَة الْبَرَاءَة إِن كَانَت أعدل وَإِن استويتا فِي الْعَدَالَة سقطتا. ابْن عبد الْبر، وَقَول إِسْمَاعِيل عِنْدِي صَحِيح إِذْ لَا يَنْبَغِي أَن يقدم على الدَّم إِلَّا بِيَقِين دون الشَّك اه. ابْن رحال: وَهُوَ الصَّحِيح عِنْدِي وَغَيره لَا نطيق القَوْل بِهِ لِأَن هَذَا تعَارض حَقِيقِيّ بِالضَّرُورَةِ فَلَو شهِدت إِحْدَاهمَا بِالْقَتْلِ فِي وَقت كَذَا، وَالْأُخْرَى بِالزِّنَا أَو السّرقَة فِي ذَلِك الْوَقْت أَو إِحْدَاهمَا بِأَنَّهُ تلفظ بِالطَّلَاق وَقت كَذَا وَالْأُخْرَى بِأَنَّهُ تلفظ بِالْعِتْقِ فَقَط فِي ذَلِك الْوَقْت سقطتا لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا أوجبت حكما وَلَا ينظر للأعدلية لِأَنَّهَا إِنَّمَا ينظر إِلَيْهَا فِيمَا يثبت بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين، وَلذَا إِذا شهِدت إِحْدَاهمَا أَنه أسلفه مائَة بِمَجْلِس كَذَا وَشهِدت الْأُخْرَى أَنه مَا أسلفه إِلَّا عشرَة فِي ذَلِك الْمجْلس، فَإِن ذَات الزِّيَادَة أعمل قَالَه ابْن الْقَاسِم وَله أَيْضا أَنَّهُمَا يتساقطان إِن لم تكن إِحْدَاهمَا أعدل، ابْن رشد: وَهُوَ الَّذِي يُوجِبهُ الْقيَاس فَقَوله: وَهُوَ الَّذِي يُوجِبهُ الْقيَاس رُبمَا يشْهد لما قَالَه القَاضِي إِسْمَاعِيل. انْظُر شرح الشَّامِل والحطاب على أَنه قد قَالَ (ز) عِنْد قَول (خَ) فِي اللّعان أَو ادَّعَتْهُ مغربية على مشرقي مَا نَصه: مَحل تَقْدِيم بَيِّنَة الْقَتْل مَا لم يكثر الشاهدون أَنه كَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت فِي مَكَان آخر بِحَيْثُ يُفِيد خبرهم الْعلم الضَّرُورِيّ فَيعْمل بِشَهَادَتِهِم اه. وكشهادة إِحْدَاهمَا بالتجريح وَالْأُخْرَى بالتعديل وَتقدم عِنْد قَول النَّاظِم: وثابت الْجرْح مقدم على الخ. أَن مَحل هَذَا إِذا لم تقطع كل مِنْهُمَا بكذب الْأُخْرَى وَكَذَا لَو شهِدت إِحْدَاهمَا بِالْإِكْرَاهِ وَالْأُخْرَى بالطواعية فَبَيِّنَة الْإِكْرَاه أعمل. وَهَذَا والمثال الَّذِي قبله يدلان على أَن الْقَاعِدَة أغلبية وَإِلَّا لقدمت بينتا التَّعْدِيل والطواعية لِأَنَّهُمَا أثبتا حَقًا لم يكن مَعَ أَنهم قَالُوا: يتساقطان فِي التَّعْدِيل حَيْثُ اتَّحد الْوَقْت وَتقدم بَيِّنَة الْإِكْرَاه فَتَأَمّله مَعَ إِطْلَاق الزقاق فِي منهجه حَيْثُ قَالَ: ومثبت أولى من الَّذِي نفى فِي الْجرْح وَالْقَتْل بُلُوغ عرفا وَلَكِن فِي (ز) أَن بَيِّنَة الْإِكْرَاه إِنَّمَا قدمت لِأَنَّهَا ناقلة عَن الأَصْل لِأَن الأَصْل فِي أَفعَال النَّاس الطواعية فَمن شهد بِهِ فقد شهد بِالْأَصْلِ وَالشَّهَادَة بِالْإِكْرَاهِ ناقلة عَنهُ قَالَ؛ وَكَذَا، كل ضَرَر لِأَن من أثبت قد زَاد علما الخ. وَلَيْسَ من تعَارض النَّفْي وَالْإِثْبَات مَا إِذا شهِدت إِحْدَاهمَا بِأَن فلَانا أقرّ لفُلَان بمحضرنا بِكَذَا وَشهِدت الْأُخْرَى بِأَنَّهُ مَا أقرّ بِشَيْء حَتَّى مَاتَ لِأَنَّهُمَا لم يتواردا على وَقت وَاحِد فَإِن تواردا عَلَيْهِ كَيَوْم مَوته جرى على مَا مرّ وَلَيْسَ مِنْهُ أَيْضا مَا إِذا شهِدت إِحْدَاهمَا بمعاينة حوز الصَّدَقَة وَنَحْوهَا قبل الْمَوْت، وَشهِدت الْأُخْرَى بِرُؤْيَة الْمُتَصَدّق يَخْدمه إِلَى مرض الْمَوْت فَإِن بَيِّنَة عدم الْحَوْز تقدم إِذا لم تتعرض الْأُخْرَى لاستمراره قَالَه الْقَرَافِيّ فِي الْفرق 228. وَبِالْجُمْلَةِ، إِذا رَجَعَ الْمُتَصَدّق وَنَحْوه قبل السّنة لصدقته أَو شكّ فِي تَارِيخ رُجُوعه فَبَيِّنَة عدم الْحَوْز أعدل كَمَا للوانشريسي، وَنَقله أَبُو عبد الله عبد الْقَادِر الفاسي فِي جَوَاب لَهُ وَنَحْوه لأبي الضياء مِصْبَاح فِي معاوضات المعيار، وَإِن رَجَعَ إِلَيْهَا بعد أَن حيزت عَنهُ سنة فَلَا بطلَان وَإِن تعاوضا فِي السّنة فَبَيِّنَة الْحِيَازَة أعمل على مَا لِابْنِ مَالك وَهُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة كَمَا فِي ابْن سهل لِأَنَّهَا أوجبت حكما وَهُوَ صِحَة الْهِبَة. وَقيل: ينظر للأعدل وَهُوَ الْمُوَافق لما مرّ عَن ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 رشد. وَقيل: إِن كَانَت الصَّدَقَة بيد الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ وَقت الدَّعْوَى قدمت بَيِّنَة الْحِيَازَة وإلاَّ فَلَا. وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَنْبَغِي إِطْلَاق القَوْل بِتَقْدِيم الْإِثْبَات على النَّفْي فِي جَمِيع الصُّور بل يخْتَلف فِي ذَلِك باخْتلَاف الجزئيات كَمَا مرّ، وَمهما أطلقت إِحْدَاهمَا وقيدت الْأُخْرَى بِوَقْت معِين فَلَا تعَارض، وَمهما قيدتا بِوَقْت وَاحِد جَاءَ الْخلاف وَوَجهه فِي الْحِيَازَة إِن كلاًّ مِنْهُمَا شهِدت بانفراد شخص معِين بِالتَّصَرُّفِ فِي وَقت معِين، وَكَذَا فِي الْقَتْل لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا أَثْبَتَت أَنه كَانَ بِبَلَد كَذَا وَقت كَذَا مشتغلاً فِيهِ بِالصَّلَاةِ مثلا وَالْأُخْرَى بالشرب أَو بِالْقَتْلِ أَو بِالزِّنَا أَو بِالسَّرقَةِ. وَكَذَا فِي التجريح لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا شهِدت بِأَنَّهُ بَات لَيْلَة كَذَا معتكفاً على شرب الْخمر، وَالْأُخْرَى على الطّواف أَو الصَّلَاة فِي تِلْكَ اللَّيْلَة. وَفِي الْوَصِيَّة شهِدت إِحْدَاهمَا باختلاط عقله وَالْأُخْرَى بِصِحَّتِهِ، وَلَيْسَ المُرَاد بالنافية الَّتِي لفظت بِحرف النَّفْي فِي شهادتها لِأَن ذَلِك يَقْتَضِي أَنَّهَا إِذا شهِدت إِحْدَاهمَا باختلاط الْعقل وَالْأُخْرَى أَنه لم يكن مختلط الْعقل قدمت بَيِّنَة الِاخْتِلَاط وَذَلِكَ خلاف الْوَاقِع، وَأما الثَّالِث وَهُوَ التَّرْجِيح بالإصالة فَمِنْهَا بينتا الصِّحَّة وَالْفساد فَبَيِّنَة الصِّحَّة أعمل لِأَنَّهَا الأَصْل مَا لم يغلب الْفساد وإلاَّ فَتقدم بَينته، وَقد يُقَال: إنَّهُمَا فِي مثل هَذَا لما تَعَارَضَتَا سقطتا وَبَقِي القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة، وَهَهُنَا بينتا التسفيه والترشيد فَبَيِّنَة السَّفه أعمل خلافًا لما فِي ابْن سَلمُون، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لإطلاقه من الْحجر، وَأما بِالنِّسْبَةِ للْمَبِيع وَنَحْوه من الْمُعَامَلَات فَتقدم بَيِّنَة الترشيد لِأَنَّهَا أوجبت صِحَة العقد كَمَا يَأْتِي فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين وَمِنْهَا بينتا التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح فَبَيِّنَة التجريح أعمل مَا لم يتعارضا فِي وَقت خَاص كَمَا مر وَمِنْهَا بينتا الرّقية وَالْحريَّة فالحرية أعمل لِأَنَّهَا الأَصْل، وَمِنْهَا بينتا الْبلُوغ والكفاءة فبينتهما أعمل لِأَنَّهُمَا يوجبان صِحَة العقد الَّذِي هُوَ الأَصْل، وَبِهَذَا الِاعْتِبَار صَحَّ عدهما من هَذَا الْقسم وَإِلَّا فهما من الْقسم الَّذِي قبله كَمَا مرّ وَإِنَّمَا أدخلناهما فِي هَذَا تبعا للْغَيْر وَمِنْهَا بينتا الصِّحَّة وَالْمَرَض فَبَيِّنَة الصِّحَّة أعمل كَمَا فِي أنكحة المعيار عَن اليزناسي لِأَنَّهَا الأَصْل وَمحل ذَلِك إِن قَالَت بَيِّنَة الْمَرَض لم يزل مَرِيضا فِي علمنَا فِي هَذَا الشَّهْر أَو فِي هَذَا الْيَوْم وَقَالَت: بَيِّنَة الصِّحَّة لم يزل صَحِيحا كَذَلِك وَلم يعلم تقدم إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى، وَأما إِن علم تقدم الصِّحَّة كَمَا لَو قَالَت: بَيِّنَة نعلمهُ صَحِيحا فِي أول رَمَضَان وَلم يزل كَذَلِك فِي علمنَا وَشهِدت الْأُخْرَى بِأَنَّهُ مرض فِي الْعَاشِر مِنْهُ فَتقدم بَيِّنَة الْمَرَض لِأَنَّهَا ناقلة، وَلَا سِيمَا إِن عينت سَبَب الْمَرَض مَا هُوَ لِأَن الْمَرَض وجود دَاء فِي الْإِنْسَان وَالصِّحَّة انتفاؤه وَإِن تقدم الْمَرَض على الصِّحَّة قدمت بَيِّنَة الصِّحَّة إِذا شهِدت بِصِحَّة تنَافِي ذَلِك الْمَرَض بِحَيْثُ لَا يجْتَمع مَعهَا كشهادتهم بتصرفه تصرف الأصحاء بِحمْل الأثقال وَنَحْوهَا لِأَن بَيِّنَة الصِّحَّة ناقلة حِينَئِذٍ قَالَه ابْن رحال فِي شَرحه. وَمِنْهَا بينتا الْعَدَم والملاء فَتقدم بَيِّنَة الملاء بيّنت أم لَا. على مَا بِهِ الْعَمَل، وَمِنْهَا بَيِّنَة الْمعرفَة والتعريف فَتقدم بَيِّنَة الْمعرفَة، وَمِنْهَا بينتا صِحَة الْعقل واختلاطه فِي الْوَصِيَّة فَتقدم بَيِّنَة الصِّحَّة لِأَنَّهَا أوجبت صِحَة العقد الَّتِي هِيَ الأَصْل وَإِنَّمَا أدخلنا مَسْأَلَة الْوَصِيَّة فِي الْقسم الَّذِي قبله نظرا للنَّفْي وَالْإِثْبَات وتبعاً للْغَيْر. وَفِي أقضية الْبُرْزُليّ أَنه ينظر فِي شَهَادَة الَّذين شهدُوا بذهوله فَإِن قَالُوا هم أَو غَيرهم مِمَّن يقبل أَنه كَانَ بِهِ الذهول فِي الْوَقْت الَّذِي شهد عَلَيْهِ الْأَولونَ فِي صِحَة عقله فَهِيَ أعمل لِأَن الذهول يخفى على قوم وَيظْهر لآخرين فَمن قطع بِعِلْمِهِ فَهُوَ أَحَق بِالْقبُولِ، وَإِذا لم يشْهدُوا على ذُهُوله فِي ذَلِك الْوَقْت فشهادة الصِّحَّة أعمل لأَنهم قطعُوا بعقله اه. فَانْظُرْهُ. وَمِنْهَا بينتا الطوع وَالْإِكْرَاه فَبَيِّنَة الْإِكْرَاه أعمل وَكَذَا كل ضَرَر وَهَذَا فِي الْحَقِيقَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 من الْقسم الَّذِي قبله إِذْ لَو روعيت الْأَصَالَة هُنَا لقدمت الطواعية. وَظَاهر كَلَامهم تَقْدِيم بَيِّنَة الْإِكْرَاه، وَلَو أدّى ذَلِك لفسخ الْعُقُود والمعاملات إِذْ لَا ثَمَرَة لَهَا إِلَّا ذَاك وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي اسْتِحْقَاق المعيار، وَانْظُر الورقة السَّابِعَة وَالْعِشْرين من بُيُوع الْبُرْزُليّ فَفِيهَا مسَائِل تعَارض الْبَيِّنَتَيْنِ. وإنَّما يكونُ ذَاك عِنْدَما لَا يُمكنُ الجَمْعُ لنا بَيْنَهُمَا (وَإِنَّمَا يكون ذَاك) اسْم يكون وَالْإِشَارَة للتعارض الْمُوجب للترجيح (عِنْد) يتَعَلَّق بيكون إِن كَانَت تَامَّة أَو بخبرها إِن كَانَت نَاقِصَة (مَا) مَصْدَرِيَّة (لَا يُمكن الْجمع) صلتها وَهِي مَعَ صلتها فِي تَأْوِيل مصدر أَي عِنْد عدم إِمْكَان الْجمع (لنا) يتَعَلَّق بيمكن (بَينهمَا) يتَعَلَّق بِالْجمعِ (خَ) : وَإِن أمكن جمع بَين الْبَيِّنَتَيْنِ جمع، ومثاله أَن يَدعِي أَنه أسلم هَذَا الثَّوْب فِي مائَة إِرْدَب حِنْطَة. وَقَالَ الْمُسلم إِلَيْهِ: بل هذَيْن الثَّوْبَيْنِ لثوب سواهُ فِي مائَة إِرْدَب حِنْطَة وَأقَام كل الْبَيِّنَة على دَعْوَاهُ كَانَت الثَّلَاثَة أَثوَاب فِي الْمِائَتَيْنِ ويحملان على أَنَّهُمَا سلمَان لِأَن كل بَيِّنَة شهِدت بِغَيْر مَا شهِدت بِهِ بَيِّنَة الآخر، وَهَذَا إِذا كَانَ ذَلِك فِي مجلسين وإلاَّ فَهُوَ تهاتر فيصار فِيهِ للترجيح على رِوَايَة المصريين كَمَا مرّ فِيمَا إِذا تَعَارَضَتَا بِالطَّلَاق وَالْعِتْق فِي مجْلِس وَاحِد، وَكَذَا إِن شهِدت إِحْدَاهمَا بِأَنَّهُ طلق الصُّغْرَى وَالْأُخْرَى بِأَنَّهُ طلق الْكُبْرَى أَو شهِدت إِحْدَاهمَا بِأَنَّهُ زنى وَالْأُخْرَى بِأَنَّهُ سرق فَإِنَّهُ يلْزمه الطَّلَاق فيهمَا، وَيقطع وَيحد حَيْثُ كَانَتَا فِي زمنين وَإِلَّا فَهُوَ تهاتر لَا يُمكن فِيهِ الْجمع. وَمن إِمْكَانه مَا إِذا شهِدت إِحْدَاهمَا بمعاينة حوز الْهِبَة دون استمراره وَشهِدت الْأُخْرَى باستمرارها بيد الْوَاهِب كَمَا مرّ، وَذَلِكَ لِأَن المعاينة تحصل بِالْوُقُوفِ على الْأَمْلَاك والتطوف عَلَيْهَا وَذَلِكَ بِجَامِع استمرارها بيد الْوَاهِب. والشَّيْءُ يَدَّعِيهِ شَخْصانِ مَعا وَلَا يدٌ وَلَا شَهيدٌ يُدَّعى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; (وَالشَّيْء) أصلا كَانَ أَو حَيَوَانا أَو غَيرهمَا (ويدعيه شخصان) مثلا (مَعًا) أَي ادّعى كل مِنْهُمَا جَمِيعه أَو ادّعى أَحدهمَا الْكل وَالْآخر النّصْف أَو الثُّلُث مثلا، أَو كَانُوا أَكثر من شَخْصَيْنِ فَادّعى أحدهم الْكل وَالْآخر النّصْف وَالْآخر الثُّلُث (وَلَا يَد) لوَاحِد مِنْهُمَا أَو مِنْهُم (وَلَا شَهِيد) لوَاحِد (يدعى) فِيهِ. يُقْسَمُ مَا بَيْنَهُمَا بعد القَسَم وَذَاكَ حُكْم فِي التَّساوي مُلْتَزَم (يقسم) خبر عَن قَوْله وَالشَّيْء ويدعيه ومعاً وَلَا يَد وَلَا شَهِيد أَحْوَال مِنْهُ (مَا) زَائِدَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 (بَينهمَا) يتَعَلَّق بالْخبر وَكَذَا (بعد الْقسم) أَي يقسم بَينهمَا بعد حلفهما وَيَقْضِي للْحَالِف على الناكل، وَمَفْهُوم قَوْله: وَلَا يَد أَنه إِذا كَانَ بيد أَحدهمَا فَقَط أَنه لَا يقسم بل القَوْل الَّذِي الْيَد كَمَا يدل لَهُ قَوْله: وَالْقَوْل قَول ذِي يَد مُنْفَرد الخ. وَأفهم قَوْله يَدعِيهِ أَن كلاًّ مِنْهُمَا يَدعِيهِ أَو جُزْءا مَعْلُوما مِنْهُ فَإِن ادّعى كل مِنْهُمَا حظاً مِنْهُ لَا يدْرِي قدره قسم بَينهمَا نِصْفَيْنِ لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا مقرّ بِالشّركَةِ وَالْأَصْل فِيهَا المناصفة، وَسَوَاء فِي هَذِه كَانَ بيد أَحدهمَا أَو أَيْدِيهِمَا أَو لَا يَد عَلَيْهِ، وَأطلق النَّاظِم فِي الْقسم فِي هَذِه وَبَينه (خَ) بقوله وَقسم على الدَّعْوَى إِن لم يكن بيد أَحدهمَا كالعول فِي فَرِيضَة زَادَت سهامها على أَصْلهَا فَفِي الصُّورَة الأولى يقسم بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَفِي الثَّانِيَة على الثُّلُث والثلثين وَكَيْفِيَّة الْعَمَل فِيهِ أَن يُزَاد على الْكل النّصْف ونسبته إِلَى الْكل حِين الزِّيَادَة الثُّلُث فلمدعي الْكل الثُّلُثَانِ، ولمدعي النّصْف الثُّلُث، وَفِي الثَّالِثَة الْمَسْأَلَة من سِتَّة لِأَنَّهَا أقل عدد يَشْمَل تِلْكَ المخارج وتعول بِنِصْفِهَا، وثلثها، فالمجموع أحد عشر فلمدعي الْكل سِتَّة وَلِذِي النّصْف ثَلَاثَة وَلِذِي الثُّلُث اثْنَان وَهَكَذَا. وَمن هَذَا الأَصْل رجل أخرج مطمراً من فدان آخر زعم أَن أَبَاهُ طمر فِيهِ خَمْسَة عشر قَفِيزا وَأقَام وَرَثَة أخر بَيِّنَة شهِدت أَن وليهم طمر فِي هَذَا الفدان لَا يَدْرُونَ أَهِي هَذِه المطمر أم غَيرهَا، وَوجد فِي المطمر أَكثر من خَمْسَة عشر قَفِيزا فَالْحكم أَن رب الأَرْض: إِن لم يدع ذَلِك لنَفسِهِ واعترف أَن الطَّعَام لأَحَدهمَا وَلَا يدريه لكَون كل مِنْهُمَا طمر فِي الْمَكَان الْمَذْكُور أَن تقسم الْخَمْسَة عشر قَفِيزا بَينهمَا بعد يَمِين كل مِنْهُمَا أَنه لَا يعلم للْآخر حَقًا فِي ذَلِك وَمَا زَاد على الْخَمْسَة عشر فَهُوَ لذِي الْبَيِّنَة، وَإِن قَالَ رب الأَرْض لَا أَدْرِي هَل طمر أَحدهمَا أَو طمرا مَعًا كَانَ الطَّعَام لذِي الْبَيِّنَة بعد يَمِينه قَالَه فِي أقضية المعيار، وَإِذا تَعَارَضَت بينتان وَلم يكن مُرَجّح وتساقطتا فَالْحكم كَذَلِك إِذْ لم يبْق إِلَّا مُجَرّد الدَّعْوَى كَمَا قَالَ: (وَذَاكَ) أَي قسمه بَينهمَا بعد الْقسم (حكم فِي التَّسَاوِي مُلْتَزم) صفة حكم الَّذِي هُوَ خبر عَن ذَاك وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِتِلْكَ الصّفة الخ. وَذَلِكَ حكم مُلْتَزم فِي التَّسَاوِي. فِي بَيِّناتٍ أَوْ نُكولٍ أَوْ يَدِ والقولُ قَوْلُ ذِي يَدٍ مُنْفَرِدِ (فِي بَيِّنَات) يتَعَلَّق بالتساوي كَمَا ترى وَمَعْلُوم أَنَّهُمَا لَا يتساويان إِلَّا مَعَ انْتِفَاء الْمُرَجح (أَو) التَّسَاوِي فِي (نُكُول) بِأَن ينكلا مَعًا (أَو) التَّسَاوِي فِي (يَد) بِأَن يكون تَحت يدهما مَعًا أَو لَا يَد عَلَيْهِ. وأو فِي المحلين بِمَعْنى الْوَاو فَإِن انْفَرد أَحدهمَا بِوَضْع الْيَد عَلَيْهِ كَانَ لَهُ وَحده مَعَ يَمِينه كَمَا قَالَ: (وَالْقَوْل) مُبْتَدأ (قَول ذِي يَد) خبر (مُنْفَرد) صفة ليد وَإِنَّمَا يكون القَوْل لذِي الْيَد الْمُنْفَرد بهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 إِن لم تكن للْآخر بَيِّنَة الْملك وَإِلَّا قدمت على مُجَرّد الْيَد كَمَا قَالَ: وَهُوَ لِمَنْ أقامَ فيهِ البَيْنَهْ وحالَهُ الأعْدَلِ مِنْها بَيِّنَهْ (وَهُوَ) مُبْتَدأ وَخَبره (لمن أَقَامَ فِيهِ الْبَيِّنَة) مفعول بأقام وَالْجُمْلَة صلَة (من) والرابط الضَّمِير الْفَاعِل بأقام فَإِن أَقَامَ ذُو الْيَد بَيِّنَة بِالْملكِ أَيْضا وتساوت الْبَينَات فِي المرجحات أَو عدمهَا قضى بِهِ لذِي الْيَد وَإِلَّا فَإِن كَانَت إِحْدَاهمَا أرجح بِشَيْء من المرجحات الْمُتَقَدّمَة قضى بهَا كَمَا قَالَ: (وَحَالَة الأعدل) مُبْتَدأ (مِنْهَا) أَي الْبَينَات يتَعَلَّق بالأعدل (بَيِّنَة) ظَاهِرَة فِي اعْتِبَار التَّرْجِيح بهَا وَلَا مَفْهُوم للأعدلية بل غَيرهَا من المرجحات كَذَلِك كَمَا مرّ، فَلَو أبدل الأعدل بالأرجح لشمل ذَلِك، وَانْظُر بسط هَذِه الْمَسْأَلَة فِي الشَّامِل اه. وَالله أعلم. (بَاب الْيَمين) المتوجهة بِحكم حَاكم أَو مُحكم على طَالب أَو مَطْلُوب أَو عَلَيْهِمَا مَعَ الشَّاهِد أَو الشَّاهِدين أَو دونهمَا لَا بِمُجَرَّد طلب الْخصم تَحْلِيفه، فَلَا يلْزمه الْحلف لَهُ كَمَا أَفَادَهُ قَول النَّاظِم بِالْقضَاءِ، فيفهم مِنْهُ أَن المُرَاد الْيَمين الَّتِي تقطع الْحُقُوق لِأَنَّهَا الَّتِي يقْضِي بهَا وَهِي بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَبِاللَّهِ يكون الْحلف لَا الْيَمين الَّتِي تكفر كَقَوْل (خَ) الْيَمين تَحْقِيق مَا لم يجب. (وَمَا يتَعَلَّق بهَا) من مَكَانهَا وزمانها وَبَيَان صفتهَا وأقسامها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 فِي رُبْعِ دِينارٍ فأعْلَى تُقْتَضَى فِي مسْجِد الْجمع الْيَمينُ بالقَضَا (فِي ربع دِينَار) أَو ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو عرض يُسَاوِي أَحدهمَا لشخص وَاحِد وَلَو على اثْنَيْنِ متفاوضين فِيهِ لِأَن كلاًّ وَكيل عَن الآخر، وَانْظُر أقضية المعيار فِي كَيْفيَّة حلف ورثته الْمُتَفَاوضين، وَانْظُر فِيهَا أَيْضا فِيمَن حلف بِالطَّلَاق لَا يحلف بِالْمَسْجِدِ هَل يَحْنَث أم لَا. لَا لشخصين وَلَو متفاوضين (فأعلى) أَي فَأكْثر مِنْهُ مَعْطُوف على مَا قبله وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بقوله: (تقتضى) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (فِي مَسْجِد الْجمع) أَي الَّذِي تُقَام فِيهِ الْجُمُعَة يتَعَلَّق بِهِ أَيْضا (الْيَمين) نَائِب فَاعله (بالقضا) أَي الحكم فِي مَحل نصب على الْحَال أَي حَال كَون الْيَمين وَاجِبَة بِالْقضَاءِ، وَفهم مِنْهُ أَنه فِي أقل من ربع دِينَار يحلف حَيْثُ تيَسّر لَهُ كَمَا يَأْتِي، وَأَنه إِن أَبى أَن يحلف فِي الْمَسْجِد الْمَذْكُور عد ناكلاً وَأَنَّهَا لَا تغلظ بِالزَّمَانِ ككونها بعد الْعَصْر أَو يَوْم الْجُمُعَة أَو لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان وَهُوَ كَذَلِك، وَقيل تغلظ بِالزَّمَانِ أَيْضا. قلت: وَقَوْلهمْ إِن طلب رب الْحق أَن يحلفهُ بِمَسْجِد غير الْجَامِع لكَوْنهم يعظمونه، أَو أَن يحلفهُ على الْمُصحف أَو سُورَة بَرَاءَة أَو قد سمع أَو أضرحة الْمَشَايِخ. أُجِيب: وَكَذَا بِالطَّلَاق حَيْثُ كَانَ لَا يرجع عَن الْبَاطِل إِلَّا بذلك كَمَا فِي (ز) وَغَيره. وَيَقْتَضِي أَن تغلظ بالزمن أَيْضا بالأحرى من الطَّلَاق حَيْثُ رجى الإرهاب ارتكاباً لأخف الضررين، وَظَاهر كَلَامهم أَنه إِذا امْتنع من الْحلف بِالطَّلَاق والمصحف وَنَحْوهمَا عد ناكلاً إِذْ لَا فَائِدَة لجبره على ذَلِك إلاّ ذَاك، وَظَاهر النّظم أَنه فِي أَي مَوضِع من الْجَامِع حلف كفى وَهُوَ ظَاهر (خَ) أَيْضا. وَبِه قرر شراحه وَصرح بِهِ فِي الشَّامِل فَقَالَ: وَلَا تغلظ بمنبر على الْأَصَح إِلَّا بمنبره عَلَيْهِ السَّلَام، وَلَكِن الْعَمَل على اقْتِضَاء الْأَيْمَان بَين الْمِنْبَر والمحراب كَانَ مِنْبَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو غَيره كَمَا أَفَادَهُ قَول الْمُدَوَّنَة يحلف فِي جَامع بَلَده فِي أعظم موَاضعه الخ. فَإِن أَبى أَن يحلف فِيهِ غرم بعد أَن يحلف الطَّالِب فِي الْمحل الْمَذْكُور حَيْثُ كَانَت دَعْوَى تَحْقِيق وإلاَّ فبمجرد النّكُول، فَإِن لم يكن لَهُم جَامع جلبوا إِلَى الْجَامِع الَّذِي على قدر مَسَافَة الْجُمُعَة من مَنَازِلهمْ لأَنهم مِمَّن لَهُم جَامع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 حكما وإلاَّ حلفوا حَيْثُ هم ثمَّ إِن التَّغْلِيظ بالجامع من حق الْخصم فَإِذا رَضِي أَن يحلفهُ بِغَيْر مَسْجِد فَلهُ ذَلِك. وَانْظُر لَو حلفه فِي غير الْجَامِع جهلا أَو فِي غير الْمِنْبَر، والجاري على مَا يَأْتِي فِي الْقيام أَنَّهَا لَا تُجزئه حَيْثُ كَانَ الطَّالِب مِمَّن يجهل تغليظها بذلك وَالله أعلم. كَمَا أَنه إِذا حَلفهَا فِي الْجَامِع بِغَيْر حَضْرَة الْخصم بل بِحَضْرَة عَدْلَيْنِ فَقَط لَا تُجزئه وَيُعِيدهَا بِحَضْرَتِهِ وَمحل عدم الْإِجْزَاء إِذا لم يتغيب عَنْهَا بعد الحكم لَهُ بهَا، وإلاَّ أَقَامَ لَهُ القَاضِي وَكيلا يقتضيها وَلَا حجَّة لَهُ حِينَئِذٍ، وَيفهم هَذَا من قَوْله فِيمَا مرّ. وَمن أَلد فِي الْخِصَام وانتهج الخ. إِذْ لَا يحكم لَهُ بِالْيَمِينِ حَتَّى تَنْقَطِع حجَّته فَينفذ الْحَاكِم حكمه باقتضاء تِلْكَ الْيَمين لتسقط دَعْوَاهُ عَن الْخصم، وَانْظُر (ح) فِي الْقَضَاء، وَإِذا طلب أحد الْخَصْمَيْنِ تَعْجِيل الْيَمين وَطلب الآخر تَأْخِيرهَا، فَالْقَوْل لطَالب التَّعْجِيل مَا لم يطْلب تَأْخِيرهَا لوقت تغلظ فِيهِ على مَا مرّ. وَمَا لَهُ بالٌ ففيهِ يَخْرُجُ إليْهِ لَيحلا غيرُ مَنْ تَبرَّجُ (وَمَا لَهُ بَال) مُبْتَدأ وَخبر وَالْجُمْلَة صلَة مَا، وَالْمرَاد بِهِ ربع دِينَار فَأكْثر وَلذَا لَو قَالَ وَإِن تكن أُنْثَى (فَفِيهِ) أَي فِي ربع دِينَار (تخرج إِلَيْهِ) أَي إِلَى الْجَامِع (لَيْلًا غير) فَاعل تخرج والمجروران قبله وَبعده يتعلقان بِهِ وَكَذَلِكَ الظّرْف وَالْجُمْلَة خبر الْمَوْصُول ولعمومه وإبهامه دخلت الْفَاء فِي خَبره (من) أَي الْأُنْثَى فِي مَحل جر بِالْإِضَافَة (تبرج) بِفَتْح التَّاء وَشد الرَّاء صلَة (من) وَأَصله تتبرج فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ عملا بقول الْخُلَاصَة: وَمَا بتاءين ابتدى قد يقْتَصر فِيهِ على الخ. وَمَعْنَاهُ أَن غير المتبرجة وَهِي الَّتِي عَادَتهَا أَن لَا تخرج لمصالحها من حمام وَغَيره إلاَّ لَيْلًا أَو تخرج لَهَا نَهَارا غير مشتهرة فَإِنَّهَا تخرج للحلف طالبة أَو مَطْلُوبَة لَيْلًا وتحلف بِحَضْرَة الْخصم، فَإِن أَبَت هِيَ وَزوجهَا من حُضُوره خشيَة الِاطِّلَاع عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يبعد عَنْهَا أقْصَى الْمَسْجِد بِقدر مَا يسمع لفظ يَمِينهَا قَالَه ابْن عبد السَّلَام. فَإِذا ادّعى الْخصم عدم مَعْرفَتهَا فعلَيْهَا أَن تثبت أَنَّهَا الْمَطْلُوبَة، وَقيل حسبها أَن تَقول أَنا هِيَ وَعَلِيهِ الْإِثْبَات، وَالْأول أصوب قَالَه فِي التَّبْصِرَة عَن ابْن الْهِنْدِيّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وَمَفْهُومه: أَن المتبرجة تخرج لَهَا نَهَارا وَأما الَّتِي لَا تخرج لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارا فتحلف فِي بَيتهَا بِحَضْرَة عَدْلَيْنِ يوجههما القَاضِي لَهَا وَلَا يقْضِي للخصم بِحُضُورِهِ مَعهَا قَالَه (ز) . قَالَ: فتستثنى هَذِه الصُّورَة من قَوْلهم لَا بُد من حُضُور الطَّالِب للْيَمِين وَإِلَّا أُعِيدَت، وَفِي الشَّهَادَات من الْبُرْزُليّ أَنه يبعد عَنْهَا أقْصَى مَا يسمع صَوتهَا وَلَا يرى شخصها كَالَّتِي قبلهَا. وَنَقله (ح) فِي الْقَضَاء فَتَأمل هَذِه الْأَقْسَام الثَّلَاثَة من لَا تخرج إِلَّا لَيْلًا أَو تخرج نَهَارا غير مشتهرة وَمن تخرج بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 مشتهرة وَمن لَا تخرج أصلا. وَمَا مر من أَنَّهَا فِي هَذَا الْقسم الثَّالِث تحلف فِي بَيتهَا هُوَ الْأَظْهر عِنْد عِيَاض، وَاقْتصر عَلَيْهِ عبد الْوَهَّاب وَهُوَ الْمُعْتَمد، وَذهب الأندلسيون إِلَى أَنَّهَا تخرج لَيْلًا أَيْضا، والمدونة مُحْتَملَة للقولين، وَالْأول هُوَ ظَاهر قَول (خَ) وَخرجت المخدرة فِيمَا ادَّعَت أَو ادّعى عَلَيْهَا إِلَّا الَّتِي لَا تخرج نَهَارا وَإِن مُسْتَوْلدَة قَلِيلا الخ. وَمحل الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إِذا كَانَت مَطْلُوبَة وَإِلَّا فَإِن كَانَت طالبة كَمَا لَو أَرَادَت الْحلف مَعَ شَاهدهَا خرجت لَيْلًا قَالَه (ت) وَقَول ابْن الْعَطَّار حَسْبَمَا فِي القلشاني على الرسَالَة معنى قَوْلهم: لَا يخْرجن أَي لَا يخْرجن مشتهرات. وإلاَّ فالتي تخرج غير مشتهرة حكمهَا حكم من لَا تخرج أَلْبَتَّة الخ. مَعْنَاهُ حكمهَا حكم من لَا تخرج بِالنَّهَارِ أَلْبَتَّة كَمَا فهمه الأَجْهُورِيّ أَي فيلزمها الْخُرُوج لَيْلًا كَمَا مر، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ حكمهَا حكم من لَا تخرج أصلا لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارا كَمَا قيل: لِأَنَّهُ يكون الرَّاجِح فِيهَا حِينَئِذٍ أَن تحلف فِي بَيتهَا كَمَا مرّ، وَيلْزم عَلَيْهِ أَن لَا تخرج إِلَّا لَيْلًا تحلف فِي بَيتهَا من بَاب أولى لِأَنَّهَا أبلغ فِي السّتْر فَتَأَمّله وَالله أعلم. وعَلى هَذَا يحمل قَول ابْن رشد وَعِنْدِي فِي خُرُوج الْمَرْأَة إِلَى الْجَامِع بِالنَّهَارِ كشف لَهَا ولحالها وَإِن كَانَت تخرج بِالنَّهَارِ لِأَنَّهَا إِذا خرجت للحلف عرف أَنَّهَا فُلَانَة بِخِلَاف مَا إِذا خرجت لغير ذَلِك، وَقد أَخْبرنِي بعض الْفُقَهَاء أَنَّهَا وَقعت بتونس وَأَنه وجد فِيهَا نصا اه. لَكِن كَلَامه ظَاهر فِي أَنه فِي الَّتِي تخرج بِالنَّهَارِ غير مشتهرة كَمَا مرّ عَن الأَجْهُورِيّ، وَأما الَّتِي تخرج بِهِ مشتهرة فَلَا تَأتي فِيهَا علته الْمَذْكُورَة وَالله أعلم. فَإِن تنَازعا فِي الْخُرُوج فعلَيْهَا الْإِثْبَات أَنَّهَا من أهل الْحجاب، وَأَنَّهَا مِمَّن يحلف لَيْلًا كَمَا فِي التَّبْصِرَة عَن الْمُتَيْطِيَّة. وقَائِماً مُسْتَقْبِلاً يكُونُ مَنِ اسْتُحِقَّتْ عِنْدهُ اليَمينُ (وَقَائِمًا مُسْتَقْبلا يكون من اسْتحقَّت) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صلَة الْمَوْصُول الَّذِي هُوَ اسْم يكون وَمَا قبلهَا خَبَرهَا (عِنْده) يتَعَلَّق بِمَا قبله (الْيَمين) نَائِب الْفَاعِل وأل للْعهد والمعهود الْيَمين الْمُتَقَدّمَة، أما الْقيام فَلَا بُد مِنْهُ فَإِن حلف جَالِسا أَو مُضْطَجعا أَو منحنياً لغير عذر لم تجزه على الْمَشْهُور خلافًا لِابْنِ كنَانَة فِي عدم اشْتِرَاطه الْقيام، وَالظَّاهِر أَن مَحل الْإِجْزَاء إِذا كَانَ جَاهِلا بِأَنَّهَا تغلظ بِمَا ذكرُوا لَا أَجْزَأت لِأَنَّهُ قد رَضِي حِينَئِذٍ بِإِسْقَاط حَقه من التَّغْلِيظ بذلك وَانْظُر إِذا قُلْنَا بِعَدَمِ الْإِجْزَاء هَل يُعِيدهَا مُطلقًا أَو بِالْقربِ فَقَط كَمَسْأَلَة من حلف لخصمه بِالطَّلَاق تَغْلِيظًا عَلَيْهِ الْمشَار لَهَا بقول اللامية. وَمن يحلف بِلَا من لَهُ الْعلَا أعَاد بِقرب الخ. وَأما الِاسْتِقْبَال فَصرحَ فِي الْمُدَوَّنَة بِأَنَّهُ لَا يجب، وَعَلِيهِ عول (خَ) فَقَالَ: وبالقيام لَا بالاستقبال، وروى الأخوان وُجُوبه لِأَنَّهُ يحصل الإرهاب، وَعَلِيهِ عول النَّاظِم لكَونه الْمَعْمُول بِهِ كَمَا فِي الْمُفِيد وَابْن سَلمُون وَغَيرهمَا. وَهَذَا حَيْثُ وَجَبت الْيَمين فِي الْجَامِع، فَإِن لم تجب فِيهِ لكَون الْحق أقل من ربع دِينَار لم يجب قيام وَلَا اسْتِقْبَال بل يحلف فِي أَي مَوضِع حكم عَلَيْهِ فِيهِ كَمَا يَأْتِي. تَنْبِيه: إِذا لم تجزه الْيَمين لعدم قِيَامه أَو استقباله وَقطع رب الْحق عَن رِضَاهُ بِالْيَمِينِ وَأَرَادَ إِقَامَة الْبَيِّنَة فَلهُ ذَلِك على مَا لِابْنِ عتاب لَا على مَا لِابْنِ رشد كَمَا مرّ فِي أَنْوَاع الشَّهَادَات، وَأَحْرَى أَن يكون لَهُ ذَلِك لَو بَادر خَصمه قبل أَن يطْلب مِنْهُ. وَهِي وإنْ تَعَدَّدَتْ فِي الأَعْرَافِ على وِفَاقِ نيَّةِ المُسْتَحْلِفِ (وَهِي) أَي الْيَمين الَّتِي تقطع بهَا الْحُقُوق وَيحكم بهَا الْحُكَّام (وَإِن تعدّدت) أَي تنوعت إِلَى يَمِين تُهْمَة وَقَضَاء ومنكر وَشَاهد (فِي) القَوْل (الأعرف) وَهُوَ قَول الْأَكْثَر (على وفَاق نِيَّة المستحلف) خبر عَن قَوْله هِيَ وَالْمَجْرُور قبله يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر الْمَذْكُور وَالْوَاو فِي قَوْله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وَإِن للْحَال وَهُوَ مقدم من تَأْخِير وَالتَّقْدِير وَهِي كائنة على وفْق نِيَّة الطَّالِب فِي القَوْل الأعرف، وَإِن تعدّدت فَإِذا أنكرهُ فِي دين أَو وَدِيعَة مثلا وَحلف لَا شَيْء لَهُ عِنْدِي وَنوى حَاضرا أَو فِي الدَّار مثلا لم يَنْفَعهُ ذَلِك بِإِجْمَاع كَمَا فِي ابْن سَلمُون عَن ابْن رشد قَالَ: وَهُوَ آثم عَاص لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (من اقتطع حق امرىء بِيَمِينِهِ حرم الله عَلَيْهِ الْجنَّة وَأوجب لَهُ النَّار) . قَالُوا: وَإِن كَانَ شَيْئا يَسِيرا يَا رَسُول الله؟ قَالَ: (وَإِن كَانَ قَضِيبًا من أَرَاك) قَالَهَا ثَلَاثًا. وَهَذِه هِيَ الْغمُوس الْمشَار لَهَا بقول (خَ) وغموس: بِأَن ظن أَو شكّ وَأَحْرَى مَعَ التحقق وَمَا تقدم من الْإِجْمَاع حَكَاهُ فِي ضيح عَن ابْن زرقون أَيْضا. وَحكى الْعَلامَة بهْرَام فِي الْوَسِيط عَن ابْن زرقون قولا بِأَنَّهَا تَنْفَعهُ نِيَّته فإليك النّظر فِي أَي النقلين أَحَق، وَأما إِن لم يقطع بهَا لغيره حَقًا. فَأَقُول فَقيل على نِيَّة الْحَالِف، وَقيل إِن طلب بِالْيَمِينِ فعلى نِيَّة الْمَحْلُوف لَهُ، وَإِن كَانَ مُتَطَوعا فعلى نِيَّة الْحَالِف وَقيل بِالْعَكْسِ انْظُر (ح) والشامل فِي بَاب الْيَمين. وَمَا يَقِلُّ حَيْثُ كَانَ يَحْلِفُ فيهِ وَبالله يَكُونُ الْحَلِفُ (وَمَا) مُبْتَدأ (يقل) عَن ربع دِينَار صلته (حَيْثُ كَانَ) الْحَالِف (يحلف فِيهِ) خبر الْمُبْتَدَأ والظرف يتَعَلَّق بِهِ أَي يحلف الرجل فِي مَكَانَهُ المقضى عَلَيْهِ فِيهِ وَالْمَرْأَة فِي بَيتهَا، وَظَاهره أَنه لَا يلْزمه قيام وَلَا اسْتِقْبَال وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي التَّبْصِرَة وَأَشَارَ لبَقيَّة صفة الْيَمين بقوله: (وَبِاللَّهِ يكون الْحلف) أَي صفة الْيَمين الْمُغَلَّظَة أَن يَقُول فِي الْجَامِع قَائِما مُسْتَقْبلا: بِاللَّه الَّذِي لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; هـ إِلَّا هُوَ وَيكون مضارع كَانَ التَّامَّة وَتَقْدِيم معمولها يُؤذن بالحصر أَي يُوجد الْحلف بِاللَّه لَا بِغَيْرِهِ من أَسْمَائِهِ تَعَالَى كَقَوْلِه: بالرحمن الَّذِي لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; هـ إِلَّا هُوَ وَلَا بِغَيْر أَسْمَائِهِ تَعَالَى كالنبي والكعبة وَالْعرش والكرسي وكل مَخْلُوق مُعظم شرعا وَأَحْرَى غير الْمُعظم كاللات والعزى فَلَا تُوجد وَلَا تَنْعَقِد، بل يحرم الْحلف بهَا فضلا عَن كَونهَا تقطع الْحُقُوق لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (من كَانَ حَالفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 ً فليحلف بِاللَّه أَو ليصمت) ، بل إِن قصد بِالْحلف بالعزى وَنَحْوهَا التَّعْظِيم فَكفر وَمَا مرّ من جَوَاز التَّحْلِيف بِالطَّلَاق هُوَ من بَاب قَوْلهم تحدث للنَّاس أقضية، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُنَافِي هَذَا مَا أَشَارَ لَهُ فِي اللامية بقوله: وَمن يحلف بِلَا من لَهُ الْعلَا أعَاد بِقرب لكَون مَا هُنَا فِيمَا إِذا كَانَ بِحكم لكَون الْحَالِف لَا ينزجر إِلَّا بِهِ فَكَانَت يَمِينا جازية فِي الْقرب والبعد بِخِلَاف مَا فِي اللامية فَإِنَّهُ لَيْسَ من الْبَاب الْمَذْكُور لكَون الْحَالِف مِمَّن ينزجر بِالْيَمِينِ بِاللَّه وَلم تكن بِحكم. هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَالله أعلم على أَن مَا ذكره فِي اللامية أَصله لِابْنِ سهل. قَالَ ابْن رحال فِي حَاشِيَته: هُنَا مَا لِابْنِ سهل. إِنَّمَا هُوَ من بَاب إِسْقَاط الْإِنْسَان حَقه إِن كَانَ عَالما فَلَا إِشْكَال وَإِلَّا فَهُوَ مفرط فِي السُّؤَال اه. وَتَأمل قَوْله: وَإِلَّا فَهُوَ مفرط الخ. مَعَ أَن من ادّعى الْجَهْل فِيمَا يجهله أَبنَاء جنسه صدق، وَقَول النَّاظِم: بِاللَّه يَعْنِي مَعَ صفته فَهُوَ من بَاب الِاقْتِصَار على صدر القَوْل لشهرته كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; هـ إِلَّا الله) يَعْنِي بآخرها وَهُوَ مُحَمَّد رَسُول الله، وَقَوله: من قَرَأَ الْحَمد لله رب الْعَالمين يُرِيد إِلَى آخرهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لِأَن الْمَعْرُوف فِي الْمَذْهَب الْمَنْصُوص كَمَا للمازري وَغَيره أَنه لَا يَكْفِي بِاللَّه فَقَط وَلَا بِالَّذِي لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; هـ إِلَّا هُوَ فَقَط حَتَّى يجمع بَينهمَا خلافًا للخمي فِي قَوْله: إِنَّهَا كَافِيَة فِي الْوَجْهَيْنِ مَعًا. قَالَ: لِأَنَّهُ لَا خلاف أَنَّهَا يَمِين تكفر إِن حنث فِيهَا. ابْن عَرَفَة: لَا يلْزم من كَونهَا تكفر أَن تجزي فِي قطع الْحُقُوق لاخْتِصَاص يَمِين الْخُصُومَة بالتغليظ، وَلَا مَفْهُوم للباء فِي قَوْله بِاللَّه بل غَيرهَا من حُرُوف الْقسم كالواو وَالتَّاء وَنَحْوهمَا كَذَلِك انْظُر (ح) ثمَّ إِن الِاقْتِصَار على بِاللَّه مَعَ صفته وَلَو كَانَ الْحَالِف كتابياً هُوَ الْمَشْهُور، وَقيل لَا يقْتَصر الكتاني على ذَلِك كَمَا قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وَبَعْضُهُمْ يزيدُ لِلْيَهُودِي مُنَزِّلُ التَّوْرَاةِ لِلَّتشْدِيدِ (وَبَعْضهمْ) مُبْتَدأ (يزِيد لِلْيَهُودِيِّ) فِي يَمِينه على بِاللَّه الَّذِي لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; هـ إِلَّا هُوَ (منزل التَّوْرَاة) على مُوسَى (للتشديد) عَلَيْهِ ومنزل مفعول يزِيد وَالْجُمْلَة خبر. كَمَا يَزِيدُ فيهِ للتَّثْقِيلِ عَلَى النَّصَارَى مُنْزِلَ الإنْجِيلِ (كَمَا يزِيد) الْبَعْض الْمَذْكُور (فِيهِ) أَي فِي الْيَمين (للتثقيل على النَّصَارَى منزل الْإِنْجِيل) على عِيسَى وَالْقَوْل بِزِيَادَة مَا ذكر رَوَاهُ الْوَاقِدِيّ عَن مَالك. وَكَانَ القَاضِي أَبُو عبد الله الأبدي يغلظ بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي تسميها الْيَهُود المجلجلة فينكلون عَن الْيَمين بهَا ويستخرج الْحق بِسَبَب ذَلِك لكَوْنهم يعظمونها أَكثر من غَيرهَا، وَكَذَا يُقَال فِي النَّصَارَى إِذا كَانُوا يعظمون بعض أَنَاجِيلهمْ أَكثر من غَيره، وَهَذَا هُوَ الْحق لِأَن الْمدَار فِي الْأَيْمَان على مَا يعظمه الْحَالِف فَيحمل الْخلاف على مَا إِذا كَانَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى لَا يرتهبون بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَة وإلاَّ وَجَبت، كَمَا أَن أهل الْبَلَد من الْمُسلمين إِذا كَانُوا يعظمون مَسْجِد من مَسَاجِدهمْ أَكثر مِمَّا يعظمون جامعهم فَإِنَّهُم يجبرون على الْحلف بِهِ كَمَا لِابْنِ نَاجِي وَغَيره، وَمن أَبى ذَلِك عد ناكلاً كَمَا مر، بل تقدم أَنه إِذا كَانَ لَا يرتهب إِلَّا بِالطَّلَاق أَو بالمصحف كلفه الْحَاكِم بذلك وَالله أعلم وَمَا مر من أَنَّهُمَا لَا يزيدان على الْمَوْصُوف وَالصّفة شَيْئا وإنهما لَا بُد أَن يجمعا بَينهمَا كَالْمُسلمِ هُوَ ظَاهر الْمُدَوَّنَة (خَ) وتؤولت على أَن النَّصْرَانِي يَقُول بِاللَّه فَقَط أَي لأَنهم لَا يوحدون كاليهود وعَلى أَنَّهُمَا مَعًا يَقُولَانِ بِاللَّه لَا غير وَالْكَاف للتشبيه وَمَا مَصْدَرِيَّة والمجرورات الثَّلَاث تتَعَلَّق بِيَزِيد وَهل يجمع الْمَجُوسِيّ بَين الصّفة والموصوف كَالْمُسلمِ والكتابي أَو يقْتَصر على بِاللَّه؟ قَولَانِ. أرجحهما الثَّانِي وَلَا يكون وَاحِد مِنْهُم مُؤمنا بِسَبَب الْيَمين الْمَذْكُورَة، وَمَا يُقَال من أَن الْمَجُوسِيّ يَنْفِي الصَّانِع فَلَا يُكَلف أَن يحلف بِاللَّه غير سديد لِأَن الصَّانِع مِمَّا اتّفقت فِيهِ الْملَل كلهَا على وجوده كَمَا للتفتازاني وَغَيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 وَجُمْلَةُ الكُفَّارِ يَحْلِفُونَا أَيْمَانَهُمْ حَيْثُ يُعَظِّمُونَا (وَجُمْلَة الْكفَّار) من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَغَيرهم (يحلفونا أَيْمَانهم) الْوَاجِبَة عَلَيْهِم لمُسلم أَو كَافِر (حَيْثُ يعظمونا) من الْأَمْكِنَة كالكنيسة لِلْيَهُودِيِّ والبيعة لِلنَّصْرَانِيِّ وَبَيت النَّار للمجوسي، وَمن ذَلِك يَوْم السبت كَمَا فِي الدَّعَاوَى والأيمان من المعيار وَنَحْوه لِابْنِ هِلَال فِي نوازله، وَهُوَ ظَاهر النّظم، وَظَاهره أَنهم يجبرون على الْقيام والاستقبال لقبلتهم وَمن كَانَ مِنْهُم بالبادية لَا يجد موضعا يعظمه يجلب لأَقْرَب مَوضِع يعظمه وإلاَّ حلف حَيْثُ هُوَ وَأَنَّهَا لَا تغلظ عَلَيْهِ بذلك إِلَّا فِي ربع دِينَار فَأكْثر وَجُمْلَة يحلفُونَ خبر عَن قَوْله جملَة والظرف يتَعَلَّق بِهِ وَجُمْلَة يعظمون فِي مَحل جر بِحَيْثُ. وَلما أفهم كَلَامه فِيمَا مر أَن التَّغْلِيظ بِالزَّمَانِ غير مُعْتَبر أَفَادَ أَنه قد يغلظ بِهِ فِي بعض الْحُقُوق فَقَالَ: وَمَا كَمِثْلِ الدَّمِ وَاللِّعَانِ فِيهِ تَحَرِّي الْوَقْتِ والْمَكَانِ (وَمَا) كَانَ من الْأَيْمَان فِي الْحُقُوق الْعِظَام (كَمثل الدَّم) أَي الْقسَامَة أَو تَحْلِيف الْقَاتِل الْوَلِيّ على الْعَفو (وَاللّعان فِيهِ) خبر عَن قَوْله (تحري الْوَقْت) وَالْجُمْلَة خبر مَا، وَظَاهره أَن التَّغْلِيظ بِالْوَقْتِ فِي هذَيْن وَاجِب بِالْقضَاءِ لمن طلبه، وَحكي عَلَيْهِ فِي الشَّامِل الِاتِّفَاق فَقَالَ: وغلظت على مُسلم فِي دم ولعان بِجَامِع وَوقت صَلَاة اتِّفَاقًا وَنَحْوه فِي ضيح، وَنقل ابْن عَرَفَة ذَلِك عَن ابْن حبيب، وَابْن الْقَاسِم وَأصبغ وَابْن كنَانَة إِلَّا أَنه ألحق فِي رِوَايَة ابْن كنَانَة المَال الْعَظِيم بهما وَنَحْوه فِي الْجَوَاهِر، وَظَاهر الْمُدَوَّنَة عدم التَّغْلِيظ بِالزَّمَانِ فيهمَا كَمَا لِابْنِ نَاجِي، وَالَّذِي فِي المعونة أَن التَّغْلِيظ بِالزَّمَانِ فيهمَا مُسْتَحبّ وَنَحْوه لِابْنِ فَرِحُونَ فِي تبصرته عَن مَالك فِي غير الْمُدَوَّنَة وَهُوَ الْمُوَافق لقَوْل (خَ) فِي اللّعان، وَندب أثر صَلَاة، وَذكر ابْن نَاجِي فِي شرح الْمُدَوَّنَة عَن ابْن رشد، أَن كَون الْقسَامَة بعد صَلَاة الْعَصْر يَوْم الْجُمُعَة كَمَا قيل: هُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَل قَالَ ابْن رحال: وَاللّعان مثلهَا كَمَا لَا يخفى وَظَاهر مَا بِهِ الْعَمَل أَنه على وَجه الْوُجُوب كَمَا هُوَ ظَاهر النَّقْل يَعْنِي الْمُتَقَدّم عَن ابْن كنَانَة وَغَيره فيتحصل ثَلَاثَة أَقْوَال: وجوب التَّغْلِيظ كَمَا هُوَ ظَاهر المُصَنّف وَبِه الْعَمَل وَعَدَمه لظَاهِر الْمُدَوَّنَة وَهُوَ ظَاهر (خَ) فِي مُخْتَصره فِي الشَّهَادَات واستحبابه كَمَا فِي المعونة وَعَلِيهِ عول (خَ) فِي اللّعان، وَإِنَّمَا خصوا الْعَصْر بِمَا ذكر لما رُوِيَ أَن الْأَيْمَان بعد الْعَصْر لَيست لَهَا تَوْبَة. وَرُوِيَ الْأَيْمَان تكون بعد الظّهْر وَالْعصر فِي الْقسَامَة وَاللّعان وَالْعصر أشدهما قَالَه فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 الوثائق الْمَجْمُوعَة. (وَالْمَكَان) عطف على الْوَقْت، وَالْمرَاد بِهِ الْجَامِع أَي أعظم موَاضعه كَمَا مرّ. وَفِي الرجراجي مَا نَصه: فَأَما أَيْمَان الْقسَامَة وَاللّعان فتغلظ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان فَمن كَانَ من أهل مَكَّة وَالْمَدينَة وَبَيت الْمُقَدّس فَإِنَّهُم يجلبون إِلَيْهَا حَيْثُمَا كَانُوا، وَأما أهل الْآفَاق فَإِن كَانَت مواضعهم قريبَة كالعشرة أَمْيَال جلبوا إِلَيْهَا وَاخْتلف فِيمَا فَوق الْعشْرَة الخ. فَالْمُرَاد بِالْمَكَانِ الْجَامِع أَي أعظم موَاضعه كَمَا مر، وَمَفْهُومه أَنَّهَا لَا تغلظ فِي غير مَا ذكر بِالزَّمَانِ وَقد تقدم مَا فِي ذَلِك فَانْظُرْهُ. وَهْيَ يَمِينُ تُهْمَةٍ أَوِ الْقَضَا أَوْ مُنْكِرٍ أَوْ مَعَ شَاهِدٍ رِضَا (وَهِي) أَي الْيَمين المتوجهة بالحكم فَهِيَ مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف أَي أَرْبَعَة أَقسَام (يَمِين تُهْمَة) بدل مفصل من الْخَبَر الْمَذْكُور وَهِي المتوجهة فِي الدَّعْوَى غير المحققة على الْمَشْهُور من أَقْوَال تَأتي وإيجابها اسْتِحْسَان كَمَا لِابْنِ رشد قَالَ: وَالْقِيَاس عدم وُجُوبهَا لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر) . (أَو) يَمِين (القضا) ء وَهِي المتوجهة على من ادّعى على ميت أَو غَائِب أَو صَغِير أَو مِسْكين أَو مَسْجِد اسْتِحْسَانًا أَيْضا، وَمِنْهَا المتوجهة فِي اسْتِحْقَاق غير الْعقار أَو فِيهِ على مَا لناظم الْعَمَل حَيْثُ قَالَ: كَذَا فِي الِاسْتِحْقَاق لِلْأُصُولِ القَوْل بِالْيَمِينِ من مَعْمُول وَإِنَّمَا كَانَت مِنْهَا كَمَا لِابْنِ رشد وَغَيره لِأَن كلاَ مِنْهُمَا لرفع احْتِمَال الْقَضَاء أَو الْخُرُوج عَن الْيَد فهما لرد دَعْوَى مقدرَة كَمَا مرّ فِي أول أَنْوَاع الشَّهَادَة (أَو) يَمِين (مُنكر) وَهِي المتوجهة لرد دَعْوَى مُحَققَة لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر) . كَمَا تقدم عِنْد قَوْله: وَالْمُدَّعِي مطَالب بِالْبَيِّنَةِ إِلَى قَوْله وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ الخ (أَو) يَمِين (مَعَ شَاهد رضَا) قَامَ للْمُدَّعِي فِي المَال أَو مَا يؤول إِلَيْهِ الْخَبَر: أَمرنِي جِبْرِيل أَن أَقْْضِي بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين. وَقد تقدم الْخلاف فِيهِ عِنْد قَوْله: ثَانِيَة توجب حَقًا مَعَ قسم. الخ. وَفَائِدَة تعداد هَذِه الْأَيْمَان كَمَا للشَّارِح تَمْيِيز بَعْضهَا من بعض لما يعرض لَهَا من قلب وَنَحْوه حَسْبَمَا ترَاهُ إِن شَاءَ الله. وَمحل وجوب الْيَمين مَعَ الشَّاهِد إِذا لم يقر الْخصم بعدالته وإلاَّ فَلَا يَمِين لِأَن إِقْرَاره بِالْعَدَالَةِ كَالْإِقْرَارِ بِالْحَقِّ كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَفِي الشُّهُود يحكم القَاضِي بِمَا الخ. وَفِي ابْن سهل لَو قَالَ: رضيت بِشَهَادَة فلَان فَشهد عَلَيْهِ فَإِن أنكر شَهَادَته فِي الْحِين وَقَالَ: ظَنَنْت أَنه لَا يشْهد إِلَّا بِالْحَقِّ فَلَا تمضى شَهَادَته عَلَيْهِ وَإِن لم يُنكر بل سكت سكُوتًا يدل على رِضَاهُ بِشَهَادَتِهِ مَضَت عَلَيْهِ اه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وَلما فرغ من أقسامها شرع فِي بَيَان مَحل وجوب كل قسم مِنْهَا على اللف والنشر الْمُرَتّب فَقَالَ: وَتُهْمَةٌ إنْ قَويتْ بِهَا تَجِبْ يَمِينُ مَتْهُومٍ وَلَيْسَتْ تَنقَلِبْ (وتهمة) لَو فَرعه بِالْفَاءِ لَكَانَ أولى وَهُوَ مُبْتَدأ سوغه قَوْله (إِن قويت) لِأَن الشَّرْط فِي معنى الصّفة أَي وتهمة قَوِيَّة (بهَا) يتَعَلَّق بقوله: (تجب يَمِين متهوم) فَاعل. وَالْجُمْلَة خبر وَمَفْهُوم الشَّرْط أَنَّهَا تسْقط إِذا ضعفت فَفِي نَوَازِل الدَّعَاوَى والأيمان من المعيار عَن العبدوسي أَن التُّهْمَة على قسمَيْنِ تُهْمَة فِي دَعْوَاهَا معرة كالاتهام بِالسَّرقَةِ فَهَذِهِ لَا تلْحق من لَا تلِيق بِهِ مِمَّن شهد فِيهِ بِالْخَيرِ ومخالطة أَهله ومجانبة أهل الشَّرّ وتهمة فِي غير ذَلِك، فَهَذِهِ تلْحق الْيَمين فِيهَا جَمِيع النَّاس برهم وفاجرهم على القَوْل بِالْيَمِينِ فِي التُّهْمَة وَهُوَ الْمَشْهُور، وَبِه الْقَضَاء وَعَلِيهِ الْعَمَل. وَاسْتحْسن ابْن رشد أَنَّهَا إِن قويت لحقت وإلاَّ فَلَا وَهُوَ قَول ثَالِث. وَهَذَا يعرف عِنْد نُزُوله فَلَا بُد من بَيَان التُّهْمَة الَّتِي اتهمَ الْمَطْلُوب بهَا وَبَيَان حَاله من التبريز فِي الْعَدَالَة أَو مُطلق الْعَدَالَة ومعرفته بِالْخَيرِ ومخالطته أَهله دون ثُبُوت تَزْكِيَة بِحَيْثُ لَا يكون مَا شهد بِهِ تَزْكِيَة لَهُ أَو جهل حَاله أَو مَعْرفَته بِالشَّرِّ وَسُوء الظنة اه. وَقَوله: فَلَا بُد الخ. بِهِ تتضح قُوَّة التُّهْمَة وَعدمهَا وَيفهم مِنْهُ أَن المبرز فِي الْعَدَالَة لَا يَمِين عَلَيْهِ كَانَت الدَّعْوَى مِمَّا فِيهِ معرة أم لَا. وتتوجه على غَيره بِمَا لَا معرة فِيهِ مُطلقًا. وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوص لمَالِك فِي الْمَبْسُوط وَهُوَ اخْتِيَار اللَّخْمِيّ، وَبِه أفتى الغوري حَسْبَمَا فِي المعيار، وَعَلِيهِ يحمل قَول ابْن مَرْزُوق فِي جَوَاب لَهُ. الرَّاجِح عِنْدِي فِي هَذَا الْوَقْت وجوب الْيَمين أَي يَمِين التُّهْمَة مُطلقًا إِذا تقرر هَذَا فقوة التُّهْمَة مُخْتَلف فقوتها فِيمَا فِيهِ معرة بِكَوْنِهَا على من تلِيق بِهِ فَلَا تلْزم إِلَّا من كَانَ مَعْرُوفا بِالشَّرِّ وَسُوء الظنة وقوتها فِيمَا لَا معرة فِيهِ بِكَوْنِهَا على غير المبرز فِي الْعَدَالَة الْمُنْقَطع فِي الْخَيْر وَالصَّلَاح. وَقَول النَّاظِم: إِن قويت يَشْمَل الصُّورَتَيْنِ، وَكَذَا قَول ناظم الْعَمَل: وَدون تَحْقِيق الدَّعَاوَى أَيْمَان تهمته تقوى لغير مختان وَحِينَئِذٍ فَلَا اعْتِرَاض خلافًا لما فِي الشُّرَّاح من أَنه درج على مَا لِابْنِ رشد وَإِن كَانَ مَا لِابْنِ رشد هُوَ قَول (خَ) فِي الْإِيدَاع وَحلف الْمُتَّهم وَهُوَ دَلِيل شفعتها فِي الشَّفِيع يَقُول: أَخَاف أَن يكون قد بَاعه فِي السِّرّ وَأشْهد لَهُ بالصداقة ليقطع شفعتي قَالَ مَالك: إِن كَانَ المُشْتَرِي مِمَّن لَا يتهم بِمثل هَذَا فَلَا يَمِين وَإِلَّا حلف اه. وَعَلِيهِ حمل ابْن فَرِحُونَ قَول أبي الْحسن الصَّغِير الْمَشْهُور وجوب الْيَمين بِمُجَرَّد التُّهْمَة لِأَنَّهُ قَالَ عقبه: الظَّاهِر أَنه يُرِيد بعد إِثْبَات كَون الْمُدعى عَلَيْهِ مِمَّن تلْحقهُ التُّهْمَة بذلك ثمَّ نقل عَن ابْن الْهِنْدِيّ أَن الْمَطْلُوب لَا يحلف فِي التُّهْمَة حَتَّى يثبت الطَّالِب أَنه مِمَّن يتهم بذلك، فَهَذَا القَوْل وَإِن كَانَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة وَاخْتِيَار ابْن رشد وشهره أَبُو الْحسن على مَا اسْتَظْهرهُ ابْن فَرِحُونَ لَا يَنْبَغِي حمل النَّاظِم عَلَيْهِ، وَالْفرق بَينه وَبَين الَّذِي قبله أَن مَا لَا معرة فِيهِ تتَوَجَّه فِيهِ الْيَمين على الأول مُطلقًا وَلَا يسْتَثْنى من ذَلِك إِلَّا المبرز بِخِلَافِهِ على هَذَا، فَلَا تتَوَجَّه إِلَّا على من ثبتَتْ تهمته، وَالْقَوْل الثَّالِث عدم توجه يَمِين التُّهْمَة مُطلقًا. وَفِي الطرر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 لأبي إِبْرَاهِيم فِي بَاب الْوكَالَة أَنه الْمَشْهُور نَقله فِي التَّبْصِرَة وَهُوَ الْمُوَافق لقَوْل النَّاظِم فِيمَا مرّ تحقق الدَّعْوَى مَعَ الْبَيَان الخ. وعَلى توجهها مُطلقًا أَو فِي الْمُتَّهم فَإِن نكل غرم بِمُجَرَّد نُكُوله على الْمَشْهُور. (وَلَيْسَت تنْقَلب) على الطَّالِب بِالنّكُولِ وَلَا بِصَرِيح الْقلب على الْمَشْهُور، وَقيل تنْقَلب وَيحلف على غَلَبَة ظَنّه وَقيل لَا غرم عَلَيْهِ بِالنّكُولِ بل يسجن أبدا حَتَّى يحلف ثمَّ الْمُسلمُونَ فِي دَعْوَى الْغَصْب والتعدي محمولون على الْعَدَالَة حَتَّى يثبت خلَافهَا أَي: وهم فِي الشَّهَادَة على الجرحة حَتَّى تثبت الْعَدَالَة قَالَه ابْن لبَابَة وَغَيره، وتأمله مَعَ قَول العبدوسي: فَمن شهد فِيهِ بِالْخَيرِ الخ. فَإِنَّهُ بِظَاهِرِهِ يَقْتَضِي أَنهم فِيمَا فِيهِ معرة محمولون على غير الْعَدَالَة، وَشَمل قَول النَّاظِم: وتهمة الخ. مَا قَالَه ابْن زرب وَكَانَ يحكم بِهِ، وَيَقُول: إِنَّه من الدقائق كَمَا فِي التَّبْصِرَة والمعيار وَهُوَ أَن الرجل إِذا ادّعى على آخر بِدَعْوَى تُهْمَة فَإِن للمطلوب أَن لَا يحلف حَتَّى يحلف الْمُدَّعِي أَنه قد ضَاعَ لَهُ مَا ادَّعَاهُ، لِأَن من حجَّته أَن يَقُول: اتهمتك بِأَنَّهُ لم يضع لَك شَيْء وَإِنَّمَا تُرِيدُ أَن تخرجني بِالْيَمِينِ انْتهى بِاخْتِصَار. وَبِالْجُمْلَةِ فَكل مِنْهُمَا اتهمَ الآخر وَيفهم من تَعْلِيله أَنه لَا خُصُوصِيَّة للاتهام بِعَدَمِ الضّيَاع بل كَذَلِك لَو سلم لَهُ الضّيَاع واتهمه بِعَدَمِ الاتهام، وَقد يُقَال: إِن هَذَا يُؤَدِّي للتسلسل فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَشَمل قَوْله: وَلَيْسَت تنْقَلب يَمِين الْقَضَاء وَيَمِين الِاسْتِحْقَاق لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا يَمِين بتهمة، وَشَمل أَيْضا مَا لَو مَاتُوا فِي سجن أَو بَيت فَسرق أحدهم فَلَيْسَ على من عداهُ إِلَّا الْيَمين فَإِن حلفوا برئوا وَمن نكل فَعَلَيهِ الْغرم بِمُجَرَّد نُكُوله، وَقَوله: وَلَيْسَت تنْقَلب يُرِيد على الْوَجْه الَّذِي تَوَجَّهت، وَأما على غَيره فتنقلب، فَإِذا خلا الرجل بِزَوْجَتِهِ وَمَات وَطلبت بَاقِي صَدَاقهَا واتهمت الْوَرَثَة بِأَنَّهُم يعلمُونَ بَاقِيه فَإِن حلفوا وإلاَّ ردَّتْ عَلَيْهَا من غير خلاف، وَلَكِن لَا تحلف أَنهم عالمون بِهِ بل تحلف أَنَّهَا مَا قَبضته وَلَا أسقطته، فَهَذِهِ ترجع على غير مَا نكل عَنهُ الْوَرَثَة، وَكَذَا إِذا اتهمَ رجل آخر بِالسَّرقَةِ مثلا فَإِن للمطلوب أَن يَقُول لَهُ احْلِف أَنْت أَنه لقد ضَاعَ لَك مَا تدعيه وَأَنَّك تتهمني بِهِ وَأَنا أغرمها لَك فَلهُ ردهَا بِهَذَا الْمَعْنى، كَمَا أفتى بِهِ ابْن المكوي وَغَيره، وَحكم بِهِ عِيَاض كَمَا فِي دعاوى المعيار وَلَيْسَ لَهُ ردهَا على حسب مَا تَوَجَّهت فَيَقُول احْلِف أَنِّي قد سرقتها وأغرمها لَك وَيُمكن أَن يكون هُوَ معنى قَول الْعَمَل: وَقل لَهُ احْلِف لي قد اتهمتني وَأَنه ضَاعَ الَّذِي ألزمتني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وَأَن يَمِين التُّهْمَة ترد بِهَذَا الْمَعْنى دون غَيره، وَيحْتَمل أَن يكون مُرَاده أَن للمتهم أَن يَقُول للطَّالِب لَا أَحْلف حَتَّى تحلف على مَا ذكر كَمَا مرّ عَن ابْن زرب إِلَّا أَنه لَيْسَ فِي كَلَام ابْن زرب زِيَادَة الْحلف على التُّهْمَة فيترجح الْحمل الأول، وَعَلِيهِ فَإِنَّمَا احْتِيجَ لتِلْك الزِّيَادَة لِإِمْكَان كَون الطَّالِب عرف آخذ مَتَاعه أَو لم يعرفهُ واتهم بِهِ غير هَذَا الْمَطْلُوب، وَلَكِن أَرَادَ تَعْيِينه بِالْيَمِينِ مَعَ علمه ببراءته. قلت: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنه إِذا سلم لَهُ الضّيَاع ونازعه فِي الاتهام فَقَط لَهُ أَن يحلفهُ عَلَيْهِ وَيغرم، وَهُوَ كَذَلِك إِذْ ذَاك حق من حُقُوقه وَعَلِيهِ فغالب دعاوى الاتهام أَو كلهَا ترد فِيهَا الْيَمين بِهَذَا الْمَعْنى، فَلِلْمُشْتَرِي فِي مَسْأَلَة الشُّفْعَة الْمُتَقَدّمَة أَن يَقُول: احْلِف أَنَّك اتهمتني بِالشِّرَاءِ وَخذ بِالشُّفْعَة وَله أَن يَقُول فِي الرَّد بِالْعَيْبِ: احْلِف أَنَّك اتهمتني باستخدام الدَّابَّة أَو الرَّقِيق بعد علمي بعيبهما وَأسْقط عَنْك الرَّد، وَهَكَذَا فَترد الْيَمين فِي ذَلِك كُله على غير مَا تَوَجَّهت. ثمَّ أَشَارَ إِلَى بَيَان مَحل يَمِين الْقَضَاء فَقَالَ: وَلِلَّتِي بِهَا الْقَضَا وُجُوبُ فِي حَقِّ مَنْ يُعْدَمْ أَوْ يَغِيبُ (وللتي بهَا القضا) ء مُبْتَدأ خَبره فِي الْمَجْرُور وَالْجُمْلَة صلَة الْمَوْصُول وَفِي الْكَلَام حذف أَي ولليمين الَّتِي بهَا نفي الْقَضَاء، وَالْمرَاد بِالْقضَاءِ قَضَاء الدّين وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَنَفَقَة الزَّوْجَة لَا الحكم (وجوب) مُبْتَدأ خَبره الْمَوْصُول الْمَجْرُور (فِي حق من يعْدم) بِفَتْح الدَّال صلَة من وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (أَو يغيب) مَعْطُوف أَي غيبَة بعيدَة وَلَو حكما وَقد تسْقط وَذَلِكَ فِيمَا إِذا أوصى أَن يقْضِي دينه من ثلثه قَالَه ابْن الْهِنْدِيّ وَنَحْوه لِابْنِ سَلمُون وَكَذَا إِن أقرّ بديون لقوم وَأوصى أَن يصدقُوا بِدُونِ يَمِين على قَول ابْن الْقَاسِم كَمَا فِي اللامية، وَأفهم قَوْله: وجوب أَن من دفع دينا على ميت أَو غَائِب دون يَمِين ضمنه وَهُوَ كَذَلِك إِن تَعَذَّرَتْ يَمِين الْقَابِض وَظَاهره كَغَيْرِهِ وُجُوبهَا وَلَو غَابَ قبل حُلُول الْأَجَل وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهَا للتُّهمَةِ، وَقيل لَا يَمِين عَلَيْهِ. وَانْظُر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 (ح) فِي بَاب الصُّلْح وَأَن الْوَكِيل لَيْسَ لَهُ أَن يُصَالح عَنْهَا إِذا لم يُفَوض لَهُ فِيهِ بِخِلَاف الْوَصِيّ، فَلهُ ذَلِك إِن رأى عَزِيمَة عَلَيْهَا. وَنقل ذَلِك الْبُرْزُليّ فِي الوكالات مَبْسُوطا وَفِي نَوَازِل الدَّعَاوَى من المعيار هَل القَاضِي كَالْوَكِيلِ فِي ذَلِك أَو كالمديان؟ وَفهم من قَوْله: فِي حق من يعْدم الخ. أَنَّهَا لَا تجب فِي حق الْحَيّ الْحَاضِر إِلَّا إِن ادّعى الْقَضَاء وَهُوَ كَذَلِك، وَقَوله: يعْدم أَي يَمُوت وَلَا يقْرَأ بِكَسْر الدَّال لِأَن الْمُفلس وَإِن كَانَ يحلف مَعَ بَينته، لَكِن لَيْسَ حلفه لنفي الْقَضَاء، وَهَذِه الْيَمين لرد دَعْوَى مقدرَة كَمَا مرّ فَيحلف مَا قبضت من هَذَا الدّين شَيْئا وَلَا استحلت بِهِ وَلَا أحلّت بِهِ أحدا وَلَا وهبته وَلَا شَيْئا مِنْهُ وَلَا قدمت أحدا يقبضهُ مِنْهُ وَأَنه لباق عَلَيْهِ إِلَى الْآن، فَإِن مَاتَ رب الدّين فيحلفها من يظنّ بِهِ الْعلم من الْوَرَثَة الْكِبَار فَقَط لَكِن يحلف على نفي الْعلم فَقَط كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَإِن نفى فالنفي للْعلم كفى. وَظَاهر النّظم وُجُوبهَا وَلَو للْوَلَد على وَالِده كَالْمَرْأَةِ تطلب دينهَا على زَوجهَا الْمَيِّت وَالْمُحِيط بإرثه هِيَ وَأَوْلَادهَا فَقَط، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي الْبُرْزُليّ قَائِلا لِأَنَّهَا مدعية فحكمت السّنة بحلفها، وَظَاهره أَنَّهَا تجب وَلَو ثَبت الدّين بِإِقْرَار مَاتَ بإثره وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ التَّعْلِيل الْمُتَقَدّم من أَنَّهَا فِي مُقَابلَة دَعْوَى الْإِبْرَاء والإخالة وَنَحْوهمَا، وَهَذَا وَاضح إِذا أقرّ بِشَيْء فِي ذمَّته وَأما إِن أقرّ بِشَيْء معِين فَلَا إِشْكَال فِي عدم يَمِينه وَعَلِيهِ يحمل مَا فِي (ح) . وَقد صرح بذلك فِي الْبَاب الْخَامِس من الْقسم الثَّانِي من التَّبْصِرَة فَانْظُرْهُ فِيهِ، وَظَاهره أَيْضا وُجُوبهَا. وَلَو أقرّ الْوَرَثَة الْكِبَار بِبَقَاء الدّين وَهُوَ كَذَلِك إِن كَانَ الْإِقْرَار بعد الرّفْع للْحَاكِم فَإِن أقرُّوا قبله فَكَذَلِك وَيضمن الدَّافِع حِصَّة الصغار إِن دفع بِدُونِهَا. تَنْبِيه: فَإِذا اشْترط رب الدّين سُقُوط هَذِه الْيَمين فَذَلِك جَائِز فِي صلب عقد البيع وَمَا جانسه لَا فِي الْقَرْض مُطلقًا لِأَنَّهُ فِي العقد سلف جر نفعا وَبعده هَدِيَّة مديان كبعد العقد فِي البيع وَنَحْوه. انْظُر التَّبْصِرَة فِي الْبَاب التَّاسِع وَالْعِشْرين وَانْظُر التزامات (ح) فَإِنَّهُ ذكر فِي الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أَقْوَال يفرق فِي الثَّالِث بَين أَن يكون الْمُشْتَرط مَأْمُونا فيوفى لَهُ بِالشّرطِ وإلاَّ فَلَا. وَذكر عَن ابْن نَاجِي أَن الْعَمَل على القَوْل بأعمال الشَّرْط مُطلقًا، وَذكر هُوَ أَن القَوْل بِعَدَمِ أَعماله أرجح، وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الصُّلْح وَالضَّمان. وَلاَ تُعَادُ هـ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ذِهِ الْيَمِينُ بَعْدُ وَإنْ مَرَّ عَلَيْهَا حينُ (وَلَا تُعَاد هَذِه) نَائِب الْفَاعِل (الْيَمين) نعت أَو عطف بَيَان أَو بدل (بعد) بِالضَّمِّ مَقْطُوع عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 الْإِضَافَة يتَعَلَّق بتعاد (وَإِن مر عَلَيْهَا حِين) فَاعل بقوله: مر، وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ، وَالْوَاو للْمُبَالَغَة أَي لَا تُعَاد يَمِين الْقَضَاء على الطَّالِب بعد حَلفهَا وَلَو مضى زمَان طَوِيل بَين حَلفهَا وَدفع الدّين لعدم طروء الشَّك الْمُوجب لَهَا، إِذْ الْفَرْض أَنه لَا زَالَ غَائِبا، وَفهم مِنْهُ أَنه إِذا قدم بعد الْحلف ثمَّ غَابَ قبل الدّفع أَو بعد مَا بَين نُجُوم الدّين بِحَيْثُ يُمكن أَن يكون اقْتضى النَّجْم الثَّانِي أَو وكل عَلَيْهِ فتعاد وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الشَّك حِينَئِذٍ حَاصِل كَمَا كَانَ أول مرّة. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا حلف الطَّالِب يَمِين الْقَضَاء وَبَاعَ الْحَاكِم عقار الْغَائِب وَنَحْوه للدّين فَقدم الْغَائِب وَأثبت الْبَرَاءَة، فَإِن البيع لَا ينْقض وَيرجع بِالثّمن على الْغَرِيم إِلَّا أَن يكون الْمَبِيع لم يتَغَيَّر عَن حَاله فَيكون أَحَق بِهِ بِالثّمن على الرَّاجِح كَمَا يَأْتِي فِي فصل البيع على الْغَائِب إِن شَاءَ الله. الثَّانِي: إِذا وقف القَاضِي مَتَاع الْغَائِب لقَضَاء دينه فَغَاب رب الدّين وَقدم الْغَائِب فِي حَال غيبته وَادّعى الملاء فَدفع القَاضِي لَهُ المَال الْمَوْقُوف فهرب بِهِ ثمَّ قدم رب الدّين فَإِن لرب الدّين الرُّجُوع على القَاضِي لِأَنَّهُ دفع مَا لَا تعلق بِهِ حق الْغَيْر تعلق اسْتِيفَاء كالأمين فِي الرَّهْن قَالَه فِي المعيار. الثَّالِث: لَو ادّعى رب الدّين أَن للْغَائِب مَالا بيد رجل وَدِيعَة أَو بوكالة وَأثبت ذَلِك فَإِن أقرّ من هُوَ بِيَدِهِ أَنه للْغَائِب قضى مِنْهُ دينه بعد الْيَمين قَالَه سَحْنُون، وَعَلِيهِ الْعَمَل. وَنقل عَنهُ ابْن اللباد أَنه لَا يقْضِي مِنْهُ دينه وَهُوَ قَول ابْن الْمَوَّاز وَابْن عبد الحكم قَالَ أَبُو عمرَان: وَهُوَ الْقيَاس لِأَنَّهُ لَو حضر الْغَائِب وَقَالَ: الْوَدِيعَة لغيري لم يكن لرب الدّين فِيهَا شَيْء قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. قلت: وَهَذَا الْخلاف لَو ادّعى رب الدّين على شخص أَنه وهب مَالا للْغَائِب فِي حَال غيبته وَأثبت ذَلِك أَو سَأَلَ يَمِين الْوَاهِب فَإِنَّهُ لَا يقْضى لَهُ بِشَيْء من ذَلِك إِذْ لَا يدْرِي هَل يقبل الْغَائِب الْهِبَة فَتكون من مَاله أم لَا؟ وَهُوَ لَا يجْبر على قبُولهَا لقَضَاء الدّين قَالَه فِي المعيار وَهُوَ معنى قَول (خَ) : وَلَا يلْزم أَي الْمُفلس بتكسب أَو تسلف الخ. وَهَذِه الْفُرُوع وَإِن كَانَ لَهَا تعلق بفصل الْغَائِب الْآتِي فلهَا تعلق بِمَا هُنَا أَيْضا لِأَن نفس الْيَمين لَهَا تعلق بِهِ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى يَمِين الْمُنكر فَقَالَ: وِلْيَمِين أيُّمَا إعْمَالِ فِيمَا يَكُونُ مِنْ دَعَاوى المالِ (ولليمين) خبر (أَيّمَا أَعمال) صفة لمبتدأ مَحْذُوف وَمَا صلَة أَي ولليمين أَعمال أَي أَعمال (فِيمَا) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (يكون) مضارع كَانَ التَّامَّة (من دعاوى المَال) يتَعَلَّق بِهِ وَشَمل قَوْله دعاوى دَعْوَى تعمير الذِّمَّة أَو إخلائها كَقَوْلِه: قضيتك أَو دَعْوَى البيع أَو الشِّرَاء أَو الْإِجَارَة أَو الْعَارِية وَنَحْو ذَلِك فَإِن القَوْل لمنكر العقد إِجْمَاعًا مَعَ يَمِينه بِدَلِيل الِاسْتِثْنَاء الْآتِي، وَمَا فِي التَّبْصِرَة من أَنه لَا يَمِين على مُنكر عقد البيع وَالْمُسَاقَاة وَالشَّرِكَة لَا معول عَلَيْهِ وَلَعَلَّه مَبْنِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 على القَوْل بِاشْتِرَاط الْخلطَة. وَقَوله: المَال أَي مَا يؤول إِلَيْهِ كالأجل وَالْخيَار وَنَحْوهمَا كَمَا مرّ. وَظَاهر قَوْله فِي المَال: وَلَو أدّى لغير المَال كدعوى الْمكَاتب على سَيّده أَدَاء نجم وَنَحْوه وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مرّ عِنْد قَوْله ثَانِيَة توجب حَقًا مَعَ قسم. وَاحْترز بقوله: المَال من دعاوى غير المَال كدعوى الشتم أَو ادَّعَت الزَّوْجَة أَن زَوجهَا يضْربهَا كَمَا فِي ابْن سَلمُون فِي شَرط الضَّرَر، وَانْظُر الْفَائِق. وَقد تقدم أَن مَا لَيْسَ بِمَال وَلَا آيل إِلَيْهِ لَا يَمِين فِيهِ وَيسْتَثْنى من ذَلِك جراح الْعمد فَتجب فِيهَا الْيَمين وَإِن لم تكن مَالا وَلَا آيلة إِلَيْهِ وَيدخل فِيهِ مَا إِذا طلب مِنْهُ الْيَمين على مَال أنكرهُ فِيهِ، فَزعم الْمَطْلُوب أَنه قد كَانَ حلف. (خَ) وَله يَمِينه أَنه لم يحلفهُ أَولا. الخ. الْمَازرِيّ وَبِه الْفَتْوَى وَالْقَضَاء عندنَا وَله رد الْيَمين عَلَيْهِ أَنه قد استحلفه ثمَّ لَا يحلف مرّة أُخْرَى اه. وَأفْتى اللَّخْمِيّ بِأَن لَا يَمِين على الطَّالِب. وَاخْتَارَهُ ابْن رحال وَعَلِيهِ درج ناظم الْعَمَل حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَمِين حَيْثُ قَالَ احْلِف لي إِنَّك مَا حلفتني من قبلي قلت: وَفِيه مُرَاعَاة دَعْوَى أحد الْخَصْمَيْنِ دون الآخر بِلَا دَلِيل وَلَا مُرَجّح، فَالْوَاجِب التَّمَسُّك بِمَا للمازري ثمَّ اسْتثْنى من عُمُوم قَوْله: فِيمَا يكون من دعاوى المَال. قَوْله: إلاَّ بِمَا عُدَّ مِنَ التَّبَرُّعِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الحَالِ عِنْدَ المُدَّعِي (إِلَّا) اسْتثِْنَاء وَالْبَاء فِي قَوْله (بِمَا) بِمَعْنى فِي وَجُمْلَة (عد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صلَة وَالتَّقْدِير إِلَّا فِي الدَّعَاوَى الَّتِي تعد (من التَّبَرُّع) كدعوى الْهِبَة وَالصَّدَََقَة فَلَا يَمِين فِيهَا على الْمَشْهُور خلافًا للجلاب فِي أَنَّهَا تتَوَجَّه فِي التَّبَرُّع فَإِن نكل الْمَطْلُوب حلف الطَّالِب وَأَخذه وَشَمل قَوْله: التَّبَرُّع دَعْوَى هبة الْيَمين وإبرائه مِنْهَا، وَلَا سِيمَا إِن علم تقدم الْخِصَام بَينهمَا كَمَا فِي نَوَازِل الدَّعَاوَى والأيمان من المعيار والتبرع مَا كَانَ من غير سُؤال، والتطوع مَا كَانَ عَن سُؤال وَكِلَاهُمَا مَعْرُوف قَالَه أَبُو الْحسن فِي بَاب الْحمالَة، والناظم أطلق التَّبَرُّع على مَا يعم التَّطَوُّع (مَا) ظرفية مَصْدَرِيَّة (لم يكن) صلتها أَي مُدَّة عدم وجوده (فِي الْحَال) أَي حَال الدَّعْوَى (عِنْد الْمُدَّعِي) وَفِي حوزه وإلاَّ وَجَبت الْيَمين حِينَئِذٍ كَانَت الدَّعْوَى فِي معِين أَو فِي الذِّمَّة. ابْن عَرَفَة عَن الْبَاجِيّ دَعْوَى الْمَدِين هبة رب الدّين دينه توجب يَمِينه اتِّفَاقًا. قلت: وَكَذَا من ادّعى هبة مَا بِيَدِهِ من معِين اه. الْبَاجِيّ: ويصحح هَذَا أَن من اسْتحق عرضا بيد رجل لَا يحكم لَهُ بِهِ حَتَّى يحلف أَنه مَا بَاعَ وَلَا وهب الخ. وَشَمل كَلَام النَّاظِم النحلة وَالْعَارِية والإسكان والعمرى والإخدام وَالْحَبْس وَالْوَصِيَّة فَلَا يَمِين فِي ذَلِك كُله إِلَّا أَن يكون بيد الْمُدَّعِي حَال التداعي قَالَه الرعيني، قَالَ: وَقد قَالَ مَالك فِيمَن تصدق بِنَخْل مثمر فَقَالَ الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ الثَّمَرَة لي، وَقَالَ الآخر: إِنَّمَا تَصَدَّقت بِالْأَصْلِ دون الثَّمَرَة إِن القَوْل للمتصدق بِيَمِينِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 وَإِلَّا حلف الآخر وَأخذ الثَّمَرَة اه بِاخْتِصَار. وَلَا يدْخل فِي كَلَامه الْقَرْض وَالْحوالَة وَالْكَفَالَة بعد العقد وَالْإِقَالَة على الثّمن الأول وَإِن كَانَ الْكل مَعْرُوفا إِذْ التَّبَرُّع هُوَ مَا لَا مُعَاوضَة فِيهِ، وَهَذِه فِيهَا مُعَاوضَة إِذْ أدنى مراتبها الْكفَالَة وَهِي يرجع فِيهَا بِمَا أدّى. وَلما لم تدخل هَذِه فِي كَلَامه نبه على لُحُوق بَعْضهَا بالتبرع على مَا أفتى بِهِ ابْن عتاب وَابْن الْقطَّان فَقَالَ: وَفي الإقَالَةِ ابْنُ عَتَّابِ يرى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; وُجُوبِهَا بشُبْهة مُعْتَبَرا (وَفِي الْإِقَالَة ابْن عتاب) مُبْتَدأ وَجُمْلَة (يرى) خَبره (وُجُوبهَا) مفعول أول وَفِي الْإِقَالَة يتَعَلَّق بِهِ أَو بيرى (بِشُبْهَة) يتَعَلَّق بقوله: (مُعْتَبرا) بِفَتْح الْبَاء مفعول ثَان وَمن بعض النّسخ لشُبْهَة بِاللَّامِ بدل الْبَاء فمعتبراً بِكَسْرِهَا حَال وَهُوَ أظهر من نُسْخَة الْبَاء، قَالَ ابْن رشد فِي نوازله: أما دَعْوَى الْإِقَالَة فَمن دَعْوَى الْمَعْرُوف، وَقد اخْتلف فِيهَا شُيُوخنَا فَمنهمْ من ذهب إِلَى أَن مَا وَقع من ذَلِك فِي الْأُمَّهَات اخْتِلَاف قَول وَأَنَّهَا مَسْأَلَة ذَات قَوْلَيْنِ من غير تَفْصِيل، وَمِنْهُم من قَالَ لَيْسَ ذَلِك باخْتلَاف بل الْمُدعى فِيهِ إِن كَانَ بيد الْمُدَّعِي أَو كَانَ لَهُ بِهِ تشبث وَجَبت لَهُ الْيَمين على الْمُدعى عَلَيْهِ، وَإِلَّا لم تجب وَهُوَ تَفْصِيل حسن لَهُ وَجه من النّظر وَهُوَ مُرَاعَاة الْخلاف فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وجوب الحكم بِمَا لم يقبض من الهبات، فَالْأَظْهر فِي دَعْوَى الْإِقَالَة وجوب الْيَمين إِذْ لَا اخْتِلَاف فِي وجوب الحكم بهَا إِلَّا أَن يَدعِي أَنه أقاله فِيهَا قبل التَّفَرُّق بالأبدان فتضعف الْيَمين مُرَاعَاة لمن يَقُول: إِن البيع لَا يلْزم إِلَّا بالتفرق بالأبدان انْتهى من نُسْخَة أندلسية فِي غَايَة الْجَوْدَة، وَسقط من نُسْخَة الشَّارِح الَّتِي بيدنا قَوْله: بِمَا لم يقبض إِلَى قَوْله بهَا. وَزَاد بعد قَوْله بالأبدان مَا نَصه: وَكَانَ ابْن عتاب يَقُول: لَا تجب الْيَمين لمُدعِي الْإِقَالَة إِلَّا أَن يَأْتِي بِشُبْهَة يُقَوي بهَا دَعْوَاهُ، وشاهدته يُفْتِي بذلك وَقَالَ فِي ذَلِك اخْتِلَاف، وَكَذَلِكَ كَانَ ابْن الْقطَّان يُفْتِي أَن لَا يَمِين إِلَّا بِشُبْهَة اه. إِذا تقرر هَذَا علمت أَن مَا أفتى بِهِ ابْن عتاب هُوَ عين التَّفْصِيل الَّذِي حَكَاهُ ابْن رشد عَن بعض شُيُوخه، وَعلمت أَن ابْن رشد استظهر وُجُوبهَا مُطلقًا، وَعَلِيهِ اقْتصر الرعيني فِي الدَّعْوَى وَالْإِنْكَار، وَصدر بِهِ ابْن فَرِحُونَ فِي تبصرته وَهُوَ مَا رَجحه الشَّارِح تبعا لِابْنِ سهل فَلَو قَالَ النَّاظِم: وَفِي الْإِقَالَة وُجُوبهَا ثَبت فِي رَاجِح الْأَقْوَال كَيْفَمَا أَتَت وَانْظُر مَا معنى التشبث وَلَعَلَّه يُرِيد كَونه بيد وَكيله أَو غُلَامه أَو بعض قرَابَته الَّذِي يسْعَى فِي مَصَالِحه، وَقَول ابْن رحال يُرِيد بِهِ الدّين غير ظَاهر، وَمعنى قَول ابْن رشد مُرَاعَاة الْخلاف فِي وجوب الحكم الخ أَن الْهِبَة الَّتِي لم تقبض فِيهَا قَولَانِ لُزُومهَا بالْقَوْل وَهُوَ الْمَشْهُور وَعدم لُزُومهَا بِهِ حَتَّى تقبض وَهُوَ مُقَابِله، وَهَذَا الْخلاف لَا يجْرِي فِي الْإِقَالَة للزومها بالْقَوْل قبضت أم لَا اتِّفَاقًا لِأَنَّهَا بيع. قلت: وَهَكَذَا يُقَال فِي الْقَرْض لِأَنَّهُ بيع فِي الْحَقِيقَة، وَأما الْحِوَالَة فَهِيَ وَإِن كَانَت بيعا لَكِن صرح الرعيني بِعَدَمِ وجوب الْيَمين فِيهَا، وَلَعَلَّ وَجهه كَمَا لأبي الْعَبَّاس الملوي فِي بعض طرره إِن من حجَّة الْمَطْلُوب وَهُوَ الْمحَال عَلَيْهِ أَن يَقُول: هَب أَن الْيَمين تَوَجَّهت لَك عَليّ وَاعْتَرَفت لَك بالحوالة فَإِن دفع المَال إِلَيْك لَا يُوجب بَرَاءَة ذِمَّتِي من طلب رب الدّين وَهُوَ الْمُحِيل، وَلَا أتكلف الدّفع إِلَيْك مَعَ عدم بَرَاءَة ذِمَّتِي وَفِي الْوكَالَة من الْبُرْزُليّ: لَو قَالَ لفُلَان عَليّ دين أَمر هَذَا بِقَبْضِهِ لم يحكم على الْمقر بِدَفْعِهِ لِأَنَّهُ مقرّ على رب الدّين وَذَلِكَ غير لَازم لَهُ، وَأما الْكفَالَة فَصرحَ فِي معاوضات المعيار بِأَن الْمَشْهُور عدم توجه الْيَمين عَلَيْهِ فِيهَا قَائِلا لِأَنَّهَا من دَعْوَى الْمَعْرُوف كالتبرع وَالصَّدَََقَة اه. وَفِي الْمُدَوَّنَة وجوب الْيَمين فِيهَا بِشَرْط ثُبُوت الْخلطَة، وَصدر ابْن سَلمُون بِأَنَّهُ إِن ادّعى عَلَيْهِ أَنه تكفل لَهُ فِي صلب العقد وَجَبت الْيَمين، وَإِن ادّعى عَلَيْهِ التَّبَرُّع بعد العقد فَلَا يَمِين. قلت: وَهَذَا الَّذِي صدر بِهِ لَا يُخَالف الْمُدَوَّنَة لِأَنَّهُ يلْزم من الدَّعْوَى بهَا فِي صلب العقد الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِمَعْرِِفَة أصل الدّين فَهُوَ يَدعِي عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بهَا وبمعرفته لأصلها، وَوجه ابْن يُونُس ظَاهر الْمُدَوَّنَة بِأَن الطَّالِب يَقُول إِنَّمَا وثقت بمبايعة من لَا أعرف لكفالتك إِيَّاه، فَلذَلِك وَجَبت الْيَمين اه. وَهَذَا التَّوْجِيه يدل على أَن كَلَامهَا فِي الدَّعْوَى فِي أصل العقد فَتبين بِهَذَا كُله رُجْحَان مَا صدر بِهِ ابْن سَلمُون من التَّفْصِيل، وَلَا سِيمَا على مَا بِهِ الْعَمَل من عدم اشْتِرَاط الْخلطَة وَهُوَ ظَاهر إِذا ثَبت أصل الْحق وَلَو بالاعتراف من الْكَفِيل، وَإِلَّا فَمن حجَّته أَن يَقُول لَا شَيْء لَك عَلَيْهِ مِمَّا تدعيه إِذْ فَائِدَة الْيَمين تظهر فِي النّكُول عَنْهَا، وَهُوَ لَو نكل عَنْهَا وَالدّين لم يثبت لم يلْزمه غرم، وَقد قَالَ الجزيري: لَا مُطَالبَة لرب الدّين على الْحميل إِلَّا بعد ثُبُوت الدّين، فَإِن عجز وَزعم أَن الْحميل يعرف الدّين حلف الْحميل على علمه وبرىء فَإِن نكل حلف الطَّالِب أَن الْحميل يعرف حَقه قبل الْغَرِيم وَغرم، فَإِذا وجد الْحميل الْغَرِيم فَإِن أقرّ لَهُ غرم وَإِلَّا حلف وبرىء وَلَا رُجُوع حِينَئِذٍ للحميل على الطَّالِب اه. تَنْبِيه: فَإِن اتفقَا على الْإِقَالَة وَزعم البَائِع أَنه أقاله على أَنه يرد لَهُ أقل من الثّمن فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ أَنه أقاله بِمثل الثّمن قَالَه فِي التَّبْصِرَة. وتستثنى هَذِه مِمَّا يَأْتِي فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين فِي قدر الثّمن وَالله أعلم. وَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ذِهِ الْيَمِينُ حَيْثُ تَجِبُ يَسُوغُ قَلْبُها ومَا إنْ تُقْلَبُ (وَهَذِه) مُبْتَدأ (الْيَمين) نعت أَو عطف بَيَان (حَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط (توجب) بِضَم التَّاء وَفتح الْجِيم فِي مَحل جر بِحَيْثُ أَي: هَذِه الْيَمين إِن أوجبهَا الْحَاكِم على الْمُنكر فِي المَال أَو مَا يؤول إِلَيْهِ (يسوغ) لَهُ (قَلبهَا) فَاعل وَالْجُمْلَة خبر فَإِن حلف من قلبت عَلَيْهِ وَإِلَّا سقط حَقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 (وَمَا) نَافِيَة (إِن) صلَة (تقلب) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير الْيَمين المقلوبة وَالْجُمْلَة معطوفة على الْخَبَر أَي لَيْسَ لمن قلبت عَلَيْهِ أَن يقلبها ثَانِيًا، وَإِلَّا لم تزل فِي قلب وَشَمل الْيَمين مَعَ الشَّاهِد وَغَيرهَا من الدَّعَاوَى المحققة الْمُجَرَّدَة وَلَا دخل هُنَا ليمين التُّهْمَة وَلَا ليمين الْقَضَاء، إِذْ لَا يقلبان على نَحْو مَا توجهتا عَلَيْهِ كَمَا مرّ، وأشعر قَوْله يسوغ قَلبهَا أَنه إِذا قَلبهَا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوع عَن ذَلِك لِأَنَّهُ أسقط حَقه مِنْهَا سَوَاء قَلبهَا بعد الرّفْع للْحَاكِم أَو قبله، وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : وَإِن ردَّتْ على مُدع وَسكت زَمنا أَي وَلَو طَويلا فَلهُ الْحلف. تَنْبِيه: قَالَ فِي التَّبْصِرَة: إِذا وَجَبت لرجل يَمِين على امْرَأَة من ذَوَات الْحجاب وَوَجَبَت لَهَا هِيَ يَمِين عَلَيْهِ فَأَرَادَتْ أَن تحلف لَيْلًا وَأَن تحلفه نَهَارا فَقَالَ الرجل: أَخَاف أَن أَحْلف لَهَا نَهَارا فَترد على الْيَمين لَيْلًا فأحلف مرَّتَيْنِ مرّة فِي النَّهَار وَمرَّة فِي اللَّيْل، فَإِن الْمَرْأَة إِذا التزمت أَنَّهَا لَا ترد الْيَمين حلف لَهَا الرجل نَهَارا وَحلفت الْمَرْأَة لَيْلًا وَهَذَا نَص فِي أَن التزامها لعدم الرَّد يلْزمهَا اه. ثمَّ إِن الْحَالِف لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يثبت لنَفسِهِ حَقًا أَو يَنْفِي عَنْهَا أَو يثبت لغيره أَو يَنْفِي عَن ذَلِك الْغَيْر، فَفِي الثَّلَاث الأول يحلف على الْبَتّ، وَفِي الْأَخِيرَة على الْعلم كَمَا قَالَ على اللف والنشر الْمُرَتّب: وَمُثْبِتٌ لِنَفْسِهِ ومَنْ نَفَى عَنْها عَلَى البَتَاتِ يُبْدِي الْحَلِفَا (ومثبت) مُبْتَدأ سوغه تعلق (لنَفسِهِ) بِهِ (وَمن) مَعْطُوف وَجُمْلَة (نفى) صلته (عَنْهَا) يتَعَلَّق بِهِ وضميره للنَّفس فالإثبات كَقَوْلِه: لي عَلَيْك ألف وَالنَّفْي كدعوى الْمَطْلُوب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَو تَقْديرا ككون الْمَطْلُوب مَيتا أَو غَائِبا (على الْبَتَات) يتَعَلَّق بقوله: (يُبْدِي) أَي يظْهر (الحلفا) مفعول وَالْجُمْلَة خبر فَيحلف فِي الْإِثْبَات أَن لَهُ عَلَيْهِ ألفا، وَهَذَا إِذا رد عَلَيْهِ الْيَمين أَو قَامَ لَهُ بذلك شَاهد (خَ) . وَاعْتمد البات على ظن قوي الخ وَيحلف الْمَطْلُوب فِي النَّفْي مَا لَهُ عَليّ ألف وَلَا شَيْء مِنْهُ من سلف أَو بيع أَو غَيرهمَا (خَ) : وَيَمِين الْمَطْلُوب مَاله عِنْدِي كَذَا وَلَا شَيْء مِنْهُ وَنفى سَببا إِن عين وَغَيره، فَإِن قضى نوى سلفا يجب رده أَي وَلَا يَكْفِيهِ لَا حق لَك عَليّ، وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: يَكْفِيهِ وَنَحْوه لأَشْهَب. ابْن عبد السَّلَام: وَهُوَ التَّحْقِيق لِأَن نفي الْأَعَمّ يسْتَلْزم نفي الْأَخَص أَي: فَلَا يُكَلف أَكثر من ذَلِك وَيحلف الطَّالِب فِي دَعْوَى الْقَضَاء أَنه مَا قبض شَيْئا وَيزِيد فِي الْمَيِّت وَالْغَائِب وَلَا أحَال بِهِ وَلَا أسْقطه إِلَى آخر مَا مر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وَمُثْبِتٌ لغَيْرِهِ ذَاكَ اقْتَفَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; وإنْ نَفَى فالنَّفْيُ لِلْعِلْمِ كَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; (ومثبت لغيره) مُبْتَدأ سوغه مَا مر (ذَاك) مفعول بقوله: (اقتفى) أَي اتبع وَالْجُمْلَة خبر، وَذَاكَ كدعوى دين لِأَبِيهِ الْمَيِّت وَأقَام بِهِ شَاهدا أورد الْمَطْلُوب أَو ورثته على الْيَمين فِي الدَّعْوَى الْمُجَرَّدَة فَيحلف أَن مَا شهد بِهِ الشَّاهِد أَو أَن مَا يَدعِيهِ لحق. وَقَوْلِي أَو ورثته هَذِه ترد على غير مَا تَوَجَّهت لِأَنَّهَا تجب عَلَيْهِم على نفي الْعلم، وَإِذا ردوهَا فَيحلف الطَّالِب على الْبَتّ (وَإِن نفى) بهَا عَن غَيره كوارث ادّعى شخص على موروثه دَعْوَى مُجَرّدَة فَيحلف أَنه مَا يعلم لَهُ شَيْئا على موروثه أَي: وَترد على غير مَا تَوَجَّهت كَمَا مر وكدعوى شخص دينا لِأَبِيهِ على ميت أَو غَائِب وَأقَام بِهِ شَاهدا أَو شَاهِدين وَوُجُوب يَمِين الْقَضَاء، فَإِن الشَّخْص يحلفها على الْعلم كَمَا قَالَ: (فالنفي للْعلم كفى) فِي ذَلِك كُله وَإِن ردهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ فَلَا ترد لِأَنَّهَا للتُّهمَةِ كَمَا مرّ، فالنفي مُبْتَدأ خَبره كفى، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط. وَقد اسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنه مَعَ الشَّاهِد يحلف يمينين يَمِينا لتكميل النّصاب وَهِي على الْبَتّ كَمَا مرّ مِثَاله فِي صدر الْبَيْت ويميناً لنفي الْقَضَاء وَهِي على نفي الْعلم كَمَا هُنَا وَله أَن يجمعهما فِي يَمِين وَاحِدَة على مَا بِهِ الْعَمَل قَالَ ناظمه: وَتجمع الْأَيْمَان فِي الدعاوي إِلَّا يَمِين الرَّد فِي التَّسَاوِي فاستثناؤه يَمِين الرَّد يدل على أَن غَيرهَا من الْأَيْمَان مُتَسَاوِيَة فِي التَّغْلِيظ وَعَدَمه، وَلَو يَمِين قَضَاء أَو اسْتِحْقَاق تجمع وَهُوَ كَذَلِك على خلاف فِيهِ كَمَا فِي الرعيني وَغَيره، فَإِن كَانَ بَعْضهَا يغلظ فِي الْجَامِع دون الْبَعْض الآخر فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي أَن يحلف وَاحِدَة مُغَلّظَة يدْخل فِيهَا جَمِيع مَا وَجب عَلَيْهِ أَو يحلف يمينين الْمُغَلَّظَة فِي الْجَامِع وَغَيرهَا خَارجه، وَقَوله: إِلَّا يَمِين الرَّد أَي فَلَا تجمع بل يَقُول بِاللَّه الَّذِي لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; هـ إِلَّا هُوَ فَإِذا انْقَضتْ قَالَ: وَبِاللَّهِ الَّذِي لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; هـ إِلَّا هُوَ حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 تَنْقَضِي الْيَمين الْأُخْرَى وَسَوَاء قدم الْمَرْدُودَة أَو غَيرهَا وَمَا تقدم عَن التَّبْصِرَة فِي التَّنْبِيه قبل الْبَيْتَيْنِ يدل على أَن الْمَرْدُودَة تجمع لِأَن قَول الرجل: أَخَاف أَن ترد الْيَمين الخ. ظَاهر فِي ذَلِك وَإِلَّا لم تتَوَقَّف يَمِينه على التزامها عدم الرَّد، وَقد صرح بجمعها مَعَ غَيرهَا. ابْن رشد أَيْضا حَسْبَمَا فِي الدّرّ النثير ثمَّ كَمَا يلْزم الطَّالِب أَن يحصر دعاويه وَأَن يجمعها عِنْد إِرَادَة إخلاف الْمَطْلُوب ليحلف لَهُ يَمِينا وَاحِدَة كَمَا مرّ كَذَلِك يلْزمه أَن يحصرها ليَقَع الْجَواب عَن جَمِيعهَا على مَا عَلَيْهِ الْعَمَل أَيْضا كَمَا أَشَارَ لَهُ ابْن أبي زمنين وَغَيره وَهُوَ معنى قَول اللامية، وَهل مُدع يلجأ لجمع حُقُوقه الخ. وَبِالْجُمْلَةِ فالجمع إِمَّا ابْتِدَاء ليَقَع الْجَواب عَن مجموعها أَو بعد الْجَواب عَن بَعْضهَا بالإنكار وَإِرَادَة التَّحْلِيف فَفِي أَي مَحل مِنْهُمَا طلب الْجمع؟ أُجِيب إِلَّا أَن تكون الدَّعَاوَى من الْمِيرَاث فَيلْزمهُ جمع مَا علمه مِنْهَا فَقَط فِي الْوَجْهَيْنِ دون مَا لم يُعلمهُ، وَهَذَا معنى قَوْلهم: إِن دعاوى الْمِيرَاث لَا يلْزم جمعهَا أَي لَا يلْزم جمع مَا لم يعلم مِنْهَا، فَإِن زعم الْمَطْلُوب أَنه سيدعي عَلَيْهِ بدعاوى عينهَا مِنْهُ وَأنكر الْوَارِث قَوْله وَعلمه بذلك فَإِنَّهُ يُفِيد عَلَيْهِ إِنْكَاره وَعدم علمه بِتِلْكَ الدعاوي، وَيُقَال لَهُ لَا قيام لَك بهَا إِن حلفته على مَا سميت فَقَط لَا بِإِظْهَار أَمر يعلم أَنَّهَا لم تكن مَعْلُومَة عنْدك قَالَ: مَعْنَاهُ فِي المعيار عَن الْبُرْزُليّ، وَكَذَا إِن ادّعى بدعاوى زاعماً أَن لَهُ بَيِّنَة على بَعْضهَا دون الْبَعْض الآخر فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى تَحْلِيفه على مَا لَا بَيِّنَة لَهُ بِهِ إِلَّا إِذا الْتزم أَنه لَا قيام لَهُ فِي مَاله بِهِ بِبَيِّنَة إِلَّا بهَا، فَإِن لم يلْتَزم ذَلِك لم يستعجل يَمِينه الْآن بل حَتَّى يُقيم الْبَيِّنَة فَإِن أَقَامَهَا وإلاَّ جمع دعاويه وَحلف لَهُ يَمِينا وَاحِدَة وَفهم من النّظم أَنَّهَا إِذا وَجَبت بتاً فحلفها علما أَو بِالْعَكْسِ لَا يجْزِيه وَيُعِيدهَا وَهُوَ كَذَلِك، أما فِي الأول فَظَاهر وَأما فِي صُورَة الْعَكْس فَلَا لِأَن الْيَمين على الشَّك غموس وَهِي مُحرمَة مَنْهِيّ عَنْهَا، وَالنَّهْي يدل على الْفساد وَمَعْنَاهُ فِي الْعُقُود عدم ترَتّب آثاره عَلَيْهِ، فَلَا أثر لهَذِهِ الْيَمين بِهَذَا أفتى الْمقري راداً على غَيره مِمَّن أفتى بالإجزاء لِأَنَّهُ أَتَى بالمطلوب وَزِيَادَة كَمَا فِي المعيار. قلت: وتعليله يدل على عدم الْإِجْزَاء وَلَو طلبَهَا الطَّالِب كَذَلِك تَغْلِيظًا على الْمَطْلُوب. وَلَا يُقَال: إِن هَذَا قد رَضِي بِإِسْقَاط حَقه مِنْهَا كَمَا مرّ فِيمَن طلب من خَصمه الْحلف بِالطَّلَاق تَغْلِيظًا. لأَنا نقُول الطَّلَاق يَمِين منعقدة بِخِلَاف هَذِه. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا وَجَبت الْيَمين لوَرَثَة يملكُونَ أنفسهم على رجل وتقاضى الْيَمين أحدهم بِأَمْر الْحَاكِم بِيَمِينِهِ تجزىء عَن الْجَمِيع وَلَيْسَ لمن يقوم بعده وَلَو غَائِبا أَو صَغِيرا أَن يحلفهُ وَإِن كَانَ بِغَيْر أَمر الْحَاكِم فَكل من قَامَ مِنْهُم يحلفهُ يَمِينا ثَانِيَة قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَهُوَ معنى قَول اللامية: وَإِن غَابَ بعض من ذَوي الْحق يَكْتَفِي بإحلاف بعض إِن بِحكم تحصلا وَإِذا أَقَامَ غير من أحلفه بَيِّنَة عمل بهَا فِي حَظه فَقَط وَلَو كَانَ عَالما بهَا حِين إحلاف القَاضِي الْمَطْلُوب لغيره لِأَنَّهُ يَقُول لم أقِم بحقي وَقت الْحلف وَلم يكن طلب الْحق مني قَالَه (ز) أول بَاب الْوكَالَة. الثَّانِي: إِذا وَجَبت الْيَمين فَأَرَادَ الطَّالِب تَأْخِيرهَا وَالْمَطْلُوب تَعْجِيلهَا أَو الْعَكْس فتعجيلها وَاجِب قَالَه ابْن عبد السَّلَام وَابْن سَلمُون عَن ابْن الْحَاج، فَلَو وَجَبت يَمِين الْقَضَاء أَو مَعَ الشَّاهِد أَو قَالَ الْمَطْلُوب احْلِف وأزن لَك فَقَالَ الطَّالِب فِي ذَلِك كُله: لَا أَحْلف حَتَّى يحضر المَال لِأَنِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 أَخَاف أَن أَحْلف وَيَدعِي الْعَدَم فتذهب يَمِيني بَاطِلا فَقَالَ ابْن الْعَطَّار: لَا يُجَاب لذَلِك بل يحلف ثمَّ يُطَالِبهُ بِالْمَالِ، وَعَلِيهِ اقْتصر فِي اللامية حَيْثُ قَالَ: وَمن أَبى يَمِينا لكَون المَال غَابَ فجهلا. وَقيل: يُجَاب إِلَى ذَلِك وَبِه الْعَمَل بتونس قَالَه ابْن نَاجِي، وَقيل: يَكْفِي أَن يشْهد على الْمَطْلُوب بِأَنَّهُ مَلِيء وَيحلف الطَّالِب فَإِن ادّعى الْعَدَم بعد إشهاده بالملاء فَإِنَّهُ يسجن حَتَّى يُؤَدِّي وَلَا تقبل بَينته بِالْعدمِ قَالَه ابْن أبي زمنين وَفضل وَغَيرهمَا، وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي التَّبْصِرَة والوثائق الْمَجْمُوعَة وَلم يحك أَكثر الشُّيُوخ غَيره وَهُوَ الْمَذْهَب. وَقَالَ أَبُو الْحسن: انْظُر قُضَاة الْبَوَادِي يَفْعَلُونَ هَذَا وَلَيْسَ لأجل دَعْوَى الْعَدَم لأَنهم لَا يعلمونه، وَإِنَّمَا ذَلِك خوف اللدد لضعف الْأَحْكَام فَيحْتَمل أَن يُؤْخَذ لَهُ رهن أَو حميل فَحِينَئِذٍ يحلف اه. وَفِي المعيار عَن العبدوسي أَن الْمَطْلُوب يجْبر على أحد أَمريْن: إِمَّا أَن يقر بملاء ذمَّته وَإِمَّا أَن يحضر المَال وَحِينَئِذٍ يحلف الآخر؛ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يفهم القَاضِي عَنهُ الْكَذِب فَلَا يقبل مِنْهُ إِلَّا الْإِحْضَار، وَأفْتى الغبريني إِن كَانَ الْمَطْلُوب يتَكَلَّف كلفة فِي إِحْضَار الثّمن مثل أَن يحْتَاج إِلَى بيع دَاره وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ يحلف الطَّالِب أَولا. وإلاَّ فَلَا يحلف حَتَّى يحصله. ابْن نَاجِي: وفتواه صَوَاب، وَبهَا حكمت بالقيروان اه. فَتحصل من هَذَا أَنه إِذا كَانَ مَعْلُوم الملاء لَكِن يحْتَاج إِلَى بيع أصل وَنَحْوه أَو غير معلومه، وَلَكِن أشهد بملاء ذمَّته وَلم يفهم القَاضِي مِنْهُ الْكَذِب وَلَا ضعفت الْأَحْكَام حلف الطَّالِب أَولا فَإِن كَانَ مَعْلُوم الملاء وَلَا يحْتَاج لبيع أصل أَو غير معلومه وَأشْهد بملائه وَلَكِن فهم مِنْهُ الْكَذِب أَو ضعفت الْأَحْكَام فَلَا يحلف حَتَّى يحضر المَال أَو يَأْتِي برهن أَو حميل وَالله أعلم. قلت: وَهَكَذَا المُشْتَرِي يَقُول للشَّفِيع: لَا أَحْلف بِأَن الثّمن مائَة حَتَّى أشهد عَلَيْك وَأَنَّك تَأْخُذ بِالشُّفْعَة لِئَلَّا تذْهب يَمِيني بَاطِلا قَالَه فِي شُفْعَة المعيار. الثَّالِث: إِذا طلب الْمُدَّعِي يَمِين الْمَطْلُوب فللمطلوب أَن لَا يحلف حَتَّى يلْتَزم لَهُ إِسْقَاط كل بَيِّنَة مَا علم مِنْهَا وَمَا لم يعلم فَإِذا عقد على نَفسه ذَلِك لم يكن لَهُ أَن يقوم بِبَيِّنَة يجدهَا وَلَو لم يعلم بهَا قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة والوثائق الْمَجْمُوعَة. الرَّابِع: من وهب دينا وَله بِهِ شَاهد أَو اشْترى شَيْئا بِشَاهِد ووهبه فَأنْكر الْمَدِين أَو البَائِع أَو وَجَبت يَمِين الْقَضَاء فِي هبة مَا على ميت، فَالْوَاجِب أَن يحلف الْمَوْهُوب لَهُ فِي ذَلِك كُله لِأَن الْوَاهِب يَقُول: لَا أَحْلف لينْتَفع غَيْرِي قَالَه أَبُو الْحسن قَالَ: وَهُوَ ظَاهر من مَسْأَلَة الْغُرَمَاء وَلَعَلَّه يُرِيد بهَا أَن الْمَيِّت إِذا أَقَامَ لَهُ شَاهد بدين وَعَلِيهِ مَا يسْتَغْرق مَاله فَإِن الْغُرَمَاء يحلفُونَ مَعَ الشَّاهِد لَا الْوَرَثَة إِذْ لَا يحلفُونَ ليستحق الْغُرَمَاء وتعليله يدل على أَن ذَلِك جَار فِي الْهِبَة وَالْإِقْرَار وَالشِّرَاء، وَنَقله المشذالي فِي حَاشِيَته كَمَا فِي (ح) فِي بَاب الْهِبَة، وَبِه أفتى ابْن سَوْدَة رَحمَه الله حَسْبَمَا فِي نَوَازِل العلمي وَقُوَّة كَلَامه تُعْطِي أَن هَذَا هُوَ الْمُعْتَمد، وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا أَن الصَّغِير يجب لَهُ الْحق بِشَاهِد وَاحِد وَلَا يحلف عَنهُ الْأَب وَلَا الْوَلِيّ، وَقيل إِن الْيَمين على الْوَاهِب. وَرجحه ابْن الْبَراء حَسْبَمَا فِي دعاوى المعيار قَائِلا لِأَن الْمُتَصَدّق يعلم صِحَة ذَلِك، وَلِأَنَّهُ قد يتَصَدَّق فِرَارًا من الْيَمين وَلِأَن الْهِبَة نقل شَرْعِي فشرطه صِحَة الْملك فَإِذا لم يَتَقَرَّر الْملك فَلَا نقل اه. وبمثل الأول أفتى ابْن الْحَاج فِي رجل أقرّ فِي دين أَنه لَا حق لَهُ فِيهِ فتوجهت يَمِين الْقَضَاء، وَأفْتى ابْن حمديس وَأصبغ بن مُحَمَّد بِمثل الثَّانِي، وَأفْتى ابْن رشد بِحلف الْوَاهِب فَقَط فِي الْهِبَة وَيحلف الْمقر وَالْمقر لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 مَعًا فِي الْإِقْرَار بِالدّينِ. قلت: وَالظَّاهِر على القَوْل يحلف الْمقر وَحده أَو حلفهما مَعًا بطلَان الْحق بنكول الْمقر وَيلْزمهُ غرمه للْمقر لَهُ لِأَن نُكُوله دَلِيل على أَنه قد قَبضه وعَلى القَوْل يحلف الْوَاهِب فِي هبة الدّين أَو مَا ثَبت بِشَاهِد يبطل بِنُكُولِهِ وَلَا غرم لِأَنَّهُ يَقُول: وهبت لَهُ شَيْئا لم يتم وَلَعَلَّه لذَلِك لم تجب عَلَيْهِ الْيَمين فِي القَوْل الأول إِذْ لَا شَيْء هُنَاكَ يحملهُ عَلَيْهَا وَحِينَئِذٍ فيترجح فِي الْإِقْرَار يَمِين الْمقر أَو هما مَعًا. وَفِي الْهِبَة يَمِين الْمَوْهُوب لَهُ وَالله أعلم. وَيَأْتِي عَن الْبُرْزُليّ آخر الْبَاب مَا يدل لذَلِك، وَانْظُر مَسْأَلَة الْإِقْرَار فِي قَول (خَ) آخر الشَّهَادَات وَإِن قَالَ لفُلَان فَإِن حضر ادّعى عَلَيْهِ الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى من يحلف الْيَمين مَعَ الشَّاهِد وَهُوَ كالتفصيل لما قدمه فِي قَوْله ثَانِيَة: توجب حَقًا مَعَ قسم. وَالْبَالِغُ السَّفِيهُ بَانَ حقُّهُ يَحْلِفُ مَعَ عَدْلٍ وَيَسْتَحِقُّهُ (والبالغ) مُبْتَدأ (السَّفِيه) صفة (بَان) ظهر (حَقه) فَاعل وَالْجُمْلَة حَال وَجُمْلَة (يحلف) خبر (مَعَ عدل) يتَعَلَّق بِهِ (و) جملَة (يسْتَحقّهُ) معطوفة على جملَة الْخَبَر وَشَمل السَّفِيه الذّكر وَالْأُنْثَى مولى عَلَيْهِ أم لَا. فَهَذَا يُغني عَن قَوْله الْآتِي، وَالْبكْر مَعَ شَاهدهَا تحلف الخ. وَأفهم قَوْله السَّفِيه أَن الرشيد يحلفها بالأحرى، وَكَذَا العَبْد وَسَوَاء كَانَ العَبْد مَأْذُونا لَهُ أم لَا فَلَو نكل الْمَأْذُون حلف الطَّالِب وبرىء، فَإِن غَابَ أَو مَاتَ قبل نُكُوله حلف سَيّده وَاسْتحق كَمَا يحلف وَيسْتَحق مَعَ نُكُول غير الْمَأْذُون وَشَمل قَوْله مَعَ عدل الْحَقِيقِيّ والعرفي كنكول الْمَطْلُوب وَمَعْرِفَة العفاص والوكاء فِي اللّقطَة على القَوْل بِالْيَمِينِ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا مرّ، وَالْمرَاد بِالْعَدْلِ الْجِنْس فَيشْمَل الْوَاحِد وَيحلف مَعَه والعدلين فَيحلف يَمِيني الْقَضَاء والاستحقاق وَلَا يؤخران عَنهُ إِلَى الرشد لِأَنَّهُمَا لدفع التُّهْمَة وَالِاحْتِمَال كَمَا مرّ عِنْد قَوْله وَهِي يَمِين تُهْمَة الخ. فَهُوَ كالرشيد فِي هَذِه الْأَيْمَان كلهَا على مَا فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة وضيح وَغَيرهمَا، وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا يفهم من النّظم وَإِنَّمَا يخْتَلف حكمه مَعَ الرشيد فِي النّكُول فَإِن السَّفِيه إِذا نكل فَفِي نُكُوله مَعَ الشَّاهِد يحلف الْمَطْلُوب وَيبقى الشَّيْء بِيَدِهِ إِلَى الرشد فَيحلف وَيسْتَحق كَمَا يَأْتِي فِي الصَّغِير، هَذَا هُوَ الَّذِي رَجحه ابْن رشد وَصَححهُ الرجراجي وَهُوَ قَول مطرف وَابْن كنَانَة، وَاخْتَارَهُ ابْن حبيب، وَبِه صدر فِي التَّبْصِرَة، وَأفْتى بِهِ أَبُو الْحسن وَابْن لب حَسْبَمَا فِي الدّرّ النثير وأنكحة المعيار، واستظهره الشَّارِح قَائِلا لِأَن بطلَان حق السَّفِيه بِنُكُولِهِ مؤد إِلَى جَوَاز فعله، وَالْفَرْض أَنه غير جَائِز الْفِعْل، وَفِي أنكحة المعيار أَن التَّكْلِيف هُوَ منَاط الْيَمين فتتوجه الْيَمين على السَّفِيه الْمَحْجُور وَإِن نكل لَا يسْقط حَقه اه. قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه: وَهَذَا هُوَ الَّذِي أتقلده وَلَا أَقُول بِغَيْرِهِ، وَذهب ابْن الْقَاسِم إِلَى أَن حق السَّفِيه يبطل بِنُكُولِهِ مَعَ يَمِين الْمَطْلُوب، وَبِه قرر الْمُخْتَصر شراحه. وَفِي الزاهي لِابْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 شعْبَان: إِن السَّفِيه كَالصَّبِيِّ لَا يحلف مَعَ شَاهده، بل حَتَّى يرشد. وَرَوَاهُ مطرف عَن مَالك فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقْوَال فِي يَمِينه مَعَ الشَّاهِد وَفِي نُكُوله عَن يَمِيني الْقَضَاء والاستحقاق يقْضى لَهُ بِحقِّهِ وتؤخر عَنهُ الْيَمين إِلَى رشده، فَإِن حلف حِينَئِذٍ اسْتمرّ قَبضه وإلاّ رد مَا أَخذ فَهُوَ يحلفها الْآن لِئَلَّا يضيع حق الْخصم باستمراره فِي السَّفه طول عمره، فَإِن نكل قضي لَهُ بِالْحَقِّ وأرجئت الْيَمين إِلَى رشده. هَذَا هُوَ الْجَارِي على مَا مرّ من أَن الرَّاجِح أَنه يحلفها الْآن وَأَن نُكُوله لَا يبطل حَقه مِنْهَا بعد رشده، وَلَا يُخَالف هَذَا قَول ابْن عتاب. وَأكْثر الأندلسيين تُؤخر عَنهُ يَمِين الْقَضَاء ابْتِدَاء وَلَا يُخَاطب بهَا فِي الْآن لِأَنَّهُ يلْزمهُم أَن يَقُولُوا بِالتَّأْخِيرِ بعد النّكُول بالأحرى، وَكَذَا لَا يُخَالف مَفْهُوم قَول النَّاظِم بعد لغير بَالغ الخ. لِأَن مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ لَا تُؤخر عَن الْبَالِغ ابْتِدَاء بل بعد النّكُول، وَلم أَقف على من قَالَ بِبُطْلَان حَقه بِالنّكُولِ عَن يَمِين الْقَضَاء مَعَ يَمِين الْمَطْلُوب، وأشعر قَوْله يحلف مَعَ عدل الخ أَنه مُدع وَأَنه إِذا كَانَ مدعى عَلَيْهِ وتوجهت عَلَيْهِ يَمِين الْإِنْكَار أَو يَمِين التُّهْمَة فَلَا يَمِين عَلَيْهِ الْآن وَهُوَ كَذَلِك خلافًا للأصيلي إِذْ لَا تتَوَجَّه الْيَمين إِلَّا حَيْثُ لَو أقرّ الْمَطْلُوب لزمَه، وَهنا لَيْسَ كَذَلِك. هَكَذَا ذكر الْمَازرِيّ وَغَيره هَذِه الْقَاعِدَة وَهِي لَا تعكر على مَا تقدم من أَن السَّفِيه يحلف مَعَ أَن إِقْرَاره لَا يلْزم لِأَنَّهَا خَاصَّة بِمَا يدْفع كَمَا مرّ فِي شُرُوط الدَّعْوَى، وَلذَا قَالَ بَعضهم كَمَا فِي الْمجَالِس المكناسية: ضَابِط يَمِين السَّفِيه أَنه يحلف فِيمَا يقبض لَا فِيمَا يدْفع. نعم هِيَ ظَاهِرَة على قَول ابْن عتاب وموافقيه أَنه لَا يحلف فِي الْوَجْهَيْنِ إِلَى أَن يرشد، وَلَعَلَّ الْمَشْهُور إِنَّمَا قَالَ: يحلف فِيمَا يقبض لِئَلَّا يضيع حق الْخصم بِبَقَائِهِ فِي الْحجر كَمَا مرّ، وَفهم من قَوْله لزمَه أَن دعاوى غير المَال كالدعوى عَلَيْهِ بِمَا يُوجب عُقُوبَته فِي بدنه وَهُوَ مِمَّن يتهم أَو إِرَادَة السفيهة الْقطع على زَوجهَا الْغَائِب، وأثبتت الموجبات تتَوَجَّه عَلَيْهَا الْيَمين للزومها لَهُ بِالْإِقْرَارِ كحلفه لرد شَهَادَة الشَّاهِد عَلَيْهِ بِالطَّلَاق. وَالْحَاصِل أَن الدَّعْوَى على الْمَحْجُور بِالْمَالِ إِذا لم تكن بَيِّنَة لَا توجب يَمِينا الْآن فَإِذا بلغ أَو رشد نظر، فَإِن كَانَت الدَّعْوَى فِيمَا يتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ أَو بِمَالِه وَالْمَال بَاقٍ كَانَ للْمُدَّعِي تَحْلِيفه فَإِن حلف برىء وإلاّ غرم وَإِن ذهب المَال الَّذِي تعلّقت الدَّعْوَى بِهِ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَالَّذِي يتَعَلَّق بِالذِّمةِ هُوَ مَا أفْسدهُ مِمَّا لم يُؤمن عَلَيْهِ. هَكَذَا ذكر بَعضهم هَذَا التَّحْصِيل فِي الصَّغِير وَالسَّفِيه مثله، بل فِي الْبُرْزُليّ فِي نَوَازِل الْمديَان مَا نَصه. ابْن سهل: الصَّوَاب عِنْدِي مَا جرى بِهِ الْعَمَل من الْمَنْع من تعلق الْيَمين بالسفيه، وَفِي وثائق ابْن الْهِنْدِيّ ترجأ الْيَمين عَلَيْهِ إِلَى إِطْلَاقه، وَلَو ادّعى السَّفِيه على رجل بِدَعْوَى فنكل الْمَطْلُوب فَإِنَّهُ يغرم وَلَا يحلف السَّفِيه حَتَّى يرشد، وَإِنَّمَا حلف مَعَ الشَّاهِد لإحياء السّنة. ابْن سهل: وَالصَّحِيح عِنْدِي أَن يحلف الْآن إِذا نكل الْمَطْلُوب ورد عَلَيْهِ الْيَمين لِأَنَّهُ رَضِي بِيَمِينِهِ حِين نكل اه. وَكَلَام النَّاظِم ظَاهر فِيمَا لم يتوله ولي السَّفِيه من الْمُعَامَلَات أما مَا تولاه وليه فَإِنَّهُ الَّذِي يحلف فِيهِ مَعَ الشَّاهِد فَإِن رد الْيَمين على الْمَطْلُوب وَحلف برىء وَغرم الْوَلِيّ وَكَذَا يغرم إِذا ادّعى عَلَيْهِ غَرِيم الْمَيِّت الدّفع إِلَيْهِ فَرد الْيَمين على الْغَرِيم لجنايته برد الْيَمين، وَهل يغرم الْقيمَة فِيمَا إِذا بَاعَ لَهُ سلْعَة وَأنكر الْمُبْتَاع أَو الْأَكْثَر مِنْهَا وَمن الثّمن؟ انْظُر الشَّارِح. تَنْبِيه: قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَأما الْمَعْتُوه فَإِن الْمَطْلُوب يحلف وَيبرأ وَإِن نكل غرم، فَإِن حلف الْمَطْلُوب ثمَّ بعد ذَلِك عقل الْمَعْتُوه فَإِنَّهُ يحلف مَعَ شَاهده وَيسْتَحق حَقه اه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 قلت: تَأمل قَوْله وَيبرأ مَعَ قَوْله ثمَّ بعد ذَلِك عقل الْمَعْتُوه الخ. فَإِنَّهُ متدافع اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال مُرَاده وَيبرأ الْآن لَا فِي الْمُسْتَقْبل. وَتُرْجَأُ الْيَمِينُ حُقَّتْ لِلقَضَا لِغَيْرِ بالِغٍ وَحَقَّهُ اقْتَضَى (وترجأ) بِضَم التَّاء وهمزة آخِره مَبْنِيّ للْمَفْعُول من أرجأ الْأَمر إِذا أَخّرهُ (الْيَمين) نَائِب وَجُمْلَة (حقت) أَي أوجبت من حق الشَّيْء إِذا أوجبه فِي مَوضِع الْحَال (للقضا) ء يتَعَلَّق بِهِ وَكَذَا (لغير بَالغ) أَي تُؤخر يَمِين الْقَضَاء إِذا أوجبت على غير بَالغ لكَون دينه على ميت أَو غَائِب (وَحقه) مفعول بقوله (اقْتضى) أَي عَاجلا، ثمَّ إِذا بلغ وَحلف اسْتمرّ الْقَبْض، وَإِن نكل ردّ مَا أَخذ، وَهَذَا إِذا بلغ رشيدا وَإِلَّا فقد مر أَنه إِذا نكل تُؤخر عَنهُ إِلَى الرشد وَلَا مَفْهُوم لقَوْله للْقَضَاء، بل يَمِين غَيره من إِنْكَار وتهمة كَذَلِك كَمَا مرّ، وَمَفْهُوم غير بَالغ أَن الْبَالِغ لَا ترجأ فِي حَقه بل يُخَاطب بهَا الْآن وَهُوَ كَذَلِك لَكِن إِذا نكل وَهُوَ سَفِيه فترجأ كَمَا مرّ. تَنْبِيه: إِذا تعدّدت يَمِين الْقَضَاء كوجوبها على أحباس الْمَسْجِد وطلبة الْعلم وَالْقِرَاءَة سَقَطت قَالَه (ت) عَن أحباس المعيار. قلت: وَكَذَا لَو وَجَبت على من لَا يعرف تأديتها بِإِشَارَة وَلَا غَيرهَا كالمعتوه وَكَذَا يَمِين الِاسْتِحْقَاق. وَلَا يُقَال إِن الْحَبْس لَا يُبَاع فَلَا تَأتي فِيهِ يَمِين الِاسْتِحْقَاق. لأَنا نقُول الْعَمَل على جَوَاز الْمُعَاوضَة فِيهِ وَهِي بيع كَمَا يَأْتِي، وَأما إِن تَعَذَّرَتْ الْيَمين مَعَ الشَّاهِد كوجوبها على من ذكر أَو على من لَا تتأتى مِنْهُ بِإِشَارَة وَلَا كِتَابَة فَإِن الْمَطْلُوب يحلف وَيبرأ، ورد بِأَن ظَاهر الرِّوَايَات عدم يَمِينه فَلَا أثر لشهادة الشَّاهِد هُنَا وَهُوَ الْمُوَافق لقَوْل (خَ) وَإِن قَالَ: دَاري صَدَقَة بِيَمِين مُطلقًا أَو بغَيْرهَا وَلم يعين لم يقْض عَلَيْهِ الخ إِذْ توجه الْيَمين فرع الْقَضَاء، فَإِن تَعَذَّرَتْ من الْبَعْض دون الْبَعْض كالحبس على بنيه وعقبهم إِذْ هِيَ متعذرة من الْعقب متيسرة من الْبَنِينَ الْمَوْجُودين، فَالَّذِي قَالَه ابْن الْمَوَّاز عَن أَصْحَاب مَالك، وَبِه صدر المتيطي والباجي وَابْن شَاس أَنه كَالَّذي قبله يحلف الْمَطْلُوب وَيبرأ قَالَه ابْن رحال فِي شَرحه. قَالَ: هَذَا هُوَ الرَّاجِح، وَقيل يحلف البنون فَإِن حلفوا كلهم ثَبت الْوَقْف، وَإِن حلف بَعضهم فَقَط ثَبت نصِيبه فَقَط، وَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 نكلوا كلهم بَطل الْحَبْس إِن حلف الْمَطْلُوب، وَبِه قرر شرَّاح (خَ) قَوْله: وَإِن تعذر يَمِين بعض كشاهد بوقف الخ. وَحَيْثُ عَدْلٌ لِلصَّغِيرِ شَهِدا بِحَقَّهِ وَخَصْمُهُ قَدْ جَحَدَا (وَحَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط (عدل) مُبْتَدأ سوغه وُقُوعه فِي حيّز الشَّرْط (للصَّغِير) يتَعَلَّق بقوله: (شَهدا) وَكَذَا (بِحقِّهِ) وَالْجُمْلَة خبر (وخصمه) مُبْتَدأ وَجُمْلَة (قد جحدا) خَبره. وَالْجُمْلَة معطوفة على الْجُمْلَة المجرورة بِحَيْثُ. يَحْلِفُ مُنْكِرٌ وَحَقٌّ وُقِّفَا إِلَى مَصِيرِ خَصْمِهِ مُكَلَّفَا (يحلف مُنكر) فَاعل وَالْجُمْلَة جَوَاب حَيْثُ (وَحقّ) مشهود بِهِ (وَقفا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر عَن حق وَالْجُمْلَة معطوفة على الْجَواب قبلهَا وسوغه الصّفة المحذوفة أَو الْعَطف (إِلَى مصير خَصمه) مصدر مُضَاف لاسمه (مُكَلّفا) خبر وَالْمَجْرُور مُتَعَلق بِمَا قبله يَلِيهِ. وَحَيْثُ يُبْدِي الْمُنْكِرُ النُّكُولاَ بُلِّغَ مَحْجُورٌ بِهِ المَأْمُولاَ (وَحَيْثُ) ظرف كَالَّذي قبله (يُبْدِي) بِضَم أَوله (الْمُنكر) فَاعله (النكولا) مَفْعُوله (بلغ) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (مَحْجُور) نَائِب (بِهِ) يتَعَلَّق ببلغ وضميره للنكول وباؤه سَبَبِيَّة (المأمولا) مفعول ثَان لبلغ وَحَاصِل الأبيات أَن الصَّغِير لَا يحلف مَعَ شَاهده سَوَاء شهد لَهُ بِالْحَقِّ أَو ببراءته مِنْهُ وَكَذَا لَا يحلف وليه حَيْثُ لم يتول الْمُعَامَلَة وَإِلَّا حلف كَمَا مرّ فِي السَّفِيه، وَإِنَّمَا لم يحلف وَاحِد مِنْهُمَا لِأَن الْقَلَم مَرْفُوع عَن الصَّغِير، وَالْقَاعِدَة أَن الْإِنْسَان لَا يحلف لينْتَفع غَيره، وَحِينَئِذٍ فَيُؤْمَر الْمَطْلُوب بِالْحلف سَوَاء قَامَ الشَّاهِد للصَّبِيّ وَحده أَو مَعَ غَيره، لكنه فِي الثَّانِيَة إِنَّمَا يحلف على حِصَّة الصَّبِي فَإِن نكل حكم للصَّبِيّ بِالْحَقِّ الْآن وَلَا يَمِين عَلَيْهِ بعد بُلُوغه، وَإِن حلف فَإِن كَانَ الْحق فِي الذِّمَّة كطعام وَنقد وَخيف فقر الْمَطْلُوب أَو كَانَ معينا كدار وثوب، فَهَل يُوقف بيد أَمِين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 حَتَّى يبلغ الصَّبِي أَو يسلم للمطلوب؟ قَولَانِ: لظَاهِر الْمُوازِية وَابْن حبيب عَن الْأَخَوَيْنِ وَاسْتظْهر فِي ضيح الأول، وَظَاهر ابْن رشد أَيْضا أَنه الْمَذْهَب لِأَنَّهُ لما ذكر الْخلاف فِي وقف الدّين قَالَ: وَوَقفه فِي الْقيَاس صَحِيح إِذْ لَو كَانَ الْمُدَّعِي فِيهِ شَيْئا بِعَيْنِه لوَجَبَ توقيفه أَو بَيْعه وتوقيف ثمنه إِن خشِي عَلَيْهِ كالحيوان على مَا يَأْتِي لِابْنِ الْقَاسِم اه. وَهُوَ ظَاهر النّظم وضمانه حِينَئِذٍ من الصَّبِي إِن حلف، وَمن الْمَطْلُوب إِن لم يحلف لِأَنَّهُ إِنَّمَا وقف لمن يجب لَهُ مِنْهُمَا وعَلى كل حَال لَا بُد أَن يكْتب الْحَاكِم شَهَادَة الشَّاهِد فِي سجل وَيَتْرُكهَا عِنْده أَو يَدْفَعهَا لوَلِيِّه صونا لمَال الصَّبِي وخوفاً من موت الشَّاهِد أَو طرُو فسقه قبل بُلُوغ الصَّبِي، وعَلى القَوْل بِإِسْلَامِهِ للمطلوب درج (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَحلف مَطْلُوب ليترك بِيَدِهِ وسجل ليحلف إِذا بلغ الخ. وَقَوله ليترك بِيَدِهِ يُرِيد مَا لم يخْش فقره أَيْضا كَمَا هُوَ ظَاهر قَالَه ابْن رحال. وَيُمكن تمشية النَّاظِم على مَا فِي (خَ) بِأَن يحمل الإيقاف على مَنعه من تَفْوِيت الْمعِين بِبيع وَنَحْوه لِأَنَّهُ إِنَّمَا يبْقى بِيَدِهِ حوزاً لَا ملكا فَإِذا حلف الصَّبِي بعد الْبلُوغ أَخذه إِن كَانَ قَائِما أَو قِيمَته يَوْم الحكم إِن فَاتَ وَلَو بسماوي، وَالْغلَّة للمطلوب مَا دَامَ بِيَدِهِ إِذْ الْخراج بِالضَّمَانِ قَالَ فِي الْمُوازِية: وَلَا يحلف الصَّغِير بعد بُلُوغه حَتَّى يعلم بالْخبر الَّذِي تَيَقّن بِهِ (خَ) : وَاعْتمد البات على ظن قوي. تَنْبِيه: إِذا قَامَ شَاهد لمغمى عَلَيْهِ أَو مَجْنُون ترجى إِفَاقَته انْتظر فَإِن كَانَت لَا ترجى إِفَاقَته أَو تَعَذَّرَتْ الْيَمين من نَحْو الْأَصَم الْأَخْرَس وَلَو بِالْإِشَارَةِ حلف الْمَطْلُوب كَمَا فِي مَسْأَلَة الصَّبِي، وَكَذَا وَكيل الْغَائِب يقوم لَهُ شَاهد فَيحلف الْمَطْلُوب وَيتْرك بِيَدِهِ لِقَوْمِهِ، فَإِن نكل غرم وَلم يحلف الْغَائِب إِذا قدم كَمَا مر فِي الصَّبِي. وَالْبِكْرُ مَعَ شَاهِدِهَا تُحَلَّفُ وَفِي ادِّعَاءِ الْوَطْءِ أَيْضاً تَحْلِفُ (وَالْبكْر) الْبَالِغ مُبْتَدأ (مَعَ شَاهدهَا) فِي مَحل نصب حَال (تحلف) بِضَم التَّاء وَفتح اللَّام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 مُشَدّدَة مَبْنِيا للْمَفْعُول خبر عَن الْبكر (وَفِي ادِّعَاء الْوَطْء أَيْضا) مَنْصُوب على المصدرية (تَحلِف) بِفَتْح التَّاء وَكسر اللَّام مَبْنِيا للْفَاعِل وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ، وَإِنَّمَا تحلف فِي ادِّعَاء الْوَطْء إِذا ثبتَتْ الْخلْوَة لِأَن الدَّعْوَى حِينَئِذٍ صَاحبهَا شَاهد عرفي فتحلف لقد أَصَابَهَا ويتكمل عَلَيْهِ الصَدَاق. تَنْبِيه: الْيَمين مَعَ الشَّاهِد تكون على وفْق شَهَادَته فَإِذا شهد بِإِقْرَار أَو غَيره فَيحلف الْمَشْهُود لَهُ أَن الشَّهَادَة لحق وَلَا يلْزمه أَن يحلف أَن ذَلِك الْحق لَهُ قبله فَإِن حلف الْمَطْلُوب بعد نُكُول الطَّالِب، ثمَّ وجد الطَّالِب شَاهدا آخر لم يضم الأول على الْمَشْهُور كَمَا فِي الشَّامِل، لِأَن الأول قد بطلت شَهَادَته بِنُكُولِهِ وَيَمِين الْمَطْلُوب، وَقيل يضم، قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة عَن بعض وَهُوَ أحسن من يَمِين فاجرة، وَهَذَا الْخلاف إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَت الشَّهَادَة بِمَال وَلم يعلم بِالثَّانِي حَال الْقيام للْأولِ أَو علمه وَكَانَ بعيد الْغَيْبَة، فَأَما إِن شهد بِطَلَاق أَو صَدَقَة على غير معِين فَحلف الْمَطْلُوب ثمَّ قَامَ عَلَيْهِ شَاهد آخر ضم للْأولِ اتِّفَاقًا ثمَّ مَا تقدم من أَن الصَّبِي لَا يحلف هُوَ وَلَا وليه مَعَ شَاهده هُوَ الْمَشْهُور. وَفي سِوَى المَشْهُورِ يَحْلِفُ الأَبُ عنِ ابنِهِ وَحَلْفُ الابْنِ مَذْهَبُ (وَفِي سوى الْمَشْهُور) يتَعَلَّق بقوله: (يحلف الْأَب) فَاعل (عَن ابْنه) يتَعَلَّق بيحلف أَيْضا وَهُوَ قَول ابْن كنَانَة قَالَ: لِأَنَّهُ يمونه وَينْفق عَلَيْهِ، وَهَذَا الْخلاف إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لم يل فِيهِ الْوَلِيّ الْمُعَامَلَة وإلاَّ حلف كَمَا مرّ وَجعل الْبُرْزُليّ مَسْأَلَة هبة الدّين الثَّابِت بِشَاهِد جَارِيَة على الْقَوْلَيْنِ فعلى أَن الْأَب لَا يحلف عَن الصَّغِير يحلف الْمَوْهُوب لَهُ، وعَلى أَنه يحلف فَيحلف الْوَاهِب، وَوَقع فِي كتاب جمعت فِيهِ أقضية مَالك وَاللَّيْث أَن الصَّغِير يحلف مَعَ شَاهده كالسفيه وَهُوَ معنى قَوْله: (وَحلف) بِفَتْح الْحَاء مصدر وبكسرها الْعَهْد يكون بَين الْقَوْم، وَقد حالفه أَي عاهده مُبْتَدأ (الابْن) مُضَاف إِلَيْهِ (مَذْهَب) خبر وتنكيره يشْعر بِأَنَّهُ مَذْهَب شَاذ لَا يجْرِي على الْأُصُول لرفع الْقَلَم عَن الصَّبِي اه وَالله أعلم. (بَاب الرَّهْن وَمَا يتَعَلَّق بِهِ) من حوز وَضَمان وَاخْتِلَاف المتراهنين. وَهُوَ لُغَة اللُّزُوم وَالْحَبْس وكل شَيْء مَحْبُوس فَهُوَ رهن قَالَ تَعَالَى: كل نفس بِمَا كسبت رهينة} (المدثر: 38) أَي محبوسة والراهن دافعه وَالْمُرْتَهن بِالْكَسْرِ آخذه وَبِفَتْحِهَا اسْم للمرهون وَيُطلق أَيْضا على آخذه لِأَنَّهُ وضع عِنْده وعَلى الرَّاهِن لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 سَأَلَهُ أَي طلب مِنْهُ، وَشرعا يُطلق تَارَة بِالْمَعْنَى المصدري، وَعَلِيهِ قَول (خَ) الرَّهْن بذل من لَهُ بيع مَا يُبَاع، وبالمعنى الاسمي، وَعَلِيهِ ابْن عَرَفَة حَيْثُ قَالَ: الرَّهْن مَال قبض توثقاً فِي دين فَتخرج الْوَدِيعَة، والمصنوع بيد صانعه وَقبض الْمَجْنِي عَلَيْهِ عبدا جنى عَلَيْهِ، وَإِن شاركاه فِي الأحقية لجَوَاز اشْتِرَاك المختلفات فِي أَمر يَخُصهَا وَلَا تدخل وَثِيقَة ذكر الْحق وَلَا الْحميل وَلَا يخرج مَا اشْترطت منفعَته لِأَن شَرطهَا لَا يُنَافِي قَبضه للتوثق اه. فالوديعة خرجت بقوله توثقاً وَخرج الْمَصْنُوع وَالْعَبْد الْجَانِي بقوله: فِي دين. وَالْأَمر الَّذِي شاركا الرَّهْن فِيهِ هُوَ الِاخْتِصَاص بالشَّيْء دون الْغُرَمَاء والأمور الْمُخْتَلفَة حقائقها قد تشترك فِي أَمر يَخُصهَا كاشتراك البيع وَالشَّرِكَة فِي اللُّزُوم فِي العقد مَعَ اخْتِلَاف حَقِيقَتهَا وَالْهِبَة وَالْحَبْس فِي الْحَوْز مَعَ اخْتِلَافهمَا أَيْضا، وَإِنَّمَا لم تدخل أذكار الْحُقُوق لِأَنَّهَا لَيست مِمَّا يُبَاع وَإِنَّمَا يُبَاع مَا فِيهَا كَذَا قيل، وَفِيه نظر إِذْ الرَّهْن يجوز فِيمَا لَا يُبَاع كالغرر على أَن الْأَذْكَار قد يُقَال إِنَّهَا تبَاع وَلَو للتسفير بهَا وَنَحْوه، وَقد صرح (ز) وَغَيره بِجَوَاز هبتها وَعَلِيهِ عمل النَّاس الْيَوْم إِمَّا لكَونهَا تبَاع لما ذكر، وَأما لكَون رَبهَا لَا يتَوَصَّل لبيع مَا فِيهَا من الْأَمْلَاك أَو الدُّيُون إِلَّا بهَا لقَوْل ناظم الْعَمَل: ونسخة خُذ من شِرَاء البَائِع لمشتر تَنْفَع فِي التَّنَازُع وافهم قَوْله فِي دين أَن الرَّهْن لَا يكون فِي المعينات وَهُوَ كَذَلِك وَلَا يرد أَخذ الرَّهْن فِي الْعَارِية لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَاتهَا بل فِي قيمتهَا إِن هَلَكت، وَاعْترض الوانوغي التَّعْرِيف الْمَذْكُور بِأَنَّهُ لَا يَشْمَل إِلَّا مَا هُوَ مَقْبُوض وَلَا خلاف أَن الْقَبْض لَيْسَ من حَقِيقَته، بل هُوَ شَرط فِي الِاخْتِصَاص بِهِ اه. واعتراضه وَارِد حَتَّى على قَول (خَ) بذل الخ. وعَلى قَول ابْن الْحَاجِب إِعْطَاء الخ لِأَن عبارتهما إِنَّمَا تَشْمَل مَا دفع، وَلما اعْترض الوانوغي ذَلِك عرفه بِأَنَّهُ عقد لَازم لَا ينْقل الْملك قصد بِهِ التَّوَثُّق فِي الْحُقُوق اه. قلت: وَلَا يَشْمَل تَعْرِيفه الضَّامِن لِأَن الشَّيْء إِنَّمَا يسلب عَمَّن شَأْنه أَن يَتَّصِف بِهِ، وَهُوَ المتمولات لِأَنَّهَا الَّتِي تتصف بانتقال الْملك تَارَة وَعَدَمه أُخْرَى أَي عقد لَازم على مُتَمَوّل لَا ينْقل الخ وَالله أعلم. وعرفه النَّاظِم بِالْمَعْنَى المصدري إِلَّا أَنه لَا يرد عَلَيْهِ مَا ورد على غَيره فَقَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 الرَّهنُ تَوْثِيقٌ بِحَقِّ المُرْتَهِنْ وَإنْ حَوى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; قَابِلَ غَيْبَةٍ ضُمِنْ (الرَّهْن) مُبْتَدأ (تَوْثِيق) خَبره والتنوين عوض عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ أَي تَوْثِيق مُتَمَوّل (بِحَق الْمُرْتَهن) يتَعَلَّق بتوثيق أَو بِمَحْذُوف صفة لَهُ أَي: الرَّهْن أَن يوثق مُتَمَوّل فِي حق الْمُرْتَهن فالتوثيق أَعم من أَن يكون بِالْعقدِ فَقَط أَو بِهِ مَعَ الْقَبْض، وَالْمرَاد بِالْحَقِّ الدُّيُون وقيم الْمُتْلفَات كَمَا مرّ. الْبُرْزُليّ عَن الغرناطي: يَصح الرَّهْن بأَرْبعَة شُرُوط. أَن لَا يكون مِمَّا لَا يجوز بَيْعه على كل حَال كالميتة، وَأَن تعاين الْبَيِّنَة قَبضه، وَأَن لَا يرجع إِلَى الرَّاهِن وَأَن يكون فِي كل شَيْء يُمكن اسْتِيفَاؤهُ من ثمن الرَّهْن لَا فِيمَا شَرطه التَّقَابُض كالصرف والتصيير وَالْإِقَالَة فِي رَأس مَال السّلم وَبيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ وَلَا فِي الْكِتَابَة وَلَا فِي الْجعل قبل الْعَمَل وَلَا كل مَا فِيهِ حد أَو قَود وَلَا فِيمَا لَا يضمن كالعارية فِيمَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ اه. قلت: وَمن الشَّرْط الأول يفهم رهن الْآبِق وَذكر الْحق دون مَا فِيهِ وَكَيْفِيَّة وثيقته أشهد فلَان أَن فِي ذمَّته لفُلَان كَذَا من ابتياع كَذَا، أَو من سلف قَبضه بالاعتراف أَو المعاينة يُؤَدِّيه ذَلِك لوقت كَذَا على أَن رهن بِيَدِهِ فِي ذَلِك. كَذَا إِن كَانَ دَارا أَو عقارا فَتذكر حُدُود ذَلِك وموضعه وَإِن كَانَ عرُوضا أَو حَيَوَانا وَصفته بِمَا لَا بدّ مِنْهُ ثمَّ تَقول: رهنا مَمْنُوعًا من الْفَوْت وأسبابه إِلَى الْوَقْت الْمَذْكُور، فَإِن وفاه دينه رَجَعَ إِلَيْهِ رَهنه وإلاَّ كَانَ بَينهمَا مُوجب الشَّرْع وَحَازَ الْمُرْتَهن الرَّهْن حوزاً تَاما مُعَاينَة بموافقة الرَّاهِن وتخليه شهد عَلَيْهِمَا الخ. وَإِن جعل لَهُ الِانْتِفَاع بِالرَّهْنِ. قلت: بعد قَوْله: وتخليه وَجعل لَهُ الِانْتِفَاع بِالرَّهْنِ طول الْمدَّة الْمَذْكُورَة لاتِّفَاقهمَا على ذَلِك فِي أصل العقد، وَإِن فوض لَهُ فِي البيع. قلت: أثر قَوْلك رَجَعَ إِلَيْهِ رَهنه وإلاَّ فقد جعل لَهُ بيع الرَّهْن الْمَذْكُور وَصدقه فِي البيع وأسبابه بِمَا يرى من الثّمن، وَكَيف يرى وَقبض الثّمن وإنصاف نَفسه دون مشورته وَلَا قَاض وَلَا إِثْبَات سداد غَابَ أَو حضر أَقَامَهُ فِي ذَلِك مقَامه فِي الْحَيَاة، ومقام الْوَكِيل الْمُفَوض إِلَيْهِ وَالْوَصِيّ بعد الْمَمَات. وَحَازَ الخ. فَإِن سقط وصف الْحَيَوَان أَو الْعرُوض أَو الْأَجَل أَو حُدُود الْعقار، وَاخْتلفَا فِي الْمَرْهُون من ذَلِك مَا هُوَ جرى على مَا يَأْتِي فِي اخْتِلَاف المتراهنين، وَقَوْلنَا: مَمْنُوعًا من الْفَوْت الخ. لزِيَادَة الْبَيَان وإلاَّ فالرهن لَا يكون إِلَّا كَذَلِك لِأَن تِلْكَ حَقِيقَته وَإِن سَقَطت الْحِيَازَة جرى على مَا يَأْتِي فِي قَوْله: والحوز من تَمَامه الخ. كَمَا يَأْتِي أَيْضا تَفْصِيل مَا يجوز فِيهِ اشْتِرَاط الْمَنْفَعَة وتفصيل مَا يجوز بَيْعه إِن جعله فِي أصل العقد عِنْد قَوْله: وَجَاز فِي الرَّهْن الخ. وَعند قَوْله: وبجواز بيع مَحْدُود الْأَجَل. الخ. وَالله أعلم. (وَإِن حوى) شَرط فَاعله ضمير يعود على الْمُرْتَهن ومفعوله مَحْذُوف (قَابل غيبَة) صفة لذَلِك الْمَحْذُوف أَي: وَإِن حَاز الْمُرْتَهن رهنا قَابل غيبَة وَهُوَ مَا عدا الْحَيَوَان وَالْعَقار من الحلى وَالْعرُوض وَغَيرهمَا وَادّعى ردّ ذَلِك أَو تلفه (ضمن) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل جَوَاب الشَّرْط وضميره للْمُرْتَهن أَي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 يضمنهُ إِن مثلِيا فَمثله، وَإِن مُقَومًا فَقيمته، وَهل تعْتَبر يَوْم الضّيَاع أَو يَوْم الارتهان؟ قَولَانِ، وَلَا بُد من يَمِينه لِأَنَّهُ يتهم على إبقائه رَغْبَة فِيهِ فَيحلف فِي دَعْوَى التّلف أَنه لقد تلف وَمَا دلّس، وَفِي الضّيَاع أَنه لقد ضَاعَ وَلَا يعلم مَوْضِعه، والتلف ذهَاب الْعين والضياع غيبتها بِسَرِقَة وَنَحْوهَا. وَظَاهره أَن الضَّمَان يسْتَمر وَلَو قبض الدّين أَو وهب وَهُوَ كَذَلِك، وَظَاهره أَنه يضمن قَابل الْغَيْبَة وَلَو شَرط الْبَرَاءَة وَهُوَ كَذَلِك. وَظَاهره كظاهر (خَ) وَابْن الْحَاجِب بطلَان الشَّرْط كَانَ فِي العقد أَو بعده وَهُوَ ظَاهر تَعْلِيل الرِّوَايَة بِأَنَّهُ خلاف السّنة كَمَا فِي الالتزامات. وَقيل مَحل الْبطلَان إِن كَانَ فِي صلب العقد لِأَن الرَّهْن حِينَئِذٍ لَهُ حِصَّة من الثّمن لَا بعده فَيعْمل بِشَرْطِهِ، وَاعْتَمدهُ بعض شرَّاح (خَ) . وَمَفْهُوم دَعْوَى أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا لم يحوه كَمَا لَو دخل على بَقَائِهِ بموضعه كزرع قَائِم فِي فدانه أَو ثَمَر على أَصله أَو فِي جرينه وأعدال فِي فندق وَنَحْو ذَلِك، وَأَحْرَى لَو وقف بيد أَمِين كَمَا يَأْتِي، وَمَفْهُوم قَابل غيبَة أَن مَا لَا يقبلهَا لَا ضَمَان عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِك وَلَو بِشَرْط ثُبُوته (خَ) : إِلَّا أَن يكذبهُ عدُول فِي دَعْوَاهُ موت دَابَّته أَو غصبهَا أَو سرقتها حضرا أَو سفرا أَو ريئت عِنْده بعد الْيَوْم الَّذِي ادّعى فِيهِ الْمَوْت وَنَحْوه فَيضمن حِينَئِذٍ لظُهُور كذبه. وَلما كَانَ الضَّمَان للتُّهمَةِ وَهِي تَنْتفِي بِالْبَيِّنَةِ على الْمَشْهُور خلافًا لأَشْهَب قَالَ النَّاظِم: مَا لَمْ تَقُمْ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَهْ لِمَا جَرى فِي شَأْنِهِ مُعَيِّنَهْ (مَا لم تقم لَهُ) أَي للْمُرْتَهن (عَلَيْهِ) أَي على رده أَو تلفه (بَينه) وَلَو شَاهدا مَعَ يَمِين (لما جرى فِي شَأْنه معينه) بِكَسْر الْيَاء الْمُشَدّدَة اسْم فَاعل صفة لقَوْله بَيِّنَة وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهَذِهِ الصّفة، (وَمَا) الأولى ظرفية مَصْدَرِيَّة، وَالثَّانيَِة مَوْصُولَة وَاقعَة على الرَّد والتلف بحرق وسرقة وَنَحْوهمَا أَي: شهِدت بمعاينة ذَلِك التّلف من حرق أَو غرق أَو قرض فار وَنَحْو ذَلِك، وَظَاهره أَن الشَّهَادَة بِتِلْكَ المعاينة كَافِيَة وَلَو لم تقل إِن النَّار وَنَحْوهَا بِغَيْر سَببه وَهُوَ كَذَلِك على الْمُعْتَمد لِأَن الأَصْل عدم التَّفْرِيط والعداء خلافًا لظاهرها مَعَ ابْن الْمَوَّاز وَفهم من قَوْله مُعينَة أَنَّهَا إِذا لم تعين ذَلِك ضمن وَلَو علم غرق أَو احتراق مَحَله الْمُعْتَاد وَضعه فِيهِ كحانوته أَو مخزنه، وَادّعى أَنه كَانَ بِهِ وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور (خَ) مبالغاً فِي الضَّمَان، وَلَو شَرط الْبَرَاءَة أَو علم احتراق مَحَله، وَأفْتى الْبَاجِيّ والمازري بِعَدَمِ الضَّمَان فِي هَذِه الْحَالة واحترزت بِقَوْلِي: وَادّعى إِنَّه كَانَ بِهِ الخ. مِمَّا إِذا أثبت أَنه كَانَ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يضمن باتفاقهما مَعَ الْغَيْر، وَمعنى ذَلِك أَنه إِذا أثبت أَنه كَانَ بذلك الْمحل قبل وَقت الْغَرق والحرق، وإلاَّ فَهُوَ المعاينة. وَالظَّاهِر إِن علم بِسَرِقَة الْمحل أَو غصبه أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 نهبه بِحَيْثُ يقطع بِأَن ذَلِك لَيْسَ من فعل الْمُرْتَهن كسرقة حوانيت أَو فناديق فأس أَو نَحْوهَا يجْرِي فِيهِ الْخلاف الْمَذْكُور، وَقد أفتى الْمَازرِيّ فِي نهب الْأَسْوَاق بِعَدَمِ الضَّمَان كَمَا فِي ضيح وَالنَّفس إِلَى مَا قَالَه الْبَاجِيّ والمازري أميل وَالله أعلم. تَنْبِيه: إِن جنى أَجْنَبِي على الرَّهْن وَأخذ الرَّاهِن قِيمَته أَو مثله فالمأخوذ رهن إِن لم يَأْتِ الرَّاهِن برهن ثِقَة، فَإِن عَفا الرَّاهِن عَن الْجَانِي نفى الدّين بِلَا رهن. وَإنْ يَكُنْ عِنْدَ أَمِينٍ وُقِفَا فَلاَ ضَمَانَ فِيهِ مَهْمَا تَلِفَا (وَإِن يكن عِنْد أَمِين) يتَعَلَّق بقوله: (وَقفا فَلَا ضَمَان فِيهِ مهما تلفا) ظَاهره كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ أم لَا، وَهُوَ كَذَلِك. وَمن دَعَا من المتراهنين إِلَى وَضعه عِنْد الْأمين أُجِيب لِأَن الرَّاهِن يَقُول: لَا أرْضى بأمانتك وَالْمُرْتَهن يَقُول: لَا أضمنه إِن كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ، وَلَا أتكلف مشقة حفظه إِن كَانَ مِمَّا لَا يُغَاب عَلَيْهِ، وَهَذَا إِذا لم يشْتَرط وَضعه عِنْد الْمُرْتَهن أَو الْأمين فِي العقد، وإلاَّ فَيعْمل بِالشّرطِ وَالْعَادَة لَيست كالشرط هَهُنَا خلافًا للخمي (خَ) : وَالْقَوْل لطَالب تحويزه لأمين، وَفِي تَعْيِينه نظر الْحَاكِم، وَإِن أسلمه إِلَى الْأمين دون إذنهما أَو دون إِذن أَحدهمَا بِأَن أسلمه للْمُرْتَهن صَحَّ أَو الرَّاهِن ضمنه إِن تلف انْظُر شرح الشَّامِل. وَالْحَوْزُ مِنْ تَمَامِهِ وَإنْ حَصَلْ وَلَوْ مُعَاراً عِنْدَ رَاهِنٍ بَطَلْ (والحوز) مُبْتَدأ خَبره (من تَمَامه) فَإِن شهِدت بَيِّنَة بالحيازة وفراغ الرَّهْن من شواغل الرَّاهِن وَشهِدت الْأُخْرَى بِأَن الرَّهْن لم يزل بِالدَّار إِلَى حِين التَّفْلِيس وَنَحْوه، وَزعم الْمُرْتَهن بِأَنَّهُ لَا علم لَهُ بِرُجُوع الرَّاهِن بَطل الْحَوْز انْظُر الْبُرْزُليّ فِي الْمديَان، وَتقدم شَيْء من ذَلِك عِنْد قَوْله: وَقدم التَّارِيخ الخ. وَظَاهر النّظم أَن الْحَوْز شَرط فِي صِحَة الرَّهْن وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ شَرط فِي الِاخْتِصَاص بِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيقدر فِي الْكَلَام حذف أَي من تَمام اخْتِصَاصه بِهِ لِأَن الرَّهْن صَحِيح حيّز أم لَا. كَمَا مر أول الْبَاب إِلَّا أَنه لَا يخْتَص بِهِ إِلَّا بالحوز قبل حُصُول الْمَانِع من موت أَو فلس أَو نَحْوهمَا. ابْن عَرَفَة: فَقَبضهُ شَرط خاصية وَهِي اخْتِصَاص الْمُرْتَهن بِهِ، ثمَّ قَالَ عَن الْمَازرِيّ: وَصفَة قَبضه بِنَقْل التَّصَرُّف فِيهِ عَن راهنه لمرتهنه بِمَا ينْقل عَنهُ بجعله تَحت يَده، وَمَا لَا كالربع يصرف التَّصَرُّف فِيهِ عَن راهنه اه. وَظَاهر النّظم أَنه يبطل بِعَدَمِ الْحَوْز وَلَو جدَّ فِي طلبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وَهُوَ كَذَلِك بِخِلَاف الْهِبَة، وَظَاهره أَيْضا مُجَرّد شَهَادَة الْبَيِّنَة بِكَوْنِهِ بِيَدِهِ قبل الْمَانِع كَاف فِي الِاخْتِصَاص بِهِ سَوَاء عَايَنت تَسْلِيمه من يَد الرَّاهِن وَهُوَ التحويز، أَو لم تعاين ذَلِك، وَإِنَّمَا رَأَيْته بِيَدِهِ قبل الْمَانِع وهما قَولَانِ. حَكَاهُمَا ابْن يُونُس وَغَيره كَمَا فِي ضيح، وَقيل لَا بُد من التحويز وَقيل يَكْفِي الْحَوْز، بل ظَاهر النّظم يَشْمَل حَتَّى وجوده بِيَدِهِ بعد الْمَانِع وَادّعى أَنه حازه قبله وَلم تشهد لَهُ بذلك بَيِّنَة إِذْ الْحَوْز وضع الْيَد على الشَّيْء المحوز، وَذَلِكَ صَادِق بالأوجه الثَّلَاثَة وبصحته فِي الْوَجْه الْأَخير. قَالَ مطرف وَأصبغ: وَالْمُعْتَمد خِلَافه (خَ) وَدَعوى الْحَوْز بعد مانعه لَا تفِيد الخ. وَمَا فِي ابْن نَاجِي فِي شرح الْمُدَوَّنَة فِي بَاب الْهِبَة عَن ابْن عَاتٍ من أَن الْعَمَل عَلَيْهِ أَي على قَول أصبغ ومطرف فِيهِ نظر. لِأَن ابْن عَاتٍ إِنَّمَا ينْقل عَن الِاسْتِغْنَاء الْعَمَل الْمَذْكُور فِي الْوَجْه الثَّانِي، وَهُوَ قَول ابْن الْمَاجشون وَاخْتَارَهُ الْبَاجِيّ كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: وَهل تَكْفِي بَيِّنَة على الْحَوْز قبله، وَبِه الْعَمَل أَو التحويز وفيهَا دليلهما وَبِه شَرحه (خَ) و (ق) وَغَيرهمَا، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْوَجْه الْأَخير لَا يحمل عَلَيْهِ النّظم لعدم الْقَائِل بترجيحه أَو جَرَيَان الْعَمَل بِهِ، وَالْمَشْهُور من الْأَوَّلين اشْتِرَاط التحويز فِي الرَّهْن بِخِلَاف الْهِبَة، وَالْفرق بَقَاء ملك الرَّاهِن فِي الرَّهْن دونهَا قَالَه ابْن عَرَفَة فِي بَاب الْهِبَة والقلشاني وَغَيرهمَا. ابْن نَاجِي: وباشتراطه الْعَمَل عندنَا الرصاع وَهُوَ الصَّحِيح. قلت: اشْتِرَاط التحويز الَّذِي هُوَ كَون الْحِيَازَة بِإِذن الرَّاهِن كَمَا فِي القلشاني وَغَيره لَا بُد أَن يكون مَا تعاينه تحويز أَي بِإِذن الْمَالِك إِن كَانَ ذَلِك الِاشْتِرَاط لأجل أَنه لَو لم يَأْذَن لم يجز لقُوَّة يَده بِبَقَاء ملكه فَوَاضِح وَإِن كَانَ يقْضِي عَلَيْهِ وَيُمكن الْمُرْتَهن من الْحِيَازَة إِن اسْتمرّ على الِامْتِنَاع حَيْثُ كَانَ الرَّهْن معينا وَإِن كَانَ غير معِين خير البَائِع فِي فسخ الْعُقُود كَمَا هُوَ الْمَنْصُوص فِيهِ. فَأَي فَائِدَة لاشتراطه إِذْ الْمُرْتَهن لَو حازه بِغَيْر إِذْنه لَكَانَ كمن فعل فعلا لَو رفع للْحَاكِم لم يفعل غَيره، وَلذَا لم يشْتَرط فِي الْمُدَوَّنَة والرسالة وَغَيرهمَا من كتب الأقدمين إِلَّا مُعَاينَة الْحِيَازَة احْتِرَازًا من الْإِقْرَار بهَا كَمَا عَلَيْهِ جمع من شرَّاح الرسَالَة كَالْقَاضِي عبد الْوَهَّاب والفاكهاني وَغَيرهمَا، وَاقْتصر عَلَيْهِ الفشتالي فِي وثائقه، وَلذَا قَالَ ابْن نَاجِي: ظَاهر الْمُدَوَّنَة عدم اشْتِرَاطه. قلت: وَهُوَ ظَاهر قَوْله تَعَالَى: فرهان مَقْبُوضَة} (الْبَقَرَة: 283) وَقَالَ الْمَازرِيّ: أَي مَشْرُوطَة الْقَبْض بِالْقَصْدِ إِخْرَاج لِلْآيَةِ عَن ظَاهرهَا بعيد من لَفظهَا، وَإِنَّمَا يظْهر القَوْل بالتحويز على قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ الْقَائِلين إِن الرَّهْن لَا يلْزم بالْقَوْل، بل بِالْقَبْضِ فَإِذا رَهنه رهنا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ سلم إِلَيْهِ الرَّهْن، فَحِينَئِذٍ يكون لَازِما وَإِن شَاءَ لَا يُسلمهُ فَلَا يكون رهنا وَلَا يلْزمه تَسْلِيمه وَبِالْجُمْلَةِ فاشتراطه مَعَ الْقَضَاء بِهِ عِنْد الِامْتِنَاع مُشكل إِذْ إِذْنه بِالْقضَاءِ كَالْعدمِ لِأَنَّهُ مقهور وَيلْزم عَلَيْهِ التحكم لِأَن التَّعْلِيل بِبَقَاء الْملك يُوجب أَن لَا يجْبر، وَلذَا اسْتدلَّ ابْن عَرَفَة على عدم اشْتِرَاطه بِكَوْن الْوَاهِب يقْضى عَلَيْهِ بالحيازة فَانْظُرْهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ لنا فِي اشْتِرَاطه إِلَّا مُجَرّد التَّقْلِيد، وَظَاهر اشْتِرَاطه أَنه لَا يَكْفِي تحويز الْأَجْنَبِيّ للْمُرْتَهن بِغَيْر إِذْنه، وَقد نَص فِي الْمُدَوَّنَة على أَن الْهِبَة لَا تصح بحوز الْأَجْنَبِيّ بِغَيْر إِذن الْمَوْهُوب لَهُ، وَالرَّهْن أَشد مِنْهَا فَقَوله: والحوز على حذف مُضَاف وَصفَة أَي: ومعاينة الْحَوْز المستمر يدل على الصّفة قَوْله: (وَإِن حصل) شَرط وضميره للرَّهْن (وَلَو معاراً) خبر كَانَ المحذوفة مَعَ اسْمهَا بعد لَو وَجَوَاب لَو مَحْذُوف لدلَالَة إِن عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 مُؤخر من تَقْدِيم (عِنْد رَاهن) يتَعَلَّق بحصل (بَطل) جَوَاب إِن أَي إِن الرَّهْن إِذا حصل عِنْد الرَّاهِن، وَمن فِي حكمه مِمَّن للرَّاهِن تسلط عَلَيْهِ كمحجوره وَزَوجته ورقيقه وَلَو مَأْذُونا أَو ذَا شَائِبَة وَمثله صديقه الملاطف بِأَيّ وَجه من عَارِية أَو إِيدَاع أَو إِجَارَة بَطل اخْتِصَاص الْمُرْتَهن بِهِ حَيْثُ حصل الْمَانِع من موت أَو فلس أَو قيام الْغُرَمَاء وَهُوَ لَا زَالَ بيد من ذكر لِأَن هَؤُلَاءِ لَا يَصح توكيلهم على حيازته، وحصوله عِنْدهم على الْوَجْه الْمَذْكُور تَوْكِيل فِي الْحَقِيقَة. أَلا ترى أَن الْإِيدَاع تَوْكِيل لحفظ مَال وَعقد الْإِجَارَة وَالْعَارِية للمحجور كعقدهما للحاجر يحولان يَده وَالزَّوْجَة كالمحجور، وَكَذَا الملاطف على الْمُعْتَمد فيهمَا من أَنه لَا يَصح توكيلهما على حوزه بِخِلَاف من لَا تسلط للرَّاهِن عَلَيْهِ كمكاتبه وَولده الرشيد الْبَائِن عَنهُ وأخيه (خَ) : وَصَحَّ بتوكيل مكَاتب الرَّاهِن فِي حوزه وَكَذَا أَخُوهُ على الْأَصَح لَا مَحْجُوره ورقيقه الخ. وَظَاهره عدم كِفَايَة حوز الْمَحْجُور وَلَو بَائِنا عَنهُ. وَقَالَ ابْن رشد: وَالْقِيَاس اسْتِوَاء الْوَلَد الصَّغِير وَالْكَبِير فِي صِحَة حيازتهما إِن كَانَا بائنين عَنهُ كاستوائهما فِي لَغْو حيازتهما إِن كَانَا ساكنين مَعَه، وَكَذَا الزَّوْجَة وَالْأَخ إِن كَانَا بائنين عَنهُ، وَنَصّ عَلَيْهِ ابْن الْمَاجشون فِي الزَّوْجَة وَكَذَا إِن كَانَا ساكنين مَعَه وحازا الرَّهْن فِي غير مَوضِع سكناهما اه بِنَقْل ابْن عَرَفَة وَمثله فِي النِّهَايَة فَالضَّمِير فِي بَطل يرجع للرَّهْن على حذف مُضَاف أَي: وَإِن حصل الرَّهْن عِنْد رَاهن أَي وَمن فِي حكمه لِأَن حُصُوله بيد فِي حكمه كحصوله بِيَدِهِ بَطل اخْتِصَاصه بالمرتهن لَا أَنه يبطل من أَصله بِدَلِيل أَنه إِن قَامَ لأَخذه مِمَّن ذكر قبل فَوته بتحبيس أَو عتق أَو رهن أَو بيع أَو قيام الْمَانِع كَانَ لَهُ ذَلِك، وَفهم مِنْهُ أَنه إِن حصل عِنْد غير الرَّاهِن وَمن فِي حكمه بِشَيْء مِمَّا ذكر فأكراه الْغَيْر للرَّاهِن أَو أَعَارَهُ إِيَّاه أَو أودعهُ إِيَّاه فَإِن الرَّهْن لَا يبطل، وَهُوَ كَذَلِك حَيْثُ لم يتهم ذَلِك الْغَيْر على أَنه اكتراه أَو أَعَارَهُ ليكريه أَو يعيره للرَّاهِن. قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَلَا يكْرِي الْمُرْتَهن الرَّهْن من قريب الرَّاهِن وَلَا لأحد من سَببه وَلَا لصديقه الملاطف وَلَا لأحد يتَوَهَّم أَن يكون اكترى ذَلِك للرَّاهِن، فَإِن أكراه لوَاحِد من هَؤُلَاءِ ثمَّ أكراه للرَّاهِن خرج الرَّهْن من الرهنية للتُّهمَةِ الدَّاخِلَة فِيهِ من إِجَازَته مِمَّن يتهم عَلَيْهِ اه. وَنَحْوه فِي النِّهَايَة قَالَ فِيهَا: وَلَا يَنْبَغِي أَي للْمُرْتَهن أَن يكريه من الرَّاهِن وَلَا لأحد يكون من سَببه بصداقة أَو قرَابَة لِئَلَّا يكْرِي الْمُكْتَرِي ذَلِك من ربه فَيخرج الرَّهْن من يَد مرتهنه للتُّهمَةِ الدَّاخِلَة فِي الرَّهْن، وَإِذا أكراه الْمُرْتَهن لأَجْنَبِيّ لَيْسَ بِذِي قرَابَة وَلَا صداقة فاكتراه الرَّاهِن من الْأَجْنَبِيّ لم يضر ذَلِك الْمُرْتَهن وَلم يوهن رَهنه اه. ففهم من هَذَا النَّص أَنه لَا خُصُوصِيَّة للكراء بِهَذَا الحكم، بل الْمدَار على التُّهْمَة وَهِي فِيمَا لَا عوض فِيهِ كالعارية وقبوله بالإيداع أقوى، وَأَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 حَيْثُ وجدت التُّهْمَة يبطل حَيْثُ أكراه للرَّاهِن كَانَ قَرِيبا أَو أَجْنَبِيّا بِدَلِيل قَوْله: وَلَا لأحد يتهم الخ. لِأَن الْعَطف يَقْتَضِي الْمُغَايرَة. وَقَوله: من هَؤُلَاءِ يَعْنِي من الْقَرِيب والملاطف وَالْأَجْنَبِيّ الْمُتَّهم فَإِن كَانَ الْأَجْنَبِيّ غير مُتَّهم فأكراه للرَّاهِن فَلَا بطلَان، وَبِه الْعَمَل قَالَه (ح) . قلت: مَا بِهِ الْعَمَل هُوَ الْمُعْتَمد. قَالَ ابْن عَرَفَة عَن ابْن الْقَاسِم: من ارْتهن دَارا ثمَّ أكراها بِإِذن رَبهَا من رجل، ثمَّ أكراها الرجل من راهنها، إِن كَانَ الرجل من سَبَب الرَّاهِن لزم الْكِرَاء وَبَطل الرَّهْن مَا دَامَت الدَّار بيد راهنها، وَإِن كَانَ أَجْنَبِيّا عَنهُ فَذَلِك جَائِز. ابْن رشد: هَذَا إِن علم أَنه من سَببه وَإِلَّا فَقَوْلَانِ مخرجان على الْقَوْلَيْنِ فِي حنث من حلف لَا بَاعَ من فلَان فَبَاعَ مِمَّن اشْترى لَهُ وَهُوَ من سَببه اه. قَالَ: وَإِنَّمَا صَحَّ الرَّهْن فِي الْأَجْنَبِيّ لِأَن الْمُرْتَهن حِينَئِذٍ مغلوب اه. قلت: وَهُوَ يدل على أَنه لَا بُد أَن يعلم بملاطفته للرَّاهِن أَو بِكَوْنِهِ مُتَّهمًا بِهِ فِيمَا مر عَن التَّبْصِرَة وإلاَّ جرى الْقَوْلَانِ. وَكَذَا يدل أَيْضا على أَنه لَا بُد أَن يعلم بِكَوْنِهِ مَحْجُورا فِي مَسْأَلَة تَوْكِيله أَو الْكِرَاء لَهُ فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَقَوله فِي النَّص: بِإِذن رَبهَا لَا مَفْهُوم لَهُ وَلَعَلَّه إِنَّمَا قَيده بِهِ لِأَن الْغلَّة للرَّاهِن، وَقد نَص أَبُو الْحسن عَن ابْن الْمَوَّاز على أَن الْمُرْتَهن لَا يكْرِي الرَّهْن إِلَّا بِإِذن الرَّاهِن إِلَّا أَن يكون على ذَلِك ارتهنه أَو يشْتَرط أَن كراءه رهن مَعَ رقبته. الْبُرْزُليّ: وَبِه الحكم. وروى ابْن عبد الحكم أَن لَهُ أَن يكريه دون إِذن ربه. أَبُو الْحسن: لِأَن الرَّاهِن لما كَانَ مَمْنُوعًا من التَّصَرُّف فِيهِ فَكَأَنَّهُ أذن للْمُرْتَهن فِي ذَلِك اه. وَقد علمت مِمَّا مر أول التَّقْرِير أَن الملاطف يبطل الرَّهْن بحصوله عِنْده، وَلَو لم يكره للرَّاهِن فَمَا فِي التَّبْصِرَة لَعَلَّه مَبْنِيّ على القَوْل الْمُقَابل فِيهِ وَهُوَ أَنه يَصح تَوْكِيله وَلَا يبطل بحصوله عِنْده، بل حَتَّى يكريه للرَّاهِن ثمَّ مَا قبل الْمُبَالغَة فِي النّظم يَشْمَل الْإِجَارَة والوديعة وَلَا يَشْمَل الْغَصْب لِأَنَّهُ لَا يبطل الرَّهْن، وَلَو فَاتَ بِعِتْق وَنَحْوه أَو قَامَ الْغُرَمَاء (خَ) : وغصب فَلهُ أَخذه مُطلقًا وَمَا تقدم من أَن للْمُرْتَهن أَخذه إِن قَامَ قبل الْفَوْت وَالْمَانِع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 مَحَله فِي الْإِجَارَة إِن انْقَضتْ مدَّتهَا أَو لم تنقض وَقَالَ: جهلت أَن ذَلِك نقض لرهني وَمثله مِمَّن يجهل وَحلف، فَحِينَئِذٍ يَأْخُذهُ إِن لم تقم الْغُرَمَاء كَمَا للخمي وإلاَّ فَلَا يَأْخُذهُ. وَفِي الْعَارِية إِن انْقَضى أجلهَا الْمَحْدُود بِزَمن كجمعة أَو عمل كإذا فرغت من حَاجَتك أَي وَلم تقم الْغُرَمَاء قبل الْأَجَل وَلَا عِنْده وإلاَّ فَهُوَ إسوتهم، وَالظَّاهِر أَنه إِن قَالَ: جهلت أَن ذَلِك نقض لرهني يجْرِي هُنَا أَيْضا. قلت: وَهَذَا الَّذِي ذكره اللَّخْمِيّ من أَنه يَأْخُذ إِن قَالَ: جهلت الخ. نَحوه لِابْنِ زرب فِيمَن وهب دَارا فأعمر فِيهَا واهبها مُدَّة حَيَاته، ثمَّ أَرَادَ الْعُمْرَى خوف بطلَان هِبته قَالَ: فَلهُ ردهَا إِن كَانَ مِمَّن يرى أَنه يجهل بطلَان هِبته وإلاَّ فَلَا. قَالَ ابْن عَرَفَة عقبه: وإبطاله الْعُمْرَى مَعَ الْجَهْل فِيهِ نظر وإلاَّ ظهر نَزعهَا من يَد الْوَاهِب وإكراؤها من غَيره لإتمام الْحَوْز كقولها فِي مُدبر الذِّمِّيّ يسلم أَنه ينْزع من يَده ويؤاجر عَلَيْهِ وَكَذَا أم وَلَده اه فَانْظُرْهُ. وَأما إِن لم تؤجل بِوَاحِد مِنْهَا بَطل الرَّهْن من أَصله (خَ) وَبَطل بعارية أطلقت وعَلى الرَّد اخْتِيَارا لَهُ أَخذه الخ. فَإِن قلت: كَيفَ تتَصَوَّر الْإِجَارَة وَالْغلَّة إِنَّمَا هِيَ للرَّاهِن؟ قيل: يحمل ذَلِك على مَا إِذا كَانَ الْمُرْتَهن اكتراه ثمَّ أكراه للرَّاهِن أَو على مَا إِذا اشْترط الْمُرْتَهن منفعَته كَمَا يَأْتِي وَكَذَا الْعَارِية. تَنْبِيهَات. الأول: مَفْهُوم قَوْله: وَإِن حصل أَنه إِذا لم يحصل لم يبطل الرَّهْن، وَلَو أذن الْمُرْتَهن للرَّاهِن فِي السُّكْنَى والاعتمار فَلم يفعل وَلَيْسَ كَذَلِك، بل يبطل بِمُجَرَّد إِذْنه كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة. الْبُرْزُليّ وَغَيره: وَبِه الحكم وَعَلِيهِ عول (خَ) حَيْثُ قَالَ: وبإذنه فِي وَطْء أَو إسكان الخ. فمفهوم المُصَنّف فِيهِ تَفْصِيل، وَإِذا بَطل الرَّهْن بِمُجَرَّد الْإِذْن بَقِي دينه بِلَا رهن وَلَيْسَ لَهُ أَخذه إِذا رَجَعَ عَن إِذْنه وَلَو قبل حُصُول الْمَانِع لِأَن عقد الرَّهْن كَمَا يلْزم بالْقَوْل يسْقط بِهِ. قَالَ الْمَازرِيّ: وَظَاهر رهون الْمُدَوَّنَة أَنه لَا يبطل بِمُجَرَّد الْإِذْن بل حَتَّى يُسلمهُ للرَّاهِن. الْبُرْزُليّ: وَهُوَ أحسن إِن شَاءَ الله. الثَّانِي: إِذا كَانَ الرَّهْن يحْتَاج لموْضِع يوضع فِيهِ فَهَل كِرَاء الْموضع على ربه أَو على الْمُرْتَهن؟ قَالَ بعض الشُّيُوخ: فَأَما الْكثير من الطَّعَام وَالْمَتَاع وَالْعدَد من العبيد فالكراء فِي ذَلِك على الرَّاهِن كَمَا قَالَه مَالك فِي الْعُتْبِيَّة: وَأما مثل الرَّأْس من العبيد وَشبهه كَالثَّوْبِ وَنَحْوه مِمَّا يحوزه الرجل فِي منزله فَقَالَ مَالك: لَا كِرَاء فِيهِ وَهُوَ معَارض لقَوْل ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة على الْأَب للحاضنة السُّكْنَى مَعَ النَّفَقَة وموافق لقَوْله فِي الدمياطية: لَا سُكْنى لَهَا فَالْخِلَاف فِي ذَلِك جَار على الْخلاف فِي الحاضنة فَيجب على هَذَا أَن ينظر فَإِن كَانَ الْمُرْتَهن اشْترط كَون العَبْد بِيَدِهِ فحازه فِي بَيته لَا يكون لَهُ كِرَاء، وَإِن كَانَ الرَّاهِن دَفعه لَهُ بطوعه كَانَ لَهُ الْكِرَاء قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. قَالَ فِيهَا أَيْضا: وَإِذا عطل الْمُرْتَهن الرَّهْن وَلم يكره حَتَّى حل الْأَجَل فَقَالَ أصبغ: لَا شَيْء عَلَيْهِ. قَالَ فضل: وَهُوَ أصل ابْن الْقَاسِم. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: يضمن كِرَاء الْمثل من يَوْم الارتهان مَا لم يكن الرَّاهِن عَالما بذلك وَلم يُنكر، وَكَذَا الْوَكِيل على الْكِرَاء يتْرك ذَلِك لَا غرم على قَول أصبغ كَمَا فِي ابْن عَرَفَة، وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الْحَبْس إِذا فرط النَّاظر فِي إكرائه وَمَا مر عَن الْمُتَيْطِيَّة من أَن قَول أصبغ هُوَ أصل ابْن الْقَاسِم مُخَالف لما فِي ابْن رَاشد أَن قَول ابْن الْمَاجشون هُوَ أصل ابْن الْقَاسِم قَالَ: وَهُوَ الْأَصَح. وَنَقله فِي ضيح مسْقطًا قَوْله وَهُوَ الْأَصَح، وَنَحْو مَا لِابْنِ رَاشد فِي شرح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 اليزناسني عِنْد قَول النَّاظِم: وَجَاز فِي الرَّهْن اشْتِرَاط الْمَنْفَعَة الخ. ثمَّ وقفت على أبي الْحسن فِي بَاب الْغَصْب قَالَ: يقوم من قَول ابْن الْقَاسِم بِأَن الْغَاصِب لَا يضمن مَا عطل من كِرَاء الدَّار أَن من وكل على ربع فَتَركه وَلم يكره لَا شَيْء عَلَيْهِ كالمرتهن إِذا ترك إِجَارَة الرَّهْن، وَيقوم من قَول ابْن الْمَاجشون فضمان مَا عطله الْغَاصِب أَن الْوَكِيل يضمن. ابْن نَاجِي: وَذكرت هَذِه الْإِقَامَة فِي درس ابْن عَرَفَة فَلم يرتض ذَلِك مفرقاً بِأَن الْوَكِيل كالمكتري وَالْمُسْتَعِير فَيلْزمهُ أَن الْوَكِيل لَهُ الْإِذْن بِخِلَاف الْغَاصِب، وَأما شَيخنَا أَبُو مهْدي فَسلم ذَلِك وَأقَام مِنْهَا مَسْأَلَة أُخْرَى وَهُوَ أَنه يلْزم الْوَصِيّ الْغرم إِذا بور ربع الْيَتِيم وَقد وجد من يكريه، وَقد نَص ابْن سهل على عدم الْغرم اه. وَبِه تعلم أَن مَا قَالَه المتيطي من أَن أصل ابْن الْقَاسِم مُوَافق لأصبغ هُوَ الصَّوَاب وَتَأمل عدم تَسْلِيم ابْن عَرَفَة للإقامة الْمَذْكُورَة مَعَ أَنه درج عَلَيْهَا فِي بَاب الرَّهْن كَمَا تقدم عَنهُ قَرِيبا وَإِقَامَة أبي مهْدي جَارِيَة على قَول ابْن الْمَاجشون، وَنَصّ ابْن سهل جَار على قَول ابْن الْقَاسِم. الثَّالِث: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة أَيْضا: وَإِذا كَانَ فِي الدَّار بيتان فسكن رَبهَا وَاحِدًا وَرهن الثَّانِي وَمَا يَلِيهِ من الدَّار فأكراه الْمُرْتَهن أَو أغلقه فَذَلِك رهن مَقْبُوض إِذا حد لَهُ نصف الدَّار، وَإِن سمي النّصْف يُرِيد مَعَ تَسْمِيَة الْبَيْت وَلم يحده كَانَ أَيْضا حوزاً. قَالَ بَعضهم: وَهُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة. وَقَالَ أصبغ: وَاسْتَحْسنهُ فضل اه. فيفهم مِنْهُ أَنه إِذا لم يحد لَهُ النّصْف وَلَا سمى لَهُ الْبَيْت بَطل الْحَوْز وَعَلِيهِ فَمَا يَقع كثيرا فِي هَذَا الأوان من رهن بعض الْبيُوت من غير تَحْدِيد وَلَا تَسْمِيَة بَاطِل وَلَا مَفْهُوم لِلنِّصْفِ بل الرّبع الْمَحْدُود وَنَحْوه كَذَلِك وَالله أعلم. وَالْعَقْدُ فِيه لِمُسَاقَاةٍ وَمَا أَشْبَهَهَا حَوْزٌ وَإنْ تَقَدَّمَا (وَالْعقد) مُبْتَدأ (فِيهِ) أَي فِي الرَّهْن يتَعَلَّق بالمبتدأ وَكَذَا قَوْله: (لمساقاة وَمَا أشبههَا) مِمَّا فِيهِ مُعَاوضَة كإجارة وكراء لَا نَحْو إِعَارَة أَو إرفاق لِأَنَّهُ هَدِيَّة مديان فَإِن وَقعا وَحَازَ بهما فَالظَّاهِر أَن ذَلِك حوز وَيرد الْمَنَافِع، وَهَذَا إِن تأخرا عَن الرَّهْن لَا إِن تقدما فَيجوز، وَكَذَا الْوَدِيعَة تجوز مُطلقًا فَإِن كَانَ الشَّيْء وَدِيعَة عِنْد شخص فَيجوز رَهنه لآخر بِشَرْط أَن يرْهن جَمِيعه وَأَن يعلم بذلك الْمُودع فيحوزها للْمُرْتَهن، وَيجوز أَن تكون مَا مَوْصُولَة أَو مَصْدَرِيَّة وعَلى كل حَال معطوفة على مُسَاقَاة (حوز) خبر الْمُبْتَدَأ وَالْوَاو فِي قَوْله: (وَإِن تقدما) وَاو النكاية وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف لدلَالَة مَا تقدم عَلَيْهِ أَي هَذَا إِن تَأَخَّرت الْمُسَاقَاة وَشبههَا عَن الرهنية، بل وَإِن تقدما. وَظَاهره أَن العقد فِيهِ بِمَا ذكر حوز سَوَاء كَانَ الْعَاقِد هُوَ الرَّاهِن أَو الْأمين الْمَوْضُوع عِنْده الرَّهْن وَهُوَ كَذَلِك. ابْن الْقَاسِم: من رهن حَائِطه فَوَضعه عِنْد أَمِين فعقد الْأمين فِيهِ الْمُسَاقَاة لرب الدّين جَازَ وَنَقله ابْن عَرَفَة وَغَيره، وَإِذا جَازَت مُسَاقَاة الْأمين للْمُرْتَهن مَعَ أَنه نَائِب عَن الرَّاهِن فَكيف بجوازها من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 الرَّاهِن للْمُرْتَهن فَلَا معنى لتوقف (م) ، على أَن ابْن سَلمُون قد صرح بذلك وَأَصله لِابْنِ عَاتٍ كَمَا فِي الْبُرْزُليّ، لَكِن لَا بُد أَن يساقيه أَو يكريه بِغَيْر مُسَامَحَة وَإِلَّا جرى على مبايعة الْمديَان وَإِنَّمَا نَص النَّاظِم على هَذِه الْمَسْأَلَة وَإِن كَانَت دَاخِلَة تَحت الْبَيْت قبله إِذْ العقد بِمَا ذكر غير كَاف بِمُجَرَّدِهِ، بل لَا بُد من الْحِيَازَة بِالْفِعْلِ للرَّدّ على قَول مَالك فِي الْمُوازِية أَن من ارْتهن مَا فِي يَده بمساقاة أَو كِرَاء قبل فرَاغ أَجله لَا يكون محوزاً للرَّهْن لِأَنَّهُ محوز قبل ذَلِك بِوَجْه آخر، وَلذَا بَالغ عَلَيْهِ النَّاظِم وَاقْتصر عَلَيْهِ (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَالْمُسْتَأْجر والمساقي وحوزهما الأول كَاف لِأَن هَذِه الصُّورَة هِيَ مَحل الْخلاف فَهِيَ الْمَقْصُودَة بالتنصيص، وأشعر قَوْله حوز أَي حوز الْمُرْتَهن لِأَن الْكَلَام فِي حوزه أَنه إِن عقد مَا ذكر لغيره وَغير نَائِبه لَا يخْتَص بِهِ لِأَن هَذَا الْغَيْر حائز لحق نَفسه، وَسَوَاء تقدم عقد الرَّهْن على الْمُسَاقَاة وَنَحْوهَا أَو تَأَخّر بِدَلِيل التَّعْلِيل الْمَذْكُور. نعم نَص فِي الْمُوازِية على أَن الْمُرْتَهن إِذا جعل مَعَ ذَلِك الْغَيْر رجلا يحوز لَهُ أَو جعلا الرَّهْن تَحت يَد من يرضيانه صَحَّ، وَيفهم مِنْهُ أَنه لَا تصح حِيَازَة ذَلِك الْغَيْر وَلَو بتوكيل الْمُرْتَهن وَهُوَ كَذَلِك. قَالَ مَالك: جعله بيد المساقي أَو أجِير لَهُ يبطل رَهنه، ثمَّ اعْلَم أَنه يشْتَرط فِي الْمَرْهُون فِيهِ أَن يكون دينا فِي الذِّمَّة لَازِما أَو آيلاً للُزُوم فَتخرج الْأَمَانَة كالقراض والمعينات ومنافعها، فَلَا يَصح الرَّهْن فِي الْعَارِية وَلَا فِي مَنَافِع دَابَّة مُعينَة وَإِن وَقع فَهُوَ فِيهِ أُسْوَة الْغُرَمَاء، وَمَا ورد من أَنه يَصح فِي الْعَارِية فَمَعْنَاه أَنه فِي قيمتهَا إِن هَلَكت كَمَا مرّ. وَدخل بالآيل للُزُوم الْجعل وَالْإِجَارَة وَنَحْوهمَا فَيجوز أَن تجاعله على طلب الْآبِق وتدفع لَهُ قبل الْعَمَل رهنا فِيمَا يجب لَهُ من الْجعل إِن تمّ الْعَمَل، وَلَيْسَ لَك أَن تَأْخُذ مِنْهُ رهنا فِي الْعَمَل لِأَنَّهُ لَيْسَ لَازِما وَلَا آيلاً إِلَيْهِ إِذْ لَا يلْزمه وَلَو بعد الشُّرُوع وَبِهَذَا تعلم مَا فِي كَلَام الغرناطي الْمُتَقَدّم، وَكَذَا يجوز أَن تدفع رهنا الْآن فِيمَا تقترضه فِي الْمُسْتَقْبل لِأَنَّهُ يؤول للُزُوم (خَ) : وارتهن أَن اقْترض أَو بَاعَ أَو يعْمل لَهُ، وَإِن فِي جعل لَا فِي معيّن أَو مَنْفَعَة وَنجم كِتَابَة من أَجْنَبِي الخ. وَأما شَرط الْمَرْهُون فَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بقوله: وَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ مَا يُرْتَهَنُ مِمَّا بِهِ اسْتِيفَاءُ حَقَ يُمْكِنُ (وَالشّرط) مُبْتَدأ وأل فِيهِ عوض عَن الضَّمِير أَي وَشَرطه أَي شَرط صِحَة عقده، وَيجوز أَن يكون على حذف الْمُتَعَلّق أَي وَالشّرط فِيهِ أَي فِي صِحَة العقد عَلَيْهِ (أَن يكون مَا) مَوْصُول اسْم يكون (يرتهن) بِضَم الْيَاء وَفتح الْهَاء ونائبه يعود على الْمَوْصُول (مِمَّا) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 (بِهِ) يتَعَلَّق بالمبتدأ الَّذِي هُوَ (اسْتِيفَاء حق) وَالْبَاء بِمَعْنى من وَيجوز أَن يتَعَلَّق بقوله: (يُمكن) بِضَم الْيَاء خبر عَن اسْتِيفَاء وَهُوَ أظهر، وَالْجُمْلَة صلَة الْمَوْصُول الثَّانِي، وَالْجُمْلَة من كَانَ وَاسْمهَا خبر الأول أَي شَرط صِحَة الرَّهْن أَن يكون الْمَرْهُون مِمَّا يُمكن اسْتِيفَاء الْحق مِنْهُ أَو من ثمنه أَو من ثمن مَنَافِعه قَالَه ابْن شَاس وَغَيره، فَالْأول كالدراهم وَالدَّنَانِير المطبوع عَلَيْهَا، وَالثَّانِي كالعروض وَالْحَيَوَان وَالْعَقار وَلَو فِي بعض الْأَوْقَات ليدْخل الْآبِق وَنَحْوه، وَالثَّالِث كالمدبر أَي ويستوفي الدّين من خراجه كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة وَلَا سَبِيل إِلَى بيع الْمُدبر قبل موت السَّيِّد فِي الدّين الْمُتَأَخر عَن التَّدْبِير حَيْثُ لم تف غَلَّته بِهِ بِخِلَاف السَّابِق عَلَيْهِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَيجوز رهن رقبته فِي الدّين الْمُتَأَخر على أَن تبَاع بعد الْمَوْت، وَفِي السَّابِق على أَن تبَاع مُطلقًا لبُطْلَان التَّدْبِير كَمَا قيل: وَيبْطل التَّدْبِير دين سبقا إِن سيد حَيّ وَإِلَّا مُطلقًا وَإِن رَهنه وَلم يشْتَرط شَيْئا فَالظَّاهِر الصِّحَّة، وَيحمل فِي الْمُتَأَخر على مَا بعد الْمَوْت وَفِي السَّابِق على الْإِطْلَاق، وَكَذَا يجوز رهن غلَّة الدَّار والغلام وتحاز بحوز الرَّقَبَة لِأَن قبض الْغلَّة إِنَّمَا يكون بِقَبض أُصُولهَا وَنَفَقَة الْغُلَام على الرَّاهِن، وَإِنَّمَا على الْمُرْتَهن مُجَرّد التَّوْلِيَة لِئَلَّا تجول يَد الرَّاهِن وتوضع تِلْكَ الْغلَّة عِنْد أَمِين أَو عِنْد الْمُرْتَهن ويطبع عَلَيْهَا إِن لم تعرف بِعَينهَا، ثمَّ لَا يكون للْمُرْتَهن من قيام الْغُرَمَاء إِلَّا الْغلَّة خَاصَّة، وَكَذَا يُقَال بِالْوَضْعِ فِي خراج الْمُدبر وَالله أعلم. فَلَو كَانَت الدَّار أَو العَبْد حبسا على الرَّاهِن جَازَ لَهُ رهن غلتهما لَا رقبتهما فَإِن وَقع وَرهن الرَّقَبَة وَظهر بعد الرهنية حبسهما، فَهَل ينْتَقل الرَّهْن لغلتهما؟ قَولَانِ. وَقد قَالَ ناظم الْعَمَل: وَرهن مَنْفَعَة حبس جَائِز مِمَّن لَهُ وَهُوَ لأصل حائز فَخَارِجٌ كالخَمْرِ باتِّفَاقِ وَدَاخِلٌ كَالْعَبْدِ ذِي الإِبَاقِ (فخارج) عَن الضَّابِط الْمَذْكُور مَا لَا يُمكن الِاسْتِيفَاء مِنْهُ شرعا (كَالْخمرِ) وَالْخِنْزِير وَظَاهره سَوَاء كَانَا لمُسلم ورهنهما عِنْد مُسلم أَو ذمِّي لذِمِّيّ ورهنهما عِنْد مُسلم فَيبْطل الرَّهْن (بِاتِّفَاق) وإراق الْحَاكِم الْخمر على مَالِكهَا الْمُسلم وَيبقى الدّين بِلَا رهن حَيْثُ وَقع العقد عَلَيْهَا بِعَينهَا فَإِن تخللت كَانَ الْمُرْتَهن أَحَق بهَا وَلَا تراق على مَالِكهَا الذِّمِّيّ، بل ترد إِلَيْهِ وَالْمُرْتَهن أُسْوَة الْغُرَمَاء فِيهَا وَلَو قبضهَا قبل الْمَانِع لعدم جَوَاز ذَلِك فِي الأَصْل كَمَا لأَشْهَب، وأدخلت الْكَاف جلد الْميتَة الَّذِي لم يدبغ اتِّفَاقًا أَو دبغ على الْمَشْهُور، وَكَذَا يدْخل جلد الْأُضْحِية والجنين على الْمَشْهُور وَالثَّمَرَة الَّتِي لم تخلف وَالزَّرْع الَّذِي لم يظْهر، وَنَحْو ذَلِك لِكَثْرَة الْغرَر فِي الْجَنِين وَمَا بعده على ظَاهر الْمُدَوَّنَة. وَقَالَ ابْن حَارِث: اتّفق ابْن الْقَاسِم وَابْن الْمَاجشون على جَوَاز ارتهان الثَّمَرَة الَّتِي لم تظهر وَمثلهَا الزَّرْع الَّذِي لم يظْهر. ابْن عَرَفَة: وَهُوَ ظَاهر الرِّوَايَات اه. فالراجح فِي الزَّرْع وَالثَّمَرَة الْجَوَاز مُطلقًا قَالَه ابْن رحال فِي الشَّرْح. (وداخل) فِي الضَّابِط الْمُتَقَدّم (كَالْعَبْدِ فِي الآباق) لِأَنَّهُ يُمكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 الِاسْتِيفَاء مِنْهُ فَيُبَاع إِذا قبض. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَيجوز رهن مَا لَا يجوز بَيْعه فِي وَقت وَيجوز بَيْعه فِي وَقت آخر وأدخلت الْكَاف الْبَعِير الشارد وَالثَّمَرَة الَّتِي لم يبد صَلَاحهَا بِهِ وَالَّتِي لم تظهر على مَا تقدم أَنه الرَّاجِح بِخِلَاف الْجَنِين فَلَا يجوز لقُوَّة الْغرَر فِيهِ بِاحْتِمَال وجوده وَعَدَمه والآبق مَوْجُود، وَمحل الْمَنْع فِيهِ إِن كَانَ رَهنه فِي صلب العقد وإلاَّجاز بِلَا خلاف، وَلَا يتم الْحَوْز فِي ذَلِك إِلَّا بِقَبض الْآبِق والشارد قبل الْمَانِع وَيقبض رَقَبَة النّخل وَالْأَرْض ويتولى الْمُرْتَهن أَو نَائِبه سقِِي النّخل وعلاج الزَّرْع وَأجر السَّقْي على الرَّاهِن كَمَا أَن عَلَيْهِ نَفَقَة العَبْد وَالْبَعِير الشارد، وَإِنَّمَا تولى الْمُرْتَهن ذَلِك لِئَلَّا تجول يَد الرَّاهِن، وَإِنَّمَا جَازَ الْغرَر فِي نَحْو الْآبِق لِأَن الْقَاعِدَة أَن كل مَا جَازَ بِغَيْر عوض جَازَ فِيهِ الْغرَر كَالطَّلَاقِ وَالْهِبَة وَالرَّهْن، فَإِذا لم يظفر بالآبق وَنَحْوه فَكَأَنَّهُ طلق بِغَيْر عوض أَو بَاعَ بِلَا رهن ابْتِدَاء وَذَلِكَ جَائِز، وأدخلت الْكَاف الدّين أَيْضا فَإِنَّهُ يجوز رَهنه سَوَاء كَانَ على الْمُرْتَهن أَو على غَيره، لَكِن إِن كَانَ على الْغَيْر فَلَا بدّ من قبض وَثِيقَة ليتم الْحَوْز وَإِن لم تكن وَثِيقَة اكْتفى بِالْإِشْهَادِ، وَلَا يشْتَرط إِقْرَار ذَلِك الْغَيْر بِالدّينِ وَلَا حُضُوره وَلَا كَونه مِمَّن تَأْخُذهُ الْأَحْكَام بِخِلَاف البيع فِي ذَلِك وَالْفرق أَن الْغرَر فِي الرَّهْن جَائِز كَمَا مرّ. تَنْبِيه: إِذا أدّى شخص خراجاً على ربع لِئَلَّا يَأْخُذهُ السُّلْطَان وربه غَائِب، فالمؤدي للخراج مقدم على الْغُرَمَاء إِذْ لَوْلَا الْخراج لأخذ الْغَاصِب الرباع كمن فدى مَتَاعه من أَيدي اللُّصُوص فَهُوَ أَحَق بِهِ. قَالَه التّونسِيّ وَغَيره انْظُر الْبُرْزُليّ. وَجَازَ فِي الرَّهْنِ اشْتِرَاطُ المَنْفَعَهْ إلاَّ فِي الأشْجَارِ فَكُلٌّ مَنَعَهْ (وَجَاز فِي الرَّهْن اشْتِرَاط المنفعه) فَاعل جَازَ وَفِي الرَّهْن يتَعَلَّق بِهِ (إِلَّا) حرف اسْتثِْنَاء والمستثنى مِنْهُ الْعُمُوم الَّذِي فِي أل الاستغراقية أَي جَازَ اشْتِرَاط الْمَنْفَعَة فِي كل رهن إِلَّا اشْتِرَاطهَا (فِي) رهن (الْأَشْجَار فَكل) مُبْتَدأ سوغه الْعُمُوم وَجُمْلَة (مَنعه) خَبره بِخِلَاف الدَّار وَالْأَرْض وَنَحْوهمَا فَيجوز اشْتِرَاط منفعتهما مجَّانا إِذا ارتهنهما فِي ثمن سلْعَة بَاعهَا لَهُ إِلَى أجل مَعْلُوم وَذَلِكَ بيع وَإِجَارَة لِأَن بعض السّلْعَة فِي مُقَابلَة الثّمن وَهُوَ بيع وَبَعضهَا الآخر فِي مُقَابلَة الْمَنْفَعَة وَهُوَ إِجَارَة فتشترط شُرُوطهَا الَّتِي أَشَارَ لَهَا (خَ) : فِي قَوْله بِمَنْفَعَة تتقوم قدر على تَسْلِيمهَا بِلَا اسْتِيفَاء عين قصدا وَلَا حظر الخ. وَلذَا منعت فِي الْأَشْجَار وَلبن الْحَيَوَان لما فِيهَا من اسْتِيفَاء الْعين وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 الثَّمَرَة وَاللَّبن وَلَيْسَ إِجَارَة إِذْ هُوَ بيع ذَات لم تُوجد أَو لم يبد صَلَاحهَا إِلَّا أَن تكون الثَّمَرَة الَّتِي فِي شجر الدَّار أَو الأَرْض الْمَرْهُونَة تبعا كَمَا قَالَ (خَ) : واغتفر مَا فِي الأَرْض مَا لم يزدْ على الثُّلُث بالتقويم وكما يَأْتِي فِي بَاب الْكِرَاء عِنْد قَوْله: وَغير بَادِي الطّيب إِن قل اشْترط الخ. وَمِثَال الْحَظْر أَن ترهن عبدا كَافِرًا وتشترط منفعتك فِيهِ فِي كنس الْمَسَاجِد وَحمل الْمَصَاحِف وَمحل الْمَنْع فِي الْأَشْجَار إِذا ارتهنت وَحدهَا أَو مَعَ الأَرْض وَلم تكن تبعا، وَإِلَّا جَازَ اشْتِرَاطهَا كَمَا يَأْتِي فِي الْكِرَاء وَمَا تقدم من جَوَاز اشْتِرَاطه مَنْفَعَة الأَرْض إِنَّمَا ذَاك إِذا كَانَت مَأْمُونَة الرّيّ أَو غير مَأْمُونَة بعد الرّيّ كعام وَاحِد، وَكَانَت مَرْهُونَة فِي ثمن غير الطَّعَام وَلَا أدّى لكراء الأَرْض بِالطَّعَامِ قَالَه أَبُو الْحسن. وَمحل الْجَوَاز الَّذِي فِي المُصَنّف إِن اشْترطت فِي عقد البيع مجَّانا كَمَا قَررنَا أَو لتحسب من الدّين على أَن مَا بَقِي مِنْهُ بعد الْأَجَل يعجل لَهُ لَا إِن كَانَ مَا بَقِي يَسْتَوْفِيه من الْمَنْفَعَة أَو يَأْخُذ فِيهِ شَيْئا مُؤَجّلا فَيمْتَنع للدّين بِالدّينِ، فَإِن كَانَ مَا بَقِي يتْرك للرَّاهِن لم يجز وَإِن لم يتعرضا لما بَقِي بتعجيل وَلَا غَيره امْتنع فِيمَا يظْهر لِأَن الأَصْل عدم التَّعْجِيل. وَقَوله فِي الْمُدَوَّنَة: لَا يجوز فِي عقد البيع اشْتِرَاط أَخذ الْغلَّة فِي الدّين إِذْ لَا يدْرِي مَا يَقْتَضِي أيقل أم يكثر، وَقد تنهدم الدَّار قبل أَن يَنْقَضِي أمد الْكِرَاء الخ. مَعْنَاهُ إِذا كَانَ الْأَجَل غير معِين وَلم يشْتَرط عَلَيْهِ أَنه إِن لم يوف وفى لَهُ من غَيره أَو بَاعه ووفاه وَإِلَّا جَازَ كَمَا مرّ قَالَه خش فِي كبيره وَظَاهر هَذَا وَلَو تطوع بالاحتساب من الدّين بعد العقد وَصرح بِهِ القلشاني فِي شرح الرسَالَة، وَحِينَئِذٍ فَإِذا كَانَ مَا بَقِي يتْرك للرَّاهِن فَلَا يمْنَع فِيمَا إِذا تطوع بعد العقد وَالله أعلم. وَفهم من قَوْله اشْتِرَاط أَن الشَّرْط وَقع فِي صلب العقد فَلَو تطوع لَهُ بهَا بعده منعت لِأَنَّهَا هَدِيَّة مديان فَإِن دفع فِيهَا عوضا جرت على مبايعة الْمديَان قَالَه اللَّخْمِيّ، ثمَّ اسْتثْنى من الْمَنْع قَوْله: إلاَّ إذَا النَّفْعُ لِعَامٍ عُيِّنَا وَالْبَدْوُ لِلصَّلاَحِ قَدْ تَبَيَّنَا (إِلَّا إِذا) ظرف مُسْتَقْبل (النَّفْع) فَاعل بِفعل مُقَدّر يفسره عينا آخر الشّطْر (لعام) يتَعَلَّق بقوله: (عينا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (والبدو) مُبْتَدأ مصدر بدا إِذا ظهر (للصلاح) يتَعَلَّق بِهِ وَجُمْلَة (قد تَبينا) خبر الْمُبْتَدَأ وَالْجُمْلَة حَالية مقرونة بِالْوَاو وَإِنَّمَا جَازَ الِاشْتِرَاط مَعَ بَدو الصّلاح لِأَنَّهُ مَحْض بيع إِذْ السّلْعَة مبيعة بِالثّمن وَالثَّمَرَة، وَمحل الْجَوَاز إِذا كَانَ الْمَبِيع غير طَعَام وَإِلَّا امْتنع لما فِيهِ من بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ نَسِيئَة ثمَّ عطف على الْمَمْنُوع وَهُوَ قَوْله فِي الْأَشْجَار فَقَالَ: وَفِي الَّذِي الدَّيْنُ بِهِ مِنْ سَلَفِ وَفِي الَّتِي وَقْتَ اقْتِضَائِهَا خَفِي (و) إِلَّا (فِي) الرَّهْن (الَّذِي الدّين) مُبْتَدأ (بِهِ) خَبره وباؤه ظرفية وضميره للرَّهْن الْمَوْصُوف بالموصول وَكَأَنَّهُ من بَاب الْقلب أَي وَإِلَّا الدّين الَّذِي الرَّهْن فِيهِ (من سلف) حَال من الدّين، وَيجوز أَن تكون الْبَاء بِمَعْنى (مَعَ) وَإِنَّمَا منع لِأَنَّهُ سلف بِمَنْفَعَة فَإِن اشْترط أَن يحْتَسب بِهِ من دينه جَازَ حَيْثُ لم يُؤَجل السّلف، وَكَانَ إِن لم يوف بَاعَ الرَّهْن ووفاه أَو وفاه من غَيره، وَكَذَا إِن أجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 وَكَانَ مَا بَقِي يعجل عِنْد أَجله أَو يتْرك للرَّاهِن وَإِلَّا امْتنع لِأَن مَا بَقِي يفسخه فِي مَنَافِع يتَأَخَّر قبضهَا، فَإِن وَقع وَاشْترط الْمَنْفَعَة على الْوَجْه الْمَمْنُوع فَفِي البيع يجْرِي على حكم البيع الْفَاسِد فَيرد إِن لم يفت وَلَا غلَّة، وَفِي الْقَرْض يرد بدلهَا وَكَذَا فِي البيع إِن تطوع لِأَنَّهَا هَدِيَّة مديان وَيبْطل الِاخْتِصَاص بِهِ فِي كل مِنْهُمَا وَيضمن ضَمَان الرِّهَان إِن تلف، وَكَذَا يضمن فِي اشْتِرَاط الْمَنْفَعَة على الْوَجْه الْجَائِز على الرَّاجِح، ثمَّ عطف على الْمُسْتَثْنى الْمَذْكُور أَيْضا فَقَالَ: (و) إِلَّا (فِي) الْمَنْفَعَة (الَّتِي وَقت) مُبْتَدأ (اقتضائها) مُضَاف إِلَيْهِ أَي استيفائها (خَفِي) صفة مشبهة خبر الْمُبْتَدَأ وَالْجُمْلَة صلَة، وَذَلِكَ كاشتراطها فِي رهن الثِّيَاب وَالْحَيَوَان لاخْتِلَاف الِاسْتِعْمَال فَلَا يدْرِي كَيفَ ترجع إِلَيْهِ وَهَذَا أحد قولي مَالك فِي الْمُدَوَّنَة. وَعنهُ فِيهَا أَيْضا لَا بَأْس بذلك فِي الثِّيَاب وَالْحَيَوَان وَغَيرهمَا لِأَن ذَلِك إِجَارَة، وَبِه قَالَ ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب وَأصبغ وَهُوَ الْمُعْتَمد، وَلذَا أطلق (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَجَاز شَرط مَنْفَعَة إِن عينت بِبيع لَا قرض وَفِي ضَمَانه إِذا تلف تردد الخ. وَقَوله: إِن عينت أَي حدت مدَّتهَا بِزَمن يجوز كِرَاء الْمَرْهُون إِلَيْهِ إِذْ الْإِجَارَة لَا بُد لَهَا من أجل وَظَاهره زَاد أجلهَا على أجل الدّين أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك كَمَا صرح بِهِ فِي الْكَافِي وَنَقله ابْن عَرَفَة. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا كَانَ اشْتِرَاط الْمَنْفَعَة من بَاب الْإِجَارَة جرت فِيهَا أَحْكَامهَا الَّتِي من جُمْلَتهَا أَن الْمَنْفَعَة إِذا تعطلت بهدم الدَّار وَنَحْوه لم يجْبر الرَّاهِن على الْإِصْلَاح وَكَانَ الْخِيَار للْمُرْتَهن فِي أَن يفْسخ عَن نَفسه، وَإِذا فسخ وَجب لَهُ الرُّجُوع بِقدر مَا يَنُوب الْمَنْفَعَة فِيمَا خرج من يَده لَا بِقِيمَة الْمَنْفَعَة وَلَا يصدق فِي ذَلِك التعطيل ليسقط عَنهُ الْأُجْرَة إِلَّا بِبَيِّنَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 الثَّانِي: إِذا أَرَادَ الْمُرْتَهن شِرَاء الدَّار الْمَرْهُونَة المشترطة مَنْفَعَتهَا قبل الْأَجَل مقاصة، فَلَا يجوز لِأَن الْمُقَاصَّة لَا تجوز إِلَّا بعد حُلُول الدينَيْنِ قَالَه الْبُرْزُليّ. بعد نَحْو كراسين من صُدُور الْبيُوع وَقَالَ فِي الرهون عَن ابْن شُعَيْب: لَا يجوز ذَلِك لِأَنَّهُ فسخ دينه فِي دَار لَا تقبض إِلَّا بعد تَمام مُدَّة الْمَنْفَعَة، وَأما إِن كَانَ شراه مبتدءاً أَي مُسْتقِلّا بِلَا شَرط مقاصة فَإِن كَانَ على أَن تبقى الدَّار مَرْهُونَة فِي الْحق إِلَى الْأَجَل فَإِذا طُولِبَ بِالْحَقِّ أدّى مِنْهَا أَو من بَعْضهَا وَإِلَّا تمّ البيع فِيهَا فَلَا يجوز أَيْضا لِأَنَّهُ غرر تَارَة بيعا وَتارَة سلفا، وَإِن كَانَ على إبِْطَال حَقه فِي الرَّهْن دون الْمَنْفَعَة فَهُوَ جَائِز كَالْأَجْنَبِيِّ إِن كَانَ أمد الِانْتِفَاع قَرِيبا لَا يتَغَيَّر الْبُنيان فِيهِ وَلَيْسَ البيع فِيهَا فسخا للكراء لِأَن مُتَعَلق البيع الْعين والكراء الْمَنْفَعَة، وَلَا ينْتَقل الْملك فِي الْعين إِلَّا بعد تَمام مُدَّة الْكِرَاء إِذْ لَا تَقْتَضِي الْمَنَافِع من الْعين إِلَّا على ملك مَالِكهَا. قَالَ: وَعَن بعض الْأَشْيَاخ أَن نفس عقد البيع فسخ للكراء اه. فَقَوله: وَلَا ينْتَقل الْملك فِي الْعين يُعَارضهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ عِنْد قَول (خَ) فِي الْإِجَارَة وَبيع دَار لتقبض بعد عَام فَإِن ضَمَانهَا من المُشْتَرِي وَذَلِكَ يدل على أَن ملكهَا انْتقل إِلَيْهِ. وَقَوله: عَن بعض الْأَشْيَاخ هَذَا إِذا اشْتَرَاهَا الْمُكْتَرِي لَهَا لَا الْأَجْنَبِيّ وإلاَّ فَلَا يَنْفَسِخ وَيثبت للْمُشْتَرِي الْخِيَار إِن لم يعلم بِأَنَّهَا مكتراة وَمَا ذكره عَن بعض الْأَشْيَاخ هُوَ الْمعول عَلَيْهِ كَمَا يفهم من كَلَام (ح) عِنْد قَوْله: واستئجار مؤجر وَإِنَّمَا امْتنعت الْمُقَاصَّة قبل الْحُلُول لِأَن من عجل مَا أجل يعد مسلفاً فالبائع فِي الْمَسْأَلَة مسلف بِشَرْط الشِّرَاء فَهُوَ سلف وَبيع بِالنّظرِ للمقاصة وَفسخ بِالنّظرِ للتصيير فِي الدّين، لَكِن قد علمت أَن الْفَسْخ إِنَّمَا يَأْتِي إِذا قُلْنَا أَن ضَمَانهَا لَا ينْتَقل إِلَّا بعد تَمام الْمدَّة وَفِيه مَا رَأَيْت فَالْأَقْرَب الِاقْتِصَار على التَّعْلِيل الأول وَالله أعلم. وَبِجَوَازِ بَيْعٍ مَحْدُودِ الأَجَلْ مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَاهِنٍ جَرَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; العَمَلْ (وبجواز بيع) الرَّهْن (مَحْدُود الْأَجَل من غير إِذن رَاهن) يتَعَلَّق بِجَوَاز أَو بِبيع وَالْمَجْرُور الأول يتَعَلَّق بقوله: مَعْ جَعْلِهِ ذَاكَ لَهُ وَلَمْ يَحِنْ دَيْنٌ وَلاَ بِعُقْدَةِ الأصْلِ قُرِنْ (جرى الْعَمَل مَعَ جعله) يتَعَلَّق بِجَوَاز أَو بِبيع أَو باحتياج الْمُقدر قبل إِذن وَالضَّمِير الْمُضَاف إِلَيْهِ الْمصدر للرَّاهِن (ذَاك) مفعول أول بِجعْل وَالْإِشَارَة للْبيع (لَهُ) فِي مَحل الْمَفْعُول الثَّانِي، وضميره للمأذون لَهُ من مُرْتَهن أَو أَمِين (وَلم يحن دين) فَاعل أَي لم يَأْتِ أَجله وَالْجُمْلَة حَال من الضَّمِير الْمُضَاف إِلَيْهِ جعل (وَلَا بعقدة الأَصْل) يتَعَلَّق بقوله: (قرن) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه للجعل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 وَالْجُمْلَة حَالية أَيْضا معطوفة على الْجُمْلَة قبلهَا، وَالتَّقْدِير جرى الْعَمَل بِجَوَاز بيع الْمُرْتَهن أَو الْأمين الرَّهْن بعد أَجله من غير احْتِيَاج لإذن رَاهن ثَانِيًا مَعَ جعل الرَّاهِن ذَلِك البيع لمن ذكر، وَالْحَال أَنه لم يحن دين وَلَا قرن الْجعل بعقدة البيع أَو السّلف، بل كَانَ قبل الْحُلُول وَبعد العقد، وَيحْتَمل أَن يكون الضَّمِير فِي قرن للرَّهْن أَي طاع بِالرَّهْنِ وَالْإِذْن مَعًا وَظَاهره فوض لَهُ فِي الْإِذْن أم لَا، وَهُوَ كَذَلِك خلافًا لِابْنِ الفخار فِي قَوْله: لَا يسْتَقلّ إِلَّا إِذا فوض لَهُ. وَفِي الورقة الرَّابِعَة عشر من بُيُوع الْبُرْزُليّ مَا يَقْتَضِي أَن الْعَمَل بتونس على مَا لِابْنِ الفخار، وَظَاهر النّظم سَوَاء كَانَ الْإِذْن الْمَذْكُور للْمُرْتَهن أَو الْأمين. قَالَ الرَّاهِن: لكل مِنْهُمَا إِن لم آتٍ فبعه أَو لم يقل ذَلِك فَيجوز فِي هَذِه الْأَرْبَع صور ابْتِدَاء وَلَيْسَ كَذَلِك، بل إِذا قَالَ ذَلِك لَا يجوز لِأَنَّهُ علق ذَلِك على عدم الْإِتْيَان، وَقد يكون آتِيَا أَو حَاضرا لَكِن إِن وَقع مضى كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة وَيُمكن حمل قَوْله مَعَ جعله الخ. على مَا إِذا طاع بِالرَّهْنِ وَالْإِذْن مَعًا كَمَا مر أَي بعد العقد وَقبل الْأَجَل، وَسَوَاء أذن للْمُرْتَهن أَو الْأمين أَو غَيرهمَا، وَهَذِه حكى ابْن رشد عَلَيْهَا الِاتِّفَاق لِأَنَّهُ مَعْرُوف من الرَّاهِن، ونازعه ابْن عَرَفَة فِي الِاتِّفَاق قَائِلا لِأَنَّهُ شبه هَدِيَّة مديان فقد منعُوا بيع الطَّعَام بِثمن مُؤَجل على تَصْدِيق البَائِع فِي كَيْله اه. وَعَلِيهِ فمقابل مَا بِهِ الْعَمَل فِي الصُّورَتَيْنِ هُوَ عدم الْجَوَاز لِأَنَّهُ هَدِيَّة مديان فمقابله فِي الصُّورَة الأولى وَهُوَ مَا إِذا تطوع بِالْإِذْنِ فَقَط حَكَاهُ فِي ضيح عَن بعض الموثقين، وَفِي الثَّانِيَة هُوَ مَا تقدم عَن ابْن عَرَفَة، وَقد يُجَاب عَن الْهَدِيَّة الْمَذْكُورَة بِأَن الْإِذْن لَيْسَ زِيَادَة حَقِيقَة، وَإِنَّمَا أسقط عَنهُ مَا يتكلفه من الرّفْع وَالْإِثْبَات وخلصه من ورطة ذَلِك فَهُوَ إنصاف لَهُ من حَقه وَهُوَ شَأْن النَّاس وَلذَا أجَاز فِي الْمُدَوَّنَة وَغَيرهَا إِعْطَاء الْحميل أَو الرَّهْن بعد العقد وَقبل الْأَجَل وَلم يَجعله هَدِيَّة، وَظَاهر النّظم أَنه لَا فرق فِي ذَلِك بَين رهن السّلف أَو البيع وَمَفْهُوم قَوْله: وَلم يحن دين وَلَا بعقدة الأَصْل الخ. أَنه إِذا أذن بعد الْحُلُول أَو فِي العقد لم يجز وَهُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة والعتبية لِأَنَّهَا وكَالَة اضطرار لِحَاجَتِهِ للقرض وَالْبيع أَو للتأخير بِمَا حل، وَأما إِن أذن بعد الْحُلُول من غير تَأْخِير فالجواز اتِّفَاقًا كَمَا فِي طفي، وَقيل: يجوز ذَلِك ابْتِدَاء وَلَيْسَت وكَالَة اضطرار وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 لِابْنِ الْعَطَّار وَالْقَاضِي عبد الْوَهَّاب، وَسَيَأْتِي عَن النِّهَايَة أَن بِهَذَا القَوْل الْقَضَاء وعَلى الأول لَهُ عَزله كَمَا فِي ابْن عَرَفَة، لَكِن إِن لم يعزله حَتَّى بَاعَ مضى كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة قَالَ ابْن فتوح: وَبِه الْقَضَاء وعَلى الثَّانِي لَيْسَ لَهُ عَزله كَمَا سَيَأْتِي، وَحِينَئِذٍ فيمضي بَيْعه إِن أصَاب وَجه البيع على كل من الْقَوْلَيْنِ، وَأما إِن بَاعَ بِأَقَلّ من الْقيمَة فللراهن أَخذه، وَإِن تداولته الْملاك بِأَيّ الْأَثْمَان شَاءَ كالشفيع، وَهَذَا يدل على أَنه لَا يحْتَاج إِلَى تسويقه الشَّهْرَيْنِ، وَالَّذِي فِي وكَالَة الْبُرْزُليّ أَن الرَّاهِن إِذا قَالَ للْمُرْتَهن: بِعْ بِمَا شِئْت إِن الْقُضَاة يضْربُونَ الْأَجَل للْبيع وَهُوَ مَبْنِيّ على عدم جَوَاز التَّوْكِيل فِي العقد، فَانْظُرْهُ فِيهِ وَلَا فرق فِي ذَلِك كُله بَين الرَّهْن الَّذِي لَهُ بَال وَغَيره وَلَا بَين كَونه عقد البيع أَو الْقَرْض خلافًا لِابْنِ الفخار فِي قَوْله: بِالْمَنْعِ فِي الْقَرْض قَالَ: لِأَنَّهُ سلف بِمَنْفَعَة لِأَنَّهُ رفع بِشَرْطِهِ عَن نَفسه الْمُؤْنَة فِي إِثْبَات مَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى البيع، وَقد يُقَال: إِن النَّفْع الْمَمْنُوع هُوَ النَّفْع الْحَامِل على السّلف كالزيادة فِيهِ مثلا وَشرط بيع الرَّهْن الْمَأْخُوذ فِي عقد السّلف لَيْسَ حَامِلا على ابْتِدَاء السّلف إِذْ لَا معنى لكَونه يسلفه لأجل أَن يرفع عَنهُ الْمُؤْنَة فِي بيع رَهنه لِأَنَّهُ إِذا خشِي ذَلِك ترك السّلف من أَصله فَتَأَمّله منصفاً. وَكَذَا يُقَال فِي السّلف بِشَرْط التَّصْدِيق فِي عدم الْقَضَاء لَيْسَ من سلف جر نفعا كَمَا قيل أَيْضا: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون لما حل أجل السّلف أَخّرهُ على شَرط بيع رَهنه أَو التَّصْدِيق فِيهِ فالنفع حِينَئِذٍ وَاضح لِأَن التورط حِينَئِذٍ قد حصل فَهُوَ يُرِيد التَّخَلُّص بِالتَّأْخِيرِ على شَرط البيع أَو التَّصْدِيق، وَيجْرِي هَذَا حِينَئِذٍ حَتَّى فِي البيع لكِنهمْ لم يعتبروه كَمَا مرّ نظرا لكَون التَّأْخِير كابتداء السّلف، وَلَيْسَ معنى النَّفْع فِي شَرط بيع الرَّهْن والتصديق هُوَ كَونه يتَمَكَّن من جَحده فِي التَّصْدِيق فَيَأْخُذ الدّين مِنْهُ ثَانِيًا ويتمكن فِي الرَّهْن بِإِظْهَار أقل من ثمنه الَّذِي بَاعه بِهِ كَمَا قَالَه بعض من لَا تَحْقِيق عِنْده، إِذْ لَو كَانَ هَذَا هُوَ المُرَاد مَا وَقع الِاخْتِلَاف فِيهِ بِحَال ثمَّ مَا تقدم من أَن الْإِذْن فِي العقد لَا يجوز بِهِ البيع ابْتِدَاء إِنَّمَا هُوَ فِي الْإِذْن للْمُرْتَهن، أما للأمين فَيجوز كَمَا أَفَادَهُ (خَ) لقَوْله: وللأمين بَيْعه بِإِذن فِي عقد الخ. وَمحل الْخلاف الْمَذْكُور فِي جَوَاز التَّوْكِيل فِي العقد وَعَدَمه إِذا لم يُفَوض لَهُ أما إِن فوض لَهُ فِي بَيْعه دون مشورة سُلْطَان وأحله مَحل نَفسه وَأَنه لَا يعز لَهُ فَيجوز اتِّفَاقًا، لَكِن بِشُرُوط إِقْرَاره بِالدّينِ وبالوكالة وبالتفويض وبالتصديق فِي الثّمن وبالتصديق فِي عدم الِاقْتِضَاء دون يَمِين، فَهَذِهِ الْخَمْسَة تتلقى من إِقْرَار الرَّاهِن وَلَا بدّ أَن يثبت بِالْبَيِّنَةِ ملك الرَّاهِن واستمرار ملكه وحوز الرَّهْن والسداد فِي الثّمن. هَكَذَا فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة، وَإِذا اشْترطت هَذِه مَعَ التَّفْوِيض فأحرى مَعَ الْإِذْن الْمُجَرّد، لَكِن أَنْت خَبِير بِأَن إِثْبَات مَا ذكر إِنَّمَا يكون عِنْد الْحَاكِم فَلم يبْق للْإِذْن وَلَا للتفويض ثَمَرَة فَهِيَ حِينَئِذٍ شُرُوط فِي لُزُوم البيع للرَّاهِن، لَكِن اشْتِرَاط التَّصْدِيق فِي الثّمن وَعدم الِاقْتِضَاء خلاف مَا لِابْنِ رشد وَظَاهر الْمُدَوَّنَة كَمَا فِي الْبُرْزُليّ، وَلذَا لم يعرج عَلَيْهِ (خَ) وَغَيره وَمَا عدا هَذِه لَا يمْضِي عَلَيْهِ البيع إِلَّا بهَا إِلَّا أَن الْحَوْز شَرط فِي الِاخْتِصَاص فَقَط، وَقد تقدم أَنه إِنَّمَا يمْضِي بَيْعه إِذا أصَاب السداد، وَقد علمت من هَذَا كُله أَن البيع مَعَ الْإِذْن نَافِذ على كل حَال فوض لَهُ أم لَا. كَانَ الْإِذْن فِي العقد أَو بعده وَقبل الْأَجَل أَو بعده أذن لَهُ أَو للأمين وَعَلِيهِ فَلَو قَالَ النَّاظِم: وَبيعه مُرْتَهن أَو الْأمين منفذ إِن رَاهن بِهِ أذن لَكَانَ أخصر وأوضح وأشمل لجَمِيع الصُّور، وَلَا يُقَال إِنَّه أَرَادَ صُورَة الْجَوَاز ابْتِدَاء لأَنا نقُول كَلَامه صَادِق حَتَّى بِغَيْر الْجَوَاز ابْتِدَاء كَمَا مر، وَمَفْهُوم قَوْله مَعَ جعله الخ. أَنه إِذا لم يَجْعَل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 لَهُ البيع أصلا لم يجز لَهُ البيع وَهُوَ كَذَلِك، فَإِن تعدى وَبَاعه قبل الْأَجَل أَو بعده رد بَيْعه، فَإِن فَاتَ عِنْد المُشْتَرِي فعلى الْمُرْتَهن الْأَكْثَر من الثّمن أَو الْقيمَة انْظُر الْمُتَيْطِيَّة، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِذا لم يَأْذَن لَهُ الرَّاهِن فِي بيع الرَّهْن رَفعه الْمُرْتَهن إِلَى السُّلْطَان فَإِن وفاه حَقه وَإِلَّا بَاعَ الرَّهْن وأوفاه حَقه اه. وَكَذَا إِذا كَانَ الرَّاهِن غَائِبا وظاهرها أَنه لَا يسجن وَلَا يطْلب بحميل إِلَى أَن يَبِيع الرَّهْن وَإِن الْحَاكِم هُوَ الَّذِي يتَوَلَّى بَيْعه أَو نَائِبه وَلَا يجْبر الرَّاهِن على أَن يتَوَلَّى بَيْعه وَهُوَ كَذَلِك عِنْد ابْن رشد وَغَيره فِي الْجَمِيع خلافًا لبَعْضهِم فِي قَوْله: بالسجن والجبر، وَهَذَا كُله إِذا أمكن الْوُصُول للْحَاكِم وَإِلَّا جَازَ البيع اتِّفَاقًا، لَكِن لَا بُد أَن يحضر الْعُدُول للنداء وَالْإِشْهَاد بِمَا بلغ من الثّمن كَمَا فِي ابْن عَرَفَة والمتيطية وَإِلَّا رد بَيْعه إِلَّا إِن بَاعه بِأَقَلّ من الْقيمَة ثمَّ إِنَّمَا يجوز للْحَاكِم الْإِقْدَام على بَيْعه فِي الْغَيْبَة إِن ثَبت عِنْده الدّين وَالرَّهْن وَيَمِين الْقَضَاء وغيبة الرَّاهِن وَأَنَّهَا بعيدَة أَو لَا يعلم مَوْضِعه وَملك الرَّاهِن واستمراره وَأَنه أَحَق مَا يُبَاع عَلَيْهِ كَذَا للعبدوسي. قَالَ ابْن نَاجِي: وَظَاهر الْكتاب أَنه لَا يلْزمه إِثْبَات ملكية الرَّاهِن ربعا كَانَ أَو غَيره وَهُوَ كَذَلِك على أحد الْأَقْوَال، وَبِه كنت أَقْْضِي. وَفِي التَّبْصِرَة الفرحونية عَن ابْن رشد: أَن الْعَمَل على إِثْبَات الْملك وَنَحْوه فِي (ح) وَقَول العبدوسي: وَإنَّهُ أَحَق مَا يُبَاع عَلَيْهِ قَالَ فِيهِ ابْن عَرَفَة: الْأَظْهر عَدمه لتَعلق حق الْمُرْتَهن بِعَيْنِه، وَرُبمَا كَانَ أيسر بيعا مَعَ أَن راهنه كالملتزم بَيْعه اه. وَنَحْوه لِابْنِ نَاجِي قَائِلا: إِن ظَاهر الْكتاب أَنه لَا يفْتَقر لثُبُوت كَونه أولى مَا يُبَاع عَلَيْهِ قَالَ: وَظَاهره أَيْضا إِنَّه لَا يفْتَقر فِي بيع السُّلْطَان إِلَى بُلُوغه الْقيمَة، ابْن عَرَفَة: وَهُوَ ظَاهر الرِّوَايَات وَهُوَ مُقْتَضى قَول ابْن مُحرز: وَلَو كسرت عرُوض الْمُفلس وترجى لَهَا أسواق بِيعَتْ عَاجلا وَلم تُؤخر، وَهُوَ ظَاهر قَول سَحْنُون بِبيع الْحَاكِم ضَيْعَة الْمَدِين بِالْخِيَارِ فَإِن لم يجد إِلَّا مَا أعْطى بَاعَ اه. وَنَحْوه للبرزلي عَن ابْن مُحرز والسيوري قَائِلا لِأَنَّهُ غَايَة الْمَقْدُور قَالَ: وَجَهل ابْن مُحرز من قَالَ ينظر للقيمة. الْبُرْزُليّ عَن ابْن مُحرز: وَأعرف نَحوه لِابْنِ رشد فِي البيع فِي نَفَقَة الْمَحْجُور قَالَ: يستقصى وَلَا ينظر بِهِ الْقيمَة لِأَنَّهُ غَايَة الْمَقْدُور اه. وَنَحْوه فِي نَوَازِل الْعُيُوب من المعيار وَبِه نعلم مَا فِي اعْتِرَاض (ح) عَن ابْن عَرَفَة. تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ فِي النِّهَايَة، قَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب: يجوز للرَّاهِن أَن يَجْعَل للْمُرْتَهن بيع الرَّهْن وَلَيْسَ لَهُ أَن يعزله، وَبِهَذَا القَوْل الْقَضَاء اه لَفظهَا. وظاهرها أَنه لَا عزل وَلَو مَاتَ الرَّاهِن وَأفْتى فِي أنكحة المعيار فِي الْمسَائِل الَّتِي سَأَلَهُ عَنْهَا الخالدي بِأَنَّهُ إِنَّمَا لَا يَنْعَزِل بِمَوْت الرَّاهِن إِذا أَقَامَهُ مقَام الْمُفَوض إِلَيْهِ فِي الْحَيَاة وَالْوَصِيّ بعد الْمَمَات اه. وَتقدم عَن ابْن عَرَفَة أَن لَهُ عَزله على القَوْل بِعَدَمِ الْجَوَاز ابْتِدَاء وَهُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة. الثَّانِي: قَالَ الْبُرْزُليّ فِي نَوَازِل الْمديَان عَن مقنع ابْن بطال عَن ابْن الحكم: لَا يَبِيع القَاضِي من دَار الْمَدِين إِلَّا بِقدر الدّين بِخِلَاف مَا يَبِيعهُ من جَارِيَة أَو غُلَام يَبِيعهُ كُله لضَرَر الشّركَة قَالَ: وَفِي قسْمَة الْمُدَوَّنَة وَلَا يُبَاع على ميت من دَاره إِلَّا بِقدر دينه اه. وَنَحْوه فِي التَّبْصِرَة عَن سَحْنُون قَالَ: يُبَاع من أَصله بِقدر الدّين إِن وجد من يَشْتَرِي بعضه اه. وَبِه تعلم أَن توقف (ح) فِي ذَلِك قُصُور. الثَّالِث: إِذا بَاعَ الْمُرْتَهن الرَّهْن فَادّعى الرَّاهِن أَنه كَانَ دفع الدّين إِلَيْهِ وَأنكر الْمُرْتَهن فَإِن لم يشْتَرط فِي العقد التَّصْدِيق وَأقَام بَيِّنَة على الدّفع انْتقض البيع وَإِن لم يقم بَيِّنَة حلف الْمُرْتَهن وَنفذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 البيع وَإِن نكل حلف الرَّاهِن لقد أوفاه وَسقط الدّين وَنفذ البيع وَيرد الْمُرْتَهن الثّمن للرَّاهِن وَإِن اشْترط التَّصْدِيق فِي العقد فَلهُ شَرطه وَينفذ البيع اه. الرَّابِع: قَالَ القلشاني: وَفِي سَماع أصبغ فِيمَن ادّعى أَن رجلا رَهنه قدحاً فِي كسَاء أَن السُّلْطَان يَأْمُرهُ بِبيع الْقدح فِي الكساء على زَعمه أَنه رهن، وَقيل لَا يَأْمُرهُ حَتَّى يثبت ارتهانه عِنْده، وَبِه الْعَمَل قَالَه ابْن رشد اه. وقصة رهن الْقدح مبسوطة فِي (ح) والتبصرة وَأبي الْحسن. الْخَامِس: إِذا أَمر القَاضِي رجلا بِبيع الرَّهْن فَبَاعَهُ وَادّعى ضيَاع ثمنه صدق والمصيبة من رب الدّين قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة. وَسَوَاء علم بَيْعه بِبَيِّنَة أَو بِمُجَرَّد قَوْله كَمَا لِابْنِ يُونُس، وَيظْهر من هَذَا أَنه إِذا ادّعى تلفه قبل البيع فالمصيبة من الرَّاهِن وَهُوَ كَذَلِك على قَول ابْن الْقَاسِم كَمَا فِي ابْن عَرَفَة آخر بَاب الرَّهْن، وَلَو قَالَ الْمَأْمُور الَّذِي أمره الْحَاكِم بِبيعِهِ: بِعته بِمِائَة ودفعتها للْمُرْتَهن وَأنكر الْمُرْتَهن صدق الْمُرْتَهن وَلَو كَانَ الْمُرْتَهن هُوَ الَّذِي أمره بِبيعِهِ صدق الْمَأْمُور مَعَ يَمِينه أَنه دفع للْمُرْتَهن لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ وَكيله. وَجَازَ رَهْنُ العَيْنِ حَيْثُ يُطْبَعُ عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَ أَمِينِ يُوضَعُ (وَجَاز رهن الْعين) فَاعل جَازَ (حَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط يتَعَلَّق بجاز (يطبع) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (عَلَيْهِ) نَائِب الْفَاعِل وضميره للعين، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (أَو) عاطفة (عِنْد أَمِين) يتَعَلَّق بقوله: (يوضع) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير الْعين، وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة يطبع وَلَا مَفْهُوم للعين بل غَيرهَا من الْمِثْلِيَّات كالمكيل وَالْمَوْزُون والمعدود، كَذَلِك على الْمَذْهَب خلافًا لأَشْهَب فِي عدم وجوب طبع غير الْمعِين، وَمَفْهُوم الظّرْف أَنه يمْنَع رَهنهَا إِن لم يطبع عَلَيْهَا وَلَا وضعت عِنْد أَمِين بل عِنْد الْمُرْتَهن، وَهُوَ كَذَلِك حماية للذريعة أَن يكون الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن قصدا إِلَى السّلف وسميا ذَلِك رهنا وَالسَّلَف يفْسد الْمُعَامَلَة الَّتِي قارنها بيعا كَانَ أَو سلفا. وَقَوله: يطبع أَي طبعا لَا يقدر على فكه غَالِبا، وَإِذا زَالَ علم زَوَاله والطبع الَّذِي لَا يقدر على فكه أصلا غير مَطْلُوب، ثمَّ إِن شَرط الطَّبْع إِنَّمَا هُوَ فِي جَوَاز رَهنه كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم لَا فِي صِحَة حوزه لِأَنَّهُ إِذا حازه الْمُرْتَهن بِدُونِ طبع، فالحوز صَحِيح وَيكون أَحَق بِهِ من الْغُرَمَاء، وَإِن عثر على عدم طبعها فِي أثْنَاء الْمدَّة اسْتقْبل الطَّبْع وَلَا تنْزع من يَده، وَحِينَئِذٍ فَإِذا أَزَال الْمُرْتَهن الطَّبْع وَعلم ذَلِك فَلَا يبطل اخْتِصَاصه بِهِ. وَالرَّهْنُ لِلْمُشَاعِ مَعْ مَنْ رَهَنَا قَبْضُ جَمِيعِهِ لَهُ تَعَيَّنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 (وَالرَّهْن) مُبْتَدأ (للمشاع) يتَعَلَّق بِهِ أَي للجزء الْمشَاع من عقار أَو حَيَوَان أَو عرض (مَعَ من) مَوْصُولَة صلته (رهنا) والظرف يتَعَلَّق بالمشاع كدار أَو عبد مثلا يملك الرَّاهِن جميعهما وَرهن جُزْء من أَحدهمَا أَو مِنْهُمَا (قبض) مُبْتَدأ ثَان (جَمِيعه) أَي جَمِيع الْمَرْهُون مِنْهُ الْجُزْء (لَهُ) يتَعَلَّق بقوله: (تعينا) وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَالثَّانِي وَخَبره خبر الأول وَالضَّمِير الْمَجْرُور بِاللَّامِ يرجع للْمُرْتَهن، وَاللَّام بِمَعْنى (على) أَي عَلَيْهِ قبض جَمِيع الْمَرْهُون مِنْهُ الْجُزْء فيكريه ويليه لِئَلَّا تجول يَد الرَّاهِن فِيهِ وَكَانَ الْأَلْيَق أَن يذكر هَذَا الْبَيْت وَالَّذِي بعده إِثْر قَوْله: والحوز من تَمَامه الخ. وَتقدم هُنَاكَ حكم مَا إِذا رَهنه بَيْتا من دَاره. وَمَعَ غَيْرِ رَاهِنٍ يَكْفِيهِ أنْ يَحُلَّ فِيهِ كَحُلُولِ مَنْ رَهَنْ (وَمَعَ) يتَعَلَّق بمبتدأ مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ مَا قبله أَي والمشاع أَي وَرهن الْمشَاع مَعَ (غير رَاهن) كدار يملك الرَّاهِن نصفهَا فَقَط فيرهنه كُله أَو نصفه (يَكْفِيهِ) بِفَتْح الْيَاء وضميره للْمُرْتَهن ومتعلقه مَحْذُوف أَي يَكْفِي الْمُرْتَهن فِي قَبضه وحوزه فِي الصُّورَتَيْنِ (أَن يحل) بِفَتْح الْيَاء وَضم الْحَاء مضارع حلّ إِذا نزل فَاعل يَكْفِي (فِيهِ) أَي فِي الْمشَاع الْمَذْكُور يتَعَلَّق بيحل (كحلول من رهن) صفة الْمَحْذُوف أَي حلولاً كحلول الرَّاهِن بِأَن يجوز جَمِيع مَا على ملك الرَّاهِن، وَالْجُمْلَة من يَكْفِي وَمَا بعده خبر الْمُبْتَدَأ وَإِنَّمَا كَفاهُ الْحُلُول الْمَذْكُور لِأَن يَد الرَّاهِن لم تبْق جائلة فِيهِ وَلَا يضرّهُ جولان يَد شريك الرَّاهِن مَعَه. وَظَاهر قَوْله: وَمَعَ غير رَاهن الخ. أَن للرَّاهِن رهن حِصَّته وَإِن لم يَأْذَن لَهُ شَرِيكه فِي ذَلِك وَهُوَ كَذَلِك فِيمَا كَانَ ربعا أَو منقسماً اتِّفَاقًا كَمَا هُوَ ظَاهر ابْن عَرَفَة، وحوزه فِي هَذَا الْوَجْه أَن يحل الْمُرْتَهن مَحل الرَّاهِن أَو يوضع عِنْد الشَّرِيك أَو عِنْد أَمِين فَإِن أَرَادَ الشَّرِيك فِي هَذَا الْوَجْه البيع قاسمه فِيهِ الرَّاهِن وَالرَّهْن بيد الْمُرْتَهن، فَإِن غَابَ الرَّاهِن أَقَامَ الإِمَام من يقسم لَهُ وَتبقى حِصَّة الرَّاهِن رهنا فِي الْوَجْهَيْنِ، وَأما إِن كَانَ الْمشَاع لَا يَنْقَسِم وَهُوَ غير ربع كَالثَّوْبِ الْوَاحِد أَو السَّيْف أَو الدَّابَّة أَو العَبْد أَو نَحْو ذَلِك فَالْمَشْهُور وَهُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم جَوَازه أَيْضا. وَقَالَ أَشهب: لَا يجوز لِأَن رَهنه يمنعهُ من بَيْعه ناجزاً وَالرَّهْن منقوض حَتَّى يَأْذَن. وَوجه قَول ابْن الْقَاسِم: إِن ذَلِك لَا يمْنَع الشَّرِيك من بيع حِصَّته مبعضة أَن يحمل البيع إِن نقصت حِصَّته مُنْفَرِدَة وَيحل المُشْتَرِي مَحل الشَّرِيك، وَإِذا أجمل البيع كَانَت حِصَّة الرَّاهِن من الثّمن رهنا، إِن بيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 بِغَيْر جنس الدّين وإلاَّ قضي الدّين عَنهُ إِن لم يَأْتِ برهن كَالْأولِ، وَقَول النَّاظِم: يَكْفِيهِ أَن يحل الخ. أَي يَكْفِيهِ فِي حيازته وَقَبضه أَن يحل الخ. هَذَا على قوليهما فِي الرّبع والمنقسم، وعَلى قَول ابْن الْقَاسِم فِي الثَّوْب الْوَاحِد وَالسيف وَنَحْوهمَا، وَأما على قَول أَشهب فالرهن فِي هَذَا الْوَجْه منقوض وَإِن لم يَأْذَن كَمَا مرَّ وَإِن أذن فَلَيْسَ لَهُ رُجُوع عَنهُ حَتَّى يحل الْأَجَل وَلَا يَكْفِي فِي حوزه الْحُلُول الْمَذْكُور عِنْده، بل لَا بُد أَن يكون جَمِيع الثَّوْب وَنَحْوه عِنْد الْمُرْتَهن أَو الشَّرِيك أَو غَيرهمَا من غير الرَّاهِن كَمَا فِي ابْن عَرَفَة. وعَلى الْمَشْهُور من جَوَاز رهن الْحصَّة فِيمَا لَا يَنْقَسِم مِمَّا ينْقل فَلَا يُسلمهُ الرَّاهِن إِلَّا بِحَضْرَة الشَّرِيك، وَكَذَا لَو بَاعَ أحد الشَّرِيكَيْنِ فِيهِ حِصَّته فَلَا يُسلمهُ للْمُشْتَرِي إِلَّا بِحَضْرَة صَاحبه أَيْضا فَإِن غَابَ فالحاكم يقوم مقَامه وَكَذَا لَا يَسْتَعْمِلهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَالْعرْف الْجَارِي بَينهمَا بِالِاسْتِعْمَالِ كالإذن فِيهِ، فَلَو سلمه بِغَيْر إِذْنه فَمُقْتَضى الْقَوَاعِد أَنه يضمن إِن تلف لِأَن أحسن أَحْوَاله أَن يكون كَالْمُودعِ وَهُوَ إِذا وضع يَد الْأَجْنَبِيّ يضمن بتعديه قَالَه (تت) عَن الذَّخِيرَة، وَفِي معاوضات المعيار من بَاعَ نصف فرسه لرجل وسافر المُشْتَرِي عَلَيْهَا فعطبت فَهُوَ ضَامِن لنصف شَرِيكه إِلَّا أَن يُسَافر عَلَيْهَا بِإِذْنِهِ أَو جرت الْعَادة بَينهمَا أَن يُسَافر مثل ذَلِك السّفر فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ اه. وَانْظُر الْغَاصِب يغصب فِي حِصَّته أحد الشَّرِيكَيْنِ فَإِن الْمَغْصُوب عَلَيْهِمَا وَالْبَاقِي لَهما قَالَ ناظم الْعَمَل: وَمَا من الْجُزْء الْمشَاع ظلما فَذا وَذَا عَلَيْهِمَا قد قسما وَأما إِن غصب الدّين من الْمَدِين بِسَبَب رب الدّين فَإِن ذَلِك بَرَاءَة للْمَدِين كَمَا أَشَارَ لَهُ ناظم الْعَمَل أَيْضا بقوله: وَمَا من الدّين لَهُ رب دفع لغاصب غَرِيمه لم يتبع تَنْبِيه: إِذا رهن الرَّاهِن نصف الثَّوْب وَنَحْوه مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ وَقبض الْمُرْتَهن جَمِيعه ليتم الْحَوْز لَهُ كَانَ النّصْف الْبَاقِي للرَّاهِن أَو لغيره، وَلَكِن قَبضه الْمُرْتَهن بِحَضْرَة الْغَيْر وإذنه لم يضمن الْمُرْتَهن إِذا تلف وَلم تقم لَهُ بَيِّنَة إِلَّا نصفه لِأَنَّهُ فِي النّصْف الآخر أَمِين، وَكَذَا لَو اسْتحق نصف الرَّهْن وَتَركه الْمُسْتَحق بيد الْمُرْتَهن كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة. وَالرَّهْنُ مَحْبُوسٌ بِبَاقِي مَا وَقَعْ فِيهِ وَلا يَرُدُّ قَدْرَ مَا انْدَفَعْ (وَالرَّهْن) مُبْتَدأ (مَحْبُوس) خَبره (بباقي) يتَعَلَّق بِهِ (مَا) مَوْصُولَة وَاقعَة على الدّين (وَقع) صلتها وفاعله ضمير يعود على الرَّهْن (فِيهِ) يتَعَلَّق بِهِ وضميره يعود على مَا هُوَ الرابط (وَلَا) نَافِيَة وفاعل (يرد) عَائِد على الْمُرْتَهن (قدر) مفعول (مَا) مَوْصُولَة وَاقعَة على الدّين أَيْضا (انْدفع) صلته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 وفاعله يعود على مَا، وَمَعْنَاهُ أَن الدّين إِذا قضى بعضه أَو سقط عَن الرَّاهِن بإبراء أَو هبة أَو طَلَاق قبل الْبناء فالرهن كُله مَحْبُوس بِمَا بَقِي من الدّين لِأَن الْأَسْوَاق قد تحول على الْبَاقِي، وَلِأَن جَمِيع أَجزَاء الرَّهْن بجملتها فِي مُقَابلَة كل جُزْء بِانْفِرَادِهِ من الدّين وَظَاهره أَنه لَا فرق بَين أَن يتحد كدار وثوب أَو يَتَعَدَّد كدور وَثيَاب وَعكس النّظم أَنه لَو اسْتحق بعض الرَّهْن أَو تلف كَمَا لَو رهن عَبْدَيْنِ فَقتل أَحدهمَا صَاحبه فالباقي رهن فِي الْجَمِيع فَالْأولى النَّقْص فِي الدّين، وَهَذِه النَّقْص فِي الرَّهْن فَلِذَا كَانَت عكسها. (خَ) : وَإِذا قضى بعض الدّين أَو سقط فَجَمِيع الرَّهْن فِيمَا بَقِي كاستحقاق بعضه الخ. وَهَذَا إِن اتَّحد الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن، وَأما إِن تعدد الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن فَيدْفَع أحد الراهنين مَا عَلَيْهِ أَو يَأْخُذ أحد المرتهنين دينه فينفك مَا يُقَابله فِي الصُّورَتَيْنِ أما الأولى فَفِيهَا فِي رجلَيْنِ رهنا دَارا لَهما فِي دين فَقضى أَحدهمَا حِصَّته فَلهُ أَخذ حِصَّته من الدَّار، وَأما الثَّانِيَة فَفِيهَا أَيْضا على نقل ابْن عَرَفَة: من رهن دَارا من رجلَيْنِ صَفْقَة وَاحِدَة فِي دين لَهما وَلَا شركَة بَينهمَا فَقضى أَحدهمَا كل حَقه أَخذ حِصَّته من الدَّار اه. يُرِيد إِذا أَخذهَا فيجعلها بيد أَمِين أَو بيد الْمُرْتَهن الآخر أَو يَبِيعهَا وَلَا يُمكن من جولان يَده فِيهَا لِئَلَّا يبطل الرَّهْن على الآخر قَالَه عِيَاض. فَإِن أَرَادَ أحد المرتهنين بيع الرَّهْن وَأَخذه الآخر بِحقِّهِ فَإِن الرَّهْن يقسم إِن لم ينقص الْقسم حَظّ الْقَائِم فَيُبَاع لَهُ حَظه وَيُوقف حَظّ الآخر، وَإِن لم يَنْقَسِم بيع وَعجل حق الْقَائِم وَحقّ الآخر إِن حلف مَا أَخّرهُ إِلَّا لإعطاء رهن مثله إِلَّا أَن يَأْتِي الرَّاهِن برهن ثِقَة فَيَأْخُذ فَاضل ثمن رَهنه عَن حق الْقَائِم، وَانْظُر إِذا قبض أحد المرتهنين دينه هَل يدْخل مَعَه صَاحبه؟ وَهُوَ مَا فِي أبي الْحسن وضيح والشامل. وَشَرْطُ مِلْكِ الرَّهْنِ حَيْثُ لاَ يَقعْ إنْصَافُهُ مِنْ حَقِّهِ النَّهْيُ وَقَعْ (وَشرط ملك الرَّهْن) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ من إِضَافَة الْمصدر لمفعوله (حَيْثُ) ظرف مَكَان وَتَكون للزمان على قلَّة وَمِنْه مَا هُنَا يتَعَلَّق بِشَرْط أَو ملك (لَا يَقع إنصافه) فَاعل وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر (من حَقه) يتَعَلَّق بإنصاف (النَّهْي) مُبْتَدأ ثَان وَجُمْلَة (وَقع) خَبره. وَالْجُمْلَة من الثَّانِي وَخَبره خبر الأول، والرابط مَحْذُوف أَي عَنهُ. وَفِي بعض النّسخ منع بدل وَقع وَعَلَيْهَا شرح اليزناسني فلك أَن تجْعَل شَرط مَفْعُولا مقدما بِمَنْع وَظَاهره كَانَ الرَّهْن فِي أصل الْمُعَامَلَة من بيع أَو سلف أَو مُتَطَوعا بِهِ بعْدهَا وَهُوَ كَذَلِك، وَظَاهره أَيْضا أَنه يبطل اخْتِصَاصه بِهِ إِذْ النَّهْي يَقْتَضِي الْفساد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وَهُوَ يسْتَلْزم الْبطلَان، وَفِي ذَلِك تَفْصِيل إِمَّا وَجه النَّهْي عَنهُ إِن كَانَ فِي أصل الْمُعَامَلَة فَإِنَّهُ لَا يدْرِي مَا يحصل من ثمن سلْعَته هَل الثّمن أَو الرَّهْن، وَكَذَا فِي السّلف لَا يدْرِي هَل يرجع لَهُ سلفه أَو يصير لَهُ الرَّهْن فَإِن عثر على ذَلِك قبل الْأَجَل أَو بعده فسخ البيع إِن لم يفت وَإِلَّا وَجَبت الْقيمَة حَاله وَيصير السّلف أَيْضا حَالا وَالْمُرْتَهن أَحَق بِهِ حَتَّى يَأْخُذ الْقيمَة أَو السّلف، وَأما الثَّانِي وَهُوَ المتطوع بِهِ فالعلة فِي النَّهْي هِيَ مَا مر، وَلَكِن لَا يفْسخ إِلَّا الرَّهْن وَحده وَيرد إِلَى ربه وَيبقى الدّين إِلَى أَجله بِلَا رهن وَلَا يكون الْمُرْتَهن أَحَق بِهِ فِي الْمَوْت والمسلف كمن لَهُ على رجل دين فَأخذ مِنْهُ بعد العقد وَقبل الْأَجَل رهنا على أَن يُؤَخِّرهُ لأبعد من أَجله الأول، فَلَا يكون أَحَق بِهِ لِأَنَّهُ سلف ينفع أَي لِأَنَّهُ انْتفع بالتوثق فِي بَاقِي الْأَجَل الأول على التَّأْخِير الَّذِي هُوَ سلف فَلَا يرد مَا مر عِنْد قَوْله: وبجواز بيع مَحْدُود الْأَجَل الخ. من أَن التَّأْخِير بدين كابتداء سلف برهن فَإِن لم يعثر عَلَيْهِ فِي المتطوع بِهِ حَتَّى حل الْأَجَل وَلم يدْفع إِلَيْهِ ثمنه أَو سلفه صَار كَأَنَّهُ بَاعه الرَّهْن بيعا فَاسِدا فَيفْسخ مَا لم يفت وَيكون أَحَق بِهِ من الْغُرَمَاء فتستوي هَذِه حِينَئِذٍ وَالَّتِي الرَّهْن فِيهَا فِي أصل الْمُعَامَلَة أَي لِأَنَّهُ بيع فَاسد وَقع فِي الرَّهْن عِنْد الْأَجَل، وَقد قَالَ سَحْنُون: للْمُشْتَرِي سلْعَة شِرَاء فَاسِدا حَبسهَا فِي ثمنهَا إِن فلس بَائِعهَا كَمَا فِي الْمواق وَنَحْوه للطرابلسي فِي حَاشِيَة الْمُدَوَّنَة عِنْد نَصهَا الْآتِي، وَعَزاهُ لِابْنِ الْقَاسِم وَهَذَا كُله إِن كَانَت الْمُعَامَلَة إِلَى أجل وَالرَّهْن فِي أَصْلهَا أَو بعْدهَا كَمَا مرّ، وَكَذَا لَو كَانَ البيع أَو السّلف على الْحُلُول فرهنه بعد العقد رهنا ليؤخره إِلَى أجل بِشَرْط إِن لم يوفه دينه عِنْده فالرهن مَبِيع بِالدّينِ فَيفْسخ هَذَا الشَّرْط وَيَأْخُذ المسلف سلفه وَالْبَائِع ثمنه وَيكون أَحَق برهنه حَتَّى يَأْخُذ حَقه، هَذَا ملخص مَا فِي أبي الْحسن مَعَ بعض زِيَادَة للإيضاح، وَذَلِكَ على قَوْلهَا وَمن لَك عَلَيْهِ دين إِلَى أجل فرهنك بِهِ رهنا على أَنه إِن لم يفتكه مِنْك فالرهن لَك بِدينِك لم يجز الخ. تَنْبِيه: علم مِمَّا مر أَن النَّهْي يسْتَلْزم الْفساد وَهُوَ لَا يسْتَلْزم عدم الِاخْتِصَاص. وَاعْلَم أَن الْمُعَامَلَة وَالرَّهْن فِي هَذَا الْبَاب تَارَة يكون الرَّهْن صَحِيحا والمعاملة فَاسِدَة، وَتارَة بِالْعَكْسِ، وَتارَة يكون كل مِنْهُمَا فَاسِدا، فَالْأول يرد فِيهِ السّلْعَة وَالرَّهْن، فَإِن فَاتَت السّلْعَة الْمَبِيعَة فالرهن فِي الْقيمَة اتِّفَاقًا، وَأما الثَّانِي فالغريم أَحَق بِالرَّهْنِ على ظَاهرهَا وَهُوَ الْأَصَح، وَأما الثَّالِث فَيعلم حكمه من الْوَجْهَيْنِ قبله أَي فالرد مَعَ الْقيام وَالْقيمَة مَعَ الْفَوات وَيكون أَحَق بِالرَّهْنِ قَالَ مَعْنَاهُ الرجراجي انْظُر تَمَامه فِيهِ. (فصل فِي اخْتِلَاف المتراهنين) فِي عين الرَّهْن أَو فِي حُلُول أَجله وَفِي صفته وَبَدَأَ بِالْأولِ فَقَالَ: وَفِي اخْتِلاَفِ رَاهِنٍ وَمُرْتَهِنْ فِي عَيْنِ رَهْنٍ كانَ فِي حَقَ رُهِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 (وَفِي اخْتِلَاف رَاهن ومرتهن) يتَعَلَّق بالمبتدأ فِي الْبَيْت بعده أَو بِخَبَرِهِ (فِي عين رهن) يتَعَلَّق باخْتلَاف (كَانَ) اسْمهَا ضمير يعود على الرَّهْن (فِي حق) يتَعَلَّق بقوله: (رهن) الَّذِي هُوَ خبر كَانَ وَالْجُمْلَة من كَانَ وَمَا بعْدهَا صفة لرهن. القَوْلُ قَوْلُ رَاهِنٍ إنْ صَدَّقَا مَقَالَهُ شَاهِدُ حَالٍ مُطْلَقَا (القَوْل) مُبْتَدأ (قَول رَاهن) خَبره (إِن صدقا) شَرط حذف جَوَابه لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ (مقاله) مفعول بقوله صدقا (شَاهد حَال) فَاعل صدقا (مُطلقًا) حَال من الْخَبَر، وَلَو قَالَ النَّاظِم: وَإِن فِي ذَات رَهنه تنَازعا فَالْقَوْل للرَّاهِن أَن شبها دَعَا لأغناه. كَأَنْ يَكُونَ الحَقُّ قَدْرُهُ مِائَهْ وَقيمَةُ الرَّهْنِ لِعَشْرٍ مُبَدِئَهْ (كَأَن) خبر لمبتدأ مَحْذُوف (يكون الْحق) اسْم يكون وَجُمْلَة (قدره مَائه) من مُبْتَدأ وَخبر خبر يكون (وَقِيمَة الرَّهْن) مُبْتَدأ (لعشر) يتَعَلَّق بقوله: (مبدئه) الَّذِي هُوَ خبر وَالْجُمْلَة حَالية. وَظَاهر قَوْله: فِي عين رهن أَي عينه قَائِمَة، لَكِن الْمُرْتَهن يَقُول: إِن هَذِه عينه والراهن يَقُول لَيست هَذِه عينه بل هِيَ غير هَذِه، وَيحْتَمل أَن يختلفا فِي عينه بعد ذهابها بزعم الْمُرْتَهن فيختلفان فِي صفتهَا وَيكون قَوْله فِي عين رهن على هَذَا على حذف مُضَاف أَي فِي صفة عين رهن بعد هلكها فِي ضَمَان الرَّاهِن، وَالْأول أقرب للفظ النّظم وَهُوَ مَذْهَب أصبغ فِي الْعُتْبِيَّة قَالَ فِيهَا: إِن رَهنه رهنا بِأَلف فجَاء ليقبضه فَأخْرج الْمُرْتَهن رهنا يُسَاوِي مائَة فَقَالَ الرَّاهِن: لَيْسَ هُوَ رهني وَقِيمَة رهني ألف دِينَار، وَذكر صفة تَسَاوِي ذَلِك فالراهن مُصدق مَعَ يَمِينه لِأَنَّهُ ادّعى مَا يشبه وَادّعى الْمُرْتَهن مَا لَا يشبه، وَلما كَانَ هَذَا النَّص مُطلقًا فَيشْمَل بِظَاهِرِهِ الْمُتَّهم وَغَيره إِذْ الْمُطلق على إِطْلَاقه لَا يُقيد بِشَيْء قَالَ النَّاظِم: مُطلقًا، وَأما مَا يشْهد للاحتمال الثَّانِي فَهُوَ قَول عِيَاض كَمَا فِي أبي الْحسن على قَوْلهَا وَإِذا ضَاعَ الرَّهْن عِنْد الْمُرْتَهن فَاخْتلف فِي قِيمَته تواصفاه، وَيكون القَوْل قَول الْمُرْتَهن فِي الصّفة إِلَى آخر مَا نَصه فِيهِ دَلِيل على أَن الدّين لَيْسَ شَاهدا للرَّهْن، وَأَن القَوْل قَول الْمُرْتَهن وَإِن لم يذكر من صفة الرَّهْن مَا يشبه وَهُوَ قَوْله فِي الْمُوازِية وَفِي الْعُتْبِيَّة لأصبغ خِلَافه، وَإِن الرَّاهِن إِذا ادّعى صفة تَسَاوِي قدر الدّين فَالْقَوْل قَوْله، فَجعل الدّين شَاهدا للرَّهْن اه. ولأشهب أَن القَوْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 للْمُرْتَهن وَإِن لم يذكر إِلَّا مَا يُسَاوِي درهما. ابْن رشد: وَقَول أَشهب إغراق فِي الْقيَاس، وَقَول أصبغ اسْتِحْسَان وَهُوَ أظهر، وَقد قَالَ مَالك تِسْعَة أعشار الْعلم الِاسْتِحْسَان، وَكَذَا استغربه ابْن عبد السَّلَام وَمَال إِلَيْهِ ابْن فَرِحُونَ فِي تبصرته، وَلذَا اقْتصر النَّاظِم عَلَيْهِ كَابْن سَلمُون لَكِن الْمَشْهُور فِي الصُّورَتَيْنِ أَن القَوْل للْمُرْتَهن وَإِن لم يشبه لِأَنَّهُ غَارِم وَلِأَنَّهُ مؤتمن بجعله فِي يَده وَلم يشْهد على عينه، بل لَو قَالَ لم ترهني شَيْئا لصدق بِيَمِينِهِ، وَلذَا قَالَ (خَ) : وَهُوَ كالشاهد فِي قدر الدّين لَا الْعَكْس أَي فَلَا يكون الدّين شَاهدا لقيمة الرَّهْن، وَلَو أَرَادَ النَّاظِم التمشية عَلَيْهِ لقَالَ: وَالرَّهْن شَاهد لقدر الدّين وَالْعَكْس مَرْجُوح بِغَيْر مين وتنتهي شَهَادَة الرَّهْن لقدر الدّين لمبلغ قِيمَته وَمَا جَاوز قِيمَته القَوْل فِيهِ قَول الرَّاهِن، فَإِذا أقرّ الرَّاهِن أَن الدّين خَمْسَة، وَقَالَ الْمُرْتَهن عشرَة، فَإِن كَانَت قيمَة الرَّهْن عشرَة فَأكْثر صدق الْمُرْتَهن، وَإِن كَانَت قِيمَته خَمْسَة فَأَقل صدق الرَّاهِن، وَكَذَا لَو أقرّ الرَّاهِن أَن الدّين مائَة وَأَن الرَّهْن فِي خمسين مِنْهَا وَقِيمَته خَمْسُونَ فَالْقَوْل لَهُ فَيدْفَع الْخمسين وَيَأْخُذ الرَّهْن وَتبقى الْخَمْسُونَ الْبَاقِيَة بِلَا رهن، وَتعْتَبر الْقيمَة يَوْم الحكم عِنْد ابْن الْقَاسِم إِن كَانَ قَائِما وَيَوْم الْقَبْض إِن كَانَ تَالِفا وَلَا فرق لشهادته فِي قدر الدّين بَين أَن يكون بيد الْمُرْتَهن أَو الْأمين قَائِما أَو فائتاً فِي ضَمَان الْمُرْتَهن، فَإِن فَاتَ فِي ضَمَان ربه كَمَا لَو قَامَت على هَلَاكه بَيِّنَة أَو كَانَ مِمَّا لَا يُغَاب عَلَيْهِ أَو هلك بيد الْأمين فَلَا يكون شَاهدا لقدر الدّين. فَائِدَة: قَالَ فِي التَّبْصِرَة: معنى الِاسْتِحْسَان أَن تكون الْحَادِثَة مترددة بَين أصلين أَحدهمَا أقوى بهَا شبها وَأقرب إِلَيْهَا وَالْآخر أبعد فيعدل عَن الْقيَاس على الأَصْل الْقَرِيب إِلَى الْقيَاس على الأَصْل الْبعيد لجَرَيَان عرف أَو ضرب من الْمصلحَة أَو خوف مفْسدَة أَو ضرب من الضَّرَر اه. والقَوْلُ حَيْثُ يَدْعي مَنِ ارْتَهَنْ حُلُولَ وَقْتِ الرَّهْن قَوْلُ مَنْ رَهَنْ و (القَوْل) مُبْتَدأ (حَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشّرطِيَّة مَنْصُوب بجوابه (يَدعِي من) مَوْصُول فَاعل (ارْتهن) صلته (حُلُول) مفعول يَدعِي (وَقت الرَّهْن) مُضَاف إِلَيْهِ (قَول من رهن) خبر وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ القَوْل للرَّاهِن لِأَنَّهُمَا قد اتفقَا على أصل الْأَجَل وَاخْتلفَا فِي خُصُوص الِانْقِضَاء وَالْأَصْل عَدمه. وَهَذَا الحكم عَام فِي كل متعاقدين اتفقَا على الْأَجَل وَاخْتلفَا فِي انقضائه كَانَا متبايعين أَو متراهنين أَو متكاريين أَو غير ذَلِك. (خَ) : وَإِن اخْتلفَا فِي انْتِهَاء الْأَجَل فَالْقَوْل لمنكر التقضي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وَفِي كَثَوْبِ خَلَقِ ويَدَّعِي جدَّتَهُ الرَّاهنُ عَكْس ذَا وُعِي (وَفِي كَثوب) يتَعَلَّق بوعي آخر الْبَيْت (خلق) بِفَتْح اللَّام أَي بَال وَهُوَ فِي الأَصْل مصدر يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث، وَيجوز فِيهِ كسر اللَّام على أَنه اسْم فَاعل وعَلى كل حَال هُوَ صفة لثوب (وَيَدعِي جدته) مفعول (الرَّاهِن) فَاعل (عكس ذَا) مُبْتَدأ (وعي) خَبره يُرِيد أَن الرَّاهِن إِذا ادّعى جدة الثَّوْب الْمَرْهُون وَأَن الْمُرْتَهن اسْتَعْملهُ حَتَّى أبلاه وَادّعى الْمُرْتَهن أَنه كَذَلِك رَهنه فَالْقَوْل للْمُرْتَهن. إلاَّ إِذا خَرَجَ عَمَّا يُشْبِهُ وَفِي ذَا وذَا فَالْعَكُسُ لَا يُشْتَبهُ (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط (خرج) فَاعله ضمير مستتر يعود على من كَانَ القَوْل لَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْأَلَة الأولى الرَّاهِن وَفِي الثَّانِيَة الْمُرْتَهن (عَمَّا يشبه) يتَعَلَّق بخرج، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذا والناصب للظروف جَوَابه الْآتِي (فِي ذَا) يتَعَلَّق بخرج (وَذَا) مَعْطُوف على مَا قبله وَالْإِشَارَة الأولى ترجع لقبُول قَول الرَّاهِن فِي مَسْأَلَة الِاخْتِلَاف فِي الْأَجَل، وَالثَّانيَِة ترجع لقبُول قَول الْمُرْتَهن فِي الِاخْتِلَاف فِي الصّفة أَي: فَإِذا خرج الرَّاهِن عَمَّا يشبه من الْأَجَل فِي الأول بِأَن ادّعى أَََجَلًا لَا تتبايع النَّاس إِلَيْهِ غَالِبا فِي الأولى أَو خرج الْمُرْتَهن عَمَّا يشبه فِي الثَّانِيَة. (فالعكس) مُبْتَدأ وَهُوَ أَن القَوْل للْمُرْتَهن فِي الأولى وللراهن فِي الثَّانِيَة (لَا يشْتَبه) خَبره وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط، وَلَكِن تَأمل كَيفَ يخرج الْمُرْتَهن عَن الشّبَه فِي الثَّوْب الْخلق مَعَ أَنهم قَالُوا لَو أخرج لَهُ رهنا لَا يُسَاوِي إلاَّ درهما فَالْقَوْل لَهُ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال إِنَّه وجد بِهِ أثر الِاسْتِعْمَال الْحَادِث وَنَحْو ذَلِك، لَكِن لَا يلْزم من وجود أثر الِاسْتِعْمَال أَن يكون هُوَ الَّذِي أبلاه، فَلَعَلَّ هَذَا إِنَّمَا يَأْتِي على مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم من أَن الدّين شَاهد للرَّهْن كَمَا هُوَ ظَاهر سِيَاق ابْن سَلمُون، وَيُمكن أَن يحمل النَّاظِم على مَا إِذا اخْتلفَا فِي صفة الثَّوْب التَّالِف فَادّعى الرَّاهِن جدته، وَخَالفهُ الْمُرْتَهن وَادّعى أَنه خلق فَالْقَوْل للْمُرْتَهن إِلَّا أَن يَأْتِي بِمَا لَا يشبه لقلَّة قيمَة مَا ذكره جدا فَالْقَوْل للرَّاهِن كَمَا قَالَه أَشهب فِي أحد قوليه لكنه مُخَالف لإِطْلَاق قَول (خَ) وَإِن اخْتلفَا فِي قيمَة تَالِف تواصفاه ثمَّ قوم فَإِن اخْتلفَا فَالْقَوْل للْمُرْتَهن وَإِن تجاهلا فالرهن بِمَا فِيهِ الخ. فَظَاهر شراحه أَن القَوْل للْمُرْتَهن مُطلقًا لِأَنَّهُ غَارِم وَهُوَ الْمُوَافق لما مرّ فَإِذا لم يختلفا فِي الْعين وَلَا فِي الْأَجَل وَلَا فِي الصّفة، بل فِي أصل الرهنية أَو تلفه أَو فِي الْمَقْبُوض فَالْأول. قَالَ ابْن عَرَفَة: لَو ادّعى حائز لشَيْء ارتهانه وربه إيداعه فَالْمَذْهَب تَصْدِيق الرَّاهِن اللَّخْمِيّ: إِلَّا أَن يشْهد عرف لحائز كخاتم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 عِنْد بقال قَالَ: وَلَو ادّعى حائز لعبدين رهنهما وَقَالَ ربهما: بل أَحدهمَا صدق ربهما وَلَو ادّعى حائز عبد رهن جَمِيعه، وَقَالَ ربه بل نصفه صدق ربه أَيْضا خلافًا لِابْنِ الْعَطَّار فِي هَذِه يزِيد وَالدّين ثَابت فِي هَذِه الصُّور كلهَا، وَهَذَا معنى قَول (خَ) وَالْقَوْل لمُدعِي نفي الرهنية. وَفِي الْمُدَوَّنَة لَو ادّعى حائز جُبَّة وغطاء فَتلف وَقَالَ: هُوَ وَدِيعَة والجبة رهن وَعكس رَبهَا حلف كل مِنْهُمَا على نفي دَعْوَى صَاحبه وَأخذ الْجُبَّة رَبهَا وَلَا غرم على الْحَائِز وَقد قَالَ بَعضهم فِي هَذِه مَا نَصه: وَالْقَوْل قَول من نفى الرهنية إِلَّا لعرف أَو مَعَ البعضية أَو يَدعِي البيع ورهناً أَنْت أَو غير مَا بِيَدِهِ ارتهنت وَأما الثَّانِي فَإِن ادّعى الْمُرْتَهن رد الرَّهْن الْمَقْبُوض بِغَيْر بَيِّنَة بعد قبض دينه وَأنْكرهُ الرَّاهِن فِي رده حلف وَضَمنَهُ الْمُرْتَهن اتِّفَاقًا لِأَن مَا لَا يصدق فِي تلفه لَا يصدق فِي رده إِلَّا أَن يكون مِمَّا لَا يُغَاب عَلَيْهِ فَيصدق فَإِن ادّعى الرَّاهِن أَنه مَا قبض الرَّهْن حَتَّى دفع الدّين وَخَالفهُ الْمُرْتَهن وَقَالَ: بل سَرقته أَو دَفعته لَك لتَأْتِيني بحقي فَالْقَوْل للرَّاهِن إِن قَامَ الْمُرْتَهن بطول كالعشرة أَيَّام وإلاَّ فَالْقَوْل للْمُرْتَهن (خَ) : ولراهن بِيَدِهِ رَهنه بِدفع الدّين، وَأما الثَّالِث فَالْقَوْل للْمُرْتَهن وَيغرم قيمَة مَا يُغَاب عَلَيْهِ لَا غَيره إِلَّا أَن يكذبهُ عدُول فِي دَعْوَاهُ موت دَابَّة كَمَا مرّ، وَإِن رهنت أصُول مَعَ رسومها فَادّعى تلف الرسوم فَإِنَّهُ يغرم مَا بَين قيمتهَا برسومها وَقيمتهَا بِغَيْر رسوم قَالَه ابْن عَرَفَة. وَإِن رهنت رسوم فَادّعى تلفهَا وَشهد شَاهد بِأَنَّهَا رئيت عِنْده بعد ذَلِك فَإِنَّهُ يضيق عَلَيْهِ بالسجن فَإِن طَال ذَلِك حلف وَأطلق. انْظُر مسَائِل الْغَصْب من الْبُرْزُليّ، وَأما الرَّابِع وَهُوَ اخْتِلَافهمَا فِي الْمَقْبُوض فَقَالَ الرَّاهِن عَن دين الرَّهْن، وَقَالَ الْمُرْتَهن عَن الدّين الَّذِي لَيْسَ برهن أَن الْمَقْبُوض يوزع على قدر الدينَيْنِ فَيصير الدّين الْبَاقِي نصفه برهن وَنصفه بِلَا رهن كَمَا فِي (خَ) . (بَاب الضَّمانِ وَمَا يَتعَّلقُ بِهِ) من غرم وَعَدَمه وسقوطه بِفساد أَصله ويعبر عَنهُ بالحمالة أَيْضا. ابْن عَرَفَة: الْحمالَة الْتِزَام دين لَا يسْقطهُ أَو طلب من هُوَ عَلَيْهِ هُوَ لَهُ فَقَوله: لَا يسْقطهُ فِي مَحل رفع صفة لالتزام لَا لدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 أَي الْتِزَام لَا يسْقط لدين عَمَّن هُوَ عَلَيْهِ، وَخرج بِهِ الِالْتِزَام الْمسْقط للدّين كمن تحمل عَن ابْنه وَنَحْوه بِصَدَاق امْرَأَته، وَكَمن الْتزم أَدَاء دين عَن آخر على أَن يُبرئهُ الطَّالِب وَلَا يرجع هُوَ عَلَيْهِ وَرَضي بذلك وَهِي الْحِوَالَة على غير أصل دين الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا (خَ) بقوله: فَإِن أعلمهُ بِعَدَمِهِ وَشرط الْبَرَاءَة صَحَّ الخ. وَكَذَا تخرج الْحِوَالَة على أصل الدّين على القَوْل بِاشْتِرَاط رضَا الْمحَال عَلَيْهِ أَو بِعَدَمِ اشْتِرَاطه وَلكنه رَضِي لِأَنَّهَا الْتِزَام أَدَاء دين يسْقطهُ عَن الْمُحِيل إِمَّا أَن لم يرض على القَوْل بِأَن رِضَاهُ لَا يشْتَرط فَلم تدخل مَعنا إِذْ الِالْتِزَام لأَدَاء الدّين حِينَئِذٍ. وَقَوله: أَو طلب بِالْجَرِّ عطف على دين أَي الْتِزَام دين أَو الْتِزَام طلب وَيدخل فِيهِ ضَمَان الْوَجْه وَضَمان الطّلب وَتقول فِي وثيقته ضمن فلَان لفُلَان عَن فلَان جَمِيع الدّين الْوَاجِب عَلَيْهِ من وَجه كَذَا وَقدره كَذَا بعد معرفَة الضَّامِن بِوُجُوب الْعدة للمضمون لَهُ على الْمَضْمُون عَنهُ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُور ضمانا لَازِما لمَاله وذمته لانقضاء أجل كَذَا أَو على الْحُلُول بِإِذن الْمَضْمُون عَنهُ وَرضَاهُ وبموافقة الْمَضْمُون لَهُ شهد عَلَيْهِم بِمَا فِيهِ عَنْهُم وهم بأتمه وعرفهم الخ. فَإِن سقط من الرَّسْم الْمَضْمُون لَهُ صَحَّ لِأَنَّهُ يجوز ضَمَان مَا على ميت وغائب وَنَحْوه، وَيلْزم الضَّامِن ضَمَان مَا عَلَيْهِ من الدُّيُون وَإِن لم يعلم بأربابها وَقَوْلنَا: جَمِيع الدّين الخ. يدْخل فِيهِ عمل الْمُسَاقَاة لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّة كَالدّين وَثمن الْجعل لِأَنَّهُ يلْزم الْجَاعِل بِالشُّرُوعِ وَيخرج بِهِ المعينات، فَلَا يجوز بخلاص سلْعَة بِعَينهَا إِن اسْتحقَّت على نَحْو مَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَيسْقط الضَّمَان فِي فَسَاد الخ. حرفا بِحرف وَلَا فِي الْحُدُود والعقوبات وَلَا فِي عَارِية ووديعة وَلَا قِرَاض وَشركَة على أَنَّهَا إِن تلفت أَتَى بهَا بِعَينهَا فَإِن ضمن مَا يَتَرَتَّب على الْعَارِية وَنَحْوهَا بِسَبَب تعد أَو تَفْرِيط من الْقيمَة صَحَّ وَلزِمَ، وَهُوَ الَّذِي يَقْصِدهُ النَّاس كضمان بعض الدلالين لبَعض على أَنه إِذا هرب وَلم يَأْتِ بِهِ كَانَ عَلَيْهِ قيمَة مَا هرب بِهِ، وكدابة اعْترف بهَا مستحقها فَأَرَادَ وَقفهَا لشُبْهَة أَتَى بهَا فَترك وَقفهَا إِلَى إِثْبَاتهَا بضامن لِأَن الْمَعْنى ضَمَان مَا يخْشَى مِمَّن هِيَ بِيَدِهِ من تغييبها أَو هروبه بهَا قَالَه ابْن رشد، وَأما ضَامِن الضَّرَر الَّذِي تَأْخُذهُ الزَّوْجَة من زَوجهَا فَهُوَ من ضَمَان الْوَجْه وَهُوَ جَائِز فِي الْحُدُود والعقوبات كَمَا يَأْتِي، وَانْظُر (ق) فقد ذكر نَظَائِر لَا تصح بهَا الْحمالَة، وَلَا تجوز أَيْضا فِي كِتَابَة لِأَنَّهَا لَيست بدين لَازم وَإِن سقط من الرَّسْم من وَجه كَذَا أَي بيع أَو سلف وَنَحْو ذَلِك لم يضر سُقُوطه لِأَنَّهُمَا إِن اخْتلفَا فِي الْوَجْه الَّذِي ترَتّب بِهِ الدّين فَالْقَوْل للطَّالِب وَإِن سقط مِنْهُ مبلغ الْقدر وَمَعْرِفَة الضَّامِن بِهِ لم يضر أَيْضا لجَوَاز ضَمَان الْمَجْهُول كَمَا يَأْتِي لِأَن الْعبْرَة بِمَا يُثبتهُ عَلَيْهِ، وَكَذَا إِن سقط مِنْهُ لمَاله وذمته الخ لِأَنَّهُ يحمل على المَال كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَهُوَ بِمَال حَيْثُ لم يعين الخ. وَكَذَا إِن سقط مِنْهُ رضَا الْمَضْمُون عَنهُ إِن كَانَ على أصل الدّين بِبَيِّنَة كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَلَا اعْتِبَار بِرِضا من ضمنا الخ. وَإِن لم يُوَافق الْمَضْمُون لَهُ على الضَّمَان وَلم يقبله ضَامِنا لم يُؤَاخذ الضَّامِن بِشَيْء، وَإِن كَانَ ضَمَان وَجه أَو طلب. قلت: بدل قَوْلنَا جَمِيع الدّين الخ. وَجه فلَان أَو طلبه ليحضره إِيَّاه فِي وَقت كَذَا بِموضع كَذَا فَإِن عجز عَن إِحْضَاره فَفِي الطّلب لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَفِي الْوَجْه سَيَأْتِي فِي قَوْله: وَإِن ضَمَان الْوَجْه جَاءَ مُجملا الخ. وسُمِّيَ الضَّامنُ بالْحَمِيلِ كَذَاكَ بالزَّعِيمِ والكَفيلِ (وَسمي الضَّامِن) نَائِب (بالحميل) يتَعَلَّق بسمي (كَذَاك) سمي (بالزعيم وَالْكَفِيل) وَلَيْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 مُرَاده بَيَان مَا يُسمى بِهِ الضَّامِن كَمَا هُوَ ظَاهره، وَإِنَّمَا مُرَاده بَيَان صِيغ الضَّمَان الَّتِي ينْعَقد بهَا وتدل عَلَيْهِ فَإِذا قَالَ: أَنا زعيم أَو حميل أَو ضَامِن أَو قبيل أَو غَرِيم بغين مُعْجمَة فمهملتين بَينهمَا مثناة تحتية أَو صبير أَو مَدين أَو أذين فَذَاك كُله ضَمَان. عِيَاض: هَذِه الْأَلْفَاظ كلهَا بِمَعْنى وَاحِد واشتقاق ذَلِك كُله من الْحِفْظ والحياطة فَكَانَ الكافل حَافظ وحائط لما ولي من الْأُمُور وَلما الْتَزمهُ من مَال وَنَحْوه. زَاد فِي الْمُدَوَّنَة لَو قَالَ: هُوَ لَك عِنْدِي أَو عَليّ أَو إِلَيّ أَو قبلي فَذَلِك كُله حمالَة إِن أَرَادَ الْوَجْه لزمَه، وَإِن أَرَادَ المَال لزمَه اه. وَمَا ذكره من أَنه يرجع لقصده فِي جَمِيع تِلْكَ الْأَلْفَاظ هُوَ مَذْهَب الْأَكْثَر كَمَا فِي مُعْتَمد الناجب بِنَاء على أَن الأَصْل عدم الضَّمَان فَلَا يُوجد إِلَّا بتفسيره وعَلى هَذَا اقْتصر اللَّخْمِيّ والمتيطي، وَصدر بِهِ فِي الْجَوَاهِر. ابْن رحال: وَهُوَ التَّحْقِيق وَصوب عبد الْحق وَتَبعهُ ابْن رشد وَابْن يُونُس أَنه لَا يصدق فِي إِرَادَة الْوَجْه إِلَّا بِدَلِيل من لفظ أَو قرينَة وإلاَّ فَهُوَ مَحْمُول على المَال لِأَنَّهُ الْمُتَبَادر عِنْد سَماع هَذِه الْأَلْفَاظ، وَلقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (الزعيم غَارِم) وَعَلِيهِ عوّل (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَحمل فِي مُطلق: أَنا حميل أَو زعيم أَو قبيل وَشبهه على المَال على الْأَرْجَح اه. فمراده بالمطلق مَا عري عَن التَّقْيِيد بِالْمَالِ وَالْوَجْه بِلَفْظ وَلَا قرينَة كَمَا فِي ابْن عَرَفَة، وَأما إِن قُلْنَا مُرَاده بالمطلق مَا عري عَن التَّقْيِيد وَالنِّيَّة لَكَانَ كَلَامه مُوَافقا لما مر عَن الْمُدَوَّنَة، وَأَنه إِنَّمَا يحمل على المَال إِذا لم ينوِ شَيْئا وَفهم من النّظم وَمِمَّا مرّ أَن قَوْله هُوَ ثِقَة لَيْسَ بِضَمَان وَأفْتى أَبُو شَاكر حَسْبَمَا فِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن الْحَاج فِي الرجل يقف بسوق الدَّوَابّ وَالْبَقر يَقُول فِي رجل عاملوه هُوَ ثِقَة أَن ذَلِك كالضمان يلْزم الْغرم، وَأفْتى غَيره بِأَنَّهُ يحلف مَا أَرَادَ بذلك ضمانا وبرءاً، وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون. الْبُرْزُليّ: حكى ابْن رشد فِي شَرحه قَوْلَيْنِ فِي قَوْله ثِقَة هَل يضمن أَو لَا بِنَاء على أَن الْغرُور بالْقَوْل هَل يلْزم بِهِ الضَّمَان أَو لَا، وَهُوَ الْمَشْهُور، وَأما إِن قَالَ: أَنا ضَامِن لما أفسد فلَان أَو أضرّ بِهِ النَّاس أَو سَرقه أَو هرب بِهِ فِي السُّوق وَنَحْوه فَإِن الضَّمَان لَازم لَهُ فِي جَمِيع مَا أفْسدهُ إِذا ثَبت ذَلِك بِوَاجِب الثبت كَمَا فِي ابْن الْحَاج أَو نَحوه فِي الشَّامِل عَن أصبغ، وَهَذَا من الْحمالَة المترقبة كَقَوْلِه: أَنا حميل بِمَا يثبت على فلَان أَو بِمَا يُوجِبهُ الحكم عَلَيْهِ فَهِيَ حمالَة بِكُل مَا ثَبت وَبِكُل مَا أوجبه الحكم كَمَا لعياض ابْن عَرَفَة: وَجَهل قدر المتحمل بِهِ غير مَانع اتِّفَاقًا اه. وَظَاهر هَذَا وَلَو تبينت مُخَالفَته لظَنّه بِكَثِير، وانظره مَعَ قَول اللَّخْمِيّ عَن ابْن الْقَاسِم فِي الْعُتْبِيَّة أَن هبة الْمَجْهُول يفرق بَين مخالفتها للظن بِكَثِير فَلَا تجوز، وَإِلَّا جَازَت. وَمِنْه إِن قَالَ داين فلَانا وَأَنا حميل بِمَا داينته بِهِ لَكِن إِنَّمَا يلْزمه فِيمَا يشبه أَن يُعَامل بِهِ على الْمُعْتَمد، وَذهب الشَّافِعِي وَالثَّوْري وَاللَّيْث إِلَى عدم جَوَازهَا بِالْمَجْهُولِ وَهُوَ أظهر لِأَنَّهُ بصدد الْأَدَاء وَلَا يدْرِي قدر مَا يسلفه ويؤديه وَالسَّلَف أَخُو البيع. وَهُوَ مِنْ المَعْرُوفِ فَالمَنْعُ اقْتضَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; مِنْ أَخْذِهِ أَجْراً بِهِ أَوْ عِوَضا (وَهُوَ) مُبْتَدأ (من الْمَعْرُوف) خبر (فالمنع) مفعول بقوله: (اقْتضى) وفاعل اقْتضى ضمير يعود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 على كَونه من الْمَعْرُوف (من أَخذه) يتَعَلَّق بِالْمَنْعِ (أجرا) مفعول بِأخذ (بِهِ أَو عوضا) مَعْطُوف عَلَيْهِ أَي لكَون الضَّمَان من الْمَعْرُوف امْتنع أَن يَأْخُذ الضَّامِن عَلَيْهِ أجرا أَو جعلا وَظَاهره من رب الدّين أَو الْمَدِين أَو غَيرهمَا وَهُوَ كَذَلِك، فَإِذا وَقع الضَّمَان بِجعْل يَأْخُذهُ الضَّامِن من الطَّالِب أَو من الْمَطْلُوب بِعلم الطَّالِب سَقَطت الْحمالَة فيهمَا، وَالْبيع صَحِيح لَازم فِي الصُّورَة الأولى لِأَن المُشْتَرِي لَا علم لَهُ بِمَا فعله الطَّالِب مَعَ الْحميل، وَأما الثَّانِيَة فالبائغ مُخَيّر فِي أَن يمْضِي بَيْعه بِغَيْر حميل أَو يردهُ، والجعل مَرْدُود على كل حَال، وَأما إِن أَخذه من الْمَطْلُوب بِغَيْر علم الطَّالِب فالجعل سَاقِط والحمالة لَازِمَة لِأَنَّهُ غره حَتَّى أخرج سلْعَته من يَده، وَكَذَا يرد الْجعل لَو كَانَ من أَجْنَبِي للضامن سَوَاء علم رب الدّين بذلك أم لَا. والحمالة لَازِمَة مَعَ عدم الْعلم فَقَط، وَكَذَا لَو الْتزم الْعهْدَة عَن البَائِع للْمُشْتَرِي بِجعْل يَأْخُذهُ من المُشْتَرِي أَو من البَائِع فَعلم المُشْتَرِي فالجعل مَرْدُود، والالتزام سَاقِط فترجع الْعهْدَة على البَائِع، فَإِن كَانَ الْجعل بِغَيْر علم المُشْتَرِي فالجعل غير لَازم والالتزام لَازم قَالَه فِي الْبَيَان فَقَوْل النَّاظِم: من أَخذه مصدر مُضَاف للْفَاعِل الَّذِي هُوَ الضَّامِن، وَمَفْهُومه أَن الْجعل إِذا لم يكن للضامن بل لرب الْمَدِين ليَأْتِي بضامن أَو للْمَدِين ليَأْتِي بِهِ أَيْضا لم يمْتَنع وَهُوَ كَذَلِك فِي الأول مُطلقًا، وَفِي الثَّانِي إِن حل الْأَجَل كَمَا أَشَارَ لَهُ النَّاظِم فِي الْبَيْت بعده. تَنْبِيهَانِ. الأول: هَذَا أحد الثَّلَاث الَّتِي لَا تكون إِلَّا لله الْمَجْمُوعَة فِي قَول الْقَائِل: الْقَرْض وَالضَّمان رفق الجاه تمنع أَن ترى لغير الله وَنقل فِي المعيار عَن القوري أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي ثمن الجاه فَمن قَائِل بِالتَّحْرِيمِ بِإِطْلَاق وَمن قَائِل بِالْكَرَاهَةِ بِإِطْلَاق وَمن مفصل وَأَنه إِذا كَانَ ذُو الجاه يحْتَاج إِلَى نَفَقَة وتعب وسفر فَأخذ أُجْرَة مثله فَذَلِك جَائِز وإلاّ حرم اه. ابْن رحال: هَذَا التَّفْصِيل هُوَ الْحق وَإِنَّمَا يحرم ثمن الجاه إِذا كَانَ ينْتَفع غَيره بجاهه من غير حَرَكَة وَلَا مشي فَقَوْل (خَ) عاطفاً على الْمَمْنُوع وَذي الجاه الخ. مُقَيّد بِهَذَا أَي من حَيْثُ جاهه فَقَط. الثَّانِي: أفهم قَوْله من الْمَعْرُوف الخ. أَن دَعْوَى الضَّمَان الْمُجَرَّدَة لَا تتَوَجَّه فِيهَا الْيَمين على الْمُنكر قَالَ فِي معاوضات المعيار عَن العقباني: الْأَصَح وَالْمَشْهُور أَن دَعْوَى الضَّمَان لَا تتَوَجَّه فِيهَا الْيَمين على الْمُنكر لِأَن ذَلِك من دَعْوَى الْمَعْرُوف والتبرع كدعوى الصَّدَقَة اه وَنَحْوه لِابْنِ فَرِحُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 فِي فصل الدَّعَاوَى الَّتِي لَا توجب الْيَمين. وَقَالَ الْبُرْزُليّ: إِن الْخلاف فِيهَا يجْرِي على الْخلاف فِي دَعْوَى الْإِقَالَة وَتقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ عِنْد قَوْله: وَفِي الْإِقَالَة ابْن عتاب يرى الخ. وَذكر الْبُرْزُليّ أَيْضا أَوَاخِر الشَّهَادَات مَا نَصه: إِذا ادّعى أَنه ضمن لَهُ ذَهَبا عَن غَرِيم فَأنْكر تَوَجَّهت عَلَيْهِ الْيَمين فَإِن نكل حلف الْمُدَّعِي وَاسْتحق قَالَ: وَكَأَنِّي أذكر فِي حَاشِيَته أَنه لَا تترتب عَلَيْهِ يَمِين إِلَّا بعد ثُبُوت أصل الْحق وَفِي مَوضِع آخر إِن ادّعى أَنه تحمل لَهُ بذلك فِي أصل العقد جرت على دَعْوَى الْمَعْرُوف اه. وَالحُكْمُ ذَا حَيْثُ اشْتِرَاطُ مَح ضَمِنْ حَطًّا مِنَ المَضْمُونُ عَمَّنْ قَدْ ضُمِنْ (وَالْحكم) مُبْتَدأ (ذَا) خَبره وَالْإِشَارَة للْمَنْع (حَيْثُ) ظرف يتَعَلَّق بالحكم (اشْتِرَاط) مُبْتَدأ (من) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ الْمصدر من إِضَافَته لفَاعِله (ضمن) بِفَتْح الضَّاد وَكسر الْمِيم فَاعله ضمير يعود على من هُوَ الرابط بَين الصِّلَة والموصول (حطّاً) بِالطَّاءِ الْمُهْملَة مفعول بِاشْتِرَاط (من الْمَضْمُون) يتَعَلَّق بِهِ، وَكَذَا (عَمَّن قد ضمن) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَقد للتحقيق، وَالْجُمْلَة صلَة الْمَوْصُول الْمَجْرُور بِمن وَخبر الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ اشْتِرَاط مَحْذُوف أَي كَائِن وَنَحْوه، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ وَجَوَاب الشَّرْط الناصب لَهُ مَحْذُوف أَيْضا لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ أَن الضَّامِن إِذا قَالَ لرب الدّين قبل الْأَجَل حط من دينك عشرَة عَن الْمَدِين وَأَنا ضَامِن لَك بِالْبَاقِي فَإِنَّهُ يمْنَع على قَول ابْن الْقَاسِم لِأَن التَّوَثُّق بالضامن فِي معنى التَّعْجِيل فَفِيهِ ضع وتعجل، وَكَذَا لَو أعطَاهُ رهنا قبل الْأَجَل على أَن يحط عَنهُ بعض الدّين لِأَن الْعلَّة جَارِيَة أَيْضا، فقد أخل النَّاظِم بِقَيْد كَون ذَلِك قبل الْأَجَل إِذْ لَو كَانَ بعده لجَاز على الْمُعْتَمد لِأَنَّهُ كابتداء سلف بحميل أَو رهن خلافًا لمَالِك فِي الْعُتْبِيَّة وَإِطْلَاق النَّاظِم يَقْتَضِي أَنه درج عَلَيْهِ فَلَو قَالَ: كَذَاك جعل للْمَدِين قد حصل من ربه أَو غَيرهَا قبل الْأَجَل لَكَانَ أسهل معنى وَأقرب تناولاً وَأَنه لَا مَفْهُوم لقَوْله حطّاً بل كَذَلِك لَو أعطَاهُ رب الدَّين أَو أَجْنَبِي دِينَارا مثلا ليَأْتِي بضامن قبل الْأَجَل لِلْعِلَّةِ السَّابِقَة لِأَن مَا أَخذه فِي معنى الْإِسْقَاط لمقابله من الدّين مَعَ تَعْجِيل حَقه بتوثقه فَإِن كَانَ الْجعل لملاطف الْمَدِين فِي هَذِه أَو لملاطف الضَّامِن فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 الأولى فَيجوز إِلَّا أَن تقوم قرينَة على أَن الضَّامِن إِنَّمَا ضمن لأجل مَا أَخذه ملاطفة أَو الْمَدِين إِنَّمَا أَتَى بضامن لذَلِك أَيْضا فَيمْتَنع حِينَئِذٍ قَالَه (ز) وَالَّذِي للخمي أَن الْحميل لَو قَالَ: أَنا أتحمل لَك على أَن تُعْطِي لفُلَان غير الْغَرِيم دِينَارا لم يجز، وَوَجهه أَنه لما أَخذه فلَان بِسَبَبِهِ فَكَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَخذه فَيكون ضمانا بِجعْل اه. فَلم يُقيد بملاطف وَلَا بِغَيْرِهِ. وَباشْتِرَاكٍ وَاسْتِوَاءٍ فِي الْعَدَدْ تَضَامُنٌ خُفِّفَ فِيهِ أَنْ وَرَدْ (وباشتراك) يتَعَلَّق بقوله تضامن وباؤه بِمَعْنى مَعَ (واستواء) مَعْطُوف على مَا قبله (فِي الْعدَد) يتَعَلَّق بِمَا قبله يَلِيهِ (تضامن) مُبْتَدأ مصدر تضامن (خفف) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (فِيهِ) نَائِبه وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ (أَن) بِفَتْح الْهمزَة مجرورة بلام الْجَرّ محذوفاً (ورد) صلَة أَن، وَالْمعْنَى أَن ضَمَان شخص على أَن يضمنهُ الآخر الْآن أَو مَتى احْتَاجَ وَنَحْو ذَلِك مَمْنُوع لِأَنَّهُ من ضَمَان بِجعْل فَهُوَ دَاخل تَحت قَوْله فِيمَا مر أَو عوضا، لَكِن اسْتثْنِي من ذَلِك صُورَة وَاحِدَة وَهِي أَن يَشْتَرِي اثْنَان مثلا سلْعَة مُعينَة على الشّركَة بَينهمَا وتساويا فِيهَا وَيضمن كل مِنْهُمَا الآخر فِيمَا عَلَيْهِ من ثمنهَا أَو يبيعا سلْعَة مُشْتَركَة بَينهمَا وَيضمن كل مِنْهُمَا الآخر فِيمَا يلْحقهُ من دَرك الْعَيْب والاستحقاق أَو يسلما فِي سلْعَة بَينهمَا ويتضامنا فِيهَا أَو اقترضا شَيْئا وتساويا فِيهِ، فَإِنَّهُ خفف التضامن فِي ذَلِك كُله فِي الأولى اتِّفَاقًا وَفِيمَا بعْدهَا على الْأَصَح كَمَا فِي الشَّامِل لوُرُود ذَلِك عَن السّلف وَمَفْهُوم اشْتِرَاك واستواء أَنه لَو اشْترى أَو بَاعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا وَحده أَو اشْتَركَا على التَّفَاوُت كالثلث والثلثين لم يجز إِلَّا أَن يضمن صَاحب الثُّلُث للْآخر الثُّلُث فَقَط وَإِلَى هذَيْن وَالَّتِي قبلهَا أَشَارَ (خَ) بقوله: وفسدت بكجعل وَإِن من عِنْد ربه لمدينه وَإِن بِضَمَان مضمونه إِلَّا فِي اشْتِرَاك شَيْء بَينهمَا أَو بَيْعه كقرضهما على الْأَصَح فَقَوله: بكجعل أَي وصل للضامن مُطلقًا، وَقَوله: وَإِن من عِنْد ربه يَعْنِي أَو من أَجْنَبِي وصل للْمَدِين لَكِن قبل الْأَجَل كَمَا مرّ فِي الْبَيْت قبله. وَلما تكلم على مَا ينْعَقد بِهِ الضَّمَان وَأَنه لَا يَصح بِجعْل شرع فِي الْكَلَام على من يَصح مِنْهُ لِأَن الضَّامِن مُتَبَرّع بِمَا يضمنهُ، والتبرع إِنَّمَا يَصح مِمَّن لَا حجر عَلَيْهِ فَقَالَ: وَصَحَّ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعَاتِ وَثُلْثِ مَنْ يُمْنَعُ كَالزَّوْجَاتِ (وَصَحَّ) فَاعله ضمير يعود على الضَّمَان (من أهل التَّبَرُّعَات) يتَعَلَّق بِهِ فَيدْخل الْمُكَلف الَّذِي لَا حجر عَلَيْهِ بِحَال وَلَو أخرس وَيخرج الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَالسَّفِيه فَلَا يَصح ضمانهم وَإِن أجَازه الْوَلِيّ، وَيخرج أَيْضا الَّذِي أحَاط الدّين بِمَالِه إِن لم يجزه الْغُرَمَاء وَيخرج الْمكَاتب والمأذون لَهُ إِن لم يجزه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 السَّيِّد أَيْضا، وَأَحْرَى غَيرهمَا من مُدبر ومبعض وَأم ولد، فَالْمُرَاد بِالصِّحَّةِ فِي كَلَامه اللُّزُوم ومفهومها فِيهِ تَفْصِيل تَارَة يكون غير صَحِيح وَغير لَازم وَتارَة يكون صَحِيحا، وَلَكِن يتَوَقَّف على إجَازَة الْغَيْر كَمَا ترى (وَثلث) بِالْجَرِّ مَعَ سُكُون اللَّام عطف على أهل (من يمْنَع) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صلَة من (كالزوجات) خبر لمَحْذُوف مِثَال لمن يمْنَع كالزوجات أَي وَصَحَّ الضَّمَان وَلزِمَ من أهل التَّبَرُّعَات بِكُل المَال وَثلث من يمْنَع من التَّبَرُّع بكله كَالزَّوْجَةِ وَالْمَرِيض، وَلَك أَن تجْعَل ثلث مَعْطُوفًا على مُقَدّر قبل قَوْله: من أهل الخ. أَي وَصَحَّ الضَّمَان وَلزِمَ فِي كل المَال مِمَّن لَهُ التَّبَرُّع بكله وَفِي ثلث من يمْنَع من التَّبَرُّع بكله كَالزَّوْجَةِ، وَمَفْهُوم ثلث أَن الزَّوْجَة وَالْمَرِيض لَا يلْزمهُمَا الضَّمَان فِي الزَّائِد عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ صَحِيحا ويتوقف على رضَا الزَّوْج وَالْوَرَثَة وَللزَّوْج حِينَئِذٍ رد الْجَمِيع وَلَو ضمنته هُوَ لَا الزَّائِد فَقَط بِخِلَاف الْوَارِث فَإِنَّمَا لَهُ إِن مَاتَ الْمَرِيض رد الزَّائِد فَقَط وَلَو ضمنه هُوَ وَظَاهره أَنه لَا يرد الثُّلُث وَلَو قصد بِهِ الضَّرَر وَهُوَ كَذَلِك. وَظَاهره أَيْضا أَن الزَّوْجَة لَا تصدق أَنه أكرهها على الْكفَالَة عَنهُ أَو لغيره وَهُوَ كَذَلِك إِلَّا بِبَيِّنَة. قَالَ أَشهب: فَإِن زعمت أَن الطَّالِب عَالم بِالْإِكْرَاهِ وَكَانَ مِمَّن يظنّ بِهِ الْعلم كجار وَقَرِيب حلف فَإِن نكل حَلَفت وبرئت. انْظُر ابْن عَرَفَة وَأَبا الْحسن فَإِن صَحَّ الْمَرِيض من مَرضه لزمَه مَا تكفل بِهِ مُطلقًا ثلثا أَو أَكثر تكفل لوَارِثه أَو غَيره كَمَا يلْزمه مَا بتله فِي مَرضه من صَدَقَة وَنَحْوهَا إِلَّا لقَرِينَة تدل على أَنه أَرَادَ بهَا الْوَصِيَّة. اللَّخْمِيّ: فَإِن رَجَعَ عَن الْكفَالَة بعد أَن صَحَّ وَقَالَ: كنت أردْت بهَا الْوَصِيَّة لم يقبل قَوْله: إِذا كَانَت فِي عقد البيع أَو الْقَرْض وَيخْتَلف إِذا كَانَت بعده اه. وَظَاهر النّظم أَنه ضمن فِي الْمَرَض وَأما إِن أقرّ فِي الْمَرَض أَنه تكفل فِي الصِّحَّة فَإِنَّهُ لَا يمْضِي فِي ثلث وَلَا فِي غَيره قَالَ فِيهَا وَمَا أقرّ بِهِ الْمَرِيض أَنه فعله فِي صِحَّته من عتق أَو كَفَالَة أَو حبس أَو صَدَقَة لوَارث أَو غَيره فَإِقْرَاره كُله بَاطِل وَلَا يجوز فِي ثلث وَلَا غَيره اه. فحملها الْأَكْثَر على ظَاهرهَا وتأولها الْأَقَل على أَن ذَلِك إِذا أقرّ فِي مَرضه أَنه تكفل فِي صِحَّته بعد عقد بيع أَو قرض لِأَنَّهُ مَعْرُوف حِينَئِذٍ كالصدقة وَالْحَبْس لَا إِن أقرّ أَنه تكفل فِي عقد البيع أَو الْقَرْض فَذَلِك لَازم لَهُ لِأَنَّهُ أخرج بِهِ الْملك من يَد مَالِكه ودرج فِي الشَّامِل على تَأْوِيل الْأَقَل فَقَالَ: وَلَو أقرّ فِي مَرضه أَنه ضمن فِي صِحَّته فِي أصل عقد بيع أَو قرض لزم لَا بعده اه. وَأما الزَّوْجَة إِن تأيمت قبل الرَّد فيلزمها ذَلِك أَيْضا، وَانْظُر لَو أقرَّت فِي حَال التَّزَوُّج أَنَّهَا تكفلت فِي حَال التأيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ فِي الشَّامِل وَلَو تكفل فِي مَرضه ثمَّ تداين مَا يسْتَغْرق مَاله سَقَطت الْحمالَة إِن مَاتَ وَلَا يحاص بهَا وَنَحْوه فِي الْمُدَوَّنَة. أَبُو الْحسن: لِأَن الدّين عَن عوض وَالْكَفَالَة فِي الْمَرَض وَصِيَّة من غير عوض وَمَا كَانَ عَن عوض أولى بِمَا كَانَ عَن غير عوض. الثَّانِي: إِذا ادّعى على ذَات الزَّوْج بِدَعْوَى أَكثر من ثلث مَالهَا فنكلت عَن الْيَمين فَإِن الطَّالِب يحلف وَيَأْخُذ وَلَا كَلَام لزَوجهَا وَلَا يكون نكولها كتبرعها كَمَا فِي الْبُرْزُليّ. وَهُوَ بِوْجِهٍ أوْ بِمَالٍ جارِ وَالأَخْذُ مِنْهُ أَوْ عَلَى الْخِيَارِ (وَهُوَ) أَي الضَّمَان أَنْوَاع مُبْهَم كأنا حميل أَو زعيم أَو نَحْوهمَا. وَقد تقدم وَسَيَأْتِي أَيْضا وَضَمان بِمَال وللحميل الرُّجُوع بِهِ على الْمَضْمُون إِلَى فِي حمالَة الصَدَاق أَو الثّمن فِي عقدي النِّكَاح وَالْبيع فَلَا رُجُوع لَهُ إِن كَانَ بِلَفْظ الْحميل أَو صرح بِعَدَمِ الرُّجُوع كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: وَلَا يرجع أحد مِنْهُم إِلَّا أَن يُصَرح بالحمالة أَو يكون بعد العقد الخ. كَمَا لَا يفْتَقر لحيازة كَمَا يَأْتِي فِي النِّكَاح وَضَمان بِمَال مترقب كَانَا حميل بِمَا يثبت على فلَان أَو بِمَا يُوجِبهُ الحكم عَلَيْهِ، وَهِي لَازِمَة فِيمَا ثَبت على فلَان بِالْبَيِّنَةِ أَو بِإِقْرَار الْمَضْمُون قبل الضَّمَان أَو بعده وَكَانَ مَلِيًّا وإلاَّ فَقَوْلَانِ، فَإِن قَالَ: داينه وَأَنا حميل بِمَا داينته بِهِ فللحميل الرُّجُوع عَن ذَلِك قبل الْمُعَامَلَة وَإِلَّا لزمَه فِيمَا يشبه أَن يُعَامل بِهِ كَمَا مر، وَضَمان بِوَجْه، وَالْمَشْهُور لُزُوم الْغرم إِن لم يحضرهُ وَلم يشْتَرط نفي المَال وَضَمان طلب وَيصِح فِي كل شَيْء حَتَّى فِيمَا يتَعَلَّق بالأبدان من الْقصاص وَنَحْوه، وَمن هَذَا النَّوْع ضَمَان الْوَجْه الَّذِي اشْترط فِيهِ نفي المَال فَقَوله: (بِوَجْه) صَادِق بِالْوَجْهِ الْمُطلق وبالوجه الَّذِي اشْترط فِيهِ نفي المَال وبالطلب، لَكِن الحكم فِي الأول لُزُوم الْغرم كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَإِن ضَمَان الْوَجْه جَاءَ مُجملا الخ، بِخِلَاف الْأَخيرينِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إِلَّا أَن يفرا فَيغرم المَال ويؤدب فِي الْقصاص (خَ) كَانَا حميل بِطَلَبِهِ أَو اشْترط نفي المَال وَطَلَبه بِمَا يقوى عَلَيْهِ وَحلف مَا قصر وَغرم إِن فرط أَو هربه وعوقب الخ. وَقَوله: (أَو بِمَال) صَادِق بالمبهم على القَوْل بِأَنَّهُ يحمل على المَال وَهُوَ ظَاهر قَول النّظم الْآتِي: وَهُوَ بِمَال حَيْثُ لم يعين الخ. وصادق بِالْمَالِ الثَّابِت والمترقب، وَقد علمت تَفْصِيله وَمن المترقب أَيْضا ضَمَان دَرك الْعَيْب والاستحقاق فَيلْزم الثّمن للضامن من حِين الدَّرك فِي غيبَة البَائِع أَو عَدمه كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة (خَ) : وَمثله مَا يكْتب الْيَوْم فِي مستندات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 البيع: وَالْتزم فلَان لفُلَان أَنه إِن قَامَ عَلَيْهِ قَائِم فِي هَذَا البيع فَعَلَيهِ نَظِير مَا يغرمه فلَان أَو نَحْو ذَلِك اه. تَنْبِيه: إِذا بَاعَ مِنْهُ ضَيْعَة إِلَى أجل وَبعد مُضِيّ بعض الْأَجَل ظهر مِنْهُ خلاف مَا كَانَ يظْهر عَلَيْهِ، وخشي صَاحب الْحق أَنه إِن بَقِي على حَاله لَا يجد عِنْد الْأَجَل قَضَاء فَإِن من حق البَائِع أَخذه بوثيقة من رهن أَو حميل أَو يضْرب القَاضِي على يَدَيْهِ فِي الضَّيْعَة وَيشْهد أَنه مَنعه من التَّصَرُّف وَيظْهر ذَلِك قَالَه اللَّخْمِيّ. قَالَ الْبُرْزُليّ: هَذَا مثل مَا قَالَه أَبُو عمرَان فِي الْغَرِيم يُرِيد سفرا قبل الْأَجَل أَو ظَهرت مِنْهُ وُجُوه رِيبَة أَنه يُرِيد التغيب والهروب أَو السّفر إِلَى بلد لَا تجْرِي فِيهِ الْأَحْكَام فَإِنَّهُ يتوثق مِنْهُ قَالَه فِي نَوَازِل الْبيُوع، وَنَقله فِي المعيار فِي أواسط الْمُعَاوَضَات مِنْهُ، وَتَأمل قَول (خَ) للْغَرِيم منع من أحَاط الدّين بِمَالِه من تبرعه وسفره إِن حل بغيبته. (جَار) خبر عَن الضَّمِير الْمُنْفَصِل والمجروران قبله يتعلقان بِهِ (وَالْأَخْذ) مُبْتَدأ (مِنْهُ) خبر وضميره للْمَدِين أَي الْأَخْذ كَائِن مِنْهُ (أَو) كَائِن (على الْخِيَار) فَهُوَ مَعْطُوف على الْخَبَر، وأو لتنويع الْخلاف أَي الْأَخْذ كَائِن من الْمَدِين فَقَط على قَول مَالك المرجوع إِلَيْهِ وَهُوَ الْمَشْهُور كَمَا قَالَ (خَ) وَلَا يُطَالب الضَّامِن بِهِ أَي بِالدّينِ إِن حضر الْغَرِيم بِالْبَلَدِ حَال كَونه مُوسِرًا تناله الْأَحْكَام غير ملد، وَبِه كَانَ الْعَمَل قَدِيما كَمَا فِي ابْن مغيث وَغَيره أَو كَائِن على خِيَار رب الدّين إِن شَاءَ أَخذه من الضَّامِن أَو الْمَدِين وَهُوَ قَول مَالك المرجوع عَنهُ، وَبِه صدر ابْن الْحَاجِب وَابْن سَلمُون، وَبِه الْعَمَل الْآن بفاس وَمَا والاها قَالَ ناظم عَملهَا: وَصَاحب الْحق مَعَ الْإِحْضَار غَرِيمه الْمُوسر الْخِيَار ... الخ قَالَ اليزناسي: وَعمل تلمسان وفاس ومراكش يتبع عمل الأندلس فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَغَيرهَا لَا عمل تونس ومصر اه. ثمَّ إِن تبع أَحدهمَا فَلَا رُجُوع لَهُ على الآخر إِلَّا أَن يعْدم، وَإِذا رَجَعَ على الضَّامِن فسجنه فللضامن أَن يسجن الْمَدِين لِأَنَّهُ بِالْوَجْهِ الَّذِي يقْضِي بِهِ على الضَّامِن يقْضِي بِهِ على الْمَدِين، وَهَذَا مِمَّا لَا إِشْكَال فِيهِ، بل للحميل أَن يُطَالب الْمَدِين بِالْأَدَاءِ ليبرأ من الْحمالَة وَلَو لم يَطْلُبهُ رب الدّين خلافًا لما كَانَ يَفْعَله بعض جهلة قُضَاة الْوَقْت من أَن الضَّامِن لَا يُمكن من طلب الْمَدِين حَتَّى يُؤَدِّي فَفِي ابْن سَلمُون: إِذا كَانَ الْحق قبل شَخْصَيْنِ وهما متضامنان فِيهِ أَيهمَا شَاءَ صَاحب الْحق أَخذه بِحقِّهِ فَإِن أَخذه من أَحدهمَا فحبسه فَأَرَادَ الْمَحْبُوس أَن يحبس صَاحبه فَلهُ ذَلِك وَيعْمل بِهِ مثل مَا يعْمل صَاحب الدّين بالغريم قَالَه ابْن الْقَاسِم فِي سَماع عِيسَى بن رشد لِأَنَّهُ ضَامِن لصَاحب الْحق نصف الْحق فَإِذا سجن كَانَ لَهُ هُوَ أَن يسجن الآخر لما يجب لَهُ من الرُّجُوع عَلَيْهِ اه. وَإِذا كَانَ هَكَذَا فالمرجوع إِلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْمَشْهُور أقرب لِأَنَّهُ من بَاب قَوْلهم: رأى الْأَمر يُفْضِي إِلَى آخِره فصير آخِره أَولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 وَتَأمل قَول (خَ) فِي الشَّهَادَات: وللمقضى عَلَيْهِ مطالبتهما بِالدفع للمقضى لَهُ وللمقضى لَهُ ذَلِك إِذا تعذر من المقضى عَلَيْهِ. تَنْبِيهَانِ. الأول: مَحل مَا مر أَن وَقع الضَّمَان محملًا أما إِن شَرط فِي أصل الضَّمَان تَقْدِيم الضَّامِن أَو الْمَدِين أَو شَرط الضَّامِن أَن لَا يُؤَاخذ فِي حُضُور الدّين أَو يسره أَو بعد مَوته وَنَحْو ذَلِك فَيعْمل بِالشّرطِ قطعا. الثَّانِي: إِذا اجْتمع الرَّهْن الْمُفَوض فِي بَيْعه والضامن فَإِن الْبدَاءَة تكون بِالرَّهْنِ لَا بالضامن على الْمَشْهُور، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة حُضُور الضَّامِن والمضمون إِلَّا أَن يكون فِي إِثْبَات مُوجبَات طول قَالَه فِي نَوَازِل الْخلْع. وَتَأمل كَيفَ يحْتَاج للإثبات مَعَ كَونه مفوضاً لَهُ فِي البيع فراجع مَا مرّ عِنْد قَوْله: وبجواز بيع مَحْدُود الْأَجَل. الخ. وَلا اعْتِبَارَ بِرِضَا مَنْ ضُمِنا إذْ قَدْ يُؤدّي دَيْنُ مَنْ لَا أَذِنَا (وَلَا) نَافِيَة (اعْتِبَار) اسْمهَا (بِرِضا) خَبَرهَا (من) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (ضمنا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صلته (إِذْ) تعليلية (قد) للتحقيق (يُؤَدِّي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (دين) بِالرَّفْع نَائِب (من) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (لَا) نَافِيَة (أذنا) بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الذَّال فعل مَاض وفاعله ضمير يعود على من ومتعلقه مَحْذُوف أَي فِي أَدَائِهِ وَالْجُمْلَة صلَة وَالْجُمْلَة من قد يُؤَدِّي الخ. فِي مَحل خفض بِإِضَافَة إِذْ وَمَعْنَاهُ أَن الضَّمَان لَا يشْتَرط فِيهِ رضَا الْمَضْمُون، بل يَصح وَيلْزم بِغَيْر إِذْنه لِأَنَّهُ يجوز أَدَاء الدّين عَمَّن لم يَأْذَن فِي أَدَائِهِ عَنهُ والضامن بصدد الْأَدَاء عَنهُ فَهُوَ أَحَق مِنْهُ فَفِي الْمُدَوَّنَة وَمن ادّعى على رجل حَقًا أَي مَالا فَأنكرهُ فَقَالَ لَهُ رجل: أَنا بِوَجْهِهِ كَفِيل إِلَى غَد فَإِن لم يوافك بِهِ إِلَى غَد فَأَنا ضَامِن لِلْمَالِ فَإِن لم يَأْتِ بِهِ فِي غَد لم يلْزم الْحميل بِشَيْء حَتَّى يثبت الْحق بِبَيِّنَة. عِيَاض: ظَاهره أَن إِقْرَار الْمُنكر لَا يلْزم الْكَفِيل بِهِ شَيْء، وَقيل إِقْرَاره كقيام الْبَيِّنَة وَهَذَا دَلِيل للْكتاب أَيْضا اه. وَإِلَيْهِ أَشَارَ (ح) بقوله: أَو قَالَ لمدع على مُنكر إِن لم آتِك بِهِ لغد إِلَى قَوْله: إِن لم يثبت حَقه بِبَيِّنَة وَهل بِإِقْرَار تَأْوِيلَانِ، وَوجه الدَّلِيل مِنْهُ أَن هَذَا مُنكر وَمَعَ ذَلِك صَحَّ الضَّمَان عَنهُ، وَكَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 نَص فِيهَا أَيْضا على أَن الرجل إِذا قَالَ: مَا كَانَ لَك قبل فلَان الَّذِي تخاصمه فَأَنا بِهِ كَفِيل أَو قَالَ داينه وَأَنا بِمَا داينته بِهِ كَفِيل فَإِنَّهُ ضَامِن لما ثَبت عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ فِي ذَلِك كُله وَيخْتَلف فِي الْإِقْرَار كَالَّتِي قبلهَا، لَكِن الْخلاف الَّذِي ذكره عِيَاض فِي الْإِقْرَار خلاف قَول ابْن رشد كَمَا فِي ابْن عَرَفَة لَو قَالَ لي على فلَان حق فَقَالَ رجل: أَنا بِهِ كَفِيل لم تلْزمهُ الْكفَالَة فِيمَا أقرّ بِهِ الْمَطْلُوب قولا وَاحِدًا اه. فَانْظُرْهُ فَإِن الِاتِّفَاق وَإِن لم يَصح لَا أقل أَن يكون مَشْهُورا وَفِي مَعْنَاهُ فِي الْإِقْرَار بعد الْكفَالَة لَا قبلهَا فتلزم كَمَا فِي أبي الْحسن عَن ابْن الْمَوَّاز، وَقيد ابْن يُونُس مَا كَانَ بعْدهَا بِمَا إِذا كَانَ الْمَطْلُوب مُعسرا وَإِلَّا فتلزم، وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو قَالَ رجل: لي على فلَان ألف دِينَار فَقَالَ لَهُ شخص: أَنا بهَا كَفِيل فَإِن الْكفَالَة تلْزم بِإِقْرَار الْمَطْلُوب اتِّفَاقًا كَمَا قَالَه ابْن رشد أَيْضا: فَهَذِهِ الْمَسْأَلَة تخَالف الْمسَائِل الَّتِي قبلهَا وَلَعَلَّه لما فِيهَا من بَيَان الْعدَد، وَاعْترض ابْن عَرَفَة التَّفْرِقَة بَينهمَا فَانْظُرْهُ فَإِن لم تكن بَيِّنَة وَلَا إِقْرَار وَقد تكفل لَهُ بِمَا عَلَيْهِ وَادّعى أَن لَهُ عَلَيْهِ ألف دِرْهَم مثلا وَأَن الْكَفِيل عَالم بذلك حلف الْكَفِيل على علمه فَإِن نكل حلف الطَّالِب وَاسْتحق كَمَا فِي شُفْعَة الْمُدَوَّنَة وَابْن يُونُس ثمَّ لَا يرجع الْكَفِيل على الْغَرِيم بِمَا غرمه بِنُكُولِهِ إِلَّا أَن يقر الْغَرِيم فَإِن لم يقر فللكفيل أَن يحلفهُ فَإِن نكل غرم، وَكَذَا إِن قَالَ: احْلِف أَن مَا تدعيه قبل فلَان حق وَأَنا ضَامِن بِهِ وَفُلَان حَاضر سَاكِت أَو غَائِب فَإِنَّهُ يلْزمه ضَمَان مَا حلف عَلَيْهِ أقرّ بِهِ الْمَطْلُوب أم لَا فِي هَذِه وَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع عَن الضَّمَان قبل الْحلف، ثمَّ إِذا غرم الضَّامِن فَلَا رُجُوع لَهُ على الْمَطْلُوب إِلَّا بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار وللكفيل أَن يحلف ثمَّ يحلفهُ عِنْد عدمهَا فَإِن نكل غرم. ابْن رشد: أثر مَا مر عَنهُ من الِاتِّفَاق، وَإِنَّمَا اخْتلف فِيمَن قَالَ: أَنا كَفِيل لفُلَان بِأَلف دِينَار لَهُ على فلَان على ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا لِابْنِ الْقَاسِم اللُّزُوم وَإِن أنكر الْمَطْلُوب، وَثَالِثهَا إِن كَانَ عديماً وعَلى الأول لَا يلْزم الْمَطْلُوب غرم للحميل إِلَّا بِبَيِّنَة بِالْحَقِّ يَعْنِي أَو بِإِقْرَار، وَله أَن يحلفهُ كَالَّتِي قبلهَا وَإِنَّمَا لزمَه الضَّمَان فِي هَذِه مَعَ الْإِنْكَار على قَول ابْن الْقَاسِم وَهُوَ الْمُعْتَمد، لِأَن الْكَفِيل معترف بِالْكَفَالَةِ شَاهد بِالدّينِ فألغى ابْن الْقَاسِم شَهَادَته وأجازها مَالك فِي رِوَايَة أَشهب. وَقَالَ ابْن الْمَوَّاز: إِن كَانَ مَلِيًّا جَازَ وإلاَّ فَلَا. وَقد اسْتُفِيدَ من ذَلِك كُله أَن رضَا الْمَضْمُون لَا يشْتَرط فِي لُزُوم الضَّمَان لَكِن رِضَاهُ لَهُ فَائِدَة، وَهُوَ أَن الضَّامِن إِذا غرم تمكن من الرُّجُوع على الْمَضْمُون لِأَن رِضَاهُ إِقْرَار بِالْحَقِّ بِخِلَاف مَا إِذا لم يرض فَلَا رُجُوع عَلَيْهِ حَيْثُ لَا بَيِّنَة، وَحلف أَنه لَا حق عَلَيْهِ وَقد يَمُوت وَيحلف وَارثه على الْعلم وَيتَفَرَّع على ذَلِك أَيْضا أَن الضَّامِن إِذا أدّى الْحق لرَبه وَطَلَبه برسم الدَّين ليتَمَكَّن من الرُّجُوع بِهِ على الْمَدِين وَادّعى ربه أَن الدّين كَانَ بِلَا رسم أَو تلف فَمن تَضَمَّنت وَثِيقَة الضَّمَان رضَا الْمَضْمُون عَنهُ فَهِيَ قَائِمَة مقَام رسم الدّين، وإلاَّ رد الطَّالِب مَا أَخذه من الضَّامِن إِن حلف لَهُ أَنه لَا يعلم بذلك الْحق كَمَا مرّ وَيتَفَرَّع عَلَيْهِ أَيْضا أَن الضَّمَان إِذا كَانَ بِإِذن الْمَضْمُون فللضامن مُطَالبَة الْمَدِين بِأَدَائِهِ إِن حل ليبرأ من ضَمَانه، وَإِن لم يكن بِإِذْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالبَته إِلَّا بعد أَدَائِهِ قَالَه فِي الْكَافِي والمفيد كَمَا فِي ابْن رحال لَكِن ظَاهره مَا فِي شرَّاح (ح) وَهُوَ ظَاهر مَا فِي السّلم، الثَّانِي: إِن للْكَفِيل طلبه بذلك ضمنه بِإِذْنِهِ أَو بِغَيْر إِذْنه لِأَن الضَّامِن حَيْثُ قصد بضمانه الرِّفْق بالمضمون فَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الْإِذْن وَعَدَمه، وَلَو قصد الضَّرَر لم يجز كَمَا يَأْتِي، وَعلل فِي الْمُدَوَّنَة لُزُوم الضَّمَان بِغَيْر الْإِذْن بِأَن الضَّمَان مَعْرُوف وَهُوَ لَازم لمن أوجبه على نَفسه. أَبُو الْحسن: إِذا أشهد بِهِ على نَفسه كَمَا قَالَه هُنَا وَفِي كتاب الْمديَان اه. وَعَلِيهِ فالصيغ الْمُتَقَدّمَة إِنَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 تلْزمهُ الْكفَالَة بهَا إِذا قَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي كَفِيل وَنَحْو ذَلِك وَهُوَ قَول ابْن سَلمُون إِنَّمَا تصح الْوكَالَة إِذا أشهد بهَا الْمُوكل وَلَعَلَّه لِأَنَّهُ لَا يعلم مِنْهُ الْإِيجَاب على نَفسه إِلَّا بإشهاد أَو قرينَة تدل على أَنه قصد إِلَيْهِ وَإِن لم يُصَرح بِهِ كإتيانه بموثقين وَيَقُول لَهُم: إِنِّي كَفِيل الخ. وَتَأمل قَول (خَ) وَلم يشْهد على حَاكم قَالَ: ثَبت عِنْدِي إِلَّا بإشهاد، وَبِه تعلم مَا فِي (ح) أَوَائِل مسَائِل الِالْتِزَام من أَن ذَلِك الْإِشْهَاد لَيْسَ شرطا فِي اللُّزُوم، وَإِنَّمَا خرج مخرج الْغَالِب الخ. لِأَن أَبَا الْحسن جعله شرطا كَمَا رَأَيْته فَقَوْل النَّاظِم: وَلَا اعْتِبَار الخ. هَذَا بِالنِّسْبَةِ لصِحَّة الضَّمَان ولزومه لَا بِالنِّسْبَةِ للرُّجُوع فظهرت فَائِدَة قَول الموثقين بِإِذْنِهِ وَرضَاهُ وَأَن ذَلِك لمُجَرّد الِاحْتِيَاط وَالْخُرُوج من الْخلاف هَذَا مَا يتَعَلَّق بالشطر الأول، وَأما الثَّانِي فساقه النَّاظِم دَلِيلا للْأولِ وَإِنَّمَا كَانَ دَلِيلا لِأَن الْأَدَاء أَشد من الضَّمَان لِأَن الضَّامِن لم يحصل مِنْهُ أَدَاء وَإِنَّمَا هُوَ بصدده، فَإِذا جَازَ الْأَدَاء بِغَيْر رِضَاهُ جَازَ الضَّمَان بالأحرى. قَالَ فِيهَا: وَمن أدّى عَن رجل حَقًا بِغَيْر أمره فَلهُ أَن يرجع بِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ من تكفل عَن صبي بِحَق قضى بِهِ عَلَيْهِ فأداه عَنهُ بِغَيْر أَمر وليه فَلهُ أَن يرجع فِي مَال الصَّبِي اه. لَكِن بِشَرْط أَن يقْصد بِالْأَدَاءِ فِي هَذِه وبالضمان فِي الأولى الرِّفْق بالمدين أَو الْمَضْمُون لَا إعناته وَالضَّرَر بِهِ وَلَا التَّبَرُّع عَلَيْهِ وإلاَّ فَيرد كَمَا أَفَادَهُ (خَ) بقوله وَصَحَّ بِغَيْر إِذْنه كأدائه رفقا لَا إعناتاً فَيرد كشرائه الخ فَقَوله: رفقا رَاجع للضَّمَان وَالْأَدَاء كَمَا فِي (ز) قَالَ أَبُو الْحسن: وَالضَّرَر من أَفعَال الْقُلُوب لَا يعلم إِلَّا بِإِقْرَارِهِ أَو بقرائن تدل الشُّهُود عَلَيْهِ. قلت: وَهُوَ ظَاهر إِذا كَانَ الْإِقْرَار قبل الضَّمَان وَالْأَدَاء أَو عِنْدهمَا لَا إِن كَانَ بعدهمَا فَإِن تنَازعا فِي أَنه دَفعه عَنهُ محتسباً فَالْقَوْل للدافع لِأَن الأَصْل عدم خُرُوج ملكه إِلَّا على الْوَجْه الَّذِي يَقْصِدهُ إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة على كذب الدَّافِع كأدائه عَن الْمَيِّت الْمُفلس، ثمَّ طَرَأَ لَهُ مَال لم يعلم بِهِ وَطلب الرُّجُوع فَلَا شَيْء لَهُ انْظُر (ح) عِنْد قَوْله على الْمَيِّت الْمُفلس الخ. وَيَسْقُطُ الضَّمانُ فِي فَسَادِ أَصْلِ الذِي فِيهِ الضَّمانُ بَادِ (وَيسْقط) مضارع سقط (الضَّمَان) فَاعله (فِي فَسَاد) يتَعَلَّق بيسقط (أصل) مُضَاف إِلَيْهِ (الَّذِي) مُضَاف بعد مُضَاف وَهُوَ على حذف الْمَوْصُوف أَي أصل العقد الَّذِي (الضَّمَان) مُبْتَدأ (فِيهِ) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله (باد) أَي ظَاهر، وَالْجُمْلَة صلَة الَّذِي وَالضَّمِير الْمَجْرُور هُوَ الرابط وَمَعْنَاهُ أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 الْمُعَامَلَة إِذا كَانَت فَاسِدَة بِمَا قارنها من علل الْفساد كبيعها وَقت نِدَاء الْجُمُعَة أَو بِقِيمَتِهَا أَو على حكمه أَو حكم غَيره أَو رِضَاهُ أَو دَنَانِير بِدَرَاهِم إِلَى أجل وَأخذ مِنْهُ كَفِيلا فَإِن الْكفَالَة سَاقِطَة كَانَت فِي العقد أَو بعده فَلَا مَفْهُوم لقَوْله فِيهِ، وَإِنَّمَا نَص على مَحل الْخلاف لِأَنَّهَا بعد العقد سَاقِطَة اتِّفَاقًا وَظَاهره فَاتَ البيع أم لَا. وَلَا يكون حميلاً بِالْقيمَةِ وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة والعتبية والموازية. وَرَوَاهُ عَن مَالك وَقَالَهُ ابْن عبد الحكم. ابْن يُونُس: وَوَجهه أَن الْمُعَامَلَة لما فَسدتْ كَانَ مَا سمياه من الثّمن الَّذِي وَقعت بِهِ الْحمالَة غير لَازم فَسقط عَنهُ بسقوطه فِي أصل الشِّرَاء وعَلى هَذَا درج (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَبَطل إِن فسد متحمل بِهِ الخ. وَقيل تثبت الْكفَالَة إِذا فَاتَ البيع وعَلى الْكَفِيل الْأَقَل من الثّمن أَو الْقيمَة. اللَّخْمِيّ: وَهَذَا إِذا كَانَ المُشْتَرِي والحميل يجهلان فَسَاد ذَلِك وَإِن كَانَا يعلمَانِ أَو يُعلمهُ المُشْتَرِي لم تلْزم الْحمالَة وَإِن كَانَ الْحميل يعلم وَلَا يعلم المُشْتَرِي لزمَه ذَلِك لِأَنَّهُ غره اه بِنَقْل أبي الْحسن. وَهَذَا التَّفْصِيل هُوَ الَّذِي عول عَلَيْهِ ابْن سَلمُون وَصَاحب الطرر والجزيري والوثائق الْمَجْمُوعَة والمتيطية وَلَفظ اختصارها، وَلَا تجوز الْحمالَة إِلَّا فِي الْمُعَامَلَة الْجَائِزَة، وَأما الْفَاسِدَة فالحمالة فِيهَا سَاقِطَة إِذا علم الطَّالِب بفسادها فَإِن لم يعلم لزم الْحميل الْحمالَة بِالْقيمَةِ قَالَه ابْن الْقَاسِم وَمَالك فِي الْمُدَوَّنَة، وَعَلِيهِ فيقيد النّظم وَلَفظ (خَ) بذلك، وَقد تقدم أَن الرَّهْن فِي البيع الْفَاسِد يبْقى رهنا بِالْقيمَةِ، وَقد علمت أَن كلاًّ من الرَّهْن والحميل أَخذ للتوثق وَمن صور الْفَاسِد مَا فِي الْمُدَوَّنَة عَن ابْن الْقَاسِم أَن الْمُبْتَاع إِذا شَرط على البَائِع خلاص السّلْعَة إِن اسْتحقَّت وَأخذ مِنْهُ بذلك كَفِيلا بَطل البيع وَالْكَفَالَة كمن بَاعَ مَا لَيْسَ لَهُ وَشرط خلاصه، وَقَالَ غَيره: تلْزمهُ الْكفَالَة لِأَنَّهُ أَدخل المُشْتَرِي فِي غرم مَاله فَعَلَيهِ الْأَقَل من قيمَة السّلْعَة يَوْم مُسْتَحقّ أَو الثّمن إِلَّا أَن يكون الْغَرِيم حَاضرا مَلِيًّا فَيبرأ. وَقَوله: يَوْم تسْتَحقّ أَو يَوْم الْقَبْض كَمَا فِي أبي الْحسن اللَّخْمِيّ، وَقَول ابْن الْقَاسِم أَقيس لِأَن تَخْلِيص السّلْعَة لَيْسَ إِلَيْهِ وَقد تحمل بِمَا لَا يقدر عَلَيْهِ من الْوَفَاء بِهِ وَالثمن وَالْقيمَة لَا يَقع عَلَيْهِ حمالَة وَالِاسْتِحْسَان قَول الْغَيْر لتغليب أحد الضررين، فَيلْزمهُ الثّمن أَو الْقيمَة إِن كَانَ أقل اه. عِيَاض: وَلَو لم تسْتَحقّ وَفَاتَ رد البيع لَزِمت الْقيمَة للْمُشْتَرِي وَلَا شَيْء على الْحميل اتِّفَاقًا من ابْن الْقَاسِم والغير لِأَنَّهُ إِنَّمَا ضمن تَخْلِيصهَا من الِاسْتِحْقَاق، وَهَذِه لم تسْتَحقّ اه. وَقد علم من نَصهَا الْمُتَقَدّم أَن مَا يَفْعَله بعض الْإِشْرَاك من بيع جَمِيع الأَرْض الْمُشْتَركَة وَيشْتَرط للْمُبْتَاع أَنه إِن قَامَ عَلَيْهِ بعض الْإِشْرَاك فَهُوَ الَّذِي يرضيه بِالثّمن أَو بمعاوضة فِي أرضه الْأُخْرَى فَاسد لَا يجوز لِأَن ذَلِك من بيع مَا لَيْسَ عِنْده فَهُوَ نوع من الْخَلَاص الْمَذْكُور، وَكَذَا لَو بَاعَ لَهُ الأَرْض الْمُشْتَركَة على أَنه إِن قَامَ الشَّرِيك وَأخذ حَظه عاوضه فِي أَرض أُخْرَى كَيْلا أَو بِغَيْر كيل لم يجز كَانَت الأَرْض الَّتِي يعاوضه فِيهَا مُعينَة أَو غير مُعينَة لِأَن الْمُبْتَاع لَا يدْرِي أَي الْأَرْضين اشْترى، وَكَذَا إِن كَانَ الْملك لَهُ وَحده وَبَاعه على أَنه إِن اسْتحق من يَده عاوضه فِي أَرض أُخْرَى مُعينَة أم لَا. فَإِن الْتزم لَهُ بذلك بعد العقد، فَالْبيع جَائِز وَالشّرط بَاطِل قَالَه أَبُو الضياء مِصْبَاح حَسْبَمَا فِي المعيار، وَفِي الْمُتَيْطِيَّة: فَإِن تبَايعا على أَن الأَرْض إِن لم تف بذلك وفاه من أَرض مُعينَة لم يجز أَيْضا لِأَنَّهُ لَا يدْرِي مَا تنقصه من الْكَيْل وَلَا كم يَأْخُذهُ من تِلْكَ الأَرْض وَلَا كم يتْرك مِنْهَا وَذَلِكَ كُله غرر اه. وَكَذَا نقل فِي الدّرّ النثير عَن الْأَخَوَيْنِ أَن الْقَوْم إِذا اصْطَلحُوا فِي مَوَارِيث بَينهم وَكَانَ بَعضهم غَائِبا فَيضمن الْحَاضِرُونَ رضَا الغائبين إِن كَرهُوا الصُّلْح أَن ذَلِك لَا يجوز وَيفْسخ الصُّلْح وَذَلِكَ لِأَن الْوَرَثَة صَالحُوا بِمَا دفعُوا وَبِمَا يرضون بِهِ الْغَائِب وَهُوَ مَجْهُول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 تَنْبِيه: من هَذَا النمط إِذا وَقعت المباراة بَين الزَّوْج وَزَوجته على أَن ضمن الْأَب أَو غَيره مَا يلْحق الزَّوْج من دَرك فثبتت عَلَيْهَا ولَايَة أَو غَيرهَا مِمَّا يسْقط الِالْتِزَام لزم ذَلِك للضامن وَقضى بِهِ عَلَيْهِ قَالَه ابْن الْعَطَّار. وَأنكر ابْن الفخار قَوْله هَذَا وَقَالَ: إِذا سقط الِالْتِزَام عَن الْمَضْمُون بِثُبُوت ضَرَر سقط عَن الضَّامِن إِذْ لم يرتبط بذمتها حق لِأَنَّهُ قد ثَبت مَا يسْقطهُ عَنْهَا، وَكَذَلِكَ الضَّامِن لِأَنَّهُ إِنَّمَا ضمن مَا ظَنّه لَازِما للمضمون عَنْهَا وَإِذا سقط الأَصْل فالفرع أولى بالسقوط اه. قَالَ (ح) وَكَأن ابْن الفخار أنكر عُمُوم قَوْله أَو غَيرهَا فَأخْرج من ذَلِك ثُبُوت الضَّرَر وَبَقِي مَا عداهُ ويقيد بِمَا فِي النَّوَادِر عَن عبد الْملك من أَنَّك إِذا بِعْت من مولى عَلَيْهِ وَأخذت حميلاً بِالثّمن فَرد ذَلِك السُّلْطَان وأسقطه عَن الْمولى عَلَيْهِ، فَإِن جهلت أَنْت والحميل حَاله لَزِمت الْحمالَة لِأَنَّهُ أدْخلك فِيمَا لَو شِئْت كشفته وَإِن دخلت فِي ذَلِك بِعلم سَقَطت الْحمالَة علم الْحميل أم لَا لبُطْلَان أَصْلهَا اه. وَانْظُر تَرْجَمَة الْخلْع من ابْن سَلمُون وأوائل المعيار وَالْفَائِق فِي موضِعين، وَالَّذِي يتَحَصَّل من كَلَامهم إِنَّه إِذا ثَبت الضَّرَر وَقَامَت بِهِ الْمَرْأَة أَو أحد بِسَبَبِهَا فَلَا رُجُوع على الْحميل. ابْن سراج: وَهُوَ الصَّحِيح الْفَائِق وَهُوَ الْمُعْتَمد الْمُفِيد وَبِه الْعَمَل، أَبُو الْحسن عَن ابْن سهل: وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي على قَول ابْن الْقَاسِم وَمُقَابِله يَأْتِي على قَول الْغَيْر فَإِن مَاتَت وَقَامَ وارثها بِالضَّرَرِ فَلَا رُجُوع لَهُ على الْحميل قَالَه فِي الْفَائِق وَظَاهره اتِّفَاقًا، وَأما إِذا ثَبت سفهها فَيرجع على الْحميل إِذا لم يعلم الْمَضْمُون لَهُ بسفهها كَمَا تقدم عَن النَّوَادِر، وَأما إِن ثَبت عدمهَا فَالَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ فِي اخْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة الرُّجُوع على الضَّامِن وَهُوَ الْجَارِي على الْقَوَاعِد، وَإِن كَانَ ابْن سَلمُون حكى فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ فَهِيَ ثَلَاثَة أَقسَام تَارَة يثبت الضَّرَر وَتارَة يثبت السَّفه وَتارَة الْعَدَم، وَقد علمت الرَّاجِح فِي كل مِنْهَا قَالَه أَبُو الْعَبَّاس الملوي. قلت: نَقله (ح) عَن عبد الْملك بن الْمَاجشون خلاف مَذْهَب ابْن الْقَاسِم وَأصبغ من أَن الْحمالَة لَازِمَة فِي التَّحَمُّل بِالثّمن عَن الْبكر وَالسَّفِيه، سَوَاء علم الْحميل والمضمون لَهُ بالسفه أَو جهلا أَو علم الْحميل دون الْمَضْمُون لَهُ اتِّفَاقًا فِي الْأَخير وَخِلَافًا لِابْنِ الْمَاجشون فِي الْأَوَّلين قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة عَن بعض الشُّيُوخ. وَمرَاده بِهِ ابْن رشد قَالَ أصبغ: وَيغرم الضَّامِن الثّمن وَيسْقط عَن السَّفِيه. ابْن رشد، وَقَول ابْن الْمَاجشون بسقوطها فِي الْأَوَّلين بعيد فَإِن علم الْمَضْمُون عَنهُ دون الْحميل سَقَطت بِاتِّفَاق قَالَ أصبغ: وَهَذَا إِذا تحمل بِمَا يُدْرِكهُ من قبله فَإِن قَالَ: أَنا ضَامِن مَا يدركك من السَّفِيه فِي الشِّرَاء مِنْهُ لم تلْزم لِأَنَّهُ لم يُدْرِكهُ من السَّفِيه فِيمَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِسَفَه، وَإِنَّمَا أدْركهُ بِسَبَبِهِ إِلَّا أَن يكون السَّفِيه هُوَ الْقَائِم بذلك عَن نَفسه فحسنت حَاله فَقَامَ بذلك عَنهُ قَائِم وَوَافَقَهُ، فَإِن الضَّامِن يكون ضَامِنا لِأَنَّهُ أدْركهُ مِنْهُ وإلاَّ فَلِأَن ابْن رشد وتفرقة أصبغ بَين التَّحَمُّل بِمَا يُدْرِكهُ مِنْهُ أَو من قبله بَين على مَا تَقْتَضِيه الْأَلْفَاظ انْتهى بِاخْتِصَار. وَهَذَا كُله وَاضح إِذا كَانَ الضَّامِن ضمن ذَلِك على أَنه إِن أدّى شَيْئا رَجَعَ بِهِ على الْمَضْمُون كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَامهم الْمُتَقَدّم، وكما هِيَ قَاعِدَة الضَّمَان فِي دَرك الْعَيْب والاستحقاق وَغَيرهمَا كَمَا يَأْتِي للناظم وَغَيره، وَأما إِن كَانَ ضمن ذَلِك على أَنه لَا يرجع بِهِ إِن أَدَّاهُ وَهُوَ مَا يَقْصِدهُ النَّاس كثيرا فَلَا معنى لسُقُوط ذَلِك، وَقد قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: من قَالَ لرجل طلق امْرَأَتك وَلَك عَليّ ألف دِرْهَم فَفعل فالألف لَازم لَهُ، وَكَذَا إِن قَالَ لَهُ: بِعْ سلعتك من فلَان وَعلي ثمنهَا كَمَا فِي الالتزامات وَغَيرهَا فَمن حجَّة الزَّوْج أَن يَقُول: لَوْلَا التَّحَمُّل لرفعت الضَّرَر عَنْهَا وأمسكتها إِذْ لَا يُطلق عَلَيْهِ بِالضَّرَرِ إِلَّا إِذا لم يرجع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 عَنهُ كَمَا يَأْتِي. وَمن حجَّة البَائِع أَن يَقُول: لَوْلَا تحملك مَا بِعْت من السَّفِيه لعلمي بِأَنَّهُ لَا يلْزمه، وَيُؤَيّد هَذَا مَا يَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم: وَللْأَب الصُّلْح عَن الْمَحْجُور الخ. من أَن الْأَب إِذا تحمل بِمَا حطه فِي الصُّلْح فَإِن للْوَلَد الرُّجُوع عَلَيْهِ فِي عدم الْمَدِين إِذْ لَو كَانَ تحمل الْأَب بِمَعْنى الرُّجُوع بِمَا أدّى لم يتأت للْوَلَد رُجُوع عَلَيْهِ فِي عدم الْمَدِين، فالتحمل مَعَ علمهما بالسفه لَا يكون إِلَّا على وَجه الْحمل فِي الْغَالِب، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقْصِدهُ النَّاس. ابْن الْعَطَّار: إِذْ لَا تَجِد أحدا فِي الْغَالِب يتَحَمَّل بِالْخلْعِ أَو يدْرك الْمَحْجُور إِلَّا على وَجه الْحمل لَا الْحمالَة، فَالَّذِي لِابْنِ الفخار إِنَّمَا هُوَ فِي الْخلْع الْمُؤَجل على الْمَرْأَة يُعْطي بِهِ حميلاً أَو فِي الْخلْع الْمَدْفُوع تُعْطِي حميلاً بدركه على أَنَّهَا إِن رجعت بِهِ رَجَعَ الزَّوْج على الْحميل فَيرجع عَلَيْهَا، وَهَذَا لَا يقْصد النَّاس إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا يقصدون أَنه إِن حصل مَا يخشاه الزَّوْج من الرُّجُوع عَلَيْهِ فالحميل يُؤَدِّيه من مَاله الْخَاص من غير رُجُوع بِهِ على أحد، وَلَا إِشْكَال فِي لُزُوم هَذَا وَلَو أثبت الضَّرَر وَالله أعلم. وَتَأمل قَوْلهم فِي الْوَعْد إِذا كَانَ على سَبَب وَدخل الْمَوْعُود فِي ذَلِك فَهُوَ لَازم على الْمَشْهُور وَتَأمل مَا تقدم عَن أصبغ فِي التَّحَمُّل بالدرك مِنْهُ لِأَنَّهُ اشْترى مِنْهَا المَال بالعصمة وَمِمَّا يشبه مَا نَحن فِيهِ أَو هُوَ عينه قَول (خَ) وَلَا يرجع أحد مِنْهُم إِلَّا أَن يُصَرح بالحمالة أَو يكون بعد العقد اه. وَهُوَ بِمَا عَيَّنَ لِلْمُعَيِّن وهوَ بِمَالٍ حَيْثُ لَمْ يُعَيَّن (وَهُوَ) مُبْتَدأ (بِمَا عين) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل صلَة مَا وَالْبَاء بِمَعْنى فِي وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله (للمعين) بِكَسْر الْيَاء وتشديدها اسْم فَاعل، وَالتَّقْدِير وَهُوَ أَي الضَّمَان لَازم للمعين فِيمَا عينه فِيهِ من وَجه أَو مَال (وَهُوَ) مُبْتَدأ (بِمَال) خَبره (حَيْثُ) ظرف خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (لم يعين) بِكَسْر الْيَاء الْمُشَدّدَة مَبْنِيّ للْفَاعِل وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ وجوابها مَحْذُوف لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ أَن الضَّامِن إِذا بَين مَا تحمل بِهِ من وَجه أَو مَال أَو طلب لزمَه مَا تحمل بِهِ كَمَا مرّ فِي قَوْله: وَهُوَ بِوَجْه أَو بِمَال جَار الخ. وَإِن لم يبين فِي اللَّفْظ شَيْئا بِأَن قَالَ: أَنا حميل لَك بِهِ أَو زعيم أَو هُوَ لَك عِنْدِي أَو عَليّ أَو إِلَيّ فَإِن هَذِه الْأَلْفَاظ تحْتَمل الْوَجْه وَالْمَال كَمَا فِي أبي الْحسن أَي لَك عِنْدِي مَاله أَو وَجهه أَو إِلَيّ أَو عَليّ مَاله أَو وَجهه فَإِن لم ينْو بذلك وَجها وَلَا مَالا لزمَه المَال على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا فِي الفشتالي، وَقد تبين بِهَذَا أَن الْحمالَة المبهمة هِيَ الَّتِي تجردت عَن النِّيَّة وَأما إِن نوى شَيْئا فَيلْزمهُ مَا نَوَاه، وَبِهَذَا قرر أَبُو الْحسن الْمُدَوَّنَة وَهُوَ مَذْهَب الْأَكْثَر كَمَا مرّ أول الْبَاب وَعَلِيهِ فَقَوْل النَّاظِم: لم يعين أَي لم ينْو شَيْئا وَهَذَا بعيد من اللَّفْظ، وَالظَّاهِر أَنه درج على مَا لِابْنِ يُونُس وَمن مَعَه من أَنه إِذا أبهم فَلَا يصدق فِي إِرَادَة الْوَجْه كَمَا مر، وَعَلِيهِ فَقَوله لم يعين أَي أبهم وَلم يعين بِلَفْظ وَلَا قرينَة، وَأما مُجَرّد النِّيَّة فَلَا يصدق فِيهَا فَإِن قَالَ: أَنا حميل بفلان فَهُوَ ظَاهر فِي حمالَة الْوَجْه كَمَا لأبي الْحسن فَإِن تنَازعا فَقَالَ الْحميل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 شرطت الْوَجْه، وَقَالَ الآخر: شرطت المَال وَلَا بَيِّنَة فَالْقَوْل للْكَفِيل لِأَن الآخر يُرِيد إشغال ذمَّته وَلِأَن الْحمالَة مَعْرُوف لَا يلْزم مِنْهَا إِلَّا مَا أقرّ بِهِ كَمَا فِي ابْن يُونُس. تَنْبِيه: من الْمعِين بِالْمَالِ وَلَا إِشْكَال قَوْله فِي الْوَثِيقَة: إِن لم يحضرهُ إِلَى أجل كَذَا فَهُوَ مؤاخذ بِمَا يُثبتهُ عَلَيْهِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيّ فَيلْزمهُ مَا ثَبت إِن لم يَأْتِ بِهِ وَيخْتَلف فِي الْإِقْرَار على نَحْو مَا مرّ عِنْد قَوْله: وَلَا اعْتِبَار بِرِضا من ضمنا الخ. بِخِلَاف مَا لَو قَالَ: إِن لم أحضرهُ لَك غَدا، فَالَّذِي تدعيه عَليّ وَإِن لم يثبت حق أَو قَالَ لخصمه: إِن لم أحضر مجْلِس القَاضِي مَعَك غَدا أَو إِن لم آتٍ بِالْبَيِّنَةِ أَو بمستندي فدعواي بَاطِلَة أَو دَعْوَى خصمي حق، أَو إِن لم أوفك حَقك فِي وَقت كَذَا فلك عِنْدِي كَذَا زِيَادَة على الْحق أَو إِن لم آتِك بِالثَّوْبِ وَنَحْوه فِي آخر أَيَّام الْخِيَار فَالْبيع لَازم، فَإِنَّهُ لَا يلْزمه شَيْء من ذَلِك وينقض الحكم إِن وَقع الحكم بذلك بِخِلَاف مَا لَو قَالَ: إِن أخلفتك عِنْد القَاضِي فكراء دابتك عَليّ فَإِنَّهُ يلْزمه كراؤها لِأَنَّهُ أدخلهُ فِي غرم كِرَاء الدَّابَّة بوعده قَالَه فِي الالتزامات، وَبِخِلَاف مَا لَو قَالَ لزوجته: إِن لم أوف لَك فِي وَقت كَذَا أَو إِن لم أحضر مَعَك فِي مجْلِس القَاضِي فِي وَقت كَذَا فأمرك بِيَدِك فَإِنَّهُ يلْزمه، وَكَذَا إِن قَالَ لَهَا إِن لم أرسل لَك النَّفَقَة فِي وَقت كَذَا فأمرك بِيَدِك كَمَا فِي (ق) فِي فصل التَّمْلِيك. وَوَقعت نازلة وَهِي أَن رجلا طَالبه خَصمه بإبراز رسوم حوانيت زاعماً أَنَّهَا لَهُ وَأَن بَائِعهَا للرجل بَاعَ مَا لَا يملك فَقَالَ الرجل: إِن لم آتٍ برسوم ملك بائعي فَخذ حوانيتك ثمَّ عجز عَن رسوم بَائِعه فَأفْتى العميري ومعاصروه بِأَنَّهُ لَا يلْزمه مَا الْتَزمهُ لِأَنَّهَا مخاطرة محتجين بِمَا مر عَن الالتزامات، وَأما إِن وَقعت فتْنَة وحروب بَين قريتين مثلا فخاف كل مِنْهُمَا على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ فتضامنوا فِيمَا بَينهم على أَن مَا تَأْخُذهُ إِحْدَى القريتين لِلْأُخْرَى يُؤَدِّيه أَهلهَا لما رجوه فِي ذَلِك من التوطين فَقَالَ الغبريني كَمَا فِي الْبُرْزُليّ: إِن التضامن غير لَازم لأَنهم مكرهون بالخوف الْمَذْكُور. الْبُرْزُليّ: مَفْهُومه لَو كَانُوا غير مكرهين للَزِمَ كَقَوْلِه كلما بَايَعت فلَانا فَأَنا ضَامِن بِهِ اه. وَنَحْوه للعبدوسي فِيمَن قَالَ لرجل: امْضِ معي إِلَى الْموضع الْفُلَانِيّ وَجَمِيع مَا يصيبك من قبيل كَذَا فِي ضماني فَسَار مَعَه فَأَخذه أهل الْقَبِيل الْمَذْكُور أَن الضَّمَان لَازم لَهُ. قلت: وَفِي أجوبة القوري أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي هَذِه الصُّورَة وَنَحْوه فِي أَوَاخِر الْوَدِيعَة وَالْعَارِية من المعيار عَن الْقَابِسِيّ فِيمَن قَالَ: أَخَاف إِن حركت الرَّحَى غرمني السُّلْطَان فَقَالَ لَهُ الآخر: حركها وَمَا كَانَ من السُّلْطَان عَليّ فحركها فغرمه السُّلْطَان أَنه لَا شَيْء على الضَّامِن اه بِاخْتِصَار. وَلَكِن مَا للبرزلي والعبدوسي أقوى وأرجح بِدَلِيل مَا مر عَن (ح) فِي كِرَاء الدَّابَّة، وبدليل مَا احْتج بِهِ الْبُرْزُليّ من كَون ذَلِك بِمَنْزِلَة من قَالَ: كلما بَايَعت فلَانا الخ. وإنْ ضَمَانُ الْوَجْهِ جَاءَ مُجْمَلاَ فَالْحُكْمُ أَنَّ المَالَ قَدْ تحَمَّلاَ (وَإِن) شَرط (ضَمَان الْوَجْه) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره (جَاءَ) وَقَوله: (مُجملا) حَال من فَاعل جَاءَ (فَالْحكم) مُبْتَدأ وَالْفَاء رابطة بَين الشَّرْط وَالْجَوَاب (أَن) بِفَتْح الْهمزَة وَاسْمهَا ضمير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 مَحْذُوف يعود على الضَّامِن (المَال) مفعول بقوله: (قد تحملا) وَيجوز أَن يكون المَال اسْم إِن وَجُمْلَة قد تحملا خَبَرهَا، والرابط بَين اسْمهَا وخبرها مَحْذُوف أَي تحمله، وَإِن وَمَا دخلت عَلَيْهِ فِي تَأْوِيل مصدر أَي فَالْحكم تحمله لِلْمَالِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَأما أَن تكفل بِرَجُل أَو بِنَفسِهِ أَو بِعَيْنِه أَو بِوَجْهِهِ إِلَى أجل وَلم يذكر مَالا أَي لم يتَعَرَّض لَهُ بِنَفْي وَلَا إِثْبَات فَإِنَّهُ إِذا أُتِي بِالرجلِ عِنْد الْأَجَل مَلِيًّا أَو معدماً برىء فَإِن لم يَأْتِ بِهِ حِينَئِذٍ والغريم حَاضر أَو غَائِب قريب الْغَيْبَة مثل الْيَوْم وَشبهه تلوم السُّلْطَان للحميل، فَإِن أَتَى بِهِ بعد التَّلَوُّم فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وإلاَّ غرم، وَأَن بَعدت غيبَة الْمَكْفُول بِهِ غرم الْحميل مَكَانَهُ اه. (خَ) وَصَحَّ بِالْوَجْهِ وبرىء بِتَسْلِيمِهِ بِهِ وَإِن بسجن أَو تَسْلِيمه نَفسه إِن أمره بِهِ إِن حل الْحق وَبِغير مجْلِس الحكم إِن لم يَشْتَرِطه وَبِغير بَلَده إِن كَانَ بِهِ حَاكم وَلَو عديماً وإلاَّ غرم بعد خَفِيف تلوم الخ. وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَيبرأ الْحميل للْوَجْه مَتى الخ. وَمَفْهُوم قَوْله مُجملا أَنه إِذا لم يكن مُجملا بل شَرط نفي المَال، أَو قَالَ لَا أضمن إِلَّا وَجهه لَا يلْزمه غرم إِلَّا إِذا لم يَأْتِ بِهِ وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة إِثْر مَا مرّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ من ضَمَان الطّلب وَهُوَ لَا ضَمَان عَلَيْهِ إِلَّا أَن يفرط (خَ) وَطَلَبه بِمَا يقوى عَلَيْهِ وَحلف مَا قصر وَغرم إِن فرط أَو هربه وعوقب. وَجَائِز ضَمانُ مَا تَأَجَّلاَ مُعَجَّلاً وَعَاجِلٍ مُؤَجَّلا (وَجَائِز) خبر مقدم (ضَمَان) مُبْتَدأ أَو فَاعل أغْنى على مَذْهَب من لَا يشْتَرط الِاعْتِمَاد (مَا) مُضَاف إِلَيْهِ وَاقعَة على الدّين (تأجلا) صلَة أَو صفة (معجلا) حَال من مَا، وَظَاهر قَوْله معجلا أَنه لَا فرق بَين أَن يضمنهُ على الْحُلُول أَو لدوّنَ الْأَجَل فَإِذا كَانَ لرجل على شخص دين مُؤَجل فأسقط الْمَدِين حَقه من التَّأْجِيل وَضَمنَهُ شخص حِينَئِذٍ على الْحُلُول أَو لدوّنَ الْأَجَل فَإِنَّهُ جَائِز لَازم كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة وظاهرها كالنظم كَانَ الدّين مِمَّا يعجل أم لَا. وَاخْتَارَهُ ابْن عبد السَّلَام. وَالْمُعْتَمد تَقْيِيد ابْن يُونُس وَإِن مَحل ذَلِك إِذا كَانَ الدّين مِمَّا يعجل كَالْعَيْنِ مُطلقًا أَو عرضا أَو طَعَاما من قرض فَإِن كَانَ من بيع لم يجز لما فِيهِ من حط الضَّمَان عني فِي الْمدَّة الْبَاقِيَة وَأَزِيدك توثقاً، وَلَا مفهزم لقَوْله ضَمَان، بل الرَّهْن كَذَلِك فِي التَّفْصِيل الْمَذْكُور وَمَفْهُوم معجلا أَنه إِن ضمنه أَو رَهنه قبل الْأَجَل إِلَى أَجله جَازَ مُطلقًا بِدُونِ الْقَيْد الْمَذْكُور وَإِن ضمنه أَو رَهنه لأبعد فَيمْتَنع مُطلقًا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة لِأَن التَّأْخِير سلف، وَقد انْتفع بالحميل أَو الرَّهْن فِي مُدَّة الْأَجَل الأول فَيكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 سلفا جر نفعا فالصور أَربع وَتبطل الْكفَالَة فِي الْمَمْنُوع مِنْهَا، وَكَذَا الرَّهْن وَإِن قَبضه قبل الْمَانِع. (وعاجل) بِالْجَرِّ عطفا على مَا أَي وَجَائِز ضَمَان أَو رهن عَاجل أَي حَال (مُؤَجّلا) لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْمَدِين مُوسِرًا فَهُوَ كابتداء سلف بضامن أَو رهن وَهُوَ جَائِز اتِّفَاقًا وَإِن كَانَ مُعسرا ويوسر عِنْد الْأَجَل أَو بعده، فَكَذَلِك أَيْضا لِأَنَّهُ فِي هَاتين الْأَخِيرَتَيْنِ، وَإِن انْتفع بِالضَّمَانِ وَنَحْوه فَلَيْسَ هُنَاكَ سلف لوُجُوب إنظار الْمُعسر، فَهَذِهِ ثَلَاث صور إِطْلَاق الْجَوَاز فِيهَا صَحِيح، وَالرَّابِعَة أَن يكون مُعسرا الْآن فَيضمنهُ إِلَى أجل كأربعة أشهر مثلا عَادَته أَن يوسر بعد شَهْرَيْن مِنْهَا بالغلات الَّتِي تَأتيه من أحباس عَلَيْهِ وعَلى عقبه أَو بِخُرُوج الْعَطاء من عِنْد الْأَمِير وَنَحْو ذَلِك فَيمْتَنع على الْأَصَح لِأَن الزَّمَان الْمُتَأَخر عَن يسَاره يعد صَاحب الْحق فِيهِ مسلفاً، وَقد امْتنع عَلَيْهِ بالحميل أَو الرَّهْن فِي زمن الْعسر لِأَن الْمَدِين قد يَمُوت فِي زمن الْعسر، فَيَأْخُذ الْحق من الْكَفِيل وَنَحْوه، وَهَذَا على أَن الْيَسَار المترقب كالمحقق لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ يكونَانِ قد دخلا على السَّيْف، وَأَجَازَ أَشهب هَذِه الصُّورَة أَيْضا بِنَاء على أَن الأَصْل اسْتِصْحَاب الْعسر ويسره قد لَا يكون وَهُوَ ظَاهر النّظم، وَقد علمت أَن النَّاظِم أخل بِقَيْد فِي الأولى وبقيد فِي الثَّانِيَة على الْمُعْتَمد فيهمَا، وَلَقَد وفى (خَ) بالقيدين حَيْثُ قَالَ عاطفاً على الْجَوَاز والمؤجل حَالا إِن كَانَ مِمَّا يعجل، وَعَكسه إِن أيسر غَرِيمه أَو لم يوسر فِي الْأَجَل الخ فَلَو قَالَ: ولازم قبُوله معجلا على الْحُلُول سَائِغ إِن يحملا كَذَاك عَاجل على التَّأْجِيل أَن لَا يرقب الملا قبيل أَن يحن لوفى بذلك، وَقَوْلِي إِن لَا يرقب الخ. صَادِق بِمَا إِذا كَانَ مُوسِرًا أَو مُعسرا وَلَا يترقب يسره كَمَا مرّ ولازم: صفة لمَحْذُوف أَي وَدين لَازم قبُوله معجلا قبل أَجله سَائِغ ضَمَانه على الْحُلُول، فَإِن كَانَت عَلَيْهِ مِائَتَان مثلا مائَة مُوسر بهَا وَمِائَة مُعسر بهَا وَقد حلتا مَعًا صَحَّ الضَّمَان مُؤَجّلا بِالْمِائَةِ الْمُوسر بهَا فَقَط أَو الْمُعسر بهَا فَقَط لَا بِالْجَمِيعِ أَو بِبَعْض من هَذِه وَبَعض من هَذِه، لِأَنَّهُ سلف بنفع إِذْ تَأْخِيره بِالْمِائَةِ الْمُوسر بهَا سلف وانتفع بالضامن أَو الرَّهْن فِي الْمُعسر بهَا. وَمَا عَلَى الْحَمِيلِ غُرْمُ مَا حَمَلْ إنْ مَاتَ مَضْمُونٌ ولَمْ يَحِنْ أَجَلْ (وَمَا) نَافِيَة (على الْحميل) خبر مقدم (غرم) مُبْتَدأ (مَا) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (حمل) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل صلَة (أَن) شَرط (مَاتَ مَضْمُون) فعل وفاعل وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ (وَلم يحن) من حَان يحين إِذا حضر حِينه أَي حل (أجل) فَاعل، وَالْجُمْلَة حَال من فَاعل مَاتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 وَمَعْنَاهُ أَن الْمَضْمُون عَنهُ إِن مَاتَ قبل الْأَجَل عديماً فَلَا غرم على الْحميل حَتَّى يحل الْأَجَل، فَإِن مَاتَ مَلِيًّا قبل الْحُلُول فَإِن الدّين يُؤْخَذ من تركته وَيبرأ الضَّامِن، فَإِن كَانَ الَّذِي مَاتَ قبل الْأَجَل هُوَ الضَّامِن فلرب الدّين أَن يعجل الْحق من تركته، وَله أَن يحاصص غرماءه إِن لم يتْرك وفاءه ثمَّ لَا رُجُوع لوَرثَته على الْغَرِيم إِلَّا بعد الْأَجَل، وَإِلَى هَذِه وَالَّتِي فِي النّظم أَشَارَ (خَ) بقوله: وَعجل بِمَوْت الضَّامِن وَرجع وَارثه بعد أَجله أَو الْغَرِيم إِن تَركه أَي الدّين، وَمَفْهُوم قَوْله: وَلم يحن الخ. أَن الْمَضْمُون إِن مَاتَ بعد الْحُلُول وَلم يتْرك وَفَاء غرم الْحميل حِينَئِذٍ وَلَا يُؤَخر إلاَّ بِرِضا الْمَضْمُون لَهُ. وَكَلَام المُصَنّف فِي ضَامِن المَال، وَأما ضَامِن الْوَجْه فَسَيَأْتِي فِي قَوْله: وَيبرأ الْحميل للْوَجْه الخ. ويأْخُذُ الضَّامِنُ مِنْ مَضْمُونِهِ ثَابِتٌ مَا أَدَّاهُ مِنْ دُيُونِهِ (وَيَأْخُذ الضَّامِن) فَاعل بِمَا قبله (من مضمونه) يتَعَلَّق بيأخذ (ثَابت) مفعول بيأخذ (مَا) نكرَة مَوْصُوفَة وَاقعَة على الدّين وصفتها ثَابت الْمُضَاف إِلَيْهَا من إِضَافَة الصّفة للموصوف وَقَوله: (أَدَّاهُ) فعل مَاض قصد بِهِ خُصُوص الْحَدث فَهُوَ فِي تَأْوِيل مصدر فَاعل بِتِلْكَ الصّفة وضميره البارز هُوَ الرابط بَين الصّفة والموصوف، لِأَن الْفِعْل إِذا قصد بِهِ مُجَرّد الْحَدث أَو قدرت مَعَه أَن المصدرية صَحَّ تسلط العوامل عَلَيْهِ كَقَوْلِهِم: تسمع بالمعيدي، وسمعتك تَقول أَي سماعك بالمعيدي، وَسمعت قَوْلك كَذَا قَالَ النُّحَاة: (من دُيُونه) بَيَان لما، وَإِذا جعلت الْبَيَان مَحل الْمُبين وَالْفِعْل فِي تَأْوِيل الْمصدر كَمَا قُلْنَا كَانَ التَّقْدِير وَيَأْخُذ الضَّامِن من مضمونه دينا ثَابتا أَدَاؤُهُ عَنهُ بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار رب الدّين، وَفهم من قَوْله: ثَابت أَن إِقْرَار الْمَدِين لَا يُوجب الرُّجُوع وَهُوَ كَذَلِك لِأَن إِقْرَار الْمَدِين لَا يسْقط بِهِ الدّين مَعَ جحد الطَّالِب وَمن حجَّته أَن يَقُول: لم تحصل لي بَرَاءَة بدفعك وَأَنت أتلفت مَالك بِعَدَمِ الْإِشْهَاد وَلَا إِشْكَال فِي هَذَا إِن كَانَ الدّفع بِغَيْر حَضرته فَإِن كَانَ بِحَضْرَتِهِ فَقَوْلَانِ، أظهرهمَا عِنْد ابْن رشد كَمَا فِي الشَّامِل أَنه لَا يرجع أَيْضا عَلَيْهِ لِأَن المَال للضامن فَهُوَ أَحَق بِالْإِشْهَادِ على دَفعه وَفهم من قَوْله: أَدَّاهُ أَن الضَّامِن دفع مَال نَفسه أما إِن دفع الْغَرِيم مَالا للحميل ليدفعه للطَّالِب فَدفعهُ لَهُ بِغَيْر إِشْهَاد فَأنْكر الطَّالِب وَحلف فَإِن الضَّامِن يغرمه إِن كَانَ الدّفع بِغَيْر حَضْرَة الْغَرِيم فَإِن كَانَ بِحَضْرَتِهِ غرمه الْغَرِيم فَإِن وجد الْغَرِيم عديماً أَو كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 غَائِبا والموضوع بِحَالهِ غرمه الْحميل وَلَا يرجع بِهِ على الْمَطْلُوب فِي الْوَجْهَيْنِ لعلمه ببراءته فيهمَا، وَكَذَا إِن دَفعه الْمَطْلُوب نَفسه من مَاله بِحَضْرَة الْحميل فَأخذ مِنْهُ ثَانِيًا لعدم الْمَطْلُوب أَو غيبته لَا يرجع بِهِ لعلمه بِالْبَرَاءَةِ وَفهم من قَوْله: مَا أَدَّاهُ أَيْضا أَنه لَا يرجع عَلَيْهِ بِعَين مَا أَدَّاهُ بل بِمثلِهِ لِأَن الَّذِي أَدَّاهُ هُوَ بيد الطَّالِب وَيرجع بِمثلِهِ على الْمَطْلُوب وَلَو مُقَومًا على الْمَشْهُور لِأَنَّهُ كالمسلف (خَ) : وَرجع بِمَا أدّى وَلَو مُقَومًا إِن ثَبت الدّفع الخ. وَعَلِيهِ فَقَوْل النَّاظِم ثَابت على حذف مُضَاف أَي مثل دين ثَابت أَدَاؤُهُ كَمَا مرّ، وَقيل: يرجع فِي الْمُقَوّم بِقِيمَتِه وَالْخلاف مَا لم يشتره فَإِن اشْتَرَاهُ رَجَعَ بِثمنِهِ اتِّفَاقًا مَا لم يُجَاب وإلاَّ فَلَا يرجع بِالزِّيَادَةِ. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا أدّى الضَّامِن الْحق فِي غيبَة الْمَدِين بعد الْأَجَل فَقدم الْمَدِين وَأثبت الْأَدَاء أَيْضا بعد الْأَجَل، فَإِن سبق الضَّامِن بِالْأَدَاءِ رَجَعَ على الْمَدِين لِأَنَّهُ دفع بِحَق وَيرجع الْمَدِين على الطَّالِب، وَإِن سبق الْمَدِين بِالْأَدَاءِ فَلَا يرجع الْحميل عَلَيْهِ، بل على الطَّالِب، وَإِن جهل السَّابِق فَيرجع الْحميل على الطَّالِب أَيْضا بعد حلف الْمَدِين أَنه دفع قبله إِلَّا أَن يكون الْحميل دَفعه بِالْقضَاءِ فَيرجع على الْمَدِين فَإِن نكل الْمَدِين حلف الْحميل وأغرمه فَإِن نكل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ قَالَه ابْن عَرَفَة عَن الْمُوازِية. الثَّانِي: مَا تقدم من أَن الضَّامِن يرجع بِمثل الْمُقَوّم هُوَ إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي يضمن فِيهَا الْمُقَوّم بِالْمثلِ. ثَانِيهَا جَزَاء الصَّيْد، وَثَالِثهَا شَاة الزَّكَاة إِذا أتلف الْمَالِك الْغنم بعد الْحول لزمَه إِحْضَار مَا وَجب فِيهَا لَا قِيمَته. وَرَابِعهَا الْحَيَوَان وَالْعرض الْمُقْتَرض، وخامسها من هدم وَقفا ألزم إِعَادَته كَمَا كَانَ لِئَلَّا يُؤَدِّي أَخذ الْقيمَة إِلَى بيع الْوَقْف ويجمعها قَول الْقَائِل: ضمن مُقَومًا بِمثل فِي ضَمَان قرض زَكَاة وجزا هدم مَكَان لَكِن الْمَشْهُور كَمَا فِي ابْن عَرَفَة فِي مَسْأَلَة هدم الْوَقْف وجوب الْقيمَة انْظُر شرح الشَّامِل. والشَاهِدُ العَدْلُ لِقَائِمٍ بِحَقْ إعْطَاءُ مَطْلُوبٍ بِهِ الضّامِنُ حَقْ (وَالشَّاهِد) مُبْتَدأ (الْعدْل) نعت لَهُ (لقائم) يتَعَلَّق بالمبتدأ (بِحَق) يتَعَلَّق بقائم (إِعْطَاء) مُبْتَدأ ثَان (مَطْلُوب) مُضَاف إِلَيْهِ من إِضَافَة الْمصدر لفَاعِله (بِهِ) يتَعَلَّق بِإِعْطَاء على أَنه مفعول ثَان لَهُ وضميره للشَّاهِد وباؤه للسَّبَبِيَّة، وَيحْتَمل أَن يعود على الْحق (الضَّامِن) مفعول أول بِإِعْطَاء (حق) خبر الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَالثَّانِي وَخَبره خبر الأول والرابط الضَّمِير فِي بِهِ، وَمَعْنَاهُ أَن الشَّاهِد إِذا شهد لشخص بدين على آخر فَأعْطَاهُ الْمَطْلُوب ضَامِنا بذلك الْحق وَاجِب احْتِيَاطًا لِأَن الحكم قرب توجهه أما بِشَاهِد ثَان أَو بِالْيَمِينِ، وَظَاهره وجوب الضَّامِن بِالْمَالِ بِدَلِيل الْبَيْت بعده وَهُوَ ظَاهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 الْمُدَوَّنَة، وَصرح بِهِ فِي الشَّامِل وَعَلِيهِ درج (خَ) فِي الشَّهَادَات حَيْثُ قَالَ: وَمن استمهل لدفع بَيِّنَة أمْهل بِالِاجْتِهَادِ كحساب وَشبهه بكفيل بِالْمَالِ كَأَن أَرَادَ إِقَامَة ثَان الخ. وَالَّذِي صرح بِهِ فِي الْمُفِيد كَمَا فِي ابْن رحال وَهُوَ ظَاهر (خَ) فِي الضَّمَان حَيْثُ قَالَ: وَلم يجب وَكيل للخصومة وَلَا كَفِيل بِالْوَجْهِ بِالدَّعْوَى إِلَّا بِشَاهِد الخ. وَإِن الْعَمَل على الضَّامِن بِالْوَجْهِ مَعَ الشَّاهِد وَهُوَ قَول سَحْنُون وَمَفْهُوم قَوْله: الشَّاهِد الْعدْل أَنه إِذا شهد لَهُ بِالْحَقِّ شَاهِدَانِ أَو أقرّ الْمَطْلُوب فَإِنَّهُ يجب الضَّامِن بِالْمَالِ قطعا فَإِن لم يقدر على الضَّامِن وأتى برهن فيكفيه ويؤجل فِي أَدَاء الدّين بِقدر قلَّة المَال وكثرته بِاجْتِهَاد الْحَاكِم على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا لِابْنِ رشد، ودرج عَلَيْهِ ناظم عمل فاس حَيْثُ قَالَ: وَمن بدين قد أقرّ يسجن إِن لم يجىء برهن أَو من يضمن وَسَيَأْتِي للناظم: وسلعة الْمديَان رهنا تجْعَل الخ. . وَفِي ابْن سهل عَن ابْن عتاب: إِذا كَانَت لَهُ أصُول مَأْمُونَة وَسَأَلَ تَأْخِيرا حَتَّى يَبِيعهَا فَإِنَّهُ يلْزمه حميل بِالْمَالِ كَانَ ذَا أصُول أَو لم يكن وَبِه الْعَمَل قَالَ: وَيلْزمهُ الْحميل وَلَو كَانَ بيد الطَّالِب رهن حَتَّى ينصفه وَهُوَ مَذْهَب الشُّيُوخ اه. وَعَلِيهِ عول (خَ) إِذْ قَالَ: وَأجل لبيع عرضه إِن أعْطى حميلاً بِالْمَالِ الخ. وَهَذَا مُخَالف لما قبله من أَنه يَكْتَفِي مِنْهُ بِالرَّهْنِ، وَبِالْجُمْلَةِ فالمدين يَكْفِيهِ الضَّامِن أَو الرَّهْن على مَا بِهِ الْعَمَل، فَإِن عجز عَنْهُمَا فيسجن لِأَن السجْن حميل من لَا حميل لَهُ كَمَا فِي الْبُرْزُليّ، فَإِن انْقَضى الْأَجَل وَلم يؤد فَإِن الرَّهْن يُبَاع بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا. وَعَن سَحْنُون فِيمَن وَجب عَلَيْهِ غرم فَقَالَ: هَذَا ربعي لَا أجد من يَشْتَرِيهِ إِنَّه لَا حميل عَلَيْهِ بِوَجْه وَلَا بِمَال. قَالَ: فَإِن زعم الطَّالِب أَنه يَقُول للْمُشْتَرِي لَا تشتريه فَإِن الْحَاكِم يشيده ويستقصي ثمَّ يَبِيع بِالْخِيَارِ اه. وبمثله أفتى ابْن مَالك وَأَن الْمَطْلُوب إِذا كَانَ مَعْرُوف الْعين ظَاهر الملاء بَين الوفر لم يلْزمه حميل. كَذَا فِي ابْن سهل، وَفِي الطرر أَن ابْن مَالك أفتى بحميل الْوَجْه وَعَلِيهِ فالأقوال ثَلَاثَة: حميل بِالْمَالِ وَهُوَ مَا لِابْنِ عتاب وَالْأَكْثَر وبالوجه وَهُوَ مَا لِابْنِ مَالك وَلَا حميل أصلا وَهُوَ مَا لسَحْنُون. وَمَفْهُوم الشَّاهِد الْعدْل أَنه إِذا لم يكن إِلَّا مُجَرّد الدَّعْوَى لم يجب ضَامِن بِالْمَالِ كَمَا قَالَ: وَضَامِنُ الْوَجْهِ عَلَى مَا أُنْكَرَا دَعْوى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; امرىءٍ خَشْيَةَ أنْ لَا يَحْضُرا (وضامن الْوَجْه) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (على من أنكرا) خبر وَأنكر صلَة والرابط الضَّمِير الْمُسْتَتر فِيهِ (دَعْوَى) مفعول (امرىء) مُضَاف إِلَيْهِ (خشيَة) مفعول لأَجله (أَن) بِفَتْح الْهمزَة (لَا يحضرا) صلَة لِأَن وَهِي وَمَا بعْدهَا فِي تَأْوِيل مصدر مُضَاف إِلَيْهِ مَا قبله. مِنْ بَعْدِ تَأْجِيلٍ لهَذَا المُدَّعِي بِقَدْرِ مَا اسْتَحَقَّ فِيمَا يَدَّعِي (من بعد) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف على أَنه حَال من الِاسْتِقْرَار فِي الْخَبَر (تَأْجِيل) مُضَاف إِلَيْهِ (لهَذَا الْمُدَّعِي) يتَعَلَّق بتأجيل (بِقدر) يتَعَلَّق بِهِ أَيْضا (مَا) مَوْصُولَة وَاقعَة على الْأَجَل (اسْتحق) بِفَتْح التَّاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 مَبْنِيا للْفَاعِل وضميره الْمُسْتَتر للْمُدَّعِي صلتها والرابط مَحْذُوف (فِيمَا) يتَعَلَّق بِمَا قبله يَلِيهِ وَمَا وَاقعَة على الْإِثْبَات وَجُمْلَة (يَدعِي) صلَة والرابط مَحْذُوف، وَمَعْنَاهُ أَن ضَامِن الْوَجْه وَاجِب على من أنكر الدَّعْوَى الْمُجَرَّدَة حَيْثُ سَأَلَ الطَّالِب مِنْهُ ذَلِك الضَّامِن خشيَة عدم حُضُوره عِنْد الْإِتْيَان بِبَيِّنَتِهِ الَّتِي تشهد على عين الْمَطْلُوب بِالْحَقِّ حَال كَون الْوُجُوب كَائِنا بعد التَّأْجِيل للْمُدَّعِي بِقدر الْأَجَل الَّذِي يسْتَحقّهُ فِي الْإِثْبَات الَّذِي يَدعِيهِ من كَونه يقدر مَا يَسعهُ لإِقَامَة الْبَيِّنَة وَلَا ضَرَر فِيهِ على الْمَطْلُوب، وَيُمكن أَن تكون لفظ بِقدر مقحمة وَمَا وَاقعَة على الْمَفْعُول الْمُطلق الَّذِي هُوَ الْأَجَل أَي بعد التَّأْجِيل للْمُدَّعِي الْأَجَل الَّذِي فِيهِ يسْتَحقّهُ الخ. وَهَذَا أظهر معنى فَإِن لم يجد ضَامِنا فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: يُقَال للخصم لَازمه بِنَفْسِك أَو وكيلك وَلَا يسجن لَك وَهُوَ معنى قَوْله: وقيلَ إنْ لَمْ يُلْفِ مَنْ يَضْمَنُهْ لِلْخصْمِ لازمْهُ وَلَا يَسْجُنُهُ (وَقيل إِن لم يلف) بِضَم الْيَاء وَكسر الْفَاء مَبْنِيا للْفَاعِل (من) مفعول بيلف مضارع ألفى بِمَعْنى وجد (يضمنهُ) صلَة من (للخصم) يتَعَلَّق بقيل (لَازمه) أَمر محكي بقيل (وَلَا يسجنه) بِضَم الْجِيم وَفتح الْيَاء مَعْطُوف على قيل وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ، وَقَالَ أَشهب: إِن لم يلف من يضمن وَجهه فَإِنَّهُ يسجن وَهُوَ المُرَاد بقوله: وأشْهَبٌ بِضَامِنِ الوجْهِ قَضى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; عليْهِ حَتماً وبِقَوْلِهِ القَضَا (وَأَشْهَب) مُبْتَدأ وَصَرفه للضَّرُورَة (بضامن الْوَجْه) يتَعَلَّق بقوله (قضى) وَكَذَا (عَلَيْهِ) وَهَذَا لَا يظْهر فِيهِ أثر الْخلاف لاتِّفَاقهمَا على الْقَضَاء عَلَيْهِ بضامن الْوَجْه، وَإِنَّمَا يظْهر أَثَره فِي السجْن عِنْد الْعَجز عَنهُ، وَلذَا قَالَ: (حتما) نعت لمصدر مَحْذُوف أَي قَضَاهُ حتما أَي لَازِما بِحَيْثُ إِذا لم يجده سجن (وَبِقَوْلِهِ) خبر (القضا) مُبْتَدأ وَمَا ذكره ظَاهر فِي الدُّيُون لِأَنَّهُ يُرِيد إِقَامَة الْبَيِّنَة على عينه كَمَا مرّ وَكَذَا فِي الْأُصُول فِيمَا يظْهر فيعطي كل مِنْهُمَا ضَامِنا بِوَجْهِهِ لصَاحبه لِئَلَّا تطول الدَّعْوَى عَلَيْهِ. وَلَا يُقَال: إِذا تغيب فِي الْأُصُول يحكم عَلَيْهِ فِي غيبته وَيجْرِي على مَا مرّ فِي قَوْله: وَمن أَلد فِي الْخِصَام وانتهج الخ. لأَنا نقُول كل مِنْهُمَا يُرِيد أَن يقطع شغب صَاحبه، وَهُوَ إِذا تغيب قبل إتْمَام حججه كَمَا هُنَا لَا يَنْقَطِع شغبه وَلَا سِيمَا إِن كَانَ مجلوباً من الْبَادِيَة للحاضرة، وَهَذَا هُوَ مَا يحكم بِهِ الْقُضَاة الْيَوْم وَلم أَقف فِيهِ على نَص صَرِيح سوى مَا لم فِي شرح اللامية عِنْد قَوْلهَا: وَإِن يرد الْمَطْلُوب دفعا الخ. من أَن النزاع فِي الْأُصُول لَا يحْتَاج فِيهِ لضامن لأمنها، لكنه لم يجْزم بِهِ على أَن تَعْلِيله بالأمن لايطابق مَا هُنَا من أَن المُرَاد خشيَة عدم الْحُضُور ثمَّ وقفت على (ز) عِنْد قَول المُصَنّف: وَإِن تنَازع قادرون فبينهم. فَوَجَدته صرح بِنَحْوِ مَا قُلْنَاهُ، وَظَاهر النّظم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 أَيْضا أَنه لَا فرق بَين قرب الْبَيِّنَة وَبعدهَا قَالَ ابْن رحال: وَبِه الْعَمَل وَلم أَقف على هَذَا الْعَمَل لغيره وَهُوَ خلاف الْمَنْقُول من أَنه إِنَّمَا يسجن إِن ادّعى بَيِّنَة قريبَة وَحلف على ذَلِك وإلاَّ بِأَن لم يحلف أَو بَعدت الْبَيِّنَة لم يسجن بل يحلف الْمَطْلُوب فِي الْبَعِيدَة ويسرح وللطالب الْقيام بِبَيِّنَتِهِ إِن قدمت، وَلَيْسَ فِي النّظم مَا يشْعر بالقيدين، وَقد استوفى فِي اللامية الْكَلَام على الْمَسْأَلَة حَيْثُ قَالَ: كبينة قَامَت بِقرب لمدع فَيُؤْمَر مَطْلُوب بِأَن يتحملا حميل بِهِ بِالْوَجْهِ بِالْعَجزِ سجنه وَإِن بَعدت يحلف لَهُ أَن تحصلا بذين يَمِين الْمُدَّعِي إِن مَا ادّعى من الْبَينَات صَحَّ باسم وَقيل لَا فيمين الطَّالِب شَرط فِي سجن الْمَطْلُوب فِي الْقَرِيبَة فِي تَحْلِيفه فِي الْبَعِيدَة، وَظَاهره أَن التَّسْمِيَة شَرط فيهمَا أَيْضا وَأَنه إِذا لم يسم الْبَيِّنَة فَلَا يسجنه وَلَا يحلفهُ، لَكِن تسميتهم فِي الْقَرِيبَة غير منصوصة فَيجب إخْرَاجهَا من كَلَامه، وَإِذا سماهم وَلم يشْهدُوا أَو لم يَكُونُوا عُدُولًا فَلَا شَيْء لَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَرَادَ استحلاف الْمَطْلُوب مَعَ بَقَائِهِ على حجَّته، فَلَا يُمكن من ذَلِك إِلَّا على هَذَا الْوَجْه، وَهَذِه الْمَسْأَلَة تخصص عُمُوم مَا تقدم من أَنه إِذا حلفه وَوجد بَيِّنَة لم يعلمهَا أَو نَسِيَهَا فَلهُ الْقيام بهَا أَي: مَا لم يكن حلفه لبعد بَينته وسماها كَمَا هُنَا، وَتَأمل مَا فِي اللامية مَعَ مَا فِي حَاشِيَة ابْن رحال هُنَا من أَن الَّذِي بِهِ الْعَمَل فِي الْبَعِيدَة تَحْلِيف الطَّالِب أَن لَهُ بَيِّنَة ويسجن لَهُ الْمَطْلُوب وَإِلَّا تسْقط بَيِّنَة الطَّالِب فِي الْبَعِيدَة على قَول من لَا يرى حَبسه، وَأَنه يحلف ويسرح اه. فَهُوَ مُخَالف لما فِي اللامية من وَجْهَيْن، أَحدهمَا: أَن الطَّالِب إِذا حلف سجن الْمَطْلُوب إِن لم يَأْتِ بكفيل لَا أَنه يحلف فَقَط، وَثَانِيهمَا أَن بَيِّنَة الطَّالِب لَا تسْقط وَظَاهره وَلَو سَمَّاهَا وَمَا فِي اللامية أَصله فِي الْمُدَوَّنَة فِي الشَّهَادَات مِنْهَا. قَالَ فِيهَا والقرب اليومان وَالثَّلَاثَة، وَهَذَا إِن لم يدع الطَّالِب بَيِّنَة حَاضِرَة بكالسوق أَو بِبَعْض الْقَبَائِل الْقَرِيبَة وإلاَّ وقف الْحَاكِم الْمَطْلُوب عِنْده مُقَدرا مَا يَأْتِي بهَا، فَإِن جَاءَ وَإِلَّا خلى سَبيله. ابْن فتوح: إِنَّمَا كَانَ لَهُ أَن يحلف الْمَطْلُوب على أَن يقوم بِبَيِّنَتِهِ إِن قدمت لِأَنَّهَا بِموضع بعيد وَيُسمى الْبَيِّنَة. ابْن عَرَفَة: ويعين الْموضع خوف أَن يعْتَقد فِيمَا لَيْسَ بَعيدا أَنه بعيد وَالْخَوْف فِي الْمسَافَة يصير الْقصير بَعيدا اه. أَبُو الْحسن: عِنْد قَوْلهَا وَلَو استحلفه تَارِكًا لَهَا الخ، مَا نَصه: وَلَو أحلفه وَلم يرفعهُ إِلَى السُّلْطَان وَله بَيِّنَة بعيدَة الْغَيْبَة فَلهُ الْقيام إِذا قدمت لِأَنَّهُ لَو رفع أمره إِلَى الْحَاكِم لَكَانَ هُوَ الَّذِي يفعل وَذَلِكَ بِخِلَاف مَا لَو صَالح الْمَطْلُوب لبعد غيبَة الْبَيِّنَة لِأَنَّهُ قد رَضِي بِمَا أَخذ فَلَا قيام لَهُ. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ ابْن رشد فِي نوازله، وَنَقله ابْن عَاتٍ فِي طرره: أَنه يجب على القَاضِي أَن يعلم الطَّالِب بِوُجُوب الْحميل لَهُ إِن كَانَ مثله يجهل ذَلِك، وَكَذَا يجب عَلَيْهِ أَن يعلم الْحميل بِتَأْخِير الْمَطْلُوب إِن حكم القَاضِي بِالتَّأْخِيرِ بعد الْحُلُول. انْظُر الْمديَان من الْبُرْزُليّ. الثَّانِي: مَا جرى بِهِ الْعَمَل هُوَ إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي خَالف فِيهَا أهل الأندلس ابْن الْقَاسِم. وَثَانِيها أَنهم لَا يوجبون الْحميل بِالْحَقِّ إِلَّا بالعدلين وَهُوَ مَا تقدم قَرِيبا فِي قَوْله: وَالشَّاهِد الْعدْل بِهِ الضَّامِن الخ. وَثَالِثهَا من أنكر شَيْئا ثمَّ أقرَّ بِهِ وَأقَام بَيِّنَة بِالْبَرَاءَةِ لم تَنْفَعهُ وَتَقَدَّمت للناظم فِي قَوْله: لِأَنَّهُ كذبهمْ فِي الأول وبمنزلة من أنكر وَدِيعَة ثمَّ أقرّ بهَا وَأقَام بَيِّنَة بِالدفع، وَرَابِعهَا الشُّفْعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 فِيمَا لَا يَنْقَسِم وَسَتَأْتِي للناظم حَيْثُ قَالَ: والفرن وَالْحمام والرحى انقضا الخ. وأوجبوها أَيْضا فِي الْأَمْوَال الموظفة، وَهُوَ قَول أَشهب. وخامسها: أَنهم جعلُوا الشَّيْء الْمُسْتَحق يدْخل فِي ضَمَان الْمُسْتَحق وَتَكون لَهُ الْغلَّة، وَهُوَ قَول مَالك فِي الْمُوَطَّأ. وَعَلِيهِ اقْتصر النَّاظِم فِي فصل التَّوْقِيف. وسادسها: من غَابَ عَن زَوجته فحاله فِي مغيبه حَال خُرُوجه فِي الْعسر واليسر قَالَه ابْن نَافِع. ودرج النَّاظِم فِي هَذِه النَّفَقَات على الْمُقَابل حَيْثُ قَالَ: فحالة الْقدوم لِابْنِ الْقَاسِم الخ. وَكَذَا قَالَ (خَ) اعْتبر حَال قدومه. وسابعها: أَنهم أوجبوا الْقسَامَة مَعَ شَهَادَة غير الْعُدُول من اللفيف، وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم وَمَالك فِيمَا رَوَاهُ أَشهب، وَقَوله أَيْضا: أَو بِكَثِير من لفيف الشهدا، وَتقدم قَوْله: وَلَا اللفيف فِي الْقسَامَة اعْتمد الخ. وثامنها: أَنهم لم يجيزوا الشَّهَادَة على خطّ الشَّاهِد إِلَّا فِي الأحباس المعقبة إِذا اقْترن بهَا السماع الفاشي، ودرج النَّاظِم على مُقَابِله حَيْثُ قَالَ: وَخط عدل مَاتَ أَو غَابَ اكْتفى الخ. وتاسعها: أَنهم تركُوا تحلية الْمَشْهُود عَلَيْهِ وَصفته فِي الْعُقُود، وَلَعَلَّ هَذَا مَعَ وجود الْمُعَرّف وإلاَّ فقد تقدم أَنه إِذا لم تكن معرفَة وَلَا تَعْرِيف لَا بُد من التحلية، وَتَأمل قَول (خَ) وميز فِيهِ مَا يتَمَيَّز بِهِ من اسْم وحرفة وَغَيرهمَا الخ. وعاشرها: أَنهم لم يجيزوا للْوَصِيّ أَن ينظر على أَوْلَاد مَحْجُوره إِلَّا بِتَقْدِيم مُسْتَأْنف، وَسَيَأْتِي للناظم: وَنظر الْوَصِيّ فِي الْمَشْهُور الخ. وَأَنَّهُمْ أَجَازُوا لبس الْحَرِير فِي الْغَزْو وَأَنَّهُمْ راعوا الْكَفَاءَة فِي النِّكَاح فِي الْحَال والمآل وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: فَمَعَ كُفْء بِصَدَاق الْمثل الخ. وَأَن مَا التزمته المالكة نَفسهَا فِي الْخلْع من نَفَقَة ابْنهَا بعد الْحَوْلَيْنِ لَازم لَهَا وَهُوَ قَول المَخْزُومِي، وَسَيَأْتِي للناظم فِي الْخلْع وَأَنه لَا يلْزم الإخدام إِلَّا فِي ذَات المَال، وَعَلِيهِ درج (خَ) بقوله: وإخدام أَهله وَهُوَ قَول ابْن الْمَاجشون وَأَنَّهُمْ أَجَازُوا الْأُجْرَة على تَعْلِيم النَّحْو وَالشعر وَهُوَ قَول ابْن حبيب. وأجازوا بيع كتب الْفِقْه وَهُوَ قَول أَكثر أَصْحَاب مَالك، ودرج على ذَلِك (خَ) بقوله وَبيع كتبه، وأجازوا أَفعَال السَّفِيه الَّذِي لم يول عَلَيْهِ (خَ) وأفعاله قبل الْحجر مَحْمُولَة على الْإِجَازَة عِنْد مَالك وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: وَفعل ذُو السَّفه رد كُله. وَعَلِيهِ الْعَمَل الْآن وَأَنَّهُمْ أَجَازُوا التَّفَاضُل فِي الْمُزَارعَة إِذا سلما من كِرَاء الأَرْض بِمَا يخرج مِنْهَا لِأَنَّهَا كِرَاء لَا شركَة قَالَه ابْن دِينَار، وَالْمُعْتَمد خِلَافه (خَ) وقابلها مساوٍ الخ. وَهُوَ ظَاهر النّظم فِيمَا يَأْتِي وَأَن الْمُزَارعَة لَا تَنْعَقِد عِنْدهم إِلَّا بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَل قَالَه ابْن كنَانَة. وَعَلِيهِ عول (خَ) ودرج النَّاظِم على مُقَابِله حَيْثُ قَالَ: ولزمت بِالْعقدِ كالإجار الخ. وَهُوَ الَّذِي شهره فِي الشَّامِل، وَأما الْمسَائِل الَّتِي خالفوا فِيهَا مَذْهَب مَالك رَحمَه الله تَعَالَى فَهِيَ سِتَّة أَن لَا يَكْتَفِي بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد لظَاهِر الْقُرْآن، وَأَن لَا يحكموا بالخلطة وَهُوَ مَذْهَب اللَّيْث، وأجازوا كِرَاء الأَرْض بالجزء مِمَّا يخرج مِنْهَا كالمساقاة والقراض وَهُوَ مَذْهَب اللَّيْث أَيْضا، وأجازوا غرس الْأَشْجَار فِي الْمَسَاجِد وَهُوَ مَذْهَب الْأَوْزَاعِيّ، وَقَالُوا بِرَفْع الْمُؤَذّن صَوته فِي أول الْأَذَان بالتكبيرة وَجعلُوا فِي الْغَنِيمَة للفارس سَهْمَيْنِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة، لَكِن القَوْل بِعَدَمِ الْخلطَة هُوَ لِابْنِ نَافِع فَهُوَ فِي الْمَذْهَب، وَكَذَلِكَ القَوْل بِأَن للفارس سَهْمَيْنِ كَمَا فِي (خَ) وَعَلِيهِ فالأنسب ذكر هذَيْن فِي الْمسَائِل قبله، وَإِنَّمَا احتاجوا لبَيَان هَذِه الْمسَائِل لقَولهم الْمعول عَلَيْهِ فِي الْفتيا قَول ابْن الْقَاسِم، لَا سِيمَا إِن كَانَ فِي الْمُدَوَّنَة. وَانْظُر الرُّكْن الثَّانِي من أَرْكَان الْقَضَاء من التَّبْصِرَة أَن من قَالَ القَوْل قَول ابْن الْقَاسِم عِنْد الِاخْتِلَاف لَيْسَ بِشَيْء. ويَبْرَأُ الحَمِيلُ بالوَجْه مَتَى أَحْضَرَ مَضْمُوناً لِخَصْمٍ مَيِّتا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 (وَيبرأ الْحميل) فعل وفاعل (بِالْوَجْهِ) يتَعَلَّق بالحميل (مَتى) اسْم شَرط (أحضر) فعل الشَّرْط (مَضْمُونا) مفعول بِهِ (لخصم) يتَعَلَّق بأحضر (مَيتا) صفة لمضمون وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ، قَالَ فِيهَا: وَإِذا مَاتَ الْغَرِيم برىء حميل الْوَجْه لِأَن النَّفس المكفولة قد ذهبت. ابْن نَاجِي: ظَاهرهَا مَاتَ فِي الْبَلَد أَو فِي غيبَة قربت الْغَيْبَة أَو بَعدت وَهُوَ كَذَلِك اه. وعَلى هَذَا درج (خَ) حَيْثُ قَالَ فِي بَاب الضَّمَان: إِلَّا أَن أثبت عَدمه أَو مَوته فِي غيبته وَلَو فِي غير بَلَده الخ. وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب وَعَلِيهِ فَلَا مَفْهُوم لقَوْله أحضر، وَلَا لقَوْله مَيتا لِأَن الْمدَار على إِثْبَات الْمَوْت أَو الْعَدَم خلاف مَا درج عَلَيْهِ (خَ) فِي بَاب الْفلس حَيْثُ قَالَ: وَحبس لثُبُوت عسره إِن جهل حَاله وَلم يسئل الصَّبْر لَهُ بحميل بِوَجْهِهِ فَيغرم إِن لم يَأْتِ بِهِ، وَلَو أثبت عَدمه أَو مَوته فِي غيبَة الخ. وَأَحْرَى أَن يبرأ إِذا أحضرهُ فِي السجْن أَو مَرِيضا كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَإِن ضَمَان الْوَجْه جَاءَ مُجملا الخ. وَظَاهر هَذَا أَنه يبرأ وَلَو أحضرهُ لَهُ فِي حرم يتَعَذَّر إِخْرَاجه مِنْهُ وَهُوَ كَذَلِك لِأَن القَاضِي يبْعَث إِلَيْهِ إِمَّا أَن يخرج أَو يُوكل وَإِمَّا أَن يحكم عَلَيْهِ فَإِن توقف الحكم على إِحْضَار ذَاته أخرج من الْحرم فَهُوَ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَة الْمُسلم فِي السجْن، وَلِهَذَا قَالَ ناظم الْعَمَل: وضامن مضمونه قد أحضرا بِموضع إِخْرَاجه تعذرا يَكْفِيهِ مَا لم يضمن الْإِحْضَار لَهُ بِمَجْلِس الشَّرْع بِتِلْكَ المنزله وَظَاهر النّظم أَنه يبرأ بإحضاره مَيتا وَلَو بعد الحكم عَلَيْهِ بالغرم، وَلَيْسَ كَذَلِك بل إِذا أحضر حَيا أَو مَيتا بعد الحكم عَلَيْهِ بالغرامة لَا يبرأ وَصَارَ غريماً ثَانِيًا بِسَبَب الحكم عَلَيْهِ فَيُخَير الطَّالِب فِي اتِّبَاع أَيهمَا شَاءَ قَالَه ابْن يُونُس، فَإِن غرم الْحميل المَال ثمَّ أثبت أَن الْغَرِيم مَاتَ قبل الحكم رَجَعَ على رب الدّين بِمَا أَخذ مِنْهُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة لتبين خطأ الحكم كَمَا أَنه إِذا أثبت عَدمه أَي أثبت الْآن أَنه عِنْد حُلُول الْأَجَل عديم فَإِنَّهُ يبرأ وَلَو حكم عَلَيْهِ بالغرم، فَإِنَّهُ ينْقض لتبين خطئه، وَأما لَو مَاتَ حميل الْوَجْه فالحمالة لَا تسْقط على الْمَشْهُور وَطلب وَارثه بإحضار غَرِيمه إِن حل دينه، وإلاَّ أَخذ من تركته قدر الدّين ووقف على يَد عدل حَتَّى يحل الْأَجَل إِن لم يكن وَارثه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 مَأْمُونا وَإِلَّا وقف فِي ذمَّته قَالَه اللَّخْمِيّ. وَأَخَّرُوا السَّائِلَ لِلإرْجَاءِ كالْيَوْمِ عِنْدَ الحُكْمِ بالأَدَاءِ (وأخروا) فعل وفاعل (السَّائِل) مفعول (للإرجاء) أَي التَّأْخِير يتَعَلَّق بالسائل (كَالْيَوْمِ) يتَعَلَّق بإرجاء (عِنْد الحكم) يتَعَلَّق بالسائل (بِالْأَدَاءِ) يتَعَلَّق بالحكم. إنْ جَاءَ فِي الحالِ بِضَامِنٍ وَإنْ لَمْ يَأْتِ بالحَمِيلِ بِالمالِ سُجِنْ (إِن) شَرط (جَاءَ) فعله (فِي الْحَال) يتَعَلَّق بِهِ وَكَذَا قَوْله (بضامن) وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ (وَإِن) شَرط (لم يَأْتِ) فعله (بالحميل) يتَعَلَّق بيأت (بِالْمَالِ) يتَعَلَّق بالحميل (سجن) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول جَوَاب الشَّرْط وَظَاهره أَنه لَا بُد من الْحميل بِالْمَالِ سَوَاء كَانَ مَعْلُوم الملاء أَو ظَاهره أَو مَجْهُول الْحَال وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ لما سَأَلَ التَّأْخِير الْيَوْم وَنَحْوه ظَهرت قدرته على المَال كَمَا فِي الْمَبْسُوط فَلَا يقبل مِنْهُ حميل إِلَّا بِهِ وَمحل ذَلِك فِي مَعْلُوم الملاء إِن لم يعرف بالناض وإلاَّ لم يُؤَخر (خَ) وَإِن وعد بِالْقضَاءِ وَسَأَلَ تَأْخِيرا كَالْيَوْمِ وَنَحْوه أعْطى حميلاً بِالْمَالِ وإلاَّ سجن كمعلوم الملاء وَأجل لبيع عرضه وَإِن أعطي حميلاً بِالْمَالِ، وَفِي حلفه على عدم الناض تردد وَإِن علم بالناض لم يُؤَخر الخ. وَالرَّهْن كالحميل على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا مرّ قَرِيبا عِنْد قَوْله: وَالشَّاهِد الْعدْل الخ. وأدخلت الْكَاف الْيَوْمَيْنِ فَقَط على مَا فِي شرَّاح الْمَتْن ولمالك فِي الْمَبْسُوط يُؤَخر المليء ثَلَاثًا وأربعاً وخمساً وَالتَّعْلِيل بِظُهُور قدرته على المَال الخ، لَا يَقْتَضِي أَنه إِذا سَأَلَ التَّأْخِير الْيَوْم وَنَحْوه ثمَّ ادّعى الْعَدَم لَا يقبل قَوْله: وَتبطل بِهِ بَينته لِأَن غَايَته أَن يكون بِمَثَابَة من صَالح رجلا على دين بِنَقْد حَال ثمَّ ادّعى الْعَدَم فَإِنَّهُ يتبع الْيَوْم وَنَحْوه فِي ذمَّته وَلَيْسَ صلحه يكذب قَوْله وَلَا يبطل بَينته بِالْعدمِ لِأَنَّهُ يَقُول: كنت أَرْجُو سلفا أَو هبة من بعض أَهلِي أَو أقاربي وَنَحْو ذَلِك قَالَه فِي الطرر، وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو أقرّ الْمَدِين عِنْد الْمُعَامَلَة أَو بعْدهَا بالملاء، فَفِي ابْن فتوح إِن كتب الموثقين أَن الْمديَان مَلِيء بِالْحَقِّ الَّذِي كتب عَلَيْهِ حسن، فَإِن ادّعى عدماً لم يصدق وَإِن قَامَت لَهُ بِهِ بَيِّنَة لِأَنَّهُ كذبهَا وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة قَائِلا وَبِه الْعَمَل، وَفِي الفشتالي والمعيار إِن عدم قبُول الْبَيِّنَة بِالْعدمِ مِمَّن اعْترف بالملاء هُوَ الْمَشْهُور والمعمول بِهِ ويسجن أبدا حَتَّى يُؤَدِّي دينه أَو تبيض عَيناهُ مَا لم تقم بَيِّنَة بطرو آفَة أذهبت مَاله بِسَرِقَة أَو نهب أَو إحراق. تَنْبِيه: من مَعْلُوم الملاء مَا ذكره الْبُرْزُليّ فِي امْرَأَة تفالست فَقَالَ لَهَا غريمها: لَك مَال فِي مَحل كَذَا آخذه وأسقطت عَنْك من الدّين ثَلَاثِينَ دِينَارا وجدت شَيْئا أَو لم أَجِدهُ فلجت فِي الْإِنْكَار وأبت أَن تسعفه لما طلب فَقَالَ أَيُّوب بن سُلَيْمَان: لَا شَيْء أدل على لدد هَذِه الْمَرْأَة من أَن يدعوها غريمها إِلَى مَا قَالَ فتأبى إِلَّا الْجحْد فَيجب حَبسهَا أبدا حَتَّى يكون أحد ثَلَاثَة أوجه: إِمَّا أَن يكْتب إِلَى رجل ثِقَة من تِلْكَ النَّاحِيَة ليبحث عَنْهَا، وَإِمَّا أَن تجيب إِلَى دفع المَال، وَإِمَّا أَن يكْشف عَن بَاطِنهَا أهل الْمعرفَة فِي النَّاحِيَة الَّتِي ذكرهَا الطَّالِب اه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 (بَاب الْوكَالَة) بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا بِمَعْنى التَّفْوِيض يُقَال: وَكله بِأَمْر كَذَا فوض إِلَيْهِ فِيهِ وَتَقَع بِمَعْنى الْحِفْظ وَالرِّعَايَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: أَلا تَتَّخِذُوا من دوني وَكيلا} (الْإِسْرَاء: 2) قيل: حفيظاً، وَقيل كَفِيلا، وَقيل ضَامِنا كَمَا فِي ضيح (وَمَا يتَعَلَّق بهَا) من تداعي الْوَكِيل وَالْمُوكل وانعزاله بِالْمَوْتِ وَنَحْو ذَلِك. وَشرعا قَالَ ابْن عَرَفَة: نِيَابَة ذِي حق غير ذِي إمرة وَلَا عبَادَة لغيره فِيهِ غير مَشْرُوطَة بِمَوْتِهِ، فَتخرج نِيَابَة إِمَام الطَّاعَة أَمِيرا أَو قَاضِيا أَو صَاحب صَلَاة وَالْوَصِيَّة اه. فَخرجت نِيَابَة إِمَام الطَّاعَة أَمِيرا أَو قَاضِيا بقوله: غير ذِي إمرة وَخرج بقوله: وَلَا عبَادَة إِمَامَة الصَّلَاة وَبِقَوْلِهِ غير مَشْرُوطَة الخ. الْوَصِيَّة لِأَن الْوَصِيّ لَا يُقَال فِيهِ وَكيل عرفا، وَلذَا فرقوا بَين فلَان وَكيلِي ووصيي وَقَوله لغيره: يتَعَلَّق بنيابة وَكَذَا قَوْله فِيهِ وضميره يعود على حق، لَكِن إِن جعل غير الأول صفة لذِي الأولى بَطل جَمِيعه فِي الإِمَام يُوكل فِي حق نَفسه من نِكَاح وَنَحْوه، وَإِن جعلته صفة لحق لم يَصح إِلَّا على ضرب من الْمجَاز وَهُوَ مجتنب فِي الْحُدُود، فَالْأولى إِسْقَاط ذِي الثَّانِيَة. وَكَيْفِيَّة وثيقتها إِن كَانَ مفوضة وكل فلَان فلَانا توكيلاً مفوضاً مُطلقًا ويكفيه ذَلِك كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله وحيثما التَّوْكِيل بِالْإِطْلَاقِ الخ. وَإِن كَانَت مَخْصُوصَة قلت: وكّل فلَان فلَانا على بيع دوابه أَو شِرَاء سلْعَة كَذَا، وَنَحْو ذَلِك. وَيتَعَيَّن أَن يَبِيع بِثمن الْمثل وَأَن يَشْتَرِي لَهُ مَا يَلِيق بِهِ كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَلَيْسَ يمْضِي غير مَا فِيهِ نظر الخ. وَإِن كَانَت مَخْصُوصَة بالخصام قلت: وكّله على طلب حُقُوقه واستخراج مَنَافِعه أَيْنَمَا كَانَت أَو من فلَان وَقبض مَا يجب لَهُ قَبضه جاعلاً لَهُ فِيهِ الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار، وَأخذ الضَّمَان والرهان وتقاضي الْأَيْمَان وَقبلهَا وَالصُّلْح وَأخذ النّسخ وإعطائها وَضرب الْآجَال والتزامها توكيلاً تَاما وَقبض الْوَكِيل ذَلِك شهد عَلَيْهِمَا من أشهداه بِمَا فِيهِ وهما بأتمه وعرفهما، وَفِي كَذَا فَإِن سقط الْقبُول فَلَا يضر إِن قَامَ بِالْوكَالَةِ دَاخل سِتَّة أشهر كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَالزَّوْج للزَّوْجَة كالموكل الخ. كَمَا لَا يضر أَيْضا سُقُوط معرفَة الْقدر، وَلذَلِك لم نذكرهُ وَإِن سقط الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار جرى على مَا يَأْتِي للناظم فِي قَوْله: وَالنَّقْص للإقرار وَالْإِنْكَار الخ. وَإِن سقط ذكر الْقَبْض أَو الصُّلْح أَو أَخذ الضَّمَان والرهان أَو تقاضى الْأَيْمَان لم يضر ذَلِك. وَلَكِن لَا يتَوَلَّى الْقَبْض وَلَا يمْضِي صلحه إِلَّا على مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وحيثما التَّوْكِيل بِالْإِطْلَاقِ الخ. وَلَا تَحْلِيفه إِلَّا على مَا يَأْتِي أَيْضا عِنْد قَوْله: وَالنَّقْص للإقرار الخ. وَإِن سقط الْإِشْهَاد فَفِي ابْن سَلمُون إِذا شهد شَاهِدَانِ بِمَعْرِِفَة الْوكَالَة وَلم يبينا فِي شَهَادَتهمَا أَن الْمُوكل أشهدهما بهَا فشهادتهما سَاقِطَة وَنَحْوه فِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن الْحَاج، وَتقدم نَحْو ذَلِك فِي الضَّمَان عِنْد قَوْله: وَلَا اعْتِبَار الخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 يَجُوزُ تَوْكِيلٌ لِمَنْ تَصَرَّفَا فِي مَالِهِ لِمَنْ بِذَاكَ اتَّصَفا (يجوز تَوْكِيل) فعل وفاعل (لمن) يتَعَلَّق بيجوز لَا بتوكيل ومتعلق تَوْكِيل مَحْذُوف أَي فِي كل مَا يقبل النِّيَابَة (تَصرفا) صلته (فِي مَاله) يتَعَلَّق بِهِ، وَيُرِيد أَن من جَازَ لَهُ التَّصَرُّف فِي مَاله بمعاوضة مَالِيَّة جَازَ لَهُ أَن يُوكل فِي قَابل النِّيَابَة فَتدخل الزَّوْجَة وَالْمَرِيض إِذْ كِلَاهُمَا لَهُ التَّصَرُّف، وَلَو فِي زَائِد الثُّلُث بالمعاوضة وَيخرج الْمَحْجُور عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَن يُوكل لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّصَرُّف بِمَا ذكر اتِّفَاقًا كَمَا فِي (ح) قَالَ: إِلَّا مَا يفهم من مَسْأَلَة الْعتْق وَهِي أَن يُعْطي العَبْد مَالا لمن يَشْتَرِيهِ لنَفسِهِ من سَيّده، وَأَصله لِابْنِ عَرَفَة، لَكِن ظَاهر النّظم بِحَسب مَفْهُومه أَن الْمَحْجُور لَا يُوكل وَلَو فِي طلب حُقُوقه وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ابْن شَاس وَابْن الْحَاجِب وَمن تبعهما، وَالَّذِي بِهِ الْعَمَل كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة والمعيار أَن لَهُ أَن يُوكل على طلب حُقُوقه وَالْخُصُومَة فِيهَا حضر وَصِيّه أَو غَابَ، كَمَا لَهُ أَن يطْلبهَا بِنَفسِهِ كَذَلِك إِلَّا أَنهم قَالُوا لَا يقبض المَال إِذا تعين وَبِهَذَا أفتى الغبريني وَعَلِيهِ درج ناظم الْعَمَل حَيْثُ قَالَ: وَطلب الْحق لتوكيل لمن حضر أَو غَابَ وَصِيّه قمن فيقيد مَفْهُوم النَّاظِم مَا على مَا بِهِ الْعَمَل بالمعاوضة كَمَا قَررنَا فَلَا يَشْمَل طلب الْحُقُوق كَمَا هُوَ ظَاهره، وَظَاهر كَلَامهم أَن لَهُ أَن يُوكل على طلب حُقُوقه وَلَو وكل عَلَيْهَا مَحْجُورا أَيْضا. وَقَوْلنَا فِي قَابل النِّيَابَة احْتِرَازًا مِمَّا لَا يقبلهَا كاليمين وَالْمَعْصِيَة كالظهار وَنَحْوه، وَاخْتلف فِي الْوكَالَة على الْقيام بالوظائف كالإمامة وَالْقِرَاءَة وَالْأَذَان فَاخْتَارَ الْقَرَافِيّ عدم جَوَازهَا لغير عذر. قَالَ: وَلَا يسْتَحق النَّائِب وَلَا المنوب عَنهُ شَيْئا، وَاخْتَارَ اللَّقَّانِيّ والأجهوري جَوَازهَا وارتضاه الملوي وَألف فِي ذَلِك. (لمن) يتَعَلَّق بتوكيل (بِذَاكَ) يتَعَلَّق بقوله (اتصفا) وَالْجُمْلَة صلَة وَالْإِشَارَة ترجع للتَّصَرُّف فِي المَال أَي كَمَا اشْترط فِي الْمُوكل أَن يكون مِمَّن يَصح تصرفه كَذَلِك يشْتَرط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 فِي الْوَكِيل أَيْضا أَن يكون مِمَّن يَصح تصرفه، فَلَا يجوز أَن يكون الْوَكِيل مَحْجُورا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَضْييع لِلْمَالِ، وَقد نهى عَنهُ قَالَه اللَّخْمِيّ، وَابْن شَاس وَمن تبعهما، ابْن عَرَفَة: وَعَلِيهِ عمل بلدنا وَظَاهر كتاب الْمديَان من الْمُدَوَّنَة، وَصرح بِهِ فِي الْعُتْبِيَّة أَن الْمَحْجُور يجوز كَونه وَكيلا عَن غَيره. ابْن رشد: وَذَلِكَ مِمَّا لَا خلاف فِيهِ لِأَن للرجل أَن يُوكل من رَضِي تَوْكِيله من رشيد أَو سَفِيه وَيلْزمهُ من فعل السَّفِيه مَا يلْزمه من فعل الرشيد وعَلى طَريقَة ابْن رشد هَذِه درج ناظم عمل فاس حَيْثُ قَالَ: وجوزوا التَّوْكِيل للمحجور عَلَيْهِ والإيصاء فِي الْأُمُور قَالَ شَارِحه: يُرِيد أَن الْإِنْسَان يجوز لَهُ أَن يُوكل سَفِيها مَحْجُورا عَلَيْهِ فِي خُصُومَة أَو تصرف فِي مَال، وأو يوصى إِلَيْهِ بتنفيذ وَصِيَّة لَا بِالنّظرِ فِي مَال الْوَلَد اه. لَكِن يَنْبَغِي أَن يُقيد الْخلاف بِمَا إِذا لم يُفَوض إِلَيْهِ وإلاَّ فَيمْنَع لظُهُور التضييع حِينَئِذٍ ويقيد جَوَاز كَونه وَكيلا أَيْضا بِمَا إِذا كَانَ الْمُوكل رشيدا عَالما بحجره كَمَا فِي حَاشِيَة ابْن رحال هُنَا، وَهُوَ مَا أفتى بِهِ أَبُو إِبْرَاهِيم إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَسَيَأْتِي ذَلِك عِنْد قَوْله: وَمن على قبض صَبيا قدما الخ. تَنْبِيهَات. الأول: هَذَا كُله فِي الْحُقُوق الْمَالِيَّة، وَأما الْحُقُوق الْبَدَنِيَّة كضرر زوج وَقيام بِعَيْب الزَّوْج وَنَحْوه فللمحجور أَن يُوكل من يُخَاصم عَنهُ فِيهَا قطعا وَلَا قيام فِيهَا لوَلِيِّه إِلَّا بتوكيله كَمَا للمتيطي وَغَيره قَالَ الغرناطي فِي وثائقه: والمحجور لَا يُوكل إِلَّا فِيمَا هُوَ من ضَرَر الْبدن وَفِي الشُّرُوط المشترطة لَهُ وَفِي طلب النَّفَقَة وَالْكِسْوَة أَي من وليه، فَلَو كَانَت المحجورة متزوجة وَطلبت من وَليهَا أَن يسكن زَوجهَا بهَا فِي دارها وَأَن تنْفق على نَفسهَا من مَالهَا لرغبتها فِي الزَّوْج ومخافة طَلَاقه فَإِنَّهَا تجاب، وَلَا مقَال لوَلِيّهَا. وَانْظُر الْحجر من الْبُرْزُليّ وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله فِي بيع الْفُضُولِيّ. الثَّانِي: إِذا وكل الْمَحْجُور وليه فبمجرد قبُول الْوَلِيّ لتوكيله يصير الْمَحْجُور رشيدا وَلَا يصدق الْوَلِيّ فِي أَنه لم يُخرجهُ من الْحجر قَالَه فِي الكراس الثَّانِي من أنكحة المعيار قَالَ: وَنزلت فَحكم فِيهَا بذلك. الثَّالِث: تقدم أَنه لَا بُد أَن يضمن الموثق فِي رسم الْوكَالَة أَن الْمُوكل أشهدهما بهَا فَإِن لم يبينا أَن الْمُوكل أشهدهما بهَا فشهادتهما بَاطِلَة لَا يعْمل بهَا. قَالَه ابْن الْحَاج وَنَقله ابْن سَلمُون فِي فصل بيع الْوَكِيل وَنَقله (ح) أَيْضا مُسلما. وَمُنِعَ التَّوْكِيلُ لِلذَّمِّيِّ وَلَيْسَ إنْ وُكّلَ بِالْمَرْضِيِّ (ومُنِعَ) فعل وفاعل (التَّوْكِيل) مفعول بِهِ (للذِّمِّيّ) يتَعَلَّق بِمَا قبله يَلِيهِ أَي وَمنع الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم أَن يُوكل الْمُسلم الذِّمِّيّ لِأَنَّهُ لَا يَتَّقِي الْحَرَام فِي بياعاته وَسَائِر معاملاته وَظَاهره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وَلَو قارضه لِأَن الْقَرَاض تَوْكِيل وَفِي ذَلِك نزاع، وَكَذَا مشاركته إِذْ كل من الشَّرِيكَيْنِ وَكيل عَن الآخر إِلَّا أَن لَا يغيب عَنهُ وَظَاهره منع تَوْكِيله، وَلَو فِي خُصُومَة عَنهُ وَظَاهره أَيْضا مَنعه فِي كل شَيْء وَلَيْسَ كَذَلِك، بل تَوْكِيله على قبُول نِكَاح أَو دفع هبة وَنَحْو ذَلِك لَا يمْنَع وَكَذَا مساقاته إِن كَانَ لَا يعصر حِصَّته خمرًا وبمنزلة الذِّمِّيّ من ظهر مِنْهُ عِنْد القَاضِي لدد وتشغيب فِي الْخُصُومَات فَيمْنَع وَلَا يقبله القَاضِي وَكيلا، إِذْ لَا يحل لَهُ إِدْخَال اللدد على الْمُسلمين قَالَه ابْن فَرِحُونَ. وَالْمرَاد بالذمي الْكَافِر فَيشْمَل الْمُؤمن وَعَبده النَّصْرَانِي وَنَحْوهمَا (خَ) وَمنع ذمِّي فِي بيع أَو شِرَاء أَو تقاض وعدوّ على عدوه (وَلَيْسَ) فعل نَاقص (أَن وكَّل) بِفَتْح الْهمزَة وَالْكَاف الْمُشَدّدَة فِي تَأْوِيل مصدر اسْمهَا، وفاعل وكَّل ضمير يعود على الذِّمِّيّ ومفعوله مَحْذُوف أَي وَلَيْسَ تَوْكِيل الذِّمِّيّ الْمُسلم (بالمرضي) خبر لَيْسَ جر بِالْبَاء الزَّائِدَة قَالَ الشَّعْبَانِي: الوكالات أمانات فَيَنْبَغِي لأولي الْأَمَانَات أَن لَا يتوكلوا لأولي الخيانات، وَعَن مَالك: كفى بِالْمَرْءِ خِيَانَة أَن يكون أَمينا للخونة اه. وَالتَّعْبِير بينبغي يَقْتَضِي الْكَرَاهَة وَهُوَ ظَاهر النّظم، وَبهَا صرح غير وَاحِد وَسَوَاء كَانَ تَوْكِيل الذِّمِّيّ للْمُسلمِ بِأُجْرَة أم لَا. وَكله فِي خُصُومَة أَو بيع أَو شِرَاء، وَهَذَا مَا لم يكن الْمُسلم تَحت يَد الذِّمِّيّ كأجير الْخدمَة وإلاَّ فَيمْنَع انْظُر ضيح. وَمَنْ عَلَى قَبْضٍ صَبِيّاً قَدَّمَا فَقَبْضُهُ بَرَاءةٌ لِلْغُرَمَا (وَمن) اسْم شَرط (على قبض) يتَعَلَّق بقدما (صَبيا) مفعول (قدما) بِفَتْح الدَّال الْمُشَدّدَة مَبْنِيّ للْفَاعِل وضميره الْمُسْتَتر يعود على من وألفه للإطلاق (فَقَبضهُ) مُبْتَدأ (بَرَاءَة) خَبره (للغرما) يتَعَلَّق بِهِ، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جزم جَوَاب الشَّرْط، وَيجوز أَن تكون من مَوْصُولَة وَدخلت الْفَاء فِي خَبَرهَا لشبه الْمَوْصُول بِالشّرطِ فِي الْعُمُوم والإبهام، وَمَعْنَاهُ أَن من قدم صَبيا على قبض دين وَنَحْوه من وَدِيعَة وعارية وَغير ذَلِك من الْحُقُوق فَإِن الدَّافِع يبرأ من ذَلِك أَن ثَبت الدّفع بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ قد رَضِي بِهِ ونزله مَنْزِلَته وَسَوَاء أوصله الصَّبِي لرَبه أَو أتْلفه وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَو ثَبت تعديه عَلَيْهِ، فَإِن لم يثبت الدّفع فَلَا يبرأ. وَلَو أقرّ الصَّبِي لقَوْل (خَ) وَإِن قَالَ أَي الْوَكِيل غير الْمُفَوض قبضت وَتلف برىء وَإِن لم يبرأ الْغَرِيم إِلَّا بِبَيِّنَة وَلَا مَفْهُوم للصَّبِيّ بل الْبَالِغ الْمَحْجُور كَذَلِك، وَإِنَّمَا خصص الصَّبِي بِالذكر ليفهم غَيره بالأحرى وَلَا مَفْهُوم لقبض بل لَو وَكله على البيع أَو الشِّرَاء أَو نَحْو ذَلِك لَكَانَ فعله مَاضِيا وَيبرأ المُشْتَرِي بِدفع الثّمن إِلَيْهِ لِأَن من وكل على بيع شَيْء فَهُوَ مُوكل على قبض ثمنه إِلَّا أَن يشْتَرط عَلَيْهِ أَن لَا يقبضهُ إِلَّا بتوكيله على الْقَبْض، نَص عَلَيْهِ ابْن الْحَاج كَمَا فِي ابْن عَرَفَة وَابْن سَلمُون وَغَيرهمَا. وتوكيله على البيع نَص عَلَيْهِ أَبُو إِبْرَاهِيم إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 كَمَا فِي وَصَايَا المعيار. وَقَيده بِمَا إِذا كَانَ الْمُوكل لَهُ رشيدا عَالما بحجره، وَاعْتمد ابْن رحال قَيده الْمَذْكُور كَمَا مر قَرِيبا. قلت: أما التَّقْيِيد بِكَوْن الْمُوكل رشيدا فَظَاهر لما مرّ من أَن الْمَحْجُور لَا يُوكل على مَا فِيهِ مُعَاوضَة وَلَا يقبض حُقُوقه الْوَاجِبَة لَهُ، وَإِذا لم يقبضهَا بِنَفسِهِ فَكَذَلِك بوكيله وَإِلَّا بطلت فَائِدَة الْحجر فيقيد النّظم بِهَذَا الْقَيْد، وَلَا يبرأ الْغَرِيم بِالدفع إِلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَأما التَّقْيِيد بِكَوْنِهِ عَالما بحجره فَلَا تظهر لَهُ ثَمَرَة لِأَن تصرفه بِالْبيعِ وَالْقَبْض وَنَحْوهمَا لَا يرد لدعوى الْمُوكل عدم الْعلم بحجره وَلَا يُوجب تضمين الْمَحْجُور أَو الْغَرِيم كَمَا لَا يخفى، بل لَو ثَبت عدم علمه حِين التَّوْكِيل لم يرد تصرفه لتَعلق حق الدَّافِع وَالْمُشْتَرِي بذلك والتفريط إِنَّمَا جَاءَ من قبله حَيْثُ لم يتثبت. وَلَا يُقَال ثَمَرَته تظهر فِي تصرفه بِعَدَمِ الْمصلحَة. لأَنا نقُول الْوَكِيل من حَيْثُ هُوَ رشيد أَو مَحْجُور علم الْمُوكل بحجره أم لَا مَعْزُول عَن غير الْمصلحَة، فَلَا فرق فِي هَذَا بَين الْمَحْجُور وَغَيره كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَلَيْسَ يمْضِي غير مَا فِيهِ نظر الخ. وَالله أعلم. وَهنا تمّ الْكَلَام على الْمُوكل وَالْوَكِيل اللَّذين هما الركنان الْأَوَّلَانِ من أَرْكَان الْوكَالَة، وَسَيَأْتِي الرُّكْن الثَّالِث وَالرَّابِع اللَّذَان هما الْمُوكل فِيهِ والصيغة عِنْد قَوْله، وحيثما التَّوْكِيل الخ وَعند قَوْله: وَالزَّوْج للزَّوْجَة كالموكل الخ. تَنْبِيه: مَا ذكره ابْن الْحَاج وَتَبعهُ النَّاظِم ظَاهر فِي جَوَاز تَوْكِيل الْمَحْجُور كَمَا فِي الْبُرْزُليّ، وَهِي طَريقَة ابْن رشد كَمَا مرّ فدرج النَّاظِم أَولا على طَريقَة اللَّخْمِيّ وَهنا على طَريقَة ابْن رشد، فَلَو قَالَ إِثْر قَوْله: لمن بِذَاكَ اتصفا مَا نَصه: وَقيل فِي الْمَحْجُور ذِي التَّقْدِيم فِي قَبضه بَرَاءَة الْغَرِيم لكفاه فِي الْإِشَارَة لطريقة ابْن رشد وَسلم من التَّنَاقُض فِي الْكَلَام وَالْجَوَاب عَنهُ بِكَوْن مَا هُنَا فِيمَا بعد الْوُقُوع وَمَا مر فِي الْجَوَاز ابْتِدَاء غير ظَاهر لِأَن ظَاهر كَلَام اللَّخْمِيّ وَمن وَافقه أَن وكَالَة الْمَحْجُور لَا تَنْعَقِد لِأَن الأَصْل فِيمَا لَا يجوز عدم الِانْعِقَاد، وَإِذا لم تَنْعَقِد فَلَا تترتب عَلَيْهَا الْآثَار من لُزُوم تَصَرُّفَاته للْمُوكل، وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون تَوْكِيله بِمَنْزِلَة التَّوْكِيل على غير النّظر فَهُوَ كالتوكيل على الْمعْصِيَة لِأَن الْغَالِب أَن الْمَحْجُور لَا يتَصَرَّف إِلَّا بِغَيْر النّظر، وَلذَا قَالَ ابْن عَرَفَة: أصل الْمَذْهَب منع التَّوْكِيل على غير وَجه النّظر قَالَ: وَيَأْتِي نقل اللَّخْمِيّ عَن الْمَذْهَب منع تَوْكِيل السَّفِيه اه. وَقد عللوا عدم الْجَوَاز بِأَن وكَالَته تَضْييع لِلْمَالِ وَعَلِيهِ فَلَا يلْزمه بَيْعه، وَلَو وَافق السداد وَلَا يبرأ الْغَرِيم بِالدفع إِلَيْهِ وَهُوَ ظَاهر إِن لم يعلم الْمُوكل بِحَالهِ وَعلم الْغَرِيم بحجره وَلَو جهل انْعِقَاد وكَالَته لِأَن الْجَهْل فِي الْأَحْكَام لَا يُفِيد، وَأما إِن لم يعلم بحجره فَالظَّاهِر الْبَرَاءَة لَا من جِهَة صِحَة وكَالَته، بل لِأَن الْمُوكل إِن علم بِهِ فَهُوَ الْمُسَلط لَهُ على إِتْلَاف مَاله وَإِن لم يعلم فالتفريط جَاءَ من قبله فَلَيْسَ تضمين الْغَرِيم بِأولى من تَضْمِينه. هَكَذَا يَنْبَغِي تَفْصِيل هَذِه الطَّرِيقَة وَمَا فِي (ح) عِنْد قَوْله: إِلَّا أَن يَقُول وَغير نظر مِمَّا يَقْتَضِي خلاف التَّفْصِيل الْمَذْكُور غير ظَاهر فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَجَازَ لِلْمطْلُوبِ أنْ يُوَكِّلاَ وَمَنْعُ سَحْنُونٍ لَه قَدْ نُقِلاَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 (وَجَاز للمطلوب) يتَعَلَّق بجاز (أَن يوكلا) فِي تَأْوِيل مصدر فَاعله (وَمنع) مُبْتَدأ (سَحْنُون) مُضَاف إِلَيْهِ (لَهُ) يتَعَلَّق بالمبتدأ وضميره للمطلوب بِتَقْدِير مُضَاف أَي لتوكيله، وَيحْتَمل أَن يعود على الْمصدر المؤول أَي وَمنع التَّوْكِيل جملَة (قد نقلا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه يعود على الْمُبْتَدَأ، وَالْجُمْلَة خَبره وَمَعْنَاهُ أَن الْمَطْلُوب يجوز لَهُ أَن يُوكل من يُخَاصم عَنهُ على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ، كَمَا يجوز ذَلِك للطَّالِب. وَنقل عَن سَحْنُون أَنه كَانَ لَا يقبل من الْمَطْلُوب وَكيلا إِلَّا أَن يكون امْرَأَة لَا يخرج مثلهَا أَو مَرِيضا أَو مرِيدا سفرا أَو كَانَ فِي شغل الْأَمِير أَو على خطة لَا يَسْتَطِيع مفارقتها وَنَحْو ذَلِك من الْأَعْذَار، وَلما قيل لَهُ لأي شَيْء تفعل هَذَا وَمَالك يقبل الْوَكِيل مُطلقًا؟ قَالَ: قَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز: تحدث للنَّاس أقضية الخ. وَوَقع لَهُ أَيْضا فِي رِسَالَة لقَاضِي الْقُضَاة بقرطبة الْمَنْع من التَّوْكِيل جملَة طَالبا أَو مَطْلُوبا. ابْن عَرَفَة: وَفِي جَوَازهَا لغير عذر. ثَالِثهَا: للطَّالِب لَا للمطلوب للمعروف مَعَ قَول المتيطي هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل، وَنَقله عَن سَحْنُون وَفعله اه. فَقَوْل النَّاظِم: وَمنع سَحْنُون الخ يحْتَمل أَن يكون أَشَارَ بِهِ لقَوْله الأول أَو الثَّانِي. وَحَيْثُمَا التَّوْكِيلُ بِالإِطْلاَقِ فَذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; لِكَ التَّفْوِيضُ بِاتِّفَاقِ (وحيثما) اسْم شَرط (التَّوْكِيل) فَاعل بِفعل مُقَدّر تَقْدِيره وَقع (بِالْإِطْلَاقِ) فِي مَحل الْحَال مِنْهُ (فَذَلِك) مُبْتَدأ (التَّفْوِيض) خبر وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَالْفَاء رابطة بَينهمَا (بِاتِّفَاق) فِي مَحل الْحَال من التَّفْوِيض، وَمَعْنَاهُ أَن التَّوْكِيل إِذا وَقع مُطلقًا وَلم يُقيد بالتفويض وَلَا بِأَمْر مَخْصُوص كَقَوْلِه: وَكلتك أَو أَنْت وَكيلِي فَإِن ذَلِك هُوَ التَّفْوِيض بِاتِّفَاق فَيعم جَمِيع الْأَشْيَاء، وَأَحْرَى إِذا نَص على التَّعْمِيم كَقَوْلِه: وَكلتك على جَمِيع أموري أَو أقمتك مقَامي فِي جَمِيع الْأُمُور، وَلم أستثن عَلَيْك فصلا من الْفُصُول فيمضي فعله فِي كل شَيْء وَإِن كَانَ نظرا إِلَّا فِي طَلَاق زَوجته وإنكاح بكره وَبيع دَار سكناهُ أَو عَبده إِلَّا أَن يَقُول: وَكلتك بِمَا إِلَيّ من تطليق نسَائِي وَعتق عَبِيدِي وَبيع أملاكي فيمضي فعله فِي الْجَمِيع فَإِن نَص على التَّخْصِيص كَقَوْلِه: وَكلتك على قبض ديني أَو على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 بيع ثوبي أَو على فلَان أَو بمخاصمة خصمائي فَهِيَ وكَالَة خَاصَّة بالخصام، وَقبض الدّين وَالْبيع من فلَان. ابْن فَرِحُونَ: الْوكَالَة على طلب الْآبِق لَا تَشْمَل الْخُصُومَة فِيهِ اه. وَمَا ذكره النَّاظِم من أَنه إِذا لم يُقيد بتعميم وَلَا بتخصيص يكون تفويضاً بِاتِّفَاق هُوَ طَريقَة ابْن رشد، وَطَرِيقَة ابْن بشير وَابْن شَاس وَابْن الْحَاجِب أَن الْإِطْلَاق لَا يَصح بِهِ تَوْكِيل، بل حَتَّى ينص على التَّعْمِيم أَو التَّخْصِيص وَعَلَيْهَا درج (خَ) إِذْ قَالَ: صحت الْوكَالَة بِمَا يدل عرفا لَا بِمُجَرَّد وَكلتك، بل حَتَّى يُفَوض أَو يعين بِنَصّ أَو قرينَة وتخصص وتقيد بِالْعرْفِ فَلَا يعده الخ. فَلَو قَالَ لَهُ: اشْتَرِ لي عبدا فَإِنَّهُ يتَقَيَّد بِمَا يَلِيق بِهِ، وَكَذَا لَو قَالَ لَهُ: بِعْ دوابي وَكَانَ الْعرف يَقْتَضِي تَخْصِيص بعض أَنْوَاعهَا فَإِنَّهُ يتخصص بِهِ، وَلَو قَالَ: بِعْ بِمَا بَاعَ بِهِ فلَان فرسه فَالْعَمَل بِمَا بَاعَ بِهِ فلَان مشترط فِي حق الْوَكِيل لَا فِي حق الْمُوكل. قلت: وَيُمكن تمشية النَّاظِم على هَذِه الطَّرِيقَة بِحمْل الْإِطْلَاق فِي كَلَامه على أَنه نَص لَهُ عَلَيْهِ أَو على مرادفه كَقَوْلِه: وَكلتك وكَالَة مُطلقَة أَو مفوضة أَو غير مُقَيّدَة بِشَيْء دون شَيْء أَو بِمَا إِلَيّ من قَلِيل أَو كثير أَو على جَمِيع الْأُمُور وَنَحْو ذَلِك مِمَّا فِيهِ التَّنْصِيص على إِطْلَاق يَده فِي التَّصَرُّف وَمرَاده بالِاتِّفَاقِ اتِّفَاق أهل هَذِه الطَّرِيقَة، وَهَذَا أولى وَأقرب من تمشيته على الطَّرِيقَة الضعيفة. المتيطي: إِن لم يسم شَيْئا بل قَالَ: وكلته وكَالَة مفوضة جَازَ فعله عَلَيْهِ فِي كل شَيْء من البيع وَالصُّلْح وَغَيرهمَا، وَإِن قَالَ: وكلته وكَالَة مفوضة جَامِعَة لجَمِيع وُجُوه التَّوْكِيل ومعانيه كَانَ أبين اه. ابْن شَاس. يشْتَرط فِيمَا فِيهِ التَّوْكِيل أَن يكون مَعْلُوما فِي الْجُمْلَة وَيَسْتَوِي كَونه مَنْصُوصا عَلَيْهِ أَو دَاخِلا تَحت عُمُوم اللَّفْظ أَو مَعْلُوما بالقرائن أَو بِالْعَادَةِ اه. ابْن عَرَفَة: شَرط صِحَة الْوكَالَة علم متعلقها خَاصّا أَو عَاما الخ. قَالَ وَقَول ابْن شَاس بِالْعَادَةِ هُوَ كقولها فِي ذبح الْوَلَد أضْحِية أَبِيه وإنكاحه أُخْته حَسْبَمَا ذكره فِي الْأُضْحِية وَالنِّكَاح فَتَأمل قَوْله: أَو دَاخِلا تَحت عُمُوم الخ. قلت: وَمن الْعَادة قَول النَّاظِم الْآتِي: وغائب يَنُوب فِي الْقيام الخ. وَقَوله: وَالزَّوْج للزَّوْجَة كالموكل الخ. وَهَذَا إِذا لم يَقع التَّعْمِيم إِثْر تَخْصِيص، وإلاَّ فَفِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن عتاب الَّذِي جرى بِهِ الْعَمَل وَأفْتى بِهِ الشُّيُوخ: أَنه مَتى انْعَقَد فِي وَثِيقَة التَّوْكِيل تَسْمِيَة شَيْء، ثمَّ ذكر بعد ذَلِك التَّفْوِيض أَنه إِنَّمَا يرجع لما سمى وَإِن لم يسم شَيْئا، وَذكر التَّفْوِيض التَّام فَهُوَ عَام فِي الْجَمِيع اه. وَنَحْوه لِابْنِ رشد كَمَا فِي ابْن عَرَفَة وَهُوَ الْمشَار لَهُ بقول اللامية: وَإِن وَقع التَّفْوِيض إِثْر مُقَيّد الخ وَأما عَكسه وَهُوَ أَن يُفَوض ويعمم أَولا ثمَّ يُسَمِّي بعض مَا يدْخل تَحت ذَلِك اللَّفْظ ويسكت عَن الْبَاقِي. فَقَالَ الْبُرْزُليّ أَيْضا: يجْرِي على الْخلاف الْآتِي فِي الْهِبَة إِذا قَالَ: وهبت لوَلَدي وسمى الْبَعْض وَسكت عَن الْبَعْض الآخر، وأحفظ عَن الطرر وَعَن بعض الأندلسيين دُخُول الْمَسْكُوت عَنهُ، وأحفظ فِي بعض الرِّوَايَات فِي الوكالات أَنَّهَا تخْتَص بِمَا ذكر خَاصَّة. قلت: أفتى أَبُو الْحسن فِي نوازله فِيمَن حبس على وَلَده جَمِيع أملاكه، وَذكر بعض الْأَمْلَاك وَترك الْبَعْض الآخر أَنه يدْخل الْجَمِيع قَالَ: لِأَن الْمَخْصُوص دَاخل بِلَفْظ الْخُصُوص والعموم والمتروك دَاخل بِلَفْظ الْعُمُوم فَقَط، فَهُوَ كمن بَاعَ جَمِيع أملاكه وسمى بَعْضهَا وَترك الْبَعْض الآخر فَيلْزمهُ البيع فِي الْجَمِيع على الرَّاجِح، انْظُر ابْن هِلَال وشراح الْمَتْن فِي التَّنَاوُل، وَهَذَا أنسب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 بِمَسْأَلَة الْوكَالَة الْمَذْكُورَة فيترجح فِيهَا الْعُمُوم إِن كَانَ يعلم بِمَا لم يسمه، وَأما من قَالَ: وهبت لوَلَدي أَو أوصى عَلَيْهِ وسمى الْبَعْض دون الْبَعْض، فَاخْتَارَ ابْن رشد فِيهَا عدم الْعُمُوم قَائِلا لِأَن لفظ وَلَدي يَقع على الْوَاحِد وَالْجمع فَلَا يدْخل إِلَّا مَا سَمَّاهُ وَإِن كَانَ ناظم الْعَمَل درج فِي الْوَصِيَّة على التَّعْمِيم حَيْثُ قَالَ: وَمن على أَوْلَاده أوصى وَمَا سمى سوى الْبَعْض فَذَاك علما تَنْبِيهَانِ. الأول: معنى كَون التَّفْوِيض رَاجعا للمقيد أَنه تَفْوِيض فِي أَحْوَال ذَلِك الْخَاص من كَونه جعل لَهُ فعل ذَلِك فِي أَي زمَان وَفِي أَي الْأَسْوَاق والأمكنة شَاءَ وَأَن يتحاكم فِي الْخُصُومَة عِنْد أَي قَاض شَاءَ أَو يَبِيع مِمَّن شَاءَ وَنَحْو ذَلِك. هَكَذَا فِي ابْن عَرَفَة عَن ابْن عبد السَّلَام، بل وَقع فِي السماع فِيمَن وكلت رجلا على خُصُومَة فِي قَرْيَة وَأَنَّهَا فوضت إِلَيْهِ وَأمره جَائِز فِيمَا يصنع وَلم تذكر بيعا وَلَا صلحا فَبَاعَ الْوَكِيل الْقرْيَة بعد أَن صَالح فِيهَا أَن الصُّلْح لَازم لَهَا دون البيع. ابْن رشد: الأَصْل أَن الْوَكِيل لَا يتَعَدَّى مَا سمى لَهُ، وَإِنَّمَا أجَاز فِي هَذَا السماع صلحه لقَوْل موكلته فوضت إِلَيْهِ فِي الْخُصُومَة وَجعلت أمره جَائِزا فِيمَا يصنع فَلم يُخَالف قَول أصبغ لَيْسَ لوكيل الْخُصُومَة صلح أَي لِأَنَّهُ لم يذكر لَهُ فِيهَا تفويضاً وَلَا قَول. عِيسَى: من وكل على قبض دُيُونه وفوض إِلَيْهِ النّظر فِيهَا لَا يجوز صلحه لِإِمْكَان تَفْوِيض صرف النّظر فِي قَول عِيسَى لتعجيل مَا يَقْتَضِي النّظر تَعْجِيله وَتَأْخِير مَا يَقْتَضِي النّظر تَأْخِيره اه. قلت: وَانْظُر على مَا فِي السماع إِذا قَالَ: وكلته على الْخِصَام توكيلاً مفوضاً هَل يَشْمَل تَوْكِيله الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار لِأَنَّهُمَا من عوارض الْخِصَام فَيرجع لَهما لتفويض أَشد من رُجُوعه للصلح فَتَأَمّله. وَالله أعلم. قَالَ فضل: وَمن وكل وكَالَة مفوضة فَيجوز صلحه إِذا كَانَ نظرا وَأما من وكل على تقاضي دين أَو خُصُومَة أَو أَمر معِين وفوض إِلَيْهِ النّظر فَلَا يجوز صلحه وَإِن كَانَ نظرا حَتَّى ينص لَهُ على ذَلِك قَالَ: وَقَالَهُ جَمِيع أَصْحَابنَا. وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الْمُتَيْطِيَّة والفشتالية وَابْن رحال وظاهرهم أَنه الْمُعْتَمد دون مَا تقدم عَن السماع فَتَأَمّله وَهُوَ ظَاهر قَول اللامية: وكل وَكيل فامنعن صلحه سوى وَكيل بتفويض يُصَادف منهلا فمراده بوكيل التَّفْوِيض الْوَكِيل الْمُفَوض إِلَيْهِ فِي جَمِيع الْأُمُور لِأَنَّهُ إِذا أطلق إِنَّمَا ينْصَرف إِلَيْهِ لَا الْوَكِيل الْمَخْصُوص الْمُتَقَدّم فِي السماع كَمَا قَرَّرَهُ بِهِ بعض شراحها، وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا لفضل وَصَاحب اللامية هُوَ الَّذِي تقدم عَن ابْن عتاب أَن بِهِ الْعَمَل وَمَا وفْق بِهِ ابْن رشد بَين كَلَام الْأَئِمَّة يظْهر من المتيطي وَغَيره أَنه مُقَابل فَتَأَمّله. الثَّانِي: قَالَ فِي كتاب الْغرَر من الْمُدَوَّنَة: وَأما الدّور والأرضون وَالْعَقار فالنقد فِيهَا جَائِز بِشَرْط قربت الْغَيْبَة أَو بَعدت قَالُوا: يحْتَمل أَن يكون عطف الْعقار على مَا قبله من عطف الْعَام على الْخَاص، وَيحْتَمل أَن يكون من عطف المغاير وَأَن المُرَاد بِهِ الْبَسَاتِين فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن من وكل على بيع عقار أَن الدّور لَا تدخل فِي الْوكَالَة وَنزلت فِي الأندلس، وَحكم فِيهَا بِعَدَمِ الدُّخُول حَتَّى ينص على الدّور قَالَه الْبُرْزُليّ. ابْن شَاس: ومخصصات الْمُوكل مُعْتَبرَة فَلَو قَالَ: بِعْ من زيد لم يبع من غَيره وَإِن عين زَمنا أَو سوقاً تَتَفَاوَت الْأَغْرَاض فِي كل مِنْهُمَا وَجب اتِّبَاعه. ابْن عَرَفَة: وَفِي كتاب الْقَرَاض وَمِنْه تَأْخِير بيع سلعه لما يُرْجَى لَهُ سوق أَي فَإِن بَاعَ قبله ضمن وَلَو وَكله على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 شِرَاء سلْعَة فلَان بِخُصُوصِهِ بهَا فاشتراها فَتبين أَنَّهَا لغيره أدخلها فِي سلع فلَان الْمَذْكُور، فَذَلِك عيب يُوجب للْمُوكل الْقيام بِنَقْض البيع قَالَه الْمَازرِيّ. وَلَيْسَ يَمْضِي غَيْرُ مَا فِيهِ نَظَرْ إلاَّ بِنَصَ فِي الْعُمُومِ مُعْتَبَرْ (وَلَيْسَ) فعل نَاقص (يمْضِي) مضارع مضى الثلاثي خَبَرهَا مقدم (غير) اسْمهَا مُؤخر (مَا) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (فِيهِ) خبر عَن قَوْله (نظر) وَالْجُمْلَة صلَة مَا (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (بِنَصّ) يتَعَلَّق بيمضي أَي لَا يمْضِي غير النّظر بِسَبَب من الْأَسْبَاب أَو بِشَيْء من الْأَشْيَاء إِلَّا بِنَصّ (فِي الْعُمُوم) يتَعَلَّق بقوله (مُعْتَبر) الَّذِي هُوَ صفة لنَصّ، وَالتَّقْدِير لَا يمْضِي غير النّظر من الْمُفَوض إِلَيْهِ وَأَحْرَى الْمَخْصُوص إِلَّا بِنَصّ مُعْتَبر فِي الْعُمُوم كَأَن يَقُول وَكلتك على النّظر وَغير النّظر فيمضي حِينَئِذٍ غير النّظر (خَ) فيمضي النّظر إِلَّا أَن يَقُول وَغير نظر إِلَّا الطَّلَاق الخ. وَمَا ذكره من أَنه يمْضِي غير النّظر إِذا نَص لَهُ عَلَيْهِ نَحوه لِابْنِ بشير وَابْن شَاس وَابْن الْحَاجِب وَاعْتَرضهُ ابْن عَرَفَة وَكَذَا (خَ) فِي ضيح قَائِلا: فِيهِ نظر إِذْ لَا يَأْذَن الشَّرْع فِي السَّفه فَيَنْبَغِي أَن يضمن الْوَكِيل إِذْ لَا يحل لَهما ذَلِك اه. فَقَوله يَنْبَغِي الخ ظَاهر إِذا كَانَ الْوَكِيل رشيدا لِأَنَّهُ إِذا بَاعَ مَا يُسَاوِي مائَة بِخَمْسِينَ مثلا وَتعذر رده صَار بِمَنْزِلَة الْمُودع عِنْده يحرق الْوَدِيعَة بِإِذن رَبهَا فَإِنَّهُ يضمنهَا وَبِه تعلم أَن قِيَاس (خَ) عدم الضَّمَان على نفي الْقود غير ظَاهر إِذْ لَا يلْزم من نفي الْقود فِي قطع الْيَد بِإِذن رَبهَا عدم الْغرم فِي المَال لِأَن الْقود عين وَالْحُدُود تدرأ بِالشُّبُهَاتِ بِخِلَاف الْغرم انْظُر عِنْد قَول (خَ) فِي الدِّمَاء، وَلَو قَالَ: إِن قتلتني أَبْرَأتك وَانْظُر مَا مر عِنْد قَوْله: وَمن على قبض صَبيا قدما الخ. وَشَمل قَوْله غير مَا فِيهِ نظر مَا فِيهِ مفْسدَة راجحة أَو مرجوحة أَو مُسَاوِيَة وَمَا لَا مصلحَة فِيهِ وَلَا مفْسدَة، لِأَن هَذِه الْأَقْسَام لَيست من بَاب مَا هُوَ أحسن قَالَه فِي أَوَائِل أحباس المعيار. قَالَ: وَالْوَصِيّ فِي ذَلِك كَالْوَكِيلِ ابْن عَرَفَة: وَظَاهر قَول أبي عمرَان إِن قدر الْغبن فِي بيع الْوَصِيّ وَالْوَكِيل مَا نقص عَن الْقيمَة نقصا بَينا وَإِن لم يبلغ الثُّلُث وَهُوَ صَوَاب لِأَنَّهُ مُقْتَضى الرِّوَايَات فِي الْمُدَوَّنَة وَغَيرهَا إِذا بَاعَ الْوَكِيل أَو ابْتَاعَ بِمَا لَا يشبه من الثّمن لم يلزمك اه. أَي: وَلَو الْتزم لَهُ إتْمَام النَّقْص وَنَقله (ح) عِنْد قَول الْمَتْن وَلَا بِغَبن وَلَو خَالف الْعَادة الخ. وَمَا ذكره عَن الْمُدَوَّنَة وَهُوَ قَول (خَ) فِي الْوكَالَة وَتعين فِي الْمُطلق نقد الْبَلَد ولائق بِهِ وَثمن الْمثل والأخير، وَقَالَ أَيْضا فِي الْإِجَارَة عاطفاً على مَا لَا يمْضِي: وكراء وَكيل بمحاباة أَو بِعرْض الخ. وَقَوله خبر أَي فِي إِمْضَاء فعله أَو نقضه وَأخذ سلْعَته إِن كَانَت قَائِمَة فَإِن فَاتَت خير فِي الْإِمْضَاء أَو تَضْمِينه الْقيمَة. تَنْبِيهَات. الأول: يُمكن أَن يكون المُرَاد بِغَيْر النّظر الَّذِي يمْضِي بِالنَّصِّ عَلَيْهِ على مَا فِي النّظم وَمن مَعَه هُوَ مَا لَا تنمية لِلْمَالِ فِيهِ كعتق وَهبة وَصدقَة أُرِيد بهَا ثَوَاب الْآخِرَة، لِأَن فِيهَا مصلحَة فِي نفس الْأَمر وَإِن كَانَت لَا تنمية فِيهَا، أَو المُرَاد بِهِ مَا لَيْسَ نظر عِنْد النَّاس، وَهُوَ عبد الْوَكِيل نظر كَشِرَاء جَارِيَة رخيصة لَا تلِيق بالموكل أَو يَشْتَرِي بأزيد من الْقيمَة لسهول الْعهْدَة فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 ذَلِك البَائِع أَو يَبِيع بأنقص كَذَلِك أَيْضا فَيسْقط الِاعْتِرَاض حِينَئِذٍ عَن النَّاظِم وَمن وَافقه. الثَّانِي: قَالَ ابْن بشير: إِن قَالَ لَهُ بِعْ بِعشْرَة فَبَاعَ بِاثْنَيْ عشر أَو بِعْ بِالدّينِ بِعشْرَة فَبَاعَ بهَا نَقْدا. فَقَوْلَانِ مبنيان على الْخلاف فِي شَرط مَا لَا يُفِيد هَل يُوفي بِهِ أم لَا؟ ابْن عَرَفَة: وَالْأَظْهَر إِن كَانَ ذَلِك من بيع مَا فِيهِ شُفْعَة أَن يكون للْآمِر مقَال لجَوَاز تعلق قَصده بشركة الشَّفِيع دون غَيره اه. وَلَو قَالَ لَهُ بعها بِعشْرَة بِالنَّقْدِ فَبَاعَهَا إِلَى أجل لعدم وجود من يَشْتَرِيهَا فِي ذَلِك الْبَلَد الَّذِي سَافر إِلَيْهِ بِالنَّقْدِ لَزِمته الْقيمَة كَمَا فِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن رشد ابْن عَرَفَة: وَلَو قَالَ لَهُ بعها بِعشْرَة نَقْدا فَبَاعَهَا بذلك وَقيمتهَا أَكثر فَلَا مقَال للْآمِر، ثمَّ قَالَ أَيْضا: وَإِن قَالَ بعها بِثمن إِلَى أجل فَبَاعَهَا بِهِ نَقْدا، وَقِيمَة السّلْعَة أَكثر من ذَلِك غرم الْوَكِيل الْقيمَة إِذْ لَا ينظر لما سمي بل إِلَى الْقيمَة لِأَنَّهُ يَقُول: إِنَّمَا سميت الْعشْرَة خوف بيعهَا بِأَقَلّ مِنْهَا قَالَ: وَاخْتلف فِي كَون التَّسْمِيَة للثّمن مسقطة عَن الْمَأْمُور النداء والشهرة وَالْمُبَالغَة فِي الِاجْتِهَاد. على قَوْلَيْنِ بالإمضاء وَعَدَمه لِأَن الْقَصْد عدم النَّقْص عَن الثّمن وَطلب الزِّيَادَة انْظُر ذَلِك فِيهِ إِن شِئْت. الثَّالِث: من غير النّظر أَيْضا أَن يدْفع الْوَكِيل الدّين وَنَحْوه بِغَيْر إِشْهَاد (خَ) وَضمن أَن أَقبض الدّين وَلم يشْهد الخ. وَتقدم نَحوه فِي الضَّامِن والمقارض مثل الْوَكِيل فِي ذَلِك، وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: وَمن لَهُ وكَالَة مُعينَة. الخ. . وَلَا فرق فِي هَذَا بَين الْمُفَوض وَغَيره، ويسوغ للْمُوكل تَضْمِينه وَإِن علم بِبَرَاءَة الْوَكِيل لِأَنَّهُ الَّذِي أتلف عَلَيْهِ مَاله حَيْثُ لم يشْهد مَا لم يَدْفَعهُ الْعَامِل أَو الْوَكِيل بِحَضْرَة رب المَال وإلاَّ فَلَا ضَمَان لِأَن التَّفْرِيط حِينَئِذٍ من ربه. وَذَا لَهُ تَقْديمُ مَنْ يَرَاهُ بِمِثْلِهِ أَوْ بَعْضِ مَا اقْتَضَاهُ (وَذَا) مُبْتَدأ وَالْإِشَارَة للْوَكِيل الْمُفَوض إِلَيْهِ (لَهُ) خبر عَن قَوْله (تَقْدِيم) مُبْتَدأ وسوغ الِابْتِدَاء بِهِ الْعَمَل وَيحْتَمل أَن يكون فَاعِلا بِمَحْذُوف أَي: وَذَا يجوز لَهُ تَقْدِيم (من) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ من إِضَافَة الْمصدر لمفعوله (يرَاهُ) صلَة والرابط الضَّمِير البارز ومفعوله الثَّانِي مَحْذُوف وفاعله ضمير مستتر يعود على ذَا (بِمثلِهِ) يتَعَلَّق بِتَقْدِيم وَهُوَ على حذف مُضَاف أَي بِمثل تَقْدِيمه، وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَخَبره خبر الأول (أَو بعض) مَعْطُوف على بِمثل وَلم يعد الْخَافِض لعدم لُزُومه على حد قَوْله: وَاتَّقوا الله الَّذِي تساءلون بِهِ والأرحام} (النِّسَاء: 1) وَهُوَ مَذْهَب ابْن مَالك إِذْ قَالَ: وَلَيْسَ عِنْدِي لَازِما الخ. (مَا) مَوْصُول (اقْتَضَاهُ) صلته، وَالْمعْنَى أَن الْمُفَوض إِلَيْهِ لَهُ أَن يقدم بِمثل تَقْدِيمه أَو بِبَعْض مَا اقْتَضَاهُ تَقْدِيمه من فصوله من يرَاهُ أَهلا لذَلِك. وَالْحَاصِل، أَن لَهُ أَن يُوكل وَكيلا مفوضاً إِلَيْهِ أَو مَخْصُوصًا بِبَعْض الْأُمُور لِأَنَّهُ قَائِم مقَام مُوكله فَمَا جَازَ لمُوكلِه يجوز لَهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَظْهرهُ ابْن رشد وَفِي ضيح أَنه الْمَعْرُوف من الْمَذْهَب، وَقَالَ ابْن نَاجِي فِي كتاب الشَّهَادَات من الْمُدَوَّنَة: وَالْعَمَل عندنَا أَن الْمُفَوض إِلَيْهِ لَا يُوكل إِلَّا بالتنصيص عَلَيْهِ، وَكَذَا الْعَمَل عندنَا أَنه لَا يحل عَنهُ الْعِصْمَة وَلَا يَبِيع عَنهُ الرّبع للْعُرْف وَإِلَّا فَالْأَصْل دُخُوله اه. وَنَحْوه ذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 فِي إرخاء الستور مِنْهَا. وَأفهم قَوْله للْعُرْف أَن هَذِه الْأُمُور إِنَّمَا خرجت عِنْدهم لأجل الْعرف وَأَن الْمدَار فِي ذَلِك عَلَيْهِ، فَإِن جرى عرف بلد بِمثل ذَلِك عمِلُوا عَلَيْهِ وإلاَّ فَلَا. وَحِينَئِذٍ فَقَوْل (خَ) وتخصص وتقيد بِالْعرْفِ شَامِل للمفوض والمخصوص خلافًا لبَعض شراحه لِأَن مَا خرج عَن الْعرف لم يقْصد إِلَيْهِ، وَلِهَذَا خرج بيع دَار السُّكْنَى وَبيع العَبْد الْقَائِم بأموره كَمَا مر وَقد قَالَ ابْن عَرَفَة مَا نَصه: وَالْحَاصِل أَن بَين مُتَعَلق التَّوْكِيل خُصُوصا أَو عُمُوما لزم قصره عَلَيْهِ وإعماله فِيهِ إِلَّا مَا خص وَلَو بعادة اه. فَهُوَ صَرِيح فِي تَخْصِيص التَّفْوِيض بِالْعرْفِ وَالله أعلم. وَمَنْ عَلَى مُخَصَّصٍ وُكِّلَ لَمْ يُقَدِّمْ إِلَّا إنْ بِهِ الْجَعْلُ حَكَمْ (وَمن) اسْم شَرط أَو مَوْصُول (على مُخَصص) بِفَتْح الصَّاد صفة لمَحْذُوف يتَعَلَّق بقوله: (وكل) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فعل الشَّرْط أَو صلَة (لم يقدم) بِكَسْر الدَّال الْمُشَدّدَة جَوَاب الشَّرْط أَو خبر عَن الْمَوْصُول (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (أَن) شَرط (بِهِ) يتَعَلَّق بِحكم آخر الْبَيْت وضميره للتقديم الْمَفْهُوم من قَوْله لم يقدم (الْجعل) بِفَتْح الْجِيم فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره (حكم) وَهُوَ إِمَّا بِمَعْنى الْفَاعِل أَي الْجَاعِل أَو على حذف مُضَاف أَي ذُو الْجعل، وَالْمرَاد بِهِ الْمُوكل على كل تَقْدِير، وَمَعْنَاهُ أَن من وكل على شَيْء مَخْصُوص كَبيع سلع مثلا لم يجز لَهُ أَن يقدم أَي يُوكل غَيره على فعله إِلَّا إِذا حكم الْجَاعِل لَهُ بالتقديم أَي جعل لَهُ مُوكله ذَلِك بِنَصّ أَو قرينَة كَأَن يكثر مَا وكل عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ الِاسْتِقْلَال بِهِ وَحده، فيوكل حِينَئِذٍ من يُعينهُ فَقَط، وَإِن لم ينص لَهُ عَلَيْهِ وكشريف قد وكِّل على بيع دَوَاب مثلا لَا تلِيق بِهِ مُبَاشرَة بيعهَا وَعلم الْمُوكل بِحَالهِ أَو كَانَ مَشْهُورا عِنْد النَّاس بِأَنَّهُ لَا يَلِي ذَلِك بِنَفسِهِ، فَلهُ أَن يُوكل فِي الْحَالَتَيْنِ وَيحمل الْمُوكل فِي الثَّانِيَة على أَنه علم بِحَالهِ وَلَا يصدق فِي أَنه لم يعلم فَإِن لم يعلم الْمُوكل وَلَا اشْتهر الْوَكِيل بذلك فَلَيْسَ لَهُ التَّوْكِيل، وَهُوَ ضَامِن حَيْثُ لم يعلم الْوَكِيل الثَّانِي بتعديه فِي تَوْكِيله وإلاَّ فَالضَّمَان عَلَيْهِ كَمَا فِي (خَ) وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بقوله عاطفاً على الْمَمْنُوع وتوكيله إِلَّا أَن يَلِيق بِهِ أَو يكثر فَلَا يَنْعَزِل الثَّانِي بعزل الأول الخ. تَنْبِيهَات. الأول: الْوَصِيّ مثل الْمُفَوض ومقدم القَاضِي مثل الْمَخْصُوص قَالَه أَبُو الْحسن. قَالُوا للْوَصِيّ أَن يُوصي بِلَا خلاف ويوكل وَالْوَكِيل الْمَخْصُوص ومقدم القَاضِي لَيْسَ لَهما أَن يوكلا بِلَا خلاف، وَنقل (ح) عَنهُ فِي بَاب الْحجر أَن الْمَشْهُور فِي مقدم القَاضِي عدم التَّوْكِيل وَهُوَ معنى قَول اللامية: بتوكيل ذِي التَّقْدِيم من عِنْد حَاكم بِلَا إِذْنه قَولَانِ بِالْمَنْعِ فاعملا وَتَأمل قَوْله: بِالْمَنْعِ فاعملا مَعَ مَا فِي نَوَازِل الرَّهْن من المعيار عَن الإِمَام السنوسي أَن الَّذِي بِهِ الْعَمَل وانعقدت عَلَيْهِ الوثائق جَوَاز تَوْكِيله وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة عَن بعض الموثقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 الثَّانِي: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَإِذا وكلته وكَالَة على الْخِصَام وَجعلت لَهُ أَن يُوكل من يرى تَوْكِيله. قلت: وَأذن لَهُ أَن يُوكل عَنهُ من شَاءَ بِمثلِهِ أَو بِمَا شَاءَ من فصوله وتكمل العقد. فَإِن قلت: وَأذن لَهُ أَن يُوكل عَنهُ من شَاءَ وَلم تزد بِمثلِهِ أَو بِمَا شَاءَ مِنْهُ لم يكن للْوَكِيل الثَّانِي أَن يُخَاصم عَن الْمُوكل الأول حَتَّى يَجْعَل لَهُ من الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار مثل مَا جعله للْأولِ، وَقَالَ بعد ذَلِك: وَإِن وكلته وكَالَة مفوضة جَامِعَة لفصوله وَجعلت للْوَكِيل أَن يُوكل من شَاءَ بِمَا شَاءَ من فصوله فَلَا بُد أَن يَقُول الموثق: وَالْتزم الْمُوكل لوكيل وَكيله مثل مَا الْتزم لوَكِيله وَإِلَّا لم يكن للثَّانِي أَن يُوكل غَيره اه فَانْظُرْهُ. الثَّالِث: إِذا جَازَ للْوَكِيل أَن يُوكل بِمَا قَبضه الثَّانِي من المَال يلْزمه دَفعه لمن أَرَادَ قَبضه مِنْهُ من مُوكله أَو رب المَال لِأَنَّهُ يبرأ بِالدفع لكل مِنْهُمَا، وَإِن بَاعَ كل مِنْهُمَا شَيْئا وَاحِدًا فَالْعِبْرَة بِالْأولِ كَمَا قَالَ (خَ) وَإِن بِعْت وَبَاعَ فَالْأول إِلَّا لقبض الخ. وَلَو جَاءَ رجل بِكِتَاب فِيهِ الْأَمر بِأَن يدْفع لحامله من دينه كَذَا فاعترف الْمَدِين أَنه خطّ رب الدّين لم يقْض عَلَيْهِ بِالدفع، وَكَذَا إِذا صدقه فِي أَنه أمره أَن يدْفع إِلَيْهِ بِخِلَاف مَا لَو أَتَاهُ بوكالة فَأقر لَهُ بِصِحَّتِهَا وأبى من الدّفع فَإِنَّهُ يقْضِي عَلَيْهِ، فَإِن أنكر الْمُوكل الْوكَالَة بعد ذَلِك غرم الْحق ثَانِيًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا قضى عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ كَمَا فِي الْبُرْزُليّ وَمَا ذكره من أَنه إِذا أقرّ لَهُ بِالْوكَالَةِ يقْضِي عَلَيْهِ نَحوه فِي الْبَاب السّبْعين من التَّبْصِرَة وَذكره فِي الْفَصْل السَّادِس فِي حكم الْوكَالَة مِنْهَا أَيْضا، وَهُوَ مُخَالف لما ذكره فِي الْفَصْل الْخَامِس من أَن الْخصم إِذا صدق الْوَكِيل لم يجْبرهُ الْحَاكِم على الدّفع على الْمَشْهُور حَتَّى يثبت عِنْده صِحَة الْوكَالَة وَهُوَ الْمُوَافق لما فِي الْمُدَوَّنَة وتبصرة اللَّخْمِيّ كَمَا فِي (ح) وَفِي الْبُرْزُليّ أَيْضا: إِذا قبض رجل دينك بِغَيْر إذنك وأخبرك الْقَابِض بذلك ورضيت لم ترجع على الْغَرِيم. وَما مِنَ التَّوْكِيلِ لاثَّنَيْنِ فَمَا زَادَ مِنَ المَمْنُوعِ عِنْد العُلَمَا (وَمَا) مُبْتَدأ مَوْصُول (من التَّوْكِيل) يتَعَلَّق بالاستقرار صلَة (لاثْنَيْنِ) يتَعَلَّق بِالتَّوْكِيلِ (فَمَا) مَعْطُوف على اثْنَيْنِ (زَاد) صلَة مَا ومتعلقه مَحْذُوف أَي عَلَيْهِمَا (من الْمَمْنُوع) خبر الْمُبْتَدَأ (عِنْد العلما) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر وَهَذَا فِي الْخُصُومَة قَالَ المتيطي: وَلَا يجوز لرجل وَلَا لامْرَأَة أَن يُوكل فِي الْخِصَام أَكثر من وَكيل وَاحِد يُرِيد إِلَّا بِرِضا الْخصم (خَ) : وَوَاحِد فِي حضومة الخ: وَأما فِي غَيرهَا من بيع أَو شِرَاء أَو تقاضضٍونحو ذَلِك فَجَائِز وَلكُل الاستبداد. (خَ) : ولأحد الوكلين الاستبداد إِلَّا لشرط وَإِن بِعْت وَبَاعَ فَالْأول إِلَّا لقبض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 والنَّقْضُ لِلإِقْرَارِ والإِنْكَارِ مِنْ تَوْكِيلِ الاخْتِصامِ بِالرَّدِّ قمِنْ (وَالنَّقْص) مُبْتَدأ (للإقرار) يتَعَلَّق بِهِ (وَالْإِنْكَار) مَعْطُوف عَلَيْهِ (من تَوْكِيل) يتَعَلَّق بِالنَّقْصِ أَيْضا (الاختصام) مُضَاف إِلَيْهِ (بِالرَّدِّ) يتَعَلَّق بقوله (قمن) بِفَتْح الْقَاف وَكسر الْمِيم أَي حقيق خبر الْمُبْتَدَأ، وَمَعْنَاهُ أَن من وكل على الْخِصَام وَلم يَجْعَل لَهُ مُوكله فِي الْوَثِيقَة الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار فَإِن التَّوْكِيل قمن بِالرَّدِّ حقيق بِهِ لما على الْمَطْلُوب من الضَّرَر فِي ذَلِك إِذْ قَرَار الْوَكِيل حِينَئِذٍ لَا يلْزم الْمُوكل (خَ) : وَلَيْسَ لَهُ الْإِقْرَار إِن لم يُفَوض أَو يَجْعَل لَهُ ولخصمه اضطراره إِلَيْهِ، وَهَذَا ظَاهر إِذا امْتنع من الْحُضُور مَعَ وَكيله أَيْضا، أما إِذا قَالَ لَا أفوض وَلَا أجعَل لَهُ الْإِقْرَار لِئَلَّا يرشيه الْخصم وَلَكِن أحضر مَعَ الْوَكِيل فِي الْمجْلس أَو قَرِيبا مِنْهُ لأقر بِمَا يَدعِيهِ خصمي أَو أنكرهُ فَإِنَّهُ يُجَاب إِلَى ذَلِك كَمَا فِي الْبَيَان، وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الشَّامِل فَلَيْسَ المُرَاد أَنَّهَا نَاقِصَة مُطلقًا كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم، وَلَا سِيمَا وَقد أفتى ابْن الشقاق بِأَنَّهُ لَا يلْزم بِأَن يَجْعَل لَهُ الْإِقْرَار مَخَافَة أَن يرتشي الْوَكِيل. نَقله ابْن رحال قَالَ: وَقد شاهدنا من ذَلِك من ارتشاء الوكلاء مَا يُعلمهُ الله اه. وَمحل كَونهَا نَاقِصَة أَيْضا إِذا كَانَ الْوَكِيل مَالِكًا أمره أما إِن كَانَ صَبيا أَو مولى عَلَيْهِ أَو وَصِيّا أَو مقدم قَاض وكل بِإِذْنِهِ أَو نَائِب بَيت المَال فَإِن وكَالَة هَؤُلَاءِ لَا تكون نَاقِصَة بِنَقص الْإِقْرَار مِنْهَا بل إِن جعلُوا لَهُ الْإِقْرَار فَأقر بِشَيْء من معنى الْخُصُومَة فَإِنَّهُ لَا يلْزمهُم إِقْرَاره كَمَا فِي وكالات المعيار، وَكَذَا الْأَب يُوكل من يُخَاصم عَن صغَار وَلَده أَو نَاظر الأحباس يُوكل من يُخَاصم عَنْهَا لِأَن أَمْوَال الأحباس كأموال الْأَيْتَام وَإِقْرَار الْأَب وَالْوَصِيّ والناظر لَا يجوز وَهُوَ فِي ذَلِك شَاهد كَمَا فِي الْبُرْزُليّ، وَتقدم شَيْء من ذَلِك عِنْد قَوْله: وَمن أَبى إِقْرَارا أَو إنكاراً الخ. نعم إِن وكل الْوَصِيّ وَنَحْوه فِيمَا تولاه من الْمُعَامَلَات لمحجوره فإقرار الْوَكِيل حِينَئِذٍ لَازم للْوَصِيّ ويكلف الْوَصِيّ بِأَن يَجْعَل لوَكِيله الْإِقْرَار حِينَئِذٍ كَمَا لِابْنِ رشد وَغَيره وَفهم من قَوْله: الاختصام الخ. أَنه إِن كَانَ مفوضاً إِلَيْهِ يلْزم إِقْرَاره للْمُوكل وَإِن لم يكن جعله لَهُ وَظَاهر النّظم أَنه لَا بُد من جعل الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار أَو الْحُضُور، وَلَو كَانَ الْوَكِيل مولى عَلَيْهِ أَو صَبيا وَهُوَ كَذَلِك على طَريقَة ابْن رشد كَمَا مرّ لِأَنَّهُ قَالَ يلْزمه من فعل الْوَكِيل السَّفِيه مَا يلْزمه من الْوَكِيل الرشيد. تَنْبِيه: إِذا وكلته فِي خُصُومَة على حق فجحده الْمَطْلُوب وحلفه الْوَكِيل فَلَيْسَ لَك أَن تحلف الْمَطْلُوب ثَانِيًا كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَابْن عَرَفَة وَنَقله (ح) عِنْد قَوْله أَو يعين بِنَصّ أَو قرينَة الخ. وَيُرِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 أَن تَحْلِيف الْوَكِيل لَا يسْقط بَيِّنَة الْمُوكل، وَإِنَّمَا يسْقط إِعَادَة الْيَمين لِأَن الْوَكِيل قد لَا يكون لَهُ علم بِبَيِّنَة الْمُوكل، وَقد قَالَ (خَ) فَإِن نفاها واستحلفه فَلَا بَيِّنَة إِلَّا لعذر كنسيان الخ. وَانْظُر لَو كَانَ الْوَكِيل عَالما بهَا وحلفه على إِسْقَاطهَا هَل لَا قيام للْمُوكل بهَا لِأَن قَول الْوَكِيل قَول مُوكله وَيدل لَهُ مَا فِي معاوضات المعيار عَن سَيِّدي مِصْبَاح فِي امْرَأَة أنكر وكيلها أَن تكون عقدت لابنها هبة فِي أملاكها، فَلَمَّا ثبتَتْ الْهِبَة أظهر وكيلها عقد استرعاء مقدم التَّارِيخ أَنَّهَا غير ملتزمة لتِلْك الْهِبَة إِن صدرت مِنْهَا أَن إِنْكَار الْوَكِيل لعقد الْهِبَة مسْقط للْقِيَام بالاسترعاء اه. أَوله الْقيام لِأَنَّهُ لم يُوكله على إِسْقَاطهَا وَيدل لَهُ مَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده عَن الْمُدَوَّنَة أَن من وكل على الْأَخْذ بِالشُّفْعَة فَأقر بإسقاطها وَهُوَ الَّذِي فِي الْبُرْزُليّ عَن أَخَوَيْنِ ادّعى أَحدهمَا أَن أباهما بَاعَ مِنْهُ بعض الْأَمْلَاك بكالىء أمه وَأثبت ذَلِك وَقَالَ أَخُوهُ: إِن ذَلِك كَانَ توليجاً فَقَالَ: وَكيل مدعي البيع من أَيْن كَانَ لأم مُوكله مَالا وَمَا كَانَت أمه إِلَّا أمة ثمَّ تزَوجهَا أَبوهُمَا فَقَالَ ابْن حَارِث: أما الْوَثِيقَة فعقدها تَامّ لإفساد فِيهِ بِوَجْه وَإِقْرَار الْأَب لِابْنِهِ جَائِز، وَأما مَا تكلم بِهِ الْوَكِيل فَإِنَّهُ لَا يلْزم مُوكله إِذْ كَانَ مِنْهُ على وَجه الْغَلَط والسقط وَبعد هَذَا كُله فَإِنَّهُ لم يُوكله على تَكْذِيبه، وَإِنَّمَا وَكله على تَصْدِيقه وعَلى طلب مَا ادّعى بِهِ قبل صَاحبه، وَإِنَّمَا يجوز إِقْرَاره عَلَيْهِ فِيمَا يحدث من الْوُجُوه فِي الْخُصُومَة غير الْوَجْه الَّذِي هُوَ الأَصْل فَإِن قَوْله: وَمن أَيْن كَانَ لَهَا مَال سَاقِط عَن مُوكله للوجهين الْمَذْكُورين. وَقَالَ ابْن زرب: عقد الْوَثِيقَة صَحِيح غير أَن الْوَكِيل قد لبس مقَالَته وصير الْأَمر عِنْدِي مُشكلا لَا يظْهر فِيهِ شَيْء أتقلد الْجَواب بِهِ اه بِاخْتِصَار. قلت: وَالظَّاهِر فِي الْمَسْأَلَة مَا لِابْنِ حَارِث وَمَسْأَلَة الْمُدَوَّنَة شاهدة لَهُ، وَيُؤَيِّدهُ مَا لِابْنِ الْحَاج فِيمَن وكل على الصُّلْح وَالْإِقْرَار وَالْإِنْكَار فَأقر الْمَطْلُوب فَثَبت الْحق فَصَالح الْوَكِيل على ذَلِك بمثاقيل منجمة وَأطْلقهُ قَالَ: لَا يمْضِي الصُّلْح وَيجب على الْوَكِيل غرم مَا أقرّ بِهِ الْغَرِيم لتعديه بِإِطْلَاقِهِ فَتَأمل ذَلِك. وَلَا سِيمَا على مَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده عَن (ح) من أَن من جعل لوَكِيله الْإِقْرَار إِنَّمَا أَرَادَ الْإِقْرَار فِيمَا هُوَ من معنى الْخُصُومَة وَالله أعلم. وَانْظُر مَا مر عِنْد قَوْله: ومنكر للخصم مَا ادَّعَاهُ الخ. وَحَيْثُ الإقْرَارُ أَتَى بِمَعْزِلِ عَنِ الخِصَامِ فَهْوَ غَيْرُ مُعْمَلِ (وَحَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (الْإِقْرَار) مُبْتَدأ وَجُمْلَة (أَتَى) خَبره وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (بمعزل) حَال من فَاعل أَتَى جر بِالْبَاء الزَّائِدَة (عَن الْخِصَام) يتَعَلَّق بمعزل (فَهُوَ) مُبْتَدأ (غير) خَبره (معمل) بِفَتْح الْمِيم اسْم مفعول مُضَاف إِلَيْهِ وَالْجُمْلَة جَوَاب حَيْثُ وَالْمعْنَى أَن من وكل على الْخِصَام فِي حق وَجعل لَهُ فِيهِ الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار فَأقر بِشَيْء أَجْنَبِي من تِلْكَ الْخُصُومَة كإقراره أَن مُوكله وهب دَاره لزيد أَو لفُلَان عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 مائَة وَنَحْو ذَلِك فَإِقْرَاره بذلك غير مَعْمُول بِهِ على الْأَصَح عِنْد ابْن سهل وَغَيره خلافًا لفقهاء طليطلة حَيْثُ قَالُوا: يلْزمه إِقْرَاره وَإِن لم يكن من معنى الْخُصُومَة، وَاسْتدلَّ ابْن سهل على تَصْحِيحه بقولِهَا: وَمن وكل على الْأَخْذ بِالشُّفْعَة فَأقر أَن مُوكله قد أسقطها فَهُوَ شَاهد لَا مقرّ انْظُر نَصهَا فِي (ح) قَالَ ابْن عَرَفَة مضعفاً لاستدلاله بِمَسْأَلَة الشُّفْعَة مَا نَصه: لَا يلْزم من لَغْو إِقْرَار الْوَكِيل على الشُّفْعَة لَغْو إِقْرَار من جعل لَهُ الْإِقْرَار لعدم صدق الْأَخْذ بِالشُّفْعَة على إِقْرَاره بإسقاطها وَصدق مُطلق الْإِقْرَار على الْإِقْرَار بِالْهبةِ اه. قَالَ (خَ) عقبه مَا قَالَه ابْن عَرَفَة من ضعف الِاسْتِدْلَال بِمَسْأَلَة الشُّفْعَة هُوَ الظَّاهِر، لَكِن يُؤْخَذ ذَلِك من أَن الْوكَالَة تخصص وتفيد بِالْعرْفِ لِأَن من وكل على الْخِصَام وَجعل لوَكِيله الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار إِنَّمَا أَرَادَ الْإِقْرَار فِيمَا هُوَ من معنى الْخُصُومَة الَّتِي وكل فِيهَا اه. قلت: قد يرد تَضْعِيف ابْن عَرَفَة للاستدلال بِمَسْأَلَة الشُّفْعَة بِأَن مُطلق الْإِقْرَار الْوَاقِع أثر الْخُصُومَة إِنَّمَا يرجع للوجوه الراجعة لَهَا كالتفويض الْوَاقِع أثر الْمُقَيد على حسب مَا مر عِنْد قَوْله: وحيثما التَّفْوِيض بِالْإِطْلَاقِ الخ. وَيدل لَهُ قَول ابْن حَارِث الْمَار إِنَّمَا يجوز إِقْرَاره فِيمَا يحدث من الْوُجُوه فِي الْخُصُومَة غير الْوَجْه الَّذِي هُوَ الأَصْل الخ. إِذْ لَا شكّ أَن الْمقر بِإِسْقَاط الشُّفْعَة قد ذكر على أصل مَا وكل فِيهِ بالإبطال كَمَا أَنه فِي مَسْأَلَة التَّنْبِيه الْمَذْكُورَة فِي الْبَيْت قبله قد ذكر على بَيِّنَات أصل الْحق الَّذِي وكل على طلبه بالإسقاط والتكذيب مَعَ أَن الْمُوكل لَا نظر لَهُ فِي ذَلِك، فَلَو صَحَّ الْإِقْرَار بِالْهبةِ الْخَارِج عَن الْخُصُومَة كَمَا يَقْتَضِيهِ بحث ابْن عَرَفَة لصَحَّ الْإِسْقَاط الْخَارِج عَن الْأَخْذ بِالشُّفْعَة، وَمَفْهُوم قَول النَّاظِم بمعزل عَن الْخِصَام أَنه إِذا لم يكن بمعزل عَنهُ لصَحَّ الْإِقْرَار وَلزِمَ وَهُوَ كَذَلِك على الْمَعْرُوف إِذْ هُوَ فَائِدَة رد الْوكَالَة النَّاقِصَة عَن الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار كَمَا مرّ فِي الْبَيْت قبله. قَالَ ابْن عَاتٍ عَن الْكَافِي الَّذِي بِهِ الْعَمَل أَنه إِذا جعل لَهُ الْإِقْرَار لزمَه مَا أقرّ بِهِ عِنْد القَاضِي، وَزعم ابْن خويز منداد أَن تَحْصِيل مَذْهَب مَالك أَنه لَا يلْزمه إِقْرَاره إِذا لم يكن مفوضاً إِلَيْهِ قَالَ: وَاتفقَ الْفُقَهَاء فِيمَن قَالَ مَا أقرّ بِهِ فلَان عَليّ فَهُوَ لَازم لي أَنه لَا يلْزمه اه. ابْن عَرَفَة: فَظَاهر ابْن عبد السَّلَام أَن قَول ابْن خويز منداد اتّفق الْفُقَهَاء الخ. خلاف الْمَعْرُوف من الْمَذْهَب وَالْأَظْهَر أَنه لَيْسَ بِخِلَاف لِأَن مَسْأَلَة الْمَذْهَب نَص فِيهَا على تَوْكِيله على الْإِقْرَار عَلَيْهِ، وَمَسْأَلَة ابْن خويز منداد إِنَّمَا صدر مِنْهُ أَن مَا أقرّ بِهِ فلَان فَهُوَ لَازم لَهُ فَصَارَ ذَلِك كَقَوْلِه مَا شهد بِهِ فلَان عَليّ فَهُوَ حق وَهَذَا لَا يلْزمه مَا شهد بِهِ اه. قلت: وَحَاصِل فرقه أَن مَسْأَلَة الْمَذْهَب أذن لَهُ فِي الْإِقْرَار عَنهُ بِخِلَاف مَسْأَلَة ابْن خويز منداد فَإِنَّهَا مُحْتَملَة للْإِذْن وَعَدَمه لِأَن مَا فِي قَوْله: مَا أقرّ بِهِ فلَان الخ شَرْطِيَّة بِدَلِيل دُخُول الْفَاء فِي جوابها فَصَارَت كَقَوْلِه: مَا شهد بِهِ فلَان الخ. وَيُمكن أَن يُقرر النَّاظِم بِمَا يَشْمَل مَسْأَلَة ابْن خويز منداد وَمَسْأَلَة الْهِبَة وَنَحْوهَا مِمَّا مر لِأَن الْكل بمعزل عَن الْخِصَام وَالله أعلم. تَنْبِيه: قَوْله فِي الْمُدَوَّنَة فَهُوَ شَاهد أَي يحلف مَعَه المُشْتَرِي وَيسْتَحق، وَمحله إِذا قَالَ: إِن مُوكله أسقطها بعد التَّوْكِيل وَالْمُوكل حَاضر فِي الْبَلَد فَإِن كَانَ غَائِبا غيبَة يتهم على الِانْتِفَاع بِالْمَالِ أَو أقرّ أَنه أسقطها قبل تَوْكِيله فَإِن شَهَادَته سَاقِطَة للتُّهمَةِ فِي الأولى ولإقراره بِأَنَّهُ إِنَّمَا توكل فِي بَاطِل فِي الثَّانِيَة قَالَه ابْن فَرِحُونَ فِي فصل التَّوْكِيل، وَفِي الْبَاب الثَّانِي وَالْعِشْرين من تبصرته مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 نَصه: وَفِي الطرر إِذا قَالَ الْوَكِيل: قبض موكلي المَال أَي الَّذِي وكلني على قَبضه فَإِن قَالَ قَبضه بعد الْوكَالَة لزم الْإِقْرَار، وَإِن قَالَ قَبضه قبل الْوكَالَة فَلَا عِبْرَة بِإِقْرَارِهِ وَلَا شَهَادَته لِأَنَّهُ إِنَّمَا توكل فِي بَاطِل وانفسخت وكَالَته. وانظره مَعَ مَا فِي (ح) عَن أَشهب وَمَعَ مَا فِي أَوَائِل وكالات المعيار فِي وَكيل رب الْحق يقر أَن الضَّامِن لِلْمَالِ إِنَّمَا كَانَ ضَمَانه لَهُ بِجعْل وَتَأمل قَول اللامية: فَمَا بعد تَوْكِيل فَيلْزمهُ وَمَا قبيل وَمَا نافى خصاماً نعم وَلَا وَمَنْ عَلَى خُصُومَةٍ مُعَيَّنَهْ تَوْكيلُهُ فالطُّولُ لَنْ يُوَهِّنَهْ (وَمن) اسْم مَوْصُول مُبْتَدأ (على خُصُومَة) صلته (معينه) بِفَتْح الْيَاء صفة لخصومة (تَوْكِيله) فَاعل بالمجرور وَيجوز أَن يكون تَوْكِيله مُبْتَدأ خَبره فِي الْمَجْرُور قبله وَالْجُمْلَة صلَة من (فالطول) مُبْتَدأ (لن يوهنه) بِضَم الْيَاء وَفتح الْوَاو وَكسر الْهَاء الْمُشَدّدَة مضارع وَهن المضعف وفاعله ضمير مستتر يعود على الطول وضميره البارز على التَّوْكِيل، وَالْجُمْلَة خبر الطول وَجُمْلَة الطول وَخَبره خبر من، وَيجوز أَن تكون من اسْم شَرط وتوكيله فَاعل بِفعل مَحْذُوف وَجُمْلَة فالطول الخ جَوَاب الشَّرْط قَالَه اليزناسني، وَمَعْنَاهُ أَن من وكل على خُصُومَة مُعينَة كقبض إِرْث أَو قبض دين أَو على مخاصمة فلَان فالطول فِيمَا بَين التَّوْكِيل وَالْقِيَام بِهِ أَو فِيمَا بعد المناشبة وَقبل التَّمام لَا يضعف ذَلِك التَّوْكِيل وَلَا يُبطلهُ هَذَا ظَاهره. الْبُرْزُليّ: إِذا وَكله على قَضِيَّة مُعينَة فَلَا تَنْقَضِي إِلَّا بِتَمَامِهَا قَالَه بعض الموثقين اه. وَنَقله (ح) وَظَاهره كالناظم أَنه لَا يسْأَل الْمُوكل هَل هُوَ بَاقٍ على وكَالَته، وَأما إِن كَانَ غَائِبا فالوكيل على وكَالَته وَفهم مِنْهُ أَن الْمعينَة إِذا انْقَضتْ لَيْسَ لَهُ أَن يُخَاصم فِي غَيرهَا إِلَّا بوكالة مستأنفة قَالَ فِي اخْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة وَإِن كَانَت الْوكَالَة مُقَيّدَة بخصومة فلَان أَو فِي شَيْء بِعَيْنِه فَلَا بُد من تَجْدِيد التَّوْكِيل لغير ذَلِك طَال الْأَمر أم قصر اه. فَعلم مِنْهُ أَنه لَا يحْتَاج للتجديد فِي ذَلِك الْمعِين، وَإِنَّمَا يحْتَاج للتجديد فِي غَيره على مَا يَأْتِي تَفْصِيله، وَأَشَارَ إِلَى مَفْهُوم مُعينَة وَهُوَ إِذا وَكله على خُصُومَة مُبْهمَة فَقَالَ: وَإنْ يَكُنْ قُدِّم لِلْمُخاصَمَهْ وَتمَّ مَا أرادَ مَعْ مَنْ خَاصَمَهْ (وَإِن) شَرط (يكن) فعله واسْمه ضمير الْوَكِيل (قدم) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول نَائِبه ضمير الْوَكِيل أَيْضا (للمخاصمة) يتَعَلَّق بقدم وَالْجُمْلَة خبر يكن (وَتمّ) مَا مضى يتم (مَا) مَوْصُول فَاعله (أَرَادَ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 صلته وفاعله ضمير الْوَكِيل والرابط بَينه وَبَين الْمَوْصُول مَحْذُوف (مَعَ) بِسُكُون الْعين لُغَة فِي مَعَ يتَعَلَّق بأراد (من) مُضَاف إِلَيْهِ (خاصمه) صلَة من وضميره الْمُسْتَتر هُوَ الرابط والبارز للْوَكِيل، وَيجوز الْعَكْس وَالْجُمْلَة من تمّ وَمَا بعده معطوفة على قدم وَكَذَا جملَة قَوْله. ورامَ أنْ يُنْشىءَ أُخْرَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; فَلَهُ ذَاكَ إذَا أطْلَقَ مَنْ وَكَّلْهُ (ورام) وفاعله ضمير الْوَكِيل أَيْضا (أَن ينشىء) فِي تَأْوِيل مصدر مَفْعُوله (أُخْرَى) مفعول بقوله ينشىء على حذف الْمَوْصُوف أَي خُصُومَة أُخْرَى (فَلهُ) خبر عَن قَوْله (ذَاك) وَالْإِشَارَة للإنشاء وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط (إِذا) ظرف خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (أطلق من) مَوْصُول فَاعل أطلق (وَكله) صلَة من والرابط الضَّمِير الْمُسْتَتر والبارز للْوَكِيل وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذا وَلَمْ يَجُز عَلَيْهِ نِصْفُ عَامِ مِنْ زَمَنِ التَّوْكِيلِ لِلْخِصَامِ (وَلم يجز عَلَيْهِ نصف) فَاعل بيجز (عَام) مُضَاف إِلَيْهِ (من زمن) يتَعَلَّق بيجز (التَّوْكِيل) مُضَاف إِلَيْهِ (للخصام) يتَعَلَّق بيجز أَيْضا أَي لم يجز من زمن التَّوْكِيل إِلَى وَقت إِرَادَة إنْشَاء الْخِصَام نصف عَام، وَمَعْنَاهُ أَنه إِذا وَكله على خُصُومَة مُبْهمَة أَي لم يذكر فِيهَا مخاصمة فلَان أَو فِي أَمر كَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 كَمَا فِي النِّهَايَة، بل قَالَ: وَكلتك على الْمُخَاصمَة عني من غير تعْيين خُصُومَة بِعَينهَا أَو على مخاصمة خصمي كَمَا فِي (ح) عَن الذَّخِيرَة، وَيظْهر أَنَّهَا على مخاصمة من كَانَ كَذَلِك فخاصم الْوَكِيل بعض النَّاس وتمَّ خصامه ثمَّ أَرَادَ أَن ينشىء خُصُومَة أُخْرَى مَعَ الأول أَو مَعَ غَيره، فَلهُ ذَلِك بِشَرْطَيْنِ: أَحدهمَا إِذا أطلق الْمُوكل فِي وكَالَته كَمَا مرّ وَالثَّانِي أَن لَا يجوز عَلَيْهِ نصف عَام من الْفَرَاغ من الأولى لإنشاء الثَّانِيَة ثمَّ إِن الصَّوَاب حذف الشَّرْط الأول لِأَنَّهُ الْمَوْضُوع فَقَوله: وَإِن يكن قدم للمخاصمة. أَي: لمُطلق الْمُخَاصمَة لِأَنَّهُ قسيم قَوْله: وَمن على خُصُومَة مُعينَة الخ. وَالصَّوَاب أَيْضا أَن يَقُول: من زمن الْفَرَاغ للخصام كَمَا قَررنَا قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَإِذا وَكله عَن الْخِصَام فخاصم عَنهُ وَانْقَضَت تِلْكَ الْخُصُومَة، فَإِن كَانَت الْوكَالَة مُطلقَة وَأَرَادَ أَن يُخَاصم عَنهُ بِقرب انْقِضَاء الأولى بِالْأَيَّامِ أَو اتَّصل بعض ذَلِك بِبَعْض وتطاول سِنِين لم يحْتَج إِلَى تَجْدِيد، وَإِن كَانَ بَين المطلبين الْأَشْهر يَعْنِي سِتَّة أشهر فَعَلَيهِ التَّجْدِيد، وَكَذَا إِن لم يُخَاصم عَنهُ فِي أول التَّوْكِيل أَو قربه حَتَّى مَضَت الْأَشْهر فَيُسْتَحَب التَّجْدِيد ثمَّ قَالَ: وَإِن كَانَت مُقَيّدَة بمخاصمة فلَان إِلَى آخر مَا مرّ عَنهُ قبل هَذِه الأبيات ثمَّ قَالَ: وَلَو قيد الْوكَالَة بالدوام والاستمرار دَامَت أبدا مَا لم يعزله اه بِاخْتِصَار. وَقد قَالَ فِي الْمَقْصد الْمَحْمُود: وَإِن كَانَت الْوكَالَة مُبْهمَة فللوكيل أَن يُخَاصم عَنهُ فِي قَضِيَّة أُخْرَى بحدثان انْقِضَاء الأولى وَلَيْسَ لَهُ ذَلِك فِي قَضِيَّة مفسرة بمطالبة فلَان وَلَا فِي المبهمة إِذا طَال الزَّمَان نَحْو السِّتَّة أشهر، وَأما إِذا اتَّصل الْخِصَام فَلهُ التَّكَلُّم عَنهُ، وَإِن طَال الأمد فَقَوله: وَأما إِذا اتَّصل الْخِصَام الخ هُوَ عين قَوْله بحدثان انْقِضَاء الأولى الخ. إِلَّا أَنه هُنَاكَ فصل بِالْأَيَّامِ كَمَا مرّ عَن المتيطي، وَهنا لم يفصل بِشَيْء، وَيحْتَمل أَن يكون مُرَاده بالاتصال إنشاب الْخُصُومَة وابتداؤها فِي المبهمة مَعَ بعض النَّاس ثمَّ أمسك سِتَّة أشهر وَقَامَ لإتمامها مَعَ ذَلِك الْبَعْض، وَلَكِنِّي لم أَقف الْآن على نَص صَرِيح فِيهِ إِلَّا مَا يفهم من قَول الْمُتَيْطِيَّة الْمُتَقَدّم، وَكَذَلِكَ إِن لم يُخَاصم عَنهُ فِي أول التَّوْكِيل الخ. وتأمله مَعَ قَول الْمجَالِس المكناسية الَّذِي بِهِ الْعَمَل تَجْدِيد التَّوْكِيل بعد سِتَّة أشهر. هَذَا إِذا كَانَت فَتْرَة فِي خلل الْعَمَل، وَأما إِن اتَّصل خصامه فَلَا ينسخه الزَّمَان اه. وَقَوله: وَلَيْسَ لَهُ ذَلِك فِي قَضِيَّة مفسرة الخ. أَي لَيْسَ لَهُ أَن يحدث خُصُومَة أُخْرَى بعد الْفَرَاغ من الْخُصُومَة الْمعينَة كَمَا مرّ، وَيفهم مِنْهُ أَن الْمعينَة لَا تبطل إِلَّا بالفراغ مِنْهَا، فَهَذَا مَعَ مَا مر عَن المتيطي والبرزلي هُنَاكَ شَاهد على قَول النَّاظِم؛ وَمن على خُصُومَة مُعينَة الخ وَالله أعلم. وَالْحَاصِل أَنه إِذا أسقط من الْوَثِيقَة الدَّوَام والاستمرار وَلم يتَّصل الْخِصَام وَلَا كَانَ بالحدثان وَلم تكن الْخُصُومَة مُعينَة، فَلَا بُد من التَّجْدِيد على مَا فِي النّظم والمتيطية وَغَيرهمَا وَإِن وجد وَاحِد مِمَّا مر فَلَا تَجْدِيد وَلَا فرق بَين الْمُفَوض إِلَيْهِ وَغَيره كَمَا فِي القوانين، وَأفْتى ابْن مَرْزُوق بقول سَحْنُون إِنَّهَا لَا تحْتَاج إِلَى التَّجْدِيد مُطلقًا. وَظَاهر نقل ابْن عَرَفَة والمتيطية وَصَاحب اللامية أَن خلاف سَحْنُون جَار سَوَاء كَانَت الْخُصُومَة مُعينَة أم لَا. اتَّصل الْخِصَام أم لَا. إِلَّا أَنه يسْأَل الْمُوكل إِن كَانَ حَاضرا أهوَ على وكَالَته. وَظَاهر نقل ابْن سهل أَن سحنوناً إِنَّمَا قَالَ بِعَدَمِ التَّجْدِيد فِي الْمعينَة لِأَنَّهُ قَالَ: وَسُئِلَ سَحْنُون عَمَّن وكل على مخاصمة رجل فَلم يقم الْوَكِيل إِلَّا بعد سِنِين الخ. فَفرض السُّؤَال فِي مخاصمة رجل، وَظَاهره أَنه معِين وَعَلِيهِ فَقَوْل سَحْنُون لَيْسَ بمخالف لِلْقَوْلِ بالتجديد لاخْتِلَاف الْمَوْضُوع وَهُوَ ظَاهر النّظم لِأَنَّهُ اقْتصر فِي الْمعينَة على عدم التَّجْدِيد وَفِي غَيرهَا على التَّجْدِيد وَلم يذكر فِي ذَلِك الْخلاف الَّذِي ذَكرُوهُ، فَلَعَلَّهُ فهم أَن المُرَاد بِرَجُل فِي السُّؤَال رجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 معِين كَمَا هُوَ الظَّاهِر لَا أَن المُرَاد بِهِ الْجِنْس كَمَا فهموه فجعلوه مُقَابلا. تَنْبِيه: تقدم عَن النِّهَايَة أَن الْمعينَة هِيَ الَّتِي قيدت بمخاصمة فلَان أَو كَانَت فِي شَيْء بِعَيْنِه وَأَن المبهمة هِيَ الَّتِي سقط مِنْهَا ذَلِك، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنه إِذا قَالَ: وكلته على قبض ديني أَو إرثي وَلم يعين مِمَّن أَنَّهَا من الْمعينَة، وَقَوْلها فِي النِّكَاح فِي تَوْكِيل الْأَب رجلا على إنكاح ابْنَته مِمَّن يرَاهُ من شاكلة لَهَا وَبِمَا يرى من الصَدَاق وَأَنه إِن سقط مِنْهُ دائمة مستمرة لم يعْقد عَلَيْهَا بعد مُضِيّ سِتَّة أشهر إِلَّا بتوكيل ثَان الخ. يَقْتَضِي أَن ذَلِك لَيْسَ من الْمعينَة وإلاَّ لم يحْتَج إِلَى التَّجْدِيد فَتَأَمّله، وَيَقْتَضِي أَيْضا أَن التَّجْدِيد بعد مُضِيّ سِتَّة أشهر لَا يخْتَص بوكالة الْخِصَام بل كَذَلِك الْوكَالَة على النِّكَاح وَالْبيع وَنَحْوهمَا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي القوانين وَغَيرهَا وَهُوَ ظَاهر قَول ناظم الْعَمَل: وَبعد سِتَّة من الشُّهُور قد جددوا وكَالَة الْأُمُور وَمَوْتُ مَن وَكَّلَ أَوْ وكيِلِ يُبطِلُ مَا كانَ مِنَ التَّوْكِيلِ (وَمَوْت) مُبْتَدأ (من) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (وكّل) بِفَتْح الْكَاف مُشَدّدَة مَبْنِيّ للْفَاعِل صلَة (أَو وَكيل) مَعْطُوف على الْمَوْصُول (يبطل) بِضَم الْيَاء وَكسر الطَّاء مضارع أبطل وفاعله ضمير يعود على الْمُبْتَدَأ وَالْجُمْلَة خَبره (مَا) مَفْعُوله (كَانَ) صلَة مَا وَهِي تَامَّة بِمَعْنى وجد (من التَّوْكِيل) بَيَان لما وَمَعْنَاهُ أَن موت الْمُوكل أَو الْوَكِيل يبطل التَّوْكِيل الَّذِي وجد من الْمُوكل وعزل الْمُوكل للْوَكِيل كموته إِن أشهد بِهِ وأعلنه عِنْد الْحَاكِم، وَلم يفرط فِي إِعْلَامه فَإِن اخْتَلَّ وَاحِد من الثَّلَاثَة لم يَنْفَعهُ عَزله على القَوْل بانعزاله بعزله وَإِن لم يعلم بِهِ، وَأما على القَوْل بِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِل إِلَّا إِن علم فَلَا يَنْعَزِل قبله وَإِن أشهد وأعلنه وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَفِي عَزله بعزله وَلم يعلم خلاف الخ. وَظَاهر النّظم أَنه يبطل بِمَوْت الْوَكِيل وَلَو قَالَ وَارثه: أَنا أقوم مقَامه وَكَانَت بِأُجْرَة وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهَا لَيست بِحَق تورث وَلِأَن الْوَكِيل يَسْتَوْفِي مِنْهُ الْمَنْفَعَة فتنفسخ الْإِجَارَة بِمَوْتِهِ، وَظَاهره أَيْضا أَن التَّوْكِيل يبطل بِمَوْت الْمُوكل وَلَو كَانَ الْوَكِيل مفوضاً إِلَيْهِ وَله وَكيل آخر تَحْتَهُ أَو وَكيل خُصُومَة فَيبْطل الْجَمِيع وَهُوَ كَذَلِك لانتقال الْحق للْغَيْر وهم الْوَرَثَة فَلَا يمْضِي عَلَيْهِم شَيْء من تَصَرُّفَاته إِلَّا أَن يكون غير عَالم بِمَوْتِهِ أَو يشرف وَكيل الْخُصُومَة على تَمامهَا بِحَيْثُ لَو أَرَادَ عَزله لم يكن لَهُ ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 على مَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَمَا لمن حضر فِي الْجِدَال الخ. قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة وَمَا قَرَّرْنَاهُ بِهِ من أَن مَحل الْبطلَان بِمَوْت الْمُوكل إِن علم الْوَكِيل وَإِلَّا فَلَا هُوَ أحد التَّأْويلَيْنِ وَهُوَ الرَّاجِح (خَ) : وانعزل بِمَوْت مُوكله إِن علم وَإِلَّا فتأويلان ومحلهما إِذا كَانَ من بَاعَ مِنْهُ الْوَكِيل أَو ابْتَاعَ حَاضرا بِبَلَد مَوته وَإِلَّا اتّفق التأويلان على عدم الْبطلَان قَالَه الزّرْقَانِيّ. وَلَيْسَ مَنْ وَكَّلَهُ مُوَكّلُ بِمَوْتِ مِنَ وَكَّلْهُ يَنْعَزِلُ (وَلَيْسَ) فعل نَاقص (من) مَوْصُول وَهِي وَاقعَة على الْوَكِيل الثَّانِي (وَكله) صلتها والرابط الضَّمِير البارز (مُوكل) بِفَتْح الْكَاف فَاعل وَكله، وَالْمرَاد بِهِ الْوَكِيل الأول (بِمَوْت) يتَعَلَّق بينعزل آخر الْبَيْت (من) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (وَكله) صلته وَجُمْلَة (يَنْعَزِل) ومتعلقه خبر لَيْسَ وَمَعْنَاهُ أَن وَكيل الْوَكِيل لَا يَنْعَزِل بِمَوْت الْوَكِيل الأول وَلَا بعزله لِأَنَّهُ لما كَانَ تَوْكِيله بِإِذن من رب المَال إِمَّا بالصراحة أَو بالتفويض على مَا للناظم فِي قَوْله: وَذَا لَهُ تَقْدِيم من يرَاهُ الخ. على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا لِابْنِ نَاجِي أَو بِالْعرْفِ كَكَوْنِهِ لَا يَلِيق بِهِ أَو يكثر كَمَا مرّ صَار هَذَا الثَّانِي وَكيلا لَهُ فَلَا يَنْعَزِل بِمَوْت الأول وَلَا بعزله بِمَثَابَة من وكل شَخْصَيْنِ فَلَا يَنْعَزِل أَحدهمَا بِمَوْت الآخر وَلَا بعزله. نعم للْوَكِيل الأول عزل وَكيله كَمَا نَص عَلَيْهِ غير وَاحِد من شرَّاح الْمَتْن. والعَزْلُ لِلوَكِيلِ وَالْمُوَكَّلِ مِنْهُ يَحِقُّ بِوَفَاةِ الأوَّلِ (والعزل) مُبْتَدأ (للْوَكِيل) يتَعَلَّق بِهِ (والموكّل) بِفَتْح الْكَاف الْمُشَدّدَة مَعْطُوف على الْمَجْرُور (مِنْهُ) يتَعَلَّق بالموكل (يحِق) بِفَتْح الْيَاء وَكسر الْحَاء بِمَعْنى يجب خبر الْمُبْتَدَأ (بوفاة) يتَعَلَّق بِهِ (الأول) مُضَاف إِلَيْهِ، وَالْمعْنَى أَن الْوَكِيل الأول وَالثَّانِي وَهُوَ المُرَاد بالموكل مِنْهُ ينعزلان بِمَوْت الأول الَّذِي هُوَ رب المَال، وَهَذَا الْبَيْت مُسْتَغْنى عَنهُ بِعُمُوم قَوْله فِيمَا مر: يبطل مَا كَانَ من التَّوْكِيل. وكما ينعزلان بِمَوْتِهِ ينعزلان أَيْضا بفلسه لانتقال الْحق للْغُرَمَاء، فَلَا يلْزمهُم مَا بَاعَ أَو ابْتَاعَ إِن علم على الْمَشْهُور، وَكَذَا ينعزلان بطول جُنُونه جدا بِحَيْثُ يفْتَقر مَعَه إِلَى نظر القَاضِي فِي مَاله وَكَذَا ينعزلان بردته وَلَو بعد أَيَّام الِاسْتِنَابَة حَيْثُ لم يقتل لمَانع كحمل وَنَحْوه، وَأما ردة الْوَكِيل فَلَا توجب عَزله وَكَذَا الطَّلَاق فَإِنَّهُ لَا يُوجب عزل الزَّوْجَة الوكيلة عَن زَوجهَا إِلَّا أَن يعلم أَنه لَا يرضى بتصرفها بعد انْقِطَاع مَا بَينهمَا وَاسْتظْهر ابْن عَرَفَة أَن الزَّوْج إِذا كَانَ وَكيلا لزوجته وَجب انعزاله بِطَلَاقِهَا. وَمَا لِمَنْ حَضَرَ فِي الْجِدَالِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنَ انْعِزَالِ (وَمَا) نَافِيَة (لمن) مَوْصُولَة وَاقعَة على الْوَكِيل تتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر عَن الْمُبْتَدَأ بعْدهَا (حضر) صلتها (للجدال) يتَعَلَّق بالصلة (ثَلَاث) نَائِب عَن الْمَفْعُول الْمُطلق (مَرَّات) مُضَاف إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 وَالْأَصْل حضوراً ثَلَاث مَرَّات فَحذف الْمصدر وناب عَنهُ عدده كَقَوْلِه تَعَالَى: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جلدَة} (النُّور: 4) أَي جلدا ثَمَانِينَ (من) زَائِدَة (انعزال) مُبْتَدأ خَبره فِي الْمَجْرُور الْمُتَقَدّم. إلاَّ لِعُذْرِ مَرَضٍ أَوْ لِسَفَرْ ومِثْلُه مُوَكَّلٌ ذَاكَ حَضَرْ (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (لعذر) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر الْمُتَقَدّم على أَنه بدل من مُقَدّر، وَالْعَامِل فِي الْبَدَل هُوَ الْعَامِل فِي الْمُبدل مِنْهُ أَي: وَمَا انعزال ثَابت للحاضر للجدال لوجه من الْوُجُوه إِلَّا لعذر (مرض) مُضَاف إِلَيْهِ (أَو لسفر) مَعْطُوف على مرض وَاللَّام زَائِدَة، وَيحْتَمل أَن يعْطف على لعذر فَلَيْسَتْ زَائِدَة وَمَعْنَاهُ أَنه لَا انعزال للْوَكِيل الَّذِي حضر للجدال أَي قَاعد خَصمه ثَلَاث مَرَّات وَلَو فِي يَوْم وَاحِد سَوَاء عَزله الْمُوكل أَو عزل هُوَ نَفسه لتَعلق حق الْخصم بخصومته إِلَّا لعذر من مرض ظَاهر أَو سفر، وَعَلِيهِ فِي السّفر الْيَمين أَنه مَا اسْتَعْملهُ ليوكل، وَكَذَا عَلَيْهِ أَن يحلف فِي الْمَرَض الْخَفي فَإِن نكل لم يجز لَهُ الْعَزْل، وَلَعَلَّ الْوَكِيل إِنَّمَا وَجَبت عَلَيْهِ الْيَمين ليسقط حق الْخصم الَّذِي يتَعَلَّق بِعَيْنِه لَا لينْتَفع الْمُوكل إِذْ لَا يحلف الْإِنْسَان لينْتَفع غَيره، وَمثل الْمَرَض ظُهُور تفريطه من قلَّة قِيَامه بِأَمْر الْخِصَام أَو يظْهر ميله للخصم أَو مسامحته فِي الْحق فَلهُ عَزله حِينَئِذٍ ويوكل غَيره أَو يُخَاصم بِنَفسِهِ قَالَه اللَّخْمِيّ وَغَيره. وَحكى بَعضهم عَلَيْهِ الِاتِّفَاق وَلَو كَانَت الْوكَالَة بِأُجْرَة فَظهر غشه وَنَحْو ذَلِك مِمَّا مرّ كَانَ عَيْبا وَله أَن يفْسخ الْوكَالَة وَقَوْلهمْ: يحلف فِي الْمَرَض الْخَفي كَمَا فِي (ز) يَقْتَضِي أَنه يحلف فِي هَذِه الْأُمُور وَإِن ادَّعَاهَا وَلم تظهر، وَفِي اخْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة مَا يَقْتَضِي أَنه لَا بُد من إِثْبَات ذَلِك لِأَنَّهُ قَالَ: فَإِن ظهر من الْوَكِيل تَفْرِيط أَو ميل مَعَ خَصمه أَو غش ليبطل بذلك حق مُوكله أَو مرض فللموكل عَزله إِذا ثَبت ذَلِك اه. وَكَذَا لَا سَبِيل للعزل إِذا تعلق للْوَكِيل حق بِالْوكَالَةِ كَأُجْرَة وَنَحْوهَا أَو كَانَ الْحق لأَجْنَبِيّ، وَقد ذكر فِي اللامية جملَة من ذَلِك فانظرها إِن شِئْت. (وَمثله) خبر عَن قَوْله (مُوكل) بِكَسْر الْكَاف الْمُشَدّدَة وسوغ الِابْتِدَاء بِهِ وَصفه بِالْجُمْلَةِ وَهِي قَوْله: (ذَاك) مفعول بقوله: (حضر) وَالْمعْنَى أَن الْمُوكل إِذا جادل خَصمه ثَلَاث مَرَّات فَلَيْسَ لَهُ أَن يتخلى عَن الْخِصَام إِلَّا لعذر من مرض أَو سفر، وَمن ذَلِك أَن يشتمه خَصمه فَيحلف أَن لَا يخاصمه بِنَفسِهِ كَمَا فِي التَّبْصِرَة. قَالَ ابْن الفخار: فَإِن حلف أَن لَا يخاصمه دون عذر يُوجب الْيَمين لم يكن لَهُ أَن يُوكل إِلَّا بِرِضا خَصمه أَو لعذر من سفر وَنَحْوه. وَمَفْهُوم ثَلَاث مَرَّات أَنه إِن جادله أقل مِنْهَا وَلم يتَّجه الحكم فَلهُ عَزله وَهُوَ كَذَلِك إِن شهد بِهِ وأعلنه وَلم يفرط فِي إِعْلَامه بِأَن ترك إِعْلَامه لبعده كَمَا فِي (ح) وَهَذَا على أحد قَوْلَيْنِ. تقدما عِنْد قَوْله: وَمَوْت من وكل أَو وَكيل الخ. وَقَوْلِي وَلم يتَّجه الحكم الخ احْتِرَازًا مِمَّا إِذا اتجه فَلَا عزل، وَلَو قَالَ حِينَئِذٍ: إِن وَكيله جهل مَا يُخَاصم بِهِ وَإِن حجَّته غير مَا احْتج بِهِ عَنهُ وَلم يعلم بِمَا خَاصم بِهِ عَنهُ أَو كَانَ غَائِبا لم يقبل مِنْهُ ذَلِك وَلَا يكون عذرا فِي عَزله وَلَا دفع الحكم عَنهُ إِلَّا لوجه يدل على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 صدقه فِي ذَلِك، وَكَذَا لَو خَاصم الْمُوكل بِنَفسِهِ وَزعم أَنه غلط أَو بقيت لَهُ حجَّة كَمَا فِي الْبُرْزُليّ والشامل. ومَنْ لهُ مُوَكِّلٌ وعَزَلَهْ لَخِصْمِهِ إنْ شَاءَ أنْ يُوَكِّلَهْ (وَمن) مُبْتَدأ مَوْصُول (لَهُ) خبر عَن قَوْله (مُوكل) بِفَتْح الْكَاف الْمُشَدّدَة وَالْجُمْلَة صلَة وَجُمْلَة قَوْله: (عَزله) حَالية مقدرَة مَعهَا قد (لخصمه) خبر مقدم (إِن شَاءَ) شَرط جَوَابه مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ (أَن يُوكله) فِي تَأْوِيل مصدر مُبْتَدأ مُؤخر وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الأول والرابط الضَّمِير فِي لخصمه، وَالْمعْنَى أَن من كَانَ لَهُ وَكيل فِي خُصُومَة وَقد عَزله حَيْثُ يسوغ لَهُ عَزله أَو يُرْضِي خَصمه فَإِن لخصمه أَن يُوكل ذَلِك الْوَكِيل فِي تِلْكَ الْخُصُومَة إِن شَاءَ أَو فِي غَيرهَا وَلَا حجَّة للْأولِ فِي أَنه اطلع عَلَيْهِ عوراته ووجوه خصوماته قَالَه فِي الِاسْتِغْنَاء؛ وَاقْتصر عَلَيْهِ ابْن سَلمُون وَابْن فَرِحُونَ فِي تبصرته، وَله أَي لِابْنِ فَرِحُونَ فِي شرح ابْن الْحَاجِب يَنْبَغِي أَن لَا يُمكن من تَوْكِيله لِأَنَّهُ صَار كعدوه اه نَقله (ح) . وكُلُّ مَنْ عَلَى مَبِيعٍ وُكِّلاَ كانَ لَهُ القَبْضُ إذَا مَا أُغْفِلاَ (وكل) مُبْتَدأ (من) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ وَاقع على الْوَكِيل (على مَبِيع) يتَعَلَّق بقوله (وكلا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول، وَالْجُمْلَة صلَة (كَانَ) فعل نَاقص (لَهُ) خَبَرهَا وَاللَّام بِمَعْنى على (الْقَبْض) اسْمهَا (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (مَا) زَائِدَة (أغفلا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير الْقَبْض، وَالْجَوَاب مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ أَن من وكل على بيع مَبِيع فَبَاعَهُ فَإِن عَلَيْهِ أَن يقبض ثمنه إِذا أغفل الْمُوكل قبض الثّمن أَي سكت عَنهُ لِأَنَّهُ كَمَا عَلَيْهِ تَسْلِيم الْمَبِيع عَلَيْهِ قبض ثمنه، وَإِن وكل على الشِّرَاء فَعَلَيهِ قبض السّلْعَة أَيْضا فَإِن لم يفعل حَتَّى تعذر الْقَبْض ضمن فيهمَا وَهَذَا مَا لم يَبِعْهُ لأجل بِنَصّ من الْمُوكل وإلاَّ فَلَا يقبضهُ إِلَّا بتوكيل مُسْتَأْنف (خَ) : وتخصص وتقيد بِالْعرْفِ فَلَا يعده إِلَّا على بيع فَلهُ طلب الثّمن وَقَبضه أَو اشْتَرَاهُ فَلهُ قبض الْمَبِيع ورد الْمَعِيب إِن لم يُعينهُ مُوكله الخ. وَمَفْهُوم أغفلا أَنه إِذا نَص لَهُ على الْقَبْض أَو على عمله فَإِن يعْمل على ذَلِك فيقبضه فِي الأول دون الثَّانِي فَإِن تعدى وَقَبضه فِي الثَّانِي ضمن وَلَا ضَمَان على المُشْتَرِي إِن لم يعلم بِالنَّهْي، وَكَانَ الْعرف دفع الثّمن للْوَكِيل فِيمَا يظْهر، وَظَاهر النّظم أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 عَلَيْهِ الْقَبْض جرى عرف بِهِ أَو بِعَدَمِهِ أَو لَا عرف أصلا وَهُوَ كَذَلِك فِي الطَّرفَيْنِ دون الْوَاسِطَة فَإِنَّهُ جرى بِعَدَمِهِ كَبيع الدّور وَالْعَقار فَلَا قبض عَلَيْهِ كَمَا لأبي عمرَان. وَلَا يبرأ المُشْتَرِي بِالدفع إِلَيْهِ، وَيدل عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاء فِي كَلَام (خَ) ، إِذْ مَا بعد الِاسْتِثْنَاء هُوَ مَا إِذا لم يكن عرف أصلا، وَكَذَا يدل عَلَيْهِ قَول الشَّامِل وَله أَي الْوَكِيل قبض ثمن مَا وكل فِي بَيْعه إِلَّا لعادة أَو بِعَدَمِ قَبضه وَنَحْوه لِابْنِ فَرِحُونَ فِي تبصرته، وَمَا مر من أَن وَكيل الشِّرَاء عَلَيْهِ قبض السّلْعَة مَحَله إِذا لم يُصَرح الْوَكِيل للْبَائِع بِأَن نقد الثّمن على مُوكله، وإلاَّ فَلَا. لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يجب عَلَيْهِ دفع الثّمن فَلَا يجب عَلَيْهِ قبض الْمُثمن كَمَا فِي ابْن عَرَفَة. وَمَفْهُوم قَوْله على مَبِيع أَن من وكل على النِّكَاح لَيْسَ عَلَيْهِ قبض الصَدَاق لِأَنَّهُ لَا يسلم الْمَبِيع أَي الْبضْع وَلَا يبرأ الزَّوْج بِالدفع إِلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِك كَمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله. تَنْبِيه: إِذا سلم الْوَكِيل السّلْعَة الْمَبِيعَة أَو دفع الثّمن فِي الشِّرَاء وَلم يشْهد، فَأنْكر البَائِع أَو المُشْتَرِي ضمن لتَفْرِيطه بِعَدَمِ الْإِشْهَاد، وَسَوَاء كَانَ مفوضاً إِلَيْهِ أم لَا جرى عرف بترك الْإِشْهَاد أم لَا، على الْمَشْهُور. وَتقدم شَيْء من ذَلِك عِنْد قَوْله: وَلَيْسَ يمْضِي غير مَا فِيهِ نظر الخ. وغَائِبٌ يَنُوبُ فِي القِيَام عَنْهُ أبٌ وابْنٌ وفِي الخِصَامِ (وغائب) مُبْتَدأ وسوغه الْعُمُوم أَو كَونه صفة لمَحْذُوف وَجُمْلَة: (يَنُوب فِي الْقيام عَنهُ أَب وَابْن) خَبره (وَفِي الْخِصَام) مَعْطُوف على فِي الْقيام والمجرورات الثَّلَاث تتَعَلَّق بينوب وَأب وَابْن فَاعل بِهِ، وَمَعْنَاهُ أَن الشَّخْص الْغَائِب إِذا تسور عَلَيْهِ فِي عقاره أَو أحدث عَلَيْهِ ضَرَر فِي ملكه أَو أَخذ شَيْء من مَاله كدابة وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ يجوز لِأَبِيهِ أَو ابْنه أَن يقوم عَنهُ فَيثبت حَقه بِالْبَيِّنَةِ ويخاصم عَنهُ فَيَأْخُذ النّسخ ويعطيها بِغَيْر وكَالَة، فَإِن آل الْأَمر إِلَى عجز الْمَطْلُوب أشهد القَاضِي بِمَا ثَبت عِنْده وَلَا ينْزع الشَّيْء من يَده، وَإِن آل الْأَمر إِلَى عجز الْقَائِم فَلَا تَنْقَطِع حجَّة الْغَائِب كَمَا مرّ فِي بَاب الْقَضَاء. قَالَ فِي الْمعِين: وَإِذا قُلْنَا بِجَوَاز الْمُخَاصمَة عَن الْغَائِب فَإلَى أَيْن تَنْتَهِي؟ قَالَ بعض الموثقين: يسمع القَاضِي الْبَيِّنَة وَيشْهد على ثُبُوتهَا عِنْده، وَلَا يخرج الْمُدعى فِيهِ من يَد الْمَطْلُوب إِن ادَّعَاهُ لنَفسِهِ وَلَا يقطع مَا أحدث عَلَيْهِ من الضَّرَر وَالْعَيْب إِذْ لَعَلَّ الْمَطْلُوب إِذا قدم لم يمنعهُ إِلَّا أَنه إِذا أقرّ الْمَطْلُوب بِمَا فِي يَده للْغَائِب أخرجه من يَده وَأَوْقفهُ حَيْثُ يرَاهُ اه. وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا، وَظَاهر النّظم أَنه لَا فرق بَين قرب الْغَيْبَة وَبعدهَا وَهُوَ أحد قَوْلَيْنِ، وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا فرق بَين الدُّيُون وَغَيرهَا، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي نَوَازِل الْمديَان ونوازل الشَّهَادَات من الْبُرْزُليّ وَابْن الْحَاج، وَيبقى الدّين بِذِمَّة الْغَرِيم إِلَّا أَن يخْشَى فقره أَو سَفَره وَظَاهره أَيْضا أَن غير الْأَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 وَالِابْن لَا يُمكن وَلَو كَانَ قريب الْقَرَابَة كالأخ وَنَحْوه، وَهُوَ الَّذِي فِي (ق) وَأحد الْأَقْوَال الْخَمْسَة الَّتِي فِي (ح) وَغَيره عَن ابْن رشد عِنْد قَول (خَ) وَفِي تَمْكِين الدَّعْوَى لغَائِب بِلَا وكَالَة تردد الخ. وَالَّذِي فِي نقل ضيح أَنه على هَذَا القَوْل يُمكن الابْن وَالْأَب وَقَرِيب الْقَرَابَة، وَلَعَلَّ المُرَاد بقريب الْقَرَابَة الْأَخ كَمَا صرح بِهِ فِي الكراس الرَّابِع من معاوضات المعيار عَن اليزناسني قَائِلا الَّذِي مضى بِهِ عمل الموثقين أَنه لَا يُبَاح ذَلِك إِلَّا للوالد أَو الولدة أَو الْأَخ من جَمِيع الْجِهَات ثمَّ قَالَ: وَقد ذكر ابْن رشد فِي ذَلِك خَمْسَة أَقْوَال يُمكن الْأَب وَالِابْن يُمكن كل قَائِم وَإِن أَجْنَبِيّا قَالَه ابْن الْقَاسِم، وَسَحْنُون يُمكن الْوَلِيّ من إِقَامَة الْبَيِّنَة لَا من الْخُصُومَة لَا يُمكن من وَاحِد مِنْهُمَا يُمكن كل قَائِم فِيمَا يخْشَى فَوَاته كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّة وَالثَّوْب لَا فِيمَا لَا يفوت كَالدّين وَغَيره إِلَّا الْأَب وَالِابْن قَالَ: وَمَا ذَكرْنَاهُ عَن الموثقين هُوَ الَّذِي يجب بِهِ الْعَمَل إِن شَاءَ الله اه. وبأدنى تَأمل تعلم أَن الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلين وَالْخَامِس متفقة على تَمْكِين الْأَب وَالِابْن وعَلى هَذِه الْفَتْوَى عول ناظم الْعَمَل حَيْثُ قَالَ: وَفِي عقار غَائِب يحْتَسب قِيَامه أَخ أَو ابْن أَو أَب وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بِالْأَبِ وَالِابْن فِي النّظم الْجِنْس فَيشْمَل الْجد وَإِن علا وَالِابْن وَإِن سفل. وَجَائزٌ إثْباتُ غَيْرِ الأجَنَبِي لِمَنْ يَغِيبُ واخْتِصَامُهُ أُبي (وَجَائِز) خبر مقدم (إِثْبَات) مُبْتَدأ (غير الْأَجْنَبِيّ) مجروران بِالْإِضَافَة (لمن) يتَعَلَّق بِإِثْبَات (يغيب) صلَة من وَهُوَ بِمَعْنى غَابَ فأوقع الْمُضَارع موقع الْمَاضِي (واختصامه) مُبْتَدأ وَجُمْلَة (أبي) مَبْنِيّ للْمَفْعُول بِمَعْنى منع خَبره وَمَعْنَاهُ أَن غير الْأَب وَالِابْن من بَاقِي الْقَرَابَة يُمكن من إِثْبَات حُقُوق الْغَائِب عِنْد القَاضِي خشيَة ضياعها بِمَوْت الشُّهُود أَو طرُو فسق وَلَا يُمكن من الْخُصُومَة بِأخذ النّسخ وإعطائها، وَكَأن النَّاظِم رَحمَه الله ترجح عِنْده من تِلْكَ الْأَقْوَال الْخَمْسَة الأول وَالثَّالِث فاقتصر فِي الابْن وَالْأَب على الْقيام وَالْخِصَام وَفِي غَيرهمَا من بَاقِي الْقَرَابَة على الْقيام فَقَط وَلم يذكر لذَلِك مُقَابلا وَوجه تَرْجِيح الأول ظَاهر مِمَّا مرّ وَوجه تَرْجِيح الثَّالِث أَنه لَا مضرَّة على الْمَطْلُوب وَلَا على الْغَائِب فِي إِثْبَات ذَلِك بل ذَلِك من حفظ مَال الْغَيْر الَّذِي يجب على النَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 فَكيف بالقريب، وَلَا سِيمَا وَالْقَوْل الثَّانِي يُوَافق هَذَا الثَّالِث فِي تَمْكِين الْقَرِيب من الْقيام كَمَا هُوَ وَاضح، وَإِنَّمَا خَالفه فِيمَا زَاد على ذَلِك فَهُوَ قوي من جِهَة الْعزو وَكَثْرَة الْقَائِل، وَبِهَذَا تعلم أَن النَّاظِم لم يخرج عَن الْأَقْوَال الْخَمْسَة كَمَا قيل وَلَا أَنه جعل الثَّالِث من تَمام الأول بل هُوَ تَابع فِي ذَلِك لِابْنِ رشد كَمَا يَقْتَضِيهِ سِيَاق ابْن سَلمُون. وَنَصه الصَّوَاب أَن الْأَب وَالِابْن يمكنان من الْإِثْبَات وَالْخُصُومَة عَن الْغَائِب وَمن عداهما من الْقَرَابَة لَا يُمكن من شَيْء لَا من الْإِثْبَات وَلَا من الْخُصُومَة، وَظَاهر الرِّوَايَات أَن الْأَجْنَبِيّ لَا يُمكن من شَيْء وَالله أعلم. تَنْبِيهَات. الأول: الصَّبِي كالغائب فَيقوم عَنهُ أَخُوهُ كالقول الأول وتجري فِيهِ الْأَقْوَال الْبَاقِيَة وَإِذا قُلْنَا بِجَوَاز الْقيام وَالْخِصَام للِابْن وَالْأَب أَو الْقيام فَقَط لغَيْرِهِمَا من الْقَرَابَة أَو الْقيام وَالْخِصَام مُطلقًا على القَوْل بِهِ فَقَالَ ابْن الْحَاج: لَيْسَ للقائم أَن يُوكل وَإِنَّمَا يتَكَلَّم بِنَفسِهِ أَو يتْرك قَالَ: وَيحْتَمل جَوَاز ذَلِك عِنْد الْعذر. الثَّانِي: ذكر الْبُرْزُليّ فِي آخر الشَّهَادَات من ديوانه أَن الْعَمَل على عدم التَّوْكِيل وَلَو من قريب الْقَرَابَة وَعَلِيهِ فَعمل تونس مُخَالف لعمل فاس. الثَّالِث: مَحل الْخلاف فِيمَا لَا حق فِيهِ للْمُدَّعِي وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ وَلَو وَدِيعَة فَلَيْسَ للْمُودع عِنْده أَن يُخَاصم سارقها مثلا، أما مَا لَهُ فِيهِ حق كالمستأجر وَالْمُسْتَعِير عَارِية لَا يُغَاب عَلَيْهَا وَالْمُرْتَهن رهنا كَذَلِك وللغرماء وَزَوْجَة الْغَائِب وأقاربه الَّذين تلْزمهُ نَفَقَتهم أَو عَلَيْهِ فِيهِ ضَمَان كالمستعير عَارِية يُغَاب عَلَيْهَا وَالْمُرْتَهن رهنا كَذَلِك، وَالْغَاصِب إِذا غصب مِنْهُ شَيْء والحميل إِذا أَرَادَ الْمَدِين السّفر وخشي ضيَاع الْحق وَنَحْو ذَلِك فَيمكن من الدَّعْوَى بِلَا وكَالَة اتِّفَاقًا وَيُبَاع إِن ثَبت ملكه لَهُ فِي الدّين وَالنَّفقَة. (فصل فِي حكم تداعي الْمُوكل وَالْوَكِيل) فِيمَا قَبضه الْوَكِيل من دين وَثمن مَبِيع وَادّعى أَنه دفع ذَلِك لمُوكلِه وَأنكر الْمُوكل ذَلِك، وَحكى النَّاظِم فِي ذَلِك أَرْبَعَة أَقْوَال أَشَارَ لأولها بقوله: وَإنْ وَكيلٌ ادَّعَى إقْبَاضَ مَنْ وَكَّلَهُ مَا حَازَ فَهْوَ مُؤْتَمَنْ (وَإِن) شَرط (وَكيل) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره (ادّعى إقباض) مَفْعُوله (من) مُضَاف إِلَيْهِ من إِضَافَة الْمصدر لمفعوله (وَكله) صلَة من (مَا) مفعول ثَان لإقباض وَجُمْلَة (حَاز) صلَة مَا والرابط مَحْذُوف أَي حازه (فَهُوَ) مُبْتَدأ عَائِد على الْوَكِيل (مؤتمن) خَبره. وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط. مَعْ طُولِ مُدَّةٍ وإنْ يَكُنْ مَضَى شَهْرٌ يُصَدَّقُ مَعَ يَمِينٍ تُقْتَضى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 (مَعَ) بِسُكُون الْعين ظرف مُتَعَلق بمؤتمن (طول مُدَّة) مجروران بِالْإِضَافَة (وَإِن) شَرط (يكن) فعله واسْمه ضمير الشَّأْن. (مضى. شهر) فعل وفاعل خبر يكن (يصدق) بِالْجَزْمِ جَوَاب الشَّرْط (مَعَ) بِالسُّكُونِ أَيْضا يتَعَلَّق بِمَا قبله (يَمِين) مُضَاف إِلَيْهِ (تقتضى) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صفة ليمين. وَإنْ يَكُنْ بِالفَوْرِ والإنْكَارِ لَهُ فَالَقَوْلُ مَعْ حَلْفٍ لِمَنْ وَكَّلَهُ (وَإِن يكن) شَرط وَفعله (بالفور) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي خبر يكن (الْإِنْكَار) بِنَقْل حَرَكَة الْهمزَة للام اسْم يكن (لَهُ) خَبَرهَا (فَالْقَوْل) مُبْتَدأ (مَعَ) بِالسُّكُونِ أَيْضا (حلف) بِسُكُون اللَّام مُضَاف إِلَيْهِ والظرف يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر الَّذِي هُوَ (لمن وَكله) وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَهَذَا القَوْل لمطرف. وَحَاصِله إِن ادّعى الْوَكِيل أَنه دفع لمُوكلِه مَا قَبضه لَهُ، وَقد طَالَتْ الْمدَّة فِيمَا بَين الْقَبْض والإدعاء كَسنة وَنَحْوهَا فَهُوَ مُصدق بِلَا يَمِين، وَإِن قصرت الْمدَّة فِيمَا بَين الْقَبْض والادعاء كشهر وَنَحْوه فَهُوَ مُصدق أَيْضا، لَكِن بِيَمِين. وَإِن قصرت الْمدَّة عَن الشَّهْر فَالْقَوْل للْمُوكل مَعَ يَمِينه وَكَانَ الطول الْكثير منزل منزلَة الشَّاهِدين عِنْده فِي الدّلَالَة على الْبَرَاءَة والمتوسط بِمَنْزِلَة الشَّاهِد الْوَاحِد والقليل كَالْعدمِ. وَقِيلَ إنَّ القَوْلَ لِلْوَكِيلِ مَعَ اليَمِينِ دُونَ مَا تَفْصِيلِ (وَقيل إِن) بِكَسْر الْهمزَة (القَوْل) اسْمهَا (للْوَكِيل) خَبَرهَا (مَعَ) ظرف يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (الْيَمين) مُضَاف إِلَيْهِ (دون) يتَعَلَّق بالاستقرار أَيْضا (مَا) زَائِدَة (تَفْصِيل) مُضَاف إِلَيْهِ أَي دون تَفْصِيل بَين الطول وَعَدَمه وَلَا بَين مفوض إِلَيْهِ وَغَيره، وَلَا بَين أَن يَدعِي الدّفع إِلَى مُوكله فِي حَيَاته أَو بعد مَوته، وَلَا بَين مَا قَبضه الْوَكِيل ليدفعه لفُلَان أَو ليَشْتَرِي بِهِ سلْعَة فَلم يدْفع وَلم يشتر، وَادّعى رد ذَلِك. وَهَذَا القَوْل هُوَ الْمَشْهُور وَمذهب الْمُدَوَّنَة فَكَانَ على المُصَنّف أَن يصدر بِهِ (خَ) وَصدق فِي الرَّد كَالْمُودعِ فَلَا يُؤَخر للإشهاد أَي لَيْسَ للْمُودع وَلَا للْوَكِيل أَن يَقُول لَا أدفَع لَهُ حَتَّى أشهد عَلَيْهِ إِذْ لَا نفع لَهما فِي ذَلِك لتصديقهما بِيَمِين وَنَحْوه لِابْنِ شَاس وَابْن الْحَاجِب، وَاعْترض بِأَن لَهما نفعا فِي الْإِشْهَاد وَهُوَ سُقُوط الْيَمين وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيه أصُول الْمَذْهَب كَمَا لِابْنِ عَرَفَة، وَعَلِيهِ فَإِذا أخر الدّفع للإشهاد فَتلف لم يضمن بِخِلَافِهِ على مَا لِابْنِ شَاس فَإِنَّهُ يضمن انْظُر بعد هَذَا عِنْد قَوْله: وَالزَّوْج للزَّوْجَة كالموكل الخ. وَمحل التَّصْدِيق على هَذَا القَوْل إِنَّمَا هُوَ فِيمَا قبضاه بِغَيْر إِشْهَاد أما مَا قبضاه بإشهاد مَقْصُود بِهِ التَّوَثُّق فَلَا يصدقان فِي رده إِلَّا بِبَيِّنَة كَمَا فِي (ح) وَجعله معنى التَّشْبِيه فِي قَول (خَ) كَالْمُودعِ. وَفِي الْبُرْزُليّ مَا يَفْعَله النَّاس الْيَوْم إِذا أعطَاهُ قراضا أَو بضَاعَة أَو لفتح حَانُوت يأْتونَ إِلَى الْعُدُول ويكتبون رسماً بذلك عِنْد الْبَيِّنَة الْمَقْصُودَة للتوثق اه. وَنَحْوه فِي الْخَرشِيّ عِنْد قَول (خَ) فِي الشّركَة ولمقيم بَيِّنَة الخ. وَظَاهر كَلَامهم أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 لَا يشْتَرط علم الْمَشْهُود عَلَيْهِ بِقصد التَّوَثُّق وَلَا فهمه ذَلِك. انْظُر شرح الشَّامِل فِي الْوَدِيعَة. وَقِيلَ إنْ أنْكَرَ بَعْدَ حِينِ فَهْوَ مُصَدَّقٌ بِلاَ يَمِينِ (وَقيل إِن أنكر) الْمُوكل الْقَبْض (بعد حِين) أَي سنة (فَهُوَ) أَي الْوَكِيل (مُصدق بِلَا يَمِين. وإنْ يَمُرَّ الزَّمَنُ القَلِيلُ فَمَعْ يَمينٍ قَوْلُهُ مَقْبُولُ وَإِن يمر الزَّمن الْقَلِيل) بَين قَبضه وادعائه الدّفع وَذَلِكَ مَا دون السّنة (فَمَعَ يَمِين قَوْله) أَي الْوَكِيل (مَقْبُول) وَهَذَا قَول ابْن الْمَاجشون وَابْن عبد الحكم، وَقد فَارق القَوْل الأول فِي أَنه يقبل قَوْله فِيمَا دون السّنة الصَّادِق بالشهر واللحظة والظرف الأول يتَعَلَّق بقوله أنكر وَالْجُمْلَة بعده جَوَاب الشَّرْط، والظرف الثَّانِي يتَعَلَّق بقوله مَقْبُول، وَالْجُمْلَة جَوَاب أَيْضا ويمر مجزوم مدغم يجوز فِي رائه الْفَتْح وَالْكَسْر وَالضَّم، وَالثَّالِث أفْصح وَأكْثر كَمَا قَالُوهُ فِي كل مدغم لقِيه سَاكن أَو ضمير. وَقيلَ بَلْ يَخْتَصُّ بِالمُفَوِّضِ إلَيْهِ ذَا الحكْمُ لِفَرْقٍ مُقْتَضِي (وَقيل بل يخْتَص ب) الْوَكِيل (الْمُفَوض إِلَيْهِ ذَا) فَاعل يخْتَص (الحكم) بِالرَّفْع صفة لاسم الْإِشَارَة أَو عطف بَيَان أَو بدل، وَالْمرَاد بالحكم مَا مرّ من التَّصْدِيق بِيَمِين مَعَ الْقرب وبدونها مَعَ الْبعد (لفرق) يتَعَلَّق بيختص ولامه للتَّعْلِيل (مُقْتَضى) صفة لفرق أَي لفرق اقْتضى التَّخْصِيص الْمَذْكُور وَهُوَ شدَّة الوثوق بالمفوض إِلَيْهِ دون غَيره. وَمَنْ لَهُ وكالَةُ مُعَيَّنهْ يَغْرَمُ إلاَّ أنْ يُقِيمَ البَيِّنَهْ (و) هُوَ (من لَهُ وكَالَة مُعينَة) أَي مَخْصُوصَة بِشَيْء معِين فَإِنَّهُ (يغرم) مَا أنكرهُ فِيهِ مُوكله طَال مَا بَين الْقَبْض والادعاء أم لَا (إِلَّا أَن يُقيم الْبَيِّنَة) على مَا دفع إِلَيْهِ، وَهَذَا قَول أصبغ فَقَوله: وَمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 لَهُ الخ من تَمام القَوْل الرَّابِع وَهِي مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة بعْدهَا صلتها وَجُمْلَة يغرم بِفَتْح الْيَاء وَالرَّاء خَبَرهَا. تَنْبِيهَات. الأول: مَا تقدم من أَن الْمَشْهُور من الْأَقْوَال تَصْدِيق الْوَكِيل مُطلقًا مَحَله إِذا لم يَتَعَدَّ وَإِلَّا فَلَا يصدق، وَقد سُئِلت عَن امْرَأَة وكلت شقيقها على قبض دَرَاهِم من شخص فَأخذ الْوَكِيل عَن الدَّرَاهِم حَرِيرًا وَادّعى دَفعه لموكلته فأجبت بِأَنَّهُ لَا يصدق وَلَا تَبرأ ذمَّة الْغَرِيم من الدَّرَاهِم لِأَن من ثَبت عداؤه فقد زَالَت أَمَانَته، وَإِذا تعذر الرُّجُوع على الْغَرِيم رجعت على الْوَكِيل لِأَن غَرِيم الْغَرِيم غَرِيم، وَفِي كتاب الْوَدِيعَة من ابْن يُونُس فِيمَن بعث مَعَ رجل مَالا يوصله لرجل آخر فَقَالَ: لم أجد الرجل ورددت المَال للباعث أَنه لَا يصدق فِي رده لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الرَّد فَإِن الْوَاجِب عَلَيْهِ إِذا لم يجده إيداعها لَهُ فَإِذا كَانَ مُتَعَدِّيا فِي الرَّد وَجب عَلَيْهِ الضَّمَان فَإِذا صَارَت فِي ذمَّته لتعديه وَجب أَن لَا يقبل قَوْله رَددتهَا اه. وَنَقله أَبُو الْحسن وَغَيره، وَقَالَ اللَّخْمِيّ: اخْتلف فِيمَن اسْتقْرض دَرَاهِم من رجل فَأمر الرجل غَرِيمه أَن يَدْفَعهَا إِلَيْهِ فَأخذ الْمُسْتَقْرض عَنْهَا عرضا قَالَ: وَالصَّوَاب أَن ذَلِك بيع حَادث وَلَا يرجع الْمقْرض إِلَّا بِمَا أمره بِدَفْعِهِ إِلَيْهِ اه. الثَّانِي: كَمَا يصدق الْوَكِيل فِي الرَّد كَذَلِك يصدق فِي التّلف، وَلَا فرق بَين أَن يَدعِي تلف الثّمن أَو المُشْتَرِي بِالْفَتْح أَو البيع سَوَاء أسلفك الثّمن الَّذِي وَقع بِهِ الشِّرَاء أم لَا. فَفِي ابْن يُونُس قَالَ مَالك فِيمَن أَمر رجلا يَشْتَرِي لَهُ لؤلؤاً من مَكَّة وينقد عَنهُ فَقدم، وَزعم أَنه ابتاعه لَهُ وَنقد فِيهِ ثمَّ تلف اللُّؤْلُؤ فَيحلف أَنه قد ابْتَاعَ لَهُ مَا أمره بِهِ وَنقد عَنهُ وَيرجع بِالثّمن على الْآمِر لِأَنَّهُ أَمِينه قَالَ بعض الْقرَوِيين: وَالْفرق بَين هَذِه الْمَسْأَلَة وَبَين الَّذِي أَمر غَرِيمه أَن يكتال الطَّعَام فِي غرائره فيدعي ضيَاعه بعد الْكَيْل أَن مَسْأَلَة الغرائر ادّعى ضيَاع مَا فِي ذمَّته فَلَا يبرأ حَتَّى يثبت زَوَاله من ذمَّته. وَفِي مَسْأَلَة اللُّؤْلُؤ إِنَّمَا ادّعى ضيَاع مَا صرف فِيهِ الثّمن الَّذِي أسلفه وَهُوَ اللُّؤْلُؤ، وَلَو ادّعى أَنه أخرج الثّمن فَضَاعَ قبل شِرَائِهِ لَهُ لم يضمن إِلَّا بِبَيِّنَة كَمَسْأَلَة الغرائر وَلَو كَانَ السّلم مِمَّا يجوز بَيْعه قبل قَبضه فوكله على بَيْعه فَقَالَ: أَنا بِعته وَضاع الثّمن فههنا يصدق مَعَ يَمِينه كَمَسْأَلَة اللُّؤْلُؤ، وَقد قَالَ ابْن الْقَاسِم فِي المستخرجة: فِيمَن لَهُ على رجل دين أمره أَن يَشْتَرِي لَهُ بِهِ سلْعَة أَو عبدا وَهُوَ فِي بلد آخر، فَلَمَّا قدم قَالَ اشْتَرَيْته وَهَلَكت السّلْعَة أَو أبق العَبْد فالمصيبة من الْآمِر اه. ابْن يُونُس وَقَالَ فِي السّلم الأول قَالَ ابْن الْقَاسِم: وَإِذا كَانَ غَائِبا بِبَلَد آخر لم يجز لَهُ أَن يَأْمُرهُ بشرَاء سلْعَة بِدِينِهِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ إِلَّا أَن يُوكل وَكيلا فِي ذَلِك الْبَلَد يقبضهَا. قَالَ: وَلَو ادّعى الْمَأْمُور أَنه اشْتَرَاهَا وَتَلفت فَإِن كَانَ الْآمِر أَو وَكيله مَعَه فِي الْبَلَد فَالْقَوْل للْمَأْمُور، وَإِن لم يَكُونَا مَعَه فِي الْبَلَد فَإِن أَقَامَ بَيِّنَة على الشِّرَاء فَقَوله وَإِلَّا فَهُوَ ضَامِن لَهُ اه مِنْهُ. فَانْظُرْهُ مَعَ مَا فِي المستخرجة وَقَالَ قبل ذَلِك وَمن لَهُ على رجل مَال فَقَالَ لَهُ أسلمه لي فِي طَعَام لم يجز حَتَّى يقبض مِنْهُ وَيبرأ من التُّهْمَة ثمَّ يَدْفَعهُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يتهم أَن يُعْطِيهِ من عِنْده فيدخله فسخ الدّين فِي الدّين وَهَذَا فِي السّلم وَمَا قبله فِي الشِّرَاء نَقْدا اه مِنْهُ. وَهَذِه الْمسَائِل تقع كثيرا فَلِذَا نقلناها. الثَّالِث: إِذا وكلته على شِرَاء سلْعَة مُعينَة فاشتراها الْوَكِيل لنَفسِهِ فلابن الْقَاسِم فِي الثَّمَانِية هِيَ للْمُوكل، وروى ابْن نَافِع عَن مَالك هِيَ للْوَكِيل وَبِه قَالَ ابْن الْمَاجشون. وَعَلِيهِ فَيصدق أَنه اشْتَرَاهَا لنَفسِهِ، وَقيل لَا يصدق إِلَّا إِن أشهد عِنْد الشِّرَاء أَنه يَشْتَرِي لنَفسِهِ، وَهَذَا بِنَاء على أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 يجوز للْوَكِيل على البيع وَنَحْوه عزل نَفسه ابْن زرقون. وَهُوَ الْمَشْهُور وَانْظُر ابْن عَرَفَة أَوَاخِر الْوكَالَة، فقد ذكر فِي ذَلِك أقوالاً سَبْعَة، وَاقْتصر (ز) و (خش) عِنْد قَول (خَ) وَهل تلْزم أَوَان وَقعت بِأُجْرَة الخ على أَنَّهَا للْوَكِيل، وَانْظُر مَا يَأْتِي للناظم فِي آخر اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين. والزَّوْجُ لِلزَّوْجَةِ كالمُوَكِّلِ فِيما مِنَ القَبْضِ لِمَا باعَت يَلي (وَالزَّوْج) مُبْتَدأ (للزَّوْجَة) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله (كالموكل) بِفَتْح الْكَاف وَاللَّام بِمَعْنى عَن (فِيمَا) يتَعَلَّق بِهِ أَيْضا (من الْقَبْض) بَيَان للموصول، وَمن زَائِدَة لَا تتَعَلَّق بِشَيْء، وَيجوز أَن تتَعَلَّق بيلي آخر الْبَيْت، وَمن لتقوية الْعَامِل لضَعْفه بِالتَّأْخِيرِ (لما) يتَعَلَّق بِالْقَبْضِ (باعت) صلَة مَا الثَّانِيَة (يَلِي) صلَة مَا الأولى والرابط مَحْذُوف فيهمَا، وَالتَّقْدِير وَالزَّوْج كَالْوَكِيلِ عَن زَوجته فِيمَا يَلِيهِ من قبض ثمن مَا باعته فَيقْضى لَهُ بِقَبْضِهِ مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ وَإِن لم توكله عَلَيْهِ وَيصدق فِي دَفعه لَهَا إِن أنْكرت على الْمَشْهُور من الْأَقْوَال الْمُتَقَدّمَة لِأَنَّهُ وَكيل عَنْهَا بِالْعَادَةِ وَلَا مَفْهُوم للقبض بل سَائِر التَّصَرُّفَات من البيع وَالشِّرَاء وَغَيرهمَا كَذَلِك حَيْثُ كَانَت عَادَة الْبَلَد تصرف الْأزْوَاج لأزواجهم بذلك. ابْن رشد: يحكم للزَّوْج بِحكم الْوَكِيل فِيمَا بَاعَ وَاشْترى لامْرَأَته وَإِن لم تثبت وكَالَته للْعُرْف الْجَارِي من تصرف الْأزْوَاج لأزواجهم فِي أمورهن اه. وَقَالَ ابْن عَرَفَة فِي حمل الزَّوْج فِي بَيْعه وشرائه لزوجته على الْوكَالَة وَإِن لم تثبت أَو حَتَّى تثبت دَلِيلا سَماع. ابْن الْقَاسِم فِي كتاب الْمديَان وَسَمَاع عبد الْملك فِي كتاب الدَّعْوَى اه. وَهَذَا صَرِيح فِي أَن الزَّوْجَة لَا مقَال لَهَا فِي رد مَا بَاعه زَوجهَا أَو اشْتَرَاهُ لَهَا أَو قَبضه وَتلف قبل دَفعه لَهَا للْعُرْف الْمَذْكُور فَإِن لم يكن عرفهم ذَلِك أَو لَا عرف أصلا كَمَا عندنَا الْيَوْم حَسْبَمَا فِي (ت) أَو كَانَ بَين الزَّوْجَيْنِ مُشَاورَة كَمَا لِابْنِ رحال فلهَا رد ذَلِك وتضمينه إِن تلف الْمَقْبُوض وَهُوَ الْجَارِي على مَا فِي نَوَازِل الصُّلْح وَالرَّهْن من المعيار فِيمَن رهن أَو بَاعَ مَال زَوجته، فأنكرت الْإِذْن لَهُ أَنَّهَا تحلف وَترد ذَلِك، ثمَّ إِنَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 قد تقدم أَن الْوكَالَة تكون بِالنَّصِّ وبالعادة (خَ) بِمَا يدل عرفا الخ، وَلِهَذَا أفتى أصبغ بن مُحَمَّد كَمَا فِي الْبُرْزُليّ و (ق) فِيمَن غَار عَلَيْهِم الْعَدو وعادتهم من وجد حِينَئِذٍ فرسا لجاره ركبهَا لما يروه من العجلة فَركب رجل فرس جَاره وَخرج بهَا فاضطرته خيل الْعَدو فَنزل عَنْهَا وهرب فَقَامَ صَاحبهَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَن الْعَادة كَالْوكَالَةِ قِيَاسا على مَسْأَلَة الْأَضَاحِي، الْبُرْزُليّ: يُرِيد والأنكحة والأيمان. قلت: وَمرَاده بالأضاحي مَا أَشَارَ لَهُ (خَ) فِي الْأُضْحِية بقوله وَصَحَّ إنابة بِلَفْظ أَو بعادة كقريب الخ. وبالأنكحة مَا أَشَارَ لَهُ أَيْضا بقوله فِي النِّكَاح، وَإِن أجَازه مجبر فِي ابْن وَأَخ وجد فوض لَهُ أُمُوره بِبَيِّنَة جَازَ الخ. وبالأيمان مَا أَشَارَ لَهُ أَيْضا بقوله فِيهَا وبر إِن غَابَ بِقَضَاء وَكيل تقاض أَو مفوض وَهل ثمَّ وَكيل ضَيْعَة أَوَان عدم الْحَاكِم الخ. وَلذَلِك أَيْضا أفتى ابْن عَرَفَة وَغَيره بِتَصْدِيق الْأَخ فِي دَفعه لأخته مَا قَبضه لَهَا من كِرَاء رباعها سِنِين كَمَا فِي ابْن نَاجِي محتجين بِأَنَّهُ وَكيل لَهَا عَادَة، فَلَو قَالَ النَّاظِم بدل هَذَا الْبَيْت مَا نَصه: وصححت بِالنَّصِّ أَو بالعاده فالزوج والشبه على الوكاله وَقد مر ذَلِك إِثْر قَوْله: وَمن على قبض صَبيا قدما الخ. لأجاد لتَكون فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن صِيغَة الْوكَالَة اللَّفْظ أَو مَا يقوم مقَامه كَمَا مرّ أَي فتصرف الزَّوْج وَنَحْوه من أَخ أَو ابْن أَو أَب مَحْمُول على الْوكَالَة مَعَ الْعرف بذلك. ابْن شَاس: وَلَا بُد مَعَ الصِّيغَة من الْقبُول فَإِن وَقع بالفور فَوَاضِح وَإِن تَأَخّر فَفِي لغوه قَولَانِ. وعَلى الثَّانِي اقْتصر ناظم الْعَمَل حَيْثُ قَالَ: وَلَيْسَ يشْتَرط للْوَكِيل يَوْمًا إِذا وكل من قبُول يُرِيد: إِنَّه لَا يشْتَرط الْقبُول بالفور بل إِذا قَامَ بهَا دَاخل سِتَّة أشهر كَفاهُ ذَلِك على التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم. وَمَوْتُ زَوْجٍ أَوْ وكيلٍ إنْ عَرَضْ مِ غَيْرِ دَفْعِ مَا بِتَحْقِيقٍ قَبَضْ (وَمَوْت زوج) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (أَو وَكيل) مَعْطُوف عَلَيْهِ (إِن عرض) شَرط وَفعله (من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 غير) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من فَاعل عرض (دفع) مُضَاف إِلَيْهِ (مَا) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ أَيْضا من إِضَافَة الْمصدر لمفعوله (بتحقيق) يتَعَلَّق بقوله (قبض) وَالْجُمْلَة صلَة والرابط مَحْذُوف أَي قَبضه، وأفرد الضَّمِير لكَون الْعَطف بِأَو. مِنْ مالِهِ يَأْخُذُ ذَاك قَائِمُ بالفَوْرِ والعكسُ لِعكْسٍ لازِمُ (من مَاله) يتَعَلَّق بقوله (يَأْخُذ) وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وارتفع الْفِعْل لقَوْل ابْن مَالك. وَبعد مَاض رفعك الجزا حسن. (ذَاك) مفعول بِهِ وَالْإِشَارَة للمقبوض بالتحقيق (قَائِم) فَاعل بيأخذ (بالفور) يتَعَلَّق بِعرْض أَو بقائم على وَجه التَّنَازُع، وَالْجُمْلَة من الشَّرْط وَالْجَوَاب خبر الْمُبْتَدَأ، وَمَعْنَاهُ أَن الْوَكِيل بِالْعَادَةِ كالزوج وَنَحْوه أَو الْوَكِيل بِالنَّصِّ إِذا عرض موت أَحدهمَا بفور مَا قَبضه بالتحقيق من أَثمَان المبيعات الَّتِي بَاعهَا أَو الدُّيُون الَّتِي اقتضاها وَنَحْو ذَلِك وَلم تعلم بَرَاءَته من ذَلِك، وَهُوَ معنى قَوْله من غير دفع مَا بتحقيق الخ. فَإِن الزَّوْجَة وَالْمُوكل يأخذان ذَلِك الْمَقْبُوض من تَرِكَة الْوَكِيل أَو الزَّوْج إِن قاما حِينَئِذٍ وادعيا عدم الدّفع، وَظَاهره أَنه لَا فرق بَين الْمَقْبُوض إِلَيْهِ وَغَيره. (وَالْعَكْس) مُبْتَدأ (لعكس) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (لَازم) أَي: وَالْعَكْس الَّذِي هُوَ عدم الْأَخْذ لَازم للعكس وَهُوَ عرُوض الْمَوْت بعد طول كالشهر وَنَحْوه، وَإِنَّمَا على من يظنّ بِهِ الْعلم من الْوَرَثَة الْيَمين أَنهم لَا يعلمُونَ بَقَاء شَيْء من ذَلِك بيد الْوَكِيل. ابْن عَرَفَة: وَإِن مَاتَ يَعْنِي الْوَكِيل بحدثان قَبضه كَانَ فِي مَاله وَبعده مِمَّا يُمكن فِيهِ الْقَضَاء وَالدَّفْع فَلَا شَيْء عَلَيْهِ اه. وَقَالَ ابْن أبي زمنين: إِن مَاتَ الزَّوْج وَالْوَكِيل بحدثان مَا جرى على أَيْدِيهِمَا فَذَلِك فِي أموالهما إِذا عرف الْقَبْض وَجَهل الدّفع وَالْمَرْأَة وَالْوَكِيل يدعيان ذَلِك، وَإِن كَانَ الْمَوْت بِغَيْر الْحدثَان فَلَا شَيْء فِي أموالهما اه. وَبِهَذَا أفتى ابْن لب فِي رجل قبض مِيرَاث زَوجته فِي أَبِيهَا وَتُوفِّي، وَأَن الزَّوْج إِن مَاتَ بحدثان الْقَبْض فَذَلِك لَازم لتركته بعد يَمِين الْقَضَاء، وَإِن كَانَ بعد الشَّهْر وَنَحْوه حمل على أَنه قد دفع مَا قبض هَذَا إِن كَانَ الْقَبْض بِإِذن الزَّوْجَة فَإِن كَانَ تجاسر أَو تحامل عَلَيْهَا فَهُوَ فِي مَاله وَتركته اه. بِنَقْل (م) بِبَعْض اخْتِصَار، وَقَوله إِن كَانَ الْقَبْض بِإِذن الزَّوْجَة الخ. يَعْنِي إِن كَانَ الْعرف أَن الزَّوْج لَا يتَصَرَّف لزوجته وإلاَّ فَهُوَ وَكيل بِالْعَادَةِ كَمَا مرّ. وَفهم من قَوْله قَائِم بالفور أَن الزَّوْجَة وَالْمُوكل حاضران بِالْبَلَدِ، وَأما إِن كَانَا غائبين وَقبض الْوَكِيل وَمَات فِي غيبتهما فَذَلِك فِي مَاله من غير تَفْصِيل، وَفِي ابْن سَلمُون وَمن وكّل وَكيلا على النّظر فِي غلاته وَغَابَ ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 قدم وَقد مَاتَ الْوَكِيل حلف المكترون لحوانيته ودوره وَكَانَ القَوْل قَوْلهم وَرجع هُوَ بِهِ فِي مَال الْوَكِيل إِلَّا أَن يذكر لذَلِك سَببا قبل مَوته من سَبَب أَو إِنْفَاق يعرف وَكَذَلِكَ الْوَصِيّ اه. قلت: ويقيد بِمَا يَأْتِي فِي بَاب الْكِرَاء من أَن القَوْل للمكتري فِي سالف الْمدَّة مَا عدا شَهْرَيْن من آخرهَا فَإِن القَوْل فيهمَا قَول الْمكْرِي إِنَّه لم يقبض كراءهما على مَا بِهِ الْعَمَل بفاس قَالَه المكناسي وَغَيره، وَكَذَا يُقيد أَيْضا بِمَا فِي الْمعِين من أَن الْوَكِيل أَو الزَّوْج إِذا أقرّ عِنْد سفرهما أَو مرضهما أَو دون ذَلِك بِبَقَاء ذَلِك بأيديهما، ثمَّ اخْتلفَا بعد ذَلِك أَو بعد الصِّحَّة أَو الْقدوم لكلف الْوَكِيل الْبَيِّنَة على الدّفع وإلاَّ حلف الآخر وَغرم اه. وَإِذا كَانَ يُكَلف الْبَيِّنَة فِي الْحَيَاة فَكَذَلِك فِي الْمَوْت لِأَنَّهُ بِإِقْرَارِهِ صَار كَالدّين فِي ذمَّته كَمَا صرح بِهِ فِي الْمعِين أثر مَا مر عَنهُ، وَمَفْهُوم قَوْله: وَمَوْت الخ. أَن الْعَزْل لَيْسَ كَذَلِك بل يصدق الْوَكِيل إِن ادّعى الدّفع قبل الْعَزْل على الْمَشْهُور كَمَا مرّ لَا أَن ادَّعَاهُ بعده فَلَا يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ بعد الْعَزْل لَيْسَ أَمينا لَهُ. (بَاب الصُّلْح) وَهُوَ لُغَة قطع الْمُنَازعَة مَأْخُوذ من صلح الشَّيْء بِفَتْح اللَّام وَضمّهَا إِذا كمل وَهُوَ يذكر وَيُؤَنث. وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى: لَا خير فِي كثير من نَجوَاهُمْ} (النِّسَاء: 114) الْآيَة. وَقَوله تَعَالَى: وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا} إِلَى قَوْله: فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يصلحا} (النِّسَاء: 128) وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين إِلَّا صلحا حرم حَلَالا أَو أحل حَرَامًا والمسلمون على شروطهم إِلَّا شرطا حرم حَلَالا أَو أحل حَرَامًا) . وَقَوله: حرم حَلَالا أَي كصلحه على دَنَانِير بِثَوْب على أَنه لَا يلْبسهُ أَو لَا يَبِيعهُ. وَاصْطِلَاحا قَالَ ابْن عَرَفَة: هُوَ الِانْتِقَال عَن حق أَو دَعْوَى بعوض لرفع نزاع أَو خوف وُقُوعه. الْبُرْزُليّ: وَصلح الْمَوَارِيث أخص وَهُوَ مُعَاوضَة عَن دَعْوَى تنقل الْوَارِث عَن نصِيبه اه. فَقَوله عَن حق يدْخل فِيهِ صلح الْإِقْرَار. وَقَوله: أَو دَعْوَى بعوض هُوَ صلح الْإِنْكَار، وَقَوله: بعوض مُتَعَلق بانتقال وَيخرج بِهِ الِانْتِقَال بِغَيْر عوض، وَقَوله: لرفع نزاع أَو خوف الخ. يخرج بِهِ الِانْتِقَال لغير رفع وَلَا لخوف وكبيع الدّين وَنَحْو ذَلِك من الْبياعَات وَيدخل فِي قَوْله: أَو خوف الصُّلْح عَن إِقْرَار أَو إِنْكَار مِثَال الأول أَن يقر لَهُ بِثَوْب مثلا وَخَافَ إِن طَالبه بِهِ خاصمه وَأطلق فِي الْحق فَيشْمَل الِانْتِقَال عَن بعضه أَو عَن كُله فَيسْقط اعْتِرَاض (ح) وَقَول طفي: لَا نسلم أَن الصُّلْح هُوَ الِانْتِقَال بل هُوَ مُعَاوضَة والانتقال مَعْلُول لَهَا كالانتقال فِي البيع مُفَرع عَنهُ مَعْلُول لَهُ الخ. يُرِيد بِأَن الِانْتِقَال لَازم لعقد الْمُعَاوضَة فتعريف ابْن عَرَفَة لَهُ تَعْرِيف بالخاصة اللَّازِمَة كالضاحك فِي تَعْرِيف الْإِنْسَان على أَن عقد الْمُعَاوضَة والانتقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 بعوض بِمَعْنى وَاحِد وَكَيْفِيَّة وثيقته ستأتي عِنْد قَوْله: وَلَا بِإِعْطَاء من الْوَارِث الخ. والصُّلْحُ جائِزٌ بالاتِّفاقِ ل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; كِنَّهُ لَيْسَ عَلَى الإطْلاَقِ (وَالصُّلْح) مُبْتَدأ (جَائِز) خَبره (بالِاتِّفَاقِ) يتَعَلَّق بِهِ (لكنه) حرف اسْتِدْرَاك وَالضَّمِير اسْمه وَهُوَ عَائِد على الْجَوَاز الْمَفْهُوم من جَائِز (لَيْسَ) فعل نَاقص وَاسْمهَا ضمير الْجَوَاز أَيْضا (على الْإِطْلَاق) خبر لَيْسَ وَالْجُمْلَة خبر لَكِن، وَالْمرَاد بِالْجَوَازِ الْإِذْن فَيشْمَل المستوى الطَّرفَيْنِ وَالْمَنْدُوب وَالْوَاجِب أَي فَيجوز لِلْخَصْمَيْنِ فعله وَقد ينْدب لَهما أَو يجب، وَكَذَا ينْدب للْقَاضِي أَن يَأْمر بِهِ أَو يجب كَمَا تقدم فِي قَول النَّاظِم: مَا لم يخف بنافذ الْأَحْكَام فتْنَة أَو شحناً أولي الْأَرْحَام وَخرج بالاستدراك الْحَرَام وَالْمَكْرُوه فَيفْسخ فِي الْحَرَام ويمضي فِي الْمَكْرُوه، وَقَول أصبغ ينفذ الْحَرَام ويمضي مُرَاده بالحرام مَا حرم على دَعْوَى أَحدهمَا دون الآخر كَمَا يَأْتِي لَا الْحَرَام مُطلقًا وَإِلَّا لم يَسعهُ أَن يَقُول بِالْفَسْخِ فِيمَا إِذا اتّفقت دعواهما عَلَيْهِ فإطلاق ابْن سَلمُون وضيح وَغَيرهمَا قَول أصبغ لإمضاء الْحَرَام غير سديد، وَالْمرَاد بالمكروه مَا هُوَ مَمْنُوع على ظَاهر الحكم انْظُر الْمجَالِس المكناسية، وَهَذَا هُوَ الْمَكْرُوه الَّذِي خَالف فِيهِ ابْن الْمَاجشون. وَقَالَ: يفْسخ بالحدثان مَا لم يطلّ، وَأما الْمَكْرُوه الْمَحْض فيمضي قطعا. ابْن عَرَفَة: وَهُوَ من حَيْثُ ذَاته مَنْدُوب إِلَيْهِ وَقد يعرض وُجُوبه عِنْد تعين مصلحَة أَي كَقَوْلِه تَعَالَى: وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا} (الحجرات: 9) الْآيَة. وحرمته وكراهته لاستلزامه مفْسدَة وَاجِبَة الدرء أَو راجحته. ابْن رشد: لَا بَأْس بندب القَاضِي الْخَصْمَيْنِ إِلَيْهِ مَا لم يتَبَيَّن الْحق لأَحَدهمَا وَإِن أَبَاهُ أَحدهمَا فَلَا يلح عَلَيْهِمَا إلحاحاً يُوهم الْإِلْزَام. الْبُرْزُليّ: وَقد عزل ابْن عبد السَّلَام بعض الْقُضَاة لما جبرهما عَلَيْهِ اه. قلت: وَهُوَ يَقْتَضِي أَن ذَلِك جرحة فِيهِ، وَقد تقدم عِنْد قَول النَّاظِم: وَالصُّلْح يَسْتَدْعِي لَهُ إِن أشكلا ... الخ. أَن الْخصم إِذا صَالح أَو رَضِي الْيَمين لاضطراره بالحكم لَا يلْزمه شَيْء من ذَلِك، وَشَمل كَلَام النَّاظِم: الصُّلْح على الْإِقْرَار وعَلى الْإِنْكَار قَالَ فِي الْمُفِيد: اتّفق الْعلمَاء على جَوَاز الصُّلْح على الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار إِن كَانَ عَن طوع من المتصالحين اه. وَفِي مسَائِل القَاضِي عبد الْوَهَّاب الصُّلْح على الْإِنْكَار جَائِز عندنَا. وَعند أبي حنيفَة وَأَصْحَابه وَجَابِر بن زيد وَالشعْبِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ. وَقَالَ الشَّافِعِي: الصُّلْح بَاطِل وَلَا يملك الْمُدَّعِي مَا يَأْخُذهُ من الصُّلْح، وَيجب عَلَيْهِ أَن يردهُ، وَبِه قَالَ ابْن أبي ليلى اه وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون، فمراد النَّاظِم اتِّفَاق أهل الْمَذْهَب وَمَا نَقله عِيَاض عَن ابْن الجهم عَن بعض الْأَصْحَاب من عدم جَوَازه فِي الْإِنْكَار بلغ الْغَايَة فِي الشذوذ بِحَيْثُ لَا يَنْبَغِي أَن يعْتَبر، وَلما قدم أَنه غير جَائِز على الْإِطْلَاق بَين وَجه ذَلِك فَقَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 وَهُوَ كَمِثْلِ البَيْع فِي الإقْرارِ كَذَاكَ لِلْجُمْهُورِ فِي الإنْكَارِ (وَهُوَ كَمثل البيع فِي الْإِقْرَار كَذَاك لِلْجُمْهُورِ فِي الْإِنْكَار) أَي إِنَّمَا لم يجز على الْإِطْلَاق لِأَنَّهُ مثل البيع وَالْبيع مِنْهُ مَا هُوَ جَائِز وَغير جَائِز فَهُوَ كالتعليل لعدم الْجَوَاز على الْإِطْلَاق، لَكِن الصُّلْح على الْإِقْرَار تعْتَبر فِيهِ شُرُوط البيع وَانْتِفَاء مانعه اتِّفَاقًا. وَكَذَا الصُّلْح على الْإِنْكَار تراعى فِيهِ شُرُوط البيع أَيْضا وَانْتِفَاء موانعه على دَعْوَى الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ، وَظَاهر الحكم على مَذْهَب مَالك وَجُمْهُور أَصْحَابه وَهُوَ الْمَشْهُور الَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ (خَ) وَغَيره خلافًا لِابْنِ الْقَاسِم فِي اشْتِرَاطه شُرُوط البيع فِي دَعْوَى الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ فَقَط، ولأصبغ فِي اشْتِرَاطه عدم اتِّفَاق دعواهما على فَسَاد مِثَال المتوفر للشروط أَن يَدعِي عَلَيْهِ بِعشْرَة حَالَة فَأقر بهَا أَو أنكرها فَصَالحه بِثمَانِيَة حَالَة أَو بِعرْض حَال، وَمِثَال الْمُمْتَنع على ظَاهر الحكم فَقَط أَن يَدعِي بِمِائَة دِرْهَم حَالَة فيصالحه على أَن يُؤَخِّرهُ بهَا إِلَى شهر أَو على خمسين مِنْهَا يَدْفَعهَا عِنْد الشَّهْر، فَالصُّلْح جَائِز على دَعْوَى الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ لِأَن الأول أَخّرهُ بِالْكُلِّ أَو بِالْبَعْضِ وَأسْقط الْبَاقِي وَالثَّانِي افتدى من الْيَمين وممتنع على ظَاهر الحكم لِأَنَّهُ سلف جر نفعا، فَهَذَا مَمْنُوع عِنْد الْجُمْهُور لعدم انْتِفَاء مَانع البيع الَّذِي هُوَ الْقَرْض هُنَا جَائِز عِنْد ابْن الْقَاسِم وَأصبغ، وَمِثَال الْمُمْتَنع على دعواهما مَعًا فَقَط أَن يدعى عَلَيْهِ بِدَرَاهِم وَطَعَام من بيع فَيقر بِالطَّعَامِ وينكر الدَّرَاهِم فيصالحه على طَعَام مُؤَجل أَكثر من طَعَامه أَو يعْتَرف بِالطَّعَامِ ويصالحه على دَنَانِير مُؤَجّلَة أَو على دَرَاهِم أَكثر من دَرَاهِمه، فَلَا يجوز اتِّفَاقًا لما فِيهِ من سلف بِزِيَادَة على دَعْوَى الْمُنكر، وَمن فسخ الدّين على دَعْوَى الْمُدَّعِي وَمن الصّرْف الْمُؤخر فِي الصُّلْح بِدَنَانِير، وَمِثَال مَا يمْتَنع على دَعْوَى الْمُدَّعِي وَحده أَن يَدعِي بِدَنَانِير فيصالحه بِدَرَاهِم لأجل فَيمْتَنع على دَعْوَاهُ، وَيجوز على دَعْوَى الْمُنكر لِأَنَّهُ افتداء فَهَذَا جَائِز عِنْد أصبغ مُمْتَنع عِنْد غَيره، وَمِثَال مَا يمْتَنع على دَعْوَى الْمُدعى عَلَيْهِ أَن يدعى بِطَعَام من قرض فَيَقُول الْمُنكر: بل من سلم فيصالحه بِدَرَاهِم حَالَة فَلَا يجوز على دَعْوَى الْمُنكر لِأَنَّهُ بيع للطعام قبل قَبضه جَائِز على دَعْوَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 الآخر، وَإِذا قُلْنَا بِجَوَاز الصُّلْح على الْإِنْكَار بِشُرُوطِهِ فَإِنَّمَا ذَلِك فِي ظَاهر الْأَمر، وَأما فِي بَاطِن الْأَمر فَلَا يحل للظالم مِنْهُمَا فَإِن كَانَ هُوَ الْمُنكر فَهُوَ غَاصِب فِي الْبَاقِي عِنْده حَتَّى يُوفيه وَإِن كَانَ هُوَ الْمُدَّعِي فَكَذَلِك حَتَّى يرد مَا أَخذ (خَ) وَلَا يحل لظَالِم الخ. فمقابل الْجُمْهُور فِي النّظم هُوَ قَول ابْن الْقَاسِم وَأصبغ لَا مَا حَكَاهُ ابْن الجهم عَن بعض الْأَصْحَاب لِأَن كَلَامه لَيْسَ فِي جَوَاز الصُّلْح على الْإِنْكَار بل فِي كَونه مثل البيع، أما جَوَازه فمستفاد من عُمُوم الْبَيْت قبله كَمَا مرّ. وَمرَاده بِالْبيعِ البيع الْأَعَمّ الشَّامِل للقرض وَالصرْف وَالْإِجَارَة وَغير ذَلِك إِذْ الْجَمِيع بيع فِي الْحَقِيقَة كَمَا يَأْتِي، وَهَذَا إِن كَانَ على مَا يُخَالف الْمُدَّعِي بِهِ جِنْسا أَو صفة فَإِن كَانَ على بعض الْمُدَّعِي بِهِ فَهُوَ هبة. وَترك النَّاظِم هَذَا الْقسم لوضوحه فالكاف فِي قَوْله كَمثل زَائِدَة وَهُوَ خبر عَن الضَّمِير الْمُنْفَصِل، وَفِي الْإِقْرَار حَال من الضَّمِير فِي مثل لِأَنَّهُ بِمَعْنى مماثل، وَقَوله كَذَلِك خبر عَن مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي وَهُوَ كَذَلِك الخ. والمجروران بعده فِي مَوضِع الْحَال من الضَّمِير فِي الْخَبَر. فَجَائِزٌ فِي البَيْع جازَ مُطْلَقا فِيهِ وَمَا اتُّقِي بِيْعاً يُتَّقَى (فَجَائِز) مُبْتَدأ سوغه تعلق (فِي البيع) بِهِ (جَازَ) خَبره (مُطلقًا) حَالا (فِيهِ) يتَعَلَّق بجاز (وَمَا) مُبْتَدأ (اتَّقى) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صلته (بيعا) مَنْصُوب على إِسْقَاط الْخَافِض (يتقى) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر عَن الْمَوْصُول وَلَيْسَ فِي هَذَا زِيَادَة على مَا أفهمهُ الْبَيْت الَّذِي قبله أَي فَيجوز الصُّلْح عَن دين بِمَا يُبَاع بِهِ كدراهم فِي الذِّمَّة يُصَالح عَنْهَا بِعرْض حَال، وَبِالْعَكْسِ لِأَنَّهُ مَحْض بيع وكدراهم حَالَة يُصَالح عَنْهَا بِدَنَانِير نَقْدا. وَبِالْعَكْسِ لِأَنَّهُ مَحْض صرف وكذهب حَال يُصَالح بِبَعْضِه نَقْدا أَو دَرَاهِم حَالَة بِبَعْضِهَا كَذَلِك لِأَنَّهُ مَحْض هبة وَكَذَا بذلك الْبَعْض أَو الْكل إِلَى أجل إِن كَانَ عَن إِقْرَار لَا عَن إِنْكَار لِأَن التَّأْخِير بِالْبَعْضِ الْمصَالح بِهِ سلف جر نفعا بِسُقُوط الْيَمين عَنهُ بِتَقْدِير نُكُول الْمُدعى عَلَيْهِ وانقلابها وبعدم ضيَاع حَقه كُله بِتَقْدِير حلف الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور، وَهَكَذَا يُقَال فِي جَمِيع الصُّور الَّتِي فِيهَا الصُّلْح على الْإِنْكَار بِالْكُلِّ إِلَى أجل أَو الْبَعْض إِلَى أجل، وَقَوله: يَتَّقِي أَي يمْتَنع فَيمْتَنع بِمَجْهُول أَو غرر أَو إِن دَعَا إِلَى ضع وتعجل أَو حط الضَّمَان وَأَزِيدك أَو سلف جر نفعا أَو ضَمَان بِجعْل أَو صرف مُؤخر أَو بدل كَذَلِك أَو بيع للطعام قبل قَبضه أَو بيع ذهب بِذَهَب مَعَهُمَا أَو مَعَ أَحدهمَا غَيره أَو فضَّة كَذَلِك أَو بيع لحم بحيوان أَو بيع دين بدين أَو فسخ دين فِي دين، أَو دوران الْفضل من الْجَانِبَيْنِ كصلحه بِذَهَب أقل مِمَّا عَلَيْهِ مَعَ اخْتِلَافهمَا سكَّة وصياغة أَو جودة ورداءة أَو بِفِضَّة كَذَلِك وَهَكَذَا. وَهَذَا كُله يدْخل تَحت الْكَاف فِي قَوْله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 كالصُّلْحِ بِالْفِضَّة أَو بِالذَّهبِ تَفَاضُلاً أَو بِتأخُّر أُبي (كالصلح) عَن إِقْرَار أَو إِنْكَار (بِالْفِضَّةِ أَو بِالذَّهَب) عَن مثليهما (تفاضلاً) لما فِي ذَلِك من رَبًّا الْفضل (أَو) الصُّلْح بأحدها عَن الآخر (بتأخر) أَي مَعَ تَأْخِير (أُبي) أَي منع مثله فِي الصّرْف لَا التَّأْخِير الَّذِي لَا يمْنَع مثله كحل صرة أَو استقرضه من رجل بجانبه فَلَا يمْنَع وأبى آخر الْبَيْت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صفة لتأخير، وَقَوله: كالصلح خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي وَذَلِكَ كالصلح الخ. وتفاضلا حَال بِمَعْنى مُتَفَاضلا. والصُّلْحُ بِالْمَطْعُومِ فِي الْمُطْعُومِ نَسِيئَةً رُدَّ عَلَى العُمومِ (وَالصُّلْح) مُبْتَدأ (بالمطعوم فِي) أَي عَن (المطعوم) تفاضلا فِي الْجِنْس الْوَاحِد أَو (نَسِيئَة) فِي الْمُتَّفق والمختلف (رد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر (على الْعُمُوم) يتَعَلَّق بِهِ كَانَا فِي مَسْأَلَة النَّسِيئَة ربويين أَو أَحدهمَا أم أقل من الْمصَالح عَنهُ أَو أَكثر ونسيئة حَال. والوَضْعُ منْ دَينٍ عَلَى التَّعْجِيلِ أَوِ المَزِيدُ فِيهِ للتَّأْجِيلِ (والوضع) مُبْتَدأ (من دين على التَّعْجِيل) ينطقان بِهِ كَأَن يَدعِي عَلَيْهِ بِعشْرَة دَنَانِير أَو عشرَة أَثوَاب فَأقر بذلك أَو أنكرهُ وَصَالَحَهُ على ثَمَانِيَة مُعجلَة لما فِيهِ من ضع وتعجل، وَهُوَ مُمْتَنع فِي الْعين وَغَيرهَا بِخِلَاف حط الضَّمَان وَأَزِيدك فَهُوَ خَاص بِغَيْر الْعين كَأَن يَدعِي عَلَيْهِ بِعشْرَة أَمْدَاد أَو أَثوَاب إِلَى شهر، فَيقر أَو يُنكر وَصَالَحَهُ على اثْنَي عشر مُؤَجّلَة أَو ثَمَانِيَة مُعجلَة. وَوجه الْمَنْع فِي الأول أَن من عجل مَا أجل يعد مسلفاً فقد أسلف الْآن ثَمَانِيَة ليقتضي عِنْد الْأَجَل عشرَة من نَفسه، وَكَذَا فِي الثَّانِي لِأَنَّهُ قد انْتفع على سلفه الَّذِي هُوَ تَعْجِيله قبل أَجله بحطيطة الضَّمَان عَنهُ وَلِأَن فِيهِ أَيْضا ضمانا بِجعْل لِأَنَّهُ أَدخل الثِّيَاب فِي ضَمَانه بِجعْل وَهُوَ الزِّيَادَة. (أَو الْمَزِيد) مَعْطُوف على الْمُبْتَدَأ (فِيهِ للتأجيل) يتعلقان بِهِ أَيْضا لما فِيهِ من سلف بِزِيَادَة كَانَ الصُّلْح عَن إِقْرَار أَو إِنْكَار وَخبر الْمُبْتَدَأ مَحْذُوف أَي والوضع مِنْهُ أَو الزِّيَادَة فِيهِ مَرْدُودَة كَذَلِك. وَالْجَمْعُ فِي الصُّلْحِ لبيْعٍ وسَلَفْ ومَا أَبانَ غَرَراً بِذَا اتَّصَفْ (وَالْجمع) مُبْتَدأ (فِي الصُّلْح لبيع) يتعلقان بِهِ (وَسلف) مَعْطُوف على مَا قبله كَأَن يَدعِي عَلَيْهِ بِدِينَار حَال فَيقْرَأ وينكر وَصَالَحَهُ على أَن يَأْخُذ مِنْهُ ثوبا أَو طَعَاما أَو عبدا بِنصْف دِينَار وأخره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 بِالنِّصْفِ الآخر إِلَى أجل. (وَمَا) مَوْصُول مَعْطُوف على الْمُبْتَدَأ وَجُمْلَة (أبان غرراً) صلته كَأَن يصالحه عَمَّا أقرّ بِهِ أَو أنكرهُ بِعَبْد آبق أَو بعير شارد أَو بِمَجْهُول كحظ من دَار لَا يعرفان أَو أَحدهمَا قدره (بذا) يتَعَلَّق بقوله (اتّصف) وَالْإِشَارَة للْمَنْع وَالرَّدّ وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ وَمَا عطف عَلَيْهِ. وَالصُّلْحُ بالطَّعَام قَبْلَ القَبْضِ مِنْ ذِمَّةٍ فَذَاكَ غَيْرُ مَرْضِي (وَالصُّلْح) مُبْتَدأ (بِالطَّعَامِ) يتَعَلَّق بِهِ (قبل الْقَبْض) حَال (من ذمَّة) يتَعَلَّق بِالْقَبْضِ أَو حَال من الطَّعَام وَمن بِمَعْنى فِي (فَذَاك) مُبْتَدأ (غير) خَبره (مرضِي) بِفَتْح الْمِيم وَكسر الضَّاد وَتَخْفِيف الْيَاء للضَّرُورَة لِأَن أَصْلهَا التَّشْدِيد مُضَاف إِلَيْهِ، وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ وَدخلت الْفَاء عَلَيْهِ لعُمُوم الْمُبْتَدَأ، وَإِنَّمَا لم يجز بِالطَّعَامِ الْمَذْكُور لِأَنَّهُ بيع لَهُ قبل قَبضه كَانَ عَن إِقْرَار أَو إِنْكَار، وَهَذَا إِنَّمَا يَأْتِي فِي الطَّعَام الَّذِي فِي الذِّمَّة من بيع فَلَو قَالَ بيعَة بدل قَوْله ذمَّة لأجاد ليخرج طَعَام الْقَرْض وَالْأَمَانَة ثمَّ يَقُول فِي الشّطْر الأول بعده. فَإِن يكن قرضا أَو الْأَمَانَة الخ. وإنْ يَكُنْ يُقْبَضُ مِنْ أمَانَهْ فَحالةُ الجوَّازِ مُسْتَبَانَهْ (فَإِن يكن) شَرط واسْمه ضمير الطَّعَام (يقبض) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر يكن (من أَمَانه) يتَعَلَّق بِهِ (فحالة الْجَوَاز مستبانة) مُبْتَدأ وَخبر الْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط، وَلما كَانَ فِي قَول النَّاظِم وَهُوَ كَمثل البيع نوع خَفَاء أَشَارَ بِهَذِهِ الأبيات على سَبِيل التَّمْثِيل لإيضاح وَجه كَونه مثل البيع، وإلاَّ فمسائله كَثِيرَة لَا تَنْحَصِر فِيمَا ذكر ولكثرتها وتشعبها قَالَ بَعضهم: من أتقن بَاب الصُّلْح وبيوع الْآجَال فقد أتقن مَذْهَب مَالك وَقَول بَعضهم فِي جمع الْمسَائِل الَّتِي تتقى هُنَا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 جهلا وفسناً ونسا وَحط ضع وَالْبيع قبل الْقَبْض إِن صالحت دع وغرراً وسلفاً مَعَ بيع وسلفاً مقترناً بنفع وَاضح قصوره مِمَّا مرّ من الْأَمْثِلَة وَمَا أحسن قَول النَّاظِم: وَهُوَ كَمثل البيع الخ (خَ) : الصُّلْح على غير الْمُدعى بِهِ بيع أَو إِجَارَة وعَلى بعضه هبة الخ. والأولان داخلان فِي النّظم كَمَا مرّ، وَتقدم أَنه ترك الثَّالِث لوضوحه أَو هبة للْبَعْض الْمَتْرُوك وَهِي لَازِمَة إِن قبلهَا فِي حَيَاة الْوَاهِب لِأَنَّهَا مَقْبُوضَة لَا إِن ردهَا أَو سكت حَتَّى مَاتَ فَلَا تلْزم، وَإِن حلت لَك عَلَيْهِ عشرَة فَقلت لَهُ: إِن أتيتني بِخَمْسَة لشهر أسقطت عَنْك مَا بَقِي لزمك ذَلِك إِن أَتَى بهَا عِنْد الشَّهْر فَإِن أَتَى بهَا بعده بِيَوْم أَو بَقِي مِنْهَا دِرْهَم لم يلزمك كَمَا فِي الالتزامات وَصُورَة الْإِجَارَة أَن يَدعِي عَلَيْهِ بِمعين كَثوب حَاضر مثلا فَيقر أَو يُنكر ويصالحه بمنافع مُعينَة أَو مَضْمُونَة لَا إِن ادّعى بِغَيْر معِين كدراهم فَيمْنَع لِأَنَّهُ فسخ دين فِي دين لِأَن قبض الْأَوَائِل لَيْسَ كقبض الْأَوَاخِر على الْمَذْهَب، ثمَّ هَذِه الْأَقْسَام الثَّلَاثَة تجْرِي فِي كل من صلح الْإِقْرَار أَو الْإِنْكَار أَو السُّكُوت. أما الْإِقْرَار فَظَاهر، وَأما الْإِنْكَار فبالنظر للْمُدَّعِي بِهِ، وَأما السُّكُوت فَهُوَ رَاجع إِلَى أَحدهمَا. تَنْبِيه: صلح الرَّاعِي فِيمَا وَجب عَلَيْهِ غرمه بتفريط وَنَحْوه يجْرِي على مَا مرّ فَإِن عرفت قيمَة الْمُسْتَهْلك جَازَ كَانَ الْمصَالح بِهِ قدر الْقيمَة أَو أقل أَو أَكثر، وَإِن صَالح بمؤخر بعد معرفَة الْقيمَة جَازَ أَيْضا إِن كَانَ بِدَرَاهِم قدر الْقيمَة أَو أقل، وَلَا يجوز بِأَكْثَرَ وَإِن صَالح بمؤخر غير دَرَاهِم كعرض منع مُطلقًا، وَإِن وَقع الصُّلْح قبل معرفَة الْقيمَة فَهُوَ فَاسد على الْأَصَح لِأَن الصُّلْح بيع للقيمة وَهِي قبل مَعْرفَتهَا مَجْهُولَة، وَكَذَا إِن قتل بقرة مثلا فَلَا يجوز لَهُ الصُّلْح بِمِثْلِهَا قبل فَوَات لَحمهَا لِأَنَّهُ من بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ إِذْ رَبهَا مُخَيّر فِي أَخذ لَحمهَا أَو قيمتهَا فَإِن فَاتَ وَعرفت قيمتهَا جَازَ حِينَئِذٍ وَتَأمل قَول (خَ) فِي الصُّلْح وَإِن صَالح بمؤخر عَن مستهلك الخ. ثمَّ إنَّهُمَا يرجعان للخصومة فِي جَمِيع الصُّور الممنوعة إِلَّا أَن يستأنفا صلحا آخر، فَإِن فَاتَ الْمصَالح بِهِ كعرض قبل فَسخه صحّح بِالْقيمَةِ كَمَا يصحح البيع الْحَرَام إِذا فَاتَ. ابْن سَلمُون: وَإِذا فَاتَ الصُّلْح الَّذِي يَقع بِهِ الْحَرَام فسخ وَصحح بِالْقيمَةِ اه. وَتَأمل قَول (خَ) آخر الِاسْتِحْقَاق وَقَول النَّاظِم فِيمَا يَأْتِي: وَلَا يجوز نقض صلح أبرما الخ. وَإِنَّمَا أَشَرنَا إِلَى هَذَا الْفِقْه هُنَا وَإِن كَانَ هُوَ مضمن قَول النَّاظِم الْآتِي: وَإِن يفت مَا الصُّلْح فِيهِ يطْلب ... الخ. تدريباً وتمريناً وإجراء على مَا مرّ فِي النّظم وَلذَا كَانَ حق النَّاظِم أَن يقدم ذَلِك الْبَيْت هُنَا كَمَا أَن حَقه أَن يقدم قَوْله: وَلَا يجوز نقض صلح أبرما ... الخ. وَالْبَيْت الَّذِي بعده لِأَن ذكر ذَلِك كُله هُنَا أنسب وأقعد بالْمقَام وَمثل الرَّاعِي فِيمَا ذكر الْغَاصِب والمكتري وَالْمُرْتَهن والصانع وَالسَّارِق إِذا صَالحُوا فِيمَا يجب عَلَيْهِم غرمه فَإِن وجدوا مَا ادعوا تلفه بعد الصُّلْح فَهُوَ لَهُم إِلَّا أَن يموهوا فِي الذَّات فَيكون لرَبه فَإِن موهوا فِي الصّفة فَيرجع عَلَيْهِم بِفضل الْغَيْبَة. وَكَذَا إِن ادّعى عَلَيْهِ بِسَرِقَة فَصَالح وَهُوَ مُنكر ثمَّ وجد فَهُوَ لَهُ، فَإِن صَالح على شَرط إِن وجد فَهُوَ لرَبه فَالظَّاهِر فَسَاده للتردد بَين السلفية والثمنية، وَتَأمل قَول (خَ) فِي الْغَصْب وَملكه إِن اشْتَرَاهُ أَو غرم قِيمَته الخ. وَإِن وجد الْغَارِم فِي الْمصَالح بِهِ عَيْبا فَلَيْسَ لَهُ الْقيام بِهِ لثقل الْخُصُومَة كَمَا فِي (ز) وَإِذا اسْتهْلك عجلاً يمنح بِهِ فَإِنَّهُ يغرم قِيمَته على أَنه يمنح بِهِ فَيُقَال مَا قيمَة هَذَا الْعجل أَو الخروف على أَنه يمنح بِهِ قَالَه القوري، وَإِذا اشْترى عبدا وَنَحْوه بِمِائَة ونقدها فَاطلع على عيب وأثبته أَو أقرّ بِهِ البَائِع فَصَالحه على ترك الْقيام بِهِ بمعجل كعشرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 دَنَانِير من سكَّة نَقده أَو عرض جَازَ اتِّفَاقًا. وَكَذَا إِن تَأَخّر الْعرض الْمَوْصُوف أَو الْعشْرَة بِغَيْر شَرط لَا بِعشْرَة مُؤَجّلَة أَو حَالَة من سكَّة أُخْرَى أَو بِعرْض مُؤَجل وَلَو وصف فَيمْنَع لِأَن الصُّلْح على الْعَيْب ابْتِدَاء بيع بعد فسخ الأول على الْمَشْهُور، وَلما فسخ ترَتّب للْمُشْتَرِي فِي ذمَّة البَائِع مائَة أَخذ عَن تسعين مِنْهَا عبدا، وَالْعشرَة الَّتِي أَخّرهُ بهَا سلف فَصَارَ الصُّلْح مُشْتَمِلًا على البيع وَالسَّلَف بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعشْرَة وعَلى فسخ دين فِي دين بِالنِّسْبَةِ للعرض، وعَلى بيع ذهب وَعبد بِذَهَب فِي الْعشْرَة الَّتِي من سكَّة أُخْرَى، وَأَجَازَ ذَلِك أَشهب بِنَاء على أَن البيع الأول لم يفْسخ وَسبب الْخلاف اخْتلَافهمْ فِيمَن ملك أَن يملك هَل يعد مَالِكًا أم لَا؟ فَابْن الْقَاسِم وَالْمَشْهُور أَي أَن المُشْتَرِي لما كَانَ قَادِرًا على حل البيع صير البيع منحلاً، وَأَشْهَب رأى أَن الْقُدْرَة على حل البيع أَعم من حلّه وَلَا يلْزم من وجود الْأَعَمّ وجود الْأَخَص ابْن عبد السَّلَام: وَهَذَا أصح فَلَو صَالح قبل نقدها بتسعين وَتَأْخِير الْعشْرَة الْبَاقِيَة إِلَى شهر مثلا، فالجواز على الْمَشْهُور دون الشاذ لِأَنَّهُ على الْمَشْهُور بيع مُسْتَأْنف بِحَال وَهُوَ التِّسْعُونَ الَّتِي يعجلها المُشْتَرِي ومؤجل وَهُوَ الْعشْرَة الْبَاقِيَة أَو الْعرض الْمَوْصُوف، وعَلى الشاذ أَخّرهُ البَائِع بِالْعشرَةِ الْبَاقِيَة أَو الْعرض ليترك الْعَيْب، فالتأخير سلف جر نفعا بِالنِّسْبَةِ للعشرة وَفسخ دين فِي دين بِالنِّسْبَةِ للعرض لِأَن البَائِع وَجب لَهُ على المُشْتَرِي عشرَة بَقِيَّة الْمِائَة فَسخهَا فِي عرض إِلَى أجل، وَهَذَا كُله إِذا لم يفت العَبْد وَنَحْوه بِشَيْء من مفوتات الرَّد بِهِ كالتدبير فِي العَبْد وَالتَّفْصِيل فِي الشقة وَنَحْوهمَا، وإلاَّ فَلَا يجوز الصُّلْح إِلَّا إِذا علم قيمَة الْعَيْب وَلَو كَانَ البيع بِدَنَانِير نَقْدا وَقَبضهَا البَائِع وَالْمَبِيع دَارا أَو غَيرهَا فَقَامَ المُشْتَرِي بِعَيْب يُوجب الرَّد فاصطلحا على دَنَانِير منجمة لم يجز على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم لِأَنَّهُ إِن قدر ابْتِدَاء بيع بعد فسخ الأول دخله بيع وَسلف وَإِن قدر تتميماً للْأولِ دخله عرض وَذهب بِذَهَب مَعَ مَا فِيهِ من التَّأْخِير قَالَه الطرابلسي فِي تَقْيِيده على الْمُدَوَّنَة. ( فصل ) وَلِلأَبِ الصُّلْحُ عَلَى الْمَحْجُورِ وَلَوْ بِدُونِ حَقِّهِ المَأْثُورِ (وَللْأَب) خبر مقدم (الصُّلْح) مُبْتَدأ (عَن الْمَحْجُور) يتَعَلَّق بِهِ (وَلَو) إغيائية وَكَانَ مقدرَة بعْدهَا لقَوْل ابْن مَالك: ويحذفونها ويبقون الْخَبَر الخ (بِدُونِ) خبر كَانَ الْمقدرَة وَاسْمهَا ضمير يعود على الصُّلْح (حَقه) مُضَاف إِلَيْهِ (الْمَأْثُور) صفة لَهُ. إنْ خَشِيَ الفَوْتَ عَلَى جَمِيعِ مَا هُوَ بِهِ يَطْلُبُ مَنْ قَدْ خَصَمَا (إِن خشِي) شَرط (الْفَوْت) مَفْعُوله (على جَمِيع) يتَعَلَّق بِهِ (مَا) مُضَاف إِلَيْهِ (هُوَ) مُبْتَدأ يعود على الْأَب (بِهِ) يتَعَلَّق بقوله (يطْلب) بِضَم اللَّام مَبْنِيا للْفَاعِل (من) مفعول يطْلب وَجُمْلَة (قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 خصما) صلَة والرابط مَحْذُوف. وَالْجُمْلَة من يطْلب ومعموله خبر الْمُبْتَدَأ وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر صلَة مَا. والرابط هُوَ الْمَجْرُور بِالْبَاء وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ. وَالْمعْنَى أَن الْأَب يجوز لَهُ الصُّلْح عَن مَحْجُوره الصَّغِير أَو السَّفِيه ذكرا أَو أُنْثَى حَيْثُ سلم من الْمَوَانِع الْمُتَقَدّمَة وَلَو كَانَ الصُّلْح بِأَقَلّ من حَقه إِن خشِي أَي الْأَب فَوَات جَمِيع الْحق الَّذِي الْأَب يطْلب بِهِ من قد خَصمه لكَونه مُنْكرا وَلَا بَيِّنَة أصلا أَو يخْشَى تجريحها وسقوطها وصلحه مَحْمُول فِي ذَلِك على النّظر وَهُوَ مُصدق فِيمَا يذكر وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين أَن يُصَالح عَنهُ فِيمَا طلب لَهُ من حَقه أَو فِيمَا طلب بِهِ إِذا خشِي أَيْضا أَن يثبت عَلَيْهِ جَمِيع الْحق فيعطي بعض مَا يطْلب بِهِ كَمَا فِي الْبُرْزُليّ أَوَائِل الْبيُوع، وَمَفْهُوم الشَّرْط أَنه إِن كَانَ الْحق لَا خصام فِيهِ أَو فِيهِ خصام، لَكِن بِبَيِّنَة لَا يخْشَى عَلَيْهَا لَا يجوز صلحه بِأَقَلّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَظَر، فَإِن فعل كَانَ للمحجور الْقيام بِبَقِيَّة حَقه على الْغَرِيم، ثمَّ لَا رُجُوع للْغَرِيم على الْأَب إِلَّا أَن يكون ضمن لَهُ الدَّرك فَيرجع عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَإِن كَانَ الْغَرِيم عديماً فللمحجور الرُّجُوع على الْوَالِد قَالَه مَالك وَجَمِيع أَصْحَابه نَقله ابْن سَلمُون وَنَحْوه فِي الْمُفِيد وَفهم من هَذَا أَن تحمل الْأَب من بَاب الْحمل لَا من بَاب الْحمالَة، وإلاَّ لم يكن للْوَلَد رُجُوع على أَبِيه إِذْ لَو رَجَعَ عَلَيْهِ لرجع الْأَب عَلَيْهِ. وَقَالَ الْبُرْزُليّ فِي نَوَازِل الصُّلْح: وَإِن خَافَ الْمُدعى عَلَيْهِ أَن يولج الْمُدَّعِي الدَّعْوَى إِلَى غَيره، فليأخذ مِنْهُ بِالصُّلْحِ كَفِيلا على أَنه مَتى أدْركهُ فِيهِ دَرك من توليج أَو رفع إِلَى غَيره فالحميل ضَامِن بذلك فَإِن كَانَ كَذَلِك لزم الضَّامِن دَعْوَى الْمُدعى عَلَيْهِ اه. وَقد علمت بِهَذَا أَن التَّحَمُّل من الْأَب وَغَيره فِي مثل هَذَا مَحْمُول على الْحمل إِذْ لَا يقْصد بِهِ غَيره فِي مثل ذَلِك لِأَن الْخصم يقْصد بذلك التحصين لنَفسِهِ فَلَا معنى لحمله على الْحمالَة لكَون الْمقَام ينبو عَنهُ. وَقد قَالَ (خَ) فِي النِّكَاح: وَلَا يرجع أحد مِنْهُم إِلَّا أَن يُصَرح بالحمالة أَو يكون بعد العقد الخ. وَلَا فرق بَين الصُّلْح وَقيام الزَّوْجَة بضررها بعد الْخلْع وَغير ذَلِك كَمَا مرّ تَحْصِيله فِي بَاب الضَّمَان. وَفِي أَوَاخِر الكراس الأول من أنكحة اخْتِصَار الْبُرْزُليّ فِيمَن تزوج امْرَأَة لَهَا دَار فأباح لَهُ والدها أَو أمهَا أَو وصيها السُّكْنَى طول الْعِصْمَة وَالْتزم أحدهم ضَمَان الدَّرك فِي ذمَّته ثمَّ توفّي الضَّامِن فَإِنَّهُ يُوقف من تركته بِقدر أقل الزَّوْجَيْنِ عمرا وَنَحْوه فِي فصل الْمُتْعَة أَوَائِل النِّكَاح من ابْن سَلمُون ثمَّ قَالَ الْبُرْزُليّ: وَهَذَا إِذا فسرنا الدَّرك بِأَنَّهُ ضَمَان المَال وَإِن قُلْنَا ضَمَان الدَّرك هُوَ الْعهْدَة فِيمَا يلْحق من دَرك المحجورة فَينْظر فِي هَذَا حِينَئِذٍ هَل هُوَ صَلَاح لَهَا أم لَا؟ فَذكر أَن ضَمَان الدَّرك على وَجْهَيْن فَانْظُرْهُ. تَنْبِيه: قَالَ فِي الطرر: إِن صَالح الْأَب عَن ابْنه الصَّغِير اسْتَغْنَيْت فِي قطع الدَّعَاوَى عَن ذكر الاسترعاء وبيناته لِأَن استرعاءه لَا يعْمل فِي الصَّغِير لِأَن إِقْرَار أَبِيه غير لَازم، وَإِنَّمَا يحسن الاسترعاء أَن يستجلب بِهِ إِقْرَار من يلْزمه إِقْرَاره لغيره، وَكَذَا الْوَصِيّ فِيمَن يَلِي عَلَيْهِ. الْبُرْزُليّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 وَلِهَذَا لَا يبرأ عَنهُ إِلَّا فِي المعينات وَلَا يعمم الْإِبْرَاء، وَكَذَا فِي الأحباس وَمن فعل ذَلِك فَهُوَ جهل مِنْهُ اه. وَانْظُر آخر الْإِقْرَار من (ح) وَسَيَأْتِي حكم الْوَصِيّ ثمَّ اسْتثْنِي من مَفْهُوم الشَّرْط مَا إِذا عَفا الْأَب عَن نصف صدَاق الْبكر لِأَنَّهُ وَإِن لم يكن اسْتثِْنَاء صَرِيحًا فَهُوَ فِي قوته فَقَالَ: والبِكْرُ وَحْدَهَا تُخَصُّ هَا هُنَا بِعَفْوِهِ عَنْ مَهْرِهَا قَبْلَ الْبِنَا (وَالْبكْر) مُبْتَدأ (وَحدهَا) حَال من الضَّمِير فِي قَوْله: (تخص) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول عملا بقول ابْن مَالك. وَالْحَال إِن عرف لفظا فَاعْتقد تنكيره الخ. وَالْجُمْلَة خبر (هَهُنَا) اسْم إِشَارَة للمكان يتَعَلَّق بتخص لِأَنَّهُ ظرف (بعفوه) يتَعَلَّق بتخص أَيْضا (عَن مهرهَا قبل الْبَنَّا) ء يتعلقان بعفوه وضميره البارز يعود على الْأَب فَيخرج بذلك غَيره من جد ووصي وَنَحْوهمَا فَهَذَا الْبَيْت هُوَ قَوْله فِي الْخلْع: وَللْأَب التّرْك من الصَدَاق أَو وَضعه للبكر فِي الطَّلَاق وَظَاهره جَوَاز عَفوه قبل الْبناء سَوَاء طَلقهَا الزَّوْج أَو أَرَادَ إِِمْسَاكهَا وَهُوَ كَذَلِك فِيمَا بعد الطَّلَاق اتِّفَاقًا ظَهرت مصلحَة أم لَا لقَوْله تَعَالَى: إِلَّا أَن يعفون أَو يعْفُو الَّذِي} (الْبَقَرَة: 237) الْآيَة وَكَذَا فِيمَا إِذا أَرَادَ إِِمْسَاكهَا وَظَهَرت الْمصلحَة فيتفق على جَوَاز عَفوه كَمَا يتَّفق على الْمَنْع إِن تحقق عدمهَا فَإِن جهل الْحَال فَمَنعه مَالك لِأَن الأَصْل عدم الْمصلحَة وَأَجَازَهُ ابْن الْقَاسِم لِأَن أَفعاله مَحْمُولَة على الْمصلحَة حَتَّى يظْهر خلَافهَا. هَذَا أحد التَّأْويلَيْنِ والتأويل الآخر يَقُول: كل من مَالك وَابْن الْقَاسِم يَقُول بِجَوَاز عَفوه عِنْد جهل الْحَال لِأَن فعله حِينَئِذٍ مَحْمُول على الْمصلحَة، وَيحمل ظَاهر قَول مَالك لعدم جَوَازه قبل الطَّلَاق على مَا إِذا تحقق عدمهَا كَمَا مرّ، وعَلى هَذَا التَّأْوِيل فَلَا خلاف بَين الْإِمَامَيْنِ أصلا، وَبِهَذَا تعلم أَن التَّأْوِيل بالوفاق أرجح لمساعدته لما قَالُوهُ فِي غير مَا مَوضِع من أَن أَفعَال الْأَب مَحْمُولَة على الْمصلحَة، وَلِهَذَا أطلق النَّاظِم رَحمَه الله وَلم يُقيد بِكَوْنِهِ بعد الطَّلَاق وَلَا قبله وَإِلَى هَذِه الْمَسْأَلَة أَشَارَ (خَ) بقوله وَجَاز عَفْو أبي الْبكر عَن نصف الصَدَاق قبل الدُّخُول وَبعد الطَّلَاق. ابْن الْقَاسِم: وَقَبله لمصْلحَة وَهل وفَاق: تَأْوِيلَانِ الخ. وَفهم من قَوْله قبل الْبناء أَنه لَيْسَ لَهُ الْعَفو بعده وَأَحْرَى بعد الْمَوْت إِلَّا أَن يكون الْمُحِيط بإرثها فَإِن فعل فلهَا أَو لوارثها نقضه كَانَت رَشِيدَة أَو سَفِيهَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 ثمَّ أَشَارَ إِلَى حكم الْوَصِيّ وَأَنه لَا يجوز لَهُ الْعَفو وَإِن كَانَ مجبراً وَإِنَّمَا يجوز لَهُ الصُّلْح إِن كَانَ نظرا فَقَالَ: ولِلْوصِيِّ الصُّلْحُ عَمَّن قَدْ حَجَرْ يَجُوزُ إلاَّ مَعَ غَبْنٍ أَوْ ضَرَرْ (وللوصي) يتَعَلَّق بيجوز بعده (الصُّلْح) مُبْتَدأ (عَمَّن) يتَعَلَّق بِالصُّلْحِ (قد حجر) صلَة من والرابط مَحْذُوف أَي حجره (يجوز) خبر الْمُبْتَدَأ (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (مَعَ غبن) يتَعَلَّق بيجوز أَي الصُّلْح عَن الْمَحْجُور للسالم من الْمَوَانِع الْمُتَقَدّمَة يجوز للْوَصِيّ فِي كل حَال إِلَّا مَعَ غبن أَو بخس فِي حَقه الَّذِي يَطْلُبهُ (أَو ضَرَر) فِي الصُّلْح عَمَّا يُطَالب هُوَ بِهِ، وَشَمل النّظم صلحه عَن مَحْجُوره فِي يَمِين الْقَضَاء حَيْثُ رأى عَزِيمَة الْغَرِيم عَلَيْهَا وتعرف عزيمته بقرائن الْأَحْوَال. وَحَاصِل الْبَيْت أَن صلح الْوَصِيّ عَن الْيَتِيم فِيمَا طلب لَهُ من حق أَو طلب بِهِ بِأَن يَأْخُذ بعض حَقه الَّذِي يطْلب لَهُ إِذا خشِي أَن لَا يصلح لَهُ مَا ادَّعَاهُ أَو يُعْطي من مَاله بعض مَا يطْلب بِهِ إِذا خشِي أَن يثبت عَلَيْهِ جَمِيع مَا يطْلب بِهِ جَائِز خلافًا لِابْنِ الْمَاجشون فِي أَنه يجوز فِيمَا طلب لَهُ لَا فِيمَا طلب بِهِ. ابْن رشد: وَالصَّوَاب أَن لَا فرق بَين الْمَوْضِعَيْنِ كمذهب ابْن الْقَاسِم نَقله الْبُرْزُليّ فِي الوكالات وأوائل الْبيُوع وَنَحْوه فِي الشَّارِح والمفيد وَابْن سَلمُون قَالُوا: وصلحه مَحْمُول أبدا على السداد وَالنَّظَر حَتَّى يثبت خِلَافه فَإِن قَامَ أحد يتعقبه نظر فِيهِ السُّلْطَان فَإِن رَآهُ نظرا وسداداً أَمْضَاهُ وإلاَّ نقضه. وَفِي المعيار مَا مَعْنَاهُ أَن الْمَحْجُور إِمَّا أَن يكون طَالبا أَو مَطْلُوبا فَالْأول إِن ثَبت حَقه فِي الْحَال أَو يُرْجَى ثُبُوته فِي الْمَآل، فَالصُّلْح مَمْنُوع وَإِن كَانَ غير ثَابت وَلَا يُرْجَى ثُبُوته فَالصُّلْح مَشْرُوع وَالثَّانِي إِن كَانَ مَا يُطَالب بِهِ غير ثَابت وَلَا مرجو الثُّبُوت لم يجز الصُّلْح، وَإِن كَانَ ثَابتا أَو مرجو الثُّبُوت جَازَ بِمثل الْحق فَأَقل على الرَّاجِح وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم. وَهَذَا هُوَ معنى مَا مرّ عَن الْبُرْزُليّ وَغَيره، وَهَذَا التَّفْصِيل يجْرِي فِي الْأَب أَيْضا فَإِن صَالح الْوَصِيّ بِغَيْر النّظر جرى على مَا مرّ فِي الْأَب وَسَوَاء كَانَ صلحهما عَن إِقْرَار أَو إِنْكَار إِذْ الصُّلْح بيع فَيجْرِي فِيهِ قَول (خَ) : وَالْوَلِيّ وَالْأَب لَهُ البيع مُطلقًا وَإِن لم يذكر سَببه ثمَّ وَصِيّه وَهل كَالْأَبِ أَو إِلَّا الرّبع فببيان السَّبَب خلاف الخ. وَسَيَأْتِي مثله للناظم فِي فصل مسَائِل من أَحْكَام البيع ثمَّ لَا ضَمَان على الْوَصِيّ إِن بَاعَ أَو صَالح بِغَبن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 بعد الِاجْتِهَاد إِن حصل مفوت وَلم يُمكن تَدَارُكه لذهاب من عَلَيْهِ الْحق وَهُوَ مَحْمُول على الِاجْتِهَاد حَتَّى يثبت تَقْصِيره كَمَا أَنه إِذا أنْفق التَّرِكَة على الْأَيْتَام ثمَّ ظهر دين فَلَا غرم عَلَيْهِ قَالَ مَعْنَاهُ الْبُرْزُليّ أَيْضا، ثمَّ إِن مقدم القَاضِي كالوصي قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِن لم يكن للطفل الْيَتِيم وَصِيّ فَأَقَامَ لَهُ القَاضِي خَليفَة كَانَ كالوصي فِي جَمِيع أُمُوره اه. لَكِن يسْتَثْنى من كَلَامهَا كَمَا فِي (ح) عَن نَص (خَ) الْمُتَقَدّم أَيْضا أَنه أَي مقدم القَاضِي لَا يُوكل على خلاف فِيهِ تقدم فِي بَاب الْوكَالَة، وَإِذا كَانَ كالوصي فَيجْرِي صلحه على صلح الْوَصِيّ الْمُتَقَدّم إِلَّا أَن صلحه مَحْمُول على غير السداد كَبَيْعِهِ حَتَّى يثبت السداد، وَلَا يبعد أَن يكون النَّاظِم أطلق الْوَصِيّ وَأَرَادَ مَا يَشْمَل مقدم القَاضِي، وَأما نَاظر الْمَسَاكِين فَيظْهر أَنه كمقدم القَاضِي إِن تبين السداد مضى صلحه وَلَا يُعَكر عَلَيْهِ مَا فِي نَوَازِل الصُّلْح من المعيار عَن ابْن رشد من أَنه لَا يُصَالح عَنْهُم إِلَّا من مَاله الْخَاص بِهِ لِأَن ذَلِك مَعَ ثُبُوت الْحق وَالله أعلم. وَأما وَكيل الْغَائِب فَلَيْسَ لَهُ أَن يُصَالح عَن مُوكله الْغَائِب إِلَّا أَن ينص لَهُ على ذَلِك وَلَيْسَ للْقَاضِي عَزله عَن الْوكَالَة مَا دَامَ الْمُوكل حَيا وَلَو ثَبت بِبَيِّنَة أَنه سيىء النّظر كَمَا فِي وكالات الْبُرْزُليّ وَنَحْوه فِي المعيار، وَأما الشَّرِيك فِي الدَّابَّة وَنَحْوهَا يُصَالح مستحقها مثلا على مَال يَدْفَعهُ من يَده ويسلمها للْمُسْتَحقّ، أَو بِالْعَكْسِ فَإِن ذَلِك لَا يلْزم الشَّرِيك الآخر إِلَّا أَن يَكُونَا متفاوضين قَالَه الْبُرْزُليّ والمعيار أَيْضا. وَلاَ يَجُوزُ نَقْضُ صُلْح أُبْرِمَا وَإنْ تَرَاضَيا وَجَبْراً أُلْزِمَا (وَلَا) نَافِيَة (يجوز نقض) فَاعل (صلح) مُضَاف إِلَيْهِ (أبرما) بِضَم الْهمزَة مَبْنِيا للْمَفْعُول من أبرمه إِذا أحكمه صفة لصلح (وَإِن تَرَاضيا) مُبَالغَة فِي عدم الْجَوَاز (وجبراً) مصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول حَال من الضَّمِير فِي (ألزما) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ألف التَّثْنِيَة الْعَائِد على المتصالحين ومفعول الثَّانِي مَحْذُوف، وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة أبرما وَالْمُبَالغَة مؤخرة عَنْهُمَا فِي التَّقْدِير، وَمَعْنَاهُ أَنه لَا يجوز نقض صلح عَن إِنْكَار انبرم بَينهمَا على الْوَجْه الْجَائِز وألزماه جبرا وَإِن تَرَاضيا على نقضه، فَفِي الْبُرْزُليّ إِذا ثَبت الصُّلْح بِوَجْه جَائِز بعد أَن تناكرا، لم يجز نقضه لِأَنَّهُ رُجُوع عَن مَعْلُوم إِلَى مَجْهُول، وَمن أَحْكَام ابْن حبيب عَن مطرف: كل مصطلحين تمّ صلحهما وأشهدا عَلَيْهِ، ثمَّ أَرَادَا نقضه ويرجعان للخصومة لَا يجوز لِأَنَّهُ من وَجه المخاطرة، وَأجْمع أَصْحَابنَا عَلَيْهِ اه بِاخْتِصَار وَعنهُ أفْصح (خَ) فِي الِاسْتِحْقَاق بقوله: وإلاَّ فَفِي عوضه كالإنكار على الْأَرْجَح لَا إِلَى الْخُصُومَة واحترزت بِقَوْلِي عَن إِنْكَار عَمَّا إِذا كَانَ عَن إِقْرَار فَإِنَّهُ يجوز نقضه بتراضيهما لِأَنَّهُ إِقَالَة وَعنهُ وَقع الِاحْتِرَاز فِي النَّقْل بقوله: بعد أَن تناكرا وَقَوله يرجعان للخصومة الخ، إِذْ لَا تناكر وَلَا رُجُوع للخصومة فِي الْإِقْرَار وبقولي بِوَجْه جَائِز عَمَّا إِذا وَقع على وَجه فَاسد وَلَو على دَعْوَى أَحدهمَا أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 ظَاهر الحكم كسلف جر نفعا أَو بيع ذهب بِذَهَب مَعَ أَحدهمَا غَيره أَو ضع وتعجل، وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ ينْقض وَلَو تَرَاضيا على عدم نقضه وَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَام صَاحب المعيار فِي نَوَازِل الصُّلْح مِنْهُ أَنه نقضه إِذا وَقع بِذَهَب مَعَ أَحدهمَا غَيره إِنَّمَا هُوَ إِذا لم يشْهد كل وَاحِد مِنْهُمَا أَو أَحدهمَا فِي وَثِيقَة الصُّلْح بِإِبْطَال كل دَعْوَى يقوم بهَا أَو بَيِّنَة يستظهر بهَا وإلاَّ فَلَا ينْقض. وَلَو قَامَ أَحدهمَا بنقضه قَائِلا وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين حق الله وَحقّ العَبْد لِأَنَّهُ قد كذب دَعْوَاهُ وأبطل بَينته الخ غير ظَاهر لِأَنَّهُ يسلم أَن كل مَا فسد على دعواهما أَو دَعْوَى أَحدهمَا فسد على ظَاهر الحكم، وَإِذا فسخ الْفَاسِد على ظَاهر الحكم مَعَ اتِّفَاقهمَا على صِحَّته فِي الظَّاهِر كَمَا مرّ، فَكَذَلِك مَا كَانَ فَاسِدا على دعواهما أَو أَحدهمَا إِذْ لَا أقل أَن يكون بعد رُجُوع مدعي الْفساد إِلَى صِحَّته بِمَنْزِلَة الْفَاسِد على ظَاهر الحكم الَّذِي نفيا عَنهُ الْفساد فِي الظَّاهِر فإبطال الدَّعَاوَى والبينات حِينَئِذٍ الَّتِي توجب نقضه لَا يسْقط مَا أوجبته دَعْوَاهُ أَولا من الْفساد وَلَو كَانَ إِسْقَاط دَعْوَاهُ ثَانِيًا يُوجب تَكْذِيب دَعْوَاهُ أَولا وَلَو فِي حق الله كَمَا قَالَ: للَزِمَ أَن الْمَرْأَة إِذا ادَّعَت انْقِضَاء الْعدة ثمَّ كذبت نَفسهَا أَن تصدق فِي تكذيبها نَفسهَا وَأَن الرجل إِذا استلحق ولدا ثمَّ أَرَادَ أَن يَنْفِيه بِلعان يُمكن من ذَلِك إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يطول جلبه وللزم أَيْضا أَن تمكنه من أكل الرِّبَا الثَّابِت بِدَعْوَاهُ الأولى، وَأَيْضًا لَا يلْزم من إِسْقَاط الدَّعَاوَى والبينات تَكْذِيب نَفسه فِيمَا ادَّعَاهُ أَولا كَمَا هُوَ وَاضح، وَقد علمت أَن الْفَاسِد على ظَاهر الحكم يفْسخ على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ، وَلَو لم يقم بفسخه أَحدهمَا مَعَ اتِّفَاق دعواهما على صِحَّته فِي الظَّاهِر لحق الله تَعَالَى فأحرى، هَذَا وَإِبْطَال الدَّعَاوَى والبينات إِنَّمَا يعْمل بِهِ فِي حق العَبْد الَّذِي لَهُ إِسْقَاطه بِالْتِزَام عدم الْقيام فِيهِ لَا فِي حق الْخَالِق سُبْحَانَهُ فَتَأَمّله منصفاً فَالصَّوَاب فِيمَا يظْهر مَا أفتى بِهِ غَيره من وجوب نقض الصُّلْح الْمَذْكُور، وَبِه كنت أَفْتيت قبل الْوُقُوف على مَا للمعيار وَغَيره فِي عين النَّازِلَة وَهِي أَن وَارِثا ادّعى فِي التَّرِكَة ذَهَبا وأثاثاً وَصَالح عَن الْجَمِيع بِذَهَب، وَأسْقط الدَّعَاوَى والبينات، وَهَذِه الْمَسْأَلَة تقع كثيرا وفيهَا من الرِّبَا الْمَعْنَوِيّ مَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: كدينار أَو دِرْهَم وَغَيره بِمِثْلِهَا الخ. ثمَّ اسْتثْنى مِمَّا قبله فَقَالَ: وَيُنْقَضُ الواقِعُ فِي الإنْكَارِ إنْ عَادَ مُنْكِرٌ إلَى الإقْرَارِ (وينقض) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (الْوَاقِع) نَائِبه على حذف الْمَوْصُوف أَي الصُّلْح الْوَاقِع (فِي الْإِنْكَار) يتَعَلَّق بالواقع (إِن عَاد) شَرط (مُنكر) فَاعل بعاد (إِلَى الْإِقْرَار) يتَعَلَّق بعاد، وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ وَلَو قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 مَا لم يقم بعد بكالإقرار فَإِنَّهُ فِي النَّقْض بِالْخِيَارِ لَكَانَ أصرح فِي الِاسْتِثْنَاء، وَأفَاد أَن مَوْضُوع الْبَيْت الأول فِي الْإِنْكَار وَأَن النَّقْض غير وَاجِب بل رب الْحق بِالْخِيَارِ وَأَن مثل الْإِقْرَار قيام الْبَيِّنَة على مَا يَأْتِي وَالله أعلم. وَحَاصِله أَن مَحل عدم نقض الصُّلْح بعض الْحق فِي الْإِنْكَار إِذا لم يقم الْمُدَّعِي بِإِقْرَار الْمُنكر أَو يُقيم بَيِّنَة بِالْحَقِّ لم يعلمهَا وَنَحْو ذَلِك، وإلاَّ فَلهُ نقض الصُّلْح وَالرُّجُوع بباقي حَقه بعد يَمِينه أَنه لم يعلم بهَا أَو نَسِيَهَا، وَفِي معنى ذَلِك وجود الْوَثِيقَة بِالْحَقِّ بعده وَلم يكن علم بهَا وقته أَو علم بِالْبَيِّنَةِ وَهِي بعيدَة كخراسان من إفريقية، وَأشْهد مُعْلنا عِنْد الْحَاكِم أَنه يقوم بهَا أَو ادّعى تلف الْوَثِيقَة، وَأشْهد مُعْلنا أَيْضا أَنه يقوم بهَا إِن وجدهَا، بل ظَاهر ابْن فتوح والمقصد الْمَحْمُود وَغَيرهمَا أَن لَهُ النَّقْض فِي هَذِه وَإِن لم يشْهد، وَكَذَا إِن صَالح لبعد بَيِّنَة جدا وَأشْهد سرا أَنه يقوم بهَا وَفِي مَعْنَاهَا أَيْضا فِيمَا يظْهر مَا إِذا تقدم شُعُور بالوثيقة وَأشْهد سرا أَنه يقوم بهَا إِن ظفر بهَا، وَكَذَا إِن كَانَ الْمقر يقر سرا ويجحد عَلَانيَة خوف أَن يَطْلُبهُ بِهِ عَاجلا فَأشْهد الطَّالِب بَيِّنَة سرا أَو عَلَانيَة على إِنْكَاره، وعَلى أَنه إِنَّمَا يصالحه على التَّأْخِير سنة مثلا لِيُقِر لَهُ بِالْحَقِّ عَلَانيَة ثمَّ صَالحه على التَّأْخِير الْمَذْكُور، فَإِن ذَلِك التَّأْخِير لَا يلْزمه وَله أَن يَأْخُذهُ بِحقِّهِ عَاجلا، وَقد علمت أَن الْمُدعى عَلَيْهِ فِي هَذِه مقرّ حَال الصُّلْح، وَلذَلِك لم يُمكن الْمُدَّعِي من نقض الصُّلْح إِلَّا بِتَقْدِيم بَيِّنَة الاسترعاء لاحْتِمَال أَن يكون أقرّ لَهُ قبل عقد الصُّلْح وَالتَّأْخِير وَقع طَوْعًا وَهَذَا كُله يدْخل تَحت الْكَاف فِي قَوْله بكالإقرار الخ. وَقد ألم (خَ) بِهَذِهِ الْأُمُور حَيْثُ قَالَ: وَلَا يحل لظَالِم فَلَو أقرّ بعده أَو شهِدت بَيِّنَة لم يعلمهَا أَو أشهد وأعلن أَنه يقوم بهَا أَو وجد وَثِيقَة بعده فَلهُ نقضه كمن لم يعلن أَو يقر سرا فَقَط على الْأَحْسَن لَا أَن علم بِبَيِّنَة وَلم يشْهد، أَو ادّعى ضيَاع الصَّك فَقيل لَهُ: حَقك ثَابت فأت بِهِ فَصَالحه ثمَّ وجده الخ. وَالْمرَاد بِالْبَيِّنَةِ مَا يَشْمَل الشَّاهِد وَالْيَمِين كَمَا هُوَ ظَاهره، وَمَا قَالَه الشَّيْخ بناني فِي حَاشِيَته من أَن المُرَاد بهَا الشَّاهِدَانِ فَقَط لَا يعول عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خلاف مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَقد نقل هُوَ بِنَفسِهِ عِنْد قَول (خَ) فِي الْقَضَاء فَلَا بَيِّنَة إِلَّا لعذر كنسيان أَن المُرَاد بهَا مَا يَشْمَل الشَّاهِد وَالْيَمِين على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَلِأَن الصُّلْح مآل أَو آيل إِلَيْهِ. وَاعْلَم أَن كل بَيِّنَة أشهدتها بِغَيْر علم الْخصم أَن مَا تَفْعَلهُ مَعَه فِيمَا يسْتَقْبل من صلح أَو نِكَاح أَو خلع أَو هبة أَو بيع فَإِن مَا تَفْعَلهُ لِيُقِر لَك أَو خوفًا مِنْهُ أَو لغيبة بينتك وَنَحْو ذَلِك تسمى بَيِّنَة سر واستحفاظ واسترعاء فَقَوْلهم: أشهد سرا أَي أستحفظ وأسترعي ثمَّ إِن هَذَا الاستحفاظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 ينفع فِي التَّبَرُّعَات كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاق بِغَيْر عوض وَالْحَبْس وَالْهِبَة وَنَحْو ذَلِك مُطلقًا ثبتَتْ التقية أم لَا. وَيصدق المسترعي فِيمَا يذكرهُ، وَلَو لم يعرف إِلَّا من قَوْله كَمَا فِي ابْن سهل وَغَيره. وَأما الْمُعَاوَضَات وَمِنْهَا طَلَاق الْخلْع فَإِذا أثبت أَنه بَاعَ لَهُ قهرا أَو زوجه قهرا أَو خَالعهَا قهرا وَنَحْو ذَلِك بِالضَّرْبِ والسجن أَو أَنه كَانَ يخوفه بهما حَتَّى عقد مَعَه مَا ذكر سَوَاء اسْتمرّ التخويف إِلَى العقد أَو انْقَطع قبله بِنَحْوِ الشَّهْر والشهرين، ثمَّ وَقع العقد لِأَن الأَصْل الِاسْتِصْحَاب فَلهُ نقض ذَلِك وَلَو لم يسترع إِذْ لَا يحْتَاج لَهُ مَعَ ثُبُوت الاستطالة والقهر بالسجن وَالضَّرْب أَو التهديد بهما، وَإِن لم يثبت الْقَهْر بِمَا ذكر بل ثَبت فِي الْجُمْلَة أَنه من ذَوي الاستطالة والتعدي أَو أَنه كَانَ يجحده أَو أَنه كَانَ يحوز النِّسَاء بِغَيْر نِكَاح وَنَحْو ذَلِك، فَهَذَا لَا يقبل من البَائِع وَلَا من الْوَلِيّ وَلَا من الْمصَالح أَنه فعل ذَلِك لجحده أَو خوفًا من سطوته إِلَّا بتقدم استرعاء لِأَنَّهُ لَا يلْزم من جَحده وسطوته أَن يكون فعل مَعَه ذَلِك على غير رضَا، بل حَتَّى يقوم الدَّلِيل عَلَيْهِ من الاسترعاء الْمَذْكُور، وَلَا بُد من الْقيام بفور زَوَال التقية من سطوة وَنَحْوهَا فِي جَمِيع الْأَقْسَام الْمَذْكُورَة، فَإِذا سكت بعد زَوَالهَا السّنة وَنَحْوهَا فَلَا قيام لَهُ كَمَا فِي ابْن سهل وَابْن سَلمُون وَغَيرهمَا. قلت: وَالَّذِي يُوجِبهُ النّظر أَن الْفَوْر هُوَ مَا دون الشَّهْر لِأَن من بيع مَاله بِحَضْرَتِهِ أَو وهب وَهُوَ سَاكِت بِلَا مَانع يمْضِي عَلَيْهِ ذَلِك بسكوته وَلَو سكت أقل من شهر وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الثّمن، وَهَذَا أَحْرَى مِنْهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَوَلِي لتفويته بِنَفسِهِ. تَنْبِيه: مَحل الْقيام ببينات السِّرّ والإعلان الَّتِي تقدّمت إِذا لم يلْتَزم فِي وَثِيقَة الصُّلْح أَنه مَتى قَامَ عَلَيْهِ بِدَعْوَى أَو بَيِّنَة فدعواه بَاطِلَة وبيناته زور المسترعاة وَغَيرهَا، وَإِلَّا فَلَا تسمع لهَذَا الْمُدَّعِي بَيِّنَة كَانَ عَارِفًا بهَا حِين الصُّلْح أم لَا. بعيدَة الْغَيْبَة أَو قريبَة استرعائية أَو غَيرهَا قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة أَي: لِأَن الْحق فِي مثل هَذَا للْمُدَّعِي وَالصُّلْح وَقع على وَجه جَائِز، فَلِذَا لزمَه مَا الْتَزمهُ من إِسْقَاط الدَّعَاوَى والبينات بِخِلَاف مَا تقدم فِي الْبَيْت قبل هَذَا وَالله أعلم. وَهَذِه الْمَسْأَلَة أَعنِي مَسْأَلَة الاسترعاء طَوِيلَة الذيل فلنكتف مِنْهَا بِمَا مر، وَمن تعلق لَهُ غَرَض بهَا، فَليُرَاجع الْبَاب الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ من التَّبْصِرَة الفرحونية، ونوازل الصُّلْح من المعيار، وشراح نظم الْعَمَل عِنْد قَوْله: وَفِي الْمُعَاوَضَات الاسترعاء مَعَ الخ وشراح اللامية وَغير ذَلِك. والتَّرِكَاتُ مَا تكُونُ الصُّلْحُ مَعْ عِلْمِ مِقْدَارٍ لَها يَصِحُّ (والتركات) مُبْتَدأ (مَا) مَوْصُولَة (تكون) بِمَعْنى تُوجد صلتها والموصول صفة للتركات أَي والتركات الَّتِي تُوجد وَيجوز أَن تكون مَا خبر تكون النَّاقِصَة وَاسْمهَا ضمير التركات وَالْجُمْلَة فِي مَحل نصب حَال أَي والتركات أَي شَيْء تكون أَي كائنة أَي شَيْء عينا أَو عرضا أَو طَعَاما أَو مُخْتَلفَة (الصُّلْح) مُبْتَدأ ثَان (مَعَ) بِسُكُون الْعين يتَعَلَّق بِالصُّلْحِ (علم مِقْدَار) مخفوضان بِالْإِضَافَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 (لَهَا) يتَعَلَّق بِمِقْدَار أَو بِمَحْذُوف صفة لَهُ (يَصح) خبر الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَالثَّانِي وَخَبره خبر الأول والرابط الضَّمِير فِي لَهَا وَشَمل كَلَامه صلح الزَّوْجَة وَغَيرهَا من سَائِر الْوَرَثَة إِذْ مَا قيل فِي الزَّوْجَة يُقَال فِي غَيرهَا وَحِينَئِذٍ فَإِذا كَانَت التَّرِكَة نوعا وَاحِدًا كطعام أَو عرض مثلا جَازَ أَن يُصَالح بِهِ فِي ذَلِك النَّوْع بعد معرفَة قدره بِأَقَلّ أَو أَكثر من حَظه فَيَأْخُذ بعض حَظه وَيسلم الْبَاقِي أَو يَأْخُذ فِيهِ شَيْئا من عِنْد الْوَارِث إِن جَازَ بَيْعه بِهِ لَا نَحْو حَيَوَان بِلَحْمِهِ من جنسه كَمَا مرّ، وَإِن كَانَت التَّرِكَة أنواعاً فَفِي الْمُدَوَّنَة: وَمن مَاتَ وَترك زَوْجَة وَولدا وَخلف دَنَانِير ودراهم حَاضِرَة وعروضاً حَاضِرَة وغائبة وعقاراً فَصَالح الْوَلَد الزَّوْجَة على دَرَاهِم من التَّرِكَة، فَإِن كَانَت قدر موروثها من الدَّرَاهِم فَأَقل جَازَ اه. اللَّخْمِيّ: لِأَنَّهَا أخذت حظها أَو بعضه فِي الدَّرَاهِم ووهبت نصِيبهَا فِي الدَّنَانِير وَالْعرُوض الْحَاضِرَة والغائبة وَالْعَقار فيراعى فِيهَا الْحَوْز أَبُو الْحسن: وَكَذَا إِن صالحها على عرُوض قدر موروثها فَأَقل أَو على دَنَانِير كَذَلِك، وَقَوْلها ودراهم حَاضِرَة يُؤْخَذ مِنْهُ أَن النَّوْع الْمَأْخُوذ مِنْهُ لَا بُد من حُضُوره وَهُوَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ إِن كَانَ بعضه غَائِبا لزم النَّقْد بِشَرْط فِي الْغَائِب. نعم إِن صالحت على أَن تَأْخُذ مَا صالحت بِهِ من الْحَاضِر وَالْغَائِب جَازَ ذَلِك، وَلَو كَانَ الْغَائِب دينا والمدين غير مقرّ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تبِعت مِيرَاثهَا فِي ذَلِك النَّوْع وَتركت مَا سواهُ بِغَيْر عوض، وَأما غير النَّوْع الْمَأْخُوذ مِنْهُ فَلَا يشْتَرط حُضُوره وَلَا معرفَة قدره وَلَا إِقْرَار الْمَدِين الَّذِي هُوَ فِي ذمَّته كَمَا يفهم من قَوْلهَا: وعروضاً حَاضِرَة وغائبة. وَقد صرح بذلك اللَّخْمِيّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ هبة وَهبة الْمَجْهُول وَالْغَالِب جَائِزَة، وَقد تبين بِهَذَا أَن علم الْمِقْدَار إِنَّمَا يشْتَرط فِي النَّوْع الْمَأْخُوذ مِنْهُ لَا فِي غَيره خلاف ظَاهر إِطْلَاق النَّاظِم، وَظَاهره أَيْضا جَوَاز الصُّلْح مَعَ علم الْمِقْدَار كَانَت نوعا وَاحِدًا أَو أنواعاً من التَّرِكَة أَو من غَيرهَا وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِنَّهُ إِذا كَانَت أنواعاً كَمَا فِي الْمِثَال لَا يجوز الصُّلْح من غَيرهَا مُطلقًا كَانَ الْمصَالح بِهِ ذَهَبا أَو فضَّة أقل من نصِيبهَا أَو أَكثر وَعَن ذَلِك احْتَرز فِي الْمُدَوَّنَة بقوله: من التَّرِكَة وَذَلِكَ لما فِيهِ من بيع ذهب بِذَهَب مَعَ أَحدهمَا غَيره إِن كَانَ الصُّلْح بِذَهَب أَو بيع فضَّة بِفِضَّة كَذَلِك إِن كَانَ الصُّلْح بهَا. نعم إِن وَقع صلحها فِي الْمِثَال الْمَذْكُور بِعرْض من غَيرهَا جَازَ إِن عرفت الزَّوْجَة وَالْولد قدر جَمِيع التَّرِكَة وَحضر جَمِيعهَا حَقِيقَة فِي الْعين وَالْعرض، وَلَو حكما بِأَن كَانَ قريب الْغَيْبَة وَأقر الْمَدِين بِمَا عَلَيْهِ إِن كَانَ فِيهَا دين وَحضر الْمَدِين وَقت الصُّلْح كَمَا أَشَارَ لذَلِك (خَ) بقوله: لَا من غَيرهَا مُطلقًا إِلَّا بِعرْض إِن عرفا جَمِيعهَا وَحضر وَأقر الْمَدِين وَحضر الخ. وَانْظُر بَقِيَّة مَا يتَعَلَّق بذلك فِي شروحه وَنَحْوه قَول الْمُدَوَّنَة: فَأَما على عرُوض من مَاله نَقْدا فَذَلِك بعد مَعْرفَتهَا وَحُضُور أصنافها وَحُضُور من عَلَيْهِ الدّين وَإِقْرَاره وَإِن لم يقفا على معرفَة ذَلِك كُله لم يجز اه ابْن نَاجِي: وظاهرها يتَنَاوَل أَنهم لَو اتَّفقُوا على أَنهم اطلعوا على جَمِيع التَّرِكَة وَلم ينصوا عَلَيْهَا بِالتَّسْمِيَةِ أَنه كافٍ، وَأفْتى شَيخنَا رَحمَه الله غير مَا مرّة بِعَدَمِ الْجَوَاز إِلَّا مَعَ التَّسْمِيَة وَهُوَ بعيد اه. قَالَ (ح) : انْظُر لَو صالحها على عرض من التَّرِكَة مَعَ وجود الشُّرُوط الَّتِي ذكر فِي مَعْرفَتهَا لجَمِيع الْمَتْرُوك الخ. فَذَلِك جَائِز وَالله أعلم اه. وَلَعَلَّه لذَلِك أطلق (خَ) فِي الْعرض. وَمَفْهُوم قَوْله: مَعَ علم مِقْدَار أَنه إِذا جهل قدرهَا وَهِي نوع وَاحِد أَو جهل قدر الْمَأْخُوذ مِنْهُ أَو كَانَت أنواعاً لم يجز وَهُوَ كَذَلِك لما قدمه من أَن الصُّلْح مثل البيع، وَمن جملَة مَا يَتَّقِي فِي البيع الْجَهْل، وَلذَا كَانَ الْأَنْسَب أَن يذكر هَذَا الْبَيْت فِي الأبيات الْمَذْكُورَة قبل هَذَا الْفَصْل لِأَنَّهُ بِاعْتِبَار مَفْهُومه من جملَة مَا امْتنع فِي البيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 تَنْبِيه: إِن سَقَطت معرفَة الْقدر من وَثِيقَة الصُّلْح أَو البيع أَو غَيرهمَا مِمَّا يتقى فِيهِ الْجَهْل فَلَا يَمِين لمدعيه على نافيه بِحَال إِلَّا أَن يَدعِي على نافيه أَنه كَانَ عَالما بجهله فَتجب لَهُ الْيَمين عَلَيْهِ. فَإِن حلف وإلاَّ حلف مدعيه وَفسخ العقد عَن نَفسه، فَإِن اعْترف الْخصم أَنه كَانَ عَالما بِجَهْل صَاحبه عِنْد العقد وَجب الْفَسْخ لفساد العقد حِينَئِذٍ وَلَو تَرَاضيا على إِتْمَامه وَهَذَا إِذا عين مدعي الْعلم قدره، وإلاَّ فَيسْأَل مدعي الْعلم عَن قدره كحظ من مِيرَاث يحْتَاج فِي جمعه إِلَى إِعْمَال حِسَاب وفريضة، وَلَيْسَت الْفَرِيضَة عِنْدهمَا فَيَقُول الموثق بَاعَ لَهُ جَمِيع حَظه الْمُنجز لَهُ بِالْإِرْثِ من كَذَا. وَفِي الوراثة مناسخات فَإِن عرفه مدعي الْعلم جرى على مَا مرّ وإلاَّ فَيفْسخ من غير يَمِين كَذَا يَنْبَغِي وَلم أره مَنْصُوصا، وَتَقَع هَذِه الْمَسْأَلَة كثيرا فِي الْبَوَادِي وَبَعض الحواضر إِذْ كثيرا مَا يبيعون حظوظ الْمَوَارِيث قبل حِسَابهَا وَضرب فريضتها وَيكْتب موثقوهم بَاعَ لَهُ جَمِيع حَظه، وَلَا يبين قدره فَتَأمل هَذَا مَعَ مَا تقدم عَن ابْن نَاجِي وَشَيْخه، فَلَعَلَّ مَا قَالَه شَيْخه إِنَّمَا هُوَ عِنْد النزاع أَي لَا بُد من التَّسْمِيَة مِنْهُمَا مَعًا حِينَئِذٍ، وَإِلَّا فَلَا. وَحِينَئِذٍ فَلَا فرق فِي مثل هَذَا بَين أَن يَقُول فِي الْوَثِيقَة عرفا قدره أم لَا وَالله أعلم. وَلاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ بِاقْتِسَامِ مَا فِي ذِمَّةٍ وإنْ أَقَرَّ الغُرمَا (وَلَا يجوز الصُّلْح) فعل وفاعل (باقتسام) يتَعَلَّق بيجوز (مَا) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ وَهِي وَاقعَة على الدّين عينا كَانَ أَو غَيره (فِي ذمَّة) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صلَة (وَإِن أقرّ الغرما) ء جملَة شَرْطِيَّة إغيائية حذف شَرطهَا للدلالة عَلَيْهِ، وَظَاهره أَنه لَا يجوز ذَلِك، وَلَو اتّحدت الذِّمَّة وَلَيْسَ كَذَلِك. فَلَو قَالَ بذمم بدل قَوْله فِي ذمَّة لطابق النَّقْل. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِن ترك دينا على رجال لم يجز للْوَرَثَة أَن يقتسموا الرِّجَال فَيصير ذمَّة بِذِمَّة وليقتسموا مَا على كل رجل قَالَ مَالك: سَمِعت بعض أهل الْعلم يَقُول: الذِّمَّة بِالذِّمةِ من وَجه الدّين بِالدّينِ. وَقَوْلها وليقتسموا مَا على كل رجل الخ. زَاد الأَجْهُورِيّ كَمَا فِي طفي أَي حَيْثُ جَازَ بَيْعه كَمَا هُوَ الظَّاهِر اه. أَي بِأَن يكون الدّين مُخْتَلفا جنسه كعين وَعرض مثلا على وَاحِد فَيَأْخُذ أَحدهمَا الْعين وَالْآخر الْعرض، فَإِن كَانَ عينا فَقَط كذهب وَفِضة فَلَا يجوز قسمه على أَن يَأْخُذ هَذَا الذَّهَب وَالْآخر الْفضة لما فِيهِ من الصّرْف الْمُؤخر، وَأما إِن كَانَ نوعا وَاحِدًا كعرض فَقَط أَو ذهب فَقَط مثلا أَو أنواعاً على رجل أَو رجال، وَاتَّفَقُوا على أَن كلاًّ يَقْتَضِي نصِيبه من النَّوْع الْوَاحِد أَو النَّوْعَيْنِ، فَيجوز كَمَا يدل لَهُ مَا فِي الْمُدَوَّنَة فِي الشُّرَكَاء يشخص أحدهم للاقتضاء بعد الْإِعْذَار إِلَيْهِم فِي الْخُرُوج أَو التَّوْكِيل فيمتنعون من أَنهم لَا يدْخلُونَ مَعَ الشاخص فِيمَا اقْتضى وَلَو توى مَا على الْغَرِيم. أَبُو الْحسن: دلّت هَذِه الْمَسْأَلَة على جَوَاز قسْمَة مَا على الْغَائِب اه. وَكَذَا صرح بِهِ ابْن حبيب. وتوى: بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة فَوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 التّلف والهلاك لَا بِالْمُثَلثَةِ لِأَنَّهُ من الْإِقَامَة، وَمَفْهُوم قَوْله باقتسام مَا فِي ذمَّة الخ. أَن الصُّلْح باقتسام الْعرض الْحَاضِر بِمَا فِي الذِّمَّة جَائِز فَمن ترك عرُوضا حَاضِرَة وديوناً جَازَ أَن يَأْخُذ بعض الْوَرَثَة الْعرُوض وَالْآخر الدُّيُون إِن حضر الْغُرَمَاء وأقروا، أَو جمع بَينه وَبينهمْ وَالْأَحْكَام تنالهم وهم أملياء (خَ) : وَجَاز أَخذ وَارِث عرضا وَآخر دينا إِن جَازَ بَيْعه الخ. تَنْبِيه: إِذا وَقع الصُّلْح باقتسام مَا فِي الذِّمَّة أَو الذمم على الْوَجْه الْفَاسِد فَاقْتضى أحدهم حِصَّته فللآخرين الدُّخُول مَعَه، كَمَا إِذا اقْتضى أحدهم حَقه من غير قسْمَة أصلا أَو صَالح عَنْهَا إِلَّا أَن يكون الْمُقْتَضِي أَو الْمصَالح أعذر إِلَيْهِم فِي الْخُرُوج أَو التَّوْكِيل فامتنعوا كَمَا مرّ عَن الْمُدَوَّنَة وَهُوَ قَول (خَ) وَإِن صَالح أحد وليين وارثين وَإِن عَن إِنْكَار فلصاحبه الدُّخُول مَعَه الخ. وَإِذا دخل مَعَه وَطلب الشاخص أُجْرَة الِاقْتِضَاء من صَاحبه وَجَبت لَهُ بعد حلفه أَنه مَا خرج لذَلِك مُتَطَوعا كَمَا لِابْنِ الْحَاج. قَالَ الْبُرْزُليّ: إِلَّا أَن تشهد الْعَادة أَن مثله لَا يَأْخُذ الْأُجْرَة فِيمَا ولى فعله اه. وَهَذِه الْمَسْأَلَة وَالَّتِي بعْدهَا لَهما تعلق ببابي الصُّلْح وَالْقِسْمَة وَفِي الْقِسْمَة ذكرهمَا أَكْثَرهم. والزَّرْعُ قَبْلَ ذَرْوِهِ والثَّمَرْ مَا دَامَ مُبْقَى فِي رُؤُوسِ الشَّجَرْ (وَالزَّرْع) بالخفض عطف على مَا أَي لَا يجوز الصُّلْح باقتسام مَا فِي الذِّمَّة وَلَا باقتسام الزَّرْع (قبل ذروه) والظرف يتَعَلَّق باقتسام (وَالثَّمَر) مَعْطُوف على مَا قبله يَلِيهِ (مَا) ظرفية مَصْدَرِيَّة تتَعَلَّق باقتسام (دَامَ) صلتها وَاسم دَامَ يعود على الثَّمر (مبقي) بِسُكُون الْبَاء خَبَرهَا (فِي رُؤُوس الشّجر) يتَعَلَّق بمبقي وَمَعْنَاهُ أَنه لَا يجوز قسم الزَّرْع فِي الأندر قبل تصفيته وَلَا الثَّمر فِي رُؤُوس الْأَشْجَار بعد بَدو صَلَاحه بِالتَّحَرِّي لِأَنَّهُمَا ربويان وَالشَّكّ فِي التَّمَاثُل كتحقق التَّفَاضُل بل حَتَّى يصفى الزَّرْع ويجنى الثَّمر وَيقسم كل بمعياره فَإِن وَقع واقتسموه جهلا لم يجز، وَكَانَ على الشّركَة وَمَا أَصَابَهُ من جَائِحَة فبينهم وَشَمل قَوْله قبل ذروه قسمه فِي فدانه بعد بَدو صَلَاحه، وَلَو قسم بأرضه أَو قتاً أَو زرعا لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَة، وَأما قبل البدو فَيجوز قسم كل من الزَّرْع وَالثَّمَر على الْجد لَا على التبقية، وَلَا مَفْهُوم لقَوْله فِي رُؤُوس الشّجر بل قسمه كَذَلِك فِي جرينه أَو غَيره بِالتَّحَرِّي لِلْعِلَّةِ السَّابِقَة وَيسْتَثْنى من قَوْله مَا دَامَ مبقي الخ. أما إِذا اخْتلفت حَاجَة أَهله مَعَ بَقِيَّة الشُّرُوط الْمشَار لَهَا بقول (خَ) إِلَّا الثَّمر وَالْعِنَب إِذا حل بيعهمَا، وَاخْتلفت حَاجَة أهلهما وَإِن بِكَثْرَة أكل وَقل وَحل بَيْعه واتحد من بسر وَرطب لَا تمر وَقسم بِالْقُرْعَةِ بِالتَّحَرِّي. ولاَ بِإعْطَاءٍ مِنَ الوُّرَّاثِ لِلعَيْنِ فِي الكالِىءِ والمِيْرَاثِ (وَلَا بِإِعْطَاء) مَعْطُوف على قَوْله باقتسام فِي الْبَيْت قبله وَلَا لتأكيد النَّفْي أَي: وَلَا يجوز الصُّلْح باقتسام بِمَا فِي الذِّمَّة وَلَا بِإِعْطَاء (من الوراث) يتَعَلَّق بِإِعْطَاء (للعين فِي الكالىء) بِالْهَمْز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 يتعلقان بِإِعْطَاء أَيْضا وَالْمَجْرُور الأول مفعول ثَان لإعطاء، ومفعوله الأول مَحْذُوف تَقْدِيره الزَّوْجَة (وَالْمِيرَاث) مَعْطُوف على الكالىء وموضوع النّظم أَنه لَيْسَ فِي التَّرِكَة ذهب وَلَا ورق وَلَا دين على غَائِب وَلَا سلم فِي طَعَام وَلَا شَيْء غَائِب وَوَقع الصُّلْح بعد الْمعرفَة بِجَمِيعِ مَا فِي التَّرِكَة من عقار وأثاث ورقيق وحيوان وَنَحْو ذَلِك بِدَنَانِير أَو دَرَاهِم من عِنْد الْوَارِث فِي الكالىء وَالْمِيرَاث صَفْقَة وَاحِدَة كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة والوثائق الْمَجْمُوعَة وَالْعلَّة فِي ذَلِك الْجَهْل بِالْقدرِ الْمُشْتَرك كَمَا يَأْتِي، وَلَا مَفْهُوم للصلح وَلَا للكالىء بل الْمدَار على وجود الدّين، فَفِي الوثائق الْمَجْمُوعَة أَوَائِل بيوعها مَا نَصه: وَإِذا أوصى بقطيع من مَاله أَو كَانَ عَلَيْهِ دين لم يجز لأحد من الْوَرَثَة قبل أَدَاء الدّين أَو تَنْفِيذ الْوَصِيَّة بيع شَيْء من التَّرِكَة لَا مشَاعا وَلَا مقسوماً وَإِن بَاعَ شَيْئا وَإِن قل فسخ البيع لقَوْله تَعَالَى: من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين} (النِّسَاء: 12) اه وَقَالَ فِيهَا أَيْضا فِي بَاب الصُّلْح: وَلَا يجوز الصُّلْح بِدَنَانِير أَو دَرَاهِم صَفْقَة وَاحِدَة عَن الكالىء وَالْمِيرَاث لِأَن الْجَهْل يدْخلهُ إِذْ لَا مِيرَاث إِلَّا بعد أَدَاء الدّين، وَيَنْبَغِي أَن يُبَاع من التَّرِكَة بِقدر الدّين وَيعرف مَا بَقِي بعد ذَلِك وَيَقَع الصُّلْح على نصِيبهَا مِنْهُ وَلَعَلَّه يُبَاع فِي الْكل ثلث الْعقار أَو ربعه أَو سدسه أَو من العبيد وَالْإِمَاء والوطاء وَغير ذَلِك، فَلَا يدْرِي كم يُبَاع فِي الدّين من التَّرِكَة فَإِذا لم يعرف وَقع الْجَهْل فِي نصِيبهَا من الْبَاقِي اه. وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة قَائِلا: وَهَكَذَا روى أَشهب وَقَالَهُ ابْن الْعَطَّار وَابْن زرب وَفضل بن مسلمة وَغَيرهم من الموثقين، وَفهم من قَول النَّاظِم فِي الكالىء وَالْمِيرَاث الخ. أَنَّهَا أَعْطَيْت أَكثر من مبلغ صَدَاقهَا إِذْ حِينَئِذٍ تكون الْعين فِي مُقَابلَة الكالىء وَالْمِيرَاث. وَأما إِن كَانَ مَا أَعْطيته قدر كالئها فَأَقل فَيجوز لِأَنَّهَا أخذت صَدَاقهَا أَو بعضه ووهبت الْبَاقِي قَالَه أَبُو الْحسن فِي بعض أجوبته. قلت: لِأَنَّهُ يجوز للْوَارِث أَن يُؤَدِّي الدّين من عِنْده لتسلم لَهُ التَّرِكَة إِذْ رب الدّين لَا حق لَهُ فِي عينهَا وَهنا كَذَلِك لأَنهم أَدّوا الدّين أَو بعضه لتسلم الزَّوْجَة لَهُم فِيمَا عداهُ، وَظَاهر قَوْله من الوراث أَن الْعين من عِنْدهم وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الْمَوْضُوع أَنه لَا عين فِي التَّرِكَة كَمَا مرّ، فَإِن كَانَ فِيهَا عين وصالحوها على عين من عِنْدهم فَلَا يجوز أَيْضا كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: والتركات مَا تكون الصُّلْح. الخ. وَمَا أحسن تَقْدِيم هَذَا الْبَيْت هُنَاكَ لما بَينهمَا من الارتباط وَلِأَن هَذَا مَفْهُوم مَا هُنَاكَ وَإِن صالحها على عين مِنْهَا فَإِن كَانَ قدر كالئها فَأَقل جَازَ، وَكَذَا إِن كَانَ بِأَكْثَرَ من كالئها، وَمن مِيرَاثهَا فِي الْعين لأَنهم أدوها كالئها وميراثها فِي الْعين من الْعين وَالزَّائِد على ذَلِك فِي مُقَابلَة مَا ينوبها فِي غَيرهَا، وَالْفَرْض أَنهم أحاطوا بِمَعْرِِفَة جَمِيع الْمَتْرُوك وَلَا دين وَلَا سلم فِي طَعَام كَمَا مرّ وَمَفْهُوم قَوْله للعين أَنه إِذا كَانَ بِإِعْطَاء عرض فَإِن كَانَ من عِنْدهم فَكَذَلِك لِأَن الْعلَّة السَّابِقَة تَأتي فِيهِ، وَإِن كَانَ مِنْهُمَا جَازَ لِأَنَّهُ إِن كَانَت قِيمَته قدر الكالىء أَو أقل فَوَاضِح وَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 كَانَت أَكثر فَالظَّاهِر الْجَوَاز أَيْضا فِي الْمَوْضُوع الْمَذْكُور لِأَنَّهَا اشترت الْعرض بكالئها وبنصيبها من الْمِيرَاث فِي غَيره فَتَأَمّله، وَمَفْهُوم قَوْله فِي الكالىء وَالْمِيرَاث أَنه إِذا كَانَ فِي صفقتين جَازَ أَيْضا، وَكَيْفِيَّة وثيقتها أشهدت فُلَانَة وبنوها فلَان وَفُلَان وهم المحيطون مَعهَا بوارثة الْمُتَوفَّى فلَان أَنَّهَا طلبت بنيها الْمَذْكُورين بميراثها فِي أَبِيهِم الْمَذْكُور وبكالئها عَلَيْهِ قدره كَذَا، وَقد خلف دَارا فِي مَحل كَذَا حُدُودهَا كَذَا وأملاكاً بقرية كَذَا مجاورة لكذا ومملوكة تسمى كَذَا ونعتها كَذَا وَطَعَامًا قمحاً وشعيراً مبلغ الْقَمْح كَذَا وَالشعِير كَذَا بكيل كَذَا ودواب بغلاً كَذَا وَصفته كَذَا وفرساً كَذَا وَصفته كَذَا. وَتَنَازَعُوا فِي بعض ذَلِك ثمَّ صالحت عَن كالئها الْمَذْكُور بِعرْض كَذَا صفته كَذَا وقبضته بعد مَعْرفَتهَا بِقَدرِهِ ومبلغه ثمَّ صالحت عَن مِيرَاثهَا الْمَذْكُور بِكَذَا وَكَذَا دِينَارا قبضتها مِنْهُم على فرائضهم فِي الْمُتَوفَّى، وبحسب ذَلِك يكون اشتراكهم فِيمَا خرجت لَهُم عَنهُ على الْبَرَاءَة من الْعهْدَة فِي الرَّقِيق الْمَذْكُورين وَقبض المصالحون المذكورون جَمِيع التَّرِكَة الْمَذْكُورَة وَقطعت فُلَانَة حجتها عَنْهُم فِيهَا وَفِي كالئها، وَلم يبْق لَهَا دَعْوَى وَلَا مطلب حق بِوَجْه بعد معرفتهم أَجْمَعِينَ بِقدر مَا تصالحوا عَلَيْهِ وَمَا قطعت عَنْهُم الدَّعْوَى فِيهِ وتساقطوا الْبَينَات المسترعاة وَغَيرهَا. والاسترعاء فِي الاسترعاء واعترف جَمِيعهم أَنه لَيْسَ فِي التَّرِكَة ذهب وَلَا ورق وَلَا دين على غَائِب وَلَا سلم فِي طَعَام وَلَا شَيْء غَائِب فَمَتَى قَامَ أحدهم بِدَعْوَى مُتَقَدّمَة على هَذَا فَهِيَ بَاطِلَة وبيناته زور آفكة شهد عَلَيْهِم الخ. هَكَذَا فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة والمتيطية ثمَّ قَالَ بإثر ذَلِك: وَلَا يجوز الصُّلْح بِدَنَانِير أَو دَرَاهِم فِي صَفْقَة وَاحِدَة عَن الكالىء وَالْمِيرَاث إِلَى آخر مَا تقدم، وَقد علمت أَنه إِذا وَقع صفقتين لَا فرق بَين أَن يكْتب فِي كتاب وَاحِد وَيَوْم وَاحِد كَمَا هُنَا أَو كتابين ويومين، وظاهرهما أَن الْعرض الَّذِي أَعْطيته فِي الكالىء كَانَ من التَّرِكَة أَو من عِنْدهم وَهُوَ ظَاهر لأَنهم أَدّوا الدّين لتسلم لَهُم التَّرِكَة وظاهرهما أَيْضا أَنهم إِن صالحوها عَن مِيرَاثهَا بِعرْض مِنْهَا أَو من غَيرهَا لم يمْنَع، وَأَنه لَا مَفْهُوم للدنانير وَالدَّرَاهِم إِذْ الْمدَار على تعداد الصَّفْقَة لانْتِفَاء الْجَهْل بتعددها، وَيَنْبَغِي أَن يُقيد الْمَنْع مَعَ اتحادها بِمَا إِذا لم يقوم كل فَرد من أَفْرَاد الْمَتْرُوك على حِدته أما إِن قومت وضعت قيمتهَا وَعلم قدر جُمْلَتهَا فَيجوز فِي الْمَوْضُوع الْمَذْكُور لانْتِفَاء عِلّة الْمَنْع حِينَئِذٍ وَالله أعلم. تَنْبِيهَانِ. الأول: بِمَا مر من النَّص الْمُتَقَدّم يظْهر لَك مَا فِي قَول أبي الْحسن فِي شرح الْمُدَوَّنَة مَا محصله قَالُوا: لَا يجوز الصُّلْح على الكالىء وَالْمِيرَاث صَفْقَة وَاحِدَة وَإِنَّمَا يجوز صفقتين وَلَا فرق عِنْدِي بَين الصَّفْقَة الْوَاحِدَة والصفقتين لِأَنَّهُ مَجْهُول حَتَّى الْآن إِلَّا أَن يخرج مَا يَنُوب الكالىء فَحِينَئِذٍ يَصح هَذَا اه. لما علمت من أَنه لَا يُمكن تصَوره صفقتين إِلَّا بِإِخْرَاج مَا يَنُوب كل وَاحِد مِنْهُمَا كَمَا مر فَتَأَمّله. الثَّانِي: ظَاهر الوثائق الْمَجْمُوعَة أَوَائِل الْبيُوع حَسْبَمَا مرَّ أَن البيع يفْسخ إِن وَقع قبل أَدَاء الثّمن وَإِن الْتَزمهُ الْوَرَثَة وَكَانَ فِي الْبَاقِي وَفَاء بِالدّينِ وَهُوَ رِوَايَة أَشهب عَن مَالك، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: لايفسخ إِن الْتزم الْوَرَثَة الدّين. ابْن رشد: وَهُوَ أظهر لِأَنَّهُ اخْتلف فِي فَسَاد البيع إِذا طابقه نهي فَكيف إِذا لم يطابقه، وَفِي المعيار والدر النثير عَن أبي الْحسن فِي وَرَثَة بَاعَ أحدهم نصِيبه من الْملك قبل أَن يخرج الدّين مَا نَصه: إِن الْتزم الْوَرَثَة الدّين الْآن فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: لَا يبطل البيع وَلَا تَضُرهُمْ الْجَهَالَة. وَقَالَ أَشهب: يبطل ثمَّ إِن لم يلْتَزم الْوَرَثَة الدّين فَحِينَئِذٍ يُبَاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 من التَّرِكَة بِمِقْدَار الدّين وَيبقى الْبَاقِي لَهُ مِنْهُ مَا اشْترى وَيرجع لما اسْتحق من يَده اه. وَقَالَ فِي الشَّامِل: وَأَصله للمازري وَمنع وَارِث من بيع قبل وَفَاء دين فَإِن فعل وَلم يقدر الْغُرَمَاء على أَخذ دينهم إِلَّا بِالْفَسْخِ فَلهم ذَلِك إِلَّا أَن يَدْفَعهُ الْوَارِث من مَاله على الْأَشْهر اه. زَاد الْمَازرِيّ. لِأَن النَّهْي عَن البيع لحق المخلوقين وَقد سقط اه. وَهَذَا إِذا علمُوا بِالدّينِ أَو كَانَ الْمَيِّت مَشْهُورا بِهِ وإلاَّ لم ينْقض البيع وَيتبع الْغُرَمَاء الْوَرَثَة بِالثّمن كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة وَالْقِسْمَة كَالْبيع انْظُر (ح) وَشرح الشَّامِل فِي الْفلس وَالْقِسْمَة، وَسَيَأْتِي نَص الْمَازرِيّ الَّذِي اخْتَصَرَهُ فِي الشَّامِل آخر الْفلس، وَقد أَشَرنَا فِي بَاب الْقِسْمَة من هَذَا الشَّرْح إِلَى أَن بيع الْوَرَثَة مَاض كَانَ بمحاباة أم لَا؟ فَانْظُرْهُ هُنَاكَ. وَإِذا تقرر هَذَا فَلَا يفْسخ الصُّلْح الْمَذْكُور فِي النّظم على مَا لِابْنِ الْقَاسِم لِأَن الْوَرَثَة قد أسقطوا حَقهم، وَهَذَا على فرض كَون الصُّلْح فِي مَسْأَلَتنَا كَالْبيع وَلم يظْهر لي لِأَنَّهُ إِذا فَرضنَا أَن التَّرِكَة ثَلَاثَة أَثوَاب وَفرس مثلا وَالْأَوْلَاد سَبْعَة ذُكُور وَالزَّوْجَة لَهَا عَلَيْهِ من الكالىء ثَلَاثَة دَنَانِير فصالحوها بأَرْبعَة دَنَانِير صَفْقَة عَن الْجَمِيع فقطعاً هِيَ قد باعت نصِيبهَا بعضه للدّين وَهُوَ ثَلَاثَة أَرْبَاعه وَبَعضه لغيره وَهُوَ الرّبع فِي الْمِثَال الْمَذْكُور، وَلَا علينا كَانَ نصِيبهَا يُسَاوِي ذَلِك أَو يزِيد عَلَيْهِ أَو ينقص عَنهُ لِأَن ذَلِك رَاجع للغبن وَهُوَ جَائِز، وَكَذَا الْأَوْلَاد باعوا ثَلَاثَة أَربَاع أنصبائهم للدّين وَبَقِي لَهُم الرّبع واشتروا ثَلَاثَة أَربَاع أنصبائهم لأَنْفُسِهِمْ كَمَا اشْتَروا نصيب الزَّوْجَة الْمَبِيع للدّين وَلغيره فهم بائعون مشترون وَهِي بائعة فَقَط فَلَا جهل لَا من جِهَتهَا وَلَا من جهتهم إِلَّا من جِهَة كَون قيمَة الْمَبِيع قدر الثّمن أَو أقل أَو أَكثر، وَذَلِكَ لَا يضر فِي البيعات وَإِذا صَحَّ هَذَا فِي الْمِثَال الْمَذْكُور فَكَذَلِك غَيره فِي الْأَمْثِلَة فَأَي جهل حِينَئِذٍ يُؤَدِّي لفسخ الصُّلْح الْمَذْكُور، وقديماً كنت متأملاً فِي فسخ الصُّلْح وأدائه للْجَهْل فَلم يتَبَيَّن لي وَجه الْجَهْل فِيهِ بِحَال لِأَن كَون الْأَمر آل فِي الْمِثَال الْمَذْكُور إِلَى أَن الْمَبِيع للدّين ثَلَاثَة أَربَاع الْمَتْرُوك وَبَقِي ربعه باعت الزَّوْجَة نصِيبهَا مِنْهُ بِدِينَار إِذْ مَا زَاد على الدّين هُوَ ثمن بَاقِي واجبها. وَأما مَسْأَلَة بيع الْوَرَثَة قبل الدّين فَلَيْسَتْ كهذه كَمَا هُوَ وَاضح ومنشأ الْخلاف فِيهَا هَل النَّهْي عَن البيع قبل الدّين لحق الله أَو لحق المخلوقين؟ وَذكر ابْن عَرَفَة فِي بَاب الْفلس الْقَوْلَيْنِ، وَنقل عَن ابْن مُحرز أَن كَونه لحق المخلوقين أشبه بِظَاهِر الْكتاب، وَكَلَام الشَّامِل مَعَ كَلَام أبي الْحسن الْمُتَقَدّم أول التَّقْرِير وفتواه الْمَذْكُورَة هُنَا يدلان على أرجحيته، وَلذَلِك فرعنا عَلَيْهِ بعض مَا تقدم، وَإِذا علمت هَذَا فَتَأمل وَجه كَون الصُّلْح فِي مَسْأَلَتنَا مثل البيع قبل الدّين مَعَ أَن رِوَايَة أَشهب إِنَّمَا هِيَ فِي منع البيع قبل الدّين كَمَا فِي ابْن عَرَفَة وَغَيره لَا فِي الصُّلْح الَّذِي مرّ تَفْسِيره، وَإِن كَانَ نقل المتيطي يَقْتَضِي أَنَّهَا فِي الصُّلْح وَأَن الموثقين قَالُوا بهَا كَمَا مرّ لأَنهم إِن قَالُوا ذَلِك إِجْرَاء فَلم يظْهر وَجه الْمُسَاوَاة إِذْ البيع فِي الصُّلْح هُنَا للدّين لَا قبله، وَالزَّوْجَة قد بَقِي لَهَا من نصِيبهَا فباعته بِنِسْبَة مَا زيد لَهَا على الدّين وَنسبَة ذَلِك قد بَقِي لكل وَارِث مِمَّا بِيَدِهِ كَمَا رَأَيْته وَذَلِكَ لَا جهل فِيهِ، وَلَعَلَّه لذَلِك عبر فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة بقوله: وَيَنْبَغِي أَن يُبَاع الخ. المؤذنة بِعَدَمِ الْوُجُوب، وَلَو فَرضنَا أَن الصُّلْح وَقع بِالدّينِ فَقَط لَكَانَ الْمَبِيع فِيهِ هُوَ جَمِيع الْمَتْرُوك، وَلَو كَانَ فِيهِ فضل لِأَن ذَلِك الْفضل يسْلك فِيهِ بِالنِّسْبَةِ للزَّوْجَة سَبِيل الْمُحَابَاة وَالْهِبَة، وَكَذَا لَو أخذت بعض دينهَا لَكَانَ جَمِيع الْمَتْرُوك مَبِيعًا بذلك الْبَعْض أَيْضا، وَإِن كَانُوا قَالُوا ذَلِك لكَون رِوَايَته فِي صلح النَّازِلَة بالخصوص فَلَيْسَ لنافيه إِلَّا مَحْض التَّقْلِيد، والتمسك حِينَئِذٍ بِمذهب ابْن الْقَاسِم أولى لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مذْهبه أرجح فِي البيع قبل الدّين فَكَذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 هَذَا الصُّلْح أَو أَحْرَى لِأَنَّهُ بيع للدّين، وَلِهَذَا وَالله أعلم لم يعرج (خَ) وَلَا ابْن عَرَفَة وَلَا غَيرهمَا من غَالب الْمُحَقِّقين على مَسْأَلَة الصُّلْح الْمَذْكُورَة. وَحَيْثُ لاَ عَيْنَ وَلاَ دَيْنَ وَلاَ كالِىءٍ سَاغَ مَا مِنْ إرْثٍ بُذِلاَ (وَحَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (لَا) نَافِيَة للْجِنْس (عين) اسْمهَا وخبرها مَحْذُوف أَي مَوْجُودَة فِي التَّرِكَة (وَلَا دين) إعرابه كَالَّذي قبله وَالْجُمْلَة معطوفة على الْجُمْلَة قبلهَا (وَلَا كالىء) يُقَال فِيهِ مَا قيل فِي الَّذِي قبله (سَاغَ) جَوَاب حَيْثُ (مَا) فَاعل سَاغَ (من إِرْث) بَيَان لما (بذلا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صلَة مَا وَالْمعْنَى أَنه إِذا لم يكن شَيْء مِمَّا ذكر فِي التَّرِكَة فَإِنَّهُ يجوز الْإِرْث الَّذِي أعطي للزَّوْجَة من التَّرِكَة قلّ أَو كثر صلحا عَن واجبها فِيهَا كَمَا لَو كَانَ فِيهَا عرض وَطَعَام وعقار فَأعْطيت الْعرض أَو بعضه صلحا عَن اتِّبَاع نصِيبهَا فِيمَا عداهُ كَانَت قِيمَته أقل من قيمَة نصِيبهَا فِي الْجَمِيع أَو أَكثر أَو مُسَاوِيَة، وَيجوز أَن تكون من لَيست بَيَانا لما بل بِمَعْنى عَن تتَعَلَّق بقوله بذلا أَي سَاغَ الشَّيْء الَّذِي بذل لَهَا عَن إرثها من عِنْد الْوَارِث سَوَاء كَانَ المبذول عينا أَو غَيرهَا بِشَرْط أَن يجوز بَيْعه بهَا لَا بِلَحْم مثلا من غَيرهَا، وفيهَا حَيَوَان من جنسه أَو الْعَكْس كَمَا مرّ فَأطلق اتكالاً على ذَلِك. وَمَفْهُوم وَلَا عين أَنه إِذا كَانَ فِيهَا عين لم يجز بِعَين من عِنْد الْوَارِث، بل بِعرْض كَمَا مرّ تَفْصِيله مَعَ مَفْهُوم قَوْله: وَلَا دين عِنْد قَوْله: والتركات مَا تكوّن الخ. وَلذَا كَانَ الْأَنْسَب تَقْدِيم هَذَا الْبَيْت، وَالَّذِي قبله هُنَاكَ، وَمَفْهُوم وَلَا كالىء هُوَ الْبَيْت الَّذِي قبله حَيْثُ لم يكن فِيهَا عين أَو دين، وإلاَّ فقد تقدم تَفْصِيله أَيْضا. وَإنْ يَفُتْ مَا الصُّلْحُ فِيهِ يُطْلَبُ لَمْ يَجْزِ إلاَّ مَعْ قَبْضٍ يَجِبُ (وَإِن يفت) شَرط وَفعله (مَا) مَوْصُولَة فَاعل يفت (الصُّلْح) مُبْتَدأ (فِيهِ) يتَعَلَّق بقوله (يطْلب) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ وَالْجُمْلَة صلَة مَا والرابط الْمَجْرُور بفي (لم يجز) جَوَاب الشَّرْط وفاعله ضمير يعود على عقد الصُّلْح (إِلَّا) اسْتثِْنَاء من مُقَدّر أَي لم يجز مَعَ حَال من الْأَحْوَال إِلَّا (مَعَ) يتَعَلَّق بيجز كَقَوْلِك: مَا مَرَرْت إِلَّا مَعَ زيد (قبض) مُضَاف إِلَيْهِ (يجب) فِي مَحل الصّفة لقبض، وَالْمعْنَى أَنه إِذا فَاتَ الشَّيْء الَّذِي الصُّلْح يطْلب فِيهِ وَهُوَ الْمصَالح عَنهُ لم يجز عقد الصُّلْح فِيهِ إِلَّا مَعَ قبض يجب للْمصَالح بِهِ كَمَا إِذا غصبه عبدا أَو سَرقه ثوبا، وَفَاتَ ذَلِك بذهاب عينه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 وَنَحْو ذَلِك فَلَا يجوز الصُّلْح فِي ذَلِك إِلَّا بِقَبض الْمصَالح بِهِ ناجزاً لِأَنَّهُ لما فَاتَ ترتبت قِيمَته دينا فِي ذمَّة الْمُتَعَدِّي فَالصُّلْح عَنهُ صلح عَن الْقيمَة فَلَا يجوز بِالتَّأْخِيرِ إِلَّا بِدَرَاهِم قدر قِيمَته أَو أقل أَو ذهب كَذَلِك وَهُوَ مِمَّا يُبَاع بِهِ كَمَا مرّ مُسْتَوفى تَفْصِيله فِي التَّنْبِيه قبل هَذَا الْفَصْل، وَمَفْهُوم أَن يفت أَنه لَو كَانَ قَائِما جَازَ وَلَو بِالتَّأْخِيرِ وَهُوَ كَذَلِك. وَجَائِزٌ تَحَلُّلٌ فِيمَا ادُّعِي وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لِلْمُدَّعِي (وَجَائِز) خبر عَن قَوْله (تحلل) سوغ الِابْتِدَاء بِهِ تعلق (فِيمَا ادعِي) بِهِ وَيجوز أَن يكون جَائِز مُبْتَدأ وتحلل أغْنى عَن الْخَبَر على مَذْهَب من لَا يشْتَرط الِاعْتِمَاد وَادّعى صلَة مَا والعائد مَحْذُوف أَي بِهِ وَجُمْلَة قَوْله: (وَلم تقم بَيِّنَة للْمُدَّعِي) حَالية أَي لم تقم لَهُ بَيِّنَة أصلا مَعَ جهلهما بِقَدرِهِ، فَإِن قَامَت بِهِ وَرجع أَحدهمَا لقولها: فَالصُّلْح حِينَئِذٍ حَقِيقِيّ يعْتَبر فِي جَوَازه الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة فَقَوله فِيمَا ادّعى الخ يدْخل فِيهِ مَا إِذا جهل أَو نسي كل مِنْهُمَا قدر الْمُدَّعِي بِهِ مَعَ اعترافهما بِأَصْل وجوده أَو بِهِ بَيِّنَة وَلم يرجع أَحدهمَا لقولها، وَمَا إِذا علماه وَسَماهُ الْمُدَّعِي دون الآخر، وَلَا بَيِّنَة أَيْضا أَو بِهِ بَيِّنَة وَلم تعين قدره على القَوْل بِعَدَمِ قبُولهَا كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَلم يُحَقّق عِنْد ذَاك العددا الخ. وَسَوَاء كَانَ الْمُدعى بِهِ حظاً فِي عقار أَو غَيره لَا فِي هَذَا وَلَا فِيمَا إِذا جهلا مَعًا لَكِن فِيمَا إِذا سَمَّاهُ الْمُدَّعِي وَعلمه دون الآخر لَا بُد من اعْتِبَار شُرُوط الصُّلْح، لِأَن الآخر إِمَّا أَن يكون مُنْكرا لما ادّعى بِهِ عَلَيْهِ جملَة فَيكون افتداءاً من الْيَمين أَو مقرا بِهِ لَا بِقَدرِهِ أَو بِهِ وبقدره وَالْكل دَاخل فِي قَوْله: وَهُوَ كَمثل البيع فِي الْإِقْرَار كَذَاك للمحجور فِي الْإِنْكَار فَيجب إِخْرَاج هَذَا من عُمُوم كَلَامه هُنَا لِئَلَّا يُؤَدِّي للتكرار وَلِأَنَّهُ عبر بالتحلل وَهُوَ إِنَّمَا هُوَ مَنْقُول فِيمَا إِذا جهلاه مَعًا أما إِن علمه وَسَماهُ أَحدهمَا فَهُوَ وَإِن عبر عَنهُ بَعضهم بالتحلل أَيْضا بِاعْتِبَار الْمُدعى عَلَيْهِ، لَكِن الْمَنْصُوص فِي الْمُدَوَّنَة وَهُوَ الأول وَهُوَ التَّحَلُّل الْحَقِيقِيّ فَإِن علمه الْمُدَّعِي وَلم يسمه لم يجز الصُّلْح وَإِن وَقع بَطل إِذا علم الْمُدعى عَلَيْهِ بِعلم الْمُدَّعِي الْمُدعى وَأما إِن لم يعلم بِعِلْمِهِ وَقت العقد فَهِيَ كالصبرة يعرف البَائِع كيلها دون الْمُبْتَاع فَيُخَير حِينَئِذٍ فِي الْفَسْخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 وَعَدَمه قَالَه أَبُو الْحسن. وَإِنَّمَا جَازَ الصُّلْح فِيمَا جهلاه أَو نسياه مَعَ أَن الصُّلْح بيع يشْتَرط فِيهِ عدم الْجَهْل لِأَن اشْتِرَاط الشَّيْء إِنَّمَا هُوَ مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ وَلَا قدرَة هُنَا فَيجوز الصُّلْح على وَجه التَّحَلُّل فِي حَظّ من دَار لَا يعرفان قدره، وَكَذَا فِي دَرَاهِم لَا يعرفان عَددهَا بِعرْض أَو ذهب أَو دَرَاهِم عَاجلا لَا بِالتَّأْخِيرِ، وَتَأمل لم لم يشترطوا هُنَا تحقق التَّمَاثُل فِي الدَّرَاهِم بِالدَّرَاهِمِ؟ لِأَن ذَلِك على وَجه التَّحَلُّل. أَبُو الْحسن: كل مَوضِع لَا يقدران على الْوُصُول إِلَى معرفَة ذَلِك فَالصُّلْح فِيهِ جَائِز على معنى التَّحَلُّل، وَمثله بيع الصُّبْرَة لَا يعرفان كيلها، وَمثله لِابْنِ الْقَاسِم فِي المتجاعلين على حفر بِئْر أَي جهلا جَمِيعًا صفة الأَرْض من رخو أَو صلابة اه. أَو يُقَال وَهُوَ الظَّاهِر مَحل جَوَازه فِي الدَّرَاهِم بِالدَّرَاهِمِ فِي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة إِن كَانَ لَا يشك أَن الْمَأْخُوذ من الدَّرَاهِم الْآن أقل من الْمُدَّعِي بهَا، وإلاَّ منع كَمَا قَالُوا فِيمَن اسْتهْلك صبرَة من قَمح مثلا لَا يُصَالح على التَّحَرِّي بمكيله من جنسه إِلَّا أَن يتَحَقَّق أَن الْمَأْخُوذ أدنى من كيل الصُّبْرَة لِأَنَّهُ أَخذ لبَعض الْحق وَقِيمَة للْبَاقِي كَمَا فِي (ق) أول بَاب الصُّلْح، ثمَّ إِن هَذَا الْبَيْت كالاستثناء من قَوْله: فِيمَا مر وكل مَا اتَّقى بيعا يَتَّقِي الخ. لَكِن جَازَ الْجَهْل فِي بعض أَفْرَاد الصُّلْح على وَجه التَّحَلُّل كَمَا جَازَ فِي بعض أَفْرَاد الْبياعَات كالصبرة وَنَحْوهَا. وَالصُّلح فِي الكالِىءِ حَيْثُ حَلاَّ بِالصَّرْفِ فِي العَيْنِ لِزَوْجٍ حَلاَّ (وَالصُّلْح) مُبْتَدأ (فِي الكالىء) بِالْهَمْز يتَعَلَّق بِهِ (حَيْثُ) ظرف زمَان هُنَا على قلَّة فِيهِ مُجَرّد عَن معنى الشَّرْط يتَعَلَّق بِالصُّلْحِ، وَيجوز أَن يكون ظرف مَكَان مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه وَالْأول أظهر معنى (حلا) جملَة فعلية فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ على كلا الْوَجْهَيْنِ (بِالصرْفِ) يتَعَلَّق بِالصُّلْحِ على الأول أَو بِحل آخر الْبَيْت على الثَّانِي لَا بِالصُّلْحِ لما يلْزم عَلَيْهِ من الْفَصْل بَين الْمصدر ومعموله بأجنبي (فِي الْعين) يتَعَلَّق بِالصرْفِ (لزوج) يتَعَلَّق بقوله: (حلا) الَّذِي هُوَ جَوَاب حَيْثُ على الثَّانِي، وَالْجُمْلَة من حَيْثُ وجوابها خبر الْمُبْتَدَأ. وحلا الأول ضد أحل، وَالثَّانِي ضد حرم وَبَينهمَا جناس تَامّ، وَالْمعْنَى على الأول وَالصُّلْح فِي الكالىء وَقت حُلُول أَجله بِالصرْفِ فِي الْعين جَائِز لزوج، وعَلى الثَّانِي وَالصُّلْح فِي الكالىء إِذا حل أَجله جَائِز للزَّوْج بِالصرْفِ فِي الْعين وأشعر قَوْله لزوج أَن المُرَاد بالكالىء فِي كَلَامه دين الزَّوْجَة من صَدَاقهَا، وَإِنَّمَا جَازَ لِأَنَّهُ من بَاب صرف مَا فِي الذِّمَّة وَعَلِيهِ فَلَا خُصُوصِيَّة لدين الزَّوْجَة وَلَا الزَّوْج، بل كل دين من عين فِي الذِّمَّة يجوز صرفه بعد حُلُول أَجله لَا إِن لم يحل كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله فِي الصّرْف عاطفاً على الْمَنْع أَو بدين تأجل، وَإِن من أَحدهمَا فمفهوم قَوْله: إِن تأجل هُوَ قَول النَّاظِم هُنَا حل أَي يجوز صرف مَا حل مِنْهُ كلا أَو بَعْضًا بمعجل لَا بمؤجل، فَإِنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 لَا يجوز وَلَو تعجله لوُقُوعه فَاسِدا بِاشْتِرَاط تَأْخِيره كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة؛ وَانْظُر لَو وَقع بِدَنَانِير عَن دَرَاهِم أَو بِالْعَكْسِ وَجعل التَّأْخِير بِدُونِ شَرط، وَنقل أَوَاخِر الصُّلْح من المعيار جَوَاز ذَلِك. قلت: وَمثله يُقَال فِي تَأْخِير الْحَوْز فِي التصيير بِغَيْر شَرط بل هُوَ أَحْرَى وَمحل النّظم إِن اتفقَا على الْحُلُول أَو قَامَت بِهِ بَيِّنَة، فَإِن اخْتلفَا فِي الْحُلُول وَعَدَمه وَلَا بَيِّنَة فسد لِأَنَّهُ صرف مستأخر بِالنِّسْبَةِ لمنكره كَمَا مرّ، وَيحْتَمل أَن يعمم فِي كَلَامه أَولا فيراد بالكالىء مُطلق الدّين الْمُؤخر كَانَ لزوجة أَو غَيرهَا طَعَاما كَانَ أَو عرضا أَو عينا. وَقَوله: بِالصرْفِ فِي الْعين لزوج إِشَارَة لحكم بعض مَا شَمله الْعُمُوم الْمَذْكُور إِذْ لَا مَفْهُوم حِينَئِذٍ للصرف وَلَا للزَّوْج، فَيكون كَقَوْل (خَ) فِي الصُّلْح: وَجَاز عَن دين بِمَا يُبَاع بِهِ الخ. وَقد تقدم هَذَا عِنْد قَوْله: وكل مَا اتَّقى بيعا يَتَّقِي اه. (بَاب النِّكَاح وَمَا يتَعَلَّق بِهِ) من صِحَة وَفَسَاد وَمن لَهُ الْإِجْبَار من الْأَوْلِيَاء وترتيبهم إِلَى غير ذَلِك وَهُوَ لُغَة الضَّم والتداخل، وَيُطلق على الْوَطْء وَالْعقد وَأكْثر اسْتِعْمَاله فِي الْوَطْء، وَيُسمى بِهِ العقد لكَونه سَببا فِيهِ، وَهل هُوَ حَقِيقَة فِي الْوَطْء مجَاز فِي العقد أَو الْعَكْس أَو حَقِيقَة؟ فيهمَا أَقْوَال. أَصَحهَا الأول ابْن عبد السَّلَام، وَالثَّانِي أقرب لُغَة وَالْأول أقرب شرعا أَي حَتَّى قيل لم يرد فِي الْقُرْآن إِلَّا للْعقد وَلَو فِي قَوْله تَعَالَى: حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} (الْبَقَرَة: 230) لِأَن الْمَعْنى حَتَّى يعْقد عَلَيْهَا لَكِن السّنة بيّنت أَن لَا عِبْرَة بِالْعقدِ فِي التَّحْلِيل، بل حَتَّى يحصل الْوَطْء بعده، وَقيل هُوَ فِي هَذِه الْآيَة بِمَعْنى الْوَطْء كَمَا أَنه كَذَلِك فِي قَوْله تَعَالَى: الزَّانِي لَا ينْكح} (النُّور: 3) الخ وَثَمَرَة الْخلاف على الْأَوَّلين من زنى بِامْرَأَة هَل تحرم على ابْنه وَأَبِيهِ أم لَا؟ قَالَه (تت) وَقَالَ ابْن عَرَفَة: عقد على مُجَرّد مُتْعَة التَّلَذُّذ بآدمية غير مُوجب قيمتهَا بِبَيِّنَة قبله غير عَالم عاقدها حرمتهَا إِن حرمهَا الْكتاب على الْمَشْهُور أَو الْإِجْمَاع على الآخر اه. فَقَوله عقد جنس وعبّر بِهِ لِأَنَّهُ يفْتَقر إِلَى إِيجَاب وَقبُول. وَقَوله: على مُجَرّد مُتْعَة من إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف، وَالتَّقْدِير على مُتْعَة التَّلَذُّذ الْمُجَرَّدَة، وَخرج بِهِ العقد على الْمَنَافِع كَالْإِجَارَةِ وَنَحْوهَا، وَلم يقل عقد مُعَاوضَة كَالْبيع لِأَن الْمُعَاوضَة هُنَا غير مَقْصُودَة وَالْمَقْصُود المعاشرة، وَلذَا يَقُولُونَ: النِّكَاح مَبْنِيّ على المكارمة وَخرج بالمجردة العقد على شِرَاء الْأمة للْوَطْء، وَقَوله: بآدمية خرج بِهِ العقد على الجنية. وَقَوله: غير مُوجب الخ حَال من التَّلَذُّذ أَي حَال كَون التَّلَذُّذ بِتِلْكَ الْآدَمِيَّة غير مُوجب قيمتهَا، وَأخرج بِهِ الْأمة المحللة إِن وَقع بَيِّنَة. وَقَوله: بِبَيِّنَة حَال من التَّلَذُّذ أَيْضا أخرج بِهِ صور الزِّنَا الْمشَار لَهَا بقول (خَ) : أَو وجدا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 بَيت وأقرّا بِهِ وادعيا النِّكَاح حدا. الخ. وَشَمل قَوْله: بِبَيِّنَة الخ الْبَيِّنَة الْحَقِيقِيَّة والحكمية كتصديق الطارئين والخصي فِيهَا لِأَنَّهُمَا يصدقان فِي كَون النِّكَاح كَانَ بِبَيِّنَة، وَأما الفشو وَالْعدْل الْوَاحِد فَإِنَّهُ وَإِن قَامَ كل مِنْهُمَا مقَامهَا فِي نفي الْحَد فَإِنَّمَا ذَلِك لِكَوْنِهِمَا شُبْهَة لَا لثُبُوت النِّكَاح بهما، وَلذَا كَانَ يفْسخ. فَإِن قلت: الْفَسْخ بِطَلَاق وَهُوَ فرع النِّكَاح. فَالْجَوَاب: أَن الطَّلَاق إِنَّمَا لزم مُؤَاخذَة لَهما بِالْإِقْرَارِ أَن العقد كَانَ بِشَاهِدين فدرأنا الْحَد للشُّبْهَة وألزمنا الطَّلَاق مُرَاعَاة للإقرار قَالَه ابْن رشد. وَقَوله: غير عَالم صفة لعقد أَو حَال من الْمُتْعَة أَي حَال كَون الْمُتْعَة الْمَعْقُود عَلَيْهَا غير عَالم عاقدها حرمتهَا فَإِن علم حرمتهَا فزنا وَهل مُطلقًا حرمهَا الْكتاب كالأخت أَو الْإِجْمَاع كَبِنْت الْأَخ من الرَّضَاع أَو إِنَّمَا يكون زنا إِن كَانَ تَحْرِيمهَا بِالْكتاب لَا بِغَيْرِهِ؟ قَولَانِ. الْمَشْهُور الثَّانِي. وَقَول بَعضهم صَوَابه أَو الْكتاب أَو الْإِجْمَاع على الآخر، وَقَول آخَرين صَوَابه أَو وَالْإِجْمَاع بِزِيَادَة الْوَاو بعد أَو كُله لَا حَاجَة إِلَيْهِ لِأَن من اعْتبر الْإِجْمَاع يعْتَبر الْكتاب إِذْ كل مَا فِي الْكتاب مجمع عَلَيْهِ على أَن من قَالَ بِاعْتِبَار الْإِجْمَاع يَقُول بِاعْتِبَار الْكتاب بالأحرى. تَنْبِيه: فهم مِمَّا مرّ أَن الطارئين إِذا تقاررا على النِّكَاح واتفقا عَلَيْهِ قبل قَوْلهمَا، وَأما إِن كَانَا من أهل الْبَلَد فَفِي أقضية الْبُرْزُليّ لَا يقْضِي القَاضِي بقولهمَا أَنَّهُمَا زوجان إِلَّا بعد إِثْبَات أصل النِّكَاح قَالَ: وَالْعَمَل الْيَوْم أَنَّهُمَا لَا بُد أَن يثبتا عِنْد قَاضِي الْأَنْكِحَة أَنه يحوزها بحوز الزَّوْجِيَّة بِجَمَاعَة من الْموضع الَّذِي هما بِهِ، وَكَذَا إِذا طَلقهَا وَأَرَادَ ارتجاعها وَلم يأتيا بِالصَّدَاقِ أَو تجحده الْمَرْأَة وَلم يعثرا على شَاهِدي النِّكَاح، فَلَا بُد من تَعْرِيف القَاضِي بِأَنَّهُ كَانَ يحوزها وَاسْتِعْمَال مُوجب الارتجاع فَيسمع الطَّلَاق مِنْهُمَا ويعملان على مُوجب الرّجْعَة اه. وَسَتَأْتِي كَيْفيَّة وَثِيقَة النِّكَاح عِنْد قَوْله: وَالْمهْر والصيغة الخ. وَبِاعْتبَارِ النَّاكِحِ والنِّكَاحُ واجِبٌ أَوْ مَنْدوُبٌ أَوْ مُبَاحُ (وَبِاعْتِبَار الناكح) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر عَن قَوْله. (النِّكَاح) على حذف مُضَاف أَي حكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 النِّكَاح يخْتَلف بِاعْتِبَار حَال الناكح وَيدل على حذف الْخَبَر والمضاف الْمَذْكُورين قَوْله: (وَاجِب أَو مَنْدُوب أَو مُبَاح) أَو حرَام أَو مَكْرُوه فتعرض لَهُ الْأَحْكَام الْخَمْسَة، فَيجب على الرَّاغِب فِيهِ إِن خشِي الْعَنَت وَلم يكفه الصَّوْم أَو التَّسَرِّي وَلَو مَعَ اتِّفَاق عَلَيْهَا من حرَام، وَإِن أعفه أَحدهمَا فَالنِّكَاح أولى وَالْمَرْأَة مثل الرجل إِلَّا فِي التَّسَرِّي. ابْن عَرَفَة: وَقد يُوجِبهُ عَلَيْهَا عجزها عَن حفظهَا أَو سترهَا إلاّ بِهِ وَينْدب إِن لم يخْش الْعَنَت رجا نَسْله أَو لَا، وَلَو قطعه عَن عبَادَة غير وَاجِبَة وَكَذَا إِن كَانَ لَا أرب لَهُ فِي النِّسَاء وَرَجا نَسْله وإلاَّ فمباح حَيْثُ لم يقطعهُ عَن عبَادَة كالعقيم وَالشَّيْخ الفاني والخصي والمجبوب، وَيكرهُ لغير الرَّاغِب فِيهِ ويقطعه عَن عبَادَة غير وَاجِبَة، وَظَاهر الْمَازرِيّ وَلَو رجا النَّسْل وَصرح بِهِ. (ز) : وَيحرم فِيمَا عدا الأول من هَذِه الْأَقْسَام إِن خشِي ضَرَرا بِالْمَرْأَةِ بِعَدَمِ وَطْء أَو نَفَقَة أَو كسب محرم، وَلَو رَاغِبًا فِيهِ لم يخْش عنتاً، وَلابْن بشير عَن بَعضهم كَمَا فِي ابْن عَرَفَة تَقْسِيم آخر. قَالَ: إِن خَافَ الْعَنَت وَجب وإلاَّ حرم إِن أضرّ بِالْمَرْأَةِ لعَجزه عَن الْوَطْء أَو مُطلق النَّفَقَة أَو للأمن من مَال حرَام وإلاَّ ندب إِلَيْهِ إِن تشوق إِلَيْهِ وتشوش عَلَيْهِ فعله إِن تَركه وإلاَّ كره لَهُ إِن لم تكن لَهُ حَاجَة أَو قدر على التعفف وتزويجه يضيق حَاله ومباح إِن تَسَاوَت أَحْوَاله اه. وَمَا تقدم من أَنه يجب على من خشِي الْعَنَت وَلَو مَعَ إِنْفَاق من حرَام هُوَ مَا يفِيدهُ كَلَام ابْن بشير الْمُتَقَدّم وَكَلَام الشَّامِل، وَاعْتَرضهُ ابْن رحال بِأَن الْخَائِف من الْعَنَت مُكَلّف بترك الزِّنَا كَمَا هُوَ مُكَلّف بترك التَّزَوُّج الْحَرَام، فَلَا يحل فعل محرم لدفع محرم وَإِنَّمَا يُصَار لمثل هَذَا عِنْد الْإِكْرَاه كَالْمَرْأَةِ لَا تَجِد مَا يسد رمقها إِلَّا بِالزِّنَا اه. قلت: نَحوه قَول القلشاني عاطفاً على الْمَمْنُوع مَا نَصه: أَو بكسب من مَال لَا يحل الخ. وَقد يرد بِأَن مَا قَالُوهُ هُوَ من بَاب ارْتِكَاب أخف الضررين كَمَا أَن مَا فعلته الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة كَذَلِك لِأَن الْإِضْرَار بِالزَّوْجَةِ بِعَدَمِ الْإِنْفَاق أخف من الزِّنَا لِأَن الْإِنْفَاق يُمكن إِسْقَاطه لِأَنَّهُ حق لَهَا وإطعامها من الْحَرَام يُمكن التَّحَلُّل مِنْهُ، وَأَيْضًا فَإِن كلا مِنْهُمَا مترقب فَيمكن عدم حُصُوله لقَوْله تَعَالَى: إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِم الله من فَضله} (النُّور: 32) الْآيَة. وَلِأَنَّهُ يزجز عَن الْإِضْرَار وإطعامها الْحَرَام وإلاَّ طلق عَلَيْهِ على أَن إطعامها الْحَرَام فسق وَالْفَاسِق غير كُفْء فللزوجة الْفَسْخ وَلها الرِّضَا كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وحيثما زوج بكرا غير الْأَب. وَبِالْجُمْلَةِ، فَهَذَا يجب عَلَيْهِ التَّزَوُّج كَمَا يجب عَلَيْهِ ترك الْإِنْفَاق من حرَام فَهُوَ مُكَلّف بأمرين فيرتكب أخفهما. ثمَّ إِن فَائِدَته غض الْبَصَر وتحصين الْفرج والإطلاع على مُعظم لَذَّة من لذات الْجنَّة، وَكَثْرَة النَّسْل لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (تناكحوا تَنَاسَلُوا) الحَدِيث. وَيسْتَحب نِكَاح الْبكر لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (عَلَيْكُم بِنِكَاح الْأَبْكَار فَإِنَّهُنَّ أعذب أفواهاً وأنتق أرحاماً وأرضى باليسير) وَقَالَ: (هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك) وَأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 يخْطب يَوْم الْجُمُعَة بعد صَلَاة الْعَصْر وَيكرهُ صدر النَّهَار كَمَا فِي الطرر، وَأَن يعْقد فِي شَوَّال كَمَا فعل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعائشة رَضِي الله عَنْهَا، وَأَن يَبْنِي بِهِ وَأَن يُخَالف الْجُهَّال فِي تَركهم فعل ذَلِك فِي الْمحرم، بل يقْصد العقد وَالدُّخُول فِيهِ تمسكاً بِمَا عظم الله وَرَسُوله من حرمته ورجاء بركته كَمَا فِي آخر السّفر الأول من المعيار قَالَه (م) . والمَهْرُ والصِّيغَةُ والزَّوْجَانِ ثُمَّ الْوَلِيُّ جُمْلَةُ الأرْكانِ (وَالْمهْر) مُبْتَدأ (والصيغة والزوجان) معطوفان عَلَيْهِ (ثمَّ) للتَّرْتِيب الإخباري (الْوَلِيّ) مَعْطُوف أَيْضا (جملَة الْأَركان) خبر، وَيجوز الْعَكْس، وَمرَاده كَابْن الْحَاجِب و (خَ) بالركن مَا لَا تُوجد الْحَقِيقَة الشَّرْعِيَّة إِلَّا بِهِ فَتدخل الْخَمْسَة الَّتِي فِي النّظم لِأَن العقد لَا يتَصَوَّر إِلَّا من عاقدين وهما شرعا الْوَلِيّ وَالزَّوْج، وَمن مَعْقُود عَلَيْهِ وَهِي الزَّوْجَة وَالصَّدَاق نصا كَمَا فِي نِكَاح التَّسْمِيَة أَو حكما فِي التَّفْوِيض إِذْ الصَدَاق فِيهِ مَوْجُود حكما لِأَنَّهُمَا لم يدخلا على إِسْقَاطه وَلَو دخلا على إِسْقَاطه لم يَصح كَمَا يَأْتِي وَلَا يتَصَوَّر أَيْضا إِلَّا بِصِيغَة وَقد خصها الشَّرْع بِمَا يَأْتِي فِي قَوْله فالصيغة النُّطْق الخ. وَقد عد فِي الشَّامِل هَذِه الْأَركان شُرُوطًا لِأَن النِّكَاح الَّذِي هُوَ العقد معنى من الْمعَانِي والزوجان وَالْوَلِيّ وَالصَّدَاق ذَوَات فَلَا يَصح تَفْسِيره بهَا، وأركان الشَّيْء أجزاؤه، وَهَذِه خَارِجَة عَنهُ. وَكَذَا الصِّيغَة خَارِجَة عَنهُ إِذْ بهَا يُوجد العقد الَّذِي هُوَ الرَّبْط، وَجعل ابْن مُحرز الْوَلِيّ وَالصَّدَاق وَالشُّهُود شُرُوطًا والزوجين ركنا وَهُوَ أظهر وَلَا يُعَكر عَلَيْهِ مَا مرّ لِأَن الْمَقْصُود من الزَّوْجَيْنِ رضاهما وَالرِّضَا معنى يَصح تَفْسِير النِّكَاح بِهِ، وَلذَا قَالَ (ح) : الظَّاهِر أَن الزَّوْج وَالزَّوْجَة ركنان وَالْوَلِيّ والصيغة شَرْطَانِ، وَأما الصَدَاق وَالشُّهُود فليسا بركنين وَلَا شرطين لِأَن الشَّهَادَة شَرط فِي الدُّخُول لَا فِي العقد وَالصَّدَاق لَا يشْتَرط التَّعَرُّض لَهُ، وَإِنَّمَا يشْتَرط أَن لَا يدخلا على إِسْقَاطه اه بِاخْتِصَار فَقَوله: وَالْوَلِيّ الخ يُرِيد إِن كَانَ غير مجبر وإلاَّ فرضاه ركن لَا شَرط تَأمل. وَقد علمت أَن من نظر إِلَى أَن العقد الشَّرْعِيّ لَا يُوجد إِلَّا بهَا عدهَا أركاناً، وَمن نظر إِلَى كَونهَا خَارِجَة عَنهُ وَأَنَّهَا غَيره لم يَصح تَفْسِيره بهَا عدهَا شُرُوطًا، وَمن نظر إِلَى أَن العقد لُغَة يُوجد فِي نَفسه من عَاقد وَهُوَ الزَّوْج وَالزَّوْجَة، لَكِن يشْتَرط فِي صِحَّته شرعا الْوَلِيّ والصيغة جعل الْأَوَّلين ركنين والثانيين شرطين، وَالْكل صَحِيح معنى وَالله أعلم، فَإِن زوجت نَفسهَا بِغَيْر ولي فسخ وَلَو طَال وَهل بِطَلَاق؟ قَولَانِ: لِابْنِ الْقَاسِم وَابْن نَافِع. وَكَيْفِيَّة وثيقته تزوج فلَان الْفُلَانِيّ فُلَانَة الْفُلَانِيَّة الْبكر فِي حجر والدها الْمَذْكُور، وَتَحْت ولَايَة نظره الْحل للنِّكَاح على صدَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 مبارك مبلغ قدره كَذَا وكَالَته كَذَا يُؤَدِّيه لَهَا تقاضياً بِحَسب كَذَا آخر كل عَام تزَوجهَا بِكَلِمَة الله الْعلية، وعَلى سنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى الْيَمين والأمان، وَمَا جَاءَ فِي مُحكم الْقُرْآن من إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان أنكحه إِيَّاهَا والدها الْمَذْكُور أَو وصيها الْمُجبر بِمَالِه من الْإِجْبَار عَلَيْهَا حَسْبَمَا يرسم الْإِيصَاء أَعْلَاهُ أَو حوله، أَو وَليهَا أَخُوهَا فلَان أَو عَمها أَو ابْن عَمها وَقَبله الزَّوْج الْمَذْكُور قبولاً تَاما وارتضاه وألزمه نَفسه وأمضاه، وَالله يوفق بَينهمَا لما يُحِبهُ ويرضاه عرفا قدره شهد عَلَيْهِمَا بِهِ وهما بأتمه أَو أكمله وعرفهما، وَفِي كَذَا، وَلَا شكّ أَن الْوَثِيقَة تَضَمَّنت الْأَركان الْمَذْكُورَة واحترزت بِقَوْلِي الْبكر من الثّيّب فَلَا بدّ من إِذْنهَا زَوجهَا أَبوهَا أَو غَيره كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وتأذن الثّيّب بالإفصاح الخ. فَإِن سقط ذَلِك من الرَّسْم وَلم يبين بكرا وَلَا ثَيِّبًا فَلَا كَلَام للزَّوْج كَمَا قَالَ (خَ) : وَلَا رد بالثيوبة إِلَّا أَن يَقُول عذراء الخ. وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم أَيْضا: وَالزَّوْج حَيْثُ لم يجدهَا بكرا الخ. وبقولي فِي حجر والدها مِمَّا لَو كَانَت بكرا وَلَيْسَت فِي حجره كالمرشدة وَمثلهَا المعنسة فَلَا بدّ من إذنهما أَيْضا كَمَا يَأْتِي فِي نَظَائِره عِنْد قَوْله: واستنطقت لزائد فِي العقد الخ. وبقولي: الْحل للنِّكَاح الخ. احْتِرَازًا من الْمَوَانِع الَّتِي تمنع تزَوجهَا من عدَّة وَفَاة أَو كَونهَا فِي نِكَاح آخر وَنَحْو ذَلِك فَإِن سقط ذَلِك من الرَّسْم لم يضر لِأَن الأَصْل انْتِفَاء الْمَانِع، وَفِي المعيار عَن ابْن المكودي أَن النِّكَاح على السَّلامَة وَالصِّحَّة إِن سقط من رسمه خلو من زوج وَفِي غير عدَّة وَأَنه لَا يحْتَاج إِلَى ذكره، وَسَيَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم وحيثما العقد لقاض قد ولى الخ. مَا إِذا سقط ذَلِك فِي الثّيّب وَأَن (ح) استظهر أَن سُقُوطه غير مُضر وَفِي الفشتالي مَا يُخَالِفهُ وبقولي على صدَاق مبارك الخ. مِمَّا لَو نصوا على إِسْقَاطه فَالْعقد فَاسد يفْسخ قبل الْبناء اتِّفَاقًا وَفِي فَسخه بعده وتصحيحه بِصَدَاق الْمثل. قَولَانِ، وَإِن لم يتَعَرَّضُوا لَهُ أصلا فَهُوَ نِكَاح تَفْوِيض وَسَيَأْتِي عِنْد قَوْله: أَو مَا فوّضا فِيهِ وحتماً للدخول فرضا الخ، وبقولي مبلغ نَقده كَذَا مِمَّا لَو لم يتَعَرَّضُوا لقدره وَسَيَأْتِي فِي قَوْله: وَالزَّوْج وَالزَّوْجَة مهما اخْتلفَا فِي قدر مهر وَالنِّكَاح عرفا أَي: عرف بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار وَلَا تسْقط الْبَيِّنَة لجهلها الْقدر، وَقد أنكر أَحدهمَا النِّكَاح من أَصله كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَلم يُحَقّق عِنْد ذَاك العددا الخ. وَقَوْلِي مبلغ نَقده كَذَا الخ. لَا بُد فِيهِ من بَيَان السِّكَّة كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وكل مَا يَصح ملكا يمهر الخ. فَإِن قَالُوا نقدها كَذَا أَو أقبضها أَو عجل لَهَا أَو قدم، وَنَحْوه بِصِيغَة الْمَاضِي فِي الْجَمِيع فَذَلِك مُقْتَض لقبضه وَإِن قَالُوا النَّقْد من ذَلِك كَذَا أَو مبلغ النَّقْد وَنَحْوه، فَهُوَ مُقْتَض لبَقَائه وَإِن قَالُوا: نَقده كَذَا بِالْمَصْدَرِ فَقَوْلَانِ. قَالَ ذَلِك كُله فِي الشَّامِل وَنَحْوه قَول ناظم الْعَمَل: إِن قيل نَقده كَذَا لَا نقد الخ. فَإِن قَالُوا: مبلغ نَقده كَذَا يُؤَدِّيه لَيْلَة الدُّخُول بهَا وَالدُّخُول مُخْتَلف. فَقيل: يفْسخ للْجَهْل بليلة الدُّخُول. وَقيل: لَا، وَبِه الْعَمَل قَالَ ناظمه: والنقد إِن أجل بِالدُّخُولِ إِلَيْهِ من عقد على الْحُلُول وَسَيَأْتِي بَقِيَّة الْكَلَام عَلَيْهِ عِنْد قَوْله وأمد الكوالىء الْمعينَة، وبقولي وكَالَته كَذَا الخ. مِمَّا لَو بينوا قدر الصَدَاق وَلم يتَعَرَّضُوا لنقد وَلَا لكالىء فَيجْرِي على مَا قَالُوهُ فِي الِاخْتِلَاف فِي أصل الْأَجَل فِي البيع فِيمَا يظْهر فَيحمل على الْحُلُول إِلَّا لعرف على أَنه قد نقل الْبُرْزُليّ عَن ابْن رشد فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 مسَائِل الْأَنْكِحَة أَنه مَحْمُول على الْحُلُول حَيْثُ لم يذكرُوا تأجيلاً وَلَا ضِدّه، وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الشَّامِل وَنَحْوه فِي الْمُدَوَّنَة، لَكِن قَالَ أَبُو الْحسن: لَو اتّفق هَذَا فِي زمننا لَكَانَ النِّكَاح فَاسِدا لِأَن الْعرف جرى بِأَنَّهُ لَا بُد من الكالىء فَيكون الزَّوْجَانِ قد دخلا على الكالىء وَلم يضربا لَهُ أَََجَلًا اه. وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وأمد الكوالىء الْمعينَة الخ. وبقولي بِحَسب كَذَا آخر كل عَام الخ. مِمَّا لَو ذكرُوا الكالىء وَلم يتَعَرَّضُوا لأَجله فَسَيَأْتِي فِي قَوْله: وَأجل الكالىء مهما أغفلا الخ. والكلمة الْعلية هِيَ قَول لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; هـ إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله. إِذْ لَا يحل لكَافِر أَن يتَزَوَّج مسلمة. وَقيل هِيَ قَوْله تَعَالَى: فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} (الْبَقَرَة: 229) والدرجة الَّتِي قَالَ تَعَالَى: وللرجال عَلَيْهِنَّ دَرَجَة} (الْبَقَرَة: 228) الْآيَة هِيَ الطَّلَاق الَّذِي بِيَدِهِ، وَقيل الشَّهَادَة الَّتِي هِيَ أكمل من شَهَادَة الْمَرْأَة، وَقيل غير ذَلِك. وَقَوْلِي: بِمَا لَهُ من الْإِجْبَار الخ رَاجع للْوَصِيّ الْمُجبر، وَتقول فِي الْأَب بِمَا ملكه الله من أمرهَا وَذَلِكَ كُله ظَاهر فِي عدم الاستئمار والمشاورة وَإِن كَانَت مشاورتهما أحسن وأحوط ليخرج من الْخلاف، وَقَوْلِي حَسْبَمَا برسم الْإِيصَاء الخ إِشَارَة إِلَى أَنه لَا بُد من نسخ رسم الْإِيصَاء لِئَلَّا تَدعِي أَنه لَيْسَ بوصي عَلَيْهَا، وَهَذَا إِذا أنْكحهَا الْمُجبر فَإِن زَوجهَا غَيره زِدْت فِي الْأَوْصَاف الْمُتَقَدّمَة الْبَالِغ فَتَقول الْبكر الْبَالِغ الخ. وَقلت: أنْكحهَا أَخُوهَا أَو ابْن عَمها كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ وَلَا بُد حِينَئِذٍ من أَن نقُول بِإِذْنِهَا ورضاها وتفويضها ذَلِك إِلَيْهِ تَلقاهُ مِنْهَا شهيداه أَو غَيرهمَا حَسْبَمَا أَعْلَاهُ أَو حوله بعد أَن استؤمرت وأعلمت بِالزَّوْجِ بعلاً، وَبِمَا بذل لَهَا من الصَدَاق مهْرا فصمتت أَو بَكت وَنَحْو ذَلِك كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: والصمت إِذن الْبكر فِي النِّكَاح الخ. وَلَا تزوج إِلَّا بعد الْبلُوغ وَثُبُوت أَنه لَا أَب لَهَا وَلَا وَصِيّ وَأَن الصَدَاق صدَاق مثلهَا إِلَى غير ذَلِك كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وحيثما زوج بكرا غير الْأَب فَمَعَ بُلُوغ بعد إِثْبَات السَّبَب الخ. وَيقبل قَوْلهَا فِي الْبلُوغ عِنْد إِرَادَة النِّكَاح إِذا أشبه قَوْلهَا كَمَا فِي الْبُرْزُليّ وَفِي المعيار عَن ابْن الْحَاج أَنه يعرف بُلُوغهَا فِي وَجههَا وقدها ويخبره ثِقَات النِّسَاء فَيشْهد الشَّاهِد بِهِ مُعْتَمدًا على ذَلِك الخ. فَإِن ادَّعَت بعد العقد أَنَّهَا غير بَالِغَة وَقد كَانَت أقرب بِهِ حِين العقد، فَلَا يلْتَفت إِلَى دَعْوَاهَا لِأَن إِقْرَارهَا عَامل فِي مثل هَذَا، فَإِن نظر إِلَيْهَا النِّسَاء فشهدن بِعَدَمِ الْبلُوغ فَفِي الْبُرْزُليّ وَنَقله (ح) أَنه يفْسخ النِّكَاح، وَفِي المعيار أَوَاخِر الكراس الأول من الْأَنْكِحَة عَن اليزناسني أَن الْبَيِّنَة بِعَدَمِ بُلُوغهَا لَا تقبل قَائِلا قد جَاءَت الرِّوَايَات بطرح الْبَيِّنَة الْمُقَابلَة لما أقرَّت بِهِ الْمَرْأَة فِيمَا تصدق فِيهِ من ذَلِك دَعْوَى الْمَرْأَة الْإِصَابَة بِعَدَمِ إرخاء السّتْر، وينكرها الزَّوْج وَيُقِيم بَيِّنَة بِالنسَاء أَنَّهَا عذراء فَيغرم جَمِيع الصَدَاق وَمن ذَلِك لَو أقرَّت الْمُطلقَة أَنَّهَا دخلت فِي الْحَيْضَة الثَّالِثَة فينظرنها النِّسَاء فَلَا يرين دَمًا بهَا فَإِنَّهَا تبين بِمُجَرَّد قَوْلهَا. وَاحْتج أَيْضا بِأَن النِّسَاء يعتمدن فِي شَهَادَتهنَّ على عدم الْبلُوغ بِعَدَمِ الإنبات وَهِي قد تزيل الشّعْر بِحَيْثُ لَا يرى النَّاظر شَيْئا. قلت: وَأَيْضًا فَإِن الْبلُوغ لَا ينْحَصر فِي الإنبات بل يكون بالاحتلام وَالسّن، وَمَا للبرزلي هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ابْن هِلَال وَالْفَائِق كَمَا فِي شرح ناظم الْعَمَل عِنْد قَوْله: وَجَاز للنسوة لِلْفَرجِ النّظر الخ. وَإِذا قُلْنَا بِقبُول بينتها بِعَدَمِ إِقْرَارهَا بِهِ أَو لم يضمن الشُّهُود إِقْرَارهَا بِهِ فَإِن شهِدت بَيِّنَة بِعَدَمِ الْبلُوغ بعد أَن صرح شُهُود الصَدَاق بِالْبُلُوغِ فَذَلِك من التَّعَارُض. وَلَا يُقَال تصريحهم فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 رسم الصَدَاق بِالْبُلُوغِ مُجَرّد حِكَايَة، لأَنا نقُول الْحِكَايَة الْمُجَرَّدَة جرت عَادَتهم بالتبرىء مِنْهَا فَيَقُولُونَ: قبل فلَان لزوجه بِزَعْمِهِ وَلَا وَارِث لَهُ سوى من ذكر فِي علم من علمه إِلَى غير ذَلِك، فَكَذَلِك هَؤُلَاءِ حَيْثُ قَالُوا: الْبَالِغ وَلم يزِيدُوا بزعمها علم أَن شَهَادَتهم بِالْبُلُوغِ مَقْصُودَة قَالَه فِي المعيار عَن ابْن عَطِيَّة الونشريسي، وَإِذا ثَبت التَّعَارُض فَيجْرِي ذَلِك على مَا مرّ فِي آخر الشَّهَادَات فَانْظُر ذَلِك هُنَاكَ. وَقَوله: جرت الْعَادة الخ، ظَاهر إِذا كَانَ الشُّهُود من أولي الْعلم وإلاَّ فَلَا. وَتَأمل مَا قَالُوهُ من الْفَسْخ مَعَ مَا فِي ضيح وَابْن عبد السَّلَام من أَن شَهَادَة النِّسَاء لَا تعْمل فِيمَا يُوجب الْفِرَاق، وَنَقله شَارِح نظم الْعَمَل فِي الْمحل الْمَذْكُور، وَقَوْلِي وَقَبله الزَّوْج الخ. أَي بفور علمه بِالْإِيجَابِ وَلَا يضر التَّأْخِير الْيَسِير فَإِن تَأَخّر الْإِشْهَاد على الزَّوْج بِالْقبُولِ أَو على الْوَلِيّ بِالْإِيجَابِ كَمَا لَو عقد الْأَب النِّكَاح على ابْنه الْمَالِك أَمر نَفسه أَو يعْقد الْوَلِيّ على وليته ويتأخر إعلامها أَو ينْعَقد النِّكَاح بَين الزَّوْجَيْنِ ويتأخر إِعْلَام الْوَلِيّ، فَذَلِك كُله هُوَ النِّكَاح الْمَوْقُوف ثَالِث الْأَقْوَال فِيهِ كَمَا فِي الفشتالي: إِن قرب جَازَ وَإِن بعد لم يجز، وَمحل الْخلاف إِذا لم يدع الْوكَالَة وَلم يقر بالافتيات اه. وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَصَحَّ إِن قرب رِضَاهَا بِالْبَلَدِ وَلم يقرّ بِهِ أَي بالافتيات حَال العقد الخ، وَقَالَ أَيْضا: وَحلف رشيد وأجنبي وَامْرَأَة أَنْكَرُوا الرِّضَا وَالْأَمر حضوراً إِن لم ينكروا بِمُجَرَّد علمهمْ وَإِن طَال كثير الزم الخ. وحد الْقرب اليومان عِنْد سَحْنُون وَالثَّلَاثَة على مَا أفتى بِهِ ابْن لب قَائِلا، وَبِه الْعَمَل فِي هَذِه الْأَزْمِنَة. وَسبب الْخلاف بَين الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلين من الثَّلَاثَة هَل الْخِيَار الْحكمِي كالشرطي أم لَا؟ وَمَفْهُوم قَوْله: بِالْبَلَدِ أَنه إِذا كَانَ بِغَيْر الْبَلَد لم يَصح فَمن سَحْنُون: قلت لِابْنِ الْقَاسِم فِيمَن زوج ابْنه الْكَبِير الْمُنْقَطع عَنهُ وَهُوَ غَائِب فَبَلغهُ ذَلِك فَرضِي وَكَانَ بَعيدا عَن مَوْضِعه فَقَالَ: لَا يُقَام على هَذَا النِّكَاح وَإِن رَضِي لِأَنَّهُمَا لَو مَاتَا لم يتوارثا اه. فالغائب تَارَة يكون غَائِبا عَن مَحل العقد حَاضرا بِالْبَلَدِ، وَتارَة يكون غَائِبا عَن الوطن قَالَه ابْن عرضون فِي جَوَاب لَهُ. قلت: وتأمله مَعَ مَا مرّ من أَن حد الْقرب اليومان وَالثَّلَاثَة فَلَعَلَّ هَذَا إِنَّمَا يتمشى على قَول عِيسَى من أَن حد الْقرب كَون العقد بِالسوقِ أَو بِالْمَسْجِدِ ويصار إِلَيْهَا بالْخبر من وقته وَالْيَوْم بعد اه، وَوَقعت نازلة وَهِي أَن رجلا زوج وَلَده الْمَالِك أمره أَو أَخَاهُ وَقبل لَهُ ذَلِك وَلم يسمع من الْمَعْقُود عَلَيْهِ ردّ وَلَا قبُول حَتَّى مَاتَ بعد ثَلَاثَة أَعْوَام، وَالْحَال أَن الْعَاقِد لم يدع توكيلاً وَلَا أقرّ بافتيات فَأجَاب ابْن عرضون والقصار وَغَيرهمَا بِأَن عَاقد نِكَاح غَيره وَإِن غَائِبا يحمل على الْإِذْن لِأَن الْغَالِب أَنه لَا يعْقد أحد نِكَاح غَيره إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَقَالَهُ ابْن رشد اه. من الزياتي بِاخْتِصَار، ثمَّ إِنَّه تقدم حكم مَا إِذا سقط من الْوَثِيقَة معرفَة الْقدر عِنْد قَوْله: والتركات مَا تكون الصُّلْح الخ. كَمَا تقدم أَيْضا حكم مَا إِذا سَقَطت الْمعرفَة أَو التَّعْرِيف عِنْد قَوْله: وَيشْهد الشَّاهِد بِالْإِقْرَارِ الخ. وَتقدم أَيْضا حكم مَا إِذا سقط وَهُوَ بأتمه. تَنْبِيهَانِ. الأول: يثبت النِّكَاح بعد الْمَوْت بِشَهَادَة الْعدْل الْوَاحِد وَلَو الْخَاطِب على قبُول الزَّوْج أَو تَوْكِيل الزَّوْجَة لِأَنَّهُ غير عَاقد فَلَيْسَ شَاهدا على فعل نَفسه وَذَلِكَ رَاجع لِلْمَالِ فَيثبت بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين كَمَا مرّ، وَسَوَاء أَخذ الْخَاطِب على خطبَته أجرا أم لَا على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا لِابْنِ نَاجِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 الثَّانِي: لَا يلْزم الزَّوْج تَعْجِيل النَّقْد إِلَّا أَن يدعى للْبِنَاء وَهُوَ بَالغ وَهِي مِمَّن تطِيق الْوَطْء، وَإِن لم تَحض بِخِلَاف مَا لَو أصدقهَا معينا كعرض ورقيق وَنَحْوهمَا فَيجب تَعْجِيله، وَلَا يجوز اشْتِرَاط تَأْخِيره كَالْبيع (خَ) وَوَجَب تَسْلِيمه إِن تعين وإلاَّ فلهَا منع نَفسهَا الخ. ويقبضه مجبر ووصي لَا غَيرهمَا وَلَو تولى عقد النِّكَاح إِلَّا بوكالة مَنْصُوص فِيهَا على الْقَبْض أَو يتَطَوَّع بضمانة قَالَ الغرناطي: تسمى فِي الْوَثِيقَة الزَّوْجَيْنِ وَعدد الصَدَاق وَمن أَي سكَّة هُوَ وَقبض النَّقْد أَو حُلُوله وَفِي تَأْجِيله إِلَى الْبناء خلاف وَتسَمى قابضة وَمن يجوز لَهُ قَبضه أَو تطوع الْقَابِض بضمانه الخ. وَفِي الدُّخُولِ الخَتْمُ فِي الإشْهَادِ وَهُوَ مُكَمِّلٌ فِي الانْعِقَادِ (وَفِي الدُّخُول) خبر عَن قَوْله (الْخَتْم فِي الْإِشْهَاد) يتَعَلَّق بالختم (وَهُوَ) مُبْتَدأ (مكمل) خَبره (فِي الِانْعِقَاد) يتَعَلَّق بِهِ أَو بِمَحْذُوف حَال من الْمُبْتَدَأ أَي الْوَاجِب فِي الْإِشْهَاد كَونه عِنْد الدُّخُول وَهُوَ حَال كَونه كَائِنا فِي الِانْعِقَاد أَي عِنْد العقد مُحَصل الْكَمَال. أَي: النّدب خوف موت أَحدهمَا أَو إِنْكَاره فَعلم مِنْهُ أَن الْإِشْهَاد لَيْسَ شرطا فِي صِحَة النِّكَاح وَلَا ركنا فِيهِ لوُجُود العقد وَصِحَّته بِحُصُول الْإِيجَاب من الْوَلِيّ وَالْقَبُول من الزَّوْج، وَإِنَّمَا هُوَ شَرط فِي الدُّخُول فَإِن دخل بِغَيْر إِشْهَاد فسخ بِطَلْقَة بَائِنَة كَمَا قَالَ (خَ) وَفسخ إِن دخل بلاه وَلَا حدّ إِن فَشَا وَلَو علم فَإِن لم يكن فشو حد إِن أقرا بِالْوَطْءِ وَإِلَّا عوقبا فَقَط، وَلَو جهلا وجوب الْإِشْهَاد ابْن يُونُس والباجي: وَالشَّاهِد الْوَاحِد لَهما بِالنِّكَاحِ وَمَعْرِفَة ابتنائهما باسم النِّكَاح، وَذكره، وإظهاره كالأمر الفاشي فِي سُقُوط الْحَد قَالَه ابْن الْمَاجشون وَأصبغ. وَإِذا فسخ فَلَهُمَا الْمُرَاجَعَة بعد الِاسْتِبْرَاء بِثَلَاث حيض وَتحرم على آبَائِهِ وأبنائه فَإِن عقد الْأَب على ابْنه فِي غيبته الْقَرِيبَة بِحَيْثُ لَو رَضِي لصَحَّ، لكنه لم يرض فَتحرم على أُصُوله وفصوله أَيْضا، وَإِن عقد عَلَيْهِ فِي حَال غيبته الْبَعِيدَة بِحَيْثُ لَو رَضِي لم يَصح على مَا مر تَفْصِيله لم تحرم قَالَه ابْن حبيب. وَظَاهر النّظم كَغَيْرِهِ أَنه يفْسخ وَإِن طَال وَولدت الْأَوْلَاد وَأَن الشُّهْرَة وَحدهَا من غير إِشْهَاد لَا تَكْفِي فِي عدم الْفَسْخ وَهُوَ مَا ذكره الشَّارِح عَن بعض شرَّاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 الرسَالَة قَالَ: وَأفْتى ابْن لب بِأَن الْإِشْهَاد بِالنِّكَاحِ وشهرته مَعَ علم الْوَلِيّ والزوجين يَكْفِي وَإِن لم يحصل إِشْهَاد قَالَ: وَهَكَذَا كَانَت أنكحة كثير من السّلف وَفِي الْجَوَاهِر وَلم تكن أنكحة السّلف بإشهاد اه. قلت: وَهَذَا الَّذِي يدل عَلَيْهِ قَول ابْن سَلمُون فَإِن كَانَ النِّكَاح وَالدُّخُول شَائِعا مشتهراً سقط الْحَد بِاتِّفَاق وَثَبت النِّكَاح اه. فَتَأمل قَوْله وَثَبت النِّكَاح. قَالَ سَيِّدي أَحْمد البعل فِي جَوَاب لَهُ نَقله العلمي فِي نوازله بعد أَن ذكر مَا نَصه: من أَرَادَ سلوك مَا نَقله الْمُوثقُونَ فليفسخ كل نِكَاح دخل صَاحبه بِغَيْر إِشْهَاد للنصوص الْوَارِدَة بذلك، وَمَا يفهم من عدم فَسخه على مَا للأقدمين عملا على الشُّهْرَة لَا يعول عَلَيْهِ لِأَن الموثقين سبقُونَا إِلَى كَلَامهم فَلَو عدلوا عَنهُ إِلَى الْفَسْخ، فَلَمَّا فهم مِنْهُم أَنهم لَا يكتفون فِيهِ بالشهرة اه بِاخْتِصَار. قلت: تَأمله مَعَ تَعْلِيلهم الْفَسْخ بِأَنَّهُ سد لذريعة الْفساد إِذْ لَا يَشَاء إثنان يَجْتَمِعَانِ فِي خلْوَة على فَسَاد إِلَّا فعلا مثل ذَلِك وادعيا سبق عقد بِغَيْر إِشْهَاد فَيُؤَدِّي إِلَى ارْتِفَاع حد الزِّنَا وَالتَّعْزِير الخ. وَلَا شكّ أَن الشُّهْرَة يَنْتَفِي بهَا التَّعْلِيل الْمَذْكُور وَالْحكم يَدُور مَعَ علته. وَلذَا قَالَ ابْن شَاس: لَيْسَ الْإِشْهَاد ركنا وَلَا شرطا فِي العقد، وَإِنَّمَا هُوَ شَرط فِي الدُّخُول وَالْمَقْصُود إعلان النِّكَاح وإشهاره ليتميز عَن الزِّنَا، وَإِنَّمَا شرح الْإِشْهَاد لرفع الْخلاف المتوقع بَين الزَّوْجَيْنِ وَإِثْبَات حقوقهما، وعَلى هَذَا جرت أنكحة الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم مَا كَانَت بِشَهَادَة اه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 تَنْبِيه: ذكر فِي المعيار أَوَاخِر الكراس الثَّالِث من أنكحته أَن رُجُوع الشُّهُود عَن الشَّهَادَة بِالنِّكَاحِ بعد شهرته بِالْعقدِ وَالْبناء غير مُؤثر فَانْظُرْهُ. فالصِّيغَةُ النُّطْقُ بِما كأنكَحَا مِنْ مُقْتضٍ تَأبُّداً مُستوضحا (فالصيغة) مُبْتَدأ (النُّطْق) خَبره وَيجوز الْعَكْس (بِمَا) يتَعَلَّق بالنطق (كأنكحا) صلَة مَا (من) بَيَان لما (مُقْتَض) صفة لمَحْذُوف (تأبدا) مفعول بمقتض (مستوضحا) نعت لَهُ أَي الصِّيغَة من الْوَلِيّ هِيَ النُّطْق بِمَا هُوَ كأنكحا من كل لفظ مُقْتَض التأبد الْوَاضِح فأدخلت الْكَاف زوجت، فَإِنَّهُ ينْعَقد النِّكَاح بِهِ كأنكحت اتِّفَاقًا وأدخلت أَيْضا بِعْت وملكت ووهبت وتصدقت ومنحت وَأعْطيت وَنَحْو ذَلِك حَيْثُ قصد بهَا النِّكَاح وَظَاهره سمي مَعهَا صَدَاقا أم لَا. إِذْ الْمدَار عِنْده على كَونهَا تَقْتَضِي التَّأْبِيد لَا إِن لم يقْصد بهَا النِّكَاح فَلَا ينْعَقد كَمَا فِي شرَّاح (خَ) وَمَفْهُوم قَوْله: تأبدا الخ إِنَّه لَا ينْعَقد بِنَحْوِ: أعمرت أَو أوصيت أَو وأجرتها لَك أَو أعرتها أَو رهنتها لاقتضائها التَّوْقِيت دون التَّأْبِيد، وَعدم اللُّزُوم فِي الْوَصِيَّة وَظَاهره وَلَو قصد بهَا النِّكَاح أَو سمي مَعهَا الصَدَاق، وَمَا ذكره من أَنه ينْعَقد بِكُل لفظ يَقْتَضِي التَّأْبِيد هُوَ لِابْنِ الْقصار وَعبد الْوَهَّاب والباجي وَابْن الْعَرَبِيّ ودرج عَلَيْهِ ابْن الْحَاجِب فَقَالَ: الصِّيغَة كل لفظ يَقْتَضِي التَّأْبِيد مُدَّة الْحَيَاة كأنكحت وزوجت وملكت وبعت وَكَذَلِكَ وهبت بِتَسْمِيَة الصَدَاق. وَقَالَ فِي الْمُقدمَات: لَا ينْعَقد بِمَا عدا أنكحت وزوجت إِلَّا لفظ الْهِبَة حَيْثُ قرن بِصَدَاق وشهره فِي الشَّامِل فَقَالَ: وَصِيغَة بأنكحت وزوجت وَفِي وهبت مشهورها إِن ذكر مهْرا صَحَّ وإلاَّ فَلَا. وَقيل: يَصح ببعت وتصدقت بِقصد نِكَاح، وَقيل: بتحليل وَإِبَاحَة وكل لفظ يَقْتَضِي تَمْلِيكًا مُؤَبَّدًا إِلَّا إِجَارَة وعارية ورهناً وَوَصِيَّة الخ. فَأَنت ترَاهُ حكى مَا لِابْنِ الْعَرَبِيّ وَمن مَعَه بِصِيغَة. قيل: الْمُقْتَضِيَة للتضعيف فَيكون مَا فِي الْمُقدمَات هُوَ الرَّاجِح كَمَا فِي شرَّاح (خَ) وَأفهم قَوْله: كأنكحا أَن الْمُضَارع لَيْسَ كالماضي وَنَحْوه فِي الالتزامات قَائِلا الأَصْل فِي الْمُضَارع الْوَعْد، وَفِي الْمَاضِي اللُّزُوم وَنَحْوه لشراح الْمَتْن عِنْد قَوْله فِي الْخلْع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 وَالْبَيِّنَة إِن قَالَ: إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فارقتك أَو أُفَارِقك إِن فهم الِالْتِزَام والوعد إِن وَطئهَا الخ. وَقَالَ فِي ضيح الْمُضَارع فِي النِّكَاح كالماضي وموه لأبي الْحسن قَائِلا يُؤْخَذ مِنْهَا أَن لفظ الْمُسْتَقْبل فِي النِّكَاح كالماضي بِخِلَاف البيع اه. وَفِي الإلتزامات أَن الْمُضَارع إِنَّمَا يدل اللُّزُوم مَعَ قرينَة دَالَّة عَلَيْهِ تفهم من سِيَاق الْكَلَام بِخِلَاف وقرائن الْأَحْوَال اه. وَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا هُوَ الْمُعْتَمد، وَأما الصِّيغَة من الزَّوْج فَهِيَ قبلت وَنَحْوه مِمَّا يدل على الْقبُول وَأفهم قَوْله النُّطْق أَن غَيره من إِشَارَة أَو كِتَابَة لَا يَكْفِي، وَمِنْه يعلم حكم الْمَسْأَلَة الأمليسية وَهِي مَا جرت بِهِ عَادَة الْبِلَاد من أَن الرجل يُوَجه من يخْطب لَهُ فيجاب بِالْقبُولِ ويتواعدون للْعقد لَيْلَة الْبناء، ثمَّ يبْعَث الرجل بحناء وحوائج تتزين بهَا ويولول النِّسَاء وَيسمع النَّاس وَالْجِيرَان فلَان تزوج فُلَانَة سُئِلَ عَن ذَلِك أَبُو سَالم بن إِبْرَاهِيم الجلالي فَقَالَ: أما إِن كَانَت الْعَادة الْمَذْكُورَة جَارِيَة عِنْدهم مجْرى العقد المصطلح عَلَيْهِ بِحَيْثُ يرتبون على تِلْكَ الْأُمُور من إرْسَال الْحِنَّاء وَغَيرهَا آثَار النِّكَاح، وَأَن المواعدة للْعقد لَيْلَة الْبناء لَيست هِيَ عِنْدهم لإنشاء العقد بل للإشهاد بِقدر الْمهْر وأجله، وَتَحْقِيق مَا قبض مِنْهُ وَمَا بَقِي خوف التَّنَازُع فِي ذَلِك فَلَا إِشْكَال فِي لُزُوم النِّكَاح وترتب آثاره عَلَيْهِ، وَأما إِن كَانَت الْعَادة الْمَذْكُورَة إِنَّمَا هِيَ عِنْدهم تَوْطِئَة للْعقد وأمارة على ميل كل لصَاحبه فَلَا إِشْكَال فِي عدم اللُّزُوم وَإِن جهل الْحَال بِحَيْثُ لَو سُئِلَ أهل الْبَلَد هَل يقصدون العقد المنبرم أَو الْوَعْد، وَأَن الانبرام إِنَّمَا يَقع لَيْلَة الْبناء لم يجروا شَيْئا فَهَذَا مَحل الْإِشْكَال على مَاذَا يحمل هَل الانبرام أَو الْوَعْد. وَلَعَلَّ هَذَا الْقسم هُوَ مَحل الْخلاف، فَمن قَالَ إِنَّهَا تنزل منزلَة العقد المنبرم وَيَقُول: إِن أَرْكَان النِّكَاح كلهَا حَاصِلَة لِأَن الدّلَالَة الفعلية أقوى من القولية، وَمن قَالَ بِعَدَمِ اللُّزُوم يَقُول: إِن تِلْكَ الْأَوْصَاف غير العقد فَلَا تنزل مَنْزِلَته وَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا حكم فمما يدل على اللُّزُوم جَوَاب الشريف المزدغي فِي يتيمة عقد عَلَيْهَا أَخُوهَا بِغَيْر وكَالَة غير أَن النَّاس حَضَرُوا وأكلوا وَكَانَ يبْعَث لَهَا بِالْحِنَّاءِ والفاكهة والصابون فِي المواسم والأعياد قَالَ فِيهِ: إِن صبغت بِالْحِنَّاءِ وأكلت من تِلْكَ الْفَاكِهَة مَعَ علمهَا لَزِمَهَا النِّكَاح اه. وَنَحْوه كَمَا يَأْتِي للعبدوسي وَابْن لب والبرزلي، وَمَا ذكره المزدغي وَابْن لب والعبدوسي يُؤْخَذ من قَول الْمَتْن وَإِن طَال كثيرا لزم بِالْأُخْرَى وَمَا ذكره الْبُرْزُليّ يُقيد بالطول الَّذِي فِي الْمَتْن وَالله أعلم. وَمِمَّا يدل على عَدمه جَوَاب أبي الْعَبَّاس البقيني فِي رجل خطب يتيمة من أَخِيهَا، وَاتَّفَقُوا على الزواج بِعَدَد مَعْلُوم وحوائج وحضروا بِمَجْلِس وَاحِد وأكلوا دون أَن تقع بَينهم شَهَادَة وَأَعْطَاهَا العفصة وألقتها فِي رَأسهَا، ثمَّ إِن الرجل فقد أَو أسر هَل يَصح لغيره العقد عَلَيْهَا أم لَا؟ فَقَالَ: لَا نِكَاح بَينهمَا وَلَا توارث وَلَا عدَّة، وَبِهَذَا جرت عَادَة الْمُفْتِينَ، وَأَنه إِذا لم يَقع إِشْهَاد فَلَا نِكَاح، وَكَانَ شَيخنَا سَيِّدي إِبْرَاهِيم بن فتوح يسْتَشْكل هَذَا، وَلَا سِيمَا إِذا عظم التراكن فِيمَا مثل هَذِه الْمَسْأَلَة اه. هَذَا ملخص مَا نقلوه من جَوَاب الجلالي الْمَذْكُور، وَلم أَقف على جَوَابه بِعَيْنِه، وَيُؤَيّد مَا للمزدغي مَا أفتى بِهِ ابْن لب والعبدوسي فِيمَن عقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 عَلَيْهَا وَليهَا بِغَيْر وكَالَة من أَنَّهَا إِذا هنيت حِين العقد فَلم تنكر، أَو حضرت صَنِيع وليمتها دون إِظْهَار نَكِير لَزِمَهَا النِّكَاح، وَكَذَا نقل الْبُرْزُليّ عَن الرماح أَن النِّكَاح إِذا كَانَ مَشْهُورا فَإِنَّهُ يُغني عَن تَوْكِيل الْبكر أَو الثّيّب اه، وَيُؤَيّد مَا للبقيني مَا أجَاب بِهِ السَّرقسْطِي فِي امْرَأَة خطبت من والدها وأكلوا الطَّعَام قَالَ: إِن ثَبت أَن وَالِد الزَّوْجَة قَالَ: زوجت ابْنَتي الْبكر فُلَانَة من فلَان وَسمع من الزَّوْج أَنه قَالَ: تَزَوَّجتهَا فَإِنَّهُمَا يتوارثان وإلاَّ فَلَا اه. وَقَالَ أَيْضا فِي جَوَاب آخر عَن مثل النَّازِلَة الصِّيغَة وَهِي اللَّفْظ الدَّال على التَّزْوِيج والتزوج ركن من أَرْكَان النِّكَاح لَا ينْعَقد إِلَّا بهَا، فَإِن حصلت من الزَّوْج وَالْأَب وَالْأَب مجبر حصل النِّكَاح وإلاَّ فَلَا اه. وبمثله أجَاب (ق) وَابْن سراج كَمَا فِي المعيار وَغَيره إِلَّا أَن البقيني علل بِعَدَمِ الْإِشْهَاد وهم عللوا بفقد الصِّيغَة قَالُوا: وَهُوَ الصَّوَاب فِي التَّعْلِيل لما مر أَن الْإِشْهَاد لَيْسَ شرطا وَلَا ركنا. قلت: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون جَوَابه فِي قوم عَادَتهم أَن كل مَا يَفْعَلُونَهُ قبل الْإِشْهَاد لَغْو وَقَوْلهمْ وَهُوَ الصَّوَاب فِي التَّعْلِيل يَقْتَضِي إِن قَوْله فِي السُّؤَال، وَاتَّفَقُوا على الزواج الخ. أَنهم عقدوا لَا أَنهم تواعدوا وإلاَّ مَا حسن التَّعْلِيل بفقد الْإِشْهَاد أَو الصِّيغَة لِأَن الَّذِي لَا عقد فِيهِ لَا يُعلل بذلك لأَنهم يَقُولُونَ عقد فَاتَت فِيهِ الصِّيغَة أَو الْإِشْهَاد وَلَا يَقُولُونَ وعد فَاتَ فِيهِ مَا ذكر، وَقَوله: بعد وَلَا سِيمَا إِن عظم التراكن الخ. لَا يُنَافِي ذَلِك لِأَن التراكن وَإِن بلغ مَا بلغ لَا يكون عقدا فَالْمُرَاد بالتراكن العقد أَي وَلَا سِيمَا إِن عظم مَا يدل على العقد الخ. وَالتَّعْلِيل بفقد الصِّيغَة هُوَ الْجَارِي على مَا فِي النّظم وَغَيره، وَقَالَ فِي اللّبَاب: الصِّيغَة من الْوَلِيّ لفظ الخ. وَبِهَذَا يحسن مُقَابلَة مَا للبقيني بِمَا للمزدغي ونصيرنا زلتاهما متحدتي الْمَعْنى وَإِن الافتيات على الْمَرْأَة وَقع فيهمَا، وزادت نازلة الثَّانِي بفقد الصِّيغَة لِأَن قَوْله: اتَّفقُوا مُحْتَمل للاتفاق مَعَ الصِّيغَة أَو مَعَ عدمهَا، والمحتمل لَا دَلِيل فِيهِ، وَلذَا قَالُوا: الصَّوَاب التَّعْلِيل بفقدها، لَكِن حَيْثُ زَادَت نازلة الثَّانِي بِمَا ذكر أدّى ذَلِك إِلَى اخْتِلَاف مَوْضُوع النازلتين وَإِن اتحدتا فِي الافتيات، وَبِهَذَا استشكلت الْمُقَابلَة بَين النازلتين، وَعِنْدِي أَنه مُشكل من جِهَة أُخْرَى، وَذَلِكَ أَن سَيِّدي إِبْرَاهِيم الجلالي أجمل فِي جَوَابه على حسب مَا نقلوه عَنهُ ووقفنا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يبين مَا المُرَاد بقول السَّائِل فيجاب بِالْقبُولِ الخ. لِأَنَّهُ إِن كَانَ مَعْنَاهُ أَن الْإِيجَاب وَقع من الْوَلِيّ بِشَيْء من الْأَلْفَاظ الْمُتَقَدّمَة فِي تَقْرِير النّظم من غير استئمار للْمَرْأَة وَلَا تَوْكِيل مِنْهَا، وَثَبت ذَلِك بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار بعد الْمَوْت أَو النزاع فالمرأة حِينَئِذٍ مفتات عَلَيْهَا فَيجْرِي حكمهَا على قَول (خَ) وَصَحَّ إِن قرب رِضَاهَا بِالْبَلَدِ وَلم يقر بِهِ حَال العقد الخ. وَالزَّوْج هُنَا غير مفتات عَلَيْهِ إِن كَانَ خاطباً لنَفسِهِ لِأَن الْخَاطِب حِينَئِذٍ وَكيله إِذْ الْفَرْض أَن الْخطْبَة بِإِذْنِهِ، فَقَوْل الْخَاطِب فلَان يَقُول لَك زوج وليتك مني أَو يخْطب مِنْك وليتك بِمَنْزِلَة قَول (خَ) ويزوجني فَفعل الخ، فالصيغة حِينَئِذٍ مَوْجُودَة من الْوَلِيّ إِلَّا أَنَّهَا تَارَة تُوجد بِلَفْظ الْإِنْكَاح وَالتَّزْوِيج وَتارَة بِغَيْرِهِمَا فَيجْرِي ذَلِك على مَا مرّ فِي تَقْرِير النّظم وَلَا يخفى أَنهم قصدُوا بهَا النِّكَاح حَتَّى رتبوا عَلَيْهَا الولاول وَنَحْوهَا، وَإِن كَانَ الْإِيجَاب وَقع من المخطوبة أَو كَانَ الْبَاعِث يخْطب لوَلَده لَا لنَفسِهِ والموضوع بِحَالهِ فالافتيات وَقع على الْوَلِيّ فِي الأولى وَلَا يَصح النِّكَاح بِحَال وَلَو أجَازه الْوَلِيّ لِأَن عاقده امْرَأَة وعَلى الزَّوْج فِي الثَّانِيَة يجْرِي حكمه على مَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: وَحلف رشيد وأجنبي إِلَى قَوْله: وَإِن طَال كثيرا لزم الخ. وَإِن كَانَ الافتيات على الزَّوْج وَالزَّوْجَة فَيجْرِي كل على حكمه على قَول مَرْجُوح فِيهِ كَمَا يَأْتِي، وعَلى هَذَا الْقسم أَعنِي الافتيات على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 الزَّوْجَة فَقَط أَو على الزَّوْج فَقَط أَو على الزَّوْجَيْنِ على القَوْل الْمَرْجُوح يتنزل جَوَاب المزدغي، وَمن ذكر مَعَه لِأَن قبُول الْهَدَايَا وَحُضُور الْوَلِيمَة وَالسُّكُوت حِين الشُّهْرَة أقوى من قَول الْمَتْن وَإِن طَال كثيرا لزم الخ. وَإِن كَانَ مَعْنَاهُ يُجَاب بِالْقبُولِ غَالِبا أَي غَالب أَحْوَالهم أَن يكون الْإِيجَاب من الْوَلِيّ بِشَيْء من تِلْكَ الْأَلْفَاظ الْمُتَقَدّمَة وتصدر عَنهُ حِينَئِذٍ تِلْكَ الْأَفْعَال، فَيَنْبَغِي أَن يكون الحكم للْغَالِب وَيجْرِي حِينَئِذٍ حكمه على الْوَجْه الَّذِي قبله وَإِن كَانَ قَوْله فِي السُّؤَال فيجاب بِالْقبُولِ الخ. مَعْنَاهُ أَنهم أجابوه بِإِظْهَار مَا يدل عَلَيْهِ من سرُور وميل وَلَيْسَ هُنَاكَ غَالب وَلَا يدْرِي هَل كَانَت هُنَاكَ صِيغَة أم لَا؟ وتوكيل واستئمار أم لَا؟ كَمَا هُوَ ظَاهر جَوَابه بِدَلِيل قَوْله: بِحَيْثُ يرتبون إِلَى قَوْله من إرْسَال الْحِنَّاء، وبدليل قَوْله الدّلَالَة الفعلية أقوى الخ. فَلَا يخفى أَن هَذَا لَا يتنزل عَلَيْهِ جَوَاب المزدغي وَمن مَعَه لِأَن الْمُحَقق حِينَئِذٍ هُوَ الْميل وَالسُّرُور، وَبعث الْهَدَايَا وقبولها وَغير ذَلِك من الصِّيغَة وَنَحْوهَا مُحْتَمل مَشْكُوك هُوَ فِي حكم الْعَدَم، ونازلة المزدغي صرح السَّائِل فِيهَا بِالْعقدِ فَظَاهره أَنه إِنَّمَا فَاتَ فِيهَا التَّوْكِيل والاستئمار وَغير ذَلِك من الْأَركان كُله مَوْجُود، وَهَذَا لَا يتنزل عَلَيْهِ جَوَاب اليقيني إِن قُلْنَا أَن قَوْله فِي السُّؤَال اتَّفقُوا مَعْنَاهُ تعاقدوا كَمَا مرّ، وَأما إِن قُلْنَا مَعْنَاهُ وَقع مِنْهُم مَا يدل على الِاتِّفَاق وَلَا يدْرِي بِمَاذَا هُوَ وَلَا أَنه كَانَ بِحُضُور الْمَرْأَة أَو توكيلها وَلَا يَدْرُونَ ذَلِك فَهُوَ حِينَئِذٍ أشبه شَيْء بِهَذَا الِاحْتِمَال الَّذِي نَحن فِيهِ، لَكِن لَا يَنْبَغِي أَن يُعلل بِعَدَمِ الْإِشْهَاد وَلَا بفقد الصِّيغَة، بل بِعَدَمِ وجود العقد من أَصله إِذْ الْمُحَقق حِينَئِذٍ هُوَ وجود تِلْكَ الْأَفْعَال وَغَيرهَا مُحْتَمل فِي حكم الْعَدَم وَهِي وَحدهَا لَا دلَالَة فِيهَا على العقد لِأَنَّهَا مُحْتَملَة للْعقد والوعد والمحتمل لَا دلَالَة فِيهِ، فَإِن كَانَت عَادَتهم وغالب أَحْوَالهم أَنهم يُرِيدُونَ بهَا انبرام العقد، وَأَنَّهَا لَا تكون إِلَّا بعده فَيحسن حِينَئِذٍ التَّعْلِيل بِفَوَات الصِّيغَة الَّتِي هِيَ اللَّفْظ الدَّال على التَّزْوِيج والتزوج الخ. وَمُقَابِله من يَقُول أَن النِّكَاح ينْعَقد بِغَيْر صِيغَة بل بِإِشَارَة وَنَحْوهَا وَلَو مِمَّن يَتَأَتَّى مِنْهُ النُّطْق وَهُوَ ظَاهر قَول الْمقري فِي قَوَاعِده كل نِكَاح، فَالْمُعْتَبر فِي انْعِقَاده مَا دلّ على مَعْنَاهُ لَا فِي صِيغَة مَخْصُوصَة وَيكون حِينَئِذٍ الْخلاف فِي الْقسم الأول من أَقسَام صدر الْجَواب لَا فِي الْقسم الثَّالِث الَّذِي هُوَ جهل الْحَال بِمَا يُرِيدُونَ بِتِلْكَ الْأَفْعَال لما علمت من أَن الْمُحْتَمل لَا تثبت بِهِ الْأَحْكَام، وَبِالْجُمْلَةِ إِن حملنَا السُّؤَال فِي الأمليسية على الْمَعْنى الأول، فَالْحكم ظَاهر وَإِن حملناه على الثَّانِي كَمَا هُوَ مُقْتَضى جَوَاب سَيِّدي إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور فَلَا يحسن الِاسْتِدْلَال بِمَا للمزدغي وَلَا بِمَا للبقيني إِن قُلْنَا أَن قَوْله فِي السُّؤَال اتَّفقُوا مَعْنَاهُ تعاقدوا، وَإِن قُلْنَا مَعْنَاهُ وَقع بَينهم اتِّفَاق فيفصل فَإِن كَانَ غَالب أَحْوَالهم أَنهم يقصدون بِتِلْكَ الْأَفْعَال الانبرام فَيجْرِي الْخلاف بَين من يشْتَرط الصِّيغَة الْمَخْصُوصَة وَمن لَا يشترطها كالمقري فِي أول الْأَقْسَام فَقَط لَا بَين من يشْتَرط الصِّيغَة وَبَين المزدغي الْمَذْكُور وَلَا فِي الْقسم الثَّالِث إِذْ الْأَفْعَال المحتملة لَا يثبت بهَا نِكَاح. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال وَجه الِاسْتِدْلَال بِمَا للمزدغي أَن رضَا الزَّوْجَة من أَرْكَان النِّكَاح، وَقد قَامَ مقَام رِضَاهَا أكلهَا وصبغها بِالْحِنَّاءِ أَو حُضُور وليمتها وَنَحْو ذَلِك. وَإِذا قَامَت الدّلَالَة الفعلية مقَام ركن من جَانب فَكَذَلِك تقوم مقَامه من جَمِيع الجوانب كَمَا فِي نازلتنا لكنه يحْتَاج لوصي بسفر عَنهُ، وَيكون حِينَئِذٍ مَا للمزدغي تَقْوِيَة لما للمقري من عدم اشْتِرَاط صِيغَة مَخْصُوصَة فتحسن الْمُقَابلَة حِينَئِذٍ بَين المزدغي، وَمن يشْتَرط صِيغَة مَخْصُوصَة لَكِن فِي الْقسم الأول فَقَط كَمَا مرّ لِأَن للمزدغي وَمن مَعَه إِنَّمَا هُوَ لكَون الْعَادة قطعت بِأَن ذَلِك الْفِعْل يدل على رِضَاهَا. وعَلى الْقسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 الأول يَنْبَغِي أَن يحمل قَول ناظم الْعَمَل: وَفِي النِّكَاح إِن بدا الْقبُول الخ. فَتَأمل هَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ بإنصاف وَلَا تغتر بِمَا سبق للأذهان من الانحراف. فَإِن قلت: الزَّوْجَة فِي نازلة المزدغي وَمن مَعَه مفتات عَلَيْهَا وَحكمهَا مَنْصُوص للأقدمين كَمَا قَالَ (خَ) أَو أَفْتيت عَلَيْهَا وَصَحَّ أَن قرب رِضَاهَا بِالْبَلَدِ الخ. فَمَا وَجه نسبتها للمتأخرين. قلت: الْمَنْصُوص للأقدمين أَن رِضَاهَا لَا يكون إِلَّا بالنطق كَمَا يَأْتِي، وَهَؤُلَاء جعلُوا تِلْكَ الْأَفْعَال قَائِمَة مقَام نطقها لِأَن تِلْكَ الْأَفْعَال بِمُقْتَضى الْعَادة كالنطق أَو أقوى فَلَعَلَّهُ لذَلِك نسبت إِلَيْهِم. تَنْبِيهَات. الأول: مِمَّا يشبه الأمليسية مَا جرت عَادَة أهل فاس أَنه إِذا حصل الْإِيجَاب من ولي الزَّوْجَة يتواعد مَعَ أهل الزَّوْج ليَوْم وَوقت يَجْتَمعُونَ فِيهِ فِي الْمَسْجِد مَعَ أهل الوجاهات من الشرفاء وَغَيرهم، فيجتمعون وَيسمع الْحَاضِرُونَ من ولي الزَّوْجَة أَنه زوج وليته من فلَان وَيقبل ولي الزَّوْج أَو من يَدعِي النِّيَابَة عَنهُ ويعينون الصَدَاق ويقرؤون الْفَاتِحَة وينصرفون وَلَا يسمعُونَ من الزَّوْج قبولاً وَلَا من الْمَرْأَة توكيلاً لعدم حضورهما، ثمَّ يطْرَأ موت أَو نزاع فيحتج الزَّوْج بِأَنَّهُ لم يحضر وَلم يرض، وَالْمَرْأَة بِأَنَّهَا لم توكل، وَالْحكم فِي هَذِه ظَاهر مِمَّا مر إِذْ الصِّيغَة فِيهَا مَوْجُودَة من الْوَلِيّ وَلَكِن وَقع الافتيات على الزَّوْج وَالزَّوْجَة على زعميهما. فَإِن ثَبت أَنه وجد من الزَّوْجَة وَالزَّوْج مَا يدل على رضاهما لزمهما النِّكَاح على خلاف مَا يَأْتِي فِي النِّكَاح الْمَوْقُوف على الطَّرفَيْنِ، فَإِن لم يثبت شَيْء فَقَالَ الْقصار فِي جَوَاب لَهُ نَقله الزياتي فِيمَن عقد عَلَيْهِ أَبوهُ أَو أَخُوهُ نِكَاحا وَلم يسمع من الزَّوْج إِذن وَلَا قبُول حَتَّى مَاتَ بعد ثَلَاثَة أَعْوَام، وَالْحَال أَن الْعَاقِد لم يدع توكيلاً وَلَا افتياتاً مَا نَصه: عَاقد نِكَاح غَيره وَإِن غَائِبا يحمل على الْإِذْن لِأَن الْغَالِب أَنه لَا يعْقد أحد نِكَاح غَيره إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَجَوَاب أخينا السراج بِغَيْر ذَلِك خلاف الصَّوَاب وَحمل على أكل أَمْوَال النَّاس كجوابه بِعَدَمِ انْعِقَاد النِّكَاح قبل الْإِشْهَاد وَمَا وَقع من ذَلِك لغيره إِنَّمَا هُوَ فِي قطر عَادَتهم أَن كل مَا فَعَلُوهُ قبل الْإِشْهَاد لَغْو وَلَيْسَ قطرنا كَذَلِك اه. وَنَحْوه لِابْنِ عرضون كَمَا مرّ وَصدق رَحمَه الله فِي كَون قطرنا لَيْسَ كَذَلِك إِذْ من مارس أنكحة فاس ونواحيها وجدهَا لَا تقع إِلَّا بِإِذن من الزَّوْجَيْنِ، وَظَاهر تَعْلِيله وَصدر جَوَابه أَن ذَلِك جَار حَتَّى فِي غيبَة الزَّوْجَيْنِ مَعًا كَمَا هِيَ عَادَة فاس، وَقَوله: وَجَوَاب أخينا السراج الخ. يُرِيد أَن السراج أفتى فِي مثل النَّازِلَة بِعَدَمِ ثُبُوت النِّكَاح قَائِلا لِأَنَّهُ لَا ينْعَقد إِلَّا بِقبُول الزَّوْج وقبوله لم يثبت. وَالْحَاصِل أَن الافتيات إِمَّا على الزَّوْج أَو على الزَّوْجَة أَو على الْوَلِيّ كَمَا تقدم ذَلِك عِنْد قَوْله: وَالْمهْر والصيغة الخ. والافتيات على الْوَلِيّ الْمُجبر أَو على غَيره فِيهِ تَفْصِيل يَأْتِي فِي تَرْتِيب الْأَوْلِيَاء وعَلى الزَّوْجَة وَالزَّوْج هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقول (خَ) عاطفاً على مَا لَا بُد فِيهِ من النُّطْق أَو أَفْتيت عَلَيْهَا الخ. وَبِقَوْلِهِ: وَحلف رشيد وأجنبي إِلَخ إِذْ ذَاك كُله فِي النِّكَاح الْمَوْقُوف، وَقد تقدم عَن الفشتالي أَن فِيهِ أقوالاً ثَلَاثَة وَالنِّكَاح الْمَوْقُوف كَمَا للباجي الَّذِي وقف على إجَازَة الْوَلِيّ أَو أحد الزَّوْجَيْنِ، فَهَذَا مَوْقُوف أحد طَرفَيْهِ وَالْمَوْقُوف طرفاه أَن يُوقف على رضَا الزَّوْج وَالزَّوْجَة، وَالصَّحِيح فِيهِ الْفَسْخ مُطلقًا وَأما على أَحدهمَا فَيصح بالقيد الْمَذْكُور فِي (خَ) ابْن رشد: إِذا زوج الرجل وليته الْبكر أَو الثّيّب أَو ابْنه الْكَبِير أَو الْأَجْنَبِيّ فِي مغيبهم فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يزْعم حِين العقد أَنه أذن لَهُ فِيهِ الْغَائِب فَلَا يفْسخ النِّكَاح حَتَّى يقدم الْغَائِب فَإِن صدقه جَازَ النِّكَاح وَإِن بعد وَإِن أنكر الْإِذْن حلف وَلم يلْزمه، وَإِن قَالَ لم آمره وَلَكِنِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 أرْضى النِّكَاح جَازَ النِّكَاح فِي الْقرب دون الْبعد على الْمَشْهُور، وَأما إِن يزْعم حِين العقد أَنه لم يَأْذَن لَهُ وَأَنه مفتات فِي عقده فَالنِّكَاح فَاسد اتِّفَاقًا قرب أَو بعد، وَأما أَن يعْقد ويسكت وَلَا يبين شَيْئا فَهُوَ مَحْمُول على التَّوْكِيل حَتَّى يثبت خلاف ذَلِك انْتهى بِاخْتِصَار بِنَقْل الزياتي. لَكِن مَا ذكره من الِاتِّفَاق على الْفساد فِي الْوَجْه الثَّانِي خلاف تَفْسِير الْبَاجِيّ للنِّكَاح الْمَوْقُوف الْجَائِز عندنَا من أَنه الَّذِي يعقده الْوَلِيّ على وليته، وَيشْتَرط إجازتها وَأَنه لم يستأذنها الخ. فَهُوَ كَمَا لِابْنِ عَرَفَة قَادِح فِي الِاتِّفَاق الْمَذْكُور وَإِن كَانَ (خَ) درج فِي قَوْله وَلم يقر بِهِ حَال العقد على مَا لِابْنِ رشد انْظُر شرح الْعَمَل عِنْد قَوْله: وَمن تحمل عَن ابْنه النِّكَاح وَحمل الصَدَاق عَنهُ ليراح الثَّانِي: قَالَ فِي التَّكْمِيل عَن ابْن أبي زيد فِي الرجل يَقُول: زوجت ابْنَتي فلَانا إِن رَضِي أَن لَهُ الرِّضَا بِإِجْمَاع. قَالَ: وَسُئِلَ العبدوسي عَمَّن أشهد أَنه أنكح ابْنَته الْبكر من فلَان بِصَدَاق مُسَمّى فَلم يبلغهُ الْخَبَر إِلَّا بعد سِنِين، فَأجَاب: هَذَا يُجَاب للرجل الْمَذْكُور فِيهَا فَإِن قبله الزَّوْج حِين بلغه صَحَّ نِكَاحه قرب أم بعد، وَلَا يجْرِي فِيهِ الْخلاف الَّذِي فِي النِّكَاح الْمَوْقُوف قَالَ: وَكثير من الطّلبَة يلبس عَلَيْهِ الْفرق بَين الصُّورَتَيْنِ اه. وَنَحْوه للقوري وَذكر فِي نَوَازِل الزياتي عَن العبدوسي أَن الْفرق بَين نِكَاح الْإِيجَاب وَالنِّكَاح الْمَوْقُوف هُوَ أَن الْإِيجَاب نِكَاح يعقده الْأَب على ابْنَته من غير أَن يقْصد العقد على الزَّوْج، فَهَذَا يَصح مهما قبله الزَّوْج وَلَو بعد طول وَإِن كَانَ صَغِيرا وَقَبله بعد الْبلُوغ أَو قبله وَكَانَ فِي سنّ من يُمَيّز معنى ذَلِك وَلم يردهُ بعد رشده فَإِنَّهُ منبرم أَيْضا بِخِلَاف الْمَوْقُوف فَإِنَّهُ الَّذِي يقْصد بِهِ العقد على الزَّوْج فَإِن قبله بِالْقربِ، وَكَانَ أَهلا للقبول صَحَّ، وَإِن طَال فسد على الْمَشْهُور اه. قلت: وَكَأن هَذَا الْفرق أَخذه من كَلَام ابْن رشد الْمُتَقَدّم وَتَأمل قَوْله: وَلَا يجْرِي فِيهِ الْخلاف الَّذِي فِي النِّكَاح الْمَوْقُوف الخ. مَعَ أَن نازلته هِيَ عين قَول (خَ) وَصَحَّ إِن مت فقد زوجت ابْنَتي بِمَرَض وَهل إِن قيل بِقرب مَوته تَأْوِيلَانِ الخ. لِأَن مَسْأَلَة الْمَرَض رَاجِعَة بعد الْمَوْت لنازلته إِذْ الْإِيجَاب وَقع فِيهَا مُعَلّقا على الْمَوْت، ونازلة العبدوسي لَا تَعْلِيق فِيهَا، لَكِن اتحدتا بعد وُقُوع الْمُعَلق عَلَيْهِ، وَلذَا قَالَ الْعَوْفِيّ فِيهَا التَّعْلِيق وَقع فِي الْحَيَاة وَلَا عِبْرَة بطول مَرضه أَو قصره والإيجاب وَقع مَعَ الْمَوْت وَهُوَ الَّذِي يشْتَرط الْقبُول عقبه اه. وَقد ذكر ابْن رشد أَن الْأَقْوَال الثَّلَاثَة الَّتِي فِي النِّكَاح الْمَوْقُوف تجْرِي فِي مَسْأَلَة الْمَرَض هَذِه كَمَا فِي ضيح. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون مُرَاد العبدوسي لَا يجْرِي فِيهِ الْخلاف الَّذِي فِي الْمَوْقُوف نصا بل تخريجاً، لَكِن يُقَال هِيَ وَإِن لم يجر فِيهَا الْخلاف الَّذِي فِي الْمَوْقُوف نصا، لَكِن يجْرِي فِيهَا الْخلاف الَّذِي فِي مَسْأَلَة الْمَرَض نصا لِأَنَّهَا عينهَا على أَن نازلته هِيَ الْمُتَقَدّمَة عَن ابْن الْقَاسِم عِنْد قَوْله: وَالْمهْر والصيغة الخ. وَمَسْأَلَة الْإِجْمَاع الْمُتَقَدّمَة لَيْسَ فِيهَا التَّصْرِيح بِأَن لَهُ الْقبُول وَلَو بعد طول، بل هَذِه ظَاهِرَة فِيهِ فَتحمل على الْقرب أَي لَهُ الرِّضَا بِالْقربِ بِإِجْمَاع، وَأما بعد طول فَفِيهِ خلاف بِدَلِيل مَسْأَلَة الْمَرَض وَتَخْرِيج ابْن رشد للأقوال يَقْتَضِي أَنه لم يسلم الْإِجْمَاع الْمُتَقَدّم وإلاَّ مَا صَحَّ لَهُ التَّخْرِيج لما تقرر فِي علم الْأُصُول أَن من قواد (ح) الْقيَاس كَونه فِي مَحل نَص أَو إِجْمَاع، وَقد علمت أَن الْمَشْهُور فِي الْمَوْقُوف اشْتِرَاط الْقرب فَيعلم مِنْهُ اشْتِرَاط الْفَوْر بَين الْقبُول والإيجاب إِلَّا الْفَصْل الْيَسِير، وَيَنْبَغِي أَن يُرَاعِي ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 التشهير أَيْضا فِي مَسْأَلَة الْمَرَض وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَهَذَا مَا لم يكن زَوجهَا من صَغِير وإلاَّ فَلَا يضر تَأْخِير الْقبُول اتِّفَاقًا. الثَّالِث: قَالَ ابْن عرضون وَنَقله فِي نَوَازِل العلمي فِيمَن عقد لَيْلَة الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الْعشَاء وَشهد على الزَّوْج بِالْقبُولِ يَوْم الْخَامِس وَالْعِشْرين: هَل تحسب تِلْكَ اللَّيْلَة من الثَّالِث وَالْعِشْرين وَيكون الْقبُول دَاخل الثَّلَاثَة الْأَيَّام مَا نَصه: إِن كَانَ الْأَمر كَمَا ذكر فَلَا يفْسخ النِّكَاح الْمَوْصُوف اه. قلت: وَفِي أنكحة المعيار فِي رجل عقد النِّكَاح على أُخْته يَوْم الْخَمِيس وَشهد على الزَّوْجَة يَوْم الْجُمُعَة وَقد كَانَ رَجَعَ الزَّوْج عَنهُ عَشِيَّة يَوْم الْخَمِيس أَن النِّكَاح مُنْعَقد بِإِجَازَة الزَّوْجَة وَرُجُوع الزَّوْج يعد طَلَاقا يلْزمه النّصْف فَانْظُرْهُ. الرَّابِع: قَالَ فِي ضيح فِي الْمسَائِل الَّتِي لَا يعْذر فِيهَا بِالْجَهْلِ: وَمِنْهَا الْمَرْأَة تزوج وَهِي حَاضِرَة فتسكت وَلَا تنكر حَتَّى يدْخل بهَا الزَّوْج ثمَّ تنكر النِّكَاح وَتقول: لم أَرض الخ. وَسُئِلَ ابْن مَرْزُوق عَمَّن علاتهم عدم الْكتب حِين العقد هَل يُكَلف الزَّوْج بعد الْبناء إِثْبَات النِّكَاح وَأَن الْقبُول وَقع ناجزاً فَقَالَ: دَعْوَى الْمَرْأَة عدم الرِّضَا بعد الْبناء لَا تقبل إِلَّا بِبَيِّنَة وَلَا تعزل عَن الزَّوْج بِمُجَرَّد دَعْوَاهَا ومحمل النِّكَاح على الصِّحَّة حَتَّى يتَبَيَّن الْفساد. وَرُبْعُ دِينارٍ أَقَلُّ المُصْدَقِ وَلَيْسَ لِلأَكْثَرِ حَدَّ مَا ارْتُقِي (وَربع) خبر (دِينَار) مُضَاف إِلَيْهِ (أقل) مُبْتَدأ (الْمُصدق) بِضَم الْمِيم وَسُكُون الصَّاد اسْم مفعول مُضَاف إِلَيْهِ أَي أقل الصَدَاق ربع دِينَار ذَهَبا وَصَرفه اثْنَا عشر درهما شَرْعِيًّا كصرفه فِي بَاب الدِّيَة، وَالصرْف وَالْيَمِين وَالسَّرِقَة بِخِلَاف صرفه فِي الزَّكَاة والجزية فعشرة دَرَاهِم فَقَط، وَقد نظم ذَلِك (تت) فَقَالَ: ديات وَصرف مَعَ يَمِين وسارق نِكَاح زَكَاة جِزْيَة تمّ عدهَا فصرف أخيرها بِعشر دَرَاهِم وللباقي زده اثْنَيْنِ غَايَة عدهَا وَسَيَأْتِي فِي بيع الحاضن أَن صرفه هُنَاكَ ثَمَانِيَة دَرَاهِم. (وَلَيْسَ) فعل نَاقص (للْأَكْثَر) خَبَرهَا مقدم (حد) اسْمهَا مُؤخر (مَا) نَافِيَة (ارتقي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول، وَالْجُمْلَة صفة لحد أَي لَيْسَ لأكثره حد من نَعته وَصفته لَا يرتقي عَلَيْهِ وَلَا يتَجَاوَز لقَوْله تَعَالَى: وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} (النِّسَاء: 20) ابْن رشد: وَالْقِنْطَار ألف دِينَار وَمِائَتَا دِينَار إِلَّا أَن اليسارة فِيهِ أحب لأهل الْعلم والمغالاة فِيهِ مَكْرُوهَة كَمَا فِي (خَ) وَغَيره قَالَ فِي الْمُقدمَات: كَانَت صدقَات أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبنَاته على قدر علو قدره وقدرهن اثْنَتَيْ عشرَة أُوقِيَّة ونشاً وَالْأُوقِية أَرْبَعُونَ درهما، والنش عشرُون درهما فَذَلِك خَمْسمِائَة دِرْهَم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 أَوَ مَا بِهِ قُوِّمَ أَوْ دَرَاهِمُ ثَلاَثَةٌ فَهْيَ لَهُ تُقَاومُ (أَو) للتنويع (مَا) مَوْصُولَة وَاقعَة على الْعرض وَنَحْوه معطوفة على ربع (بِهِ) يتَعَلَّق بقوله: (قوم) وَالْجُمْلَة صلَة والرابط الضَّمِير النَّائِب فِي قوم وَالضَّمِير الْمَجْرُور يعود على ربع أَي أقل الصَدَاق ربع دِينَار أَو عرض قوم بِهِ يَوْم العقد يَعْنِي أَو بِثَلَاثَة دَرَاهِم فَأَيّهمَا ساواه صَحَّ بِهِ النِّكَاح، وَلَو نقص عَن الآخر كَمَا فِي (ز) وَقيل لَا يعْتَبر التَّقْوِيم إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ. (أَو) للتنويع أَيْضا (دَرَاهِم) مَعْطُوف على ربع أَيْضا (ثَلَاثَة) صفة (فَهِيَ) مُبْتَدأ وَالْفَاء سَبَبِيَّة (لَهُ) يتَعَلَّق بقوله (تقاوم) أَي تعادل وتماثل وَالْجُمْلَة خبر وَالضَّمِير الْمَجْرُور يعود على ربع، وَمَفْهُوم أقل أَنه إِن نقص عَمَّا ذكر فسد وَهُوَ كَذَلِك (خَ) وَفَسَد إِن نقص عَن ربع دِينَار أَو ثَلَاثَة دَرَاهِم خَالِصَة أَو مقوم بهما وأتمه إِن دخل وإلاَّ بَان لم يتمه فسخ فملخصه أَنه إِن بنى لزمَه إِتْمَامه وإلاَّ فَإِن أَرَادَهُ لزمَه الْإِتْمَام أَيْضا فَإِن لم يردهُ وعزم على عدم الْإِتْمَام فسخ وإلاَّ بَقِي لَهُ الْخِيَار إِلَّا أَن تقوم الزَّوْجَة بِحَقِّهَا لتضررها قَالَه (ز) وَقَوله: فسخ أَي على الْمَشْهُور. وَقَالَ ابْن وهب: لَا يفْسخ وَإِن وَقع بالدرهم وَالشَّيْء الْيَسِير كالشافعي قَائِلا لَا حدَّ لأقله كَمَا لَا حد لأكثره فَكل مَا جَازَ أَن يكون ثمنا لشَيْء أَو أُجْرَة لشَيْء جَازَ أَن يكون مهْرا وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: أَقَله دِينَار أَو عشرَة دَرَاهِم. وَقَوله: فسخ أَي بِطَلَاق لِأَنَّهُ مُخْتَلف فِيهِ وَلها نصف الْمُسَمّى كَمَا قَالَ (خَ) وَسقط بِالْفَسْخِ قبله الْإِنْكَاح الدرهمين فنصفهما الخ. وَلما ذكر أقل الصَدَاق ذكر قدر الثَّلَاثَة دَرَاهِم الشَّرْعِيَّة بِدَرَاهِم وقته فَقَالَ: وَقَدْرُهَا بِالدَّرْهِم السَّبْعَينِي نحوٌ مِنَ العِشْرِينَ فِي التَّبْيِينِ (وقدرها) مُبْتَدأ وَالضَّمِير للثَّلَاثَة دَرَاهِم (بالدرهم) يتَعَلَّق بالمبتدأ (السبعيني) صفة وَهُوَ نِسْبَة إِلَى سبعين أحد الْعُقُود أَي الدِّرْهَم الَّذِي سَبْعُونَ مِنْهُ فِي الْأُوقِيَّة الشَّرْعِيَّة وَالْأُوقِية الشَّرْعِيَّة أَرْبَعُونَ درهما شَرْعِيًّا قَالَ ابْن جزي: إِن الدَّرَاهِم كَانَت فِي الأندلس سبعين فِي الْأُوقِيَّة، ثمَّ ردَّتْ ثَمَانِينَ فِي الْأُوقِيَّة وَنَحْوه فِي (ق) قَالَه (ت) (نَحْو) خبر الْمُبْتَدَأ (من الْعشْرين) يتَعَلَّق بِهِ (فِي التَّبْيِين) فِي مَوضِع الصّفة لنَحْو قَالَ الشَّارِح عَن بَعضهم أَن الدِّرْهَم الشَّرْعِيّ فِيهِ من دراهمنا يَعْنِي السبعينية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 سِتَّة دَرَاهِم وَثَلَاثَة أعشار الدِّرْهَم قَالَ: وَلَا شكّ إِنَّك إِذا ضربت ثَلَاثَة فِي سِتَّة وَثَلَاثَة أعشار كَانَ الْخَارِج ثَمَانِيَة عشر وَتِسْعَة أعشار. وَلذَا قَالَ النَّاظِم: نَحْو أَي يقرب من الْعشْرين، وَقد يكون فِيهَا مَعَ ذَلِك غش أَو نقص فَلِذَا قَالَ: وَيَنْبَغِي فِي ذاكَ الاحْتِياطُ بخَمْسَةٍ بِقَدْرِها تُنَاطُ (وَيَنْبَغِي) مضارع (فِي ذَاك) يتَعَلَّق بِهِ وَالْإِشَارَة للتبيين (الِاحْتِيَاط) فَاعل (بِخَمْسَة) يتَعَلَّق بِالِاحْتِيَاطِ أَي بِزِيَادَة خَمْسَة على الْعشْرين فَتكون خَمْسَة وَعشْرين (بِقَدرِهَا) يتَعَلَّق بقوله: (تناط) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالْجُمْلَة تَعْلِيل لما قبلهَا أَي يَنْبَغِي الِاحْتِيَاط فِي ذَلِك الْبَيَان بِزِيَادَة خَمْسَة إِذْ يقدرها مَعَ الْعشْرين تناط وتضبط الثَّلَاثَة الشَّرْعِيَّة، والنوط التَّعْلِيق يُقَال ناطه ينوطه أَي علقه، وَمعنى التَّعْلِيق هُنَا الضَّبْط لِأَنَّهُ يُفَسر فِي كل شَيْء بِمَا يُنَاسِبه، أَلا ترى أَنه فِي تَعْلِيق الْقُدْرَة بالممكنات بِمَعْنى التَّأْثِير، وَفِي تَعْلِيق الْعلم بالمعلومات بِمَعْنى الانكشاف، وَفِي تَعْلِيق الْمَجْرُور بعامله بِمَعْنى أَنه مَعْمُول لَهُ وَالله أعلم. تَنْبِيهَانِ. الأول: مَا ذكره الشَّارِح عَن بَعضهم من أَن الدِّرْهَم الشَّرْعِيّ فِيهِ من الدَّرَاهِم السبعينية سِتَّة دَرَاهِم وَثَلَاثَة أعشار الخ. غير ظَاهر إِذْ الَّذِي تَقْتَضِيه الْقِسْمَة الحيسوبية على مَا مرّ من أَن سبعين مِنْهَا فِي الْأُوقِيَّة وَالْأُوقِية أَرْبَعُونَ درهما شَرْعِيًّا أَن يكون كل دِرْهَم شَرْعِي فِيهِ من الدَّرَاهِم السبعينية دِرْهَم وَثَلَاثَة أَربَاع الدِّرْهَم، فالثلاثة دَرَاهِم على هَذَا هِيَ خَمْسَة دَرَاهِم سبعينية وَربع دِرْهَم، فيشكل حِينَئِذٍ قَول النَّاظِم نَحْو من الْعشْرين الخ. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال مَعْنَاهُ نَحْو من الْعشْرين ربعا مِنْهُ أَي من الدِّرْهَم السبعيني وَنَحْو الشَّيْء مَا يزِيد عَلَيْهِ بِيَسِير أَو ينقص عَنهُ كَذَلِك كَمَا قَالَه شرَّاح الْمَتْن فِي فصل الْحيض عِنْد قَوْله النّصْف وَنَحْوه الخ. الثَّانِي: قدر الثَّلَاثَة الشَّرْعِيَّة بالدرهم الفاسي الْإِسْمَاعِيلِيّ عشرَة دَرَاهِم أَي عشر مزونات إسماعيلية هِيَ ثَلَاثَة دَرَاهِم شَرْعِيَّة لِأَن الدِّرْهَم الشَّرْعِيّ فِيهِ من الدَّرَاهِم أَي المزونات الإسماعيلية ثَلَاثَة وَثلث بِالْوَزْنِ المرضي قَالَه (ت) . قلت: وَسمعت من أشياخنا أَن الدِّرْهَم السُّلَيْمَانِي الَّذِي فِيهِ سِتّ مزونات سليمانية هُوَ الدِّرْهَم الشَّرْعِيّ أَو يقرب مِنْهُ، فَيَنْبَغِي الزِّيَادَة على ذَلِك للِاحْتِيَاط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وَمِنْهُ مَا سُميَ أَوْ مَا فُوِّضا فِيهِ وحَتْماً لِلدُّخُولِ فُرِضَا (وَمِنْه) خبر عَن (مَا) الموصولة وصلتها (سمي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير الصَدَاق والرابط بَين الْمَوْصُول وصلته مَحْذُوف وَإِن لم تتوفر شُرُوط حذف الْعَائِد فَهُوَ كَقَوْلِه: وَمن حسد يجور على قومِي وَأي الدَّهْر ذُو لم يحسدوني أَي: وَمن النِّكَاح النِّكَاح الَّذِي سمي الصَدَاق فِيهِ وَقدر كَمَا يُسمى الثّمن فِي الْمَبِيع إِلَّا أَنه يجوز فِيهِ خَفِيف الْغرَر لبِنَاء على المكارمة دون البيع (خَ) الصَدَاق كَالثّمنِ ثمَّ قَالَ: وَجَاز بشورة وَعدد من كإبل أَو رَقِيق أَو صدَاق مثل وَلها الْوسط حَالا الخ ثمَّ إِذا سمي عينا وَدفع عَنْهَا حليا وشورة كَمَا هِيَ عَادَة أهل الْبَوَادِي يسمون الصَدَاق دَنَانِير أَو دَرَاهِم، ثمَّ يَأْتِي الزَّوْج بكسوة وحلي ذهب أَو فضَّة وَيَقُول: اشْتريت هَذَا بِكَذَا وَهَذَا بِكَذَا فَأفْتى السيوري بِفساد النِّكَاح. قلت: يُرِيد وَيفْسخ قبل الْبناء فَقَط وَمحل فَسَاده كَمَا للبرزلي إِذا لم يكن مَا يَأْتِي بِهِ مَعْرُوفا لَا يخْتَلف فِي عوائدهم وإلاَّ جَازَ لِأَن الْعَادة كالشرط وَكَأَنَّهُ تزَوجهَا بِتِلْكَ الْكسْوَة وَذَلِكَ الْحلِيّ ابْتِدَاء لِأَن الضمائر منعقدة على أَن الصَدَاق هُوَ تِلْكَ السّلع وَذَلِكَ الْحلِيّ وَالتَّسْمِيَة لَغْو وَلَا يحْتَاج إِلَى حِيَازَة لِأَنَّهُ لَيْسَ بتصيير كَمَا يَأْتِي فِي فَصله وَمَا علل بِهِ بَعضهم إِطْلَاق فَتْوَى السيوري من أَن ذَلِك يؤول إِلَى رَبًّا النسا فِي النَّقْد لِأَن الْعَادة كالشرط يرد بِأَن النَّقْد الْمُسَمّى فِي العقد لم يَتَقَرَّر فِي الذِّمَّة حَيْثُ كَانَ الْعرف أَنه يَأْتِي بِغَيْرِهِ، فَكَأَن النِّكَاح انْعَقَد ابْتِدَاء على شورة يَأْتِي بهَا قيمتهَا كَذَا. وَيُؤَيّد هَذَا مَا فِي بُيُوع الْبُرْزُليّ من أَنه إِذا سمي فِي البيع دَنَانِير، وَالْمَقْصُود صرفهَا بِدَرَاهِم أَو وَقع البيع بِجُزْء من دِينَار إِلَى أجل ودخلا على أَن يُعْطِيهِ فضَّة قدرهَا كَذَا جَازَ ذَلِك. وَيكون التَّعَامُل بِالْفِضَّةِ لَا بِالذَّهَب، وَقد نَص عَلَيْهِ أَوَاخِر صرف الْمُدَوَّنَة، وَذكر فِي المعيار عَن ابْن مَرْزُوق فِيمَن اشْترى شِقْصا بِدَرَاهِم وَنقد زيتاً أَنَّهُمَا إِن دخلا على ذَلِك ابْتِدَاء فَالشُّفْعَة بالزيت وبمثل مَا للبرزلي أفتى أَبُو الْفضل بن رَاشد وَغَيره، وَأفْتى جمَاعَة مِنْهُم أَبُو سَالم الجلالي بِمَا للسيوري من الْإِطْلَاق وَقد علمت ضعفه وَالله أعلم. قَالَه أَبُو الْعَبَّاس الملوي وَقَالَ ناظم الْعَمَل: وَمَا إِلَّا صَدَقَة من مُجَرّد تَسْمِيَة الْعين بِلَا تخلد بِذِمَّة مُقَومًا فَجَائِز الخ. (أَو) عاطفة (مَا) مَوْصُولَة وَاقعَة على النِّكَاح معطوفة على مَا الأولى (فوضا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صلتها ونائبه ضمير الصَدَاق (فِيهِ) يتَعَلَّق بالصلة هُوَ الرابط والتفويض كَمَا لِابْنِ عَرَفَة عقد دون تَسْمِيَة مهر، وَلَا إِسْقَاطه وَلَا صرفه لحكم أحد فَخرج بالقيد الأول نِكَاح التَّسْمِيَة، وَبِالثَّانِي النِّكَاح الَّذِي دخلا على إِسْقَاط الصَدَاق فِيهِ فَإِنَّهُ فَاسد يفْسخ قبل الْبناء كَمَا فِي الشَّامِل وبالثالث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 نِكَاح التَّحْكِيم. قَالَ الرصاع: وَيرد عَلَيْهِ إِذا جرت الْعَادة وَالْعرْف بِمهْر، وَلم تقع تَسْمِيَة فَعَن اللَّخْمِيّ أَنه تَفْوِيض، وَعَن الْمَازرِيّ أَنه يُسَمِّيه. وَقَالَ ابْن رحال: هَذَا لَا يرد على حد ابْن عَرَفَة لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْمهْر مَعْرُوفا عِنْدهم عَادَة فالتسمية فِيهِ مَوْجُودَة وَنَصّ مَا فِي المعيار والبرزلي. سُئِلَ الْمَازرِيّ عَن أنكحة الْبَادِيَة وَالْعَادَة أَنهم لَا يسمون صَدَقَاتهمْ وَلَا يشْهدُونَ عَلَيْهَا وَقت العقد بل عِنْد الْبناء وَالصَّدَاق عِنْدهم مَعْرُوف لَا يُزَاد عَلَيْهِ لجمال وَلَا ينقص عَنهُ لقبح، فَهَل يحكم لَهُ بِحكم التَّفْوِيض يسْقط فِي الْمَوْت وَيجب الْمِيرَاث وَيسْقط بِالطَّلَاق قبل الْبناء؟ فَقَالَ: إِن انْتَهَت الْعَادة بِأَنَّهُمَا مَا سكتا عَن التَّسْمِيَة إِلَّا للْعلم بهَا وتفاهمهما أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا عقد عَلَيْهَا فَهُوَ نِكَاح سمي صداقه وَإِن سكت عَن التَّسْمِيَة وَالزَّوْج غير مُلْتَزم إِلَيْهَا بل فوض الصَدَاق إِلَيْهِ أَو إِلَيْهَا فيفرض صدَاق الْمثل، فَهَذَا حكمه حكم التَّفْوِيض فلهَا منع نَفسهَا من الدُّخُول حَتَّى يفْرض لَهَا ثمَّ قَالَ: وَلَو أشكل الْأَمر فِي قَصدهَا فَالْأَصْل أَنه تَفْوِيض إِذا زعم أَنه كَذَلِك اه بِاخْتِصَار. ثمَّ إِذا انْعَقَد النِّكَاح على التَّفْوِيض فلهَا منع نَفسهَا من الدُّخُول حَتَّى يفْرض لَهَا فَإِن فرض لَهَا صدَاق الْمثل أَو أَكثر لَزِمَهَا، وَإِن فرض لَهَا أقل لم يلْزمهَا، وَله حِينَئِذٍ أَن يُطلق وَلَا شَيْء عَلَيْهِ كَمَا لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي الْمَوْت وَفِيه الْإِرْث، فَإِن لم يفْرض لَهَا حَتَّى دخل لزمَه صدَاق الْمثل كَمَا قَالَ: (وحتماً للدخول فرضا) فَاللَّام بِمَعْنى بعد كَقَوْلِه تَعَالَى: أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} (الْإِسْرَاء: 78) أَي فرض صدَاق الْمثل بعد الدُّخُول فرضا حتما أَي وجوبا محتماً صفة لمصدر مَحْذُوف بِمَعْنى محتماً وللدخول يتَعَلَّق بِفَرْض، وَأما قبل الدُّخُول فَلَا يتحتم الْفَرْض إِذْ لَهَا أَن لَا تمنع نَفسهَا قبله كَمَا مرّ وَله أَن يُفَارق وَلَو بعد إِرَادَة الدُّخُول. وَقَول الْمُدَوَّنَة لَيْسَ للزَّوْج الْبناء حَتَّى يفْرض مَعْنَاهُ إِذا منعت نَفسهَا مِنْهُ قبل الْفَرْض، وَبِالْجُمْلَةِ إِن أَرَادَ الدُّخُول ومكنته جَازَ إِلَّا أَنه يكره دون أَن يقدم ربع دِينَار، وَإِن امْتنعت من تَمْكِينه حَتَّى يفْرض لَهَا لزمَه أحد أَمريْن: إِمَّا الْفِرَاق أَو الْفَرْض، وَلَا يحمل النّظم على هَذَا الْأَخير بِجعْل اللَّام للتَّعْلِيل على حذف الْإِرَادَة لِأَن قَوْله حتما يُنَافِيهِ إِذْ لَا يتحتم الْفَرْض فِي هَذَا الْوَجْه كَمَا لَا يتحتم عَلَيْهِ إِذا لم يرد الدُّخُول وطلبته هِيَ بِالْفَرْضِ، بل يجْبر على أحد الْأَمريْنِ السَّابِقين (خَ) وَمهر الْمثل مَا يرغب بِهِ مثله فِيهَا بِاعْتِبَار دين وجمال وَحسب وَمَال وبلد وَأُخْت شَقِيقَة أَو لأَب الخ والحسب مَا يعد من مفاخر الْآبَاء ككرم ومروءة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 وكُلُّ مَا يَصِحُّ مِلْكاً يُمْهَرُ إلاَّ إذَا مَا كَانَ فِيهِ غَرَرُ (وكل) مُبْتَدأ (مَا) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (يَصح) صلَة (ملكا) تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل أَي ملكه (يمهر) خبر (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (مَا) زَائِدَة (كَانَ) فعل نَاقص (فِيهِ) خبر كَانَ (غرر) اسْمهَا وَالضَّمِير الْمَجْرُور بفي يعود على ملكا على حذف مُضَاف أَي إِلَّا إِذا كَانَ فِي بَيْعه غرر إِذْ الْغرَر إِنَّمَا هُوَ من عوارض البيع لَا من عوارض الْملك، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذا وَجَوَابه مَحْذُوف أَي: فَلَا يَصح كَونه مهْرا، وَبِهَذَا تكون عِبَارَته مُسَاوِيَة لقَوْل ابْن زرقون، وَلَا يجوز أَن يكون صَدَاقا إِلَّا مَا يجوز ملكه وَبيعه وَحَاصِل معنى النّظم أَن كل مَا يَصح ملكه يَصح كَونه مهْرا إِلَّا أَن يكون فِي بَيْعه غرر كثير كَعبد آبق وجنين وبعير شارد وَثَمَرَة لم يبد صَلَاحهَا وَنَحْو ذَلِك كجهل بكقدره وَيفهم مِنْهُ أَن مَا يَصح تملكه وَلكنه لَا يُبَاع أصلا كَجلْد الْميتَة وَالْأُضْحِيَّة وَالزَّيْت الْمُتَنَجس وَالْمُدبر وَأم الْوَلَد لَا يكون صَدَاقا بالأحرى لِأَنَّهُ إِذا كَانَ لَا يصدق مَا يَصح بَيْعه لَوْلَا الْغرَر، فأحرى الَّذِي لَا يَصح بَيْعه أصلا فالناظم نَص على المتوهم ليفهم غَيره بالأحرى، فعبارته رَحمَه الله وافية بِالْمَقْصُودِ وَالله أعلم (خَ) الصَدَاق كَالثّمنِ وَشَمل قَوْله ملكا الذوات وَالْمَنَافِع فَيدْخل فِيهِ نَحْو قَوْله تَعَالَى: على أَن تَأْجُرنِي ثَمَانِي حجج} (الْقَصَص: 27) على الْمَذْهَب، وَيُؤَيِّدهُ الحَدِيث أنْكحهَا بِمَا مَعَك من الْقُرْآن وَشرع من قبلنَا شرع لنا كَمَا فِي الْبُرْزُليّ وَقَوْلِي كثير احْتِرَازًا من الْيَسِير، فَإِنَّهُ يغْتَفر فِي الصَدَاق فَيجوز بشورة وصداق مثل كَمَا مرّ، وَلَا يجوز ذَلِك فِي البيع فالغرر الْيَسِير يفْتَرق فِيهِ النيع وَالنِّكَاح. ابْن سَلمُون: وَلَا بُد من بَيَان السِّكَّة إِن كَانَ الصَدَاق دَنَانِير أَو دَرَاهِم، فَإِن سقط ذكرهَا كَانَ لَهَا السِّكَّة الْجَارِيَة فِي الْبَلَد فِي تَارِيخ النِّكَاح فَإِن اخْتلفت أخذت من الْأَغْلَب فَإِن تَسَاوَت أخذت من جَمِيعهَا بِالسَّوِيَّةِ كمن تزوج برقيق وَلم يصف حمراناً وَلَا سوداناً اه. وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَمثل هَذَا يَأْتِي فِي البيع إِن شَاءَ الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 والمَهْرُ والصَّدَاقُ مَا قَدْ أُصْدِقَا وَفِي الْكِتابِ بالمَجازِ أُطْلِقَا (وَالْمهْر وَالصَّدَاق) مُبْتَدأ ومعطوف عَلَيْهِ (مَا) مَوْصُول خبر (قد أصدقا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صلَة (وَفِي الْكتاب بالمجاز) يتعلقان بقوله: (أطلقا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير الصَدَاق وألفه للإطلاق لَا للتثنية (وَفِي) بِمَعْنى (على) وَيحْتَمل وَهُوَ الظَّاهِر أَن الْبَاء فِي قَوْله بالمجاز زَائِدَة لَا تتَعَلَّق بِشَيْء لِأَنَّهُ مَنْصُوب على المفعولية الْمُطلقَة جر بِالْبَاء الزَّائِدَة أَي إطلاقاً مجازياً وَمَعْنَاهُ أَن الْمهْر وَالصَّدَاق اسمان لشَيْء وَاحِد وَهُوَ مَا يدْفع للزَّوْجَة صَدَاقا، وَيُطلق الصَدَاق وَحده على الْكتاب الَّذِي تقع فِيهِ شَهَادَة النِّكَاح مجَازًا، وَإِنَّمَا حَقه أَن يُسَمِّي كتاب الصَدَاق أَو كتاب النِّكَاح قَالَه ابْن سَلمُون. وَلَعَلَّ النَّاظِم إِنَّمَا ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة مَعَ أَن مرجعها إِلَى اللُّغَة الَّتِي لم تقصد بِهَذَا النّظم لينبه على أَن الْمَرْأَة إِذا اعْترفت بِإِعْطَاء صَدَاقهَا لزَوجهَا أَو غَيره، فَزعم الزَّوْج أَو الْغَيْر أَنَّهَا أَعطَتْهُ مَا فِيهِ هبة عَلَيْهِ وَزَعَمت هِيَ أَنَّهَا أَعطَتْهُ رسمه ليَكُون وَدِيعَة عِنْده، فَإِن القَوْل لَهَا لِأَنَّهَا ادَّعَت مَا هُوَ عرف النَّاس من إِطْلَاق الصَدَاق على الرَّسْم الْمَكْتُوب فَيكون الْبَيْت الْمَذْكُور رَاجعا لبَيَان الْأَحْكَام الْمَقْصُودَة من هَذَا النّظم على هَذَا الِاعْتِبَار إِذْ لَا زَالَ على ذَلِك عرف النَّاس إِلَى الْآن وَالله أعلم. وَيُكْرَهُ النِّكَاحُ بالمُؤَجَّلِ إِلَّا إذَا مَا كانَ مَعْ مُعَجَّلِ (وَيكرهُ) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (النِّكَاح) نَائِبه على حذف مُضَاف أَي عقد النِّكَاح (بالمؤجل) يتَعَلَّق بيكره أَي يكره عقده بِالصَّدَاقِ الْمُؤَجل كُله بِدَلِيل قَوْله: (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (مَا) زَائِدَة (كَانَ) فعل نَاقص وَاسْمهَا ضمير الْمُؤَجل (مَعَ) بِسُكُون الْعين (معجل) مُضَاف إِلَيْهِ والظرف يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خَبَرهَا، وَيحْتَمل أَن تكون تَامَّة أَي إِلَّا إِذا كَانَ الْمُؤَجل مصحوباً بمعجل أَو وجد الْمُؤَجل مَعَ معجل بِأَن عقداه على أَن بعضه مُؤَجل وَبَعضه معجل فَلَا كَرَاهَة عِنْد ابْن الْقَاسِم، وَعَلِيهِ عمل النَّاس الْيَوْم حَتَّى أَنه فِي القوانين جعل ذَلِك مُسْتَحبا، وَكَرِهَهُ مَالك بالمؤجل مُطلقًا، وَعَلِيهِ اقْتصر (خَ) حَيْثُ قَالَ: وكراهته كالمغالاة فِيهِ وَالْأَجَل الخ. ثمَّ إِذا قُلْنَا بِصِحَّتِهِ بالمؤجل مَعَ كَرَاهَته أَو بِدُونِهَا فَلَا بُد أَن يكون الْأَجَل مَعْلُوما. قَالَ فِي الشَّامِل: وَفَسَد بمؤجل بعضه بكمشيئته أَو بكموت أَو فِرَاق. وَقَالَ (خَ) أَيْضا عاطفاً على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 الْفَاسِد مَا نَصه: أَو بعضه لأجل مَجْهُول أَو لم يُقيد الْأَجَل الخ. وَالْمرَاد أَنه يفْسخ قبل الْبناء وَإِن رَضِي بتعجيله وَيثبت بعده بِالْأَكْثَرِ من الْمُسَمّى وصداق الْمثل كَمَا لشراحه، وَإِذا قُلْنَا لَا بُد من علم الْأَجَل فَاخْتلف فِي الْحَد الَّذِي يُؤَجل إِلَيْهِ فَفِي ابْن سَلمُون والكالىء هُوَ الْمُؤخر وتأجيله إِلَى الْعشْرين فَمَا دون جَائِز بِاتِّفَاق وَهُوَ معنى قَوْله: وَأَمَدُ الكَوالِىءِ المُعَيَّنَهْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِعِشْرِينَ سَنَهْ (وأمد الكوالىء) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (المعينه) بِفَتْح الْيَاء صفة أَي الْمعينَة آجالها كَقَوْلِه تَعَالَى: فِي عيشة راضية} (القارعة: 7) (سِتَّة أشهر) خبر لمبتدأ مُضْمر أَي الْحَائِز من ذَلِك التَّأْجِيل سِتَّة أشهر الخ. وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَخَبره خبر الأول، وَيحْتَمل أَن يقدر هَذَا الْإِضْمَار قبل قَوْله: وأمد الخ. أَي والجائز من أمد أَي أجل الكوالىء الْمعينَة آجالها هُوَ سِتَّة أشهر (لعشرين سنه) وَاللَّام بِمَعْنى إِلَى وَسنة تَمْيِيز. بِحَسَبِ المهُورِ فِي المِقْدَارِ وَنِسْبَةِ الأزْوَاجِ والأَقْدَارِ (بِحَسب) خبر لمبتدأ مُضْمر أَي وَذَلِكَ يخْتَلف بِحَسب اخْتِلَاف (المهور فِي الْمِقْدَار) أَي فِي مقدارها قلَّة وَكَثْرَة حَال معاقبة للضمير (و) يخْتَلف بِحَسب (نِسْبَة الْأزْوَاج) صغراً وكبراً وَلَو قَالَ وسني الْأزْوَاج (والأقدار) لَكَانَ أحسن قَالَه (م) قَالَ ابْن أبي لبَابَة: إِن كَانَ الزَّوْجَانِ صغيرين أجل الكالىء لعشرين سنة وَنَحْوهَا. ابْن عَرَفَة، عَن التّونسِيّ: التَّحْقِيق أَنهم إِنَّمَا كَرهُوا البيع وَالنِّكَاح إِلَى بعيد الْأَجَل الَّذِي لَا يُجَاوز عمر الْإِنْسَان لِأَنَّهُ يصير غرراً كحلوله بِمَوْتِهِ وَلَو نكح أَو اشْترى ابْن سِتِّينَ إِلَى عشْرين لم يجز لِأَن الْغَالِب أَنه لَا يعِيش لذَلِك بِخِلَاف ابْن الْعشْرين لِأَن حَيَاته لَهُ مِمَّا الْغَالِب أَنه يعِيش لَهُ جَائِز اتِّفَاقًا وَمَا لَا يعِيش إِلَيْهِ غير جَائِز اتِّفَاقًا. وَقَول النَّاظِم: والأقدار أَي بِحَسب ضعة الأقدار وارتفاعها. وَظَاهره بل صَرِيحه أَن الِاخْتِلَاف بِمَا ذكر إِنَّمَا يعْتَبر دَاخل الْعشْرين، وَأما مَا زَاد عَلَيْهَا لَا يجوز تَأْجِيله إِلَيْهِ وَيفْسخ وَهُوَ رَأْي ابْن وهب، وَبِه كَانَ يَقُول ابْن الْقَاسِم أَيْضا، ثمَّ رَجَعَ ابْن الْقَاسِم إِلَى أَنه لَا يفْسخ فِي الثَّلَاثِينَ وَلَا فِي الْأَرْبَعين بل فِيمَا فَوْقهَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 وَعنهُ أَيْضا لَا يفْسخ إِلَّا فِي الْخمسين لِأَنَّهُ كَمَا للبساطي مَظَنَّة إِسْقَاطه وَظَاهره، وَلَو كَانَ الزَّوْجَانِ صغيرين يبلغهُ عمرهما ظَاهرا وَهُوَ الْمُعْتَمد وَعَلِيهِ حمل الشُّرَّاح قَول (خَ) أَو زَاد على خمسين سنة وَعنهُ أَيْضا لَا يفْسخ إِلَّا فِي السّبْعين والثمانين. ابْن عَرَفَة: مَا أجل لأجل مَجْهُول يفْسخ قبل الْبناء فَإِن بنى جَازَ النِّكَاح وَمَا بِمِائَة نَقْدا وَمِائَة لمَوْت أَو فِرَاق الْمَشْهُور كَذَلِك، وَمَفْهُوم الْمعينَة أَي آجالها أَن الْأَجَل إِذا لم يعين كَانَ فَاسِدا كَمَا مر. وَيَتَرَتَّب على ذَلِك فروع. الأول: إِذا كَانَ الْعرف أَن الصَدَاق إِلَى موت أَو فِرَاق، وَلَكِن عِنْد الْإِشْهَاد يكتبونه على الْحُلُول وَطلبت الزَّوْجَة قَبضه واحتجت بِالْكِتَابَةِ الْمَذْكُورَة، فَهَل تمكن من قَبضه من الزَّوْج إِذا لم يكن طَلَاق؟ فَفِي الْبُرْزُليّ أَنه سُئِلَ ابْن عَرَفَة عَن ذَلِك فَقَالَ: اخْتلف فِيهَا الشُّيُوخ فَقيل: يقْضِي لَهَا، وَقيل: لَا لجري الْعَادة بِأَنَّهُ لَا يطْلب إِلَّا إِلَى موت أَو فِرَاق فألزم كَون أنكحتهم فَاسِدَة لِأَن الْعَادة كالشرط فَالْتَزمهُ قَالَ: وَفرق بَين مَا جرت الْعَادة بِتَأْخِيرِهِ وَبَين مَا جرت الْعَادة بِأَن الْمَرْأَة لَا تقوم بِطَلَبِهِ، وَنَقله العلمي أَيْضا وَزَاد إثره عَنهُ كَانَ شَيخنَا ابْن عبد السَّلَام لَا يقْضِي بِهِ، ثمَّ كتب لبَعض تلامذته بِالْقضَاءِ بِهِ كَدين حَال اه. وَتَأمل قَوْله: وَفرق بَين مَا جرت الْعَادة بِتَأْخِيرِهِ الخ. فَإِن الظَّاهِر أَنه لَا فرق بَينهمَا على أَنه إِذا جرى الْعرف فِي شَيْء بِمَا يُوجب فَسَاده فَلَا وَجه للتحرز مِنْهُ إِلَّا بِالْإِشْهَادِ بِمَا يُوجب جَوَازه من حُلُول أَو أجل مَعْلُوم، وَنَحْو ذَلِك، فَكيف يُقَال بإلغاء الْإِشْهَاد الْمَذْكُور، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال أَن قصدهم بِهِ عدم التَّحَرُّز لكَون عرفهم جرى بذلك فَتَأَمّله. ثمَّ ذكر العلمي الْمَذْكُور فِي نَوَازِل الْإِقْرَار عَن أبي عبد الله القوري وَأبي الْعَبَّاس أَحْمد الزقاق أَن الْمَرْأَة لَا تمكن من قبض الكالىء بعد حُلُوله وَلَا يقْضى لَهَا بِقَبْضِهِ إِلَّا عِنْد موت أَو فِرَاق لِأَن الْعَادة جرت بذلك اه. وَذكر ابْن سَلمُون أول الْأَنْكِحَة الْقَوْلَيْنِ الْقَضَاء للْمُتَقَدِّمين وَعَدَمه للمتأخرين قَالَ: وَعَلِيهِ الْقَضَاء الْآن اه. وَظَاهر قَوْلهم لجري الْعَادة الخ. أَنه يحل بِالطَّلَاق كَمَا يحل بِالْمَوْتِ فَإِذا طَلقهَا وَبَعضه لم يحل أدّى لَهَا الْجَمِيع للْعَادَة الْمَذْكُورَة، وَرَأَيْت بعض أهل سجلماسة طلق زَوجته فطالبته بِمَا لم يحل مِنْهُ فَأمرهَا القَاضِي إِن ثَبت أَن عَادَتهم ذَلِك. الثَّانِي: إِذا تزَوجهَا بِمِائَة وَلم يسم نَقْدا وَلَا كالئاً فَهِيَ حَالَة كَمَا مرّ عَن الْمُدَوَّنَة عِنْد قَوْله: وَالْمهْر والصيغة الخ. وَقد تقدم هُنَاكَ أَن أَبَا الْحسن قَالَ: إِذا اتّفق هَذَا فِي زَمَاننَا فَالنِّكَاح فَاسد لِأَن الْعرف جرى أَنه لَا بُد من الكالىء فيكونان قد دخلا عَلَيْهِ وَلم يضربا لَهُ أَََجَلًا، لَكِن قَالَ فِي الْفَائِق عَن بَعضهم: إِن قَول أبي الْحسن إِنَّمَا يجْرِي على قَول ابْن مغيث عَن بَعضهم أَنه إِذا كَانَ أجل الكوالىء متعارفاً عِنْد قوم فَتزَوج على نقد وكالىء وَلم يضربا لَهُ أَََجَلًا فَإِنَّهُمَا يحْملَانِ على الْعرف وَيكون النِّكَاح صَحِيحا، وَأما على الْمَشْهُور من أَنه لَا يُرَاعِي الْعرف وَيكون النِّكَاح فَاسِدا فالجاري عَلَيْهِ صِحَة النِّكَاح وَيحكم بالحلول وَلَا يعْتَبر الْعرف إِذْ لَا يُفَسر مَا أبهمه المتعاقدان وَهُوَ خلاف قَول أبي الْحسن فِي الْمَسْأَلَة اه. وَمَا ذكره ابْن مغيث نَقله ابْن سَلمُون وَغَيره. قلت: وَهَذَا يشبه مَا قَالُوهُ فِي البيع فِيمَن ابْتَاعَ سلْعَة بِثمن وَادّعى أَنه مُؤَجل. وَقَالَ البَائِع: حَال من أَن السّلْعَة إِذا كَانَ لَهَا أجل مَعْرُوف تبَاع عَلَيْهِ فَالْقَوْل لمدعيه فَانْظُر ذَلِك عِنْد قَول (خَ) فِي الْإِقْرَار وَقبل أجل مثله فِي بيع الخ. وَعند قَوْله فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين فَالْقَوْل لمنكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 التقضي الخ. وَهَذَا كُله إِذا كَانَ للكالىء أجل مَعْرُوف غير الْمَوْت والفراق، أما إِذا كَانَ لَا عَادَة لَهُم فِيهِ إِلَّا هذَيْن كَمَا مرّ فِي الْفَرْع قبله أَو تَارَة بهما وَتارَة بِغَيْرِهِمَا فَلَا إِشْكَال فِي الْفساد، وَلَعَلَّه مُرَاد أبي الْحسن، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْكَلَام فِيمَا قَالَه أَبُو الْحسن ثَبت بِمُجَرَّد الْعَادة وتأجيله بِالْمَوْتِ والفراق كَذَلِك فَيكون فَاسِدا لِأَنَّهُ إِذا فسد للْعَادَة بتأخيرهما مَعَ الْإِشْهَاد بِمَا يُوجب الصِّحَّة على خلاف فِيهِ على مَا مرّ فَيَنْبَغِي أَن يتَّفق على فَسَاده فِيمَا إِذا لم يَقع إِشْهَاد أصلا. وَقَالَ ابْن مغيث وَصَاحب الِاسْتِغْنَاء: إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا ثَبت الكالىء بِالنَّصِّ أَو بِالْإِقْرَارِ وَكَانَ عرفهم تَأْجِيله بِغَيْر الْمَوْت والفراق كَمَا يعلم من كلاميهما الْمُتَقَدّم فالغرر فِي الْمَوْت والفراق أَشد مِنْهُ فِي غَيرهمَا فَقَوْل الْفَائِق أَن مَا لأبي الْحسن جَار على مَا لِابْنِ مغيث يُرِيد فِي مُرَاعَاة مُطلق الْعرف لَا من كل وَجه. وَقَوله: وَأما على الْمَشْهُور الخ. مَا ذكره من أَن الْمَشْهُور عدم مُرَاعَاة الْعرف هُوَ ظَاهر قَول النَّاظِم الْآتِي: وَأجل الكالىء مهما أغفلا الخ. وَهُوَ ظَاهر الْمُتَيْطِيَّة والفشتالي وَابْن سَلمُون وَغَيرهم وظاهرهم أَن مَا لِابْنِ مغيث مُقَابل، وَلَكِن قد علمت من الْفَرْع الَّذِي قبل هَذَا أَن الْمُتَأَخِّرين على اعْتِبَاره وَعَلِيهِ جَاءَت فتاويهم كَمَا مرّ عَن القوري والزقاق، وَفِي المعيار عَن العبدوسي فِي امْرَأَة ضَاعَ رسم صَدَاقهَا فطلبت هِيَ أَو ورثتها كالئها بعد موت زَوجهَا أَن الْمُتَأَخِّرين اخْتلفُوا، فَمنهمْ من قَالَ: يقْضِي لَهَا بكالىء مثلهَا مَعَ يَمِينهَا إِذْ الْعَادة ترك طلبَهَا لَهُ إِلَّا عِنْد موت أَو فِرَاق، وَمِنْهُم من قَالَ: لَا يقبل قَوْلهَا لِأَن الأَصْل الْبَرَاءَة وَقد يَتَزَوَّجهَا بِغَيْر كالىء وَيلْزم الْوَرَثَة الْيَمين إِذا ادَّعَت عَلَيْهِم معرفَة ذَلِك، وبالأول أفتى أَبُو الْحسن الصَّغِير وَبِالثَّانِي أفتى غَيره اه. قلت: مَا أفتى بِهِ أَبُو الْحسن نَقله صَاحب الدّرّ النثير والبرزلي عَن أبي صَالح، وَأفْتى بِهِ غير وَاحِد من الْمُحَقِّقين كَابْن هِلَال والونشريسي وَابْن عرضون حَسْبَمَا فِي الزياتي وَغَيره، وَاقْتصر عَلَيْهِ غير وَاحِد حَتَّى قَالُوا إِنَّه لَا تُهْمَة فِي إِقْرَار الزَّوْج لزوجته فِي الْمَرَض بكالئها لِأَنَّهُ لَو لم يقر بِهِ لَأَخَذته من تركته بِدُونِ إِقْرَار للْعَادَة الْمَذْكُورَة، فَلَو لم تراع الْعَادة الْمَذْكُورَة عِنْدهم مَا أفتوا بِوُجُود الكالىء وببقائه فِي ذمَّته مَعَ أَنه قد يَتَزَوَّجهَا بِدُونِهِ، كَيفَ وَقد تقدم فِي الْفَرْع قبله أَن الْمُتَأَخِّرين على عدم تمكينها من طلبه لتِلْك الْعَادة وَأَن الْقَضَاء بقَوْلهمْ وظاهرهم أَنَّهَا تحاصص بِهِ أَرْبَاب الدُّيُون الثَّابِتَة بِالْبَيِّنَةِ لِأَن الْعرف قَائِم مقَام شَاهد أَو شَاهِدين كَمَا مرّ وَالشَّاهِد الْوَاحِد يحاصص بِهِ صَاحبه مَعَ ذِي الشَّاهِدين وَأَن كالئها لَا يبطل بطول الزَّمَان كالديون على الْمُعْتَمد فِيهَا، وَمِمَّنْ أفتى بِأَنَّهُ لَا كالىء لَهَا إِذا قَامَت الْبَيِّنَة عَلَيْهِ ابْن لبَابَة وَنَحْوه لسيدي إِبْرَاهِيم اليزناسني حَسْبَمَا فِي نَوَازِل الدَّعَاوَى من المعيار فَتبين أَن الْمُعْتَمد عِنْد أَكثر الْمُتَأَخِّرين هُوَ مُرَاعَاة الْعرف الْمَذْكُور، وَعَلِيهِ فَيكون النِّكَاح مَعَه فَاسِدا عِنْدهم لِأَنَّهُ لمَوْت أَو فِرَاق وَمَا لِابْنِ مغيث فِيمَا إِذا كَانَ الْعرف مضبوطاً بغَيْرهَا كَمَا مرّ وَالْعَادَة الْيَوْم عندنَا أَنه يكْتب مُؤَجّلا من الْعشْرَة إِلَى الْعشْرين كَمَا للناظم، وَلَكِن لَا يطْلب إِلَّا بِمَوْت أَو فِرَاق فَيجْرِي فَسَاده على الْخلاف الْمُتَقَدّم إِن كَانُوا لَا يقصدون فِيمَا يظْهر بِضَرْب الْأَجَل الْخُرُوج من الْفساد كَمَا مرّ فحرر النَّقْل فِي ذَلِك، وَانْظُر الشُّرَّاح عِنْد قَول (خَ) أَو بعضه لأجل مَجْهُول وَالله أعلم. الثَّالِث: فِي أنكحة المعيار سُئِلَ اللَّخْمِيّ عَمَّن يَقُول يكون الصَدَاق وَقت الابتناء وَلم يعين وقته هَل يفْسد؟ فَأجَاب: بِأَن النِّكَاح جَائِز وَهُوَ الْقيَاس لِأَن الثّمن يدْفع عِنْد قبض الْمَبِيع لِأَنَّهُ مَتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 عجلت السّلْعَة تعجل قبض الثّمن وَمَتى تَأَخَّرت تَأَخّر. قَالَ سَيِّدي الْعَرَبِيّ الفاسي: وَهُوَ الْأَشْبَه لِأَن مُرَاد النَّاس بذلك أَن وَقت قبض النَّقْد من حِين العقد إِلَى حِين الْبناء فَيكون على معنى الْحُلُول الخ. وعَلى هَذَا عمل فاس قَالَ ناظمه: والنقد إِن أجل بِالدُّخُولِ إِلَيْهِ من عقد على الْحُلُول لِأَن الْمَعْنى أَن النَّقْد على الْحُلُول فتطلبه الْمَرْأَة مَتى مكنت من سلعتها، وَذَلِكَ فِي طوقها من الْآن كَمَا أَن السّلْعَة فِي البيع كَذَلِك خلافًا للسيوري الْقَائِل بِفساد النِّكَاح إِن لم يعلم وَقت الدُّخُول وَهُوَ ظَاهر قَول (خَ) وَإِلَى الدُّخُول إِن علم الخ. وَمحل مَا للخمي وَمن مَعَه إِذا كَانَت مطيقة وَهُوَ بَالغ فَإِن كَانَت غير مطيقة أَو كَانَ هُوَ غير بَالغ تعين على التَّنْصِيص على الْحُلُول أَو يعين الْأَجَل. الرَّابِع: إِذا مَاتَ أحد الزَّوْجَيْنِ قبل الدُّخُول فِي النِّكَاح الْمُؤَجل نَقده بليلة الْبناء وَهِي مَجْهُولَة أَو كَانَ كالئه إِلَى غير أجل، وَقُلْنَا بِفساد النِّكَاح فَالَّذِي فِي ضيح عَن ابْن رشد: أَنه لَا صدَاق فِي الْفَاسِد لصداقه على الصَّحِيح، وَإِنَّمَا فِيهِ الْمِيرَاث. وَنقل العلمي عَن وَالِده أَن الَّذِي ارْتَضَاهُ الْمُتَأَخّرُونَ، وَبِه كَانَ يُفْتِي العبدوسي وَابْن آملال إجراؤه مجْرى نِكَاح التَّفْوِيض فِيهِ الْإِرْث دون الصَدَاق. قَالَ: وَبِه الْعَمَل وَنقل قبل ذَلِك عَن سَيِّدي الْعَرَبِيّ الفاسي وسيدي مُحَمَّد بن سَوْدَة أَنَّهُمَا أفتيا فِيهِ بِلُزُوم الْإِرْث وَالصَّدَاق مَعًا. قَالَ ابْن سَوْدَة: وَاللَّازِم فِيهِ هُنَا الْمُسَمّى، وَذكر أَبُو الْحسن أَوَائِل النِّكَاح الثَّانِي من الْمُدَوَّنَة فِي الْفَاسِد لصداقه أقوالاً يمْضِي بِالْعقدِ يفْسخ قبل وَيثبت بعد، فَإِن طلق قبل الدُّخُول لم يكن لَهَا شَيْء كالتفويض يفْسخ قبل وَبعد قَالَ: وَاخْتلف فِي تَأْوِيل قَول مَالك فِي الْفَسْخ قبل فَمنهمْ من جعله على الْإِيجَاب عُقُوبَة لَهُ لِئَلَّا يعود إِلَى مثل ذَلِك، وَمِنْهُم من جعله على الِاسْتِحْبَاب وَالِاحْتِيَاط ليخرج من الْخلاف انْتهى بِاخْتِصَار. فَانْظُرْهُ وَهَذِه الْفُرُوع لَهَا تعلق أَيْضا بِمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَأجل الكالىء مهما أغفلا الخ ( فصل ) (فِي) تعْيين (الْأَوْلِيَاء) من هم وترتيبهم (وَمَا يَتَرَتَّب على الْولَايَة) من تَوْكِيل المالكة وَالْوَصِيَّة والمعتقة وَأَن الْمَرْأَة لَا تعقد نِكَاح امْرَأَة لِأَن الْوَلِيّ مَتى أطلق فَالْمُرَاد بِهِ ولي الْمَرْأَة، وَكَذَا ولي الزَّوْج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 إِذا كَانَ رَقِيقا أَو مَحْجُورا كَمَا يَأْتِي والأولياء جمع ولي. ابْن عَرَفَة: هُوَ من لَهُ على الْمَرْأَة ولَايَة ملك أَو أبوة أَو تعصيب أَو إيصاء أَو كَفَالَة أَو سلطنة أَو ذُو إِسْلَام فالإخوة للْأُم لَغْو، وَرُوِيَ على أَن زوج أَخ لأم مضى اه. فَقَوله: على الْمَرْأَة يَشْمَل الْحرَّة وَالْأمة، وَقَوله: أَو أبوة يَشْمَل الْجد للْأُم وَلَيْسَ بِمُرَاد. وَقَوله: أَو تعصيب كَانَ شقيقاً أَو لأَب، وَيدخل فِيهِ الْعم وَابْن الْعم، وَقَوله: أَو إيصاء يَشْمَل الْوَصِيّ ووصيه. وَقَوله: أَو كَفَالَة يَشْمَل الكافلة وَالْمذهب أَنه لَا ولَايَة لَهَا كَمَا فِي (ز) وَقَوله: أَو سلطنة يَعْنِي القَاضِي أَو نَائِبه. وَقَوله: أَو ذُو إِسْلَام مَعْطُوف على قَوْله: من لَهُ على الْمَرْأَة ولَايَة وَهُوَ أَعم الولايات قَالَه ميارة. وَعَاقِدٌ يَكُونُ حُرًّا ذَكَرَا مُكَلّفاً والقُرْبُ فِيهِ اعْتُبِرَا (وعاقد) مُبْتَدأ سوغه الْعُمُوم أَو كَونه صفة لمَحْذُوف أَي شخص عَاقد (يكون) اسْمه ضمير مستتر (حرا) خَبره (ذكرا) خبر بعد خبر، وَالْجُمْلَة من يكون وخبرها خبر الْمُبْتَدَأ (مُكَلّفا) خبر بعد خبر أَيْضا (والقرب) مُبْتَدأ (فِيهِ) يتَعَلَّق بِهِ أَو بقوله (اعتبرا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. وَالْجُمْلَة خبر الْقرب وَالْجُمْلَة من الْقرب وَمَا بعده حَال، وَالْمعْنَى أَنه يشْتَرط فِي كل عَاقد على وليه أَن يكون حرا ذكرا مُكَلّفا أَي عَاقِلا بَالغا، وَأَن يكون قَرِيبا من المنكحة بِحَيْثُ يكون أَحَق مِمَّن هُوَ أبعد، وَهَذَا حَيْثُ يُمكن وجوده وإلاَّ فَلَا يشْتَرط كَمَا إِذا لم يكن لَهَا قريب أصلا. ابْن عَرَفَة: شَرط الْوَلِيّ عقله وبلوغه وحريته وذكوريته فالمعتوه أَو الصَّبِي سَاقِط وَكَذَا ذُو الرّقّ وَالْمَرْأَة ويوكلان لعقد مَا وكلا أَو أوصيا عَلَيْهِ أَو ملكته الْمَرْأَة فِي الْإِنَاث ويليانه فِي الذُّكُور اه. وَزَاد ابْن الْحَاجِب كَونه مُسلما لَا كَافِرًا حَلَالا لَا محرما، وَلَعَلَّ النَّاظِم إِنَّمَا أسقط الْإِسْلَام لِأَن الْكَافِر لَيْسَ مسلوب الْولَايَة على الْإِطْلَاق، بل على الْمسلمَة فَقَط لَا الْكَافِرَة إِذْ لَهُ أَن يُزَوّجهَا لمُسلم وَأسْقط كَونه حَلَالا لِأَن عدم الْإِحْرَام لَيْسَ شرطا فِي الْوَلِيّ فَقَط، بل هُوَ شَرط حَتَّى فِي الزَّوْجَة وَالزَّوْج (خَ) : وَمنع إِحْرَام من أحد الثَّلَاث الخ. أَي: وَيفْسد النِّكَاح بِسَبَبِهِ قبل الْبناء وَبعده وَأما الْعَدَالَة والرشد فَشرط كَمَال فِيهِ فَقَط (خَ) لَا فسق أَي فَلَا يسلب الْولَايَة وَإِنَّمَا يسلب الْكَمَال فَقَط فِي ثمَّ قَالَ: وَعقد السَّفِيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 ذُو الرَّأْي بِإِذن وليه فَأفَاد أَن السَّفِيه إِن كَانَ ذَا رَأْي يعْقد على وليته لَكِن بِإِذن وليه، وَأما اشْتِرَاط الْقرب الَّذِي فِي النّظم فَمَعْنَاه أَنه شَرط فِي الْجَوَاز ابْتِدَاء فَإِن وَقع فَفِي صِحَّته تَفْصِيل فالولي الْمُجبر لَا يَصح أَن يعْقد أحد على وليته بِدُونِهِ وَإِن عقده غير مجبر أبعد مَعَ وجود أقرب مِنْهُ صَحَّ (خَ) وَصَحَّ بأبعد مَعَ أقرب إِن لم يجْبر وَلم يجز، وَقَالَ أَيْضا: وَصَحَّ بهَا فِي دنية مَعَ خَاص لم يجْبر الخ. فَقَوله: والقرب الخ. كَلَام مُجمل يفصله مَا بعده من تَرْتِيب الْأَوْلِيَاء، وَاخْتلف هَل الْولَايَة حق للْوَلِيّ فَلهُ العقد عَلَيْهَا بِغَيْر تفويضها وَهُوَ لِابْنِ حبيب، أَو حق للْمَرْأَة فَلَا يعْقد عَلَيْهَا الْوَلِيّ إِلَّا بتفويض مِنْهَا لَهُ على ذَلِك مَا عدا الْأَب وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم. قَولَانِ حَكَاهُمَا فِي ضيح. قلت: الظَّاهِر أَن مَحل هَذَا الْخلاف إِذا وجدت الْكَفَاءَة ورضيت بِالزَّوْجِ وَالصَّدَاق هَل لَا يتَوَلَّى العقد حِينَئِذٍ حَتَّى تَأذن لَهُ فِيهِ أَو لَهُ أَن يعْقد بِغَيْر إِذن لوُجُود الرِّضَا؟ فَمَعْنَى كَونهَا حَقًا لَهَا على الثَّانِي أَنه لَا بُد من إِذْنهَا فِي العقد لوَلِيّهَا فَقَط كَمَا يرشد لَهُ قَول (خَ) ورضا الْبكر صمت كتفويضها قَالُوا لجَوَاز أَن تكون حَلَفت أَن لَا تتَزَوَّج بعقده، وَهَذَا فِي الْولَايَة الْعَامَّة والخاصة المتعددة كشقيقين لَهَا حَلَفت أَن لَا تتَزَوَّج بِعقد أَحدهمَا، فَلَا بُد حِينَئِذٍ من إِذْنهَا لَهُ فِي العقد وَلَيْسَ المُرَاد أَن لَهَا أَن تَأذن لمن شَاءَت وَلَو لأَجْنَبِيّ إِذْ هَذَا لم يقلهُ أحد وَالله أعلم. وَلما كَانَ الْقرب الْمُشْتَرط فِي الْولَايَة مُعْتَبرا بالأقرب فَالْأَقْرَب لَا مُطلقًا بَين الْأَقْرَب من غَيره مقدما على ذَلِك الْملك الْمُقدم على سَائِر الْقَرَابَة فَقَالَ: والسَّبْقُ لِلْمَالِكِ فابنٍ فأبِ فالأخُ فابْنِه فَجدِّ النِّسَبِ (فالسبق) مُبْتَدأ (للْمَالِك) خَبره أَي فيعقد على أمته وَلَو كَانَ لَهَا أَب أَو ابْن حران وَلَا ولَايَة لَهما مَعَه (فَابْن) بِالْجَرِّ عطف على الْمَجْرُور قبله أَي فَإِن لم يكن مَالك فالابن وَإِن سفل يقدم على من بعده وَظَاهره وَلَو من زنا وَهُوَ كَذَلِك إِن ثيبت بحلال ثمَّ زنت فَأَتَت بِهِ مِنْهُ لَا أَن ثيبت ابْتِدَاء بزنا فَأَتَت بِهِ أَو كَانَت مَجْنُونَة أَو سَفِيهَة وَلَو بتحديد حجر فِي وَقت يجوز فَإِن الْأَب ووصيه يقدمان عَلَيْهِ (فأب) بِالْجَرِّ أَيْضا عطف على مَا مر وَالْمرَاد بِهِ الشَّرْعِيّ لَا مُطلق من خلقت من مَائه إِذْ الْأَب الزَّانِي لَا عِبْرَة بِهِ وَالْوَصِيّ قَائِم مقَام الْأَب كَمَا يَأْتِي (فالأخ) بِالْجَرِّ أَيْضا وَالْمرَاد بِهِ لغير أم (فابنه) بِالْجَرِّ أَيْضا وَإِن سفل (فجد) بِالْجَرِّ أَيْضا (النّسَب) مُضَاف إِلَيْهِ أَي وَإِن علا وَاحْترز بِالنّسَبِ من الْجد للْأُم فَإِنَّهُ لَا ولَايَة لَهُ وَمَا ذكره من تَقْدِيم الْأَخ على الْجد هُوَ الْمَشْهُور وَقَالَ الْمُغيرَة: الْجد قبل الْأَخ وَهَذَا أحد الْأَبْوَاب الَّتِي يتَقَدَّم فِيهَا الْأَخ وَابْنه على الْجد الْمشَار إِلَيْهَا بقول (عج) : بِغسْل وإيصاء وَلَاء جَنَازَة نِكَاح أَخا وابناً على الْجد قدم وعقل ووسطه بِبَاب حضَانَة وَهُوَ مَعَ الْآبَاء فِي الْإِرْث وَالدَّم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 وَهَذَا كُله فِي الْجد دنية فالجد الثَّانِي يقدم عَلَيْهِ الْعم لِأَن الْجد الثَّانِي بِالنِّسْبَةِ للعم كالجد الأول بِالنِّسْبَةِ للْأَخ فَكَمَا يقدم الْأَخ وَابْنه على الْجد كَذَلِك يقدم الْعم وَابْنه على أبي الْجد قَالَه بعض. فالأقْرَبِينَ بَعْدُ بالتَّرْتِيبِ بحَسَبِ الدُّنوِّ فِي التَّعْصِيبِ (فالأقربين) عطف على الْمَجْرُور أَيْضا (بعد) بِالضَّمِّ لقطعه عَن الْإِضَافَة (بالترتيب) فِي مَوضِع نصب عَن الْحَال من الْأَقْرَبين أَي فالسبق بَعْدَمَا ذكر للأقربين حَال كَونهم مرتبين (بِحَسب الدنو فِي التَّعْصِيب) فِي الْمِيرَاث فَيقدم الْعم الشَّقِيق على الَّذِي للْأَب وَابْن الْعم الشَّقِيق على ابْن الْعم للْأَب وَهَكَذَا كَمَا أَن الشَّقِيق فِي الْأُخوة وفصولها مقدم على غَيره (خَ) : وَإِن تنَازع الْأَوْلِيَاء المتساوون فِي العقد نظر الْحَاكِم الخ. وَبَقِي على النَّاظِم الْمولى الْأَعْلَى لِأَنَّهُ عاصب ثمَّ الْأَسْفَل على خلاف فِيهِ، ثمَّ الكافل ثمَّ الْحَاكِم ثمَّ ولَايَة الْإِسْلَام فَإِن عقد الْأَبْعَد من هَذِه الْمَرَاتِب مَعَ وجود الْأَقْرَب وَعلمه بِهِ فإمَّا أَن يكون الْأَقْرَب مجبراً أم لَا فَفِي الأول لَا يجوز وَلَو أجَازه الْمُجبر كَمَا أَفَادَهُ (خَ) بقوله وبأبعد مَعَ أقرب إِن لم يجْبر وَلم يجز. وَقَالَ أَيْضا: وَصَحَّ بهَا فِي دنية مَعَ خَاص لم يجْبر كشريفة دخل وَطَالَ واحترزت بِقَوْلِي وَعلمه بِهِ مِمَّا إِذا لم يعلم بِهِ كَالْقَاضِي مثلا يثبت عِنْده أَنه لَا ولي للْمَرْأَة فيزوجها ثمَّ يتَبَيَّن أَن لَهَا وليا كَوَلَد وَنَحْوه، فَإِن النِّكَاح صَحِيح جَائِز ابْتِدَاء كَمَا فِي (ح) عِنْد قَوْله: وعزر شَاهدا بزور الخ. وَقَالَ (خَ) أَيْضا: وَإِن أجَازه مجبر فِي ابْن وَأَخ وجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 فوض لَهُ أُمُوره بِبَيِّنَة جَازَ الخ. وَظَاهره كالناظم أَن ذَا الْمرتبَة من هَذِه الْمَرَاتِب لَا بُد أَن يتَوَلَّى العقد بِنَفسِهِ أَو وَكيله وَإِن غَيره إِن تولاه بِحَضْرَتِهِ وسكوته لَا عِبْرَة بعقده بل يجْرِي على التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم من كَون الْمَرْأَة دنية أَو كَون الْوَلِيّ مجبراً أَو غير مجبر إِلَّا أَنه أبعد وَهُوَ كَذَلِك كَمَا ذكره ابْن الْحَاج فِي نِكَاح الْخَال مَعَ حُضُور الْأَخ الشَّقِيق وَرضَاهُ دون تَوْكِيل مِنْهُ قَالَ: حُضُوره كغيبته، وَقَالَ ابْن حبيب: إِذا كَانَ الْأَقْرَب حَاضرا وَعلم وَلم يُغير فَيحمل على الرِّضَا وَالتَّسْلِيم. قلت: فَيُؤْخَذ من كَلَام ابْن الْحَاج أَن مُجَرّد السُّكُوت وَالرِّضَا لَا يكون كَافِيا فِي التَّوْكِيل، وَالظَّاهِر أَنه لَا يبعد أَن يجْرِي هَذَا على كَون السُّكُوت إِذْنا وَلَيْسَ بِإِذن وَهِي قَاعِدَة خلافية. وَرجح ابْن رشد أَنه لَيْسَ بِإِذن قَائِلا لَا خلاف أَن السُّكُوت لَيْسَ بِرِضا لِأَن الْإِنْسَان قد يسكت وَهُوَ غير رَاض، وَإِنَّمَا الْخلاف هَل هُوَ إِذن أم لَا؟ انْظُر (ح) عِنْد قَوْله فِي الْإِقْرَار لَا أقرّ الخ. وَلَا يخفى أَن الرِّضَا من أَفعَال الْقُلُوب لَا يقطع بِوُجُودِهِ بِمُجَرَّد السُّكُوت، وَإِذا كَانَ السُّكُوت لَيْسَ إِذْنا كَمَا هُوَ الرَّاجِح فالرضا وَحده، وَإِن دلّت عَلَيْهِ الْقَرَائِن غير مُعْتَبر لقَوْله فِي النَّقْل حُضُوره كغيبته، وَحِينَئِذٍ فَمَعَ الدُّخُول والطول يَصح فِي الشَّرِيفَة كَمَا يَصح فِي الدنية مُطلقًا وَمَعَ الْقرب فللأقرب أَو الْحَاكِم إِن غَابَ الرَّد كَمَا فِي (خَ) هَذَا هُوَ الظَّاهِر خلافًا لما اسْتَظْهرهُ (ز) وَمن تبعه من أَنه لَا حق للأقرب لِأَن سُكُوته إِقْرَار للنِّكَاح. تَتِمَّة: إِذا أعْطى الرجل ابْنَته لمن يكفلها ويحضنها لَهُ فَلَا كَلَام لأمها إِن فعل ذَلِك لفقر أَو حَاجَة كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة وظاهرها أَعْطَاهَا لمحرم مِنْهَا أَو غَيره، وَهُوَ كَذَلِك مَعَ كَرَاهَة فِي غير الْمحرم الْمَأْمُون إِن كَانَ ذَا أهل وَإِلَّا لم يجز ابْن عَرَفَة: وَلَيْسَ لَهُ أَخذهَا مِمَّن أَعْطَاهَا لَهُ دون إساءة وضرر مِنْهُ بهَا لِأَنَّهُ وهبه حضانتها وَملكه مَنْفَعَتهَا بنفقتها فَأشبه عقد الْإِجَارَة انْظُر بَقِيَّته. وَمَعَ هَذَا فَلَا يُزَوّجهَا الكافل مَعَ وجود الْأَب أَو غَيره من الْأَوْلِيَاء على الْمَشْهُور إِلَّا أَن يَجْعَل لَهُ نِكَاحهَا عِنْد إعطائها لَهُ أَو بعده فَيكون وَكيلا عَنهُ فِيهِ. وَأما الْحَاكِم فَلَا يُزَوّج إِلَّا بِشُرُوط تَأتي عِنْد قَوْله: وحيثما العقد لقاض ولي. وَلْوَصِيِّ العَقْدُ قَبْلَ الأوْليا وقيلَ بَعْدَهُمْ وَمَا إنْ رُضِيا (وللوصي) خبر عَن قَوْله: (العقد) والظرف فِي قَوْله: (قبل الأوليا) ء يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (و) نَائِب فَاعل (قيل) الْجُمْلَة الْمقدرَة بعده إِذْ التَّقْدِير وَقيل العقد لَهُ (بعدهمْ) فالظرف يتَعَلَّق بالاستقرار الْمُقدر فِي الْخَبَر الْمَحْذُوف مَعَ مبتدئه (وَمَا) نَافِيَة (إِن) زَائِدَة (رَضِيا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول نَائِب ضمير القَوْل الْمُتَقَدّم ثمَّ إِن تَقْدِيم الْوَصِيّ على الْأَوْلِيَاء هُوَ الْمُسْتَفَاد مِمَّا مرّ من أَن وَكيل كل بِمَنْزِلَتِهِ لِأَن الْوَصِيّ على النّظر للأولاد وَكيل الْأَب فَهُوَ فِي مرتبته على الْمَشْهُور، وَمُقَابِله لِابْنِ الْمَاجشون أَن الْأَوْلِيَاء مقدمون عَلَيْهِ وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة: فَإِن زَوجهَا أحد الْأَوْلِيَاء بِغَيْر إِذن الْوَصِيّ فَسخه الْوَصِيّ مَا لم يطلّ وتلد الْأَوْلَاد اه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 قلت: وَلَعَلَّ هَذَا فِي غير الدنية وإلاَّ فَلَيْسَ لَهُ فَسخه كَمَا مر فِي ولَايَة الْإِسْلَام. وبَعْضٌ اسْتَحَبَّ للوَصِيِّ أنْ يُسْنِدَ العَقْدَ إِلَى الوَلِيِّ (وَبَعض) وَهُوَ ابْن السَّلِيم قَاضِي قرطبة (اسْتحبَّ للْوَصِيّ أَن يسند العقد إِلَى الْوَلِيّ) حَتَّى يخرج من الْخلاف الْمَذْكُور، وَهَذَا الْخلاف والاستحباب الْمَذْكُور إِنَّمَا هما فِي الْبَالِغ بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا وَفِي الْوَصِيّ غير الْمُجبر بِدَلِيل قَوْله الْآتِي: وكالأب الْوَصِيّ فِيمَا جعلا أَب لَهُ الخ. فَقَوله: وَبَعض مُبْتَدأ والتنوين عوض عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ أَي بعض الْعلمَاء، وَجُمْلَة اسْتحبَّ بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل خَبره وَأَن ومعمولها فِي تَأْوِيل مصدر مَنْصُوب باستحب. والمَرْأَةُ الوَصِيُّ لَيْسَتْ تَعْقِدُ إلاَّ بِتَقْدِيمِ امْرِىءٍ يُعْتَمَدُ (وَالْمَرْأَة) مُبْتَدأ (الْوَصِيّ) صفة وَجُمْلَة قَوْله: (لَيست تعقد) خَبره وَاسم لَيْسَ ضمير الْمَرْأَة (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (بِتَقْدِيم) يتَعَلَّق بتعقد (امرىء) مُضَاف إِلَيْهِ (يعْتَمد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صفة لامرىء وَالْمعْنَى أَن الْمَرْأَة الْوَصِيّ على أُنْثَى وَمثلهَا المالكة لأمتها والمعتقة لَهَا بِكَسْر التَّاء لانعقد على محجورتها وَلَا على أمتها أَو معتقتها بِفَتْح التَّاء إِلَّا بِتَقْدِيم امرىء يعْتَمد عقده بِأَن يكون حرا ذكرا مُكَلّفا أَي عَاقِلا بَالغا وَهَذَا مَفْهُوم قَوْله: فِيمَا تقدم ذكرا الخ. وَالْعَبْد كَالْمَرْأَةِ لَا يعْقد على وليته إِلَّا بتوكيل أَيْضا (خَ) ووكلت مالكة أَو وَصِيَّة أَو مُعتقة وَإِن أَجْنَبِيّا كَعبد أَو صبي الخ. وَلَا بُد أَن يكون الْوَكِيل توفرت فِيهِ شُرُوط الْولَايَة مِمَّا عدا الْقرب الْمُتَقَدّم (خَ) وَصَحَّ تَوْكِيل زوج الْجَمِيع لَا ولي إلاَّ كَهُوَ الخ. فَإِن لم توكل وعقدت هِيَ أَو العَبْد بأنفسهما فسخ النِّكَاح أبدا وَإِن طَال وَولدت الْأَوْلَاد وَسَوَاء أوصاها بجبرها على النِّكَاح أَو لَا إجَازَة الْأَوْلِيَاء أَولا وَلها الْمُسَمّى بِالدُّخُولِ وَيفْسخ بِطَلَاق لِأَنَّهُ من الْمُخْتَلف فِيهِ، وَلذَا وَجب فِيهِ الْإِرْث (خَ) : وَهُوَ طَلَاق إِن اخْتلف فِيهِ كمحرم وشغار وَنِكَاح العَبْد وَالْمَرْأَة وَفِيه الْإِرْث الخ. وَأما الْمَرْأَة الْوَصِيّ على ذكر وَالْعَبْد الْوَكِيل عَن الزَّوْج فسيأتيان فِي قَوْله: وَالْعَبْد وَالْمَرْأَة مهما أوصيا الخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 والعَبْدُ والمَحْجُورُ مَهْمَا نَكَحَا بِغَيْرِ إذْنٍ فَانْفِسَاخٌ وَضَحَا (وَالْعَبْد) الْقِنّ أَو من فِيهِ شَائِبَة رق مُبْتَدأ (والمحجور) صَبيا أَو بَالغا مَعْطُوف عَلَيْهِ (مهما) اسْم شَرط (نكحا) أَي عقدا فعل الشَّرْط (بِغَيْر إِذن) من السَّيِّد أَو الْوَلِيّ يتَعَلَّق بِفعل الشَّرْط (فانفساخ) مُبْتَدأ وسوغه اقترانه بفاء الْجَزَاء كَقَوْلِهِم: إِن ذهب عير فَعير فِي الرِّبَاط قَالَه اليزناسني (وضحا) أَي بَان وَظهر خبر الْمُبْتَدَأ، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَظَاهره تحتم الْفَسْخ وَإِن أجَازه السَّيِّد أَو الْوَلِيّ، وَهَذَا وَإِن كَانَ هُوَ الْقيَاس عِنْد بعض، وَصَححهُ الْبَاجِيّ لِأَنَّهُ نِكَاح بِخِيَار لكنه خلاف الْمَشْهُور فِي العبيد من أَن السَّيِّد مُخَيّر بَين فسخ النِّكَاح وإمضائه، وَخلاف الْمَنْصُوص فِي الْمَحْجُور من أَن لوَلِيِّه الْخِيَار أَيْضا فَيجب أَن يكون معنى قَوْله: فانفساخ وضحا إِن شَاءَ الْوَلِيّ أَو السَّيِّد، ومنشأ الْخلاف هَل الْخِيَار الْحكمِي كالشرط؟ وعَلى الْمَشْهُور من أَنه لَيْسَ كالشرطي فالفسخ بِطَلْقَة حَتَّى فِي حق الصَّبِي لِأَنَّهُ نِكَاح صَحِيح كَمَا فِي (ح) وَقد قَالَ (خَ) وَللسَّيِّد رد نِكَاح عَبده بِطَلْقَة فَقَط بَائِنَة إِن لم يَبِعْهُ أَو يعتقهُ. وَقَالَ أَيْضا: ولولي صَغِير فسخ عقده بِلَا مهر الخ. وَقَالَ أَيْضا: ولولي سَفِيه فسخ عقده وَلَو مَاتَت وَتعين لمَوْته الخ. وَمحل الْخِيَار فِي فَسخه إِن لم يخرج من الْولَايَة فَإِن لم يطلع عَلَيْهِ حَتَّى خرج مِنْهَا ثَبت النِّكَاح على الْأَصَح، فَلَو تزوج السَّفِيه بعد ثُبُوت رشده عِنْد القَاضِي وَحكم لَهُ بِهِ فَهُوَ مَاض وَفِيه الصَدَاق وَالْمِيرَاث قولا وَاحِدًا وَالْحكم مَاض وَلَا يرد بِشَهَادَة من شهد بسفهه وَلَو كَانُوا أعدل لحكم القَاضِي بِشَهَادَة الْأَوَّلين وَفَاتَ مَوضِع التَّرْجِيح، وَإِنَّمَا يسفه فِي الْمُسْتَقْبل قَالَه الْبُرْزُليّ. وَكَذَا الصَّبِي إِن لم يطلع عَلَيْهِ حَتَّى بلغ رشيدا وَشَمل قَوْله: بِغَيْر إِذن مَا إِذا فقد إِذن أحد السيدين دون الآخر فَإِن الَّذِي لم يَأْذَن فَسخه، وَأما الْمَحْجُور إِن كَانَ ذَا وصيين وَأذن لَهُ أَحدهمَا أَو أجَاز دون الآخر فَالظَّاهِر أَنه إِن تعيّنت الْمصلحَة فِي الْفَسْخ أَو الْبَقَاء عمل بذلك، وَإِن اسْتَوَت فَالْقَوْل لمريد الْفَسْخ فَتَأَمّله، ثمَّ إِذا فسخ قبل الْبناء فَلَا شَيْء لَهَا فِي الْجَمِيع وَإِن فسخ بعده فلهَا ربع دِينَار فِي حق العَبْد وَالسَّفِيه كَمَا قَالَ: وَرُبْعُ دِينَارٍ لَهَا بِمَا اسْتَحَلْ مِنْها إنِ ابْتَنى وذَا بِهِ العَمَلْ (وَربع) بِسُكُون الْبَاء مُبْتَدأ (دِينَار) مُضَاف إِلَيْهِ (لَهَا) خبر الْمُبْتَدَأ وَالضَّمِير لزوجة السَّفِيه أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 العَبْد لَا لزوجة الصَّبِي الدَّاخِل فِي الْمَحْجُور فَلَا شَيْء لَهَا بِدُخُولِهِ وَجزم أَبُو الْحسن بِأَن لَهَا مَا شَأْنهَا (بِمَا) الْبَاء سَبَبِيَّة تتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (اسْتحلَّ) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل صلَة مَا (مِنْهَا) على حذف مُضَاف أَي من بضعهَا يتَعَلَّق باستحل (أَن ابتنى) بهَا العَبْد أَو السَّفِيه لَا الصَّبِي كَمَا مرّ وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف لدلَالَة مَا تقدم عَلَيْهِ (وَذَا) مُبْتَدأ وَالْإِشَارَة لوُجُوب ربع دِينَار لَهَا (بِهِ) خبر عَن قَوْله (الْعَمَل) وَالْجُمْلَة خبر ذَا ثمَّ إِذا عتق العَبْد وَلَو مكَاتبا فَإِنَّهُ يتبع بِمَا بَقِي من الصَدَاق بِخِلَاف السَّفِيه فَلَا يتبع بِشَيْء لِأَن الْحجر عَلَيْهِ لحق نَفسه وَحجر العَبْد لحق سَيّده، وَقد زَالَ بِالْعِتْقِ (خَ) : وَاتبع عبد ومكاتب عتقا بِمَا بَقِي إِن لم يُبطلهُ سيد أَو سُلْطَان الخ. وروى ابْن وهب عَن مَالك: لَا شَيْء لَهَا فِي السَّفِيه لَا ربع دِينَار وَلَا غَيره. ابْن حبيب: وَهُوَ الْقيَاس أَي لِأَن تسليط السَّفِيه على شَيْء لَا غرم فِيهِ كالصغير. وإنْ يَمُتْ زَوْجٌ فالإرْثُ هَدْرُ والعَكْسُ لِلحَاجِرِ فِيهِ النَّظَرُ (وَإِن يمت) شَرط (زوج) فَاعل يمت وَهُوَ على حذف الصّفة أَي حر إِذْ العَبْد لَا يتَوَهَّم فِيهِ الْإِرْث فَهَذَا من تَتِمَّة الْكَلَام على الْمَسْأَلَة إِلَّا أَنه خَاص بالمحجور وَلَو قَالَ: وَإِن يمت حر (فالإرث هدر) لَكَانَ أظهر، وَمَعْنَاهُ أَن الْمَحْجُور الْعَاقِد لنكاحه صَبيا كَانَ أَو سَفِيها دخل أم لَا، إِذا مَاتَ قبل فسخ نِكَاحه لَا إِرْث لزوجته مِنْهُ (وَالْعَكْس) مُبْتَدأ (للحاجر) خبر عَن قَوْله (فِيهِ النّظر) وَالْجُمْلَة خبر الْعَكْس وَالْمَجْرُور بفي يتَعَلَّق بِالنّظرِ، وَالْمعْنَى أَن زَوْجَة الصَّبِي أَو السَّفِيه إِذا مَاتَت فِي الْمَوْضُوع الْمَذْكُور فَإِن حاجره ينظر فِي ذَلِك فَإِن رأى أَنه يَرث أَكثر مِمَّا يلْزمه من الصَدَاق أَمْضَاهُ وإلاَّ رده وَشَمل كَلَامه مَا إِذا كَانَ ذَا وَصِيّ، فَلَمَّا مَاتَ وَصِيّه تزوج وَمَات فَإِن النّظر فِي ذَلِك للْحَاكِم وَتقدم قَول (خَ) : ولولي سَفِيه فسخ عقده وَلَو مَاتَت وَتعين لمَوْته الخ. فَقَوله: وَلَو مَاتَت وَتعين لمَوْته الخ. جَار مثله فِي الصَّغِير أَيْضا وَهَذِه الْمَسْأَلَة يلغز بهَا فَيُقَال زوجان أَحدهمَا يَرث الآخر وَلَا يَرِثهُ الآخر وهما حران لَيْسَ بهما مَانع، وَمَفْهُوم قَوْله: للحاجر أَنه لَو كَانَ مهملاً لَكَانَ للْحَاكِم النّظر أَيْضا على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم الَّذِي يعْتَبر الْحَال لَا الْولَايَة، وَبِه الْعَمَل وَمحل النّظر أَيْضا إِذا لم يعْقد وَقد أونس مِنْهُ الرشد وإلاَّ فَالْعِبْرَة بِالْحَال أَيْضا وَالنِّكَاح ثَابت على مذْهبه لَا خِيَار فِيهِ للْوَلِيّ لقَوْل ناظم الْعَمَل: وينتفي الْحجر إِذا بدا الرشاد فَمن تصرف مضى وَلَا فَسَاد تَتِمَّة: يجوز للسَّيِّد أَن يهب أمته لعَبْدِهِ يَطَؤُهَا بِملك الْيَمين وينتزعها مِنْهُ إِن شَاءَ كَمَا فِي (ق) فِي بَاب الْخِيَار عِنْد قَوْله: وَفِي زَوَاله بِمَوْت الزَّوْجَة وطلاقها الخ. وَهَذَا أقرب للسَّيِّد من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 أَن يُزَوّجهَا إِيَّاه إِذْ لَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ تطليقها عَلَيْهِ إِلَّا بِرِضَاهُ. وعاقِدٌ عَلَى ابْنِهِ حَالَ الصِّغَرْ عَلَى شُروطٍ مُقْتَضَاةٍ بالنَّظَرْ (وعاقد) مُبْتَدأ وسوغه كَونه صفة لمَحْذُوف وعاملاً فِي قَوْله: (على ابْنه) وَقَوله (حَال) مفعول فِيهِ أَي وَقت (الصغر على شُرُوط) يتَعَلَّق بعاقد (مقتضاة بِالنّظرِ) صفة لشروط وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي يَصح عقده وَيجوز، وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله عَاقد على حذف مُضَاف أَي وَعقد عَاقد على ابْنه الخ. صَحِيح جَائِز. وَلما كَانَت الصِّحَّة لَا تَسْتَلْزِم اللُّزُوم، إِذْ الشَّيْء قد يكون صَحِيحا غير لَازم نبه على أَن اللُّزُوم فِيهِ تَفْصِيل بقوله: إنِ ابْنُهُ بَعْدَ البُلُوغِ دَخَلاَ مَعْ عِل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; مِهِ يَلْزَمُهُ مَا حَمَلاَ (إِن ابْنه) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره مَا بعده (بعد الْبلُوغ) يتَعَلَّق بِهِ (دخلا) الْمُفَسّر لذَلِك الْمَحْذُوف على حد قَوْله تَعَالَى: وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك} (التَّوْبَة: 6) الْآيَة (مَعَ) بِالسُّكُونِ (علمه) مُضَاف إِلَيْهِ والظرف يتَعَلَّق بالمفسر قبله يَلِيهِ (يلْزمه) جَوَاب الشَّرْط وَرَفعه لكَون الشَّرْط مَاضِيا لقَوْل ابْن مَالك: وَبعد مَاض رفعك الجزا حسن. (مَا) مَوْصُولَة فَاعل يلْزمه (حملا) صلَة وألفه للإطلاق وفاعله ضمير الْعَاقِد والعائد على الْمَوْصُول مَحْذُوف أَي مَا حمله أَبوهُ عَنهُ من الشُّرُوط. وَحَيْثُ لَمْ يَبْلُغْ وَإنْ بَنَى فَما يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهَبْهُ عَلِمَا (وَحَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (لم يبلغ) فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (وَإِن) إغيائية (بنى) فعل مَاض فَاعله ضمير الابْن وَجُمْلَة (فَمَا يلْزمه شَيْء) جَوَاب حَيْثُ (وهبه) من أَفعَال الْقُلُوب لَازم لصيغة الْأَمر ومفعوله الأول الضَّمِير الْمُتَّصِل بِهِ وَجُمْلَة (علما) فِي مَحل مَفْعُوله الثَّانِي أَي وهبه عَالما بهَا. وَحَاصِل مَعْنَاهُ أَن عقد الْعَاقِد على ابْنه الصَّغِير على شُرُوط اقتضاها نظره للغبطة فِي الْمَنْكُوحَة كَطَلَاق من يتَزَوَّج عَلَيْهَا أَو عتق من يتسرى بهَا صَحِيح جَائِز. وَكَذَا إِن عقد الصَّغِير نَفسه على تِلْكَ الشُّرُوط وَأَجَازَهُ وليه، وَإِنَّمَا يبْقى النّظر فِي اللُّزُوم فَإِن بلغ وَرَضي بِتِلْكَ الشُّرُوط صَرِيحًا أَو دخل بعد بُلُوغه وَعلمه بِهِ لَزِمته وَإِن لم يدْخل أَو دخل غير عَالم لم يلْزمه شَيْء كَمَا أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 إِذا لم يبلغ لم يلْزمه شَيْء أَيْضا مُطلقًا دخل أم لَا علم أم لَا. وَبِالْجُمْلَةِ فالشروط إِذا لم يرض تلْزمهُ بِثَلَاثَة قيود الْبلُوغ وَالدُّخُول وَالْعلم فَإِن فقد الأول أَو الثَّالِث فَلَا تلْزمهُ وَالْقَوْل للزَّوْج بِيَمِينِهِ فِي عدم الْعلم وَيسْقط حق الزَّوْجَة لِأَنَّهَا مكنت من نَفسهَا من لَا تلْزمهُ الشُّرُوط، وَإِن فقد الثَّانِي وَهُوَ الدُّخُول مَعَ وجود الْبلُوغ وَالْعلم فَلَا يسْقط حَقّهَا، وَلَكِن للزَّوْج الْخِيَار فِي الْتِزَام النِّكَاح لشروطه أَو رده فَإِن رده فالفسخ بِغَيْر طَلَاق وَلَا صدَاق كَمَا قَالَ: والحَلُّ بالفَسْخِ بِلاَ طَلاَقِ إنْ رَدَّ ذَاكَ وبِلاَ صَداقِ لَا عَلَيْهِ وَلَا على أَبِيه وَهُوَ ظَاهر قَول أصبغ، وَاخْتَارَهُ ابْن رشد وإياه تبع النَّاظِم، وَالرَّاجِح أَن الْفَسْخ بِطَلَاق كَمَا مرّ لِأَنَّهُ نِكَاح صَحِيح، وَقد اقْتصر ابْن فتحون على أَن الْفَسْخ فِي ذَلِك بِطَلَاق وَهل يلْزمه نصف الصَدَاق أم لَا؟ قولا ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة والمجالس. وعَلى مَا لِابْنِ فتحون درج (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَإِن زوج بِشُرُوط وأجيزت وَبلغ وَكره فَلهُ التَّطْلِيق، وَفِي نصف الصَدَاق قَولَانِ عمل بهما الخ. وَالرَّاجِح الأول كَمَا لشراحه وَإِن طلق قبل علمه بِالشُّرُوطِ فَفِي النّصْف قَولَانِ أَيْضا كَمَا فِي ضيح فَقَوله: والحل مُبْتَدأ خَبره بِالْفَسْخِ وَبلا طَلَاق حَال. وَقَوله: إِن رد ذَاك شَرط ومعموله وَجَوَابه مَحْذُوف للْعلم بِهِ وَبلا صدَاق مَعْطُوف على قَوْله: وَبلا طَلَاق ثمَّ مَحل الْفَسْخ بِطَلَاق أَو غَيره إِنَّمَا هُوَ إِذا تمسكت بشرطها وَأما إِن رضيت بإسقاطه فَلَا. وَإِذا أسقطت فَلَا كَلَام لأَبِيهَا وَلَو مَحْجُورا عَلَيْهَا خلافًا لِابْنِ الْعَطَّار. وَعَن ابْن وهب أَن الصَّغِير يلْزمه مَا عقد عَلَيْهِ أَبوهُ من الشُّرُوط دخل بهَا أم لَا لِأَنَّهُ النَّاظر لَهُ. وَقيل: لَا تلْزمهُ وَإِن دخل بعد بُلُوغه وَعلمه ذكرهمَا ابْن سَلمُون. وَمَفْهُوم قَوْله: على شُرُوط أَنه إِذا زوجه بِدُونِهَا لزمَه النِّكَاح وَلَا مقَال لَهُ إِن كَانَ لَهُ مَال كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَالْعَبْد وَالْمَرْأَة مهما أوصيا. الخ. وَإِن كَانَ عديما وَكتب الْأَب عَلَيْهِ الصَدَاق فَقَالَ ابْن الْقَاسِم فِي الأسمعة: إِن لم يدْخل الابْن حَتَّى بلغ فَهُوَ مُخَيّر إِن شَاءَ دخل بِمَا كتب عَلَيْهِ وَإِن شَاءَ فَارق وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن دخل قبل أَن يبلغ أَو يحوز أمره فالصداق على الْأَب أَو دخل بعد أَن كبر وَلم يعلم، فالصداق على الْأَب وَالشّرط بَاطِل ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 رشد: قَوْله إِذا زوج الْأَب ابْنه وَهُوَ صَغِير لَا مَال لَهُ أَن الصَدَاق على الْأَب وَأَنه إِن كتبه عَلَيْهِ لم يلْزمه إِلَّا أَن يلتزمه بعد الْبلُوغ وَأَنه إِن دخل قبل الْبلُوغ أَو بعده وَلم يعلم سقط عَنهُ وَلزِمَ الْأَب وَكَانَ شَرطه بَاطِلا صَحِيح، إِذْ لَيْسَ للْأَب أَن يُوجب عَلَيْهِ دينا وَيلْزمهُ إِيَّاه اه. وَتَأمل قَول (خَ) : وصداقهم أَن أعدموا على الْأَب وَإِن مَاتَ أَو أيسر وَأبْعد الخ وَمَفْهُوم قَوْله: حَال الصغر إِن عقده للسفيه عَليّ شُرُوط لَا كَلَام لَهُ ابْن رشد: وَهُوَ ظَاهر (خَ) وَغَيره، لِأَن قبُول السَّفِيه للشروط مُعْتَبر كطلاقه وَإِذا دخل الصَّغِير بعد بُلُوغه وَعلمه لَزِمته وَلَو كَانَ سَفِيها كَذَا وجدته مُقَيّدا، وَظَاهره وَلَو على القَوْل يجْبر السَّفِيه الْمشَار لَهُ بقول (خَ) وجبر أَب ووصي وحاكم مَجْنُونا إِلَى قَوْله: وَفِي السَّفِيه خلاف فَانْظُرْهُ. تَنْبِيه: طَلَاق الصَّغِير فِي حَال صغره غير مُعْتَبر بِخِلَاف السَّفِيه وَلَيْسَ لوَلِيّ الصَّغِير أَن يُطلق عَنهُ إِلَّا بعوض كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) فِي الْخلْع بقوله: وموجبه زوج مُكَلّف وَولي صَغِير الخ. وَلَا نَفَقَة للزَّوْجَة على الصَّغِير كَمَا أَشَارَ لَهُ أَيْضا بقوله يجب لممكنة مطيقة للْوَطْء على الْبَالِغ الخ. ( فصل ) (فِيمَن لَهُ الْإِجْبَار) من الْأَوْلِيَاء (وَمَا يتَعَلَّق بِهِ) كمنعه من الضَّرَر واستحباب إِذن الْبكر ذَات الْأَب وإنكاح غير الْأَب وَكَون الصمت فِي الْبكر إِذْنا وَنَحْو ذَلِك. وَلما كَانَ الْأَب لَا يجْبر فِي الْقَلِيل من الصُّور قدم الْكَلَام عَلَيْهِ ليتفرغ لصور الْجَبْر فَقَالَ: ثُيُوبَةُ النِّكاحِ وَالْمِلْكِ مَعَا لِلأبِ الإحْبَارُ بِهَا قَدْ مُنِعَا (ثيوبة) مُبْتَدأ (النِّكَاح) مُضَاف إِلَيْهِ (وَالْملك) مَعْطُوف على النِّكَاح أَي وثيوبة الْملك (مَعًا) حَال (للْأَب) يتَعَلَّق بِمَنْع آخر الْبَيْت (الْإِجْبَار) مُبْتَدأ ثَان (بهَا) يتَعَلَّق بِهِ وَالْبَاء سَبَبِيَّة أَو بِمَعْنى مَعَ وضميره للثيوبة (قد) للتحقيق (منعا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَالثَّانِي وَخَبره خبر الأول والرابط الْهَاء فِي بهَا والنائب فِي منع ضمير الْإِجْبَار، وَالْمعْنَى أَن الْأَب الْحر قد منع إِجْبَاره فِي بنته الْحرَّة الْبَالِغَة الثيبة بِنِكَاح صَحِيح أَو فَاسد كَمَا سيصرح بِهِ فِي قَوْله: وكالصحيح مَا بِعقد فَاسد الخ. وَفِي بنته الْقِنّ إِذا عتقت بعد أَن ثيبت بِوَطْء السَّيِّد وَهِي بَالغ فَلَا جبر لَهُ فِي هَاتين الصُّورَتَيْنِ وَمَفْهُوم النِّكَاح أَن ثيوبة غَيره كَالزِّنَا لَا تمنع إِجْبَاره وَهُوَ كَذَلِك على الرَّاجِح من الْخلاف الْآتِي فِي قَوْله: وبالحرام الْخلف فِيهَا يجْرِي الخ. ثمَّ إِن قيد الْبلُوغ مُعْتَبر فِي الصُّورَتَيْنِ كَمَا قَررنَا بِدَلِيل قَوْله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 كَمَا لهُ ذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; لِكَ فِي صِغَارِ بَنَاتِهِ وَبالِغ الأبْكَارِ (كَمَا) الْكَاف بِمَعْنى مثل وَمَا مَصْدَرِيَّة (لَهُ) خبر عَن قَوْله (ذَلِك) وَالْإِشَارَة للإجبار (فِي صغَار) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (بَنَاته) مُضَاف إِلَيْهِ من إِضَافَة الصّفة للموصوف (وَبَالغ) مَعْطُوف على صغَار (الْأَبْكَار) مُضَاف إِلَيْهِ إِضَافَة الصّفة للموصوف أَيْضا وَالْمعْنَى لَا إِجْبَار للْأَب مَعَ الثيوبة مماثلاً لإجباره صغَار الْبَنَات اللائي لم يبلغن ثيبات كن أَو أَبْكَارًا أَو بَالغ الْأَبْكَار فالنفي الْمَفْهُوم من الْمَنْع مسلط على الْمُقَيد بقيده الَّذِي هُوَ الْمُمَاثلَة لَا على الْقَيْد فَقَط أَي لَا إِجْبَار لَهُ على الثيبات مثل كَونه لَهُ على صغَار الْبَنَات والأبكار البالغات، وَكَذَا يجْبر الَّتِي ثيبت بزنا كَمَا مر والمجنونة وَلَو ثيبت بِنِكَاح وَمحل جبره إِذا لم يرد تَزْوِيج من ذكر من ذِي عاهة وإلاَّ فَلَا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالْأَب إِن زَوجهَا من عبد الخ. وَمحله أَيْضا فِي الْبكر الْبَالِغ إِذا لم يرشدها وَلم تقم ببيتها سنة وَإِلَّا بِأَن رشدها أَو أَقَامَت ببيتها مَعَ زَوجهَا سنة من غير مَسِيس فَلَا جبر (خَ) : وجبر الْمَجْنُونَة وَالْبكْر وَلَو عانساً إِلَّا لكخصي على الْأَصَح وَالثَّيِّب إِن صغرت أَو بِعَارِض أَو بِحرَام إِلَّا بفاسد وبكراً رشدت أَو أَقَامَت ببيتها سنة الخ. وَأما من ثيبت بِنِكَاح أَو ملك قبل الْبلُوغ وَمَا تأيمت أَو عتقت إِلَّا بعده فَهِيَ دَاخِلَة فِي قَوْله: ثيوبة النِّكَاح الخ إِذْ يصدق عَلَيْهَا أَنَّهَا بَالغ ثيبت بِنِكَاح أَو ملك وَلَا يعول على ظَاهر قَوْله الْآتِي: كواقع قبل الْبلُوغ الْوَارِد الخ. ويُسْتَحَبُّ إذْنُهَا والسَّيِّدُ بالجَبْرِ مُطْلقاً لَهُ تَفَرُّدُ (وَيسْتَحب) مضارع مَبْنِيّ للْمَفْعُول (إِذْنهَا) بِالرَّفْع نَائِبه أَي يسْتَحبّ للْأَب أَن يسْتَأْذن ابْنَته الْبكر الْبَالِغ عِنْد تَزْوِيجهَا أَي يشاورها فِيهِ وَيكون بِوَاسِطَة من لَا تَسْتَحي مِنْهُ فقد لَا تريده أَو يكون بهَا عيب يمْنَعهَا مِنْهُ. وَلما قدم أَن الْأَب يجْبر صغَار الْبَنَات وبوالغ الْأَبْكَار وَأَنه يسْتَحبّ لَهُ اسْتِئْذَان الْأَبْكَار البوالغ نبه على أَن السَّيِّد لَهُ الْجَبْر لأرقائه مُطلقًا ذُكُورا أَو إِنَاثًا ثيبات أَو أَبْكَارًا فَقَالَ: (وَالسَّيِّد) مُبْتَدأ (بالجبر) يتَعَلَّق بتفرد آخر الْبَيْت (مُطلقًا) حَال من ضمير الِاسْتِقْرَار فِي الْخَبَر (لَهُ) خبر عَن قَوْله (تفرد) مصدر تفرد بِمَعْنى انْفَرد أَي وَللسَّيِّد التفرد بالجبر عَن سَائِر الْأَوْلِيَاء كَائِن لَهُ مُطلقًا وَلَا يدْخل فِي الْإِطْلَاق كَانَت مضرَّة فِي التَّزْوِيج أم لَا إِذْ لَا جبر لَهُ مَعَ الضَّرَر (خَ) وجبر الْمَالِك أمة وعبداً بِلَا إِضْرَار أَي كتزويجها من أبرص أَو مجذوم وَنَحْوهمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 وَلَا يدْخل فِيهِ أَيْضا كَانَ ذَا شائنة أم لَا إِذْ لَا جبر لَهُ فِي ذِي الشائبة من الْإِنَاث على مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ وَالْمرَاد بالسيد الْجِنْس فَيشْمَل الْوَاحِد والمتعدد وَالْحر وَالْعَبْد وَالذكر وَالْأُنْثَى إِلَّا أَن الْأُنْثَى لَا تعقد بِنَفسِهَا بل توكل، كَمَا أَن السَّيِّد العَبْد نَحْو الْمكَاتب كَذَلِك (خَ) ووكلت مالكة ومكاتب فِي أمة طلبت فضلا وَلَا يدْخل فِيهَا أَيْضا كَانَ مَالك الْكل أَو الْبَعْض إِذْ لَا جبر لمَالِك الْبَعْض وَإِن كَانَ هُوَ كمالك الْجَمِيع فِي الْولَايَة على الْأمة وَفِي رد نِكَاح العَبْد وَالْأمة إِن تزوجا بِغَيْر إِذْنه لِأَن ذَلِك يعِيبهُ كَمَا لَهُ رد تزوج نِكَاح الْمكَاتب أَو الْمُكَاتبَة بِغَيْر إِذْنه لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَة بل يتحتم الرَّد فِي الْأمة وَلَو عقد لَهَا أحد الشَّرِيكَيْنِ دون الآخر. تَنْبِيه: للْوَصِيّ أَن يُزَوّج رَقِيق مَحْجُوره بِالْمَصْلَحَةِ كَمَا فِي ابْن الْحَاجِب، وَظَاهره أَنه يجْبرهُ على ذَلِك لِأَنَّهُ نَائِب الْمَالِك. والأَبُ إنْ زوَّجهَا مِنْ عَبْدِ فَهْوَ مَتَى أَجْبَرَ ذُو تَعَدِّ (وَالْأَب) مُبْتَدأ (إِن زَوجهَا) شَرط وَالضَّمِير الْمَنْصُوب يعود على مجبرته (من عبد) يتَعَلَّق بِهِ (فَهُوَ) مُبْتَدأ (مَتى أجبر) شَرط (ذُو تعد) خبر الْمُبْتَدَأ الثَّانِي، وَالْجُمْلَة مِنْهُ وَمن خَبره جَوَاب إِن وَدخلت الْفَاء عَلَيْهِ لكَونه لَا يصلح أَن يكون شرطا، وَالْجُمْلَة من الشَّرْط وَالْجَوَاب خبر الْمُبْتَدَأ الأول، وَأما الشَّرْط الثَّانِي وَهُوَ قَوْله: مَتى أجبر فَجَوَابه مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ وَالْمعْنَى أَن الْأَب إِذا أجبر مجبرته على التَّزْوِيج من عبد وَنَحْوه كمبروص ومجذوم فَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِك الْجَبْر قَالَ فِي الْمعِين: وَلَيْسَ للْأَب أَن يُزَوّج ابْنَته من عبد لما يلْحقهَا فِي ذَلِك من المعرة. وَقَالَ سَحْنُون فِي السليمانية: إِذا أَرَادَ الْأَب أَن يُزَوّج ابْنَته مَجْنُونا أَو مجذوماً أَو أبرص أَو أسود أَو من لَيْسَ لَهَا بكفء وأبت الِابْنَة ذَلِك كَانَ للسُّلْطَان مَنعه لِأَن ذَلِك ضَرَر اه بِنَقْل الشَّارِح. وَفِي الطرر قَالَ المشاور: وَلَا يُزَوّج ابْنَته الْبكر من المجذوم إِلَّا بِرِضَاهَا وَلَا يكون صمتها فِي هَذَا رضَا وَلَا بُد لَهَا من الْكَلَام لِأَنَّهُ عيب، ثمَّ قَالَ بعد أسطر: وَقَالَ سَحْنُون فِي السليمانية: إِن أَرَادَ أَبوهَا أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 يُزَوّجهَا من أسود أَو أبرص أَو أَجْذم أَن السُّلْطَان يمنعهُ من ذَلِك لِأَن ذَلِك ضَرَر، وَقَول سَحْنُون فِي هَذَا أحسن اه. بِنَقْل (ت) وَقَالَ: أَعنِي (ت) إثره مَا نَصه: فَلم يُقيد يَعْنِي سحنوناً فِيمَا نقل عَنهُ صَاحب الطرر ذَلِك بِمَا إِذا أَبَت الِابْنَة كَمَا قَيده بذلك فِي نقل الْمعِين. قلت: الظَّاهِر أَنه لَا مُخَالفَة بَين النقلين لِأَن قَوْله فِي الطرر أَن السُّلْطَان يمنعهُ دَلِيل على أَن الِابْنَة قد أَبَت وَإِلَّا لم يكن للسُّلْطَان كَلَام لِأَن لَهما ترك الْكَفَاءَة كَمَا قَالَ (خَ) وَلها وللولي تَركهَا كَمَا أَنه لَا مُخَالفَة بَين كَلَام سَحْنُون الْمَنْقُول فِي الطرر والمعين وَبَين كَلَام المشاور أَيْضا لِأَن المشاور قيد ذَلِك بِرِضَاهَا فيستفاد مِنْهُ أَنَّهَا إِذا لم ترض لم تزوج وَهُوَ قَول سَحْنُون، إِذا أَبَت كَانَ للسُّلْطَان أَي عَلَيْهِ مَنعه، فَاللَّام بِمَعْنى على لَا للتَّخْيِير إِذْ من وظيفته رفع الضَّرَر. وَقَالَ ابْن أبي زمنين: إِن الْأَب إِذا زوج ابْنَته الْبكر عنيناً أَو خَصيا أَو مجبوباً جَازَ ذَلِك عَلَيْهَا علمت أم لَا إِذا كَانَ ذَلِك نظرا لَهَا اه. وَمَا ذكره أَصله لِابْنِ حبيب وَلما نَقله فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَنقل قَول سَحْنُون الْمُتَقَدّم قَالَ مَا نَصه: وَقَول سَحْنُون أجْرى على الْأُصُول وَأقوى عِنْد ذَوي التَّحْصِيل من قَول ابْن حبيب اه. وَلِهَذَا قَالَ فِي الطرر: وَقَول سَحْنُون أحسن الخ. وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا لِابْنِ أبي زمنين خلاف الْأَصَح الْمشَار إِلَيْهِ بقول (خَ) : إِلَّا لكخصي على الْأَصَح إِذْ مَا ذكره سَحْنُون، والمشاور كُله دَاخل تَحت الْكَاف من قَوْله: إِلَّا لكخصي كَمَا لشراحه وَمَا لِابْنِ أبي زمنين مُقَابل لَهُ ثمَّ ظَاهر مَا مرّ أَنه لَا يجبرها من الأبرص وَلَو قل برصه وَهُوَ الْمُعْتَمد خلافًا لما أفتى بِهِ السيوري من أَن البرص الْقَلِيل لَا كَلَام لَهَا فِيهِ، وَقد قَالَ بعض لامْرَأَة كثرت شكواها من زَوجهَا وَتعذر عَلَيْهَا إِثْبَات ضَرَره: ادعِي عَلَيْهِ أَن بِهِ برصاً فِي دبره فَإِنَّهُ يستحي أَن يكْشف نَفسه للرِّجَال ويطلقك فَفعلت وَطَلقهَا، وَالْغَالِب أَن البرص فِي الدبر لَا يكون إِلَّا قَلِيلا إِذْ لَو انْتَشَر عَنهُ لجازت رُؤْيَته، وَكَذَا الجذام الْمُحَقق وَلَو قل لِأَنَّهُ أَشد ضَرَرا وَلِأَن الْقَلِيل قد ينتشر، وَمَفْهُوم قَول النَّاظِم مَتى أجبر أَنَّهَا إِذا رضيت لم يكن مُتَعَدِّيا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مرّ، لَكِن يُقيد بِمَا إِذا كَانَت رَشِيدَة وَلَا عصبَة لَهَا فَإِن كَانَت سَفِيهَة أَو كَانَ لَهَا عصبَة فَلَا عِبْرَة بِرِضَاهَا فِي الأولى، وللعصبة منعهَا فِي الثَّانِيَة قَالَه اليزناسني. وَأَصله فِي الْمُفِيد كَمَا فِي (م) وَهُوَ قيد صَحِيح جَار فِي جَمِيع مسَائِل الْكَفَاءَة على مَا يَقْتَضِيهِ جَوَاب العبدوسي فِي وَصِيّ مجبر زوج أُخْت مجبرته من غير كُفْء فَقَامَ إخْوَته وَأَرَادُوا فسخ النِّكَاح بعد أَن أثبتوا بِشَهَادَة الشُّهُود أَنه غير كُفْء لَهَا فَقَالَ: شَهَادَتهم بِأَنَّهُ غير كُفْء لَهَا شَهَادَة مجملة لَا بُد من استفسارها فَإِن قَالُوا مثلا هُوَ سكير شريب أَو مُسْتَغْرق المَال بالربا والغصوبات أَو غير ذَلِك مِمَّا يقْدَح فِي الْكَفَاءَة شرعا فَإِنَّهُ يعْذر فِي ذَلِك للْوَصِيّ وَالزَّوْج فَإِن لم يكن عِنْدهمَا مدفع فسخ النِّكَاح انْتهى بِاخْتِصَار، فَتَأمل قَوْله: أَو غير ذَلِك مِمَّا يقْدَح فِي الْكَفَاءَة الخ. فَإِنَّهُ شَامِل لجَمِيع الْأَوْصَاف الَّتِي تقدح فِيهَا وَأفهم كَلَام العبدوسي أَن الْفَاسِق بالجارحة كالزاني وَكثير الْأَيْمَان بِالطَّلَاق غير كُفْء وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا يفهم من جَوَاب اليزناسني نَقله فِي المعيار قبل جَوَاب العبدوسي الْمُتَقَدّم قَالَ: فِيهِ الْكَفَاءَة مُعْتَبرَة فِي الدّين بِلَا خلاف وَإِن كَانَ فَاسِقًا فَلَا خلاف مَنْصُوص أَن تَزْوِيج الْوَالِد مِنْهُ لَا يَصح، وَكَذَلِكَ غَيره من الْأَوْلِيَاء وَإِن كَانَ وَقع ذَلِك فللزوجة وَلمن علم لَهَا فسخ النِّكَاح، وَكَانَ بَعضهم يهرب من الْفَتْوَى بذلك وَيرى أَنه يُؤَدِّي إِلَى فسخ كثير من الْأَنْكِحَة اه. وأصل حَاصِل هَذَا الْكَلَام لِابْنِ بشير كَمَا فِي (ح) وَابْن سَلمُون وَغَيرهمَا، وَظَاهر كَلَامهم أَنه نِكَاح فَاسد يتحتم فَسخه وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ نَص اللَّخْمِيّ الْآتِي وَهُوَ مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 فهمه (ح) أَيْضا من قَول ابْن بشير لَا يَصح اه. وَظَاهر كَلَام اليزناسني أَنه حمل قَوْله: لَا يَصح على أَنه لَا يلْزم بِدَلِيل قَوْله فلزوجة، وَلمن قَامَ لَهَا الخ. لِأَنَّهُ جعل ذَلِك لَهما، وَهُوَ ظَاهر قَول الشَّامِل فلهَا فسخ نِكَاح الْفَاسِق بجارحة، وَنَحْوه قَول ابْن الْحَاجِب أَيْضا لَا خلاف أَن للزَّوْجَة وَلمن قَامَ لَهَا فسخ نِكَاح الْفَاسِق، وَنقل (ح) عَن الْفَاكِهَانِيّ أَن الْمَشْهُور صِحَة نِكَاح الْفَاسِق وَأَنه لَا يفْسخ، وَذكر فِي المعيار عَن أبي الْفضل العقباني أَن فسقه إِن كَانَ بِكَثْرَة الْأَيْمَان بِالطَّلَاق فعيب أَو باستغراق ذمَّته بالحرام، فهذان الْوَجْهَانِ يوجبان الْفَسْخ لِأَن الْمَرْأَة تكون مَعَه فِي زنا فِي الْوَجْه الأول وَتبقى تَحت مضيعة فِي الْوَجْه الثَّانِي وَذَلِكَ أعظم الضَّرَر قَالَ: وَهُنَاكَ وُجُوه أخر من الْفسق لَا توجب مَا أوجبه هَذَا من الْفَسْخ ثمَّ قَالَ فِي جَوَاب آخر عَن نِكَاح الْفَاسِق: إِن التَّعَرُّض لفسخه أَمر عسير لِأَن تَغْيِير الْمُنكر إِن أدّى إِلَى مُنكر أعظم مِنْهُ سقط الْأَمر عَنهُ، وَنحن نَمِيل فِي هَذِه الْأَزْمِنَة لما مَال إِلَيْهِ من قَالَ من الشُّيُوخ: لَو أَخذ بِهَذَا لفسخت أَكثر الْأَنْكِحَة إِذْ قل من يَخْلُو عَن الْفسق بالجوارح الخ فَقَوله: وَذَلِكَ من أعظم الضَّرَر دَلِيل على أَن النِّكَاح صَحِيح لَو لم تقم هِيَ أَو بعض أوليائها بِالْفَسْخِ فِي الْوَجْه الثَّانِي، وَكَذَا فِي الْوَجْه الأول لِأَنَّهُ علله بِأَن كَثْرَة الْأَيْمَان مِنْهُ عيب يُوجب لَهَا وَلمن قَامَ لَهَا الْفَسْخ، وَبِالْجُمْلَةِ فَظَاهر كَلَام ابْن بشير أَن الْفَاسِق بِأَيّ وَجه كَانَ فسقه بزنا أَو بِشرب خمر أَو كَثْرَة أَيْمَان أَو غير ذَلِك لَا يَصح نِكَاحه، وَهل معنى قَوْله لَا يَصح نِكَاحه لَا يلْزم وَهُوَ ظَاهر مَا مرّ عَن الشَّامِل والعقباني واليزناسيني وَابْن الْحَاجِب، أَو مَعْنَاهُ أَنه فَاسد فَلَا يَصح وَلَو رضيت هِيَ وأولياؤها وَهُوَ مَا فهمه مِنْهُ (ح) وَقُوَّة كَلَامه تُعْطِي أَنه الرَّاجِح وَيدل لَهُ ظَاهر كَلَام اللَّخْمِيّ الْآتِي فَفِي نِهَايَة المتيطي عَنهُ مَا نَصه: يُؤمر الْأَب فِي تَزْوِيج ابْنَته بِأَرْبَع، أَن يكون الزَّوْج كفأ فِي دِيَته وَمَاله وحسبه سالما من الْعُيُوب الَّتِي يجتنبها النِّسَاء فَإِن كَانَ كَسبه حَرَامًا أَو كثير الْأَيْمَان بِالطَّلَاق، أَو مِمَّن يشرب الْخمر لم يكن لَهُ أَن يُزَوّجهَا مِنْهُ فَإِن فعل فرق الْحَاكِم بَينهمَا لِأَن الْأَب وَكيل لابنته وَإِذا فعل الْوَكِيل مَا لَيْسَ بِنَظَر رد فعله اه. وَفِي (تت) عِنْد قَوْله: وجبر وَصِيّ أمره بِهِ أَب أَو عين الزَّوْج الخ مَا نَصه: إِذا قَالَ لَهُ زَوجهَا من فلَان بعد عشْرين سنة ألزمها الْوَلِيّ النِّكَاح أَن فرض فلَان مهر الْمثل وَلم يكن فَاسِقًا وَلَا حجَّة لَهَا فِي كَونه الْآن ذَا زَوْجَة، وَكَانَ وَقت الْإِيصَاء عزباً اه. وَمثل الْفَاسِق بالجارحة الْفَاسِق بالاعتقاد كَمَا يَأْتِي، وعَلى هَذَا فَقَوْل (خَ) وَلها وللولي تَركهَا الخ مُقَيّد بِمَا مر عَن الْمُفِيد وَيُقَال: إِن المُرَاد بالولي الْجِنْس أَي وَلها وَلِجَمِيعِ الْأَوْلِيَاء وَأما إرجاع الضَّمِير فِي تَركهَا لخُصُوص الْحَال كَمَا فِي (خَ) فخلاف الْمُتَبَادر وَبعد هَذَا يكون بِحَسب ظَاهره مَاشِيا على ظَاهر مَا لِابْنِ الْحَاجِب والعقباني وَغَيرهمَا، ثمَّ إِذا قُلْنَا بتحتم الْفَسْخ على مَا فِي (ح) أَو بِعَدَمِ تحتمه على ظَاهر من تقدم فَظَاهر كَلَامهم أَنه يفْسخ قبل الدُّخُول وَبعده، وَإِن كَانَ ابْن زرب جزم بِعَدَمِ فَسخه بعد الدُّخُول وَالْمرَاد بِالْحَال فِي كَلَام (خَ) السَّلامَة من الْعُيُوب إِلَّا النّسَب والحسب بِدَلِيل قَوْله: وَالْمولى وَغير الشريف الْأَقَل جاهاً كُفْء الخ. وَمَا تقدم من أَن العَبْد لَيْسَ بكفء هُوَ الْمُعْتَمد من أحد التَّأْويلَيْنِ فِي قَوْله: وَفِي العَبْد تَأْوِيلَانِ الخ. قَالَ (تت) وَاقْتصر (خَ) على أَن الْكَفَاءَة الدّين وَالْحَال لِأَنَّهُ قَول مَالك وَزَاد ابْن الْقَاسِم: المَال. قيل: وَاتفقَ عَلَيْهِ أَصْحَاب مَالك اه وَنَحْوه. لِابْنِ فتوح، وَفِي النِّهَايَة عَن اللَّخْمِيّ أَنه إِن كَانَ عَاجِزا عَن السَّعْي يرى أَنَّهَا تكون مَعَه فِي ضَيْعَة أَو يسْعَى من وَجه يُدْرِكهَا مِنْهُ معرة كَالَّذي يَتَكَفَّف النَّاس فَإِن الْأَب يمْنَع من تَزْوِيجهَا لَهُ وَيفْسخ نِكَاحه إِن فعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 لَهُ اه. وَفِي الوثائق الْمَجْمُوعَة ومختصر الْمُتَيْطِيَّة أَن الْكَفَاءَة الْمُعْتَبرَة عِنْد ابْن الْقَاسِم فِي الْحَال وَالْمَال وَبِه الْقَضَاء وَعند ابْن الْمَاجشون فِي الْحَال وَالْمَال وَالدّين اه. وَمِمَّنْ ذكر أَن المَال مُعْتَبر فِي الْكَفَاءَة ابْن هِلَال فِي نوازله والعبدوسي صدر أنكحة المعيار، وَلذَا صدر بِهِ (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَللْأُمّ التَّكَلُّم فِي تزوج الْأَب الموسرة المرغوب فِيهَا من فَقير الخ. وَقَالَ ابْن عَرَفَة: الْكَفَاءَة الْمُمَاثلَة والمقاربة مَطْلُوبَة بَين الزَّوْجَيْنِ وَفِي كَونهَا حَقًا للْوَلِيّ وَالزَّوْجَة أَو للزَّوْجَة الثّيّب دون وَليهَا فَيصح إِسْقَاطهَا. ثَالِثهَا: حق لله تَعَالَى وَبِه الْقَضَاء اه. وَأَصله فِي الْمُتَيْطِيَّة قَالَ فِيهَا، وَلابْن الْمَاجشون أَنَّهَا شَرط فِي صِحَة النِّكَاح وَهُوَ اخْتِيَار ابْن الْقَاسِم وَبِه الْقَضَاء وَالْفَتْوَى، وَنَقله فِي مُعْتَمد الناجب فِي شرح ابْن الْحَاجِب قَالَ بَعضهم: وَانْظُر كَيفَ يلتئم كَونهَا شرطا فِي صِحَة النِّكَاح على الْمَعْمُول بِهِ مَعَ قَوْلهم لَهَا وللولي تَركهَا، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال قد تبدل الْعَمَل وإلاَّ فَشرط الصِّحَّة لَيْسَ لأحد تَركه. قلت: كَونهَا حَقًا للزَّوْجَة وَالْوَلِيّ هُوَ الْمَشْهُور كَمَا يَقْتَضِيهِ تصدير ابْن عَرَفَة بِهِ واقتصار (خَ) وَغَيره عَلَيْهِ وَلَا يلْزم من كَونه مَشْهُورا أَن يكون مَعْمُولا بِهِ، وَحِينَئِذٍ ف (خَ) يَدُور مَعَ الْمَشْهُور وَإِن كَانَ الْعَمَل بِغَيْرِهِ ثمَّ قَالَ ابْن عَرَفَة: إِثْر مَا مر وَفِي كَونهَا فِي الْحَال وَالْمَال أَو فيهمَا، وَفِي الدّين أَو فِي الْحَال وَالدّين أَو فِي الدّين فَقَط. خَامِسهَا: فِي النّسَب لَا المَال الأول للمتيطي مَعَ ابْن فتحون عَن ابْن الْقَاسِم قائلين بِهِ الحكم الخ، ففهم مِنْهُ أَن الْمُعْتَمد عِنْده هُوَ الأول، وَلذَا صدر بِهِ وَهُوَ خلاف مَا مرّ عَن (خَ) من أَنَّهَا الدّين وَالْحَال فَقَط، وَأَن هَذَا قَول مَالك وَقد تبين من جَمِيع مَا مرّ أَن الْمُعْتَبر فِي الْكَفَاءَة الدّين الشَّامِل لِلْإِسْلَامِ بِلَا خلاف، وَهل يعْتَبر فِيهَا الدّين بِمَعْنى عدم الْفسق أَيْضا وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا مرّ عَن ابْن بشير وَابْن الْحَاجِب وَغَيرهمَا. وَهُوَ ظَاهر إِطْلَاق (خَ) لِأَن قَوْله: الدّين الشَّامِل لِلْإِسْلَامِ وَعدم الْفسق أَو لَا يعْتَبر الدّين بِمَعْنى عدم الْفسق وَهُوَ مَا شهره الْفَاكِهَانِيّ، وَبِه الْقَضَاء عِنْد المتيطي وَمن مَعَه، وتصدير ابْن عَرَفَة بِهِ يُؤذن بترجيحه، وَلَكِن فَتَاوَى الْمُتَأَخِّرين إِنَّمَا هِيَ على الأول كَمَا مر فَيتَعَيَّن الْمصير إِلَيْهِ لاعتمادهم إِيَّاه، وَلِهَذَا لم يعرج (خَ) وَلَا ابْن الْحَاجِب وَلَا صَاحب التَّلْقِين وَلَا صَاحب الشَّامِل وَلَا غَيرهم من الفحول على الثَّانِي بل قَوْلهم لَهَا وللولي تَركهَا دَلِيل على أَن الْكَفَاءَة لَيست شَرط صِحَة وَأَن الْمَرْأَة وَالْوَلِيّ فِي نِكَاح الْفَاسِق بِالْخِيَارِ، إِذْ لَو كَانَ نِكَاحه صَحِيحا لَازِما كَمَا للفاكهاني مَا كَانَ لَهَا أَو لوَلِيّهَا الْخِيَار وَالْقِيَام بفسخه إِذا وَقع. وَفِي الحَدِيث: (من زوج كريمته من فَاسق وَهُوَ يعلم فقد قطع رَحمهَا) أَي: خؤولة وَلَدهَا مِنْهُ وَذَلِكَ أَنه يطلقهَا ثمَّ يصير مَعهَا على السفاح فَيكون وَلَدهَا لغير رشدة فَذَلِك قطع الرَّحِم، وَفِي جَوَاب لأبي يحيى السراج فِي رجل ثَبت أَنه مدمن على شرب الْخمر أنكحه رجل ابْنَته غير عَالم بِأَنَّهُ على الصّفة الْمَذْكُورَة ثمَّ إِن والدها توفّي فَقَامَ بعض أَوْلَاده بِالْفَسْخِ لإدمان الزَّوْج على الْخمر الْمُؤَدِّي للأيمان الحانثة مَا نَصه: إِنَّه يقبل قَوْله وَيفْسخ النِّكَاح بذلك اه. وَظَاهره وَلَو بعد الدُّخُول وَلَو مَأْمُونا عَلَيْهَا وَهُوَ ظَاهر لِأَن الشّرْب الْمُؤَدِّي للأيمان عيب كَمَا مرّ عَن العقباني وَكَذَا زِنَاهُ على مَا فِي (ح) عَن ابْن خويز منداد بل فسقه من حَيْثُ هُوَ عيب يُوجب لَهَا الْخِيَار حَيْثُ لم تعلم بِهِ وَلَو بعد الدُّخُول خلافًا لما مر عَن ابْن زرب، وَبِهَذَا كُله تعلم أَنه لَا يتحتم فسخ نِكَاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 الْفَاسِق كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَام (م) لِأَن مَا كَانَ لَهَا وللولي تَركه لَا يتحتم عَلَيْهَا فَسخه، وَعبارَة الشَّامِل: وللمرأة وَالْوَلِيّ على الْأَصَح ترك كفاءة غير إِسْلَام فلهَا فسخ نِكَاح الْفَاسِق الخ. وَفِي الْبُرْزُليّ عَن الْمُدَوَّنَة: لَيست الْكَفَاءَة بِشَرْط فِي النِّكَاح خلافًا لِسُفْيَان فَوَجَبَ حِينَئِذٍ أَن يكون الضَّمِير فِي قَول (ح) تَركهَا عَائِدًا على الْكَفَاءَة كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر مِنْهُ وَأَن معنى قَول ابْن بشير لَا يَصح أَي لَا يلْزم كَمَا مر، وَقد يُقَال وَهُوَ الظَّاهِر أَن مَا ل (خَ) من تحتم الْفَسْخ وَهُوَ ظَاهر كَلَام اللَّخْمِيّ الْمُتَقَدّم إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَت الْبِنْت غير رَشِيدَة لِأَن رِضَاهَا حِينَئِذٍ لَا يعْتَبر، وَعَلِيهِ يحمل قَول من قَالَ إِن الْكَفَاءَة شَرط صِحَة، ثمَّ إِن الْمُعْتَبر فِيهَا أَيْضا الْحَال أَي السَّلامَة من الْعُيُوب وَالْمَال بِأَن لَا يكون فَقِيرا لِأَن فقره مَظَنَّة عَجزه عَن الصَدَاق وَالنَّفقَة وَغَيرهمَا من حُقُوق الزَّوْجَة، وَالْمُعْتَبر فِيهَا أَيْضا الْحُرِّيَّة، فَهَذِهِ الْأَرْبَع لَا بدّ مِنْهَا على الرَّاجِح وَإِن كَانَ الْخلاف فِي جَمِيعهَا مَا عدا الْإِسْلَام فَلَو قَالَ النَّاظِم: وَالْأَب إِن زوج من كَعبد. لشمل الْأَرْبَعَة. وَزيد عَلَيْهَا النّسَب، وَقد تقدم اعْتِبَاره فِي قَول (خَ) وَالْمولى وَغير الشريف كُفْء الخ. وَزيد أَيْضا الصَّنْعَة فذو الصَّنْعَة الدنيئة كالحياكة والحجامة والفران والحمامي لَيْسَ كفأ لمن صَنعته لأهل الْمُرُوءَة كالنجارة والحرارة والبناية وَنَحْوهَا كَمَا فِي ابْن عَرَفَة، وَقد نظم الإِمَام الْقصار هَذِه السِّت مَعَ قطع النّظر عَن الرَّاجِح فِيهَا فَقَالَ: شَرط الْكَفَاءَة سِتَّة قد حررت ينبيك عَنْهَا بَيت شعر مُفْرد نسب وَدين صَنْعَة حريَّة فقد الْعُيُوب وَفِي الْيَسَار تردد هَذَا وَفِي شرح ابْن رحال مَا نَصه: قَول المُصَنّف وَالْمولى وَغير الشريف كُفْء الخ. وَهُوَ الَّذِي صَرَّحُوا بتشهيره، وَلَكِن تقدم فِي كَلَامهم مَا يدل على أَن الْمُعْتَبر هُوَ المعرة بِحَسب الْعَادة فِي الْبَلَد والأشخاص والأزمان، وَإِذا ثَبت ذَلِك فالمولى وَهُوَ الْمُسَمّى فِي عرفنَا بالحرطاني فِي تَزْوِيجه معرة عَظِيمَة فَلَا يكون كفأ قطعا وَأَحْرَى العَبْد، فليتنبه الْفَقِيه لهَذِهِ الْقَاعِدَة فَهِيَ الْمُعْتَمد الْمَشْهُور، وَكَذَا من قرب إِسْلَامه أَو إِسْلَام أَبِيه فَإِن فِيهِ عِنْد الأكابر معرة، وَكَذَا الْفَقِير بِاعْتِبَار الْأَغْنِيَاء والتجار وَكَذَا أهل الْحَرْف الدنيئة كالمداحين فِي الْأَسْوَاق وَالَّذين يَتَكَلَّمُونَ بالملحون فِي الولائم المسمون بالشعراء وَنَحْو ذَلِك. وَهَذَا كُله يدل عَلَيْهِ كَلَام النَّاس، وَلَا سِيمَا كَلَام اللَّخْمِيّ فَإِنَّهُ مُشْتَمل على مَا ذَكرْنَاهُ قطعا انْتهى بِاخْتِصَار. وَنقل قبل ذَلِك عَن اللَّخْمِيّ كلَاما يدل على أَن الْمدَار على المعرة وعَلى هَذَا فالأمور السِّتَّة كلهَا مُعْتَبرَة وَالله أعلم. وَأما الْفسق بالاعتقاد فعلى ثَلَاثَة أوجه مَا هُوَ كفر بِإِجْمَاع فَيجب فِيهِ الْفِرَاق وَالْفَسْخ بِغَيْر طَلَاق وَيثبت ذَلِك بِبَيِّنَة علمت بذلك حِين العقد أَو بِإِقْرَار الزَّوْج أَو إِقْرَارهَا مَعَ تَصْدِيق زَوجهَا وَإِن لم يصدقها لم يقبل قَوْلهَا، لَكِن يسْتَحبّ أَن يفارقها وَمَا لَيْسَ بِكفْر بِإِجْمَاع فَلَا يجب عَلَيْهِ فراقها وَيجب عَلَيْهِ إرشادها وَتَعْلِيمهَا وَمَا هُوَ مُخْتَلف فِيهِ، فَينْظر إِلَى الزَّوْجَيْنِ فَإِن اتفقَا على القَوْل بِعَدَمِ التَّكْفِير جَازَ لَهما الْبَقَاء، وَإِن أخذا بالْقَوْل بالتكفير وَجب عَلَيْهِمَا الْفِرَاق، وَكَذَا إِن أقرّ الزَّوْج خَاصَّة وَجب الْفِرَاق قَالَه العبدوسي، وَالْمرَاد بالمختلف فِيهِ كل من دخل تَحت قَول (خَ) فِي الْإِمَامَة وَأعَاد بِالْوَقْتِ فِي كحروري إِذْ قد دخل فِي ذَلِك القدري والشيعي والمعتزلي وَغَيرهم مِمَّن اخْتلف فِي تكفيره، وَلذَا كَانَ لَا يقْضى على الزَّوْج بفراقها إِن أخذت بتكفيره، وَالْمرَاد بِمن وَقع الْإِجْمَاع على كفره مُنكر علم الله أَي أَن الله لَا يعلم الْأَشْيَاء تَفْصِيلًا تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا، وَكَذَا مُنكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 الْبَعْث والشاك فِيهِ وَنَحْو ذَلِك من عدم التَّفْرِيق بَين الله تَعَالَى وَرَسُوله، فَإِذا وجد أحد الزَّوْجَيْنِ صَاحبه يعْتَقد ذَلِك فَقبل الدُّخُول يجدد العقد بِغَيْر اسْتِبْرَاء بعد التَّعْلِيم ويجدده بعد الدُّخُول بعد الِاسْتِبْرَاء. وَقَوله وَإِن لم يصدقها الخ. يَعْنِي إِن زعمت أَنَّهَا حِين العقد كَانَت مبتدعة بِمَا يُوجب كفرها، وَأما الْآن فَهِيَ على خلاف ذَلِك لَا أَنَّهَا مبتدعة الْآن لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تكون مرتدة وَالْعِيَاذ بِاللَّه، وَالْمرَاد بِمَا لَيْسَ بِكفْر بِإِجْمَاع ذُو الْهوى الْخَفِيف كتفضيل عَليّ رَضِي الله عَنهُ على الشَّيْخَيْنِ رَضِي الله عَنْهُمَا، وَفهم من قَول (ح) : كحروري الخ أَن الْمَشْهُور فيهم أَنهم فساق وَإِلَّا لبطلت الصَّلَاة خَلفهم وَفِي الْمُدَوَّنَة لَا يُزَوّج القدري. تَنْبِيه: إِذا قُلْنَا إِن الْفسق عيب على مَا مر فَانْظُر هَل لَا فرق فِيهِ بَين وجوده حِين العقد أَو طروه بعده فَهُوَ حِينَئِذٍ كالجنون يطْرَأ على الزَّوْج فلهَا الْفَسْخ بِسَبَبِهِ فَتَأَمّله فَإِن الزَّوْج إِذا طَرَأَ عَلَيْهِ كَثْرَة الْحلف بالأيمان أَو استغراق ذمَّته لَا يلْزمهَا أَن تقيم مَعَه على أَن يطْعمهَا من حرَام مَعَ وجود الْأَحْكَام، وَلَعَلَّ مَا فِي الْبُرْزُليّ من أَن الْمَرْأَة الصَّالِحَة تكون عِنْد ذَوي الغصوبات فِي الْأَمْوَال تسأله طَلَاق نَفسهَا فَإِن أَبى أكلت من مَاله وَلَا حرج مَحَله إِذا فقدت الْأَحْكَام وإلاَّ فَهِيَ مكلفة بترك الْحَرَام لِأَن أكل الْمَغْصُوب مَعَ الْعلم بِهِ غصب وَالله أعلم. فَائِدَة: قَالَ ابْن عَرَفَة: قد امتحن التّونسِيّ فِي فتواه لمن تعلّقت نَفسه بشيعية جميلَة بقوله من تشيعه بتفضيل عَليّ على أبي بكر دون سبّ فَلَيْسَ بِكَافِر فشنع عَلَيْهِم تقسيمهم لغير كَافِر. قَالَ ابْن الْحَاج: وَوَافَقَ فُقَهَاء عصره على استتابته سداً للذريعة. قَالَ الْبُرْزُليّ: لما قسمهم التّونسِيّ فِي فتواه إِلَى قسمَيْنِ من يفضل عليا على غَيره دون سبّ للْغَيْر فَلَيْسَ بِكَافِر، وَمن يفضله ويسب غَيره فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْكَافِر لَا تحل مناكحته. قَالَت عَامَّة القيروان: هُوَ بتقسيمه الشِّيعَة إِلَى قسمَيْنِ كَافِر وأفتوا باستتابته سدّاً للذريعة فَأبى أَن يَتُوب فَقَالَ لَهُ شيخ من الْفُقَهَاء: أَما لَك ذنُوب سَابِقَة تتوب مِنْهَا؟ فَصَعدَ الْمِنْبَر وَقَالَ: إِنَّمَا أَتُوب من ذُنُوبِي أَو نَحْو هَذَا فَقَالَت الْعَامَّة: لما ارْتَدَّ التّونسِيّ صَار وَجهه كَأَنَّهُ وَجه كَافِر، وَلما تَابَ صَار وَجهه وَجه مُؤمن ثمَّ قَالَ عَن بَعضهم: إِن الشِّيعَة على ثَلَاثَة أَقسَام، القسمان الْأَوَّلَانِ وَالثَّالِث الْقَائِلُونَ أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَخطَأ فِي الْوَحْي، وَإِنَّمَا الرَّسُول عَليّ، وَهَذَا الْقسم كَافِر بِإِجْمَاع. وَذكر ابْن شرف أَنه شَاهد قصَّة التّونسِيّ وَأَنه طلب مِنْهُ الرُّجُوع على عُيُون الأشهاد على الْمِنْبَر فَأبى، ثمَّ طلب مِنْهُ أَن يرجع على أَيدي الْخَاصَّة فَأبى، ثمَّ طلب مِنْهُ أَن يرجع على يَد القَاضِي وشهوده فَأبى، قَالَ عِيَاض فِي المدارك: وَالَّذِي أفتى بِهِ هُوَ الْحَاوِي على الْفِقْه وَالْحق إلاَّ أَنهم أَرَادوا حسم هَذَا الْبَاب فِي الشِّيعَة لتقع النفرة مِنْهُم اه بِاخْتِصَار. وَقَوله فِي الْقسم الثَّانِي: منزل منزلَة الْكَافِر خلاف الْمَشْهُور من أَنه لَيْسَ بِكَافِر وَالْوَاجِب أدبه بِالِاجْتِهَادِ كَمَا قَالَ (خَ) : أَو سبّ من لم يجمع على نبوته أَو صحابياً الخ. ثمَّ على ظَاهر مَا ذكره الْفُقَهَاء من سد الذريعة بِفَسْخ نِكَاح الْفَاسِق بالاعتقاد مُطلقًا سداً للذريعة وَلَا يفصل فِيهِ التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم لِأَن الْمَطْلُوب حسم هَذِه الْبِدْعَة من أَصْلهَا وإنكاحهم يُؤَدِّي إِلَى إِقْرَارهَا وَزِيَادَة انتشارها وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: لَا يُزَوّج القدري وَظَاهره مُطلقًا. وَانْظُر هَل يُقَال بِبُطْلَان الصَّلَاة خَلفهم على هَذَا أَي سداً للذريعة أَيْضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 وكَالأبُ الوصِيُّ فِيما جَعَلاَ أبٌ لَهُ مُسوَّغٌ مَا فَعَلاَ (وكالأب) خبر عَن قَوْله (الْوَصِيّ) وَقَوله (فِيمَا) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (جعلا) صلَة مَا وألفه للإطلاق والرابط بَينه وَبَين الْمَوْصُول مَحْذُوف أَي جعله (أَب) فَاعل (لَهُ) يتَعَلَّق بِجعْل وضميره للْوَصِيّ (مسوغ) خبر عَن قَوْله (مَا) . وَقَوله: (فعلا) صلَة وألفه للإطلاق أَيْضا، وفاعله ضمير الْوَصِيّ والرابط مَحْذُوف، وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي معنى التَّأْكِيد لما أفادته الْجُمْلَة الخبرية قبلهَا، وَمَعْنَاهُ أَن الْوَصِيّ ووصي الْوَصِيّ كَائِن كَالْأَبِ سَائِغ فعله فِيمَا جعل لَهُ الْأَب من جبر الْبَنَات صَرَاحَة أَو ضمنا كزوّجها صَغِيرَة أَو كَبِيرَة أَو قبل الْبلُوغ وَبعده أَو عين لَهُ الزَّوْج فيجبرها الْوَصِيّ ووصيه وَإِن سفل فِي ذَلِك كُله على الْمَشْهُور. وَهِي للزَّوْج الْمعِين فِي الْأَخِيرَة إِذْ بذل لَهَا مهر الْمثل وَلم يكن فَاسِقًا وَلَا حجَّة لَهَا فِي كَونه ذَا زَوْجَة أَو سَرِيَّة الْآن، وَكَانَ يَوْم الْإِيصَاء عزباً فَإِن أَبى أَن يبْذل مهر الْمثل أَو كَانَ فَاسِقًا أَو بِهِ عيب سَوَاء كَانَ فسقه أَو عَيبه حِين الْوَصِيَّة أَو طَرَأَ بعْدهَا لم تجبر عَلَيْهِ، وَكَذَا إِن أَرَادَ الْوَصِيّ أَن يجبرها فِي الصُّور الأول من فَاسق وَنَحْوه كَمَا مر فِي الْبَيْت قبله، وَهَذَا يدل على أَن الْوَصِيّ لَيْسَ كَالْأَبِ من كل وَجه، بل إِنَّمَا هُوَ مثله فِي الْجَبْر فِي التَّزْوِيج بِمهْر الْمثل قَالَه (ز) وتأمله مَعَ قَول (خَ) وَجَاز الرِّضَا بِدُونِهِ أَي الْمثل للمرشدة وَللْأَب وَلَو بعد الدُّخُول وللوصي قبله لَا الْمُهْملَة الخ. فَإِن لم ينص لَهُ على الْجَبْر صَرَاحَة وَلَا ضمنا بل قَالَ لَهُ: زَوجهَا مِمَّن أَحْبَبْت أَو زَوجهَا وَأطلق أَو أَنْت وَصِيّ على بَنَاتِي أَو على بضع بَنَاتِي أَو على بعض بَنَاتِي إِذْ الْبَعْض مُبْهَم فَفِي الْجَبْر فِي كل من الصُّور الْخمس قَولَانِ مشهوران أَشَارَ لذَلِك (ح) بقوله: وجبر وَصِيّ أمره أَب بِهِ أَو عين الزَّوْج وَإِلَّا فخلاف. قَالَ (ز) وَالرَّاجِح الْجَبْر فِي الْجَمِيع إِذا أَتَى فِي الصيغتين الْأَوليين من الْخمس بِلَفْظ التَّزْوِيج أَو بِلَفْظ الْإِنْكَاح وَإِلَّا لم يجْبر وَأما إِن قَالَ وَصِيّ فَقَط أَو على مَالِي فَلَا جبر اتِّفَاقًا اه. أَي: وَإِن كَانَ لَهُ العقد قبل الْأَوْلِيَاء كَمَا مرّ، لَكِن قَالَ بَعضهم: الصَّوَاب قصر الْخلاف فِي لفظ (خَ) على الصيغتين الْأَوليين قَالَ: وَمَا ذكر من تَرْجِيح الْجَبْر صَحِيح كَمَا يفِيدهُ ابْن أبي زمنين وَغَيره: وَإِن كَانَ ابْن رحال رجح عدم الْجَبْر قَائِلا هُوَ الظَّاهِر من كَلَام النَّاس لِأَنَّهُ إِذا اخْتلف فِي الْجَبْر الْمُوصى بِهِ صَرَاحَة فَكيف بِغَيْرِهِ فَانْظُر ذَلِك. وَحَيْثُمَا زَوَّجَ بِكْراً غَيْرُ الأبْ فَمَعْ بُلُوغٍ بَعْدَ إثْبَاتِ السَّبَبْ (وحيثما) ظرف مَكَان مضمن معنى الشَّرْط (زوج) فعل الشَّرْط (بكرا) مفعول (غير) بِالرَّفْع فَاعل (الْأَب) مُضَاف إِلَيْهِ (فَمَعَ) بِالْفَاءِ وَسُكُون الْعين جَوَاب الشَّرْط وَهِي دَاخِلَة على مُبْتَدأ مَحْذُوف مَعَ خَبره أَي فَشرط تَزْوِيجه كَونه مَعَ وجود (بُلُوغ) وَقَوله (بعد إِثْبَات السَّبَب) مَعْطُوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 بِحَذْف العاطف على الظّرْف قبله من عطف الْعَام على الْخَاص إِذْ الْبلُوغ من جملَة الْأَسْبَاب، والظرفان يتعلقان بذلك الْمَحْذُوف أَي مَعَ بُلُوغ بعد إِثْبَات السَّبَب، وَالْمعْنَى أَن الْبكر إِذا زَوجهَا أَخُوهَا أَو عَمها أَو كافلها أَو وصيها غير الْمُجبر، وَنَحْو ذَلِك مِمَّن لَا جبر لَهُ عَلَيْهَا كَالْقَاضِي وَنَحْوه، فَشرط صِحَة تَزْوِيجه كَونه مَعَ وجود بُلُوغهَا وَبعد إِثْبَات بَاقِي الْأَسْبَاب غير الْبلُوغ من توكيلها وكفاءة الزَّوْج ورضاها بِهِ وبالصداق، وَأَنه صدَاق مثلهَا وَأَنَّهَا يتيمة لَا أَب لَهَا وَلَا وَصِيّ لَهَا أَو لَهَا أَب مَفْقُود أَو أَسِير أَو بعيد كإفريقية من مصر وَأَنَّهَا خلو من زوج وعدة، وَأَنَّهَا صَحِيحَة غير مُحرمَة بِحَجّ أَو عمْرَة وَلَا مُحرمَة على الزَّوْج فَإِن اخْتَلَّ وَاحِد من هَذِه الْأَسْبَاب بِإِقْرَار الزَّوْج أَو بَيِّنَة فسد النِّكَاح فِيمَا عدا صدَاق الْمثل أما هُوَ فَيُخَير الزَّوْج فِي تكميله أَو يفْسخ وَلَا عِبْرَة بِرِضَاهَا إِن كَانَت مُهْملَة غير رَشِيدَة فَإِذا لم يعثر عَلَيْهِ حَتَّى دخل كمله وجوبا وَإِن كَانَت رَشِيدَة مضى عَلَيْهَا قبله وَبعده كَمَا مرّ وَإِن لم يقر الزَّوْج وَلَا شهِدت الْبَيِّنَة وَسقط من الْوَثِيقَة شَيْء من ذَلِك فَفِي التَّوْكِيل وَالرِّضَا بِالزَّوْجِ القَوْل لَهَا فِي عدم ذَلِك إِن كَانَ النزاع قبل الدُّخُول لَا بعده كَمَا مرّ فِي التَّنْبِيه الثَّالِث عِنْد قَوْله: فالصيغة النُّطْق بِمَا كأنكحا الخ. وَفِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن رشد على مَا يُعْطِيهِ سِيَاقه أَوَائِل الْأَنْكِحَة فِيمَن زوج ابْنَته من خَمْسَة عشر سنة وَادعت بعد الدُّخُول عدم الْبلُوغ أَن النِّكَاح مَاض وَلَا يقبل قَول وَليهَا أَنَّهَا غير بَالغ، وَظَاهره أَنه لَا ينظرها النِّسَاء لِأَن نظرهن مَقْصُور على الإنبات أَو معرفَة ذَلِك فِي وَجههَا وقدها وَالْبُلُوغ لَا ينْحَصر فِي ذَلِك كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَالْمهْر والصيغة الخ. وَفِي السَّادِس عشر من الْفَائِق أَنَّهَا تكلّف بِإِثْبَات عدم بُلُوغهَا وَلَا يقبل فِي ذَلِك أقل من امْرَأتَيْنِ وَإِن بَيِّنَة الْبلُوغ وَعَدَمه إِن تَعَارَضَتَا صير للترجيح، وَقد تقدم هُنَاكَ عَن ابْن المكوى أَن النِّكَاح على الصِّحَّة والسلامة وَإِلَّا سقط من رسمه خلو من زوج وعدة يَعْنِي: وَكَذَلِكَ الْكَفَاءَة واليتم لِأَن الأَصْل فِي الْعُقُود الصِّحَّة وَفِي الوثائق الفشتالية أَنه إِن سقط من الرَّسْم فِي نِكَاح الثّيّب خلو من عدَّة وَادعت بعد العقد أَنَّهَا حَامِل أَو لم يأتها قرء فَمنهمْ من قَالَ يقبل قَوْلهَا وَيفْسخ النِّكَاح، وَبِه قَالَ ابْن عتاب، وَمِنْهُم من قَالَ لَا يقبل قَوْلهَا، وَبِه قَالَ ابْن الْقصار وَالْأول أبين اه. فَمَا مر عَن ابْن المكوى جَار على مَا لِابْنِ الْقصار إِذْ الظَّاهِر أَنه لَا فرق بَين الْبكر وَالثَّيِّب وَلَا بَين تَزْوِيج القَاضِي وَغَيره مِمَّن لَا جبر لَهُ فِي هَذَا، وَكَذَا فِيمَا عداهُ من الْبلُوغ والكفاءة واليتم وَغير ذَلِك من الْأَسْبَاب مِمَّا عدا الرِّضَا وَالتَّوْكِيل فَيجْرِي فِي ذَلِك كُله الْخلاف الْمَذْكُور لِأَن الْكل مَوَانِع فَمَا قيل فِي أَحدهَا يُقَال فِي الآخر وَبِه تعلم مَا فِي قَول (ح) لم أر فِيهِ نصا، وَمَفْهُوم قَوْله: فَمَعَ بُلُوغ الخ. أَن غير الْبَالِغ لَا يَصح تَزْوِيجهَا وَهُوَ كَذَلِك (خَ) إِلَّا يتيمة خيف فَسَادهَا وَبَلغت عشرا وشوور القَاضِي أَي فَإِن غير الْأَب مِمَّن لَا جبر لَهُ يُزَوّج غير الْبَالِغ بِهَذِهِ الشُّرُوط الثَّلَاثَة، وَسَوَاء كَانَت فقيرة أَو غنية إِذْ مَعَ خوف الْفساد لَا يشْتَرط فقرها خلافًا ل (ز) فَإِن اختلت أَو وَاحِد مِنْهَا صَحَّ إِن دخل وَطَالَ، وَإِذا فسخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 حَيْثُ لم يطلّ فَهُوَ طَلَاق وَفِيه الْمِيرَاث إِن مَاتَ أَحدهمَا قبل الْفَسْخ وَفِيه جَمِيع الْمُسَمّى إِن دخل أَو مَاتَ وَنصفه إِن طلق والطول بِمُضِيِّ مُدَّة تَلد فِيهَا وَلدين فَأكْثر بِالْفِعْلِ أَو قدرهَا إِن لم تلدهما وَالسّنة وَالْولد الْوَاحِد لَغْو كَمَا فِي ابْن عَرَفَة. وَفِي الفشتالية وَأبي الْحسن أَن الْمَشْهُور فَسخه أبدا، وَيُؤَيِّدهُ أَن الْبَاجِيّ عزاهُ لمَالِك وَأَصْحَابه وَعزا الآخر لِابْنِ الْقَاسِم وَحده فِي الْمُوازِية. وحُيْثُمَا العَقْدُ لِقَاضٍ وُلِّي فَمَعْ كُفْءٍ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ (وحيثما) شَرط كَالَّذي قبله (العقد) نَائِب فَاعل فعل مُقَدّر يفسره مَا بعده (لقاض) يتَعَلَّق بقوله (ولي) الْمُفَسّر لذَلِك الْمُقدر (فَمَعَ) الْفَاء دَاخِلَة على مَحْذُوف جَوَاب الشَّرْط كَمَا مرّ نَظِيره فى الْبَيْت قبله أَي: فَشرط صِحَّته كَونه مصحوباً لوُجُود (كُفْء) و (بِصَدَاق الْمثل) وَغير ذَلِك من بَاقِي الْأَسْبَاب فَفِيهِ حذف الْوَاو مَعَ مَا عطفت لدلَالَة مَا فِي الْبَيْت قبله عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا الْبَيْت بضروري الذّكر مَعَ الَّذِي قبله لِأَن غير الْأَب يَشْمَل حَتَّى القَاضِي كَمَا مرّ، وَإِنَّمَا ذكره عقبه لِئَلَّا يتَوَهَّم قُصُور الحكم فِي الَّذِي قبله على ولي النّسَب قَالَه (م) . تَنْبِيهَانِ. الأول: إِنَّمَا تكون الْولَايَة للْقَاضِي إِن كَانَ يُقيم السّنة ويهتبل بِمَا يجوز بِهِ العقد، وإلاَّ فَلَا قَالَه ابْن لبَابَة وَنَقله (ق) . الثَّانِي: إِذا شهد الشُّهُود بِأَنَّهُ كُفْء أَو غير كُفْء فَلَا تقبل شَهَادَتهم إِلَّا بعد استفسارها لِأَن الْكَفَاءَة تخْتَلف فِي نظر الْعلمَاء فَلَا تقبل مجملة حَتَّى يَقُولُوا هُوَ كُفْء لَهَا فِي الْحَال وَالْمَال وَالدّين وَالْحريَّة على نَحْو مَا مرّ قبل هذَيْن الْبَيْتَيْنِ، أَو يَقُولُوا هُوَ غير كُفْء لَهَا لكَونه فَاسِقًا بالجارحة أَو بالاعتقاد أَو لكَونه عبدا أَو فَقِيرا أَو نَحْو ذَلِك، وَإِن تعَارض شُهُود الْكَفَاءَة وَعدمهَا أَو غير ذَلِك من الْأَسْبَاب فقد تقدم حكم ذَلِك آخر الشَّهَادَات ثمَّ لَا فرق بَين أَن تكْتب الْأَسْبَاب الْمَذْكُورَة فِي رسم على حِدته وَيكْتب رسم النِّكَاح تحتهَا أَو حولهَا أَو عرضهَا ويحال عَلَيْهَا، وَبَين أَن تضمن فِي رسم النِّكَاح نَفسه بِأَن يَقُولُوا فِي آخر الْوَثِيقَة الْمُتَقَدّمَة كيفيتها عِنْد قَوْله: وَالْمهْر والصيغة الخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 مَا نَصه: شهد عَلَيْهِمَا أَو عَلَيْهِم وهم بأتمه وعرفهم من يعرف وجود جَمِيع الْأَسْبَاب المنصوصة فِي هَذَا الرَّسْم معرفَة عيان لَا سَماع أَو شبه ذَلِك فَإِن لم يَقُولُوا هَذَا كَانَ ذكرهم تِلْكَ الْأَسْبَاب فِي الرَّسْم مُجَرّد حِكَايَة مُحْتَمل لمعرفتهم إِيَّاهَا معرفَة العيان أَو السماع فَلَا تعَارض حِينَئِذٍ شَهَادَتهم الْبَيِّنَة بِعَدَمِ الْبلُوغ وَنَحْوه إِن كَانُوا من غير أولي الْعلم كَمَا مرّ هُنَاكَ، وَكَذَا إِن كَانَ الناكح لَهَا وَصِيّا أَو مقدم القَاضِي أَو كافلها لَا بدّ أَن تكْتب رسمي الْإِيصَاء وَالْكَفَالَة، ثمَّ رسم النِّكَاح تحتهما أَو تضمن ذَلِك فِي رسم النِّكَاح فَتَقول: شهد عَلَيْهِمَا وهما بأتمه من يعرف الْإِيصَاء أَو التَّقْدِيم أَو بإشهاد وَالِد الزَّوْجَة أَو وَالِد الزَّوْج على أَنفسهمَا بذلك فِي عَهده الَّذِي توفّي فِيهِ كل وَاحِد مِنْهُمَا أَو بإشهاد القَاضِي فلَان بذلك مَعَ مَعْرفَته بالمتوفي أَو بِالْقَاضِي عينا واسماً قَالَه فِي طرر ابْن عَاتٍ، وَنَقله فِي الفشتالية قَالَا: وَإِذا اقتصرت على قَوْلك من يعرف الْإِيصَاء وَلم تفسره بإشهاد الموصيين أَو القَاضِي احْتمل أَن تكون معرفَة سَماع أَي: وَهِي لَا تفِيد إِلَّا بِشُرُوط، وَكَذَا تَقول فِي الْكفَالَة من يعرف كفَالَته لَهَا عشرا أَو أَرْبعا وَنَحْو ذَلِك معرفَة عيان، وَهَذَا كُله مَبْنِيّ على أَن الْإِرْسَال فِي مُسْتَند الْعلم من غير أولي الْعلم مُضر، وَقد تقدم مَا فِي ذَلِك من الْخلاف فِي بَاب الشَّهَادَات وعَلى أَنه مُضر درج ابْن فتوح فَإِنَّهُ لما ذكر أَنه إِذا عقد فِي وَثِيقَة مثل اشْترى فلَان من فُلَانَة جَمِيع الْملك الكذا المتصير إِلَى البائعة بالابتياع من فلَان أَو بِالْمِيرَاثِ من أَبِيهَا أَو بِالصَّدَقَةِ من فلَان قَالَ: فَإِن تضمن الْإِشْهَاد معرفَة الشُّهُود بذلك ثَبت التصيير الْمَذْكُور، وَإِلَّا لم يَصح ذَلِك ثمَّ قَالَ: وتحصين ذَلِك أَن تَقول: شهد على إِشْهَاد الْمُبْتَاع والبائعة على أَنفسهمَا من عرفهما وهما بِحَال الصِّحَّة وَجَوَاز الْأَمر مِمَّن عرف أَن جَمِيع الْمَبِيع الْمَذْكُور تصير إِلَى البائعة فُلَانَة بالابتياع من فلَان بإشهادهما بذلك على أَنفسهمَا أَو بِالصَّدَقَةِ من فلَان بإشهاده على نَفسه بذلك أَو بِالْمِيرَاثِ الْمَذْكُور وَعرف موت أَبِيهَا فلَان وَأَن أهل الْإِحَاطَة بميراثه فِي علمهمْ أَبنَاء فلَان وفلانة الْمَذْكُورَان المالكان لأنفسهما وَعرف اقتسامها مَعَ أَخِيهَا، وَأَن الْمَبِيع الْمَذْكُور صَار إِلَيْهَا بالاقتسام الْمَذْكُور بإشهادهما بذلك على أَنفسهمَا اه. فَانْظُر كَيفَ الْتزم التَّصْرِيح فِيمَا أَرَادَ إثْبَاته بِبَيَان مُسْتَند الشَّهَادَة، وَذَلِكَ إِشْهَاد الْمُتَبَايعين والمتصدق والمقتسمين وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون الشَّهَادَة الْمُرْسلَة عِنْده نَاقِصَة، وَقد قَالَ فِي الْفَائِق: اعْلَم أَن مدَار الوثائق على مَا يتضمنه الْإِشْهَاد وَمَا يَأْتِي فِيهَا من خبر وحكاية لم يتضمنه معرفَة الشُّهُود فَلَيْسَ يثبت بِثُبُوت الْوَثِيقَة الخ. وَلذَلِك لم يثبت التصيير وَنَحْوه بقَوْلهمْ المتصير إِلَى البائعة بالابتياع بل حَتَّى يَقُولُوا تصير لَهَا من فلَان بإشهادهما أَي ومعرفته إيَّاهُمَا عينا واسماً كَمَا مر، ثمَّ إِذا لم يثبت التَّقْدِيم وَلَا الْإِيصَاء وَلَا الْكفَالَة للإجمال والإرسال فَإِن كَانَ الشُّهُود أَحيَاء استفسروا وَإِلَّا بَطل كل من ذَلِك إِن لم يَكُونُوا من أولي الْعلم وَينظر فِي النِّكَاح فَإِن كَانَت الْمَرْأَة دنيئة صَحَّ لقَوْل (خَ) وَصَحَّ بهَا فِي دنيئة مَعَ خَاص لم يجْبر كشريفة دخل وَطَالَ الخ. إِذْ كل من هَؤُلَاءِ أَجْنَبِي حِينَئِذٍ. وَتَأْذَنُ الثَّيِّبُ بِالإِفْصَاحِ والصَّمْتُ إذْنُ البِكْرِ فِي النِّكَاحِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 (وتأذن) مضارع أذن (الثّيّب) فَاعله (بالإفصاح) تعلق بتأذن (والصمت) مُبْتَدأ (إِذن الْبكر) خَبره (فِي النِّكَاح) يتَعَلَّق بالْخبر. وَلما كَانَت الثّيّب الْبَالِغ الْحرَّة لَا تتَزَوَّج إِلَّا بِرِضَاهَا كَمَا مرّ إِذْ لَا جبر عَلَيْهَا، وَكَذَا الْبكر الَّتِي لَا جبر عَلَيْهَا نبه على أَن الرِّضَا من الثّيّب بِالزَّوْجِ وَالصَّدَاق وَالتَّوْكِيل هُوَ مَا وَقعت الدّلَالَة مِنْهَا عَلَيْهِ بالنطق والإفصاح وَأَن الرِّضَا من الْبكر بِمَا ذكر يَكْفِي فِي الدّلَالَة عَلَيْهِ صمتها وسكوتها لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْبكر تستأمر وإذنها صمتها وَالثَّيِّب تعرب عَن نَفسهَا) (خَ) : وَندب إعلامها بِهِ أَي بِأَن صمتها إِذن ورضا بِأَن يُقَال لَهَا: فلَان خَطبك بِصَدَاق قدره كَذَا ونقده ومؤخره كَذَا فَإِن رضيت فاصمتي وَإِن كرهت فانطقي يُقَال لَهَا ذَلِك مرّة وَاحِدَة وَقيل ثَلَاثًا فَإِن صمتت أَو ضحِكت أَو بَكت زوجت وَلَا يقبل مِنْهَا بعد ذَلِك أَنَّهَا جهلت أَن الصمت رضَا فِي تَأْوِيل الْأَكْثَر إِلَّا أَن تكون مَعْرُوفَة بالبله وَقلة الْمعرفَة على قَول: فَإِن تَكَلَّمت وأفصحت بِالرِّضَا فقد تكلفت مَا لَا يلْزمهَا وَلَا يَضرهَا ذَلِك نَقله القلشاني وَابْن سَلمُون وَغَيرهمَا. وَقد علق بحفظي أَنَّهَا تجْرِي عِنْدهم على من فرضهم الْمسْح فَغسل الخ. لَا إِن منعت أَو نفرت فَلَا تزوج وَيفْسخ وَلَو بعد طول، وَمَا تقدم من أَنه لَا بدّ من إِذْنهَا فِي التَّوْكِيل بعد الرِّضَا بِالزَّوْجِ وَالصَّدَاق ظَاهر مَعَ تعدد الْوَلِيّ وتساويه ابْن زرب: إِن كَانَ لَهَا ولي وَاحِد ورضيت بِالزَّوْجِ وَالصَّدَاق فَلَا يحْتَاج ذَلِك الْوَلِيّ للْإِذْن لَهُ فِي العقد وَظَاهر قَول (خَ) الْمُتَقَدّم أَنه لَا يعْقد عَلَيْهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا لَهُ وَلَو اتَّحد قَالَ فِي ضيح، وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم. وَلما كَانَ قَوْله: والصمت الخ. شَامِلًا لجَمِيع الْأَبْكَار وَكَانَ بَعضهنَّ لَا بُد فِيهِ من الْإِذْن بالْقَوْل حَسْبَمَا قَالَه أهل الْمَذْهَب نبه على ذَلِك فَقَالَ: واسْتُنْطِقَتْ لِزَائِدٍ فِي العَقْدِ كَقَبْضِ عَرْضٍ أَوْ كَزَوْجِ عَبْدِ (واستنطقت) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه الْبكر (لزائد) يتَعَلَّق بِهِ ولامه للتَّعْلِيل وَهُوَ اسْم فَاعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 أُرِيد بِهِ الْمصدر أَي لزِيَادَة (فِي العقد) مُخَالفَة لصريح الْعَادة (كقبض عرض) خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي وَذَلِكَ كقبض عرض فِي صَدَاقهَا أَي زوجت بِعرْض كَثوب أَو دَار مثلا لِأَن الْعَادة أَن الأصدقة من النُّقُود فَإِذا خولفت هَذِه الْعَادة وزوجت بِغَيْر النَّقْد فَلَا بُد من رِضَاهَا بِهِ بالْقَوْل، سَوَاء كَانَ الْعرض كل الصَدَاق أَو بعضه لِأَنَّهَا بائعة مشترية وَالشِّرَاء لَا ينْعَقد بِالصَّمْتِ، فَإِن كَانَت عَادَتهم التَّزَوُّج بالعروض فَلَا يحْتَاج لنطقها (وكزوج عبد) مَعْطُوف على مَا قبله يَلِيهِ وَالْإِضَافَة على معنى من أَي وكتزويجها من عبد وَيجوز قِرَاءَة زوج بِالتَّنْوِينِ وَعبد صفة لَهُ أَي ذُو عبودية وَظَاهره: وَلَو قل جُزْء رقّه وَلَا يتَكَرَّر هَذَا مَعَ قَوْله: وَالْأَب إِن زَوجهَا من عبد الخ. لِأَن هَذَا من حَيْثُ النُّطْق، وَمَا تقدم من حَيْثُ الْجَبْر أَي أَن رِضَاهَا الَّذِي لَا يكون مُتَعَدِّيا بِهِ لَا بُد أَن يكون بالنطق فالرضا أَعم من النُّطْق فَمَا تقدم لَا يفهم مِنْهُ مَا هُنَا، وأشعرت الْكَاف أَن ذَلِك لَا ينْحَصر فِي المثالين الْمَذْكُورين وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : وَالثَّيِّب تعرب كبكر رشدت أَو عضلت أَو زوجت بِعرْض أَو رق أَو عيب أَو يتيمة قبل الْبلُوغ أَو افتيت عَلَيْهَا الخ. ونظمها ابْن غَازِي، وَزَاد فِيهَا العنس تبعا للمتيطي وَغَيره فَقَالَ: سبع من الْأَبْكَار بالنطق خليق من زوجت ذَا عاهة أَو من رَقِيق أَو صغرت أَو عنست أَو أسندت معرفَة الْعرض لَهَا أَو رشدت أَو رفعت لحَاكم عضل الْوَلِيّ أَو رضيت مَا بِالتَّعَدِّي قد ولي وَإِنَّمَا كَانَت سبعا لِأَن ذَا العاهة وَالرَّقِيق قسم وَاحِد كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة لِأَنَّهَا زوجت من غير كُفْء فِيهَا، وَظَاهر لفظ (خَ) أَن العانس كَغَيْرِهَا يَكْفِي فِي إِذْنهَا الصمت وَهُوَ ظَاهر لِأَن لَهُ جبرها على الْمَشْهُور كَمَا مرّ، وَسَيَأْتِي حد التعنيس فِي قَوْله فِي الأوصياء: وَالسّن فِي التعنيس من خمسينا فِيمَا بِهِ الحكم إِلَى الستينا وَهَذِه السَّبع الْمُتَقَدّمَة كُلهنَّ يتيمات مَا عدا المعضولة والمرشدة والمعنسة، وَمن زوجت من ذِي عاهة أَو رق فَلَا بُد من نطقهن كن ذَوَات أَب أَو وَصِيّ أم لَا. وَقَوله: أَو عضلت أَي عضلها الْوَلِيّ أَب أَو غَيره، وَثَبت ذَلِك وَأَرَادَ الْحَاكِم أَن يُزَوّجهَا لَا الْأَب وإلاّ فَلَا يحْتَاج لنطقها وَلَا ترْتَفع ولَايَة الْأَب عَنْهَا حَتَّى يتَقَدَّم لَهُ فِي ذَلِك فَيُقَال لَهُ: إِمَّا أَن تزَوجهَا وَإِلَّا زوجناها عَلَيْك فَإِن زَوجهَا الْحَاكِم من غير تقدم لَهُ فِي ذَلِك فَهُوَ بَاطِل، وَلَيْسَ من العضل وَلَا من الضَّرَر بهَا حلق ضفيرتها وتهديدها بالسكين وَأولى ضربهَا كَمَا فِي المعيار أَوَائِل الْأَنْكِحَة. وَقَول النَّاظِم: كقبض عرض الخ. يَعْنِي وَهِي يتيمة مُهْملَة لَا مرشدة لِأَن المرشدة لَا بُد من نطقها مُطلقًا زوجت بِعرْض أَو غَيره على الْمَشْهُور واليتيمة الْمُهْملَة هِيَ الَّتِي فِيهَا التَّفْصِيل بَين الْعرض وَغَيره قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: واليتيمة يساق لَهَا مَال نسبت مَعْرفَته لَهَا إِذا لم يكن لَهَا وَصِيّ لَا بُد من نطقها بِالرِّضَا بذلك اه. وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون عَن ابْن الْحَاج قَالَ طفي: وَمعنى ذَلِك أَن الْيَتِيمَة الَّتِي لَا وَصِيّ لَهَا ينْسب معرفَة قدر الْمهْر إِلَيْهَا فَإِن كَانَ عرضا فَلَا بُد من تَسْمِيَته وَوَصفه وتنسب الْمعرفَة وَالرِّضَا بِهِ إِلَيْهَا نطقاً اه. فَالْمُرَاد بِالْمَالِ فِي كَلَام المتيطي وَغَيره خُصُوص الْعرض كَمَا هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 وَاضح خلافًا لمن فهم شُمُوله للعين، وَقَوله: يساق أَي يصدق الخ. تَنْبِيهَات. الأول: ذكر ابْن لب حَسْبَمَا فِي أَوَاخِر معاوضات المعيار مَا نَصه: الْغَرَض مِنْهُ إِذا صَارَت الدمنة الْمَذْكُورَة صَدَاقا انْعَقَد عَلَيْهَا لَزِمت بِرِضا الزَّوْج وَالزَّوْجَة وَالْوَلِيّ ورضا الزَّوْجَة هُوَ الاستئمار على سنته لَا يضر سكُوتهَا فِيهِ مَعَ أَن الصَدَاق أصل ملك كَمَا لَا يضر فِي الْعرُوض وَهُوَ الصَّحِيح من الْقَوْلَيْنِ وَعَلِيهِ الْعَمَل اه. وَنَحْوه لِابْنِ عَاتٍ فِي طرره مُقْتَصرا عَلَيْهِ من غير ذكر عمل قَالَ: فَإِن كَانَ فِي الْمهْر سِيَاقَة قلت فِي الاستئمار مَا ذكره ابْن الطلاع فِي وثائقه: أنكحه إِيَّاهَا أَخُوهَا فلَان بعد أَن استأمرها فِي ذَلِك بفلان زوجا وَبِمَا بذل لَهَا مهْرا وَبِمَا سَاق إِلَيْهَا، وَوصف ذَلِك وَصفا قَامَ مقَام العيان فصمتت عِنْد ذَلِك راضية بِهَذَا النِّكَاح بعد أَن عرفت أَن إِذْنهَا صماتها وَهِي بكر يتيمة اه. وَهُوَ مُقَابل لما مر سَوَاء قُلْنَا إِنَّه فِي الْيَتِيمَة الْمُهْملَة كَمَا هُوَ ظَاهرهَا أَو فِي المرشدة، وَقَوله: وَوصف ذَلِك الخ. يَعْنِي إِذا لم يُمكن إِحْضَاره كحائط مثلا وَلم تتقدم رُؤْيَته. الثَّانِي: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: فَإِن لم تَتَكَلَّم يَعْنِي المرشدة فعلَيْهَا أَن تحلف أَن سكُوتهَا لم يكن رضَا اه. وَهَذَا يجْرِي فِي كل مستنطقة من الْأَبْكَار فَإِن لم يعلم إِذْنهَا بصمت وَلَا غَيره، فَفِي الطرر قَالَ ابْن فتحون: إِنَّمَا فسخ نِكَاح مُحَمَّد بن نصر لِأَن أَبَاهَا زَوجهَا بعد أَن رشدها وَلم يعلم إِذْنهَا بصمت وَلَا غَيره فَكَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة ابْنَته الثّيّب وَلم يستأمرها اه. الثَّالِث: قَالَ فِي الطرر: وَلَا يلْزم الزَّوْجَة بيع السِّيَاقَة وَلَا مَا يصدقها من عرض أَو حَيَوَان لتتجهز بِثمن ذَلِك، وَلها إِن شَاءَت ذَلِك اه. فَقَوْل (خَ) ولزمها التَّجْهِيز على الْعَادة بِمَا قَبضته يَعْنِي عينا لَا عرضا. وَثَيِّبٌ بِعَارِضٍ كَالْبِكْرِ وبالْحَرَامِ الْخُلْفُ فِيها يجْرِي (وثيب) مُبْتَدأ سوغه كَونه صفة لمَحْذُوف أَي وَبكر ثيب أَو تعلق (بِعَارِض) بِهِ (كالبكر) خبر أَي أَن الثّيّب بِعَارِض كحمل شَيْء ثقيل أَو قفزة أَو عود أَو كَثْرَة ضحك أَو تكَرر حيض، وَنَحْو ذَلِك حكمهَا حكم الْبكر فِي أَن إِذْنهَا صماتها، وَفِي بَقَاء الْجَبْر عَلَيْهَا إِن كَانَ لَهَا مجبر وَلم تكن من الْأَبْكَار المتقدمات فالتشبيه تَامّ أَي: كالبكر الَّتِي لم تثيب بِشَيْء فَلَا يلْزم عَلَيْهِ تَشْبِيه الشَّيْء بِنَفسِهِ وَدفع بِهَذَا مَا يتَوَهَّم أَن الثّيّب بِعَارِض تستنطق كَمَا يستنطق غَيرهَا، ثمَّ يَنْبَغِي للْإنْسَان إِذا زَالَت بكارة بنته بِشَيْء مِمَّا مر أَن يشهر ذَلِك، وَيَأْتِي بِشُهُود يشهدهم بذلك. وَكَذَا إِذا خلقت بنته يَوْم عَاشُورَاء فَإِنَّهُم قَالُوا تخلق بِلَا بكارة نَص عَلَيْهِ ابْن حبيب فِي الْوَاضِحَة (و) بكر ثيب (بالحرام) يتَعَلَّق بمقدر مُبْتَدأ كَمَا ترى (الْخلف) مُبْتَدأ ثَان (فِيهَا) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 (يجْرِي) وَالْجُمْلَة من الثَّانِي وَخَبره خبر الأول، وَالْمعْنَى أَن الثّيّب بالحرام كزنا وغصب جرى خلاف فِي كَونهَا كالبكر فإذنها صماتها وينسحب جبر الْأَب أَو وَصِيّه عَلَيْهَا وَهُوَ الْمُعْتَمد، وَمذهب الْمُدَوَّنَة أَو لَيست كالبكر بل كالثيب فتعرب عَن نَفسهَا وَلَا جبر عَلَيْهَا وَهُوَ لِابْنِ الْحَاجِب، وفيهَا قَول ثَالِث ابْن عَرَفَة: وَفِي ثيوبة الزِّنَا. ثَالِثهَا: إِن تكَرر ثمَّ شبه فِي الْخلاف الْمَذْكُور فَقَالَ: كَوَاقِعٍ قَبْلَ البُلُوغِ الْوَارِدِ وكالصَّحِيحِ مَا بِعَقْدٍ فَاسِدِ (كواقع) نعت لمَحْذُوف مَعَ تَقْدِير مُضَاف إِلَيْهِ مَعَ صفته والوارد بِمَعْنى الْحَادِث أَي الَّذِي من شَأْنه أَن يحدث وَيرد أَي وثيوبة بالحرام جرى فِيهَا خلاف كجريانه فِي ثيوبة نِكَاح صَحِيح وَاقعَة (قبل الْبلُوغ الْوَارِد) أَي الَّذِي من شَأْنه أَن يرد وَيحصل بحيض أَو غَيره من العلامات، ثمَّ يَمُوت الزَّوْج أَو يُطلق بعد تِلْكَ الثيوبة فترجع للْأَب قبل الْبلُوغ. وَظَاهره سَوَاء أَرَادَ أَن يُزَوّجهَا قبل الْبلُوغ أَيْضا أَو بعده. ابْن عَرَفَة: وَفِي جبر مُطلقَة قبل الْبلُوغ ثَيِّبًا. ثَالِثهَا: قبله لسَحْنُون وَأبي تَمام وَاللَّخْمِيّ مَعَ أَشهب، وَاعْتمد (خَ) الثَّالِث فَقَالَ: وَالثَّيِّب إِن صغرت فمفهوم صغرت أَنَّهَا إِن بلغت لَا يجبرها، وَلَا بُد من إعرابها وَهُوَ كَذَلِك على الرَّاجِح، وَقيل: يجبرها أَيْضا وَهُوَ الأول فِي كَلَام ابْن عَرَفَة: فإطلاق النَّاظِم شَامِل للصورتين أَي أَرَادَ تَزْوِيجهَا قبل الْبلُوغ أَو بعده كَمَا قَررنَا وَلَيْسَ لغير من الْأَوْلِيَاء أَن يُزَوّجهَا إِلَّا بعد بُلُوغهَا كَمَا مرّ إِلَّا أَن يخْشَى فَسَادهَا فَلَا بُد من نطقها حِينَئِذٍ كَمَا مرّ أَيْضا، وَإِنَّمَا ذكر الْوَصْف فِي قَوْله: كواقع لِأَن الثيوبة معنى لَا فرج لَهَا حَقِيقِيّ فَيجوز التَّذْكِير والتأنيث، وَإِنَّمَا حملناه على الثيوبة بِالنِّكَاحِ الصَّحِيح لِأَن الثيوبة بالعارض أَو بالحرام تقدمتا وبالفاسد هُوَ مَا أَشَارَ لَهَا بقوله: (وكالصحيح) خبر مقدم (مَا) مُبْتَدأ وَاقعَة على الثيوبة (بِعقد) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صلَة (فَاسد) نعت لعقد أَي الثيوبة الَّتِي ثبتَتْ بِعقد نِكَاح فَاسد كالثيوبة بِالنِّكَاحِ الصَّحِيح فِي كَونهَا تعرب عَن نَفسهَا وَفِي سُقُوط الْجَبْر عَنْهَا. وَاعْلَم أَن مَقْصُود النَّاظِم بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ التَّنْبِيه على أَن الثّيّب بِشَيْء مِمَّا مر هَل هِيَ كالثيب فِي وجوب إعرابها عَن نَفسهَا أَو هِيَ كالبكر لِأَن سِيَاق الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِي ذَلِك فالبيتان حِينَئِذٍ فِي قُوَّة الِاسْتِثْنَاء من عُمُوم قَوْله: وتأذن الثّيّب بالإفصاح الخ. أَي اتِّفَاقًا إِلَّا الَّتِي ثيبت بِعَارِض فَهِيَ كالبكر وإلاَّ الَّتِي ثيبت بِحرَام أَو قبل الْبلُوغ ففيهما خلاف. وَقد علمت الرَّاجِح مَا هُوَ من ذَلِك الْخلاف كَمَا أَن قَوْله: واستنطقت لزائد الخ. فِي قُوَّة الاشتثناء من قَوْله: والصمت إِذن الْبكر الخ. وَلَيْسَ مُرَاده أَن الَّتِي ثيبت بِمَا ذكره هَل تجبر أَو لَا تجبر كَمَا قَرَّرَهُ بِهِ شراحه لِأَنَّهُ خلاف مَا يُعْطِيهِ السِّيَاق وَلِأَنَّهُ مُسْتَغْنى عَنهُ حِينَئِذٍ بِمَفْهُوم قَوْله: فِيمَا مر ثيوبة النِّكَاح الخ. كَمَا مرّ وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ غَرَضه ذَلِك لقدمها هُنَاكَ عقب قَوْله وَبَالغ الْأَبْكَار فَتَأمل ذَلِك وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 وإنْ يُرْشدْهَا الْوَصِيُّ مَا أُبِي فِيهَا ولايَةُ النِّكاحِ كالأبِ (وَأَن يرشدها) شَرط (الْوَصِيّ) فَاعل (مَا) نَافِيَة (أُبي) بِضَم الْهمزَة للْبِنَاء للْمَفْعُول بِمَعْنى منع (فِيهَا) يتَعَلَّق بِهِ (ولَايَة) نَائِب الْفَاعِل (النِّكَاح) مُضَاف إِلَيْهِ (كَالْأَبِ) خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي وَهُوَ كَالْأَبِ، وَيحْتَمل أَن الْكَاف للتَّعْلِيل أَي لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْأَب يرشد ابْنَته فَلَا تسْقط ولَايَته عَنْهَا، وَإِنَّمَا يسْقط عَنْهَا جبره كَمَا مرّ، وَالْجُمْلَة من قَوْله: مَا أُبي الخ. جَوَاب الشَّرْط حذفت مَعَه الْفَاء شذوذاً كَقَوْلِه: من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها. وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَشرف وكرم: (فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا استمتع بهَا) وَالْمعْنَى أَن الْوَصِيّ إِذا رشد محجورته بعد الدُّخُول بهَا لَا قبله إِذْ لَيْسَ لَهُ ذَلِك كَمَا قَالَ (خَ) : وَللْأَب ترشيدها قبل دُخُولهَا كالوصي بعده الخ. أَنَّهَا إِذا تأيمت بعد الترشيد لَا تَنْقَطِع ولَايَة الْوَصِيّ عَنْهَا وَهُوَ مقدم على سَائِر الْأَوْلِيَاء لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْأَب يرشد ابْنَته، فَكَمَا أَن الْأَب لَا تَنْقَطِع ولَايَته عَن مرشدته فَكَذَلِك وَصِيّه، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون لَهَا ابْن فَإِنَّهُ يتَقَدَّم عَلَيْهِ كَمَا يتَقَدَّم على الْأَب أَيْضا كَمَا مر. هَذَا هُوَ الْمَنْصُوص لِابْنِ الْقَاسِم وَأَشْهَب، وَأفْتى بِهِ ابْن رشد. وَذهب سَحْنُون وَابْن الْمَاجشون إِلَى أَن الْوَلِيّ أَحَق من الْوَصِيّ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ، وَلكُل مَذْهَب حجَّة. انْظُر الشَّارِح وسيعيد النَّاظِم هَذِه الْمَسْأَلَة فِي بَاب الْحجر حَيْثُ قَالَ: وَحَيْثُ رشد الْوَصِيّ من حجر ولَايَة النِّكَاح تبقى بِالنّظرِ وَالله أعلم وَأحكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 ( فصل ) فِي حكم فَاسد النِّكَاح وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من إِلْحَاق الْوَلَد تَارَة ونفيه أُخْرَى، وَهل يفْسخ أَو يتلافى إِلَى غير ذَلِك. وَفَاسِدُ النِّكاحِ مَهْمَا وَقَعَا فالفَسْخُ فِيهِ أَو تَلاَفٍ شُرِعا (وفاسد النِّكَاح) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ من إِضَافَة الصّفة للموصوف (مهما) اسْم شَرط (وَقعا) فعل الشَّرْط وألفه للإطلاق (فالفسخ) مُبْتَدأ وفاؤه رابطة بَين الشَّرْط وَجَوَابه (فِيهِ) يتَعَلَّق بشرعاً آخر الْبَيْت (أَو تلاف) مَعْطُوف على الْفَسْخ (شرعا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر عَن الْفَسْخ وألفه للتثنية، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط، وَالْجُمْلَة من الشَّرْط وَالْجَوَاب خبر الْمُبْتَدَأ الأول، وَمَعْنَاهُ أَن النِّكَاح إِذا وَقع فَاسِدا فَإِنَّهُ يرجع فِيهِ إِلَى أحد أَمريْن، إِمَّا الْفَسْخ أَو التلافي وَهُوَ التَّدَارُك ثمَّ بَين مَحل كل مِنْهُمَا فَقَالَ: فَما فَسَادُهُ يَخُصُّ عَقْدَهُ فَفَسْخُهُ قَبْلَ البِنَا وَبَعْدَهُ (فَمَا) مَوْصُول مُبْتَدأ وَالْفَاء جَوَاب شَرط مُقَدّر أَي إِن أردْت معرفَة مَا يفْسخ أَو يتلافى فَمَا (فَسَاده) مُبْتَدأ ثَان (يخص) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وفاعله ضمير الْفساد (عقده) مفعول بيخص وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَخَبره صلَة مَا وَالضَّمِير فِي فَسَاده وعقده يعود على النِّكَاح (ففسخه) مُبْتَدأ (قبل الْبَنَّا) ء خَبره (وَبعده) مَعْطُوف عَلَيْهِ، وَالْجُمْلَة من هَذَا الْمُبْتَدَأ وَخَبره خبر الْمَوْصُول الَّذِي هُوَ مَا وَدخلت الْفَاء فِي هَذَا الْخَبَر لشبه الْمَوْصُول بِالشّرطِ فِي الْعُمُوم الْإِبْهَام، وَالْمعْنَى أَن النِّكَاح إِذا وَقع فَاسِدا لعقده كَالنِّكَاحِ لأجل وَنِكَاح الْخَامِسَة أَو ذَات محرم بِنسَب أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 رضَاع أَو صهر وإنكاح الْمحرم وَالْعَبْد وَالْمَرْأَة وصريح الشّغَار وإنكاح غير الْمُجبر مَعَ وجود الْمُجبر وَنِكَاح الْمَرِيض وتزويج الرجل عَبده من امْرَأَة على أَن العَبْد هُوَ صَدَاقهَا وَنَحْو ذَلِك، فَإِنَّهُ يفْسخ قبل الْبناء وَبعده، ثمَّ إِذا فسخ قبل الْبناء فَلَا شَيْء فِيهِ، وَإِن فسخ بعد الْبناء فَفِيهِ الْمُسَمّى إِن كَانَ وإلاَّ فصداق الْمثل ثمَّ مَا كَانَ مُتَّفقا على فَسَاده من ذَلِك كَنِكَاح الْخَامِسَة، وَذَات محرم يفْسخ بِلَا طَلَاق كَمَا سيشير لَهُ قبل بَاب النَّفَقَات بقوله: وَفسخ مَا الْفساد فِيهِ مجمع عَلَيْهِ من غير طَلَاق يَقع وَيفهم مِنْهُ أَنه لَا يحْتَاج لحكم وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ مفسوخ شرعا، وَلذَا لَو عقد عَلَيْهَا شخص قبل الْفَسْخ صَحَّ نِكَاحه لِأَن العقد الأول كَالْعدمِ وَلَا يمْضِي فِيهِ الْخلْع وَإِن وَقع، وَمَا كَانَ من ذَلِك مُخْتَلفا فِيهِ اخْتِلَافا قَوِيا وَلَو خَارج الْمَذْهَب كإنكاح الْمحرم والشغار وإنكاح العَبْد وَالْمَرْأَة فالفسخ بِطَلَاق كَمَا سيشير لَهُ النَّاظِم أَيْضا بقوله: وَفسخ فَاسد بِلَا وفَاق بِطَلْقَة تعد فِي الطَّلَاق وَمن يمت قبل وُقُوع الْفَسْخ فِي ذَا فَمَا لإرثه من نسخ الخ. ويمضي فِيهِ الْخلْع إِن وَقع، وَأَشَارَ (خَ) لهَذَا التَّقْسِيم بقوله: وَفسخ مُطلقًا أَي قبل الدُّخُول وَبعده كَالنِّكَاحِ لأجل أَو إِن مضى شهر فَأَنا أتزوجك الخ. أَي: وقصدا بذلك انبرام العقد وَلم يأتنفا غَيره، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ طَلَاق إِن اخْتلف فِيهِ كمحرم وشغار وَالتَّحْرِيم بعقده ووطئه وَفِيه الْإِرْث إلاَّ نِكَاح الْمَرِيض لَا إِن اتّفق على فَسَاده فَلَا طَلَاق وَلَا إِرْث كخامسة وَحرم وَطْؤُهُ فَقَط وَمَا فسخ بعده فالمسمى وَإِلَّا فصداق الْمثل الخ. وَظَاهر النّظم أَن كل فَاسد لعقده يجْرِي فِيهِ الحكم الْمَذْكُور لِأَن مَا مر من قَوْله فَمَا فَسَاده الخ. من أَلْفَاظ الْعُمُوم وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن من الْفَاسِد لعقده مَا يثبت بعد بِمهْر الْمثل كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا علمت الْمَرْأَة بِمُوجب الْفَسْخ كمحرم ومعتدة تزوجت فِي عدتهَا عَالِمَة كل مِنْهُمَا بِالْحُرْمَةِ وَالزَّوْج غير عَالم بذلك، فَللزَّوْج الرُّجُوع بِالصَّدَاقِ وَإِن لم يعثر على ذَلِك حَتَّى دخل انْظُر (ز) فِي خِيَار الزَّوْجَيْنِ و (ح) فِي التَّدْلِيس بالعيوب فِي الْمَبِيع. الثَّانِي: قَول (خَ) إِن مضى شهر فَأَنا أتزوجك الخ. هُوَ من تَعْلِيق النِّكَاح وَالتَّعْلِيق فِيهِ لَا يَصح وَلذَا قَالَ الْقَائِل: لَا يقبل التَّعْلِيق بيع وَنِكَاح فَلَا يَصح بِعْت ذَا إِن جَاءَ فلاح وَفِي الشَّامِل مَا نَصه مَالك: وَإِن قَالَ إِن جئتني بِخَمْسِينَ فقد زَوجتك ابْنَتي لَا يُعجبنِي وَلَا تزوج لَهُ اه. وَكَذَا إِن قَالَ: إِن عبرت الْوَادي أَو صعدت على قنة الْجَبَل فقد أَعطيتك ابْنَتي فَإِنَّهُ لَا يَصح أَيْضا بالأحرى مِمَّا قبله إِذْ لَا مَنْفَعَة للقائل فِي عبر الْوَادي وَلَا فِي صعُود الْجَبَل فَإِن قَالَ لَهُ: إِن فَارَقت امْرَأَتك فقد زَوجتك ابْنَتي فَإِنَّهُ يجوز وَينْعَقد بِنَفس الْفِرَاق فَإِن قَالَ: فَأَنا أزَوجك بالمضارع فَلَا يجْبر على تَزْوِيجهَا مِنْهُ قَالَ فِي الشَّامِل: وَالْقِيَاس جبره لِأَنَّهُ وعد أدخلهُ بِسَبَبِهِ فِي فِرَاق زَوجته كَمَا لَو قَالَ: بِعْ فرسك مِنْهُ وَالثمن عَليّ اه. وَلما نقل فِي الالتزامات قَول أَشهب بِعَدَمِ الْجَبْر قَالَ: وَهُوَ مَبْنِيّ على أَن الْعدة لَا يقْضِي بهَا وَلَو كَانَت على سَبَب وَدخل فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 السَّبَب، وَالثَّانِي مَبْنِيّ على أَنه يقْضِي بهَا إِن كَانَت على سَبَب وَدخل فِيهِ أَي: وَهُوَ الْمَشْهُور وَفِي أنكحة المعيار من قَالَ لغيره: طلق امْرَأَتك وأزوجك ابْنَتي فَطلقهَا فَأبى من تَزْوِيجهَا إِيَّاه أَن يلْزمه أحد أَمريْن: إِمَّا التَّزْوِيج أَو إِعْطَاء الصَدَاق وأعادها أَيْضا فِي نَوَازِل الطَّلَاق، وَانْظُر الْأَنْكِحَة من القلشاني وَفِي الالتزامات بعد مَا مر بأوراق فِي رجل أَرَادَ السّفر إِلَى الْحَج مَعَ أمه فَقَالَ لَهُ عَمه: اترك السّفر مَعَ أمك وأزوجك ابْنَتي وَأُعْطِيك عشرَة مَثَاقِيل فَترك السّفر مَعَ أمه، ثمَّ قَامَ بعد أشهر يطْلب الْعدة فَقَالَ ابْن الْحَاج: إِنَّه يحكم على عَمه بِدفع الْعشْرَة مَثَاقِيل وينكحه ابْنَته إِلَّا أَن يكون قد عقد نِكَاحهَا مَعَ أحد فَلَا يحل النِّكَاح، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا عدَّة قارنها سَبَب، وَبِذَلِك أفتى ابْن رشد أَيْضا اه فَقَالَ (ح) عقبه ففهم مِنْهُ أَن من الْتزم لشخص أَن يُزَوجهُ مجبورته فَإِنَّهُ يقْضِي عَلَيْهِ بِهِ إِلَّا أَن يعْقد نِكَاحهَا لغيره فَإِنَّهُ لَا يفْسخ اه. قلت: وَتَأمل هَذَا مَعَ مَا فِي أجوبته للقوري نَحْو الكراسين فِي رجل قَالَ لآخر: إِن أتيتني بِكَذَا من مَوضِع كَذَا، والموضع مخوف أَعطيتك ابْنَتي أَن النِّكَاح غير لَازم، وَاسْتدلَّ لَهُ بِمَا فِي الْعُتْبِيَّة فِيمَن وَقع لَهُ صبي فِي جب فَقَالَ لرجل: إِن أخرجته فقد زَوجتك ابْنَتي فَأخْرجهُ فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: إِن ذَلِك لَا يجوز وَلَا يكون فِيهِ النِّكَاح، وَأرى لَهُ أُجْرَة مثله فِي إِخْرَاجه إِيَّاه حَيا أَو مَيتا اه. فَهَذَا قد عبر بالماضي وَأدْخلهُ فِي السَّبَب، وَمَعَ ذَلِك لم يلْزمه إِيَّاه فَهُوَ معَارض بِحَسب الظَّاهِر لمسألة إِن فَارَقت امْرَأَتك فقد زَوجتك ابْنَتي، وَقد تقدم الْجَزْم فِيهَا باللزوم بِنَفس الْفِرَاق، وَقد علمت أَنه لَا عدَّة فيهمَا لتعبيره بالماضي فيهمَا، وَفِي أنكحة المعيار أَن من قَالَ: من ركب فرسي فَهِيَ بابنته لَا يلْزمه نِكَاح وَأخذت من قَوْله: إِن جَاءَ غَدا فقد رَاجَعتك فَلَا تكون رَجْعَة، وَانْظُر أنكحة العلمي فِيمَن قَالَ: إِن وُلد لَك ولد فَلهُ ابْنَتي، وَانْظُر إِذا قُلْنَا بِلُزُوم النِّكَاح فِي ذَلِك مَا قدر الصَدَاق، وَالظَّاهِر أَنه كَنِكَاح التَّفْوِيض إِن فرض الْمثل لزمَه وإلاَّ فَلَا، وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَيفْسد النِّكَاح بالإمتاع الخ. ومَا فَسادُهُ مِنَ الصَّداقِ فَهُوَ بمَهْرِ المِثْلِ بَعْدُ باقِي (وَمَا) مَوْصُول مُبْتَدأ (فَسَاده) مُبْتَدأ ثَان (من الصَدَاق) خبر عَن الثَّانِي، وَالْجُمْلَة صلَة مَا (فَهُوَ) مُبْتَدأ (بِمهْر الْمثل بعد) يتعلقان بالْخبر الَّذِي هُوَ (بَاقٍ) . وَالْجُمْلَة من هَذَا الْمُبْتَدَأ وَخَبره خبر الْمَوْصُول وَالْمعْنَى أَن النِّكَاح الْفَاسِد لصداقه كَمَا لَو أصدقهَا خمرًا أَو خنزيراً أَو حرا أَو عبدا آبقاً أَو بَعِيرًا شارداً أَو جلد ميتَة أَو زيتاً متنجساً، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يَصح بَيْعه فَإِنَّهُ يفْسخ قبله وجوبا وَيثبت بعده بِمهْر الْمثل لِأَن الصَدَاق كَالثّمنِ فَمَا صَحَّ كَونه ثمنا صَحَّ كَونه صَدَاقا، وَمَا لَا فَلَا (خَ) : الصَدَاق كَالثّمنِ ثمَّ قَالَ: وَفَسَد إِن نقص عَن ربع دِينَار أَو ثَلَاثَة دَرَاهِم إِلَى أَن قَالَ: أَو بِمَا لَا يملك كخمر وحر أَو بإسقاطه أَو كقصاص أَو آبق الخ. وَقَوله: أَو كقصاص يَعْنِي لم يجعلا شَيْئا فِي مُقَابلَة الْبضْع إِلَّا سُقُوط الْقصاص عَنْهَا أَو عَن غَيرهَا. ثمَّ إِنَّه يلْحق بِمَا فسد لصداقه فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 كَونه يثبت بعد بِصَدَاق الْمثل أُمُور فَاسِدَة لعقدها أَشَارَ لَهَا (خَ) بقوله وَقبل الدُّخُول وجوبا على أَن لَا يَأْتِيهِ إِلَّا نَهَارا أَو بِخِيَار لأَحَدهمَا أَو غير أَو على إِن لم يَأْتِ بِالصَّدَاقِ لكذا فَلَا نِكَاح وَمَا فسد لصداقه أَو على شَرط يُنَاقض الْمَقْصُود كَانَ لَا يقسم لَهَا الخ. وَفهم من قَوْله بعد: إِنَّه يفْسخ قبله وَلَا شَيْء فِيهِ، وَكَذَا إِن مَاتَ أَحدهمَا قبل الْفَسْخ كَمَا لِابْنِ رشد فِي أجوبته. تَنْبِيهَانِ. الأول: ذكر الْبُرْزُليّ عَن أبي عمرَان أَن من الْفَاسِد لصداقه كَمَا بالقيروان من جرت عَادَتهم برد النَّقْد للزَّوْج بعد الْغَيْبَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نِكَاح وَسلف لِأَن الْعَادة كالشرط فَيفْسخ قبل، وَيثبت بعد بِصَدَاق الْمثل كَأَن اشْترط الرَّد وَلم يغب عَلَيْهِ كَانَ النِّكَاح صَحِيحا. الْبُرْزُليّ: هَذَا إِن كَانَت عَادَة لَا تتخلف أَو وَقع الشَّرْط فَالْحكم مَا ذكر، وَأما لَو كَانَت تتخلف وَفِي النَّاس من يرد وَمن لَا يرد فَيجوز الرَّد قبل الْغَيْبَة وَبعدهَا إِذْ لَيْسَ بِشَرْط لاخْتِلَاف الْعَادة اه. وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي فصل الْفَسْخ. الثَّانِي: قَول (خَ) أَو بِمَا لَا يملك كخمر الخ. هَذَا إِذا لم يتَبَيَّن أَنه خل، أما لَو نَكَحَهَا على قلَّة خمر مطينة فَتبين أَنَّهَا خل فَلَا يتحتم الْفَسْخ بل لَهما الْبَقَاء عَلَيْهِ إِن رضياه كَمَا لَو نَكَحَهَا على أَنَّهَا فِي الْعدة فَظهر كَونهَا فِي غَيرهَا، وَلمن شَاءَ مِنْهُمَا فَسخه لحجته بِظُهُور خلاف الْمَعْقُود فِيهِ، وَلَا حجَّة لَهَا فِي الْعدة لِأَنَّهَا حق لله تَعَالَى قَالَه ابْن عَرَفَة عَن اللَّخْمِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 وَحَيْثُ دَرْءُ الحَدِّ يَلْحَقُ الوَلَدْ فِي كُلِّ مَا مِنَ النِّكاحِ قَدْ فَسَدْ (وَحَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط مَنْصُوب بجوابه (دَرْء الْحَد) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ وَالْخَبَر مَحْذُوف، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (يلْحق الْوَلَد) فعل وفاعل، وَالْجُمْلَة مَعَ متعلقها الْآتِي جَوَاب الشَّرْط (فِي كل) يتَعَلَّق بيلحق (مَا) مُضَاف إِلَيْهِ (من النِّكَاح) يتَعَلَّق بصلَة مَا الَّتِي هِيَ (قد فسد) أَي يلْحق الْوَلَد فِي كل نِكَاح فَاسد حَيْثُ دَرْء الْحَد مَوْجُود، وَالْمعْنَى أَن النِّكَاح الْفَاسِد كَانَ مُتَّفقا على فَسَاده كَنِكَاح ذَات محرم أَو خَامِسَة أَو مُخْتَلفا فِي فَسَاده كالمحرم، والشغار إِن درىء فِيهِ الْحَد عَن الزَّوْج بعد علمه فِي الْأَوليين ومطلقاً فِي الْأَخِيرَتَيْنِ لِأَن الْخلاف وَلَو خَارج الْمَذْهَب يدْرَأ الْحَد، فَإِنَّهُ يلْحق فِيهِ الْوَلَد، وَمَفْهُومه أَنه إِن لم يدْرَأ فِيهِ الْحَد لَا يلْحق الْوَلَد بِهِ لِأَنَّهُ مَحْض زنا. قَالُوا إِلَّا فِي سِتّ مسَائِل. أَشَارَ صَاحب الْمنْهَج إِلَى خمس مِنْهَا بقوله: وَنسب وَالْحَد لن يجتمعا إِلَّا بزوجات ثَلَاث فاسمعا مبتوتة خَامِسَة ومحرم وأمتين حرتين فَاعْلَم فصورة المبتوتة أَن يتَزَوَّج الرجل الْمَرْأَة فتلد مِنْهُ فَيقر أَنه كَانَ طَلقهَا ثَلَاثًا، وراجعها قبل زوج وَهُوَ عَالم بِحرْمَة ذَلِك، وَصُورَة الْخَامِسَة، أَن يتَزَوَّج الرجل الْمَرْأَة فيولدها ثمَّ يقر أَن لَهُ أَربع نسْوَة سواهَا وَأَنه تزَوجهَا وَهُوَ يعلم حُرْمَة الْخَامِسَة وَصُورَة الْمحرم أَن يتَزَوَّج امْرَأَة فيولدها ثمَّ يقر إِنَّه كَانَ يعلم حرمتهَا عَلَيْهِ قبل الْوَطْء بِالنّسَبِ أَو الرَّضَاع أَو الصهر أَو المؤبد، وَصُورَة إِحْدَى الأمتين أَن يَشْتَرِي الرجل الْأمة فيولدها ثمَّ يقر إِنَّهَا مِمَّن تعْتق عَلَيْهِ بِالْملكِ، وَصُورَة الْأُخْرَى أَن يَشْتَرِي أمة فيولدها ثمَّ يقر بِأَنَّهُ كَانَ عَالما بحريتها حِين الْوَطْء وَإِلَى هَذِه الْخمس أَشَارَ (خَ) بقوله فِي بَاب الزِّنَا: أَو مَمْلُوكَة تعْتق أَو يعلم حريتها أَو مُحرمَة بصهر أَو خَامِسَة أَو مبتوتة الخ. قَالُوا: وَلَا يقْتَصر على هَذِه الْخَمْسَة بل ضابطه كل حد يثبت بِالْإِقْرَارِ وَيسْقط بِرُجُوعِهِ عَنهُ فالنسب ثَابت كالأمثلة الْمَذْكُورَة، وَقد زيد على الْمسَائِل الْمَذْكُورَة من كَانَت عِنْده أمة فأولدها ثمَّ أقرّ إِنَّه غصبهَا من الْغَيْر، وَمن اشْترى جاريتين بِالْخِيَارِ فِي إِحْدَاهمَا ثمَّ أقرّ إِنَّه وطىء إِحْدَاهمَا بعد أَن اخْتَار الْأُخْرَى، وَمن اشْترى جَارِيَة فَوَطِئَهَا فَقَالَ لَهُ رَبهَا: ادْفَعْ لي ثمنهَا فَأنْكر الشِّرَاء وَقَالَ: إِنَّهَا عِنْدِي وَدِيعَة فَهَذِهِ ثَلَاث مَضْمُومَة للخمس الْمُتَقَدّمَة. تَنْبِيه: مَحل اللحوق فِيمَا ذكر إِذا لم يثبت علمه بِالتَّحْرِيمِ قبل نِكَاحه لَهَا أَو وَطئه إِيَّاهَا وَإِلَّا بِأَن ثَبت بِبَيِّنَة على إِقْرَاره أَنه عَالم بِهِ قبل ذَلِك فَهُوَ مَحْض زنا لَا يلْحق بِهِ الْوَلَد لِأَن الْوَلَد إِنَّمَا ألحق بِهِ فِيمَا ذكر لكَون إِقْرَاره بِالْعلمِ بِالتَّحْرِيمِ لَا يعْمل بِالنِّسْبَةِ لنفي الْوَلَد لاتهامه على قطع نسبه، وَإِنَّمَا يعْمل بِالنِّسْبَةِ لحده إِن لم يرجع عَن إِقْرَاره بِخِلَافِهِ إِذا ثَبت علمه قبل الْوَطْء أَو النِّكَاح. وَللَّتي كَانَ بِهَا اسْتَمتَاعُ صَدَاقُهَا لَيْسَ لَهُ امْتِنَاعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 (وللتي) مَوْصُول (كَانَ بهَا) خبر كَانَ (استمتاع) اسْمهَا. وَالْجُمْلَة من كَانَ وَمَا بعْدهَا صلَة والرابط الْمَجْرُور بِالْبَاء (صَدَاقهَا) مُبْتَدأ وَاجِب التَّأْخِير لتلبسه بضمير الْخَبَر الَّذِي هُوَ الْمَوْصُول الْمُتَقَدّم، وَالْجُمْلَة من قَوْله (لَيْسَ لَهَا امْتنَاع) فِي مَحل رفع خبر ثَان أَو فِي مَحل نصب حَال من الضَّمِير فِي الْخَبَر، وَالْمعْنَى أَن للزَّوْجَة الَّتِي دخل بهَا زَوجهَا فِي النِّكَاح الْفَاسِد الَّذِي يفْسخ وَلَو بعد الدُّخُول صَدَاقهَا كَامِلا لتقرره بِالْوَطْءِ وَإِن حرم كَمَا مرّ فِي قَول (خَ) وَمَا فسخ بعده فالمسمى الخ فَقَوْل النَّاظِم: استمتاع أَي بِالْوَطْءِ بِدَلِيل قَوْله: صَدَاقهَا، وَمَفْهُومه أَنه إِذْ لم يَقع استمتاع بِالْوَطْءِ بل بِمَا دونه من الْمُقدمَات أَنه لَا يكون لَهَا تَمام الصَدَاق وَهُوَ كَذَلِك، وَلَكِن تعوض بِاجْتِهَاد الْحَاكِم (خَ) وتعاوض التَّلَذُّذ بهَا أَي وجوبا كَأَن يفْسخ قبل أَو بعد. والعَقْدُ لِلنِّكَاحِ فِي السِّرِّ اجْتُنِبْ ولوْ بالاسْتِكْتامِ والفَسْخُ يَجِبْ (وَالْعقد) مُبْتَدأ (للنِّكَاح) يتَعَلَّق بِهِ وَكَذَا قَوْله (فِي السِّرّ) وَجُمْلَة (اجْتنب) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ (وَلَو) شَرْطِيَّة إغيائية (بالاستكتام) يتَعَلَّق بمقدر أَي: وَلَو كَانَ السِّرّ بالاستكتام وَجَوَاب لَو مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ، هَذَا وَالظَّاهِر أَن الْوَاو للْحَال إِذْ لَيْسَ هُنَاكَ صُورَة يُوجد فِيهَا نِكَاح سر بِدُونِ استكتام (وَالْفَسْخ) مُبْتَدأ خَبره (يجب) الْمَشْهُور كَمَا لِابْنِ عَرَفَة أَن نِكَاح السِّرّ هُوَ مَا أَمر الشُّهُود حِين العقد بكتمه وَلَو كَانَ الشُّهُود ملْء الْجَامِع اه. وَلَا مَفْهُوم للشُّهُود بل كَذَلِك استكتام غَيرهم لقَوْل الْبَاجِيّ إِن اتّفق الزَّوْجَانِ وَالْوَلِيّ على كتمه وَلم يعلمُوا الْبَيِّنَة بذلك فَهُوَ نِكَاح سر، وَعَلِيهِ فَقَوْل النَّاظِم بالاستكتام أَي بالاستكتام للشُّهُود أَو لغَيرهم فقد حذف الْمُتَعَلّق للْعُمُوم، وَظَاهره كَانَ الاستكتام قبل العقد أَو فِيهِ أَو بعده، لَكِن صرح فِي ضيح بِأَن الاستكتام بعد العقد غير مُضر ويؤمرون بإفشائه اه. وَظَاهره أَيْضا كَانَ للزَّوْج دخل فِي الاستكتام الْمَذْكُور أم لَا. وَلَيْسَ كَذَلِك بل لَا بُد أَن يكون لَهُ دخل فِيهِ كَمَا فِي شرَّاح الْمَتْن وَظَاهر قَوْله: وَالْفَسْخ يجب الخ، أَنه يفْسخ وَلَو دخل وَطَالَ وَقَيده (خَ) مِمَّا إِذا لم يدْخل ويطل فَقَالَ: وَفسخ موصي وَإِن يكتم شُهُود من امْرَأَة أَو منزل أَو أَيَّام إِن لم يدْخل ويطل الخ. والبُضْعُ بالبُضْعِ هُوَ الشِّغَارُ وعَقْدُهُ لَيْسَ لَهُ قَرارُ (والبضع) مُبْتَدأ (بالبضع) يتَعَلَّق بمقدر صفة أَي الْكَائِن بالبضع وَالْبَاء فِيهِ للتعويض أَي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 الْفرج عوض الْفرج (هُوَ) مبدأ ثَان (الشّغَار) خبر عَن الثَّانِي وَهُوَ على حذف مُضَاف أَي هُوَ صَرِيح الشّغَار بِدَلِيل قَوْله: الْبضْع بالبضع أَي هُوَ الْمُسَمّى بِمَا ذكر، وَالْجُمْلَة من الثَّانِي وَخَبره خبر الأول من قَوْلهم شغر الْكَلْب بِرجلِهِ إِذا رَفعهَا ليبول أَو من قَوْلهم بَلْدَة شاغرة أَي خَالِيَة من أَهلهَا سمي بِهِ هَذَا النِّكَاح لخلوه من الصَدَاق لِأَنَّهُمَا جعلا بضع كل مِنْهُمَا صدَاق الْأُخْرَى فَيَقُول لَهُ مثلا: زَوجنِي أختك أَو بنتك على أَن أزَوجك أُخْتِي أَو ابْنَتي أَو أُمِّي (وعقده) مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة من قَوْله: (لَيْسَ لَهُ قَرَار) خَبره أَي فَيفْسخ قبل الْبناء وَبعده، وَظَاهره وَلَو طَال وَولدت الْأَوْلَاد قَالَ: وَهُوَ كَذَلِك وَلمن وَقع الدُّخُول بهَا مِنْهُمَا صدَاق الْمثل، وَفهم مِنْهُ أَنه إِذا لم يكن بضعاً ببضع بل بِالْمُسَمّى لكل مِنْهُمَا كزوجني أختك بِمِائَة على أَن أزَوجك أُخْتِي بِخَمْسِينَ أَو بِمِائَة لَا يكون حكمه الْفَسْخ أبدا وَهُوَ كَذَلِك بل يفْسخ قبله وَيثبت بعده بِالْأَكْثَرِ من الْمُسَمّى وصداق الْمثل معجلا وَيُسمى هَذَا وَجه الشّغَار، وَكَذَا لَو سمي لإحداهما دون الْأُخْرَى كَقَوْلِه: زَوجنِي أختك بِمِائَة على أَن أزَوجك أُخْتِي بِلَا مهر فَيثبت فِي الْمُسَمّى لَهَا بعد الدُّخُول بِالْأَكْثَرِ وَيفْسخ فِي الَّتِي لم يسم لَهَا أبدا، وَهَذِه الصُّورَة مركبة من الصَّرِيح وَالْوَجْه يفهم حكمهَا من الْمَسْأَلَتَيْنِ قبله وَبِمَا قَررنَا يعلم أَنه لَا إِجْمَال فِي النّظم وَأَنه إِنَّمَا تكلم على الصَّرِيح كلاًّ أَو بَعْضًا وَغَيره لم يتَعَرَّض لَهُ. وَأَجَلُ الكالِىءِ مَهْما أغْفَلاَ قبْلَ الْبِنَاءِ الفَسْخُ فِيهِ أُعْمِلاَ (وَأجل الكالىء) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (مهما) اسْم شَرط (أغفلا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فعل الشَّرْط (قبل الْبناء) يتَعَلَّق بأعملا آخر الْبَيْت (الْفَسْخ) مُبْتَدأ (فِيهِ) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (أعملا) وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَحذف مِنْهَا الْفَاء ضَرُورَة على حد قَوْله: من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها. وَالْجُمْلَة من الشَّرْط وَالْجَوَاب خبر الْمُبْتَدَأ الأول. ثمَّ اعْلَم أَن الكالىء هُوَ الْمُؤخر كَانَ كل الصَدَاق أَو بعضه وَقَوله: أغفلا يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ ترك، وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 أبهم وَهُوَ أنصع لِأَنَّهُ يَشْمَل مَا إِذا لم يتَعَرَّض لتحديد أَجله أصلا وَمَا إِذا تعرض لتحديده لَكِن بِوَقْت لَا يَنْضَبِط كَيَوْم قدوم زيد مثلا أَو قَالَا إِلَى أجل وَلم يقيداه بقدوم زيد مثلا وَلَا بِغَيْرِهِ، وَظَاهره كَانَ عدم التَّعَرُّض لتحديده قصدا أَو نِسْيَانا وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة والفشتالية وَغَيرهمَا لِأَن النِّكَاح كَالْبيع، وَإِذا فسخ فَلَا صدَاق، وَأما الْإِرْث فثابت لِأَنَّهُ من الْمُخْتَلف فِيهِ كَمَا مرّ، قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَذكر ابْن الْهِنْدِيّ عَن بعض أهل عصره أَنه كَانَ يُفْتِي بِعَدَمِ فَسخه وَيجْعَل لَهُ من الْأَجَل نَحْو مَا النَّاس عَلَيْهِ فِي أجل الكالىء فَإِن كَانَ الْأَمر مُخْتَلفا ضرب لَهُ أَََجَلًا متوسطاً قَالَ: يَعْنِي بعض أهل عصره وَلم أره رِوَايَة إِلَّا أَن لقائله فِي ذَلِك حجَّة عِنْدِي وَاحْتج بِمَسْأَلَة كتاب الْخِيَار من الْمُدَوَّنَة فِيمَن بَاعَ سلْعَة على الْخِيَار وَلم يُوَقت للخيار وقتا أَن البيع جَائِز وَيضْرب لَهُ أجل الْخِيَار فِي تِلْكَ السّلْعَة، وَقد شبه مَالك رَحمَه الله النِّكَاح بِالْبيعِ قَالَ: وَالْقَوْل بفسخه قبل الْبناء هُوَ نَص الرِّوَايَة، وَعَلِيهِ أدْركْت الْعَمَل بَين النَّاس اه. وَمَا ذكره ابْن الْهِنْدِيّ عَن بعض أهل عصره نقل المتيطي أَيْضا نَحوه عَن ابْن ميسر قَائِلا لِأَن أجل الكالىء متقرر فِي الْعرف عِنْدهم فسكوتهما عَنهُ يدل على أَنَّهُمَا دخلا على الْعرف وَالْعرْف سنة مَحْكُوم بهَا قَالَ تَعَالَى: خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ} (الْأَعْرَاف: 199) اه وَهَذَا كُله مُقَابل لنَصّ الرِّوَايَة وَمَا عَلَيْهِ الْعَمَل كَمَا رَأَيْته. وَقد جعل الفشتالي مَا ذكره ابْن الْهِنْدِيّ مُقَابلا، وَكَذَا ابْن عَرَفَة جعله قولا رَابِعا مُقَابلا للمشهور، وَقد تقدم عَن صَاحب الْفَائِق عِنْد قَوْله: وَأجل الكوالىء الْمعينَة الخ. أَنه صرح بمقابلته للمشهور، وَبِهَذَا تعلم أَن مَا اعْتَمدهُ الشَّارِح وَمن تبعه من أَن ترك التَّأْجِيل قصدا هُوَ الْمُوجب للْفَسَاد لَا النسْيَان والغفلة لِأَنَّهُمَا لَا يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا حكم لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان) الخ. مُقَابل للمشهور الْمَعْمُول بِهِ على أَن قَوْله لَا يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا حكم الخ. فِيهِ نظر لِأَن الحَدِيث فِي رفع الْإِثْم وهما هُنَا لَا يصدقان فِي أَنَّهُمَا نسيا أَو غفلا فِي مثل هَذَا لاتهامهما على إِسْقَاط حق الله تَعَالَى فِي تعْيين الْأَجَل، وَأَيْضًا إِذا كَانَا يحْملَانِ على الْعرف فِي النسْيَان والغفلة فأحرى فِي الْقَصْد لِأَنَّهُمَا فِي الْقَصْد تركا التَّعَرُّض للأجل اتكالاً على الْعرف الْجَارِي عِنْدهم، وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا قَالَه ابْن ميسر وَابْن الْهِنْدِيّ عَن بعض أهل عصره جَار فِي الْقَصْد وَغَيره كَمَا هُوَ ظَاهر نقولهم وَهُوَ وَإِن كَانَ قولا قَوِيا فِي نَفسه إِذْ أفتى بِهِ ابْن رشد وَابْن الْحَاج وَابْن المكوي أَيْضا كَمَا فِي المعيار فَهُوَ مُقَابل كَمَا رَأَيْته. تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: سُئِلَ اللؤْلُؤِي عَن النِّكَاح يغْفل فِيهِ عَن ذكر الشَّرْط وتاريخ الكالىء، فَإِذا كَانَ كتب الصَدَاق قَالَ الناكح: لم أرد أَن يكْتب على شَرط وَطول فِي أجل الكالىء، وَقَالَ المنكح: إِنَّمَا غفلنا عَن ذَلِك للْعُرْف الْجَارِي فِي الْبَلَد بِالشُّرُوطِ إِذْ لَا يخرج عَنْهَا إِلَّا الشاذ وللعرف الْجَارِي فِي الكالىء بِكَوْنِهِ إِلَى ثَلَاثَة أَعْوَام وَلَا يعدوه إِلَّا للشاذ أَيْضا فَهَل يحمل الزَّوْج على الْعرف من ذَلِك أم لَا؟ فَأجَاب لَا يجْبر الزَّوْج على ذَلِك وَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ وافقهم أَو وافقوه وإلاَّ فَلهُ الانحلال اه. وَقَوله وَهُوَ بِالْخِيَارِ الخ. مُقَابل لما مر من لُزُوم فَسخه فِي الكالىء نعم بِالنِّسْبَةِ للشّرط هُوَ بِالْخِيَارِ قطعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 الثَّانِي: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة أَيْضا: وَأما إِن زوجه بِمِائَة نَقْدا وَمِائَة إِلَى بعد ابتنائه بِسنة فكرهه ابْن الْقَاسِم قَالَ: وَإِن وَقع لم أفسخه وَذكر أَن مَالِكًا أجَازه وَاخْتلف فِي عِلّة الْجَوَاز فَقَالَ ابْن الْمَوَّاز: هُوَ على الْحُلُول إِذْ للزَّوْجَة أَن تَدعُوهُ للدخول مَتى شَاءَت فَإِذا دَعَتْهُ فَمن حِينَئِذٍ تجب السّنة وَقيل: مَعْنَاهُ إِنَّه يحمل فِي ذَلِك على الْعرف فَإِذا كَانَ للْبِنَاء عِنْدهم وَقت مَعْرُوف حمل عَلَيْهِ وَيُؤَخر بعد ذَلِك الْقدر سنة، وَيدل لذَلِك قَول مَالك: لَا يَصح بيع التَّأْخِير إِلَّا لأجل مَعْلُوم إِلَّا مَا كَانَ من بيع الْأَسْوَاق على التقاضي لأَنهم قد عرفُوا ذَلِك يُقيم أحدهم قدر الشَّهْر وَقدر مَا عرفُوا ثمَّ يتقاضاه مقطعاً الخ. وَهَذَا التَّعْلِيل الْأَخير يُقَوي مَا تقدم عَن ابْن الْهِنْدِيّ وَابْن ميسر، ثمَّ هَذَا التَّنْبِيه دَاخل فِي كَلَام النَّاظِم على الِاحْتِمَال الثَّانِي، وَيدخل فِيهِ أَيْضا إِذا أجل بميسرة الزَّوْج أَو إِلَى أَن تطلبه الْمَرْأَة وَالْحَال أَن الزَّوْج معدم فيهمَا (ح) وَإِلَى الدُّخُول أَو الميسرة إِن كَانَ مَلِيًّا الخ. وَتقدم قَول ناظم الْعَمَل عِنْد قَوْله: وَأجل الكوالىء الْمعينَة الخ. الثَّالِث: مِمَّا يدْخل فِي كَلَام النَّاظِم أَيْضا التَّزَوُّج على أَن ينْفق على ابْنهَا أَو عَبدهَا لِأَن النَّفَقَة من جملَة الصَدَاق وَلَا يدْرِي مَا إِذا يعِيش الْوَلَد. ابْن عَرَفَة: عَن المتيطي الْتِزَام النَّفَقَة فِي العقد لغير أجل كمهر مَجْهُول. قَالَ ابْن الْقَاسِم: إِن بنى بهَا سقط الشَّرْط وَلها مهر مثلهَا وإلاَّ فسخ وَلَو طرحت شَرطهَا. قَالَ: وَللزَّوْج الرُّجُوع عَلَيْهَا بهَا إِلَى حِين فسخ النِّكَاح أَو تَصْحِيحه بِمهْر الْمثل ثمَّ قَالَ ابْن عَرَفَة: وَفِي كَونه أَي الْتِزَام الْإِنْفَاق لأجل، كَذَلِك قَول ابْن زرب وَأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن قَائِلا: لَو مَاتَ الْوَلَد رجعت بِنَفَقَتِهِ الخ. فَظَاهره تَرْجِيح مَا لِابْنِ زرب لتصديره بِهِ. الرَّابِع: مَحل كَلَام النَّاظِم إِذا اتفقَا على عدم التَّعَرُّض لذكر الْأَجَل أصلا أَو أجلاه بِوَقْت لَا يَنْضَبِط كَمَا مر أما إِن اتفقَا على تَأْجِيله بِوَقْت منضبط وَاخْتلفَا فِي قدره فَقَالَ فِي الِاسْتِغْنَاء: إِن اخْتلف الزَّوْج وَالْوَلِيّ فِي أجل الكالىء وَقَالَ الشُّهُود نسيناه فَإِن كَانَ أجل الكوالىء كلهَا متعارفاً عِنْدهم وَكَانَ لقلَّة الكوالىء وَكَثْرَتهَا أجل جعل ذَلِك الكالىء إِلَى مثل ذَلِك الْأَجَل، فَإِن لم يكن عِنْدهم مُتَعَارَف جعل أَجله إِلَى أَكثر مَا تحمل عَلَيْهِ الكوالىء إِلَى مثل ذَلِك الْأَجَل وَيثبت النِّكَاح. نَقله ابْن سَلمُون وَتَبعهُ (ح) مُقْتَصرا عَلَيْهِ وَلما نَقله الشَّارِح قَالَ: ذَلِك وَاضح إِذا ادّعى أَحدهمَا الْأَجَل الْمُتَعَارف، وَادّعى الآخر أقرب مِنْهُ أَو أبعد لِأَن مدعي الْعرف مشبه فَإِن ادّعَيَا مَعًا غير الْمُتَعَارف فَإِن القَوْل للزَّوْج لِأَنَّهُ غَارِم كَمَا لِابْنِ زرقون وَلَا يردان إِلَى الْمُتَعَارف حِينَئِذٍ اه بِاخْتِصَار. ثمَّ قَالَ: فَلَو ادّعى الزَّوْج نفي الْأَجَل فِي مثل صُورَة الِاسْتِغْنَاء فَفِي نَوَازِل ابْن الْحَاج أَنه إِن شهِدت بَيِّنَة بِأَنَّهُ ضرب للكالىء أجل ونسوا قدره وَالزَّوْج يَنْفِي ضرب الْأَجَل ووالد الزَّوْجَة يَقُول: إِنَّه ضرب لَهُ كَانَ من بَاب دَعْوَى الصِّحَّة وَالْفساد فَالْقَوْل لمُدعِي الصِّحَّة مِنْهُمَا اه بِاخْتِصَار. قلت: وَيتَفَرَّع على كَون القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة أَن مدعي الْفساد إِذا أَقَامَ شَاهدا وَاحِدًا على أَنه لم يضْرب لَهُ أجل أَو على أَنه لمَوْت أَو فِرَاق فَإِن كَانَ الْمُقِيم هُوَ الزَّوْجَة لم يفْسخ النِّكَاح لِأَن الْوَاحِد لَا يقبل فِيمَا يُوجب الْفِرَاق، وَإِن أَقَامَت شَاهِدين فسخ وَبَطل الصَدَاق وَلَو أقامته بعد الْبناء حَلَفت وَأخذت الْأَكْثَر من الْمُسَمّى وصداق الْمثل قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 وَمَا يُنَافِي الْعَقْدَ لَيْسَ يُجْعَلْ شَرْطاً وَغَيْرُهُ بِطَوْعٍ يُقْبَلْ (وَمَا) مُبْتَدأ وَجُمْلَة (يُنَافِي العقد) صلته والرابط الضَّمِير الْمُسْتَتر الْفَاعِل بينافي (لَيْسَ) فعل نَاقص واسْمه ضمير الْمَوْصُول الْمَذْكُور (يَجْعَل) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر لَيْسَ ونائبه ضمير يعود على مَا أَيْضا وَهُوَ مَفْعُوله الأول (شرطا) مَفْعُوله الثَّانِي، وَالْجُمْلَة من لَيْسَ وَمَا بعْدهَا خبر الْمُبْتَدَأ والرابط مَحْذُوف أَي فِيهِ، وَالْمعْنَى أَن الشُّرُوط على قسمَيْنِ مَا لَا يُنَافِي عقد النِّكَاح وَسَيَأْتِي وَمَا يُنَافِيهِ وَهُوَ مَا هُنَا، وَظَاهره كَانَ الشَّرْط من جِهَتهَا أَو من جِهَته فَإِذا شَرط أَن لَا يقسم لَهَا أَو يُؤثر عَلَيْهَا أَو لَا نَفَقَة لَهَا أَو لَهَا نَفَقَة مَعْلُومَة فِي كل شهر أَو لَا مِيرَاث بَينهمَا أَو أَن لَا يَأْتِيهَا لَيْلًا أَو لَا يُعْطِيهَا الْوَلَد أَو شرطت أَن الطَّلَاق بِيَدِهَا أَو نَفَقَة وَلَدهَا أَو نَفَقَة الصَّغِير أَو السَّفِيه على الْوَلِيّ أَو نَفَقَة العَبْد على السَّيِّد أَو شرطت نَفَقَة الْكَبِير الرشيد على غَيره أَو إِعْطَاء حميل بِالنَّفَقَةِ فَإِن النِّكَاح فِي ذَلِك كُله يفْسخ قبل الْبناء وَيثبت بعده بِمهْر الْمثل وَتسقط الْحمالَة فِي الْمَسْأَلَة الْأَخِيرَة وَترجع النَّفَقَة على الزَّوْج فِي مَسْأَلَة اشْتِرَاطهَا على ولي الصَّغِير، وَهَكَذَا يسْقط الشَّرْط الْمَذْكُور بعد الْبناء فِي جَمِيع ذَاك (خَ) عاطفاً على مَا يفْسخ قبل وَيثبت بعد مَا نَصه: أَو على شَرط يُنَاقض الْمَقْصُود كَأَن لَا يقسم لَهَا أَو يُؤثر عَلَيْهَا وألغى الخ. أَي ألغى الشَّرْط الْمَذْكُور بعد الْبناء وَمحل الْفساد فِي مَسْأَلَتي الصَّغِير وَالسَّفِيه مَا لم يبينوا أَن الْوَلِيّ إِن مَاتَ أَو طَرَأَ عَلَيْهِ دين أَو عسر قبل بُلُوغ الصَّبِي ورشد السَّفِيه كَانَت على الزَّوْج فَإِن بينوا ذَلِك صَحَّ اتِّفَاقًا فَإِن قَالُوا إِن مَاتَ الْوَلِيّ أَو طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يمْنَع الْإِنْفَاق فَلَا تعود على الزَّوْج حَتَّى يبلغ أَو يرشد فسد اتِّفَاقًا قَالَه ابْن عَرَفَة عَن ابْن رشد، وَفهم من قَوْله لَيْسَ يَجْعَل شرطا فِيهِ أَنه يجوز شَرط مَا يُنَافِيهِ بعده وَهُوَ كَذَلِك كَمَا يَأْتِي قَرِيبا. تَنْبِيه: لَو شَرط السَّيِّد فِي تَزْوِيجه عَبده من أمة غَيره أَن الْوَلَد بَينهمَا فسخ وَلَو بنى وَالْولد لرب الْأمة وَكَذَا لَو شَرط أَن مَا تلده حر، سَوَاء كَانَ الزَّوْج حرا أَو عبدا كَانَت الْأمة لسَيِّد العَبْد أَو لغيره وَمَا وَلدته قبل الْفَسْخ حر وولاءه لسَيِّدهَا وَلَو شَرط أول ولد تلده حر فَكَذَلِك على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَيجوز لسَيِّدهَا بيعهَا مَا لم تحمل فَإِن حملت بقيت حَتَّى تضع فَيعتق الْوَلَد وَمَا ولدت بعده من الْأَوْلَاد رَقِيق قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. (وَغَيره) مُبْتَدأ (بطوع) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (يقبل) أَو فِي مَحل نصب على الْحَال من ضمير أَي وَغير الْمنَافِي للْعقد كَشَرط أَن لَا يتَزَوَّج عَلَيْهَا أَو لَا يُخرجهَا من بَلَدهَا أَو لَا يتسرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 عَلَيْهَا يقبل، وَيجوز حَال كَون كَائِنا بطواعية من الزَّوْج بعد العقد لَا إِن اشْترط فِيهِ فَيكْرَه وَلَا يلْزم على كل حَال وَلَكِن يسْتَحبّ لَهُ الْوَفَاء بِهِ (خَ) وَإِن أخرجهَا من بَلَدهَا أَو تزوج عَلَيْهَا فألفان وَلَا يلْزم الشَّرْط وَكره الخ. وَإِنَّمَا كره اشْتِرَاط ذَلِك فِي العقد لِأَن الْمَرْأَة حطت من صَدَاقهَا لأجل الشَّرْط، وَهَذَا هُوَ السِّرّ فِي رد الْمَرْأَة لمهر الْمثل بعد الْبناء فِي الشُّرُوط المنافية ثمَّ إِن غير الْمنَافِي قِسْمَانِ مَا لَا يَقْتَضِيهِ العقد وَلَا يُنَافِيهِ كالأمثلة الْمَذْكُورَة وَمَا يَقْتَضِيهِ العقد، وَإِن لم يشْتَرط كَشَرط أَن يقسم لَهَا أَو لَا يُؤثر عَلَيْهَا أَو لَا يضْربهَا فاشتراط هَذَا وَعَدَمه سَوَاء، فَقَوْل النَّاظِم يقبل أَي مَعَ كَرَاهَة إِن كَانَ ذَلِك فِي العقد وبدونها بعده لَكِن مَا كَانَ فِي العقد لَا يُوصف بطواعية حَقِيقَة، بل مجَازًا لِأَن الْمَرْأَة تأبى من العقد حَتَّى يلْزم الشَّرْط، وَمَا كَانَ كَذَلِك لَيْسَ بطوع. وَقَوله: يقبل أَي يَصح وَكَونه يلْزم أَو لَا يلْزم شَيْء آخر فِيهِ تَفْصِيل، وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ يلْزم فَيحمل حِينَئِذٍ على مَا إِذا علق عَلَيْهِ طَلَاقا أَو عتقا أَو تَمْلِيكًا أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا يقْضى بِهِ على الزَّوْج إِذا حنث فَإِن الْمُعَلق يلْزمه بالمخالفة كشرطه فِي العقد أَو بعده أَن لَا يُخرجهَا من بَيتهَا وَإِن أخرجهَا فَهِيَ طَالِق أَو عَبده حر أَو أمرهَا بِيَدِهَا وَأَن لَا يضر بهَا وَإِن أضرّ بهَا فَأمرهَا بِيَدِهَا فَإِن اشْترطت مَعَ ذَلِك أَنَّهَا مصدقة فِي الضَّرَر فسد على مَا لسَحْنُون إِن كَانَ فِي العقد لدُخُوله على غرر فِي بَقَاء الْعِصْمَة. ابْن عَرَفَة: وَفِي أَعمال شَرط تصديقها دون يَمِين فِي المغيب والرحيل وَالضَّرَر أَو فيهمَا دون المغيب نقلا. ابْن عَاتٍ عَن ابْن فتحون وَابْن عبد الغفور: وَكَانَ ابْن دحون يُفْتِي بإلغاء شَرط التَّصْدِيق فِي الضَّرَر بعد قَوْله لَا خلاف فِي أَعماله إِن لم يكن شرطا فِي العقد الخ. وَفِي ابْن سَلمُون مَا نَصه: فَإِن الْتزم لَهَا التَّصْدِيق فِي الضَّرَر بِغَيْر يَمِين فَقَالَ ابْن رشد: اخْتلف فِي ذَلِك فروى عَن سَحْنُون أَنه قَالَ: أَخَاف أَن يفْسخ النِّكَاح قبل الْبناء فَإِن دخل بهَا فَلَا يقبل قَوْلهَا إِلَّا بِبَيِّنَة على الضَّرَر، وَحكي عَن ابْن دحون أَنه كَانَ يُفْتِي بِأَن ذَلِك لَا يلْزم وَلَا يجوز إِلَّا بِبَيِّنَة ثمَّ قَالَ: وَلَا خلاف أَنه إِذا لم يشْتَرط فِي أصل العقد أَنه جَائِز نَافِذ اه. وَانْظُر تَمام كَلَامه فِيمَا يَأْتِي فِي فصل الضَّرَر، وَأما إِن لم يعلق على ذَلِك شَيْئا أَو علق عَلَيْهِ مَا لَا يقْضى بِهِ على الزَّوْج إِن خَالف كَقَوْلِه: إِن أخرجتها من بَلَدهَا فلهَا أَلفَانِ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ بالمخالفة كَانَ فِي العقد أَو بعده، وَلِهَذَا إِذا اشْترطت عَلَيْهِ الماشطة فِي العقد أَن لَا يمْنَعهَا من الْخُرُوج لصنعتها لَا يلْزمه الْوَفَاء بِهِ كَمَا فِي المعيار وَأولى إِن اشْترطت عَلَيْهِ الْخُرُوج لقدوم الْحَاج أَو خُرُوجه، ثمَّ إِن علق الطَّلَاق على التَّزَوُّج عَلَيْهَا أَو على التَّسَرِّي فَيلْزمهُ فِي التَّزَوُّج بِمُجَرَّد العقد، وَإِن لم يدْخل وَفِي التَّسَرِّي بِالْوَطْءِ وَلَو كَانَت الْأمة عِنْده قبل التَّعْلِيق وَإِن علقه على اتِّخَاذ أم الْوَلَد فَيلْزمهُ بِوَطْء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 الْأمة أَيْضا لَا بحملها على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. ثمَّ إِن الطواعية بذلك أحسن من اشْتِرَاطه فِي العقد فَإِن اتفقَا على الشّرطِيَّة فِيمَا يقْضِي بِهِ وَاخْتلفَا فِي كَونهَا وَقعت فِي العقد أَو بعده وَلَا بَيِّنَة فَقيل: يحمل على الشّرطِيَّة فِي العقد، وَقيل على الطواعية بعده وبالأول الْعَمَل قَالَ ناظمه: وَالشّرط فِي النِّكَاح مَحْمُول على أَنه فِي أصل الْعُقُود جعلا وَفَائِدَة الْخلاف أَن لَهُ أَن يناكرها على الطواعية دون الشّرطِيَّة كَمَا أَشَارَ لذَلِك (خَ) فَقَوله وناكر مخيرة لم يدْخل بهَا ومملكة مُطلقًا الخ. وَتظهر أَيْضا أَنَّهَا إِذا وَقعت وَاحِدَة فِي الطواعية فَهِيَ رجيعة وَفِي الشّرطِيَّة بَائِنَة كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَتظهر أَيْضا فِيمَا إِذا الْتزم نَفَقَة ربيب أَو غير ذَلِك مِمَّا يُنَافِي العقد وتنازعا فِي كَونه وَقع فِي العقد أَو بعده، فَإِنَّهُ يحمل على الشَّرْط على مَا بِهِ الْعَمَل وَيفْسخ النِّكَاح إِن كَانَ التَّنَازُع قبل الْبناء وَيسْقط الشَّرْط إِن كَانَ بعده. تَنْبِيهَات. الأول: يحْتَمل أَن يكون الضَّمِير فِي قَول النَّاظِم وَغَيره عَائِدًا على مَا ذكر أَي وَغير الْمُشْتَرط فِي العقد مِمَّا هُوَ منَاف لَهُ أَو غير الْمنَافِي أصلا أَي غَيرهمَا مَعًا يقبل بطوع بعده فيهمَا وَفِي غير الْمنَافِي مُطلقًا فيستفاد مِنْهُ بطرِيق النَّص أَن جَمِيع الْمنَافِي للْعقد يجوز الطوع بِهِ بعده مَا عدا قَوْله: وَلَا مِيرَاث بَينهمَا فَإِنَّهُ لَا يَصح فِيهَا ذَلِك لِأَنَّهُ من إِسْقَاط الشَّيْء قبل وُجُوبه وَلِأَنَّهُ يدْخل فِي الْملك جبرا فَيصح حِينَئِذٍ أَن يلْتَزم الزَّوْج نَفَقَة ربيبه أمد الزَّوْجِيَّة أَو مُطلقًا وَأَن يلْتَزم الزَّوْج نَفَقَة زَوْجَة غَيره وَأَن يتَحَمَّل لَهَا بِالنَّفَقَةِ وَأَن تسْقط حَقّهَا فِي الْقسم، وَهَكَذَا فَإِن طلقت الْمُلْتَزم لولدها بِالنَّفَقَةِ أَو الَّتِي تطوع لَهَا بِطَلَاق الدَّاخِلَة عَلَيْهَا ثمَّ رَاجعهَا عَادَتْ نَفَقَة الْوَلَد وَعَاد الشَّرْط كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله فِي الْخلْع: وَمَا امْرُؤ لزوجه يلْتَزم مِمَّا زمَان عصمَة يلْتَزم فَذا إِذا دون الثَّلَاث طلقا زَالَ وَإِن رَاجع عَاد مُطلقًا الثَّانِي: مَا تقدم من أَنَّهَا إِذا شرطت عَلَيْهِ نَفَقَة وَلَدهَا فِي العقد يفْسد النِّكَاح هُوَ الَّذِي فِي شرَّاح (خَ) عِنْد قَوْله: أَو على شَرط يُنَاقض الْمَقْصُود وظاهرهم اشْترطت ذَلِك لمُدَّة مَعْلُومَة أم لَا. وَهُوَ الَّذِي لِابْنِ زرب وَقَالَ أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن: إِن شرطت ذَلِك لمُدَّة مَعْلُومَة جَازَ ذَلِك فَإِن مَاتَ الْوَلَد رجعت بِنَفَقَة بَقِيَّة الْأَجَل وَيلْزمهُ لِأَنَّهُ من صَدَاقهَا، وَإِنَّمَا تَأْخُذهُ على حسب مَا شرطت قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَنَقله أَوَائِل الالتزامات وَذكر عَن ابْن رشد أَنه الرَّاجِح قَالَ: وَيَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَن لَا يسْقط بِمَوْت الزَّوْج وَأَن يحل بِمَوْتِهِ وَيَأْتِي أول الْخلْع عَن الْبُرْزُليّ مَا يفِيدهُ. الثَّالِث: على مَا تقدم من فسخ النِّكَاح فَإِن للزَّوْج الرُّجُوع على الْمَرْأَة بِمَا أنْفق بِالشّرطِ على ولد، وَمن لَا تلْزمهُ نَفَقَته من خدمها إِلَى حِين فسخ النِّكَاح أَو لتصحيحه بِمهْر الْمثل قَالَه فِي الالتزامات عَن ابْن رشد. قلت: وَانْظُر الِاضْطِرَاب فِي فهم قَول ابْن رشد إِلَى فسخ النِّكَاح أَو تَصْحِيحه فِي نِكَاح نَوَازِل مازونة. الرَّابِع: إِذا قَالَ لَهَا: إِن أخرجتك من بلدك فأمرك بِيَدِك فأخرجها بِإِذْنِهَا فَأَرَادَتْ أَن تَأْخُذ بشرطها وَتطلق نَفسهَا فَقَالَ مَالك وَأصبغ: لَيْسَ لَهَا ذَلِك. وَقَالَ أَشهب: لَهَا أَن تَأْخُذ بشرطها لِأَنَّهَا إِنَّمَا أَذِنت فِي شَيْء تملكه، وَاسْتَحْسنهُ ابْن الْمَوَّاز قَالَه فِي كتاب الشُّرُوط من الْمُتَيْطِيَّة قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 وَلَو أخرجهَا بِإِذْنِهَا فَردهَا ثمَّ أَرَادَ أَن يُخرجهَا فَأَبت فروى ابْن وهب عَن مَالك: تحلف بِاللَّه مَا كَانَ خروجي مَعَه أَولا تركا لشرطي ثمَّ هِيَ على شَرطهَا. وَقَالَ بعض الْعلمَاء: إِذا أَذِنت لَهُ سقط شَرطهَا وَهُوَ شَاذ اه بِاخْتِصَار. الْخَامِس: مَا تقدم من أَن الشَّرْط فِي النِّكَاح مَحْمُول على الشَّرْط فِي العقد حَيْثُ لَا بَيِّنَة كَمَا مر، أما إِن كَانَت هُنَاكَ بَيِّنَة بِكَوْنِهِ شرطا أَو طَوْعًا فَإِنَّهُ يعْمل عَلَيْهَا مَا لم يشْهد الْعرف بضدها، فَفِي المعيار سُئِلَ ابْن رشد عَمَّا يكْتب من الشُّرُوط على الطوع وَالْعرْف يَقْتَضِي شرطيتها، فَقَالَ: إِذا اقْتضى الْعرف شرطيتها فَهِيَ مَحْمُولَة على ذَلِك وَلَا ينظر لكتبها على الطوع الخ. قلت: وَالْعرْف فِي زمننا هَذَا أَن الْتِزَام نَفَقَة الربيب وَنَحْوهَا من إمتاع الزَّوْجَة زَوجهَا إِنَّمَا يكون فِي صلب العقد إِذْ قل مَا تَجِد التزاماً بِالنَّفَقَةِ الْمَذْكُورَة مُتَطَوعا بِهِ فِي نفس الْأَمر، وَإِنَّمَا الْكتاب يكتبونه على الطوع تَصْحِيحا لوثائقهم وتجدهم يأمرون الْمُتَعَاقدين بِتَأْخِير كتبه إِلَى يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة من عقد النِّكَاح فَيجب حِينَئِذٍ فسخ هَذَا النِّكَاح إِن عثر عَلَيْهِ قبل الْبناء، وَلَا تسْقط النَّفَقَة عَن الزَّوْج إِن عثر عَلَيْهِ بعده عملا على مَا أفتى بِهِ ابْن رشد، وأقامه ابْن عَرَفَة من الْمُدَوَّنَة فِي بَاب الْحمالَة. قَالَ ابْن نَاجِي: وَبِه الْعَمَل اه. وَقد علمت مِمَّا قدمْنَاهُ أول الْكتاب أَن قَوْلهم: الْعَمَل بِكَذَا مِمَّا يرجع القَوْل الْمَعْمُول بِهِ فَمَا قَالَه ابْن رشد هُوَ الْحق إِن شَاءَ الله تَعَالَى كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده عَن الجزيري والمازري، وَقد قَالَ فِي الْفَائِق: مَتى ضَاقَ على الموثق المجال ركن إِلَى التَّطَوُّع مصوراً فِي صُورَة الْجَائِز مَا لَا يجوز فِي الْحَقِيقَة اه. وَمثل هَذَا يَأْتِي فِي بيع الثنيا إِن شَاءَ الله وَأَنه مَتى ثَبت رسم الْإِقَالَة وَلَو بِصُورَة التَّطَوُّع فَهُوَ مَحْمُول على أَنه شَرط فِي نفس العقد كَمَا أفتى بِهِ المجاصي وَغَيره من أهل عصره لِأَن الْعرف شَاهد بضد الْمَكْتُوب خلاف مَا يَأْتِي للناظم من أَن الْعَمَل فِيهَا على الْمَكْتُوب. ويَفْسُدُ النِّكاحُ بالإِمْتَاعِ فِي عُقْدَتِهِ وَهُوَ عَلَى الطّوْع اقْتُفِي (وَيفْسد) بِضَم السِّين وَفتح الْيَاء مضارع فسد (النِّكَاح) فَاعله (بالإمتاع) يتَعَلَّق بيفسد (فِي عقدته) يتَعَلَّق بالإمتاع وضميره للنِّكَاح أَي يفْسد النِّكَاح بِاشْتِرَاط الزَّوْج فِي صلب العقد أَن تمتعه زَوجته بموافقة وَليهَا بسكنى دارها أَو استغلال أرْضهَا لِأَن مَا يبذله الزَّوْج من الصَدَاق بعضه فِي مُقَابلَة ذَلِك وَهُوَ مَجْهُول لِأَنَّهُ يستغل إِلَى الْمَوْت والفراق وَلَا يدْرِي وقتهما قَالَه الْمَازرِيّ. وَقَالَ ابْن جزي: وَقد يسْتَغْرق ذَلِك الصَدَاق فَيبقى الْبضْع عَارِيا عَن الْمهْر. قَالَ: وَكَذَا يفْسد إِن كَانَ الإمتاع لمُدَّة مَعْلُومَة لِأَنَّهُ نِكَاح وَإِجَارَة، وَعَلِيهِ فَيفْسخ قبل الدُّخُول وَيثبت بعده بِمهْر الْمثل وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 وَشرط كسْوَة من الْمَحْظُور للزَّوْج فِي العقد على الْمَشْهُور إِلَّا أَن ظَاهر كَلَام النَّاظِم هَهُنَا أَنه يفْسد وَلَو لم يصرحا باشتراطه فِي العقد، بل وَقع الإمتاع فِي العقد بِغَيْر شَرط وَهُوَ مُخَالف بِهَذَا الظَّاهِر لقَوْل ابْن سَلمُون وَلَو سكت عَن ذَلِك فِي العقد حمل على الطوع الْجَائِز أَو الْعَادة إِن كَانَت عَادَة فالإشارة فِي قَوْله عَن ذَلِك تعود على الإمتاع أَي سكت عَن اشْتِرَاطه فِي الْعقل بل وَقع فِي العقد على الطوع من غير شَرط. هَذَا ظَاهره بِدَلِيل قَوْله: حمل على الطوع فَتَأَمّله. وَأَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله فِي عقدته فَقَالَ: (وَهُوَ) مُبْتَدأ (على الطوع) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (اقتفي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي اتبع أَي إِن وَقع ذَلِك بعد العقد جَازَ وَاتبع ذَلِك وَمحل جَوَازه بالطوع إِذا لم تَنْعَقِد الْقُلُوب والضمائر عَلَيْهِ عِنْد وَقت عقد النِّكَاح، أما إِن انْعَقَدت الضمائر عَلَيْهِ وقته وَعرف ذَلِك من عَادَة الْبَلَد فَإِنَّهُ يفْسخ قبل الْبناء أَيْضا وَإِن كتب على الطوع إِذْ لَا عِبْرَة حِينَئِذٍ بالمكتوب لِأَن الموثق يُدَلس ذَلِك ليتوصل لما لَا يجوز فِي صُورَة الْجَائِز قَالَ مَعْنَاهُ الْمَازرِيّ حَسْبَمَا فِي الشَّارِح، وَهُوَ الْمُوَافق لما مر عَن ابْن رشد فِي الْبَيْت قبله. وَقَالَ الجزيري: هَذَا الإمتاع جرت بِهِ الْعَادة فِي الجزيرة الخضراء وَغَيرهَا ويجعلون الإمتاع فِي مَال الزَّوْجَة على الطوع من وَليهَا أَو مِنْهَا إِن كَانَت مالكة أَمر نَفسهَا وَهُوَ غير سديد لِأَن الإمتاع فِي مُقَابلَة الصَدَاق فَيبقى الْبضْع بِلَا عوض إِذْ قد يَشْتَرِطه من لَا فقه عِنْده، فَهُوَ وَإِن كتب على الطوع لإِرَادَة الْإِمْضَاء فالضمائر المنعقدة عَلَيْهِ تقوم مقَام الشَّرْط عِنْد الْعلمَاء. وَفِي الْمُدَوَّنَة مَا يَقْتَضِيهِ انْظُر تَمَامه فِي اليزناسني إِن شِئْت فَهُوَ مُوَافق لما مر عَن الْمَازرِيّ وَابْن رشد من أَنه لَا عِبْرَة بالطوع إِن كَانَت الْعَادة بِخِلَافِهِ. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا قُلْنَا بِفساد النِّكَاح فِي الطوع حَيْثُ كَانَت الْعَادة بِخِلَافِهِ فَإِن النِّكَاح يفْسخ قبل وَيثبت بعد بِمهْر الْمثل بِمَنْزِلَة الْمُشْتَرط فِي العقد، وَكَلَام الْمَازرِيّ الَّذِي فِي الشَّارِح صَرِيح فِي ذَلِك لِأَنَّهُ من الْفَاسِد لصداقه، وَعَلِيهِ فَإِذا عثر على ذَلِك بعد الْبناء وطالت الْمدَّة فَإِنَّهَا ترجع عَلَيْهِ بِقِيمَة مَا استغل بعد أَن ترد لمهر مثلهَا على أَنه لَا إمتاع فِي نِكَاحهَا، وَالْغَالِب أَن مهر الْمثل حِينَئِذٍ أقل من الْمُسَمّى لِأَن الْمُسَمّى يرْتَفع للإمتاع الْمَذْكُور. الثَّانِي: إِذا قُلْنَا يحمل فِي الطوع على الشَّرْط حَيْثُ جرت الْعَادة بِهِ، وَأَنه لَا عِبْرَة بالمكتوب فَبِأَي شَيْء يتَوَصَّل للصورة الْجَائِزَة إِذْ مَا من طوع فِي بلد جرت الْعَادة بِخِلَافِهِ إِلَّا وَيُقَال إِنَّه مَحْمُول على الشَّرْط فَلَا يجد مُلْتَزم الْإِنْفَاق للربيب مثلا أَو مُلْتَزم التمتيع وَنَحْوه سَبِيلا إِلَى كتبه على الطوع وَإِن صَحَّ قَصده فِي نفس الْأَمر هَذَا مِمَّا لم أَقف الْآن فِيهِ على نَص، وَالظَّاهِر أَنه إِذا طَال مَا بَين العقد بِحَيْثُ يظنّ أَن مَا أضمراه قد اضمحل واندثر، وَأَنه فعل ذَلِك عَن اخْتِيَار كالشهر وَنَحْوه فَإِنَّهُ لَا يحمل على الشَّرْط حِينَئِذٍ وَالله أعلم. الثَّالِث: مَحل الْفساد بالإمتاع إِذا كَانَ من مَال الزَّوْجَة كَمَا مر أما إِذا كَانَ من مَال وَليهَا أَو أَجْنَبِي فَإِنَّهُ جَائِز، وَقد رُوِيَ عَن مَالك أَنه يجوز أَن يَقُول الرجل لآخر: تزوج ابْنَتي على أَن أُعْطِيك مائَة دِينَار نَقله الشَّارِح. وَفِي ابْن عَرَفَة سمع سَحْنُون ابْن الْقَاسِم من أنكح ابْنَته من رجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 على أَن أعطَاهُ دَارا جَازَ إنكاحه، وَلَو قَالَ: تزوج ابْنَتي بِخَمْسِينَ دِينَارا وَأُعْطِيك هَذِه الدَّار لَا خير فِيهِ لِأَنَّهُ من وَجه النِّكَاح وَالْبيع ابْن رشد: يقوم من قَوْله جَازَ نِكَاحه معنى خَفِي وَهُوَ جَوَاز اجْتِمَاع البيع مَعَ نِكَاح التَّفْوِيض اه. وَهَذَا معنى قَول (خَ) : أَو باجتماعه مَعَ بيع كدار دفعتها هِيَ أَو أَبوهَا وَجَاز من الْأَب فِي التَّفْوِيض. الرَّابِع: إِذا متعت الزَّوْجَة زَوجهَا بعد العقد بسكنى دارها بِأَن أسقطت عَنهُ كراءها مُدَّة الزَّوْجِيَّة بَينهمَا ثمَّ اخْتلعت مِنْهُ وسكتت عَن كِرَاء مَسْكَنهَا الَّذِي تَعْتَد فِيهِ فَقَالَ ابْن زرب: يلْزمه ذَلِك لِأَن من حجَّة الزَّوْجَة أَن تَقول: لم أسقط ذَلِك عَنهُ إِلَّا مُدَّة الزَّوْجِيَّة، وَبِه قَالَ ابْن عتاب وَاللَّخْمِيّ قَالَ: لِأَن بِالطَّلَاق خرجت عَن المكارمة وَلَا يلْزمهَا أَن تكارمه فِي الْمُسْتَقْبل، وَقَالَ أَبُو عمر الإشبيلي: لَا يلْزمه ذَلِك لِأَن الْعدة من أَسبَاب الزَّوْجِيَّة وَبِه قَالَ ابْن الْقطَّان أَبُو بكر بن بعد الرَّحْمَن قَالَ بعض: وَالْأول أَقيس. المتيطي: وَهُوَ الْحق إِن شَاءَ الله. (فصل (فِي مسَائِل) مُتَفَرِّقَة (من) لواحق (النِّكَاح)) والعَبْدُ والمرأةَ حَيْثُ وُصِّيَا وَعَقَدَا عَلَى صَبِيَ أُمْضِيَا (وَالْعَبْد) مُبْتَدأ (وَالْمَرْأَة) مَعْطُوف عَلَيْهِ (حَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (وَصِيّا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالْألف نَائِبه وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (وعقدا) فعل وفاعل وَالْجُمْلَة معطوفة على وَصِيّا (على صبي) يتنازعه الفعلان قبله (أمضيا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول جَوَاب حَيْثُ ونائبه ضمير العقد وألفه للإطلاق ومفعول عقدا مَحْذُوف أَي عقدا النِّكَاح وأشعر تذكير الْوَصْف أَنه ذكر لَا أُنْثَى إِذْ لَا يَصح عقدهما عَلَيْهَا (خَ) : ووكلت مالكة أَو وَصِيَّة الخ. وَتقدم أَيْضا قَول النَّاظِم: وَالْمَرْأَة الْوَصِيّ لَيست تعقد الخ. وَرُبمَا أشعر قَوْله: أمضيا أَنه لَا يجوز ابْتِدَاء وَلَيْسَ كَذَلِك، بل يجوز ابْتِدَاء كَمَا فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة، وَإِنَّمَا عبر بِهِ نظرا إِلَى أَن لفظ العَبْد وَالْمَرْأَة يَشْمَل الْكَافِر مِنْهُمَا كَمَا يَأْتِي وَلَا مَفْهُوم لصبي، بل لَهما العقد على من إِلَى نظرهما من الذكران كبارًا أَو صغَارًا بل لَو وكلهما كَبِير رشيد لصَحَّ عقدهما عَلَيْهِ، وَظَاهر قَوْله: وَالْعَبْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 وَالْمَرْأَة وَلَو كَافِرين وَهُوَ كَذَلِك. وَفِي الطرر: وَأما العَبْد وَالْكَافِر فيزوجان بنيهما وَبني من أوصى بهم إِلَيْهِمَا الذكران الخ. وَفِي سَماع عِيسَى: لَا بَأْس أَن يُوكل الرجل نَصْرَانِيّا أَو عبدا أَو امْرَأَة على عقد نِكَاحه اه. والإيصاء تَوْكِيل فِي الْحَقِيقَة، وَلذَا قَالَ (خَ) : وَصَحَّ تَوْكِيل زوج الْجَمِيع الخ. وَقَول الْمُدَوَّنَة لَا تجوز الْوَصِيَّة لذِمِّيّ أَو مسخوط أَو من لَيْسَ بِعدْل ويعزل إِن أوصى إِلَيْهِ الخ. مَعْنَاهُ لَا يجوز ابْتِدَاء وَذَلِكَ لَا يُنَافِي صِحَة عقده ومضي تَصَرُّفَاته بِدَلِيل قَوْلهَا: ويعزل إِذْ الْعَزْل فرع الِانْعِقَاد فَهُوَ نَظِير قَول الْمَتْن وَنفذ حكم أعمى وأبكم وأصم وَوَجَب عَزله الخ. فَقَوْل الشَّارِح وَمن تبعه: سكت النَّاظِم عَن الْكَافِر لندوره لَيْسَ على مَا يَنْبَغِي لِأَن النَّاظِم أطلق ولإطلاقة عبر بالإمضاء كَمَا مرّ. تَنْبِيهَات. الأول: مَحل إِمْضَاء الْوَصِيَّة لابنها وَنَحْوه مِمَّن فِي حجرها إِذا لم تعقد لَهُ على بنت زَوجهَا وإلاَّ فَهُوَ مَحل للنَّظَر والتعقب لكَونهَا فِي عصمته فَهِيَ مغلوبة فَإِن كَانَ سداداً مضى وإلاَّ فَلَا، قَالَه فِي الكراس الثَّامِن من أنكحة المعيار. الثَّانِي: إِذا بلغ الصَّبِي وأبى من الْتِزَام مَا عقده عَلَيْهِ وَصِيّه أَو أَبوهُ فَإِنَّهُ يجْرِي على مَا تقدم فِي قَوْله: وعاقد على ابْنه حَال الصغر الخ. وَفِي اخْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة أَن الصَّغِير إِذا زوجه وَصِيّ أَو مقدم القَاضِي جَازَ ذَلِك عَلَيْهِ وَلَا خِيَار لَهُ بعد الْبلُوغ بِخِلَاف الْيَتِيمَة، وَالْفرق أَن الصَّبِي إِذا بلغ وَكره النِّكَاح طلق بِخِلَاف الْيَتِيمَة، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور من مَذْهَب مَالك فِي الْمُدَوَّنَة وَغَيرهَا اه. الثَّالِث: إِذا كَانَ مَعَ الْوَصِيّ مشرف وَعقد الْوَصِيّ النِّكَاح بِغَيْر مشورته فعقد الْوَصِيّ صَحِيح سَوَاء عقد بِنَفسِهِ أَو قدم أخاها وَنَحْوه للْعقد وللمشرف تعقبه بِالنّظرِ، فَإِن رأى أَن يُجِيزهُ أجَازه وَإِن رأى أَن يردهُ رده كالسفيه يتَزَوَّج بِغَيْر إِذن وليه فَإِن مَاتَ المشرف وَعقد الْوَصِيّ النِّكَاح فَإِنَّهُ يُوقف على نظر القَاضِي فيتعقبه بِالنّظرِ أَيْضا لِأَنَّهُ قَائِم مقَام المشرف، فَإِن لم يعثر القَاضِي على ذَلِك حَتَّى مَاتَ الزَّوْج وَالْحَال أَن الزَّوْجَة هِيَ ذَات الْوَصِيّ، وَقد زَوجهَا بعد موت المشرف فقد فَاتَ مَوضِع نظر القَاضِي وَوَجَب للزَّوْجَة الصَدَاق الْمُسَمّى وَالْمِيرَاث إِذْ لَا حَظّ لَهَا فِي الرَّد بعد موت الزَّوْج لِأَن ذَلِك يسْقط مَا وَجب لَهَا من الصَدَاق وَالْمِيرَاث لغير وَجه نظر قَالَه ابْن رشد فِي أجوبته. وَيفهم من قَوْله: كالسفيه يتَزَوَّج بِغَيْر إِذن وليه أَن الزَّوْج إِذا كَانَ هُوَ الْمُوصى عَلَيْهِ وزوجه وَصِيّه بعد موت المشرف فَمَاتَتْ الزَّوْجَة أَن القَاضِي ينظر فِي الْأَصْلَح من الرَّد وَالْإِجَازَة، فَإِن مَاتَ الزَّوْج الْمولى عَلَيْهِ تعين الرَّد فَيكون من أَفْرَاد قَول (خَ) ولولي سَفِيه فسخ عقده وَلَو مَاتَت وَتعين لمَوْته وَالله أعلم. وَهَذَا بِخِلَاف تَزْوِيج أحد السيدين الْأمة دون إِذن شَرِيكه أَو تَزْوِيج أحد الوليين الْيَتِيمَة دون إِذن الآخر فَإِن النِّكَاح فَاسد وَلَو أجَازه الآخر يفْسخ قبل الْبناء وَبعده قَالَ فِي النَّوَادِر: إِذا كَانَ للزَّوْجَة وليان فَزَوجهَا كل وَاحِد مِنْهُمَا على حِدة من رجل فَإِن لم يول كل مِنْهُمَا صَاحبه لم يجز نِكَاح كل مِنْهُمَا وَإِن أَمر كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه فنكاح أَولهمَا أولى إِلَّا أَن يَبْنِي الآخر. ابْن الْمَوَّاز، وَهَذَا فِي الْوَصِيّين والسيدين فَجعل الْوَصِيّين كالسيدين والوليين وَالرِّوَايَة فِي الْمُدَوَّنَة أَن السَّيِّد إِذا زوج الْأمة دون إِذن شَرِيكه يفْسخ قبل الْبناء وَبعده، وَإِن أجَازه الآخر. انْظُر أجوبة ابْن رشد، وَقد نقل ذَلِك الزياتي فِي نوازله وَهَذَا كُله فِيمَا بعد الْوُقُوع وَأما قبله فقد قَالَ (خَ) : وَإِن تنَازع الْأَوْلِيَاء المتساوون فِي العقد أَو الزَّوْج نظر الْحَاكِم الخ. وَأما العَبْد يُزَوجهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 أَحدهمَا دون إِذن الآخر فَإِن النِّكَاح صَحِيح ويتوقف على إجَازَة الآخر وَالسَّفِيه يُزَوجهُ أَحدهمَا دون إِذن الآخر كَذَلِك. والأبُ لَا يَقْضِي اتِّسَاعُ حالِهِ تَجْهِيزِه لابْنَتِهِ مِنْ مَالِهِ (وَالْأَب) مُبْتَدأ (لَا يقْضِي) بِفَتْح الْيَاء مضارع قضى (اتساع حَاله) فَاعل ومضاف إِلَيْهِ (تَجْهِيزه) بِالنّصب مفعول يقْضِي (لابنته) يتَعَلَّق بتجهيز وَكَذَا قَوْله (من مَاله) والضمائر عَائِدَة على الْأَب، وَالْمعْنَى أَن الْأَب الْغَنِيّ المتسع المَال لَا يلْزمه أَن يُجهز ابْنَته الْبكر أَو الثّيّب إِذا زَوجهَا بِشَيْء من مَاله زِيَادَة على صَدَاقهَا، وَإِنَّمَا يلْزمه أَن يجهزها بصداقها (خَ) : ولزمها التَّجْهِيز على الْعَادة بِمَا قَبضته إِن سبق الْبناء الخ. فإطلاق النَّاظِم فِي الْبَيْت يَشْمَل الْبكر وَالثَّيِّب الَّتِي فِي حجره لصغرها أَو سفهها، وَأما المرشدة فَهِيَ مَا بعده، وَحِينَئِذٍ فَإِن قَالَ الزَّوْج إِنَّمَا بذلت ألفا ليجهزها أَبوهَا بِأَلف آخر من مَاله وَامْتنع الْأَب من ذَلِك فَإِن كَانَ قبل الْبناء خير الزَّوْج فِي تجهيزها بصداقها فَقَط أَو يُفَارق وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ بعد الْبناء حط عَنهُ مَا زَاده لأجل الجهاز أَي: فَيجب لَهَا صدَاق الْمثل. وَانْظُر مَا للحفار فِي الكراس الْخَامِس من أنكحة المعيار يتَبَيَّن لَك ذَلِك، وَظَاهر النّظم أَنه لَا يلْزمه ذَلِك وَلَا يحكم عَلَيْهِ بِهِ، وَلَو جرى الْعرف بالتجهيز وَالَّذِي بِهِ الْعَمَل أَن ذَلِك حَيْثُ لَا عرف بتجهيز الْآبَاء وإلاَّ لزمَه تجهيزها بِمَا جرى الْعرف بِهِ إِن كَانَ التَّنَازُع بعد الْبناء لِأَنَّهُ بِالْعرْفِ صَار كالملتزم للتجهيز إِذْ الْعرف كالشرط قَالَه غير وَاحِد. وَإِلَيْهِ أَشَارَ ناظم الْعَمَل بقوله: وَفِي الشوار عِنْدهم مثلان الخ. أَي عرفهم تجهيز الْبِنْت بمثلي نقدها فَإِذا نقدها الزَّوْج عشْرين مثلا جهزها الْأَب بِأَرْبَعِينَ، عشْرين من نقدها وَعشْرين زِيَادَة من عِنْده، وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ غَنِيا وَفَاتَ بِالدُّخُولِ والأخير الزَّوْج كَمَا مرّ وَفِي الْبُرْزُليّ مَا نَصه: فَإِذا أثبت الزَّوْج الْعَادة بِأَنَّهُ لَا بُد بَين هذَيْن الصهرين من جهاز زَائِد على النَّقْد مِمَّا لَهُ خطر وبال، وَأَن النَّاس اعتادوا ذَلِك فَإِنَّهُ يُقَال لأبي الزَّوْجَة: إِمَّا أَن تحَققه بشورة أَمْثَالهَا وإلاَّ حلف الزَّوْج على مَا أَعَادَهُ وَيُخَير بَين فسخ النِّكَاح عَن نَفسه وَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِلَّا طَلْقَة خَاصَّة وَهُوَ أرجح الْأَقْوَال، وَقيل: إِذا حلف حط عَنهُ من الصَدَاق الزِّيَادَة الَّتِي زَادهَا للجهاز الْمُتَعَارف بَينهم وَهُوَ أحسن، وَعَلِيهِ يَأْتِي أَكثر الْمَذْهَب، وَقيل: لَا مقَال للزَّوْج وَهُوَ أضعفها انْتهى بِاخْتِصَار. تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ فِي شرح نظم الْعَمَل فِي الْمحل الْمَذْكُور مَا حَاصله: إِن الِالْتِزَام فِي عقد النِّكَاح يكون بِاللَّفْظِ وبالعادة وَالْأول يقْضِي بِهِ قبل الدُّخُول وَبعده فِي حَيَاة الْمُلْتَزم وَبعد مَوته أَو فلسه وَلَا يفْتَقر لحيازة، وَالثَّانِي لَا يلْزم إِلَّا بعد الدُّخُول فِي حَيَاة الْمُلْتَزم، فَإِن مَاتَ بَطل الِالْتِزَام وَاحْتج للْأولِ بنقول تدل دلَالَة وَاضِحَة على أَن مَا انْعَقَد عَلَيْهِ النِّكَاح من صَدَقَة ونحلة يجْرِي مجْرى الْبيُوع فِي الِاسْتِحْقَاق وَسُقُوط الْحِيَازَة وَأَن الْمُلْتَزم يُؤَاخذ بذلك حييّ أَو مَاتَ أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 فلس، وَأَن للزَّوْج أَن يطْلب ذَلِك وَلَو بعد ثَلَاث سِنِين من وَقت الْبناء وَبِغير وكَالَة من الزَّوْجَة لِأَنَّهُ حق لَهُ وَثمن لما أصدقهَا وَاحْتج للثَّانِي بِمَا فِي الالتزامات فِيمَن تزوج بمائتين وَالْعَادَة حَيْثُ أصدقت الْعدَد الْمَذْكُور أَن يجهزها الْأَب بِمِائَة وَخمسين ثمَّ مَاتَ الْأَب قبل الْبناء ثمَّ دخل بهَا زَوجهَا فَقَالَ أَبُو عمرَان: حَيْثُ مَاتَ أَبُو الزَّوْجَة وَرَضي الزَّوْج بِالْبِنَاءِ بهَا فَلَا قيام وَتلْزَمهُ المائتان الخ. قَالَ (ح) عقبه فَعلم مِنْهُ أَن بِمَوْت أبي الزَّوْجَة بَطل الِالْتِزَام وَبَقِي الْخِيَار للزَّوْج فِي أَن يسْتَمر على النِّكَاح الْمَذْكُور أَو يرجع عَنهُ إِلَّا أَن يدْخل بعد علمه بذلك فَيلْزمهُ الصَدَاق وَلَا خِيَار لَهُ اه. قلت: مَا قَالَه أَبُو عمرَان و (ح) صَرِيح فِي أَن موت أبي الزَّوْجَة كَانَ قبل الدُّخُول أما لَو مَاتَ بعده أَو قبله وَقبل أَن يعلم بِمَوْتِهِ فَلَا إِشْكَال فِي أَنه يلْزمه، وَيكون للزَّوْج الْقيام بِهِ لِأَنَّهُ فَاتَ بِالدُّخُولِ على الشَّرْط الَّذِي اقتضته الْعَادة فَيُؤْخَذ ذَلِك من تركته فَقَوْل الشَّارِح الْمَذْكُور: فَإِن مَاتَ بَطل الِالْتِزَام الخ. مَعْنَاهُ مَاتَ قبل الدُّخُول وَدخل بعد الْعلم بِمَوْتِهِ كَمَا مرّ وإلاَّ فَلَا يبطل كَمَا يدل لَهُ الْكَلَام الْمُتَقَدّم، وَهَكَذَا رَأَيْته فِي بعض الْفَتَاوَى عَن بعض الْمُتَأَخِّرين. الثَّانِي: إِذا مَاتَت الزَّوْجَة فِي الْفَرْض الْمَذْكُور أَي قبل أَن يبتل لَهَا الْأَب شَيْئا فَفِي (خَ) وَلَو طُولِبَ بصداقها لموتها فطالبهم بإبراز جهازها لم يلْزمهُم على الْمَقُول الخ. وَإِذا لم يلْزمهُم ذَلِك على مَا قَالَه الْمَازرِيّ فعلى الزَّوْج صدَاق مثلهَا لِأَن من حجَّته أَن يَقُول إِنَّمَا أَصدقتهَا ذَلِك لما جرى بِهِ الْعرف من التَّجْهِيز كَمَا فِي شرَّاح الْمَتْن، وَهَذَا كُله إِذا لم يكن الْأَب عين لَهَا شَيْئا وَلَا بتله قبل مَوتهَا وإلاَّ فَللزَّوْج مِيرَاثه مِنْهُ كَمَا لِابْنِ رشد فِي أجوبته، وَلَو مَاتَ الزَّوْج فِي الْفَرْض الْمَذْكُور فَلَا يحط عَنهُ مَا زَاده لأجل الجهاز، فَيكون للزَّوْجَة جَمِيع الْمُسَمّى وَلَو طَلقهَا قبل الْبناء فَإِن كَانَ لِامْتِنَاع الْأَب من التَّجْهِيز فَلَا شَيْء عَلَيْهِ كَمَا مر، وَإِن كَانَ لغير ذَلِك فَعَلَيهِ نصف الصَدَاق الَّذِي سَمَّاهُ لِأَن الْفِرَاق جَاءَ من قبله وباختياره وَالله أعلم. فقد علمت حكم مَا إِذا مَاتَ الْأَب أَو الزَّوْجَة أَو الزَّوْج أَو طَلَاقه قبل الْبناء وَالله أعلم. الثَّالِث: للْوَصِيّ وَللْأَب تشوير الْيَتِيمَة بمالها وتباع أُصُولهَا فِي ذَلِك وَأولى غَيرهَا حَيْثُ كَانَ عَلَيْهَا معرة فِي ترك الجهاز على مَا بِهِ الْعَمَل قَالَه فِي المعيار. وَذكره فِي القلشاني، ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق. وَفِي الْبُرْزُليّ: إِذا شور الْأَب ابْنَته الْبكر وَأَرَادَ حسبتها بِهِ فِي مِيرَاث أمهَا. وَقَالَ الزَّوْج: بل مِيرَاثهَا غير شورتها وَالصَّدَاق يُقَابل الْجَمِيع فَإِن الْأَب لَا يُجَاب إِلَى ذَلِك إِذْ لَيْسَ من النّظر إخْرَاجهَا من أصل إِلَى شورة إِلَّا أَن يكون شَيْئا يَسِيرا فَيحلف أَنه أنْفق ليحاسب فِي الْمِيرَاث من يَوْم وَقع الْمِيرَاث اه. وَهَذَا مُقَابل بِحَسب ظَاهره لما ذكرنَا أَن الْعَمَل عَلَيْهِ من جَوَاز بيع أُصُولهَا للجهاز وَإِنَّمَا يبْقى النّظر هَل للزَّوْج أَن يُفَارق إِذا كَانَ ذَلِك قبل الْبناء كَمَا مرّ لِأَن من حجَّته أَن يَقُول: إِنَّمَا دفعت الصَدَاق ليجهزها من مَاله وَهُوَ الظَّاهِر فَتَأَمّله الخ. وَقَوله: فَيحلف أَنه أنْفق الخ وَأَنه إِذا بَطل مَا رامه من الْإِخْرَاج الْمَذْكُور وَأَرَادَ أَن يحاسبها بإنفاقها من يَوْم الْإِرْث فَلهُ ذَلِك بعد الْيَمين. وَقَول (خَ) فطالبهم بإبراز جهازها الخ. انْظُر عكسها فِي دعاوى المعيار فِيمَن توفيت فَطلب ورثتها من الزَّوْج إبراز شورتها وجهازها فَأنْكر أَن يكون عِنْده شَيْء من ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يلْزمه غير الْيَمين أَنه مَا أَخذ من مَالهَا شَيْئا فِي حَيَاتهَا وَلَا بعد مماتها وَلَا وجد لَهَا شَيْئا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 سوى مَا أحضرهُ، فالزوج لَو أقرّ أَنه أورد الجهاز بَيت الْبناء لَا يلْزمه غير ذَلِك لاحْتِمَال أَن تكون أتلفته أَو تلف بِغَيْر فعلهَا كَمَا مر لنا التَّنْبِيه عَلَيْهِ عِنْد قَوْله: بِأَنَّهُ كذبهمْ فِي الأول. وَانْظُر نَوَازِل العلمي فِيمَن شور ابْنَته الْبكر وَأشْهد أَن تِلْكَ الشورة هِيَ حظها مِنْهُ بعد الْمَوْت فَلَا تَرث مِنْهُ شَيْئا أَن لَهَا الْمِيرَاث وتحاسب بالشورة، وَانْظُر الهبات والوصايا من المعيار أَيْضا. وبِسِو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ى الصَّداقِ لَيْسَ يُلْزِمُ تَجَهُّزَ الثَّيِّبِ مَنْ يُحَكَّمُ (وبسوى) يتَعَلَّق بيلزم آخر الشّطْر (الصَدَاق) مُضَاف إِلَيْهِ (لَيْسَ) فعل نَاقص جامد واسْمه ضمير الشَّأْن أَو من يحكم آخر الْبَيْت عِنْد من يُجِيز التَّنَازُع بَين متصرف وجامد (يلْزم) كيكرم مضارع ألزم الرباعي (تجهز) بِضَم الْهَاء الْمُشَدّدَة مفعول بِمَا قبله يَلِيهِ (الثّيّب) مُضَاف إِلَيْهِ (من يحكم) بِضَم الْيَاء وَتَشْديد الْكَاف صلَة من والموصول فَاعل يلْزم وَالْجُمْلَة خبر لَيْسَ، وَالْمعْنَى لَيْسَ يلْزم الْحَاكِم تجهيز الثّيّب بِغَيْر الصَدَاق وَلَو كَانَ لَهَا مَال كثير أَو صدَاق أَو نصفه قَبضته من غَيره أَو مِنْهُ بعد أَن أَبَانهَا ثمَّ رَاجعهَا. وَهَذَا فِي الرشيدة، وَأما السفيهة فَهِيَ دَاخِلَة فِي الْبَيْت قبله لِأَن الْأَب هُوَ الْمُخَاطب بذلك أَو بِعَدَمِهِ، وَظَاهر النّظم: وَلَو جرى الْعرف بالجهاز وَمُقْتَضى مَا تقدم إِلْزَام تجهيزها لِأَن الْعرف كالشرط. فرع: إِذا تزوج امْرَأَة وَادّعى على وَليهَا أَنه شَرط فِي عقد نِكَاحهَا أَن لوليته عرُوضا أَو عطايا سَمَّاهَا وَأنكر الْوَلِيّ ذَلِك وَنكل عَن الْيَمين، فَإِن الزَّوْج يحلف وَترجع إِلَى صدَاق مثلهَا وَيرجع هُوَ فِيمَا زَادَت التَّسْمِيَة على صدَاق الْمثل على وَليهَا وَتَأْخُذ هِيَ الصَدَاق كَامِلا مثل الَّذِي يقر بالعيوب فِي وليته تَأْخُذ جَمِيع الصَدَاق وَيرجع على من غره نَقله الْبُرْزُليّ عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن. وَزَاد بعده: إِن الزَّوْج إِذا ادّعى على الْوَلِيّ نحلة فِي عقد النِّكَاح فنكل الْوَلِيّ عَن الْيَمين أَن الزَّوْج يحلف وَيَأْخُذ تِلْكَ النحلة، وَنقل بعد ذَلِك بِيَسِير مثله عَن ابْن زِيَاد وَابْن الفخار قَائِلا لِأَنَّهُ بِسَبَبِهَا رفع فِي صَدَاقهَا اه. ثمَّ مَا قَالَه أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن ظَاهر فِي أَن الدَّعَاوَى بعد الْبناء وإلاَّ كَانَ الزَّوْج بِالْخِيَارِ فَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الْبكر وَالثَّيِّب بِدَلِيل تشبيهه ذَلِك بِمَسْأَلَة الْعُيُوب فَتَأَمّله. وأشْهَرُ القَوْلَيْنِ أَنْ تَجَهَّزَا لهُ بِكَالِىءٍ لَهَا قَدْ حُوِّزا (وَأشهر الْقَوْلَيْنِ) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (أَن تجهزا) فِي تَأْوِيل مصدر خبر الْمُبْتَدَأ وحذفت مِنْهُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ إِذْ أَصله تتجهز، وَهَذَا على قِرَاءَته بِفَتْح التَّاء وَالْهَاء مُشَدّدَة، وَيجوز قِرَاءَته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 بِضَم التَّاء وَكسر الْهَاء أَي إِن تجهز نَفسهَا (لَهُ بكالىء) يتعلقان بِهِ (لَهَا) يتَعَلَّق بقوله: (قد حوزا) وَالْجُمْلَة صفة لكالىء وَمرَاده أَن الكالىء الَّذِي حازته وقبضته قبل الْبناء يقْضِي بالتجهيز بِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة النَّقْد، فَكَمَا أَن لَهَا الِامْتِنَاع من الدُّخُول حَتَّى تقبض النَّقْد فَكَذَا لَهَا الِامْتِنَاع حَتَّى تقبض مَا حل لَهَا من الكالىء كَمَا قَالَ (خَ) وإلاَّ فلهَا منع نَفسهَا من الدُّخُول وَالْوَطْء بعده إِلَى تَسْلِيم مَا حل الخ. وَتقدم أَيْضا قَوْله: ولزمها التَّجْهِيز على الْعَادة بِمَا قَبضته إِن سبق الْبناء الخ. وَعَلِيهِ فمتعلق حوز مَحْذُوف أَي حوز لَهَا قبل الْبناء فَإِن لم تحزه حَتَّى دخل وَبنى لم يلْزمهَا التَّجْهِيز بِهِ كَمَا لَا يلْزمهَا أَيْضا إِذا جَاءَ بِهِ قبل الْبناء قبل حُلُوله، وَإِن قضى عَلَيْهَا بقبوله حَيْثُ كَانَ عينا وَلَو التزمت التَّجْهِيز بِمَا قضى عَلَيْهَا فقبوله قبل حُلُوله لزم سلف جر نفعا لِأَنَّهُ قدمه لَهَا لينْتَفع بالتمتع بِهِ، وَمن عجل مَا أحل يعد مسلفاً، وَأما الصَدَاق غير الْعين فَلَا يلْزمهَا قبُوله حَيْثُ لم يحل وَلَا التَّجْهِيز بِهِ مُطلقًا نَقْدا وكالئاً. ابْن عَرَفَة: الْمَشْهُور وجوب تجهيز الْحرَّة بنقدها الْعين. المتيطي: يَشْتَرِي مِنْهُ الآكد فالآكد عرفا من فرش ووسائد وَثيَاب وَطيب وخادم إِن اتَّسع لَهَا، وَمَا أَجله بعد الْبناء فَلَا حق للزَّوْج فِي التَّجْهِيز بِهِ وَمَا أَجله قبل الْبناء فكالنقد اه. وَفِي الْبُرْزُليّ: إِن الْأَب يدْفع النَّقْد فِي أوكد مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَلَيْسَ للزَّوْج مَعَه كَلَام وَلَا يبْتَاع لَهَا بِهِ خَادِمًا إِذا لم يكن لَهَا فِيهِ فضل وأوكد مَا يَجْعَل فِيهِ مَا يتوطآنه ويتغطيانه من الْفراش والمرفقة والملحفة واللحاف، فَإِن فضل شَيْء ففراش يجلسان عَلَيْهِ وَنَحْو ذَلِك، وَإِن لم يفضل شَيْء فعلى الزَّوْج أَن يبْتَاع مَا يفترشانه ويتوطآنه ويلتحفانه ويرقدان عَلَيْهِ لِأَن ذَلِك يلْزمه لَهَا، وعَلى الْأَب أَن يُخرجهَا بكسوة بذلتها سَوَاء كساها قبل النِّكَاح أَو بعده فَإِن كَانَت خلقا كَانَ على الزَّوْج أَن يَكْسُوهَا لِأَن كسوتها عَلَيْهِ وَلَيْسَ يلْزمهَا أَن تشتري كسْوَة لبذلتها من جهازها، وَلَيْسَ يلْزم الْأَب لَهَا شَيْئا إِلَّا أَن يحب وَسَوَاء كَانَ من مَالهَا أَو من مَاله وَكَذَا الثّيّب لَا يلْزمهَا أَن تجهز بِغَيْر الصَدَاق اه. قلت: وَمن هَذَا يعلم مَا يكثر عَنهُ السُّؤَال فِي هَذِه الْأَزْمَان فِي الرجل يَشْتَرِي بعد الْبناء لزوجته حَرِيرًا أَو كتاناً لتخمر بِهِ رَأسهَا أَو تكسو بِهِ ظهرهَا فَإِذا طلبته بالكالىء حسب عَلَيْهَا مَا كَانَ اشْتَرَاهُ لَهَا من ذَلِك واعتل بِأَنَّهُ مَدين لَهَا والمدين لَا يتَطَوَّع على رب الدّين. وَالْجَوَاب: أَنه لَا يلْزمهَا شَيْء من ذَلِك وَلَا يعْتد عَلَيْهَا بِهِ إِذْ لَا يلْزمهَا أَن تكسو نَفسهَا بكالئها إِلَّا أَن يبين لَهَا ذَلِك عِنْد الشِّرَاء وترضى بِهِ، بل نَص فِي نَوَازِل الزياتي عَن الونشريسي أَن الزَّوْجَة أَو وَليهَا إِذا طلب الزَّوْج بِالْبِنَاءِ فعسر بِالنَّقْدِ وَضرب لَهُ الْأَجَل وَحكم عَلَيْهِ بإجراء النَّفَقَة وَالْكِسْوَة على أَن الزَّوْج لَا يَكْسُوهَا وَلَا ينْفق عَلَيْهَا فِي خلل الْأَجَل الْمَضْرُوب إِلَّا من مَاله الْخَاص بِهِ لَا من نقد الْمهْر وَلَا من كالئه. تَنْبِيه: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَللزَّوْج أَن يسْأَل الْأَب أَو الْوَصِيّ فِيمَا صرف النَّقْد فِيهِ من الجهاز وعَلى الْوَلِيّ أَن يُفَسر لَهُ ذَلِك وَيحلف إِذا اتهمه فِيهِ (خَ) وَإِنَّمَا يُبرئهُ شِرَاء جهاز تشهد بَيِّنَة بِدَفْعِهِ لَهَا الخ وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 ولِلوَصِيِّ يَنْبَغي ولِلأَبِ تَشْوِيرُها بمالِهَا والثَّيِّبِ (وللوصي) يتَعَلَّق بقوله: (يَنْبَغِي وَللْأَب) مَعْطُوف عَلَيْهِ (تشويرها) فَاعل يَنْبَغِي (بمالها) يتَعَلَّق بتشوير (وَالثَّيِّب) مَعْطُوف على الْأَب أَي يَنْبَغِي وَيسْتَحب لكل من الْوَصِيّ وَالْأَب أَن يشور محجورته بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا بمالها، وَيَنْبَغِي للثيب الرشيدة أَن تشور نَفسهَا بمالها أَيْضا إِن كَانَ لَهَا مَال لما لَهُنَّ فِي ذَلِك من الحظوة عِنْد أَزوَاجهنَّ إِذْ المَال من جملَة الْأَغْرَاض الْمَقْصُودَة فِي النِّكَاح لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (تنْكح الْمَرْأَة لأَرْبَع لمالها وجمالها وحسبها ودينها فاظفر بِذَات الدّين تربت يداك) . وَمحل النّظم إِذا لم يجر عرف بالتشوير وإلاَّ لَزِمَهُم التشوير كَمَا مرّ. تَنْبِيه: إِذا كَانَ لَهَا مَال تَحت يَده لكَونهَا فِي ولَايَته وَادّعى أَنه شورها بِهِ عِنْد بِنَاء زَوجهَا بهَا فَالْقَوْل لَهُ مَا لم يتَبَيَّن كذبه للْعُرْف الْجَارِي بِأَن الْآبَاء يجهزون بأموال أنفسهم، فَكيف بمالهن بِخِلَاف الْوَصِيّ فَلَا يصدق لِأَنَّهُ مَأْمُور بِالْإِشْهَادِ بِنَصّ التَّنْزِيل، وَقيل: لَا فرق بَين الْأَب وَالْوَصِيّ قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَنَقله ابْن فَرِحُونَ فِي الْبَاب التَّاسِع وَالْخمسين وَالله أعلم. وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الِاخْتِلَاف فِي الشوار. وزائِدٌ فِي المَهْرِ بَعْدَ العَقْدِ لَا يَسْقُطُ عَمَّا زادَهُ إِن دَخَلاَ (وزائد) مُبْتَدأ سوغه تعلق (فِي الْمهْر بعد العقد) بِهِ (لَا يسْقط) بِفَتْح الْيَاء وَضم الْقَاف فَاعله ضمير الزَّائِد وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ (عَمَّا) يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ قبله (زَاده) صلَة مَا (إِن دخلا) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ. ونِصْفُهُ يَحِقُّ بالطَّلاقِ مِنْ قَبْلِ الابْتِنَاءِ كالصَّدَاقِ (وَنصفه) مُبْتَدأ وَجُمْلَة (يحِق بِالطَّلَاق) خَبره (من قبل الابتناء) يتَعَلَّق بِالطَّلَاق (كالصداق) خبر لمبتدأ مَحْذُوف. ومَوْتُهُ لِلمَنْعِ مِنْهُ مُقْتَضِ فإنَّهُ كَهِبَةٍ لَمْ تُقَبَضِ (وَمَوته) مُبْتَدأ (للْمَنْع مِنْهُ) يتَعَلَّق بِالْمَنْعِ وَهُوَ يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله (مُقْتَض) وَالْفَاء فِي قَوْله (فَإِنَّهُ) للتَّعْلِيل (كَهِبَة) خبر إِن (لم تقبض) صفة لما قبله. وَمَعْنَاهُ أَن كل من تزوج على صدَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 مَعْلُوم، ثمَّ طاع بِزِيَادَة زَادهَا عَلَيْهِ لزوجته فإمَّا أَن يدْخل فتستحق الزَّوْجَة جَمِيعه كَأَنَّهُ مُلْحق بِالصَّدَاقِ، وَإِمَّا أَن يُطلق قبل الْبناء فتستحق نصفه كَمَا تسْتَحقّ نصف الْمُسَمّى، وَإِمَّا أَن يَمُوت أَو يفلس فَلَا تسْتَحقّ مِنْهُ شَيْئا وَإِنَّمَا لَهَا الْمُسَمّى فَقَط وَعلل عدم اسْتِحْقَاقهَا لَهُ فِي الْمَوْت لِأَنَّهُ كَهِبَة لم تجز، وَفهم من قَوْله: لم تقبض الخ. أَنه الْتزم ذَلِك فِي ذمَّته وَلم يَدْفَعهُ وإلاَّ فَهُوَ قَوْله الْآتِي: وكل مَا يُرْسِلهُ الزَّوْج إِلَى زَوجته من الثِّيَاب والحلى الخ. وَقَالَ (خَ) : وتشطر ومزيد بعد العقد وهدية اشْترطت لَهَا أَو لوَلِيّهَا قبله الخ. فَلَو قدم النَّاظِم تِلْكَ الأبيات الْآتِيَة هُنَا لأجاد لِأَنَّهَا مَفْهُوم مَا هُنَا، وَفِي أَوَاخِر أنكحة المعيار مَا نَصه: الزِّيَادَة فِي الذِّمَّة للزَّوْج وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوع عَنْهَا، وللزوجة أَن تَأْخُذهُ بهَا مَا لم يَقع فلس أَو موت فَلَا شَيْء لَهَا لِأَنَّهَا هبة لم تقبض اه. وَفهم من قَوْله: وزائد فِي الْمهْر أَن تِلْكَ الزِّيَادَة زَادهَا للزَّوْجَة لَا للْوَلِيّ وإلاَّ فَهِيَ لَهُ لَا حق فِيهِ للزَّوْجَة وَلَا رُجُوع فِيهِ للزَّوْج لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (أَيّمَا امْرَأَة نكحت على صدَاق أَو حباء أَو عدَّة قبل عصمَة النِّكَاح فَهُوَ لَهَا، وَمَا كَانَ بعد عصمَة النِّكَاح فَهُوَ لمن أعْطِيه وأحق مَا أكْرم عَلَيْهِ الرجل ابْنَته أَو أُخْته) الخ. والحباء الْعَطاء وحباه حبواً أعطَاهُ، وَفهم من قَوْله: بعد العقد الخ. أَن الْمَزِيد قبله أَو حِينه يشطر مُطلقًا زَاده لَهَا أَو لوَلِيّهَا أَو لغَيْرِهِمَا بِشَرْط أَو بِغَيْرِهِ فَلَا مَفْهُوم لقَوْل (خَ) : اشْترطت وَسَوَاء سَمَّاهُ هَدِيَّة أَو صَدَاقا لَا أَن سَمَّاهُ عَارِية. ابْن عَرَفَة: وَمَا اشْترط من لحم جزور وَنَحْوه لَازم وَهُوَ للزَّوْجَة وَنصفه للزَّوْج إِن طلق قبل الْبناء، وَإِن بنى لزم الْمَرْأَة أَن تصنع بِهِ طَعَاما لِأَنَّهُ عرف النَّاس وَعَلِيهِ يشترطونه، وَهُوَ إِن طلق قبل الْبناء كالمهر ويلزمها فِي العصفر صبغ ثِيَابهَا بِهِ. انْظُر بَقِيَّته وَمَا يهدى عرفا فِي المواسم والأعياد، كَذَلِك على مَا استظهر لِأَن الْعرف كالشرط. وَفهم من قَوْله: بِالطَّلَاق الخ. أَنه لَو فسخ قبل الْبناء لم يشطر بل يخْتَص بِهِ الزَّوْج فَإِن كَانَ دَفعه لَهَا فَإِنَّهُ يَأْخُذ مَا بَقِي مِنْهُ لم يفت دون مَا ضَاعَ كَمَا يَأْتِي. وَقَوله: بِالطَّلَاق أَي وَلَو كَانَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ كَالطَّلَاقِ بِعَدَمِ النَّفَقَة قبل الْبناء. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا امْتنع الْوَلِيّ من العقد على وليته حَتَّى يَأْخُذ لنَفسِهِ قدرا مَعْلُوما وَيُسمى عِنْد الْعَامَّة بالمالكة، وَيُسمى بالحباء أَيْضا فَذَلِك عضل لَهَا. وَالْآيَة مصرحة بِالنَّهْي عَنهُ وَمَا أَخذه فَمن جملَة الصَدَاق إِن شَاءَت الْمَرْأَة أَخَذته أَو تركته فَإِن أجازته لوَلِيّهَا ثمَّ طلقت قبل الْبناء فَيرجع الزَّوْج على الْوَلِيّ بِنصفِهِ وَهِي بِنصفِهِ الآخر إِن كَانَت مولى عَلَيْهَا، وإلاَّ فَلَا رُجُوع لَهَا بِنِصْفِهَا، وَسَوَاء كَانَ مَا اشْتَرَطَهُ لنَفسِهِ طَعَاما أَو غَيره ثمَّ مَحل رُجُوعهَا حَيْثُ لم تجزه أَو أجازته وَهِي مولى عَلَيْهَا إِذا لم يكن الْوَلِيّ صرف مَا أَخذه فِي مصَالح الْبِنْت أَو صنع عَلَيْهِ طَعَاما عِنْد الْبناء وإلاَّ فَلَا ترجع عَلَيْهِ بِشَيْء لِأَن ذَلِك الطَّعَام من شَأْنهَا ومصالحها وَيجوز أكل ذَلِك الطَّعَام قَالَه أَبُو الْحسن. وَهَذَا إِذا كَانَ مَا صرفه فِي الْمصَالح يَفِي بِمَا أَخذه وإلاَّ فلهَا الرُّجُوع بِمَا بَقِي كَمَا فِي الْبُرْزُليّ. وَانْظُر لَو ادّعى الْوَلِيّ صرف ذَلِك فِي مصالحها وَلَا يعلم ذَلِك إِلَّا من قَوْله أَو قَول ورثته لطول الْعَهْد، وَانْظُر أَيْضا لَو لم يثبت أَخذه لشَيْء من ذَلِك وادعته الزَّوْجَة أَو الزَّوْج عَلَيْهِ وَالْعرْف كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 فِي الْبَادِيَة أَنه يمْتَنع من العقد حَتَّى يَأْخُذ ذَلِك، وَالظَّاهِر أَنه حِينَئِذٍ يحمل فِي ذَلِك على الْعرف كَمَا مر من تعمير الذِّمَّة بالكالىء الَّذِي جرى عرفه بِهِ على الرَّاجِح من أحد قَوْلَيْنِ تقدما عِنْد قَوْله: وَأجل الكوالىء الْمعينَة الخ. وَقد تقدم أَيْضا أَن الْمُدعى عَلَيْهِ هُوَ من ترجح قَوْله بمعهود أَو أصل الخ. وَعَلِيهِ فَيلْزمهُ مثل حباء أَمْثَالهَا فَأَقل. الثَّانِي: فِي ابْن عَرَفَة عَن ابْن رشد: أَن النحلة أَي الْهَدِيَّة إِن كَانَت عِنْد الْخطْبَة فَإِن تمّ العقد فَهِيَ للزَّوْجَة وَإِن لم يتم فَللزَّوْج الرُّجُوع بهَا. وَفِي أنكحة المعيار من جَوَاب لمؤلفه أَن للرجل الرُّجُوع بِمَا أنْفق على الْمَرْأَة فِي الْعدة أَو غَيرهَا ليتزوجها وَبِمَا أعطي فِي اختلاعها من الزَّوْج الأول إِذا جَاءَ لتعذر والامتناع من قبلهَا لِأَن الَّذِي أعْطى من أَجله لم يتم لَهُ، وَإِذا كَانَ التَّعَذُّر من قبله فَلَا رُجُوع لَهُ لِأَن التَّمْكِين كالاستيفاء الخ. وَذكر عَن ابْن غَازِي: إِنَّه صحّح جَوَابه الْمَذْكُور، وَقيل لَا رُجُوع لَهُ عَلَيْهَا ذكره (ز) عِنْد قَول الْمَتْن فِي أول النِّكَاح: كفيك رَاغِب والإهداء الخ. قلت: وَمن هَذَا الْمَعْنى مَا مرّ فِي فصل فَاسد النِّكَاح من أَن الْمَرْأَة إِذا غرته بِمُوجب الْفساد كَانَ للزَّوْج الرُّجُوع بِالصَّدَاقِ، وَالظَّاهِر أَن رُجُوعه بِمَا اتّفق من الضروريات فِي عرسه كَذَلِك. وَفِي الْبُرْزُليّ عَن أَحْكَام الشّعبِيّ فِيمَن تزوج امْرَأَة فَأخْرج دِينَارا وَقَالَ: اشْتَروا بِهِ طَعَاما واصنعوه فانفسخ النِّكَاح بعد الشِّرَاء بِهِ فَقَالَ: إِذا جَاءَ الْمَنْع من قبلهم ضمنُوا الدِّينَار وَالطَّعَام لَهُم وَإِن كَانَ من قبل الزَّوْج فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الطَّعَام إِن أدْركهُ. الْبُرْزُليّ: وَهُوَ كأعوان القَاضِي إِن ظهر اللدد من الْمَطْلُوب فالأجرة عَلَيْهِ وإلاَّ فعلى الطَّالِب. وَظَاهر مَا تقدم لِابْنِ رشد أَنه من الزَّوْج مُطلقًا إِن فقد ذَلِك وَتلف اه. وإنْ أتَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; الضَّمانُ بالمَهْرِ عَلَى إطْلاَقِهِ فالْحَمْلُ صَحَّ مُجْمَلا (وَإِن أَتَى) شَرط (الضَّمَان) فَاعل (فِي الْمهْر) يتَعَلَّق بِالضَّمَانِ (على إِطْلَاقه) فِي مَحل نصب حَال من الْمهْر (فالحمل) مُبْتَدأ وَجُمْلَة (صَحَّ) خَبره وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط (مُجملا) حَال من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 الضَّمَان أَي: وَإِن زوج الْأَب ابْنه وَذُو الْقدر خديمه أَو صَاحبه وأتى الضَّمَان مِمَّن ذكر فِي الْمهْر فِي عقد النِّكَاح أَو قبله حَال كَون الضَّمَان مُجملا لم يبين كَونه على وَجه الْحمل أَو الْحمالَة وَحَال كَون الْمهْر على إِطْلَاقه عينا أَو عرضا أَو غَيرهمَا فَإِنَّهُ يحمل على الْحمل أَي اللُّزُوم الَّذِي لَا رُجُوع فِيهِ على الزَّوْج بِمَا أَدَّاهُ لِأَنَّهُ خرج مخرج الصِّلَة وَالْهِبَة وَلَا يحمل على الْحمالَة الَّتِي يرجع بِمَا أَدَّاهُ فِيهَا كَسَائِر أَنْوَاع الضَّمَان. وَفِي قَوْله فِي الْمهْر بِمَعْنى عِنْد أَي عِنْد تَقْدِير الْمهْر وَتَقْدِيره يكون عِنْد عقد النِّكَاح غَالِبا، فيفهم مِنْهُ أَن الضَّمَان إِذا كَانَ بعد تَقْدِير الْمهْر أَي بعد العقد لَا يحمل على الْحمل بل على الْحمالَة، وَفهم من قَوْله: فالحمل أَنه إِذا صرح بِالْحملِ لَا رُجُوع لَهُ مُطلقًا كَانَ فِي العقد أَو بعده، وَأَنه إِذا صرح بالحمالة كَانَ لَهُ الرُّجُوع مُطلقًا فَإِن أَتَى بِلَفْظ مُحْتَمل للْحَمْل والحمالة وَغَيره كأتحمل بِكَذَا فَإِن لم يبين مُرَاده لمَوْت وَنَحْوه حمل على الْحمل أَيْضا. انْظُر (ز) عِنْد قَول (خَ) وَلَا رُجُوع لأحد مِنْهُم إِلَّا أَن يُصَرح بالحمالة أَو يكون بعد العقد الخ. ثمَّ إِن الْحمل أَو الضَّمَان الواقعين فِي العقد أَو قبله يلزمان الْحَامِل وَلَو مَاتَ إِلَّا أَن يفْسخ النِّكَاح أَو يُطلق قبل الْبناء فَيلْزمهُ النّصْف وَقد نظم ابْن رحال الْمَسْأَلَة فَقَالَ: أنف رُجُوعا عِنْد حمل مُطلقًا حمالَة بعكس ذَا قد حققا لفظ ضَمَان عِنْد عقد الارتجاع وَبعده حمالَة بِلَا نزاع وكل مَا الْتزم بعد العقد فشرطه الْحَوْز لَدَى من يجدي وَظَاهر النّظم وَلَو كَانَ مُعَلّقا كَقَوْلِه: إِن تزوجت فَأَنا أتحمل لَك بِالْمهْرِ أَو إِن تزوجت فُلَانَة فَأَنا ضَامِن لَك مائَة دِينَار فَإِن فلس أَو مَاتَ الْمُلْتَزم حَاص الْمُلْتَزم لَهُ الْغُرَمَاء بذلك وَمثل النِّكَاح البيع فَإِن قَالَ: بِعْ سلعتك لفُلَان أَو اشْتَرِ سلْعَة كَذَا وَأَنا أحمل عَنْك الثّمن فَإِنَّهُ يجْرِي على مَا مر. انْظُر الالتزامات ثمَّ مَحل النّظم إِنَّمَا هُوَ عِنْد الْإِبْهَام، وَأما إِن شَرط الرُّجُوع أَو عَدمه فَلَا فرق بَين تِلْكَ الْأَلْفَاظ، وَظَاهره أَنه إِذا صرح بِالْحملِ لَا يقبل مِنْهُ أَنه أَرَادَ الْحمالَة وَلَو كَانَ مثله لَا يفرق بَينهمَا. انْظُر مَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنه يقبل، وَانْظُر مَا مرّ فِي بَاب الضَّمَان وَمحله أَيْضا إِذا كَانَ فِي الصِّحَّة لَا فِي الْمَرَض لقَوْل (خَ) وَبَطل إِن ضمن فِي مَرضه عَن وَارِث الخ. وَنِحْلَةٌ لَيْسَ لَها افْتَقارُ إلَى حِيَازِةٍ وذَا الْمُخْتَارُ (ونحلة) مُبْتَدأ وسوغه قصدا لجنس كَقَوْلِهِم: تَمْرَة خير من جَرَادَة وَقد يَأْتِي من غير مسوغ أصلا كَقَوْلِهِم أَنْت فِي الْحجر لَا فِيك (لَيْسَ) فعل نَاقص (لَهَا) خَبَرهَا مقدم (افتقار) اسْمهَا مُؤخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 (إِلَى حِيَازَة) يتَعَلَّق بقوله افتقار وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ (وَذَا الْمُخْتَار) مُبْتَدأ وَخبر والنحلة هِيَ مَا يُعْطِيهِ وَالِد الزَّوْج لوَلَده فِي عقد نِكَاحه أَو وَالِد الزَّوْجَة فِي عقد نِكَاحهَا قَالَه (م) وَهُوَ حد قَاصِر، بل المُرَاد عَطِيَّة شَيْء معِين انْعَقَد النِّكَاح عَلَيْهَا كَانَت من وَالِد أحد الزَّوْجَيْنِ أَو غَيرهمَا كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وبقولنا معِين يَتَّضِح الْفرق بَين هَذَا وَبَين الْبَيْت الَّذِي قبله لِأَن حمل الْمهْر نحلة أَيْضا، وعَلى كل حَال لَا يفْتَقر إِلَى حِيَازَة على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ لِأَنَّهَا لما انْعَقَد عَلَيْهَا النِّكَاح صَارَت كَالْبيع، وَسَوَاء كَانَت فِي العقد أَو معلقَة عَلَيْهِ كَقَوْلِه: إِن تزوجت فلك جاريتي فَهِيَ لَهُ إِذا تزوج، وَإِذا مَاتَ الْأَب أَخذهَا من رَأس المَال وَإِن كَانَ عَلَيْهِ دين اخْتصَّ بهَا دون الْغُرَمَاء على قَول ابْن الْقَاسِم. وَهُوَ الصَّحِيح، لِأَن الْمَعْنى أَنه وهب لَهُ الْهِبَة بِالتَّزْوِيجِ قبل أَن يتداين الْأَب قَالَه ابْن رشد. انْظُر الالتزامات. قَالَ ابْن سَلمُون: وَإِن كَانَ المنحول مَالِكًا أَمر نَفسه وَسقط من العقد ذكر الْقبُول لم يضر فَانْظُرْهُ، وَفهم مِمَّا مرّ أَن النحلة إِذا لم ينْعَقد عَلَيْهَا النِّكَاح بل كَانَت قبله أَنه لَا بُد فِيهَا من الْحِيَازَة وَهُوَ كَذَلِك نَص عَلَيْهِ فِي الكراس الْخَامِس من أنكحة المعيار. تَنْبِيهَات. الأول: ظَاهر النّظم أَنَّهَا لَا تفْتَقر لحيازة وَلَو كَانَت مِمَّا يسكنهَا الْأَب، وَالَّذِي فِي الْمُتَيْطِيَّة عَن غير وَاحِد من الموثقين أَن النحلة إِن كَانَت مِمَّا يسكنهُ الْأَب فَلَا تتمّ وَلَا تصح إِلَّا بِخُرُوجِهِ وانتقاله عَنْهَا بِنَفسِهِ وَثقله كَانَت المنحولة بكرا أَو ثَيِّبًا رَشِيدَة أَو سَفِيهَة صَغِيرَة أَو كَبِيرَة. قَالَ: وَإِن كَانَت بِذَهَب أَو فضَّة أَو طَعَام أَو غير ذَلِك فَهِيَ لَازِمَة فِي ذمَّة الناحل وَيُؤْخَذ بهَا فِي حَيَاته وَمَوته اه. فَظَاهره أَن هَذَا تَقْيِيد لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ الافتقار إِلَى الْحِيَازَة لِأَنَّهُ ذكر ذَلِك بعد أَن قرر أَن الْعَمَل على عدم الافتقار إِلَيْهَا فَتَأَمّله. وَلَا شُفْعَة فِي هَذِه النحلة على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا فِي الْبُرْزُليّ، وَسَيَأْتِي ذَلِك إِن شَاءَ الله عِنْد قَول النَّاظِم: وَالْمَنْع فِي التَّبَرُّعَات مفترض الخ. فَهِيَ وَإِن كَانَت جَارِيَة مجْرى البيع فِي عدم افتقارها للحيازة لَكِن أَعْطَيْت حكم الْهِبَة فِي بَاب الشُّفْعَة. الثَّانِي: سُئِلَ ابْن رشد والسائل لَهُ عِيَاض عَمَّن نحلت ابْنَتهَا وَلما طولبت بميراث الْبِنْت من أَبِيهَا؟ قَالَت: هُوَ مَا أخذت فِي النحلة فَهَل تعذر بِالْجَهْلِ وَنزلت فَلم يعذرها بعض الشُّيُوخ وَأفْتى بإلزامها الْمَالَيْنِ. قَالَ المتيطي: وشاركني فِيهَا القَاضِي ابْن مَنْظُور، وَكَانَ هُوَ الْحَاكِم فِيهَا فملت إِلَى عذرها لِأَن النَّاس الْيَوْم لَا يعْرفُونَ النحلة وَمَال القَاضِي يَعْنِي ابْن مَنْظُور إِلَى ذَلِك فرأيته أَحْلف الْمَرْأَة أَنَّهَا مَا أَرَادَت بالنحلة إِلَّا مِيرَاثهَا وَنزلت عِنْدِي فَأَرَدْت رَأْيك فِيهَا. فَأَجَابَهُ مَا حكم بِهِ القَاضِي بإشارتك صَحِيح عِنْدِي، وَبِه أَقُول فانفذ ذَلِك من حكمه فِيهَا موفقاً معاناً اه بِاخْتِصَار. فَقَوله: مَا حكم بِهِ القَاضِي أَي من أَنَّهَا تعذر وَتصدق مَعَ يَمِينهَا لِأَن الْعرف شَاهد لَهَا، وَإِن خَالَفت دَعْوَاهَا اللُّغَة. الْبُرْزُليّ: الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة يجْرِي على مُعَارضَة الْعرف لدَلِيل اللُّغَة، وَالْمَشْهُور تَقْدِيم الْعرف وَنَقله ابْن سَلمُون أَيْضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 الثَّالِث: سُئِلَ ابْن رشد أَيْضا عَمَّن نحل ابْنَته ثلث مستغل أملاكه أَيْنَمَا كَانَت فِي عقد النِّكَاح، واستغل ذَلِك المنحول مُدَّة من عشرَة أَعْوَام فَلَمَّا توفّي الناحل قَامَ ورثته وَقَالُوا: إِنَّمَا أَرَادَ الناحل مُدَّة حَيَاته؟ فَأجَاب: الَّذِي أَقُول بِهِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَن لَهَا ثلث استغلال جَمِيع الْأَمْلَاك مَا بقيت فِي حَيَاته ولورثته بعد وَفَاته قِيَاسا على مَسْأَلَة من وهب خدمَة عَبده لرجل وَلم يقل حَيَاة المخدم وَلَا حَيَاة العَبْد أَن للمخدم خدمَة مَا بَقِي إِلَّا أَن يدل دَلِيل أَنه أَرَادَ حَيَاة المخدم بِالْفَتْح. نقل ذَلِك الْبُرْزُليّ وَهُوَ فِي الزياتي بأبسط من هَذَا. الرَّابِع: مَا مر فِي النحلة الْمُعَلقَة على التَّزْوِيج أَنَّهَا تكون للمنحول ويحاص بهَا إِن كَانَت مُعينَة، مَعْنَاهُ إِن مَاتَ الناحل بعد التَّزَوُّج لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ والفلس انْتقل الْحق للْغَيْر، فَفِي منتخب الْأَحْكَام سمع عَليّ بن زِيَاد عَن مَالك فِي رجل أنكح أَوْلَادًا لَهُ وَأعْطى كل وَاحِد مِنْهُم من مَاله فِي إنكاحه شَيْئا مَعْلُوما، وَأشْهد أَن لمن بَقِي من أَوْلَاده الصغار مِمَّا لم ينْكح فِي مَاله مثل مَا أعْطى من أنكح مِنْهُم ثمَّ مَاتَ الْأَب على ذَلِك فَقَالَ: إِن أبرز لَهُم شَيْئا من مَاله وَأشْهد عَلَيْهِ جَازَ وإلاَّ فَلَا شَيْء لَهُم اه. وَنَقله فِي الْمُفِيد وَفِي المعيار من جَوَاب لمؤلفه أَن من نقد صَدَاقا عَن وَلَده وَأعْطى لمن لم يتَزَوَّج شَيْئا فِي مُقَابلَة مَا أعْطى لغيره أَن ذَلِك وَصِيَّة لوَارث إِن كَانَ فِي الْمَرَض اه. فَظَاهر الْمُنْتَخب أَنه إِن لم يبرز شَيْئا لَا شَيْء لَهُم، وَإِن علق ذَلِك على تزويجهم كَقَوْلِه: إِن تزوجوا فَلهم من الدَّنَانِير كَذَا وَهَذَا غير مُخَالف لما مرّ فِي الْبَيْت قبله من أَنه إِذا قَالَ: إِن تزوجت فلك مائَة دِينَار لِأَن ذَلِك فِيمَا إِذا مَاتَ أَو فلس بعد التَّزَوُّج وَمَا هُنَا فِيمَا إِذا حصل الْمَوْت أَو الْفلس قبله لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ أَو الْفلس انْتقل الْحق للْغَيْر، فَلم يَقع الْمُعَلق عَلَيْهِ حَتَّى انْتقل الْحق وَهُوَ الَّذِي يدل عَلَيْهِ قَوْله فِي الالتزامات فِي الرجل يَقُول لِابْنِهِ: أصلح نَفسك وَتعلم الْقُرْآن وَلَك قريبتي فُلَانَة فيصلح نَفسه ويتعلم الْقُرْآن ثمَّ يَمُوت أَبوهُ. قَالَ: لَا شَيْء لَهُ إِلَّا إِذا أشهد قوما وَأَنه إِن أصلح نَفسه أَو تعلم الْقُرْآن فَلهُ قريبتي أَو عَبدِي فَإِن ذَلِك لَهُ إِذا كَانَ الْوَلَد صَغِيرا فِي ولَايَة أَبِيه، وَيكون ذَلِك حوزاً لَهُ أما إِذا لم يشْهد فَيمكن أَن يكون قَالَ لَهُ ذَلِك على وَجه التحريض اه. فالموت فِي هَذِه بعد وجود الْمُعَلق عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْإِصْلَاح والتعلم فَانْظُر ذَلِك. تَنْبِيه: وجدت فِي بعض التقاييد أَن عَطِيَّة الْأَب لوَلَده عِنْد ختم الْقُرْآن أَو ختانه لَا تفْتَقر لحيازة قَالَه الشّعبِيّ فقف عَلَيْهِ اه. قلت: وَهُوَ غير ظَاهر لِأَن النحلة لما انْعَقَد النِّكَاح عَلَيْهَا فَهِيَ مُعَاوضَة وَلَا كَذَلِك الْخَتْم والختان الْمَذْكُورَان، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال مَعْنَاهُ مَا مرّ من أَنه قَالَ لَهُ: إِن ختمت الْقُرْآن، أَو يُقَال إِنَّه جعل ذَلِك لمعلمه الَّذِي يقْرَأ عَلَيْهِ فَهِيَ حِينَئِذٍ مُعَاوضَة فَتَأَمّله. وينْفُذُ المَنْحُولُ للصَّغير مَعْ أخيهِ فِي المُشَاعِ إِن موتٌ وَقَعْ (وَينفذ) بِفَتْح الْيَاء وَضم الْفَاء مَبْنِيا للْفَاعِل وَيصِح بِنَاؤُه للْمَفْعُول (المنحول) فَاعله أَو نَائِبه (للصَّغِير) يتَعَلَّق بِهِ (مَعَ أَخِيه) كَذَلِك وَهُوَ بِسُكُون الْعين (فِي الْمشَاع) فِي مَحل نصب على الْحَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 من المنحول (إِن) شَرط (موت) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره (وَقع) وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ أَن المنحول للكبير وَالصَّغِير شركَة بَينهمَا فِي عقد نِكَاح الْكَبِير نَافِذ جَمِيعه للصَّغِير وَالْكَبِير إِذا مَاتَ الناحل أَبَا كَانَ أَو غَيره وَلَا تبطل حِصَّة الصَّغِير بِعَدَمِ الْحِيَازَة لِأَن النِّكَاح لما انْعَقَد على بعض النحلة كَانَ كالحيازة لجميعها كمن تصدق على كَبِير وصغير أَي: وَحَازَ الْكَبِير كَمَا يَأْتِي فعقد نِكَاح الْكَبِير على بعض المنحول كحيازة الْكَبِير للْجَمِيع قَالَه المشاور. وَتَبعهُ النَّاظِم، وَقيل: تبطل حِصَّة الصَّغِير إِن مَاتَ الناحل قبل حِيَازَة الْكَبِير للْجَمِيع لِأَن حِصَّة الصَّغِير مَحْض هبة وَشَمل قَوْله الشياع مَا إِذا أنحلهما جَمِيع دَاره مثلا وَمَا إِذا أنحلهما نصفهَا وَأبقى النّصْف الآخر بِيَدِهِ. فرع: لَو اعْترف وَالِد الزَّوْجَة أَن لَهَا أملاكاً وسماها فِي عقد صَدَاقهَا فَمَا اعْترف بِهِ نَافِذ للْبِنْت مُؤَكد لحكم الْهِبَة إِن كَانَت سلفت لَهَا ومسقط لحكم الْحِيَازَة فِيهَا لتَعلق حق الزَّوْج بالاعتراف الْمَذْكُور وَبِنَاء عقده عَلَيْهِ، فَإِن أمسك الْوَالِد شَيْئا من تِلْكَ الْأَمْلَاك بعد بِنَاء الزَّوْج بهَا وَبقيت بِيَدِهِ ينْتَفع بهَا إِلَى أَن قَامَت فِي الْحَيَاة أَو بعد الْمَمَات حلف يَمِين الْقَضَاء أَنَّهَا لم تتْرك لوالدها ذَلِك حسبَة وَلَا صلَة من لدن ملكهَا أمرهَا إِلَى الْآن وَأَنَّهَا على طلبَهَا لذَلِك، وَأخذت ذَلِك الاستغلال مِنْهُ أَو من تركته. نَقله الشَّارِح عَن ابْن لب، وَنقل ذَلِك ابْن سَلمُون بأبسط من هَذَا فَانْظُرْهُ وَلَا بُد. ومَعْ طَلاَقٍ قَبْلَ الابْتِنَاءِ تَثْبُتُ والفَسْخُ مَعْ البِنَاءِ (وَمَعَ طَلَاق) يتَعَلَّق بقوله يثبت (قبل الابتناء) فِي مَوضِع الصّفة لطلاق أَو يتَعَلَّق ب (يثبت) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وفاعله ضمير المنحول (وَالْفَسْخ) بِالْجَرِّ مَعْطُوف على طَلَاق أَي وَمَعَ الْفَسْخ (مَعَ الْبناء) حَال من الْفَسْخ. والْخُلْفُ فِيها مَعْ وُقُوعِ الفَسْخِ فِي تَنَاكُحِ قَبْلَ البِنَاءِ فَاعْرِفِ (وَالْخلف) مُبْتَدأ (فِيهَا) خبر وَهُوَ على حذف مُضَاف أَي فِي ثُبُوتهَا وضميره للنحلة (مَعَ وُقُوع الْفَسْخ) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (فِي تناكح) يتَعَلَّق بِالْفَسْخِ (قبل الْبناء) يتَعَلَّق بِالْفَسْخِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 أَيْضا أَو حَال مِنْهُ (فاعرف) أَمر من عرف مَفْعُوله مَحْذُوف أَي ذَلِك الحكم الْمَذْكُور. وَالْمعْنَى أَن النِّكَاح إِذا وَقع على نحلة فَطلق الزَّوْج قبل الْبناء أَو فسخ بعده فَإِن النحلة ثَابِتَة للمنحول وَإِن كَانَ الْفَسْخ قبل الْبناء فَقَوْلَانِ، قيل للناحل وَقيل للمنحول، وَبِه الْعَمَل. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَإِن أنحل ذَلِك النِّكَاح الَّذِي فِيهِ النحلة بِطَلَاق أَو غَيره كموت الزَّوْج أَو فسخ لفساد عقده أَو صداقه فالنحلة ثَابِتَة للْبِنْت لِأَن ذَلِك حق وَجب لَهَا، وَكَذَلِكَ إِن مَاتَت الْبِنْت فَللزَّوْج مِيرَاثه فِي النحلة. وَقَالَهُ الشَّيْخَانِ أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن وَأَبُو عمرَان، وَبِه الْقَضَاء والفتيا. وَقَالَ غَيرهمَا: إِذا انْفَسَخ النِّكَاح قبل الْبناء رجعت النحلة للْأَب كَالَّذي تحمل الصَدَاق عَن ابْنه الْكَبِير، ثمَّ يُطلق قبل البناءان نصف الصَدَاق يرجع إِلَى الْأَب اه. وَأَشَارَ إِلَى ذَلِك ناظم الْعَمَل الْمُطلق بقوله: وَهِي لمن نحلهَا وَإِن عرض طَلَاق أَو فسخ وَمَوْت من مرض قَوْله: نحلهَا يقْرَأ بِضَم النُّون وَكسر الْحَاء مَبْنِيا للْمَفْعُول. فرع: قَالَ فِي الميتطية أَيْضا: إِن اسْتحقَّت النحلة أَو بَعْضهَا قبل الْبناء خير الزَّوْج فَإِن شَاءَ دخل وَلَا يُخَفف عَنهُ شَيْء من الصَدَاق أَو فَارق وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ دخل بهَا فَاخْتلف فَقيل لَا قيام لَهُ فِي ذَلِك للناكح، وَقيل للْمَرْأَة صدَاق مثلهَا على قدر مَا بَقِي فِي يَدهَا من مَالهَا أَو من النحلة. ابْن الْهِنْدِيّ: وَبِهَذَا جرى الْعَمَل اه. وَبِه أفتى ابْن هِلَال فِيمَن رفع صدَاق زَوجته المنحولة خَادِمًا فَلم تثبت النحلة كَمَا فِي الْعَمَل الْمُطلق. زَاد فِي الْمُتَيْطِيَّة إِثْر مَا مر مَا نَصه فَإِن قَالَ الْأَب: لابنتي كَذَا وَلم يقل إِنَّه نحلهَا ذَلِك فَلم يلف ذَلِك لم يلْزم الْأَب شَيْئا وَهِي كذبة كذبهَا كَمَا لَو قَالَ عَن ابْنَته إِنَّهَا بَيْضَاء جميلَة فَوَجَدَهَا سَوْدَاء وَلَا يُخَفف عَن الزَّوْج لِأَنَّهُ لَو شَاءَ بحث عَنْهَا اه. قلت: هَذَا لَا يُعَارض مَا مرّ عَن ابْن لب قبل هذَيْن الْبَيْتَيْنِ كَمَا لَا يخفى وَلَا مَا قبله يَلِيهِ من أَن من رفع الصَدَاق لزوجته المنحولة خَادِمًا الخ. لِأَن معنى قَوْله: لم تثبت النحلة أَي اسْتحقَّت وَنَحْو ذَلِك لَا أَنَّهَا لم تُوجد النحلة وَالله أعلم. (فصل (فِي تداعي الزَّوْجَيْنِ) وَقَوله: (وَمَا يلْحق بِهِ)) الصَّوَاب إِسْقَاطه لِأَن المُرَاد أَحْكَام تداعي الزَّوْجَيْنِ وَلم يذكر غير ذَلِك قَالَه (ت) . وَاعْلَم أَن تداعي الزَّوْجَيْنِ إِمَّا فِي أصل الزَّوْجِيَّة وَلم يذكرهُ النَّاظِم وَأَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: إِن تنَازعا فِي الزَّوْجِيَّة تثبت بِبَيِّنَة وَلَو بِالسَّمَاعِ بالدف وَالدُّخَان وإلاَّ فَلَا يَمِين الخ وَأما فِي قدر الْمهْر أَو صفته أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 نَوعه فَأَشَارَ إِلَى الآخرين بقوله الْآتِي: وَالنَّوْع وَالْوَصْف إِذا مَا اخْتلفَا الخ. وَإِلَى الأول أَشَارَ بقوله: الزَّوْجُ والزَّوْجَةُ مَهْمَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَهْرٍ والنِّكاحُ عُرِفَا (الزَّوْج وَالزَّوْجَة) مُبْتَدأ ومعطوف (مهما) اسْم شَرط (اخْتلفَا) فعله (فِي قدر مهر) يتَعَلَّق بِهِ (وَالنِّكَاح عرفا) مُبْتَدأ وَخبر وَالْجُمْلَة حَال من فَاعل اخْتلفَا، وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف أَي فَفِي ذَلِك تَفْصِيل، وَالْجُمْلَة من الشَّرْط وَالْجَزَاء خبر الْمُبْتَدَأ. فَإنْ يَكُنْ ذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; لِكَ مِنْ قَبْلِ البِنَا فالقَوْلُ لِلزَّوْجَةِ قَدْ تَعَيَّنَا (فَإِن) شَرط (يكن) فعله (ذَلِك) اسْم يكن (من قبل الْبَنَّا) ء خَبَرهَا (فَالْقَوْل) مُبْتَدأ (للزَّوْجَة) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (قد تعينا) وألفه للإطلاق. مَعَ اليَمِينِ إنْ تَكُنْ لَمْ تُحْجَرِ وعَاقِدٌ يَحْجُرُهَا بِها حَرِي (مَعَ الْيَمين) حَال من ضمير تعين (أَن تكن) شَرط واسْمه ضمير الزَّوْجَة (لم تحجر) خَبره (وعاقد) مُبْتَدأ سوغه الْعَمَل أَي عَاقد عَلَيْهَا (لحجرها) اللَّام للتَّعْلِيل تتَعَلَّق بعاقد (بهَا) يتَعَلَّق بقوله (حري) الَّذِي هُوَ خبر عَن عَاقد أَي حقيق بِتِلْكَ الْيَمين. وبَعْدَ ذَا يَحْلِفُ زَوْجٌ أَنْكرَا ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهَا مُخيَّرَا (وَبعد ذَا) يتَعَلَّق بقوله: (يحلف زوج) فَاعل (أنكرا) صفة لَهُ (ثمَّ) عاطفة وَجُمْلَة (يكون بعْدهَا مُخَيّرا) معطوفة على جملَة يحلف. فِي دَفْعِ مَا كانَ عَلَيْهِ القَسَمُ أوِ الفُرَاقِ دُونَ شَيْءٍ يَلْزَمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 (فِي دفع) يتَعَلَّق بقوله مُخَيّرا (مَا) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (كَانَ) صلته (عَلَيْهِ) خَبَرهَا مقدم (الْقسم) اسْمهَا مُؤخر (أَو الْفِرَاق) بِالْجَرِّ مَعْطُوف على دفع (دون شَيْء) فِي مَحل الْحَال من الْفِرَاق (يلْزم) صفة لشَيْء. وإنْ تَرَاضَيا عَلَى النِّكاحِ فَفِي الأصَحِّ الرَّفْعُ لِلْجُنَاحِ (وَإِن تَرَاضيا) شَرط وَفعله (على النِّكَاح) يتَعَلَّق بِهِ (فَفِي الْأَصَح) الْفَاء جَوَاب الشَّرْط وَفِي الجارة مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف خبر عَن قَوْله (الرّفْع للجناح) يتَعَلَّق بِالرَّفْع والجناح بِضَم الْجِيم الْإِثْم قَالَه فِي الْقَامُوس. وَفِي انْفِسَاخٍ حَيْثُ يُفْقَدُ الرِّضَا بِطَلْقَةٍ واحِدَةٍ جَرَى القَضَا (وَفِي انْفِسَاخ) يتَعَلَّق بجرى الْقَضَاء آخر الْبَيْت وَكَذَا قَوْله: (حَيْثُ) وَجُمْلَة (يفقد الرِّضَا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (بِطَلْقَة) يتَعَلَّق بجرى الْقَضَاء أَيْضا (وَاحِدَة) صفة لطلقة (جرى القضا) ء فعل وفاعل، وَالتَّقْدِير جرى الْقَضَاء بِطَلْقَة وَاحِدَة فِي انْفِسَاخ النِّكَاح حَيْثُ يفقد الرِّضَا. وتأْخُذُ الزَّوْجَةُ مَعْ نُكُولِهِ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَلْفُ فِي حُلُولِهِ (وَتَأْخُذ الزَّوْجَة) فعل وفاعل (مَعَ نُكُوله) يتَعَلَّق بتأخذ (مَا) مفعول بتأخذ (يَقْتَضِيهِ الْحلف) جملَة من فعل وفاعل صلَة وَالْحلف بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون اللَّام مصدر حلف إِذا أقسم وَيَأْتِي مصدره على فعل بِكَسْر الْعين (فِي حُلُوله) يتَعَلَّق بيقتضيه وضميره للحلف وَهُوَ مصدر حل إِذا نزل وَوَقع أَي: تَأْخُذ مَعَ نُكُوله مَا يَقْتَضِيهِ الْحلف عِنْد نُزُوله ووقوعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 والحُكْم فِي نُكُولِ كُلَ مِنْهُمَا بِما بِهِ بَعْدَ اليَمِينِ حُكِمَا (وَالْحكم) مُبْتَدأ (فِي نُكُول كل) يتَعَلَّق بِهِ (مِنْهُمَا) صفة لكل (بِمَا) خبر الْمُبْتَدَأ (بِهِ بعد الْيَمين) يتعلقان بقوله (حكما) وَالْجُمْلَة صلَة مَا. وقيلَ بَلْ نُكُولُهُ مُصَدِّقُ لِما ادَّعَتْهُ زَوْجَةٌ مُحَقِّقُ (وَقيل) مَبْنِيّ للْمَفْعُول ونائبه ضمير القَوْل كَقَوْلِه تَعَالَى: وحيل بَينهم} (سبأ: 54) (بل) للإضراب (نُكُوله) مُبْتَدأ (مُصدق) خَبره (لما) يتَعَلَّق بمحقق آخر الْبَيْت (ادَّعَتْهُ زَوْجَة) فعل وفاعل صلَة مَا (مُحَقّق) بِكَسْر الْقَاف الْمُشَدّدَة خبر ثَان عَن نُكُوله. وَحَاصِل معنى هَذِه الأبيات الْعشْر أَنَّهُمَا إِذا اخْتلفَا فِي قدر الْمهْر وَالنِّكَاح مَعْرُوف بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار من يَصح إِقْرَاره من مجبر أَو غَيره أَي مَعَ وجود تَوْكِيل ذَلِك الْغَيْر على ذَلِك النِّكَاح، فَإِن كَانَ اخْتِلَافهمَا قبل الْبناء بِأَن قَالَ هُوَ مائَة، وَقَالَت بل مِائَتَان فَالْقَوْل للزَّوْجَة بِيَمِينِهَا إِن كَانَت مالكة أَمر نَفسهَا وَإِن كَانَت محجورة فاليمين على الْعَاقِد عَلَيْهَا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي تولى العقد والمعاملة، وَقد فرط بِعَدَمِ الْإِشْهَاد فَإِن نكل غرم للْمَرْأَة الزَّائِد على مَا قَالَ الزَّوْج، وَظَاهره أَن القَوْل لَهَا قبل الْبناء وَلَو بعد الطَّلَاق أَو الْمَوْت وَلَيْسَ كَذَلِك، وَلذَا أصلح وَلَده الشّطْر الأول من الْبَيْت الثَّانِي بقوله: إِن كَانَ ذَا قبل الْفِرَاق والبنا. ثمَّ إِذا حَلَفت الرشيدة أَو العاقدة على المحجورة على الْمِائَتَيْنِ فِي الْمِثَال الْمَذْكُور حلف الزَّوْج الْمُنكر لدعواها أَنه إِنَّمَا تزوج بِمِائَة ثمَّ يكون مُخَيّرا بعد يَمِينه فِي دفع مَا حَلَفت عَلَيْهِ أَو حاجرها وَهُوَ المائتان أَو يُطلق وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَظَاهر النّظم أَو صَرِيحه أَنه إِنَّمَا يُخَيّر بعد يَمِينه، وَهَذَا مَذْهَب ابْن حبيب وَالَّذِي فِي الْمُدَوَّنَة وَهُوَ الْمُعْتَمد أَنه يُخَيّر إِذا حَلَفت الزَّوْجَة بَين أَن يدْفع مَا قَالَت فَلَا يَمِين عَلَيْهِ أَو يحلف وَيفْسخ النِّكَاح، بل ظَاهر الْمُدَوَّنَة أَنه يخبر قبل حلف الزَّوْجَة لَكِن بَين إتْمَام مَا ادَّعَت أَو تحالفهما وَالْفَسْخ، وَلذَا قَالَ وَلَده: اعْلَم أَن الشَّيْخ رَحمَه الله لم ينقح هَذِه الأبيات كل التَّنْقِيح وَقد كَانَ إصلاحها سهلاً على مَا يظْهر مَعَ زِيَادَة بَيت وَاحِد يشْتَمل على مَفْهُوم قَوْله قبل الْفِرَاق وَالْبناء على مَا مر من الْإِصْلَاح فَيَقُول مثلا مَكَان الْبَيْت الرَّابِع: ثمَّ يكون زَوجهَا مُخَيّرا فِي دَفعه الْمهْر الَّذِي قد أنكرا أَو الْيَمين وَإِذا مَا يقسم كَانَ الْفِرَاق دون شَيْء يلْزم ثمَّ يزِيد بَيْتا يكون نَصه: أَو كَانَ بعد مَوتهَا أَو فرقته فَالْقَوْل قَول الزَّوْج دون زَوجته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 ثمَّ يَقُول: وَإِن تَرَاضيا الخ. لَكِن ذَلِك الَّذِي زَاده الشَّارِح هُوَ قَول المُصَنّف الْآتِي: وَالْقَوْل قَول الزَّوْج فِيمَا عينا الخ. فَوجه تورك وَلَده عَلَيْهِ أَنه أسقط مِنْهُ الْفِرَاق كَمَا أسْقطه هَهُنَا. وَقَول النَّاظِم: فَالْقَوْل للزَّوْجَة الخ. يَعْنِي تبدأ بِالْيَمِينِ بِدَلِيل قَوْله: وَبعد ذَا يحلف زوج أنكرا الخ. وَلَيْسَ مُرَاده أَن الزَّوْجَة تسْتَحقّ مَا ادَّعَت بِمُجَرَّد يَمِينهَا كَمَا قد يتَبَادَر فَلَا مُخَالفَة بَين كَلَامه وَبَين كَلَام (خَ) وَغَيره، ثمَّ إِذا حلفا مَعًا على مَا لِابْنِ حبيب أَو على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة ثمَّ تَرَاضيا على الْبَقَاء بِأَن رَجَعَ أَحدهمَا لقَوْل الآخر بعد حلفهما وَقبل الحكم بفسخه فَلَهُمَا ذَلِك بِنَاء على أَن النِّكَاح لَا يَنْفَسِخ بِتمَام التَّحَالُف وَهُوَ الْمُعْتَمد خلافًا لسَحْنُون فِي أَنه يَنْفَسِخ بِتمَام التَّحَالُف كاللعان، وَعَلِيهِ فَلَا يَصح تراضيهما إِلَّا بِعقد جَدِيد وَهُوَ مُقَابل الْأَصَح فِي النّظم وَإِن لم يتراضيا بعد حلفهما على بَقَاء النِّكَاح وَلَا يرجع أَحدهمَا لقَوْل الآخر، فَالَّذِي جرى بِهِ الْقَضَاء وَالْعَمَل أَنه يفْسخ بِطَلْقَة وَاحِدَة فَإِن نكلت الزَّوْجَة وَهِي رَشِيدَة لَزِمَهَا النِّكَاح وَتقدم مَا إِذا نكل حاجرها، وَأما إِن نكل الزَّوْج بعد يَمِينهَا فَهُوَ قَوْله: وَتَأْخُذ الزَّوْجَة الخ، أَي إِن حَلَفت الزَّوْجَة أَو حاجرها أَو نكل الزَّوْج أخذت مَا يَقْتَضِيهِ حَلفهَا وَهُوَ المائتان فِي الْمِثَال الْمَذْكُور فَإِن نكلا مَعًا وَلم يرجع أَحدهمَا لقَوْل الآخر فالفسخ بِطَلْقَة على الْأَصَح إِن حكم الْحَاكِم بِهِ وَهُوَ معنى قَوْله: بِمَا بِهِ بعد الْيَمين حكما. وَمُقَابل الْأَصَح أَن نُكُوله مُصدق مُحَقّق لما ادَّعَتْهُ وَهُوَ معنى قَوْله: وَقيل الخ. وَإِنَّمَا لم يكن النّكُول هُنَا تَصْدِيقًا للناكل الأول على الْأَصَح لِأَن الْيَمين تَوَجَّهت عَلَيْهِمَا مَعًا ابْتِدَاء وبدأت الزَّوْجَة لِأَنَّهَا بائعة، وَإِنَّمَا يكون النّكُول تَصْدِيقًا للْأولِ إِذا تَوَجَّهت على أَحدهمَا هَذَا هُوَ الظَّاهِر فَتَأَمّله. وَقَوْلِي فِي أصل التَّقْرِير: بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار الخ. أما الْإِقْرَار فَظَاهر، وَأما الْبَيِّنَة فَكَذَلِك أَيْضا لِأَنَّهَا قد تشهد بِالنِّكَاحِ دون قدر الْمهْر إِمَّا لنسيانها إِيَّاه أَو لعدم تعرض المتناكحين لَهُ، وَقد تقدم عِنْد قَوْله: وَلم يُحَقّق عِنْد ذَاك العددا الخ. أَن الشَّهَادَة لَا تسْقط بِعَدَمِ تعرضها للمهر فِي النِّكَاح أَو للثّمن فِي البيع على الرَّاجِح، ثمَّ إِن مَحل مَا مر إِذا أشبهت دعواهما أَو لم يشبه وَاحِد مِنْهُمَا فَإِن انْفَرد أَحدهمَا بالشبه هُوَ قَوْله. وحَيْثُما ادُّعِي مَا قَدْ يُنْكَرُ تَردُّدُ الإمامِ فِيهِ يُؤْثَرُ (وحيثما) اسْم شَرط (ادعِي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (مَا) نَائِب (قد يُنكر) صلته (تردد) مُبْتَدأ (الإِمَام) مُضَاف إِلَيْهِ (فِيهِ) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (يُؤثر) وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر جَوَاب الشَّرْط وحذفت الْفَاء مِنْهُ على حد قَوْله: من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها. فَقَالَ يَحْلِفَانِ والنِّكَاحُ بَيْنَهُمَا الفَسْخُ لَهُ يُتَاحُ (فَقَالَ) فَاعله ضمير يعود على الإِمَام (يحلفان) فعل وفاعل (وَالنِّكَاح) مُبْتَدأ (بَينهمَا) يتَعَلَّق بالمبتدأ الثَّانِي الَّذِي هُوَ (الْفَسْخ) وَقَوله (لَهُ) يتَعَلَّق بِخَبَر الثَّانِي الَّذِي هُوَ (يتاح) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة فَوق بعد الْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت، وَمَعْنَاهُ يقْضِي. وَفِي بعض النّسخ يُبَاح بِالْبَاء الْمُوَحدَة بعد الْيَاء، وَالْجُمْلَة من الثَّانِي وَخَبره خبر الأول، والجملتان من يحلفان وَمَا بعده محكيتان بالْقَوْل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 وَجَعَلَ القَوْلَ لِمَنْ جاءَ بِما يُشْبِهُ وارْتَضاهُ بَعْضُ العُلَمَا (وَجعل) مَعْطُوف على قَالَ وضميره للْإِمَام أَيْضا (القَوْل) مفعول أول (لمن) مفعول ثَان بِجعْل (جَاءَ) صلَة من وفاعله ضمير هُوَ الرابط (بِمَا يشبه) يتَعَلَّق بجاء (وارتضاه بعض العلما) ء فعل وفاعل ومضاف إِلَيْهِ، والجملتان من قَالَ: وَجعل الخ. تَفْصِيل لقَوْله: تردد فهما كبدل مفصل من مُجمل. وَالْمعْنَى أَن أحد الزَّوْجَيْنِ إِذا ادّعى مَا يشبه من الصَدَاق قلَّة وَكَثْرَة، وَادّعى الآخر مَا لَا يشبه فَإِن الإِمَام مَالِكًا رَحمَه الله تردد قَوْله فِي ذَلِك فَقَالَ مرّة: يَتَحَالَفَانِ وَيفْسخ النِّكَاح بَينهمَا وتبدأ الْمَرْأَة بِالْيَمِينِ على نَحْو مَا مرّ فِيمَا إِذا أشبها مَعًا أَو لم يشبها مَعًا. وَقَالَ مرّة أُخْرَى: القَوْل قَول من ادّعى الْأَشْبَه وارتضاه بعض الْعلمَاء وَهُوَ اللَّخْمِيّ قَائِلا هُوَ الصَّوَاب لِأَن ذَلِك دَلِيل كالشاهد يحلف مَعَه من قَامَ لَهُ ذَلِك الدَّلِيل كَسَائِر أَبْوَاب الْفِقْه، وَاعْتمد تَرْجِيح اللَّخْمِيّ غير وَاحِد، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا إِذا كَانَ اخْتِلَافهمَا فِي النَّوْع أَو الْوَصْف فَقَالَ: والنَّوْعُ والْوَصْفُ إذَا مَا اخْتَلَفَا فِيهِ للاخْتِلاَفِ فِي القَدْرِ اقْتَفى (وَالنَّوْع) مُبْتَدأ (وَالْوَصْف) مَعْطُوف عَلَيْهِ (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (مَا) زَائِدَة (اخْتلفَا) فعل وفاعل فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذا (فِيهِ) يتَعَلَّق بِهِ وضميره يرجع للنوع وَالْوَصْف بِاعْتِبَار مَا ذكر أَو لكَون الْوَاو فِي الْمَعْطُوف بِمَعْنى أَو، والمعطوف بِأَو لَا تجب فِيهِ الْمُطَابقَة كَقَوْلِه تَعَالَى: وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} (الْجُمُعَة: 11) (للِاخْتِلَاف) يتَعَلَّق باقتفى آخر الْبَيْت (فِي الْقدر) يتَعَلَّق باخْتلَاف (اقتفى) بِمَعْنى اتبع وضميره الْمُسْتَتر يعود على الِاخْتِلَاف الْمَفْهُوم من اخْتلفَا، وَالْجُمْلَة جَوَاب إِذا، وَالْجُمْلَة من الشَّرْط وَالْجَوَاب خبر الْمُبْتَدَأ، وَالْمعْنَى أَن اخْتِلَافهمَا فِي النَّوْع قبل الْفِرَاق وَالْبناء كَقَوْلِه: بِثَوْب. وَتقول هِيَ بل بِعَبْد أَو فِي الْوَصْف كَقَوْلِه: بِعَبْد تركي وَتقول هِيَ بزنجي تَابع للِاخْتِلَاف فِي الْقدر فيتحالفان وَيفْسخ النِّكَاح بَينهمَا إِن لم يرجع أَحدهمَا لقَوْل الآخر، وَينظر للشبه على الرَّاجِح من الْقَوْلَيْنِ كَمَا مرّ فِي الْقدر إِلَّا أَنه يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ أَنه ينظر للشبه حَتَّى فِي النَّوْع وَلَيْسَ كَذَلِك بل يتحلفان ويتفاسخان فِيهِ مُطلقًا، فَالْمُرَاد بالنوع فِي النّظم الْجِنْس إِذْ الْفُقَهَاء لَا يفرقون بَين النَّوْع وَالْجِنْس بل يعبرون بِكُل مِنْهَا مَوضِع الآخر وَلَا يعتبرون فِي ذَلِك اصْطِلَاح المناطفة وَإِذا وَجب التَّحَالُف بالاختلاف فِي الصّفة كهروي ومروي وزنجي وتركي فأحرى فِي النَّوْع كثياب قطن وَثيَاب كتَّان وَمحل ذَلِك إِذا تَسَاوَت قيمَة مَا يَدعِيهِ أَحدهمَا بِقِيمَة الآخر، وَإِلَّا كَانَ من الِاخْتِلَاف فِي الْقدر، وَلذَا لم يمثلوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 للِاخْتِلَاف فِي الْوَصْف بالجيد والرديء لِأَنَّهُ رَاجع للِاخْتِلَاف فِي الْقدر وَالله أعلم. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: فَإِن يكن ذَلِك من قبل الْبناء فَقَالَ: والْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْج فِيمَا عُيِّنَا مِنْ قَدْرِه مَعْ حَلْفِهِ بَعْدَ البِنا (وَالْقَوْل) مُبْتَدأ (قَول الزَّوْج) خبر (فِيمَا) يتَعَلَّق بِهِ (عينا) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل صلَة مَا والعائد مَحْذُوف أَي عينه (من قدره) بَيَان لما (مَعَ) بِسُكُون الْعين يتَعَلَّق بالْخبر أَيْضا (حلفه) مُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ بِفَتْح الْحَاء مصدر حلف إِذا أقسم حلْفاً وحلِفاً بِسُكُون اللَّام فِي الأول وكسره فِي الثَّانِي، وَأما الحِلف بِكَسْر الْحَاء فَهُوَ الْعَهْد يكون بَين الْقَوْم وَقد حالفه أَي عاهده وتحالفوا تَعَاهَدُوا قَالَه الْجَوْهَرِي كَمَا مرّ (بعد الْبَنَّا) ء يتَعَلَّق بقوله عينا أَي وَمثله الْفِرَاق بِطَلَاق أَو موت كَمَا مرّ، وَإِنَّمَا كَانَ القَوْل للزَّوْج فِي اخْتِلَافهمَا فِي الْقدر بعد الْبناء لِأَن الْبناء وَنَحْوه فَوت، وَقد مكنته مَعَ الْبناء من نَفسهَا فَصَارَت مدعية وَهُوَ مقرّ لَهَا بدين فَالْقَوْل لَهُ مَعَ يَمِينه، وَمثل الِاخْتِلَاف فِي الْقدر بعد الْبناء الِاخْتِلَاف فِي الصّفة كَمَا يَأْتِي، وَظَاهر النّظم أَنه لَا ينظر هُنَا لشبه وَهُوَ كَذَلِك فَإِن نكل حَلَفت وَأخذت مَا حَلَفت عَلَيْهِ كَمَا قَالَ: وَتَحْلِفُ الزَّوْجَةُ إنْ لَمْ يَحْلِفِ وَتَقْتَضِي مَا عَيَّنَتْ بِالْحَلْفِ (وتحلف الزَّوْجَة) فعل وفاعل (إِن لم يحلف) شَرط وَفعله حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ (وتقتضي) فَاعله ضميرالزوجة (مَا) مفعول بِهِ (عينت) صلَة مَا عائده مَحْذُوف أَي عينته (بِالْحلف) يتَعَلَّق بِهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُور. وَقَالَ ابْن حبيب: يَتَحَالَفَانِ مَعَ بَقَاء الْعِصْمَة وَيجب صدَاق الْمثل، وَقيل: إِن اخْتلفَا فِي الصّفة فَكَمَا قَالَ ابْن حبيب. وَإِن اخْتلفَا فِي الْقدر فكالمشهور حكى ذَلِك ابْن الْحَاجِب. وَإنْ هُمَا تَحَالَفَا فِي نَوْعِ مَا أُصْدِقَ مَا كَانَ فَحَلْفاً أُلْزِمَا (وَإِن هما) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره (تحَالفا فِي نوع) يتَعَلَّق بِهِ (مَا) مُضَاف إِلَيْهِ (أصدق) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل أَو الْمَفْعُول صلَة مَا وَيجوز أَن تكون مَصْدَرِيَّة وَهُوَ أظهر (مَا) نكرَة خبر عَن قَوْله (كَانَ) النَّاقِصَة، وَالْجُمْلَة حَال من الْمَوْصُول أَو من الْمصدر المؤول أَي، وَإِن هما تخالفا بعد الْبناء وَنَحْوه فِي نوع الصَدَاق حَال كَون الصَدَاق أياً كَانَ مِمَّا يصدق للنِّسَاء عَادَة كالدراهم وَالثيَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 أَو لَا كالخشب والجلود (فَحَلفا) مفعول ثَان بقوله (أُلزما) ونائبه ضمير التَّثْنِيَة هُوَ الْمَفْعُول الأول وَالْفَاء جَوَاب الشَّرْط أَي فيلزمان مَعًا الْحلف ونكولهما كحلفهما وَيَقْضِي للْحَالِف على الناكل (و) إِذا حلفا أَو نكلا. وَفِي الأصَحِّ يَثْبُتُ النِّكَاحُ وَمَهْرُ مِثْلِهَا لَهَا مُبَاحُ ف (فِي) القَوْل (الْأَصَح يثبت النِّكَاح) فَلَا يفْسخ وَقيل بل يفْسخ (و) على كل مِنْهُمَا (مهر مثلهَا لَهَا مُبَاح) وَهَذَا مَا لم يزدْ مهر مثلهَا على دَعْوَاهَا وإلاَّ أَعْطَيْت مَا ادَّعَتْهُ فَقَط وَمَا لم ينقص عَن دَعْوَاهُ وَإِلَّا لزمَه مَا أقرّ بِهِ، وَلَقَد أَجَاد (خَ) فِي اخْتِصَار مَا أَشَارَ لَهُ النَّاظِم فِي هَذَا الْفَصْل حَيْثُ قَالَ: وَفِي قدر الْمهْر أَو صفته أَو جنسه حلفا وَفسخ وَالرُّجُوع للأشبه وانفساخ النِّكَاح بِتمَام التَّحَالُف وَغَيره كَالْبيع إِلَّا بعد بِنَاء أَو طَلَاق أَو موت فَقَوله: بِيَمِين فِي الْقدر وَالصّفة ورد للمثل فِي جنسه مَا لم يكن ذَلِك فَوق قيمَة مَا ادَّعَتْهُ أَو دون دَعْوَاهُ، وَثَبت النِّكَاح. وَلَا كَلَام لسفيهة الخ فَقَوله: وَغَيره بِالرَّفْع عطف على قَوْله: وَالرُّجُوع للأشبه الخ. وَالْخَبَر قَوْله: كَالْبيع وَمَعْنَاهُ أَنه شَبيه بِالْبيعِ فِي الْجُمْلَة فَإِذا أشبه أَحدهمَا فَإِنَّهُ يعْمل بقوله فِي الْقدر وَالصّفة لَا فِي الْجِنْس كَمَا يعْمل بذلك فِي البيع وَإِن كَانَ مَحل الشّبَه مُخْتَلفا لِأَنَّهُ يعْمل بِهِ هُنَا إِذا لم يحصل فَوَات بِبِنَاء أَو فِرَاق وَلَا ينظر لَهُ بعد الْفَوات بذلك. وَفِي البيع يعْمل بِهِ بعد الْفَوات لَا قبله كَمَا أَشَارَ لَهُ بقوله وَصدق مُشْتَر ادّعى الْأَشْبَه وَحلف إِن فَاتَ الخ. وَقَوله: فَقَوله بِيَمِين فِي الْقدر وَالصّفة أَي وَإِن لم يشبه. وَقَوله: ورد للمثل فِي جنسه أَي بعد حلفهما أَو نكولهما وَيَقْضِي للْحَالِف على الناكل وَلَا ينظر لشبه أَيْضا. وَقَوله: وَلَا كَلَام لسفيهة أَي فِي شَيْء من فُصُول التَّنَازُع وَلَا مَفْهُوم لسفيهة بل السَّفِيه كَذَلِك، وَإِنَّمَا الْكَلَام لوليهما وَلَو حَاكما فَلَو قَالَ لذِي حجر كَانَ أولى فَتحصل أَن النِّكَاح يعْتَبر فِيهِ الشّبَه قبل الْفَوات فِي الْقدر وَالصّفة لَا بعده فيهمَا وَلَا فِي الْجِنْس مُطلقًا، وَاعْتِرَاض ابْن رحال هَهُنَا على النَّاظِم وشراحه بِأَن الشّبَه لَا ينظر لَهُ قبل الْفَوات بِمَا ذكر مُطلقًا، وَإِنَّمَا ينظر لَهُ بعد الْفَوات فِي الْقدر وَالصّفة فَقَط لَا فِي الْجِنْس إِجْرَاء لما هُنَا على مَا يَأْتِي فِي البيع لَا يعول عَلَيْهِ. قَالَ مُؤَلفه سامحه الله: وَقد أطنب النَّاظِم رَحمَه الله فِي هَذَا الْفَصْل مَعَ الْإِخْلَال بِبَعْض الْقُيُود فَلَو قَالَ رَحمَه الله: وَالْمهْر إِن فِي قدره تخالفا أَو نَوعه أَو وَصفه تحَالفا وَالْفَسْخ فِيهِ بعد حَيْثُ يحكم بِهِ وَلَا للزَّوْج شَيْء يلْزم وَإِن بدا النّكُول من كليهمَا فالفسخ إِن توافقا قد عدما وتبدأ الْمَرْأَة بِالْيَمِينِ أَو قَائِم مقَامهَا فِي الْحِين وَذَا إِذا قبل الْفِرَاق والبنا وَبعد قَول زَوجهَا تعينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 فِي الْقدر وَالْجِنْس وَفِي الْوَصْف يحِق تحالف وَمهر مثل تسْتَحقّ ومشبه فِي الْقدر وَالْوَصْف رجح إِن قبل لَا بعد وَفِي الْجِنْس اتَّضَح وَيثبت النِّكَاح فِي البعدي هَب تحالف الْكل أَو الْبَعْض وَجب فقولنا: تحَالفا أَي وَيَقْضِي للْحَالِف على الناكل إِذْ لَا فَائِدَة لطلب التَّحَالُف إِلَّا ذَاك، وَيفهم مِنْهُ أَن الْوَلِيّ يقوم مقَام السَّفِيه لِأَنَّهُ مُتَوَلِّي العقد فَيحلف لِأَنَّهُ مفرط بِعَدَمِ الْإِشْهَاد كَمَا مرّ. وَقَوْلنَا: إِن توافقا الخ هَذَا الْقَيْد حذف من التَّحَالُف لدلَالَة هَذَا عَلَيْهِ أَي: إِنَّمَا يحكم بِالْفَسْخِ بعد التَّحَالُف أَو النّكُول إِن عدم التوافق وَهُوَ رُجُوع أَحدهمَا لقَوْل الآخر، وَالأَصَح النِّكَاح. وَيفهم من ذَلِك أَن كلاًّ مِنْهُمَا مُخَيّر فِي أَن يرجع إِلَى قَول الآخر قبل الْحلف أَو بعده، وَالْإِشَارَة بذا من قَوْلنَا: وَذَا إِذا الخ. رَاجِعَة الْفِقْه السَّابِق أَي: وَهَذَا الْفِقْه إِذا كَانَ التَّحَالُف والنزاع قبل الْفِرَاق وَالْبناء الخ. فحذفت كَانَ مَعَ اسْمهَا. وَقَوْلنَا: ومشبه الخ. هُوَ على حذف مُضَاف أَي: وَقَول مشبه رجح. وَفِي التخالف فِي الْقدر وَالْوَصْف إِن اتَّضَح ذَلِك التخالف قبل مَا ذكر لَا بعده فيهمَا وَلَا فِي الْجِنْس مُطلقًا فَقَوله: وَفِي الْجِنْس مَعْطُوف على الظّرْف مَدْخُول للنَّفْي وتقرأ الْيَاء من البعدي بِالتَّشْدِيدِ وَالله أعلم. (فصل فِي الِاخْتِلَاف فِي الْقَبْض) لنقد الصَدَاق أَو كالئه واختلافهما فِي ذَلِك إِمَّا قبل الْبناء أَو بعده. وَإنْ هُمَا قَبْلَ البِنَاءِ اخْتَلَفَا فِي الْقَبْضِ لِلنَّقْدِ الَّذِي قَدْ وُصِفَا (وَإِن) شَرط (هما) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره مَا بعده (قبل الْبناء) يتَعَلَّق بقوله (اخْتلفَا) وَالْألف فَاعل (فِي الْقَبْض) يتَعَلَّق بِهِ أَيْضا (للنقد) يتَعَلَّق بِالْقَبْضِ (الَّذِي) صفة للنقد (قد وَصفا) صلته ونائبه هُوَ الرابط وألفه للإطلاق. فالْقَوْلُ لِلزَّوْجَةِ وَالْيَمِينُ أَوْ لِلَّذِي فِي حَجْرِهِ تَكُونُ (فَالْقَوْل) مُبْتَدأ (للزَّوْجَة) خبر (وَالْيَمِين) مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي عَلَيْهَا (أَو للَّذي) مَعْطُوف على الْخَبَر الْمُقدر وَاللَّام بِمَعْنى على (فِي حجره) يتَعَلَّق بقوله (تبين) وفاعله ضمير الزَّوْجَة وَالْجُمْلَة صلَة والرابط الضَّمِير فِي حجره، وَالْجُمْلَة حَال من ضمير الِاسْتِقْرَار فِي الْخَبَر، وَيجوز أَن يكون تبين خَبرا عَن الْيَمين، وَفِي حجره خبر عَن مُضْمر صلَة أَي وَالْيَمِين تبين عَلَيْهَا أَو على الَّذِي هِيَ فِي حجره، وَالضَّمِير فِي قَوْله: اخْتلفَا رَاجع للزوجين أَو ورثتهما لِأَن وَارِث كل قَائِم مقَامه إِلَّا أَن يَمِين الْوَارِث على نفي الْعلم وَيحلف من يظنّ بِهِ الْعلم فَقَط، وَيَمِين الْمَوْرُوث على الْبَتّ انْظُر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 الشَّامِل. وَفِي معنى النَّقْد مَا كَانَ كالئاً وَحل قبل الْبناء كَمَا يَأْتِي (خَ) وَفِي قبض مَا حل فَقبل الْبناء قَوْلهَا الخ. وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ بَعْدَ مَا بَنَى وَيَدَّعِي الدَّفْعَ لَهَا قَبْلَ الْبِنَا (وَالْقَوْل) مُبْتَدأ (قَول الزَّوْج) خَبره (بعد) يتَعَلَّق بِشَرْط مُقَدّر دلّ عَلَيْهِ مَا مر أَي القَوْل قَول الزَّوْج إِن اخْتلفَا بعد (مَا) مَصْدَرِيَّة (بنى) صلتها أَي بعد الْبناء (وَيَدعِي) هُوَ أَي الزَّوْج مَعْطُوف على فعل الشَّرْط الْمُقدر ومتعلقه مَحْذُوف أَي إِن اخْتلفَا بعد الْبناء وَادّعى بعده (الدّفع لَهَا قبل الْبَنَّا) ء فَالْقَوْل لَهُ بِيَمِينِهِ أَو يَمِين وَارثه إِن مَاتَ لِأَن الْعرف أَنَّهَا لَا تسلم لَهُ سلعتها حَتَّى تقبض عوضهَا فالدفع مفعول بِهِ، والظرفان بعده يتعلقان بِهِ. وَأما إِن كَانَ اخْتِلَافهمَا بعد الْبناء وَلَكِن ادّعى الدّفع لَهَا بعد الْبناء لَا قبله فَالْقَوْل لَهَا لَا لَهُ كَمَا قَالَ: وَهُوَ لهَا فِيما ادَّعَى مِنْ بَعْدٍ أَنْ بَنَى بِهَا وَالْعُرْفُ رَعْيُهُ حَسَنْ (وَهُوَ) مُبْتَدأ (لَهَا) خَبره (فِيمَا) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر وَمَا وَاقعَة على النَّقْد (ادّعى) صلَة وضميره للزَّوْج ومفعوله المتلبس بالرابط مَحْذُوف أَي: وَالْقَوْل كَائِن لَهَا فِي النَّقْد الَّذِي ادّعى دَفعه (من بعد أَن بنى بهَا) فالمجرور يتَعَلَّق بِالْمَصْدَرِ الْمُقدر كَمَا ترى، وَهَذَا مَا قيد بِهِ عِيَاض قَول الْمُدَوَّنَة وَلَا قَول للمدخول بهَا وَلَا لورثتها كَمَا قيد أَيْضا بِمَا إِذا لم يكن الصَدَاق مشهوداً عَلَيْهِ برسم بَاقٍ بِيَدِهَا، وَبِمَا إِذا لم يكن الْعرف تَأْخِيره عَن الْبناء وإلاَّ فقولها فيهمَا: وَلَا يبرأ إِلَّا بِبَيِّنَة أَو اعْتِرَاف. وَأَشَارَ النَّاظِم للقيد الثَّانِي بقوله: (وَالْعرْف) مُبْتَدأ (رعيه) مُبْتَدأ ثَان (حسن) خبر عَن الثَّانِي وهما خبران عَن الأول (خَ) وَبعده قَوْله بِيَمِين فيهمَا عبد الْوَهَّاب إِلَّا أَن يكون بِكِتَاب وَإِسْمَاعِيل بِأَن لَا يتَأَخَّر عَن الْبناء عرفا اه. فَلِكُل من الْقُضَاة الثَّلَاثَة قيد ذكر النَّاظِم مِنْهَا قيدين قيدي عِيَاض وَإِسْمَاعِيل و (خَ) ترك قيد عِيَاض وَذكر قيدي غَيره، وَالْمرَاد بِالْكتاب الصَّك الَّذِي أشهد فِيهِ بتخلده فِي ذمَّته كَانَ صك الصَدَاق أَو غَيره كَمَا فِي ابْن عَرَفَة. قلت: أفتى عِيَاض حَسْبَمَا فِي دعاوى المعيار بِأَن القَوْل للزَّوْج وَلَو كَانَ الصَدَاق مشهوداً عَلَيْهِ فِي كتاب، فَإِنَّهُ لما سُئِلَ عَمَّن تزوج بعاجل وآجل وَأشْهد فِي رسم الصَدَاق أَنه لَا بَرَاءَة لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 فِي دَعْوَى الدّفع إِلَّا بِبَيِّنَة، ثمَّ دخل وَادّعى الدّفع فَأجَاب القَوْل قَوْله فِيمَا جرت الْعَادة بِدَفْعِهِ من النَّقْد قبل الدُّخُول اه. فشهادة الْعَادة عارضت الْبَيِّنَة هَهُنَا. وَهَذَا هُوَ الْقيَاس فِي مثل هَذَا لِأَن الْعَادة إِذا عارضت اسْتِصْحَاب الأَصْل الَّذِي هُوَ اسْتِمْرَار تعمير الذِّمَّة فَتقدم لِأَنَّهَا كالشاهد بِالْقضَاءِ وَلَعَلَّ النَّاظِم لهَذَا ترك قيد القَاضِي عبد الْوَهَّاب، وَأَشَارَ للقيدين الْأَخيرينِ كَمَا ترى وَهُوَ حسن فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَمَا ذكره ابْن رحال هَهُنَا من أَن كثيرا من أهل الْبَوَادِي يُعْطي الزَّوْج مِنْهُم الْوَلِيّ بعض النَّقْد ويؤخره بِالْبَاقِي وَلَا يكْتب الْوَلِيّ ذَلِك الْبَاقِي فَإِذا دخل الزَّوْج فَلَا يصدق فِي الدّفع بِدُخُولِهِ فِي ذَلِك الْبَاقِي الخ. هُوَ قيد القَاضِي إِسْمَاعِيل لَا زَائِد عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِذا جرى الْعرف بِتَأْخِير كُله أَو بعضه فَإِن القَوْل لَهَا فِي الْكل أَو الْبَعْض، وَزَاد اللَّخْمِيّ قيدا رَابِعا وَهُوَ أَن لَا يكون بِيَدِهَا رهن فِيهِ ذكره غير وَاحِد. قلت: وَهَذِه هِيَ قَول (خَ) فِي آخر الْفلس والراهن بِيَدِهِ رَهنه بِدفع الدّين، فمفهومه أَنه إِذا لم يكن بِيَدِهِ بل بيد رب الدّين فَالْقَوْل لرب الدّين لِأَن الزَّوْجَيْنِ هُنَا معترفان بتقرر الصَدَاق، وَإِنَّمَا اخْتلفَا فِي قَبضه، وَبِهَذَا تعلم أَن الزَّوْج إِذا أَخذ رَهنه بعد الْبناء وَادّعى أَنه دفع المَال وَلَو بعد الْبناء فَإِنَّهُ يصدق وَلَو كَانَ مَكْتُوبًا فِي كتاب وَهُوَ ظَاهر إِن توافقا على الرهنية، وَأما إِن اخْتلفَا فِيهَا فقد قَالَ (خَ) وَالْقَوْل لمُدعِي نفي الرهنية، وَحِينَئِذٍ فَلَا يكون مَا بيد الزَّوْجَة شَاهدا لبَقَاء النَّقْد فِي ذمَّة الزَّوْج مَعَ فقد الْقُيُود الْمُتَقَدّمَة، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون الْعرف جرى بالرهنية كَمَا قَالَ الْقَائِل: وَالْقَوْل قَول من نفى الرهنية إِلَّا لعرف أَو مَعَ البعضية إِلَى آخر الأبيات الْمُتَقَدّمَة فِي الرَّهْن. وَقَالَ فِي الشَّامِل فِي فصل الِاخْتِلَاف فِي قبض الكالىء مَا نَصه: وَلَو أخذت بِهِ رهنا ثمَّ تسلمه صدق وَإِن لم يدْخل وَإِن بَقِي الرَّهْن بِيَدِهَا وَدخل فَفِي تَصْدِيقه قَولَانِ. وَلَو أخذت بِهِ حميلاً ثمَّ أقرَّت بِالْقَبْضِ من أَحدهمَا واتفقا على ذَلِك وَادّعى كلٌّ أَنه الدَّافِع صدق الزَّوْج إِن حلف وإلاَّ فالحميل وَرجع بِهِ عَلَيْهِ انْظُر بَقِيَّته. وَلما كَانَ الْحَال من الكالىء قبل الْبناء مثل النَّقْد نبه عَلَيْهِ فَقَالَ: والْقَوْلُ وَاليَمِينُ لِلَّذِي ابْتَنْى فِي دَفْعهِ الْكَالِىءُ قَبْلَ الابْتِنَا (وَالْقَوْل) مُبْتَدأ (وَالْيَمِين) مَعْطُوف (للَّذي) خبر (ابتنى) صلَة والرابط ضمير الْمَوْصُول وَهُوَ الْفَاعِل (فِي دَفعه) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر وَهُوَ مصدر مُضَاف لفَاعِله (الكالىء) مَفْعُوله (قبل الابتنا) ء يتَعَلَّق بِدفع. إنْ كَانَ قَدْ حَلَّ وَفِي الَّذِي يَحِلْ بحدَ بِنَائِهِ لهَا الْقَوْلُ جُعِلْ (إِن كَانَ) شَرط وَاسْمهَا ضمير الكالىء (قد حل) خَبَرهَا وَالْجَوَاب مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ (وَفِي الَّذِي يحل) مَوْصُول وصلته يتَعَلَّق بِجعْل آخر الْبَيْت (بعد بنائِهِ) يتَعَلَّق بيحل (لَهَا) يتَعَلَّق بِجعْل أَيْضا (القَوْل) مُبْتَدأ (جعل) خَبره، وَالْمعْنَى أَنَّهُمَا إِذا اخْتلفَا بعد الْبناء فِي دفع الكالىء الْحَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 قبله، فَإِن القَوْل للزَّوْج بِيَمِينِهِ أَنه دَفعه قبله، وَإِن اخْتلفَا بعد الْبناء فِي دفع مَا لم يحل مِنْهُ قبله فَالْقَوْل للزَّوْجَة، وَلَو أبدل النَّاظِم رَحمَه الله الكالىء بِالْمهْرِ وأتى بِالْبَيْتِ الَّذِي قبله بعد هذَيْن الْبَيْتَيْنِ فَيَقُول مثلا: وَالْقَوْل وَالْيَمِين للَّذي ابتنى فِي دَفعه الْمهْر قبيل الابتنا إِن كَانَ الخ. ثمَّ يَقُول: كَذَا لَهَا فِيمَا ادّعى من بعد أَن الخ. لأغناه مَعَ الِاخْتِصَار عَن الأبيات الأول، وَيكون مُسَاوِيا بالْقَوْل (خَ) وَفِي قبض مَا حلّ فَقبل الْبناء قَوْلهَا وَبعده قَوْله بِيَمِين فيهمَا الخ. ثُمَّ لهَا امْتِنَاعُهَا أَنْ يَدْخُلاَ أَوْ تَقْبِضَ الْحَائِنَ مِمَّا أُجِّلاَ (ثمَّ) للتَّرْتِيب الإخباري (لَهَا) خبر مقدم (امتناعها) مُبْتَدأ (أَن يدخلا) فِي تَأْوِيل مصدر مجرور بِحرف جر مَحْذُوف أَي من دُخُوله (أَو) بِمَعْنى حَتَّى (تقبض) مَنْصُوب بِأَن مقدرَة بعد أَو وجوبا (الحائن) مَفْعُوله وَهُوَ اسْم فَاعل من حَان يحين إِذا وصل حِينه (مِمَّا) يتَعَلَّق بالحائن (أَََجَلًا) صلَة مَا. والرابط النَّائِب فِي أَََجَلًا وَالْمعْنَى أَن من تزوج بِنَقْد وكالىء فَإِنَّهُ إِذا دفع النَّقْد فَلهُ الدُّخُول بهَا وَلَا كَلَام لَهَا، فَإِن لم يدْخل حَتَّى حل الكالىء أَو بعضه فلهَا مَنعه من الدُّخُول حَتَّى تقبض جَمِيع مَا حل مِنْهُ فَقَوله: الحائن مِمَّا أَََجَلًا وَأَحْرَى النَّقْد الحائن بالإصالة فَإِن لم تمنع نَفسهَا حَتَّى دخل ووطىء فَلَا منع لَهَا بعد ذَلِك الْوَطْء، وَإِن أعْسر بِهِ فَلَا تطلق عَلَيْهِ بذلك بِخِلَاف مَا كَانَ لَهَا الِامْتِنَاع مِنْهُ حَتَّى يُؤَدِّيه فَإِنَّهَا تطلق عَلَيْهِ بعسره بِهِ (خَ) وَوَجَب تَسْلِيمه إِن تعين وإلاَّ فلهَا منع نَفسهَا من الدُّخُول وَالْوَطْء بعده وَالسّفر إِلَى تَسْلِيم مَا حل لَا بعد الْوَطْء إِلَّا أَن يسْتَحق وَلَو لم يغرها على الْأَظْهر ثمَّ قَالَ: وَإِن لم يجده أجل لإِثْبَات عسره ثَلَاثَة أسابيع إِلَى قَوْله: ثمَّ طلق عَلَيْهِ اه. (فصل فِيمَا يهديه الزَّوْج ثمَّ يَقع الطَّلَاق) لَو قَالَ فِيمَا يُرْسِلهُ ثمَّ يَقع الْفِرَاق كَانَ صَوَابا لما علمت من تقسيمه الْمُرْسل إِلَى هَدْيه وَغَيرهَا وتقسيمه الْفِرَاق إِلَى طَلَاق وَفسخ قَالَه (ت) . قلت: وَالظَّاهِر أَن هَذَا الْفَصْل هُوَ مَفْهُوم قَوْله: فِيمَا مر لِأَنَّهُ كَهِبَة لم تقبض كَمَا مرّ التَّنْبِيه عَلَيْهِ، فَإِن الْفِرَاق بَين مَا هُنَا وَبَين مَا مرّ أَن مَا الْتَزمهُ من الزِّيَادَة على أَنه من الصَدَاق يجْرِي على مَا مر سَوَاء كَانَ معينا أَو فِي الذِّمَّة وَمَا هُنَا لم يلتزمه على ذَلِك، بل طاع على وَجه الْهَدِيَّة، وَأما الْعَارِية والإرسال ليحسب من الصَدَاق فَلَيْسَ من الْمَزِيد عَلَيْهِ كَمَا هُوَ وَاضح، وَلِهَذَا كَانَ الْأَنْسَب بِهَذَا الْفَصْل أَن يذكرهُ عقب مَا مرّ لِأَنَّهُ مُرْتَبِط بِهِ غَايَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 وَكلُّ مَا يُرْسِلُهُ الزَّوْجُ إلَى زَوْجَتِهِ مِنَ الثِّيَابِ وَالْحُلَى (وكل) مُبْتَدأ (مَا) مُضَاف إِلَيْهِ (يُرْسِلهُ الزَّوْج) صلَة مَا (إِلَى زَوجته) يتَعَلَّق بيرسله (من الثِّيَاب) بَيَان لما يتَعَلَّق بيرسل أَيْضا (والحلى) مَعْطُوف قَالَ فِي الصِّحَاح: الحلى حلي الْمَرْأَة، وَجمعه حلى مثل ثدي وثدى على وزن فعول، وَقد تكسر الْحَاء وَحلية السَّيْف جمعهَا حلى مثل لحية ولحى وَرُبمَا ضم اه نَقله (ت) وَقَوله: فعول أَي لِأَن فعل يجمع على فعول كفلس وفلوس اجْتمعت الْوَاو وَالْيَاء، وَسبق أَحدهمَا بِالسُّكُونِ فقلبت الْوَاو يَاء وقلبت الضمة فَتْحة لتسلم الْيَاء من الْقلب واواً ثَانِيًا، ثمَّ قلبت الْيَاء المدغمة ألفا واستثقلت الضمة على الْيَاء الْأَخِيرَة فحذفت، ثمَّ حذفت الْألف لالتقاء الساكنين فَصَارَ حلى، وَالْخَبَر عَن كل مَحْذُوف أَي فِيهِ تَفْصِيل. فَإنْ يَكُنْ هَدِيّةً سَمَّاهَا فَلاَ يَسُوغُ أَخْذُهُ إيَّاهَا (فَإِن يكن) شَرط واسْمه ضمير يعود على مَا (هَدِيَّة) خبر يكن أَو مفعول ثَان لقَوْله (سَمَّاهَا) وَالْجُمْلَة هِيَ الْخَبَر (فَلَا يسوغ) جَوَاب الشَّرْط (أَخذه) فَاعل يسوغ (إِيَّاهَا) مفعول يَأْخُذ. إلاَّ بِفَسْخٍ قَبْلَ أَنْ يَبْتَنِيَا فإنَّهُ مُسْتَخْلِصٌ مَا بَقِيَا (إِلَّا) اسْتثِْنَاء من مُقَدّر يتَعَلَّق بِأخذ (بِفَسْخ) يتَعَلَّق بِأخذ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة بدل من ذَلِك الْمُقدر أَي لَا يسوغ أَخذه إِيَّاهَا بِوَجْه من الْوُجُوه إِلَّا بِفَسْخ من (قبل) يتَعَلَّق بِفَسْخ (أَن يبتنيا) فِي تَأْوِيل مصدر مُضَاف إِلَيْهِ وألفه للإطلاق أَو للتثنية (فَإِنَّهُ) أَي الزَّوْج (مستخلص) خبر إِن (مَا) مفعول بِمَا قبله (بقيا) صلَة مَا والعائد مَحْذُوف أَي مِنْهُ وَمَعْنَاهُ أَنه إِذا سمى مَا أرْسلهُ هَدِيَّة فَلَا يرتجعه مُطلقًا طلق قبل الْبناء أَو بعده وَلَو لعسره بِالنَّفَقَةِ فيهمَا أَو مَاتَ كَذَلِك أَو بقيت الْعِصْمَة إِلَّا أَن يفْسخ النِّكَاح قبل الْبناء فَإِنَّهُ يرتجع مَا بَقِي مِنْهَا قَائِما بِعَيْنِه وَلم يفت، وَمَفْهُوم هَدِيَّة أَنه إِن سَمَّاهَا صَدَاقا فَهُوَ مَا مرّ فِي قَوْله: وزائد فِي الْمهْر بعد العقد الخ. كَمَا مر التَّنْبِيه عَلَيْهِ، وَهَذَا كُله فِي الْهَدِيَّة بعد العقد وَقبل الْبناء وَهُوَ أحد رِوَايَتَيْنِ فِي قَول (خَ) وَفِي تشطر هَدِيَّة بعد العقد وَقبل الْبناء أَو لَا شَيْء لَهُ وَإِن لم يفت إِلَّا أَن يفْسخ قبل الْبناء فَيَأْخُذ الْقَائِم مِنْهَا لَا أَن فسخ بعده. رِوَايَتَانِ فدرج النَّاظِم على الرِّوَايَة الثَّانِيَة لِأَنَّهَا الرجح، بل حكى ابْن رشد عَلَيْهِ الِاتِّفَاق فَإِن كَانَت الْهَدِيَّة بعد الْبناء وَبعد طوله مَعهَا كسنتين فَلَا رُجُوع فِيهَا أَيْضا إِن طَلقهَا فَإِن لم يُطلق فَلهُ أَخذ هديته قَالَه فِي الشَّامِل. وَهَذَا كُله فِي الْهَدِيَّة المتطوع بهَا وَلم تشْتَرط وَلَا جرى عرف بهَا، وَأما إِن اشْترطت فِي العقد أَو قبله أَو جرى بهَا عرف فَهِيَ كالصداق كَمَا مرّ لِأَن الْعرف كالشرط. وَإنْ يَكُنْ عَارِيَةً وَأَشْهَدَا مِنْ قَبْلُ سِرًّا فَلَهُ مَا وَجَدَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 (وَإِن يكن) شَرط واسْمه ضمير يعود على مَا أَيْضا (عَارِية) خبر يكن (وأشهدا) فَاعله ضمير الزَّوْج (من قبل) يتَعَلَّق بِهِ (سرا) مَنْصُوب على نزع الْخَافِض أَو حَال، وَالْجُمْلَة من أشهدا وَمَا بعده حَال من الزَّوْج أَيْضا (فَلهُ) خبر عَن قَوْله (مَا وجدا) وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط أَي: وَإِن سمى مَا أرْسلهُ عَارِية وَالْحَال أَنه أشهد بهَا سرا من قبل إرْسَاله وَأَحْرَى جَهرا فَلهُ استرجاع مَا وجد مِنْهَا قَائِما لم يفت طلق أَو مَاتَ أَو فسخ أَو بقيت الْعِصْمَة وَلَا شَيْء فِيمَا فَاتَ مِنْهَا إِلَّا إِن كَانَت مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ وَالزَّوْجَة رَشِيدَة عَالِمَة بهَا وَلَا بَيِّنَة على الْهَلَاك فتضمن حِينَئِذٍ فِيمَا يظْهر وَهُوَ الْمُوَافق لما يَأْتِي فِي الْأَب يشْهد بالعارية لابنته وَهِي مرشدة عَالِمَة تَأمل. وَفهم من قَوْله: وَأشْهد سرا أَنه إِذا سكت حِين الْإِرْسَال وَادّعى الْعَارِية وَلم تقم بَيِّنَة لَهُ بهَا لَا شَيْء لَهُ وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي ابْن سَلمُون. وَفِي آخر الكراس الرَّابِع من أنكحة المعيار فِيمَن كسا زَوجته ثيابًا، وَلما توفيت ادّعى أَن ذَلِك عَارِية أَن القَوْل لَهُ بِيَمِينِهِ إِن ثَبت بالعدول أَو اعترافها فِي حَيَاتهَا أَنه هُوَ الَّذِي جَاءَ بِتِلْكَ الثِّيَاب بِعَينهَا فَانْظُرْهُ مَعَ قَول النَّاظِم فِي التداعي فِي الطَّلَاق: فَالْقَوْل قَول زَوْجَة فِي الْأَنْفس. وَانْظُر أَيْضا آخر فصل الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت. وَمُدَّعٍ إرْسَالَها كَيْ تُحْتَسَبْ مِنْ مَهْرِهَا الْحَلْفُ عَلَيْهِ قَدْ وَجَبْ (ومدع) مُبْتَدأ (إرسالها) مفعول بِهِ وضميره للثياب والحلى (كي) جَارة تعليلية (تحتسب) مَنْصُوب بِأَن مقدرَة بعد كي (من مهرهَا) يتَعَلَّق بِهِ (الْحلف) مُبْتَدأ ثَان (عَلَيْهِ) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (قد وَجب) . وَالْجُمْلَة من الثَّانِي وَخَبره خبر الأول. ثُمَّ لَهَا الْخِيَارُ فِي صَرْفٍ وَفِي إمْسَاكِهَا مِنَ الصَداقِ فَاعْرِفِ (ثمَّ) للتَّرْتِيب الإخباري (لَهَا) خبر عَن قَوْله (الْخِيَار فِي صرف) يتَعَلَّق بِهِ (وَفِي إِِمْسَاكهَا) مَعْطُوف على مَا قبله (من الصَدَاق) يتَعَلَّق بِمَا قبله (فاعرف) أَمر من الْعرْفَان تتميم للبيت وَمعنى ذَلِك أَنه إِن ادّعى إرْسَال ذَلِك ليحسب من الصَدَاق فَإِنَّهُ يحلف على ذَلِك، ثمَّ تخير الزَّوْجَة فِي أَن تصرف ذَلِك للزَّوْج وترده لَهُ، وَفِي أَن تمسك ذَلِك وتحسبه من الصَدَاق، وَهَذَا ظَاهر إِذا كَانَ قَائِما كَانَت رَشِيدَة أَو سَفِيهَة وَيَأْخُذهُ من يَدهَا على مَا وجده إِن لم يُرْسل ذَلِك عِنْد حُدُوث سَبَب وإلاَّ جرى فِيهِ مَا يَأْتِي عَن أبي الْحسن، وَسَوَاء ادّعى أَنه بَين ذَلِك لَهَا عِنْد الْإِرْسَال فأنكرته أم لَا. فَإِن هلك أَو شَيْء مِنْهُ فَلَا ضَمَان على الزَّوْجَة فِيهِ كَمَا يفهم من قَوْله الْخِيَار لَهَا الخ. لِأَنَّهُ لم يُرْسِلهُ لَهَا إِلَّا على أَنَّهَا بِالْخِيَارِ فِيهِ فَهِيَ قبل أَن تخْتَار أحد الْأَمريْنِ أمينة فِيهِ كَمَا هِيَ قَاعِدَة البيع بِالْخِيَارِ وَالله أعلم. وَسَوَاء أَيْضا كَانَت رَشِيدَة أَو سَفِيهَة حَيْثُ لم تصن السفيهة بِهِ مَالهَا وَلم تصرفه الرشيدة فِي مصالحها وَإِلَّا لزمتها قيمَة الْمُقَوّم وَمثل المثلى ويتقاصان فَإِن كَانَ الْإِرْسَال عِنْد حُدُوث سَبَب من وَلِيمَة لأقاربها أَو عيد وموسم وَنَحْو ذَلِك فَقَالَ أَبُو الْحسن: جرت عَادَة النَّاس أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 الرجل إِذا صنع وَلِيمَة يَشْتَرِي شَيْئا لزوجته على وَجه الْهِبَة لَهَا والاستئلاف لمودتها لَا بِأَن يكون محسوباً لَهَا من كالئها اه. فيفهم مِنْهُ أَنه قبل الْبناء كَذَلِك مَعَ الْعَادة الْمَذْكُورَة، وَفهم من النّظم أَيْضا أَن من دفع لمدينه شَيْئا وَادّعى دَفعه ليحسب من الدّين وَقَالَ الآخر: بل تبرع أَن القَوْل للدافع بل لَو أتفقا على التَّبَرُّع لم يَصح لِأَنَّهُ هَدِيَّة مديان، وَكَذَا لَو خدمه خدمَة وَادّعى أَنه لم يفعل ذَلِك إِلَّا ليسقط بعض الدّين فَإِن القَوْل لَهُ. وَلَا يَصح التَّبَرُّع بهَا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِك فِي النِّكَاح حَيْثُ لم يحلف الزَّوْج لما بَين الزَّوْجَيْنِ من المكارمة وَالله أعلم. وَمن ذَلِك أَيْضا مَا إِذا شور الْأَب ابْنَته وَلها دين عَلَيْهِ وَمَات فَقَالَت الْبِنْت: شورني من مَاله، وَقَالَ الْوَرَثَة: بل بِالدّينِ الَّذِي لَك عَلَيْهِ. فَالْقَوْل للْوَرَثَة قَالُوا: وَلَو أخرج تِلْكَ الْأَسْبَاب الَّتِي شورها بهَا من عِنْده وَيحمل على أَنه عوضهَا ذَلِك من الدّين الَّذِي عَلَيْهِ، ونظم ذَلِك فِي الْعَمَل الْمُطلق فَقَالَ: وَإِن بدين بنته شورها فَمَاتَ والشورة مَا ذكرهَا فَقَالَت الْبِنْت أبي تفضلا من مَاله بهَا وَقَالَ الْغَيْر لَا بل هِيَ دينك الَّذِي عَلَيْهِ لَك فَالْقَوْل قَول وَارِث الَّذِي هلك وَمُدَّعِي الإرْسَالِ للثَّوَابِ شَاهِدُهُ الْعُرْفُ بِلاَ ارْتِيَابِ (ومدعي) مُبْتَدأ (الْإِرْسَال) مُضَاف إِلَيْهِ (للثَّواب) يتَعَلَّق بِهِ (شَاهده) مُبْتَدأ ثَان (الْعرف) خَبره وَيجوز الْعَكْس وَهُوَ الْأَظْهر (بِلَا ارتياب) يتَعَلَّق بِشَاهِد على الِاحْتِمَالَيْنِ أَي فَينْظر لعرف الْبَلَد فَإِن كَانَ عرفهم أَن الزَّوْج يهدي لزوجته لتكافئه على ذَلِك وَعَكسه مثل أَن تُعْطِي جاريتها الفارهة لزَوجهَا الْمُوسر وتدعي استغرار عطيته وَنَحْو ذَلِك فَالْقَوْل لمُدعِي الثَّوَاب مِنْهُمَا وَإِن لم يكن فِي الْبَلَد عرف بالمكافأة وَلَا وجد وَقت الْعَطِيَّة مَا يدل على إرادتها فَلَا شَيْء لمُدعِي الثَّوَاب (خَ) فِي بَاب الْهِبَة: وَصدق واهب فِيهِ إِن لم يشْهد عرف لضده فِي غير المسكوك وَفِي غير هبة أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر الخ. وَظَاهر المُصَنّف أَن مدعي الْإِرْسَال مُصدق وَلَو طَال، وَفِي الكراس الثَّامِن من أنكحة المعيار أَن من قصد بهديته الثَّوَاب لَهُ المثوبة مَا لم يطلّ الخ. وَهُوَ ظَاهر لِأَن الطول شَاهد عرفا لعدم قَصده للثَّواب. وَانْظُر مَا يَأْتِي عَن المعيار فِي الْبَيْت بعده، وَمن هَذَا الْمَعْنى مَا فِي دعاوى المعيار أَيْضا من أَن أَخَوَيْنِ لَهما دَار ورثاها فَتزَوج أَحدهمَا وسَاق جَمِيعهَا لزوجته وَحضر أَخُوهُ الْمَذْكُور فَسلم الدَّار الْمَذْكُورَة المسوقة للزَّوْجَة، واعترف أَنه لَا حق لَهُ مَعَ أَخِيه فِيهَا، ثمَّ قَامَ الْأَخ الْمُسلم يطْلب أَخَاهُ الزَّوْج الْمَذْكُور بِثمن حَظه من الدَّار الْمَذْكُورَة قَائِلا: إِنَّمَا سلمت على أَن يعطيني ثمن حظي أَو عوضا مِنْهُ فِي أصل ملك أَو غَيره. وَقَالَ الزَّوْج: إِنَّمَا سلمت فِيهِ لزوجتي من غير ثمن وَلَا عوض. فَقَالَ ابْن لب: هَذَا من بَاب الْعَطِيَّة الْمُطلقَة يَدعِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 معطيها بعد خُرُوجهَا من يَده الثَّوَاب عَلَيْهَا وَالْحكم أَن يحلف الْوَاهِب على مَا ادّعى وَيقْضى لَهُ بالثواب. تَنْبِيه: قَالَ الْبُرْزُليّ: لَو وهبته صَدَاقهَا وَادعت أَن ذَلِك للثَّواب لم تصدق وَلَا يدْخل الْخلاف إِلَّا فِي هبتها غير الصَدَاق اه. وَشَرْطُ كِسْوَةٍ مِنَ الْمَحْظُورِ لِلزَّوْجِ فِي الْعَقْدِ عَلى الْمَشْهُورِ (وَشرط) مُبْتَدأ (كسْوَة) مُضَاف إِلَيْهِ (من الْمَحْظُور) بالظاء المشالة بِمَعْنى الْمَمْنُوع خبر الْمُبْتَدَأ (للزَّوْج فِي العقد) يتعلقان بِشَرْط (على الْمَشْهُور) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر، وَالْمعْنَى أَن شَرط الزَّوْج كسْوَة فِي نفس العقد مَمْنُوع على مَشْهُور الْمَذْهَب لِأَنَّهُ جمع بَين البيع وَالنِّكَاح لِأَنَّهُ لَا يدْرِي مَا يَنُوب الْكسْوَة مِمَّا يَنُوب الْبضْع كَمَا مر التَّنْبِيه عَلَيْهِ عِنْد قَوْله: وَيفْسد النِّكَاح بالإمتاع فِي عقدته وَهُوَ على الطوع اقتفي وَهُوَ معنى قَول (خَ) وباجتماعه مَعَ بيع الخ. وَحِينَئِذٍ فَيفْسخ قبل وَلَا شَيْء فِيهِ وَيثبت بعد بِصَدَاق الْمثل كَمَا مرّ، وَظَاهر النّظم كَغَيْرِهِ أَنه يكون فَاسِدا وَلَو عينا مَا يَنُوب الْمهْر مِمَّا يَنُوب تِلْكَ الْكسْوَة وَنَحْوهَا أَو لم يعينا، وَكَانَ فِي الْمهْر فضل كثير على مَا أَعطَتْهُ الْمَرْأَة وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَام ابْن رشد وَغَيره من تنَافِي أَحْكَام البيع وَالنِّكَاح. هَذَا وَذكر ابْن سَلمُون فِي فصل الْمُتْعَة أَوَائِل النِّكَاح أَنَّهُمَا إِذا عينا ذَلِك أَو كَانَ فِي الْمهْر فضل جَازَ الشَّرْط الْمَذْكُور وَبنى على ذَلِك وَثِيقَة فَقَالَ: فَإِن شَرط الزَّوْج لنَفسِهِ كسْوَة تخرجها الزَّوْجَة أَو وَليهَا فِي الشوار للباسه على مَا جرت بِهِ الْعَادة. قلت: وَالْتزم وَالِد الزَّوْجَة أَو وَليهَا أَن يخرج الزَّوْج عِنْد بنائِهِ بهَا جُبَّة كَذَا قيمتهَا كَذَا أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 غفارة كَذَا قيمتهَا كَذَا التزاماً تَاما لما لَهُ وذمته قَالَ: وَحكمهَا حكم الصَدَاق تثبت بِثُبُوتِهِ وَتسقط بسقوطه، وَإِذا وَقع الْتِزَام ذَلِك من الزَّوْجَة فِي العقد كَمَا ذكر فَلَا بدّ أَن يكون فِي الصَدَاق زِيَادَة على قيمَة ذَلِك مِقْدَار أقل الصَدَاق فَأكْثر وإلاَّ فسد النِّكَاح لِأَنَّهُ قد يكون نِكَاحا بِلَا صدَاق قَالَ: فَإِن لم يَقع الْتِزَام ذَلِك وأخرجت الزَّوْجَة فِي شوارها مثل الغفارة والقميص وَلبس ذَلِك الزَّوْج أَو لم يلْبسهُ وأرادت الزَّوْجَة أَو وَليهَا أَخذ ذَلِك بعد زاعمين أَنَّهُمَا كَانَتَا عَارِية على طَرِيق التزين لَا على سَبِيل الْعَطِيَّة فَقَالَ ابْن رشد: إِن كَانَ بِتِلْكَ الثِّيَاب عرف فِي الْبَلَد جرى بِهِ الْعَمَل وَاسْتمرّ عَلَيْهِ الْأَمر حكم بِهِ وإلاَّ فَالْقَوْل للْمَرْأَة أَو وَليهَا أَنه عَارِية أَو على وَجه التزين اه. فَأَنت ترَاهُ اقْتصر فِي جَوَاز اشْتِرَاط ذَلِك على مُقَابل الْمَشْهُور وَهُوَ معنى قَول الشَّارِح، وَفِي ابْن سَلمُون تَقْرِير الْعَمَل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَكَأَنَّهُ ارْتكب فِيهَا غير الْمَشْهُور، وَرُبمَا يكْتب بعض النَّاس بِإِزَاءِ ذَلِك طرة بِأَنَّهَا من الْمسَائِل المختلة فِي ذَلِك الْكتاب يَعْنِي بذلك وَالله أعلم على الْمَشْهُور وَالْأولَى أَن يُقَال: إِنَّه اعْتمد فِيهَا غير الْمَشْهُور اه. فَمَعْنَى كَلَام الشَّارِح هَذَا وَالله أعلم أَن ابْن سَلمُون قرر جَوَاز مَا يعمله النَّاس من الِاشْتِرَاط الْمَذْكُور وَأَن الأولى أَن يُقَال: إِنَّه اعْتمد فِي ذَلِك غير الْمَشْهُور لَا أَن ذَلِك فِي الْمسَائِل المختلة لِأَن التَّعْبِير بالاختلال يُوهم أَنه لم يُصَادف فِي ذَلِك قولا لقَائِل، وَلَيْسَ كَذَلِك وَبِهَذَا تعلم بطلَان مَا نسبه الشَّيْخ بناني فِي فصل التَّفْوِيض لهَذَا الشَّارِح من أَن مَا لِابْنِ سَلمُون خلاف الْمَشْهُور، لَكِن جرى بِهِ الْعَمَل الخ. إِذْ الشَّارِح لم يقل جرى بِهِ الْعَمَل كَمَا ترى، فقد تقوَّل عَلَيْهِ مَا لم يقلهُ، وَكَذَا ابْن سَلمُون لم يقل إِن الْعَمَل جرى بذلك كَمَا ترى، وَلَا يلْزم من اقْتِصَاره واعتماده عَلَيْهِ جَرَيَان الْعَمَل بِهِ عِنْد الْحُكَّام إِذْ الْعَمَل يقدم على الْمَشْهُور، وَلم يقل بِهِ أحد فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَالله أعلم. وَظَاهر النّظم أَن شَرط الْكسْوَة وَنَحْوهَا من الْعرُوض مَمْنُوع، وَلَو كَانَ ذَلِك من مَال الْوَلِيّ وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مرّ فِي قَول (خَ) : كدار دفعتها هِيَ أَو أَبوهَا، وَمَفْهُوم الْكسْوَة أَنه لَو شَرط دَنَانِير أَو دَرَاهِم كَقَوْلِه أَتَزَوَّجهَا بِمِائَة على أَن تُعْطِينِي عشْرين درهما مِنْهَا جَازَ إِن كَانَ ذَلِك على معنى الْمُقَاصَّة فَإِن قَالَ بِمِائَة دِينَار على أَن تُعْطِينِي عشْرين درهما امْتنع لِأَنَّهُ نِكَاح وَصرف، وَكَذَا يمْتَنع النِّكَاح مَعَ الْقَرْض أَو الْقَرَاض أَو الشّركَة أَو الْجعَالَة أَو الْمُسَاقَاة فِي عقد وَاحِد، وَفِي المعيار فِي الْمَرْأَة تخرج أثواباً لزَوجهَا عِنْد الْبناء ثمَّ تطلب ذَلِك عِنْد مشاجرة زَوجهَا أَو طَلَاق أَو لغير سَبَب مَا نَصه: مَا أهداه أَحدهمَا لصَاحبه قبل العقد، ثمَّ وَقع النِّكَاح لَا رُجُوع فِيهِ قبل الْفِرَاق وَلَا قبل الْبناء وَلَا بعده، فَإِن كَانَ ذَلِك بعد العقد نظر فَإِن كَانَ ذَلِك على وَجه الاستعزاز وَطلب الثَّوَاب فَلهُ الثَّوَاب، وَإِن لم يكن على ذَلِك فَلَا ثَوَاب لَهُ لِأَنَّهُ استجلاب للمودة أَو تأكيدها فَإِن طَلقهَا بِقرب الْعَطِيَّة فترجع هِيَ فِي عطيتها لَا هُوَ، وَإِن بعد مَا بَين الْعَطِيَّة وَالطَّلَاق لم ترجع اه. وَتقدم فِي النّظم مَا إِذا ادّعى هُوَ الْعَارِية. وَفِي كَلَام ابْن سَلمُون: مَا إِذا ادَّعَت هِيَ ذَلِك وظاهرهما أَنه لَا يفرق فِي الْعَارِية بَين طول وَعَدَمه، وَتقدم فِي الْبَيْت قبله أَن من ادّعى الثَّوَاب من الزَّوْجَيْنِ لَهُ المثوبة مَا لم يطلّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 (فصل فِي الِاخْتِلَاف فِي الشوار المورد) من أَب أَو غَيره (بَيت الْبناء) قَالَ فِي الْقَامُوس: الشوار مُثَلّثَة مَتَاع الْبَيْت. والأبُ إنْ أَوْرَدَ بَيْتُ مَنْ بَنَى بِبِنْتِهِ الْبِكْرِ شِوَارَ الابْتِنَا (وَالْأَب) مُبْتَدأ (إِن أورد) شَرط (بَيت) مفعول فِيهِ (من) مُضَاف إِلَيْهِ (بنى) صلَة من (ببنته) يتَعَلَّق بِهِ (الْبكر) صفة (شوار) مفعول بأورد (الابتنا) ء مُضَاف إِلَيْهِ. وَقَامَ يَدَّعِي إعَارَةً لِمَا زَادَ عَلَى نَقْدٍ إلَيْهِ سُلِّمَا (وَقَامَ) مَعْطُوف على أورد (يَدعِي) حَال من فَاعل قَامَ (إِعَارَة) مفعول بيدعي (لما) يتَعَلَّق بإعارة وَاللَّام مقوية لِلْعَامِلِ لضَعْفه (زَاد) صلَة مَا (على نقد) يتَعَلَّق بِهِ (إِلَيْهِ) يتَعَلَّق بقوله (سلما) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول، وَالْجُمْلَة صفة لنقد. فالقَوْلُ قَوْلُهُ بِغَيْرِ بَيِّنَهْ مَا لَمْ يَطُّلْ بَعْد الْبِنَا فَوْقَ السَّنَهْ (فَالْقَوْل) مُبْتَدأ وَالْفَاء مَعَ مدخولها جَوَاب الشَّرْط (قَوْله) خبر (بِغَيْر بَيِّنَة) يتَعَلَّق بِهِ (مَا) ظرفية مَصْدَرِيَّة (لم يطلّ) صلتها وفاعل يطلّ ضمير يعود على الْإِيرَاد الْمَفْهُوم من أورد (بعد الْبَنَّا فَوق السّنة) يتعلقان بيطل، وَالْمعْنَى أَن الْأَب وَمن تنزل مَنْزِلَته من وَصِيّ ووكيل إِن أورد أَي أرسل أَو أَدخل الشوار الَّذِي اشْتَرَاهُ بِالنَّقْدِ من ثِيَاب وحلى وَغير ذَلِك لبيت الْبناء ببنته الْبكر حَتَّى كَانَ تَحت يَدهَا، ثمَّ قَامَ يَدعِي الْعَارِية فِي بعض مَا أورد مِمَّا زَاد على نقدها الْمُسلم إِلَيْهِ فَإِن القَوْل لَهُ فِي ذَلِك الزَّائِد بِيَمِينِهِ مُدَّة عدم طول إِيرَاده بعد الْبناء فَوق السّنة فَإِن طَال فَوق السّنة لم تقبل دَعْوَاهُ الْعَارِية إِلَّا أَن يكون أشهد كَمَا يَأْتِي وَظَاهره قبُول قَوْله فِي السّنة كَانَت الْبِنْت حَيَّة أَو ميتَة وَهُوَ كَذَلِك فِي شرَّاح الْمَتْن قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَاخْتلف فِي ذَلِك إِذا قَامَ الْأَب يطْلب ذَلِك بعد أَرْبَعَة أَعْوَام فَقَالَ ابْن عتاب: لَا يصدق. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: يصدق فِيمَا زَاد على قدر النَّقْد من الشوار، وَقَالَ ابْن سهل: وَهَذَا خطأ لِأَن الرِّوَايَة لمَالِك وَابْن الْقَاسِم وَغَيرهمَا أَنه لَا يصدق وَلَا خلاف أعلمهُ فِي ذَلِك اه بِاخْتِصَار. وَفهم من قَوْله: الْبكر أَن الثّيّب لَا تقبل دَعْوَاهُ فِي إعارته لَهَا وَهُوَ كَذَلِك إِن لم تكن محجورة لَهُ وإلاَّ فَهِيَ كالبكر كَمَا فِي (ح) فَلَو قَالَ النَّاظِم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 بِذَات حجره شوار الابتناء. لشملها. وَفهم من قَوْله: لما زَاد الخ. أَن دَعْوَاهُ الْعَارِية فِي قدر نقدها أَو أقل لَا تقبل وَهُوَ كَذَلِك إِلَّا أَن يعرف أَن أصل الْمَتَاع لَهُ فَيحلف وَيَأْخُذهُ وَيطْلب بِالْوَفَاءِ كَمَا فِي الْعُتْبِيَّة، وَظَاهره أَن كل مَا زَاد على النَّقْد يقبل قَوْله فِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِك بل لَا يقبل أَيْضا حَتَّى فِي الزِّيَادَة الَّتِي عرف النَّاس زيادتها كَمَا فِي المعيار، وشراح الْمَتْن. وَفهم من قَوْله: بعد الْبناء أَن السّنة تعْتَبر من يَوْم الْبناء لَا من يَوْم العقد وَأفهم قَوْله فَوق السّنة أَن السّنة لَيست بطول وَهُوَ كَذَلِك على مَا رَوَاهُ ابْن حبيب قَالَه الْبُرْزُليّ. فمفهومه أَن أَكثر مِنْهَا طول وَهِي تجْرِي على مَسْأَلَة الشُّفْعَة فَيكون الْخلاف فِي مِقْدَار زِيَادَة الْأَشْهر كالثلاثة وَنَحْوهَا مِمَّا يعد بهَا طولا اه. قَالَ فِي الْفَائِق: مَا لِابْنِ حبيب قَالَ بِهِ غير وَاحِد من الموثقين وَالْفُقَهَاء الْمُحَقِّقين. قلت: وَهُوَ خلاف ظَاهر قَول (خَ) وَقبل دَعْوَى الْأَب فَقَط فِي إعارته لَهَا فِي السّنة بِيَمِين وَإِن خالفته الِابْنَة الخ. وَفهم مِنْهُ إِنَّه يقبل قَوْله سَوَاء ادّعى أَنه لَهُ وأعاره لَهَا أَو أَعَارَهُ لَهَا من غَيره وَهُوَ كَذَلِك، وَأفهم قَوْله شوار الابتناء أَنه أورد ذَلِك لَيْلَة الْبناء، وَأما إِن كَانَ ذَلِك بعد الْبناء بأيام فَإِن القَوْل لَهُ وَلَو طَال الزَّمَان وَهُوَ كَذَلِك فِيمَا يظْهر لِأَن الأَصْل عدم خُرُوج ملكه إِلَّا على الْوَجْه الَّذِي يَقْصِدهُ هُوَ، وَإِنَّمَا لم يصدق بعد السّنة فِيمَا أوردهُ لَيْلَة الْبناء لِأَن الْعرف فِيمَا يخرج لَيْلَة الْبناء أَن يكون من شوارها، وَقد عضده عدم طلبه لذَلِك فِي السّنة فَتَأَمّله. وَأفهم قَوْله إِن أورد الخ أَن الْإِيرَاد ثَابت بِالْبَيِّنَةِ أَو الِاعْتِرَاف وإلاَّ بِأَن أنْكرت أَنه لم يوردها مَا يَدعِيهِ وَلَا شَيْء بِيَدِهَا مِنْهُ. فَفِي الْبُرْزُليّ عَن الشّعبِيّ فِيمَن أشهد عِنْد خُرُوج ابْنَته لزَوجهَا أَنه أمتعها بحلى وَثيَاب فَبعد مُدَّة قَامَ الْأَب أَو ورثته طَالِبين الِابْنَة بِمَا أشهد أَنه أخرجه مَعهَا فأنكرت ذَلِك، وَلَا دَلِيل إِلَّا الْإِشْهَاد من الْأَب خَاصَّة مَا نَصه: وَلَا يقبل قَول الْأَب حَتَّى يعلم قَوْله بِإِقْرَار أَو بَيِّنَة وَهُوَ معنى قَول ابْن الْقَاسِم اه. وَإِذا كَانَ هَذَا مَعَ الْإِشْهَاد الْمُجَرّد فأحرى مَعَ عَدمه الَّذِي نَحن فِيهِ، وَمَفْهُوم الْأَب وَمن تنزل مَنْزِلَته أَن غَيرهمَا من الْأَوْلِيَاء لَا يقبل قَوْلهم كَمَا لَا يقبل قَول الْأَب فِي الثّيّب الَّتِي لَا ولَايَة لَهُ عَلَيْهَا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَفِي سوى الْبكر وَمن غير أَب الخ. وَكَذَا لَا يقبل قَول الْأَجْنَبِيّ فِي الْأَجْنَبِيَّة رَوَاهُ كُله ابْن حبيب كَمَا فِي الْبُرْزُليّ قَالَ: وَأفْتى شَيخنَا الإِمَام يَعْنِي ابْن عَرَفَة بِأَن الْأُم تنزل منزلَة الْأَب فَيقبل قَوْلهَا أَو ورثتها فِي السّنة، فَلَمَّا أوقفته على كَلَام ابْن حبيب هَذَا وقف وأرشد إِلَى الصُّلْح قَالَ: وَالصَّوَاب أَن لَا مقَال لَهَا إِلَّا أَن تكون وَصِيّا أَو على مَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة أَنه اسْتحْسنَ أَن توصي بِوَلَدِهَا فِي المَال الْيَسِير كالستين دِينَارا فَيكون القَوْل قَوْلهَا فِي هَذَا الْقدر إِذا لم يكن لَهَا أَب وَلَا وَصِيّ أَو يرى أَن الْأُم بِخِلَاف غَيرهَا بِدَلِيل جَوَاز اعتصارها مَا وهبتها فِي حَيَاة الْأَب وَشَرطه اه. قلت: وَمَا ذكره ظَاهر إِذا لم يجر عرف بذلك وإلاَّ بِأَن جرى الْعرف بإعارتها فَحكمهَا كَالْأَبِ فِي حَيَاته وَبعد مماته، وَإِن لم تكن وَصِيّا وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي نسَاء أهل فاس كَمَا فِي ابْن رحال، وَيُؤَيِّدهُ أَن الحكم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة من أَصْلهَا مَبْنِيّ على الْعرف وَالْأَحْكَام المبنية عَلَيْهِ تَدور مَعَه حَيْثُ دَار كَمَا للقرافي وَغَيره. وَلَعَلَّ ابْن عَرَفَة إِنَّمَا وقف وَأمر بِالصُّلْحِ لعدم ثُبُوت الْعرف فِي بلدهم بإعارة الْأُم وَهَذَا يَقْتَضِي أَن الْعرف إِذا جرى بإعارة الْأَخ وَنَحْوه كَذَلِك وَالله أعلم. وَمَفْهُوم قَوْله: لابنته أَن الْأَب إِذا فعل ذَلِك لِابْنِهِ الذّكر فَإِن القَوْل لَهُ فِي الْعَارِية وَلَو طَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 الزَّمَان، وَكَذَا لَو فعله لزوجة ابْنه بِدَلِيل مَا فِي المعيار فِيمَن اشترت أَشْيَاء ثيابًا وأسباباً لزوجة ابْنهَا فَبَقيت زَوْجَة الابْن الْمَذْكُورَة تلبس تِلْكَ الثِّيَاب مَعَ الْأُم مُدَّة من اثْنَي عشر شهرا، وَبعد وَفَاة الابْن قَامَت الْأُم تَدعِي أَنَّهَا أعارت لَهَا ذَلِك فَقَط فَإِن القَوْل لَهَا بِيَمِينِهَا إِذا ثَبت شراؤها إِيَّاهَا أَو أَنَّهَا تعرف لَهَا بِإِقْرَار أَو بَيِّنَة فتأخذ حِينَئِذٍ مَا وجد مِنْهَا وَلَيْسَ لَهَا فِيمَا لبست كِرَاء، وَلَا فِيمَا استهلكت قيمَة اه. إِذْ لَا فرق بَين الْأَب وَالأُم فِي هَذَا فِيمَا يظْهر فَتَأَمّله. وَكَذَا يُقَال فِي غَيرهَا من الْأَوْلِيَاء والأجانب حَيْثُ ثَبت بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار أَن أصل تِلْكَ الْأَسْبَاب لمُدعِي الْعَارِية إِذْ الأَصْل أَن لَا يخرج ملك أحد من يَده إِلَّا على الْوَجْه الَّذِي يَقْصِدهُ، وَمَا مرّ عَن ابْن حبيب أَن غير الْأَب من الْأَوْلِيَاء والأجانب لَا يقبل قَوْلهم إِنَّمَا ذَلِك إِذا لم يعرف أصل ذَلِك الشَّيْء لَهُم وَالله أعلم. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ فِي نَوَازِل الْبُرْزُليّ: وَإِذا ابْتَاعَ الْقَابِض للنقد أياً كَانَ أَو غَيره جهازاً وَأحب الْبَرَاءَة مِنْهُ فيمكنه ذَلِك بِأحد ثَلَاثَة أوجه: إِمَّا أَن يَدْفَعهُ إِلَى الزَّوْجَة ويعاين الشُّهُود قبضهَا لذَلِك فِي بَيت الْبناء، أَو يُوقف الشُّهُود عَلَيْهِ وَإِن لم يدْفع ذَلِك إِلَيْهَا، وَإِمَّا أَن يُوَجه ذَلِك إِلَى بَيت الْبناء بِحَضْرَة الشُّهُود بعد أَن يقوموه ويعاينوه وَلَا يفارقوه حَتَّى يتَوَجَّه بِهِ إِلَى بَيت الْبِنْت بِحَضْرَة الزَّوْج وَإِن لم يَصْحَبهُ الشُّهُود إِلَى الْبَيْت ذكر ذَلِك ابْن حبيب. وَلَيْسَ للزَّوْج أَن يَدعِي أَن ذَلِك لم يصل إِلَى بَيته فَإِن فعل فَهُوَ كدعواه أَنه اغتاله من بَيته أَو أرسل من أَخذه مِنْهُ. انْظُر فِي وثائق ابْن فتحون اه. وَهُوَ معنى قَول (خَ) : وَإِنَّمَا يُبرئهُ شِرَاء جهاز تشهد بَيِّنَة بِدَفْعِهِ لَهَا أَو إِحْضَاره بَيت الْبناء أَو تَوْجِيهه إِلَيْهِ الخ. وَذكر بعض الموثقين أَن أحسن الْوُجُوه الْوَجْه الثَّانِي. ابْن عَرَفَة: وَبِه اسْتَقر الْعَمَل فَانْظُرْهُ فقد بَين الْأَوْجه الثَّلَاثَة غَايَة الْبَيَان، ثمَّ قَالَ الْبُرْزُليّ: القَوْل قَول الْأَب أَنه جهز ابْنَته. ابْن رشد: إِنَّمَا وَجب أَن يكون القَوْل قَول الْأَب لِأَنَّهُ على ذَلِك قَبضه من الزَّوْج وَالْعرْف يشْهد لَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا وَجب عَلَيْهِ الْيَمين لما تعلق فِي ذَلِك من حق الزَّوْج، وَالَّذِي يسْقط الْيَمين عَنهُ إِحْضَار الْبَيِّنَة وإبراز الجهاز وإقامته وإرساله بِمحضر الْبَيِّنَة قَالَه ابْن حبيب اه. وَمثله فِي ابْن عَرَفَة عَن ابْن الْقَاسِم قَالَ: إِن قَالَ أَبُو الْبكر دفعت مهرهَا الْعين ضمنه إِذْ لَيْسَ لَهُ دَفعه لَهَا إِنَّمَا يجهزها بِهِ فَإِن قَالَ بعد بنائها جهزتها بِهِ ودفعته لَهَا وَأنْكرت حلف وبرىء اه. فَتَأَمّله مَعَ مَا مر عَن (خَ) من الْإِطْلَاق إِذْ ظَاهره أَنه لَا يكون لَهُ القَوْل فِي ذَلِك. الثَّانِي: قَالَ الْبُرْزُليّ أَيْضا إِثْر مَا مر مَا نَصه، ابْن رشد: وَلَو ادّعى الْأَب أَنه جهز ابْنَته بِمَا لَهَا قبله من مِيرَاث أمهَا أَو غير ذَلِك وَأنْكرت لما كَانَ القَوْل قَوْله فِي ذَلِك ويكلف إِقَامَة الْبَيِّنَة على ذَلِك لقَوْله تَعَالَى: فَإِذا دفعتم إِلَيْهِم أَمْوَالهم فأشهدوا عَلَيْهِم} (النِّسَاء: 6) اه. وَلما نَقله ابْن عَرَفَة عَن ابْن رشد قَالَ عَن المتيطي: وَيَنْبَغِي لَو كَانَ لَهَا على أَبِيهَا دين من مهر أمهَا أَو غَيره أَن لَا يقبل قَوْله بتجهيزها بِهِ، وَلَو كَانَ لَهَا بِيَدِهِ عرض أَو عين على وَجه الْأَمَانَة بِسَبَب كَونهَا فِي ولَايَته لَكَانَ يَنْبَغِي على وَجه النّظر قبُول قَوْله إِنَّه جهزها بِهِ عِنْد بنائها لِأَن الْعرف جَار عندنَا بتجهيز الْآبَاء بناتهم بِأَمْوَالِهِمْ فَكيف بأموالهن اه. ابْن عَرَفَة: وَهُوَ خلاف ظَاهر مَا تقدم لِابْنِ رشد فِي مِيرَاثهَا من أمهَا من عدم قبُول قَوْله فِي تجهيزها بِهِ لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة. قلت: فَظَاهره أَن مَا لِابْنِ رشد هُوَ الرَّاجِح لِأَن المتيطي إِنَّمَا قَالَ ذَلِك بِلَفْظ: يَنْبَغِي فَلم يجْزم بِهِ وَقد تقدم كَلَام المتيطي عِنْد قَوْله: وللوصي يَنْبَغِي وَللْأَب. تشويرها الخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَن عدم قبُول قَوْله مَعَ الطول بِمَا فَوق السّنة مُقَيّد بِمَا إِذا لم يشْهد فَقَالَ: وَإنْ يَكُنْ بِمَا أَعَارَ أَشْهَدَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهُ مَا وَجَدَا (وَإِن يكن) شَرط واسْمه ضمير الْأَب وَمن تنزل مَنْزِلَته (بِمَا) يتَعَلَّق بأشهد (أعَار) صلَة مَا (أشهدا) خبر يكن (قبل الدُّخُول) يتَعَلَّق بأشهد (فَلهُ) خبر مقدم (مَا وجدا) مُبْتَدأ مُؤخر، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَدخلت عَلَيْهِ الْفَاء لكَونه لَا يَصح أَن يكون شرطا، وَالْمعْنَى أَن الْأَب أَو غَيره من الْأَوْلِيَاء إِذا أشهد قبل الدُّخُول بالعارية فللأب مَا وجد من تِلْكَ الْعَارِية دون مَا تلف مِنْهَا فَلَا تضمنه الْبِنْت إِن لم تعلم بالعارية كَمَا يَأْتِي، وَظَاهره سَوَاء أشهد فِي حُضُورهَا أَو غيبتها وَهُوَ كَذَلِك حَيْثُ وجد مَا أشهد بِهِ فَإِن لم يُوجد فَيَأْتِي تَفْصِيله، وَلَا فرق بَين طول الزَّمَان وَعَدَمه، وَلَا بَين رَشِيدَة وَغَيرهَا، وَلَا بَين مقرة ومنكرة، وَلَا بَين أَب وَغَيره من الْأَوْلِيَاء إِذْ الْعبْرَة بِوُجُود الْإِشْهَاد. وَهَذَا إِذا كَانَ فِيمَا بَقِي وَفَاء بِالْمهْرِ وإلاَّ فَلَا يَأْخُذ إِلَّا مَا زَاد على قدر الْوَفَاء بِهِ كَمَا فِي الْحطاب، وَبِالْجُمْلَةِ فَأَما أَن يشْهد بالعارية أَو بِالْهبةِ أَو لَا يُصَرح بِشَيْء بل يسكت فَإِن سكت فَهُوَ مَا مرّ فِي الأبيات قبله، وَإِن أشهد بِالْهبةِ أَو بالعارية فَكل يجْرِي على حكمه فَلَا يردهُ فِي الْهِبَة وَيَردهُ فِي الْعَارِية. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ الْبُرْزُليّ: إِذا استظهر الْوَرَثَة برسم يتَضَمَّن أَن الْعَادة الْجَارِيَة ببلدهم الْآن أَن الرجل إِذا جهز ابْنَته بحلى أَو غَيره إِنَّمَا هُوَ على معنى الْعَارِية والتجمل، وَإِن طَالَتْ السنون فَقَالَ ابْن عبد السَّلَام: إِذا ثَبت الرَّسْم المتضمن للْعَادَة الْجَارِيَة وَجب الْإِعْذَار فِي شُهُوده إِلَى الِابْنَة فَإِن عجزت أَو سلمت عمل بِمُقْتَضَاهُ اه بِاخْتِصَار. الثَّانِي: ظَاهر النّظم أَن الْإِشْهَاد بعد الدُّخُول لَا يُفِيد وَلَيْسَ كَذَلِك بل ذكر الْبُرْزُليّ أَيْضا: أَن الْإِشْهَاد بعد الدُّخُول فِي الْمدَّة الَّتِي يقبل فِيهَا دَعْوَى الْأَب الْعَارِية حكم الْإِشْهَاد قبل الدُّخُول قَالَ: وَبِه كَانَ أشياخنا يفتون قَالَ (ح) : فيفهم مِنْهُ اخْتِصَاص الِانْتِفَاع بِالْإِشْهَادِ بعد الدُّخُول بِالْأَبِ وَالْوَصِيّ فِي الْبكر وَالثَّيِّب الْمولى عَلَيْهَا وَالأُم على فَتْوَى ابْن عَرَفَة وَهُوَ ظَاهر وَالله أعلم. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى مَفْهُوم الْأَب وَمن تنزل مَنْزِلَته وَمَفْهُوم الْبكر فَقَالَ: وَفي سِوَى الْبِكْرِ وَمِنْ غَيْرِ أبٍ قَبُولُ قَوْلٍ دونَ إشْهَادٍ أُبِي (وَفِي سوى الْبكر) يتَعَلَّق بِأبي آخر الْبَيْت (وَمن غير أَب) مَعْطُوف على مَا قبله (قبُول قَول) مُبْتَدأ (دون إِشْهَاد) فِي مَحل نصب على الْحَال من الْمُبْتَدَأ الْمَذْكُور على القَوْل بمجيء الْحَال مِنْهُ وَهُوَ ضَعِيف (أُبي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول بِمَعْنى منع، وَالْجُمْلَة خبر، وَالْمعْنَى أَن الْأَب وَمن بِمَنْزِلَتِهِ لَا تقبل دَعْوَاهُ الْعَارِية لغير الْبكر وَهِي الثّيّب إِلَّا أَن تكون فِي ولَايَته كَمَا مرّ كَمَا لَا تقبل دَعْوَى غَيره من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 سَائِر الْأَوْلِيَاء الْعَارِية لوليتهم مُطلقًا بكرا أَو ثَيِّبًا دون إِشْهَاد فَإِن أشهد الْأَب وَمن فِي مَعْنَاهُ بهَا فِي الثّيّب الرشيدة أَو أشهد غَيره من الْأَوْلِيَاء بهَا مُطلقًا قبل قَوْلهم وَلَو بعد طول كَمَا مرّ وَيَأْخُذُونَ مَا وجدوا من تِلْكَ الْعَارِية دون مَا ضَاعَ مِنْهَا فَلَا ضَمَان عَلَيْهَا فِيهِ حَيْثُ كَانَت سَفِيهَة مُطلقًا أَو رَشِيدَة وَلم تعلم كَمَا أَفَادَهُ بقوله: وَلاَ ضَمَانَ فِي سِوَى مِا أتْلَفَتْ مَالِكَةٌ لأَمْرِهَا الْعِلْمَ اقْتَفَتْ (فَلَا) نَافِيَة للْجِنْس وَالْفَاء جَوَاب سُؤال مُقَدّر فَكَأَن قَائِلا لَهُ: هَل عَلَيْهَا ضَمَان فِيمَا ضَاعَ أَو لَا، (ضَمَان) اسْمهَا (فِي سوى) خَبَرهَا (مَا) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (أتلفت) صلَة مَا والرابط مَحْذُوف أَي أتلفته (مالكة) فَاعل (لأمرها) يتَعَلَّق بِهِ (الْعلم) مفعول مقدم بقوله (اقتفت) وَالْجُمْلَة صفة لمالكة، وَالْمعْنَى أَن الْعَارِية الَّتِي يقبل فِيهَا دَعْوَى الْأَب وَمن فِي مَعْنَاهُ أَو الْعَارِية الثَّابِتَة بإشهاد إِذا تلفت فَإِنَّهُ لَا ضَمَان على الْبِنْت فِيمَا تلف مِنْهَا بِوَجْه إِلَّا فِي وَجه وَاحِد وَهُوَ إِذا أتلفته هِيَ بِنَفسِهَا وَكَانَت مالكة أمرهَا عَالِمَة بالعارية فَإِن تلفت بِغَيْر سَببهَا وَقَامَت لَهَا بَيِّنَة بذلك أَو كَانَت غير مالكة أمرهَا أَو غير عَالِمَة بالعارية فَلَا ضَمَان فَقَوله أتلفت الخ. ظَاهر فِي أَنَّهَا إِذا لم تتلفه بل تلف بِغَيْر سَببهَا لَا ضَمَان عَلَيْهَا وَلَا يعلم كَونه بِغَيْر سبيهَا إِلَّا بِبَيِّنَة على ذَلِك كَمَا قَررنَا وإلاَّ فَهِيَ مَحْمُولَة على أَنَّهَا هِيَ الَّتِي أتلفته فَلم يبْق على النَّاظِم رَحمَه الله شَيْء من تفاصيل الْمَسْأَلَة خلافًا للشَّارِح وَمن تبعه. فروع. الأول: تقدم عَن المتيطي عِنْد قَول النَّاظِم: وَأشهر الْقَوْلَيْنِ أَن تجهزا الخ. للزَّوْج أَن يسْأَل الْوَلِيّ فِيمَا صرف النَّقْد فِيهِ وعَلى الْوَلِيّ بَيَان ذَلِك وَنَقله ابْن عَرَفَة أَيْضا. الثَّانِي: قَالَ الْبُرْزُليّ: سُئِلَ ابْن رشد عَن الْوَلِيّ تقع بَينه وَبَين الزَّوْج مُنَازعَة فيريد الْوَلِيّ كَالْأَبِ وَالْوَصِيّ والكافل تثقيف الشورة وإخراجها عَن بَيت بنائها إِلَّا مِقْدَار نقدها وَلم يظْهر من الزَّوْج تغير حَال وَلَا أَنه مِمَّن يتهم على ذَلِك، وَكَيف إِن كَانَ مِمَّا يخَاف من قبله أَو ظهر عَلَيْهِ مَا يُوجب الاسترابة؟ فَأجَاب: للْأَب أَن ينْفق من شورة ابْنَته الَّتِي إِلَى نظره مَا تَسْتَغْنِي عَنهُ مِنْهَا إِذا خَافَ عَلَيْهِ عِنْدهَا، وَكَذَلِكَ الْوَصِيّ وَلَيْسَ للْوَلِيّ غير الْوَصِيّ وَلَا للحاضن المربي ذَلِك فَإِن دَعَا إِلَى ذَلِك على وَجه الْحِسْبَة نظر القَاضِي فِيمَا يَدْعُو إِلَيْهِ من ذَلِك بِالِاجْتِهَادِ، وَقد رَأَيْت للشَّيْخ أبي عبد الله بن عتاب فِي هَذَا جَوَابا قَالَ فِيهِ: إِن كَانَ الْأَب مَأْمُونا على الثِّيَاب لَهُ ذمَّة فَهُوَ أَحَق بضبطها بعد أَن يسلم لابنته مِنْهَا بِقدر نقد صَدَاقهَا وزائد عَلَيْهِ مَا تتجمل بِهِ مَعَ زَوجهَا على قدر التَّوَسُّط فِي ذَلِك، وَيشْهد الْأَب بِمَا يُوقف لابنته عِنْده وَإِن كَانَت أَحْوَاله غير مرضية وَضعهَا الْحَاكِم على يَد من يرَاهُ مِمَّن يرتضيه بإشهاد، وَرَأَيْت نَحْو هَذَا الْجَواب لأبي بكر بن جَمَاهِير الطيطلي وَهُوَ حسن جيد فِي النّظر، وَقد شاهدت أَقْوَامًا وضعت عِنْدهم ثِيَاب بناتهم خيف عَلَيْهَا بزعمهم فَبَاعُوهَا وأكلوا أثمانها وَتعذر الْإِنْصَاف مِنْهُم اه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 قلت: وَلَا مَفْهُوم للشوار بل مَال الْوَلَد الْمَحْجُور من حَيْثُ هُوَ كَذَلِك كَمَا فِي ابْن عَرَفَة وَقَالَ فِي اللامية: وللبعض نزع الشَّيْء من يَد حائز إِذا خيف أَمر بِالْبَقَاءِ ويجعلا بِحِفْظ أَمِين هَكَذَا منع وَالِد فَقير من أَخذ المَال للوالد أعملا الثَّالِث: إِذا ضمن الزَّوْج جهاز زَوجته وَضاع هَل يلْزمه مَا ألزم نَفسه أم لَا؟ وَيكون من بَاب ضَمَان مَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ من الْعَارِية أَو إِسْقَاط الشُّفْعَة قبل وُجُوبهَا أَو قَالَ: أَنا ضَامِن لرهنك فَفِي الْبُرْزُليّ أَيْضا أَنه ينظر للْوَجْه الَّذِي خرج بِسَبَبِهِ الضَّمَان فَإِن كَانَ بِسَبَب مَا يخْشَى من الزَّوْجَة فَلَا يلْزمه الضَّمَان إِن قَامَت بَيِّنَة بتلفه بِغَيْر سَببه، وَإِن كَانَ خشِي هُوَ عَلَيْهَا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِن قَامَت بَيِّنَة بتلفها بِغَيْر فعله وَيلْزمهُ ضَمَانهَا بِكُل حَال إِن لم تُوجد وَادّعى تلفهَا قَالَ: وَهُنَاكَ جَوَاب آخر وَهُوَ أَنه إِن ضمنهَا مَخَافَة التّلف عَلَيْهَا حَيْثُ تلفت ضمنهَا، وَإِن قَامَت بَيِّنَة بتلفها وَإِن ضمنهَا بِسَبَب أَنه يتهم على الْغَيْبَة عَلَيْهَا وَلم يؤتمن عَلَيْهَا فَلَا ضَمَان إِن قَامَت بَيِّنَة بهلاكها. وَفِي الطرر: إِن شهد عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ فَهَلَكت من غير بَيِّنَة ضمنهَا إِلَّا أَن يَأْتِي عَلَيْهَا من الزَّمَان مَا تخلف فِي مثله فَيحلف وَيبرأ اه. وَقَالَ المتيطي: فَإِن الْتزم الزَّوْج حِين الْإِيرَاد أَن يكون الجهاز فِي ضَمَانه جَازَ وَكَانَ فِي ضَمَانه وَتقول فِي ذَلِك وَالْتزم الزَّوْج ضَمَانه فِي مَاله وذمته بعد أَن عرف أَن ذَلِك لَا يلْزمه فطاع بالتزامه عَارِفًا قدر ذَلِك الخ. وَقَالَ فِي الطرر إِثْر مَا مر: والطوع وَغَيره سَوَاء فِي اللُّزُوم لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَن ينْتَفع بِهِ بِغَيْر ضَمَان وَلَا شَرط فَصَارَ ضَمَانه تَطَوّعا على كل حَال، وَقيل: إِذا ضمنه بِشَرْط الِانْتِفَاع بِهِ سقط عَنهُ الضَّمَان لِأَنَّهُ ضَمَان بِجعْل وَإِن كَانَ بِغَيْر شَرط الِانْتِفَاع بِهِ ضمنه اه. وَلما ذكر ابْن عَرَفَة كَلَام المتيطي قَالَ: وَلم يذكر المتيطي حكم ضَمَانه هَل هُوَ وَلَو قَامَت الْبَيِّنَة بتلفه من غير سَببه أَو مَا لم تقم بذلك بَيِّنَة. وَفِي أجوبة ابْن رشد: إِن ضمنهَا خوف تلفهَا حَيْثُ تلفت ضمنهَا وَلَو قَامَت الْبَيِّنَة بتلفها، وَإِن كَانَ سَبَب ضَمَانه تهمته على الْغَيْبَة عَلَيْهَا وَلم يؤتمن فِي ذَلِك فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا قَامَت بَيِّنَة بتلفه اه. قلت: وَانْظُر لَو لم يعلم سَبَب الضَّمَان هَل يحمل على تهمته على الْغَيْبَة عَلَيْهَا أَو على خوف تلفهَا؟ وَفِي الْبُرْزُليّ أَيْضا بعد مَا مر مَا نَصه: إِذا منعت الْمَرْأَة جهازها عِنْد الْبناء حَتَّى يضمنهُ فاعرف فِي الطّراز أَنه إِذا امْتنع من الضَّمَان فَلهُ ذَلِك وَيَقْضِي عَلَيْهَا من الجهاز مَا لَا يزري بِهِ عِنْد أنظارها اه بِاخْتِصَار. ثمَّ نقل بعد ذَلِك بأوراق عَن الإِمَام الزواوي وَأَنه لَيْسَ للْأَب أَخذ الجهاز بعد الْإِشْهَاد بِدَفْعِهِ وتسليمه وإشهاد الزَّوْج بِأَنَّهُ تَحت يَده خشيَة تصرف الزَّوْج فِي ذَلِك حَيْثُ لم ترض الْبِنْت وَلَا الزَّوْج بذلك. (فصل فِي الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت) وَإنْ مَتَاعُ الْبَيْتِ فِيهِ اخْتُلِفَا وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ تُقْتَفَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 (وَإِن) شَرط (مَتَاع الْبَيْت) مُبْتَدأ على مَذْهَب الْكُوفِيّين الْقَائِلين بِجَوَاز دُخُول أدوات الشَّرْط على الْأَسْمَاء (فِيهِ) يتَعَلَّق بقوله: (اخْتلفَا) خبر الْمُبْتَدَأ وألفه للتثنية يعود على الزَّوْجَيْنِ، وَلَا يجوز أَن يكون مَتَاع الْبَيْت فَاعِلا بِفعل مُقَدّر يفسره مَا بعده لِأَن الْمَعْنى يَأْبَى ذَلِك (وَلم تقم بَيِّنَة) فعل وفاعل وَالْجُمْلَة حَال (فتقتفى) الظَّاهِر أَن الْفَاء تعليلية كَمَا تقدم نَظِيره فِي قَوْله: فَإِنَّهُ كَهِبَة لم تقبض. وَمعنى تقتفى تتبع. وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعْ يَمِينِ فِيمَا بهِ يَلِيقُ كالسِّكِّينِ (فَالْقَوْل) مُبْتَدأ (قَول الزَّوْج) خَبره وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط (مَعَ يَمِين) حَال من الْخَبَر الْمَذْكُور (فِيمَا) يتَعَلَّق بالْخبر أَيْضا (بِهِ) يتَعَلَّق بقوله (يَلِيق) صلَة مَا والرابط ضمير مستتر هُوَ الْفَاعِل عَائِد على مَا (كالسكين) حَال من مَا أَو خبر مُبْتَدأ مُضْمر. وَمَا يَلِيقُ بِالنِّسَاءِ كالْحِلِي فَهْوَ لِزَوْجَةٍ إذَا مَا تَأْتَلِي (وَمَا) مُبْتَدأ (يَلِيق بِالنسَاء) صلَة مَا (كالحلي) بِضَم الْحَاء جمع حلي وَقد تكسر الْحَاء كَمَا مرّ وَهُوَ على وزن فعول اجْتمعت الْوَاو وَالْيَاء وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ فقلبت الْوَاو يَاء وأدغمت وَكسرت اللَّام لتسلم الْيَاء، وَلما وقف النَّاظِم على الْيَاء المدغم فِيهَا سكنت فَالتقى ساكنان فَحذف أَحدهمَا وَعلم مِنْهُ أَن حلى لَهُ جمعان حلي كثدي وثدى كَمَا مر، وَيجمع على حُلِي بِضَم الْحَاء وَكسر اللَّام كَمَا هُنَا وَهُوَ حَال أَو خبر لمبتدأ مَحْذُوف كَمَا فِي الَّذِي قبله (فَهُوَ) مُبْتَدأ (لزوجة) خَبره وَالْجُمْلَة خبر الأول وَدخلت الْفَاء لشبه الْمَوْصُول بِالشّرطِ فِي الْعُمُوم والإبهام (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (مَا) زَائِدَة (تأتلي) بِمَعْنى تحلف فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذا وجوابها مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ. وَإنْ يَكُنْ لاَقَ بِكُلَ مِنْهُمَا مِثْلَ الرَّقِيقِ حَلَفا واقْتَسَما (وَإِن يكن) شَرط وَاسْمهَا ضمير مَتَاع الْبَيْت (لَاق) خبر يكن (بِكُل) يتَعَلَّق بِهِ (مِنْهُمَا) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صفة أَي بِكُل وَاحِد كَائِن مِنْهُمَا (مثل الرَّقِيق) حَال من ضمير لَاق أَو خبر لمبتدأ مَحْذُوف (حلفا) جَوَاب الشَّرْط وألفه للتثنية (واقتسما) مَعْطُوف عَلَيْهِ. وَمَالِكٌ بِذَاكَ لِلزَّوْجِ قَضى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; مَعَ الْيَمِينِ وَبِقوْلِهِ القَضَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 (وَمَالك) مُبْتَدأ (بِذَاكَ للزَّوْج) يتعلقان بقوله (قضى) وَالْجُمْلَة خبر (مَعَ الْيَمين) حَال (وَبِقَوْلِهِ) خبر عَن قَوْله (القضا) ء وَمعنى الأبيات: أَن الزَّوْجَيْنِ وَلَو رقيقين أَو كَافِرين أَو أَحدهمَا إِذا اخْتلفَا فِي شَيْء من مَتَاع الْبَيْت فَادَّعَاهُ كل مِنْهُمَا وَلَا بَيِّنَة لأَحَدهمَا فَمَا كَانَ مِنْهُ مَعْرُوفا للرِّجَال كالسلاح وَثيَاب الرِّجَال والمصحف والخاتم والمنطقة وَالْحَيَوَان وذكور الرَّقِيق وأصناف الْأَطْعِمَة والدور والأملاك وَالْكتاب والدواة قضى بِهِ للزَّوْج بِيَمِينِهِ، وَمَا كَانَ من ذَلِك مَعْرُوفا للنِّسَاء كالحلى وَثيَاب النِّسَاء الَّتِي تصلح للباسهن والفراش والقباب والحجال وَهِي الستور والبسط والوسائد والملاحف والقطائف وأواني النّحاس والقصاع والموائد قضى بِهِ للزَّوْجَة بِيَمِينِهَا قَالَ ذَلِك كُله فِي الْمُتَيْطِيَّة قَالَ اللَّخْمِيّ: وَيخْتَلف فِي إناث الرَّقِيق لِأَنَّهُنَّ مِمَّا يشبه أَن يكون لَهما مَعًا فَقَالَ مَالك وَابْن الْقَاسِم: يكون للرجل. وَقَالَ ابْن وهب والمغيرة: يكون بَينهمَا يُرِيد بعد أيمانهما، وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن التحاكم فِي ذَلِك بعرف أهل الْبَلَد فَمن شهد لَهُ الْعرف بِشَيْء حلف وَأَخذه اه. فَقَوْل النَّاظِم مثل الرَّقِيق أَي ذكوره وإناثه كَمَا هُوَ ظَاهر وَتَخْصِيص اللَّخْمِيّ ذَلِك بالإناث خلاف مَذْهَب الْمُدَوَّنَة كَمَا فِي ابْن عَرَفَة، وَالْمرَاد بالخاتم خَاتم الْفضة إِلَّا أَن يعلم الرجل بمخالفة السّنة وتختمه بِالذَّهَب كَمَا فِي ابْن عَرَفَة، فَانْظُر تَمَامه. وَمَفْهُوم قَوْله: وَلم تقم بَيِّنَة الخ أَنه إِذا قَامَت بَيِّنَة عمل بمقتضاها قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: مَا ولي الرجل شِرَاءَهُ من مَتَاع النِّسَاء وَأقَام بَيِّنَة بذلك أَخذه بعد يَمِينه أَنه مَا اشْتَرَاهُ إِلَّا لنَفسِهِ إِلَّا أَن تقيم الْمَرْأَة بَيِّنَة أَنه اشْتَرَاهُ لَهَا. وَكَذَلِكَ مَا وليت الْمَرْأَة شِرَاءَهُ من مَتَاع الرِّجَال فَهُوَ لَهَا بعد يَمِينهَا إِلَّا أَن يُقيم الرجل بَيِّنَة أَنَّهَا اشترته لَهُ وورثة كل مِنْهُمَا منزل مَنْزِلَته إِلَّا أَنهم يحلفُونَ على علمهمْ وَيحلف الْمَوْرُوث على الْبَتّ اه. وَأَشَارَ (خَ) للمسألة بقوله فِي مَتَاع الْبَيْت فللمرأة الْمُعْتَاد للنِّسَاء فَقَط بِيَمِين وإلاَّ فَلهُ بِيَمِين الخ. فَقَوله: وَإِلَّا أَي بِأَن كَانَ للرِّجَال فَقَط أَو لَهما مَعًا. وَانْظُر تبصرة ابْن فَرِحُونَ وَلَا مَفْهُوم للزوجين فِي هَذَا الأَصْل بل كل امْرَأَة وَرجل اخْتلفَا وَلَو أجنبيين يجْرِي حكمهمَا على مَا مر كَمَا تقدم فِي تَعْرِيف الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ، بل قَالَ ابْن سَلمُون فِي فصل التَّوَارُث مَا نَصه: وَالْحكم فِي الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت فِي الْمَوْت وَالطَّلَاق والبقاء فِي الْعِصْمَة وَاحِد والأجنبيات وَذَوَات الْمَحَارِم والزوجات فِي ذَلِك سَوَاء اه. ثمَّ مَحل كَون الْحَيَوَان للرجل مَا لم يكن الرجل مَعْرُوفا مَعهَا بالفقر قَالَ ابْن عَرَفَة: وَالْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة للْمَرْأَة أَو كَانَ الرجل مَعْرُوفا مَعهَا بالفقر وَهِي مَعْرُوفَة بالغنى ينْسب مَا كَانَ كَذَلِك إِلَيْهَا، وَلَو بِالسَّمَاعِ، وَيَقُول عدُول الْجِيرَان فَهُوَ للْمَرْأَة وَإِن لم تكن شَهَادَة قَاطِعَة اه. وَمحل كَون القَوْل للْمَرْأَة فِيمَا شَأْنه للنِّسَاء مَا لم يكن ذَلِك فِي حوز الرجل الْأَخَص وَمَا لم تكن مَعْرُوفَة بالفقر وإلاَّ فَلَا يقبل قَوْلهَا فِي أَزِيد من قدر صَدَاقهَا قَالَه ابْن فَرِحُونَ. وَانْظُر أَوَاخِر الكراس الثَّالِث من أنكحة المعيار فِي الْمَرْأَة لَا يعرف لَهَا جهاز لَا قَلِيل وَلَا كثير وَتدْخل على جهاز امْرَأَة كَانَت للناكح قبل هَذِه وَيَشْتَرِي الزَّوْج بعد ذَلِك مَا يعرف للنِّسَاء من حلى وَثيَاب ثمَّ ينزل موت أَو فِرَاق وتدعي ذَلِك قَالَ: لَيْسَ لَهَا شَيْء من ذَلِك إِلَّا أَن يعرف أَنَّهَا خرجت بِهِ من بَيتهَا أَو تصدق بِهِ عَلَيْهَا أَو أفادت مَالا وَعرف ذَلِك واتضح وإلاَّ فَلَا شَيْء لَهَا لِأَن الزَّوْج يَقُول: أردْت جمال بَيْتِي وجمال امْرَأَتي فَإِن قَالَت اكتسبته وَجمعته فَلَا تصدق لِأَن النِّسَاء لَا يعرفن بالتكسب اه. وَانْظُر نَوَازِل الدَّعَاوَى مِنْهُ فِيمَن أشهدت أَنَّهَا لم تتْرك إِلَّا أَشْيَاء فِي بَيتهَا فَوجدَ فِيهِ مَال مدفون فَإِنَّهُ للزَّوْج أَو ورثته لِأَنَّهَا اعْترفت أَنَّهَا لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 تتْرك إِلَّا مَا ذكرت. وَانْظُر أنكحة الْبُرْزُليّ فِي الْمَرْأَة تَدعِي ناضاً فِي التَّرِكَة فَإِن قَامَ دَلِيل صدقهَا مثل بيعهَا أصلا أَو عرضا يكون ثمنه مثل ذَلِك قبل قَوْلهَا وَحلفت، ابْن مزين: لَا بُد من حَلفهَا وَإِن لم يكن الْوَرَثَة إِلَّا أَوْلَادهَا لِأَنَّهَا فِي معنى المنقلبة وَإِن لم يقم دَلِيل كَانَ القَوْل قَول الْوَرَثَة لِأَنَّهُ يشبه كسبهما مَعًا. وَمن الشُّيُوخ من يُرَاعِي كَون الناض فِي حكمهَا الْخَاص كَكَوْنِهِ فِي صندوقها أم لَا. وَهُوَ لِمَنْ يَحْلِفُ مَعْ نُكُولِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ مَا تَفْصِيلِ (وَهُوَ) مُبْتَدأ عَائِد على القَوْل (لمن يحلف) خَبره (مَعَ نُكُول صَاحبه من غير مَا تَفْصِيل) الظّرْف وَالْمَجْرُور يتعلقان بالاستقرار أَو حالان من ضَمِيره وَمَا زَائِدَة، وَإِنَّمَا كَانَ القَوْل للْحَالِف مَعَ نُكُول صَاحبه لِأَن النّكُول كالشاهد فَيحلف مَعَه وَيسْتَحق. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ فِي طرر ابْن عَاتٍ سُئِلَ أَبُو عبد الله بن الفخار عَن زَوْجَة طلبت من زَوجهَا نَفَقَتهَا فَقَالَ لَهَا الزَّوْج فِي دَاره مائَة ربع من دَقِيق، وَقَالَت الْمَرْأَة لَيْسَ الدَّقِيق لَك إِنَّمَا هُوَ لي. فَقَالَ: القَوْل قَول الزَّوْج، وَكَذَلِكَ لَو قَامَت الْمَرْأَة تطلبه بكسوتها فَقَالَ الزَّوْج: مَا على ظهرك هُوَ لي أَن القَوْل قَول الزَّوْج فِي ذَلِك. وَقَالَ ابْن دحون: إِن القَوْل قَول الزَّوْجَة فِي الْكسْوَة لِأَنَّهَا ماسكتها وَلَيْسَ هِيَ شَيْئا مَوْضُوعا فِي الْبَيْت كالدقيق اه. قلت: والجاري على مَا يرجح أَن يكون القَوْل للزَّوْج إِذْ الْكسْوَة مِمَّا يشبه أَن تكون لَهُ إِذْ الشَّرْع قَاض بهَا عَلَيْهِ بل لَو فَرضنَا أَنَّهَا مِمَّا يشبه أَن تكون لَهما لَكَانَ القَوْل لَهُ، وَلِهَذَا لم يعرج صَاحب الْمُخْتَصر وَلَا ابْن عَرَفَة على هَذِه الْمَسْأَلَة إِذْ لَا أقل أَن تكون من أَفْرَاد مَا يشبه أَن يكون لَهما وَالله أعلم، وَإِنَّمَا أَشَارَ ابْن عَرَفَة إِلَى هَذَا الْخلاف فِي بَاب الشَّهَادَات عِنْد الْكَلَام على تَرْجِيح الْبَينَات فَقَالَ مَا نَصه: وَإِن طلبته امْرَأَته بكسوتها فَقَالَ لَهَا: الثَّوْب الَّذِي عَلَيْك هُوَ لي، وَقَالَت: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 بل هُوَ لي. فَفِي كَون القَوْل قَوْلهَا أَو قَوْله نقل الطرر عَن الِاسْتِغْنَاء فَتْوَى ابْن دحون وَابْن الفخار حَكَاهُمَا أَبُو الْقَاسِم البونياني، وَاخْتَارَ الأول وهما مبنيان على اعْتِبَار كَونهَا فِي حوز الزَّوْج أَو حوزها فِي نَفسهَا اه بِلَفْظِهِ، وَلم يعرج على هَذَا النَّقْل فِي الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت وَلَا فِي النَّفَقَات كَمَا مرّ. الثَّانِي: إِذا علم أصل ملك الْكسْوَة للزَّوْج كَمَا لَو ابْتَاعَ الرجل كسْوَة لزوجته أَو اشترتها لنَفسهَا من مَاله وَهُوَ لَا يُنكر ذَلِك، فَأَما أَن يتَّفقَا على أَنَّهَا من الْكسْوَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ لَهَا أَو يَدعِي هُوَ أَنَّهَا الْوَاجِبَة وتدعي هِيَ أَنَّهَا هَدِيَّة فَالْأول هُوَ قَول (خَ) فِي النَّفَقَات وَردت النَّفَقَة لَا الْكسْوَة بعد أشهر الخ. وَالثَّانِي فِيهِ خلاف فَقيل ينظر للزَّوْج إِن كَانَ مثله يهدي لزوجته فَالْقَوْل لَهَا وإلاَّ فَقَوله. وَقيل القَوْل قَوْلهَا مُطلقًا، وَقيل قَوْله مُطلقًا لِأَنَّهُ يَقُول: أردْت أَن أجمل زَوْجَتي وأحليها قَالَ فِي الِاسْتِغْنَاء: وَهُوَ أحسن. وَقيل: إِن ابتذلته الْمَرْأَة باللباس وامتهنته فَقَوله: وإلاَّ فقولها قَالَ فِي الطرر، وَبِه الْعَمَل وَعَلِيهِ عول النَّاظِم فِي التداعي فِي الطَّلَاق حَيْثُ قَالَ: فَالْقَوْل قَول زَوْجَة فِي الْأَنْفس الخ. لَكِن سَيَأْتِي عَن الشاطبي هُنَاكَ أَن الصَّحِيح فِي الْمَذْهَب أَن القَوْل للزَّوْج فِي الْأَنْفس وَالْقَوْل لَهَا فِي الممتهن كالوجه الأول الَّذِي فِي (خَ) . قلت: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده لِأَن الثَّوْب حَيْثُ علم أَن أَصله للزَّوْج فَلَا يخرج من يَده إِلَّا على الْوَجْه الَّذِي يَقْصِدهُ وَالزَّوْجَة فِي ذَلِك مدعية، وَلذَا قَالَ فِي الِاسْتِغْنَاء إِنَّه الْأَحْسَن كَمَا مرّ، وعول عَلَيْهِ فِي المعيار كَمَا رَأَيْته قبل هَذَا الْبَيْت وَيُؤَيِّدهُ مَا تقدم فِي قَوْله: ومدع إرسالها كي تحتسب من مهرهَا الْحلف عَلَيْهِ قد وَجب كَمَا لَا يخفى وَأما إِن ادّعى هُوَ الْعَارِية وَادعت هِيَ الْهَدِيَّة فَكَذَلِك أَيْضا لِأَن الأَصْل عدم خُرُوج ملكه من يَده إِلَّا على الْوَجْه الَّذِي يَقْصِدهُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا فرق بَين أَن يَدعِي هُوَ الْكسْوَة الْوَاجِبَة أَو الْعَارِية، فالراجح فِي ذَلِك كُله قَول الزَّوْج وَإِن كَانَ فِي الشَّامِل صدر بمقابله فَلَا يَنْبَغِي التعويل عَلَيْهِ وَالله أعلم. (فصل فِي إِثْبَات الضَّرَر وَالْقِيَام بِهِ وَبعث الْحكمَيْنِ) قَالَ ابْن سَلمُون: وَإِذا ترددت الْمَرْأَة بشكوى ضَرَر زَوجهَا بهَا أَمر جِيرَانهَا بتفقد أحوالها فَإِن لم يكن فِي الْجِيرَان من تجوز شَهَادَته أمره بِالسُّكْنَى بَين قوم صالحين وَلَا يلْزمه أَن ينقلها من سُكْنى الْبَادِيَة إِلَى الْحَاضِرَة، وَلَكِن يَأْمُرهُ بإسكانها حَيْثُ يجاورها من يشْهد لَهَا، وَكَذَلِكَ إِن كَانَ فِي طرف الْحَاضِرَة أمره بِالسُّكْنَى بهَا فِي مَوضِع يتَبَيَّن فِيهِ حَالهَا، وَكَذَلِكَ إِن اشتكت الوحشة وَلم تشتك الضَّرَر فَعَلَيهِ أَن يضمها إِلَى مَوضِع مأنوس إِلَّا أَن تكون عرفت ذَلِك وَدخلت عَلَيْهِ فَلَا يلْزمه نقلهَا فَقَوله: حَيْثُ يجاورها من يشْهد لَهَا الخ. يُرِيد تنقل للمحل الَّذِي يُوجد فِيهِ من يصلح للشَّهَادَة، فَفِي ابْن عَرَفَة عَن ابْن فتحون إِن كَانَت بِطرف الْحَاضِرَة وَلَيْسَ حولهَا من يرضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 نقلت عَنهُ لمن يرضى، وَكَذَلِكَ إِن اشتكت ضَرَره وَهِي بالبادية لم يلْزمه نقلهَا للحاضرة إِلَّا أَن لَا يكون حولهَا من الْبَادِيَة من يرضى وَتَكون الْحَاضِرَة أقرب. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: إِن ضربهَا ضربا خَفِيفا لغير الْأَدَب لَا قيام لَهَا حَتَّى يتَكَرَّر ذَلِك من فعله مرَارًا أَو يكون الضَّرْب فَاحِشا إِذْ الضَّرْب الْخَفِيف لَا يكَاد يسلم مِنْهُ الْأزْوَاج فَصَارَ كالمدخول عَلَيْهِ. وَعَن ابْن الْقَاسِم قد تستوجب الضَّرْب الوجيع بالذنب ترتكبه، وَذَلِكَ إِذا كَانَ الذَّنب مَعْرُوفا قَالَ: وَقد شج عبد الله بن عمر زوجه صَفِيَّة فَلَا تكون الشَّهَادَة بِالضَّرَرِ أَو بِالضَّرْبِ حَتَّى يَقُول الشُّهُود إِنَّه ضربهَا أَو أضرّ بهَا فِي غير ذَنْب تستوجبه ثمَّ قَالَ: وَقد ضرب الزبير أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهَا لكَونهَا كَانَت تخرج بِغَيْر إِذْنه ضربا وجيعاً فشكت بذلك إِلَى أَبِيهَا فَقَالَ لَهَا: اصْبِرِي فَإِن الزبير رجل صَالح، وَلَعَلَّه يكون زَوجك فِي الْآخِرَة فَإِنَّهُ بَلغنِي أَن الرجل الصَّالح إِذا ابتكر امْرَأَة تكون لَهُ زوجا فِي الْجنَّة اه بِاخْتِصَار. وَيَثْبُتُ الإضْرَارُ بالشُّهُودِ أَوْ بِسَمَاعِ شَاعَ فِي الْوُجُودِ (وَيثبت الْإِضْرَار) فعل وفاعل (بالشهود) يتَعَلَّق بِهِ (أَو بِسَمَاع) مَعْطُوف على مَا قبله يَلِيهِ (شاع) فَاعله ضمير يعود على السماع (فِي الْوُجُود) يتَعَلَّق بشاع وَالْجُمْلَة صفة لسَمَاع، وَمَعْنَاهُ أَن ضَرَر أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر يثبت بِأحد أَمريْن إِمَّا بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ فَأكْثر بمعاينتهم إِيَّاه لمجاورتهم للزوجين أَو لقرابتهم مِنْهُمَا وَنَحْو ذَلِك، وَإِمَّا بِالسَّمَاعِ الفاشي المستفيض على أَلْسِنَة الْجِيرَان من النِّسَاء والخدم وَغَيرهمَا بِأَن فلَانا يضر بِزَوْجَة فُلَانَة بِضَرْب أَو شتم فِي غير حق أَو تجويع أَو عدم كَلَام أَو تَحْويل وَجهه عَنْهَا فِي فرَاشه كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة قَالَ مَالك: وَلَيْسَ عندنَا فِي قلَّة الضَّرَر وكثرته شَيْء مَعْرُوف. تَنْبِيهَانِ. الأول: لَا بُد أَن يضمن الشُّهُود فِي الْوَجْهَيْنِ أَنهم لَا يعلمُونَ أَن المضر مِنْهُمَا رَجَعَ عَن الْإِضْرَار بِصَاحِبِهِ وأقلع عَنهُ وَإِلَّا لم تعْمل كَمَا فِي المعيار وَغَيره فَإِن ادّعى الزَّوْج أَنَّهَا مكنته من نَفسهَا بعد قِيَامهَا بِالضَّرَرِ وصدقته سقط حَقّهَا كَانَت جاهلة أَو عَالِمَة فَإِن ادَّعَت الْجَهْل لم يعْذر قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. قلت: وَينزل منزلَة التَّصْدِيق ثُبُوت الْخلْوَة بَينهمَا بِرِضَاهَا بعد الْقيام لِأَن القَوْل لمُدعِي الْوَطْء فِيهَا كَمَا يظْهر ذَلِك من كَلَامهَا وَهُوَ ظَاهر. الثَّانِي: لَا يشْتَرط هَهُنَا فِي شَهَادَة السماع أَن ينصوا فِي وثيقته عَن الثِّقَات على الْمَشْهُور قَالَه ابْن رحال بِخِلَاف غير الضَّرَر فَلَا بُد مِنْهُ كَمَا مر، وَمَا ذكره هُوَ الَّذِي يفِيدهُ كَلَام الْمُتَيْطِيَّة وَنَصهَا. وَيجْزِي عِنْد ابْن الْقَاسِم عَدْلَانِ على السماع الفاشي من لفيف النَّاس وَالْجِيرَان بذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 وتكثير الشُّهُود أحب إِلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُور من الْمَذْهَب، وَبِه الْعَمَل. وَحكى حُسَيْن بن عَاصِم: إِنَّه لَا تجوز شَهَادَة السماع إِلَّا عَن الْعُدُول إِلَّا فِي الرَّضَاع فَيجوز أَن يشْهد العدلان عَن لفيف الْقَرَابَة وَالْجِيرَان من النِّسَاء وَهُوَ أحسن لِأَنَّهُ لَا يحضرهُ الرِّجَال فِي الْأَغْلَب، ثمَّ قَالَ: وَلَا يجوز فِي السماع بِالضَّرَرِ شَهَادَة النِّسَاء وحدهن لِأَن الطَّلَاق من مَعَاني الْحُدُود فَلَا تجوز فِيهِ شَهَادَة النِّسَاء اه. وَانْظُر مَا تقدم فِي شَهَادَة السماع، وَمَفْهُوم النّظم أَنه لَا يثبت بِغَيْر هذَيْن الْأَمريْنِ وَلَو شرطت عَلَيْهِ فِي أصل العقد أَو بعده أَنَّهَا مصدقة فِي الضَّرَر الَّذِي تدعيه بِغَيْر يَمِين، وَفِي ذَلِك تَفْصِيل تقدم فِي فصل فَاسد النِّكَاح. وَحَاصِله، إِن كَانَ بعد العقد لزم شَرطهَا اتِّفَاقًا وَإِن كَانَ فِي صلب العقد فَقَالَ سَحْنُون: أَخَاف أَن يفْسخ النِّكَاح قبل الْبناء وَلَا تصدق فِيهِ بعد الدُّخُول إِلَّا بِبَيِّنَة وَنَحْوه لِابْنِ دحون، وَظَاهر النّظم أَنه الرَّاجِح لِأَنَّهُ جعل ثُبُوته بَين الْأَمريْنِ فَقَط، وَلابْن عبد الغفور أَنه يلْزمه الشَّرْط حَيْثُ جعله لَهَا فِيهِ وَفِي الرحيل والزيارة دون المغيب، وَالظَّاهِر من وثائق ابْن فتحون أَن المغيب كالضرر انْظُر ابْن سَلمُون فِي فصل الشُّرُوط فِي النِّكَاح، وَمَفْهُوم قَوْلهم بِغَيْر يَمِين أَنه بِيَمِين يعْمل بشرطها قولا وَاحِدًا فَتَأَمّله. وَإنْ تَكُنْ قَدْ خَالَعَتْ وَأَثْبَتَتْ إضْرَارَهُ فَفِي اخْتِلاَعٍ رَجَعَتْ (وَإِن تكن) شَرط (قد خالعت) خبر تكن (وأثبتت) مَعْطُوف على مَا قبله يَلِيهِ (إضراره) مفعول بأثبتت وفاعله ضمير الزَّوْجَة (فَفِي اختلاع) يتَعَلَّق بقوله (رجعت) وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط دخلت عَلَيْهِ الْفَاء واختلاع مصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول أَي المخالع بِهِ، وَالْمعْنَى أَن الزَّوْجَة إِذا خالعت زَوجهَا على شَيْء دَفعته لَهُ ثمَّ أَثْبَتَت بعد ذَلِك إضراره بهَا بِبَيِّنَة الْقطع أَو السماع فَإِنَّهَا ترجع بِمَا خالعته بِهِ إِن لم يكن عِنْد الزَّوْج مدفع فِيمَا أثبتته من كَونه اختلى بهَا طَائِعَة بعد قِيَامهَا أَو كَونهَا مكنته من نَفسهَا أَو تجريحه الْبَيِّنَة الشاهدة بضررها وَنَحْو ذَلِك، وَالطَّلَاق لَازم على كل حَال وَإِذا لم يجد الزَّوْج مدفعاً وَاحْتج بِأَن الزَّوْجَة قد أشهدت فِي رسم الْخلْع أَنَّهَا فعلت ذَلِك طيبَة النَّفس بِهِ فَلَا ينْتَفع بذلك لِأَن ثُبُوت الْإِكْرَاه يسْقط حجَّته كَمَا أَنه لَا ينْتَفع بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ أَنَّهَا مكنته من نَفسهَا بعد الْقيام بِالضَّرَرِ، وَقبل عقد الْخلْع وَإِنَّمَا عَلَيْهَا الْيَمين لرد دَعْوَاهُ. وَظَاهر النّظم أَن لَهَا الرُّجُوع وَإِن لم تسترع قبل عقد الْخلْع وَهُوَ كَذَلِك إِن قَامَت لَهَا بَيِّنَة لم تعلمهَا وَقت الْخلْع اتِّفَاقًا، وَكَذَا إِن علمت بهَا على الْأَصَح لِأَن ضَرَره يحملهَا على الِاعْتِرَاف بالطوع، وَإِذا استرعت فَلَا حجَّة للزَّوْج عَلَيْهَا فِي إِسْقَاطه فِي وَثِيقَة الْخلْع (خَ) : وَلَا يَضرهَا إِسْقَاط الْبَيِّنَة المسترعاة على الْأَصَح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 وبالْيَمِينِ النَّصَّ فِي المُدَوَّنَهْ وقَالَ قَوْمٌ مَا الْيَمِينُ بَيِّنَهْ (وباليمين) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر عَن قَوْله: (النَّص فِي الْمُدَوَّنَة) وَالْبَاء بِمَعْنى (مَعَ) وَالتَّقْدِير وَالنَّص فِي الْمُدَوَّنَة رُجُوعهَا مَعَ الْيَمين إِن خلعها لم يكن إِلَّا للإضرار فَهِيَ فِي الْحَقِيقَة يَمِين تُهْمَة لِأَنَّهَا تتهم أَن تكون دفعت ذَلِك عَن طيب نفس أَي لكراهيتها الْمقَام مَعَه لَا للإضرار. قَالَ ابْن سَلمُون: وَهَذِه الْيَمين ذكرهَا ابْن فتحون فِي كِتَابه وَهُوَ على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة الخ. فَظَاهره التَّعْلِيل أَنَّهَا وَاجِبَة مَعَ رُجُوعهَا بِشَهَادَة السماع أَو الْقطع كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم، وَأما الْيَمين لتكميل النّصاب لكَون السماع لَا يسْتَقلّ بِدُونِ يَمِين لضَعْفه وَلكَون الْقطع لَا يَصح هَهُنَا فيستظهر بِيَمِين على بَاطِن الْأَمر لأَنهم يَقُولُونَ وَلَا يعلمُونَ أَنه رَجَعَ الخ. فمستفادة مِمَّا مر فِي فصل شَهَادَة السماع وَمن قَوْله فِيمَا مر: وغالب الظَّن بِهِ الشَّهَادَة. فَتبين أَنه لَا بُد من يمينين مَعَ كل من الشَّهَادَتَيْنِ يَمِين لتكميل النّصاب فِيمَا قَامَت بهما قبل الْخلْع أَو بعده، وَقد تقدّمت، وَيَمِين لدفع التُّهْمَة وَهِي الْمَقْصُودَة هَهُنَا، وَلَا تكون إِلَّا عِنْد إِرَادَة الرُّجُوع وَهِي مَحل الْخلاف الْمشَار لَهُ بقوله: (وَقَالَ قوم) فعل وفاعل (مَا) نَافِيَة (الْيَمين) مُبْتَدأ (بَينه) خَبره وَهَذَا الْخلاف جَار على الْخلاف فِي لُحُوق يَمِين التُّهْمَة وَعدم لحوقها هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَالله أعلم. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة فِي بَاب الشُّرُوط: وَلَو أَن الْخلْع انْعَقَد بَينهمَا على حميل أَخذه الزَّوْج بِمَا أَعطَتْهُ الزَّوْجَة ثمَّ انْفَسَخ ذَلِك عَنْهَا لثُبُوت الضَّرَر بهَا فَقَالَ ابْن الْعَطَّار وَأَبُو عمرَان: يرجع الزَّوْج على الْحميل لِأَن الْإِكْرَاه إِنَّمَا ثَبت للزَّوْجَة لَا للحميل وَلَا رُجُوع لَهُ على الزَّوْجَة بِشَيْء. وَقَالَ ابْن الفخار وَغَيره: لَا رُجُوع لَهُ على الْحميل لِأَنَّهُ بِثُبُوت الضَّرَر تبين أَنه تحمل للزَّوْج بِمَا لَا يحل لَهُ أَخذه فَلَو ألزمناه ذَلِك لأبحنا أكل المَال بِالْبَاطِلِ وَذَلِكَ مَبْنِيّ على الْخلاف فِي الْحمالَة بِالْبيعِ الْفَاسِد، وَجَوَاب ابْن الْعَطَّار جَار على مَذْهَب أَشهب لِأَنَّهُ أَدخل الزَّوْج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 فِي زَوَال عصمته لِأَنَّهُ يَقُول: لَوْلَا أَنْت لَكُنْت أَتُوب عَن ضررها وآخذ بخاطرها. وَجَوَاب ابْن الفخار جَار على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَسَوَاء على مذْهبه علم الْحميل بِالضَّرَرِ أَو لم يعلم لِأَنَّهُ إِن لم يعلم يَقُول: إِنَّمَا تحملت فِي مَوضِع يجب لي بِهِ الرُّجُوع عَلَيْهَا، وَإِن علم يَقُول: إِنَّمَا تحملت لِأَنِّي علمت أَن ذَلِك بَاطِل لَا يجب للزَّوْج بِهِ شَيْء وَبِمَا لِابْنِ الفخار اسْتمرّ الْعَمَل وَالْقَضَاء اه من النِّهَايَة بِاخْتِصَار، وَهُوَ ظَاهر بل صَرِيح فِي أَن الْحمالَة هُنَا على أَنه إِن أدّى رَجَعَ بِهِ على الْمَضْمُون عَنهُ، وَأما إِن تحمل بذلك على معنى أَنه إِن رجعت الزَّوْجَة لثُبُوت ضَرَر وَنَحْوه فَهُوَ الَّذِي يغرم ذَلِك من مَاله الْخَاص بِهِ فَلَا إِشْكَال فِي لُزُوم ذَلِك كَمَا مر عِنْد قَول النَّاظِم وَيسْقط الضَّمَان فِي فَسَاد الخ. وَانْظُر ابْن سَلمُون فِي فصل نِكَاح الْمُتْعَة قبل إنكاح الْأَب ابْنَته الثّيّب، وَانْظُر مَا تقدم عَن الْبُرْزُليّ فِي بَاب الصُّلْح، وَعبارَة ابْن سَلمُون فِي الطَّلَاق مَا نَصه، فَإِن عقد الْخلْع على الْيَتِيمَة أَو غَيرهَا ولي أَو أَجْنَبِي فلهَا الرُّجُوع على زَوجهَا وَالطَّلَاق مَاض وَهل يرجع الزَّوْج على الَّذِي عقد مَعَه الْخلْع إِذا لم يضمن ذَلِك؟ أَقْوَال. الأول: أَنه يرجع عَلَيْهِ وَإِن لم يضمن لَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أدخلهُ فِي الطَّلَاق وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم، وَرِوَايَته عَن مَالك فِي كتاب الصُّلْح من الْمُدَوَّنَة وَقَول أصبغ فِي الْوَاضِحَة والعتبية. الثَّانِي: أَنه لَا رُجُوع لَهُ عَلَيْهِ إِلَّا أَن يلْتَزم الضَّمَان وَهُوَ ظَاهر قَول ابْن الْقَاسِم وَرِوَايَته عَن مَالك فِي إرخاء الستور، وَقَول ابْن حبيب أَيْضا. وَالثَّالِث: أَنه إِن كَانَ أَبَا أَو ابْنا وَمن لَهُ قرَابَة للزَّوْجَة فَهُوَ ضَامِن وإلاَّ فَلَا، وَهُوَ قَول ابْن دِينَار وَإِن عقدته الْمَرْأَة وَضمن للزَّوْج وَليهَا مَا يلْحقهُ من دَرك فِي الْخلْع الْمَذْكُور ثمَّ ظهر مَا يسْقط التزامها من ثُبُوت ضَرَر أَو عدم أَو غير ذَلِك، فَفِي ذَلِك قَولَانِ: أَحدهمَا أَن الضَّامِن يغرم مَا الْتَزمهُ للزَّوْج، وَالثَّانِي أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ البيع الْفَاسِد اه. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة فِي بَاب الْخلْع مَا نَصه: فَإِن أَخذ الزَّوْج على الْمَرْأَة ضَامِنا فِيمَا التزمت لَهُ من نَفَقَة الْأَوْلَاد أَو أسقطته عَنهُ، ثمَّ أعدمت أَو ثَبت أَنَّهَا فِي ولَايَته أَخذ الزَّوْج بإجراء النَّفَقَة على بنيه وطالب الْحميل بغرم مَا يرجع بِهِ عَلَيْهِ وَهَذَا فِي الْعَدَم، وَأما إِن ثَبت أَنَّهَا فِي ولَايَة فَعَن ابْن الْمَاجشون أَنه إِن لم يعلم الزَّوْج بسفهها فحقه على الْحميل وَإِن لم يعلم بذلك الْحميل لِأَنَّهُ أَي الْحميل دخل فِيمَا لَو شَاءَ كشفه لنَفسِهِ، وَإِن كَانَ الزَّوْج عَالما بذلك لم يكن لَهُ سَبِيل إِلَى الْحميل وَلَا إِلَيْهَا علم الْحميل بذلك أم لَا. لِأَن الزَّوْج قصد الدُّخُول فِيمَا لَا يَصح لَهُ. وَقَالَ أصبغ فِي كتاب الْكفَالَة من الْعُتْبِيَّة: يلْزم الْحميل مَا تحمله عَنْهَا لزَوجهَا قَالَ: وتعقد فِي هَذَا الْفَصْل وَضمن فلَان للزَّوْج فلَان غرم مَا لحقه من دَرك فِيمَا أسقطته فُلَانَة عَنهُ أَو التزمت لَهُ فِي هَذَا الْكتاب ضمانا لَازِما لمَاله وذمته ألزم نَفسه ذَلِك وَقضى عَلَيْهَا بِهِ بعد مَعْرفَته بِقَدرِهِ وعَلى مَا ذكر من الِالْتِزَام والإسقاط وَالضَّمان طلق الزَّوْج الْمَذْكُور زوجه الْمَذْكُورَة على سنة الْخلْع وَحكمه شهد الخ. انْتهى بِلَفْظ النِّهَايَة. فَهَذِهِ الْوَثِيقَة دَالَّة على أَن لَهُ الرُّجُوع على الْحميل مُطلقًا حَيْثُ رجعت الزَّوْجَة عَلَيْهِ، وَمَا تقدم عَنْهَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْحمالَة لَا فِي الْحمل كَمَا مرّ، فهما مَسْأَلَتَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 كَمَا تقدم، وَسَوَاء نَص فِي الْوَثِيقَة على أَن الطَّلَاق وَقع على الْإِلْزَام والإسقاط وَالضَّمان كَمَا قَالَ أم لَا. لِأَن ذَلِك هُوَ مَقْصُود الزَّوْج وَالنَّص عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ للِاحْتِيَاط. وَاقْتصر ابْن يُونُس وَابْن فتحون على قَول أصبغ وَكَذَا الونشريسي فِي طرر الفشتالي، وَقد استبعد ابْن رشد قَول ابْن الْمَاجشون كَمَا مرّ فِي الضَّمَان، وَذَلِكَ يدل على أَن الرَّاجِح قَول أصبغ كَمَا تقدم، وَهَذِه الْمَسْأَلَة يكثر النزاع فِيهَا فَلذَلِك أطلنا فِيهَا هَهُنَا وَفِيمَا تقدم وَالله أعلم. كَذَا إذَا عَدْلٌ بالإضْرَارِ شَهِدْ فالرَّدُّ لِلْخُلْعِ مَعَ الحَلْفِ اعْتُمِدْ (كَذَا) خبر لمبتدأ مُضْمر أَي الحكم كَذَا، وَالظَّاهِر أَنه حَال من ضمير اعْتمد آخر الْبَيْت (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (عدل) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره شهد (بالإضرار) مُتَعَلق بقوله (شهد فالرد) مُبْتَدأ (لِلْخلعِ) يتَعَلَّق بِهِ وَهُوَ بِمَعْنى المخالع بِهِ (مَعَ الْحلف) حَال (اعْتمد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَهِي مُؤَكدَة لما أَفَادَهُ التَّشْبِيه على الْإِعْرَاب الأول، وَقَوله: شهد أَي بِالْقطعِ إِذْ السماع لَا يثبت بِأَقَلّ من عَدْلَيْنِ، وَقَوله: مَعَ الْحلف أَي لتكميل النّصاب وللاستظهار ولدفع التُّهْمَة فتحلف ثَلَاثَة أَيْمَان أَن الضَّرَر حق وَأَنه مَا رَجَعَ عَنهُ إِلَى وُقُوع الْخلْع وَأَنَّهَا مَا دفعت المَال إِلَّا للإضرار وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُوجب مَا مر وَلم أَقف على نَظِير لهَذِهِ الْأَيْمَان الثَّلَاث، ثمَّ إِن الْمَرْأَتَيْنِ بِمَنْزِلَة الْعدْل فِي ذَلِك لِأَن النزاع فِي المَال، وَأما الطَّلَاق فماض على كل حَال كَمَا قَالَ: لأنَّ ذَاكَ رَاجِعٌ لِلْمَالِ وَفُرْقَةٌ تَمْضي بِكُلِّ حَالِ (لِأَن ذَاك رَاجع لِلْمَالِ، وَفرْقَة تمْضِي بِكُل حَال) . (خَ) : ورد المَال بِشَهَادَة سَماع على الضَّرَر ويمينها مَعَ شَاهد أَو امْرَأتَيْنِ وَلَا يَضرهَا إِسْقَاط الْبَينَات المسترعاة على الْأَصَح وبكونها بَائِنَة لَا رَجْعِيَّة أَو لكَونه يفْسخ بِلَا طَلَاق أَو لعيب خِيَار بِهِ. قَالَ الْبُرْزُليّ: وَيجوز الاسترعاء فِي الضَّرَر وَلَا يحْتَاج إِلَيْهِ إِلَّا فِي إِسْقَاط الْيَمين خَاصَّة اه. وَحَيْثُما الزَّوْجَةُ تُثْبِتُ الضَّرَرْ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا بِهِ شَرْطٌ صَدَرْ (وحيثما) اسْم شَرط (الزَّوْجَة) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره (تثبت الضَّرَر) مفعول بِهِ (وَلم يكن) جازم ومجزوم (لَهَا) خَبَرهَا مقدم (بِهِ) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر وضميره للضَّرَر على حذف مُضَاف أَي يَنْفِيه (شَرط) اسْمهَا مُؤخر (صدر) صفة وَالْجُمْلَة من لم يكن الخ حَال. قِيلَ لَهَا الطَّلاَقُ كَالْمُلْتَزِمْ وَقِيلَ بَعْدَ رَفْعِهِ لِلْحَكَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 (قيل) مَبْنِيّ للْمَجْهُول ونائبه الْجُمْلَة المحكية بعْدهَا الَّتِي هِيَ قَوْله: (لَهَا الطَّلَاق) مُبْتَدأ وَخبر (كالملتزم) بِفَتْح الزَّاي حَال من الطَّلَاق ومعموله مَحْذُوف أَي حَال كَون الطَّلَاق كَالطَّلَاقِ الْمُلْتَزم أَي الْمُشْتَرط فِي عقد النِّكَاح وَالْجُمْلَة من قيل ومحكيه جَوَاب الشَّرْط. (وَقيل) مَعْطُوف على قيل الأول (بعد) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ مَا قبله أَي وَقيل لَهَا الطَّلَاق بعد (رَفعه) مُضَاف إِلَيْهِ من إِضَافَة الْمصدر لمفعوله وضميره للزَّوْج (للْحكم) بِفَتْح الْكَاف لُغَة فِي الْحَاكِم يتَعَلَّق بِمَا قبله. وَيَزْجُرُ القَاضِي بِمَا يَشَاؤُهُ وَبالطَّلاَقِ إنْ يَعُدْ قَضَاؤُهُ (ويزجر) بِالنّصب عطف على الْمصدر الْمَذْكُور عملا بقول الْخُلَاصَة: وَإِن على اسْم خَالص فعل عطف تنصبه أَن ثَابتا أَو منحذف ومعمول يزْجر مَحْذُوف أَي يزجره (القَاضِي) فَاعل (بِمَا) يتَعَلَّق بيزجر (يشاؤه) صلَة مَا (وبالطلاق) خبر مقدم (إِن يعد) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ (قَضَاؤُهُ) مُبْتَدأ مُؤخر وَمعنى الأبيات الثَّلَاث أَن الزَّوْجَة الَّتِي فِي الْعِصْمَة إِذا أَثْبَتَت ضَرَر زَوجهَا بهَا بِشَيْء من الْوُجُوه الْمُتَقَدّمَة وَالْحَال أَنَّهَا لم يكن لَهَا بِالضَّرَرِ شَرط فِي عقد النِّكَاح من أَنه إِن أضرَّ بهَا فَأمرهَا بِيَدِهَا فَقيل لَهَا إِن تطلق نَفسهَا بعد ثُبُوت الضَّرَر عِنْد الْحَاكِم من غير أَن تستأذنه فِي إِيقَاع الطَّلَاق الْمَذْكُور أَي لَا يتَوَقَّف تطليقها نَفسهَا على إِذْنه لَهَا فِيهِ، وَإِن كَانَ ثُبُوت الضَّرَر لَا يكون إِلَّا عِنْده كَمَا أَن الطَّلَاق الْمُشْتَرط فِي عقد النِّكَاح أَي الْمُعَلق على وجود ضررها لَهَا أَن توقعه أَيْضا بعد ثُبُوته بِغَيْر إِذْنه وَظَاهره اتِّفَاقًا. وَقيل: حَيْثُ لم يكن لَهَا شَرط بِهِ لَهَا أَن توقع الطَّلَاق أَيْضا، لَكِن بعد رَفعهَا إِيَّاه للْحَاكِم وَبعد أَن يزجره القَاضِي بِمَا يَقْتَضِيهِ اجْتِهَاده من ضرب أَو سجن أَو توبيخ وَنَحْو ذَلِك. وَلم يرجع عَن إضرارها وَلَا تطلق نَفسهَا قبل الرّفْع والزجر، وَفهم من قَوْله: قَضَاؤُهُ أَن الطَّلَاق بيد الْحَاكِم فَهُوَ الَّذِي يتَوَلَّى إِيقَاعه إِن طلبته الزَّوْجَة، وَامْتنع مِنْهُ الزَّوْج وَإِن شَاءَ الْحَاكِم أمرهَا أَن توقعه فعلى هَذَا القَوْل لَا بُد أَن يوقعه الْحَاكِم أَو يأمرها بِهِ فتوقعه، وَإِذا أمرهَا بِهِ فَهِيَ نائبة عَنهُ فِي الْحَقِيقَة كَمَا أَنه هُوَ نَائِب عَن الزَّوْج شرعا حَيْثُ امْتنع مِنْهُ قَالَ فِي عُيُوب الزَّوْجَيْنِ من الْمُتَيْطِيَّة: فَإِذا ثَبت ذَلِك الْعَيْب بِإِقْرَارِهِ أَو الْكَشْف عَنهُ طَلقهَا عَلَيْهِ الإِمَام وَلَا يُفَوض ذَلِك إِلَيْهَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُور من الْمَذْهَب. وروى أَبُو زيد عَن ابْن الْقَاسِم أَنَّهَا توقع الطَّلَاق دون أَمر الإِمَام قَالَ بعض الموثقين: وَالْأول أصوب اه بِلَفْظ النِّهَايَة. وَهَذَا الْخلاف الَّذِي فِي الْعَيْب هُوَ الْخلاف الَّذِي فِي الطَّلَاق بِالضَّرَرِ أَو بالإيلاء أَو بالفقد أَو بِالْعِتْقِ تَحت العَبْد أَو عسر النَّفَقَة وَنَحْو ذَلِك كَمَا فِي (تت) وَغَيره من شرَّاح الْمَتْن، وَلذَا قَالَ ابْن عَرَفَة فِي عُيُوب الزَّوْجَيْنِ أثر مَا مرّ عَن المتيطي مَا نَصه، ابْن سهل: فِي كَون الطَّلَاق بِعَدَمِ النَّفَقَة أَو غَيره إِن أَبَاهُ الزَّوْج للْحَاكِم أَو للْمَرْأَة قولا أبي الْقَاسِم بن سراج وَابْن عتاب محتجاً بِرِوَايَة أبي زيد عَن ابْن الْقَاسِم من اعْترض فأجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 سنة فَلَمَّا تمت قَالَت: لَا تطلقوني أَنا أتركه لأجل آخر فلهَا ذَلِك ثمَّ تطلق نَفسهَا مَتى شَاءَت بِغَيْر سُلْطَان الخ. وَقَالَ الجزيري بعد وَثِيقَة الاسترعاء بِالضَّرَرِ مَا نَصه: فَإِذا ثَبت هَذَا العقد وَجب للْمَرْأَة الْأَخْذ بشرطها بعد الْإِعْذَار للزَّوْج، وَاخْتلف إِن لم يكن لَهَا شَرط فَقيل: لَهَا أَن تطلق نَفسهَا كَالَّتِي لَهَا شَرط وَقيل: لَيْسَ لَهَا ذَلِك، وَإِنَّمَا ترفع أمرهَا إِلَى السُّلْطَان فيزجره وَلَا يُطلق عَلَيْهِ حَتَّى ترفع مرّة أُخْرَى فَإِن تكَرر ضَرَره طلق عَلَيْهِ اه. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَوْل الأول فِي كَلَام النَّاظِم هُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو زيد عَن ابْن الْقَاسِم وَاحْتج بِهِ ابْن عتاب فِي بعض فَتَاوِيهِ، وَصَوَّبَهُ ابْن مَالك وَرجحه ابْن سهل فقف عَلَيْهِ فِيهِ، وَعَلِيهِ عول النَّاظِم فِي النَّفَقَات حَيْثُ قَالَ: وباختيارها يَقع الخ. وَوَقعت نازلة من هَذَا الْمَعْنى فِي حُدُود الْأَرْبَعين بعد الْمِائَتَيْنِ وَالْألف فِي امْرَأَة غَابَ زَوجهَا وأثبتت عدم النَّفَقَة فأجلها القَاضِي شهرا فَلَمَّا تمّ الشَّهْر حَلَفت بعدلين كَمَا يجب وَطلقت نَفسهَا بِغَيْر أمره واعتدت وَتَزَوَّجت، وَبعد ذَلِك اطلع الإِمَام على فعلهَا فَأَرَادَ فسخ النِّكَاح محتجاً بِمَا للمشهور وَوَافَقَهُ كل من شاور من فُقَهَاء الْوَقْت وخالفتهم فِي ذَلِك وَقلت لَهُم: لَا سَبِيل إِلَى ذَلِك لِأَن النِّكَاح الْمُخْتَلف فِيهِ يفْسخ بِطَلَاق احْتِيَاطًا للفروج ومراعاة لمن يَقُول بِصِحَّتِهِ، فَكَذَلِك الطَّلَاق الْمُخْتَلف فِيهِ يُرَاعى لُزُومه للِاحْتِيَاط، وَلما مر عَن أبي زيد وَابْن عتاب. أَلا ترى أَن ابْن عَرَفَة جعل كَونه للْمَرْأَة مُقَابلا وَلم يُقَيِّدهُ بِكَوْنِهِ بعد إِذْنه لَهَا لِأَن من فعل فعلا لَو رفع إِلَى الإِمَام لأسنده إِلَيْهِ على القَوْل بِهِ الْمشَار لَهُ بقول (خَ) وإلاَّ فَهَل يُطلق الْحَاكِم أَو يأمرها بِهِ ثمَّ يحكم الخ. فَفعله مَاض وَلما فِي السماع من أَن الْمَرْأَة إِذا تزوجته على أَنه حر فَإِذا هُوَ عبد فلهَا أَن تخْتَار قبل أَن ترفع إِلَى السُّلْطَان اه. ابْن رشد: قَوْله لامْرَأَته أَن تخْتَار قبل الرّفْع يُرِيد أَنَّهَا إِن فعلت جَازَ ذَلِك إِن أقرّ الزَّوْج بغروره فَإِن نازعها فَلَيْسَ لَهَا أَن تخْتَار إِلَّا بِحكم اه. نَقله ابْن عَرَفَة. فَهَذَا صَرِيح فِي أَن مَا للمشهور لَيْسَ على سَبِيل الشّرطِيَّة فِي صِحَة الطَّلَاق، بل إِنَّمَا يطْلب ذَلِك ابْتِدَاء. وطلاقها نَفسهَا قبل الرّفْع مَعْمُول بِهِ إِن وَقع، بل الظَّاهِر أَنه مَعْمُول بِهِ وَلَو لم يقر بِالضَّرَرِ أَو بالغرور وَنَحْو ذَلِك إِذْ غَايَته أَنه إِذا لم يقر وَادّعى الْبَحْث فِي شُهُود الضَّرَر وَالْعَيْب وَنَحْوهمَا بجرحة أَو غَيرهَا مكن فَإِن أثبت ذَلِك وعجزت الْمَرْأَة عَن الطعْن فِيهِ فالطلاق مَرْدُود لِأَنَّهُ لم يَقع فِي مَحَله الشَّرْعِيّ وَإِن عجز عَن إِثْبَات ذَلِك فالطلاق مَاض فتوقف القَاضِي بعد ذَلِك أَيَّامًا ثمَّ وقف على كَلَام القباب الَّذِي نَقله الشَّارِح و (م) هَهُنَا وَأَن ابْن رحال استظهر لُزُوم الطَّلَاق، وَكَذَا قَالَ سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الصَّادِق فِي شَرحه على الْمُخْتَصر: وَأَن الْمَرْأَة إِذا طلقت نَفسهَا من غير رفع للْحَاكِم فَلَا يبطل طَلاقهَا قَالَ: كمن قتل قَاتل وليه قبل الرّفْع اه. فَأمرهَا القَاضِي حِينَئِذٍ بِالْبَقَاءِ تَحت زَوجهَا الثَّانِي الَّذِي كَانَ عزلها مِنْهُ وَالله أعلم. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا كَانَ للرجل زوجتان فَأكْثر وَطلبت إِحْدَاهمَا الِانْفِرَاد بدار لِأَنَّهَا تتضرر بالاجتماع مَعَ ضراتها، وَزعم أَنه لَا يَثِق بهَا فَالْقَوْل قَوْله وَلَا تجاب لما طلبت لفساد الزَّمَان، وَحِينَئِذٍ فَإِذا سكن بَين قوم صالحين فَللزَّوْج أَن ينْتَقل بضراتها مَعهَا وَلَا مقَال لَهَا. نَص على ذَلِك غير وَاحِد من شرَّاح الْمَتْن. وَقَالَ بعض من حشاه هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل قَالَ: وَلَا فرق بَين الْبَوَادِي والحواضر، ويكفيه أَن يخص كل وَاحِدَة ببيتها اه. وَبِهَذَا كنت أحكم حِين ولايتي الْقَضَاء بفاس صانها الله من كل باس، وَكنت أَقُول للزَّوْجَة الطالبة للانفراد إِن أضرت بك ضرتك فارفعيها للْحَاكِم اه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 الثَّانِي: علم مِمَّا مر أَنَّهَا لَا تطلق نَفسهَا على القَوْل بِهِ وَلَا يطلقهَا الْحَاكِم أَيْضا على مُقَابِله إِلَّا بعد الْإِعْذَار للزَّوْج فِيمَا ثَبت عَلَيْهِ وعجزه عَن الطعْن فِيهِ، فَإِن طلقت نَفسهَا أَو طلق الْحَاكِم قبل الْإِعْذَار لَهُ فقد قَالَ ابْن عبد الصَّادِق فِي شَرحه الْمَذْكُور مَا نَصه: وَأما الزَّوْجَة إِذا أَثْبَتَت الضَّرَر وَطلقت نَفسهَا فَإِن بحث زَوجهَا بعد طَلاقهَا فِي الشُّهُود وجرحهم مثلا فطلاقها مَرْدُود اه. وَكَذَا يُقَال فِي تطليق الْحَاكِم عَلَيْهِ قبل الْإِعْذَار وَالله أعلم. كَمَا استظهرناه آنِفا وَنَحْو هَذَا فِي اخْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة فِيمَا إِذا كَانَ لَهَا بِهِ شَرط قَالَ فِيهِ: وَإِذا طلقت الْمَرْأَة نَفسهَا دون إِذن الْحَاكِم ثمَّ قدم الزَّوْج لزمَه مَا فعلته إِن كَانَ مقرا بِالشّرطِ والمغيب، فَإِن أنكرهُ وَثَبت الشَّرْط الْمَذْكُور بِشُهُود الطَّلَاق أَو غَيرهم لزمَه أَيْضا فَإِن جرح الْبَيِّنَة وَقد تزوجت ردَّتْ إِلَيْهِ. الثَّالِث: لَا بُد من تكْرَار الضَّرَر حَيْثُ كَانَ أمرا خَفِيفا فَإِن كَانَ ضربا فَاحِشا كَانَ لَهَا التَّطْلِيق بِهِ وَلَو لم يتَكَرَّر كَمَا مر أول الْفَصْل عَن الْمُتَيْطِيَّة وَقَول (خَ) وَلها التَّطْلِيق بِالضَّرَرِ وَلَو لم تشهد الْبَيِّنَة بتكرره لَا يعول عَلَيْهِ، بل لَا بُد من التّكْرَار حَيْثُ كَانَ خَفِيفا كَمَا مر. وَلذَا قَالَ بَعضهم: هُوَ على حذف الصّفة أَي: وَلها التَّطْلِيق بِالضَّرَرِ الْبَين أَي الْفَاحِش، وَالْقَوْل الثَّانِي فِي النّظم صَرِيح فِي اشْتِرَاط التكرير إِلَّا أَن ظَاهره أَنه لَا بُد من الزّجر والتكرار وَلَو كَانَ بَينا فَاحِشا وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا فِي النَّقْل. قَالَ ابْن عبد الصَّادِق الْمَذْكُور مُعْتَرضًا على ظَاهر لفظ (خَ) مَا نَصه: وَالْعجب كَيفَ تطلق الْمَرْأَة نَفسهَا بالمرة الْوَاحِدَة من تَحْويل وَجهه عَنْهَا وَقطع كَلَامه ومشاتمته إِلَى غير ذَلِك مِمَّا عدوه من الضَّرَر بالمرة الْوَاحِدَة إِذْ لَا يَخْلُو عَنهُ الْأزْوَاج مَعَ أَن مسَائِل مَبْنِيَّة على ثُبُوت التّكْرَار كالسكنى بَين قوم صالحين وَبعث الْحكمَيْنِ واختبارهما أُمُور الزَّوْجَيْنِ الْمرة بعد الْمرة قَالَ: وَقد نزلت فاحتج بعض الْمُفْتِينَ بِظَاهِر (خَ) وَخَالفهُ غَيره فَعظم الْأَمر حَتَّى وصل إِلَى أَمِير الْوَقْت فَحكم بِأَنَّهُ لَا بُد من التّكْرَار. الرَّابِع: فِي الْبُرْزُليّ: أَن ابْن عَرَفَة سُئِلَ عَن الهاربة عَن زَوجهَا من جبل وسلات على نَحْو من البريدين من القيروان وتذكر أَن زَوجهَا يضْربهَا وتريد خصامه وتخشى على نَفسهَا إِن عَادَتْ إِلَيْهِ بعد الْفِرَار أَن يَقْتُلهَا، فَيكْتب الْحَاكِم لمن يزعج الزَّوْج فَتَارَة يَأْتِي جَوَاب الْمَبْعُوث إِلَيْهِ بالإزعاج للخصم بِخَط غير مَعْرُوف وَلَفظ غير مُحَصل، وَتارَة لَا يصل الْجَواب، وَتارَة يذكر أَن الزَّوْج تعصب أَو فرّ ويتعذر الْجَواب بِالْكُلِّيَّةِ فَيطول أَمر الْمَرْأَة وتريد أَن تقطع على زَوجهَا بِعَدَمِ النَّفَقَة وَكَيف إِن فرت غير ذَات الزَّوْج إِلَى الْمَدِينَة الْمَذْكُورَة من الْجَبَل الْمَذْكُور وتريد التَّزَوُّج وَهِي من ذَوَات الأقدار وَلها ولي بِالْجَبَلِ الْمَذْكُور فَهَل للْحَاكِم أَن يُزَوّجهَا؟ فَأجَاب: حَاصِل أَمر الْمَرْأَة أَنَّهَا بِمحل لَا تناله الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة غَالِبا، فَهُوَ حِينَئِذٍ كغائب عَنْهَا لم يتْرك لَهَا نَفَقَة أَو حَاضر قَادر على الْإِنْفَاق وَعجز عَن أَخذه مِنْهُ كرها وأيّاً مَا كَانَ فللزوجة الْقيام بِمُوجب التَّطْلِيق للضَّرَر وفرارها مِنْهُ بعد تَزْوِيجه إِيَّاهَا بذلك الْمحل لَا يبطل حَقّهَا لوَجْهَيْنِ. الأول حُرْمَة الْمقَام بذلك الْمحل. الثَّانِي: أَن رِضَاهَا بِهِ أَولا لَا يسْقط قِيَامهَا بِهِ ثَانِيًا كرضاها بإثرة عَلَيْهَا أَولا لَا يمْنَع قِيَامهَا ثَانِيًا وَنَحْو ذَلِك، وَأما مَسْأَلَة الْوَلِيّ فَلَا بُد من الْكتب والإعذار إِلَيْهِ والتلوم إِن أمكن دون عسر وضرر طول وَإِلَّا سقط وزوّجها الْحَاكِم اه بِاخْتِصَار. ثمَّ ذكر عَن ابْن رشد نَحوه قَائِلا: الَّذِي استقريته من أَحْوَال قرى القيروان حِين كنت مُقيما بهَا أَنَّهَا لَا تنالها الْأَحْكَام، فَأرى أَن لَا تمكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 الهاربة من زَوجهَا إِلَى الْخُرُوج إِلَى الْقرى وَإِلَى الْجبَال الَّتِي حولهَا نَحْو جبل وسلات وجبل ضراوة وجبل السرج، وَقد وَقع شَيْء من هَذَا وهربت امْرَأَة فمكنها القَاضِي من زَوجهَا وردهَا لقريتها فَقَتلهَا فِي الطَّرِيق اه. قلت: وَمثله فِي الْجبَال الَّتِي حول فاس ونواحيها فِي وقتنا لتعذر الْأَحْكَام فِيهَا فَيجْرِي حكمهَا على مَا تقدم فِي جبل القيران وقراها كَمَا شَاهَدْنَاهُ فِي وقتنا هَذَا وَالله أعلم. الْخَامِس: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: فَإِن ضربهَا وَزعم أَن ذَلِك على وَجه التَّأْدِيب لذنب أَتَتْهُ فَإِن كَانَ مثله مِمَّن يُؤَدب ويعتني بالأدب صدق، وَإِن كَانَ لَيْسَ من أهل الْأَدَب وَلَا يعتني بِهِ فَعَلَيهِ الْبَيِّنَة أَنه إِنَّمَا ضربهَا لذنب تستوجب بِهِ الضَّرْب وَالْقَوْل قَوْلهَا حِينَئِذٍ أَنه ظَالِم لَهَا قَالَ: فَإِن أنكر ضربهَا جملَة وَقَامَت لَهَا بَيِّنَة بِهِ كَانَ لَهَا الْخِيَار فَإِن قَالَ بعد ذَلِك كَانَ لذنب أَتَتْهُ لم يقبل قَوْله لإنكاره الأول قَالَ: وَفِي الْعُتْبِيَّة عَن مَالك فِيمَن حلف بِطَلَاق زَوجته ليجلدنها خمسين سَوْطًا فَإِنَّهُ يمْنَع من ضربهَا وَتطلق عَلَيْهِ، وَنَحْوه حكى ابْن حبيب فِي الْوَاضِحَة أَن من حلف بِطَلَاق امْرَأَته ليجلدنها أَكثر من عشرَة أسواط مثل الثَّلَاثِينَ أَن السُّلْطَان يطلقهَا عَلَيْهِ إِذا كَانَ ذَلِك لغير شَيْء تستوجبه فَإِن لم يعلم بذلك حَتَّى جلدهَا برّ فِي يَمِينه وعوقب بالزجر والسجن وَلم تطلق عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون بهَا من الضَّرْب آثَار قبيحة لَا يَلِيق بِمِثْلِهَا فَتطلق عَلَيْهِ للضَّرَر إِذا تفاحش ذَلِك وَطلبت الْفِرَاق اه. قلت: مَا لم تذنب مَا تستوجب بِهِ ذَلِك فقد نَص ابْن الْقَاسِم على مَا رَوَاهُ حُسَيْن بن عَاصِم أَن الْمَرْأَة قد تستوجب الضَّرْب الوجيع بالذنب ترتكبه إِذا كَانَ الذَّنب مَعْرُوفا. وَقد تقدم ذَلِك أول الْفَصْل قَالَ: وَلَو حلف بِطَلَاقِهَا ليجلدنها عشرَة أسواط وَنَحْوهَا خلى بَينه وَبَينهَا وَقد أَسَاءَ. وَلَا تطلق عَلَيْهِ يُرِيد وَيصدق فِي أَنَّهَا صنعت مَا تستوجب بِهِ ذَلِك لَا أَنه يكون لَهُ ذَلِك دون سَبَب، وَكَذَلِكَ من حلف بحريّة عَبده ليضربنه ضربا يَسِيرا دون شَيْء أذنبه لم يُمكن مِنْهُ. وَقَالَ ابْن أبي زيد: يُمكن من ذَلِك وَهُوَ بعيد وَلَا يَصح أَن يُقَال ذَلِك فِي الْحرَّة قَالَ: وَمن هَذَا الْمَعْنى لَو حلف بِطَلَاق امْرَأَته الْأُخْرَى أَو بحريّة عَبده ليجلدن هَذِه خمسين سَوْطًا فَإِن السُّلْطَان يحنثه إِلَّا أَن يثبت عَلَيْهَا أَنَّهَا فعلت مَا تستوجب بِهِ ذَلِك وَلَو كَانَت يَمِينه على ذَلِك بِاللَّه أَو بصيام أَو بمشي وَشبهه مِمَّا لَا يقْضِي بِهِ فَأَبت الْمَرْأَة أَن تذْهب مَعَه مَخَافَة أَن يضْربهَا ليسقط عَن نَفسه مَا حلف عَلَيْهِ، فلهَا ذَلِك من أجل أَنه لَا يُؤمن عَلَيْهَا ويطلقها الْحَاكِم طَلْقَة بَائِنَة اه. وَسُئِلَ سَحْنُون عَن الْمَرْأَة تَشْتَكِي أَن زَوجهَا يضْربهَا وَبهَا أثار ضرب وَلَا بَيِّنَة على مُعَاينَة ضربه قَالَ: يسئل عَنْهَا جِيرَانهَا فَإِن قَالُوا شَأْنه لَا ينْزع عَن ظلمها أدبه وحبسه فَإِن سمع الْجِيرَان الصياح مِنْهَا وَلم يحضروا ضربه إِيَّاهَا أدبه أَيْضا لِأَن هَذِه الْآثَار لَو كَانَت من غَيره لشكا هُوَ ذَلِك وَأنْكرهُ اه. فَعلم مِنْهُ أَن الْعشْرَة أسواط فَمَا دونهَا من الْخَفِيف الَّذِي لَا بُد فِيهِ من التّكْرَار حَيْثُ ادّعى هُوَ مَا يُوجب ذَلِك، وَهَذَا مَا لم تحصل مِنْهُ آثَار قبيحة كَمَا مرّ. السَّادِس: قَول النَّاظِم تثبت الضَّرَر أَي فِي بدنهَا كَمَا مر، وَأما إِن أضرّ بهَا فِي مَالهَا وَلم يكن لَهَا عَلَيْهِ فِيهِ شَرط نهي عَن ذَلِك وأغرم مَا أَخذه مِنْهُ فَإِن عَاد بعد النَّهْي عاقبه السُّلْطَان وَلم يُطلق عَلَيْهِ، وَإِن تكَرر إضراره اه. وَقد تحصل أَنه إِن أضرّ بهَا فِي بدنهَا فلهَا التَّطْلِيق من غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 رفع للْحَاكِم إِذا كَانَ لَهَا بِهِ شَرط وَثَبت الضَّرَر عِنْد الْحَاكِم وَلم يجد الزَّوْج فِيهِ مطعناً وَإِن لم يكن لَهَا بِهِ شَرط فَقَوْلَانِ. أصَحهمَا لَا بُد من الرّفْع فَإِن طلقت نَفسهَا بِدُونِ رفع مضى طَلاقهَا كَمَا مر، وَحَيْثُ كَانَ الضَّرَر فِي بدنهَا فَالْكَلَام لَهَا وَإِن سَفِيهَة مولى عَلَيْهَا وَلَا كَلَام لوَلِيّهَا إِلَّا بتوكيل مِنْهَا وَإِن كَانَ الضَّرَر فِي مَالهَا فَالْكَلَام لَهُ لَا لَهَا وَالله أعلم. السَّابِع: إِذا اشْترطت عَلَيْهِ الزَّوْجَة أَن لَا يغيب عَنْهَا نصف سنة مثلا وَإِن فعل فَأمرهَا بِيَدِهَا فغزا الْعَدو فِي عَسْكَر مَأْمُون يُمكنهُ الرُّجُوع مِنْهُ قبل انْقِضَاء مُدَّة المغيب فَهزمَ الْجَيْش وَأسر الزَّوْج حَتَّى مضى الْأَجَل الْمُعَلق عَلَيْهِ فَلَا خِيَار لَهَا لِأَنَّهُ مَعْذُور، وَكَذَا إِن مرض أَو سجن سجناً لَا يقدر على دفع مُوجبه أَو منعته فتْنَة أَو فَسَاد طَرِيق حَتَّى مضى الْأَجَل بِخِلَاف مَا لَو غزا فِي سَرِيَّة فَأسر أَو سَافر فِي بَحر فتعذرت الرِّيَاح فَيَنْبَغِي أَن لَا يعْذر لِأَنَّهُ غر بِنَفسِهِ. انْظُر الْمُتَيْطِيَّة وَابْن عَرَفَة فِي مَبْحَث الشُّرُوط. وَإنْ ثُبُوتُ ضَرَرِ تَعَذَّرَا لِزَوْجَةٍ وَرْفعُهَا تَكَرَّرَا (وَإِن) شَرط (ثُبُوت ضَرَر) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره (تعذرا) أَي وَإِن تعذر ثُبُوت ضَرَر فِي إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ (لزوجة) يتَعَلَّق بِهِ. ورفعها) مُبْتَدأ خَبره (تكررا) وَالْجُمْلَة حَال أَي وَالْحَال إِن رَفعهَا للْحَاكِم شاكية بِهِ تكَرر. فَالحَكَمَانِ بَعْدُ يُبْعَثَانِ بَيْنَهُمَا بِمُقْتَضَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; الْقُرْآنِ (فالحكمان) مُبْتَدأ (بعد) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله (يبعثان) بِضَم الْيَاء مَبْنِيا للْمَفْعُول (بَينهمَا) يتَعَلَّق بالمبتدأ الْمَذْكُور، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط أَي فالحكمان بَينهمَا يبعثان بعد تكْرَار شكواها، وسؤال القَاضِي جِيرَانهَا عَن أمرهَا إِن كَانَ فيهم عدُول وأسكنها مَعَهم وَعمي أمرهَا. قَالَ ابْن سهل: إِذا شكت الزَّوْجَة ضَرَر زَوجهَا فَالْوَاجِب أَن تسئل بَيَان ضررها فَلَعَلَّهُ منعهَا من الْحمام وتأديبها على ترك الصَّلَاة فَإِن بيّنت ضَرَرا لَا يجوز وقف عَلَيْهِ زَوجهَا فَإِن أنكرهُ أمرهَا بِالْبَيِّنَةِ فَإِن عجزت وتكررت شكواها كشف القَاضِي عَن أمرهَا جِيرَانهَا إِن كَانَ فيهم عدُول فَإِن لم يَكُونُوا فيهم أَمر القَاضِي بإسكانها بِموضع يكون لَهُ جيران عدُول فَإِن كَانَ من ضَرَره مَا يُوجب تأديبه أدبه وَإِن كَانَ لَهَا شَرط فِي الضَّرَر أَمر لَهَا بِالْأَخْذِ بِهِ وَإِن عمي خَبَرهَا بعث الْحكمَيْنِ اه من ابْن عَرَفَة. تَنْبِيه: ظَاهر كَلَامه ككلام النَّاظِم وَابْن سَلمُون وَغَيرهم أَنه لَا يجب على الزَّوْج ضَمَان الضَّرَر حَيْثُ أَمرهمَا بالإسكان مَعَ قوم صالحين فَمَا يَفْعَله الْقُضَاة الْيَوْم من إِلْزَامه بذلك وسجنه إِن لم يجده خطأ صراح إِذْ لَا مُسْتَند لَهُ فِيمَا علمت على أَن الضَّرَر لَا يُمكن اسْتِيفَاؤهُ من ضامنه فَإِن كَانَ المُرَاد بِهِ ضَامِن الطّلب كَمَا قَالَ (خَ) وبالطلب وَإِن فِي قصاص الخ. فَإِنَّهُ يجب أَن يبين ذَلِك للزَّوْج وَأَنه إِن عجز عَنهُ لَا يسجن لأَجله إِذْ لَا يسجن أحد فِيمَا يترقب ثُبُوت مَا يُوجِبهُ الحكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 عَلَيْهِ. وَلم أَقف على من قَالَ بِهِ، وَأما ضَامِن الْفَرْض فَهُوَ من ضَمَان مَا هُوَ آيل للُزُوم كَمَا قَالَ (خَ) بدين لَازم أَو آيل لَكِن لَا يلْزم إِعْطَاء الضَّامِن بِهِ بِحَيْثُ إِذا عجز عَن إِعْطَائِهِ يسجن لأَجله، وَإِنَّمَا معنى كَلَام الْأَئِمَّة إِذا طاع الْمَضْمُون عَنهُ بِهِ صَحَّ الضَّمَان، وَلم أَقف أَيْضا على من قَالَ بإلزام الزَّوْج بذلك قبل ترَتّب الْفَرْض الْمَذْكُور فِي ذمَّته، إِذْ لَا يصير دينا عَلَيْهِ قبل مُضِيّ زَمَنه، وَحِينَئِذٍ فَلَا يسجن لعَجزه عَن الضَّامِن قبل ترتبه عَلَيْهِ مَا لم يرد سفرا فيطلب بالكفيل حِينَئِذٍ فَإِن فر طلقت عَلَيْهِ بِعَدَمِ النَّفَقَة أَو يُبَاع مَاله فِيهَا إِن كَانَ لَهُ مَال. وَلَا يُقَال الْمَرْأَة لَا يلْزمهَا أَن تمكنه من الِاسْتِمْتَاع إِلَّا بضامن فِي نَفَقَتهَا لِأَن الِاسْتِمْتَاع فِي مُقَابلَة النَّفَقَة فَيكون ذَلِك من بَاب قَول (خَ) وداين فلَانا وَلزِمَ فِيمَا ثَبت الخ. لأَنا نقُول إِنَّمَا يكون لَهَا منعهَا من نَفسهَا إِذا ثَبت الضَّرَر وأرادت الْقيام بِهِ كَمَا مرّ وَالْفَرْض هَهُنَا أَنه لم يثبت ومنعها من الِاسْتِمْتَاع حَتَّى يُعْطِيهَا ضَامِنا بنفقتها الْمُسْتَقْبلَة خلاف ظَاهر كَلَام الْأَئِمَّة، وَخلاف ظَاهر قَول (خَ) وَلَيْسَ لَهَا منع نَفسهَا وَإِن منعته من الدُّخُول وَالْوَطْء بعده الخ. فَإِذا لم يكن لَهَا منع نَفسهَا فِيمَا وَجب لَهَا الْآن فأحرى فِيمَا يجب فِي الْمُسْتَقْبل فَمَا يَفْعَله الْقُضَاة الْيَوْم من سجنه بِالْعَجزِ عَن ضَامِن الْفَرْض الْمَذْكُور لَا مساعد لَهُ نقلا. وَانْظُر (ح) عِنْد قَوْله فِي النِّكَاح: أَو على شَرط يُنَاقض الْمَقْصُود يتَبَيَّن مَا ذَكرْنَاهُ، وَانْظُر أَيْضا عَنهُ قَوْله فِي النَّفَقَات وَلها طلبه بِنَفَقَة الْمُسْتَقْبل الخ. (بِمُقْتَضى) يتَعَلَّق بالْخبر الْمُتَقَدّم (الْقُرْآن) أَي حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا. إنْ وُجِدَا عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِهِمَا وَالْبَعْثُ مِنْ غَيْرِهِما إنْ عُدِمَا (إِن وجدا) شَرط فِيمَا قبله حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ (عَدْلَيْنِ) حَال من نَائِب وجدا لِأَن الظَّاهِر أَنَّهَا لَا تتعدى لاثْنَيْنِ هَهُنَا (من أهلهما) حَال بعد حَال (والبعث) مُبْتَدأ (من غَيرهمَا) خبر أَي كَائِن من غير أهلهما (إِن عدما) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول شَرط حذف جَوَابه للْعلم بِهِ. وَحَاصِله؛ أَن الْمَرْأَة إِذا تَكَرَّرت شكواها بِضَرَر زَوجهَا فَإِن الْحَاكِم يَأْمر جِيرَانهَا بتفقد أحوالها فَإِن لم يكن فِي الْجِيرَان من تجوز شَهَادَته سكنهما بَين قوم صالحين وَلَا تنقل للحاضرة كَمَا مرّ أول الْفَصْل، وَكَذَا الحكم إِن تَكَرَّرت شكواه بهَا فَإِن شهد الْجِيرَان الَّذين تجوز شَهَادَتهم أَو الْقَوْم الصالحون الَّذين سكنوا بَينهم بضرره بهَا فَهُوَ مَا مر قبل هَذِه الأبيات. وَإِن لم يشْهدُوا بِشَيْء لكَوْنهم أشكل عَلَيْهِم أَمرهمَا وَلَا زَالَت الزَّوْجَة تَشْتَكِي الضَّرَر فَإِن الْحَاكِم حِينَئِذٍ يبْعَث حكمين فقيهين بذلك الْأَمر الَّذِي ينْظرَانِ فِيهِ عَدْلَيْنِ من أهلهما فَإِن عدم وجودهما من أهلهما أَو وجدا وَلَكِن كَانَا غير فقيهين أَو غير عَدْلَيْنِ أَو عَدْلَيْنِ فقيهين، وَلَكِن تعذر بعثها بعث حكمين فقيهين عَدْلَيْنِ من غير أهلهما فيدخلان عَلَيْهِمَا الْمرة بعد الْمرة ويجتهدان فِي الْإِصْلَاح بَينهمَا، ويخلو كل مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ إِن كَانَا من أهلهما وَيَقُول لَهُ: مَا تنقم مِنْهَا أَو مِنْهُ وَإِن كَانَ لَك غَرَض فِيهَا رددناها إِلَيْك صاغرة أَو رددناه ويذكرانهما (خَ) : وسكنهما بَين قوم صالحين إِن لم تكن بَينهم وَإِن أشكل أَي دَامَ الْإِشْكَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 بعث حكمين من أهلهما إِن أمكن وَبَطل حكم غير الْعدْل إِلَى أَن قَالَ: وَعَلَيْهِمَا الْإِصْلَاح فَإِن تعذر فَإِن أَسَاءَ الزَّوْج طلقا بِلَا خلع، وَبِالْعَكْسِ ائتمناه عَلَيْهَا أَو خالعا لَهُ بنظرهما وَإِن أَسَاءَ فَهَل يتَعَيَّن الطَّلَاق بِلَا خلع أَو لَهما أَن يخالعا بِالنّظرِ وَعَلِيهِ الْأَكْثَر تَأْوِيلَانِ الخ. وَانْظُر لَو دَامَ الْإِشْكَال بعد بعث الْحكمَيْنِ وَطَالَ الْأَمر وَلَا زَالَت الشكوى مترددة هَل يخالعان بِالنّظرِ حَيْثُ لم تطلب عشرتهما أَو يأتمناه عَلَيْهَا أَو يُرْسل حكمين آخَرين أَو أمينة، إِذْ رُبمَا لم يتَبَيَّن لِلْحكمَيْنِ الْأَوَّلين حَالهمَا لتقصيرهما أَو لعدم معرفتهما بالقرائن، إِذْ الضَّرَر مِمَّا يعْتَمد فِيهِ على الْفراش وَلَا يعرفهَا إِلَّا الفطن النَّاقِد. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر. وَقَوله: وَبِالْعَكْسِ ائتمناه عَلَيْهَا أَي مَا لم يرد فراقها وَإِلَّا فرقا وَلَا شَيْء لَهَا من الْمهْر، بل لَو حكما عَلَيْهَا بِأَكْثَرَ من الْمهْر جَازَ إِن كَانَ سداداً نَقله ابْن عَرَفَة. وَمَا بِهِ قَدْ حَكِمَا يُمْضى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; وَلا إعْذَارَ لِلزَّوْجَيْنِ فِيمَا فَعَلاَ (وَمَا) مُبْتَدأ مَوْصُول (بِهِ) يتَعَلَّق بالصلة الَّتِي هِيَ (قد حكما) وَقَوله: (يمضى) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر وَيحْتَمل أَن يكون بِفَتْح الْيَاء وَكسر الضَّاد مَبْنِيا للْفَاعِل بِمَعْنى ينفذ (وَلَا) نَافِيَة للْجِنْس (إعذار) اسْمهَا (للزوجين) خَبَرهَا (فِيمَا) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (فعلا) صلَة مَا والعائد مَحْذُوف أَي فعلاه. ابْن عَرَفَة عَن الْبَاجِيّ: وحكمهما على وَجه الحكم لَا الْوكَالَة فَينفذ وَإِن خَالف مَذْهَب من بعثهما جمعا أَو فرقا. ابْن شَاس وَقيل: بل هما وكيلان. ابْن عَرَفَة: وَدلَالَة ابْن الْحَاجِب على عدم نُفُوذه على القَوْل بِالْوكَالَةِ لَا أعلمهُ فِي الْمَذْهَب بِحَال، بل الْجَارِي عَلَيْهِ غير ذَلِك حَسْبَمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله اه. وَفِي الْمُقدمَات لَا إعذار لأحد الزَّوْجَيْنِ فِيمَا حكم بِهِ الحكمان لِأَنَّهُمَا لَا يحكمان بِالشَّهَادَةِ القاطعة، وَإِنَّمَا يحكمان بِمَا خلص إِلَيْهِمَا من علم أحوالهما بعد النّظر والكشف نَقله (م) وَنَقله ابْن عَرَفَة بِلَفْظ: لِأَنَّهُمَا لَا يحكمان فِي ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ القاطعة، وَمَعْنَاهُ وَالله أعلم أَن الشَّارِع جعل لَهما أَن يستندا لعلمهما فِيمَا حكما بِهِ فليسا بِشَاهِدين عِنْد الْغَيْر بِمَا علما حَتَّى يعْذر فيهمَا وإلاَّ فَكل شَاهد إِنَّمَا يشْهد بِمَا خلص إِلَيْهِ من أَمر الْمَشْهُود بِهِ، وَفِيه الْإِعْذَار على كل حَال، وَهَذَا على القَوْل الأول، وَأما على الثَّانِي فَإِنَّهُمَا نائبان عَن القَاضِي كالموجهين للتحليف والحيازة وَنَحْوهمَا فَلَا إعذار أَيْضا كَمَا مر، وَفهم من قَوْله: حكما الخ. أَنه لَو انْفَرد أَحدهمَا بالحكم بِالطَّلَاق أَو بِغَيْرِهِ لم ينفذ وَلَو اجْتمعَا عَلَيْهِ بعد وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي ابْن عَرَفَة عَن اللَّخْمِيّ وَإِن اجْتمعَا على الطَّلَاق وَاخْتلفَا فِي كَونه على مَال مَعْلُوم أَو بِلَا شَيْء فَإِن لم تلتزم الزَّوْجَة لِلْمَالِ فَلَا طَلَاق وَإِن أوقعا أَكثر من طَلْقَة وَاحِدَة فَلَا تلْزم إِلَّا الْوَاحِدَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 (فصل فِي الرَّضَاع) هُوَ لُغَة بِفَتْح الرَّاء وَكسرهَا مَعَ إِثْبَات التَّاء وَتركهَا من بَاب تَعب فِي لُغَة نجد، وَمن بَاب ضرب فِي لُغَة تهَامَة وَأهل مَكَّة يَتَكَلَّمُونَ بهما قَالَه فِي الْمِصْبَاح. عِيَاض: وأرضعته أمه وَامْرَأَة مرضع أَي لَهَا ولد ترْضِعه فَإِن وصفتها بإرضاع الْوَلَد قلت مُرْضِعَة قَالَ فِي الكافية: وَمَا من الصِّفَات بِالْأُنْثَى يخص عَن تَاء اسْتغنى لِأَن اللَّفْظ نَص وَحَيْثُ معنى الْفِعْل يَنْوِي التَّاء زد كذي غَدَتْ مُرْضِعَة طفْلا ولد وَحَاصِله؛ أَنه إِن أُرِيد أَنَّهَا ترْضع بِالْقُوَّةِ فيجرد من التَّاء وَإِن أُرِيد أَنَّهَا ترْضع بِالْفِعْلِ فَتثبت التَّاء قَالَه (م) . وَشرعا قَالَ ابْن عَرَفَة: هُوَ وُصُول لبن آدَمِيّ لمحل مَظَنَّة غذَاء آخر، ثمَّ علل تَعْرِيفه بالوصول الشَّامِل للوصول من الْفَم وَغَيره بقوله: لتحريمهم بالسعوط والحقنة وَلَا دَلِيل إِلَّا مُسَمّى الرَّضَاع اه. لَكِن لَا بُد أَن يصل للجوف من منفذ وَاسع وَلَو ظنا أَو شكا وَإِن من أنف وَهُوَ السعوط بِفَتْح السِّين لَا من عين أَو أذن فَلَو وصل للحلق ورد فَلَا. وَلَا بُد أَن يحصل فِي الحقنة الْغذَاء بِهِ بِالْفِعْلِ، وَلَا تَكْفِي المظنة وَلَا بُد أَيْضا أَن يحصل قبل الِاسْتِغْنَاء عَنهُ بِالطَّعَامِ فَإِن اسْتغنى وَلَو دَاخل الْحَوْلَيْنِ فَلَا. وَكُلُّ مَنْ تَحْرُمُ شَرْعاً بِالنَّسَبْ فَمِثْلُهَا مِنَ الرَّضَاعِ يُجْتَنَبْ (وكل من) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (تحرم) صلَة الْمَوْصُول (شرعا) تَمْيِيز أَو مَنْصُوب على إِسْقَاط الْخَافِض وَهُوَ أظهر معنى (بِالنّسَبِ) يتَعَلَّق بتحرم (فمثلها) مُبْتَدأ (من الرَّضَاع) حَال مِنْهُ على ضعف (يجْتَنب) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَالثَّانِي وَخَبره خبر الأول وَدخلت الْفَاء فِي هَذَا الْخَبَر لشبه الْمُبْتَدَأ بِالشّرطِ فِي الْعُمُوم والإبهام. وَالْمحرم شرعا بِالنّسَبِ سبع: وَهِي الْمَذْكُورَات فِي قَوْله تَعَالَى: حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} (النِّسَاء: 23) الْآيَة وَالْمحرم من الرَّضَاع سبع أَيْضا: اثْنَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 بِالْكتاب وَهِي الْأُم من الرَّضَاع وَالْأُخْت من الرَّضَاع لقَوْله تَعَالَى: وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرضَاعَة} (النِّسَاء: 23) وَالْبَاقِي بِالسنةِ وَهِي الْبِنْت من الرَّضَاع والعمات مِنْهُ والخالات مِنْهُ وَبنت الْأَخ مِنْهُ وَبنت الْأُخْت مِنْهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب) . فَلَمَّا كَانَ اللَّبن يحرم من قبل الْمُرضعَة وَمن قبل الْفَحْل نزلت الْمُرضعَة منزلَة أم النّسَب فَحرمت على الرَّضِيع هِيَ وبناتها وَإِن سفلن لِأَنَّهُنَّ أَخَوَات للرضيع أَو بَنَات أُخْت لَهُ وَأَخَوَاتهَا لِأَنَّهُنَّ خالات وأمهاتها وَإِن علين لِأَنَّهُنَّ جدات لَهُ، وَنزل الْفَحْل منزلَة الْأَب فَحرم من قبله على الرَّضِيع مَا يحرم عَلَيْهِ من قبل أبي النّسَب فَيحرم على ذَلِك الرَّضِيع إِن كَانَ ذكرا أَن يتَزَوَّج بِأم أَبِيه من الرَّضَاع وَإِن علت لِأَنَّهَا جدته، وبابنة أَبِيه مِنْهُ لِأَنَّهَا أُخْته، وبأخت أَبِيه لِأَنَّهَا عمته، وبابنة أُخْته أَو أَخِيه مِنْهُ، وَهَكَذَا وَإِن كَانَ الرَّضِيع أُنْثَى فَيحرم عَلَيْهَا أَن تتَزَوَّج بأبيها مِنْهُ وَلَا بِأَبِيهِ لِأَنَّهُ جدها وَإِن علا، وبأخي أَبِيهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ عَمها وبأخيها وبابن أَخِيهَا وَأُخْتهَا مِنْهُ وَإِن سفلوا، وَلَا تحرم الْأُم الَّتِي أَرْضَعتك على أَخِيك وَلَا على أَبِيك وَكَذَا بناتها. (خَ) : وَقدر الطِّفْل خَاصَّة ولدا لصاحبة اللَّبن ولصاحبة من وَطئه لانقطاعه وَلَو بعد سِنِين الخ. وَقَالَ فِي الرسَالَة: وَمن أرضعت صَبيا فبنات تِلْكَ الْمَرْأَة وَبَنَات فَحلهَا مَا تقدم أَو تَأَخّر أَخَوَات لَهُ ولأخيه نِكَاح بناتها اه. وَكَذَا نِكَاحهَا إِذْ لَا رضَاع بَينه وَبَينهَا وَلَا نسب. وَحَاصِله أَن زيدا إِذا أَرْضَعَتْه هِنْد مثلا وَزوجهَا خَالِد وَلَهُمَا ابْن اسْمه عَمْرو فَاجْعَلْ زيدا كعمرو فِي الحكم من غير فرق أصلا، فَكل من يحرم على عَمْرو يحرم على زيد، وَيَأْتِي قَول (خَ) فِي النِّكَاح: وَحرَام أُصُوله وفصوله الخ. فَكل مَا تفرع من أَبنَاء زيد فحكمهم حكم أَبِيهِم زيد، وَكَذَا ابْن زيد رضَاعًا أَي من رضع فِي لبنه بِخِلَاف أصُول زيد وأخوته فَلَا تحرم عَلَيْهِم هِنْد وَلَا أخواتها وَلَا بناتها من أجل إِرْضَاع زيد بل إِن كَانَ هُنَاكَ سَبَب آخر للْحُرْمَة اعْتبر من مصاهرة أَو رضَاع فَكَذَلِك وإلاَّ فَلَا، وَبِالْجُمْلَةِ فالرضيع وفروعه نسبا ورضاعاً يحرم عَلَيْهِم الْمُرضعَة وفروعها نسبا ورضاعاً، وَكَذَا يحرم عَلَيْهِم أُصُولهَا نسبا ورضاعاً، وَكَذَا أصُول بَعْلهَا وفروعه من غَيرهَا نسبا ورضاعاً وَإِن علوا الْأُصُول أَو سفل الْفُرُوع فِي الْجَمِيل، وَكَذَا يحرم عَلَيْهِم حواشيها وحواشي بَعْلهَا، وَأما أَبنَاء حواشيها فَلَا يحرموا على الرَّضِيع فضلا عَن فروعه كالنسب، وَأما أصُول الرَّضِيع وحواشيه نسبا ورضاعاً فَلَا تحرم عَلَيْهِم الْمُرضعَة وَلَا فروعها وَلَا أُصُولهَا وَلَا حواشيها وهم المستثنون وَفِي كَلَام (خَ) وَانْظُر بسط اعْتِرَاض ابْن عَرَفَة على ابْن دَقِيق الْعِيد فِي الِاسْتِثْنَاء الَّذِي أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: إِلَّا أم أَخِيك الخ. فِي الورقة السَّابِعَة وَالْعِشْرين وَالْمِائَة من أنكحة المعيار واعتراضه مناقشة لفظية لَا غير، وَبِالْجُمْلَةِ فَوجه اعتراضه أَن قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (يحرم بِالرّضَاعِ) الخ. أَي بِسَبَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 الرَّضَاع فالباء سَبَبِيَّة وَلَا رضَاع بَيْنك وَبَين أم أَخِيك من الرَّضَاع فَلم تدخل مَعْنَاهُ حَتَّى يحْتَاج إِلَى استثنائها وَأم أَخِيك من النّسَب لم تحرم من جِهَة كَونهَا أم أَخِيك، بل من جِهَة أَنَّهَا أمك أَو زَوْجَة أَبِيك، وَهَكَذَا وَالله أعلم. فإنْ أقَرَّ الزَّوْجُ بالرِّضَاعِ فَهُوَ إِلَى فَسْخِ النِّكَاحِ دَاعي (وَإِن أقرّ) شَرط (الزَّوْج) فَاعل (بِالرّضَاعِ) يتَعَلَّق بِفعل الشَّرْط (فَهُوَ) مُبْتَدأ عَائِد على الْإِقْرَار الْمَفْهُوم من أقرّ (إِلَى فسخ النِّكَاح) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله (دَاعِي) وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط دلّت عَلَيْهِ الْفَاء لِأَنَّهُ لَا يصلح لِأَن يكون شرطا، وَظَاهر النّظم أَنه يفْسخ وجوبا قبل الدُّخُول وَبعده وَهُوَ كَذَلِك، وَسَيَأْتِي حكم مَا إِذا لم يقر وَلَكِن يثبت بِبَيِّنَة وَلَو رجلا وَامْرَأَة أَو امْرَأتَيْنِ إِن فَشَا فَإِنَّهُ يفْسخ أَيْضا بعد الْإِعْذَار وَالْعجز عَن الدّفع كَمَا يفهم مِمَّا قبل هَذَا، لَكِن إِن فسخ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا شَيْء لَهَا قبل الْبناء وَإِن فسخ بعده فلهَا الصَدَاق كُله بِخِلَاف مَا إِذا فسخ بِالْإِقْرَارِ فلهَا الْكل بعده وَالنّصف قبله كَمَا قَالَ: ويَلْزَمُ الصَّدَاقُ بالبِنَاءِ ونِصْفُهُ مِنْ قَبْلِ الابتناءِ (وَيلْزم) بِالنّصب (الصَدَاق) فَاعله (بِالْبِنَاءِ) يتَعَلَّق بيلزم وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر معطوفة على فسخ (وَنصفه) مُبْتَدأ خَبره قَوْله (من قبل الابتناءِ) وَالْجُمْلَة معطوفة على الْجُمْلَة قبلهَا أَي فَإِقْرَاره دَاع إِلَى فسخ النِّكَاح وَإِلَى لُزُوم كل الصَدَاق بِالْبِنَاءِ وَلُزُوم نصفه من قبل الابتناء، وَإِنَّمَا لزمَه النّصْف فِي الْإِقْرَار قبله لاتهامه على أَنه إِنَّمَا أقرّ ليسقط عَنهُ نصف الصَدَاق، وَلذَا لم يكن عَلَيْهِ شَيْء إِذا أَقَامَ بَيِّنَة على مَا ادَّعَاهُ من الرَّضَاع أَو على أَنه كَانَ يقر بِهِ قبل العقد أَو صدقته الْمَرْأَة فِي دَعْوَاهُ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة. كَذَاكَ بالإقْرَارِ مِنْهُمَا مَعا لَا بِاعْتِرَافِ زوجَةٍ إنْ وَقَعا (كَذَاك) يتَعَلَّق بِفعل مُقَدّر (بِالْإِقْرَارِ) يتَعَلَّق بذلك الْمُقدر (مِنْهُمَا) يتَعَلَّق بِالْإِقْرَارِ (مَعًا) حَال أَي كَذَلِك يفْسخ بإقرارهما مَعًا وَظَاهره أقرا مَعًا قبل العقد أَو بعده، لَكِن إِن فسخ قبل الدُّخُول بِسَبَب إقرارهما بِهِ قبل العقد أَو بعده فَلَا شَيْء لَهَا وَإِن دخل فلهَا الْمُسَمّى إِن كَانَ أَو صدَاق الْمثل سَوَاء دخلا عَالمين بِهِ أَو جاهلين ثمَّ تذكرا أَو عَالما بِهِ هُوَ وَحده فَإِن علمت بِالرّضَاعِ وَحدهَا حِين الدُّخُول وَأنكر هُوَ الْعلم وَلَكِن صدقهَا فِيهِ فلهَا ربع دِينَار فَقَط لِأَنَّهَا غَارة (خَ) وَفسخ نِكَاح المتصادقين عَلَيْهِ كقيام بَيِّنَة على إِقْرَار أَحدهمَا قبل العقد وَلها الْمُسَمّى بِالدُّخُولِ إِلَّا أَن تعلم فَقَط فكالغارة الخ. (لَا) عاطفة (باعتراف) مَعْطُوف على بِإِقْرَار (زَوْجَة) مُضَاف إِلَيْهِ (إِن وَقعا) شَرط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ. وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر صفة لاعتراف، وَيحْتَمل أَن يكون باعتراف مُتَعَلقا بوقعا، وَالْجُمْلَة معطوفة على مُقَدّر قبلهَا أَي كَذَلِك يفْسخ إِن ثَبت بإقرارهما لَا إِن وَقع باعتراف زَوْجَة، لَكِن يُعَكر عَلَيْهِ أَن لَا تعطف الْجمل كَمَا يرد على الأول أَن الْجُمْلَة الشّرطِيَّة لَا تكون وَصفا. وَظَاهر النّظم أَن إقرارهما لَا يُوجب فسخا وَلَو كَانَ قبل العقد وَلَيْسَ كَذَلِك، بل إقرارهما أَو إِقْرَار أَحدهمَا قبل العقد مُوجب للْفَسْخ مُطلقًا قبل الْبناء وَبعده كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا، فيقيد كَلَام النَّاظِم بِمَا إِذا أقرَّت بعد العقد (خَ) : وَإِن ادَّعَتْهُ أَي الرَّضَاع بعد العقد لم ينْدَفع وَلَا تقدر على طلب الْمهْر قبله أَي قبل الدُّخُول. وَيُفْسَخُ النِّكاحُ بالعَدْليْنِ بِصِحَّةِ الإرْضاعِ شاهِدَيْنِ (وَيفْسخ النِّكَاح) فعل ونائبه (بالعدلين) يتَعَلَّق بيفسخ (بِصِحَّة الْإِرْضَاع) يتَعَلَّق بِالْحَال الَّذِي هُوَ قَوْله (شَاهِدين) . وِبِاثْنَتَيْنِ إنْ يَكُنْ قَوْلُهُمَا مِنْ قَبْلِ عَقْدٍ قد فَشا وعُلما (وباثنتين) مَعْطُوف على العدلين (إِن يكن) شَرط (قَوْلهمَا) اسْم يكن (من قبل عقد) يتَعَلَّق بقوله (قد فَشَا وعلما) مَعْطُوف على فَشَا، وَالْجُمْلَة من فَشَا ومتعلقه ومعطوفه خبر يكن، وَيجوز أَن يكون الْمَجْرُور مُتَعَلقا باسم يكن وَيجوز أَن يكون خَبَرهَا وَجُمْلَة فَشَا فِي مَحل نصب على الْحَال من الِاسْتِقْرَار فِي الْخَبَر. ورجُلٍ وامْرَأةٍ كَذا وَفي واحِدَةٍ خُلْفٌ وَفِي الأوْلَى اقْتُفِي (وَرجل وَامْرَأَة) بِالْجَرِّ معطوفان على العدلين (كَذَا) فِي مَوضِع الصّفة أَي كائنين كَذَا أَي فاشياً من قَوْلهمَا أَيْضا، وَيجوز أَن يكون رجل مُبْتَدأ على حذف مُضَاف أَي وَشَهَادَة رجل وَامْرَأَة كائنة كَذَلِك فِي إِيجَاب الْفَسْخ. (وَفِي وَاحِدَة) خبر عَن قَوْله (خلف وَفِي الأولى) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْوَاو يتَعَلَّق بقوله: (اقتفي) وَالْجُمْلَة استئنافية، وَمعنى اقتفي اتبع. وَالْحَاصِل أَن الرَّضَاع يثبت بعدلين وَيفْسخ النِّكَاح بهما اتفافاً وَإِن لم يفش من قَوْلهمَا قبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 العقد وبامرأتين وبرجل مَعَ امْرَأَة بِشَرْط الفشو فِي هَاتين الصُّورَتَيْنِ اتِّفَاقًا أَيْضا لَا بِدُونِ فشو فَلَا يفْسخ وَلَا يثبت بهما الرَّضَاع فيهمَا على الْمُعْتَمد، وَإِن كَانَ فِيهِ خلاف قوي، وَأما الْمَرْأَة الْوَاحِدَة فَمَعَ عدم الفشو لَا يثبت اتِّفَاقًا وَمَعَ الفشو فِيهَا قَولَانِ. عدم الثُّبُوت وَهُوَ لِابْنِ حبيب عَن ابْن الْقَاسِم، وَالثَّانِي يثبت وَيفْسخ بذلك النِّكَاح وَهُوَ فِي الْمُدَوَّنَة. ابْن فتوح: وَهُوَ أظهر نقل ذَلِك ابْن سَلمُون (خَ) : لَا بِامْرَأَة وَلَو فَشَا وَندب التَّنَزُّه مُطلقًا الخ. ثمَّ إِنَّه لَا تشْتَرط الْعَدَالَة مَعَ الفشو على الرَّاجِح إِذْ هُوَ قَول ابْن الْقَاسِم من رِوَايَته عَن مَالك وَيبقى النّظر فِي الرجل الْوَاحِد إِذا حصل من قَوْله فشو قبل العقد فَإِنَّهُ أقوى من الْمَرْأَة مَعَ الفشو فَيَقْتَضِي ذَلِك ثُبُوت الرَّضَاع بِهِ قَالَه ابْن رحال قَالَ: وَلم أَقف فِيهِ على شَيْء بعد الْبَحْث عَنهُ. تَنْبِيهَانِ. الأول: يثبت الرَّضَاع أَيْضا بِالسَّمَاعِ الفاشي بِإِقْرَار أحد الزَّوْجَيْنِ قبل العقد قَالَه القلشاني. وَتقدم أول الْفَصْل الَّذِي قبل هَذَا وَفِي فصل شَهَادَة السماع أَن الرَّضَاع مِمَّا يثبت بِالسَّمَاعِ. وَإِن لم يكن عَن الثِّقَات، لَكِن إِنَّمَا يعْمل بِهِ قبل العقد وإلاَّ فَلَا إِن أنكر الزَّوْج لقَولهم لَا ينْزع بِهِ من يَد حائز وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر فَانْظُرْهُ هُنَاكَ. الثَّانِي: فِي الْمُتَيْطِيَّة عَن ابْن الْقَاسِم فِي الْمَبْسُوط: أَن شَهَادَة الْمَرْأَتَيْنِ بِالرّضَاعِ عاملة سَوَاء قامتا حِين علمتا بِالنِّكَاحِ أَو بعد ذَلِك. وَقَالَ ابْن نَافِع: لَا تقبل إِلَّا أَن يقوما عِنْد النِّكَاح وَأما بعد طول فَلَا. قلت: وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْجَارِي على قَول (خَ) وَفِي مَحْض حق الله تجب الْمُبَادرَة بالإمكان إِن استديم تَحْرِيمه كعتق ووقف وَطَلَاق ورضاع الخ. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة، إِثْر مَا مر: وَأَدَاء الْمَرْأَتَيْنِ لَا يكون إِلَّا مَعًا وَلَا يجوز بافتراقهما لقَوْله تَعَالَى: فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى} (الْبَقَرَة: 282) وَلَا يذكرك إِلَّا من حضرك قَالَه أَبُو مُحَمَّد، ورده بعض الموثقين بِأَنَّهُ قد يَتَأَتَّى التَّذْكِير قبل الْأَدَاء ثمَّ يفرقان عِنْده، وَقيل معنى تذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى تصيرها فِي الشَّهَادَة كذكر اه. (فصل فِي عُيُوب الزَّوْجَيْنِ وَمَا يردان بِهِ) هُوَ من عطف الْخَاص على الْعَام إِذْ من الْعُيُوب مَا لَا رد بِهِ، ثمَّ إِن مُوجبَات الْخِيَار فِي النِّكَاح ثَلَاثَة: اثْنَان يَسْتَوِي فيهمَا الرجل وَالْمَرْأَة وهما الْعَيْب والغرور بِالْحُرِّيَّةِ، وَوَاحِد يخْتَص بِالْمَرْأَةِ وَهُوَ عتق الْأمة تَحت زَوجهَا العَبْد وَقد نظمها بَعضهم فَقَالَ: عيب غرور سَبَب الْخِيَار فِي تناكح كَذَاك عتق فاعرف فَأَشَارَ النَّاظِم للعيوب الْمُشْتَركَة بقوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 مِنَ الجُنُونِ والجُذامِ والبَرَصْ والدَّاءُ فِي الفَرْجِ الخِيارُ يُقْتَنَصْ (من الْجُنُون والجذام والبرص والداء فِي الْفرج) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال مِمَّا قبله يَلِيهِ (الْخِيَار) مُبْتَدأ (يقتنص) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خَبره وَالْمَجْرُور وَمَا عطف عَلَيْهِ يتَعَلَّق بِهِ، وَمعنى يقتنص يثبت وَيحصل وَشَمل كَلَامه الرجل وَالْمَرْأَة فَإِن للسالم الْخِيَار فِي الآخر، بل ظَاهره أَن لكل مِنْهُمَا الْخِيَار، وَإِذا اخْتَار السَّالِم الْفِرَاق فيؤجل الْمَعِيب للدواء على التَّفْصِيل الْآتِي ثمَّ بعد مضيه يفرق بَينهمَا، وَظَاهره وَلَو كَانَ كل مِنْهُمَا معيبا بِعَيْب صَاحبه أَو بِغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِك على مَا فِي (ح) عَن الرجراجي، وَالَّذِي للخمي أَن كلاًّ من الزَّوْجَيْنِ إِذا اطلع على عيب بِصَاحِبِهِ مُخَالف لعيبه كجنونه وبرصها مثلا وَالْعَكْس، فَلِكُل مِنْهُمَا الْخِيَار وَإِن كَانَ مُوَافقا كبرصهما مَعًا أَو جنونهما مَعًا كَانَ لَهُ الْخِيَار دونهَا لِأَنَّهُ بذل صَدَاقا لسالمة، فَوجدَ مَا يكون صَدَاقهَا دون ذَلِك اه. وَقَوله فِي الْفرج أَي فرج الرجل وَفرج الْمَرْأَة، وَسَيَأْتِي أَن دَاء فرج الرجل الْجب والعنة والخصاء والاعتراض، وداء فرج الْمَرْأَة الرتق والقرن والعفل والإفضاء. وَبَقِي عَلَيْهِ من عُيُوب الْفرج العذْيَطة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَفتح الْمُثَنَّاة تَحت والطاء الْمُهْملَة هِيَ حُدُوث الْغَائِط عِنْد الْجِمَاع وَمثله الْبَوْل عِنْده أَيْضا وَهِي من عُيُوب الْفرج الْمُشْتَركَة بَينهمَا وَلَا يَشْتَرِكَانِ فِي عيب فرج غَيرهمَا وَأفهم قَوْله عِنْد الْجِمَاع أَنه إِن كَانَ أَحدهمَا يَبُول أَو يغيط فِي الْفراش لَا عِنْد الْجِمَاع لَا يردهُ الآخر بذلك وَهُوَ كَذَلِك على الْمُعْتَمد من أحد قَوْلَيْنِ، وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الكراس السَّادِس من أنكحة المعيار. بَعْدَ ثُبوتِ العَيْبِ أَوْ إقْرَارِ بِهِ وَرَفْعِ الأمْرِ فِي المُخْتارِ (بعد) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من نَائِب فَاعل يقتنص (ثُبُوت عيب) كل مِنْهُمَا مُضَاف إِلَيْهِ (أَو إِقْرَار) مَعْطُوف على مُقَدّر أَي بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار (بِهِ) يتَعَلَّق بِإِقْرَار وضميره للعيب (وَرفع الْأَمر) مَعْطُوف على ثُبُوت أَي بعد ثُبُوت الْعَيْب بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار وَبعد رفع الْأَمر للْحَاكِم وَمحل ثُبُوته بِالْإِقْرَارِ إِن كَانَ يَصح إِقْرَاره لَا نَحْو مَحْجُور عَلَيْهِ، وَيعرف الجذام والبرص بِنَظَر الْأَطِبَّاء إِلَيْهِمَا مَا لم يَكُونَا فِي الْعَوْرَة فيصدقان فِي نَفْيه، وَقيل: ينظر الرِّجَال للرجل وَالنِّسَاء للْمَرْأَة. ابْن هَارُون: وَلَو أَنَّهَا خالفته فِي وجود الْعَيْب بهَا فَإِن كَانَ ظَاهرا مثل الجذام والبرص بوجهها وكفيها فَإِنَّهُ يثبت بِالرِّجَالِ وَإِن كَانَ فِي سَائِر بدنهَا أثْبته النِّسَاء وَإِن كَانَ فِي فرجهَا فَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَابْن حبيب: تصدق فِي ذَلِك وَلَا ينظرها النِّسَاء. قَالَ ابْن الْهِنْدِيّ وَغَيره: تصدق مَعَ يَمِينهَا وَلها رد الْيَمين على الزَّوْج، وَقَالَ ابْن سَحْنُون عَن أَبِيه: ينظر إِلَيْهَا النِّسَاء فِي عيب الْفرج. ابْن فتحون فِي وثائقه: إِن نظر الرِّجَال إِلَى عُيُوب عَورَة الرجل جَائِز للضَّرُورَة كَمَا ينظر النِّسَاء إِلَى الْمَرْأَة اه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 وَقد حكى الْبُرْزُليّ فِي النِّكَاح عَن ابْن علوان أحد مفتي تونس أَنه أَتَتْهُ امْرَأَة تزَوجهَا أندلسي وأساء عشرتها وعسر عَلَيْهَا التَّخَلُّص مِنْهُ فَقَالَ لَهَا: ادّعي عَلَيْهِ أَن دَاخل دبره برصاً فادعت ذَلِك عَلَيْهِ فَحكم عَلَيْهِ بِأَن ينظره الرِّجَال فِي ذَلِك الْمحل، فَلَمَّا رأى الزَّوْج ذَلِك طَلقهَا اه. قلت: وَبِهَذَا القَوْل جرى الْعَمَل قَالَ ناظمه: وَجَاز للنسوة لِلْفَرجِ النّظر من النِّسَاء إِن دَعَا لَهُ ضَرَر فَلَا مَفْهُوم للنسوة كَمَا مر وَمَا مر من أَن الْعَيْب إِذا كَانَ بِغَيْر الْفرج ينظر إِلَيْهِ الْأَطِبَّاء أَعنِي النِّسَاء للنِّسَاء وَالرِّجَال للرِّجَال، وَقيل: إِذا كَانَ الْعَيْب فِي الْمَرْأَة فَإِن الثَّوْب يشق عَنهُ حَتَّى ينظر إِلَيْهِ الْأَطِبَّاء. انْظُر الْمُفِيد. وَهَذَا فِي غير العذيطة وَأما هِيَ فقد نزلت فِي زمن أَحْمد بن نصر وَرمى كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه فَأمر أَن يطعم أَحدهمَا تيناً وَالْآخر فقوساً. فَإِذا ثَبت أَن الْعَيْب قبل العقد وَلم يبْق فِيهِ مقَال خير السَّالِم من الزَّوْجَيْنِ فَإِن اخْتَارَتْ الزَّوْجَة فراقها طَلقهَا الْحَاكِم عَلَيْهِ وَلَا يُفَوض ذَلِك إِلَيْهَا. (فِي) القَوْل (الْمُخْتَار) وَأما إِن حدث بعد العقد فَسَيَأْتِي، وَمُقَابل الْمُخْتَار أَن القَاضِي يُفَوض ذَلِك إِلَيْهَا، وَتقدم تَحْرِير ذَلِك فِي فصل الضَّرَر. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ الْبُرْزُليّ إِثْر مَا مر عَنهُ بأوراق: إِذا شهد رجلَانِ من الْأَطِبَّاء أَحدهمَا ذمِّي أَن بجسم الزَّوْج برصاً لَا يشكان فِيهِ فَالَّذِي فِي الْمُدَوَّنَة قبُول ذَلِك لِأَن ذَلِك علم مقتبس وَلَا يجْرِي مجْرى الشَّهَادَة، وَلَكِن لَيْسَ ذَلِك مُطلقًا إِذا قدر على تَحْصِيل مَا هُوَ أثلج للصدر، فَيَنْبَغِي أَن يُؤمر الْعُدُول باختبار هَذَا هَل فِيهِ رَائِحَة أم لَا؟ فَإِن قَالُوا لَا رَائِحَة امتحن مَوْضِعه بِرَأْس إبرة فَإِن تغير واحمر لَونه وَدمِي فَلَيْسَ برصاً وَلَا مقَال للزَّوْجَة وَلَا أعلم وَجها أوثق من هَذَا وَمَا فِي الزَّمَان طَبِيب انْظُر تَمَامه. الثَّانِي: قَالَ الْبُرْزُليّ، إِثْر مَا مر عَن ابْن علوان مَا نَصه: وَكَانَ يَعْنِي ابْن علوان كثير التحيل فِي بعض الْمسَائِل فَمن ذَلِك مَا حُكيَ عَنهُ أَن امْرَأَة وَصِيّ على أَوْلَادهَا من قبل أَبِيهِم فضيق عَلَيْهَا أَوْلِيَاء الزَّوْج وَأَقَامُوا عَلَيْهَا الْبَيِّنَة أَنَّهَا سَفِيهَة لَا تصلح للتقديم فَأَتَت إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: إِذا قدموك غَدا للْقَاضِي فاعترفي لَهُم بذلك وَقَوْلِي لَهُم: إِنِّي أتلفته فِي أَيَّام السَّفه فَفعلت ذَلِك فسرحها القَاضِي لذَلِك. قَالَ الْبُرْزُليّ: وَهَذَا التحيل إِن كَانَ ثَبت عِنْده فِي هَذِه وَفِي الَّتِي قبلهَا أَنَّهَا مظلومة فَهُوَ سَائِغ من بَاب الإنفاذ من المظلمات وإلاَّ فَالصَّوَاب أَنه لَا يجوز لِأَنَّهُ من بَاب تلقين الْخُصُوم القادح فِي الْعَدَالَة قَالَ: وَهَذِه الطَّرِيقَة مَعْرُوفَة لأبي حنيفَة الإِمَام الْمَشْهُور، فَمن ذَلِك مَا حكى ابْن رشد عَنهُ أَنه حضر بيعَة لبَعض الْمُلُوك وَأَظنهُ أَبَا جَعْفَر فَقَالَ أَبُو حنيفَة لأَصْحَابه: أَنا لَا أُبَايِعهُ فاحضروه وَأَجْلسهُ الْأَمِير إِلَى جنبه، فَلَمَّا بَايعه النَّاس قَالَ هُوَ فِي بيعَته: أُبَايِعك حَتَّى تقوم السَّاعَة على قصد الْمُبَالغَة فِيمَا أَوْهَمهُ وَلما خلا بِهِ أَصْحَابه قَالُوا لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: مَا بايعته وَإِنَّمَا أردْت بِقَوْلِي حَتَّى تقوم السَّاعَة لحَاجَة أَو غَيرهَا من ضرورياته فَانْظُر فِيهِ بَقِيَّة التحيلات المحكية عَنهُ. وَلما أجمل النَّاظِم رَحمَه الله فِي دَاء الْفرج أَشَارَ إِلَى تَفْصِيله بِالنِّسْبَةِ للزَّوْجَة فِيمَا يَأْتِي بقوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 والرتق دَاء الْفرج فِي النِّسَاء الخ. وَإِلَى تَفْصِيله بِالنِّسْبَةِ للزَّوْج هَهُنَا فَقَالَ: وداءُ فَرْجِ الزَّوْجِ بالقَضاءِ كالجَبِّ والعُنَّةِ والخِصاءِ (وداء فرج الزَّوْج) مُبْتَدأ ومضافان (بِالْقضَاءِ) بِمَعْنى الْمَفْعُول صفة لداء وَالْبَاء زَائِدَة أَي: وداء فرج الزَّوْج المقضى عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ لأَجله كَائِن (كالجب والعنة والخصاء) وَيحْتَمل أَن تكون مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف صفة للمبتدأ الْمَذْكُور أَي: وداء فرج الزَّوْج الْمُوجب للخيار بِالْقضَاءِ الخ. والجب قطع الذّكر والأنثيين مَعًا أَو خلق بدونهما، والعنين لُغَة هُوَ الَّذِي لَا يَشْتَهِي النِّسَاء وَشرعا من لَهُ ذكر صَغِير كالزر وَيُطلق أَيْضا على الَّذِي لَا ينتشر ذكره وَهُوَ الْمُعْتَرض، وَسَيَأْتِي، والخصي مَقْطُوع الذّكر أَو الْأُنْثَيَيْنِ، وَلَو كَانَ قَائِم الذّكر حَيْثُ كَانَ لَا يمني، فَإِن أمنى فَلَا خِيَار لَهَا، وَمثل قطع الذّكر كُله قطع حشفته فَقَط على الرَّاجِح كَمَا فِي شرَّاح الْمَتْن فَإِن قيل: إِذا ثَبت الْخِيَار فِي الخصاء الَّذِي هُوَ قطع أَحدهمَا فأحرى أَن يثبت فِي الْجب الَّذِي هُوَ قطعهمَا مَعًا فالخصاء يُغني عَن الْجب. فَالْجَوَاب: أَن الْمَقْصُود بَيَان مَعَاني هَذِه الْأَلْفَاظ قَالَه فِي ضيح، والحصور الَّذِي يخلق بِغَيْر ذكر أَو بِذكر صَغِير كالزر، وَمحل الْخِيَار بِهَذِهِ الْأُمُور إِذا حدث ذَلِك قبل الْبناء وإلاَّ فَهُوَ مُصِيبَة نزلت بهَا كَمَا يَأْتِي فِي الِاعْتِرَاض. وَذَاكَ لَا يُرْجَى لهُ زَوَالُ فَلَيْسَ فِي الحُكْمِ بِهِ إمْهالُ (وَذَاكَ) مُبْتَدأ وَالْإِشَارَة للداء الشَّامِل لللأمور الثَّلَاثَة (لَا يُرْجَى) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (لَهُ) يتَعَلَّق بالنائب الَّذِي هُوَ (زَوَال) وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ (فَلَيْسَ) فعل نَاقص (للْحكم) خَبَرهَا مقدم (بِهِ) يتَعَلَّق بالحكم (إمهال) اسْمهَا مُؤخر أَي تَأْجِيل بل لَهَا الطَّلَاق فِي الْحِين إِلَّا أَن ترْضى بالْمقَام مَعَه. وحَيْثُ عَيْبُ الزَّوْجِ بِاعْتِراضِ أوْ بَرَصٍ وَقِيم عِنْدَ القَاضِي (وَحَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط (عيب الزَّوْج) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (باعتراض) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر (أَو برص) مَعْطُوف (وقيم) مَبْنِيّ للْمَفْعُول (عِنْد القَاضِي) نَائِبه، وَالْجُمْلَة معطوفة على الْجُمْلَة قبلهَا وَجُمْلَة. أَجَّلَهُ إِلَى تَمَامِ عَامِ كذاكَ فِي الجُنُونِ والجُذَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 (أَجله) القَاضِي (إِلَى تَمام عَام) جَوَاب حَيْثُ، وَالْمعْنَى أَن عيب الزَّوْج إِذا كَانَ اعتراضاً وَحدث قبل الْإِصَابَة أَو برصاً حدث بعد العقد أَو قبله فَإِن القَاضِي يؤجله سنة كَامِلَة من يَوْم الحكم على الْمَشْهُور، وَأما الِاعْتِرَاض بعد الْإِصَابَة وَلَو مرّة فَلَا خِيَار لَهَا، وَذَلِكَ مُصِيبَة نزلت بهَا كَمَا يَأْتِي. تَنْبِيه: وَكَذَا تؤجل الْمَرْأَة ذَلِك فِي معالجة نَفسهَا من البرص وَالْجُنُون والجذام إِذا لم يعلم الزَّوْج أَن ذَلِك بهَا حِين العقد، بل علمه قبل الْبناء أَو بعده فَإِن تنَازعا فِي الْعلم بِهِ بعيبها وَقد مضى لدُخُوله نَحْو الشَّهْر فَالْقَوْل لَهَا بِيَمِينِهَا أَنه علم بِهِ إِلَّا أَن يكون مثله يخفى على الزَّوْج. انْظُر الْمُتَيْطِيَّة والوثائق الْمَجْمُوعَة. (كَذَاك) يتَعَلَّق بِأَجل مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ مَا قبله (فِي الْجُنُون والجذام) يتَعَلَّق بذلك الْمَحْذُوف. وبَعْدَ ذَا يَحْكُمُ بِالطَّلاقِ إنْ عُدِم البُرءُ على الإطْلاقِ (وَبعد ذَا) يتَعَلَّق بقوله (يحكم) وَكَذَا (بِالطَّلَاق) وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة أَجله (إِن عدم) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ (الْبُرْء) نَائِب فَاعل عدم (على الْإِطْلَاق) حَال أَي حَال كَون الحكم بِالطَّلَاق بعد السّنة فِي الْعُيُوب الْأَرْبَعَة مُطلقًا سَوَاء رجى الْبُرْء بعد ذَلِك أم لَا. وَيحْتَمل حَال كَون التَّأْجِيل مُطلقًا فِي الْحَادِث وَالْقَدِيم. هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَلَيْسَ الْمَعْنى حَال كَون التَّأْجِيل بِالسنةِ مُطلقًا رجى الْبُرْء أم لَا. لِأَن الْمُعْتَمد أَنه إِنَّمَا يُؤَجل فِي البرص والجذام عَاما إِذا رجى الْبُرْء (ح) : وَلها فَقَط الرَّد بالجذام الْبَين والبرص المضر الحادثين بعده وبجنونهما وَإِن مرّة فِي الشَّهْر قبل الدُّخُول وَبعده وأجلا فِيهِ وَفِي برص وجذام رجى برؤهما سنة الخ. ثمَّ قَالَ: وَأجل الْمُعْتَرض سنة الخ. فَأَنت ترَاهُ قيد الجذام بالبين أَي الْمُحَقق والبرص بالمضر والتأجيل برجاء الْبُرْء خلاف ظَاهر النّظم فِي ذَلِك كُله، لَكِن الْعذر لَهُ فِي الجذام حَيْثُ لم يُقَيِّدهُ بالبين لِأَن المُرَاد بالبين الْمُحَقق وَهُوَ لَا يثبت إِلَّا بعد تحَققه وَالْقطع بِهِ إِذْ لَا فرق بَين قَلِيله وَكَثِيره كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة قَالَ فِيهَا: وَاخْتلف فِي قَلِيل البرص فَقَالَ مَالك فِي كتاب مُحَمَّد: ترد بِهِ لِأَن عمر لم يفرق بَين قَلِيل وَلَا كثير. قَالَ ابْن الْقَاسِم: وَلَو علمنَا فِيمَا خف أَنه لَا يتزايد لم ترد، لكنه لم يعلم، وَفِي مُخْتَصر ابْن شعْبَان أَن من بِهِ برص أَو جذام من الزَّوْجَيْنِ يرد بِهِ لِأَنَّهُ يخْشَى أَن يترامى إِلَى الصَّحِيح، وَلِأَنَّهُ لَا تطيب نفس الواطىء والموطوءة وقلّ أَن يسلم مِنْهُ مَا ولد مِنْهُمَا وَإِن سلم كَانَ ذَلِك فِي نَسْله قَالَ اللَّخْمِيّ: وعَلى هَذَا لَهُ الرَّد إِذا اطلع أَن أحد الْأَبَوَيْنِ كَانَ كَذَلِك لِأَنَّهُ يخْشَى أَن يكون ذَلِك فِي نَسْله قَالَ: وَرَأَيْت ذَلِك فِي امْرَأَة كَانَ أَبوهَا أَجْذم وَلم يظْهر بهَا وَظهر ذَلِك فِي عدد من أَوْلَادهَا اه بِلَفْظ الِاخْتِصَار. فَهُوَ شَاهد لإِطْلَاق النَّاظِم، لَكِن الْمُعْتَمد أَن جذام الْأَبَوَيْنِ لَا رد بِهِ كَمَا فِي (خَ) : كَمَا أَن الْمُعْتَمد أَنه لَا بُد فِي البرص الْحَادِث من كَونه مضراً كَمَا مر عَنهُ أَيْضا، وَلَعَلَّ النَّاظِم إِنَّمَا ترك تَقْيِيد البرص بِكَوْنِهِ مضراً اتكالاً على مَا يَأْتِي فِي قَوْله: إِلَّا حُدُوث من برص منزور الخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 والعَبْدُ فِي الأصَحِّ كالأحْرارِ وقيلَ بِالتَشْطِيرِ كالظِّهارِ (وَالْعَبْد) مُبْتَدأ (فِي الْأَصَح) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر الَّذِي هُوَ قَوْله: (كالأحرار وَقيل) فعل مَاض مَبْنِيّ للْمَفْعُول (بالتشطير) نَائِبه أَي يُؤَجل سِتَّة أشهر (كالظهار) خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَالْأَقْرَب أَنه حَال أَي حَال كَون التشطير كتشطير أجل الظِّهَار أَي: إِذا ظَاهر العَبْد من زَوجته وأبى أَن يكفر ولحقه الْإِيلَاء فَإِنَّهُ يُؤَجل بشهرين، وَقيل أَرْبَعَة أشهر كَالْحرِّ، وَمَا صدر بِهِ النَّاظِم هُوَ قَول ابْن الجهم قَالَ ابْن عبد الْبر: وَرُوِيَ عَن مَالك نَحوه وَعَلِيهِ جُمْهُور الْفُقَهَاء اللَّخْمِيّ: وَهُوَ أبين لِأَن السّنة جعلت لتختبر فِي الْفُصُول الْأَرْبَعَة فقد ينفع الدَّوَاء فِي فصل دون فصل فيستوي فِي ذَلِك الْحر وَالْعَبْد، وَالْقَوْل الثَّانِي هُوَ قَول مَالك، وَبِه الحكم قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَبِه أفتى (خَ) وَالْعَبْد نصفهَا الخ. وكالرِّجالِ أَجَلُ النِّسَاءِ فِي هـ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ذِهِ الثَّلاثَةِ الأدْوَاءِ (وكالرجال) خبر مقدم عَن قَوْله (أجل النِّسَاء فِي هَذِه) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (الثَّلَاثَة) صفة أَو بدل (الأدواء) جمع دَاء بدل أَيْضا، وَالْمرَاد الْجُنُون والجذام والبرص وَلَا يتَصَوَّر فِيهِنَّ الِاعْتِرَاض فيؤجلن فِي التَّدَاوِي من تِلْكَ الْأَمْرَاض الثَّلَاثَة سنة كَامِلَة، لَكِن فِي الْمَوْجُود مِنْهَا قبل العقد، أما مَا حدث بعده فمصيبة نزلت بِالزَّوْجِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَهُوَ لزوج آفَة من بعده الخ. وَفِي سِواها لَا يكُونُ الأجَلُ لَهُنَّ إلاّ مَا يَرى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; المؤَجِّلُ (وَفِي سواهَا) يتَعَلَّق بقوله (لَا يكون الْأَجَل) اسْمهَا (لَهُنَّ) يتَعَلَّق بِمَا قبله (إِلَّا) اسْتثِْنَاء مفرغ (مَا) نكرَة مَوْصُوفَة خبر يكون (يرى) صفة لما والعائد مَحْذُوف أَي يرَاهُ (الْمُؤَجل) بِكَسْر الْجِيم الْمُشَدّدَة فَاعل يرى، وَالتَّقْدِير: وَلَا يكون لَهُنَّ أجل مَحْدُود فِي سواهَا إِلَّا أَََجَلًا يرَاهُ الْمُؤَجل أَي الْحَاكِم بِاجْتِهَادِهِ، وَالْمرَاد بسوى الْعُيُوب الثَّلَاثَة دَاء فرج الْمَرْأَة من رتق وَقرن وعفل الْآتِيَة فِي قَوْله: والرتق دَاء الْفرج فِي النِّسَاء الخ. أَي فيؤجلهن الْحَاكِم للتداوي بِالِاجْتِهَادِ (خَ) : وأجلت الرتقاء للدواء بِالِاجْتِهَادِ. وَقد تحصل أَن الْعُيُوب بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّأْجِيل وَعَدَمه على ثَلَاثَة أَقسَام قسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 لَا تَأْجِيل فِيهِ وَهُوَ الْجب وَمَا مَعَه، وَقسم يؤصل فِيهِ بِسنة وَهُوَ الِاعْتِرَاض وَمَا مَعَه، وَقسم يُؤَجل فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ وَهُوَ الرتق وَمَا مَعَه. ويُمنَعُ الْمَبْرُوصُ والمجْذُومُ مِنْ بِنَائِهِ وَذُو الجُنُونِ فاسْتَبِنْ (وَيمْنَع) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (المبروص) نَائِب (والمجذوم) مَعْطُوف (من بنائِهِ) يتَعَلَّق بيمنع (وَذُو الْجُنُون) مَعْطُوف على المبروص (فاستبن) جملَة طلبية تتميم للبيت، وَالْمعْنَى أَن من بِهِ عِلّة من الرِّجَال من هَذِه الْأَمْرَاض الثَّلَاثَة إِذا أصل للدواء كَمَا مر فَطلب الْبناء بِزَوْجَتِهِ أثْنَاء الْأَجَل قبل تبين برئه فَإِنَّهُ يمْنَع من ذَلِك وَلَا يُمكن مِنْهُ حَتَّى يبرأ أَو تخير هِيَ إِن لم يبرأ وَفهم من قَوْله: من بنائِهِ أَنَّهَا اطَّلَعت على عَيبه قبل الْبناء فَإِن اطَّلَعت عَلَيْهِ بعد الْبناء فَكَذَلِك أَيْضا حَيْثُ كَانَت رَائِحَة الجذام والبرص تؤذي. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَيمْنَع الْمَجْنُون والأجذم والأبرص فِي خلل الْعَام وَإِن كَانَ بعد الْبناء إِذا كَانَت الرَّائِحَة تؤذي بِخِلَاف الْمُعْتَرض فَإِنَّهُ لَا يمْنَع من وَطئه وَإِن كَانَ قد بنى بهَا اه. وَمثله فِي طرر ابْن عَاتٍ. وَإِلَى الْمُعْتَرض أَشَارَ النَّاظِم بقوله: وَذُو اعْتِراضٍ وحْدَهُ لَنْ يُمْنَعَا وَهُوَ مُصَدَّقٌ إِذا مَا نُوزِعا (وَذُو اعْتِرَاض) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (وَحده) حَال من الْمُبْتَدَأ أَو من الضَّمِير فِي خَبره (لن يمنعا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر (وَهُوَ) مُبْتَدأ (مُصدق) خَبره (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه يتَعَلَّق بالْخبر الْمَذْكُور، وَجَوَابه مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ، وَيحْتَمل أَنَّهَا مُجَرّدَة عَن معنى الشَّرْط أَي هُوَ مُصدق حِين نزاعه (مَا) زَائِدَة (نوزعا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذا وَمَعْنَاهُ أَن الزَّوْج إِذا ادَّعَت عَلَيْهِ زَوجته الِاعْتِرَاض وَأنْكرهُ من أَصله فَالْقَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ (خَ) : وَصدق فِي الِاعْتِرَاض أَي نَفْيه وَظَاهره كالناظم أَنه يصدق كَانَت الزَّوْجَة بكرا أَو ثَيِّبًا وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وَرُوِيَ عَن مَالك أَن النِّسَاء ينظرن إِلَى الْبكر ويدين فِي الثّيّب، وَقيل لَا يدين فِيهَا، وَلَكِن يطلي ذكره بزعفران وَيُرْسل عَلَيْهَا وَينظر ذَلِك النِّسَاء فَإِن رأين أَثَره فِي فرجهَا قبل قَوْله، وعَلى الْمَشْهُور فَلَا تقبل شَهَادَة امْرَأتَيْنِ فَأكْثر بِأَنَّهَا عذراء لِأَنَّهَا شَهَادَة توجب الْفِرَاق وَهُوَ لَا يكون بِشَهَادَة النِّسَاء كَمَا فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة، وَنَقله فِي التَّبْصِرَة وَابْن عَرَفَة. وَحِينَئِذٍ فَمَا جرى بِهِ الْعَمَل من جَوَاز نظر النسْوَة لِلْفَرجِ مَحْمُول على غير هَذِه الصُّورَة إِذْ لَا فَائِدَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 لَهُ إِلَّا الْفِرَاق وَهُوَ لَا يكون بِشَهَادَة النِّسَاء قَالَه فِي شرح العمليات. تَنْبِيه: قَالَ فِي مسَائِل السياسة من التَّبْصِرَة: قَالَ أصبغ فِي امْرَأَة المقعد تَدعِي أَنَّهَا تمكنه من نَفسهَا وَهُوَ لَا يقدر على مَسهَا ويقر المقعد بِأَنَّهُ لَا يَمَسهَا وَيَدعِي أَنَّهَا تَدْفَعهُ عَن نَفسهَا وَلَوْلَا ذَلِك لقوي على مسيسها قَالَ: اسْتحْسنَ السُّلْطَان أَن يَجْعَل فِي الْقرب مِنْهُ إِذا خلا بهَا امْرَأَة أَو نسَاء فَإِن سمعن امتناعها أَمر بهَا فَربطت لَهُ وشدت وزجرها، وَأمرت أَن تلين لَهُ فِي ذَلِك. قَالَ ابْن حبيب: وَهُوَ عِنْدِي حسن من الحكم اه. وَنَحْوه فِي (ح) عِنْد قَوْله: وَصدق فِي الِاعْتِرَاض الخ. قلت: انْظُر قَوْله المقعد، وَالظَّاهِر أَنه لَا مَفْهُوم لَهُ بل غَيره كَذَلِك إِذا ادّعى عدم تمكينها وَنزلت وَقت ولايتي حطة الْقَضَاء سنة ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين بعد الْمِائَتَيْنِ وَالْألف فِي زوج ادّعى عدم تمكينها وَادعت هِيَ اعتراضه، فَذكرت للزَّوْج وأوليائها مَا تقدم من ربطها لَهُ وشدها فَرَجَعَا إِلَى الصُّلْح بِالْخلْعِ بِجعْل الصَدَاق وافترقا، وَقد كنت سنة ثَمَانِيَة عشر مُقيما بمكناسة الزَّيْتُون فَإِذا بِامْرَأَة طَلقهَا زَوجهَا ثَلَاثًا فَتزوّجت رجلا ضَعِيفا لَا يشاكلها، فَزعم الزَّوْج الْمَذْكُور أَنَّهَا تَدْفَعهُ عَن نَفسهَا وَمَا مكنته إِلَّا مرّة بِمِقْدَار مَا غيب حشفته فِيهَا ودفعته وَادعت هِيَ أَنه يؤذيها ويضربها إِذا أمسك بهَا، فسكنهما القَاضِي مَعَ أَمِين فَذكر الْأمين أَنه مهما أَرَادَ النّوم والتوطئة لَهُ إِلَّا وتصرخ صراخاً مدعية أَنه يؤذيها ويضربها وَأَن ذَلِك من حيلها لترجع للزَّوْج الأول. وإنْ يَقُلْ وطِئْتُ أَثْنَاءَ الأمَدْ فَقَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ مُعْتَمَدْ (وَإِن يقل) شَرط وفاعله ضمير يعود على الْمُعْتَرض (وطِئت) فعل وفاعل (أثْنَاء) ظرف يتَعَلَّق بِمَا قبله (الأمد) مُضَاف إِلَيْهِ (فَقَوله) مُبْتَدأ (مَعَ الْيَمين) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال (مُعْتَمد) خبر، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط. وَمَعْنَاهُ أَن الْمُعْتَرض إِذا أقرّ بالاعتراض وَأجل للدواء سنة كَمَا مرّ، ثمَّ قَالَ فِي أثْنَاء الْأَجَل أَو بعده: زَالَ الِاعْتِرَاض وَوَطئهَا فِي الْأَجَل فَالْقَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ، فَإِن ادّعى الْوَطْء بعده لم يصدق فَتحصل أَن الْمُعْتَرض يصدق فِي نفي الِاعْتِرَاض ابْتِدَاء كَمَا يصدق فِي زَوَاله بعد الْإِقْرَار بِهِ (خَ) : وَصدق إِن ادّعى فِيهَا الْوَطْء بِيَمِينِهِ فَإِن نكل حَلَفت وَإِلَّا بقيت. وَتُمْنَعُ الإنْفاقَ مَنْ لَمْ تَدْخُلِ إنْ طلَبَتْهُ فِي خِلالِ الأجَلِ (وتمنع) بِضَم التَّاء مَبْنِيا للْمَفْعُول (الْإِنْفَاق) مَفْعُوله الثَّانِي (من) نَائِب الْفَاعِل وَهُوَ الْمَفْعُول الأول (لم تدخل) صلَة من (إِن طلبته) شَرط. وَالضَّمِير الْمَنْصُوب للإنفاق وَالْجَوَاب مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ (فِي خلال الْأَجَل) يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ قبله. وَالْمعْنَى أَن الزَّوْجَة الَّتِي لَا تجبر على الدُّخُول إِذا طلبت الْإِنْفَاق من زَوجهَا الْمُؤَجل سنة للدواء فَلَا تمكن مِنْهُ لِأَن النَّفَقَة فِي مُقَابلَة الِاسْتِمْتَاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 وَهِي قد منعت نَفسهَا مِنْهُ لسَبَب لَا قدرَة للزَّوْج على دَفعه، فَكَانَ بذلك مَعْذُورًا بِخِلَاف الْمُعسر بِالصَّدَاقِ الَّذِي منعته زَوجته من نَفسهَا حَتَّى يُؤَدِّي صَدَاقهَا فلهَا النَّفَقَة إِذْ لَعَلَّ لَهُ مَالا فكتمه، وَمَفْهُوم قَوْله: لم تدخل أَنه إِذا دخل فالنفقة وَاجِبَة عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِك. وَقَوله: من لم تدخل أَي من لم تجبر على الدُّخُول وَهِي زَوْجَة المجذوم والمبروص وَالْمَجْنُون كَمَا مرّ فيفهم مِنْهُ أَن زَوْجَة الْمُعْتَرض لَهَا النَّفَقَة إِذا دَعَتْهُ للدخول، وَبِالْجُمْلَةِ فَكل من زَوْجَة الْمَجْنُون والمجذوم والمبروص والمعترض تجب لَهَا النَّفَقَة بِالدُّخُولِ أَو بِالدُّعَاءِ لَهُ فَإِن منعت وَاحِدَة مِنْهُنَّ نَفسهَا من الدُّخُول وَأجل الزَّوْج سنة للدواء فَلَا نَفَقَة لَهَا فِي الْجُنُون والجذام والبرص، بِخِلَاف الِاعْتِرَاض. فلهَا النَّفَقَة لِأَنَّهَا لَا تمكن من الِامْتِنَاع كَمَا مر إِلَّا أَن لَا يقدر الْحَاكِم على جبرها فَتسقط نَفَقَتهَا حِينَئِذٍ للنشوز واستظهار (خَ) : عدم وجوب النَّفَقَة فِي الِاعْتِرَاض مَعَ الْقُدْرَة على جبرها على التَّمْكِين معترض. والعيْبُ فِي الرِّجالِ مِنْ قَبْلِ البِنا وبَعْدَهُ الرَّدُّ بِهِ تَعَيَّنا (وَالْعَيْب) مُبْتَدأ (فِي الرِّجَال) صفة لَهُ (من قبل الْبَنَّا) ء يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال أَي حَال كَونه مَوْجُودا أَو حَادِثا من قبل الْبناء (وَبعده) مَعْطُوف على الظّرْف قبله (الرَّد) مُبْتَدأ ثَان (بِهِ) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله (تعينا) وَتعلق الظرفين بذلك الْمَحْذُوف كَمَا قَررنَا أولى من تعلقهما بقوله تعينا إِذْ الْمَقْصُود أَن الْعَيْب الْمَوْجُود أَو الْحَادِث قبل الْبناء وَبعده يتَعَيَّن بِهِ الرَّد وَحذف مَعْمُول تعين يُؤذن بِالْعُمُومِ أَي تعين الرَّد بِهِ قبل الْبناء وَبعده أَيْضا فَحَذفهُ من الثَّانِي لدلَالَة الأول عَلَيْهِ، وَلَو قَالَ تَبينا بِالْبَاء وَالْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت لَكَانَ أولى لما يَقْتَضِيهِ لفظ التَّعْيِين من وجوب الرَّد وَإِن رضيت. وَمَعْنَاهُ أَن الْعَيْب الْكَائِن بِالرِّجَالِ سَوَاء حدث بعد العقد أَو كَانَ مَوْجُودا قبله أَو حدث بعد الْبناء فَإِن للزَّوْجَة الرَّد بِهِ فَقَوله: من قبل الْبناء شَامِل لما حدث قبل العقد أَو بعده وَقبل الْبناء لِأَن الْقبلية ظرف متسع وَعَلِيهِ فَيكون قَوْله الْآتِي: وبالقديم الزَّوْج وَالْكثير الخ. مُسْتَغْنى عَنهُ بِمَا هُنَا، وَيحْتَمل أَن يكون تكلم هُنَا على الْحَادِث بعد العقد كَانَ قبل الْبناء أَو بعده وَفِيمَا يَأْتِي على مَا كَانَ مَوْجُودا قبل العقد، لَكِن يكون الصَّوَاب إِسْقَاط قَوْله الْآتِي: والحادث إِلَّا أَن يُرَاد بِهِ مَا كَانَ حَادِثا قبل العقد، وَيُرَاد بالقديم مَا كَانَ خلقَة، وَمَا ذكره النَّاظِم هُوَ الرَّاجِح من أحد أَقْوَال أَرْبَعَة. / ثَانِيهَا: لَا خِيَار لَهَا فِيمَا حدث بعد العقد. ثَالِثهَا: لَهَا الْخِيَار إِلَّا أَن حدث بِهِ برص فتخير. رَابِعهَا: لَيْسَ لَهَا الْخِيَار إِلَّا فِي البرص الْيَسِير. وَلما دخل فِي قَوْله: وَبعده عيب الِاعْتِرَاض الْحَادِث بعد الْبناء وَالْوَطْء وَهُوَ لَا يرد بِهِ اسْتثِْنَاء بقوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 إلاّ اعْتِراضاً كَانَ بعْدَ مَا دَخَلْ والوَطْءِ مِنْهُ هَبْهُ مَرَّةً حَصَلْ (إِلَّا) حرف اسْتثِْنَاء (اعتراضاً) مَنْصُوب على الِاسْتِثْنَاء وَالْأَقْرَب أَنه على نزع الْخَافِض، إِذْ الْمَعْنى وَيرد الزَّوْج بِكُل عيب إِلَّا بِعَيْب الِاعْتِرَاض (كَانَ) تَامَّة بِمَعْنى وجد وَحدث وفاعله ضمير الِاعْتِرَاض (بعد) يتَعَلَّق بكان (مَا) مَصْدَرِيَّة (دخل) صلتها أَي بعد دُخُوله (وَالْوَطْء) بِالْجَرِّ عطف على الْمصدر المؤول (مِنْهُ) يتَعَلَّق بحصل (هبه) فعل أَمر وضميره مَفْعُوله الأول (مرّة) تَمْيِيز (حصل) فِي مَحل نصب على أَنه مفعول ثَان لَهب، وَالتَّقْدِير إِلَّا اعتراضاً حدث بعد دُخُوله وَبعد وَطئه هَب أَن الْوَطْء حصل مِنْهُ مرّة وَاحِدَة فَلَا ردّ بِهِ وَهِي مُصِيبَة نزلت بهَا، وَهَذَا إِذا لم يتسبب فِي إِدْخَاله على نَفسه كشربه دَوَاء ليقطع بِهِ لَذَّة النِّسَاء أَو شربه لعلاج عِلّة وَهُوَ عَالم أَو شَاك أَنه يذهب مِنْهُ ذَلِك أَو قطع ذكره عمدا أَو لعِلَّة نزلت بِهِ فَإِن لَهَا الْخِيَار بِاتِّفَاق كَمَا فِي ضيح، وَمثل الِاعْتِرَاض الْجب والخصاء وَالْكبر الْمَانِع من الْوَطْء حَيْثُ لم يدْخل ذَلِك على نَفسه لِأَنَّهُ لم يقْصد الْإِضْرَار بهَا، فَلَو قَالَ: إِلَّا كجب الخ. لشمل ذَلِك وَنزلت مَسْأَلَة وَهِي أَن رجلا كَانَ يطَأ زَوجته وطأ مُعْتَادا ثمَّ إِنَّه عرض لَهُ مَا مَنعه الْإِيلَاج بِحَيْثُ إِذا أَرَادَهُ سبقه المَاء وَزَالَ إنعاظه فأفتيت فِيهَا بِمَا فِي النّظم وَاخْتلف فِيمَن أَرَادَ استحداداً فترامت يَده فَقيل لَهَا الْقيام، وَقيل: لَا قيام لَهَا لِأَنَّهُ لم يتَعَمَّد. وَظَاهر كَلَامهم رجحانه وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الْإِيلَاء عِنْد قَوْله: واشترك التارك الموطء مَعَه الخ. وبالقدِيمِ الزَّوْجُ والكَثِيرِ يَرُدُّ والحادِثِ واليَسِيرِ (وبالقديم) يتَعَلَّق بيرد (الزَّوْج) مُبْتَدأ (وَالْكثير) مَعْطُوف على الْقَدِيم (يرد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ (والحادث واليسير) معطوفان على قَوْله: الْقَدِيم. وَهَذَا الْبَيْت مُسْتَغْنى عَنهُ إِلَّا على الِاحْتِمَال الثَّانِي الْمُتَقَدّم فَلَو حذفه وأبدل قَوْله: إلاّ حَدِيثَ بَرَصٍ مَنْزورِ فَلاَ طَلاَقَ مِنْهُ فِي المَشْهُورِ (إِلَّا) بقوله كَذَا (حُدُوث برص منزور فَلَا طَلَاق مِنْهُ فِي الْمَشْهُور) لأجاد، ويتحصل من كَلَامه أَنه يسْتَثْنى من الْعَيْب الْحَادِث بِالزَّوْجِ بعد العقد شَيْئَانِ الِاعْتِرَاض بعد الْوَطْء والبرص الْيَسِير فَلَا خِيَار فيهمَا للزَّوْجَة وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَلها فَقَط الرَّد بالجذام الْبَين والبرص المضر الحادثين بعده لَا بكاعتراض الخ. فمفهوم قَوْله: المضر أَي المؤذي برائحته أَن غير المضر لَا خِيَار بِهِ وَهُوَ مَا فِي النّظم، وَمَفْهُوم قَوْله: الحادثين بعده أَي بعد العقد أَن البرص الْقَدِيم بِالرجلِ يرد بِهِ قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا، وَهُوَ ظَاهر تَعْلِيل النَّاظِم أَيْضا لِأَنَّهُ إِنَّمَا نفى خِيَارهَا فِي الْقَلِيل الْحَادِث بعد العقد، وَقيل: لَا خِيَار لَهَا فِي البرص الْقَلِيل مُطلقًا، وَأما الجذام فَلَا فرق بَين قَلِيله وَكَثِيره وَإِنَّمَا الْمدَار على تحقق وجوده كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: كَذَاك فِي الْجُنُون والجذام الخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 وَزَوْجَةُ بِسَابِقٍ لِعَقْدِهِ وهْوَ لِزَوْجٍ آفَةٌ مِنْ بَعْدِهِ (وَزَوْجَة) مُبْتَدأ وسوغه الْعَطف على الْمعرفَة وَهُوَ الزَّوْج فِي الْبَيْت قبله (بسابق) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر أَي ترد بسابق (لعقده) يتَعَلَّق بسابق (وَهُوَ) مُبْتَدأ عَائِد على الْعَيْب الْمَذْكُور (لزوج) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله (آفَة من بعده) حَال من الْمُبْتَدَأ أَي وَالْعَيْب حَال كَونه حَادِثا بِالزَّوْجَةِ بعد العقد آفَة للزَّوْج لِأَنَّهُ قَادر على الْفِرَاق وَالْحَاصِل: أَن الزَّوْجَة ترد بالقديم من الْجُنُون والجذام والبرص قَلِيلا كَانَ ذَلِك أَو كثيرا كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم، وَكَذَا ترد بالقديم من دَاء الْفرج من عفل وَنَحْوه، وَلَا ترد بِالْعَيْبِ الْحَادِث بعد العقد دَاء فرج كَانَ أَو غَيره قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا وَهُوَ مُصِيبَة نزلت بِالزَّوْجِ، وَأما الزَّوْج فَإِنَّهُ يرد بالقديم من الْعُيُوب وَلَو جذاماً أَو برصاً قل على ظاهم النّظم و (خَ) وَهُوَ أحد قَوْلَيْنِ كَمَا مر، وَكَذَا يرد بالحادث مِنْهَا بعد العقد إِلَّا أَن يكون نَحْو اعْتِرَاض حصل بعد الْوَطْء أَو برصاً قَلِيلا، ثمَّ أَشَارَ إِلَى تَفْصِيل دَاء الْفرج بِالنِّسْبَةِ للْمَرْأَة فَقَالَ: والرَّتْقُ دَاءُ الفَرْجِ فِي النساءِ كالقَرْنِ ثُمَّ الْعَقْلِ والإِفْضَاءِ (والرتق) بِسُكُون التَّاء للضَّرُورَة مُبْتَدأ (دَاء الْفرج) خَبره (فِي النِّسَاء) يتَعَلَّق بالرتق أَو فِي مَوضِع الْحَال مِنْهُ، وَيحْتَمل أَن يكون دَاء الْفرج مُبْتَدأ، وَفِي النِّسَاء يتَعَلَّق بِهِ والرتق خَبره (كالقرن) تَشْبِيه وكاف التَّشْبِيه لَا تتَعَلَّق بِشَيْء كَمَا مرّ (والعفل) مَعْطُوف عَلَيْهِ وكل مِنْهُمَا بِسُكُون الْعين للضَّرُورَة وَالْأَصْل الْفَتْح كالرتق (والإفضاء) مَعْطُوف أَيْضا، وَالْمعْنَى أَن الرتق من دَاء فرج النِّسَاء كَمَا أَن الْقرن والعفل والإفضاء كَذَلِك، فَيثبت للزَّوْج الْخِيَار بسابق العقد من ذَلِك، والرتق انسداد مَسْلَك الذّكر والتحامه بِحَيْثُ لَا يُمكن مَعَه الْوَطْء إِلَّا أَنه إِن انسد بِلَحْم أمكن علاجه وبعظم فَلَا. والقرن شَيْء يبرز فِي فرج الْمَرْأَة يشبه قرن الشَّاة تَارَة يكون عظما فيعسر علاجه وَتارَة لَحْمًا فَلَا يعسر، والعفل لحم يبرز فِي قُبلها يشبه أدرة الرجل وَلَا يسلم غَالِبا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 رشح، والإفضاء اخْتِلَاط مسلكي الذّكر وَالْبَوْل حَتَّى يصيرا مسلكاً وَاحِدًا وأجرى مَسْلَك الْبَوْل وَالْغَائِط، وَظَاهر النّظم أَنه يُخَيّر بِمَا ذكر وَلَو قل ذَلِك وخف وَهُوَ كَذَلِك خلافًا لِابْنِ حبيب. وَاعْلَم أَن مَسْلَك الذّكر هُوَ مخرج الْحيض وَالْولد والمني، وَفَوق مَسْلَك الذّكر ثقب مثل إحليل الرجل وَهُوَ مخرج الْبَوْل، وَبَين هَذَا الثقب ومدخل الذّكر جلدَة رقيقَة فَإِن زَالَت فَهِيَ الْإِفْضَاء، وَفَوق مخرج الْبَوْل جلدَة رقيقَة مثل ورقة بَين الشفرين والشفران محيطان بِالْجَمِيعِ فَتلك الْجلْدَة الرقيقة يقطع مِنْهَا فِي الْخِتَان للْمَرْأَة، وَفهم من اقْتِصَار النّظم على الْأَرْبَعَة أَنه لَا خِيَار لَهُ بالاستحاضة وَلَا بِقطع الشفرين وَلَا بحرق النَّار وَلَا بِكَوْنِهَا عجوزاً فانية أَو صَغِيرَة جدا، وَلَا بالبخر الَّذِي هُوَ نَتن الْفرج، لَكِن الْمَذْهَب فِي الْأَخير أَنه عيب خلافًا للأئمة الثَّلَاثَة. وَاقْتصر فِي الْمُتَيْطِيَّة أَيْضا على أَن الِاسْتِحَاضَة وَحرق النَّار يوجبان الْخِيَار، وَكَذَا نقل الْبُرْزُليّ عَن اللَّخْمِيّ. وَأما نَتن الْفَم فَلَا خِيَار لَهُ بِهِ على الْمَشْهُور خلافًا للخمي بِخِلَاف البيع، وَتقدم الْكَلَام على العذيطة أول الْفَصْل فَانْظُرْهُ هُنَاكَ. تَنْبِيهَات. الأول: سكت النَّاظِم هُنَا عَن تَأْجِيل الرتقاء وَنَحْوهَا للدواء لتقدم الْإِشَارَة إِلَيْهِ فِي قَوْله: وَفِي سواهَا لَا يكون الْأَجَل لَهُنَّ إِلَّا مَا يرى الْمُؤَجل وَتقدم قَول (خَ) وأجلت الرتقاء للدواء بِالِاجْتِهَادِ وَلَا تجبر عَلَيْهِ إِن كَانَ خلقَة الخ. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَإِذا كَانَ الرتق من جِهَة الْخِتَان أَي الخفاض فَإِنَّهُ يبط على مَا أحبت الْمَرْأَة أَو كرهت إِذا قَالَ النِّسَاء: إِن ذَلِك لَا يَضرهَا وَإِن كَانَ خلقَة فَلَا تجبر على البط إِن أبته، وَيُخَير الزَّوْج فَإِن رضيت بالبط فَلَا خِيَار لَهُ اه. وَنَحْوه فِي التَّبْصِرَة الفرحونية، وللخمي زِيَادَة تَفْصِيل وَهُوَ إِن لم يكن عَلَيْهَا فِي الْقطع ضَرَر وَلَا عيب فِي الْإِصَابَة بعده كَانَ القَوْل قَول من دعِي إِلَيْهِ مِنْهُمَا فَإِن طَلقهَا بعد رِضَاهَا بِهِ لزمَه النّصْف وَإِن كرهت فَطلق فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ فِي الْقطع ضَرَر وَلَا عيب بعده خيرت دونه وَعَكسه خير دونهَا وَإِن كَانَ فِيهِ ضَرَر وَبعده عيب فِي الْإِصَابَة خير كل مِنْهُمَا وَذكره فِي الشَّامِل مُقْتَصرا عَلَيْهِ والقرن كالرتق فِي التَّفْصِيل الْمَذْكُور. الثَّانِي: إِذا ادّعى أَنَّهَا رتقاء وَادعت هِيَ عنته وَأَنَّهَا لَا عيب بهَا فَإِن النِّسَاء ينظرن إِلَيْهَا، فَإِن صدقته كَانَ لَهُ الْخِيَار، إِلَّا أَن تُرِيدُ التَّدَاوِي فتؤجل بِالِاجْتِهَادِ قَالَه ابْن عتاب وَنَقله الْبُرْزُليّ. الثَّالِث: قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَإِذا فعل الزَّوْج بِزَوْجَتِهِ مَا يُوجب الْقصاص لَهَا مِنْهُ وَكَانَ شَدِيدا يخَاف عَلَيْهَا مِنْهُ إِذا اقتصت مِنْهُ فَإِنَّهَا تطلق عَلَيْهِ يَعْنِي: ويقتص مِنْهُ أَي فَفعله ذَلِك يُوجب لَهَا الْخِيَار كالعيوب السَّابِقَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 وَلَا تُرَدُّ مِنْ عَمًى وَلَا شَلَلْ ونَحْوِهِ إلاَّ بِشَرْطٍ يُمْتَثَلْ (وَلَا ترد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (من عمى) يتَعَلَّق بِهِ (وَلَا شلل وَنَحْوه) معطوفان عَلَيْهِ (إِلَّا بِشَرْط) اسْتثِْنَاء مفرغ وَالْبَاء بِمَعْنى مَعَ (يمتثل) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صفة لشرط أَي: لَا ترد الْمَرْأَة بِشَيْء من الْعَمى والشلل والعور والإقعاد وَنَحْو ذَلِك من غير الْعُيُوب الْأَرْبَعَة الَّتِي هِيَ الْجُنُون والجذام والبرص وداء الْفرج إِلَّا مَعَ اشْتِرَاط السَّلامَة من ذَلِك الشَّيْء الْخَاص كاشتراطه كَونهَا سليمَة من الْعَمى أَو الْبكم أَو العرج أَو الإقعاد، فيجدها بِخِلَاف ذَلِك، أَو اشْترط أَنَّهَا سليمَة فِي جسمها وَلم يزدْ فَلهُ ردهَا حِينَئِذٍ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة بِمَا مرّ من الْعَمى وَنَحْوه، بل وَلَو بِالسَّوَادِ على مَا للمتيطي، ورده ابْن عَرَفَة بِأَن لفظ السَّلامَة من الْجِسْم لَا يدل على نفي السوَاد. ابْن عَرَفَة: وفيهَا إِن وجدهَا سَوْدَاء أَو عوراء أَو عمياء لم ترد، وَلَا ترد بِغَيْر الْعُيُوب الْأَرْبَعَة إِلَّا أَن يشْتَرط السَّلامَة مِنْهُ. قلت: فَإِن شَرط أَنَّهَا صَحِيحَة فَوَجَدَهَا عمياء أَو شلاء أَو مقعدة أيردها بذلك؟ قَالَ: نعم إِذا اشْتَرَطَهُ على من أنكحه إِيَّاهَا اه. فَقَوله: نعم إِذا اشْتَرَطَهُ الخ. أَي إِذا اشْترط الزَّوْج على الْوَلِيّ الصِّحَّة بِاللَّفْظِ، وَثَبت ذَلِك بأَدَاء عَدْلَيْنِ، وَأما لَو لم يعلم الشَّرْط إِلَّا من قَوْله فِي الْوَثِيقَة صَحِيحَة الْعقل وَالْبدن فتوجد على خلاف ذَلِك وَتعذر سُؤال العدلين أَو لم يتَعَذَّر، وَلَكِن لم يحققوا كَون الزَّوْج اشْترط ذَلِك بِاللَّفْظِ فَفِي ثُبُوت الرَّد بذلك وَعدم ثُبُوته لجري الْعَادة أَنه من تلفيق الموثق تردد للباجي وَابْن أبي زيد وَإِلَى الْمَسْأَلَة من أَصْلهَا أَشَارَ (خَ) بقوله: وبغيرها أَي الْعُيُوب الْأَرْبَعَة إِن شَرط السَّلامَة وَلَو بِوَصْف الْوَلِيّ عِنْد الْخطْبَة. وَفِي الرَّد إِن شَرط الصِّحَّة تردد لَا بخلف الظَّن كالقرع والسواد من بيض ونتن فَم الخ. وَظَاهر النّظم كالمدونة والمختصر أَن الْعرف لَيْسَ كالشرط هُنَا وَهُوَ ظَاهر بِخِلَاف البيع، وَلَعَلَّ الْفرق أَن النِّكَاح مَبْنِيّ على المكارمة. تَنْبِيه: اشْتِرَاط كَونهَا ذَات مَال قدره كَذَا أَو جميلَة وَلَو بِوَصْف الْوَلِيّ يُوجب الْخِيَار للزَّوْج إِذا وجدهَا على خلاف ذَلِك كَمَا فِي ابْن عَرَفَة: والزَّوْجُ حَيْثُ لَمْ يَجِدْهَا بِكْرا لَمْ يَرْجِع إلاَّ بِاشْتِرَاطٍ عَذْرا (وَالزَّوْج) مُبْتَدأ (حَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه: (لم يجدهَا) فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (بكرا) مفعول ثَان ليجد وَجُمْلَة (لم يرجع) جَوَاب حَيْثُ ومعموله مَحْذُوف أَي بالثيوبة (إِلَّا بِاشْتِرَاط) اسْتثِْنَاء مفرغ (عذرا) مفعول بِاشْتِرَاط، وَالْجُمْلَة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 حَيْثُ وجوابها فِي مَحل رفع خبر الْمُبْتَدَأ، وَالْمعْنَى أَن الزَّوْج إِذا تزوج امْرَأَة فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا فَإِنَّهُ لَا يردهَا بالثيوبة فِي حَال من الْأَحْوَال سَوَاء لم يشْتَرط شرطا أَو اشْترط أَنَّهَا بكر إِلَّا فِي حَال اشْتِرَاط كَونهَا عذراء وَهِي الَّتِي لَا زَالَت بِخَاتم رَبهَا وَلم تسْقط بمزيل أصلا، فَإِن اشْترط ذَلِك أَو اشْترط مَا فِي مَعْنَاهُ عرفا وَلَو بِوَصْف الْوَلِيّ عِنْد الْخطْبَة كَمَا فِي ابْن عَرَفَة كطفلة أَو بنت أَو كَانَ الْعرف إِطْلَاق الْبكر على الْعَذْرَاء كَمَا عندنَا الْيَوْم فَوَجَدَهَا سَاقِطَة الْعذرَة بِنِكَاح أَو غَيره من وثبة وَنَحْوهَا كَانَ لَهُ الرَّد على الْمَشْهُور خلافًا للقابسي، وَالْعرْف كالشرط فَإِذا أصدقهَا صدَاق الْبكر وصنع لَهَا مَا يصنع للبكر ثمَّ وجدهَا ثَيِّبًا فَلهُ الرَّد وَإِن لم يشْتَرط ثَيِّبًا. وَاعْلَم أَن الْبكر فِي اللِّسَان كَمَا فِي ابْن عَرَفَة عَن ابْن رشد وَنَحْوه فِي الشَّارِح هِيَ الَّتِي لم يكن لَهَا زوج وَلَو لم تكن لَهَا عذرة وَقَالَ بعض شرَّاح (خَ) هِيَ عِنْد الْفُقَهَاء الَّتِي لم تُوطأ بِعقد صَحِيح أَو فَاسد جَار مجْرى الصَّحِيح، وعَلى هَذَا الْأَخير يحمل النَّاظِم بِدَلِيل الْبَيْت بعده، وَظَاهر النّظم أَن الزَّوْج لَا يعْذر بِالْجَهْلِ وَأَنه جهل معنى الْبكر فِي اللُّغَة، بل ظَنّهَا أَنَّهَا الْعَذْرَاء وَذَلِكَ مِمَّا يجهله أَبنَاء جنسه وَهُوَ كَذَلِك حَيْثُ لَا عرف فِي إِطْلَاق الْبكر على الْعَذْرَاء كَمَا يفِيدهُ ابْن عَرَفَة، وَإِنَّمَا كَانَ لَا يرجع إِذا اشْترط الْبكارَة وَلَا عرف فِي إِطْلَاقهَا على الْعَذْرَاء لِأَنَّهُ من حَيْثُ لَا عرف ينْصَرف اللَّفْظ إِلَى مَعْنَاهُ لُغَة أَعم من أَن تكون عذرتها سَقَطت بزنا أَو بقفزة أَو وثبة أَو تكَرر حيض أَو غير ذَلِك، وَلَا يُقَال حمله على مَعْنَاهُ لُغَة يَقْتَضِي الرَّد بِمُجَرَّد تقدم عقد النِّكَاح لأَنا نقُول تقدم عقد النِّكَاح بِمُجَرَّدِهِ من غير وَطْء لَا غرضية فِيهِ، فَلَا فَائِدَة لاشْتِرَاط انتفائه فَانْصَرف الشَّرْط للَّتِي لم تُوطأ بِنِكَاح. وَلما كَانَ مَا قبل الِاسْتِثْنَاء صَادِقا بصورتين بِمَا إِذا اشْترط الْبكارَة، وَبِمَا إِذا لم يشْتَرط شَيْئا كَمَا مر، وَكَانَت الْبكر هِيَ الَّتِي لم تُوطأ بِنِكَاح أخرج من صُورَة الِاشْتِرَاط فَقَط مَا إِذا وطِئت بِنِكَاح فَقَالَ: مَا لَمْ يُزِلْ عَذْرَتَهَا نِكاحُ مُكْتَتَمٌ فالرَّدُّ مُسْتَبَاحُ (مَا) ظرفية مَصْدَرِيَّة (لم يزل) صلتها وَهُوَ مضارع أَزَال الرباعي (عذرتها) مفعول بِهِ والعذرة بِضَم الْعين سَاتِر رَقِيق على الْمحل (نِكَاح) فَاعل يزل (مكتتم) صفة لنكاح (فالرد مستباح) مُبْتَدأ وَخبر، وَالْجُمْلَة جَوَاب شَرط مُقَدّر أَي فَإِن أزالها نِكَاح فالرد الخ. وَالْمعْنَى أَن الزَّوْج إِذا اشْترط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 الْبكارَة فَلَا رد لَهُ مَا لم يزل عذرتها نِكَاح مَكْتُوم عَنهُ وَله الرَّد حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ اشْترط الْبكارَة وَهِي الَّتِي لم تُوطأ بِنِكَاح، وَهَذِه قد وطِئت بِهِ فَتحصل من كَلَامه أَنه إِذا لم يشْتَرط شَيْئا وظنها بكرا فَلَا رد لَهُ وطِئت بِنِكَاح أَو بزنا أَو سَقَطت عذرتها بِغَيْر وَطْء، وَإِن اشْترط الْبكارَة فَلَا رد لَهُ أَيْضا إِلَّا إِن زَالَت عذرتها بِنِكَاح كتم عَنهُ، فَإِن لم يكتم عَنهُ فَلَا رد لَهُ أَيْضا، وَإِن اشْترط عذراء أَو مَا فِي مَعْنَاهُ ردهَا بِكُل ثيوبة (خَ) عاطفاً على مَا لَا رد بِهِ، والثيوبة إِلَّا أَن يَقُول عذراء، وَفِي بكر تردد الخ فاقتصر النَّاظِم فِي الْبكر على أحد الترددين لِأَنَّهُ الْمَنْصُوص لمَالِك وَأَشْهَب وَابْن حبيب وَمُقَابِله أَن اشْتِرَاط الْبكارَة كاشتراط الْعَذْرَاء لِابْنِ الْعَطَّار، وَبَعض الموثقين، فَقَوله: إِن لم يجدهَا بكرا أَي لم يجدهَا مَوْطُوءَة بِنِكَاح فَلَا رد لَهُ بالثيوبة مَعَ اشْتِرَاط الْبكارَة، وَمَعَ عدم اشْتِرَاط شَيْء أصلا مَا لم يزل عذرتها نِكَاح كتم عَنهُ فيردها مَعَ اشْتِرَاط الْبكارَة. وَقَوله: مكتتم أَي كتمته هِيَ أَو وَليهَا أَو هما، وَظَاهره أَنه لَا يردهَا بثيوبة غير النِّكَاح وَلَو علم بهَا الْوَلِيّ وكتمها وَالَّذِي فِي (خَ) أَنه إِذا علم وكتم فَللزَّوْج الرَّد على الْأَصَح، وَبِمَا قَررنَا سقط الِاعْتِرَاض عَنهُ بِأَن كَلَامه يُوهم أَن لَهُ الرَّد يتَقَدَّم عقد نِكَاح عَلَيْهَا وَلَو لم تُوطأ فِيهِ لأَنهم حملُوا الْبكر على مَعْنَاهُ لُغَة وَلَيْسَ ذَلِك مُرَاد النَّاظِم، وإلاَّ أدّى للتدافع فِي كَلَامه لِأَنَّهُ إِن حملنَا الْبكر على الْمَعْنى اللّغَوِيّ اقْتضى أَن يردهَا بتقدم عقد نِكَاح عَلَيْهَا، وَلَو كَانَت لَا زَالَت عذراء الْآن. وَقَوله مَا لم يزل عذرتها نِكَاح الخ. يَقْتَضِي أَنه لَا رد لَهُ بتقدم عقد النِّكَاح حَيْثُ كَانَت عذرتها قَائِمَة فالمخلص من ذَلِك هُوَ حمل الْبكر فِي كَلَامه على الْبكر الَّتِي لم تُوطأ بِنِكَاح لِأَن تقدم عقد النِّكَاح بِمُجَرَّدِهِ لَا يفوت غَرضا فَلَا وَجه لاشْتِرَاط انتفائه وَالله أعلم. تَنْبِيهَات. الأول: لَا حد على الزَّوْج فِيمَا حَكَاهُ عَنْهَا أَنَّهَا غير عذارء وَلَا لعان لِأَن الْعذرَة قد تَزُول بسقطة وَنَحْوهَا إِلَّا أَن يَقُول: زَالَت بزنا أَو يَقُول: وَجدتهَا مفتضة لِأَن لفظ الافتضاض يشْعر بِفعل الْفَاعِل قَالَه (ق) وَقد بحث فِيهِ بِأَن الافتضاض لَا يسْتَلْزم الزِّنَا حَتَّى يكون قذفا لجَوَاز أَن يكون من زوج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 الثَّانِي: إِذا كَذبته فِي دَعْوَى الثيوبة، وَزَعَمت أَنَّهَا عذراء الْآن وَهُوَ أَزَال عذرتها، فَالْمَشْهُور أَنَّهَا تصدق فِي الصُّورَتَيْنِ بِيَمِين (خَ) وَحلفت هِيَ أَو أَبوهَا إِن كَانَت سَفِيهَة وَلَا ينظرها النِّسَاء الخ. وَالَّذِي بِهِ الْعَمَل أَن النِّسَاء ينظرن إِلَيْهَا فِي الصُّورَتَيْنِ كَمَا مر قَالَ فِي اللامية: والفرج للنسوة انجلا. وَلَا مَفْهُوم للنسوة بل فرج الرجل ينظر إِلَيْهِ الرِّجَال أَيْضا كَمَا مر عَن ابْن فتحون أول الْبَاب، وَبِه أفتى ابْن علوان كَمَا مر. الثَّالِث: إِذا اشْترط أَنَّهَا عذراء أَو مَا فِي مَعْنَاهُ أَو أصدقهَا صَدَاقا على مَا مر فَسَقَطت عذرتها بوثبة أَو زنا وَنَحْوهمَا فَإِن تَصَادقا على حُدُوث ذَلِك بعد العقد أَو قَامَت بِهِ بَيِّنَة فَهِيَ مُصِيبَة نزلت بِالزَّوْجِ، وَيلْزمهُ جَمِيع الصَدَاق إِن دخل، وَنصفه إِن طلق قبل الدُّخُول كَمَا فِي جَوَاب لِابْنِ أبي زيد الْمَنْقُول فِي (ق) وَغَيره. وَيدل لَهُ أَيْضا قَول النَّاظِم فِيمَا مر: وَهُوَ لزوج آفَة من بعده. وَفِي الْمُدَوَّنَة فِي كتاب الرَّجْم عَن مَالك إِن ظهر بِالْمَرْأَةِ حمل قبل الْبناء وَأنْكرهُ زَوجهَا وصدقته بِأَنَّهَا زنت وَأَنه مَا وَطئهَا حدت وَلَا يلْحقهُ الْوَلَد وَلَا لعان فِيهِ. ابْن الْقَاسِم: وَهِي زَوْجَة إِن شَاءَ طلق وَإِن شَاءَ أمسك. المتيطي فَقَوْل ابْن الْقَاسِم: إِن شَاءَ طلق وَلم يقل إِن شَاءَ رد يدل على أَنه لَا قيام لَهُ بِالْعَيْبِ إِلَّا أَن يُقَال: إِنَّه لم يَطْلُبهُ ابْن عَرَفَة: وَالْأَظْهَر أَنه حَادث بعد العقد أَو مُحْتَمل الْحُدُوث اه. أَي: وَالْقَوْل للْوَلِيّ وَالزَّوْجَة فِي مُحْتَمل الْحُدُوث أَنه حَادث وإلاَّ لَو كَانَ القَوْل للزَّوْج لقَالَ إِن شَاءَ رد فَتَأَمّله منصفاً فقولها: إِن شَاءَ طلق يَعْنِي وَعَلِيهِ النّصْف كَمَا تقدم عَن ابْن أبي زيد، وَقَوْلها: إِن ظهر بهَا حمل يدل على أَنه طَرَأَ بعد العقد، وإلاَّ فَالنِّكَاح فَاسد فَلَيْسَتْ زَوْجَة حِينَئِذٍ. وَقَوْلها: وَلَا يلْحق بِهِ الْوَلَد يَعْنِي إِذا أَتَت بِهِ لدوّنَ سِتَّة أشهر من يَوْم العقد وإلاَّ فَلَا يَنْتَفِي عَنهُ إِلَّا بِلعان وَلَو تَصَادقا على نَفْيه كَمَا فِي (خَ) وَغَيره لكنه يُعَكر عَلَيْهِ قَوْله: وَهِي زَوْجَة لِأَنَّهَا إِذا أَتَت بِهِ لدوّنَ سِتَّة أشهر، فَالنِّكَاح فَاسد وَعَلِيهِ فَقَوله: وَلَا لعان فِيهِ إِنَّمَا يتمشى على الْمَرْدُود عَلَيْهِ بلو فِي قَول (خَ) وَلَو تَصَادقا الخ. وَأما إِن اخْتلفَا فِي حُدُوث الْحمل وَزَوَال عذرتها بوثبة وَنَحْوهَا فادعت الْحُدُوث وَادّعى هُوَ الْقدَم فَيجْرِي على مَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده. الرَّابِع: ظَاهر النّظم أَنه إِذا اشْترط الْبكارَة واطلع بعد الدُّخُول بهَا أَنَّهَا ثيب بِنِكَاح أَن لَهُ الرَّد لِأَنَّهُ مغرور فَلَا يتْرك لَهَا إلاَّ ربع دِينَار وَهُوَ ظَاهر نقل ابْن عَرَفَة عَن الْبَاجِيّ حَيْثُ قَالَ: لَو وجدهَا ثَيِّبًا من زوج فَلهُ الرَّد اه. وَفِي اخْتِصَار الْبُرْزُليّ: إِذا تزَوجهَا بكرا فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا من رجلَيْنِ فَإِن دخل بهَا مضى النِّكَاح بِصَدَاق مثلهَا وَإِن كَانَ قبل الْبناء خير فِي الْإِقَامَة وَلُزُوم كل الصَدَاق أَو الْفِرَاق وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فقد أَمْضَاهُ مَعَ الدُّخُول بِصَدَاق الْمثل. الْخَامِس: قَالَ ابْن زرب: فَإِذا أقرَّت الْجَارِيَة بعد دُخُول زَوجهَا بهَا أَن بهَا جنوناً أَو أَنَّهَا غير عذراء لم يقبل قَوْلهَا لِأَنَّهَا أقرَّت بِمَا يخرج بعض مَالهَا، وَكَذَا لَو اشْترط عذرتها وَادّعى أَنه لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 يجدهَا كَذَلِك وصدقته لم يقبل قَوْله، وَعَلِيهِ جَمِيع الصَدَاق. كَذَا نقل الْبُرْزُليّ. وَفِي اخْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة مَا نَصه: قَالَ ابْن زرب فِي اختصاره الثَّمَانِية: فَإِن صدقته الزَّوْجَة وَهِي فِي ولَايَة أَبِيهَا لم يقبل قَوْلهَا لِأَنَّهَا أقرَّت بِمَا يخرج بعض مَالهَا من يَد أَبِيهَا. وَقَالَ ابْن حبيب: يقبل قَوْلهَا اه. ابْن عَرَفَة: وَفِي قبُول تصديقها لَهُ وَهِي فِي ولَايَة أَبِيهَا قولا ابْن حبيب. وَابْن زرب: لِأَن مَالهَا بيد أَبِيهَا قَالَ ابْن عَرَفَة: وَإِنَّمَا قَالَ ابْن حبيب بالتصديق لِأَنَّهُ أَمر لَا يعلم من غَيرهَا وَلها نَظِيره فِي إرخاء الستور اه. وَرَأَيْت فِي نَوَازِل الزياتي أَن من تزوج امْرَأَة على أَنَّهَا بكر أَي وعرفهم أَنَّهَا الْعَذْرَاء فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا فَسُئِلت عَن ذَلِك فأقرت أَنَّهَا زنت مُنْذُ خَمْسَة أشهر فَهَل تصدق أم لَا؟ فَقَالَ: الْمُتَبَادر أَنَّهَا تصدق إِذْ لَا يعلم ذَلِك إِلَّا من قبلهَا، وَقد طَال بحثي على النَّص فِي النَّازِلَة فَمَا وفقت على شَيْء اه. قلت: مَا اسْتَظْهرهُ جَار على قَول ابْن حبيب لَا على قَول ابْن زرب الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمد، إِذْ الْمَحْجُور لَا يقبل إِقْرَاره فِيمَا يرجع لمَاله وَالْقَوْل حِينَئِذٍ قَول وَليهَا أَن ذَلِك حدث بعد العقد أَو أَن ذَلِك من فعل الزَّوْج كَمَا مرّ، وكما يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده. وَفِي الْبُرْزُليّ فِيمَن تزوج بكرا فَقَالَ: وَجدتهَا ثَيِّبًا وَأخْبر فِي حِينه بذلك فَقَالَ ابْن أبي زيد: ينظرها النِّسَاء فَإِن قُلْنَ الْقطع جَدِيد لم يقبل مِنْهُ، وَإِن قُلْنَ قديم فَإِن زوَّجها أَخُوهَا أَو أَبوهَا فَعَلَيهِ صَدَاقهَا وَيرجع بِهِ عَلَيْهَا، وَإِن كَانَ غَيرهمَا فَهِيَ الْغَارة فَيرجع عَلَيْهَا بِهِ إِلَّا ربع دِينَار اه. قَالَ الْبُرْزُليّ عقبه: لَعَلَّ هَذَا إِذا اشْترط أَنَّهَا بكر عذراء وَيحْتَمل الْإِطْلَاق لما جرت الْعَادة أَن الْبكر هِيَ الْعَذْرَاء على مَذْهَب الْمُتَأَخِّرين وعَلى مَذْهَب الْمُتَقَدِّمين لَا يضر ذَلِك وَبِه الْعَمَل اه من اختصاره. السَّادِس: من تزوج امْرَأَة على أَنَّهَا بكر فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا فَأقر أَبوهَا أَنَّهَا كَانَت تكنس الْبَيْت فَنزل بهَا شَيْء أذهب عذرتها ورد للزَّوْج الصَدَاق فَقَالَ أَشهب: يرجع الْأَب على الزَّوْج بِمَا دَفعه إِلَيْهِ وَلَا شَيْء للزَّوْج، وَقَالَ أصبغ: لَا يرجع لِأَنَّهُ إِن كَانَ شَرط عَلَيْهِ ذَلِك فَلهُ الرَّد كاشتراط الْبيَاض وَالْجمال، وَإِن لم يَشْتَرِطه فقد طاع الْأَب بِالرَّدِّ فَلَا رُجُوع لَهُ بالجهالة وَلَا يصدق، وَيحمل على أَنه أَرَادَ السّتْر على ابْنَته لِأَن ذَلِك يكون بِهِ الْفرْقَة وَترجع الْبِنْت على أَبِيهَا. قَالَ بعض الموثقين: وَهَذَا يدل على أَن أَشهب لَا يرى لَهُ الرُّجُوع بذلك الْعَيْب يَعْنِي لِأَنَّهُ الْجَارِي على مَا مر من أَن اشْتِرَاط الْبكارَة لَا يُوجب الرَّد بالثيوبة. ابْن رشد: رد الْأَب الْمهْر للزَّوْج إِن كَانَ على شَرط الْفِرَاق لم يتبع بِهِ الزَّوْج لِأَنَّهُ عوض، وتتبع الْبِنْت أَبَاهَا لِأَنَّهُ أتْلفه بِغَيْر حق وَإِن رده على بَقَائِهَا فِي عصمته رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ لابنته إِذْ هبة الْأَب مَال وَلَده الصَّغِير لَا تجوز على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَإِن رده على غير بَيَان الْفرْقَة أَو عدمهَا فَحَمله أَشهب على غير الْفرْقَة فَأوجب لَهُ الرُّجُوع على الزَّوْج، وَحمله أصبغ على الْفرْقَة فأمضاه الزَّوْج ويغرمه الْأَب لابنته، وَهَذَا كُله على عدم حمله أَنَّهَا بكر على شَرط الْعذرَة، وَأما إِذا حمل عَلَيْهِ فَرد الْأَب مَاض وَلَا غرم عَلَيْهِ لابنته نَقله ابْن عَرَفَة والمتيطية. السَّابِع: من حلف بِطَلَاق زَوجته أَن بفلانة عَيْبا مِمَّا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال وَشهِدت أَربع نسْوَة بنفيه، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث قَالَه السوداني فِي بَاب الزِّنَا عِنْد قَوْله: فَلَا يسْقط بِشَهَادَة أَربع نسْوَة ببكارتها. الثَّامِن: قَالَ المتيطي: يَنْبَغِي لأولياء الْمَرْأَة تذْهب عذرتها بِغَيْر نِكَاح أَن يشيعوا ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 ويشهدوا بِهِ ليرتفع عَنْهَا الْعَار عِنْد نِكَاحهَا. ابْن عَرَفَة: إِنَّمَا يرْتَفع عارها إِذا نزل بهَا ذَلِك وَهِي فِي سنّ من لَا تُوطأ أَو كَانَت سقطتها بِمحضر جمع، وَيَنْبَغِي أَن يثبت ذَلِك بِشَهَادَة ذَلِك الْجمع وَلَو كَانَ ذَا ستْرَة قَاصِرَة عَن التَّعْدِيل أَو نسَاء، وَكَيْفِيَّة الشَّهَادَة بذلك أشهد فلَان بن فلَان شهيديه أَنه كَانَ مِمَّا قدر الله إِن نزل بوليته فُلَانَة الَّتِي فِي حجره أَنَّهَا سَقَطت من كَذَا أَو وَثَبت فَسَقَطت عذرتها الخ. فَإِذا زَوجهَا وَليهَا لزمَه إِعْلَام الزَّوْج بذلك فَإِن لم يُعلمهُ جَاءَ الْقَوْلَانِ فِي شَرط الْبكارَة اه. قلت: أصح الْقَوْلَيْنِ أَن لَهُ الرَّد كَمَا تقدم عَن (خَ) . وَالله أعلم. التَّاسِع: لَا عِبْرَة بِنَظَر القوابل إِلَى الْبِنْت بعد أَيَّام من دُخُول الزَّوْج وَإِن شهدن بِأَن الْقطع قديم فَلَا حجَّة للزَّوْج فِي ذَلِك لِأَنَّهُ قد يكون الافتضاض فِي أول دُخُوله وَيبرأ الْجرْح فِي الْأَيَّام بدمل لِأَن الْعَادة أَنه يبرأ بِالْقربِ، وَإِنَّمَا يعْتَبر ذَلِك إِذا نظرن إِلَيْهَا صَبِيحَة لَيْلَة دُخُوله وَمَا قرب مِنْهَا جدا بِحَيْثُ لَا يمر من الزَّمَان مَا يكون الْبُرْء فِيهِ عَادَة قَالَه ابْن لب فِي جَوَاب لَهُ نَقله الشَّارِح. وَيفهم مِنْهُ أَن الزَّوْج إِذا مكث مَعهَا نَحْو الثَّلَاثَة الْأَيَّام وَادّعى أَنه لم يصبهَا إِلَّا فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة مثلا فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا وَادعت هِيَ أَو وَليهَا أَنه أَصَابَهَا فِي اللَّيْلَة الأولى فَالْقَوْل لَهَا ولوليها. وَشَهَادَة القوابل بِعَدَمِ الْقطع عَن ذَلِك لَا تَنْفَع وَالله أعلم. بل لَو اعْترفت بِأَنَّهَا لَا زَالَت عذراء واعترف هُوَ بِوَطْئِهَا فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا وَنظر النِّسَاء إِلَيْهَا بعد يَوْم وَنَحْوه من دُخُوله فوجدنها ثَيِّبًا لوَجَبَ عَلَيْهِ الْغرم للصداق باعترافه لموجبه عَلَيْهِ وَلَا عِبْرَة باعترافها بِبَقَاء عذرتها. وَانْظُر لَو اعْترف بِالْوَطْءِ وكذبته فِيهِ وَشهد النِّسَاء بِبَقَاء عذرتها فَهَل يُؤَاخذ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ كذب شَهَادَة النِّسَاء إِلَّا أَن يرجع لقولها كَمَا يدل لَهُ قَول (خَ) فِي فصل الصَدَاق وَإِن أقرّ بِهِ فَقَط أَخذ إِن كَانَت سَفِيهَة وَهل إِن أدام الْإِقْرَار لرشيدة كَذَلِك أَو إِن كذبت نَفسهَا؟ تَأْوِيلَانِ الخ. الْعَاشِر: ظَاهر إطلاقات الْأَشْيَاخ أَن النِّسَاء ينظرن إِلَى نفس الْفرج وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عمل النَّاس الْيَوْم فِيمَا شَاهَدْنَاهُ من غير نَكِير من الْقُضَاة وَأهل الْعلم، وَالَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ فِي الْمُتَيْطِيَّة وَابْن فَرِحُونَ فِي التَّبْصِرَة: أَن تجْعَل الْمرْآة أَمَام فرجهَا وتفتح فخذيها وتجلس امْرَأَتَانِ من خلفهَا ينْظرَانِ فِي الْمرْآة وَهِي تفتحها بِيَدِهَا فَمَا نظرتا فِيهِ شهدتا بِهِ. والقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ قَبْلَ الابتِنَا فِي قِدَمِ العَيْب الَّذِي تَبَيَّنَا (وَالْقَوْل) مُبْتَدأ (قَول الزَّوْج) خبر (قبل الابتناء) ظرف لمصدر دلّ عَلَيْهِ الْخَبَر الْمَذْكُور أَي القَوْل قَول الزَّوْج عِنْد الِاخْتِلَاف قبل الابتناء إِذْ لَا يُقَال القَوْل لفُلَان إِلَّا عِنْد الِاخْتِلَاف (فِي قدم الْعَيْب) يتَعَلَّق بالْخبر (الَّذِي تَبينا) نعت للعيب ومعموله مَحْذُوف أَي الَّذِي تبين قبل الْبناء. وَالقَوْلُ بَعْدَ فِي الحُدُوثِ قَوْلَ الأبْ والزَّوْجُ إذْ ذَاكَ بَيانُهُ وَجَبْ (وَالْقَوْل) مُبْتَدأ (بعد) ظرف للِاخْتِلَاف الْمُقدر أَيْضا مَبْنِيّ على الضَّم لقطعه عَن الْإِضَافَة لفظا (فِي الْحُدُوث) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (قَول الْأَب وَالزَّوْج) مُبْتَدأ (إِذْ) ظرف زمَان مَاض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 يتَعَلَّق بوجب (ذَاك) مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف تَقْدِيره كَذَلِك، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذْ لقَوْله: وألزموا إِضَافَة إِلَى الْجمل. حَيْثُ وَإِذ الخ. (بَيَانه) مُبْتَدأ ثَان وَجُمْلَة (وَجب) خَبره، وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر خبر الأول، وَالْمعْنَى أَن الزَّوْجَيْنِ إِذا اخْتلفَا فِي قدم الْعَيْب وحدوثه فَادّعى تقدمه على العقد ليَكُون لَهُ الرَّد، وَادعت الزَّوْجَة أَو وَليهَا حُدُوثه بعد العقد ليَكُون مُصِيبَة نزلت بِهِ كَمَا مرّ فِي قَوْله: وَهُوَ لزوج آفَة من بعده. فَإِن كَانَ ذَلِك الِاخْتِلَاف قبل الْبناء فَالْقَوْل قَول الزَّوْج فِي قدمه وعَلى الزَّوْجَة إِثْبَات كَونه حَادِثا، وَإِن كَانَ اخْتِلَافهمَا بعد الْبناء فَالْقَوْل قَول الزَّوْجَة فِي حُدُوثه وعَلى الزَّوْج بَيَان قدمه. وَمَا ذكّره النَّاظِم هُوَ ملخص مَا لِابْنِ رشد فِي الْبَيَان مُقَيّدا بِهِ إِطْلَاق ابْن الْقَاسِم حَيْثُ قَالَ فِي سَماع عِيسَى وَأصبغ من زوج ابْنَته على أَنَّهَا صَحِيحَة فتجذمت بعد سنة أَو نَحْوهَا. فَقَالَ الْأَب: تجذمت بعد النِّكَاح. وَقَالَ الزَّوْج: قبله فالأب مُصدق وعَلى الزَّوْج الْبَيِّنَة. ابْن رشد: إِنَّمَا يصدق إِن تداعيا بعد الْبناء وَقَبله القَوْل قَول الزَّوْج كَمَا أَن القَوْل قَول الْمُبْتَاع فِي عيب عبد ظهر قبل قَبضه يحْتَمل الْحُدُوث والقدم اه. فَأَنت ترَاهُ فِي الرِّوَايَة أطلق، وَقَيده ابْن رشد بِمَا ترى وَتَبعهُ على التَّفْصِيل الْمَذْكُور ابْن سَلمُون والناظم، وَالَّذِي لِابْنِ فتحون أَن القَوْل للزَّوْجَة وأبيها مُطلقًا كَانَ النزاع قبل الْبناء أَو بعده وَهُوَ ظَاهر (خَ) وَابْن شَاس والمقرب. قلت: وَهُوَ الْمُوَافق لنَصّ ابْن الْقَاسِم الْمُتَقَدّم فِيمَن ظهر بهَا حمل قبل الْبناء وَأَنه إِن شَاءَ أمسك وَإِن شَاءَ طلق لكَون الْحمل حَادِثا بعد العقد، أَو مُحْتَمل الْحُدُوث على مَا اسْتَظْهرهُ ابْن عَرَفَة كَمَا مرّ فِي التَّنْبِيه الثَّالِث قبل هذَيْن الْبَيْتَيْنِ. وَحَاصِله؛ أَن ابْن الْقَاسِم فِي سَماع عِيسَى وَأصبغ قَالَ: إِن القَوْل للْأَب وعَلى الزَّوْج الْبَيِّنَة وَأطلق فَظَاهره كَانَ نزاعهما قبل الْبناء أَو بعده وَاعْتمد إِطْلَاقه غير ابْن رشد مِمَّن تقدم، وَهَذَا الْإِطْلَاق هُوَ الْمُوَافق لما مر قَرِيبا عَن الْمُدَوَّنَة فِي كتاب الرَّجْم، وَلذَا أطلق (ح) وَغَيره مِمَّن تقدم قَالَ ابْن رحال: وَهُوَ الصَّوَاب وَتَقْيِيد ابْن رشد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 وَإِن تبعه عَلَيْهِ غَيره غير ظَاهر وَكم من تَقْيِيد أهمل، وَقد أطلق ابْن يُونُس كَمَا أطلق ابْن شَاس اه بِاخْتِصَار. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا كَانَ القَوْل للْأَب فبيمينه (خَ) وَحلفت هِيَ أَو أَبوهَا إِن كَانَت سَفِيهَة الخ. ابْن رشد: الْأَخ كَالْأَبِ أَي وَأَحْرَى الابْن وَغَيرهم من الْأَوْلِيَاء لَا يَمِين عَلَيْهِم، بل عَلَيْهَا، وَيَنْبَغِي أَن تكون يَمِين الْوَلِيّ على الْعلم انْظُر ابْن عَرَفَة و (ح) . الثَّانِي: قَالَ الشَّارِح: انْظُر هَل يُرِيد بِالْبَيِّنَةِ إِقَامَة شَهَادَة بِأَن الْعَيْب بهَا قديم أَو حَادث أَو شَهَادَة أهل الْمعرفَة بِأَنَّهُ قديم أقدم من أمد العقد أَو حَادث بعد العقد أَو مُحْتَمل كَالشَّهَادَةِ فِي الرَّقِيق وَالدَّوَاب اه. قلت: الْجَارِي على مَا مر فِي مَسْأَلَة الْبكارَة أَن المُرَاد شَهَادَة أهل الْمعرفَة بِأَنَّهُ أقدم من أمد العقد وَأَحْرَى إِذا أَقَامَ بَيِّنَة تشهد بِالْقطعِ بِأَنَّهُ كَانَ بهَا قَدِيما، وَرُبمَا يستروح هَذَا أَيْضا من تَشْبِيه. ابْن رشد: الْمَسْأَلَة بِعَيْب عبد ظهر قبل قَبضه الخ فَتَأَمّله وَالله أعلم. كَذَا بَرَدَ ذِي انْتِسَابٍ أُلْفِيَا لِغيَّةٍ أَوْ مُسْتَرَقًّا قُضِيَا (كَذَا) تَشْبِيه رَاجع لقَوْله قضى آخر الْبَيْت (برد ذِي انتساب) يتَعَلَّق بقضى الْمَذْكُور (ألفيا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول بِمَعْنى وجد وألفه للإطلاق ونائبه الْمَفْعُول الأول ضمير يعود على ذِي انتساب (لغية) بِكَسْر لَام الْجَرّ وَفتح الْغَيْن وَكسرهَا يتَعَلَّق بألفى فِي مَحل الْمَفْعُول الثَّانِي لَهُ يُقَال فلَان لغية إِذا كَانَ لغير رشدة أَي ابْن زنا (أَو مسترقاً) مَعْطُوف على مَحل لغية (قضيا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير يعود على الزَّوْجَة أَي: قضى لَهَا فحذفت لَام الْجَرّ فاتصل الضَّمِير واستتر وَالتَّقْدِير قضى للزَّوْجَة برد ذِي انتساب ألفته مَنْسُوبا لغية أَو مسترقاً كَذَلِك أَيْضا كَمَا قضى لَهَا برده بِالْعَيْبِ، فَإِذا تزوجته على أَنه ذُو نسب فَوَجَدته ولد زنا أَو تزوجته على أَنه حر فَوَجَدته رَقِيقا أَو ذَا شَائِبَة رق فلهَا رده إِن شَاءَت، وَظَاهره أَن مُجَرّد الظَّن كَاف وَإِن لم يكن هُنَاكَ شَرط فَقَوله: ذِي انتساب أَي اشتراطاً أَو ظنا فَإِذا تزوجته ظانة أَنه نسيب أَو أَنه حر، فَإِذا هُوَ لغية أَو رَقِيق فلهَا رده لِأَن الْعرف أَن النسيبة لَا تتَزَوَّج إِلَّا النسيب، والحرة لَا تتَزَوَّج إِلَّا الْحر وَالْعرْف كالشرط، فَإِن لم يكن عرف بذلك فَلَا رد إِلَّا مَعَ الشَّرْط الصَّرِيح وَعكس الْمَسْأَلَتَيْنِ كَذَلِك وَهُوَ تزَوجه إِيَّاهَا ظَانّا أَو مشترطاً أَنَّهَا لرشدة فَإِذا هِيَ لغية أَو ظَانّا أَو مشترطاً أَنَّهَا حرَّة فَإِذا هِيَ أمة، وَيفهم مِنْهُ أَنه إِذا تزَوجهَا يَظُنهَا حرَّة فَإِذا هُوَ وَهِي رقيقان لَا رد لَهَا وَلَا لَهُ لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا من مناكح الآخر. نعم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 لَو تزَوجهَا العَبْد أَو تزوجته على شَرط الْحُرِّيَّة فَتبين خِلَافه فلهَا وَله الرَّد، وَإِن كَانَ كل مِنْهُمَا من مناكح الآخر لِأَنَّهُ خلاف الشَّرْط الْمَدْخُول عَلَيْهِ، وَانْظُر لَو تزَوجهَا أَو تزوجته على أَنَّهَا أَو أَنه لرشدة فَإِذا هما لغية هَل يجْرِي على حكم مَا إِذا كَانَ الْعَيْب بهما مَعًا كَمَا مر فِي أول الْفَصْل أَو إِلَى الْمَسْأَلَة الْأَخِيرَة، وعكسها الشَّارِح بقوله: وإلاَّ تزوج الْحر الْأمة والحرة العَبْد بِخِلَاف العَبْد مَعَ الْأمة وَالْمُسلم مَعَ النَّصْرَانِيَّة إِلَّا أَن يغرا أَو إِلَى مَا يتَضَمَّن الأولى أَشَارَ بقوله: وللعربية رد الْمولى المنتسب. الخ. فيستروح مِنْهُ أَن الَّذِي لغية يرد بالأحرى وَلَو لغير الْعَرَبيَّة، وَفِي الْمُتَيْطِيَّة وللمرأة أَن ترد الرجل إِذا انتسب لَهَا فَوَجَدته لغية وَكَذَلِكَ إِن كَانَ عبدا الخ. تَنْبِيه: سكت النَّاظِم عَمَّا يكون للزَّوْجَة فِي الرَّد قبل الْبناء أَو بعده، وَأَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: وَمَعَ الرَّد قبل الْبناء فَلَا صدَاق وَبعده فَمَعَ عَيبه الْمُسَمّى وَمَعَهَا رَجَعَ بِجَمِيعِهِ انْظُر تَفْصِيله فِيهِ. (فصل (فِي) ذكر أَحْكَام (الْإِيلَاء وَالظِّهَار)) وَاخْتلف فِي معنى الْإِيلَاء لُغَة فَقيل: هُوَ الْيَمين مُطلقًا، ثمَّ اسْتعْمل فِي الْيَمين على ترك الْوَطْء، وَقيل: هُوَ الِامْتِنَاع قَالَ تَعَالَى: وَلَا يَأْتَلِ أولو الْفضل مِنْكُم} (النُّور: 22) وَشرعا قَالَ ابْن عَرَفَة: حلف زوج على ترك وَطْء زَوجته يُوجب خِيَارهَا فِي طَلَاقه اه. فَقَوله على ترك وَطْء زَوجته الخ أخرج بِهِ مَا إِذا حلف على غير ترك الْوَطْء أَو على ترك وَطْء غير الزَّوْجَة من أَجْنَبِيَّة أَو أمة. وَفِي المعيار: لَا يلْزم الْإِيلَاء فِي الْأَجْنَبِيَّة، وَيلْزمهُ الظِّهَار فِيهَا. وانظره مَعَ قَول الْقَرَافِيّ فِي ذخيرته إِذا قَالَ لأجنبية: وَالله لَا أطؤك وَأَنت عَليّ كظهري أُمِّي فَتَزَوجهَا لزمَه الْإِيلَاء لِأَنَّهَا يَمِين لَا يشْتَرط فِيهَا ملك الْمَحْلُوف عَلَيْهِ دون الظِّهَار لِأَن من شَرطه الزَّوْجِيَّة إِلَّا أَن يُرِيد إِن تَزَوَّجتك فيلزماه مَعًا اه بِلَفْظِهِ. وَقَوله: يُوجب خِيَارهَا أخرج بِهِ الْحلف عل ترك الْوَطْء الَّذِي لَا يُوجب لَهَا خياراً كحلفه على تَركه أَرْبَعَة أشهر فدون أَو كَون الزَّوْج لَا يتَصَوَّر مِنْهُ الْوَطْء كالعنين والمجبوب أَو كَون الزَّوْجَة مُرْضِعَة أَو صَغِيرَة لَا يُوطأ مثلهَا وَنَحْو ذَلِك، فَحلف الزَّوْج الْمَجْبُوب أَو ذُو الزَّوْجَة الْمُرضعَة وَالصَّغِيرَة على ترك الْوَطْء أَكثر من أَرْبَعَة أشهر لَا يُوجب للزَّوْجَة خياراً لكَونه لم يقْصد بذلك ضَرَرا إِلَّا أَنه اعْترض قَوْله: يُوجب خِيَارهَا بِأَنَّهُ من إِدْخَال الحكم فِي الْحَد اه. وَهُوَ مَرْدُود لِأَنَّهُ يُفْضِي للدور. وَقد يُجَاب بِمَا أجابوا بِهِ عَن ابْن مَالك فِي قَوْله: الْحَال وصف فضلَة منتصب الخ. وَلَهُم فِي ذَلِك أجوبة مِنْهَا أَن الْمَمْنُوع هُوَ الحكم قبل تصور الْمَحْدُود بِشَيْء مَا من أَجْزَائِهِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِك وعرفه (خَ) بقوله الْإِيلَاء يَمِين زوج مُسلم مُكَلّف يتَصَوَّر وقاعه وَأَن مَرِيضا يمْنَع وَطْء زَوجته وَإِن تَعْلِيقا غير الْمُرْضع وَإِن رَجْعِيَّة أَكثر من أَرْبَعَة أشهر أَو شَهْرَيْن للْعَبد وَلَا ينْتَقل لِلْعِتْقِ بعده، كوالله لَا أراجعك أَو لَا أطؤك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 وَمَنْ لِوَطءٍ بِيَمِينٍ مَنَعَه لِزَوْجَةٍفَوْقَ شُهُورٍ أَرْبَعَهْ (وَمن) اسْم شَرط أَو اسْم مَوْصُول مُبْتَدأ وَاقع على الزَّوْج الْمُكَلف الَّذِي يتَصَوَّر وقاعه (لوطء) اللَّام زَائِدَة لَا تتَعَلَّق بِشَيْء كَمَا مر، وَهُوَ فِي مَحل نصب يمنعهُ من بَاب الِاشْتِغَال (بِيَمِين) يتَعَلَّق بقوله: (مَنعه) وَالْجُمْلَة صلَة الْمَوْصُول أَو فعل الشَّرْط الضَّمِير الْفَاعِل بِمَنْعه (لزوجة) يتَعَلَّق بِمَنْعه أَيْضا وَهُوَ على حذف الصّفة أَي غير مُرْضِعَة وَلَا صَغِيرَة لَا يُوطأ مثلهَا (فَوق شهور) ظرف يتَعَلَّق بِهِ أَيْضا (أَرْبَعه) صفة للشهور. فَذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; لِكَ المُولِي وَتأْجِيلٌ وَجَبْ لهُ إِلَى فَيْئَتِهِ لِمَا اجْتَنَبْ (فَذَلِك) مُبْتَدأ (الْمولى) خَبره، وَالْجُمْلَة من هَذَا الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر جَوَاب من على أَنَّهَا شَرْطِيَّة أَو خَبَرهَا على أَنَّهَا مَوْصُولَة وَدخلت الْفَاء فِي خبر الْمَوْصُول لشبهه بِالشّرطِ فِي الْعُمُوم والإبهام (وتأجيل) مُبْتَدأ سوغه عطف هَذِه الْجُمْلَة على الَّتِي قبلهَا (وَجب) خَبره (لَهُ إِلَى فيئته) يتعلقان بِهِ (لما) يتَعَلَّق بفيئة (اجْتنب) صلَة مَا، وَالتَّقْدِير: وَالزَّوْج الَّذِي منع لزوجته وطأ بِيَمِين مَنعه فَوق شهور أَرْبَعَة للْحرّ وشهرين للْعَبد فَذا الْحَالِف هُوَ الْمولى، وَالْحكم أَنه يجب أَن يُؤَجل أجل الْإِيلَاء الآني إِلَى فيئته أَي عوده للْوَطْء الَّذِي اجتنبه بِيَمِينِهِ الْمَذْكُورَة. والفيئة بِفَتْح الْفَاء وَكسرهَا قَالَ (خَ) : هِيَ تغييب الْحَشَفَة فِي الْقبل وافتضاض الْبكر، فَإِذا فَاء دَاخل الْأَجَل انحل عَنهُ الْإِيلَاء وَكفر عَن يَمِينه إِن كَانَت مِمَّا تكفر، وَإِذا انْقَضى أجل الْإِيلَاء الآني وَهُوَ أَرْبَعَة أشهر من يَوْم الْحلف أَو الرّفْع فِي الْحِنْث أَو لم يفىء أوقفهُ القَاضِي فإمَّا فَاء وَإِلَّا طلق عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَإِذا آلى حر من امْرَأَته أَرْبَعَة أشهر فدون أَو عبد شَهْرَيْن فدون فَلَا حكم لَهُ فَإِن زَاد إِيلَاء الْحر أَو العَبْد على مَا ذَكرْنَاهُ أَو كَانَت يَمِينه مُطلقَة فِي الزَّمَان وَقَامَت الزَّوْجَة بِحَقِّهَا فِي الْوَطْء ضرب لَهُ أجل الْإِيلَاء من يَوْم الْيَمين فَإِذا انْقَضى قيل لَهُ: إِمَّا أَن تفيء وَإِلَّا طلقت عَلَيْك اه بِلَفْظ الِاخْتِصَار. وَمَا نَقله الشَّارِح هُوَ لفظ النِّهَايَة كَمَا وقفت عَلَيْهِ فِيهَا، ثمَّ إِن النَّاظِم أطلق فِي الزَّوْجَة فَيشْمَل الْمَدْخُول بهَا وَغَيرهَا حرَّة كَانَت أَو أمة أَو كِتَابِيَّة كَمَا أطلق فِي الْيَمين فَشَمَلَ الْيَمين بِاللَّه وَغَيرهَا من نذر صَلَاة أَو صِيَام أَو هدي أَو حج أَو عتق أَو بِطَلَاقِهَا أَو بِطَلَاق امْرَأَة أُخْرَى. وَقَوله: وتأجيل وَجب الخ هَذَا التَّأْجِيل هُوَ الْآتِي فِي قَوْله: وَأجل الْمولى شهور أَرْبَعَة الخ. وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا ينْعَقد إيلاؤه إِلَّا إِذا حلف على تَركه أَكثر من أَرْبَعَة أشهر وشهرين للْعَبد أَو كَانَت يَمِينه مُبْهمَة أَي مُطلقَة أَو فِي معنى الْمُطلقَة كَقَوْلِه: وَالله لَا أطؤك حَتَّى يقدم زيد أَو حَتَّى تَأتِينِي أَو حَتَّى أَمُوت أَو حَتَّى تسأليني وَإِذا انْعَقَد وَجب تَأْجِيله أَرْبَعَة أشهر للْحرّ وَنِصْفهَا للْعَبد وَإِلَى مبدأ التَّأْجِيل أَشَارَ بقوله: وَأَجَلُ الإيلاءِ مِنْ يَوْمِ الحَلِفْ وحانِثٌ مِنْ يَوْمِ رَفْعِهِ ائْتُنِفْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 (وَأجل الْإِيلَاء) مُبْتَدأ (من يَوْم الْحلف) خَبره. وَمَعْنَاهُ أَن أجل الْإِيلَاء الْآتِي فِي قَوْله: وَأجل الْمولى شهور أَرْبَعَة. مبدوء من يَوْم الْحلف. وَهَذَا إِذا كَانَت يَمِينه على بر بِدَلِيل مَا بعده فَيشْمَل وَالله لَا أطؤك وَأطلق، فَإِن الْإِطْلَاق يعم سَائِر الْأَزْمَان فَهُوَ على إِطْلَاقه فَلَا يخص بِوَقْت دون وَقت إِلَّا بِدَلِيل، وَأَحْرَى لَو قَالَ: وَالله لَا أطؤك أبدا أَو خَمْسَة أشهر بل ظَاهره وَلَو كَانَت مُحْتَملَة لأَقل من أَرْبَعَة أشهر كوالله لَا أطؤك حَتَّى يقدم زيد أَو يَمُوت أَو حَتَّى تسأليني أَو تَأتِينِي وَنَحْو ذَلِك كَمَا هُوَ نَص الْمُدَوَّنَة خلافًا لما فِي (خَ) من أَن الْأَجَل فِي المحتملة من يَوْم الرّفْع وَالْحكم حَيْثُ قَالَ: وَالْأَجَل من الْيَمين إِن كَانَت يَمِينه صَرِيحَة فِي ترك الْوَطْء لَا إِن احتملت مُدَّة يَمِينه أقل أَو حلف على حنث فَمن الرّفْع وَالْحكم الخ. وَالْحَاصِل أَنه مهما دلّت يَمِينه على ترك الْوَطْء صَرَاحَة أَو التزاماً كوالله لَا ألتقي مَعهَا أَو لَا أَغْتَسِل من جَنَابَة فالأجل من يَوْم الْيَمين كَانَت الْيَمين صَرِيحَة فِي كَون الْمدَّة أَكثر من أَرْبَعَة أشهر حَقِيقَة، وَمِنْهَا لَا وَطئتك حَتَّى يقدم فلَان، وَقد علم أَنه لَا يقدم إِلَّا بعْدهَا أَو حكما كلا وَطئتك حَتَّى أَمُوت أَو تموتي أَو كَانَت غير صَرِيحَة فِي الْمدَّة الْمَذْكُورَة بل تحْتَمل كوالله لَا وَطئتك حَتَّى يدْخل زيد الدَّار أَو حَتَّى يَمُوت عَمْرو، لاحْتِمَال دُخُوله الدَّار أَو موت عمر وَأثر الْيَمين قبل مُضِيّ الْمدَّة إِلَّا أَنه فِي غير المحتملة بقسميها يحكم بإيلائه من الْآن، وَفِي المحتملة بصورتيها لَا يحكم بِأَنَّهُ مول حَتَّى تَنْقَضِي الْأَرْبَعَة أشهر وَلم يطَأ وَلم يَقع الْمَحْلُوف عَلَيْهِ، فهناك يحكم بِأَنَّهُ مول وَلَا يضْرب لَهُ أجل آخر بل أَجله قد انْقَضى خلافًا لما يَقْتَضِيهِ (خَ) من أَنه فِي المحتملة يسْتَأْنف لَهُ الْأَجَل من يَوْم الرّفْع فمصب الصراحة عِنْده الْمدَّة الْمقدرَة أَي: وَالْأَجَل فِي الْيَمين بِشَرْطَيْنِ أَن تكون يَمِينه على ترك الْوَطْء صَرَاحَة أَو التزاماً، وَأَن تكون صَرِيحَة فِي الْمدَّة الْمَذْكُورَة وَهِي أَكثر من أَرْبَعَة أشهر للْحرّ أَو شَهْرَيْن للْعَبد، فالصراحة منصبة على هَذَا الشَّرْط الثَّانِي الْمُقدر بِدَلِيل قَوْله: لَا إِن احتملت مُدَّة يَمِينه أقل الخ. قَالَه طفي وَغَيره. (وحانث) مُبْتَدأ على حذف مُضَاف أَي: وَأجل حانث (من يَوْم رَفعه) يتَعَلَّق بقوله (ائتنف) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ، وَالْمعْنَى أَن الْحَالِف على ترك الْوَطْء تَصْرِيحًا أَو التزاماً أَجله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 من يَوْم الْحلف سَوَاء كَانَت يَمِينه صَرِيحَة فِي كَون الْمدَّة أَكثر من أَرْبَعَة أشهر أَو مُحْتَملَة أقل كَمَا مرّ، وَإِن حلف على غير ترك الْوَطْء كَقَوْلِه: إِن لم أَدخل الدَّار أَو إِن لم أكلم فلَانا مثلا فَأَنت طَالِق أَو عَلَيْهِ الطَّلَاق ليضربن زيدا فالأجل فِي ذَلِك من يَوْم الرّفْع كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) فِي الطَّلَاق بقوله: وَإِن نفى وَلم يُؤَجل كَانَ لم أقدم منع مِنْهَا أَي وَيدخل عَلَيْهَا الْإِيلَاء فَقَوْل النَّاظِم: وحانث الخ وَقَول (خَ) وعَلى حنث أَي وَقد حلف على غير ترك الْوَطْء كَمَا فِي طفي. وَيَقَعُ الطَّلاقُ حَيْثُ لَا يَفِي إلاّ عَلَى ذِي العُذْرِ فِي التَّخَلُّفِ (وَيَقَع الطَّلَاق) فعل وفاعل (حَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه الْمَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ وفاعل (لَا يَفِي) ضمير يعود على الْمولى وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (إِلَّا) اسْتثِْنَاء مفرغ (على ذِي الْعذر) يتَعَلَّق بيقع (فِي التَّخَلُّف) بدل من الْعذر وَفِي سَبَبِيَّة وَهُوَ من بَاب الْقلب أَي: وَيَقَع الطَّلَاق على كل مول إِن لم يَفِ بعد أَجله الْآتِي إِلَّا على الْمولى ذِي التَّخَلُّف بِسَبَب الْعذر من مرض أَو غيبَة أَو سجن أَو حيض أَو إِحْرَام، فَفِي الْحيض وَالْإِحْرَام يُؤَخر لزوالهما إِن وعد بهَا أَو يكفر أَو يعجل الْحِنْث كَمَا فِي طفي و (خَ) وفيئة الْمَرِيض والمحبوس بِمَا ينْحل بِهِ إيلاؤهما وَبعث للْغَائِب إِن بشهرين فَقَوله: وَيَقَع الطَّلَاق أَي إِذا انْقَضى الْأَجَل فَيُقَال لَهُ: إِمَّا أَن تفيء وَإِلَّا طلقت عَلَيْك كَمَا مرّ عَن الْمُتَيْطِيَّة، فَإِن قَالَ: لَا أفيء طلق الْحَاكِم عَلَيْهِ بِلَا تلوم طَلْقَة يملك بهَا رَجعتهَا إِن فَاء فِي الْعدة وَإِن وعد بالفيئة تلوم لَهُ واختبر مرّة بعد مرّة فِي مُدَّة التَّلَوُّم، فَإِن ادّعى الْوَطْء فِيهَا صدق بِيَمِين فِي الثّيّب وَينظر النِّسَاء للبكر على مَا بِهِ الْعَمَل فَإِن مَضَت مُدَّة التَّلَوُّم وَلم يفىء أَمر بِالطَّلَاق، فَإِن لم يفعل طلق الْحَاكِم عَلَيْهِ، وَمثل الْحَاكِم من يقوم مقَامه من صلحاء البله عِنْد فَقده. والفيئة اصْطِلَاحا هِيَ تغييب الْحَشَفَة فِي الْقبل فِي الثّيّب وافتضاض الْبكر. وَفِي الْقَامُوس فَاء الْمولى من امْرَأَته كفر عَن يَمِينه وَرجع إِلَيْهَا. وَفِي ذخيرة الْقَرَافِيّ الْفَيْئَة الرُّجُوع وَمِنْه الْفَيْء بعد الزَّوَال للظل أَي: رَجَعَ بعد ذَهَابه فَقَوله: حَيْثُ لَا يفىء الخ لَا مَانع من حمل الْفَيْئَة فِي كَلَامه على مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ، بل هُوَ الْوَاجِب ليعم التغييب الْمَذْكُور أَو تَعْجِيل الْحِنْث كعتق الْمَحْلُوف بِعِتْقِهِ أَو تَكْفِير مَا يكفر أَو يدْخل الدَّار وَنَحْو ذَلِك (خَ) وانحل الْإِيلَاء بِزَوَال ملك من حلف بِعِتْقِهِ وبتعجيل الْحِنْث وبتكفير مَا يكفر إِلَى أَن قَالَ وطلق عَلَيْهِ إِن قَالَ: لَا أَطَأ بِلَا تلوم وَإِلَّا اختبر مرّة بعد مرّة الخ. إِلَّا أَنه إِذا انحل إيلاؤه بتعجيل الْحِنْث وَنَحْوه وَاسْتمرّ على ترك الْوَطْء فيطلق عَلَيْهِ حِينَئِذٍ للضَّرُورَة كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: واشترك التارك للْوَطْء مَعَه. وَعَادِمٌ لِلْوَطْءِ لِلنِّساءِ لَيْسَ لَهُ كالشَّيْخِ مِنْ إيلاءِ (وعادم) مُبْتَدأ سوغه عمله فِي قَوْله (للْوَطْء) وَقَوله (للنِّسَاء) يتَعَلَّق بِالْوَطْءِ (لَيْسَ) فعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 نَاقص (لَهُ) خبر مقدم، وَاللَّام بِمَعْنى (على) (كالشيخ) خبر لمبتدأ مَحْذُوف وَالْجُمْلَة مُعْتَرضَة بَين لَيْسَ وَاسْمهَا (من إِيلَاء) اسْم لَيْسَ جر بِمن الزَّائِدَة، وَالتَّقْدِير: وعادم لوطء النِّسَاء لَيْسَ عَلَيْهِ إِيلَاء وَذَلِكَ كالشيخ الفاني والمجبوب والعنين والمعترض والخصي أَو كَانَت الزَّوْجَة لَا تطِيق الْوَطْء لصغرها، وَهَذَا كُله مِمَّا يدْخل تَحت الْكَاف، وَمَفْهُوم من قَول (خَ) يتَصَوَّر وقاعه، وَكَذَا إِن كَانَت الزَّوْجَة مُرْضعًا، وَزعم أَن إيلائه كَانَ لإِصْلَاح الْوَلَد. وَقَالَ أصبغ: ينْعَقد إيلاؤه. اللَّخْمِيّ: وَهُوَ أَقيس لِأَن لَهَا حَقًا فِي الْوَطْء وَلَا حق للْوَلَد فِي تَركه لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِنَّه لَا يضر) . قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَشَمل قَوْله: وعادم الخ. مَا إِذا كَانَ عادماً لَهُ وَقت الْإِيلَاء أَو عِنْد الْأَجَل فَيدْخل فِي كَلَامه مَا إِذا آلى وَهُوَ صَحِيح ثمَّ جب أَو خصي أَو اعْترض فِي أثْنَاء الْأَجَل فَإِنَّهُ لَا يُطَالب بالفيئة. وأجَلُ الْمُولي شَهُورٌ أَرْبَعَهْ وَاشْتَرَكَ التَّارِكُ لِلْوَطْءِ مَعَهْ (وَأجل الْمولي) مُبْتَدأ خَبره (شهور أَرْبَعه) لقَوْله تَعَالَى: للَّذين يؤلون من نِسَائِهِم تربص أَرْبَعَة أشهر} إِلَى قَوْله: سميع عليم} (الْبَقَرَة: 226) وَهَذَا للْحرّ، وَأما العَبْد فَسَيَأْتِي أَنه يُؤَجل نصف ذَلِك فَإِذا انْقَضى الْأَجَل أوقفهُ القَاضِي حِينَئِذٍ وَلَا يُزَاد على الْأَجَل فَإِن قَالَ: أَنا أفيء اختبره الْحَاكِم الْمرة بعد الْمرة كَمَا مر، وَيكون ذَلِك قَرِيبا بعضه من بعض وَإِن قَالَ لَا أفيء طلقت مَكَانهَا إِن لم ترض بالْمقَام مَعَه فَإِن رضيت بالْمقَام فلهَا الْقيام بعد وتطليق نَفسهَا من غير اسْتِئْنَاف أجل، وَكَذَلِكَ امْرَأَة الْمُعْتَرض لَهَا الْقيام بعد الرِّضَا وَلَا يسْتَأْنف لَهُ أجل بِخِلَاف الْمُعسر بِالنَّفَقَةِ إِذا أسقطت حَقّهَا، ثمَّ قَامَت فَلَا تطلق إِلَّا بعد أجل ثَان. (واشترك التارك) فعل وفاعل (للْوَطْء) يتَعَلَّق بالتارك (مَعَه) يتَعَلَّق باشترك وضميره للْحَالِف على ترك الْوَطْء. فِي ذاكَ حَيْث التَّرْكُ قَصْداً لِلضَّرَرْ مِنْ بَعْدِ زَجْرِ حَاكِمٍ وَمَا ازْدَجَرْ (فِي ذَاك) يتَعَلَّق باشترك أَيْضا. وَالْإِشَارَة للتأجيل الْمَذْكُور (حَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه الْمَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ (التّرْك) مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف أَي حَيْثُ التّرْك مَوْجُود حَال كَونه (قصدا) أَي مَقْصُودا أَي بِلَا عذر (للضَّرَر) يتَعَلَّق بمقدر أَي فيطلق عَلَيْهِ للضَّرَر بِالزَّوْجَةِ (من بعد زجر حَاكم) يتَعَلَّق بذلك الْمُقدر أَيْضا (وَمَا ازدجر) حَال وَمَا نَافِيَة. بَعْدَ تَلَوُّمٍ وَفِي الظِّهارِ لِمَنْ أَبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; التَّكْفِيرَ ذاكَ جَاري (بعد تلوم) يتَعَلَّق بالمقدر أَيْضا، وَيحْتَمل أَنه مَعْطُوف على بعد الأول بِحَذْف العاطف وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 أظهر، وَالْمعْنَى أَن التارك للْوَطْء بِغَيْر يَمِين يشْتَرك مَعَ الْمولى فِي التَّأْجِيل بأَرْبعَة أشهر حَيْثُ التّرْك مَوْجُود قصدا وَيُطلق عَلَيْهِ بعْدهَا للضَّرَر من بعد أَن يزجره الْحَاكِم وَلم ينزجر وَمن بعد تلوم، والبعدية ظرف متسع فَتصدق بالزجر قبل التَّأْجِيل وَبعده وبالتلوم قبله وَبعده أَيْضا، وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله بعد تلوم مُنْقَطِعًا عَمَّا قبله مُقَابلا لَهُ على حذف القَوْل أَي: وَقيل يُطلق عَلَيْهِ بعد تلوم بِالِاجْتِهَادِ بِلَا تَحْدِيد أجل فيستفاد من كَلَامه قَولَانِ. أَحدهمَا: أَن التارك للْوَطْء بِلَا يَمِين وَلَا عذر يلْحقهُ بالمولى فِي أَجله الْمَذْكُور. وَالثَّانِي: أَنه لَا يلْحق بِهِ بل يتلوم لَهُ الْحَاكِم بِقدر أجل الْإِيلَاء أَو أقل أَو أَكثر، وَالْقَوْل الأول هُوَ قَول مَالك ودرج عَلَيْهِ ابْن الْحَاجِب، وَالثَّانِي هُوَ مذْهبه فِي الْمُدَوَّنَة وَهُوَ الْمَشْهُور وَعَلِيهِ درج (خَ) بقوله: واجتهد وطلق فِي لأعزلن أَو لَا أبيتن أَو ترك الْوَطْء ضَرَرا وَإِن غَائِبا الخ. وَقَالَ ابْن سَلمُون: فَإِن ترك الْوَطْء مضاراً من غير حلف أَمر بِوَطْئِهَا مرّة بعد مرّة فَإِن تَمَادى على ذَلِك فرق بَينهمَا بعد التَّلَوُّم، وَقيل بعد أجل الْإِيلَاء اه. فاعتمد النَّاظِم القَوْل الأول فِي كَلَامه تبعا لِابْنِ الْحَاجِب، وَقَوله: قصدا أَي بِلَا عذر كَمَا مر، وَلَا يحْتَرز بِهِ عَمَّا إِذا لم يقْصد بِالتّرْكِ الضَّرَر كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر مِنْهُ لِأَنَّهُ يُطلق عَلَيْهِ بِالتّرْكِ سَوَاء قصد بِهِ الضَّرَر بهَا أم لَا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة وَغَيرهَا. وَلذَا جعلنَا قَوْله للضَّرَر يتَعَلَّق بمقدر لَا بقوله قصدا، وَأَيْضًا فَإِن ترك الْوَطْء مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ تتضرر بِهِ الزَّوْجَة قصد بِهِ ضررها أم لَا. وَهِي مصدقة فِي تضررها بترك وَطئه كَانَ حَاضرا أَو غَائِبا بلغته الْكِتَابَة أم لم تبلغه على مَا يَأْتِي كَمَا تصدق أَنَّهَا خشيت الزِّنَا بترك وَطئه إِذْ كل ذَلِك لَا يعلم إِلَّا مِنْهَا، وَقد علمت أَن هَذَا الحكم جَار فِي الْحَاضِر وَالْغَائِب. وَحَاصِله؛ أَن امْرَأَة الْغَائِب الْمَعْلُوم الْموضع إِذا دَامَت نَفَقَتهَا من مَال الْغَائِب أَو من مُتَطَوّع عَلَيْهِ وَقَامَت بِحَقِّهَا فِي الْوَطْء فَقَط لَا تجاب لدعواها إِلَّا إِن طَالَتْ غيبته كَسنة على ظَاهر الْمُدَوَّنَة أَو أَكثر من ثَلَاث سِنِين على مَا للغرياني وَابْن عَرَفَة، وَحِينَئِذٍ يكْتب لَهُ الْحَاكِم إِن كَانَ مِمَّن تبلغه الْكِتَابَة إِمَّا أقدم أَو رَحل زَوجتك إِلَيْك أَو طلق كَمَا كتب عمر بن عبد الْعَزِيز بذلك إِلَى قوم غَابُوا بخراسان فَإِن لم يفعل طلق عَلَيْهِ بعد التَّلَوُّم لَهُ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَا يُطلق على غَائِب قبل الْكتب إِلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَ بِحَيْثُ لَا تبلغه الْكِتَابَة لانْقِطَاع الطّرق أَو كَانَت تبلغه، وَلَكِن لَا يتَمَكَّن من معرفَة الْخط وَلَا نقل الشَّهَادَة، فَفِي الذَّخِيرَة إِذا لم تتأت معرفَة الْخط فلهَا التَّطْلِيق وَقَرِيب مِنْهُ فِي الْإِيلَاء من التَّوْضِيح أَي: وَهُوَ مَحْمُول على أَنه ترك الْقدوم لزوجته اخْتِيَارا كَمَا للقرافي عَن اللَّخْمِيّ، فجواب الْمَازرِيّ الْمَنْقُول فِي الكراس الثَّانِي من أنكحة المعيار وَقبل النَّفَقَات من الْبُرْزُليّ برد الحكم بِطَلَاق زَوْجَة الْغَائِب الَّذِي لم يبْحَث الْحَاكِم عَمَّا يكون قد عرض لَهُ من مرض أَو اعتقال وَنَحْوهمَا مُقَابل لحمله على الِاخْتِيَار الْمَذْكُور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 وَحَاصِله؛ أَن الْحَاكِم حكم بِطَلَاق امْرَأَة وَعلل حكمه بِأُمُور مِنْهَا أَنه قد ثَبت عِنْده أَن الزَّوْج الْغَائِب بالأندلس غير مَمْنُوع من دُخُول بلد الزَّوْجَة الَّتِي هِيَ بقفصة وَأَن زَوجته محتاجة إِلَيْهِ وَأَن عَلَيْهَا الْمضرَّة فِي بَقَائِهَا بِلَا زوج وَأَنَّهَا راغبة فِي طَلَاق زَوجهَا الرَّغْبَة الشَّدِيدَة كَمَا علله أَيْضا بِأَنَّهُ رأى أَن الْإِعْذَار لمن بالأندلس يتَعَذَّر لبعد الْمَكَان وَانْقِطَاع الطّرق وَقلة من يعرف خطه وينقل عَنهُ شَهَادَته، فَسئلَ الْمَازرِيّ عَن ذَلِك؟ فَأجَاب بِنَقْض الحكم الْمَذْكُور لعدم بَحثه عَمَّا يكون قد عرض للزَّوْج من الْمَوَانِع، وَبِأَن قَول الشُّهُود أَنَّهَا محتاجة إِلَيْهِ وَعَلَيْهَا ضَرَر فِي بَقَائِهَا الخ. هُوَ كِنَايَة على الْحَاجة إِلَى الْوَطْء، وَلَكِن من شَرط التتميم للشَّهَادَة أَن يَقُولُوا شكت إِلَيْنَا الضَّرَر بذلك فَعلمنَا قَصدهَا، وَأما قَوْلهم عَلَيْهَا مضرَّة وَهِي لم تشكها فَغير نَافِع وَبِأَن الْإِنْسَان قد يرغب فِي الشَّيْء وَلَا يَطْلُبهُ حَيَاء مِنْهُ أَو علو همته عَنهُ فقصارى مَا فِي الشَّهَادَة بِهَذَا الْفَصْل إِثْبَات الرَّغْبَة دون طلب بإيقاع مَا رغبت فِيهِ، وَلم يذكرُوا أَنَّهَا وَإِن طلبت الْفِرَاق لأي عِلّة طلبته وَالْأَحْكَام إِنَّمَا تورد بالنصوص لَا بالحدس والتخمين اه بِاخْتِصَار وَفِيه طول. قلت: وَسكت رَحمَه الله عَمَّا علل بِهِ ثَانِيًا من أَنه رأى أَن الْإِعْذَار لمن بالأندلس يتَعَذَّر الخ. وَلَعَلَّه إِنَّمَا سكت عَنهُ لِأَن الْحَاكِم لم يثبت عِنْده بطرِيق الشَّهَادَة التَّعَذُّر الْمَذْكُور من انْقِطَاع الطَّرِيق وَقلة من يعرف الْخط الخ. وَإِنَّمَا رَآهُ من قبل نَفسه وَهُوَ لَا يعْتَبر وَلَو ثَبت ذَلِك لصَحَّ الحكم بِالطَّلَاق كَمَا مرّ، وَلِأَن ثُبُوت كَونه غير مَمْنُوع من دُخُول فقصه مُنَاقض لما رَآهُ من انْقِطَاع الطَّرِيق كَمَا هُوَ وَاضح، وَإِنَّمَا اعتنيت بتخليصه لما فِيهِ من الْفَائِدَة وَلعدم فهم كثير من النَّاس كَلَامه، وَمَا فِي (ز) عِنْد قَول (خَ) الْمُتَقَدّم من التَّوْفِيق بَين نقلي المعيار والبرزلي عَن الْمَازرِيّ غير سديد إِذْ كل مِنْهُمَا نقل كَلَامه بِاللَّفْظِ الَّذِي نَقله بِهِ الآخر كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ وَالله أعلم. وَهَذَا فِي الْمَعْلُوم الْموضع كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع، وَأما مجهوله فَهُوَ الْمَفْقُود وَسَيَأْتِي حكمه فِي فَصله إِن شَاءَ الله. تَنْبِيه: مُقْتَضى مَا مر من أَنَّهَا لَا تجاب لدعواها حَتَّى تطول السّنة أَو أَكثر من ثَلَاث سِنِين على مَا مر أَن الطول الْمَذْكُور لَيْسَ من أمد التَّلَوُّم بل يكْتب إِلَيْهِ بعده ويتلوم لَهُ بِالِاجْتِهَادِ كَمَا قَررنَا وَهُوَ ظَاهر مَا للبرزلي، وَبِه قرر الْمَتْن شراحه وَالَّذِي لِابْنِ رشد عَن ابْن الْقَاسِم أَنه يُؤَجل فِي مُدَّة التَّلَوُّم السّنة والسنتين نَقله أَبُو الْحسن وَنَحْوه فِي ضيح فَانْظُر. (وَفِي الظِّهَار) يتَعَلَّق بالتكفير (لمن) يتَعَلَّق بجار آخر الْبَيْت (أَبى) صلَة والرابط ضمير الْفَاعِل الْعَائِد على من (التَّكْفِير) مفعول بِهِ (ذَاك) مُبْتَدأ وَالْإِشَارَة للتأجيل بأَرْبعَة أشهر (جَار) خَبره، وَالتَّقْدِير ذَاك التَّأْجِيل بأَرْبعَة أشهر جَار فِيمَن أَبى أَي امْتنع من التَّكْفِير فِي الظِّهَار وَهُوَ قَول الرجل لزوجته أَو أمته أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي أَو إِن لم أَدخل الدَّار مثلا فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي وَامْتنع من دُخُولهَا فَإِنَّهُ يضْرب لَهُ أجل الْإِيلَاء حَيْثُ رفعته زَوجته (خَ) الظِّهَار تَشْبِيه الْمُسلم الْمُكَلف من تحل أَو جزئها بِظهْر محرم أَو جزئه الخ. وَقَالَ ابْن عَرَفَة: الظِّهَار تَشْبِيه الزَّوْج زَوجته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 أَو ذِي أمة حل وَطْؤُهُ إِيَّاهَا بِمحرم مِنْهُ أَو بِظهْر أَجْنَبِيَّة فِي تمتعه بهما والجزء كالكل وَالْمُعَلّق كالحاصل الخ. فَقَوله فِي تمتعه الخ. هُوَ وَجه الشّبَه وَبَاقِيه وَاضح. وَلما وَقع خلاف فِي مبدأ أَجله هَل هُوَ من يَوْم الظِّهَار أَو من يَوْم الرّفْع أَو من تبين الضَّرَر أَشَارَ إِلَى الْمَشْهُور من ذَلِك فَقَالَ: وأَجَلُ المُظاهِرِ المَأْثُورُ مِنْ يَوْمِ رَفْعِهِ هُوَ الْمَشْهُورُ (وَأجل الْمظَاهر) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (الْمَأْثُور) بِالرَّفْع نعت لأجل (من يَوْم رَفعه) خبر عَن الْمُبْتَدَأ الْمَذْكُور (هُوَ الْمَشْهُور) مُبْتَدأ وَخبر فيؤجل من يَوْم الرّفْع أَرْبَعَة أشهر للْحرّ وشهرين للْعَبد وَقيل أَجله من يَوْم الْيَمين كالحالف على ترك الْوَطْء، وَقيل من تبين الضَّرَر (خَ) وَهل الْمظَاهر إِن قدر على التَّكْفِير وَامْتنع كَالْأولِ فالأجل من الْيَمين وَعَلِيهِ اختصرت أَو كالثاني وَهُوَ الْأَرْجَح أَو من تبين الضَّرَر وَعَلِيهِ تؤولت أَقْوَال. مِنْ بَعْدِ أَنْ يُؤْمَرَ بالتَّكْفِيرِ وَهْيَ عَلَى التَّرْتِيبِ لَا التَّخْيِيرِ (من بعد) يتَعَلَّق بالاستقرار الْمُقدر فِي الْخَبَر قبله (أَن يُؤمر) فِي تَأْوِيل مصدر مُضَاف إِلَيْهِ (بالتكفير) يتَعَلَّق بقوله يُؤمر وَالْمعْنَى أَن الْمظَاهر الْمَذْكُور إِنَّمَا يُؤَجل من يَوْم الرّفْع بعد أَن يُؤمر بالتكفير فَيمْتَنع (وَهِي) مُبْتَدأ عَائِد على كَفَّارَة الظِّهَار (على التَّرْتِيب) يتَعَلَّق بالاستقرار خبر (لَا) عاطفة (التَّخْيِير) مَعْطُوف على التَّرْتِيب فكفارته عتق رَقَبَة مُؤمنَة سليمَة من قطع أصْبع وعمى وشلل وبكم وجنون بِلَا شوب عوض الخ. فَإِن عجز عَنْهَا فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَإِن عجز عَن الصّيام فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا فَلَا ينْتَقل لمرتبة الْأَبْعَد الْعَجز عَن الَّتِي قبلهَا لقَوْله تَعَالَى: وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم} إِلَى قَوْله: فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا} (المجادلة: 4) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 كَذَاكَ أَيْضاً مَا لَهُ ظِهارُ مَنْ لأَعْلَى الْوَطْءِ لَهُ اقْتِدَارُ (كَذَاك أَيْضا مَا لَهُ ظِهَار، من لأعلى الْوَطْء لَهُ اقتدار) كالشيخ الفاني والمجبوب وَنَحْوهمَا مِمَّن تقدم أَنه لَا يَصح إيلاؤه فَمن مُبْتَدأ مَوْصُول وَلَا نَافِيَة عاملة عمل لَيْسَ واقتدار اسْمهَا وَله خَبَرهَا وعَلى الْوَطْء يتَعَلَّق بالاستقرار فِي خَبَرهَا، وَالْجُمْلَة بِتَمَامِهَا صلَة الْمَوْصُول، وَقَوله: أَيْضا مصدر آض إِذا رَجَعَ وَهُوَ مَعَ قَوْله كَذَاك منصوبان على الْحَال من ضمير الِاسْتِقْرَار فِي خبر ظِهَار وَمَا نَافِيَة وظهار مُبْتَدأ خَبره فِي الْمَجْرُور قبله، وَالتَّقْدِير: الزَّوْج الَّذِي لَا اقتدار كَائِن لَهُ على الْوَطْء فالظهار كَائِن عَلَيْهِ أَيْضا كَذَاك وَالْإِشَارَة فِي قَوْله: كَذَاك رَاجِعَة للْمولى الَّذِي لَا قدرَة لَهُ، وَيحْتَمل أَن تكون من الموصولة بَدَلا من الضَّمِير الْمَجْرُور بِاللَّامِ قبلهَا وَالتَّقْدِير مَا ظِهَار كَائِن لمن لَا اقتدار لَهُ على الْوَطْء كَذَلِك أَيْضا، وَهَذَا أقرب وَالله أعلم. وَإنْ يَكُنْ مُظَاهِرٌ أَوْ مُولي عَبْداً يُؤَجَّلُ نِصْفَ ذَا التَّأْجِيلِ (وَإِن يكن) شَرط (مظَاهر) اسْم يكن (أَو مولي) مَعْطُوف عَلَيْهِ (عبدا) خبر يكن (يُؤَجل) بِسُكُون اللَّام مَبْنِيا للْمَفْعُول ونائبه ضمير العَبْد (نصف) مَنْصُوب بِإِسْقَاط الْخَافِض أَي بِنصْف (ذَا) مُضَاف إِلَيْهِ (التَّأْجِيل) نعت لذا أَو بدل، وَنصفه هُوَ شَهْرَان كَمَا مر، وَظَاهره أَن العَبْد يُؤَجل نصف التَّأْجِيل الْمَذْكُور سَوَاء كَانَت زَوجته حرَّة أَو أمة وَهُوَ كَذَلِك كَمَا أَن الْحر يُؤَجل أَرْبَعَة أشهر وَلَو كَانَت زَوجته أمة. ثُمَّ الطَّلاقُ فِي انْقِضَاءِ الأَجَلِ بَعْدَ تَقَضِّي المُوجِبَاتِ الأُوَّلِ (ثمَّ) للتَّرْتِيب الإخباري (الطَّلَاق) مُبْتَدأ (فِي انْقِضَاء) خَبره وَفِي بِمَعْنى عِنْد (الْأَجَل) مُضَاف إِلَيْهِ (بعد) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر الْمَذْكُور (تقضي الموجبات) مجروران بِالْإِضَافَة إِلَيْهِمَا (الأول) بِضَم الْهمزَة وَفتح الْوَاو المخففة نعت للموجبات أَي ثمَّ أخْبرك إِن الطَّلَاق يوقعه الْحَاكِم عِنْد الْأَجَل الْمَذْكُور وَهُوَ شَهْرَان، لَكِن بعد وجوب الموجبات من ثُبُوت الزَّوْجِيَّة وَالظِّهَار والامتناع من التَّكْفِير وَالْإِيلَاء والامتناع من الْفَيْئَة، وَهَذَا فِي العَبْد وَأما الْحر فقد تقدم ذكره فِي قَوْله: وَيَقَع الطَّلَاق حَيْثُ لَا يَفِي الخ. فَلَا تكْرَار. وَلما كَانَ هَذَا الطَّلَاق رَجْعِيًا لقَولهم كل طَلَاق يوقعه الْحَاكِم فَهُوَ بَائِن إِلَّا طَلَاق الْمولى والمعسر بِالنَّفَقَةِ نبه النَّاظِم على ذَلِك فَقَالَ: وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِيمَا أصْدَرَا مَنْ فَاءَ فِي العِدَّةِ أَوْ مَنْ كَفَّرَا (وَيملك الرّجْعَة) مفعول بِهِ (فِيمَا) يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ أَو بِالْمَصْدَرِ وَمَا وَاقعَة على الطَّلَاق (أصْدرَا) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل أَو الْمَفْعُول صلَة وألفه للإطلاق والعائد مَحْذُوف فِي الْمَبْنِيّ للْفَاعِل أَي فِي الطَّلَاق الَّذِي أصدره الْحَاكِم والنائب فِي الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول ضمير يعود على مَا هُوَ الرابط (من) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 وَاقعَة على الزَّوْج فَاعل يملك (فَاء) صلته (فِي الْعدة) يتَعَلَّق بِهِ (أَو من) مَعْطُوف على من الأول (كفرا) صلته والعائد فَاعله الْمُسْتَتر، وَالْمعْنَى أَن طَلَاق الْحَاكِم الَّذِي أوقعه على من لحقه الْإِيلَاء رَجْعِيّ فَيملك الزَّوْج رَجعتهَا حَيْثُ فَاء فِي الْعدة أَي رَجَعَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ من الِامْتِنَاع كَانَت يَمِينه على بر كحلفه لَا أطؤها وَطلقت بعد الْأَجَل فارتجعها وَوَطئهَا فِي الْعدة إِذْ لَا يحل لَهُ وَطْؤُهَا إِلَّا بعد الارتجاع لِأَنَّهَا مُطلقَة وَكَذَا إِن لم يطَأ وَلَكِن كفر عَن يَمِينه بعد الارتجاع أَو قبله فِي الْعدة، وَكَذَا لَو ظَاهر مِنْهَا وَطلقت بعد الْأَجَل فارتجعها وَوَطئهَا فِي الْعدة أَو كفر قبل الارتجاع أَو بعده فِيهَا أَيْضا أَو كَانَت يَمِينه على حنث كحلفه بِطَلَاقِهَا ليدخلن الدَّار ولحقه الْإِيلَاء وَطلقت عَلَيْهِ فَدخل الدَّار وارتجعها فِي الْعدة أَو ارتجعها، ثمَّ دخل الدَّار فِيهَا أَيْضا وَطلقت فَقَوله: كفر أَي فِي الْعدة فَهُوَ مَحْذُوف من الْأَوَاخِر لدلَالَة الْأَوَائِل، وَقَوله: فَاء أَي بِالْوَطْءِ أَو بتعجيل الْحِنْث كَمَا فِي الْأَمْثِلَة إِلَّا أَن الْوَطْء لَا يكون إِلَّا بعد الرّجْعَة لِأَنَّهَا مُطلقَة وَهِي لَا يَصح الِاسْتِمْتَاع بهَا إِلَّا بعد الارتجاع، فَإِن كفر قبل الارتجاع أَو بعده فِي الْعدة أَو عجل الْحِنْث وارتجع فِيهِ أَيْضا، لَكِن اسْتمرّ على الِامْتِنَاع من الْوَطْء فيهمَا فيطلق عَلَيْهِ ثَانِيًا لَا للإيلاء لِأَنَّهُ قد انحل بل للضَّرَر كَمَا مر فِي قَوْله: واشترك التارك للْوَطْء مَعَه الخ، وَفهم من قَوْله فَاء فِي الْعدة الخ، أَنه إِذا ارتجع بِدُونِ فيئة بِوَطْء وَلَا تَكْفِير وَلَا تَعْجِيل حنث فِي الْعدة لَا تصح رجعته وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : وتتم رجعته إِن انحل وَإِلَّا ألغيت ثمَّ إِن طَلَاق الْمولى إِنَّمَا يكون رَجْعِيًا فِي الْمَدْخُول بهَا لَا فِي غَيرهَا فَهُوَ بَائِن كَمَا فِي ابْن الْحَاجِب وَغَيره. (فصل فِي اللّعان) وَمَعْنَاهُ لُغَة الْبعد لَعنه الله أبعده، وَاصْطِلَاحا قَالَ ابْن عَرَفَة: اللّعان حلف الزَّوْج على زنا زَوجته أَو نَفْيه حملهَا اللَّازِم لَهُ وحلفها على تَكْذِيبه إِن أوجب نكولها حَدهَا بِحكم قَاض، فاحترز بقوله اللَّازِم لَهُ مِمَّا لَو أَتَت بِهِ لأَقل من سِتَّة أشهر من يَوْم العقد أَو كَانَ خَصيا فَإِنَّهُ يَنْتَفِي عَنهُ بِغَيْر لعان، وَقَوله: إِن أوجب نكولها حَدهَا مِمَّا لَو ثَبت غصبهَا فَلَا لعان عَلَيْهَا وَاللّعان عَلَيْهِ وَحده، وَبِقَوْلِهِ بِحكم قَاض مِمَّا لَو تلاعنا بِدُونِ حكم فَلَيْسَ بِلعان شرعا وَلَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ حكم، وَكَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 يحْتَرز بِهِ عَمَّا لَو سكت عِنْد الْوَضع، ثمَّ أَرَادَ أَن يَنْفِيه ويلاعن فِيهِ لِأَن القَاضِي لَا يحكم بِاللّعانِ فِي هَذِه الصُّورَة لِأَن سُكُوته دَلِيل على كذبه. وَقَوله حلف الزَّوْج وحلفها الخ يصدق بِمَا إِذا حلف هُوَ يَمِينا وَاحِدَة وَحلفت هِيَ كَذَلِك، لَكِن قَوْله: بِحكم قَاض يخرج ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يحكم بِهِ إِلَّا على الْوَجْه الْمَشْرُوع. ابْن عَرَفَة: وَلَا نَص فِي حكمه. ابْن عَاتٍ: لَاعن ابْن الْهِنْدِيّ زَوجته بِحكم صَاحب الشرطة وَكَانَت ملاعنتهما فِي الْمَسْجِد الْجَامِع بقرطبة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وثلثمائة فَلَمَّا عوتب قَالَ: أردْت إحْيَاء سنة دثرت قَالَ: وَكَانَ ابْن الْهِنْدِيّ تلميذ الْفَقِيه أبي إِبْرَاهِيم إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَنهُ أَخذ وَمَعَهُ تفقه، وَكَانَ مقدما أَيْضا عِنْد القَاضِي مُحَمَّد بن السَّلِيم بن عَرَفَة. إِن كَانَ اللّعان لنفي الْحمل فَهُوَ وَاجِب لِئَلَّا يلْحق بنسبه مَا لَيْسَ مِنْهُ فتجري عَلَيْهِ جَمِيع أَحْكَام الْأَنْسَاب وإلاَّ فَالْأولى تَركه بترك سَببه لِأَنَّهُ من الْأُمُور الَّتِي نَص الشَّارِع بالستر عَلَيْهَا لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (من أصَاب شَيْئا من هَذِه القاذورات فليسترها بستر الله) وَيسْتَحب لَهُ طَلاقهَا إِن لم تتبعها نَفسه، فَإِن وَقع سَببه صدقا وَجب لوُجُوب دفع معرة الْحَد وَالْقَذْف الخ. وَفِي المعيار عَن سراج ابْن الْعَرَبِيّ أَن شَهَادَة الرجل على زَوجته بِرُؤْيَة الزِّنَا مَكْرُوهَة إِذْ لَا تفِيد أَكثر من الْفِرَاق والفراق مَعَ السّتْر أفضل، وَأما شَهَادَته على نفي الْحمل فَوَاجِب لِئَلَّا يلْحق بنسبه مَا لَيْسَ مِنْهُ. وَقَول ابْن الْهِنْدِيّ: إحْيَاء سنة دثرت الخ. قَالَ الشَّيْخ (م) مُرَاده إحْيَاء أَمر أَذِنت فِيهِ السّنة وأباحته لَا أَنه مَطْلُوب الْفِعْل فَهُوَ كَقَوْلِهِم طَلَاق السّنة. وَقَالَ الْبُرْزُليّ: مُرَاده صفة اللّعان أَي إحْيَاء صفته، وَقد أغْنى الله تَعَالَى عَنهُ بِمَا ذكر من صفته فِي الْقُرْآن. والستر أولى وَإِنَّمَا تستر بِهَذَا الْكَلَام حِين عوتب قَالَ: وَقد وَقع فِي زمن الْأَمِير أبي يحيى رَحمَه الله تَعَالَى، وتلاعنا بِجَامِع الزيتونة، وَقد وَقع بعد ذَلِك مرّة أُخْرَى وَلَا غرابة فِي وُقُوع سَببه فِي هَذَا الزَّمَان لِكَثْرَة الْمَفَاسِد نَعُوذ بِاللَّه من الْفِتَن مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن اه. قلت: وَقد وَقع أَيْضا مرَارًا بعد الْأَرْبَعين والمائتين وَالْألف بِجَامِع الْقرَوِيين من فاس صانها الله، وَإِذا علمت مَا مر من وُجُوبه فَمَا فِي لامية الزقاق ونظم الْعَمَل من أَن الْعَمَل جرى بترك اللّعان مُطلقًا من فَاسق وَغَيره لَا يعول عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خلاف الْكتاب وَالسّنة وَلَا أبعد من جَرَيَان الْعَمَل بِمحرم الَّذِي هُوَ ترك الْوَاجِب، وَلذَا اعْترض سَيِّدي أَحْمد بن عبد الْعَزِيز الْهِلَالِي الْعَمَل الْمَذْكُور. وَإنَّمَا لِلزَّوْجِ أنْ يَلْتَعِنَا بِنَفْي حَمْلٍ أَوْ بِرُؤْيَةِ الزِّنا (وَإِنَّمَا) للحصر (للزَّوْج) خبر عَن الْمصدر المؤول من قَوْله: (أَن يلتعنا بِنَفْي حمل) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (أَو بِرُؤْيَة) مَعْطُوف على بِنَفْي (الزِّنَا) مُضَاف إِلَيْهِ والحصر منصب على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 المجرورات مَعَ الظّرْف الْآتِي أَي: وَإِنَّمَا الالتعان كَائِن للزَّوْج لَا لغيره كسيد بِنَفْي حمل مَعَ ادِّعَاء الِاسْتِبْرَاء أَو بِرُؤْيَة الزِّنَا لَا بِغَيْرِهِمَا من مُجَرّد قذف بِغَيْر رُؤْيَة، وَلَا نفي حمل أَو بِنَفْي حمل أمته لَا مَعَ ادِّعَاء اسْتِبْرَاء وَعدم اللّعان بِمُجَرَّد الْقَذْف هُوَ أحد الْمَشْهُورين فِي قَول (خَ) وَفِي حَده بِمُجَرَّد الْقَذْف أَو لِعَانه خلاف، فاقتصر النَّاظِم على ذَلِك. وَقَوله للزَّوْج حَقِيقَة أَو حكما فَيدْخل لعان الواطىء بِالشُّبْهَةِ فَإِنَّهُ يُلَاعن فِي نفي الْحمل عَنهُ وَإِن لم يكن زوجا لِأَنَّهُ لما كَانَ الْوَلَد لاحقاً بِهِ إِن لم يُلَاعن ودرىء عَنهُ الْحَد كَانَ فِي حكم الزَّوْج وَأطلق فِي الزَّوْج فَشَمَلَ الْحر وَالْعَبْد وَالْفَاسِق دخل أم لَا. كَانَ نِكَاحه صَحِيحا أَو فَاسِدا وَلَو مجمعا على فَسَاده كخامسة وَلَا يَشْمَل الْكَافِر لأَنا لَا نتعرض لَهُم إِلَّا أَن يترافعوا إِلَيْنَا فنحكم لَهُم بحكمنا. وَقَوله: بِنَفْي حمل أَي: وَالزَّوْج مِمَّن يُمكن وَطْؤُهُ لحضوره فِي الْبَلَد وَعدم صغره وَصِحَّة الْعُضْو الَّذِي يطَأ بِهِ فَلَا لعان على صبي وَلَا مجبوب وَلَا على غَائِب بِبَلَد لَا يُمكنهُ الْوُصُول إِلَيْهَا لبعد الْمسَافَة، بل يَنْتَفِي فِي ذَلِك كُله بِغَيْر لعان. وَقَوله: حمل أَي وَكَذَلِكَ الْوَلَد فَيشْمَل من قدم من غيبته بعد موت زَوجته الْمَدْخُول بهَا فنفى مَا وَلدته فِي غيبته، وَظَاهر قَوْله: أَو بِرُؤْيَة الزِّنَا أَنه لَا بُد من ادِّعَاء الرُّؤْيَة حَقِيقَة وَهُوَ كَذَلِك فِيمَن تتأتى مِنْهُ الرُّؤْيَة (خَ) تيقنه أعمى وَرَآهُ غَيره اه. وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا يشْتَرط وصف الرُّؤْيَة بقوله كالمرود فِي المكحلة بِخِلَاف الشُّهُود وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي ابْن الْحَاجِب والشامل وَغَيرهمَا، وَفِي الْمُدَوَّنَة لَا يُلَاعن حَتَّى يَدعِي رُؤْيَة الْفرج فِي الْفرج. قَالَ الشَّيْخ طفي: وشهره الأبي وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا يُلَاعن للرؤية وَلَو أَقَامَ أَرْبَعَة شُهُود على زنَاهَا وَهُوَ كَذَلِك لَكِن يُلَاعن وَحده إِن شَاءَ لينتفي عَنهُ مَا تلده لسِتَّة أشهر فَأكْثر من يَوْم الرُّؤْيَة، وَإِن نكل فَلَا حد عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قذف غير عفيفة، وَأما هِيَ فَلَا تلتعن لِأَن حَدهَا قد وَجب بِالْبَيِّنَةِ هَكَذَا قيل، وتأمله مَعَ مَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده من أَن اللّعان بِمُجَرَّد الرُّؤْيَة لَا يَنْتَفِي بِهِ الْوَلَد على الْمُعْتَمد ثمَّ لَا بُد من ثُبُوت الزَّوْجِيَّة وَلَا يَكْفِي إقرارهما بِهِ إِن لم يَكُونَا طارئين فَإِن كَانَا طارئين وَجب اللّعان بإقرارهما بهَا وَقَوله: مَعَ ادِّعائِهِ للاسْتِبْرَاءِ وَحَيْضَةٌ بَيِّنَةُ الإجْزَاءِ (مَعَ ادعائه) يتَعَلَّق بيلتعن أَي: وَإِنَّمَا يلتعن فِي نفي الْحمل مَعَ الادعاء (للاستبراء) لَا مَعَ عدم ادعائه وَقَوله (وحيضة) مُبْتَدأ (بَيِّنَة الْأَجْزَاء) خبر ومضاف إِلَيْهِ، والاستبراء أَعم من أَن يكون بِالْوَضْعِ أَو بالمدة أَو بِالْحيضِ فَإِذا وضعت حملهَا وَلم يَطَأهَا بعده حَتَّى وضعت حملا آخر وَبَين الوضعين سِتَّة أشهر فَأكْثر فَإِن لَهُ أَن يُلَاعن فِي هَذَا الثَّانِي لِأَنَّهُ يمْضِي السِّتَّة أشهر لَا يُمكن أَن يكون توأماً للْأولِ، فيعتمد حِينَئِذٍ فِي لِعَانه على الِاسْتِبْرَاء بِالْوَضْعِ الأول، وَكَذَا لَو وَطئهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 وَأمْسك عَنْهَا فَأَتَت بِولد بعد هَذَا الْوَطْء لأَقل من سِتَّة أشهر من يَوْم الْوَطْء الْمَذْكُور أَو لأكْثر من أقْصَى أمد الْحمل كخمس سِنِين فَإِنَّهُ يعْتَمد على لِعَانه فِي تِلْكَ الْمدَّة القليلة أَو الْكَثِيرَة لِأَن الْوَلَد فِي القليلة لَيْسَ هُوَ للْوَطْء الْمَذْكُور على زَعمه لنقصه عَن السِّتَّة، وَلَا أَنه توأم للْأولِ لفصل السِّتَّة أشهر بَينهمَا وَلِأَنَّهُ فِي الْكَثِيرَة على زَعمه زَاد على أقْصَى أمد الْحمل من يَوْم وَطئه فيعتمد على الْمدَّة الْمَذْكُورَة وَإِن لم يكن هُنَاكَ حيض وَلَا وضع، وَأما إِن استبرأها بِحَيْضَة وَلم يَطَأهَا بعْدهَا حَتَّى أَتَت بِولد لسِتَّة أشهر فَأكْثر من يَوْم الِاسْتِبْرَاء فيعتمد على ذَلِك وَلَا إِشْكَال فَقَوله: وحيضة الخ. أَي لَكِن إِن كَانَ الِاسْتِبْرَاء بِالْحيضِ لَا بِالْوَضْعِ وَلَا بالمدة فحيضة وَاحِدَة كَافِيَة فِي الِاعْتِمَاد عَلَيْهَا، فقد اشْتَمَل كَلَامه رَحمَه الله تَعَالَى على صور الِاعْتِمَاد الثَّلَاثَة الَّتِي هِيَ فِي كَلَام غَيره، وَسَوَاء رَآهَا تَزني مَعَ وَاحِدَة من تِلْكَ الصُّور أم لَا. وَمَا ذكره من الِاعْتِمَاد على الْحَيْضَة الْوَاحِدَة هُوَ الْمَشْهُور، وَقيل لَا يعْتَمد عَلَيْهَا لِأَن الْحَامِل عندنَا تحيض واستظهره فِي ضيح، وَمَفْهُوم قَوْله مَعَ ادعائه الخ. أَنه لَا يعْتَمد فِي نفي الْحمل على عزل وَلَا على مشابهة لغيره وَإِن بسواد وَلَا وَطْء بَين الفخذين إِن أنزل وَلَا وَطْء بِغَيْر إِنْزَال إِن أنزل قبله وَلم يبل كَمَا فِي (خَ) وَأَنه أَيْضا لَا يعْتَمد فِي نَفْيه على الرُّؤْيَة وَحدهَا من غير استبرائها بِشَيْء مِمَّا مرّ وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور، لَكِن هَذَا يُلَاعن للرؤية قطعا حَيْثُ قَامَت الْمَرْأَة بِحَقِّهَا فِي الْقَذْف، وَإِذا لَاعن للرؤية وَادّعى الْوَطْء قبلهَا وَعدم الِاسْتِبْرَاء وَأَتَتْ بِولد لسِتَّة أشهر فَأكْثر من يَوْم الرُّؤْيَة فَهَل يَنْتَفِي الْوَلَد بِلعان الرُّؤْيَة الْمَذْكُورَة وَهُوَ الَّذِي فِي (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَإِن انْتَفَى بِهِ أَي بِلعان الرُّؤْيَة مَا ولد لسِتَّة أشهر الخ. أَو لَا يَنْتَفِي بِهِ بل هُوَ لَازم لَهُ وَهُوَ مَا صدر بِهِ ثَانِيًا حَيْثُ قَالَ: وَإِن لَاعن لرُؤْيَته وَادّعى الْوَطْء قبلهَا فلمالك فِي إِلْزَامه بِهِ الخ. وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده لِأَنَّهَا أَتَت بِهِ لمُدَّة يُمكن أَن يكون فِيهَا للْفراش أَو للزِّنَا وَقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر) . قَالَ الْبُرْزُليّ: أجمع أهل الْعلم على القَوْل بِهِ إِذا أمكن أَن يكون للْفراش من مَجِيئه لسِتَّة أشهر فَأكْثر من يَوْم العقد، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَكيف بِهِ من مَجِيئه لسِتَّة أشهر فَأكْثر من يَوْم الْوَطْء كَمَا فِي الْفَرْض الْمَذْكُور، وَلَا سِيمَا والشارع متشوف للحوق الْأَنْسَاب فَلَا يَنْتَفِي حِينَئِذٍ عَنهُ أصلا، وَلَا يُمكن من اللّعان فِيهِ لعدم تقدم مَا يعْتَمد عَلَيْهِ من الْأُمُور الثَّلَاثَة. وَهَذَا هُوَ ظَاهر النّظم لِأَنَّهُ كَغَيْرِهِ جعل نفي الْحمل بِاللّعانِ إِنَّمَا هُوَ مَعَ ادِّعَاء الِاسْتِبْرَاء بِشَيْء مِمَّا مر، والاعتماد على الرُّؤْيَة وَحدهَا لَا يَكْفِي على الْمَشْهُور، وَتَأمل كَيفَ يرجح القَوْل بِنَفْي الْوَلَد بِلعان الرُّؤْيَة مَعَ احْتِمَال كَونه للْفراش، وَقَول الْأَب إِنَّه من الزِّنَا مُجَرّد دَعْوَى لَا دَلِيل عَلَيْهَا بِشَيْء مِمَّا يعْتَمد عَلَيْهِ من الْأُمُور الثَّلَاثَة، بل لَو صدقته الْمَرْأَة عَلَيْهَا لم يفده ذَلِك لحق الْوَلَد فَذَلِك القَوْل مُقَابل للمشهور وَلقَوْل الْأَكْثَر الْقَائِلين إِنَّه لَا يَنْتَفِي إِلَّا بِلعان وَلَو تَصَادقا على نَفْيه، وَاللّعان فِي الْفَرْض الْمَذْكُور إِنَّمَا هُوَ لدفع حد الْقَذْف لَا لنفي الْوَلَد إِذْ لَا يُمكن من اللّعان فِيهِ مَعَ تقدم مَا يعْتَمد عَلَيْهِ وَالله أعلم. وَقَوله: وحيضة بَيِّنَة الْأَجْزَاء الخ. هَذَا إِحْدَى المستثنيات الثَّلَاث من قَوْلهم اسْتِبْرَاء الْحرَّة بِثَلَاث حيض كعدتها إِلَّا فِي اللّعان كَمَا هُنَا وَفِي الزِّنَا فَإِنَّهَا لَا ترْجم حَتَّى تستبرأ بِحَيْضَة وَاحِدَة، وَفِي الرِّدَّة فَإِن الْمُرْتَدَّة المتزوجة أَو ذَات السَّيِّد لَا تقتل بعد الاستتابة حَتَّى تستبرأ بِحَيْضَة وَاحِدَة أَيْضا، وَفِي ذَلِك يَقُول الأَجْهُورِيّ رَحمَه الله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 والحرة استبراؤها كالعده لَا فِي لعان وزنا ورده فَإِنَّهَا فِي كل ذَا تستبرا بِحَيْضَة فَقَط وقيت الضرا وَيُسْجَنُ القَاذِفُ حَتَّى يَلَتَعِنْ وَإنْ أَبى فَالْحَدُّ حُكْمٌ يَقْتَرِنْ (ويسجن) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (الْقَاذِف) نَائِبه (حَتَّى) حرف جر (يلتعن) مَنْصُوب بِأَن مضمرة بعْدهَا يتَعَلَّق بيسجن (وَإِن أَبى) شَرط (فالحد) مُبْتَدأ (حكم) خَبره (يقْتَرن) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل صفة لحكم أَي فالحد حكم مقرون بإبايته وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط. قَالَ فِي الطرر: يجب على الزَّوْج إِذا نفى وَلَده أَو ادّعى رُؤْيَة الزِّنَا أَن يسجن حَتَّى يُلَاعن وَمثله فِي ابْن سَلمُون (خَ) بِلعان معجل الخ. وَظَاهره كالناظم وَلَو مريضين أَو أَحدهمَا وَلَا يُؤَخر إِلَى الْبُرْء بل يتلاعنان عَاجلا بِخِلَاف الْحَائِض وَالنُّفَسَاء فيؤخران مَعَه كَمَا فِي الشَّامِل، وَمحل وجوب الالتعان إِذا رفعته الزَّوْجَة وَلم يطَأ بعد الرُّؤْيَة وَلَا سكت بعد علمه بِالْحملِ كَمَا يَأْتِي. وَمَا بِحَمْلٍ بِثُبُوتِهِ يَقَعْ وَقَدْ أَتَى عَنْ مَالِكٍ حتَّى تَضَعْ (وَمَا) مَوْصُولَة وَاقعَة على اللّعان مُبْتَدأ (بِحمْل) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خَاص صلَة (بِثُبُوتِهِ) يتَعَلَّق بقوله (يَقع) وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ وَالتَّقْدِير: وَاللّعان الَّذِي وَجب بِسَبَب نفي حمل يَقع بعد ثُبُوته بِشَهَادَة امْرَأتَيْنِ لَا قبل ثُبُوته، وَظَاهره اتِّفَاقًا وَلَا يُؤَخر اللّعان للوضع على الْمَشْهُور، وَقيل يُؤَخر وَهُوَ معنى قَوْله: (وَقد أَتَى عَن مَالك) وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَابْن الْمَاجشون أَنه لَا لعان (حَتَّى تضع) لاحْتِمَال أَن يكون ريحًا فينفش، ورد بِحَدِيث الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا؛ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَاعن بَين الْعجْلَاني وَزَوجته وَهِي حَامِل، وَظَاهر النّظم أَنه إِذا لَاعن بعد ثُبُوته ثمَّ أنفش لَا حدّ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِك قَالَ فِي الشَّامِل: لاحْتِمَال إخفاء سقط، وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا فرق بَين الْمَدْخُول بهَا وَغَيرهَا وَهُوَ كَذَلِك لِأَن غير الْمَدْخُول بهَا إِذا ظهر بهَا حمل وَادعت أَنه كَانَ يُصِيبهَا بعد العقد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 وَكَانَ مِمَّا يُمكنهُ ذَلِك كَمَا مرّ وكذبها هُوَ فَلَا يَنْتَفِي الْحمل إِلَّا بِلعان وَلَا يؤخران للوضع ثمَّ إِن وَضعته لسِتَّة أشهر فَأكْثر من يَوْم العقد فاللعان فِي مَحَله وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ آثاره وَلها نصف الصَدَاق، وَإِن وَضعته لأَقل من سِتَّة أشهر فَلَا صدَاق لَهَا وَلَا يتأبد تَحْرِيمهَا لِأَنَّهُ لَاعن غير زَوْجَة كَمَا يَأْتِي آخر الْبَاب، وَفِي الْبُرْزُليّ: أَن عياضاً سَأَلَ ابْن رشد عَن امْرَأَة ادَّعَت نِكَاح رجل وأثبتته وأثبتت ابتناءه بهَا وخلوته مَعهَا وَحملهَا مِنْهُ وَحضر الرجل واعترف بِجَمِيعِ ذَلِك إِلَّا الْحمل فَقَالَ: مَا وطئتها قطّ واعترف بالخلوة فَاحْتَجت الْمَرْأَة بِأَن فِي عقد المباراة إشهاده على نَفسه بِأَنَّهُ بنى بهَا فَقَالَ: لم أعرف معنى الْبناء وظننته الزواج وتقيد ذَلِك عَلَيْهِ وَوضعت الْمَرْأَة حملهَا فَهَل يلْحق بِالزَّوْجِ وَهل يقبل قَوْله فِي جهل الْبناء والابتناء وَهُوَ من غير أهل الطّلب وَهل يُلَاعن بِلَا خلاف لإِقْرَاره بِالْبِنَاءِ فَهُوَ كمن قذف وَلم يدع اسْتِبْرَاء؟ فَأَجَابَهُ: بِأَنَّهُ يلْزمه الْوَلَد إِلَّا أَن يَنْفِيه بِلعان اه. قلت: حَاصله أَن الرجل الْمَذْكُور اعْترف بالخلوة وَأنكر الْوَطْء وادعته هِيَ وَهِي مصدقة فِيهِ فَلَا يَنْتَفِي عَنهُ إِلَّا بِلعان، إِذْ لَو لم تكن هُنَاكَ خلْوَة وَادعت ذَلِك وَكَانَ مِمَّا يُمكنهُ الْوُصُول إِلَيْهَا لم ينتف عَنهُ إِلَّا بذلك كَمَا مر، وَأما اعترافه بِالْبِنَاءِ فَلَا يسْتَلْزم الْوَطْء إِذْ هُوَ كالدخول عبارَة عَن كَون الْمَرْأَة فِي حجابه كَمَا يدل عَلَيْهِ قَول النَّاظِم فِيمَا مر: إِلَّا اعتراضاً كَانَ بَعْدَمَا دخل. وَالْوَطْء الخ. فَلذَلِك لم يرتب حكما على اعترافه بِهِ وإلاَّ لَو كَانَ الْبناء هُوَ الْوَطْء أَو يستلزمه لم يكن من اللّعان أصلا وَإِن ادّعى جهل مَعْنَاهُ فَلَا يعْذر بِهِ لتَعلق حق الْغَيْر وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يُمكن مِنْهُ لعدم تقدم مَا يعْتَمد عَلَيْهِ من الِاسْتِبْرَاء وَالله أعلم. وَيَبْدَأُ الزَّوْجُ بِالالِتعانِ لِدَفْعِ حَدَ أَرْبَع الأيْمَانِ (وَيبدأ الزَّوْج) فعل وفاعل (بالالتعان) يتَعَلَّق بِهِ (لدفع حد) مجرور ومضاف إِلَيْهِ يتَعَلَّق بيبدأ (أَربع) بالخفض على حذف الْجَار يتَعَلَّق بالالتعان وَيجوز نَصبه على أَنه مفعول بالالتعان لِأَنَّهُ بِمَعْنى الْحلف كَمَا مرّ (الْأَيْمَان) مُضَاف إِلَيْهِ. إثْبَاتاً أوْ نَفْياً عَلَى مَا وَجَبَا مُخَمِّساً بِلَعْنَةٍ إنْ كَذَبَا (إِثْبَاتًا أَو نفيا) مصدر إِن بِمَعْنى الْفَاعِل حالان من ضمير الزَّوْج الَّذِي عوضت أل مِنْهُ فِي الالتعان أَي: وَيبدأ الزَّوْج بحلفه أَربع أَيْمَان حَالَة كَونه مثبتاً فِي الرُّؤْيَة نافياً فِي الْحمل، وَيحْتَمل أَنَّهُمَا منصوبان على إِسْقَاط الْخَافِض أَي على الْإِثْبَات وَالنَّفْي. (على مَا) مَوْصُول على حذف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 مُضَاف يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال (وجبا) صلَة الْمَوْصُول أَي مثبتاً أَو نافياً على حسب مَا يجب عَلَيْهِ من ذَلِك، وَمن الصِّيغَة الَّتِي أشهد بِاللَّه أَو وَالله وَنَحْوهمَا. وَيحْتَمل وَهُوَ الْأَقْرَب أَن يكون قَوْله إِثْبَاتًا أَو نفيا بَيَانا لما أَي يبْدَأ الزَّوْج لدفع حد بحلفه أَربع أَيْمَان حَال كَونهَا على حسب مَا وَجب عَلَيْهِ من الْإِثْبَات وَالنَّفْي والصيغة وَالله أعلم. (مخمساً) حَال من الضَّمِير الْمَذْكُور (بلعنة) يتَعَلَّق بِهِ (إِن كذبا) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ، وَالْمعْنَى أَن صفة اللّعان بَين الزَّوْجَيْنِ أَن يبْدَأ الزَّوْج بِاللّعانِ لدفع الْحَد عَنهُ إِن كَانَت الزَّوْجَة حرَّة مسلمة أَو الْأَب إِن كَانَت أمة أَو كِتَابِيَّة فَيحلف أَربع أَيْمَان على مَا وَجب عَلَيْهِ من الْإِثْبَات فِي الرُّؤْيَة أَو النَّفْي فِي نفي الْحمل فَيَقُول: أشهد بِاللَّه لقد رَأَيْتهَا تَزني أَربع مَرَّات أَو مَا هَذَا الْحمل مني كَذَلِك، ويصل خَامِسَة بلعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين فيهمَا، وَظَاهره أَن الزَّوْج يبْدَأ بالالتعان وجوبا وَهُوَ قَول أَشهب، وَعَلِيهِ إِذا بدأت هِيَ فتعيده. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: يبْدَأ الزَّوْج اسْتِحْبَابا فَإِن بدأت هِيَ فَلَا تعيد (خَ) وَفِي إِعَادَتهَا إِن بدأت هِيَ خلاف، وَمحله مَا لم تحلف بِصِيغَة لقد كذب وإلاَّ أعادت بِلَا خلاف وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا يتَعَيَّن لفظ أشهد بل لَو قَالَ: بِاللَّه أَو وَالله لرأيتها تَزني أَو مَا هَذَا الْحمل مني لكفاه وَهُوَ قَول أصبغ وَالْمَشْهُور تَعْيِينه وَأَنه لَا يَجْزِي غَيره كَمَا يَأْتِي عَن (خَ) وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا يشْتَرط زِيَادَة الَّذِي لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; هـ إِلَّا هُوَ وَلَا عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة وَهُوَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا يشْتَرط كَونه فِي أعظم الْأَمَاكِن كالمساجد كَمَا قدمه فِي بَاب الْيَمين حَيْثُ قَالَ: وَمَا كَمثل الدَّم وَاللّعان الخ. وَتَحْلِفُ الزَّوْجَةُ بَعْدُ أَرْبَعا لِتَدْرَأَ الحَدَّ بِنَفْي مَا ادَّعَى (وتحلف الزَّوْجَة) فعل وفاعل (بعد) ظرف مَقْطُوع مَبْنِيّ يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ قبله (أَرْبعا) نَائِب عَن مفعول مُطلق أَي حلفات أَرْبعا (لتدرأ) مَنْصُوب بِأَن مضمرة بعد اللَّام وفاعله ضمير الزَّوْجَة (الْحَد) مفعول بِهِ (بِنَفْي) يتَعَلَّق بتدرأ وَالْبَاء سَبَبِيَّة، وَيحْتَمل أَنَّهَا بِمَعْنى (على) تتَعَلَّق بِحلف (مَا) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (ادّعى) صلَة مَا والرابط مَحْذُوف أَي تحلف أَرْبعا على نفي مَا ادَّعَاهُ من الرُّؤْيَة أَو نفي الْحمل لتدرأ الْحَد عَنْهَا. تخْمِيسُها بِغَضَبٍ إنْ صَدَقَا ثُمَّ إذَا تمَّ اللِّعَانُ افْتَرَقَا (تخميسها) مُبْتَدأ (بغضب) يتَعَلَّق بِهِ وَالْخَبَر مَحْذُوف للْعلم بِهِ أَي وَاجِب أَو ثَابت، وَيحْتَمل أَن يكون الْمَجْرُور يتَعَلَّق بذلك الْخَبَر وَالْأول أقرب (إِن صدقا) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي مَحل نصب على الْحَال ربطت بالضمير فَقَط، وَالْمعْنَى أَن الزَّوْجَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 تحلف بعد لعان الزَّوْج فَتَقول: أشهد بِاللَّه مَا رَآنِي أزني أَو مَا زَنَيْت أَربع مَرَّات، وَأَن هَذَا الْحمل مِنْهُ كَذَلِك أَو تَقول: لقد كذب فيهمَا أَربع مَرَّات أَيْضا وَتصل خامستها بغضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين أَو إِن صدق فَتبين أَنه لَا بُد من لفظ أشهد فِي حق الزَّوْج وَالزَّوْجَة خلافًا لظَاهِر النّظم، وَمن لفظ اللّعان فِي حق الزَّوْج وَالْغَضَب فِي حق الزَّوْجَة (خَ) وَوَجَب أشهد واللعن وَالْغَضَب وبأشرف الْبَلَد وبحضور جمَاعَة أقلهَا أَرْبَعَة وَندب إِثْر صَلَاة وتخويفها وخصوصاً عِنْد الْخَامِسَة وَالْقَوْل بِأَنَّهَا مُوجبَة الْعَذَاب الخ. (ثمَّ) عاطفة (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (تمّ اللّعان) فعل وفاعل فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذا (افْتَرقَا) فعل وفاعل جَوَاب إِذا وألفه للتثنية أَي: إِذا تمّ التعانهما على الصّفة الْمُتَقَدّمَة وَقعت الْفرْقَة بَينهمَا بِلَا طَلَاق كَانَ قبل الْبناء أَو بعده وَلها نصف الصَدَاق إِن كَانَ قبل الْبناء كَمَا مر، وَظَاهره أَنه بِمُجَرَّد تَمام الالتعان تقع الْفرْقَة من غير حكم وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وَيَسْقُطُ الحَدُّ وَيَنْتَفِي الولَدْ ويحْرُمُ العَوْدُ إلَى طُوله الأَمَدْ (وَيسْقط الْحَد) فعل وفاعل (وينتفي الْوَلَد وَيحرم الْعود) جملتان معطوفتان على الأولى (إِلَى طول الأمد) يتَعَلَّق بيحرم أَي بِتمَام اللّعان يَقع الْفِرَاق وَيسْقط حد الزِّنَا عَنْهُمَا وَيَنْقَطِع نسب الْوَلَد من الزَّوْج وَيحرم عَلَيْهِمَا الْعود للنِّكَاح أبدا، لَكِن ظَاهره أَن نفي الْوَلَد يتَوَقَّف على لعان الزَّوْجَة وَلَيْسَ كَذَلِك، بل بِمُجَرَّد لعان الزَّوْج يَنْقَطِع نسبه مِنْهُ وَإِن لم تلاعن هِيَ بل نكلت وَحِينَئِذٍ فلعان الزَّوْج تنبني عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَحْكَام: دَرْء الْحَد عَنهُ كَمَا مر فِي قَوْله: وَيبدأ الزَّوْج بالالتعان لدفع حد الخ. وَنفي الْوَلَد عَنهُ وَإِيجَاب الْحَد على الْمَرْأَة إِن لم تلاعن. وَهَذِه الثَّلَاث مفهومة من قَول النَّاظِم: لتدرأ الْحَد الخ. وَيَنْبَنِي على لعان الزَّوْجَة ثَلَاثَة أَيْضا وُقُوع الْفَسْخ بِلَا طَلَاق، وَسُقُوط الْحَد عَن الزَّوْجَة وتأبيد الجرمة (خَ) وبالتعانهما تأبيد جرمتها، وَإِن ملكت أَو أنفش حملهَا أَي لاحْتِمَال أَن تكون أسقطته فَقَوله: وَيسْقط الْحَد الخ. مُسْتَغْنى عَنهُ لِأَنَّهُ إِن أَرَادَ سُقُوط الْحَد عَنهُ فقد قدمه فِي قَوْله: لدفع حد وَإِن أَرَادَ سُقُوط الْحَد عَنْهَا فقد قدمه أَيْضا فِي قَوْله لتدرأ الْحَد وَالله أعلم. والفَسْخُ مِنْ بَعْدِ اللِّعَانِ مَاضِي دُونَ طَلاَقٍ وبِحُكْمِ القَاضي (وَالْفَسْخ) مُبْتَدأ (من بعد اللّعان) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله (مَاض دون طَلَاق) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من الضَّمِير فِي مَاض. (وبحكم) مَعْطُوف على دون وَالْبَاء بِمَعْنى مَعَ (القَاضِي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 مُضَاف إِلَيْهِ وَالْمعْنَى أَن فرقة المتلاعنين هِيَ فسخ بِلَا طَلَاق كَمَا مرّ، لَكِن مَعَ حكم القَاضِي فَلَا تقع حَتَّى يحكم بهَا وَمَا ذكر من توقفها على حكم الْحَاكِم وَإِن قَالَه ابْن الْقَاسِم ضَعِيف، وَالْمذهب مَا تقدم من أَن النِّكَاح يفْسخ بَينهمَا بِغَيْر طَلَاق بِمُجَرَّد تَمام اللّعان كَمَا أَفَادَهُ أَولا. فَلَو اسْتغنى عَن هَذَا بِمَا مر لكفاه، وَلَعَلَّه أَرَادَ أَن يُشِير إِلَى أَن فِي الْمَسْأَلَة قَوْلَيْنِ وَأَن القَوْل بتوقفها على الحكم وَإِن لم يكن مَشْهُورا لَا يَنْبَغِي إهمال ذكره كل الإهمال لكَونه قوي الْحجَّة لما ورد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للمتلاعنين: (قوما فقد فرقت بَيْنكُمَا وَوَجَبَت النَّار لأحدكما) فلولا أَن الْفَسْخ يحْتَاج إِلَى حكم مَا قَالَ فقد فرقت بَيْنكُمَا، وَيحْتَمل وَهُوَ الظَّاهِر أَن قَوْله: وبحكم القَاضِي رَاجع لأصل اللّعان أَي لَا يُوجب التَّأْبِيد وَالْفَسْخ إِلَّا إِذا كَانَ بِحكم قَاض كَمَا مر فِي حد ابْن عَرَفَة. ومُكْذِبٌ لِنَفْسِهِ بَعْدُ التَحِقْ وَلَدُهُ وَحُدَّ والتَّحْرِيمُ حَقْ (ومكذب) من أكذب الرباعي مُبْتَدأ سوغه كَونه صفة وَتعلق (لنَفسِهِ بعد) بِهِ أَي وملاعن مكذب لنَفسِهِ بعد التعانهما (الْتحق وَلَده) فعل وفاعل خبر الْمُبْتَدَأ والعائد مَحْذُوف أَي بِهِ (وحد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير المكذب، وَالْجُمْلَة معطوفة على الْخَبَر والمعطوف على الْخَبَر خبر (وَالتَّحْرِيم) مُبْتَدأ (حق) فعل مَاض بِمَعْنى وَجب خَبره وَالْجُمْلَة معطوفة على الَّتِي قبلهَا أَيْضا. ورَاجِعٌ قَبْلَ التَّمامِ مِنْهُمَا يُحَدُّ والنِّكاحُ لَنْ يَنْفَصما (وراجع) مُبْتَدأ سوغه مَا تقدم (قبل التَّمام مِنْهُمَا) يتعلقان بِهِ وَجُمْلَة (يحد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر (وَالنِّكَاح) مُبْتَدأ (لن ينفصما) خَبره وألفه للإطلاق، وأصل الفصم الْقطع بِلَا إبانة، وَأما القصم بِالْقَافِ فَهُوَ الْقطع مَعَ الْإِبَانَة وَهُوَ هُنَا كِنَايَة عَن عدم فسخ النِّكَاح. وَحَاصِل الْبَيْتَيْنِ أَن الْملَاعن المكذب لنَفسِهِ بعد تَمام اللّعان بَينهمَا يلْحق بِهِ وَلَده الَّذِي نَفَاهُ بِاللّعانِ وَيحد لاعْتِرَافه بقذفها وَلها الْعَفو عَنهُ، وَأما تأبيد التَّحْرِيم الْحَاصِل بَينهمَا فَوَاجِب لَا يرْتَفع بتكذيبه لنَفسِهِ، وَمَفْهُوم بعد أَنه إِذا كذب أَحدهمَا نَفسه قبل التَّمام وَهُوَ معنى قَوْله: وراجع الخ. فَإِنَّهُ يحد حد الْقَذْف إِن رَجَعَ هُوَ أَو حد الزِّنَا إِن رجعت هِيَ وَالنِّكَاح لَا يَنْفَسِخ فَمن مَاتَ مِنْهُمَا وَلَو بِالْحَدِّ وَرثهُ الآخر. وسَاكِتٌ والحَمْلُ حَمْلٌ بَيِّنُ يُحَدُّ مُطْلَقاً وَلا يَلْتَعِنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 (وَسَاكِت) مُبْتَدأ سوغه كَونه صفة لمَحْذُوف أَي وَزوج قَاذف سَاكِت (وَالْحمل) مُبْتَدأ (حمل) خَبره (بَين) صفة لَهُ وَالْجُمْلَة حَالية والرابط الْوَاو (يحد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول نَائِبه ضمير السَّاكِت وَالْجُمْلَة خبر عَن السَّاكِت (مُطلقًا) حَال (وَلَا يلتعن) جملَة معطوفة على جملَة الْخَبَر والمعطوف على الْخَبَر خبر إِذْ يَصح أَن يُقَال: والساكت لَا يلتعن الخ. وَالْمعْنَى أَن الْحمل إِذا كَانَ بَينا ظَاهرا بِالزَّوْجَةِ وَسكت عَنهُ الزَّوْج مُدَّة بعد علمه بِهِ، ثمَّ أَرَادَ أَن يَنْفِيه بِلعان فَإِنَّهُ لَا يُمكن من اللّعان وَيحد مُطلقًا طَال سُكُوته كالشهر أم لم يطلّ كَالْيَوْمِ واليومين كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة مَا لم يسكت لعذر، وَهَذَا إِذا ثَبت سُكُوته بعد الْعلم بِهِ بِإِقْرَار أَو بَيِّنَة على أَن علمه بِهِ لَا يعلم إِلَّا من قَوْله: وَسَاكِت الخ. وَأَحْرَى الْوَطْء لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مُجَرّد السُّكُوت بعد الْعلم بِالْحملِ يمْنَع من اللّعان فأحرى الْوَطْء، وَإِن لم يَصْحَبهُ سكُوت. وَقَوله: حمل بَين وَأَحْرَى السَّاكِت بعد الْوَضع. وَمِثْلُهُ الواطِىءُ بَعْدَ الرُّؤْيَهْ وَيُلْحَقُ الوَلَدُ حَدَّ الفِرَّيَهْ (وَمثله) خبر عَن قَوْله (الواطىء بعد الرؤيه) يتَعَلَّق بالواطىء (وَيلْحق) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (الْوَلَد) نَائِبه (حد) مفعول مُطلق بيحد فِي الْبَيْت قبله (الفريه) مُضَاف إِلَيْهِ أَي يحد حد الْقَذْف، وَالْحَد فِي الواطىء بعد الرُّؤْيَة مَفْهُوم من قَوْله وَمثله الخ. وَقَوله: الْوَلَد رَاجع لَهما أَي السَّاكِت مَعَ علمه بِالْحملِ يحد حد الْفِرْيَة أَي الكذبة مُطلقًا وَمثله فِي وجوب الْحَد وَعدم التَّمْكِين من اللّعان الواطىء بعد رُؤْيَة الزِّنَا وَيلْحق الْوَلَد بِالزَّوْجِ فيهمَا. وَالْحَاصِل أَن الْحمل يمْنَع من اللّعان فِيهِ أحد أَمريْن: السُّكُوت أَو الْوَطْء، وَأما الرُّؤْيَة فَلَا يمْنَع من اللّعان فِيهَا إِلَّا الْوَطْء وَإِلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ أَشَارَ (خَ) بقوله: وَإِن وطىء أَو أقرّ بعد علمه بِوَضْع أَو حمل بِلَا عذر امْتنع الخ. وَإنْ تَضَعْ بَعْدَ اللِّعان لأَقَلْ مِنْ سِتةِ الأَشْهُرِ فالمَهْرُ بَطَلْ (وَأَن تضع) شَرط (بعد اللّعان لأَقل) يتعلقان بِهِ (من سِتَّة الْأَشْهر) يتَعَلَّق بِأَقَلّ (فالمهر) مُبْتَدأ خَبره (بَطل) وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط. ولَيْسَ للتَّحْرِيم مِنْ تَأْبيدِ إذِ النِّكاحُ كَانَ كالمَفْقُودِ (وَلَيْسَ) فعل نَاقص (للتَّحْرِيم) خَبَرهَا مقدم (من تأبيد) اسْمهَا جر بِمن الزَّائِدَة وَالْجُمْلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 معطوفة على جملَة الْجَواب والمعطوف على الْجَواب جَوَاب (إِذْ) تعليلية يتنازعه قَوْله: بَطل والاستقرار فِي خبر لَيْسَ (النِّكَاح) مُبْتَدأ (كَانَ) فعل نَاقص وَاسْمهَا ضمير النِّكَاح (كالمفقود) خَبَرهَا. وَالْكَاف بِمَعْنى مثل، وَالْمعْنَى أَن من عقد على امْرَأَة وَقبل الدُّخُول بهَا أَو بعده ظهر بهَا حمل وَزَعَمت أَنه مِنْهُ فَأنكرهُ وتلاعنا فِيهِ بعد ثُبُوته كَمَا تقدم فِي قَوْله: وَمَا بِحمْل بِثُبُوتِهِ يَقع الخ. ثمَّ بعد اللّعان وَضعته كَامِلا لأَقل من سِتَّة أشهر من يَوْم العقد قلَّة بَيِّنَة كستة أشهر إِلَّا سِتَّة أَيَّام لَا خَمْسَة فَإِنَّهَا من حيّز السِّتَّة فَإِنَّهَا لَا مهر لَهَا وَإِن كَانَ دفع لَهَا نصفه استرده، وَأما الْمَدْخُول بهَا فلهَا الْمُسَمّى إِن لم تكن عَالِمَة بِالْحملِ وَلَا يتأبد عَلَيْهِ التَّحْرِيم فيهمَا من حَيْثُ اللّعان بل يتأبد عَلَيْهِ التَّحْرِيم فِي الثَّانِيَة من حَيْثُ الْوَطْء فِي الْعدة حَيْثُ لم تكن عَالِمَة كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع، وإلاَّ فَلَا يتأبد، وَله العقد عَلَيْهَا بعد وَضعهَا كَمَا فِي المعيار فَانْظُرْهُ. وَعلة بطلَان الْمهْر فِي غير الْمَدْخُول بهَا وَعدم التَّأْبِيد فيهمَا أَن النِّكَاح بَينهمَا كَانَ مثل النِّكَاح الْمَفْقُود الَّذِي لَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ حكم لِأَنَّهَا بوضعها لأَقل من سِتَّة أشهر تبين فَسَاد العقد لكَونهَا فِي عدَّة اسْتِبْرَاء فَهِيَ غير زَوْجَة شرعا فَلَا أثر للعانهما وَلَا صدَاق فِيمَا فسخ قبل الدُّخُول، وَبِهَذَا التَّقْرِير علم أَن قَوْله: وَإِن تضع الخ. شَامِل للمدخول بهَا وَغَيرهَا. وَقَوله: فالمهر بَطل خَاص بِغَيْر الْمَدْخُول بهَا إِذْ الْمَدْخُول بهَا لَا يتَوَهَّم فِيهَا سُقُوط الْمهْر مَا لم تكن عَالِمَة وَحدهَا بحملها وَقت العقد أَو الدُّخُول وإلاَّ فَهِيَ غَارة لَا شَيْء لَهَا إِلَّا ربع دِينَار وَحِينَئِذٍ فَيكون قَوْله فالمهر بَطل رَاجعا لَهما بِقَيْد الْغرُور فِي الْمَدْخُول بهَا. وَقَوله: وَلَيْسَ للتَّحْرِيم الخ رَاجع لَهما أَيْضا وَالله أعلم. وَمَا ذكره النَّاظِم نَقله ابْن سَلمُون عَن ابْن الْمَاجشون، وَوَجهه ظَاهر كَمَا تقدم فِي حد ابْن عَرَفَة أول الْبَاب، لَكِن تَعْلِيل عدم التَّأْبِيد يكون النِّكَاح كالمفقود غير بَين لِأَن النِّكَاح الْمجمع على فَسَاده كالخامسة يتأبد فِيهِ التَّحْرِيم بِاللّعانِ كَمَا يدل عَلَيْهِ إِطْلَاق (خَ) فِي قَوْله: إِنَّمَا يُلَاعن زوج وَإِن فسد نِكَاحه. وَفِي قَوْله: وبالتعانهما تأبيد حرمتهما، وَقد حكى ابْن سَلمُون قَوْلَيْنِ فِي تأبيد التَّحْرِيم وَعَدَمه فِيمَا إِذا تلاعنا فِي نفي الْحمل بعد الْبَيْنُونَة، وَظَاهر كَلَامهم أَن التَّأْبِيد هُوَ الْمُعْتَمد وَإِن لم تكن لَهُ زَوْجَة وَقت اللّعان فَالْأولى أَو الْوَاجِب حِينَئِذٍ تَعْلِيل عدم التَّأْبِيد بتحقق نفي سَبَب اللّعان من كَون الْغَيْب كشف على أَن الْحمل لَيْسَ مِنْهُ قطعا، وَأَنه يَنْتَفِي بِلَا لعان كَمَا أَنه إِذا لَاعن فِي حمل وَتحقّق انفشاشه بعد فَلَا تأبيد أَيْضا فَيكون مَحل التَّأْبِيد فِي كَلَامهم مَا لم يكْشف الْغَيْب بصدقها أَو صدقه. نعم تَعْلِيل بطلَان الصَدَاق بِكَوْن النِّكَاح كالمفقود ظَاهر فِي غير الْمَدْخُول بهَا، وَأما الْمَدْخُول بهَا فعلته الْغرُور كَمَا مر، وَيُمكن تمشية النَّاظِم عَلَيْهِ بِأَن يَجْعَل قَوْله: إِذْ النِّكَاح الخ. تعليلاً لبُطْلَان الصَدَاق فَقَط فِي غير الْمَدْخُول بهَا فَقَط وَيكون ساكتاً عَن تَعْلِيل عدم التَّأْبِيد وَعَن تَعْلِيل بطلَان الصَدَاق فِي الْمَدْخُول بهَا وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 (بَاب الطَّلَاق وَالرَّجْعَة وَمَا يتَعَلَّق بهما) وَالطَّلَاق لُغَة حل الوثاق يُقَال: أطلق الْفرس والأسير، وَفِي الشَّرْع رفع الْقَيْد الثَّابِت شرعا بِالنِّكَاحِ فَخرج بقوله: شرعا الْقَيْد الْحسي وَهُوَ حل الوثاق، وَبِقَوْلِهِ بِالنِّكَاحِ الْعتْق فَإِنَّهُ رفع قيد ثَابت شرعا لكنه لم يثبت بِالنِّكَاحِ قَالَه الْقُسْطَلَانِيّ. وَقَالَ ابْن عَرَفَة: الطَّلَاق صفة حكمِيَّة ترفع حلية مُتْعَة الزَّوْج بِزَوْجَتِهِ مُوجب تكررها مرَّتَيْنِ للْحرّ وَمرَّة لذِي الرّقّ حرمتهَا عَلَيْهِ قبل زوج اه. فَقَوله: صفة جنس، وَقَوله حكمِيَّة أخرج بِهِ الصِّفَات الحسية لِأَن الطَّلَاق معنى تقديري اعتباري يقدره الشَّرْح وَالْعقل ويعتبره لَا حسي كَذَا تلقينا من بعض الْأَشْيَاخ، وَخرج بقوله: ترفع حلية الخ، الطَّهَارَة وَالْقَضَاء وَنَحْوهمَا. وَقَوله حلية لَا بُد من ذكرهَا لِأَن الْمُتْعَة لَا ترفع، وَإِنَّمَا يرفع الْمُتَعَلّق بهَا وَهُوَ الْحِلْية. وَبِقَوْلِهِ بِزَوْجَتِهِ حلية الْمُتْعَة بغَيْرهَا كالأمة. وَبِقَوْلِهِ مُوجب تكررها الخ. رفع الْحِلْية بهَا بِالدُّخُولِ فِي الْإِحْرَام بِالْحَجِّ أَو الْعمرَة أَو بِالدُّخُولِ فِي الِاعْتِكَاف أَو الصَّلَاة وَنَحْو ذَلِك. فَقَوله: مُوجب بِالرَّفْع صفة للصفة جرت على غير من هِيَ لَهُ. وَفِي بعض النّسخ بِالنّصب على الْحَال من صفة أَو من ضمير ترفع وَأما الرّجْعَة بِكَسْر الرَّاء فِي اسْتِعْمَال الْفُقَهَاء، وَفِي اللُّغَة بِالْفَتْح وَالْكَسْر فَقَالَ ابْن عَرَفَة: هِيَ رفع الزَّوْج أَو الْحَاكِم حُرْمَة الْمُتْعَة بِالزَّوْجَةِ بِطَلَاقِهَا فَتخرج الْمُرَاجَعَة لِأَن الرّجْعَة من الطَّلَاق الرَّجْعِيّ، والمراجعة من الْبَائِن، وَلذَلِك يعبرون فِيهَا بالمفاعلة الَّتِي لَا تكون إِلَّا من اثْنَيْنِ فِي الْغَالِب وَأدْخل بقوله: أَو الْحَاكِم صُورَة مَا إِذا طلق فِي الْحيض وَامْتنع من الرّجْعَة فَإِن الْحَاكِم يرتجعها لَهُ جبرا عَلَيْهِ وَيجوز لَهُ بهَا الْوَطْء كَمَا يَأْتِي فِي قَول النَّاظِم: وموقع الطَّلَاق دون طهر الخ. وَخرج بقوله حُرْمَة الخ. رفع الْحِلْية فَإِنَّهُ نفس الطَّلَاق كَمَا مر. وَبِقَوْلِهِ: بِطَلَاقِهَا الْمُتَعَلّق بِحرْمَة رفع حُرْمَة الظِّهَار بالتكفير، ثمَّ إِن الطَّلَاق على قسمَيْنِ: سني وبدعي، فالسني مَا اجْتمعت فِيهِ شُرُوط أَرْبَعَة وَمهما اخْتَلَّ وَاحِد مِنْهَا أَو كلهَا فبدعي كَمَا أَشَارَ لذَلِك النَّاظِم بقوله: مِنَ الطَّلاقُ الطَّلْقةُ السُّنِّيَّهْ إنْ حَصَلَتْ شُرُوطُها المَرْعيَّهْ (من الطَّلَاق) خبر مقدم (الطَّلقَة) مُبْتَدأ (السّنيَّة) نعت لَهُ (إِن حصلت) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ (شُرُوطهَا) فَاعل (المرعية) نعت. وَهْيَ الوُقُوعُ حَالَ طُهْرٍ وَاحِدَهْ مِنْ غَيْرِ مَسَ وَارْتِدَافٍ زَائِدَهْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 (وَهِي) مُبْتَدأ عَائِد على الشُّرُوط (الْوُقُوع) خبر (حَال طهر) ظرف يتَعَلَّق بالوقوع أَي فِي وَقت الطُّهْر (واحده) بِالنّصب حَال أَو بِالرَّفْع عطف على الْوُقُوع بِحَذْف العاطف (من غير مس) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال بعد حَال أَو مَعْطُوف بِحَذْف العاطف (وارتداف) مَعْطُوف على مس (زائده) نعت لمَحْذُوف أَي: وارتداف طَلْقَة زَائِدَة، وَالْمعْنَى أَن الطَّلَاق السّني لَهُ شُرُوط أَولهَا أَن يوقعه فِي وَقت الطُّهْر لَا فِي وَقت الْحيض وَالنّفاس، وَأَن يكون طَلْقَة وَاحِدَة لَا أَكثر وَأَن لَا يكون مَسهَا أَي وَطئهَا فِي ذَلِك الطُّهْر الَّذِي طَلقهَا فِيهِ، وَأَن لَا يردف فِي الْعدة طَلْقَة زَائِدَة على الطَّلقَة الأولى، وَزَاد فِي التَّلْقِين شرطين آخَرين: أَن لَا يكون فِي طهر تالٍ لحيض طلق فِيهِ وأجبر على الرّجْعَة، وَأَن تكون الْمَرْأَة مِمَّن تحيض لَا يائسة أَو صَغِيرَة اه. ويغني عَن الثَّانِي قَوْله حَال طهر لِأَن الطُّهْر مَا تقدمته حَيْضَة وتأخرت عَنهُ أُخْرَى، وَذَلِكَ مَفْقُود فِي اليائسة وَالصَّغِيرَة، فَلَو أَرَادَ النَّاظِم الْإِشَارَة إِلَى ذَلِك لقَالَ: مِمَّن تحيض لَيْسَ فِي طهر تبع طَلَاق مجبور على أَن يرتجع قَالَه (ت) وَحِينَئِذٍ فَإِن توفرت هَذِه الشُّرُوط الْخَمْسَة أَو السِّتَّة كَانَ الطَّلَاق سنياً أَو مَنْسُوبا لما أَذِنت فِيهِ السّنة وأباحته وَلَيْسَ الْمَعْنى أَنه يكون مَعَ الشُّرُوط سنة يُثَاب على فعله كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر، بل الْمَعْنى أَن السّنة وَالشَّرْع أذنا فِي فعله وَتَركه فَهُوَ مُبَاح الْفِعْل لَا راجحه وَفِي الحَدِيث: (أبْغض الْحَلَال إِلَى الله الطَّلَاق) . قَالَ الْخطابِيّ تَنْصَرِف الْكَرَاهَة هُنَا إِلَى السَّبَب الجالب للطَّلَاق وَهُوَ سوء الْعشْرَة وَقلة الْمُوَافقَة لِأَن الطَّلَاق مُبَاح قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ: تزوجوا وَلَا تطلقوا فَإِن الطَّلَاق يَهْتَز مِنْهُ الْعَرْش. وَعنهُ أَيْضا أَنه كَانَ يضجر من كَثْرَة تطليق ابْنه الْحسن فَكَانَ يَقُول فِي خطبَته على الْمِنْبَر: إِن حسنا رجل مطلاق فَلَا تنكحوه حَتَّى قَامَ رجل من هَمدَان فَقَالَ: وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لننكحنه مَا شَاءَ فَإِن أحب أمسك وَإِن أحب ترك. فسر بذلك عَليّ رَضِي الله عَنهُ. فَإِن قيل: كَيفَ يكون أبْغض الْحَلَال إِلَى الله الطَّلَاق مَعَ أَن الله أَبَاحَهُ، وَفعله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فقد طلق حَفْصَة بنت عمر رَضِي الله عَنْهُمَا ثمَّ ارتجعها بِأَمْر من الله تَعَالَى نزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَلَيْهِ أَن رَاجع حَفْصَة فَإِنَّهَا صَوَّامَة قَوَّامَة وَهِي زَوجتك فِي الْجنَّة خرجه غير وَاحِد كَمَا فِي ابْن حجر، وطلق الْعَالِيَة بنت ضبيان وَهِي الَّتِي كَانَ يُقَال لَهَا أم الْمَسَاكِين ونكحت فِي حَيَاته قبل أَن ينزل تَحْرِيم نِسَائِهِ. وَأجِيب بجوابين. أَحدهمَا: أَن البغض مَصْرُوف للسبب الجالب للطَّلَاق كَمَا مرّ، وَثَانِيهمَا لِابْنِ عَرَفَة أَن الْمَعْنى أقرب الْحَلَال إِلَى الله بغض الله الطَّلَاق فنقيضه أبعد عَن بغض الله فَيكون أحل من الطَّلَاق أَي: فَيكون تَركه عِنْد الله أولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 وأرجح، وَقد يعرض وُجُوبه كَمَا إِذا فسد مَا بَينهمَا وَلَا يسلم دينه مَعهَا وحرمته إِن خيف من ارتكابه وُقُوع كَبِيرَة، وكراهته إِن كَانَ كل مِنْهُمَا قَائِما بِحَق الآخر، واستحبابه إِن كَانَت غير صينة وَلم تتبعها نَفسه، وَأول من طلق إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى أَن الطَّلَاق السّني يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ فَقَالَ: مِنْ ذَاك بائِنٌ وَمِنْهُ رَجْعِي وَمَا عَدَا السُّنِّيّ فَهْوَ بِدْعي (من ذَاك بَائِن) مُبْتَدأ وَخبر ومثاله الطَّلقَة الْوَاحِدَة الَّتِي صادفت آخر الثَّلَاث فَهِيَ من حَيْثُ وجود تِلْكَ الشُّرُوط سنية، وَمن حَيْثُ إِنَّهَا صادفت آخر الثَّلَاث بَائِنَة فقد نقل اللَّخْمِيّ عَن أَشهب جَوَاز طَلَاق الْوَاحِدَة المصادفة لآخر الثَّلَاث فَتكون سنية بَائِنَة إِذْ لَا تحل لَهُ بهَا إِلَّا بعد زوج، وَكَذَا الطَّلَاق بعوض وَهُوَ طَلَاق الْخلْع مَعَ الشُّرُوط الْمَذْكُورَة فَهُوَ سني بَائِن، وَأما فِي الْحيض فَهُوَ بدعي بَائِن كَكَوْنِهِ بِلَفْظ الْخلْع بِغَيْر عوض أَو بِلَفْظ التَّمْلِيك كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَام النَّاظِم الْآتِي فِي قَوْله: مِنْهُ مملك وَمِنْه الخلعي الخ. وَطَلَاق غير الْمَدْخُول بهَا وَلَو فِي الْحيض على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم سني بَائِن. وَقَالَ أَشهب: بل هُوَ فِي الْحيض بدعي بَائِن كَمَا نقل الشَّارِح. قلت: وَهُوَ ظَاهر النّظم لِأَنَّهُ أطلق فِي تِلْكَ الشُّرُوط فَلم يفرق فِيهَا بَين مَدْخُول بهَا وَغَيرهَا. (وَمِنْه الرَّجْعِيّ) كطلقة بعد الْبناء بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة لم تصادف الثَّلَاث (وَمَا) مَوْصُولَة وَاقعَة على الطَّلَاق (عدا السّني) يتَعَلَّق بالاستقرار الْمُقدر (فَهُوَ بدعي) مُبْتَدأ وَخبر، وَالْجُمْلَة خبر الْمَوْصُول وَدخلت الْفَاء فِي خَبره لشبهه بِالشّرطِ أَي: وَالطَّلَاق الَّذِي اسْتَقر عدا الطَّلَاق السّني بدعي، وَهُوَ الْوَاقِع فِي حيض مَدْخُولا بهَا أم لَا، على قَول أَشهب أَو فِي طهر مَسهَا فِيهِ أَو أَكثر من وَاحِدَة أَو أردفه فِي الْعدة أَو فِي طهر تال لحيض طلق فِيهِ، وأجبر عَن الرّجْعَة والبدعي مَمْنُوع فِي الْحيض مَكْرُوه فِي غَيره (خَ) : طَلَاق السّنة وَاحِدَة بطهر لم يمس فِيهِ بِلَا عدَّة وإلاَّ فبدعي، وَكره فِي غير الْحيض إِلَى أَن قَالَ: وَمنع فِيهِ وَوَقع وأجبر على الرّجْعَة الخ. وَقَالَ فِي التَّلْقِين: الطَّلَاق على ضَرْبَيْنِ. طَلَاق سنة وَطَلَاق بِدعَة. ويتفرعان إِلَى قسم ثَالِث وَهُوَ أَن يعرى عَن وَصفه بِوَاحِد مِنْهُمَا، فالسني مَا وَقع على الْوَجْه الَّذِي أَبَاحَ الشَّرْع إِيقَاعه عَلَيْهِ، والبدعي نقيضه وَهُوَ الْوَاقِع على غير الْوَجْه الْمَشْرُوع، وَالسّنة والبدعة يرجعان إِلَى أَمريْن: إِلَى الْوَقْت وَالْعدَد، ثمَّ قَالَ: وَأما من تتساوى أَوْقَاتهَا فِي جَوَاز طَلاقهَا فَثَلَاث: الصَّغِيرَة واليائسة وَالْحَامِل الْبَين حملهَا، فطلاق هَؤُلَاءِ لَا يُوصف بِسنة وَلَا بِدعَة من حَيْثُ الْوَقْت ويوصف بذلك من حَيْثُ الْعدَد اه بِنَقْل بَعضهم وينقسم البدعي الَّذِي اخْتَلَّ فِيهِ بعض الشُّرُوط إِلَى رَجْعِيّ وبائن أَيْضا كَمَا قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 ومِنْهُ مُمَلَّكٌ وَمِنْهُ خُلْعي وَذُو الثَّلاث مُطَلِّقاً وَرَجْعِي (وَمِنْه مملك) كَانَت طَالِق طَلْقَة مملكة أَو تملكين بهَا نَفسك وَهُوَ طَلَاق الْخلْع بِغَيْر عوض كَمَا يَأْتِي: (وَمِنْه الخلعي) أَي الطَّلَاق بِلَفْظ الْخلْع من غير عوض لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ متحداً مَعَ المملك فِي الْمَعْنى، لكنهما اخْتلفَا فِي اللَّفْظ كَمَا يَأْتِي عَن الْمُتَيْطِيَّة، وَأما بعوض فَهُوَ جَائِز كَمَا مرّ (و) مِنْهُ (ذُو الثَّلَاث) فِي كلمة وَاحِدَة (مُطلقًا) كَانَ قبل الْبناء أَو بعده بِلَفْظ الثَّلَاث أَو الْبَتَّةَ وَلَا يدْخل فِيهِ الْوَاحِدَة المصادفة لآخر الثَّلَاث لِأَنَّهُ تقدم جَوَازهَا وَأَنَّهَا سنية حَيْثُ توفرت الشُّرُوط كَمَا لَا يدْخل فِيهِ الطَّلَاق بعوض مَعَ توفر الشُّرُوط أَيْضا كَمَا مر، وَبِهَذَا التَّقْرِير علم أَن البدعي أَعم من السّني لَا نقيضه لِأَن مِنْهُ مَا اختلت فِيهِ بعض الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة وَمَا لم تختل فِيهِ كَالطَّلَاقِ المملك أَو بِلَفْظ الْخلْع من غير عوض مَعَ وجود الشُّرُوط فيهمَا، وَقد نَص على كَون المملك والخلعي غير سنيين. ابْن سَلمُون والمتيطي: نعم لَو زادوا فِي شُرُوط السّني كَونه غير مملك أَو كَونه بِغَيْر لفظ الْخلْع لانحصر البدعي فِي خلاف السّني على مَا يظْهر، وَقَوله: وَذُو الثَّلَاث مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف كَمَا قَررنَا ومطلقاً حَال وَهُوَ مُحْتَرز قَوْله فِي شُرُوط السّني وَاحِدَة. (ورجعي) خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَيْضا أَي وَمن البدعي رَجْعِيّ كطلقة وَاحِدَة فِي حيض أَو فِي طهر مس فِيهِ أَو فِي الْعدة. تَنْبِيه: قَوْلهم: إِن الطَّلَاق بِلَفْظ الْخلْع بَائِن وَلَو بِلَا عوض الخ. قيل: إِنَّمَا كَانَ بَائِنا لِأَن من لَازم كَونه خلعياً جَرَيَان أَحْكَام الْخلْع فِيهِ، وَمن جُمْلَتهَا سُقُوط النَّفَقَة أَيَّام الْعدة، فالعوض حِينَئِذٍ مَوْجُود وَهُوَ سُقُوط النَّفَقَة، لَكِن ظَاهر كَلَامهم أَنه خلع وَلَو لم ترض بإسقاطها مَعَ أَنه حق لَهَا يتَوَقَّف على رِضَاهَا وَهُوَ مُشكل قَالَه ابْن عَاشر. قلت: رَأَيْت فِي اخْتِصَار مسَائِل القَاضِي عبد الْوَهَّاب لأبي الْحسن بن الْقصار مَا نَصه: وَيجوز الْخلْع عندنَا بِغَيْر عوض، وَيجب أَن يكون بِلَفْظ الْخلْع وَطلب الزَّوْجَة ذَلِك وَهُوَ أَن يَقُول: قد خالعتك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يكون خلعاً إِلَّا بعوض فَإِذا عري عَن الْعِوَض فَهُوَ طَلَاق اه. فَتَأمل قَوْله: وَطلب الزَّوْجَة ذَلِك الخ. فِيهِ يَنْتَفِي الْإِشْكَال الْمَذْكُور، وَتَأمل الطَّلَاق المملك الَّذِي نَص عَلَيْهِ ابْن سَلمُون والناظم فَإِنَّهُ مِمَّا نَحن فِيهِ وَيجْرِي مَا ذكر فِيهِ أَيْضا فَلَا يكون إِلَّا بِرِضَاهَا لِأَنَّهُ يُرِيد أَن يسْقط حَقّهَا من النَّفَقَة فالمملك هُوَ الْخلْع بِلَا عوض فِي الْمَعْنى، وَإِنَّمَا اخْتلفَا فِي اللَّفْظ. وَتَأمل هَذَا المملك فَإِنَّهُ الْجَارِي عِنْد النَّاس الْيَوْم مَعَ أَن الْبَيْنُونَة بِغَيْر عوض يجب أَن تكون بِلَفْظ الْخلْع، وَأَن تكون الْمَرْأَة طالبة لذَلِك كَمَا مر عَن عبد الْوَهَّاب، فالمملك وَارِد على قَوْلهم يجب أَن تكون بِلَفْظ الْخلْع إِلَّا أَن يُقَال بِهِ أَو بِمَا فِي مَعْنَاهُ، وَكَذَا لَو طَلقهَا بِلَفْظ الْبَيْنُونَة كَمَا يَأْتِي عَن الشَّامِل فَقَوله: طَلقهَا طَلْقَة وَاحِدَة بَائِنَة فَإِنَّهَا بينونة بِغَيْر عوض أَيْضا من غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 لفظ الْخلْع. وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْأَلْفَاظ تبين بهَا الزَّوْجَة وَإِن لم يكن هُنَاكَ عوض، والبينونة وَإِن كَانَت هِيَ الثَّلَاث عِنْد الأقدمين كَمَا فِي (خَ) لَكِن عرف النَّاس الْيَوْم أَنَّهَا وَاحِدَة بَائِنَة كَمَا يَأْتِي وَيبقى النّظر فِي النَّفَقَة، وَالظَّاهِر أَنه لَا شَيْء لَهَا وَإِن لم تكن طالبة كَمَا يدل على ذَلِك إطلاقاتهم، وَلَو كَانَت لَهَا لَوَجَبَتْ لَهَا فِي الطَّلَاق ثَلَاثًا وَلم يقل بذلك أحد. وَفِي المعيار أَن سكُوت الْأَئِمَّة عَن الشَّيْء يدل على أَنه لَا عِبْرَة بِهِ، وَيدل على أَن المملك والخلعي بِغَيْر عوض شَيْء وَاحِد فِي الْمَعْنى على مَا يَأْتِي نَقله عِنْد قَوْله: وَفِي الْملك خلاف الخ. وَعَلِيهِ فالبينونة وَجَبت فِي لفظ الْخلْع بِغَيْر عوض من أجل أَنه نوى بِهِ الْبَيْنُونَة، وَهَكَذَا المملك لَا من أجل كَونهَا فِي مُقَابلَة النَّفَقَة كَمَا قيل وَالله أعلم. وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِي الرَّجْعِيِّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الأمَدِ المَرْعِيِّ (وَيملك) فَاعله ضمير الزَّوْج (الرّجْعَة) مفعول بِهِ وَتقدم تَعْرِيفهَا (فِي الرَّجْعِيّ) يتَعَلَّق بقوله يملك والرجعي. كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة مَا وَقع بعد الدُّخُول غير مُقَارن لفداء قاصراً عَن الثَّلَاث للْحرّ واثنين للْعَبد فَإِن اخْتَلَّ أحد هَذِه الشُّرُوط الثَّلَاث لم يكن رَجْعِيًا بل بَائِنا كَمَا يَأْتِي، وَأطلق فِي الرَّجْعِيّ فَشَمَلَ السّني والبدعي فَالْكل يملك الرّجْعَة فِيهِ. (قبل انْقِضَاء الأمد المرعي) فِي بينونتها وَهُوَ انْقِضَاء الْعدة الْآتِي بَيَانهَا من الإقراء أَو الشُّهُور أَو الْوَضع فالظرف يتَعَلَّق بقوله: يملك والمرعي صفة للأمد فَإِن زعمت انْقِضَاء عدتهَا فَلَا يملك ارتجاعها إِن مضى من الْعدة مَا يشبه أَن تَنْقَضِي فِيهِ (خَ) وصدقت فِي انْقِضَاء عدَّة الإقراء والوضع بِلَا يَمِين مَا أمكن الخ. وَلَا يجْرِي هَهُنَا مَا بِهِ الْعَمَل من أَنَّهَا لَا تصدق فِي أقل من ثَلَاثَة أشهر كَمَا قد يتوهمه قصير الباع، إِذْ لَيْسَ ذَلِك فِي مثل هَذَا لِأَن الْفروج يحْتَاط لَهَا. وَالله أعلم فَإِن مَاتَت وَاخْتلف الزَّوْج وَالْوَرَثَة فِي انْقِضَاء عدتهَا وَعَدَمه فَانْظُر حكم ذَلِك فِي التَّنْبِيه الرَّابِع الْآتِي عِنْد قَول النَّاظِم: وَمن مَرِيض وَمَتى من الْمَرَض مَاتَ فللزوجة الْإِرْث المفترض وَلا افْتِقَارَ فيهِ لِلصَّدَاقِ وَالإذْنِ وَالوَليِّ باتِّفَاقِ (وَلَا) نَافِيَة للْجِنْس (افتقار) اسْمهَا (فِيهِ) خَبَرهَا وضميره للارتجاع الْمَفْهُوم من الرّجْعَة (للصداق) يتَعَلَّق بافتقار (وَالْإِذْن) مَعْطُوف على الصَدَاق (وَالْوَلِيّ) كَذَلِك (بِاتِّفَاق) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر، وَالْمعْنَى أَن الزَّوْج إِذا ارتجع زَوجته من الطَّلَاق الرَّجْعِيّ فَإِنَّهُ لَا يفْتَقر لصداق وَلَا لإذنها ورضاها وَلَا لعقد الْوَلِيّ عَلَيْهَا، بل يرتجعها دون شَيْء من ذَلِك، وَلَكِن يسْتَحبّ الْإِشْهَاد وَلَو ارتجعها على صدَاق جهلا لرجع عَلَيْهَا بِهِ كَمَا فِي (خَ) فِي فصل الرّجْعَة، وَفِي المعيار أَيْضا من طلق زَوجته رَجْعِيًا ثمَّ تزَوجهَا بِصَدَاق فِي الْعدة أَن تزَوجه رَجْعَة وَلَا صدَاق لَهَا إِلَّا الصَدَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 الأول وَيرجع عَلَيْهَا بِالثَّانِي اه. ثمَّ الرّجْعَة تصح بِأحد أَمريْن بالْقَوْل كَلَفْظِ: رَاجَعتك أَو أمسكتك أَو نَحْوهمَا وَلَو بِدُونِ نِيَّة على الْمَشْهُور أَو بِالْفِعْلِ كَالْوَطْءِ والقبلة والمباشرة وَنَحْو ذَلِك بِشَرْط قصد الارتجاع بذلك (خَ) يرتجع من ينْكح بقول مَعَ نِيَّة كرجعت وَأَمْسَكت أَو نِيَّة على الْأَظْهر لَا بقول مُحْتَمل بِلَا نِيَّة وَلَا بِفعل دونهَا كَوَطْء وَلَا صدَاق، وَإِن اسْتمرّ وَانْقَضَت لحقها طَلَاقه على الْأَصَح اه. فَقَوله: وَإِن اسْتمرّ أَي اسْتمرّ على وَطئهَا بِدُونِ قصد الارتجاع بِهِ حَتَّى انْقَضتْ عدتهَا وَطَلقهَا طَلَاقا آخر فَإِنَّهُ يلْحقهُ طَلاقهَا على الْأَصَح مُرَاعَاة لقَوْل ابْن وهب وَاللَّيْث وَأبي حنيفَة بِصِحَّة رجعته بِالْوَطْءِ بِدُونِ نِيَّة لِأَن الحكم للظَّاهِر فَلَا يصدق أَنه لم يرد بِهِ الرّجْعَة، وَإِذا قُلْنَا يلْحقهُ الطَّلَاق وَاسْتمرّ على ذَلِك حَتَّى كمل ثَلَاثًا فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بعد زوج فَإِن اسْتمرّ على وَطئهَا بعد الثَّلَاث من غير عقد أَو بِعقد قبل زوج فيتعدد عَلَيْهِ الصَدَاق بِتَعَدُّد الْوَطْء حَيْثُ لم تعلم هِيَ بِالْحُرْمَةِ أَو علمت وأكرهها، وَإِلَّا فَهِيَ زَانِيَة كَمَا يفِيدهُ قَول (خَ) فِي الطَّلَاق كواطىء بعد حنثه وَلم يعلم. وَقَوله فِي الصَدَاق كَالزِّنَا بهَا أَي بِغَيْر العالمة أَو بالمكرهة، وَأما حَده ولحوق الْوَلَد بِهِ من الْوَطْء للْوَاقِع بعد الثَّلَاث فقد تقدم تَفْصِيله فِي أول فصل فَاسد النِّكَاح. تَنْبِيهَات. الأول: يتَفَرَّع على الصَّحِيح من عدم اعْتِبَار وَطئه بِدُونِ نِيَّة أَن لَهُ مراجعتها بالْقَوْل فِيمَا بَقِي من الْعدة، لَكِن لَا يَطَؤُهَا إِلَّا بعد الِاسْتِبْرَاء من المَاء الْفَاسِد بِثَلَاث حيض كَمَا أَنه لَا يُرَاجِعهَا بعد الْعدة إِلَّا بِعقد أَيْضا، وَكَذَلِكَ على مُقَابِله من أَنه لَا يلْحقهَا طَلَاقه لِأَنَّهَا بَانَتْ بِانْقِضَاء عدَّة الطَّلَاق الأول، وَهُوَ قَول ابْن أبي زيد فَلَا يُرَاجِعهَا إِلَّا بعد الِاسْتِبْرَاء الْمَذْكُور، فَإِن رَاجعهَا وَبنى بهَا قبل الِاسْتِبْرَاء على الْأَصَح وَمُقَابِله فَفِي حرمتهَا عَلَيْهِ لِلْأَبَد قَولَانِ. مشهورهما كَمَا فِي القلشاني وَغَيره عدم التَّأْبِيد بِنَاء على أَن الْعلَّة اخْتِلَاط الْأَنْسَاب وَهِي منتفية هَهُنَا، لِأَن المَاء مَاؤُهُ بِخِلَاف المستبرأة من زنا وَغَيره، فالأرجح التَّأْبِيد قَالَ فِي المعيار: وَمحل الْخلاف بَين الْأَصَح وَابْن أبي زيد إِذا جَاءَ مستفتياً فَابْن أبي زيد لَا يلْزمه إِلَّا الطَّلَاق الأول وَأَبُو عمرَان يلْزمه مَا بعده أَيْضا وَلَو الثَّلَاث قَالَ: وَإِمَّا إِن قَامَت الْبَيِّنَة بِالثلَاثِ فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَيْهَا حَتَّى تنْكح زوجا غَيره فِي المَال وَمن حمل الْخلاف بَينهمَا على الْإِطْلَاق فقد أَخطَأ اه. قلت: تَأمل قَوْله: فقد أَخطَأ لِأَن الْبَيِّنَة إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهَا عِنْد الْإِنْكَار، وَهُوَ إِذا أنكر الثَّلَاث وأسرته الْبَيِّنَة دلّ ذَلِك على كذبه حَتَّى فِي قَوْله: وطئتها بِدُونِ نِيَّة الرّجْعَة. هَذَا مَعْنَاهُ فِيمَا يظْهر، وَأما إِن كَانَ مقرا بِمَا شهِدت بِهِ الْبَيِّنَة وَلم يبْق مسترسلاً عَلَيْهَا بعد الثَّلَاث فَلَا يظْهر فرق بَين المستفتي وَغَيره فِي كَون كل مِنْهُمَا من مَحل الْخلاف، وَفِي بعض فَتَاوَى ابْن مَرْزُوق مَا نَصه: وَمَسْأَلَة الشَّيْخَيْنِ فِي المسترسل قوي عِنْدِي إِشْكَال تصورها لِأَنَّهَا من التَّدَاخُل، فَمَتَى تَنْقَضِي الْعدة وَمَا رَأَيْت من كشف عَنْهَا الغطاء، وَإِن زَعمه ابْن الْحَاج لَكِن لم يتَبَيَّن لي وَقَالَ أَيْضا فِي بعض فَتَاوِيهِ: وَهَذِه الْمَسْأَلَة يَعْنِي مَسْأَلَة الاسترسال قد كثر السُّؤَال عَنْهَا وفاعل ذَلِك يحتال على تَحْلِيل الْمُطلقَة ثَلَاثًا، والمؤكد بِهِ عَلَيْكُم فِي مثل هَذَا أَن تسدوا بَابا يَقع بِهِ إِحْدَاث بِدعَة. نسْأَل الله السَّلامَة والعافية. الثَّانِي: من هَذَا الْمَعْنى من عَادَته كَثْرَة الْحلف بِالطَّلَاق وَلما قَامَت الْمَرْأَة بِالطَّلَاق قَالَ: لم أقصد بِهِ طَلَاق الزَّوْجَة، وَإِنَّمَا ذَلِك لفظ أجراه الله على لساني من غير قصد للطَّلَاق فَلَا يَنْوِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 فِي عدم إِرَادَته الطَّلَاق الْمَذْكُور لصراحة اللَّفْظ إِلَّا إِذا دلّ بِسَاط على عدم إِرَادَته كَأَن تكون موثوقة وَتقول لَهُ: أطلقني فَيَقُول لَهَا: أَنْت طَالِق وَحَيْثُ لزمَه الطَّلَاق فَيلْزمهُ الثَّلَاث للشَّكّ فِي عدده، فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بعد زوج فَإِن ذكر فِي الْعدة أَنه إِنَّمَا طَلقهَا وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ صدق، وَإِن لم يذكر وَتَزَوجهَا بعد زوج ثمَّ طَلقهَا وَاحِدَة لم تحل لَهُ أَيْضا إِلَّا بعد زوج، وَهَكَذَا. وَلَو بعد مائَة زوج إِلَّا أَن يبت طَلاقهَا. وَهَذِه هِيَ الْمَسْأَلَة الْمُسَمَّاة بالدولابية قَالَه الْأَبَّار فِي جَوَاب لَهُ، وَبِهَذَا كُله تعلم بطلَان مَا يَقُوله الْعَامَّة وَبَعض الطّلبَة من أَن من كثر مِنْهُ الطَّلَاق أَو الْحلف بالحرام أَو جرى على لِسَانه لَا يلْزمه شَيْء إِذْ ذَاك لَا أصل لَهُ، وَلم يقلهُ أحد مِمَّن يعْتد بِهِ لِأَنَّهُ لَا يصدق فِي الصَّرِيح وَلَا فِي الْكِنَايَة الظَّاهِرَة كالحرام وَالْيَمِين وَنَحْوهمَا، بل صرح العقباني بِأَن من كَانَ دأبه الْأَيْمَان اللَّازِمَة ويستخفها فيتحتم عَلَيْهِ الحكم بالمشهور فِيهَا، وَمن كَانَ ذَلِك مِنْهُ فلتة فَحسن أَن يتْرك لتقليد قَول فِيهِ رَحْمَة اه. وَنقل نَحوه فِي المعيار، وَنَقله الرباطي فِي شرح الْعَمَل أول بَاب الْقَضَاء، وَكَذَا صرح ابْن عرضون بِأَن لُزُوم الْوَاحِدَة البائنة للْحَالِف بالحرام مَشْرُوط بِأَن لَا يكون مُعْتَادا للحلف بِهِ وإلاَّ لزمَه الثَّلَاث نَقله العلمي. وَهَكَذَا رَأَيْت ذَلِك عَن غير وَاحِد وَأَنه يشدد على من اعْتَادَ الْحلف بِالطَّلَاق. وَأما لُزُوم الصَدَاق لَهُ فَيجْرِي على مَا تقدم قبل التَّنْبِيه الأول وَالله أعلم. الثَّالِث: فِي الْبُرْزُليّ مَا حَاصله: حَقِيقَة من وطىء فِي الْعدة وَلم ينْو بِوَطْئِهِ رَجْعَة أَنه لَا يكون رَجْعَة وَيجب على الْمَرْأَة شَيْئَانِ عدَّة واستبراء، فالعدة من يَوْم الطَّلَاق، والاستبراء من يَوْم الْوَطْء الْفَاسِد بِثَلَاث حيض، فَإِن أَرَادَ الرّجْعَة فَلهُ ذَلِك بالْقَوْل وَالْإِشْهَاد دون الْوَطْء حَتَّى يَنْقَضِي الِاسْتِبْرَاء فَإِن فَاتَتْهُ الرّجْعَة حَتَّى كملت الْعدة وَبَقِي الِاسْتِبْرَاء فَلَا رَجْعَة، فَإِن فعل فسخ وَلَا يتأبد التَّحْرِيم لِأَنَّهُ مَاؤُهُ وتتداخل الْعدة مَعَ الِاسْتِبْرَاء فِيمَا اتفقَا عَلَيْهِ وَلَا يرتجع فِي مُدَّة الِاسْتِبْرَاء بعد مُضِيّ الْعدة لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّة وَبعد مُدَّة الِاسْتِبْرَاء كَانَ لَهُ وَلغيره تَزْوِيجهَا ثمَّ قَالَ: وَإِذا وطىء بعد الْحِنْث ثمَّ أعلم الزَّوْجَة فالعدة من يَوْم إِعْلَامه كالغائب يُطلق فِي غيبته وَلَا يعلمهَا بذلك حَتَّى يقدم، فعلمتها من يَوْم إِعْلَامه وَلَا يملك الرّجْعَة فِيهَا إِلَّا من يَوْم أقرّ إِنَّه أوقع الطَّلَاق فَإِن انْقَضتْ الْعدة من ذَلِك الْيَوْم فَلَا رَجْعَة اه. فَانْظُر هَذَا مَعَ قَول الإِمَام ابْن مَرْزُوق فِيمَا مر عَنهُ من قُوَّة الْإِشْكَال، وَذكر فِي المعيار عَن ابْن سهل فِي امْرَأَة حنث زَوجهَا فِيهَا بِالثلَاثِ وَبَقِي مسترسلاً حَتَّى قضى القَاضِي عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ أَن الْعدة من يَوْم الْقَضَاء إِن كَانَ الزَّوْجَانِ حاضرين وَإِن كَانَا غائبين فالعدة من وَقت أَمرهمَا بالفراق فَإِن كَانَت قد انْقَضتْ من يَوْم الحكم فَلَا بُد من اسْتِئْنَاف ثَلَاثَة قُرُوء للاستبراء اه بِاخْتِصَار فَتَأمل ذَلِك كُله مَعَ مَا مر. وَمُوقِعُ الطَّلاَقِ دُونَ طُهْرِ يُمْنَعُ مَعْ رُجُوعِهِ بِالقَهُرِ (وموقع) مُبْتَدأ (الطَّلَاق) مُضَاف إِلَيْهِ (دون طهر) يتَعَلَّق بموقع أَو بِمَحْذُوف حَال مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 (يمْنَع) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي فعل مَمْنُوعًا ونائبه ضمير الْموقع وَالْجُمْلَة خبر (مَعَ) بِسُكُون الْعين يتَعَلَّق بِمَحْذُوف جَوَاب عَن سُؤال مُقَدّر فَكَأَن قَائِلا قَالَ لَهُ: وَإِذا كَانَ الْمُطلق فِي الْحيض أَو النّفاس فعل مَمْنُوعًا فَمَا حكمه؟ فَقَالَ: الحكم وُقُوع طَلَاقه مَعَ وجوب (رُجُوعه) أَي ارتجاعه لَهَا مَا دَامَت فِي الْعدة وَلَو (بالقهر) بالتهديد والسجن وَالضَّرْب بِمَجْلِس وَاحِد فَإِن قهر بذلك وَلم يفعل ارتجعها لَهُ الْحَاكِم بِأَن يَقُول: ارتجعتها لَك أَو يحكم عَلَيْهِ بهَا أَي يُخبرهُ بِوُجُوب الرّجْعَة على وَجه الِالْتِزَام، وَإِن لم يقل ارتجعتها لَك كَمَا فِي طفي وَيجوز الْوَطْء بِهَذَا الارتجاع وَإِن لم تقارنه نِيَّة لِأَن نِيَّة الْحَاكِم قَائِمَة مقَام نِيَّته ويتوارثان بِهِ إِن مَاتَ أَحدهمَا، وَإِذ ارتجعها بِنَفسِهِ أَو ارتجعها عَلَيْهِ فالأحب أَن يمْسِكهَا حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض ثمَّ تطهر ثمَّ يطلقهَا إِن شَاءَ، فَإِن طَلقهَا فِي الطُّهْر الموَالِي للْحيض الأول مضى مَعَ كَرَاهَته وَلَا يجْبر على الرّجْعَة، وَمحل قهره على الارتجاع إِذا كَانَ الطَّلَاق رَجْعِيًا، وَأما إِن كَانَ على عوض أَو بِلَفْظ الْخلْع أَو التَّمْلِيك أَو بِالثلَاثِ فَلَا يُؤمر بالارتجاع وَلَا مَحل لجبره. وَفي المُمَلِّكِ خِلافُ وَالقَضَا بِطَلْقَةٍ بائِنةٍ فِي المُرْتَضَى (وَفِي المملك الْخلاف) مُبْتَدأ وَخَبره (والقضا) ء مُبْتَدأ (بِطَلْقَة) خَبره (بَائِنَة) صفة لطلقة (فِي المرتضى) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر، وَظَاهره أَن الْخلاف جَار وَلَو نوى بِهِ الثَّلَاث. وَفِي الرسَالَة إِذا قَالَ: أَنْت طَالِق فَهِيَ وَاحِدَة إِلَّا أَن يَنْوِي أَكثر. القلشاني: من نوى الثَّلَاث بقوله: أَنْت طَالِق فقد لَزِمته الثَّلَاث وَهُوَ معنى قَول الشَّيْخ اه. وَمثله يَأْتِي عَن الْمُدَوَّنَة فِيمَن نوى بقوله: لَا رَجْعَة إِلَى الْبَتَات فَإِنَّهَا تلْزمهُ، وَانْظُر ابْن سَلمُون وَفِي المعونة: إِذا قصد إِيقَاع الْخلْع من غير عوض كَانَ خلعاً عِنْد مَالك لِأَنَّهُ طَلَاق قصد أَن يكون خلعاً فَكَانَ على مَا قَصده كَالَّذي مَعَه الْعِوَض، وَقَالَ أَشهب: يكون رَجْعِيًا اه. قلت: لِأَنَّهُ أَرَادَ أَن يخرج الرَّجْعِيّ عَن حَقِيقَته الشَّرْعِيَّة بِمُجَرَّد الْقَصْد فَهُوَ كاشتراط نفي الرّجْعَة والتزام عدم الرُّجُوع فِي الْوَصِيَّة فَلَا يسْقط قَصده رجعته عِنْد أَشهب، فَالْخِلَاف حِينَئِذٍ مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 قصد الْبَيْنُونَة بذلك أَو لَا قصد أصلا، وَالظَّاهِر أَن مُرَاد النَّاظِم بالمملك مَا يَشْمَل الْأَلْفَاظ الْآتِيَة فِي النَّقْل لَا خُصُوص لفظ التَّمْلِيك، بل ويشمل حَتَّى من طلق وَأعْطى على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة أَو خَالع وَأعْطى إِذْ الْكل فِيهِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة الْآتِيَة كَمَا فِي أبي الْحسن. قَالَ ابْن سَلمُون: وَأما الطَّلَاق المملك على غير شَيْء بعد الْبناء فَيكْتب فِيهِ عقد طلق فلَان زوجه فُلَانَة بعد الْبناء بهَا طَلْقَة وَاحِدَة ملكهَا أمرهَا بهَا دونه وَأشْهد بذلك فِي كَذَا ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الطَّلَاق مَكْرُوه لِأَنَّهُ على خلاف السّنة. وَاخْتلف فِيهِ على ثَلَاثَة أَقْوَال: فَقيل طَلْقَة رَجْعِيَّة كمن قَالَ: أَنْت طَالِق وَاحِدَة لَا رَجْعَة لي عَلَيْك فِيهَا وَهُوَ قَول مطرف وَأَشْهَب، وَقيل: إِنَّهَا تكون الْبَتَّةَ كن قَالَ: أَنْت طَالِق وَاحِدَة بَائِنَة فَإِنَّهَا الثَّلَاث وَهُوَ قَول ابْن الْمَاجشون وَابْن حبيب وَقيل: إِنَّهَا طَلْقَة وَاحِدَة بَائِنَة قَالَه ابْن الْقَاسِم، وَحَكَاهُ القَاضِي عَن مَالك وَبِه الْقَضَاء. وَكَانَ ابْن عتاب رَحمَه الله يُفْتِي بِأَن من بارى زَوجته هَذِه المباراة ثمَّ طَلقهَا بعد ذَلِك فِي الْعدة أَن الطَّلَاق يرتدف عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا ومراعاة لمن يرَاهُ طلقه رَجْعِيَّة اه. وَقَالَ المتيطي فِي نهايته وَابْن هَارُون فِي اختصاره، وَاللَّفْظ للْأولِ مَا نَصه: وَيكرهُ للرجل أَن يُطلق امْرَأَته طَلْقَة مباراة أَو خلع أَو صلح دون أَخذ أَو إِسْقَاط لوقوعها خلاف السّنة فَإِن فعل فَفِيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال. فَذكر الْأَقْوَال الَّتِي تقدّمت عَن ابْن سَلمُون بِعَينهَا وَكَذَا نقلهَا (ح) عِنْد قَول (خَ) فِي الْخلْع: وَبَانَتْ وَلَو بِلَا عوض نَص عَلَيْهِ الخ. وَكَذَا ذكرهَا القلشاني فِي شرح الرسَالَة فِي طَلَاق الْخلْع بِغَيْر عوض وَذكر عَقبهَا مَا نَصه: قَالَ ابْن عبد السَّلَام: وَالْأَقْرَب الْمَعْقُول الأول وإلزام الْبَيْنُونَة فِيهِ بعد لِأَنَّهُ لَا مُوجب للبينونة إِلَّا الْعِوَض أَو الثَّلَاث أَو كَونه قبل الْبناء وَالْفَرْض انْتِفَاء كل وَاحِد من هَذِه الثَّلَاث اه. وَقد اسْتُفِيدَ من هَذَا كُله أَنه إِذا قَالَ طَلقتهَا طَلَاق صلح أَو طَلَاق مباراة أَو طَلَاق تمْلِيك أَو طَلَاق خلع تجْرِي فِيهِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة، وَإِن لم يكن عوض فِي الْجَمِيع لِأَن مَعْنَاهَا وَاحِد بل ذكر فِي نَوَازِل الطَّلَاق من المعيار عَن ابْن رشد وَغَيره أَنه إِذا قَالَ: أَنْت طَالِق وَنوى بِهِ التَّمْلِيك فَهُوَ على مَا نوى، وَعَلِيهِ فَكل طَلَاق نوى بِهِ الْبَيْنُونَة فَهُوَ على مَا نَوَاه كَانَ بِلَفْظ التَّمْلِيك أَو غَيره وتجري فِيهِ الْأَقْوَال. وَلذَا قَالَ الشَّارِح المملك هُوَ طَلَاق الْخلْع بغيرعوض، وَقَالَ ناظم الْعَمَل: الْمُطلق أَيْضا وَزَاد وَأَنه لَا يشْتَرط كَونه بِلَفْظ الْخلْع يُرِيد بل بِهِ وَبِمَا فِي مَعْنَاهُ من التَّمْلِيك أَو الْبَيْنُونَة. قَالَ فِي الشَّامِل: وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَة بَائِنَة فَوَاحِدَة بَائِنَة على الْأَصَح وَثَالِثهَا ثَلَاث اه. وَلم يذكر ابْن سَلمُون طَلَاق خلع بِغَيْر عوض أصلا بل اقْتصر على المملك لِأَنَّهُ عينه عِنْده، وَتَبعهُ النَّاظِم وَقد تقدّمت الْإِشَارَة إِلَى هَذَا عِنْد قَوْله وَمِنْه الخلعي الخ. وَبِهَذَا تعلم مَا فِي (ز) عِنْد قَول (خَ) فِي الْخلْع لَا أَن اشْترط نفي الرّجْعَة بِلَا عوض من أَن طَلَاق الْخلْع بِغَيْر عوض غير طَلَاق التَّمْلِيك وَأَن طَلَاق التَّمْلِيك فِيهِ الرّجْعَة على مَا رَجحه الْقَرَافِيّ، وَبِه أفتى جد الأَجْهُورِيّ فَلَا يعول على شَيْء من ذَلِك لِأَن مَا رَجحه الْقَرَافِيّ، وَأفْتى بِهِ الأَجْهُورِيّ هُوَ القَوْل الأول الَّذِي اسْتغْفر بِهِ ابْن عبد السَّلَام أَيْضا من تِلْكَ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة الْجَارِيَة فِي الْخلْع بِغَيْر عوض، كَمَا للقلشاني، وَفِيه وَفِي الصُّلْح والمباراة كَمَا للمتيطي، وَفِي المملك كَمَا لِابْنِ سَلمُون والناظم وفيمن طلق وَأعْطى أَو خَالع وَأعْطى كَمَا فِي أبي الْحسن لِأَن الطَّلَاق فيهمَا بِغَيْر عوض والعطية الْمُقَارنَة لَهُ من الزَّوْج مَحْض هبة، وَلذَا قُلْنَا لَا يبعد أَن يكون النَّاظِم أطلق المملك على مَا فِيهِ الْخلاف الْمَذْكُور مِمَّا مر، وَمِمَّا يَأْتِي من نَحْو لَا رَجْعَة لي عَلَيْك فَمَا رَجحه الْقَرَافِيّ وَتَبعهُ الأَجْهُورِيّ مُقَابل لما بِهِ الْقَضَاء كَمَا ترى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 تَنْبِيهَانِ. الأول: تَشْبِيه الموثقين الطَّلَاق المملك بِالطَّلَاق الَّذِي لَا رَجْعَة فِيهِ يَقْتَضِي أَن الَّذِي لَا رَجْعَة فِيهِ مُتَّفق عَلَيْهِ إِذْ لَا يحْتَج بمختلف فِيهِ، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الْخلاف جَار فِي الْجَمِيع، فَفِي كتاب التَّخْيِير وَالتَّمْلِيك من أبي الْحسن مَا نَصه اللَّخْمِيّ: اخْتلف فِيمَن قَالَ أَنْت طَالِق طَلَاق الصُّلْح أَو طَلْقَة بَائِنَة أَو طَلْقَة لَا رَجْعَة فِيهَا فَقيل: هِيَ ثَلَاث، وَقيل: هِيَ رَجْعِيَّة، وَقيل: هِيَ بَائِنَة لِأَن الرّجْعَة من حَقه فَإِذا أسقط حَقه فِيهَا لزمَه وَهُوَ أبين اه بِاخْتِصَار. وَقَالَ أَبُو الْحسن فِي كتاب الْخلْع مَا نَصه من اخْتِلَاف الروَاة هُنَا: يَعْنِي فِيمَن صَالح وَأعْطى أَو طلق وَأعْطى أَخذ أَبُو مُحَمَّد صَالح أَن مَا يَفْعَله أهل بلدنا فِي قَوْلهم أَنْت طَالِق طَلْقَة مملكة أَنَّهَا تكون بَائِنَة، وَقد كَانَ ابْن الْعَرَبِيّ يَقُول: لَا تكون بَائِنَة. وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ صَالح وَأعْطى خَالع وَأعْطى وَغير ذَلِك فَقَالَ: إِنَّمَا أوجبت هَذِه الْأَلْفَاظ الْبَيْنُونَة لأجل اللَّفْظ وَقَوْلهمْ: أَنْت طَالِق طَلْقَة مملكة مثل قَوْله فِي كتاب التَّخْيِير أَنْت طَالِق طَلْقَة يَنْوِي لَا رَجْعَة لي عَلَيْك فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ لَهُ الرّجْعَة اه. وَعبارَة الْمُدَوَّنَة فِي كتاب التَّخْيِير هِيَ قَوْلهَا مَا نَصه: وَإِن قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق تَطْلِيقَة يَنْوِي لَا رَجْعَة عَلَيْك فَلهُ الرّجْعَة، وَقَوله: لَا رَجْعَة لي عَلَيْك وَنِيَّته بَاطِل إِلَّا أَن يَنْوِي بقوله: لَا رَجْعَة لي عَلَيْك الْبَتَات اه. اللَّخْمِيّ: يُرِيد هُوَ بَاطِل سَوَاء قَالَ ذَلِك قولا أَو نَوَاه فقد تبين بِهَذَا أَن طَلَاق الصُّلْح وَالْخلْع وَالتَّمْلِيك والبينونة وَالَّذِي لَا رَجْعَة فِيهِ، وَمن صَالح وَأعْطى فِيهِ الْخلاف الْمَذْكُور، وَالَّذِي بِهِ الْقَضَاء مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ فِي لَا رَجْعَة لي عَلَيْك وَإِن كَانَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة فِي الطَّلقَة البائنة الثَّلَاث ومذهبها فِي طَلَاق الخلعي وَنَحْوه الْبَيْنُونَة فَقَط. وَفِي لَا رَجْعَة لي عَلَيْك كَونهَا رَجْعِيَّة وتبعها (خَ) على ذَلِك كُله فَلَا يشكل عَلَيْك، فَإِن النَّاظِم حكى مَا بِهِ الْعَمَل فِي ذَلِك وَإِن خَالف الْمُدَوَّنَة و (خَ) يتبع الْمُدَوَّنَة فَقَالَ: وَبَانَتْ وَلَو بِلَا عوض وَقَالَ بعده: لَا أَن شَرط نفي الرّجْعَة فَهِيَ رَجْعَة. وَقَالَ أَيْضا: أَو وَاحِدَة بَائِنَة أَي فَهِيَ ثَلَاث عِنْده. قَالَ أَبُو الْحسن: الْفرق على مذهبها بَين طَلَاق الْخلْع بِغَيْر عوض هِيَ وَاحِدَة بَائِنَة وَبَين قَوْلهَا فِي الْوَاحِدَة البائنة أَنَّهَا الثَّلَاث أَنه فِي الأول شبهها بِطَلَاق الْخلْع وَفِي الثَّانِيَة قَالَ بَائِنَة فَلَيْسَتْ بخلعية وَلَا شبهها بِطَلَاق الْخلْع. الثَّانِي: قَالَ أَبُو الْحسن عِنْد قَوْلهَا الْمُتَقَدّم عَن كتاب التَّخْيِير مَا نَصه: قَالَ ابْن عبد الحكم: إِذا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق وَلَا رَجْعَة لي عَلَيْك فَلهُ الرّجْعَة وَإِن قَالَ لَا رَجْعَة لي عَلَيْك كَانَت الْبَتَّةَ. قَالَ ابْن الْكَاتِب: مَسْأَلَة ابْن عبد الحكم لَيست كَمَسْأَلَة الْمُدَوَّنَة لِأَن مَسْأَلَة الْمُدَوَّنَة قد بَين أَنه طَلقهَا طَلْقَة وَاحِدَة وَمَسْأَلَة ابْن عبد الحكم لم يذكر طَلْقَة، وَإِنَّمَا قَالَ: لَا رَجْعَة لي عَلَيْك فَهِيَ الْبَتَات. اللَّخْمِيّ: وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق طَلَاقا لَا رَجْعَة لي عَلَيْك فِيهِ لَكَانَ ثَلَاثًا قولا وَاحِدًا لِأَن طَالِق يعبر بِهِ عَن الْوَاحِد وَالثَّلَاث، فَإِذا قَالَ طَلَاقا لَا رَجْعَة فِيهِ كَانَ صفة للطَّلَاق أَنه ثَلَاث اه. قلت: وَهُوَ ظَاهر إِذا نَوَاه أَو لم ينْو شَيْئا وَانْظُر إِذا نوى الْوَاحِد الَّتِي لَا رَجْعَة فِيهَا أَعنِي البائنة، وَالظَّاهِر أَن لَهُ نِيَّته لِأَن اللَّفْظ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الثَّلَاث وَلَا كِنَايَة ظَاهره فِيهِ وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 وَبَائِنٌ كلُّ طَلاَقٍ وَقَعَا قَبْلَ البِنَاءِ كَيْفَمَا قَدْ وَقَعَا (وبائن) خبر عَن قَوْله (كل طَلَاق) وَجُمْلَة قَوْله (وَقعا) صفة لطلاق، والرابط بَين الصّفة والموصوف مَحْذُوف أَي أوقعه وألفه للإطلاق وفاعله ضمير الزَّوْج (قبل الْبناء) يتَعَلَّق بأوقعا (كَيْفَمَا) مُجَرّدَة عَن معنى الِاسْتِفْهَام فَهِيَ للتعميم فِي الْأَحْوَال بِمَعْنى مُطلقًا حَال من الضَّمِير فِي بَائِن وَمَا زَائِدَة أَي كل طَلَاق أوقعه الزَّوْج قبل الْبناء فَهُوَ بَائِن فِي أَي حَال (قد وَقعا) أَي حَال كَونه مكيفاً بِأَيّ كَيْفيَّة كَانَت بِكَوْنِهِ فِي الْحيض أَو فِي غَيره بعوض أَو بِغَيْرِهِ وَاحِدَة أَو أَكثر فِي كلمة أَو فِي كَلِمَات فِي مرض أَو غَيره وَيجْرِي فِي الْإِرْث على حكم الطَّلَاق فِي الْمَرَض الْآتِي فِي قَوْله: وَمن مَرِيض الخ. وَيجب لَهَا نصف الصَدَاق إِن كَانَ نِكَاح تَسْمِيَة وَيبقى على أَجله إِن كَانَ مُؤَجّلا وَإِن كَانَ نِكَاح تَفْوِيض فَلَا شَيْء لَهَا فَإِن طلق قبل الْبناء بعد أَن اشترت الجهاز فلهَا نصف الجهاز فَإِن اشترت بِهِ مَا لَا يصلح للجهاز رَجَعَ عَلَيْهَا بِنصْف مَا دفع، وَإِن أصدقهَا عقارا أَو عرُوضا أَو حَيَوَانا فباعت ذَلِك أَو وهبته أَو أعتقت الرَّقِيق أَو تلف بِيَدِهَا أَو دخله نقص أَو زِيَادَة كَانَ لَهُ نصف الثّمن فِي الْجَمِيع إِن لم تحاب فِيهِ وَنصف الْقيمَة فِي الْهِبَة وَالْعِتْق يَوْم إحداثها لذاك كَمَا فِي (خَ) . وَبالثَّلاَثِ لاَ تَحِلُّ إلاَّ مِنْ بَعْدِ زَوْجٍ لِلَّذِي تَخَلَّى (وبالثلاث) يتَعَلَّق بمقدر صفة لفاعل قَوْله (لَا تحل) وفاعله ضمير الزَّوْجَة (إِلَّا) اسْتثِْنَاء من عُمُوم مُقَدّر (من) زَائِدَة وَالزَّائِد لَا يتَعَلَّق بِشَيْء كَمَا مرّ (بعد) مَعْمُول لتحل (زوج) على حذف مُضَاف ومتعلقه (للَّذي) يتَعَلَّق بِهِ أَيْضا (تخلى) صلته والرابط ضَمِيره الْمُسْتَتر الْعَائِد على الْمَوْصُول، وَالتَّقْدِير الزَّوْجَة الْمُطلقَة بِالثلَاثِ يُرِيد: وَمَا فِي مَعْنَاهَا من الْبَتَّةَ وَنَحْوهَا حَيْثُ كَانَ عرف النَّاس فِيهَا الثَّلَاث على مَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَيلْزم الطَّلَاق بِالصَّرِيحِ الخ. لَا تحل للَّذي تخلى عَنْهَا إِلَّا بعد وَطْء زوج بِنِكَاح لَازم أَو إِلَّا فِي زمَان كَائِن بعد وَطْء زوج الخ. وقدرنا وطأ لقَوْله تَعَالَى: حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} (الْبَقَرَة: 230) فَإِنَّهُم قَالُوا كل نِكَاح وَقع فِي كتاب الله، فَالْمُرَاد بِهِ العقد إِلَّا فِي هَذِه الْآيَة. فَإِن المُرَاد بِهِ الْوَطْء مَعَ العقد الصَّحِيح اللَّازِم للْحَدِيث الصَّحِيح فِي امْرَأَة رِفَاعَة الْقرظِيّ الَّتِي قَالَت لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام: كنت عِنْد رِفَاعَة فَبت طَلَاقي فَتزوّجت بعده عبد الرَّحْمَن بن الزبير وَإِنَّمَا مَعَه مثل هدبة الثَّوْب، فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: (أَتُرِيدِينَ أَن تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَة لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَته وَيَذُوق عُسَيْلَتك) . فَهَذَا الحَدِيث نَص على أَن المُرَاد الْوَطْء، وَلَا بُد أَن تكون هِيَ مطيقة للْوَطْء، وَأَن يكون الْوَطْء لَا نكرَة فِيهِ (خَ) والمبتوتة حَتَّى يولج مُسلم بَالغ قدر الْحَشَفَة بِلَا منع وَلَا نكرَة فِيهِ بانتشار فِي نِكَاح لَازم وَعلم خلْوَة وَزَوْجَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 فَقَط الخ. وَخَالف الْحسن الْبَصْرِيّ فَقَالَ: لَا يحلهَا مغيب الْحَشَفَة بل حَتَّى يَقع الْإِنْزَال لقَوْله فِي الحَدِيث: (حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَته) . الخ. وَرَأى غَيره أَن المغيب هُوَ الْعسيلَة وَخَالف سعيد بن الْمسيب فَقَالَ: إِن العقد عَلَيْهَا يحلهَا للْأولِ وخطىء بمخالفته للْحَدِيث، وتؤول على أَن الحَدِيث لم يبلغهُ. وَخَالف ابْن الْمَاجشون فَقَالَ: تحل بِالْوَطْءِ الْحَرَام كوطئها وَهِي حَائِض أَو صَائِمَة، وَلَا بُد أَن لَا يقْصد الزَّوْج الثَّانِي بنكاحه تحليلها. قَالَ فِي الرسَالَة: وَلَا يجوز أَن يتَزَوَّج رجل امْرَأَة لِيحِلهَا لمن طَلقهَا ثَلَاثًا وَلَا يحلهَا ذَلِك. وَقَالَ (خَ) كمحلل وَإِن مَعَ نِيَّة إِِمْسَاكهَا مَعَ الْإِعْجَاب، وَظَاهر النّظم أَنَّهَا لَا تحل وَلَو ملكهَا بِالشِّرَاءِ وَهُوَ كَذَلِك قَالَ فِي الرسَالَة: وَمن طلق امْرَأَته ثَلَاثًا لم تحل لَهُ بِملك وَلَا نِكَاح حَتَّى تنْكح زوجا غَيره. تَنْبِيه: قَالَ ابْن رشد: جرت عَادَة قُضَاة الْعَصْر منع المبتوتة من رَجْعَة مُطلقهَا حَتَّى يثبت دُخُول الثَّانِي دُخُول اهتداء وَأَنه كَانَ يبيت عِنْدهَا ويتصرف عَلَيْهَا تصرف الْأزْوَاج على الزَّوْجَات وَمَا علمُوا فِي نِكَاحهَا رِيبَة وَلَا دُلْسَة اه. وَقَالَ احلولو الْعَمَل عِنْد قُضَاة تونس الْيَوْم تَكْلِيفه عِنْد العقد بِإِثْبَات أَنه لَا يتهم بتحليل المبتوتة فَحِينَئِذٍ يحل لَهُ تزَوجهَا، ثمَّ إِن طَلقهَا لم تحل لزَوجهَا إِلَّا بعد ثُبُوت الْبناء بهَا وَهُوَ حسن سِيمَا مَعَ فَسَاد الزَّمَان اه. نقل ذَلِك كُله ابْن رحال فِي حَاشِيَته هُنَا. وَهْوَ لِحُرَ مُنْتَهَى الطَّلاَقِ وَحُكْمُها يَنْفُذُ بالإطلاقِ (وَهِي) مُبْتَدأ عَائِد على الثَّلَاث (لحر) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (مُنْتَهى الطَّلَاق) أَي غَايَته (وَحكمهَا) مُبْتَدأ (ينفذ) بِضَم الْفَاء وَالْجُمْلَة خبر (بِالْإِطْلَاقِ) يتَعَلَّق بِهِ. هَبْ أَنْها بِكَلْمةٍ قَدْ جُمِعَتْ أَوْ طَلْقَةٍ مِنْ بَعْدِ أُخْرَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; وَقَعَتْ (هَب أَنَّهَا) أَي الثَّلَاث (فِي كلمة) يتَعَلَّق بقوله: (قد جمعت) وَالْجُمْلَة خبر إِن وَهِي وَمَا دخلت عَلَيْهِ سدت مسد مفعولي هَب (أَو طَلْقَة) حَال من فَاعل وَقعت (من بعد أُخْرَى) يتَعَلَّق بمقدر صفة لطلقة (وَقعت) فَاعله ضمير الثَّلَاث. وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة جمعت والجملتان مفسرتان للإطلاق أَي الثَّلَاث هِيَ غَايَة طَلَاق الْحر، فالطلاق الزَّائِد عَلَيْهِ غير لَازم، وَحكمهَا الَّذِي هُوَ عدم حليتها إِلَّا بعد زوج نَافِذ مُطلقًا سَوَاء جمعت فِي كلمة وَاحِدَة كَقَوْلِه: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا أَو وَقعت هِيَ أَي الثَّلَاث حَال كَونهَا طَلْقَة كائنة بعد طَلْقَة، وَمَا ذكره من لُزُوم الثَّلَاث وَلَو فِي كلمة هُوَ الَّذِي بِهِ الْقَضَاء والفتيا كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، بل حكى بَعضهم عَلَيْهِ الِاتِّفَاق وَبَعْضهمْ الْإِجْمَاع. انْظُر المعيار فقد أَجَاد فِيهِ، وَانْظُر ابْن سَلمُون والمتيطية وَغَيرهمَا وَمَا ذكرُوا فِيهِ من الْخلاف دَاخل الْمَذْهَب ضَعِيف جدا حَتَّى قَالُوا: إِن حكم الْحَاكِم بِهِ ينْقض وَلَا يكون رَافعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 للْخلاف (خَ) أَو جعل بتة وَاحِدَة الخ. وَذكر الْبُرْزُليّ فِي نَوَازِل الْإِيمَان عَن ابْن الْعَرَبِيّ والمازري أَنَّهُمَا قَالَا: لم ينْقل القَوْل الشاذ إِلَّا ابْن مغيث لَا أغاثه الله قَالَهَا ثَلَاثًا اه. وَهَذَا مُبَالغَة فِي الْإِنْكَار بل قَالَ بَعضهم: مَا ذبحت ديكاً قطّ وَلَو أدْركْت من يحلل الْمُطلقَة ثَلَاثًا فِي كلمة لذبحته بيَدي، وَظَاهر قَوْله: طَلْقَة بعد طَلْقَة أُخْرَى أَنه لَا فرق بَين أَن يكون ذَلِك نسقاً كَأَنْت طَالِق أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق أَو مفرقاً فِي مجَالِس وَهُوَ كَذَلِك فِي الثَّانِي حَيْثُ كَانَت مَدْخُولا بهَا، وَكَانَ الطَّلَاق الثَّانِي قبل انْقِضَاء عدَّة الأول، وَأما الأول فَتَارَة يكون بِدُونِ عطف كَمَا مر فِي الْمِثَال وَتارَة بالْعَطْف بواو أَو فَاء أَو ثمَّ وعَلى كل حَال يلْزمه الثَّلَاث كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم، سَوَاء كَانَت مَدْخُولا بهَا أم لَا. وَلَا يَنْوِي فِي إِرَادَته التَّأْكِيد فيهمَا مَعَ الْعَطف، وَإِنَّمَا يَنْوِي فِي إِرَادَته فيهمَا مَعَ عَدمه كَمَا قَالَه (خَ) وشراحه عِنْد قَوْله: وَإِن كرر الطَّلَاق بعطف وَاو الخ. وَظَاهر قَوْله فِي كلمة الخ. أوقعهَا فِي حَال الْغَضَب والمنازعة أم لَا. وَلَا يَنْوِي فِي ذَلِك وَلَو مستفتياً وَهُوَ كَذَلِك. قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي أَحْكَامه الصُّغْرَى عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَالَّذين يظاهرون مِنْكُم من نِسَائِهِم} (المجادلة:) الْآيَة وَلَا يسْقط الْغَضَب ظِهَارًا وَلَا طَلَاقا بل يلزمان الغضبان إِذْ فِي حَدِيث خَوْلَة كَانَ بيني وَبَين زَوجي شَيْء، وَهَذَا يدل على نزاع أخرجه فَظَاهر اه. وَقَالَ ابْن عَرَفَة عَن ابْن رشد: يَمِين الْغَضَب لَازِمَة اتِّفَاقًا اه. وَمَا وَقع فِي شرح التَّلْقِين من أَنه إِذا طَلقهَا فِي كلمة أَو كَلِمَات فِي حَال الْغَضَب أَو اللجاج أَو الْمُنَازعَة لَا يلْزمه شَيْء ويدين إِذا جَاءَ مستفتياً لِأَن ذَلِك من بَاب الْحَرج والحرج مَرْفُوع عَن هَذِه الْأمة وَلقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (لَا تعينُوا الشَّيْطَان على أخيكم الْمُسلم) وَلقَوْل عَليّ بن أبي طَالب: من فرق بَين الْمَرْء وَزَوجته بِطَلَاق الْغَصْب أَو اللجاج فرق الله بَينه وَبَين أحبائه يَوْم الْقِيَامَة قَالَه الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام اه. كل ذَلِك لَا يَصح وَلَا يعول عَلَيْهِ، وَقد أغْلظ المسناوي رَحمَه الله على من نقل ذَلِك وَلبس بِهِ على الْمُسلمين. وَقَالَ: إِن ذَلِك من الافتراء على الْأَئِمَّة المعتبرين المعروفين بالتحقيق التَّام. قَالَ: فَالْوَاجِب تَعْزِير من عمل بذلك أَو ركن إِلَيْهِ أَو أفتى بِهِ إِن لم يعْذر بِجَهْل اه بِاخْتِصَار. وَقد كثر السُّؤَال عَن ذَلِك فِي هَذِه الْأَزْمِنَة وَقبلهَا وينسب السَّائِل ذَلِك لكتاب التَّقْرِيب والتبيين فِي شرح التَّلْقِين، وَبَعْضهمْ للذخيرة عَن الْبَيَان. أما الذَّخِيرَة وَالْبَيَان فَلَا شَيْء فيهمَا، وَأما التَّقْرِيب والتبيين فَلَا زَالَ عَقْلِي يستبعد وجود ذَلِك فِيهِ حَتَّى منّ الله عليَّ بِالْوُقُوفِ على ذَلِك فِيهِ الْآن ونقلت مِنْهُ مَا تقدم بِاللَّفْظِ وَذكر مُتَّصِلا بِمَا مر عَنهُ مَا نَصه: قَالَ مُحَمَّد بن الْقَاسِم، قلت لمُحَمد بن سَحْنُون: أَيحلُّ لي أَن أرد الْمُطلقَة ثَلَاثًا لمن جَاءَنِي مستفتياً فِي ذَلِك قَالَ: إِن كَانَ من أخيار النَّاس وَمن أهل الْوَرع فَنعم ترد عَلَيْهِ زَوجته سرا، وَإِن كَانَ سَفِيها فألزمه الثَّلَاث لِئَلَّا يستن بذلك فَلَا يحرم حَرَامًا اه لَفظه. وَهَذَا لَا يَصح أَيْضا بِحَال، وَلَا أَظن ذَلِك يصدر من عَالم يعْتد بِعِلْمِهِ وَهَذَا الشَّرْح مَجْهُول النِّسْبَة عِنْدِي فَلم أدر صَاحبه من هُوَ فَلَا يَنْبَغِي أَن يعْتَمد على مَا فِيهِ مِمَّا يُخَالف الجادة وَالله أعلم. وَمَفْهُوم قَول النَّاظِم: لحر أَن العَبْد مُنْتَهى طَلَاقه اثْنَتَانِ فَلَا تحل لَهُ بعدهمَا حَتَّى تنْكح زوجا غَيره، وَسَوَاء كَانَت الزَّوْجَة حرَّة أَو أمة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا كَانَت زَوجته حرَّة فمنتهى طَلَاقه ثَلَاث. فرع: لَو قَالَ: أَنْت طَالِق أَو أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِن شَاءَ الله فَإِنَّهُ يَقع طَلَاقه وَيلْزمهُ حكمه عِنْد مَالك وَأَصْحَابه، وَكَذَلِكَ الْعتْق وَلَا يعْمل قَوْله: إِن شَاءَ الله إِلَّا فِي الْيَمين بِاللَّه وَحدهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يَقع الطَّلَاق وَلَا الْعتْق وَلَا النّذر وَلَا مَا دخل فِيهِ قَوْله: إِن شَاءَ الله كاليمين بِاللَّه تَعَالَى. وَقَالَ أَحْمد: لَا يَقع الطَّلَاق وَيَقَع الْعتْق قَالَه القَاضِي عبد الْوَهَّاب فِي مسَائِله. وَمُوقِعٌ مَا دُونَها مَعْدُودُ بَيْنَهُمَا إنْ قُضِيَ التَّجْدِيدُ (وموقع) بِفَتْح الْقَاف صفة لمَحْذُوف أَي طَلَاق موقع، وَيجوز كسرهَا أَي شخص موقع (مَا) زَائِدَة على الأول وموصوفة على الثَّانِي وَاقعَة على طَلَاق (دونهَا) يتَعَلَّق بموقع على الْفَتْح وَصفَة لما على الْكسر وَالضَّمِير للثلاث (مَعْدُود) خبر على الإعرابين حذف مُتَعَلّقه أَي عَلَيْهِ (بَينهمَا) يتَعَلَّق بتجديد آخر الْبَيْت وَلَا يضر تقدمه على الشَّرْط لِأَن الظروف يتوسع فِيهَا وضميره للزوجين (إِن قضى) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالْجُمْلَة شَرْطِيَّة حذف جوابها للدلالة عَلَيْهِ (التَّجْدِيد) بالجسم نَائِب وَمَعْنَاهُ أَن الشَّخْص الْموقع لطلاق دون الثَّلَاث مَعْدُود عَلَيْهِ مَا أوقعه إِن قضى الله تَعَالَى بتجديد النِّكَاح بَينهمَا وَلَو تزَوجهَا أَجْنَبِي قبل تَجْدِيد النِّكَاح لِأَن نِكَاح الْأَجْنَبِيّ إِنَّمَا يهدم الثَّلَاث. قَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب فِي مسَائِله: سَوَاء دخل بهَا الثَّانِي أم لَا وَلَا يهدم الثَّانِي بِوَطْئِهِ طَلَاق الأول فَإِن كَانَ طَلقهَا وَاحِدَة عَادَتْ فِي النِّكَاح الثَّانِي على طَلْقَتَيْنِ وَإِن كَانَ طَلقهَا اثْنَتَيْنِ عَادَتْ إِلَيْهِ على طَلْقَة حَتَّى أَنه إِن طَلقهَا وَاحِدَة لم تحل لَهُ إِلَّا بعد زوج وَهُوَ مَذْهَب عمر وَعلي وَأبي هُرَيْرَة وَأبي بن كَعْب وَالْأَوْزَاعِيّ وَابْن أبي ليلى وَابْن أبي ذِئْب وَالثَّوْري وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل وَمُحَمّد بن الْحسن صَاحب أبي حنيفَة بعد إِن كَانَ مُخَالفا. وَذهب أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف صَاحبه إِلَى أَن الزَّوْج الثَّانِي إِن أَصَابَهَا فِي نِكَاحه هدم طَلَاق الزَّوْج الأول فترجع إِلَيْهِ بعصمة جَدِيدَة، وَبِه قَالَ من الصَّحَابَة ابْن عَبَّاس وَابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. (فصل فِي ذكر أَحْكَام الْخلْع) وَهُوَ الطَّلَاق بعوض وَلَو من غير الزَّوْجَة أَو بِلَفْظ الْخلْع على مَا مر بَيَانه، وَهَذَا الْعِوَض لَا يحْتَاج إِلَى حِيَازَة. والخَلْعُ سَائِغٌ والافْتِدَاءُ فَالافْتِدَاءُ بالَّذِي تَشَاءُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 (وَالْخلْع) مُبْتَدأ (سَائِغ) خَبره (والافتداء) مُبْتَدأ حذف خَبره لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ فالافتداء مُبْتَدأ وَالْفَاء جَوَاب سُؤال مُقَدّر أَي إِن أردْت مَعْرفَته (فالافتداء بِالَّذِي تشَاء) خَبره أَي بِالَّذِي تشاؤه من مَالهَا. والْخَلْعُ بِاللاَّزِمِ فِي الصَّدَاقِ أَوْ حَمْلٍ أَوْ عِدَّةٍ أَوْ إنْفَاقِ (وَالْخلْع) مُبْتَدأ (باللازم) خَبره (فِي الصَدَاق) يتَعَلَّق بِهِ أَي باللازم لَهُ فِي صَدَاقهَا من كالىء أَو حَال أَو هما فتسقطه عَنهُ ويطلقها (أَو حمل) مَعْطُوف على الصَدَاق أَي اللَّازِم لَهُ فِي حمل إِن كَانَ وَهُوَ نَفَقَتهَا الْوَاجِبَة لَهَا عَلَيْهِ (أَو عدَّة) مَعْطُوف أَيْضا على اللَّازِم فِي عدَّة وَهُوَ كِرَاء الْمسكن وَعنهُ يعبر الموثق بقوله: وبخراج عدتهَا مِنْهُ (أَو إِنْفَاق) على وَلَدهَا مِنْهُ بِأَن يخالعها على أَن عَلَيْهَا أُجْرَة رضاعه قبل الْحَوْلَيْنِ أَو على أَن عَلَيْهَا نَفَقَة مُدَّة زَائِدَة على مُدَّة الرَّضَاع أَو على إِسْقَاط حضانتها على الْوَلَد أَو على إنفاقها على بَنِينَ لَهُ من غَيرهَا أَو على زيد مثلا كَمَا يَأْتِي ابْن عَرَفَة، وفيهَا مَا الْخلْع وَمَا المباراة وَمَا الْفِدْيَة قَالَ مَالك: المباراة الَّتِي تباري زَوجهَا قبل الْبناء وَتقول: خُذ الَّذِي لَك وتاركني والمختلعة الَّتِي تختلع من كل الَّذِي لَهَا والمفتدية الَّتِي تُعْطِي بعض الَّذِي لَهَا وَكلهَا سَوَاء، ثمَّ قَالَ أَبُو عمرَان: الْخلْع وَالصُّلْح والفدية سَوَاء وَهِي أَسمَاء مُخْتَلفَة لمعان متفقة اه. وَحذف النَّاظِم المباراة مَعَ أَنَّهَا فِي الْمُدَوَّنَة مَعَ الْخلْع والفدية فِي نسق وَاحِد كَمَا ترى. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا خَالعهَا على رضَاع الْوَلَد فِي الْحَوْلَيْنِ فَفِي منعهَا من التَّزَوُّج أَقْوَال. ثَالِثهَا إِن كَانَ بِشَرْط، وَرَابِعهَا إِن كَانَ يضر بِالصَّبِيِّ لِابْنِ رشد من قَوْلهَا ذَلِك فِي الظِّئْر الْمُسْتَأْجر وَسَمَاع القرينين وَابْن نَافِع مَعَ رِوَايَة مُحَمَّد وَسَمَاع عِيسَى قَالَه ابْن عَرَفَة. وتصديره بِالْمَنْعِ يَقْتَضِي أَنه الرَّاجِح وَهُوَ ظَاهر الْبِسَاطِيّ فِي بَاب الْإِجَارَة فِي اسْتِئْجَار الظِّئْر قَالَ: وَإِذا خالعت الْمَرْأَة زَوجهَا على أَن ترْضع لَهُ الْوَلَد حَوْلَيْنِ فَلَيْسَ لَهَا أَن تتَزَوَّج فيهمَا. قلت: الْمَنْع إِنَّمَا هُوَ لأجل الْوَطْء فَإِذا أَمن من الزَّوْج الْوَطْء فَلَا أَدْرِي يمْنَع لماذا اه. بِنَقْل بَعضهم. وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الطرر أَيْضا فَقَالَ مَا نَصه: إِذا صالحت الْأُم على رضَاع وَلَدهَا الصَّغِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 فَفِي الْجعل وَالْإِجَارَة مِنْهَا أَنَّهَا مَمْنُوعَة من التَّزْوِيج حَتَّى تتمّ مُدَّة الرَّضَاع قَالَه ابْن رشد فِي كتاب التَّمْلِيك من شرح الْعُتْبِيَّة اه وَنَحْوه للتتائي فِي كبيره، والبرزلي فِي نوازله قَائِلا هُوَ جَار على مَا فِي الرَّضَاع يُرِيد من الْمُدَوَّنَة، وَذكر ابْن نَاجِي أَن شَيْخه أفتى بِهِ وَعمل على فتواه قَالَ: وَكَانَت النَّازِلَة فِي كَون القَاضِي لم يطلع على ذَلِك إِلَّا بعد التَّزَوُّج فَمَنعه من الْوَطْء حَتَّى مَاتَ الصَّبِي عَن قرب ودرج علين ناظم الْعَمَل الْمُطلق حَيْثُ قَالَ: وَمن بإرضاع الصَّبِي اخْتلعت من النِّكَاح بِالْقضَاءِ منعت وَاقْتصر فِي معِين الْحُكَّام على ذَلِك أَيْضا وَكَذَا فِي الْمُتَيْطِيَّة واختصارها قَالَا: وتمنع الْمَرْأَة الْمُشْتَرط عَلَيْهَا رضَاع وَلَدهَا عَاميْنِ من النِّكَاح فيهمَا لما يخَاف من فَسَاد اللَّبن اه. لَكِن قَالَ ابْن سَلمُون بعد أَن عزا مَا مر لدَلِيل الْمُدَوَّنَة مَا نَصه: وَالْمَعْرُوف من قَول مَالك فِي المستخرجة أَنَّهَا تتَزَوَّج وَأَن شَرط عَلَيْهَا فِي عقد الْخلْع أَن لَا تتَزَوَّج مُدَّة الرَّضَاع قَالَ فِي التزاماته عقبه مَا نَصه: وَفِي كَلَام ابْن سَلمُون تَرْجِيح القَوْل بِأَنَّهُ لَا يلْزم وَلَو فِي مُدَّة الرَّضَاع وَهُوَ الظَّاهِر خلاف مَا يظْهر من كَلَام ابْن رشد فَتَأَمّله اه. فَتبين بِهَذَا رُجْحَان كل من الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلين فِي كَلَام ابْن عَرَفَة، لَكِن الأول أقوى، وَلذَا اسْتَظْهرهُ ابْن رحال فِي شَرحه أَيْضا. وَلَا يُقَال القَوْل الأول إِنَّمَا هُوَ مخرج فَكيف جزم بِهِ من تقدم مَعَ أَن (ح) قَالَ فِي فصل إِزَالَة النَّجَاسَة: الْمُعْتَمد فِي كل نازلة على مَا هُوَ الْمَنْصُوص فِيهَا لَا على الْمخْرج لأَنا نقُول: الحكم الْقَائِم من الْمُدَوَّنَة ينزله الشُّيُوخ منزلَة نَصهَا كَمَا ينزلون إطلاقاتها وظواهرها منزلَة نَصهَا أَيْضا، فيعارضون بِهِ كَلَام غَيرهَا حَسْبَمَا ذَلِك مَنْصُوص عَلَيْهِ حَتَّى فِي (ز) عِنْد قَوْله فِي النِّكَاح: وظاهرها شَرط الدناءة. وَذكر فِي نَوَازِل الْخلْع من المعيار عَن ابْن عَطِيَّة الونشريسي مَا يُفِيد ضعف ذَلِك التَّرْجِيح، وَرجح جَوَاز تَزْوِيجهَا فِي مُدَّة الرَّضَاع كَمَا ضعف أَيْضا مَا يَأْتِي عَن الِاسْتِغْنَاء فَانْظُرْهُ إِن شِئْت، وَقد يرد بِأَن الضَّرَر مترقب قطعا كَمَا رَأَيْته فِي كَلَام الْمُتَيْطِيَّة لِأَنَّهُ تَعْلِيل بالمظنة وكما هُوَ مشَاهد بِالْعَادَةِ، وَكَون الغيلة لَا تضر على مَا ورد عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يدل على جَوَاز النِّكَاح فِي مَسْأَلَتنَا كَمَا قيل: لِأَن مَسْأَلَتنَا فِيهَا مُعَارضَة، وَمَعْلُوم مَا فِيهَا من التشاح، وَأَيْضًا فَإِن تزَوجهَا يمْنَعهَا من الِاشْتِغَال بِأَمْر الرَّضِيع كَمَا يَأْتِي، وَمَا ورد عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّمَا هُوَ فِي أَمر عَام وَهُوَ وَطْء الْمُرْضع والأعم لَا دَلِيل فِيهِ على أخص معِين، وَلذَا قَالُوا فِي الظِّئْر الْمُسْتَأْجر يمْنَع زَوجهَا من وَطئهَا حَيْثُمَا رَضِي بإجارتها نَفسهَا كَمَا قَالَ (خَ) وَمنع زوج رَضِي من وَطْء، وَبِهَذَا تعلم أَن قَوْلهم تمنع من النِّكَاح أَي من وَطئه وإلاَّ فَلَا يفْسخ العقد إِن وَقع على مَا مر عَن ابْن نَاجِي، وَسَيَأْتِي فِي التَّنْبِيه بعده مَا يَقْتَضِي ذَلِك. الثَّانِي: ظَاهر كَلَام ابْن عَرَفَة بل صَرِيحه أَن مَحل الْأَقْوَال الْمُتَقَدّمَة مَعَ اشْتِرَاط عدم التَّزَوُّج وَجعلهَا فِي الشَّامِل و (ح) فِي التزاماته مَعَ عدم الِاشْتِرَاط، ثمَّ قَالَ ابْن عَرَفَة، إِثْر مَا مر عَنهُ مَا نَصه: وَشرط عدم نِكَاحهَا بعد الْحَوْلَيْنِ لَغْو. ابْن رشد اتِّفَاقًا قَالَ (ح) فِي التزاماته. وَمَا ذكره ابْن رشد من الِاتِّفَاق على أَنه لَا يلْزمهَا ترك النِّكَاح فِيمَا بعد الْحَوْلَيْنِ مُخَالف لما ذكره ابْن سَلمُون عَن كتاب الِاسْتِغْنَاء من أَن الْأُم إِذا التزمت حضَانَة بنيها وَتَزَوَّجت فسخ النِّكَاح حَتَّى يتم أمد الْحَضَانَة قَالَ بَعضهم: يُرِيد قبل الْبناء ثمَّ قَالَ (ح) : وَلَا شكّ أَن مَا قَالَه ابْن رشد لم يكن مُتَّفقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 عَلَيْهِ فَهُوَ الظَّاهِر اه. وَتَأمل ذَلِك مَعَ أَن (ح) نَفسه اقْتصر فِي بَاب الْحَضَانَة من الْمُخْتَصر على مَا فِي كتاب الِاسْتِغْنَاء من فسخ النِّكَاح، وَكَذَا (ز) هُنَاكَ. قلت: وَهُوَ مَا يفِيدهُ قَوْلهم فِي بَاب الْحَضَانَة أَن الْمَرْأَة إِذا تزوجت اشتغلت بِأَمْر الزَّوْج فَتسقط حضانتها بذلك، وَهنا قد تعلق حق الْوَلَد بل وَالزَّوْج بحضانتها بِنَفسِهَا، وعَلى ذَلِك أرسل الْعِصْمَة من يَده فَهُوَ حق تعلق بِعَين الْمَرْأَة، فَلَيْسَ لَهَا أَن تشغل نَفسهَا بِغَيْر مَا وَقع عقد الْخلْع عَلَيْهِ فَيكون هَذَا أرجح من جِهَة النّظر. وَقَالَ الْبُرْزُليّ إِثْر تِلْكَ الْأَقْوَال مَا نَصه: وَانْظُر مَا يَفْعَلُونَهُ الْيَوْم أَنَّهَا تتحمل بِهِ أَي الْوَلَد عازبة كَانَت أَو متزوجة وَإِن بدلت الْأزْوَاج أَو سَافَرت فَلَا ينتزع مِنْهَا هَل يُوفي بِهَذَا أم لَا؟ وَهِي عِنْدِي تجْرِي على هَذَا لِأَن من حق الْوَلَد أَن لَا يجتمعا على ضَرَره فِي القَوْل الأول، وعَلى الثَّانِي يكون أَحْرَى فِي جَوَاز تَزْوِيجهَا لشرطها اه بِلَفْظ الِاخْتِصَار. وَهَذَا يُؤَيّد مَا فِي كتاب الِاسْتِغْنَاء من الْفَسْخ لِأَن الْحق فِي ذَلِك للْوَلَد كَمَا يُؤَيّد القَوْل الأول من تِلْكَ الْأَقْوَال وَلَا إِشْكَال إِلَّا أَنه يُقَال مَحل الْفَسْخ قبل الْبناء على القَوْل بِهِ إِذا لم يتراضيا على تَأْخِير الدُّخُول إِلَى انْقِضَاء مُدَّة الْحَضَانَة. وَقَالَ الفشتالي فِي وثائقه مَا نَصه: وَبَعْضهمْ يشْتَرط عَلَيْهَا وتشترط عَلَيْهِ أَن لَا ينتزع الْوَلَد مِنْهَا تزوجت أَو تأيمت أَو سَافَرت أَو سَافر هُوَ أَو أَقَامَ، ثمَّ قَالَ: فَإِن سقط ذَلِك الشَّرْط من عقد الْخلْع وَتَزَوَّجت سَقَطت حضانتها، وَكَذَا إِن سَافَرت أَو سَافر هُوَ لمَكَان بعيد أَقَله على خلاف مَا تقصر فِيهِ الصَّلَاة اه. فَفِيهِ دَلِيل لرجحان إِعْمَال الشَّرْط الْمَذْكُور، بل وَصرح بلزومه فِي الالتزامات فِي النَّوْع الْخَامِس من الْبَاب الثاث فَانْظُرْهُ. الثَّالِث: إِذا خالعته على أَن عَلَيْهَا نَفَقَة الْبَنَات وَأَن الْأَمر لَهَا فِي تزويجهن وَيكون الْعَاقِد عَلَيْهِنَّ غَيرهَا جَازَ ذَلِك وَهل لَهُ عزلها لِأَنَّهُ وكَالَة مِنْهَا لَهَا؟ قَالَ (ح) فِي التزاماته: لَا سَبِيل لَهُ لعزلها. نَقله ابْن رحال هَهُنَا. الرَّابِع: إِذا خَالعهَا بِنَفَقَة الْوَلَد عازبة كَانَت أَو متزوجة وَقُلْنَا لَا ينْزع مِنْهَا إِن تزوجت على مَا مر قَرِيبا فَتحمل الزَّوْج الثَّانِي لَهَا بِنَفَقَة الْوَلَد طَوْعًا فَلَا سَبِيل لرجوع الزَّوْجَة على وَلَدهَا إِن كَانَ لَهُ مَال بِمَا أنفقهُ عَلَيْهِ المتحمل الْمَذْكُور كَمَا هُوَ وَاضح، وَإِنَّمَا يبْقى الْكَلَام إِذا لم تتحمل هِيَ بِنَفَقَة الْوَلَد وَكَانَت تَأْخُذ نَفَقَته من أَبِيه فَفِي الْبُرْزُليّ وَقعت مَسْأَلَة وَهِي امْرَأَة لَهَا أَوْلَاد تَأْخُذ نَفَقَتهم من أَبِيهِم وَتَزَوَّجت رجلا وشرطت عَلَيْهِ نَفَقَة الْأَوْلَاد أَََجَلًا مَعْلُوما أَو تطوع بِهِ بعد العقد مُدَّة الزَّوْجِيَّة، وأرادت الرُّجُوع بذلك على أَبِيهِم فَوَقَعت الْفتيا إِن كَانَ ذَلِك مَكْتُوبًا فِي حُقُوقهَا يجب لَهَا الرُّجُوع مَتى شَاءَت وإسقاطه لزَوجهَا، فلهَا أَن ترجع بنفقتهم على أَبِيهِم فَإِن كَانَ ذَلِك للْوَلَد فَلَا رُجُوع على أَبِيهِم بِشَيْء وَهُوَ جَار على الْأُصُول كَأَنَّهُ شَيْء وهب للْوَلَد فنفقته على نَفسه لَا على أَبِيه وَالْأول مَال وهب لأمه فَإِذا أنفقته على الْوَلَد رجعت بِهِ على أَبِيه اه. بِنَقْل (ح) أول الالتزامات فاستفيد مِنْهُ أَنه حَيْثُ فعل الزَّوْج الثَّانِي ذَلِك حُرْمَة للْأُم فلهَا الرُّجُوع على أَبِيه أَو عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ لَهُ مَال وَقت تحمل الثَّانِي وَاسْتمرّ لوقت قِيَامهَا كَمَا اسْتُفِيدَ مِنْهُ أَيْضا أَنه إِذا تحمل الزَّوْج بِنَفَقَة الْوَلَد فِي العقد لمُدَّة مَعْلُومَة فَإِن النِّكَاح صَحِيح وَهُوَ الَّذِي رَجحه ابْن رشد حَسْبَمَا فِي الالتزامات فِي الْمحل الْمَذْكُور. الْخَامِس: إِذا قُلْنَا لَهَا التَّزَوُّج فِي مُدَّة الرَّضَاع أَو مُدَّة الْحَضَانَة فَلَا إِشْكَال أَن حضانتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 تسْقط بِالتَّزْوِيجِ ويلزمها أَن تدفع أُجْرَة الْحَضَانَة لمن انْتَقَلت إِلَيْهِ على مَا بِهِ الْعَمَل من وجوب الْأُجْرَة للحاضنة إِذْ على ذَلِك وَقع إرْسَال الْعِصْمَة كَمَا يفِيدهُ جَوَاب الوانغيلي فِي نَوَازِل الْخلْع من المعيار. السَّادِس: ذكر فِي المعيار أَيْضا فِي الْمحل الْمَذْكُور عَن ابْن لب أَن نَفَقَة الْوَلَد الَّتِي وَقع الْخلْع عَلَيْهَا تسْقط بطرو المَال للْوَلَد من إِرْث أَو هبة أَو نَحْوهمَا، وَذكر أَيْضا مُتَّصِلا بِهِ عَن ابْن عتاب أَن ولد المختلعة الَّتِي تحملت بِنَفَقَتِهِ إِذا تعلم صَنْعَة فَإِن أجرته تستعين بهَا الْأُم على نَفَقَته وَلَا توقف للِابْن، إِذْ لَيْسَ للصَّبِيّ كسب مَا دَامَ فِي الْحَضَانَة قَالُوا: وَهُوَ الرَّاجِح. وَهَذَا بِخِلَاف الطوع فَإِن من طاع بِالْتِزَام نَفَقَة صَغِيرَة مثلا كالزوج يلْتَزم نَفَقَة ربيبه مُدَّة الزَّوْجِيَّة فَإِنَّمَا يلْزمه الْإِنْفَاق مَا دَامَ صَغِيرا لَا يقدر على الْكسْب كَمَا فِي ابْن سَلمُون والتزامات (ح) لَكِن استشكله الْبِسَاطِيّ فِي وثائقه بِأَنَّهُ الْتزم النَّفَقَة مُدَّة الزَّوْجِيَّة، فَكيف تسْقط عَنهُ بقدرة الْوَلَد على الْكسْب؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُم لاحظوا أَن سَبَب الْتِزَامه إِسْقَاط كلفتهم عَن الْأُم وبقدرتهم على الْكسْب انْتَفَت الْعلَّة كَمَا قَالُوا ذَلِك فِي المختلعة بِنَفَقَة الْوَلَد قَالَه أَبُو الْعَبَّاس الملوي رَحمَه الله. السَّابِع: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: إِذا خَالعهَا عَن أَن لَا تطلبه بِشَيْء فَظهر بهَا حمل فَقَالَ مَالك تلْزمهُ النقة اه. الثَّامِن: فَإِن خالعته على إِسْقَاط نَفَقَة حملهَا أَو وَلَدهَا فعجزت فَإِن الزَّوْج يُؤمر بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا ويتبعها إِن أَيسَرت كَمَا فِي الالتزامات وَهُوَ الْمَشْهُور وَبِه الْعَمَل، فَإِن كَانَت أشهدت أَنَّهَا لَا تَدعِي فِي النَّفَقَة عَجزا وَلَا عدماً فَلَا تسمع دَعْوَاهَا الْعَجز وَلَا بينتها إِلَّا أَن يشْهدُوا بذهاب مَالهَا كَمَا فِي المعيار والالتزامات أَيْضا، لَكِن قَيده فِي الالتزامات بِمَا إِذا كَانَ حَال الْمَرْأَة مَجْهُولا، وَلم يشْهد بعدمها إِلَّا شَاهِدَانِ أَو نَحْو ذَلِك، وَأما إِن كَانَت مَعْلُومَة بالإعسار والعدم بِحَيْثُ يشْهد بذلك غَالب من يعرفهَا، ويغلب على الظَّن أَن مَا أشهدت بِهِ من الوفر كذب فَلَا يلْتَفت إِلَى مَا أشهدت بِهِ من الوفر اه. قلت: وَهَذَا التَّقْيِيد ظَاهر فِي كل مَدين أشهد بالوفر الْمشَار لَهُ بقول ناظم الْعَمَل الْمُطلق: وَمن أقرّ بالملاثم ادّعى بِأَنَّهُ ذُو عدم مَا انتفعا بِمن لَهُ يشْهد حَتَّى يعلمَا تلف مَاله بِأَمْر هجما ثمَّ ذكر فِي الشَّرْح عَن ابْن نَاجِي أَنه لَا تَنْفَعهُ بَينته بِالْعدمِ وَإِن كَانَ مَجْهُول الْحَال أَو مَعْلُوما بالفقر لِأَن إشهاده بالوفر ينزله منزلَة مَعْلُوم الملاء. قَالَ: وَبِه الْعَمَل اه. فَهُوَ يُعَكر على تَقْيِيد (ح) وَإِن كَانَ تَقْيِيده أظهر معنى. التَّاسِع: ذكر فِي الالتزامات والمعيار عَن ابْن رشد وَابْن الْحَاج أَن الْمَرْأَة إِذا خالعت زَوجهَا على تَسْلِيم صَدَاقهَا وعَلى أَنَّهَا إِن تزوجت قبل انْقِضَاء عَام من تَارِيخ الْخلْع فعلَيْهَا مائَة مِثْقَال فَإِنَّهَا إِذا تزوجت قبل الْعَام لَا شَيْء عَلَيْهَا، إِذْ شَرطه بَاطِل وَالْخلْع جَائِز، ثمَّ نقل عَن ابْن الضَّابِط أَنَّهَا إِذا خالعته على أَنَّهَا إِن ردَّتْ زَوجهَا الأول قبل عشْرين سنة فعلَيْهَا لَهُ مائَة دِينَار أَن ذَلِك لَازم إِذا ردَّتْ زَوجهَا الأول فَقَالَ (ح) مَا لِابْنِ رشد وَابْن الْحَاج جَار على الْمَشْهُور، وَمَا لِابْنِ الضَّابِط مُقَابل لَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 قلت: وَفرق كثير من الفاسيين وأفتوا بِهِ على مَا حَكَاهُ عَنْهُم أَبُو الْعَبَّاس الملوي بَينهمَا بِأَن الأول بِمَنْزِلَة مَا إِذا بَاعه على أَن لَا يَبِيع من أحد بِخِلَاف الثَّانِيَة فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَة مَا إِذا بَاعه على أَن لَا يَبِيع من زيد مثلا فَالْبيع صَحِيح. قَالَ الشَّيْخ (ت) : إِنَّمَا يتم الْقيَاس لَو جَازَ البيع على شَرط أَن لَا يَبِيع من فلَان وَإِن بَاعه مِنْهُ زَاده فِي الثّمن كَذَا اه. قلت: بل الْقيَاس تَامّ لِأَن الْمُعَلق على شَرط جَائِز شرعا يَصح بِصِحَّة شَرطه بِخِلَاف الْمُعَلق على فَاسد فَيبْطل بِبُطْلَان الْمُعَلق عَلَيْهِ، فَالظَّاهِر مَا فرقوا بِهِ دون مالح فَتَأَمّله. الْعَاشِر: لَو خَالعهَا على إِسْقَاط حضانتها فَقَامَتْ الْجدّة وأرادت أَخذ الْوَلَد فَقَالَ مَالك: إِن كَانَ الْأَب مُعسرا فَلَيْسَ للجدة أَن تَأْخُذهُ وَإِن كَانَ مُوسِرًا كَانَ للجدة أَخذه وَتَأْخُذ من الْأَب أُجْرَة رضاعه على معنى مَا فِي الْمُدَوَّنَة اه من ابْن رشد. وَهَذَا قَول فِي الْمَسْأَلَة وَالثَّانِي أَنه لَا كَلَام لغير المسقطة وَهُوَ الْمَنْصُوص فِي الْمُدَوَّنَة قَالَ طفي: وَهُوَ الْمُعْتَمد وَنقل كَلَامهَا فَانْظُرْهُ فِيهِ، لَكِن اعْترض ذَلِك بَعضهم عَلَيْهِ وَألف فِي ذَلِك وَقَالَ: إِن هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ. الأولى: إِذا خالعت الْأُم بِإِسْقَاط حضانتها هَل يمْضِي عَلَيْهَا ذَلِك ويلزمها مَا أسقطته من الْحَضَانَة أَو يلْزم الطَّلَاق وَلَا تسْقط الْحَضَانَة وَيكون الْوَلَد لَهَا؟ قَولَانِ. لَهَا ولعَبْد الْملك بِنَاء على أَن الْحَضَانَة حق للمحضون وَهَذِه فِيهَا هُوَ الْمَشْهُور وَهُوَ الأول الَّذِي هُوَ مذهبها. وَالْمَسْأَلَة الثَّانِيَة: إِذا بنيتا على الْمَشْهُور من سُقُوط حق الْأُم وَكَانَت هُنَاكَ جدة مثلا فَقَامَتْ بِحَقِّهَا هَل لَهَا ذَلِك أم لَا؟ قَولَانِ. للموثقين وَلَيْسَ فِيهَا مَشْهُور وَلَا مُقَابلَة. نعم ذكر المتيطي أَن الْعَمَل على الأول، وَقَالَ غير وَاحِد من الموثقين، وَقَالَ أَبُو عمرَان: إِنَّه هُوَ الْقيَاس، قَالَ: بل ذكر ابْن غَازِي وَغَيره عَن غير وَاحِد أَن الْفَتْوَى فِيمَا إِذا أسقطت الْجدّة وَنَحْوهَا حضانتها مَعَ الْأُم حَال الْخلْع أَنَّهَا لَا تسْقط، فَكيف إِذا لم تسقطها كَمَا فِي نازلتنا، ثمَّ ذكر نقولاً تفِيد أَن الْمُعْتَمد أَن للجدة الْقيام قَالَ خلافًا لما أفتى بِهِ جمَاعَة من أَصْحَابنَا من أَنه لَا قيام للجدة، وَأَن الْحَضَانَة تنْتَقل للزَّوْج على الْمَشْهُور مغترين بِمَا وَقع من السَّهْو للعلامة طفي اه. الْغَرَض مِنْهُ بِاخْتِصَار مَعَ تَقْدِيم وَتَأْخِير. قلت: ظَاهر هَذَا القَوْل الَّذِي بِهِ الْعَمَل الْمَذْكُور أَن الْحَضَانَة تنْتَقل للجدة مُطلقًا كَانَ الْأَب مُوسِرًا أَو مُعسرا وَذَلِكَ ظَاهر على القَوْل بِأَنَّهُ لَا أُجْرَة للحاضنة وإلاَّ فللنظر فِيهِ مجَال. الْحَادِي عشر: مَحل جَوَاز الْخلْع بِإِسْقَاط الْحَضَانَة مَا لم يتَعَلَّق الْوَلَد بِأُمِّهِ أَو يكون عَلَيْهَا فِي ذَلِك ضَرَر وَإِلَّا فَلَا يجوز قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. الثَّانِي عشر: مَحل مَا مر من أَن الْحق ينْتَقل للجدة وَالْخَالَة وَنَحْوهمَا مَا لم تسْقط الْجدّة وَنَحْوهَا حضانتها بعد إِسْقَاط الْأُم وإلاَّ بِأَن أسقطت بعْدهَا كَمَا لَو قَالَ الموثق، ثمَّ بعد إِسْقَاط الْأُم أسقطت الْجدّة حضانتها فَلَا كَلَام لَهَا، وَأما إِن كتب أَنه خَالعهَا على أَن أسقطت حضانتها وأسقطت جدته أَو خَالَته مثلا حجتها فِيمَا يرجع إِلَيْهَا من الْحَضَانَة فَإِن حضَانَة الْجدّة وَنَحْوهَا لَا تسْقط لِأَنَّهُ من إِسْقَاط الْحق قبل وُجُوبه إِذْ الْوَاو لَا تَقْتَضِي ترتيباً قَالَه ابْن الفخار وَبِه الْفَتْوَى كَمَا مر. الثَّالِث عشر: لَا يجوز الْخلْع على تَأْخِير الصَدَاق الْحَال أَو بعضه فَإِن وَقع فَإِن الطَّلَاق نَافِذ وَالصَّدَاق على حُلُوله قَالَه فِي الكراس السَّابِع من أنكحة المعيار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 وَلَيْسَ للأَبِ إذَا مَاتَ الْوَلَدْ شَيْءٌ وَذَا بِهِ القَضاءُ فِي المُدَدْ (وَلَيْسَ) فعل نَاقص (للْأَب) خَبَرهَا (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه مُتَعَلق بالاستقرار فِي الْخَبَر (مَاتَ الْوَلَد) جملَة فعلية فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذا (شَيْء) اسْم لَيْسَ (وَذَا) مُبْتَدأ (بِهِ) خبر عَن قَوْله (الْقَضَاء) وَالْجُمْلَة خبر ذَا (فِي المدد) جمع مُدَّة كغرفة يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر، وَالْمعْنَى أَن الْمَرْأَة إِذا اخْتلعت بإرضاع وَلَدهَا إِلَى فطامه أَو بِنَفَقَتِهِ إِلَى وَقت قدرته على الْكسْب فَمَاتَ الْوَلَد قبل انْقِضَاء الْمدَّة المشترطة فَإِنَّهُ لَا شَيْء للْأَب على الْمَرْأَة لِأَن الْمَقْصُود أَن تكفيه مُؤنَة الرَّضَاع وَالنَّفقَة وَقد كفيت. هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَبِه الْقَضَاء كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَابْن سَلمُون وَغَيرهمَا. وَرُوِيَ عَن مَالك أَنه يرجع عَلَيْهَا بِمَا يَنُوب بَاقِي الْمدَّة، وَظَاهره أَنه لَا شَيْء للْأَب سَوَاء شَرط عَلَيْهَا عَاشَ الْوَلَد أَو مَاتَ أم لَا. وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ مَعَ الشَّرْط الْمَذْكُور يرجع عَلَيْهَا بباقي الْمدَّة كَمَا يَأْتِي، وَمَفْهُوم مَاتَ الْوَلَد أَنَّهَا إِذا مَاتَت هِيَ والموضوع بِحَالهِ فَإِنَّهُ يُوقف من تركتهَا مَا يَفِي بِنَفَقَة بَاقِي الْمدَّة ويحاصص بِهِ غرماءها كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَإِن تمت اختلاع وَقفا الخ. وَانْظُر لَو التزمت بِنَفَقَتِهِ وأطلقت فأنفقت عَلَيْهِ سِتَّة أَو شهرا وَقَالَت: هَذَا الَّذِي أردْت وخالفها الزَّوْج فِي ذَلِك هَل القَوْل كَمَا قَالُوهُ فِي المتطوع بِنَفَقَة شخص بِغَيْر خلع حَسْبَمَا فِي أَوَائِل مسَائِل الِالْتِزَام أَو يكون القَوْل للزَّوْج لِأَن هَذَا من بَاب الْمُعَاوضَة، فيلزمها أَن تنْفق عَلَيْهِ إِلَى سُقُوط نَفَقَته شرعا، وَهُوَ الظَّاهِر لِأَن الأَصْل عدم خُرُوج عصمته من يَده إِلَّا على الْوَجْه الَّذِي يَقْصِدهُ فَهُوَ مُصدق بِيَمِينِهِ، وَلَا سِيمَا إِن كَانَ عرفهم ذَلِك وَالله أعلم. والخُلْعُ بالإنْفَاق مَحْدُود الأَجَلْ بَعْدَ الرّضَاعِ بِجَوَازِهِ العَمَلْ (وَالْخلْع) مُبْتَدأ (بِالْإِنْفَاقِ) يتَعَلَّق بِهِ (مَحْدُود الْأَجَل) بِالنّصب حَال مِنْهُ (بعد الرَّضَاع) يتَعَلَّق بِالْإِنْفَاقِ أَو بمحدود (بِجَوَازِهِ) خبر عَن قَوْله (الْعَمَل) . وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الأول، وَالْمعْنَى أَن الْعَمَل جرى بِجَوَاز الْخلْع بِالْإِنْفَاقِ الْمَحْدُود الْأَجَل كأربع سِنِين أَو خمس بعد مُدَّة الرَّضَاع، أَو إِلَى حد سُقُوط الْفَرْض عَنهُ شرعا وَنَحْو ذَلِك، وَظَاهره كَانَ الْإِنْفَاق مِنْهَا أَو من غَيرهَا وَهُوَ كَذَلِك (خَ) وبعوض من غَيرهَا إِن تأهل وَمُقَابل الْعَمَل هُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة. وَرِوَايَة ابْن الْقَاسِم عَن مَالك وَأَنه لَا يجوز وَيسْقط الزَّائِد على الْحَوْلَيْنِ، وَقَوله بعد الرَّضَاع: يَقْتَضِي أَن هَذَا فِي خُصُوص الْوَلَد الَّذِي ترْضِعه وَلَيْسَ كَذَلِك، بل لَو شَرط عَلَيْهَا نَفَقَة نَفسه أَو نَفَقَة بَنِينَ لَهُ مِنْهَا أَو من غَيرهَا أعواماً مَعْلُومَة كخمس عشرَة سنة وَنَحْوهَا لجَاز ذَلِك أَيْضا على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَلَا يجوز مَا زَاد على الْحَوْلَيْنِ فِي ذَلِك أَيْضا على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة كالرضيع سَوَاء بِسَوَاء، وعَلى مَذْهَب ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة درج (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَجَاز شَرط نَفَقَة وَلَدهَا مِنْهُ مُدَّة رضاعه فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 نَفَقَة للْحَمْل وَسَقَطت نَفَقَة الزَّوْج أَو غَيره وزائد شَرط كموته الخ. وَفهم من قَوْله بعد الرَّضَاع أَنه فِي مُدَّة الرَّضَاع يجوز شَرطه عَلَيْهَا إِنْفَاق نَفسه أَو رضيعه أَو غَيرهمَا وَهُوَ كَذَلِك قَالَ بَعضهم اتِّفَاقًا: وَمَفْهُوم قَوْله مَحْدُود الْأَجَل أَنه إِذا لم يكن لذَلِك أجل مَحْدُود لم يجز كتأجيله بقدوم زيد أَو يسر الْأَب مثلا وتأمله مَعَ قَول (خَ) وَعجل أَي الْخلْع الْمُؤَجل بِمَجْهُول وتؤولت أَيْضا بِقِيمَتِه فَإِن ابْن مُحرز قَالَ: تَعْجِيله مُخَالف لجَوَاز الْخلْع بالغرر، وَقَالَ اللَّخْمِيّ: لَا وَجه لتعجيله وتعجيله ظلم اه. وَظَاهره تَعْجِيله وَلَو حداه بِمدَّة الْحَيَاة، لَكِن الَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلهم يجوز الْغرَر فِي الْخلْع هُوَ أَنَّهُمَا إِن حداه بِمدَّة الْحَيَاة وَمَات الْوَلَد سَقَطت كَمَا مر، وَإِن مَاتَت هِيَ فَيُوقف من مَالهَا مَا يَفِي بِنَفَقَتِهِ إِلَى تَمام سبعين سنة كمن أوصى بِنَفَقَة رجل حَيَاته فَإِنَّهُ يُوقف من ثلثه مَا يقوم بِهِ مُنْتَهى سبعين سنة كَمَا فِي (ح) أول الِالْتِزَام فَتَأمل ذَلِك وَالله أعلم. وَجَازَ قَوْلاً وَاحِداً حَيْثُ التُزِمْ ذَاكَ وَإنْ مُخَالِعٌ بِهِ عُدِمْ (وَجَاز) فَاعله ضمير الْخلْع (قولا) مَنْصُوب على إِسْقَاط الْخَافِض (وَاحِدًا) نعت لَهُ أَي جَازَ الْخلْع حَال كَون جَوَازه ثَابتا على كل قَول (حَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (الْتزم) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (ذَاك) نَائِب وَالْإِشَارَة للاتفاق، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (وَإِن مخالع) نَائِب عَن فعل مُقَدّر يفسره مَا بعده (بِهِ) يتَعَلَّق بمخالع وَالْبَاء للتعدية لَا للسَّبَبِيَّة وَهُوَ من بَاب الْحَذف والإيصال أَي: وَإِن عدم مخالع بالِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ (عدم) أَي مَاتَ. وَمثل هَذِه الْوَاو الدَّاخِلَة على أَن يسميها ابْن غَازِي وَاو النكاية ويسميها شرَّاح (خَ) عاطفة على مَعْطُوف مُقَدّر أَي عَاشَ الْوَلَد أَو مَاتَ فَهِيَ بِمَعْنى (أَو) وَجَوَاب حَيْثُ مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ أَن الْمَرْأَة إِذا اخْتلعت بِالْإِنْفَاقِ على وَلَدهَا أَو غَيره مُدَّة مَعْلُومَة زَائِدَة على الْحَوْلَيْنِ عَاشَ المخالع بِنَفَقَتِهِ أَو مَاتَ فَإِن ذَلِك جَائِز اتِّفَاقًا من ابْن الْقَاسِم وَغَيره، ويرتفع الْخلاف فِي الْقَضِيَّة حِينَئِذٍ قَالَه فِي النِّهَايَة. قَالَ: وَهُوَ مثل من بَاعَ دَارا على أَن ينْفق المُشْتَرِي عَلَيْهِ مُدَّة مَعْلُومَة فَهُوَ جَائِز، وَإِذا جَازَ فِي البيع فَهُوَ فِي الْخلْع أجوز اه. ثمَّ إِذا مَاتَ الْوَلَد وَنَحْوه فِي هَذِه أَخذ وَارثه مِنْهَا بَاقِي الْمدَّة مشاهرة حَتَّى يتم الْأَجَل، وَإِن مَاتَت هِيَ أَخذ من مَالهَا نَفَقَته فِي الْمدَّة المشترطة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 من غير إيقاف لِأَنَّهُ دين حل بموتها، وَلَا فَائِدَة فِي الإيقاف لِأَنَّهُ يُؤْخَذ مِنْهَا على كل حَال وَلَو مَاتَ الْوَلَد وَنَحْوه بعْدهَا لورث ذَلِك ورثته. ثمَّ اعْلَم أَن الَّذِي يَقْتَضِيهِ التَّرْتِيب الطبيعي تَقْدِيم هذَيْن الْبَيْتَيْنِ على قَوْله: وَلَيْسَ للْأَب الخ. ثمَّ يَقُول: وَإِن تمت ذَات اختلاع الْبَيْتَيْنِ ثمَّ يَقُول: وَمن يُطلق زَوْجَة الْبَيْتَيْنِ أَيْضا إِذْ الْكل مُفَرع على قَوْله هُنَا وَالْخلْع بِالْإِنْفَاقِ الخ. وَلَعَلَّ نَاسخ المبيضة قدم وَأخر وَالله أعلم. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا خَالع امْرَأَته على أَن سلمت لَهُ وَلَدهَا مِنْهُ وَأَنَّهَا إِن أَرَادَت أَخذه فَلَيْسَ لَهَا ذَلِك إِلَّا أَن تلتزم عَن الْأَب مُؤْنَته فَإِن ذَلِك خلع جَائِز نَافِذ حَتَّى على قَول ابْن الْقَاسِم قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. الثَّانِي: ذكر (ح) فِي التزاماته أَن مَا يَأْتِي فِي قَول النَّاظِم: وَمن يُطلق زَوْجَة ويرتجع الْبَيْتَيْنِ يجْرِي حَتَّى فِي هَذِه الصُّورَة الْمَذْكُورَة فِي التَّنْبِيه عَن الْمُتَيْطِيَّة دون الَّتِي فِي النّظم الَّتِي هِيَ قَوْله: وَجَاز قولا وَاحِدًا الخ. فَإِن النَّفَقَة لَا تسْقط عَنهُ بارتجاعها. ولِلأَبِ التَّرْكُ مِنْ الصَّدَاقِ أَوْ وَضْعُهُ لِلْبِكْرِ فِي الطَّلاَقِ (وَللْأَب) خبر عَن قَوْله (التّرْك) وَقَوله: (من الصَدَاق) يتَعَلَّق بِالتّرْكِ (أَو وَضعه) بِالرَّفْع مَعْطُوف على التّرْك (للبكر) يتنازع فِيهِ ترك وَوضع (فِي الطَّلَاق) يتَعَلَّق بالمعطوف الْمَذْكُور، وَمعنى الشَّرْط الأول أَنه يجوز فِي نِكَاح التَّسْمِيَة للْأَب دون غَيره من الْأَوْلِيَاء أَن يتْرك بعد العقد وَقبل الْبناء عَن الزَّوْج شَيْئا من صدَاق ابْنَته الْبكر الَّتِي لم يرشدها إِذا كَانَ ذَلِك سداداً ونظراً قَالَه ابْن الْقَاسِم. وَقَالَ مَالك: للْأَب أَن يُزَوّج الْبكر بِأَقَلّ من صدَاق الْمثل على النّظر، وَلَا يحط من الصَدَاق بعد العقد إِلَّا على الطَّلَاق، وَهُوَ معنى الشَّرْط الثَّانِي أَي يجوز للْأَب أَيْضا دون غَيره أَن يضع عَن الزَّوْج بعد العقد جَمِيع النّصْف على الطَّلَاق أَو بعد وُقُوع الطَّلَاق قبل الْبناء كَانَ ذَلِك نظرا أم لَا. لقَوْله تَعَالَى: إِلَّا أَن يعفون} (الْبَقَرَة: 237) أَي المالكات لأمر أَنْفسهنَّ: أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} (الْبَقَرَة: 237) وَهُوَ الْأَب عِنْد مَالك وَأما السَّيِّد فَلهُ إِسْقَاط مهر أمته كُله قبل الدُّخُول وَبعده، وَقبل الطَّلَاق وَبعده قَالَه فِي الْجلاب. قَوْله: فِي الطَّلَاق أَي فِي شَأْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 الطَّلَاق أَعم من أَن يكون عِنْد الطَّلَاق أَو بعده، وَهَذَا أولى من جعل (فِي) بِمَعْنى (على) أَو (بعد) وَإِلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ أَشَارَ (خَ) لقَوْله: وَجَاز عَفْو أبي الْبكر عَن نصف الصَدَاق قبل الدُّخُول وَبعد الطَّلَاق. ابْن الْقَاسِم: وَقَبله لمصْلحَة وَهل وفَاق؟ تَأْوِيلَانِ. وَقَوْلِي فِي نِكَاح التَّسْمِيَة احْتِرَاز من نِكَاح التَّفْوِيض فَإِنَّهُ يجوز ذَاك للْأَب قبله وَبعده وللوصي قبله كَمَا أَفَادَهُ (خَ) بقوله: وَالرِّضَا بِدُونِهِ للمرشدة وَللْأَب وَلَو بعد الدُّخُول وللوصي قبله لَا الْمُهْملَة الخ. وَظَاهر قَوْله: التّرْك من الصَدَاق كَانَ نظرا أم لَا. وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا رَأَيْته. وَقَوْلِي: الَّتِي لم ترشد احْتِرَازًا من المرشدة فَإِنَّهَا الَّتِي تنظر لنَفسهَا، وَمَفْهُوم الْبكر أَن الثّيّب لَيْسَ لَهُ ذَلِك فِيهَا وَهُوَ كَذَلِك حَيْثُ لم يكن لَهُ جبرها على النِّكَاح، وأشعر قَوْله الْبكر أَيْضا أَنه إِن دخل بهَا لم يكن لَهُ ترك شَيْء من صَدَاقهَا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي الْجلاب والقرافي نَقله طفي وأشعر قَوْله التّرْك أَن ذَلِك بعد العقد كَمَا قَررنَا، فيفهم مِنْهُ أَنه يجوز لَهُ أَن يُزَوّجهَا ابْتِدَاء بِأَقَلّ من صدَاق مثلهَا على وَجه النّظر بالأحرى وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة عَن مَالك، وَانْظُر مَا تقدم فِي بَاب الصُّلْح عِنْد قَوْله: وَالْبكْر وَحدهَا تخص هَهُنَا الخ. وَبِالْجُمْلَةِ فالتأويلان فِي كَلَام (خَ) مَحلهمَا كَمَا هُوَ ظَاهره إِذا تحققت الْمصلحَة، وَهُوَ ظَاهر الْمُدَوَّنَة وَظَاهر ابْن الْحَاجِب أَيْضا. قَالَ ابْن عبد السَّلَام: وَهُوَ الصَّحِيح لَا مَا قَالَ ابْن بشير: من أَن الْخلاف إِنَّمَا هُوَ إِذا جهلت الْمصلحَة أما إِذا تحققت فيتفق مَالك وَابْن الْقَاسِم على الْجَوَاز، وَإِن تحقق عدم وجودهَا فيتفقان أَيْضا على عدم الْجَوَاز، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ عِنْد الْجَهْل فَظَاهر قَول مَالك بِعَدَمِ الْجَوَاز لِأَن الأَصْل فِي إِسْقَاط الْأَب عدم الْمصلحَة. وَظَاهر ابْن الْقَاسِم جَوَازه لِأَن أَفعَال الْأَب مَحْمُولَة على الْمصلحَة فَإِن ذَلِك لَا يعول عَلَيْهِ، بل مَعَ الْجَهْل يتفقان على منع الْإِسْقَاط كَمَا يفِيدهُ قَوْلهم بعد الطَّلَاق لِأَنَّهُ يُفِيد بمفهومه أَنه لَا يجوز قبله كَانَ لمصْلحَة أم لَا. استثنوا مِنْهُ صُورَة الْمصلحَة. فَإِن ابْن الْقَاسِم أجازها والمصلحة إِذا أطلقت إِنَّمَا تَنْصَرِف للمحققة وَغير المحققة لَا تسمى مصلحَة لعدم وجودهَا، وَحِينَئِذٍ فالناظم اعْتمد فِي الشّطْر الأول التَّأْوِيل بالوفاق فيستفاد مِنْهُ أَنه الرَّاجِح، وَأما الشّطْر الثَّانِي فَلَا خلاف فِيهِ. تَنْبِيهَات. الأول: بِأَدْنَى تَأمل يعلم منع مَا يَفْعَله كثير من النَّاس الْيَوْم من تَزْوِيج أبكار بناتهم أَو الثيبات من محاجرهم بِأَقَلّ من صدَاق الْمثل لِأَنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَة إِنَّمَا أجَاز تَزْوِيج الْأَب بِأَقَلّ من صدَاق الْمثل إِن كَانَ نظرا، فَإِن لم يكن نظرا فَيمْنَع، وَالنَّاس الْيَوْم يهْدُونَ للْأَب الْهَدَايَا ويعطونه العطايا ليزوجهم بنته بِأَقَلّ من صدَاق الْمثل من غير نظر لَهَا وَلَا مصلحَة، وَذَلِكَ مُنكر. فَيجب على القَاضِي التفطن إِلَيْهِ وحسم مادته فَإِن لم يطلع عَلَيْهِ فللزوجة أَن ترجع على زَوجهَا بِتمَام صدَاق مثلهَا بعد الدُّخُول وَيُخَير الزَّوْج فِي إِتْمَامه قبله أَو يُفَارق، وَلَا شَيْء عَلَيْهِ. وَهَذَا إِن لم تشْتَرط تِلْكَ الْهَدَايَا وَإِلَّا فَهِيَ من الصَدَاق فترجع بهَا الزَّوْجَة على الْأَب كَمَا مر، وَتسَمى تِلْكَ الْهَدَايَا المشترطة عِنْد الْعَامَّة بالمأكلة والحبا. الثَّانِي: قَالَ الْبُرْزُليّ فِي الكراس الثَّانِي من النِّكَاح: إِذا قَالَ الزَّوْج للْأَب أَقلنِي فِي ابْنَتك فأقاله فَهِيَ مُطلقَة وَلَا يتبع الزَّوْج بِصَدَاق إِن لم يكن دَفعه ورده الْأَب إِن قَبضه، وَهَذَا قبل الْبناء. ابْن الْحَاج: وَلَو كَانَ بعد الْبناء فَهِيَ إِقَالَة فِي الْعِصْمَة وَيلْزمهُ الثَّلَاث. الْبُرْزُليّ: تقدم أَن ظَاهر الْمُدَوَّنَة لُزُوم الثَّلَاث مُطلقًا قبل الْبناء وَبعده من قَوْلهَا: وَهبتك ورددتك لأهْلك، وَتقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 لِابْنِ عَاتٍ فِيهَا قَول إِنَّه يفْسخ بِغَيْر طَلَاق اه. الثَّالِث: مَفْهُوم قَوْله فِي الطَّلَاق أَنه لَا يجوز لَهُ ذَلِك فِي موت زَوجهَا قبل الْبناء وَهُوَ كَذَلِك نَص عَلَيْهِ الْمَازرِيّ فِي درره قَائِلا: وَإِن تحمل الْأَب بالدرك فتخير الزَّوْجَة فِي الرُّجُوع على الزَّوْج أَو عَلَيْهِ لِأَن الْأَب فَوت عَلَيْهَا حظها وَهُوَ غَرِيم غريمها. نعم إِن صَالح الْأَب عَن بعض الصَدَاق لعدم ثُبُوته واحتياجه لطول خصام مضى اه. بِنَقْل طفي، وَقَوله: وَإِن تحمل الخ. لَعَلَّه فِي مَسْأَلَة الْعَفو بعد الدُّخُول على الطَّلَاق إِذْ فِيهَا يَتَأَتَّى التَّحَمُّل بالدرك كَمَا تقدم فِي فصل الضَّرَر وَفِي بَاب الصُّلْح: وإلاَّ فَفِي مَسْأَلَة الْمَوْت لَا يَتَأَتَّى فِيهَا التَّحَمُّل الْمَذْكُور، نعم يَتَأَتَّى فِيهَا الرُّجُوع الْمَذْكُور حَيْثُ أعدم أَحدهمَا لِأَن الْأَب بإسقاطه عَن الزَّوْج وَقت قدرته على أَدَائِهِ حَتَّى أعدم كَانَ مضيعاً فَيجب عَلَيْهِ ضَمَانه، وَالله أعلم. (فصل ذكر فِيهِ صَرِيح الطَّلَاق وكنايته وَمَا يتَعَلَّق بذلك) وَيَلْزَمُ الطَّلاقُ بالتَّصْرِيحِ وبالْكِنَايَاتِ عَلَى الصَّحِيحِ (وَينفذ الطَّلَاق) فعل وفاعل (بِالصَّرِيحِ) يتَعَلَّق بِهِ (وبالكنايات على الصَّحِيح) يتعلقان بِمَحْذُوف عطف على الْجُمْلَة قبله أَي: وَينفذ بالكنايات الخ. وَلذَلِك أعَاد الْعَامِل فَهُوَ من عطف الْجمل، وَقَوله على الصَّحِيح رَاجع للكنايات فَقَط. والصريح مَا كَانَت فِيهِ الطَّاء وَاللَّام وَالْقَاف أَو كَانَ بِلَفْظ الْفِرَاق أَو التسريح لِأَن كل مَا نطق بِهِ الْقُرْآن صَرِيح فَقَالَ تَعَالَى: فطلقوهن} (الطَّلَاق: 1) وَقَالَ أَيْضا: أَو سرحوهن} (الْبَقَرَة: 231) وَقَالَ أَيْضا أَو فارقوهن} (الطَّلَاق: 2) وقصره (خَ) على الأول فَقَالَ وَلَفظه: طلقت أَو أَنا طَالِق أَو أَنْت أَو مُطلقَة أَو الطَّلَاق لي لَازم لَا منطلقة وَتلْزم وَاحِدَة إِلَّا لنِيَّة أَكثر، وَأما الْكِنَايَة فقسمان: ظَاهِرَة وخفية، فالظاهرة هِيَ اللَّفْظ الدَّال عَلَيْهِ عرفا وَلَيْسَ فِيهِ صِيغَة الطَّلَاق وَمَا تصرف مِنْهُ كَمَا أَشَارَ لذَلِك (خَ) أَيْضا بقوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 وَالثَّلَاث فِي بتة وحبلك على غاربك أَو وَاحِدَة بَائِنَة أَو نَوَاهَا بخليت سَبِيلك أَو ادخلي، وَالثَّلَاث إِلَّا أَن يَنْوِي أقل إِن لم يدْخل بهَا فِي كالميتة وَالدَّم ووهبتك ورددتك لأهْلك الخ. ثمَّ أَشَارَ للكناية الْخفية أَيْضا بقوله: وَنوى فِيهِ وَفِي عدده فِي اذهبي وانصرفي أَو لم أتزوجك الخ. وَكَذَا يلْزم أَيْضا بِمَا لَيْسَ بِصَرِيح وَلَا كِنَايَة إِن نوى بِهِ الطَّلَاق كَقَوْلِه: أسقني مَاء كَمَا قَالَ أَيْضا وَحرم بِأَيّ كَلَام نَوَاه الخ. وَجعل ابْن زرقون نَحْو أسقني مَاء من الْكِنَايَة أَيْضا حَيْثُ نوى بِهِ الطَّلَاق قَالَ الشَّارِح: قَول النَّاظِم وبالكنايات بِلَفْظ الْجمع يُرِيد أقسامها الثَّلَاثَة على مَا مر لِابْنِ زرقون. قَالَ الشَّيْخ (م) : وَهُوَ ظَاهر إِلَّا أَنه يبْقى النّظر فِي مُقَابل الصَّحِيح مَا هُوَ ف الله أعلم بمراده. ثمَّ اعْلَم أَنه فِي الصَّرِيح لَا يقبل مِنْهُ أَنه لم يرد بِهِ الطَّلَاق وَلَو مستفتياً، وَكَذَا فِي الْكِنَايَة الظَّاهِرَة، وَإِنَّمَا يشْتَرط فيهمَا قصد النُّطْق بذلك اللَّفْظ، وَإِن لم يقْصد بِهِ حل الْعِصْمَة، فَإِن لم يقْصد النُّطْق بذلك بِأَن هذي لمَرض أَو لقنه بِلَا فهم مَعْنَاهُ لم يلْزم. انْظُر الْقَرَافِيّ فَإِنَّهُ قَالَ: الْقَصْد لإنشاء الصِّيغَة والنطق بهَا لَا أعلم فِي اشْتِرَاطه خلافًا قَالَ: وَأما الْقَصْد لإِزَالَة الْعِصْمَة بِاللَّفْظِ فَلَيْسَ شرطا فِي الصَّرِيح اتِّفَاقًا، وَكَذَا مَا اشْتهر من الْكِنَايَات فَرَاجعه إِن شِئْت فِي شرح ابْن رحال وَابْن غَازِي فَإِن فِيهِ طولا. وَقَالَ المتيطي: وَالطَّلَاق يلْزم بِاللَّفْظِ وَالنِّيَّة فَإِن انْفَرَدت النِّيَّة فَالصَّحِيح اللُّزُوم لِأَن اللَّفْظ عبارَة عَمَّا فِي النَّفس، فَإِذا أجمع بِقَلْبِه على أَنه قد طلق لزمَه وَهُوَ قَول مَالك فِي سَماع أَشهب، وَرُوِيَ عَنهُ أَنه لَا يلْزم وَإِن انْفَرد اللَّفْظ، فَالصَّحِيح أَن الطَّلَاق لَا يلْزم بذلك إِلَّا فِي الحكم الظَّاهِر لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ) . وَفِي كتاب التَّخْيِير من الْمُدَوَّنَة مَا ظَاهره اللُّزُوم وَهُوَ خلاف الْمَنْصُوص اه. لَكِن مَا ذكره من اللُّزُوم بِمُجَرَّد النِّيَّة حمله الْقَرَافِيّ على الْكَلَام النَّفْسِيّ وَهُوَ إنْشَاء الطَّلَاق بِقَلْبِه فَقَط أَي: من غير حَرَكَة لِسَانه بِهِ وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقول (خَ) وَفِي لُزُومه بِكَلَامِهِ النَّفْسِيّ خلاف الخ. فَالصَّحِيح فِي كَلَام المتيطي هُوَ أحد الْمَشْهُورين فِي النَّفْسِيّ كَمَا أَشَارَ لذَلِك الْقَرَافِيّ قَائِلا: هُوَ مَحل الْخلاف، وَأما مُجَرّد الْقَصْد إِلَيْهِ من غير إنْشَاء بِالْقَلْبِ بل وَقع الْقَصْد إِلَيْهِ كَمَا تقصد الْعِبَادَات فَلَا يلْزم وَلَو صمم عَلَيْهِ إِجْمَاعًا قَالَ: فالنية لفظ مُشْتَرك بَين النَّفْسِيّ الَّذِي هُوَ الْإِنْشَاء بِالْقَلْبِ وَبَين مُجَرّد الْقَصْد اه. فَقَوْل النَّاظِم بِالصَّرِيحِ أَي: اللَّفْظ الصَّرِيح أَو مَا يقوم مقَامه من الْإِشَارَة وَالْكِتَابَة كَمَا قَالَ (خَ) وَلزِمَ بِالْإِشَارَةِ المفهمة وبالكتابة عَازِمًا الخ. وَكَذَا يلْزم بِالْفِعْلِ أَيْضا كنقل القماش كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) أَيْضا فِي التَّخْيِير وَالتَّمْلِيك فاحترز بِاللَّفْظِ هُنَا عَن مُجَرّد الْقَصْد الَّذِي لَيْسَ مَعَه لفظ، وَلَا كَلَام نَفسِي لَا عَن الْإِشَارَة وَالْكِنَايَة وَالْفِعْل. هَذَا مَا يتَعَلَّق بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَة الظَّاهِرَة. وَأما الْخفية فَتقبل دَعْوَاهُ أَنه لم يرد بِهِ طَلَاقا وَإِذا نوى بِهِ الطَّلَاق فينوي فِي عدده كَمَا مر عَن (خَ) بِخِلَاف الْكِنَايَة الظَّاهِرَة، فَإِنَّهُ لَا يَنْوِي فِيهِ وَلَا فِي عدده كَمَا مر عَنهُ أَيْضا على تَفْصِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 بَين الْمَدْخُول بهَا وَغَيرهَا. وَانْظُر لَو نوى بالخفية الطَّلَاق وَلم ينْو عددا فَهَل يلْزمه الثَّلَاث؟ وَبِه جزم ابْن رحال فِي حَاشِيَته هَهُنَا أَو يجْرِي على مَا يَأْتِي فِي قَوْله: وموقع الطَّلَاق دون نِيَّة. وَهُوَ الظَّاهِر. وَقَالَ ابْن عَرَفَة: وَإِن قَالَ أَنْت طَالِق فَهُوَ مَا نوى فَإِن لم ينْو شَيْئا فَوَاحِدَة اه. وَقَالَ فِي النِّهَايَة: فَهَذِهِ الْأَلْفَاظ يَعْنِي أَنْت طَالِق وَنَحْوه يحكم فِيهَا بِوَاحِدَة نَوَاهَا أَو لم ينْو شَيْئا اه. وَهُوَ قَول (خَ) وَتلْزم وَاحِدَة إلاّ لنِيَّة أَكثر، وَحِينَئِذٍ فَإِذا نوى بالخفية الطَّلَاق فَإِنَّهُ تلْزمهُ وَاحِدَة إِلَّا أَن يَنْوِي أَكثر كَمَا لَو قَصده بقوله: أَنْت طَالِق فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا وَاحِدَة أَيْضا إلاَّ لنِيَّة أَكثر، وَيصدق فِي صفة هَذِه الْوَاحِدَة من كَونهَا بَائِنَة أَو رَجْعِيَّة كَمَا ذكر الْمواق عَن ابْن رشد، وَأَنه إِذا أَرَادَ بقوله: أَنْت طَالِق طَلْقَة المباراة أَي الطَّلقَة البائنة فَتلْزمهُ الْبَيْنُونَة وَيصدق فِي ذَلِك وَلَا يرتدف طَلَاقه عَلَيْهَا إِن جَاءَ مستفتياً. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا قُلْنَا تلْزمهُ وَاحِدَة إلاَّ لنِيَّة أَكثر فَاخْتلف هَل يصدق فِي إِرَادَة الْوَاحِدَة بِغَيْر يَمِين كَمَا هُوَ ظَاهر (خَ) وَصَححهُ فِي الشَّامِل أَو بِيَمِين وشهره ابْن بشير؟ وهما قَولَانِ على يَمِين التُّهْمَة، وَالْمَشْهُور توجهها كَمَا مر، وَاقْتصر فِي الْمعِين فِي قَوْله: فارقتك على وجوب الْيَمين أَنه مَا أَرَادَ إِلَّا وَاحِدَة قَالَ احلولو: وَمُقْتَضى ابْن بشير وَغَيره: أَن الْيَمين تتَوَجَّه على القَوْل بِهِ سَوَاء قَالَ: نَوَيْت وَاحِدَة أَو لم أنو شَيْئا. قَالَ ابْن رحال فِي الشَّرْح: وَهَذَا الْخلاف إِنَّمَا هُوَ إِذا لم يكن مستفتياً بِدَلِيل أَن الْحلف لأجل التُّهْمَة أَي: لِأَن التُّهْمَة إِنَّمَا تتطرق إِلَيْهِ عِنْد المرافعة. وَكَذَا تجب الْيَمين فِي الْكِنَايَة الظَّاهِرَة لِأَنَّهُ يَنْوِي فِيهَا كلهَا أَنه أَرَادَ بهَا الْوَاحِدَة فِي غير الْمَدْخُول بهَا، لَكِن بِيَمِينِهِ من غير فرق بَين حبلك على غاربك وَالْميتَة وَغَيرهمَا من الْكِنَايَة الظَّاهِرَة قَالَ: مَا عدا لفظ الْبَتَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَنْوِي فِيهَا أَنه أَرَادَ الْوَاحِدَة قبل الْبناء على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة، وَقيل: يَنْوِي أَيْضا وكلا الْقَوْلَيْنِ قوي اه. وَأما الْمَدْخُول بهَا فَإِنَّهُ لَا يَنْوِي فِي إِرَادَته أقل كَمَا فِي الْمَتْن. وَالْفرق أَن غير الْمَدْخُول بهَا تبين بالواحدة والمدخول بهَا لَا تبين إِلَّا بِالْخلْعِ أَو بِالطَّلَاق الَّذِي حكم بِهِ الْحَاكِم فِي غير الْإِيلَاء والعسر بِالنَّفَقَةِ أَو بِالثلَاثِ، وَإِذا فقد الْأَوَّلَانِ هُنَا تعين الثَّلَاث قَالَ: لَكِن إِنَّمَا يظْهر لُزُوم الثَّلَاث فِيهَا وَعدم تَصْدِيقه فِي إِرَادَته أقل حَيْثُ لم يجر الْعَمَل بِالطَّلَاق المملك، أما حَيْثُ جرى بِهِ وَأَنَّهَا تبين بِغَيْر عوض على مَا عَلَيْهِ النَّاس الْآن، فَإِذا قَالَ: نَوَيْت بخليت سَبِيلك أَو بميتة أَو ببائنة طَلَاق المباراة أَو الطَّلقَة المملكة فَيقبل قَوْله اه. أَي: لِأَن النَّاس الْيَوْم يقصدون الْبَيْنُونَة بِدُونِ الثَّلَاث كَمَا قدمْنَاهُ عِنْد قَول النَّاظِم، وَفِي المملك خلاف الخ. وَتقدم أَنه إِذا قَالَ: أَنْت طَالِق طَلْقَة بَائِنَة فَتلْزمهُ وَاحِدَة على الْأَصَح وَعَن الْمواق مَا نَصه: قد نصوا أَن من طلق طَلَاق الْخلْع فَهُوَ بَائِن وَهُوَ طَلَاق زمننا فَعَلَيهِ صَار حكم الْمَدْخُول بهَا وَغَيرهَا سَوَاء، وَبِهَذَا كَانَ أشياخنا وأشياخهم يفتون. وَقد نصب ابْن بشير على هَذَا الْمَعْنى فَانْظُرْهُ اه. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّمَا قَالَ الإِمَام مَالك بِلُزُوم الثَّلَاث فِي الْمَدْخُول بهَا لِأَنَّهُ لم يكن فِي زَمَنه الطَّلَاق المملك أَي الْبَائِن بِدُونِ خلع وَلَا حكم وَلَا ثَلَاث، وَأما حَيْثُ كَانَت النَّاس الْيَوْم تسْتَعْمل الْبَيْنُونَة بِغَيْر ذَلِك وَهُوَ الطَّلَاق المملك فَتَصِير الْمَدْخُول بهَا وَغَيرهَا فِي التنويه، سَوَاء قَالَ مَعْنَاهُ فِي المعيار عَن أبي عبد الله الفخار وَحِينَئِذٍ فينوي مُطلقًا مستفتياً أم لَا. دخل أم لَا. وَلَا يخْتَص ذَلِك بالاستفتاء كَمَا مر عَن ابْن رشد. أَلا ترى أَن الْحَرَام ثَلَاث عِنْد الأقدمين وَالْعَمَل الْيَوْم على لُزُوم الْوَاحِدَة البائنة مُطلقًا وَمَا ذَلِك إِلَّا لما قَالُوهُ من الْعرف وَأَن عرف النَّاس الْيَوْم على قصد المملك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 الثَّانِي: ذكر الشار (ح) وَمن تبعه عِنْد قَوْله: وموقع الطَّلَاق دون نِيَّة. الخ أَن الْعَامَّة الْيَوْم لَا يعْرفُونَ الطَّلَاق الرَّجْعِيّ، وَعَلِيهِ فَإِذا قَالَ الْعَاميّ لزوجته: أَنْت طَالِق فَتبين مِنْهُ بذلك لِأَنَّهُ لَا يقْصد غير الْبَيْنُونَة، وَلَو سُئِلَ عَن ذَلِك لقَالَ: مَا قصدت إِلَّا أَن لَا تطالبني وَأَن لَا حكم لي عَلَيْهَا وَلذَلِك لَا تطالبه بِنَفَقَة الْعدة، وَإِذا طلبتها لَا يجيبها إِلَى ذَلِك لما فِي صميم عقله من أَنه لَا نَفَقَة لَهَا عَلَيْهِ، وَإِذا سَأَلته عَن حَقِيقَة الرَّجْعِيّ الْمُتَقَدّمَة فِي تَقْسِيم الطَّلَاق مَا عرفهَا والنفوس لَا تقصد مَا لم يتَقَدَّم لَهَا بِهِ أنس، وَعَلِيهِ فَلَا يصدق الْعَاميّ فِي إِرَادَته الرَّجْعِيّ مَعَ وجود الْعرف بقصدهم بِمُطلق الطَّلَاق الْبَيْنُونَة إِذْ الْحمل على الْعرف وَالْعَادَة وَاجِب كَمَا فِي أَلْفَاظ الْكِنَايَات لِأَنَّهُ إِنَّمَا لزم فِيهَا مَا ذكر لأجل الْعرف كَمَا يَأْتِي، وَتَأمل قَول الْمواق: طَلَاق الْخلْع هُوَ طَلَاق زمننا الخ. وَقد قَالُوا إِن الْأَحْكَام إِنَّمَا تترتب على عرف التخاطب أَعم من أَن يكون لغوياً أَو غَيره، وَهَذَا أَمر مَعْهُود فِي هَذَا الْبَاب وَمَا فِي حَاشِيَة ابْن رحال عِنْد قَوْله: وَفِي المملك خلاف الخ. وَقَالَهُ فِي الشَّرْح أَيْضا عِنْد قَول الْمَتْن فِي الْخلْع وَبَانَتْ وَلَو بِلَا عوض الخ. مِمَّا يَقْتَضِي خلاف مَا قَالَه الشَّارِح، وَمن تبعه لَا يعول عَلَيْهِ لِأَن الْكَلَام فِيمَا إِذا كَانَ جلّ الْعَامَّة لَا يعْرفُونَ إِلَّا الْبَائِن، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فعرفهم حِينَئِذٍ هُوَ قصد الْبَيْنُونَة بِمُطلق الطَّلَاق أَي: فَتلْزمهُ وَإِن لم ينوها وَلَا تكون لَهُ رَجْعَة عَلَيْهَا وَلَا يصدق فِي إِرَادَته الرَّجْعِيّ وَهُوَ لَا يعرفهُ كَمَا لَو ظن أَن الْبَتَّةَ وَاحِدَة. وَقَالَ: أردتها فَإِنَّهُ لَا يصدق مَعَ كَون الْعرف عِنْدهم أَن الْبَتَّةَ ثَلَاث، وَقَول ابْن رشد: هَل الْحمل على اللَّفْظ أَو على مَا يعلم من قصد الْحَالِف وَهُوَ الْأَشْهر الْأَظْهر الخ. لَا شَاهد لَهُ فِيهِ لِأَن اللَّفْظ هُنَا لَا دلَالَة فِيهِ على الصّفة من كَونهَا بَائِنَة أَو رَجْعِيَّة، وَإِنَّمَا يعلم ذَلِك من قصد الْحَالِف وَإِن لم يقْصد شَيْئا فَيحمل على الْعرف، وَأَيْضًا فَإِن ابْن رشد لم يقل ذَلِك فِيمَا نَحن فِيهِ بل مَوْضُوعه فِي شَيْء آخر كَمَا يعلم بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ فِي كتاب الصَدَاق من ابْن عَرَفَة، وَاللَّفْظ هَهُنَا لَا يَقْتَضِيهِ بفحواه الْبَيْنُونَة وَلَا عدمهَا وعَلى تَسْلِيم اقتضائه الرّجْعَة، فَإِنَّمَا يقْصد النَّاس إِلَى أعرافهم فَقَوْل ابْن رشد وَهُوَ الْأَشْهر الخ. شَاهد لما ذَكرْنَاهُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَإِذا قَالَ: أَنْت طَالِق للمدخول بهَا وَنوى بِهِ الْبَيْنُونَة لَزِمته لقَوْل الْمَتْن إِلَّا لنيّة أَكثر، وَلقَوْل ابْن عَرَفَة فَهُوَ مَا نوى الخ. وَإِن لم تكن لَهُ نِيَّة فَيحمل على الْعرف فَإِذا كَانَ عرفهم فِي مُطلق الطَّلَاق أَو شَيْء من تِلْكَ الْكِنَايَات الْبَيْنُونَة فَقَط عمل على ذَلِك، وَلَا فرق فِي ذَلِك كُله بَين قَوْله عَلَيْهِ الْيَمين أَو الْحَرَام أَو الْأَيْمَان اللَّازِمَة أَو هِيَ بتة أَو حبلها على غاربها وَغير ذَلِك من الْكِنَايَات وصفات الطَّلَاق من كَونه بَائِنا أَو رَجْعِيًا، فالحمل فِي ذَلِك كُله على الْعرف عِنْد فقد النِّيَّة لِأَن الْعرف من المخصصات بعد النِّيَّة كَمَا فِي الْمَتْن، وَلذَا قَالَ الْقَرَافِيّ فِي هَذِه الْأَلْفَاظ: من خلية وبرية وحبلك على غاربك أَو حرَام إِنَّمَا لزم فِيهَا مَا ذكر لعرف سَابق، وَأما الْآن فَلَا يحل للمفتي أَن يُفْتِي فِيهَا بِمَا ذكر إِلَّا لمن هِيَ عرفه الخ. وَنَقله الْمواق وَغَيره وَعَلِيهِ فَمن قَالَ عَلَيْهِ الْيَمين وَهُوَ لَا يعرف إِلَّا الطَّلَاق الْبَائِن وَعرف بَلَده ذَلِك لَزِمته طَلْقَة بَائِنَة وَلَا يُفْتِي بالرجعي لِأَنَّهُ لَا يعرفهُ، وَمن قَالَ بِلُزُوم الرَّجْعِيّ فِيهِ إِنَّمَا ذَلِك على عرف وقتهم، وَبِهَذَا كنت أُفْتِي النَّاس بلساني فِي هَذِه الْأَزْمِنَة وَلَو طلب مني الْكِتَابَة لكتبت لَهُ ذَلِك، وَكَانَ غَيْرِي لَا يساعدني. الثَّالِث: انْظُر هَل لَا عِبْرَة بِالظَّنِّ الْمُخَالف للْعُرْف فَإِذا ظن الْمُطلق أَن قَوْله: أَنْت طَالِق تقع بِهِ الْبَيْنُونَة وَالْعرْف بِخِلَاف ذَلِك فَإِنَّهَا لَا تقع عَلَيْهِ حَيْثُ لم ينوها عِنْد التَّلَفُّظ إِذْ الْعبْرَة بِالْعرْفِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 وَيدل لذَلِك أَنهم أناطوا الْأَحْكَام بِالنِّيَّةِ وَالْعرْف لَا بِالظَّنِّ والاعتقاد، وَقد يظنّ الْإِنْسَان أَو يعْتَقد حكما وَلَا ينويه عِنْد التَّلَفُّظ وَهُوَ إِذا لم يُنَوّه يرجع فِيهِ للْعُرْف أَو يُقَال تقع عَلَيْهِ الْبَيْنُونَة إِذْ هُوَ لَا يقْصد غير ظَنّه فَتَأمل. وَأما الْعَكْس كَمَا لَو ظن أَنَّهَا لَا تبين بِلَفْظ الْبَتَّةَ مثلا، وَأَنَّهَا رَجْعِيَّة أَو أَنَّهَا وَاحِدَة بَائِنَة وَالْعرْف أَنَّهَا ثَلَاث فَلَا إِشْكَال أَنه يلْزمه مَا بِهِ الْعرف وَلَا يَنْفَعهُ ظَنّه كَمَا مر. وَقد قَالَ ابْن رحال فِي بَاب الْقَضَاء عِنْد قَوْله: أَو جعل بتة وَاحِدَة الخ. الرَّاجِح لُزُوم الْوَاحِدَة البائنة فِي لفظ الْبَتَّةَ وَمَا ذَاك إِلَّا للْعُرْف. الرَّابِع: قَالَ الْبُرْزُليّ، قَالَ ابْن يُونُس فِي كتاب الطَّلَاق: وَلَو مَسهَا بِيَدِهِ أَو ضربهَا وَقَالَ: أردْت الطَّلَاق لم تطلق إِجْمَاعًا. الْقَرَافِيّ: وَهُوَ مُشكل على الطَّلَاق بِمُجَرَّد النِّيَّة فَإِنَّهُ نِيَّة وَفعل اه. وتأمله أَيْضا مَعَ مَا مر من أَنه يلْزم بِالْفِعْلِ ثمَّ إِن النَّاظِم لم يذكر من أَرْكَان الطَّلَاق إِلَّا اللَّفْظ، فيفهم مِنْهُ أَن الطَّلَاق لَا يلْزم بِمُجَرَّد النِّيَّة من غير لفظ أصلا وَلَا مَا يقوم مقَامه من كِتَابَة أَو فعل على مَا مر، وَهُوَ كَذَلِك عِنْد الْأَكْثَر. ابْن عَرَفَة: وَفِي لَغْو الطَّلَاق بِمُجَرَّد النِّيَّة الجازمة روايتا الْأَكْثَر وَأَشْهَب اه. وَانْظُر الْفرق بَين الْكَلَام النفساني وَمُجَرَّد الْقَصْد عِنْد قَوْله فِيمَا يَأْتِي: وَمَالك لَيْسَ لَهُ بملزم الخ. وَمن أَرْكَانه أَيْضا الْقَصْد أَي قصد التَّلَفُّظ بِالطَّلَاق أَو الْكِنَايَة مَعَ معرفَة معنى ذَلِك لَا أَن لم يقْصد بل هذي كَمَرَض أَو لقن بِلَا فهم كَمَا مرّ. وَيبقى النّظر فِيمَا إِذا لم يكن اللَّفْظ من الْكِنَايَة وَلَا من الصَّرِيح وَقصد التَّلَفُّظ بِهِ، وَهُوَ يظنّ أَنه يلْزم فِيهِ الطَّلَاق، وَلَكِن لم ينْو بِهِ وَقت التَّلَفُّظ طَلَاقا فَفِي الْبُرْزُليّ عَن تعلقة. ابْن الْعَطَّار: إِن الشَّخْص إِذا قَالَ: كل مَا أعيش فِيهِ حرَام وَهُوَ يظنّ أَن ذَلِك طَلَاق فَلَيْسَ يضرّهُ جَهله بِأَن ذَلِك لَيْسَ بِطَلَاق وَلَا يكون طَلَاقا إِلَّا أَن يقْصد أَنَّهَا طَالِق بِهَذَا اللَّفْظ فَيكون طَلَاقا كَمَا لَو قَالَ: ادخلي الدَّار يُرِيد بِهِ الطَّلَاق اه. وَهَذَا إِذا لم يجر الْعرف بِاسْتِعْمَال ذَلِك اللَّفْظ فِي الطَّلَاق وإلاَّ لزمَه الطَّلَاق، وَلَو لم ينْو بِهِ كَمَا مرّ، وكما ذكره الْبُرْزُليّ فِي هَذَا اللَّفْظ بِعَيْنِه أَيْضا. وَذكر (خَ) قَوْلَيْنِ فِيمَا إِذا قَالَ: كل مَا أعيش فِيهِ حرَام الخ. وَظَاهره جريانهما كَأَن يَظُنّهُ طَلَاقا أم لَا. وَثَالِثهَا الْمحل الَّذِي هُوَ الْعِصْمَة الْمَمْلُوكَة تَحْقِيقا أَو تَقْديرا كَقَوْلِه لأجنبية: إِن تَزَوَّجتك فَأَنت طَالِق أَو إِن دخلت الدَّار وَنوى بعد نِكَاحهَا فَيلْزمهُ لَا إِن لم ينْو ذَلِك فَلَا شَيْء عَلَيْهِ. وَرَابِعهَا: الْأَهْل أَي الزَّوْج، وَشَرطه أَن يكون مُسلما بَالغا عَاقِلا فَلَا يَصح وَلَا يلْزم طَلَاق الْكَافِر وَلَا الصَّبِي وَلَا فَاقِد الْعقل بجنون أَو إِغْمَاء إِلَّا أَن يكون بسكر حرَام أدخلهُ على نَفسه، فَيلْزمهُ على مَا أَشَارَ لَهُ بقوله: وَيَنْفُذ الْوَاقِعُ مِنْ سَكْرَانِ مُخْتَلِطٍ كالْعِتْقِ والأيمَانِ (وَينفذ الْوَاقِع) فعل وفاعل (من سَكرَان) يتَعَلَّق بالواقع (مختلط) صفة لسكران (كَالْعِتْقِ) الْكَاف للتشبيه لَا تتَعَلَّق بِشَيْء كَمَا مر (والأيمان) مَعْطُوف عَلَيْهِ، وَالتَّقْدِير وَينفذ الطَّلَاق الْوَاقِع من سَكرَان مختلط عقله فَيُصِيب مرّة ويخطىء أُخْرَى لكَونه مَعَه ضرب من التَّمْيِيز كَمَا ينفذ الْعتْق الْوَاقِع مِنْهُ، والأيمان الصادرة مِنْهُ بِطَلَاق أَو غَيره كَمَا هُوَ ظَاهره، وَظَاهره أَيْضا أَنه ينفذ مِنْهُ مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 ذكر وَلَو سكر بحلال كشربه لَبَنًا حامضاً يعْتَقد أَنه لَا يسكره أَو دَوَاء وَلَو علم بإسكاره وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ لَا يلْزمه طَلَاق كَمَا فِي الشَّامِل، وَلَو كَانَ مَعَه ضرب من التَّمْيِيز فيقيد كَلَامه بِغَيْر الْحَلَال. وَمَفْهُوم مختلط أَنه لَو كَانَ مطبقاً لَا يُمَيّز الأَرْض من السَّمَاء وَلَا الرجل من الْمَرْأَة لَا يلْزمه وَهُوَ كَذَلِك اتِّفَاقًا قَالَه ابْن رشد. قَالَ: وَتَحْصِيل القَوْل فِي السَّكْرَان أَنه يلْزمه الْجِنَايَات وَالْعِتْق وَالطَّلَاق وَالْحُدُود، وَلَا تلْزمهُ الإقرارات والعقود اه. وَعَلِيهِ قَول ابْن عَاشر: لَا يلْزم السَّكْرَان إِقْرَار عُقُود بل مَا جنى عتق طَلَاق وحدود اه. فَلَو تنَازعا فِي كَون السكر بحلال أَو بِحرَام فَقَوله بِيَمِينِهِ إِن لم تقم قرينَة على صدقه لِأَن الأَصْل عدم تعمد الْحُرْمَة وَإِن قَامَت قرينَة على الصدْق فَلَا يَمِين فَإِن قَامَت قرينَة بكذبه فَالْقَوْل للمجنى عَلَيْهِ وَالْعَبْد وَالزَّوْجَة، ثمَّ إِن الْمَجْنُون يلْزمه طَلَاقه فِي حَال إِفَاقَته كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة لَا فِي حَال إطباقه، وَإِذا هذى لسكر بحلال فَطلق وَادّعى أَنه كَانَ لَا يضْبط مَا يَقُول وَشَكتْ الْبَيِّنَة فِي ضَبطه وَعَدَمه، فَالظَّاهِر أَنه يجْرِي فِيهِ مَا ذَكرُوهُ فِيمَن هذى لمَرض لِأَن السَّكْرَان مَرِيض فراجع الشُّرَّاح عِنْد قَول (ح) أَو هذى لمَرض وَالله أعلم. تَنْبِيه: فهم من قَوْله: سَكرَان أَن الغضبان يلْزمه طَلَاقه بالأحرى لِأَنَّهُ مُكَلّف بِالصَّلَاةِ وَنَحْوهَا إِجْمَاعًا، ومخاطب بأَدَاء ذَلِك حَال غَضَبه بِخِلَاف السَّكْرَان، وَقد تقدم الْكَلَام على ذَلِك عِنْد قَول النَّاظِم: هَب أَنَّهَا فِي كلمة قد جمعت. وَمِنْ مَرِيضٍ ومَتَى مِنَ المَرَضْ مَاتَ فَلِلزَّوْجَةِ الإرْثُ مُفْتَرَضْ (وَمن مَرِيض) مَعْطُوف على سَكرَان (وَمَتى) شَرط (من الْمَرَض) يتَعَلَّق بقوله (مَاتَ) وَقَوله (فللزوجة) خبر عَن قَوْله (الْإِرْث المفترض) صفة. وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَدخلت الْفَاء فِي الْجَواب لكَونه لَا يصلح أَن يكون شرطا. مَا لَمْ يَكُنْ بِخُلْعٍ أَوْ تَخْيِيرِ أَوْ مَرَضٍ لَيْسَ مِنَ المَحْذُورِ (مَا) ظرفية مَصْدَرِيَّة (لم يكن) صلتها وَاسْمهَا ضمير الطَّلَاق الْوَاقِع من الْمَرِيض (بخلع) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر يكن (أَو تَخْيِير) مَعْطُوف عَلَيْهِ (أَو مرض) مَعْطُوف على خلع أَيْضا مَدْخُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 للباء (لَيْسَ) فعل مَاض نَاقص واسْمه ضمير الْمَرَض (من الْمَحْذُور) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر، وَيحْتَمل أَن تكون من زَائِدَة لَا تتَعَلَّق بِشَيْء وَهُوَ أولى، وَالْمعْنَى أَن طَلَاق الْمَرِيض مَرضا مخوفا وتمليكه وتخييره وخلعه لَازم لَهُ كَالصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا يفترقان فِي الْإِرْث فَفِي الْخلْع والتخيير لَا تَرثه لِأَن الْفِرَاق جَاءَ من قبلهَا وَفِي الطَّلَاق تَرثه إِن مَاتَ من مَرضه قبل ظُهُور صِحَّته كَانَ الطَّلَاق بَائِنا أَو رَجْعِيًا قبل الدُّخُول أَو بعده، وَلَو صَادف آخر الثَّلَاث كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم، وَظَاهره أَيْضا وَلَو كَانَت يَمِينه فِي الصِّحَّة وَحنث بهَا فِي الْمَرَض كَانَ الْحِنْث بِسَبَبِهَا كحلفه وَهُوَ صَحِيح بِطَلَاقِهَا إِن دخلت الدَّار، فَدخلت وَهُوَ مَرِيض أَو بِسَبَبِهِ كحلفه ليقضين فلَانا حَقه فِي يَوْم كَذَا فَحنث وَهُوَ مَرِيض، وَظَاهره أَيْضا وَلَو طَال مَرضه حَتَّى خرجت من عدتهَا وَتَزَوَّجت أَزْوَاجًا وَهُوَ كَذَلِك فِي الْجَمِيع، ثمَّ إِن مَا ذكره النَّاظِم من عدم إرثها فِي الْخلْع والتخيير هُوَ تَخْرِيج اللَّخْمِيّ فِي الْخلْع. وَرِوَايَة زِيَاد فِي التَّمْلِيك والتخيير وَذَلِكَ ضَعِيف لِأَن القَوْل الْمخْرج لَا يعْمل بِهِ فِي قَضَاء وَلَا فَتْوَى، وَإِنَّمَا يذكر تفقهاً وتفنناً فَقَط قَالَه (ح) . وَلِأَن رِوَايَة زِيَاد مُخَالفَة لمَذْهَب الْمُدَوَّنَة، وَلذَا درج (خَ) وَغَيره على وجوب الْإِرْث لَهَا فَقَالَ: وَنفذ خلع الْمَرِيض وورثته أَي: وَلَو من المَال الَّذِي خالعته بِهِ كمملكة ومخيرة فِيهِ وَمولى مِنْهَا وملاعنة أَو أحنثته فِيهِ أَو أسلمت أَو عتقت أَو تزوجت غَيره وورثت أَزْوَاجًا وَإِن فِي عصمَة، وَإِنَّمَا يَنْقَطِع بِصِحَّة بَيِّنَة الخ. وَفهم من قَوْله: وَمَتى من الْمَرَض مَاتَ الخ. أَنَّهَا إِذا مَاتَت هِيَ لَا يَرِثهَا وَهُوَ كَذَلِك إِن كَانَ طَلاقهَا بَائِنا، وَأما الرَّجْعِيّ فيرثها إِن مَاتَت قبل انْقِضَاء عدتهَا واحترزت بِقَوْلِي مخوفا من غير الْمخوف كسعال وإقعاد ورمد ووجع ضرس وجذام وفلج يقبل مَعَ ذَلِك وَيُدبر ويتصرف لنَفسِهِ فَإِنَّهَا لَا تَرثه لِأَنَّهُ فِي حكم الصَّحِيح كَمَا أَشَارَ لَهُ بقوله: أَو مرض لَيْسَ من الْمَحْذُور الخ. فَقَوله: وَمن مَرِيض أَي مَرضا مخوفا وَهُوَ مَا حكم الْأَطِبَّاء بِكَثْرَة الْمَوْت بِهِ كالسل والقولنج والحمى القوية، وَمن فِي حكم ذَلِك كحاضر صف الْقِتَال والمحبوس لقتل أَو قطع يخَاف مِنْهُ الْمَوْت، وَكَذَا حَامِل سِتَّة فَهِيَ كَالْمَرِيضِ على الْمَشْهُور قَالَه ابْن بشير وَقيل: كَالصَّحِيحِ لِأَن الْغَالِب السَّلامَة ومحلها مَا لم تكن فِي حَالَة الطلق وإلاَّ فيحجر عَلَيْهَا قَالَه فِي الذَّخِيرَة. وَاخْتلف فِي الطَّاعُون قبل نُزُوله بالمطلق وَنَحْوه فَقَالَ ابْن لب: الْأَظْهر أَنه مَا دَامَ على حَال الصِّحَّة قبل نزُول الْمَرَض بِهِ فَهُوَ على حكم الأصحاء قَالَ: وَلَا يبعد أَن يخرج فِيهِ الْخلاف من الْخلاف الَّذِي فِي رَاكب الْبَحْر على حَال هوله إِذا حصل فِي اللجة اه. وَقَالَ ابْن رحال فِي بَاب الْحجر: إِن الملجج فِي الْبَحْر يحْجر عَلَيْهِ كَالْمَرِيضِ قَائِلا وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 الَّذِي تجب بِهِ الْفَتْوَى عِنْدِي وَلَا أقدر على الْعُدُول عَنهُ إِذْ دَفعه محَال وَلَا يُفِيد مَعَه احتيال اه. وَفِي مسَائِل الْعدة والاستبراء من الْبُرْزُليّ أَنه إِذا كَانَ ذريعاً فِي النَّاس أذهب نصفهم أَو ثلثهم فهم كالمرضى وإلاَّ فَلَا. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا ارْتَدَّ الْمَرِيض بَانَتْ مِنْهُ زَوجته وَلَا تَرثه إِن مَاتَ من مَرضه قَالَ التّونسِيّ: وَالطَّلَاق عَلَيْهِ فِي مَرضه لعيب بِهِ كجنون أَو جذام لَا تَرثه امْرَأَته كالردة. ابْن عَرَفَة: مَا قَالَه التّونسِيّ وَاضح إِلَّا أَن فِي الحكم عَلَيْهِ بِهِ فِي مَرضه نظرا وَالصَّوَاب تَأْخِيره. قَالَ ابْن رحال: مَا قَالَه ابْن عَرَفَة من وجوب التَّأْخِير هُوَ الْمَذْهَب اه. الثَّانِي: ظَاهر قَول النَّاظِم لَيْسَ من الْمَحْذُور أَن الْمَرَض إِذا كَانَ حِين الطَّلَاق غير مخوف ثمَّ صَار مخوفا إِنَّه يعْتَبر وَقت الطَّلَاق فَلَا تَرثه، وَهُوَ الَّذِي يدل عَلَيْهِ كَلَام ضيح وَاللَّخْمِيّ والمدونة وَغير وَاحِد، وَهُوَ ظَاهر لِأَن غير الْمخوف فِي حكم الصَّحِيح، وَالصَّحِيح لَو طلق ثمَّ مرض لَا تَرثه. وَقَالَ ابْن رحال فِي الْخلْع: إِذا مَاتَ مِنْهُ وَأسْندَ إِلَيْهِ الْمَوْت مِنْهُ فقد تبين أَنه مخوف اه. وَكَأَنَّهُ أَخذه من قَول ابْن عَرَفَة أَن غير الْمخوف إِذا كَانَ عقبه الْمَوْت يصير مخوفا كَمَا ذكره (ز) عَنهُ فِي بَاب الْحجر. قلت: مَا نَقله (ز) عَن ابْن عَرَفَة من أَن غير الْمخوف إِذا كَانَ عقبه الْمَوْت يصير مخوفا الخ. يَقْتَضِي أَن الْمدَار على الْمَوْت من ذَلِك الْمَرَض كَانَ حِين الطَّلَاق أَو التَّبَرُّع مخوفا أم لَا. فَهُوَ صَرِيح فِي إِلْغَاء تَقْيِيده بالمخوف وَذَلِكَ مُخَالف لتقييد الْأَئِمَّة لَهُ بذلك. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: أما الفالج وَصَاحب حمى الرّبع والأجذم والأبرص وَذُو القروح والجراح فَمَا أقعده من ذَلِك وأضناه وَبلغ بِهِ حدّ الْخَوْف عَلَيْهِ، فَلهُ حكم الْمَرِيض، وَمَا لم يبلغ بِهِ ذَلِك فَلهُ حكم الصَّحِيح اه. وَلَا معنى لكَونه لَهُ حكم الصَّحِيح إِلَّا جَرَيَان أَحْكَام الصَّحِيح عَلَيْهِ، وَإِن زَاد على ذَلِك وَصَارَ مخوفا وَلَو كَانَ الْمدَار على الْمَوْت لقيدوه بِهِ لَا بالمخوف، وَمَا ذَكرُوهُ عَن ابْن عَرَفَة لم يذكرهُ فِي بَاب الْحجر وَلَا فِي بَاب الْخلْع وَلَعَلَّه ذكره فِي بَاب الطَّلَاق، وَلم تسعني مُرَاجعَة ذَلِك الْمحل الْآن. وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الْهِبَة. وَانْظُر أَيْضا شرح الشَّامِل عِنْد قَوْله فِي الْحَبْس، وَبَطل لوَارث بِمَرَض مَوته الخ. الثَّالِث: لم يتَكَلَّم النَّاظِم على خلع الْمَرِيضَة وَفِي الْمُدَوَّنَة قَالَ مَالك: وَإِن اخْتلعت مِنْهُ فِي مَرضهَا أَي الْمخوف بِجَمِيعِ مَالهَا لم يجز وَلَا يَرِثهَا. قَالَ ابْن الْقَاسِم: وَلَو اخْتلعت مِنْهُ على أَكثر من مِيرَاثهَا مِنْهُ لم يجز فَأَما على مثل مِيرَاثه مِنْهَا أَو أقل فَجَائِز وَلَا يتوارثان. ابْن نَافِع: يلْزمه الطَّلَاق وَلَا يجوز لَهُ من ذَلِك إِلَّا قدر مِيرَاثه مثل مَا فسر بِهِ ابْن الْقَاسِم اه. عِيَاض: وَأَكْثَرهم أَن قَول ابْن الْقَاسِم تَفْسِير لقَوْل مَالك اه. وَمِمَّنْ حمله على الْخلاف ابْن رشد وَوجه قَول مَالك بِأَن مَا خالعت بِهِ أَرَادَت أَن يَأْخُذهُ الزَّوْج من رَأس مَالهَا عاشت أَو مَاتَت وَهُوَ غير وَارِث فَوَجَبَ أَن يبطل، وَإِن كَانَ أقل من مِيرَاثه مِنْهَا اه. وعَلى قَول ابْن الْقَاسِم الَّذِي هُوَ تَفْسِير فَفِي ابْن يُونُس يُوقف ذَلِك فَإِن صحت أَخذه وَإِن مَاتَت أَخذ مِنْهُ قدر مِيرَاثه من التَّرِكَة يَوْم مَاتَت لَا يَوْم الصُّلْح، وَإِن كَانَ أقل من مِيرَاثه فَلهُ الْأَقَل وَلَا يحْسب عَلَيْهَا مَا أنفقت على نَفسهَا فِي مصالحها إِلَّا مَا تلف ويحسب مَا صالحته بِهِ من التَّرِكَة وَلَيْسَ لَهَا تعمد تلف مَالهَا من غير مصلحَة فَإِن أوصت بِشَيْء فَذَلِك فِي ثلث بَقِيَّة التَّرِكَة بعد عزل مَا صالحت بِهِ ثمَّ يُضَاف إِلَى ذَلِك مَا بَقِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 بعد الْوَصَايَا فَيَأْخُذ قدر مِيرَاثه مِنْهُ إِلَّا أَن يكون مَا صَالح بِهِ أقل فَيَأْخُذ الْأَقَل. انْظُر ابْن عَرَفَة وَأَبا الْحسن وَإِلَى خلع الْمَرِيضَة أَشَارَ (خَ) بقوله: وَلم يجز خلع الْمَرِيضَة وَهل يرد أَو المجاوز لإرثه يَوْم مَوتهَا ووقف إِلَيْهِ؟ تَأْوِيلَانِ. الرَّابِع: تقدم فِي الرَّجْعِيّ أَنه يَرِثهَا إِن مَاتَت قبل انْقِضَاء عدتهَا فَإِن اخْتلفُوا فِي انْقِضَاء الْعدة فَقَالَ أَبُو الْحسن على قَوْلهَا فِي الْمُوَاضَعَة وَإِن هَلَكت بعد مُدَّة فِيهَا اسْتِبْرَاء فَهِيَ من الْمُبْتَاع الخ. يقوم من هَذِه الْمَسْأَلَة أَن الرجل إِذا طلق امْرَأَته ثمَّ مَاتَت فَقَالَ ورثتها: مَاتَت بعد انْقِضَاء الْعدة. وَقَالَ الزَّوْج: بل قبل انْقِضَائِهَا وَاتَّفَقُوا على وَقت الطَّلَاق، فَإِن كَانَ مضى من الْمدَّة مَا تَنْقَضِي فِي مثله الْعدة غَالِبا وَذَلِكَ ثَلَاثَة أشهر فَيحمل الْأَمر على أَنَّهَا قد انْقَضتْ وَلَا مِيرَاث لَهُ إِلَّا أَن يَأْتِي بِمَا يدل على أَن عدتهَا لم تنقض من قَوْلهَا قبل الْمَوْت، إِذْ هِيَ مصدقة فِي ذَلِك فَإِن لم يَأْتِ بذلك وَادّعى أَن الْوَرَثَة علمُوا بذلك لَزِمَهُم الْيَمين، وَإِن كَانَ لم يمض مَا تَنْقَضِي فِيهِ الْعدة غَالِبا حمل الْأَمر على أَنَّهَا لم تنقض إِلَّا أَن يَأْتِي الْوَرَثَة على قَوْلهَا بِبَيِّنَة أَن عدتهَا قد انْقَضتْ وَإِن لم يَأْتُوا بذلك فَادعوا على الزَّوْج أَنه علم بذلك لَزِمته الْيَمين، وَإِن اخْتلف الزَّوْج مَعَ الْوَرَثَة فِي وَقت الطَّلَاق فَادّعى الزَّوْج مُدَّة لَا تَنْقَضِي فِي مثلهَا الْعدة فَإِن القَوْل قَول الزَّوْج على معنى مَا فِي سَماع عِيسَى من طَلَاق السّنة، وَلَا خلاف فِي هَذَا قَالَه ابْن رشد. والخُلْفُ فِي مُطَلَّقٍ هَزْلاً وَضَحْ ثالِثُهَا إلاّ إنِ الهَزْلُ اتَّضَحْ (وَالْخلف) مُبْتَدأ (فِي مُطلق) يتَعَلَّق بوضح (هزلا) مصدر بِمَعْنى الْفَاعِل حَال من ضمير مُطلق (وضح) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وفاعله ضمير الْمُبْتَدَأ، وَالْجُمْلَة خبر (ثَالِثهَا) مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف تَقْدِيره يلْزم (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (أَن الْهزْل) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره (اتَّضَح) قَالَ ابْن سَلمُون: وَإِن طلق هازلاً فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال. الأول: أَنه لَا يلْزمه، وَالثَّانِي: أَنه يلْزمه، وَالثَّالِث: إِن قَامَ دَلِيل على أَنه كَانَ هازلاً لم يلْزمه وإلاَّ لزمَه اه. وَمثله فِي عدهَا ثَلَاثَة لِابْنِ شَاس وَابْن الْحَاجِب قَالَ ابْن عبد السَّلَام: وَالَّذِي حَكَاهُ غير وَاحِد إِنَّمَا هما قَولَانِ. وَالثَّالِث تَقْيِيد لِأَن الْهزْل لَا يثبت بِمُجَرَّد الدَّعْوَى، وَالْمَشْهُور اللُّزُوم. وَعَلِيهِ عول (خَ) فَقَالَ: وَلزِمَ وَلَو هزلا الخ. أَي: وَلَو تبين هزله وَثَبت وَأَحْرَى إِذا لم يثبت كَمَا فِي ابْن رحال، وَمَا ذكره ابْن عبد السَّلَام من أَن الثَّالِث تَقْيِيد تعقبه ابْن عَرَفَة بِأَن فِي كَلَامهم مَا يدل على أَن طَلَاق الْهزْل لَغْو مُطلقًا إِلَّا بِقَيْد قيام دَلِيله وَنَحْوه فِي ضيح، وَظَاهر النّظم أَن الْخلاف الْمَذْكُور جَار سَوَاء هزل بإيقاعه أَو بإيقاع لَفظه عَلَيْهِ، وَالَّذِي لِابْنِ عَرَفَة أَن هزل الْإِيقَاع لَازم اتِّفَاقًا، وهزل إِطْلَاق لَفظه عَلَيْهِ الْمَعْرُوف لُزُومه اه. تَنْبِيه: النِّكَاح وَالْعِتْق مثل الطَّلَاق فِي الْخلاف الْمَذْكُور كَمَا فِي ابْن الْحَاجِب، وَالْمَشْهُور اللُّزُوم الْبُرْزُليّ فِي الْمُدَوَّنَة عَن ابْن الْمسيب: ثَلَاث هزلهن جد: النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْعِتْق. وَجعل فِي غير الْمُدَوَّنَة مَكَان الْعتْق الرّجْعَة، فَهَذِهِ أَربع هزلها جد كَمَا فِي ضيح. ابْن الْحَاج: فِي نِكَاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 الْهزْل خلاف وَعدم لُزُومه أظهر لقَوْله تَعَالَى: لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} (الْبَقَرَة: 225) فَكَمَا لَا كَفَّارَة فِيهِ كَذَلِك لَا نِكَاح اه. قلت: تَأمل هَذَا الِاحْتِجَاج بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَة فَإِنَّهُ لَا يجْرِي على مَا فسر بِهِ (خَ) : وَغَيره الْيَمين اللَّغْو حَيْثُ قَالَ: وَلَا لَغْو على مَا يَعْتَقِدهُ فَظهر نَفْيه، وَأَيْضًا فَإِن اللَّغْو خَاص بِالْيَمِينِ بِاللَّه تَعَالَى، وَمَا ذكره ابْن الْحَاج ذكر الْقَرَافِيّ مثله عَن الشَّافِعِي، وَذكر أَن اللَّغْو عندنَا خَاص بِاللَّه تَعَالَى، ثمَّ قَالَ ابْن الْحَاج: وَالْبيع مثل النِّكَاح. قَالَ الْبُرْزُليّ: إِنَّمَا هُوَ مثله فِي جَرَيَان الْقَوْلَيْنِ لَا فِي مَذْهَب الْمُدَوَّنَة لِأَن الْهزْل فِي البيع يحلف مَعَه وَلَا يلْزم على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة اه. وَانْظُر الْفرق بَينهمَا أَي بَين البيع وَالنِّكَاح فِيمَا كتبناه على قَول (خَ) فِي النِّكَاح، وَلزِمَ وَإِن لم يرض الخ. وَانْظُر مَا قَالَه الشُّرَّاح هُنَاكَ أَيْضا، وَانْظُر أَيْضا من بَاعَ زَوجته أَو زَوجهَا وَادّعى الْهزْل فِي ابْن عَرَفَة هُنَا، وَذكر (خَ) فِي الْخلْع أَن بيعهَا وتزويجها يكون طَلَاقا بَائِنا. تَنْبِيه: قَالَ فِي الذَّخِيرَة مَا نَصه: لمُطلق اللَّفْظ ثَلَاث حالات تَارَة يَسْتَعْمِلهُ فِي مَوْضُوعه الَّذِي وضع لَهُ فَيلْزمهُ مُقْتَضَاهُ فِي الْفتيا وَفِي الْقَضَاء وَتارَة فِي غير مَوْضُوعه فَلَا يلْزمه فِي الْفتيا وَيلْزمهُ فِي الْقَضَاء إِلَّا أَن تصدقه قرينَة. وَقد تقدم الْكَلَام على قَوْله: يَا طَالِق. وَقَالَ: أردْت من وثاق أَي فَيصدق فِي الْفتيا وَلَا يصدق فِي الْقَضَاء قَالَ: وَتارَة يُطلقهُ ويقتطعه عَن مُسَمَّاهُ وَلَا يصرفهُ إِلَى غير مُسَمَّاهُ، بل يُطلقهُ عَبَثا من غير إِرَادَة معنى الْبَتَّةَ بل مَقْرُونا بنية الْقطع عَن الْمُسَمّى، فَهَذَا هُوَ الهازل سَوَاء دلّت عَلَيْهِ الْقَرِينَة أم لَا. وَلَا يَكْفِي فِي الْهزْل أَنه أطلقهُ من غير نِيَّة لِأَن الصَّرِيح لَا يفْتَقر إِلَى النِّيَّة فَهَذَا تحريره فاضبطه اه. ومالِكٌ لَيْسَ لَهُ بِمُلْزِمِ لِمُكْرَهٍ فِي الفِعْلِ أَوْ فِي القَسَمِ (وَمَالك) مُبْتَدأ (لَيْسَ) اسْمهَا ضمير يعود على الْمُبْتَدَأ (لَهُ) يتَعَلَّق بِخَبَر لَيْسَ الْمَجْرُور بِالْبَاء الزَّائِدَة الَّذِي هُوَ (بملزم) بِكَسْر الزَّاي وَالضَّمِير الْمَجْرُور عَائِد على الطَّلَاق وَهُوَ فِي مَحل نصب على المفعولية بملزم ولضعف الْعَامِل تعدى إِلَيْهِ بِاللَّامِ، وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ (لمكره) بِفَتْح الرَّاء يتَعَلَّق بملزم (فِي الْفِعْل) يتَعَلَّق بمكره و (فِي) بِمَعْنى (على) (أَو فِي الْقسم) مَعْطُوف عَلَيْهِ، وَالْمعْنَى أَن الإِمَام مَالِكًا رَحمَه الله لَيْسَ ملزماً الطَّلَاق للمكره على فعل الطَّلَاق أَو إِيقَاعه أَو على الْإِقْرَار بِهِ أَو على الْقسم بِهِ أَو على فعل مَا يَحْنَث بِهِ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا فِي مُسلم: (حمل عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ) . وَقَالَ فِيهِ أَيْضا حَسْبَمَا فِي الْقَرَافِيّ: (لَا طَلَاق فِي إغلاق) . والإغلاق عِنْد مَالك الْإِكْرَاه لِأَن الإغلاق هُوَ الإطباق من أغلقت الْبَاب فَكَأَن الْمُكْره قهر على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 الْفِعْل، وأغلق عَلَيْهِ حَتَّى فعله خلافًا لمن قَالَ: إِن الإغلاق هُوَ الْغَضَب فَإِنَّهُ لَا يَصح قَالَه ابْن رشد. قَالَ: وَطَلَاق الْغَضَب واللجاج لَازم اتِّفَاقًا، وَقد تقدم ذَلِك عِنْد قَوْله: وَينفذ الْوَاقِع من سَكرَان الخ. وَالْإِكْرَاه كَمَا قَالَ (خَ) يكون بخوف مؤلم من قتل أَو ضرب أَو سجن أَو قيد أَو صفع لذِي مُرُوءَة بملأ أَو قتل وَلَده أَو ذهَاب مَاله وَهل أَن كثر تردد الخ. وَمثل الطَّلَاق النِّكَاح وَالْبيع وَالْإِقْرَار فِي عدم اللُّزُوم بِالْإِكْرَاهِ، وَظَاهر النّظم أَنه لَا يلْزمه وَلَو ترك التورية مَعَ مَعْرفَته بهَا وَالِاعْتِرَاف بِأَنَّهُ لم يدهش عَنْهَا. وَهَذَا ظَاهر الرِّوَايَات كَمَا فِي ابْن شَاس قَالَ (ز) : وَهُوَ الْمَذْهَب. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: للمكره ثَلَاث حالات فَإِن طلق بِاللَّفْظِ دون النِّيَّة لم يلْزمه قَالَ: لِأَن الصَّحِيح من الْمَذْهَب أَن الطَّلَاق بغَيْرهَا لَا يلْزم وَإِن لم يكن مكْرها فأحرى الْمُكْره وَإِن نوى الطَّلَاق وَهُوَ عَالم ذَاكر أَن لَهُ أَن يَجعله لفظا بِغَيْر نِيَّة لزمَه لِأَن النِّيَّة لَا تدخل تَحت الْإِكْرَاه، فَهُوَ طائع بِالنِّيَّةِ، وَالْحَالة الثَّالِثَة: أَن يدهش عَن النِّيَّة إِمَّا للْجَهْل بهَا وَإِمَّا لِأَن الزَّمَان لم يمهله لشدَّة الْإِكْرَاه، فَظَاهر الْمَذْهَب عدم اللُّزُوم قَالَ: وَلَعَلَّ الْخلاف بَين الْعلمَاء يرجع إِلَى هَذِه الْحَالَات اه. وَجعله صَاحب الْمُخْتَصر تقييداً فَقَالَ: أَو أكره وَلَو فِي فعل إِلَّا أَن يتْرك التورية مَعَ مَعْرفَتهَا الخ. وَمرَاده بالتورية أَن يَأْتِي بِاللَّفْظِ عَارِيا عَن نِيَّة الطَّلَاق كَمَا تقدم عَن اللَّخْمِيّ وَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يَنْوِي معنى بَعيدا كَطَلَاق من وثاق مثلا وَنَحْوه. كَمَا هُوَ مُقْتَضى التورية البيانية والتورية خَاصَّة بالأقوال، وَلَا تورية فِي الْأَفْعَال. وَلذَا قَالَ (تت) : لَو قدم المُصَنّف الِاسْتِثْنَاء على الْمُبَالغَة لوفى بالمراد. تَنْبِيه: قَالَ فِي الذَّخِيرَة: النِّيَّة لفظ مُشْتَرك بَين الْكَلَام النفساني، وَمَعْنَاهُ أَن يَقُول فِي نَفسه: أَنْت طَالِق كَمَا يَقُول بِلِسَانِهِ وَهُوَ مُرَادهم بِالنِّيَّةِ هَهُنَا وَبَين الْقَصْد، وَهُوَ المُرَاد فِي الْعِبَادَات. وَلَيْسَ مرَادا هَهُنَا للْإِجْمَاع على أَن من عزم على طَلَاق امْرَأَته وَنوى ذَلِك أَنَّهَا لَا تطلق عَلَيْهِ. قَالَ: وَالَّذِي عفى عَنهُ من حَدِيث النَّفس الْوَارِد فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (إِن الله تَعَالَى تجَاوز عَن أمتِي مَا حدثت بِهِ أَنْفسهَا مَا لم تعْمل بِهِ أَو تَتَكَلَّم) إِنَّمَا هُوَ مَا هجس عَلَيْهَا من غير عزم، وَأما العازم على الْخَيْر وَالشَّر والاعتقادات فِي الْكفْر وَغَيره وَمَا يلْزمه من الإخبارات فمعتبرة إِجْمَاعًا لقَوْله تَعَالَى: وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله} (الْبَقَرَة: 284) وَهَذَا هُوَ طَرِيق الْجمع بَين الْآيَة والْحَدِيث اه. وَمرَاده أَن الْآيَة فِي الْكَلَام النفساني الَّذِي يُؤَاخذ بِهِ الْمُكَلف وَهُوَ أَن يجْرِي ذَلِك على قلبه، كَمَا يجْرِي على لِسَانه من غير تلفظ بِهِ. والْحَدِيث فِي مُجَرّد الْقَصْد من غير أَن يجْرِي ذَلِك على قلبه. وَحَاصِل الْفرق على مَا ذكره أَن فِي النفساني أوقع الطَّلَاق وَنَحْوه بِقَلْبِه من غير تلفظ بِهِ، وَفِي مُجَرّد الْقَصْد نوى أَن يفعل من غير إِيقَاع بِقَلْبِه فضلا عَن لِسَانه وإلاَّ فَالْكل قصد وَنِيَّة إِلَّا أَنه فِي الأول صَاحبهَا إِيقَاع فِي الْقلب دون الثَّانِي، وَمَا ذكره من لُزُومه فِي النفساني هُوَ أحد قَوْلَيْنِ مشهورين. وَالْقَوْل الآخر يَقُول بِعَدَمِ اللُّزُوم وشهره غير وَاحِد، واستظهره ابْن عبد السَّلَام قَائِلا: إِنَّمَا يَكْتَفِي بِالنِّيَّةِ فِي التكاليف الْمُتَعَلّقَة بِالْقَلْبِ لَا فِيمَا كَانَ بَين الْآدَمِيّين كَالطَّلَاقِ وَنَحْوه اه. فَتَأمل هَذَا الْخلاف مَعَ الْإِجْمَاع الَّذِي ذكره الْقَرَافِيّ، ثمَّ قَالَ الْقَرَافِيّ بعد مَا مر: النِّيَّة فِي الْمَذْهَب لَهَا مَعْنيانِ. أَحدهمَا: الْكَلَام النَّفْسِيّ وَهُوَ المُرَاد بقَوْلهمْ فِي الطَّلَاق بِالنِّيَّةِ قَولَانِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 وبقولهم إِن الصَّرِيح لَا بُد فِيهِ من نِيَّة على الْأَصَح مَعَ أَن الصَّرِيح مستغن عَن النِّيَّة الَّتِي هِيَ الْقَصْد بِإِجْمَاع، وَثَانِيهمَا الْقَصْد الَّذِي هُوَ الْإِرَادَة وَهُوَ قِسْمَانِ. أَحدهمَا: الْقَصْد لإنشاء الصِّيغَة والنطق بهَا وَلَا أعلم فِي اشْتِرَاطه خلافًا، وَثَانِيهمَا: الْقَصْد لإِزَالَة الْعِصْمَة فِي اللَّفْظ وَلَيْسَ شرطا فِي الصَّرِيح اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ مَا اشْتهر من الْكِنَايَات فَإِذا تحرر هَذَا فالمكره لم يخْتل مِنْهُ الْقَصْد للصيغة، بل قَصدهَا وَقصد اقتطاعها عَن مَعْنَاهَا على قَول اللَّخْمِيّ. وَأما على ظَاهر الرِّوَايَات كَمَا فِي الْجَوَاهِر فَلَا حَاجَة لذَلِك، ثمَّ قَالَ: سُؤال انْعَقَد الْإِجْمَاع على عدم اشْتِرَاط الْقَصْد فِي الصَّرِيح، وَاللَّخْمِيّ وَصَاحب الْمُقدمَات يَقُولَانِ: الصَّحِيح من الْمَذْهَب اشْتِرَاط النِّيَّة، فَكيف الْجمع بَينهمَا؟ وَجَوَابه: أَن الْمُشْتَرط النِّيَّة الَّتِي هِيَ الْكَلَام النفساني فَلَا بُد أَن يُطلق بِقَلْبِه كَمَا يُطلق بِلِسَانِهِ وَهُوَ يُسمى نِيَّة كَمَا تقدم اه كَلَامه فِي ذخيرته. قلت: وَقد يجمع بَينهمَا بِأَن الْإِجْمَاع إِنَّمَا هُوَ بِحَسب الظَّاهِر أَي فَلَا يصدق فِي الظَّاهِر أَنه لم ينْو بِالصَّرِيحِ طَلَاقا بل يُؤَاخذ بِهِ فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاء إِجْمَاعًا، وَكَلَام صَاحب الْمُقدمَات وَاللَّخْمِيّ إِنَّمَا هُوَ بِحَسب مَا فِي نفس الْأَمر أَي: فَلَا طَلَاق عَلَيْهِ فِيمَا بَينه وَبَين الله، فَلم يتواردا على مَحل وَاحِد، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يدل عَلَيْهِ كَلَام غير وَاحِد، وَلَا سِيمَا كَلَام المتيطي الْمُتَقَدّم عِنْد قَوْله: وَينفذ الطَّلَاق بِالصَّرِيحِ الخ. وَأما جَوَابه الْمُتَقَدّم فَهُوَ غير واف بالمراد كَمَا يعلم بِالتَّأَمُّلِ. تَنْبِيه ثَان: أطلق النَّاظِم و (خَ) فِي الْفِعْل فظاهرهما سَوَاء حلف لَا أَدخل الدَّار مثلا فأكره على دُخُولهَا، أَو حلف ليدخلنها وَقت كَذَا فحيل بَينه وَبَينهَا حَتَّى ذهب الْوَقْت فَلَا حنث عَلَيْهِ فيهمَا على أحد طرق أَرْبَعَة. ذكرهَا ابْن غَازِي، وَالْمَشْهُور عِنْد ابْن رشد أَنه يَحْنَث فِي صِيغَة الْحِنْث لَا فِي صِيغَة الْبر وَعَلِيهِ عول (خَ) فِي بَاب الْيَمين حَيْثُ قَالَ: وَوَجَبَت بِهِ إِن لم يكن ببر. وَأجَاب بعض بِأَن الْإِكْرَاه فِي صِيغَة الْحِنْث إِنَّمَا هُوَ على التّرْك لَا على الْفِعْل. فَلَا يَشْمَل كَلَام النَّاظِم و (خَ) الْإِكْرَاه على التّرْك، فَلَا يكونَانِ درجا على غير الْمَشْهُور. وَهَذَا فِي الْحَالِف على فعل نَفسه، وَأما الْحَالِف على فعل غَيره، فَعَن مَالك الْحِنْث، وَعَن سَحْنُون عَدمه، وبالحنث أفتى أَبُو الْحسن حَسْبَمَا فِي الدّرّ النثير: امْرَأَة هربت من زَوجهَا فَحلف زَوجهَا لَا باتت فِي الْمحل الَّذِي هربت إِلَيْهِ فأحنثته وباتت بِهِ قهرا عَلَيْهِ فَقَالَ: لَا ينفع فِيهِ الْإِكْرَاه لِأَنَّهُ حَالف على فعل الْغَيْر، وَالْإِكْرَاه فِيهِ لَا يرفع حكم الْيَمين اه. قلت: ظَاهره وَلَو فعلت ذَلِك قاصدة تحنيثه، وَفِي الْبُرْزُليّ أَنه الْمَشْهُور وَهُوَ مَا اعْتَمدهُ شرَّاح (خَ) عِنْد قَوْله فِي النِّكَاح: أَو قصدا بِالْبيعِ الْفَسْخ الخ. وَفِي الذَّخِيرَة فِي بَاب الطَّلَاق مَا نَصه: قَالَ بعض أَصْحَابنَا: إِذا قَالَ لامْرَأَته: أَنْت طَالِق أَو لعَبْدِهِ: أَنْت حر إِن فعلتِ أَو فعلت كَذَا أَو إِن لم تفعلي أَو إِن لم تفعل فَفعل أَو فعلت لقصد تحنيثه لَا يلْزمه طَلَاق وَلَا عتق، وَقيل: يلْزمه الطَّلَاق دون الْعتْق اه. فَانْظُر كَيفَ صدر بِعَدَمِ الْحِنْث، وَحكى مُقَابِله بقبل وَشَمل قَوْله فِي فعل أَيْضا الْإِكْرَاه على الْمعْصِيَة: كَأَن يحلفهُ الظَّالِم بِالطَّلَاق مثلا على أَن لَا يُصَلِّي أَو على أَن يشرب الْخمر فَيصَلي وَلَا يشرب فَلَا حنث عَلَيْهِ على الْمَشْهُور. وَهُوَ مَذْهَب سَحْنُون. وَقيل: يَحْنَث وَيحرم عَلَيْهِ أَن يفعل، وَالْفرق على هَذَا الضَّعِيف بَين الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال حَتَّى كَانَ الْحِنْث سَاقِطا فِي الأول دون الثَّانِي هُوَ أَن الْمَفَاسِد لَا تتَحَقَّق فِي الْأَقْوَال لِأَن الْمُكْره على قَول مَا يكفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 بِهِ مُعظم لرَبه بِقَلْبِه بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان} (النَّحْل: 106) بِخِلَاف شرب الْخمر وَنَحْوه، فَإِن الْمَفَاسِد فِي ذَلِك مُحَققَة قَالَ الْقَرَافِيّ: وَفرق ابْن عبد السَّلَام بِأَن القَوْل لَا تَأْثِير لَهُ فِي الْمعَانِي وَلَا فِي الذوات بِخِلَاف الْفِعْل فَإِنَّهُ مُؤثر اه. وَكَذَا إِن حلفه على مَا لَيْسَ بِمَعْصِيَة وَلَا طَاعَة كَأَن لَا يدْخل السُّوق مثلا فَدخل فَلَا حنث أَيْضا، وَأما إِن حلفه على طَاعَة كَأَن يحلفهُ أَن لَا يشرب الْخمر فَشربهَا فَفِي الْحِنْث قَولَانِ. وَتارَة يكون الْإِكْرَاه على أَن يحلف أَنه مَا فعل فِي الْمَاضِي أَو أَنه فعل، وَيكون على مَعْصِيّة أَيْضا وَغَيرهَا. انْظُر تَفْصِيل ذَلِك فِي (ح) وَهَذَا فِي الْمعْصِيَة الَّتِي لَا حق لآدَمِيّ فِيهَا كَمَا مرّ فِي الْأَمْثِلَة، وَأما مَا فِيهَا حق للمخلوق كَالْقَتْلِ وَالْغَصْب فَلَا يَسعهُ أَن يفعل اتِّفَاقًا وَإِن فعل فَلَا يسْقط الْإِكْرَاه الْقصاص فِي الْقَتْل وَهُوَ معنى قَول (خَ) : لَا قتل الْمُسلم وقطعه وَإِن بزنا الخ. تَنْبِيه ثَالِث: ظَاهر النّظم كَغَيْرِهِ أَن الْإِكْرَاه الْمَذْكُور لَا فرق بَين أَن يكون مُقَارنًا لوقت إِيقَاع الطَّلَاق أَو مُتَقَدما عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا يفِيدهُ كَلَام الشَّارِح فِي بيع المضغوط قَائِلا: حكم الضغط منسحب على البَائِع وَإِن ترَاخى البيع عَن وقته بالشهرين وَنَحْوهمَا، وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون عَن ابْن الْحَاج وَابْن رشد وَغَيرهمَا خلاف مَا أفتى بِهِ أَبُو سعيد بن لب فِيمَن سلم فِي مِيرَاثه من أمه لِأَخِيهِ ثمَّ بعد موت الْأَخ قَامَ برسم يتَضَمَّن أَن التَّسْلِيم كَانَ خوفًا لما كَانَ هدده بِهِ أَخُوهُ الْمَيِّت من الْقَتْل، وَأَنه كَانَ من أهل الشَّرّ والحرابة. قَالَ ابْن لب: لم أر هَذَا الرَّسْم كَافِيا فِي رد التَّسْلِيم الْمَذْكُور لِأَن الْمَطْلُوب أَن يُؤَدِّي الشُّهُود على حضورهم فِي تَارِيخه وَأَنَّهُمْ سمعُوا التخويف إِذْ ذَاك حَتَّى وَقع التَّسْلِيم فِي موطنه، وَلَا يَكْفِي قدم التخويف على التَّسْلِيم فِي غير مَجْلِسه، وَلَا يعلمُونَ مَا اتّفق فِي وقته وتاريخه اه. وَاعْتمد فتواه هَذِه أَبُو مُحَمَّد عبد الْقَادِر الفاسي فِي جَوَاب لَهُ نَقله العلمي. وكُلُّ مَنْ يَمينُهُ باللازِمَهْ لَهُ الثَّلاث فِي الأَصَحِّ لاَزِمَهْ (وكل) مُبْتَدأ (من) مُضَاف إِلَيْهِ (يَمِينه) مُبْتَدأ خَبره (باللازمة) وَالْجُمْلَة صلَة الْمَوْصُول والرابط الضَّمِير الْمَجْرُور بالمبتدأ (لَهُ) يتَعَلَّق بقوله لَازِمَة آخر الْبَيْت (الثَّلَاث) مُبْتَدأ (فِي الْأَصَح) يتَعَلَّق أَيْضا بالْخبر الَّذِي هُوَ (لَازمه) وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الأول والرابط الضَّمِير الْمَجْرُور بِاللَّامِ. وقِيلَ بَلْ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّهْ مَعْ جَهْلِهِ وَفَقْدِهِ لِلنِّيَّهْ (وَقيل) مَبْنِيّ للْمَفْعُول، ونائبه الْجُمْلَة المحكية بِهِ لِأَنَّهَا فِي مَحل الْمَفْعُول، فَلَمَّا بنى الْفِعْل للْمَفْعُول نَاب مَفْعُوله الَّذِي هُوَ الْجُمْلَة المحكية عَن فَاعله (بل) حرف إضراب (وَاحِدَة) فَاعل بِفعل مَحْذُوف أَي تلْزمهُ وَاحِدَة (رَجْعِيَّة) صفة (مَعَ) يحْتَمل أَن تكون خبر الْمَحْذُوف، وَالْجُمْلَة حَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 مِمَّا قبله أَي: وكل هَذَا كَائِن مَعَ الخ. وَيحْتَمل أَن تكون فِي مَحل نصب على الْحَال أَي: وَتلْزَمهُ وَاحِدَة رَجْعِيَّة حَال كَونه مصاحباً (مَعَ جَهله وفقده للنِّيَّة) وَالْجُمْلَة من قيل وَمَا بعده استئنافية. وَقِيلَ بَلْ بَائِنَةٌ وَقِيلَ بَلْ جَمِيعُ الأَيْمَانِ وَمَا بِهِ عَمَلْ (وَقيل بل بَائِنَة) إعرابه كَالَّذي قبله (وَقيل بل جَمِيع الْأَيْمَان) إعرابه كَالَّذي قبله أَيْضا (وَمَا) نَافِيَة (بِهِ) خبر عَن قَوْله (عمل) وَالْمعْنَى أَن من حلف بالأيمان اللَّازِمَة فَقَالَ مثلا: الْأَيْمَان تلزمني لَا فعلت أَو إِن فعلت، أَو قَالَ الْأَيْمَان لَازِمَة لي أَو جَمِيع الْأَيْمَان أَو الْأَيْمَان كلهَا أَو أَيْمَان الْمُسلمين، فقد اخْتلف فِيمَا يلْزمه على أَرْبَعَة أَقْوَال. على مَا ذكره النَّاظِم، وَأَشَارَ بقوله: الْأَصَح لقَوْل الْبَاجِيّ فِي الْمُنْتَقى أَنه الْأَظْهر عِنْدِي، وَفِي المعيار عَن العقباني أَنه الْمَشْهُور، وَفِي ضيح أَنه الصَّحِيح عِنْد التّونسِيّ وَاللَّخْمِيّ وَعبد الحميد والمازري وَغَيرهم، حَتَّى أَن السيوري أفتى بِنَقْض حكم الْحَاكِم إِن أفتى بالواحدة وَقَوله: مَعَ جَهله وفقده للنِّيَّة. يحْتَمل أَن يكون هُوَ مَوْضُوع الْأَقْوَال أَي مَحل هَذِه الْأَقْوَال إِذا جهل مَدْلُول اللَّفْظ وفقد النِّيَّة أَي: وفقد الْعرف أَيْضا وإلاَّ لزمَه مَا نَوَاه بِاتِّفَاق، أَو مَا جرى بِهِ الْعرف كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَغَيره، فَإِن نوى أمرا وَالْعرْف بِخِلَافِهِ قدمت النِّيَّة لقَوْل (خَ) وخصصت نِيَّة الْحَالِف إِلَى قَوْله: ثمَّ عرف قولي الخ. لِأَن الْأَعْرَاف أصل مُعْتَبر فِي الْأَيْمَان، وَكَانَ النَّاظِم اسْتغنى عَنهُ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَنه يخصص كالنية أَو فِيهِ حذف الْوَاو مَعَ مَا عطفت كَمَا قَررنَا، وَيحْتَمل أَن سَبَب اخْتِلَاف هَذِه الْأَقْوَال هُوَ اخْتِلَاف الْأَعْرَاف، فَكل قَالَ بِمَا جرى بِهِ عرف بَلَده من ثَلَاث أَو غَيرهَا، فَمن جرى عرف بَلَده بِقصد الثَّلَاث فقد دون غَيرهَا ألزمهُ إِيَّاهَا، وَمن جرى عرف بَلَده بالرجعي ألزمهُ إِيَّاه أَو الْبَائِن فَقَط ألزمهُ إِيَّاه، وَقَوله: وَمَا بِهِ عمل أَي لكَون عرفهم لَا يقصدون بِهِ جَمِيع الْأَيْمَان مِمَّا عدا الطَّلَاق. وَفِي (خَ) من لُزُوم الْعتْق وَالثَّلَاث وَالْمَشْي لِلْحَجِّ إِلَى غير ذَلِك إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ عرفهم اسْتِعْمَال اللَّازِمَة فِي الطَّلَاق وَغَيره مِمَّا ذكر أَو لَا عرف لَهُم فِيهَا. وَكَانَت عَادَة النَّاس الْحلف بِالصَّدَقَةِ بِالثُّلثِ وَالْحج وَالْعِتْق وَالْمَشْي وَنَحْو ذَلِك. وَوجه الأول ظَاهر لِأَن الْعرف يخصص اللَّفْظ أَو يعمه فَإِذا كَانَ الْعرف اسْتِعْمَال اللَّازِمَة فِي الطَّلَاق فَقَط. فَلَا يلْزمه غَيره، وَإِذا كَانَ الْعرف اسْتِعْمَالهَا فِي الطَّلَاق وَالْعِتْق مثلا أَو فيهمَا. وَفِي الْحَج فَكَذَلِك أَيْضا وَهَكَذَا. وَوجه الثَّانِي أَن اللَّفْظ إِذا لم يكن فِيهِ عرف يخصصه أَو يعممه فَإِنَّهُ يحمل على مَدْلُوله اللّغَوِيّ كَمَا هِيَ الْقَاعِدَة، وَلَا شكّ أَن مَدْلُوله لُغَة جَمِيع الْأَيْمَان من طَلَاق وَحج ومشي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 وَغَيرهَا مِمَّا عَادَة الْبَلَد الْحلف بِهِ حَتَّى أَنه إِذا كَانَت عَادَتهم الْحلف بِالْعِتْقِ فَقَط لم يلْزمه غَيره إِذا علمت هَذَا، فعلى الِاحْتِمَال الأول يكون قَول النَّاظِم: وَمَا بِهِ عمل الخ فِي عهدته لما علمت أَنه حَيْثُ لَا نِيَّة وَلَا عرف يلْزمه مَدْلُول اللَّفْظ لُغَة كَمَا مرّ وَهُوَ الْمشَار لَهُ بقول (خَ) ثمَّ مقصد لغَوِيّ الخ. وَلم أَقف على مَا قَالَ إِنَّه حِينَئِذٍ لَا عمل عَلَيْهِ، وَحمل النَّاظِم على هَذَا الِاحْتِمَال وَإِن ورد عَلَيْهِ مَا ذكر هُوَ الْمُوَافق للنَّقْل. قَالَ ابْن سَلمُون: يلْزم الْحَالِف بالأيمان اللَّازِمَة إِذا لم تكن لَهُ نِيَّة عتق من يملكهُ وَالصَّدَََقَة بِثلث مَاله. وَالْمَشْي إِلَى بَيت الله تَعَالَى وَكَفَّارَة يَمِين وَطَلَاق نِسَائِهِ. وَاخْتلف فِيمَا يلْزمه من الطَّلَاق فَذكر الْأَقْوَال الثَّلَاثَة. الأول فِي النّظم وَذكر عَن الْأَبْهَرِيّ أَنه لَا يلْزمه فِيهَا سوى الاسْتِغْفَار. ثمَّ قَالَ: قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين: فَإِن جرى فِيهَا عرف فِي بلد من الْبِلَاد كَانَ الْعَمَل فِيهَا بِحَسب الْعرف عِنْد الْإِطْلَاق انْتهى بِاخْتِصَار. وَنَحْوه فِي ابْن شَاس وَغَيره فَقَوله: فَإِن جرى فِيهَا عرف الخ. تَقْيِيد لتِلْك الْأَقْوَال كَمَا مرّ فِي أصل التَّقْرِير لِأَنَّهُ عِنْد فقد النِّيَّة يُصَار للْعُرْف كَمَا صرح بِهِ ابْن لب، وَغَيره فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهُوَ مَا مر عَن (خَ) فِي قَوْله: ثمَّ عرف قولي الخ. وَحِينَئِذٍ فَإِن كَانَ مُرَاد النَّاظِم هَذَا الْفِقْه كَمَا هُوَ ظَاهره، وَلَكِن الْغَالِب عَلَيْهِ تبعيته لِابْنِ سَلمُون فيشكل بِمَا مر، وَبِأَن القَوْل الرَّابِع هُوَ الْمَشْهُور لِأَنَّهُ المطابق للغة، فَكيف يكون مُقَابِله أصح وَبِأَن قَوْله مَعَ جَهله لَا يَنْبَغِي أَن يكون مَوْضُوعا للأقوال لِأَنَّهُ عِنْد ثُبُوت جَهله بمدلول اللَّفْظ لَا يلْزمه شَيْء لَا فِي الْفَتْوَى وَلَا فِي الْقَضَاء كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: أَو لقن بِلَا فهم الخ. فَلَو قَالَ بدله لعدم الْعرف وفقد النِّيَّة لسلم من هَذَا، وَأما على الِاحْتِمَال الثَّانِي فللاختلاف بَين الْأَقْوَال فِي الْحَقِيقَة بل كل قَالَ بِمَا جرى بِهِ عرف بَلَده كَمَا مرّ، وَيشكل القَوْل الرَّابِع أَيْضا لِأَن مَوْضُوعه حَيْثُ لَا عرف فَلَا تحسن مُقَابلَته بِمَا قبله. وَأما قَوْله: وَمَا بِهِ عمل الخ. على هَذَا الِاحْتِمَال فَهُوَ فِي مَحَله لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْعرف اسْتِعْمَال اللَّفْظ الْمَذْكُور فِي الثَّلَاث فَقَط أَو فِي الْبَيْنُونَة فَقَط أَو فِي الْعتْق فَقَط مثلا كَانَ لُزُوم جَمِيع الْأَيْمَان مَهْجُورًا لَا عمل عَلَيْهِ لَا فِي الْفتيا وَلَا فِي الْقَضَاء، فَفِي كَلَام النَّاظِم إِشْكَال على كلا الِاحْتِمَالَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 تَنْبِيهَات. الأول: إِذا قَالَ الْقَائِل: الْأَيْمَان لَازِمَة لَهُ أَو الْأَيْمَان تلْزمهُ فَلَا يخفى أَن أل للاستغراق وَإِلَّا كَانَت للْعهد الذهْنِي، وَحِينَئِذٍ فَإِن لم يكن عرف فِيهَا فَلَا عهد ذهنياً، وَيحمل اللَّفْظ على عُمُومه كَمَا لَو قَالَ: عَلَيْهِ جَمِيع الْأَيْمَان أَو عَلَيْهِ أَيْمَان الْمُسلمين أَو أَيْمَان الْبيعَة وَنَحْو ذَلِك، فَيلْزمهُ جَمِيع مَا اعْتَادَ النَّاس الْحلف بِهِ فِي ذَلِك كَمَا مرّ سَوَاء اعْتَادَ هُوَ خلافهم أَو لم يعْتد شَيْئا حَتَّى أَنه لَو كَانَت عَادَتهم الْحلف بِاللَّه فَقَط لزمَه ثَلَاث كَفَّارَات فَقَط لِأَنَّهُ مَدْلُوله لُغَة وَعرفا حِينَئِذٍ، وَلَا يُمكن أَن تَخْلُو بلد من الْحلف بِاللَّه تَعَالَى وَبِغَيْرِهِ حَتَّى يُقَال: إِنَّه إِذا لم يكن لَهُ نِيَّة وَلَا لأهل بَلَده عَادَة لم يلْزمه شَيْء كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ، وَأما إِن كَانَ فِيهَا عرف خَاص بِحَيْثُ لَا يستعملها أهل الْبَلَد إِلَّا فِي خُصُوص الطَّلَاق الثَّلَاث أَو الْبَائِن أَو فِي الْعتْق مثلا فأل فِي ذَلِك للْعهد الذهْنِي، والمعهود مَا بِهِ الْعرف وَلَا ينظر حِينَئِذٍ لكل وَلَا لجَمِيع وَلَا لغَيْرِهِمَا من أَلْفَاظ الْعُمُوم وَلَا لصيغة الْجمع، لِأَنَّهُ وَإِن أَتَى الْحَالِف بِلَفْظ دَال على الْعُمُوم أَو بِصِيغَة الْجمع فَهُوَ مَخْصُوص بعرف بلد الْحَالِف فَلَا يلْزمه غير مَا بِهِ عرفهم وَصِيغَة الْجمع والعموم ملغاة، وَإِلَى هَذَا ترجع فَتَاوَى الْمُتَأَخِّرين الَّتِي فِي الشَّارِح وَغَيره، وَعَلِيهِ فاللازم فِيهَا فِي بلدنا الْيَوْم إِنَّمَا هُوَ الطَّلَاق لِأَن النَّاس الْيَوْم لَا يعْرفُونَ الْحلف بِالْعِتْقِ وَلَا بِالْمَشْيِ وَلَا بِالصَّدَقَةِ فَقَوْلهم: أَيْمَان الْمُسلمين أَو الْأَيْمَان اللَّازِمَة لَهُم كَقَوْلِهِم: عَلَيْهِم الطَّلَاق، وَالظَّاهِر كَمَا للمسناوي و (تت) أَن يحمل على الْوَاحِدَة البائنة لِأَن النَّاس الْيَوْم لَا يعْرفُونَ الطَّلَاق الرَّجْعِيّ. قلت: وَالظَّاهِر أَن يحمل الثَّلَاث لِأَن أَكثر النَّاس الْيَوْم الْحلف بِالطَّلَاق الثَّلَاث، وهم إِنَّمَا يقصدون بهَا التَّشْدِيد والتغليظ كحلفهم بالحرام آخر الثَّلَاث فَهِيَ مُسَاوِيَة لَهُ عِنْدهم على مَا شهدناه مِنْهُم، وعَلى تَسْلِيم حلفهم بالحرام مُجَردا من آخر الثَّلَاث، وَأَنه يكثر مِنْهُم الْحلف بِهِ مُجَردا ومقروناً بِالثلَاثِ، فَحَمله فِي اللَّازِمَة على الثَّلَاث أحوط عِنْد عدم النِّيَّة لِأَن الْفروج يحْتَاط لَهَا. الثَّانِي: درج أَبُو زيد الفاسي فِي عملياته على مَا للأبهري وَابْن عبد الْبر من أَنه لَا يلْزمه فِيهَا سوى الاسْتِغْفَار فَقَالَ: وَعدم اللُّزُوم فِي أَيْمَان لَازِمَة شاعت مذ أزمان فَظَاهره أَنه لَا يلْزمه شَيْء وَلَو كَفَّارَة يَمِين بِاللَّه، وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ على الِاحْتِمَال الأول فِي كَلَام النَّاظِم أَي حَيْثُ لَا نِيَّة وَلَا عرف، وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ مُقَابل للمشهور من حمله حِينَئِذٍ على مَدْلُول اللَّفْظ لُغَة، وإلاَّ فَهُوَ إِذا كَانَت لَهُ نِيَّة لزمَه مَا نَوَاه اتِّفَاقًا من طَلَاق أَو غَيره، وَإِن كَانَ لَهُم فِيهَا عرف لزمَه مَا هُوَ عرفهم فِيهَا لِأَنَّهُ كالنية كَمَا مر وَلَا يحل للمفتي أَن يفتيه حِينَئِذٍ بِعَدَمِ اللُّزُوم إِذْ ذَاك خُرُوج عَن أَقْوَال أَئِمَّة الْمَذْهَب وَمَا بِهِ الْعَمَل لَا بدّ أَن يُوَافق قولا وَإِن شاذاً. الثَّالِث: كثير من النَّاس فِي هَذِه الْأَزْمِنَة يَقُول عَلَيْهِ مَا يلْزمه لأَفْعَل كَذَا وَلَا يزِيد من الْأَيْمَان والجاري على مَا مر أَنه يلْزمه مَا نَوَاه أَو مَا بِهِ عرفهم، فَإِن لم تكن نِيَّة وَلَا لَهُم عرف فِي هَذَا اللَّفْظ، فَالظَّاهِر أَنه لَا يلْزمه شَيْء لِأَن الَّذِي يلْزمه من صَلَاة وَصِيَام وَزَكَاة وَنَحْوهَا هُوَ لَازم لَهُ بِدُونِ يَمِين، وَغير اللَّازِم لَهُ مِمَّا ذكر لَا دلَالَة للفظ عَلَيْهِ وقديماً كنت متأملاً فِيهِ، ثمَّ أجريته على قَول (خَ) : وكأحلف أَو أقسم إِن نوى بِاللَّه الخ. وَأَنه إِذا لم تكن لَهُ نِيَّة وَلَا عرف لَا شَيْء عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 الرَّابِع: تقدم أَن من عَادَته الْحلف باللازمة أَو بِالثلَاثِ أَو بالحرام لَا يرخص لَهُ بل يلْزمه مَا يلْزم غَيره مِمَّن وَقع ذَلِك مِنْهُ فلتة، وَلَو أدّى إِلَى تَحْرِيمهَا عَلَيْهِ قبل زوج وَلَا يعْذر لجري ذَلِك على لِسَانه، بل هُوَ أولى بِالتَّشْدِيدِ لِأَن ذَلِك استخفاف مِنْهُ بالأيمان خلاف مَا يَعْتَقِدهُ كثير من جهلة الطّلبَة من عذره، وَقد نَص على ذَلِك فِي المعيار وَغَيره. وَفِي ابْن سَلمُون إِثْر الْأَقْوَال الْمُتَقَدّمَة فِي اللَّازِمَة مَا نَصه: وَقد أفتى فِيهَا بَعضهم بفتوى غَرِيبَة وَهِي أَنه إِن كَانَ الْحَالِف بهَا من أهل العفاف وَالصَّلَاح، وَلم يعْتد الْحلف بهَا، وَإِنَّمَا خرجت مِنْهُ على ضجر فَتلْزمهُ الْوَاحِدَة وَإِن كَانَ من أهل الدعارة وَالشَّر، وَمِمَّنْ يحلف بذلك فِي كل وَقت فَإِنَّهُ يلْزمه الثَّلَاث وَلَا وَجه لذَلِك عِنْدِي اه. وَنَحْوه فِي المعيار عَن أبي الْفضل العقباني قَائِلا: فَمن هُوَ أهل للْعُذْر وَكَانَ الشَّيْء مِنْهُ فلتة فَحسن أَن يتْرك للتقليد لقَوْل فِيهِ رَحْمَة، وَأما من دأبه الْأَيْمَان ويستخف بأمرها فَينفذ عَلَيْهِ الحكم بالمشهور اه بِاخْتِصَار. فقد علمت أَن من دأبه الْأَيْمَان أولى بِالتَّشْدِيدِ عَلَيْهِ، وَإِن من وَقع ذَلِك مِنْهُ فلتة فَالْمَشْهُور وَمذهب الْجُمْهُور أَنه لَا يرخص لَهُ أَيْضا، وَمُقَابِله وَإِن أفتى بِهِ العقباني شَاذ حَتَّى قَالَ ابْن سَلمُون: كَمَا رَأَيْته أَنه لَا وَجه لَهُ عِنْده وَهُوَ الصَّوَاب إِن شَاءَ الله. إِذْ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة لَا فرق فِيهَا بَين صَالح وطالح وَالله أعلم. الْخَامِس: فِي الْمديَان من الْبُرْزُليّ فِيمَن حلف بِالطَّلَاق يَعْنِي أَو باللازمة أَو غَيرهَا؛ أَنه لَا مَال لَهُ وَقد ورث مَالا لم يعلم بِهِ أَنه حانث. ابْن رشد: هِيَ على مُرَاعَاة الْأَلْفَاظ دون الْمَقَاصِد اه بِاخْتِصَار. يَعْنِي: وَلَو روعي الْمَقْصد لم يَحْنَث لِأَن الْمَعْنى لَا مَال لَهُ فِي علمه، وَالْمذهب أَن الْعبْرَة بالمقاصد انْظُر شرح ابْن رحال للمختصر فِي بَاب الْخلْع، وَقد تقدم عِنْد قَول النَّاظِم: وَينفذ الطَّلَاق بِالصَّرِيحِ الخ. عَن ابْن رشد: أَن الْحمل على الْقَصْد هُوَ الْأَشْهر الْأَظْهر. السَّادِس: إِذا حلف باللازمة أَو بغَيْرهَا لَا بَقِي أَو إِن بَقِي فِي هَذِه الدَّار هَل هُوَ بِمَنْزِلَة لَا سكنت فَلَا يرجع أبدا أَو بِمَنْزِلَة لأنتقلن. وفيهَا قَولَانِ. فَقيل: ذَلِك بِمَنْزِلَة لأنتقلن، وَبِه قَالَ اليالصوتي: وَقيل ذَلِك بِمَنْزِلَة قَوْله لَا سكنت، وَبِه قَالَ أَبُو الْحسن الْقَارِي، وَهُوَ الَّذِي رَجحه أَبُو الْعَبَّاس سَيِّدي أَحْمد بن الْمُبَارك السجلماسي قَائِلا: وَمَا لليالصوتي مُخَالف للقواعد الْأُصُولِيَّة وللمقصد اللّغَوِيّ عِنْد عدم الْعرف وَالنِّيَّة، وحينئد فَيحنث إِن لم يخرج من حِينه أَو إِن رَجَعَ لِأَن الْفِعْل كالنكرة، فَيعم فِي سِيَاق النَّفْي وَلَا يعم فِي سِيَاق الْإِثْبَات فَعدم خُرُوجه من حِينه جزئية مُوجبَة ورجوعه بعد الْخُرُوج جزئية أُخْرَى، وكل مِنْهُمَا يُنَاقض الْكُلية السالبة الَّتِي دلّ عَلَيْهَا الْفِعْل الْوَاقِع فِي سِيَاق النَّفْي، وَأما الْفِعْل الْوَاقِع فِي سِيَاق الْإِثْبَات كلأنتقلن فَهُوَ جزئية مُوجبَة فَإِذا لم يعجل بِالْخرُوجِ أَو رَجَعَ حصل من ذَلِك جزئية سالبة وَهِي لَا تنَاقض الْجُزْئِيَّة الْمُوجبَة، فَإِذا لم يَحْنَث بِوَاحِد مِنْهُمَا فَحمل قَوْله: إِن بقيت أَو لَا يبْقى على قَوْله: لَا سكنت هُوَ الصَّوَاب لِأَن الْفِعْل عِنْدهم كالنكرة، وَلذَا كَانَت تنْعَت بِهِ النكرات وَيَقَع حَالا من المعارف فَهُوَ بعد النَّفْي نكرَة منفية وَبعد الْإِثْبَات نكرَة مثبتة، وَلَا شكّ أَن حمل النكرَة المنفية على النكرَة المثبتة كَمَا لليالصوتي سَهْو لَا خَفَاء فِيهِ وَإِن تبعه على ذَلِك السَّهْو الْبُرْزُليّ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون هُنَاكَ عرف وَقت اليالصوتي بِأَن لَا بقيت بِمَعْنى لأنتقلن عِنْدهم، وَذَلِكَ هُوَ اللَّائِق بجلالة إِمَامَته اه بِاخْتِصَار. وَقَوله: إِن بقيت الخ. يَعْنِي وَالْحَال أَن إِن نَافِيَة لَا شَرْطِيَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 السَّابِع: إِذا قَالَ الرجل لامْرَأَته: بِاللَّه الَّذِي لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; هـ إِلَّا هُوَ إِن خرجت امْرَأَته من هَذِه الدَّار فَهِيَ عَلَيْهِ حرَام، أَو فالأيمان لَازِمَة لَهُ أَو قَالَ: وَالله إِن خرجت لأطلقنك أَو لَا كنت لي امْرَأَة أبدا، أَو قَالَ: وَالله إِن قيلت أَو بتِّ فِي هَذِه الدَّار لَا قيلت أَو بت على ذِمَّتِي وَنَحْو ذَلِك فَالْأَمْر فِي ذَلِك كُله على التَّعْلِيق لَا التَّأْكِيد بمضمون الشَّرْط، وَالْجَوَاب فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِن خرجت وَلم يحرمها أَو لم يطلقهَا لَزِمته الْيَمين بِاللَّه هَذَا هُوَ الَّذِي نسبه ابْن عَرَفَة للْأَكْثَر، وَأفْتى بِهِ ابْن رشد وَأَصْحَابه فِيمَن قَالَ لامْرَأَته: وَالله إِن تشاررت مَعَ أُمِّي وَخرجت لَخَرَجت إِلَّا كخروجها فتشاررت وَخرجت الْأُم فأفتوا بِأَنَّهُ لَا يلْزمه إِلَّا كَفَّارَة الْيَمين بِاللَّه إِن أَرَادَ الْبَقَاء على الزَّوْجِيَّة. قَالَه فِي نَوَازِل الزياتي عَن سَيِّدي الْعَرَبِيّ الفاسي قَائِلا. وَفِي المعيار وَغَيره كثير من ذَلِك، وَقد جزم أَبُو عبد الله الْمواق بِأَن ذَلِك حكمه حكم مَسْأَلَة الْمُدَوَّنَة. وَنَصهَا، قَالَ مَالك: من قَالَ لامْرَأَته وَالله لأطلقنك فَلَيْسَ بمول وَلَا يمْنَع من الْوَطْء، فَإِن شَاءَ طلق فبر وَإِن لم يُطلق لم يَحْنَث إِلَّا بِمَوْتِهِ أَو مَوتهَا وَلَا يجْبر على الْكَفَّارَة اه. وَقد سُئِلَ قَاضِي الْجَمَاعَة ومفتيها أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَاحِد الونشريسي عَمَّن حلف بِالطَّلَاق لامْرَأَته لَا كَانَت لَهُ امْرَأَة أبدا. فَأجَاب لَهُ إحناث نَفسه بِالْبَقَاءِ على الزَّوْجِيَّة وَيلْزمهُ الطَّلَاق الْوَاحِد إِلَّا أَن يَنْوِي أَكثر، وَله الرّجْعَة إِن أحنث نَفسه اه. وَانْظُر نَوَازِل الشَّهَادَات من المعيار فِيمَن شهد عَلَيْهِ وَاحِد بِالثلَاثِ وَشهد عَلَيْهِ آخر بالأيمان اللَّازِمَة هَل تطلق أم لَا؟ . الثَّامِن: قَالَ فِي المعيار أَيْضا: ذكر ابْن مَرْزُوق أَنه وَقع فِي مجْلِس ابْن عَرَفَة نزاع فِيمَن وكل أَو فوض لامْرَأَته الطَّلَاق فَحَلَفت بالحرام وحنثت هَل يلْزمه الطَّلَاق أم لَا؟ قَالَ: وَلم أتحقق مَا قَالَه الشَّيْخ مِمَّا قَالَه غَيره، فَسئلَ عَنْهَا أَبُو عبد الله الْقَرَوِي فَأجَاب: بِعَدَمِ اللُّزُوم لِأَنَّهُ لم يَجْعَل لَهَا إِيقَاع الطَّلَاق بِالْحلف، وتذكر عدم لُزُوم أَيْمَان الْوَكِيل لمُوكلِه اه بِالْمَعْنَى. التَّاسِع: فِي نَوَازِل الشفشاوني فِي سِيَاق أجوبة لِابْنِ لب مَا نَصه: وَسُئِلَ أَيْضا عَمَّن قَالَ لزوجته: عَلَيْهِ الْحَرَام أَو اللَّازِمَة لَا دخلت دَار أَبِيك هَذَا الْعَام هَل يحمل الْعَام على مَا بَقِي مِنْهُ أَو يسْتَأْنف؟ فَأجَاب: إِن كَانَت لَهُ نِيَّة أَو بِسَاط عمل عَلَيْهِمَا، وَإِن لم تكن لَهُ نِيَّة وَلَا بِسَاط فَيحمل على بَقِيَّة الْعَام لِأَنَّهُ الْمُحَقق والذمة لَا تعمر إِلَّا بمحقق اه فَتَأَمّله. والبِكْرُ ذَاتُ الأَبِ لاَ تُخْتَلعُ إلاَّ بإذْنِ حاجِرٍ وَتُمْنَعُ (وَالْبكْر) مُبْتَدأ (ذَات الْأَب) نعت لَهُ وَجُمْلَة (لَا تختلع) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل خبر (إِلَّا) إبِْطَال للنَّفْي (بِإِذن) يتَعَلَّق بتختلع (حاجر) مُضَاف إِلَيْهِ (وتمنع) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير الْبكر ومتعلقه مَحْذُوف أَي وتمنع بِغَيْر إِذْنه، وَالْجُمْلَة معطوفة على الْجُمْلَة قبلهَا مفسرة لَهَا فِي الْمَعْنى. وَجازَ إنْ أبٌ عَلَيْهَا أَعْمَلَهْ كَذَا عَلَى الثَّيِّبِ بَعْدَ الإذْنِ لَهْ (وَجَاز) فَاعله ضمير الْخلْع (إِن) شَرط (أَب) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره مَا بعده (عَلَيْهَا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 يتَعَلَّق بقوله (أعمله) وَقَوله: (كَذَا) خبر لمبتدأ مَحْذُوف (على الثّيّب) يتَعَلَّق بأعمله محذوفاً لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ (بعد الْإِذْن) يتَعَلَّق بأعمله الْمَحْذُوف (لَهُ) يتَعَلَّق بِالْإِذْنِ. وَالتَّقْدِير: وَالْحكم كَائِن كَذَلِك إِن أعمله الْأَب على الثّيّب بعد إِذْنهَا لَهُ، وَمَعْنَاهُ أَن الْبكر الصَّغِيرَة أَو الْبَالِغ الَّتِي لم ترشد وَلم يدْخل بهَا زَوجهَا أَو دخل وَطلقت قبل الْمَسِيس وَلم تطل إِقَامَتهَا سنة وَمثلهَا الصَّغِيرَة الَّتِي ثيبت قبل الْبلُوغ لَا يجوز خلعها. وَظَاهره وَلَو خالعت بخلع أَمْثَالهَا وَيجب رد المَال إِن وَقع وَبَانَتْ. نعم إِن أعمله الْأَب عَلَيْهَا بِإِذْنِهَا أَو بِغَيْرِهِ جَازَ، وَلزِمَ حَيْثُ كَانَ نظرا لِأَنَّهُ مَعْزُول عَن غير الْمصلحَة، وَظَاهره: وَلَو بِجَمِيعِ صَدَاقهَا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة وَلَيْسَ ذَلِك للْوَصِيّ الْغَيْر الْمُجبر، وَأما الْمُجبر فَهُوَ كَالْأَبِ فَلَو قَالَ النَّاظِم: وَالْبِنْت ذَات الْجَبْر لَا تختلع إِلَّا بِإِذن مجبر وتمنع وَجَاز إِن هُوَ عَلَيْهَا أعمله الخ. لوفى بالمراد وَيفهم مِنْهُ أَن الْوَصِيّ الْغَيْر الْمُجبر، وَمثله مقدم القَاضِي لَيْسَ لَهُ ذَلِك فِي هَذِه الْبِنْت الَّتِي لَو كَانَ أَبوهَا لجبرها إِلَّا بِإِذْنِهَا فَيجوز إِن كَانَت بَالِغَة وَكَانَ نظرا لَهَا وَأما الصَّغِيرَة فَلَا يجوز خلعها، وَلَو أَمْضَاهُ وصيها الْمَذْكُور، وَكَذَا خلع وصيها عَنْهَا بِإِذْنِهَا على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَظَاهر (خَ) وشراحه أَن ذَلِك يمْضِي من الصَّغِيرَة بِإِذْنِهِ وَصرح بِهِ ابْن رحال فَقَالَ: وَأما خلع الْوَصِيّ بموافقة محجورته السفيهة وَالصَّغِيرَة فَيجوز اه. وَهُوَ أقوى إِذْ حَيْثُ فعلت بِإِذْنِهِ فَهُوَ الْفَاعِل لذَلِك، وَكَذَا إِن أَمْضَاهُ. وعَلى مَا لِابْنِ سَلمُون يكون فِي مَفْهُوم الْمُجبر على الْإِصْلَاح الْمَذْكُور تَفْصِيل بَين الْإِذْن وَعَدَمه وَالصَّغِيرَة وَغَيرهَا. وَقَوله: كَذَا على الثّيّب الخ. هَذَا مَفْهُوم قَوْله: الْبكر. وَمَعْنَاهُ أَن الثّيّب الْبَالِغَة السفيهة يجوز للْأَب أَن يخالع عَنْهَا من مَالهَا بِإِذْنِهَا، وَكَذَا الْوَصِيّ ومقدم القَاضِي لِأَنَّهُ إِذا جَازَ لَهما الْخلْع فِي الْبكر الْبَالِغ بِإِذْنِهَا كَمَا مر فأحرى فِي الثّيّب، وَمَفْهُوم قَوْله: بعد الْإِذْن أَن خلعه عَنْهَا بِغَيْر إِذْنهَا لَا يمْضِي عَلَيْهَا وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ، وَلها حِينَئِذٍ مُطَالبَة الزَّوْج بصداقها وَالطَّلَاق وَاقع. وَلَا يُقَال إِذن السَّفِيه كلا إِذن فَلم اشترطوه هَهُنَا؟ لأَنا نقُول لاحظوا هَهُنَا الضَّرَر البدني، لَكِن من حجتها على الْأَب وَالْوَصِيّ أَن تَقول إسقاطكما مَالِي عَن زَوجي لما يتقى من سوء عشرته لَا يلْزَمنِي لِأَنِّي أرْضى بِالْبَقَاءِ مَعَه على ذَلِك الْحَال، وَفهم من قَوْله بعد الْإِذْن لَهُ إِنَّهَا إِذا خالعته وَحدهَا لَا يمْضِي أَيْضا، وَلَو خالعته بخلع وَهُوَ ظَاهر قَول (خَ) لَا من صَغِيرَة وسفيهة الخ. وَالْمرَاد بالسفيهة هَهُنَا بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا من ثبتَتْ لَهَا حَالَة السَّفه لِأَن الْعبْرَة بِالْحَال لَا الْولَايَة فَمن حَالهَا حَال الرشداء مضى خلعها، وَلَو كَانَ لَهَا حاجر، وَالْعَكْس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 بِالْعَكْسِ وَالصَّغِيرَة لَا تكون رَشِيدَة إِذْ من شَرطه الْبلُوغ كَمَا فِي ابْن رحال. وَظَاهر كَلَام النَّاظِم أَنه لَا فرق فِي هَذِه الثّيّب بَين أَن تكون ثيبت بِوَطْء هَذَا المخالع لَهَا أَو بِوَطْء غَيره قبله، وَأما الْمُجبرَة الْمُتَقَدّمَة فَإِنَّهُ إِذا بنى بهَا الزَّوْج صَارَت ثَيِّبًا فَلَا بُد من إِذْنهَا إِلَّا أَن تكون غير بَالِغَة كَمَا مرّ. وَتقدم فِي الْبَيْت قبله أَنه لَا يجوز لَهُ الْعَفو بعد الْبناء لِأَنَّهَا استحقته بالمسيس إِلَّا أَن يُقَال: إِن الْخلْع هُنَا لَيْسَ عفوا لِأَنَّهُ لما يترقب من سوء الْعشْرَة، وَفِي الْمُدَوَّنَة إِن خَالع عَنْهَا بِجَمِيعِ الصَدَاق بعد الْبناء قبل الْبلُوغ جَازَ. تَنْبِيهَات. الأول: سكت النَّاظِم عَن الْمُهْملَة الَّتِي لَا وَصِيّ عَلَيْهَا وَلَا مقدم. وَفِي مُضِيّ خلعها أَن خالعته خلع أَمْثَالهَا قَولَانِ. عمل بِكُل مِنْهُمَا كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة. قَالَ الرجراجي: الْمَشْهُور أَن خلعها لَا يجوز، وَقَالَ فِي الْفَائِق: الْمَعْمُول بِهِ أَنه لَا يجوز من فعل الْمُهْملَة شَيْء حَتَّى يتم لَهَا مَعَ زَوجهَا الْعَام وَنَحْوه اه. بِنَقْل الشَّيْخ بناني، وَظَاهر ذَلِك وَلَو خالعت بخلع أَمْثَالهَا. وَاقْتصر ابْن سَلمُون على الْعَمَل بالمضي، وَعَزاهُ لِابْنِ الْقَاسِم وَسَحْنُون وَكَذَا الفشتالي وَصَاحب الطرر فيفهم مِنْهُم أَنه الرَّاجِح، وَلَا سِيمَا وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم وَسَحْنُون. وَقد قَالَ الشَّيْخ طفي فِي بَاب الزَّكَاة عِنْد قَول الْمَتْن والقراض الْحَاضِر إِلَخ. أَنه اشْتهر عِنْد الشُّيُوخ أَنه لَا يعدل عَن قَول ابْن الْقَاسِم مَعَ سَحْنُون إِذا اجْتمعَا، وَظَاهر هَذَا النَّقْل أَن ذَلِك مَاض وَلَو خالعته قبل مُضِيّ عَام من دُخُولهَا وَلَو مَعْلُومَة السَّفه، وَسَيَأْتِي عَن الْبُرْزُليّ مَا يبين لَك وَجه ذَلِك، لكنه لَا يتم فِي مَعْلُومَة السَّفه على مَا بِهِ الْعَمَل الْآن من أَن الْعبْرَة بِالْحَال لَا الْولَايَة وَمَا مرّ عَن ابْن سَلمُون والطرر والفشتالي من الْعَمَل الْمَذْكُور إِنَّمَا هُوَ فِي زمانهم من أَن المهمل تمْضِي أَفعاله، وَأَن الْعبْرَة بِالْولَايَةِ لَا الْحَال كَمَا يفِيدهُ. نقل ابْن عَرَفَة فقف عَلَيْهِ، وَقد علمت أَن الْعَمَل لَيْسَ على ذَلِك الْآن فَلَا تغتر بذلك. وَانْظُر أَيْضا لَو خالعت بِأَكْثَرَ من خلع مثلهَا على مَا لِابْنِ سَلمُون وَمن مَعَه هَل يرد الزَّائِد فَقَط وَهُوَ الظَّاهِر أَو يرد الْجَمِيع وَهُوَ مَا يفِيدهُ؟ نقل ابْن عَرَفَة. وَكَذَا لَو خَالع الْأَب أَو الْوَصِيّ بِأَكْثَرَ من خلع الْمثل فَإِنَّهَا ترجع على الزَّوْج أَو على الْأَب إِن أعدم الزَّوْج بِالزَّائِدِ فَقَط فِيمَا يظْهر لِأَنَّهُ الْقدر الَّذِي فَوت عَلَيْهَا وَلَا يُقَال يلْزم من كَون الْخلْع نظرا أَن يكون بخلع الْمثل. لأَنا نقُول قد يكون الْخلْع نظرا فِي نَفسه لِأَن النّظر فِيهِ مَصْرُوف لما يترقب من الزَّوْج من سوء الْعشْرَة، وَلكنه أَكثر من خلع الْمثل فَتَأَمّله. وَذكر ابْن رحال هَهُنَا أَن ظَاهر كَلَامهم جَوَازه من الْأَب وَلَو بِأَكْثَرَ من خلع الْمثل اه. الثَّانِي: قَالَ ابْن سَلمُون: ذكر ابْن سعدون فِي شرح الْمُدَوَّنَة أَن الزَّوْج إِذا شَرط فِي خلع من تقدم أَنه إِن لم يَصح لَهُ الْخلْع على مَا وَقع فالعصمة بَاقِيَة إِن شَرطه ذَلِك يَنْفَعهُ، وَمَتى طلب مِنْهُ مَا أَخذ كَانَت لَهُ زَوْجَة كَمَا كَانَت اه. وَمثله فِي الطرر والبرزلي وَابْن سَلمُون وَاعْتَرضهُ (ح) بِأَنَّهُ خلاف الْمَذْهَب، وَفِي الْمُدَوَّنَة وَإِن أَعطَتْهُ شَيْئا على أَن يُطلق وَيشْتَرط الرّجْعَة أَو خَالعهَا وَشرط أَنَّهَا إِن طلبت شَيْئا عَادَتْ زَوْجَة فشرطه بَاطِل وَالْخلْع يلْزمه وَلَا رَجْعَة لَهُ إِلَّا بِنِكَاح مُبْتَدأ اه. هَذَا إِذا لم يكن مُعَلّقا ابْتِدَاء وإلاَّ فينفعه كَمَا لَو قَالَ لصغيرة أَو سَفِيهَة أَو ذَات رق إِن صحت براءتك فَأَنت طَالِق بعد قَوْلهَا أَبْرَأتك فَلَا يَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق حَتَّى يُجِيز وَليهَا ذَلِك. الثَّالِث: مَحل الْخلاف فِي قَول (خَ) وَفِي خلع الْأَب عَن السفيهة خلاف إِنَّمَا هُوَ فِي خلعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 عَنْهَا بِغَيْر إِذْنهَا لِأَن أحد الْمَشْهُورين يَقُول: لَا يجوز إِلَّا بِإِذْنِهَا وَالْآخر يَقُول بِالْجَوَازِ مُطلقًا فقد اتفقَا على جَوَازه مَعَ الْإِذْن، وَحِينَئِذٍ فَقَوْل النَّاظِم بعد الْإِذْن لَهُ لَيْسَ هُوَ أحد الْمَشْهُورين فِي كَلَام (خَ) بل مَحل اتِّفَاق مِنْهُمَا فمنطوق النَّاظِم يتَّفق عَلَيْهِ المشهوران مَعًا، وَمَفْهُومه فِيهِ الْخلاف الْمَذْكُور، لَكِن الْمَعْمُول بِهِ عدم الْمُضِيّ فَقَوْل ابْن رحال هَهُنَا: الرَّاجِح من الْخلاف جَوَاز خلع الْأَب عَنْهَا اسْتِقْلَالا الخ. خلاف الْمَعْمُول بِهِ. الرَّابِع: رجح الْبُرْزُليّ كَمَا فِي الْمواق أَن من فعل فعلا لَو كَانَ رفع إِلَى القَاضِي لم يفعل غَيره، فَإِنَّهُ يكون كَأَن القَاضِي فعله الخ. فَيَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ أَن الصَّغِير والسفيهة ذواتا الْمُقدم، بل والمهملة إِذا خالعن خلع أمثالهن، وَكَانَ إِيقَاع الْخلْع أحسن لَهُنَّ أَن يمْضِي ذَلِك لِأَنَّهُنَّ لَو رفعن أمرهن إِلَى القَاضِي لم يفعل غير ذَلِك، وَهَذَا وَإِن كَانَ قولا قَوِيا فِي الْمَذْهَب كَمَا تقدم عَن ابْن سَلمُون فِي الْمُهْملَة وَقَالَ مثله ابْن الْقَاسِم فِي الصَّغِيرَة كَمَا فِي الْمواق وضيح زَاد فِي ضيح قيل: وَبِه الْعَمَل قَالَ: وَيلْزم على قَول ابْن الْقَاسِم فِي الصَّغِيرَة أَن يمْضِي خلع السفيهة بذلك وَلَو مولى عَلَيْهَا الخ. لكنه خلاف الْمَذْهَب الْمُعْتَمد من نُفُوذ الْخلْع وَوُجُوب رد المَال كَمَا مر فَلَا تغتر بِشَيْء من ذَلِك وَالله أعلم. الْخَامِس: لما نقل ابْن عَرَفَة قَول المتيطي وَابْن فتحون للمحجورة أَن تخالع بِإِذن أَبِيهَا أَو وصيها وَتقول بعد إِذْنه لما رَآهُ من الْغِبْطَة قَالَ: فالأرجح عقده على الْوَصِيّ بِرِضَاهَا لَا عَلَيْهَا بِإِذْنِهِ خلاف قصره بَعضهم عَلَيْهَا بِإِذن الْوَصِيّ اتبَاعا مِنْهُ للفظ الموثقين وَأَظنهُ لعدم ذكره قَول ابْن الْقَاسِم فِيهَا وَعَلِيهِ لَو بارأ غير الْأَب عَن الْبكر فَقَالَ فِي اخْتِصَار الْوَاضِحَة: الطَّلَاق نَافِذ وَيرجع الزَّوْج بِمَا يردهُ للزَّوْجَة على من بارأه عَنْهَا وَإِن لم يشْتَرط ضَمَانه لِأَنَّهُ الْمُتَوَلِي وَضعه عَنهُ اه بِلَفْظِهِ. وَعبارَة الْمُتَيْطِيَّة: فَإِن كَانَت الزَّوْجَة مَحْجُورا عَلَيْهَا لأَب أَو وَصِيّ قلت فِي مخالعتها على أَن أسقطت فُلَانَة أَو التزمت لَهُ بِإِذن أَبِيهَا كَذَا وَكَذَا لما رأى فِي ذَلِك من الْغِبْطَة لَهَا والحيطة عَلَيْهَا اه. وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون وَقَول ابْن عَرَفَة وَعَلِيهِ لَو بارأ غير الْأَب الخ. هُوَ أحد أَقْوَال ذكرهَا ابْن سَلمُون فَقَالَ: فَإِن عقد على الْيَتِيمَة أَو غَيرهَا ولي أَو أَجْنَبِي فلهَا الرُّجُوع على زَوجهَا وَالطَّلَاق مَاض. وَهل يرجع الزَّوْج على الَّذِي عقد مَعَه الْخلْع إِذا لم يضمن ذَلِك؟ فَقيل: يرجع وَإِن لم يضمن لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أدخلهُ فِي الطَّلَاق، وَهَذَا لِابْنِ الْقَاسِم. وَرِوَايَته عَن مَالك فِي كتاب الصُّلْح من الْمُدَوَّنَة. وَقَول أصبغ فِي الْوَاضِحَة والعتبية: وَقد تقدم نقل كَلَامه عِنْد قَوْله: وَإِن تكن قد خالعت وأثبتت أضراره الخ. وعَلى مَا لِابْنِ عَرَفَة من كَون الرَّاجِح عقده على الْوَصِيّ بِرِضَاهَا يكون الرَّاجِح من تِلْكَ الْأَقْوَال هُوَ الرُّجُوع كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله: وَعَلِيهِ الخ. وَامْتَنَعَ الخُلْعُ على المَحْجُورِ إلاّ بِإذْنِهِ على المَشْهُورِ (وَامْتنع الْخلْع) فعل وفاعل (على الْمَحْجُور) يتَعَلَّق بِالْخلْعِ (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (بِإِذْنِهِ) يتَعَلَّق بِالْخلْعِ أَيْضا أَي امْتنع الْخلْع على الْمَحْجُور الذّكر الْبَالِغ بِكُل وَجه من الْوُجُوه إِلَّا بِإِذْنِهِ فَيجوز حِينَئِذٍ لوَلِيِّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 أَن يخالع عَنهُ وَلَو مقدما من قَاض (على الْمَشْهُور) وَمُقَابِله قَول ابْن الْقَاسِم فِي الْجِنَايَات أَنه يجوز لوصيه أَن يخالع عَنهُ بِغَيْر أمره. وَالْخُلْعُ جائِزٌ على الأَصاغِرِ مَعْ أَخْذِ شَيْءٍ لأَبٍ أَوْ حاجِرِ (وَالْخلْع) مُبْتَدأ (جَائِز) خَبره (على الأصاغر) يتَعَلَّق بِالْخلْعِ (مَعَ) بِسُكُون الْعين ظرف مُضَاف لقَوْله (أَخذ شَيْء) وَقَوله (لأَب أَو حاجر) يتَعَلَّق بالْخبر الْمَذْكُور أَي: وَالْخلْع على الْأَوْلَاد الأصاغر جَائِز لأَب أَو حاجر مَعَ أَخذ شَيْء من الزَّوْجَة أَو وَليهَا. وَهَذَا إِذا كَانَ على وَجه النّظر كَمَا فِي ضيح، وَإِنَّمَا أسقط المُصَنّف هَذَا لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَن الْوَلِيّ لَا يمْضِي تصرفه على الْمولى عَلَيْهِ إِلَّا بِالنّظرِ. ابْن نَاجِي: ظَاهرهَا أَنه لَا يجوز خلعه عَنهُ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ النّظر مَعَ الْأَخْذ أما إِن رَآهُ نظرا دون أَخذ فَلَا. قَالَ: وَرَأَيْت شَيخنَا أَبَا الْعَبَّاس بن حيدرة حكم بِمُطلق النّظر دون أَخذ، وَبِه أَقُول وَهُوَ نَص اللَّخْمِيّ اه بِاخْتِصَار. ويشمل قَوْله: أَو حاجر خلع السَّيِّد عَن عَبده الصَّغِير. ابْن فتوح وَابْن فتحون: يجوز للْأَب ووصيه وَالسُّلْطَان وخليفته المباراة على الصَّغِير بِشَيْء يسْقط عَنهُ أَو يُؤْخَذ لَهُ لَا غير ذَلِك. وَكَذَا السَّيِّد فِي عَبده الصَّغِير. ابْن عَرَفَة: هَذَا خلاف قَول اللَّخْمِيّ يجوز أَن يُطلق على السَّفِيه الْبَالِغ وَالصَّغِير بِغَيْر شَيْء يُؤْخَذ لَهُ، لِأَنَّهُ قد يكون بَقَاء الْعِصْمَة مبدياً لأمر جهل قبل إنكاحه أَو حدث بعده من كَون الزَّوْجَة غير محمودة الطَّرِيق أَو متلفة مَاله اه. وعَلى الأول عول (خَ) حَيْثُ قَالَ: وموجبه زوج مُكَلّف وَلَو سَفِيها وَولي صَغِير أَبَا أَو سيداً أَو غَيرهمَا لَا أَب سَفِيه وَسيد بَالغ الخ. وَبِه تعلم أَن مَا للخمي، وَاخْتَارَهُ ابْن نَاجِي مُقَابل لما فِي النّظم، وَتعلم أَيْضا أَن قَول ابْن سَلمُون لَا يجوز طَلَاق الْأَب وَالْوَصِيّ على الصَّغِير إِلَّا بِشَيْء يأخذانه لَهُ بِلَا خلاف لَا يَصح كَمَا مر. تَنْبِيه: يُؤْخَذ من قَول النَّاظِم إِلَّا بِإِذْنِهِ أَن السَّفِيه يسْتَقلّ بِالْخلْعِ لِأَن الْمدَار على إِذْنه وَلِأَن الطَّلَاق بِيَدِهِ وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مرّ عَن (خَ) وَيبقى النّظر هَل يبرأ المختلع بِتَسْلِيم المَال إِلَيْهِ أم لَا؟ وَهل إِذا خَالع بِأَقَلّ من خلع الْمثل يكمل لَهُ أم لَا. وَالْمذهب أَنه لَا يبرأ إِلَّا بِتَسْلِيمِهِ لوَلِيِّه، وَأَنه يكمل لَهُ إِن خَالع بِأَقَلّ من خلع الْمثل كَمَا لِابْنِ شَاس وَاللَّخْمِيّ، وَرجحه ابْن رحال فِي شَرحه لِأَنَّهُ بِنَفس العقد يكمله وَيصير مَالا من أَمْوَاله فَكيف يبرأ دافعه بِدَفْعِهِ للسفيه المبذر لَهُ. وَلِأَنَّهُ مُعَاوضَة بِدَلِيل أَنه يكمل لَهُ خلع الْمثل إِن خَالع بِأَقَلّ، وَلَو كَانَ كَالْهِبَةِ كَمَا قَالَ ابْن عَرَفَة: إِنَّه ظَاهر الموثقين مَا كمل لَهُ خلع الْمثل فَانْظُرْهُ. قلت: وَانْظُر إِذا خَالع ولي الصَّغِير عَنهُ بِأَقَلّ من خلع الْمثل هَل يكمل لَهُ أَو يبطل الطَّلَاق من أَصله، وَالظَّاهِر الأول لِأَن حق الصَّغِير لم يبْق إِلَّا فِي التَّكْمِيل. نعم إِذا كَانَ الطَّلَاق عَلَيْهِ من أَصله غير نظر، فَلَا يمْضِي عَلَيْهِ حِينَئِذٍ فالنظر لَا بدّ مِنْهُ على هَذَا فِي الطَّلَاق وَالْخلْع مَعًا، وَقد يُوجد فِي أَحدهمَا دون الآخر. وَمَنْ يُطَلِّقْ زَوْجَةً وَتَخْتَلعْ بِوَلدٍ مِنْهُ لَهُ وَيَرْتَجِعْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 (وَمن يُطلق) شَرط وَفعله (زَوْجَة) مَفْعُوله (وتختلع) بِالْجَزْمِ عطف على فعل الشَّرْط (بِولد مِنْهُ) يتعلقان بتختلع وَلَيْسَ الْمَجْرُور الثَّانِي صفة للْأولِ، بل هُوَ مقدم عَلَيْهِ فِي التَّقْدِير (لَهُ) صفة لولد فصل بَينه وَبَين موصوفه بأجنبي (ويرتجع) مَعْطُوف على تختلع. ثُم يُطَلِّقْها فحُكْمُ الشَّرْعِ أَنْ لَا يَعُودَ حُكْمُ ذَاك الخُلْعِ (ثمَّ يطلقهَا) مَعْطُوف عَلَيْهِ أَيْضا (فَحكم) مُبْتَدأ (الشَّرْع) مُضَاف إِلَيْهِ (أَن لَا يعود) مَنْصُوب بِأَن (حكم) فَاعل وَالْجُمْلَة فِي تَأْوِيل مصدر خبر الْمُبْتَدَأ أَي فَحكم الشَّرْع عدم عود حكم (ذَاك الْخلْع) . وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر جَوَاب الشَّرْط، وَأَشَارَ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ إِلَى مَا فِي أجوبة ابْن رشد رَحمَه الله، وَذَلِكَ أَنه سَأَلَهُ أهل بطليوس عَمَّن خَالع امْرَأَته على أَن تحملت بِنَفَقَة ابْنه مِنْهَا إِلَى الْحلم، ثمَّ رَاجعهَا بِنِكَاح جَدِيد، ثمَّ طَلقهَا هَل يسْقط عَن الزَّوْجَة مَا تحملته بمراجعته إِيَّاهَا أم لَا؟ وَكَيف إِن طلبه بِمَا تحملته وَهِي فِي عصمته بالمراجعة الَّتِي رَاجعهَا هَل يقْضِي بذلك أم لَا؟ فَأجَاب: إِذا رَاجعهَا سقط عَنْهَا مَا تحملته من نَفَقَة ابْنه وَرجعت النَّفَقَة عَلَيْهِ وَلَا تعود عَلَيْهَا إِن طَلقهَا وَلم تتحمل لَهُ بهَا ثَانِيَة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. وَنَقله ابْن عَاتٍ وَغَيره بِالْمَعْنَى وَبحث فِيهِ (ح) فِي التزاماته فَقَالَ لم يظْهر لي وَجه سُقُوط النَّفَقَة عَنْهَا بمراجعته إِيَّاهَا إِلَّا أَن يكون فهم عَنْهَا أَنَّهَا إِنَّمَا التزمت النَّفَقَة على الْوَلَد مَا لم تكن فِي عصمَة الزَّوْج اه. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الملوي: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ حق للْوَلَد فَلَا يسْقط بمراجعة أَبِيه أمه قَالَ: وَلَكِن فِي فائق الونشريسي مَا ينْتج مِنْهُ دفع هَذَا الْبَحْث لِأَن الِالْتِزَام فِي الْحَقِيقَة حق للزَّوْج لَا للْوَلَد اه. من خطه. قلت: الظَّاهِر عدم دفع الْبَحْث الْمَذْكُور لِأَن الِالْتِزَام وَإِن كَانَ حَقًا للزَّوْج لَا للْوَلَد لَا يسْقط عَنْهَا إِلَّا بمسقط وَلم يُوجد، وَأَيْضًا فَإِن الصَّبِي قد يكون لَهُ مَال فَالْحق حِينَئِذٍ للْوَلَد لِأَن النَّفَقَة سَاقِطَة عَن أَبِيه، وَقد يكون لَا مَال لَهُ فَالْحق حِينَئِذٍ للزَّوْج لكنه لم يسْقط. وَإنْ تَمُتْ ذَاتُ اخْتِلاعٍ وُقِفَا مِنَ مَالِها مَا فيهِ لِلدَّيْنِ وَفَا (وَإِن تمت) شَرط (ذَات) فَاعل (اختلاع) مُضَاف إِلَيْهِ (وَقفا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول جَوَاب الشَّرْط (من مَالهَا) يتَعَلَّق بوقفا (مَا) مَوْصُول نَائِب الْفَاعِل (فِيهِ) خبر مقدم (للدّين) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر الْمَذْكُور (وفا) مُبْتَدأ مُؤخر وَالْجُمْلَة صلَة مَا. لِلأَمَدِ الّذِي إليْهِ التُزِمَا وَهْوَ مُشَارِكٌ بِهِ لِلغُرَمَا (للأمد) يتَعَلَّق بوقفا أَو بوفا وَاللَّام للغاية بِمَعْنى إِلَى (الَّذِي) نعت للأمد (إِلَيْهِ) يتَعَلَّق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 بقوله: (التزما) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير الْإِنْفَاق الْمَفْهُوم من السِّيَاق وَالْجُمْلَة صلَة (فَهُوَ) مُبْتَدأ عَائِد على الْأَب (مشارك) خَبره (بِهِ للغرما) يتعلقان بِهِ وَالضَّمِير الْمَجْرُور عَائِد على الدّين، وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر جَوَاب عَن سُؤال مُقَدّر فَكَأَن قَائِلا قَالَ لَهُ: وَإِن كَانَت عَلَيْهَا دُيُون فَهَل يحاصص بِهِ؟ فَقَالَ: نعم فَهُوَ مشارك الخ. وَالْمعْنَى أَنه إِذا خَالعهَا على أَن تحملت لَهُ بِنَفَقَة وَلَدهَا أَو غير مُدَّة مَعْلُومَة كخمس عشرَة سنة أَو إِلَى الْبلُوغ وَنَحْو ذَلِك. ثمَّ مَاتَت فِي أثْنَاء الْمدَّة فَإِنَّهُ يُوقف من مَالهَا قدر مُؤنَة الابْن إِلَى انْقِضَاء الْمدَّة الَّتِي التزمتها فَإِن كَانَ عَلَيْهَا دُيُون غير مَا التزمته فَإِن للزَّوْج محاصة غرمائها بِمَا التزمته من نَفَقَة وَلَده بِأَن يُقَال مَا قدر مَا يَفِي بِنَفَقَتِهِ فِي الْمدَّة الْبَاقِيَة، فَيُقَال: كَذَا ويحاصص بِهِ مَعَ أَرْبَاب الدُّيُون، وَفهم من قَوْله: وَقفا أَنه يوضع عِنْد أَمِين وَلَا يدْفع للْأَب وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الْوَلَد إِذا مَاتَ بعد ذَلِك فَإِن الْبَاقِي مِمَّا وقف يرجع مِيرَاثا لورثتها أَو لأرباب الدُّيُون إِن بَقِي لَهُم شَيْء من دُيُونهم كَمَا فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة وَابْن سَلمُون وَغَيرهمَا. وَمَفْهُوم قَوْله: وَإِن تمت أَنَّهَا إِذا لم تمت بل مَاتَ الْوَلَد أَنه لَا شَيْء للْأَب وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مرّ فِي قَوْله: وَلَيْسَ للْأَب إِذا مَاتَ الْوَلَد شَيْء الخ. وَقَوْلِي مُدَّة مَعْلُومَة احْتِرَازًا من المجهولة بِأَن لَا يضربا لذَلِك أَََجَلًا أصلا أَو يضربا لذَلِك أَََجَلًا مَجْهُولا كقدوم زيد أَو يسر الْأَب فَإِن ذَلِك لَا يجوز كَمَا صرّح بِهِ ابْن رحال فِي شَرحه، وَهُوَ ظَاهر لِكَثْرَة الْغرَر، لَكِن يبْقى النّظر إِذا وَقع وَنزل وَلَا يخفى أَن الطَّلَاق نَافِذ وَلَا إِشْكَال، وَتقدم مَا يجب فِي ذَلِك عِنْد قَوْله: وَلَيْسَ للْأَب الخ. وَعند قَوْله: وَالْخلْع بِالْإِنْفَاقِ مَحْدُود الْأَجَل الخ. ثمَّ لَا يخفى أَن مَا ذكره النَّاظِم فِي هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَفِي اللَّذين قبلهمَا مُفَرع على قَول المَخْزُومِي وَمن مَعَه بِجَوَاز الْخلْع بِالنَّفَقَةِ الزَّائِدَة على الْحَوْلَيْنِ، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ اللَّائِق أَن يقدم هَذِه الأبيات الْأَرْبَعَة ويجعلها بعد قَوْله: وَجَاز قولا وَاحِدًا الخ، كَمَا مر التَّنْبِيه عَلَيْهِ. وَمَوْقِعُ الثَّلاثِ فِي الخُلْع ثَبَتْ طَلاقُهُ وَالخُلْعُ رُدَّ إنْ أَبَتْ (وموقع الثَّلَاث) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (فِي الْخلْع) يتَعَلَّق بالمبتدأ (ثَبت طَلَاقه) فعل وفاعل خبر الْمُبْتَدَأ (وَالْخلْع) مُبْتَدأ (رد) بِضَم الرَّاء مَبْنِيا للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ، وَيجوز قِرَاءَته بِكَسْر الرَّاء على أَنه مصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول، فَالْخَبَر حِينَئِذٍ مُفْرد لَا جملَة (إِن أَبَت) شَرط حذف جَوَابه للْعلم بِهِ فَقَوله: أَبَت يحْتَمل أَنه من الإباية، وَالْمعْنَى عَلَيْهِ أَنَّهَا إِذا أَعطَتْهُ دِينَارا مثلا ليُطَلِّقهَا وَاحِدَة أَو ليُطَلِّقهَا وأطلقت فَطلقهَا ثَلَاثًا، فَإِن الطَّلَاق وَاقع وَالْخلْع مَرْدُود حَيْثُ لم ترض بِالثلَاثِ قَالَه ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 سَلمُون. واستظهره ابْن عَرَفَة وَابْن رشد قائلين لِأَنَّهُ بطلاقه إِيَّاهَا ثَلَاثًا يعيبها لِامْتِنَاع كثير من النَّاس من تزَوجهَا خوف جعلهَا إِيَّاه محللاً فتسيء عشرته ليُطَلِّقهَا فَتحل للْأولِ، لَكِن قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه مَا فِي ابْن سَلمُون خلاف ظَاهرهَا. وَقَالَ فِي حَاشِيَته: هَهُنَا يحْتَمل أَن يكون قَوْله أَبَت من الْبَتَات الَّذِي هُوَ الْقطع وضميره للزَّوْج لَا من الإباية الَّتِي هِيَ الِامْتِنَاع وضميره للزَّوْجَة، وَيكون حِينَئِذٍ أَشَارَ إِلَى مَضْمُون قَول (خَ) إِن قَالَ: إِن خالعتك فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا. وَعَلِيهِ فَقَوْل النَّاظِم فِي الْخلْع يتَعَلَّق بِمَحْذُوف أَي فِي التَّعْلِيق على الْخلْع اه. وَبِالْجُمْلَةِ فالمسائل ثَلَاث. الأولى: أَن تَقول طَلقنِي بِأَلف مثلا فيطلقها ثَلَاثًا وَهَذِه هِيَ الَّتِي فِي النّظم وَهُوَ تَابع فِي ذَلِك لِابْنِ سَلمُون واستظهار ابْن رَاشد وَابْن عَرَفَة وَالَّذِي فِي (خَ) وَهُوَ ظَاهر الْمُدَوَّنَة أَو نَصهَا على مَا فِي ضيح أَن ذَلِك لَازم لَهَا. الثَّانِيَة: عكس مَا فِي النّظم وَهِي أَن تَقول لَهُ طَلقنِي ثَلَاثًا بِأَلف فيطلقها وَاحِدَة فَإِن الْألف لَازم لَهَا أَيْضا لِأَن الْمدَار على الْبَيْنُونَة وَهِي حَاصِلَة بالواحدة فَلَا فَائِدَة لاشتراطها الثَّلَاث وَبحث فِيهِ ابْن عَرَفَة وَأَبُو الْحسن وَابْن عبد السَّلَام: بِأَن الشَّرْط الْمَذْكُور قد يكون مُفِيدا لِأَن مقصودها بِإِعْطَاء الْعِوَض الْبعد مِنْهُ على أتم الْوُجُوه بِحَيْثُ لَا يبْقى لَهُ فِيهَا طلب، وَذَلِكَ إِنَّمَا يحصل بِالثلَاثِ، وَأما الْوَاحِدَة فقد يتَوَصَّل إِلَى مراجعتها بشفيع لَا يُمكنهَا رده اه. وَإِلَى مَسْأَلَة النَّاظِم وعكسها أَشَارَ (ح) عاطفاً على مَا يلْزم فِيهِ الْعِوَض بقوله: أَو طَلقنِي ثَلَاثًا بِأَلف فَطلقهَا وَاحِدَة أَو بِالْعَكْسِ. الثَّالِثَة: أَن يعلق الثَّلَاث على الْخلْع وَهِي الَّتِي أَشَارَ لَهَا (خَ) عاطفاً على مَا يرد فِيهِ الْعِوَض بقوله أَو قَالَ إِن خالعتك فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا فَإِنَّهُ إِذا خَالعهَا وَقعت الثَّلَاث مصاحبة لِخَلْعِهِ لِأَن الشَّرْط والمشروط يقعان دفْعَة وَاحِدَة ضَرُورَة اقتران الْمَشْرُوط مَعَ جُزْء شَرطه فِي الْوُجُود، كَمَا للوانوغي فَلم يصادفها الْخلْع وَهِي زَوْجَة فَوَجَبَ رد المَال، وَلما كَانَ كَلَام النَّاظِم وَابْن سَلمُون مُخَالفا لما فِي (خَ) وَظَاهر الْمُدَوَّنَة أَو نَصهَا أَوله ابْن رحال بِمَا مر على هَذِه الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَإِن كَانَ ذَلِك بَعيدا من لَفْظهمَا. تَنْبِيه: مَا ذكره (خَ) فِي الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة هُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَذكر ابْن رشد عَن أَشهب أَن الزَّوْج لَا يرد الْخلْع قَالَ: وَهُوَ الْمُخْتَار وَالصَّحِيح فِي النّظر وَالْقِيَاس إِذْ لَا يكون الْمَشْرُوط إِلَّا تَابعا لشرطه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 فَإِذا كَانَت الْمُصَالحَة سَابِقَة للطَّلَاق صحت وَمَضَت وَلم يرد الزَّوْج مَا أَخذ فِيهَا وَبَطل الطَّلَاق الْمُعَلق عَلَيْهَا وَاحِدًا كَانَ أَو ثَلَاثًا لوُقُوعه بعد الصُّلْح فِي غير زَوْجَة اه. قلت: تَأمل قَوْله وَهُوَ الْمُخْتَار، وَالصَّحِيح فِي النّظر الخ. فَإِنَّهُ لَا يجْرِي على مَا قَالُوهُ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنهم قَالُوا فِي الْمَسْأَلَة السريجية وَهِي إِن طَلقتك فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا أَن الشَّرْط والمشروط يقعان دفْعَة وَاحِدَة، وجعلوها من الْمسَائِل الَّتِي ينْقض فِيهَا حكم الْحَاكِم. وَقَوله: إِن الْمَشْرُوط تَابع لشرطه يُوجب عدم وُقُوع الثَّلَاث فِيهَا وَهُوَ خلاف مَا قَالُوهُ. ثَانِيهمَا: إِن قَوْله وَبَطل الطَّلَاق الخ. مُخَالف للمشهور وَمذهب الْمُدَوَّنَة من أَنه إِذا اتبع الْخلْع طَلَاقا من غير صمَات نسقاً لزم وارتدف كَمَا لَو نسقه فِي غير الْمَدْخُول بهَا، فَهُوَ وَإِن سلمنَا أَن الْمَشْرُوط تَابع لشرطه كَمَا قَالَ لزم أَن يَقع الثَّلَاث على الْمَشْهُور لوقوعها مُتَّصِلَة بِالْخلْعِ فَهُوَ قد اخْتَار وَصحح رَحمَه الله الْمُقَابل فِي الصُّورَتَيْنِ، وَذَلِكَ على عَادَته فِي كَونه يخْتَار خلاف الْمَذْهَب لرجحانه عِنْده فَلَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ، وَمثله وَقع لَهُ فِيمَن أعتق أم وَلَده على أَن سلمت لَهُ وَلَده الصَّغِير مِنْهَا فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: ذَلِك لَا يجوز وَيرد الْوَلَد إِلَيْهَا أَي وَالْعِتْق مَاض، وَقَالَ مرّة: ذَلِك لَازم لَهَا فَقَالَ ابْن رشد: الأَصْل فِي هَذَا أَنه رأى الْإِسْقَاط مقدما على الْعتْق، وَمرَّة رأى الْعتْق مقدما على الْإِسْقَاط فألزمها إِيَّاه وَالْأَظْهَر أَنه يلْزمهَا لِأَنَّهُمَا إِذا وَقعا مَعًا فقد وَقع وَاحِد مِنْهُمَا قبل كَمَال صَاحبه اه. على نقل ابْن عَاتٍ، فاستظهاره وتعليله رَحمَه الله فِي هَذِه مُوَافق لاختياره وتعليله فِي الأولى. وَقَالَ أَيْضا فِي بَيَانه: لِأَن الطَّلَاق وَالْعِتْق لَا يَقع فِي الصَّحِيح من الْأَقْوَال بِنَفس تَمام اللَّفْظ بِهِ، وَإِنَّمَا يَقع بعد مهلة يتَعَذَّر فِيهَا وَذَلِكَ بَين من قَوْلهَا وَالَّذِي يَقُول لامْرَأَته قبل الدُّخُول أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق فِي نسق أَنه يلْزمه الثَّلَاث، إِذْ لَو كَانَ الطَّلَاق يَقع بِتمَام اللَّفْظ بِهِ لم يلْزمه إِلَّا طَلْقَة وَاحِدَة اه. وَقَالَ فِي تَكْمِيل الْمنْهَج: هَل يَقع الشَّرْط مَعَ الْمَشْرُوط فِي مرّة أَو مرَّتَيْنِ فاقتفي تَعْلِيقه الثَّلَاث بِالْخلْعِ لذا كَذَلِك الْعتْق بِبيع نفذا فَانْظُر تَمَامه. وَقَوله كَذَلِك الْعتْق هُوَ قَول (خَ) فِي الْعتْق وَعتق على البَائِع إِن علق هُوَ وَالْمُشْتَرِي الخ. وَانْظُر قَوَاعِد الْقَرَافِيّ أَيْضا. ( فصل ) وَمَوقِعُ الطَّلاقِ دُونَ نِيَّهْ بِطَلْقَةٍ يُفَارِقُ الزَّوْجِيَّهْ (وموقع) مُبْتَدأ (الطَّلَاق) مُضَاف إِلَيْهِ (دون نِيَّة) يتَعَلَّق بموقع (بِطَلْقَة) يتَعَلَّق ب (فَارق الزَّوْجِيَّة) مفعول بِهِ، وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ والرابط هُوَ الْفَاعِل بيفارق. وَقِيلَ بَلْ يَلْزَمُهُ أَقْصَاهُ وَالأَوَّلُ الأظْهَرُ لَا سِوَاهُ (وَقيل) مَبْنِيّ للْمَفْعُول ونائبه الْجُمْلَة المحكية (بل) حرف إضراب (يلْزمه أقصاه) جملَة من فعل وفاعل ومفعول (وَالْأول) مُبْتَدأ (الْأَظْهر) خَبره (لَا) عاطفة (سواهُ) مَعْطُوف وَالضَّمِير الْمَجْرُور بسوى عَائِد على الأول، وَالْمعْنَى أَن من قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق مثلا وَلَا نِيَّة لَهُ فِي وَاحِدَة وَلَا أَكثر فَقيل: تلْزمهُ وَاحِدَة وَهُوَ الْأَظْهر عِنْد النَّاظِم من جِهَة النّظر لِأَنَّهُ قد حصل بهَا مُسَمّى الطَّلَاق فَلَا وَجه بإلزامه أَكثر، وَقيل يلْزمه الثَّلَاث احْتِيَاطًا وَالْقَوْلَان ذكرهمَا ابْن رشد فِي طَلَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 السّنة كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَابْن عَاتٍ، وَالْخلاف مَبْنِيّ على الْخلاف فِي اللَّفْظ الْمُحْتَمل لأَقل ولأكثر إِذا لم تصحبه نِيَّة هَل يحمل على أقل مَا صدقاته أَو على أَكْثَرهَا. وللمسألة نَظَائِر قَالَه (م) ثمَّ مَا اسْتَظْهرهُ النَّاظِم هُوَ الْمَشْهُور كَمَا أَفَادَهُ (خَ) بقوله وَتلْزم وَاحِدَة إِلَّا لنِيَّة أَكثر. وَقَالَ ابْن عَرَفَة: وَإِن قَالَ أَنْت طَالِق فَهُوَ مَا نوى فَإِن لم ينْو شَيْئا فَوَاحِدَة اه. وَانْظُر مَا مر عِنْد قَوْله: وَينفذ الطَّلَاق بِالصَّرِيحِ الخ. وعَلى الْمَشْهُور فَهِيَ رَجْعِيَّة يرتدف عَلَيْهَا كل طَلَاق أوقعه فِي عدتهَا كَمَا لِابْنِ رشد وَابْن لب وَغَيرهمَا. وَقَالَ الشَّارِح: الْأَظْهر أَنَّهَا بَائِنَة لعدم معرفَة النَّاس الْيَوْم الطَّلَاق الرَّجْعِيّ وَمَا قَالَه ظَاهر حَيْثُ كَانُوا لَا يطلقون الطَّلَاق فِي عرفهم إِلَّا على الْبَائِن لِأَن مَا بِهِ الْعرف فِي مثل هَذَا يتَعَيَّن الْمصير إِلَيْهِ كَمَا مر قبل هذَيْن الْبَيْتَيْنِ، وَمَا ذكره ابْن رحال عِنْد قَول النَّاظِم: وَفِي المملك خلاف وَالْقَضَاء الخ. مِمَّا يُخَالف مَا الشَّارِح غير ظَاهر. تَنْبِيه: ذكر فِي الْبَاب السَّادِس عشر من الْفَائِق أَن القَاضِي أَبَا عبد الله الْمقري سُئِلَ عَمَّن قَالَ على الطَّلَاق لَا أفعل أَو لَأَفْعَلَنَّ فَحنث، وَله أَكثر من وَاحِدَة وَلم يقْصد غير مُطلق الطَّلَاق. فَأجَاب بِأَنَّهُ يخْتَار للطَّلَاق وَاحِدَة. قَالَ: وَرَأَيْت ذَلِك أَضْعَف من قَوْله إحداكن أَو امْرَأَتي طَالِق لِأَن هَذَا مُقَيّد لفظا وَمعنى، وَذَلِكَ مُطلق لفظا مُحْتَمل للتَّقْيِيد بِهن معنى اه. وَنَقله (ت) فِي حَاشِيَته على (ز) عِنْد قَول (خَ) أَو إِحْدَاكُمَا طَالِق أَو أَنْت طَالِق بل أَنْت طلقتا الخ. وَقَالَ عقبه: وَعِنْدِي فِيهِ نظر بل تطليق الْجَمِيع فِي هَذِه أولى من مَسْأَلَة (خَ) فَتَأَمّله اه. ورأيته كتب بِخَطِّهِ فِي بعض الهوامش فِي ذَلِك الْمحل مَا نَصه: أفتى الْمقري بِأَنَّهُ يخْتَار، وَبِه أفتى سَيِّدي عبد الْقَادِر الفاسي، وَوَجهه بتوجيه غير ظَاهر، وَأفْتى سَيِّدي يحيى السراج بِأَنَّهُ يلْزمه فِي الْجَمِيع كَمَسْأَلَة إِحْدَاكُمَا طَالِق وَهُوَ الْمُوَافق للمشهور اه. قلت: وَمَا قَالَه من أَن هَذَا هُوَ الْمُوَافق للمشهور ظَاهر، وَهُوَ الَّذِي يتَعَيَّن الْمصير إِلَيْهِ وَذَلِكَ لِأَن الْمُطلق لفظا الْمُحْتَمل للتَّقْيِيد معنى أقوى فِي الدّلَالَة على الْعُمُوم والشمول، فَهَذِهِ أَحْرَى فِي لُزُوم طَلَاق الْجَمِيع من مَسْأَلَة (خَ) وَمَا قَالَه الْمقري معكوس فَتَأَمّله، بل هُوَ مُقَابل للمشهور قَالَ فِي الشَّامِل مَا نَصه: وَفِي إِحْدَاكُمَا أَو امْرَأَته طَالِق وَلم ينْو مُعينَة طلقتا مَعًا على الْمَشْهُور وَقيل يخْتَار اه. وَقَالَ ابْن عَرَفَة: وَإِن شهد عَلَيْهِ أَنه طلق إِحْدَى امرأتيه فَهُوَ كمن طلق وَلَا نِيَّة لَهُ يَعْنِي فيطلق الْجَمِيع، وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين التَّعْلِيق كَقَوْلِه: إِن دخلت الدَّار فعلي الطَّلَاق وَغير التَّعْلِيق كَمَا مرّ عَن الشَّامِل و (خَ) فَلَا تغتر بِمَا للمقري، وَإِن تبعه عَلَيْهِ الشَّيْخ عبد الْقَادِر الفاسي وَالشَّيْخ (م) على مَا وقف عَلَيْهِ بَعضهم فِي جَوَاب للثَّانِي أَيْضا. وَمَا امْرْؤٌ لِزَوْجَةٍ يَلْتَزِمُ مِمَّا زَمَان عِصْمَةٍ يَسْتَلْزِمُ (وَمَا) مَوْصُولَة مُبْتَدأ وَجُمْلَة (امْرُؤ لزوجة يلْتَزم) صلته وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بيلتزم والعائد مَحْذُوف أَي يلتزمه (مِمَّا) بَيَان لما (زمَان عصمَة) ظرف يتَعَلَّق بقوله (يسْتَلْزم) وَالْجُمْلَة صلَة مَا الثَّانِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 والعائد مَحْذُوف أَيْضا وَالتَّقْدِير: وَالَّذِي يلتزمه الْمَرْء لزوجته من الْأُمُور الْآتِيَة الَّتِي يسْتَلْزم بهَا فِي زمَان الْعِصْمَة. فَذَا إذَاً دُونَ الثَّلاثِ طَلَّقَا زَالَ وَإنْ رَاجَعَ عَادَ مُطْلَقَا (فَذا) مُبْتَدأ ثَان (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (دون الثَّلَاث) ظرف يتَعَلَّق بقوله (طلقا) وَقَوله (زَالَ) هُوَ جَوَاب إِذا ومتعلقه مَحْذُوف أَي زَالَ عَنهُ مَا الْتَزمهُ بِهَذَا الطَّلَاق، وَالْجُمْلَة من إِذا وجوابها خبر ذَا (وَإِن رَاجع) شَرط حذف معموله أَي رَاجع الزَّوْجَة (عَاد) جَوَاب الشَّرْط أَي عَاد عَلَيْهِ مَا كَانَ الْتَزمهُ أَولا (مُطلقًا) حَال من فَاعل عَاد وَالْجُمْلَة من هَذَا الشَّرْط، وَالْجَوَاب معطوفة على الْجُمْلَة قبلهَا، وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَخَبره وَمَا عطف عَلَيْهِ خبر الْمُبْتَدَأ الأول، وَدخلت الْفَاء فِي الْخَبَر لشبه الْمَوْصُول بِالشّرطِ فِي الْعُمُوم والإبهام. مِثْلُ حَضَانَةٍ والإنْفَاق عَلَى أَوْلادِهَا ومِثْلُ شَرْطٍ جُعِلاَ (مثل) خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي وَذَلِكَ مثل (حضَانَة) مُضَاف إِلَيْهِ (والإنفاق) بِنَقْل حَرَكَة الْهمزَة مَعْطُوف على مَا قبله (على أَوْلَادهَا) يتَعَلَّق بِالْإِنْفَاقِ (وَمثل) مَعْطُوف على مثل الأول (شَرط) مُضَاف إِلَيْهِ (جعلا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صفة لشرط، وَمَعْنَاهُ أَن الزَّوْج إِذا الْتزم لزوجته بعد عقد النِّكَاح عَلَيْهَا مثل الْحَضَانَة على أَوْلَادهَا وَالنَّفقَة عَلَيْهِم فِي زمَان عصمتها، أَو شَرط لَهَا فِي عقد النِّكَاح أَو بعده أَن لَا يُخرجهَا من بَلَدهَا أَو لَا يغيب عَنْهَا أَو لَا يتَزَوَّج وَلَا يتسرى عَلَيْهَا، وَإِن فعل فَأمرهَا بِيَدِهَا أَو فالتي يَتَزَوَّجهَا طَالِق فَإِنَّهُ فِي ذَلِك كُله إِذا طَلقهَا دون الثَّلَاث فَإِن ذَلِك يسْقط عَنهُ، وَإِن رَاجعهَا رَجَعَ عَلَيْهِ مَا كَانَ الْتزم مُطلقًا اشْترط رُجُوع ذَلِك عَلَيْهِ ثَانِيًا أم لَا. كَانَ لَهَا اخْتِيَار فِي الطَّلَاق كَمَا لَو طَلقهَا بخلع أم لَا. كَانَ الطَّلَاق عَلَيْهِ جبرا لضرره بهَا أم لَا. وَظَاهره أَنه إِذا رَاجعهَا يعود عَلَيْهِ ذَلِك وَلَو رَاجعهَا بعد زوج، وَمَفْهُوم دون الثَّلَاث أَنه إِذا طَلقهَا ثَلَاثًا وَلَو فِي مَرَّات ثمَّ رَاجعهَا بعد زوج فَإِنَّهُ لَا يعود عَلَيْهِ ذَلِك إِلَّا بِشَرْط وَهُوَ كَذَلِك، وَقَوْلِي بعد عقد النِّكَاح احْتِرَازًا مِمَّا إِذا الْتزم لَهَا الْإِنْفَاق فِي صلب العقد وَفَاتَ بِالدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا يلْزمه ذَلِك فِي النِّكَاح الأول فأحرى أَن لَا يعود عَلَيْهِ فِي الْمُرَاجَعَة كَمَا مرّ فِي فَاسد النِّكَاح بِخِلَاف الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة فَإِنَّهُ لَا فرق بَين التزامها فِي العقد أَو بعده كَمَا قَررنَا، وَالظَّاهِر أَنه لَا مَفْهُوم لقَوْله زمَان عصمَة، بل كَذَلِك إِذا قَالَ مُدَّة الزَّوْجِيَّة أَو مَا دَامَت تَحْتَهُ وَنَحْو ذَلِك كَمَا يَقْتَضِيهِ نَص ابْن رشد وَعَلِيهِ فَلَو قَالَ النَّاظِم: وَإِن زوج لزوجه يلْتَزم مثل حضَانَة وَشرط يبرم فَإِن يكن دون الثَّلَاث طلقا الخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 لَكَانَ أشمل وأخصر وَأبين وَمَا ذكره النَّاظِم فِي هَذِه الأبيات هُوَ كَذَلِك فِي ابْن سَلمُون وَابْن عَاتٍ عَن ابْن رشد وَنَقله (ح) فِي التزاماته، وَاعْتَمدهُ (ز) وَغَيره عِنْد قَول (خَ) وزائد شَرط الخ. وَتقدم عكس هَذِه الْمَسْأَلَة فِي قَول النَّاظِم: وَمن يُطلق زَوْجَة وتختلع الخ. تَنْبِيهَات. الأول: فَإِن الْتزم الْإِنْفَاق وَلم يتعرضا للكسوة فَهَل تدخل الْكسْوَة؟ رجح ابْن عَرَفَة دُخُولهَا قَالَ (ت) وَفِي ذَلِك قلت: وَتدْخل الْكسْوَة فِي الْإِنْفَاق على الْمُرَجح لَدَى الْإِطْلَاق قلت: ذكر (ح) أَوَائِل الالتزامات كَلَام ابْن رشد وَابْن سهل وَغَيرهمَا. وَحَاصِله: أَن الْمُلْتَزم إِذا قَالَ: أردْت دُخُولهَا أَو عدم دُخُولهَا عِنْد الْإِطْلَاق صدق كَمَا يصدق أَيْضا إِذا قَالَ: أردْت شهرا أَو سنة عِنْد الْإِطْلَاق فِي الْمدَّة أَيْضا، وَإِن قَالَ لَا نِيَّة لَهُ لَا فِي الدُّخُول وَلَا فِي عَدمه فَالَّذِي يظْهر من ابْن رشد أَن لفظ النَّفَقَة يُطلق فِي الْعرف على الطَّعَام وَالْكِسْوَة وعَلى الطَّعَام فَقَط، وَأَن الأول هُوَ الْمَشْهُور، فَإِذا أطلق الْمُلْتَزم اللَّفْظ وَلم تكن لَهُ نِيَّة حملت على الأول لِأَنَّهُ الْمَشْهُور وَإِن ادّعى الْمُلْتَزم أَنه أَرَادَ الْأَخير قبل مَعَ يَمِينه، وَإِلَى هَذَا يرجع كَلَام ابْن سهل والمتيطي اه. وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَهِيَ دَاخِلَة حَيْثُ لَا نِيَّة وَلَا عرف بتخصيص النَّفَقَة بِالطَّعَامِ وَإِلَّا لم تدخل وَمن تَأمل عرف عامتنا الْيَوْم وجدهم لَا يطلقونها على الْكسْوَة بِحَال فَلَا تلْزمهُ الْكسْوَة عِنْد الْإِطْلَاق وَعدم النِّيَّة كَمَا يفِيدهُ كَلَام (ز) وَغَيره أول النَّفَقَات وَتقدم فِي الْفَصْل قبل هَذَا أَن الْعرف يخصص الْعَام، ويقيد الْمُطلق. الثَّانِي: لَيْسَ لَهَا أَن تسْقط عَن الزَّوْج نَفَقَة أَوْلَادهَا حَيْثُ عَادَتْ لِأَنَّهُ مَال وهب لأولادها لَا حق لَهَا فِيهِ كَمَا مر أول الْخلْع، وَكَذَا لَو كَانَ الشَّرْط طَلَاق من يَتَزَوَّجهَا عَلَيْهَا أَو عتق من يتسرى بهَا لِأَنَّهُ حق لله. الثَّالِث: قَالَ الشَّيْخ (م) هَهُنَا مَا مَعْنَاهُ انْظُر إِذا تطوع بِنَفَقَة أَوْلَادهَا مُدَّة الزَّوْجِيَّة هَل تَنْقَطِع بِبُلُوغِهِ عَاقِلا قَادِرًا على الْكسْب كَمَا تَنْقَطِع بذلك عَن الْأَب أَو لَا تَنْقَطِع إِلَّا بِمَوْت أحد الزَّوْجَيْنِ أَو فراقهما لقَوْله فِي الْوَثِيقَة مُدَّة الزَّوْجِيَّة وَفِي التزامات (ح) : عَن الطرر وَابْن سَلمُون أَنَّهَا تَنْقَطِع بِبُلُوغِهِ عَاقِلا قَادِرًا قَالَ (ح) وَهُوَ خلاف ظَاهر قَوْله فِي معِين الْحُكَّام ومختصر الْمُتَيْطِيَّة إِذا طاع الزَّوْج بِنَفَقَة ابْن الزَّوْجَة جَازَ بعد ثُبُوت العقد وَإِن كَانَ فِي العقد لم يجز للغرر إِلَى آخر كَلَام (م) . قلت: معنى كَون مَا لِابْنِ سَلمُون والطرر خلاف ظَاهر مَا للمعين والمتيطية أَنه فِي الْمعِين والمتيطية أطلق فِي الْجَوَاز بعد العقد فظاهرهما أَنه لَازم مُدَّة الزَّوْجِيَّة وَلَو عَاقِلا قَادِرًا على الْكسْب، وَلِهَذَا زَاد (ح) إِثْر مَا مر عَن الْمعِين والطرر مَا مَعْنَاهُ: وَيحْتَمل أَن يكون مَا فِي ابْن سَلمُون والطرر تقييداً لما فِي الْمُتَيْطِيَّة والمعين وَهُوَ الظَّاهِر اه. ثمَّ رَأَيْت أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد الملوي رَحمَه الله نقل عَن الْبِسَاطِيّ فِي وثائقه أَنه اسْتشْكل مَا لِابْنِ سَلمُون والطرر فَإِنَّهُ الْتزم النَّفَقَة مُدَّة الزَّوْجِيَّة فَلم أسقطنا عَنهُ النَّفَقَة بقدرته على الْكسْب؟ قَالَ: وَكَأَنَّهُم لاحظوا أَن سَبَب الْتِزَامه إِسْقَاط كلفتهم عَن الْأُم وبقدرتهم على الْكسْب انْتَفَت الْعلَّة كَمَا قَالُوا فِيمَن اخْتلعت بِنَفَقَة الْوَلَد اه. وَبِه تعلم أَن مَا اسْتَظْهرهُ (ح) من التَّقْيِيد صَوَاب، وَأَن الْمَعْمُول عَلَيْهِ هُوَ مَا لِابْنِ سَلمُون والطرر وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 كَذَا جَرَى العَمَلُ فِي التَّمْتِيعِ بأَنَّهُ يَرْجِعُ بالرُّجُوعِ (كَذَا) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من مَضْمُون مَا بعده (جرى الْعَمَل) فعل وفاعل (فِي التمتيع) يتَعَلَّق بجرى أَو بِالْعَمَلِ (بِأَنَّهُ) يتَعَلَّق بجرى أَيْضا (يرجع) خبر إِن (بِالرُّجُوعِ) يتَعَلَّق بِهِ، وَالتَّقْدِير: جرى الْعَمَل فِي التمتيع بِرُجُوعِهِ بِالرُّجُوعِ حَال كَونه كَائِنا كَذَلِك أَي كرجوع مَا الْتَزمهُ الزَّوْج لزوجته. وَشَيْخُنَا أبُو سَعِيدٍ فَرَّقَا بَيْنَهُمَا رَدَّاً عَلَى مَنْ سَبَقَا (وَشَيخنَا) مُبْتَدأ (أَبُو سعيد) بدل (فرقا) فعل وفاعل (بَينهمَا) يتَعَلَّق بِهِ. وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ (ردا) مصدر بِمَعْنى الْفَاعِل حَال من فَاعل فرق (على من سبقا) يتَعَلَّق بِالْحَال الْمَذْكُور. وَقَالَ قَدْ قَاسَ قِيَاساً فَاسِدا مَنْ جَعَلَ البَابَيْنِ بَاباً وَاحِدا (و) ضمير (قَالَ) يعود على الْمُبْتَدَأ الْمَذْكُور، وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة فرقا (قد قَاس) محكي بقال (قِيَاسا) مصدر نَوْعي (فَاسِدا) نعت لَهُ. (من) مَوْصُول فَاعل بقاس (جعل) صلَة من (الْبَابَيْنِ) مفعول أول بِجعْل (بَابا) مَفْعُوله الثَّانِي (وَاحِدًا) نعت لَهُ. لأنَّهُ حَقٌّ لَهُ قَدْ أسْقَطَهْ فَلاَ يَعُودُ دُونَ أَنْ يَشْتَرِطَهْ (لِأَنَّهُ) تَعْلِيل للْفَسَاد (حق لَهُ) خبر إِن (قد أسْقطه) نعت لحق (فَلَا يعود) جملَة من فعل وفاعل معطوفة على جملَة قد أسْقطه (دون) مُتَعَلق بيعود (أَن يَشْتَرِطه) فِي تَأَول مصدر مخفوض بِالْإِضَافَة. وَذَاكَ لَمْ يُسْقِطْهُ مُسْتَوْجِبُهُ فَعَادَ عِنْدَ مَا بَدَا مُوجِبُهُ (وَذَاكَ) مُبْتَدأ (لم يسْقطهُ مستوجبه) جملَة من فعل وفاعل خبر الْمُبْتَدَأ. وَمعنى مستوجبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 مُسْتَحقّه وَلَو عبر بِهِ لَكَانَ أوضح (فَعَاد) جملَة معطوفة على جملَة لم يسْقطهُ (عِنْد) يتَعَلَّق بعاد (مَا) مَصْدَرِيَّة (بدا مُوجبه) صلتها. والموصول وصلته فِي تَأْوِيل مصدر مخفوض بِالْإِضَافَة أَي عِنْد بَدْء مُوجبه، وَأثبت النَّاظِم صلَة غير الْفَتْح فِي الْإِضْمَار ضَرُورَة على حد قَوْله: ومهمه مغبرة أرجاؤه كَأَن لون أرضه سماؤه وَالأَظْهَرُ العَوْدُ كَمَنْ تَخْتَلِعُ فَكُلّ مَا تَتْرُكُهُ مُرْتَجَعُ (وَالْأَظْهَر) مُبْتَدأ (الْعود) خَبره (كمن) خبر مُبْتَدأ مُضْمر (تختلع) صلَة من والرابط ضمير الْفَاعِل الْعَائِد على من (فَكل) مُبْتَدأ (مَا) مَوْصُولَة فِي مَحل جر بِالْإِضَافَة وَاقعَة على الشُّرُوط فَقَط لَا عَلَيْهَا وعَلى مَا تَدْفَعهُ خلعاً كَمَا يَقْتَضِيهِ عُمُوم مَا وَبِه قَرَّرَهُ وَلَده لِأَن المخالع بِهِ لَا يرتجع إِلَّا بِنَصّ عَلَيْهِ عِنْد الارتجاع (تتركه) صلَة مَا. وَهُوَ بِمَعْنى الْمَاضِي أَي: فَكل مَا تتركه من حَقّهَا بِسَبَب الطَّلَاق والرابط الضَّمِير الْمَنْصُوب (مرتجع) خبر الْمُبْتَدَأ وَهُوَ بِفَتْح الْجِيم، وَمعنى هَذِه الأبيات السِّت أَن الزَّوْجَة إِن أمتعت زَوجهَا بعد عقد النِّكَاح بسكنى دارها أَو استغلال ضيعتها وَنَحْو ذَلِك مُدَّة عصمتها مثلا ثمَّ طَلقهَا دون الثَّلَاث فَلَا سُكْنى لَهُ وَلَا استغلال فَإِن رَاجعهَا رجعت لَهُ السُّكْنَى والاستغلال إِلَّا إِذا طَلقهَا ثَلَاثًا، ثمَّ رَاجعهَا بعد زوج لم يرجع لَهُ شَيْء حِينَئِذٍ من التمتيع الْمَذْكُور فَلَا فرق بَين مَا الْتَزمهُ الزَّوْج لزوجته الَّذِي تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي قَوْله: وَمَا أمرؤ لزوجة يلْتَزم الخ. وَبَين مَا التزمته الزَّوْجَة لزَوجهَا من السُّكْنَى والاستغلال وَنَحْوهمَا فَإِن كلاًّ مِنْهُمَا يسْقط بِالطَّلَاق وَيعود بالمراجعة إِلَّا أَن يُطلق ثَلَاثًا كَذَا قَالَ الجزيري فِي وثائقه وإياه تبع النَّاظِم حَيْثُ قَالَ: كَذَا جرى الْعَمَل بالتمتيع الخ. ثمَّ أخبرنَا النَّاظِم أَن شَيْخه أَبَا سعيد رَحمَه الله فرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ ردا على من سبق وَهُوَ الجزيري الْمَذْكُور، وَقَالَ: إِن من قَاس مَسْأَلَة الإمتاع على مَسْأَلَة الْتِزَام الزَّوْج فقياسه فَاسد لِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَة الإمتاع الْحق للزَّوْج، وَقد أسقط حَقه مِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ الطَّلَاق لِأَنَّهُ بِيَدِهِ فَلَا يعود إِلَيْهِ بالمراجعة إِلَّا بإمتاع ثَان، وَأما مَا الْتَزمهُ الزَّوْج لزوجته من الشُّرُوط والإنفاق على أَوْلَادهَا فَإِن الْحق فِيهِ للزَّوْجَة أَو لبنيها وهم لم يسقطوا حَقهم، أما الزَّوْجَة فَلِأَنَّهُ لَا طَلَاق بِيَدِهَا حَتَّى تكون بِهِ مسقطة حَقّهَا. وَأما الْأَوْلَاد فَكَذَلِك أَيْضا هَذَا مَا فرق بِهِ أَبُو سعيد. قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله: وَالْأَظْهَر عِنْده الْعود كَمَا قَالَ الجزيري وَشبه ذَلِك بالمختلعة فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 الْمَسْأَلَة السَّابِقَة الْمشَار إِلَيْهَا بقوله: وَمَا امْرُؤ بِزَوْجَة الخ. فَإِنَّهَا تفارق باختيارها وَلها سَبَب فِيهِ، وَمَعَ ذَلِك تعود لَهَا شُرُوطهَا وَهُوَ معنى قَوْله: فَكل مَا تتركه الخ. قلت: مَا قَالَه أَبُو سعيد رَحمَه الله أظهر لِأَن تِلْكَ الشُّرُوط إِن كَانَت حَقًا لله تَعَالَى كَطَلَاق من يَتَزَوَّجهَا أَو عتق من يتسرى بهَا عَلَيْهَا أَو حَقًا لغَيْرهَا كَنَفَقَة الْأَوْلَاد وحضانتهم فَلَا تسْقط قطعا، وَلَا يكون اخْتِيَارهَا الطَّلَاق بِالْخلْعِ سَببا فِي إِسْقَاط تِلْكَ الشُّرُوط عِنْد الْمُرَاجَعَة، وَإِن كَانَت حَقًا لَهَا فَقَط كجعل أمرهَا أَو أَمر الدَّاخِلَة عَلَيْهَا بِيَدِهَا فاختيارها الطَّلَاق بِالْخلْعِ أَيْضا مَسْبُوق بِاخْتِيَارِهِ، فَلِذَا عَادَتْ الشَّرْط بالمراجعة وَيدل على اخْتِيَارهَا الطَّلَاق فِي الْخلْع مَسْبُوق بِاخْتِيَارِهِ مَا قَالُوهُ فِي المختلعة فِي الْمَرَض على مَا مرّ، وَذَلِكَ لِأَن الزَّوْج إِذا أجَاب زَوجته لِلْخلعِ فقد أظهر لَهَا عدم رغبته فِيهَا فَلَا يَسعهَا حِينَئِذٍ إِلَّا بدله لِأَن النِّسَاء يأنفن من الْإِقَامَة عِنْد من أظهر لَهُنَّ الرَّغْبَة عَنْهُن فَلَا يتم الْقيَاس الَّذِي قاسه الجزيري، واستظهره النَّاظِم. وَبِالْجُمْلَةِ لم يتمحض اخْتِيَارهَا فِي الْخلْع بل هُوَ مَسْبُوق بِاخْتِيَارِهِ بِخِلَاف التمتيع فقد تمحض اخْتِيَاره، وَمن شَرط الْقيَاس الْمُسَاوَاة، وَالله أعلم. ( فصل فِي التداعي فِي الطَّلَاق) الْفَاء للسَّبَبِيَّة أَي التداعي الْحَاصِل بِسَبَب الطَّلَاق قَالَه (ت) وَهَذَا الْفَصْل هُوَ الْمُسَمّى عِنْد الأقدمين بإرخاء الستور قَالَه الشَّارِح. وَالزَّوْجُ إنْ طَلَّقَ مِنْ بَعْدِ البِنَا ولاِدِّعاءِ الوَطْءِ رَدَّ مُعْلِنا (وَالزَّوْج) مُبْتَدأ (إِن طلق) شَرط (من بعد الْبَنَّا) ء يتَعَلَّق بِفعل الشَّرْط الْمَذْكُور، وَمرَاده بِالْبِنَاءِ خلْوَة الاهتداء (ولادعاء الْوَطْء) مفعول بقوله (رد) وفاعله ضمير الزَّوْج وَاللَّام زَائِدَة لَا تتَعَلَّق بِشَيْء كَمَا مر، وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة الشَّرْط قبلهَا (مُعْلنا) حَال من فَاعل رد. فالقَولُ قَوْلُ زَوْجَةٍ وَتَسْتَحِقْ بَعْدَ الْيَمِينِ مَهْرَها الّذِي يَحِقْ (فَالْقَوْل قَول زَوْجَة) مُبْتَدأ وَخبر، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَلذَا دخلت الْفَاء (وتستحق) فَاعله ضمير الزَّوْجَة (بعد الْيَمين) يتَعَلَّق بِهِ (مهرهَا) مفعول بِهِ (الَّذِي) صفة لما قبله (يحِق) صلَة الَّذِي والرابط هُوَ الْفَاعِل بيحق، وَالْجُمْلَة من تسْتَحقّ وَمَا بعده معطوفة على جَوَاب الشَّرْط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 وَالشّرط وَجَوَابه خبر الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ الزَّوْج، وَمَعْنَاهُ أَن الزَّوْج إِذا خلا بِزَوْجَتِهِ خلْوَة يُمكن شغله مِنْهَا، وَإِن لم يكن هُنَاكَ ستر وَلَا غلق بَاب ثمَّ طَلقهَا بعد تِلْكَ الْخلْوَة وَهِي مُرَاد المُصَنّف بِالْبِنَاءِ كَمَا مرّ فادعت هِيَ الْمَسِيس وَادّعى هُوَ عَدمه فَإِن القَوْل للزَّوْجَة بِيَمِينِهَا للْعُرْف، إِذْ قل أَن يفارقها قبل الْوَطْء، وتستحق جَمِيع مهرهَا الْحَال أَو مَا حل مِنْهُ عِنْد حَلفهَا، وَأما الْمُؤَجل فتستحقه عِنْد حُلُول أَجله، وَظَاهر النّظم كَانَت حرَّة أَو أمة رَشِيدَة أَو سَفِيهَة تلبست بمانع وَقت الاختلاء كحيض أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك فِي الْجَمِيع (خَ) وصدقت فِي خلْوَة الاهتداء، وَإِن بمانع شَرْعِي، وَفِي نَفْيه وَإِن سَفِيهَة أَو أمة الخ. ثمَّ لَا يتَمَكَّن من ارتجاعها لإنكاره الْوَطْء قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا. وَظَاهر النّظم أَنه لَا ينظرها النِّسَاء إِن كَانَت بكرا وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور والجاري على مَا مرّ فِي الْعُيُوب أَن النِّسَاء ينظرنها وَهُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَل، وَعَلِيهِ فَإِن وجدنها مفتضة فقولها، وَإِلَّا فَقَوله مَعَ الْيَمين فيهمَا أَيْضا لِأَن شَهَادَة النِّسَاء وحدهن فِي المَال، أَو مَا يؤول إِلَيْهِ لَا بُد مَعهَا من الْيَمين، وَمَفْهُوم قَوْله من بعد الْبناء أَنَّهُمَا إِذا اخْتلفَا فِي الْمَسِيس بعد العقد عَلَيْهَا، وَلم تثبت خلْوَة بَينهمَا فَإِن القَوْل للزَّوْج حِينَئِذٍ وَهُوَ كَذَلِك قَالَه ابْن حَارِث. وَمَفْهُوم قَوْله: رد مُعْلنا أَنه إِذا أقرّ بِالْوَطْءِ فِيهِ أَخذ بِإِقْرَارِهِ، وَلَو أنْكرت هِيَ ذَلِك رَشِيدَة كَانَت أَو سَفِيهَة وَهُوَ كَذَلِك فِي السفيهة، وَكَذَا فِي الرشيدة إِن رجعت عَن إنكارها إِلَى تَصْدِيقه قبل أَن ينْزع عَن إِقْرَاره لَا إِن رجعت بعد نَزعه فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا نصف الصَدَاق فَإِن اسْتمرّ على إِقْرَاره واستمرت على تَكْذِيبه، فَهَل لَهَا جَمِيع الصَدَاق أَو نصفه فَقَط تَأْوِيلَانِ. وَمَفْهُوم قَوْله لادعاء الخ. أَنَّهُمَا إِذا اتفقَا على نفي الْوَطْء فَيعْمل على قَوْلهمَا وَإِن سَفِيهَة أَو أمة وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مر عَن (خَ) لَكِن ذَلِك إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ للصداق، وَأما بِالنِّسْبَةِ للعدة وَنفي الْوَلَد فَلَا إِذْ الْعدة تجب بِمُجَرَّد الْخلْوَة وَالْولد لَا يَنْتَفِي إِن أَتَت بِهِ لسِتَّة أشهر فَأكْثر من يَوْم العقد وَلَو لم تعلم خلْوَة إِلَّا بِلعان. وَإنْ يَكُنْ مِنْها نُكُولٌ فَالْقَسَمْ عَليهِ وَالواجِبُ نِصْفُ مَا التَزَمْ (وَإِن يكن) شَرط (مِنْهَا) خبر يكن (نُكُول) اسْمهَا (فالقسم عَلَيْهِ) جملَة من مُبْتَدأ وَخبر جَوَاب الشَّرْط (وَالْوَاجِب) مُبْتَدأ (نصف مَا الْتزم) خبر، وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة الْجَواب قبلهَا وَمَا وَاقعَة على الصَدَاق والعائد مَحْذُوف أَي: نصف الصَدَاق الَّذِي الْتَزمهُ. وَيَغْرِمُ الْجَمِيعَ مَهما نَكَلاَ وَإنْ يَكُن كَالابتِنَاءِ قَدْ خَلا (وَيغرم) فَاعله ضمير الزَّوْج (الْجَمِيع) مَفْعُوله (مهما) اسْم شَرط (نكلا) مجزوم الْمحل وألفه للإطلاق، وَيصِح أَن تكون للتثنية. وَالْجُمْلَة قبله يَلِيهِ دَلِيل الْجَواب وَمعنى كَلَامه وَاضح وَإِنَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 وَجب عَلَيْهِ غرم الْجَمِيع لِأَن النّكُول بالمنكول تَصْدِيق للناكل الأول. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا إِذا كَانَت الْخلْوَة لغير الْبناء بل لزيارة فَقَالَ: (وَإِن يكن) شَرط وَاسْمهَا ضمير الزَّوْج (لَا) معطوفة على مُقَدّر مُتَعَلق بخلا (لابتناء) مَعْطُوف (قد خلا) خبر يكن أَي وَإِن يكن قد خلا لزيارة لَا لابتناء. فالقَوْلُ قَوْلُ زَائِرٍ وَقيلَ بَلْ لِزَوْجَةٍ وَما عَليهِ مِنْ عَمَلْ (فَالْقَوْل) مُبْتَدأ (قَول زائر) خَبره. وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط، وَإِذا كَانَ القَوْل للزائر، فَإِذا زارته هِيَ وَادعت الْمَسِيس فَالْقَوْل قَوْلهَا بِيَمِينِهَا وَإِن زارها أَو كَانَا زائرين مَعًا عِنْد الْغَيْر، فَالْقَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ لِأَن الرجل إِنَّمَا ينشط فِي بَيته غَالِبا (وَقيل) مَبْنِيّ للْمَفْعُول نَائِبه الْجُمْلَة المحكية بعده (بل) عاطفة على مُقَدّر أَي: وَقيل لَا يكون القَوْل للزائر بل (لزوجة) مُطلقًا (وَمَا) نَافِيَة (عَلَيْهِ) خبر عَن قَوْله (من عمل) . وَمَنْ كَسا الزَّوْجَةَ ثُمَّ طَلَّقا يَأخُذُها مَعْ قُرْبِ عَهْدٍ مُطْلقَا (وَمن) اسْم شَرط (كسا الزَّوْجَة) مفعول أول بكسا ومفعوله الثَّانِي مَحْذُوف أَي ثوبا (ثمَّ) عاطفة الْجُمْلَة الَّتِي بعْدهَا على الَّتِي قبلهَا (طلقا) أَلفه للإطلاق (يَأْخُذهَا) فعل وفاعل ومفعول، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط، وَالضَّمِير عَائِد على الْكسْوَة المفهومة من كسا (مَعَ) بِسُكُون الْعين يتَعَلَّق بيأخذ (قرب) مُضَاف إِلَيْهِ (عهد) كَذَلِك (مُطلقًا) حَال من فَاعل يَأْخُذ. وَالأَخْذُ إنْ مَرَّتْ لَهَا شُهورُ ثَلاثةٌ فَصاعِداً مَحْظُورُ (وَالْأَخْذ) مُبْتَدأ (إِن مرت لَهَا شهور) فَاعل بمرت (ثَلَاثَة) الظَّاهِر أَنه خبر كَانَ مقدرَة مَعَ اسْمهَا، وَالْجُمْلَة صفة أَي يكون عدهَا ثَلَاثَة (فَصَاعِدا) وَالْفَاء حِينَئِذٍ عاطفة، وَأما رفع ثَلَاثَة على أَنه نعت أَو عطف بَيَان، فَلَيْسَ هُنَاكَ حِينَئِذٍ مَا يعْطف عَلَيْهِ فَصَاعِدا لِأَنَّهُ بِالنّصب (مَحْظُور) خبر الْمُبْتَدَأ وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ، وَالْمعْنَى أَن من كسا زَوجته ثوبا وَنَحْوه الْكسْوَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ شرعا، ثمَّ طَلقهَا طَلَاقا بَائِنا وَلَا حمل بهَا وَلما طَلقهَا أَرَادَ أَن يَأْخُذ الْكسْوَة فَإِنَّهُ يقْضِي لَهُ بهَا مُطلقًا خلقت أم لَا. لَكِن لَا بُد أَن يقرب الْعَهْد بِحَيْثُ يكون بَين الطَّلَاق وزمن الْكسْوَة أقل من ثَلَاثَة أشهر، وَأما إِن مضى لَهَا ثَلَاثَة أشهر، فَأكْثر فَأَخذه إِيَّاهَا مَمْنُوع بِخِلَاف النَّفَقَة إِن كَانَ عجلها لَهَا فَلهُ أَخذهَا مُطلقًا أَي: مَا بَقِي مِنْهَا مَضَت لَهَا ثَلَاثَة أشهر أَو أقل أَو أَكثر فَإِن اخْتلفَا فادعت هِيَ أَنَّهَا مَضَت لَهَا ثَلَاثَة أشهر فَأكْثر، وَادّعى هُوَ أَنه لم يمض لَهَا ذَلِك، فَالْقَوْل قَوْله وَعَلَيْهَا إِقَامَة الْبَيِّنَة على مَا ادَّعَت لِأَنَّهَا تُرِيدُ اسْتِحْقَاق الثَّوْب قَالَه فِي الوثائق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 الْمَجْمُوعَة، وَيَأْتِي للناظم قَرِيبا فِي قَوْله: وحيثما خلفهمَا فِي الزَّمن الخ. ثمَّ مَا ذكره النَّاظِم فِي الطَّلَاق يجْرِي فِي الْمَوْت (خَ) وَردت النَّفَقَة لَا الْكسْوَة بعد أشهر الخ. وَهَذَا فِي الْكسْوَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ كَمَا مر سَوَاء كَانَت تأخذها بِفَرْض القَاضِي بِأَن رفعت أمرهَا إِلَيْهِ حَتَّى فَرضهَا لَهَا أم لَا. وَأما الْكسْوَة الْغَيْر الْوَاجِبَة بِأَن أَعْطَاهَا لَهَا على وَجه الْهَدِيَّة فَهِيَ لَهَا فِي الطَّلَاق موروثة عَنْهَا فِي الْمَوْت لِأَنَّهَا عَطِيَّة قد حيزت. فَإِذا اخْتلفَا فَقَالَ الزَّوْج: هَذِه الْكسْوَة هِيَ الْوَاجِبَة عليَّ وَقَالَت هِيَ أَو ورثتها: بل هَدِيَّة فَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ النَّاظِم بقوله: وَإنْ يَكونا اختَلَفا فِي المَلْبَسِ فالقَوْلُ قَوْلُ زَوْجَةٍ فِي الأَنْفَسِ (وَإِن يَكُونَا) شَرط وألفه اسْمهَا (اخْتلفَا) خَبَرهَا (فِي الملبس) بِضَم الْمِيم وَفتح الْبَاء اسْم مفعول من ألبس يتَعَلَّق باختلف (فَالْقَوْل قَول زَوْجَة) مُبْتَدأ وَخبر (فِي الْأَنْفس) يتَعَلَّق بالْخبر، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط. وَالقَوْلُ لِلزَّوْجِ بِثوْبٍ مُمْتَهَنْ وَلُبْسُ ذاتِ الحَمْلِ بالحَمَلِ اقْتَرَنْ (وَالْقَوْل) مُبْتَدأ (للزَّوْج) خَبره (بِثَوْب) يتَعَلَّق بالْخبر أَيْضا وباؤه للظرفية (ممتهن) صفة لَهُ وَالْمعْنَى أَنَّهُمَا إِذا اخْتلفَا فِي الْكسْوَة وَهِي مُرَاده بالملبس فَقَالَت: هِيَ هَدِيَّة وَقَالَ هُوَ: بل هِيَ الْوَاجِبَة عليَّ فَإِنَّهُ ينظر فَإِن كَانَت رفيعة لَا يفْرض مثلهَا على مثله، فَالْقَوْل للزَّوْجَة بِيَمِين أَنَّهَا هَدِيَّة، وَإِن كَانَت مِمَّا يفْرض مثلهَا على مثله ويكسو مثله بهَا زَوجته فَالْقَوْل لَهُ مَعَ الْيَمين، فَالْمُرَاد بالممتهن مَا يكسو بِهِ مثله زَوجته، وَيحْتَمل وَهُوَ الظَّاهِر أَن المُرَاد بالممتهن المستخدم الَّذِي لم تمض لَهُ ثَلَاثَة أشهر كَمَا يَأْتِي، وعَلى الأول فَمَا ذكره من كَون القَوْل لَهَا فِي الْأَنْفس ظَاهر إِذا كَانَ لَهَا ثوب آخر على ظهرهَا تبتذله بِدَلِيل مَا قبله وَلم يدع هُوَ أَنه قد دَفعه لَهَا للتزين بِهِ فَقَط، وَأما إِذا لم يكن لَهَا غَيره على ظهرهَا أَو كَانَ عَلَيْهَا غَيره، وَلَكِن ادّعى هُوَ أَنه دَفعه للتزين فَقَط فَالْقَوْل لَهُ إِذْ قد يكسو الرجل زَوجته بِأَحْسَن صفة من كسْوَة أَمْثَاله لَهَا فَيجْرِي فِيهِ التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم بَين مُضِيّ ثَلَاثَة أشهر أم لَا. وَقد يَدْفَعهُ لَهَا للتزين حَيْثُ كَانَ لَهَا غَيره إِذْ الزَّوْج حِينَئِذٍ قد علم أصل ملكه فَلَا يخرج من يَده إِلَّا على الْوَجْه الَّذِي قَصده كَمَا مر آخر الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون هُنَاكَ عرف بِأَن مثله يهديه الزَّوْج لزوجته. قَالَ فِي الطرر قبل تَرْجَمَة اللّعان مَا نَصه: قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 ابْن تليد: إِن ابْتَاعَ الرجل لزوجته كسْوَة مثل ثوب أَو فرو، ثمَّ تَمُوت فيريد أَخذهَا لم يكن لَهُ ذَلِك وَهُوَ موروث عَنْهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ بعض الشُّيُوخ فِي الْمَوْت وَالطَّلَاق، وَبِه الْعَمَل قَالَ: وَهَذَا إِذا كَانَت لغير البذلة اه. فَهُوَ ظَاهر بل نَص فِي أَن لَهَا ثوبا آخر عَلَيْهَا تبتذله بِدَلِيل قَوْله: وَهَذَا إِذا كَانَت الخ. وَظَاهر أَيْضا فِي أَنَّهَا ادَّعَت أَو وارثها أَن ذَلِك هَدِيَّة كَمَا هُوَ نَص الوثائق الْمَجْمُوعَة، إِذْ لَو قَالَت: هُوَ لي لجرى على الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت، وَبِالْجُمْلَةِ فَأَما أَن تَدعِي أَنه لَهَا فَهُوَ مَا مرّ فِي الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت، وَأما أَن يَدعِي هُوَ أَنه أهداه لَهَا وَهَذَا فِيهِ وَجْهَان. أَحدهمَا: أَن يَدعِي هُوَ أَنه من الْكسْوَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ كَمَا مر، وَثَانِيهمَا أَن يَدعِي أَنه دَفعه لَهَا للتزيين فَقَط ثمَّ قَالَ فِي الطرر إِثْر مَا مر، قَالَ ابْن لبَابَة: وَمَا اشْتَرَاهُ الرجل لزوجته أَو اشترته لنَفسهَا من مَاله وَلَا يُنكر عَلَيْهَا إِذا تزينت بِهِ فَإِنَّهُ لَهَا عَاشَ أَو مَاتَ. وَقَالَ أَيْضا إِنَّه لوَرَثَة الرجل إِن مَاتَ عَنْهَا إِلَّا أَن تقيم الْبَيِّنَة على هبة أَو عَطِيَّة قَالَ غَيره: وَكَذَلِكَ إِن كَانَ حَيا بِيَمِين وَهُوَ أحسن اه بِلَفْظِهِ، فقد حكى عَن ابْن لبَابَة قَوْلَيْنِ. وَالثَّانِي مِنْهُمَا هُوَ الَّذِي رَجحه، وعَلى هَذَا التَّرْجِيح جرى الشاطبي فِي فتواه المنقولة فِي الشَّرْح، حَيْثُ سُئِلَ عَن امْرَأَة قَالَت بعد وَفَاة زَوجهَا فِي ثِيَاب تشاكلها أَن زَوجهَا المتوفي سَاقهَا لَهَا أَو أهداها لَهَا وخالفها الْوَرَثَة فَقَالَ: لَا يسمع دَعْوَى الْمَرْأَة إِلَّا بِبَيِّنَة وعَلى الْوَرَثَة الْيَمين أَنهم لَا يعلمُونَ أَن تِلْكَ الثِّيَاب من مَال الْمَرْأَة وَلَيْسَت هَذِه الْمَسْأَلَة من الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت لِأَن الْمَرْأَة مقرة بِأَن الثِّيَاب بِأَعْيَانِهَا للزَّوْج. قَالَ: وَلَكِن يبْقى النّظر فِي لباسها تِلْكَ الثِّيَاب وامتهانها يَعْنِي بِحَضْرَة المتوفي قَالَ: وَالصَّحِيح أَن الرجل لَيْسَ لَهُ أَخذ كسْوَة الْمَرْأَة عِنْد فراقها إِذا كَانَت متبذلة فَإِن لم تبتذل كَانَ لَهُ ارتجاعها، فَهَذِهِ الثِّيَاب مثلهَا إِن كَانَت الزَّوْجَة قد ابتذلتها فَهِيَ لَهَا وإلاَّ صَارَت مِيرَاثا اه بِاخْتِصَار. وَثيَاب البذلة هِيَ ثِيَاب المهنة المستخدمة وَعَلِيهِ فَمَا صَححهُ هَذَا الإِمَام هُوَ مَا مر عَن (خَ) فمرادهم بالبذلة مَا كثر لبسهَا لَهُ بِحَضْرَة زَوجهَا حَتَّى خلق وبلي، وَلَو كَانَ من ثِيَاب الزِّينَة. وَأَحْرَى إِذا كَانَ على ظهرهَا تبتذله كل يَوْم كَمَا هُوَ الظَّاهِر من هَذِه الْفَتْوَى، فَمَا فِي النّظم حِينَئِذٍ مُخَالف لإِطْلَاق (خَ) لَا الْكسْوَة بعد أشهر، وَمَا فِي الطرر عَن ابْن تليد وَابْن لبَابَة فِي أول قَوْله مُخَالف بِظَاهِرِهِ لذَلِك أَيْضا، لَكِن مَا لِابْنِ لبَابَة يُمكن حمله على مَا فِي (خَ) بل يُقيد بِمَا إِذا لم يمض لَهَا ثَلَاثَة أشهر فَأكْثر وَهِي تبتذلها بِحَضْرَتِهِ وإلاَّ فَهِيَ لَهَا، وَأما مَا لِابْنِ تليد وَهُوَ ظَاهر النّظم فمخالف لإِطْلَاق (خَ) قطعا اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون قَوْله: وَهَذَا إِذا كَانَت لغير البذلة مَعْنَاهُ. وَهَذَا إِذا لم تبتذل ويمضي لَهَا ثَلَاثَة أشهر فيوافقه حِينَئِذٍ وَيكون معنى قَول النَّاظِم فِي الْأَنْفس أَي الَّذِي ابتذل وَمَضَت لَهُ الْمدَّة الْمَذْكُورَة، وَمرَاده بالممتهن أَي الَّذِي يكسى مثله لمثلهَا أَو لَا يكسى، وَلَكِن لم يبتذل وَلم تمض لَهُ تِلْكَ الْمدَّة فَالْقَوْل فِيهِ للزَّوْج حِينَئِذٍ فَتَأَمّله وَالله أعلم. لَكِن كَانَ النَّاظِم فِي غنى عَن هذَيْن الْبَيْتَيْنِ بالبيتين قبلهمَا، وَقد تقدم الْكَلَام على هَذَا آخر الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت. (وَلبس) مُبْتَدأ (ذَات الْحمل) مُضَاف إِلَيْهِ (بِالْحملِ) يتَعَلَّق بقوله: (اقْترن) وَالْجُمْلَة خبر، وَالْمعْنَى أَن الْمُطلقَة طَلَاقا بَائِنا وَهِي حَامِل تجب لَهَا الْكسْوَة بِظُهُور الْحمل وحركته كَالنَّفَقَةِ على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ، وَرُوِيَ عَن مَالك أَنه لَا شَيْء لَهَا حَتَّى تضع ثمَّ تفرض لَهَا النَّفَقَة وَالْكِسْوَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 مُدَّة الْحمل السَّابِقَة خيفة أَن يكون ريحًا فينفش (خَ) : وَلَا نَفَقَة بدعواها، بل بِظُهُور الْحمل وحركته فَتجب من أَوله إِلَى آخِره. ابْن الْعَطَّار: يفْرض لَهَا فِي الْكسْوَة مَا تحْتَاج إِلَيْهِ من الْجُبَّة والكساء وَغير ذَلِك قَالَ: وَينظر إِلَى غَالب مُدَّة الْحمل، فَإِن قيل: تِسْعَة أشهر، فَيُقَال: كم قيمَة الْجُبَّة، وَفِي كم تبلى فَإِن كَانَت تبلى لسنة وَنصف دفع إِلَيْهَا نصف قيمتهَا تعْمل بِهِ مَا شَاءَت، وَكَذَا فِي الكساء وَيدْفَع لَهَا الْقَمِيص والمقنعة. انْظُر الْبُرْزُليّ أَوَائِل النَّفَقَات. وَقَوْلنَا بَائِنا احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ رَجْعِيًا فَإِنَّهَا كالزوجية فِي النَّفَقَة وَالْكِسْوَة. وَحَيثُما خُلْفُهما فِي الزَّمَنِ يُقَالُ لِلزَّوْجَةِ فِيهِ بِيِّنِي (وحيثما) اسْم شَرط وَفعل الشَّرْط مَحْذُوف أَي حَيْثُمَا وَقع (خلفهمَا) اسْم مصدر بِمَعْنى اخْتِلَاف فَاعل بِوَقع الْمُقدر (فِي الزَّمن) يتَعَلَّق بخلف (يُقَال للزَّوْجَة) نَائِب عَن الْفَاعِل (فِيهِ) يتَعَلَّق بيقال (بيني) فعل أَمر وفاعله يَاء المؤنثة المخاطبة، وَالْجُمْلَة من فعل الْأَمر وفاعله محكية بيقال وَالْجُمْلَة من يُقَال: وَمَا بعده جَوَاب الشَّرْط. وَالْمعْنَى أَنَّهُمَا إِذا اخْتلفَا فِي الزَّمن فَقَالَت: مضى للكسوة ثَلَاثَة أشهر وَأنكر هُوَ ذَلِك فَإِن القَوْل للزَّوْج، وَيُقَال للْمَرْأَة أقيمي الْبَيِّنَة على مَا تدعيه كَمَا مرّ عَن الوثائق الْمَجْمُوعَة، فَإِن عجزت حلف الزَّوْج وَله قَلبهَا عَلَيْهَا كَمَا قَالَ: وَعَجْزُها يَمِينَ زَوْجٍ يُوجِبُ وَإنْ أرَادَ قَلْبَها فَتُقْلَبُ (وعجزها) مُبْتَدأ (يَمِين زوج) مفعول بقوله (يُوجب) وَالْجُمْلَة خبر (وَإِن أَرَادَ) شَرط (قَلبهَا) مفعول بِهِ (فتقلب) جَوَاب الشَّرْط، وَإِنَّمَا قلبت لِأَنَّهَا دَعْوَى تَحْقِيق، فَإِن حَلَفت اسْتحقَّت وَإِلَّا فَلَا شَيْء لَهَا لِأَن النّكُول بِالنّكُولِ تَصْدِيق للناكل الأول. ( فصل ) وَمَنْ يُطَلِّقْ طَلْقَةً رَجْعِيَّهْ ثُمَّ أرَادَ العَوْدَ لِلزَّوْجِيَّهْ (وَمن يُطلق) شَرط (طَلْقَة) مفعول مُطلق (رَجْعِيَّة) نعت لَهُ (ثمَّ) عاطفة الْجُمْلَة الَّتِي بعْدهَا (أَرَادَ الْعود) جملَة من فعل وفاعل ومفعول (للزوجية) يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ. فَالقَوْلُ للزَّوْجَةِ واليَمِينُ عَلَى انْقِضَاءِ عِدَّةٍ تَبِينُ (فَالْقَوْل) مُبْتَدأ (للزَّوْجَة) خَبره وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط (وَالْيَمِين) مُبْتَدأ (على انْقِضَاء عدَّة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 يتَعَلَّق بِالْيَمِينِ (تبين) بِضَم التَّاء مضارع أبان خبر عَن الْيَمين أَي: أَن يَمِينهَا على انْقِضَاء الْعدة تبين عصمتها وتخرجها من الْعدة قَالَه (م) وَيحْتَمل أَن خبر الْيَمين مَحْذُوف أَي: وَالْيَمِين على انْقِضَاء عدتهَا وَاجِبَة عَلَيْهَا وَلَا تصدق بِمُجَرَّد دَعْوَاهَا الِانْقِضَاء، وَتبين حِينَئِذٍ بِفَتْح التَّاء مضارع بَان إِذا ظهر صفة لعدة وَحَاصِل معنى الْبَيْتَيْنِ أَن الطَّلَاق إِذا كَانَ رَجْعِيًا وَاخْتلفَا فِي انْقِضَاء الْعدة، فَالْقَوْل للزَّوْجَة مَعَ يَمِينهَا على مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم، وَحَكَاهُ ابْن الْهِنْدِيّ عَن مقالات ابْن مغيث. وَالْمَشْهُور أَن لَا يَمِين عَلَيْهَا (خَ) : وصدقت فِي انْقِضَاء عدَّة الإقراء والوضع بِلَا يَمِين مَا أمكن اه. وَاخْتلف فِيمَا يُمكن انْقِضَاء عدتهَا فِيهِ فَقَالَ سَحْنُون: أقل مَا تصدق فِيهِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: خَمْسُونَ يَوْمًا. وَفِي اخْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة قَالَ فِي غير الْمُدَوَّنَة: وَلَا تصدق فِي أقل من خَمْسَة وَأَرْبَعين يَوْمًا. قَالَ: وَبِه جرى عمل الشُّيُوخ اُنْظُرْهُ فِي بَاب الرّجْعَة، وَلَعَلَّ النَّاظِم إِنَّمَا اعْتمد القَوْل بِالْيَمِينِ مَعَ أَن المتيطي قد صرح إِثْر مَا مرّ عَنهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْعَمَل على أَن تحلف لفساد الزَّمَان فقد قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: قلت الْأَدْيَان بالذكران فَكيف بالنسوان؟ فَلَا تمكن الْمُطلقَة من التَّزْوِيج إِلَّا بعد ثَلَاثَة أشهر من يَوْم الطَّلَاق، وَلَا تسْأَل هَل كَانَ الطَّلَاق أول الطُّهْر أَو آخِره وَعَلِيهِ صَاحب اللامية حَيْثُ قَالَ: وَذَات قرء فِي اعْتِدَاد بأشهر الخ. أَي لَا تصدق فِي أقل من ثَلَاثَة أشهر لَا أَنَّهَا تخرج من الْعدة بِثَلَاثَة أشهر، وَلَو لم تحصل الإقراء الثَّلَاث فَإِن هَذَا خلاف نَص الْقُرْآن كَمَا مرّ عِنْد قَول النَّاظِم: وَيملك الرّجْعَة بالرجعي إِلَى قَوْله: وَفِي المملك الْخلاف الخ. ثمَّ مَحل كَونهَا لَا تصدق فِي أقل من ثَلَاثَة أشهر على مَا بِهِ الْعَمَل الْيَوْم إِنَّمَا هُوَ إِذا أَرَادَت التَّزْوِيج كَمَا مر، وَأما بِالنِّسْبَةِ للرجعة الَّتِي الْكَلَام فِيهَا فَإِنَّهَا تصدق فِي كل مَا يُمكن انقضاؤها فِيهِ كالشهر وَنصفه على مَا مر أَن الْعَمَل عَلَيْهِ، بل وَلَو فِي الشَّهْر فَقَط على مَا مر فِي الْمُدَوَّنَة من أَنَّهَا تصدق إِذا قَالَت النِّسَاء إِن ذَلِك مُمكن وَإِلَّا لزم الْقدوم على فرج مَشْكُوك، والفروج يحْتَاط لَهَا. وَلَا سِيمَا وَقد علمت أَنه روعي حق الله فِي عدم تصديقها فِي أقل من ثَلَاثَة أشهر بِالنِّسْبَةِ للتزوج على الْمَعْمُول بِهِ الْيَوْم فَيُقَال: كَذَلِك يُرَاعى حق الله أَيْضا فِي تصديقها فِيمَا يُمكن بِالنِّسْبَةِ للرجعة بالأحرى، نعم إِذا ادَّعَت انقضاءها فِيمَا لَا يُمكن أصلا كأقل من شهر فَلَا تصدق وَله ارتجاعها كَمَا قَالَ. ثُمَّ لَهُ ارْتِجَاعُها حَيْثُ الكذِبْ مُسْتَوضَحٌ مِنَ الزّمَانِ المُقْتَرِبْ (ثمَّ) للتَّرْتِيب الذكري (لَهُ ارتجاعها) مُبْتَدأ وَخبر (حَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (الْكَذِب مستوضح) مُبْتَدأ وَخبر وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (من) للتَّعْلِيل أَي لأجل (الزَّمَان) يتَعَلَّق بمستوضح (المقترب) صفة للزمان، وَهُوَ اسْم فَاعل من اقْترب، وَالْمعْنَى أَنه إِذا تبين كذبهَا بِأَن ادَّعَت الِانْقِضَاء فِيمَا لَا يُمكن كأقل من شهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 فَإِنَّهَا لَا تصدق وَله ارتجاعها جبرا عَلَيْهَا، وَهَذَا كُله فِيمَن تَعْتَد بِالْأَقْرَاءِ، وَأما الَّتِي تَعْتَد بِالْأَشْهرِ كالمتوفي عَنْهَا واليائسة وَالصَّغِيرَة فَلَا تصدق وَاحِدَة مِنْهُنَّ إِلَّا بِبَيِّنَة على تَارِيخ الْوَفَاة وَالطَّلَاق بِالنِّسْبَةِ للتزوج، وَأما بِالنِّسْبَةِ للرجعة حَيْثُ كَانَ الطَّلَاق بِغَيْر تَارِيخ فَانْظُر هَل تصدق الْمَرْأَة اليائسة فِي الِانْقِضَاء وَهُوَ الظَّاهِر أم لَا؟ وَانْظُر مَا تقدم فِي التَّنْبِيه الرَّابِع عِنْد قَوْله وَمَتى من الْمَرَض الخ. تَنْبِيه: ذكر الْبُرْزُليّ فِي مسَائِل الْعدة والاستبراء أَن الزَّوْج إِذا خَافَ أَن تجحد مطلقته الْحيض، فَلهُ أَن يَجْعَل مَعهَا أمينة صَالِحَة تتعرف مِنْهَا ذَلِك وتعرف إقراءها، وَهل يعْمل على قَوْلهَا الخ. قلت: وَانْظُر إِذا خشِي أَن تَدعِي الْحيض فِي أقل مَا يُمكن فَهَل لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ يخْشَى أَن تسْقط رجعته وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَام الْبُرْزُليّ الْمُتَقَدّم أم لَا. وَما ادَّعَتْ مِنْ ذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; لِكَ المُطَلَّقَهْ بالسِّقْطِ فَهْيَ أبَداً مُصَدَّقَهْ (وَمَا) اسْم شَرط (ادَّعَت) فعله (من ذَلِك) يتَعَلَّق بِهِ (الْمُطلقَة) فَاعل ادَّعَت (بِالسقطِ) حَال من اسْم الْإِشَارَة الْعَائِد على الِانْقِضَاء (فَهِيَ) مُبْتَدأ (أبدا) مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله: (مصدقة) وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط، وَيحْتَمل أَن تكون مَا مَوْصُولَة مُبْتَدأ وصلتها ادَّعَت والعائد مَحْذُوف أَي ادَّعَتْهُ وَالْمَجْرُور بَيَان لما، وَالْجُمْلَة من قَوْله فَهِيَ أبدا الخ. خبر الْمَوْصُول وَدخلت الْفَاء فِي خَبره لشبهه بِالشّرطِ فِي الْعُمُوم والإبهام كَقِرَاءَة ابْن كثير قَوْله تَعَالَى: إِنَّه من يتقِّ ويصبر فَإِن الله لَا يضيع} (يُوسُف: 90) الْآيَة. وَالْمعْنَى أَن الْمُطلقَة إِذا ادَّعَت انْقِضَاء عدتهَا بِوَضْع سقط أسقطته وَأولى بِوَضْع كَامِل فَهِيَ مصدقة أبدا قرب الزَّمَان أَو بعد، وَظَاهره أَنَّهَا مصدقة بِلَا يَمِين وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور كَمَا مر. وَلا يُطَلِّقَ العَبِيدَ السَّيِّدُ إلاَّ الصَّغِيرَ مَعَ شَيءٍ يُرْفَدُ (وَلَا) نَافِيَة (يُطلق العبيد) مفعول بِالْفِعْلِ قبله أَو مَنْصُوب على إِسْقَاط الْخَافِض وَهُوَ أظهر معنى (السَّيِّد) فَاعل يُطلق (إِلَّا) اسْتثِْنَاء من الْعُمُوم فِي العبيد (الصَّغِير) مَنْصُوب على الِاسْتِثْنَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 أَو على إِسْقَاط الْخَافِض (مَعَ شَيْء) حَال (يرفد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صفة للشَّيْء، والرفد بِالْكَسْرِ الْعَطاء. وَمَعْنَاهُ أَنه لَيْسَ للسَّيِّد أَن يُطلق على عبيده من تزوجوه بِإِذْنِهِ جبرا عَلَيْهِم، وَإِن فعل فَلَا يمْضِي طَلَاقه عَلَيْهِم إِلَّا طَلَاقه على الصَّغِير مِنْهُم حَال كَونه مَعَ شَيْء يرفد أَي يُعْطي للصَّغِير فَإِنَّهُ مَاض نَافِذ عَلَيْهِ، وَظَاهره كَانَ المخالع بِهِ للصَّغِير مِنْهُم من عِنْد الزَّوْجَة أَو من غَيرهَا وَلَو من السَّيِّد، وَظَاهر النّظم كَغَيْرِهِ أَن المخالعة للصَّغِير مَاضِيَة عَلَيْهِ وَلَو بِأَقَلّ من خلع الْمثل وَمثل العَبْد الصَّغِير الْحر الصَّغِير كَمَا قدمه النَّاظِم فِي قَوْله: وَالْخلْع جَائِز على الأصاغر مَعَ أَخذ شَيْء لأَب أَو حاجر ابْن عَرَفَة: يجوز للْأَب ووصيه وَالسُّلْطَان وخليفته المبارأة على الصَّغِير بِشَيْء يسْقط عَنهُ أَو يُؤْخَذ لَهُ لَا غير ذَلِك، وَكَذَا السَّيِّد فِي عَبده الصَّغِير اه. وَمَفْهُوم قَوْله: مَعَ شَيْء يرفد أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يُطلق عَلَيْهِ دون شَيْء يسْقط عَنهُ أَو يُؤْخَذ لَهُ وَلَو ظهر بِالزَّوْجَةِ فَسَاد وَهُوَ كَذَلِك. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: يجوز للْوَلِيّ أَن يُطلق على السَّفِيه الْبَالِغ وَالصَّغِير بِغَيْر شَيْء يُؤْخَذ لَهُ إِذْ قد يكون بَقَاء الْعِصْمَة فَسَاد الْأَمر جهل قبل نِكَاحه أَو حدث بعده من كَون الزَّوْجَة غير محمودة الطَّرِيق أَو متلفة مَاله اه. قلت: وَيَنْبَغِي أَن يكون كَلَام اللَّخْمِيّ تقييداً للْمَذْهَب لِأَن من الْمصلحَة حِينَئِذٍ الطَّلَاق، وَإِن كَانَ غير وَاحِد جعله خلافًا. وَكَيْفَما شَاءَ الكَبِيرُ طَلَّقَا وَمُنْتَهاهُ طَلْقَتَانِ مُطْلَقَا (وكيفما) اسْم شَرط مفعول بجوابه الْآتِي (شَاءَ) فعل الشَّرْط (الْكَبِير) فَاعله (طلقا) جَوَاب الشَّرْط، وَالْمعْنَى أَن العَبْد الْكَبِير الْبَالِغ وَلَو سَفِيها لَهُ أَن يُطلق زَوجته حرَّة أَو أمة كَيْفَمَا شَاءَ وَاحِدَة أَو أَكثر بخلع أَو غَيره، وَسَوَاء أذن لَهُ سَيّده فِي الطَّلَاق أم لَا. (ومنتهاه) مُبْتَدأ (طَلْقَتَانِ) خَبره (مُطلقًا) حَال، وَالْمعْنَى أَن مُنْتَهى طَلَاق العَبْد طَلْقَتَانِ مُطلقًا سَوَاء أوقعهما مَعًا فِي حَال رقّه أَو وَاحِدَة فِي حَال رقّه، وَالْأُخْرَى فِي حَال عتقه لِأَن الْوَاحِدَة الَّتِي أوقعهَا فِي حَال رقّه قَائِمَة مقَام وَاحِدَة وَنصف فتكمل عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يتشطر وَتبقى لَهُ وَاحِدَة هِيَ الَّتِي أوقعهَا فِي حَال عتقه وَسَوَاء أَيْضا كَانَ قِنَا خَالِصا أَو ذَا شَائِبَة، وَسَوَاء كَانَت زَوجته حرَّة أَو أمة، وَهَذَا كُله هُوَ معنى الْإِطْلَاق الَّذِي فِي النّظم. ل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; كِنَّ فِي الرَّجْعِيِّ الأَمْرُ بِيَدِهْ دُونَ رِضَا ولِيِّهَا وَسَيِّدِهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 (لَكِن) حرف اسْتِدْرَاك (فِي الرَّجْعِيّ) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي خَبَرهَا (الْأَمر) بِالنّصب اسْمهَا (بِيَدِهِ) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي خَبَرهَا وَالضَّمِير الْمُضَاف إِلَيْهِ رَاجع للْعَبد (دون) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال (رضَا) مُضَاف إِلَيْهِ (وَليهَا) كَذَلِك (وسيده) مَعْطُوف على وَليهَا، وَالْمعْنَى أَن العَبْد الْقِنّ وَمن فِيهِ شَائِبَة رق إِذا طلق زَوجته طَلَاقا رَجْعِيًا وَقد مر تَفْسِيره أول بَاب الطَّلَاق فَإِن الْأَمر فِي الارتجاع وَعَدَمه ثَابت بيد العَبْد فَإِن شَاءَ ارتجعها قبل انْقِضَاء عدتهَا وَلَا يحْتَاج لإذن سَيّده فِي الارتجاع وَلَا لرضاها بل يرتجعها جبرا عَلَيْهَا وَعَلِيهِ، وَإِن شَاءَ لم يرتجعها وَإِنَّمَا كَانَ لَا يحْتَاج لذَلِك لِأَن الرّجْعَة لَيست كابتداء النِّكَاح، وَلذَا صحت وَلَو فِي الْمَرَض وَالْإِحْرَام (خَ) : يرتجع من ينْكح وَلَو بكإحرام وَمرض وَعدم إِذن سيد طَلَاقا غير بَائِن فِي عدَّة صَحِيح حل وَطْؤُهُ بقول مَعَ نِيَّة الخ. وَمَفْهُوم قَوْله فِي الرَّجْعِيّ أَنه إِذا طَلقهَا طَلَاقا بَائِنا أَو رَجْعِيًا وَانْقَضَت الْعدة فَلَا يُرَاجِعهَا إِلَّا بِإِذن سَيّده ورضاها وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الْمُرَاجَعَة حِينَئِذٍ ابْتِدَاء نِكَاح. والحُكْمُ فِي العَبِيد كالأَحْرَارِ فِي غَايَةِ الزَّوْجَاتِ فِي المُخْتَارِ (وَالْحكم) مُبْتَدأ (فِي العبيد) يتَعَلَّق بِهِ (كالأحرار) خبر (فِي غَايَة الزَّوْجَات) يتَعَلَّق بالاستقرار الْمُقدر فِي الْخَبَر وَكَذَا قَوْله (فِي الْمُخْتَار) . وَالْمعْنَى: أَن حكم العبيد حكم الْأَحْرَار فِي غَايَة الزَّوْجَات على القَوْل الْمَشْهُور، وَهُوَ قَول مَالك وَمُقَابِله لِابْنِ وهب أَن الثَّالِثَة للْعَبد كالخامسة للْحرّ قِيَاسا على طَلَاقه، وَوجه الْمَشْهُور عُمُوم قَوْله تَعَالَى: فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء} (النِّسَاء: 3) الْآيَة. قَالَ فِي الذَّخِيرَة: للْعَبد مَعَ الْحر أَربع حالات: تشطير كالحدود وَمِنْه الطَّلَاق ومساواة كالعبادات ومختلف فِيهِ كعدد الزَّوْجَات وَأجل الِاعْتِرَاض وَالْإِيلَاء والفقد وحد الْقَذْف، فعلى العَبْد النّصْف فِي جَمِيع ذَلِك كُله عِنْد مَالك وَقيل بالمساواة وَحَالَة سُقُوط كَالْحَجِّ وَالزَّكَاة اه. وَيَتْبَعُ الأولادُ فِي اسْتِرْقَاقِ لأُم لَا لأَبِ بالإِطْلاَقِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 (وَيتبع الْأَوْلَاد) بِالرَّفْع فَاعل يتبع (فِي استرقاق) يتَعَلَّق بِهِ (للام) يتَعَلَّق بِهِ أَيْضا (لَا) عاطفة (للْأَب) مَعْطُوف (بِالْإِطْلَاقِ) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من الْأُم أَي يتبعونها فِي الرّقّ وَالْحريَّة مُطلقًا كَانُوا من نِكَاح أَو من ملك الْيَمين حَيْثُ كَانَ أبوهم قِنَا، وَيحْتَمل أَنه حَال من الْأَب أَي لَا يتبعُون الْأَب مُطلقًا حرا كَانَ أَو عبدا. وَحَاصِل الْمَعْنى أَن الْوَلَد تَابع لِأَبِيهِ فِي الدّين وَالنّسب ولأمه فِي الْحُرِّيَّة والرقية فَإِن كَانَ الْفراش بِملك الْيَمين فَالْوَلَد تَابع لِأَبِيهِ حرا كَانَ أَو عبدا وَإِن كَانَ الْفراش بِنِكَاح فَالْوَلَد تَابع لأمه كَمَا قَالَ النَّاظِم، وَهُوَ قَول الرسَالَة: وكل ذَات رحم فولدها بمنزلتها أَي إِن كَانَت حرَّة فولدها حر وَلَو كَانَ الْأَب عبدا وَإِن كَانَت قِنَا أَو ذَات شَائِبَة فولدها كَذَلِك، وَلَو كَانَ أَبوهُ حرا وَلَا يسْتَثْنى من ذَلِك إِلَّا الْمَوْطُوءَة بِملك سَيِّدهَا الْحر والغارة الْحر كَمَا قَالَ (خَ) وَولد الْمَغْرُور الْحر فَقَط حر. وَكِسْوَةٌ لِحُرَّةٍ وَنَفَقَه عَليهِ والخُلْفُ بِغَيْرِ الْمُعْتَقَه (وَكِسْوَة) مُبْتَدأ سوغه عمله فِي (لحرة ونفقه) مَعْطُوف على الْمُبْتَدَأ (عَلَيْهِ) خَبره (وَالْخلف) مُبْتَدأ خَبره (بِغَيْر المعتقه) . وَالْمعْنَى أَن العَبْد إِذا تزوج حرَّة فَإِن عَلَيْهِ نَفَقَتهَا وكسوتها كَالْحرِّ وَاخْتلف إِذا تزوج بِأمة أَو مُدبرَة أَو مُعتقة لأجل فَقيل ذَلِك عَلَيْهِ أَيْضا وَهُوَ الْمَشْهُور، وَيُقَال لَهُ أنْفق أَو طلق وَقيل: نَفَقَتهَا وكسوتها على سَيِّدهَا، وَلَو قَالَ النَّاظِم: هَكَذَا بِغَيْر الْمُعتقَة لَكَانَ منبهاً على الْمَشْهُور الْمَذْكُور، لكنه حاول على أَن يُنَبه على أَن الْحرَّة مُتَّفق عَلَيْهَا وَالْأمة مُخْتَلف فِيهَا. وَمَعْلُوم أَن كِتَابه لَيْسَ مَوْضُوعا لبَيَان الْخلاف، بل للمشهور وَمَا بِهِ الْعَمَل، وَمَا أَفَادَهُ من أَن الْحرَّة مُتَّفق عَلَيْهَا صرح بِهِ ابْن الْمَوَّاز قَائِلا: لَا خلاف أَن العَبْد ينْفق على زَوجته الْحرَّة، وَظَاهر كَلَام اللَّخْمِيّ أَن الْخلاف جَار فِي الْحرَّة أَيْضا لِأَنَّهُ قَالَ: وَيخْتَلف إِذا كَانَا عَبْدَيْنِ فعلى القَوْل بِأَنَّهُ لَا نَفَقَة على العَبْد للْحرَّة لَا نَفَقَة عَلَيْهِ إِذا كَانَت أمة، وعَلى القَوْل إِن عَلَيْهِ ذَلِك للْحرَّة يخْتَلف إِن كَانَت أمة. تَنْبِيهَانِ. الأول: حَيْثُ وَجَبت النَّفَقَة عَلَيْهِ فَهِيَ كَمَا قَالَ (خَ) فِي غير خراجه وَكَسبه، وَالْخَرَاج وَهُوَ مَا نَشأ لَا عَن مَال بل عَن كإيجار نَفسه وَالْكَسْب هُوَ مَا نَشأ عَن مَال أتجر بِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ فعطف الْكسْب على الْخراج من عطف الْعَام على الْخَاص وَالنَّفقَة وَالْكِسْوَة فِي غير الْإِجَارَة الَّتِي يُؤَاجر بهَا نَفسه، وَفِي غير مَا ينشأ عَن مَال كتجارة بِمَال سَيّده وغلة مَاله، وَأما ربح مَال نَفسه وغلته فَلهُ النَّفَقَة مِنْهُمَا كَمَا لَهُ ذَلِك أَيْضا من مَال وهب لَهُ أَو أوصِي لَهُ بِهِ، وَقَول ابْن عَاشر: الْخراج هُوَ مَا يقاطع على إِعْطَائِهِ لسَيِّده كَأَن يقاطعه على دِينَار فِي كل شهر، وَالْكَسْب هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 مَا نَشأ عَن عمله وَقد يكون أَحدهمَا أَكثر من الآخر الخ، لَا يُخَالف مَا مرّ لِأَنَّهُ إِذا لم تكن مقاطعة فالخراج هُوَ مَا مرّ ثمَّ مَا تقدم من أَن ربح مَال السَّيِّد لَا نَفَقَة لَهُ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ فِي غير الْمَأْذُون وَأما الْمَأْذُون فَلهُ النَّفَقَة من ربح مَال السَّيِّد الَّذِي بِيَدِهِ فَهُوَ يُخَالف غَيره فِي هَذَا الْوَجْه. الثَّانِي: مَحل كَونهمَا فِي غير الْخراج وَالْكَسْب إِذا لم يكن عرف وإلاَّ فَهِيَ فيهمَا كَمَا فِي (خَ) أَيْضا، وَرُبمَا يفهم أَن العَبْد إِذا اشْترط كَونهمَا فِي الْخراج وَالْكَسْب فَيعْمل بذلك بالأحرى، وَلَا يُقَال اشْتِرَاط ذَلِك فِي صلب العقد يفْسد النِّكَاح فَيفْسخ قبل الْبناء وَيثبت بعده بِالْمثلِ وَيبْطل الشَّرْط كَمَا مرّ، لأَنا نقُول هَذَا إِنَّمَا يظْهر إِذا اشْترطت النَّفَقَة على السَّيِّد لَا إِن اشْترط عَلَيْهِ أَن تكون فِي خراج العَبْد وَكَسبه وَرَضي بذلك فَلَا يفْسد، وَلَو فسد فِي هَذَا لفسد فِي الْعرف أَيْضا لِأَنَّهُ كالشرط، وَعَلِيهِ فَإِذا امْتنع السَّيِّد من إِجْرَاء النَّفَقَة من الْخراج وَالْكَسْب وَلَا شَرط وَلَا عرف، فَالْعَبْد إِمَّا أَن ينْفق من غَيرهمَا وإلاّ طلّقت عَلَيْهِ. وَقد علمت أَن اشْتِرَاط النَّفَقَة فِي خراج العَبْد وَكَسبه لَا يُوجب فَسَادًا إِذْ غَايَته أَن السَّيِّد الْتزم عدم مُؤَاخذَة العَبْد بِمَا يسع نَفَقَته من خراجه وَكَسبه وَذَلِكَ هبة مِنْهُ لعمل كُله أَو بعضه وَالله أعلم. وَالْعرْف عِنْد النَّاس الْيَوْم على مَا شهدناه أَن نَفَقَة زَوجته وكسوتها حرَّة كَانَت أَو أمة فِي خراجه وَكَسبه إِذْ عَادَتهم أَن العَبْد يصرف همته فِي خدمَة سَيّده وسيده يجْرِي النَّفَقَة عَلَيْهِ وعَلى زَوجته. وَلَيْسَ لَازِما لَهُ أَنْ يُنْفِقَا على بنِيه أعْبُداً أوْ عُتَقَا (وَلَيْسَ) فعل نَاقص (لَازِما) خَبَرهَا مقدم (لَهُ) يتَعَلَّق بِهِ (أَن ينفقا) اسْمهَا مُؤخر (على بنيه) يتَعَلَّق بينفقا (أعبداً) خبر كَانَ محذوفة أَي كَانُوا أعبداً (أَو عتقا) ء جمع عَتيق كشريف وشرفاء لأَنهم إِن كَانُوا أحراراً فنفقتهم فِي مَالهم إِن كَانَ لَهُم مَال، وإلاَّ فعلى الْمُسلمين وَإِن كَانُوا أرقاء فعلى سيدهم، وَلَا يجوز للْعَبد أَن يتْلف مَال سَيّده وعَلى هَذَا فصواب التَّعْبِير وَلَيْسَ جَائِزا لَا وَلَيْسَ لَازِما قَالَه (م) و (ت) . قلت: وَيُمكن أَن يُجَاب بِأَن مَعْنَاهُ وَلَيْسَ لَازِما لَهُ أَن ينْفق عَلَيْهِم من غير الْخراج وَالْكَسْب كَمَا ينْفق على زَوجته من غَيرهمَا، فالتعبير بِنَفْي اللُّزُوم حِينَئِذٍ فِي مَحَله، وَعلم من هَذَا أَن أَوْلَاد العَبْد من أمته يجوز لَهُ الْإِنْفَاق عَلَيْهِم من مَال سَيّده لِأَن المَال لسَيِّده وَأَوْلَاده مملوكون لَهُ أَيْضا. (فصل فِي الْمُرَاجَعَة) أَي: بعد الطَّلَاق الْبَائِن كَمَا مر عِنْد قَوْله وَمِنْه الرَّجْعِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 وكابْتِدَاءِ مَا سِوَى الرَّجْعِيِّ فِي الإذْنِ والصَّدَاقِ والولِيِّ (وكابتداء) خبر مقدم والتنوين فِيهِ عوض من مُضَاف إِلَيْهِ تَقْدِيره وكابتداء النِّكَاح (مَا) مُبْتَدأ وَاقعَة على الْمُرَاجَعَة (سوى الرَّجْعِيّ) صلتها (فِي الْإِذْن) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (وَالصَّدَاق وَالْوَلِيّ) معطوفان عَلَيْهِ، وَالْمعْنَى أَن الْمُرَاجَعَة من الطَّلَاق الَّذِي هُوَ رَجْعِيّ كائنة كابتداء النِّكَاح فِي اشْتِرَاط الْإِذْن من الزَّوْجَة غير الْمُجبرَة وَوُجُود الصَدَاق وَالْوَلِيّ وَالْإِشْهَاد عِنْد الدُّخُول، وَغير ذَلِك على نَحْو مَا مرّ فِي بَاب النِّكَاح حرفا حرفا. وَلَا رجوعَ لِمَرِيضَةٍ ولاَ بِالحَمْلِ ستَّةَ الشُّهُورِ وَصَلاَ (وَلَا) نَافِيَة للْجِنْس وَلَو أَتَى بِالْفَاءِ بدل الْوَاو لَكَانَ أولى لِأَن هَذَا مُفَرع عَمَّا قبله ومسبب عَنهُ (رُجُوع) اسْمهَا (لمريضة) خَبَرهَا (وَلَا) تَأْكِيد للنَّفْي الأول (بِالْحملِ) مَعْطُوف على مَرِيضَة وَالْبَاء بِمَعْنى مَعَ (سِتَّة الشُّهُور) بِالنّصب مفعول بقوله (وصلا) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل، وَالْجُمْلَة فِي مَحل نصب على الْحَال من الْحمل، وَالْمعْنَى أَنه حَيْثُ اشْترط فِي الْمُرَاجَعَة مَا يشْتَرط فِي ابْتِدَاء النِّكَاح فَلَا رُجُوع لمريضة مَرضا مخوفا وَلَا لحامل بلغت سِتَّة أشهر لِأَنَّهَا مَرِيضَة فِي الْحَقِيقَة، وَالْمَرَض مَانع من عقد النِّكَاح (خَ) : وَهل يمْنَع مرض أَحدهمَا الْمخوف وَإِن أذن الْوَارِث الخ. وَمَا ذكره النَّاظِم فِي حَامِل سِتَّة أشهر هُوَ الْمَعْرُوف فِي الْمَذْهَب كَمَا لِابْنِ بشير وَغَيره، ودرج عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصر حَيْثُ قَالَ فِي الْحجر عاطفاً على الْمخوف وحامل سِتَّة الخ. وَقَالَ السيوري: لزَوجهَا مراجعتها. وَقَالَ الْمَازرِيّ: وَهُوَ الَّذِي نختاره لِأَن الْمرجع إِلَى العوائد والهلاك من الْحمل قَلِيل، وَلَو دخلت بَلَدا فسألتهم عَن أمهاتهم لوجدتهم أَحيَاء أَو موتى بِغَيْر نِفَاس إِلَّا النَّادِر اه. نَقله (ق) ابْن عبد السَّلَام: وَمَا قَالَه الْمَازرِيّ صَحِيح إِن اعْتبر فِي هَذَا الْمَرَض كَون الْمَوْت عَنهُ غَالِبا، وَأما إِن اعْتبر فِيهِ كَونه أكثرياً على مَا لِابْنِ الْحَاجِب وَغَيره لم يلْزم مَا قَالَه الْمَازرِيّ اه. وَمَفْهُوم قَول النَّاظِم: مَا سوى الرَّجْعِيّ أَن الرّجْعَة من الرَّجْعِيّ لَيست كابتداء النِّكَاح وَهُوَ كَذَلِك كَمَا قدمه فِي قَوْله: وَيملك الرّجْعَة فِي الرَّجْعِيّ قبل انْقِضَاء الأمد المرعي وَلَا افتقار فِيهِ للصداق الخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 وَبِالْجُمْلَةِ لَا يشْتَرط فِي المرتجع إِلَّا كَونه مِمَّن يَصح نِكَاحه فِي الْجُمْلَة وَلَا يشْتَرط فِيهِ انْتِفَاء موانعه من إِحْرَام وَمرض وَنَحْوهمَا، وَلذَا قَالَ (خَ) : يرتجع من ينْكح وَإِن بكإحرام وَمرض وَعدم إِذن سيد الخ. وَلَا يرد عَلَيْهِ الصَّبِي الْمُمَيز لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ يَصح نِكَاحه فِي الْجُمْلَة ويتوقف على إجَازَة وليه لَكِن لَا يتَصَوَّر مِنْهُ الطَّلَاق الرَّجْعِيّ أصلا، إِذْ شَرط الرَّجْعِيّ أَن يتقدمه وَطْء مُعْتَبر وَوَطْء الصَّبِي كلاوطء، وَأَيْضًا لَا يُطلق على الصَّبِي إِلَّا بعوض كَمَا مر، وَذَلِكَ كُله يُوجب كَونه بَائِنا وَلَا يرد الْمَجْنُون أَيْضا لِأَنَّهُ إِن طلق فِي حَال جُنُونه فَلَا يَصح طَلَاقه وَلَا يلْزم كَمَا لَا يَصح نِكَاحه أَيْضا فِي تِلْكَ الْحَالة، وَإِن طلق فِي حَال إِفَاقَته ثمَّ طَرَأَ جُنُونه فلوليه أَن يرتجع لَهُ حَيْثُ كَانَ لَا ترجى إِفَاقَته فِي الْعدة وَلَفظ من صَادِق عَلَيْهِ لِأَن الْوَلِيّ لَهُ أَن يجْبرهُ على ابْتِدَاء النِّكَاح كَمَا قَالَ (خَ) وجبر وَصِيّ وحاكم مَجْنُونا احْتَاجَ الخ. فَكيف بالجبر على الرّجْعَة وَإِن كَانَت ترجى إِفَاقَته فِي الْعدة فَلَا يرتجع إِلَّا إِذا أَفَاق. وَبِالْجُمْلَةِ فالمجنون بالإصالة لَا يَصح طَلَاقه كَمَا لَا يَصح نِكَاحه وَإِن طلق عَلَيْهِ وليه بعوض فالطلاق حِينَئِذٍ بَائِن لَا رَجْعِيّ، فَهَذَا الْمَجْنُون خَارج بقول (خَ) من ينْكح، وَأما إِن كَانَ طَرَأَ جُنُونه بعد الطَّلَاق فَهُوَ دَاخل فِي قَوْله: من ينْكح لِأَنَّهُ إِن لم ترج إِفَاقَته فلوليه أَن يرتجع لَهُ ووليه مِمَّن لَهُ إنكاحه، وَإِن رجيت إِفَاقَته فَلَا يرتجع إِلَّا فِي حالتها وَهُوَ مِمَّن فِيهِ أَهْلِيَّة النِّكَاح أَيْضا فِي تِلْكَ الْحَالة وَبِهَذَا كُله تعلم سُقُوط اعْتِرَاض شرَّاح (خَ) عَلَيْهِ وَمَا لَهُم فِي ذَلِك من الْخبط، وَتعلم أَن معنى قَوْله: من ينْكح أَي من فِيهِ أَهْلِيَّة صِحَة النِّكَاح، وَهُوَ الْعقل خَاصَّة لَا الْبلُوغ كَمَا لِابْنِ عبد السَّلَام خلافًا لما فِي ضيح وَالله أعلم. ثمَّ إِن الارتجاع لَا يَصح إِلَّا بالْقَوْل الصَّرِيح وَلَو هزلا وَبقول مُحْتَمل مَعَ نِيَّة لَا بِفعل دونهَا كَوَطْء كَمَا فِي (خَ) وَقد مر ذَلِك عِنْد قَول النَّاظِم: وَيملك الرّجْعَة فِي الرَّجْعِيّ الخ. وَتقدم أَنه لَا افتقار فِيهِ للصداق وَلَو قَبضته ردته كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي المعيار، وَنَصّ عَلَيْهِ أَيْضا شرَّاح (خَ) عِنْد قَوْله فِي الرّجْعَة وَلَا صدَاق، وَأما عكسها وَهُوَ من ملك زَوجته أمرهَا إِن لم يقدم من سَفَره عِنْد رَأس السّنة فَإِن انْقَضتْ السّنة وَلم يحضر فَقَالَ لَهَا وَالِد الزَّوْج: اتركي صداقك وتزوجي من شِئْت فَفعلت فَقَالَ فِي المعيار أَيْضا: إِن كَانَت عَالِمَة بِأَن لَهَا فِرَاقه بِغَيْر شَيْء لَزِمَهَا مَا فعلته من ترك الصَدَاق وَإِن ظنت أَنَّهَا لَا تملك الْفِرَاق بِهَذَا التَّمْلِيك وَمثلهَا يجهل ذَلِك حَلَفت وَلها الرُّجُوع، وَلَو مَضَت السّنة وَلم تقض بِشَيْء حَتَّى طَال ذَلِك لم يلْزم الزَّوْج مَا فعله الْأَب من الْفِرَاق إِلَّا أَن يرضى اه بِاخْتِصَار. تَنْبِيه: ذكر فِي المعيار قبل نَوَازِل الرَّضَاع عَن سَيِّدي عِيسَى بن علال فِي الْوَطْء بَين الفخذين فِي عدَّة الطَّلَاق الرَّجْعِيّ غَيرنَا، وَبِه الرّجْعَة ثمَّ تزَوجهَا قبل تَمام الِاسْتِبْرَاء وَبعد انْقِضَاء الْعدة هَل يفرق بَينهمَا أم لَا؟ فَقَالَ: التَّفْرِيق بَينهمَا يَنْبَنِي على الِاخْتِلَاف فِي هَذَا الْوَطْء هَل يلْحق بِهِ الْوَلَد أم لَا؟ فعلى القَوْل بلحوق الْوَلَد يفْسخ النِّكَاح لِأَنَّهُ ناكح فِي الِاسْتِبْرَاء، وعَلى القَوْل بِعَدَمِ لُحُوقه لَا يفْسخ ويترجح هَذَا الثَّانِي بقول من قَالَ إِن وَطْء الرَّجْعِيَّة رَجْعَة وَإِن لم ينْو بِهِ الرّجْعَة اه. وَالْخلاف الْمشَار إِلَيْهِ فِي لُحُوق الْوَلَد نَقله عِيَاض فِي آخر الِاسْتِبْرَاء من التَّنْبِيهَات، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 وانظره أَيْضا فِي مسَائِل الْعدَد من الْمَازرِيّ. وَذكر فِي المعيار أَيْضا قبل الْإِيلَاء فِيمَن وطىء وَلم ينْو الرّجْعَة أَنه يجب على الْمَرْأَة أَمْرَانِ: عدَّة واستبراء، فَإِن أَرَادَ ارتجاعها قبل انْقِضَاء الْعدة فَلهُ ذَلِك لكَونه بالْقَوْل وَالْإِشْهَاد فَقَط لَا بِالْوَطْءِ لِأَنَّهُ مَمْنُوع مِنْهُ حَتَّى يَنْقَضِي الِاسْتِبْرَاء من فَاسد وَطئه، فَإِن لم يرتجعها فِي الْعدة لم يكن لَهُ سَبِيل إِلَى غير ذَلِك فِيمَا بَقِي من حيض الِاسْتِبْرَاء اه بِاخْتِصَار. فَإِن قلت: ارتجاعه لَهَا فِي الْعدة والاستبراء مُخَالف لقَوْل (خَ) وَلَا يطَأ الزَّوْج وَلَا يعْقد الخ. قلت: هَذَا الارتجاع لَيْسَ بِعقد بِدَلِيل عدم الِاحْتِيَاج إِلَى رِضَاهَا ورضا الْوَلِيّ وَالصَّدَاق وَالْإِشْهَاد مُسْتَحبّ فَقَط. وَزَوْجَةُ العَبْدِ إذَا مَا عُتِقَتْ وَاخْتَارَتِ الفِراق مِنْهُ طُلِّقَتْ (وَزَوْجَة العَبْد) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط (مَا) زَائِدَة (عتقت) بِفَتْح الْعين وَالتَّاء وفاعله ضمير الزَّوْجَة، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذا إِلَيْهَا (واختارت الْفِرَاق) فعل وفاعل ومفعول (مِنْهُ) يتَعَلَّق بالفراق، وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة عتقت أَو حَال من فَاعل عتقت (طلقت) بِفَتْح الطَّاء وَاللَّام، ومفعوله مَحْذُوف أَي نَفسهَا. وَالْجُمْلَة جَوَاب إِذا وَهِي وجوابها خبر الْمُبْتَدَأ. بِمَا تَشَاؤُهُ وَمَهْما عَتَقَا فَمَا لَهُ مِن ارْتِجاعٍ مُطْلَقَا (بِمَا) يتَعَلَّق بطلقت (تشاؤه) صلته (وَمهما عتقا) جملَة شَرْطِيَّة وألفه للإطلاق (فَمَا) نَافِيَة (لَهُ) خبر مقدم (من ارتجاع) مُبْتَدأ جر بِمن الزَّائِدَة (مُطلقًا) حَال وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط، وَلذَا دخلت الْفَاء عَلَيْهَا وجوبا لِأَنَّهَا لَا تصلح أَن تكون شرطا، وَمعنى الْبَيْتَيْنِ أَن زَوْجَة العَبْد وَلَو بشائبة رق إِذا عتقت عتقا ناجزاً فلهَا الْخِيَار فِي الْبَقَاء والفراق، ويحال بَينه وَبَينهَا حَتَّى تخْتَار فَإِن اخْتَارَتْ الْبَقَاء مَعَه فَلَا إِشْكَال وَإِن اخْتَارَتْ الطَّلَاق وَقَالَت: طلقت نَفسِي فَيلْزمهُ وَاحِدَة بَائِنَة إِلَّا أَن تنوي أَكثر فَيلْزمهُ اثْنَان إِذْ هما مُنْتَهى طَلَاق العبيد، وَهُوَ معنى قَوْله: بِمَا تشاؤه إِذا عتق هُوَ بعد أَن طلقت نَفسهَا فَلَا رَجْعَة لَهُ جبرا عَلَيْهَا مُطلقًا عتق فِي الْعدة أَو بعْدهَا طلقت نَفسهَا وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ نعم لَهُ مراجعتها بِرِضَاهَا بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدّمَة، وَلَا بُد من دُخُول زوج بهَا فِيمَا إِذا كَانَت طلقت نَفسهَا أَكثر من وَاحِدَة على ظَاهر النّظم و (خَ) وَهَذَا إِذا اخْتَارَتْ قبل أَن يعْتق العَبْد وَإِلَّا فَلَا خِيَار لَهَا كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: أَو عتق قبل الِاخْتِيَار، وَكَذَا يسْقط خِيَارهَا إِن قبض السَّيِّد الصَدَاق وأعتقها قبل الْبناء، وَالْحَال أَنه الْآن عديم لِأَن خِيَارهَا يبطل عتقهَا، إِذْ لَيْسَ للسَّيِّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 غَيرهَا فَلَو اخْتَارَتْ نَفسهَا لوَجَبَ للزَّوْج الرُّجُوع بِالصَّدَاقِ على السَّيِّد، وَالْفَرْض أَنه عديم فَيُؤَدِّي لبيعها لِأَن الدّين الَّذِي هُوَ الصَدَاق سَابق على عتقهَا، فَلِذَا ارْتكب أخف الضررين فَينفذ الْعتْق وَتبقى حرَّة تَحت عبد وَهَذَا معنى قَول (خَ) أَيْضا، وَسقط صَدَاقهَا والفراق إِن قَبضه السَّيِّد وَكَانَ عديماً الخ. وَظَاهر النّظم أَن لَهَا الْخِيَار فِي الطَّلَاق والبقاء رَشِيدَة أَو سَفِيهَة أَو صَغِيرَة وَهُوَ كَذَلِك فِي الرشيدة، وَكَذَا السفيهة إِن بادرت لاختيارها نَفسهَا فَإِن لم تبادر أَو كَانَت صَغِيرَة فَإِن الْحَاكِم ينظر لَهما فِي الْأَصْلَح قَالَه (ز) وَيفهم مِنْهُ أَن الصَّغِيرَة إِذا بادرت للطَّلَاق لَا يلْزمه طَلَاق، بل حَتَّى ينظر الْحَاكِم فيأمرها بِهِ إِذا رَآهُ نظرا، وَبِالْجُمْلَةِ فالصغيرة لَا يلْزم طَلَاق باختيارها بادرت لَهُ قبل الرّفْع للْحَاكِم أم لَا، وَكَذَا السفيهة إِن لم تبادر بل تَأَخّر أمرهَا حَتَّى رفعت للْحَاكِم فَاخْتَارَتْ حِينَئِذٍ الْفِرَاق، وَرَأى هُوَ الْبَقَاء لكَونه نظرا لَهَا فَإِن اخْتَار كل من الصَّغِيرَة والسفيهة الْبَقَاء قبل الرّفْع لم يلْزمهَا ذَلِك على قَول ابْن الْقَاسِم إِذا لم يكن ذَلِك نظرا. وَقَوله بِمَا تشاؤه هَذَا هُوَ القَوْل المرجوع إِلَيْهِ، وَعَلِيهِ درج (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَلمن كمل عتقهَا فِرَاق العَبْد فَقَط بِطَلْقَة بَائِنَة أَو اثْنَتَيْنِ الخ. فأوفى كَلَامه للتَّخْيِير كَمَا لمصطفى، وَكَانَ مَالك يَقُول أَولا لَا تخْتَار إِلَّا وَاحِدَة وَعَلِيهِ أَكثر الروَاة. ابْن عَرَفَة: وَظَاهر نقل اللَّخْمِيّ وَغير وَاحِد أَن اخْتِلَاف قَول مَالك فِيمَا زَاد على الْوَاحِدَة إِنَّمَا هُوَ بعد الْوُقُوع أَي: وَأما قبل الْوُقُوع فَإِنَّمَا تُؤمر بِوَاحِدَة من غير خلاف. ابْن عَرَفَة: وَهُوَ الصَّوَاب وَهَذَا التصويب يُعَكر على إِطْلَاق قَول النَّاظِم بِمَا تشاؤه كَمَا يُعَكر عَلَيْهِ جعل أَو فِي كَلَام (خَ) للتَّخْيِير وعَلى المرجوع عَنهُ يمْضِي الزَّائِد وَهُوَ مَا صَوبه اللَّخْمِيّ. تَنْبِيه: إِذا مكنته من نَفسهَا عَالِمَة بِالْعِتْقِ سقط خِيَارهَا، وَلَو جهلت الحكم على الْمَشْهُور. وَقَالَ ابْن الْقصار: وَنَحْوه لمَالِك فِي الْمُخْتَصر أَنه لَا يسْقط خِيَارهَا حَيْثُ مكنته جاهلة بِأَن لَهَا الْخِيَار بِعتْقِهَا. قَالَ فِي ضيح: وَالْأَقْرَب أَنه تَقْيِيد. (فصل فِي الْفَسْخ) أَي: فسخ النِّكَاح الْفَاسِد هَل يعد طَلَاقا أم لَا؟ وَهل يَرث أحد الزَّوْجَيْنِ الآخر إِذا مَاتَ قبل الْفَسْخ أم لَا؟ وَهل تلْزم فِيهِ الْعدة أم لَا؟ والأنسب إدراج هَذَا الْفَصْل فِي فصل حكم فَاسد النِّكَاح كَمَا تقدم ذَلِك هُنَاكَ. وَفَسْخُ فاسِدٍ بِلا وِفَاقِ بِطَلْقَةٍ تُعَدُّ فِي الطَّلاَقِ (وَفسخ فَاسد) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (بِلَا وفَاق) فِي مَوضِع الصّفة لفاسد (بِطَلْقَة) خبر (تعد فِي الطَّلَاق) صفة لطلقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 وَمَنْ يَمُتْ قَبْلَ وُقُوعِ الفَسْخِ فِي ذَا فَمَا لإرْثِهِ مِنْ نَسْخِ (وَمن) اسْم شَرط مُبْتَدأ (يمت) فعله (قبل) يتَعَلَّق بِفعل الشَّرْط (وُقُوع الْفَسْخ) مُضَاف إِلَيْهِمَا (فِي ذَا) يتَعَلَّق بِوُقُوع وَالْإِشَارَة للفاسد بِلَا وفَاق (فَمَا) نَافِيَة (لإرثه) خبر مقدم. (من نسخ) اسْم جر بِمن الزَّائِدَة، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط، وَلذَا دخلت الْفَاء عَلَيْهَا وَالشّرط وَجَوَابه خبر الْمُبْتَدَأ وَالْمعْنَى: أَن النِّكَاح الْمُخْتَلف فِيهِ اخْتِلَافا قَوِيا وَلَو خَارج الْمَذْهَب كإنكاح الْمحرم وَالْعَبْد وَالْمَرْأَة وَوجه الشّغَار وَنِكَاح الْمَرِيض وَالْخيَار، فَإِنَّهُ يفْسخ بِطَلَاق مُرَاعَاة لمن يَقُول بِصِحَّتِهِ وَالْخلْع إِن وَقع فِيهِ قبل الْفَسْخ نَافِذ وَمن مَاتَ من الزَّوْجَيْنِ قبل وُقُوع هَذَا الْفَسْخ فَإِن الْحَيّ يَرِثهُ إِلَّا نِكَاح الْمَرِيض وَالْخيَار فَإِنَّهُ لَا إِرْث فيهمَا وَلَو مَاتَ الصَّحِيح مِنْهُمَا فِي مَسْأَلَة الْمَرِيض فَلَو زَاد النَّاظِم إِثْر الْبَيْت الثَّانِي مَا نَصه: إِلَّا نِكَاحا ذَا خِيَار أَو مرض هَب أَنه موت الصَّحِيح قد عرض تَنْبِيه: تقدم أَن وَجه الشّغَار من الْمُخْتَلف فِيهِ وَإِن كَانَ يثبت بعده بِصَدَاق الْمثل، فَهُوَ من الْفَاسِد لصداقه، وَمِنْه أَيْضا من طلق زَوجته طَلَاقا بَائِنا بعد أَن دفع لَهَا الْمُعَجل والمؤجل، ثمَّ قَالَ لَهَا: لَا أراجعك حَتَّى تردي عليَّ مَا أخذت مني وتردي الصَدَاق الْمُؤَجل على مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ فَاسد لِأَنَّهُ نِكَاح وَسلف، وَكَذَا لَو زَادهَا ربع دِينَار على ذَلِك، وَكَذَا لَو كَانَ على أَن ترد لَهُ جَمِيع مَا أَعْطَاهَا ويعطيها هُوَ مثل ذَلِك وَزِيَادَة ربع دِينَار لِأَنَّهُ بيع ذهب بِذَهَب وعصمة كَمَا فِي الْبُرْزُليّ وَغَيره. وَفسْخُ مَا الفَسادُ فِيهِ مُجْمَعُ عَلَيْهِ مِنْ غير طَلاَقٍ يَقَعُ (وَفسخ) مُبْتَدأ (مَا) مُضَاف إِلَيْهِ وَاقعَة على النِّكَاح (الْفساد) مُبْتَدأ (فِيهِ) يتَعَلَّق بِهِ (مجمع) خبر عَن الْفساد (عَلَيْهِ) نَائِب الْفَاعِل بمجمع لِأَنَّهُ اسْم مفعول، وَالْجُمْلَة صلَة (مَا) والرابط الضَّمِير الْمَجْرُور بفي (من غير طَلَاق) يتَعَلَّق بقوله (يَقع) وَالْجُمْلَة من يَقع وفاعله ومتعلقه خبر فسخ، وَالتَّقْدِير وَفسخ النِّكَاح الَّذِي فَسَاده أجمع عَلَيْهِ يَقع من غير طَلَاق لِأَن هَذَا النِّكَاح كَالْعدمِ، وَلذَا لَو عقد شخص عَلَيْهَا قبل الْفَسْخ صَحَّ نِكَاحه وَإِن وَقع الْخلْع فِيهِ لم ينفذ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 وَذَلِكَ كَنِكَاح الْخَامِسَة ومحرمة بصهر أَو رضَاع وَنِكَاح الْمُتْعَة وَهُوَ النِّكَاح لأجل وَنِكَاح الْمُعْتَدَّة وَالنِّكَاح على حريَّة ولد الْأمة وَنَحْو ذَلِك. وَمن خَالف فِي بعض هَذِه الْأَفْرَاد من الْعلمَاء كالظاهرية فِي الْخَامِسَة، وَنِكَاح الْمُتْعَة عِنْد بَعضهم لَا يعْتد بِخِلَافِهِ لضعف مدركه فَلَا يقْدَح فِي كَونه مجمعا عَلَيْهِ، وَإِذا مَاتَ أحد الزَّوْجَيْنِ فِي هَذَا الْقسم فَلَا إِرْث فِيهِ للحي، وَإِلَى هَذَا الْقسم وَالَّذِي قبله أَشَارَ (خَ) بقوله: وَهُوَ طَلَاق إِن اخْتلف فِيهِ كمحرم وشغار وَالتَّحْرِيم بعقده ووطئه وَفِيه الْإِرْث إِلَّا نِكَاح الْمَرِيض لَا إِن اتّفق على فَسَاده فَلَا طَلَاق وَلَا إِرْث كخامسة وَحرم وَطْؤُهُ فَقَط الخ. وتَلْزَمُ العِدَّةُ باتِّفَاقِ لِمُبْتَنَى بِهَا عَلَى الإِطْلاَقِ (وَتلْزم الْعدة) فَاعل تلْزم (بِاتِّفَاق) يتَعَلَّق بتلزم وَكَذَا (لمبتنى) و (بهَا) يتَعَلَّق بمبتنى (على الْإِطْلَاق) يتَعَلَّق بتلزم أَو بِمَحْذُوف حَال، وَالْمعْنَى أَن النِّكَاح الْفَاسِد إِذا وَقع فِيهِ دُخُول أَو خلْوَة يُمكن فِيهَا الْوَطْء ثمَّ فسخ، فَإِن الْعدة تلْزم فِيهِ مُطلقًا كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ أَو مجمعا عَلَيْهِ. قَالَ فِي المقرب: وَلَو تَصَادقا على نفي الْوَطْء لحق الله وَلَا صدَاق لَهَا لِأَنَّهَا لم تَدعه اه. وَوجه لُزُوم الْعدة فِي الْمُخْتَلف فِيهِ ظَاهر لِأَنَّهُ جَار مجْرى الصَّحِيح فِي الْعدة وَغَيرهَا كَمَا مرّ، وَأما الْمجمع عَلَيْهِ فاللازم فِيهِ الِاسْتِبْرَاء بِثَلَاث حيض، فإطلاق النَّاظِم عَلَيْهِ عدَّة إِنَّمَا هُوَ من بَاب التغليب، وَمَا وَقع فِي المقرب والمدونة من إِطْلَاق الْعدة عَلَيْهِ أَيْضا فَإِنَّمَا ذَلِك على وَجه الْمجَاز سهله أَن اسْتِبْرَاء الْحرَّة كعدتها وَمَفْهُوم لمبتنى بهَا فِيهِ تَفْصِيل لِأَنَّهُ إِذا مَاتَ عَنْهَا قبل الْبناء فَلَا عدَّة وَلَا اسْتِبْرَاء فِي الْمجمع عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا عدَّة الْوَفَاة فِي الْمُخْتَلف فِيهِ، فَإِن مَاتَ عَنْهَا بعد الْبناء أَو الْخلْوَة وَقبل الْفَسْخ فَفِي الْمجمع عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاء بِثَلَاث حيض وَلَا عدَّة وَفَاة عَلَيْهَا وَلَا إحداد، وَفِي الْمُخْتَلف فِيهِ عدَّة وَفَاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 (بَاب النَّفَقَات وَمَا يتَعَلَّق بهَا) من كسْوَة وَإِسْكَان وَوُجُوب وَإِسْقَاط وَاخْتِلَاف وَرُجُوع بهَا إِذا أنفش حملهَا أَو طَلقهَا إِثْر دَفعهَا لَهَا، وَعرفهَا ابْن عَرَفَة بقوله: النَّفَقَة مَا بِهِ قوام مُعْتَاد حَال الْآدَمِيّ دون سرف اه. فَخرج بِمَا بِهِ قوام مُعْتَاد غير الْآدَمِيّ، وَمَا لَيْسَ مُعْتَادا فِي حَال الْآدَمِيّ وَمَا هُوَ سرف فَلَا يُسمى شَيْء من ذَلِك نَفَقَة شرعا، وَهَذَا الْحَد شَامِل للكسوة وَالطَّعَام وَالسُّكْنَى، وَلَا إِشْكَال. فمهما وَجَبت النَّفَقَة بالإصالة كَنَفَقَة الزَّوْجَة وَالرَّقِيق وَالْأَوْلَاد والآباء وعامل الْقَرَاض إِذا كثر المَال وَبعد السّفر وَجَبت الْكسْوَة، وَكَذَا إِن تطوع بهَا على الربيب مثلا حَيْثُ قَالَ: لَا نِيَّة لي أَو تعذر سُؤَاله لغيبة وَنَحْوهَا، فَإِن قَالَ: نَوَيْت الطَّعَام فَقَط قبل قَوْله عِنْد ابْن سهل وَلم يقبل عِنْد ابْن زرب وَهُوَ الْمُعْتَمد قَالَه (ز) . وَانْظُر أَوَائِل الالتزامات فَإِنَّهُ يظْهر مِنْهَا تَرْجِيح مَا لِابْنِ سهل، وَقدمنَا حَاصِل كَلَامه عِنْد قَول النَّاظِم: وَمَا امْرُؤ لزوجة يلْتَزم الخ. وَفِي الْبُرْزُليّ: أَن ابْن رشد سُئِلَ عَن الْمَسْأَلَة فَأجَاب بِأَن الْكسْوَة غير دَاخِلَة بعد حلفه فِي مقطع الْحق أَنه إِنَّمَا أَرَادَ الطَّعَام دون الْكسْوَة لِأَن النَّفَقَة وَإِن كَانَت من أَلْفَاظ الْعُمُوم فَإِنَّهَا تعرفت عِنْد أَكثر النَّاس فِي الطَّعَام دون الْكسْوَة. الْبُرْزُليّ: فَيكون من بَاب تَخْصِيص الْعُمُوم بِالْعرْفِ، وَفِيه خلاف بَين الْأُصُولِيِّينَ اه. قلت: وَالَّذِي جرت عَلَيْهِ الْأَحْكَام أَنه يخصص الْعَام ويعين الْمُبْهم ويقيد الْمُطلق كَمَا فِي المعيار واللامية وَغَيرهمَا، فَيكون مَا لِابْنِ سهل وَابْن رشد أرجح، وَلذَا قَالَ ابْن نَاجِي فِي شرح الْمُدَوَّنَة من كتاب الشّركَة: القَوْل بِعَدَمِ لُزُوم الْكسْوَة هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَر وَبِه الْفَتْوَى ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق فَقَالَ: إِن امْرُؤ نَفَقَة الْغَيْر الْتزم فاللبس غير دَاخل فِي الْمُلْتَزم وَيجِبُ الإنْفَاقُ لِلزَّوْجَاتِ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنَ الحَالاَتِ (وَيجب الْإِنْفَاق لِلزَّوْجَاتِ فِي كل حَالَة) يتَعَلَّق بيجب (من الْحَالَات) صفة لقَوْله حَالَة، وَالْمعْنَى أَن نَفَقَة الزَّوْجَة وَاجِبَة على زَوجهَا بِقدر وَسعه وحالها غنية كَانَت أَو فقيرة حرَّة أَو أمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 بوئت أم لَا؟ وَمحل وُجُوبهَا إِذا دخل أَو دعِي إِلَى الدُّخُول وَلَيْسَ أَحدهمَا مشرفاً، وَكَانَ الزَّوْج بَالغا وَهِي مطيقة كَمَا أَفَادَ ذَلِك كُله (خَ) بقوله: يجب لممكنة مطيقة للْوَطْء على الْبَالِغ وَلَيْسَ أَحدهمَا مشرفاً قوت وأدام وَكِسْوَة بِقدر وَسعه وحالها الخ. فَهَذِهِ الشُّرُوط عَامَّة فِي الْمَدْخُول بهَا وَغَيرهَا كَمَا قرر بِهِ شرَّاح (ح) وَهُوَ الَّذِي للقاني فِي حَوَاشِي ضيح، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَاده لِأَن النَّفَقَة فِي مُقَابلَة الِاسْتِمْتَاع كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَغَيره، وَإِن كَانَ (ح) استظهر مَا فِي ضيح وَابْن عبد السَّلَام من اختصاصها بِغَيْر الْمَدْخُول بهَا، وَأما إِن دخل فَتجب من غير شَرط، ثمَّ إِن النَّاظِم لَو زَاد بَيْتا فَقَالَ مثلا: إِن مكثت وَالزَّوْج بَالغ وَهِي مطيقة وَلَيْسَ مشرفاً كهي لوفى بالمراد وَقَوله: كهي آخر الْبَيْت تَشْبِيه بِمَا قبله أَي يشْتَرط فِيهَا عدم الإشراف كَمَا اشْترط ذَلِك فِيهِ. فرع: على الْمَرْأَة الْخدمَة الْبَاطِنَة كعجن وكنس وفرش واستقاء المَاء والحطب إِن كَانَت عَادَة الْبَلَد كَمَا فِي الْبُرْزُليّ عَن الشبيبي قَائِلا: لِأَن نسَاء الْبَوَادِي دخلن على ذَلِك اه. والفَقْرُ شَرْطُ الأبَوَيْنِ والولَدْ عَدَمُ مالٍ واتِّصالٌ للأمَدْ (والفقر شَرط الْأَبَوَيْنِ) مُبْتَدأ وَخبر يَعْنِي أَن الشَّرْط وجوب نَفَقَة الْأَبَوَيْنِ على أولادهما الْفقر، فَلَا يحكم بهَا إِلَّا بعد إِقْرَار الْأَوْلَاد المالكين أَمرهم بِهِ أَو بعد ثُبُوته بِبَيِّنَة (خَ) وبالقرابة على الْمُوسر نَفَقَة الْوَالِدين المعسرين وأثبتا الْعَدَم لَا بِيَمِين الخ. أَي لِأَنَّهَا عقوق. وَإِذا حكم بهَا عَلَيْهِم فَإِنَّهَا توزع عَلَيْهِم ذُكُورا كَانُوا أَو إِنَاثًا صغَارًا أَو كبارًا على قدر يسارهم على الرَّاجِح لَا على الرؤوس وَلَا على قدر الْإِرْث وَلَا مقَال لِأَزْوَاج الْبَنَات المتزوجات وَإِذا حكم لَهما بهَا على الْأَوْلَاد بِالشّرطِ الْمَذْكُور فأنفق عَلَيْهِمَا أَجْنَبِي أَو أحد الْأَوْلَاد بعد الحكم، فللمنفق الْمَذْكُور الرُّجُوع على من حكم عَلَيْهِ بهَا لِأَنَّهُ قَامَ عَنهُ بِوَاجِب حَيْثُ لم يكن مُتَبَرعا بِخِلَاف مَا إِذا أنْفق عَلَيْهِمَا قبل الحكم بهَا فَلَا رُجُوع كَمَا لِابْنِ رشد وَغَيره. وَأَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله وَتسقط عَن الْمُوسر بِمُضِيِّ الزَّمَان إِلَّا لقضية أَو بنفق غير مُتَبَرّع الخ، إِلَّا أَن (أَو) فِي كَلَامه بِمَعْنى (الْوَاو) . تَنْبِيه: إِذا لم يكن لِلْأَبَوَيْنِ إِلَّا دَار السُّكْنَى وطلبا الْوَلَد بِالنَّفَقَةِ فَإِنَّهُ يقْضى لَهما بهَا قَالَه فِي الكراس السَّابِع من أنكحة المعيار، وَهَذَا إِن لم يكن فِي الدَّار فضل عَمَّا يَلِيق بسكناهما وَإِلَّا لم يقْض بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِمَا إِلَّا بعد نُفُوذ ذَلِك الْفضل، انْظُر الْبُرْزُليّ فِي النَّفَقَة فِيمَا إِذا كَانَ للصَّغِير دَار وَهُوَ فِي كَفَالَة أَبِيه. (وَالْولد) مُبْتَدأ (عدم مَال) خَبره أَي وَشرط وجوب نَفَقَة الْوَلَد الْحر على أَبِيه الْحر عدم المَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 أصلا وَعدم وجود صَنْعَة تكفيه، فَإِن كَانَت لَا تكفيه أعطي تَمام الْكِفَايَة. اللَّخْمِيّ: وَإِذا كسدت الصَّنْعَة عَادَتْ على الْأَب ثمَّ إِن الْأَب إِذا واجر وَلَده فَإِنَّهُ ينْفق عَلَيْهِ من أجرته وَمَا فضل مِنْهَا دَفعه لَهُ الْأَب مَخَافَة أَن يعوقه على الْخدمَة عائق من مرض أَو كساد، وَلَا يَأْكُل الْأَب مِنْهُ شَيْئا وَإِن كَانَ فَقِيرا قَالَه ابْن فَرِحُونَ فِي الألغاز عَن الجزيري، ثمَّ إِن علم أَن الْوَلَد وَالزَّوْجَة يفْرض لَهما فِي مَال الْغَائِب المليء وَإِن لم يكن لَهُ مَال حَاضر ويحسبان ذَلِك عَلَيْهِ من يَوْم الْفَرْض وَإِذا تداينا عَلَيْهِ لزمَه أَدَاؤُهُ إِن قدم وَيرجع عَلَيْهِ الْمُنفق عَلَيْهِمَا حَيْثُ لم يتَبَرَّع أنْفق قبل الْفَرْض أَو بعده بِخِلَاف الْأَبَوَيْنِ كَمَا مرّ فَإِن علم عسره أَو جهل حَاله لم يفْرض لَهما إِلَّا أَن للزَّوْجَة أَن تطلق نَفسهَا بِعَدَمِ النَّفَقَة إِذا لم تصبر فِي الصُّورَتَيْنِ، فَإِن صبرت وَقدم مُوسِرًا فِي الصُّورَة الثَّانِيَة فرض لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَة مثلهَا من مثله، وَأما الأبوان فَلَا يفْرض لَهما فِي مَال الْغَائِب، وَإِن علم يسره إِذا لم يكن لَهُ مَال حَاضر، وَلَا يتداينان عَلَيْهِ وَإِن فعلا لم يلْزمه من ذَلِك شَيْء فَإِن كَانَ لَهُ مَال حَاضر غير أصل فيفرض لَهما فِيهِ، وَيُبَاع لَهما فِي النَّفَقَة. وَأما أُصُوله فَلَا تبَاع على الرَّاجِح من أحد قَوْلَيْنِ: إِلَّا أَن يغيب بعد الْفَرْض عَلَيْهِ فتباع حِينَئِذٍ كَمَا فِي (ح) عَن ابْن رشد بِخِلَاف الزَّوْجَة وَالْأَوْلَاد فَإِنَّهَا تبَاع أصُول الْغَائِب وَغَيرهَا فِي النَّفَقَة عَلَيْهِمَا كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَغَيره، وَهَذَا مَا لم تكن الْأُصُول دَار السُّكْنَى وَإِلَّا بِيعَتْ للزَّوْجَة دون الْأَوْلَاد لِأَن نَفَقَتهَا أقوى إِذْ هِيَ عَلَيْهِ غنية كَانَت أَو فقيرة فِي مُقَابلَة الِاسْتِمْتَاع، وَإِذا لم تبع للأولاد فنفقتهم على الْمُسلمين أَو بَيت المَال، وَانْظُر لَو أنْفق أَجْنَبِي مَعَ علمه بِالدَّار فىظهر من هَذَا أَنه لَا رُجُوع لَهُ على الْأَب لِأَنَّهُ فَقير حكما لم يقم عَلَيْهِ الْأَجْنَبِيّ بِشَيْء يجب عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي عِنْد قَوْله: وَحكم مَا على بنيه أنفقت الخ. أَنَّهُمَا يفترقان فِي شَيْء آخر، هَذَا تَحْصِيل هَذِه الْمسَائِل فَتنبه لاختلافها. فرع: إِذا قضى القَاضِي على الابْن بِنَفَقَة الْأَبَوَيْنِ، ثمَّ بَاعَ الْوَلَد بعد ذَلِك ربعه أَو تصدق بِهِ فَفِي مسَائِل ابْن الْحَاج: إِن فعله يرد. الْبُرْزُليّ: أما رد الصَّدَقَة فَبين وَأما رد بَيْعه فَفِيهِ نظر إِلَّا أَن يكون قد قصد بِهِ إِسْقَاط النَّفَقَة فيعامل بنقيض قَصده قَالَ: وَكَثِيرًا مَا يَقع فِي زَمَاننَا عكسها، وَهِي أَن الْأَب يفوت ربعه بِالْبيعِ أَو الْهِبَة لبَعض الْأَوْلَاد أَو لأجانب فعلوا مَعَه خيرا أَو يُرِيد إغاظة وَلَده بذلك، فَالصَّوَاب أَن لَا يمْضِي إِذا قصد ذَلِك، وَإِن لم يقْصد ذَلِك فَفِيهِ نظر، هَل يجب على ابْنه نَفَقَته أَو لَا؟ كَمَا تقدم فِي عكسها. (واتصال) فَاعل بِفعل مَحْذُوف أَي وَيجب اتِّصَال نَفَقَة الْأَب على أَوْلَاده الَّذين لَا مَال لَهُم (للأمد) الَّذِي ويسقطها ثمَّ بَينه بقوله. فَفِي الذُّكُورِ لِلْبُلُوغِ يَتَّصِلْ وَفِي الإنَاثِ بالدُّخُولِ يَنْفَصِلْ (فَفِي الذُّكُور للبلوغ) يتعلقان بقوله (يتَّصل) : (خَ) وَنَفَقَة الْوَلَد الذّكر حَتَّى يبلغ عَاقِلا قَادِرًا على الْكسْب أَي إِلَّا لمعرة عَلَيْهِ أَو على وليه أَو عَلَيْهِمَا بالتكسب فَلَا تسْقط كَمَا لَا تسْقط إِذا بلغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 مَجْنُونا أَو عَاجِزا عَن الْكسْب (وَفِي الْإِنَاث بِالدُّخُولِ) يتعلقان بقوله: (ينْفَصل) الْإِنْفَاق أَي: يَنْقَطِع وَمثل الدُّخُول الدُّعَاء لَهُ كَمَا مرّ، وَلَو دخلت أَو دعيت لَهُ قبل الْبلُوغ فَإِن تأيمت قبله أَيْضا رجعت نَفَقَتهَا عَلَيْهِ كَمَا لَو طَرَأَ لَهَا مَال قبل الْبلُوغ، ثمَّ ذهب قبله أَيْضا أَو بلغت زمنة وطرأ لَهَا المَال ثمَّ ذهب، فَإِنَّهَا تعود. وَمَفْهُوم بِالدُّخُولِ أَنَّهَا إِذا لم تدخل لم تسْقط وَلَو رشدها وَهُوَ كَذَلِك، وَمَفْهُوم قَوْله: تأيمت قبله الخ أَنَّهَا لَو تأيمت بعده أَو ذهب المَال بعده أَو بعد زَوَال الزمانة لم تعد (خَ) : لَا أَن عَادَتْ بَالِغَة أَو تزوجت زمنة ثمَّ صحت وتأيمت بَالِغَة وعادت الزمانة فَلَا تعود، وَقَوْلِي: الْوَلَد الْحر إِلَخ. احْتِرَازًا من الْوَلَد العَبْد وَالْأَب العَبْد، فَإِن نَفَقَة الْأَوْلَاد العبيد على سيدهم وَنَفَقَة الْأَحْرَار أَوْلَاد العبيد فِي بَيت المَال، وَتقدم فِي قَول النَّاظِم: وَلَيْسَ لَازِما لَهُ أَن ينفقا على بنيه أعبداً أَو عتقا تَنْبِيه: قَالَ اللَّخْمِيّ فِي كتاب الْمديَان: إِن الْمُفلس الصَّانِع يداين ليعْمَل وَيَقْضِي من عمله ثمَّ عطل أجبر على الْعَمَل فَإِن ولد اُسْتُؤْجِرَ فِي صناعته تِلْكَ. قَالَ ابْن عَرَفَة: فَيلْزم مثله فِي الزَّوْج فِي النَّفَقَة إِذا ترك صَنعته، وَأما نَفَقَة الْأَوْلَاد فَلَا خلاف أَنه لَا يجْبر على الصَّنْعَة اه. وَنَقله الْبُرْزُليّ فِي النِّكَاح. والحُكْمُ فِي الْكِسْوَةِ حُكْمُ النَّفَقَهْ ومُؤَنُ العَبْدِ تَكُونُ مُطْلَقَه (وَالْحكم فِي) وجوب (الْكسْوَة) وسقوطها (حكم النَّفَقَة) فمهما وَجَبت النَّفَقَة على أحد مِمَّن تقدم وَجَبت الْكسْوَة، وَمهما سَقَطت النَّفَقَة سَقَطت الْكسْوَة إِلَّا فِي مَسْأَلَة الِالْتِزَام الْمُتَقَدّمَة. فرع: قَالَ ابْن عَرَفَة فِي الشَّهَادَات عِنْد النِّكَاح على تَرْجِيح الْبَينَات مَا نَصه: وَإِن طلبته بالكسوة فَقَالَ لَهَا: الثَّوْب الَّذِي عَلَيْك لي، وَقَالَت: بل هُوَ لي فَفِي كَون القَوْل قَوْلهَا أَو قَوْله نقل فِي الطرر عَن الِاسْتِغْنَاء فَتْوَى ابْن دحون وَابْن الفخار حَكَاهُمَا أَبُو الْقَاسِم اليونباني، وَاخْتَارَ الأول وهما مبنيان على اعْتِبَار كَونهَا فِي حوز الزَّوْج أَو حوزها فِي نَفسهَا اه. وراجع مَا مر فِي الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت وَفِي التداعي فِي الطَّلَاق. (ومؤن العَبْد) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ وَاسم (تكون) عَائِد على الْمُؤَن وخبرها مَحْذُوف أَي على السَّيِّد (مُطلقَة) حَال من اسْم تكون، وَالْمعْنَى أَن مُؤَن العَبْد وَكَذَا الْأمة من نَفَقَة وَكِسْوَة تكون على سيدهما مُطلقَة غير مُقَيّدَة بفقر العَبْد وَالْأمة وَلَا بغنى السَّيِّد، وَيلْزمهُ تكفينهما إِن مَاتَا فَإِن امْتنع من الْإِنْفَاق عَلَيْهِمَا بيعا عَلَيْهِ كتكليفهما من الْعَمَل مَا لَا يطيقان (خَ) : إِنَّمَا تجب نَفَقَة رَقِيقه ودابته إِن لم يكن مرعى وإلاَّ بيع كتكليفه من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 الْعَمَل مَا لَا يُطيق الخ. وَأما زَوْجَة العَبْد فنفقتها عَلَيْهِ كَمَا مرّ لَا على سَيّده وَينْفق عَلَيْهَا من غير خراجه وَكَسبه، وَالْمرَاد بالخراج مَا نَشأ لَا عَن مَال بل عَن كإيجار نَفسه، وَالْمرَاد بِالْكَسْبِ مَا نَشأ عَن مَال اتّجر بِهِ فهما لسَيِّده وَنَفَقَته عَلَيْهِمَا من غَيرهمَا من هبة أَو وَصِيَّة وَنَحْوهمَا إِلَّا لعرف فَإِنَّهَا فِي الْخراج وَالْكَسْب، فَتكون فيهمَا فَإِن عجز طلقت عَلَيْهِ انْظُر تَحْقِيقه فِي فصل الْمُرَاجَعَة. وَمُنْفِقٌ عَلَى صَغيرٍ مُطْلَقا لَهُ الرُّجُوعُ بالَّذِي قَدْ أنْفَقَا (ومنفق) مُبْتَدأ (على صَغِير) يتَعَلَّق بِهِ (مُطلقًا) حَال من صَغِير أَي كَانَ لَهُ أَب أم لَا (لَهُ الرُّجُوع) مُبْتَدأ وَخَبره، وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ والرابط الضَّمِير الْمَجْرُور بِاللَّامِ (بِالَّذِي) يتَعَلَّق بِالرُّجُوعِ (قد أنفقا) صلَة الَّذِي، والرابط مَحْذُوف وألفه للإطلاق. عَلَى أبٍ أَوْ مَالِ الابْنِ وأُبي إلاَّ بعلْمِ المَالِ أَوْ يُسْرِ الأَبِ (على أَب) يتَعَلَّق بِالرُّجُوعِ (أَو مَال الابْن) مَعْطُوف على أَب (وَأبي) بِضَم الْهمزَة مَبْنِيا للْمَفْعُول ونائب فَاعله ضمير الرُّجُوع (إِلَّا) حرف اسْتثِْنَاء (بِعلم المَال) يتَعَلَّق بِالرُّجُوعِ الْمُقدر قبل إِلَّا أَي منع رُجُوع الْمُنفق فِي كل حَال إِلَّا فِي حَال علم المَال (أَو يسر الْأَب) وَالْجُمْلَة من أبي ونائبه ومتعلقه استئنافية وَالْمعْنَى أَن من أنْفق على صَغِير كَانَ لَهُ أَب أم لَا. فَإِنَّهُ يرجع بِمَا أنْفق فِي مَال الْأَب أَو الصَّبِي إِن كَانَ لَهما مَال وَعلمه الْمُنفق، وَيقدم مَال الصَّبِي على مَال الْأَب حَيْثُ كَانَ لكل مِنْهُمَا مَال علمه الْمُنفق، فَذكر النَّاظِم للرُّجُوع شرطين: أَحدهمَا وجود المَال للِابْن أَو للْأَب، وَالثَّانِي علم الْمُنفق بِهِ وهما مفهومان من قَوْله: إِلَّا بِعلم المَال أَو يسر الْأَب. إِذْ الْعلم بِالْمَالِ فرع وجوده وَظَاهره أَنه لَا بُد من علم يسر الْأَب، فالعلم بِالْأَبِ دون الْعلم بيسره لَا يَكْفِي وَهُوَ كَذَلِك كَمَا لِابْنِ رشد خلافًا ل (ز) فَإِن لم يكن لَهما مَال أصلا وَقت الْإِنْفَاق أَو كَانَ وَتلف فَلَا تتبع ذمتهما فِيمَا استفاداه بعد وَلَو شَرط الْمُنفق عِنْد الْإِنْفَاق أَن يرجع فِي الْمُسْتَفَاد لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 يعْمل بِشَرْطِهِ خلافًا لأَشْهَب كَمَا فِي (ح) وَكَذَا إِن كَانَ لَهما مَال وَلم يعلم بِهِ الْمُنفق فَلَا رُجُوع أَيْضا. وَبَقِي للرُّجُوع شَرط ثَالِث وَهُوَ أَن يَنْوِي الْمُنفق الرُّجُوع بِنَفَقَتِهِ وَهُوَ شَرط لَا بُد مِنْهُ على الْمُعْتَمد كَانَ الْمُنفق وَصِيّا أَو أَجْنَبِيّا كَمَا اقْتصر عَلَيْهِ (خَ) فِي بَاب النَّفَقَة حَيْثُ قَالَ: وعَلى الصَّغِير إِن كَانَ لَهُ مَال علمه الْمُنفق وَحلف أَنه أنْفق ليرْجع الخ، وَقيل لَا يشْتَرط هَذَا الشَّرْط بل كَذَلِك يرجع إِذا لم ينْو رُجُوعا وَلَا عَدمه وَعَلِيهِ عول (خَ) فِي اللّقطَة حَيْثُ قَالَ: وَالْقَوْل لَهُ إِنَّه لم ينْفق حسبَة اه. وَنَقله (ق) أَيْضا عَن الْمُدَوَّنَة فِي بَاب النَّفَقَة. وَلَعَلَّ النَّاظِم عول على هَذَا القَوْل، فَلِذَا لم يشْتَرط نِيَّة الرُّجُوع وَشرط رَابِع وَهُوَ أَن تكون النَّفَقَة غير سرف بِالنِّسْبَةِ للصَّغِير، وَإِلَّا لم يرجع بالسرف، وَلَعَلَّ النَّاظِم اتكل فِي ترك هَذَا الشَّرْط على الْقَوَاعِد لِأَن كل من تصرف لغيره فَإِنَّمَا يلْزم من تصرفه مَا فِيهِ مصلحَة وَلَا مصلحَة فِي السَّرف حَتَّى يرجع بِهِ، وَشرط خَامِس بِالنِّسْبَةِ للْوَصِيّ وَالْأَب وَمن هُوَ بمنزلتهما وَهُوَ أَن يكون مَال الصَّبِي غير عين، فَإِذا أنْفق الْوَصِيّ أَو الْأَب وَنَحْوه، وَتَحْت يديهما للمحجور عين فَلَيْسَ لَهما رُجُوع عَلَيْهِ ويحملان على التَّطَوُّع، لِأَن الْيَتِيم غير مُحْتَاج لسلفهما، وَأما غير الْوَصِيّ وَالْأَب وَمن تنزل منزلتهما من كافل أَو حاضن فَيرجع، وَإِن كَانَ مَال الْيَتِيم عينا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِيَدِهِ وَأما الشَّرْط السَّادِس وَهُوَ حلفه أَنه أنْفق ليرْجع فَسَيَأْتِي فِي قَوْله: وَمَعَ يَمِين يسْتَحق مَاله. وَهَذَا فِي غير الْوَصِيّ، وَأما هُوَ فَلَا يَمِين عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي للناظم. وَمَفْهُوم على صَغِير أَن من أنْفق على بَالغ لَهُ الرُّجُوع، وَإِن كَانَ فَقِيرا وَقت الْإِنْفَاق وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي المعيار وَغَيره، ثمَّ إِذا توفرت الشُّرُوط وَجب الرُّجُوع سَوَاء كَانَ الصَّغِير ربيباً للمنفق أم لَا. وَهنا مَسْأَلَتَانِ. إِحْدَاهمَا: قَالَ فِي الطرر: لَو تزوجت امْرَأَة وتطوع زَوجهَا بِنَفَقَة ابْنهَا ثمَّ تُرِيدُ هِيَ الرُّجُوع بهَا على ابْنهَا فِي حَيَاته أَو بعد وَفَاته، وَكَانَ لَهُ مَال وَقت الْإِنْفَاق فَإِنَّهُ لَا رُجُوع لَهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْرُوف من الزَّوْج وصلَة للربيب وَالأُم لم تتْرك من حَقّهَا شَيْئا، وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَنَّهَا وَقعت فِي مجْلِس الشُّيُوخ فَأَجْمعُوا على هَذَا، وَفِي مجْلِس آخر قَالُوا: سَوَاء كَانَ تَطَوّعا أَو شرطا فِي أصل عقد النِّكَاح إِذا كَانَ لأجل مَعْلُوم. هَكَذَا نَقله الْبُرْزُليّ وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون وَابْن عَرَفَة. وَزَاد: فَإِن مَاتَ المتطوع سقط الرُّجُوع، وَإِن كَانَ لمُدَّة وَبَقِي من الْمدَّة شَيْء لِأَنَّهَا هبة لم تقبض اه. وَنَقله (ح) فِي أول التزاماته وَقَالَ عقبه: وَأما إِذا كَانَ تَطَوّعا فَظَاهر لِأَن الْهِبَة تبطل بِمَوْت الْوَاهِب قبل قبضهَا، وَأما إِذا كَانَ شرطا فِي العقد وأجزناه إِذا كَانَ لمُدَّة مَعْلُومَة كَمَا رَجحه ابْن رشد، فَيَنْبَغِي أَن لَا تسْقط وَأَن تحل بِمَوْت الزَّوْج أَي: وَيُوقف من تركته مِقْدَار مَا يَفِي بِنَفَقَتِهِ فِي بَقِيَّة الْمدَّة كَمَا تقدم. قلت: وَيَنْبَغِي أَيْضا أَن ترجع الزَّوْجَة على ابْنهَا فِي مَسْأَلَة الشَّرْط لِأَنَّهَا تركت من صَدَاقهَا للشّرط الْمَذْكُور فَهِيَ قد تركت من حَقّهَا لأَجله فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَلذَا حذف الشَّيْخ (م) وَالشَّارِح مَسْأَلَة الشَّرْط فَلم ينقلوها قَالَ (م) : وَقد كنت لفقت بَيْتا فَقلت: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 وَمن بإنفاق الربيب طاع لَا رُجُوع للْأُم على ابْن فاقبلا ثانيتهما: قَالَ الْبُرْزُليّ إِثْر نَقله مَسْأَلَة الطرر الْمُتَقَدّمَة مَا نَصه: وَقعت مَسْأَلَة وَهِي امْرَأَة لَهَا ولد تَأْخُذ عَلَيْهِ النَّفَقَة من أَبِيه فَتزوّجت رجلا واشترطت عَلَيْهِ نَفَقَة الْوَلَد أَََجَلًا مَعْلُوما أَو تطوع بهَا بعد العقد مُدَّة الزَّوْجِيَّة، وأرادت الرُّجُوع بذلك على أبي الْوَلَد، فَوَقَعت الْفتيا بِأَن ذَلِك إِن كَانَ مَكْتُوبًا من حُقُوقهَا فَيجب لَهَا الرُّجُوع مَتى شَاءَت وإسقاطه لزَوجهَا فَهِيَ ترجع بِنَفَقَتِهِ على أَبِيه، وَإِن كَانَ ذَلِك للْوَلَد فَلَا رُجُوع لَهَا على أَبِيه بِشَيْء وَهُوَ جَار على الْأُصُول، وَكَأَنَّهُ شَيْء وهب لَهُ فينفقه على نَفسه لَا على ابْنه، وَالْأول مَال وهب لأمه، فَإِذا أنفقته على وَلَدهَا رجعت بِهِ على أَبِيه اه. وَتقدم هَذَا فِي أول الْخلْع. تَنْبِيه: قد تقدم أَن من تطوع بِنَفَقَة ربيبه مُدَّة الزَّوْجِيَّة فَإِنَّمَا يلْزمه الْإِنْفَاق عَلَيْهِ مَا دَامَ صَغِيرا لَا يقدر على الْكسْب أَي: وَمَا لم يطْرَأ لَهُ مَال لم يكن لَهُ وَقت التَّطَوُّع وإلاَّ لم يلْزمه كَمَا فِي خلع المعيار. تَنْبِيه آخر: لهَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي الرُّجُوع نَظَائِر من ذَلِك من أدّى عَن رجل دينا عَلَيْهِ بِغَيْر أمره، فَلهُ أَن يرجع عَلَيْهِ كَمَا مر فِي قَول النَّاظِم: إِذْ قد يُؤَدِّي دين من لَا أذنا. وَكَذَلِكَ من فدى حرا من أَيدي الْعَدو، كَمَا نَص عَلَيْهِ (خَ) فِي الْحِرَابَة وَكَذَلِكَ من كفن مَيتا فَلهُ أَن يرجع فِي تركته، وَلَيْسَ لوَرثَته مَنعه، وَكَذَلِكَ من فدى مَتَاعا من أَيدي اللُّصُوص فَلهُ حَبسه حَتَّى يَأْخُذ مَا فدَاه بِهِ كَمَا قَالَه أَبُو الْحسن، وَنَصّ عَلَيْهِ (خَ) فِي الْجِهَاد. قَالَ أَبُو الْحسن: وَانْظُر من أدّى عَن إِنْسَان مَا لم يلْزمه لظَالِم حَبسه فِيهِ، فَالْمَشْهُور أَنه لَا يلْزمه. وَقَالَ ابْن كنَانَة: يلْزمه وَذَلِكَ قربَة لمن فعله اه. ويَرْجِعُ الوَصِيُّ مُطْلَقاً بِمَا يُنْفِقُهُ وَمَا اليَمِينُ أُلزِمَا (وَيرجع الْوَصِيّ) جملَة استئنافية (مُطلقًا) حَال (بِمَا أنفقهُ) يتَعَلَّق بيرجع (وَمَا) نَافِيَة (الْيَمين) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 مفعول ثَان ب (أُلزما) الْمَبْنِيّ للنائب ومفعوله الأول ضمير الْوَصِيّ، وَالْمعْنَى أَن الْوَصِيّ يرجع بِالنَّفَقَةِ مُطلقًا اشْهَدْ أم لَا. كَانَ الْوَصِيّ وَصِيّ أَب أَو قَاض كَانَ الْيَتِيم فِي كفَالَته أم لَا؟ بِدَلِيل قَوْله: وَغير موص يثبت الْكفَالَة. إِذْ مَفْهُومه أَن الْوَصِيّ لَا يثبتها وَهُوَ تَابع فِي عدم الْيَمين وَعدم إِثْبَات الْكفَالَة، أَو الْإِنْفَاق لِابْنِ سَلمُون لِأَنَّهُ قَالَ مَا حَاصله: وَإِن كَانَ الْمُنفق وَصِيّا فَلهُ الرُّجُوع دون يَمِين تلْزمهُ، وَلَا إِثْبَات للإنفاق أَي وَلَا لكَوْنهم فِي حضانته وكفالته، وَإِن كَانَ غير وَصِيّ فَلَا بُد من إِثْبَات حضانته وكفالته وَيَمِينه بعد ذَلِك، وَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يشْهد اه. وَهُوَ خلاف الْمُعْتَمد من أَنه لَا بُد من يَمِينه بعد أَن يثبت الْإِنْفَاق عَلَيْهِم أَو كَونهم فِي حجره إِلَّا مَا استحسنه. اللَّخْمِيّ: من أَن الْأُم إِذا كَانَت فقيرة محتاجة وَيظْهر على الْوَلَد أثر النِّعْمَة وَالْخَيْر أَن الْوَصِيّ يصدق، وَإِن لم يَكُونُوا فِي حجره قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَيصدق فِي الْإِنْفَاق عَلَيْهِم إِن كَانُوا فِي حجره وَلم يَأْتِ بسرف، وظاهرها فِي زَكَاة الْفطر أَنه لَا يشْتَرط كَونهم فِي حجره، وَالْمذهب اشْتِرَاطه كَمَا مرّ، وَمَا تقدم من وجوب يَمِينه هُوَ الْمُعْتَمد، وَاخْتلف إِذا أَرَادَ أَن يحْسب أقل مَا يُمكن فَإِن كَانَ الْإِنْفَاق من مَال الْوَصِيّ كَمَا هُوَ مَوْضُوع النّظم فَلهُ ذَلِك، وَلَا إِشْكَال وَإِنَّمَا يحلف أَنه أنْفق ليرْجع وَإِن كَانَ الْإِنْفَاق من مَال الصَّبِي وَاخْتلفَا فِي قدره فَالْقَوْل للْوَصِيّ مَعَ يَمِينه، فَإِن قَالَ: احسب أقل مَا يُمكن واسقط الزَّائِد فَقَالَ أَبُو عمرَان: لَا يَمِين، وَقَالَ عِيَاض: لَا بُد مِنْهَا، فَلَو قَالَ النَّاظِم إِثْر قَوْله: أَو يسر الْأَب مَا نَصه: وَكَونه عينا وَلَيْسَ فِي يَده أَو عرضا مُطلقًا بِقصد أوبته وَمَعَ يَمِين يسْتَحق مَاله إِن أثبت الْإِنْفَاق وَالْكَفَالَة وَالْوَاو فِي قَوْله: وَالْكَفَالَة بِمَعْنى (أَو) وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا فرق بَين الْوَصِيّ وَغَيره الْمشَار لَهُ بقوله: وَغَيْرُ مُوصٍ يُثْبِتُ الكَفَالَهُ وَمَعْ يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ مَالَهْ من أَنه لَا بُد من إِثْبَات كَونهم مَعَه على مائدة وَاحِدَة أَو إِثْبَات الْإِنْفَاق عَلَيْهِم وَيحلف بعد ذَلِك أَنه أنْفق ليرْجع فَيشْهد الشُّهُود أَنه كَانَ يدْفع النَّفَقَة إِلَى حاضنتهم فُلَانَة كَذَا وَكَذَا دِينَارا وقمحاً وشعيراً وَسمنًا مثلا فِي كل شهر مُدَّة من كَذَا عَاما بمحضرهم ومعاينتهم أَو بِإِقْرَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 الحاضنة لديهم، أَو يشْهدُونَ أَنهم يعْرفُونَ الصَّبِي فلَانا يَتِيما فِي حضَانَة قَرِيبه فلَان مثلا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا عَاما، وَفِي كفَالَته وعَلى مائدته لَا يعلمونه انْتقل عَن ذَلِك حَتَّى الْآن أَو بطول الْمدَّة الْمَذْكُورَة، وَلَا يَقُولُونَ ينْفق عَلَيْهِ من مَاله الْخَاص بِهِ كَمَا يَفْعَله عوام الْعُدُول عندنَا الْيَوْم، فَإِن قَالُوهُ بطلت شَهَادَتهم لِأَنَّهُ مَحْض زور إِذْ من أَيْن لَهُم أَنَّهَا من مَاله الْخَاص بِهِ، ثمَّ إِذا ثَبت أحد الرسمين يَقُول: بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لقد أجريت النَّفَقَة وَالْكِسْوَة على الصَّبِي الْمَذْكُور طول الْمدَّة الْمَذْكُورَة من مَالِي الْخَاص بِي لَا رَجَعَ بذلك، وأحاسب الصَّبِي الْمَذْكُور وَمَا قبضت مِنْهَا شَيْئا قَلِيلا وَلَا كثيرا، وَلَا وهبت وَلَا أسقطت وَلَا أحلّت وَلَا استحلت وَلَا أخذت كَفِيلا وَلَا حميلاً وَلَا رهنا وَلَا عوضا وَلَا خرجت عَن ذَلِك، وَلَا عَن شَيْء مِنْهُ بِوَجْه حَتَّى الْآن، ثمَّ تكْتب لَهُ هَذِه الْيَمين فِي ظهر رسم الْإِنْفَاق على هَذِه الْكَيْفِيَّة كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَسَيَأْتِي فِي الْوَصِيَّة: وَإِن أَب من مَاله قد أنفقا على ابْنه فِي حجره ترفقا الخ. فَالْكَلَام هُنَا عَام فِي الْأَب وَغَيره إِلَّا فِي الْيَمين فَلَا يحلفها الْأَب وَمَا يَأْتِي خَاص بِالْأَبِ وورثته، وَهَذَا إِذا كَانَت عَادَة الْآبَاء الرُّجُوع بِالنَّفَقَةِ على أَوْلَادهم، فقد سُئِلَ السيوري عَن الرُّجُوع بِالنَّفَقَةِ على الابْن؟ فَأجَاب: يسْأَلُون عَن عَادَة بلدهم فِي النَّفَقَة على أَوْلَادهم، فَإِن كَانَ شَأْنهمْ الرُّجُوع فَالْحكم على ذَلِك، وَإِن كَانَت عَادَة أمثالهم غَالِبا عدم الرُّجُوع فَالْحكم على ذَلِك، وَإِن كَانَ يخْتَلف وَهُوَ مساوٍ أَو مُتَقَارب فَيرجع بعد يَمِين من يَرث الطَّالِب أَنهم لَا يعلمُونَ أَنه أنْفق لَا ليرْجع إِن كَانُوا مِمَّن يشبه أَن يعلمُوا اه. وَهُوَ وَاضح لِأَن الْعرف كالشاهد الْوَاحِد أَو الشَّاهِدين، فعلى أَنه كالشاهدين لَا يحلف إِن كَانَت عَادَتهم الرُّجُوع. (فصل فِي التداعي فِي النَّفَقَة) ومَنْ يَغِبْ عَنْ زَوْجَةٍ ولَمْ يَدَعْ نَفَقَةً لهَا وَبَعْدَ أَنْ رَجَعْ (وَمن) اسْم شَرط مُبْتَدأ (يغب) فعل الشَّرْط (عَن زَوْجَة) يتَعَلَّق بِهِ (وَلم يدع) مَعْطُوف على يغب (نَفَقَة) مفعول (لَهَا) يتَعَلَّق بِنَفَقَة أَو بيدع (وَبعد أَن رَجَعَ) يتَعَلَّق بقوله: نَاكَرَهَا فِي قَوْلِهَا لِلْحِينِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ (ناكرها فِي قَوْلهَا فِي الْحِين) متعلقان بناكرها أَيْضا (فَالْقَوْل) مُبْتَدأ (قَوْله) خبر (مَعَ الْيَمين) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 يتَعَلَّق بِهِ وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَالشّرط وَجَوَابه خبر من. مَا لَمْ تَكُنْ لأَمْرِهَا قَدْ رَفَعَتْ قَبْلَ إيَابِهِ لِيَقْوَى مَا ادَّعَتْ (مَا) ظرفية مَصْدَرِيَّة مُتَعَلقَة بقوله الْمُتَقَدّم (لم تكن) اسْمهَا ضمير الزَّوْجَة (لأمرها) يتَعَلَّق بقوله (قد رفعت) وَالْجُمْلَة خبر تكن وَالْجُمْلَة من تكن وَمَا بعده فِي مَحل جر بِإِضَافَة مَا إِلَيْهَا وَالتَّقْدِير مُدَّة عدم رَفعهَا لأمرها (قبل إيابه) يتَعَلَّق برفعت وَالضَّمِير الْمَجْرُور بِالْإِضَافَة يرجع للزَّوْج (ليقوى) مَنْصُوب بِأَن مقدرَة بعد اللَّام وَالْجُمْلَة تسبك بمصدر مُتَعَلق برفعت أَيْضا (مَا) مَوْصُول فَاعل بيقوى (ادَّعَت) صلَة مَا وفاعله ضمير الزَّوْجَة والرابط مَحْذُوف أَي ادَّعَتْهُ. فَيَرْجِعُ القَوْلُ لَهَا مَعَ الحَلِفْ والرَّدُ لِلْيَمِينِ فِيهِمَا عُرِفْ (فَيرجع القَوْل لَهَا) جَوَاب شَرط مُقَدّر أَي فَإِن رفعت فَيرجع القَوْل لَهَا الخ (مَعَ الْحلف) فِي مَحل نصب على الْحَال (وَالرَّدّ) مُبْتَدأ (للْيَمِين فيهمَا) متعلقان بِهِ وَجُمْلَة (عرف) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَمعنى الأبيات الْأَرْبَع أَن الزَّوْج إِذا غَابَ عَن زَوجته وَلم يتْرك لَهَا نَفَقَة على زعمها وَبعد رُجُوعه ناكرها وَادّعى أَنه تَركهَا لَهَا أَو أرسلها إِلَيْهَا، فَإِن القَوْل قَوْله فِي ذَلِك مَعَ يَمِينه مَا لم تكن رفعت أمرهَا للْحَاكِم فِي مغيبه لتقوي دَعْوَاهَا، وَلم يجد الْحَاكِم لَهُ مَالا يفْرض لَهَا فِيهِ فَأذن لَهُ بِالْإِنْفَاقِ على نَفسهَا ورضيت أَو وجد لَهُ مَال وَلم تسمح بِبيعِهِ ورضيت أَن تسلفه نَفَقَتهَا، فَيكون حِينَئِذٍ القَوْل قَوْلهَا مَعَ يَمِينهَا من حِين الرّفْع وتحاصص الْغُرَمَاء بِمَا أنفقت على نَفسهَا من حِين رَفعهَا فِي الدّين الْحَادِث دون الْقَدِيم، وَكَذَا بِمَا أنفقته على أَوْلَادهَا الصغار، وَلمن وَجَبت عَلَيْهِ الْيَمين ردهَا وقلبها على صَاحبه فِي الصُّورَتَيْنِ ثمَّ أَنه إِذا حلف فِي مَسْأَلَة الْإِرْسَال فَيحلف لقد قبضتها لَا بعثتها كَمَا فِي (خَ) وَظَاهر النّظم أَن الرّفْع للعدول وَالْجِيرَان لَا يَكْفِي وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا ظَاهره لِأَن الرّفْع إِذا أطلق إِنَّمَا ينْصَرف للرفع للْحَاكِم. وَذكر ابْن عَرَفَة أَن الْعَمَل اسْتمرّ عِنْدهم على مُقَابل الْمَشْهُور وَأَن شكواها للعدول كالرفع للْحَاكِم، وَأما للجيران فلغو لَكِن قَالَ (خَ) فِي تكميله الْعَمَل بفاس على الْمَشْهُور فَلَا بدّ من الرّفْع للْحَاكِم، لَكِن هَذَا مَعَ تيَسّر الرّفْع لَهُ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَن الْعُدُول وَالْجِيرَان كالحاكم لعذرها حِينَئِذٍ، وَمَفْهُوم وَمن يغب أَن الْحَاضِر يكون القَوْل قَوْله من غير تَفْصِيل، وَإِنَّمَا كَانَ القَوْل قَوْله حَيْثُ كَانَ حَاضرا أَو غَائِبا وَلم ترفع لِأَنَّهَا فِي حوزه، وَالْقَوْل قَول الْحَائِز قَالَه الْبُرْزُليّ. وَلذَا لَو كَانَت فِي غير دَاره وحوزه فَالْقَوْل قَوْلهَا فِي عدم بُلُوغهَا وَمحل قبُول قَوْله حَيْثُ ادّعى أَنه كَانَ ينْفق أَو يدْفع النَّفَقَة فِي زَمَنهَا شَيْئا فَشَيْئًا أَو ادّعى دَفعهَا لَهَا جملَة وَاحِدَة فِي أول الْمدَّة الْمُتَنَازع فِيهَا أما إِذا ادّعى دَفعهَا جملَة وَاحِدَة بعد تجملها عَلَيْهِ لما مضى فَلَا يقبل قَوْله إِجْمَاعًا قَالَه ابْن رشد ثمَّ لَهَا أَن تطلبه عِنْد إِرَادَة السّفر بِنَفَقَة الْمُسْتَقْبل ليدفعها لَهَا أَو يُقيم لَهَا كَفِيلا قَالَه (خَ) وَغَيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 617 وَحُكْمُ مَا عَلَى بَنِيهِ أَنْفَقَتْ كَحُكْمِ مَا لِنْفِسهَا قَدْ وثَّقَتْ (وَحكم مَا على بنيه أنفقت) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ وَمَا وَاقعَة على الْإِنْفَاق وأنفقت صلته والرابط مَحْذُوف (كَحكم مَا لنَفسهَا قد وثقت) خبر عَن الْمُبْتَدَأ وَالْمعْنَى أَن حكم الزَّوْجَة إِذا أنفقت على أَوْلَادهَا الصغار من زَوجهَا الْغَائِب كَحكم إنفاقها على نَفسهَا فَإِن رفعت أَمرهم كَانَ القَوْل قَوْلهَا من حِين الرّفْع مَعَ يَمِينهَا، وإلاَّ فَالْقَوْل قَوْله مَعَ الْيَمين وَمحل رُجُوعهَا بنفقتها فِي الْمَسْأَلَة قبلهَا وبنفقة بنيها فِي هَذِه إِن ثَبت يسره فِي غيبته أَو خرج مُوسِرًا، وَأما إِن ثَبت عسره فِي غيبته أَو جهل حَاله فِيهَا وَلَكِن خرج مُعسرا وَقدم كَذَلِك فَلَا تتبعه لَا بنفقتها وَلَا بِنَفَقَة أَوْلَادهَا وَلَا تحاص بهَا الْغُرَمَاء، وَيفهم هَذَا الشَّرْط من تنصيصه على مَجْهُول الْحَال فِي قَوْله بعد: فَإِن يكن مُدعيًا حَال الْعَدَم الخ، فَأَما إِن كَانَت لَهُ أصُول فِي الْبَلَد فتباع لَهَا فِي النَّفَقَة إِلَّا دَار السُّكْنَى، فَإِنَّهَا تبَاع للزَّوْجَة دون الْأَوْلَاد كَمَا مر تَحْصِيله أول الْبَاب فيفترقان فِي هَذِه كَمَا يفترقان فِي مَسْأَلَة أُخْرَى ذكرهَا ابْن فَرِحُونَ فِي ألغازه قَالَ: رجل غَائِب ويسره فِي غيبته مَعْلُوم، فَلَمَّا قدم ألزمناه بِنَفَقَة الزَّوْجَة دون الْأَوْلَاد فترجع عَلَيْهِ الزَّوْجَة بنفقتها على نَفسهَا، وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الْمُنفق أَجْنَبِيّا فَإِنَّمَا يرجع بِنَفَقَة الزَّوْجَة لِأَنَّهُ يَقُول: إِن كنت عنْدكُمْ مُوسِرًا فِي ظَاهر أَمْرِي فَأَنا أعلم من بَاطِن أَمْرِي أَن نَفَقَة وَلَدي لَا تلزمني لما أعلمهُ من عسري، فَالْقَوْل قَوْله فِي ذَلِك دون يَمِين وَلَا تلْزمهُ نَفَقَة الْأَوْلَاد اه بِاخْتِصَار. وَهُوَ مُوَافق لما مر من أَن الْمُنفق على الصَّغِير لَا يرجع إِلَّا مَعَ علم مَاله أَو علم يسر أَبِيه، وَهَذَا وَإِن قدم من غيبته مُوسِرًا فَهُوَ مُصدق فِي أَنه كَانَ وَقت الْإِنْفَاق مُعسرا وَمن ادّعى يسره وقته فَعَلَيهِ الْإِثْبَات فَقَوله: ويسره فِي غيبته مَعْلُوم يَعْنِي فِي ظَاهر الْحَال لكَونه خرج مُوسِرًا أَو قدم كَذَلِك وَالله أعلم. فإنْ يَكُنْ قَبْلَ الْمَغِيبِ طَلَّقَا فَالقَوْلُ قَوْلُهَا بِذَاكَ مُطْلَقَا (فَإِن يكن) شَرط وَاسْمهَا ضمير الزَّوْج (قبل المغيب) يتَعَلَّق بقوله (طلقا) وَالْجُمْلَة خَبَرهَا (فَالْقَوْل قَوْلهَا) مُبْتَدأ وَخبر وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط (بِذَاكَ) الْبَاء بِمَعْنى فِي مُتَعَلقَة بقوله (مُطلقًا) حَال وَإِنَّمَا كَانَ القَوْل قَوْلهَا فِي نَفَقَتهَا على نَفسهَا وعَلى أَوْلَادهَا مُطلقًا رفعت للْحَاكِم أم لَا. لِأَنَّهَا لَيست فِي حوزه فَلَا يمْضِي قَوْله عَلَيْهَا كَمَا مر: إنْ أَعْمَلَتْ فِي ذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; لِكَ اليَمِينَا وَأثْبَتَتَ حَضَانَةَ الْبَنِينَا (إِن أعملت فِي ذَلِك اليمينا) شَرط فِي قبُول قَوْلهَا وَجَوَابه مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ (وأثبتت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 حضَانَة البنينا) هَذَا يرجع لهَذِهِ وللتي قبلهَا، وَهَذَا مُسْتَغْنى عَنهُ بقوله فِيمَا مر، وَغير موص يثبت الْكفَالَة الخ. ثمَّ إِذا كَانَ فِي غيبته مُوسِرًا أَو مُعسرا فَلَا إِشْكَال كَمَا مر، وَإِن كَانَ مَجْهُول الْحَال فَهُوَ قَوْله: فإنْ يَكُنْ مُدَّعِياً حَالَ العَدَمْ طُولَ مَغِيبِهِ وحَالُهُ انْبَهَمْ (فَإِن يكن مُدعيًا حَال الْعَدَم طول) مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة يتَعَلَّق بمدعيا (مغيبه) مُضَاف إِلَيْهِ (وحاله انبهم) مُبْتَدأ وَخبر وَالْجُمْلَة حَالية. فحَالَةُ القُدُومِ لابْنِ القَاسِمِ مُسْتند لَهَا قَضَاءُ الحَاكِمِ (فحالة الْقدوم) مُبْتَدأ (لِابْنِ الْقَاسِم) اللَّام بِمَعْنى عِنْد كَقَوْلِه تَعَالَى: أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} (الْإِسْرَاء: 78) (مُسْتَند) خبر (لَهَا) يتَعَلَّق بِهِ (قَضَاء الْحَاكِم) نَائِب الْفَاعِل بمستند. وَمُعْسِرٌ مَعَ اليَمِينِ صُدِّقَا ومُوسِرٌ دَعْوَاهُ لَنْ تُصَدَّقَا (فمعسر) مُبْتَدأ سوغه التَّفْصِيل لما قبله. (مَعَ الْيمن) يتَعَلَّق بقوله (صدقا) وَالْجُمْلَة خبر (وموسر) مُبْتَدأ (دَعْوَاهُ) مُبْتَدأ ثَان (لن تصدقا) خبر عَن الثَّانِي وَالثَّانِي وَخَبره خبر عَن الأول والرابط الضَّمِير الْمَجْرُور بِدَعْوَاهُ، وَالْمعْنَى إِذا قدم الزَّوْج من غيبته وَادّعى الْعسرَة مُدَّة مغيبه لتسقط نَفَقَتهَا عَنهُ، وَكَانَت حَاله فِي الْغَيْبَة وَوقت خُرُوجه مَجْهُولَة لَا يدْرِي أَكَانَ مُوسِرًا وقتئذ أَو مُعسرا وَلم تصدقه الزَّوْجَة أَو الْمُنفق عَلَيْهَا فِي دَعْوَاهُ، فَالْمَشْهُور وَهُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم أَنه ينظر إِلَى حَال قدومه فَإِن قدم مُعسرا صدق مَعَ يَمِينه وَلَا يصدق إِن قدم مُوسِرًا (خَ) : وَإِن تنَازعا فِي عسره فِي غيبته اعْتبر حَال قدومه، وَهَذَا من الِاسْتِصْحَاب المعكوس وَهُوَ ضَعِيف عِنْد الْأُصُولِيِّينَ، وَهَذَا كُله فِي نَفَقَة الزَّوْجَة، وَأما نَفَقَة الْأَوْلَاد فَتقدم أَنه مُصدق وَإِن قدم مُوسِرًا، وَأما الأبوان فَتقدم أَيْضا أَنه لَا يفْرض لَهما مَعَ جهل حَال الْغَائِب أَو علم عسره وَمَا فِي (ز) من أَن نَفَقَة الْأَوْلَاد والأبوين فِي هَذَا كَالزَّوْجَةِ غير سديد لِأَن نَفَقَة الْأَوْلَاد عِنْده لَا يشْتَرط فِي الرُّجُوع بهَا علم يسر الْأَب كَمَا قدمه عِنْد قَوْله وَحلف أَنه أنْفق ليرْجع وَهُوَ مصادم لنقل ابْن رشد وَغَيره وَالله أعلم. وَانْظُر لَو أنْفق على الْوَلَد أَجْنَبِي مَعَ علمه بِالدَّار للْأَب وَالظَّاهِر أَنه لَا رُجُوع لِأَنَّهُ فِي حكم الْفَقِير فَلم يقم عَنهُ بِوَاجِب انْظُر مَا تقدم أول الْبَاب. وَقِيلَ باعْتِبَارِ وَقْتِ السَّفَرِ وَالحُكْمُ باسْتِصْحَابِ حَالَهِ حَرِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 (وَقيل بِاعْتِبَار وَقت السّفر وَالْحكم باستصحاب حَاله حري) هَذَا هُوَ مَفْهُوم قَوْله: وحاله انبهم فحقه أَن لَا يحكيه بقيل فَلَو أَخّرهُ عَن الْبَيْت بعده وَقَالَ عوضا مِنْهُ: وحاله إِن علمت وَقت السّفر فَالْحكم باستصحابها دون نظر لأجاد كَمَا قَالَه وَلَده لِأَن حَاله فِي وَقت السّفر إِذا علمت كَانَ الْعَمَل عَلَيْهَا بِلَا خلاف حَتَّى يثبت مَا يُخَالِفهَا فَذكره فِي تعداد الْأَقْوَال الَّتِي موضوعها انبهام الْحَال غير سديد، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مُقَابل الْمَشْهُور بقوله: وَقِيلَ بالحَمْلِ عَلَى اليَسَارِ والقَوْلُ بالتَّصْدِيقِ أيْضاً جَارِي (وَقيل) مَبْنِيّ للْمَفْعُول (بِالْحملِ) نَائِبه (على الْيَسَار) فَلَا يصدق فِيمَا ادّعى أَنه كَانَ فِي مغيبة معدماً وَإِن قدم معدماً لِأَن الْغَالِب الملاء وَلِأَن كل عديم ادّعى الْعَدَم فَعَلَيهِ الْبَيِّنَة، وَهَذَا القَوْل لِابْنِ الْمَاجشون (وَالْقَوْل) مُبْتَدأ (بالتصديق) يتَعَلَّق بِهِ (أَيْضا) مفعول مُطلق (جاري) خبر أَي فَيصدق فِي دَعْوَاهُ الْإِعْسَار حَالَة الْغَيْبَة سَوَاء قدم مُوسِرًا أَو مُعسرا وَهُوَ لسَحْنُون وَابْن كنَانَة قَالَ فِي ضيح: وَوجه أَن الأَصْل الْعَدَم. (فصل فِيمَا يجب للمطلقات وغيرهن من النَّفَقَة وَمَا يلْحق بهَا) كالإرضاع وأجرته. إسْكَانُ مَدْخُولٍ بِهَا إِلَى انْقِضَا عِدَّتِهَا مِنَ الطَّلاقِ مُقْتَضَا (إسكان) مُبْتَدأ (مَدْخُول) مُضَاف إِلَيْهِ (بهَا) يتَعَلَّق بِهِ (إِلَى انْقِضَاء عدتهَا) يتَعَلَّق بِإِسْكَان (من الطَّلَاق) الْبَائِن صفة لعدتها (مُقْتَضى) خبر أَي مَطْلُوب بِحكم الشَّرْع لقَوْله تَعَالَى: لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ وَلَا يخْرجن} (الطَّلَاق: 41) الْآيَة لِأَن السُّكْنَى حق لله فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لَهَا إِسْقَاطهَا، وَلذَا كَانَت ترجع للسُّكْنَى إِن خرجت لحجة الضَّرُورَة فَمَاتَ أَو طلق على مَا هُوَ مُبين فِي (خَ) وَغَيره وَقد تساهلت النَّاس الْيَوْم فَصَارَت الْمَرْأَة إِذا طَلقهَا زَوجهَا أَو مَاتَ عَنْهَا تذْهب لأَهْلهَا وَلَا يجبرها الْحَاكِم على الْبَقَاء فِي بَيتهَا إِلَى انْقِضَاء عدتهَا، وَإِذا قضى عَلَيْهَا بالْمقَام فِي بَيتهَا لانقضاء عدتهَا فَأَرَادَتْ أَن تسكن مَعهَا أمهَا أَو قريبَة لَهَا فلهَا ذَلِك وَلَا تتْرك وَحدهَا وَلَا مقَال لزَوجهَا كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَغَيره، وَمَفْهُوم قَوْله مَدْخُول بهَا أَن غَيرهَا لَا سُكْنى لَهَا وَهُوَ كَذَلِك إِذْ لَا عدَّة عَلَيْهَا من الطَّلَاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 وذَاتُ حَمْلٍ زِيدَتِ الإنْفَاقَا لِوَضْعِهَا وَالْكِسْوَةَ اتِّفَاقَا (وَذَات حمل) مُبْتَدأ (زيدت) مَبْنِيّ للْمَفْعُول ونائبه ضمير الْمُبْتَدَأ (الإنفاقا) مفعول ثَان لزيدت (لوضعها) يتَعَلَّق بزيدت (وَالْكِسْوَة) مَعْطُوف على الْإِنْفَاق (اتِّفَاقًا) حَال وَالْمعْنَى أَن الْمُطلقَة طَلَاقا بَائِنا إِذا كَانَت حَامِلا فَإِنَّهُ يُزَاد لَهَا على السُّكْنَى النَّفَقَة وَالْكِسْوَة إِلَى وضع حملهَا إِذْ كل حَامِل لَهَا النَّفَقَة وَالْكِسْوَة إِلَّا الْمُتَوفَّى عَنْهَا والملاعنة، وَقَوله: لوضعها أَي وَلَو وَضعته لخمسة أَعْوَام وَالنَّفقَة بِقدر وَسعه وحالها كَمَا مر. وكما يَأْتِي فِي قَوْله: بِحَسب الأقوات والأعيان والسعر وَالزَّمَان وَالْمَكَان (خَ) : فيفرض المَاء وَالزَّيْت والحطب وَالْملح وَاللَّحم الْمرة بعد الْمرة، وَانْظُر نَوَادِر الطَّلَاق وَالرَّجْعَة وَالْعدة من نوازلنا الَّتِي جمعناها فَإِن الْكَلَام فِيهَا أوسع، وَأما الْكسْوَة فيفرض لَهَا الدرْع أَي الْقَمِيص والخمار أَي مَا تخمر بِهِ رَأسهَا أَي مَا تغطيه بِهِ والإزار وَينظر إِلَى الْغَالِب من مُدَّة الْحمل، فَإِن قيل غالبه تِسْعَة أشهر قيل: وَكم ثمن هَذِه الْكسْوَة وَفِي كم تبلى؟ فَإِن قيل تبلى فِي سنتَيْن قسم ثمنهَا عَلَيْهِ وكسيت بِحَسبِهِ انْظُر مَا تقدم عِنْد قَوْله: وَلبس ذَات الْحمل بِالْحملِ اقْترن. كَمَا لَو طَلقهَا بِقرب وَضعهَا فلهَا بِقدر ذَلِك من الْكسْوَة ثمنا (خَ) وَفِي الْأَشْهر قيمَة منابها. وَمَا لَهَا إنْ مَاتَ حَمْلٌ مِنْ بقَا واسْتثِنْ سُكْنى إنْ يَمُتْ مَنْ طَلَّقَا (وَمَا) نَافِيَة (لَهَا) خبر مقدم وَالضَّمِير للكسوة وَأَحْرَى النَّفَقَة (إِن مَاتَ حمل) شَرط وفاعله وَجَوَابه مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ (من بقا مُبْتَدأ جر بِمن الزَّائِدَة، وَالْمعْنَى أَنه لَا بَقَاء للنَّفَقَة وَالْكِسْوَة إِن مَاتَ الْحمل فِي بطن أمه، وَاعْتَرَفت بِمَوْتِهِ لِأَن النَّفَقَة إِنَّمَا كَانَت لَهَا لِأَن الْوَلَد يتغذى بغذائها فَإِذا مَاتَ لم يبْق لَهُ غذَاء بِهَذَا. أجَاب ابْن دحون وَابْن الشقاق وَغَيرهمَا، وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا فِي الأَجْهُورِيّ وَمَا فِي زمن أَن الْمُعْتَمد هُوَ اسْتِمْرَار نَفَقَتهَا ومسكنها إِن مَاتَ فِي بَطنهَا إِلَى وَضعهَا إِذْ بذلك وَقع الحكم من القَاضِي. ابْن مُحرز. وَأفْتى بِهِ آخَرُونَ الخ. معترض، وَأما الْمسكن فيستمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 لَهَا وَإِن مَاتَ فِي بَطنهَا إِلَى وَضعه إِذْ بِهِ تخرج من الْعدة كَمَا فِي (ح) عَن المشذالي وَغَيره قَائِلا هُوَ صَرِيح الْقُرْآن الْكَرِيم، وَإِنَّمَا حملنَا النّظم على مَا إِذا مَاتَ فِي بَطنهَا وَلم تضعه لِأَنَّهُ الَّذِي فِيهِ النزاع وَهُوَ المتوهم، وَأما إِذا مَاتَ بعد وَضعه أَو وَضعته مَيتا فقد خرجت من عدتهَا فَلَا يتَوَهَّم أحد اسْتِمْرَار شَيْء من النَّفَقَة وَالْكِسْوَة والإسكان لَهَا. (واستثن) أَمر (سُكْنى) مَفْعُوله (إِن يمت) شَرط (من) فَاعله (طلقا) صلَة وَالْمعْنَى أَن الْمُطلق إِذا مَاتَ قبل وضع الْحمل، أَو قبل انْقِضَاء الْعدة إِن لم تكن حَامِلا فَإِن النَّفَقَة وَالْكِسْوَة يسقطان وَتبقى السُّكْنَى للوضع وانقضاء الْعدة لِأَنَّهَا حق تعلق بِذِمَّتِهِ فَلَا يسْقطهُ الْمَوْت كَسَائِر الدُّيُون كَانَ الْمسكن لَهُ أم لَا. نقد كِرَاء أم لَا. وَيُؤْخَذ الْكِرَاء من رَأس مَاله بِخِلَاف الرَّجْعِيَّة أَو الَّتِي فِي الْعِصْمَة فَلَا يسْتَمر لَهَا السُّكْنَى إِن مَاتَ إِلَّا إِن كَانَ لَهُ أَو نقد كراءه كَمَا يَأْتِي، وَهَذَا الشّطْر كالاستثناء الْمُنْقَطع لِأَن الْمُسْتَثْنى مِنْهُ موت الْحمل وَهَذَا موت الزَّوْج الْمُطلق، وَأَيْضًا الحكم فِي الْمُسْتَثْنى وَهُوَ سُقُوط النَّفَقَة وَالْكِسْوَة وَبَقَاء السُّكْنَى هُوَ الحكم فِي الْمُسْتَثْنى مِنْهُ كَمَا قَررنَا، فَلَو قدم هَذَا الشّطْر على الَّذِي قبله لَكَانَ مُسْتَثْنى من قَوْله: زيدت الْإِنْفَاق الخ، وَيكون الضَّمِير فِي لَهَا عَائِدًا على النَّفَقَة لِأَنَّهَا الْمُحدث عَنْهَا وَالْكِسْوَة تَابِعَة لَهَا، وَيصِح أَن يبْقى على حَاله وَيكون مُسْتَثْنى من مَفْهُوم قَوْله: إِن مَاتَ حمل أَي فَإِن لم يمت فيستمران إِلَّا إِن مَاتَ الْمُطلق فيسقطان وَتبقى السُّكْنَى أَي: وَاسْتثنى السُّكْنَى مِمَّا إِذا لم يمت الْحمل وَمَات الْمُطلق، وَإِنَّمَا سَقَطت الْكسْوَة وَالنَّفقَة حِينَئِذٍ لِأَن الْحمل صَار وَارِثا وَلَا نَفَقَة لأمه فِي مَاله أَيْضا بل هِيَ الَّتِي تنْفق على نَفسهَا وَلَا ترجع بِشَيْء كَمَا فِي الْمَقْصد الْمَحْمُود وَغَيره. وَفِي الْوَفَاةِ تَجِبُ السُكْنى فَقَدْ فِي دارِهِ أوْ مَا كِرَاءَهُ نَقَدْ (وَفِي الْوَفَاة) يتَعَلَّق بقوله (تجب السُّكْنَى) فَاعل (فقد) اسْم فعل بِمَعْنى اكتف وَيصِح أَن يكون بِمَعْنى حسب (فِي دَاره) يتَعَلَّق بِالسُّكْنَى (أَو مَا) مَوْصُولَة معطوفة على دَاره وَاقعَة على الْبَيْت أَو الْمسكن (كراءه) مفعول بقوله (نقد) ، وَالْجُمْلَة صلَة والرابط الضَّمِير فِي كراءه، وَالْمعْنَى أَن الَّتِي توفّي عَنْهَا زَوجهَا وَهِي فِي عصمته أَو رَجْعِيَّة تجب لَهَا السُّكْنَى فَقَط كَانَت حَامِلا أم لَا بِشَرْطَيْنِ. أَحدهمَا: أَن يكون قد دخل بهَا فَإِن لم يدْخل بهَا أصلا أَو دخل بهَا وَهِي غير مطيقة فَلَا سُكْنى لَهَا لِأَن الدُّخُول بِغَيْر المطيقة كَالْعدمِ إِلَّا أَن تكون صَغِيرَة لَا يُوطأ مثلهَا وأسكنها مَعَه فِي حَيَاته ثمَّ مَاتَ فلهَا السُّكْنَى حِينَئِذٍ فِي الْعدة. عِنْد ابْن الْقَاسِم، لِأَن إسكانها مَعَه بِمَنْزِلَة دُخُولهَا بهَا. ثَانِيهمَا: أَن يكون الْمسكن مَمْلُوكا لَهُ أَو نقد كراءه قبل مَوته فَإِن انْقَضتْ مُدَّة النَّقْد قبل انْقِضَاء مُدَّة الْعدة لم يلْزم الْوَارِث سكناهَا بَقِيَّة الْمدَّة، وَظَاهره أَن لَهَا السُّكْنَى فِيمَا نَقده كَانَ الْكِرَاء وجيبة أَي مُدَّة مُعينَة أَو مشاهرة ككل شهر أَو يَوْم أَو سنة بِكَذَا وَهُوَ كَذَلِك، وَمَفْهُومه أَنه إِذا لم ينْقد لَا سُكْنى لَهَا وجيبة كَانَ أَيْضا أَو مشاهرة وَهُوَ كَذَلِك على الْمُعْتَمد، وَقيل: لَهَا السُّكْنَى فِي الوجيبة لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة النَّقْد وَإِن لم ينْقد بِالْفِعْلِ (خَ) : وللمتوفى عَنْهَا السُّكْنَى إِن دخل والمسكن لَهُ أَو نقد كراءه لَا بِلَا نقد وَهل مُطلقًا أَو إِلَّا الوجيبة تَأْوِيلَانِ اه. فَقَوْل النَّاظِم: وَفِي الْوَفَاة هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 على حذف مُضَاف وأل عوض عَن الضَّمِير أَي وَفِي عدَّة وَفَاته، وَلَا تجب عدَّة الْوَفَاة إِلَّا إِذا مَاتَ عَنْهَا وَهِي فِي عصمته أَو رَجْعِيَّة، وَأما إِن مَاتَ عَنْهَا وَهِي مُطلقَة بَائِنَة فعلَيْهَا عدَّة الطَّلَاق وَتجب لَهَا السُّكْنَى مُطلقًا كَانَ الْمسكن لَهُ أَو نقد كراءه أم لَا كَمَا مر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 وَلما كَانَت الْحَامِل قد يطول حملهَا فتستمر نَفَقَتهَا وكسوتها وسكناها إِن كَانَت مُطلقَة أَو سكناهَا فَقَط إِن كَانَت متوفى عَنْهَا احْتَاجَ إِلَى بَيَان أقْصَى الْحمل فَقَالَ: وَخَمْسَةُ الأَعْوَامِ أقْصى الحَمْلِ وَسِتَّةُ الأَشْهُرِ فِي الأقلِّ (وَخَمْسَة الأعوام)) مُبْتَدأ (أقْصَى الْحمل) خَبره فَإِذا مضى للبائن ثَلَاثَة أشهر من طَلاقهَا فَقَالَت إِن عدتهَا لم تنقض وَكَانَت متهمة حَلَفت سَوَاء كَانَت محجورة أم لَا، لِأَن الدَّعْوَى عَلَيْهَا فِي بدنهَا وتمادت على سكناهَا إِلَى انْقِضَاء السّنة وَللزَّوْج إحلافها فِي كل ثَلَاثَة أشهر فَإِذا انْقَضتْ السّنة نظر إِلَيْهَا النِّسَاء فَإِن أحسسن بريبة وشككن هَل حَرَكَة مَا فِي بَطنهَا حَرَكَة ولد أَو حَرَكَة ريح حَلَفت أَيْضا أَن عدتهَا لم تنقض وتمادت فِي السُّكْنَى إِلَى انْقِضَاء خَمْسَة أَعْوَام فتنقطع سكناهَا وَيحل لَهَا التَّزَوُّج، وَإِن قَالَت أَنا بَاقِيَة على ريبتي لِأَن خَمْسَة أَعْوَام أمد يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْحمل على الْمَشْهُور وَحكم الْمُتَوفَّى عَنْهَا إِذا كَانَ الْمسكن لَهُ أَو نقد كراءه حكم هَذِه ثمَّ إِنَّه لَا نَفَقَة للمتوفى عَنْهَا وَلَا كسْوَة كَمَا مر وَكَذَا الْبَائِن فِي هَذَا الْوَجْه لِأَن الْحمل لم يثبت، وَإِنَّمَا أحست النِّسَاء بالريبة فَقَط فَإِن ثَبت وَشهِدت القوابل العارفات بأنهن لمسن بَطنهَا لمساً تَاما شافياً فتحقق أَن بهَا حملا ظَاهرا قد تحرّك وَفَشَا الخ. فيزاد لَهَا حِينَئِذٍ النَّفَقَة وَالْكِسْوَة للأمد الْمَذْكُور، وَيجب لَهَا ذَلِك من أول الْحمل كَمَا مرّ فَإِن انْقَضى الأمد الْمَذْكُور والموضوع بِحَالهِ من تحقق الْوَلَد لم يحل لَهَا التَّزَوُّج أبدا كَمَا فِي (ح) عَن اللَّخْمِيّ وَانْظُر هَل تستمر لَهَا النَّفَقَة وَالْكِسْوَة أَيْضا وَهُوَ الظَّاهِر لقَولهم تجب النَّفَقَة للحامل مَا دَامَ الْوَلَد حَيا فِي بَطنهَا أَو لَا يسْتَمر لَهَا ذَلِك لطرو الرِّيبَة بطول الْمدَّة وَالْخُرُوج عَن الْعَادة. تَنْبِيه: نقل ابْن سَلمُون عَن الِاسْتِغْنَاء أَن الزَّوْج إِذا خَافَ أَن تجحد مطلقته الْحيض لتَمام الْمدَّة وَكَانَت مِمَّن تتهم فَلهُ أَن يَجْعَل مَعهَا امْرَأَة صَالِحَة تترقب ذَلِك مِنْهَا وتتعرف أحوالها وَيعْمل على قَوْلهَا اه. قلت: وَهَذَا ظَاهر وَلَو على القَوْل الْمَعْمُول بِهِ من أَنَّهَا لَا تصدق فِي انْقِضَاء عدتهَا فِي أقل من ثَلَاثَة أشهر، لِأَن هَذَا القَوْل يَقُول لَا تصدق فِي الِانْقِضَاء فِي أقل من الْمدَّة الْمَذْكُورَة، وَأما إِذا قَالَت لم تنقض فَهِيَ مصدقة عِنْده وَعند غَيره وَلكنهَا تحلف كَمَا مر. (وَسِتَّة الْأَشْهر) مُبْتَدأ (فِي الْأَقَل) خَبره يَعْنِي أَن أقل الْحمل سِتَّة أشهر بِإِجْمَاع الْعلمَاء لقَوْله تَعَالَى: وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا} (الْأَحْقَاف: 51) مَعَ قَوْله تَعَالَى: والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين} (الْبَقَرَة: 233) وَقَالَ أَيْضا: وفصاله فِي عَاميْنِ} (لُقْمَان: 14) فَإِذا سَقَطت مُدَّة الفصال الَّتِي فِي الْآيَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ من الثَّلَاثِينَ بَقِي للْحَمْل سِتَّة أشهر، فَإِذا ولدت الْمَرْأَة لأَقل من سِتَّة أشهر من يَوْم العقد لم يلْحق بِالزَّوْجِ وانتفى عَنهُ بِغَيْر لعان كَمَا تقدم فِي بَاب اللّعان. وَحَالُ ذَاتِ طَلْقَةٍ رَجْعِيَّهْ فِي عِدَّةٍ كَحَالَةٍ الزَّوْجَيَّهْ (وَحَال ذَات) مُبْتَدأ (طَلْقَة) مُضَاف بعد مُضَاف (رَجْعِيَّة) نعت لطلقة (فِي عدَّة) يتَعَلَّق بِحَال (كحالة الزَّوْجِيَّة) خبر. مِنْ وَاّجبٍ عَلَيْهِ كالإنْفَاقِ إلاَّ فِي الاسْتِمْتاعِ بالإطْلاَقِ (من وَاجِب) من بِمَعْنى فِي تتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (عَلَيْهِ) يتَعَلَّق بِوَاجِب (كالإنفاق) خبر لمبتدأ مَحْذُوف (إِلَّا) اسْتثِْنَاء من عُمُوم كحالة الزَّوْجِيَّة (فِي الِاسْتِمْتَاع) يتَعَلَّق بِمَا تعلّقت بِهِ من الظَّرْفِيَّة الْمُتَقَدّمَة (بِالْإِطْلَاقِ) حَال من الِاسْتِمْتَاع، وَالْمعْنَى أَن حَال الرَّجْعِيَّة وَقت عدتهَا كَحال الزَّوْجَة الَّتِي فِي الْعِصْمَة فِي وجوب النَّفَقَة لَهَا وَجَوَاز إرداف الطَّلَاق عَلَيْهَا وَلُزُوم الظِّهَار وَالْإِيلَاء مِنْهَا وَثُبُوت الْمِيرَاث وانتقالها لعدة الْوَفَاة فِي مَوته عَنْهَا وَغير ذَلِك من الْأَحْكَام إِلَّا فِي الِاسْتِمْتَاع بهَا وَلَو بنظرة لَذَّة، فَإِنَّهُ يحرم وَلَا تكون فِيهِ كَالزَّوْجَةِ حَتَّى يرتجعها بنية، قَالَ ابْن الْحَاجِب: وَلَو قَالَ نسَائِي طَوَالِق اندرجت الرَّجْعِيَّة (خَ) : والرجعية كَالزَّوْجَةِ إِلَّا فِي تَحْرِيم الِاسْتِمْتَاع وَالدُّخُول عَلَيْهَا وَالْأكل مَعهَا. 5 وَحَيْثُ لاَ عِدَّةَ لِلْمُطَلَّقَهْ فَلَيْسَ مِنْ سُكْنى وَلا مِنْ نَفَقَهْ (وَحَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (لَا) نَافِيَة للْجِنْس (عدَّة) اسْمهَا (للمطلقة) خَبَرهَا، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ إِلَيْهَا (فَلَيْسَ) جَوَاب الشَّرْط (من سُكْنى) اسْمهَا جر بِمن الزَّائِدَة (وَلَا من نَفَقَة) مَعْطُوف على مَا قبله وخبرها مَحْذُوف للْعلم بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 تَقْدِيره لَهَا على الزَّوْج، وَالْمعْنَى أَن الْمُطلقَة إِذا كَانَت لَا عدَّة عَلَيْهَا لكَونهَا طلقت قبل الْبناء أَو كَانَت غير مطيقة وَإِن وطِئت بِالْفِعْلِ لِأَن وَطْء غير المطيقة كَالْعدمِ أَو كَانَ الزَّوْج مجبوباً فَإِنَّهُ لَا نَفَقَة لَهَا وَلَا كسْوَة وَلَا سُكْنى وَقد بَانَتْ وحلت للأزواج من حينها. وَالْحَاصِل أَنه كلما انْتَفَت الْعدة انْتَفَى لازمها من السُّكْنَى وَالنَّفقَة وَلَا عكس، لِأَنَّهُ إِذا وَجَبت الْعدة فقد ثبتَتْ النَّفَقَة وَالسُّكْنَى كَمَا إِذا كَانَت الْمُطلقَة حَامِلا أَو رَجْعِيَّة وَقد ينتفيان كَمَا إِذا لم تعلم خلْوَة بَينهمَا وَادعت الْمَسِيس أَو علمت فِي زيارته لَهَا فعلَيْهَا الْعدة لإقرارها بِسَبَبِهَا فِي الأولى ولعلم الْخلْوَة فِي الثَّانِيَة وَإِن لم تقر بِالْوَطْءِ. (خَ) : تَعْتَد حرَّة بخلوة بَالغ وَلَا نَفَقَة لَهَا وَلَا سُكْنى لِأَنَّهَا مُطلقَة قبل الْبناء على زَعمه فَهِيَ بَائِن غير حَامِل، فَإِن ظهر بهَا حمل والموضوع بِحَالهِ فَإِن لَاعن فِيهِ فَلَا شَيْء لَهَا، وَإِلَّا فلهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى كَمَا مر مَا لم تضعه لأَقل من سِتَّة من يَوْم العقد وَإِلَّا انْتَفَى بِغَيْر لعان كَمَا مر. وَلَيْسَ لِلرَّضِيعِ سُكْنَى بالْقَضَا عَلَى أبِيهِ وَالرَّضَاعُ مَا انْقَضَى (وَلَيْسَ للرضيع سُكْنى) اسْم لَيْسَ خَبَرهَا فِي الْمَجْرُور قبله (بالقضا على أَبِيه) يتعلقان بالاستقرار فِي الْخَبَر (وَالرّضَاع) مُبْتَدأ (مَا) نَافِيَة (انْقَضى) خبر وَالْجُمْلَة حَالية مقرونة بِالْوَاو يُرِيد أَن من طلق زَوجته وَله مَعهَا ولد رَضِيع، فَإِنَّهُ لَا سُكْنى للرضيع على أَبِيه لِأَن مَسْكَنه فِي مُدَّة الرَّضَاع هُوَ حجر أمه فِي الْغَالِب قَالَه ابْن عَاتٍ وَغَيره. نعم على أَبِيه نَفَقَته إِن كَانَ يَأْكُل مَعَ الرَّضَاع وَفهم من قَوْله وَالرّضَاع مَا انْقَضى الخ. أَنه إِذا انْقَضتْ لَهُ مُدَّة الرَّضَاع تكون لَهُ السُّكْنَى على أَبِيه وَهُوَ كَذَلِك على أحد قَوْلَيْنِ، وَبِه الْعَمَل فَيلْزم الْأَب حَظه من كِرَاء الْبَيْت (خَ) وللحاضنة قبض نَفَقَته وَالسُّكْنَى بِالِاجْتِهَادِ وَيكون عَلَيْهِ أَيْضا إخدامه بعد تَمام الرَّضَاع إِذا كَانَ حَاله يَتَّسِع لذَلِك كَمَا فِي ابْن سَلمُون قَالَ: وَلَا خدمَة للحامل وَلَا للرضيع على زَوجهَا وَإِن كَانَت مخدمة قبل الطَّلَاق على مَا بِهِ الْعَمَل إِلَّا أَن الْمُرْضع يُزَاد لَهَا مَا تتقوى بِهِ فِي الْأُجْرَة بِسَبَب اشتغالها بِالْوَلَدِ اه (خَ) وتزاد الْمُرْضع مَا تقوى بِهِ. وَمُرْضَعُ لَيْسَ بِذِي مَالٍ عَلَى وَالِدِهِ مَا يَسْتَحِقُّ جُعِلاَ (ومرضع) بِفَتْح الضَّاد اسْم مفعول مُبْتَدأ (لَيْسَ) اسْمهَا ضمير الْمُبْتَدَأ (بِذِي مَال) خَبَرهَا جر بِالْبَاء الزَّائِدَة، وَالْجُمْلَة صفة للمبتدأ (على وَالِده) يتَعَلَّق بجعلا آخر الْبَيْت (مَا) مُبْتَدأ ثَان (يسْتَحق) صلَة والرابط مَحْذُوف (جعلا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر مَا وَمَا وخبرها خبر الأول، وَالْمعْنَى أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 الرَّضِيع الَّذِي لَا مَال لَهُ يكون جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من أُجْرَة الرَّضَاع وَغَيرهَا على أَبِيه الْغَنِيّ، وَفهم من قَوْله: لَيْسَ بِذِي مَال الخ. أَن مَال الابْن يقدم على مَال الْأَب وَلَو فِي حَيَاته، وَهُوَ كَذَلِك على الرَّاجِح من إِحْدَى الطريقتين لِأَن أُجْرَة الرَّضَاع كَالنَّفَقَةِ يبْدَأ فِيهَا بِمَال الابْن وسيصرح بِهَذَا فِي قَوْله: وَمن لَهُ مَال فَفِيهِ الْفَرْض حق. وَكَلَام النَّاظِم فِيمَا إِذا كَانَت أمه فِي الْعِصْمَة أَو رَجْعِيَّة بِدَلِيل مَا بعده، لكنه أطلق فَيشْمَل علية الْقدر وَالَّتِي لَا لبن لَهَا لمَرض وَنَحْوه وَغَيرهمَا مَعَ أَن الحكم الْمَذْكُور خَاص بعلية الْقدر وَالَّتِي لَا لبن لَهَا. وَأما غَيرهمَا وَلَو رَجْعِيَّة فَيجب عَلَيْهَا إِرْضَاع وَلَدهَا بِلَا أجر (خَ) : وعَلى الْأُم المتزوجة إِرْضَاع وَلَدهَا بِلَا أجر إِلَّا لعلو قدر كالبائن الخ فَلَو زَاد النَّاظِم بَيْتَيْنِ فَقَالَ مثلا: إِن ذَات قدر هِيَ أَو مريضه وَغَيرهَا ترْضِعه فريضه واستأجرت من مَالهَا إِن أعدما أَب وَكَانَ درها قد عدما لوفى بالمراد والدر اللَّبن، وَبِالْجُمْلَةِ فعلية الْقدر الَّتِي مثلهَا لَا يرضع وَلَده لعلم أَو سرف أَو صَلَاح أَو جاه لَا يلْزمهَا إِرْضَاع وَلَدهَا فَإِن أَرْضَعَتْه وَلَو قبل غَيرهَا كَانَت لَهَا أُجْرَة الرَّضَاع فِي مَال الْوَلَد إِن كَانَ لَهُ مَال فَإِن لم يكن لَهُ مَال فَفِي مَال الْأَب فَإِن لم يكن لَهما مَال لَزِمَهَا إرضاعه مجَّانا، وَإِن لم يكن لَهَا لبن اسْتَأْجَرت من يرضعه من مَالهَا، وَأما غير علية الْقدر الَّتِي لَا لبن لَهَا فَإِن الْأَب يسْتَأْجر من يرضعه من مَاله فَإِن لم يكن لَهُ مَال اسْتَأْجَرت من يرضعه من مَالهَا أَيْضا. وَمَعْ طلاقٍ أُجْرَةُ الإرْضَاعِ إِلَى تَمَامِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ (وَمَعَ طَلَاق) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر الْمَحْذُوف. (أُجْرَة الْإِرْضَاع) مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف للْعلم بِهِ أَي وَأُجْرَة الرَّضَاع وَاجِبَة لَهَا عَلَيْهِ مَعَ طَلاقهَا الْبَائِن (إِلَى تَمام مُدَّة الرَّضَاع) وَهُوَ الحولان وَحذف النَّاظِم نعت طَلَاق كَمَا ترى وَهُوَ وَارِد فِي التَّنْزِيل كَقَوْلِه تَعَالَى: إِنَّه لَيْسَ من أهلك} (هود: 46) أَي الناجين، وَقَوله: الْآن جِئْت بِالْحَقِّ} (الْبَقَرَة: 71) أَي الْبَين وَمن قَوْله مَعَ طَلَاق يفهم أَن الْبَيْت الَّذِي قبله إِنَّمَا هُوَ فِي الَّتِي فِي الْعِصْمَة أَو من فِي حكمهَا وَهِي الرَّجْعِيَّة كَمَا مر فَإِن لم ترض هَذِه الْبَائِن بِمَا فرض لَهَا كَانَ للْأَب أَخذه ويدفعه لمن يرضعه، فَإِن لم يقبل غَيرهَا كَانَ عَلَيْهَا إرضاعه بِمَا فرض لَهَا بِالْقضَاءِ فَإِن كَانَ الْأَب مُعسرا لَا يقدر على أُجْرَة كَانَ عَلَيْهَا إرضاعه مجَّانا أَو بِمَا يقدر عَلَيْهِ واستأجرت من مَالهَا إِن لم يكن لَهَا لبن كَمَا مر، وَإِذا وجد الْأَب من يرضعه مجَّانا أَو بِأَقَلّ من الْأُجْرَة الْمَفْرُوضَة فَلَا يَنْزعهُ مِنْهَا وَيلْزمهُ لَهَا أُجْرَة الْمثل كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله وَلها إِن قبل غَيرهَا أُجْرَة الْمثل وَلَو وجد من ترْضِعه عِنْدهَا مجَّانا على الْأَرْجَح فِي التَّأْوِيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 وَبَعْدَهَا يَبْقَى الَّذِي يَخْتَصُّ بِهْ حَتَّى يُرَى سُقُوطُهُ بِمُوجِبِهْ (وَبعدهَا) يتَعَلَّق بقوله (يبْقى) وَالضَّمِير الْمُؤَنَّث لمُدَّة الرَّضَاع (الَّذِي) فَاعل بيبقى (يخْتَص بِهِ) صلَة والرابط هُوَ الضَّمِير الْفَاعِل بيختص وَضمير بِهِ للْوَلَد (حَتَّى) جَارة بِمَعْنى إِلَى وَأَن مقدرَة بعْدهَا (يرى) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول مَنْصُوب بِأَن الْمقدرَة (سُقُوطهَا) نَائِب الْفَاعِل (بِمُوجبِه) يتَعَلَّق بِسُقُوط، وَأَن وَمَا دخلت عَلَيْهِ تسبك بمصدر مجرور بحتى يتَعَلَّق بيبقى، وَالْمعْنَى أَنه يبْقى الَّذِي يخْتَص بِالْوَلَدِ بعد مُدَّة الرَّضَاع من نَفَقَة وَكِسْوَة وسكنى لَازِما لِأَبِيهِ إِلَى رُؤْيَة سُقُوطه عَنهُ بِمُوجبِه وَهُوَ بُلُوغ الذّكر عَاقِلا قَادِرًا على الْكسْب وَدخُول الزَّوْج بِالْأُنْثَى كَمَا مرّ فِي قَوْله: فَفِي الذُّكُور للبلوغ يتَّصل وَفِي الْإِنَاث بِالدُّخُولِ ينْفَصل تَنْبِيه: إِذا طلق وَادّعى الْعسر بِنَفَقَة الْوَلَد أَو أُجْرَة رضاعه، فَإِن دَعْوَاهُ لَا تقبل وَلَو أثبتها لِأَنَّهُ قبل الطَّلَاق كَانَ ينْفق عَلَيْهَا وَعَلِيهِ وَالْيَوْم عَلَيْهِ فَقَط، فَهِيَ أخف، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يثبت بِالْبَيِّنَةِ أَن حَالَته تَغَيَّرت عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ قبل الطَّلَاق فَيحلف حِينَئِذٍ أَنه مَا كتم شَيْئا وَلَا يَسْتَطِيع من النَّفَقَة شَيْئا ثمَّ يكون رضاعه على الْأُم وَنَفَقَته على الْمُسلمين أَو بَيت المَال قَالَ مَعْنَاهُ اللَّخْمِيّ. وَإنْ تَكُنْ مَعْ ذَاكَ ذَاتَ حَمْلِ زِيدَتْ لهَا نَفَقَةٌ بالْعَدْلِ (وَإِن تكن) شَرط وَاسْمهَا ضمير الْمُطلقَة (مَعَ ذَاك) يتَعَلَّق بتكن وَالْإِشَارَة إِلَى كَونهَا مُرْضعًا (ذَات حمل) خبر تكن (زيدت) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (لَهَا) يتَعَلَّق بِهِ (نَفَقَة) نَائِب الْفَاعِل (بِالْعَدْلِ) . بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَحَيْثُ بالْقَضَا تُؤْخَذُ وَانَفَشَّ فَمِنْهَا تُقْتَضَى (بعد ثُبُوته) يتعلقان بزيدت أَيْضا، وَالْمعْنَى أَن الْمُطلقَة إِذا كَانَت ذَات حمل مَعَ كَونهَا مُرْضعًا فَإِنَّهُ يُزَاد لَهَا نَفَقَة الْحمل وَالسُّكْنَى على أُجْرَة الرَّضَاع لقَوْله تَعَالَى: فَإِن أرضعن لكم فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} (الطَّلَاق: 6) الْآيَة وَقَوله: وَإِن كن أولات حمل فأنفقوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضعن حَملهنَّ} (الطَّلَاق: 6) وَلَيْسَ وَاجِب الْإِرْضَاع مسْقطًا مَا يجب لَهَا لأجل الْحمل (ح) : وَإِن كَانَت مُرْضِعَة فلهَا نَفَقَة الرَّضَاع أَيْضا ثمَّ هَذِه النَّفَقَة الَّتِي تزاد لَهَا تكون بِالْعَدْلِ بِقدر وَسعه وحالها والبلد والسعر، وَإِنَّمَا تزاد لَهَا نَفَقَة الْحمل بعد ثُبُوته بِشَهَادَة القوابل إنَّهُنَّ لمسن بَطنهَا لمساً تَاما شافياً فتحققن أَن بهَا حملا ظَاهرا قد تحرّك وَفَشَا الخ. فَإِن سقط من شَهَادَتهنَّ قد تحرّك لم يعْمل بهَا لقَوْل ابْن رشد الْمَشْهُور فِي الْمَذْهَب أَن يحكم للْحَمْل بحركته فِي وجوب النَّفَقَة وَاللّعان عَلَيْهِ، وَفِي كَون الْأمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 حرَّة بِهِ اه. وَقَالَ أَيْضا: لَا يتَبَيَّن الْحمل فِي أقل من ثَلَاثَة أشهر وَلَا يَتَحَرَّك تحركاً بَينا يَصح الْقطع بِهِ على حركته فِي أقل من أَرْبَعَة أشهر وَعشر اه. فَإِذا شهدن أَنه يَتَحَرَّك وَهُوَ من شَهْرَيْن أَو ثَلَاثَة من يَوْم حَاضَت أَو ولدت لم يعْمل بهَا أَيْضا، وَإِذا وَجَبت لَهَا النَّفَقَة بحركته فتحاسبه بِمَا مضى من أَرْبَعَة أشهر من طَلاقهَا. (وَحَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (بالقضا) ء يتَعَلَّق بقوله: (تُؤْخَذ) ونائبه ضميرالنفقة، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (وانفش) مَعْطُوف على تُؤْخَذ وفاعله ضمير الْحمل (فَمِنْهَا) يتَعَلَّق بقوله (تقتضى) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير النَّفَقَة وَالْجُمْلَة جَوَاب حَيْثُ وَالْفَاء رابطة. وَإنْ يَكُنْ دَفْعٌ بِلا سُلْطَانِ فَفِي رُجُوعِهِ بِهِ قَوْلاَنِ (وَإِن يكن) شَرط (دفع) اسْمهَا (بِلَا سُلْطَان) خَبَرهَا (فَفِي رُجُوعه بِهِ) خبر (قَولَانِ) مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط، وَالْمعْنَى أَن الْحَامِل إِذا ثَبت حملهَا وَأخذت النَّفَقَة بِحكم الْحَاكِم ثمَّ بعد ذَلِك أنفش حملهَا، وَتبين أَنه لَا حمل بهَا، وَإِنَّمَا هُوَ ريح أنفش فَإِن النَّفَقَة الَّتِي أخذت تَقْتَضِي مِنْهَا أَي تُؤْخَذ مِنْهَا كلهَا، وَكَذَا الْكسْوَة وَلَو بعد أشهر وَإِن كَانَت النَّفَقَة دفعت لَهَا بِغَيْر حَاكم وَهُوَ مُرَاده بقوله بِلَا سُلْطَان، وأنفش الْحمل كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع فَهَل يرجع الزَّوْج بهَا أم لَا؟ قَولَانِ فِي الْمَذْهَب، وَالْمَشْهُور مِنْهُمَا الأول كَمَا هُوَ ظَاهر قَول (خَ) وَردت النَّفَقَة كانفشاش الْحمل الْحمل الخ، وَظَاهره أَيْضا أنْفق عَلَيْهَا بعد ظُهُوره وثبوته أَو قبلهمَا، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا لشراحه. وَمَفْهُوم قَول النَّاظِم: أنفش أَنه إِذا لم ينفش بل وَلدته وَمَات أَو أسقطته مَيتا فَلَا رُجُوع عَلَيْهَا بِشَيْء، وَهُوَ كَذَلِك، وَإِذا تنازعت مَعَ الزَّوْج فادعت أَنَّهَا أسقطته وَادّعى هُوَ أَنه ريح أنفش، فَالْقَوْل قَوْلهَا وَلَو لم يُوجد لَهُ أثر بِلَا يَمِين كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) أَيْضا بقوله وصدقت فِي انْقِضَاء عدَّة الإقراء والوضع بِلَا يَمِين. وَمَنْ لهُ مَالٌ فَفيهِ الْفَرْضُ حَقْ وَعَنْ أبٍ يَسْقُطُ كلُّ مَا اسَتَحَقْ (وَمن) مُبْتَدأ مَوْصُول وَاقع على الْوَلَد الصَّغِير (لَهُ مَال) مُبْتَدأ وَخبر صلته (فَفِيهِ) يتَعَلَّق بِحَق آخر الْبَيْت (الْفَرْض) مُبْتَدأ (حق) بِضَم الْحَاء فعل مَاض ونائبه ضمير الْفَرْض، وَالْجُمْلَة خبر عَن الْفَرْض، وَالْجُمْلَة من هَذَا الْمُبْتَدَأ وَخَبره خبر الْمَوْصُول وَدخلت الْفَاء فِي خَبره لشبه الْمَوْصُول بِالشّرطِ فِي الْعُمُوم والإبهام (وَعَن أَب) يتَعَلَّق بقوله (يسْقط كل) فعل وفاعل (مَا) مُضَاف إِلَيْهِ مَوْصُول وصلته جملَة (اسْتحق) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وفاعله ضمير من والرابط مَحْذُوف، وَالْمعْنَى أَن كل ولد صَغِير كَانَ لَهُ مَال وَرثهُ من أمه أَو تصدق بِهِ عَلَيْهِ وَنَحْو ذَلِك فَإِن لِأَبِيهِ أَن يفْرض نَفَقَته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 وَكسوته وَأُجْرَة رضاعه فِيهِ وَسَوَاء كَانَ المَال عينا أَو عرضا، وَيرجع الْأَب بِمَا أنْفق عَلَيْهِ من مَاله الْخَاص بِهِ إِن كَانَ مَال الابْن عرضا فَقَط، وَجَرت عَادَة الْبَلَد بِرُجُوع الْآبَاء على الْأَبْنَاء كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: ومنفق على صَغِير مُطلقًا إِلَى آخر الأبيات، وَإِذا أنْفق عَلَيْهِ فِي ختنه وعرسه وعيده فَلَا يلْزمه إِلَّا مَا كَانَ مَعْرُوفا لَا مَا كَانَ سَرفًا (خَ) : وَالنَّفقَة على الطِّفْل بِالْمَعْرُوفِ، وَفِي ختنه وعرسه وعيده. ابْن الْقَاسِم: مَا أنفقهُ على اللعابين فِي عرسه وَنَحْوه لَا يلْزم الْوَلَد. وكُلُّ مَا يَرْجِعُ لافْتِرَاضِ مُوَكَّلٌ إِلَى اجْتِهَادِ القَاضِي (وكل) مُبْتَدأ (مَا) مُضَاف إِلَيْهِ (يرجع) صلَة والرابط الْفَاعِل بيرجع (لافتراض) يتَعَلَّق بِهِ (مُوكل) بِفَتْح الْكَاف خبر (إِلَى اجْتِهَاد القَاضِي) يتَعَلَّق بالْخبر الْمَذْكُور. بِحَسَبِ الأَقْوَاتِ والأَعْيَانِ وَالسِّعْرِ وَالزّمَانِ وَالمَكَانِ (بِحَسب) حَال من اجْتِهَاد أَو يتَعَلَّق بِمَحْذُوف أَي فيجتهد بِحَسب إِلَى آخِره، وَالْمعْنَى أَن كل مَا يفْرض وَيقدر من نَفَقَة وَكِسْوَة وَإِسْكَان وإخدام فَهُوَ مُوكل إِلَى اجْتِهَاد القَاضِي حَال كَون اجْتِهَاده كَائِنا بِحَسب جنس (الأقوات) الْمُعْتَاد أكلهَا فِي الْبَلَد من قَمح أَو شعير أَو أرز أَو ذرة وَغير ذَلِك (و) بِحَسب (الْأَعْيَان) الْمَفْرُوض لَهَا وَعَلَيْهَا من غنى وَغَيره، فَلَا يلْزم الْمُوسر أَن ينْفق على الفقيرة كنفقته على الغنية وَلَا يَكْتَفِي من غير متسع الْحَال فِي إِنْفَاقه على الغنية بِمَا يَكْفِيهِ فِي الفقيرة. وَاعْلَم أَن الْأَعْيَان أَرْبَعَة: غَنِي ومتوسط ومقل وعديم، وَلَكِن فرض عَامَّة النَّاس عندنَا بفاس حرسها الله كَمَا فِي الشَّيْخ (م) : وَهُوَ الَّذِي رَأَيْت عَمَلهم الْيَوْم عَلَيْهِ فرض الإقلال كَانَ الزَّوْج رفيعاً أَو وضيعاً وَلَو كَانَ تَاجِرًا إِلَّا إِذا أثبت عَدمه فيفرض عَلَيْهِ فرض العديم وَلَا تطلق عَلَيْهِ كَمَا قَالَ (خَ) لَا أَن قدر على الْقُوت وَمَا يواري الْعَوْرَة وَأَن غنية أَي فَلَا تطلق عَلَيْهِ قَالَ ابْن سَلمُون: فَإِن ادّعى أَنه مُعسر فَلَا يفْرض عَلَيْهِ فرض الْمُعسر حَتَّى يثبت هَذَا الرَّسْم الَّذِي نَصه يعرف شُهُوده فلَانا ويعلمونه ضَعِيف الْحَال بَادِي الإقلال مَقْدُورًا عَلَيْهِ فِي رزقه وحاله مُتَّصِلا على ذَلِك حَتَّى الْآن وَبِذَلِك قيدوا شَهَادَتهم فِي كَذَا، فَإِذا ثَبت هَذَا العقد سقط عَنهُ الْإِنْفَاق الَّذِي يلْزم الْمُوسر، وَكَانَ عَلَيْهِ غليظ الثِّيَاب والقوت من الدَّقِيق أَو الْخبز إِن كَانَ لَا يَسْتَطِيع الدَّقِيق وَسقط عَنهُ الإدام وَيدْفَع ذَلِك بالشهر أَو بِالْجمعَةِ أَو بِالْيَوْمِ اه. فَإِن ادّعى الْعَجز حَتَّى عَن الدَّقِيق وَالْخبْز يَعْنِي بِغَيْر إدام فَإِنَّهَا تطلق عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْل بعده، فَإِذا علمت هَذَا فالمتوسط عندنَا بفاس هُوَ الْمقل، وَلذَا حمل عَامَّة النَّاس عَلَيْهِ عندنَا والعديم قِسْمَانِ عديم لَا يقدر على شَيْء من النَّفَقَة بِحَال وعديم يقدر على الْقُوت بِغَيْر أدام وَمَا يواري الْعَوْرَة من غليظ الثِّيَاب فَلَا تطلق عَلَيْهِ (و) بِحَسب (السّعر) فيوسع فِي الرخَاء دون الغلاء (و) بِحَسب (الزَّمَان) فَلَيْسَ زمَان الشتَاء كالصيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 (و) بِحَسب (الْمَكَان) إِن كَانَ أكل أهل بَلَدهَا الشّعير وَنَحْوه أَكلته وَأمر الإدام كَذَلِك فيفرض المَاء وَالزَّيْت والحطب وَالْملح وَاللَّحم الْمرة بعد الْمرة لمتسع وَمرَّة فِي كل جُمُعَة لمتوسط وَلَا يفْرض عسل وَلَا سمن وَلَا فَاكِهَة إِلَّا أَن يكون السّمن إدَامًا لأهل بَلَدهَا كَمَا عندنَا بفاس فيفرض، وَأما أهل الْبَادِيَة فينقص لَهُم الْوقُود والصابون وَالزَّيْت وَمَا عداهُ يلْزمهُم. ابْن الفخار: يلْزم المليء فِي نَفَقَة زَوجته مدان فِي كل يَوْم بمده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام والمتوسط يلْزمه مد وَنصف اه. ابْن الْحَاجِب: وَقدر مَالك الْمَدّ فِي الْيَوْم وَقدر ابْن الْقَاسِم ويبتين وَنصفا فِي الشَّهْر إِلَى ثَلَاثَة لِأَن مَالِكًا بِالْمَدِينَةِ وَابْن الْقَاسِم بِمصْر، ضيح: المُرَاد بِالْمدِّ هُنَا الْهَاشِمِي وَهُوَ الْمَنْسُوب إِلَى هَاشم بن إِسْمَاعِيل المَخْزُومِي وَكَانَ أَمِيرا بِالْمَدِينَةِ فِي خلَافَة هِشَام بن عبد الْملك وَقدره مد وَثُلُثَانِ بمده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والويبة اثْنَان وَعِشْرُونَ مدا بمده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اه. وَمَا تقدم فِي قدر الْمَدّ الْهَاشِمِي هُوَ الْمَشْهُور، وَقيل هُوَ مد وَثلث وَقيل مدان حكى هَذِه الْأَقْوَال ابْن الْحَاجِب، وَأمر الْكسْوَة يعْتَبر فِيهِ مَا تقدم فِي النَّفَقَة من الْأَعْيَان والسعر وَالزَّمَان وَالْمَكَان فَإِن كَانَت حَدِيثَة عهد بِالْبِنَاءِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ سوى شورتها الَّتِي تجهزت بهَا إِلَيْهِ من ملبس وغطاء ووطاء، وَإِن لم يكن فِي صَدَاقهَا مَا تتشور بِهِ أَو لقلته أَو بعد عهدها بِالْبِنَاءِ حَتَّى خلقت شورتها فَعَلَيهِ كسوتها يفْرض لَهَا فِي الصَّيف مَا يَلِيق بِهِ، وَفِي الشتَاء مَا يَلِيق بِهِ وَلَيْسَ المُرَاد أَن يَكْسُوهَا فِي كل صيف وشتاء بل حَتَّى تخلق كسْوَة كل مِنْهُمَا ابْن سَلمُون قَالَ بعض الْمُفْتِينَ: إِن كَانَ الصَدَاق وَاسِعًا فَلَا كسْوَة لَهَا عَلَيْهِ قبل الْعَام، وَإِن كَانَ ضيقا فَعَلَيهِ الْكسْوَة معنى طلبتها اه. قلت: الظَّاهِر أَن الْمُعْتَمد هُوَ الأول وَإِن ذَلِك لَا يضْبط بعام وَلَا بِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا الْمدَار على اخْتِلَاف شورتها، ثمَّ إِن الْحَاكِم مُخَيّر إِن شَاءَ آخذ الزَّوْج بِمَا يفْرض عَلَيْهِ بِعَيْنِه، وَإِن شَاءَ آخذه بِثمنِهِ (خَ) : وَيجوز إِعْطَاء الثّمن عَمَّا لزمَه لزوجته من الْأَعْيَان الْمَفْرُوضَة. ابْن بشير: لَو أَرَادَ الزَّوْج أَن يدْفع إِلَى الْمَرْأَة مَا فرض لَهَا وَطلبت هِيَ ثمنه لَكَانَ لَهَا ذَلِك اه. وَالْعَادَة عندنَا بفاس أَن تفرض الْأَثْمَان إِلَّا الطَّعَام فيفرض بِعَيْنِه، وَإِذا فرضت الْأَعْيَان وقبضتها فَإِنَّهَا تدخل فِي ضَمَانهَا بِالْقَبْضِ (خَ) وضمنت بِالْقَبْضِ كَنَفَقَة الْوَلَد إِلَّا لبينة الخ. وللقاضي الْعدْل سَيِّدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 630 مُحَمَّد بن سَوْدَة رَحمَه الله نظم فِيمَا يفْرض رَأَيْت إثْبَاته هُنَا زِيَادَة للإيضاح، وَإِن كَانَ فِيهِ مُخَالفَة لبَعض مَا تقدم وَنَصه: وَفرض بَالغ وَمن قد رهقا من الرِّجَال والنسا توافقا فقوت الإقلال بِنصْف شهر خَمْسَة آصَع دَقِيقًا فادر وَنصف رَطْل من نقي سمن وَمثله زيتاً عَلَيْهِ فَأَبِنْ كَذَا من الشَّحْم أَو الخليع نصيف رَطْل فاصغ للتوزيع وَاللَّحم نصف ربع وحنا ثمن رَطْل ربع رَطْل جبنا لبانه أَو ضعفه زيتونا وَنصف رَطْل للنقا صابونا أُوقِيَّة سكية لصرف مَا يفْرض من ملح وَلحم لزما وزينة مثل سواك كحل مشط وغاسول ودهن بقل وزد أكولة ومرضعاً على مِقْدَار خَمْسَة لَهَا وكملا وَإِن تشأ أَثمَان كل المآكل وضف إِلَيْهَا الصّرْف ثمَّ أجمل وَذَا بِهِ الْعَمَل فِي ذَا الْعَصْر فِي فرض نَائِب قُضَاة الْمصر وَالْخَادِم الْبَالِغ فِي ذَا الْجِنْس لولد أَو وَالِد أَو عرس قدر من الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس من فرض بَالغ بِلَا التباس (فصل فِي الطَّلَاق بالإعسار بِالنَّفَقَةِ وَمَا يلْحق بهَا) من الْإِعْسَار بِالصَّدَاقِ والإخدام. الزَّوْجُ إنْ عَجَزَ عَنْ إنْفَاقِ لأَجْلِ شَهْرَيْنِ ذُو اسْتِحْقَاقِ (الزَّوْج) مُبْتَدأ (إِن عجز) بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا كَمَا فِي الْقَامُوس شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ (عَن إِنْفَاق) يتَعَلَّق بِهِ (لأجل) يتَعَلَّق بِاسْتِحْقَاق (شَهْرَيْن) بدل (ذُو اسْتِحْقَاق) خبر الْمُبْتَدَأ، وَالْمعْنَى أَن الزَّوْج إِذا عجز عَن نَفَقَة زَوجته بعد أَن دخل بهَا أَو بعد أَن دعِي إِلَى الْبناء أَي عجز عَن الْقُوت أَو مَا يواري الْعَوْرَة كَمَا مرّ فِي الْبَيْت قبل الْفَصْل وكما يَأْتِي فَإِنَّهُ يُؤَجل شَهْرَيْن. بعْدَهُمَا الطَّلاَقُ لَا مِنْ فِعْلِهِ وَعَاجِزٌ عَنْ كِسْوَةٍ كَمِثْلِهِ (بعدهمَا) خبر عَن قَوْله (الطَّلَاق لَا) عاطفة على مَحْذُوف أَي من فعل الْحَاكِم لَا (من فعله) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 أَي الزَّوْج وَهَذَا إِذا امْتنع الزَّوْج من الطَّلَاق، فَحِينَئِذٍ يُطلق الْحَاكِم عَلَيْهِ أَو يأمرها بِهِ فتوقعه كَمَا مرّ فِي الضَّرَر والعيوب وكما يَأْتِي قَرِيبا فِي قَوْله وباختيارها يَقع. (وعاجز عَن كسْوَة) مُبْتَدأ سوغه عمله فِي الْمَجْرُور (كمثله) خَبره أَي كَمثل الْعَاجِز عَن الْإِنْفَاق فِي التَّأْجِيل الْمَذْكُور فَإِذا قدر على الْقُوت وَعجز عَمَّا يواري الْعَوْرَة فيؤجل الْأَجَل الْمَذْكُور فَإِن أَتَى بِمَا يواريها فَذَاك وإلاَّ أَمر بِطَلَاقِهَا، فَإِن أَبى طَلقهَا الْحَاكِم أَو أمرهَا بِهِ فتوقعه كَمَا مر. وَلما كَانَ الْأَجَل الْمَذْكُور غير محتم بِحَيْثُ لَا يعدل عَنهُ بل هُوَ من جملَة الْآجَال الَّتِي هِيَ موكولة لاجتهاد الْحُكَّام فيوسعونها على من يُرْجَى يسره وَلَا يوسعونها على من لَا يُرْجَى مِنْهُ ذَلِك وعَلى مَا يرونه من حَاجَة صَبر الْمَرْأَة وَعدم صبرها قَالَ: وَلاجْتِهَادِ الحَاكِمِينَ يُجْعَلُ فِي العَجْزِ عَنْ هـ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ذَا وَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ذَا الأَجَلُ (ولاجتهاد الْحَاكِمين يَجْعَل فِي الْعَجز عَن هَذَا) أَي الْإِنْفَاق (وَهَذَا) اللبَاس الْمعبر عَنهُ بالكسوة (الْأَجَل) نَائِب فَاعل يَجْعَل والمجروران يتعلقان بِهِ وَالْإِشَارَة الأولى للإنفاق وَالثَّانيَِة للكسوة وَذكره بِاعْتِبَار اللبَاس. وَذَاكَ مِنْ بَعْدِ ثُبُوتِ مَا يَجِبْ كَمثلِ عِصْمَةٍ وَحالِ مَنْ طُلِبْ (وَذَاكَ) مُبْتَدأ وَالْإِشَارَة إِلَى مَا ذكر من التَّطْلِيق والتأجيل (من بعد ثُبُوت مَا يجب) خَبره وفاعل يجب ضمير يعود على مَا وَهُوَ على حذف مُضَاف أَي من بعد ثُبُوت مَا يجب ثُبُوته (كَمثل) اتِّصَال (عصمَة) بَين الزَّوْجَيْنِ (و) مثل (حَال من) أَي الزَّوْج الَّذِي (طلب) بِالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَة من ثُبُوت عسره بهما وحلفه أَنه لَا مَال لَهُ، وَأَنه لَا يقدر على مَا فرض عَلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ يُؤَجل ثمَّ تطلق عَلَيْهِ بعده فَقَوْل النَّاظِم: الزَّوْج إِن عجز الخ. أَي ادّعى الْعَجز فَإِن وافقته الْمَرْأَة فَلَا يحْتَاج إِلَى ثُبُوته بِالْبَيِّنَةِ وَإِن كَذبته فَلَا بُد من ثُبُوته بهَا، وَظَاهره أَنه إِذا ادَّعَاهُ لَا يسجن وَلَا يُؤَاخذ بضامن حَتَّى يُثبتهُ إِذْ لَا يُكَلف بضامن إِلَّا لَو كَانَ يسجن إِذا عجز عَنهُ وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : فيأمره الْحَاكِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 إِن لم يثبت عسره بِالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَة أَو الطَّلَاق. وَإِلَّا بِأَن ثَبت أَي بِالْبَيِّنَةِ أَو بإقرارهما تلوم لَهُ بِالِاجْتِهَادِ، وَزيد إِن مرض أَو سجن ثمَّ طلق عَلَيْهِ وَإِن غَائِبا أَو وجد مَا يمسك الْحَيَاة اه. وَفِي الْبُرْزُليّ وَلَا يحبس فِي نَفَقَة زَوجته وَيجْبر بَين النَّفَقَة أَو التَّطْلِيق وَإِن ثَبت عَدمه ضرب لَهُ السُّلْطَان أجل شَهْرَيْن فَإِن لم يوسر طلقت عَلَيْهِ وَتَكون مَعَه فِي خلل التَّأْجِيل، وَإِذا علم لَهُ مَال وَظهر لدده سجنه السُّلْطَان فِي أَمر الزَّوْجَة وَالْأَوْلَاد وَلَو طلبته بِنَفَقَة أنفقتها على نَفسهَا فِيمَا مضى لوَجَبَ سجنه لَهَا لِأَنَّهَا دين تحاص بِهِ الْغُرَمَاء وَتسقط بهَا الزَّكَاة، وَفِي الْمُسْتَقْبل لَا تسْقط يَعْنِي وَلَا تطلق بعجزه عَن النَّفَقَة الْمَاضِيَة (خَ) : وَلها الْفَسْخ إِن عجز عَن نَفَقَة حَاضِرَة لَا مَاضِيَة الخ. وَقَالَ: أَعنِي الْبُرْزُليّ قبيل مَا مرّ عَنهُ سُئِلَ ابْن الْحَاج عَن المليء إِذا قَالَ: لَا أنْفق على زَوْجَتي هَل تطلق عَلَيْهِ؟ فَأجَاب: ينْفق عَلَيْهَا من مَاله حَتَّى يطلقهَا وَيحْتَمل أَن يُقَال لَهُ أنْفق فَإِن قَالَ لَا قيل لَهُ طلق فَإِن أَبى طلق عَلَيْهِ. الْبُرْزُليّ: وَحكى عِيَاض عَن المبسوطة فِيمَن لَهُ مَال ظَاهر وَهُوَ حَاضر أيؤخذ من أَمْوَاله فَيدْفَع لَهَا النَّفَقَة؟ قَالَ: بل يفْرض لَهَا عَلَيْهِ ويأمره بِالدفع لَهَا فَإِن فعل فَذَاك وإلاَّ وقف فإمَّا أنْفق أَو طلق عَلَيْهِ. وَفِي الْوَاضِحَة إِن لم يكن لَهُ مَال ظَاهر وَعرف ملاؤه فرض عَلَيْهِ، وَإِن عرف عَدمه لم يفْرض عَلَيْهِ وَهِي مخيرة فِي الصَّبْر بِلَا نَفَقَة أَو تطلق نَفسهَا عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِذا جهل حَاله، وَفِي الْمُدَوَّنَة احْتِمَال الْقَوْلَيْنِ اه. أَي احْتِمَال الْقَوْلَيْنِ اللَّذين أَشَارَ لَهما ابْن الْحَاجِب من أَنه يُؤْخَذ من مَاله وَينْفق عَلَيْهَا مِنْهُ حَتَّى يطلقهَا أَو يُقَال لَهُ أنْفق الخ. وَالظَّاهِر أَنه إِذا قَالَ: أَنا أنْفق فَإِنَّهُ يُؤَاخذ بالضامن لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَة من اعْترف بِأَنَّهُ مَلِيء بهَا قَادر عَلَيْهَا وَذَلِكَ بِمَنْزِلَة من لَهُ مَال وَهُوَ ظَاهر، وَفِي ابْن سَلمُون فَإِن ادّعى الْعَجز عَن النَّفَقَة وَكَذَلِكَ عَن الْقُوت وَعَن مَا يواري الْعَوْرَة من الْكسْوَة وَادّعى الْعَدَم فَلَا يحبس حَتَّى تقوم عَلَيْهِ شُبْهَة يظْهر بهَا لدده وَعَلِيهِ إِثْبَات ذَلِك إِن كَذبته الْمَرْأَة، فَإِذا أثبت ذَلِك حلف أَنه لَا مَال لَهُ، وَأَن الَّذِي يفْرض عَلَيْهِ لَا يقدر عَلَيْهِ فَإِذا حلف أجل فِي الْكسْوَة إِن قدر على النَّفَقَة دون الْكسْوَة وَفرق بَينهمَا بعد الشَّهْرَيْنِ وَنَحْوهمَا، وَإِن لم يقدر على وَاحِد مِنْهُمَا فَلَا يُؤَجل إِلَّا دون ذَلِك وَذَلِكَ إِلَى اجْتِهَاد الْحَاكِم، وَإِذا أثبت ذَلِك أَو أقرّ بِالْعَجزِ ووافقته الزَّوْجَة أَجله الْحَاكِم فِي الْإِنْفَاق عَلَيْهَا الشَّهْر وَنَحْوه، وَتَكون مَعَه فِي خلل التَّأْجِيل وَلَا يتبعهُ بِنَفَقَة زمن الْإِعْسَار، وَإِن علم لَهُ مَال وَظهر لدده كَانَ للسُّلْطَان أَن يسجنه اه. فرع: تقدم عَن الْبُرْزُليّ أَنه إِذا كَانَ لَهُ مَال ظَاهر سجن فِي نَفَقَة الزَّوْجَة وَفِي نَفَقَة أَوْلَاده، وَأما إِذا عجز عَن نَفَقَة الْأَوْلَاد دون الزَّوْجَة فَإِن الزَّوْجَة لَا تطلق عَلَيْهِ بعسره عَن نَفَقَة صغَار الْأَوْلَاد كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَغَيره، وَتَكون نَفَقَة الصغار حِينَئِذٍ فِي بَيت مَال الْمُسلمين أَو على جَمِيعهم. وَوَاجِدٌ نَفَقَةً وَمَا ابْتَنَى وَعَنْ صَدَاقٍ عَجْزُهُ تَبَيَّنَا (وواجد) مُبْتَدأ (نَفَقَة) مَفْعُوله (وَمَا ابتنى) جملَة حَالية (وَعَن صدَاق) يتَعَلَّق بقوله (عَجزه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 وَجُمْلَة (تَبينا) خبر عَجزه، وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر معطوفة على الْجُمْلَة الحالية قبلهَا (تَأْجِيله) . تَأْجِيلُهُ عَامَانِ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَجْعَلُ ذَاكَ لاجْتِهَادِ الحَاكِمِ مُبْتَدأ ثَان (عامان) خَبره وَالْجُمْلَة خبر وَاحِد (وَابْن الْقَاسِم) مُبْتَدأ خَبره (يَجْعَل ذَاك لاجتهاد الْحَاكِم) وَمَعْنَاهُ أَن من قدر على إِجْرَاء نَفَقَة زَوجته الَّتِي لم يدْخل بهَا حِين دَعَتْهُ إِلَيْهِ فطالبته بِالصَّدَاقِ، فَأثْبت عَجزه عَنهُ بِالْبَيِّنَةِ أَو بِإِقْرَار الزَّوْجَة وأبى الطَّلَاق وَسَأَلَ التَّأْخِير لتحصيله، فَإِنَّهُ يُؤَجل لذَلِك سنتَيْن على مَا لمَالِك فِي الْمُخْتَصر، وَعَن ابْن الْقَاسِم أَن ذَلِك موكول لاجتهاد الْحَاكِم، وَعَلِيهِ اقْتصر (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَإِن لم يجده أَي الصَدَاق أجل لإِثْبَات عسرته بِهِ ثَلَاثَة أسابيع، ثمَّ إِذا أثبتها تلوم بِالنّظرِ وَعمل بِسنة وَشهر، ثمَّ طلق عَلَيْهِ وَوَجَب نصفه اه. فَقَوله: وَعمل بِسنة وَشهر جزئي من جزئيات قَوْله: ثمَّ تلوم بِالنّظرِ أَي: وَمن النّظر أَن الْقُضَاة والموثقين تلوموا بِسنة وَشهر وَفِيهِمْ إسوة لمن اقْتدى بهم فَلَو قَالَ النَّاظِم: وعاجز عَن مهرهَا قبل الْبَنَّا تَأْجِيله عَام وَشهر عينا إِن كَانَ منفقاً بذا التَّأْجِيل وَغَيره طلق بِلَا تَعْجِيل وَنصفه وَجب بِالطَّلَاق تتبعه بِهِ لَدَى الحذاق وَظَاهره أَنه يُؤَجل بِمَا ذكر كَانَ مِمَّن يُرْجَى يسره أم لَا، وَهُوَ كَذَلِك على الصَّحِيح (خَ) وَفِي التَّلَوُّم لمن لَا يُرْجَى وَصحح أَو لَا يتلوم لمن لَا يُرْجَى تَأْوِيلَانِ، وَمَفْهُوم تَبينا أَنه إِذا لم يتَبَيَّن عَجزه، وَلَكِن ادَّعَاهُ فَقَط فَإِنَّهُ يُؤَجل لإثباته وَبَيَانه بِثَلَاثَة أسابيع كَمَا مر عَن (خَ) لَكِن إِذا أجل لإثباته فَلَا بُد من حميل بِالْوَجْهِ خشيَة تغيبه وَإِن لم يَأْتِ بِهِ سجن كَسَائِر الدُّيُون بِخِلَاف النَّفَقَة فَلَا يسجن فِيهَا كَمَا مر فَوق هذَيْن الْبَيْتَيْنِ ثمَّ إِذا انْقَضتْ ثَلَاثَة أسابيع وَلم يُثبتهُ وَطلبت الزِّيَادَة فَلَا يسجن إِن اسْتمرّ الْحميل على الْحمالَة، وَإِلَّا سجن، ثمَّ أخرج الْمَجْهُول إِن طَال حَبسه كَالدّين فَإِن أثبت الْعَدَم ابْتِدَاء أَو بعد التَّأْجِيل بِثَلَاثَة أسابيع تلوم لَهُ بِسنة وَشهر على مَا بِهِ الْعَمَل أَو بالعامين على مَا صدر بِهِ النَّاظِم بِغَيْر حميل، لِأَنَّهُ ثَبت عَدمه فَلَا معنى لتكليفه بالحميل حِينَئِذٍ خلافًا للزرقاني، فَإِن هرب طَلقهَا الْحَاكِم عَلَيْهِ عِنْد انْقِضَاء أجل التَّلَوُّم، وَهَذَا كُله فِي الْمَجْهُول كَمَا أفهمهُ قَوْله: تَبينا أَي تبين عَجزه بِالْبَيِّنَةِ العادلة لَا بغَيْرهَا، فَعَن ابْن أبي زيد فِي رجل طُولِبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 634 بِصَدَاق امْرَأَته فَأتى بِشُهُود مِنْهُم من يتوسم فِيهِ الْخَيْر شهدُوا بفقره وَلم يجد غَيرهم فَقَالَ: لَا يقْضِي فِي عَدَالَة الشُّهُود بِمثل هَذَا التوسم، وَلكنه يكون حَبسه بِمِقْدَار قُوَّة الظَّن بِتَصْدِيق الشُّهُود وَضَعفه اه. وَأما إِن كَانَ مَعْلُوم الملاء وَله مَال ظَاهر فَإِن الْمهْر يُؤْخَذ مِنْهُ وَيُؤمر بِالْبِنَاءِ من غير تَأْجِيل كَمَا يفِيدهُ (ح) . وَصدر بِهِ الشَّارِح خلافًا لما ذكره فِي آخر تَقْرِيره من أَن مَعْلُوم الملاء يُؤَدِّيه أَو تطلق عَلَيْهِ، وَأما ظَاهر الملاء فَإِنَّهُ يحبس إِلَّا أَن يَأْتِي بِبَيِّنَة تشهد بعسره حَيْثُ لم تطل الْمدَّة بِحَيْثُ يحصل الْإِضْرَار لَهَا بذلك، وإلاَّ طلقت نَفسهَا، وَأما من غلب على الظَّن عسره كالبقال وَنَحْوه فَلَا يُؤَجل لإثباته كَمَا فِي الشَّارِح، وَفِي التَّلَوُّم لَهُ التأويلان المتقدمان، وَمَفْهُوم وَاجِد نَفَقَة أَنه إِذا لم يجدهَا فَلَا يُؤَجل بالعامين وَلَا بِغَيْرِهِمَا، وَلها أَن تطلق نَفسهَا من حينها وَهُوَ كَذَلِك على الرَّاجِح، وَعَن ابْن حبيب إِذا لم يجد النَّفَقَة أجل من الْأَشْهر إِلَى السّنة، وَمَفْهُوم وَمَا ابتنى الخ أَنه إِذا بنى بهَا لَا تطلق بعسره عَن الصَدَاق (خَ) : وَلها منع نَفسهَا وَأَن مَعِيبَة من الدُّخُول وَالْوَطْء بعده إِلَى تَسْلِيم مَا حل من الصَدَاق لَا بعد الْوَطْء إِلَّا أَن يسْتَحق الخ فَمَا فِي (ز) وَتَبعهُ (ت) من نِسْبَة ذَلِك ل (تت) غَفلَة ظَاهِرَة عَمَّا فِي المُصَنّف. تَنْبِيه: فَإِن طلق الْحَاكِم عَلَيْهِ قبل التَّلَوُّم لَهُ بِسنة وَشهر أَو بالعامين فَينْظر فَإِن كَانَ مِمَّن يُرْجَى يسره وَحصل لَهُ الْيُسْر بِالْفِعْلِ فِي مُدَّة التَّلَوُّم على تَقْدِير أَن لَو تلوم لَهُ فَلَا يمْضِي طَلَاقه لِأَنَّهُ وَقع فِي غير مَحَله لِأَن من يُرْجَى يتلوم لَهُ اتِّفَاقًا وَإِن كَانَ مِمَّن لَا يُرْجَى فَحصل الْيُسْر فِي مُدَّة التَّلَوُّم أَيْضا فَكَذَلِك عِنْد من يَقُول يتلوم لَهُ وَهُوَ الرَّاجِح، وَيُمكن أَن يُقَال يمْضِي طَلَاقه لِأَنَّهُ حكم بمختلف فِيهِ لَكِن قُضَاة الْيَوْم لَا يمْضِي حكمهم بِخِلَاف الْمَشْهُور أَو الرَّاجِح أَو الْمَعْمُول بِهِ. وَزَوْجَةُ الْغَائِبِ حَيْثُ أَمَّلَتْ فِرَاقُ زَوْجِهَا بِشَهْرٍ أُجِّلَتْ (وَزَوْجَة الْغَائِب) مُبْتَدأ خَبره أجلت آخر الْبَيْت (حَيْثُ) ظرف يتَعَلَّق بأجلت (أملت فِرَاق زَوجهَا) الْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (بِشَهْر) يتَعَلَّق ب (أجلت) . وَالْمعْنَى أَن زَوْجَة الْبعيد الْغَيْبَة على عشرَة أَيَّام فَأكْثر كَانَ مَعْلُوم الْموضع أَو مجهوله أَسِيرًا أَو غَيره دخل بهَا أم لَا. على الْمُعْتَمد كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم فِي ذَلِك كُله إِذا طلبت فِرَاق زَوجهَا بِسَبَب النَّفَقَة لكَونه غَابَ عَنْهَا وَلم يتْرك لَهَا نَفَقَة، وَلَا مَا تعدى فِيهِ فَإِنَّهَا تجاب إِلَى ذَلِك وتؤجل شهرا بعد ثُبُوت الْغَيْبَة وَكَونه غَابَ قبل الْبناء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 أَو بعده بِموضع كَذَا أَو لَا يعلمُونَ مَوْضِعه، وَأَنه غَابَ مُنْذُ كَذَا وَلَا يعلمونه ترك لَهَا نَفَقَة وَلَا كسْوَة وَلَا شَيْئا تمون بِهِ نَفسهَا وَلَا مَا تعدى فِيهِ وَلَا أَنه آب إِلَيْهَا وَلَا بعث بِشَيْء ورد عَلَيْهَا فِي علمهمْ إِلَى حِين تَارِيخه، ثمَّ يؤجله القَاضِي فِي الْإِنْفَاق عَلَيْهَا شهرا، كَمَا اقْتصر عَلَيْهِ ابْن فتحون فِي وثائقه وَعَلِيهِ عول النَّاظِم حَيْثُ قَالَ: وبشهر أجلت. وَصفته؟ أجل قَاضِي مَدِينَة كَذَا وَهُوَ أعزه الله وحرسها الزَّوْج الْمَشْهُود بغيبته أَعْلَاهُ أَو حوله فِي الإياب لزوجته الْمَذْكُورَة من غيبته الْمَذْكُورَة وإجراء النَّفَقَة وَالْكِسْوَة، وَسَائِر الْمُؤَن كلهَا أَََجَلًا مبلغه شهر وَاحِد مبدؤه من غَد تَارِيخه استقصاء لحجته وإبلاغاً فِي الْإِعْذَار إِلَيْهِ شهد عَلَيْهِ من أشهده بِهِ وَهُوَ بِحَيْثُ يجب لَهُ ذَلِك من حَيْثُ ذكر وَفِي كَذَا فَإِذا انْقَضى الْأَجَل وَلم يقدم خير (ت) : فَإِن شَاءَت حَلَفت وَطلقت نَفسهَا بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا وَلَيْسَ لأَبِيهَا الْقيام عَنْهَا إِلَّا بتوكيلها كَمَا فِي ابْن عَرَفَة وَابْن سَلمُون وتكتب فِي ذَلِك لما انصرم الْأَجَل أَعْلَاهُ أَو حوله، وَلم يقدم الزَّوْج الْمَذْكُور من غيبته الْمَذْكُورَة وَسَأَلت الزَّوْجَة من يجب سدده الله النّظر لَهَا فِي ذَلِك، فَاقْتضى نظره إحلافها على جَمِيع مَا تقدم لما شهِدت بِهِ بَيِّنَة الْغَيْبَة فَحَلَفت على جَمِيع ذَلِك بنصه بِحَيْثُ يجب وكما يجب يَمِينا. قَالَت فِيهَا بِاللَّه الَّذِي لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; هـ إِلَّا هُوَ لقد غَابَ عني زَوجي فلَان الخ. وَلما تمّ حَلفهَا وكملت يَمِينهَا وَثَبت ذَلِك لَدَيْهِ أذن لَهَا فِي تطليق نَفسهَا فَطلقت نَفسهَا عَلَيْهِ طَلْقَة وَاحِدَة قبل الْبناء ملكت بهَا أَمر نَفسهَا أَو بعد الْبناء يملك بهَا رَجعتهَا إِن قدم مُوسِرًا فِي عدتهَا وأمرها بالاعتداد وإرجاء الْحجَّة للْغَائِب مَتى قدم فَمن حضر الْيَمين المنصوصة واستوعبها من الزَّوْجَة وَيعرف الْإِذْن فِيهَا، وَفِي الطَّلَاق من القَاضِي الْمَذْكُور وأشهدته الحالفة الْمَذْكُورَة بِمَا فِيهِ عَنْهَا وَعرفهَا بأتمه قَيده شَاهدا بِهِ فِي كَذَا وَهُوَ معنى قَوْله: وبانْقِضَاءِ الأجَلِ الطَّلاَقُ مَعْ يَمِينِهَا وَباخْتِيَارِهَا يَقَعْ وَالْبَاء فِي قَوْله وبانقضاء للمصاحبة أَو للسَّبَبِيَّة أَو بِمَعْنى مَعَ خبر مقدم عَن قَوْله الطَّلَاق وَمَعَ فِي مَحل نصب على الْحَال أَي وَالطَّلَاق وَاقع على الزَّوْج مصاحباً لانقضاء الْأَجَل أَي بِسَبَبِهِ أَو مَعَه فِي حَال كَونه مَعَ يَمِين الزَّوْجَة، وَقَوله وباختيارها يَقع جملَة مستأنفة قَالَه اليزناسني. تَنْبِيهَات. الأول: تقدم فِي فصل الضَّرَر إِذا حَلَفت بعد مُضِيّ التَّأْجِيل من غير إِذن القَاضِي لَهَا فِي الْحلف وَلَا فِي الطَّلَاق فَإِن ذَلِك نَافِذ فَانْظُرْهُ هُنَاكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 الثَّانِي: تقدم أَيْضا فِي الْمحل الْمَذْكُور أَن الزَّوْج إِذا تعصب بِمحل لَا تناله الْأَحْكَام فَحكمه حكم الْغَائِب فَيجْرِي عَلَيْهِ حكمه ولزوجته الطَّلَاق بِعَدَمِ النَّفَقَة إِذْ الهاربة من زَوجهَا الْمُقِيم فِي بلد لَا تناله الْأَحْكَام فِيهِ لَا تسْقط نَفَقَتهَا عَنهُ. الثَّالِث: الْغَائِب الَّذِي لَا مَال لَهُ وَلَكِن لَا يُمكنهَا الْوُصُول إِلَيْهِ إِلَّا بِمَشَقَّة لعدم من ينصفها كَمَا فِي الْبَوَادِي ورؤوس الْجبَال لتعذر الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فيهمَا غَالِبا حكمه حكم الْعَاجِز الْحَاضِر كَمَا لِابْنِ فتحون، وَنَقله ابْن عَاتٍ فِي طرره، وَاعْتَمدهُ ابْن عبد السَّلَام وَهُوَ الصَّوَاب خلافًا لما فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة من أَنه إِذا كَانَ لَهُ مَال لَا يُمكنهَا الْوُصُول إِلَيْهِ يفْرض لَهَا النَّفَقَة وَكَانَ ذَلِك لَهَا دينا عَلَيْهِ تَأْخُذهُ بِهِ إِذا قدم لِأَنَّهُ لَا معنى لإلزام الْمَرْأَة أَن تسلفه النَّفَقَة على نَفسهَا من مَالهَا أَو من غَيره لترجع فِي المَال الَّذِي بيد الْغَائِب إِن علم، أَو فِي المَال الَّذِي لَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بِمَشَقَّة وَلَو مَأْمُونا كالعقار مَعَ احْتِمَال سَلامَة الزَّوْج وَالْمَال ووصولها إِلَى ذَلِك وَعدم وصولها لاستغراق الدُّيُون لَهُ، وَلذَا قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه مَا فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة خلاف الْمَذْهَب، وَإِن كَانَ نَحوه فِي الْبَيَان، وَاعْترض بِهِ ابْن عَرَفَة على ابْن عبد السَّلَام فَلَا يسلم لَهُ الِاعْتِرَاض. الرَّابِع: إِذا قدم الزَّوْج وجرح شُهُود الْغَيْبَة، وَلم تَجِد الْمَرْأَة غَيرهم ردَّتْ إِلَيْهِ وَفرق بَينهَا وَبَين الزَّوْج الثَّانِي قَالَه غير وَاحِد وَهُوَ معنى قَول (خَ) عاطفاً على مَا ترد فِيهِ الزَّوْجَة للْأولِ والمطلقة لعدم النَّفَقَة، ثمَّ ظهر إِسْقَاطهَا خلافًا لما فِي ابْن رشد فِي بَيِّنَة شهِدت بمغيب الزَّوْج وَأَنه لَا مَال لَهُ تعدى فِيهِ الخ. ثمَّ بعد أَن حَلَفت الْمَرْأَة وَطلقت نَفسهَا قَالَت الْبَيِّنَة الْمَذْكُورَة أَن لَهُ أنقاض حجرَة قيمتهَا سَبْعَة مَثَاقِيل أَو نَحْوهَا وَأَنَّهُمْ كَانُوا يعْرفُونَ ذَلِك وَقت الشَّهَادَة وجهلوا أَن الأنقاض تبَاع فِي نَفَقَتهَا أَو شهد بذلك غير بَيِّنَة الْغَيْبَة فَقَالَ: الطَّلَاق نَافِذ لَا يرد بِرُجُوع الْبَيِّنَة سَوَاء شهد بالأنقاض الْبَيِّنَة الَّتِي حكم بهَا أَو غَيرهم ففتوى ابْن رشد هَذِه مُخَالفَة للْمَذْهَب وَإِن سلمهَا ابْن عَرَفَة والأجهوري. الْخَامِس: إِذا عجزت الْمَرْأَة عَن إِثْبَات غيبَة زَوجهَا لغربتها وَعدم من يعرف زَوجهَا فَإِن القَاضِي يحلفها الْيَمين الْمُتَقَدّمَة وَتطلق نَفسهَا إِن شَاءَت ويسمي الْحَاكِم فِي حكمه الزَّوْج الَّذِي ذكرت ويصفه بِمَا ذكرت فَإِن قدم وَأنكر الزَّوْجِيَّة لم يضر وَإِن أقرّ بهَا وَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق قَالَه اللَّخْمِيّ والسيوري وَغَيرهمَا كَمَا فِي الْبُرْزُليّ وَنَقله (ح) . السَّادِس: إِذا أَثْبَتَت الزَّوْجَة عَيْبَة زَوجهَا وَعدم مَا تنْفق مِنْهُ على نَفسهَا فتطوع قريب أَو أَجْنَبِي بنفقتها فَقَالَ أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن وَغَيره وَهُوَ الْمُعْتَمد لَيْسَ لَهَا أَن تطلق نَفسهَا لِأَن سَبَب الْفِرَاق وَهُوَ عدم النَّفَقَة قد ارْتَفع وَزَالَ خلافًا لِابْنِ الْكَاتِب فِي قَوْله إِن لَهَا أَن تُفَارِقهُ. وَمَنْ عَنِ الإخْدامِ عَجْزُهُ ظَهَرْ فَلاَ طَلاَقَ وَبِذَا الحُكْمُ اشْتَهَرْ (وَمن) مُبْتَدأ مَوْصُول (عَن الإخدام) يتَعَلَّق بقوله (عَجزه) وَهُوَ مُبْتَدأ (ظهر) خَبره وَالْجُمْلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 صلَة الْمَوْصُول (فَلَا) نَافِيَة للْجِنْس (طَلَاق) اسْمهَا وخبرها مَحْذُوف أَي عَلَيْهِ وَالْجُمْلَة خبر الْمَوْصُول (وبذا) يتَعَلَّق بِمَا بعده (الحكم) مُبْتَدأ خَبره (اشْتهر) أَي إِذا كَانَت الزَّوْجَة من أهل الإخدام فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ إخدامها وَلَو لم يشْتَرط فِي عقد النِّكَاح كَمَا فِي (خَ) وَغَيره فَإِذا قدر على النَّفَقَة وَالْكِسْوَة وَعجز عَن الْخدمَة وَأثبت عَجزه عَنْهَا بِالْبَيِّنَةِ أَو بِإِقْرَار الزَّوْجَة فَإِنَّهَا لَا تطلق عَلَيْهِ وَسقط حَقّهَا فِي الْخدمَة على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا، وَمحل هَذَا إِذا لم يكْتب عَلَيْهِ الموثق فِي وَثِيقَة النِّكَاح أَن الزَّوْج علم بِأَن زَوجته هَذِه مِمَّن لَا تخْدم نَفسهَا لمالها ومنصبها فطاع بِالْتِزَام خدمتها وَأقر أَنه مِمَّن يلْزمه ذَلِك وَأَن مَاله متسع لإخدامها وإلاَّ فَلَا يقبل قَوْله إِنَّه عَاجز عَن إخدامها وَلَو شهِدت لَهُ الْبَيِّنَة بِهِ لم يَنْفَعهُ لاعْتِرَافه بسعة مَاله إِلَّا أَن يعلم أَنه أَصَابَهُ أَمر أذهب مَاله كَمَا قَالُوهُ فِي الْغَرِيم يعْتَرف لرب الدّين بملائه بِهِ ثمَّ يُقيم بَيِّنَة بِعَدَمِهِ بِهِ قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَنَقله ابْن عَرَفَة. تَنْبِيه: تقدم فِي الْبَيْتَيْنِ قبله أَنه لَيْسَ للْأَب أَن يُخَاصم عَن ابْنَته فِي النَّفَقَة إِلَّا بتوكيل مِنْهَا وَلَو سَفِيهَة لِأَن لَهَا أَن تقيم مَعَه بِغَيْر نَفَقَة، بل إِذا رضيت بسكنى زَوجهَا مَعهَا فِي دارها وإنفاقها على نَفسهَا من مَالهَا فَإِنَّهَا تجاب إِلَى ذَلِك وَلَا مقَال لحاجرها لِأَن من حجتها أَن تَقول إِن كلفته بنفقتي طَلقنِي وَرجعت أسكن بداري وحدي وَأنْفق على نَفسِي من مَالِي وَلَا أَتزوّج سواهُ فبقائي مَعَ زَوجي بداري وإنفاقي على نَفسِي أحسن لي قَالَه عِيَاض عَن شُيُوخ الأندلس وَنَقله ابْن عَرَفَة وَغَيره. (فصل فِي أَحْكَام المفقودين) الْأَرْبَعَة لِأَن الْفَقْد إِمَّا أَن يكون فِي أَرض كفر أَو إِسْلَام وَحكم كل إِمَّا فِي غير حَرْب أَو فِيهِ، وَلكُل وَاحِد مِنْهُم حكم يَخُصُّهُ ابْن عَرَفَة الْمَفْقُود من انْقَطع خَبره مُمكن الْكَشْف عَنهُ اه. فَخرج الْأَسير لِأَنَّهُ مَعْلُوم خَبره وَخرج الْمَحْبُوس الَّذِي لَا يُسْتَطَاع الْكَشْف عَنهُ لِأَنَّهُ يُمكن الْكَشْف عَنهُ إِذْ عدم التَّوَصُّل إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ لشدَّة حراس السجْن وَنَحْو ذَلِك فَأَشَارَ النَّاظِم إِلَى الْقسم الأول فَقَالَ: وَحُكْمُ مَفْقُودِ بِأَرْضِ الكُفْرِ فِي غَيْرِ حَرْبٍ حُكْمُ مَنْ فِي الأسْرِ (وَحكم مَفْقُود بِأَرْض الْكفْر فِي غير حَرْب حكم من فِي الْأسر) أَي الْأَسير الْمَجْهُول الْحَيَاة، وَحكم الْأَسير الْمَذْكُور بِاعْتِبَار زَوجته وَمَاله أَن مَاله لَا يُورث حَتَّى تَأتي عَلَيْهِ مُدَّة التَّعْمِير، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 وَكَذَا زَوجته لَا تتَزَوَّج حَيْثُ دَامَت نَفَقَتهَا إِلَّا بعد أجل التَّعْمِير، فَكَذَلِك الْمَفْقُود فِي أَرض الْكفْر بِغَيْر حَرْب لَا يُورث مَاله وَلَا تتَزَوَّج زَوجته إِلَّا بعد التَّعْمِير كَمَا قَالَ: تَعْمِيرُهُ فِي المَالِ وَالطَّلاَقُ مُمْتَنِعٌ مَا بَقِي الإنْفَاقُ (تعميره) أَي الْمَفْقُود الْمَذْكُور (فِي) الزَّوْجَة و (المَال) وَاجِب كتعمير الْأَسير فيهمَا فَلَا يُورث عَنهُ مَاله وتنفق مِنْهُ زَوجته حَتَّى تَنْقَضِي مُدَّة التَّعْمِير وَلَا تطلق عَلَيْهِ مَعَ وجود مَا تنْفق مِنْهُ كَمَا قَالَ: (وَالطَّلَاق مُمْتَنع مَا بَقِي الْإِنْفَاق) وَمحل امْتنَاع الطَّلَاق إِذا لم يكن لَهَا شَرط فِي المغيب، وإلاَّ فلهَا تطليق نَفسهَا بشرطها وَإِلَى هَذَا الْقسم أَشَارَ (خَ) بقوله: وَبقيت أم وَلَده وَمَاله وَزَوْجَة الْأَسير ومفقود أَرض الشّرك للتعمير الخ. وَالشَّاهِد فِي قَوْله: وَزَوْجَة الْأَسير ومفقود أَرض الشّرك يَعْنِي أَهلهَا، وَمَفْهُوم قَوْله: مَا بَقِي الْإِنْفَاق أَنه إِذْ لم يبْق فلهَا التَّطْلِيق وَهُوَ معنى قَوْله: وَكُلُّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ حَرِي بِأَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ كَالْمُعْسِرِ (وكل من لَيْسَ لَهُ مَال) من أَسِير أَو مَفْقُود بأقسامه الْأَرْبَعَة (حري) أَي حقيق (بِأَن يكون حكمه) فِي التَّطْلِيق عَلَيْهِ (كالمعسر) الْغَائِب الَّذِي لم يتْرك لزوجته نَفَقَة فتؤجل شهرا كَمَا مر للناظم وتحلف وَتطلق نَفسهَا كَمَا مرّ. تَنْبِيه: ظَاهر كَلَام النَّاظِم و (خَ) الْمُتَقَدّم أَنه بِمُضِيِّ الشُّهُور فِي مُدَّة التَّعْمِير الْآتِيَة يُورث مَاله وَتعْتَد زَوجته وَلَا يتَوَقَّف ذَلِك على الحكم بِمَوْتِهِ وَالْمُعْتَمد كَمَا لِابْنِ عَرَفَة والمازري أَن مُسْتَحقّ إِرْثه وَارثه يَوْم الحكم حَتَّى أَنه إِذا مَاتَ أحد من قرَابَته بعد دُخُول الثُّبُوت للْقَاضِي وَقبل خُرُوجه لَا يَرِثهُ. ابْن عَرَفَة: وأقوال أهل الْمَذْهَب بِأَن مُسْتَحقّ إِرْثه وَارثه يَوْم الحكم بتمويته لَا يَوْم بُلُوغه تمويته حَسْبَمَا يدل عَلَيْهِ لفظ اللَّخْمِيّ والمتيطي وَابْن كوثر وَابْن الْهِنْدِيّ وَغَيرهم. وَبِه افتيت حِين ذكر أَنَّهَا نزلت وَأفْتى بعض النَّاس بإرثه مُسْتَحقّه يَوْم بُلُوغه لَا يَوْم الحكم اه. قلت: مَا ذكره ابْن عَرَفَة من أَن مُسْتَحقّ إِرْثه وَارثه يَوْم الحكم وَاضح إِذا لم يتَأَخَّر الحكم عَن أَعلَى مُدَّة التَّعْمِير كمائة وَعشْرين على القَوْل بهَا وإلاَّ بِأَن تَأَخّر عَنْهَا إِلَى مائَة وَأَرْبَعين مثلا لغفلة الْوَرَثَة وَنَحْو ذَلِك كَمَا يَقع فِي الْبَوَادِي لتعذر الْأَحْكَام عِنْدهم، فَيَنْبَغِي أَن مُسْتَحقّ إِرْثه هُوَ وَارثه يَوْم مَشْهُور التَّعْمِير لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى حرمَان من يَرث وتوريث من لَا يَرث على كل الْأَقْوَال، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 وَأَيْضًا فَإِن الظَّاهِر من فَتْوَى الْمَازرِيّ المنقولة فِي الْبُرْزُليّ وَغَيره أَنهم إِنَّمَا أناطوا ذَلِك بالحكم لما فِي مُدَّة التَّعْمِير من الْخلاف وَهُوَ لَا يرْتَفع عِنْد الأقدمين إِلَّا بالحكم، وَأما على مَا عِنْد الْمُتَأَخِّرين من أَنه يتَعَيَّن الحكم بالمشهور أَو الرَّاجِح أَو مَا بِهِ الْعَمَل فَلَا يتَوَقَّف إِرْثه وَلَا اعْتِدَاد زَوجته على الحكم بتمويته، بل إِذا قسموا يَوْم بُلُوغه مُدَّة التَّعْمِير الَّذِي هُوَ السبعون على مَا هُوَ الْمَشْهُور فِيهِ فقسمهم مَاض فَلَا يحرم من مَاتَ بعده وَقبل الحكم لِأَن الْخلاف حِينَئِذٍ مَرْفُوع بِوُجُوب اتِّبَاع الْمَشْهُور، وَالْقَاعِدَة أَن من فعل فعلا لَو رفع إِلَى القَاضِي لم يفعل غَيره فَفعله مَاض كَمَا تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ فِي غير مَا مَوضِع فَتَأَمّله وَالله أعلم. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله فِي غير حَرْب فَقَالَ: وَإِن يَكُنْ فِي الحَرْبِ فالمشْهُورُ فِي مالِه والزَّوْجَةِ التَّعمِيرُ (وَإِن يكن) فقد بِأَرْض الْكفْر (فِي) وَقت (الْحَرْب) والقتال مَعَهم (فَالْمَشْهُور) من قَوْلَيْنِ كَمَا لِابْنِ رشد فِي الْبَيَان (فِي مَاله وَالزَّوْجَة التَّعْمِير) لِأَن الأَصْل هُوَ الْحَيَاة فَيحمل أمره على الأَصْل فَلَا يقسم مَاله وَلَا تتَزَوَّج زَوجته إِلَّا بعده وَبعد الحكم بِمَوْتِهِ على مَا مر تَفْصِيله فِي المفقودين فِي غير الْحَرْب والأسير الْمُتَقَدِّمين، ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَن أمد التَّعْمِير فِيهِ خلاف فَقَالَ: وَفِيهِ أَقْوَالٌ لَهُمْ مُعَيَّنَهْ أصَحُّهَا الْقَوْلُ بِسَبْعِينَ سَنَهْ (وَفِيه) أَي أمد التَّعْمِير فِي جَمِيع مَا مر (أَقْوَال لَهُم مُعينَة) فَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب وَمَالك مرّة سَبْعُونَ سنة وَهُوَ أَصَحهَا كَمَا قَالَ: (أَصَحهَا القَوْل بسبعين سنة) وَبِه صدر (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ أَي التَّعْمِير سَبْعُونَ وَاخْتَارَ الشَّيْخَانِ ثَمَانِينَ وَقَالَ مَالك وَابْن الْقَاسِم مرّة ثَمَانُون وَاخْتَارَهُ الشَّيْخَانِ وَابْن مُحرز كَمَا مر عَن (خَ) قَالَ ابْن سَلمُون: وَبِه الْقَضَاء وَالْعَمَل. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون، وَمَالك: مرّة: تسعون، وَعند أَشهب وَابْن الْمَاجشون أَيْضا: مائَة، وللداودي عَن مُحَمَّد بن عبد الحكم: مائَة وَعِشْرُونَ، وعَلى الأول إِذا فقد وَهُوَ ابْن سبعين زيد لَهُ عشرَة أَعْوَام، وَكَذَا إِن فقد وَهُوَ ابْن ثَمَانِينَ، وَإِن فقد وَهُوَ ابْن خمس وَتِسْعين زيد لَهُ خمس سِنِين، وَإِن فقد وَهُوَ ابْن مائَة اجْتهد القَاضِي فِيمَا يُزَاد لَهُ، وَقيل يُزَاد لَهُ عشر، وَقيل الْعَام والعامان وَإِن فقد وَهُوَ ابْن مائَة وَعشْرين تلوم لَهُ الْعَام وَنَحْوه قَالَه ابْن عَرَفَة. ثمَّ أَشَارَ إِلَى القَوْل الثَّانِي وَهُوَ مُقَابل الْمَشْهُور الْمَذْكُور فَقَالَ: وَقَدْ أَتَى قَوْلٌ بِضَرْبِ عَامِ مِنْ حِينَ يَأْسٍ مِنْهُ لاَ القِيَامِ (وَقد أَتَى قَول) فِي الْمَفْقُود فِي الْقِتَال الَّذِي بَين الْمُسلمين وَالْكفَّار (بِضَرْب عَام) بعد الْبَحْث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 من الْحَاكِم والتفتيش وسؤال من يظنّ بِهِ مَعْرفَته، فَإِذا أيس من خبر ضرب لَهُ أجل سنة واستمرت نَفَقَتهَا فِي مَاله إِلَى انْقِضَائِهَا وَتعْتَبر السّنة (من حِين يأس مِنْهُ) كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَابْن سَلمُون وَغَيرهمَا (لَا) من حِين (الْقيام) فَإِذا انْقَضتْ السّنة قسم مَاله واعتدت زَوجته كَمَا قَالَ: وَيُقْسَمُ المَالُ عَلَى مَمَاتِهِ وَزَوْجَةٌ تَعْتَدُّ مِنْ وَفَاتِهِ (وَيقسم المَال على) حكم (مماته وَزَوْجَة تَعْتَد) عدَّة الْوَفَاة (من) أجل (وَفَاته) ابْن سَلمُون: فَإِذا انْقَضى الْأَجَل الَّذِي هُوَ السّنة وَلم تثبت حَيَاته وَلَا مَوته اعْتدت زَوجته وَورثه ورثته الْأَحْيَاء إِذْ ذَاك وتنقطع النَّفَقَة عَن الزَّوْجَة وَغَيرهَا مِمَّن تلْزمهُ نَفَقَته، وَلَا يحْتَاج فِي ذَلِك إِلَى تَجْدِيد حكم اه. أَي: كَمَا أَن الْمَفْقُود الْآتِي بِأَرْض الْإِسْلَام فِي غير قتال لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى تَجْدِيد حكم بعد انْقِضَاء الْأَرْبَع سِنِين. ابْن رشد: وَلَا فرق بَينهمَا فِي جَمِيع الْأَحْكَام إِلَّا أَن هَذِه تؤجل سنة بعد الِاسْتِقْصَاء وَتلك أَربع سِنِين بعد الِاسْتِقْصَاء أَيْضا. وَذَا بِهِ الْقَضَاءُ فِي الأَنْدَلُسِ لِمَنْ مَضَى فَمُقْتَفِيهِمْ مُؤْتَسِي (وَذَا) أَي هَذَا القَوْل الَّذِي هُوَ تأجيلها سنة من حِين الْيَأْس مِنْهُ رَجحه ابْن رشد فِي الْمُقدمَات وشهره (خَ) حَيْثُ قَالَ: فِي الْفَقْد بَين الْمُسلمين وَالْكفَّار تَعْتَد بعد سنة بعد النّظر و (بِهِ الْقَضَاء فِي الأندلس) كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَغَيره (لمن مضى فمقتفيهم) أَي متبعهم فِي الحكم بِهِ كخليل وَغَيره (مؤتس) أَي مقتد بقدوة وَوجه هَذَا القَوْل كَمَا فِي ابْن سَلمُون أَنه رجح فِيهِ الْغَالِب على الأَصْل. أَلا ترى أَنه لَا يحكم لَهُ بالحكم الْمَذْكُور إِلَّا إِذا ثَبت أَنه رُؤِيَ فِي المعترك بَين الصفين، وَلذَا يكْتب فِيهِ يعرف شُهُوده فلَانا، ويعلمون أَنه حضر الْوَاقِعَة بَين الْمُسلمين وَالنَّصَارَى بِموضع كَذَا، وعاينوه فِي ذَلِك الْمَكَان فِي معترك الْقِتَال هُنَالك بَين الصفين وفقد هُنَالك وَعمي أَثَره، فَلَا نعلم حَيَاته من وَفَاته حَتَّى الْآن وَبِذَلِك قيدوا شَهَادَتهم فِي كَذَا، فَإِذا ثَبت هَذَا وَلم تعلم حَيَاته بعد الْأَجَل والبحث عَنهُ فَإِن الْغَالِب عَلَيْهِ الْمَوْت فرجح على الأَصْل الَّذِي هُوَ الْحَيَاة، وَلذَا رجحوه على مَا شهره النَّاظِم تبعا لصَاحب الْبَيَان، وَأما إِذا لم تشهد الْبَيِّنَة بمعاينته فِي المعترك، بل شهِدت بِأَنَّهُ خرج مَعَ الْجَيْش فَقَط فَلَا يكون حكمه مَا تقدم بل حكمه حكم الْمَفْقُود بِأَرْض الْإِسْلَام فِي غير حَرْب، وَهُوَ الْقسم الثَّالِث من أَقسَام الْمَفْقُود الْأَرْبَعَة الْمشَار إِلَيْهِ بقوله: وَمَنْ بِأَرْضِ المُسْلِمِينَ يُفْقَدُ فَأَرْبَعٌ مِنْ السَّنِينَ الأَمَدُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 أَي التَّأْجِيل، فَإِذا فقد بِأَرْض الْإِسْلَام فِي غير قتال فيفصل فِيهِ بَين الزَّوْجَة وَالْمَال فالزوجة لَهَا أَن ترفع أمرهَا إِلَى القَاضِي أَو الْوَالِي أَو لجَماعَة الْمُسلمين، فتؤجل أَربع سِنِين وَالْعَبْد نصفهَا بعد الْبَحْث عَن خَبره، وسؤال من يظنّ بِهِ مَعْرفَته وَيعْتَبر الْأَجَل من وَقت الْعَجز عَن خَبره لَا من يَوْم الرّفْع، وَأُجْرَة الْبَحْث عَلَيْهَا لِأَنَّهَا الطالبة كَمَا صَوبه ابْن نَاجِي، فَإِن لم يكن لَهَا مَال فالأجرة من بَيت المَال، فَإِن تعذر الْوُصُول إِلَيْهِ كَمَا عندنَا الْيَوْم، فَالظَّاهِر كَمَا قَالَ بعض: أَنه ينْتَظر بِهِ مُدَّة التَّعْمِير، وَهَذَا كُله إِذا كَانَ لَهُ مَال تنْفق مِنْهُ فِي الْأَجَل وإلاَّ طلقت نَفسهَا كَمَا قدمه فِي قَوْله: وكل من لَيْسَ لَهُ مَال حري. الْبَيْت. فَإِذا انْقَضتْ الْأَرْبَع للْحرّ أَو السنتان للْعَبد اعْتدت كالوفاة من غير احْتِيَاج إِلَى تَجْدِيد حكم كَمَا مر قَرِيبا وَهُوَ معنى قَوْله: وَباعْتِدَادِ الزَّوْجَةِ الحَكْمُ جَرَى مُبَعَّضَاً وَالمَالُ فِيهِ عُمِّرَا (وباعتداد الزَّوْجَة) بعد الْأَجَل الْمَذْكُور (الحكم جرى) حَال كَونه (مبعضاً) بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا دون المَال إِذْ المَال يجب على القَاضِي أَن يحصره وَيقدم من قرَابَته أَو غَيرهم من ينظر فِيهِ إِلَى أَن يثبت مَوته أَو حَيَاته أَو تمْضِي مُدَّة التَّعْمِير وَلَا تمكن الْوَرَثَة من قسمه عِنْد انْقِضَاء الْأَرْبَع سِنِين قبل التَّعْمِير كَمَا قَالَ: (وَالْمَال فِيهِ عمِّرا) فَحكم الزَّوْجَة وَالْمَال فِي هَذَا الْمَفْقُود مُخْتَلف لِأَنَّهُ يقدر بعد الْأَجَل الْمَذْكُور بِالنِّسْبَةِ للزَّوْجَة كَأَنَّهُ مَاتَ فَأمرت بالاعتداد، وبالنسبة لِلْمَالِ كَأَنَّهُ حَيّ فَلم يُورث مَاله وَلم يقسم حَتَّى تَنْقَضِي مُدَّة التَّعْمِير وَهُوَ معنى قَوْله: مبعضاً. وَوجه ذَلِك أَن الزَّوْجَة لما لحقها الضَّرَر قدم فِي حَقّهَا الْغَالِب على الأَصْل لِأَن الأَصْل فِي الْمَفْقُود الْحَيَاة وَالْغَالِب من عدم ظُهُور خَبره بعد الْبَحْث والتأجيل الْمَوْت، فَقدم الْغَالِب بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا للضَّرَر دون المَال إِذْ لَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى قسمه وَإِلَى هَذَا الْقسم من أَقسَام المفاقيد أَشَارَ (خَ) بقوله: ولزوجة الْمَفْقُود الرّفْع للْقَاضِي والوالي ووالي المَاء، وإلاَّ فلجماعة الْمُسلمين فيؤجل الْحر أَربع سِنِين إِن دَامَت نَفَقَتهَا وَالْعَبْد نصفهَا من الْعَجز عَن خَبره، ثمَّ اعْتدت كالوفاة وَسَقَطت بهَا النَّفَقَة وَلَا تحْتَاج فِيهَا لإذن إِلَى أَن قَالَ: وَبقيت أم وَلَده وَمَاله وَزَوْجَة الْأَسير ومفقود أَرض الشّرك للتعمير الخ. تَنْبِيهَانِ. الأول: فَإِن بقيت زَوجته بِلَا تزوج بعد اعتدادها مِنْهُ إِلَى انْقِضَاء مُدَّة التَّعْمِير فَلَا مِيرَاث لَهَا مِنْهُ وَإِن كَانَ لَو أَتَى هُوَ فِي تِلْكَ الْمدَّة كَانَ أَحَق بهَا لِأَنَّهَا قد بَانَتْ مِنْهُ بعد الْأَجَل وَحكم بِمَوْتِهِ فِي حَقّهَا، وَكَذَلِكَ لَو مَاتَت هِيَ بعد دُخُولهَا فِي الْعدة وَقبل انْقِضَاء مُدَّة التَّعْمِير فَلَا يُوقف للزَّوْج مِيرَاثه مِنْهَا إِلَّا أَن تثبت حَيَاته بعْدهَا، وَيظْهر خطأ الحكم بِمَوْتِهِ وَتَكون هِيَ لم تتَزَوَّج غَيره قَالَه ابْن سَلمُون وَغَيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 642 الثَّانِي: إِذا كَانَت الزَّوْجَة غير مَدْخُول بهَا فَهَل يكمل لَهَا الصَدَاق وَبِه الْقَضَاء أَو لَا؟ رِوَايَتَانِ. وَإِذا قدم فَهَل ترد نصف مَا قَبضته أم لَا؟ وَبِه الْقَضَاء. وَإِذا كَانَ الصَدَاق مُؤَجّلا فَهَل يعجل وَهُوَ لمَالِك أم لَا؟ وَهُوَ لسَحْنُون وَهُوَ الرَّاجِح قَولَانِ. قَالَ جَمِيعه (ز) وَانْظُر قَوْله أَولا وَبِه الْقَضَاء الخ فَإِن الَّذِي لِابْنِ عَرَفَة عَن الْمُوازِية أَن ابْن الْقَاسِم اخْتَار الرَّد وَالله أعلم. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْقسم الرَّابِع من أَقسَام المفاقيد فَقَالَ: وَحُكْمُ مَفْقُودٍ بِأَرْضِ الْفِتَنِ فِي المالِ وَالزَّوْجَةِ حُكْمُ مَنْ فَنِي (وَحكم مَفْقُود بِأَرْض الْفِتَن) والقتال الواقعين بَين الْمُسلمين (فِي المَال وَالزَّوْجَة حكم من فني) وَمَات بِالْفِعْلِ فَتعْتَد زَوجته من ذَلِك الْيَوْم ويرثه ورثته الْأَحْيَاء يَوْمئِذٍ من غير أجل. قَالَ ابْن سَلمُون، قَالَ مَالك: وَلَكِن يتلوم لَهُ أمد يسير بِقدر مَا يرجع من انصراف أَو هرب إِلَى مَوْضِعه اه. وَهَذَا يخْتَلف بِحَسب قرب الْمَوَاضِع وَبعدهَا واستمرار الْهَزِيمَة وردهَا، وَهُوَ معنى قَوْله: مَعَ التَّلَوُّمِ لأَهْلِ المَلْحَمَهْ بِقَدْرِ مَا تَنْصَرِفُ المُنْهَزِمَهْ (مَعَ التَّلَوُّم) أَي حَال كَون الحكم الْمَذْكُور مصاحباً بالتلوم (لأهل الملحمة) أَي الْقِتَال (بِقدر مَا تَنْصَرِف المنهزمة) وَهُوَ أحد التفسيرين وَالتَّفْسِير الآخر أَنَّهَا تَعْتَد بعد انْفِصَال الصفين من غير تلوم (خَ) : واعتدت فِي مَفْقُود المعترك بَين الْمُسلمين بعد انْفِصَال الصفين. وَهل يتلوم ويجتهد؟ تفسيران الخ. وَظَاهره كشروحه أَنه لَا فرق بَين بعد أَمَاكِن الْقِتَال كالخارجين مَعَ السُّلْطَان لقِتَال الْبُغَاة وَنَحْو ذَلِك، أَو قربهَا وَهُوَ كَذَلِك على الْمُعْتَمد فَقَوْل النَّاظِم: وَإنْ نَأْتْ أَمَاكِنُ الْمَلاَحِمِ تَرَبُّصُ الْعَامِ لَدَى ابْن القَاسِمِ (وَإِن نأت) أَي بَعدت (أَمَاكِن الْمَلَاحِم) جمع ملحمة أَي التحام الصفين (تربص الْعَام) أَي تربصت زَوجته سنة وَالْعدة دَاخِلَة فِيهَا (لَدَى ابْن الْقَاسِم) ضَعِيف مُقَابل للمعتمد، ثمَّ إِن النَّاظِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 643 حذف الْفَاء مَعَ مَا لَا يصلح أَن يكون شرطا كَقَوْلِهِم: من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها، وَهَذَا إِذا أعرب تربص مُبْتَدأ وَالْخَبَر فِي الظّرْف بعده، وَيحْتَمل أَن يقْرَأ بِضَم التَّاء على أَنه فعل مَاض وَالْعَام نَائِبه وَهُوَ أولى. وَأَمَدُ الْعِدَّةِ فِيهِ إنْ شُهِدْ أَن قد رَأَى الشُّهُودُ فِيهَا مَنْ فُقِدْ (وأمد الْعدة) دَاخل (فِيهِ) أَي فِي الْعَام الْمَذْكُور على القَوْل الْمَذْكُور، ثمَّ مَحل كَونهَا تَعْتَد بعد انْفِصَال الصفين مَعَ التَّلَوُّم أَو دونه أَو تَتَرَبَّص الْعَام مَعَ الْبعد (إِن شهد) الْعُدُول (أَن) على حذف الْجَار (قد رأى الشُّهُود) فَاعل رأى (فِيهَا) أَي الملحمة (من) مفعول برأى (فقد) صلَة أَي لَا بُد أَن يشْهدُوا بمعاينته فِي المعترك كَمَا مر فِي الْمَفْقُود فِي الْحَرْب بَين الْمُسلمين وَالْكفَّار وَسَوَاء كَانَت شَهَادَة أصل أَو شَهَادَة نقل كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَام النَّاظِم لِأَنَّهُ تكلم على شَهَادَة النَّقْل فيفهم جَوَاز شَهَادَة الأَصْل بالأحرى، وَيحْتَمل أَن يكون الشُّهُود فَاعل يشْهد الْمَبْنِيّ للْفَاعِل وَأَن وَمَا بعْدهَا مَفْعُوله أَي أَنه شهد الشُّهُود إِن قدر أَو أَمن فقد فِي المعركة، فَيكون قد تكلم على شَهَادَة الأَصْل فَقَط، وَفِيه ضعف من جِهَة أَن الشُّهُود يتنازع فِيهِ رأى وَشهد فأعمل الأولى على هَذَا الِاحْتِمَال، وأعمل الثَّانِي فِي ضَمِيره وحذفه مَعَ أَنه عُمْدَة لَا يحذف، وَيحْتَمل أَن يقْرَأ شهد بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَأَن وَمَا بعْدهَا نَائِبه أَي إِن شهد بِرُؤْيَة الشُّهُود من فقد فِي المعركة وَهُوَ فِي الْمَعْنى هُوَ الِاحْتِمَال الأول، وَإِنَّمَا اخْتلف فِي كَون شهد مَبْنِيا للْفَاعِل أَو الْمَفْعُول، وَمَفْهُوم الشَّرْط أَنهم إِذا لم يشْهدُوا بِرُؤْيَتِهِ فِي المعركة لم يكن حكمه مَا مر من الْخلاف الْمَذْكُور، بل حكمه حكم الْمَفْقُود بِأَرْض الْإِسْلَام بِغَيْر حَرْب اتِّفَاقًا فتؤجل زَوجته أَربع سِنِين وَيبقى مَاله للتعمير كَمَا مرّ. (فصل فِي الْحَضَانَة) مَأْخُوذَة من حضَانَة الطير إِذا غطى أَوْلَاده بأجنحته وَهِي فِي الشَّرْع الْكفَالَة والتربية وَالْقِيَام بِأُمُور الْمَحْضُون، وَإِلَيْهِ يرجع قَول ابْن عَرَفَة: هِيَ محصول قَول الْبَاجِيّ حفظ الْوَلَد فِي مبيته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 وَمؤنَة طَعَامه ولباسه ومضجعه وتنظيف جِسْمه أه. وَهِي وَاجِبَة إِجْمَاعًا لِأَن فِي تَركهَا تضييعاً للْوَلَد. ابْن رشد: لِأَنَّهُ خلق ضَعِيف يفْتَقر لكافل يربيه حَتَّى يقوم بِنَفسِهِ فَهِيَ فرض كِفَايَة إِن قَامَ بهَا قَائِم سقط عَن البَاقِينَ وَلَا تتَعَيَّن إِلَّا على الْأَب وَالأُم فِي حَولي رضاعه إِن لم يكن لَهُ أَب، أَو كَانَ وَلَا يقبل غَيرهَا. الحَقُّ لِلْحَاضِنِ فِي الحَضَانَه وَحَالُ هَذَا الْقَوْلِ مُسْتَبَانَه (الْحق للحاضن فِي الْحَضَانَة. وَحَال هَذَا القَوْل) أَي وَوَجهه وَدَلِيله (مستبانة) أَي بَيِّنَة وَالْحَال يذكر وَيُؤَنث وَلذَا أخبر عَنهُ بالمؤنث. لِكَوْنِهِ يُسْقِطُهَا فَتَسْقُطُ وقيلَ بِالْعَكْسِ فَمَا إنْ تَسْقُطُ (لكَونه يُسْقِطهَا) بِضَم الْيَاء من أسقط الرباعي (فَتسقط) بِفَتْح التَّاء من سقط الثلاثي وَالضَّمِير الْمُضَاف إِلَيْهِ كَون يعود على الحاضن أَي إِنَّمَا كَانَ حَال هَذَا القَوْل بَينا لكَون الحاضن إِذا أسقط الْحَضَانَة بعوض الْخلْع أَو بِغَيْر عوض أصلا فَإِنَّهَا تسْقط وَلَو كَانَت حَقًا للمحضون أَو حَقًا لله أَو لَهما مَا سَقَطت بإسقاطه ولكونه أَيْضا لَا أُجْرَة للحاضن على الْحَضَانَة إِذْ الْإِنْسَان لَا يَأْخُذ أجرا على فعل شَيْء وَاجِب عَلَيْهِ، وَلَو كَانَت حَقًا للمحضون لكَانَتْ لَهُ الْأُجْرَة. وَهَذَا على الْمَشْهُور من أَنه لَا أُجْرَة لَهُ كَمَا قَالَ (خَ) : وَلَا شَيْء لحاضن لأَجلهَا أَي لأجل مُجَرّد الْحَضَانَة الَّتِي هِيَ حفظ الْوَلَد فِي بَيته كَمَا تقدم، وَأما خدمته من طحن وعجن وَسقي مَاء وطبخ وَغسل ثِيَاب فلهَا الْأُجْرَة على ذَلِك لِأَن الْأَب يلْزمه إخدام وَلَده. وَفِي وَصَايَا الْمُتَيْطِيَّة مَا نَصه: وَلَا أُجْرَة للحاضنة على الْحَضَانَة وَإِنَّمَا لَهَا الْأُجْرَة إِن كفته مُؤنَة الْخدمَة اه. وَنَحْوه فِي الْبُرْزُليّ قَائِلا، وَأما كلفة الْمُؤْنَة فلهَا الْأُجْرَة إِن خدمتهم وَإِن اسْتغنى الْوَلَد بالخادم عَن خدمتها فَلَا شَيْء لَهَا من أُجْرَة الْكفَالَة. (وَقيل بِالْعَكْسِ) وَهُوَ أَن الْحق للمحضون وَعَلِيهِ (فَمَا) نَافِيَة (أَن) زَائِدَة (تسْقط) أَي فَلَا تسْقط بإسقاطه وهما رِوَايَتَانِ. وَقيل: الْحق لَهما وَهُوَ اخْتِيَار الْبَاجِيّ وَابْن مُحرز، واستظهره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 645 الشَّارِح، وَقيل: الْحق لله تَعَالَى وَعَلَيْهِمَا فَلَا تسْقط وَمِمَّا بنوه على الْخلاف إِذا قبضت الحاضنة كسْوَة الْوَلَد وَنَفَقَته فادعت أَنَّهُمَا تلفا فعلى الثَّانِي تحلف وهما على الْأَب وعَلى الأول ضمانهما مِنْهَا إِلَّا بِبَيِّنَة على الضّيَاع، وَعَلِيهِ الْعَمَل كَمَا فِي ابْن عَاتٍ. وَنَقله ابْن عَرَفَة وَمِمَّا بنوه عَلَيْهِ أَيْضا إِذا طلق الرجل امْرَأَته، ثمَّ أخذت بعد ذَلِك عوضا عَن إِسْقَاط الْحَضَانَة فعلى أَن الْحق لَهَا يجوز وَلَا رُجُوع لَهَا فِيهِ وَهُوَ الْمُعْتَمد، وعَلى أَنه حق للْوَلَد لَا يلْزمهَا ذَلِك وَلها الرُّجُوع فِي الْعِوَض كَمَا فِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن رشد، وَمِمَّا بنوه أَيْضا أَن الْأُم إِذا أسقطت الْحَضَانَة للْأَب مثلا فَإِن الْجدّة للْأُم تَأْخُذهُ، وَهَذَا إِنَّمَا يتَفَرَّع على الثَّانِي دون الأول، وَمن ذَلِك أَيْضا إِذا قَالَ الْأَبْعَد: أَنا أنْفق عَلَيْهِ مَالِي وَلَا أبيع لَهُ شَيْئا من أمتعته بل تبقى مَوْقُوفَة لَهُ إِلَى بُلُوغه، وَلَا أرجع عَلَيْهِ بِشَيْء وأبى الْأَقْرَب إلاّ بيع أمتعته وإنفاقها عَلَيْهِ فَالَّذِي رَجحه ابْن لب وَغَيره نقل الْحَضَانَة للأبعد حَيْثُ لَا ضَرَر على الْمَحْضُون وَلَا نقص مرفق لظُهُور الْمصلحَة الْعُظْمَى بصون مَاله، وَهَذَا إِنَّمَا يتَفَرَّع على الثَّانِي أَيْضا دون الأول. تَنْبِيه: تقدم أَن الحاضن إِذا كَانَت لَهُ خدمَة غير الْحَضَانَة، فَلهُ الْأُجْرَة على ذَلِك، وَأما الْمَحْضُون إِذا كَانَت لَهُ خدمَة فَهَل يرجع بهَا الْأَب على الحاضنة أم لَا؟ فَفِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن الرماح: أَن المحضونة إِذا كَانَت تخْدم نَفسهَا فَلَا مقَال لأَبِيهَا وَإِن كَانَت تخْدم الحاضنة خدمَة لَهَا بَال فَيرجع على الحاضنة بِأُجْرَة مثلهَا اه. الْبُرْزُليّ: هَذَا بيِّن إِن لم تكن الحاضنة أمهَا فَإِن كَانَت فَالصَّوَاب أَن لَا أُجْرَة لَهَا كَمَا تجب على أمهَا إِن كَانَ للمحجورة مَال وَأما لَو كَانَت لَهَا صناعَة من غزل أَو غَيره فَإِنَّهُ يرجع بذلك على الحاضنة اه. يُرِيد الحاضنة غير الْأُم بِدَلِيل مَا فِي المعيار من أَنه اخْتلف ابْن عتاب وَابْن الْقطَّان فِي الصبية المحضونة إِذا كَانَت لَهَا صَنْعَة فَاجْتمع لَهَا من صنعتها دَنَانِير، فَأَرَادَتْ أمهَا المختلعة المتحملة أَن تستعين بهَا فِي نَفَقَتهَا فَقَالَ ابْن عتاب: إِن ذَلِك للْأُم تستعين بِهِ فِي نَفَقَتهَا. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: لَا يكون لَهَا بل يُوقف للابنة، وَقَول ابْن عتاب أولى، وَفِيه أَيْضا لَا كسب للمحضون بِمَعْنى أَن كَسبه ينْفق عَلَيْهِ، وَقيل لَا ينْفق عَلَيْهِ وَهُوَ أصح اه. فَفرق بَين الْأُم وَغَيرهَا فالأم تستعين بِخِدْمَة الْمَحْضُون دون غَيرهَا كَمَا ترى. وَصَرْفُهَا إلَى النِّسَاءِ ألْيَقُ لأَنَهُنَّ فِي الأُمُورِ أَشْفَقُ (وصرفها) أَي الْحَضَانَة (إِلَى النِّسَاء أليق لِأَنَّهُنَّ فِي الْأُمُور) أَي فِي أُمُور الْحَضَانَة أعرف من الرِّجَال لِأَن الْحَضَانَة من مقتضيات طباعهن، فَلذَلِك قدمهن الشَّارِع صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ على غَيْرهنَّ لِأَنَّهُنَّ (أشْفق) بالمحضون وأرأف وأدرى بمصالحه، وَقَاعِدَة الشَّرْع كَمَا للقرافي أَن يقدم فِي كل ولَايَة من هُوَ أدرى بمصالحه، فَفِي الْحَرْب من هُوَ شُجَاع يسوس النَّاس، وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 الْقَضَاء من هُوَ فَقِيه متأيد بِالدّينِ والفراسة، وَفِي ولَايَة الْأَيْتَام من هُوَ عَارِف بتنمية المَال، وَقد يكون الْمُقدم فِي بَاب مُؤَخرا فِي غَيره، فالمرأة مؤخرة فِي الْإِمَامَة مُقَدّمَة فِي الْحَضَانَة لمزيد شفقتها وصبرها فَهِيَ أقوم بمصالح الطِّفْل. وَكَوْنُهُنَّ مِنْ ذَوَاتِ الرَّحِمِ شَرْطٌ لَهُنَّ وَذَوَاتِ مَحْرَمِ (وكونهن من ذَوَات الرَّحِم شَرط لَهُنَّ) خبر عَن كَون (وَذَات محرم) مَعْطُوف على ذَوَات الرَّحِم أَي شَرط حضَانَة النِّسَاء أَن يكن ذَوَات رحم من الْمَحْضُون كالأم وَالْخَالَة وَالْجدّة ونحوهن، وَأَن يكن مُحرمَات عَلَيْهِ كالخالة وَمن مَعهَا فَإِن لم يكن ذَوَات رحم مِنْهُ كالأم وَالْأُخْت من الرَّضَاع وَزَوْجَة أَبِيه وَنَحْوهَا من الْمُحرمَات بالصهر فَلَا حضَانَة لَهُنَّ، وَكَذَلِكَ إِن كن ذَوَات رحم مِنْهُ وَلم يكن مُحرمَات عَلَيْهِ كبنتي الْخَالَة والعمة وَنَحْوهمَا فَلَا حضَانَة لَهُنَّ أَيْضا، وَفهم مِنْهُ أَن هَذَا الشَّرْط خَاص بِالنسَاء، وَأما الرِّجَال فيستحقون الْحَضَانَة بِمُجَرَّد الْولَايَة وَلَا يشْتَرط فيهم إِلَّا الشُّرُوط الْآتِيَة فِي قَوْله: وَشَرطهَا الصِّحَّة والصيانة الخ. فالرجال يستحقونها بِالشُّرُوطِ الْآتِيَة كَانُوا من ذَوي رَحمَه الْمحرم كالجد وَالْعم، أَو من ذَوي رَحمَه الَّذِي لَيْسَ بِمحرم كَابْن الْعم، أَو لم يَكُونُوا من ذَوي رَحمَه أصلا كالوصي وَالْمولى ومقدم القَاضِي، وَهَذَا الْبَيْت تَقْيِيد للْعُمُوم فِي الْبَيْت قبله أَي إِنَّمَا يَلِيق صرفهَا للنِّسَاء بِشَرْط كونهن من ذَات رَحمَه وَذَوَات محرم مِنْهُ. وَهْيَ إِلَى الإثْغَارِ فِي الذُّكُورِ والاحْتِلاَمُ الحَدُّ فِي المَشْهُورِ (وَهِي) أَي الْحَضَانَة أَي حَدهَا مُسْتَمر (إِلَى الإثغار فِي الذُّكُور) أَي فِي قَول أبي مُصعب وَمن مَعَه وَهُوَ ضَعِيف بِدَلِيل قَوْله: (والاحتلام) مُبْتَدأ خَبره (الْحَد فِي الْمَشْهُور) (خَ) : وحضانة الذّكر للبلوغ وَالْأُنْثَى كَالنَّفَقَةِ الخ. وَهُوَ معنى قَوْله: وَفِي الإنَاثِ لِلدُّخُولِ المنتهَى والأُمُّ أَوْلَى ثُمَّ أُمُّهَا بِهَا (وَفِي الْإِنَاث للدخول الْمُنْتَهى) مُبْتَدأ خَبره فِي الْمَجْرُور قبله أَي تستمر الْحَضَانَة فِي الْأُنْثَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 لدُخُول زَوجهَا بهَا كَمَا تستمر نَفَقَتهَا لدخولها كَمَا قَالَ فِي النَّفَقَات: فَفِي الذُّكُور للبلوغ يتَّصل وَفِي الْإِنَاث بِالدُّخُولِ ينْفَصل فتزف المحضونة لزَوجهَا من بَيت حاضنتها وَلَا مقَال للْأَب بِخِلَاف الْخِتَان، فَإِنَّهُ يختن الْوَلَد عِنْد أَبِيه ثمَّ يرد إِلَى حاضنته. ابْن عَرَفَة: ومستحقها أَبُو الْوَلَد زوجان هما وَفِي افتراقهما أَصْنَاف. الأول الْأُم ونساؤها من لَهَا عَلَيْهِ ولادَة بِسَبَبِهَا، وَأول فصل مِنْهَا أَي من هَذِه الَّتِي لَهَا عَلَيْهِ ولادَة، فالخالة أَحَق من الْجدّة للْأَب لِأَنَّهَا أول فصل مِمَّن لَهَا عَلَيْهِ ولادَة. الثَّانِي: نسَاء الْأَب من لَهَا عَلَيْهِ أمومة كَمَا مر. الثَّالِث: الْوَصِيّ. الرَّابِع: الْعصبَة اه. وَالضَّمِير فِي هما خبر عَن قَوْله مستحقها. وَجُمْلَة وَأَبُو الْوَلَد زوجان مُبْتَدأ وَخبر حَالية خلت من الْوَاو، وَفهم مِنْهُ أَن الْأَصْنَاف الْمَذْكُورَة هِيَ على التَّرْتِيب الْمَذْكُور فَلَا كَلَام للصنف الثَّانِي مَعَ وجود الأول، وَهَكَذَا. وَأما تَرْتِيب أَفْرَاد كل صنف فَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ النَّاظِم بقوله: (فالأم أولى) من بَاقِي قرابتها وَأَحْرَى من الْأَصْنَاف الَّتِي بعْدهَا (ثمَّ) إِن لم تكن أم أَو تزوجت أَجْنَبِيّا ف (أمهَا) وَهِي جدة الطِّفْل أولى (بهَا) أَي الْحَضَانَة فَإِن لم تكن أَو تزوجت. فأُمُّهَا فَخَالَةٌ فَأُمُّ الأبْ ثُمَّ أبٌ فَأُمُّ مَنْ لَهُ انْتَسَبْ (فأمها) أَي أم أمهَا أَو أم أَبِيهَا فَإِن اجتمعتا فَأم أمهَا أَحَق بهَا أَي بالحضانة من أم أَبِيهَا فَإِن لم تكن وَاحِدَة مِنْهُمَا فَأم أم أمهَا أَو أم أم أَبِيهَا أَو أم أبي أَبِيهَا أَو أم أبي أمهَا، فَإِن اجْتمع الْأَرْبَع فَأم أم أمهَا أَحَق ثمَّ أم أبي الْأُم وَأم أم الْأَب بِمَنْزِلَة وَاحِدَة ثمَّ أم أبي الْأَب، وعَلى هَذَا التَّرْتِيب أمهاتهن مَا علون قَالَه ابْن عَرَفَة. فَإِن لم تكن وَاحِدَة مِمَّن تقدم. (فخالة) وَهِي أُخْت الْأُم الشَّقِيقَة ثمَّ الَّتِي للْأُم ثمَّ الَّتِي للْأَب فَإِن لم تكن وَاحِدَة مِنْهُنَّ فأخت جدة الطِّفْل وَهِي خَالَة أمه وَخَالَة خَالَته الشَّقِيقَة ثمَّ الَّتِي للْأُم، ثمَّ الَّتِي للْأَب كَمَا مر فِي أُخْت الْأُم. وَهِي خَالَة الطِّفْل، فَإِن لم تكن وَاحِدَة مِنْهُنَّ فأخت الْجد للْأُم وَهِي عمَّة الْأُم وعمة الْخَالَة، وعَلى هَذَا التَّرْتِيب مَا بعد النّسَب من الْأُم. وَهنا انْتهى الْكَلَام على تَرْتِيب الصِّنْف الأول وَهُوَ مقدم على الصِّنْف الثَّانِي الَّذِي بعده إِجْمَاعًا. تَنْبِيهَانِ. الأول: كل من انْتَقَلت لَهُ الْحَضَانَة من هَذِه الْأَفْرَاد يشْتَرط فِي اسْتِحْقَاقه للحضانة أَن لَا يسكن مَعَ من سَقَطت حضانته بتزوج أَو غَيره كَمَا فِي (خَ) وَغَيره. الثَّانِي: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَللْأَب تعاهد وَلَده عِنْد أمه وأدبه وَبَعثه للمكتب وَلَا يبيت إِلَّا عِنْد أمه. ابْن عَرَفَة: وَيجب كَون الظّرْف الَّذِي هُوَ عِنْد أمه فِي مَوضِع الْحَال من وَلَده لِأَنَّهُ مَعْمُول للفظ تعاهد لِأَن ذَلِك ذَرِيعَة لاتصاله بمطلقته مَعَ زِيَادَة ضَرَر زَوجهَا بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 قلت: وَمِنْه يعلم الحكم فِيمَا يَقع كثيرا من تنَازع الزَّوْج ومطلقته فِي الْوَلَد الصَّغِير كالرضيع والفطيم فتريد هِيَ أَن يَأْتِي إِلَيْهِ أَبوهُ لينْظر حَالَته وَمَا هُوَ عَلَيْهِ عِنْدهَا وَيطْلب هُوَ أَن ترسله إِلَيْهِ لينْظر ذَلِك، فَالْقَوْل لَهُ لَا لَهَا كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله لِأَن ذَلِك ذَرِيعَة لاتصاله بمطلقته الخ. وَبِه كنت أَفْتيت لما سَأَلَني عَن ذَلِك بعض أَوْلَاد الْأُمَرَاء حِين تنَازع مَعَ مطلقته فِي ذَلِك. ثمَّ أَشَارَ إِلَى تَرْتِيب أَفْرَاد الصِّنْف الثَّانِي بقوله: (فَأم الْأَب) أَي جدة الطِّفْل من جِهَة أَبِيه (ثمَّ) إِن لم تكن أمه أَو كَانَ لَهَا زوج أَجْنَبِي ف (أَب) فَإِن لم يكن (فَأم من لَهُ انتسب) وَهِي جدة الْأَب من أمه أَو أَبِيه وَإِن علت، وَهَذَا على مَا فِي ابْن سَلمُون من أَن الْمَشْهُور أَن الْأَب مقدم على غَيره من قرَابَته، وَمذهب الْمُدَوَّنَة أَن الْأَب مُؤخر عَن أمه وَعَن أم أمه وَأم أَبِيه وَأم أمه أَحَق من أم أَبِيه إِن اجتمعتا، فَإِن لم تكن لَهُ وَاحِدَة مِنْهُمَا فَأم أم أمه أَو أم أم أَبِيه أَو أم أَب أَبِيه أَو أم أبي أمه كَمَا مرّ فِي قَرَابَات الْأُم فَإِن لم تكن وَاحِدَة مِنْهُنَّ فالأب حِينَئِذٍ هَذَا مذهبها وَهُوَ الْمَشْهُور، وَبِه أفتى (خَ) ثمَّ جدة الْأَب ثمَّ الْأَب الخ. وَعَلِيهِ فَلَو قَالَ النَّاظِم: ثمَّ بعيد جدة ثمَّ الْأَب لوافق الْمَذْهَب. فَالأَخْتُ فَالعَمَّةُ ثمَّ ابنَةُ الأَخْ فابْنَةُ أُخْتٍ فَأَخٌ بَعْدُ رَسَخْ (فالأخت) للطفل على مذهبها أَيْضا (فالعمة) لَهُ أَي وَهِي أُخْت الْأَب فَإِن لم تكن فعمة الْأَب فَإِن لم تكن فخالة الْأَب فَإِن لم تكن (فابنة الْأَخ) وَقد علمت أَن النَّاظِم أسقط خَالَة الْأَب كخليل مَعَ أَنَّهَا مُقَدّمَة على ابْنة الْأَخ كَمَا فِي الْمُقدمَات وَغَيرهَا. فَإِن لم تُوجد بنت الْأَخ أَو قَامَ بهَا مَانع (فابنة الْأُخْت) على الْمُعْتَمد كَمَا يفِيدهُ نقل (ق) وَإِن كَانَ (خَ) حكى أقوالاً فِي كَونهَا تقدم على بنت الْأَخ أَو تُؤخر أَو لَا حضَانَة لَهَا من غير تَرْجِيح لشَيْء مِنْهَا فَإِن لم تكن أَو قَامَ بهَا مَانع انْتقل الْحق للصنف الثَّالِث وَهُوَ الْوَصِيّ لِأَنَّهُ أَحَق من الْعصبَة كَمَا يَأْتِي فَإِن لم يكن الْوَصِيّ وَلَا وَصِيّ وَصِيّه انْتقل الْحق للصنف الرَّابِع، وَأَشَارَ إِلَى تَرْتِيب أَفْرَاده بقوله: (فأخ) للطفل (بعد رسخ) أَي ثَبت بعد من ذكر. وَالعصَبَاتُ بَعْدُ وَالْوَصِيُّ أَحَقُّ والسِّنُّ بهَا مَرْعِيُّ (والعصبات) أَي بَقِيَّتهمْ (بعد) الْأَخ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب فالجد من قبل الْأَب بعد الْأَخ ثمَّ ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 الْأَخ ثمَّ الْعم ثمَّ ابْنه ثمَّ الْمولى الْأَعْلَى ثمَّ الْأَسْفَل وَهُوَ عَتيق أبي الْمَحْضُون (وَالْوَصِيّ أَحَق) أَي من الْأَخ وَسَائِر الْعصبَة، وَظَاهره كَانَ الْوَصِيّ ذكرا أَو أُنْثَى وَهُوَ كَذَلِك إِلَّا أَنه إِذا كَانَ أُنْثَى فَلهُ الْحَضَانَة مُطلقًا، وَأما إِن كَانَ ذكرا فَإِنَّمَا لَهُ حضَانَة الذّكر أَو الْأُنْثَى الَّتِي لَا تطِيق الْوَطْء أَو أطاقته وَلكنه تزوج بأمها أَو بجدتها حَتَّى صَار محرما، وَإِلَّا فَلَا حضَانَة لَهُ على أحد قَوْلَيْنِ مرجحين، وَهُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده فِي زمننا هَذَا من غير نظر لكَونه مَأْمُونا أم لَا لغَلَبَة الْفساد، بل وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي فِي العاصب الَّذِي لَيْسَ بِمحرم كَابْن الْعم وَنَحْوه فبقاء المطيقة مَعَ زوج أمهَا أحسن لِأَنَّهُ ذُو محرم مِنْهَا. وَالْوَصِيّ وَابْن الْعم كِلَاهُمَا غير محرم. وَفِي الْمُتَيْطِيَّة التَّصْرِيح بذلك فِي الْوَصِيّ وَابْن الْعم كَذَلِك فِيمَا يظْهر، وَتَأمل مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَالسّن بهَا مرعي وَالله أعلم. وَشَمل قَوْله: وَالْوَصِيّ الخ مقدم القَاضِي فَإِنَّهُ يقدم على الْعصبَة كَمَا فِي أقضية الزّرْقَانِيّ، وَلَكِن أَنْت خَبِير بِفساد قُضَاة الْوَقْت كَمَا تقدم فِي الْأَقْضِيَة والشهادات، فيقدمون من لَا يسْتَحق التَّقْدِيم، بل وَلَا تكون فِيهِ شُرُوط تَوْلِيَة الْقَضَاء متوفرة فِي الْغَالِب وَعَلِيهِ فَلَا يَنْبَغِي أَن يقدم مقدمه على الْعصبَة وَالله أعلم. (وَالسّن بهَا مرعي) أَي إِذا تعدد الحاضن وَهُوَ فِي دَرَجَة وَاحِدَة كأخوين أَو أُخْتَيْنِ مثلا، فالأكبر سنا مقدم على من هُوَ أَصْغَر مِنْهُ لِأَنَّهُ أقرب للصبر والرفق بالمحضون، وَكَذَا إِذا تعدد بِوُجُود الشَّقِيق، وَالَّذِي للْأُم فَإِنَّهُ يقدم الشَّقِيق، ثمَّ الَّذِي للْأُم ثمَّ الَّذِي للْأَب فَتقدم الْعمة الشَّقِيقَة، ثمَّ الَّتِي للْأُم ثمَّ الَّتِي للْأَب، وَهَكَذَا (خَ) وَقدم الشَّقِيق ثمَّ للْأُم ثمَّ للْأَب فِي الْجَمِيع، فَإِن تساووا فَيقدم الصيِّن الأسن فَإِن تساووا قدم الأسن فَإِن تساووا فالقرعة، فَإِن كَانَ فِي أَحدهمَا صِيَانة، وَفِي الآخر شَفَقَة فَيقدم الصيِّن على الأشفق، فَإِن تساووا قدم الأسن، فَإِن تزوجت أمه عَمه فَأَرَادَ عَمه الأشفق أَخذه لم يكن لَهُ ذَلِك لِأَن كَونه مَعَ أمه وَعَمه أولى من كَونه عِنْد عَم لَهُ زَوْجَة أَجْنَبِيَّة، وَإِن تزوجت خَالَته عَمه فَأَرَادَ أَبوهُ أَخذه لم يكن لَهُ ذَلِك لِأَن كَونه مَعَ أمه وَعَمه أحسن من كَونه عِنْد أَبِيه الَّذِي زَوجته أَجْنَبِيَّة، لِأَن الْغَالِب مِنْهَا عَلَيْهِ الْجفَاء، وَالْغَالِب من الْأَب أَن يكله إِلَيْهَا قَالَه (ز) وَهُوَ دَاخل فِي قَول النَّاظِم: وَفِي الْإِنَاث عدم الزَّوْج عدا جدا لمحضون بهَا زوجا غَدا وَفِي قَول (خَ) عاطفاً على مَا تسْقط بِهِ الْحَضَانَة أَو يكون محرما، وَأَن لَا حضَانَة لَهُ كالخال أَو وليا كَابْن الْعم الخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 650 وَشَرْطُهَا الصَّحَةُ والصِّيَانَهْ وَالحِرْزُ وَالتَّكْلِيفُ وَالديّانَهْ (وَشَرطهَا) أَي الْحَضَانَة زِيَادَة على مَا تقدم فِي قَوْله: وكونهن من ذَوَات الرَّحِم شَرط الخ. (الصِّحَّة) أَي صِحَة جسم الحاضن فالمريض الضَّعِيف الْقُوَّة لَا حضَانَة لَهُ، وَكَذَا الْأَعْمَى والأصم والأخرس والمقعد لِأَنَّهُ لَا يقوم بمصلحة نَفسه، فَكيف يقوم بمصلحة غَيره؟ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون عِنْده من يحضن كَمَا يفِيدهُ الزّرْقَانِيّ فِي المقعد، وَالظَّاهِر أَن غَيره مِمَّن ذكر كَذَلِك، وَكَذَا من يخَاف من مَرضه الْعَدْوى على مَا جرت بِهِ الْعَادة كالجذام والبرص والجرب الدامي والحكة، وَمن ذَلِك الْمُسَمّى عندنَا بِالْمرضِ الْكَبِير وَهُوَ حب الإفرنج، وَلَو كَانَ فِي الْمَحْضُون مثله لِأَنَّهُ قد تحصل زِيَادَة بانضمامه لمن بِهِ ذَلِك، وَلَو كَانَ عِنْده من يحضن لاحْتِمَال اتِّصَاله بالمحضون بِخِلَاف الْقسم الأول الَّذِي قبله. (والصيانة) فَلَا حضَانَة لغير الصيِّن للحوق المعرة بِعَدَمِ الصون وَظَاهر كَلَامهم وَلَو كَانَ عِنْده من يحضن (والحرز) أَي مَكَان حرز لِئَلَّا يلْحقهُ الضّيَاع كَأَن يكون بِطرف الْعِمَارَة بِحَيْثُ يخْشَى عَلَيْهِ من السبَاع وتصيبه المتوقعات المحذورة كسارق يسرقه أَو يسلبه ثِيَابه وكدخول الْفُسَّاق على الْبِنْت أَو الْوَلَد (والتكليف) فَلَا حضَانَة لغير عَاقل وَلَا لغير بَالغ لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يكون الْمَحْضُون مَعَهُمَا فِي حفظ وصيانة. وَفِي الْفَائِق: أَن الصَّبِي الصَّغِير لَهُ الْحَضَانَة وحاضنه يحضن لَهُ قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيم الْأَعْرَج: وَبِه الْفَتْوَى اه بِنَقْل (تت) وَمثله فِي (ز) عِنْد قَول المُصَنّف: ورشد لَا إِسْلَام الخ. وَكَذَا ذكره طفي عِنْد قَول المُصَنّف، وَشرط الحاضن الْعقل الخ. ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق. قلت: وَلَعَلَّ هَذَا خَاص بالحاضن الذّكر، وَأما الْأُنْثَى فَلَا لِأَنَّهُ قد تكون حضانتها لَيست محرما من محضون الصَّبِي وَلَا أشْفق عَلَيْهِ إِلَّا أَن تكون حاضنته مِمَّن تسْتَحقّ حضَانَة الصَّبِي الْمَحْضُون إِلَّا أَنَّهَا مُتَأَخِّرَة فِي الْمرتبَة فَتَأَمّله. (والديانة) فَلَا حضَانَة لفاسقة وَلَا لفَاسِق، فَرب أَب شريب يذهب يشرب الْخمر وَيتْرك ابْنَته يدْخل عَلَيْهَا الرِّجَال وَلَا يشْتَرط كَون الحاضنة مسلمة على الْمَشْهُور، بل للذمية من الْحَضَانَة مَا للمسلمة إِن كَانَت فِي حرز وَلم يخْش عَلَيْهَا من تغذيتهم الْخمر وَالْخِنْزِير كَمَا فِي (ح) وشروحه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 651 تَنْبِيهَانِ. الأول: ظَاهر قَول النَّاظِم والتكليف والديانة الخ. أَنه لَا يشْتَرط فِي الحاضنة أَن تكون رَشِيدَة، وَهُوَ كَذَلِك حَيْثُ كَانَت حافظة لما تقبضه من نَفَقَة محضونها، أَو كَانَ لَهَا ولي وإلاَّ فَلَا كَمَا أفتى بِهِ ابْن هَارُون، وَهُوَ الصَّوَاب كَمَا فِي ابْن عَرَفَة. انْظُر شرَّاح الْمَتْن ونظم الْعَمَل الْمُطلق. الثَّانِي: ظَاهر النّظم أَيْضا أَن الحاضن إِذا نوزع فِي شَرط من هَذِه الشُّرُوط فَإِن عَلَيْهِ إثْبَاته لِأَن الأَصْل عدم الشُّرُوط حَتَّى يثبت وجودهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي صرح بِهِ (خَ) فِي الْأَمَانَة حَيْثُ قَالَ: وأثبتها أَي يجب على الحاضن أَن يثبت الْأَمَانَة إِن نوزع فِيهَا، وَلَا مَفْهُوم للأمانة بل غَيرهَا من الشُّرُوط مِمَّا عدا الصِّحَّة كَذَاك، وَأما الصِّحَّة فَإِن القَوْل لمدعيها لِأَنَّهَا الأَصْل فِي النَّاس ومدعي خلَافهَا عَلَيْهِ الْإِثْبَات. وَقد اقْتصر ابْن رحال فِي حَاشِيَته هُنَا لما فِي (خَ) من وجوب الْإِثْبَات مُصَرحًا بِأَنَّهُ الْمَذْهَب. قلت: وَهُوَ الظَّاهِر لِأَنَّهُ الَّذِي تشهد لَهُ الْقَوَاعِد والظواهر، وَاعْتِرَاض الشَّيْخ الرهوني عَلَيْهِ فِي حَاشِيَته على الْمُخْتَصر بِأَنَّهُ لَا مُسْتَند لخليل إِلَّا كَلَام ابْن الْقصار وَابْن الْهِنْدِيّ وَابْن فتوح، وَمن وافقهم. وَهَؤُلَاء إِنَّمَا اعتمدوا فِي ذَلِك على أَخذهم إِيَّاه من الْمُدَوَّنَة وَلَيْسَ أَخذهم مِنْهَا بِمُسلم الخ. غير ظَاهر كَمَا يعلم ذَلِك بمراجعة المطولات وملاحظة الْقَوَاعِد واعتراضه أَيْضا بِأَنَّهُ لَو كلف الحاضن بِإِثْبَات الْأَمَانَة لكلف بذلك الْأَب عِنْد انْتِقَال الْحَضَانَة إِلَيْهِ يرد بِأَن الْأَب هُوَ الأَصْل لما جبل عَلَيْهِ من الحنانة والشفقة، وَلِأَنَّهُ الدَّافِع لِلْمَالِ، وَقد كَانَ الْوَلَد فِي حفظه وَنَفَقَته فَلَا يلْزمه دفع الْوَلَد وَالنَّفقَة للحاضنة، أما كَانَت أَو غَيرهَا حَتَّى تثبت أمانتها وديانتها لِئَلَّا يضيع عَلَيْهِ مَاله أَو وَلَده، فَلَا يُقَال: إِن إِثْبَات ذَلِك لَازم لَهُ أَيْضا إِذا أَرَادَ الْحَضَانَة بِنَفسِهِ لأَنا نقُول الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِي نقل الشَّيْء عَن أَصله أَي: فَلَا ينْقل عَنهُ وَلَا يحكم عَلَيْهِ الشَّرْع بِدَفْعِهِ إِلَّا لمن يوثق بِهِ، وَلَو كَانَ هُوَ مسخوطاً غير مرضِي الْحَال، وإلاَّ لزم الْخُرُوج من سخطَة إِلَى مثلهَا أَو أقبح مِنْهَا، وَذَلِكَ من الْعَبَث الَّذِي لَا يحكم بِهِ الشَّرْع وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ للطفل، وَأما بِالنِّسْبَةِ للنَّفَقَة فَلَا إِشْكَال أَنه لَا يلْزمه دَفعهَا إِلَّا لموثوق بِهِ كَمَا مر، وَهَكَذَا أَيْضا يُقَال فِي كل من طلب انتقالها إِلَيْهِ لِأَن الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ مَفْرُوض عِنْد التشاح والحائز للْوَلَد إِن مَاتَ الْأَب مثلا لَا يلْزمه دفع الْوَلَد إِلَّا لموثوق بِهِ لكَون الشَّارِع أمره بذلك لِئَلَّا يُوقع الْوَلَد فِي مضيعة فَلَا يخرج الْوَلَد من يَد من ثَبت لَهُ عَلَيْهِ مُحَافظَة وَلَو لَحْظَة إِلَى أَمر مُحْتَمل مَشْكُوك فِي كَونه أَسْوَأ حَالا من الْحَائِز أَو مثله وَالله أعلم. وَفِي الإنَاثِ عَدَمُ الزَّوْج عَدَا جدًّا لِمَحْضُونٍ لهَا زَوْجاً غَدَا (و) شَرطهَا (فِي الْإِنَاث) بخصوصهن زِيَادَة على مَا تقدم (عدم الزَّوْج) فَإِن الحاضنة إِذا تزوجت وَدخل بهَا زَوجهَا سَقَطت حضانتها (عدا) فعل دَال على الِاسْتِثْنَاء، وَمَعْنَاهُ جَاوز وفاعله ضمير عَائِد على الْمصدر الْمَفْهُوم من الْكَلَام السَّابِق (جدا) مفعول بعدا (لمحضون) صفة لجد (لَهَا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 صفة فِي الأَصْل للنكرة بعده إِلَّا أَنه لما قدم عَلَيْهَا يعرب حَالا لِأَن الصّفة لَا تتقدم على الْمَوْصُوف (زوجا) مفعول لقَوْله (غَدا) وَالْجُمْلَة صفة لجد أَيْضا، وَالتَّقْدِير وَشَرطهَا فِي الْإِنَاث عدم الزَّوْج، فَإِن وجد سَقَطت وَجَاوَزَ السُّقُوط جد الْمَحْضُون صَار زوجا لَهَا أَي للحاضنة وَيلْحق بالجد كل ولي للمحضون وَلَو ولي المَال، وَإِن لم يكن محرما لَهُ كَابْن الْعم وَالْوَصِيّ وكل محرم، وَإِن لم تكن لَهُ الْحَضَانَة كالخال، فَإِن تزوج الحاضنة بِوَاحِد من هَؤُلَاءِ كتزوجها بالوصي أَو ابْن الْعم أَو كتزوج عمَّة الطِّفْل بخالة لَا يسْقط حضانتها وَلَو كَانَ للمحضون هُنَاكَ حاضنة أقرب إِلَيْهِ مِنْهَا فارغة من الزَّوْج كَمَا مر عِنْد قَوْله: وَالسّن بهَا مرعي خلافًا لما فِي اليزناسني هُنَا. وَلما فِي (ز) عِنْد قَول (خَ) أَو وليا كَابْن الْعم. وَبَيَانه أَنا إِذا قُلْنَا: إِنَّمَا تبقى حضانتها بعد تزَوجهَا بالولي الْمحرم إِذا لم يكن هُنَاكَ من يَسْتَحِقهَا قبل ابْن الْعم مثلا كَمَا يَقُوله اليزناسني و (ز) كَانَ الِاسْتِثْنَاء فِي النّظم و (خَ) ضائعاً وَلَو قَالَ النَّاظِم: وَفِي الْإِنَاث عدم الزَّوْج عدا وليا محرما لَهَا زوجا غَدا لشمل كل ولي وكل محرم، وَيكون لفظ محرما مَعْطُوفًا بِحَذْف العاطف وَضمير عدا يعود حِينَئِذٍ على من ذكر. وَحَاصِله: أَن الزَّوْج الثَّانِي إِمَّا أَن يكون محرما أَو لَا. وَفِي كل مِنْهُمَا إِمَّا أَن تكون لَهُ الْحَضَانَة أَو لَا. فالأقسام أَرْبَعَة تسْقط حضَانَة المتزوجة بِوَاحِد وَهُوَ مَا إِذا كَانَ غير محرم وَلَا حضَانَة لَهُ كَابْن الْخَال وَالْأَجْنَبِيّ وَلَا تسْقط فِي الْبَاقِي وَهُوَ الْمحرم الَّذِي لَهُ الْحَضَانَة كالعم، وَالَّذِي لَا حضَانَة لَهُ كالخال وَغير الْمحرم الَّذِي لَهُ الْحَضَانَة كَابْن الْعم (خَ) : وللذكر من يحضن وللأنثى الْخُلُو عَن زوج دخل إِلَّا أَن يعلم ويسكت الْعَام أَو يكون محرما وَأَن لَا حضَانَة لَهُ كالخال أَو وليا كَابْن الْعم الخ فَقَوله: وللذكر من يحضن أَي يشْتَرط فِي الحاضن الذّكر أَن يكون عِنْده من يحضن لَهُ من زَوْجَة أَو سَرِيَّة أَو متبرعة، وَأَن يكون الْمَحْضُون ذكرا أَو أُنْثَى غير مطيقة، وَأما المطيقة للْوَطْء فَلَا حضَانَة لَهُ عَلَيْهَا وَلَو مَأْمُونا ذَا أهل خلافًا لأصبغ، وَقَوله: إِلَّا أَن يعلم مُسْتَثْنى من مَفْهُوم دخل كَمَا أَن الِاسْتِثْنَاء فِي النّظم من مَفْهُوم عدم الزَّوْج كَمَا قَررنَا، وَمَفْهُومه أَنه إِذا لم يعلم مُسْتَحقّ الْحَضَانَة بعْدهَا بتزوجها ودخولها، أَو علم وَلم يسكت أَو سكت أقل من عَام لم تسْقط حضانته، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي اللَّخْمِيّ وَغَيره، وَانْظُر لَو علم بتزوجها ودخولها وَسكت عَاما إِلَّا أَنه جهل كَون سُكُوته مسْقطًا لحقه فَفِي (ز) أَن ذَلِك عذر يُوجب لَهُ عدم سُقُوط حَقه فِي الْحَضَانَة، وَاعْتَرضهُ الشَّيْخ الرهوني فِي حَاشِيَته بِأَنَّهُ لم يره مَنْصُوصا قَالَ: والجاري على مَا يَأْتِي من سكُوت الشَّفِيع أَنه لَا يعْذر بِالْجَهْلِ بالحكم اه. قلت: قد يُقَال من حفظ حجَّة على من لم يحفظ وَلَا يُقَاس سكُوت الحاضنة على سكُوت الشَّفِيع لشهرة حكم سكُوت الشَّفِيع عِنْد النَّاس دون حكم سكُوت الحاضنة وَالله أعلم. ثمَّ إِذا سكت الْعَام فَهَل تسْقط حضانتها وحضانة من علم أَيْضا وَهُوَ فِي الْمرتبَة بعْدهَا كَمَا قَالُوا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 الشُّفْعَة: إِن سكُوت الْأَقْرَب يسْقط شفعته وشفعة من علم وَهُوَ فِي الْمرتبَة بعده أَو لَا تسْقط فِي الْحَضَانَة إِلَّا حضَانَة الْأَقْرَب، ويستأنف للأبعد عَام آخر كَمَا فِي الْفَائِق عَن ابْن زرب وَنَحْوه فِي الْبُرْزُليّ عَن أَحْكَام الشّعبِيّ، وَنَقله الشَّيْخ أَحْمد بَابا مُسلما اه. وَتقدم أَن من خَالع زَوجته على أَن تسْقط هِيَ وَأمّهَا الْحَضَانَة أَنَّهَا لَا تسْقط فِي الْجدّة لِأَنَّهَا أسقطت مَا لم يجب لَهَا وَهَذَا إِذا لم يقل فِي الْوَثِيقَة ثمَّ بعد إِسْقَاط الْأُم أسقطت الْجدّة حَقّهَا، وإلاَّ فَلَا كَلَام لَهَا انْظُر مَا تقدم فِي الْخلْع وَمحل سُقُوط الْحَضَانَة بالتزوج إِذا لم يتَعَلَّق الْوَلَد بِأُمِّهِ، وَيكون عَلَيْهِ ضَرَر فِي نَزعه مِنْهَا، وَإِلَّا لم تسْقط حضانتها وَلم ينْزع مِنْهَا للضَّرَر اللَّاحِق فِي الْوَلَد، وَقد نَص (ز) أَيْضا على هَذَا عِنْد شَرحه للنَّص الْمُتَقَدّم عِنْد قَوْله: إِلَّا لكمرض أَو موت جدة الخ. وَبِه يعلم أَن الرَّضِيع لَا ينْزع من أمه إِن طلقت وَتَزَوَّجت لما عَلَيْهِ فِي ذَلِك من الضَّرَر الفادح، وَكَذَا قريب الْفِطَام حَيْثُ اعتلق بهَا وَلم يصبر عَنْهَا، وَقد شاهدنا كثيرا من النَّاس يطْلب نزع الرَّضِيع من مطلقته إِن تزوجت فيمتع من ذَلِك لما يخَاف من موت الْوَلَد، وَلَا سِيمَا إِن كَانَ الْأَب فَقِيرا إِذْ لَا يجد فِي الْغَالِب من يرضعه وَيقوم بِهِ كَأُمِّهِ، وَإِن وجده فِي وَقت فَلَا يجده فِي وَقت آخر فَيُؤَدِّي ذَلِك لضياع الْوَلَد كَمَا وَقع ذَلِك بِالْمُشَاهَدَةِ، بل وَلَا يجوز الْخلْع حِينَئِذٍ على إِسْقَاط حضانتها للْوَلَد الْمَذْكُور وَلَو تَرَاضيا عَلَيْهِ كَمَا قدمْنَاهُ فِي الْخلْع. وَمَا سُقُوطُهَا لِعُذْرٍ قَدْ بَدَا وَارْتَفَعَ الْعُذْرُ تَعُودُ أَبَدَا (وَمَا) مَوْصُولَة وَاقعَة على الْحَضَانَة مُبْتَدأ (سُقُوطهَا) مُبْتَدأ (لعذر) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله (قد بدا) وَالْجُمْلَة صلَة مَا (وارتفع الْعذر) جملَة من فعل وفاعل معطوفة على جملَة الصِّلَة (تعود أبدا) خبر الْمَوْصُول، وَالتَّقْدِير والحضانة الَّتِي سُقُوطهَا قد بدا لعذر من مرض أَو انْقِطَاع لبن أَو حجَّة فرض أَو سَافر بهَا جدها وَهُوَ جد الصّبيان أَو غَيره من الْأَوْلِيَاء غير طَائِعَة، وَلَا يُمكنهَا حمل الْمَحْضُون مَعهَا أَو جهلت أَن الْحق انْتقل فِي الْحَضَانَة لَهَا أَو سَافر الْوَلِيّ بالمحضون سفر نقلة أَو خرجت لطلب مِيرَاثهَا وارتفع ذَلِك الْعذر بِأَن بَرِئت من الْمَرَض أَو رَجَعَ إِلَيْهَا لَبنهَا أَو رجعت من سفر الْحَج وَالزَّوْج، أَو علمت أَن الْحق فِي الْحَضَانَة لَهَا، أَو رَجَعَ الْوَلِيّ من سَفَره بالمحضون، أَو رجعت من طلب مِيرَاثهَا فَإِن الْحَضَانَة تعود لَهَا فِي ذَلِك كُله لِأَنَّهَا تركت حَقّهَا فِي الْحَضَانَة فِي ذَلِك كُله بِغَيْر اخْتِيَارهَا، فَهِيَ معذورة وحقها إِنَّمَا سقط حَال وجود الْعذر، فَإِذا زَالَ رجعت إِلَيْهَا الْحَضَانَة إِلَّا أَن تتركه بعد زَوَال الْعذر حَتَّى طَال الأمد السّنة وَنَحْوهَا مختارة فَلَا تَأْخُذهُ مِمَّن هُوَ بِيَدِهِ أَو يكون ألف من هُوَ عِنْدهَا أَو شقّ نَقله عَنْهَا كَمَا مرّ فِي الْبَيْت قبل هَذَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 تَنْبِيهَانِ. الأول: يفهم من قَوْلهم: إِذا خرجت الحاضنة لطلب مِيرَاثهَا لَا تسْقط حضانتها أَنَّهَا إِذا خرجت للصيفية ولقط السنبل لفقرها كَذَلِك لَا تسْقط حضانتها أَيْضا. وَفِي الْبُرْزُليّ: إِذا أَرَادَت الْخُرُوج للصيفية ولقط السنبل ومنعها الْأَب من الْخُرُوج بالمحضون فَإِن ذَلِك لَهُ، وَيكون الْمَحْضُون عِنْده مُدَّة غيبَة الحاضنة فِي الصيفية فَإِذا رجعت أَخَذته من الْأَب. ابْن رشد: وَيحْتَمل أَن لَا يقْضى للْأَب بمنعها من الْخُرُوج بِهِ على مَا جَاءَت بِهِ الرِّوَايَة أَن لَهَا الْخُرُوج بِهِ للمسافة الْقَرِيبَة الَّتِي لَا تقصر فِيهَا الصَّلَاة. قَالَ: وَأما خُرُوج الْمُطلقَة فِي الْعدة والمتوفى عَنْهَا لجمع السنبل فلهَا ذَلِك إِن كَانَت محتاجة اه. وَقَالَ: أَعنِي الْبُرْزُليّ قبل هَذَا مَا نَصه: وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّد المرسي عَن من طلق زَوجته وَله مِنْهَا بَنَات فَخرجت بِهن للصائفة يَعْنِي بِغَيْر إِذْنه أتسقط النَّفَقَة عَنهُ مُدَّة مقَامهَا بِهن هُنَاكَ أم لَا؟ فَقَالَ: ذَلِك سَاقِط عَنهُ مُدَّة إِقَامَتهَا بِهن زمن الصائفة اه. قَالَ الْبُرْزُليّ: هَذَا ظَاهر إِن قُلْنَا إِن الْحَضَانَة من حَقّهَا، وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا حق للْوَلَد أَو حق لله فَيجب رُجُوعهَا عَلَيْهِ بنفقتهن وَهِي تجْرِي عِنْدِي على مَسْأَلَة الْمَحْجُور إِذا خرج بِهِ وليه لحج الضَّرُورَة أَو لغير ضَرُورَة، وعَلى خُرُوج الْمَرْأَة لزيارة أَهلهَا أَو لتطوع حج هَل نَفَقَتهَا وَاجِبَة أَو لَا؟ وَأما الْقدر الزَّائِد لأجل السّفر فَلَا خلاف أَنه سَاقِط عَنهُ اه. قلت: وَيُؤَيّد رُجُوعهَا عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَة الْخُرُوج للصائفة مَا مرّ عَن ابْن رشد من قَوْله: وَيحْتَمل الخ. وَذكر (ح) آخر الْبَاب الثَّانِي من التزاماته مَا نَصه: اخْتلفُوا فِي سُقُوط النَّفَقَة عَن الْأَب إِذا خرجت بهم إِلَى الْمَكَان الْقَرِيب الَّذِي يجوز لَهَا الْخُرُوج بهم إِلَيْهِ وَلَا تسْقط حضانتها فَقَالَ فِي ضيح، قَالَ ابْن رَاشد القفصي: حَيْثُ قُلْنَا تخرج بهم فحقهم فِي النَّفَقَة بَاقٍ على أَبِيهِم فِي ظَاهر الْمَذْهَب، وَحكي فِي الطّراز عَن ابْن جَمَاهِير الطليطلي أَن الْأُم إِذا خرجت ببنيها للصائفة يسْقط الْفَرْض عَن أَبِيهِم مُدَّة مقامهم اه. قَالَ (ح) : وَاقْتصر ابْن عَرَفَة على مَا حَكَاهُ صَاحب الطرر وَرجح فِي الشَّامِل الأول، وَحكى الثَّانِي بقيل اه. وَقد تبين بِهَذَا رُجْحَان القَوْل بِعَدَمِ سُقُوط نَفَقَتهم عَن أَبِيهِم فِي خُرُوجهَا بهم لقريب الْمَكَان الَّذِي لَا تقصر فِيهِ الصَّلَاة كَمَا مر عَن ابْن رشد وكما قَالَه القفصي عَن ظَاهر الْمَذْهَب، وَرجحه فِي الشَّامِل وَالله أعلم. الثَّانِي: إِذا ترك الْأَب وَلَده عِنْد حاضنته بعد تزَوجهَا سنة فَأكْثر فَلَيْسَ لَهُ نَزعه مِنْهَا، بل يتْركهُ عِنْدهَا وَتجب عَلَيْهِ نَفَقَته، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يثبت تَضْييع الحاضنة للْوَلَد أَو كَون زَوجهَا يستخدمه ويستعمله فَلهُ نَزعه حِينَئِذٍ قَالَه ابْن رشد، وَنَقله ابْن الْبُرْزُليّ أَيْضا. وَهِي عَلَى المَشْهُورِ لاَ تَعُودُ إنْ كانَ سُقُوطُهَا بِتَزْوِيجٍ قَمِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 هَذَا مَفْهُوم قَوْله فِي الْبَيْت قبله لعذر، وَالْمعْنَى أَن سُقُوط الْحَضَانَة إِذا كَانَ لغير عذر كَمَا لَو تزوجت بعد أَن انْتَقَلت الْحَضَانَة لَهَا أَو أسقطت حَقّهَا مِنْهَا بعد وُجُوبهَا لَهَا أَو سكتت عَاما بعد انتقالها إِلَيْهَا مَعَ علمهَا بذلك، فَإِن الْحَضَانَة لَا تعود لَهَا فِي ذَلِك كُله، وَلَو زَالَ التَّزْوِيج فِي الْمَسْأَلَة الأولى بِطَلَاق أَو موت أَو فسخ وَأَرَادَ بِالتَّزْوِيجِ الْحَقِيقِيّ وَهُوَ دُخُول الزَّوْج إِذْ لَا تسْقط حضانتها قبله وَشَمل قَوْله: تَزْوِيج مَا حدث بعد الِانْتِقَال كَمَا قَررنَا، وَمَا كَانَ مَوْجُودا وَقت الِانْتِقَال فَإِذا تزوجت الْأُم وَالْجدّة متزوجة أَيْضا بأجنبي وانتقلت الْحَضَانَة للخالة مثلا ثمَّ تأيمت الْجدّة، فَإِنَّهُ لَا ينْزع من الْخَالَة وَيرد للجدة على الْمَشْهُور كَمَا قَالَه الْبَدْر، لِأَن الْجدّة لما اتصفت بالمانع وَقت تزوج الْأُم انْتقل الْحق لغَيْرهَا وَتعلق حق ذَلِك الْغَيْر بهَا وَمَا فِي (ز) عِنْد قَوْله: أَو وليا كَابْن الْعم مِمَّا يَقْتَضِي نَزعه من الْخَالَة ورده للجدة فِي الْمِثَال الْمَذْكُور وَنَحْو فِي (ت) هَهُنَا حاكياً عَلَيْهِ الِاتِّفَاق مَرْدُود بِمَا تقدم عَن الْبَدْر، كَمَا نبه عَلَيْهِ بعض المحشيين وَالتَّعْلِيل الْمُتَقَدّم الَّذِي نَقله (ز) وَغَيره عِنْد قَول الْمَتْن وَلَا تعود بعد الطَّلَاق شَاهد للمشهور الْمَذْكُور، وَظَاهر النّظم أَنَّهَا لَا تعود حَيْثُ سَقَطت بتزويج وَلَو مَاتَت الحاضنة الَّتِي بعْدهَا بعد تأيم المتزوجة، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور عِنْد ابْن سَلمُون وَنَصه: وَلَا تعود الْحَضَانَة لَهَا إِن طلقت بعد ذَلِك على القَوْل الْمَشْهُور، وَهِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْمُدَوَّنَة والعتبية، وَقيل عَنهُ فِي غَيرهمَا أَنَّهَا تعود إِن طَلقهَا الزَّوْج أَو مَاتَ عَنْهَا. قَالَ ابْن رشد: وَهُوَ قَول الْمُغيرَة وَابْن دِينَار وَابْن أبي حَازِم، وَوجه هَذَا القَوْل إِنَّه رأى أَن التَّزَوُّج من الْأُمُور الضروريات فَجعله عذرا كالمرض وَانْقِطَاع اللَّبن قَالَ: وَقد قيل إِن حَقّهَا فِي الْحَضَانَة يسْقط بالتزوج إِلَّا فِي جِهَة من حضن الْوَلَد فِي حَال كَونهَا مَعَ الزَّوْج فَإِن خلت من الزَّوْج ثمَّ مَاتَ ذَلِك الحاضن كَانَ لَهَا أَخذ وَلَدهَا، وَكَانَت أَحَق بحضانته من غَيرهَا اه. الْغَرَض مِنْهُ وبالقول الأول صدر ابْن رشد وَغَيره، وَلما نقل ابْن عبد السَّلَام هَذِه الْأَقْوَال قَالَ: وَهَذَا القَوْل الثَّالِث رَاجع عِنْدِي إِلَى القَوْل الثَّانِي الْمُقَابل للْأولِ. قَالَ اليزناسني فِي شَرحه لهَذَا الْمحل: هَذَا القَوْل الثَّالِث نَقله فِي ضيح عَن الْمُوازِية وَابْن مُحرز والمتيطي، وَعَلِيهِ اقْتصر فِي مُخْتَصره حَيْثُ قَالَ: وَلَا تعود بعد الطَّلَاق إِلَّا لكمرض أَو لمَوْت جدة وَالأُم خَالِيَة الخ. فاستثنى من عدم الْعود موت الْجدّة وَالأُم خَالِيَة، وَلَيْسَ هَذَا القَوْل الثَّالِث مَشْهُورا على مَا عِنْد ابْن الْحَاجِب وَابْن عبد السَّلَام وَغَيرهمَا كَمَا فِي ابْن عَرَفَة وَابْن سَلمُون قَالَ: وَقد وَقعت مثل هَذِه النَّازِلَة فَأفْتى فِيهَا بَعضهم بِمَا فِي الْمُخْتَصر فنازعته وَقلت لَهُ: إِن ذَلِك القَوْل غير مَشْهُور، بل الْمَشْهُور على مَا نَقله ابْن الْحَاجِب وَابْن عَاصِم وَغَيرهمَا أَن التَّزَوُّج يسْقط الْحَضَانَة جملَة فَلَا تعود لَهَا أبدا حَسْبَمَا تقدم اه. كَلَام اليزناسني بِتَقْدِيم وَتَأْخِير واختصار، وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا فِي الْمُخْتَصر ضَعِيف نقلا ونظراً أما الأول فَظَاهر مِمَّا مر، وَأما الثَّانِي فَلِأَن الْأُم بتزوجها كَانَت مختارة لإِسْقَاط حَقّهَا، والحاضنة إِذا أسقطت حَقّهَا لَا تعود لَهَا مُطلقًا كَمَا مر. وَحَيْثُ بِالمَحْضُونِ سَافَرَ الْوَلِي بِقَصْدِ الإِسْتِيطَانِ وَالتَّنْقُّلِ (وَحَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط مَعْمُول لجوابه و (بالمحضون) يتَعَلَّق بقوله (سَافر الْوَلِيّ) وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (بِقصد الاستيطان والتنقل) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 فَذَاكَ مُسْقِطٌ لِحَقِّ الحَاضِنَهْ إلاَّ إذَا صَارَتْ هُنَاكَ ساكِنَهْ (فَذَاك) مُبْتَدأ (مسْقط) خَبره (لحق الحاضنة) يتَعَلَّق بِهِ وَالْجُمْلَة جَوَاب حَيْثُ (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط (صَارَت هُنَاكَ سَاكِنة) فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذا، وَجَوَاب إِذا مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ أَي: فَلَا تسْقط حضانتها. وَمَعْنَاهُ أَن الْوَلِيّ أَبَا كَانَ أَو وَصِيّا أَو غَيرهمَا من أَخ أَو عَم وَنَحْو ذَلِك إِذا أَرَادَ السّفر بالمحضون بِقصد الِانْتِقَال والاستيطان فِي الْبَلَد الْمُنْتَقل إِلَيْهِ، فَإِن ذَلِك السّفر مسْقط لحق الحاضنة فِي جَمِيع الْأَحْوَال إِلَّا فِي حَالَة وَاحِدَة وَهِي أَن تنْتَقل مَعَ محضونها وَتصير سَاكِنة مَعَه فِي الْبَلَد الْمُنْتَقل إِلَيْهِ فَإِن حضانته لَا تسْقط حِينَئِذٍ، وَأطلق النَّاظِم فِي الْمَحْضُون فَظَاهره وَلَو رضيعاً، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور حَيْثُ قبل غير أمه وَأطلق أَيْضا فِي الاستيطان فَظَاهره وَلَو سنة. وَفِي الشَّامِل: وَهل يحصل الاستيطان بِسنة أَو لَا؟ قَولَانِ. وَأطلق أَيْضا فِي الْوَلِيّ، والمحضون فَظَاهره وَلَو كَانَا عَبْدَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِك بل لَا بُد أَن يَكُونَا حُرَّيْنِ فَلَو كَانَا عَبْدَيْنِ أَو أَحدهمَا لم يكن الحكم مَا ذكره، وَأطلق فِي السّفر فَظَاهره وَلَو أقل من سِتَّة برد وَلَيْسَ كَذَلِك، بل لَا بُد أَن يكون سَفَره سِتَّة برد فَأكْثر وَإِلَّا لم يَنْزعهُ مِنْهَا على الْمُعْتَمد لِإِمْكَان النّظر مَعَ قرب الْمسَافَة، وَفهم من قَوْله بِقصد الاستيطان أَن سَفَره إِذا كَانَ لتِجَارَة أَو نزهة لَا ينْزع مِنْهَا وَهُوَ كَذَلِك، وَكَذَلِكَ إِذا سَافَرت هِيَ بِقصد النزهة أَو التِّجَارَة أَو طلب مِيرَاثهَا فَإِنَّهُ لَا ينْزع مِنْهَا، بل تَأْخُذهُ مَعهَا إِن قرب وَإِن بعد كستة برد فللأب أَو الْوَلِيّ منعهَا كَمَا مر، فَإِن سَافَرت بِغَيْر إِذْنه فِي الْبعيد فنفقة الْوَلَد عَلَيْهَا كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله فِي الْعدة: كَنَفَقَة ولد هربت بِهِ الخ. وَفهم من قَوْله بِقصد الاستيطان أَنه يصدق فِي دَعْوَى الاستيطان مَعَ يَمِينه، إِذْ لَا يعلم قَصده لذَلِك إِلَّا من قبله وَهُوَ كَذَلِك على الْمُعْتَمد. قَالَ فِي الشَّامِل: وَلَا يُكَلف أَن يثبت بِبَلَد الحاضنة أَنه قد استوطن الْبَلَد الَّذِي رَحل إِلَيْهِ على الْأَرْجَح، بل يحلف على ذَلِك فَقَط اه. وَنَحْوه فِي (خَ) فَمَا فِي (ت) و (م) عَن ضيح من أَنه يُكَلف بِإِثْبَات ذَلِك عِنْد الْحَاكِم لَا يعود عَلَيْهِ، وَبَقِي على النَّاظِم شَرْطَانِ: وهما أَن يكون الْبَلَد الْمُنْتَقل إِلَيْهِ مَأْمُونا تجْرِي فِيهِ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة على مقتضاها، وَأَن يكون الطَّرِيق مَأْمُونا فِيهِ على نَفسه وَمَاله وعَلى الْمَحْضُون، وَهَذَانِ الشرطان لَا بُد من إثباتهما وهما مشترطان أَيْضا فِي سفر الزَّوْج لزوجته كَانَ سَفَره للاستيطان أم لَا. وَيُزَاد عَلَيْهِمَا شُرُوط كَونه مَأْمُونا فِي نَفسه محسناً إِلَيْهَا. قَالَ فِي الْعُتْبِيَّة: إِذْ لَيْسَ لَهُ أَن يُخرجهَا لذَلِك الْبَلَد ثمَّ يطْعمهَا شرك الْحيتَان، وَظَاهر كَلَام الْمعِين أَنه مَحْمُول على الْإِسَاءَة وَعدم الْأَمَانَة عِنْد الْجَهْل، وَهُوَ الَّذِي لأبي مُحَمَّد صَالح، وَبِه جزم ابْن نَاجِي قَائِلا: وَبِه حكمت غير مَا مرّة، وَاقْتصر عَلَيْهِ ناظم الْعَمَل الْمُطلق حَيْثُ قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 وَمن لَهُ زوج أَرَادَ يظعن يثبت أَنه إِلَيْهَا يحسن الخ. وَالَّذِي لِابْنِ رشد والباجي أَنه مَحْمُول على الْأَمَانَة وَعدم الْإِسَاءَة حَتَّى يثبت خلَافهَا، وَاقْتصر عَلَيْهِ ابْن عَرَفَة والوانوغي والفشتالي فِي وثائقه وَكَانَ هَذَا ينظر للْأَصْل الَّذِي هُوَ عدم العداء وَالْأول ينظر للْغَالِب إِذْ الْغَالِب فِي النَّاس الجرحة وَعدم الْأَمَانَة، وَالْقَاعِدَة أَنه إِذا تعَارض الأَصْل، وَالْغَالِب فَالْحكم للْغَالِب وَكَون الْبَلَد الْمُنْتَقل إِلَيْهِ قَرِيبا وَلَا يضْبط الْقرب بِسِتَّة برد، وَلَا بِأَقَلّ. بل بِحَيْثُ لَا يخفى على أَهلهَا خَبَرهَا، وَهَذَا الشَّرْط ذكره أَبُو إِبْرَاهِيم مُقَيّدا بِهِ الْمُدَوَّنَة. وَنَقله أَبُو الْحسن مُسلما. وَخَالف فِيهِ الْبُرْزُليّ وَابْن نَاجِي فَلم يشترطاه وأبقيا الْمُدَوَّنَة على ظَاهرهَا وَكَونه حرا وَهِي حرَّة أَيْضا، وَكَونهَا قادرة على الرّكُوب أَو الْمَشْي، وَكَونهَا صَحِيحَة لَا مَرِيضَة، وَأَن يكون قد دخل بهَا وإلاَّ فلأهلها وَلها الْمَنْع حَتَّى تزف إِلَيْهِ فَإِن توفرت هَذِه الشُّرُوط وَقَالَت: لَا أرتحل مَعَه حَتَّى آخذ صَدَاقي فَإِن كَانَ قد بنى بهَا فَلَا يلْتَفت إِلَى قَوْلهَا حَيْثُ كَانَ عديماً بِهِ لِأَنَّهُ دين فِي ذمَّته، وَالْفَرْض أَن الْبَلَد الْمُنْتَقل إِلَيْهِ تجْرِي فِيهِ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة، وَأما إِن كَانَ مُوسِرًا فَظَاهر الْمُدَوَّنَة كَذَلِك، وَالَّذِي لِابْنِ يُونُس وارتضاه بعض قَائِلا وَهُوَ الْمعول عَلَيْهِ أَن لَهَا الِامْتِنَاع حَتَّى تقبضه لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مُوسِرًا لَا يلْزمهَا تَأْخِير قَبضه للبلد الْمُنْتَقل إِلَيْهِ. قَالَ ابْن نَاجِي: وَظَاهر الْمُدَوَّنَة أَن الحضرية مَعَ توفر الشُّرُوط تخرج إِلَى الْقرى كعكسها وَهُوَ ظَاهر كَلَامهم، وَبِه أفتى أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي الْعَبَّاس أَحْمد، وَأفْتى الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم الغبريني وَأَبُو عَليّ بن قداح وَبَعض شُيُوخنَا وَشَيخنَا حفظه الله بِعَدَمِ خُرُوجهَا حَيْثُ يكون عَلَيْهَا معرة أَو مضرَّة وَبِه أَقُول اه. قلت: وَكَثِيرًا مَا يَقع النزاع فِي إِخْرَاج الحضرية من فاس أَو غَيرهَا من الحواضر إِلَى أهل العمود أَو بعض الْقرى، وَقد كنت رَأَيْت بعض الْقُضَاة لَا يحكم بإخراجها، وَلَعَلَّ مُسْتَنده مَا مر وَلَا سِيمَا فِي هَذِه الْأَزْمِنَة الَّتِي كثر فِيهَا السّرقَة وَالْغَصْب فِي الْقرى فضلا عَن أهل العمود فَهِيَ لَا تَخْلُو عَن مضرَّة فضلا عَن المعرة. وَيُمْنَعُ الزَّوْجَانِ مِنْ إخْرَاجِ مَنْ مِنْ حِينِ الابْتِناءِ مَعْهُمَا سَكَنْ (وَيمْنَع الزَّوْجَانِ) نَائِب فَاعل يمْنَع بِضَم الْيَاء (من إِخْرَاج) يتَعَلَّق بيمنع (من) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (من حِين الابتناء مَعَهُمَا) بِسُكُون الْعين وَهُوَ والمجروران قبله يتعلقان بقوله: (سكن) وَالْجُمْلَة صلَة الْمَوْصُول. منْ ولدٍ لِوَاحِدٍ أوْ أمِّ وَفِي سِواهُمْ عكْسُ هـ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ذَا الحُكْمِ (من ولد) بَيَان للموصول الْمَذْكُور (لوَاحِد) نعت لولد (أَو أم) مَعْطُوف على ولد (وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 سواهُم) خبر عَن قَوْله: (عكس هَذَا الحكم) وَالضَّمِير فِي سواهُم عَائِد على من الموصولة وَجمع الضَّمِير بِاعْتِبَار معنى مَا وَقعت عَلَيْهِ وَالتَّقْدِير، وَيمْنَع الزَّوْجَانِ من إِخْرَاج ولد أَو أم لأَحَدهمَا سكن مَعَهُمَا من حِين الابتناء، فَإِذا بنى الرجل بِزَوْجَتِهِ وَمَعَهَا وَلَدهَا صَغِير أَو وجدت هِيَ عِنْده ولدا لَهُ صَغِيرا وَسكن ذَلِك الْوَلَد مَعَهُمَا، ثمَّ أَرَادَ أَحدهمَا إِخْرَاج ولد الآخر فَلَيْسَ ذَلِك لَهُ وَلَا لَهَا وَيجْبر الْمُمْتَنع مِنْهُمَا على السُّكْنَى مَعَ ذَلِك الْوَلَد، لِأَنَّهُ قد أسقط حَقه فِيهِ بسكوته حِين سكناهُ وَقت الابتناء، وَكَذَلِكَ أم أَحدهمَا إِذا سكنت مَعَهُمَا من حِين الابتناء، ثمَّ امْتنع أَحدهمَا من بَقَائِهَا سَاكِنة مَعَهُمَا فَإِنَّهُ لَا كَلَام لَهُ على مَا فِي النّظم وَهُوَ معترض كَمَا يَأْتِي، وَأَشَارَ بقوله وَفِي سواهُم الخ. إِلَى مَفْهُوم ولد أَو أم وَإِلَى مَفْهُوم من حِين الابتناء أَي: فَإِذا كَانَ قريب أحد الزَّوْجَيْنِ غير ولد وَلَا أم بل كأخ أَو ابْنه أَو كَانَ ولدا أَو أما وَلم يسكن مَعَهُمَا من حِين الابتناء، وَلَكِن أَرَادَ أَحدهمَا أَن يَأْتِي بعد الابتناء بولده أَو أمه ليسكن مَعَهُمَا وأبى الآخر، فَإِن الآبي لَا يجْبر على سكناهُ مَعَه، وَظَاهر النّظم أَنه لَا يجْبر وَلَو لم يكن للْوَلَد أَو للْأَخ مثلا حاضن وَلَيْسَ كَذَلِك، بل إِنَّمَا لَا يجْبر الْمُمْتَنع على سكناهُ مَعَه حَيْثُ لم يدْخل عَلَيْهِ ابْتِدَاء إِذا كَانَ للْوَلَد حاضن يُمكن دَفعه إِلَيْهِ كَمَا قَالَه ابْن زرب وَغَيره، وَإِلَّا أجبر الْمُمْتَنع على سكناهُ مَعَه، وَإِن لم يدْخل عَلَيْهِ ابْتِدَاء وَظَاهره أَيْضا أَن الْأُم كَالْوَلَدِ فِي التَّفْصِيل الْمَذْكُور بَين أَن تسكن الْأُم مَعَهُمَا فِي حِين الابتناء فَلَا كَلَام لوَاحِد مِنْهُمَا فِي إخْرَاجهَا عَنْهُمَا أَو لَا. فَلِكُل مِنْهُمَا إخْرَاجهَا وَلَيْسَ كَذَلِك أَيْضا. بل لكل مِنْهُمَا إخْرَاجهَا مُطلقًا كَانَت مَعَهُمَا حِين الابتناء أم لَا. وَلَو حلف أَن لَا يخرج أمه عَن زَوجته لم يعْذر بذلك وَحمل على الْحق أبره ذَلِك أَو أحنثه قَالَه ابْن الْمَاجشون. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تكون وضيعة الْقدر أَو ذَات صدَاق يسير أَو شَرط عَلَيْهَا السُّكْنَى مَعَ أَهله كَمَا المتيطي وَغَيره، فَإِنَّهَا تجبر على السُّكْنَى مَعَ أَهله. وَقد تحصل أَن الْأَوْلَاد يفرق فيهم بَين الابتناء وَعَدَمه، وَأَن الْأُم وَغَيرهَا من الْأَقَارِب يفرق فيهم بَين الوضيعة وَغَيرهَا. وَقد أَجَاد (خَ) فِي الْمَسْأَلَة حَيْثُ قَالَ: وَلها الِامْتِنَاع من أَن تسكن مَعَ أَقَاربه إِلَّا الوضيعة كَوَلَد صَغِير لأَحَدهمَا إِن كَانَ لَهُ حاضن إِلَّا أَن يَبْنِي وَهُوَ مَعَه اه. إِلَّا أَنه أطلق فِي الوضيعة وَهُوَ مُقَيّد بِمَا إِذا لم يتَحَقَّق ضَرَر أَهله بهَا وإلاَّ فتعزل عَنْهُم، وَكَذَا ذَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 الشَّرْط وَالصَّدَاق الْيَسِير فَإِنَّهُ إِذا تحقق الضَّرَر وَثَبت وَجب الْعَزْل، وَأما غَيْرهنَّ فَلَا يلزمهن السُّكْنَى مَعَهم، وَإِن لم يثبت ضَرَره وَلَا تحقق. وَهَذَا كُله إِذا لم يدع الزَّوْج الْخَوْف عَلَيْهَا من فعل الْمَكْرُوه إِذا عزلت عَن أَهله، وَلَا سِيمَا حَيْثُ كَانَت غير مَأْمُونَة كَمَا هُوَ الْغَالِب فِي نسَاء زمننا الْيَوْم، وإلاَّ فليجتهد القَاضِي فِي ذَلِك فيسكن الوضيعة وَمن مَعهَا فِي ثُبُوت ضررهم بهَا مَعَ ثِقَة لَهُ امْرَأَة أمينة أَو فيسكنهما بَين قوم صالحين قَالَه ابْن رحال. قلت: وَهُوَ ظَاهر فَإِن أثبت الوضيعة وَمن مَعهَا ضررهم بِشَهَادَة من سكنها مَعَهم زجر الظَّالِم بالسجن وَالضَّرْب، وَلَا يعْزل وَاحِدَة مِنْهُنَّ عَن الْأَهْل، لِأَن غَالب النِّسَاء فِي هَذَا الزَّمَان يرمن الِانْفِرَاد ليتوصلن للمكروه وَالْفساد. وَانْظُر مَا مر فِي ضَرَر الزَّوْجَيْنِ، وَالله أعلم. وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم آمين تمّ الْجُزْء الأول من الْبَهْجَة فِي شرح التُّحْفَة للعلامة عَليّ بن عبد السَّلَام التسولي ويليه الْجُزْء الثَّانِي أَوله بَاب الْبيُوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 660 (بَاب الْبيُوع) أَتَى بِجمع الْكَثْرَة لتَعَدد أَنْوَاع البيع لِأَن الذوات الْمَبِيعَة إِمَّا عينا بِعَين أَو عرضا بِعرْض أَو عينا بِعرْض وَبِالْعَكْسِ، فالعين بِالْعينِ إِن كَانَت نوعا وَاحِدًا كالفضة بِمِثْلِهَا وَالذَّهَب بِمثلِهِ يشْتَرط فيهمَا أَمْرَانِ: التناجز والتساوي، ثمَّ إِن بِيعَتْ بالميزان سمي ذَلِك مراطلة، وَإِن بِيعَتْ بِالْعدَدِ سمي مُبَادلَة، وَإِن كَانَت نَوْعَيْنِ كذهب بِفِضَّة اشْترط فيهمَا التناجز فَقَط وَيُسمى صرفا وَحكم بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ كَالْعَيْنِ فِي الشُّرُوط الْمَذْكُورَة، كَمَا يَأْتِي للْمُصَنف فِي فَصلي بيع الطَّعَام وَبيع النَّقْدَيْنِ؛ وَأما الْعرض بِالْعرضِ وَهُوَ مَا سوى الْعين وَالطَّعَام وَمَا سوى الْأُصُول أَيْضا على مَا عِنْد النَّاظِم كَمَا يَأْتِي فِي فَصله، فَيشْتَرط أَن لَا يؤجلا مَعًا لِأَنَّهُ من الدّين بِالدّينِ المنهى عَنهُ فَإِن عجلا مَعًا صَحَّ بِجَمِيعِ وجوهه كَانَ أجل أَحدهمَا وَعجل الآخر، وَيُسمى حِينَئِذٍ سلما إِن توفرت شُرُوطه كَمَا يَأْتِي فِي فصل السّلم، وَكَذَا حكم الْعين بِالْعرضِ يمْنَع تأجيلهما، وَيجوز تعجيلهما وَإِن عجلت الْعين دون الْعرض يُسمى سلما، وَبِالْعَكْسِ يُسمى بيعا لأجل قَالَه ابْن بشير وَغَيره، فَعبر النَّاظِم بِلَفْظ الْجمع إِشَارَة إِلَى أَنه أَنْوَاع سِتَّة الْمَذْكُورَة فِي قَوْله: مَا يستجاز بَيْعه الخ. وَكلهَا دَاخِلَة فِي التَّقْسِيم الْمُتَقَدّم وَتَكون صَحِيحَة وفاسدة، ثمَّ إِن البيع مِمَّا يتَعَيَّن الاهتمام بِمَعْرِِفَة أَحْكَامه لعُمُوم الْحَاجة إِلَيْهِ إِذْ لَا يَخْلُو الْمُكَلف من بيع وَشِرَاء فَيجب أَن يعلم حكم الله فِيهِ قبل التَّلَبُّس بِهِ، قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي القبس على موطأ مَالك بن أنس: البيع وَالنِّكَاح عقدان يتَعَلَّق بهما قوام الْعَالم لِأَن الله سُبْحَانَهُ خلق الْإِنْسَان مُحْتَاجا إِلَى الْغذَاء ومفتقراً إِلَى النِّسَاء وَخلق لَهُ مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا، وَلم يتْركهُ سدى أَي هملاً يتَصَرَّف كَيفَ شَاءَ فَيجب على كل مُكَلّف أَن يعلم مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من بيع أَو غَيره، ثمَّ يجب عَلَيْهِ أَن يعْمل بِمَا علم فيتولى أَمر شِرَائِهِ وَبيعه بِنَفسِهِ إِن قدر وإلاَّ فَغَيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 بمشورته وَلَا يتكل على من لَا يعرف الْأَحْكَام أَو يعرفهَا ويتساهل فِي الْعَمَل بمقتضاها اه. وَفِي القباب: لَا يجوز للْإنْسَان أَن يجلس فِي السُّوق حَتَّى يتَعَلَّم أَحْكَام البيع وَالشِّرَاء فَإِن علم ذَلِك حِينَئِذٍ فرض وَاجِب عَلَيْهِ، وَلَا يجوز أَن يُعْطي قراضا لمن لَا يعرف أَحْكَامه، وَلَا أَن يُوكل الذِّمِّيّ على البيع وَنَحْوه. وَلَا أَن يُشَارِكهُ إِلَّا إِذا لم يغب عَنهُ. وَالْبيع لُغَة مصدر بَاعَ الشَّيْء إِذا أخرجه عَن ملكه بعوض أَو أدخلهُ فِيهِ فَهُوَ من أَسمَاء الأضداد يُطلق على البيع وَالشِّرَاء كالقرء يُطلق على الْحيض وَالطُّهْر، لَكِن لُغَة قُرَيْش كَمَا للزناتي فِي شرح الرسَالَة اسْتِعْمَال بَاعَ إِذا أخرج وَاشْترى إِذا أَدخل. قَالَ: وَهِي أفْصح. وعَلى ذَلِك اصْطلحَ الْعلمَاء تَقْرِيبًا للفهم. وَقَالَ الْجُزُولِيّ فِي شرح الرسَالَة: إِن كل وَاحِد من المتعاوضين بَائِع لما خرج من يَده مُشْتَر لما أَخذ من يَد غَيره، واصطلح الْفُقَهَاء أَن آخذ الْعِوَض يُسمى مُشْتَريا وآخذ الْعين يَعْنِي الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم يُسمى بَائِعا اه. قَالَ ابْن عبد السَّلَام: وَمَعْرِفَة حَقِيقَته ضَرُورِيَّة حَتَّى للصبيان أَي: وَمَا كَانَ كَذَلِك لَا يحْتَاج إِلَى تَعْرِيف إِذْ إِنَّمَا يحْتَاج للتعريف الْأُمُور النظرية. ورده ابْن عَرَفَة بِأَن الْمَعْلُوم ضَرُورَة هُوَ وجوده عِنْد وُقُوعه لِكَثْرَة تكرره وَلَا يلْزم مِنْهُ علم حَقِيقَته ثمَّ قسمه إِلَى أَعم وَإِلَى أخص فَقَالَ: البيع الْأَعَمّ عقد مُعَاوضَة على غير مَنَافِع وَلَا مُتْعَة لَذَّة فَتخرج الْإِجَارَة والكراء وَالنِّكَاح وَتدْخل هبة الثَّوَاب وَالصرْف والمراطلة وَالسّلم ثمَّ قَالَ: وَالْغَالِب عرفا أخص مِنْهُ بِزِيَادَة ذُو مكايسة أحد عوضيه غير ذهب وَلَا فضَّة معِين غير الْعين فِيهِ فَتخرج الْأَرْبَعَة اه. وَقَوله: وَلَا يلْزم مِنْهُ علم حَقِيقَته الخ. قد يُقَال: يلْزم من وجود الْحَقِيقَة وتكرر وُقُوعه بَين يَدَيْهِ علمهَا فَتَأَمّله. وَلما ذكر الْبُرْزُليّ حد ابْن عَرَفَة واعتراضه على ابْن عبد السَّلَام وعَلى من عرفه بِأَنَّهُ دفع عوض فِي عوض، وَبِأَنَّهُ نقل الْملك بعوض قَالَ مَا نَصه: ظَاهر هَذِه الاعتراضات تدل على طلب علم حَقِيقَة الشَّيْء وماهيته فِي هَذَا الْبَاب وَغَيره مَعَ أَن حقائق الْأَشْيَاء لَا يعلمهَا إِلَّا الله فَهُوَ الْمُحِيط بهَا من جَمِيع الْجِهَات فَهُوَ الْعَالم بِمَا يصلحها وَالْمَطْلُوب فِي معرفَة الْحَقَائِق الشَّرْعِيَّة وَغَيرهَا إِنَّمَا هُوَ تمييزها من حَيْثُ الْجُمْلَة عَمَّا يشاركها فِي بعض حقائقها حَتَّى يخرج مِنْهَا مَا يسري إِلَى النَّفس دُخُوله مثل أَن يُقَال: مَا الانسان؟ فَيُقَال: منتصب الْقَامَة فَيحصل لَهُ تَمْيِيزه عَن بَقِيَّة الْحَيَوَانَات الَّتِي يسْرع إِلَى النَّفس دُخُولهَا فِي الْإِنْسَان لَا عَن كل حَقِيقَة لِأَنَّهُ يدْخل فِيهِ الْحَائِط والعمود وكل منتصب الْقَامَة، لَكِن لما كَانَ غير مَقْصُود بِهَذَا الْكَلَام وَلم يَقع الِاحْتِرَاز مِنْهُ. قَالَ بعض حذاق المنطقيين: وَهَذَا الْمَعْنى كثيرا مَا يَقع من حكماء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 الْمُتَقَدِّمين لِأَن قصدهم التَّنْبِيه على مَا يحسن بِهِ التَّمْيِيز فِي النَّفس وَلَو بِأَدْنَى خاصية فيعترض عَلَيْهِم الْمُتَأَخّرُونَ لاعتقادهم أَنهم يأْتونَ بالحقائق الَّتِي تشْتَمل على جَمِيع الذاتيات وهم لَا يقصدن ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يعلم حقائق الْأَشْيَاء إِلَّا الله سُبْحَانَهُ، فَكل من عرف البيع وَنَحْوه بِمَا عرفه بِهِ إِنَّمَا هُوَ تصور معرفَة الْمَاهِيّة من حَيْثُ الْجُمْلَة لَا من جَمِيع جهاتها وَالله أعلم اه كَلَام الْبُرْزُليّ. وَبِه يسْقط اعْتِرَاض ابْن عرفه على غَيره، وَاعْتِرَاض غَيره عَلَيْهِ فِي بعض حُدُوده كاعتراض (ح) عَلَيْهِ فِي حَده الْمُتَقَدّم وَغَيره. الغرناطي: تذكر فِي الْوَثِيقَة تَسْمِيَة الْمُتَبَايعين وَمَا بِهِ يعرفان من صفاتهما وتذكر البيع وموضعه وحدوده وتذكر حُقُوقه ومرافقه وشجره وَشرب مَا لَهُ شرب وَوصف الْمَبِيع وَعدم شَرط الثنيا وَالْخيَار وَقدر الثّمن وَصفته، وَقبض البَائِع لَهُ أَو حُلُوله أَو تَأْجِيله إِلَى مُدَّة لَا تجَاوز أَرْبَعِينَ عَاما، وَمَعْرِفَة الْمُتَبَايعين بِقدر ذَلِك وحلول الْمُبْتَاع مَحل التبايع، والتبرىء من الْعُيُوب ورضا الْمُبْتَاع بِمَا حاشا الْوَظَائِف فَلَا تعقد التبرىء مِنْهَا إِلَّا بعد تَمام البيع كالثنيا وتذكر عقد الْإِشْهَاد على الْمُتَبَايعين ووصفهما بالطوع وَالصِّحَّة وَالْجَوَاز، وتضمن فِي بيع الْأَب على ابْنه الصَّغِير معرفَة صغر الابْن أَو كَونه فِي حجره بتجديد سفه أَو تَقْدِيم قَاض إِن كَانَ كَبِيرا، وَإِن بَاعَ ذَلِك لنَفسِهِ ذكرت معرفَة حَاجته، وَلَا بُد أَن تَقول فِيهِ مِمَّن يعرف أصل المَال للِابْن وابتياعه بِمَال وهبه لَهُ جَائِز، وَإِن لم تعرف الْهِبَة قبل ذَلِك وَلَا يثبت التوليج إِلَّا بِإِقْرَار المُشْتَرِي وتضمن فِي بيع الْوَصِيّ معرفَة الْإِيصَاء وَمَعْرِفَة السداد فِي الثّمن وَالْوَجْه الَّذِي يَبِيع ذَلِك لأَجله، وتضمن فِي بيع الحاضن معرفَة الحاضنة وَصغر الْمَحْضُون وفاقته وتفاهة الْمَبِيع. وَأَنه أَحَق مَا يُبَاع عَلَيْهِ، والسداد فِي الثّمن وَأَنه عشرُون دِينَارا فَأَقل ومعاينة قبض الثّمن، وتضمن فِي بيع الْوَكِيل معرفَة الْوكَالَة وَلَا بُد من مُعَاينَة الْقَبْض فِي كل من قبض لغيره كالوصي وَالْوَكِيل والحاضن، وَكَذَلِكَ قبض الْمَحْجُور نَفَقَته أَو مَالا لاختباره فِي التَّجر، وَقبض العانس صَدَاقهَا والأصم والأبكم اه. أما تَسْمِيَة الْمُتَبَايعين فَلَا بُد مِنْهَا لِأَنَّهُمَا ركنان فَإِن سقط وَاحِد مِنْهُمَا بَطل الرَّسْم، وَأما مَا يعرفان بِهِ من صفاتهما فَإِنَّمَا ذَلِك عِنْد عدم معرفتهما فَإِن سَقَطت الْمعرفَة والتعريف وَالْوَصْف بَطل الرَّسْم كَمَا مر عِنْد قَوْله: وغالب الظَّن بِهِ الشَّهَادَة. الخ (خَ) : وَلَا على من لَا يعرف إِلَّا على عينه وَصفته وحليته، وَأما ذكر الْمَبِيع وموضعه فَلَا بُد مِنْهُ، فَإِن سقط بَطل الرَّسْم. وَأما حُدُوده فَإِن سُقُوطهَا لَا يضر كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وناب عَن حِيَازَة الشُّهُود الخ. لِأَنَّهُ قد يشْهد بالحدود غَيرهمَا فَلَا يفْسد البيع بِعَدَمِ ذكر الْحُدُود كَمَا يَأْتِي قَرِيبا فِي التَّنْبِيه الثَّانِي، وَأما ذكر حُقُوقه ومرافقه فَلَا يضر سُقُوطهَا بِحَال، وَكَذَا ذكر شَجَره لِأَن ذكر الأَرْض يَتَنَاوَلهَا كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: كَذَا قليب الأَرْض للْمُبْتَاع. وَأما شرب المَاء فَلَا بُد من ذكره وإلاَّ لم يدْخل إِلَّا إِن كَانَ عينا أَو بِئْرا فِي وسط الأَرْض، كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْت الْمُتَقَدّم. وَأما وصف الْمَبِيع فَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ إِذا كَانَ غَائِبا عَن مَوضِع العقد، فَإِن وصف حِينَئِذٍ وإلاَّ بَطل البيع، وَأما عدم شَرط الثنيا وَالْخيَار فَلَا يضر سُقُوطه أَيْضا لِأَن الأَصْل عدم ذَلِك، وَأما قدر الثّمن فَلَا بُد من ذكره، فَإِن سقط فَيجْرِي على مَا مر عِنْد قَوْله فِي الشَّهَادَة: وَلم يُحَقّق عِنْد ذَاك الْعدَد. وَأما قبض البَائِع لَهُ. فَلَا يضر سُقُوطه وَالْأَصْل هُوَ بَقَاؤُهُ كَمَا يَأْتِي فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين، وكما يَأْتِي فِي التَّنْبِيه الثَّالِث عِنْد قَوْله: بأضرب الْأَثْمَان والآجال. وَأما حُلُوله أَو تَأْجِيله فَإِنَّهُمَا إِن سقطا لم يضر، وَيحمل على الْحُلُول كَمَا يَأْتِي فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين أَيْضا، وَكَذَا حُلُول الْمُبْتَاع مَحل البَائِع لَا يضر سُقُوطه أَيْضا لِأَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 العقد يُوجِبهُ كَمَا يَأْتِي فِي الاعتصار عِنْد قَوْله: وَحَيْثُ جَازَ الاعتصار يذكر الخ. وَكَذَا التبرىء من الْعُيُوب لِأَن الأَصْل عدم وجودهَا وَسَيَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم: وَالْبيع مَعَ بَرَاءَة إِن نصت الخ. فَرَاجعه هُنَاكَ. وَأما قَوْله: ورضا الْمُبْتَاع بِمَا حاشا الْوَظَائِف الخ. الْوَظَائِف: جمع وَظِيفَة وَهِي مَا قدر على الأَرْض من الْخراج والمغرم، فَلَا يجوز بيع الأَرْض بِشَرْط أَن يتَحَمَّل الْمُبْتَاع مَا عَلَيْهَا من المغرم وَالْخَرَاج على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَبِه الْعَمَل كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَإِذا لم يجز ذَلِك فِي صلب العقد فَيجوز التَّطَوُّع بِهِ كالثنيا كَمَا يَأْتِي ذَلِك فِي فصلها إِن شَاءَ الله. وَأما قَوْله: وتذكر عقد الْإِشْهَاد على الْمُتَبَايعين الخ. فمراده أَنَّك تَقول فِي آخر الْوَثِيقَة شهد على إشهادهما بِمَا فِيهِ عَنْهُمَا الخ. فَإِن لم تذكر إشهاداً لَا فِي صلب الْوَثِيقَة وَلَا فِي آخرهَا، وَإِنَّمَا قلت تشهد بِمَعْرِِفَة فلَان وَأَنه قد بَاعَ أَو ابْتَاعَ كَذَا أَو شَرط كَذَا أَو تطوع بِكَذَا فَإِن شَهَادَته لَا تجوز إِن لم يقل إِن علمه لذَلِك بإشهاد فلَان لَهُ عَلَيْهِ بِهِ إِلَّا إِن كَانَ عَالما بِمَا تصح بِهِ الشَّهَادَة، وَكَانَ من أهل الْعلم والتبريز فَتجوز حِينَئِذٍ، وَيحمل على أَنه علم ذَلِك بإشهادهما كَمَا قَالَه فِي أَوَائِل هَذِه الوثائق، وَتقدم الْكَلَام على هَذَا عِنْد قَوْله: وغالب الظَّن بِهِ الشَّهَادَة. وَسَيَأْتِي فِي الْحَبْس أَنه لَا بُد من الْإِشْهَاد فِي كل مَا لَيْسَ فِيهِ مُعَاوضَة، وَأما ذكر الطوع وَالْجَوَاز وَالصِّحَّة فَإِنَّهُ لَا يضر سُقُوطه لِأَنَّهُ الأَصْل وَمن ادّعى خلَافهَا فَعَلَيهِ الْبَيَان كَمَا يَأْتِي فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين حَيْثُ قَالَ: وَبيع من رشيد كَالدَّارِ ادّعى بِأَنَّهُ فِي سفه قد وَقعا ... الخ وكما تقدم فِي تعَارض الْبَيِّنَتَيْنِ عِنْد قَوْله: وَقدم التَّارِيخ تَرْجِيح قبل الخ. وَأما معرفَة صغر الابْن فِي بيع الْأَب عَلَيْهِ، فَالظَّاهِر أَنه لَا يضر سُقُوطه أَيْضا لِأَن المُشْتَرِي يَدعِي صِحَة العقد بِسَبَب صغر الابْن وَالِابْن يَدعِي فَسَاده، وتقرر أَن القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالْقَوْل قَول مُدع للْأَصْل. وكما تقدم فِي تعَارض الْبَيِّنَتَيْنِ أَيْضا، وَأما معرفَة حَاجَة الابْن فِي شِرَاء الْأَب مَتَاع ابْنه فَلَا بُد مِنْهَا للتُّهمَةِ كَمَا يَأْتِي فِي فصل مسَائِل من أَحْكَام البيع عِنْد قَوْله: وَفعله على السداد يحمل. الخ. وَأما معرفَة أصل مَال الابْن فَلَا يضر سُقُوطهَا كَمَا نبه عَلَيْهِ بقوله: وابتياعه بِمَال وهبه الخ. انْظُر فصل التوليج من اللامية، وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَبيع من حابى من الْمَرْدُود الخ. وَأما معرفَة الْإِيصَاء وَمَعْرِفَة السداد فِي الثّمن فسقوطها مُضر كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَبيع من وَصِيّ للمحجورإلا لمقْتَضى من الْمَحْظُور وَكَذَا معرفَة الحاضنة لَا بُد مِنْهَا مَعَ شُرُوط أخر تَأتي عِنْد قَوْله: وَجَاز بيع حاضن الخ. وَأما صغر الْمَحْضُون؛ فَيجْرِي فِيهِ مَا تقدم قَرِيبا، وَأما مُعَاينَة الْقَبْض فِي كل من قبض لغيره حاضناً كَانَ أَو غَيره فَلَا بُد مِنْهَا وَإِلَّا لم يبرأ الدَّافِع من الثّمن كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْوكَالَة: وَإِن قَالَ قبضت وَتلف برىء وَلم يبرأ الْغَرِيم إِلَّا بِبَيِّنَة الخ. وَكَذَا لَا بُد من مُعَاينَة الْقَبْض فِي بيع الْأَصَم والأبكم وإلاَّ لم يبرأ الدَّافِع، وَكَذَا لَا بُد من معرفَة الْوكَالَة وَلَا بُد أَن تكون بإشهاد من الْمُوكل، وَإِلَّا لم تصح كَمَا يَأْتِي فِي الْحَبْس عِنْد قَوْله: ونافذ تحبيس مَا قد سكنه الخ. قَالَ: أَعنِي الغرناطي أول وثائقه: وَالْإِشْهَاد وَاجِب على كل من بَاعَ شَيْئا لغيره، فَإِن لم يشْهد ضمن اه. وَتقدم نَحْو هَذَا فِي بَاب الْيَمين عِنْد قَوْله: والبالغ السَّفِيه بَان حَقه الخ. وَأَن كل من ولي مُعَاملَة لغيره فَإِنَّهُ يحلف إِن تَوَجَّهت عَلَيْهِ الْيَمين وإلاَّ غرم وَمَا ذَاك إِلَّا لعدم إشهاده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 (وَمَا شاكلها) أَي شابهها فِي كَونه عقد مُعَاوضَة وَذَلِكَ كالمقاصة وَالْحوالَة وَالشُّفْعَة وَالْقِسْمَة وَالْإِقَالَة وَالتَّوْلِيَة والتصيير وَالسّلم، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا أدمجه النَّاظِم فِي هَذَا الْبَاب، وَفصل بَين أَنْوَاعه بالفصول دون الْأَبْوَاب، وَلَيْسَ المُرَاد بِمَا شاكلها الْفُصُول السِّتَّة الْمشَار لَهَا بقوله: أصُول أَو عرُوض أَو طَعَام. إِلَى قَوْله: أَو حَيَوَان، لِأَن هَذِه الْفُصُول السِّتَّة هِيَ الَّتِي جمعهَا أَولا بقوله الْبيُوع خلافًا ل (ت) ومتبوعه حَيْثُ أَدخل الصّرْف هَهُنَا. مَا يُسْتَجَازُ بَيْعُهُ أَقْسَامُ أصُولٌ أَوْ عُروضٌ أَوْ طَعَامُ (مَا يستجاز) أَي مَا يعد بَيْعه جَائِزا أَو مَا يُوجد بَيْعه جَائِزا، فالسين وَالتَّاء للعد أَو للإصابة والوجدان كاستحسنه واستعظمه واستغفله أَي وجده كَذَلِك أَو عده قَالَه (ت) عَن التسهيل. وَيحْتَمل أَن يَكُونَا زائدتين أَي مَا يجوز (بَيْعه) فِي نظر الشَّارِع صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ. (أَقسَام) سِتَّة (أصُول) كالدور وَالْأَرضين والبساتين والفنادق والحوانيت وَنَحْوهَا (أَو عرُوض) كالثياب وَالسِّلَاح وَنَحْوهمَا (أَو طَعَام) كالبر وَالسمن وَنَحْوهمَا من بصل وملح وَغَيرهمَا. أَوْ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ ثَمَرُ أَوْ حَيَوانٌ والْجميعُ يُذْكَرُ (أَو ذهب أَو فضَّة) بِأَن يُبَاع أَحدهمَا بصنفه وَهُوَ المراطلة أَو الْمُبَادلَة أَو أَحدهمَا بِالْآخرِ وَهُوَ الصّرْف كَمَا مر قَرِيبا. (أَو ثَمَر) كالفواكه والمقاثي والبقل، وأفردها عَن الطَّعَام لما اخْتصّت بِهِ من اشْتِرَاط بَدو الصّلاح فِي جَوَاز بيعهَا، وَغير ذَلِك. (أَو حَيَوَان) كالرقيق وَالدَّوَاب والأنعام وَالطير والوحش (والجميع) أَي: وكل وَاحِد مِنْهَا (يذكر) فِي فصل على حِدته مَعَ الْأَحْكَام المختصة بِهِ كالعيوب الْمُوجبَة للقيمة فِي الْأُصُول وَالرَّدّ فِي العهدتين فِي الرَّقِيق وَالْحَيَوَان والربا فِي النَّقْدَيْنِ والطعامين وَنَحْو ذَلِك، فَهَذِهِ فَائِدَة تَقْسِيم المبيعات إِلَى الْأَقْسَام السِّتَّة الْمَذْكُورَة، ثمَّ إِن أصل البيع الْجَوَاز إِجْمَاعًا لقَوْله تَعَالَى: وَأحل الله البيع} (الْبَقَرَة: 275) وَقد يعرض لَهُ الْوُجُوب كمن اضْطر لشراء طَعَام أَو شراب الْمشَار لَهُ بقول (خَ) فِي الزَّكَاة: وَترك مواساة وَجَبت وَفضل طَعَام أَو شراب لمضطر وَعمد وخشب فَيَقَع الْجِدَار وَله الثّمن إِن وجد الخ. وَالنَّدْب كمن أقسم على إِنْسَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 أَن يَبِيع لَهُ سلْعَته لَا ضَرُورَة عَلَيْهِ فِي بيعهَا فَينْدب إِلَى إجَابَته لِأَن إبرار الْمقسم فِيمَا لَيْسَ فِيهِ ضَرُورَة مَنْدُوب إِلَيْهِ، وَالْكَرَاهَة كَبيع الهر والسبع لَا لجلده وَالتَّحْرِيم كالبيوع الْمنْهِي عَنْهَا قَالَه (ح) . وأركانه خَمْسَة. المتعاقدان وَالثمن والمثمن والصيغة. وَهِي رَاجِعَة إِلَى ثَلَاثَة: الْعَاقِد والمعقود عَلَيْهِ والصيغة. وَلكُل شُرُوط. فالصيغة هِيَ كَمَا قَالَ (خَ) : مَا يدل على الرِّضَا وَإِن بمعاطاة بِأَن يُعْطِيهِ المُشْتَرِي الثّمن وَيُعْطِيه البَائِع الْمُثمن من غير لفظ، وَانْظُر إِذا ادّعى أَحدهمَا الْهزْل فِي البيع عِنْد قَول النَّاظِم: وَالْخلف فِي مُطلق هزلا الخ. وَأما الْعَاقِد؛ فَشرط صِحَة عقده التَّمْيِيز وَشرط لُزُومه التَّكْلِيف كَمَا فِي (خَ) وَغَيره. وَأما الْمَعْقُود عَلَيْهِ فشرطه كَمَا فِي (خَ) وَغَيره الطهاره وَالِانْتِفَاع بِهِ وَالْقُدْرَة على تَسْلِيمه وَعدم جهل بمثمن أَو ثمن إِلَى غير ذَلِك، وَلم يتَعَرَّض النَّاظِم لهَذِهِ الْأَركان وَلَا لشروطها إِلَّا مَا ذكره من بعض شُرُوط الْمَعْقُود عَلَيْهِ فِي قَوْله: وتحبس صفقته محظورة. وَمن شُرُوط الْعَاقِد فِي قَوْله فِي بيع الْأُصُول: مِمَّن لَهُ تصرف فِي المَال. فرع: يجوز شِرَاء الملاحة وَإِن كَانَ مَا يخرج مِنْهَا مَجْهُول الْقدر وَالصّفة، لِأَن ذَلِك فِي مُقَابلَة رفع الْيَد عَنْهَا، وَكَذَا يجوز أَخذ شَيْء من الدَّرَاهِم وَنَحْوهَا فِي مُقَابلَة إِبَاحَة صيد من بركَة مَاء أَو وَاد وَنَحْوهمَا قَالَه (ز) عِنْد قَول الْمَتْن فِي السّلم لَا فِيمَا يُمكن وَصفه كتراب الْمَعْدن الخ. قلت: وَفِي الْمواق عِنْد قَول المُصَنّف: وَجَاز سُؤال الْبَعْض ليكف عَن الزِّيَادَة أَنه يجوز للْإنْسَان أَن يَقُول لآخر: كف عني وَلَك دِينَار وَيلْزمهُ الدِّينَار اشْترى أم لَا. وَمن هَذَا الْمَعْنى بيع الجلسة وَالْجَزَاء الَّذِي جرى بِهِ عمل الْمُتَأَخِّرين الْمشَار لَهُ بقول ناظم الْعَمَل: وَهَكَذَا الجلسة وَالْجَزَاء الخ. انْظُر شَرحه. تَنْبِيهَات. الأول: من الْجَهْل فِي الثّمن جمع الرجلَيْن سلعتهما فِي البيع لِأَن ذَلِك من الْجَهْل فِي التَّفْصِيل كَمَا فِي (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَلَو تَفْصِيلًا الخ. وَقَالَ فِي الشَّامِل: وَلَو جهل كعبدين لِرجلَيْنِ بِثمن وَاحِد فالأشهر الْمَنْع وَفسخ إِن نزل فَإِن فَاتَ مضى بِالثّمن مفضوضاً على الْقيمَة، فَإِن سميا لكل ثمنا أَو قوما أَو دخلا على التَّسَاوِي قبل التَّقْوِيم أَو بعده جَازَ اه. وَنَحْوه فِي شرَّاح الْمَتْن. قلت: من هُنَا يعلم أَن قَوْلهم: وَلَا يجوز التَّمَسُّك بِأَقَلّ اسْتحق أَكْثَره أَو عيب أَكْثَره لِأَنَّهُ من التَّمَسُّك بِثمن مَجْهُول الخ. مَعْنَاهُ أَنه لما اسْتحق الْأَكْثَر أَو عيب انْتقض البيع فِيهِ، والأقل تَابع فَلَا يجوز التَّمَسُّك قبل أَن يعلم مَا يَنُوب الْبَاقِي من الثّمن، فَإِن كَانَ التَّمَسُّك بعد التَّقْوِيم صَحَّ لما مر من أَن للرجلين أَن يجمعا سلعتهما فِي البيع بعد التَّقْوِيم فالتمسك عقد ثَان، وَبِهَذَا يَنْتَفِي الْإِشْكَال وَهُوَ أَنه لَا يعْمل الْأَكْثَر من الْأَقَل إِلَّا بالتقويم، وَإِذا قوِّم فَيجوز التَّمَسُّك فَمَا وَجه الْمَنْع؟ وَالْجَوَاب: أَن العلّة وَهِي الْجَهْل بِالثّمن سَابِقَة على التَّمَسُّك ضَرُورَة إِن كل عِلّة سَابِقَة على معلولها فحرمة التَّمَسُّك إِنَّمَا هِيَ للْجَهْل وَلَا يَقع إِلَّا قبل التَّقْوِيم بِأَن يقطع ابْتِدَاء بِأَن هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 الْمُسْتَحق هُوَ الْأَكْثَر أَو الْمَعِيب، فيتمسك بِالْأَقَلِّ قبل أَن يعرف مَا ينوبه، وَأما بعد التَّقْوِيم فَلم يتَمَسَّك إِلَّا بعد مَعْرفَته لما ينوبه، وَبِالْجُمْلَةِ فالتمسك بِالْأَقَلِّ بعد التَّقْوِيم لَا يكون إِلَّا برضاهما لِأَن الْفَرْض أَن العقد قد انْفَسَخ وَيبعد كل الْبعد أَن يمْنَع التَّمَسُّك بعد التَّقْوِيم بِمَا ينوبه إِذْ لَو منع ذَلِك لمنع بَيْعه بيعا مستأنفاً وَهُوَ لَا يَقُوله أحد، وَأما إِن اسْتحق الْأَقَل أَو عيب، فَإِن البيع لَا ينْقض فِي الْأَكْثَر والأقل تَابع لَهُ فَلَا يَنْفَسِخ العقد فالتمسك بِهِ قبل التَّقْوِيم غير مَمْنُوع لقلَّة الْغرَر فِيهِ هَذَا هُوَ التَّحْرِير فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَالله أعلم. وَقد نَص شرَّاح (خَ) عِنْد قَوْله فِي الشُّفْعَة: وَبِمَا يَخُصُّهُ إِن صَاحب غَيره الخ. على أَن التَّمَسُّك بِأَقَلّ بعد التَّقْوِيم جَائِز، وَقَالُوا أَيْضا عِنْد قَوْله فِي الشُّفْعَة: وَإِن اتّحدت الصَّفْقَة وتعددت الحصص الخ. أَن حُرْمَة التَّمَسُّك بِأَقَلّ إِنَّمَا هُوَ إِذا تمسك قبل التَّقْوِيم وَالله أعلم. الثَّانِي: من اشْترى ملكا وَقَالَ فِي عقد شِرَائِهِ: يحده قبْلَة فلَان وجنوباً فلَان وشرقاً فلَان، وَاخْتلف المُشْتَرِي مَعَ جِيرَانه فَالْحكم فِي ذَلِك أَنه إِن خالفهم البَائِع وَالْمُشْتَرِي مَعًا فَالْبيع صَحِيح وَيجْرِي مَا اسْتحق من تِلْكَ الْحُدُود على حكم الِاسْتِحْقَاق إِذا حكم بِهِ، وَالَّذِي يُخَاصم هُوَ المُشْتَرِي إِلَّا أَن يسلم بَيِّنَة الِاسْتِحْقَاق من أول الْأَمر فيخاصم البَائِع حِينَئِذٍ كَمَا بَيناهُ فِي حَاشِيَة اللامية، وَإِن صدقهم البَائِع وَخَالفهُم المُشْتَرِي فَلَا كَلَام للْبَائِع وَلَا شَهَادَة لَهُ، وَلَكِن ينظر فَإِن علم مَا عمره كل وَاحِد مِنْهُم من تِلْكَ الْحُدُود فَالْقَوْل للحائز مَعَ يَمِينه، وَإِلَّا تحَالفا وَقسم بَينهمَا، إِن البيع لَا يُفْسِدهُ إِدْخَال البَائِع غير ملكه فِي الْمَبِيع عِنْد تحديده لِأَن غَرَضه أَن مبيعه لم يخرج عَن تِلْكَ الْحُدُود لَا أَنه ملك جَمِيع محدوده وَالله أعلم. قَالَه بعض الموثقين يَعْنِي: وَلَكِن المُشْتَرِي إِن كَانَ يعْتَقد أَنه يملك الْجَمِيع فَالْقَوْل لَهُ وَيُخَير وَالله أعلم، وَيصدق فِي أَنه كَانَ يعْتَقد ذَلِك إِذْ لَا يعلم إِلَّا من قَوْله. الثَّالِث: لَا بُد من تَسْمِيَة الْخط الْمشَاع وَبَيَان قدره وإلاَّ فسد البيع لِأَنَّهُ مَجْهُول كَمَا فِي نَوَازِل العلمي وَابْن سَلمُون، وَبِه تعلم فَسَاد مَا يَقع كثيرا من بيع بعض الْوَرَثَة نصِيبه فِي الْمِيرَاث من غير بَيَان قدره، وَلَا سِيمَا مَعَ تناسخ الوراثات وَهُوَ لَا يعرف ضرب الْحساب فَإِنَّهُ يصدق مدعي جَهله من الْمُتَعَاقدين وَيفْسخ البيع، وَلَو نَص فِي الْوَثِيقَة على أَنَّهُمَا عرفا قدره إِذْ لَا تمكنه مَعْرفَته إِلَّا بِضَرْب حِسَاب، وَالْفَرْض أَنه لَا يعرفهُ. وَمَا ذكره ابْن رشد وَغَيره من أَن الموثق إِذا نَص فِي الْوَثِيقَة على معرفتهما بِقدر الْمَبِيع لَا يصدق مدعي الْجَهْل مِنْهُمَا وَلَا يَمِين لَهُ على صَاحبه إِنَّمَا ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَ مثله مِمَّن يعرف قدر الْمَبِيع، وَبِالْجُمْلَةِ إِذا سقط من الْوَثِيقَة معرفَة الْقدر فَإِنَّهُمَا يحْملَانِ على الْمعرفَة لِأَن القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة مَا لم تكن قرينَة تدل على صدق مدعي الْجَهْل كَبيع جَمِيع النَّصِيب فِي الوراثة وَهُوَ لَا يعرف الْحساب، فَإِنَّهُ يصدق فِي ذَلِك وَلَو كتب الموثق معرفَة الْقدر لِأَن شَاهد الْحَال يكذبهُ. وَقد بسطنا الْكَلَام على هَذِه الْمَسْأَلَة فِي حاشيتنا على (ز) وعَلى مثل هَذِه الْمَسْأَلَة يحمل قَول شَارِح الْعَمَل عِنْد قَوْله: وَالْقَوْل قَول زَوْجَة فِي عدم الْقَبْض للصداق بعد الْقسم مَا نَصه: إِن قَول الموثق عرفا قدره جَار مجْرى التلفيق الخ. لَا أَنه من التلفيق مُطلقًا وَإِلَّا لم يقف عقد على سَاق، وَفِي جَوَاب للقوري نَقله العلمي: أَنه من لَا يعْمل بِمُقْتَضى المسطرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 والتلفيق إِلَّا فِي الموثق الَّذِي عرف مِنْهُ أَنه لَا يقدر معرفَة الْقدر على الْمُتَبَايعين. فرع: قَالَ (ح) عَن ابْن فَرِحُونَ: المتعاقدان محمولان على الْمعرفَة حَتَّى يثبت الْجَهْل، وعَلى جَوَاز الْأَمر حَتَّى يثبت السَّفه، وعَلى الرِّضَا حَتَّى يثبت الْإِكْرَاه وعَلى الصِّحَّة حَتَّى يثبت السقم، وعَلى الملاء حَتَّى يثبت الْفقر، وعَلى الْحُرِّيَّة حَتَّى يثبت الرّقّ، وعَلى الْإِسْلَام حَتَّى يثبت الْكفْر، وعَلى الْعَدَالَة حَتَّى يثبت الْجرْح، وَالْغَائِب مَحْمُول على الْحَيَاة حَتَّى يثبت الْمَوْت قَالَ (خَ) : وَمَا قَالَه ظَاهر إِلَّا مَا قَالَه فِي مَسْأَلَة الْعَدَالَة فَالْمَشْهُور الْعَكْس. والبَيْعُ والشَّرْطُ الْحَلالُ إنْ وَقَعْ مُؤَثِّراً فِي ثَمَنٍ مِمَّا امْتَنَعْ (وَالْبيع) مُبْتَدأ (وَالشّرط) مَعْطُوف عَلَيْهِ لَا مَنْصُوب على الْمَعِيَّة لفقد الْجُمْلَة قبله (الْحَلَال) نعت (إِن وَقع) ذَلِك الشَّرْط حَال كَونه (مؤثراً) جهلا (فِي ثمن مِمَّا امْتنع) خبر الْمُبْتَدَأ وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ، وَمِثَال مَا أَشَارَ لَهُ النَّاظِم أَن يشْتَرط البَائِع على المُشْتَرِي أَن لَا يَبِيع ذَلِك الشَّيْء الْمَبِيع وَلَا يَهبهُ فَنَفْس الشَّرْط، وَهُوَ كَون المُشْتَرِي يتَمَسَّك بِمَا اشْترى وَلَا يَبِيعهُ وَلَا يَهبهُ حَلَال جَائِز، وَاشْتِرَاط الدُّخُول عَلَيْهِ مَمْنُوع لِأَنَّهُ يُؤثر فِي الثّمن جهلا إِذْ البيع على هَذَا الْوَجْه لَا يَخْلُو عَن نقص فِي الثّمن غَالِبا لَو لم يكن ذَلِك الشَّرْط، وَمِقْدَار مَا انْتقصَ من الثّمن لأجل الشَّرْط الْمَذْكُور مَجْهُول وَفِيه عِلّة أُخْرَى للْمَنْع وَهِي كَون ذَلِك الْمُؤثر من بَاب اشْتِرَاط مَا يُوجب الحكم خِلَافه لِأَن الحكم يُوجب جَوَاز تصرف المُشْتَرِي فِي مشتراه على أَي وَجه شَاءَ، فالتحجير عَلَيْهِ بِأَن لَا يَبِيع وَلَا يهب شَرط مُنَاقض لمقْتَضى عقد البيع فَيفْسد البيع بِهِ، وعَلى هَذِه الْعلَّة اقْتصر (خَ) حَيْثُ قَالَ: وكبيع وَشرط يُنَاقض الْمَقْصُود كَأَن لَا يَبِيع الخ. وَهِي أظهر لِئَلَّا يرد علينا اشْتِرَاط الرَّهْن والحميل فَإِنَّهُ مُؤثر جهلا مَعَ أَنه جَائِز كَمَا يَأْتِي، وَمثل اشْتِرَاطه أَن لَا يَبِيع اشْتِرَاطه أَن لَا يُخرجهَا من الْبَلَد أَو لَا يجيزها الْبَحْر أَو على أَن يتَّخذ الْجَارِيَة أم ولد أَو على أَن يعْزل عَنْهَا أَو على أَنه إِن بَاعهَا فَهُوَ أَحَق بهَا بِالثّمن الَّذِي تبَاع بِهِ، أَو الَّذِي بَاعهَا بِهِ الْآن كَمَا يَأْتِي فِي فصل الْإِقَالَة، فَكل ذَلِك مِمَّا يُؤثر فِي الثّمن جهلا. وَمن الشَّرْط المناقض كَمَا مرّ. وَهَذَا إِذا اشْترط أَن لَا يَبِيعهُ عُمُوما أَو إلاَّ من نفر قَلِيل، وَأما على أَن لَا يَبِيع من شخص معِين أَو من بني فلَان وهم قَلِيلُونَ فَيجوز، وَإِذا وَقع شَيْء من هَذِه الشُّرُوط فَيفْسخ البيع إلاَّ أَن يسْقط ذُو الشَّرْط شَرطه فَيصح كَمَا قَالَ (خَ) : وَصَحَّ إِن حذف شَرط السّلف أَو حذف شَرط كالتدبير، وَهَذَا إِذا لم يفت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 وإلاَّ فقد قَالَ أَيْضا: وَفِيه إِن فَاتَ أَكثر الثّمن وَالْقيمَة. وَقَالَ أَيْضا: وَإِنَّمَا ينْتَقل ضَمَان الْفَاسِد بِالْقَبْضِ ورد وَلَا غلَّة تصحبه، وَظَاهره: وَلَو كَانَ المُشْتَرِي عَالما بِالْفَسَادِ وَهُوَ كَذَلِك انْظُر مَا يَأْتِي فِي الْحَبْس عِنْد قَوْله: وَمن يَبِيع مَا عَلَيْهِ حبسا الخ. وَهَذَا كُله إِذا كَانَ التحجير فِي مَسْأَلَة أَن لَا يَبِيع من البَائِع على المُشْتَرِي، وَأما الْعَكْس فقد قَالَ ابْن رشد فِي مَسْأَلَة الْأَنْكِحَة من أجوبته: لَو اشْترى رجل من رجل نصف بقْعَة على أَن لَا يقسمها مَعَه وَلَا يَبِيعهَا ويشتركان فِي حرثها لوَجَبَ أَن يجوز البيع وَيبْطل الشَّرْط وَلَا يفْسد البيع بالتحجير على البَائِع اه. وَنَقله الْبُرْزُليّ فَظَاهره أَن الشَّرْط بَاطِل فِي هَذِه وَلَو تمسك بِهِ المُشْتَرِي، وَلَا تتَوَقَّف صِحَة البيع على إِسْقَاط المُشْتَرِي شَرطه. وكلُّ مَا لَيْسَ لَهُ تَأثيرُ فِي ثَمَنٍ جَوَازُهُ مَأْثورُ (وكل مَا) أَي شَرط (لَيْسَ لَهُ تَأْثِير فِي) جهل (ثمن) كَشَرط رهن أَو حميل أَو كَون الثّمن إِلَى أجل مَعْلُوم غير بعيد جدا (جَوَازه) مُبْتَدأ ثَان خَبره (مأثور) وَالْجُمْلَة خبر الأول أَي: مَرْوِيّ صَحِيح، ويشمل كَلَامه مَا يَقْتَضِيهِ العقد كَشَرط تَسْلِيم الْمَبِيع وَالرُّجُوع بدرك الْعَيْب والاستحقاق فَإِن اشْتِرَاط ذَلِك مُؤَكد. فَإِن قلت: شَرط الْأَجَل مِمَّا يزِيد فِي الثّمن وَشرط الرَّهْن والحميل مِمَّا ينقص مِنْهُ وَمِقْدَار الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان مَجْهُول. قلت: شَرط أَن لَا يَبِيع وَنَحْوه لَا يعود بمصلحة على أَحدهمَا، بل بمضرة على المُشْتَرِي بِخِلَاف الْحميل وَالرَّهْن وَالْأَجَل، فَإِن لكل مِنْهُمَا فِيهِ مصلحَة من توثق وَنقص فِي الثّمن وزيادته وَلَا ترد علينا مَسْأَلَة إِن بَاعهَا فَهُوَ أَحَق بهَا بِالثّمن لِأَن فِيهَا تحجيراً أَو نفعا لِأَن النَّفْع الَّذِي للْبَائِع فِي الشَّرْط الْمَذْكُور غير مُحَقّق لِأَن السّلْعَة قد تؤول إِلَى رخص فيبيعها المُشْتَرِي بِأَقَلّ من الثّمن الأول، فَإِذا أَخذهَا البَائِع بِالثّمن الأول لم يكن لَهُ نفع والنفع الْغَيْر الْمُحَقق كلا نفع وَأَحْرَى لَو كَانَ على أَن يَأْخُذهَا بِمَا بِيعَتْ بِهِ، إِذْ لَا يدْرِي بِأَيّ ثمن تبَاع، وَأما مَسْأَلَة اشْتِرَاط السّلف فِي البيع وَلَو ضمنا كَبَيْعِهِ مِمَّن لَهُ عَلَيْهِ دين على شَرط أَن ينقده الثّمن وَلَا يقاصه بِهِ مَعَ حُلُول دينه، فالمنع فِيهَا لَيْسَ لخُصُوص التَّأْثِير فِي الثّمن، بل لما فِيهَا من الرِّبَا لِأَن المسلف ينْتَفع على سلفه بِنَقص الثّمن أَو زِيَادَته وَذَلِكَ عين الرِّبَا، وَلذَا كَانَ يظْهر لنا نقص فِي قَول (خَ) : أَو يخل بِالثّمن كَبيع وَسلف الخ. وَأَن حَقه أَن يَقُول: أَو يخل بِالثّمن وَفِيه رَبًّا كَبيع وَسلف لتخرج مَسْأَلَة الْأَجَل وَمَا مَعهَا لِأَنَّهَا تخل بِالثّمن، وَلَكِن لَا رَبًّا فِيهَا بل فِيهَا مصلحَة لِأَن هَذَا انْتفع بالأجل وَالْآخر انْتفع بِزِيَادَة فِي الثّمن أَو التَّوَثُّق. وَلذَا ورد الشَّرْع بجوازها هَذَا مَا ظهر لي فِي تَقْرِير هَذَا الْمحل وَالله أعلم. فَلَو قَالَ النَّاظِم: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 وَالْبيع وَالشّرط الْمنَافِي إِن وَقع لما من التحجير ذَا فِيهِ امْتنع وكل مَا لَيْسَ فِيهِ تحجير وَلَا رَبًّا جَوَازه مأثور لتنزل على مَا ذكرنَا. وَالشَّرْطُ إنْ كانَ حَرَاماً بَطَلاَ بهِ المبيعُ مُطْلَقاً إنْ جُعِلا (وَالشّرط إِن كَانَ حَرَامًا) كَشَرط عدم منع الْجَارِيَة الرفيعة من الدُّخُول وَالْخُرُوج أَو شَرط أَنَّهَا مغنية وَقصد بذلك الزِّيَادَة فِي الثّمن بِإِقْرَار أَو بَيِّنَة لَا أَن قَالَ: قصدت بذلك التبرىء من عيب الْغناء أَو شَرط الْخِيَار إِلَى أمد بعيد لَا يجوز مثله فِي تِلْكَ السّلْعَة، أَو بيع الدَّار على شَرط أَن تكون مجمعا لأهل الْفساد أَو بَاعهَا على شَرط أجل مَجْهُول كَقَوْلِه: لَا نؤديك الثّمن حَتَّى تبيع سلعتك أَو أَشْتَرِي سلْعَة بِثمن مُؤَجل على أَنه إِن مَاتَ فالثمن صَدَقَة عَلَيْهِ، أَو اشْترِي جَارِيَة على أَنه إِن وَطئهَا فَهِيَ حرَّة أَو عَلَيْهِ دِينَار أَو بَاعَ الدَّابَّة وَنَحْوهَا على شَرط الْحمل، أَو بَاعَ الثَّوْب على شَرط أَن لَا يقلبه وَلَا ينشره أَو على أَنه بِعشْرَة نَقْدا أَو أَكثر لأجل بِشَرْط الْإِلْزَام، وَهِي مَسْأَلَة بيعَتَيْنِ فِي بيعَة، أَو يَبِيعهُ على أَن يُعْطِيهِ شَيْئا من الثّمن وَيشْتَرط على المُشْتَرِي أَنه إِن كره البيع لم يعد إِلَيْهِ مَا دَفعه، وَإِن أحبه حاسب بِهِ من الثّمن وَهِي مَسْأَلَة بيع العربان وتصويرهم لَهَا يدل على أَن البيع وَقع على الْخِيَار كَمَا ترى، وَهُوَ نَص الْمُتَيْطِيَّة. وَأما إِن كَانَ على اللُّزُوم وَيدْفَع بعض الثّمن وَيتْرك السّلْعَة تَحت يَد البَائِع حَتَّى يكمل لَهُ، فَهَذَا لَا يمْنَع وَهُوَ الْوَاقِع فِي زمننا كثيرا فَإِذا لم يرجع المُشْتَرِي فَهُوَ ظَالِم فيرفع البَائِع أمره إِلَى الْحَاكِم فيبيع السّلْعَة ويقبضه بَقِيَّة ثمنهَا بعد أَن يثبت الشِّرَاء على الْحُلُول وغيبة المُشْتَرِي ويتبعه بِالْبَاقِي إِن لم يوف مَتى لقِيه أَو اشْتَرَاهُ على شَرط أَن البَائِع إِذا أَتَاهُ بِالثّمن فالمبيع مَرْدُود عَلَيْهِ وَهِي مَسْأَلَة الثنيا، وَسَتَأْتِي. فَهَذَا كُله مِمَّا يدْخل فِي النّظم فَإِذا وَقع شَيْء من ذَلِك (بطلا بِهِ الْمَبِيع) بِمَعْنى البيع فَهُوَ من إِطْلَاق الْمَفْعُول وَإِرَادَة الْمصدر كالمفتون بِمَعْنى الْفِتْنَة، وَتقدم نَظِير ذَلِك قبيل بَاب الْيَمين (مُطلقًا) حذف الشَّرْط أم لَا أثر فِي الثّمن خللاً أم لَا. وَإِن كَانَ الشَّرْط من حَيْثُ هُوَ فِي الْحَقِيقَة لَا يَخْلُو عَن تَأْثِير لِأَنَّهُ إِن كَانَ من البَائِع أثر الزِّيَادَة، وَإِن كَانَ من المُشْتَرِي أثر النُّقْصَان، وَلَا يقْصد الْمُتَبَايعَانِ فِي الْغَالِب، إِلَى اشْتِرَاط مَا لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ نقص أَو زِيَادَة وَالله أعلم. (إِن جعلا) أَي وَقع وَقد تحصل مِمَّا مرّ أَن الشَّرْط الْحَرَام يبطل مَعَه البيع وَلَو حذف، وَالشّرط الْمنَافِي للمقصود وَشرط السّلف فِي البيع يبطل مَعَه البيع مَا لم يحذف الشَّرْط، وَإِذا بَطل فَيرد وَلَا غلَّة تصحبه، وَلَو علم المُشْتَرِي بِالْفَسَادِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 كَمَا يَأْتِي فِي الْحَبْس وَالشّرط الْحَلَال الَّذِي لَا يُنَافِي العقد بل يعود عَلَيْهِ بمصلحة كَالرَّهْنِ وَنَحْوه يَصح فِيهِ البيع وَالشّرط؛ فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقسَام وَبَقِي قسم رَابِع فَيصح فِيهِ البيع وَيبْطل الشَّرْط وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ (خَ) فِي التَّنَاوُل بقوله: وَالْعَبْد ثِيَاب مهنته. وَهل يُوفي بِشَرْط عدمهَا وَهُوَ الْأَظْهر أَو لَا. كمشترط زَكَاة مَا لم يطب وَأَن لَا عُهْدَة أَي إِسْلَام من عيب أَو اسْتِحْقَاق أَو لَا مواضعة أَو لَا جَائِحَة، أَو إِن لم يَأْتِ بِالثّمن لكذا فَلَا بيع الخ. أَي: فَالْبيع فِي ذَلِك كُله صَحِيح وَالشّرط بَاطِل، وَمعنى الْأَخير مِنْهَا مَا قَالَه أَبُو الْحسن فِي شرح خلع الْمُدَوَّنَة عِنْد قَوْلهَا: أَو الْوَعْد إِن ورطها. قَالَ: يقوم مِنْهَا أَن من بَاعَ سلْعَة بِشَرْط أَن لَا ينْعَقد البيع إِلَّا عِنْد دفع الثّمن أَن ذَلِك جَائِز كَمَا قَالَ فِي الْخلْع بِخِلَاف مَا إِذا انْعَقَد البيع بَينهمَا، ثمَّ قَالَ: إِن لم تأت بِالثّمن لكذا فَلَا بيع؛ فَهَذَا يبطل فِيهِ الشَّرْط وَيصِح فِيهِ البيع اه. ابْن عَرَفَة: وَالْبيع بِشَرْط أَن لَا يَبِيع إِن لم ينْعَقد إِلَى أجل قريب فِي فَسخه وَتَمَامه بِشَرْطِهِ تَمَامه بإبطاله. رَابِعهَا: يُوقف المُشْتَرِي إِن نقد مضى وَإِلَّا رد ثمَّ قَالَ فِي الْبيُوع الْفَاسِدَة مِنْهَا لمَالِك: من اشْترى سلْعَة على أَن لم ينْقد ثمنهَا إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام، وَفِي مَوضِع آخر إِلَى عشرَة أَيَّام، فَلَا بيع بَيْننَا لَا يُعجبنِي البيع على هَذَا فَإِن نزل جَازَ البيع وَبَطل الشِّرَاء اه. وَضَمان السّلْعَة وَإِن كَانَت حَيَوَانا من البَائِع حَتَّى يقبضهَا الْمُبْتَاع بِخِلَاف البيع الصَّحِيح تحبس فِيهِ بِالثّمن، فَإِن هلاكها من الْمُبْتَاع بعد عقده البيع اه كَلَامه. فَظَاهره أَن السّلْعَة إِذا هَلَكت قبل قبضهَا فِي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة فَإِن ضَمَانهَا من الْمُبْتَاع لحكمه لصِحَّة البيع فِيهَا على هَذَا القَوْل، وَلَا معنى للصِّحَّة إِلَّا تَرْتِيب آثارها عَلَيْهَا وَغَيره فَتَأَمّله وَالله أعلم. تَنْبِيه: بيع الْجَارِيَة لمن يعلم أَنه يسامحها فِي الزِّنَا وَلَا يمْنَعهَا الدُّخُول وَالْخُرُوج مَمْنُوع، وَإِن لم يشْتَرط البَائِع ذَلِك عَلَيْهِ، وَكَذَا بيع الْعِنَب لمن يعصرها خمرًا وَبيع السِّلَاح من الْكَفَرَة وعصاة الْإِسْلَام وَغير ذَلِك من كل مَا يتَأَذَّى بِهِ مُسلم، وَكَذَا بيع الدَّار لمن يعلم أَنه يتخذها مجمعا لأهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 الْفساد وَإِن لم يشْتَرط عَلَيْهِ أَن يتخذها أَو يتخذها كَنِيسَة، وَكَذَا الْخَشَبَة لمن يتخذها صليباً والنحاس لمن يَتَّخِذهُ ناقوساً وكل شَيْء يعلم أَن المُشْتَرِي قصد بِهِ أمرا لَا يجوز. وَلما ذكر أَنه لَا يجوز اجْتِمَاع البيع مَعَ الشَّرْط الْحَرَام أَو الْمنَافِي للمقصود ذكر أَنه لَا يجوز أَيْضا اجتماعه مَعَ شَيْء من عُقُود سِتَّة فَقَالَ: وَجَمْعُ بَيْعٍ مَعَ شَرْكةٍ وَمَعْ صَرْفٍ وَجُعْل وَنِكاحٍ امْتَنعْ وَمَعْ مُسَاقَاةٍ وَمَعْ قِرَاضِ وَأَشْهَبُ الجَوازُ عَنْهُ مَاضِ أَي: لَا يجوز اجْتِمَاع البيع مَعَ وَاحِد من هَذِه الْعُقُود السِّتَّة خلافًا لأَشْهَب لتنافي أَحْكَامهَا لِأَن حكم الصّرْف المناجزة، وَيجوز فِي البيع التَّأْخِير والمناجزة، وَإِذا اسْتحقَّت السّلْعَة الْمَبِيعَة مَعَ الصّرْف لم يجز التَّمَسُّك بِالصرْفِ، وَلَا يجوز الْخِيَار فِي الصّرْف، وَيجوز فِي البيع وَيجوز التَّصْدِيق فِي البيع وَلَا يجوز فِي الصّرْف. وَأما الْجعل؛ فَحكمه عدم اللُّزُوم بِخِلَاف البيع وَلَا يكون فِي الْجعل أجل بِخِلَاف البيع والجعل على الْأَمَانَة بِخِلَاف البيع، وَيجوز فِيهِ الْغرَر الْمُنْفَرد بِهِ بِخِلَاف البيع. وَأما النِّكَاح؛ فعلة عدم اجتماعه أَيْضا مَعَ البيع أَن النِّكَاح على المكارمة وَالْبيع على المكايسة، وَيجوز أَن لَا يدْخل بِالْمَرْأَةِ إِلَى سنة لموجب من صغر وَنَحْوه، وَلَا يجوز تَأْخِير الْقَبْض فِي الْمَبِيع الْمعِين الْحَاضِر. وَأما الْمُسَاقَاة فَلِأَنَّهُ يجوز فِيهَا الْغرَر دون البيع وفيهَا بيع التمرة قبل الطّيب، وَلَا يجوز ذَلِك فِي البيع وَهِي مُسْتَثْنَاة من الْإِجَارَة المجهولة وَالْبيع أصل فِي نَفسه. وَأما الشّركَة؛ فَلِأَنَّهَا على الْأَمَانَة وَلَا كَذَلِك البيع، وَيجوز فِيهِ الْأَجَل دون الشّركَة فَلَا تكون إِلَى أجل. وَأما الْقَرَاض؛ فَلِأَنَّهُ على الْأَمَانَة دون البيع وَهُوَ مُسْتَثْنى من الْإِجَارَة المجهولة بِخِلَاف البيع فَهُوَ أصل فِي نَفسه. هَذَا معنى تنَافِي الْأَحْكَام، وَوجه قَول أَشهب بِجَوَاز اجْتِمَاع هَذِه الْعُقُود أَنه لما جَازَ كل عقد على انْفِرَاده جَازَ مجتمعاً. ابْن الْحَاج: من اشْترى نصف كرم وَاشْترط على البَائِع زِيَادَة فِي الْغَرْس والتزريب لَا يجوز لِأَن المغارسة من نَاحيَة الْجمل قارنها بيع فَلَا يجوز اجْتِمَاعهمَا، فَإِن فَاتَت وَجب تصحيحها بِالْقيمَةِ فِي نصف الْكَرم يَوْم الْقَبْض على الْمُبْتَاع وغراسه لَهُ، وللمبتاع قيمَة الْغَرْس فِي النّصْف الآخر على البَائِع قَائِما يَوْم الحكم على حَاله اه من الْبُرْزُليّ. الْقَرَافِيّ: ويجمعها قَوْلك: جص مشنق ونظمها بَعضهم فَقَالَ: عُقُود منعناها مَعَ البيع سِتَّة ويجمعها فِي اللَّفْظ جص مشنق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 فَجعل وَصرف وَالْمُسَاقَاة شركَة نِكَاح قِرَاض منع هَذَا مُحَقّق وَزَاد أَبُو الْحسن الْقَرْض أَي السّلف، فَلَا يجْتَمع مَعَ البيع، وَيُمكن أَن يكون اسْتغنى عَنهُ النَّاظِم بِدُخُولِهِ فِيمَا قبله من الشَّرْط الْحَرَام، وكما لَا يجْتَمع البيع مَعَ وَاحِد من هَذِه السَّبع بِزِيَادَة الْقَرْض، كَذَلِك لَا يجْتَمع اثْنَان مِنْهَا فِي عقد وَاحِد لافتراق أَحْكَامهَا كَمَا عَلمته مِمَّا مرّ أَيْضا، وَعَلِيهِ فَيَنْبَغِي أَن يُقَال: ثَمَانِيَة عُقُود لَا يجْتَمع اثْنَان مِنْهَا فِي عقد وَاحِد ونظمها (ح) فَقَالَ: عُقُود منعن اثْنَيْنِ مِنْهَا بعقدة لكَون مَعَانِيهَا مَعًا تتفرق فَجعل وَصرف وَالْمُسَاقَاة شركَة نِكَاح قِرَاض قرض بيع مُحَقّق قَالَ: وقرض يقْرَأ بِغَيْر تَنْوِين ومعاً بِمَعْنى جَمِيعًا. قلت: وكما لَا يجْتَمع الصّرْف مَعَ وَاحِد مِمَّا ذكر كَذَلِك لَا يجْتَمع مَعَ الْهِبَة. الْبُرْزُليّ: وَكَذَا لَا يجْتَمع بيع الْخِيَار وَبيع الْبَتّ وَلَا بيع السّلم وَبيع النَّقْد قَالَ: وَنَجَسٌ صَفْقَتُهُ مَحْظُورَه وَرَخَّصُوا فِي الزِّبْلِ لِلضَّرُورَه (ونجس) بِفَتْح الْجِيم أَي عين النَّجَاسَة كالميتة وجلدها وَلَو دبغ أَو مُتَنَجّس لَا يقبل التَّطْهِير كالزيت الْمُتَنَجس وَنَحْوه من سَائِر الْمَائِعَات الَّتِي حلتها النَّجَاسَة (صفقته محظورة) أَي مَمْنُوعَة على الْمَشْهُور، وَقيل: بِجَوَاز بَيْعه وَهِي رِوَايَة ابْن وهب انْظُر شَارِح الْعَمَل عِنْد قَوْله: وَالْغسْل بالصابون قد صنعه الخ. وَأما الْمُتَنَجس الَّذِي يقبل التَّطْهِير كَالثَّوْبِ الْمُتَنَجس فَيجوز بَيْعه مَعَ الْبَيَان إِن كَانَ جَدِيدا مُطلقًا كَغَيْرِهِ إِن أفْسدهُ الْغسْل، وَإِن لم يبين فلمشتريه الرَّد لِأَنَّهُ عيب، فَإِن كَانَ غير جَدِيد وَلَا يُفْسِدهُ الْغسْل فَلَيْسَ بِعَيْب، وَلَكِن يجب الْبَيَان خشيَة أَن يُصَلِّي فِيهِ خُصُوصا إِن كَانَ بَائِعه مِمَّن يُصَلِّي قَالَ (ح) : وَانْظُر أَوَاخِر بُيُوع العلمي فَإِنَّهُ ذكر أَن الْعَمَل جَار على جَوَاز بيع الزَّيْت الْمُتَنَجس مِمَّن يصلح بِهِ الْقَنَاة أَو يستصبح بِهِ أَو يعْمل مِنْهُ الصابون، وَذَلِكَ كُله إِذا كَانَ المُشْتَرِي مِمَّن يوثق بِهِ وَلَا يغش، وَنَحْوه فِي العلميات حَيْثُ قَالَ: وَالْغسْل بالصابون الخ. (ورخصوا فِي الزبل) أَي فضلات الدَّوَابّ الْغَيْر المأكولات اللَّحْم ورجيع بني آدم (للضَّرُورَة) أَي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 الِانْتِفَاع بِهِ، وَالْمَاء الْمُضَاف بالنجاسات كالزبل فِي جَوَاز بَيْعه للسقي بِهِ لضَرُورَة النَّاس إِلَيْهِ قَالَه فِي المقرب. قَالَ ابْن الْقَاسِم: سَمِعت مَالِكًا يكره بيع رجيع بني آدم وَلم أسمع مِنْهُ فِي الزبل شَيْئا وَلَا أرى بِهِ بَأْسا اه. وَفِي النَّوَادِر عَن ابْن الْقَاسِم: لَا بَأْس بِأَكْل مَا زبل بِهِ أَي برجيع بني آدم. وَقَالَ أَشهب: أكره بيع رجيع بني آدم إِلَّا من اضْطر إِلَيْهِ، والمبتاع أعذر فِي شِرَائِهِ من بَائِعه. قَالَ (ح) : ويتحصل فِي بيع الْعذرَة أَرْبَعَة أَقْوَال. الْمَنْع لمَالِك على فهم الْأَكْثَر من أَن الْكَرَاهَة على التَّحْرِيم وَالْكَرَاهَة على فهم أبي الْحسن وَهُوَ ظَاهر اللَّخْمِيّ من أَن الْكَرَاهَة على بَابهَا وَالْجَوَاز لِابْنِ الْمَاجشون. وَالْفرق بَين الِاضْطِرَار فَيجوز وَعَدَمه فَيمْنَع لأَشْهَب. قَالَ: وَأما الزبل فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال. قاسه ابْن الْقَاسِم على الْعذرَة فِي الْمَنْع عِنْد مَالك، وَعَلِيهِ درج (خَ) فِي قَوْله: لَا كزبل الخ. وَقَول ابْن الْقَاسِم بِجَوَازِهِ، وَقَول أَشهب الْمُتَقَدّم وَأَن المُشْتَرِي أعذر من البَائِع، وعَلى مَا ذكره أَبُو الْحسن وَهُوَ ظَاهر اللَّخْمِيّ من أَن الْكَرَاهَة على بَابهَا تكون الْأَقْوَال فِي الزبل أَرْبَعَة أَيْضا اه. بِبَعْض اخْتِصَار، وَزِيَادَة فِي الْإِيضَاح، وَعَلِيهِ فَلَا يبعد أَن يكون النَّاظِم أَرَادَ بالزبل مَا يَشْمَل الْعذرَة كَمَا قَررنَا، وَأما بيع زبل الْمَأْكُول اللَّحْم وَهُوَ الْأَنْعَام من بقر وإبل وغنم فَجَائِز اتِّفَاقًا فِي الْمَذْهَب. تَنْبِيه: مَا تقدم من عدم جَوَاز بيع جلد الْميتَة وَلَو دبغ هُوَ الْمَشْهُور، وَقَالَ ابْن وهب: يجوز بَيْعه بعد الدبغ بِشَرْط الْبَيَان، وعَلى الْمَشْهُور من عدم جَوَاز بَيْعه فَإِن وَقع وَاشْترى بِثمنِهِ غنما مثلا فتوالدت وَتعذر رده فَإِنَّهُ يتَصَدَّق بِالثّمن فَقَط نَقله (ح) . وَمن اسْتَهْلكهُ قبل الدبغ أَو بعده فَعَلَيهِ قِيمَته. قَالَ ابْن نَاجِي فِي آخر كتاب الضَّحَايَا عِنْد قَوْلهَا: وَإِن كَانَ أَي الْكَلْب مَأْذُونا فِي اتِّخَاذه وقته غرم قِيمَته مَا نَصه: يقوم مِنْهَا أَن من قتل أم ولد رجل يغرم قيمتهَا، وَأَن من اسْتهْلك لحم أضْحِية فَكَذَلِك، وَكَذَلِكَ من اسْتهْلك زيتاً نجسا أَو جلد ميتَة أَو زرعا قبل بَدو صَلَاحه اه. وَانْظُر تَكْمِيل الْمنْهَج أول الْبيُوع. (فصل فِي بيع الْأُصُول) الأَرْض وَمَا اتَّصل بهَا فَيشْمَل الدّور والحوانيت والفنادق والجنات. البَيْعُ فِي الأُصُولِ جَازَ مُطْلَقَا إلاَّ بِشَرْطٍ فِي البُيُوعِ مُتَّقَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 (البيع) الَّذِي عقد مُعَاوضَة كَمَا مر (فِي الْأُصُول) الْمَذْكُورَة (جَازَ مُطلقًا) يَأْتِي تَفْسِيره فِي الْبَيْت بعده (إِلَّا بِشَرْط فِي الْبيُوع يتقى) يمْنَع لكَونه يُنَافِي الْمَقْصُود أَو حَرَامًا كَمَا مر. وَانْظُر مَا تقدم عِنْد قَوْله فِي الضَّمَان: وَيسْقط الضَّمَان فِي فَسَاد الخ. وَهَذَا الِاسْتِثْنَاء مُسْتَغْنى عَنهُ بِمَا مر، وَلَعَلَّه إِنَّمَا ذكره لِئَلَّا يتَوَهَّم شُمُول الْإِطْلَاق لَهُ. بِأَضْرُبِ الأَثْمَانِ وَالآجَالِ مِمَّنْ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي المَالِ (بأضرب الْأَثْمَان) يتَعَلَّق بجاز وَهُوَ وَمَا بعده تَفْسِير للإطلاق أَي: يجوز بيع الْأُصُول بأصول مثلهَا أَو بِعَين أَو بِعرْض أَو طَعَام أَو حَيَوَان عَاقل أَو غير عَاقل بالحلول (و) ب (الْآجَال) الْمَعْلُومَة نصا أَو عرفا كَانَ الْمُؤَجل هُوَ الْمُثمن كَقَوْل (خَ) فِي الْإِجَارَة: وَبيع دَار لتقبض بعد عَام أَو الثّمن كبيعها بِعشْرَة إِلَى شهر مثلا. ابْن عَرَفَة: فمجهول الْأَجَل فَاسد ومعروفه بالشخص وَاضح، وبالعرف كَاف. روى مُحَمَّد: لَا بَأْس بِبيع أهل السُّوق على التقاضي وَقد عرفُوا ذَلِك بَينهم، ثمَّ قَالَ: وبعيد الْأَجَل مَمْنُوع فِيهَا، وَيجوز بيع السّلْعَة إِلَى عشر سِنِين أَو عشْرين، وَسمع أصبغ ابْن الْقَاسِم: أكره الْعشْرين وَلَا أفسخه وَلَو كَانَ للسبعين لفسخته أنظر (ح) أَوَائِل بُيُوع الْآجَال. وَقَوله: وَقد عرفُوا قدر ذَلِك بَينهم الخ. فِي الْبيُوع الْفَاسِدَة من الْمُدَوَّنَة عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ، أَنه كَانَ يبْتَاع وَيشْتَرط على البَائِع أَنه يُعْطِيهِ الثّمن إِذا خرجت غَلَّته أَو إِلَى خُرُوج عطائه. ابْن عتاب: الْعَطاء كَانَ وقتئذ مَأْمُونا خُرُوجه فِي وقته الْمَعْلُوم لَا يتَخَلَّف فِي الْأَغْلَب. وَذكر ابْن حبيب فِي كِتَابه عَن أَشهب، أَنه سُئِلَ عَمَّن بَاعَ رزقه الَّذِي يخرج لَهُ سنتَيْن ثمَّ مَاتَ فَقَامَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 الْغَرِيم على الْوَرَثَة فِي ذَلِك أَيكُون ذَلِك حَلَالا؟ قَالَ: نعم ذَلِك لَهُ عَلَيْهِم من مَال الْمَيِّت يعطونه قمحاً مثل الْقَمْح الَّذِي بَاعه من رزقه وعَلى صفته قَالَ فضل: هَذَا يدل على أَنه إِذا قطعه السُّلْطَان عَنهُ بعد مَا بَاعه فَإِن البَائِع يُؤْخَذ بِمثل ذَلِك عِنْد الْأَجَل الَّذِي هُوَ وَقت خُرُوجه اه. نَقله الْبُرْزُليّ. تَنْبِيهَات. الأول: الْعرُوض مثل الْأُصُول فِي هَذَا الْعُمُوم الَّذِي فِي النّظم بِخِلَاف الطَّعَام، وَبَعض الْحَيَوَانَات كَبيع صَغِير بكبير من جنسه إِلَى أجل يصير فِيهِ الصَّغِير كَبِيرا أَو يلد فِيهِ الْكَبِير صَغِيرا. الثَّانِي: إِن تعدّدت السكَك فِي الْبَلَد وَلم يبين فَإِن اتّحدت رواجاً قَضَاهُ من أَيهَا شَاءَ، وَإِن اخْتلفت قَضَاهُ من الْغَالِب إِن كَانَ وإلاَّ فسد البيع لعدم الْبَيَان وَهُوَ قَول (خَ) وَجَهل بمثمن أَو ثمن، وَانْظُر مَا مر عِنْد قَوْله: وكل مَا يَصح ملكا يمهر. فقد نقلنا هُنَاكَ كَلَام الْمُتَيْطِيَّة. الْبُرْزُليّ: هَذَا إِذا كَانَت تخْتَلف اخْتِلَافا كثيرا وَإِن كَانَ يَسِيرا جدا جَازَ لِأَنَّهُ من الْغرَر الْيَسِير الَّذِي قل أَن تَخْلُو مِنْهُ المبيعات على مَا أَصله الْفُقَهَاء. انْظُر الورقة الثَّامِنَة عشر من أنكحته. الثَّالِث: لَو اخْتلف البَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي قبض الثّمن بعد مُضِيّ عَام وَنَحْوه من يَوْم البيع فَقَالَ المُشْتَرِي: دَفعته لَك. وَقَالَ البَائِع: لم تَدْفَعهُ لي فَإِن القَوْل للْمُشْتَرِي على الْمُعْتَمد كَمَا فِي حَاشِيَة الصعيدي و (ز) عِنْد قَول (خَ) فِي الْعُيُوب، ثمَّ قَضَاهُ إِن أثبت عُهْدَة مؤرخة الخ. خلافًا لِابْنِ الْقَاسِم فِي قَوْله: إِن القَوْل قَول البَائِع إِلَى عشر سِنِين أَو عشْرين، وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن سَلمُون فَإِنَّهُ ضَعِيف. الرَّابِع: ظَاهر قَول النَّاظِم. بأضرب الْأَثْمَان والآجال. أَنه لَا فرق بَين أَن يكون الأَصْل هُوَ الْمُؤَجل أَو الثّمن هُوَ الْمُؤَجل، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا قَررنَا، وَلَكِن إِذا كَانَ الأَصْل هُوَ الْمُؤَجل فَهُوَ من بيع معِين يتَأَخَّر قَبضه وَفِيه تَفْصِيل فَإِن تَأَخّر لما يتَغَيَّر فِيهِ امْتنع وإلاَّ جَازَ، فالدار مثلا يجوز بيعهَا لمُدَّة لَا تَتَغَيَّر فِيهَا غَالِبا وَذَلِكَ يخْتَلف باخْتلَاف صِحَّتهَا وَجدتهَا وَعدم ذَلِك فَلَا مَفْهُوم لعام فِي قَول (خَ) : وَدَار لتقبض بعد عَام فَالْمُعْتَبر فِي أجل مَنْفَعَة الرّبع مَا لَا يتَغَيَّر فِيهِ غَالِبا، فَيجوز فِيهِ العقد والنقد وَمَا لَا يُؤمن تغيره لطول مدَّته أَو ضعف بنائِهِ جَازَ فِيهِ العقد لَا النَّقْد، وَمَا غلب على الظَّن عدم بَقَائِهِ لمُدَّة لم يجز العقد عَلَيْهِ لتِلْك الْمدَّة قَالَه ابْن عَرَفَة. وَكَذَا الأَرْض يجوز بيعهَا لتقبض بعد عشْرين سنة كَمَا فِي (خَ) أَيْضا فاغتفر ذَلِك فيهمَا لانْتِفَاء الْغرَر إِذْ لَا يتغيران فِي تِلْكَ الْمدَّة غَالِبا وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك فيهمَا لغَلَبَة سلامتهما فِي تِلْكَ الْمدَّة، وَأما الْحَيَوَان فَيجوز بَيْعه واستثناء ركُوبه الثَّلَاثَة لَا جُمُعَة وَكره الْمُتَوَسّط، وَيجوز كِرَاء الدَّابَّة واستثناء ركُوبهَا شهرا إِن لم ينْقد كَمَا فِي (خَ) فَفرق بَين البيع والكراء فَفِي البيع لَا يجوز إِلَّا اسْتثِْنَاء الثَّلَاثَة، وَفِي الْكِرَاء يجوز اسْتثِْنَاء الشَّهْر إِن لم ينْقد كَمَا ترى. وَالْفرق أَن ضَمَانهَا فِي مُدَّة الِاسْتِثْنَاء من المُشْتَرِي بِخِلَافِهِ فِي الْكِرَاء فضمانها من الْمَالِك، وعَلى كل حَال فَفِي ذَلِك بيع ذَات الْمعِين أَو منفعَته يتَأَخَّر قَبضه، وَأما غير ذَلِك من السّلع فَيجوز إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام. قَالَ فِي السّلم الأول من الْمُدَوَّنَة: وَإِن شَرط قبض السّلْعَة الْمَبِيعَة بعد الْيَوْمَيْنِ جَازَ بِقرب الْأَجَل وَلَو شَرط فِي طَعَام بِعَيْنِه كَيْله إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام جَازَ، وَكَذَا السّلع كلهَا شَرط ذَلِك البَائِع أَو الْمُبْتَاع اه. هَذَا ضَابِط مَا يمْتَنع فِيهِ بيع معِين بِشَرْط تَأْخِير قَبضه فقد دعتني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 القريحة إِلَى تَحْصِيله لِأَن كَلَام الْفُقَهَاء مشحون بِهِ، وَقد تعرض إِلَى تَفْصِيله ابْن عَرَفَة مَعَ ذكر الِاخْتِلَاف وَالْمُعْتَمد مَا تقدم. قَالَ طفي عِنْد قَول (خَ) فِي الصَدَاق: وَوَجَب تَسْلِيمه أَن تعين مَا نَصه ظَاهره أَن وجوب التَّسْلِيم حق لله وَأَن العقد يفْسد بِالتَّأْخِيرِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَأْتِي إِذا وَقع العقد بِشَرْط التَّأْخِير وإلاَّ فَالْحق فِي التَّعْجِيل وَلَا مَحْظُور فِي ذَلِك لدُخُوله فِي ضَمَانهَا بِالْعقدِ فلهَا أَن تتركه عِنْد الزَّوْج على وَجه الْأَمَانَة، وَمحل فَسَاده بِاشْتِرَاط التَّأْخِير حَيْثُ لم يكن مُؤَجّلا بِأَجل مَعْلُوم يجوز التَّأْخِير إِلَيْهِ كَبيع دَار لتقبض بعد عَام الخ. وَقَالَ طفي أَيْضا قبل بُيُوع الْآجَال بعد نَقله كَلَام ابْن عَرَفَة مَا نَصه: وَيفهم من مَنعه تَأْخِير الْمعِين مَعَ الشَّرْط أَن من اشْترى شَيْئا معينا وَلم يقبضهُ لَا مَحْظُور فِيهِ وَهُوَ كَذَلِك إِذا لم يَأْخُذهُ فِي دين فَفِي الْبيُوع الْفَاسِدَة مِنْهَا وَإِن ابتعت ثوبا بِعَيْنِه بِدِينَار إِلَى أجل فَتَأَخر قبض الثَّوْب فلك قَبضه وَالْبيع تَامّ اه. فَظَاهره وَلَو تَأَخّر أَكثر من خَمْسَة عشر يَوْمًا. قلت: وَلذَا قَالُوا يجوز تَأْخِير رَأس المَال الْمعِين فِي السّلم بِلَا شَرط وَلَو إِلَى حُلُول أجل السّلم كَمَا فِي (ح) وَغَيره. وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله فِي فصل السّلم. وَأما الْمَأْخُوذ فِي الدّين فَلَا يجوز التَّأْخِير بِشَرْط أَو غَيره على ظَاهر كَلَامهم الْآتِي فِي فصل التصبير، وَسَيَأْتِي هُنَاكَ مَا يدل على جَوَاز التَّأْخِير بِلَا شَرط فِي الْمَأْخُوذ عَن الدّين أَيْضا فَانْظُرْهُ هُنَاكَ وَفِي الْبيُوع الْفَاسِدَة أَيْضا، وَلَا بَأْس أَن يَشْتَرِي زرعا قد استحصد كل قفيز بِكَذَا نقدته الثّمن أم لَا. وَإِن تَأَخّر جذاذه إِلَى خَمْسَة عشر يَوْمًا، وَكَذَا فِي قسم الصُّوف على ظهر الْغنم اه. بِاخْتِصَار، وَبَعض زِيَادَة للإيضاح، ثمَّ اذا هلك الْمُشْتَرط تَأْخِيره فِي الْمدَّة الْجَائِزَة فضمانه من المُشْتَرِي وَفِي غَيرهَا من البَائِع لِأَنَّهُ بيع فَاسد فَلَا ينْتَقل ضَمَانه إِلَّا بِالْقَبْضِ. الْخَامِس: إِذا وَقع العقد بِثمن إِلَى أجل فِي وَثِيقَة بيع أَو سلف وَنَحْوه وَبعد انْقِضَاء الْأَجَل بِمدَّة طَوِيلَة كالثلاثين سنة وَالْأَرْبَعِينَ مَعَ قيام الْأَحْكَام وَحُضُور رب الدّين والمدين قَامَ يَطْلُبهُ بِتِلْكَ الْوَثِيقَة فَقَالَ الْمَدِين: قضيتك وباد شهودي وَنَحْو ذَلِك فَهَل يصدق الْمَدِين؟ وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن سَلمُون فِي أول وَثِيقَة من الْبيُوع، وَفِي أنكحة الزياتي عَن بَعضهم أَنه الَّذِي جرى بِهِ الْعَمَل، وَمثله فِي الكراس الثَّانِي من بُيُوع الْبُرْزُليّ عَن الْمَازرِيّ، أَو لَا يصدق وَيقْضى عَلَيْهِ بِدَفْعِهِ لعُمُوم قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (لَا يبطل حق امرىء مُسلم وَإِن قدم) . وَفِي أنكحة الزياتي أَيْضا عَن العبدوسي وَنَحْوه فِي دعاوى المعيار أَن بِهِ الْقَضَاء وَالْعَمَل قَالَ (ت) : وَبِه أفتى شُيُوخنَا. قلت: يجب أَن يُقيد القَوْل الثَّانِي بقيود أَن يكون الدّين ثَابتا بإشهاد الْمَدِين كَمَا أَشَرنَا فِي أصل الْمَسْأَلَة فَإِن كَانَ بِغَيْر كتاب أصلا أَو بِكِتَاب شهِدت بَيِّنَة بالمداينة على جِهَة الِاتِّفَاق لَا بإشهاد الْمَدِين إِيَّاهَا، فَإِن القَوْل للْمَدِين وَلَو لم يطلّ إِلَّا الْعَام والعامين كَمَا مرّ فِي التَّنْبِيه الثَّالِث، وَذكر الامام الْخَرشِيّ فِي شَرحه عِنْد قَوْله فِي الْإِقْرَار أَو بقرض شكرا على الْأَرْجَح مَا نَصه: فَلَو أقرّ أَنه كَانَ تسلف من فلَان الْمَيِّت مَالا وقضاه إِيَّاه، فَإِن كَانَ مَا يذكرهُ من ذَلِك حَدِيثا لم يطلّ زَمَنه لم يقبل قَوْله، قَضيته إِلَّا أَن يُقيم بَيِّنَة بِالْقضَاءِ، وَإِن كَانَ زمن ذَلِك طَويلا حلف الْمقر وبرىء اه. الْقَيْد الثَّانِي: أَن لَا يكون رب الدّين مَعْلُوما بالحرص على قبض دُيُونه إِذا خلت كَمَا هِيَ عَادَة كثير من تجار زمننا الْيَوْم، وإلاَّ فَالْقَوْل لمُدعِي الْقَضَاء. الْقَيْد الثَّالِث: أَن لَا يكون وَقع بَين ربه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 والمدين شنآن وخصومة وَإِلَّا فَالْقَوْل للْمَدِين أَيْضا فَفِي أنكحة المعيار فِي من طلق زَوجته فَمَاتَتْ وَقَامَ وارثها عَلَيْهِ بصداقها فَادّعى الزَّوْج دَفعه أَنه لَا يقبل قَوْله إِلَّا أَن يثبت أَنه كَانَ بَينهمَا شنآن وَالله أعلم. السَّادِس: إِذا وَقع عِنْد الْمُعَامَلَة إِلَى أجل فتغيرت السِّكَّة الْجَارِيَة وَقت العقد لزِيَادَة أَو نُقْصَان أَو بطلت بِالْكُلِّيَّةِ قبل الْأَجَل أَو بعده، فَإِنَّهُ يجب على المُشْتَرِي أَو المتسلف أَن يَقْضِيه من تِلْكَ السِّكَّة وَلَا يعْتد بزيادتها كَمَا لَا يغرم نقصانها (خَ) : وَإِن بطلت فلوس فالمثل أَو عدمت فَالْقيمَة الخ. وَقيد الوانوغي عدم غرمه نقصانها أَو غرمها من أَصْلهَا إِذا أبطلت السِّكَّة بِالْكُلِّيَّةِ بِمَا إِذا لم يحصل من المُشْتَرِي أَو المتسلف مطل بعد حلولها، وَإِلَّا بِأَن حصل مِنْهُ مطل بعد الْحُلُول فتغيرت فِي مُدَّة مطله فَإِنَّهُ يغرم لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ ظَالِم لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (مطل الْغَنِيّ ظلم) . وارتضى تَقْيِيده الْمَذْكُور ابْن غَازِي وَغَيره، وَبحث فِيهِ الْبَدْر الْقَرَافِيّ وَتَبعهُ الشَّيْخ بناني وَغَيره بِأَن المماطل لَا يكون أَسْوَأ حَالا من الْغَاصِب، وَقد قَالَ (خَ) فِي الْغَاصِب: والمثلى وَلَو بغلاء بِمثلِهِ الخ. قلت: يرد بحثهم بِأَن الْمَسْأَلَة من بَاب التَّعَدِّي لَا من بَاب الْغَصْب، والمتعدي يضمن مَا آل الْأَمر إِلَيْهِ. أَلا ترى أَن الْمُتَعَدِّي على الْمَنْفَعَة يضمن الذَّات آل الْأَمر إِلَى تلفهَا، والمطل من ذَلِك لِأَنَّهُ يماطله لينْتَفع ويتوسع حَتَّى آل إِلَى التّلف للْكُلّ أَو الْبَعْض، وَقد علمت أَنه لَا يُقَاس التَّعَدِّي على الْغَصْب وَلَا الْعَكْس لاخْتِلَاف أحكامهما، وبحثهم أَيْضا بِأَن تَقْيِيد الوانوغي خلاف ظَاهر الْمُدَوَّنَة، وَقد تقرر أَن ظَاهرهَا كالنص عِنْدهم الخ. يرد بِأَن الْمُطلق على إِطْلَاقه مَا لم يقم دَلِيل على تَقْيِيده، وَقد قَامَ الدَّلِيل على تقييدها من مَوَاضِع لَا تحصى، أَلا ترى أَن المماطل تسبب بمطله فِي إِتْلَاف الثّمن أَو بعضه على ربه فَهُوَ كمانع مدية الذَّكَاة حَتَّى تلف المذكى، وكالملد يتسبب فِي غرم الطَّالِب أُجْرَة العون، وكالولي يُؤَخر دفع مَال الْيَتِيم إِلَيْهِ بعد رشده حَتَّى تلف، وكالمودع عِنْده يُؤَخر دفع الْوَدِيعَة لِرَبِّهَا بعد طلبه إِيَّاهَا فَوَجَبَ الْغرم على المتسبب فِي ذَلِك كُله، بل ذكر السُّيُوطِيّ أَن نَاظر الْوَقْف إِذا قبض كِرَاء ربع الْوَقْف وَأخر صرفه لأربابه عَن وقته الْمَشْرُوط صرفه فِيهِ مَعَ إِمْكَانه حَتَّى تغير النَّقْد بِنَقص فَإِنَّهُ يضمن النَّقْص فِي مَاله لتعديه، وَهُوَ نَص فِي النَّازِلَة جَار على مَذْهَبنَا لما مر فِيمَن أخر مَال الْيَتِيم، وَكَذَا لَو بور الْوَلِيّ رباع الْيَتِيم حَتَّى دثرت مَعَ إِمْكَانه صيانتها فَإِنَّهُ ضَامِن لتعديه بِعَدَمِ فعل مَا وَجب عَلَيْهِ. وَقد نَص الإِمَام مَالك وَأَصْحَابه على مثل التَّقْيِيد الْمَذْكُور فِي نَظِير الْمَسْأَلَة فَفِي الْمسَائِل الملقوطة. وَنَقله (ح) أَوَاخِر الْعُيُوب مُسلما مَا مَعْنَاهُ: وَمن عَلَيْهِ طَعَام ومكنه من ربه مرَارًا فَأبى ربه من قَبضه حَتَّى غلا قَالَ مَالك: لَيْسَ لرَبه المكيلة وَإِنَّمَا لَهُ قِيمَته يَوْم امْتنع من أَخذه وَلم يخْتَلف فِي هَذَا اه. فَهَذِهِ وَقع المطل فِيهَا من الْقَابِض وَمَا نَحن فِيهِ وَقع فِيهِ المطل من الدَّافِع وهما سَوَاء فِي الْمَعْنى، فالقيد الْمَذْكُور سلمه الأكابر وَوَجهه ظَاهر، وَلَا سِيمَا على مَا مر عَن الْمسَائِل الملقوطة من عدم الِاخْتِلَاف فِي ذَلِك والتفريق بَين مطل الدَّافِع ومطل الْقَابِض عملا بِالْيَدِ لَا يَصح بِحَال وبحثهم أَيْضا بِأَن ربه كَانَ لَهُ طلبه عِنْد الْحَاكِم وَأَنه دخل على أَن يماطله أَو يفلس كُله لَا يخفى مَا فِيهِ لِأَن المماطل إِنَّمَا ضمن بِسَبَب تعديه بترك فعل مَا وَجب عَلَيْهِ من الْأَدَاء بعد طلبه، ومطل الْغَنِيّ ظلم، وَلَا يخفى أَنه لم يدْخل مَعَه على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 المماطلة المؤدية لتلف شَيْئه، وَلَو كَانَ عدم الدّفع للْحَاكِم حجَّة لم يكن لمطل الْقَابِض أثر وَلم يضمن الْوَلِيّ بِتَأْخِير الدّفع للرشيد لِأَنَّهُ لم يرفعهُ وَالله أعلم. السَّابِع: إِذا وَقع عقد الْمُعَامَلَة فِي وَقت يتَسَامَح النَّاس فِي اقْتِضَاء الدَّرَاهِم النَّاقِصَة، وَكَانَ الْقَضَاء بعد النداء على التَّعَامُل بالوازن فَقَالَ ابْن لب: يجب أَن ينظر إِلَى زمن العقد فَإِن كَانَت الدَّرَاهِم يَوْمئِذٍ نَاقِصَة وكاملة قضى بالكاملة لِأَن قَبضه للناقصة يَوْمئِذٍ إِنَّمَا هُوَ مَعْرُوف وَلَا يقْضى بِهِ، وَإِن كَانَت كلهَا يَوْمئِذٍ نَاقِصَة لم يقْض عَلَيْهِ إِلَّا بهَا اه. . قلت: قَوْله يتَسَامَح النَّاس الخ. فِيهِ إِشْعَار بِأَن النَّاس كَانُوا يقبضون النَّاقِص على وَجه التسامح وَالْمَعْرُوف، وَيفهم مِنْهُ أَنهم إِذا كَانُوا يقبضونه لَا على التسامح بل لكَونه يروج عِنْدهم، فَالْحكم هُوَ مَا تقدم فِي التَّنْبِيه الثَّانِي لِأَنَّهُ من تعدد السكَك حِينَئِذٍ وَالله أعلم. الثَّامِن: إِذا وَقع البيع فَاسِدا لبعد أَجله وَنَحْو ذَلِك وَفَاتَ الْمَبِيع بِالْقيمَةِ، فأجرة الْمُقَوّم على البَائِع كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي أقضية المعيار: (مِمَّن لَهُ تصرف فِي المَال) مُتَعَلق بمقدر بعد قَوْله: جَازَ أَي عقد الْمُعَاوضَة فِي الْأُصُول جَازَ وَلزِمَ مِمَّن لَهُ تصرف فِي المَال الخ. وَهُوَ الرشيد الَّذِي لَا حجر عَلَيْهِ فَلَا يلْزم عقد الْمُعَاوضَة من غير الرشيد وَإِن كَانَ عقده جَائِزا صَحِيحا حَيْثُ كَانَ مُمَيّزا، وَلَا من الرشيد المحجر عَلَيْهِ كالمفلس، بل يتَوَقَّف لُزُوم بيعهمَا وشرائهما على إجَازَة الْوَلِيّ والغرماء. وَهَذَا الشَّرْط لَيْسَ خَاصّا بِبيع الْأُصُول بل هُوَ عَام فِيهَا وَفِي غَيرهَا، فَإِن غفل الْوَلِيّ عَن رد تصرف مَحْجُوره فَلهُ هُوَ رده بعد رشده، وَالْغلَّة الْحَاصِلَة فِيمَا بَين تصرفه ورد فعله للْمُشْتَرِي إِن لم يعلم بحجره فَإِن علم رد الْغلَّة وَيرد الْغنم مَعَ نسلها وَالْأَرْض وَلَو بنيت وَله قيمَة بنائِهِ وغرسه مقلوعاً لِأَنَّهُ كَالْغَاصِبِ، وَأما المُشْتَرِي من غير الْمُمَيز فَيرد الْغلَّة مُطلقًا علم أَو لم يعلم لِأَن بَيْعه بَاطِل لم يَصح، ثمَّ مَحل الرَّد للمحجور بعد رشده إِذا صرف الثّمن فِيمَا لَهُ غنى عَنهُ، وَأما إِن صرف فِيمَا لَا غنى لَهُ عَنهُ بِحَيْثُ لَو رفع إِلَى الْحَاكِم لَكَانَ يَفْعَله فَإِنَّهُ يمْضِي بَيْعه وَلَا قيام لَهُ قَالَه فِي الِاسْتِغْنَاء. وَنَقله (ت) فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين وَهُوَ جَار على الْقَاعِدَة الَّتِي ذكرهَا الْبُرْزُليّ وَغَيره وَهِي أَن كل من فعل فعلا لَو رفع إِلَى الْحَاكِم لم يفعل غَيره فَفعله مَاض ونقلها (ق) عِنْد قَول الْمَتْن فِي الْخلْع: وَجَاز من الْأَب عَن الْمُجبرَة. وَجائِزٌ أَنْ يُشْتَرَى الهَواءُ لأَنْ يُقَامَ مَعَهُ الْبِنَاءُ (وَجَائِز أَن يشترى الْهَوَاء) بِالْمدِّ وَهُوَ مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض، وَأما بِالْقصرِ فَهُوَ مَا تحبه النَّفس وتهواه. قَالَ ابْن مَالك فِي قصيدته فِي الْمَقْصُور والممدود: أَطَعْت الْهوى فالقلب مِنْك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 هَوَاء أَي: تلطف قَلْبك ولان حَتَّى صَار كالهواء الَّذِي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض. قسا كصفا قد بَان عَنهُ صفاء. (لِأَن يُقَام مَعَه الْبناء) أَي: يجوز شِرَاء عشرَة أَذْرع مثلا من هَوَاء فَوق سقف بَيت مَوْجُود لأجل أَن يُقيم المُشْتَرِي فِي ذَلِك الْهَوَاء بِنَاء مَوْصُوفا، فَمَعَ بِمَعْنى (فِي) . وَكَذَا يجوز شِرَاء هَوَاء فَوق هَوَاء كَشِرَاء عشرَة أَذْرع مثلا فَوق عشرَة أَذْرع يبنيها البَائِع إِذا وصف الْبناء الْأَسْفَل والأعلى فِي هَذِه لرغبة صَاحب الْأَعْلَى فِي وثاقة بِنَاء الْأَسْفَل، ورغبة صَاحب الْأَسْفَل فِي خفَّة بِنَاء الْأَعْلَى وَيملك صَاحب الْأَعْلَى مَا فَوْقه من الْهَوَاء فِي الصُّورَتَيْنِ، وَلَكِن لَا يَبْنِي فِيهِ إِلَّا بِرِضا صَاحب الْأَسْفَل. وَهَذَا يُفِيد أَن من ملك أَرضًا يملك هواءها إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ. وَلذَا جَازَ لَهُ بَيْعه، وَكَذَا يملك بَاطِنهَا على الْمُعْتَمد، إِذا تهدم بِنَاء الْأَسْفَل فَيَقْضِي عَلَيْهِ أَو على وَارثه أَو المُشْتَرِي مِنْهُ بإعادته لِأَنَّهُ مَضْمُون كَمَا قَالَ (خَ) : وهواء فَوق هَوَاء إِلَى قَوْله وَهُوَ مَضْمُون إِلَّا أَن يذكر الْمدَّة بِإِجَارَة تَنْفَسِخ بانهدامه. وَمَا على الجِزَافِ والتَّكْسِيرِ يُبَاعُ مَفْسُوخٌ لَدَى الجُمْهُورِ (وَمَا) مُبْتَدأ (على الْجزَاف والتكسير) أَي الْكَيْل يتَعَلَّق بقوله: (يُبَاع مفسوخ) خَبَرهَا مَا وَهِي وَاقعَة على الْأُصُول لِأَن الْفَصْل مَعْقُود لَهَا أَي: وَالْأُصُول الَّتِي يُبَاع بَعْضهَا على الْجزَاف وَبَعضهَا على التكسير صَفْقَة وَاحِدَة مفسوخ بيعهَا كَقَوْلِه: أبيعك هَذِه الْقطعَة من الأَرْض جزَافا بدرهم على أَن تشتري مني الْقطعَة الْأُخْرَى كل ذِرَاع أَو فدان أَو مرجع مِنْهَا بدرهم أَو قَالَ: أبيعك هَذِه الأَرْض كل ذِرَاع بدرهم على أَن تشتري مني الشّجر الْفُلَانِيّ أَو الْكَرم الْفُلَانِيّ بِدِينَار، وَمَفْهُوم الْأُصُول أَن غَيرهَا يجوز بَيْعه على الْجزَاف والتكسير وَهُوَ كَذَلِك على تَفْصِيل، فَيجوز بيع أَرض جزَافا مَعَ طَعَام كَيْلا أَو وزنا لمجيء كل مِنْهُمَا على الأَصْل وَيمْتَنع بيع حبه جزَافا مَعَ حب أَو أَرض كَيْلا، فالصور أَربع يمْتَنع مِنْهَا ثَلَاث وَهِي أَرض جزَافا مَعَ أُخْرَى كَيْلا وَهِي مَنْطُوق النّظم، أَو حب جزَافا مَعَ حب أَو أَرض كَيْلا. وَهَاتَانِ داخلتان فِي مَفْهُومه وهما ممنوعتان أَيْضا، وَتدْخل فِيهِ صُورَة أُخْرَى وَهِي أَرض جزَافا مَعَ حب كَيْلا أَو وزنا، وَهِي جَائِزَة فقد اشْتَمَل منطوقه على وَاحِدَة، وَمَفْهُومه على ثَلَاث يمْتَنع مِنْهَا اثْنَتَانِ أَيْضا، وَتجوز وَاحِدَة. وَقد استوفاها (خَ) عاطفاً على الْمَمْنُوع بقوله: وجزاف حب مَعَ مَكِيل مِنْهُ أَو أَرض مَعَ مكيلة لَا مَعَ حب الخ. وحاصلها أَنه إِذا اجْتمع مَعْلُوم ومجهول فَإِن جَاءَ كل وَاحِد مِنْهُمَا على أَصله، فالجواز، فَإِن خرجا عَن أَصلهمَا أَو أَحدهمَا فالمنع كالصور الثَّلَاث، وَعلة الْمَنْع فِيهَا الْخُرُوج عَن الرُّخْصَة لِأَن الأَصْل فِي الْجزَاف الْمَنْع فإضافة غَيره إِلَيْهِ كَمَا فِي الصُّور الثَّلَاث خُرُوج عَن الْمحل الْوَارِد فِيهِ قَالَه (تت) وَعلله الْمَازرِيّ بِأَن الْمكيل مَعْلُوم مبلغه والجزاف مظنون، واجتماع مَعْلُوم ومظنون فِي عقد وَاحِد يصير فِي الْمَعْلُوم غرراً لم يكن فِيهِ اه. وَأما الصُّورَة الْجَائِزَة فَلَيْسَ فِيهَا خُرُوج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 عَن الرُّخْصَة لِأَن الأَصْل فِي الأَرْض الْجزَاف، وَفِي الْحبّ الْكَيْل، فَإِذا قَالَ: أبيعك هَذِه الْقطعَة من الأَرْض بدرهم على أَن تشتري مني هَذِه الصُّبْرَة كل قفيز بِكَذَا جَازَ وَالله أعلم. (لَدَى الْجُمْهُور) وَهُوَ الْمَعْمُول بِهِ كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَفهم مِنْهُ أَن غير الْجُمْهُور من الْعلمَاء يَقُول بِجَوَاز ذَلِك. وَتقدم أَن الْوَزْن كالكيل فَلَا يجوز بيع آنِية من سمن جزَافا مَعَ أُخْرَى وزنا، وَلَا شِرَاء قربَة لبن جزَافا بدرهم على وزن زبدها كل رَطْل بدرهم، وَإِنَّمَا يَشْتَرِي الْجَمِيع جزَافا أَو اللَّبن كَيْلا على حِدته وَالسمن وزنا كَذَلِك قَالَ (ق) : انْظُر مَسْأَلَة تعم بهَا الْبلوى وَهِي أَن الْمَرْء يَشْتَرِي من الْعَطَّار وزنا مَعْلُوما من شَيْء ويفضل لَهُ دِرْهَم فَيَقُول لَهُ: أَعْطِنِي بِهِ أبزاراً والأبزار بالدرهم تكون جزَافا، فَهَذَا جَائِز إِن لم يدخلا على ذَلِك فِي أصل العقد اه. . تَنْبِيه: قَالَ ابْن الْعَطَّار: لَا يجوز بيع الأَرْض على التكسير حَتَّى يعرف طيب الأَرْض ومتوسطها من رديئها كَالَّذي يَشْتَرِي صبرَة شعير وصبرة قَمح كل قفيز بدرهم وَلَا يعرف كيل كل صبرَة، فَإِنَّهُ لَا يحل ذَلِك كَبيع الأَرْض الْمُخْتَلفَة الْأَثْمَان على التكسير اه. وَنَقله ابْن سَلمُون. قلت: قَالَ فِي النكت: إِنَّمَا لم يجز بيع صبرَة قَمح وصبرة شعير كل قفيز بِكَذَا لما فِي ذَلِك من التخاطر بَين الْمُتَعَاقدين لِأَن المُشْتَرِي يطْمع أَن يكون الْقَمْح أَكثر فَيكون أَخذه بِسعْر الشّعير، وَالْبَائِع يطْمع أَن يكون الشّعير أَكثر فَيكون بَاعه بِسعْر الْقَمْح اه. وَالْأَرْض الْمُخْتَلفَة فِي الْجَوْدَة والرداء كَذَلِك. هَذَا وَجه مَا قَالَه ابْن الْعَطَّار وَهُوَ ظَاهر. وَقَوله: وَلَا يعرف كيل كل صبرَة يَعْنِي وَقت العقد، وَمَفْهُومه أَنه إِذا كَانَ كيل كل صبرَة محصوراً عِنْده مَعْرُوفا جَازَ، وَكَذَا لَو بَاعَ لَهُ بِعشْرَة مثلا قِطْعَة أَرض جزَافا مَعَ أَرْبَعَة أَذْرع مثلا من أُخْرَى بعد كيلها كل ذِرَاع بدرهم لِأَنَّهُمَا يعلمَانِ أَن الْأَرْبَعَة الأذرع ينوبها من الْعشْرَة أَرْبَعَة، وَالْبَاقِي وَهُوَ سِتَّة للْأَرْض الْجزَاف فَلَا جهل فَيجوز فِيمَا يظْهر وَلم أَقف عَلَيْهِ مَنْصُوصا وَالله أعلم. وَآبِرٌ مِنْ زَرْعٍ أَوْ مِنْ شَجَرِ لِبَائِعٍ إلاَّ بِشَرْطِ الْمُشْتَرِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 (وآبر) بِمَعْنى مَأْبُور كدافق بِمَعْنى مدفوق وَهُوَ صفة لمَحْذُوف أَي: وثمر آبر (من زرع أَو من شجر) وَسَيَأْتِي للناظم أَن التَّأْبِير فِي الزَّرْع هُوَ ظُهُوره للعيان، وَفِي ثمار الشّجر عقدهَا وَثُبُوت مَا يثبت مِنْهَا فَمن بَاعَ أَرضًا فِيهَا زرع أَو شَجرا فِيهَا ثَمَر وَلم يتَعَرَّض للثمار وَلَا للزَّرْع فَمَا كَانَ من ذَلِك مؤبراً فَذَلِك كُله (لبائع إِلَّا بِشَرْط المُشْتَرِي) إِدْخَاله فِي البيع لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (من بَاعَ نخلا قد أبرت فثمرها للْبَائِع إِلَّا أَن يَشْتَرِطه الْمُبْتَاع) اه. وأبرت فِي الحَدِيث الْكَرِيم بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد الْمُوَحدَة، وَلأبي ذَر: أبرت بِضَم الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمُوَحدَة وَهُوَ الْأَكْثَر قَالَه الْقُسْطَلَانِيّ، وَإِنَّمَا جَازَ للْمُشْتَرِي اشْتِرَاطه مَعَ أَنه لَا يَصح بَيْعه لعدم بَدو صَلَاحه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تبع للْأَصْل وَلَيْسَ بمقصود فِي نَفسه، وَلِهَذَا لَا بُد أَن يشْتَرط جَمِيع الثَّمر أَو الزَّرْع، فَإِن اشْترط بعض مَا أبر وَترك غَيره فسد البيع كَمَا قَالَ: وَلاَ يَسُوغُ بِاشْتِرَاطِ بَعْضِهِ وَإنْ جَرَى فَلا غِنَى عَنْ نَقْضِهِ (وَلَا يسوغ) البيع (بِاشْتِرَاط بعضه وَإِن جرى) أَي: وَقع اشْتِرَاط البيع (فَلَا غنى عَن نقضه) وَفسخ ذَلِك البيع من أَصله لِأَنَّهُ بِاشْتِرَاط بعضه قصد لبيع الثَّمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا، وَكَذَا لَا يجوز اشْتِرَاطهَا إِذا اشْترى الأَصْل بِطَعَام أَو شراب أبرت أم لَا، إِلَّا أَن يشْتَرط الجذ مَكَانَهُ. تَنْبِيه: إِذا أبرّ الْبَعْض دون الْبَعْض فَإِن كَانَ المأبور قدر الثُّلُث فدون كَانَ تَابعا للْأَكْثَر وَيكون الْجَمِيع للْمُبْتَاع، وَإِن كَانَ المأبور الْأَكْثَر كَانَ للْبَائِع إِلَّا بِشَرْط الْمُبْتَاع، وَإِن تَسَاويا نظرت فَإِن كَانَ المأبور على حِدة كَانَ للْبَائِع وَمَا لم يؤبر كَانَ للْمُبْتَاع، وَإِن كَانَ مختلطاً فَقيل للْبَائِع وَقيل للْمُبْتَاع ثَالِثهَا للعتبية والموازية أَن البيع لَا يجوز إِلَّا أَن يرضى البَائِع أَن يسلم الْجَمِيع للْمُبْتَاع. قَالَ ابْن الْعَطَّار: أَو يرضى الْمُبْتَاع أَن يتْرك ذَلِك للْبَائِع فَيصح بِهِ البيع. المتيطي: وَبِهَذَا الْقَضَاء اه. وَغَيْرُ مَا أُبِّرَ لِلْمُبْتَاعِ بِنَفْسِ عَقْدِهِ بِلاَ نِزَاعِ (وَغير مَا أبر) من زرع أَو ثَمَر فَهُوَ (للْمُبْتَاع بِنَفس عقده) على الأَصْل من غير احْتِيَاج إِلَى شَرطه (بِلَا نزاع) بَين الْفُقَهَاء أخذا بِمَفْهُوم الحَدِيث الْمُتَقَدّم لِأَنَّهُ لما قَالَ فِيهِ: تكون للْبَائِع دلّ ذَلِك على أَنَّهَا تكون للْمُبْتَاع إِذا لم تؤبر، وَاشْتِرَاط الْمُبْتَاع لَهُ زِيَادَة تَأْكِيد كَمَا هُوَ ظَاهر. قَالَ ابْن فتحون: وَإِذا كَانَ فِي الشّجر ثَمَرَة لم تؤبر أَو زرع لم يظْهر فَلَا يجوز للْبَائِع اسْتثِْنَاء ذَلِك كالجنين فِي بطن أمه وَهُوَ للْمُشْتَرِي بِمُقْتَضى العقد، وَلَا يجوز للْمُبْتَاع اشْتِرَاطه لِئَلَّا تقع لَهُ حِصَّة من الثّمن، وَقد يُمكن أَن لَا يثبت فَيكون من الْغرَر اه. وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة قَالَ ابْن عتاب: وَفِي نَوَازِل سَحْنُون أَنه جَازَ اشْتِرَاطه فِي العقد، وَلم يذكر ابْن رشد غَيره اه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 قلت: وَهُوَ ظَاهر لِأَنَّهُ إِذا كَانَ غير المأبور يجب للْمُشْتَرِي بِالْعقدِ فاشتراطه زِيَادَة تَأْكِيد، وَقَوْلهمْ: اشْتِرَاطه يُوجب لَهُ حِصَّة من الثّمن يُقَال عَلَيْهِ كَونه لَهُ حِصَّة من الثّمن ثَابت بانعقاد ضمائرهما عَلَيْهِ، وَلَو لم يكن هُنَاكَ اشْتِرَاط إِذْ البَائِع يقْصد إِلَى بيع الأَرْض ببذرها وَالْمُشْتَرِي كَذَلِك، فَهَذَا وَجه مَا لسَحْنُون. وَاقْتصر عَلَيْهِ ابْن رشد وَلَا يَنْبَغِي الْعُدُول عَنهُ إِذْ الْأَحْكَام إِنَّمَا تَدور على الْمَقَاصِد وَلَو خَالَفت الْأَلْفَاظ فَكيف إِذا وافقتها. وَلاَ يَجُوزُ شَرطهُ لِلْبَائِعِ وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ بِهِ فِي الْوَاقِعِ (وَلَا يجوز شَرطه للْبَائِع) أَي لَا يجوز للْبَائِع أَن يشْتَرط على المُشْتَرِي إبْقَاء غير المأبور من الثَّمر وَالزَّرْع لنَفسِهِ (وَالْبيع مفسوخ بِهِ) أَي بِشَرْط غير المأبور للْبَائِع (وَفِي الْوَاقِع) لِأَنَّهُ اسْتثْنى حِينَئِذٍ فِي الزَّرْع مَا فِي بطن الأَرْض، وَذَلِكَ لَا يجوز كَمَا لَا يجوز بيع الْحَامِل واستثناء جَنِينهَا، وَأما فِي الثَّمر فَإِنَّمَا يتمشى على القَوْل بِأَن الْمُسْتَثْنى مشترى لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون فِيهِ شِرَاء الثَّمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا بل وَقبل أبارها لَا على القَوْل الآخر من كَون الْمُسْتَثْنى مبقى. قَالَ الشَّارِح: وَهُوَ الْأَظْهر وَالْأول مُشكل، وَبِالْجُمْلَةِ فالشارح استظهر كَون الْمُسْتَثْنى مبقى وَضعف كَونه مشترى، وَظَاهره فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَفِي غَيرهَا وَهُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده. وَفِي الثِّمَارِ عَقْدُهَا الإِبَّارُ والزّرْعُ أَنْ تُدْرِكَهُ الأَبْصَارُ (وَفِي الثِّمَار) يتَعَلَّق بالْخبر بعده (عقدهَا) مُبْتَدأ خَبره (الْأَبَّار و) الْأَبَّار فِي (الزَّرْع أَن تُدْرِكهُ الْأَبْصَار) . حَاصله أَن الْأَبَّار فِي النّخل تذكيره أَي تَعْلِيق الذّكر على الْأُنْثَى، وَفِي سَائِر الْأَشْجَار العقد وَثُبُوت مَا يثبت مِنْهُ بعد سُقُوط مَا يسْقط وَهُوَ الْمعبر عَنهُ فِي قَول القدماء باللقاح، وَفِي الزَّرْع خُرُوجه من الأَرْض وإدراكه بالأبصار قَالَه فِي الْمُفِيد وَغَيره. كَذَا قَلِيبُ الأَرْضِ لِلمُبْتَاعِ دُونَ اشْتِرَاط فِي الابْتِيَاعِ (كَذَا) حَال من الِاسْتِقْرَار بعده وَالْإِشَارَة لما لم يؤبر (قليب الأَرْض) مُبْتَدأ (للْمُبْتَاع) خَبره (دون اشْتِرَاطه) يتَعَلَّق بالاستقرار أَيْضا (فِي الابتياع) يتَعَلَّق باشتراطه وَالتَّقْدِير قليب الأَرْض كَائِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 للْمُبْتَاع دون اشْتِرَاطه كالثمرة الَّتِي لم تؤبر. ابْن عَاتٍ: وَإِن كَانَ فِي الْمَبِيع أَرض مَقْلُوبَة فالقليب للْمُبْتَاع وَإِن كَانَ لم يَشْتَرِطه وَلَا كَلَام فِيهِ للْبَائِع قَالَه حمديس وَغَيره وَبِه الْفَتْوَى. وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون، وَعَلِيهِ فَالْمُرَاد بالقليب أَن تكون الأَرْض مَقْلُوبَة أَي محروثة بِلَا بذر فيبيعها رَبهَا بعد حرثها وَقبل بذرها فَلَا كَلَام للْبَائِع فِي أَن القليب لم يدْخل فِي الابتياع وَأَنه ينْتَفع بزراعة قليبه، ثمَّ يسلم الأَرْض لمشتريها حَيْثُ لم يشْتَرط ذَلِك فِي العقد فَإِن اشْتَرَطَهُ كَانَ لَهُ شَرطه لِأَنَّهُ يجوز بيع الأَرْض على أَن تقبض بعد عشر سِنِين فدون كَمَا مر، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بالقليب الْبِئْر الَّتِي تسقى بهَا الأَرْض، وَالْإِضَافَة حِينَئِذٍ على معنى (فِي) أَي فَمن بَاعَ أَرضًا وفيهَا بِئْر لم يستثنها، فَإِن العقد يَتَنَاوَلهَا وَتَكون للْمُبْتَاع كتناول الأَرْض للأشجار وَالنَّقْل شَاهد لكل من الِاحْتِمَالَيْنِ، لِأَن الأول نَص عَلَيْهِ ابْن عَاتٍ وَغَيره كَمَا مرّ، وَالثَّانِي هُوَ قَول (خَ) وتناولتهما أَي تناولت الأَرْض أَي بيعهَا مَا فِيهَا من بِنَاء وغرس وبئر وَعين وَغير ذَلِك إِلَّا أَن يستثنيه البَائِع عِنْد العقد، لَكِن الْحمل الأول يضعف من جِهَة أَنه إِذا كَانَ الزَّرْع الْغَيْر المأبور للْمُبْتَاع فأحرى القليب الْمَذْكُور لِأَن غَايَته أَنه صفة للْمَبِيع فَهُوَ مَفْهُوم مِمَّا قبله بِالْأُخْرَى بِخِلَاف الْحمل الثَّانِي وَالله أعلم. والماءُ إنْ كانَ يَزِيدُ وَيَقِلْ فَبَيْعُهُ لِجَهْلِهِ لَيْسَ يَحِلْ (وَالْمَاء إِن كَانَ يزِيد) أَي يكثر فِي بعض الْأَوْقَات (ويقل) فِي بَعْضهَا (فبيعه) اسْتِقْلَالا (لجهله لَيْسَ يحل) قَالَ ابْن سَلمُون: فَإِن كَانَ الْمَبِيع شرب عين أَو حظاً من مَاء فَتَقول: اشْترِي جَمِيع شرب الْعين أَو الْبِئْر أَو نصفه أَو ربعه، ثمَّ قَالَ ابْن فتحون: وَتقول فِي النَّص أَي فِي الْوَثِيقَة بعد الْوُقُوف على قلَّة المَاء وكثرته والاختبار لَهُ فِي كل وَقت وزمان وإحاطة علم المُشْتَرِي بِهِ وَإِن كَانَ يقل وَيكثر وَلَا يُوقف على الْحَقِيقَة مِنْهُ لم يجز بَيْعه لِأَنَّهُ مَجْهُول اه. وَنَحْوه فِي نقل الشَّارِح على الْمُتَيْطِيَّة وَقَالَ عقبه: هَذَا مِمَّا يشكل عَلَيْهِ بيع شراب مَوَاضِع من المرية وَغَيرهَا فَإِنَّهَا تقل فِي السنين الجدبة وتكثر فِي غَيرهَا وَالظَّاهِر جَوَاز الْمُعَاوضَة فِيهَا لارتباطها بِمَا أجْرى الله تَعَالَى من الْعَادة فِيهَا، فالمتعاقدان يعلمَانِ ذَلِك ويدخلان عَلَيْهِ، فَهَذَا كالغرر المغتفر فِي بيع الْأُصُول، إِذْ قد لَا تكون لَهَا غلَّة فِي بعض السنين، وَيحمل الْبَيْت وَالنَّص على مَا إِذا جهل المتعاقدان مَعًا قلته وكثرته وَيكون من التلون بِحَيْثُ لَا يَأْخُذهُ الضَّبْط اه. فَقَوله: إِذْ قد لَا تكون لَهَا غلَّة الخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 الصَّوَاب حذفه لِأَن الْمُشْتَرى هُوَ الْأُصُول لَا الْغلَّة قَالَه ابْن رحال قَالَ: وَمَا اسْتَظْهرهُ الشَّارِح من جَوَاز الْمُعَاوضَة فِيهِ هُوَ الْمُتَعَيّن اه. قلت: مَا اسْتَظْهرهُ الشَّارِح هُوَ عين مَا مرّ عَن ابْن سَلمُون لأَنهم إِنَّمَا أناطوا منع بَيْعه بِعَدَمِ علم حَقِيقَته بِحَيْثُ يقل فِي أَيَّام الشتَاء وَيكثر فِي بَعْضهَا يَوْمًا بِيَوْم وشهراً بِشَهْر، وَكَذَا هُوَ حكمه وعادته فِي سَائِر السّنة وَلَا تضبط قلته وَلَا كثرته فيهمَا فَمثل هَذَا هُوَ الَّذِي لَا تعلم حَقِيقَته، وَأما إِن علمت بالاختبار وَعلم المُشْتَرِي بقلته فِي بعض الْأَوْقَات كالصيف وكثرته فِي بَعْضهَا كالشتاء وَالربيع على مَا هُوَ الْمُعْتَاد فَلَا منع إِذْ ذَاك إِذْ لَا يجهله المتعاقدان، وَكَذَا قلّته فِي السنين الجدبة وكثرته فِي غَيرهَا لَا يخفى على أَحدهمَا لِأَن الْمِيَاه فِي السنين الجدبة رُبمَا يَبِسَتْ بِالْكُلِّيَّةِ فضلا عَن قلتهَا، والسنون الجدبة بِالنِّسْبَةِ لغَيْرهَا نادرة فَلَا حكم لَهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا مَحل للإشكال وَلَا للاستظهار لِأَنَّهُ استظهار فِي مَحل النَّص وَالله أعلم. ابْن سَلمُون: إِثْر مَا مرّ وَلَا يجوز بيع الْأَنْهَار الْعَامَّة إِلَّا أَن يصرف مِنْهَا شَيْء وَيملك بالإسداد فَيجوز بَيْعه. وَشَرْطُ إبْقَاءِ المَبِيعِ بِالثَّمَنْ رَهْناً سِوَى الأَصُولِ بِالمَنْعِ اقْتَرَنْ (وَشرط إبْقَاء الْمَبِيع) المصدران مضافان لمفعوليهما (فِي الثّمن) يتَعَلَّق بقوله (رهنا) بِمَعْنى مَرْهُون مفعول ثَان بإبقاء (سوى الْأُصُول) حَال من الْمَبِيع (بِالْمَنْعِ) يتَعَلَّق بقوله (اقْترن) وَالْجُمْلَة خبر شَرط وَالتَّقْدِير؛ وَشرط البَائِع أَن يبقي بِضَم الْيَاء الْمَبِيع مَرْهُونا فِي الثّمن بِيَدِهِ أَو بيد أَمِين حَال كَون الْمَبِيع غير الْأُصُول اقْترن بِالْمَنْعِ، وَظَاهره كَانَ البيع حَالا أَو لأجل وَلَيْسَ كَذَلِك، بل مَحَله إِذا كَانَ لأجل لَا يجوز اسْتثِْنَاء مَنْفَعَة الْمَبِيع إِلَيْهِ على مَا مر تَفْصِيله فِي أول هَذَا الْفَصْل، وَأما إِذا كَانَ حَالا فَللْبَائِع أَن يحبس سلْعَته إِلَى أَن يقبض ثمنهَا وَلَو لم يشْتَرط ذَلِك كَمَا قَالَ (خَ) : وبرىء المُشْتَرِي للتنازع الخ. فاشتراطه ذَلِك حِينَئِذٍ مُؤَكد، وَإِذا هَلَكت وَقت حَبسهَا فيضمنها البَائِع ضَمَان الرِّهَان كَمَا قَالَ (خَ) : وَضمن بِالْعقدِ إِلَّا المحبوسة للثّمن فكالرهن. وَقِيلَ بالجَوَازِ مَهْمَا اتّفَقَا فِي وَضْعِهِ عِنْدَ أَمِينٍ مُطْلَقَا أصلا كَانَ أَو غَيره وَهُوَ مُسْتَغْنى مِنْهُ لِأَن الْكَلَام فِي غير الْأُصُول كَمَا هُوَ مَوْضُوعه، قَالَ ابْن سَلمُون: وَلَا يجوز للْبَائِع أَن يشْتَرط على المُشْتَرِي أَن تبقى الدَّابَّة رهنا بِيَدِهِ فِي الثّمن إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 أَجله، وَكَذَلِكَ لَا يجوز فِي سَائِر الْحَيَوَان وَالْعرُوض وَالْبيع على ذَلِك مفسوخ روى ذَلِك ابْن وهب عَن مَالك فِي الْحَيَوَان. وَقَالَهُ ابْن الْقَاسِم فِي الْعرُوض. قَالَ ابْن رشد: وَذَلِكَ جَائِز فِي الْأُصُول كلهَا لِأَنَّهُ يجوز أَن تبَاع على أَن تقبض إِلَى أجل قَالَ: فَإِن وضعت هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي لَا يجوز ارتهانها عِنْد بيعهَا على يَد عدل كَانَ ذَلِك جَائِزا، وَقيل: إِنَّه لَا يجوز أَن يَبِيع الرجل شَيْئا من الْأَشْيَاء على أَن يكون رهنا بِحقِّهِ إِلَى أجل وَإِن وضع ذَلِك بيد عدل، وَهُوَ قَول أصبغ. وَرَوَاهُ عَن أَشهب وَسَمَاع سَحْنُون اه. قلت: قد علمت مِمَّا مرّ فِي أول الْفَصْل أَن إبْقَاء الْمَبِيع رهنا فِي الثّمن لأَجله هُوَ من بيع معِين يتَأَخَّر قَبضه وَتقدم هُنَاكَ تَحْصِيله وَعَلِيهِ فيفصل فِي الْأَجَل، فَإِن كَانَ يتَغَيَّر الْمَبِيع إِلَيْهِ غَالِبا كَمَا لَو زَاد على الشَّهْر فِي الْحَيَوَان وعَلى ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْعرُوض وعَلى الْعشْر سِنِين فِي الأَرْض وَنَحْوهَا، فَيمْنَع ذَلِك وَيفْسخ مَعَه البيع وَهُوَ مُرَاد النَّاظِم وَغَيره هَهُنَا وَإِن كَانَ الْمَبِيع لَا يتَغَيَّر إِلَى ذَلِك الْأَجَل غَالِبا كَمَا لَو قصر الْأَجَل عَن تِلْكَ الْحُدُود جَازَ إبقائه رهنا إِذْ لَا غرر فِي ذَلِك، وَإِذا تقرر هَذَا فَظَاهر رِوَايَة ابْن وهب فِي الْحَيَوَان، وَقَول ابْن الْقَاسِم فِي الْعرُوض أَن ذَلِك لَا يجوز يَعْنِي للأجل الَّذِي يتغيران إِلَيْهِ كَانَ بيد عدل أَو عِنْد البَائِع وَهُوَ الْمُعْتَمد لِأَنَّهُ غرر، وَقَول ابْن رشد يجوز ذَلِك إِن وضعت تَحت يَد عدل لَا يجْرِي على مَا تقدم لِأَن الْأَجَل الَّذِي يتَغَيَّر إِلَيْهِ الْمَبِيع لَا يجوز على الرَّاجِح، وَلَو وضع بيد عدل، وَلَا يحمل كَلَامه على الْأَجَل الْجَائِز لِأَن الْجَائِز يجوز اشْتِرَاطه وَلَو بَقِي بيد البَائِع. وَقَوله فِي الْأُصُول لِأَنَّهُ يجوز أَن تبَاع على أَن تقبض إِلَى أجل الخ. يَعْنِي الْأَجَل الَّذِي لَا تَتَغَيَّر إِلَيْهِ كالعشر، وَالْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يتَغَيَّر إِلَيْهِ كالعشرين، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ على النَّاظِم أَن لَا يتبعهُ فِي الْوَضع عِنْد أَمِين وَأَن لَا يَسْتَثْنِي الْأُصُول، وَأَن يقْتَصر على صَرِيح القَوْل الآخر فِي كَلَام ابْن سَلمُون من أَن ذَلِك لَا يجوز فِي الْأُصُول وَغَيرهَا لِأَن النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تعم، وَلِأَن الْأَجَل فِي كَلَامهم مَحْمُول على مَا يتَغَيَّر الْمَبِيع إِلَيْهِ غَالِبا وَذَلِكَ يخْتَلف باخْتلَاف الْمَبِيع فَلَو قَالَ: وَشرط إبْقَاء الْمَبِيع مُرْتَهن لأجل بعطب فِيهِ فامنعن لوفى بِمَا مر. وَجَائزٌ فِي الدَّارِ أنْ يُسْتَثْنَى سُكْنَى بِهَا كَسَنَةٍ أَوْ أَدْنَى (وَجَائِز فِي الدَّار) أَن تبَاع إِلَى أجل بل وَلَو نَقْدا وَنقد بِالْفِعْلِ كَمَا فِي (ق) عَن سَماع يحيى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 (ان يسْتَثْنى) بِضَم الْيَاء مَبْنِيا للْمَفْعُول (سُكْنى بهَا) مُدَّة لَا تَتَغَيَّر فِيهَا غَالِبا (كَسنة أَو أدنى) أَو أَكثر كسنتين وَقيل غير ذَلِك. قَالَ فِي ضيح: وَالْخلاف خلاف فِي حَال فَإِن كَانَت الْمدَّة لَا تَتَغَيَّر فِيهَا غَالِبا جَازَ انْتهى. وَنَحْوه فِي (ق) عَن الْمُدَوَّنَة فالتحديد بِالسنةِ فِي النّظم و (خَ) غير مُعْتَمد كَمَا مرّ فِي أول الْفَصْل. ابْن سَلمُون: فَإِن الْتزم المُشْتَرِي أَن لَا يَبِيعهَا حَتَّى ينصف البَائِع من الثّمن، وَمَتى فعل ذَلِك فقد حل عَلَيْهِ الثّمن فَلَا يجوز ذَلِك إِلَّا أَن يكون طَوْعًا بعد العقد، ثمَّ قَالَ: فَإِن اخْتلفَا فَقَالَ البَائِع: وَقع طَوْعًا. وَقَالَ المُشْتَرِي: بل شرطا فِي العقد فَالْقَوْل قَول مدعي الشَّرْط إِن كَانَ يَدعِي الْفساد لِأَنَّهُ الْعرف اه. تَنْبِيه: فَإِن انْهَدَمت الدَّار فضمانها فِي مُدَّة الِاسْتِثْنَاء الْجَائِز من المُشْتَرِي وَلَا رُجُوع للْبَائِع على الْمُبْتَاع بِمَا اشْتَرَطَهُ من السُّكْنَى فِي قَول ابْن الْقَاسِم إِلَّا أَن يَبِيعهَا الْمُبْتَاع فِي أثْنَاء الْمدَّة الْجَائِزَة فَلَا يخرج مِنْهَا البَائِع حَتَّى يَسْتَوْفِي مدَّته. وَأما إِن تهدمت فِي اسْتثِْنَاء الْمدَّة الْغَيْر الْجَائِزَة فضمانها من البَائِع إِلَّا أَن تنهدم بعد أَن قبضهَا المُشْتَرِي، وَلَو قبل انْقِضَاء مُدَّة الِاسْتِثْنَاء فضمانها مِنْهُ لِأَنَّهُ بيع فَاسد يضمن بِالْقَبْضِ. وَلما قدم فِي قَوْله: وآبر من زرع أَو من شجر. حكم من اشْترى أَرضًا فِيهَا زرع فِي عقد وَاحِد أَو شجر فِيهَا ثَمَر، كَذَلِك أَشَارَ هُنَا إِلَى مَا إِذا اشْترى الأَرْض وَحدهَا ثمَّ اشْترى زَرعهَا أَو الشّجر وَحدهَا ثمَّ ثَمَرهَا فَقَالَ: وَمُشْتَرِي الأصْلِ شِرَاؤُهُ الثَّمرْ قَبْلَ الصَّلاح جائِزٌ فِيمَا اشْتَهَرْ (ومشتري الأَصْل) وَوجد فِيهِ ثَمَر مؤبر لم يَشْتَرِطه وَبَقِي لبَائِعه (شِرَاؤُهُ) ذَلِك (الثَّمر) المؤبر بعد ذَلِك (قبل) بَدو (الصّلاح) فِيهَا (جَائِز) مُطلقًا قرب مَا بَين العقد على الأَصْل وَالثِّمَار أم لَا. (فِيمَا اشْتهر) من أَقْوَال ثَلَاثَة. ثَانِيهَا: الْمَنْع مُطلقًا. ثَالِثهَا: يجوز إِذا قرب مَا بَين الْعقْدَيْنِ كالعشرين يَوْمًا لَا فِيمَا بعد. والزَّرْعُ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الشَّجَرِ وَلَا رُجُوعَ إنْ تُصِبْ لِلْمُشْتَرِي (فالزرع) المؤبر الَّذِي لم يَشْتَرِطه الْمُبْتَاع عِنْد شِرَاء أرضه يجْرِي (فِي) جَوَاز شِرَائِهِ مِنْهُ بعد (ذَلِك مثل) مَا جرى فِي شِرَاء ثَمَر (الشّجر) بعد شِرَائهَا وَحدهَا من جَرَيَان الْأَقْوَال الْمَذْكُورَة (خَ) : وَصَحَّ بيع ثَمَر وَنَحْوه بدا صَلَاحه وَقَبله مَعَ أَصله أَو ألحق بِهِ الخ. فَقَوله: مَعَ أَصله هُوَ مَا تقدم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 للناظم فِي قَوْله: إِلَّا بِشَرْط المُشْتَرِي. وَقَوله: أَو ألحق بِهِ هُوَ مَا ذكره النَّاظِم هَهُنَا، فَكل مِنْهُمَا تكلم على الصُّورَتَيْنِ رحمهمَا الله، وَوَجهه فِي الأولى أَنَّهُمَا تبع للْأَصْل، وَفِي الثَّانِيَة أَن اللَّاحِق للْعقد كالواقع فِيهِ، وَفهم مِنْهُمَا أَنه لَو اشْترى الزَّرْع أَو الثَّمر قبل بدوه أَولا ثمَّ اشْترى الأَرْض وَالشَّجر لم يجز وَهُوَ كَذَلِك، وَإِذا أجيحت الثَّمَرَة الْمُشْتَرَاة مَعَ الأَصْل أَو الَّتِي ألحقت بِهِ فَلَا قيام لَهُ بالجائحة كَمَا قَالَ: (وَلَا رُجُوع أَن تصب) بِضَم التَّاء وَفتح الصَّاد مَبْنِيا للْمَفْعُول ونائبه ضمير الثَّمر ومتعلقه مَحْذُوف أَي بالجائحة (للْمُشْتَرِي) خبر لَا وَعلل عدم الرُّجُوع بالجائحة فِيهَا لِأَنَّهَا تبع للْأَصْل، وَمَا كَانَ تبعا لَا جَائِحَة فِيهِ. وَفِي طرر ابْن عَاتٍ عَن ابْن مُحرز أَن الْجَائِحَة لم تسْقط هُنَا عَن البَائِع لأجل أَن الثَّمَرَة تبع للْمَبِيع، وَقَول من قَالَ ذَلِك فَاسد وَيدل على ذَلِك أَنه لَو اشْترى ثَمَرَة وَمَعَهَا عرُوض كَثِيرَة فَكَانَت الثَّمَرَة تبعا لجَمِيع الصَّفْقَة لكَانَتْ فِيهَا الْجَائِحَة، وَإِنَّمَا سَقَطت الْجَائِحَة هُنَا لانْقِطَاع السَّقْي عَن البَائِع، وَيدل على ذَلِك أَن الثَّمَرَة لَو بِيعَتْ وَحدهَا وَقد استغنت عَن السَّقْي لم يكن فِيهَا جَائِحَة اه. وَبَيْعُ مِلْكٍ غَابَ جَازَ بِالصِّفَهْ أَوْ رُؤْيَةٍ تَقَدَمَتْ أَوْ مَعْرِفَهْ (وَبيع ملك) بِكَسْر الْمِيم وَضمّهَا الشَّيْء الْمَمْلُوك عقارا كَانَ أَو غَيره إِلَّا أَنه لَا يسْتَعْمل بِالضَّمِّ إِلَّا فِي مَوَاضِع الْكَثْرَة وسعة السُّلْطَان يُقَال لفُلَان ملك عَظِيم أَي مَمْلُوك كَبِير قَالَه أَبُو الْبَقَاء فِي إِعْرَاب الْقُرْآن (غَابَ) عَن مجْلِس العقد أَو الْبَلَد كَمَا هُوَ ظَاهره وَلم يبعد جدا كخراسان من إفريقية (جَازَ) بَيْعه على اللُّزُوم (بِالصّفةِ) الكاشفة لأحواله كَكَوْنِهِ إِن كَانَ أَرضًا قَرِيبا من المَاء أَو بَعيدا، وَكَون أرضه مستوية أَو معلقَة ذَات حِجَارَة أَو دونهَا قريبَة من الْعِمَارَة أَو بعيدَة عَنْهَا وَإِن أذرعها، كَذَا وَأَن مساحة الدَّار إِن كَانَ دَارا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا وَأَن طولهَا كَذَا وعرضها كَذَا، وَطول بَيتهَا القبلي كَذَا وَعرضه كَذَا وعلوه كَذَا، وبناؤها بِالْحِجَارَةِ أَو الْآجر أَو طابية وَأَن لون الْحَيَوَان إِن كَانَ حَيَوَانا كَذَا وسنه كَذَا، وَهَكَذَا حَتَّى يَأْتِي على جَمِيع الْأَوْصَاف الَّتِي تخْتَلف بهَا الْأَغْرَاض فِي السّلم لِأَن بيع الْغَائِب مقيس على السّلم، وَسَوَاء كَانَ الْوَصْف من غير البَائِع أَو من البَائِع كَمَا هُوَ ظَاهره أَيْضا، لَكِن لَا يجوز النَّقْد فِيهِ بِوَصْف البَائِع ربعا كَانَ أَو غَيره. (أَو) ب (رُؤْيَة تقدّمت) قبل عقد البيع بِحَيْثُ لَا يتَغَيَّر بعْدهَا وَلم يبعد جدا كَمَا فِي (ز) . (أَو معرفَة) من عطف الْعَام على الْخَاص وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالرُّؤْيَةِ مرّة أَو مرَّتَيْنِ وبالمعرفة مَا هُوَ أَكثر، فَإِن كَانَ يتَغَيَّر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 بعْدهَا قطعا أَو شكا أَو بَعدت مسافته جدا كخراسان من إفريقية لم يجز بَيْعه باللزوم استناداً للرؤية السَّابِقَة. نعم يجوز بَيْعه على خِيَاره بِالرُّؤْيَةِ. وَاعْلَم أَن بيع الْغَائِب لَا يَخْلُو من ثَلَاثَة أوجه: إِمَّا أَن يكون على الْخِيَار بِالرُّؤْيَةِ أَو على الصّفة باللزوم أَو على رُؤْيَة سَابِقَة، فالقسم الأول لم يتَعَرَّض لَهُ النَّاظِم لِأَنَّهُ على خِيَار المُشْتَرِي فَالْبيع لَازم للْبَائِع منحل من جِهَة المُشْتَرِي فَلهُ أَن يرجع قبل الرُّؤْيَة وَبعدهَا كَمَا فِي النَّقْل قَالَه (ز) وَلَا يشْتَرط فِيهِ وصف وَلَا رُؤْيَة سَابِقَة وَلَا عدم الْبعد جدا. وَأما الْقسم الثَّانِي، وَهُوَ مَا بيع على الصّفة باللزوم فَيشْتَرط فِيهِ عدم الْبعد جدا كَمَا مر وَلَا يشْتَرط فِيهِ الْغَيْبَة عَن الْبَلَد، بل عَن الْمجْلس فَقَط على الْمُعْتَمد كَانَ حَاضرا بِالْبَلَدِ أَو على مَسَافَة عشرَة أَيَّام أَو على أَكثر مِمَّا لم يبعد جدا، وَسَوَاء وَصفه للْبَائِع أَو غَيره كَمَا مرّ. نعم إِذا كَانَ حَاضرا مجْلِس العقد فَلَا بُد من رُؤْيَته وَلَا تَكْفِي فِيهِ الصّفة إِلَّا إِذا كَانَ فِي فَتحه مشقة كَعدْل البرنامج الَّذِي يشق فَتحه وشده أَو فَسَاد كقلل الْخلّ المطينة. وَأما الْقسم الثَّالِث، وَهُوَ مَا بيع على رُؤْيَة سَابِقَة فَيشْتَرط أَن لَا يتَغَيَّر من وَقت الرُّؤْيَة لوقت العقد وَأَن لَا يبعد جدا كَمَا مر وَيظْهر لي أَن عدم التَّغَيُّر بعْدهَا يُغني عَن الْبعد جدا لِأَنَّهُ يلْزم من الْبعد جدا تغيره تَحْقِيقا أَو شكا فَتَأَمّله. وَلَا يشْتَرط فِيهِ غيبته عَن الْمجْلس، بل يجوز وَلَو حَاضرا بِالْمَجْلِسِ، وَبِهَذَا تعلم أَن النَّاظِم أخل بِقَيْد عدم الْبعد جدا فِي الْقسمَيْنِ الْأَخيرينِ مَعًا على مَا فِيهِ ويقيد عدم التَّغَيُّر فِي الرُّؤْيَة السَّابِقَة. وَجَازَ شَرْطُ النَّقْدِ فِي المَشْهُورِ وَمُشتَرٍ يَضْمَنُ لِلْجُمْهُورِ (وَجَاز شَرط النَّقْد فِي) الْعقار الْمَبِيع على اللُّزُوم بِرُؤْيَة سَابِقَة أَو بِوَصْف غير البَائِع وَإِن بعد لَا جدا، وَأما بِوَصْف البَائِع فَلَا يجوز النَّقْد فِيهِ وَلَو تَطَوّعا على (الْمَشْهُور) خلافًا لأَشْهَب فِي مَنعه اشْتِرَاط النَّقْد فِيهِ مَعَ الْبعد لَا جدا، وَسَوَاء على الْمَشْهُور بيع الْعقار جزَافا أَو مذارعة لِأَن الْمَقْصُود من الذرع فِي الْعقار إِنَّمَا هُوَ وَصفه وتحديده كَمَا مرّ قَالَه طفي، وَكَذَا لَا يجوز شَرط النَّقْد فِي الْمَبِيع غَائِبا غير الْعقار إِن قرب كاليومين كَمَا فِي (خَ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 (تَنْبِيهَانِ. الأول) : إِذا اجْتمع البيع بِوَصْف أَو بِرُؤْيَة سَابِقَة مَعَ الْخِيَار بِالرُّؤْيَةِ فَالْحكم للخيار بِالرُّؤْيَةِ. الثَّانِي: ضَمَان الْمَبِيع غير الْعقار من البَائِع فِي الْأَقْسَام الثَّلَاثَة حَتَّى يقبضهُ المُشْتَرِي، فَإِذا هلك قبل الْقَبْض فِي البيع على رُؤْيَة سَابِقَة فضمانه من بَائِعه، وَإِذا تغير وتنازعا فَقَالَ البَائِع: هَذِه الصّفة الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا الْآن أَي وَقت الْقَبْض هِيَ الصّفة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَقت رؤيتك إِيَّاه، وَقَالَ المُشْتَرِي: بل تغير عَن الصّفة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَقت الرُّؤْيَة فَالْقَوْل للْبَائِع، وَأما الْعقار فضمانه من المُشْتَرِي كَمَا قَالَ: (ومشتر) عقارا غَائِبا بِرُؤْيَة سَابِقَة أَو بِوَصْف (يضمن) مَا هلك مِنْهُ قبل قَبضه حَيْثُ تحقق أَن العقد أدْركهُ سالما (لِلْجُمْهُورِ) وَهُوَ مَا حَكَاهُ النَّاس عَن مَالك أَولا وَأَنه كَانَ يَقُول الضَّمَان من المُشْتَرِي إِلَّا أَن يَشْتَرِطه على البَائِع، ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْعَكْس وَأَنه من البَائِع إِلَّا أَن يَشْتَرِطه على المُشْتَرِي، وَفِي (ق) لم يخْتَلف قَول مَالك فِي الرباع والدور وَالْأَرضين وَالْعَقار أَن ضَمَانهَا من الْمُبْتَاع من يَوْم العقد وَإِن بَعدت، وَقَوْلِي حَيْثُ تحقق أَن العقد أدْركهُ سالما أَي بإقرارهما أَو بِقِيَام الْبَيِّنَة احْتِرَازًا مِمَّا إِذا تنَازعا فَقَالَ المُشْتَرِي: أَدْرَكته الصَّفْقَة معيبا. وَقَالَ البَائِع: بل سالما، فَإِن القَوْل للْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيع على صفة وَللْبَائِع فِي الْمَبِيع على رُؤْيَة سَابِقَة كَمَا مرّ. فَإِن قلت: مَا الْفرق بَينهمَا؟ قلت: قَالَ فِي ضيح: الْفرق بَينهمَا أَن البيع فِي مَسْأَلَة الرُّؤْيَة مُعَلّق على بَقَاء صفة الْمَبِيع الَّذِي رَآهُ عَلَيْهَا وَالْأَصْل بَقَاؤُهَا، فَمن ادّعى الِانْتِقَال مِنْهُمَا فَهُوَ مُدع وَهُوَ المُشْتَرِي بِخِلَاف البيع على الصّفة، فَإِن الأَصْل عدم وجود تِلْكَ الصّفة وَهُوَ الْمُوَافق لقَوْل المُشْتَرِي. والأَجْنَبِيُّ جَائزٌ مِنْهُ الشَرَا مَلتزِمَ العُهْدَةِ فِيمَا يُشْتَرَى (وَالْأَجْنَبِيّ جَائِز مِنْهُ الشرا) ء لغيره حَال كَونه (مُلْتَزم الْعهْدَة فِيمَا يشترى) قَالَ الشَّارِح مَا حَاصله: لفظ الشِّرَاء مُحْتَمل لمعناه الْمُتَبَادر مِنْهُ عرفا، وَالْمعْنَى عَلَيْهِ أَنه يجوز للرِّجَال أَن يَنُوب عَن غَيره فِي شِرَاء دَابَّة وَنَحْوهَا ويلتزم لَهُ عُهْدَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 الْعَيْب والاستحقاق، وَأَنه إِن حصل أَحدهمَا غرم لَهُ الثّمن، وَيحْتَمل لِأَن يكون بِمَعْنى البيع على حد قَوْله تَعَالَى: وشروه بِثمن بخس} (يُوسُف: 20) أَي باعوه، وَالْمعْنَى عَلَيْهِ أَن الْأَجْنَبِيّ يجوز البيع مِنْهُ حَيْثُ اشْترى لغيره حَالَة كَونه مُلْتَزم عُهْدَة الْعَيْب والاستحقاق فِيمَا يَشْتَرِيهِ لذَلِك الْغَيْر، وَأَنه إِن حصل عيب أَو اسْتِحْقَاق غرم لَهُ الثّمن أَيْضا، وَقد علمت مِنْهُ أَن مآل الِاحْتِمَالَيْنِ وَاحِد وَأَن الْأَجْنَبِيّ مُشْتَر على كل حَال، وَإِنَّمَا تغاير الاحتمالان عِنْده من جِهَة أَن الشِّرَاء فِي كَلَام النَّاظِم هَل هُوَ بِمَعْنَاهُ الْعرفِيّ فَيجوز للْأَجْنَبِيّ أَن يَشْتَرِي لغيره دَابَّة مثلا مُلْتَزما الْعهْدَة لَهُ، أَو بِمَعْنى البيع فَيجوز لشخص أَن يَبِيع من الْأَجْنَبِيّ دَابَّة يَشْتَرِيهَا لغيره مُلْتَزما الْعهْدَة لَهُ أَيْضا فجَاء الاحتمالان بِاعْتِبَار مُتَعَلق الْجَوَاز وَذَلِكَ باخْتلَاف معنى الشِّرَاء فِي النّظم، وَهَذَا قَلِيل الجدوى وَالصَّوَاب أَن يُقَال: أَن كلاًّ من الْمُتَعَاقدين بَائِع لما خرج من يَده مُشْتَر لما بيد غَيره كَمَا تقدم أول الْبَاب، فالأجنبي حِينَئِذٍ بَائِع مُشْتَر فَتَارَة يلْتَزم الْعهْدَة لمن اشْترى لَهُ وَتارَة يلتزمها لمن اشْترى مِنْهُ، فالأجنبي النَّائِب عَن غَيره إِذا اشْترى مثلا دَابَّة من عَمْرو لخَالِد بِثَوْب أَو دَرَاهِم فَهُوَ بَائِع للثوب أَو الدَّرَاهِم مُشْتَر للدابة، فَتَارَة يلْتَزم الْعهْدَة فِي الدَّابَّة للَّذي اشْترى لَهُ وَهُوَ خَالِد، وَتارَة يلْتَزم الْعهْدَة فِي الثَّوْب أَو الدَّرَاهِم للَّذي اشتراهما مِنْهُ وَهُوَ عَمْرو، وَسَوَاء حِينَئِذٍ حملنَا الشِّرَاء فِي النّظم على مَعْنَاهُ الْعرفِيّ أَو على البيع. وَلذَا بنى النَّاظِم يشترى للْمَفْعُول ليشْمل مَا إِذا الْتزم الْعهْدَة فِيمَا يَشْتَرِيهِ للْغَيْر أَو فِيمَا يَشْتَرِيهِ الْغَيْر مِنْهُ كَمَا ترى، وَسَوَاء الْتزم فِي هَذَا الثَّانِي الْعهْدَة ابْتِدَاء أَو انْتِهَاء كَمَا إِذا لم يعلم المُشْتَرِي مِنْهُ بِأَنَّهُ وَكيل فِي البيع عَن غَيره، ثمَّ أثبت أَنه وَكيل فَإِن المُشْتَرِي يُخَيّر فِي الرَّد أَو التماسك لِأَن من حجَّته أَن يَقُول: إِنَّمَا اشْتريت على أَن تكون عهدتي على مُتَوَلِّي البيع، وَلَا أرْضى أَن تكون على المنوب عَنهُ لعسره وَقلة ذَات يَده أَو لدده، فَإِذا رَضِي الْوَكِيل بِأَن تكون الْعهْدَة عَلَيْهِ سقط الْخِيَار وَلزِمَ البيع للْمُشْتَرِي، وَهَذَا هُوَ المُرَاد بالالتزام انْتِهَاء، وَإِنَّمَا قُلْنَا ثمَّ أثبت أَنه وَكيل الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يثبت ذَلِك فَإِن الْعهْدَة لَا تَنْتفِي عَنهُ وَلَا يثبت الْخِيَار لِأَنَّهُ يتهم أَن يكون هُوَ الْمَالِك، وَلكنه نَدم فِي البيع فَادّعى أَنه نَائِب فِيهِ عَن غَيره، لَعَلَّ المُشْتَرِي لَا يرضاه وَيفْسخ البيع فَكَلَام النَّاظِم شَامِل لهَذَا كُله إِلَّا أَنه أطلق الْجَوَاز على حَقِيقَته وَذَلِكَ فِي الِالْتِزَام ابْتِدَاء وعَلى مجازه وَذَلِكَ فِي الِالْتِزَام انْتِهَاء لِأَن الْجَوَاز فِيهِ بِمَعْنى اللُّزُوم، وَالله أعلم. تَنْبِيه: الْتِزَام الْأَجْنَبِيّ للعهدة الْمَذْكُورَة هُوَ من ضَمَان دَرك الْعَيْب والاستحقاق أَي ضَمَان مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِمَا وَهُوَ جَائِز كَمَا تقدم أول بَاب الضَّمَان، وَالله تَعَالَى أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 (فصل فِي بيع الْعرُوض) جمع عرض وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاح مَا عدا الْعين وَالطَّعَام من الْأَشْيَاء كلهَا، والناظم أَرَادَ بِهِ هُنَا مَا عدا الْأُمُور الْخَمْسَة الْمَذْكُورَة فِي قَوْله: مَا يستجاز بَيْعه أَقسَام الخ. وَلذَا قَالَ: (من الثِّيَاب وَسَائِر السّلع) ، بَيَان لما قبله: بَيْعُ العُروضِ بالعُرُوضِ إنْ قُصِدْ تَعاوُضٌ وَحُكْمُهُ بَعْدُ يَرِدْ (بيع الْعرُوض بالعروض) مُبْتَدأ (إِن قصد) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ (تعاوض) خبر الْمُبْتَدَأ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار فِي مثل هَذَا التَّرْكِيب كَقَوْلِه تَعَالَى: وَإِنَّا إِن شَاءَ الله لَمُهْتَدُونَ} (الْبَقَرَة: 70) وَيجوز أَن يكون تعاوض خَبرا لمبتدأ مَحْذُوف جَوَاب الشَّرْط أَي: فَهُوَ تعاوض، وَالْجُمْلَة من الشَّرْط وَجَوَابه خبر الْمُبْتَدَأ. وَعَلِيهِ اقْتصر اليزناسني. (وَحكمه بعد يرد) وَحَاصِل صوره ثَمَانِيَة لِأَن الْعرض بِالْعرضِ إِمَّا يدا بيد وَإِمَّا أَن يتَأَخَّر أَحدهمَا، وَفِي كل إِمَّا أَن يَكُونَا وَاحِدًا بِوَاحِد أَو بِأَكْثَرَ، وَفِي كل إِمَّا أَن يَكُونَا من جنس وَاحِد أَو من جِنْسَيْنِ. فإنْ يَكُنْ مَبيعُهَا يَداً بِيَدْ فإنَّ ذَاكَ جَائِزٌ كَيْفَ انْعَقَدْ (فَإِن يكن مبيعها) أَي الْعرُوض (يدا بيد، فَإِن ذَاك جَائِز) مَعَ اتِّحَاد الْجِنْس واختلافه والتماثل والتفاضل (كَيفَ انْعَقَد) فَإِن كَانَ وَاحِدًا بِوَاحِد كَثوب هروي بهروي أَو مَرْوِيّ بمروي أَو وَاحِد بمتعدد كهروي بمرويين فَأكْثر أَو مرويين فَأكْثر، وَهَذِه أَربع صور، وَمَفْهُوم قَوْله: يدا بيد صُورَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن يَكُونَا مؤجلين مَعًا وَفِيهِمَا أَربع صور زِيَادَة على الثمان الْمُتَقَدّمَة، وَلم يتَعَرَّض لَهَا النَّاظِم. وَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْمَنْع لابتداء الدّين بِالدّينِ، وَالثَّانيَِة أَن يعجل أَحدهمَا ويؤجل الآخر وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَإنْ يَكُنْ مُؤَجَّلاَ وَتَخْتَلِفْ أجُنَاسُهُ فَما تَفَاضُلُ أُنِفْ (وَإِن يكن) أحد الْعِوَضَيْنِ (مُؤَجّلا) وَالْآخر نَقْدا أَي حَالا فإمَّا أَن تتحد أجناسه وَسَيَأْتِي فِي الْبَيْت بعده: (و) إِمَّا (تخْتَلف أجناسه) كتعجيل ثوب من حَرِير فِي ثوب أَو ثَوْبَيْنِ فَأكْثر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 من صوف، أَو تَعْجِيل هروي فِي مَرْوِيّ أَو مرويين فَأكْثر (فَمَا تفاضل أنف) أَي منع كَمَا لَا يمْنَع التَّمَاثُل بالأحرى إِذْ لَا مُوجب للْمَنْع مَعَ اخْتِلَاف الْجِنْس، وَهَاتَانِ صُورَتَانِ من الْأَرْبَع الْبَاقِيَة. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: وتختلف أجناسه وَفِيه صُورَتَانِ وَبِهِمَا تتمّ الصُّور الثمان فَقَالَ: وَالْجِنْسُ مِنْ ذَاكَ بِجِنْسٍ لِلأَمَدْ مُمْتَنِعٌ فِيهِ تَفاضُلٌ فقدْ (وَالْجِنْس) أَي وَبيع الْجِنْس (من ذَاك) الْمَذْكُور من الْعرُوض (بِجِنْس) مماثل لَهُ (لأمد) أَي لأجل: (مُمْتَنع فِيهِ تفاضل فقد) فَحسب أَي لَا غير كَثوب من حَرِير معجل فِي ثَوْبَيْنِ مِنْهُ إِلَى أجل للسلف بِمَنْفَعَة وَعَكسه لضمان بِجعْل، وَمَفْهُوم تفاضل أَنه مَعَ التَّمَاثُل كَثوب من صوف معجل فِي ثوب مثله، وَلم يشْتَرط عَلَيْهِ أَجود من الْمُعَجل وَلَا أدنى جَائِز لِأَنَّهُ مَحْض سلف، ثمَّ اسْتثْنى من منع التَّفَاضُل فِي الْجِنْس الْوَاحِد فَقَالَ: إلاّ إذَا تَخْتَلِفُ المنافِعُ وَمَا لِبَيْعٍ قَبْلَ قَبضٍ مَانِعُ (إِلَّا إِذا تخْتَلف الْمَنَافِع) كسيف قَاطع معجل فِي اثْنَيْنِ دونه فِي الْقطع والجوهرية إِلَى أجل، وكجذع من الْخشب طَوِيل غليظ معجل فِي جذع أَو جُذُوع صغَار إِلَى أجل، وكثوب غليظ من الْكَتَّان معجل فِي ثوب رَقِيق مِنْهُ إِلَى أجل، أَو غزل غليظ فِي رَقِيق من جنسه وَبِالْعَكْسِ فَإِن ذَلِك كُله جَائِز لاخْتِلَاف الْمَنْفَعَة لِأَن اختلافها يصير الْجِنْس الْوَاحِد كجنسين، وَلَا يدْخل فِي النّظم هُنَا بيع صَغِير بكبير من جنسه وَعَكسه إِلَى أجل، لِأَن الْكَلَام فِي الْعرُوض لَا فِي الْحَيَوَان (وَمَا لبيع قبل قبض مَانع) مُبْتَدأ وَالْمَجْرُور قبله خَبره، وَالْمعْنَى أَنه يجوز بيع الْعرُوض قبل قبضهَا كَانَ الْمُعَجل فِيهَا عرضا أَيْضا أَو دَرَاهِم أَو حَيَوَانا أَو طَعَاما من بيع أَو سلم بِخِلَاف الطَّعَام، فَإِنَّهُ لَا يجوز بَيْعه قبل قَبضه مُطلقًا حَيْثُ كَانَ من مُعَاوضَة لَا من قرض فَيجوز نَقْدا فَقَط وَظَاهره أَنه يجوز بيع الْعرض قبل قَبضه لمن هُوَ عَلَيْهِ وَلغيره نَقْدا وَإِلَى أجل قبل حُلُوله وَبعده وَلَيْسَ كَذَلِك بل فِيهِ تَفْصِيل، فَإِن كَانَ لمن هُوَ عَلَيْهِ فَيجوز بعد حُلُول أَجله وَقَبله بِشَرْط أَن يكون الثّمن الْمَأْخُوذ فِي الْعرض نَقْدا وَأَن يكون مِمَّا يَصح بَيْعه بِالثّمن الْمُعَجل فِي الْعرض الْمَذْكُور فَإِذا عجل دَرَاهِم أَو حَيَوَانا فِي ثوب من صوف لأجل مثلا، فَيجوز أَن يَأْخُذ عَن الثَّوْب بعد الْحُلُول أَو قبله ثوبا من كتَّان وحرير لَا دَنَانِير أَو لَحْمًا غير مطبوخ من جنسه لما فِيهِ من الصّرْف الْمُؤخر فِيمَا إِذا كَانَ الْمُعَجل دَرَاهِم والمأخوذ دَنَانِير وَبِالْعَكْسِ، وَلما فِيهِ من بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ فِيمَا إِذا كَانَ الْمُعَجل حَيَوَانا والمأخوذ لَحْمًا من جنسه وَبِالْعَكْسِ، وَقَوْلِي نَقْدا احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ لأجل فَإِنَّهُ لَا يجوز لما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 فِيهِ من فسخ الدّين فِي الدّين حَيْثُ كَانَ الْمَأْخُوذ أَكثر مِمَّا فِي الذِّمَّة أَو من غير الْجِنْس فَإِن كَانَ مثل مَا فِي الذِّمَّة جَازَ بعد الْأَجَل وَلَا إِشْكَال لِأَنَّهُ قَضَاء عَمَّا فِيهَا وَكَذَا قبل الْأَجَل حَيْثُ كَانَ الْقَضَاء فِي مَحَله أَي بَلَده لَا إِن كَانَ بِغَيْر مَحَله فَلَا يجوز، وَإِن حل لما فِيهِ من سلف جر نفعا لِأَن الْمُعَجل قبل الْبَلَد يعد مسلفاً كالمعجل قبل الْأَجَل فقد انْتفع بِإِسْقَاط الحمولة عَنهُ. هَذَا مُحَصل مَا أَشَارَ لَهُ (خَ) فِي آخر السّلم بقوله: وَبِغير الْجِنْس إِن جَازَ بَيْعه الخ. وَبِقَوْلِهِ قبله وَجَاز قبل زَمَانه قبُول صفته فَقَط كقبل مَحَله فِي الْعرض. الخ. وَهَذَا كُله فِيمَا إِذا بَاعه لمن هُوَ عَلَيْهِ، وَأما إِذا بَاعه لغير من هُوَ عَلَيْهِ فَيجوز قبل الْأَجَل وَبعده أَيْضا بِشَرْط أَن يكون الثّمن نَقْدا لَا مُؤَجّلا فَيمْنَع مُطلقًا لِأَنَّهُ من بيع الدّين بِالدّينِ، وَأَن يكون من هُوَ عَلَيْهِ حَاضرا مقرا وَبيع بِغَيْر جنسه وَلَيْسَ ذَهَبا بِفِضَّة وَلَا عَكسه، وَلَيْسَ بَين مُشْتَرِيه وَبَين من هُوَ عَلَيْهِ عَدَاوَة وَلَا قصد إعانته كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) أَيْضا بقوله: وَمنع بيع دين ميت وغائب وَلَو قربت غيبته وحاضر إِلَّا أَن يقر الخ. وَبَيْعُ كُلَ جَائِزٌ بالْمَالِ عَلَى الْحُلُولِ وَإلى الآجالِ (وَبيع كل) من الْعرُوض (جَائِز بِالْمَالِ) من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْحَيَوَان الْعَاقِل وَغَيره، وَأما بَيْعه بِعرْض آخر فَهُوَ مَا قبله (على الْحُلُول وَإِلَى الْآجَال) الْمَعْلُومَة غير الْبَعِيدَة جدا كالسبعين وَالسِّتِّينَ سنة كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: بأضرب الْأَثْمَان والآجال الخ. وَمَنْ يُقَلِّبْ مَا يُفيتُ شَكْلَهُ لَمْ يَضْمَنْ إلاّ حَيْثُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ (وَمن يقلب مَا) أَي فخاراً أَو زجاجاً أَو سَيْفا أَو دَابَّة وَنَحْو ذَلِك (يفيت) بِضَم الْيَاء مضارع أفات، وفاعله ضمير التقليب وَمعنى الإفاتة الْهَلَاك (شكله) مَفْعُوله (وَلم يضمن) مَا سقط من يَده حِين التقليب فانكسر، أَو مَاتَت الدَّابَّة حِين الرّكُوب (إِلَّا حَيْثُ لم يُؤذن لَهُ) فِي التقليب الْمَذْكُور وَالرُّكُوب وَنَحْو ذَلِك أما مَعَ الْإِذْن نصا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا سقط من يَده، وَإِنَّمَا يضمن مَا سقط عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خطأ وَهُوَ كالعمد (خَ) : وَضمن بِسُقُوط شَيْء من يَده عَلَيْهَا الخ. وَأما مَعَ الْإِذْن حكما كَأَن يقلبها وصاحبها سَاكِت ينظر. فَقَوْلَانِ مشهوران مبنيان على أَن السُّكُوت هَل هُوَ إِذن أم لَا؟ أرجحهما أَنه لَيْسَ بِإِذن قَالَ فِي إِيضَاح المسالك، قَالَ ابْن رشد فِي كتاب الدَّعْوَى: وَالصُّلْح من الْبَيَان لَا خلاف أَن السُّكُوت لَيْسَ بِرِضا لِأَن الْإِنْسَان قد يسكت مَعَ كَونه غير رَاض، وَإِنَّمَا اخْتلف فِي السُّكُوت هَل هُوَ إِذن أم لَا؟ وَرجح كَونه لَيْسَ بِإِذن اه. ابْن سَلمُون: وَمن أَخذ قوساً أَو سَيْفا أَو آنِية ليقلبها فانكسر الْقوس أَو السَّيْف عِنْد الرَّمْي بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 أَو الفخار، فَإِن كَانَ ذَلِك بِإِذن صَاحبه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ بِغَيْر إِذْنه فَهُوَ ضَامِن، وَكَذَلِكَ الدَّابَّة. قَالَ أصبغ: وَكَذَلِكَ إِن أَخذ الفخار وَصَاحبه يرَاهُ وَإِن لم يَأْذَن لَهُ وَسقط وانكسر فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وروى عِيسَى عَن ابْن الْقَاسِم فِي ذَلِك أَنه ضَامِن إِلَّا أَن يَأْذَن لَهُ اه. وَمَا رَوَاهُ عِيسَى هُوَ الَّذِي رَجحه ابْن رشد كَمَا مرّ، وَكَذَلِكَ يضمن إِن سقط من يَده عِنْد التقليب بِسَبَب تغريره كَأَن يرفع الْقلَّة الْكَبِيرَة من أذن وَاحِدَة أَو بأصبع وَاحِد فتنكسر وَيضمن مَا سَقَطت عَلَيْهِ على كل حَال فَإِن ادّعى عَلَيْهِ رب الزجاجة وَنَحْوهَا حَيْثُ أذن لَهُ فِي تقليبها أَنه تعمد طرحها أَو فرط حَتَّى سَقَطت فَعَلَيهِ الْيَمين فَإِن نكل غرم بِمُجَرَّد نُكُوله لِأَنَّهَا يَمِين تُهْمَة. وَالبَيْعُ جَائِزٌ عَلَى أَنْ يَنْتَقِدْ فِي مَوْضَع آخَرَ إنْ حُدَّ الأَمَدْ (وَالْبيع جَائِز على) شَرط (أَن ينْتَقد) الثّمن أَو الْمُثمن (فِي مَوضِع) أَي بلد (آخر) غير بلد العقد (إِن حدّ الأمد) أَي الْأَجَل وإلاَّ لم يجز، قَالَ فِي التَّهْذِيب: وَمن بَاعَ سلْعَة بِعَين على أَن يَأْخُذهُ بِبَلَد آخر فَإِن سمى الْبَلَد وَلم يضْرب لذَلِك أَََجَلًا لم يجز، وَإِن ضرب لذَلِك أَََجَلًا جَازَ سمى الْبَلَد أَو لم يسمهَا، فَإِن حل الْأَجَل فَلهُ أَخذه بِالْعينِ أَيْنَمَا لقِيه، وَإِن بَاعَ السّلْعَة بِعرْض وَشرط قَبضه بِبَلَد آخر إِلَى أجل فَلَيْسَ لَهُ أَخذه بِهِ بعد الْأَجَل إِلَّا فِي الْبَلَد الْمُشْتَرط فَإِن أَبى الَّذِي عَلَيْهِ الْعرض بعد الْأَجَل أَن يخرج إِلَى ذَلِك الْبَلَد أجبر على أَن يخرج أَو يُوكل من يخرج فيوفي صَاحبه اه. وَحَاصِله أَن الْأَجَل لَا بُد مِنْهُ كَمَا قَالَ النَّاظِم: سَوَاء كَانَ البيع بِالْعينِ أَو بِالْعرضِ إِلَّا أَن شَرط قبض الْعين بِبَلَد آخر ملغى غير مُعْتَبر بِخِلَافِهِ فِي الْعرض فَإِنَّهُ مُعْتَبر، وَظَاهر النّظم كَانَ الْأَجَل نصف شهر أَو أقل أَو أَكثر وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ سلم فَلَا بُد أَن يكون أَجله نصف شهر فَأكْثر (خَ) : إِلَّا أَن يقبض بِبَلَد كيومين إِن خرج حِينَئِذٍ ببر بِغَيْر ريح، فَيجوز أقل من نصف شهر بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة. تَنْبِيه: مَا مر من أَنه لم يضربا لذَلِك أَََجَلًا فسد البيع حكى عَلَيْهِ عِيَاض الِاتِّفَاق كَمَا فِي ابْن عَرَفَة، ثمَّ ذكر عقبه عَن اللَّخْمِيّ أَنه إِذا قَالَ: أَشْتَرِي مِنْك بِالْعينِ لأقضي بِموضع كَذَا لِأَن لي بِهِ مَالا وَإِنَّمَا معي هَهُنَا مَا أتوصل بِهِ لذَلِك الْموضع أَو لَيْسَ معي مَا أَقْْضِي بِهِ هَهُنَا إِلَّا دَاري أَو ربعي وَلَا أحب بَيْعه لم يجْبر على الْقَضَاء إِلَّا بالموضع الَّذِي سمى، وَيجوز البيع وَإِن لم يضربا أَََجَلًا كمن بَاعَ على دَنَانِير بِأَعْيَانِهَا غَائِبَة، وَإِن شَرط البَائِع الْقَبْض بِبَلَد معِين لاحتياجه فِيهِ لوجه كَذَا فعجلها المُشْتَرِي بِغَيْرِهِ لم يلْزم البَائِع قبُولهَا لخوفه فِي وصولها إِلَى هُنَاكَ، وَقد اشْترط شرطا جَائِزا فيوفي لَهُ بِهِ اه. وَنَقله (ح) أول بُيُوع الْأَجَل مستظهراً لَهُ قَائِلا: فيقيد بِهِ قَول الْمَتْن فِي الْقَرْض كأخذه بِغَيْر مَحَله إِلَّا الْعين اه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 قلت: وَكَذَا يُقيد بِهِ قَول النَّاظِم فِيمَا مر وَحَيْثُ يلغيه بِمَا فِي الذِّمَّة يَطْلُبهُ الخ. وَتَأمل قَول اللَّخْمِيّ: وَيجوز البيع وَإِن لم يضربا لذَلِك أَََجَلًا. وَقَوله بعد: وَإِن شَرط البَائِع الْقَبْض بِبَلَد معِين الخ. فَالظَّاهِر حمل ذَاك على مَا إِذا كَانَ بصدد الذّهاب للبلد الْمعِين عَن قرب وَأَن مسافته مَعْلُومَة عِنْدهمَا لِئَلَّا يُؤَدِّي ذَلِك للْبيع بِأَجل مَجْهُول فيخالف مَا مرّ من الِاتِّفَاق وَالله أعلم. وَبَيْعُ مَا يُجْهَلُ ذَاتاً بالرِّضا بالثَّمَنِ البَخْسِ أوِ العالي مَضَى (وَبيع مَا يجهل) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول (ذاتاً) تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل (بِالرِّضَا) يتَعَلَّق بِبيع وَكَذَا (بِالثّمن البخس أَو الغالي) وَقَوله (مضى) خبر عَن بيع، وَالْمعْنَى أَن بيع الشَّيْء الَّذِي يجهل المتعاقدان أَو أَحدهمَا ذَاته أَي حَقِيقَته المتضمن ذَلِك لجهل قِيمَته مَاض لَا يرد حَيْثُ سمياه أَو أَحدهمَا باسمه الْعَام، سَوَاء بيع ببخس أَو غلاء كَمَا لَو قَالَ البَائِع لشخص: أبيعك هَذَا الْحجر، أَو قَالَ المُشْتَرِي: بِعْ مني هَذَا الْحجر فيشتريه وَهُوَ يَظُنّهُ ياقوتة أَو زبرجدة فيجده غير ياقوتة، أَو يَبِيعهُ البَائِع يظنّ أَنه غير ياقوتة أَو زبرجدة فَإِذا هُوَ غير ذَلِك، فَيلْزم المُشْتَرِي الشِّرَاء فِي الصُّورَة الأولى، وَإِن علم البَائِع حِين البيع أَنه غير ياقوتة وَكَذَا يلْزم البيع للْبَائِع فِي الثَّانِيَة، وَإِن علم المُشْتَرِي حِين الشِّرَاء أَنه ياقوتة لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا سَمَّاهُ فِي الْقَرْض الْمَذْكُور باسمه الْعَام لِأَن الْيَاقُوت يُسمى حجرا، وَهَذَا إِذا كَانَ البَائِع أَو المُشْتَرِي غير وَكيل، وإلاَّ لم يلْزم البيع بِلَا نزاع، وَأما لَو سمي بِغَيْر اسْمه الْعَام بل باسمه الْخَاص أَو بِغَيْر اسْمه أصلا كَقَوْلِه: أبيعك هَذِه الياقوتة أَو أَشْتَرِي مِنْك هَذِه الزجاجة فَتبين فِي الأولى أَنَّهَا غير ياقوتة، وَفِي الثَّانِيَة أَنَّهَا ياقوتة، فَلِلْمُشْتَرِي فِي الأولى الْقيام وَكَذَا البَائِع فِي الثَّانِيَة كَمَا قَالَ: وَمَا يُبَاعُ أَنه ياقوتَهْ أوْ أَنَّهُ زُجَاجَةٌ مَنْحوتَهْ (وَمَا يُبَاع) على (أَنه ياقوتة أَو) على (أَنه زجاجة منحوته. وَيَظْهَرُ العَكْسُ بِكُلَ منْهما جَازَ بِهِ قيامُ مِنْ تَظَلَّمَا وَيظْهر الْعَكْس بِكُل مِنْهُمَا جَازَ بِهِ) أَي بِسَبَبِهِ (قيام من تظلما) أَي شكا أَنه مظلوم، وَأَنه لم يعلم بِحَقِيقَة ذَلِك وَقت البيع فَإِن ادّعى عَلَيْهِ الْعلم فَعَلَيهِ الْيَمين. وَالْفرق أَن التَّسْمِيَة بِغَيْر اسْمه مَظَنَّة الْجَهْل بِهِ فَكَانَ لَهُ الْقيام بِخِلَاف تَسْمِيَته باسمه الْعَام فَإِنَّهَا مَظَنَّة مَعْرفَته فَلَا يقبل دَعْوَاهُ خلَافهَا لِأَنَّهُ خلاف الْغَالِب وَكَانَ من حَقه أَن يتثبت لنَفسِهِ، وَالْفرق بَين حَقِيقَة هَذَا البيع وَبَين حَقِيقَة الْغبن الْآتِي فِي فَصله: أَن الْمَبِيع فِي الْغبن مَعْلُوم فِي الْحَقِيقَة وَالِاسْم لكل مِنْهُمَا، وَالْجهل مُتَعَلق بِالْقيمَةِ فَقَط. وَهنا الْجَهْل مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا تعلق بحقيقته، وَلَكِن لما عبر عَنْهَا باسمها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 الْعَام لم يصدق مدعي الْجَهْل كَمَا مر قَالَ: مَعْنَاهُ (ز) ثمَّ. يبْقى أَن يُقَال مَا الْفرق بَين الْغَلَط والغبن على مَا بِهِ الْعَمَل من وجوب الْقيام بِهِ كَمَا يَأْتِي. فَالْجَوَاب: أَن الْفرق إِنَّمَا يطْلب بَينهمَا لَو اخْتلفَا فِي الْمَشْهُور أما حَيْثُ كَانَ الْمَشْهُور فيهمَا عدم الْقيام فَلَا، لَكِن يَنْبَغِي حَيْثُ جرى الْعَمَل بِالْقيامِ بِالْغبنِ أَن يجْرِي الْعَمَل بِالْقيامِ بالغلط أَيْضا إِذْ كل مِنْهُمَا يتثبت بالسؤال لنَفسِهِ عَن حَقِيقَة الْأَمر، وَالْخلاف مَوْجُود فِي الْغبن والغلط كَمَا فِي (خَ) وَغَيره وَالله أعلم. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ ابْن رشد: وَاخْتلف فِيمَا إِذا أبهم أَحدهمَا لصَاحبه بِالتَّسْمِيَةِ وَلم يُصَرح فَقَالَ ابْن حبيب: إِن ذَلِك يُوجب الرَّد كَالصَّرِيحِ، وَحكي عَن شُرَيْح القَاضِي أَن رجلا مر بِرَجُل مَعَه ثوب مصبوغ بالصبغ الْهَرَوِيّ فَقَالَ: بكم هَذَا الْهَرَوِيّ؟ فَقَالَ: بِكَذَا فَاشْترى، ثمَّ تبين أَنه لَيْسَ بهروي وَإِنَّمَا صبغ بالصبغ الْهَرَوِيّ فَأجَاز بَيْعه قَالَ عبد الْملك: لِأَنَّهُ إِنَّمَا بَاعه هروي الصَّبْغ حَتَّى يَقُول هروي النسج فَعِنْدَ ذَلِك يردهُ. الثَّانِي: قَالَ مَالك: فِي الْبَزَّاز يَبِيع ثوبا فيأمر بعض خدمته يَدْفَعهُ إِلَى الْمُبْتَاع أَو يَدْفَعهُ هُوَ بِنَفسِهِ ثمَّ يَقُول بعد انصراف الْمُبْتَاع: إِن الثَّوْب الَّذِي دفع إِلَيْك لَيْسَ هُوَ الْمَبِيع، بل وَقع غلط فِيهِ قَالَ: إِن كَانَ أَمر بِدَفْعِهِ حلف ورد ثَوْبه وَإِن كَانَ هُوَ الَّذِي دَفعه فَلَا قَول لَهُ إِلَّا أَن يكون عَلَيْهِ رقم أَكثر مِمَّا بَاعَ بِهِ أَو شَهَادَة قوم عرفُوا ذَلِك. انْظُر (ح) عِنْد قَول الْمَتْن وَلم يرد بغلط إِن سمي باسم الخ. (فصل فِي حكم (بيع الطَّعَام)) حَاصِل حكمه أَن بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ بِالتَّأْخِيرِ مُمْتَنع مُطلقًا وَهُوَ قَوْله: البَيْعُ لِلطَّعام بالطَّعَامِ دون تناجُزٍ مِنَ الْحَرَامِ (البيع للطعام بِالطَّعَامِ) حَال كَونه (دون تناجز من الْحَرَام) كَيفَ مَا كَانَ متماثلاً أَو مُتَفَاضلا ربوياً كقمح بفول أَو شعير، أَو غير رِبَوِيّ كتفاح بمشمش، أَو أَحدهمَا كقمح بمشمش لحُرْمَة رَبًّا النِّسَاء فِيهِ مُطلقًا، وَمَفْهُوم قَوْله: دون تناجز أَنه إِذا كَانَ يدا بيد فإمَّا أَن يكون جِنْسا وَاحِدًا أَو جِنْسَيْنِ، وَفِي كل إِمَّا مثلا بِمثل أم لَا. فالجنس الْوَاحِد مثلا بِمثل كمد من قَمح بِمثلِهِ أَو بِمد من شعير هُوَ قَوْله: والبَيْعُ لِلصِّنْفِ بِصِنْفِهِ وَرَدْ مِثْلاً بِمِثْلٍ مُقْتَضَى يَداً بِيَدْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 (وَالْبيع) مُبْتَدأ (للصنف بصنفه) يتعلقان بقوله (ورد) خبر أَي ورد جَوَازه حَال كَونه (مثلا بِمثل) وَحَال كَونه (مُقْتَضى يدا بيد) لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَمَا فِي الصَّحِيح: (الْبر بِالْبرِّ وَالشعِير بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ وَالْملح بالملح مثلا بِمثل سَوَاء بِسَوَاء يدا بيد فَإِذا اخْتلفت هَذِه الْأَصْنَاف فبيعوا كَيفَ شِئْتُم إِذا كَانَ يدا بيد) ، وَمَفْهُوم مثلا بِمثل أَنه يمْنَع التَّفَاضُل فِيهِ، وَهُوَ معنى قَوْله بعد: وَالْجِنْس بِالْجِنْسِ تفاضلاً منع الخ. لَكِن مَحل الْمَنْع إِن كَانَ مقتاتاً مدخراً وَإِلَّا فَهُوَ قَوْله: وَغير مقتات وَلَا مدخر الخ. وَمَفْهُوم قَوْله هُنَا بصنفه أَنه مَعَ اخْتِلَاف صنفه يجوز وَهُوَ معنى قَوْله: وَفِي اخْتِلَاف الْجِنْس بِالْإِطْلَاقِ الخ. وَمعنى الْإِطْلَاق فِيهِ سَوَاء كَانَ مثلا بِمثل أم لَا. كَانَ مقتاتاً مدخراً أم لَا. ربوياً أم لَا. وَبِهَذَا التَّقْرِير يَنْتَفِي التَّدَاخُل والتكرار فِي كَلَام النَّاظِم فَقَوله هَهُنَا: مُقْتَضى يدا بيد هُوَ مَوْضُوع هَذَا الْبَيْت والأبيات الثَّلَاثَة بعده. أَعنِي قَوْله: وَالْجِنْس بِالْجِنْسِ إِلَى قَوْله: بِاتِّفَاق، وَحِينَئِذٍ فَكَأَنَّهُ يَقُول: فَإِن لم يكن دون تناجز بل كَانَ مُقْتَضى يدا بيد فَإِن كَانَ صنفا بصنفه مثلا بِمثل جَازَ، وَإِن كَانَ لَيْسَ مثلا بِمثل امْتنع بِشَرْط الاقتيات والادخار، وَإِن كَانَ صنفا بِغَيْر صنفه جَازَ مُطلقًا مثلا بِمثل أم لَا. مدخراً مقتاتاً أم لَا غير أَن حَقه أَن يسْقط قَوْله مَعَ الإنجاز لِأَنَّهُ مَوْضُوع الأبيات الْأَرْبَعَة كَمَا ترى كَمَا أَن حَقه يُؤَخر عَنْهَا قَوْله: والبَيْعُ لِلطَّعام قَبْل القَبْضِ مُمْتَنِعٌ مَا لَمْ يَكُنْ عنْ قَرْضِ (وَالْبيع للطعام) رِبَوِيّ كقمح وشعير وزيت وَلبن أَو غَيره كتفاح ورمان (قبل الْقَبْض) لَهُ بكيل أَو وزن أَو عد حَيْثُ اشْترى على ذَلِك أَو أَخذ فِي صدَاق أَو خلع أَو فِي صلح عَن دم عمدا، وَفِي كِرَاء دَابَّة أَو فِي رزق قَاض أَو جند أَو إِمَام مَسْجِد أَو مُؤذن أَو مدرس وَنَحْو ذَلِك. فَكل ذَلِك (مُمْتَنع) لَا يجوز بَيْعه قبل قَبضه بكيل وَنَحْوه لَا مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ وَلَا من غَيره، وَسَوَاء كَانَ معينا أَو مَضْمُونا فِي الذِّمَّة كطعام السّلم لَا إِن وَجب للْمَرْأَة فِي نَفَقَتهَا أَو نَفَقَة أَوْلَادهَا فَيجوز لَهَا أَن تبيعه قبل أَن تقبضه من زَوجهَا بكيل وَنَحْوه، وَلَا إِن اشْترى جزَافا لِأَنَّهُ مَقْبُوض بِنَفس العقد وَلَيْسَ فِيهِ حق تَوْفِيَة، وَلَا إِن أَخذ عَن طَعَام مستهلك عمدا أَو خطأ فَيجوز أَيْضا (مَا لم يكن) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 الطَّعَام ترَتّب (عَن قرض) وَأَحْرَى من هبة أَو صَدَقَة فَيجوز لمن تسلف طَعَاما أَن يَبِيعهُ قبل أَن يقبضهُ من مقرضه، ثمَّ لَا يَبِيعهُ مُشْتَرِيه حَتَّى يَسْتَوْفِيه لِأَن ضَابِط الْمَنْع أَن يتوالى عقدتا بيع لم يتخللهما قبض، وَكَذَا يجوز لمن اشْترى طَعَاما أَن يسلفه لغيره قبل أَن يقبضهُ هُوَ من الَّذِي بَاعه لَهُ وَلَكِن لَا يَبِيعهُ لمتسلفه وَلَا لغيره إِلَّا بعد قَبضه، وَكَذَا يجوز لمن اشْتَرَاهُ أَيْضا أَن يقْضِي بِهِ طَعَاما فِي ذمَّته قبل أَن يقبضهُ من البَائِع أَيْضا وَلَا يَبِيعهُ الْمُقْتَضِي لَهُ إِلَّا بعد قَبضه لِئَلَّا يتوالى عقدتا بيع لَا قبض بَينهمَا كَمَا مرّ. وَهَذِه الَّتِي قبلهَا ليستا من البيع قبل الْقَبْض بل من السّلف قبل الْقَبْض أَو الْقَضَاء قبل الْقَبْض وَكَذَا يجوز لمن سلف لغيره طَعَاما أَن يَبِيعهُ قبل قَبضه من المتسلف، فَهَذِهِ الْفُرُوع الْأَرْبَعَة لَا يَشْمَل كَلَام النَّاظِم مِنْهَا إِلَّا الأولى وَالرَّابِعَة، وَأما الطَّعَام الْهِبَة وَالصَّدَََقَة فَلَا إِشْكَال فِي جَوَاز بيعهمَا قبل قبضهما من الْمَوَاهِب والمتصدق ثمَّ لَا يَبِيعهُ مُشْتَرِيه إِلَّا بعد قَبضه أَيْضا، وَحَيْثُ جَازَ البيع قبل الْقَبْض فِيمَا ذكر فَلَا بُد من تَعْجِيل الثّمن لِئَلَّا يُؤَدِّي لبيع الدّين بِالدّينِ وَتجوز الْإِقَالَة وَالتَّوْلِيَة وَالشَّرِكَة فِي الطَّعَام قبل قَبضه لِأَنَّهَا مَعْرُوف فاغتفر فِيهَا ذَلِك. ثمَّ رَجَعَ النَّاظِم لإتمام أَقسَام بيع الطَّعَام مُشِيرا لمَفْهُوم مثلا بِمثل فِي الْبَيْت الثَّانِي فَقَالَ: والجِنْسُ بالجِنْسِ تَفَاضُلاً مُنِعْ حَيْثُ اقْتِيَاتٌ وَادِّخَارٌ يجْتَمِعْ (وَالْجِنْس بِالْجِنْسِ) أَي وَبيع الْجِنْس بِجِنْسِهِ أَي بصنفه كقمح بشعير لَا مثلا بِمثل بل (تفاضلاً) كمد قَمح بمدين من الشّعير (منع حَيْثُ اقتيات) وَهُوَ أَن تقوم بِهِ البنية أَي عِنْده لَا بِهِ (وادخار) وَهُوَ أَن يحبس وَلَا يفْسد لمُدَّة حَدهَا بَعضهم بِسِتَّة أشهر فَأكْثر (يجْتَمع) خبر عَن اقتيات وادخار، وأفرد الضَّمِير بِاعْتِبَار مَا ذكر، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ إِلَيْهَا وجوابها مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهَا أَي منع بيع الْجِنْس بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا حَيْثُ اقتيات وادخار يَجْتَمِعَانِ فِيهِ فَيمْنَع. وغَيْرُ مُقْتَاتٍ وَلَا مُدَّخَرِ يجُوزُ مَعْ تَفاضُلٍ كَالْخُضَرِ (وَغير مقتات وَلَا مدخر) كمشماش وقثاء أَو مقتات غير مدخر كلفت أَو مدخر غير مقتات كلوز وَجوز، وَأما التِّين فَهُوَ مقتات مدخر على الْمَذْهَب وَلَو لم ييبس خلافًا لما فِي (خَ) من عدم ربويته (يجوز) بَيْعه (مَعَ تفاضل) اتَّحد الْجِنْس كقنطار من تفاح بقنطارين مِنْهُ وَأَحْرَى لَو اخْتلف (كالخضر) من قثاء وَنَحْوهَا بمشماش. وَفِي اخْتِلاَفِ الجِنْسِ بالإِطْلاَقِ جَازَ مَعَ الإنْجَازِ باتِّفَاقِ (وَفِي اخْتِلَاف الْجِنْس بِالْإِطْلَاقِ) يتعلقان بقوله: (جَازَ مَعَ الإنجاز بِاتِّفَاق) أَي: وَجَاز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 التَّفَاضُل فِي اخْتِلَاف الْجِنْس مُطلقًا من غير تَقْيِيد بربوي وَلَا غَيره بِشَرْط المناجزة لِأَن المناجزة هِيَ مَوْضُوع هَذِه الأبيات كَمَا مرّ تَحْصِيله فِي الْبَيْت الثَّانِي، وَإِنَّمَا جَازَ مَعَ اخْتِلَاف الْجِنْس لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الحَدِيث الْمُتَقَدّم: (فَإِذا اخْتلفت هَذِه الْأَصْنَاف فبيعوا كَيفَ شِئْتُم إِن كَانَ يدا بيد) . قَالَ الْعلمَاء: لما نَص عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على الْأَرْبَعَة الْمُسَمَّاة فِي الحَدِيث، أضَاف الْعلمَاء إِلَيْهَا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا على مَا فَهموا من خطابه وعللوها بِأَنَّهَا مقتاتة مدخرة للعيش غَالِبا فنصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْبر وَالشعِير تَنْبِيه على كل مقتات مدخر كالذرة والدخن والأرز والسمسم والقطاني كلهَا كالفول والعدس واللوبيا وكرسنة والحمص، وكل وَاحِد من هَذِه الْأَفْرَاد جنس على حِدته مَا عدا الْقَمْح وَالشعِير فهما جنس وَاحِد على الْمَشْهُور، وَكَذَلِكَ الْأدم كلهَا كاللحوم والخلول والألبان والزيوت والرب كل وَاحِد جنس على حِدته، وَكَذَا البصل والثوم لَهما حكم المقتات المدخر وكل مِنْهُمَا جنس على حِدته، وَنَصه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على التَّمْر تَنْبِيه مِنْهُ على كل حلاوة مقتاتة مدخرة للعيش غَالِبا فَيلْحق بِهِ التِّين وَالزَّبِيب وَالْعَسَل وَالسكر، وَمَا فِي مَعْنَاهَا. وكل وَاحِد جنس على حِدته وَنَصه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على الْملح تَنْبِيه على مصلح الطَّعَام المقتات فَيلْحق بِهِ التوابل من فلفل وكزبرة وكراوياء وأنيسون وَهُوَ الْمُسَمّى بِحَبَّة الْحَلَاوَة عندنَا وشمار كسحاب وكمونين وَنَحْوهَا. وَبَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَا قَدْ جُهِلاَ مِنْ جِنْسِهِ تَزَابُنٌ لَنْ يُقْبَلاَ (وَبيع) شَيْء (مَعْلُوم) قدره بكيل أَو وزن أَو عدد (بِمَا) أَي شَيْء (قد جهلا) قدره ومبلغه (من جنسه) أَي من جنس الْمَبِيع بِهِ (تزابن) أَي يُسمى بذلك (لن يقبلا) شرعا أَي لَا يجوز وَلَو كَانَ يدا بيد مَأْخُوذ من الزَّبْن بِمَعْنى المخاطرة أَو بِمَعْنى الدّفع لِأَن كلا من الْمُتَعَاقدين يخاطر صَاحبه أَو يدافعه عَن مُرَاده ويعتقد أَنه الْغَالِب وَمِنْه الزَّبَانِيَة لدفعهم الْكفَّار فِي النَّار، وَإِذا امْتنع بيع الْمَعْلُوم بِالْمَجْهُولِ فأحرى بيع الْمَجْهُول بِالْمَجْهُولِ. وَفِي صَحِيح مُسلم، نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمُزَابَنَة وَهِي بيع الْعِنَب بالزبيب كَيْلا. الْمَازرِيّ: الْمُزَابَنَة عندنَا بيع مَعْلُوم بِمَجْهُول أَو مَجْهُول من جنس وَاحِد. ابْن عَرَفَة: يبطل عَكسه بيع الشَّيْء بِمَا يخرج مِنْهُ وَيكون فِي الرِّبَوِيّ وَغَيره الخ. فَمن الْمُزَابَنَة فِي الرِّبَوِيّ بيع الرطب باليابس كَشِرَاء رطب تمر أَو تين أَو عِنَب فِي شَجَره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 بيابس من جنس كل كَيْلا لِأَن الرطب مَجْهُول قدره إِذْ لَا يدْرِي قدره بعد يبسه هَل هُوَ قدر كيل التَّمْر الْيَابِس أَو التِّين الْيَابِس أَو الزَّبِيب أَو أقل أَو أَكثر، وَمِنْهَا أَيْضا بيع زرع قَائِم أَو محصود بكيل من الْبر أَو زيتون فِي شَجَره بكيل من الزَّيْتُون رطبا أَو جافاً، وَمِنْهَا فِي غير الرِّبَا بيع قِنْطَار من مشماش بصبرة مِنْهُ غير مَعْلُومَة الْوَزْن أَو بِمَا فِي رُؤُوس شَجَره لِأَنَّهُ وَإِن جَازَ فِيهِ التَّفَاضُل لَكِن منع لما فِيهِ من الْغرَر والمخاطرة والمغالبة، وَلذَا إِذا كثر أَحدهمَا كَثْرَة بَيِّنَة بِحَيْثُ لَا يشك أحد أَن أحد الْجِهَتَيْنِ أَكثر جَازَ لانْتِفَاء الْغرَر والمخاطرة، وَمِنْهَا فِي غير المطعومين بيع قِنْطَار من كتَّان أَو حَرِير بكتان أَو حَرِير مجهولي الْوَزْن إِلَّا أَن يكثر أَحدهمَا كَثْرَة بَيِّنَة كَمَا مر فِي الَّذِي قبله، وَمِنْهَا أَيْضا سلم الشَّيْء فِيمَا يخرج مِنْهُ كسلم حَدِيد فِي سيف أَو شعر فِي غزله وَلَو كَانَا معلومين وزنا، وَكَذَا سلم حب فِي دهنه وَلَو علما، وَبِهَذَا اعْترض ابْن عَرَفَة على الْمَازرِيّ بِأَن حَده للمزابنة غير جَامع إِذْ لَا يَشْمَل بيع الشَّيْء بِمَا يخرج مِنْهُ مَعَ أَنه مزابنة، وَعدم شُمُوله إِنَّمَا هُوَ من جِهَة أَن بيع الشَّيْء بِمَا يخرج مِنْهُ لَا يتَقَيَّد بكونهما مجهولين أَو مَجْهُول أَحدهمَا، بل يمْتَنع ذَلِك، وَلَو علما كَمَا مر، وَمَفْهُوم قَول النَّاظِم من جنسه إِنَّمَا هُوَ بِغَيْر جنسه جَائِز وَهُوَ كَذَلِك فَيجوز بيع الْعِنَب بيابس التَّمْر صبرَة، وَكَذَا بيع صبرَة تفاح بصبرة مشماش مثلا لَكِن بِشَرْط المناجزة كَمَا تقدم لِامْتِنَاع النِّسَاء فيهمَا، وَيجوز أَيْضا بيع قِنْطَار من صوف بِشَيْء من الْحَرِير مَجْهُول الْوَزْن بالمناجزة أَو التَّأْخِير (خَ) عاطفاً على الْمنْهِي عَنهُ: وكمزابنة مَجْهُول بِمَعْلُوم أَو مَجْهُول من جنسه وَجَاز إِن كثر أَحدهمَا فِي غير رِبَوِيّ قَالَ (م) : فَلَو زَاد النَّاظِم بعد هَذَا الْبَيْت: كَذَاك مَجْهُول بِمَجْهُول عدا إِن كثر الْفضل فَلَا منع بدا وَسلم الشَّيْء بِشَيْء يخرج مِنْهُ تزابن وَذَاكَ الْمنْهَج لوفى بيع مَجْهُول بِمَجْهُول أَو بِمَا يخرج مِنْهُ. قلت: وَالَّذِي يَنْبَغِي التَّنْصِيص عَلَيْهِ هَهُنَا هُوَ بيع الشَّيْء بِمَا يخرج مِنْهُ، وَأما الْمَجْهُول فَقدم مَا يُفِيد عدم جَوَازه فِي أول الْبَاب إِذْ من شَرط صِحَة البيع مُطلقًا علم عوضه. (فصل فِي بيع النَّقْدَيْنِ) أَي المسكوك من الذَّهَب وَالْفِضَّة. (والحلى) أَي المصوغ مِنْهَا (وَشبهه) وَهُوَ الْمحلى بِأحد النَّقْدَيْنِ أَو بهما. الصَّرْفُ أَخْذ فِضّةٍ بِذَهَب أَوْ عَكْسُهُ وَمَا تَفَاضَلَ أُبي (الصّرْف أَخذ) أَي بيع (فضَّة بِذَهَب أَو عَكسه) أَي أَخذ فضَّة فِي ذهب، إِنَّمَا يحْتَاج للتنصيص على الْعَكْس إِذا اعْتبر آخذ معِين وَإِلَّا فَهُوَ عين مَا قبله (وَمَا تفاضل أُبي) بِضَم الْهمزَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 أَي لَا يمْتَنع فِيهِ التَّفَاضُل فَيجوز أُوقِيَّة من فضَّة بأوقيتين من ذهب. وَإِنَّمَا يمْتَنع فِيهِ التَّأْخِير كَمَا سيقوله: والجِنْسُ بالجِنْس هُوَ الْمُرَاطَلَهْ بالوَزْنِ أَو بالعَدِّ فالْمُبَادَلَهْ (وَالْجِنْس بِالْجِنْسِ) أَي بيع الذَّهَب بِمثلِهِ أَو الْفضة بِمِثْلِهَا (هُوَ المراطلة) إِذا كَانَ ذَلِك (بِالْوَزْنِ) وَلها صُورَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن يَجْعَل رَطْل ذهب فِي كفة حَتَّى يعتدلا، وَالْأُخْرَى أَن يَجْعَل أحد الذهبين فِي كفة وَالْحجر فِي كفة فَإِذا عادله نزع وَيجْعَل ذهب الآخر مَكَانَهُ حَتَّى يعادل الْحجر أَيْضا، وَهَذِه الصُّورَة كَمَا لِابْنِ رشد أرجح (خَ) : ومراطلة عين بِمثلِهِ بصنجة أَو كفتين الخ. وَسَوَاء كَانَت الصنجة أَو الْحجر مَعْلُومَة الْقدر أم لَا كَانَ الذَّهَب وَالْفِضَّة مسكوكين أَو أَحدهمَا أم لَا. كَانَ التَّعَامُل وزنا أَو عددا، وَإِنَّمَا يشْتَرط أَن لَا يَدُور الْفضل من الْجَانِبَيْنِ كسكة متوسطة فِي الْجَوْدَة تراطل بِأَدْنَى مِنْهَا أَو أَجود. (أَو) أَي وَأَن بيع الْجِنْس بِالْجِنْسِ (بالعد ف) هُوَ (الْمُبَادلَة) وَهِي جَائِزَة فِي الْقَلِيل وَالْكثير إِذا اتّفق وزن الْآحَاد وَكَانَ التَّعَامُل بهَا عددا فَإِن كَانَ التَّعَامُل بِالْوَزْنِ لم يجز إِلَّا بِالْوَزْنِ وتعود مراطلة كَمَا فِي ضيح، وَإِن كَانَ أحد الْعِوَضَيْنِ أَو بعضه أوزن من الْعِوَض الآخر بسدس فَأَقل وَالْبَعْض الآخر مساوٍ امْتنعت إِلَّا فِي الْيَسِير وَهُوَ سِتَّة فدون على الْمَشْهُور (خَ) : وَجَازَت مُبَادلَة الْقَلِيل الْمَعْدُود دون سَبْعَة بأوزن مِنْهَا الخ. وَعَلِيهِ فَإِذا بادله عشْرين بِعشْرين وَعشرَة مِنْهَا أوزن بِأَن يكون كل دِينَار أَو دِرْهَم مِنْهَا يزِيد بسدس فَأكْثر على مُقَابِله من الْجَانِب الآخر امْتنعت، وَإِن كَانَ سِتَّة مِنْهَا فدون يزِيد كل وَاحِد مِنْهَا بسدس فدون على مُقَابلَة جَازَت بِشَرْط أَن يكون التَّعَامُل بِالْعدَدِ كَمَا مر، وَأَن تكون بِلَفْظ الْمُبَادلَة وَأَن يكون الزَّائِد لمحض الْمَعْرُوف وَأَن تكون فِي مسكوك لَا فِي مكسور وتبر، وَلَا يشْتَرط اتِّحَاد السِّكَّة كَمَا فِي (ز) وَأَن تكون وَاحِدًا بِوَاحِد أَو اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ وَهَكَذَا إِلَى سِتَّة لَا وَاحِد بِاثْنَيْنِ على مَذْهَب مَالك لِأَنَّهُ كره إِبْدَال الدِّينَار بأَرْبعَة وَعشْرين قيراطاً وَلم يرخص فِيهِ، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: لَا أرى بِهِ بَأْسا. ابْن رشد: مَعْنَاهُ فِي القراريط الَّتِي تضرب من الذَّهَب كل قِيرَاط من ثَلَاث جِهَات فَتكون زنة المثقال أَي الدِّينَار أَرْبَعَة وَعشْرين قيراطاً فَيعْطى الرجل المثقال وَيَأْخُذ أَرْبَعَة وَعشْرين قيراطاً فكره ذَلِك مَالك إِذْ لَا يَخْلُو من أَن تزيد على المثقال أَو تنقص عَنهُ لِأَن الشَّيْء إِذا وزن مجتمعاً ثمَّ فرق زَاد أَو نقص فَقَوْل مَالك بِكَرَاهَة ذَلِك هُوَ الْقيَاس، لَا سِيمَا والصيرفيون يَزْعمُونَ أَن الدَّرَاهِم إِذا وزنت مفترقة ثمَّ جمعت نقصت فَيكون صَاحب القراريط إِنَّمَا ترك فضل عدد قراريطه لفضل الدِّينَار الوازن وَمَا يرجوه من زِيَادَة وَزنه على وزن قيراطه، وَأَجَازَهُ ابْن الْقَاسِم اسْتِحْسَانًا على وَجه الْمَعْرُوف فِي الدِّينَار الْوَاحِد كَمَا أَجَازُوا مُبَادلَة الدِّينَار النَّاقِص بالوازن على وَجه الْمَعْرُوف اه. قَالَ القباب: فحاصله أَن فِي الدَّنَانِير بالقراريط غير مراطلة قَوْلَيْنِ، وَإِذا قيل بِالْجَوَازِ فِي دِينَار بأَرْبعَة وَعشْرين قيراطاً فبكبير من الدَّرَاهِم بصغيرين أَحْرَى فِي الْجَوَاز، وَكَذَا كَبِير من الدَّرَاهِم بأَرْبعَة قراريط فضَّة مَا لم يتَبَيَّن أَن الدَّنَانِير أنقص من القراريط أَو بِالْعَكْسِ فتقبح الْمَسْأَلَة اه. وَحَاصِله: أَن كَلَام ابْن رشد وتعليله بدوران الْفضل يدل على أَن مَحل الْخلاف إِذا اتَّحد وزن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 الدِّينَار والقراريط فمالك مَنعه لدوران الْفضل وَابْن الْقَاسِم أجَازه على وَجه الْمَعْرُوف وَمرَاده بِالْفَضْلِ الْفضل المترقب لَا الْحَاصِل كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله: وَمَا يرجوه من زِيَادَة وَزنه الخ. قَالَه أَبُو الْعَبَّاس الملوي فِي بعض طرره، وَقَول القباب مَا لم يتَبَيَّن أَن الدِّينَار أنقص الخ. ظَاهره وَلَو كَانَ أنقص بسدس فدون فتمتنع الْمَسْأَلَة لِأَنَّهُ اجْتمع للْمَنْع عِلَّتَانِ دوران الْفضل، وَكَون الدِّينَار أَو القراريط أنقص وَلَا يلْزم اغتفار أحد الْأَمريْنِ مَعَ اتحاده اغتفاره إِذا اجْتمع مَعَ غَيره، وَهَذَا الَّذِي فهمه القباب نَحوه فِي نَوَازِل الْبُرْزُليّ قَالَ: اخْتلف فِي استصراف الْجُمْلَة بالأجزاء مثل أَن يُعْطي دينارين فَيَأْخُذ نِصْفَيْنِ أَو درهما بقيراطين فَأَجَازَهُ ابْن الْقَاسِم دون وزن كبدل النَّاقِص بالوازن على وَجه الْمَعْرُوف وَكَرِهَهُ مَالك الخ. ثمَّ قَالَ: بيع الدِّرْهَم بقيراطين دون مراطلة جَائِز وَإِن احْتمل أَن يكون بَينهمَا تفاضل فِي الْوَزْن إِذْ الْغَالِب التَّسَاوِي الخ. ثمَّ ذكر فِي مَوضِع آخر عَن ابْن عَرَفَة أَنه سُئِلَ هَل يجوز صرف الدِّينَار بالربيعيات من سكَّة بِغَيْر مراطلة اعْتِمَادًا على دَار السِّكَّة؟ فَأجَاب بِأَن فعل ذَلِك من غير مراطلة اتكالاً على دَار الضَّرْب لَا يجوز قبل الْيَوْم وَأَحْرَى الْيَوْم لظُهُور فعل الفسقة بِالْقطعِ من موزونات دَار الضَّرْب ذَهَبا أَو فضَّة فِي الْأَجْزَاء وَغَيرهَا اه. الْبُرْزُليّ: وَمَا ذكره من منع اقْتِضَاء الْأَجْزَاء الْيَوْم وَاضح وَأَحْرَى إِذا بادل بهَا من غير مراطلة، وَمَسْأَلَة ابْن الْقَاسِم فِي الْعُتْبِيَّة هِيَ مَعَ السَّلامَة من النَّقْص اه. بِنَقْل الملوي فقف على قَوْله، وَمَسْأَلَة ابْن الْقَاسِم ... الخ. فَكَلَام الْبُرْزُليّ هَذَا مُوَافق لما مر عَن القباب، وَأَن معنى مَسْأَلَة ابْن الْقَاسِم إِذا اتّفقت الْأَجْزَاء مَعَ الدِّينَار فِي الْوَزْن، وصريح كَلَام (م) هَهُنَا مَعَ من تبعه وَهُوَ ظَاهر فَتْوَى الإِمَام الْقصار. وَكَلَام غير وَاحِد من شرَّاح (خَ) أَن مَسْأَلَة ابْن الْقَاسِم أَعم مِمَّا إِذا تساوى العوضان وزنا أَو كَانَ أَحدهمَا أوزن لِأَن الشُّرَّاح قَالُوا: إِذا تساوى العوضان وزنا جَازَت الْمُبَادلَة فِي الْقَلِيل وَالْكثير وَلَا يشْتَرط فيهمَا وَاحِد بِوَاحِد وَلَا غير ذَلِك من الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة، وظاهرهم اتِّفَاقًا فَلَا يعْتَبر الدوران حِينَئِذٍ وَلَا غَيره، وَكَذَا الإِمَام الْقصار أطلق فِي فتواه على مَا نقلوه عَنهُ فَظَاهره الْعُمُوم وَصرح بِهِ (م) هَهُنَا فَقَالَ بعد نَقله كَلَام ابْن رشد الْمُتَقَدّم مَا نَصه: هَذَا صَرِيح فِي جَوَاز إِبْدَال الدِّينَار بنصفي دِينَار أَو بأَرْبعَة أَرْبَاعه وَإِن لم يتساو العوضان فِي الْوَزْن، وعَلى هَذَا اعْتمد الإِمَام أَبُو عبد الله الْقصار فِي فتواه بِجَوَاز إِبْدَال ريال كَبِير بِعشْرين موزونة. يَعْنِي: أَو بِأَكْثَرَ حِين صغرت الدَّرَاهِم وَذَلِكَ فِي ريال وَاحِد لَا فِي أَكثر، ومأخذه فِي ذَلِك ظَاهر وَالله أعلم اه. فَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة فَهموا مَسْأَلَة ابْن الْقَاسِم على الْعُمُوم كَمَا ترى وَوَجهه ظَاهر لِأَنَّهُ إِذا اغتفر ابْن الْقَاسِم دوران الْفضل على مَا قَرَّرَهُ ابْن رشد، فَكَذَلِك يغْتَفر النَّقْص الْمُقَارن لَهُ من أحد الْجَانِبَيْنِ الَّذِي اتّفق هُوَ وَمَالك على اغتفاره لِأَنَّهُ الْمَوْضُوع، إِذْ اغتفار الدوران مَعْرُوف عِنْده، واغتفار السُّدس فدون كَذَلِك عِنْد الْجَمِيع، فَإِذا اغتفر ابْن الْقَاسِم كلاًّ على الِانْفِرَاد فَكَذَلِك عِنْد الِاجْتِمَاع وَالله أعلم، وَيُمكن أَن يُقَال معنى قَول القباب: مَا لم يتَبَيَّن أَن الدِّينَار أنقص الخ. يَعْنِي بِأَكْثَرَ من سدس فيوافق حِينَئِذٍ هَؤُلَاءِ على أَن اللَّخْمِيّ والمازري والجلاب وَصَاحب التَّلْقِين وَغير وَاحِد كلهم أطْلقُوا القَوْل فِي قدر النَّقْص فَلم يحدوه بسدس وَلَا غَيره، وأجازوا مُبَادلَة السِّتَّة فدون بأنقص مِنْهَا، وَمَا ذَاك وَالله أعلم، إِلَّا لكَون الزِّيَادَة غير منتفع بهَا وَلَو كَانَت أَكثر من سدس وخلافهم رَحْمَة وَالله أعلم، ويترجح حِينَئِذٍ حمل مَسْأَلَة ابْن الْقَاسِم على الْعُمُوم وَهُوَ مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 عَلَيْهِ الْعَامَّة الْآن وَلَا يَسْتَطِيع أَن يردهم عَن ذَلِك أحد، وَانْظُر مَا وَجه الْمَنْع فِي إِبْدَال ريالين مثلا بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ درهما حَيْثُ كَانَ صرفه بِسِتَّة عشر درهما كَمَا فِي زمننا هَذَا مَعَ اتِّحَاد الْجَانِبَيْنِ فِي الْوَزْن أَو كَون أَحدهمَا أَزِيد بسدس، وَالظَّاهِر الْجَوَاز مَعَ اتِّحَاد الْوَزْن مُطلقًا أَو إِلَى سِتَّة مَعَ زِيَادَة أحد الْجَانِبَيْنِ بسدس فدون لِأَن الْمَسْأَلَة إِنَّمَا أجيزت على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم للمعروف وَهُوَ لَا يخْتَص بِالْوَاحِدِ وَالله أعلم. وَبِالْجُمْلَةِ فاشتراط لفظ الْمُبَادلَة إِنَّمَا هُوَ لكَونه دَالا على عدم المماكسة، وَفِيه إِشْعَار بِقصد الْمَعْرُوف، وَلَكِن الْعَامَّة الْيَوْم يعبرون عَنْهَا بِلَفْظ الصّرْف فَيَقُولُونَ: صرِّف لي هَذِه الدَّرَاهِم بِمِثْلِهَا أَو بريال مثلا، وَالظَّاهِر أَنه لَا ينْقض عقدهم لإخلالهم بِالشّرطِ الْمَذْكُور لِأَن الْمدَار فِي الْعُقُود على الْمَقَاصِد والمعاني لَا الْأَلْفَاظ، وَأما الريال بِالدَّرَاهِمِ الصغار فعلى مَا لهَؤُلَاء إِن كَانَ الريال يُوَافق وزن الْعدَد فَلَا إِشْكَال وَإِن كَانَ هُوَ أَزِيد بسدس فدون فَكَذَلِك، وَإِن كَانَت الدَّرَاهِم أَي مجموعها أَزِيد بسدس فَكَذَلِك أَيْضا، وَإِن كَانَ ظَاهر المُصَنّف الْمَنْع لِأَنَّهَا أَزِيد من سِتَّة وَإِن كَانَ كل وَاحِد من أفرد الدَّرَاهِم يزِيد بسدس فَيحْتَمل الْمَنْع لِأَن الدَّرَاهِم السِّتَّة عشر تكون زَائِدَة على الريال بِثَلَاثَة دَرَاهِم غير ثلث دِرْهَم، وَذَلِكَ لَا تسمح بِهِ النُّفُوس غَالِبا، وَيحْتَمل الْجَوَاز وَهُوَ الظَّاهِر لِأَن الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة غير منتفع بهَا كَمَا لَا يجوز إِبْدَال سِتَّة ريالات بِسِتَّة أُخْرَى أَو بِدَرَاهِم مَعَ كَون كل وَاحِد من ريال إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ زَائِدا على مُقَابِله بسدس، فيجتمع فِي تِلْكَ الأسداس ريال كَامِل، وَكَذَلِكَ الدَّنَانِير وَلَو شَرْعِيَّة يجْتَمع فِيهَا دِينَار كَامِل وَذَلِكَ مِمَّا لَا تسمح بِهِ النُّفُوس، وَلَكِنَّك قد علمت أَن الْمدَار على كَون الزَّائِد لَا ينْتَفع بِهِ فِي التَّعَامُل، وكل مَا كَانَ كَذَلِك تسمح بِهِ النَّفس غَالِبا، وَيحْتَمل الْجَوَاز فَتَأمل ذَلِك. وَلَو شكّ فِي أحد الْجَانِبَيْنِ هَل هُوَ أوزن من الآخر بسدس أَو أَكثر أَو مساوٍ؟ فَينْظر للْغَالِب فَإِن غلب التقصيص فِي الدَّرَاهِم امْتنع وإلاَّ جَازَ كَمَا تقدم، ودراهم زمننا الْيَوْم لَا تزيد عَلَيْهِ وَلَا يزِيد عَلَيْهَا فِي الْغَالِب إِلَّا بالشَّيْء التافه. فرع: وَفِي المعيار عَن التّونسِيّ: يجوز مراطلة الدَّرَاهِم الْقَدِيمَة وَهِي أَكثر فضَّة بالجديدة قَائِلا لِأَن معطى الجديدة متفضل لَا انْتِفَاع لَهُ بِمَا فِي الْقَدِيمَة من زِيَادَة الْفضة، إِذْ لَو سكت الْقَدِيمَة لخسر فِيهَا وَيغرم عَلَيْهَا لتصير جَدِيدَة قَالَ: وَيجوز قَضَاء الجديدة عَن الْقَدِيمَة، وَمن بَاعَ قبل قطعهَا فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا هِيَ اه بِاخْتِصَار. وَنَقله (ح) قَالَ (ت) : وَهَذِه الْفَتْوَى مُخَالفَة للمشهور اه. قلت: وَجه مخالفتها دوران الْفضل من الْجَانِبَيْنِ. والشَّرْطُ فِي الصَّرْفِ تَناجُزٌ فَقَطْ وَمَعَهُ المثْلُ بِثَانٍ يُشْتَرَطْ (وَالشّرط فِي الصّرْف) الْمَذْكُور أَولا (تناجز) فَلَا يجوز التَّأْخِير فِي الْقَبْض للعوضين أَو أَحدهمَا مَعَ افْتِرَاق وَلَو قَرِيبا فَإِن كَانَ التَّأْخِير بِالْمَجْلِسِ من غير افْتِرَاق فَيمْنَع الطَّوِيل وَيكرهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 الْقَرِيب. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة فِي الَّذِي يصرف دِينَارا من الصَّيْرَفِي فيدخله تابوته ثمَّ يخرج الدَّرَاهِم: لَا يُعجبنِي، وَلَكِن يتْركهُ حَتَّى يرى الدَّرَاهِم فَيَأْخُذ وَيُعْطِي. (فَقَط) أَي انته عَن الزِّيَادَة على اشْتِرَاط التناجز فِي الصّرْف فَلَا تشْتَرط فِيهِ الْمُمَاثلَة، إِذْ يجوز فِيهِ التَّفَاضُل كدرهم بدينارين (وَمَعَهُ الْمثل) مُبْتَدأ والظرف قبله مَعَ الْمَجْرُور فِي قَوْله (بثان) يتعلقان بقوله (يشْتَرط) وَالْجُمْلَة خبر وَالْبَاء ظرفية بِمَعْنى (فِي) أَي: والمثل يشْتَرط مَعَ التناجز فِي الثَّانِي وَهُوَ بيع الْجِنْس بِالْجِنْسِ فَلَا يجوز فِيهِ التَّأْخِير وَلَا التَّفَاضُل معدودين كَانَا أَو مصوغين أَو مُخْتَلفين إِلَّا مَا تقدم من رخصَة الْمُبَادلَة فِي سِتَّة فدون بشروطها الْمُتَقَدّمَة فَوق هَذَا الْبَيْت. وبَيْعُ مَا حُلِّيَ مِمَّا اتُّخِذَا بِغَيْرِ جِنْسِهِ بِنَقْدٍ نفَذا (وَبيع) مُبْتَدأ (مَا) شَيْء (حلي) بِذَهَب أَو فضَّة وَكَانَ يخرج مِنْهُ شَيْء مِنْهُمَا عِنْد سبكه أَي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 حرقه وَكَانَ مستمراً بِحَيْثُ لَا ينْزع إِلَّا بِفساد (مِمَّا اتخذا) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من مَا (بِغَيْر جنسه) يتَعَلَّق بِبيع وَكَذَا (بِنَقْد) وَقَوله (نفذا) خبر الْمُبْتَدَأ وَهُوَ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول مَعَ تَشْدِيد الْفَاء، وَيجوز بِنَاؤُه للْفَاعِل مَعَ تَخْفيف الْفَاء وَالتَّقْدِير: وَبيع شَيْء محلى حَال كَونه مِمَّا يجوز اتِّخَاذه كالمصحف مُطلقًا وَالسيف للرِّجَال وَالثَّوْب للْمَرْأَة بِغَيْر جنسه بمعجل نَافِذ جَائِز كَانَت الْحِلْية تَابِعَة أَو متبوعة وَلَا يشْتَرط أَن يكون الْجَمِيع دِينَارا أَو يجتمعا فِيهِ للضَّرُورَة فَرخص فِيهِ لذَلِك، واحترزت بِقَوْلِي: وَكَانَ يخرج مِنْهُ الخ. مِمَّا إِذا كَانَ لَا يخرج مِنْهُ شَيْء عِنْد الحرق فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر حِينَئِذٍ من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَيُبَاع بمؤجل ومعجل بصنفه وَبِغَيْرِهِ وبقولي: مسمراً الخ. مِمَّا لَو كَانَ غير مسمر كقلادة مثلا أَو لَا فَسَاد فِي نَزعه فَإِنَّهُ لَا يُبَاع بِجِنْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ إِلَّا على حكم اجْتِمَاع البيع وَالصرْف. نعم بِالْعرضِ يجوز وَبِقَوْلِهِ: مِمَّا اتخذا الخ. مِمَّا إِذا لم يجز اتِّخَاذه كدواة محلاة أَو سرج وَنَحْوهمَا، فَإِنَّهُ لَا يجوز بصنفه وَلَا بِغَيْرِهِ بل بِعرْض إِلَّا أَن يقل عَن صرف دِينَار كاجتماع البيع وَالصرْف أَيْضا، وَبِقَوْلِهِ: بِغَيْر جنسه يَعْنِي كالمحلى بِالذَّهَب يُبَاع بِالْفِضَّةِ وَبِالْعَكْسِ احْتِرَازًا مِمَّا لَو بيع بِجِنْس غير الْحِلْية الَّتِي فِيهِ كَبيع الْمحلى بِذَهَب أَو الْمحلى بِفِضَّة، فَإِنَّهُ لَا يجوز لما فِيهِ من بيع ذهب وَعرض بِذَهَب أَو فضَّة وَعرض بِفِضَّة وَهُوَ الرِّبَا الْمَعْنَوِيّ الْمشَار لَهُ بقوله. (خَ) : كدينار وَدِرْهَم أَو غَيره بمثلهما هَذَا كُله مَعَ تحقق التَّمَاثُل فَكيف بِهِ مَعَ الشَّك فِيهِ كَمَا هُنَا لِأَن الْحِلْية لَا يَتَأَتَّى معرفَة قدرهَا إِلَّا بِالتَّحَرِّي كَمَا يَأْتِي، اللَّهُمَّ إِلَّا إِذا كَانَت الْحِلْية الثُّلُث فدون لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تبع، وَهل يعْتَبر الثُّلُث بِالْقيمَةِ أَو بِالْوَزْنِ؟ خلاف فَإِن كَانَ وزن الْحِلْية عشْرين ولصياغتها تَسَاوِي ثَلَاثِينَ، وَقِيمَة النصل أَرْبَعُونَ فالمجتمع سَبْعُونَ، فَإِذا نسبت قيمَة الْحِلْية وَهِي ثَلَاثُونَ للسبعين كَانَت أَكثر من الثُّلُث فَلَا يجوز على الأول وَجَاز على الثَّانِي لِأَنَّهُ يعْتَبر الْوَزْن ووزنها عشرُون وَهِي ثلث، ثمَّ إِن الْوَزْن على القَوْل بِهِ يعْتَبر بِالتَّحَرِّي فَإِن لم يكن تحريه لعدم وجود من هُوَ أهل صَنعته فَتعْتَبر الْقيمَة حِينَئِذٍ اتِّفَاقًا، وَاحْترز بقوله: بِنَقْد أَي بمعجل مِمَّا لَو بيع بمؤجل، فَإِنَّهُ لَا يجوز بصنفه وَلَا بِغَيْرِهِ لما فِيهِ من رَبًّا النِّسَاء. نعم يجوز بِعرْض وَإِلَى الْمَسْأَلَة بشروطها أَشَارَ (خَ) بقوله: وَجَاز محلى وَإِن كَانَ ثوبا يخرج مِنْهُ عين إِن سبك بِأحد النَّقْدَيْنِ إِن أبيحت وسمرت وَعجل بِغَيْر صنفه مُطلقًا وبصنفه إِن كَانَت الثُّلُث فَأَقل وَهل بِالْقيمَةِ أَو بِالْوَزْنِ؟ خلاف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 وكُلُّ مَا الْفِضّةُ فيهِ والذَّهبْ فبالعُرُوضِ البَيْعُ فِي ذَاكَ وجَبْ (وكل مَا) أَي محلى (الْفضة فِيهِ وَالذَّهَب فبالعروض البيع فِيهِ قد وَجب) نَقْدا أَو إِلَى أجل، وَلَا يجوز بِذَهَب وَلَا فضَّة وَلَو نَقْدا لما يلْزم عَلَيْهِ من الرِّبَا الْمَعْنَوِيّ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بيع ذهب وَفِضة وَعرض بِذَهَب أَو بيع فضَّة وَعرض وَذهب بِفِضَّة، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون مجموعهما تبعا لقيمة الْمحلى، فَيجوز حِينَئِذٍ بَيْعه بِأَحَدِهِمَا لَا بهما مَعًا، وَمحل جَوَازه بِأَحَدِهِمَا مَعَ التّبعِيَّة إِذا توفرت الشُّرُوط الثَّلَاثَة الَّتِي هِيَ الْإِبَاحَة والتسمير والتعجيل (خَ) : وَإِن حلي بهما لم يجز بِأَحَدِهِمَا إِلَّا أَن تبعا الْجَوْهَر. (فصل فِي بيع الثِّمَار وَمَا يلْحق بهَا) من المقاثي وَالْخضر وَذي النُّور كالورد وَنَحْوه. بَيْعُ الثِّمَار والمَقاثي والْخُضَرْ بَدْوُ الصَّلاَحِ فِيهِ شَرْطٌ مُعْتَبَرْ (بيع الثِّمَار) من عِنَب أَو تمر أَو تفاح أَو مشمش (والمقاثي) كالبطيخ والفقوس (وَالْخضر) كاللفت والجزر والبصل والفجل (بَدو) أَي ظُهُور (الصّلاح) (خَ) : وَهُوَ الزهو وَظُهُور الْحَلَاوَة والتهيؤ للنضج، وَفِي ذِي النُّور بانفتاحه والبقول بإطعامها (فِيهِ) أَي فِي جَوَاز بيع جَمِيع مَا ذكر (شَرط مُعْتَبر) لَا بُد مِنْهُ (خَ) : وَصَحَّ بيع ثَمَر وَنَحْوه بدا صَلَاحه إِن لم يسْتَتر وَلَا يجوز بَيْعه قبل بَدو صَلَاحه كَمَا قَالَ: وحَيْثُ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُها امْتَنَعْ مَا لَمْ يَكُنْ بالشَّرْطِ لِلْقَطْعِ وَقَعْ (وَحَيْثُ لم يبد صَلَاحهَا امْتنع) بيعهَا، وَأما بدوه فِي بعض جنس وَلَو فِي نَخْلَة وَاحِدَة أَو دالية أَو اسوداد عنقود أَو حبات مِنْهُ، فَذَلِك كَاف فِي ذَلِك الْجِنْس كُله وَفِي مجاوره إِن لم تكن باكورة. (خَ) : وبدوه فِي بعض حَائِط كَاف فِي جنسه إِن لم تبكر الخ. وَيدخل فِي الثِّمَار الْحُبُوب كالقمح وَنَحْوه. وبدو الصّلاح فِيهَا اليبس فَإِن بيع قبله فَلَا يجوز إِلَّا أَن يكون البيع فِيهِ وَقع بعد الإفراك على أَن يتْركهُ حَتَّى ييبس أَو يكون ذَلِك لعرف فِيهِ فيمضي بِقَبْضِهِ كَمَا قَالَ (خَ) : وَمضى بيع حب أفرك قبل يبسه بِقَبْضِهِ، وَأما إِن لم يشْتَرط تَركه وَلَا كَانَ الْعرف ذَلِك فَالْبيع فِيهِ جَائِز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 وَإِن تَركه مُشْتَرِيه حَتَّى ييبس قَالَه ابْن رشد، (مَا لم يكن) البيع للَّذي لم يبد صَلَاحه (بِالشّرطِ للْقطع وَقع) فَإِنَّهُ يجوز بِشُرُوط ثَلَاثَة. أَن ينْتَفع بِهِ فِي الْحِين كالحصرم والفول الْأَخْضَر والفريك، وَأَن يضْطَر أَي يحْتَاج الْمُتَبَايعَانِ أَو أَحدهمَا لبيعه كَذَلِك، وَأَن لَا يَقع من غير أهل مَحَله أَو أَكْثَرهم التوافق على بَيْعه للْقطع قبل بدوه أَو يعتادون ذَلِك، فان اخْتَلَّ شَرط من هَذِه الثَّلَاثَة لم يجز لما فِي ذَلِك من الْفساد وإضاعة المَال فَتحصل مِمَّا هُنَا وَمِمَّا مرّ أَن الثَّمَرَة يجوز بيعهَا قبل بَدو صَلَاحهَا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. أَحدهَا: إِذا بِيعَتْ مُفْردَة على شَرط الْقطع كَمَا هُنَا. ثَانِيهَا وَثَالِثهَا: أَن تبَاع مَعَ أَصْلهَا أَو تلْحق بِهِ كَمَا مرّ فِي قَوْله: ومشتري الأَصْل شِرَاؤُهُ الثَّمر قبل الصّلاح جَائِز فِيمَا اشْتهر (خَ) : وَصَحَّ بَيْعه قبل الصّلاح مَعَ أَصله أَو ألحق بِهِ أَو على قطعه إِن نفع واضطر لَهُ وَلم يتمالأ عَلَيْهِ لَا على التبقية أَو الْإِطْلَاق. وَخِلْفَةُ القَصيل ملْكُهُ حَرِي لِبَائِعٍ إلاّ بِشَرْطِ المُشْتَرِي (وخلفة القصيل ملكه حري) أَي حقيق (البَائِع) فَإِذا بيع القصيل وَنَحْوه مِمَّا يجز ويخلف كالقرط والقضب فخلفته مَمْلُوكَة للْبَائِع، وَإِنَّمَا يملك المُشْتَرِي الجزة الأولى (إِلَّا بِشَرْط المُشْتَرِي) عِنْد العقد أَنه يَشْتَرِي القصيل بخلفته فَتكون لَهُ الخلفة حِينَئِذٍ، ثمَّ إِنَّه يشْتَرط فِي جَوَاز شِرَاء القصيل شَرْطَانِ: أَحدهمَا: أَن يبلغ حد الِانْتِفَاع بِهِ، وَثَانِيهمَا: أَن لَا يشْتَرط تَركه إِلَى أَن يحبب لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بيع للحب قبل وجوده، فَإِذا وجد الشرطان وَبيع بخلفته فَيشْتَرط فِي جَوَاز اشْتِرَاطهَا ثَلَاثَة شُرُوط. أَن تكون مَأْمُونَة كأرض سقِِي بِغَيْر مطر، وَأَن يشترطها كلهَا لَا بَعْضهَا، وَأَن لَا يشْتَرط ترك الخلفة إِلَى أَن تجب أَيْضا لِلْعِلَّةِ الْمُتَقَدّمَة، وَكَذَا تشْتَرط هَذِه الثَّلَاثَة فِيمَا إِذا اشْترى الخلفة بعد شِرَاء القصيل، لَكِن إِنَّمَا يجوز لَهُ شراؤها بشروطها الْمَذْكُورَة قبل جز القصيل لَا بعده لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غرر غير تَابع، فَإِن اخْتَلَّ شَرط من شرطي القصيل فسد العقد وَفسخ إِلَّا أَن يفوت فَفِيهِ الْقيمَة، وَكَذَا إِن اخْتَلَّ شَرط من شُرُوط الخلفة، وَكَلَام (ز) فِيهِ خلل وَالله أعلم. والقضب بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الضَّاد مَا يقضب أَي يقطع مرّة بعد مرّة، والقرط بِضَم الطَّاء العشب الَّذِي تَأْكُله الدَّوَابّ، ثمَّ إِن أَرض الْمغرب مُلْحقَة عِنْدهم بِأَرْض السَّقْي، وَعَلِيهِ فَإِذا كَانَ القصيل فِي فصل الشتَاء بلغ حد الِانْتِفَاع بِهِ فَيجوز بَيْعه مَعَ خلفته الَّتِي يخلفها قبل فصل الصَّيف لأَنهم جعلُوا أَرض الْمغرب مِمَّا يجوز كراؤها بِشَرْط النَّقْد كَمَا يَأْتِي فِي الْإِجَارَة إِن شَاءَ الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 وَلا يَجُوزُ فِي الثِّمَار الأجَلُ إلاّ بِما إثْمارُه مُتَّصِلُ (وَلَا يجوز فِي) بيع (الثِّمَار) الَّتِي تطعم بطوناً كالمقاثي والياسمين (الْأَجَل) كَأَن يَبِيعهُ مَا تطعمه المقاثي أَو الياسمين شهرا لاخْتِلَاف حملهَا قلَّة وَكَثْرَة كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة، بل إِنَّمَا يجوز شراؤها على الْإِطْلَاق، وَيكون المُشْتَرِي جَمِيع بطونها وَلَو لم يشترطها (إِلَّا بِمَا) أَي إِلَّا فِي الشّجر الَّذِي (إثماره مُتَّصِل) لَا يَنْقَطِع فِي سَائِر السّنة كالموز فَلَا بُد فِيهِ من ضرب الْأَجَل لاستمرار إطعامه وَعدم تَمْيِيز بطونه (خَ) : وَللْمُشْتَرِي بطُون كياسمين ومقثاة، وَلَا يجوز بكشهر وَوَجَب ضرب الْأَجَل إِن اسْتمرّ كالموز. وَغَائِبٌ فِي الأرْضِ لَا يُبَاعُ إلاّ إذَا يَحْصُلُ الانْتِفَاعُ (وغائب فِي الأَرْض) كاللفت والجزر والفجل والبصل والثوم (لَا يُبَاع إِلَّا إِذا) بدا صَلَاحه وبدوه كَمَا للباجي أَن يسْتَقلّ ورقه وَيتم و (يحصل الِانْتِفَاع) بِهِ وَلم يكن فِي قلعه فَسَاد، وَهَذَا فِيهِ نوع تكْرَار مَعَ مَا قدمه أول الْفَصْل. وَجَائِزٌ فِي ذَاكَ أنْ يُسْتُثْنَى أكْثَرُ مِنْ نِصْفٍ لَهُ أَوْ أَدْنَى (وَجَائِز فِي ذَاك) الْمَبِيع الْمُتَقَدّم من التَّمْر والمقاثي وَالْخضر (أَن يسْتَثْنى) البَائِع مِنْهُ (أَكثر من نصف لَهُ) أَي لنَفسِهِ (أَو أدنى) من نصف كربع وَثلث، وَهَذَا فِي اسْتثِْنَاء الشَّائِع بِدَلِيل قَوْله: وَدُونَ ثُلْثِ إنْ يَكُنْ مَا اسْتُثْنِي بِعَدَدٍ أوْ كَيْلٍ أَوْ بِوَزْنِ (وَدون) صَوَابه وَقدر كَمَا فِي (خَ) الخ. (ثلث إِن يكن مَا) أَي الْقدر الَّذِي (اسْتثْنِي) معينا محصوراً بِدَلِيل قَوْله: (بِعَدَد) كَأَن يَبِيعهُ بُسْتَان الْجَوْز ويستثني مِنْهُ عشرَة آلَاف جوزة أَو يَبِيعهُ مقثاة ويستثني مِنْهَا مائَة بطيخة (أَو) محصوراً ب (كيل) كَبَيْعِهِ فدان زرع قَائِم بعد يبسه ويستثني مِنْهُ وسْقا (أَو بِوَزْن) كَبَيْعِهِ ثَمَر حَائِطه ويستثني مِنْهُ قِنْطَارًا أَو نَحوه، فَإِن حزر أَن عشرَة آلَاف من الْجَوْز هِيَ قدر ثلث الْبُسْتَان فدون، وَالْمِائَة بطيخة قدر ثلث المقتاة فدون، والوسق قدر ثلث زرع الفدان فدون جَازَ الِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُور وإلاَّ امْتنع لِكَثْرَة الْغرَر، إِذْ لَا يدْرِي المُشْتَرِي مَا يبْقى لَهُ بعد دَفعه الْمُسْتَثْنى فَتحصل من النّظم أَن الْقدر الشَّائِع يجوز اسْتِثْنَاؤُهُ مُطلقًا وَأَن الْقدر الْمعِين المحصور بِعَدَد وَنَحْوه يجوز اسْتِثْنَاؤُهُ إِذا كَانَ قدر ثلث فدون وَإِلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ أَشَارَ (خَ) عاطفاً على الْجَائِز بقوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 وَبيع صبرَة وَثَمَرَة واستثناء قدر ثلث الخ. ثمَّ قَالَ: وجزء مُطلقًا. تَنْبِيه: إِذا كَانَت الثَّمَرَة أنواعاً وَاسْتثنى من نوع مِنْهَا أَكثر من ثلثه إِلَّا أَنه ثلث الْجَمِيع فَأَقل فَاخْتلف فِيهِ قَول مَالك، وَأخذ ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب بِالْمَنْعِ نَقله (ز) قَالَ: وَمثل الِاسْتِثْنَاء فِي العقد إِذا أَرَادَ لما ذكر بعد العقد قبل قبض الثّمن أَو بعده وَقبل التَّفَرُّق الخ. أَي فَإِنَّهُ يجوز إِذا كَانَ الْعدَد أَو الْوَزْن الْمُشْتَرى قدر الثُّلُث فدون لِأَن اللَّاحِق للْعقد كالواقع فِيهِ اُنْظُرْهُ. وَإنْ يَكُنْ لِثَمَراتٍ عَيَّنا فَمُطْلَقاً يَسُوغُ مَا تَعَيَّنَا (وَإِن يكن) البَائِع (لشجرات عينا) أَي اسْتثْنى ثَمَر شجرات بِأَعْيَانِهَا (فمطلقاً يسوغ) اسْتثِْنَاء (مَا تعينا) من الشجرات كهذه النَّخْلَة وَهَذِه كَانَ قدر الثُّلُث أَو أَكثر لِأَن الْمَبِيع هُوَ مَا سواهُ وَهُوَ معِين أَيْضا، فَهَذِهِ ثَلَاث مسَائِل: اسْتثِْنَاء الْجُزْء الشَّائِع كربع وَنَحْوه، واستثناء الْقدر المحصور بِعَدَد أَو كيل أَو وزن، واستثناء نخلات بِأَعْيَانِهَا، وَبقيت مَسْأَلَة رَابِعَة لم يذكرهَا النَّاظِم وَهِي: أَن يَبِيعهُ أصل حَائِطه مَعَ ثَمَرَته أَو ثَمَرَته فَقَط على أَن للْبَائِع ثَمَر خمس نخلات أَو سبع وَنَحْوهَا يختارها مِنْهُ، فَيجوز بِشَرْط أَن تكون ثَمَرَتهَا قدر الثُّلُث فدون (خَ) : إِلَّا البَائِع يسْتَثْنى خمْسا من جنابه أَي فَيجوز إِلَّا أَنه لَا مَفْهُوم للخمس فِي كَلَامه، بل الْمدَار على كَون ثَمَرَة مَا يختاره ثلثا فدون كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا. وَفِي عَصيرِ الكَرَمِ يُشْرَى بالذَّهَبْ أوْ فِضَّةٍ أخْذُ الطَّعَامِ يُجْتَنَبْ (وَفِي عصير الْكَرم) أَو غَيره من الْأَطْعِمَة والأشربة مَا عدا المَاء (يشرى) أَي يُبَاع (بِالذَّهَب أَو فضَّة) أَو عرض (أَخذ الطَّعَام) كقمح أَو تفاح أَو غَيرهمَا (يجْتَنب) لما فِيهِ من اقْتِضَاء الطَّعَام عَن ثمن الطَّعَام وَهُوَ مَمْنُوع للتُّهمَةِ على بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ نَسِيئَة فَلَا مَفْهُوم لعصير الْكَرم. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: لَا يجوز لمن بَاعَ طَعَاما أَن يقبض فِيهِ طَعَاما من صنفه أَو من غير صنفه إِلَّا أَن يَأْخُذ مِنْهُ مَا بَاعه صفة وَقدرا إِن مَحْمُولَة فمحمولة وَإِن سمراء فسمراء وَهِي إِقَالَة اه. وَسَوَاء أَخذ ذَلِك قبل الْأَجَل أَو بعده. ابْن عَرَفَة فِي بُيُوع الْآجَال: ضابطة جعل الْمُقْتَضى ثمنا للْمَبِيع، وَلذَا امْتنع أَخذه عَن كِرَاء أَرض بِعَين أَو عرض، وَكَذَا أَخذ اللَّحْم عَن ثمن الْحَيَوَان من جنسه وَعَكسه اه. وَكَذَا لَو أَخذ الدَّرَاهِم عَن الذَّهَب الَّذِي هُوَ ثمن الثَّوْب وَعَكسه، أَو أَخذ ثوب الْقطن عَن غزله إِذا كَانَ بعد مُدَّة يُمكن أَن ينسج فِيهَا لِأَنَّهُمَا يتهمان على بيع الشَّيْء بِمَا يخرج مِنْهُ وَهُوَ مزابنة كَمَا مر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 تَنْبِيه: قَالَ فِيهَا أَيْضا: وَإِن أحلّت على ثمن طَعَام لَك من لَهُ عَلَيْك مثل الثّمن من بيع أَو من قرض لم يجز للمحال بِهِ أَن يَأْخُذهُ لَهُ من الطَّعَام إِلَّا مَا كَانَ يجوز لَك أَن تَأْخُذهُ من غريمك اه. تَنْبِيه آخر: قَالَ الْبُرْزُليّ: كَانَ شَيخنَا يَعْنِي ابْن عَرَفَة يُجِيز لمن عَلَيْهِ طَعَام أَن يُرْسل من يَشْتَرِي طَعَاما بِمَال الطَّالِب ثمَّ يتقاضاه مِنْهُ الطَّالِب قَالَ: وَظَاهره وَلَو كَانَ من ناحيته وَسَببه وَلَعَلَّه خففه مُرَاعَاة لمن يُجِيز أَن يَقْتَضِي من ثمن الطَّعَام طَعَاما وَهُوَ قَول خَارج الْمَذْهَب وَالله أعلم. وَنَقله العلمي فِي نوازله وَفِي الْبُرْزُليّ أَيْضا سُئِلَ الْمَازرِيّ عَمَّن اضطرته الْحَاجة إِلَى اقْتِضَاء الطَّعَام من ثمن الطَّعَام؟ فَأجَاب بِأَنَّهُ لَا يجوز ثمَّ قَالَ فِي آخر كَلَامه: وَلَكِن إِن لم يقدر على خلاص الثّمن إِلَّا بِالطَّعَامِ فيفعلانه على وَجه سَائِغ يَأْخُذ الطَّعَام ويوكل بِهِ من يَبِيعهُ على ملك ربه فينفذه للحاضر وَيَقْضِي البَائِع ويفعله بإشهاد من غير تحيل على إِظْهَار مَا يجوز وَإِبْطَال مَا لَا يجوز. قلت: مثله يَقع الْيَوْم عندنَا يُعْطي الزَّرْع للبادية فَلَا يجد مَا يَأْخُذهُ فيعطيه الْحَيَوَان وَالسُّؤَال كالسؤال وَالْجَوَاب كالجواب اه. وَنَقله الملوي فِي مسَائِل التصيير. (فصل فِي الْجَائِحَة فِي ذَلِك) أَي فِي الثِّمَار وَمَا ألحق بهَا. وكُلُّ مَا لاَ يُسْتَطَاعُ الدَّفْعُ لَهْ جَائْحَةٌ مِثْلُ الرِّياح المُرْسَلَه (وكل مَا) أَي شَيْء (لَا يُسْتَطَاع الدّفع لَهُ) والاحتراز مِنْهُ إِذا أصَاب الثَّمر فأتلف ثلثهَا فَأكْثر فَهُوَ (جَائِحَة) لَهَا وَذَلِكَ (مثل الرِّيَاح المرسله) تسْقط الثَّمَرَة بهَا والثلج وَالْبرد والمطر الْغَالِب والعفن وَالْجَرَاد والدود وَالطير والفأر وَالنَّار وغاصب وسارق. وَالجَيْشُ مَعْدُودٌ مِع الجَوائِحِ كَفِتْنَةٍ وكالعَدُوِّ الكاشِحِ (والجيش) يمر بِالنَّخْلِ ليَأْخُذ ثَمَرَته (مَعْدُود من الجوائح) لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاع دَفعه (كفتنة) تقع فِي الْبَلَد فينجلي عَنهُ أَهله أَو يقل وارده بِسَبَبِهَا فَلَا يجد مُشْتَرِي الثَّمَرَة من يَبِيعهَا لَهُ كمن اكترى فندقاً أَو حَماما فانجلى أهل الْبَلَد عَنهُ أَو قل وارده وَلم يجد من يسكنهُ فَلَا كِرَاء علية انْظُر شرح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 الشَّامِل. (وكالعدو الْكَاشِح) يمْنَع مُشْتَرِي الثَّمَرَة من الْوُصُول إِلَيْهَا حَتَّى سَقَطت الثَّمَرَة وَتَلفت، والكاشح الْمُضمر للعداوة ولبعضهم فِي نظم الجوائح مَا نَصه: جوائح أَشجَار الثِّمَار كَثِيرَة وعدتها سِتّ وَعشر فهاكها فقحط وثلج ثمَّ غيث وبردها وعفن وريح وَالْجَرَاد وفارها ودود وطير غَاصِب ثمَّ سَارِق وغرق وجيش والمحارب نارها والمحارب دَاخل فِي الْعَدو، والكاشح وَقد ذكر (خَ) مِنْهَا أموراً زَائِدَة على هَذَا فَانْظُر وَلَا بُد وَمحل كَون السَّارِق والجيش جَائِحَة مَا لم يعرف السَّارِق أَو وَاحِد من الْجَيْش وَإِلَّا اتبع السَّارِق بِقِيمَة مَا سرق وَلَو معدماً وَلَا يكون جَائِحَة، وَكَذَا الْوَاحِد من الْجَيْش يتبع بِالْجَمِيعِ لأَنهم كالحملاء عَن بَعضهم بَعْضًا مَا لم يكن ذَلِك الْوَاحِد معدماً غير مرجو يسره عَن قرب، فَالْأَظْهر أَنه جَائِحَة قَالَه ابْن عَرَفَة. فإنْ يَكُنْ مِنْ عَطَشٍ مَا اتَّفَقَا فالوَضْعُ لِلثَّمن فِيهِ مُطْلَقَا (وَإِن يكن من عَطش مَا اتفقَا) أَي وَإِن يكن مَا وَقع من الْجَائِحَة حصل من الْعَطش (فالوضع للثّمن فِيهِ مُطلقًا) بلغ الثُّلُث أَو لَا. كَأَن المجاح ثَمَرَة أَو مَا ألحق بهَا من بقول وَنَحْوه لِأَنَّهُ لما كَانَ سقِِي الثَّمَرَة على البَائِع أشبه مَا فِيهِ حق تَوْفِيَة قَالَه فِي ضيح. وإنْ تَكُنْ مِنْ غَيْرِهِ فَفِي الثَّمَرْ مَا بَلَغَ الثُّلْثَ فَأَعْلَى المُعْتَبرْ (وَإِن تكن) الْجَائِحَة (من غَيره) أَي الْعَطش (فَفِي الثَّمر) والفول الْأَخْضَر والفريك وَنَحْوهَا لَا يوضع مِنْهَا إِلَّا (مَا بلغ الثُّلُث) من مكيله (فأعلى) لِأَن ثلث المكيلة فَأكْثر هُوَ (الْمُعْتَبر) عِنْدهم فِي وَضعهَا مِمَّا ذكر (خَ) وتوضع جَائِحَة الثِّمَار إِلَى قَوْله: إِن بلغت ثلث المكيلة الخ. أَي: وَلَا تُوضَع فِيمَا نقص عَن ثلث المكيلة وَلَو كَانَت قِيمَته ثلثا فَأكْثر كَمَا لَو أجيح سدس الثَّمَرَة الَّذِي طَابَ أَو لَا. وَقِيمَته لغلائه عشرَة وَقِيمَة مَا بَقِي لرخصه بِتَأْخِيرِهِ فِي الطّيب عشرُون لم تُوضَع على الْمَشْهُور. وَفي البُقولِ الوَضْعُ فِي الكَثِيرِ وَفي الَّذِي قَلَّ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَفِي الْبُقُول) وَهِي الَّتِي يُؤْكَل مَا خرج مِنْهَا فَوق الأَرْض دون الدَّاخِل فِيهَا وَذَلِكَ كالكرنب والخس والهندبا وَنَحْو ذَلِك (الْوَضع فِي) المجاح (الْكثير) الَّذِي بلغ الثُّلُث فَأكْثر (وَفِي الَّذِي قل) عَن الثُّلُث كالسدس وَنَحْوه (على الْمَشْهُور) وَإِنَّمَا وضعت فِي الْبُقُول مُطلقًا لِأَن غالبها من الْعَطش وَحمل مَا أجيح مِنْهَا بِغَيْرِهِ عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 وَألْحَقُوا نَوْعَ المَقَاثي بالثَّمَرْ هِنَا وَمَا كالْيَاسَمِين والجَزَرْ (وألحقوا نوع المقاثي) وَهِي الَّتِي تطعم بَطنا بعد بطن كبطيخ وفقوس وقرع وباذنجان وَنَحْوهَا (بالثمر هُنَا) فَلَا تُوضَع الْجَائِحَة فِيهَا إِلَّا إِذا بلغت الثُّلُث (و) ألْحقُوا بهَا أَيْضا (مَا) كَانَ (كالياسمين) والورد من كل مَا يجنى وَيبقى أَصله (و) ألْحقُوا بهَا أَيْضا مغيب الأَصْل كالبصل (والجزر) واللفت وَنَحْوهَا. وَهَذَا القَوْل من أَن مغيب الأَصْل كالجزر واللفت والفجل مُلْحق بالثمار. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: هُوَ الَّذِي الْقَضَاء وَمُقَابِله أَنَّهَا كالبقول وَهُوَ الْمَشْهُور وَمذهب الدونة، قَالَ فِيهَا: وَأما جَائِحَة الْبُقُول والسلق والبصل والجزر والفجل والكراث وَغَيرهَا فَيُوضَع قَلِيل مَا أجيح مِنْهُ وَكَثِيره اه. وَعَلِيهِ اقْتصر (خَ) إِذْ قَالَ: وتوضع جَائِحَة الثِّمَار وَإِن قلت كالبقول والزعفران وَالريحَان والقرط وورق التوت ومغيب الأَصْل كالجزر الخ. فَتحصل أَن المقاثي وَهِي مَا تطعم بَطنا بعد بطن مُلْحقَة بالثمار وَأَن مغيب الأَصْل كالبصل والكراث والجزر فِيهِ قَولَانِ. وَأَن الْجَائِحَة تُوضَع من الْعَطش مُطلقًا وَإِن كَانَت من غَيره فَفِي الثِّمَار والمقاثي لَا يرجع بهَا إِلَّا إِذا بلغت الثُّلُث، وَفِي الْبُقُول وَهِي الَّتِي يُؤْكَل مَا خرج مِنْهَا فَوق الأَرْض يرجع بهَا مُطلقًا. والقَصَبُ الحُلْوُ بِهِ قوْلانِ كَوَرَقِ التُّوتِ هُما سِيَّانِ (والقصب الحلو بِهِ) أَي فِيهِ (قَولَانِ) مَذْهَب الْمُدَوَّنَة، وَعَلِيهِ اقْتصر (خَ) أَنه لَا جَائِحَة فِيهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُبَاع بعد بَدو صَلَاحه بِظُهُور الْحَلَاوَة فِيهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا تناهى طيبه وَمَا أجيح بعد تناهي الطّيب لَا جَائِحَة فِيهِ كَمَا يَأْتِي. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: تُوضَع الْجَائِحَة فِي الْقصب الحلو. ابْن يُونُس: وَهُوَ الْقيَاس، وَصحح فِي الشَّامِل أَنه كالبقول إِذْ قَالَ: وتوضع من بقول وقصب سكر أَو غَيره، وَإِن قلت على الْأَصَح وَثَالِثهَا كالثمار اه. وَانْظُر مَا مُرَاده بقوله: أَو غَيره لِأَن غير الْقصب الحلو هُوَ الْقصب الْفَارِسِي وَهُوَ لَا جَائِحَة فِيهِ لِأَنَّهُ خشب (كورق التوت) التَّشْبِيه فِي الْقَوْلَيْنِ (هما) أَي الْقَوْلَانِ (سيان) فِي الْقصب الحلو وورق التوت من غير تَرْجِيح، وَقد علمت أَن الْمَشْهُور مِنْهُمَا فِي الْقصب الحلو عدم الْجَائِحَة وَأَن الْمَشْهُور مِنْهُمَا فِي ورق التوت هُوَ الْجَائِحَة كَمَا مر عَن (خَ) . تَنْبِيه: موت دود الْحَرِير هُوَ من جَائِحَة ورقة كمن اكترى حَماما فَلم يجد من يسكنهُ كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 مرّ، وَلما كَانَت الْجَائِحَة إِنَّمَا تُوضَع إِذا حصلت قبل انْتِهَاء الطّيب كَمَا قَالَ (خَ) إِن تناهت الثَّمَرَة فَلَا جَائِحَة الخ. نبه النَّاظِم على ذَلِك فَقَالَ: وَكُلُّهَا البَائِعُ ضَامِنٌ لَهَا إنْ كانَ مَا أُجِيحَ قَبْلَ الانْتِهَا (و) الثِّمَار (كلهَا البَائِع ضَامِن لَهَا وَإِن كَانَ مَا أجيح قبل الانتها) ، فمفهومه إِنَّه إِذا أجيحت بعده فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَظَاهره كظاهر (خَ) أَنَّهَا بانتهاء الطّيب تخرج من ضَمَان البَائِع وَإِن لم يمض من الزَّمَان مَا يُمكن قطعهَا فِيهِ وَهُوَ أحد أَقْوَال ثَلَاثَة. وَالثَّانِي حَتَّى يمْضِي ذَلِك، وَالثَّالِث حَتَّى يمْضِي ذَلِك ويمضي مَا يجْرِي الْعرف بِالتَّأْخِيرِ إِلَيْهِ، وَأَشَارَ إِلَى هَذَا الْخلاف ابْن عَرَفَة بقوله: فَفِي كَون ضَمَان الثَّمَرَة من مبتاعها بتناهي طيبها وَإِن لم يمض مَا يُمكنهُ فِيهِ جذها أَو بمضيها ثَالِثهَا بِمُضِيِّ ذَلِك وَمَا يجْرِي الْعرف بِالتَّأْخِيرِ إِلَيْهِ اه. وَهَذَا القَوْل هُوَ الْمُعْتَمد وَعَلِيهِ اقْتصر اللَّخْمِيّ فَقَالَ: وَكَذَلِكَ الْعِنَب إِن أجيح قبل أَن تستكمل عُسَيْلَته كَانَ ضَمَانه من البَائِع، وَإِن استكملها وَكَانَ بَقَاؤُهُ ليأخذه على قدر حَاجته لِئَلَّا يفْسد عَلَيْهِ إِن قطعه دفْعَة وَاحِدَة كَانَ على البَائِع أَيْضا إِن كَانَت الْعَادة بَقَاءَهُ لمثل ذَلِك، وَإِن كَانَت الْعَادة جذه حِينَئِذٍ جَمِيعًا فَأَخَّرَهُ ليأخذه على قدر حَاجته كَانَ من المُشْتَرِي اه. وَعَلِيهِ فَإِذا أَخّرهَا بعد انْتِهَاء طيبها وَمضى مَا يُمكن جذها فِيهِ لجَرَيَان عرف النَّاس بِالتَّأْخِيرِ لبَقَاء النضارة والرطوبة فيأخذها بِقدر حَاجته، فالجائحة فِيهَا وَهِي رِوَايَة سَحْنُون وَهُوَ الْمَذْهَب كَمَا يفِيدهُ (خَ) وَغَيره، ويفيده كَلَام المتيطي فِي نهايته لقَوْله: إِذا أجيحت بعد انْتِهَاء طيبها وَإِمْكَان جذاذها بِمُضِيِّ مُدَّة يُمكنهُ جذها فِيهَا قبل بُلُوغ الْحَد، الَّذِي يعرف من التَّرَاخِي فِي جذها فَتجب الْجَائِحَة على قَول مَالك بالجائحة فِي الْبُقُول اه. وَأما إِن كَانَ تَأْخِيره لشغل عرض لَهُ أَو لسوق يَرْجُو إنفاقها فَلَا جَائِحَة كَمَا فِي (خَ) والبرزلي وَغَيرهمَا، فمفهوم النَّاظِم فِيهِ تَفْصِيل بَين أَن تجتاح بعد انْتِهَاء الطّيب وَبعد مُضِيّ مَا جرت الْعَادة بِالتَّأْخِيرِ إِلَيْهِ فَلَا ضَمَان على البَائِع وَبَين أَن تجتاح قبل مُضِيّ مَا جرت الْعَادة بِالتَّأْخِيرِ إِلَيْهِ فَالضَّمَان مِنْهُ، وَأما منطوقه فَمُسلم لِأَن مَا أجيح قبل انْتِهَاء الطّيب ضَمَانه من البَائِع اتِّفَاقًا، ثمَّ اعْلَم أَن الثِّمَار على قسمَيْنِ: مَا شَأْنه أَن ييبس ويدخر وَيحبس أَوله على آخِره كالتمر وَالْعِنَب وَالزَّيْتُون والجوز واللوز، فَهَذَا إِذا أجيح مِنْهُ ثلث المكيلة فَأكْثر وضع على المُشْتَرِي بِنِسْبَة ذَلِك فَإِن أجيح الثُّلُث وضع عَنهُ ثلث الثّمن أَو النّصْف فَنصف الثّمن وَهَكَذَا، وَلَا يلْتَفت هُنَا إِلَى الْقيمَة اتِّفَاقًا وَإِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 أجيح أقل من الثُّلُث فَلَا يوضع عَنهُ شَيْء. الثَّانِي: مَا لَا يحبس أَوله على آخِره كالمقاثي والورد والياسمين والتفاح وَالرُّمَّان والخوخ والتين وَالْعِنَب فِي بعض الْبلدَانِ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا تخْتَلف أسواقه فِي أول مجناه ووسطه وَآخره فَإِن كَانَ الذَّاهِب ثلث المكيلة أَو وَزنه أَو عدده فَإِنَّهُ ينْسب فِي ذَلِك قيمَة مَا أجيح إِلَى قيمَة مَا بَقِي سليما وَتعْتَبر قيمَة المجاح فِي زَمَنه وَقِيمَة غَيره فِي زَمَنه أَيْضا، فَإِذا أجيح بطن من مقثاة اشْتريت بِتِسْعَة مثلا فَإِنَّهُ يحفظ عدده، ثمَّ إِذا جنى بطنين وانقطعت فَإِنَّهُ يحفظ عددهما أَيْضا وَينظر حِينَئِذٍ إِلَى الْبَطن المجاح من البطنين السالمين، فَإِن كَانَ المجاح ثلث عدد بطُون المقثاة أَو ثلث وَزنهَا إِن كَانَت تبَاع وزنا فَيُقَال حِينَئِذٍ: مَا قيمَة الْبَطن المجاح يَوْم الْجَائِحَة وَمَا قيمَة الثَّانِي وَالثَّالِث يَوْم جذاذهما؟ فَإِذا قيل قيمَة الأول يَوْم الْجَائِحَة ثَلَاثَة لغلائه فِي وقته، وَقِيمَة الثَّانِي فِي زَمَنه اثْنَان لرخصه عَن الأول، وَقِيمَة الثَّالِث فِي زَمَنه أَيْضا وَاحِد فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهِ بِنصْف التِّسْعَة، وَكَذَا إِن كَانَت قيمَة الثُّلُث المجاح خَمْسَة أَسْدَاس الْقيمَة فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهِ بِخَمْسَة أَسْدَاس الثّمن. وَهَكَذَا. وَأما إِن كَانَ المجاح أقل من الثُّلُث فَإِنَّهُ لَا يوضع شَيْء هَذَا حكم مَا لَهُ بطُون، وَكَذَا النَّوْع الْوَاحِد الَّذِي لَا يحبس أَوله على آخِره كالعنب وَنَحْوه فِي بعض الْبلدَانِ لِأَنَّهُ قد تكون عَادَتهم جَارِيَة باستعجال بيع مَا طَابَ مِنْهُ وَأَن كل مَا طَابَ مِنْهُ شَيْء أَتَى بِهِ للسوق فَيكون حكمه كذوي الْبُطُون. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ فِي النِّهَايَة: فَإِن ادّعى البَائِع أَن الْمُبْتَاع كَانَ جذ قبل الْجَائِحَة كثيرا من الثَّمَرَة لَو أضيف إِلَى مَا بَقِي بعد الْجَائِحَة لم يبلغ المجاح مِنْهَا الثُّلُث فَهُنَا يُقَال للْمُبْتَاع: أثبت أَن مَا أَدْرَكته الْجَائِحَة فِي الثَّمَرَة ووقف الشُّهُود عَلَيْهِ هُوَ جَمِيع مَا ابتعته مِنْهَا فَإِن قدر على ذَلِك دون مدفع للْبَائِع فِيهِ حكم لَهُ بالجائحة وَإِن عجز عَن إِثْبَات مَا ادَّعَاهُ من أَنه لم يجذ من الثَّمَرَة شَيْئا أَو جذ مِنْهَا شَيْئا يَسِيرا حلف لَهُ البَائِع وَلَا تحط لَهُ الْجَائِحَة وَله قلب الْيَمين عَلَيْهِ اه. وَعَن ابْن الْحَاج أَن أَرْبَاب الْمعرفَة يتحروا التَّحْقِيق فِيمَا جنى الْمُبْتَاع قبل وَيَقُولُونَ فِي شَهَادَتهم أَن الَّذِي أذهبت الْجَائِحَة ثلث ثَمَر الْجنَّة الْمَبِيعَة مَعَ مَا أكل الْمُبْتَاع قبل الْجَائِحَة، فَإِذا شهدُوا هَكَذَا وَجب الحكم بالجائحة وَإِن قصروا فِي تخمين مَا أكله الْمُبْتَاع. وَإِنَّمَا شهدُوا أَن الْجَائِحَة فِي ثلث مَا بَقِي فَهِيَ شَهَادَة نَاقِصَة وَالْوَاجِب أَن يحلف البَائِع أَن الْجَائِحَة أقل من ثلث الْبَاقِي مَعَ مَا جنى الْمُبْتَاع وَتسقط الْجَائِحَة، فَإِن نكل حلف الْمُبْتَاع أَنَّهَا فِي الثُّلُث وَحكم بهَا وَلَو أجيحت الْجنَّة كلهَا فاختلفا، فالبائع يَدعِي أَن الْمُبْتَاع جنى مِنْهَا والمبتاع يَنْفِي ذَلِك أَو يَدعِي قَلِيلا، فَإِن القَوْل للْمُبْتَاع فِي ذَلِك. وَلَو اخْتلف المقومون هَل المجاح الثُّلُث أَو أقل فَيحْتَمل أَن يقْضِي بأعدل الْبَيِّنَتَيْنِ أَو يحكم بِبَيِّنَة الثُّلُث لإيجابها حكما، وَهُوَ الْأَظْهر إِلَّا أَن يُقَال ينظر للأعدل مُرَاعَاة لمن يَقُول لَا جَائِحَة، وَلِأَن الشَّهَادَة فِي عين وَاحِدَة كَالشَّهَادَةِ على قدم الضَّرَر وحدوثه اه. وَذكر ابْن فتحون أَن تَقْدِير جَائِحَة الثَّمَرَة يكون بِوَجْهَيْنِ. أَحدهمَا: تقديرهم مَا تحمل هَذِه الثَّمَرَة على التَّوَسُّط من حملهَا فِي السنين فَيُقَال وَهُوَ كَذَا. وَالثَّانِي: تقديرهم أَن هَذَا الَّذِي عاينوه مجاحاً سَاقِطا فِي أصُول الثَّمَرَة أَو فَاسِدا فِي رؤوسها هُوَ الثُّلُث الَّذِي قدروه من حملهَا على التَّوَسُّط وَأما لَو قدرُوا هَذَا المجاح فِيمَا بَقِي صَحِيحا فِي رُؤُوس الثَّمَرَة بِحَسب مَا أَعْطَاهُم مَا عاينوه فِيهَا من السَّالِم أَو المجاح لم يعْمل هَذَا العقد شَيْئا بِمُجَرَّدِهِ وافتقر إِلَى تَسْلِيم البَائِع أَن الْمُبْتَاع لم يجذ من الثَّمَرَة شَيْئا اه. وَقد تحصل من هَذَا كُله أَن الثَّمَرَة إِذا أجيحت كلهَا فَالْقَوْل للْمُبْتَاع أَنه لم يجذ مِنْهَا شَيْئا بِيَمِينِهِ أَو أَنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 جذ شَيْئا قدره كَذَا، وَأما إِن أجيح بَعْضهَا وَادّعى البَائِع أَن الْمُبْتَاع قد جذ من الثَّمَرَة قبل الْجَائِحَة وَأنكر الْمُبْتَاع ذَلِك أَو ادّعى أَنه جذ شَيْئا يَسِيرا، فَإِن الْمُبْتَاع يُكَلف بِإِثْبَات ذَلِك كَمَا مرّ عَن الْمُتَيْطِيَّة، وَكَيْفِيَّة إثْبَاته إِمَّا بِأَن يشْهد الشُّهُود بِأَنَّهُم عاينوا الثَّمَرَة وَقت الْمَبِيع والساقط مِنْهَا الْآن وَالْبَاقِي فِي رؤوسها وَأَن ذَلِك كُله هُوَ الْقدر الَّذِي رَأَوْهُ أَولا. وَإِن كَانَ السَّاقِط هُوَ نصف مَا كَانَ وَقت البيع وَالْبَاقِي فِي رؤوسها هُوَ ربعه فَيكون مَا جناه الْمُبْتَاع هُوَ الرّبع الآخر، وَإِمَّا بِأَن يتحروا التَّحْقِيق فِيمَا جنى الْمُبْتَاع حَيْثُ لم يعاينوها وَقت البيع كَمَا مرّ عَن ابْن الْحَاج. وَكَيْفِيَّة تحريه هُوَ مَا ذكره ابْن فتحون فَيَقُولُونَ: مَا تحمله هَذِه الثَّمَرَة على التَّوَسُّط من حملهَا فِي السنين قِنْطَارًا أَو وسْقا مثلا، وَقدر الْبَاقِي مِنْهُ ربعه والساقط بالجائحة نصفه فَيكون الرّبع الآخر جناه الْمُبْتَاع، وَهَكَذَا إِذا أقرّ الْمُبْتَاع بِأَنَّهُ قد جنى مِنْهَا أَو نكل عَن الْيَمين الَّتِي قَلبهَا عَلَيْهِ البَائِع وَإِن ادّعى أَنه لَا يدْرِي قدر مَا جنى أَو غَابَ أَو مَاتَ، فَإِن الشُّهُود يتحرون التَّحْقِيق فِيمَا جناه كَمَا قَالَ ابْن الْحَاج. وَكَيْفِيَّة التَّحَرِّي لذَلِك هُوَ مَا تقدم عَن ابْن فتحون. هَذَا مَا ظهر لي فِي فهم هَذِه الأنقال والتوفيق بَينهَا، وَإِنَّمَا أطلت فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لِأَنَّهَا كَثِيرَة الْوُقُوع. الثَّانِي: لَا بُد من قطع الشُّهُود بِحُصُول السَّبَب الَّذِي أجيحت وَلَا يَكْفِي قَوْلهم: ظهر لنا أَنَّهَا أجيحت من الْعَطش وَنَحْوه إِذْ قد يكون إِنَّمَا عَطش من عدم إِيصَال المَاء وَقد قَالَ فِي النِّهَايَة فِي صفة الشَّهَادَة بذلك مَا نَصه: فَمن علم نزُول الْمَطَر أَو الْبرد فِي الْجِهَة الْمَذْكُورَة وَأَن الْجَائِحَة كَانَت بِسَبَبِهِ قَيده لسائله الخ. وَقَالَ فِي الْعَطش: وَإِنَّهَا قحطت بذهاب سد نهرها الَّذِي كَانَت تسقى مِنْهُ أَو بانهرار بِئْرهَا أَو تغوير مَائِهَا وَقد رأوأ مَا ذكر من ذهَاب السد وانهرار الْبِئْر وتغوير المَاء الخ. ( فصل فِي بيع الرَّقِيق وَسَائِر الْحَيَوَان) وَبَدَأَ بِالْأولِ فَقَالَ: بَيْعُ الرَّقِيقِ أَصْلُهُ السَّلامَهْ وَحَيْثُ لَمْ تُذْكَرْ فَلاَ مَلاَمَهْ (بيع الرَّقِيق أَصله السَّلامَة) من جَمِيع الْعُيُوب الْآتِيَة وَحِينَئِذٍ، فَإِذا نَص فِي العقد على السَّلامَة فَلَا إِشْكَال أَنه يقوم بِكُل عيب قديم يجده (وَحَيْثُ لم تذكر) السَّلامَة فِي العقد وَلَا شَرطهَا وَلم تذكر الْبَرَاءَة أَيْضا (ف) إِن للْمُشْتَرِي أَن يقوم بِكُل عيب يجده و (لَا ملامة) عَلَيْهِ فِي ذَلِك لِأَن شِرَاءَهُ مَحْمُول على السَّلامَة حَيْثُ لم تذكر هِيَ وَلَا الْبَرَاءَة كَمَا قَالَ: وَهُوَ مُبِيحٌ لِلْقِيَامِ عِنْدَمَا يُوجِدُ عَيْبٌ بِالمَبِيعِ قَدُمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 (وَهُوَ) أَي البيع الْمَحْمُول على السَّلامَة (مُبِيح للْقِيَام) بِالْعَيْبِ (عِنْدَمَا يُوجد عيب بِالْمَبِيعِ قدما) بِضَم الدَّال فَإِن اشْترى على شَرط الْبَرَاءَة فَلَا قيام لَهُ حِينَئِذٍ بِمَا يظْهر من عيب قديم إِلَّا أَن يثبت علم البَائِع بِهِ حِين العقد فَلِلْمُشْتَرِي الْقيام لِأَن البَائِع مُدَلّس حِينَئِذٍ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالْبيع مَعَ بَرَاءَة إِن نصت الخ. وَكَذَا لَا قيام للْمُشْتَرِي إِذا بَين البَائِع لَهُ عيوبه ووصفها حَيْثُ كَانَت تخفى كإباق وسرقة وَصفا كاشفاً شافياً وَحَيْثُ كَانَ ظَاهرا أرَاهُ إِيَّاه أَو وَقفه عَلَيْهِ وَلم يجمله فِي نَفسه كسارق أَو آبق حَتَّى يبين جنس سَرقته وَقدر إباقه وَلَا مَعَ غَيره بِأَن يَقُول: سَارِق آبق وَهُوَ سَارِق فَقَط أَو آبق فَقَط لِأَن المُشْتَرِي قد يعلم بَرَاءَته من الأول فيظن أَن الثَّانِي كَذَلِك (خَ) : وَإِذا علمه بَين أَنه بِهِ وَوَصفه أَو أرَاهُ لَهُ وَلم يجمله اه. وَفِي المعيار: إِن كَانَ الْعَيْب يتَفَاوَت فَلَا بُد من التَّوْقِيف على مِقْدَاره طولا وعرضاً وعمقاً وَإِن كَانَ لَا يتَفَاوَت فِي نَفسه فَالْمَذْهَب أَنه يَكْتَفِي فِيهِ بِذكرِهِ اه. وَنَحْوه فِي ابْن عَرَفَة قَالَ: الْبَرَاءَة من الْعَيْب الْمعِين إِن لم يقبل التَّفَاوُت برىء بِذكرِهِ الْبَاجِيّ: كالعور يَعْنِي وَالزِّنَا وَإِلَّا لم يبع حَتَّى يبين قدره كالكي المتفاحش وَغَيره وَلَا يبرأ إِلَّا أَن يُخبرهُ بشنيع الكي أَو يرِيه إِيَّاه اه. والإباق وَالسَّرِقَة من الْعُيُوب المتفاوتة، فَلذَلِك كَانَ لَا يَكْتَفِي بقوله سَارِق بل حَتَّى يبين قدرهَا، إِذْ رُبمَا تكون عَادَته سَرقَة الشَّيْء الْقَلِيل كالرغيف وَنَحْوه فَقَوله: سَارِق حِينَئِذٍ إِنَّمَا يَنْفَعهُ فِي سَرقَة الشَّيْء الْقَلِيل دون الْكثير، وَكَذَا الْإِبَاق إِذْ قد تكون عَادَته الْإِبَاق للموضع الْقَرِيب دون الْبعيد، وَكَذَا لَو قَالَ لَهُ: أبيعك عبدا معيبا بِجَمِيعِ الْعُيُوب أَو عظاماً فِي قفة وَنَحْو ذَلِك فَلَا يَنْفَعهُ ذَلِك. قَالَ فِي الْمَدِينَة: لَو كثر فِي بَرَاءَته من ذكر أَسمَاء الْعُيُوب لم يبرأ إِلَّا من عيب يرِيه إِيَّاه ويوقفه عَلَيْهِ وإلاَّ فَلهُ الرَّد إِن شَاءَ، وَقد منع عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ أَن يذكر فِي الْبَرَاءَة عيوباً لَيست فِي الْمَبِيع إِرَادَة التلفيق قَالَ اللَّخْمِيّ: لَو قَالَ لَهُ أبيعك لَحْمًا على بَارِية لم يبرأ حَتَّى يُسَمِّي الْعَيْب. قَالَ شُرَيْح: حَتَّى يضع يَده عَلَيْهِ. عِيَاض: بَارِية قيل الْحَصِير يقطع عَلَيْهِ اللَّحْم اه. تَنْبِيهَانِ. الأول: الْإِبَاق وَالسَّرِقَة عيب وَلَو وَقعا من صَغِير فِي حَال صغره كَمَا يَأْتِي عَن اللَّخْمِيّ عِنْد قَوْله: والإباق. الثَّانِي: هَل يَصح التبرىء من عيب يشك فِي برئه، فَذكر ابْن عَرَفَة فِي عُيُوب الزَّوْجَيْنِ عَن اللَّخْمِيّ: إِن من اشْترى عبدا بِعَيْب مَشْكُوك فِي زَوَاله وبرئه مِنْهُ أَنه لَا رد لَهُ بِعَدَمِ برئه مِنْهُ اه. وَهَذَا مِمَّا يَقع كثيرا يَشْتَرِي الرجل الدَّابَّة أَو العَبْد وَبِهِمَا ورم مَشْكُوك فِي برئه فَإِنَّهُ لَا رد لَهُ بِهِ إِذا لم يبرأ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يشْتَرط عَلَيْهِ رده إِذا لم يبرأ فَيعْمل بِشَرْطِهِ. وَفِي الْبُرْزُليّ فِيمَن اشْترى بغلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 بهَا ورم تَبرأ لَهُ مِنْهُ البَائِع وَأرَاهُ إِيَّاه، وَشهد أهل الْمعرفَة بِأَنَّهُ لَا يُمكن التبرؤ مِنْهُ لعدم الْإِحَاطَة بِهِ. قَالَ: إِن قَالَ أهل الْمعرفَة بعيوب الدَّوَابّ أَن الأورام الَّتِي تكون فِي هَذَا الْموضع تخْتَلف فتبرأ فِي بَعْضهَا وَلَا تَبرأ من بعض، فَلَا تصح الْبَرَاءَة مِمَّا تَبرأ مِنْهُ إِلَّا بِبَيَان اه. يَعْنِي: إِلَّا بِبَيَان أَنَّهَا تَبرأ من بعض وَلَا تَبرأ من بعض فتجري على مَا مر عَن اللَّخْمِيّ وَلَا رد لَهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة من اشْترى مَرِيضا لم يبلغ حد السِّيَاق وَمثله فِي المعيار وَالله أعلم. وَالْعَيْبُ إمَّا ذُو تَعَلُّقٍ حَصلْ ثُبُوتُهُ فِيمَا يُبَاعُ كالشَّلَلْ (وَالْعَيْب) فِي الرَّقِيق لَا يَخْلُو من ثَلَاثَة أوجه لِأَنَّهُ (إِمَّا ذُو تعلق) واتصال (حصل ثُبُوته فِيمَا) الرَّقِيق الَّذِي (يُبَاع) لَا ينْتَقل عَنهُ بِحَال (كالشلل) وَالْقطع والكي والعور والبرص والعمى والحول وَالْقَتْل، وَهُوَ قريب من الْحول والميل، وَهُوَ أَن يمِيل أحد الْخَدين إِلَى جِهَة الْأذن، والصور وَهُوَ أَن يمِيل الْعُنُق إِلَى أحد الشقين، والدور وَهُوَ أَن يمِيل الْمنْكب إِلَى أحد الشقين، والصدر وَهُوَ أَن يكون فِي الصَّدْر إشراف ونتوء، والعجر وَهُوَ كالحدبة فِي الظّهْر، والعسر وَهُوَ الْبَطْش بِالْيَدِ الْيُسْرَى، والحبط وَهُوَ أثر الْجرْح بعد الْبُرْء إِذا خَالف لون الْجَسَد وَنَحْو ذَلِك قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. أَوْ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ لَكِنَّه مُنْتَقِلٌ عَنْهُ كَمِثْلِ الْجِنَّهْ (أَو مَا) أَي عيب (لَهُ تعلق) بالرقيق واتصال بِهِ (لكنه منتقل عَنهُ) يُفَارِقهُ فِي بعض الْأَوْقَات دون بعض (كَمثل الْجنَّة) أَو الْبَوْل فِي الْفراش والأمراض الْمُخْتَلفَة فِي بعض الْأَوْقَات وَنَحْو ذَلِك. أَوْ بائِنٌ كالزَّوْجِ وَالإباقِ فالرَّدُّ فِي الجَمِيعِ بالإطْلاَقِ (أَو) عيب (بَائِن) عَنهُ أَي لَيْسَ مُتَعَلقا بِهِ حسا بل معنى فَقَط (كالزوج) وَالسَّرِقَة (والإباق) وَظَاهره وَلَو من صَغِير وَهُوَ كَذَلِك. اللَّخْمِيّ: وَالْعَبْد الْكَبِير إِذا بيع وَقد أبق فِي صغره فَذَلِك عيب وَكَذَلِكَ السّرقَة فَيرد بذلك لِأَنَّهُ بَاقٍ على تِلْكَ الْعَادة إِلَّا أَن تكون من الصَّغِير بِحَيْثُ لَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 اختبر ذَلِك مِنْهُ فَلَا ينقص من ثمنه اه. وَنَقله (ح) وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة والمفيد وَإِذا أثبت المُشْتَرِي شَيْئا من هَذِه الْوُجُوه الثَّلَاثَة (فالرد) ثَابت لَهُ (فِي الْجَمِيع بِالْإِطْلَاقِ) كَانَ عَارِفًا بالعيوب أم لَا. قلب أم لَا. ثمَّ اسْتثْنى الْعَارِف بالعيوب من الْوَجْه الأول فَإِنَّهُ لَا رد لَهُ بِالْعَيْبِ الظَّاهِر مِنْهُ حَيْثُ رأى الْمَبِيع وَقَلبه فَقَالَ: إلاَّ بِأَوَّلِ بِمَا مِنْهُ ظَهَرْ لِمَنْ يَكُونُ بِالْعُيُوبِ ذَا بَصَرْ (إِلَّا بِالْأولِ) أَي إِلَّا فِي الْوَجْه الأول (فَمَا) أَي فالعيب الَّذِي (مِنْهُ ظهر) لَا رد بِهِ (لمن يكون بالعيوب ذَا بصر. وَالخُلْفُ فِي الْخَفِيِّ مِنْهُ وَالحَلِفْ يَلْزَمُ إلاَّ مَعَ تَدَيُّنِ عُرِفْ وَالْخلف فِي الْخَفي مِنْهُ) أَي من الْقسم الأول أَي: والموضوع بِحَالهِ من كَون المُشْتَرِي ذَا بَصِيرَة، فروى ابْن حبيب وَغَيره عَن مَالك أَنه لَا رد لَهُ، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: يردهُ بعد أَن يحلف مَا رَآهُ إِلَّا أَن يكون مَعَ بَصَره غير مُتَّهم لتدينه فَلهُ الرَّد فِي الظَّاهِر والخفي دون يَمِين وَهُوَ معنى قَوْله: (وَالْحلف يلْزم إِلَّا مَعَ تدين عرف) وَهَكَذَا نَقله ابْن سَلمُون، وَتَبعهُ النَّاظِم، وظاهرهما أَن غير ذِي البصيرة بالعيوب لَهُ الرَّد بِالْعَيْبِ الظَّاهِر والخفي مَعَ أَن الْعَيْب الظَّاهِر قِسْمَانِ. قسم مِنْهُ لَا يخفى على كل من قلب الْمَبِيع كَانَ ذَا بَصِيرَة أم لَا. كالإقعاد وَقطع الْيَدَيْنِ أَو الرجلَيْن، وَقسم يخفى عِنْد التقليب على من لم يتَأَمَّل، وَلَا يخفى غَالِبا على من تَأمل كالحول والفتل وَنَحْوهمَا مِمَّا تقدم، وَالْعَيْب الظَّاهِر يُطلق عِنْدهم على الْقسمَيْنِ مَعًا، فالقسم الأول لَا رد بِهِ للجاهل فضلا عَن الْعَارِف، وَالْقسم الثَّانِي يثبت الرَّد بِهِ على مَا لِابْنِ عَرَفَة مُعْتَرضًا على ابْن عبد السَّلَام إِذْ قَالَ مَا نَصه: وَكَلَام الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين يدل على أَن الْعَيْب الظَّاهِر مُشْتَرك أَو مشكك يُطلق على الظَّاهِر الَّذِي لَا يخفى غَالِبا على كل من اختبر الْمَبِيع تقليباً ككون العَبْد مقْعدا أَو مطموس الْعَينَيْنِ، وعَلى مَا يخفى عِنْد التقليب على من لم يتَأَمَّل وَلَا يخفى غَالِبا على من تَأمل كَكَوْنِهِ أعمى وَهُوَ قَائِم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 الْعَينَيْنِ، فَالْأول لَا قيام لَهُ بِهِ وَالثَّانِي يُقَام بِهِ اتِّفَاقًا فيهمَا اه. والتثنية فِي قَوْله فيهمَا ترجع للْأولِ وَالثَّانِي فَقَوْل النَّاظِم: فَمَا مِنْهُ ظهر الخ. شَامِل للقسمين الْمَذْكُورين مَعَ أَن الْقسم الأول لَا رد بِهِ للجاهل وَلَا للعارف، ثمَّ قَالَ ابْن عَرَفَة. إِثْر مَا مر عَنهُ مَا نَصه: ثمَّ وقفت على نقل ابْن الْحَاج فِي نوازله عَن ابْن أبي زمنين قَالَ مَا نَصه: من اشْترى شَيْئا وَأشْهد على نَفسه أَنه قلب وَرَضي ثمَّ وجد عَيْبا مثله يخفى عِنْد التقليب حلف مَا رَآهُ، ورده إِن أحب وَإِن كَانَ ظَاهرا مثله لَا يخفى عِنْد التقليب لزمَه وَلَا رد لَهُ، وَإِن لم يشْهد أَنه قلب وَرَضي رد من الْأَمريْنِ مَعًا قَالَه عبد الْملك وَأصبغ اه. قلت: فَالْمُرَاد بِالْعَيْبِ الظَّاهِر فِي كَلَام ابْن أبي زمنين هُوَ الْعَيْب الظَّاهِر الَّذِي يخفى على من لم يتَأَمَّل وَلَا يخفى على غَيره وَهُوَ الْقسم الثَّانِي فِي كَلَام ابْن عَرَفَة بِدَلِيل قَوْله فِيمَا بعد رد من الْأَمريْنِ مَعًا فَيكون قادحاً فِي الِاتِّفَاق الَّذِي حَكَاهُ ابْن عَرَفَة على الرَّد فِي الْقسم الثَّانِي وَلَعَلَّه لذَلِك قَالَ: ثمَّ وقفت الخ. وَقَوله عَن ابْن أبي زمنين: حلف مَا رَآهُ ورده الخ. ظَاهره أَنه يحلف مُطلقًا كَانَ دينا أم لَا. وَهُوَ الْمُوَافق للمشهور الْمَعْمُول بِهِ من أَن يَمِين التُّهْمَة تتَوَجَّه الْيَوْم مُطلقًا وَمَا مر عَن ابْن سَلمُون والناظم مَبْنِيّ على أَن يَمِين التُّهْمَة لَا تتَوَجَّه إِلَّا على أهل التهم، وَقَوله مثله لَا يخفى عِنْد التقليب الخ. يَعْنِي على ذِي البصيرة وَالله أعلم. وَبِالْجُمْلَةِ، فالتقليب والتأمل بِمَعْنى وَاحِد، فالعيب الظَّاهِر الَّذِي لَا يخفى على كل من لَهُ نظر إِلَى الْمَبِيع لَا قيام بِهِ مُطلقًا كَمَا مرّ فِي الْقسم الأول عَن ابْن عَرَفَة، وَالْعَيْب الظَّاهِر الَّذِي لَا يخفى على من تَأمل وقلب وَهُوَ الْقسم الثَّانِي فِي كَلَام ابْن عَرَفَة فَإِن ثَبت تقليبه وتأمله وَكَانَ المُشْتَرِي ذَا بَصِيرَة فَلَا رد لَهُ أَيْضا كَمَا قَالَ النَّاظِم وَابْن سَلمُون، وَبِه يُقيد إِطْلَاق ابْن أبي زمنين كَمَا مرّ وَلَا يعول على ظَاهر الِاتِّفَاق الَّذِي لِابْنِ عَرَفَة بِعَدَمِ الرَّد وَإِن كَانَ المُشْتَرِي لَيْسَ ذَا بَصِيرَة فَلهُ الرَّد لِأَنَّهُ يَقُول لَا علم لي بِأَن ذَلِك عيب كَمَا أَن لَهُ الرَّد إِذا لم يشْهد بالتقليب والتأمل كَانَ ذَا بَصِيرَة أم لَا. هَذَا كُله فِي الْقسم الثَّانِي من قسمي الظَّاهِر، وَأما الْخَفي فَحكى النَّاظِم قَوْلَيْنِ فِي ذِي البصيرة، وَظَاهر ابْن أبي زمنين أَنه يرد من غير خلاف فَيدل ذَلِك على أَن الرَّاجِح هُوَ الرَّد هَذَا مَا ظهر لي فِي تَقْرِير هَذَا الْمحل، وَعَلِيهِ فيستثنى من كَلَام النَّاظِم الْعَيْب الظَّاهِر الَّذِي لَا يخفى على كل من اختبر الْمَبِيع وَهُوَ الْقسم الأول عِنْد ابْن عَرَفَة، وَقَول ابْن عَرَفَة وَالثَّانِي يُقَام بِهِ يَعْنِي بعد الْيَمين وَقَوله اتِّفَاقًا فيهمَا ظَاهره أَن لَهُ الْقيام فِي الْقسم الثَّانِي كَانَ ذَا بَصِيرَة أم لَا. وَفِيه مُخَالفَة لما مر عَن ابْن سَلمُون والناظم وَابْن أبي زمنين، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يحمل الِاتِّفَاق على غير ذِي البصيرة، وَانْظُر فصل الْعُيُوب فقد نقلنا عَن الْمَازرِيّ أَن كتب الموثق قلب وَرَضي هُوَ من التلفيق الَّذِي لَا يعْتد بِهِ. تَنْبِيهَات. الأول: لَا خُصُوصِيَّة للرقيق بِهَذَا التَّفْصِيل الَّذِي فِي النّظم بل غَيره من الْحَيَوَان وَالْعرُوض كَذَلِك. الثَّانِي: قَالَ ابْن عَرَفَة: روى مُحَمَّد، إِن ابْتَاعَ نخاس غُلَاما فَأَقَامَ عِنْده ثَلَاثَة أشهر حَتَّى صرع وَنقص حَاله فَلَا رد لَهُ لِأَنَّهُ يشترى فَإِن وجد ربحا بَاعَ وَإِلَّا خَاصم اه. يَعْنِي لِأَنَّهُ مَحْمُول على أَنه اطلع على الْعَيْب ورضيه، وَهَذَا فِي الْعَيْب الظَّاهِر الْمُتَعَلّق بِالْمَبِيعِ الَّذِي لَا يخفى عِنْد التقليب كَمَا مرّ عَن النَّاظِم وَغَيره، وَأما غَيره مِمَّا يخفى كالجنون والإباق وَنَحْوهمَا فَلهُ الْقيام بعد الْيَمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 الثَّالِث: إِذا تنَازعا فَقَالَ البَائِع: لقد علم بِالْعَيْبِ ورضيه وَأنكر المُشْتَرِي ذَلِك فَطلب البَائِع يَمِينه أَنه مَا علمه وَلَا رضيه فَفِي (خَ) وَلم يحلف مُشْتَر ادعيت رُؤْيَته إِلَّا بِدَعْوَى الإراءة وَلَا الرِّضَا بِهِ إِلَّا بِدَعْوَى مخبر الخ. قلت: وَهَذَا مَبْنِيّ وَالله أعلم على أَن يَمِين التُّهْمَة لَا تتَوَجَّه، وَهَذَا أحد قَوْلَيْنِ فِيهَا والمعمول بِهِ توجهها مُطلقًا وَعَلِيهِ فَلهُ أَن يحلفهُ وَإِن لم يدع إراءاته إِيَّاه وَلَا إِخْبَار غَيره أَنه رضيه. الرَّابِع: من ابْتَاعَ دَابَّة وَبَقِي عَلَيْهِ بعض الثّمن فَاطلع فِيهَا على عيب وَقَامَ ليرد فَقَالَ البَائِع: ادْفَعْ مَا بَقِي لي وَحِينَئِذٍ أحاكمك فِيهِ، فَينْظر فَإِن كَانَ الْعَيْب ظَاهرا لَا طول فِي الْقيام بِهِ فَلَا يدْفع لَهُ الْبَاقِي حَتَّى يحاكمه، وَإِن كَانَ خفِيا فِيهِ طول فَقَوْلَانِ قَالَه ابْن عَاتٍ ونظمه فِي اللامية. الْخَامِس: سُئِلَ القَاضِي أَبُو يحيى بن عَاصِم ولد النَّاظِم رحمهمَا الله عَمَّن ابْتَاعَ سلْعَة فَوجدَ فِيهَا عَيْبا فَطلب من البَائِع الْإِقَالَة فَأبى أَن يقيله، ثمَّ أَرَادَ أَن يقوم عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ؟ فَقَالَ: ذَلِك لَهُ وَيحلف مَا كَانَ ذَلِك مِنْهُ رضَا بِالْعَيْبِ وَيَردهُ اه. وَإِذا اخْتلفَا فِي قدم الْعَيْب وحدوثه فَالْقَوْل للْبَائِع فِي نفي قدمه كَمَا قَالَ. وَحَيْثُ لَا يَثْبُتُ فِي الْغَيْبِ الْقِدَمْ كانَ عَلَى الْبَائِعِ فِي ذَاكَ الْقَسَمْ (وَحَيْثُ لَا يثبت فِي الْعَيْب الْقدَم) الَّذِي ادَّعَاهُ المُشْتَرِي وَادّعى البَائِع حُدُوثه (كَانَ على البَائِع فِي) دَعْوَاهُ (ذَاك) الْحُدُوث (الْقسم) لِأَن القَوْل لَهُ فِي نفي الْعَيْب وَنفي قدمه وَكَيْفِيَّة قسمه أَن يَقُول فِي غير ذِي التوفية: لقد بِعته وَمَا هُوَ بِهِ، وَفِي ذِي التوفية: لقد بِعته وأقبضته وَمَا هُوَ بِهِ بثاً فِي الْعَيْب الظَّاهِر وعَلى نفي الْعلم فِي الْعَيْب الْخَفي كَمَا قَالَ: وَهْوَ عَلَى الْعِلْمِ بِمَا يَخفى وَفِي غَيْرِ الخَفِيِّ الحَلْفُ بِالْبَتِّ اقْتُفِي (وَهُوَ) أَي الْقسم (على) نفي (الْعلم بِمَا) أَي فِي الْعَيْب الَّذِي (يخفى) كَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَالْبَوْل فِي الْفراش (وَفِي غير) الْعَيْب (الْخَفي) وَهُوَ الْقسم الثَّانِي من قسمي الظَّاهِر كَكَوْنِهِ أعمى وَهُوَ قَائِم الْعَينَيْنِ أَو فِي عينه حَوَل أَو فتل وَنَحْو ذَلِك. (الْحلف) بِسُكُون اللَّام (بالبت اقتفي) أَي اتبع، وَأما الْقسم الأول من قسمي الظَّاهِر فَلَا رد بِهِ وَلَا يَمِين فِيهِ على البَائِع. وَفِي نُكول بَائِعٍ مَنِ اشْترى يَحْلِفُ وَالحَلْفُ عَلَى مَا قُرِّرَا (وَفِي نُكُول بَائِع) يتَعَلَّق بيحلف (من اشْترى) مُبْتَدأ خَبره (يحلف) أَي من اشْترى يحلف فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 نُكُول بَائِع على مَا ادَّعَاهُ أَن الْعَيْب قديم (وَالْحلف) مِنْهُ كَائِن (على مَا قررا) فِي حلف البَائِع، فَإِذا كَانَ الْعَيْب ظَاهرا فَيحلف على الْبَتّ أَنه قديم، وَإِذا كَانَ خفِيا فَيحلف على نفي الْعلم فَيَقُول: مَا أعلمهُ حدث عِنْدِي وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي كتاب مُحَمَّد، وَبِه الْقَضَاء. وَقيل: يحلف على الْبَتّ فيهمَا، وَقيل: على نفي الْعلم فيهمَا. وَلَيْسَ فِي صَغِيرَةٍ مُوَاضِعَهْ وَلاَ لِوَخْشٍ حَيْث لاَ مُجَامَعَهْ فِيهَا أَي فِي الوخش فَأطلق فِي الصَّغِيرَة، وَالْمرَاد بهَا الَّتِي لَا تطِيق الْوَطْء كَبِنْت ثَمَانِيَة أَعْوَام، وَظَاهره أَنه لَا مواضعة فِيهَا مُطلقًا عليا كَانَت أَو وحشاً أقرّ البَائِع بِوَطْئِهَا أم لَا للأمن من حملهَا إِذْ وَطْؤُهَا قبل الإطاقة كَالْعدمِ، وَأما الوخش فَلَا مواضعة فِيهَا أَيْضا حَيْثُ لم يقر البَائِع بِوَطْئِهَا، وَمَفْهُومه أَنه إِذا كَانَت عليا ترَاد للْفراش وَلَيْسَت صَغِيرَة وَجَبت الْمُوَاضَعَة سَوَاء أقرّ البَائِع بِوَطْئِهَا أم لَا. بل وَلَو كَانَ البَائِع لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْوَطْء كَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَة، وَكَذَا تجب إِذا كَانَت وخشاً أقرّ البَائِع بِوَطْئِهَا (خَ) : وتتواضع الْعلية أَو وخش أقرّ البَائِع بِوَطْئِهَا اه. ابْن عَرَفَة: الْمُوَاضَعَة جعل الْأمة مُدَّة استبرائها فِي حرز مَقْبُول خَبره عَن حَيْضَتهَا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: والشأن كَونهَا على يَد امْرَأَة فَإِن وضعت على يَد رجل لَهُ أهل ينظرونها أَجْزَأَ، وَكَذَا لَا مواضعة أَيْضا فِي متزوجة وَلَا حَامِل ومعتدة وزانية كمردودة بِعَيْب أَو فَسَاد أَو إِقَالَة إِن لم يغب المُشْتَرِي كَمَا فِي (خَ) وَغَيره. وَلاَ يَجُوزُ شَرْطُ تَعْجِيلِ الثَّمَنْ وَإنْ يَكنْ ذَاكَ بِطَوْعٍ فَحَسَنْ (وَلَا يجوز) لبائع الْأمة الَّتِي تحْتَاج إِلَى الْمُوَاضَعَة (شَرط تَعْجِيل الثّمن) على المُشْتَرِي فَإِن بَاعهَا بِشَرْط تَعْجِيله فسد البيع لتردده بَين السلفية إِذا مَاتَت أَو لم تَحض والثمنية إِذا سلمت وحاضت وكل مَا تردد بَين السلفية والثمنية يرجح فِيهِ جَانب السلفية لِأَن الشَّيْء إِذا دَار بَين الْمَنْع وَالْجَوَاز يغلب فِيهِ جَانب الْمَنْع، وَحِينَئِذٍ فَكَأَنَّهُ اشْترط السّلف فِي العقد صَرَاحَة فينفسد العقد بِالشّرطِ وَإِن لم ينْقد بِالْفِعْلِ (وَإِن يكن ذَاك) التَّعْجِيل للثّمن (بطوع) من المُشْتَرِي بعد العقد (فَحسن) أَي فَجَائِز (خَ) : وَفَسَد إِن نقد بِشَرْط لَا تَطَوّعا الخ. إِلَّا أَن صَوَابه وَفَسَد بِشَرْط النَّقْد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 لِأَن المضر هُوَ الشَّرْط، وَإِن لم ينْقد بِالْفِعْلِ كَمَا مرّ، وَعبارَته غير موفية بذلك لِأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنه إِنَّمَا يفْسد إِذا نقد بِالْفِعْلِ بِسَبَب الشَّرْط، ولفساد النَّقْد بِالشّرطِ وجوازه بالطوع نَظَائِر أَشَارَ لَهَا (خَ) فِي بَاب الْخِيَار بقوله: وَفَسَد أَي بيع الْخِيَار بِشَرْط نقد كغائب وعهدة ثَلَاث ومواضعة وَأَرْض لم يُؤمن ريها، وَجعل وَإِجَارَة مُحرز زرع وأجير تَأَخّر شهرا الخ. فَهَذِهِ الْمسَائِل تفْسد البيع بِشَرْط النَّقْد فِيهَا وَيجوز تَطَوّعا. والفَسْخُ إنْ عَيْبٌ بدا من حُكْمِهِ مَعَ اعترافٍ أَو ثُبوتِ عِلْمِهِ (وَالْبيع مَعَ بَرَاءَة) من كل عيب قديم يظْهر بِالْمَبِيعِ وَلَا علم بِهِ للْبَائِع (إِن نصت) أَي شرطت فِي أصل العقد أَو جرت الْعَادة بهَا لِأَنَّهَا كالشرط (على الْأَصَح بالرقيق) يتعلقان بقوله: (اخْتصّت) وفاعله ضمير الْبَرَاءَة على حذف مُضَاف أَي اخْتصَّ بيعهَا، وَالْجُمْلَة خبر عَن البيع، وَمَفْهُوم بَرَاءَة أَن البيع إِذا وَقع على غير شَرطهَا فللمبتاع الْقيام بِكُل عيب قديم يجده إِلَّا أَن يكون البَائِع قد بَينه لَهُ وَلم يجمله كَمَا تقدم أول الْفَصْل، وَمَا ذكره النَّاظِم من أَن الْأَصَح اختصاصها بالرقيق هُوَ الْمَشْهُور، وَمذهب الْمُدَوَّنَة وَمُقَابِله يَأْتِي فِي قَوْله: وَبَعْضهمْ فِيهَا الْجَوَاز أطلقا، وَمحل عدم جَوَازهَا فِي غَيره إِذا لم يتَطَوَّع بهَا بعد العقد وإلاَّ جَازَ حَيْثُ لم يكن التَّطَوُّع بهَا فِي مُقَابلَة إِسْقَاط شَيْء من الثّمن، وإلاَّ لم يجز كَمَا فِي شَارِح الْعَمَل عِنْد قَوْله فِي الْجَامِع: وَترك شَيْء للتطوع فَشَا الخ. فَانْظُرْهُ وَانْظُر شرَّاح اللامية، ثمَّ إِذا وَقع بيع الرَّقِيق على شَرط الْبَرَاءَة الْمَذْكُورَة فَلَا قيام للْمُشْتَرِي بِعَيْب قديم يجده إِذا لم يكن البَائِع عَالما بِهِ، فَإِن كَانَ عَالما بِهِ فَهُوَ قَوْله: والفَسْخُ إنْ عَيْبٌ بدا من حُكْمِهِ مَعَ اعترافٍ أَو ثُبوتٌ عِلْمِهِ (وَالْفَسْخ) لبيع الْبَرَاءَة (إِن) بدا (عيب) قديم (بدا) كَائِن (من حكمه) فالمجرور يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر عَن قَوْله: وَالْفَسْخ، وَلَفظ عيب فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره بدا كَقَوْلِه تَعَالَى: وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك} (التَّوْبَة: 6) (مَعَ اعْتِرَاف) من البَائِع بِعلم قدمه (أَو ثُبُوت علمه) لقدمه بِبَيِّنَة فَإِن لم تكن بَيِّنَة وَلَا إِقْرَار وَادّعى المُشْتَرِي أَن البَائِع عَالم بقدمه ودلس، وَادّعى البَائِع أَنه جَاهِل لقدمه فَإِنَّمَا على البَائِع الْيَمين كَمَا قَالَ: وَيَحْلِفُ الْبَائِعُ مَع جَهل الخَفِي بِالْعِلم وَالظّاهِرُ بِالْبَتِّ حَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 (وَيحلف البَائِع مَعَ جهل) أَي مَعَ دَعْوَى جَهله الْعَيْب. (الْخَفي بِالْعلمِ) يتَعَلَّق بيحلف وباؤه بِمَعْنى على كَقَوْلِه تَعَالَى: وَمن أهل الْكتاب من أَن تأمنه بقنطار} (آل عمرَان: 75) (وَالظَّاهِر) مُبْتَدأ (بالبت) يتَعَلَّق بقوله (حفي) بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْبناء للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ، وَمعنى حفي أظهر واستخرج أَي: وَالْعَيْب الظَّاهِر حفيت وأظهرت يَمِين البَائِع فِيهِ على الْبَتّ، وَهَذِه التَّفْرِقَة لِابْنِ الْعَطَّار، وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن الفخار وَقَالَ: يحلف بَائِع الْبَرَاءَة على الْعلم أَنه لم يعلم بِهِ ظَاهرا كَانَ الْعَيْب أَو خفِيا لِأَنَّهُ إِنَّمَا تَبرأ مِمَّا لم يعلم وَإِنَّمَا تفترق الْيَمين فِي الْعَيْب الظَّاهِر والخفي فِيمَا بيع من العبيد بِغَيْر الْبَرَاءَة اه. فَمَا ذكره النَّاظِم تبعا لِابْنِ الْعَطَّار لَا يعول عَلَيْهِ، ثمَّ إِذا نكل البَائِع عَن الْيَمين الْمَذْكُورَة فَإِن الْمَبِيع يرد عَلَيْهِ بِمُجَرَّد نُكُوله لِأَنَّهَا يَمِين تُهْمَة لَا تنْقَلب كَمَا قَالَ: وَحَيْثُمَا نُكُولُهُ تَبَدَّا بِهِ المَبِيعُ لَا الْيَمِينُ رُدَّا (وحيثما نُكُوله) أَي البَائِع (تبدا) أَي ظهر (بِهِ) أَي بِسَبَب نُكُوله (الْمَبِيع لَا الْيَمين ردا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر عَن الْمَبِيع أَي رد عَلَيْهِ الْمَبِيع بِسَبَب نُكُوله لَا الْيَمين فَلَا ترد على المُشْتَرِي لِأَنَّهَا غير منقلبة، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مُقَابل الْأَصَح فَقَالَ: وَبَعْضُهُمْ فِيهَا الجَوَازَ أطْلَقَا وَشرطُهَا مَكْثٌ بِمِلْكٍ مُطْلَقَا (وَبَعْضهمْ) وَهُوَ ابْن وهب وَرَوَاهُ ابْن حبيب عَن مَالك (فِيهَا الْجَوَاز) مفعول بقوله: (أطلقا) فَقَالَ: إِن الْبَرَاءَة جَائِزَة فِي كل شَيْء ولعَبْد الْوَهَّاب أَنَّهَا لَا تجوز فِي شَيْء، وَفِي الْمُوَطَّأ أَنَّهَا جَائِزَة فِي الْحَيَوَان مُطلقًا ذكر هَذِه الْأَقْوَال ابْن سَلمُون. فَإِن وَقع وَنزل واشترطت فِي غير الرَّقِيق فَقَالَ اللَّخْمِيّ: وَاخْتلف بعد القَوْل بِالْمَنْعِ إِذا وَقع البيع بِشَرْط الْبَرَاءَة فِي غير الرَّقِيق فَقَالَ أَشهب فِي كتاب مُحَمَّد: إِن وَقع فِي الْحَيَوَان لم أفسخه وَفِي الْعرُوض يفْسخ إِلَّا أَن يفوت فَلَا يفْسخ، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: البيع صَحِيح وَالشّرط بَاطِل. قَالَ مُحَمَّد: وَفسخ الْجَمِيع أحسن اه بِنَقْل الْمُتَيْطِيَّة. وَمَا تقدم فِي النّظم من اختصاصها بالرقيق على الْأَصَح هُوَ الَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ (خَ) حَيْثُ قَالَ: وتبرأ غَيرهمَا فِيهِ أَي فِي الرَّقِيق مِمَّا لم يعلم إِن طَالَتْ إِقَامَته الخ. وَإِلَى شَرط طول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 الْإِقَامَة أَشَارَ النَّاظِم بقوله: (وَشَرطهَا) أَي الْبَرَاءَة فِي الرَّقِيق (مكث) لذَلِك الرَّقِيق زَمَانا (بِملك) البَائِع بِحَيْثُ يغلب على الظَّن أَنه لَو كَانَ بِهِ عيب لظهر كستة أشهر (مُطلقًا) اخْتصّت بالرقيق أم لَا. وَفهم مِنْهُ أَنه لَو لم يطلّ مكثه عِنْد البَائِع بل بَاعه بِالْبَرَاءَةِ بفور شِرَائِهِ أَنَّهَا لَا تَنْفَعهُ، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وَقيل: تَنْفَعهُ وَبِه الْعَمَل بفاس فَلَا يشْتَرط عِنْدهم طول الْمكْث عِنْد البَائِع كَمَا قَالَ ناظم الْعَمَل: وَمنع الْإِشْهَاد فِي بيع الرَّقِيق إِلَّا على بَرَاءَة كَمَا يَلِيق أَي: منع الشُّهُود أَن يشْهدُوا فِي بيع الرَّقِيق على الْعهْدَة، وَإِنَّمَا يشْهدُونَ على الْبَرَاءَة وَلَو لم تطل الْإِقَامَة، وَظَاهر الْعَمَل الْمَذْكُور أَنَّهَا جَارِيَة فِي جَمِيع عُيُوب الرَّقِيق وَالَّذِي عول عَلَيْهِ عَمَلهم الْيَوْم فِي حُدُود الْخمسين بعد الْألف والمائتين أَنَّهَا مَعْمُول بهَا فِيمَا عدا عُيُوب أَرْبَعَة، وَلذَا يكْتب موثقهم فِي ذَلِك مَا نَصه: وعَلى الْبَرَاءَة مِمَّا عدا الْحمل وَالْجُنُون والجذام والبرص أَي: فَإِذا اطلع المُشْتَرِي على قدم وَاحِد من الْأَرْبَعَة فَإِنَّهُ يرجع بِهِ، ثمَّ إِذا اشْترط البَائِع بِالْبَرَاءَةِ سُقُوط الْيَمين الْمُتَقَدّمَة عَنهُ ثمَّ عثر الْمُبْتَاع على عيب قديم فروى أَشهب وَابْن نَافِع عَن مَالك فِي المستخرجة؛ أَنه يَنْفَعهُ شَرطه. المتيطي عَن ابْن الْهِنْدِيّ: وَبِه كَانَ يُفْتِي ابْن لبَابَة وَابْن زرب، وَقيل: لَا يَنْفَعهُ شَرطه إِن كَانَ مُتَّهمًا. المتيطي: وتعقد فِي الْجَائِز من ذَلِك على مَا تقدم من رِوَايَة أَشهب وَابْن نَافِع الْمَعْمُول بهَا مَا نَصه: وعَلى أَن لَا يَمِين تلْحقهُ فِيمَا يطلع عَلَيْهِ الْمُبْتَاع من عيب قديم اه. تَنْبِيهَات. الأول: مَفْهُوم قَوْله إِن نصت أَنَّهَا إِذا لم تشْتَرط حَقِيقَة وَلَا حكما لَا يعْمل بهَا، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مر إِلَّا فِيمَا يَبِيعهُ القَاضِي على مُفلس وَنَحْوه أَو يَبِيعهُ الْوَصِيّ لإنفاذ وَصِيَّة أَو وَارِث لقَضَاء دين فَهُوَ بيع بَرَاءَة، وَإِن لم تشْتَرط كَمَا يَأْتِي للناظم فِي فصل مسَائِل من أَحْكَام البيع حَيْثُ قَالَ: وَكلما القَاضِي يَبِيع مُطلقًا بيع بَرَاءَة بِهِ محققا إِلَّا أَن ظَاهره هُنَاكَ أَن بيع القَاضِي بيع الْبَرَاءَة فِي الرَّقِيق وَغَيره، وَالْمَشْهُور أَن بَيْعه بيع بَرَاءَة فِي الرَّقِيق فَقَط كَمَا قَالَ (خَ) وَمنع مِنْهُ أَي من الرَّد بِالْعَيْبِ بيع حَاكم، ووارث رَقِيقا فَقَط الخ. وَسَيَأْتِي مَا فِي ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الثَّانِي: ذكرنَا ناظم الْعَمَل إِثْر مَا مر عَنهُ أَنه لَا عُهْدَة فِي سنة وَلَا ثَلَاث عِنْد أهل فاس وَمحل ذَلِك إِذا لم يكن شَرط وَلَا عَادَة إِمَّا مَعَ الشَّرْط فتلزمان بِهِ وَلَو فِيمَن عرفهم البيع على الْبَرَاءَة كَأَهل فاس، وَأما مَعَ الْعَادة فتلزم عُهْدَة الثَّلَاث أَيْضا لِأَنَّهَا يرد فِيهَا بِكُل حَادث، وَأما عُهْدَة السّنة فَكَذَلِك بِالنِّسْبَةِ لما حدث فِي السّنة من جُنُون وجذام وبرص، وَكَذَا بِمَا كَانَ قَدِيما من هَذِه الثَّلَاثَة على مَا مرّ أَن عَادَتهم الْيَوْم البيع على الْبَرَاءَة مِمَّا عدا الْحمل وَهَذِه الثَّلَاثَة. الثَّالِث: ظَاهر قَول النَّاظِم: إِن نصت الخ. وَقَول ناظم الْعَمَل: وَمنع الْإِشْهَاد الخ. إِن الْبَرَاءَة تَنْفَع فِي سَائِر الْعُيُوب حَتَّى فِي حمل الرائعة، وَالْمَشْهُور كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة والالتزامات أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 حمل الرائعة لَا تصح الْبَرَاءَة مِنْهُ حَتَّى يكون ظَاهرا وإلاَّ فسد البيع لِأَن الرائعة مِمَّن يتنافس فِي ثمنهَا وَينْقص الْجمل من ثمنهَا نقصا كثيرا، وَرُبمَا أَتَى على مُعظم قيمتهَا فَإِذا لم يكن ظَاهرا فقد دخل البَائِع وَالْمُشْتَرِي على غرر، وَلذَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَلَا يجوز بيع أمة رائعة بِالْبَرَاءَةِ من الْحمل وَلَا بَأْس بذلك فِي الوخش اه. وَفِي الْمُتَيْطِيَّة عَن اللَّخْمِيّ: وَلم يخْتَلف أَن العلى من الْجَوَارِي لَا يبعن على الْبَرَاءَة من الْحمل، وَسَوَاء فِي ذَلِك بيع السُّلْطَان وَغَيره إِلَّا أَن تكون لامْرَأَة أَو صبي أَو بِيعَتْ فِي السَّبي اه. قلت: وَهَذَا فِي غير مَا عَلَيْهِ الْعَمَل فِي فاس الْيَوْم لما مر أَن الْبَرَاءَة عِنْدهم إِنَّمَا هِيَ فِيمَا عدا الْعُيُوب الْأَرْبَعَة، وَأما هِيَ فَلَا بَرَاءَة فِيهَا عِنْدهم من غير فرق بَين وخش ورائعة. الرَّابِع: من اشْترى بِالْبَرَاءَةِ لَا يَبِيع بالعهدة وَإِن فعل فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَار إِذا علم لِأَنَّهُ يَقُول: قد تعدم فَلَا أجد من أرجع عَلَيْهِ غَيْرك لِأَن غَرِيم الْغَرِيم غَرِيم وَهُوَ معنى قَول (خَ) كَبَيْعِهِ بعهدة مَا اشْتَرَاهُ بِبَرَاءَة الخ. وَكَذَلِكَ الحكم فِيمَن بَاعَ عبدا قد وهب لَهُ وَلم يبين ذَلِك عِنْد البيع إِذْ لَا عُهْدَة على الْوَاهِب قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَأما الْعَكْس وَهُوَ أَن يَبِيع بِالْبَرَاءَةِ مَا اشْتَرَاهُ بالعهدة فَفِيهِ قَولَانِ. أرجحهما الْجَوَاز على مَا يظْهر من كَلَامهم إِذْ لم يشترطوا فِي بيع الْبَرَاءَة إِلَّا طول الْمكْث، وَمَعَ ذَلِك الْعَمَل على خِلَافه وَلَو كَانَ يشْتَرط فِي بيع الْبَرَاءَة أَن لَا يَشْتَرِيهِ بالعهدة لنبهوا عَلَيْهِ وَالله أعلم. الْخَامِس: تقدم أَن الْبَرَاءَة إِذا لم تشْتَرط وَلم تجر بهَا عَادَة فَلهُ الْقيام بِكُل عيب قديم يجده وَظَاهره وَلَو اطلع عَلَيْهِ بعد مُدَّة طَوِيلَة. وَذكر الإِمَام الْأَبَّار فِي حَاشِيَته على الْمُخْتَصر: إِن الْعَمَل جرى بِعَدَمِ الرَّد فِي الرَّقِيق بعد سِتَّة أشهر، وبعدم الرَّد فِي الرّبع وَالْعَقار بعد سنة كَمَا لَا ترد الدَّوَابّ بعد شهر. قلت: وَمَا ذكر هُوَ اللَّائِق بِهَذِهِ الْأَزْمِنَة فَلَا يَنْبَغِي أَن يعدل عَنهُ إِذْ تِلْكَ الْمدَّة مَظَنَّة الِاطِّلَاع وَالرِّضَا وَإِن كَانَ ناظم الْعَمَل لم يتَعَرَّض للأولين وَإِنَّمَا تعرض للثَّالِث حَيْثُ قَالَ: وَبعد شهر الدَّوَابّ بالخصوص بِالْعَيْبِ لَا ترد فَافْهَم النُّصُوص إِذْ لَا يلْزم من عدم تعرضه لذَلِك عدم صِحَة الْعَمَل الْمَذْكُور فيهمَا إِذْ الإِمَام الْأَبَّار أَمِين، وَلَا يَحْكِي إِلَّا مَا ثَبت فَلَعَلَّ الْعَمَل الَّذِي قَالَه الْأَبَّار فِي الرَّقِيق وَالرّبع لم يطلع عَلَيْهِ ناظم الْعَمَل، إِذْ لَا يلْزم أَن يطلع على جَمِيع مَا بِهِ الْعَمَل فِي وقته، ثمَّ مَحل عدم الرُّجُوع بعد الْمدَّة الْمَذْكُورَة إِذا لم يكن البَائِع مدلساً وإلاَّ وَجب الرُّجُوع كَمَا نَقله شَارِح نظم الْعَمَل. وَالْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ فِي المَرْكُوبِ وَشِبْهِهِ اسْتُثْنِيَ لِلرُّكوبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 (وَالْيَوْم) مُبْتَدأ (واليومان) مَعْطُوف عَلَيْهِ (فِي المركوب) يتَعَلَّق باستثنى (وَشبهه) بِالْجَرِّ مَعْطُوف على المركوب، وَيحْتَمل رَفعه بالْعَطْف على الْيَوْمَيْنِ، وأفرد الضَّمِير بِاعْتِبَار مَا ذكر (اسْتثْنِي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه يعود على الْيَوْم واليومين، وأفرده أَيْضا بِاعْتِبَار مَا ذكر (للرُّكُوب) يتَعَلَّق بِمَا قبله، وَالتَّقْدِير وَالْيَوْم واليومان وشبههما وَهُوَ الثَّلَاثَة اسْتثْنِي هُوَ أَي مَا ذكر من الْيَوْم واليومين فِي المركوب وَشبهه كالثور وَالثَّوْب لأجل الرّكُوب أَو الْحَرْث أَو اللّبْس (خَ) : وَجَاز بيعهَا واستثناء ركُوبهَا الثَّلَاثَة لَا الْجُمُعَة وَكره الْمُتَوَسّط الخ. فَإِن تلفت الدَّابَّة فضمانها من الْمُبْتَاع فِيمَا يجوز اسْتِثْنَاؤُهُ وَلَا رُجُوع للْبَائِع على الْمُبْتَاع بِمَا يَنُوب الرّكُوب أَو الْحَرْث أَو اللّبْس فِي الثَّوْب، وَفِيمَا لَا يجوز اسْتِثْنَاؤُهُ ضَمَانهَا من البَائِع إِلَّا أَن تهْلك بيد المُشْتَرِي فَإِن قبضهَا وَلَو قبل مُدَّة الشَّرْط فَالضَّمَان مِنْهُ لِأَنَّهُ بيع فَاسد يضمن بِالْقَبْضِ. وَلَمْ يَجُزْ فِي الحَيَوانِ كُلِّهِ شِرَاؤهُ عَلَى اشْتِرَاطِ حَمْلِهِ (وَلم يجز فِي الْحَيَوَان كُله) عَاقِلا أم لَا مَأْكُولا أم لَا (شِرَاؤُهُ على اشْتِرَاط حمله) لِأَنَّهُ بِالشّرطِ يكون قد أَخذ للجنين ثمنا فَيكون من بيع الأجنة وَهُوَ مَمْنُوع للغرر، وَالشّرط الْمَذْكُور فِي غير الْعَاقِل لَا يكون إِلَّا للاستزادة فِي الثّمن فِي الْعَادة بِخِلَافِهِ فِي الْعَاقِل فَإِنَّهُ تَارَة يكون للاستزادة فِي الثّمن فَيمْنَع، وَسَوَاء كَانَ الْمُشْتَرط هُوَ البَائِع كَأَن يَقُول: أبيعكها بِشَرْط أَنَّهَا حَامِل، أَو كَانَ الْمُشْتَرط هُوَ المُشْتَرِي وَتارَة للتبرىء من حملهَا وخشاً كَانَت أَو عليا فَلَا يمْنَع لِأَن الْحمل عيب فِي الرَّقِيق بِالْإِطْلَاقِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالْحمل عيب قيل بِالْإِطْلَاقِ الخ. فَإِن لم يعلم هَل قصد بِالشّرطِ التبرىء أَو الاستزادة فَالَّذِي للخمي كَمَا لِابْنِ عَرَفَة أَنه ينظر لعادة أمثالهم من الرَّغْبَة فِي الْحمل كَأَهل الْبَادِيَة فشرطه مَحْمُول على الاستزادة، وَمن عدم الرَّغْبَة فِيهِ كَأَهل الْحَاضِرَة فشرطه مَحْمُول على التبرىء (خَ) : وكبيع الْحَامِل بِشَرْط الْحمل الخ. وَظَاهره كالناظم أَن ذَلِك لَا يجوز لَو كَانَت ظَاهِرَة الْحمل، وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم وَرِوَايَته فِي الْمُدَوَّنَة، وَصرح غير وَاحِد بِأَنَّهُ الْمَشْهُور. وَقَالَ أَشهب: يجوز ذَلِك مُطلقًا وَله ردهَا إِن لم يجدهَا حَامِلا. وَقَالَ سَحْنُون: يجوز ذَلِك إِن كَانَت ظَاهِرَة الْحمل. واستظهره ابْن رشد وَلَعَلَّ وَجهه أَن اشْتِرَاطه فِي ظَاهِرَة الْحمل إِخْبَار بِمَعْلُوم فَلَا يُؤثر اشْتِرَاطه منعا، وَاحْتِمَال كَونه ينفش مَعَ ظُهُوره ظهوراً بَينا نَادِر، والنادر لَا حكم لَهُ، فَالْحَمْد لله على اخْتِلَاف الْعلمَاء فَإِن اشْتِرَاط الْحمل قد ارْتَكَبهُ الْعَوام كثيرا. وَلما تضمن هَذَا الْبَيْت أَنه لَا يجوز بيع مَا فِيهِ غرر، وَكَانَ بعض البيعات يتَوَهَّم فِيهَا الْغرَر كالحامل الَّتِي قرب وَضعهَا وَالْمَرِيض وَالْعَبْد الْآبِق رفع ذَلِك التَّوَهُّم بقوله: وَذَاتُ حَمْلٍ قَدْ تَدَانَى وَضْعُهَا لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَى الأصَحِّ بَيْعُهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 (و) أمة (ذَات حمل) من نعتها وصفتها (قد تدانى) أَي قرب (وَضعهَا) بِأَن مَضَت لَهُ سِتَّة أشهر فَأكْثر (لم يمْتَنع على الْأَصَح بيعهَا) مصدر مُضَاف للْمَفْعُول أَي: لم يمْتَنع أَن تبَاع وَإِن احْتمل مَوتهَا من الْولادَة فَإِن ذَلِك نَادِر (خَ) وَجَاز بيع هر وحامل مقرب الخ. . قلت: وتفهم مَسْأَلَة الْحَامِل المقرب من مَسْأَلَة الْمَرِيض فِي غير السِّيَاق بالأحرى الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله: كَذَا الْمريضُ فِي سِوَى السِّياقِ يَصِحُّ بِيْعُهُ عَلى الإطْلاَقِ (كَذَا الْمَرِيض فِي سوى) حد (السِّيَاق) أَي لم يشرف على الْمَوْت (يَصح بَيْعه) مصدر مُضَاف للْمَفْعُول أَيْضا (على الْإِطْلَاق) كَانَ مَأْكُول اللَّحْم أم لَا، وَمَفْهُومه أَنه إِذا بلغ حد السِّيَاق لم يجز بَيْعه مُطلقًا أَيْضا، وَهُوَ كَذَلِك للغرر فِي حُصُول الْغَرَض من حَيَاته أَو صَيْرُورَته لَحْمًا فِي حُصُول ذَكَاته لاحْتِمَال عدم حركته بعد ذبحه قَالَه ابْن عَرَفَة خلافًا لما فِي (خَ) حَيْثُ قَالَ: وانتفاع بِهِ لَا كمحرم أشرف الخ. وَصَوَابه لَا كحيوان أشرف أَي بلغ حد السِّيَاق فَلَا يجوز بَيْعه ليُوَافق الْمَنْصُوص لِابْنِ عَرَفَة وَغَيره. تَنْبِيه: قَالَ ابْن رحال: السِّيَاق عِنْد الْفُقَهَاء لَيْسَ هُوَ أَن صَاحبه يَمُوت قطعا بِحَسب الْعَادة، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدهم أَعلَى الْمَرَض وَإِن كَانَ يعِيش فِي بعض الأحيان، وَيدل لَهُ قَول ابْن يُونُس: إِذا مرض العَبْد فَبلغ حد السِّيَاق فَرجع مُشْتَرِيه بِقِيمَة الْعَيْب ثمَّ صَحَّ أَن ذَلِك حكم مضى اه. وَالعَبْدُ فِي الْإِبَاق مَعْ عِلْم مَحَلْ قَرَارِهِ مِمَّا ابْتياعٌ فِيهِ حَلْ (وَالْعَبْد) حَال كَونه (فِي الْإِبَاق مَعَ علم مَحل قراره) وَعلم أَنه مَوْقُوف لمَالِكه وَمَعَ علم صفته وَلَو بِوَصْف بائعة كَمَا مر فِي بيع الْغَائِب (مِمَّا ابتياع فِيهِ حل) خبر الْمُبْتَدَأ أَي مِمَّا يجوز فِيهِ البيع وَالشِّرَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 وَالبائِعُ الضَّامِنُ حَتَّى يُقْبَضَا وَإنْ تَقَعْ إقَالَةٌ لاَ تُرْتَضى (وَالْبَائِع) هُوَ (الضَّامِن) لَهُ إِن هلك (حَتَّى) إِلَى أَن (يقبضا) وَهَذَا نَص الْمُتَيْطِيَّة قَالَ فِيهَا: وَيجوز بيع العَبْد الْآبِق إِذا علم الْمُبْتَاع مَوْضِعه وَصفته فَإِن وجد هَذَا الْآبِق على الصّفة الَّتِي علمهَا الْمُبْتَاع قَبضه وَصَحَّ البيع فِيهِ، وَإِن وجده قد تغير أَو تلف كَانَ من البَائِع ويسترجع الْمُبْتَاع الثّمن. وَقَالَ سَحْنُون: إِنَّمَا يجوز ابتياع الْآبِق إِذا كَانَ فِي وثاق اه. وَمثله فِي ابْن سَلمُون وَقَالَ المتيطي: وَيجوز بيع الْحَيَوَان الْغَائِب على الصّفة إِذا علم صَاحبه مَكَانَهُ وَصفته اه. ثمَّ مَحل مَا فِي النّظم كَمَا لأبي مُحَمَّد صَالح وَغَيره إِذا كَانَ الَّذِي عِنْده الْآبِق قد أوقفهُ لمَالِكه وَعلم أَنه لَهُ كَمَا قَررنَا وإلاَّ كَانَ من شِرَاء مَا فِيهِ خُصُومَة وَهُوَ مَمْنُوع على الْمَشْهُور، فَقَوْل سَحْنُون: إِنَّمَا يجوز بَيْعه إِذا كَانَ فِي وثاق تَقْيِيد للْمَذْهَب لَا خلاف لَهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ المتيطي أَي إِلَّا إِذا كَانَ مَوْقُوفا لأجل مَالِكه وَهُوَ معنى قَوْله فِي وثاق وَلذَا قَالَ فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة: وَلم يجز سَحْنُون بيع الْآبِق وَإِن عرف الْمُبْتَاع مَوْضِعه إِلَّا أَن يكون مَوْقُوفا لصَاحبه عِنْد غير ذِي سُلْطَان لَا خُصُومَة فِيهِ لأحد، فَإِن وقف عِنْد السُّلْطَان أَو كَانَت فِيهِ خُصُومَة لأحد لم يجز بَيْعه اه. وَبِهَذَا يُقيد إيضاً قَول (خَ) وقدرة عَلَيْهِ لَا كآبق وإبل أهملت الخ أَي إِنَّمَا يمْتَنع بيع الْآبِق إِذا لم يكن مَوْقُوفا لمَالِكه، أَو كَانَ مَوْقُوفا عِنْد سُلْطَان أَو عِنْد من يُخَاصم فِيهِ كَمَا لشراحه فَلَا مُخَالفَة بَينه وَبَين مَا فِي النّظم وَالله أعلم. (وَإِن تقع إِقَالَة) فِي الْمَبِيع غَائِبا مُطلقًا رَقِيقا كَانَ أَو غَيره (لَا ترتضى) جَوَاب الشَّرْط أَي: فَلَا تجوز قَالَ فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة: لم يخْتَلف قَول مَالك وَلَا ابْن الْقَاسِم أَن الْإِقَالَة فِي بيع الْغَائِب غير جَائِزَة لِأَنَّهُ من وَجه الدّين بِالدّينِ. قَالَ ابْن سَلمُون: لِأَن الثّمن قد ثَبت على المُشْتَرِي فَلَا يجوز أَن يصير فِيهِ شَيْئا غَائِبا لَا ينجز قَبضه وَيجوز بَيْعه من غَيره إِذا لم ينْتَقد اه. وَمَفْهُوم قَوْله: لِأَن الثّمن قد ثَبت الخ. أَنه إِذا كَانَ المُشْتَرِي قد دفع الثّمن وَلَو بِشَرْط فِي الْعقار أَو فِي غَيره إِن قرب كاليومين جَازَت الْإِقَالَة وَهُوَ كَذَلِك لانْتِفَاء الْعلَّة الْمَذْكُورَة، وَمَفْهُوم قَوْله: إِذا لم ينْتَقد الخ. مَفْهُوم مُوَافقَة لِأَنَّهُ يجوز حِينَئِذٍ بالأحرى. وَامْتَنَعَ التَّفْرِيقُ لِلصِّغَارِ مِنْ أُمِّهِمْ إلاَّ مَعَ الإثْغارِ (وَامْتنع التَّفْرِيق للصغار من أمّهم) أَي لَا يجوز للسَّيِّد أَن يفرق بَين أمة وَوَلدهَا الصَّغِير بِأَن يَبِيع الْأُم دون وَلَدهَا أَو الْعَكْس أَو الْأُم لرجل وَالْولد لرجل آخر وَإِن لعَبْدِهِ (خَ) : وكتفريق أم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 فَقَط من وَلَدهَا بقسمة لحَدِيث: (من فرق بَين الْأُم وَوَلدهَا فرق الله بَينه وَبَين أحبته يَوْم الْقِيَامَة) اه. (إِلَّا مَعَ الإثغار) وَهُوَ تَمام نَبَات بدل رواضعه كلهَا بعد سُقُوطهَا وَلَا يَكْتَفِي بنبات الْبَعْض وَلَو الْمُعظم فَحِينَئِذٍ تجوز التَّفْرِقَة على الْمَشْهُور، وَقَالَ ابْن حبيب: يفرق بَينهمَا إِذا بلغ سبع سِنِين، وَفِي كتاب مُحَمَّد إِذا بلغ عشرا. وروى ابْن غَانِم لَا يفرق بَينهمَا قبل الْبلُوغ وَلابْن عبد الحكم مَا عاشا. حكى هَذِه الْأَقْوَال صَاحب الْجَوَاهِر ومنشأ الْخلاف هَل محمل حَدِيث التَّفْرِقَة على عُمُومه وغايته أَو على أَقَله الحَدِيث: (أَلا لَا توله وَالِدَة) الخ. وَبِه يفهم مَا فِي (ق) عَن الْقَرَافِيّ من قَوْله: وَلها نَظَائِر تَحْرِيم الزَّوْجَة وحكايات الْأَذَان والإقرارات وَغسل الذّكر من الْمَذْي وَمسح الْيَدَيْنِ فِي التَّيَمُّم والصعيد الطّيب فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فتلزم الثَّلَاث فِي التَّحْرِيم ويحكي الْأَذَان كُله، وَيلْزم أَكثر الْجمع فِي الْإِقْرَار بِدَرَاهِم مثلا وَيغسل الذّكر كُله وَيمْسَح الْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين وَيتَيَمَّم على الصَّعِيد الطَّاهِر الْمُثبت وَكَمَال الرشد، أَو يحمل على أقل ذَلِك فِي الْجَمِيع اه. وَمعنى الْكَمَال فِي الرشد كَونه رشيدا فِي المَال وَالدّين وَأَدْنَاهُ الرشد فِي المَال فَقَط، وَهُوَ مَذْهَب مَالك ثمَّ الْمُعْتَبر فِي الإثغار هُوَ الْوَقْت الْمُعْتَاد لَا أَن تعجل أَو تَأَخّر عَنهُ. ثُمَّ بالإجْبارِ عَلَى الْجَمْعِ القَضَا وَالخَلْفُ إنْ يَكُنْ مِنَ الأمِّ الرِّضَا (ثمَّ) إِن وَقعت التَّفْرِقَة الْمنْهِي عَنْهَا أجبر الْمُتَبَايعَانِ على أَن يجمعاهما فِي ملك بِأَن يَبِيع أَحدهمَا الآخر مَا فِي يَده أَو يبيعا مَعًا لثالث وإلاَّ فسخ العقد الَّذِي حصلت بِهِ التَّفْرِقَة كَمَا قَالَ ثمَّ: (بالإجبار على الْجمع القضا) ء مُبْتَدأ خَبره بالإجبار (خَ) : وَفسخ مَا لم يجمعاهما فِي ملك (وَالْخلف) فِي جَوَاز التَّفْرِقَة (إِن يكن من الْأُم الرِّضَا) بهَا فَقيل تجوز بِنَاء على أَن الْحق فِي الْحَضَانَة للحاضن، وَصرح الْمَازرِيّ وَغير وَاحِد هُنَا بمشهوريته وَعَلِيهِ عول (خَ) حَيْثُ قَالَ: مَا لم ترض، وَبِه أَيْضا صدر النَّاظِم فِي الْحَضَانَة حَيْثُ قَالَ: الْحق للحاضن فِي الْحَضَانَة الخ. وَقيل الْحق للمحضون، وَقيل لله تَعَالَى وَعَلَيْهِمَا فَلَا تجوز التَّفْرِقَة وَلَو رضيت الْأُم. وَفِي (ت) عَن القلشاني أَنه الْمَشْهُور وَهُوَ اخْتِيَار ابْن يُونُس، وَمَفْهُوم قَول النَّاظِم من أمّهم أَن التَّفْرِقَة من الْأَب جَائِزَة وَفهم مِنْهُ أَيْضا أَن التَّفْرِقَة فِي الْحَيَوَان البهيمي جَائِزَة وَبِه صرح ابْن سَلمُون قَالَ: وَلَا يجوز أَن يفرق بَين الْأُم وَوَلدهَا الصَّغِير بِخِلَاف غَيرهَا من الْحَيَوَان اه. وَنَحْوه لِابْنِ نَاجِي قَالَ: وروى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 عِيسَى عَن ابْن الْقَاسِم أَنَّهَا لَا تجوز وَأَن الْحَد فِيهِ أَن يَسْتَغْنِي عَن آبَائِهِ بالرعي نَقله التادلي. وَالْحَمْلُ عَيْبٌ قِيْلَ بالإطْلاَقِ وقيلَ فِي عَلْيةِ ذِي استْرْقَاقِ (وَالْحمل عيب قيل بِالْإِطْلَاقِ) وَفِي وخش الرَّقِيق وَعَلِيهِ وَهُوَ قَول مَالك وَابْن الْقَاسِم وَعَلِيهِ عمل النَّاس الْيَوْم (وَقيل) إِنَّمَا هُوَ عيب (فِي علية ذِي استرقاق) وَهُوَ قَول ابْن كنَانَة، وَيفهم ضعفه من عدم تصدير النَّاظِم، وَانْظُر مَا تقدم عِنْد قَوْله: وَلم يجز فِي الْحَيَوَان كُله الخ. وَعند قَوْله: وَشَرطهَا مكث بِملك الخ. والافْتِضَاضُ فِي سِوَى الوَخْشِ الدَّني عَيْبٌ لَهَا مُؤَثَّرٌ فِي الثَّمن (والافتضاض فِي سوى الوخش الدني) القبيحة المنظر الَّتِي ترَاد للْخدمَة وَغَيرهَا هِيَ الرائعة (عيب لَهَا مُؤثر فِي الثّمن) وَظَاهر أَن الثيوبة فِي الرائعة عيب مُطلقًا كَانَت مِمَّن يفتض مثلهَا أم لَا، وَلَيْسَ كَذَلِك. وَإِنَّمَا هِيَ عيب فِيمَن لَا يفتض مثلهَا وإلاَّ فَهِيَ مَحْمُولَة على الافتضاض (خَ) : عاطفاً على مَا لَا رد فِيهِ وثيوبة إِلَّا فِيمَن لَا يفتض مثلهَا الخ. وَبِالْجُمْلَةِ فالثيوبة عيب فِي العلى الْغَيْر المطيقة فَقَط وَلَيْسَت بِعَيْب فِي الوخش مُطلقًا وَلَا فِي العلى المطيقة إِلَّا بِشَرْط خلافًا لظَاهِر (خَ) أَيْضا من أَنَّهَا عيب حَتَّى فِي الوخش الَّتِي لَا يفتض مثلهَا. والحَمْلُ لَا يَثْبُتُ فِي أقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ مِنَ الشُّهْورِ فَاسْتَبِنْ (وَالْحمل) لحرة أَو أمة (لَا يثبت فِي أقل من ثَلَاثَة من الشُّهُور فاستبن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 وَلاَ تَحَرُّكَ لهُ يَثْبُتُ فِي مَا دُونَ عِدَّةِ الوَفَاةِ فاعْرِفِ وَلَا تحرّك لَهُ يثبت فِي مَا دون عدَّة الْوَفَاة فاعرف) هَذَا كَقَوْل ابْن عَرَفَة عَن ابْن رشد: لَا شكّ أَن الْحمل عيب وَيثبت بِشَهَادَة النِّسَاء وَلَا يتَبَيَّن فِي أقل من ثَلَاثَة أشهر وَلَا يَتَحَرَّك تحريكاً بَينا يَصح الْقطع على تحريكه فِي أقل من أَرْبَعَة أشهر وَعشر، فَإِذا شهِدت امْرَأَتَانِ أَن بهَا حملا بَينا لَا يشكان فِيهِ من غير تَحْرِيك ردَّتْ الْأمة فِيمَا دون ثَلَاثَة أشهر أَي من يَوْم الشِّرَاء، وَلَا ترد فِيمَا زَاد على ذَلِك لاحْتِمَال كَونه حَادِثا عِنْد المُشْتَرِي أَي: إِلَّا إِذا وَضعته لأَقل من سِتَّة أشهر من يَوْم الشِّرَاء فَترد حِينَئِذٍ، وَإِذا شهدتا أَن بهَا حملا يَتَحَرَّك ردَّتْ فِيمَا دون أَرْبَعَة أشهر وَعشر وَلم ترد فِيمَا فَوق ذَلِك لاحْتِمَال كَونه حَادِثا مَا لم تضعه لأَقل من سِتَّة أشهر من يَوْم الشِّرَاء فَإِن ردَّتْ ثمَّ وجد ذَلِك الْحمل بَاطِلا لم ترد إِلَى المُشْتَرِي إِذْ لَعَلَّهَا أسقطته اه بِبَعْض زِيَادَة للإيضاح. وَنَقله (ح) وَزَاد عَن النَّوَادِر مَا نَصه: وَمن ابْتَاعَ أمة فادعت الْحمل فليستأن بهَا، وَإِذا قَالَت النِّسَاء أَنَّهَا حَامِل ردَّتْ بذلك وَلَا ينْتَظر بهَا الْوَضع، ثمَّ إِن أنفش فَلَا تُعَاد إِلَى الْمُبْتَاع اه. قَالَ (م) فَلَو زَاد النَّاظِم هُنَا فَقَالَ مثلا: فَإِن بَين حمل قبيل أشهر ثَلَاثَة من دون تَحْرِيك حري ردَّتْ بِهِ كَذَا إِذا تحركا من قبل أَربع وَعشر فاسلكا فَإِن بِهِ ردَّتْ وَبعد يَنْتَفِي لَا رد لاحْتِمَال سقط قد خَفِي لَكَانَ قد صرح بنتيجة معرفَة زمن يثبت فِيهِ الْحمل أَو التحرك اللَّذَان فِي النّظم ثمَّ مَا ذكره النَّاظِم تبعا لمن ذكر مُخَالف بِظَاهِرِهِ لقَوْل الْقَرَافِيّ فِي قَوَاعِده: الْوَلَد يَتَحَرَّك لمثل مَا يتخلق لَهُ وَيُوضَع لمثلي مَا يَتَحَرَّك فِيهِ وَهُوَ يتخلق فِي الْعَادة تَارَة لشهر فيتحرك لشهرين وَيُوضَع لسِتَّة، وَتارَة لشهر وَخمْس لَيَال فيتحرك لشهرين وَثلث وَيُوضَع لسبعة، وَتارَة لشهر وَنصف فيتحرك لثَلَاثَة وَيُوضَع لتسعة وَهُوَ الْغَالِب، وَمَعَ ذَلِك فالأحكام مَبْنِيَّة على الأول فَهُوَ مِمَّا قدم فِيهِ النَّادِر على الْغَالِب وَله نَظَائِر اه. وَيُمكن الْجمع بَينه وَبَين مَا مر عَن ابْن رشد بِأَن كَلَام الْقَرَافِيّ إِنَّمَا هُوَ فِي مُطلق التحرك أَعم من أَن يكون تحركاً بَينا أم لَا. وَكَلَام ابْن رشد فِي التحرك الْبَين الَّذِي يَصح الْقطع عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يتَبَيَّن فِي أقل من الْمدَّة الْمَذْكُورَة كَمَا يُمكن الْجمع بَينه وَبَين مَا فِي الحَدِيث الْكَرِيم (إِن أحدكُم يجمع خلقه فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَة ثمَّ يكون علقَة مثل ذَلِك ثمَّ يكون مُضْغَة مثل ذَلِك ثمَّ يبْعَث الله ملكا فَيُؤْمَر بِأَرْبَع: برزقه وأجله وشقي أم سعيد) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 وَلم يذكر الرَّابِع. وَجَاء فِي رِوَايَة: أَنه ذكر أَو أُنْثَى اه. بِأَن الَّذِي فِي الحَدِيث هُوَ جَمِيع خلقه أَي كَمَاله، وَالَّذِي فِي كَلَام الْقَرَافِيّ. أول جُزْء من التخلق فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَيُثْبِتُ العُيُوبَ أَهْلُ المَعْرِفَهْ بِهَا وَلَا يُنْظَرُ فيهمْ لِصَفَهْ الْعَدَالَة عِنْد تعذرها (خَ) وَقيل للضَّرُورَة غير عدُول وَإِن مُشْرِكين وَالْوَاحد كَاف كَمَا مر عِنْد قَوْله: وَوَاحِد يجزىء فِي بَاب الْخَبَر وَاثْنَانِ أولى عِنْد كل ذِي نظر وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي فصل الْعُيُوب عِنْد قَوْله: ثمَّ الْعُيُوب كلهَا لَا تعْتَبر الخ. (فصل) وَاتَّفَقُوا أنَّ كِلاَبَ المَاشِيَهْ يَجُوزُ بَيْعُها كَكَلْبِ البادِيَهْ (وَاتَّفَقُوا أَن كلاب الْمَاشِيَة) المتخذة لحراستها وحفظها مِمَّا يعدو عَلَيْهَا من السَّارِق والسبع وَنَحْوهمَا (يجوز بيعهَا ككلب) أهل (الْبَادِيَة) الَّذِي يحرس دُورهمْ وأمتعتهم لَيْلًا وَنَهَارًا، وَمَا ذكره من الِاتِّفَاق هُوَ ظَاهر ابْن سَلمُون أَيْضا حَيْثُ قَالَ: وَيجوز بيع كلب الحرس والماشية وَفِي كلب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 الصَّيْد وَالسِّبَاع قَولَانِ اه. إِلَّا أَنهم بحثوا مَعَ النَّاظِم فِي حِكَايَة الِاتِّفَاق فِي بَيْعه أقوالاً: الْجَوَاز وَالْكَرَاهَة وَالْمَنْع وَهُوَ أشهرها. قلت: لَعَلَّه أَرَادَ بالِاتِّفَاقِ اتِّفَاق الْمُتَأَخِّرين لقَوْل ابْن أبي زيد: لَو أدْرك مَالك زمننا لاتخذ أسداً ضارياً وكل مَا يتَّخذ للِانْتِفَاع بِهِ انتفاعاً شَرْعِيًّا تجوز الْمُعَاوضَة عَلَيْهِ، فكأنهم فَهموا أَن كلاب الحراسة لتأكد مَنْفَعَتهَا لَا يَنْبَغِي أَن يدخلهَا الْخلاف، وَأما مَا قيل من أَنه أَرَادَ بالِاتِّفَاقِ تَقْوِيَة القَوْل بِالْجَوَازِ إِذْ قَالَ بِهِ ابْن كنَانَة وَسَحْنُون وَابْن نَافِع، وشهره بَعضهم فَهُوَ بعيد من لَفظه إِذْ لَو كَانَ مَقْصُوده ذَلِك لقَالَ: ورجحوا أَو شهروا أَن كلاب الْمَاشِيَة الخ. ثمَّ إِن الْكَلْب إِذا لم يُؤذن فِي اتِّخَاذه يضمن ربه مَا أتلف مُطلقًا، وَأما مَا أتْلفه الْمَأْذُون فِي اتِّخَاذه فَإِنَّهُ يضمن ربه مَا مزقه أَو أتْلفه إِذا علم مِنْهُ العداء. وَتقدم الْكَلَام فِيهِ عِنْد السُّلْطَان. وَعِنْدَهُمْ قَوْلاَنِ فِي ابْتِياعِ كِلابِ الاصْطِيادِ وَالسِّبَاعِ (وَعِنْدهم قَولَانِ فِي ابتياع كلاب الِاصْطِيَاد) أى الْكلاب الَّتِي يصطاد بهَا فالمنع لِابْنِ الْقَاسِم وَرِوَايَته عَن مَالك وَالْجَوَاز لِابْنِ كنَانَة وَمن مَعَه (و) عِنْدهم أَيْضا قَولَانِ فِي ابتياع (السبَاع) الَّتِي يصطاد بهَا كالمسمى عِنْد الْعَامَّة الْيَوْم بالنمس والفهد وَنَحْو ذَلِك. وَبَيْعُ مَا كالشَّاةِ واستِثناءِ ثُلُثِهِ فيهِ الجَوَازُ جاءِ (وَبيع مَا) أَي حَيَوَان مَأْكُول (كالشاة) وَالْبَقَرَة (واستثناء) أَي مَعَ اسْتثِْنَاء (ثلثه) أَو نصفه أَو ثَلَاثَة أَرْبَاعه إِذْ مَتى كَانَ الْمُسْتَثْنى جُزْءا شَائِعا (فِيهِ الْجَوَاز جَاءَ) اتِّفَاقًا. وَاعْلَم أَن هَذِه الْمَسْأَلَة على ثَلَاثَة أوجه: هَذَا أَحدهَا. وَلَا يجْبر الآبي مِنْهُمَا على الذّبْح فِي هَذَا الْوَجْه فَإِن تشاحا فِيهِ بِيعَتْ عَلَيْهِمَا وَأخذ كل وَاحِد من ثمنهَا مَا وَجب لَهُ. الثَّانِي: أَن يسْتَثْنى أرطالاً من لَحمهَا وَهُوَ معنى قَوْله: أَوْ قَدْرِ رَطْلَيْنِ مَعاً مِنْ شَاةِ وَيُجْبَرُ الآبي عَلَى الذَّكَاةِ (أَو قدر) بِالْجَرِّ عطف على ثلثه (رطلين مَعًا) أَو ثَلَاثَة أَرْطَال أَو أَرْبَعَة قدر الثُّلُث فدون (من شَاة) وَنَحْوهَا وَفِي الْبَقَرَة والناقة يجوز اسْتثِْنَاء نَحْو الْعشْرَة، وَالثَّمَانِيَة الأرطال مِمَّا هُوَ قدر الثُّلُث أَيْضا فدون لِأَن ثلث كل شَيْء بِحَسبِهِ كَمَا قَالَه أَبُو الْحسن، وارتضاه الشَّيْخ الرهوني فِي حَاشِيَته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 خلافًا لما فِي الشَّيْخ بناني (و) إِذا أَرَادَ البَائِع الذّبْح ليتوصل للأرطال وَامْتنع المُشْتَرِي أَو بِالْعَكْسِ فَإِنَّهُ (يجْبر الآبي) مِنْهُمَا (على الذَّكَاة) إِذْ لَا يتَوَصَّل كل مِنْهُمَا لما دخل عَلَيْهِ من اللَّحْم إِلَّا بهَا، وَأُجْرَة الذّبْح والسلخ عَلَيْهَا فِي هَذِه وَفِي الَّتِي قبلهَا بِحَسب مَا لكل، فَلَو أَرَادَ المُشْتَرِي أَن يُعْطِيهِ لَحْمًا من غَيرهَا لتبقى لَهُ الشَّاة حَيَّة لم يجز وَهُوَ معنى قَوْله: ولَيسَ يُعْطَى فِيهِ للتَّصْحِيحِ من غيرِه لحْماً على الصَّحيحِ (وَلَيْسَ) للْمُشْتَرِي أَن (يعْطى فِيهِ) أَي فِي الْمُسْتَثْنى الَّذِي هُوَ الأرطال (للتصحيح) أَي لتصح لَهُ الشَّاة وَتبقى لَهُ حَيَّة (من غَيره) أَي من غير الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَهُوَ الشَّاة (لَحْمًا) بل وَلَا غير اللَّحْم كَثوب أَو دَرَاهِم وَنَحْوهَا (على) القَوْل (الصَّحِيح) وَهُوَ لأَشْهَب لما فِيهِ من بيع الطَّعَام قبل قَبضه بِنَاء على أَن الْمُسْتَثْنى مشترى، وَأما على أَنه مبقى فالعلة أَنه من بيع اللَّحْم المغيب وَهُوَ يمْنَع بِلَحْم وَغَيره قَالَه (ز) وَمُقَابل الصَّحِيح رَوَاهُ مطرف. الثَّالِث: أَن يسْتَثْنى الْجلد والساقط وهما الرَّأْس والأكارع وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: وَالخُلْفُ فِي الْجِلْدِ وَفي الرَّأْس صَدَرْ مَشْهُورُها الْجَوَازُ فِي حَالِ السَّفْرْ (وَالْخلف فِي) اسْتثِْنَاء (الْجلد وَفِي) اسْتثِْنَاء (الرَّأْس) والأكارع (صدر) أَي: وَقع بِالْمَنْعِ مُطلقًا وَالْجَوَاز كَذَلِك ثَالِثهَا (مشهورها الْجَوَاز فِي حَال السّفر) لخفة ثمنه فِيهِ دون الْحَضَر فَيمْنَع فِيهِ، فَإِن وَقع وَاسْتثنى فِي الْحَضَر فَظَاهر ضيح الْفَسْخ، وَفِي الْمُوازِية أَنه يكره، وَأبقى أَبُو الْحسن الْكَرَاهَة على بَابهَا قَالَه (ز) وَمَفْهُوم الْجلد وَالرَّأْس أَن اسْتثِْنَاء الكرش والكبد وَنَحْوهمَا حكمهَا حكم اللحوم فَيجْرِي حكمهَا عَلَيْهِ من كَون الْمُسْتَثْنى قدر الثُّلُث فدون فَيجوز وإلاَّ فَلَا. وَأُجْرَة الذّبْح والسلخ وَالْحِفْظ وَغير ذَلِك فِي هَذَا الْوَجْه على المُشْتَرِي لِأَنَّهُ يجْبر على الذّبْح إِذْ لَو شَاءَ دفع جلدا وساقطاً من عِنْده فصارا كَأَنَّهُمَا فِي ذمَّته كَمَا فِي ابْن مُحرز خلافًا لِابْنِ يُونُس من أَن الْأجر عَلَيْهِمَا مَعًا على قدر قيمَة الْجلد وَاللَّحم (خَ) عاطفاً على الْجَائِز مَا نَصه: وَجلد وساقط بسفر فَقَط وتولاه المُشْتَرِي. وَفِي الضَّمانِ إنْ تَفَانَى أَوْ سُلِبْ ثَالِثُهَا فِي الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ يَجِبْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 (وَفِي الضَّمَان إِن تفانى) أَي مَاتَ الْحَيَوَان الَّذِي اسْتثْنى أَرْطَال مِنْهُ أَو جلد وساقطه (أَو سلب) أَي غصب أَو سرق ثَلَاثَة أَقْوَال. الضَّمَان من المُشْتَرِي فِي الْجَمِيع وَعَدَمه فِي الْجَمِيع (ثَالِثهَا) وَهُوَ مشهورها الضَّمَان (فِي الْجلد وَالرَّأْس) والأكارع (يجب) عَلَيْهِ فَقَط لَا فِي الأرطال فَلَا يضمنهَا كَمَا لَا يضمن فِي الْجُزْء الشَّائِع اتِّفَاقًا (خَ) وَلَو مَاتَ مَا اسْتثْنى مِنْهُ معِين ضمن المُشْتَرِي جلدا وساقطاً لَا لَحْمًا الخ. وَمرَاده بالمعين الْجلد والساقط والأرطال. (فصل فِي بيع الدّين بِالدّينِ والمقاصة فِيهِ) أَرَادوا: اقتضائه والمقاصة فِيهِ فَحذف عاطفاً ومعطوفاً بِقَرِينَة ذكره بعد قَالَه (ت) وَهُوَ ظَاهر. مِمَّا يَجُوزُ البيعُ بَيْعُ الدَّيْنِ مُسَوَّغٌ مِنْ عَرْضٍ أَوْ عَيْنِ (مِمَّا يجوز البيع) يتَعَلَّق بقوله مسوغ والعائد من الصِّلَة مَحْذُوف (بيع الدّين) مُبْتَدأ (مسوغ) خَبره (من عرض أَو من عين) بَيَان لما وَالتَّقْدِير بيع الدّين مسوغ أَي جَائِز بالشَّيْء الَّذِي يجوز البيع بِهِ من عرض إِن كَانَ الدّين عينا أَو طَعَاما، وَمن عين إِن كَانَ عرضا أَو طَعَاما إِذْ هُوَ لَا يُبَاع إِلَّا بِغَيْر جنسه كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَبيعه بِغَيْر جنس مرعي وَهَذَا فِي بَيْعه لغير من هُوَ عَلَيْهِ، وَأما بَيْعه مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ فَسَيَأْتِي فِي قَوْله: والاقتضاء للديون الخ. ثمَّ إِن مُرَاده بِالْعرضِ مَا قَابل الْعين فَيشْمَل الطَّعَام فَلَا دور فِي كَلَامه خلافًا لمن ادَّعَاهُ كَمَا لَا يخفى. وَإِنَّمَا يَجوزُ مَعْ حُضورِ مَنْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ وَتَعْجِيلِ الثَّمَنْ (وَإِنَّمَا يجوز) بيع الدّين لغير من هُوَ عَلَيْهِ بِشُرُوط أَشَارَ لأولها وَثَانِيها بقوله: (مَعَ حُضُور من أقرّ بِالدّينِ) أَي مَعَ حُضُور الْمَدِين وَإِقْرَاره فَلَا يجوز مَعَ غيبَة الْمَدِين وَلَا مَعَ إِنْكَاره لِأَنَّهُ مَعَ الْغَيْبَة لَا يدْرِي حَاله من فقر أَو غنى، وَالثمن يخْتَلف باخْتلَاف حَاله فَيُؤَدِّي للْجَهْل قَالَه الْمَازرِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 وَغَيره، وَعَن ابْن الْقَاسِم فِي سَماع مُوسَى بن مُعَاوِيَة جَوَاز شِرَاء الدّين على الْغَائِب، وَبِه قَالَ أصبغ فِي نوازله. وَرَوَاهُ أَبُو زيد عَن مَالك وَبِه الْعَمَل فِي مَسْأَلَة قلب الرَّهْن كَمَا يَأْتِي، وَأما اشْتِرَاط الْإِقْرَار فَلِأَنَّهُ وَإِن كَانَ ثَابتا بِبَيِّنَة من شِرَاء مَا فِيهِ خُصُومَة وَهُوَ مَمْنُوع على الْمَشْهُور وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَمنع دين ميت وغائب وَلَو قربت غيبته وحاضر إِلَّا أَن يقر الخ. ولثالثها بقوله: (و) مَعَ (تَعْجِيل الثّمن) لِأَنَّهُ إِذا لم يعجل فِي الْحِين كَانَ من بيع الدّين بِالدّينِ، وَلَا فرق بَين أَن يعجل حَقِيقَة أَو حكما كَبَيْعِهِ بمنافع عين أَو بِمعين يتَأَخَّر قَبضه إِذْ لَا يمْتَنع ذَلِك فِي بيع الدّين بِخِلَاف فَسخه. ولرابعها بقوله: وكوْنِهِ لَيْسَ طَعَامَ بَيْعِ وَبَيْعُهُ بِغَيْرِ جِنْسٍ مَرْعِي (و) مَعَ (كَونه لَيْسَ طَعَام بيع) وَإِلَّا لم يجز لما تقدم من منع بيع طَعَام الْمُعَاوضَة قبل قَبضه. ولخامسها بقوله: (وَبيعه بِغَيْر جنس مرعي) لِأَنَّهُ إِذا بيع بِجِنْسِهِ كَانَ سلفا بِزِيَادَة لِأَن شَأْن الدّين أَن يُبَاع بِأَقَلّ. وَحَاصِله؛ أَنه إِذا بيع بِجِنْسِهِ وَكَانَ الدّين عينا أَو طَعَاما امْتنع مُطلقًا وَلَو بعد حُلُوله لما فِيهِ من رَبًّا الْفضل وَالنِّسَاء أَو النِّسَاء فَقَط، وَإِن كَانَ الدّين عرضا فَكَذَلِك إِن بيع بِأَقَلّ قدرا أَو صفة لِأَن الشَّيْء فِي مثله قرض فَهُوَ سلف بِمَنْفَعَة، وَإِن بيع بِأَكْثَرَ قدرا أَو صفة لِأَن الشَّيْء فِي مثله قرض فَهُوَ سلف بِمَنْفَعَة، وَإِن بيع بِأَكْثَرَ قدرا أَو صفة وَكَانَ الْعرض من سلف فَكَذَلِك أَيْضا، وَإِن كَانَ من بيع وَلم يحل فَكَذَلِك أَيْضا لما فِيهِ من حط الضَّمَان وَأَزِيدك، وَإِن حل جَازَ كَمَا يجوز بِالْمثلِ حل أَو لَا. لكنه لَيْسَ من شَأْن الْعُقَلَاء دفع عَاجل ليَأْخُذ أقل مِنْهُ أَو مثله فِي البيع، بل يَفْعَلُونَ ذَلِك فِي السّلف فَقَط. وَبَقِي على النَّاظِم شَرط سادس وَهُوَ أَن لَا يكون المُشْتَرِي عدوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 للْمَدِين، وسابع وَهُوَ أَن لَا يقْصد بِالشِّرَاءِ إعناته وضرره وإلاَّ رد بَيْعه (خَ) فِي الضَّمَان كأدائه رفقا لَا عنتاً فَيرد كشرائه، وَهل إِن علم بَائِعه وَهُوَ الْأَظْهر تَأْوِيلَانِ الخ: أَي: وَإِذا رد الشِّرَاء فَيرجع المُشْتَرِي على البَائِع بِمَا دفع لَهُ، فَإِن فَاتَ بِيَدِهِ رد لَهُ عوضه وَإِن تعذر رده لغيبة البَائِع أَقَامَ الْحَاكِم من يقبض من الْمَدِين وَيدْفَع للْمُشْتَرِي قَالَه (ز) وَنَحْوه ل (ح) وضيح عَن اللَّخْمِيّ. قَالَ أَبُو الْحسن: وَقصد الضَّرَر من أَفعَال الْقُلُوب فَلَا يثبت إِلَّا بِإِقْرَار المُشْتَرِي أَو بقرائن تدل الشُّهُود على أَنه قصد ذَلِك. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا بيع الدّين أَو وهب وَكَانَ فِيهِ رهن أَو حميل لم يدْخل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا بِشَرْط مَعَ حُضُور الْحميل وَإِقْرَاره بالحمالة وَإِن لم يرض بالتحمل لمن ملكه للسلامة من شِرَاء مَا فِيهِ خُصُومَة لَكِن لرب الرَّهْن أَن يطْلب وَضعه عِنْد أَمِين قَالَه (ز) . الثَّانِي: قَالَ فِي الدّرّ النثير: انْظُر مَسْأَلَة من قَالَ لرجل: بِعني دينك الَّذِي على فلَان وَأَنا أعلم وُجُوبه لَك عَلَيْهِ وَإِقْرَاره بِهِ لَك، فَفِي نَوَازِل أصبغ من كتاب جَامع الْبيُوع من الْبَيَان جَوَاز البيع اتِّفَاقًا وَأَنه إِن أنكر بعده فمصيبة دخلت عَلَيْهِ اه. الثَّالِث: جرى الْعَمَل بِبيع دين الْغَائِب من غير حُضُوره وَلَا إِقْرَاره فِي الْمَسْأَلَة الملقبة عِنْد الْعَامَّة الْيَوْم بقلب الرَّهْن وَهِي أَن يكون بيد إِنْسَان رهن فِي دين مُؤَجل فَيحْتَاج إِلَى دينه قبل الْأَجَل فيبيعه بِمَا يُبَاع بِهِ وَلَو مَعَ غيبَة راهنه، وَيحل المُشْتَرِي للدّين مَحل بائعة فِي حوز الرَّهْن وَالْمَنْفَعَة إِن كَانَت الْمَنْفَعَة جعلت لَهُ وَالْبيع للرَّهْن بالتفويض الَّذِي جعل للْمُرْتَهن البَائِع للدّين وَغير ذَلِك وَيكْتب بِظهْر الْوَثِيقَة أَو طرتها: اشْترى فلَان جَمِيع الدّين أَعْلَاهُ أَو محوله بِكَذَا وَقبض البَائِع جَمِيع الثّمن مُعَاينَة أَو باعترافه بعد التقليب وَالرِّضَا كَمَا يجب، وَأحل المُشْتَرِي مَحَله فِي الرَّهْن وَالِانْتِفَاع بِهِ والحوز لَهُ والتفويض وتملك المُشْتَرِي مشتراه إِلَى آخر الْوَثِيقَة قَالَ (م) : وَهَذَا مَعَ التَّنْصِيص على دُخُول الرَّهْن فِي البيع وَهُوَ الْمَعْمُول بِهِ فِي وقتنا، إِذْ هُوَ الْمَقْصُود بشرَاء الدّين غَالِبا قَالَ: وللراهن أَن يَجْعَل رَهنه بيد المُشْتَرِي أَو يَجعله بيد رجل غَيره إِذا لم تشْتَرط منفعَته وإلاَّ فَلَا خِيَار للرَّاهِن حَيْثُ بَاعَ الْمُرْتَهن الدّين وَالْمَنْفَعَة مَعًا إِلَّا لحقه ضَرَر بجعله بيد المُشْتَرِي فيزال الضَّرَر ويكرى ذَلِك لغير المُشْتَرِي، والكراء لَهُ لِأَن الْمَنْفَعَة لمشترطها قَالَ: وَإِن بيع الدّين وَسكت عَن الرَّهْن لم يدْخل وَيبقى الرَّهْن بيد من هُوَ بِيَدِهِ، وَإِذا اخْتلفَا هَل وَقع البيع على شَرط دُخُول الرَّهْن حلفا وَفسخ انْتهى بِاخْتِصَار. وَإِنَّمَا وَجب التَّحَالُف لِأَن الرَّهْن لَهُ حِصَّة من الثّمن فَيرجع ذَلِك إِلَى الِاخْتِلَاف فِي قدر الثّمن. وَفي طَعَامٍ إنْ يَكُنْ من قَرْضِ يَجُوزُ الابْتِيَاعُ قَبْلَ القَبْضِ (وَفِي طَعَام إِن يكن من قرض) يتَعَلَّق بقوله: (يجوز الابتياع قبل الْقَبْض) وَهَذَا مَفْهُوم قَوْله فِيمَا مر: وَالْبيع للطعام قبل الْقَبْض مُمْتَنع مَا لم يكن من قرض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 فَلَو اسْتغنى عَن هَذَا بِمَفْهُوم مَا تقدم لكفاه، وَفِي معنى الْقَرْض كل طَعَام وَجب بِغَيْر عوض كطعام الْهِبَة وَالصَّدَََقَة كَمَا مرّ. وَالاِقْتِضَاءُ لِلدِّيُونِ مُخْتَلِفْ وَالْحُكْمُ قَبْلَ أَجَلٍ لَا يَخْتَلِفْ (والاقتضاء للديون مُخْتَلف) حكمه فَمِنْهُ مَا هُوَ جَائِز بِالْجِنْسِ وَبِغَيْرِهِ وَمِنْه مَا هُوَ مَمْنُوع كَذَلِك وَحَاصِل الصُّور الْعَقْلِيَّة فِي الْقَضَاء بِالْجِنْسِ الَّذِي الْكَلَام الْآن فِيهِ أَربع وَعِشْرُونَ صُورَة لِأَن الدّين إِمَّا عين أَو عرض، وَفِي كل مِنْهُمَا إِمَّا من بيع أَو قرض وكل من الْأَرْبَعَة إِمَّا حَال أَو مُؤَجل، فَهَذِهِ ثَمَانِيَة مَضْرُوبَة فِي أَحْوَال الْقَضَاء لِأَنَّهُ إِمَّا بِمثل الدّين قدرا أَو صفة وَإِمَّا بِأَقَلّ قدرا أَو صفة وَإِمَّا بِأَكْثَرَ قدرا أَو صفة ثَلَاثَة فِي ثَمَانِيَة بأَرْبعَة وَعشْرين فصور الْمثل الثَّمَانِية جَائِزَة كلهَا كَمَا قَالَ: (وَالْحكم قبل أجل لَا يخْتَلف) فِي الْجَوَاز وَالْحَالة هَذِه. وَالمِثْلُ مَطْلُوبٌ وذُو اعْتِبارِ فِي الجَنْسِ وَالصِّفَةِ وَفِي المِقْدَارِ (و) هِيَ أَن (الْمثل مَطْلُوب) أَي مَوْجُود (وَذُو اعْتِبَار) عطف تَفْسِير لَو حذفه مَا ضره (فِي الْجِنْس وَالصّفة والمقدار) فالجملة حَال مربوطة بِالْوَاو كَمَا قَررنَا وَمَفْهُوم قبل الْأَجَل أَن الْقَضَاء بِالْمثلِ بعد الْأَجَل يجوز بالأحرى، فَشَمَلَ كَلَامه الصُّور الثَّمَانِية الْجَائِزَة: أَرْبَعَة مِنْهَا بمنطوقه وَأَرْبَعَة مِنْهَا بمفهومه ويشملها قَول (خَ) وَقَضَاء قرض بمساوٍ ثمَّ قَالَ: وَثمن الْمَبِيع من الْعين كَذَلِك وَمَفْهُوم قَوْله: والمثل مَطْلُوب الخ. أَن الْمثل إِذا لم يُوجد بل قَضَاهُ بِأَقَلّ قدرا أَو صفة أَو بِأَكْثَرَ فيهمَا لم يجز وَهُوَ كَذَلِك على تَفْصِيل وَهُوَ أَن يُقَال: فَإِن كَانَ الْقَضَاء بِأَقَلّ قدرا أَو صفة جَازَ صور حُلُول الْأَجَل الْأَرْبَع وَهِي عين أَو عرض من بيع أَو قرض ومنعت صور مَا قبل الْأَجَل كَذَلِك لما فِيهِ من ضع وتعجل لِأَن الْمُعَجل مسلف وَقد انْتفع على سلفه بِأَدَائِهِ أقل أَو أردأ، فَهَذِهِ ثَمَانِيَة فِي الْقَضَاء بِأَقَلّ قدرا أَو صفة كَمَا ترى ويشملها أَيْضا قَول (خَ) وَإِن حل الْأَجَل بِأَقَلّ صفة أَو قدرا فمفهوم الشَّرْط أَنه لَا يجوز ذَلِك قبل الْحُلُول، وَأما إِن كَانَ الْقَضَاء بِأَكْثَرَ صفة أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 قدرا فَيمْتَنع فِي الْأَكْثَر قدرا فِي الْقَرْض مُطلقًا عينا كَانَ أَو عرضا قبل الْأَجَل أَو بعده لقَوْل (خَ) لَا أَزِيد عددا أَو وزنا، وَكَذَا يمْتَنع فِي الْعرض من بيع قبل الْأَجَل لما فِيهِ من حط الضَّمَان وَأَزِيدك: وَجَاز فِيهِ ذَلِك بعد الْأَجَل كَمَا يجوز فِي الْعين من بيع مُطلقًا قبل الْأَجَل أَو بعده لِأَن الْحق فِي الْأَجَل فِي الْعين لمن هُوَ عَلَيْهِ فَلَا يدْخلهُ حط الضَّمَان وَأَزِيدك: وَإِن كَانَ بِأَفْضَل صفة جَازَ فِي الْقَرْض مُطلقًا وَفِي البيع بعد الْأَجَل، وَكَذَا قبله وَهُوَ عين وإلاَّ منع لما فِيهِ من حط الضَّمَان وَأَزِيدك. والناظم تكلم بمنطوقه وَمَفْهُومه على الصُّور الْجَائِزَة الثَّمَانِية كَمَا مر وَسكت عَمَّا عَداهَا فِي الْقَضَاء بِالْجِنْسِ. وَأما الْقَضَاء بِغَيْر الْجِنْس وَهُوَ بيع الدّين مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ فقد أَشَارَ لَهُ بقوله: وَالعَيْنُ فيهِ مَعْ بُلُوغٍ أَجَلا صَرْفٌ وَمَا تَشَاؤُهُ إنْ عُجِّلاَ (وَالْعين فِيهِ) الضَّمِير للعين، وَفِي بِمَعْنى (عَن) أَي وَقَضَاء الْعين عَن الْعين (مَعَ بُلُوغ أَََجَلًا) أَي مَعَ حُلُول أجل الدّين كقضاء ذهب عَن فضَّة حل أجلهَا كَانَت من بيع أَو قرض وَبِالْعَكْسِ (صرف) جَائِز إِن عجل الْمَأْخُوذ وَلم يَقع فِيهِ تَأْخِير فَقَوله: بعد أَن عجل مَحْذُوف من هُنَا لدلَالَة مَا بعده عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمعبر عَنهُ فِي الِاصْطِلَاح بِصَرْف مَا فِي الذِّمَّة وَهُوَ جَائِز على الْمَشْهُور خلافًا لأَشْهَب فِي مَنعه (وَمَا) مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف أَو مفعول بِفعل مَحْذُوف وَالتَّقْدِير وَلَك أَخذ مَا (تشاؤه) أَي وَخذ مَا تشاؤه عَن دين الْعين من عرض أَو طَعَام أَو حَيَوَان أَو عقار (إِن عجلا) ذَلِك الْمَأْخُوذ والا امْتنع لما يلْزم عَلَيْهِ من فسخ الدّين فِي الدّين إِن كَانَ الْمَأْخُوذ غير معِين، وَإِن كَانَ معينا فَهُوَ التصيير وَفِي تَأْخِير حوزه وَقَبضه خلاف يَأْتِي فِي فَصله إِن شَاءَ الله. وغيرُ عينٍ بَعْدَهُ مِنْ سَلَفِ خُذْ فيهِ مِنْ مُعَجَّل مَا تَصْطَفِي (وَغير عين) مُبْتَدأ على حذف مُضَاف وَالْجُمْلَة الطلبية بعده خَبره على وَجه مَرْجُوح أَي وَدين غير الْعين (بعده) أَي بعد الْأَجَل حَال كَونه (من سلف خُذ فِيهِ من معجل) من غير جنسه (مَا تصطفي) وتختار من طَعَام أَو عرض أَو عقار أَو حَيَوَان كأخذك حَيَوَانا عَن ثوب فِي الذِّمَّة أَو أخذك دَرَاهِم عَن حَيَوَان فِي الذِّمَّة، وَهَكَذَا بِشَرْط التَّعْجِيل كَمَا فِي النّظم وَإِلَّا امْتنع لما فِيهِ من فسخ الدّين أَو التصيير الْغَيْر الْمَقْبُوض بالفور كَمَا تقدم فِي الَّذِي قبله، وَكَلَامه فِي الْقَضَاء بِغَيْر الْجِنْس كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع، وَأما قَضَاؤُهُ بِالْجِنْسِ الْمُوَافق فقد تقدم فِي الْأَرْبَع وَالْعِشْرين صُورَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 وَمَفْهُوم قَوْله: وَغير عين الخ. تقدم فِي الْبَيْت قبله، وَمَفْهُوم بعده أَنه قبل الْأَجَل لَا يجوز وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ إِذا اخْتلف الْجِنْس كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع فَلَا عَلَيْك فِي الْأَجَل والمقدار كَمَا فِي شرَّاح (خَ) عِنْد قَوْله: وَبِغير الْجِنْس إِن جَازَ بَيْعه قبل قَبضه الخ. وَحِينَئِذٍ فَلَا مَفْهُوم للظرف الْمَذْكُور، وَمَفْهُوم قَوْله: من سلف هُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بقوله: وَإنْ يكنْ مِنْ سَلَمٍ بَعْدَ الأَمَدْ فالوَصْفُ فيهِ السَّمْحُ جائزٌ فَقَدْ (وَإِن يكن) الَّذِي هُوَ غير الْعين ترَتّب فِي الذِّمَّة (من سلم) أَي بيع (بعد الأمد) أَي الْأَجَل يتَعَلَّق بقوله جَائِز (فالوصف) مُبْتَدأ (فِيهِ) يتَعَلَّق بقوله جَائِز أَيْضا (السَّمْح) مُبْتَدأ ثَان (جَائِز) خَبره (فقد) أَي فَحسب رَاجع لقَوْله: بعد الأمد، وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَخَبره خبر الأول، وَالْجُمْلَة من الأول وَخَبره جَوَاب الشَّرْط، وَالتَّقْدِير؛ وَإِن يكن الدّين الْغَيْر الْعين ترَتّب فِي الذِّمَّة من بيع فالسمح فِي وَصفه جَائِز بعد الْأَجَل فَقَط بِأَن يَأْخُذ رب الدّين أقل من صفة دينه أَو يدْفع الْمَدِين أَجود مِنْهُ، وَيفهم مِنْهُ أَنه يجوز بِأَقَلّ قدرا أَو أَكثر كَذَلِك أَيْضا لِأَن زِيَادَة الْوَصْف فِي قَضَاء دين البيع كزيادة الْقدر ونقصانه كنقصانه كَمَا قَالَ (خَ) وَجَاز بِأَكْثَرَ وَلَيْسَ قَوْله: (فقد) رَاجعا للوصف حَتَّى يكون الْمَعْنى فالسمح جَائِز فِي الْوَصْف فَقَط لَا فِي الْقدر، بل هُوَ رَاجع لقَوْله: بعد الأمد كَمَا قَررنَا. وَمَفْهُوم بعد الأمد أَنه قبل الأمد لَا يجوز وَهُوَ كَذَلِك لما فِيهِ من حط الضَّمَان، وَأَزِيدك أَو ضع وتعجل قَالَ فِي النَّوَادِر: وَإِذا حل الدّين وَلَيْسَ بِذَهَب وَلَا فضَّة جَازَ أخذك أرفع أَو أدنى أَو أقل أَو أَكثر من صنفه أَو من غير صنفه نَقْدا. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَة: وَلَو عجل عرضا قبل أَجله لم يجز إِلَّا مَعَ الْمُسَاوَاة والانفراد فَلَو كَانَ أَجود أَو أردأ وأضيف إِلَيْهِ شَيْء من أحد الْجَانِبَيْنِ وَلَو نفعا بخطوة أَو كلمة لم يجز لِأَنَّهُ مِنْك وضيعة على تَعْجِيل حق، وَمِنْه طرح ضَمَان بِزِيَادَة. ثمَّ إِن كَلَام النَّاظِم ظَاهر فِي الْقَضَاء بِالْجِنْسِ فَهُوَ دَاخل فِي التَّحْصِيل الْمُتَقَدّم فِي الْقَضَاء بِالْجِنْسِ، وَقد علمت أَن الْكَلَام فِي غَيره، فَلَو قدم هَذَا الْبَيْت قبل قَوْله: وَالْعين فِيهِ الخ. وَقَالَ مثلا: وَإِن يكن بِأَدْنَى مِنْهُ يشْتَرط حُلُوله وَقَبله الْمَنْع فَقَط وَيكون أَشَارَ بِهِ للصور الثَّمَانِية الكائنة فِي الْقَضَاء بِأَقَلّ قدرا أَو صفة كَمَا مر ثمَّ يَقُول هَهُنَا: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 وَإِن يكن من سلم فَيشْتَرط بَيْعه بِالْمُسلمِ فِيهِ مُرْتَبِط وَإِن يَصح سلم رَأس المَال وَالْبيع قبل الْقَبْض فِي ذِي الْحَال لوفى بِشُرُوط قَضَاء السّلم بِغَيْر جنسه الْمشَار إِلَيْهَا بقول (خَ) وَبِغير جنسه إِن جَازَ بَيْعه قبل قَبضه وَبيعه بِالْمُسلمِ فِيهِ مناجزة، وَإِن يسلم فِيهِ رَأس المَال لَا طَعَام وَلحم بحيوان وَذهب وَرَأس المَال ورق وَعَكسه الخ. وَقد تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهَا فِي فصل الْعرُوض عِنْد قَوْله: وَمَا لبيع قبل قبض مَانع. وَبِهَذَا يكون الْكَلَام مرتبطاً بعضه بِبَعْض وَلَا يبْقى عَلَيْهِ شَيْء من شُرُوط الْقَضَاء بِغَيْر الْجِنْس، وَأما بِجِنْسِهِ فقد دخل فِي التَّحْصِيل الْمُتَقَدّم وَسلم من قَوْلنَا: وَإِن يَصح سلم رَأس المَال يقْرَأ بِسُكُون اللَّام للوزن، وَالْحَاصِل أَن قَضَاء الدّين بِغَيْر جنسه وَهُوَ بَيْعه مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ إِن كَانَ عينا فإمَّا أَن يَأْخُذ عَنهُ عينا أُخْرَى أَو عرضا فَالْأول صرف يشْتَرط فِيهِ حُلُول الدّين وتعجيل الْمَأْخُوذ، وَالثَّانِي يشْتَرط تَعْجِيله فَقَط وَإِن كَانَ الدّين غير عين فَيشْتَرط تَعْجِيل الْمَأْخُوذ أَيْضا لَا حُلُوله، وَيُزَاد فِيهِ إِن كَانَ من بيع أَن يجوز بَيْعه قبل قَبضه، وَأَن يسلم فِيهِ رَأس المَال وَأَن يُبَاع بِالْمُسلمِ فِيهِ مناجزة الخ وَالله أعلم. وَلما تكلم على بيع الدّين واقتضائه شرع فِي الْكَلَام على الْمُقَاصَّة فِيهِ فَقَالَ: قد مضى الدَّيْنُ من الدَّيْنِ وَفِي عَيْنٍ وَعَرْضٍ وَطَعَامٍ قَدْ يَفِي (قد مضى) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (الدّين من الدّين) أَي يَقْتَضِي كل من رَبِّي الدّين دينه الَّذِي لَهُ على صَاحبه من نَفسه، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد وَيَقْتَضِي رب الدّين دينه الَّذِي لَهُ على صَاحبه من الدّين الَّذِي لصَاحبه عَلَيْهِ. هَذَا مُرَاده وإلاَّ فعبارته تَشْمَل الْحِوَالَة مَعَ أَن المُرَاد خُصُوص الْمُقَاصَّة فَلَو قَالَ: تطارح الدّين لجانبين بِشَرْطِهِ يجوز بَين اثْنَيْنِ فَمَا يكونَانِ الخ. لَكَانَ أحسن. وَعرفهَا ابْن عَرَفَة بقوله: متاركة مَطْلُوب بمماثل صنف مَا عَلَيْهِ لمآله على طَالبه فِيمَا ذكر عَلَيْهِمَا. فَقَوله: بمماثل مُتَعَلق بمطلوب وَهُوَ صفة لمَحْذُوف أَي بدين مماثل، وَقَوله: صنف بِالرَّفْع فَاعل بمماثل، وَيحْتَمل أَن يقْرَأ بِالْإِضَافَة من إِضَافَة الصّفة للموصوف أَي مَطْلُوب بصنف مَا عَلَيْهِ المماثل لمآله على طَالبه فَيخرج بِهِ المختلفان نوعا فَيَقْتَضِي أَن الْمُقَاصَّة فيهمَا لَا تصح، وَفِيه نظر كَمَا يَأْتِي. وَقَوله: لمآله على طَالبه يتَعَلَّق بمماثل على كلا الِاحْتِمَالَيْنِ، وَاللَّام زَائِدَة لتقوية الْعَامِل، وَمَا مفعول وَاقعَة على الدّين، وعَلى كَون لفظ صنف فَاعِلا لَو حذف مَا عَلَيْهِ وَقَالَ بمماثل صنفه لَكَانَ أحسن، وَقَوله: فِيمَا ذكر مُتَعَلق بمتاركة وَمَا ذكر هُوَ الصنفية. وَقَوله: عَلَيْهِمَا حَال مِمَّا ذكر أَي حَال كَون ذَلِك الْمَذْكُور عَلَيْهِمَا احْتِرَازًا مِمَّا إِذا تَاركه فِي حق لَهما على شخص آخر فَإِن كَانَ لهَذَا عَلَيْهِ عرض وَللْآخر عَلَيْهِ مثله فِي الصنفية وَأخذ كل مِنْهُمَا مَا لصَاحبه فَلَيْسَتْ مقاصة. وَهَذَا الْحَد لَا يخفى مَا فِيهِ من التعقيد مَعَ كَونه لَا يَشْمَل الْمُقَاصَّة فِي النَّوْعَيْنِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال المُرَاد بالصنف الْجِنْس فَيشْمَل الْمُقَاصَّة فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة لِأَنَّهُمَا جنس وَاحِد، وَإِذا جَازَت فِي مقتفى الْجِنْس فأحرى فِي مقتفى الصِّنْف، وَمَعْنَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 حِينَئِذٍ أَن الْمُقَاصَّة هِيَ أَن يتارك الْمَطْلُوب بدين مماثل جنسه دينا لَهُ على طَالبه فِي الجنسية الْمَذْكُورَة لَا فِي الْقدر فَقَط حَال كَون الْمَذْكُور عَلَيْهِمَا وأسهل مِنْهُ أَن يُقَال هِيَ تطارح المتداينين دينهما الْمُتَّفق الْجِنْس على أَن يَأْخُذ كل مِنْهُمَا مَا فِي ذمَّته فِي مُقَابلَة مَا لَهُ فِي ذمَّة صَاحبه وَالله أعلم. (وَفِي. عين وَعرض وَطَعَام قد يَفِي) أَي: يَأْتِي اقْتِضَاء الدّين من الدّين على وَجه الْمُقَاصَّة فِي الْعين وَفِي الْعرض وَفِي الطَّعَام وَفِي كل مِنْهُمَا سِتّ وَثَلَاثُونَ صُورَة فتنتهي إِلَى مائَة وَثَمَانِية. وبيانها: أَن الدينَيْنِ إِذا كَانَا عينين إِمَّا أَن يَكُونَا من بيع أَو من قرض، أَو أَحدهمَا من بيع، وَالْآخر من قرض وَفِي كل من الثَّلَاثَة إِمَّا أَن يتَّفق العينان جِنْسا وَقدرا وَصفَة أَو يختلفا جِنْسا أَو صفة أَو قدرا، فَهَذِهِ الْأَرْبَع فِي ثَلَاث قبلهَا بِاثْنَيْ عشر، وَفِي كل إِمَّا أَن يحل الدينان أَو يحل أَحدهمَا فَقَط أَو لَا يحل وَاحِد مِنْهُمَا ثَلَاثَة فِي اثْنَي عشر بست وَثَلَاثِينَ، وَمثلهَا إِذا كَانَ الدينان عرضين فهما إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا من بيع وَالْآخر من قرض، وَفِي كل إِمَّا أَن يتَّفقَا جِنْسا وَقدرا وَصفَة أَو يختلفا جِنْسا أَو صفة أَو قدرا بِاثْنَيْ عشر، وَفِي كل إِمَّا أَن يحل الدينان مَعًا أَو أَحدهمَا أَو لَا يحل وَاحِد مِنْهُمَا بست وَثَلَاثِينَ أَيْضا، وَكَذَا يُقَال فِيمَا إِذا كَانَا طعامين هَكَذَا حَاصِل هَذِه الصُّور فِي تَكْمِيل التَّقْيِيد. وَقد تكلم النَّاظِم على بعض صور كل من الثَّلَاثَة الَّتِي فِي النّظم، وَلم يسْتَوْف جَمِيعهَا وَبَدَأَ مِنْهَا بِالْعينِ فَقَالَ: فَمَا يكونَانِ بِهِ عَيْناً إِلَى مُماثِلٍ وَذي اخْتِلافٍ فُضِّلا (فَمَا) أَي فَالْوَجْه الَّذِي (يكونَانِ) أَي الدينان (بِهِ عينا إِلَى مماثل) فِي الْقدر وَالنَّوْع وَالصّفة وَفِيه ثَلَاث صور لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا من بيع وَالْآخر من قرض (و) إِلَى (ذِي اخْتِلَاف) فِي النَّوْع وَفِيه ثَلَاث أَيْضا، أَو فِي الْقدر وَفِيه ثَلَاث أَيْضا، أَو فِي الصّفة وَفِيه ثَلَاث كَذَلِك (فضلا) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول خبر مَا وَالْمَجْرُور بإلى مُتَعَلق بِهِ فالمجموع اثْنَتَا عشرَة صُورَة، وَفِي كل مِنْهَا إِمَّا أَن يحلا أَو أَحدهمَا أَو لَا يحل وَاحِد مِنْهُمَا بست وَثَلَاثِينَ، وَقد علمت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 أَن صور المماثل مِنْهَا تِسْعَة وصور الِاخْتِلَاف مِنْهَا سبع وَعِشْرُونَ، فَأَشَارَ إِلَى صور المماثل بقوله فِيمَا يَأْتِي: وَفِي تَأَخّر الَّذِي يماثل الخ. وَإِلَى بعض مَا يجوز من صور الِاخْتِلَاف بقوله: فَمَا اخِتلافٌ وَحُلُول عَمَّهْ يَجُوزُ فيهِ صَرْفُ مَا فِي الذِّمَّهْ (فَمَا اخْتِلَاف) أَي فَالْوَجْه الَّذِي عَمه اخْتِلَاف يَعْنِي فِي النَّوْع أَو فِي الصّفة، وَذَلِكَ كالذهب وَالْفِضَّة أَو محمدية ويزيدية (وحلول عَمه) أَي عَمه الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع أَو فِي الصّفة لَا فِي الْقدر وَعَمه الْحُلُول بِأَن كَانَ الدينان مَعًا حَالين. (وَيجوز فِيهِ صرف مَا فِي الذمه) أَي مُبَادلَة مَا فِي الذِّمَّة وَفِي كل مِنْهُمَا ثَلَاث صور لِأَنَّهُمَا فِي الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا، وَفِي الِاخْتِلَاف فِي الصّفة كَذَلِك فالمجموع سِتّ صور جَائِزَة كلهَا إِلَّا أَنه فِي الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع لَا يُرَاعى الِاتِّحَاد فِي الْقدر، وَفِي الِاخْتِلَاف فِي الصّفة لَا بُد من اتحاده كعشرة دَرَاهِم محمدية عَن عشرَة يزيدية، وتفهم صور الِاخْتِلَاف فِي الصّفة من صور الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع بالأحرى لِأَنَّهُ إِذا جَازَ ذَلِك مَعَ الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع بِشَرْطِهِ فَلِأَن يجوز مَعَ الِاخْتِلَاف فِي الصّفة بالأحرى، فصور الِاخْتِلَاف فِي الصّفة دَاخِلَة فِي النّظم كَمَا ترى، وَمَفْهُوم حُلُول الخ. اثْنَتَا عشرَة صُورَة: سِتّ فِي الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع وَهِي عدم حلولهما مَعًا أَو عدم حُلُول أَحدهمَا، وَفِي كل إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا، وست فِي الِاخْتِلَاف فِي الصّفة كَذَلِك وَكلهَا غير جَائِزَة للصرف أَو الْبَدَل المؤخرين وَيُزَاد على ذَلِك تسع صور الَّتِي فِي الِاخْتِلَاف فِي الْقدر، فَظَاهر النّظم جَوَاز مَا حل مِنْهَا لدخولها فِي عُمُوم قَوْله: فَمَا اخْتِلَاف مَعَ أَنَّهَا مَمْنُوعَة كلهَا لربا الْفضل كدينار فِي مُقَابلَة دينارين فإمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا، وَفِي كل إِمَّا حَالين أَو مؤجلين أَو أَحدهمَا بتسع تضم للاثني عشر قبلهَا الَّتِي هِيَ مَفْهُوم النّظم يكون الْمَجْمُوع إِحْدَى وَعشْرين صُورَة كلهَا مَمْنُوعَة، وَيبقى من صور الِاخْتِلَاف سِتّ صور جَائِزَة وَهِي مَنْطُوق النّظم كَمَا مر وَالله أعلم. وَفِي تَأَخُّرِ الذِي يُمَاثِلُ مَا كَانَ أَشْهَبُ بِمَنْعٍ قَائِلُ ثمَّ أَشَارَ إِلَى تسع صور المماثل فَقَالَ: (وَفِي تَأَخّر) الدّين (الَّذِي يماثل) الدّين الْمَأْخُوذ عَنهُ (مَا) استفهامية أَي كَيفَ مَا (كَانَ) التَّأْخِير سَوَاء كَانَ فِي الدينَيْنِ مَعًا أَو فِي أَحدهمَا. وَفِي كلِّ إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا (أَشهب) مُبْتَدأ خَبره (بِمَنْع قَائِل) فِي هَذِه السِّت كلهَا وَالْمَجْرُور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 الأول وَالثَّانِي يتعلقان بالْخبر، وَفهم من نِسْبَة الْمَنْع فِيهَا لأَشْهَب وَحده أَن ابْن الْقَاسِم يَقُول بِالْجَوَازِ وَهُوَ الْمَشْهُور، وَمَفْهُوم قَوْله: وَفِي تَأَخّر الخ. أَنَّهُمَا إِذا حلا مَعًا وَفِيه ثَلَاث صور لِأَنَّهُمَا إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا جَازَ على كلا الْقَوْلَيْنِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: وَفِي اللَّذَيْنِ فِي الْحُلُولِ اتَّفَقَا عَلَى جَوَازِ الانْتِصَافِ اتَّفَقَا (وَفِي) الْعَينَيْنِ (اللَّذين بالحلول) مُتَعَلق بقوله (اتفقَا) صلَة الْمَوْصُول (على جَوَاز الانتصاف) أَي الْمُقَاصَّة لِأَن كل وَاحِد ينصف من حَقه بهَا (اتفقَا) أَي اتّفق أَشهب وَابْن الْقَاسِم على جَوَاز الْمُقَاصَّة فِي الْعَينَيْنِ اللَّذين اتفقَا فِي الْحُلُول، وَقد تماثلا نوعا وَصفَة وَقدرا كعشرة محمدية عَن مثلهَا أَو يزيدية عَن مثلهَا، فَهَذِهِ التسع الَّتِي هِيَ صور التَّمَاثُل تضم إِلَى سَبْعَة وَعشْرين الَّتِي هِيَ صور الِاخْتِلَاف يكون الْمَجْمُوع سِتا وَثَلَاثِينَ، وَبهَا تمت صور الْعَينَيْنِ وَإِلَى صور التَّمَاثُل أَشَارَ (خَ) بقوله: وَتجوز الْمُقَاصَّة فِي ديني الْعين مُطلقًا أَي من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا حلا أَو أَحدهمَا أَو لَا. وَأَشَارَ إِلَى صور الِاخْتِلَاف بقوله: وَإِن اخْتلفَا صفة مَعَ اتِّحَاد النَّوْع أَو اختلافه فَكَذَلِك إِن حلا وَإِلَّا فَلَا الخ. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى مَا إِذا كَانَ الدينان عرضا فَقَالَ: وَذَاكَ فِي العَرْضَيْنِ لَا المِثْلَيْنِ حَلْ بِحيْثُ حلاَّ أوْ توافَقَ الأجلْ (وَذَاكَ) الانتصاف الَّذِي بِمَعْنى الْمُقَاصَّة (فِي العرضين لَا) أَي غير (المثلين) كَثوب وَفرس وَكسَاء وقميص وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (حل) أَي جَازَ (بِحَيْثُ حلاَّ) أَي حل أجل العرضين مَعًا (أَو) تأجلا و (توَافق الْأَجَل) فيهمَا، وَالتَّقْدِير وَذَاكَ الانتصاف الَّذِي هُوَ الْمُقَاصَّة جَائِز فِي العرضين الْمُخْتَلِفين جَوَازًا مُقَيّدا بحلول الدينَيْنِ مَعًا أَو توَافق أجلهما حِين الْمُقَاصَّة، وَيدخل فِي العرضين غير المثلين سبع وَعِشْرُونَ صُورَة لِأَن الِاخْتِلَاف إِمَّا فِي الْجِنْس كَثوب وَفرس، أَو فِي الصّفة كَثوب كتَّان وثوب قطن، وَمن ذَلِك هروي ومروي أَو فِي الْقدر كثوبين من كتَّان عَن وَاحِد من قطن، وَفِي كل إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا، فَهَذِهِ تسع. وَفِي كل مِنْهَا إِمَّا حَالين أَو مؤجلين أَو أَحدهمَا، فَأخْبر النَّاظِم أَن الْجَائِز مِنْهَا سِتّ صور وَثَلَاث فِيمَا إِذا اخْتلفَا جِنْسا وحلا حَقِيقَة أَو حكما لتوافق الْأَجَل فإمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا. وَثَلَاث فِيمَا إِذا اخْتلفَا صفة كَذَلِك، وَيفهم مِنْهُ أَن الْأَحَد وَالْعِشْرين الْبَاقِيَة كلهَا مَمْنُوعَة وَهُوَ كَذَلِك فِي السِّت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 الْبَاقِيَة من الِاخْتِلَاف فِي الْجِنْس، وَهِي مَا إِذا لم يحلا حَقِيقَة وَلَا حكما أَو حل أَحدهمَا، وَفِي كل إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا، وَكَذَا فِي السِّت الْبَاقِيَة من الِاخْتِلَاف فِي الصّفة لما فِي ذَلِك من بيع الدّين بِالدّينِ فِي الْجَمِيع، وَأما التسع الَّتِي فِي الِاخْتِلَاف فِي الْقدر وَهِي كَونهَا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا حلا أَو لم يحلا مَعًا أَو أَحدهمَا فَفِيهَا تَفْصِيل، فَإِن كَانَا من بيع وحلا جَازَ وَإِن كَانَا من قرض لم يجز لما فِيهِ من قَضَاء الْقَرْض بِأَكْثَرَ خلافًا لظَاهِر النّظم من جَوَاز ذَلِك وَلَو فِي الْقَرْض وَأما إِن كَانَا مؤجلين أَو أَحدهمَا فَيمْنَع كَمَا هُوَ مَفْهُوم النّظم لما فِيهِ من ضع وتعجل مُطلقًا أَو حط الضَّمَان وَأَزِيدك حَيْثُ كَانَا من بيع. فَإِن قيل: تقدم فِي الْعين أَنَّهَا لَا تجوز مَعَ التَّأْجِيل وَلَو اتّفق الْأَجَل فَلم جَازَت فِي الْعرض مَعَ اتفاقه؟ قُلْنَا: لِأَن اللَّازِم فِي الْعين صرف مُؤخر وَبَاب الصّرْف أضيق من بيع الدّين اللَّازِم فِي العرضين، وَإِنَّمَا لم يعْتَبر بيع الدّين فِي المتفقين أَََجَلًا لِأَن ذَلِك حِينَئِذٍ فِي معنى المبارأة لِأَنَّهُ لما كَانَ لَا يقدر أَحدهمَا على طلب دينه إِلَّا عِنْد أجل الآخر كَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة الْحَالين وَالله أعلم. وَمَفْهُوم قَوْله: لَا المثلين أَن العرضين إِذا كَانَا متفقين فِي الْجِنْس وَالصّفة وَالْقدر جَازَت الْمُقَاصَّة فِي تسع صورها كَانَا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا حلا أَو لم يحلا أَو أَحدهمَا لِأَن العرضين المتماثلين يبعد قصد المكايسة والمغالبة فيهمَا، فَيكون الْمَقْصُود هُوَ الْمَعْرُوف فَلَا تدخل فِي غير الْحَالين تُهْمَة من تعجل مَا أجل يعد مسلفاً، وَإِلَى الْمُقَاصَّة فِي العرضين المتماثلين أَشَارَ (خَ) بقوله: وَتجوز فِي العرضين مُطلقًا أَي اتحدا جِنْسا وَصفَة أَي وَقدرا، وَإِلَى جَوَازهَا فِي الْمُخْتَلِفين بِشَرْط الْحُلُول أَو اتِّفَاق الْأَجَل بقوله: كَأَن اخْتلفَا جِنْسا واتفقا أَََجَلًا وَإِن اخْتلفَا أَََجَلًا منعت إِن لم يحلا أَو أَحدهمَا الخ. قلت: لَو قَالَ أَعنِي (خَ) : وَتجوز فِي العرضين مُطلقًا إِن اتفقَا قدرا أَو جِنْسا أَو صفة لَا إِن اخْتلفَا قدرا أَو جِنْسا أَو صفة وَلم يحلا أَو لم يتَّفق الْأَجَل وإلاَّ جَازَ فِي الْأَخيرينِ كَالْأولِ إِن وحلا هما من بيع لكفاه. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا إِذا كَانَ الدينان طَعَاما وَفِيه سِتّ وَثَلَاثُونَ أَيْضا أَشَارَ إِلَى اثْنَي عشر مِنْهَا بقوله: وَفِي تَوَافُقِ الطَّعَامَيْنِ اقُتُفِي حَيْثُ يَكونان مَعًا مِنْ سَلَفِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 (وَفِي توَافق الطعامين) يتَعَلَّق بقوله (اقتفي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه يعود على الانتصاف أَي اقتفي وَاتبع الانتصاف الَّذِي بِمَعْنى الْمُقَاصَّة فِي الطعامين المتفقين فِي الْجِنْس وَالْقدر وَالصّفة (حَيْثُ يكونَانِ مَعًا من سلف) حلا أَو أَحدهمَا أم لَا، فَهَذِهِ ثَلَاث من الاثْنَي عشر الْمَذْكُورَة. وفِي اختِلافٍ لَا يَجوزُ إلاّ إنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ حَلاَ (وَفِي اخْتِلَاف) يتَعَلَّق بقوله (لَا يجوز) أَي: وَلَا يجوز الانتصاف فِي اخْتِلَافهمَا فِي الْجِنْس كقمح وفول، أَو فِي الصّفة كعشرة سمراء عَن مثلهَا مَحْمُولَة، أَو فِي الْقدر كخمسة مَحْمُولَة عَن سَبْعَة مَحْمُولَة ودخلا على إِلْغَاء الزَّائِد على خَمْسَة فِي الذِّمَّة (إِلَّا إِن كَانَ كل مِنْهُمَا قد حلا) لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مُبَادلَة يدا بيد: (خَ) والطعامان من قرض كَذَلِك أَي فَتجوز مَعَ الِاتِّفَاق مُطلقًا وَمَعَ الِاخْتِلَاف بِشَرْط الْحُلُول فقد دخل فِي الِاخْتِلَاف تسع صور لِأَنَّهُمَا إِذا اخْتلفَا فِي الْجِنْس وهما من سلف كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع فإمَّا أَن يحلا أَو أَحدهمَا أم لَا، فَهَذِهِ ثَلَاث. وَمثلهَا فِي الِاخْتِلَاف فِي الصّفة وَمثلهَا فِي الِاخْتِلَاف فِي الْقدر بتسع، حكى الْجَوَاز فِيمَا إِذا حلا مَعًا وَبقيت صور تأجيلهما مَعًا أَو تَأْجِيل أَحدهمَا على حكم الْمَنْع لما فِيهِ من بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ نَسِيئَة، واحترزت بِقَوْلِي: ودخلا على إِلْغَاء الزَّائِد فِي الذِّمَّة الخ. عَمَّا إِذا لم يدخلا على ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يجوز، وَلَو حلا لما فِيهِ من رَبًّا الْفضل، وَكَذَا يُقَال فِي الِاخْتِلَاف فِي الصّفة لَا بُد أَن يدخلا على إِلْغَاء الزَّائِد إِن كَانَ هُنَاكَ زَائِد وَإِلَّا لم يجز لربا الْفضل أَيْضا، وَلَا يشْتَرك ذَلِك فِي الِاخْتِلَاف فِي الْجِنْس، فصورتا الِاخْتِلَاف فِي الصّفة وَالْقدر يُزَاد فيهمَا على شَرط الْحُلُول أَن يدخلا على عدم إِلْغَاء الزِّيَادَة. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الاثنتي عشرَة صُورَة الَّتِي فِي الطعامين من بيع فَقَالَ: وَإنْ يَكونا مِنْ مَبيعٍ وَوَقَعْ فيهِ بالإطْلاَقِ اخْتِلاَفٌ امْتَنَعْ (وَإِن يَكُونَا) أَي الطعامان (من مَبِيع) اسْم مفعول بِمَعْنى الْمصدر أَي: من بيع (وَوَقع فِيهِ) يتَعَلَّق بِوَقع (بِالْإِطْلَاقِ) يتَعَلَّق بامتنع آخر الْبَيْت (اخْتِلَاف) فَاعل وَقع (امْتنع) جَوَاب الشَّرْط وَالتَّقْدِير: وَإِن يكن الطعامان من بيع وَاخْتلفَا فِي الْجِنْس أَو فِي الصّفة أَو فِي الْقدر امْتنعت الْمُقَاصَّة بِالْإِطْلَاقِ حلا أَو أَحدهمَا أم لَا. فَتدخل فِي الِاخْتِلَاف تسع صور كَمَا ترى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 وَأَشَارَ إِلَى الصُّور الثَّلَاث الْبَاقِيَة لتَمام الاثْنَي عشر وَهِي: إِذا اتَّحد الطعامان جِنْسا وَصفَة وَقدرا فإمَّا أَن يحلا أَو أَحدهمَا أم لَا بقوله: وَفي اتِّفَاقِ أجَلَيْ مَا اتّفقَا هُوَ لَدَى أَشْهَبَ غَيْرُ مُتَّقَى (وَفِي اتِّفَاق أَجلي مَا) أَي الطعامان اللَّذين (اتفقَا) جِنْسا وَصفَة وَقدرا (هُوَ) مُبْتَدأ عَائِد على الانتصاف الْمُتَقَدّم (لَدَى أَشهب غير متقى) خبر عَن الْمُبْتَدَأ والظرف وَالْمَجْرُور بفي يتعلقان بِهِ، وَالتَّقْدِير: وَهُوَ أَي الانتصاف غير مَمْنُوع عِنْد أَشهب فِي الطعامين المنفقين أَََجَلًا وجنساً وَصفَة وَقدرا بِنَاء على أَنَّهَا إِقَالَة، وَأَحْرَى أَن يجوز عِنْده ذَلِك إِذا حلا مَعًا، وَفهم من تَخْصِيصه الْجَوَاز بأشهب أَن ابْن الْقَاسِم يَقُول بِالْمَنْعِ، وَهُوَ الْمَشْهُور (خَ) : ومنعا أَي الطعامان من بيع وَلَو متفقين الخ. قَالَ (ز) : لعلل ثَلَاث بيع الطَّعَام قبل قَبضه وَهَذِه عَامَّة، وَطَعَام بِطَعَام، وَدين بدين نَسِيئَة وَهَاتين فِي غير الْحَالين. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الاثْنَي عشر الَّتِي فِي الطعامين من بيع وقرض وَهِي كَمَال سِتّ وَثَلَاثِينَ صُورَة الَّتِي فِي الطعامين فَقَالَ: وَشَرْطُ مَا من سَلَفٍ وَبَيْع حُلُول كُلَ وَاتِّفَاقُ النَّوْعِ (وَشرط مَا) أَي الطعامين اللَّذين أَحدهمَا (من سلف و) الآخر من (بيع حُلُول كل) مِنْهُمَا (واتفاق النَّوْع) أَي: أَو الْقدر كمحمولة عَن مثلهَا قدرا وَصفَة، فَالْمُرَاد بالنوع الصّفة إِذْ لَا يَكْفِي الِاتِّفَاق فِي النَّوْع مَعَ الِاخْتِلَاف فِي الصّفة، وَبِالْجُمْلَةِ فالطعامان من بيع وَسلف إِذا اتفقَا جِنْسا وَصفَة وَقدرا فَفِي ذَلِك ثَلَاث صور لِأَنَّهُمَا إِمَّا أَن يحلا أَو أَحدهمَا أَو لَا. حكى الْجَوَاز فِي صُورَة وَهِي حلولهما مَعًا وَبقيت صورتا تأجيلهما أَو أَحدهمَا. حكى فِي جَوَاز الْمُقَاصَّة فيهمَا خلافًا بقوله: والْخُلْفُ فِي تَأَخُّرِ مَا كَانَا ثَالِثُهُمَا مَعْ سَلَمٍ قَدْ حَانَا (وَالْخلف فِي تَأَخّر مَا كَانَا) أَي كَيفَ كَانَ التَّأْخِير فِي طَعَام البيع أَو طَعَام الْقَرْض أَو فيهمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 أَي: والموضوع بِحَالهِ من اتِّفَاق الْجِنْس وَالصّفة وَالْقدر، فَمنع ذَلِك ابْن الْقَاسِم مُطلقًا تأخرا مَعًا أَو الْقَرْض أَو السّلم وَهُوَ الْمَشْهُور، وَأَجَازَ ذَلِك أَشهب مُطلقًا (ثالثهما) لغَيْرِهِمَا تجوز (مَعَ سلم) من نَعته وَصفته (قد حانا) أَي: وصل حِينه وَالْفرق على هَذَا الثَّالِث أَن طَعَام السّلف لما كَانَ الْمَدِين قَادِرًا على تَعْجِيله جبرا على ربه، وَقد حل دين السّلم أَي البيع صَار الدينان حَالين مَعًا فِي الْمَعْنى بِخِلَاف الْعَكْس، وَعلة الْمَنْع عِنْد ابْن الْقَاسِم أَن الْأَغْرَاض تخْتَلف باخْتلَاف الْأَجَل فيترجح جَانب بيع الطَّعَام قبل قَبضه بِالنِّسْبَةِ لطعام البيع، وَلِأَن الْمُعَجل لما فِي الذِّمَّة مسلف، وَعلة الْجَوَاز عِنْد أَشهب تَغْلِيب الْمَعْرُوف، وَإِنَّمَا لم ينظر فِي صُورَة حلولهما مَعًا لبيع الطَّعَام قبل قَبضه بِالنِّسْبَةِ لطعام البيع تَغْلِيبًا لجَانب الْقَرْض لِأَنَّهُ مَعْرُوف وانضم لذَلِك أَن الْمُقَاصَّة مَعْرُوف أَيْضا فجازت هَذِه الصُّورَة على كل قَول، فَقَوْل النَّاظِم: واتفاق النَّوْع إِمَّا أَن يُرِيد بالنوع الْجِنْس فَيكون قد حذف الْوَاو ومعطوفيها أَي وَالصّفة وَالْقدر، وَإِمَّا أَن يكون أَرَادَ بالنوع الصّفة فَيكون قد حذف الْوَاو ومعطوفاً وَاحِدًا كَمَا قَرَّرْنَاهُ إِذْ الِاتِّفَاق فِي الْجِنْس وَالْقدر لَا بُد مِنْهُ لِأَنَّهُمَا لَو اخْتلفَا قدرا ودخلا على إِلْغَاء الزَّائِد لم يجز، وَلَو حلا لربا الْفضل كَمَا لَا يجوز إِذا اخْتلفَا جِنْسا أَو صفة، وَلَو حلا واتفقا قدرا، وَقد علمت من هَذَا أَن مَنْطُوق النَّاظِم شَامِل لثلاث صور: حكى الْجَوَاز فِي وَاحِدَة مِنْهَا اتِّفَاقًا، وَحكى الْخلاف فِي الصُّورَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ كَمَا مر، وَمَفْهُوم قَوْله: واتفاق النَّوْع أَي الْجِنْس أَنَّهُمَا إِذا اخْتلفَا فِيهِ أَو فِي الصّفة أَو فِي الْقدر ودخلا على إِلْغَاء الزَّائِد لم تجز وَلَو حلا وَذَلِكَ شَامِل لتسْع صور لِأَنَّهُمَا فِي اخْتِلَاف الْجِنْس إِمَّا أَن يحلا أَو أَحدهمَا أم لَا. وَمثلهَا فِي اخْتِلَاف الصّفة، وَمثلهَا فِي اخْتِلَاف الْقدر حَيْثُ دخلا على إِلْغَاء الزَّائِد وَكلهَا مَمْنُوعَة، وَلَو حلا كَمَا أَشَارَ لذَلِك (خَ) بقوله: وَمن قرض وَبيع تجوز إِن اتفقَا وحلاّ لَا إِن لم يحلا أَو أَحدهمَا الخ ... فَتحصل أَن الاثنتي عشرَة صُورَة الْجَارِيَة فِي طَعَامي البيع وَالْقَرْض تجوز مِنْهَا صُورَة وَاحِدَة وَمَا عَداهَا مَمْنُوع إِمَّا اتِّفَاقًا أَو على الْمَشْهُور. (فصل فِي الْحِوَالَة) مَأْخُوذَة من التَّحَوُّل عَن الشَّيْء لِأَن الطَّالِب تحول من طلبه لغريمه إِلَى غَرِيم غَرِيمه قَالَه عِيَاض، وَالْأَصْل فِيهَا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (مطل الْغَنِيّ ظلم، وَمن أتبع أحدكُم على مَلِيء فَليتبعْ) . عِيَاض: الصَّوَاب تسكين التَّاء يَعْنِي فِي اللفظتين قَالَ: وَبَعض الْمُحدثين والرواة يشددها. يُقَال: تبِعت فلَانا بحقي وَأَنا أتبعه سَاكِنة التَّاء، وَلَا يُقَال أتبعه بِفَتْحِهَا وتشديدها إِلَّا من الْمَشْي خَلفه. قَالَ: وَالْأَمر فِيهَا للنَّدْب عِنْد أَكثر شُيُوخنَا، وَحملهَا بَعضهم على الْإِبَاحَة لما أشبهت بيع الدّين بِالدّينِ. قَالَ: وَهِي عِنْد أَكثر شُيُوخنَا مُسْتَثْنَاة من الدّين بِالدّينِ وَبيع الْعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 بِالْعينِ غير يَد بيد كَمَا خصت الشّركَة وَالتَّوْلِيَة وَالْإِقَالَة فِي بيع الطَّعَام قبل قَبضه، وكما خصت الْعرية من بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ نَسِيئَة لما كَانَ سَبِيل هَذِه التخصيصات الْمَعْرُوف، وَذهب الْبَاجِيّ إِلَى أَنَّهَا لَيْسَ حكمهَا حكم البيع وَلَا هِيَ من هَذَا الْبَاب، بل هِيَ عِنْدهم من بَاب النَّقْد لبراءة الْمُحِيل بِنَفس الإحالة اه. وَعرفهَا ابْن عَرَفَة بقوله: طرح الدّين عَن ذمَّة بِمثلِهِ فِي أُخْرَى. قَالَ: وَلَا ترد الْمُقَاصَّة إِذْ لَيست طرحاً بِمثلِهِ فِي أُخْرَى لِامْتِنَاع تعلق الدّين بِذِمَّة من هُوَ لَهُ اه. والطرح فعل الْفَاعِل أَي طرح الْمحَال للدّين عَن ذمَّة الْمُحِيل الخ. وَاعْترض بِأَنَّهُ غير جَامع لخُرُوج من تصدق على رجل بِشَيْء ثمَّ أَحَالهُ بِهِ على من لَهُ عَلَيْهِ مثله ولخروج الْحِوَالَة بالمنافع، وَلذَا عرفهَا فِي التَّلْقِين بِأَنَّهَا تَحْويل الْحق من ذمَّة إِلَى ذمَّة تَبرأ بهَا الأولى قَالَ فِي ضيح: لفظ حق أفضل من لفظ الدّين الَّذِي عبر بِهِ ابْن الْحَاجِب، لِأَن الْمُتَبَادر من الدّين مَا قَابل الْمَنَافِع بِخِلَاف لفظ الْحق فَإِنَّهُ يَشْمَل الْمَنَافِع وَغَيرهَا اه. وَلَعَلَّ ابْن عَرَفَة أطلق الدّين على دين الْمَنَافِع وَغَيرهَا فَلَا يرد عَلَيْهِ الِاعْتِرَاض الثَّانِي. وامْنَعْ حَوَالَةً بِشَيْءٍ لم يَحِلْ وبالَّذِي حَلَّ بالإطلاَقِ أَجلْ (وامنع حِوَالَة بِشَيْء) عين أَو عرض أَو غَيرهمَا (لم يحل) أَجله لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ من بيع ذمَّة بِذِمَّة فيدخله مَا نهي عَنهُ من بيع الدّين بِالدّينِ، وَمن بيع الْعين بِالْعينِ غير يَد بيد قَالَه ابْن رشد. قَالَ: إِلَّا أَن يكون الدّين الَّذِي انْتقل إِلَيْهِ حَالا ويقبضه قبل أَن يعترفا مثل الصّرْف فَيجوز ذَلِك أَي: لِأَنَّهَا إِذا خرجت عَن مَحل الرُّخْصَة فتجري على حكم أَصْلهَا الَّذِي هُوَ البيع كَمَا يَأْتِي (وَبِالَّذِي حل بِالْإِطْلَاقِ) يتعلقان بقوله: (أحل) أَي أَجْزَأَ لحوالة بِمَا حل مُطلقًا كَانَ الدّين الْمحَال عَلَيْهِ حَالا أَيْضا أم لَا لِأَنَّهُ إِن حل فَظَاهر وَإِن لم يحل فَزِيَادَة مَعْرُوف لِأَنَّهُ قبل الْحِوَالَة وَالتَّأْخِير. والرِّضا والعِلْمِ مِنْ مُحَالِ عَلَيْهِ فِي المَشْهُورِ لاَ تُبَالِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 للاتفاق على أَن لصَاحب الْحق أَن يُوكل من شَاءَ على قبض دينه، وَحكى ابْن شعْبَان قولا بِاشْتِرَاط رِضَاهُ وَمحل عدم اشْتِرَاط رضَا الْمحَال عَلَيْهِ على الْمَشْهُور إِذا لم تكن هُنَاكَ عَدَاوَة بَين الْمحَال والمحال عَلَيْهِ، وإلاَّ فَلَا بُد من رِضَاهُ وإلاَّ لم تصح كَمَا فِي الشَّامِل وَغَيره، وَمَفْهُوم النّظم أَن الْمُحِيل والمحال لَا بُد من رضاهما وَبِه صرح (خَ) حَيْثُ قَالَ: شَرط الْحِوَالَة رضَا الْمُحِيل والمحال فَقَط الخ. وَظَاهر النّظم و (خَ) أَنه لَا يشْتَرط حُضُور الْمحَال عَلَيْهِ وَلَا إِقْرَاره بِالدّينِ وَهُوَ الَّذِي شهره ابْن سَلمُون، وَقيل: لَا بُد من حُضُوره وَإِقْرَاره وَصدر بِهِ فِي الشَّامِل وَعَزاهُ لِابْنِ الْقَاسِم فَقَالَ: وَفِي اشْتِرَاط حُضُوره وَإِقْرَاره كانتفاء عَدَاوَة بَينهمَا. قَولَانِ لِابْنِ الْقَاسِم وَعبد الْملك اه. قَالَ ابْن عبد السَّلَام: وَلَعَلَّ الْخلاف مَبْنِيّ على الْخلاف هَل الْحِوَالَة تستثنى من بيع الدّين بِالدّينِ أَو هِيَ أصل مُسْتَقل بِنَفسِهِ؟ فعلى الأول يسْلك بهَا مَسْلَك الْبيُوع إِلَّا الَّذِي وَردت الرُّخْصَة فِيهِ، وعَلى الثَّانِي لَا يشْتَرط الْحُضُور وَيبقى حَدِيث الْحِوَالَة على عُمُومه إِذْ لَا معَارض لَهُ من مُخَالفَة أصل بيع الدّين بِالدّينِ اه. وعَلى قَول ابْن الْقَاسِم اقْتصر فِي الِاسْتِغْنَاء قَائِلا: لَا تجوز الْحِوَالَة على الْغَائِب وَإِن وَقع ذَلِك فسخ حَتَّى يحضر إِذْ قد يكون للْغَائِب من ذَلِك بَرَاءَة اه. وَنَحْوه فِي الْإِرْشَاد وَالْكَافِي والمتيطي وَابْن فتوح وَقَبله ابْن عَرَفَة وَجزم بِهِ أَبُو الْحسن فِي شرح الْمُدَوَّنَة، والمشذالي فِي حَاشِيَته عَلَيْهَا كَمَا فِي (ح) وَهَذَا يُفِيد أَن قَول ابْن الْقَاسِم بِاشْتِرَاط الْحُضُور وَالْإِقْرَار هُوَ الْمُعْتَمد، وَصرح ابْن رحال فِي حَاشِيَته هُنَا وَشَرحه لخليل بِأَن تشهير ابْن سَلمُون خلاف الرَّاجِح، وَتَبعهُ على ذَلِك الشَّيْخ بناني وَغَيره، ورد ذَلِك الشَّيْخ الرهوني فِي حَاشِيَته قَائِلا، بعد نَقله مَا لِابْنِ رحال وَغَيره مَا نَصه: وَفِي ذَلِك كُله نظر، وَالظَّاهِر مَا قَالَه ابْن سَلمُون نقلا وَمعنى، أما معنى فلأنهم عللوا اشْتِرَاط حُضُوره بِأَنَّهُ قد يكون للْغَائِب بَرَاءَة من ذَلِك، وَهَذَا التَّعْلِيل يَقْتَضِي أَن عِلّة الْمَنْع إِذا لم يحضر ويقل الْغرَر، وَقد علمت أَن الْحِوَالَة من نَاحيَة الْمَعْرُوف وَالْمَعْرُوف لَا يُؤثر فِيهِ الْغرَر، وَكَونهَا من الْمَعْرُوف مُصَرح بِهِ فِي كَلَام غير وَاحِد ويسلمه هَؤُلَاءِ المعترضون، ثمَّ نقل عَن التّونسِيّ والمازري وَغَيرهمَا مَا يشْهد لاعتراضه على زَعمه وَأطَال فِي ذَلِك. قلت: مَا ذكره كُله للنَّظَر فِيهِ مجَال أما أَولا فَلِأَنَّهَا وَإِن كَانَت مَعْرُوفا فَإِنَّمَا يغْتَفر فِيهَا على قَول ابْن الْقَاسِم مَا اغتفره الشَّارِع صلوَات الله عَلَيْهَا لِأَنَّهَا عِنْده بيع فَمَا وَردت الرُّخْصَة بِهِ فِيهَا كَعَدم المناجزة فِي الْعين اغتفر، وَمَا لم ترد بِهِ فَهِيَ على أصل البيع فِيهِ، وَعدم اشْتِرَاط المناجزة مُصَرح بِهِ فِي الحَدِيث الْكَرِيم حَيْثُ قَالَ: (وَمن اتبع مِنْكُم) الخ. إِذْ الِاتِّبَاع لَا مناجزة فِيهِ، وَكَذَا يفهم مِنْهُ أَنه لَا يشْتَرط الْكَشْف عَن ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ إِذْ الْمُطلق على إِطْلَاقه فَلَا يُقيد إِلَّا بِنَصّ صَرِيح، وَإِنَّمَا خص المليء بِالذكر لِأَن الْغَالِب فِي النَّاس الملاء كَمَا أَن الْغَالِب فيهم جحد الدُّيُون من أَصْلهَا وَإِرَادَة الطعْن فِي رسومها أَو إِثْبَات الْبَرَاءَة مِنْهَا، وَإِن لم يكن هَذَا غَالِبا فَلَا أقل أَن يستويا كَمَا هُوَ مشَاهد، وَلذَا أَمر الله تَعَالَى بِالْإِشْهَادِ فَقَالَ: وَأشْهدُوا إِذا تبايعتم} (الْبَقَرَة: 282) وأياً مَا كَانَ فَهُوَ غرر كثير وَلَيْسَت هِيَ متمحضة للمعروف كَالْهِبَةِ حَتَّى يغْتَفر فِيهَا الْجَهْل بِحُصُول الْعِوَض، بل هِيَ مُعَاوضَة حَقِيقَة روعي فِيهَا جَانب الْمَعْرُوف بِعَدَمِ اعْتِبَار بعض شُرُوط البيع فِيهَا، وَلَو كَانَ كل مَا روعي فِيهِ جَانب الْمَعْرُوف يغْتَفر فِيهِ الْجَهْل بِحُصُول الْعِوَض لم يشترطوا فِي الْعرية أَن تبَاع بِخرْصِهَا أَي بكيلها، إِذْ لَا حَاجَة لَهُ حِينَئِذٍ وَلأَجل هَذَا قَالَ ابْن رشد: إِذا خرجت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 الْحِوَالَة عَن مَحل الرُّخْصَة أَي بِعَدَمِ الْحُلُول يَعْنِي أَو بِعَدَمِ الْحُضُور وَالْإِقْرَار على قَول ابْن الْقَاسِم فأجروها على قَوَاعِد البيع فَإِن أدَّت لممنوع وَإِلَّا فأجز اه. وَأما ثَانِيًا فَإِن مَا ذكره من أَنَّهَا مَعْرُوف فَإِنَّمَا ذَلِك على إِحْدَى الطريقتين كَمَا نَقله هُوَ بِنَفسِهِ عَن الْمَازرِيّ قَائِلا: وَالْحوالَة لَيست بِبيع على إِحْدَى الطريقتين عندنَا بل طريقتها الْمَعْرُوف اه. وَنَحْوه تقدم عَن ابْن عبد السَّلَام فِي سر الْخلاف بَين ابْن الْقَاسِم والغير، وغالب النقول الَّتِي احْتج بهَا على جَوَاز الْغرَر بِعَدَمِ الْإِقْرَار كلهَا فِي عدم اشْتِرَاط الْكَشْف عَن ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ، وَلَا يلْزم من تشهيرهم عدم الْكَشْف عَن ذمَّته عدم اشْتِرَاط حُضُوره وَإِقْرَاره، إِذْ قد يحضر ويقر وَلَا يدْرِي هَل مَلِيء أَو مُعسر، وَإِنَّمَا اغتفروا الْكَشْف عَنهُ على الْمَشْهُور لِأَن غَالب النَّاس الملاء وَالْحكم للْغَالِب وَكَونه عديماً نَادِر، وَالْغرر النَّادِر مغتفر فِي الْبياعَات إِذْ لَو اعْتبر الْغرَر النَّادِر فِيهَا مَا جَازَ بيع بِحَال إِذْ مَا من مَبِيع إِلَّا وَيجوز اسْتِحْقَاقه أَو ظُهُور عيب بِهِ فَلَا يدْرِي هَل يتم فِيهِ البيع أم لَا؟ وَلكَون غَالب النَّاس الملاء علق فِي الحَدِيث الْكَرِيم الِاتِّبَاع على الملىء كَمَا مر وَالله أعلم. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحالَ إلاّ فِيمَا يُجَانِسُ لِدَيْنٍ حَلاَّ (وَلَا يجوز أَن يُحَال إِلَّا فِيمَا يجانس لدين حلا) (خَ) عاطفاً على شُرُوطهَا وتساوي الدينَيْنِ قدرا وَصفَة أَي: لَا تجوز الْحِوَالَة إِلَّا إِذا كَانَ الدّين الْمحَال بِهِ مجانساً أَي مماثلاً للدّين الْمحَال عَلَيْهِ فِي الْجِنْس وَالْقدر وَالصّفة كذهب وَذهب أَو فضَّة وَفِضة أَو عرض على مثله قدرا وَصفَة فَلَا يُحَال بِعَين على عرض أَو على مَنَافِع عين لما فِيهِ من فسخ الدّين وَلَا بِذَهَب على فضَّة وَلَا بِدِينَار على دينارين لما فِيهِ من رَبًّا الْفضل اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يحيله على أَحدهمَا فَقَط وَيبقى الآخر لصَاحبه أَو يقبض الْعِوَض الْمحَال عَلَيْهِ مَكَانَهُ، وَأما الْمَنَافِع فَلَا يجوز لِأَن قبض الْأَوَائِل لَيْسَ كقبض الْأَوَاخِر وَلَا بالأدنى صفة على الْأَعْلَى كإحالته بيزيدية على محمدية، وَفِي الْعَكْس وَهُوَ أَن يحيله بالمحمدية على اليزيدية أَو بِالْأَكْثَرِ قدرا على الْأَقَل مِنْهُ كإحالته بدينارين على دِينَار تردد (خَ) وَفِي تحوله على الْأَدْنَى أَو الْأَقَل تردد أَي بِالْجَوَازِ. اللَّخْمِيّ والمازري: لِأَنَّهُ زِيَادَة مَعْرُوف وَالْمَنْع لِابْنِ رشد وعياض وَهُوَ ظَاهر الْعُتْبِيَّة والموازية لِأَنَّهُ يُؤَدِّي للتفاضل بَين الْعَينَيْنِ، وَظَاهر النّظم أَنه درج على مَا لِابْنِ رشد لاقتصاره على التجانس أَي فِي الْقدر وَالصّفة، فيفهم مِنْهُ أَنه الرَّاجِح عِنْده قَالَه ابْن رشد. الثَّانِي من شُرُوط الْحِوَالَة: أَن يكون الدّين الَّذِي يحيله بِهِ مثل الَّذِي يحيله عَلَيْهِ فِي الْقدر وَالصّفة لَا أقل وَلَا أَكثر وَلَا أدنى وَلَا أفضل؛ لِأَنَّهُ إِن كَانَ أقل أَو أَكثر أَو مُخَالفا لَهُ فِي الصّفة لم تكن حِوَالَة وَكَانَ بيعا على وَجه المكايسة فيدخلها مَا نهى عَنهُ من الدّين بِالدّينِ اه. ثمَّ مَحل الْمَنْع فِي التَّحَوُّل على الْأَعْلَى صفة إِذا لم يقبضهُ قبل الِافْتِرَاق وإلاَّ جَازَ إِن حلا مَعًا إِذْ ذَاك حِينَئِذٍ مُبَادلَة وَشرط جَوَازهَا الْحُلُول وَالْقَبْض، وَكَذَا مَحل الْمَنْع فِي الْمُخْتَلِفين جِنْسا إِذا لم يحلا ويقبضا فِي الْحِين كَمَا قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 وَلَا تُحِلْ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ فِي ثانِيهِمَا إلاَّ إِن القَبْضُ اقْتُفِي (وَلَا تحل بِأحد النَّقْدَيْنِ) الْحَالين (فِي) أَي على (ثَانِيهمَا إِلَّا أَن الْقَبْض اقتفي) أَي اتبع بِحَضْرَة الثَّلَاثَة فِي مجْلِس لم يطلّ، وَقَوْلِي الْحَالين احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يحل الْمحَال عَلَيْهِ، فَلَا يجوز إِذْ صرف مَا فِي الذِّمَّة شَرطه الْحُلُول، وَأما حُلُول الْمحَال بِهِ فَهُوَ الْمَوْضُوع. وَفِي الطّعامِ مَا إحَالَةٌ تَفِي إلاّ إذَا كَانَا مَعاً مِنْ سَلَفِ (وَفِي الطَّعَام مَا) نَافِيَة (إِحَالَة) مُبْتَدأ خَبره (تفي) أَي تَجِيء وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ أَي لَا تَجِيء الْحِوَالَة فِي الطَّعَام وَلَا تجوز فِيهِ أنْفق الطعامان أم لَا. اسْتَوَت رُؤُوس أموالهما أم لَا. حلا أَو احدهما أَو لَا. خلافًا لأَشْهَب فِي إِجَازَته إِيَّاهَا إِذا اتّفق الطعامان ورؤوس أموالهما على أَنَّهَا من معنى الْإِقَالَة أَو التَّوْلِيَة إِذْ أَخذ الْمثل عَن مثله إِقَالَة أَو تَوْلِيَة (إِلَّا إِذا كَانَا) أَي الطعامان (مَعًا من سلف) فَتجوز حِينَئِذٍ، وَإِن لم يحل الدّين الْمحَال عَلَيْهِ لِأَن طَعَام الْقَرْض يجوز بَيْعه قبل قَبضه بِخِلَاف مَا إِذا كَانَا مَعًا من بيع فَإِنَّهَا لَا تجوز، وَلَو حلا وَلَو قَبضه الْمحَال بِحَضْرَة الْمُحِيل والمحال عَلَيْهِ لما فِيهِ من بيع الطَّعَام قبل قَبضه إِذْ طَعَام البيع لَا يقبضهُ إِلَّا ربه، فَإِذا قَبضه الْمحَال كَانَ بيعا لَهُ قبل قَبضه قَالَ ابْن الْمَوَّاز. وَفِي اجْتِمَاعِ سَلَفٍ وَقَرْضِ يُشْتَرَطُ الحُلُولُ فِي ذَا الْقَبْضِ (وَفِي اجْتِمَاع) طَعَام (سلف و) طَعَام (قرض يشْتَرط) فِي جَوَاز الْحِوَالَة بِأَحَدِهِمَا على الآخر (الْحُلُول) أَي فِي الْمحَال بِهِ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع و (فِي) الطَّعَام (ذَا الْقَبْض) أَي الْمَقْبُوض حسا وَهُوَ الدّين الْمحَال عَلَيْهِ كَانَ هُوَ السّلم أَو الْقَرْض، فَلَا بُد من حلولهما مَعًا وإلاَّ لم تجز على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم وَقَالَ مَالك وَجَمِيع أَصْحَابه إِلَّا ابْن الْقَاسِم: تجوز وَإِن لم يحل الْمحَال عَلَيْهِ بِمَنْزِلَة مَا إِذا كَانَا مَعًا من سلف. ابْن يُونُس: وَقَوْلهمْ أصوب وَوَجهه أَن الْعلَّة الَّتِي هِيَ البيع قبل الْقَبْض ضعفت عِنْدهم لما كَانَ أَحدهمَا من بيع وَالْآخر من سلم قَالَه أَبُو الْحسن، وَأَيْضًا فَإِن الْعلَّة جَارِيَة وَلَو مَعَ حلولهما مَعًا كَمَا قَالَه (ت) وعَلى قَوْلهم عول (خَ) حَيْثُ قَالَ فِي تعداد شُرُوطهَا: وَأَن لَا يَكُونَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 طعامين من بيع الخ. أَي بل كَانَا من سلف أَو أَحدهمَا، فَعلم من هَذَا أَن مَذْهَب ابْن الْقَاسِم الَّذِي درج عَلَيْهِ النَّاظِم ضَعِيف، فَهَذِهِ أَرْبَعَة شُرُوط فِي كَلَام النَّاظِم: حُلُول الْمحَال بِهِ، ورضا الْمُحِيل والمحال، وتساوي الدينَيْنِ وَأَن لَا يَكُونَا طعامين من بيع وَبَقِي عَلَيْهِ شَرط خَامِس وَهُوَ الصِّيغَة. قَالَ فِي الشَّامِل: وَشَرطهَا صِيغَة بلفظها أَي الْخَاص بهَا كأحلتك بحقك على فلَان أَو أَنْت محَال بِهِ عَلَيْهِ، وَمثله فِي (خَ) ابْن نَاجِي: وَاشْتِرَاط الصِّيغَة هُوَ ظَاهر الْكتاب قَالَ: وَعَلِيهِ لَو قَالَ خُذ حَقك من هَذَا أَو يَأْمُرهُ بِالدفع لَيْسَ بحوالة لِأَنَّهُ يَقُول لَيْسَ هَذَا احتيال بِالْحَقِّ، وَإِنَّمَا أردْت أَن أكفيك التقاضي، وَإِنَّمَا الْحِوَالَة أَن تَقول: أحيلك بِالْحَقِّ على هَذَا وَهُوَ نَص سَماع يحيى عَن ابْن الْقَاسِم اه. وعَلى اشْتِرَاط الصِّيغَة اقْتصر ابْن يُونُس وَاللَّخْمِيّ وَأَبُو الْحسن والفشتالي وَفِي وثائقه وَأَبُو مُحَمَّد صَالح فِي شرح الرسَالَة وَابْن الْفَاكِهَانِيّ، وَوَقع لِابْنِ رشد فِي الْبَيَان أَنَّهَا تكون بلفظها أَو مَا يقوم مقَامه كخذ من هَذَا حَقك وَأَنا بَرِيء من دينك واستظهره (ح) وَهُوَ ظَاهر قَول ابْن عَرَفَة: الصِّيغَة مَا دلّ على ترك الْمحَال دينه من ذمَّة الْمُحِيل بِمثلِهِ فِي ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ اه. وَشرط سادس وَهُوَ وجود دين للْمُحِيل فِي ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ، وَكَذَا للمحال على الْمُحِيل فَإِن لم يكن دين للمحال على الْمُحِيل فَهِيَ وكَالَة لَا حِوَالَة وَإِن لم يكن دين للْمُحِيل على الْمحَال عَلَيْهِ فَهِيَ حمالَة يشْتَرط فِيهَا رضَا الْمحَال عَلَيْهِ، وَلذَا قَالُوا: لَا يشْتَرط رضَا الْمحَال عَلَيْهِ إِلَّا فِي صُورَتَيْنِ إِحْدَاهمَا هَذِه، وَالثَّانيَِة أَن تكون بَين الْمحَال والمحال عَلَيْهِ عَدَاوَة، وَإِذا كَانَت حمالَة فَإِذا أعدم الْمحَال عَلَيْهِ رَجَعَ الْمحَال بِدِينِهِ على الْمُحِيل، وَإِذا أدّى الْمحَال عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يرجع على الْمُحِيل بِمَا أدّى وَلَو مُقَومًا كَمَا تقدم فِي بَاب الضَّمَان، وَقَوْلِي: وجود دين أَي كَانَ ثَابتا بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار أَو تَصْدِيق الْمحَال (خَ) فِي تعداد شُرُوطهَا وَثُبُوت دين لَازم فَإِن أعلمهُ بِعَدَمِهِ وَشرط الْبَرَاءَة صَحَّ، ثمَّ فرع على توفر شُرُوط الْحِوَالَة قَوْله: ويتحول حق الْمحَال على الْمحَال عَلَيْهِ وَإِن أفلس أَو جحد إِلَّا أَن يعلم الْمُحِيل فَقَط بإفلاسه وَحلف على نَفْيه إِن ظن بِهِ الْعلم قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِذا أحالك غريمك على من لَهُ عَلَيْهِ دين فرضيت باتباعه بَرِئت ذمَّة غريمك وَلَا ترجع عَلَيْهِ فِي غيبَة الْمحَال عَلَيْهِ أَو عَدمه اه. قَالَ الْمُغيرَة: إِلَّا أَن يشْتَرط الْمحَال على الْمُحِيل الرُّجُوع عَلَيْهِ إِن أفلس فَلهُ شَرطه وَيرجع على الْمُحِيل، وَنَقله الْبَاجِيّ كَأَنَّهُ الْمَذْهَب ابْن رشد، وَهَذَا صَحِيح لَا أعلم فِيهِ خلافًا. ابْن عَرَفَة: وَفِيه نظر لِأَن شَرطه مُنَاقض لعقد الْحِوَالَة وأصل الْمَذْهَب فِي الشَّرْط المناقض أَنه يُفْسِدهُ اه. وَقد ذكر ابْن رحال مَا يسْقط اعْتِرَاض ابْن عَرَفَة فَانْظُرْهُ وَلَا أقل أَن يرد اعتراضه بِأَنَّهَا مَعَ الشَّرْط الْمَذْكُور حِوَالَة إِذن وَهِي تَوْكِيل فَلَا يرد حِينَئِذٍ مَا قَالَه ثمَّ مثل الْعلم بالإفلاس الْعلم باللدد فيفصل فِيهِ بَين أَن يعلم بِهِ الْمُحِيل فَقَط فَيرجع عَلَيْهِ وإلاَّ فَلَا. وَأما علمه بِأَنَّهُ مسيء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 الْقَضَاء فَفِيهِ قَولَانِ. أَحدهمَا أَنه كاللدد وَالْآخر أَنه لَا يضر، وَأما علمه بِأَنَّهُ يجْحَد فَإِن كَانَ مَعْنَاهُ أَنه علم من حَاله أَنه بعد تَمام الْحِوَالَة يجْحَد إِقْرَاره الْحَاصِل حِين الْحِوَالَة، فَهَذَا لَا يُوجب رُجُوعه على الْمُحِيل فِيمَا يظْهر قَالَه (ز) وَإِن كَانَ مَعْنَاهُ أَنه لم يُوجد الدّين فِي ذمَّته لَا بِبَيِّنَة وَلَا بِتَصْدِيق الْمحَال فَإِنَّهُ لَا حِوَالَة حِينَئِذٍ لاختلال شَرطهَا. (فصل فِي بيع الْخِيَار) أَي: الشرطي وَهُوَ كَمَا لِابْنِ عَرَفَة بيع وقف بته أَولا على إِمْضَاء يتَوَقَّع الخ. فَقَوله: أَولا مُتَعَلق بوقف وَخرج بِهِ الْخِيَار الْحكمِي أَي خِيَار النقيصة فَإِن بته لم يُوقف أَولا بل آخرا. فَيُقَال: فِيهِ بيع آيل إِلَى خِيَار فَهُوَ مُتَأَخّر عَن العقد، وَسَببه مُتَقَدم عَلَيْهِ بِخِلَاف الْخِيَار الشرطي فموجبه الَّذِي هُوَ الشَّرْط مُقَارن للْعقد. (والثنيا) أَي وَبيع الثنيا وَهِي خِيَار فِي الْحَقِيقَة إِلَّا أَنه شَرط النَّقْد فِيهِ فَالْخِيَار إِذا لم يشْتَرط فِيهِ نقد الثّمن لَيْسَ بثنيا، وَإِن اشْترط فِيهِ ذَلِك وَشرط مَعَه أَنه إِن أَتَاهُ بِالثّمن فمبيعه مَرْدُود عَلَيْهِ فَهُوَ الثنيا قَالَ فِيهَا: من ابْتَاعَ سلْعَة على أَن البَائِع مَتى رد لَهُ الثّمن فالسلعة لَهُ لَا يجوز بَيْعه لِأَنَّهُ سلف جر نفعا اه. وَهَذَا الْمَعْنى هُوَ الَّذِي خصّه الْأَكْثَر بالثنيا وَهُوَ الْمَعْرُوف الْيَوْم بذلك وَإِن كَانَ ابْن رشد: عممه فِي جَمِيع الشُّرُوط المنافية للمقصود. بَيْعُ الْخِيَارِ جَائِزُ الْوُقُوعِ لأَجَلٍ يَلِيقُ بِالْمَبِيعِ (بيع الْخِيَار) الَّذِي يَشْتَرِطه أحد الْمُتَبَايعين على الآخر أَو كل مِنْهُمَا على صَاحبه أَو جرت الْعَادة باشتراطه لِأَنَّهَا كالشرط صَرَاحَة كَمَا فِي (ز) (جَائِز الْوُقُوع) حَيْثُ كَانَ الْخِيَار مَضْرُوبا (لأجل) مَعْلُوم (يَلِيق بِالْمَبِيعِ كَالشَّهْرِ فِي الأَصْلِ وَبالأَيَّامِ فِي غَيْرِهِ كَالْعَبْدِ وَالطّعَامِ كالشهر فِي الأَصْل) من دَار وَنَحْوهَا وأدخلت الْكَاف مَا زَاد على الشَّهْر بالشَّيْء الْيَسِير كالخمسة الْأَيَّام والستة (و) يُؤَجل (بِالْأَيَّامِ) القلائل (فِي غَيره) أَي الأَصْل (كَالْعَبْدِ) فيؤجل الْخِيَار فِيهِ بِالْجمعَةِ وَنَحْوهَا، وَفِي الدَّابَّة وَالثَّوْب يُؤَجل الثَّلَاثَة الْأَيَّام وَنَحْوهَا. (وَالطَّعَام) الَّذِي لَا يفْسد وَيحْتَاج فِيهِ النَّاس للمشورة يكون أجل الْخِيَار فِيهِ بِقدر حَاجَة النَّاس مِمَّا لَا يَقع فِيهِ تَغْيِير وَلَا فَسَاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة. فَقَوله: لأجل أَي مَعْلُوم كَمَا فِي الْأَمْثِلَة احْتِرَازًا من الْمَجْهُول كَكَوْنِهِ بِالْخِيَارِ إِلَى قدوم زيد أَو إِلَى أَن ينْفق سوق السّلْعَة الْفُلَانِيَّة وَلَا وَقت يعلم قدومه فِيهِ أَو نفاق سوق تِلْكَ السّلْعَة فِيهِ، فَإِن البيع فَاسد يرد مَعَ الْقيام ويمضي بِالْقيمَةِ مَعَ الْفَوات، وَمَفْهُوم قَوْله لأجل إِنَّه إِذا وَقع بِالْخِيَارِ وَلم يضربا لَهُ أَََجَلًا مَعْلُوما وَلَا مَجْهُولا يكون فَاسِدا وَلَيْسَ كَذَلِك فَفِيهَا من ابْتَاعَ شَيْئا بِالْخِيَارِ وَلم يضربا لَهُ أَََجَلًا جَازَ البيع وَجعل لَهُ من الأمد مَا يَنْبَغِي فِي تِلْكَ السّلْعَة اه. فَكتب عَلَيْهِ أَبُو الْحسن مَا نَصه مَعْنَاهُ: إِذا عثر عَلَيْهِ قبل مُضِيّ أمد الْخِيَار، وَأما إِن لم يعثر عَلَيْهِ حَتَّى مضى الْقدر الَّذِي يضْرب لتِلْك السّلْعَة فَإِن الإِمَام يوقفه فَأَما أَن يخْتَار أَو يرد اه. قلت: هَذَا ظَاهر إِذا عثر عَلَيْهِ عِنْد انْقِضَاء الأمد الْمَذْكُور، وَأما إِن لم يعثر عَلَيْهِ حَتَّى زَاد على أمده بِكَثِير فَيظْهر فَسَاد البيع فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَإِذا علمت هَذَا وَجب أَن يعلق قَوْله لأجل بِبيع أَو بِالْخِيَارِ لَا بِمَحْذُوف شَرط فِي الْجَوَاز كَمَا هُوَ ظَاهره وقررناه عَلَيْهِ، وَالتَّقْدِير بيع الْخِيَار لأجل مَعْلُوم يَلِيق بِالْمَبِيعِ جَائِز الْوُقُوع، فَهُوَ حِينَئِذٍ سَاكِت عَن بيع الْخِيَار الَّذِي لم يضْرب لَهُ أجل فيستظهر عَلَيْهِ من خَارج. وهُوَ بِالاشْتِرَاطِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ شَرْطُ النَّقْدِ (وَهُوَ) أَي الْخِيَار (بالاشتراط عِنْد العقد) كَمَا تقدم فِي حد ابْن عَرَفَة فَإِن لم يشْتَرط فَلَا خِيَار وَلَو بِالْمَجْلِسِ على مَذْهَبنَا وَمذهب أبي حنيفَة وَهُوَ قَول الْفُقَهَاء السَّبْعَة المجموعين فِي قَول الْقَائِل: أَلا كل من لَا يَقْتَدِي بأئمه فقسمته ضيرى عَن الْحق خَارجه فخذهم عبيد الله عُرْوَة قَاسم سعيد أَبُو بكر سُلَيْمَان خَارجه وَخَالف الشَّافِعِي فِي ذَلِك متمسكاً بِمَا ورد فِي الصحح من قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (الْمُتَبَايعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا) . وَوَافَقَهُ على ذَلِك ابْن حبيب وَعبد الحميد الصَّائِغ وَلما ذكر أَبُو الْحسن الحَدِيث الْكَرِيم قَالَ: حمل الشَّافِعِي الِافْتِرَاق فِي الحَدِيث على الِافْتِرَاق بالأبدان، وَحمله مَالك على الِافْتِرَاق بِاللَّفْظِ اه. وَلما ذكر مَالك الحَدِيث فِي موطئِهِ قَالَ: وَالْعَمَل عندنَا على خِلَافه أَي عمل أهل الْمَدِينَة على خِلَافه، وَإِلَى رد مَذْهَب الشَّافِعِي وَمن وَافقه أَشَارَ (خَ) بقوله: إِنَّمَا الْخِيَار بِشَرْط كشهر فِي دَار وَلَا تسكن وكجمعة فِي رَقِيق واستخدمه وكثلاثة فِي دَابَّة الخ. (وَلَا يجوز فِيهِ) أَي فِي بيع الْخِيَار (شَرط النَّقْد) وَظَاهره أَنه يفْسد البيع باشتراطه لِأَن الأَصْل فِيمَا لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 يجوز الْفساد وَهُوَ كَذَلِك، وَإِن لم يحصل النَّقْد بِالْفِعْلِ على الْمُعْتَمد لتردده مَعَ حُصُوله بِشَرْط بَين السلفية والثمينة وَلكَون الْغَالِب مَعَ شَرطه فَقَط حُصُوله فَنزل الْغَالِب، وَإِن لم ينْقد فِيهِ حَتَّى مضى زمن الْخِيَار منزلَة النَّقْد بِالْفِعْلِ قَالَه (ز) وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا يَصح البيع وَلَو حذف الشَّرْط وَهُوَ كَذَلِك بِخِلَاف مَسْأَلَة البيع بِشَرْط السّلف فَإِن البيع يَصح إِذا حذف الشَّرْط كَمَا قَالَ (خَ) : وَصَحَّ أَن حذف الخ. وَالْفرق أَن الْغرَر فِي شَرط النَّقْد أقوى إِذْ لَا يدْرِي هَل الْمَقْبُوض كُله ثمن أَو سلف بِخِلَاف البيع بِشَرْط السّلف فثمن السّلْعَة مَقْبُوض، وَالسَّلَف وَإِن أثر فِي الثّمن زِيَادَة أَو نقصا فتأثيره موهوم غير مُحَقّق إِذْ يجوز أَن يكون الثّمن المجعول للسلعة هُوَ ثمنهَا الْمُعْتَاد لرغبة المُشْتَرِي فِي السّلْعَة يدْفع ثمنهَا الْمُعْتَاد ويزيده السّلف، أَو لرغبة البَائِع فِي مُعَاملَة المُشْتَرِي لاتصافه وَنَحْو ذَلِك يَبِيعهَا بالمعتاد ويزيده السّلف فغرر البيع، وَالسَّلَف أَضْعَف من الأول كَمَا هُوَ ظَاهر، وَهَذَا مُرَاده فِي ضيح بِأَن الْفساد فِي مَسْأَلَة البيع موهوم خَارج عَن الْمَاهِيّة أَي مُوجب الْفساد موهوم لَا مُحَقّق بِخِلَاف مَسْأَلَة النَّقْد بِشَرْط، وَأما قَوْله: خَارج عَن الْمَاهِيّة فَلَعَلَّ الصَّوَاب حذفه إِلَّا أَن يُقَال إِنَّه تَأْكِيد لما قبله لِأَنَّهُ إِذا لم يتَحَقَّق وجوده فِي الْمَاهِيّة فَهُوَ خَارج عَنْهَا فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَمَفْهُوم شَرط أَنه إِذا تطوع لَهُ بِالنَّقْدِ لم يمْنَع وَهُوَ كَذَلِك، وَفهم مِنْهُ أَنه يجوز النَّقْد بعد العقد تَطَوّعا وَهُوَ كَذَلِك، وَفهم من تحديده أجل الْخِيَار بِمَا مر من الشَّهْر وَالْأَيَّام أَنه إِذا زَاد أجل الْخِيَار على ذَلِك وعَلى مَا قرب مِنْهُ يكون البيع فَاسِدا وَهُوَ كَذَلِك (خَ) وَفَسَد بِشَرْط مُشَاورَة بعيد عَن أمد الْخِيَار، أَو مُدَّة زَائِدَة أَو مَجْهُولَة أَو غيبَة أَحدهمَا على مَا لَا يعرف بِعَيْنِه أَو لبس ثوب ورد أجرته وَيلْزم بانقضائه ورد فِي كالغد وبشرط نقد الخ. ثمَّ إِذا فسد بِوَاحِد من هَذِه الْأُمُور فضمانه من بَائِعه إِن هلك وَلَو بيد المُشْتَرِي على الرَّاجِح، وَقيل: من المُشْتَرِي إِن قَبضه انْظُر (ح) وَلَا بُد، وَقَول (خَ) : وَيلْزم بانقضائه الخ أَي بِانْقِضَاء أمده الْمُشْتَرط وانقضاء مَا ألحق بِهِ من الْيَوْم واليومين. وَقَوله: وَورد فِي كالغد إِنَّمَا هُوَ فِي الزَّمن الملحق فَلَا تدافع فِي كَلَامه. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِن كَانَ أَي الرَّد بعد غرُوب الشَّمْس من آخر أَيَّام الْخِيَار أَو كالغد أَو قرب ذَلِك فَذَلِك لَهُ. قَالَ أَبُو الْحسن: يَعْنِي بِالْقربِ الْيَوْم واليومين والبعد ثَلَاثَة أَيَّام اه. وَتقدم أَن الْخَمْسَة أَيَّام مُلْحقَة بالشهر يَعْنِي فِي الدَّار يجوز أَن يشْتَرط فِي أجل خِيَارهَا شهر أَو خَمْسَة أَيَّام مثلا، وَالْكَلَام هُنَا فِيمَا قرب من زمن الِانْقِضَاء يَعْنِي أَنه إِذا رد بعد انْقِضَاء الْأَجَل الْمُشْتَرط بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ فَلهُ ذَلِك فَلَا مُعَارضَة وَالله أعلم. وَقد قَالَ أَبُو الْحسن عِنْد قَوْلهَا فِي الضَّمَان إِن قَالَ للطَّالِب فَإِن لم أوافك غَدا فَالَّذِي تدعيه حق، فَهَذِهِ مخاطرة وَلَا شَيْء عَلَيْهِ مَا نَصه. وَانْظُر مَا قَالَه فِي بيع الْخِيَار إِذا كَانَ الْخِيَار للْمُبْتَاع فَشرط عَلَيْهِ البَائِع أَنه إِن لم يَأْتِ بِالثَّوْبِ فِي آخر أَيَّام الْخِيَار لزمَه البيع لم يجز هَذَا البيع. أَرَأَيْت إِن مرض أَو حَبسه سُلْطَان اه. والْبَيْعُ بِالثُّنْيَا لِفَسْخِ دَاعِ والخَرْجُ بِالضَّمَانِ لُلْمُبْتَاعِ (وَالْبيع بالثنيا) أَي بشرطها بِأَن يَقُول لَهُ فِي صلب العقد: أبيعك هَذِه السّلْعَة على شَرط أَنِّي إِن أَتَيْتُك بِثمنِهَا وَقت كَذَا أَو مهما أَتَيْتُك بِثمنِهَا فَهِيَ مَرْدُودَة عَليّ (لفسخ دَاع) لفساده وَاخْتلف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 فِي علته فعلله فِي بُيُوع الْآجَال مِنْهَا بِالْبيعِ وَالسَّلَف. أَبُو الْحسن: مَعْنَاهُ تَارَة يكون بيعا وَتارَة يكون سلفا أَي لِأَنَّهُ خِيَار بِشَرْط النَّقْد وَجعلا مدَّته أَكثر من مُدَّة الْخِيَار إِن حداه بِأَجل أَو لمُدَّة مَجْهُولَة إِن لم يحداه، وَعلله سَحْنُون وَابْن الْمَاجشون وَغَيرهمَا بِأَنَّهُ سلف جر نفعا، وَبِه عللت الْمُدَوَّنَة أَيْضا فِي نَصهَا الأول عِنْد قَوْله: والثنيا الخ. وعَلى الأول فَهُوَ بيع فَاسد يفْسخ وَلَو أسقط الشَّرْط على الْمَذْهَب كَمَا مر مَا لم يفت فيمضي بِالْقيمَةِ وفوات الْأُصُول بالهدم وَالْبناء وَالْغَرْس لَا بحوالة الْأَسْوَاق، وَهل يفوت بطول الزَّمَان كالعشرين سنة؟ قَولَانِ. أرجحهما على مَا قَالَه (ت) فِي تحفة الإخوان فَوَاته بذلك، وَقَالَ فِي الْمُهَذّب الرَّائِق: وَلَا يفيت الْأُصُول حِوَالَة الْأَسْوَاق وَلَا طول الزَّمَان وَبِه الْقَضَاء. قَالَ ابْن أبي زمنين: إِلَّا مَا كَانَ مثل عشْرين عَاما وَنَحْوهَا اه. وعَلى الثَّانِي فَهُوَ رهن يفْسخ أبدا وَلَا يفوت بِشَيْء بهدم وَلَا غَيره وَيرد المُشْتَرِي فِيهِ الْغلَّة وَلَو طَال الزَّمَان، والناظم درج على الأول لِأَنَّهُ الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ فِي وقته وَلذَا قَالَ: (والخرج) بِسُكُون الرَّاء لُغَة فِي الْخراج اجتمعتا فِي قَوْله تَعَالَى: أم تَسْأَلهُمْ خرجا فخراج رَبك خير} (الْمُؤْمِنُونَ: 72) (بِالضَّمَانِ للْمُبْتَاع) ظَاهره كَانَ لأجل أم لَا. أَي الْغلَّة فِيهِ للْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ بيع فَاسد ينْتَقل ضَمَانه بِالْقَبْضِ، وَمن عَلَيْهِ الضَّمَان فَلهُ الْغلَّة إِلَّا ثَمَرَة مأبورة يَوْم الشِّرَاء فَإِنَّهَا لَيست بغلة لِأَن لَهَا حِصَّة من الثّمن فَيجب ردهَا مَعَه إِن كَانَت قَائِمَة ورد مكيلتها إِن علمت أَو قيمتهَا إِن جهلت أَو جذت رطبا. وَلَا كِرَاءَ فِيهِ هَبْهُ لأَجَلْ أوْ لاَ وَذَا الَّذِي بِهِ جَرَى العَمَلْ (وَلَا كِرَاء) وَلَا غلَّة (فِيهِ) أَي فِي بيع الثنيا ويفوز المُشْتَرِي بالثمرة بالزهو وَهُوَ ظُهُور الْحَلَاوَة وَإِن ظهر فِي نَخْلَة وَاحِدَة من نخيل كثير على الْمَعْرُوف من الْمَذْهَب فِي فوز المُشْتَرِي بالغلة فِي البيع الْفَاسِد بذلك، وَأما إِن طابت فَهُوَ أَحْرَى (هبه) أَي بيعهَا (لأجل أَو لَا وَذَا) أَي كَونه لَا كِرَاء وَلَا غلَّة فِيهِ للْبَائِع على المُشْتَرِي مُطلقًا هُوَ الْمَشْهُور (الَّذِي بِهِ جرى الْعَمَل) عِنْد الْقُضَاة كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 فِي مُخْتَصر الْمُتَيْطِيَّة، وَهُوَ قَول مَالك وَابْن الْقَاسِم وَعَلِيهِ الْأَكْثَر، وَمُقَابِله أَنه رهن لِأَنَّهُ سلف بِمَنْفَعَة فالغلة للْبَائِع لَا للْمُبْتَاع قَالَه الشَّيْخ أَحْمد زَرُّوق وَهُوَ الْمَشْهُور. قَالَ عبد الْبَاقِي: وَهُوَ ظَاهر من جِهَة الْمَعْنى وَهُوَ توافقه مَعَ المُشْتَرِي على أَن يرد لَهُ الْمَبِيع، وَعلل أَيْضا بِأَنَّهَا ثمن السّلف وَهُوَ حرَام محرم، وَفِي وثائق ابْن مغيث عَن الْقَابِسِيّ أَن حكمه قبل انْقِضَاء أجل الثنيا حكم البيع الصَّحِيح فالغلة فِيهِ للْبَائِع لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الرَّهْن وَهُوَ بعد انْقِضَاء الْأَجَل بِمَنْزِلَة الْبيُوع الْفَاسِدَة اه. أَي: فالغلة فِيهِ للْمُشْتَرِي وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَيْت زِيَادَة على مَا أَفَادَهُ الشّطْر الَّذِي قبله إِلَّا مَا أَفَادَهُ من الْخلاف والتعميم فِي نفي الْغلَّة نصا وجريان الْعَمَل. تَنْبِيهَات. الأول: يجب أَن يُقيد الْخلاف الْمَذْكُور بِمَا إِذا لم يجر الْعرف بالرهنية كَمَا عندنَا الْيَوْم، وَلذَا يَقع البيع بِأَقَلّ من الثّمن الْمُعْتَاد بِكَثِير ويسمونه بيعا وإقالة فيبيع الرجل بالإقالة مَا يُسَاوِي الْألف بِخَمْسِمِائَة أَو مَا يُسَاوِي الْمِائَة بستين أَو بِثَلَاثِينَ وَنَحْو ذَلِك. فَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهَا رهن حَيْثُ اشْترطت الْإِقَالَة فِي العقد إِذْ لم يسمح البَائِع بسلعته إِلَّا على ذَلِك وتجد البَائِع إِذا سُئِلَ عَن سلْعَته أَو أرضه يَقُول: إِنَّهَا مَرْهُونَة وَيطْلب زِيَادَة الثّمن فِيهَا ويعرضها للْبيع وَهِي بيد مشتريها، وَإِذا سُئِلَ المُشْتَرِي عَنْهَا أَيْضا قَالَ: إِنَّهَا مَرْهُونَة عِنْدِي أَو عِنْدِي فِيهَا بيع وإقالة وَأَن البَائِع لم يكمل البيع فِيهَا وَنَحْو ذَلِك فَالْبيع وَالْإِقَالَة عِنْدهم مرادف للرَّهْن يعبر بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر، فَعرف النَّاس الْيَوْم ومقصودهم فِي هَذَا البيع إِنَّمَا هُوَ الرهنية كَمَا هُوَ مشَاهد بالعيان، وَإِذا كَانَ الْعرف فِيهَا الرهنية فيتفق على رد الْغلَّة وَعدم الْفَوات لِأَن الْأَحْكَام تَدور مَعَ الْأَعْرَاف ومقاصد النَّاس وَمن أدل دَلِيل على الرهنية كَونه بِأَقَلّ من الثّمن الْمُعْتَاد بِكَثِير إِلَى غير ذَلِك وَقد قَالُوا كَمَا للقرافي وَغَيره: إِن حمل النَّاس على أعرافهم ومقاصدهم وَاجِب وَالْحكم عَلَيْهِم بِخِلَاف ذَلِك من الزيغ والجور، وَلِهَذَا لما سُئِلَ الإِمَام قَاضِي الْقُضَاة سَيِّدي عِيسَى السجسْتانِي حَسْبَمَا فِي نوازله عَن بيع الثنيا فِي هَذَا الزَّمَان هَل تفوت بأنواع التفويت لِأَنَّهَا بيع فَاسد، وَكَيف إِذا جهل قصد المفوت؟ فَقَالَ: الَّذِي أُفْتِي بِهِ فِي بياعات نواحي سوس وجبال درن أَنَّهَا رهون لأَنهم يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا على ملك بَائِعهَا وَيطْلبُونَ فِيهَا زِيَادَة الْأَثْمَان وَالْمَبِيع بيد مُشْتَرِيه، وَإِذا كَانَ هَكَذَا فَلَا يفوت بِشَيْء بل هِيَ على ملك الأول إِلَّا أَن يرضى بإمضاء البيع فِيهَا وَالسَّلَام اه. بِلَفْظِهِ. وَلَا يخفى أَنَّهَا فِي نواحي فاس وجبالها كَذَلِك وَلَا يشك منصف فِيهِ وَالله أعلم. وَفِي نَوَازِل الزياتي أَيْضا مَا نَص الْغَرَض مِنْهُ: سُئِلَ بعض الْفُقَهَاء عَن الْغلَّة فِي بيع الثنيا وَكَيف الحكم إِن كَانَ عرف الْبَلَد الرهنية إِلَّا أَنَّهُمَا تحيلا بكتب البيع مَخَافَة الْغلَّة؟ فَأجَاب: فِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ. قيل: الْغلَّة للْمُشْتَرِي، وَقيل: للْبَائِع. وَأما إِن كَانَ عرف الْبَلَد أَنهم يَعْتَقِدُونَ الثنيا فِي بُيُوتهم ويتحرفون بكتب البيع مَخَافَة الْغلَّة فَإِن الْغلَّة لَازِمَة للْمُشْتَرِي قولا وَاحِدًا مَعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 يَمِين الرَّاهِن أَنه كَانَ رهنا فِي نفس الْأَمر، وَبِهَذَا صدرت الْفَتْوَى من أَهلهَا اه. بِلَفْظِهِ، وَفِيه أَيْضا عَن سَيِّدي عَليّ بن هَارُون مَا نَصه: اخْتلف فِي بيع الثنيا فَقيل إِنَّه من بَاب البيع الْفَاسِد، وَقيل إِنَّه سلف جر مَنْفَعَة وَهُوَ الَّذِي يتَرَجَّح فِي هَذَا البيع لِأَن مَقْصُود النَّاس أَن يَأْكُلُوا الْغلَّة فِي مُقَابلَة السّلف الَّذِي سموهُ ثمنا ثمَّ قَالَ: فعلى قَول ابْن الْقَاسِم لَا يرد الْغلَّة وعَلى قَول غَيره يردهَا، ويترجح هَذَا القَوْل كَمَا قدرناه ليعرف النَّاس وَالله أعلم. وَكتبه عَليّ بن هَارُون اه. بِاخْتِصَار. وَهَذَا مِمَّا لَا يُمكن أَن يخْتَلف فِيهِ اثْنَان فِي هَذِه الْأَزْمَان لِأَن الْعرف كالشرط بِلَا نزاع، وَانْظُر مَا يَأْتِي قَرِيبا عِنْد قَوْله: فَالْقَوْل قَول مُدع للطوع الخ. فَإِن فِيهِ تأييداً لما قُلْنَاهُ وَالله أعلم. الثَّانِي: يفهم من قَول النَّاظِم وَغَيره: والخرج بِالضَّمَانِ الخ. أَن الْغلَّة إِنَّمَا تكون للْمُشْتَرِي على القَوْل بِأَنَّهَا بيع فَاسد إِذا قبض ذَلِك الْمَبِيع لِأَن الضَّمَان إِنَّمَا ينْتَقل للْمُشْتَرِي فِي الْفَاسِد بِالْقَبْضِ كَمَا فِي (خَ) وَإِنَّمَا ينْتَقل ضَمَان الْفَاسِد بِالْقَبْضِ ورد وَلَا غلَّة تصحبه الخ. وَأما إِذا لم يقبض المُشْتَرِي ذَلِك الْمَبِيع بل تَركه بيد البَائِع بِإِجَارَة أَو اشْترى مِنْهُ الْبُسْتَان وَنَحْوه بالثنيا وَتَركه بِيَدِهِ بمساقاة وَنَحْوهَا ليَأْتِيه بغلته، فَإِنَّهُ لَا غلَّة للْمُشْتَرِي قولا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لم ينْتَقل ضَمَانه إِلَيْهِ، وَسَوَاء كَانَ الشِّرَاء بِالثّمن الْمُعْتَاد أَو بِأَقَلّ بِكَثِير أَو قَلِيل بِدَلِيل التَّعْلِيل بل لَو قَبضه ثمَّ رده إِلَيْهِ بِعقد إِجَارَة أَو مُسَاقَاة أَو نَحْوهمَا لم تكن لَهُ غلَّة لِأَن مَا خرج من الْيَد عَاد إِلَيْهَا لَغْو كَمَا هُوَ مُقَرر فِي بُيُوع الْآجَال قَالَه (ح) . الثَّالِث: على القَوْل بِأَنَّهُ بيع فَاسد إِذا وَقع الْإِمْضَاء فِيهِ قبل فسخ العقد الْفَاسِد فَإِنَّهُ لَا يَصح لِأَنَّهُ تتميم للْفَسَاد. قَالَ أَبُو الْحسن: الْمَنْصُوص فِي كل مَوضِع أَن البيع الْفَاسِد لَا يَصح إِمْضَاء البيع فِيهِ إِلَّا بعد فسخ الْعقْدَة الْفَاسِدَة، وَإِذا لم يتَعَرَّض لفسخها فسخت الثَّانِيَة وَبقيت الأولى على فَسَادهَا اه. وَالشَّرْحُ لِلثُنْيَا رُجُوعُ ملْكِ مَنْ بَاعَ إلَيْهِ عِنْدَ إحْضَارِ الثَّمَنْ (وَالشَّرْح للثنيا) أَي لحقيقتها وماهيتها هُوَ (رُجُوع ملك من بَاعَ إِلَيْهِ) أَي إِلَى البَائِع (عِنْد إِحْضَار) البَائِع (الثّمن) وَدفعه للْمُشْتَرِي كَمَا تقدم فِي نَص الْمُدَوَّنَة، وَعَلِيهِ الْأَكْثَر خلافًا لِابْنِ رشد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 حَيْثُ عممها فِي بياعات الشُّرُوط كَمَا مرّ. وَفِي كَلَام النَّاظِم مُخَالفَة للتَّرْتِيب الطبيعي إِذْ هُوَ يَقْتَضِي تَقْدِيم هَذَا الْبَيْت على قَوْله: وَالْبيع بالثنيا لفسخ دَاع الخ. لِأَن التَّصَوُّر مقدم على الحكم طبعا فَيَنْبَغِي تَقْدِيمه وضعا كَمَا قَالَ فِي السّلم: إِدْرَاك مُفْرد تصوراً علم ودرك نِسْبَة بِتَصْدِيق وسم وَقدم الأول عِنْد الْوَضع لِأَنَّهُ مقدم بالطبع وتقديمه إِنَّمَا هُوَ على جِهَة الْأَوْلَوِيَّة لَا على جِهَة الْوُجُوب، لِأَنَّهُ وَارِد فِي الْعَرَبيَّة، وَلَا يلْزم عَلَيْهِ دور وَلَا غَيره حَتَّى يمْنَع فَهُوَ كَقَوْل (خَ) : يرفع الْحَدث وَحكم الْخبث بالمطلق وَهُوَ مَا صدق عَلَيْهِ اسْم مَاء بِلَا قيد وَكَقَوْلِه فِي الدِّمَاء: واقتص من مُوضحَة أوضحت عظم الرَّأْس الخ. وَكَقَوْلِه فِي الحَدِيث: (لَهَا كلاليب مثل شوك السعدان هَل رَأَيْتُمْ شوك السعدان) : فَلَو قَالُوا لَا لأراهم إِيَّاهَا وصورها لَهُم، وَإِذا علمت هَذَا فَالْجَوَاب عَمَّا ورد من ذَلِك بِأَنَّهُ من بَاب تَقْدِيم الحكم على التَّصْوِير لَا على التَّصَوُّر، والممنوع إِنَّمَا هُوَ الثَّانِي كَمَا قَالُوهُ عِنْد قَول (خَ) : يرفع الْحَدث. الخ. كُله غير سديد، لِأَن ذَلِك إِن كَانَ بِالنِّسْبَةِ للمخاطب كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر من كَلَامهم فَالْحكم وَاحِد لما علمت من أَن التَّصْوِير فعل الْفَاعِل وَهُوَ أَيْضا حد للصورة وَشَرحه إِيَّاهَا، والتصور حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الذِّهْن بِسَبَب ذَلِك التَّصْوِير أَو بِغَيْرِهِ فَيلْزم من التَّصْوِير حُصُول الصُّورَة، والمقدم على الأَصْل مقدم على الْفَرْع، فَيلْزم من تَقْدِيمه على التَّصْوِير تَقْدِيمه على التَّصَوُّر، وَإِنَّمَا الْجَواب الْحق أَن يُقَال: تَقْدِيم الحكم على التَّصَوُّر بِالنِّسْبَةِ للمخاطب غير مَمْنُوع لِأَن الْمُخَاطب قد يكون تصور الشَّيْء من جِهَة أُخْرَى، وَإِذا لم يتصوره صوره لَهُ الْمُتَكَلّم بعد إِن شَاءَ أَو إِن سَأَلَهُ الْمُخَاطب عَنهُ كَمَا فعل النَّاظِم و (خَ) وَإِذا لم يسئل عَنهُ لكَونه مصوراً عِنْده لم يصوره لَهُ كَمَا فِي الحَدِيث، وَلَيْسَ هَذَا من بَاب إِدْخَال الحكم فِي الْحَد حَتَّى يكون مَمْنُوعًا كَمَا قَالَ فِي السّلم: وَعِنْدهم من جملَة الْمَرْدُود أَن تدخل الْأَحْكَام فِي الْحُدُود لِأَن النَّاظِم لم يدْخل الحكم فِي الْحَد كَمَا ترى، وَإِنَّمَا قدمه عَلَيْهِ وَالله أعلم. وَإِن كَانَ ذَلِك بِالنِّسْبَةِ للمتكلم فَمن أَيْن لنا بِأَن النَّاظِم وَنَحْوه لم يتصوره بل تصَوره عِنْد الحكم بِالْفَسْخِ ثمَّ صوره للْغَيْر بعد ذَلِك، وَعَلِيهِ فَلَا حَاجَة لهَذَا الْإِيرَاد بِالْكُلِّيَّةِ إِذْ لَا يحكم أحد على غَيره بِأَنَّهُ لم يتَصَوَّر كَذَا وَهُوَ لم يطلع على مَا فِي ضَمِيره حَتَّى يحْتَاج للجواب عَنهُ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلهم لِأَن الحكم على الشَّيْء فرع تصَوره هَذَا صَحِيح بِالنِّسْبَةِ للمتكلم إِذا اطَّلَعْنَا على مَا فِي ضَمِيره وَأَنه حكم قبل أَن يتَصَوَّر حَقِيقَة الشَّيْء الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فَيُقَال لَهُ حِينَئِذٍ: كَانَ يَنْبَغِي لَك أَن لَا تحكم على شَيْء حَتَّى تتصوره، وَأما بِالنِّسْبَةِ للمخاطب فَلَا لِأَنَّهُ قد يحكم لَهُ على الشَّيْء، ثمَّ بعد ذَلِك يصور لَهُ ذَلِك الشَّيْء إِن لم يكن عرفه، وَقد لَا يصور لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ لكَونه قد عرفه من جِهَة أُخْرَى أَو يسْأَل عَن حَقِيقَته شخصا آخر كَقَوْلِهِم: صحت الْإِجَارَة، وكقولهم صَحَّ وقف مَمْلُوك وَنَحْو ذَلِك مِمَّا هُوَ كثير فقد حكمُوا بِالصِّحَّةِ قبل أَن يصوروا الْمَحْكُوم عَلَيْهِ للمخاطب لكَونه مَعْرُوفا عِنْده، أَو لكَونه يسْأَل عَنهُ الْغَيْر. وَجَازَ إنْ وَقَعَ بَعْدَ العَقْدِ طَوْعاً بِحْدَ وَبِغَيْرِ حَدِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 (وَجَاز) أَي البيع بالثنيا (إِن وَقع) بَين البَائِع وَالْمُشْتَرِي (بعد) انبرام (العقد) وَتَمَامه (طَوْعًا) مِنْهُمَا (بِحَدّ) كَقَوْل المُشْتَرِي للْبَائِع: إِن جئتني بِالثّمن لسنة أَو عشْرين سنة مثلا فالمبيع مَرْدُود عَلَيْك (أَو بِغَيْر حد) كَقَوْلِه: مَتى جئتني بِالثّمن فالمبيع لَك قَالَ الْفَقِيه رَاشد فِي جَوَاب لَهُ نَقله فِي المعيار: وَهَذِه الْإِقَالَة يَعْنِي التَّطَوُّع بهَا بعد العقد قد أجازوها إِلَى غير غَايَة وَإِلَى غير حد مُؤَجل، وأجازوها أَيْضا إِلَى أجل قريب أَو بعيد اه ثمَّ إِنَّه فِي الْمُطلقَة مَتى أَتَاهُ بِالثّمن لزمَه رد الْمَبِيع إِلَيْهِ، وَيجوز للْمُشْتَرِي فِيهِ التفويت بِالْبيعِ أَو غَيره، ويفوت بِهِ على البَائِع الْمقَال إِلَّا أَن يفيته بالفور مِمَّا يرى أَنه أَرَادَ قطع مَا أوجبه على نَفسه كَمَا لِابْنِ رشد، وَنَقله ابْن عَرَفَة وَغَيره وَهُوَ قَول (خَ) لَا إِن قصد بِالْبيعِ الإفاتة. قَالَ ابْن رشد القفصي: فَإِن قَامَ عَلَيْهِ حِين أَرَادَ التفويت فعلى السُّلْطَان مَنعه من تفويته إِذا أحضرهُ البَائِع الثّمن فَإِن بَاعه بعد أَن مَنعه السُّلْطَان رد وَإِن بَاعه قبل الْقَضَاء عَلَيْهِ بذلك نفذ البيع اه. وَأما فِي الْمقيدَة فَلَا يجوز لَهُ تفويته فَإِن فَوته رد على مَا للموثقين، وَقَيده الْبَاجِيّ بِمَا إِذا لم يبعد أجلهَا كالعشرين سنة فَيكون حكمهَا حكم المبهمة فِي فَوَاتهَا على البَائِع وَعدم ردهَا، وَإِذا جَاءَهُ البَائِع بِالثّمن فِي خلال الْأَجَل أَو عِنْد انقضائه أَو بعده على الْقرب مِنْهُ بِيَوْم وَنَحْوه لَا أَكثر لزمَه قبُوله ورد الْمَبِيع على بَائِعه، وَلَا كَلَام لَهُ فِي أَنه لَا يقبض الثّمن إِلَّا بعد الْأَجَل كَمَا صرح بِهِ المتيطي والقفصي فِي وثائقهما، وَصرح بِهِ أَيْضا العبدوسي فِي جَوَاب لَهُ، وَانْظُر إِذا لم يَأْتِ بِالثّمن حَتَّى انْقَضى الْأَجَل بأيام فَلم يقبل مِنْهُ وَأَرَادَ الْقيام بِالْغبنِ هَل تعْتَبر السّنة من يَوْم البيع أَو يَوْم الِانْقِضَاء وَهُوَ الظَّاهِر لِأَنَّهُ الْيَوْم الَّذِي تمّ فِيهِ البيع وَالله أعلم. ثمَّ مَا قَرَّرْنَاهُ بِهِ من أَن كَلَامه فِي الثنيا وَهُوَ ظَاهر سِيَاقه وَبِه يرتبط الْكَلَام بعضه بِبَعْض، وَيحْتَمل على بعد أَنه أَشَارَ إِلَى مَسْأَلَة الْخِيَار بعد الْبَتّ الْمشَار إِلَيْهَا بقول (خَ) : وَصَحَّ بيع بت الخ. وَيكون الْمَعْنى وَجَاز الْخِيَار إِن وَقع بعد العقد بِأَجل وَبِغير أجل، لَكِن إِن وَقع بِغَيْر أجل لَا بُد أَن يضربا لَهُ من الْأَجَل مَا يَلِيق بذلك الْمَبِيع كَمَا كرّ أول الْفَصْل فَقَوله حِينَئِذٍ: وَبِغير حد أَي وَقع الْخِيَار بعد العقد وَلم يتعرضا لأجل، لَكِن يضْرب لَهُ من الْأَجَل مَا يَلِيق بِالْمَبِيعِ كَمَا مر فَفِيهَا من اشْترى سلْعَة من رجل ثمَّ جعل أَحدهمَا لصَاحبه الْخِيَار بعد تَمام البيع، فَذَلِك جَائِز وَهُوَ بيع مؤتنف بِمَنْزِلَة بيع المُشْتَرِي لَهَا من غير البَائِع الخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ ابْن عَرَفَة: لَا أعلم مُسْتَندا لأقوال الشُّيُوخ بِصِحَّة الطوع بالثنيا بعد العقد لِأَن التزامها إِن عد من جِهَة الْمُبْتَاع عقدا بتاً فَهُوَ من جِهَة البَائِع خِيَار فَيجب تَأْجِيله لقولها: من اشْترى من رجل سلْعَة إِلَى آخر مَا مرّ قَرِيبا مَعَ قَوْلهَا من ابْتَاعَ سلْعَة بِالْخِيَارِ وَلم يضربا أَََجَلًا جَازَ وَضرب لَهُ من الْأَجَل مَا يَنْبَغِي فِي مثل تِلْكَ السّلْعَة اه. وَنَقله (ح) فِي التزاماته وَقَالَ عقبه. قلت: الظَّاهِر أَنه لَيْسَ هُنَا عقد بيع، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْرُوف أوجبه على نَفسه وَالله أعلم اه. قلت: مستندهم فِي ذَلِك ظَاهر، وَهُوَ أَن المُشْتَرِي إِنَّمَا أوجب على نَفسه البيع عِنْد الْإِتْيَان بِالثّمن كَمَا قَالَه أَبُو الْفضل رَاشد فِي جَوَاب لَهُ طَوِيل. ومحصله أَنه لَا يَقع الْإِيجَاب فِي الْإِقَالَة بِنَفس القَوْل، وَإِنَّمَا يَقع الْإِيجَاب بعد الْمَجِيء بِالثّمن وَأَنه لَيْسَ فِي الْحَالة الراهنة إِلَّا الْتِزَام وَتَعْلِيق على وَجه الْمَعْرُوف، وَإِنَّمَا يُوجد البيع فِي ثَانِي حَال حَيْثُ يُوجد الْمُعَلق عَلَيْهِ. الثَّانِي: الثَّمَرَة المؤبرة الْحَادِثَة فِي الثنيا المتطوع بهَا بعد العقد كَمَا هُوَ موضوعنا للْمُشْتَرِي المقيل عملا بقول (خَ) : وَلَا الشّجر المؤبر الخ. وَأَحْرَى إِذا أزهت أَو طابت، وَقَول ابْن هِلَال فِي نوازله: وَالثَّمَرَة للْبَائِع الْمقَال مُطلقًا أبرت أم لَا. لِأَن الْمُبْتَاع ألزم نَفسه مُتَبَرعا بِأَن البَائِع مَتى أَتَاهُ بِالثّمن فالمبيع مَرْدُود عَلَيْهِ، وَقد فرقوا بَين مَا توجبه الْأَحْكَام وَمَا يُوجِبهُ الْمَرْء على نَفسه اه. تعقبه بعض بِأَنَّهُ كَلَام غير صَحِيح لِأَن الْإِقَالَة بيع إِلَّا فِي الطَّعَام وَالشُّفْعَة والمرابحة وَنَحْوهَا، فَإِذا جَاءَ الْمقَال بِالثّمن فَحِينَئِذٍ يَقع البيع كَمَا مر عَن أبي الْفضل رَاشد فَتكون الثَّمَرَة الْمَأْبُورَة للمقيل الَّذِي هُوَ الْمُبْتَاع إِلَّا أَن يشترطها البَائِع الَّذِي هُوَ الْمقَال اه. الثَّالِث: إِذا مَاتَ المتطوع بالثنيا قبل الْأَخْذ بهَا بطلت كَانَت لأجل أَو لغير أجل كَمَا هُوَ ظَاهر إطلاقاتهم لِأَنَّهَا هبة لم تقبض قَالَه أَبُو الْفضل رَاشد وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحسن. قَالَ القوري حَسْبَمَا فِي نَوَازِل الزياتي وَبِه الْقَضَاء وَالْفَتْوَى، وَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِيم الْأَعْرَج. لَا تبطل بِنَاء على أَنَّهَا بيع، وَأما إِذا مَاتَ البَائِع فوارثه بِمَنْزِلَتِهِ اتِّفَاقًا. الرَّابِع: إِذا وَقعت الْإِقَالَة مُطلقَة وَلم يقل إِن أتيتني بِالثّمن فَأفْتى فِيهَا بعض بِأَنَّهَا إِقَالَة لَازِمَة للْمُشْتَرِي ولورثته قَالَ: لِأَن الْقَاعِدَة المذهبية أَن الْإِقَالَة بيع إِلَّا فِي الطَّعَام وَالشُّفْعَة والمرابحة وَنَحْوهَا وعقود الْمُعَاوَضَات لَا تفْتَقر إِلَى حِيَازَة وَلَيْسَت هَذِه من نَاحيَة من أوجب على نَفسه الْإِقَالَة إِذا أَتَى بِالثّمن الَّذِي اخْتلف فِيهِ أَبُو الْفضل رَاشد وَأَبُو إِبْرَاهِيم للْفرق الظَّاهِر بَين الْمُطلقَة والمقيدة من وُجُوه لَا تخفى مِنْهَا: أَن الْإِقَالَة الْمُخْتَلف فِيهَا بَين من ذكر هبة لِأَنَّهَا تجوز لغير أجل بِإِجْمَاع وَلَو كَانَت بيعا لما جَازَت لغير أجل، وَالْإِقَالَة الْمُطلقَة بِخِلَاف ذَلِك لِأَنَّهَا بيع يشْتَرط فِيهَا شُرُوطه، وَمِنْهَا: أَن الْمقيدَة إِذا تصرف فِيهَا المتطوع بِبيع أَو نَحوه قبل أَن يَأْتِيهِ بِالثّمن مضى تصرفه حَتَّى قَالَ اللَّخْمِيّ: إِن ذَلِك يجوز لَهُ ابْتِدَاء إِذا وَقعت لغير أجل وَلَو كَانَت بيعا مَحْضا جَازَ لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ تصرف فِي ملك الْغَيْر، وَمِنْهَا: أَن الْمقيدَة الْغلَّة فِيهَا للْمُشْتَرِي وَعَلِيهِ الضَّمَان مَا دَامَ البَائِع لم يَأْته بِالثّمن وَذَلِكَ دَلِيل على أَنَّهَا على ملكه بِخِلَاف الْمُطلقَة فضمانها من الْمقَال وَالْغلَّة لَهُ من يَوْم العقد، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 وَهَذَا أَمر لَا يخْتَلف فِيهِ. وَمِنْهَا: أَن الْمقيدَة لم تقع فِيهَا إِقَالَة أصلا وَإِنَّمَا وَقع فِيهَا تَعْلِيق إنْشَاء الْإِقَالَة عِنْد الْإِتْيَان بِالثّمن، فَإِذا مَاتَ المُشْتَرِي قبل الْإِتْيَان بِهِ فقد مَاتَ قبل وُقُوعهَا وَقبل أَن يُخَاطب بهَا فَهِيَ عِنْد مَوته على ملكه وتنتقل إِلَى ورثته ففاتت كَمَا تفوت إِذا بَاعهَا المُشْتَرِي المقيل، وَلَا كَذَلِك الْمُطلقَة فَإِنَّهَا بيع قد تمّ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول اه. بِاخْتِصَار من خطّ أبي الْعَبَّاس الملوي رَحمَه الله. الْخَامِس: أَن الْمُبْتَاع إِذا بنى فِي الدَّار أَو غرس فِي الأَرْض بعد أَن طاع بذلك للْبَائِع وَقبل انْقِضَاء الْأَجَل فَقَالَ ابْن رشد: لَهُ قِيمَته منقوضاً لتعديه كَمَا إِذا بنى البَائِع فِي دَار بَاعهَا على أَن الْمُبْتَاع بِالْخِيَارِ قبل انْقِضَاء أمد الْخِيَار أَو بنى الْمُبْتَاع قبل انْقِضَاء أمد الْخِيَار وَكَانَ الْخِيَار للْبَائِع اه. قلت: هَذَا إِذا كَانَت مُؤَجّلَة بِأَجل، وَأما إِذا كَانَت غير مُؤَجّلَة فيفهم مِنْهُ أَن الْبناء وَالْغَرْس فَوت على الْمقَال فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَيْهَا بِمَنْزِلَة البيع كَمَا مر. السَّادِس: الشُّفْعَة ثَابِتَة فِي هَذَا البيع الَّذِي تطوع فِيهِ بالإقالة، وَلَو حصلت الْإِقَالَة بِالْفِعْلِ مَا لم يجر الْعرف بشرطية ذَلِك فِي العقد كَمَا يَأْتِي قَرِيبا وإلاَّ فَهُوَ بيع فَاسد لَا شُفْعَة فِيهِ أصلا إِلَّا بعد فَوَاته إِن قُلْنَا إِنَّهَا رهن كَمَا مر. السَّابِع: إِذا أحضر البَائِع الثّمن قبل انْقِضَاء الْأَجَل أَو عِنْده أَو أحضرهُ فِي حَيَاة المتطوع فِي الْمُطلقَة فَلم يقبله المتطوع الْمَذْكُور حَتَّى مَاتَ أَو انْقَضى الْأَجَل بأيام فَقَالَ سَيِّدي يحيى: الْمُتَقَدّم ذكره إِذا أثبت البَائِع أَو ورثته ذَلِك فَإِنَّهُ يَنْفَعهُمْ وَيرد إِلَيْهِم الأَصْل بذلك وَلَا يفوت عَلَيْهِم بِمَوْتِهِ وَلَا بِانْقِضَاء الْأَجَل. الثَّامِن: اخْتلف إِذا بَاعه شَيْئا عقارا أَو غَيره وَطلب البَائِع الْإِقَالَة فَقَالَ لَهُ: أَخَاف أَن تبيعه لغيري فَقَالَ: إِن أَو إِذا بِعته لغيرك فَهُوَ لَك بِالثّمن الأول وَبِالَّذِي أبيعه بِهِ فأقاله المُشْتَرِي، فَإِذا بَاعه البَائِع لغيره، فَهُوَ لَهُ، إِن بَاعه بِالْقربِ على مَا فِي سَماع ابْن خَالِد لِابْنِ الْقَاسِم وَابْن كنَانَة لَا إِن بَاعهَا بعد بُعد، والقرب أَن يَبِيعهَا فِي زمن تلْحقهُ فِيهِ التُّهْمَة، والبعد أَن يَبِيعهَا بعد زمَان تَنْقَطِع فِيهِ التُّهْمَة عَن البَائِع وَيظْهر مِنْهُ حُدُوث رَغْبَة فِي البيع كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، هَذَا إِذا عبّر بِأَن أَو إِذا كَمَا مرّ، وَأما إِذا عبر بمتى فَهُوَ لَهُ وَلَو بَاعه بعد بُعد لِأَن مَتى لَا تَقْتَضِي قرب الزَّمَان كَمَا قَالَه ابْن رشد قَالَ: وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا الشَّرْط فِي الْإِقَالَة لِأَنَّهَا مَعْرُوف، ولمحمد بن خَالِد أَن الْإِقَالَة على هَذَا الشَّرْط لَا تجوز كَالْبيع اه. الْبُرْزُليّ أَوَائِل الْبيُوع من ديوانه عَن الْمَازرِيّ، وَالْمَشْهُور من الْمَذْهَب فَسَاد هَذِه الْإِقَالَة لما فِي ذَلِك من التحجير وَهِي بيع من الْبيُوع، فَإِذا نزلت فسخت الْإِقَالَة وَإِن طَال ذَلِك وفاتت الأَرْض وَنَحْوهَا بِالْبيعِ مضى البيع وفاتت الْإِقَالَة بِهِ لِأَنَّهُ بيع صَحِيح اه. ثمَّ مَا تقدم من الْفرق بَين إِن وَمَتى هُوَ مَا فهمه ابْن رشد وَفهم صَاحب ضيح أَنه لَا فرق بَينهمَا لِأَنَّهُ عبر بمتى وَفرق بَين الْقرب والبعد. وَفِي الالتزامات لِابْنِ رشد قَول ثَالِث وَهُوَ أَنه إِن استقاله فَقَالَ: أخْشَى أَنَّك إِنَّمَا سَأَلتنِي الْإِقَالَة أَو البيع لربح ظهر لَك لَا لرغبة فِي الْمَبِيع فَقَالَ: بل لرغبتي فِيهِ فأقاله أَو بَاعه على أَنه أَحَق بِهِ إِن بَاعه فَهُوَ أَحَق بِهِ بِالْقربِ وَإِن لم يقل لَهُ شَيْء من ذَلِك، وَإِنَّمَا أقاله أَو بَاعه على أَنه إِن بَاعه فَهُوَ أَحَق بِهِ بِالثّمن لم يجز ذَلِك فِي البيع، وَيخْتَلف فِي الْإِقَالَة لِأَن بَابهَا الْمَعْرُوف لَا المكايسة اه. وَقد تحصل أَن فِي الْمَسْأَلَة أقوالاً مشهورها الْفساد، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 وَالثَّانِي اخْتِيَار ابْن رشد، وَالثَّالِث صِحَة الْإِقَالَة وَيفرق بَين الْقرب والبعد، وَهل يشْتَرط أَن يعبر بإن أَو إِذا لَا بمتى وَإِلَّا لزمَه الشَّرْط، وَإِن بَاعَ بعد طول. وَهُوَ فهم ابْن رشد أَو مُطلقًا وَهُوَ ظَاهر كَلَام ضيح لِأَنَّهُ عبر بمتى وَفرق بَين الْقرب وَالْعَبْد، وعَلى القَوْل بِصِحَّة الْإِقَالَة هُنَا تستثنى هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَسْأَلَة التَّطَوُّع بهَا بعد العقد من قَوْلهم: لَا يقبل البيع تَعْلِيقا كَمَا قيل: لَا يقبل التَّعْلِيق بيع وَنِكَاح فَلَا يَصح بِعْت ذَا إِن جا فلاح وَالْفرق بَين هَذِه وَبَين التَّطَوُّع بالإقالة حَتَّى جرى فِي هَذِه خلاف، وَجَاز التَّطَوُّع بِإِجْمَاع ظَاهر لِأَنَّهُ فِي التَّطَوُّع الْتزم بعد العقد أَن ينشىء الْمَبِيع عِنْد الْإِتْيَان بِالثّمن كَمَا مر. وَهَذِه الْتزم فِي صلب عقد الْإِقَالَة إِنَّه إِن بَاعهَا فَهُوَ أَحَق بهَا وَالله أعلم. وعَلى القَوْل بِصِحَّة الْإِقَالَة فَهَل تبطل بِمَوْت الْمقَال لِأَنَّهَا مَعْرُوف كَمَا مرّ عَن ابْن رشد وَبِه أفتى بَعضهم. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الملوي: وَيظْهر لي أَنَّهَا لَا تبطل بِمَوْتِهِ بل هِيَ لَازِمَة لوَرثَته لِأَن الظَّاهِر فِي الْمَسْأَلَة أَنَّهَا من بَاب الِالْتِزَام الْمُعَلق على فعل الْمُلْتَزم لَهُ، وَذَلِكَ لِأَن الْمقَال الْتزم للمقيل أَنه إِن بَاعهَا فَهُوَ أَحَق بهَا على شَرط أَن يقبله فَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَة من بَاب التَّبَرُّع الْمَحْض، وَإِنَّمَا هِيَ من بَاب هبة الثَّوَاب. وَقد ذكره فِي الالتزامات فِي التَّنْبِيه الثَّالِث قبل الْكَلَام على بيع الثنيا أَن الِالْتِزَام على الْفِعْل الْمُعَلق على فعل الْمُلْتَزم لَهُ لَا يبطل بِالْمَوْتِ لِأَنَّهُ مُعَاوضَة، وَتقدم قبل التَّنْبِيه الْمَذْكُور: من الْتزم لغيره مَالا على أَن يُطلق زَوجته لَا يفْتَقر لحيازة وَتقدم صدر الالتزامات قَول ابْن رشد: من الْتزم نَفَقَة زَوْجَة وَلَده فِي صلب العقد فَإِنَّهَا لَا تسْقط بِمَوْتِهِ، وَتَأمل قَوْلهم: لَا تفْتَقر النحلة إِلَى حِيَازَة فالجاري على قَوَاعِد الْمَذْهَب لُزُوم ذَلِك لوَرثَته إِن لم يحصل طول لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْرُوف صرف حَتَّى يبطل بِالْمَوْتِ، وَإِنَّمَا هِيَ مُعَاوضَة لِأَنَّهُ مَا أقاله إِلَّا ليلتزم، وَأما مَا ذَكرُوهُ فِي الطوع بالثنيا من النزاع بَين الْفَقِيه رَاشد وَغَيره، فَلَيْسَ من هَذَا الْبَاب لِأَن ذَلِك طوع بالإقالة لَا شَرط فِيهِ اه. بِاخْتِصَار من خطه رَحمَه الله، وَإِنَّمَا أطلت فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لِكَثْرَة وُقُوعهَا. وَمن الْفُقَهَاء المهرة من يَقُول بِصِحَّة الْإِقَالَة فِيهَا، وَلَا سِيمَا وَهُوَ قَول مَالك وَابْن الْقَاسِم قَالَ فِي الالتزامات بعد نقل قولي مَالك وَابْن الْقَاسِم بِالْجَوَازِ، وَنقل كَلَام ابْن رشد واختياره مَا نَصه: الْحَاصِل أَن هَذَا الشَّرْط لَا يجوز فِي البيع ويفسده وَلَيْسَ فِي ذَلِك خلاف، وَأما فِي الْإِقَالَة فَاخْتلف قَول مَالك وَابْن الْقَاسِم بِجَوَازِهِ، وَلذَلِك اقْتصر عَلَيْهِ أَي على جَوَازه الشَّيْخ خَلِيل فِي كَلَامه السَّابِق فِي شُرُوط النِّكَاح، وَاقْتصر عَلَيْهِ أَيْضا غير وَاحِد من الموثقين، وَالْخلاف جَار وَلَو كَانَ فِي أمة فَإِن الْمَسْأَلَة مَفْرُوضَة فِي سَماع مُحَمَّد بن خَالِد فِيمَن يَبِيعهُ أرضه أَو جَارِيَته ثمَّ يستقيله، وَمُقْتَضى كَلَامهم أَن ذَلِك لَا يُوجب منع البَائِع من وَطئهَا بعد الْإِقَالَة وَهُوَ ظَاهر وَالله أعلم اه. فَكَلَامه هَذَا يُفِيد أَن الْمُعْتَمد فِي الْمَسْأَلَة هُوَ الْجَوَاز، وَلذَلِك اقْتصر عَلَيْهِ فِي ضيح كَمَا قَالَ: وَلَا سِيمَا وَقد ذكره فِي ضيح فِي معرض الِاحْتِجَاج على أَن الْمَرْأَة إِذا وضعت شَيْئا من صَدَاقهَا خوف طَلاقهَا فَإِن طَلقهَا بِالْقربِ رجعت بِمَا وضعت وإلاَّ فَلَا. قَالَ: كَمَا قَالُوا إِذا سَأَلَ البَائِع المُشْتَرِي الْإِقَالَة فَقَالَ لَهُ المُشْتَرِي: إِنَّمَا مرادك البيع لغيري، فَيَقُول لَهُ البَائِع: مَتى بعتها فَهِيَ لَك بِالثّمن الأول أَنه إِن بَاعَ عقب الْإِقَالَة أَو قَرِيبا مِنْهَا فَللْبَائِع شَرطه وَإِن بَاعَ بعد طول أَو لحدوث سَبَب فَالْبيع مَاض اه. وَمثله لِابْنِ عبد السَّلَام. وَمَعْلُوم أَنه لَا يحْتَج بمختلف فِيهِ فقد نزلا الْقَائِل بِالْمَنْعِ منزلَة الْعَدَم وَلَو كَانَ القَوْل بِالْمَنْعِ مَشْهُورا كَمَا قَالَ الْمَازرِيّ مَا صَحَّ لَهما الِاحْتِجَاج، وَقد علمت أَنه فِي سَماع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 مُحَمَّد بن خَالِد وَمثله لسَحْنُون فِي سَمَاعه عَن ابْن الْقَاسِم أَيْضا وَأَنه قَول مَالك فِي سَماع أَشهب وَابْن الْقَاسِم أَيْضا مستدلاً على جَوَاز الْإِقَالَة الْمَذْكُورَة بِمَسْأَلَة الوضيعة للطَّلَاق، وَصحح استدلاله ابْن رشد كَمَا فِي الالتزامات وَذَلِكَ كُله من أدل دَلِيل على أرجحيته. وَلذَا اقْتصر عَلَيْهِ النَّاظِم فِي فصل الْإِقَالَة، وَكَذَا اقْتصر عَلَيْهِ غير وَاحِد من الموثقين، والاقتصار من عَلَامَات التشهير وَعَلِيهِ فاعتراض (ت) وَالشَّيْخ بناني فِي حاشيتهما على (ز) الَّذِي اعْتمد الْجَوَاز فِي الْمَسْأَلَة تبعا للأجهوري بتشهير الْمَازرِيّ، وَبقول ابْن رشد الَّذِي يُوجِبهُ الْقيَاس، وَالنَّظَر عِنْدِي أَنه لَا فرق بَين الْإِقَالَة وَالْبيع فِي هَذَا الخ. لَا يتم وَلَا يحسن لما علمت من قُوَّة القَوْل بِالْجَوَازِ وَتَحْصِيل (ح) يُفِيد أَنه الْمُعْتَمد، وَلِأَن ابْن رشد لم يقْتَصر على هَذَا، بل زَاد وَاخْتَارَ التَّفْصِيل الَّذِي تقدم عَنهُ، فاختياره قَول ثَالِث كَمَا مر، وَلِأَنَّهُ لما تكلم على مَا فِي سَماع سَحْنُون صحّح الْجَوَاز وعضده، وَلِأَن التحجير الَّذِي فِي كَلَام الْمَازرِيّ يَنْتَفِي بالطول الَّذِي تَنْتفِي مَعَه التُّهْمَة فيمضي تصرفه أَو لِأَنَّهُ مغتفر لجَانب الْمَعْرُوف، وَلِأَن (ح) لم يعرج على تشهير الْمَازرِيّ فِي الالتزامات أصلا، وَكَذَا لم يذكرهُ ابْن عَرَفَة وَلَا غَيره، وَلما نقل (ح) كَلَام الْمَازرِيّ عِنْد قَول المُصَنّف وَالْإِقَالَة بيع قَالَ: وَالْمَسْأَلَة مَذْكُورَة فِي ابْن عبد السَّلَام وضيح وبهرام الْكَبِير فِي فصل الصَدَاق إِشَارَة مِنْهُ إِلَى أَن الْجَمَاعَة على خلاف تشهيره، وَكَذَا الْمواق فَإِنَّهُ قَالَ عِنْد قَول (خَ) : كَانَ لَا يَبِيع مَا نَصه الْإِقَالَة بيع فَإِن أقاله على أَن لَا يَبِيع فبينها وَبَين البيع على هَذَا الشَّرْط فرق كَالزَّوْجَةِ تضع مهرهَا على شَرط أَن لَا يطلقهَا الخ. فَلم يعرج على تشهير الْمَازرِيّ الَّذِي نَقله الْبُرْزُليّ مَعَ أَنه كثيرا مَا ينْقل كَلَامه، بل اعْتمد فِي ذَلِك نَص الرِّوَايَة وَلِأَنَّهُم قَالُوا كَمَا للشَّيْخ طفي وَغَيره: إِذا اتّفق قَول سَحْنُون وَابْن الْقَاسِم لَا يعدل عَنهُ فَكيف إِذا وافقهما قَول الإِمَام؟ ذكر ذَلِك فِي بَاب الزَّكَاة، وَبِمَا لمَالِك فِي سَماع أَشهب أفتى سَيِّدي أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب الشريف حَسْبَمَا فِي نَوَازِل العلمي، وَمَا كَانَ يخفى على مثله وَلَا على غَيره تشهير الْمَازرِيّ وَالله أعلم. وَحَيْثُمَا شَرْطٌ عَلَى الطَّوْعِ جُعِلْ فَالأَحْسَنُ الكَتْبِ بِعَقْدٍ مُسْتَقِلْ (وحيثما شَرط على الطوع جعل) لَو قَالَ وحيثما الثنيا لسلم من التدافع الَّذِي بَين شَرط وطوع قَالَه (ت) (فَالْأَحْسَن الْكتب) لذَلِك الطوع (بِعقد مُسْتَقل) عَن رسم البيع قَالَه ابْن مغيث، وَالَّذِي مضى عَلَيْهِ الْعَمَل أَن يكْتب فِي عقد الطوع بالثنيا على انْفِرَاده لِأَنَّهُ أبعد من المظنة وَإِن وَقع ذَلِك فِي عقد الابتياع أَي قبل تَقْيِيد الْإِشْهَاد وَبعد وصف البيع بِأَنَّهُ لَا شَرط فِيهِ وَلَا ثنيا وَلَا خِيَار جَازَ ذَلِك اه. وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَابْن سَلمُون. ثمَّ إِذا كتب ذَلِك الطوع فِي عقد مُسْتَقل أَو فِي آخر رسم الابتياع وَادّعى أَحدهمَا أَن ذَلِك إِنَّمَا كَانَ شرطا مَدْخُولا عَلَيْهِ وَالْآخر أَنه طوع حَقِيقِيّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعٍ لِلطّوْعِ لَا مُدَّعِيَ الشَّرْطِ بِنَفْسِ البَيْعِ (فَالْقَوْل قَول مُدع للطوع) بِيَمِين وَقيل بِلَا يَمِين للبينة الَّتِي قَامَت لَهُ وَثَالِثهَا يحلف الْمُتَّهم فَقَط (لَا) قَول (مدعي الشَّرْط بِنَفس البيع) وأنهما دخلا على الثنيا فِي أصل العقد. هَذَا قَول ابْن الْعَطَّار قَائِلا لِأَن الأَصْل فِي الْعُقُود الصِّحَّة، وَفِي طرر ابْن عَاتٍ عَن المشاور إِن القَوْل لمُدعِي الشّرطِيَّة فَيحلف وَيفْسخ البيع لما جرى من عرف النَّاس قَالَ: وَبِذَلِك الْفَتْوَى عندنَا اه. وَلذَا اعْترض الشَّارِح هَذَا الْبَيْت على أَبِيه قَائِلا: إِن ابْن الْعَطَّار وقف مَعَ قَوْلهم أَن القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة دون مَا قيد من قَوْلهم إِلَّا حَيْثُ يغلب الْفساد يَعْنِي وَهَذِه الْمَسْأَلَة مِمَّا يغلب فِيهَا الْفساد فَيجب أَن يكون القَوْل فِيهَا لمدعيه كَمَا قَالَ ابْن الفخار اه. وَمِمَّا يرجحه قَول ابْن فَرِحُونَ فِي تبصرته إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ فِي صِحَة العقد وفساده فَالْقَوْل لمُدعِي الصِّحَّة إِلَّا أَن يكون جلّ أهل ذَلِك الْبَلَد أَن معاملتهم على الْمَكْرُوه وَالْحرَام فَالْقَوْل قَول مدعي ذَلِك مَعَ يَمِينه لِأَن استفاضة ذَلِك وشهرته فِي الْبَلَد صَار كالبينة القاطعة وَالشَّهَادَة التَّامَّة وعَلى مدعي الْحَلَال الْبَيِّنَة اه. هُوَ قَول (خَ) وَالْقَوْل لمُدعِي الصِّحَّة إِلَّا أَن يغلب الْفساد اه. وَظَاهر هَذَا أَن الْخلاف جَار وَلَو نَص فِي الْوَثِيقَة أَن البيع وَقع دون شَرط وَلَا ثنيا وَلَا خِيَار وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي الْبُرْزُليّ، وَنَقله العلمي أَيْضا. وَفِي المعيار سُئِلَ ابْن رشد عَمَّا يكْتب من الشُّرُوط على الطوع وَالْعرْف يَقْتَضِي شرطيتها فَقَالَ: إِذا اقْتضى الْعرف شرطيتها فَهِيَ مَحْمُولَة على ذَلِك وَلَا ينظر لكتبها على الطوع لِأَن الْكتاب يتساهلون فِيهَا وَهُوَ خطأ مِمَّن فعله. وَأجَاب ابْن الْحَاج بِأَن الحكم للمكتوب لَا للْعُرْف اه. وعَلى مَا لِابْنِ رشد عول فِي اللامية حَيْثُ قَالَ: وَشرط نِكَاح إِن نزاع بطوعه جرى مُطلقًا فاعمل على الشَّرْط واعدلا وَلَا مَفْهُوم لنكاح، وَبِهَذَا كُله يعلم مَا فِي قَول الْمُتَيْطِيَّة إِنَّه إِذا قَالَ فِي الْوَثِيقَة: دون شَرط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 وَلَا ثنيا وَلَا خِيَار فَمحل اتِّفَاق أَن القَوْل لمُدعِي الطوع الخ. بل الْخلاف مَوْجُود كَمَا ترى، وَفِي نَوَازِل المجاصي أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فَأجَاب: بِأَنَّهُ قد تكَرر مني جَوَاب بعد جَوَاب غير مرّة وَلَا أَدْرِي مَا هَذَا، ورأيي فِيهَا تَابع لرأي بعض شُيُوخنَا رَحِمهم الله، وَأَنه مَتى ثَبت رسم الْإِقَالَة وَلَو بِصُورَة التَّطَوُّع فَهُوَ مَحْمُول على أَنه شَرط فِي نفس العقد، وَقَول المتيطي: مَا لم يقل وَلَا ثنيا وَلَا خِيَار الخ. ذَلِك عرف وقته إِذْ لَا تعرف عَامَّة زمننا الثنيا بل يسمونه بيعا وإقالة، وَالشُّهُود يجرونَ المساطير من غير تَحْقِيق لِمَعْنى مَا يَكْتُبُونَ اه. وَنَحْوه فِي (م) و (ت) قَالَا: وَيدل عَلَيْهِ أَن البيع يَقع بِأَقَلّ من الْقيمَة بِكَثِير، فلولا أَن البَائِع يعْتَقد أَن ذَلِك بيد المُشْتَرِي كَالرَّهْنِ مَا رَضِي بذلك الثّمن وَلَا بِمَا يقرب مِنْهُ اه. قلت: كَون البيع يَقع بِأَقَلّ من الْقيمَة بِكَثِير مِمَّا يدل على أَنه رهن، وَأَنه شَرط فِي صلب العقد كَمَا يَأْتِي لَا على أَنه شَرط فِي العقد فَقَط، وَيُؤَيّد مَا نَحن بصدده من أَن القَوْل لمُدعِي الْعرف مَا يَأْتِي للناظم فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين: فَالْقَوْل قَول مُدع للْأَصْل أَو صِحَة فِي كل فعل فعل مَا لم يكن فِي ذَاك عرف جَار على خلاف ذَاك ذُو اسْتِقْرَار وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا مَا مر عَن ابْن سَلمُون عِنْد قَوْله فِي بيع الْأُصُول: وَجَاز فِي الدَّار أَن يسْتَثْنى الخ. أَن المُشْتَرِي إِذا الْتزم أَن لَا يَبِيع حَتَّى ينصف من الثّمن فَإِن كَانَ فِي صلب العقد فَهُوَ فَاسد وإلاَّ صَحَّ فَإِن اخْتلفَا فِي كَونه فِي العقد أَو بعده فَالْقَوْل لمُدعِي الشَّرْط لِأَنَّهُ الْعرف اه. وَظَاهره وَلَو كتب على الطوع فَهَذَا كُله يدل على صِحَة اعْتِرَاض الشَّارِح وَمن تبعه على النَّاظِم، وَلذَا قَالَ ابْن رحال فِي حَاشِيَته هَهُنَا مَا قَالَ يَعْنِي (م) كُله صَحِيح، وَعَلِيهِ الْمعول فِي هَذِه الْمسَائِل وَلَا محيد عَنهُ أصلا فَإِنَّهُ مُوَافق لكَلَام الْمُحَقِّقين اه. وَنَحْوه لَهُ فِي شرح الْمُخْتَصر. قلت: هَذَا كُله يُؤَيّد مَا مر فِي التَّنْبِيه الأول عِنْد قَوْله: وَالْبيع بالثنيا لفسخ دَاع الخ. لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْعرف يجب اتِّبَاعه فِي هَذِه، وَإِن خَالفه الْمَكْتُوب فَكَذَلِك فِي تِلْكَ يجب اتِّبَاعه، وَإِن كتبُوا أَنَّهَا بيع لِأَن الْعرف أَنهم يتحيلون بكتب البيع على إِسْقَاط الْغلَّة كَمَا مر، وَذَلِكَ كُله إِذا كَانَت الْإِقَالَة شرطا فِي صلب عقد البيع كَمَا مر، وَكَذَا يُقَال: إِذا كتبت طَوْعًا بعد العقد وَادّعى البَائِع شرطيتها فِيهِ وَأَنَّهَا رهن كتبت بِصُورَة البيع تحيلاً لإِسْقَاط الْغلَّة أَو الْحِيَازَة فَإِنَّهُ يصدق حَيْثُ ثَبت الْعرف بالشرطية والارتهان كَمَا مر، فَفِي الْبُرْزُليّ مَا نَصه فِي أَحْكَام ابْن حَدِيد: إِذا ادّعى البَائِع أَن البيع كَانَ فِي أَصله رهنا فَالَّذِي نقُول بِهِ إِن الْمُبْتَاع إِن كَانَ من أهل الْعينَة وَالْعَمَل بِمثل هَذَا وَشبهه، فَالْقَوْل قَول البَائِع مَعَ يَمِينه أَنه رهن وَلَا يخفى أَن النَّاس الْيَوْم على ذَلِك الْعَمَل من كَونهم لَا يتورعون عَن اكْتِسَاب الأشرية بمَكَان الارتهان كَمَا هُوَ مشَاهد بالعيان. وَفِي المعيار عَن أبي يُوسُف الزغبي مَا نَص: الْغَرَض مِنْهُ أَن بَيِّنَة البيع هِيَ الْمَعْمُول بهَا إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة أَن عرف الْبَلَد فِي البيع الَّذِي يَقع الْحَوْز فِيهِ بالمعاينة على الرَّهْن، ثمَّ تقع الثنيا بعده أَنه رهن فِي كل مَا يَقع من ذَلِك وَلَا يشذ عَن ذَلِك شَيْء فَحِينَئِذٍ يحمل الْأَمر على الرَّهْن اه. لَكِن قَوْله: وَلَا يشذ عَن ذَلِك شَيْء الخ. فِيهِ شَيْء بل كَذَلِك إِذا غلب ذَلِك لِأَن الْحمل على الْغَالِب وَاجِب، وَفِي نَوَازِل السجتاني بعد مَا مر عَنهُ عِنْد قَوْله: لفسخ دَاع الخ. بأوراق أَنه سُئِلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 عَمَّا يَفْعَله أهل الْجبَال من ارتكابهم البيع الَّذِي تعقبه الْإِقَالَة تحيلاً على إِسْقَاط الْغلَّة لَو عقدوه بِلَفْظ الرَّهْن، وقصدهم فِي ذَلِك، إِنَّمَا هُوَ الرَّهْن بِهَذَا تقرر عرفهم فَقَالَ: حمل أَمرهم على مَا جرى بِهِ عرفهم وَاجِب محتم فِي الْقَضَاء وَالْفَتْوَى لَا مندوحة عَن ذَلِك قَالَ تَعَالَى: خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ} (الْأَعْرَاف: 199) وَإِذا وَجب حمل مَا يعقدونه من الثنيا الطوعي على الرَّهْن جرى فِي بيع ذَلِك على سَائِر بياعات الرِّهَان من جَوَاز بَيْعه بيد الْمُرْتَهن بِشَرْطِهِ، وَالسُّكُوت عَنهُ السنين الطَّوِيلَة لَا يضر اه. فَتبين بِهَذَا أَن الْمدَار على الْعرف فَإِذا جرى بالرهنية فَالْعَمَل عَلَيْهَا كَانَت الثنيا شرطا فِي العقد أَو طَوْعًا بعده وَيدل على الرهنية الْمَذْكُورَة كَون البيع يَقع بِأَقَلّ من الْقيمَة بِكَثِير، وَأَنَّهُمْ يبيعونه وَهُوَ بيد مُشْتَرِيه وَيَقُولُونَ: وضع ملكه بيد فلَان إِلَى غير ذَلِك مِمَّا مر عَن السجسْتانِي و (م) وَكفى بِهِ دَلِيلا على الارتهان الْمَذْكُور. وَتقدم أَن ابْن رحال صحّح جَمِيع مَا فِي (م) . تَنْبِيه: مَا تقدم من أَن القَوْل لمُدعِي الشَّرْط وَالْفساد مَحَله إِذا لم يكن قد أشهد فِي عقد الطواعية بِإِسْقَاط دَعْوَى الْفساد، وإلاَّ فَلَا يلْتَفت لدعواه وَلَو أثبتها بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ قد كذبهَا قَالَه فِي أَوَاخِر بُيُوع المعيار، وَأَشَارَ لَهُ (خَ) وَمحله أَيْضا وَالله أعلم إِذا لم يبعد مَا بَين التَّطَوُّع بهَا وَالْبيع كالأربعة أشهر وَنَحْوهَا، وإلاَّ فَيَنْبَغِي أَن تحمل على التَّطَوُّع حَقِيقَة حَيْثُ كَانَ الثّمن هُوَ قيمَة الْمَبِيع أَو مَا يقرب مِنْهَا. وَانْظُر مَا تقدم عِنْد قَوْله فِي النِّكَاح: وَيفْسد النِّكَاح بالإمتاع فِي عقدته الخ. (فصل فِي بيع الْفُضُولِيّ) وَهُوَ الَّذِي يَبِيع مَال غَيره بِغَيْر تَوْكِيل وَلَا إيصاء عَلَيْهِ. (وَمَا يماثله) كَهِبَة واستفادة الزَّوْج مَال زَوجته وَقِسْمَة تَرِكَة الْمديَان قبل أَدَاء الدّين. وَحَاضِرٌ بِيعَ عَلَيَهِ مَالُهُ بِمَجْلِسٍ فِيهِ السُّكُوتُ حَالُهُ (وحاضر) وَلَو امْرَأَة (بيع عَلَيْهِ مَاله بِمَجْلِس فِيهِ السُّكُوت حَاله) فَلم يُنكر وَلم يُغير وَهُوَ عَالم بِأَنَّهُ ملكه سَاكِت بِلَا عذر، فَإِن كَانَ لَهُ عذر فسيذكره. وَقد اخْتلف فِي السُّكُوت هَل هُوَ إِذن وَإِقْرَار أم لَا؟ وَأظْهر الْقَوْلَيْنِ إِنَّه لَيْسَ بِإِذن وَلَا بِإِقْرَار إِلَّا فِيمَا يعلم بمستقر الْعَادة أَن أحدا لَا يسكت عَنهُ فَيكون إِذْنا وإقراراً كَمَا ذكره (ح) عَن ابْن رشد فِي بَاب الْإِقْرَار. يَلزَمُ ذَا البَيْعُ وَإنْ أَقَرَّ مَنْ بَاعَ لَهُ بِالْمَلِكِ أُعْطِيَ الثَّمَنْ (يلْزم ذَا) فَاعل يلْزم (البيع) نعت لَهُ أَو بدل، وَالْجُمْلَة خبر عَن قَوْله: وحاضر الخ. وَسَوَاء كَانَ البَائِع أَجْنَبِيّا أَو شَرِيكا بَاعَ الْجَمِيع وَانْظُر آخر الشُّفْعَة من ابْن سَلمُون. وَقَوْلِي: وَلَو امْرَأَة أَعنِي أَجْنَبِيَّة أَو زَوْجَة أَو أُخْتا للْبَائِع، وَلَا مقَال للْأُخْت فِي أَنَّهَا إِنَّمَا لم تغير خشيَة قطيعة أَخِيهَا. قَالَ أَبُو الْحسن الصَّغِير: وَأما إِذا بَاعَ الْأَخ نصِيبه وَنصِيب أُخْته وَعلمت بِهِ فالشأن أَنَّهُنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 يقمن على المُشْتَرِي وَلَا يسكتن عَنهُ، فيعد سكوتهن رضَا إِن لم يمنعهن مَانع أَي بِخِلَاف استغلاله ملك أُخْته وَهِي ساكتة عَالِمَة، فلهَا الرُّجُوع بالغلة لِأَن عَادَة نسَاء الْبَادِيَة والحاضرة أَن يطلبن ميراثهن من قرابتهن وَلَا يطلبن الْغلَّة خوفًا من قطيعة رحمهن اه. بِاخْتِصَار. وَانْظُر الِاسْتِحْقَاق من المعيار فِيمَن بيع عَلَيْهَا حظها، وَقَالَ الشُّهُود: وَلَا يعلمونها قَامَت عَلَيْهِ فِي شَيْء من ذَلِك أَن قَوْلهم ذَلِك لَا يُفِيد لاحْتِمَال أَن تكون فِي دارها لَا تتصرف، وَلَا نعلم حَتَّى يَقُولُوا إِنَّهَا كَانَت ترى ذَلِك وتشاهده وتمر عَلَيْهِ وَلَا تنكره اه. فَانْظُر ذَلِك فِيهِ وراجعه فَإِن فِيهِ كلَاما حسنا، وَظَاهر النّظم أَن السَّاكِت الْمَذْكُور لَا يعْذر بِالْجَهْلِ إِذا ادّعى أَنه جهل لُزُوم البيع بسكوته وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي التَّوْضِيح وَنَقله (ح) وَلها نَظَائِر ذكرهَا (تت) فِي بَاب الطَّلَاق من شَرحه على الرسَالَة، وَذكرهَا فِي ضيح فِي النِّكَاح، وَسَيَأْتِي آخر الْفَصْل مَا يُخَالِفهُ فَانْظُرْهُ. وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا كَلَام للْمُشْتَرِي فِي حَال العقد عَن نَفسه لانتقال عقدته، وَفِيه أَقْوَال انظرها فِي الْمُتَيْطِيَّة فِي تَرْجَمَة عُهْدَة الْوَصِيّ وَالْوَكِيل (و) إِذا لزم البيع للساكت الْمَذْكُورَة ف (إِن أقرّ من بَاعَ) فَاعل بأقر (لَهُ بِالْملكِ) يتعلقان بأقر (أعطي) الْمقر لَهُ (الثّمن) مُؤَاخذَة لَهُ بِإِقْرَارِهِ سَوَاء أقرّ بِالْمَجْلِسِ أَو بعده بطول أَو قرب قَامَ الْمَالِك يطْلب الثّمن فِي الْحِين أَو بعد سِنِين، إِذْ طول السنين لَا يبطل حَقه الْمقر لَهُ بِهِ. وَأَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: وان أقرّ الخ فَقَالَ: وإنْ يَكُنْ وَقْتَ المبِيعِ بائِعُهْ لِنَفْسِهِ ادَّعَاهُ وَهْوَ سَامِعُهْ (وَإِن يكن وَقت الْمَبِيع) هُوَ اسْم مفعول بِمَعْنى الْمصدر كَقَوْلِه تَعَالَى: بأيكم الْمفْتُون} (الْقَلَم: 6) أَي الْفِتْنَة. أَي: وَإِن يكن وَقت البيع. (بَائِعه) اسْم يكن (لنَفسِهِ ادَّعَاهُ) وَلم يقرّ بِهِ للْمَالِك بل قَالَ: أَنا أبيع مَا لي وملكي (وَهُوَ) أَي الْمَالِك (سامعه) حِين كَانَ يَقُول ذَلِك، وَمَعَ ذَلِك سكت فَلم يُغير وَلم يُنكر حَتَّى انْقَضى الْمجْلس، وَتمّ البيع، فَإِن قَامَ قبل السّنة وَأثبت أَنه ملكه وَالْبَائِع لَا زَالَ على إِنْكَاره وَلكنه لم يجد مطعناً فِيمَا أثْبته الْمَالِك فَيَقْضِي على البَائِع بِدفع الثّمن للْمَالِك وَلَا ينْقض البيع لِأَنَّهُ بسكوته لزمَه، وَأما إِن قَامَ بعد السّنة من يَوْم البيع فَهُوَ قَوْله: فَمَا لَهُ إنْ قَامَ أيَّ حِينِ فِي ثَمنٍ حَقّ وَلاَ مَثْمُونِ (فَمَا لَهُ إِن قَامَ أَي حِين) أَي بعد حِين وَهُوَ السّنة (فِي ثمن حق وَلَا مثمون) هَذَا مَا يفِيدهُ كَلَام ابْن رشد الْمَنْقُول فِي (ح) وَنَصه قَالَ ابْن رشد: إِن كَانَ حَاضر الصَّفْقَة فَسكت حَتَّى انْقَضى الْمجْلس لزمَه البيع وَكَانَ لَهُ الثّمن، وَإِن سكت بعد انْقِضَاء الْمجْلس حَتَّى مضى الْعَام وَنَحْوه اسْتحق البَائِع الثّمن بالحيازة مَعَ يَمِينه اه. زَاد (ق) عَنهُ فِي آخر الشَّهَادَات مَعَ يَمِينه أَنه انْفَرد بِهِ بِالْوَجْهِ الَّذِي يذكرهُ من ابتياع أَو مقاسمة وَمَا أشبه ذَلِك اه. وَمعنى كَلَامه أَنه كَانَ يُنكره، وَلَكِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 أثبت الْمَالِك بعد سُكُوته أَنه ملكه وَلم يجد البَائِع مطعناً فِيهِ، وَلَكِن ادّعى أَنه صَار لَهُ بابتياع أَو مقاسمة أَو هبة وَنَحْوه، فَالْبيع لَازم بسكوته وَله الثّمن إِن قَامَ قبل السّنة لَا بعْدهَا، وَبِه يسْقط إِشْكَال (ت) الَّذِي أَشَارَ لَهُ فِي حَاشِيَته على (ز) من أَنه إِذا كَانَ البَائِع يَدعِي ملكه فَلَا وَجه للتَّقْيِيد بِالسنةِ إِذْ القَوْل قَوْله وَلَو داخلها لحوزه وتصرفه، وَإِن كَانَ مقرا بِأَنَّهُ ملك لغيره فالثمن لَهُ وَلَو بعد سِنِين اه. جَوَابه هُوَ مَا تقدم من أَنه كَانَ يُنكره لكنه لما اتَّصل سُكُوته من ابْتِدَاء البيع إِلَى تَمام السّنة تقَوِّي جَانب البَائِع وَصدق فِي الْوَجْه الَّذِي يذكرهُ، وَلم تعْتَبر بَيِّنَة الْمَالِك بِخِلَاف مَا إِذا لم يتَّصل سُكُوته وَقَامَ بالفور، فَلَو أبدل النَّاظِم أَي: ببعد لَكِن أحسن. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا إِذا لم يحضر للْبيع فَقَالَ: وَغَائِبٌ يَبْلُغهُ مَا عَمِلَهْ وَقَامَ بَعْدَ مُدّةٍ لاَ شَيْءَ لَهْ (وغائب) عَن مجْلِس عقد البيع (يبلغهُ مَا عمله) الْفُضُولِيّ فِي مَاله من بَيْعه وادعائه لنَفسِهِ فَلم يقم حِينَئِذٍ (و) إِنَّمَا (قَامَ بعد) انْقِضَاء (مُدَّة) الْحِيَازَة وَأثبت ملكية ذَلِك وَعجز الْفُضُولِيّ عَن الطعْن فِيهَا فَإِنَّهُ (لَا شَيْء لَهُ) أَي الْمَالِك لَا من ثمن وَلَا غَيره لِأَن سُكُوته بعد الْعلم الْمدَّة الطَّوِيلَة دَلِيل على صدق البَائِع فِيمَا يذكرهُ من الْوَجْه الَّذِي صَار بِهِ إِلَيْهِ كَمَا مر. وَمَفْهُوم قَوْله بعد مُدَّة إِنَّه إِذا قَامَ قبلهَا كَانَ لَهُ مقَال وَهُوَ كَذَلِك. قَالَ ابْن رشد إِثْر مَا مر عَنهُ: وَإِن لم يعلم بِالْبيعِ إِلَّا بعد وُقُوعه فَقَامَ حِين أعلم أَخذ حَقه وَإِن لم يقم إِلَّا بعد الْعَام وَنَحْوه لم يكن لَهُ إِلَّا الثّمن وَإِن لم يقم حَتَّى مَضَت مُدَّة الْحِيَازَة لم يكن لَهُ شَيْء ويستحقه الْحَائِز بِمَا ادَّعَاهُ بِدَلِيل حيازته إِيَّاه اه. بِنَقْل (ح) و (ق) وَهَكَذَا نَقله أَبُو الْحسن والمتيطي والبرزلي وَغَيرهم وسلموه، وَقَوله حِين علم أَي بفور علمه قبل مُضِيّ مُدَّة تدل على رِضَاهُ بِالْبيعِ وإلاَّ فَلَيْسَ لَهُ الثّمن، وَلَو قَامَ قبل السّنة على مَا يَأْتِي عَن أَحْمد بن عبد الْملك فِي الْبَيْت بعده وَهُوَ الْمُعْتَمد، وَقَوله: أَخذ حَقه الخ. يَعْنِي إِن شَاءَ فسخ البيع وَإِن شَاءَ أَمْضَاهُ وَأخذ الثّمن وَهُوَ قَول (خَ) : ووقف ملك غَيره على رِضَاهُ الخ. وَانْظُر مَا مُرَاده بِمدَّة الْحِيَازَة، وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بهما مَا زَاد على الْعَام وَنَحْوه زِيَادَة لَهَا بَال تدل على صدق البَائِع وَكذبه هُوَ فِي دَعْوَاهُ لَا أَنَّهَا الْعشْر سِنِين وإلاَّ حصل التدافع والتعارض فِي كَلَامه كَمَا لَا يخفى، لِأَنَّهُ إِذا كَانَ المُرَاد بهَا الْعشْر فَلَا معنى لتحديد كَون الثّمن لَهُ بِالْعَام وَنَحْوه. وَغَيْرُ مَنْ فِي عُقْدَةِ الْبَيْعِ حَضَرْ وبالمبيع بَائِعٌ لَهُ أَقَرْ (وَغير من فِي عقدَة البيع حضر) هَذَا مُسْتَغْنى عَنهُ لِأَنَّهُ هُوَ قَوْله: وغائب الخ. وَعَلِيهِ فَلَو أسقط هَذَا الْبَيْت وَقَالَ بدله مَا نَصه: إِن بَائِع بَاعَ وَملكه ذكر وَإِن بِملك بَائِع لَهُ أقرّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 وَقَامَ بالفور الخ. (وبالمبيع بَائِع لَهُ أقرّ) بِأَن قَالَ: أبيع مَتَاع فلَان عِنْد العقد أَو بعده بِقرب أَو بعد وَصدقه المُشْتَرِي. وَقَامَ بالْفَوْرِ فَذا التَّخْيَيرُ فِي إمْضائِهِ البَيْعَ أوِ الْفَسْخَ اقْتُفِي (وَقَامَ) فلَان (بالفور) أَي بفور علمه (فَذا) مُبْتَدأ (التَّخْيِير) مُبْتَدأ ثَان (فِي إمضائه البيع أَو الْفَسْخ) بِالْجَرِّ عطفا على إمضائه وأو بِمَعْنى الْوَاو وَالْمَجْرُور مُتَعَلق بالتخيير (اقتفي) خبر أَي: فَهَذَا الَّذِي قَامَ بالفور التَّخْيِير فِي الْإِمْضَاء وَالْفَسْخ اقتفى لَهُ، وَظَاهره أَن البيع جَائِز وَلَو علم المُشْتَرِي بتعدي البَائِع وَهُوَ كَذَلِك على أحد قَوْلَيْنِ مشهورين وَعَلِيهِ عول (خَ) إِذْ قَالَ: وَملك غَيره على رِضَاهُ وَلَو علم المُشْتَرِي الخ. ابْن عَرَفَة قَالَ الْمَازرِيّ: لَو علم المُشْتَرِي بتعديه فَفِي إمضائه بإمضاء مُسْتَحقّه قَولَانِ مشهوران، وَيَنْبَغِي حمله على أَنَّهُمَا دخلا على بت البيع مُطلقًا وَعدم تَمْكِين مُسْتَحقَّة من فَسخه، وَلَو دخلا على تَمْكِينه من فَسخه لم يَنْبغ أَن يخْتَلف فِي فَسَاده اه. وَعَلِيهِ فَبيع ملك الْغَيْر على ثَلَاثَة أَقسَام: تَارَة يجهله الْمُبْتَاع وَلَا يعلم بتعديه إِلَّا بعد العقد فَالْبيع لَازم للْمُشْتَرِي إِن أَمْضَاهُ ربه، وَتارَة يعلم الْمُبْتَاع بتعديه فَهُوَ بيع خِيَار وَإِن دخلا على عدم تَمْكِين ربه من رده، فَالَّذِي عول عَلَيْهِ (خَ) هُوَ أحد قَوْلَيْنِ مشهورين جَوَازه وَهُوَ خِيَار أَيْضا، ولربه إمضاؤه أَو فَسخه. وَكَلَام النَّاظِم شَامِل لذَلِك كُله فَقَوله: وَقَامَ بالفور يَعْنِي فِي الْأَقْسَام الثَّلَاثَة. قَالَ ابْن بطال: قَالَ لي أَحْمد بن عبد الْملك: وَالْمرَاد بِهِ أَبُو عمر الإشبيلي الْمَعْرُوف بِابْن المكوي فِي الرجل الَّذِي لم يحضر البيع إِذا علم وَسكت يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ أَو مَا قرب فَإِن لَهُ الْقيام وَيفْسخ البيع مَا لم تكْثر الْأَيَّام فَيلْزمهُ اه. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد عِنْد النَّاظِم خلافًا لما لِابْنِ زرب من أَن لَهُ الْقيام فِي السّنة والسنتين من يَوْم الْعلم الخ. وَانْظُر ابْن سَلمُون فِي فصل بيع الحاضن، وَانْظُر شَارِح نظم الْعَمَل للْإِمَام الرباطي عِنْد قَول ناظمه فِي الصَّفْقَة والزم البيع وَلَا كلَاما الخ. ثمَّ لَا بُد حَيْثُ علم المُشْتَرِي بِالتَّعَدِّي أَن لَا تبعد غيبَة الْمَالِك وَأَن لَا يشْتَرط البَائِع على المُشْتَرِي النَّقْد حِينَئِذٍ. وَأَن يكتبا إِلَيْهِ فِي الْقَرِيبَة وَإِلَّا فسد البيع كَمَا مر فِي الْخِيَار، وَهَذَا وَالله أعلم هُوَ معنى قَول ابْن عَرَفَة: وَلَو دخلا على تَمْكِين الْمَالِك من فسخ البيع لم يَنْبغ أَن يخْتَلف فِي فَسَاد البيع أَي لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بيع خِيَار بمشورة بعيد أَو بِشَرْط النَّقْد أَو لمُدَّة مَجْهُولَة حَيْثُ لم يدخلا على الْكِتَابَة إِلَيْهِ فِي الْقَرِيبَة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 وكل ذَلِك مُوجب للْفَسَاد وَفِيه مُخَالفَة حِينَئِذٍ لما مر عَن ابْن بطال الَّذِي درج عَلَيْهِ النَّاظِم لأنّ ظَاهره أَن البيع لَازم إِذا كثرت الْأَيَّام، وَلَو علم المُشْتَرِي بتعديه لَكِن مَا لِابْنِ عَرَفَة هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ قَوْلهَا فِي الْخِيَار إِذا دخلا على الْخِيَار وَلم يضربا لَهُ أَََجَلًا فَإِنَّهُ يضْرب لَهُ من الْأَجَل مَا يَلِيق بِتِلْكَ السّلْعَة اه. فمفهومه أَنه إِذا غفلا وَلم يضربا لَهَا مَا يَلِيق بهَا كَانَ البيع فَاسِدا كَمَا مر، وَهنا حَيْثُ علم المُشْتَرِي بِالتَّعَدِّي دخلا على خِيَار الْمَالِك وغفلا عَن ضرب مَا يَلِيق بِالْمَبِيعِ فَتَأَمّله. وَأما إِذا لم يعلم المُشْتَرِي بِالتَّعَدِّي حِين العقد بل بعده أَو دخلا على عدم تَمْكِين الْمَالِك من فَسخه فالشراء لَازم لَهُ فِي الْقَرِيبَة وَيكْتب لمَالِك كَمَا قَالَه أَبُو الْحسن، وَفِي الْبَعِيدَة: لَا يلْزمه. وَله أَن يحل عَن نَفسه لما يلْحقهُ بِسَبَب الصَّبْر من الضَّرَر كَمَا قَالَه اللَّخْمِيّ وَغَيره قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: فَإِن لم يعلم المُشْتَرِي حَتَّى قدم الْغَائِب فَأمْضى البيع فَهُوَ مَاض وَلَا مقَال للْمُشْتَرِي اه. قلت: وَيبقى النّظر إِذا علم المُشْتَرِي وَالْغَائِب الْبعيد الْغَيْبَة وَرَضي المُشْتَرِي بِالصبرِ لقدومه فَظَاهر كَلَامهم أَن البيع صَحِيح وَلَو طَالَتْ الْغَيْبَة أَكثر من زمن الْخِيَار فِي تِلْكَ السّلْعَة فَتَأَمّله. وَلَكِن ظَاهر مَا تقدم عَن أبي الْحسن فِي الْخِيَار أَن البيع يفْسد فَانْظُرْهُ. وَقَوْلِي: وَصدقه المُشْتَرِي احْتِرَازًا مِمَّا إِذا أكذبه فَإِنَّهُ لَا يمْضِي قَوْله عَلَيْهِ كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْإِجَارَة لَا بِإِقْرَار الْمَالِك أَي: لَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة عقدهَا بِإِقْرَار مَالك الدَّابَّة أَو الدَّار أَنَّهُمَا لغيره وَالْبيع كَذَلِك لَا يقبل فِيهِ قَول البَائِع إِن الْمَبِيع لغيره إِلَّا إِذا أَقَامَ الْغَيْر بَيِّنَة أَنه لَهُ فَيثبت لَهُ الْخِيَار حِينَئِذٍ وإلاَّ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الثّمن أَو الْأُجْرَة. تَنْبِيه: حَيْثُ نقض الْمَالِك بيع الْفُضُولِيّ فَلِلْمُشْتَرِي الْغلَّة فِي جَمِيع الْأَحْوَال لِأَن الضَّمَان مِنْهُ إِلَّا إِذا علم بِالتَّعَدِّي حِين العقد، وَلم تكن للْبَائِع شُبْهَة من كَونه من نَاحيَة الْمَالِك أَو يتعاطى أُمُوره وَنَحْو ذَلِك كَمَا فِي شرَّاح (خَ) . ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم وَقَامَ بالفور فَقَالَ: وإنْ يَقُمْ مِنْ بَعْدِ أَنْ مَضى زَمَنْ فالبَيْعُ مَاضٍ وَلَهُ أَخْذُ الثَّمَنْ (وَإِن) لم (يقم) بالفور وَإِنَّمَا قَامَ (من بعد أَن مضى زمن) زَاد على الْخَمْسَة أَيَّام والستة على مَا يظْهر من النَّص السَّابِق (فَالْبيع مَاض وَله) أَي للْمَالِك (أَخذ الثّمن) مِنْهُ لِأَنَّهُ أقرّ بِأَنَّهُ لَا يسْتَحقّهُ وَلَا يسْقطهُ عَنهُ سكُوت الْمَالِك وَلَو طَال الزَّمَان كَمَا مرّ أول الْبيُوع. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَحل لُزُوم البيع فِي حق الْحَاضِر وَالْغَائِب فِيمَا تقدم إِذا سكت لغير عذر فَقَالَ: إنْ كَانَ عَالِماً بِفَعْلِ البَائِعِ وَسَاكِتاً لغيرِ عُذْرٍ مَانِعِ (إِن كَانَ) الْمَبِيع عَلَيْهِ مَاله الْحَاضِر أَو الْغَائِب (عَالما) حِين العقد فِي الْحَاضِر أَو بعده فِي الْغَائِب (بِفعل البَائِع وساكتاً) حَتَّى انْقَضى الْمجْلس فِي الْحَاضِر أَو حَتَّى مَضَت مُدَّة تدل على رِضَاهُ فِي الْغَائِب (من غير عذر مَانع) لَهُ من التَّغْيِير وَالْإِنْكَار، وَمَفْهُومه أَنه إِن لم يعلم بِفعل البَائِع أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 علم وَسكت لعذر من سطوة البَائِع أَو كَانَ ذَلِك فِي بِلَاد السائبة وَنَحْو ذَلِك فَلهُ الْقيام وَهُوَ كَذَلِك إِذا أشهد الْعُدُول بِأَنَّهُ غير رَاض بِمَا فعله البَائِع وَقَامَ بفور زَوَال الْعذر وَالله أعلم. وحاضِرٌ لِوَاهِبٍ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يُغَيِّرْ مَا رَأى مِن حَالِهِ (و) مَالك (حَاضر لواهب) فُضُولِيّ (من مَاله) شَيْئا كدار أَو دَابَّة وَنَحْوهمَا (وَلم يُغير مَا رأى من حَاله) أَي حَال الْوَاهِب وَلم يُنكره بل هُوَ عَالم سَاكِت بِلَا عذر. الحُكْمُ مَنْعُهُ القِيَامَ بِانْقِضَا مَجْلِسهِ إذْ صَمْتُهُ عَيْنُ الرِّضَا (الحكم مَنعه الْقيام) فِي نقض تِلْكَ الْهِبَة وفسخها (بانقضا مَجْلِسه) أَي العقد (إِذْ صمته) وسكوته حَتَّى انْقَضى الْمجْلس (عين الرِّضَا) بِعقد الْهِبَة فِي مَاله وَظَاهره سَوَاء وهبه الْفُضُولِيّ وَهُوَ يَدعِيهِ لنَفسِهِ أَو يَدعِيهِ للْمَالِك، وَهُوَ كَذَلِك وَلَا شَيْء لَهُ عَلَيْهِ من قيمَة الْمَوْهُوب وَلَا غَيرهَا. وَالْعِتْقُ مُطْلقاً عَلى السَّوَاءِ معْ هِبَةٍ وَالْوَطْءِ للإمَاءِ (وَالْعِتْق) أَي عتق الْفُضُولِيّ لرقيق الْغَيْر وَالْمَالِك حَاضر سَاكِت بِلَا عذر (مُطلقًا) ناجزاً كَانَ أَو لأجل أَو تَدْبِير أَو كِتَابَة (على السوَاء مَعَ هبة) فِي اللُّزُوم (وَالْوَطْء للإماء) كَذَلِك مسْقط الْحق الْمَالِك فِيهِنَّ حَيْثُ كَانَ الواطىء يَدعِي الملكية للموطوءة، وَأَن سَيِّدهَا كَانَ وَهبهَا لَهُ أَو اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَنَحْو ذَلِك وسيدها حَاضر سَاكِت بِلَا عذر وَلم يُغير وَلم يُنكر، ثمَّ قَامَ يُنَازع فَلَا حق لَهُ، وَإِن قصرت الْمدَّة وَأثبت الملكية. وَأما إِذا كَانَ الواطىء لَا يَدعِي شَيْئا من ذَلِك فَهُوَ زانٍ وسكوت الْمَالِك لَا يسْقط الْحَد عَنهُ، وَمَفْهُوم قَوْله: حَاضر إِنَّه إِذا لم يحضر مجْلِس عقد الْهِبَة أَو الْعتْق أَو الْوَطْء وَلَكِن بلغه ذَلِك فَإِن قَامَ بفور علمه كَالْيَوْمِ واليومين فَلهُ الْفَسْخ والإمضاء وَإِلَّا لزمَه ذَلِك كَمَا مر فِي البيع إِلَّا أَنه هُنَا لَا شَيْء لَهُ، لِأَنَّهُ فَوته بِغَيْر عوض. قَالَ ابْن رشد فِي كتاب الِاسْتِحْقَاق من بَيَانه إِثْر مَا مر عَنهُ: وَأما إِذا فَوته أَي الْفُضُولِيّ بِالصَّدَقَةِ أَو الْهِبَة أَو التَّدْبِير أَو الْعتْق فَإِن كَانَ حَاضرا فَسكت حَتَّى انْقَضى الْمجْلس لم يكن لَهُ شَيْء، وَإِن لم يكن حَاضرا فَقَامَ حِين علم كَانَ على حَقه، وَإِن لم يقم إِلَّا بعد الْعَام وَنَحْوه كَانَ القَوْل قَول الْحَائِز وَلم يكن لَهُ هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 شَيْء، وَأما إِذا فَوته بِالْكِتَابَةِ فيتخرج ذَلِك على الِاخْتِلَاف فِيهَا هَل تحمل محمل البيع أَو الْعتْق. وَكَذَا إِذا حَاز الْكل بِالْوَطْءِ فَهِيَ حِيَازَة، وَإِن لم تطل الْمدَّة اه بِاخْتِصَار. وَقَوْلِي: حِين علم الخ. يجْرِي فِيهِ من الْبَحْث مَا تقدم عِنْد قَوْله: يبلغهُ مَا عمله الخ. وَمَا ذكره النَّاظِم فِي الْوَطْء سَيَأْتِي لَهُ مثله فِي الْحَوْز حَيْثُ قَالَ: وَالْوَطْء للإماء بِاتِّفَاق مَعَ علمه حوز على الْإِطْلَاق وَمَا تقدم عَن ابْن رشد هُوَ الَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ أَبُو الْحسن والبرزلي وَغَيرهمَا وَهُوَ الْمُوَافق للنظم دون مَا لمطرف من أَنه إِذا كَانَ حَاضرا حَتَّى انْقَضى الْمجْلس وَقَامَ بحدثانه فَإِنَّهُ يرجع على حَقه وَيرد مَا وَقع فِيهِ من بيع وَنَحْوه الخ. فَإِنَّهُ لَا يُوَافق النّظم وَلَا يتنزل عَلَيْهِ، بل قَالَ الرجراجي فِي منهاجه على قَول مطرف مَا نَصه: لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يبادروا بالإنكار حِين علمهمْ أَو يتراخوا عَنهُ فَإِن بَادرُوا فِي الْحَال فَلهم رد البيع وَالْعِتْق وَالصَّدَََقَة، وَإِن لم يبادروا بالإنكار فِي الْحَال إِلَّا أَنهم قَامُوا بِالْقربِ فَلهم الثّمن فِي البيع وَالْقيمَة فِي الإيلاد وَالْعِتْق بعد أَن يحلفوا أَنهم مَا سوغوه ذَلِك وَلَا تَرَكُوهُ ليأخذوا الثّمن وَالْقيمَة ويردون الْهِبَة وَالصَّدَََقَة والإصداق بعد أَيْمَانهم أَنهم مَا تراخوا عَن الْقيام بِنَفس الْعلم إِلَّا للتدبير والتمري فِي إِقَامَة الْحجَّة وَهَذَا تَفْسِير مَا وَقع لمطرف فِي الْوَاضِحَة فَإِن تراخوا عَن الْإِنْكَار مُدَّة طَوِيلَة يفهم مِنْهَا إِسْقَاط الْحجَّة وَتَسْلِيم الشَّيْء لحائزه وتسويغ فعله فَلَا خلاف أعلمهُ فِي الْمَذْهَب أَن ذَلِك يدل على مَالك الْحَائِز اه. فَأَيْنَ هَذَا من كَلَام النَّاظِم حَتَّى يشْرَح بِهِ؟ تَنْبِيه: إِذا فَوت الْكل فَلَا إِشْكَال أَن حكمه مَا مر للناظم، وَإِن فَوت الْأَكْثَر فالأقل تَابع لَهُ على قَول ابْن الْقَاسِم، وَقيل: لَا يكون تبعا وَهُوَ ظَاهر سَماع سَحْنُون وَإِن فَوت الْأَقَل فَقيل: لَا يكون تبعا وَإِن فَوت النّصْف وَمَا قاربه فَلَا يكون أَحدهمَا تبعا للْآخر بِلَا خلاف قَالَه ابْن رشد، وَهَذَا الَّذِي ذكره إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا كَانَ يَدعِيهِ لنَفسِهِ لِأَن الشَّيْء الْبَاقِي بِلَا تَفْوِيت يبْقى حِينَئِذٍ للحائز البَائِع والواهب وَلَا تسمع دَعْوَى الْقَائِم فِيهِ، وَأما إِن كَانَ يقر بِهِ للْمَالِك، فَلَا يكون شَيْء من ذَاك تبعا بل الْبَاقِي يبْقى للْمَالِك وَالله أعلم. وَالزَّوْجَةُ اسْتَفَادَ زَوْجٌ مَا لهَا وَسَكَتَتْ عَنْ طَلَبٍ لِمَا لهَا (وَالزَّوْجَة اسْتَفَادَ زوج مَا لَهَا) فاستغل حائطها أَو حرث أرْضهَا أَو تولى كِرَاء رباعها للْغَيْر وَقبض أكريتها أَو قبض لَهَا ديوناً أَو أَثمَان المبيعات (وسكتت عَن طلب لما) اسْتَقر (لَهَا) فِي ذَلِك كُله أَو فِي شَيْء مِنْهُ فَلم تغير وَلم تنكر حَتَّى مضى زمَان، ثمَّ أَرَادَت أَن تقوم عَلَيْهِ. لَهَا القِيَامُ بَعْدُ فِي المَنْصُوصِ وَالخُلْفُ فِي السُّكْنَى عَلَى الْخُصُوصِ (لَهَا الْقيام بعد) سكُوتهَا وَلَو طَال (فِي الْمَنْصُوص) لمَالِك من رِوَايَة أَشهب وَابْن نَافِع قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 بَعضهم: وَلم يخْتَلف قَول مَالك فِي ذَلِك قَالَه فِي كتاب الشُّرُوط من أنكحة الْمُتَيْطِيَّة قَالَ: وَكَذَلِكَ إِذا أنفقت عَلَيْهِ من مَالهَا ثمَّ طلبته بذلك أَن ذَلِك لَهَا وَإِن كَانَ عديماً فِي حَال النَّفَقَة بعد يَمِينهَا أَنَّهَا لم تنْفق عَلَيْهِ وَلَا تركته يَأْكُل مَالهَا إِلَّا لترجع عَلَيْهِ اه. وَفِي فصل الْمُتْعَة أَوَائِل النِّكَاح من ابْن سَلمُون مَا نَصه: فَإِن استغل الزَّوْج مَال زَوجته وازدرعه وانتفع بِهِ وَهِي تَحْتَهُ من غير مُتْعَة، ثمَّ قَامَت تطلبه بالكراء كَانَ ذَلِك لَهَا، وَإِن ازدرعه بأمرها وَأكله وَلَا يعلم هَل كَانَ عَن طيب نفس مِنْهَا أم لَا. ثمَّ طلبته بالكراء كَانَ لَهَا ذَلِك بعد يَمِينهَا أَنَّهَا لم تهب ذَلِك وَلَا خرجت عَنهُ، وَسُئِلَ بَعضهم عَن الْمَرْأَة تُعْطِي زَوجهَا طَعَاما أَو ذَهَبا أَو ثيابًا عَن طيب نفس مِنْهَا إِلَى أَعْوَام ثمَّ يَقع بَينهمَا كَلَام فتطلب ذَلِك وتزعم أَنه كَانَ سلفا فَقَالَ: القَوْل قَوْلهَا مَعَ يَمِينهَا وَلها أَخذ ذَلِك اه. قلت: مَا فِي النّظم ظَاهر إِذا لم يدع أَنه كَانَ يدْفع لَهَا غَلَّتهَا وَمَا قَبضه من أكرية أراضيها وأثمان مَا بَاعه لَهَا وَإِلَّا فَإِن ادّعى هُوَ أَو ورثته أَن موروثهم دفع ذَلِك قبل مَوته فَيجْرِي على مَا تقدم فِي قَوْله فِي الْوكَالَة: وَالزَّوْج للزَّوْجَة كالموكل فِيمَا من الْقَبْض لما باعت يَلِي فراجع ذَلِك هُنَاكَ، وَمحله أَيْضا إِذا لم تكن بَينهمَا مَوَدَّة وَرَحْمَة وَقَامَت بِالْقربِ وإلاَّ فَهُوَ مَحْمُول على الصِّلَة وَالْمَعْرُوف فَلَا قيام لَهَا، فَفِي أقضية الْبُرْزُليّ سُئِلَ ابْن رشد عَمَّن استغل ربع زَوجته ثمَّ قَامَت تطلب مَا استغل لَهَا من تركته؟ فَأجَاب: إِن علم أَنه كَانَ يستغل ذَلِك على سَبِيل الصِّلَة وَالْمَعْرُوف فَلَا شَيْء لَهَا، وَإِن علم استغلاله لذَلِك وَلم يعلم هَل كَانَ يصرف ذَلِك فِي مَنَافِعه أَو مَنَافِعهَا؟ فَالْقَوْل قَوْلهَا مَعَ يَمِينهَا فِيمَا قرب من الْمدَّة أَنه لم يدْفع ذَلِك وَيكون ذَلِك لَهَا فِي مَاله اه. فَأَنت ترَاهُ قيد ذَلِك بِمَا إِذا لم يكن ذَلِك على وَجه الصِّلَة. وَمِمَّا إِذا قَامَت بِالْقربِ، وبمثله أجَاب أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن التازغددي حَسْبَمَا فِي الكراس الثَّالِث من معاوضات المعيار قَائِلا: إِن كَانَ الزَّوْج مِمَّن يَسْطُو عَلَيْهَا ويقهرها فتأخذ جَمِيع مَا أكل لَهَا على هَذِه الصّفة وَإِن كَانَ بَينهمَا من الْمَوَدَّة وَالرَّحْمَة مَا جرت الْعَادة بِهِ بَين الزَّوْجَيْنِ فَيكون مَا أكله من مَالهَا وفوته بعلمها وعَلى عينهَا سَاقِط عَنهُ إِلَّا أَن يَبِيع بِالثّمن الْكثير الَّذِي لَهُ خطر وتدعي أَنَّهَا لم تتْرك ذَلِك إِلَّا على وَجه الْأَمَانَة فتحلف على ذَلِك وتستحقه اه. وَهُوَ صَرِيح فِي أَنه إِذا كَانَت بَينهمَا مَوَدَّة لَا شَيْء لَهَا فَتَأَمّله مَعَ مَا مر عَن ابْن سَلمُون، وكل مَا لَا يطْلب إِلَّا عِنْد الشنآن وَالْخِصَام فَهُوَ مَحْمُول على الصِّلَة كَمَا فِي ظَنِّي أَنِّي وقفت عَلَيْهِ كَذَلِك، وَلم أذكر الْآن مَحَله، ثمَّ بعد كتبي هَذَا وقفت عَلَيْهِ نصا للخمي ونقلته فِي بَاب الْعَارِية، وَانْظُر مَا تقدم عَن المعيار فِي آخر فصل مَا تهديه الزَّوْجَة لزَوجهَا بعد العقد وَلَا يخفى أَن عَادَة الْبَوَادِي أَن ذَلِك للصلة وَالْقَضَاء بِمَا بِهِ الْعَادة وَاجِب كَمَا مرّ فِي الثنيا، وَعَلِيهِ فَمَا يَقع بَينهم من النزاع عِنْد الشنآن فِي رِعَايَة مَاشِيَة الزَّوْجَة فيطلبها الزَّوْج بِأُجْرَة رعايته، وتطلبه هِيَ بِمَا أكل من لَبنهَا وَبَاعه من صوفها وكراء حرثه على بقرها لَا يقْضِي لأَحَدهمَا على الآخر بِشَيْء لِأَن ذَلِك كُله كَانَ على وَجه الصِّلَة على مَا تقررت بِهِ عوائدهم وَمَا يُوجد من فَتَاوَى الْمُتَأَخِّرين من أَنَّهَا تحاسبه بالغلة ويحاسبها هُوَ بالرعاية وَمن لَهُ فضل أَخذه إِنَّمَا هُوَ إِذا علم تسوره عَلَيْهَا وقهره لَهَا وَلم تعلم مَوَدَّة بَينهمَا كَمَا ترى، وَلَا سِيمَا وَقد تقدم أَن السُّكُوت لَيْسَ بِإِذن وَلَا رضَا إِلَّا فِيمَا علم بمستقر الْعَادة أَن أحدا لَا يسكت عَنهُ إِلَّا بِرِضَاهُ وَالله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 أعلم. ثمَّ لَا خُصُوصِيَّة للزَّوْجَة بِهَذَا الْمَعْنى بل غَيرهَا مِمَّا علم أَنه للصلة كَذَلِك وتذكر قَول (خَ) فِي النَّفَقَات: إِلَّا لصلة الخ. وَفِي الِاسْتِحْقَاق من العلمي عَن الونشريسي أَن لوَرَثَة الزَّوْجَة طلب الزَّوْج بِمَا اغتله من مَال زَوجته وَله استحلافهم إِن ادّعى عَلَيْهِم إِذْنهَا بِأَكْلِهِ بِغَيْر عوض وَهِي من دَعْوَى يَمِين الْمَعْرُوف ومعروف الْمَذْهَب توجيهها، وَكَذَا يرجع على بعض الْوَرَثَة إِن استبد باغتلال موروثهم مَا لم يكن سكوتهم عَنهُ على وَجه الْهِبَة اه. وَفِي المعيار إِثْر مَا مر عَنهُ بِنَحْوِ الورقتين عَن أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم الأغصاوي أَنه سُئِلَ عَن رجل لَهُ ابْن بَالغ متزوج بَائِن عَنهُ، فَكَانَ الابْن يحرث أَرضًا لوالده ويستغلها لنَفسِهِ بِمحضر وَالِده وَعلمه، وَرُبمَا حرثها ببقر وَالِده ثمَّ مَاتَ الْأَب وَالِابْن فَقَامَ وورثة الْأَب على وَرَثَة الابْن يطلبونهم بغلة الأَرْض الْمَذْكُورَة، وَلَا يدْرِي بِمَا استغلها الابْن هَل بِإِذن وَالِده أم لَا؟ فَأجَاب: لَا شَيْء لوَرَثَة الْأَب على وَرَثَة الإبن من الْغلَّة الَّتِي استغل فِي حَيَاة أَبِيه اه. وَانْظُر شَارِح نظم الْعَمَل عِنْد قَوْله: وخدمة النِّسَاء فِي الْبَوَادِي الخ. فَفِيهِ أَن الْمَرْأَة لَا أُجْرَة لَهَا على زَوجهَا فِيمَا جرت الْعَادة بخدمتها من نسج وغزل ورعاية وَنَحْو ذَلِك وَالله أعلم. وَانْظُر نَوَازِل الْغَصْب والتعدي من العلمي إِن شِئْت، وَانْظُر أَيْضا مَا يَأْتِي فِي الْإِجَارَة عَن العبدوسي. (وَالْخلف) فِي استغلاله (بِالسُّكْنَى) مَعهَا فِي دارها (على الْخُصُوص) فَفِي كتاب الْعدة مِنْهَا أَن لَهَا الْكِرَاء إِن كَانَ الزَّوْج مُعسرا حِين السُّكْنَى مَعهَا وإلاَّ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ. وَفِي كتاب كِرَاء الدّور مِنْهَا لَا كِرَاء لَهَا عَلَيْهِ، وَإِن كَانَت تسكن بالكراء إِلَّا إِن تبين لَهُ ذَلِك وَعَلِيهِ عول (خَ) إِذْ قَالَ: وَإِن تزوج ذَات بَيت وَإِن بكرا فَلَا كِرَاء إِلَّا أَن تبين الخ. وَهَذَا إِذا كَانَت رَشِيدَة وإلاَّ فلهَا الْكِرَاء، وَظَاهر القَوْل بالسقوط الَّذِي عول عَلَيْهِ (خَ) أَنه لَا كِرَاء حَيْثُ لم تبين وَلَو كَانَت الْعَادة جَارِيَة بِأَن لَا يسكن فِي دارها إِلَّا بالكراء وَهُوَ مَا عَلَيْهِ ابْن لب كَمَا فِي المعيار قَائِلا: لِأَن الْقَائِل بالسقوط أطلق وَمَا فصل وَلَا قيد وَفِيمَا قَالَه شَيْء لقَوْل الْقَرَافِيّ: الْأَحْكَام مَبْنِيَّة على العوائد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 تَدور مَعهَا حَيْثُ دارت بِإِجْمَاع. انْظُر شرحنا للشامل، وَمثل دارها دَار أمهَا أَو أَبِيهَا وَأما دَار أَخِيهَا أَو عَمها فَإِن طَالَتْ الْمدَّة فَلَا شَيْء لَهما عَلَيْهِ، وَإِذا قصرت الْمدَّة حلفا أَنَّهُمَا إِنَّمَا أسكناه بِالْأَجْرِ قَالَه اللَّخْمِيّ. كَذَاكَ مَا اسْتَغَلَّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ مُتِّعَ إنْ مَاتَ كَمثْلِ مَا سَكَنْ (كَذَاك مَا استغله) الزَّوْج (من غير أَن متع) أَي من غير أَن تبيح لَهُ ذَلِك الاستغلال وَتسقط رُجُوعهَا بِهِ عَلَيْهِ نصا أَو عَادَة وَهِي رَشِيدَة فَالْحكم فِيهِ (إِن مَاتَ) الزَّوْج فَمَا من قَوْله مَا استغله مُبْتَدأ صلته مَا بعده وَخَبره (كَمثل مَا سكن) وَقَوله. فِيهِ خِلافٌ وَالَّذِي بِهِ الْعَمَلْ فِي المَوْتِ أَخْذُهَا كِرَاء مَا اسْتَغَلْ (فِيهِ خلاف) مُبْتَدأ وَخبر. وَقَوله: كَذَاك حَال مِنْهُ أَي مَا استغله من غير تمتيع إِن مَاتَ الزَّوْج كَائِن كَمثل مَا سكن فِيهِ خلاف حَال كَونه كالخلاف فِي السُّكْنَى، فعلى مَا فِي الْمُدَوَّنَة فِي كتاب الْعدة لَهَا ذَلِك، وعَلى مَا فِي كتاب كِرَاء الدّور لَا شَيْء لَهَا. هَكَذَا أجْرى بَعضهم الْخلاف فِيهِ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، وحكاية الْخلاف هَهُنَا توجب جَرَيَانه فِي قَوْله لَهَا الْقيام بعد فِي الْمَنْصُوص إِذْ لَا فرق بَين مَا هُنَا وَمَا هُنَاكَ إِلَّا كَون الزَّوْج قد مَاتَ هُنَا وَهُنَاكَ لَا زَالَ حَيا، وَلَيْسَت حَيَاته مُوجبَة اخْتِصَاصه بِحكم لَا يثبت لَهُ فِي مَوته لِأَن وَارثه قَائِم مقَامه فَكَأَنَّهُ حَيّ، فَلَو اسْتغنى النَّاظِم بِمَا مر عَمَّا هُنَا لكفاه. (وَالَّذِي بِهِ الْعَمَل فِي الْمَوْت أَخذهَا كِرَاء مَا استغل) وَحَاصِله؛ أَن قَول مَالك لم يخْتَلف فِي رُجُوعهَا بِمَا أكله من مَالهَا كَمَا مر عَن الْمُتَيْطِيَّة، لَكِن خرج الْخلاف فِيهِ من اخْتِلَاف قَوْله فِي السُّكْنَى كَانَ حَيا أَو مَيتا، ويقيد هَذَا الْعَمَل بِمَا تقدم عَن ابْن رشد وَغَيره وَالله أعلم. وَمَفْهُوم قَوْله: من غير أَن متع أَنَّهَا إِن متعته بذلك لَا رُجُوع لَهَا وَهُوَ كَذَلِك، إِلَّا أَن التمتيع إِذا كَانَ فِي عقد النِّكَاح فَإِن النِّكَاح فَاسد كَمَا مرّ. فرع: قَالَ فِي الْبَاب الْخَامِس وَالْعِشْرين من التَّبْصِرَة: إِذا بنى الرجل فِي دَار امْرَأَته وَأنْفق فِي ذَلِك نَفَقَة ثمَّ قَامَ يطْلب ذَلِك وَقَالَت هِيَ: إِن النَّفَقَة كَانَت من مَالِي، فَإِن أقرّ أَن الْبناء لَهَا كَانَ القَوْل قَوْلهَا مَعَ يَمِينهَا على الْأَظْهر من الْأَقْوَال، وَإِن قَالَ: إِنَّمَا بنيت لنَفْسي بأمرها وبمالي فَالْقَوْل قَوْله إِن النَّفَقَة من مَاله من غير خلاف اه. وَحَاضِرٌ لِقَسْمِ مَتْرُوكٍ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَكُنْ أَهْمَلَهُ (وحاضر) عَالم بِدِينِهِ سَاكِت بِلَا عذر (لقسم) مَال (مَتْرُوك) عَن ميت (لَهُ) أَي لذَلِك الْحَاضِر (عَلَيْهِ) أَي على الْمَيِّت الَّذِي ترك المَال (دين لم يكن أهمله) أَي أسْقطه بِوَجْه. لَا يُمْنَعُ الْقِيَامَ بَعْدَ أَنْ بَقِي لِلْقَسْم قَدْرُ دَيْنِهِ المُحَقَّقِ (لَا يمْنَع) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (الْقيام) بِدِينِهِ (بعد) صُدُور ذَلِك الْقسم (إِن بَقِي للقسم) أَي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 لأجل الْقسم فِي الْمُسْتَقْبل (قدر دينه الْمُحَقق) لِأَنَّهُ يَقُول: إِنَّمَا سكت لكَون الْبَاقِي بِلَا قسم فِيهِ وفاه بديني. وَيَقْتَضِي مِنْ ذَاكَ حَقًّا مَلَكَهْ بَعْدَ الْيَمِينِ أَنَّهُ مَا تَرَكَهْ (وَيَقْتَضِي من ذَاك) الْبَاقِي بِلَا قسم (حَقًا) أَي دينا (ملكه) وَثَبت لَهُ (بعد الْيَمين) يتَعَلَّق بيقتضي أَي يَقْتَضِي حَقه من ذَلِك الْبَاقِي بعد حلفه (أَنه مَا تَركه) وَلَا أسْقطه بسكوته حَال الْقسم، ثمَّ بعد هَذِه الْيَمين يحلف يَمِين الْقَضَاء فَعَلَيهِ يمينان. الأولى لرفع احْتِمَال أَن يكون أسقط دينه بسكوته حَال الْقسم، وَالثَّانيَِة لرفع احْتِمَال أَن يكون اقْتضى حَقه من الْمَيِّت فِي حَيَاته أَو أَحَالهُ بِهِ وَنَحْو ذَلِك، وَمَفْهُوم إِن بَقِي قدر دِيَته أَنه إِن بَقِي أقل فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذ إِلَّا ذَلِك الْأَقَل بعد يَمِينه أَيْضا وَأَنه إِن لم يبْق شَيْء فَلَا شَيْء لَهُ، وَظَاهره وَسَوَاء قسم ذَلِك الْغُرَمَاء أَو الْوَرَثَة وَهُوَ كَذَلِك وَلَا مَفْهُوم لدين بل كَذَلِك لَو كَانَت لَهُ عِنْده وَدِيعَة وَنَحْوهَا، أَو كَانَ شَرِيكا مَعَه فِي دَار وَنَحْوهَا فَقَسمهَا الْوَرَثَة أَو الْغُرَمَاء أَو باعوها وَهُوَ حَاضر ينظر فَلَا قيام لَهُ، بل ذكر فِي الْمُدَوَّنَة أَن رب الدّين إِذا حضر تفليس الْغَرِيم فَلم يقم بَطل حَقه، وَإِن لم يحضر الْقِسْمَة قَالَ فِيهَا: وَمن كَانَ من الْغُرَمَاء حَاضرا عَالما بتفليسه فَلم يقم مَعَ من قَامَ فَلَا رُجُوع لَهُ على الْغُرَمَاء، وَذَلِكَ رضَا مِنْهُ بِبَقَاء دينه فِي ذمَّة الْغَرِيم، ابْن يُونُس، قَالَ بعض الْفُقَهَاء: اخْتلف ابْن الْقَاسِم وَغَيره إِذا كَانُوا حضوراً حَال التَّفْلِيس وَلم يحضروا حَال الْقِسْمَة، فَأَما إِن حَضَرُوا حَال الْقِسْمَة وسكتوا فَلَا رُجُوع لَهُم على الْغُرَمَاء بِلَا خلاف، وَقَوْلِي: عَالما بِدِينِهِ احْتِرَازًا مِمَّا إِذا قَالَ مَا علمت بِالدّينِ إِلَّا حِين وجدت الْوَثِيقَة فَإِنَّهُ يحلف وَيكون لَهُ الْقيام اتِّفَاقًا فقد قَالَ ابْن حَارِث: اتَّفقُوا على أَن من أَخذ من رجل مَالا يجب لَهُ بِقَضَاء أَو بِغَيْر قَضَاء ثمَّ ثَبت الْحَقِيقَة فَإِنَّهُ يرد مَا أَخذه اه. بل فِي (ح) أَوَائِل الِاسْتِحْقَاق: أَن من اشْترى شَيْئا وَهُوَ يرى أَن لَا بَيِّنَة لَهُ ثمَّ وجد بَينته فَلهُ الْقيام وَأخذ الثّمن من البَائِع، وَالْقَوْل قَوْله إِنَّه إِنَّمَا اشْتَرَاهُ لما ذكر اه. قَالَ ابْن رحال: وَأَحْرَى لَو اشْتَرَاهُ وَهُوَ غير عَالم أَنه لَهُ اه. وَقَوْلِي: بِلَا عذر احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ لَهُ عذر كسلطان يتمنعون بِهِ أَو لم يعرف شُهُوده أَو كَانُوا غيباً أَو لم يجد ذكر حَقه إِلَّا عِنْد قِيَامه وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يعْذر بِهِ فَإِنَّهُ يحلف مَا كَانَ تَركه الْقيام إِلَّا للْوَجْه الَّذِي ذكره، ثمَّ يكون على حَقه وَإِن طَال زَمَانه قَالَه فِي التَّبْصِرَة. وَقَوله: أَو لم يجد ذكر حَقه الخ. نَحوه لِابْنِ سَلمُون فِي فصل الْإِقْرَار وَهُوَ صَرِيح فِي أَنه لَو قَالَ: كنت أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 ديني وَلَكِن كنت أنْتَظر الْوَثِيقَة وَخفت إِن قُمْت عجزني القَاضِي، أَو قَالَ: لم أجد الْوَثِيقَة الَّتِي نقوم بهَا فَلذَلِك سكت حِين الْقسم، والآن وَجدتهَا لَكَانَ ذَلِك من الْعذر الَّذِي لَا يبطل بِهِ حَقه، وَهُوَ الَّذِي رَجحه الونشريسي فِي شرح ابْن الْحَاجِب، وَنَقله العلمي فِي الِاسْتِحْقَاق وَالْغَصْب من نوازله، وَرجحه أَيْضا الرهوني فِي حَاشِيَته فَمَا فِي (ح) عَن الْجُزُولِيّ وَالشَّيْخ يُوسُف بن عمر من أَن ذَلِك لَيْسَ بِعُذْر لَا يعول عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي ذَلِك إِن شَاءَ الله فِي فصل الْحَوْز. فَإِن قلت: قد قَالَ (خَ) فِي بَاب الصُّلْح: لَا إِن علم بَيِّنَة وَلم يشْهد الخ. والجاري عَلَيْهِ أَنه لَا يعْذر بقوله: إِنَّمَا لم أقِم لعدم وجودي للوثيقة أَو لكَون الشُّهُود غيباً لعدم إشهاده بذلك. قُلْنَا: قد يفرق بَينهمَا بِأَنَّهُ فِي الصُّلْح وجد مِنْهُ عقد فَلَا يصدق فِي ذَلِك مَعَ عدم الْإِشْهَاد، وَهَذَا إِنَّمَا وجد مِنْهُ سكُوت وَهُوَ لَيْسَ بِرِضا كَمَا اقْتصر عَلَيْهِ ابْن رشد، وَإِنَّمَا الْخلاف هَل هُوَ إِذن أم لَا؟ وَأظْهر الْقَوْلَيْنِ إِنَّه لَيْسَ بِإِذن إِلَّا فِيمَا علم بمستقر الْعَادة أَن أحدا لَا يسكت عَنهُ إِلَّا بِرِضا كَمَا فِي بيع الْفُضُولِيّ وهبته قَالَه ابْن رشد أَيْضا، وَنقل (ح) بعضه فِي بَاب الْإِقْرَار فالساكت أَضْعَف من الْعَاقِد للصلح وَالله أعلم. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ فِي نَوَازِل الِاسْتِحْقَاق من المعيار: سُئِلَ ابْن الفخار عَن إخْوَة ورثوا عَن أَبِيهِم أملاكاً فاعتمروها زَمَانا واقتسموها فِيمَا بَينهم، وَلَهُم أَخَوَات فِي بُيُوتهنَّ ساكنات مَعَهم فِي الْقرْيَة أَو فِي قَرْيَة بَائِنَة بِالْقربِ مِنْهُم، ثمَّ يقوم الْأَخَوَات على الْإِخْوَة بعد الْقِسْمَة ويحتج الْإِخْوَة عَلَيْهِنَّ بِالْقِسْمَةِ ويدعين الْجَهْل وأنهن لم يعلمن أَن الْقسم يقطع حقوقهن. فَأجَاب: بأنهن يحلفن على ذَلِك ويأخذن حقوقهن اه. قلت: هَذَا مُخَالف لما مر أول الْفَصْل من أَن السَّاكِت لَا يعْذر بجهله، وَأَن السُّكُوت يقطع حَقه، وَمَا لِابْنِ الفخار كَأَنَّهُ اعْتمد فِيهِ أَن من ادّعى الْجَهْل فِيمَا يجهله أَبنَاء جنسه صدق، وَنَحْوه لأبي الْحسن وَنَقله عَنهُ فِي وَصَايَا المعيار فِي بكر تَصَدَّقت بميراثها على إخوتها فَتزوّجت، واقتسم الْأُخوة ذَلِك وَبَاعُوا وَبعد عشر سِنِين قَامَت زاعمة أَنَّهَا إِنَّمَا سكتت لجهلها بِأَن الْبكر الْمُهْملَة لَا تلزمها صدقتها فَقَالَ: القَوْل قَوْلهَا لِأَن مَا ادَّعَت الْجَهْل فِيهِ مِمَّا يجهله الْعَوام غَالِبا وَلَا يعرفهُ إِلَّا أهل الْفِقْه، وقاعدتهم أَن من ادّعى الْجَهْل فِيمَا يجهله أَبنَاء جنسه غَالِبا فَالْقَوْل قَوْله فِي جَهله والنصوص فِي ذَلِك كَثِيرَة اه. وَمثله فِي الْبُرْزُليّ فِي مَوَاضِع من ديوانه، فَانْظُرْهُ بعد الْكَلَام على بعث الْحكمَيْنِ بأوراق، وَلَكِن لما نقل فِي المعيار مَا مر عَن أبي الْحسن قَالَ منكتاً عَلَيْهِ مَا نَصه، قَالَ ابْن رشد: الأَصْل فِي هَذَا أَن كل مَا يتَعَلَّق بِهِ حق الْغَيْر لَا يعْذر الْجَاهِل فِيهِ بجهله، وَمَا لَا يتَعَلَّق بِهِ حق الْغَيْر فَإِن كَانَ مِمَّا يَسعهُ ترك تعلمه عذر بجهله وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يَسعهُ ترك تعلمه لم يعْذر بجهله، فَهَذِهِ جملَة كَافِيَة يرد إِلَيْهَا مَا شَذَّ عَنْهَا اه. قَالَ: فَتَأَمّله مَعَ ضَابِط الشَّيْخ يَعْنِي أَبَا الْحسن اه. وَقد أَشَارَ فِي الْمنْهَج إِلَى هَذِه الْقَاعِدَة وَصدر بِمَا لِابْنِ رشد فَانْظُرْهُ وَقد قَالَ الْمقري فِي قَوَاعِده: الْجَهْل بِالسَّبَبِ عذر كتمكين الْمُعتقَة جاهلة بِالْعِتْقِ وبالحكم قَولَانِ للمالكية كتمكينها جاهلة أَن لَهَا الْخِيَار، وَالصَّحِيح أَن الْفرق بَين مَا لَا يخفى غَالِبا كَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَمَا قد يخفى مثل تمكينها بِأَن لَهَا الْخِيَار اه. وَقد جرى على هَذَا التَّصْحِيح (خَ) فِي قَوْله فِي الْعُيُوب: وَخير مُشْتَر ظَنّه غَيرهمَا، وَبِالْجُمْلَةِ فالجهل بِالسَّبَبِ عذر اتِّفَاقًا، وَالْجهل بالحكم غير مُؤثر على الْمَشْهُور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 كتمكينها جاهلة أَن لَهَا الْخِيَار وكإسقاط الشُّفْعَة جَاهِلا بِالْبيعِ عَالما وُجُوبهَا، وَالصَّحِيح الْفرق بَين مَا لَا يخفى كجهل الحكم فِي الزِّنَا وَالشرب وَالسَّرِقَة وَبَين مَا قد يخفى كجهل الْمُعتقَة أَن لَهَا الْخِيَار، وَلذَلِك علل ابْن الْعَطَّار الْمَشْهُور بِمَا إِذا اشْتهر ثُبُوت الْخِيَار لَهَا بِحَيْثُ لَا يخفى على أمة وَأما إِن أمكن جهلها فَلَا اه. قَالَ فِي ضيح: الْأَقْرَب بِأَن قَول ابْن الْعَطَّار تَقْيِيد وَظَاهر ابْن الْحَاجِب وَغَيره أَنه مُقَابل اه. وَقد جرى على هَذَا التَّقْيِيد والتصحيح شرَّاح الْمَتْن عِنْد قَوْله فِي الشَّهَادَات: وليجب عَن الْقصاص العَبْد، وَعَن الْأَرْش السَّيِّد، وَعند قَوْله: وليبين الْحَاكِم حكمه. وَجرى عَلَيْهِ (ح) فِي الْوكَالَة حَيْثُ نقل عَن الرعيني أَن الْعَاميّ إِذا أنكر أصل الْمُعَامَلَة لَا يضرّهُ، وَأهل التوثيق قاطبة على خلَافَة وَقد أطْلقُوا وَمَا فصلوا وَلَا قيدوا، وَكَذَا مَا ذكره ابْن عبد السَّلَام من أَن الشَّاهِد إِذا شهد وَحلف لَا تسْقط شَهَادَته وَهُوَ خلاف إِطْلَاق (خَ) وَغَيره. انْظُر الْعمريّ من شرح الشَّامِل، وَانْظُر مَا ذكره شرَّاح الْمَتْن فِي الرَّاهِن لَا يقْضى عَلَيْهِ بالتعجيل إِذا وهب الرَّهْن ظَانّا أَنه لَا يقْضى عَلَيْهِ بفكه عِنْد قَوْله فِي الْهِبَة ورهناً لم يقبض، وَمِنْهَا مَا قَالُوهُ فِيمَن اشْترى شِقْصا جَاهِلا بِأَن شريك بَائِعه مُتحد مدخله مَعَ بَائِعه فَهُوَ عيب يرد بِهِ كَمَا نَقَلْنَاهُ فِي الصَّفْقَة من اللامية إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يدْخل تَحت الْقَاعِدَة، وَقد وَقع النزاع فِي النَّازِلَة وَقت ولايتنا خطة الْقَضَاء بفاس، فَكتبت فِي النَّازِلَة مَا يعلم بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ فِي نَوَازِل الْحجر من نوازلنا وَالله أعلم. الثَّانِي: كثيرا مَا يَقع فِي الْبَوَادِي يقسم الْإِخْوَة وَنَحْوهم وَتعلم الْأُخْت وَنَحْوهَا أَن حظها خرج مَعَ شقيقها مثلا وَهِي ساكتة ثمَّ يَبِيع الْأَخ الْكل أَو الْبَعْض، ثمَّ تقوم الْأُخْت وتريد نقض الْقِسْمَة لِأَنَّهَا لم ترض فَلَا كَلَام لَهَا على مَا مر عَن ضيح وَغَيره، وَلها ذَلِك على مَا لِابْنِ الفخار إِن جهلت أَن السُّكُوت يقطع حَقّهَا. (فصل فِي بيع المضغوط) وَهُوَ من أكره على البيع أَو على سَببه قَالَ فِي الْقَامُوس: الضغطة بِالضَّمِّ الضّيق وَالْإِكْرَاه والشدة، (وَمَا أشبهه) من بيع الْمَغْصُوب مِنْهُ للشَّيْء الْمَغْصُوب. وَمَنْ يَبِعْ فِي غَيْرِ حَقَ شَرْعِي بالْقَهْرِ مَا لاَ تَحْتَ ضَغْطٍ مَرْعِي (وَمن يبع فِي غير حق شَرْعِي بالقهر) مُتَعَلق بقوله يبع (مَا لَا) مفعول كَانَ ذَلِك المَال أصلا أَو غَيره (تَحت ضغط) أَي ضيق وَشدَّة (مرعي) أَي مُعْتَبر بِأَن يكون كَمَا فِي (خَ) بخوف مؤلم من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 قتل أَو ضرب أَو سجن أَو قيد أَو صفع لذِي مُرُوءَة بملأ أَو قتل وَلَده أَو أَخذ مَاله، وَهل إِن كثر تردد اه.؟ فَإِذا خَافَ نزُول شَيْء بِهِ من هَذِه الْأُمُور حَالا أَو مَآلًا فَبَاعَ، وَأَحْرَى لَو نزل بِهِ بَعْضهَا بِالْفِعْلِ فَإِن بَيْعه غير لَازم لعدم تَكْلِيفه لِأَنَّهُ مكره وَالْمكْره غير مُكَلّف. قَالَ الشَّارِح: والإهانة الملزمة لمن لَا تلِيق بِهِ إِكْرَاه قَالَ فِي نَوَازِل الْكفَالَة من الْبُرْزُليّ فِي قوم تضامنوا لعداوة كَانَت بَينهم: إِن مَا ذهب لأَحَدهم ضمنه الْآخرَانِ الْكفَالَة غير لَازِمَة لوُجُود الْإِكْرَاه بالخوف من رُجُوع الْعَدَاوَة، وَسَوَاء اسْتمرّ التخويف بِمَا تقدم حَتَّى وَقع عقد البيع أَو لم يسْتَمر بل وَقع الْإِكْرَاه على نفس البيع أَو على سَببه، ثمَّ ترَاخى البيع إِلَى نَحْو الشَّهْر والشهرين مثلا كَمَا قَالَه ولد النَّاظِم، وَهُوَ الْمُعْتَمد خلافًا لما لِابْنِ لب من أَنه لَا ضغط حَيْثُ تَأَخّر العقد عَنهُ وَاحْترز بقوله: مرعي مِمَّا بيع حَيَاء أَو رَغْبَة أَو على مَال تافه، وَأما الْخَوْف على أَجْنَبِي فصصح ابْن بشير قَول أَشهب: بِأَنَّهُ لَا إِكْرَاه، وَقَالَ ابْن بزيزة: إِنَّه الْمَشْهُور وَأَحْرَى خَوفه على قتل أَبِيه أَو عَمه، بل صرح ابْن فَرِحُونَ بِأَن المعرة إِكْرَاه وَلَا يخفى أَن قتل الْأَجْنَبِيّ عِنْد الْمُؤمن أعظم من صفع قَفاهُ وَمَفْهُوم قَوْله فِي غير حق شَرْعِي: إِن مَا إِكْرَاه على بَيْعه لحق شَرْعِي لَيْسَ بأكراه كقضاء دين أَو لتوسيع مَسْجِد وَنَحْوهمَا من النَّظَائِر الَّتِي ذكرهَا الشَّارِح عِنْد قَول (خَ) : لَا إِن أجبر عَلَيْهِ جبرا حَرَامًا الخ. وَانْظُر الْبَاب الثَّانِي من التَّبْصِرَة و (ح) أول الْغَصْب وَسَائِر الشُّرُوح عِنْد قَوْله: وَلَو عين السّرقَة أَو أخرج الْقَتِيل. فَالْبَيْعُ إنْ وَقَعَ مَرْدُودٌ وَمَنْ بَاعَ يَجُوزُ المُشْتَرَى دُونَ ثَمَنْ (فَالْبيع إِن وَقع) على وَجه الضغط الْمَذْكُور سَوَاء بَاعَ المضغوط بِنَفسِهِ أَو وكل عَلَيْهِ (مَرْدُود) على بَائِعه بِإِجْمَاع فِيمَا إِذا أكره على نفس البيع وَيرد الثّمن للْمُشْتَرِي إِلَّا أَن تقوم الْبَيِّنَة على تلفه عِنْد البَائِع بِغَيْر سَببه، فَإِن تقم الْبَيِّنَة بذلك بل ادَّعَاهُ البَائِع فَقَط فَفِي تَصْدِيقه قَولَانِ لسَحْنُون، وَيظْهر رُجْحَان الأول لِأَن الثّمن لم يقبضهُ البَائِع لحق نَفسه إِذْ هُوَ غير رَاض بِهِ فَهُوَ عِنْده كالأمانة فَيصدق فِي تلفهَا بِغَيْر سَببه، وَأما إِن أكره على سَبَب البيع كَمَا إِذا أكره على إِعْطَاء مَال ظلما فَبَاعَ أمتعته لذَلِك، فَالْمَشْهُور أَنه مَرْدُود أَيْضا وَيَأْخُذ البَائِع شَيْئه بِلَا ثمن كَمَا قَالَ: (وَمن بَاعَ يجوز) الشَّيْء (المُشْتَرِي) مِنْهُ (دون ثمن) يَدْفَعهُ للْمُشْتَرِي، وَظَاهره أَنه يَأْخُذهُ بِلَا ثمن وَلَو لم يعلم المُشْتَرِي بالضغط وَهُوَ الَّذِي لِابْنِ رشد فِي الْبَيَان، وَاقْتصر عَلَيْهِ ابْن سَلمُون و (ح) وَغير وَاحِد من شرَّاح (خَ) قَالَ فِي الشَّامِل: إِلَّا أَن الْعَالم آثم كَالْغَاصِبِ وَعَلِيهِ الضَّمَان مُطلقًا وَلَا غلَّة لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 وَلغيره الْغلَّة وَلَا يضمن الْعقار وَيضمن مَا أكل أَو لبس وَيبْطل عتقه وَوَقفه اه. خلافًا لما لِابْنِ رشد فِي نوازله من أَنه إِنَّمَا يَأْخُذهُ دون ثمن إِن علم المُشْتَرِي بالضغط وإلاَّ فَلَا يَأْخُذهُ إِلَّا بِالثّمن، وَظَاهره أَيْضا أَنه يَأْخُذهُ دون ثمن علم أَن الظَّالِم أَو وَكيله قَبضه من المضغوط أَو من المُشْتَرِي أَو جهل هَل دَفعه المُشْتَرِي للظالم أَو لوَكِيله أَو لرب الْمَتَاع أَو هَل دَفعه المضغوط للظالم أَو بَقِي عِنْده، وَهل صرفه فِي مَصَالِحه أَو لَا؟ وَهُوَ كَذَلِك فِي الْجَمِيع وَوَجهه أَنه لما ثَبت أصل الضغط حمل على أَخذ الظَّالِم لَهُ عِنْد الْجَهْل اللَّهُمَّ إِلَّا أَن علم بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار أَنه صرفه فِي مصَالح نَفسه أَو أتْلفه عمدا أَو خطأ فَإِنَّهُ يَأْخُذهُ بِالثّمن حِينَئِذٍ. تَنْبِيهَانِ. الأول: مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم من أَن الْمَبِيع مَرْدُود عَلَيْهِ بِلَا ثمن فِيمَا إِذا أكره على سَبَب البيع هُوَ الْمَشْهُور، وَقَالَ ابْن كنَانَة: البيع لَازم نَافِذ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ مأجور لِأَنَّهُ أنقذه من الْعَذَاب، وَبِه أفتى السيوري وَاللَّخْمِيّ، وَعَلِيهِ الْعَمَل بفاس ونواحيها قَالَ ناظمه: وَبيع مضغوط لَهُ نُفُوذ الخ. وَعَلِيهِ فَإِذا أسلم للمضغوط فِي زيتون وَنَحْوه فالسلم لَازم لَهُ، وَإِذا تسلف مَالا لفكاك نَفسه أَو أعْطى حميلاً فغرم الْحميل عَنهُ فَإِن المسلف والحميل يرجعان عَلَيْهِ وَلَا مقَال لَهُ، وَهَذَا إِذا كَانَت الْحمالَة وَالسَّلَف بسؤال من المضغوط وإلاَّ فَلَا إِذا كَانَ يُرْجَى فكاكه بِدُونِ مَال، وَإِذا لزمَه البيع على مَا بِهِ الْعَمَل فأحرى أَن يلْزم أَبَاهُ أَو أَخَاهُ أَو عَمه أَو أَجْنَبِيّا إِذا باعوا مَتَاع أنفسهم لفكاكه ويرجعون عَلَيْهِ بِمَا غرموا عَنهُ إِذْ غَايَته أَنهم مسلفون، بل لَو أكره الظَّالِم يَتِيما مراهقاً أَو سَفِيها على إِعْطَاء مَال فَبَاعَ كافله شَيْئا من أمتعته لفكاكه وَكَانَ البيع على وَجه السداد لَكَانَ مَاضِيا عَلَيْهِ كَمَا قَالَه اللَّخْمِيّ وَنَقله اليزناسني وَغَيره، وَكَذَا لَو أكره رجلا على أَن يغرم عَن أَخِيه الْغَائِب مَالا فَبَاعَ الرجل شَيْئا من مَتَاع أَخِيه فَالْبيع نَافِذ كَمَا قَالَه فِي الِاسْتِحْقَاق من المعيار فِي رجل أكرهه السُّلْطَان على أَن يغرم مَالا عَن أَخِيه فَبَاعَ مَتَاعه ومتاع أَخِيه أَن البيع نَافِذ وَيرجع على أَخِيه بِمَا غرمه اه. وَكَذَا وقفت عَلَيْهِ لبَعض فُقَهَاء الفاسيين فِي امْرَأَة أكرهها الْحَاكِم على أَن تُؤدِّي عَن وَلَدهَا الْغَائِب ثمنا فباعت شَيْئا من مَتَاع الْوَلَد أَن البيع لَازم، وَاحْتج بِمَا عَن المعيار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 قلت: وَعَلِيهِ فَلَو أَخذ السُّلْطَان رجلا بِمَال ظلما أَو فِي جِنَايَة اتهمَ بهَا فهرب فَأخذت جمَاعَة بِسَبَبِهِ فباعوا أملاكه على وَجه السداد لأَدَاء مَا أخذُوا بِهِ، فَالْبيع لَازم لَهُ فَتَأَمّله، وَمَا مر عَن المعيار نَحوه لَهُ فِي الْوَصَايَا مِنْهُ أَيْضا فِي وَصِيّ أَخذ بِسَبَب مَحْجُوره حَتَّى أدّى مَالا فَإِن ذَلِك يكون فِي مَال الْمَحْجُور، وَمثله فِي الْأَقْضِيَة مِنْهُ. وَانْظُر مَا كتبناه فِي أجوبتنا لحاج عبد الْقَادِر محيي الدّين على الحَدِيث الْكَرِيم الَّذِي رَوَاهُ مُسلم، وَنَقله ابْن فَرِحُونَ وَغَيره فِي أَحْكَام السياسة فِي كَون الرجل يُؤَاخذ بجريرة قومه، وَهِي أجوبة نفيسة مُشْتَمِلَة على نَحْو الْخمس كراريس تعينك على ضبط هَذَا الْبَاب وتفيدك عدم مُعَارضَة الحَدِيث الْكَرِيم لقَوْله تَعَالَى: وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} (الْأَنْعَام: 164) أَي لَا تؤاخذ نفس بذنب غَيرهَا، وفيهَا الْكَلَام على حكم الفكاك الْوَاقِع بَين الْقَبَائِل وَالله أعلم. الثَّانِي: الضغط على الشِّرَاء كالضغط على البيع، فَفِي المعيار عَن القلشاني أَن من اشْترى سلْعَة مُعينَة يَدْفَعهَا فِي مظْلمَة وَالْبَائِع يعلم بضغطه هُوَ بِمَنْزِلَة بيع المضغوط وَيرجع بَائِعهَا بِالثّمن أَو بِأَعْيَانِهَا إِن وجدت على الضاغط اه. وعَلى مَا بِهِ الْعَمَل يكون الشِّرَاء لَازِما للْمُشْتَرِي المضغوط على شِرَائهَا. قلت: وَيبقى النّظر إِذا أكرها مَعًا هَذَا أكره على البيع وَالْآخر أكره على الشِّرَاء وَالثمن يَأْخُذهُ الضاغط، وَذَلِكَ لِأَن الضاغط أَرَادَ أَن يغرم البَائِع مَالا فَلم يجد البَائِع من يَشْتَرِي مِنْهُ فضغط المُشْتَرِي أَيْضا على الشِّرَاء ليدفع الثّمن للْبَائِع فَيَأْخذهُ الضاغط وَالْمُشْتَرِي عَالم بالضغط أَو يكون الضاغط إِنَّمَا أَرَادَ أَخذ مَال المُشْتَرِي فيكرهه على شِرَاء دَار فلَان مثلا، فعلى الْمَشْهُور لَا شكّ أَن البَائِع لَا يلْزمه البيع وَيرجع المُشْتَرِي بِثمنِهِ على الضاغط فَإِن تلف الْمَبِيع بِيَدِهِ فَلَا يضمنهُ البَائِع، وَأما على مَا بِهِ الْعَمَل فَانْظُر هَل يكون البيع لَازِما لَهُ هَهُنَا أَيْضا نظرا للسبب أَو لَا يكون لَازِما نظرا إِلَى كَون المُشْتَرِي مكْرها، فَهُوَ قد دفع الثّمن لينقذ نَفسه من الْعَذَاب فَهُوَ الْمُكْره فِي الْحَقِيقَة وإكراه الآخر صوري فَقَط وَهُوَ الظَّاهِر، وَوَقعت هَذِه الْمَسْأَلَة أَيَّام الْفِتْنَة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ من هَذَا الْقرن فبيعت على الْوَجْه الْمَذْكُور دور وحوانيت لَا تحصى حَتَّى إِنَّهُم باعوا حوانيت الأحباس ودور الْأَيْتَام وَلَا يخفى أَن الْمُكْره فِي حوانيت الأحباس والأيتام هُوَ المُشْتَرِي فَقَط لعدم تعلق الْإِكْرَاه بالأحباس والأيتام الصغار، وَانْظُر حاشيتنا على (ز) : وَإِذا زَالَ الْإِكْرَاه فعلى الْمَشْهُور لَا بُد من الْقيام بفور زَوَاله، كَمَا مر فِي بيع الْفُضُولِيّ إِذْ زَالَ عذر مَالِكه وَالله أعلم. وَانْظُر أَوَاخِر الكراس الأول من بُيُوع الْبُرْزُليّ فَإِنَّهُ ذكر أَنه لَا يتَعَرَّض لنقض مُعَاملَة الْمُلُوك لقِيَام الْفِتْنَة بذلك، وَإِن كَانَ الْوَالِي جائراً وَذَلِكَ رَاجع إِلَى كَون المضغوط ينفذ بَيْعه وشراؤه الخ. وَالخُلْفُ فِي الْبَيْعِ لِشَيْءٍ مُغْتَصَبْ ثَالِثُهَا جَوَازُهُ مِمَّنْ غَصَبْ (وَالْخلف فِي البيع لشَيْء مغتصب) على ثَلَاثَة أَقْوَال جَوَازه مُطلقًا وَمنعه مُطلقًا (ثَالِثهَا) وَهُوَ الْمَشْهُور (جَوَازه مِمَّن غصب) (خَ) ومغصوب أَي لَا يجوز بَيْعه إِلَّا من غاصبه زَاد: وَهل إِن رد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 لرَبه مُدَّة تردد، وَاقْتصر فِي بَاب الْغَصْب على الْجَوَاز بِدُونِ الشَّرْط الْمَذْكُور حَيْثُ قَالَ: وَملكه إِن اشْتَرَاهُ وَلَو غَابَ الخ. فيستروح مِنْهُ عدم اشْتِرَاط الشَّرْط الْمَذْكُور وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ ابْن رحال أَي: لَا يشْتَرط الرَّد وَلَا الْغرم عَلَيْهِ، وَمَفْهُوم قَوْله مِمَّن غصب أَنه لَا يجوز بَيْعه من غير الْغَاصِب قبل قَبضه من الْغَاصِب على هَذَا القَوْل الْمَشْهُور وَهُوَ كَذَلِك، وَلَو كَانَت عَلَيْهِ بَيِّنَة بِالْغَصْبِ وَهُوَ مِمَّن تَأْخُذهُ الْأَحْكَام لِأَنَّهُ شِرَاء مَا فِيهِ خُصُومَة وَالْمَشْهُور مَنعه. ( فصل فِي مسَائِل من أَحْكَام البيع) لَو قَالَ فِي أَحْكَام مسَائِل من البيع قَالَه (ت) . أَبٌ عَلَى بَنِيهِ فِي وِثَاقِ حجْرٍ لهُ يَبِيعُ بِالإطْلاَقِ (أَب) مُبْتَدأ سوغه قصد الْجِنْس (على بنيه فِي وثاق حجر لَهُ يَبِيع) خبر الْمُبْتَدَأ وعَلى بنيه مُتَعَلق بِهِ، وَفِي وثاق حَال من بنيه (بِالْإِطْلَاقِ) ذكر السَّبَب الَّذِي وَقع البيع لأَجله أم لَا. كَانَ السَّبَب أحد الْأَسْبَاب الَّتِي يَبِيع لَهَا الْوَصِيّ أم لَا كَبَيْعِهِ ليتجر لَهُ بِثمنِهِ وَنَحْو ذَلِك، وَشَمل قَوْله: يَبِيع الخ. هبة الثَّوَاب لِأَنَّهَا بيع بِخِلَاف الْوَصِيّ فَلَيْسَ لَهُ أَن يهب للثَّواب، وَلَيْسَ المُرَاد بِالْإِطْلَاقِ أَنه يَبِيع لسَبَب ولغير سَبَب أصلا كَمَا قد يتَبَادَر، إِذْ لَا يجوز فِيمَا بَينه وَبَين الله أَن يَبِيع لغير سَبَب أصلا. وَفِعْلُهُ عَلى السَّدَادِ يُحْمَلُ وَحَيْثُ لَا رَدَّ ابْنُهُ مَا يَفْعَلُ (وَفعله على السداد يحمل) حَتَّى يثبت خِلَافه إِلَّا أَن يكون هُوَ المُشْتَرِي لمَال ابْنه أَو يَشْتَرِي لوَلَده من نَفسه أَن يَبِيع لأَجْنَبِيّ ليصرف الثّمن فِي مصَالح نَفسه أَو لينفق مِنْهُ على نَفسه لفقره فِي زَعمه فَإِنَّهُ يحمل حِينَئِذٍ على غير السداد وَيرد كَانَ الْأَب مُوسِرًا أَو معدماً وَلَيْسَ لَهُ بَيْعه للإنفاق مِنْهُ على نَفسه إِلَّا بعد إِثْبَات الْعَدَم، وَظَاهره أَنه يحمل على مَا ذكر من السداد وَأَنه بَاعَ لمصْلحَة الْوَلَد، وَلَو بَاعَ باسم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 نَفسه وَلم يذكر أَنه بَاعَ عَن وَلَده وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي ابْن سَلمُون وضيح عَن ابْن الْقَاسِم وَأَحْرَى إِذا ذكر أَنه يَبِيعهُ عَن وَلَده وَلَا يدْرِي هَل بَاعه لمصْلحَة نَفسه أَو لوَلَده كَمَا فِي الْمُفِيد، وَظَاهر هَذَا أَنه يمْضِي بَيْعه وَيُمكن من قبض ثمنه وَلَو كَانَ فَقِيرا، وَالَّذِي لِابْنِ عَرَفَة فِي نِكَاح التَّحْكِيم وَنَقله أواسط الكراس الثَّالِث من أنكحة المعيار وَنَحْوه فِي الْفَائِق عَنهُ، وَبِه حكم ابْن عبد الرفيع أَنه لَا يُمكن من قبض مَال وَلَده حَيْثُ كَانَ فَقِيرا وَعَلِيهِ عول فِي لامية الزقاق حَيْثُ قَالَ: هَكَذَا منع وَالِد فَقير من أَخذ المَال للْوَلَد اعملا وَحِينَئِذٍ فيقيد مَا مر عَن ضيح والمفيد بِمَا إِذا كَانَ الْأَب مُوسِرًا لِأَنَّهُ إِذا كَانَ فَقِيرا فالغالب أَنه يَبِيعهُ لمصْلحَة نَفسه فَلَا يحمل على السداد وعَلى فرض وجود السداد فَلَا يُمكن من قَبضه، وَهَذَا شَاهد لنزع الْوَصِيّ الْفَقِير من التَّقْدِيم كَمَا هُوَ ظَاهر وَلَا يَشْمَل قَوْله وَفعله الخ. الصَّدَقَة بِمَال وَلَده، وَفِي مَعْنَاهَا البيع بالمحاباة فَإِن ذَلِك يرد ابْن رشد حكم مَا بَاعه الْأَب من مَال وَلَده الصَّغِير لمصْلحَة نَفسه أَو حابى بِهِ حكم مَا وهبه أَو تصدق بِهِ يفْسخ فِي الْقيام كَانَ الْأَب مُوسِرًا أَو معدماً، وَحكمه فِي الْفَوات مَا ذكرته فِي الْهِبَة وَالصَّدَََقَة غير أَنه إِذا غرم يرجع على الْأَب بِالثّمن اه. وَقَالَ قبل هَذَا: فرق ابْن الْقَاسِم بَين أَن يعْتق الرجل عبد ابْنه الصَّغِير أَو يتَصَدَّق بِهِ أَو يتَزَوَّج بِهِ فَقَالَ: إِن الْعتْق ينفذ إِذا كَانَ مُوسِرًا وَيغرم الْقيمَة وَيرد إِن كَانَ معدماً إِلَّا أَن يطول الأمد. قَالَ أصبغ: لاحْتِمَال أَن يكون حدث لَهُ أثْنَاء ذَلِك يسر لم يعلم بِهِ، وَأما إِن علم أَنه لم يزل عديماً فِي ذَلِك الطول فَإِنَّهُ يرد وَقَالَ: إِن الصَّدَقَة ترد كَانَ مُوسِرًا أَو معدماً فَإِن تلفت الصَّدَقَة بيد الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ بِأَمْر من السَّمَاء لم يلْزمه شَيْء وَغرم الْأَب الْقيمَة وَإِن فَاتَت بِيَدِهِ باستهلاك أَو أكل وَالْأَب عديم لزمَه غرم قيمتهَا وَلم يكن لَهُ على الْأَب رُجُوع. وَقَالَ فِي التَّزْوِيج: إِن الْمَرْأَة أَحَق بِهِ دخل بهَا أم لَا مُعسرا كَانَ الْأَب أَو مُوسِرًا وَيتبع الابْن أَبَاهُ بِقِيمَتِه اه. من طفي، ثمَّ قَالَ: فَالْحَاصِل على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم لَا فرق بَين يسر الْأَب وعسره فِي رد البيع وَالْهِبَة وَعدم رد مَا يتَزَوَّج بِهِ، وَإِنَّمَا الْفرق بَين الْيُسْر والعسر فِي الْعتْق وَهَذَا هُوَ مُرَاد (خَ) بقوله: كأبيه إِن أيسر الخ. قَالَ: وَأطَال (ح) بجلب كَلَام الْأَخَوَيْنِ وَترك مَذْهَب ابْن الْقَاسِم الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمد وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِك، ثمَّ إِذا وَقع البيع بالمحاباة وَالْأَب عديم وَفَاتَ فَإِن المُشْتَرِي يضمن الْمُحَابَاة هَذَا مَا يظْهر من كَلَام ابْن رشد الْمُتَقَدّم. وَإِذا غرمها فَلَا يرجع على الْأَب كَمَا هُوَ ظَاهر وَالله أعلم. قَالَ فِي وكالات المعيار: إِذا بَاعَ الْأَب بالمحاباة بِالْأَمر الْبَين وَظهر سوء نظره لم يجز بَيْعه وَنقض وَلم يُمكنهُ القَاضِي بعد من النّظر فِي مَال وَلَده اه. بِاخْتِصَار. (وَحَيْثُ لَا) سداد بِأَن بَاعَ لمصْلحَة نَفسه أَو بمحاباة وغبن أَو جهل، هَل بَاعَ لمصْلحَة نَفسه أَو لوَلَده وَهُوَ فَقير على مَا تقدم عَن ابْن عَرَفَة (رد ابْنه) إِن رشد أَو القَاضِي إِذا اطلع عَلَيْهِ وَكَانَ الابْن لم يرشد (مَا يفعل) إِن كَانَ الْمَبِيع قَائِما وَإِن فَاتَ فَيجْرِي على مَا تقدم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا شهِدت بَيِّنَة أَن البيع عَلَيْهِ سداد وَشهِدت أُخْرَى أَنه غير سداد فَإِن بَيِّنَة السداد تقدم حَيْثُ نُودي عَلَيْهِ الْمدَّة الْمُعْتَبرَة فِي بيع الأَصْل. قَالَه فِي شَهَادَات المعيار وَنَحْوه فِي الْبُرْزُليّ. الثَّانِي: مَا تقدم من أَن الْأَب إِذا اشْترى مَال وَلَده لنَفسِهِ مَحْمُول على غير السداد هُوَ الَّذِي فِي الْمُتَيْطِيَّة وضيح، وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الشَّامِل، وَالَّذِي لِابْنِ سهل فِي أَحْكَامه أَن الْعَمَل جرى عِنْدهم على أَن الْأَب إِذا بَاعَ من ابْنه أَو ابْتَاعَ من مَاله لنَفسِهِ لم يعْتَرض وَيحمل أمره على التَّمام إِلَّا أَن يثبت الْغبن الَّذِي لَا يتَغَابَن النَّاس بِمثلِهِ، بِخِلَاف الْوَصِيّ إِذا بَاعَ من الْيَتِيم أَو ابْتَاعَ من مَاله لنَفسِهِ فَالْبيع مفسوخ إِلَّا أَن يثبت السداد اه. وَنَحْوه فِي الفشتالي قَائِلا: وَإِن عاوض الْأَب وَلَده الصَّغِير من نَفسه جَازَ ذَلِك كَالْبيع، وَبِه مضى الْعَمَل اه. وَنَحْوه لِابْنِ مغيث. وَنقل ذَلِك كُله ناظم الْعَمَل الْمُطلق فِي شَرحه فَتَأمل ذَلِك، وَالَّذِي يَنْبَغِي أَن يحمل مَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وضيح على مَا إِذا كَانَ الْأَب مِمَّن يتهم لكَونه غير متسع المَال، وَمَا فِي ابْن سهل وَمن مَعَه على مَا إِذا كَانَ متسع المَال وَالله أعلم. وَبَيْعُ مَنْ وصِّيَ لِلْمَحْجُورِ إلاّ لِمُقْتَضِ مِنَ المَحْظُورِ (وَبيع من وَصِيّ) مُبْتَدأ (للمحجور) يتَعَلَّق بِبيع وَاللَّام بِمَعْنى (على) (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (لمقتض) يتَعَلَّق بِبيع مُقَدّر (من الْمَحْظُور) خبر الْمُبْتَدَأ، وَالتَّقْدِير: وَبيع الْوَصِيّ على مَحْجُوره مَمْنُوع إِلَّا أَن بِبيع لمقتض وَمُوجب أَي حَاجَة لنفقة أَو كسْوَة فَيجوز كَانَ الْمَبِيع عقارا أَو غَيره، وَلَا يحْتَاج إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 إِثْبَات الْحَاجة للنَّفَقَة وَالْكِسْوَة إِذْ لَا يعلم ذَلِك إِلَّا من قَوْله: وَأما إِن بَاعَ لغَيْرهَا من غِبْطَة كَمَا فِي (خَ) أَي كَثْرَة فِي الثّمن أَو لكَونه موظفاً ليوظفه بِمَا لَا توظيف عَلَيْهِ، أَو لكَونه حِصَّة لِيُبدلَهُ بكامل أَو لقلَّة غَلَّته لِيُبدلَهُ مِمَّا كثرت غَلَّته، أَو لكَونه بَين ذميين أَو جيران سوء وَهُوَ للسُّكْنَى لَا للغلة أَو لإِرَادَة شَرِيكه بيعا وَلَا مَال لَهُ يضم بِهِ صَفْقَة البيع أَو لخشية انْتِقَال الْعِمَارَة أَو لخوف الخراب وَلَا مَال لَهُ أَو لَهُ، وَالْبيع أولى فَهَل لَا بُد من إثْبَاته الْوَجْه الَّذِي يَبِيع لَهُ من هَذِه الْوُجُوه كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم. وَلَا يَكْفِي مُجَرّد ذكره بِاللِّسَانِ كَمَا فِي (ق) عَن ابْن رشد وَهُوَ قَول أبي عمرَان وَغَيره، وَمَعْنَاهُ فِي الْمُدَوَّنَة كَمَا لأبي الْحسن، وَعَلِيهِ فَلَا يتم البيع حَتَّى يضمن الشُّهُود فِي الْوَثِيقَة معرفَة الْغِبْطَة والتوظيف وَنَحْو ذَلِك، وَإِلَّا كَانَ على المُشْتَرِي إِثْبَات ذَلِك وَإِلَّا نقض البيع وَلَا يحْتَاج إِلَى إِثْبَات الْوَجْه الَّذِي يَبِيع لَهُ، بل يَكْفِي ذكره لَهُ بِلِسَانِهِ، وَإِن لم يذكرهُ كَانَ البيع مَاضِيا لِأَنَّهُ كَالْأَبِ فَيتم بَيْعه، وَإِن لم يذكر السَّبَب وعَلى الْمَحْجُور إِثْبَات أَنه بَاعَ لغير سَبَب وَهُوَ قَول الأندلسيين. الجزيري: وَهُوَ الْمَشْهُور. ابْن عاث: وَهُوَ قَول الشُّيُوخ قَدِيما وَبِه الْعَمَل، وَنَحْوه لأبي الْحسن والبرزلي وَغَيرهم فهما قَولَانِ شهر كل مِنْهُمَا (خَ) : ثمَّ وَصِيّه وَهل كَالْأَبِ أَو إِلَّا الرّبع فببيان السَّبَب خلاف، وَرجح ابْن رحال فِي الْحَاشِيَة هَهُنَا أَنه كَالْأَبِ فَمحل هَذَا الْخلاف إِذا بَاعَ عقار الْيَتِيم كَمَا ترى، وإلاَّ فَلَا يحْتَاج لبَيَان السَّبَب اتِّفَاقًا، وَلَكِن الَّذِي يجب اعْتِمَاده فِي زَمَاننَا هَذَا هُوَ قَول أبي عمرَان لقلَّة ديانَة الأوصياء وَهُوَ ظَاهر النّظم كَمَا مر. وَلذَلِك قَالَ الْبُرْزُليّ: وَقع فِي أَحْكَام ابْن زِيَاد أَنه إِذا أقيم فِيمَا بَاعه الْوَصِيّ كَانَ على المُشْتَرِي إِثْبَات أَنه ابْتَاعَ بيعا صَحِيحا، وَأَنه بَاعَ لغبطة أَو فاقة أَو حَاجَة وَيتم الشِّرَاء اه. قلت: ولقلة ديانتهم جرى الْعَمَل بِإِدْخَال مَال الْأَيْتَام فِي ذمتهم فَيَقُولُونَ فِي زِمَام التَّرِكَة وَمَا صَار للمحجور فلَان هُوَ فِي ذمَّة حاجره فلَان إِلَى أَن يبرأ مِنْهُ بِمُوجب شَرْعِي، وَقد نصوا على أَنهم إِنَّمَا أدخلوها فِي ذمتهم خشيَة ادِّعَاء ضياعها لقلَّة ديانتهم وَالله أعلم. وَفِي الدّرّ النثير عَن أبي الْحسن: أَن الْوَصِيّ إِذا بَاعَ لغير حَاجَة بل لتزليج الدَّار فَإِن بَيْعه ينْقض، وَانْظُر إِذا بَاعَ الْمَحْجُور بِمحضر وليه فِي آخر اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين عِنْد قَوْله: وَعكس هَذَا لِابْنِ سَحْنُون نمي الخ. تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ فِي الْوَصَايَا من الْمُتَيْطِيَّة عَن بعض الموثقين مَا نَصه: الَّذِي جرى بِهِ الْعَمَل أَن حكم مقدم القَاضِي حكم الْوَصِيّ فِي جَمِيع أُمُوره اه. وَكَذَا قَالَ ابْن رحال فِي الْحَاشِيَة: أَنه كالوصي، وَيظْهر مِنْهُ أَنه يجْرِي فِيهِ الْخلاف الَّذِي فِي الْوَصِيّ هَل لَا بُد من إِثْبَات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 السَّبَب أم لَا؟ وَفِيه شَيْء إِذْ الَّذِي عول عَلَيْهِ (خَ) أَنه لَيْسَ كالوصي لِأَنَّهُ جعل مرتبته بعد مرتبته وَشرط فِيهِ شُرُوطًا لم يشترطها فِي الْوَصِيّ حَيْثُ قَالَ: ثمَّ حَاكم وَبَاعَ بِثُبُوت يتمه وإهماله وَملكه لما بيع وَأَنه الأولى وحيازة الشُّهُود لَهُ والتسوق وَعدم إِلْغَاء زَائِد والسداد فِي الثّمن، وَفِي تصريحه بأسماء الشُّهُود قَولَانِ الخ. فَعلم مِنْهُ أَن هَذِه الْأُمُور شُرُوط صِحَة فِي بَيْعه وَأَن القَاضِي أَو نَائِبه يَبِيع لوَاحِد من الْأَسْبَاب الْمُتَقَدّمَة بعد ثُبُوته اتِّفَاقًا أَو على الْمَشْهُور، إِذْ حَيْثُ كَانَ يجب عَلَيْهِ أَن يثبت أَنه أولى مَا يُبَاع عَلَيْهِ مثلا وَنَحْوه وَلَا يصدق فِي ذَلِك، فأحرى أَنه يجب عَلَيْهِ إِثْبَات السَّبَب الَّذِي وَقع البيع لأَجله من كَونه قد قلت غَلَّته أَو بَين ذميين وَنَحْو ذَلِك، وَيبعد كل الْبعد أَن يُقَال يصدق فِي كَون الرّبع قد قلت غَلَّته على مَا للأندلسيين فِي الْوَصِيّ حَيْثُ قُلْنَا إِنَّه كَهُوَ وَلَا يصدق فِي التسوق وَأَنه أولى مَا يُبَاع عَلَيْهِ مثلا على أَن الشَّيْخ طفي قَالَ: إِنَّمَا يَبِيع للأسباب الْمُتَقَدّمَة الْوَصِيّ، وَأما القَاضِي أَو نَائِبه فَإِنَّمَا يبيعان للْحَاجة وَهُوَ معترض بِمَا ل (ت) فِي شرح اللامية وَبِمَا فِي الدّرّ النثير حَسْبَمَا نَقله الشَّيْخ الرهوني فِي حَاشِيَته وَالله أعلم. ثمَّ إِن المُرَاد بالسداد فِي الثّمن الخ. أَن لَا يُبَاع بالمحاباة وَأَن يكون الثّمن عينا لَا عرضا، وَلَا يشْتَرط بُلُوغه الْقيمَة كَمَا يَأْتِي فِي البيع على الْغَائِب، وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بِإِثْبَات ملكه إِثْبَات أَنه محوز بِيَدِهِ لِأَن الأَصْل فِيمَن حَاز شَيْئا يَدعِي ملكيته لَهُ أَنه لَهُ كَمَا يَأْتِي فِي بيع الْغَائِب. الثَّانِي: يفهم من كَون الْأُمُور الْمَذْكُورَة شُرُوط صِحَة فِي بيع الْحَاكِم أَنه إِذا بَاعَ تَرِكَة لقَضَاء الدُّيُون أَو لحَاجَة الْأَيْتَام وَنَحْو ذَلِك قبل إِثْبَات الموجبات فَإِنَّهُ ينْقض البيع، وَإِن فَاتَ لزمَه الْمثل فِي المثلى وَالْقيمَة فِي الْمُقَوّم يَوْم تعدِي، وَكَذَا إِذا بَاعَ وفرط فِي قبض الثّمن حَتَّى غَابَ المشترون اه. قَالَ السيوري: فَظَاهره أَنه مَحْمُول على غير وجودهَا وَهُوَ الصَّوَاب خلاف مَا فِي الكراس الأول من معاوضات المعيار ونوازل ابْن رشد من أَن بيع القَاضِي مَحْمُول على اسْتِيفَاء الموجبات وعَلى من ادّعى انخرامها إثْبَاته الخ. وَلما نقل بَعضهم مَا فِي المعيار أعقب ذَلِك بقوله: وَلَكِن مَا ذكر فِي غير قُضَاة الْوَقْت أما هم فَيحمل أمره على عدم إِثْبَات الموجبات لِأَن قصارى أَمر بيعهم أَن يكون بِمَنْزِلَة تَصْرِيح القَاضِي بِأَنَّهُ ثَبت عِنْدِي مَا يُوجب البيع، وَقد ذكرُوا أَن القَاضِي لَا يصدق فِي قَوْله ثَبت عِنْدِي على الْمَعْمُول بِهِ، وَإِن كَانَ فِي الْمُتَيْطِيَّة ذكر أَنه يصدق، لَكِن قَالَ الْجلاب وَابْن الْقصار: لَا يصدق وَمَال إِلَيْهِ الْمَازرِيّ وَقَالَ اللَّخْمِيّ: أَنه الْأَشْبَه بقضاة الْوَقْت. قَالَ النالي وَابْن حجُّوا: هُوَ الْمَعْمُول بِهِ، ثمَّ قَالَ المتعقب الْمَذْكُور ثمَّ اطَّلَعت على أَوَائِل مسَائِل الصُّلْح من المازونية فَوَجَدته ذكر أجوبة مُتعَدِّدَة عَن سُؤال مضمنها أَنه يجب على المُشْتَرِي من الْقُضَاة إِثْبَات مُوجبَات البيع فَإِن لم يثبت ذَلِك رد البيع اه. والأجوبة فِي المازونية لسيدي عَليّ بن عُثْمَان وسيدي سعيد العقباني وَأبي الْفضل العقباني. زَاد أَبُو الْفضل: إِذا علم المُشْتَرِي بِأَن القَاضِي بَاعَ مِنْهُ قبل إِثْبَات الموجبات فَإِنَّهُ يرد الْغلَّة اه. من خطّ أبي الْعَبَّاس الملوي رَحمَه الله، وَيَنْبَغِي أَن يُقيد بِغَيْر إِثْبَات ملكه لِأَن الأَصْل فِيمَن حَاز شَيْئا أَنه يملكهُ كَمَا يَأْتِي فِي البيع على الْغَائِب، وَفِي بَاب الْقِسْمَة أَيْضا وَأَن يُقيد أَيْضا بِغَيْر البيع للْحَاجة للإنفاق وإلاَّ فَهُوَ مُصدق إِذْ لَا يعلم ذَلِك إِلَّا من قَوْله كَمَا مر، لَكِن لَا بُد من ثُبُوت التسوق وَعدم إِلْغَاء زَائِد الخ. قلت: وَلَا بُد فِي بَيْعه للملوك الَّذِي غَابَ سَيّده أَن يكلفه إِثْبَات كَون سَيّده لم يتْرك لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 نَفَقَة، وَأَنه لَيْسَ لَهُ صَنْعَة تقوم بِنَفَقَتِهِ كَمَا يَأْتِي فِي أَوَاخِر فصل البيع على الْغَائِب، وَقَوله: ينْقض البيع الخ. مَحَله إِذا لم يثبت المُشْتَرِي الموجبات من كَونه بَاعَ لحَاجَة أَو غِبْطَة وإلاَّ صَحَّ البيع كَمَا فِي ضيح، وَسَيَأْتِي نَحوه فِي بيع الحاضن، وَإِذا صَحَّ ذَلِك فِي بيع الحاضن فأحرى أَن يَصح فِي الْحَاكِم لِأَنَّهُ أقوى مِنْهُ، وَقَوله لزمَه الْمثل فِي المثلى وَالْقيمَة فِي الْمُقَوّم الخ. يَعْنِي إِذا كَانَت الْقيمَة أَكثر من الثّمن يضمن الزَّائِد، وَالظَّاهِر أَن مَحل ضَمَانه حَيْثُ كَانَ من قُضَاة الْعدْل وَأهل الْعلم إِذا تحقق تعديه كَمَا لَو تبين أَنه بَاعَ مَا لَيْسَ أولى بِالْبيعِ مثلا وإلاَّ بِأَن بَقِي الْأَمر مُحْتملا فَلَا، كَمَا بَيناهُ فِي حَاشِيَة اللامية. الثَّالِث: مقدم القَاضِي كَهُوَ فِي كَونه لَا يَبِيع إِلَّا بعد إِثْبَات الموجبات الْمُتَقَدّمَة، وَيُزَاد أَنه لَا يَبِيع ربع الْأَيْتَام إِلَّا بمشورة القَاضِي لِأَنَّهُ كوكيل مَخْصُوص على شَيْء بِعَيْنِه وَهُوَ قَول القَاضِي إِسْمَاعِيل، وَبِه الْعَمَل الْيَوْم قَالَ ناظم الْعَمَل الْمُطلق: وَلَيْسَ كالوصي ذَا التَّقْدِيم فَلَا يبع ربعا على الْيَتِيم إِلَّا إِذا مَا أذن القَاضِي لَهُ فِيهِ وَإِلَّا فَيرد فعله وَقَيده ابْن كوثر بِمَا إِذا أمكنه الرّفْع إِلَى القَاضِي وَلم يفعل، وَقَيده ابْن الْحَاج بِمَا إِذا لم يثبت عِنْد القَاضِي مَا يُوجب البيع وإلاَّ فَلَا يرد بَيْعه كَمَا فِي المعيار فِي نَوَازِل الصُّلْح مِنْهُ. الرَّابِع: إِذا زعم الْوَصِيّ أَو مقدم القَاضِي أَنه دفع عَن الْيَتِيم الْعشْر والمغارم والجعائل للمخزن فَإِنَّهُمَا يصدقان إِذا كَانَ ذَلِك مَعْرُوفا بِالْبَلَدِ وادعيا مَا يشبه قَالَه ابْن زرب، وَنَقله العلمي فِي الْبيُوع. وَجَازَ بَيْعُ حَاضِنٍ بِشَرْطِ أَنْ أُهْمِلَ مَحْضُونٌ وَلا يَعْلُو الثَّمَنْ (وَجَاز بيع حاضن) أَو حاضنة عقار يتيمه كَانَ الحاضن قَرِيبا أَو أَجْنَبِيّا فِي بَدو أَو حضر (بِشَرْط أَن) بِفَتْح الْهمزَة (أهمل) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (محضون) أَي بِأَن لَا يكون لَهُ ولي من وَصِيّ أَو مقدم (و) أَن (لَا يَعْلُو الثّمن) بل لَا بُد أَن يكون يَسِيرا مثل. عِشْرِينَ دِينَاراً مِنَ الشَّرْعِيِّ فِضَيَّةً وَذَا عَلَى المَرْضِيِّ (عشْرين دِينَارا) فدون عِنْد ابْن الْعَطَّار وَعَلِيهِ الْأَكْثَر، وَلابْن زرب ثَلَاثُونَ، وَلابْن الْهِنْدِيّ عشرَة وَأَن يثبت السداد فِي الثّمن، وَأَنه أولى مَا يُبَاع عَلَيْهِ، وَأَنه مُحْتَاج إِلَى بَيْعه لكَونه لَا يُمكنهُ التَّوَصُّل إِلَى معيشته بصناعة وَلَا بِتَصَرُّف مَا فَلَا بُد أَن تشهد بَيِّنَة مُعْتَبرَة بِهَذِهِ الشُّرُوط كلهَا، فَحِينَئِذٍ يَصح البيع وَيتم للْمُشْتَرِي ملكه، وَإِذا اخْتَلَّ شَرط مِنْهَا فَلَا يتم للْمُشْتَرِي ملكه إِلَّا بإثباته، وإلاَّ فللمحضون إِذا كبر الْخِيَار فِي رد البيع أَو إمضائه قَالَه أَبُو الْحسن وَابْن رشد وَغَيرهمَا. زَاد فِي الْمُفِيد وَأَصله لِابْنِ رشد عَن ابْن الْعَطَّار: إِن من الشُّرُوط أَن تشهد الْبَيِّنَة أَن الحاضن أنْفق الثّمن على الْيَتِيم وَأدْخلهُ فِي مَصَالِحه وإلاَّ فللمحجور الْقيام وَهُوَ شَرط غَرِيب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 أسْقطه كثير من الْمُحَقِّقين فَلم يذكرهُ فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة، وَلَا أَبُو الْحسن وَلَا ابْن هِلَال وَلَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق، وَإِنَّمَا ذكرُوا مَا عداهُ من الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة، وَذَلِكَ يدل على ضعفه قَالَه أَبُو الْعَبَّاس الملوي رَحمَه الله. قلت: وَصدق رَحمَه الله فِي كَونه شرطا ضَعِيفا وَإِن نَقله فِي ضيح والشامل والتبصرة وسلموه، إِذْ لَا وَجه لاشتراطه مَعَ عسر الشَّهَادَة بِهِ، وغايته أَنه حَيْثُ جَازَ بَيْعه فَهُوَ كالمقوم وَلَا يشْتَرط فِي الْمُقَوّم إِلَّا مَا مر عَن (خَ) من ثُبُوت يتمه وإهماله الخ. وَظَاهر النّظم أَن بيع الحاضن بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة جَائِز وَلَو كَانَ القَاضِي بِالْبَلَدِ وَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يرفع الْأَمر إِلَيْهِ وَلَا إِلَى ثُبُوت ملكه لما بيع وَلَا إِلَى التسوق وَعدم إِلْغَاء زَائِد وَهُوَ كَذَلِك. ابْن رشد: لما رأى الْفُقَهَاء أَن الْيَتِيم رُبمَا ضَاعَ قبل إِثْبَات ذَلِك عِنْد القَاضِي أَجَازُوا للحاضن البيع دون مطالعته إِذْ لَو طولع بذلك لم يكن لَهُ بُد من ثُبُوت تِلْكَ الموجبات الَّتِي تشْتَرط فِي بيع القَاضِي (من) الدِّينَار (الشَّرْعِيّ) عِنْد أهل قرطبة وَصَرفه عِنْدهم ثَمَانِيَة دَرَاهِم وزنة الدِّرْهَم الْوَاحِد وَقت حكمهم فِي الْمَسْأَلَة سِتّ وَثَلَاثُونَ حَبَّة. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَلذَا قَالَ (غ) : المُرَاد بالدينار هُنَا هُوَ ثَمَانِيَة دَرَاهِم من دَرَاهِم دخل أَرْبَعِينَ، وَمَعْنَاهُ أَن مائَة وَأَرْبَعين مِنْهَا تعدل مائَة كَيْلا أَي شَرْعِيَّة وزنة الدِّرْهَم الْوَاحِد مِنْهَا سِتّ وَثَلَاثُونَ حَبَّة وَهُوَ خَمْسَة أَسْبَاع دِرْهَم الْكَيْل وَدِرْهَم الْكَيْل مِنْهَا مثل وخمسا الْمثل، وَهُوَ معنى قَوْله: (فضية) أَي فالدينار هُنَا أقل مِنْهُ فِي بَاب الزَّكَاة لِأَن صرفه هُنَاكَ عشرَة دَرَاهِم وَهنا ثَمَانِيَة فينقص الْخمس، ثمَّ وزن الدِّرْهَم هُنَاكَ خَمْسُونَ وخمسا حَبَّة وَهنا سِتّ وَثَلَاثُونَ بِنَقص سبعيه، فَصَارَت الْعشْرُونَ دِينَارا قرطبية أحد عشر دِينَارا شَرْعِيَّة وَثَلَاثَة أَسْبَاع الدِّينَار، وبيانها أَن صرف الْعشْرين دِينَارا شَرْعِيَّة فِي الزَّكَاة مائَة دِرْهَم شَرْعِي، وَصرف الْعشْرين دِينَارا قرطبية فِي الْحَضَانَة مائَة وَسِتُّونَ درهما لِأَن صرفه هُنَاكَ عشرَة وَصَرفه هُنَا ثَمَانِيَة فقد نقصت الْخمس عَن صرفهَا فِي الزَّكَاة، ثمَّ هَذِه الْمِائَة وَالسِّتُّونَ يحط سبعاها لِأَن كل دِرْهَم مِنْهَا ينقص سبعين عَن الدِّرْهَم الشَّرْعِيّ وسبعاها سِتَّة وَأَرْبَعُونَ درهما يبْقى بعد حط مَا ذكر مائَة دِرْهَم وَأَرْبَعَة عشر درهما فمائة وَعشرَة بِأحد عشر دِينَارا، وَالْأَرْبَعَة دَرَاهِم الْبَاقِيَة هِيَ ثَلَاثَة أَسْبَاع الدِّينَار وَالله أعلم. (وَذَا) أَي مَا ذكر من جواميع الحاضن بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة (على) القَوْل (المرضي) من أَقْوَال أَرْبَعَة: الْجَوَاز مُطلقًا وَالْمَنْع مُطلقًا وَالْجَوَاز فِي بلد لَا سُلْطَان فِيهِ وَالْجَوَاز فِي الْيَسِير الَّذِي قدره عشرُون دِينَارا وَهُوَ المرضي الْمَعْمُول بِهِ. تَنْبِيه: القَوْل بِالْجَوَازِ مُطلقًا رَجحه ابْن سهل فِي أَحْكَامه الْكُبْرَى كَمَا فِي (ق) آخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 الْقِسْمَة، وَبِه أفتى أَبُو الْحسن فِي آخر مَسْأَلَة من نوازله، ثمَّ نقل رِوَايَة ابْن غَانِم عَن مَالك أَن الكافل بِمَنْزِلَة الْوَصِيّ، وَنقل عَن شَيْخه أبي الْفضل رَاشد أَن أَبَا مُحَمَّد صَالحا قَالَ: هَذِه الرِّوَايَة جَيِّدَة لأهل الْبَادِيَة لإهمالهم الْإِيصَاء والتقديم اه. وَقَالَ ابْن هِلَال: وَبِذَلِك أَقُول وأتقلد الْفَتْوَى بِهِ فِي بلدنا الْيَوْم لِأَنَّهُ كالبادية، فَالصَّوَاب الْآن الْعَمَل بقول من أنزل الكافل بِمَنْزِلَة الْوَصِيّ فِي البيع وَالْقِسْمَة وَغير ذَلِك اه. انْظُر شرح الشَّامِل. وَمَا اشْتَرَى المَرِيضُ أَوْ مَا بَاعَا إنْ هُوَ مَاتَ يَأْبَى الامْتِنَاعَا (وَمَا اشْترى الْمَرِيض) فِي مَرضه وَلَو مخوفا، وَتقدم بَيَانه فِي الْخلْع وَسَيَأْتِي أَيْضا فِي فصل الصَّدَقَة وَالْهِبَة إِن شَاءَ الله (أَو مَا باعا) فِي مَرضه (إِن هُوَ مَاتَ) مِنْهُ، وَأَحْرَى إِذا مَاتَ بعد أَن صَحَّ مِنْهُ (يَأْبَى) ذَلِك البيع (الامتناعا) وَالْفَسْخ، بل يجب نُفُوذه ومضيه بِالثّمن الَّذِي وَقع بِهِ إِن لم يكن فِيهِ مُحَابَاة إِذْ لَا حجر على الْمَرِيض فِي الْمُعَاوَضَات كَمَا أَفَادَهُ (خَ) بِمَفْهُوم قَوْله: وَحجر على مَرِيض فِي غير مُؤْنَته وتداويه ومعاوضة مَالِيَّة الخ. فَإنْ يَكُنْ حَابَى بِهِ فَالأَجْنَبي مِنْ ثُلْثِهِ يَأْخُذُ مَا بِهِ حُبِي (فَإِن يكن حابى بِهِ) أَي فِيهِ بِأَن بَاعَ أقل من الْقيمَة بِكَثِير بِقصد نفع المُشْتَرِي أَو يَشْتَرِي بِأَكْثَرَ من ذَلِك بِقصد نفع البَائِع فَمَا نقص عَن الْقيمَة أَو زَاد عَلَيْهَا أَو هبة يجْرِي على حكمهَا فَإِن لم يكن ذَلِك بِقصد نفع من ذكر بل للْجَهْل بِالْقيمَةِ فَهُوَ الْغبن الْآتِي قَالَه ميارة، فَإِن كَانَت الْمُحَابَاة الْمَذْكُورَة لأَجْنَبِيّ (فالأجنبي من ثلثه) أَي الْمَيِّت (يَأْخُذ مَا بِهِ حُبي) لِأَن الْمُحَابَاة عَطِيَّة والعطية فِي الْمَرَض الْمخوف حكمهَا حكم الْوَصِيَّة تجْرِي على حكمهَا، وَأما فِي غير الْمخوف فَحكمهَا حكم الْعَطِيَّة فِي الصِّحَّة تفْتَقر للحيازة قبل حُصُول الْمَانِع وإلاَّ بطلت، وَعَلِيهِ فَإِذا زَادَت الْمُحَابَاة فِي الْمخوف على الثُّلُث فَإِنَّهُ ينفذ مِنْهَا مَا حمله الثُّلُث وَيبْطل الزَّائِد، وَلَو حازه الْأَجْنَبِيّ قبل الْمَوْت إِذْ لَا حكم لحيازة الْعَطِيَّة فِي الْمخوف، فَإِن أجَاز الْوَرَثَة لَهُ ذَلِك الزَّائِد فَهُوَ ابْتِدَاء عَطِيَّة تفْتَقر للحوز على الْمَشْهُور. 4 وَمَا بِهِ الْوَارِثَ حَابَى مُنِعَا وَإنْ يُجزْهُ الوَارِثُونَ اتُّبِعَا (وَمَا بِهِ الْوَارِث) مفعول بقوله (حابى) زَاد مَا حابى بِهِ على الثُّلُث أَو نقص (منعا) أَي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 منعت الْمُحَابَاة فَقَط، وَيصِح مَا عَداهَا فَإِذا بَاعه بِمِائَة مَا يُسَاوِي مِائَتَيْنِ مثلا فَيكون للْوَارِث نصف الْمَبِيع فَقَط وَيبْطل النّصْف الآخر، وَأما فِي الْأَجْنَبِيّ فَإِنَّهُ لَا يبطل النّصْف الآخر بل يكون لَهُ مِنْهُ مَا حمله الثُّلُث، وَإِنَّمَا بطلت فِي الْوَارِث لِأَنَّهَا وَصِيَّة لَهُ وَهِي مَمْنُوعَة. (وَإِن يجزه الوارثون اتبعا) فعلهم فِي الْوَارِث وَالْأَجْنَبِيّ وَهُوَ ابْتِدَاء عَطِيَّة مِنْهُم يعْتَبر فِيهَا الْحَوْز. تَنْبِيهَات. الأول: ظَاهر قَوْله: يَأْخُذ مَا بِهِ حُبي الخ. بل صَرِيحه أَنه لَا يبطل البيع وَهُوَ معَارض لما يَأْتِي فِي الْإِقْرَار حَيْثُ قَالَ: وَبيع من حابى من الْمَرْدُود أَو ثَبت التوليج بالشهود فَصرحَ هُنَاكَ بِأَنَّهُ يبطل، وَظَاهره لَو كَانَ لوَارث أَو غَيره فِي الصِّحَّة أَو فِي الْمَرَض، فَإِذا بَاعه بِمِائَة مَا يُسَاوِي مِائَتَيْنِ وَلم يجزه حَتَّى مَاتَ، فَإِنَّهُ يبطل الْجَمِيع وَيرد إِلَى المُشْتَرِي مَا دفع من الثّمن، وَهُوَ الَّذِي فِي الْفَائِق عَن ابْن الْقَاسِم قَائِلا: إِن للْوَرَثَة نقض البيع كُله لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التوليج، وَلَو أتم هُوَ بَقِيَّة الثّمن مَا كَانَ ذَلِك لَهُ لِأَن أصل البيع على التوليج إِلَيْهِ اه. وَنَحْوه لأبي الْحسن وَابْن هِلَال فِي الدّرّ النثير، وَمثله فِي الْمُعَاوَضَات من المعيار فِي الكراس الْحَادِي عشر من مَسْأَلَة الْوَصَايَا اخْتلف فِيهَا أهل بجاية، وَالَّذِي لِابْنِ عَرَفَة وَابْن نَاجِي عَن ابْن الْقَاسِم أَيْضا أَنه يكون لَهُ من الْمَبِيع بِقدر مَا دفع من الثّمن وَيبْطل الزَّائِد فِي الْوَارِث، وَيكون للْأَجْنَبِيّ مِنْهُ مَا حمله الثُّلُث. هَذَا كُله إِذا لم يجزه حَتَّى مَاتَ كَمَا مر، وَأما إِن حازه المُشْتَرِي فِي الصِّحَّة حوزاً تَاما فَيخْتَص بِهِ على الرَّاجِح لَا أَن حازه فِي الْمَرَض فَكَأَنَّهُ لم يجزه حَتَّى مَاتَ، ثمَّ مَا للناظم هُنَا هُوَ الْمُوَافق لما لِابْنِ عَرَفَة وَابْن نَاجِي كَمَا ترى، وَهُوَ الَّذِي عول عَلَيْهِ (خَ) وشراحه وَغَيرهم، فَتحصل أَنَّهُمَا قَولَانِ بِالْبُطْلَانِ مُطلقًا وبالصحة مُطلقًا درج النَّاظِم هُنَا على الثَّانِي، وَفِي بَاب الْإِقْرَار على الأول، وللشيخ الرهوني فِي حَاشِيَته بعد نقُول تَحْرِير عَجِيب ملخصه مَا ذكرنَا، إِلَّا أَنه رجح فِي الْمُحَابَاة فِي الصِّحَّة مَا تضمنه النَّاظِم فِي بَاب الْإِقْرَار وَهُوَ مَا للفائق وَمن مَعَه، وَرجح فِي الْمُحَابَاة فِي الْمَرَض للْوَارِث، وَالْأَجْنَبِيّ مَا للناظم هُنَا وَهُوَ مَا لِابْنِ عَرَفَة وَمن مَعَه، وَلَكِن يلْزم من رجح الْبطلَان فِي الصِّحَّة أَن يرجح الْبطلَان فِي الْمَرَض بالمساواة أَو بالأحرى فَالْأولى التَّمَسُّك بِمَا عَلَيْهِ ابْن عَرَفَة و (خَ) وشراحه. الثَّانِي: مَا تقدم للناظم إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُحَابَاة فِي ثمن الْمَبِيع كَمَا مرّ فِي التَّقْرِير، وَأما إِن كَانَت الْمُحَابَاة فِي عين الْمَبِيع مثل أَن يقْصد إِلَى خِيَار دوره أَو عبيده فيبيعه من وَلَده بِمثل الثّمن أَو أَكثر فللورثة نقض البيع فِي ذَلِك قَالَه اللَّخْمِيّ والتونسي، وَمثله فِي سَماع أبي زيد قَالَ مُحَمَّد: وَهَذَا أحسن نَقله فِي الْفَائِق وَغَيره مُسلما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 الثَّالِث: مُحَابَاة الْمَرِيض للْأَجْنَبِيّ وتبرعه لَا ينفذ إِلَّا بعد مَوته (خَ) : ووقف تبرعه لَهُ إِلَّا لمَال مَأْمُون وَهُوَ الْعقار فَإِن مَاتَ فَمن الثُّلُث وَإِلَّا مضى الخ. وَكُلُّ مَا الْقَاضِي يَبِيعُ مُطْلَقَا بَيْعُ بَرَاءَةٍ بِهِ تَحَقَّقَا (وكل مَا القَاضِي يَبِيع) من حَيَوَان أَو عقار أَو غَيرهمَا (مُطلقًا) بَاعه على مُفلس أَو يَتِيم أَو غَائِب (بيع بَرَاءَة بِهِ تحققا) فَلَيْسَ للْمُشْتَرِي رده بِعَيْب يجده قَدِيما فِيهِ وَأما بِالِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهُ يرجع بِثمنِهِ وَلَا إِشْكَال، وَظَاهره أَنه لَا رد للْمُشْتَرِي وَلَو أَتَى الْعَيْب على جلّ ثمنه وَهُوَ كَذَلِك قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَمَا ذكره النَّاظِم من أَنه بيع بَرَاءَة فِي كل شَيْء هُوَ أحد رِوَايَتَيْنِ عَن مَالك، وَالْمَشْهُور أَنَّهَا خَاصَّة بالرقيق، فعلى النَّاظِم الدَّرك فِي اعْتِمَاده غير رِوَايَة ابْن الْقَاسِم، قَالَ فِي النِّهَايَة: وَأما مَا بَاعه السُّلْطَان على مُفلس أَو فِي مغنم أَو لقَضَاء دين أَو وَرَثَة أَو على صَغِير فَهُوَ بيع بَرَاءَة وَإِن لم يَشْتَرِطه وَلَيْسَ للْمُبْتَاع رده بِعَيْب قديم وَلَا فِي ذَلِك عُهْدَة ثَلَاث وَلَا سنة. هَذَا قَول مَالك الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ فِي الْمُدَوَّنَة وَغَيرهَا، ثمَّ قَالَ: فَإِن قُلْنَا بالْقَوْل الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ فَهَل يكون بيع السُّلْطَان بيع بَرَاءَة فِي كل شَيْء أَو فِي بيع الرَّقِيق خَاصَّة؟ عَن مَالك فِي ذَلِك رِوَايَتَانِ. أَحدهمَا: أَنَّهَا فِي كل شَيْء رَوَاهَا ابْن حبيب عَن مَالك وَهُوَ قَول ابْن الْمَاجشون ومطرف وَأصبغ وَغَيرهم، وَالْأُخْرَى أَنَّهَا لَا تكون إِلَّا فِي الرَّقِيق خَاصَّة رَوَاهَا ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب عَنهُ وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم اه. فَوَجَبَ صرف التشهير وَالْعَمَل لرِوَايَة ابْن الْقَاسِم لِأَنَّهَا مُقَدّمَة على رِوَايَة غَيره، وَلذَا عول عَلَيْهَا (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَمنع مِنْهُ أَي من الرَّد بِالْعَيْبِ بيع حَاكم ووارث رَقِيقا فَقَط بَين أَنه إِرْث الخ. وَمحل كَون بيع القَاضِي بيع بَرَاءَة إِذا لم يعلم هُوَ أَو الْمُفلس بِالْعَيْبِ وإلاَّ فَلِلْمُشْتَرِي الرَّد، وَعَن اللَّخْمِيّ أَنه لَا يكون من الْحَاكِم بيع بَرَاءَة حَتَّى يسْأَل الْمَبِيع عَلَيْهِ هَل علم عَيْبا أم لَا اه. وَإِذا ثَبت علمه بِالْعَيْبِ بعد البيع فَهَل يرجع المُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثّمن على الْغُرَمَاء أَو بِقِيمَة الْعَيْب؟ رِوَايَتَانِ. فَفِي الْمُوازِية يرجع بِالثّمن، وَفِي الْمُدَوَّنَة بِقِيمَة الْعَيْب فَقَط ويرجعون هم بِهِ على الْمُفلس، وَقَالَهُ ابْن الْقَاسِم وَابْن نَافِع فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَالخُلْفُ فِيما باعَهُ الوَصِيُّ أَوْ وَارثٌ وَمَنْعُهُ المَرْضِيُّ (وَالْخلف فِيمَا بَاعه الْوَصِيّ) للإنفاق على الْيَتِيم أَو لقَضَاء دين أَو تَنْفِيذ وَصِيَّة لَا أَن بَاعَ مَال نَفسه (أَو وَارِث) بَاعَ لما ذكر أَيْضا لَا أَن باعوه للانفصال من شركَة بَعضهم بَعْضًا وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يكون بيع بَرَاءَة إِلَّا أَن تشْتَرط كَمَا مر فِي بيع الرَّقِيق (وَمنعه) أَي منع كَون بيع من ذكر بيع بَرَاءَة هُوَ (المرضي) الْمَعْمُول بِهِ فِي كل شَيْء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 إلاَّ بِمَا الْبَيْعُ بِهِ يَكُونُ برَسْمِ أَنْ تُقْضَى بِهِ الدُّيُونُ (إِلَّا بِمَا البيع بِهِ) الْبَاء الأولى وَالثَّانيَِة ظرفيتان أَي: إِلَّا فِي الشَّيْء الَّذِي البيع فِيهِ (يكون برسم أَن تقضى بِهِ) أَي بِثمنِهِ (الدُّيُون) هَذَا مَحل الْخلاف، فَلَو حذف هَذَا الْبَيْت وأبدل الْبَيْت الأول بقوله مَا نَصه: كَذَلِك الْوَارِث وَالْوَصِيّ جَوَازه أَن بَينا المرضي لأجاد وَأفَاد شَرط كَون بيع الْوَصِيّ وَالْوَارِث بيع بَرَاءَة إِذا بَينا أَن الْمَبِيع إِرْث بِخِلَاف الْحَاكِم فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط ذَلِك فِيهِ، وَمَفْهُوم قَوْلنَا للإنفاق أَو لقَضَاء دين أَو تَنْفِيذ وَصِيَّة الخ. أَنه إِذا بَاعَ للتِّجَارَة للْيَتِيم فَإِن الْعهْدَة عَلَيْهِ إِذا لم يكن للْيَتِيم مَال. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: فَإِن تجر الْوَصِيّ ليتيمه أتبعت ذمَّته كَالْوَكِيلِ الْمُفَوض إِلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَاف مَا يَبِيعهُ للإنفاق على الْيَتِيم لِأَن ذَلِك ضَرُورَة اه. وَأَشَارَ النَّاظِم بقوله: وَمنعه المرضي الخ. إِلَى قَوْله فِي الْمُتَيْطِيَّة أَيْضا. وَأما مَا بَاعه الْوَصِيّ لأيتامه أَو الْوَرَثَة الْكِبَار لقَضَاء دين الْمَيِّت أَو وَصَايَاهُ فَلَا يكون بيع بَرَاءَة إِلَّا أَن يشترطها الْوَصِيّ، أَو يُصَرح بِأَنَّهَا مِيرَاث، أَو يعلم بذلك الْمُبْتَاع فَيكون بيع بَرَاءَة، وَإِن لم يعلم الْمُبْتَاع بِأَنَّهُ بيع مِيرَاث أَو سُلْطَان فَهُوَ مُخَيّر فِي الرَّد والإمساك اه. وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَخير مُشْتَر ظَنّه غَيرهمَا اه. قَالَ ابْن شَاس: وَإِنَّمَا حمل بيع الْوَارِث وَالْحَاكِم وَالْوَصِيّ على الْبَرَاءَة لكَون الدُّيُون والوصايا يجب تَعْجِيلهَا لأَهْلهَا إِن طلبوها فهم مطالبون باستعجال الْحق لأَهله غير عَالمين بأحوال الْمَبِيع، فَلذَلِك حمل بيعهم على الْبَرَاءَة بِخِلَاف بيع الْإِنْسَان مَال نَفسه. تَنْبِيهَانِ. الأول: ظَاهر النّظم و (خَ) أَنه لَا يعْذر إِن جهل كَون بيع الْحَاكِم أَو الْوَارِث بيع بَرَاءَة. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: وَأرى إِن علم المُشْتَرِي أَنه بيع سُلْطَان أَو مِيرَاث وَجَهل أَن ذَلِك بيع بَرَاءَة أَن تكون لَهُ الْعهْدَة اه. وَنَقله فِي الْمُتَيْطِيَّة مُسلما. قلت: وَهُوَ جَار على الْقَاعِدَة الْمُتَقَدّمَة آخر بيع الْفُضُولِيّ، وَإِذا ادّعى المُشْتَرِي على الْوَارِث أَو الْوَصِيّ أَنَّهُمَا عالمان بِالْعَيْبِ فعلَيْهِمَا الْيَمين لِأَنَّهُمَا المتوليان للمعاملة إِلَّا أَن يشترطا سُقُوط الْيَمين عَنْهُمَا فِي العقد كَمَا مرّ فِي فصل بيع الرَّقِيق عِنْد قَوْله: وَالْبيع مَعَ بَرَاءَة إِن نصت على الْأَصَح بالرقيق اخْتصّت الثَّانِي: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة. إِثْر مَا مر عَنهُ: وَأما الْوَصِيّ إِذا بَاعَ لمن يَلِي لنفقته أَو لغير ذَلِك من مُؤنَة وَبَين ذَلِك فَلَا تباعة عَلَيْهِ وَيرجع الْمُبْتَاع فِي عين ذَلِك الثّمن إِن كَانَ قَائِما فَإِن أنفقهُ على الْأَيْتَام لم يكن عَلَيْهِ شَيْء وَبيع القَاضِي كَبيع الْوَصِيّ فِي أَن لَا تباعة عَلَيْهِ. قَالَ اللَّخْمِيّ: ويفترق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 الْجَواب فِيمَن أصرف إِلَيْهِ الثّمن فَإِن كَانَ البيع للإنفاق على الْأَيْتَام أَو الصَّدَقَة رَجَعَ على من قبض الثّمن إِن كَانَ قَائِما فِي الِاسْتِحْقَاق وَالْعَيْب وَإِن أنفقهُ لم يرجع عَلَيْهِ بِشَيْء وَلَو اشْترى بِهِ رَقَبَة فأعتقت فَفِي رد الْعتْق قَولَانِ. فَفِي الْمُدَوَّنَة يرد الْعتْق وَلَا شَيْء على الْوَصِيّ، وَفِي الْمُوازِية لَا يرد وَيغرم الْوَصِيّ قَالَ: وَالْأول أحسن وَإِن كَانَ البيع لإنفاذ دُيُون على مُفلس رَجَعَ على قَابض المَال كَانَ المَال قَائِما أَو استهلكوه أَو ضَاعَ مِنْهُم اه. وَنقل بعضه (م) : وَفِي فصل بيع الْوَصِيّ من ابْن سَلمُون مَا نَصه: فَإِن استنفد الثّمن فِي نفقات الْمَحْجُور ثمَّ اسْتحق الْمَبِيع فَإِنَّهُ لَا يرجع على الْوَصِيّ بِشَيْء وَيرجع بذلك فِي مَال الْمَحْجُور إِن كَانَ لَهُ مَال، فَإِن لم يكن لَهُ مَال فَلَا شَيْء على الْوَصِيّ فَقَوله أَي المتيطي لَا تباعة على الْوَصِيّ يَعْنِي: وَإِنَّمَا التباعة فِي مَال الْأَيْتَام. وَقَوله فِي الِاسْتِحْقَاق: وَالْعَيْب يَعْنِي فِي غير عيب الرَّقِيق أَو فِيهِ، وَلكنه علم بِعَيْبِهِ وكتم وإلاَّ فَلَا رُجُوع لَهُ على الْوَصِيّ وَلَا على الْأَيْتَام لِأَنَّهُ بيع بَرَاءَة كَمَا مر. وَانْظُر هَذَا كُله مَعَ قَول ناظم الْعَمَل: وَمَال ميت إِذْ مَا بَاعه وَصِيّه بَين كي يَنْفَعهُ فَإِنَّهُ جَار على الْمَشْهُور مَعَ أَنه بصدد نظم مَا بِهِ الْعَمَل الْمُخَالف للمشهور، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون مُرَاده أَنه يَنْفَعهُ ذَلِك فِي الرَّقِيق وَغَيره، وَفِي الِاسْتِحْقَاق وَالْعَيْب فَيكون الْعَمَل بِرِوَايَة ابْن حبيب الْمُتَقَدّمَة لِأَن تَعْلِيل ابْن شَاس الْمُتَقَدّم يدل على جريانها فِي الْوَصِيّ وَالْوَارِث أَيْضا أَي: فَيكون بيع بَرَاءَة فِي الرَّقِيق وَغَيره، وَفِي الِاسْتِحْقَاق وَالْعَيْب وَإِنَّمَا الْعهْدَة فِي مَال الْأَيْتَام إِن كَانَ وإلاَّ فَلَا تباعة على الْوَصِيّ وَالْوَارِث حَيْثُ بَينا وَكَانَ البيع للإنفاق أَو الدّين لَا للتِّجَارَة كَمَا مرّ. (فصل) وَمِنْ أصَمَّ أبْكَمَ الْعُقُودُ جَائِزَةٌ وَيَشْهَدُ الشُّهُودُ (وَمن أَصمّ أبكم الْعُقُود) من نِكَاح وَغَيره من الْمُعَاوَضَات والتبرعات (جَائِزَة) لِأَنَّهُ يدْرك الْأَشْيَاء ببصره، وَيفهم عَنهُ مَا أَرَادَ بإشارته كَمَا قَالَ: (وَيشْهد الشُّهُود) عَلَيْهِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول. بِمُقْتَضَى إشارةٍ قد أَفْهَمَتْ مقْصُودَهُ وبرضاهُ أَعْلَمَتْ بِحَيْثُ لَا يَشكونَ فِي مُرَاده من ذَلِك. فَإنْ يَكُنْ مَعْ ذَاكَ أَعْمَى امْتَنَعَا لِفَقْدِهِ الإفْهَامَ وَالْفَهْمَ مَعَا (فَإِن يكن مَعَ ذَاك) الصمم والبكم (أعمى امتنعا) أَي العقد مَعَه وَالشَّهَادَة عَلَيْهِ (لفقده الأفهام) لغيره (والفهم) مِنْهُ (مَعًا) وَإِنَّمَا يعْقد عَلَيْهِ النِّكَاح وَنَحْوه وليه وَمثله فِي منع مُعَامَلَته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 بِنَفسِهِ إِذا كَانَ أَصمّ أعمى لوُجُود الْعلَّة الْمَذْكُورَة، وَفهم مِنْهُ أَنه إِذا كَانَ أبكم أعمى وَهُوَ يسمع تجوز مُعَامَلَته لِأَن الْإِشَارَة مِنْهُ مُمكنَة. كَذَاكَ لِلْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ يُمْنَعُ وَالسَّكْرَانِ لِلْجُمْهُورِ (كَذَاك للمجنون وَالصَّغِير يمْنَع) أَي يمْنَع العقد من الصَّغِير وَالْمَجْنُون اللَّذين لَا تَمْيِيز مَعَهُمَا بِحَيْثُ إِذا بِشَيْء من مَقَاصِد الْعُقَلَاء لَا يفهمانه وَلَا يحسنان الْجَواب عَنهُ، كامتناعه للأصم الأبكم الْأَعْمَى (و) كَذَا يمْنَع العقد من (السَّكْرَان) الطافح الَّذِي لَا تَمْيِيز مَعَه بِسَبَب سكر حرَام أدخلهُ على نَفسه وتسبب فِيهِ أَي لَا ينْعَقد بَيْعه وَلَا غَيره على مَا (لِلْجُمْهُورِ) بعد أَن يحلف بِاللَّه أَنه مَا عقل حِين فعل، وَهَذِه طَريقَة ابْن شَاس وَابْن الْحَاجِب وَابْن شعْبَان، وَمُقَابل الْجُمْهُور قَول ابْن نَافِع أَنه يَصح عقده، وَطَرِيقَة ابْن رشد والباجي أَنه لَا يَصح عقده اتِّفَاقًا. وَقَوْلِي الَّذِي لَا تَمْيِيز مَعَه احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ مَعَه ضرب من التَّمْيِيز فَإِنَّهُ لَا خلاف فِي صِحَة عقده، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي لُزُومه وَالْمُعْتَمد عَدمه قَالَه (ز) . وَقَوْلِي بِسَبَب سكر حرَام احْتِرَازًا مِمَّا إِذا سكر بحلال كشرب خمر يَظُنّهُ غَيره أَو لغصة فَإِن بَيْعه لَا يَصح اتِّفَاقًا، وَهَذَا كُله بِالنِّسْبَةِ لعقوده وَإِقْرَاره وَأما جِنَايَته وعتقه وطلاقه وحدوده فَإِنَّهَا لَازِمَة لَهُ، وَعَلِيهِ عول ابْن عَاشر بقوله: لَا يلْزم السَّكْرَان إِقْرَار عُقُود بل مَا جنى عتق طَلَاق وحدود وَذو العَمى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; يَجُوزُ الابْتِياعَ لَهْ وَبَيْعُهُ وَكُلُّ عَقْدٍ أَعْمَلَهْ (وَذُو الْعَمى) فَقَط (يجوز الابتياع لَهُ) أَي مِنْهُ (وَبيعه) من غَيره (و) يجوز مِنْهُ أَيْضا (كل عقد عمله) من نِكَاح وَهبة وَإِجَارَة وَغير ذَلِك، وَالْأَعْمَى هُوَ من تقدم لَهُ إبصار، وَأما من ولد أعمى فيسمى أكمه وَالْحكم فيهمَا سَوَاء على الْمَشْهُور. وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ وُلِدْ أَعْمَى وَمَنْ عَمَاهُ مِنْ بَعْدُ وُجِدْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 (وَبَعْضهمْ) وَهُوَ جَعْفَر الْأَبْهَرِيّ (فرق بَين من ولد أعمى) فَلَا يَصح بَيْعه، وَفِي مَعْنَاهُ من عمي صَغِيرا بِحَيْثُ لَا يتخيل الألوان كَأبي الْعَلَاء المعري (و) بَين (من عماه بعد) أَي بعد وِلَادَته وتخيله الألوان (قد وجد) فَيصح بِعْهُ وابتياعه، وَمحل الْخلاف فِيمَا يتَوَقَّف على الرُّؤْيَة لَا فِيمَا يتَوَقَّف على شم أَو ذوق كمسك وسكر فَيجوز مُطلقًا قَالَه (ز) . (فصل فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين) لذات أَو مَنْفَعَة تَثْنِيَة متبايع بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة تَحت دون همز وَهُوَ إِمَّا فِي قدر الثّمن أَو فِي جنسه أَو فِي الْأَجَل أَو فِي انقضائه أَو فِي قبض الثّمن أَو السّلْعَة أَو فِي الصِّحَّة وَالْفساد أَو فِي تَابع الْمَبِيع، وَتكلم على هَذِه الْأَنْوَاع كلهَا وَبَقِي عَلَيْهِ اخْتِلَافهمَا فِي الْبَتّ أَو الْخِيَار واختلافهما فِي العقد، أما اخْتِلَافهمَا فِي وُقُوعه على الْبَتّ أَو الْخِيَار فَالْقَوْل لمُدعِي الْبَتّ لِأَنَّهُ الْغَالِب إِلَّا أَن يغلب البيع بِالْخِيَارِ فَالْقَوْل لمدعيه، وَأما اخْتِلَافهمَا فِي العقد فَالْقَوْل لمنكره إِجْمَاعًا، وَلَكِن يبْقى النّظر فِيمَا إِذا ادّعى أَحدهمَا البيع وَالْآخر الْقَرْض أَو الْعَارِية فَقَالَ ابْن رشد كَمَا فِي الْبُرْزُليّ: القَوْل لمُدعِي الْقَرْض قولا وَاحِدًا، وَسَيَأْتِي شَيْء من ذَلِك آخر الْقَرَاض، وَكَذَا القَوْل لمُدعِي الْعَارِية كَمَا فِي ابْن فَرِحُونَ فِي الْبَاب الْخَامِس وَالْعِشْرين، وَأما إِن قَالَ رب المَال هُوَ قرض وَقَالَ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ: بل هُوَ قِرَاض أَو وَدِيعَة وَتلف، فَإِن القَوْل لرب المَال. قَالَ ابْن الْقَاسِم: لِأَنَّهُ قَالَ: أخذت المَال مني على الضَّمَان، وَقَالَ الآخر: أَخَذته على غير الضَّمَان فَهُوَ قد أقرّ بِالْمَالِ وَيَدعِي نفي الضَّمَان عَنهُ فَلَا يصدق، وَكَذَا إِن ادّعى أَحدهمَا البيع وَالْآخر الرَّهْن فَإِن القَوْل لمُدعِي الرهنية إِلَّا أَن تفوت الأَرْض بيد مدعي الشِّرَاء بالهدم وَالْبناء وَالْغَرْس قَالَه فِي نَوَازِل الدَّعَاوَى من المعيار، وَكَذَا إِن قَالَ الْمَالِك: بِعْت السّلْعَة الْفُلَانِيَّة مِنْك فادفع لي ثمنهَا، فَقَالَ الآخر: لم تبعها مني وَإِنَّمَا أَمرتنِي بِبَيْعِهَا وَقد تلفت، فَفِي سَماع عِيسَى من ابْن الْقَاسِم وَعَلِيهِ اقْتصر فِي كتاب الْقَرَاض من الْمُتَيْطِيَّة أَن القَوْل لرب السّلْعَة وَيحلف أَنه بَاعهَا مِنْهُ يُرِيد لينفي دَعْوَاهُ الْوكَالَة فَإِن نكل حلف الآخر وبرىء. قلت: فَإِن حلف صَاحب الثَّوْب أَنه بَاعه مِنْهُ وَاخْتلفَا فِي الصّفة، قَالَ: يصف المُشْتَرِي الثَّوْب وَيحلف على صفته ثمَّ يقومه أهل الْبَصَر. قلت: فَإِن نكل؟ قَالَ: يصفه صَاحب الثَّوْب وَتقوم تِلْكَ الصّفة وَيغرم المُشْتَرِي. قَالَ: فَإِن أَتَيَا جَمِيعًا بِمَا يستنكر فِي الصّفة ونكلا صدق المُشْتَرِي؟ قلت: فَإِن كَانَ قِيمَته أدنى من الثّمن الَّذِي بَاعَ بِهِ؟ قَالَ: يُقَال للَّذي بَاعَ الثَّوْب اتَّقِ الله إِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 كَانَ أَمرك بِبيعِهِ كَمَا زعمت فادفع إِلَيْهِ بَقِيَّة ثمن ثَوْبه وَلَا تبخسه وَلَا يقْضى عَلَيْهِ بذلك، لِأَن صَاحب الثَّوْب يَدعِي أَنه بَاعه مِنْهُ اه. وَبِه أفتى العقباني وَنَقله صَاحب شرح المغارسة وَنَحْوه فِي المقرب قَائِلا: لَو قَالَ رجل لآخر: أَعْطِنِي ثمن الثَّوْب الَّذِي بِعْتُك. فَقَالَ: إِنَّمَا أَمرتنِي بِبيعِهِ حلف أَنه بَاعه وَأخذ ثمنه، فَإِن نكل حلف الآخر وبرىء. وَفِي الدُّرَر المكنونة فِيمَن قَالَ لرجل: خلصني فِي ثمن السّلْعَة الَّتِي أخذت مني فَإِنِّي عاملتك فِيهَا بيعا وَشِرَاء وَكنت بعتكها بِالذَّهَب، وَقَالَ الرجل: إِنَّمَا كنت تُعْطِينِي السّلع وتقومها عَليّ بِالدَّرَاهِمِ لَا بِالذَّهَب فأبيعها وَأُعْطِيك مَا كنت قومتها بِهِ عَليّ وَالْبَاقِي نقسمهُ بَيْننَا فَهَل القَوْل لمُدعِي البيع؟ وَهل يقبل قَوْله إِنَّهَا مبيعة بِالذَّهَب؟ فَقَالَ: قَالَ ابْن الْقَاسِم فِي مَسْأَلَة رجل قَالَ لآخر: أَعْطِنِي ثمن الثَّوْب الَّذِي بِعته مِنْك. فَقَالَ: مَا بِعته مني إِنَّمَا أَمرتنِي بِبيعِهِ القَوْل لرب الثَّوْب مَعَ يَمِينه وَالْمَسْأَلَة المسؤول عَنْهَا ترجع إِلَى هَذِه، فَإِذا قبل قَوْله بِيَمِينِهِ يصير الْخلاف بَينهمَا فِي جنس الثّمن، وَقد علمت أَن الْمَنْصُوص لأهل الْمَذْهَب التَّحَالُف والتفاسخ فَيرجع فِي السّلْعَة إِن كَانَت قَائِمَة، وَفِي الْقيمَة مَعَ الْفَوات اه. وَانْظُر الكراس الثَّانِي من بُيُوع الْبُرْزُليّ فَإِنَّهُ ذكر الْمَسْأَلَة أَيْضا وَقَالَ: إِن القَوْل لِرَبِّهَا بعد أَن يحلف أَنه مَا وَكله على بيعهَا وَيَأْخُذ سلْعَته إِن كَانَت قَائِمَة بِيَدِهِ أَو بيد من بَاعهَا إِلَيْهِ أَو قيمتهَا إِن فَاتَت. قلت: وتلخيصه أَن الْمَالِك إِذا حلف أَنه بَاعهَا مِنْهُ فَإِن صدقه الآخر على قدر الثّمن فَإِنَّهُ يَأْخُذهُ مِنْهُ وَهُوَ معنى قَوْله فِي المقرب: وَأخذ ثمنه وَإِن كذبه وَادّعى أقل فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ ويتفاسخان وَيَأْخُذ الْمَالِك حِينَئِذٍ سلْعَته إِن كَانَت قَائِمَة وَهُوَ معنى قَول الْبُرْزُليّ. وَيَأْخُذ سلْعَته إِن كَانَت قَائِمَة فَإِن فَاتَت فَالْقيمَة على وصف المُشْتَرِي كَمَا مر فِي النَّص، وَإِنَّمَا ترد مَعَ الْقيام فِيمَا إِذا كَانَ الْمَأْمُور بَاعهَا إِذا صدقهما المُشْتَرِي أَنَّهَا للْمَالِك أَو قَامَت بذلك بَيِّنَة وإلاَّ فَلَا ترد، وَيغرم الْمَأْمُور الْقيمَة مَا لم تكن أَكثر من الثّمن الَّذِي ادَّعَاهُ رَبهَا انْظُر الْبُرْزُليّ. وَإِنَّمَا أطلت فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لِكَثْرَة وُقُوعهَا وَقد وَقعت فِي هَذَا الأوان فَادّعى الْقَابِض للسلعة وَكَانَت عقدا من جَوْهَر أَنه قَبضه ليَبِيعهُ لَهُ، وَقد تلف وَادّعى آخر أَنه قَبضه ليقلبه وَقد تلف قبل إِمْضَاء البيع فِيهِ، فَلم يتفطن الْحَاكِم لتِلْك النُّصُوص، وَقد قَالَ (ز) عِنْد قَول (خَ) أول الْبيُوع وَعدم دفع رَدِيء أَو نَاقص مَا نَصه: فَإِن اخْتلفَا فِي صفة الْقَبْض هَل ليزنها أَو على المفاصلة؟ فَالْقَوْل للدافع اه. وَحَيْثُمَا اخْتَلَفَ بَائِعٌ وَمَنْ مِنْهُ اشْتَرَى إنْ كَانَ فِي قَدْرِ الثَّمَنْ (وحيثما اخْتلف بَائِع وَمن مِنْهُ اشْترى إِن كَانَ) الِاخْتِلَاف (فِي قدر الثّمن) كَقَوْلِه بِعشْرَة وَقَالَ المُشْتَرِي بِثمَانِيَة، أَو كَانَ الِاخْتِلَاف فِي قدر الْمَبِيع كَقَوْلِه: هَذَا الثَّوْب بِعشْرَة. وَقَالَ المُشْتَرِي: بل هُوَ وَهَذِه الشَّاة بِعشْرَة، فَاكْتفى النَّاظِم بِالثّمن عَن الْمُثمن لِأَن كلاًّ من الْعِوَضَيْنِ ثمن للْآخر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 وَلَمْ يَفُتْ مَا بِيعَ فَالْفَسْخُ إذَا مَا حَلَفَا أَوْ نَكَلاَ قَدْ أُنْفِذَا (وَلم يفت مَا بيع) بحوالة سوق فأعلى، وَسَوَاء كَانَت قَائِمَة بيد البَائِع أَو قبضهَا المُشْتَرِي، وَسَوَاء انتقد البَائِع الثّمن أم لَا انتقد كُله أَو بعضه، وَلَا يكون انتقاده مرجحاً لقَوْله فِيهِ ابْن رشد لِأَن ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة لم ير قبض السّلْعَة فوتاً كَمَا أَنه لم ير قبض الثّمن قوتاً (ف) الْوَاجِب فِي ذَلِك كُله (الْفَسْخ إِذا مَا) زَائِدَة (حلفا) مَعًا (أَو نكلا) مَعًا (قد أنفذا) فَإِن حلف أَحدهمَا فَقَط قضى لَهُ. وَالْبَدْءُ بِالْبَائِع ثُمَّ المُشْتَرِي فِي الأَخْذِ وَالْيَمِينُ ذُو تَخَيُّرِ (والبدء) فِي الْيَمين (بالبائع) على الْمَشْهُور (ثمَّ المُشْتَرِي فِي الْأَخْذ وَالْيَمِين ذُو تخير) أَي: ثمَّ إِذا حلف البَائِع فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ الْمَبِيع بِمَا حلف عَلَيْهِ البَائِع وَهُوَ عشرَة، وَإِن شَاءَ حلف أَن البيع بِثمَانِيَة. ثُمَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَعْدُ الرِّضَا وقِيلَ إنْ تَحَالَفَا الْفَسْخُ مَضَى (ثمَّ) إِذا حلفا مَعًا (لكل وَاحِد) مِنْهُمَا (بعد) أَي بعد حلفهما (الرِّضَا) بِمَا قَالَ صَاحبه على الرَّاجِح، وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم لِأَن الْفَسْخ عِنْده إِنَّمَا يَقع إِذا حكم الْحَاكِم بِهِ، وَعَلِيهِ عول (خَ) حَيْثُ قَالَ: حلفا وَفسخ إِن حكم بِهِ. (وَقيل) لَا يتَوَقَّف الْفَسْخ على الحكم بِهِ بل (إِن تحَالفا) أَو نكلا مَعًا وَقع (الْفَسْخ) بَينهمَا (وَمضى) إِنَّمَا كَانَ الْفَسْخ يَقع بِمُجَرَّد ذَلِك التَّحَالُف أَو النّكُول لِأَنَّهُ قد. وَقِيلَ لاَ يُحْتَاجُ فِي الْفَسْخِ إِلَى حُكْمٍ وَسَحْنُونٌ لَهُ قَدْ نَقَلاَ (قيل لَا يحْتَاج فِي الْفَسْخ إِلَى حكم) كاللعان (وَسَحْنُون لَهُ) أَي عَنهُ (قد نقلا) فالواو فِي قَوْله: وَقيل للتَّعْلِيل، وَلَو حذف النَّاظِم هَذَا الْبَيْت لَكَانَ أحسن، وَمثل اخْتِلَافهمَا فِي الْقدر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 اخْتِلَافهمَا فِي الرَّهْن والحميل فَيجْرِي على التَّفْصِيل الْمَذْكُور، وَإِذا فسخ فَإِنَّهُ يفْسخ ظَاهرا وَبَاطنا، فَإِذا كَانَ الْمَبِيع أمة فَيحل للْبَائِع وَطْؤُهَا فِيمَا بَينه وَبَين الله، وَيحل لَهُ استخدامها، وَهَكَذَا. وَقيل: يفْسخ فِي الظَّاهِر دون الْبَاطِن فَلَا يحل لَهُ وَطْؤُهَا إِذْ الْقَضَاء لَا يحل حَرَامًا، وَفِي الْمَسْأَلَة نزاع شهير اُنْظُرْهُ فِي الشَّامِل وَغَيره، وَفِي أقضية المعيار عَن ابْن أبي زيد أَن المُشْتَرِي إِذا حلف فَإِنَّهُ يعد ذَلِك مِنْهُ تَسْلِيمًا لِلْجَارِيَةِ بِالثّمن فَيحل حِينَئِذٍ للْبَائِع وَطْؤُهَا إِن رَضِي بقبولها فِي الثّمن، وَإِن لم يقبلهَا فليبعها وَيشْهد عَدْلَيْنِ أَنه إِنَّمَا بَاعهَا على ذَلِك وَيقبض ثمنهَا الَّذِي بَاعَ بِهِ أَولا، وَيُوقف مَا زَاد عَلَيْهِ فَمَتَى أقرّ المُشْتَرِي الأول فَهُوَ لَهُ اه. وَهَذَا التَّفْصِيل الَّذِي لِابْنِ أبي زيد هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَاده، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله وَلم يفت مَا بيع فَقَالَ: وَإنْ يَفُتْ فَالْقَوْلُ لِلَّذِي اشْتَرَى وَذَا الَّذِي بِهِ الْقَضَاءَ قَدْ جَرَى (وَإِن يفت) الْمَبِيع بيد المُشْتَرِي أَو بيد البَائِع كَمَا هُوَ ظَاهره وَهُوَ أحد قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا فِي الشَّامِل (فَالْقَوْل للَّذي اشْترى) بِيَمِينِهِ إِذا أشبه وإلاَّ فَالْقَوْل للْبَائِع إِذا أشبه فَإِن لم يشبها فعلى الْمُبْتَاع الْقيمَة وَيصدق فِي الصّفة، وَإِن قَالَ عبدا أعمى مقْعدا إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة بِخِلَافِهِ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَقد تقدم مثله عَن ابْن الْقَاسِم، وَقد أخل النَّاظِم بِقَيْد الشّبَه اتكالاً على أَن الْغَالِب عدم الْخُرُوج عَنهُ (خَ) : وَصدق مُشْتَر ادّعى الْأَشْبَه وَحلف إِن فَاتَ. (وَذَا) القَوْل الَّذِي يَقُول يصدق المُشْتَرِي إِن أشبه مَعَ الْفَوات هُوَ أحد رِوَايَتَيْنِ عَن مَالك وَهُوَ: (الَّذِي بِهِ الْقَضَاء قد جرى) كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا إِذا وَقع الْخلاف فِي الْجِنْس فَقَالَ: وإنْ يَكُنْ فِي جِنْسِهِ الخُلْفُ بَدَا تَفَاسَخَا بَعْدَ اليَمِينِ أَبَدَا (وَإِن يكن فِي جنسه الْخلف بدا) فَقَالَ أَحدهمَا: الْمَبِيع هَذَا الثَّوْب بِدِينَار، وَقَالَ الآخر: بل هَذَا الْفرس بِدِينَار أَو يَقُول: اشْتريت الثَّوْب بِدِينَار، وَيَقُول الآخر: بل بقفيز من شعير مثلا أَو ادّعى أَحدهمَا أَن البيع بِذَهَب وَالْآخر بِفِضَّة. (تفاسخا بعد الْيَمين أبدا) كَانَ الْمَبِيع قَائِما أَو فائتاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 أشبه أَحدهمَا أم لَا. إِذْ لَا ينظر لشبه مَعَ الِاخْتِلَاف فِي الْجِنْس إِذْ لَيْسَ قَول أَحدهمَا بِأولى من قَول الآخر. ابْن عَرَفَة: إِن اخْتلفَا فِي جنس أحد الْعِوَضَيْنِ كتمر وبر تحَالفا وتفاسخا. ابْن حَارِث: اتِّفَاقًا اه. واختلافهما فِي الصِّنْف السمراء والمحمولة كاختلافهما فِي الْجِنْس كَمَا مر فِي الشَّامِل، وَكَذَا اخْتِلَافهمَا فِي ذكران الْخَيل وإناثها فَقَالَ أَحدهمَا: وَقع العقد على الذّكر، وَقَالَ الآخر: على الْأُنْثَى فَمَا يكون من الْمَبِيع قَائِما فِي ذَلِك كُله ردّ بِعَيْنِه. وَمَا يَفُوتُ وَاقْتَضَى الرُّجُوعَا بِقِيمَةٍ فَذَاكَ يَوْمَ بِيعَا (وَمَا يفوت) مِنْهُ (وَاقْتضى الرجوعا) فِي مثلي فبمثله أَو (بِقِيمَة فَذَاك) أَي فَيعْتَبر قِيمَته (يَوْم بيعا) لَا يَوْم الْفَوات، وَأما الِاخْتِلَاف فِي الصّفة كالجودة والرداءة فَيجْرِي على الِاخْتِلَاف فِي الْقدر على الْمُعْتَمد ابْن عَرَفَة عَن اللَّخْمِيّ: اخْتِلَافهمَا فِي الْجَوْدَة كاختلافهما فِي الْكَيْل اه. فَإِن اخْتلفَا فِي السِّكَّة فَقَالَ أَحدهمَا بيزيدية وَقَالَ الآخر بمحمدية، فقد تقدم تَفْصِيل ذَلِك فِي صدر الْبيُوع. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الِاخْتِلَاف فِي الْأَجَل وَهُوَ إِمَّا فِي أَصله أَو فِي انقضائه أَو فِي قدره فَقَالَ: وَحَيْثُمَا المبيعُ باقٍ واخْتُلِفْ فِي أَجَلٍ تَفَاسَخَا بَعْدَ الحَلِفْ (وحيثما الْمَبِيع بَاقٍ) قَائِما لم يفت (وَاخْتلف فِي) أصل (أجل) فَادّعى أَحدهمَا البيع بِالنَّقْدِ وَالْآخر بِالنَّسِيئَةِ لشهر مثلا (تفاسخا بعد الْحلف) وَهَذَا قَول مَالك وَابْن الْقَاسِم. وَقِيلَ ذَا إنِ ادَّعَى المُبْتَاعُ مَا يَبْعُدُ وَالْعُرْفَ بهِ قَدْ عُدِمَا (وَقيل) وَهُوَ لِابْنِ الْقَاسِم أَيْضا (ذَا) أَي مَا ذكر من التَّحَالُف والتفاسخ (إِن ادّعى الْمُبْتَاع مَا يبعد) من الْأَجَل (و) الْحَال أَن (الْعرف بِهِ قد عدما) أَي لم يجر عرف عِنْد النَّاس فِي مثل تِلْكَ السّلْعَة بالأجل فَقَط، بل هُوَ جَار بالأجل تَارَة وبعدمه أُخْرَى، أَو هُوَ جَار فِي مثلهَا بالأجل فَقَط، وَلَكِن لم يجر بذلك الْأَجَل الْبعيد الَّذِي ادَّعَاهُ، وَمَفْهُومه أَنه إِن ادّعى اجلاً بتبايع النَّاس إِلَى مثله فَالْقَوْل قَوْله. هَذَا وَجعل فِي الشَّامِل وَغَيره الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إِذا لم يكن عرف أصلا فَقَالَ: وَلَو اخْتلفَا فِي تَعْجِيله وتأجيله صدق مدعي الْعرف بِيَمِين، وَإِن فقد الْعرف فَقيل يَتَحَالَفَانِ ويتفاسخان، وَقيل القَوْل للْبَائِع الخ. وَحِينَئِذٍ فَيجب أَن يكون قَوْله: وَالْعرْف بِهِ الخ. هُوَ مَوْضُوع الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِه وَفِي الَّتِي بعْدهَا وَبِالْجُمْلَةِ إِذا كَانَ هُنَاكَ عرف فِي مثل تِلْكَ السّلْعَة من كَونهَا تبَاع بِالنَّقْدِ أَو بِالنَّسِيئَةِ لمثل ذَلِك الْأَجَل فَالْقَوْل لمدعيه، وَإِن لم يكن عرف بِالنَّقْدِ وَلَا بِالنَّسِيئَةِ بل كَانَ التبايع بهما مَعًا أَو كَانَ الْعرف النَّسِيئَة، وَلَكِن ادّعى أَََجَلًا بَعيدا لَا بتبايع النَّاس إِلَى مثله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 فَقيل يَتَحَالَفَانِ، وَقيل القَوْل للْبَائِع وَالْمُعْتَمد مِنْهُمَا أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ فِيمَا إِذا كَانَ التبايع بهما مَعًا، وَأَن القَوْل للْبَائِع فِي الْعرف بِالنَّسِيئَةِ إِذا ادّعى الْمُبْتَاع أَََجَلًا بَعيدا وَادّعى هُوَ مَا يشبه. تَنْبِيه: قَوْلهم الأَصْل فِي الثّمن الْحُلُول كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ شرَّاح (خَ) عِنْد قَوْله أول الْإِجَارَة بعاقد وَأجر كَالْبيع إِنَّمَا يتمشى على مَا إِذا كَانَ الْعرف جَارِيا بِهِ فَقَط كَمَا هُوَ الْغَالِب عندنَا الْيَوْم فَقَوْلهم: الأَصْل فِيهِ الْحُلُول أَي الْغَالِب فِيهِ الْحُلُول، وَأَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله الْمَبِيع بَاقٍ فَقَالَ: وَإنْ يَفُتْ فَالْقَوْلُ عِنْدَ مَالِكِ لِبَائِعٍ نَهْجَ الْيَمِينِ سَالِكِ (وَإِن يفت) بِوَجْه من وُجُوه الْفَوْت كتغير ذَات أَو حِوَالَة سوق أَو خُرُوج عَن يَد (فَالْقَوْل عِنْد مَالك) من رِوَايَة ابْن وهب (لبائع نهج الْيَمين) مفعول بقوله (سالك) أَي حَال كَونه سالكاً نهج الْيَمين. وَقِيلَ لِلْمُبْتَاعِ وَالقَوْلانِ لِحافِظِ المَذْهَبِ مَنْقُولاَنِ (وَقيل) وَهُوَ لِابْنِ الْقَاسِم القَوْل (للْمُبْتَاع وَالْقَوْلَان لحافظ الْمَذْهَب) وَهُوَ ابْن رشد (منقولان) . وَظَاهر النّظم أَنه مَعَ الْفَوات لَا ينظر لعرف وَلَيْسَ كَذَلِك، بل إِن كَانَ هُنَاكَ عرف فَيتبع ويرجح قَول مدعيه كَالَّتِي قبلهَا، وَإِن لم يكن عرف فَيَأْتِي الْقَوْلَانِ حِينَئِذٍ، وَالْمُعْتَمد مِنْهُمَا أَن القَوْل للْمُبْتَاع إِن كَانَ ادّعى أمداً قَرِيبا لَا يتهم فِيهِ فَإِن ادّعى أمداً بَعيدا فَالْقَوْل للْبَائِع، وَأَشَارَ إِلَى الِاخْتِلَاف فِي انقضائه فَقَالَ: وَفِي انْقِضَاءِ أَجَلٍ بِذَا قُضِي حَتَّى يَقُولَ إنَّهُ لَمْ يَنْقَضِ (و) إِن اخْتلفَا (فِي انْقِضَاء أجل) بِسَبَب اخْتِلَافهمَا فِي مبدئه بعد اتِّفَاقهمَا على أَصله وَقدره كشهر مثلا أَي وَلَا بَيِّنَة لوَاحِد مِنْهُمَا وفاتت السّلْعَة (بذا) أَي يكون القَوْل للْمُبْتَاع بِيَمِينِهِ لِأَن الْإِشَارَة لأَقْرَب مَذْكُور وَهُوَ الْمُبْتَاع فِي الْبَيْت قبله (قضي مَتى يَقُول إِنَّه لم ينْقض) (خَ) : وَإِن اخْتلفَا فِي انْتِهَاء الْأَجَل فَالْقَوْل لمنكر التقضي الخ. وَشَمل الْمُبْتَاع مبتاع الذَّات وَالْمَنَافِع فَالْقَوْل للمكتري فِي عدم انْقِضَاء أجل الْكِرَاء، وَظَاهره سَوَاء أشبه أم لَا. فَاتَت أم لَا. وَلَيْسَ كَذَلِك بل مَحَله إِذا أشبه سَوَاء أشبه الآخر أم لَا، فَإِن أشبه البَائِع وَحده فَقَوله بِيَمِينِهِ، فَإِن لم يشبه وَاحِد مِنْهُمَا حلفا وَغرم الْقيمَة، وَهَذَا كُله مَعَ الْفَوات فَإِن لم تفت حلفا وَفسخ، وَلَا ينظر لشبه، فَإِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 أَقَامَ الْبَيِّنَة عمل بِبَيِّنَة البَائِع لكَونهَا أقدم تَارِيخا. وَسكت النَّاظِم عَن اخْتِلَافهمَا فِي قدر الْأَجَل بعد اتِّفَاقهمَا على أَصله ومبدئه الَّذِي هُوَ أول رَجَب مثلا فَقَالَ أَحدهمَا لشعبان، وَقَالَ الآخر بل لرمضان، فَالْمَشْهُور الْحلف وَالْفَسْخ إِن لم تفت السّلْعَة فَإِن فَاتَت صدق المُشْتَرِي إِن أشبه فالاختلاف فِي قدر الْأَجَل كالاختلاف فِي قدر الثّمن، ثمَّ أَشَارَ إِلَى الِاخْتِلَاف فِي قبض الثّمن أَو السّلْعَة فَقَالَ: وَالقَوْلُ قَوْلُ مُشْتَرٍ بَعْدَ الحَلِفْ فِي القَبْضِ فِيما بَيْعُهُ نَقْداً عُرِفْ (فَالْقَوْل قَول مُشْتَر بعد الْحلف فِي الْقَبْض) للثّمن (فِيمَا) أَي مَبِيع (بَيْعه نَقْدا عرف) كالخبز والفاكهة وَاللَّحم وَالْخضر وَالْحِنْطَة وَنَحْو ذَلِك، وَظَاهره أَن القَوْل للْمُشْتَرِي فِي دفع الثّمن فِيمَا عرف بَيْعه بِالنَّقْدِ سَوَاء كَانَ الِاخْتِلَاف قبل الِافْتِرَاق والبينونة أَو بعدهمَا كثر ذَلِك الْمَبِيع أَو قل ادّعى الدّفع قبل قبض اللَّحْم وَنَحْوه أَو بعده، وَهُوَ كَذَلِك على مَا فِي الْمُنْتَخب عَن مَالك وَنَحْوه فِي اللّبَاب كَمَا فِي (ح) عَن ابْن الْقَاسِم وَهُوَ الْمُعْتَمد خلافًا لما فِي الْجَوَاهِر و (خَ) وَغَيرهمَا أَن مَحل تَصْدِيقه إِذا وَقع الِاخْتِلَاف بعد الِافْتِرَاق وإلاَّ فَلَا يقبل قَوْله إِن ادّعى دَفعه بعد قبض اللَّحْم وَنَحْوه فَإِن ادّعى دَفعه قبله فأقوال. وَالْحَاصِل على مَا فِي الْجَوَاهِر و (خَ) وَغَيرهمَا أَنه إِذا وَقع الِاخْتِلَاف بعد الِافْتِرَاق والبينونة فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي، وَإِن وَقع قبل ذَلِك فَتَارَة يَدعِي الدّفع بعد قبض اللَّحْم وَشبهه فَلَا يقبل قَوْله اتِّفَاقًا كَمَا لِابْنِ رشد، وَحكى غَيره فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ، وَتارَة لَا يكون قد قبض اللَّحْم وَنَحْوه وَيَدعِي أَنه دفع الثّمن فَلَا يقبل قَوْله اتِّفَاقًا أَيْضا، وَتارَة يَدعِي الدّفع قبل قبض اللَّحْم وَشبهه أَي: وَهُوَ قَابض لَهُ فَفِي ذَلِك أَقْوَال ثَلَاثَة حَكَاهَا ابْن رشد. قلت: ومبنى الْخلاف فِي هَذَا وَالله أعلم اخْتِلَاف عرف النَّاس فِي تِلْكَ الْأَزْمَان، فَمَا للناظم وَصَاحب الْمُنْتَخب من تَصْدِيق المُشْتَرِي مُطلقًا مَبْنِيّ على أَن عرف النَّاس فِي ذَلِك الْوَقْت هُوَ دفع الثّمن عِنْد قبض اللَّحْم وَنَحْوه وَهُوَ الْمُوَافق لوقتنا الْيَوْم فَيجب اعْتِمَاده، وَالْحكم بِهِ فِي هَذِه الْأَزْمَان وَمَا للجواهر وَغَيرهَا مَبْنِيّ على أَن الْعرف التَّفْصِيل بَين الْبَيْنُونَة وَعدمهَا وادعاء الدّفع بعد قبض الْمَبِيع أَو قبله، وَلذَا قَالَ فِي الْمُفِيد عَن بَعضهم: الأَصْل فِي هَذَا أَن يرجع إِلَى عرف الْبَلَد فِي بيع ذَلِك الشَّيْء فيحملان عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: قَالَ عبد الْحق: وَالصَّوَاب فِي هَذَا كُله مُرَاعَاة عرف النَّاس فِي انتقاد الثّمن وتأخيره فقد تتفق الْأَقْوَال على مُرَاعَاة هَذَا وَهُوَ من أصل مَذْهَب مَالك اه. وَقَالَ الْقَرَافِيّ: اتِّبَاع الْعرف أَمر مجمع عَلَيْهِ لَا اخْتِلَاف فِيهِ، وَإِنَّمَا يَقع الْخلاف فِي تَحْقِيقه هَل وجد أم لَا؟ قَالَ: وَالْوُقُوف على المنقولات أَي من غير اعْتِبَار عرف فِيمَا يُرَاعى فِيهِ الْعرف ضلال، وَهَذَا عَام فِي أَبْوَاب كَثِيرَة اه. وَهَذَا كُله فِيمَا الشَّأْن فِيهِ الانتقاد عِنْد الْقَبْض كالأمثلة الْمَذْكُورَة، وَأما غير ذَلِك فَالْقَوْل فِيهِ للْبَائِع كَمَا قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 وَهُوَ كَذَا لِبَائِعٍ فِيما عَدَا مُسْتَصْحَبِ النقَّدِ وَلَوْ بَعْدَ مَدَا فَالضَّمِير فِي قَوْله: وَهُوَ رَاجع لِلْقَوْلِ أَي كَمَا أَن القَوْل للْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيع الَّذِي عرف بَيْعه بِالنَّقْدِ كالأمثلة الْمُتَقَدّمَة، كَذَلِك القَوْل للْبَائِع فِي عدم قبض ثمن الْمَبِيع الَّذِي لم يعرف بَيْعه بِالنَّقْدِ، وَلَا باستصحاب تَعْجِيله عِنْد قَبضه، بل كَانَ تَارَة يُبَاع بِالنَّقْدِ وَتارَة بِالتَّأْخِيرِ، وَأَحْرَى إِن كَانَ يعرف بَيْعه بِالتَّأْخِيرِ فَقَط هَذَا إِذا قَامَ البَائِع يَطْلُبهُ فِي الْحِين، بل وَلَو قَامَ يَطْلُبهُ بعد مُدَّة وَحين وَذَلِكَ. كَالدُّورِ وَالرَّقِيقِ وَالرِّبَاعِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ حَد الابْتِيَاعِ (كالدور وَالرَّقِيق والرباع) والبز وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يعرف بَيْعه بِالْوَجْهَيْنِ أَو بِالتَّأْخِيرِ فَقَط كَمَا مرّ، فَإِن القَوْل للْبَائِع (مَا لم يُجَاوز حدّ الابتياع) الَّذِي لَا يُمكن الصَّبْر إِلَيْهِ عَادَة كالعام والعامين عِنْد ابْن حبيب وَالْعِشْرين سنة عِنْد ابْن الْقَاسِم، فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ. ابْن بشير: وَذَلِكَ رَاجع إِلَى العوائد، وَصرح غير وَاحِد من شرَّاح (خَ) عِنْد قَوْله فِي الْعُيُوب، ثمَّ قضى إِن أثبت عُهْدَة مؤرخة الخ. بِأَن قَول ابْن الْقَاسِم ضَعِيف، وَالْمُعْتَمد مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن حبيب وَهُوَ ظَاهر إِذْ لَا تَجِد أحدا يَبِيع سلْعَته بِتَأْخِير ثمنهَا إِلَى عشر سِنِين فضلا عَن الْعشْرين، وَبِالْجُمْلَةِ فَذَلِك رَاجع للْعُرْف الَّذِي يتبايع النَّاس إِلَى مثله فِي ذَلِك الْبَلَد كَمَا مرّ، وَلذَا قَالَ فِي الشَّامِل: وَإِن كَانَ الْمَبِيع كدار أَو عرض صدق مُشْتَر وَافقه عرف إِن طَال الزَّمَان طولا يقْضِي الْعرف بِهِ أَي بالانتقاد وَدفع الثّمن، فَإِنَّمَا أناط ذَلِك بِالْعرْفِ وَلم يُقيد بِسنة وَلَا غَيرهَا، وَلما ذكر اللَّخْمِيّ مَذْهَب مَالك فِي الثِّيَاب وَالْعرُوض قَالَ: يُرِيد مَا لم يقم دَلِيل على أَن المُشْتَرِي لَا يسلم إِلَيْهِ الْمَبِيع إِلَّا بعد دفع الثّمن كَكَوْنِهِ بدوياً أَو عَرَبيا لَا يعرف، أَو كَونه فَقِيرا أَو من لَا يُؤمن إِلَيْهِ، وَهَذَا يعرف عِنْد النُّزُول اه. وَهُوَ مُرَاد الشَّامِل بقوله: وَافقه عرف الخ. وَقد أصلح (ز) وَغَيره قَول (خَ) وَفِي قبض الثّمن أَو السّلْعَة فَالْأَصْل بقاؤهما إِلَّا لعرف كلحم وبقل الخ. فَقَالَ: لَو قَالَ عقب قَوْله إِلَّا لعرف فَيعْمل بِدَعْوَى مُوَافقَة لجرى على مَا بِهِ الْفَتْوَى. وَالْقَبْضُ لِلسَّلْعَةِ فِيهِ اخُتُلِفَا جَازَ كَقَبْضٍ حُكْمُهُ قَدْ سَلَفَا (وَالْقَبْض للسلعة فِي اخْتلفَا) بِأَن قَالَ المُشْتَرِي: لم أَقبض الْمَبِيع، وَقَالَ البَائِع: بل قَبضته (جَار ك) الِاخْتِلَاف فِي (قبض) الثّمن الَّذِي (حكمه قد سلفا) وَتقدم فَمَا كَانَ الْعرف فِيهِ قبض الْمَبِيع عِنْد قبض الثّمن كَاللَّحْمِ والفاكهة وشبههما، فَالْقَوْل فِيهِ للْبَائِع وَمَا لم يكن فِيهِ عرف أصلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 بل كَانَ يَقع بِالْوَجْهَيْنِ، أَو كَانَ الْعرف تَأْخِير قبض الْمَبِيع فَالْقَوْل فِيهِ للْمُشْتَرِي أَنه لم يقبضهُ. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا أشهد المُشْتَرِي بتقرر الثّمن فِي ذمَّته فَذَلِك مُقْتَض لقبض مثمنه فَلَا يصدق فِي عدم قَبضه، وَإِنَّمَا لَهُ الْيَمين على البَائِع إِن بَادر وَقَامَ فِي نَحْو الْعشْرَة الْأَيَّام من وَقت الْإِشْهَاد كَمَا فِي (خَ) وَغَيره. وَكَذَا إِذا أشهد المُشْتَرِي أَيْضا بِدفع الثّمن للْبَائِع، ثمَّ قَامَ يطْلب الْمَبِيع فَالْقَوْل للْبَائِع أَيْضا أَنه دَفعه إِلَيْهِ، وَكَذَا إِذا أشهد المُشْتَرِي أَيْضا بِأَنَّهُ قبض الْمَبِيع ثمَّ قَامَ يَطْلُبهُ وَقَالَ: إِنَّمَا أشهدت على نَفسِي بِقَبْضِهِ ثِقَة مني للْبَائِع فَإِنَّهُ لَا يصدق، وَإِنَّمَا لَهُ الْيَمين إِن بَادر، فَهَذِهِ ثَلَاث صور فِي إِشْهَاد المُشْتَرِي، وَأما إِن أشهد البَائِع بِأَن الْمَبِيع فِي ذمَّته على وَجه السّلم فَذَلِك مُقْتَض لقبض ثمنه أَيْضا كَمَا قَالَه (ز) . وَكَذَا إِن أشهد البَائِع أَيْضا بِدفع الْمَبِيع للْمُشْتَرِي ثمَّ قَامَ يطْلب الثّمن فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي أَنه دَفعه إِلَيْهِ، وَكَذَا إِن أشهد بِقَبض الثّمن ثمَّ قَامَ يَطْلُبهُ وَقَالَ: إِنَّمَا أشهدت على نَفسِي بِهِ ثِقَة مني بالمشتري فَإِنَّهُ لَا يصدق، وَإِنَّمَا لَهُ الْيَمين على المُشْتَرِي إِن بَادر، فَهَذِهِ ثَلَاث صور أَيْضا فِي البَائِع فالمجموع سِتّ صور، وَانْظُر الْمَسْأَلَة فِي الكراس الثَّانِي من بُيُوع الْبُرْزُليّ. الثَّانِي: مَفْهُوم أشهد أَنه إِذا شهِدت بَيِّنَة على رجل من غير إشهاده إِيَّاهَا أَن لفُلَان عَلَيْهِ مائَة دِينَار من ثمن سلْعَة اشْتَرَاهَا مِنْهُ لم يلْزمه الثّمن حَتَّى يَقُولَا وَقبض السّلْعَة، وَكَذَا لَو أشهد أَنه بَاعه سلْعَة بِكَذَا لم يقْض عَلَيْهِ بِالثّمن إِذْ لَيْسَ فِي شَهَادَتهمَا مَا يُوجب قبض السّلْعَة اه. أَي: لِأَنَّهُ إِشْهَاد بِوُقُوع العقد فَقَط قَالَه اللَّخْمِيّ عَن ابْن عبد الحكم. وَنَقله ابْن عَرَفَة وَابْن فَرِحُونَ فِي تبصرته و (ح) فِي بَاب الْقَضَاء. زَاد فِي الْمُتَيْطِيَّة فِي بَاب الرَّهْن: وَكَذَا إِن شهِدت أَنه خاط لفُلَان ثوبا بدرهم لم يجب للخياط شَيْء حَتَّى يَقُولَا إِنَّه رد الثَّوْب مخيطاً، وَكَذَلِكَ جَمِيع الصناع اه. فإطباقهم على نَقله مُسلما يدل على أَنه لَازم اه. وَبِه تعلم بطلَان مَا فِي (ز) من أَن الشَّهَادَة بِمَنْزِلَة الْإِشْهَاد، لَكِن قَالَ الْبُرْزُليّ بعد نَقله مَا مر عَن ابْن عبد الحكم مَا نَصه: وَوَقعت فَأفْتى شَيخنَا الْفَقِيه بِالْعَمَلِ بهَا مُطلقًا، وظاهرها أَي الْمُدَوَّنَة أَن التَّوَجُّه فِي الطّلب الإجمالي صَحِيح خلاف مَا حَكَاهُ اللَّخْمِيّ عَن ابْن عبد الحكم أَن الطّلب لَا يقبل إِلَّا مفصلا اه. قيل: وعَلى مَا لِابْنِ عبد الحكم الَّذِي اعتمدوه كَذَلِك لَو شهِدت أَنه قرض لفُلَان كَذَا لم يجب للمقرض شَيْء حَتَّى يَقُولَا إِن المفترض أقبضهُ لِأَن الْقَرْض يلْزم بالْقَوْل. الثَّالِث: جرت الْعَادة بِمصْر، وَكَذَا بفاس بكتب الْوُصُول قبل الْقَبْض، فَإِذا ادّعى المشهد على نَفسه أَنه لم يقبض فَلهُ أَن يحلف مدعي الدّفع وَلَو طَال الأمد قَالَه النَّاصِر اللَّقَّانِيّ، وَانْظُر الْفَرْع الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ من الْفَائِق فَإِنَّهُ ذكر جَرَيَان هَذِه الْعَادة فِي السّلم وَالْقَرْض والقراض قَالَ: فَإِذا ادّعى الْمُعْتَرف بِالْقَبْضِ أَنه لم يقبض وَتمسك الدَّافِع بِظَاهِر الْوَثِيقَة فَالْقَوْل قَول الْمُعْتَرف، وَلَا يَنْبَغِي أَن يخْتَلف فِيهِ، وَإِنَّمَا يخْتَلف هَل بِيَمِين أم لَا؟ وَنَحْوه فِي المعيار، وَنَقله ابْن رحال فِي الشَّرْح فَتَأَمّله مَعَ مَا للناصر. قلت: وَلَكِن الْوَاجِب أَن مَا فِي الْفَائِق والمعيار إِنَّمَا هُوَ إِذا فَرضنَا أَن الْعرف هُوَ كتب الْوُصُول قبل الْقَبْض فِي جَمِيع الافتراضات والبياعات أَو غلب ذَلِك كَمَا مرّ عَن أبي يُوسُف الزغبي آخر الثنيا، فَحِينَئِذٍ يعْمل بِهَذَا الْعرف فِيمَا جرى فِيهِ بعد النّظر فِي كَون الْكَاتِب قبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 الْوُصُول قَامَ بِالْقربِ فَيصدق أَو بالبعد فَلَا يصدق، أما إِذا كَانَ الْعرف جَارِيا بالكتب قبل الْوُصُول تَارَة وَبعد الْوُصُول أُخْرَى كَمَا هُوَ مشَاهد الْيَوْم فَلَا يشْهد الْعرف لوَاحِد مِنْهُمَا وَغَايَة مَا يُوجِبهُ هَذَا الْعرف الْيَمين، وَلَو طَال الأمد فَمَا قَالَه النَّاصِر يحمل على مَا إِذا كَانَ الْعرف جَارِيا بِالْوَجْهَيْنِ، وَمَا فِي الْفَائِق والمعيار يحمل على مَا إِذا تمحض الْعرف لأَحَدهمَا أَو غلب فِيهِ كَمَا مر فَلَا تعَارض وَالله أعلم. الرَّابِع: لَو شهد شَاهد بِقَبض الثّمن وزكى وَحكم بِشَهَادَتِهِ ثمَّ استفسر وَقَالَ: لم أعاين الْقَبْض فَإِنَّهُ لَا تبطل شَهَادَته إِذْ لَا تنَاقض فِي ذَلِك مَعَ مَا شهد بِهِ فِي الْوَثِيقَة وَمَا حكم بِهِ القَاضِي مَاض قَالَه فِي شَهَادَات المعيار، وَيفهم مِنْهُ أَنه إِذا استفسر قبل الحكم فَلَا يعْمل بِشَهَادَتِهِ حَتَّى يذكر مُسْتَند علمه على الْإِقْرَار أَو المعاينة وَالله أعلم. ثمَّ أَشَارَ إِلَى اخْتِلَافهمَا فِي الصِّحَّة وَالْفساد أَو فِي الشَّرْط وَعَدَمه فَقَالَ: القَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِ لِلأَصْلِ أَوْ صِحْةٍ فِي كُلِّ فِعْلٍ فِعْلِ (وَالْقَوْل قَول مُدع للْأَصْل) كدعوى أَحدهمَا أَن البيع وَقع بِشَرْط الثنيا، أَو شَرط أَن لَا يَبِيع مثلا، أَو بِشَرْط رهن أَو حميل أَو النِّكَاح وَقع بِشَرْط أَن يُؤثر عَلَيْهَا، أَو بِشَرْط إِن أخرجهَا من بَلَدهَا فَأمرهَا بِيَدِهَا وَادّعى الآخر عدم الِاشْتِرَاط فِي ذَلِك كُله، فَإِن القَوْل لَهُ لِأَن الأَصْل عدم الشَّرْط، وَكَذَا إِذا اخْتلف الْوَكِيل وموكله فَادّعى الْوَكِيل أَنه أمره بشرَاء هَذِه السّلْعَة وَأنْكرهُ الْمُوكل وَقَالَ: لم آمره بِشَيْء، أَو ادّعى الْمُوكل أَنه أمره بشرَاء حِنْطَة وَقَالَ الْوَكِيل: بل بشعير وَقد اشْتَرَيْته فَإِن القَوْل للْمُوكل فِي الأولى لِأَن الأَصْل عدم الْأَمر، وللوكيل فِي الثَّانِيَة لِأَن الأَصْل عدم العداء كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْوكَالَة: وَالْقَوْل لَك يَا مُوكل إِن ادّعى الْإِذْن أَو صفة لَهُ إِلَّا أَن يشترى بِالثّمن فَزَعَمت أَنَّك أَمرته بِغَيْرِهِ الخ. وَلَا يحسن شَرحه بِدَعْوَى أَحدهمَا أَن البيع وَقع بتاً وَادّعى الآخر أَنه وَقع بِخِيَار، فَإِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ القَوْل لمُدعِي الْبَتّ كَمَا مرّ أول الْفَصْل لِأَنَّهُ الْغَالِب فِي بياعات النَّاس لَا لأجل أَنه الأَصْل كَمَا قيل: وَالْغَالِب وَالْأَصْل قد يتعارضان وَقد تفرد أَحدهمَا كَمَا مر بَيَانه عِنْد قَول النَّاظِم: وَقيل من يَقُول قد كَانَ ادّعى وَلم يكن لمن عَلَيْهِ يدعى (أَو) اخْتِلَافهمَا فِي (صِحَة) وَفَسَاد فَادّعى أَحدهمَا فَسَاد العقد لاختلال ركن لدخولهما على عدم علم قدر الثّمن مثلا، أَو شَرط لدخولهما على عدم المناجزة فِي الصّرْف، أَو على عدم ضرب الْأَجَل فِي السّلم وَنَحْو ذَلِك، وَادّعى الآخر علمهما بِقدر الثّمن ودخولهما على المناجزة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 وَضرب الْأَجَل، فَإِن القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة لِأَنَّهَا الأَصْل أَي الْغَالِب فِي عُقُود الْمُسلمين فَقَوْلهم: الأَصْل فِي عُقُود الْمُسلمين الصِّحَّة الخ. مُرَادهم بِالْأَصْلِ الْغَالِب، وَذَلِكَ ظَاهر لِأَن الأَصْل عدم علم قدر الثّمن وَعدم ضرب الْأَجَل، لَكِن ذَلِك الأَصْل عَارضه الْغَالِب وَهُوَ علم قدر الثّمن فِي البيع. وَوُجُود ضرب الْأَجَل فِي السّلم والمناجزة فِي الصّرْف، فَصَارَ الحكم لَهُ فَصدق مدعيه بِمَنْزِلَة اخْتِلَافهمَا فِي الْعسر واليسر، فَالْأَصْل الْعسر، لَكِن غلب على النَّاس الملاء فكأنهم يَقُولُونَ القَوْل لمُدعِي الأَصْل إِن لم يُعَارضهُ غَالب إلاَّ فَالْقَوْل لمُدعِي الْغَالِب (فِي كل فعل فعل) أَي عِنْد كل عقد عقد بيعا كَانَ أَو غَيره كَمَا مرّ، وَظَاهره اخْتلف الثّمن بهما أم لَا؟ فَاتَ البيع أم لَا؟ وَالَّذِي عَلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن وحذاق أهل الْمَذْهَب كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، والمفيد أَن مَحل كَون القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة إِذا فَاتَ الْمَبِيع وإلاَّ فيتحالفان ويتفاسخان. مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَاكَ عُرْفٌ جاري عَلَى خِلاَفِ ذَاكَ ذُو اسْتِقْرَارِ (مَا لم يكن فِي ذَاك) الْمَبِيع (عرف جَار) فِيهِ (على خلاف ذَاك) الأَصْل أَو الصِّحَّة (ذُو اسْتِقْرَار) نعت لعرف بعد نَعته بجار فَإِنَّهُ يتبع حِينَئِذٍ ذَلِك الْعرف الْمُخَالف للْأَصْل كَالْبيع بِشَرْط الثنيا لِأَن الأَصْل هُوَ عدم الشَّرْط أَو الْمُخَالف للْغَالِب كالصرف لعدم المناجزة، لِأَن الْغَالِب كَانَ فِيهِ وُقُوعه على الصِّحَّة وَهُوَ المناجزة، فَإِذا غلب فِي بلد أَو وَقت وُقُوعه على عدمهَا فَإِنَّهُ يتبع ويترجح بذلك قَول مدعي عدمهَا وَكَذَا الْجعل مثلا فَإِن الْغَالِب كَانَ فِيهِ وُقُوعه على الصِّحَّة بتوفر شُرُوطه وأركانه فَكَانَ القَوْل لمُدعِي صِحَّته، فَإِذا غلب فِي بلد أَو وَقت وُقُوعه على الْفساد باختلال شَرط أَو ركن كَشَرط النَّقْد فِيهِ أَو عدم علم عوضه، أَو ضرب الْأَجَل لعمله، فَإِنَّهُ يتَرَجَّح قَول مدعيه، وَهَكَذَا وَقد غلب فِي هَذَا الأوان وَقَبله بِزَمَان أَن الْجعل والمزارعة والمغارسة وَالشَّرِكَة وَالرَّهْن والثنيا وَبيع الثِّمَار لَا يَقع إِلَّا على الْوَجْه الْفَاسِد كَمَا فِي اللامية وَغَيرهَا، وَيلْحق بهَا مَا عَداهَا. فَإِذا جرى الْعرف فِي السّلم مثلا بِتَأْخِير رَأس مَاله أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام فَإِنَّهُ يتَرَجَّح بذلك قَول مدعي تَأْخِيره، وَهَكَذَا فِي سَائِر الْعُقُود، وَلَا بُد من ثُبُوت ذَلِك الْعرف بعدلين فَأكْثر، وظاهرهم أَن القَوْل لمُدعِي الْفساد إِذا غلب وَثبتت أغلبيته فِي عقد، وَلَو لم يبين وَجه فَسَاده. وَالصَّوَاب أَنه يسْأَل عَن وَجه الْفساد فَإِذا ذكر وَجها مُعْتَبرا كَأَن يَقُول: بَاعَ لي ثَمَر جَمِيع الْحَائِط الْمُشْتَمل على أَنْوَاع قبل بَدو صَلَاح بعض أَنْوَاع بزهو حَبَّة مِنْهُ أَو ظُهُور حلاوتها فَإِنَّهُ يتبع قَوْله وإلاَّ فَلَا. ثمَّ أَشَارَ إِلَى اخْتِلَافهمَا فِي تَابع الْمَبِيع فَقَالَ: وَتَابِعُ الْمبيع كَالسَّرْجِ اخْتُلِفْ فيهِ يُرَدُّ بَيْعُهُ بَعْدَ الحَلِفْ (وتابع الْمَبِيع كالسرج) والإكاف أَي البرذعة واللجام للدابة وَالثَّمَرَة المؤبرة وَمَال العَبْد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 وخلفة القصيل، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يتَنَاوَلهُ العقد إِلَّا بِشَرْط (اخْتلف فِيهِ) فَادّعى المُشْتَرِي أَن البيع وَقع على الدَّابَّة بِلِجَامِهَا وإكافها، وعَلى الْأُصُول بثمرها، وعَلى العَبْد بِمَالِه والقصيل بخلفته وَادّعى البَائِع أَن البيع وَقع على الدَّابَّة أَو الْأُصُول أَو العَبْد أَو القصيل فَقَط (يرد بَيْعه) وَيفْسخ (بعد الْحلف) أَي بعد حلفهما مَعًا لِأَن هَذَا رَاجع إِلَى الِاخْتِلَاف فِي قدر الْمُثمن، وَهُوَ كالاختلاف فِي قدر الثّمن كَمَا مر أول الْبَاب فَيجْرِي على حكمه، وَلَو اسْتغنى عَن هَذَا بِمَا مر لكفاه. وَذَاكَ إنْ لَمْ يَفُتِ الْمبيعُ وَيَبْدأُ الْيَمِينَ مَنْ يَبِيعُ (وَذَاكَ) الرَّد وَالْفَسْخ (إِن لم يفت الْمَبِيع) بحوالة سوق فأعلى فِي غير الْعقار وبالهدم وَالْبناء وَالْغَرْس فِيهِ (وَيبدأ الْيَمين من يَبِيع) كَمَا مر فِي الِاخْتِلَاف فِي الثّمن. وَذَا الذِي قَالَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإنْ يَفُتْ فَلاِجْتِهَادِ الْحَاكِمِ (وَذَا الَّذِي قَالَ بِهِ ابْن الْقَاسِم) وَهُوَ الْمَشْهُور (وَإِن يفت) الْمَبِيع بِشَيْء مِمَّا مر (فلاجتهاد الْحَاكِم) أَي فَإِن الْحَاكِم يجْتَهد ويتثبت فِيمَن أشبه مِنْهُمَا، فَإِن ظهر لَهُ أَن الشّبَه للْمُشْتَرِي عمل على قَوْله مَعَ يَمِينه سَوَاء أشبه البَائِع أَيْضا أم لَا. وَكَذَا إِن ظهر لَهُ أَن الشّبَه للْبَائِع وَحده فَإِنَّهُ يقْضِي لَهُ بِيَمِينِهِ فَإِن لم يشبها مَعًا تحَالفا وَمضى بِالْقيمَةِ فِي الْمُقَوّم والمثل فِي المثلى إِلَّا السّلم فَيسلم وَسطه كَمَا قَالَ (خَ) : وَإِن ادّعَيَا مَا لَا يشبه فِي السّلم فَسلم وسط الخ. وَبَيْعُ مَنْ رُشِّدَ كَالدَّارِ ادَّعَى بِأَنَّهُ فِي سَفَهٍ قَدْ وَقَعَا (وَبيع من رشد كَالدَّارِ) أَي مثل الدَّار وَنَحْوهَا فالكاف بِمَعْنى مثل مفعول بقوله بيع ثمَّ بعد بَيْعه لدارك قَامَ و (ادّعى بِأَنَّهُ) أَي البيع (فِي سفه قد وَقعا) وَأَنه لم يحصل لَهُ الرشد الَّذِي هُوَ متصف بِهِ الْآن إِلَّا بعد وُقُوع ذَلِك البيع، وَإِنَّمَا ادّعى ذَلِك ليتَمَكَّن من رد سلْعَته إِن وجدت أَو أَخذ قيمتهَا إِن فَاتَت ويضيع الثّمن على المُشْتَرِي حَيْثُ لم يصن بِهِ البَائِع مَاله لِأَنَّهُ سَفِيه على دَعْوَاهُ. وَقَالَ المُشْتَرِي: بل وَقع البيع بعد الرشد وَلَا تَارِيخ للشراء يدل على تقدمه على تَارِيخ الترشيد أَو تَأَخره، فَإِن الْبَيِّنَة على البَائِع أَنه بَاعَ قبل رشده فَإِن لم تكن لَهُ بَيِّنَة. لِلْمُشْتَرِي القَوْلُ بِهِ مَعْ قَسَمِ وَعَكْسُ هَذَا لابْنِ سُحْنُونٍ نَمِي ف (للْمُشْتَرِي القَوْل بِهِ) أَي فِي هَذَا البيع (مَعَ قسم) أَنه بَاعَ وَهُوَ رشيد فَإِن نكل حلف البَائِع وَأخذ الْمَبِيع بعد رده الثّمن إِن كَانَ صون بِهِ مَاله هَذَا ظَاهره، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَاده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 خلافًا لما فِي الْفَرْع السَّابِع من فروع النِّكَاح من الْفَائِق عَن ابْن زرب أَنه لَا يَمِين على المُشْتَرِي قَائِلا: لَا أرى الْيَمين على الْمُبْتَاع وَالْبيع لَازم للْبَائِع وَلَا تَنْفَعهُ دَعْوَاهُ. قَالَ: أَرَأَيْت لَو نكل الْمُبْتَاع عَن الْيَمين أَيكُون البَائِع مولى عَلَيْهِ وَيكون بذلك سَفِيها؟ مَا أرى الْيَمين فِي مثل هَذَا وَلَا يفْسخ بَيْعه اه. (وَعكس هَذَا) وَهُوَ القَوْل للْبَائِع (لِابْنِ سَحْنُون نمي) أَي نسب قَالَ ولد النَّاظِم: وَكَأَنَّهُ رأى أَن السَّفه سَابق للْبَائِع وَالْمُشْتَرِي يُسلمهُ لَهُ، فَحمل الْحَال على الِاسْتِصْحَاب اه. وَمَا صدر بِهِ النَّاظِم هُوَ الْمُعْتَمد لِأَن الأَصْل فِي الْعُقُود الصِّحَّة وَالْبَائِع يَدعِي عدمهَا، وَمن هَذَا الْمَعْنى مَا أجَاب بِهِ أَبُو الضياء مِصْبَاح فِي وَصِيّ بَاعَ على أيتامه أَرضهم، وَكَانَ فيهم غَائِب لم يَشْمَلهُ التَّقْدِيم، فَلَمَّا بلغ الْأَيْتَام قَامُوا على الْمُبْتَاع بِحَق الْغَائِب وَأَرَادُوا إيقافه وَالشُّفْعَة، فَادّعى الْمُبْتَاع أَن الْغَائِب توفّي وَأقَام بَيِّنَة بذلك، غير أَن الْبَيِّنَة لم تحقق وَقت الْمَوْت هَل قبل البيع أَو بعده؟ فَقَالَ: القَوْل قَول الْمُبْتَاع إِنَّه مَاتَ قبل البيع وَقد بَاعَ نصِيبهم جَمِيعه الْوَصِيّ اه. تَنْبِيهَات. الأول: لَو بَاعَ الْمَحْجُور وَصَرفه فِيمَا لَا غنى لَهُ عَنهُ بِحَيْثُ لَو رفع إِلَى الْحَاكِم لَكَانَ يَفْعَله مضى بَيْعه قَالَه فِي الِاسْتِغْنَاء. وَنَقله اليزناسني هُنَا مُقْتَصرا عَلَيْهِ. قلت: وَهَذَا مُخَالف لقَوْل (خَ) فِي الْحجر: وَلَو حنث بعد بُلُوغه أَو وَقع الْموقع الخ. إِذْ لَا يكون قد وَقع الْموقع إِلَّا إِذا بَاعَ للْحَاجة وَصرف الثّمن فِيمَا لَا غنى لَهُ عَنهُ أَي: وَقع الْموقع فِي سَبَب البيع وَصرف الثّمن وَإِن كَانَ الأول هُوَ الْمُوَافق لقَولهم: كل من فعل فعلا لَو رفع إِلَى الْحَاكِم لم يفعل غَيره فَفعله مَاض كَمَا نَقله (ق) عَن الْبُرْزُليّ فِي بَاب الْخلْع. الثَّانِي: إِذا فعل الْمَحْجُور مَا لَيْسَ بمصلحة من بيع وَنِكَاح وَغَيرهمَا بِمحضر وليه، فَإِن الْوَلِيّ يضمنهُ لِأَنَّهُ أَمِين عَلَيْهِ، وكل أَمِين إِذا ضيع أَمَانَته أَو غرر بهَا أَو تعدى عَلَيْهِ بِوَجْه فَهُوَ ضَامِن لَهَا قَالَه فِي الطرر. الثَّالِث: إِذا تصرف الْمَحْجُور بمرأى من وَصِيّه وَلم يظْهر فِي تصرفه مُحَابَاة ووليه سَاكِت فَإِن تصرفه مَاض وَيلْزمهُ مَا لحقه من الدّين وَيحمل الْأَمر على أَن وليه قصد بسكوته إجَازَة ذَلِك. قَالَ الْبُرْزُليّ: وَبِه الْعَمَل. انْظُر شرح الشَّامِل عِنْد قَوْله: فَإِن بَاعَ الْمُمَيز بِلَا إِذن. وَمَنْ يَكُنْ بِمَالِ غَيْرِهِ اشْتَرَى وَالْمُشْتَرَى لَهُ لِلأَمْرِ أَنْكَرَا (وَمن يكن بِمَال غَيره اشْترى) شَيْئا وَادّعى أَن رب المَال أمره بذلك الشِّرَاء (والمشترى لَهُ) وَهُوَ رب المَال (لِلْأَمْرِ أنكرا) وَقَالَ: لم آمره بشرَاء ذَلِك بل بِحِفْظ ذَلِك المَال فَقَط، فَإِن الْمَشْهُور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 أَن القَوْل للْآمِر إِذا حلف كَمَا مر عَن (خَ) عِنْد قَوْله: وَالْقَوْل قَول مُدع للْأَصْل الخ. لِأَن هَذَا من أَفْرَاده وَإِنَّمَا أَعَادَهُ ليرتب عَلَيْهِ قَوْله: وَحَلَفَ الآمِرُ فَالْمَأْمُورُ مِنْهُ ارْتِجاعُ مَالِهِ مَأثُورُ (و) إِذا (حلف الْآمِر) على أَنه لم يَأْمُرهُ بِمَا قَالَ (فالمأمور) وَهُوَ المُشْتَرِي وَسَماهُ مَأْمُورا بِاعْتِبَار دَعْوَاهُ (مِنْهُ) أَي الْمَأْمُور (ارتجاع مَاله) أَي الْآمِر (مأثور) مَرْوِيّ عَن أصبغ يَعْنِي أَنه إِذا حلف الْآمِر فَإِنَّهُ يرتجع مَاله وَيَأْخُذهُ من الْمَأْمُور. وَمَا لَهُ شَيْءٌ عَلَى مَنْ بَاعا مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ صَدَّقَ المُبْتاعا (وَمَا لَهُ شَيْء على من باعا) أَي: وَلَا يرجع على البَائِع بِشَيْء (مَا لم يكن) البَائِع (قد صدق المبتاعا) فِي أَن المَال للْآمِر فَإِن صدقه فَإِن الْآمِر يأخد مَاله من البَائِع حِينَئِذٍ هَذَا قَول أصبغ كَمَا مرّ. وَقِيلَ بَلْ يَكُونُ ذَا تَخَيُّرِ فِي أَخْذِهِ مِنْ بَائِعٍ أوْ مُشْتَرِي (وَقيل) وَهُوَ لِابْنِ الْمَاجشون إِذا حلف الْآمِر فَلَا يتَعَيَّن رُجُوعه على الْمَأْمُور (بل يكون ذَا تخير فِي أَخذه) مَاله (من بَائِع أَو) من (مُشْتَر) فَإِن أَخذه من المُشْتَرِي فَلَا إِشْكَال وَإِن أَخذه من البَائِع فَإِنَّهُ يرجع بِهِ على المُشْتَرِي. وَالبَيْعُ فِي القَوْلَيْنِ لَنْ يَنْتَقِضَا وَالْمُشْتَرِي لَهُ المبيعُ مُقْتضَى (وَالْبيع فِي) كل من (الْقَوْلَيْنِ لن ينتقضا) بل هُوَ لَازم للمتبايعين، سَوَاء قُلْنَا بقول أصبغ أَو بقول ابْن الْمَاجشون (و) إِذا كَانَ لَازِما ف (المُشْتَرِي) يكون (لَهُ الْمَبِيع) حَال كَونه (مُقْتَضى) وَمَفْهُوم قَوْله: وَالْمُشْتَرِي لَهُ للْآمِر أنكرا الخ. أَنه إِذا لم يُنكر فَإِن الشَّيْء الْمُشْتَرى يكون لَهُ وَلَا إِشْكَال، وَكَذَا لَو ادّعى الْمَأْمُور أَنه إِنَّمَا اشْترى بذلك المَال لنَفسِهِ لَا لمُوكلِه لِأَنَّهُ مَأْذُون لَهُ فِي التَّصَرُّف وكل من أذن لَهُ فِي التَّصَرُّف كَالْوَكِيلِ والمقارض والمبضع مَعَه إِذا ادّعى الشِّرَاء لنَفسِهِ لَا يُمكن من أَخذ الشَّيْء الْمُشْتَرى لِأَنَّهُ لَا يربح على تعديه بِالشِّرَاءِ لنَفسِهِ كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْقَرَاض: ككل آخذ مَالا للتنمية فتعدى، بِخِلَاف من لم يُؤذن لَهُ فِي التَّصَرُّف كَالْمُودعِ وَالْوَصِيّ وَالْغَاصِب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 إِذا ادعوا الشِّرَاء لأَنْفُسِهِمْ فَإِن الشَّيْء الْمُشْتَرى يكون لَهُم وَالرِّبْح لَهُم والخسارة عَلَيْهِم، وَكَذَا الْوَكِيل إِذا أتجر بِالثّمن الَّذِي بَاعَ بِهِ أَو أَخذ مَالا لشراء سلْعَة فتجر بِهِ قبل شِرَائهَا فَإِن الرِّبْح لَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ، لِأَنَّهُ كَالْمُودعِ عِنْده مَا لم يقل الْوَكِيل وَنَحْوه: اشْتَرَيْته بِمَالي وَكَانَ لَهُ مَال من غير مَال مُوكله فَإِنَّهُ يصدق قَالَه (ز) آخر بَاب الْوكَالَة، وَانْظُر قبل ثَمَانِيَة أوراق من أَوَاخِر الْوكَالَة من ابْن عَرَفَة، وَانْظُر مَا تقدم فِي الْوكَالَة عِنْد قَوْله: وَمن خُصُومَة مُعينَة الخ. (فصل فِي حكم البيع على الْغَائِب) قَالَ (م) : الأولى وَالله أعلم أَن يَقُول: فصل فِي الحكم على الْغَائِب ليشْمل الطَّلَاق عَلَيْهِ وَالْعِتْق، وَقد ذكرهمَا هُنَا. وَأجَاب عَن ذَلِك: بِأَن الْفَصْل إِنَّمَا هُوَ للْبيع وَالطَّلَاق وَالْعِتْق إِنَّمَا ذكرا اسْتِطْرَادًا. وَاعْلَم أَنه إِذا حضر الطَّالِب وَحده عِنْد القَاضِي فَلَا يَخْلُو الْمَطْلُوب إِمَّا أَن يكون تَحت إيالته أَو خَارِجا عَنْهَا، فَإِن كَانَ تَحت إيالته فَلَا يَخْلُو أمره من ثَلَاثَة أَحْوَال، لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يكون حَاضرا مَعَه فِي الْبَلَد فَيُرْسل إِلَيْهِ أحد أعوانه، وَإِمَّا أَن يكون خَارِجا عَن الْبَلَد بِيَسِير الأميال مَعَ أَمن الطَّرِيق فَإِنَّهُ يكْتب إِلَيْهِ بِأَن يحضر أَو يُوكل، وَإِمَّا أَن يكون بَعيدا حسا أَو معنى كالخوف، فَالْحكم أَن يكْتب القَاضِي لأمثل أَمِين هُنَاكَ أَن يفعل مَا يجب من إنصاف أَو إصْلَاح أَو إزعاج الْمَطْلُوب للخصام كَمَا تقدم ذَلِك فِي فصل رفع الْمُدعى عَلَيْهِ، وَأما إِن كَانَ خَارِجا عَن إيالته فَلهُ حالتان: إِمَّا أَن يكون خَارِجا عَنْهَا لكَون ذَلِك هُوَ وَطنه وَمحل قراره فَهُوَ قَوْله فِيمَا مر: وَالْحكم فِي الْمَشْهُور حَيْثُ الْمُدعى عَلَيْهِ الخ. وَإِمَّا أَن يكون خَارِجا عَنْهَا لزيارة أَو تِجَارَة أَو نَحْوهمَا، وَهُوَ متوطن بِمحل ولَايَة القَاضِي أَو لَهُ مَال بهَا أَو وَكيل أَو حميل، فَهَذِهِ مَحل الْأَقْسَام الثَّلَاثَة الْآتِيَة فِي النّظم، وإلاَّ لم يحكم عَلَيْهِ بل تنقل الشَّهَادَة فَقَط من غير حكم كَمَا فِي الشَّامِل وَغَيره. لِطَالِبِ الحُكْمِ عَلَى الغُيَّابِ يُنْظَرُ فِي بُعْدٍ وَفِي اقْتِرَاب (لطَالب الحكم على الغياب) جمع غَائِب كعذال جمع عاذل (ينظر فِي بُعد) جدا كإفريقيه من مَكَّة أَو الْمَدِينَة أَو لَا جدا كالعشرة الْأَيَّام مَعَ الْأَمْن أَو الْيَوْمَيْنِ مَعَ الْخَوْف (وَفِي اقتراب) كثلاثة أَيَّام مَعَ الْأَمْن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 فَمَنْ عَلَى ثَلاَثَةِ الأَيَّامِ وَنَحْوِهَا يُدْعَى إِلَى الأَحْكامِ (فَمن) كَانَ (على ثَلَاثَة الْأَيَّام وَنَحْوهَا) فَهُوَ كالحاضر (يدعى إِلَى الْأَحْكَام) فَتسمع الْبَيِّنَة وتزكيتها ثمَّ يعلم بهَا ويعذر إِلَيْهِ فِي وصولها والطعن فِيهَا، فَإِن أبدى مطعناً ووكل من يُخَاصم أَو قدم بِنَفسِهِ فَذَاك وَإِلَّا حكم عَلَيْهِ حَتَّى فِي اسْتِحْقَاق الْعقار وَالطَّلَاق وَالْعِتْق وَبيع عَلَيْهِ مَاله من أصُول وَغَيرهَا لقَضَاء دُيُونه أَو نَفَقَة زَوجته، وَلَا ترجى لَهُ حجَّة فِي شَيْء كَمَا لِابْنِ رشد وَغَيره وَهُوَ معنى قَوْله: وَيُعْذِرُ الحَاكِمُ فِي وَصُولِهِ بِنَفْسِهِ لِلحُكْم أَوْ وَكيلِهِ (ويعذر الْحَاكِم) أَي يقطع عذره بِضَرْب أجل يَسعهُ (فِي وُصُوله بِنَفسِهِ للْحكم أَو وَكيله) ويسعه لِلطَّعْنِ فِي بَينته. فإنْ تَمَادى وَالمَغِيبُ حَالُهُ بِيعَ بِإطْلاَقٍ عَلَيْهِ مَالُهُ (فَإِن تَمَادى والمغيب حَاله) أَي تَمَادى على غيبته وَلم يُوكل وَلم يقدم وَلم يطعن (بيع) بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا إِذْ كل مَا يَبِيعهُ الْحَاكِم فَهُوَ على الْخِيَار ثَلَاثًا، وَإِن لم يَشْتَرِطه إِلَّا أَن يجهل المُشْتَرِي كَونه بِالْخِيَارِ فَلهُ الرَّد والإمضاء، فَإِن بَاعَ بِغَيْر خِيَار فَلِكُل من الْغَائِب والغرماء الرَّد لتضررهم بذلك كَذَا يَنْبَغِي قَالَه (ز) . وَانْظُر حاشيتنا على اللامية عِنْد قَوْلهَا: وَمن غَابَ عَن قرب كمن هُوَ حَاضر الخ. (بِإِطْلَاق عَلَيْهِ مَاله) أصلا كَانَ أَو غَيره، وَلَكِن إِنَّمَا يُبَاع. بَعْدَ ثُبُوتِ المُوجِبَات الأُوَّلِ كالدَّيْنِ وَالْغَيْبَةِ والتَمَوُّلِ (بعد ثُبُوت الموجبات الأول) أَي السَّابِقَة على البيع المشترطة فِي بيع الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهَا فِي قَول (خَ) : وَبَاعَ بِثُبُوت يتمه وإهماله وَملكه لما بيع الخ. فيبدل الْيُتْم والإهمال هُنَا بِالدّينِ والغيبة كَمَا قَالَ: (كَالدّين والغيبة والتمول) أَي كَون ذَلِك المَال للْغَائِب فَيصير الْمَعْنى هَكَذَا: وَبيع مَاله بعد ثُبُوت مُوجبَات البيع من الدّين أَو النَّفَقَة والغيبة وقربها أَو بعْدهَا، وَأَنه أعذر لَهُ فِي الْقَرِيبَة فَلم يقدم وَأَن هَذَا الْمَبِيع ملكه وَأَنه أولى مَا يُبَاع عَلَيْهِ وحيازة الشُّهُود لَهُ والتسوق وَعدم إِلْغَاء زَائِد والسداد فِي الثّمن وَفِي تصريحه بأسماء الشُّهُود قَولَانِ الخ. وَالْعَمَل على تصريحه بهما كَمَا مرّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 فَإِن بَاعَ بِغَيْر ثُبُوت هَذِه الموجبات فَهُوَ ضَامِن كَمَا مرّ فِي فصل مسَائِل من أَحْكَام البيع، وَالْمرَاد بالسداد أَن لَا تكون فِيهِ مُحَابَاة وَأَن يكون عينا لَا عرضا، وَلَيْسَ المُرَاد بُلُوغه الْقيمَة فَأكْثر كَمَا يتَوَهَّم، فَفِي الْبُرْزُليّ عَن السيوري أَنه سُئِلَ عَن بيع القَاضِي على غَائِب أَو مَحْجُور بِمَا أعْطى فِيهِ بعد النداء عَلَيْهِ وَلم يلف زِيَادَة من غير شَهَادَة أَنه بيع مغالاة واستقصاء، هَل يجوز هَذَا البيع؟ فَأجَاب: إِن ثَبت أَنه لم يُوجد فِيهِ إِلَّا مَا بيع بِهِ وَلم تقع مُحَابَاة وَلَا عجلة فِي البيع وَلَا تَقْصِير، فَهُوَ نَافِذ بِكُل حَال اه. الْبُرْزُليّ وَمثله لِابْنِ رشد فِي بيع ربع الْيَتِيم أَو غلاته فِي نَفَقَة الْمَحْجُور فَقَالَ: يستقصى وَيُبَاع وَلَا ينْتَظر بِهِ بُلُوغ الْقيمَة، لِأَنَّهُ غَايَة الْمَقْدُور اه. وَكَذَا قَالَ ابْن مُحرز فِيمَن بيع عَلَيْهِ ربعه للدّين، فَإِنَّهُ يضْرب لَهُ أجل شَهْرَيْن، فَإِذا انْقَضى الْأَجَل فَإِنَّهُ يُبَاع، وَلَو لم يبلغ الْقيمَة وَجَهل من قَالَ ينْتَظر بِهِ بُلُوغ الْقيمَة اه. ثمَّ إِذا شهِدت بَيِّنَة بِأَن الثّمن سداد وَالْأُخْرَى أَنه على غير سداد فَلَا يلْتَفت إِلَى بَيِّنَة غير السداد حَيْثُ لم يُوجد فِيهِ إِلَّا مَا بيع بِهِ بعد النداء عَلَيْهِ، كَمَا فِي المعيار عَن ابْن رشد. قلت: يفهم من هَذَا أَنه لَا قيام بِالْغبنِ فِي هَذَا البيع إِذْ الْغبن هُوَ أَن يُبَاع بِأَقَلّ مِمَّا يُسَاوِيه وَقت البيع، وَلَا شكّ أَنه وَقت البيع لم يساو غير مَا وقف عَلَيْهِ فَكَانَ ذَلِك قِيمَته وَقَوْلهمْ: لَا ينْتَظر بِهِ بُلُوغ الْقيمَة الخ. يعنون الْقيمَة الَّتِي كَانَ يعتادها قبل ذَلِك، وَلَا شكّ أَن الْقيمَة الَّتِي كَانَ يساويها قبل ذَلِك لَا ينظر إِلَيْهَا، وَلذَلِك جهل ابْن مُحرز من قَالَ: ينْتَظر بِهِ بُلُوغهَا، وَقد تقدّمت الْإِشَارَة إِلَى هَذَا عِنْد قَول النَّاظِم: وَبيع ملك لقَضَاء دين قد أجلوا فِيهِ إِلَى شَهْرَيْن وَمَا تقدم من أَنه لَا بُد من ثُبُوت ملكه لما بيع هُوَ الَّذِي عول عَلَيْهِ غير وَاحِد، وَصدر فِي الشَّامِل بِأَنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَى إِثْبَات ملكه. ابْن عبد السَّلَام: وَهُوَ ظَاهر الْمَذْهَب بل قَالَ أهل طليطلة: إِنَّه يهجم عَلَيْهِ وَيُؤْخَذ لَهُ مَا يعرف للرِّجَال أَو للرِّجَال وَالنِّسَاء اه. قلت: وَهُوَ اللَّائِق بزماننا وَيدل لرجحانه أَن الأَصْل فِيمَن حَاز شَيْئا يَدعِي ملكيته يصدق فِي دَعْوَاهُ وَيحمل على أَنه ملكه، وَكَونه بِيَدِهِ وَدِيعَة أَو من غصب أَو سَرقَة على خلاف الأَصْل، وَقَالَهُ ابْن رحال فِي ارتفاقه. وَمَا مِنَ الدَّيْنِ عَلَيْهِ قُضِيَا وكالطَّلاقِ والعِتَاقِ أُمْضِيَا (و) إِذا قبض الثّمن فَإِن (مَا) ثَبت (من الدّين عَلَيْهِ قضيا) بذلك الثّمن بعد الْإِعْذَار للْغُرَمَاء فِي بَعضهم بَعْضًا حَيْثُ ضَاقَ مَاله عَن دُيُونه وَبعد يَمِين الْقَضَاء، لِأَن هَذَا الْغَائِب وَإِن كَانَ كالحاضر فَيحلف كل وَاحِد من الْغُرَمَاء لحق غَيره لَا لحق الْغَائِب الْمَذْكُور خشيَة كَون الْغَائِب أَو الْمُفلس حاباه بِعَدَمِ طلبه يَمِينه، وَإِذا حلفوا فَهَل يستأني بقسم المَال عَلَيْهِم؟ فَإِن لم يعرف بِالدّينِ فَلَا استيناء وَإِن عرف بِهِ فَالْمَشْهُور أَنه يستأني بِهِ فِي الْمَوْت فَقَط (خَ) : واستؤني بِهِ أَي بالقسم إِن عرف بِالدّينِ فِي الْمَوْت فَقَط. (وكالطلاق) الْكَاف اسْم بِمَعْنى مثل مُبْتَدأ (وَالْعتاق) تقوم الْبَيِّنَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 بهما أَو بِأَحَدِهِمَا على الْغَائِب الْمَذْكُور فيعذر إِلَيْهِ وَيسْتَمر على غيبته (أمضيا) عَلَيْهِ بِحكم الْحَاكِم بعد ثُبُوت الموجبات أَيْضا من كَون هَذِه الْمَرْأَة زَوْجَة لَهُ وَثُبُوت شَرطهَا عَلَيْهِ الطَّلَاق بغيبته إِن كَانَ الطَّلَاق بِهِ، أَو ثُبُوت الْإِعْسَار بِالنَّفَقَةِ إِن كَانَ الطَّلَاق بِهِ وَالْيَمِين على نَصه كَمَا مرّ فِي الطَّلَاق بالإعسار، وَمن ثُبُوت غيبَة السَّيِّد فِي الْعتْق وَثُبُوت ملكه لهَذَا الْمَمْلُوك، وَثُبُوت حريَّة هَذَا الْمَمْلُوك بالإصالة أَو الشَّهَادَة على السَّيِّد بِعِتْقِهِ أَو عدم النَّفَقَة لأم وَلَده الَّتِي لَا صَنْعَة لَهَا أَو لَهَا صَنْعَة لَا تقوم بنفقتها. وَمَا لَهُ لِحُجَّةٍ إرْجاءُ فِي شَأْنِ مَا جَرَى بِهِ القَضَاءُ (و) إِذا بيع مَاله وقضيت دُيُونهم وَقدم ف (مَا لَهُ) أَي الْغَائِب الْمَذْكُور (بِحجَّة) مُتَعَلق بقوله (إرجاء فِي شَأْن مَا جرى بِهِ الْقَضَاء) وَالطَّلَاق أَو الْعتْق عَلَيْهِ مَاض وَكَذَا البيع. وَلَو أثبت الْبَرَاءَة من الدّين أَو النَّفَقَة أَو جرح شُهُود الطَّلَاق أَو الْعتْق وَنَحْو ذَلِك. إلاّ مَعَ اعْتِقَالِهِ مِنْ عُذْرِ مِثْلِ العَدْوِّ وَارْتِجَاجِ البَحْرِ (إِلَّا مَعَ اعتقاله) عَن الْقدوم وَالتَّوْكِيل (من) أجل (عذر) حصل لَهُ وَقت الْإِعْذَار لَهُ (مثل) الْإِغْمَاء وَالْجُنُون وَالْمَرَض الفادح أَو (الْعَدو) الْكَافِر أَو اللُّصُوص أ (وارتجاج الْبَحْر) بِأَن يكون الْوَقْت لَا يركب فِيهِ لِكَثْرَة هوله، وَنَحْو ذَلِك من الْإِعْذَار فَإِنَّهُ ترجى لَهُ الْحجَّة حِينَئِذٍ لما تقدم من أَن الْيَوْمَيْنِ مَعَ الْخَوْف بِمَنْزِلَة الْبعد، وَيرد الطَّلَاق وَالْعِتْق وَيرجع بِالثّمن على من قَبضه من المُشْتَرِي فِي البيع كَمَا يَأْتِي قَرِيبا. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْغَيْبَة الْبَعِيدَة لَا جدا فَقَالَ: والحُكْمُ مِثْل الحَالَةِ المُقَرَّرَه فِيمَنْ عَلَى مَسَافَةٍ كَالْعَشَرَهْ (وَالْحكم) مُبْتَدأ خَبره (مثل الْحَالة المقررة) لقريب الْغَيْبَة وَقَوله (فِيمَن) مُتَعَلق بالحكم أَي وَالْحكم فِيمَن غَابَ غيبَة متوسطة وَهُوَ مَا كَانَ (على مَسَافَة كالعشرة) الْأَيَّام مَعَ الْأَمْن أَو الْيَوْمَيْنِ مَعَ الْخَوْف مماثل للحالة المقررة فِي قريب الْغَيْبَة إِلَّا أَن الأول يحكم عَلَيْهِ فِي كل شَيْء كَمَا مر. وَفِي سِوَى اسْتِحْقَاقِ أَصْلٍ أُعْمِلاَ والخُلْفُ فِي التَّفْلِيسِ مح عِلْمِ المَلاَ (و) هَذَا (فِي سوى اسْتِحْقَاق أصل أعملا) الحكم عَلَيْهِ (خَ) : والقريب كالحاضر ثمَّ قَالَ: وَالْعشرَة أَيَّام أَو اليومان مَعَ الْخَوْف يقْضِي عَلَيْهِ مَعَ يَمِين الْقَضَاء فِي غير اسْتِحْقَاق الْعقار الخ. أَي: وَأما اسْتِحْقَاق الْعقار فَلَا يقْضِي عَلَيْهِ فِيهِ لِكَثْرَة المشاحة فِيهِ، بل تسمع بَيِّنَة الْقَائِم وليشهد بِمَا ثَبت عِنْده، ثمَّ يصبر حَتَّى يقدم الْغَائِب، وأشعر قَوْله فِي غير اسْتِحْقَاق الْعقار أَنه يقْضِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 عَلَيْهِ بِبيع الْعقار لقَضَاء دين أَو دفع نَفَقَة زَوْجَة كَمَا يحكم بذلك على حَاضر ملد بِالْحَقِّ قَالَه (ز) . (وَالْخلف فِي التَّفْلِيس) لهَذَا الْغَائِب غيبَة متوسطة (مَعَ علم الملا) حِين خُرُوجه للسَّفر فَقيل: يفلس فَتحل دُيُونه المؤجلة، وَمن وجد سلْعَته قَائِمَة فَهُوَ أَحَق بهَا. وَقيل: لَا يفلس حَتَّى يكْتب إِلَيْهِ ويكشف عَن حَاله وَهُوَ الْمُعْتَمد فِي مَوضِع النّظم الَّذِي هُوَ علم الملاء كَمَا أَن قريب الْغَيْبَة لَا يفلس حَتَّى يكْشف عَن حَاله كَانَ مَعْلُوم الملاء حِين خُرُوجه أم لَا. وَمَفْهُوم علم الملاء أَنه فِي المتوسطة إِذا علم عَدمه حِين خُرُوجه أَو جهل حَاله يفلس من غير خلاف، وَأما بعيد الْغَيْبَة كمن على شهر أَو أَكثر فيفلس وَلَو علم ملاؤه اتِّفَاقًا عِنْد ابْن رشد، وَعند اللَّخْمِيّ: إِنَّمَا يفلس إِذا لم يعلم ملاؤه حِين خُرُوجه أَيْضا كالمتوسطة، وَبِالْجُمْلَةِ فيتفق الشَّيْخَانِ فِي الْقَرِيبَة على أَنه لَا يفلس حَتَّى يكْشف عَن حَاله، وَأَن المتوسطة مُقَيّدَة بِمَا إِذا لم يعلم ملاؤه، وَأما إِن علم فَلَا يفلس على الْمَشْهُور ويختلفان فِي الْبَعِيدَة، فاللخمي يقيدها كالمتوسطة، وَابْن رشد لَا يقيدها، وعَلى مَا للخمي درج ابْن الْحَاجِب وَابْن شَاس وَهُوَ ظَاهر قَول (خَ) وفلس حضر أَو غَابَ إِن لم يعلم ملاؤه الخ. وَذَا لهُ الْحُجَّةُ تُرْجى والذِي بِيعَ عَلَيْهِ مَالَهُ مِنْ مُنْقِذِ (وَذَا) أَي الَّذِي على مَسَافَة كالعشرة (لَهُ الْحجَّة ترجى) فَيرد عتقه وطلاقه إِن أبطل الْبَيِّنَة الشاهدة عَلَيْهِ بهما (و) أما (الَّذِي بيع عَلَيْهِ) من أصل أَو غَيره لقَضَاء دينه أَو نَفَقَة زَوجته وَفَاتَ بيد مُشْتَرِيه بِتَغَيُّر ذَات وَنَحْوه لَا بحوالة سوق ف (مَا لَهُ من منقذ) أَي مخلص، وَإِنَّمَا لَهُ الرُّجُوع بِالثّمن حَيْثُ أثبت الْبَرَاءَة أَو أبطل الشَّهَادَة على من قَبضه من رب زَوْجَة أَو رب دين كَمَا قَالَ: وَيَقْتَضِي بِمُوجِبِ الرُّجُوعِ مِنَ الغَرِيمِ ثَمَنُ المَبِيعِ (وَيَقْتَضِي) هُوَ أَي الْغَائِب (بِمُوجب الرُّجُوع من الْغَرِيم) وَهُوَ رب الدّين هُنَا أَو الزَّوْجَة (ثمن الْمَبِيع) مفعول يَقْتَضِي والمجروران يتعلقان بِهِ، وَقَوْلِي: وَفَاتَ الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يفت الْمَبِيع بل كَانَ قَائِما بيد المُشْتَرِي فَإِنَّهُ ينْقض البيع وَيرد إِلَى الْغَائِب بعد أَن يرد الثّمن للْمُشْتَرِي على الْمُعْتَمد كَمَا فِي ابْن رحال وَغَيره وَقَالَهُ (ز) أَيْضا عِنْد قَول (خَ) فِي النَّفَقَات: وبيعت دَاره بعد ثُبُوت ملكه الخ. وَهُوَ الْمَأْخُوذ من قَول (خَ) فِي الِاسْتِحْقَاق: وَإِن أنفذت وَصِيَّة مُسْتَحقّ برق لم يضمن وَصِيّ وحاج إِن عرفا بِالْحُرِّيَّةِ، وَأخذ السَّيِّد مَا بيع عَلَيْهِ إِلَى قَوْله: وَمَا فَاتَ فالثمن الخ. وَهَذَا خلاف إِطْلَاق النَّاظِم، وَإِن كَانَ الْإِطْلَاق هُوَ الَّذِي لِابْنِ الْحَاج وَغَيره، وَكَانَ وَجه الْإِطْلَاق أَنه لَو رد البيع مَعَ حكم الْحَاكِم بِهِ مَا اشْترى أحد مبيعه لتوقع فَسخه وَلَا يخفى مَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 ذَلِك لِأَن توقع الْفَسْخ بِإِثْبَات الْبَرَاءَة أَو تجريح الْبَيِّنَة نَادِر كتوقعه بِثُبُوت الِاسْتِحْقَاق وَالْعَيْب النَّادِر لَا حكم لَهُ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْبَعِيدَة جدا فَقَالَ. وَغَائِبُ مِنْ مِثْلِ قُطْرِ المَغْرِبِ لِمِثْلِ مَكَّةَ وَمِثْلِ يَثْرِبِ (وغائب) غيبَة بعيدَة (من مثل قطر الْمغرب لمثل مَكَّة وَمثل يثرب) على صَاحبهَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام. مَا الحُكْمُ فِي شيءٍ عَلَيْه يَمْتَنِعْ وهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ مَا تَنْقَطِعْ (مَا) نَافِيَة أَي لَيْسَ (الحكم فِي شَيْء) من الْأَشْيَاء حَتَّى اسْتِحْقَاق الْعقار (عَلَيْهِ يمْتَنع) بعد ثُبُوت الموجبات الْمُتَقَدّمَة وَيَمِين الْقَضَاء، وَمثل الْغَائِب الْمَذْكُور الْمَحْجُور وَلَو كَانَ لَهُ وَصِيّ أَو مقدم (وَهُوَ) أَي الْغَائِب وَمن هُوَ فِي حكمه (على حجَّته) إِذا قدم (مَا تَنْقَطِع) لَهُ بطول الْغَيْبَة. وَظَاهره أَنه يحكم عَلَيْهِ فِي هَذِه وَفِي الَّتِي قبلهَا، وَلَا يُقيم لَهُ وَكيلا يُخَاصم عَنهُ، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وَمذهب الْمُدَوَّنَة لِأَن الْوَكِيل وَكَذَا الْوَصِيّ والمقدم لَا يعْرفُونَ الْحجَج الَّتِي يُقَام بهَا. وَقَالَ سَحْنُون وَابْن الْمَاجشون: يُقيم لَهُم وَكيلا وَلَا ترجى لَهُم حجَّة. قَالَ ابْن نَاجِي: وَالْعَمَل عندنَا بالقيروان على الْجمع بَين الْقَوْلَيْنِ فيقيم لَهُم وَكيلا على قَول سَحْنُون وترجى لَهُم الْحجَّة على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة اه. قلت: وَبِهَذَا شاهدنا الْعَمَل بفاس وَيُسمى عِنْدهم وَكيل الغياب والمحاجير. والحُكْمُ مَاضٍ أَبَدَاً لَا يُنْقَضُ وَمَا بِهِ أُفِيتَ لَا يَنْتَقِضُ (وَالْحكم) بِالْبيعِ لمتاع هَذَا الْغَائِب (مَاض) عَلَيْهِ (أبدا لَا ينْقض) يَعْنِي إِذا فَاتَ الْمَبِيع بيد مُشْتَرِيه بِتَغَيُّر ذَات وإلاَّ فينقض كَمَا مر فِي الَّتِي قبلهَا (وَمَا بِهِ) أَي الحكم (أفيت لَا ينْتَقض) هَذَا الشّطْر تَأْكِيد للشطر الَّذِي قبله وَلَيْسَ فِيهِ معنى زَائِد عَلَيْهِ. لَكِنَّ مَعْ برَاءَةٍ يُقْضَى لَهُ بِأَخْذِهِ مِنَ الغَرِيمِ مَا لَهُ (لَكِن مَعَ) إِثْبَات (بَرَاءَة) ذمَّة الْغَائِب من الدّين أَو النَّفَقَة اللَّذين بيع مَا لَهُ فيهمَا وأبطل الشَّهَادَة عَلَيْهِ بتجريح شهودها (يقْضى لَهُ بِأَخْذِهِ من الْغَرِيم مَاله) وَقَوْلِي بِالْبيعِ احْتِرَازًا من حكمه بِاسْتِحْقَاق الْعقار أَو غير فَإِنَّهُ ينْقض فَاتَ بالهدم وَالْغَرْس أم لَا. وَقَوْلِي: هَذَا الْغَائِب احْتِرَازًا من حكمه بِبيع مَتَاع الْمَحْجُور لقَضَاء دين وَنَحْوه، ثمَّ ظَهرت الْبَرَاءَة مِنْهُ فَإِن للمحجور إِذا رشد أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 ينْقض البيع وَلَو فَاتَ كَمَا يُؤْخَذ من قَول (خَ) وَغَيره فِي الْحجر، وَله إِن رشد وَلَو حنث بعد بُلُوغه أَو وَقع الْموقع الخ فَتَأَمّله. وَالله أعلم. وَإِلَى هَذَا الْقسم الثَّالِث من أَقسَام الْغَائِب أَشَارَ (خَ) بقوله: والبعيد جدا كإفريقية قضى عَلَيْهِ بِيَمِين الْقَضَاء وسمى الشُّهُود وإلاَّ نقض الخ. وَهل يَمِين الْقَضَاء وَاجِبَة أَي لَا يَصح الحكم بِدُونِهَا وَهُوَ الْمُعْتَمد أَو هِيَ استظهار واحتياط فَيتم الحكم بِدُونِهَا؟ قيل: وَبِه الْعَمَل لِأَنَّهُ يَقُول: لَا تحلفني إِذْ لَعَلَّه يقر بِأَن حَقي بَاقٍ عَلَيْهِ. تَنْبِيه: إِذا صير الْحَاكِم دَار الْمَدِين الْغَائِب لرب الدّين فِي دينه، فَلَمَّا قدم الْغَائِب أثبت الْبَرَاءَة من دينه أَو جرح شُهُوده، فَإِن الدَّار ترد إِلَى رَبهَا مَا لم تفت بهدم أَو بِنَاء فيمضي بِالْقيمَةِ كَمَا يفهم من كَلَام الشَّارِح لِأَنَّهُ جعلهَا من قبيل مَسْأَلَة الْجَارِيَة الْوَاقِعَة لشيخه قَاضِي الْجَمَاعَة أبي الْقَاسِم بن سراج وَصورتهَا: تَاجر تسرى جَارِيَة بغرناطة وَغَابَ بِنَاحِيَة تونس وَادعت الضَّيْعَة فكفلها بعض حَاشِيَة السُّلْطَان مِمَّن لَهُ وجاهه، وَكتب على سَيِّدهَا النَّفَقَة إِلَى أَن تجمل لَهُ قريب من ثمنهَا فَرفع أمره إِلَى القَاضِي وَأثبت دينه ذَلِك وغيبة الْمَالِك وَملكه لِلْجَارِيَةِ، وَحلف على المتجمل لَهُ وقومت الْجَارِيَة وصيرت فِي النَّفَقَة لكافلها فَأعْتقهَا وَتَزَوجهَا، ثمَّ قدم مَالِكهَا فتظلم من بيعهَا على الْوَجْه الْمَذْكُور وَادّعى أَنه ترك لَهَا مَا يقوم بنفقتها لأكْثر من مُدَّة مغيبه وَأَن لَهَا صَنْعَة تقوم بهَا أَو يُمكنهَا إتْمَام نَفَقَتهَا مِنْهَا، وَتعلق من الدولة بِجِهَة لَا تقصر عَن جِهَة خَصمه، فَكَانَ هَذَا الْخِصَام مكافئاً فِي الِاسْتِظْهَار بالوجاهة بَين هذَيْن الْخَصْمَيْنِ اللَّذين بغى بعضهما على بعض، وَثَبت القَاضِي الْمَذْكُور على حكمه من تصيير الْجَارِيَة وَخَالفهُ غَيره قَالَ: وَلم يلم القَاضِي الْمَذْكُور بِإِثْبَات عجزها عَن النَّفَقَة من صَنْعَة يَدهَا وَلَا إِثْبَات كَون مَالِكهَا لم يتْرك لَهَا نَفَقَة، وَقد قَالَ ابْن عبد الرفيع فِي معينه: إِذا قَامَت مَمْلُوكَة عِنْد القَاضِي وَذكرت غيبَة مَالِكهَا وَأَنه لم يتْرك لَهَا نَفَقَة كلفها إِثْبَات غيبته وَبعدهَا وَملكه لَهَا، وَأَنه لم يخلف لَهَا نَفَقَة وَلَا بعث لَهَا بِشَيْء، ثمَّ يَأْمر بِبَيْعِهَا وإيقاف ثمنهَا للْغَائِب. وَزَاد غَيره أَنه يكفلها أَيْضا إِثْبَات كَونهَا عاجزة عَن اسْتِعْمَالهَا فِيمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 يسْتَعْمل فِيهِ مثلهَا لتنفق مِنْهُ على نَفسهَا قَالَه ابْن عتاب فِي أم الْوَلَد. فالمملوكة أَحْرَى وَأولى بِهَذَا الحكم اه. . قلت: قد فقد من تصيير القَاضِي الْمَذْكُور أَيْضا التسوق وَعدم إِلْغَاء الزَّائِد، إِذْ لَا يلْزم رَبهَا بيعهَا بِقِيمَتِهَا من غير تسويق، وفقد مِنْهُ أَيْضا أَنَّهَا أولى مَا يُبَاع عَلَيْهِ أَو لَيْسَ لَهُ غَيرهَا، لَكِن هَذَا الثَّانِي قد لَا يتَّجه لِأَنَّهُ لَو كَانَ لَهُ غَيرهَا لَكَانَ قد ترك لَهَا نَفَقَة فَهُوَ دَاخل فِي قَوْله: وَإنَّهُ لم يتْرك لَهَا نَفَقَة، ثمَّ قَالَ الشَّارِح: حكم الْحَاكِم إِذا لم يُصَادف محلا لكَونه مَبْنِيا على أُمُور مظنونة، ثمَّ ينجلي الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك كَمَسْأَلَة الْمَفْقُود تَعْتَد بعد ضرب الْأَجَل وتتزوج ثمَّ يقدم الزَّوْج الأول، وكمسألة الحكم بِالنَّفَقَةِ للحامل ثمَّ ينفش، وكمسألة البيع على الْغَائِب ثمَّ تظهر الْبَرَاءَة وكمسألة الخارص يخرص أَرْبَعَة أوسق ثمَّ يظْهر أَكثر، وكمسألة مُثبت الْعَيْب فِي العَبْد الَّذِي اشْتَرَاهُ وَقد مرض العَبْد أَو كَاتبه فغرم قِيمَته، ثمَّ صَحَّ العَبْد أَو عجز عَن الْكِتَابَة فرق وَذهب عَنهُ البيع، فَلَا رُجُوع للْبَائِع فِي الْقيمَة لِأَنَّهُ حكم نفذ. وكمسألة الرَّحَى تحدث بِحكم الْحَاكِم لعدم ضررها بِالَّتِي فَوْقهَا بِشَهَادَة أهل الْمعرفَة، ثمَّ يتَبَيَّن ضررها بِالَّتِي قبلهَا وَقطعت المَاء عَنْهَا فَإِنَّهَا لَا تنقض. وكمسألة من نزل المَاء فِي عينه بِسَبَب ضَرْبَة فَأخذ دِيَتهَا ثمَّ بَرِئت وَرجعت لحالها، فَإِن الدِّيَة ترد. وكمسألة الْمَشْهُود بِمَوْتِهِ فتقسم تركته وتباع عروضه وتتزوج زَوجته وَلم تعذر الْبَيِّنَة، بل ظهر تعمدها للزور فَإِنَّهُ يرد لَهُ جَمِيع ذَلِك كَمَا فِي (خَ) . وكمسألة اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين فِي موت العَبْد فِي عُهْدَة الثَّلَاث فَيرد ثمنه، ثمَّ يَأْتِي حَيا فَإِن رد الثّمن بِحكم فَهُوَ للْمُبْتَاع وإلاَّ فَللْبَائِع على مَا قَالَه ابْن رشد. وكمسألة من ادّعى نِكَاح امْرَأَة فأنكرته فَادّعى بَيِّنَة بعيدَة لَا تُؤمر الْمَرْأَة بانتظارها، فَحكم القَاضِي بِسُقُوط دَعْوَاهُ، ثمَّ قدمت الْبَيِّنَة فَإِنَّهَا ترد إِلَيْهِ تزوجت أم لَا. وَنَحْو ذَلِك لَا يَخْلُو حكمه الْمَذْكُور من كَونه مَبْنِيا على مُوجب قَطْعِيّ أَو ظَنِّي، فَإِن كَانَ الأول فإمَّا أَن يُعَارضهُ قَطْعِيّ أَو ظَنِّي فَالْأول محَال وجوده لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يَقع التَّعَارُض بَين قطعيين، وَأما الثَّانِي فَلَا ينْقض بِمُوجب ظَنِّي مَا ثَبت أَو لَا بِمُوجب قَطْعِيّ، وَلَيْسَ فِي هَذِه الْمسَائِل مِثَال لوَاحِد من هذَيْن الْقسمَيْنِ، وَأما الثَّانِي من الْقسم الأول، وَهُوَ مَا ثَبت بِمُوجب ظَنِّي فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُعَارضهُ قَطْعِيّ أَو ظَنِّي وأيّاً مَا كَانَ فإمَّا أَن يتَعَلَّق بِهِ حق الْغَيْر أَو يطْرَأ فَوت أَو يعْتَبر خوف تَفْوِيت مصلحَة نصب الإِمَام، فَالْأول وَهُوَ مَا إِذا عَارض الْقطعِي الظني وَلم يتَعَلَّق بِهِ حق الْغَيْر، وَلَا طَرَأَ فَوت وَلَا غَيره فينقض الحكم وَذَلِكَ كَمَسْأَلَة الْمَفْقُود تَعْتَد زَوجته بعد الْأَجَل وَقبل أَن تتَزَوَّج أَو بعد العقد، وَقبل دُخُول الثَّانِي قدم الأول فَإِنَّهَا ترد للْأولِ لِأَنَّهُ تبين للعيان خلاف الظني الَّذِي بنى عَلَيْهِ الحكم، وَكَذَا انفشاش حمل الْمُطلقَة وَكَون العَبْد للمتاع فِي مَسْأَلَة عُهْدَة الثَّلَاث، وَكَذَا خارص الْأَرْبَعَة أوسق لِأَنَّهُ انْكَشَفَ خَطؤُهُ اه. قلت: وَكَذَا مَسْأَلَة نزُول المَاء فِي الْعين، وَأما إِذا عَارض الْقطعِي الظني وَتعلق بِهِ حق الْغَيْر أَو طَرَأَ الْفَوْت فَذَلِك كَمَسْأَلَة الْمَفْقُود بعد دُخُول الثَّانِي بهَا فَإِن الحكم لَا ينْقض. قلت: وَعَلِيهِ تنزل مَسْأَلَة الرَّحَى أَيْضا، وَمَسْأَلَة مُثبت الْعَيْب فِي العَبْد وَقد مرض أَو كَاتبه، وَكَذَلِكَ مَسْأَلَة الغسال يتْلف بِيَدِهِ الثَّوْب فَيغرم قِيمَته ثمَّ يجده، فَإِن الثَّوْب يكون لَهُ، وَكَذَا من فرط فِي أَمَانَة فَيغرم قيمتهَا ثمَّ وجدت. وَأما الْقسم الثَّالِث: وَهُوَ مَا إِذا عَارض الظني الظني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 وَلم يتَعَلَّق بِهِ حق الْغَيْر، وَلَا طَرَأَ الْفَوْت، وَلَا اعْتبر خوف تَفْوِيت مصلحَة نصب الإِمَام، فَذَلِك كتصيير دَار الْغَائِب لرد الدّين ثمَّ يقدم وَيثبت الْبَرَاءَة فَلَا إِشْكَال فِي نقض البيع، وكمسألة الْجَارِيَة الْمُتَقَدّمَة إِذا فَرضنَا أَن مَالِكهَا ترك لَهَا نَفَقَة أَو لَهَا صَنْعَة تقوم بهَا فَلَا إِشْكَال فِي النَّقْض حَيْثُ لم يحدث فِيهَا عتق أَو تَزْوِيج، وإلاَّ فَهِيَ من الْقسم الَّذِي بعده، وَمن هَذَا الْقسم مَسْأَلَة الزَّوْجَة تطلق بِعَدَمِ النَّفَقَة ثمَّ يظْهر إِسْقَاطهَا فَإِنَّهَا ترد إِلَيْهِ، وَأما الْقسم الرَّابِع: وَهُوَ مَا إِذا عَارض الظني الظني وَتعلق بِهِ حق الْغَيْر أَو طَرَأَ الْفَوْت أَو اعْتبر خوف تَفْوِيت مصلحَة نصب الإِمَام، فَذَلِك كَمَسْأَلَة دَار الْغَائِب إِذا بِيعَتْ لغير رب الدّين فَإِنَّهَا لَا ترد لِرَبِّهَا إِذا أثبت الْبَرَاءَة على أحد قَوْلَيْنِ تقدما، وَلَو لم تفت لتَعلق حق الْغَيْر بهَا ولخوف تَفْوِيت مصلحَة نصب الإِمَام على هَذَا القَوْل، وَهُوَ ظَاهر النّظم كَمَا مرّ. قَالَ الشَّارِح: وَلَا يَخْلُو هَذَا القَوْل من اسْتِحْسَان، وَالْقَوْل بِنَقْض البيع أَقيس، وَلَا سِيمَا مَعَ تزوير بَيِّنَة أصل الدّين. وكمسألة الْجَارِيَة الْمُتَقَدّمَة لِأَنَّهُ طَرَأَ فَوتهَا بِالْعِتْقِ وَالتَّزْوِيج اه. مَا للشَّارِح هَهُنَا بِاخْتِصَار. وَزِيَادَة للإيضاح إِلَّا أَنه أورد على مَسْأَلَة الْمَفْقُود بعد دُخُول الثَّانِي من قَالَ: عَائِشَة طَالِق. وَقَالَ: أردْت زَوْجَة لي غَائِبَة اسْمهَا عَائِشَة فَطلقت عَلَيْهِ الْحَاضِرَة لعدم تَصْدِيقه، ثمَّ ظهر صدقه فِيمَا قَالَ، فَإِن الَّتِي طلقت عَلَيْهِ ترد إِلَيْهِ وَلَو تزوجت وَدخل بهَا، فَإِن قُلْنَا بِالرَّدِّ فِي هَذِه؟ فَيُقَال: بِالرَّدِّ فِي مَسْأَلَة الْمَفْقُود بالأحرى لاحْتِمَال أَن يكون طلق عَائِشَة الْحَاضِرَة ثمَّ نَدم، بِخِلَاف مَسْأَلَة الْمَفْقُود فَلَا احْتِمَال فِيهَا أصلا، ثمَّ ظَاهر مَا مر عَن ابْن سراج وَالشَّارِح وَمن وافقهما أَنهم حملُوا بيع القَاضِي على اسْتِيفَاء الموجبات، وَإِن على من ادّعى انخرامها إِثْبَات ذَلِك، وَهُوَ خلاف مَا مر عَن السيوري فِي فصل مسَائِل من أَحْكَام البيع من أَنه مَحْمُول على عدم استيفائها، وَعَلِيهِ فَيغرم مَا زَاده ثمنهَا على قيمتهَا بِتَقْدِير تسويقها وَلَا يُكَلف رَبهَا إِثْبَات أَنَّهَا لَهَا صَنْعَة تقوم بهَا فَتَأمل ذَلِك وَالله أعلم. (فصل فِي الْعُيُوب) أَي عُيُوب غير الْحَيَوَان، وَأما عُيُوب الْحَيَوَان من رَقِيق وَغَيره، فقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فِي فصل بيع الرَّقِيق وَغَيره من سَائِر الْحَيَوَان، فمراده هُنَا عُيُوب الْأُصُول وَالْعرُوض لَا غير، ثمَّ إِن النَّاظِم كَغَيْر وَاحِد من أهل الْمَذْهَب قسم عُيُوب الْأُصُول إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام: قَلِيل فَهُوَ كَالْعدمِ، وَكثير يثبت لَهُ بِهِ الرَّد، ومتوسط يتَعَيَّن فِيهِ الرُّجُوع بِالْأَرْشِ فَقَالَ: وَمَا مِنَ الأَصُولِ بِيعَ وَظَهَرْ لِلْمُشْتَرِي عَيْبٌ بِهِ كانَ اسْتَترْ (وَمَا من الْأُصُول بيع وَظهر للْمُشْتَرِي) بعد عقد الشِّرَاء (عيب بِهِ كَانَ استتر) وَيخْفى عِنْد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 التقليب وَمثل المُشْتَرِي من لَا يعرف ذَلِك الْعَيْب وإلاَّ فَلَا قيام لَهُ بِهِ كَمَا مر تَفْصِيله فِي عُيُوب الرَّقِيق، وَإِذا ادّعى البَائِع أَن المُشْتَرِي أحَاط بِالدَّار معرفَة وعلماً، وَقد كتب فِي الْوَثِيقَة مثل ذَلِك فَإِن ذَلِك لَا يَنْفَعهُ إِذا كَانَ الْعَيْب مِمَّا يخفى قَالَه الْبُرْزُليّ عَن الْمَازرِيّ قَائِلا: وَلَا حجَّة فِي قَول الموثق إِنَّه أحَاط بهَا علما إِذْ ذَاك من تلفيقهم، وَالْعَادَة تَقْتَضِي عدم قَصده بِالْإِشْهَادِ اه. قلت: وَكَذَا قَول الموثق قلب ورضى هُوَ من التلفيق أَيْضا، إِذْ هُوَ من معنى قَوْلهم: أحَاط بهَا علما قَالَه أَبُو الْعَبَّاس الملوي. فإنْ يَكُنْ لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرُ فِي ثَمَنٍ فَخَطْبُهُ يَسِيرُ (فَإِن يكن) ذَاك الْعَيْب الَّذِي اطلع عَلَيْهِ المُشْتَرِي (لَيْسَ لَهُ تَأْثِير فِي ثمن) كسقوط شرافات أَو شقّ يسير أَو نَحْوهمَا (فخطبه) قَالَ فِي الْقَامُوس: الْخطب الشَّأْن وَالْأَمر (يسير) لَا يعْتَبر لِأَنَّهُ كَالْعدمِ. وَمَا لِمَنْ صَارَ لَهُ الْمَبِيعُ رَدٌّ وَلاَ بِقَيمَةٍ رُجُوعُ (وَمَا لمن صَار لَهُ الْمَبِيع) وَهُوَ المُشْتَرِي (رد) بذلك الْعَيْب (وَلَا) لَهُ (بِقِيمَة رُجُوع) على بَائِعه. وَإنْ يَكُنْ يَنْقُصُ بَعْضُ الثَّمَنِ كالعَيْبِ عَنْ صَدْعِ جِدَارٍ بَيِّنِ (وَإِن يكن) ذَلِك الْعَيْب (ينقص بعض الثّمن كالعيب) الناشىء (عَن صدع) شقّ (جِدَار بَين) ظَاهر إِذا لم تبلغ قِيمَته ثلث الثّمن وَلَيْسَ هُوَ وجاهة الدَّار وَلَا خيف عَلَيْهَا مِنْهَا السُّقُوط، فَحِينَئِذٍ يكون من الْمُتَوَسّط الْمشَار إِلَى حكمه بقوله: فالمُشْتري لَهُ الرجُوعُ هَاهُنَا بقيمةِ العَيْبِ الّذي تَعَيَّنا (فَالْمُشْتَرِي) يتَعَيَّن (لَهُ) أَي عَلَيْهِ (الرُّجُوع هَهُنَا بِقِيمَة الْعَيْب الَّذِي تعينا) فَيقوم سالما بِعشْرَة مثلا ومعيباً بِثمَانِيَة، وَيرجع بِمَا نَقصه الْعَيْب وَهُوَ خمس الثّمن فِي الْمِثَال كَانَ الثّمن عشرَة أَو أَكثر أَو أقل، وَقَوْلِي: إِذا لم تبلغ قِيمَته ثلث الثّمن الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا بلغت ثلثه فَهُوَ حِينَئِذٍ من الْكثير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 على مَا لأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن وَهُوَ الْمَذْهَب كَمَا يَأْتِي بعد، وَكَذَا إِن كَانَ وجاهة الدَّار أَي فِي مهماتها أَو خيف عَلَيْهَا مِنْهُ كَمَا قَالَ (خَ) عاطفاً على مَا لَا رد بِهِ وعيب قل بدار وَرجع بِقِيمَتِه كصدع جِدَار لم يخف عَلَيْهَا مِنْهُ الخ. وَظَاهره كالنظم أَنه يجْبر الآبي على أَخذ الْأَرْش فِي الْعَيْب الْمُتَوَسّط كَانَ الآبي هُوَ البَائِع أَو المُشْتَرِي، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور، وَالَّذِي لِابْنِ الْحَاج فِي نوازله أَن البَائِع لَا يجْبر على أَخذ قيمَة الْعَيْب، وَإِنَّمَا هُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ رد الْقيمَة وَإِن شَاءَ قَالَ للْمُشْتَرِي: اصرف على الْمَبِيع وَخذ جَمِيع ثمنك إِلَّا أَن يفوت الْمَبِيع فَيتَعَيَّن الرُّجُوع بِالْأَرْشِ اه. قَالَ (ق) : وَهَذَا هُوَ الَّذِي أتحمل عهدته لِكَثْرَة الْحِيَل يكون المُشْتَرِي مغتبطاً بِالْمَبِيعِ وَيطْلب مَعَ ذَلِك عيوباً ليحط عَنهُ شَيْء من الثّمن. قَالَ (م) : وبفتوى ابْن الْحَاج هَذِه جرى الْعَمَل عندنَا بفاس اه. وَنَقله عَنهُ فِي شرح العمليات ثمَّ قَالَ: وَقَالَ شَيخنَا ابْن سَوْدَة: الَّذِي بِهِ الْعَمَل هُوَ الرَّد بالمتوسط كالكثير فَلَا يغْتَفر إِلَّا الْقَلِيل كالشرافات. قَالَ ابْن رحال: وَمَا قَالَه ابْن سَوْدَة صَحِيح وَهُوَ قَول فِي الْمَذْهَب حَكَاهُ الْبَاجِيّ وَابْن الْحَاجِب وَابْن عَرَفَة وَغَيرهم. وَقَالَ الْمَازرِيّ: إِنَّه مُقْتَضى الْقيَاس وعَلى مَا لِابْنِ سَوْدَة اقْتصر فِي نظم الْعَمَل فَقَالَ: وبالكثير الْمُتَوَسّط لحق فِيمَا من الْعَيْب الْأُصُول قد لحق قلت: وَلَا زَالَ الْعَمَل على مَا لِابْنِ سَوْدَة إِلَى الْآن وَالْفرق بَين مَا لِابْنِ الْحَاج وَمَا لِابْنِ سَوْدَة أَن المُشْتَرِي على الأول لَا يُمكن من الرَّد، وَإِنَّمَا يُمكن من الرُّجُوع بِقِيمَة الْعَيْب، لَكِن إِنَّمَا يُمكن مِنْهُ إِذا لم يقل لَهُ البَائِع إِمَّا أَن تتمسك بِالْمَبِيعِ أَو ترده وَتَأْخُذ ثمنك، وإلاَّ فَلَا رُجُوع لَهُ بِشَيْء، وَإِنَّمَا يتَمَسَّك أَو يرد وَيَأْخُذ ثمنه بِخِلَافِهِ على الثَّانِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَين الرَّد والتماسك ابْتِدَاء. وَإنْ يَكُنْ لِنَقْصِ ثُلْثِهِ اقْتَضَى فَمَا عَلاَ فَالرَّدُّ حَتْمٌ بالقَضَا (وَإِن يكن) الْعَيْب (لنَقص ثلثه) أَي الثّمن (اقْتضى فَمَا علا) عطف على ثلثه مَدْخُول لنَقص وَاللَّام فِيهِ زَائِدَة أَي: وَإِن يكن الْعَيْب اقْتضى نقص ثلث الثّمن فأعلى (فالرد حتم) وَاجِب للْمُشْتَرِي (بالقضا) ء وَمَا اقْتصر عَلَيْهِ النَّاظِم فِي حد الْكثير بِالثُّلثِ فأعلى هُوَ قَول أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن كَمَا مر، وَهُوَ أحد أَقْوَال خَمْسَة ذكرهَا ابْن عَرَفَة وَغَيره، وَانْظُر الكراس الْخَامِس من بُيُوع الْبُرْزُليّ فَإِنَّهُ ذكر للدور عيوباً، وَرُبمَا ننقل بَعْضهَا عِنْد قَوْله: والبق عيب الخ. وَظَاهر النّظم كَغَيْرِهِ أَن لَهُ الرَّد بالكثير، وَلَو اطلع عَلَيْهِ بعد سنة أَو أَكثر من يَوْم الشِّرَاء، وَهُوَ كَذَلِك وَتقدم عَن الْأَبَّار عِنْد قَوْله: وَالْبيع من بَرَاءَة إِن نصت الخ. أَن الْعَمَل على عدم الرَّد بعد سنة فِي الدّور وَفِي الرَّقِيق بعد سِتَّة أشهر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 وَكُلُّ عَيْبٍ يَنْقُصُ الأَثْمَانَا فِي غَيْرِهَا رُدَّ بِهِ مَا كَانَا (وكل عيب ينقص الأثمانا فِي غَيرهَا) أَي فِي غير الْأُصُول من الْعرُوض وَالْحَيَوَان والمثليات (رد) ذَلِك الْمَبِيع (بِهِ مَا كَانَا) نقص عَن الْعشْر مثلا أَو زَاد عَلَيْهِ إِذا كَانَ يخفى عِنْد التقليب كَمَا مر، وَقَامَ بفور اطِّلَاعه عَلَيْهِ كَمَا يَقُوله، فعيوب غير الْأُصُول قِسْمَانِ قَلِيل لَا قيمَة لَهُ فَلَا شَيْء فِيهِ وَكثير وَهُوَ مَا نقص من الثّمن نقصا لَهُ بَال فَيرد بِهِ. ابْن سَلمُون: كل عيب ينقص الثّمن فالرد بِهِ وَاجِب اه. وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة والمقرب عَن ابْن الْقَاسِم وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: والبق عيب الخ. وَبَعْضُهُمْ بِالأصْلِ عَرْضاً ألْحَقَا فِي أَخْذِ قِيمَةٍ عَلى مَا سَبَقَا (وَبَعْضهمْ بِالْأَصْلِ عرضا ألحقا فِي أَخذ قيمَة) للمعيب إِن كَانَ متوسطاً، وَفِي الرَّد بِهِ إِن كثيرا وَالْكثير الثُّلُث فَأكْثر (على مَا سبقا) فِي عيب الْأُصُول فَفِي الْمُفِيد روى زِيَاد عَن مَالك فِيمَن بَاعَ ثوبا فَإِذا فِيهِ خرق يسير يخرج فِي الْقطع لم يرد بِهِ، وَوضع عَنهُ قدر الْعَيْب اه. وَهُوَ خلاف الْمُعْتَمد الَّذِي صدر بِهِ النَّاظِم، وَالْفرق على الْمَشْهُور بَين الْأُصُول وَغَيرهَا، حَتَّى كَانَ الرَّد فِي غَيرهَا بِكُل مَا نقص الثّمن بِخِلَافِهَا، فَإِنَّمَا يرد فِيهَا بِالثُّلثِ فَأكْثر أَن الْأُصُول لَا تنفك عَن عيب غَالِبا، وَلِأَن عيبها الْمُتَوَسّط يَزُول بالإصلاح، فَلَو ردَّتْ بِهِ لأضر ذَلِك بالبائع قَالَه (ح) . ثُمَّ العُيوبُ كُلُّهَا لاَ تُعْتَبَرْ إلاَّ بِقَوْلِ مَنْ لَهُ بِهَا بَصَرْ (ثمَّ الْعُيُوب) الَّتِي من شَأْنهَا أَن تخفى عِنْد التقليب لَا مَا كَانَ ظَاهرا لَا يخفى كَمَا مر فِي فصل بيع الرَّقِيق (كلهَا لَا تعْتَبر إِلَّا بقول من لَهُ بهَا بصر) وَلَو كَانُوا غير عدُول حَيْثُ تعذر الْعُدُول كَمَا مر فِي قَوْله: وَيثبت الْعُيُوب أهل المعرفه بهَا وَلَا ينظر فيهم لصفه ثمَّ إِنَّه يقْدَح فِي غير الْعُدُول بجرحة الْكَذِب اتِّفَاقًا كَمَا فِي ابْن عَرَفَة، وَكَذَا يعْذر فيهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 ليَأْتِي الْمَطْلُوب بِمن هُوَ أتقى مِنْهُم أَو أثبت وَمحل قبُول غير الْعُدُول من أَرْبَاب الْبَصَر إِذا كَانَ الْحَيَوَان الْمَشْهُود بِعَيْبِهِ حَيا حَاضرا فَإِن كَانَ مَيتا أَو غَائِبا فَلَا يقبل غير الْعُدُول كَمَا قَالَه فِي الطرر وشراح (خَ) وَابْن فَرِحُونَ وَغَيرهم. وَنَقله شَارِح نظم عمل فاس عِنْد قَوْله: ويتساهل بأرباب الْبَصَر. فَانْظُرْهُ هُنَاكَ وانظره أَيْضا عِنْد قَوْله: كَذَاك فِي مُحْتَمل الشَّهَادَة وَعند قَوْله: واختص عدل بِالشَّهَادَةِ على أَرْبَاب الْأَبْصَار كَمَا قد انجلى وَذَلِكَ كُله فِي بَاب الْقَضَاء من الْعَمَل الْمَذْكُور، ثمَّ مَحل كَون الْمَيِّت كالغائب فِي أَنه لَا بُد فِيهِ من عَدْلَيْنِ من أهل الْمعرفَة إِذا دفن أَو تغير حَاله بِحَيْثُ يخفى الْعَيْب مَعهَا، أَو كَانَ الْعَيْب يخفى بِمَوْتِهِ، وَإِن لم يتَغَيَّر حَاله فَإِن لم يدْفن وَلَا تغير حَاله وَلَا كَانَ الْعَيْب يخفى بِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ كالحي فَيَكْفِي فِيهِ وَلَو الْوَاحِد الموجه من قبل القَاضِي لَا إِن أوقفهُ الْمُبْتَاع من ذَات نَفسه، فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي كَمَا قَالَه غير وَاحِد، وَإِذا كَانَ كالحي فَلَا تقبل الشَّهَادَة بِعَيْبِهِ حَتَّى يَقُولُوا وقفنا عَلَيْهِ بفور الْمَوْت قبل تغيره وَطول مَوته الْيَوْم وَنَحْوه، وَأَنه بذلك الْعَيْب مَاتَ، وَأَنه أقدم من أمد التبايع لِأَن الْحَيَوَان سريع التَّغَيُّر فِي الْحَيَاة، فَكيف بعد الْمَمَات فَلَا تقبل فِيهِ الشَّهَادَة من البياطرة مجملة، وَلما قَالَ فِي نظم الْعَمَل: وَبعد شهر الدَّوَابّ بالخصوص بِالْعَيْبِ لَا ترد فَافْهَم النُّصُوص قَالَ ابْن رحال: يسْتَثْنى من ذَلِك عيب الذُّبَاب فَإِن الدَّوَابّ ترد بِهِ وَلَو بعد شهر ذكر ذَلِك أَوَاخِر تأليفه فِي تضمين الضّيَاع، وانتقد عَلَيْهِ ذَلِك بعض الْمُتَأَخِّرين بِأَن كل من أفتى من الْمُتَأَخِّرين بِأَن الدَّوَابّ لَا ترد بعد شهر كالعبدوسي والمكناسي وَالشَّيْخ عبد الْقَادِر الفاسي وَأبي عبد الله القوري وسيدي عَليّ بن هَارُون وَغَيرهم لم يفرقُوا بَين عيب الذُّبَاب وَغَيره، وتعليلهم ذَلِك بِأَن الْحَيَوَان لَا يكَاد يبْقى على حَال مَعَ قَول مَالك فِي الَّذِي يَشْتَرِي، فَإِن وجد ربحا وإلاَّ خَاصم مَعَ جهل البياطرة وَكَثْرَة جرأتهم وَقلة صدقهم وَكَثْرَة احتيال النخاسين واستهاناتهم للدواب بِالْخدمَةِ، مَعَ مَا قَالَه ابْن هَارُون من كَون الرجل يَشْتَرِي الدَّابَّة ويسخرها وينهكها وَيَقْضِي بهَا وطره، ثمَّ يلطم بهَا وَجه صَاحبهَا دَلِيل على اسْتِوَاء الْعُيُوب كلهَا ذبابها وَغَيره انْتهى بِاخْتِصَار. وَمَا قَالَه هَذَا المنتقد ظَاهر من حَال الْعَامَّة فَإِنَّهُم لما تفطنوا لما قَالَه ابْن رحال صَارُوا لَا يقومُونَ بعد موت الْحَيَوَان إِلَّا بِعَيْب الذُّبَاب ويبقرون على الدَّابَّة بعد مَوتهَا، وَيشْهد البياطرة بِأَن فِي مجنتها دوداً هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 الْمُسَمّى بالذباب، وَلَا تَجِد أحدا مَاتَت لَهُ دَابَّة إِلَّا وَقَامَ بذلك، وَرُبمَا لَا يبقرونها إِلَّا بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ من مَوتهَا، وَرُبمَا كَانَ ذَلِك الدُّود متولداً أَي شَيْئا يشبه الدُّود كَمَا يُوجد ذَلِك بخياشم الشَّاة الصَّحِيحَة، وَرُبمَا يكون أَيْضا حدث بعد الْمَوْت لسرعة تغيره وَهَكَذَا. وَقَوْلِي: وَإنَّهُ من ذَلِك الْعَيْب مَاتَ أَعنِي: وَيرجع بِجَمِيعِ ثمنه إِن كَانَ البَائِع مدلساً وإلاَّ فَلَا يرجع إِلَّا بِأَرْش الْعَيْب كَمَا قَالَ (خَ) : وَفرق بَين مُدَلّس وَغَيره أَن نقص كهلاكه بِعَيْب التَّدْلِيس الخ. تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ ابْن عَرَفَة: إِنْكَار البَائِع مَا رد عَلَيْهِ أَنه مبيعه مَقْبُول. ابْن عَاتٍ: إِن قَالَ أَشك أَنه الْمَبِيع رد عَلَيْهِ اه. . الثَّانِي: هَذَا التَّفْصِيل الَّذِي فِي الْحَيَوَان بَين حَيَاته وَمَوته يجْرِي فِي غَيره من الدّور وَشبههَا، فَإِذا تهدمت الدَّار مثلا فَلَا يقبل فِي أَنَّهَا كَانَت مُعينَة إِلَّا اثْنَان عَدْلَانِ، وَإِن كَانَ شَارِح الْعَمَل توقف فِي ذَلِك لَكِن لَا وَجه للتوقف كَمَا لَا يخفى، إِذْ الْمدَار على فَوَات الْمَبِيع وَعدم قيام عينه فَيُفَرق فِيهَا حِينَئِذٍ بَين المدلس وَغَيره وَالله أعلم. الثَّالِث: قَالَ فِي الْأَقْضِيَة من الْبُرْزُليّ: إِذا شهِدت بَيِّنَة بِأَن الْعَيْب قديم وَشهِدت الْأُخْرَى بِأَنَّهُ حَادث فَأجَاب ابْن عَاتٍ: بِأَن الأَصْل السَّلامَة إِذا شهد عَدْلَانِ بِأَنَّهُ لم يكن بِهِ شَيْء يَوْم البيع. وَأجَاب ابْن الْقطَّان: لِأَصْحَابِنَا فِي ذَلِك مذهبان، وَظَاهر الْمُدَوَّنَة أَن بَيِّنَة الْقدَم أعمل. وَأجَاب ابْن مَالك: بِأَن بَيِّنَة الْقدَم أعمل إِذا شهد كل وَاحِد مِنْهُمَا عَن علمه لمعرفته بالدابة، أَو شهِدت كل بَيِّنَة بِالدَّلِيلِ، وَأما إِن شهِدت بَيِّنَة بِالدَّلِيلِ وَالْأُخْرَى بِالْقطعِ، فَبَيِّنَة الْقطع أولى، الْبُرْزُليّ: يُرِيد ابْن الْقطَّان من مسَائِل الْمُدَوَّنَة أَن من أثبت أولى مِمَّن نفى قَالَ: وَلَو قَالَت هَذِه يجب بِهِ الرَّد، وَقَالَت الْأُخْرَى هُوَ عيب لَا يجب بِهِ الرَّد، فَهُوَ تكاذب وَلَا يرد حَتَّى يثبت، وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَالْبَاب الثَّامِن وَالْخمسين من التَّبْصِرَة قَالَ: وَكَذَا لَو شهد شَاهِدَانِ بِأَن الدِّرْهَم جيد وآخران بِأَنَّهُ رَدِيء لم يلْزم الْقَابِض قبُوله حَتَّى يتَّفقَا على جودته، وَكَذَا لَو قَبضه ورده لم يلْزم الْمَرْدُود عَلَيْهِ قبُوله حَتَّى يتَّفقَا على رداءته، ثمَّ قَالَ: وَلَو شهد شَاهد بِعَيْب قديم وَشهد آخر بِعَيْب غير الأول، فَلَا توجب شَهَادَتهمَا حكما حَتَّى يشهدَا على عيب وَاحِد، وَقَالَ فِي بَاب التَّدْلِيس بالعيوب عَن الغرناطي: لَا يُفْتِي الْفَقِيه فِي الرَّد بِالْعَيْبِ فِي الْأمة إِلَّا بِشُرُوط أَن ينظر إِلَى الْعَيْب امْرَأَتَانِ ويشهدان عِنْد القَاضِي على عين الْأمة بِصفة عيبها، وَيشْهد طبيبان أَن هَذِه الصّفة تدل على أَن الْعَيْب أقدم من زمن البيع، وَأَن يشْهد تجار الرَّقِيق أَنه يسْقط من الثّمن فيفتي حِينَئِذٍ بِوُجُوب الرَّد بعد الْإِعْذَار اه. فَهُوَ صَرِيح فِي وجوب الْإِعْذَار فِي أَرْبَاب الْبَصَر، وَسَيَأْتِي آخر الْفَصْل. وَلما كَانَ للرَّدّ بِالْعَيْبِ مَوَانِع أَحدهَا: الْبَرَاءَة وَقد تقدّمت، وَأَنَّهَا خَاصَّة بالرقيق وَلَا تصح فِي غَيره إِلَّا إِذا تطوع بهَا بعد العقد كَمَا مر. الثَّانِي: زَوَال الْعَيْب كنزول المَاء فِي الْعين ثمَّ يبرأ بعد الرَّد برأَ لَا يحْتَمل مَعَه رُجُوع وَنَحْو ذَلِك. الثَّالِث: فَوت الْمَبِيع حسا قبل الِاطِّلَاع كالهدم فِي الدَّار وَالْمَوْت فِي الْحَيَوَان فَيتَعَيَّن الرُّجُوع بِالْأَرْشِ فَقَط كَمَا مرّ أَو حكما كَالْعِتْقِ والاستيلاء، فَيرجع بِالْأَرْشِ أَيْضا. الرَّابِع: مَا يدل على الرِّضَا. وَلم يتَعَرَّض النَّاظِم للثَّانِي وَالثَّالِث، وَأَشَارَ إِلَى الرَّابِع بقوله: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 وَالْمُشْتَرِي الشَّيْءَ وبَعْدُ يَطَّلِعْ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ قِيَامُهُ مُنِعْ (وَالْمُشْتَرِي الشَّيْء) أَي شَيْء كَانَ (وَبعد يطلع فِيهِ على عيب) قديم (قِيَامه) مُبْتَدأ ثَان (منع) خَبره وَالثَّانِي وَخَبره خبر الأول والرابط الضَّمِير فِي قِيَامه، وَإِنَّمَا يمْنَع قِيَامه بذلك الْعَيْب إِذا تصرف أَو سكت مُدَّة تدل على الرِّضَا كاليومين وَنَحْوهمَا من غير عذر، وَلذَا قَالَ: إلاَّ مَعَ الفَوْرِ وَمَهْمَا اسْتَعْمَلا بَعْدَ اطِّلاَعِهِ المعِيبَ بَطَلاَ (إِلَّا مَعَ) قِيَامه ب (الْفَوْر وَمهما استعملا) اسْتِعْمَالا منقصاً (بعد اطِّلَاعه الْمَعِيب) مفعول باستعملا أَي: مَتى اسْتعْمل الْمَعِيب الِاسْتِعْمَال المنقص بعد اطِّلَاعه على عَيبه سَوَاء اسْتَعْملهُ زمن الْخِصَام أَو قبله (بطلا) الرَّد بِالْعَيْبِ لِأَن الِاسْتِعْمَال أَو السُّكُوت من غير عذر دَلِيل على الرِّضَا بِالْعَيْبِ وَمثل للاستعمال المنقص بقوله: كاللُّلْبسِ وَالرُّكُوبِ وَالبِنَاءِ وَالهَدْمِ وَالجِمَاعِ لِلإِمَاءِ (كاللبس) للثوب (وَالرُّكُوب) للدابة فِي الْحَضَر اخْتِيَارا وَكَذَا لَو تَسوق أَو سَافر بعد الِاطِّلَاع، وَمَفْهُوم اخْتِيَارا أَنه لَو اضْطر لركوب الدَّابَّة أَو الْحمل عَلَيْهَا لاطلاعه على عيبها فِي سَفَره أَو لتعذر قودها فِي الْحَضَر، فَإِنَّهُ لَا يمْنَع من الرَّد وَهُوَ كَذَلِك على رِوَايَة ابْن الْقَاسِم، وَمَفْهُوم كاللبس أَن الِاسْتِعْمَال الَّذِي لَا ينقص الْمَبِيع كسكنى الدَّار واقتطاف الثَّمَرَة وَلبن الشَّاة ومناظرة فِي كتب لَا يمْنَع الرَّد، وَهُوَ كَذَلِك إِن كَانَ فِي زمن الْخِصَام، فَإِن كَانَ قبله منع (خَ) عاطفاً على مَا يمْنَع الرَّد مَا نَصه: وَمَا يدل على الرِّضَا إِلَّا مَا لَا ينقص كسكنى الدَّار وَحلف إِن سكت بِلَا عذر فِي كاليومين لَا كمسافر اضْطر لَهَا أَو تعذر قودها لحاضر الخ. وَالْحَاصِل أَن الِاسْتِعْمَال قبل الِاطِّلَاع لَا يمْنَع الرَّد مُطلقًا وَبعده فِيهِ تَفْصِيل، فَإِن كَانَ منقصاً كاستخدام العَبْد وَالدَّابَّة وَلبس الثَّوْب منع مُطلقًا طَال أم لَا، كَانَ زمن الْخِصَام أَو قبله إِلَّا لعذر كسفر، وَإِن كَانَ غير منقص كحلب الشَّاة وسكنى الدَّار بِنَفسِهِ أَو كرائها لغيره، فَإِن كَانَ زمن الْخِصَام فَلهُ الرَّد، وَإِن كَانَ قبله مَعَ السُّكُوت يَوْمَيْنِ فَأكْثر فَلَا رد، وَإِن كَانَ الْيَوْم فدون فَلهُ الرَّد بعد يَمِينه كَمَا أَنه لَهُ الرَّد إِذا سكت أَكثر لعذر من خوف وَنَحْوه وَثَبت عذره وَمَا مر من أَن الِاضْطِرَار فِي السّفر لَا يمْنَع الرَّد ظَاهرا، وَلَو كَانَ ذَلِك الِاضْطِرَار فِي الذّهاب وَهُوَ كَذَلِك قَالَ فِي الشَّامِل: وَعذر مُسَافر وَلَا يلْزمه ردهَا إِلَّا فِيمَا قرب وَخفت مُؤْنَته، وَيسْتَحب لَهُ أَن يشْهد أَن ذَلِك لَيْسَ رضَا مِنْهُ اه. وَلَكِن إِذا رجعت لحالها ردهَا وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن عجفت ردهَا وَمَا نَقصهَا أَو يَأْخُذ قيمَة الْعَيْب قَالَه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 ابْن الْقَاسِم. (وَالْبناء وَالْهدم وَالْجِمَاع للإماء) يَعْنِي التَّصَرُّف بِهَذِهِ الْأُمُور بعد الِاطِّلَاع، وَلَو زمن الْخِصَام مِمَّا يدل على الرِّضَا وَيمْنَع الرَّد بِالْعَيْبِ، وَلَا شَيْء لَهُ من أرش وَلَا غَيره، وَكَذَا الْعتْق بعد الِاطِّلَاع. تَنْبِيه: فَإِن غَابَ بَائِع الْمَعِيب فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ صَبر إِلَى قدومه وَيسْتَحب لَهُ الْإِشْهَاد بِأَنَّهُ لم يرض، وَإِن شَاءَ رفع أمره للْحَاكِم فَيكْتب لقريب الْغَيْبَة وَيبِيع الْمَعِيب على بعيدها وَيَقْضِي مِنْهُ الثّمن، فَإِن فضلت فضلَة بقيت بيد الْحَاكِم كَمَا فِي اللامية. قَالَ أَبُو الْحسن: يتم الحكم بِالْبيعِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِتِسْعَة شُرُوط، وَثَلَاثَة أَيْمَان. أَحدهَا: أَن يثبت أَنه ابْتَاعَ. الثَّانِي: مِقْدَار الثّمن، الثَّالِث: أَنه نَقده. الرَّابِع: أمد التبايع. قلت: وَهَذِه الْأَرْبَعَة يتضمنها عقد الشِّرَاء فِي الْغَالِب، وَالْخَامِس: ثُبُوت الْعَيْب: السَّادِس: أَنه ينقص من الثّمن. السَّابِع: أَن الْعَيْب أقدم من أمد التبايع. قلت: وَهَذِه السَّبْعَة يُشَارِكهُ فِيهَا الْحَاضِر. الثَّامِن: ثُبُوت الْغَيْبَة. التَّاسِع: كَونهَا بعيدَة أَو بِحَيْثُ لَا يعلم، وَأما ثَلَاثَة أَيْمَان؛ فَإِنَّهُ يحلف أَنه ابْتَاعَ بيعا صَحِيحا وَأَنه لم يتبرأ إِلَيْهِ من الْعَيْب وَلَا بَيِّنَة لَهُ وَلَا أرَاهُ إِيَّاه. وَالثَّالِثَة أَنه مَا رَضِي بِالْعَيْبِ حِين علم بِهِ، وَله أَن يجمعها فِي يَمِين وَاحِدَة انْظُر ضيح و (ح) . قلت: ظَاهره أَنه يحلف أَنه مَا أرَاهُ إِيَّاه وَأَنه مَا رَضِي بِهِ، وَلَا تتَوَقَّف يَمِينه على دَعْوَى الْمخبر وَلَا الإراءة، وَهُوَ كَذَلِك لِأَن هَذَا غَائِب فَلَا أقل لَو حضر أَن يَدعِي أَنه أخبرهُ بِرِضَاهُ مخبر، أَو أَنه أرَاهُ إِيَّاه بِخِلَاف الْحَاضِر فَلَيْسَ لَهُ أَن يحلفهُ على ذَلِك إِلَّا بِدَعْوَى الْمخبر والإراءة كَمَا قَالَ (خَ) : وَلم يحلف مُشْتَر ادعيت رُؤْيَته بِدَعْوَى الإراءة، وَلَا الرِّضَا بِهِ إِلَّا بِدَعْوَى مخبر الخ. وَتقدم فِي عُيُوب الرَّقِيق أَن هَذَا إِنَّمَا يجْرِي على أَن يَمِين التُّهْمَة لَا تتَوَجَّه، وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا يحْتَاج إِلَى ثُبُوت ملك البَائِع لما بَاعَ إِلَى وَقت بَيْعه خلافًا لما فِي ضيح تبعا لِابْنِ عبد السَّلَام، من أَنه لَا بُد مِنْهُ زِيَادَة على التِّسْعَة الْمُتَقَدّمَة، وَهُوَ مِمَّا لَا وَجه لَهُ لِأَن الأَصْل فِيمَن بَاعَ شَيْئا أَنه إِنَّمَا بَاعَ مَا يملكهُ، وَكَونه بَاعَ غير ملكه خلاف الأَصْل، كَمَا فِي الارتفاق. وَتقدم ذَلِك فِي البيع على الْغَائِب، وَلِأَن هَذَا يملك الرَّد عَلَيْهِ بَاعَ ملك نَفسه أَو ملك غَيره بوكالة أَو نَحْوهَا حَيْثُ لم يعلم المُشْتَرِي بوكالته أَو بِأَنَّهُ يَبِيع ملك غَيره، وَقد يكون للْإنْسَان السّلْعَة أَو الدَّار ويبيعها بفور شرائهما قبل أَن يعرف النَّاس أَنَّهُمَا ملكه ويغيب بعد ذَلِك فيتعذر على الْقَائِم ثُبُوت ملك البَائِع، فَلَعَلَّ مَا لِابْنِ عبد السَّلَام إِنَّمَا هُوَ إِذا أَبى أَن يحلف أَنه مَا بَين لَهُ أَنه يَبِيع ملك الْغَيْر لتَكون الْعهْدَة على ذَلِك الْغَيْر لَا على الْغَائِب وَالله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ الْبُرْزُليّ: وَمن ابْتَاعَ ثيابًا وسافر بهَا لمصر مثلا فَوجدَ بِبَعْضِهَا عَيْبا فَإِنَّهُ يشْهد على الْمَعِيب مِنْهَا ويبيعها على بَائِعهَا لَا أَنه رَضِي بهَا فَإِن رَجَعَ قَامَ على البَائِع فَإِن دلّس فَعَلَيهِ كراؤها. وَإِن لم يُدَلس فَلَا كِرَاء عَلَيْهِ اه. يَعْنِي عَلَيْهِ كراؤها وَمَا نَقصه الْعَيْب انْظُر تَمَامه فِي الكراس السَّادِس من بيوعه فَإِنَّهُ زَاد إِثْر مَا مر مَا نَصه: إِن كَانَ النَّقْص يَسِيرا ردهَا وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، ونقلها على البَائِع وَإِن كَانَ لَهُ مُؤنَة كَثِيرَة فَهُوَ كالعيب الْكثير يحدث فَيُخَير بَين الْأَخْذ والإمساك وَالرُّجُوع بِقِيمَة الْعَيْب أَو يردهَا، وَقِيمَة الْعَيْب وردهَا لموضعها هُوَ قيمَة الْعَيْب وَسَوَاء دلّس أم لَا اه. الثَّانِي: قَالَ فِي نَوَازِل الزياتي: سُئِلَ الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر عمر الزويري عَن السّلْعَة الْمَبِيعَة إِذا ردَّتْ بِعَيْب وضاعت فِي الطَّرِيق بِسَرِقَة أَو لصوص أَو غير ذَلِك فَمِمَّنْ يكون الضَّمَان؟ فَقَالَ: إِذا ردهَا الْمُبْتَاع لم يفعل فعلا يدل على رِضَاهُ فَهِيَ مُصِيبَة نزلت للْبَائِع اه. وكامِنٌ يَبدُو مَعَ التَّغْيِيرِ كَالسُّوسِ لاَ يُرَدُّ فِي المَأْثُورِ (و) عيب (كامن) يَسْتَوِي الْمُتَبَايعَانِ فِي الْجَهْل بِهِ عِنْد العقد و (يَبْدُو) وَيظْهر (مَعَ التَّغْيِير كالسوس) يظْهر فِي الْخشب بعد شقَّه وَالْفساد يظْهر فِي الْجَوْز بعد كَسره والقثاء تظهر مرارتها بعد كسرهَا (لَا يرد فِي الْمَأْثُور) من الْمَذْهَب، وَمَفْهُوم قَوْله يَبْدُو مَعَ التَّغْيِير أَنه إِذا كَانَ يعرف فَسَاده قبل التَّغْيِير كالبيض فَإِنَّهُ يرد (خَ) عاطفاً على مَا لَا رد بِهِ، وَمَا لَا يطلع عَلَيْهِ إِلَّا بتغيير كسوس الْخشب والجوز وَمر قثاء ورد الْبيض الخ. وَمَا مر من عدم الرَّد إِنَّمَا هُوَ إِذا لم يشْتَرط المُشْتَرِي السَّلامَة من ذَلِك، وإلاَّ فَلهُ الرَّد وَالْعَادَة كالشرط، وَلذَا تَجِد النَّاس الْيَوْم يردون القثاء بِسَبَب مرارتها بل ذكر الْبُرْزُليّ عَن ابْن الْمَوَّاز مَا نَصه: إِذا ابْتَاعَ قثاء فَوَجَدَهُ كُله مرّاً فَإِنَّهُ يردهُ بذلك لِأَن صَاحبه يعرفهُ اه. وَيدخل تَحت الْكَاف أَيْضا من اشْترى شَاة فَوَجَدَهَا عجفاء أَو جوفها أَخْضَر فَإِنَّهُ لَا رد لَهُ كَمَا فِي سَماع أَشهب قَالَه (ق) قَالَ: وَانْظُر اضْطِرَاب الشُّيُوخ فِيمَن اشْترى أضْحِية فَوَجَدَهَا عجفاء لَا تجزىء أضْحِية فِي بَاب الْعُيُوب من ابْن سهل اه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 فرع: قَالَ (عج) : من اشْترى شَعِيرًا بِشَرْط أَنه للزِّرَاعَة أَو فِي أَبَانهَا بِثمن مَا يُرَاد لَهَا فَلم ينْبت فَإِن كَانَ البَائِع مدلساً رَجَعَ عَلَيْهِ المُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثّمن وَأُجْرَة الأَرْض وَمَا صرفه فِي زرعه، وَإِن كَانَ غير مُدَلّس فَإِن كَانَ الْمَبِيع لَا ينْتَفع بِهِ فِي غَيرهَا كزريعة الْحِنَّاء والبرسيم رَجَعَ المُشْتَرِي بِثمنِهِ وَلَا يدْفع عوضا للْمَبِيع، وَإِن كَانَ ينْتَفع بِهِ فِي غَيرهَا كأكله أَو علفه، فَهَل يرجع بِثمن الْجَمِيع أَيْضا، وَلَكِن يرجع البَائِع بِمثل مَتَاعه وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم، أَو يرجع الْمُبْتَاع بِمَا بَين قِيمَته نابتاً وَغير نابت من الثّمن وَهُوَ قَول سَحْنُون. قَولَانِ اه. وَقَالَ ابْن عبد الرفيع: يُقَال لمن اشْترى زريعة فَلم تنْبت أثبت أَنَّك زرعت الزريعة الَّتِي اشْتَرَيْتهَا من هَذَا بِعَينهَا، وَأَنَّك زرعتها فِي الأبان، وَفِي أَرض ثرية، وَأَنَّهَا لم تنْبت وَلَك الرُّجُوع اه. وَنَقله (م) عَن القلشاني وَأَصله فِي الجزيرية كَمَا فِي الْبُرْزُليّ قَالَ فِيمَن ابْتَاعَ زريعة بصل، وَزعم المُشْتَرِي أَنَّهَا لم تنْبت مَا نَصه: إِن كَانَت الْبَيِّنَة لم تُفَارِقهُ حَتَّى زَرعهَا فِي أَرض مذللة ناعمة وَلم يضيع سقيها فِي وَقت السَّقْي رَجَعَ بِالثّمن على البَائِع، وَلم يكن عَلَيْهِ مثل زريعته إِذْ لَا فَائِدَة فِيهَا، وَإِن فارقته الْبَيِّنَة وَنظر الْعُدُول إِلَى الأَرْض ورأوها لم يصلح نباتها حلف البَائِع أَنه لم يغره وَأَنه أعطَاهُ زريعة جَيِّدَة فِي علمه، وَإِن لم يكن هَذَا وَلَا هَذَا فَلَا يَمِين فِيهَا اه. وَهَذَا كُله إِذا لم يبْق من الزَّرْع شَيْء وإلاَّ فيجرب ليعلم صدق المُشْتَرِي أَو كذبه كَمَا لِابْنِ رشد قَالَ: فَإِن عرف كذبه فَلَا شَيْء لَهُ، وَإِن عرف صدقه بالتجربة الْمَذْكُورَة رَجَعَ بِقِيمَة الْعَيْب إِن لم يُدَلس البَائِع وَإِن دلّس رَجَعَ بِجَمِيعِ الثّمن اه. فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى تَرْجِيح قَول سَحْنُون الْمُتَقَدّم، وَقَول (عج) أَو فِي إبانها الخ. يَعْنِي لِأَنَّهُ إِذا اشْتَرَاهَا فِي الإبان فَكَأَنَّهُ اشْترط زراعتها كمن اشْترى ثوراً فِي إبان الحراثة فَوَجَدَهُ لَا يحرث فَإِن لَهُ رده، وَإِن لم يشْتَرط أَنه للحراثة قَالَه ابْن الْحَاج وَغَيره، وزراعة دود الْحَرِير يذكر بَائِعهَا أَنَّهَا جَيِّدَة ثمَّ يظْهر نسجها فَاسِدا تجْرِي على مَا تقدم من زراعة الْحِنَّاء وَنَحْوهَا قَالَه (ت) . قلت: بل وَلَو لم يذكر بَائِعهَا ذَلِك لِأَنَّهَا إِنَّمَا تشترى فِي الأبان على أَن نسجها صَالح كَمَسْأَلَة الثور الْمُتَقَدّمَة وَالله أعلم. وَانْظُر العلمي فِي الْمُحَابَاة والتوليج. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 وَالبَقُّ عَيْبٌ مِنْ عُيُوبِ الدُّورِ وَيُوجِبُ الرَّدَّ عَلَى المَشْهُورِ (والبق) والنمل (عيب من عُيُوب الدّور وَيُوجب الرَّد على الْمَشْهُور) وَمرَاده بالمشهور مَا وَقع الحكم بِهِ لَا الْمَشْهُور المصطلح عَلَيْهِ من كَونه الَّذِي قوي دَلِيله أَو كثر قَائِله أَو مَذْهَب الْمُدَوَّنَة، وَظَاهره أَن البق عيب وَلَو قل، وَالَّذِي فِي الطرر نَاقِلا عَن الْمُوازِية هُوَ مَا نَصه: وَسُوء الْجَار فِي الدَّار المكتراة عيب إِذا لم يعلم بِهِ وَقَالَ غَيره: لَيْسَ ذَلِك عَيْبا فِي الْمَبِيع وَقد قَالَ أَبُو صَالح الجواني: سَمِعت مَالِكًا يَقُول: ترد الدَّار من سوء الْجِيرَان والحفرة، والبئر والمرحاض بِقرب حيطان الدَّار عيب، وَكَذَا جرى مَاء غَيرهَا عَلَيْهَا عيب فِيهَا وَكَثْرَة البق عيب فِيهَا، وَنزلت بقرطبة وَحكم بردهَا. وَأَخْبرنِي الثِّقَات أَن الْعَمَل بقرطبة أَيْضا برد السرير المبقق وَإِن نحت وَبيع وَلم يبين رد أَيْضا وَحكم بِهِ فِيهَا. وَعَن ابْن عبد الغفور عَن بعض أَصْحَابنَا أَن كَثْرَة الْقمل فِي الثِّيَاب ترد بِهِ بزاً كَانَت أَو صُوفًا أَو كتاناً المشاور والغفائر الغسيلة المصبوغة بِالسَّوَادِ إِن بَين بَائِعهَا وإلاَّ وَجب الرَّد لِأَنَّهُ عيب وغش قَالَ: والصيبان فِي الثَّوْب عيب لِأَنَّهُ ملازم كالقمل اه. بِنَقْل الْبُرْزُليّ، فَظَاهره أَن قَلِيل البق لَا رد بِهِ، وَلذَا أصلحه وَلَده بقوله: وَكَثْرَة البق تعيب الدورا وتوجب الرَّد لأهل الشورى قلت: لَعَلَّ النَّاظِم فهم أَن التَّعْبِير بِالْكَثْرَةِ فِي النَّص غير مَقْصُود، وَيدل لَهُ مَا قَالَه فِي السرير وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون البق لَا يَنْضَبِط وَلَا يسْتَقرّ على حَال، فَهُوَ وَإِن قل فِي وَقت يكثر فِي الْحِين فَمَا للناظم من الْإِطْلَاق أحسن وَمَا ذكره فِي الْجَار السوء نَحوه فِي الْعُتْبِيَّة. قَالَ ابْن رشد: المحنة بالجار السوء عَظِيمَة، وَقد رُوِيَ عَن مَالك أَن الدَّار ترد من سوء الْجَار اه. بِاخْتِصَار. ثمَّ قَالَ الْبُرْزُليّ: وَفِي الْمجَالِس أَن من ابْتَاعَ دَارا بِمَدِينَة أَو قَرْيَة بِنَاحِيَة وَاد فَحمل الْوَادي فِي بعض الزَّمَان وَوصل إِلَيْهَا، فَإِن ثَبت أَنه بلغ إِلَيْهَا فِيمَا مضى وَلَو مرّة كَانَ لَهُ ردهَا، وَإِن لم يعلم ذَلِك فَهِيَ مُصِيبَة نزلت بالمبتاع. وَلابْن رشد فِيمَن ابْتَاعَ كرماً فَظهر أَنه شَارف فَقَالَ: إِنَّه من الْعُيُوب الظَّاهِرَة الَّتِي لَا رد بهَا، وَفِي الطرر أَن الرَّحَى المتربة ترد بِكُل حَال علم المُشْتَرِي بتتريبها أم لَا. لِأَنَّهُ لَا نفع بهَا إِذْ هِيَ إِنَّمَا تبَاع للطحن فَإِذا كَانَت مَتْرَبَة لم تسو إِلَّا قيمَة حجر ملقى، فَإِن فَاتَت رَجَعَ بِقدر الْعَيْب وَهَذَا القَوْل أولى وَبِه الْعَمَل اه. وَفِي الكراس الثَّانِي من معاوضات المعيار أَن الدَّار الْمُعْتَادَة لنزول الأجناد ترد لِأَن ذَلِك عيب، وَفِي المعيار أَيْضا أَن الْحَدِيد إِذا وجده مبتاعه أحرش فَإِن لَهُ رده على بَائِعه، وَهَكَذَا حَتَّى يرد على الَّذِي أخرجه من الْمَعْدن، وَمَا مر من أَن النَّمْل ترد بِهِ كالبق هُوَ مَا أفتى بِهِ ابْن لب قَائِلا: إِذا قَالَ الْجِيرَان إِن ذَلِك قديم بهَا يظْهر من فصل الرّبيع إِلَى الخريف الخ. وَهَذَا كُله يدْخل تَحت قَول النَّاظِم فِيمَا مر: وكل عيب ينقص الأثمانا الخ. لَكِن لَا تَجِد أحدا عندنَا الْيَوْم يقوم بِعَيْب البق والنمل وَلَعَلَّه لعدم نُقْصَان ثمن الدَّار بذلك عَادَة عِنْدهم، وَأما قتل الْإِنْسَان فِي دَار أَو بُسْتَان فَإِن ذَلِك لَيْسَ عَيْبا فَلَا حجَّة للْمُشْتَرِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 فِي أَن الدَّار صَارَت بِسَبَب الْقَتْل الْمَذْكُور موحشة تنفر النُّفُوس مِنْهَا وَتظهر للعيال بِسَبَب ذَلِك خيالات وَنَحْو ذَلِك كَمَا فِي الشَّارِح. وَأُجْرَةُ السِّمْسَارِ تُسْتَرَدُّ حَيْثُ يَكونُ لِلْمَبِيعِ رَدُّ (وَأُجْرَة السمسار تسترد حَيْثُ يكون للْمَبِيع رد) وَهَذَا إِذا كَانَت الْأُجْرَة على وَجه الْجعَالَة وَلم يُدَلس وَكَانَ الرَّد بِالْبيعِ بِحكم حَاكم فَإِن دلّس البَائِع فَلَا يرد السمسار الْجعل مَا لم يتَّفق مَعَ البَائِع على التَّدْلِيس فَإِنَّهُ يردهُ قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَكَذَا لَا يرد الْجعل إِن كَانَ على وَجه الْإِجَارَة كَمَا لَو أجره بدرهم على سمسرة الدَّار عشرَة أَيَّام مثلا وبيعت فِي آخرهَا، ثمَّ ردَّتْ بِعَيْب فَإِن بِيعَتْ فِي أَثْنَائِهَا فَلهُ من الدِّرْهَم بِحِسَاب ذَلِك، وَكَذَا إِن قبله البَائِع يُغير حكم فَإِنَّهُ لَا يردهُ كَمَا لَو أقاله أَو اسْتحق قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة أَيْضا. قَالَ فِيهَا أَيْضا: وللسمسار تَحْلِيف البَائِع أَنه لم يُدَلس اه. قَالَ (ز) : وَأما مَا دَفعه المُشْتَرِي حلاوة للسمسار على تَحْصِيل الْمَبِيع فَلَا يرجع بِهِ إِلَّا أَن يعلم السمسار عَيْبا بِالْمَبِيعِ اه. أَي: وَللْمُشْتَرِي تَحْلِيفه على عدم علمه بِهِ أَيْضا فَإِن نَادَى السمسار على السّلْعَة فَلم يجد فِيهَا البيع وردهَا إِلَى رَبهَا فَبَاعَهَا رَبهَا بِالَّذِي وَقعت عَلَيْهِ أَو بِأَقَلّ أَو بِأَكْثَرَ، فَإِن بَاعهَا فِي ذَلِك السُّوق بِالْقربِ فللسمسار الْجعل وَإِن بَاعهَا بعد بعُد أَو فِي غير ذَلِك السُّوق فَلَا جعل لَهُ قَالَه فِي المعيار. وَحَيْثُمَا عَيَّنَ قَاضٍ شُهِدَا لِلْعَيْبِ فَالإعْذَارُ فِيهِمْ عُهِدَا (وحيثما عين قَاض شَهدا للعيب) أَي لإثباته وشهدوا بِهِ (فالإعذار) والقدح (فيهم) من جِهَة الْمعرفَة وبجرحة الْكَذِب (عهدا) عِنْد الْأَئِمَّة لَا من جِهَة الْعَدَالَة لِأَنَّهُ مَدْخُول فيهم على عدمهَا كَمَا مر عِنْد قَوْله: ثمَّ الْعُيُوب كلهَا لَا تعْتَبر الخ. فالإعذار الْمَعْهُود فيهم وَلَو مُشْرِكين إِنَّمَا هُوَ من جِهَة الْمعرفَة وَالْكذب لَا من جِهَة الْعَدَالَة. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: والإعذار فيهم من طَرِيق الْعلم لَا من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 طَرِيق الْعَدَالَة فَإِن أَتَى البَائِع مِمَّن هُوَ أعلم من هَؤُلَاءِ الشُّهُود سمع مِنْهُ وإلاَّ فَلَا حجَّة لَهُ اه. وَكَلَامه صَرِيح فِي كَونهم موجهين من قبل القَاضِي لأَنهم إِذا لم يَكُونُوا موجهين من قبله، بل أوقفهم الْمُبْتَاع من ذَات نَفسه فَلَا يقبل غير الْعُدُول بِاتِّفَاق من مَالك وَأَصْحَابه كَمَا صرح بِهِ هُوَ نَفسه، والإعذار فيهم حِينَئِذٍ من جِهَة الْعَدَالَة والمعرفة فالتفصيل فِي الْإِعْذَار من طَرِيق الْعلم لَا من طَرِيق الْعَدَالَة إِنَّمَا هُوَ فِي شُهُود الْعَيْب الموجهين من قبل القَاضِي، وَإِذا علمت هَذَا فَمَا فِي ابْن سَلمُون من أَنَّهُمَا إِذا كَانَ القَاضِي قد نصبهما إِلَى ذَلِك فشهدا عِنْده بِالْعَيْبِ، وَأَرَادَ البَائِع أَن يعْذر إِلَيْهِ فِي شَهَادَتهمَا وَيَدْعُو غَيرهمَا إِلَى الشَّهَادَة عِنْد القَاضِي فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك اه. مُخَالف لما مر عَن الْمُتَيْطِيَّة والناظم فَيجب حمله على مَا إِذا أَرَادَ الْإِعْذَار فيهم من جِهَة الْعَدَالَة، فَإِذا قدح فيهمَا وأبطل شَهَادَتهمَا دَعَا غَيرهمَا إِلَى الشَّهَادَة بنقيض مَا شهد بِهِ المقدوح فيهمَا، وإلاَّ فَهُوَ مُخَالف للْمَذْهَب لِأَن أَرْبَاب الْبَصَر إِنَّمَا يَشْهَدَانِ بِمَا خلص لَهما باجتهادهما وَقد يخطئان هَذَا فِي المعروفين بالتقوى وَالدّين، فَكيف بِمن عرف بِعَدَمِ الْعَدَالَة أَو كَانَ مُشْركًا بِخِلَاف الموجهين للحيازة والتحليف فيشهدان بِأَمْر محسوس لَا اجْتِهَاد فِيهِ وَالله أعلم. تَنْبِيه: إِذا شهد أَرْبَاب الْبَصَر بِأَنَّهُ عيب وَأَنه ينقص من الثّمن كثيرا جَازَت الشَّهَادَة، وَقيل إِنَّمَا على الطَّبِيب صفة الدَّاء خَاصَّة وَأَنه قديم وَأما نُقْصَان الثّمن فَيشْهد بِهِ عَدْلَانِ سَوَاء بعد أَن يصف لَهما الدَّاء لِأَن الضَّرُورَة قد ارْتَفَعت فِي هَذِه الزِّيَادَة قَالَ بعض الموثقين: وَالْأول أحسن لِأَن من لَا يدْرِي الدَّاء كَيفَ يدْرِي نقص الثّمن بِسَبَبِهِ قَالَه فِي النِّهَايَة. وَانْظُر اعْتِرَاض ابْن سهل فِيهَا أَيْضا وَفِي الْبَاب الثَّامِن وَالْخمسين من التَّبْصِرَة وَبَعضه فِي الْعَمَل الْمُطلق. وَقَالَ ابْن سَلمُون: إِن كَانَ الطبيبان لَا يعرفان الْقيمَة فَيشْهد الطبيبان بِالْعَيْبِ وَيشْهد عَدْلَانِ من أهل الْمعرفَة بِالْقيمَةِ بِنَقص الثّمن اه. فمفهومه أَنَّهُمَا إِذا كَانَا يعرفان الْقيمَة فَتقبل شَهَادَتهمَا فِي الْعَيْب وَالْقيمَة، وَهَذَا يبين كَلَام الغرناطي الَّذِي قدمْنَاهُ عِنْد قَوْله: ثمَّ الْعُيُوب كلهَا لَا تعْتَبر الخ. (فصل فِي الْغبن) بِفَتْح الْغَيْن وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ عبارَة عَن شِرَاء السّلْعَة بِأَكْثَرَ من الْقيمَة بِكَثِير فيغبن المُشْتَرِي أَو يَبِيع بِأَقَلّ من الْقيمَة بِكَثِير فيغبن البَائِع قَالَه (م) وَهُوَ يَقْتَضِي أَن لكل من البَائِع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 وَالْمُشْتَرِي الْقيام بِالْغبنِ. وَلَا يُقَال الثّمن يتبع الرغبات فقد يرغب المُشْتَرِي فِي الشَّيْء فيعطي فِيهِ أَكثر من قِيمَته بِكَثِير، فَكيف يصدق فِي الْغبن وَأَنه لم يكن لَهُ رَغْبَة فِيهِ؟ لأَنا نقُول ثُبُوت كَونه جَاهِلا بِالْقيمَةِ يَنْفِي عَنهُ إِذْ لَا يُقَال زَاد على الْقيمَة للرغبة حَتَّى يكون عَارِفًا بهَا، وَإِذا قُلْنَا إِن كلا من الْعِوَضَيْنِ مَبِيع بِالْآخرِ كَمَا مرّ أول الْبيُوع فَيكون هَذَا الْحَد شَامِلًا لما تقدم فِي فصل بيع الْعرُوض من قَوْله: وَبيع مَا يجهل ذاتاً بِالرِّضَا الخ. فَإِذا جرى الْعَمَل بِالْقيامِ بِالْغبنِ فِي الثّمن فَكَذَلِك يجْرِي بِهِ فِي الْمُثمن كَمَا مر التَّنْبِيه عَلَيْهِ وَالله أعلم. ثمَّ الْمَشْهُور عدم الْقيام بِالْغبنِ كَمَا قَالَ (خَ) وَلم يرد بغلط إِن سمي باسمه وَلَا بِغَبن وَلَو خَالف الْعَادة الخ. وَهَذَا كُله إِذا لم يستأمنه ويخبره بجهله بِالْقيمَةِ فَيَقُول لَهُ: إِن قِيمَته كَذَا وَالْأَمر بِخِلَافِهِ، وإلاَّ فَلهُ الْقيام بِاتِّفَاق عِنْد ابْن رشد من غير شَرط من الشُّرُوط الْآتِيَة فَمحل الشُّرُوط إِنَّمَا هُوَ إِذا درجنا على مُقَابل الْمَشْهُور كَمَا قَالَ: وَمَنْ بِغَبْنٍ فِي مَبِيعٍ قَامَا فَشَرْطُهُ أنْ لاَ يَجُوزَ العَامَا (وَمن يغبن فِي مَبِيع) عقارا أَو حَيَوَانا أَو غَيرهمَا (قاما) وَأَرَادَ الرَّد بِهِ (فشرطه) أَي الْقيام بِهِ (أَن لَا يجوز العاما / وَأَنْ يَكُونَ جَاهِلاً بِمَا صَنعْ وَاغَبْنُ بالثُلْثِ فَمَا زَادَ وَقَعْ وَأَن يكون) الْقَائِم (جَاهِلا بِمَا صنع) من بَيْعه بِأَقَلّ من الْقيمَة أَو شِرَائِهِ بِأَكْثَرَ مِنْهَا (و) أَن يكون (الْغبن بِالثُّلثِ) يتَعَلَّق بقوله وَقع (فَمَا زَاد وَقع) وَقيل: لَا قيام بِهِ إِلَّا إِذا زَاد على الثُّلُث، وَقيل يُقَام بِهِ مُطلقًا وعَلى مَا للناظم فَالثُّلُث هُنَا كثير فيزاد على قَول ابْن غَازِي: وَالثلث نزر فِي سوى المعاقله وَفِي الجوائح وَحمل العاقله وَكَذَا يُزَاد عَلَيْهِ مَا مر فِي قَول النَّاظِم فِي عيب الْأُصُول: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 وَإِن يكن لنَقص ثلثه اقْتضى فَمَا علا فالرد حتم بالقضا الخ وَظَاهر النّظم أَنه إِذا وجدت الشُّرُوط الثَّلَاثَة ثَبت لَهُ الْقيام كَانَ البيع بالمزايدة أَو بالمساومة عرض البَائِع سلْعَته على أنَاس شَتَّى أم لَا. وَالَّذِي فِي الكراس الثَّالِث من معاوضات المعيار مُسلما مَا نَصه: سُئِلَ الْفَقِيه بَرَكَات البازوي عَن الْقيام بِالْغبنِ هَل يعم جَمِيع الْبيُوع أَو يخْتَص بِغَيْر بيع المزايدة، وَهل يتنزل منزل بيع المزايدة تعويض صَاحب السّلْعَة بِبَيْعِهَا على أنَاس شَتَّى وترغيبه إيَّاهُم فِيهَا وَهِي أصل أَو غَيره، وَهل تَنْفَع شَهَادَة من عرضت عَلَيْهِ إِن أنكر الْقَائِم ذَلِك؟ فَأجَاب: أما بيع المزايدة فَلَا يتَصَوَّر فِيهِ غبن وَكَذَلِكَ غَيره فِي مَعْرُوف الْمَذْهَب وَلَا بيع الاستئمان، وَفِيه ورد الحَدِيث: ومشهر سلْعَته لَا غبن فِيهِ، وَشَهَادَة من عرضت عَلَيْهِ حائزة اه. فَقَوله: لَا يتَصَوَّر فِيهِ غبن يَعْنِي اتِّفَاقًا بِدَلِيل قَوْله: وَكَذَلِكَ غَيره فِي مَعْرُوف الْمَذْهَب لِأَنَّهُ إِنَّمَا حكى الْخلاف فِي غَيره وَهُوَ المساومة، وَقَوله: وَلَا بيع الاستئمان الخ. إِنَّمَا يتمشى على مَا لِابْنِ عبد السَّلَام من أَن الْمَشْهُور عدم الْقيام بِالْغبنِ، وَظَاهره وَلَو استأمنه واسترسله، وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْفَتْوَى جَارِيَة فِي بيع المساومة على الْمَشْهُور وَفِي الاستئمان على ظَاهر مَا لِابْنِ عبد السَّلَام، وَالْمَقْصُود مِنْهَا أَن بيع المزايدة لَا يتَصَوَّر فِيهِ غبن وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون قِيمَته هِيَ مَا وقفت عَلَيْهِ، وَلَا سِيمَا فِي الْأُصُول بعد المناداة عَلَيْهَا الشَّهْر والشهرين، وَيُؤَيِّدهُ مَا مر عَن السيوري وَابْن رشد فِي البيع على الْغَائِب والمحجور والمفلس بعد المناداة وَعدم إِلْغَاء زَائِد خلافًا لما فِي الكراس الثَّانِي عشر من المعيار أَيْضا عَن ابْن الْبَراء من أَن الْغَائِب لَهُ الْقيام بِالْغبنِ إِذا أثْبته اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يحمل مَا لِابْنِ الْبَراء على أَن الْغُرَمَاء باعوا بِغَيْر تسويق وَلَا مناداة إِذْ لَيْسَ فِي السُّؤَال أَنهم باعوا الدَّار بعد تسويقها فَيكون حِينَئِذٍ مُوَافقا لما قبله وَالله أعلم. وَإِذا علمت هَذَا بَطل مَا يَفْعَله أَرْبَاب الْبَصَر من شَهَادَتهم بِالْغبنِ فِي الدّور والأجنات الَّتِي وَقع النداء عَلَيْهَا الشَّهْر والشهرين وَنَحْو ذَلِك، وَقَوله: وَلَا بيع الاستئمان الخ. تقدم أَن هَذَا مَحل اتِّفَاق عِنْد ابْن رشد، وَأَنه لَا يحْتَاج فِيهِ لشرط، والاستئمان والاسترسال والاستسلام بِمَعْنى وَاحِد خلافًا فَالظَّاهِر (خَ) وَقَوله: وَفِيه ورد الحَدِيث يَعْنِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (عين المسترسل ظلم) الخ. والاسترسال أَن يَقُول لَهُ: بِعني كَمَا تبيع النَّاس أَو اشْتَرِ مني كَمَا تشتري من النَّاس. فَيَقُول: نشتري من النَّاس بِكَذَا ونبيع مِنْهُم بِكَذَا، وَيظْهر الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك. تَنْبِيهَات. الأول: كَلَام النَّاظِم إِنَّمَا هُوَ فِي الْغبن الْوَاقِع فِي بيع الرشيد مَتَاع نَفسه، وَأما بيع الْوَصِيّ وَالْوَكِيل فالغبن فِيهِ مَا نقص عَن الْقيمَة نقصا بَينا، وَإِن لم يبلغ الثُّلُث. وَتَأمل قَول (خَ) فِي الْوكَالَة: وَتعين فِي الْمُطلق نقد الْبَلَد ولائق بِهِ وَثمن الْمثل الخ. وَانْظُر (ح) وشراح نظم الْعَمَل قبل جَامع مسَائِل من أَبْوَاب قَالَ (ق) : وَانْظُر قد نصوا أَن بَيت المَال أولى مَا يحْتَاط لَهُ، فَالْبيع عَلَيْهِ كَالْبيع على الْمَحْجُور قَالَ: وَانْظُر إِذا لم يقم الْمَحْجُور إِلَّا بعد أَعْوَام، فقد سُئِلَ ابْن لب عَن دَار مُشْتَركَة بَين قوم مِنْهُم مَالك أَمر نَفسه، وَمِنْهُم مَحْجُور باعوها من الْغَيْر ثمَّ قَامُوا عَلَيْهِ بعد أَعْوَام؟ فَأجَاب: بِأَن الْمَالِك أَمر نَفسه مُرُور الْعَام قَاطع لحكم قِيَامه، وَأما الْمَحْجُور فَينْظر لَهُ، لَكِن ترك الْوَصِيّ النّظر لمحجوره من غير عذر مَعْلُوم كَأَنَّهُ مشْعر بتفريط حق الْمَحْجُور بطول الْمدَّة وَتصرف المُشْتَرِي طول عِمَارَته فِي ذَلِك، فَالصَّوَاب أَن لَا يتَعَرَّض للْمُشْتَرِي وَأَن تكون التباعة للمحجور بِمَا نَقصه على النَّاظر عَلَيْهِ اه. فَظَاهره أَنه لَا تباعة لَهُ على المُشْتَرِي وَلَا ينْقض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 البيع وَلَو لم يفت وَهُوَ مُخَالف لما فِي نَوَازِل العلمي عَن المجاصي وَغَيره من أَن طول الْمدَّة لَا يضر، يَعْنِي إِذا قَامَ قبل مُضِيّ الْعَام من رشده قَالَ: فَإِن فَاتَ الْمَبِيع فَلَا ينْقض البيع فِيهِ، وَإِنَّمَا تكمل الْقيمَة على المُشْتَرِي فَإِن تعذر تكميلها فعلى النَّاظر على الْمَحْجُور أيّاً كَانَ أَو غَيره لتَفْرِيطه وليحتفظ القَاضِي على عدم نقض الْعُقُود مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّهَا لَا تنْتَقض إِلَّا بِالْأَمر الْبَين اه. فَعلم مِنْهُ أَن طول الْمدَّة إِنَّمَا يمْنَع الْقيام مَعَ الْفَوات لَا مَعَ عَدمه، وَعَلِيهِ يحمل قَول العلمي أَوَاخِر الْبيُوع من نوازله مَا نَصه: وَأما السَّفِيه يَبِيع عَنهُ وَصِيّه فَلهُ الْقيام وَلَو بعد السّنة إِذا بَاعَ بِمَا لَا يتَغَابَن النَّاس بِمثلِهِ وَلَو لم يبلغ الثُّلُث اه. وَهَذَا كُله إِذا تحقق الْغبن مَعَ طول الْمدَّة وَلم يَقع فِيهِ اشْتِبَاه وَلَا شكّ، وإلاَّ فَفِيهِ أَيْضا بعد هَذَا عَن سَيِّدي الْعَرَبِيّ يرد لَهُ فِي مَحْجُور قَامَ بِالْغبنِ مَا نَصه: الْقيام بِالْغبنِ فِيمَا بَاعه الْإِنْسَان من غَيره مَعْمُول بِهِ، لَكِن مَعَ طول الْمدَّة وَهُوَ ضَعِيف من جِهَة عدم تحَققه لِأَن النَّاس سِيمَا الْعَامَّة يغلب عَلَيْهِم الْميل إِلَى الْحَالة الراهنة، وَيشْتَبه عَلَيْهِم حَال الْمدَّة الْمَاضِيَة لَا سِيمَا مَعَ طول الْمدَّة، فَإِذا كَانَ الشَّيْء فِي الْحَال مغتبطاً بِهِ فَرُبمَا توهموا أَن الِاغْتِبَاط فِيهِ قديم، فَفتح الْقيام بِالْغبنِ مَعَ طول الْمدَّة يَتَّسِع مَعَه الْخرق، لكنني لم أَقف على النَّص فِي عينهَا، وَالله أعلم. قلت: ولعمري أَن هَذَا لَهو الْحق لِأَن الْغبن إِذا كَانَ يعْتَبر يَوْم العقد وَمَضَت الْمدَّة المديدة فَكيف يُمكنهُم الْجَزْم بِوُجُود الْغبن وَقت العقد وَلَا سِيمَا مَعَ قلَّة ديانَة أَرْبَاب الْبَصَر فِي هَذَا الْوَقْت، وَلَعَلَّ هَذَا الْمَعْنى هُوَ الَّذِي تلمحه ابْن لب فِي فتواه الْمُتَقَدّمَة حَتَّى قَالَ: إِنَّه لَا يتَعَرَّض للْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا التباعة على النَّاظر، وَمَا ذَاك إِلَّا لعدم تحقق وجوده مَعَ طول الْمدَّة المديدة، وإلاَّ فَيفْسخ البيع إِن لم يفت فَإِن فَاتَ فالتباعة على المُشْتَرِي أَو وجد مَلِيًّا وَإِلَّا فعلى النَّاظر كَمَا مر فالناظر مُتَأَخّر فِي الغرامة قطعا لِأَنَّهُ كواهب لمَال غَيره وَالله أعلم. الثَّانِي: قَالَ سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الصَّادِق فِي شَرحه على الْمُخْتَصر مَا نَصه: الْغبن على القَوْل بِهِ إِنَّمَا يعْتَبر يَوْم البيع فَلَا يعْتَبر تغير الْأَسْوَاق بعد ذَلِك، وَعَلِيهِ فَمَا وَقع فِي عصرنا هَذَا فِي شِرَاء الْغلَّة الصيفية وَكَذَلِكَ شراؤهم ورق التوت وَمن يَشْتَرِي ذَلِك الْغَالِب عَلَيْهِم أَنهم من أهل الْمعرفَة بأثمان ذَلِك، فَحصل كساد كَبِير أذهب رُؤُوس الْأَمْوَال لأربابها فَقَامُوا بذلك فأفتوا بِأَنَّهُم لَا قيام لَهُم لِأَنَّهُ لَيْسَ بجائحة، وَلِأَن الْغبن يعْتَبر فِيهِ وَقت العقد، وَلِأَن المُشْتَرِي لذَلِك من أهل الْمعرفَة اه. الثَّالِث: مَا تقدم من أَن النَّاظر يغرم هُوَ أحد قَوْلَيْنِ. قَالَ الْبُرْزُليّ عقب قَول ابْن رشد: وَالْوَصِيّ قد أَخطَأ على مَال الْأَيْتَام يَعْنِي حَيْثُ بَاعه بِغَبن مَا نَصه: يُرِيد بعد اجْتِهَاد فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَيغرم من حصل تَحت يَده مَعَ الْفَوْت كَمَا إِذا أنْفق التَّرِكَة على الْأَيْتَام، ثمَّ ظهر دين وَيتَخَرَّج على مَا فِي كتاب ابْن الْمَوَّاز من كتاب الْوَصَايَا أَن الْوَصِيّ هُنَا يغرم وَلَا يغرم من حصل فِي يَده لِأَنَّهُ جعل الْوَصِيّ يغرم فِي الْخَطَأ وَهُوَ يجْرِي على الْخلاف فِي الْمُجْتَهد يخطىء هَل يُعَزّر بخطئه أم لَا اه. فَتَأَمّله مَعَ مَا تقدم عَن ابْن لب والمجاصي وَقَالَ (ز) فِي بَاب الْغَصْب: لَا شَيْء على مُجْتَهد أتلف شَيْئا بفتواه وَيضمن غَيره إِن انتصب وَإِلَّا فَقَوْلَانِ. وَانْظُر الْقسم الثَّالِث من تبصرة ابْن فَرِحُونَ قَالَ فِيهِ مَا يُخَالِفهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 وَعِنْدَ ذَا يُفْسَخُ بِالأَحْكَامِ وَلَيْسَ لِلْعَارِفِ مِنْ قِيَامِ (وَعند ذَا) أَي عِنْد اجْتِمَاع الشُّرُوط الْمَذْكُورَة (يفْسخ) البيع (بِالْأَحْكَامِ) وَظَاهره وَلَو تمم المُشْتَرِي الْقيمَة وَهُوَ كَذَلِك وَمحل فَسخه مَا لم يفت بيد مُشْتَرِيه بِشَيْء من مفوتات البيع الْفَاسِد، وإلاَّ فَيتَعَيَّن الرُّجُوع بِتمَام الْقيمَة كَمَا مرّ وَقَالَهُ ابْن رشد وَصرح بِهِ ابْن سَلمُون وَغَيره خلاف مَا يُوهِمهُ (ح) فِي آخر كَلَامه حَيْثُ قَالَ: وَأما الْقيام بِالْغبنِ يفوت بِالْبيعِ الخ. فَإِنَّهُ يجب تَأْوِيله بِأَن الْمَعْنى وَالْقِيَام بِفَسْخ البيع بِالْغبنِ يفوت بِالْبيعِ الخ. لَا الرُّجُوع بِتمَام الْقيمَة فَإِنَّهُ لَا يفوتهُ، ثمَّ إِذا فسخ البيع حَيْثُ لم يفت فَلَا شُفْعَة لمن رجعت لَهُ حِصَّته فِيمَا بَاعَ شَرِيكه بعد الْغبن وَقبل نقضه وَلَا لشَرِيكه شُفْعَة أَيْضا فِيمَا رَجَعَ لمَالِكه قَالَه ابْن رشد، (ح) والبرزلي وَابْن عَرَفَة وَغَيرهم. (وَلَيْسَ للعارف) بِقِيمَة الْمَبِيع (من قيام) بِالْغبنِ إِلَّا أَن يستأمنه ويسترسله فَلهُ الْقيام، وَلَو كَانَ عَارِفًا كَمَا مر، وَهَذَا مَفْهُوم قَوْله: وَأَن يكون جَاهِلا بِمَا صنع. (فصل فِي الشُّفْعَة) بِضَم فَسُكُون من الشفع وَهُوَ ضد الْوتر لِأَن الْآخِذ بهَا يضم حِصَّة غَيره إِلَى حِصَّة نَفسه فَصَارَت شفعاً بعد أَن كَانَت وترا والشافع هُوَ الْجَاعِل الْوتر شفعاً، وَالشَّفِيع فعيل بِمَعْنى فَاعل. ابْن عَرَفَة: هِيَ اسْتِحْقَاق شريك أَخذ مَبِيع شَرِيكه بِثمنِهِ الخ. وَالْمرَاد بِالِاسْتِحْقَاقِ هُنَا ثُبُوت حَالَة للشَّرِيك اسْتحق بهَا الْأَخْذ بِسَبَب البيع لَا مَا ذكره هُوَ فِي حد الِاسْتِحْقَاق من قَوْله: رفع ملك شَيْء بِثُبُوت ملك قبله الخ. وَفِي الأَصُولِ شُفْعَةٌ مِمَّا شُرعْ فِي ذِي الشَّيَاعِ وَبِحَدَ تَمْتَنِعْ (وَفِي الْأُصُول) الأَرْض وَمَا اتَّصل بهَا من بِنَاء وَشَجر (شُفْعَة) مُبْتَدأ وَالْمَجْرُور قبله يتَعَلَّق بِهِ (مِمَّا شرع) خبر (فِي ذِي الشياع) يتَعَلَّق بِهِ، وَالْمعْنَى أَن الشُّفْعَة فِي الْأُصُول مَشْرُوعَة فِي ذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 الشياع مِنْهَا حِين البيع لَا أَنَّهَا إِنَّمَا تجب للشَّرِيك بِجُزْء شَائِع لَا بأذرع مُعينَة أَو غير مُعينَة كَمَا فِي (ح) أَوَائِل الشُّفْعَة، وَمن ادّعى الشياع فَعَلَيهِ إثْبَاته ليشفع، وَإِنَّمَا تجب أَيْضا إِذا اسْتمرّ الشياع إِلَى حِين البيع كَمَا قَالَ: (وبحد تمْتَنع) أَي فَلَا شُفْعَة فِيمَا قسم وَضربت حُدُوده وصرفت طرقه كَمَا فِي الحَدِيث لِأَن كل وَاحِد صَار جاراً للْآخر، وَلَا شُفْعَة للْجَار كَمَا يَأْتِي. وَظَاهره أَن ذَا الشياع من الْأُصُول فِيهِ الشُّفْعَة كَانَ يقبل الْقِسْمَة أَو لَا يقبلهَا، لَكِن إِذا كَانَ يقبلهَا فَفِيهِ الشُّفْعَة بِاتِّفَاق، وَكَذَا إِن كَانَ لَا يقبلهَا فِي نَفسه إِلَّا بِفساد وَهُوَ تَابع لما يقبلهَا فَمحل اتِّفَاق أَيْضا كَمَا قَالَ: وَمِثْلُ بِئْرٍ وَكَفَحْلِ النَّخْلِ تَدْخُلُ فِيهَا تَبعَاً لِلأَصْلِ (وَمثل بِئْر وكفحل) أَي ذكار (النّخل) وأدخلت الْكَاف ساحة الدَّار وَطَرِيق الدَّار والبستان وَنَحْو ذَلِك مِمَّا هُوَ تَابع لما يقبلهَا (تدخل) الشُّفْعَة (فِيهَا) أَي الْمَذْكُورَات (تبعا للْأَصْل) الَّذِي يقبل الْقِسْمَة، فَإِذا بَاعَ أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه من الْبِئْر وَالْأَرْض الَّتِي تزرع عَلَيْهَا أَو من النخيل والفحل أَو من الساحة وَالدَّار أَو من الطَّرِيق والبستان، فَإِن للشَّرِيك الشُّفْعَة فِي التَّابِع والمتبوع اتِّفَاقًا. وَالمَاءُ تَابِعٌ لَهَا فِيهِ احْكُمْ وَوَحْدُهُ إنْ أَرْضُهُ لَمْ تُقْسَمِ (وَالْمَاء) الْجَارِي كَالْعَيْنِ والساقية من النَّهر وَنَحْوهمَا حَال كَون ذَلِك المَاء (تَابع لَهَا) أَي لِلْأُصُولِ الَّتِي تسقى بِهِ وتزرع عَلَيْهِ (فِيهِ) أَي فِي ذَلِك المَاء (احكم) بِالشُّفْعَة أَيْضا إِذا بيع مَعَ متبوعه لِأَن هَذَا التَّابِع الْمَذْكُور، وَإِن كَانَ لَا يقبل الْقِسْمَة فِي نَفسه لكنه حكم لَهُ بِحكم متبوعه حَيْثُ بيع مَعَه اتِّفَاقًا (و) كَذَا يحكم لَهُ بِحكمِهِ اتِّفَاقًا أَيْضا إِذا بيع (وَحده أَن أرضه) وَنَحْوهَا من المتبوعات (لم تقسم) مَاء كَانَ ذَلِك التَّابِع الَّذِي لم يقسم متبوعه أَو بِئْرا أَو فحلاً أَو ساحة أَو طَرِيقا، فَإِن بيع التَّابِع بعد قسم متبوعه فَفِيهِ خلاف. اللَّخْمِيّ: فَإِن بَاعَ أَحدهمَا حَظه من الساحة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 خَاصَّة بعد قسم الْبيُوت كَانَ لشَرِيكه أَن يرد بَيْعه إِذا بَقِي البَائِع يتَصَرَّف إِلَى الْبيُوت كَمَا كَانَ لِأَن ذَلِك ضَرَر، وَإِن كَانَ قد أسقط تصرفه من الساحة وَتصرف إِلَى بيوته من دَار أُخْرَى، فَإِن كَانَ بَيْعه من أهل الدَّار جَازَ ولبقية إشراكه الشُّفْعَة على أحد قَوْلَيْنِ فِي وجوب الشُّفْعَة فِيمَا لم يَنْقَسِم، وَإِن كَانَ بَيْعه من غير أهل الدَّار فَلهم الْأَخْذ بِالشُّفْعَة أَو فسخ بَيْعه اه. وَفِي الْمُوازِية إِن قسمت الشَّجَرَة فَلَا شُفْعَة فِي مَحل النّخل الْبَاقِي وَلَا فِي ذكار الشّجر، وَإِن كَانَت مشاعة فَفِي الْفَحْل والذكار الشُّفْعَة وَهُوَ كالبئر وَالْعين لَا شُفْعَة فيهمَا إِلَّا أَن تكون الأَرْض مشاعة اه. وَفِي الْمُوازِية إِنَّمَا هُوَ على أَنه لَا شُفْعَة فِيمَا لَا يَنْقَسِم الَّذِي صدر بِهِ (خَ) حَيْثُ قَالَ مَا نَصه: إِن انقسم وفيهَا الْإِطْلَاق وَعمل بِهِ وَإِلَى كَون الشُّفْعَة جَارِيَة فِيمَا لَا يَنْقَسِم وَيدخل فِي ذَلِك جَمِيع التوابع الْمَذْكُورَة أَشَارَ النَّاظِم بقوله: وَالفُرْنُ وَالحَمَّامُ وَالرَّحى القَضَا بالأَخْذِ بالشُّفْعَةِ فِيهَا قَدْ مَضَى لِأَنَّهُ قَول مَالك وَأَشْهَب وَابْن الْمَاجشون وَمُقَابِله لِابْنِ الْقَاسِم وَأَنه لَا شُفْعَة وَهُوَ الْمَشْهُور كَمَا صدر بِهِ (خَ) . الْبَاجِيّ: الْخلاف فِي ذَلِك جَار على الِاخْتِلَاف فِي الشُّفْعَة فِيمَا لَا يَنْقَسِم كالنخلة والشجرة إِذْ لَا تقسم الْعين والبئر كَمَا لَا تقسم النَّخْلَة والشجرة، وَقَالَ الرجراجي: من هَذَا الْمَعْنى اخْتلَافهمْ فِي الْحمام وَالْبَيْت الصَّغِير والدكان فِي السُّوق مِمَّا لَا يَنْقَسِم إِلَّا على ضَرَر مثل الرَّحَى والشجرة الْوَاحِدَة والنخلة الْوَاحِدَة والماجل والبئر الْوَاحِدَة إِذا لم يكن مَعهَا أصل وَلَا أَرض، وَغير ذَلِك من الرباع وَالْأُصُول الَّتِي لَا تَنْقَسِم على قَوْلَيْنِ. وجوب الشُّفْعَة وسقوطها وَسبب الْخلاف اخْتلَافهمْ هَل شرعت الشُّفْعَة لرفع ضَرَر الْقِسْمَة أَو ضَرَر الشّركَة؟ فَمن قَالَ بِالثَّانِي قَالَ بِالشُّفْعَة، وَمن قَالَ بِالْأولِ قَالَ لَا شُفْعَة اه. بِاخْتِصَار. وَنَحْوه فِي الْكَافِي قَائِلا: وَالْأَشْهر عَن مَالك وجوب الشُّفْعَة فِي الْحمام، وَفِي كل مَا لَا يحمل الْقِسْمَة اه. وَإِذا تقرر هَذَا علمت أَنه لَا خُصُوصِيَّة للفرن وَالْحمام والرحى، بل الْمدَار على كَونه لَا يقبل الْقِسْمَة فَيدْخل فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 ذَلِك جَمِيع التوابع الْمَذْكُورَة كَمَا مر، وَسَوَاء كَانَت الْبِئْر وَاحِدَة أَو مُتعَدِّدَة كَانَ لَهَا فنَاء أم لَا. قَالَ فِي الْعَمَل الْمُطلق: وَالْأَخْذ بِالشُّفْعَة فِي الْحمام وَنَحْوه نسب للْإِمَام قَالَ فِي الشَّرْح: وَقَوله وَنَحْوه يَعْنِي من الأرحية والآبار والعيون والشجرة الْوَاحِدَة وَشبه ذَلِك اه. وَكَأن النَّاظِم يَقُول: التَّابِع إِذا بيع مَعَ أَصله فَفِيهِ الشُّفْعَة، وَكَذَا إِذا بيع وَحده وَلم يقسم متبوعه فَإِن قسم فَفِيهِ خلاف، وَالَّذِي بِهِ الْقَضَاء فِيهِ وَفِي الفرن وَالْحمام والرحى وَمَا فِي مَعْنَاهَا وجوب الشُّفْعَة، وَهَذَا الْعَمَل هُوَ الَّذِي نبه عَلَيْهِ (خَ) بقوله: وفيهَا الْإِطْلَاق وَعمل بِهِ الخ. وَفِي المعيار عَن العقباني مَا نَصه فِي مَسْأَلَة مَا لَا يقبل الْقِسْمَة اضْطِرَاب، وَمذهب الْمُدَوَّنَة ثُبُوت الشُّفْعَة وَالْعَمَل بِهِ أَكثر وَإِن كَانَ من الموثقين من أَشَارَ إِلَى أَن عمل أهل قرطبة على القَوْل الآخر، لَكِن النَّاس الْيَوْم على مَا ذكرت لَك أَولا اه. وَبِهَذَا كُله تعلم مَا فِي حَاشِيَة الرهوني من عدم الشُّفْعَة فِي الشَّجَرَة الْوَاحِدَة وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ خلاف الْمَعْمُول بِهِ. تَنْبِيه: قَول النَّاظِم: والرحى يَعْنِي إِذا بَاعَ حَظه من الأَرْض وَالْحجر الْمَبْنِيّ فِيهَا، وَأما إِذا بيع الْحجر وَحده فَلَا شُفْعَة فِيهِ انْظُر الْمُتَيْطِيَّة وَالْعَمَل الْمُطلق. وَفِي الثِّمَارِ شُفْعَةٌ إنْ تَنْقَسِمْ وَذَا إنِ المَشْهُورُ فِي ذَاكَ الْتُزِمْ (وَفِي الثِّمَار) تبَاع مَعَ الْأُصُول مؤبرة يَوْم البيع أم لَا، مزهية أم لَا. (شُفْعَة) فِيهَا وَفِي أشجارها (إِن تَنْقَسِم) هِيَ أَي أشجارها أَي قبلت الْقِسْمَة (وَذَا) أَي اشْتِرَاط الْقسم فِي أشجارها (أَن الْمَشْهُور فِي ذَاك الْتزم) وَهُوَ مَا صدر بِهِ (خَ) فِي قَول: إِن انقسم الخ. وَيدل على أَن الضَّمِير فِي تَنْقَسِم رَاجع لأصول الثَّمَرَة قَوْله: إِن الْمَشْهُور الخ. وَقَوله بعد: وَمثله مُشْتَرك الخ. وَلِأَن الثِّمَار كلهَا قَابِلَة للْقِسْمَة فَلَا وَجه لاشْتِرَاط الانقسام فِيهَا، ثمَّ إِذا اشْتَرَاهَا مَعَ أُصُولهَا وَهِي لم تؤبر فَقَامَ الشَّفِيع قبل أبارها أَيْضا فيأخذها مَعَ الْأُصُول اتِّفَاقًا، وَكَذَا يَأْخُذهَا مَعهَا إِن قَامَ بعد أبارها أَو زهوها على الْمَشْهُور، لَكِن بعد أَن يغرم السَّقْي والعلاج، وَإِن زَاد على قيمتهَا وَالْقَوْل لَهُ فِيمَا أنْفق وَإِنَّمَا يَأْخُذهَا من جِهَة الِاسْتِحْقَاق لَا من جِهَة الاستشفاع إِذْ الثَّمَرَة لم تقع لَهَا حِصَّة من الثّمن لِأَنَّهَا لم تكن مأبورة يَوْم البيع، وَمُقَابِله لأَشْهَب أَنَّهَا للْمُبْتَاع لِأَن الشُّفْعَة بيع جَدِيد، وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: (من بَاعَ نخلا وفيهَا ثَمَرَة قد أبرت فثمرها للْبَائِع) اه. فَإِذا لم يقم الشَّفِيع فِي هَذِه الْحَالة حَتَّى فَاتَت باليبس فَلَا يحط للثمرة عَنهُ شَيْء من الثّمن لِأَنَّهَا يَوْم البيع لَا ثمن لَهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 ابْن رشد: المُرَاد باليبس حُصُول وَقت جذاذها للتيبيس إِن كَانَت مِمَّا ييبس أَو للْأَكْل أَخْضَر إِن كَانَت مِمَّا لَا ييبس إِذْ لَا تيبس الثَّمَرَة فِي أُصُولهَا، وَأما إِن اشْتَرَاهَا مَعَ أُصُولهَا وَهِي مأبورة أَو مزهية فَإِنَّهُ يَأْخُذهَا بِالشُّفْعَة أَيْضا بعد أَن يغرم السَّقْي والعلاج مَا لم تفت باليبس فَإِن فَاتَت بِهِ فيحط عَن الشَّفِيع حصَّتهَا من الثّمن. وَمِثْلُهُ مشْتَرَكٌ مِع الثَّمَرْ لِلْيُبْس إنْ بَدْوِ الصَّلاَحِ قَدْ ظَهَرْ (وَمثله) أَي مثل مَا ذكر من بيع الشَّرِيك حِصَّته من الأَصْل وَالثَّمَرَة بيع (مُشْتَرك من الثَّمر) دون أَصْلهَا سَوَاء كَانَت الشّركَة بِسَبَب حبس أَو هبة أَو شِرَاء أَو مُسَاقَاة، فَإِن الشُّفْعَة ثَابِتَة للشَّرِيك الَّذِي لم يبع حِصَّته مِنْهَا وتنتهي شفعته (لليبس) فَإِن يَبِسَتْ فَلَا شُفْعَة فِيهَا. ابْن عَرَفَة ظَاهر الرِّوَايَات أَن المُرَاد بيبسها ارْتِفَاع مَنْفَعَتهَا ببقائها فِي أَصْلهَا لَا حُضُور وَقت قطافها اه. أَبُو الْحسن: كل مَا بيع من سَائِر الثِّمَار فَلَا شُفْعَة فِيهِ بعد يبسه كَمَا لَا جَائِحَة فِيهِ بعد ذَلِك بِحَيْثُ يجب وضع الْجَائِحَة تَحت الشُّفْعَة وَحَيْثُ لَا تُوضَع تسْقط الشُّفْعَة. قَالَ فِي كتاب الجوائح مِنْهَا لَو اشْترى ذَلِك حِين الزهو ثمَّ أجيح بعد إِمْكَان جذاذه ويبسه فَلَا جَائِحَة فِيهِ اه. وَالظَّاهِر أَنه لَا مُخَالفَة بَين مَا لِابْنِ عَرَفَة وَمَا مر عَن ابْن رشد، ثمَّ مَا اقْتصر عَلَيْهِ النَّاظِم من أَن شفعته تَنْتَهِي لليبس هُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة، وَهُوَ الَّذِي صدر بِهِ (خَ) وَكَلَام ابْن سَلمُون وَغَيره يُفِيد أَنه الْمُعْتَمد، وَوَقع فِيهَا أَيْضا أَن لَهُ أَخذهَا مَا لم تجذ وَهل خلاف؟ تَأْوِيلَانِ. وَقَوله: (إِن بَدو الصّلاح) فِيهِ (قد ظهر) شَرط فِي جَوَاز بيع الثَّمَرَة حَتَّى ترَتّب عَلَيْهِ الشُّفْعَة وإلاَّ فَهُوَ بيع فَاسد لَا شُفْعَة فِيهِ إِلَّا بعد فَوَاته بِقِيمَتِه، وَيدخل فِي الثِّمَار المقاثي كَمَا يَأْتِي لَهُ التَّنْصِيص عَلَيْهِ والباذنجان والقرع وَالزَّيْتُون والقطن وورق التوت، وَنَحْو ذَلِك من كل أصل مَا لَهُ تجنى ثَمَرَته وَيبقى أَصله فَيخرج الزَّرْع إِلَّا الفول الَّذِي يُبَاع أَخْضَر، فَإِن فِيهِ الشُّفْعَة والجائحة كَمَا لأبي الْحسن. قلت: وَعمل فاس على عدم الشُّفْعَة فِيهِ قَالَ ناظمه: وورق التوت بِهِ الشُّفْعَة لَا فِي الفول الْأَخْضَر على مَا فصلا تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ الْبُرْزُليّ: كَانَ ابْن مغيث لَا يرى الشُّفْعَة فِي القليب، وَكَانَ أَبُو الْمطرف يُفْتِي بِوُجُوب الشُّفْعَة فِيهِ، وَأفْتى بِهِ بعض أَصْحَابنَا لِأَنَّهُ مِمَّا يثبت بِالْأَرْضِ بالثمرة اه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 وَمرَاده بالقليب الأَرْض المقلوبة بِدَلِيل تشبيهه لَهُ بالثمرة. الثَّانِي: الَّذِي جرى بِهِ الْعَمَل بفاس ونواحيها أَن الشُّفْعَة فِي الثِّمَار الخريفية وَلَو لبيعها دون الصيفية فَلَا شُفْعَة فِيهَا وَلَو ليأكلها. قَالَ ناظم الْعَمَل: وشفعة الخريف لَا المصيف كَذَا التَّصَدُّق على الشريف أَي: كَمَا جرى الْعَمَل بِجَوَاز الصَّدَقَة على الشريف، وَإِن كَانَ الْمَشْهُور أَنَّهَا تحرم عَلَيْهِ كَمَا قَالَ (خَ) : وَحُرْمَة الصدقتين عَلَيْهِ وعَلى آله الخ. وَلَمْ تُبِحْ لِلْجَارِ عِنْدَ الأَكْثَرِ وَفِي طَرِيقٍ مُنِعَت وَأَنْدَرِ (وَلم تبح) الشُّفْعَة (للْجَار عِنْد الْأَكْثَر) من الْعلمَاء كمالك وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهمَا محتجين بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدّم، وَهُوَ فِي البُخَارِيّ وَمُسلم: الشُّفْعَة فِيمَا لم يقسم فَإِذا وَقعت الْحُدُود وصرفت الطّرق فَلَا شُفْعَة، وَمُقَابل الْأَكْثَر لأبي حنيفَة قَالَ: يقدم الشَّرِيك فِي الْمنزل ثمَّ الشَّرِيك فِي الطَّرِيق ثمَّ الْجَار، وَاحْتج بِحَدِيث: (الْجَار أَحَق بصقبه) . والصقب الْقَرِيب، وَبِحَدِيث (الْجَار أَحَق بشفعة جَاره) . وَأجَاب الْأَكْثَر عَن الْحَدِيثين بِأَنَّهُ لم يبين الأحقية فِيمَا ذَا هِيَ، فَيحْتَمل أَنه يُرِيد أَن يعرض ملكه عَلَيْهِ إِذا أَرَادَ بَيْعه لحَدِيث مُسلم: (لَا يحل لِشَرِيك أَن يَبِيع حَتَّى يُؤذن شَرِيكه) الخ. وَإِذا وقف على ثمن فَهُوَ أَحَق بِهِ أَي قبل أَن ينفذ البيع، فَإِذا نفذ البيع فَلَا شَيْء لَهُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبا، وَمَا احْتمل سقط بِهِ الِاسْتِدْلَال وَلِأَن ذَلِك كَمَا قَالَ ابْن شعْبَان: يُؤَدِّي إِلَى أَن تصير الشُّفْعَة بَين أهل الْمَدِينَة كلهَا لِأَن هَذَا لصيق وَالْآخر لصيق لمن يَلِيهِ، وكل جِدَار رجل يتَّصل بجدار الآخر، وَهَذَا لَا يَقُوله الْمُخَالف فبطلت حجَّته قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. بل تقدم أول الْكتاب عَن الْقَرَافِيّ أَن حكم الْعدْل الْعَالم بِالشُّفْعَة للْجَار ينْقض لضعف مدرك القَوْل بهَا. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: إِنَّه من الْخَطَأ الْبَين الَّذِي ينْقض بِهِ حكم الْحَاكِم. (وَفِي طَرِيق) يمر عَلَيْهَا الشُّرَكَاء بَاعَ أحدهم جَمِيع دَاره ونصيبه فِي الطَّرِيق (منعت) لِأَن الطَّرِيق تبع للدَّار وَلَا شُفْعَة لَهُ فِي الْمَتْبُوع لكَونه من الشُّفْعَة للْجَار، فَكَذَلِك تَابِعَة، وَكَذَا لَو بَاعَ نصِيبه فِي الطَّرِيق فَقَط وَصَارَ ينْصَرف لداره من مَحل آخر كَمَا تقدم عَن اللَّخْمِيّ فِي الساحة عِنْد قَوْله: إِن أرضه لم تقسم. (و) منعت أَيْضا فِي (أندر) بِفَتْح الْهمزَة وَالدَّال الْمُهْملَة مَوضِع تيبيس الثَّمر وَالزَّرْع يكون مُشْتَركا بَين أَرْبَاب الدّور، فيبيع أحدهم دَاره مَعَ حَظه فِي الأندر، وَهَذَا قَول سَحْنُون قَائِلا لِأَنَّهُ كالفناء للدَّار فَحكمه كالطريق، وَقَالَ ابْن وهب وَأَشْهَب: فِيهِ الشُّفْعَة وَبِه صدر فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَمَا ذكره النَّاظِم فِي الطَّرِيق والأندر دَاخل فِي قَوْله: وَمثل بير وكفحل النّخل الخ كَمَا مرّ. وَقد تقدم أَن الْعَمَل على وجوب الشُّفْعَة فِي تِلْكَ التوابع، وَقد تقدم كَلَام اللَّخْمِيّ فِي الطَّرِيق والساحة وَعَلِيهِ الْمعول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 تَنْبِيه: الْحَائِط الَّذِي يكون بَين دارين لِرجلَيْنِ والحائط وَحده مُشْتَرك بَينهمَا فَبَاعَ دَاره مَعَ حَظه فِي الْحَائِط، فَإِن فِيهِ الشُّفْعَة على الْمَذْهَب فتقوم الدَّار بِغَيْر نصف الْحَائِط، وَتقوم أَيْضا بِهِ فَمَا نَاب نصف الْحَائِط استشفع بِهِ، وَقَالَ ابْن نَافِع: لَا شُفْعَة فِيهِ وَعَلِيهِ عول ناظم عمل فاس إِذْ قَالَ: وكالطريق الْحَائِط الْمُشْتَرك مَا بَين دارين الشَّفِيع يتْرك قَالَ فِي شَرحه عَن شَيْخه ابْن سَوْدَة: وَإِذا كَانَت فِيهِ الشُّفْعَة فعلى مَا يحمل المُشْتَرِي خشبه وَغَيرهَا، وَمَا نَقله (ق) عَن نَوَازِل الشّعبِيّ من أَن الدَّار تقوم بِغَيْر نصف الْحَائِط لَعَلَّه خلاف الْمَذْهَب، وَلم أر من حكم بِهِ قَدِيما وَلَا حَدِيثا اه. بِاخْتِصَار. قلت: وَالنَّاس الْيَوْم على مَا قَالَه ابْن سَوْدَة فَلم أر من يطْلب الشُّفْعَة فِيهِ وَإِن كَانَ الْمَذْهَب هُوَ وُجُوبهَا لَهُ إِن طلبَهَا، ولعلهم لم يمكنوا مِنْهَا فتركوا طلبَهَا لذَلِك. وَالْحَيَوَانِ كُلِّهِ وَالْبِيرِ وجُمْلَةِ العُرُوضِ فِي المَشْهُورِ (و) منعت أَيْضا فِي (الْحَيَوَان كُله) عَاقل أَو غَيره إِلَّا أَن يكون تَابعا لما فِيهِ الشُّفْعَة كَمَا لَو كَانَ يعْمل عَلَيْهِ فِي كحائط وَبَاعَ حَظه فِي الْحَائِط وَالْحَيَوَان فَفِيهِ الشُّفْعَة حِينَئِذٍ، فَإِن بَاعَ حَظه من الْحَيَوَان فَقَط دون الْحَائِط فَلَا شُفْعَة (و) منعت أَيْضا فِي (البير) بعد قسم أرْضهَا، وَظَاهره اتّحدت الْبِئْر أَو تعدّدت كَانَ لَهَا فنَاء أم لَا. وَهُوَ أحد تأويلين. والتأويل الآخر أَن مَحل عدم الشُّفْعَة إِن اتّحدت وَلم يكن لَهَا فنَاء وإلاَّ فَفِيهَا الشُّفْعَة، وَمَا ذكره من عدم الشُّفْعَة فِيهَا جَار على القَوْل بِأَن الشُّفْعَة خَاصَّة بِمَا يقبل الْقِسْمَة، وَتقدم أَن الْعَمَل على خِلَافه (و) منعت أَيْضا فِي (جملَة الْعرُوض) كالثياب وَالسِّلَاح وَغَيرهمَا (فِي الْمَشْهُور) وَمُقَابِله حَكَاهُ الاسفرايني عَن مَالك، وَمحل الْمَشْهُور إِذا لم يطلع الشَّرِيك على الثّمن الَّذِي وقف بِهِ الْعرُوض إِلَّا بعد انبرام البيع، وَأما قبل انبرامه فالشريك أَحَق بِالثّمن الَّذِي وقف عَلَيْهِ جبرا على صَاحبه رفعا لضرره، وَلَيْسَ هَذَا شُفْعَة لِأَنَّهَا أَخذ من يَد المُشْتَرِي، وَهَذَا أَخذ من يَد البَائِع، وَنَحْو هَذَا قَول ابْن عَرَفَة: كل مُشْتَرك لَا شُفْعَة فِيهِ فَبَاعَ بعض الشُّرَكَاء نصِيبه مِنْهُ فَلِمَنْ بَقِي أَخذه بِالثّمن الَّذِي يعْطى فِيهِ مَا لم ينفذ البيع اه. وَقَوْلنَا جبرا يَعْنِي وَكَانَ مُرِيد البيع أَرَادَ أَن يمْضِي البيع بذلك الثّمن، فَحِينَئِذٍ يقْضِي بِهِ لشَرِيكه جبرا، وَمحله أَيْضا مَا لم يكن مُرِيد البيع بَاعَ صَفْقَة حَيْثُ يجوز لَهُ ذَلِك، وإلاَّ فللآخر الضَّم وَلَو نفذ البيع انْظُر مَا يَأْتِي فِي الْقِسْمَة عِنْد قَوْله: وَمن ادّعى لبيع مَا لَا يَنْقَسِم. وَفِي الزُّرُوعِ وَالبُقُولِ وَالخُضَرْ وَفِي مُغَيّبٍ فِي الأرْضِ كالجَزَرْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 (و) منعت أَيْضا (فِي الزروع) بَاعَ حِصَّته مِنْهُ وَلَو بأرضه وَالشُّفْعَة فِي الأَرْض فَقَط بِمَا ينوبها من الثّمن، سَوَاء بيع بعد يبسه أَو وَهُوَ أَخْضَر أَو قبل نَبَاته. انْظُر تَفْصِيل الْمَسْأَلَة فِي الشَّامِل وَشَرحه. (و) منعت أَيْضا فِي (الْبُقُول) وَهِي الَّتِي يُؤْكَل مَا خرج مِنْهَا فَوق الأَرْض دون الدَّاخِل فِيهَا كالكرنب والخس والهندبا وَنَحْو ذَلِك. (وَالْخضر) لَعَلَّه عطف تَفْسِير على الْبُقُول (و) منعت أَيْضا (فِي) كل (مغيب) الأَصْل وَهُوَ مَا كَانَ الْمَقْصُود الْأَعْظَم مِنْهُ دَاخل (فِي الأَرْض ك) البصل والفجل و (الجزر) واللفت فَإِن كَانَ تجنى ثَمَرَته وَيبقى أَصله كالقرع والقثاء فَهُوَ قسم ثَالِث سَيَأْتِي. وَنَخْلَةٍ حَيْثُ تَكُونُ وَاحِدَه وَشِبْهِهَا وَفِي البيوعُ الفاسِدَه (و) منعت أَيْضا فِي (نَخْلَة حَيْثُ تكون وَاحِدَة وَشبههَا) أَي شبه النَّخْلَة كالزيتونة الْوَاحِدَة، وَهَذَا على أَن الشُّفْعَة لَا تجب إِلَّا فِيمَا لَا يَنْقَسِم، وَتقدم أَن الْمَعْمُول بِهِ وَهُوَ قَول مَالك خِلَافه. (و) منعت أَيْضا (فِي الْبيُوع الْفَاسِدَة) لِأَنَّهَا مفسوخة شرعا فَإِن أَخذ الشَّفِيع قبل علمه بفساده فسخ بيع الشُّفْعَة وَالْبيع الأول إِلَّا أَن يفوت عِنْد الشَّفِيع، فَيكون عَلَيْهِ الْأَقَل من قِيمَته يَوْم قَبضه هُوَ أَو الْقيمَة الَّتِي وَجَبت على المُشْتَرِي كَمَا فِي الرجراجي وَمحل سُقُوط الشُّفْعَة فِيهَا. مَا لَمْ تُصَحَّحْ فَبقِيمَةٌ تَجِبْ كَذَاك ذُو التَّعْوِيضِ ذَا فِيهِ يَجِبْ (مَا لم تصحح) تِلْكَ الْبيُوع الْفَاسِدَة بِفَوَات الْمَبِيع بيد المُشْتَرِي، فَإِن فَاتَت بِيَدِهِ فإمَّا بِغَيْر البيع كالهدم وَالْبناء وَالْغَرْس لَا بحوالة سوق لِأَنَّهَا لَا تفيت الْعقار (ف) الشُّفْعَة حِينَئِذٍ (بِقِيمَة تجب) لِأَنَّهَا الَّتِي تلْزم المُشْتَرِي وَتعْتَبر الْقيمَة يَوْم الْقَبْض، وَإِن كَانَ الْفَوات بِالْبيعِ فإمَّا بِبيع فَاسد أَو صَحِيح، فَإِن كَانَ الثَّانِي وَلَكِن قصد بِهِ الإفاتة فَالْبيع الأول وَالثَّانِي كِلَاهُمَا مَرْدُود، وَإِن لم يقْصد بِهِ الإفاتة فَللشَّفِيع الْأَخْذ بِالثّمن فِيهِ إِن قَامَ قبل دفع المُشْتَرِي الْقيمَة للْبَائِع والأخير بَين الْأَخْذ بهَا أَو بِثمن البيع الصَّحِيح، وَإِن كَانَ الأول وَلم يفت عِنْد الثَّانِي فَإِنَّهُمَا يتفاسخان وَلَا شُفْعَة، وَإِن فَاتَ عِنْد الثَّانِي فَلهُ الْأَخْذ من أَيهمَا شَاءَ بِالْقيمَةِ الَّتِي لَزِمته بعد علمهما بهَا، فَإِن أَخذ قبل علمهما بهَا فَذَلِك بَاطِل، وَهَذَا كُله فِي الْمُتَّفق على فَسَاده، وَأما الْمُخْتَلف فِيهِ فَإِن لم يفت فسخ، وَإِن فَاتَ فَالشُّفْعَة فِيهِ بِالثّمن. تَنْبِيهَانِ. الأول: بيع الثنيا من البيع الْفَاسِد حَيْثُ اشْترطت فِي العقد فَيجْرِي على مَا تقدم، فَإِن تطوع بهَا بعد العقد كَانَت فِيهِ الشُّفْعَة بِالثّمن وَتقدم أَنَّهَا مَحْمُولَة على الشَّرْط، وَإِن كتبت طَوْعًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 على الْمُعْتَمد وَهَذَا كُله إِذا قُلْنَا إِنَّهَا بيع، وَأما إِن قُلْنَا إِنَّهَا رهن وَهُوَ عرف النَّاس الْيَوْم فَلَا شُفْعَة أصلا انْظُر مَا تقدم. الثَّانِي: إِن أحدث المُشْتَرِي فِي الدَّار بِنَاء والموضوع بِحَالهِ من فَسَاد البيع لم يَأْخُذ الشَّفِيع بِالشُّفْعَة حَتَّى يدْفع إِلَى المُشْتَرِي قيمَة مَا أنْفق مَعَ الْقيمَة الَّتِي وَجَبت للْبَائِع على المُشْتَرِي، وَإِن كَانَت الدَّار قد انْهَدَمت لم يوضع عَن الشَّفِيع للهدم شَيْء من الثّمن بل يَأْخُذهَا بِجَمِيعِ الثّمن أَو يتْرك، وَكَذَا إِن كَانَ البيع صَحِيحا وَلم يقم الشَّفِيع لعدم علمه بِالْبيعِ وَنَحْو ذَلِك حَتَّى بنى المُشْتَرِي أَو غرس، فَإِنَّهُ لَا يُمكن من الشُّفْعَة حَتَّى يدْفع جَمِيع الثّمن وَقِيمَة الْبناء وَالْغَرْس قَائِما، وَيسْقط عَنهُ من الثّمن قيمَة النَّقْض إِن أَعَادَهُ المُشْتَرِي فِي الْبناء، فَإِن لم يعده فِيهِ فَللشَّفِيع أَخذه وَيدْفَع جَمِيع الثّمن كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: وَإِن هدم وَبنى فَلهُ قِيمَته قَائِما وللشفيع النَّقْض الخ. (كَذَاك) الشّقص (ذُو التعويض ذَا) أَي الشُّفْعَة بِالْقيمَةِ (فِيهِ تجب) . وَالْمرَاد قيمَة مَا دفع فِي الشّقص لَا قيمَة الشّقص الْمَشْفُوع، فَإِذا عوضه عَن نصف دَار مثلا عرضا أَو حَيَوَانا أَو نصف حَائِط أَو دَار أُخْرَى وَهِي المناقلة، فللشريك فِي الدَّار أَن يشفع بِقِيمَة الْعرض أَو الْحَيَوَان وَنصف الْحَائِط وَنصف الدَّار الْأُخْرَى لَا بِقِيمَة نصف الدَّار الْمَشْفُوع إِلَّا أَن يكون نصف الدَّار وَقع خلعاً أَو صلحا عَن عمد، وَنَحْوهمَا من الْمسَائِل السَّبع الْمشَار إِلَيْهَا بقول (خَ) فِي الِاسْتِحْقَاق: إِلَّا نِكَاحا وخلعة وَصلح عمد ومقاطعاً عَن عبد أَو مكَاتب أَو عمرى الخ. فَالشُّفْعَة فِي ذَلِك بِقِيمَة الشّقص الْمَشْفُوع وَتعْتَبر قِيمَته يَوْم عقد الْخلْع وَالنِّكَاح وَيَوْم عقد بقيتها لَا يَوْم قيام الشَّفِيع وَأما الْمَدْفُوع فِي صلح الْخَطَأ فَالشُّفْعَة فِيهِ بدية الْخَطَأ على تنجيمها، وَمَا تقدم من أَن المناقلة فِيهَا الشُّفْعَة مُطلقًا هُوَ الْمَشْهُور. وَقَالَ المتيطي: وَإِن كَانَت الدّور أَو الْحَائِط بَين شُرَكَاء فناقل أحدهم بعض إشراكه بِأَن جعل لَهُم حَظه من هَذِه الدَّار. وَهَذَا الْحَائِط فِي الدَّار الْأُخْرَى أَو الْحَائِط الآخر فَلَا شُفْعَة فِي ذَلِك لِأَنَّهُ لم يرد البيع، وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّوَسُّع فِي حَظه وَجمعه للِانْتِفَاع، روى ذَلِك مطرف وَابْن الْمَاجشون عَن مَالك. وبهذه الرِّوَايَة الْقَضَاء وَعَلَيْهَا الْعَمَل، وَكَانَ ابْن الْقَاسِم يَقُول: إِن مَالِكًا رَجَعَ عَن هَذَا وَقَالَ فِيهِ الشُّفْعَة، وَأما إِن ناقل نصِيبه من هَذِه الدَّار الْمُشْتَركَة أَو الأَرْض الموصوفة إِلَى دَار أُخْرَى لَا شركَة لَهُ فِيهَا فَفِيهَا الشُّفْعَة، سَوَاء ناقل بعض أشراكه أَو أَجْنَبِيّا اه. بِلَفْظ النِّهَايَة. وَنَحْوه فِي الدّرّ النثير وَالْعَمَل الْمُطلق، وَهَذَا التَّفْصِيل هُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده كَمَا يدل لَهُ كَلَام ابْن نَاجِي وَغَيره. وَالخَلْفُ فِي صنف المقاثي اشْتَهَرْ وَالأَخْذُ بالشُّفْعَةِ فِيهِ مُعْتَبَرْ (وَالْخلف) فِي وجوب الشُّفْعَة وَعدم وُجُوبهَا (فِي صنف المقاثي) بِالْهَمْز على الأَصْل جمع مقثأة كالفقوس والبطيخ والباذنجان (اشْتهر) هُوَ أَي الْخلف بِمَعْنى الْخلاف (وَالْأَخْذ بِالشُّفْعَة فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 الْمُعْتَبر) لِأَنَّهُ الرَّاجِح وَالْمَشْهُور لِأَنَّهَا من الثِّمَار كَمَا مر (خَ) وكثمرة ومقاثي وباذنجان الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا يسْقط الشُّفْعَة بعد وُجُوبهَا فَقَالَ: وَالَّترْكُ لِلقِيَامِ فَوْقَ العَامِ يُسْقِطُ حَقَّهُ مَعَ المُقَامِ (وَالتّرْك للْقِيَام) بِالشُّفْعَة والسقوط عَن طلبَهَا (فَوق الْعَام) من يَوْم الْعلم بِالْبيعِ لَا من وَقت عقد البيع (يسْقط حَقه) فِي الْأَخْذ بهَا (مَعَ الْمقَام) أَي مَعَ حُضُوره بِالْبَلَدِ وَعلمه بِالْبيعِ وَهُوَ بَالغ رشيد لَا مَانع يمنعهُ من مرض وَخَوف وَنَحْوهمَا، وَظَاهره أَنَّهَا لَا تسْقط إِلَّا بِمَا زَاد على الْعَام وَهُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة قَالَ فِيهَا: إِن مَا قَارب السّنة كالشهرين وَالثَّلَاثَة لَهُ حكمهَا اه. قَالَ فِي الْكَافِي: وَهُوَ الْمَشْهُور من الْمَذْهَب. وَفِي الْمُتَيْطِيَّة والجزيري: أَن بِهِ الْقَضَاء وَالْعَمَل، وَمذهب الرسَالَة أَنَّهَا تَنْقَطِع بِمُجَرَّد مُضِيّ الْعَام، وَعَلِيهِ اقْتصر (خَ) وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ أَشهب عَن مَالك وَبَالغ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ: إِذا غربت الشَّمْس من آخر أَيَّام السّنة فَلَا شُفْعَة. قَالَ أَبُو الْحسن، حَسْبَمَا فِي الدّرّ النثير: وَعَلِيهِ الْعَمَل عِنْد الْقُضَاة وَنَحْوه فِي وثائق الفشتالي ومجلس المكناسي والمعيار وَغَيرهم، فَتبين بِهَذَا أَنه عمل بِكُل من الْقَوْلَيْنِ، وَلَكِن الْمُتَأَخّرُونَ على الثَّانِي فَوَجَبَ الْمصير إِلَيْهِ وَيُمكن تمشية النَّاظِم عَلَيْهِ بِأَن يُرَاد بالفوقية أول جُزْء مِنْهَا. وَسَيَأْتِي أَن سكُوت الْوَلِيّ من أَب أَو وَصِيّ عَن الْأَخْذ بِالشُّفْعَة للمحجور هَذِه الْمدَّة مسْقط لشفعة الْمَحْجُور، وَمَفْهُوم قَوْله فَوق الْعَام أَنه إِذا قَامَ قبل الْعَام فَإِنَّهَا لَا تسْقط وَهُوَ كَذَلِك، لكنه يحلف إِذا بعد مَا بَين الْعلم وقيامه كالسبعة الْأَشْهر وَنَحْوهَا وَاشْتِرَاط مُضِيّ الْعَام إِنَّمَا هُوَ إِذا لم يبين المُشْتَرِي أَو يغْرس، وإلاَّ فَتسقط شفعته وَلَا ينْتَظر مُضِيّ الْعَام قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. ثمَّ صرح بِمَفْهُوم قَوْله مَعَ الْمقَام فَقَالَ: وغائبٌ باقٍ عَلَيْها وَكذَا ذُو العُذْرِ لَمْ يَجِدْ إلَيْهَا مَنْفَذَا (وغائب) عَن الْبَلَد وَقت البيع أَو بعد البيع وَقبل علمه بِهِ (بَاقٍ عَلَيْهَا) أَي على شفعته مَا لم يمض الْعَام من وَقت علمه بعد حُضُوره فَإِن شفعته تسْقط حَيْثُ لَا مَانع يمنعهُ وَظَاهره وَلَو قربت غيبته وَهُوَ ظَاهر الْمُدَوَّنَة أَيْضا قَالَ فِيهَا: وَالْغَائِب على شفعته وَإِن طَالَتْ غيبته وَهُوَ عَالم بِالشِّرَاءِ، وَإِن لم يعلم فَهُوَ أَحْرَى. ابْن يُونُس، وَقَالَ أَشهب: إِلَّا أَن تكون غيبَة الشافع قريبَة لَا مُؤنَة عَلَيْهِ فِي الشخوص وَطَالَ زَمَانه بعد علمه بِوُجُوب الشُّفْعَة فَلَا شُفْعَة لَهُ، وَظَاهر أبي الْحسن وَابْن عَرَفَة وَغَيرهمَا: أَن قَول أَشهب تَقْيِيد، وَصرح بذلك ابْن نَاجِي فَقَالَ على قَوْلهَا وَالْغَائِب على شفعته الخ. مَا نَصه: يُرِيد إِن كَانَت الْغَيْبَة بعيدَة وَأما الْقَرِيبَة فَلَا مُؤنَة فِي الشخوص على الشَّفِيع فِيهَا فَهُوَ كالحاضر لنَصّ أَشهب بذلك اه. فَتبين أَن قَول أَشهب تَقْيِيد للْمَذْهَب فَيجب التعويل عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُوَافق لقَولهم فِي بَاب الْقَضَاء والقريب كالحاضر، وَهَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 كُله فِي غير الضَّعِيف من الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَأما الضَّعِيف مِنْهُمَا فَفِي الوثائق الْمَجْمُوعَة عَن ابْن مزين أَن الرجل الضَّعِيف وَالْمَرْأَة الضعيفة يغيبان على نَحْو الْبَرِيد لَا تسْقط شفعتهما وَينظر السُّلْطَان فِي ذَلِك، وَفِي الطرر وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون: الْمَرْأَة لَا تَنْقَطِع شفعتها إِن كَانَت على مَسَافَة يَوْم وَسلمهُ ابْن عَرَفَة وَغَيره، ثمَّ قَالَ فِي الطرر: وَالرجل على ثَلَاثَة أَيَّام فَأكْثر لَا تَنْقَطِع شفعته، وَأما الْيَوْم واليومان فَهُوَ كالحاضر اه. وَنَحْوه فِي العبدوسي قَائِلا: لَا إِشْكَال أَن ثَلَاثَة أَيَّام مسافتها بعيدَة، وَإِنَّمَا النّظر فِي الْيَوْمَيْنِ اه. وَقَوْلِي: أَو بعد البيع وَقبل علمه بِهِ احْتِرَازًا مِمَّا إِذا غَابَ بعد علمه بِهِ فَإِنَّهَا تسْقط شفعته بِمُضِيِّ الْعَام (خَ) : كَأَن علم فَغَاب إِلَّا أَن يظنّ الأوبة قبلهَا فعيق عَن الْقدوم بفتنة أَو مرض، فَإِنَّهَا لَا تسْقط وَلَو مضى الْعَام، وَهَذَا كُله إِذا غَابَ الشَّفِيع، وَأما إِذا غَابَ المُشْتَرِي فَللشَّفِيع أَن يرفع إِلَى القَاضِي وَيَأْخُذ بِالشُّفْعَة بعد إِثْبَات الموجبات كَمَا تقدم فِي الْقَضَاء على الْغَائِب قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة، لَكِن قَالَ ابْن يُونُس، عَن ابْن الْمَوَّاز: لاستثقال النَّاس الرّفْع إِلَى الْقُضَاة كَانَت غيبَة المُشْتَرِي عذرا. ابْن عَرَفَة: وَهَذَا يحسن فِيمَن يعلم مِنْهُ ذَلِك فَأَما من يعلم مِنْهُ الطّلب وَالدُّخُول إِلَى الْقُضَاة فَلَا شُفْعَة لَهُ اه. وَقَيده ابْن عَرَفَة أَيْضا بِغَيْر قريب الْغَيْبَة، وَأما هُوَ فكالحاضر. وَفِي المعيار: إِذا غَابَ المُشْتَرِي فَإِن الشَّفِيع يشْهد على نَفسه أَنه شفع وَأَن الثّمن بَاقٍ عَلَيْهِ، فَإِذا قدم دفع إِلَيْهِ الثّمن، فَإِن غفل عَن هَذَا الْإِشْهَاد وطالت غيبَة المُشْتَرِي أَكثر من عَام سَقَطت شفعته، وَفِيه أَيْضا قبل هَذَا بِنَحْوِ ثَلَاث وَرَقَات أَنه لَا يلْزمه أَن يرفع الْأَمر إِلَى الْحَاكِم لِأَنَّهُ يكلفه إِثْبَات الموجبات وَرُبمَا عسرت عَلَيْهِ اه. وَهَذَا صَرِيح فِي أَن الْإِشْهَاد وَاجِب على الشَّفِيع عِنْد غيبَة المُشْتَرِي وَإِلَّا سَقَطت، فَتَأَمّله مَعَ مَا قبله. وَأما غيبَة الْعقار الْمَشْفُوع مَعَ حُضُور الشَّفِيع وَالْمُشْتَرِي فَلَيْسَتْ عذرا قَاطعا (وَكَذَا) الشَّفِيع (ذُو الْعذر) لَا يسْقط حَقه فِيهَا حَيْثُ (لم يجد إِلَيْهَا منفذا) بِسَبَب الْعذر من سطوة أَو فتْنَة أَو حجر، وَأثبت ذَلِك بِمُوجبِه ابْن يُونُس قَالَ مطرف وَابْن الْمَاجشون: وَالْمَرِيض الْحَاضِر وَالصَّغِير وَالْبكْر كالغائب، وَلَهُم بعد زَوَال ذَلِك الْعذر مثل مَا للحاضر كَانُوا عَالمين بِالشُّفْعَة أم لَا. وَقَالَ أصبغ: الْمَرِيض كَالصَّحِيحِ لقدرته على التَّوْكِيل إِلَّا أَن يشْهد فِي مَرضه قبل مُضِيّ وَقت الشُّفْعَة أَنه على شفعته، وَأَنه ترك التَّوْكِيل عَجزا عَنهُ وإلاَّ فَلَا شَيْء لَهُ. ابْن حبيب: وَالْأول أحب إِلَيْنَا. العبدوسي: الْمَشْهُور أَن الْمَرِيض يعْذر خلاف مَا قَالَه أصبغ. وَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 أَن الْمَرِيض كَالصَّحِيحِ وَقيل كالغائب، وَفِي الأَجْهُورِيّ أَن كَونه كَالصَّحِيحِ هُوَ الرَّاجِح اه. . قلت: الظَّاهِر مَا للعبدوسي من أَنه يعْذر، وَيُؤَيِّدهُ مَا تقدم من أَن استثقال النَّاس الرّفْع للقضاة يعد عذرا فَلم يَقُولُوا إِن المستثقل للرفع يُوكل لِأَن إدلاءه لحجج نَفسه أقوى من إدلاء غَيره، وَلِأَنَّهُ لَا يجد فِي الْغَالِب ناصحاً لَهُ، وَقد علم مَا عَلَيْهِ النَّاس الْيَوْم من قبُول الرشا وَفِي وكالات المعيار مَا يشْهد لذَلِك وَالله أعلم. وَفِي الْمُتَيْطِيَّة: وَأما الْغَالِب وَالصَّغِير المهمل وَالسَّفِيه الَّذِي مَاتَ وليه واليتيم وَالْبكْر فَلَا تَنْقَطِع شفعتهم إِلَّا بعد عَام من قدوم الْغَائِب وبلوغ الْيَتِيم وَالْبكْر وترشيد السَّفِيه وَنِكَاح الْبكر ورشدها. هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَبِه الْعَمَل اه. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا قَامَ الْحَاضِر بعد مُضِيّ السّنة وَأنكر علمه بِالْبيعِ فَإِنَّهُ يصدق بِيَمِينِهِ وَلَو قَامَ بعد مُضِيّ خمس عشرَة سنة أَو أَكثر (خَ) : وَصدق إِن أنكر علمه الخ. أَي أنكر علمه بِالْبيعِ أَو بِأَن الشّقص ملكه، وَهَذَا إِذا كَانَ البَائِع يَلِي النّظر مَعَ الشَّفِيع وَأما إِذا كَانَ المُشْتَرِي يَلِي النّظر مَعَه فَلَا يقبل قَوْله إِنَّه لم يعلم لِأَن شَاهد الْحَال يكذبهُ إِذْ لَا يكَاد يخفى عَلَيْهِ بِأَيّ وَجه يَلِي النّظر مَعَه قَالَ الْبُرْزُليّ على الطرر، وَقَالَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّة أَيْضا قَالَ: وَقد قَالَ فضل فِي وثائقه: إِذا كَانَ الشَّفِيع يرى المُشْتَرِي يحرث الأَرْض ويعملها بِحَيْثُ لَا يخفى على مثله فَلَا كَلَام لَهُ إِذا طَال ذَلِك انْتهى بِاخْتِصَار نَقله ابْن رحال وَغَيره مُسلما، فَيجب اعْتِمَاده، وَإِن كَانَ الزياتي نقل فِي نوازله عَن ابْن خجوا أَن مَا فِي الْمُتَيْطِيَّة لَا يُفْتى بِهِ فِي بلدنا، لكنه لَا يَنْبَغِي أَن يعول عَلَيْهِ وَالله أعلم. الثَّانِي: إِذا قَالَ الْمُبْتَاع: نسيت الثّمن فَإِن مضى من طول الْمدَّة مَا يندرس فِيهِ الْعلم وَتَمُوت الْبَيِّنَة فَالشُّفْعَة سَاقِطَة، وَلَو كَانَ الشَّفِيع صَغِيرا أَو غَائِبا بعد أَن يحلف أَنه نَسيَه وَأَنه مَا يعلم قدره، وَأما فِي قرب الأمد مِمَّا يرى أَن الْمُبْتَاع أخْفى الثّمن ليقطع الشُّفْعَة فَإِن الشَّفِيع يشفع بِقِيمَة الشّقص يَوْم البيع نَقله (ح) وَنَحْوه فِي الشَّامِل. وَقَالَ فِي الْكَافِي: لَو جهل ثمن الشّقص فَإِن كَانَ لطول الزَّمَان سَقَطت الشُّفْعَة وَإِن كَانَت الْمدَّة قريبَة فَللشَّفِيع أَخذ الشّقص بِقِيمَتِه هَذَا قَوْله فِي الْمُوَطَّأ وَهُوَ تَحْصِيل مَذْهَب مَالك وَعَلِيهِ الْعَمَل اه. وَنَقله فِي الدّرّ النثير وَالْعَمَل الْمُطلق. الثَّالِث: لَا شُفْعَة فِي التمخي قَالَ ابْن الْقَاسِم فِيمَن تصدق بحظه على أُخْت لَهُ وَقَالَ: كنت أخذت من موروثها مَالا وَلَا يعلم قدر مَا أَخذ من مَالهَا مَا نَصه: ذَلِك الْحَظ لَهَا وَلَا أرى لأحد فِيهِ الشُّفْعَة لِأَن مَالِكًا قَالَ: لنا مَا طَال من الشُّفْعَة حَتَّى نسي ثمنه وَلم ير أَن صَاحبه أخْفى ذَلِك لقطع الشُّفْعَة فَلَا شُفْعَة فِيهِ إِذا أَتَى من يَطْلُبهُ اه. بِاخْتِصَار. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: من ادّعى حَقًا فِي دَار بيد رجل فَصَالحه مِنْهُ فَإِن جهلاه جَمِيعًا جَازَ ذَلِك وَلَا شُفْعَة فِيهِ، ثمَّ قَالَ: وَإِن ادَّعَت سدس دَار بيد رجل فَأنْكر فصالحك مِنْهُ على شقص دَفعه إِلَيْك من دَار أُخْرَى، فَالشُّفْعَة فِي الشّقص الَّذِي لَا دَعْوَى فِيهِ بِقِيمَة الْمُدعى فِيهِ لِأَن قابضه مقرّ أَنه اشْتَرَاهُ وَدفع فِي ثمنه السُّدس وَلَا شُفْعَة فِي الشّقص الْمُدعى فِيهِ لِأَن قابضه يَقُول: إِنَّمَا أخذت حَقي وافتديته بِمَا دفعت فِيهِ وَلم أشتره اه. وَفِي ابْن سَلمُون: لَا شُفْعَة فِي التمخي عِنْد ابْن الْقَاسِم وَغَيره إِلَّا أَن يكون صلحا عَن طلب فَفِيهِ الشُّفْعَة وَهُوَ حِينَئِذٍ كَالْبيع اه. الرَّابِع: لَيْسَ لأحد الْمُتَفَاوضين شُفْعَة فِيمَا بَاعه الآخر لِأَن بيع أَحدهمَا يلْزم صَاحبه، وَهَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 بِخِلَاف الْوَكِيل فَفِي الْمُدَوَّنَة وَمن وكل رجلا ليبيع لَهُ شِقْصا أَو يَشْتَرِيهِ وَالْوَكِيل شفيعه فَفعل لم يقطع ذَلِك شفعته اه. وعامل الْقَرَاض كَالْوَكِيلِ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَكَذَا إِذا بَاعَ الْوَصِيّ أَو الْأَب حِصَّته فِي دَار مُشْتَركَة بَينه وَبَين يتيمه، فَلهُ أَن يَأْخُذ بِالشُّفْعَة لنَفسِهِ أَو ليتيمه كَمَا قَالَ (خَ) وشفع لنَفسِهِ أَو ليتيم آخر وَعَلِيهِ فَمَا فِي الْبُرْزُليّ والتتائي ونوازل العلمي من أَن الْوَكِيل وَالْوَصِيّ وَالْأَب لَا شُفْعَة لَهُم خلاف الْمَذْهَب. الْخَامِس: قَالَ ابْن رشد فِي أجوبته: إِن كَانَ بعض الأشراك أَحَق بِالشُّفْعَة من بعض فَلَيْسَ للأبعد أَن يَأْخُذ بِالشُّفْعَة حَتَّى يُوقف الْأَقْرَب على الْأَخْذ أَو التّرْك، وَإِذا لم يقم وَاحِد مِنْهُم بِطَلَب الشُّفْعَة حَتَّى مضى أمد انقطاعها بطلت شفعتهم جَمِيعًا الْقَرِيب والبعيد وَلَا حجَّة للبعيد فِي أَن الْقَرِيب كَانَ أَحَق بِالشُّفْعَة مِنْهُ، فَلذَلِك لم يقم بطلبها لِأَن سُكُوته عَن أَن يقوم بشفعته فيأخذها إِن كَانَ الْأَقْرَب غَائِبا أَو يوقفه عَن الْأَخْذ وَالتّرْك إِن كَانَ حَاضرا مسْقط لحقه فِيهَا اه. وَنَحْوه فِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن أبي زيد وَصَاحب الطرر، وَلما نَقله ابْن عَرَفَة قَالَ عقبه: هَذَا كالمنافي لما قَالَه مُحَمَّد من أَن استثقال النَّاس الرّفْع إِلَى الْقُضَاة يعد عذرا اه. السَّادِس: إِذا أشهد الشَّفِيع بِالْأَخْذِ وَلم يعلم المُشْتَرِي بذلك إِلَّا بعد مُضِيّ الأمد الْمسْقط فَلَا شُفْعَة لَهُ على مَا بِهِ عمل فاس قَالَه المسناوي عَن سَيِّدي الْعَرَبِيّ بردلة وَقَول ناظم الْعَمَل: وَالْأَخْذ بِالشُّفْعَة سرا ينفع الخ. لَا عمل عَلَيْهِ. السَّابِع: للشفعة مَرَاتِب أَربع يقدم فِيهَا ذُو الْفَرْض ثمَّ الْعصبَة ثمَّ الْمُوصى لَهُم ثمَّ الْأَجَانِب وكل مِنْهُم يدْخل على من بعده دون الْعَكْس، فَإِذا كَانَت دَار مُنَاصَفَة بَين رجلَيْنِ فَمَاتَ أَحدهمَا عَن زَوْجَتَيْنِ وابنتين وأخوين وَأوصى بِثلث نصفه لِرجلَيْنِ، فَإِذا باعت إِحْدَى الزوجتين أَو البنتين فالأخرى أَحَق بنصيبها لقَوْل (خَ) وَقدم مشاركه فِي السهْم، فَإِذا أسقطت الشُّفْعَة فَالشُّفْعَة للبنتين والأخوين على قدر الْأَنْصِبَاء دون الْمُوصى لَهما، فَإِذا بَاعَ أحد الْأَخَوَيْنِ فَالشُّفْعَة للْأَخ الآخر وللزوجتين والبنتين لقَوْله أَيْضا: وَدخل على غَيره أَي وَدخل ذُو الْحَظ والسهم على غَيره من الْوَرَثَة والأخوان وَرَثَة، وَكَذَا إِذا مَاتَت إِحْدَى البنتين أَو أحد الْأَخَوَيْنِ عَن ثَلَاثَة أَوْلَاد مثلا فَبَاعَ أحد الْأَوْلَاد، فَإِن الْوَلَدَيْنِ الباقيين أَحَق لقَوْله وَقدم مشاركه فِي السهْم لِأَن الْمَيِّت من الْأَوْلَاد ذُو سهم وَاحِد وَأَوْلَاده شُرَكَاء فِيهِ، وَإِذا بَاعَ أحد الْأَخَوَيْنِ أَو الْبِنْت الْبَاقِيَة أَو إِحْدَى الزوجتين وأسقطت الْبَاقِيَة فَإِن أَوْلَاد الْمَيِّت الثَّانِي يدْخلُونَ مَعَ الأعلين وهم الزَّوْجَة الْبَاقِيَة والأخوان لقَوْله أَيْضا: وَدخل على غَيره لِأَن أهل وراثة الْمَيِّت الثَّانِي ذُو سهم وَاحِد فَيدْخلُونَ مَعَ الأعلين، وَإِذا بَاعَ أحد الْمُوصى لَهما دخل مَعَ الْبَاقِي مِنْهُمَا فِي الْمِثَال الْمَذْكُور الزوجتان والبنتان والأخوان لقَوْله: ووارث على موصى لَهُم وَلَا يدْخل الْمُوصى لَهما إِذا بَاعَ أحد الْأَخَوَيْنِ أَو إِحْدَى الزوجتين أَو البنتين وأسقطت الْأُخْرَى كَمَا مر، فَإِذا أسقط الْمُوصى لَهُم وَمن قبلهم الشُّفْعَة انْتَقَلت للْأَجْنَبِيّ وَهُوَ شريك الْهَالِك الأول وَالْمُشْتَرِي من كل مِمَّن ذكر يتنزل مَنْزِلَته، فَإِذا كَانَت الشّركَة بَين أَرْبَعَة فَبَاعَ أحدهم نصِيبه وَأسْقط الْآخرُونَ للْمُشْتَرِي الشُّفْعَة، ثمَّ بَاعَ بعض البَاقِينَ نصِيبه، فَإِن المُشْتَرِي الأول يكون شَفِيعًا مَعَ من بَقِي وَيسْقط حَقهم فِي التَّقْدِيم عَلَيْهِ قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك. ابْن رشد: وَهَذَا مِمَّا لَا أعلم فِيهِ خلافًا لِأَن الْمُبْتَاع يحل مَحل بَائِعه اه. وَعَلِيهِ فَإِذا باعت إِحْدَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 الزوجتين نصِيبهَا وأسقطت الْأُخْرَى مَعَ بَاقِي الْوَرَثَة الشُّفْعَة، ثمَّ باعت الزَّوْجَة الثَّانِيَة المسقطة يكون المُشْتَرِي أَحَق بِالشُّفْعَة من بَاقِي الْوَرَثَة لِأَنَّهُ منزل منزلَة ضَرَّتهَا فَتَأَمّله. وَمَا تقدم عَن مَالك وَابْن رشد لَا يُعَارضهُ مَا فِي الكراس الثَّالِث عشر من معاوضات المعيار من أَن الْإِنْسَان إِذا بَاعَ نصف دَاره وَمَات فَبَاعَ بعض ورثته بعض النّصْف الآخر، فَإِن الشُّفْعَة للْوَارِث الآخر لَا للْأَجْنَبِيّ لما بَينهمَا من الْفرق الظَّاهِر، وَلما نقل الرهوني مَا مر عَن ابْن رشد نقل أَيْضا عَن ابْن الْمَوَّاز أَن أحد أَوْلَاد الْمَيِّت إِذا أوصى بحظه لرجل، ثمَّ بَاعَ وَاحِد من بَقِيَّة الْأَوْلَاد فَإِن من أوصى لَهُ الْوَلَد يدْخل فِي ذَلِك مَعَ بَقِيَّة الْإِخْوَة وَلم يَخْتَلِفُوا فِي هَذَا، وَلَيْسَ كَالَّذي أوصى لَهُ أبوهم الَّذِي ورثوا الدَّار عَنهُ لِأَنَّهُ كمبتاع من أحد الْبَنِينَ فَيحل مَحل بَائِعه ثمَّ قَالَ: وَأما إِذا اشْترى السهْم كُله جمَاعَة فَبَاعَ أحدهم حَظه فَقَالَ ابْن رشد عَن ابْن الْقَاسِم: لَا يكون إشراكه أَحَق بِالشُّفْعَة من إشراك البَائِع، وَقَالَ أَشهب: إشراكه أَحَق لأَنهم كَأَهل سهم وَاحِد وَأَصله فِي الشَّامِل ثمَّ قَالَ: وَإِذا بَاعَ أحد الْإِخْوَة حَظه من أَرض المغارسة فالعامل كأحدهم فِي الشُّفْعَة إِذا وَقع البيع بعد تَمام الْعَمَل، وَأما إِن بَاعَ قبله فالعامل لَا يشفع حَتَّى يبلغ الْغَرْس فبلوغ الْغَرْس كوضع الْحمل، فَكَمَا أَن الْوَصِيّ لَا يشفع للْحَمْل حَتَّى يوضع فَكَذَلِك المغارسة اه. وَانْظُر مَا يَأْتِي آخر المغارسة وَمَا أسلفناه من الْمِثَال فِيهِ تقريب على الْمُبْتَدِي وَفِيه إِشْعَار بِأَن الصَّوَاب حذف قَول (خَ) كذي سهم على وَارِث وَلذَا أصلحه بَعضهم بقوله: وَقدم مشاركه فِي السهْم ثمَّ الْوَارِث وَلَو عاصباً وَدخل على الْمُوصى لَهُم، ثمَّ الْأَجْنَبِيّ بعدهمْ اه. وَقد اسْتُفِيدَ مِمَّا مر أَن وَرَثَة الْوَارِث مقدمون على شُرَكَاء الْوَارِث ويدخلون عَلَيْهِم. وَأَن وَرَثَة المُشْتَرِي مقدمون على شركائه ويدخلون عَلَيْهِم أَيْضا، وَأَن المشترين لجزء إِمَّا من مُشْتَر أَو وَارِث فَلَا يكونُونَ أَحَق من شُرَكَاء البَائِع إِذا بَاعَ أحدهم بل هم مَعَهم سَوَاء خلافًا لأَشْهَب فِي قَوْله: إِنَّهُم أَحَق من شُرَكَاء البَائِع وَالله أعلم. الثَّامِن: الْمحبس عَلَيْهِم لَا شُفْعَة لَهُم إِلَّا أَن يكون مرجع الْحَبْس لأَحَدهم ملكا فَلِمَنْ لَهُ الْمرجع الشُّفْعَة وَانْظُر المتطوع بالإقالة فِي الثنيا، فَإِن الشُّفْعَة لِشَرِيك البَائِع وَلَو حصل التَّطَوُّع الْمَذْكُور كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا، فَإِن بَاعَ شريك البَائِع حَظه بعد التَّطَوُّع الْمَذْكُور فعلى أَنَّهَا رهن، فَللْبَائِع الأول الشُّفْعَة وعَلى أَنَّهَا بيع فَهُوَ بيع بِخِيَار كَمَا يفهم من كَلَام ابْن رشد الْمُتَقَدّم فِي الثنيا وَعَلِيهِ فَيجْرِي ذَلِك على قَول (خَ) : وَوَجَبَت لشَرِيكه أَن بَاعَ نِصْفَيْنِ خياراً ثمَّ بتلا فامضى الخ. وَمَعْلُوم أَن المغارسة بيع تجْرِي على بيع الْخِيَار فَلَا تجب فِيهَا الشُّفْعَة إِلَّا بعد تَمام الْعَمَل بِالْإِطْعَامِ كَمَا أَن الْخِيَار لَا تجب الشُّفْعَة فِيهِ إِلَّا بعد الْإِمْضَاء قَالَه العلمي فِي نوازله، فَانْظُر ذَلِك فِيهِ. وَأما إِذا بَاعَ الْعَامِل فِي المغارسة حِصَّته قبل الْإِطْعَام فَانْظُر حكمه فِي الشُّفْعَة من نوازلنا. التَّاسِع: فِي المعيار عَن ابْن مَحْسُود: أَن الشَّفِيع إِذا طلب من المُشْتَرِي أَن يوليه الشّقص فَأبى أَن لَهُ أَن يَأْخُذهُ بِالشُّفْعَة قَائِلا وَلَيْسَ هِيَ كَمَسْأَلَة المساومة اه. وَمَسْأَلَة المساومة قَالَ اللَّخْمِيّ: إِذا قَالَ إِنَّمَا ساومته لَعَلَّه يَبِيع بِأَقَلّ وَإِلَّا رجعت إِلَى الشُّفْعَة، فَإِنَّهُ يحلف وَيَأْخُذ بِالشُّفْعَة، وَإِن قَالَ: لَا أَشْتَرِي إِن بَاعَ بِأَقَلّ أَو بِأَكْثَرَ فَذَلِك إِسْقَاط لشفعته اه. وَنَحْوه فِي ضيح فَيجب أَن يُقيد بِهِ قَول (خَ) وَسَقَطت إِن قَاسم أَو اشْترى أَو ساوم الخ. الْعَاشِر: إِذا قَامَ الشَّفِيع وَدفع الثّمن للْمُشْتَرِي فَلم يقبله مِنْهُ وَبَقِي يتَصَرَّف مُدَّة طَوِيلَة إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 أَن أذعن لقبضه أَو جبره الْحَاكِم على قَبضه فَطلب الشَّفِيع من المُشْتَرِي غلَّة الأَرْض مُدَّة امْتِنَاعه، فَإِنَّهُ يقْضِي لَهُ بهَا على المُشْتَرِي لِأَن الشّقص الْمَبِيع يملك بِدفع الثّمن قَبضه مِنْهُ المُشْتَرِي أم لَا. قَالَه فِي نَوَازِل الزياتي، وَفِي (خَ) وَدفع ثمن قَالَ (تت) : رَضِي بِأَخْذِهِ أَو لَا اه. وَالأَبُ والوصيُّ مَهْمَا غَفَلاَ عَنْ حَدِّهَا فَحُكْمُهَا قَد بَطَلاَ (وَالْأَب وَالْوَصِيّ مهما غفلا عَن) الْأَخْذ بهَا للمحجور إِلَى انْقِضَاء (حَدهَا) الْمسْقط لَهَا وَهُوَ السّنة (فَحكمهَا قد بطلا) فَلَا أَخذ لَهما بعده وَلَا لَهُ هُوَ إِن رشد لِأَن إعراضهما عَن الْأَخْذ كإعراضه هُوَ بعد رشده، فَلم يَأْخُذ وَلم يتْرك حَتَّى انْقَضى أمدها، وَظَاهره كَانَ الْأَخْذ نظرا أم لَا. وَهُوَ الْمُوَافق لإِطْلَاق (خَ) فِي الْحجر حَيْثُ قَالَ: وللولي ترك التشفيع وَالْقصاص فيسقطان الخ. وَمَا ذكره النَّاظِم قَالَ الفشتالي وَصَاحب الْمُفِيد: عَلَيْهِ الْعَمَل عِنْد أَصْحَاب الوثائق، وَمَفْهُوم غفلا أَنَّهُمَا إِذا أسقطاها بِالْفِعْلِ فَإِنَّهَا تسْقط بالأحرى وإسقاطهما مَحْمُول عِنْد الْجَهْل على النّظر، بل وَلَو ثَبت غير النّظر لِأَنَّهُ إِذا جرى الْعَمَل بِالْإِطْلَاقِ فِي السُّكُوت الَّذِي تَارَة يصدر عَن قصد وَتارَة لَا، فأحرى أَن يجْرِي فِي الْإِسْقَاط الَّذِي لَا يصدر، إِلَّا عَن قصد خلافًا لما فِي (خَ) فِي الشُّفْعَة حَيْثُ قَالَ عاطفاً على مَا لَا تسْقط فِيهِ شُفْعَة الْمَحْجُور أَو أسقط وَصِيّ أَو أَب بِلَا نظر الخ. قَالَ الإِمَام الرهوني فِي حَاشِيَته: أَنه لَا فرق بَين السُّكُوت والإسقاط وَأَن الْعَمَل على سُقُوطهَا مُطلقًا لنظر أَو غير نظر قَالَ: وَمَا فِي (خَ) خلاف الْمُعْتَمد اه. بِاخْتِصَار. قلت: الْخلاف مَبْنِيّ على أَن الشُّفْعَة شِرَاء أَو اسْتِحْقَاق فعلى أَنَّهَا شِرَاء وَهُوَ الْمَشْهُور لَا يلْزمه أَن يَشْتَرِي لمحجوره وعَلى أَنَّهَا اسْتِحْقَاق يلْزمه الْأَخْذ بهَا حَيْثُ كَانَ نظرا، وَقد كنت أجبْت فِي النَّازِلَة بِالْفرقِ بَين الْإِسْقَاط وَالسُّكُوت وجوابنا مُثبت فِي نَوَازِل الشُّفْعَة من نوازلنا فَانْظُرْهُ إِن شِئْت، وَمَفْهُوم الْأَب وَالْوَصِيّ أَن مقدم القَاضِي لَيْسَ كهما فَلَا تسْقط الشُّفْعَة إِذا سكت عَن الْأَخْذ بهَا أَو أسقطها لغير نظر، وَهُوَ كَذَلِك لِأَن مقدم القَاضِي أَضْعَف مِنْهُمَا كَمَا فِي الْبُرْزُليّ، وَقَالَ أَبُو الْحسن فِي مقدم القَاضِي قَولَانِ. الْأَرْجَح عدم السُّقُوط. تَنْبِيه: اخْتلف فِي الْغَائِب وَالْمَرِيض والمهمل فَقَالَ اللَّخْمِيّ: إِن ثَبت أَن لَهُم مَالا يَوْم البيع أَو اكتسبوه دَاخل السّنة كَانَت لَهُم الشُّفْعَة وإلاَّ فَلَا شُفْعَة لَهُم، وَهُوَ مَبْنِيّ على أَن الْمُعْتَبر فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 السداد هُوَ يَوْم الْوُقُوع، وَالْمَشْهُور الَّذِي بِهِ الْعَمَل بفاس الْآن أَن الْمُعْتَبر فِيهِ يَوْم النّظر وَعَلِيهِ فَلهم الشُّفْعَة وَلَو لم يكن لَهُم مَال يَوْم الْوُقُوع، وَإِنَّمَا طَرَأَ لَهُم يَوْم النّظر. وَإنْ يُنَازِعْ مُشْتَرٍ فِي الانْقِضَا فَلِلشَّفِيعِ مَعْ يَمِينِهِ الْقَضَا (وَأَن يُنَازع) بِفَتْح الزَّاي مَبْنِيّ للْمَجْهُول (مُشْتَر فِي الانقضا) ء للسّنة بِأَن يَقُول: اشْتريت وَقد مَضَت سنة من يَوْم الشِّرَاء وَيَقُول الشَّفِيع: بل السّنة لم تنقض وَلَا بَيِّنَة لوَاحِد مِنْهُمَا (فَللشَّفِيع مَعَ يَمِينه القضا) ء قَالَ فِي الطرر، عَن ابْن فتحون: لِأَن الشُّفْعَة قد وَجَبت لَهُ وَالْمُشْتَرِي يَدعِي مَا يُسْقِطهَا فَلَا يصدق اه. وَمثله دَعْوَى المُشْتَرِي عَلَيْهِ الْعلم مُنْذُ سنة وَأنكر، فَالْقَوْل للشَّفِيع مَعَ يَمِينه. وَلَيْسَ الإسْقَاطُ بِلاَزِمٍ لِمَنْ أَسْقَطَ قَبْلَ الْبَيْعِ لاَ عِلْمَ الثَّمَنْ (وَلَيْسَ الْإِسْقَاط بِلَازِم لمن أسقط قبل البيع) وَلَو على وَجه التَّعْلِيق الصَّرِيح كَقَوْلِه قبل البيع: إِذا وَجَبت لي الشُّفْعَة عَلَيْك فقد سلمتها لَك، أَو إِن اشْتريت أَنْت فقد اسقطت أَنا شفعتي، وَظَاهره كَانَ الْإِسْقَاط على مَال أم لَا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِن سلم قبل البيع على مَال أَخذه بَطل ورد المَال وَكَانَ على شفعته اه. وَقَوْلها أَخذه الخ. يَقْتَضِي أَنه إِذا لم يَأْخُذهُ وَلَكِن قَالَ لَهُ: إِن اشْتريت ذَلِك الشّقص فقد سلمت لَك شفعتي على دِينَار تعطيه إيَّايَ، فَإِن لم يَبِعْهُ لَك فَلَا شَيْء لي عَلَيْك. قَالَ اللَّخْمِيّ: ذَلِك جَائِز وَلَو اشْترط النَّقْد لم يجز اه. وَنَقله (ح) فِي التزاماته مُسلما وَخرج اللَّخْمِيّ فِي مَسْأَلَة التَّعْلِيق قولا بِلُزُوم الْإِسْقَاط قَالَ قِيَاسا على من قَالَ: إِن اشْتريت عبد فلَان فَهُوَ حر، وَإِن تزوجت فُلَانَة فَهِيَ طَالِق، وَفرق ابْن رشد فِي الْأَجْوِبَة بِأَن الطَّلَاق وَالْعِتْق من حق الله بِخِلَاف الشُّفْعَة، ابْن عبد السَّلَام: وَهَذَا الْفرق لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَيظْهر لبادي الرَّأْي صِحَة تَخْرِيج اللَّخْمِيّ، وَذكر ابْن عَرَفَة عَن شَيْخه ابْن الْحباب أَنه فرق بِأَن التَّزْوِيج وَشِرَاء العَبْد كِلَاهُمَا من فعل الْمُلْتَزم بِخِلَاف شِرَاء الشّقص الْمَشْفُوع فَلَيْسَ من فعله وَتعقبه الأبي فِي شرح مُسلم بِأَن ابْن الْحباب لم يكن عَارِفًا بالفقه، وَإِنَّمَا كَانَ عَارِفًا بالعقليات. قلت: لَعَلَّه إِنَّمَا قَالَ لَيْسَ عَارِفًا بالفقه لِأَن التَّعْلِيق لَا فرق فِيهِ بَين أَن يعلق على فعل نَفسه أَو على فعل غَيره، وَقد قَالَ (خَ) وَإِن علق على فعل غَيره فَفِي الْبر كنفسه وَالله أعلم. (لَا علم) بِالْجَرِّ عطفا على البيع أَي لَا إِن أسقطها بعد البيع وَقبل علم (الثّمن) فَإِن الْإِسْقَاط يلْزمه. ابْن سَلمُون: فَإِن أسقطها قبل أَن يعلم مِقْدَار الثّمن لزمَه ذَلِك اه. وَفِي الْمُدَوَّنَة: إِن سلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 الشُّفْعَة بعد البيع لزمَه وَلَو جهل الثّمن. ابْن رشد: إِلَّا أَن يَأْتِي من ذَلِك مَا لَا يكون ثمنا لمثله فَلَا يلْزمه تَسْلِيمه اه. قلت: وَإِنَّمَا لزمَه ذَلِك لِأَن الْإِسْقَاط لَا مُعَاوضَة فِيهِ بِخِلَاف الْأَخْذ بهَا قبل معرفَة الثّمن وجنسه، فَإِن الْأَخْذ يكون فَاسِدا وَيجْبر على فَسخه بِنَاء على أَن الْأَخْذ بهَا بيع، وَصرح ابْن رشد وَغَيره بمشهوريته فَفِيهِ شِرَاء بِثمن مَجْهُول وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَلَزِمَه إِن أَخذ وَعرف الثّمن الخ. فمفهومه أَنه إِذا لم يكن عرفه فَلم يَصح الْأَخْذ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَبِه صدر فِي الشَّامِل خلافًا لما فِي ضيح عَن الْمَازرِيّ من أَنه إِذا أَخذ قبل علم الثّمن فَلهُ الرَّد اتِّفَاقًا وَكَذَا لَهُ التَّمَسُّك على الْمَشْهُور اه. قلت: وَلَعَلَّ وَجهه أَنه كَأَنَّهُ اشْترى على أَنه بِالْخِيَارِ عِنْد علم الثّمن أَو هُوَ مَبْنِيّ على أَن الشُّفْعَة اسْتِحْقَاق لَا بيع وَالله أعلم. ثمَّ إِن فسخ أَخذه على الْمُعْتَمد فَلَا تسْقط شفعته بل لَهُ أَخذهَا بعد مَعْرفَته بِالثّمن. كَذَاكَ لَيْسَ لاَزِماً مَنْ أُخْبِرَا بِثَمنٍ أَعْلَى وَبالنَّقْصِ الشِّرَا (كَذَاك) التَّشْبِيه رَاجع للمسألة الأولى الَّتِي الْإِسْقَاط فِيهَا غير لَازم أَي: فَكَمَا لَا يلْزم الْإِسْقَاط قبل البيع كَذَلِك (لَيْسَ لَازِما من) أَي شَفِيعًا (أخبرا) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول أَي قيل لَهُ إِن الشِّرَاء وَقع (بِثمن أَعلَى) كمائة (و) تبين أَنه (بِالنَّقْصِ الشرا) ء كخمسين فَإِنَّهُ لَا يلْزمه الْإِسْقَاط وَله الشُّفْعَة بعد أَن يحلف أَنه مَا أسقط إِلَّا لما أخبر بِهِ من الثّمن العالي، وَمثل الْإِسْقَاط السُّكُوت الْقَاطِع للشفعة، وَظَاهر النّظم أَنه لَا يَمِين عَلَيْهِ وَهُوَ مَا حَكَاهُ ابْن الْمَوَّاز قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: فَإِن سلم الشَّفِيع ثمَّ أثبت أَن الثّمن كَانَ أقل مِمَّا ذكره الْمُبْتَاع فَإِنَّهُ يحلف أَن تَسْلِيمه لم يكن إِلَّا لِكَثْرَة الثّمن وَتَكون لَهُ الشُّفْعَة، وَحكى مُحَمَّد أَنه لَا يَمِين عَلَيْهِ لظُهُور عذره اه. قلت: وَهَذَا يدل على أَن إخْبَاره بِكَثْرَة الثّمن ثَابت بِالْبَيِّنَةِ لَا بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ فَإِنَّهُ لَا يصدق أَنه إِنَّمَا سلم لكَونه أخبر بِالْكَثْرَةِ، وَمثل مَا فِي النّظم لَو أسقط لكذب فِي الْمُشْتَرى بِفَتْح الرَّاء وَالْمُشْتَرِي بِكَسْرِهَا بِأَن قيل فلَان اشْترى نصف نصيب شريكك فأسقط، ثمَّ تبين أَنه اشْترى جَمِيع نصِيبه أَو قيل لَهُ: إِن المُشْتَرِي هُوَ فلَان فأسقط، ثمَّ ظهر أَن المُشْتَرِي غَيره، أَو قيل لَهُ: إِن المُشْتَرِي مُتَعَدد فأسقط فَتبين أَنه وَاحِد وَبِالْعَكْسِ (خَ) : أَو أسقط لكذب فِي الثّمن وَحلف أَو فِي الْمُشْتَرى أَو انْفِرَاده الخ. وَمثل الْإِسْقَاط فِي ذَلِك كُله السُّكُوت حَتَّى مضى الأمد الْمسْقط كَمَا مر. وَشُفْعَةٌ فِي الشِّقْصِ يُعْطَى عَنْ عِوَضِ وَالمَنْعُ فِي التَّبَرُّعَاتِ مُفْتَرَضِ (وشفعة) مُبْتَدأ خَبره (فِي الشّقص) وَجُمْلَة (يعْطى عَن عوض) حَال من الْخَبَر وَأطلق فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 الْعِوَض فَشَمَلَ المالي وَغَيره، وَالشُّفْعَة فِي الأول بِمثل الثّمن، إِن كَانَ مثلِيا أَو دينا فبمثله أَيْضا وَلَو عرضا، وَأما الْعرض غير الدّين فَيشفع بِقِيمَتِه وَغير المالي كخلع وَنَحْوه يشفع بِقِيمَة الشّقص، وَهَذَا الشّطْر مُسْتَغْنى عَنهُ بقوله فِيمَا مر: كَذَاك ذُو التَّفْوِيض ذَا فِيهِ تجب الخ. كَمَا مر شَرحه هُنَاكَ. تَنْبِيه: إِذا وَقع العقد بِعَين وَنقد عرضا أَو الْعَكْس، فالراجح من أَقْوَال خَمْسَة. وَهُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم أَن الشُّفْعَة بِمَا عقد عَلَيْهِ دون مَا نقد، وَكَذَا فِي الِاسْتِحْقَاق وَالْعَيْب وَالْإِقَالَة. قَالَ الفشتالي: إِنَّمَا يكون الرُّجُوع فِي الِاسْتِحْقَاق بِمَا عقد عَلَيْهِ لَا بِمَا نقد، وَكَذَلِكَ فِي الشُّفْعَة، وَلَيْسَ عِنْد الشُّيُوخ مَا يُخَالِفهُ إِلَّا مَا وَقع فِي الِاسْتِحْقَاق من الْمُدَوَّنَة فِيمَن اشْترى بِدَنَانِير فَدفع دَرَاهِم ثمَّ وَقع اسْتِحْقَاق فِي الْمَبِيع، فَإِنَّهُ يرجع بِمَا دَفعه لِأَن رُجُوعه بِمَا عقد عَلَيْهِ يُؤَدِّي إِلَى صرف مستأخر اه. وَفِي الكراس الْحَادِي عشر من معاوضات المعيار فِيمَن بَاعَ خَادِمًا بِدَنَانِير فَأخذ عَنْهَا شَعِيرًا ثمَّ تفاسخا لعيب ظَاهر أَو لإقالة قَالَ: يرجع بِالدَّنَانِيرِ وَأَخذه الشّعير عقد ثَان إِلَّا أَن يكون أَخذ الشّعير على وَجه التجاوز وَالتَّخْفِيف وَالثمن أَكثر فِي الْوَقْت الْمَأْخُوذ فِيهِ الشّعير، فَإِنَّهُ يرجع بشعير مثله اه. وَإِلَى الْمَسْأَلَة الَّتِي استثناها الفشتالي مَعَ مَا عَداهَا أَشَارَ ابْن عَرَفَة بقوله: وفيهَا من رد معيبا دفع عَن ثمنه الدَّنَانِير دَرَاهِم أَو عرضا رجعت فِي الدَّرَاهِم بهَا، وَفِي الْعرض بِالدَّنَانِيرِ زَاد فِي السماع إِلَّا أَن يشبه كَونهَا ثمنا فَمَا عَلَيْهِ إِلَّا قيمَة الْعرض. ابْن الْقَاسِم: يُرِيد أَخذه إِلَّا على وَجه التجاوز وَالتَّخْفِيف كَكَوْنِهِ مُعسرا اه. (وَالْمَنْع) من الشُّفْعَة (فِي التَّبَرُّعَات) من صَدَقَة أَو هبة لغير ثَوَاب ونحلة وَهِي مَا يُعْطِيهِ الْأَب لوَلَده عِنْد الزواج (مفترض) وَاجِب. وَتقدم أَنه لَا شُفْعَة أَيْضا فِيمَا يَدْفَعهُ الْوَلِيّ لمحجوره تمخياً، وَأما هبة الثَّوَاب فَفِيهَا الشُّفْعَة بعد تعْيين الثَّوَاب أَو دَفعه بِالْفِعْلِ كَمَا قَالَ (خَ) : وَهبة بِلَا ثَوَاب وإلاَّ فَفِيهِ الشُّفْعَة بعده، وَمَا ذكره النَّاظِم من منع الشُّفْعَة فِي التَّبَرُّعَات هُوَ الْمَشْهُور. قَالَ فِي الْمَقْصد الْمَحْمُود: وَبِه الْعَمَل، وروى ابْن الْجلاب ثُبُوتهَا قي التَّبَرُّعَات بِقِيمَة الشّقص، وَذكر الزقاق وناظم الْعَمَل أَن الْعَمَل بِهَذِهِ الرِّوَايَة، وَبِه أفتى أَبُو عمر الإشبيلي الْمَعْرُوف بِابْن المكوي وفتواه تَقْيِيد للمشهور. قَالَ ابْن نَاجِي: وَمحل الْمَشْهُور عِنْدِي مَا لم يكثر التحيل من النَّاس على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 إِسْقَاطهَا وإلاَّ فَيحكم بهَا، وَبِه قَالَ أَبُو عمر الإشبيلي قَالَ سَيِّدي عمر الفاسي فِي شرح الزقاقية: مَا قَالَه أَبُو عمر الإشبيلي غير مُخَالف للمشهور، بل هُوَ جَار عَلَيْهِ على مَا قَالَه ابْن نَاجِي، وَقَالَ الشَّيْخ ميارة: مَا قَالَه ابْن المكوي هُوَ الظَّاهِر أَو الْمُتَعَيّن لَا سِيمَا حَيْثُ تحتف بذلك قَرَائِن الْعِوَض وَيبعد فِيهِ التَّبَرُّع اه. وَقَالَ ابْن رحال فِي شَرحه مَا ذكره الزقاق: لَا نوافق عَلَيْهِ فِي الْهِبَة للمبرز فِي الْعَدَالَة وَإِن كَانَ يحلف على مَا بِهِ الْعَمَل، وَلَكِن ينظر إِلَى قَرَائِن الْأَحْوَال إِن كَانَ الْحَاكِم عدلا مبرزاً عَالما وإلاَّ فَيرجع لما قَالَه الزقاق وَجل الْقُضَاة أَو كلهم فِي زمننا لَا يوثق بهم اه. بِاخْتِصَار. فيفهم مِنْهُ أَن التحيل على إِسْقَاط الشُّفْعَة بالتبرع مَوْجُود غَالِبا فِي وقته، وَلَكِن ينظر إِلَى الْحَاكِم إِذْ لَعَلَّه لَا يُرَاعى تِلْكَ الْحِيَل لغَلَبَة الْهوى عَلَيْهِ، وَكَذَا إِذا كثر التحيل على إِسْقَاطهَا بِالزِّيَادَةِ فِي الثّمن كَأَن يَقُول المُشْتَرِي: إِذا اشْتَرَيْته مِنْك بِمِائَة يُؤْخَذ مني بِالشُّفْعَة فَخذ سلْعَة تَسَاوِي مائَة بمائتين إِلَى أجل ثمَّ صير إِلَى الشّقص فِيهَا. انْظُر حاشيتنا على الزقاقية. تَنْبِيه: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِن وهب شِقْصا لغير ثَوَاب فعوض فِيهِ فَقبل الْعِوَض فَإِن رئي أَنه لصدقة أَو صلَة رحم فَلَا شُفْعَة فِيهِ. ابْن الْمَوَّاز: وَكَذَلِكَ لَو أثابه شِقْصا فِي دَار لم يكن أَيْضا فِي الثَّوَاب شُفْعَة لِأَن هَذَا دفع شقصه فِيمَا لم يكن يلْزمه. ابْن نَاجِي: وَهُوَ الْمَشْهُور وَبِه الْفَتْوَى. وَالْخُلْفُ فِي أكْرِيَةِ الرِّبَاعِ وَالدُّورِ وَالحُكْمُ بِالامْتِنَاعِ (وَالْخلف) فِي وجوب الشُّفْعَة (فِي أكرية الرباع والدور) يَشْمَل مَا إِذا كَانَا يملكَانِ الرَّقَبَة فأكرى أَحدهمَا نصِيبه أَو يملكَانِ الْمَنْفَعَة فَقَط، فأكرى أَحدهمَا حِصَّته أَيْضا أَو أَحدهمَا يملك الرَّقَبَة وَالْآخر الْمَنْفَعَة. فَقَالَ ابْن الْقَاسِم والمغيرة وَابْن الْمَاجشون: بِعَدَمِ الشُّفْعَة فِي ذَلِك كُله وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْد (خَ) . وَقَالَ ابْن فتحون: بِهِ الْقَضَاء وَالْحكم وَعَلِيهِ عول النَّاظِم فَقَالَ: (وَالْحكم بالامتناع) وَقَالَ أَشهب ومطرف وَأصبغ، وَرُوِيَ عَن ابْن الْقَاسِم أَيْضا فِيهِ الشُّفْعَة. القلشاني: وَبِه الحكم بالمغرب والأندلس اه. وعَلى وجوب الشُّفْعَة فِيهِ عمل فاس قَالَ ناظمه: وشفعة الكرا لشرك قَائِم الخ. وَظَاهره شفع لَيْسَ مَا يسكن من دَار أَو حَانُوت أَو رحى وَغير ذَلِك، أَو ليكرى ذَلِك لغيره، وَالَّذِي للمنجور والمكناسي وَغَيرهمَا أَنه إِنَّمَا يُمكن مِنْهَا إِذا كَانَ يسكن بِنَفسِهِ أَو يعْمل فِي الرَّحَى وَنَحْوهَا بِنَفسِهِ وَهُوَ مَبْنِيّ على أَنه لَا يشفع ليبيع وَالْمَعْرُوف تَمْكِينه من الشُّفْعَة ليبيع قَالَه المنجور، وَلذَا قَالَ ابْن نَاجِي: الْعَمَل عندنَا بإفريقية على التَّمْكِين من الشُّفْعَة من غير شَرط أصلا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 قلت: وَهُوَ ظَاهر مَا يَفْعَله النَّاس الْيَوْم فَإِنَّهُم لَا يلتفتون للشّرط الْمَذْكُور. تَنْبِيه: الْخلاف فِي الْمُسَاقَاة كالخلاف فِي الْكِرَاء كَمَا فِي التَّوْضِيح وَغَيره، وَكَذَا الرَّهْن بِمَنْفَعَة فِيهِ الْخلاف الْمَذْكُور لِأَنَّهُ بيع وكراء، وَكَذَا الجلسة فِيهَا الْخلاف الْمَذْكُور، وَأما الرَّهْن فَإِن البَائِع إِذا بَاعَ السّلْعَة بِعشْرَة مثلا إِلَى أجل وَأَعْطَاهُ المُشْتَرِي نصف دَار رهنا فِي دينه وأباح لَهُ الِانْتِفَاع بِهِ إِلَى الْأَجَل، فقد بَاعَ سلْعَته بشيئين الْعشْرَة المؤجلة وَمَنْفَعَة النّصْف الْمَرْهُون، فبعض السّلْعَة فِي مُقَابلَة الْعشْرَة بيع وَبَعضهَا فِي مُقَابلَة الْمَنْفَعَة كِرَاء، فعلى أَن الشُّفْعَة فِي الْكِرَاء يكون لِشَرِيك الرَّاهِن بِقِيمَة الْمَنْفَعَة فَيُقَال: مَا يُسَاوِي كِرَاء هَذَا النّصْف منحل للأجل الْمُسَمّى، فَإِذا قيل عشرَة فَيشفع بهَا بِشَرْط أَن يسكن بِنَفسِهِ على مَا مر. قَالَ العلمي فِي نوازله: وَالْعَمَل بفاس على شُفْعَة مَنْفَعَة الرَّهْن الْمشَاع اه. قلت: قيد بَعضهم عَن سَيِّدي الْعَرَبِيّ بردلة: أَن الْعَمَل على عدم الشُّفْعَة فِيهِ، وَإِن كَانَت قَاعِدَة ثُبُوت الشُّفْعَة فِي الْكِرَاء توجب الشُّفْعَة فِيهِ لَكِن الْأَشْيَاخ لم يعملوا بِمُقْتَضى الْقَاعِدَة وعَلى تَقْدِير عَمَلهم بمقتضاها فَيشفع بِقِيمَة الْمَنْفَعَة اه. مَا وجدته مُقَيّدا عَن بعض المفتيين، وَلَكِن الصَّوَاب مَا فِي العلمي إِذْ لَا وَجه لِخُرُوجِهِ عَمَّا بِهِ الْعَمَل فِي الْكِرَاء، فَهَذَا الَّذِي يجب اعْتِمَاده على مَا يَأْتِي فِي الجلسة، وَأما الجلسة وَتسَمى عِنْد أهل مصر بالخلو فَهِيَ كِرَاء مَحْض أَيْضا إِذْ غَايَته أَن أَرض الْحَبْس أَو غَيرهَا تكرى لمن يغرسها أَو يَبْنِي فِيهَا بدرهم فِي السّنة مثلا مُدَّة من عشْرين سنة أَو بدرهم فِي كل سنة إِلَى غير أجل مَحْدُود، وَيغرم الْكِرَاء عطل بناءه أَو انْتفع بِهِ وضمائرهم منعقدة على أَن الْمُكْتَرِي لَا يخرج إِلَّا بِرِضَاهُ لجَرَيَان عَادَتهم بذلك، فَإِذا وَقعت عَلَيْهِ زِيَادَة فِي الْكِرَاء فَإِن شَاءَ أَخذه بِتِلْكَ الزِّيَادَة وَكَانَ أَحَق بِهِ من الَّذِي زَاد عَلَيْهِ، وَإِن شَاءَ أَخذ أنقاضه وَرفع نزاعه إِن امْتنع ذُو الأَصْل من إبقائه بالكراء الأول، فتقديم الْمُكْتَرِي على الْغَيْر بِمَا أعطَاهُ ذَلِك الْغَيْر من الْكِرَاء وانعقاد ضمائرهم عَلَيْهِ عِنْد العقد هُوَ الْمعبر عَنهُ فِي الِاصْطِلَاح بالكراء على التَّأْبِيد، وَلَكِن لما كَانَ أَحَق بِهِ بِتِلْكَ الزِّيَادَة لم يزدْ أحد فِي الْغَالِب عَلَيْهِ لعدم الْفَائِدَة، وَلذَا قَالَ فِي نظم الْعَمَل: وَهَكَذَا الجلسة وَالْجَزَاء جرى على التبقية الْقَضَاء ثمَّ إِذا مَاتَ الْمُكْتَرِي ذُو الجلسة فَإِنَّهَا تورث عَنهُ وَيقوم وَارثه مقَامه، وَهَكَذَا مَا دَامَ هُوَ أَو وَارثه وَلَو سفل قَائِما بحياطتها وصيانتها، فَإِن فرط فِيهَا حَتَّى اندثر بِنَاؤُه وغرسه فقد بَطل حكمهَا وَلَا شَيْء لصَاحِبهَا فِي الأَرْض، ثمَّ قبل اندثارها لبَعض الشُّرَكَاء أَن يكْرِي حَظه مِنْهَا أَو يَبِيعهُ وَفِي الْحَقِيقَة أَن بيعهَا كِرَاء، فَإِذا أكراه أَو بَاعه فللآخرين الشُّفْعَة لَا لرب الأَرْض على مَا مر من وجوب الشُّفْعَة فِي الْكِرَاء، وَبِه أفتى فِيهَا ابْن رحال والشدادي وَغَيرهمَا، وَأفْتى الشَّيْخ التاودي بِأَن الَّذِي وَقع بِهِ الحكم وَالْفَتْوَى فِي الجلسة إِذا بيع جُزْء مِنْهَا أَنه لَا شُفْعَة فِيهِ للشَّرِيك قَالَ: هَكَذَا ذكره القَاضِي بردلة عَن أبي عبد الله بن سَوْدَة وَأبي عبد الله المجاصي قَالَ: وَإِذا لم تجب فِي بيع جُزْء مِنْهَا فَلَا تجب فِي كِرَاء جُزْء مِنْهَا بالأحرى لِأَن الْكِرَاء أَضْعَف اه. وَنَحْوه للمسناوي عَن بردلة الْمَذْكُور قَائِلا عَنهُ: وسمعتهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 يعللون ذَلِك بِأَن الشَّرْط الْمَذْكُور، وَهُوَ أَن يسكن بِنَفسِهِ لَا يكَاد يتَحَقَّق فِيهَا فِي الْغَالِب لِأَن ملاكها فِي الْغَالِب لَا يعتمرونها لأَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّمَا يستغلونها بالكراء للْغَيْر اه. ونقلنا ذَلِك كُله فِي كتاب الشُّفْعَة من نوازلنا وَانْظُر بَقِيَّة أَحْكَامهَا فِي الْكتاب الْمَذْكُور. وَفِي الكراس الثَّانِي من الْإِجَارَة وَالرَّهْن، وَانْظُر قَوْلهم عَن بردلة: أَنه لَا شُفْعَة فِي بيع جُزْء مِنْهَا مَعَ أَن ذَلِك بيع لجزء أنقاضها وأشجارها، وَقد قَالَ فِي ضيح: يَنْبَغِي أَن يتَّفق فِي الإحكار الَّتِي عندنَا بِمصْر أَن تجب الشُّفْعَة فِي الْبناء الْقَائِم فِيهِ لِأَن الْعَادة أَن رب الأَرْض لَا يخرج صَاحب الْبناء أصلا فَكَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة صَاحب الأَرْض اه. نَقله (ز) وَزَاد عقبه: أَي وَلَا شُفْعَة لرب الأَرْض وَإِنَّمَا الشُّفْعَة للشَّرِيك قَالَ: وَكَذَلِكَ الأَرْض الخراجية إِذا بَاعَ أحدهم حِصَّته مِنْهَا فَالشُّفْعَة للشَّرِيك فِي الْخراج لَا لرب الأَرْض اُنْظُرْهُ عِنْد قَوْله فِي الشُّفْعَة وَقدم معبر الخ. قَالُوا: والإحكار جمع حكر وَهُوَ الْمُسَمّى عندنَا بفاس بالجزاء، وَبِالْجُمْلَةِ فَالَّذِي يُوجِبهُ النّظر هُوَ وجوب الشُّفْعَة فِي الجلسة وَالْجَزَاء بيعا وكراء لِأَن الشُّفْعَة إِنَّمَا شرعت لرفع الضَّرَر وَلَا سِيمَا فِي بيع جُزْء من هَذَا الْكِرَاء الَّذِي لَا يخرج مكتريه إِلَّا بِرِضَاهُ على مَا مر، فَالْعَمَل لَو لم يجر بِالشُّفْعَة فِي مُطلق الْكِرَاء لَكَانَ يَنْبَغِي أَن يجْرِي بِالشُّفْعَة فِي هَذَا الْكِرَاء الَّذِي هُوَ الجلسة بِخُصُوصِهِ لدوام ضَرَره، وَلما فِيهَا من بيع الأنقاض فِي بيعهَا وَبيع الأنقاض وَالْبناء فِيهِ الشُّفْعَة اتِّفَاقًا، وَمَا ذَكرُوهُ عَن بردلة ضَعِيف عقلا ونقلاً وكونهم لَا يستغلونها لأَنْفُسِهِمْ لَا يُوجب سُقُوطهَا، لما تقدم عَن ابْن نَاجِي: أَن الْعَمَل على عدم اشْتِرَاط السُّكْنَى، وَلقَوْل المنجور الْمَعْرُوف من الْمَذْهَب تَمْكِين الشَّفِيع من أَن يشفع ليبيع وَلما تقدم عَن الشدادي وَابْن رحال من وجوب الشُّفْعَة فِيهَا وهم متأخرون عَن القَاضِي بردلة فَلَا يخفى عَلَيْهِم الْعَمَل الَّذِي انْفَرد هُوَ بنقله، وَقَوله: سمعتهم يعللون ذَلِك بِأَن الشَّرْط الْمَذْكُور لَا يكَاد يتَحَقَّق الخ. لَا وَجه لَهُ لِأَن الْعَمَل إِذا جرى بِمُوجب الشُّفْعَة فِي الْكِرَاء فِي الشَّرْط الْمَذْكُور، فَيجب أَن يطرد ذَلِك الْعَمَل بِشَرْطِهِ الْمَذْكُور فِي جَمِيع أَفْرَاد الْكِرَاء الَّذِي مِنْهُ الجلسة وَالْجَزَاء، وَكَونه يعْتَبر الشَّرْط الْمَذْكُور فِي بعض الْأَفْرَاد دون بعض هُوَ من التحكم الَّذِي لَا يخفى بُطْلَانه، وَأَيْضًا يصير هَذَا الْعَمَل بالتفصيل فِي الْكِرَاء من كَون الشُّفْعَة فِي بعض أَفْرَاده دون بعض غير مُسْتَند لقَوْل من أَقْوَال الْمَذْهَب، وَقد نصوا على أَن الْعَمَل لَا بُد أَن يسْتَند إِلَى قَول وَلَو شاذاً وَإِلَّا لم يعْمل بِهِ، وَقَوله لِأَن ملاكها فِي الْغَالِب لَا يعتمرونها الخ. يَقْتَضِي أَن مَا ارْتَكَبهُ الْملاك من عدم الاعتمار لأَنْفُسِهِمْ يتبايعون عَلَيْهِ ويمكنون مِنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْعَمَل إِذا جرى بِاشْتِرَاط الشَّرْط الْمَذْكُور فَلَا يمكنون من الشُّفْعَة إِلَّا بِهِ ويحملهم الْحُكَّام عَلَيْهِ جبرا وإلاَّ أدّى إِلَى أَن الْعَامَّة إِذا تمالؤا على أَمر يتابعون عَلَيْهِ ويمكنون مِنْهُ، وَلَو خَالف الْأَقْوَال المذهبية، وَهَذَا مِمَّا لَا يَقُوله أحد. هَذَا وَقد رَأينَا أَن صَاحب الأَصْل فِي الحوانيت والفنادق يكريها صَفْقَة على صَاحب الجلسة، وَبِالْعَكْسِ فَيَأْتِي الآخر ويضمها من يَده ويكريها لغيره بِزِيَادَة أَو غَيرهَا، ويمكنهم الْقُضَاة من ذَلِك. وَهَذَا أَمر شَائِع ذائع فِي هَذِه الْبَلدة وَفِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا ذَلِك شُفْعَة إِذْ لَا يملك أَحدهمَا التصفيق على صَاحبه حَتَّى يكون لَهما لعدم اتِّحَاد الْمدْخل فهم يسمونه صَفْقَة وضماً، وَفِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ شُفْعَة وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ عَمَلهم فِي الْكِرَاء على مَا نَقله القَاضِي بردلة، بل على مَا لِابْنِ نَاجِي وَمن وَافقه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ مِنْ تَأْخِيرِ فِي الأَخْذِ أَوْ فِي التَّرْكِ فِي المَشْهُورِ (وَلَيْسَ للشَّفِيع من تَأْخِير) ليتروى ويستشير (فِي الْأَخْذ أَو فِي التّرْك) هَل يَأْخُذ أَو لَا يَأْخُذ بل يجْبرهُ الْحَاكِم حَيْثُ أوقفهُ المُشْتَرِي عِنْده على الْأَخْذ أَو التّرْك وَلَا يُؤَخِّرهُ وَلَو سَاعَة (فِي) القَوْل (الْمَشْهُور) الْمَعْمُول بِهِ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا فَإِن أَخذ فَلَا يَخْلُو ذَلِك من ثَلَاثَة أوجه، وَتقدم حكمهَا فِي فصل الْآجَال عِنْد قَوْله: كَمثل إِحْضَار الشَّفِيع للثّمن فأنظرها هُنَاكَ وَمَفْهُوم قَوْله فِي الْأَخْذ أَو التّرْك أَنه إِذا طلب التَّأْخِير لينْظر للْمَبِيع فَإِنَّهُ لَا يُؤَخر لَهُ إِلَّا نَحْو سَاعَة (خَ) : واستعجل إِن قصد ارتياء أَو نظرا للْمُشْتَرِي إِلَّا كساعة الخ. وَالِاسْتِثْنَاء رَاجع للثَّانِيَة فَقَط. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَلَا عذر للشَّفِيع بمغيب الْحَائِط عَنهُ، وَإِن كَانَ لم يره أَو رَآهُ وَطَالَ عَهده ويوصف لَهُ كَمَا تُوصَف الدَّار الغائبة اه. وَقَوْلنَا: حَيْثُ أوقفهُ المُشْتَرِي عِنْده أَي عِنْد الْحَاكِم احْتِرَازًا مِمَّا إِذا أوقفهُ المُشْتَرِي وَحده لَا عِنْد حَاكم، فَإِنَّهُ على شفعته حَتَّى يُصَرح بالإسقاط أَو يمْضِي الأمد لَهَا كَمَا فِي الشَّامِل. وَلاَ يَصِحُّ بَيْعُ شُفْعَةٍ وَلاَ هِبَتُهَا وَإرْثُهَا لَنْ يُبْطَلاَ (وَلَا يَصح بيع شُفْعَة وَلَا هبتها) ظَاهره قبل الْأَخْذ بهَا أَو بعده بَاعهَا أَو وَهبهَا لأَجْنَبِيّ أَو للْمُشْتَرِي، وَفِي ذَلِك تَفْصِيل فَإِن بَاعهَا أَو وَهبهَا لأَجْنَبِيّ قبل الْأَخْذ فَلَا خلاف فِي عدم صِحَّته قَالَه ابْن رشد وَغَيره. ابْن يُونُس: لِأَنَّهُ بيع مَا لَيْسَ عنْدك، وَإِذا لم يَصح ذَلِك فَيفْسخ البيع وَالْهِبَة وَتسقط شفعته، وَإِن بَاعهَا أَو وَهبهَا بعد الْأَخْذ بهَا، فَكَذَلِك لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَن يشفع ليبيع وَلَا شُفْعَة لَهُ بعد. اللَّخْمِيّ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح خلافًا لقولها للْمُفلس أَن يشفع مَعَ أَنه إِنَّمَا يشفع ليبيع فِي الدّين اه. وَنَحْوه لِابْنِ رشد، وَبِه أفتى العبدوسي وَابْن عَطِيَّة والونشريسي وَالشَّيْخ ميارة حَسْبَمَا فِي نَوَازِل العلمي قَالُوا: وَبيعه بِقرب الْأَخْذ دَلِيل على أَنه شَفِيع ليبيع، وَللْمُشْتَرِي الْقيام وَلم يذكرُوا حد الْقرب مَا هُوَ قَالَ بَعضهم: وَظَاهر عباراتهم الرُّجُوع للقرينة وَشَاهد الْحَال كَمَا قَالُوا فِي مَسْأَلَة: من أَعْطَتْ زَوجهَا عَطِيَّة أَو وضعت عَنهُ الصَدَاق فَطلقهَا ووقفت على فَتْوَى لشَيْخِنَا سَيِّدي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم ذكر فِيهَا أَن حد الْقرب فِي ذَلِك مَا دون سِتَّة أشهر، هَذَا وَقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 أفتى ابْن مَرْزُوق حَسْبَمَا فِي المعيار بِأَن لَهُ أَن يشفع ليبيع حَيْثُ كَانَ لَهُ نفع فِيهِ قَالَ: وَلَا تبطل شفعته إِلَّا إِذا كَانَ لَا غَرَض لَهُ وَلَا نفع إِلَّا مُجَرّد إِيصَال النَّصِيب للْغَيْر، وَمَسْأَلَة أَخذ الْمُفلس بِالشُّفْعَة كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة وَغَيرهَا تدل على ذَلِك لِأَن أَخذ الْمُفلس وَإِن كَانَ للْبيع لكنه لمَنْفَعَة نَفسه فِي أَدَاء دينه، وَمن هُنَا كَانَ قَول ابْن رشد ضَعِيفا لإيهامه منع البيع للآخذ مُطلقًا، وَهَذَا بَاطِل لاستلزامه أَن الشَّفِيع لَا يَأْخُذ إِلَّا للاقتناء وَلَو صَحَّ لَكَانَ الْأَخْذ بِالشُّفْعَة حَرَامًا لِأَنَّهُ بيع على أَن لَا يَبِيع وَالشُّفْعَة بيع اه. بِمَعْنَاهُ. قلت: وَيُؤَيِّدهُ قَول ابْن رشد وَغَيره إِذا قَالَ الشَّفِيع: أخذت، وَقَالَ المُشْتَرِي: سلمت، فَإِن الْأَخْذ لَازم لَهما وَيُبَاع الشّقص فِي الثّمن وَلَا يفْسخ الْأَخْذ الْمَذْكُور إِلَّا بتراضيهما عَلَيْهِ وَهُوَ معنى قَول (خَ) : وَلزِمَ أَن أَخذ وَعرف الثّمن فَبيع للثّمن الخ. فآل إِلَى أَنه شفع ليبيع لِأَنَّهُ حَيْثُ علم عَجزه عَن الثّمن، فقد شفع للْبيع وَمَعَ ذَلِك قَالُوا: لَا يفْسخ إِلَّا بتراضيهما، وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا أَن الشُّفْعَة بيع على الْمَشْهُور، وَأَن الشَّفِيع إِذا أسقط لكذب فِي المُشْتَرِي بِالْكَسْرِ لَا يلْزمه كَمَا مر عَن (خَ) أَيْضا فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن من شفع ليبيع يَقُول: لم أَرض بشركة هَذَا المُشْتَرِي لسوء عشرته وَكَثْرَة ضَرَره فَأخذت وبعت من هَذَا لحسن عشرته وَقلة ضَرَره، كَمَا أَنه يَقُول ذَلِك فِي الْإِسْقَاط لكذب فِي المُشْتَرِي، وَمَعْلُوم أَن الْحق فِي الشُّفْعَة فَلَا يحْجر عَلَيْهِ فِيهِ، وَلِهَذَا وَالله أعلم قَالَ الإِمَام المنجور: الْمَعْرُوف تَمْكِين الشَّفِيع من أَن يشفع ليبيع، وَقَالَ ابْن هِلَال فِي نوازله فِيمَن أَخذ بِالشُّفْعَة ثمَّ بَاعَ فِي حِينه أَو بعد زمَان قريب مَا نَصه: وَأما الشَّفِيع إِذا أَخذ بِالشُّفْعَة ثمَّ بَاعَ بعد ذَلِك فَلَا يُنَازع فِي مَاله إِن شَاءَ بَاعَ وَإِن شَاءَ تمسك إِلَّا أَن يظْهر أَنه رد للْغَيْر فَلَا يتْرك الشّقص بِيَدِهِ إِن شَاءَ المُشْتَرِي اه. وَقَوله: إِلَّا أَن يظْهر أَنه رد للْغَيْر الخ. يَعْنِي بِأَن لَا يكون لَهُ نفع فِي الْأَخْذ بهَا أصلا إِلَّا مُجَرّد إِيصَال النَّصِيب للْغَيْر كَمَا مر عَن ابْن مَرْزُوق، وَأما إِذا كَانَ لَهُ نفع فِيهَا لزِيَادَة فِي الثّمن أَو لكَون المُشْتَرِي سيىء الْعشْرَة أَو لكَونه ذَا سطوة لَا يَسْتَقِيم لَهُ مَعَه الْوُصُول إِلَى حَقه كَمَا يَقع فِي زمننا كثيرا فَإِن لَهُ أَن يشفع ليبيع، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده عِنْدِي لقُوَّة دَلِيله، وَمَا مر عَن اللَّخْمِيّ وَمن وَافقه. قد علمت ضعفه كَمَا صرح بِهِ ابْن مَرْزُوق، وَلَا سِيمَا حَيْثُ كَانَ الْمَشْهُور أَن الشُّفْعَة بيع فَكيف يحْجر عَلَيْهِ فِي شَيْء اشْتَرَاهُ ويضيع عَلَيْهِ ربحه فِيهِ أَو يلْزم بشركة ذِي السطوة أَو سيىء الْعشْرَة حَيْثُ لم يكن لَهُ ثمن يشفع بِهِ مَعَ أَن الْمَشْهُور فِيهَا أَنَّهَا إِنَّمَا شرعت لرفع الضَّرَر وَالضَّرَر يزِيد فِي بعض الشُّرَكَاء، وَينْقص فِي الْبَعْض الآخر كَمَا مر. وَقَوله فِي الْمُدَوَّنَة: من وَجَبت لَهُ شُفْعَة فَأَتَاهُ أَجْنَبِي فَقَالَ لَهُ: خُذ شفعتك لي بِمثل الثّمن الَّذِي اشْترى بِهِ المُشْتَرِي وَلَك مائَة دِينَار ربحا لم يجز، وَيرد ذَلِك إِن وَقع وَلَا يجوز أَن يَأْخُذ بِالشُّفْعَة لغيره الخ. فَإِنَّمَا لم يجزه لكَونه من أكل أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ ولكونه لَا غَرَض لَهُ إِلَّا الْأَخْذ للْغَيْر، وَإِنَّمَا سَقَطت شفعته لكَون الشَّفِيع كَانَ معرضًا عَن الْأَخْذ بهَا لَوْلَا الْجعل الَّذِي دَفعه لَهُ الْأَجْنَبِيّ فَهَذَا أعطَاهُ ربحا ليَأْخُذ لَهُ بهَا فَهُوَ من الْجعل على الْأَخْذ بِالشُّفْعَة للْغَيْر لَا من البيع بعد الْأَخْذ بهَا لنَفسِهِ وَهُوَ معنى قَول (خَ) : كَأَن أَخذ من أَجْنَبِي مَالا الخ. وَمحل مَا فِي الْمُدَوَّنَة من رد الْأَخْذ للْغَيْر إِذا ثَبت ذَلِك بِإِقْرَار الشَّفِيع والمبتاع لَا بِإِقْرَار أَحدهمَا كَمَا فِي المتيطي وَغَيره، وَقَالَ ابْن نَاجِي على قَوْلهَا وَلَا يجوز البيع قبل الْأَخْذ الخ. قَالَ بعض شُيُوخنَا: مَفْهُومه أَنه يجوز لَهُ البيع بعد الْأَخْذ اه. وَأما إِن قَالَ الْأَجْنَبِيّ: خُذ بِالشُّفْعَة لنَفسك وَأَنا أدفَع لَك ثمنهَا سلفا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 أَو هبة فَهَذَا جَائِز وَلَو قصد الْأَجْنَبِيّ الْإِضْرَار بالمشتري فَلَا يُمكن من ذَلِك كَمَا فِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن الْبَراء قَائِلا: وَحقّ الشَّفِيع مَتى قَامَ بِهِ وَمَعَهُ الثّمن بشرَاء أَو سلف أَو هبة أَو غير ذَلِك فَلهُ الْأَخْذ بهَا، وَقَالَ قبل ذَلِك: إِلَّا أَن يتَبَيَّن من المسلف الضَّرَر فَلَا يُمكن من ذَلِك اه. يَعْنِي لَا يُمكن من الضَّرَر إِذا ثَبت ذَلِك بِإِقْرَارِهِ، وَأما شُفْعَة الشَّفِيع فَلَا تسْقط بِقصد المسلف الضَّرَر بالمشتري، بل لَا زَالَ على شفعته وَالله أعلم. وَهَذَا كُله إِذا بَاعهَا أَو وَهبهَا من أَجْنَبِي، وَأما إِذا بَاعهَا أَو وَهبهَا للْمُشْتَرِي فَقَالَ فِي الْجَوَاهِر: إِذا دفع المُشْتَرِي للشَّفِيع عوضا دَرَاهِم أَو غَيرهَا على ترك الْأَخْذ بِالشُّفْعَة جَازَ لَهُ أَخذهَا وتملكها إِن كَانَ ذَلِك بعد الشِّرَاء فَإِن كَانَ قبله بَطل ورد المَال وَكَانَ على شفعته اه. وَهُوَ معنى قَول (خَ) بِخِلَاف أَخذ مَال بعده ليسقط الخ. وَقَالَ أَيْضا: وَلم يلْزمه إِسْقَاط قبل البيع، وَمَفْهُومه أَنه بعد البيع يلْزمه وَكَذَا هبتها، وَهَذَا إِذا اتَّحد الشَّفِيع، وَأما إِذا تعدد فَصَالح المُشْتَرِي أحد الشفعاء بعد البيع على إِسْقَاط شفعته وَقَامَ الْبَاقُونَ وَأخذُوا بِالشُّفْعَة فَإِن شُفْعَة الْمصَالح تسْقط على الْمَشْهُور، لَكِن ذكر ابْن كوثر حَسْبَمَا فِي المعيار أَن البَاقِينَ لَهُم الشُّفْعَة بِمَا بذله الْمُبْتَاع على الْإِسْقَاط مَعَ الثّمن الَّذِي وَقع بِهِ الابتياع، وَعَن ابْن رشد فِي نوازله أَن البَاقِينَ يشفعون بِالثّمن فَقَط وَلَا رُجُوع للْمُشْتَرِي على الْمسْقط بِمَا دَفعه إِلَيْهِ بل ضَاعَ عَلَيْهِ ابْن عَرَفَة: الْأَظْهر الرُّجُوع بِمَنْزِلَة من صَالح على أَمريْن اسْتحق أَحدهمَا وَمَا لِابْنِ رشد فِي الْمُقدمَات من أَن الشُّفْعَة لَا تسْقط، وَلَكِن الشَّفِيع يرد المَال الَّذِي أَخذه وَترجع الشُّفْعَة لَهُ كَمَا كَانَت قبل البيع، وَقرر بِهِ الشَّيْخ (م) وَغَيره كَلَام المُصَنّف خلاف الْمَشْهُور كَمَا لأبي الْحسن وَغَيره انْظُر شرح الشَّامِل. تَنْبِيهَانِ. الأول: تطلق الشُّفْعَة على الشّقص الْمَشْفُوع من إِطْلَاق الْمصدر وَإِرَادَة الْمَفْعُول، وَمن ذَلِك مَا فِي النّظم وَنَحْوه قَول المعونة، وَلَا تجوز هبة الشُّفْعَة وَلَا بيعهَا وَذَلِكَ كُله كَقَوْل الْمُدَوَّنَة: وَلَا يجوز بيع الشّقص قبل أَخذه إِيَّاه بشفعته اه.، وَفِي الْمُدَوَّنَة: إِن سلم الشُّفْعَة بعد البيع لزمَه وَلَو جهل الثّمن. ابْن يُونُس: إِلَّا أَن يَأْتِي من ذَلِك مَا لَا يكون ثمنا بِمثلِهِ فَلَا يلْزمه تَسْلِيمه اه. فَظَاهره كَانَ تَسْلِيمه على مَال أم لَا. الثَّانِي: أَخذ المَال للإسقاط لَيْسَ بيعا بِدَلِيل أَنه إِذا وجد عَيْبا لَا يرجع بِهِ لِأَنَّهُ أَخذ المَال فِي مُقَابلَة رفع يَده عَن الْأَخْذ بهَا، وَيحْتَمل أَن يرجع بِالْعَيْبِ لِأَنَّهُ إِذا وجد الدَّرَاهِم زُيُوفًا فَلهُ ردهَا، فَكَذَلِك الشّقص إِذا وجده المُشْتَرِي معيبا فَلهُ رده فَيكون الْأَخْذ للإسقاط حِينَئِذٍ بيعا. (وإرثها) أَي الشُّفْعَة (لن يبطلا) لِأَن من مَاتَ عَن حق فلوارثه فَإِذا مَاتَ بعد وجوب الشُّفْعَة وَقبل الْأَخْذ بهَا فوارثه يقوم مقَامه، وَعَلِيهِ فتلفق الْمدَّة المسقطة كَمَا تلفق فِي الْحِيَازَة القاطعة لحق الْقَائِم، فَإِذا سكت الْمَوْرُوث سِتَّة أشهر مثلا وَمَات فَسكت وَارثه بَقِيَّة الْعَام، فَإِنَّهُ لَا شُفْعَة لَهُ وَإِذا مَاتَ بعد أَن بَاعَ الشّقص الَّذِي يشفع بِهِ، فَالْمَشْهُور أَنه لَا شُفْعَة للْوَارِث كَمَا أَنه لَا شُفْعَة للموروث (خَ) : أَو بَاعَ حِصَّته الخ. وَهَذَا إِذا بَاعَ وَهُوَ عَالم بِوُجُوبِهَا لَهُ وإلاَّ فَلهُ الشُّفْعَة على أظهر الْأَقْوَال، وَبِه الْقَضَاء كَمَا فِي النِّهَايَة، وَكَذَا لَا تسْقط إِذا بَاعَ بعض حِصَّته، وَلَكِن إِنَّمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 لَهُ الشُّفْعَة بِقدر مَا بَقِي على الْمُعْتَمد وَللْمُشْتَرِي الأول شُفْعَة الْكل فِيمَا إِذا بَاعَ الْكل وشفعة الْبَاقِي فِيمَا إِذا بَاعَ الْبَعْض. وَحَيْثُمَا فِي ثَمَنِ الْشَّقْصِ اخْتُلِفْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُشْتَرٍ مَعَ الْحَلِفْ (وحيثما فِي ثمن الشّقص اخْتلف) فَقَالَ المُشْتَرِي: بِعشْرَة. وَقَالَ الشَّفِيع: بِخَمْسَة. وَلَا بَيِّنَة لوَاحِد مِنْهُمَا (فَالْقَوْل قَول مُشْتَر مَعَ الْحلف) إِن أشبه سَوَاء أشبه الشَّفِيع أَيْضا أم لَا. كَمَا قَالَ: إنْ كَانَ مَا ادَّعَاهُ لَيْسَ يَبْعُدُ وَقِيلَ مُطَلَقاً وَلاَ يُعْتَمَدُ (إِن كَانَ مَا ادَّعَاهُ) من الثّمن الَّذِي هُوَ الْعشْرَة (لَيْسَ يبعد) عِنْد النَّاس كَونه ثمنا للشقص فَإِن بعد وأشبه مَا قَالَه الشَّفِيع فَقَط فَالْقَوْل لَهُ بِيَمِينِهِ، فَإِن لم يشبها حلفا وَتَقَع الشُّفْعَة بِقِيمَة الشّقص (خَ) : وَإِن اخْتلفَا فِي الثّمن فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي بِيَمِين ككبير يرغب فِي مجاورته، وإلاَّ فَللشَّفِيع وَإِن لم يشبها حلفا ورد إِلَى الْوسط أَي قيمَة الشّقص الخ. وَظَاهره كالناظم أَن المُشْتَرِي يحلف حقق الشَّفِيع عَلَيْهِ الدَّعْوَى أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك على مَا بِهِ الْعَمَل من توجه يَمِين التُّهْمَة مُطلقًا، وَلَا يخرج عَن ذَلِك إِلَّا مَا فِيهِ معرة كَمَا مر عِنْد قَوْله: وتهمة إِن قويت بهَا تجب الخ. وَإِذا قَالَ المُشْتَرِي: إِن الأَرْض مقسومة، وَقَالَ الشَّفِيع: لم تقسم، فَالْقَوْل للشَّفِيع كَمَا فِي الْبَاب الْخَامِس وَالْعِشْرين من التَّبْصِرَة. (وَقيل) وَهُوَ لمطرف القَوْل قَول المُشْتَرِي (مُطلقًا) أشبه أم لَا (و) لَكِن هَذَا القَوْل (لَا يعْتَمد) عَلَيْهِ. وابْنُ حَبِيبٍ قَالَ بَلْ يُقَوِّمُ وباخْتِيارٍ لِلشَّفِيعِ يُحْكَمُ (وَابْن حبيب قَالَ) لَا ينظر لقَوْل المُشْتَرِي وَلَا لقَوْل الشَّفِيع (بل يقوم) الشّقص قيمَة عدل (وباختيار للشَّفِيع يحكم) أَي: وَيُخَير الشَّفِيع فِي أَن يَأْخُذ بِتِلْكَ الْقيمَة أَو يتْرك، فَهَذِهِ أَقْوَال ثَلَاثَة. وَالْمَشْهُور أَولهَا كَمَا مر فَكَانَ الْوَاجِب الِاقْتِصَار عَلَيْهِ، وَإِذا وَجَبت الْيَمين على المُشْتَرِي لشبهه فَلهُ أَن لَا يحلف حَتَّى يشْهد على الشَّفِيع بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَة، كَمَا أَن من قَامَ لَهُ شَاهد بِحَق فَلَا يحلف حَتَّى يعْذر للْمَشْهُود عَلَيْهِ هَل يجرح شَاهده أم لَا؟ لِئَلَّا يجرح فتذهب يَمِينه بَاطِلا قَالَه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 فِي المعيار. قَالَ: وَحَاصِله كل يَمِين يتَوَقَّع عدم إفادتها للْحَالِف فَلهُ أَن يقف عَنْهَا حَتَّى يتَحَقَّق إفادتها، وَذكر أَيْضا أَن الَّذِي بِهِ الْعَمَل لفساد الزَّمَان عدم اعْتِبَار دفع الثّمن بِالْبَيِّنَةِ وَأَن الْيَمين تجب مَعَ ذَلِك فاعرفه اه. وَذكر فِي الطرر عَن المشاور مثل مَا مر عَن المعيار قَالَ: لَو قَالَ المُشْتَرِي: لَا أَحْلف حَتَّى يلْتَزم الشَّفِيع الْأَخْذ بِالشُّفْعَة، وَلَا يكون عَليّ بِالْخِيَارِ فَذَلِك لَهُ، وَمَتى حلف لزمَه الْأَخْذ على مَا أحب أَو كره اه. وَفهم مِنْهُ أَنه لَيْسَ للْمُشْتَرِي أَن يَقُول: لَا أَحْلف حَتَّى يحضر الشَّفِيع المَال، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا أفتى بِهِ الجولاني وَغَيره، وَإِنَّمَا على الشَّفِيع أَن يلْتَزم الْأَخْذ كَمَا ترى، وَفهم من قَول النَّاظِم فَالْقَوْل قَول مُشْتَر الخ. أَن الْخلاف بَين الشَّفِيع وَالْمُشْتَرِي كَمَا قَررنَا، وَأما لَو كَانَ الْخلاف بَين المُشْتَرِي وَالْبَائِع فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ ويتفاسخان حَيْثُ لم يفت الشّقص بهدم أَو بِنَاء أَو نَحْوهمَا وَلَا شُفْعَة حِينَئِذٍ، وَكَذَا لَو أنكر المُشْتَرِي البيع وَحلف فَلَا شُفْعَة أَيْضا قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة، وَهُوَ قَول (خَ) أَو أنكر المُشْتَرِي الشِّرَاء وَحلف الخ. وَالْحَاصِل أَن الشَّفِيع إِذا ادّعى البيع عَلَيْهِمَا فَأقر بِهِ أَحدهمَا وَأنكر الآخر وَلم يحلف فَتجب الشُّفْعَة بِلَا يَمِين على الشَّفِيع حَيْثُ كَانَت دَعْوَى اتهام، فَإِن أنكرا مَعًا فَقَالَ ابْن لبَابَة: إِن حلف البَائِع سَقَطت دَعْوَى الشُّفْعَة، فَإِن نكل حلف المُشْتَرِي وَسَقَطت الشُّفْعَة أَيْضا، فَإِن نكل حلف الشَّفِيع وَأخذ بِالشُّفْعَة. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد صَالح: لَا شُفْعَة وَلَا يَمِين على وَاحِد مِنْهُمَا، وَصَوَّبَهُ ابْن سهل وَكَذَا الْبُرْزُليّ قَائِلا: فمفهوم قَوْلهَا تحَالفا أَنَّهُمَا لَو لم يحلفا وتفاسخا فَيكون أَحْرَى فِي عدم الشُّفْعَة، لِأَنَّهَا إِذا لم تثبت بإنكار أَحدهمَا فأحرى أَن لَا تثبت بإنكارهما مَعًا اه. وَأما إِذا فَاتَ الشّقص بيد المُشْتَرِي فَالْقَوْل قَوْله إِن أشبه فَإِن نكل بعد الْفَوات أَو قبله وَحلف البَائِع أَن البيع وَقع بِعشْرَة فِي الْمِثَال الْمَذْكُور، فَهَل يَأْخُذ الشَّفِيع شفعته بهَا أَو يَأْخُذهَا بِمَا ادَّعَاهُ المُشْتَرِي؟ وَهُوَ خَمْسَة لِأَن مَا زَاد عَلَيْهَا قد ظلمه بِهِ البَائِع، وَلَو رَجَعَ المُشْتَرِي إِلَى مَا قَالَه البَائِع لم يقبل مِنْهُ قَولَانِ. ثَانِيهمَا هُوَ الَّذِي صدر بِهِ اللَّخْمِيّ وَرجحه قَالَ: وَإِن أحب الشَّفِيع قبل أَن يفْسخ البيع أَن يشفع بِعشْرَة وَيكْتب عهدته على المُشْتَرِي بِخَمْسَة وعَلى البَائِع بِخَمْسَة كَانَ ذَلِك لَهُ على قَول ابْن الْقَاسِم، وَإِن كره المُشْتَرِي وَلَيْسَ ذَلِك لَهُ على قَول أَشهب قِيَاسا على قوليهما إِذا اسْتحق بعض الأَرْض وَكَانَ ذَلِك عَيْبا يُوجب الرَّد فَرضِي الشَّفِيع بِالْأَخْذِ وَأَرَادَ المُشْتَرِي الرَّد فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: ذَلِك للشَّفِيع، وَلم يرد ذَلِك أَشهب للعهدة الَّتِي تكْتب عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الِاخْتِلَاف فِي الثّمن أحسن فَلهُ الشُّفْعَة قبل التَّحَالُف أَو بعد يَمِين أَحدهمَا الشُّفْعَة وَإِن حلفا على القَوْل إِن البيع مُنْعَقد حَتَّى يحكم بفسخه انْتهى بِاخْتِصَار. وَمَنْ لَهُ الشُّفْعَةُ مَهْمَا يَدَّعِي بَيْعاً لِشَقْصٍ حِيزَ بِالتَّبَرُّعِ (وَمن لَهُ الشُّفْعَة مهما يَدعِي بيعا لشقص حيّز بالتبرع) أَي أشهد صَاحبه أَنه تبرع عَلَيْهِ بِهِبَة الشّقص أَو صدقته. فَمَا ادَّعَاهُ فعَلَيْهِ الْبَيِّنَهْ وَخَصْمُهُ يَمِينُهُ مُعَيَّنَهْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 (فَمَا ادَّعَاهُ) الشَّفِيع من البيع (فَعَلَيهِ الْبَيِّنَة) أَنه بيع لَا تبرع (و) إِذا لم يجد بَيِّنَة تشهد بِالْبيعِ وَقَالَ: أَخَاف أَن يكون قد بَاعه فِي السِّرّ وَأشْهد بالتبرع فِي الْعَلَانِيَة فَإِن (خَصمه) وَهُوَ الْمُتَبَرّع عَلَيْهِ (يَمِينه مُعينَة) وَاجِبَة عَلَيْهِ مُتَّهمًا كَانَ أم لَا. وَظَاهره أَنه لَا يَمِين على البَائِع وَهُوَ كَذَلِك إِذْ لَا يحلف أحد ليستحق غَيره، وَمحل مَا للناظم مَا لم يكثر التحيل بِإِظْهَار التَّبَرُّع لإِسْقَاط الشُّفْعَة كَمَا مر عِنْد قَوْله: وَالْمَنْع فِي التَّبَرُّعَات مفترض. وَالشِّقْصُ لاثَنْينِ فأَعْلَى مُشْتَرَى يُمْنَعُ أَنْ يُؤُخذ مِنْهُ مَا يَرَى (والشقص) مُبْتَدأ (لاثْنَيْنِ فأعلى) كثلاثة أَو أَكثر (مشترى) حَال ولاثنين مُتَعَلق بِهِ، وَالْجُمْلَة بعده خبر، وَالْمعْنَى أَن الشّقص فِي حَال كَونه مشترى لاثْنَيْنِ فَأكْثر (يمْنَع أَن يَأْخُذ) الشَّفِيع (مِنْهُ مَا يرى) من نصيب أحد المشتريين دون الآخر إِلَّا بِرِضَاهُ. إنْ كَانَ مَا اشْتَرَى صَفْقَةً وَمَا فِي صَفَقَاتٍ مَا يَشَاءُ الْتَزَمَا (إِن كَانَ مَا اشْترى صَفْقَة) أَي عقدا وَاحِدًا شَرط فِي الْمَنْع الْمَذْكُور فالمدار على اتِّحَاد الصَّفْقَة أَي العقد وَكَلَامه شَامِل لأَرْبَع صور. إِحْدَاهَا: أَن يتحد البَائِع وَالْمُشْتَرِي كمن بَاعَ حِصَّة من دَار أَو دور صَفْقَة لشخص فَلَيْسَ للشَّرِيك فِي تِلْكَ الدّور أَن يشفع بعض الدّور دون الْبَعْض الآخر، وَهِي مفهومة من كَلَامه بالأحرى لِأَنَّهُ إِذا لم يشفع بعض مَا اشْتَرَاهُ الِاثْنَان فَأكْثر فأحرى أَن لَا يشفع بعض مَا اشْتَرَاهُ الْوَاحِد. الثَّانِيَة: أَن يتحد البَائِع والشقص ويتعدد المُشْتَرِي كمن بَاعَ حِصَّته من دَار لثَلَاثَة مثلا صَفْقَة وَاحِدَة، فَإِن الشَّفِيع كَانَ وَاحِدًا أَو مُتَعَددًا إِمَّا أَن يشفع الْجَمِيع أَو يتْرك الْجَمِيع، وَلَيْسَ لَهُ أَن يشفع من بعض لعدم رِضَاهُ بشركته دون بعض لرضاه بِهِ. الثَّالِثَة: أَن يَتَعَدَّد البَائِع والشقص وَالْمُشْتَرِي كَأَن يكون لثَلَاثَة مَعَ رَابِع شركَة هَذَا يُشَارِكهُ فِي دَار، وَهَذَا يُشَارِكهُ فِي حَانُوت، وَهَذَا يُشَارِكهُ فِي بُسْتَان فَبَاعَ الثَّلَاثَة أنصباءهم من رجل وَاحِد بعد تقويمها أَو بعد تَسْمِيَته لكل نصِيبه ثمنا صَفْقَة وَاحِدَة، فَإِن الشَّفِيع وَاحِدًا كَانَ كَمَا فِي الْمِثَال الْمَذْكُور أَو مُتَعَددًا حَيْثُ اشْتَركُوا مَعَهم فِي كل حِصَّة، إِمَّا أَن يَأْخُذ الْجَمِيع أَو يتْرك الْجَمِيع. الرَّابِعَة: كَالَّتِي قبلهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 إِلَّا أَن المُشْتَرِي مُتحد وَيفهم حكمهَا مِمَّا قبلهَا بالأحرى، فمنطوق النَّاظِم هُوَ الصورتان الوسطيان والطرفان مفهومان مِنْهُ بالأحرى، وَإِنَّمَا اقْتصر على الوسطيين لِأَنَّهُمَا مَحل الْخلاف، فمذهب ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم وَنَحْوه. قَول (خَ) : وَإِن اتّحدت الصَّفْقَة وتعددت الحصص وَالْبَائِع لم يَتَبَعَّض كتعدد المُشْتَرِي على الْأَصَح الخ. وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ والتونسي هُوَ مَذْهَب أَشهب وَسَحْنُون: إِن للشَّفِيع أَن يَأْخُذ مِمَّن شَاءَ من المشتريين وَيتْرك من شَاءَ. ابْن رشد: وَهُوَ الْأَصَح. ابْن يُونُس عَن بعض الْفُقَهَاء: إِنَّه الصَّحِيح لِأَن الْمَأْخُوذ مِنْهُ لَا ضَرَر عَلَيْهِ إِذْ قد أَخذ مِنْهُ جَمِيع مَا فِي يَده، وَبِه كَانَ ابْن الْقَاسِم يَقُول بِهِ أَولا، ثمَّ رَجَعَ عَنهُ إِلَى مَا فِي النّظم و (خَ) ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالصَّحِيح الْمُفْتى بِهِ فِي تعدد المُشْتَرِي خلاف مَا فِي النّظم و (خَ) ، وَلذَا جعل بعض شراحه التَّشْبِيه فِي مَفْهُوم قَوْله: وَإِن اتّحدت أَي فَإِن لم تتحد فَيجوز التَّبْعِيض كتعدد المُشْتَرِي الخ. فَهُوَ يُشِير إِلَى أَن مَا فِي الْمُدَوَّنَة لَا يُقَاوم مَا صَححهُ الشُّيُوخ، وَيُؤَيِّدهُ مَا مر من أَن الشَّفِيع إِذا أسقط لكذب فِي المُشْتَرِي بِالْكَسْرِ لَا يلْزمه الْإِسْقَاط (وَمَا) مُبْتَدأ (فِي صفقات) أَي عُقُود يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صلَة الْمَوْصُول (مَا يَشَاء) مفعول بقوله (التزما) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل أَي: وَالْعَقار الَّذِي اشْترى فِي صفقات من بَائِع وَاحِد أَو مُتَعَدد الْتزم الشَّفِيع وَاحِدًا أَو مُتَعَددًا مَا يَشَاء مِنْهُ، فَيَأْخُذ مَا يَشَاء وَيتْرك مَا يَشَاء غير أَنه إِذا شفع الصَّفْقَة الأولى فَلَا دُخُول للْمُشْتَرِي، وَإِلَّا دخل مَعَه، فَإِذا باعت إِحْدَى الزوجتين مثلا حظها فِي ثَلَاث صفقات بِرَجُل وَاحِد أَو لثَلَاثَة رجال، فَإِن أخذت الْأُخْرَى الصَّفْقَة الأولى فَلَا دُخُول للْمُشْتَرِي مَعهَا، وَإِن أخذت الثَّانِيَة وسلمت الأولى فَإِن المُشْتَرِي يشاركها بِقدر نصِيبه، وَكَذَا إِن أخذت الثَّالِثَة فَإِنَّهُ يشاركها فِيهَا بِقدر الصفقتين الْأَوليين لِأَن المُشْتَرِي ينزل منزلَة البَائِع كَمَا مرّ فِي التَّنْبِيه السَّابِع عِنْد قَوْله: وغائب بَاقٍ عَلَيْهَا وَكَذَا الخ. وَالشُّرَكَاءُ لِلشَّفِيعِ وَجَبَا أَنْ يَشْفَعُوا مَعهُ بِقَدْرِ الأَنصِبَا (و) الشفعاء (الشُّرَكَاء للشَّفِيع) فِي الشُّفْعَة (وجبا أَن يشفعوا مَعَه بِقدر الانصبا) ء فَمن كَانَ لَهُ الرّبع فَلهُ ربع الْمَبِيع، وَمن لَهُ الثّمن فَلهُ ثمنه، وَهَكَذَا فَإِذا كَانَت دَار بَين أَرْبَعَة مثلا لوَاحِد الثّمن وَللْآخر الثّمن أَيْضا وَللْآخر الرّبع وَللْآخر النّصْف بَاعه لأَجْنَبِيّ، فَإِن الْمَبِيع يقسم بَينهم فَلصَاحِب الرّبع نصفه ولصاحبي الثمنين النّصْف الآخر، فَيكون لصَاحب الرّبع نصفهَا، وَلكُل من صَاحب الثّمن ربعهَا، فَإِن بَاعه لأحد الشُّرَكَاء فَإِنَّهُ يتْرك لَهُ حِصَّته على تَقْدِير أَن لَو كَانَ بَاعه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 لأَجْنَبِيّ، فَإِن بَاعه لمن هُوَ أقعد بهَا كَمَا لَو باعت إِحْدَى الزوجتين حظها لِلْأُخْرَى فَإِنَّهُ يتْرك لَهَا الْجَمِيع (خَ) : وَهِي على قدر الانصباء وَترك للشَّفِيع حِصَّته الخ. وَتعْتَبر الانصباء يَوْم قيام الشَّفِيع على الْمُعْتَمد لَا يَوْم الشِّرَاء وَتظهر الثَّمَرَة فِيمَا إِذا بَاعَ بعض حِصَّته يَوْم بيع شَرِيكه كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ عِنْد قَوْله: وارثها لن يبطلا، وَظَاهر النّظم أَنَّهَا على قدر الانصباء فِيمَا يَنْقَسِم وَمَا لَا يَنْقَسِم وَهُوَ كَذَلِك على الْمُعْتَمد خلافًا لمن قَالَ: إِنَّهَا فِيمَا لَا يَنْقَسِم على عدد الرؤوس. وَمَا بَعَيْبٍ حُطّ بالإطْلاَقِ عنِ الشَّفِيعِ حُطَّ باتِّفَاقِ (وَمَا لعيب) يتَعَلَّق بقوله: (حط بِالْإِطْلَاقِ عَن الشَّفِيع) مُتَعَلق بقوله: (حط بِاتِّفَاق) . وَالْمعْنَى أَن مَا حطه البَائِع من الثّمن على المُشْتَرِي لأجل عيب ظهر بِالْمَبِيعِ، سَوَاء كَانَ ذَلِك الْعَيْب يُوجب قِيمَته لقلته وَهُوَ مَا لَا رد مَعَه كَمَا مرّ فِي عُيُوب الْأُصُول أَو كَانَ عَيْبا يُوجب الرَّد فَصَالحه على حط بعض الثّمن أَو حدث عِنْد المُشْتَرِي عيب يمْنَع الرَّد، فَرجع بِأَرْش الْقَدِيم فَإِن ذَلِك يحط عَن الشَّفِيع فِي الْوُجُوه كلهَا (خَ) : وَحط مَا حط لعيب أَو لهبة إِن حط عَادَة أَو أشبه الثّمن بعده الخ. وَنَحْوه قَول الشَّامِل: وَحط عَن الشَّفِيع مَا حط لموجب كَغَيْرِهِ إِن اُعْتِيدَ وأشبه أَن يكون مَا بَقِي ثمنا اه. وَهَذَا إِذا اطلع على الْعَيْب قبل أَخذ الشَّفِيع، وَأما لَو اطلع المُشْتَرِي على الْعَيْب بعد أَخذ الشَّفِيع فَإِنَّهُ لَا شَيْء لَهُ فَإِن رد الشَّفِيع عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ رد هُوَ حِينَئِذٍ على البَائِع كَمَا فِي ابْن شَاس. تَنْبِيه: فَإِن زَاد المُشْتَرِي للْبَائِع شَيْئا بعد البيع فَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب: لَا يلْزم الشَّفِيع شَيْء من ذَلِك. قَالَ أَشهب: وللمبتاع أَن يرجع على البَائِع بِمَا زَاده بعد أَن يحلف مَا زَاده إِلَّا فِرَارًا من الشُّفْعَة وإلاَّ فَلَا رُجُوع لَهُ قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَلَا يُحِيلُ مُشَتَرٍ لِبائِعِ على الشَّفِيع لاقْتِضاءٍ مَانِعِ (و) إِذا بَاعَ شقصه بِثمن إِلَى أجل مثلا فَقَامَ الشَّفِيع وَأَخذه بِمثل الثّمن للأجل ف (لَا يحِيل مُشْتَر لبائع) اللَّام زَائِدَة أَي يحِيل المُشْتَرِي البَائِع بِالثّمن الْمُؤَجل (على الشَّفِيع لاقْتِضَاء مَانع) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 بِالْإِضَافَة لِأَن الْحِوَالَة إِنَّمَا تصح بِمَا حل كَمَا مر وَدين البَائِع لم يحل على المُشْتَرِي حَتَّى يحيله بِهِ على الشَّفِيع (خَ) : وَلَا تجوز إِحَالَة البَائِع بِهِ الخ. فَإِن كَانَ الشَّفِيع معدماً لزمَه الضَّامِن أَو التَّعْجِيل كَمَا سيقوله، وَإِلَّا منعت شفعته فَلَو قَالَ البَائِع للْمُشْتَرِي: أَنا أضمن لَك الثّمن عَن الشَّفِيع لم يجز أَيْضا كَمَا قَالَ: وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَضْمَنَ عَنْ مُسْتَشْفِعٍ لِمُشْتَرٍ مِنْهُ الثَّمَنْ (وَلَيْسَ للْبَائِع أَن يضمن عَن مستشفع لمشتر مِنْهُ الثّمن) مفعول يضمن، وَإِنَّمَا لم يجز ضَمَانه لما لَهُ فِي ذَلِك من الْمَنْفَعَة، إِذْ لَعَلَّ الشّقص لَا يُسَاوِي الثّمن، فَإِذا لم يشفع الشَّفِيع لم يجد البَائِع عِنْد المُشْتَرِي وَفَاء بِثمنِهِ عِنْد حُلُول الْأَجَل والحمالة مَعْرُوف كالقرض، فَلَا يجوز أَن يَأْخُذ عَنْهَا عوضا وَلَا يجر بهَا نفعا قَالَه ابْن رشد، وَنَقله ابْن سَلمُون وَأَبُو الْحسن وَغَيرهمَا مُسلما. قلت: وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة رَاجع لِمَعْنى الإحالة لِأَن الشَّفِيع إِذا لم يؤد الثّمن فَإِن البَائِع يسْقطهُ عَن المُشْتَرِي فَكَأَن البَائِع قَالَ: أَنا أرْضى بِاتِّبَاع ذمَّة الشَّفِيع إِن لم يؤد الثّمن، وَهَذِه حِوَالَة فِي الْمَعْنى فَيكون البَائِع قد بَاعَ الدّين الَّذِي لَهُ فِي ذمَّة المُشْتَرِي بِالدّينِ الَّذِي فِي ذمَّة الشَّفِيع فَلَو عللت الْمَسْأَلَة بِهَذَا لَكَانَ أظهر لِأَنَّهَا جَارِيَة، وَلَو كَانَ الشّقص يُسَاوِي الثّمن الَّذِي وَقع بِهِ البيع وَالله أعلم. وَيَلْزَمُ الشَّفِيعُ حَالُ مَا اشْتُرِي مِنْ جِنْسٍ أَوْ حُلُولٍ أَوْ تَأَخُّرِ (وَيلْزم الشَّفِيع حَال) أَي صفة (مَا) أَي الثّمن الَّذِي (اشْترى) بِهِ الشّقص (من جنس) بَيَان لحَال، وَالْمرَاد بِالْجِنْسِ الصِّنْف أَي فَيلْزمهُ أَن يشفع بصنف الثّمن الَّذِي وَقع بِهِ الشِّرَاء، فَإِذا وَقع الشِّرَاء بِذَهَب أَو شعير لزم الشَّفِيع مثل ذَلِك، وَهَكَذَا فِي سَائِر الْمِثْلِيَّات وَيدخل فِيهَا الْعرض الْمَوْصُوف، فَإِذا اشْترى شِقْصا بِعرْض مَوْصُوف فِي ذمَّته لشهر فَإِن الشُّفْعَة تكون بِمثل ذَلِك الْعرض لذَلِك الْأَجَل. نعم يشفع فِي الْمُقَوّم الْمعِين كَثوب أَو عبد مُعينين بِقِيمَتِه يَوْم العقد كَمَا مر فِي قَوْله: كَذَاك ذُو التعويض ذَا فِيهِ يجب. وَتقدم هُنَاكَ أَنه يشفع بِقِيمَة الشّقص الْمَأْخُوذ مهْرا أَو خلعاً أَو صلح عمد أَو مقاطعاً بِهِ عَن عبد أَو مكَاتب أَو عمرى، وَفِي الْمُدَوَّنَة: مَا اشْترى بكرَاء بل إِلَى مَكَّة فبمثل كرائها إِلَى مَكَّة، وَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 اشْترِي بِإِجَارَة أجِير سنة فبقيمة الْإِجَارَة اه. وَيدخل فِي قَوْلهَا: وَمَا اشْترى بِإِجَارَة الخ. المغارسة لِأَنَّهَا من الْجعل كَمَا فِي ابْن يُونُس وَغَيره، فَإِذا أعطَاهُ أَرضًا مغارسة وَله إشراك حُضُور لم يعقدوا مَعَ الغارس شَيْئا أَو كَانُوا غيباً، فَإِن الشَّرِيك يَأْخُذ نصِيبه بعد دفع قيمَة الْغَرْس مقلوعاً، وَله أَن يَأْخُذ نصيب الغارس بعد وُجُوبه لَهُ بإطعام وَنَحْوه بِالشُّفْعَة وَلَا تسْقط شفعته إِلَّا بِمُضِيِّ سنة من يَوْم اسْتَحَقَّه الغارس بِتمَام عمله أَي مَعَ حُضُور الشَّفِيع وَعلمه كَمَا مر التَّنْبِيه عَلَيْهِ عِنْد قَوْله: وغائب بَاقٍ عَلَيْهَا الخ. وَظَاهر النّظم أَنه يَأْخُذ بِجِنْس الثّمن، وَلَو كَانَ الشّقص مأخوذاً عَن دين فِي ذمَّة البَائِع وَأَنه إِنَّمَا يشفع بِمثل ذَلِك الدّين وجنسه وَهُوَ كَذَلِك على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة، وَهُوَ معنى قَول (خَ) بِمثل الثّمن وَلَو دينا وَمحله مَا لم يتحيل بِالزِّيَادَةِ فِي الدّين على إِسْقَاطهَا كَمَا مر عِنْد قَوْله: وَالْمَنْع فِي التَّبَرُّعَات مفترض الخ. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: يشفع بِقِيمَة الدّين لَا بِمثلِهِ فَيقوم الدّين بِالْعرضِ ويدفعه الْآن. قَالَ: لِأَن حكمه حكم الْعرض حل أَو لم يحل، وعَلى الأول فَإِن أَخذه عَن دين لم يحل أَو حل وَقَامَ الشَّفِيع وَأخذ بِالشُّفْعَة فَإِنَّهُ يسْتَأْنف لَهُ أجل قدر أجل الدّين على الْمُعْتَمد كَمَا يَأْتِي قَرِيبا. (أَو حُلُول) أَي فَإِن كَانَ الثّمن حَالا فَإِنَّهُ يلْزم الشَّفِيع أَن يُؤَدِّيه حَالا أَيْضا، ويؤجل لَهُ ثَلَاثًا كَمَا مر فِي فصل الْآجَال. (أَو تَأَخّر) أَي تَأْجِيل فَإِذا اشْترى الشّقص بِثمن إِلَى سنة مثلا فَإِن الشَّفِيع يُؤَخر بِهِ إِلَى مثل السّنة، وَظَاهره أَنه يُؤَخر إِلَى مثل السّنة وَلَو شفع عِنْد انْقِضَائِهَا وَهُوَ كَذَلِك عِنْد مَالك ومطرف وَاخْتَارَهُ ابْن حبيب وَابْن يُونُس وَابْن رشد وَاللَّخْمِيّ وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا فِي (ز) لِأَن الشَّفِيع يجب أَن ينْتَفع بِتَأْخِير الثّمن كَمَا انْتفع بِهِ المُشْتَرِي، وَقَالَ أصبغ وَهُوَ ظَاهر الْمُدَوَّنَة: إِذا شفع عِنْد انْقِضَاء الْأَجَل فَلَا يسْتَأْنف لَهُ أجل ثَان لِأَن الْأَجَل الأول مَضْرُوب لَهما مَعًا. قَالَ الشَّيْخ بناني: وَبِه الْعَمَل عندنَا، وَفهم من قَوْله حَال المُشْتَرِي أَن المُشْتَرِي إِذا أعْطى رهنا أَو حميلاً فَإِن الشَّفِيع يلْزمه مثل ذَلِك وإلاَّ فَلَا شُفْعَة لَهُ، وَلَو كَانَ مَلِيًّا إِلَّا أَن يعجل الثّمن وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي (خَ) وَغَيره. فَإِن اشْترى بِغَيْر رهن وَلَا حميل فَإِن الشَّفِيع لَا يلْزمه وَاحِد مِنْهُمَا حَيْثُ كَانَ مَلِيًّا أَو تساوى مَعَ المُشْتَرِي فِي الْعَدَم على الْمُخْتَار عِنْد اللَّخْمِيّ، وإلاَّ بِأَن لم يتساو مَعَه فِي الْعَدَم، بل كَانَ أَشد مِنْهُ عدماً فَلَا شُفْعَة لَهُ إِلَّا أَن يعجل الْحق أَو يَأْتِي بضامن كَمَا قَالَ: وَحَيْثُمَا الشَّفِيعُ لَيْسَ بالْمَلِي قِيلَ لَهُ سُقْ ضَامِناً أَوْ عَجِّلِ (وحيثما الشَّفِيع لَيْسَ بالملي قيل لَهُ سُقْ ضَامِنا أَو عجل) . وَإِذا عجله فَلَا يلْزم الْمُبْتَاع أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 يعجله للْبَائِع، فَإِن عجز الشَّفِيع عَن الضَّامِن أَو التَّعْجِيل وأبى المُشْتَرِي من أَخذ الشّقص وَقَالَ: لَا أقبله مِنْهُ لِأَنَّهُ قد لزمَه بِالْأَخْذِ، فَإِن الشّقص يُبَاع مَعَ الْحَظ الَّذِي وَجَبت بِهِ الشُّفْعَة ويعجل للْمُشْتَرِي ثمنه كَمَا مر عِنْد قَوْله: كَمثل إِحْضَار الشَّفِيع للثّمن الخ. وَمَا يَنُوبُ المُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَى يَدْفَعَهُ لَهُ الشفِيعُ مُحْضَرا (وَمَا يَنُوب المُشْتَرِي فِيمَا اشْترى) من أُجْرَة دلال حَيْثُ كَانَت عَلَيْهِ فِي عَادَة الْبَلَد وَكتب عقد الشِّرَاء أَو ثمن مَا يكْتب فِيهِ (يَدْفَعهُ لَهُ الشَّفِيع محضرا) من غير تَأْجِيل وَهُوَ مَنْصُوب على الْحَال وَلَيْسَ ضَرُورِيّ الذّكر لِأَنَّهُ يُغني عَنهُ قَوْله: وَيلْزم الشَّفِيع حَال مَا اشْترى الخ. وَهَذَا إِذا دفع فِي ذَلِك الْمُعْتَاد من الْأُجْرَة وإلاَّ فَلَا يلْزمه مَا زَاد عَلَيْهِ، وَظَاهره أَنه يلْزمه دفع المكس إِذا كَانَ المُشْتَرِي قد أعطَاهُ، وَهُوَ كَذَلِك على قَول فيفهم مِنْهُ تَرْجِيحه لِأَن المُشْتَرِي لم يتَوَصَّل للشقص إِلَّا بِهِ، وَلِأَنَّهُ مَدْخُول عَلَيْهِ الْبِسَاطِيّ وَمِمَّا يتَوَقَّف فِيهِ إِذا دفع أَكثر من الْمُعْتَاد لتحصيله بِأَقَلّ من ثمنه الْمُعْتَاد اه. قلت: الظَّاهِر إِن ذَلِك لَازم للشَّفِيع لِأَنَّهُ قد عَاد نفع ذَلِك عَلَيْهِ وَلَا وَجه للتوقف فِيهِ قَالَ: وَإِذا جرت الْعَادة بِأَن على البَائِع من الْغرم كَذَا وعَلى المُشْتَرِي كَذَا، فَدفع المُشْتَرِي مَا وَجب على البَائِع من ذَلِك، ثمَّ أَخذ الشَّفِيع بِالشُّفْعَة، فَالظَّاهِر أَنه لَا يلْزم الشَّفِيع إِلَّا مَا يلْزم إِلَّا المُشْتَرِي، وَيرجع المُشْتَرِي على البَائِع لِأَنَّهُ لم يتم لَهُ البيع اه. قلت: وَمِمَّا يَقع فِي هَذَا الزَّمَان كثيرا أَن المُشْتَرِي يَشْتَرِي بِمِائَة مثلا، وَيشْتَرط على البَائِع أَن يذهب للشركاء بوكالة مِنْهُ ويخاصمهم حَتَّى يسلمُوا أَو يشفعوا، فَصَارَ بعض الثّمن أُجْرَة على الْخِصَام، فَإِن شفع الشُّرَكَاء كلهم فَلَا إِشْكَال أَنه يحط عَنْهُم من الثّمن مَا يَنُوب أجره الْمثل لِأَنَّهُ لم يعد عَلَيْهِم نفع من تِلْكَ الْوكَالَة وَإِن أَخذ بعض وَأسْقط الْبَعْض الآخر فَيُقَال: قد انْتفع الْآخِذ بِتِلْكَ الْوكَالَة وَعَاد نَفعهَا عَلَيْهِ فَيلْزمهُ مَا بذله المُشْتَرِي من الْأُجْرَة زِيَادَة على الثّمن الْمُعْتَاد مَا لم يسرف وَالله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 (فصل فِي الْقِسْمَة) وَهِي كَمَا لِابْنِ عَرَفَة تصيير مشَاع من مَمْلُوك مالكين معينا وَلَو باختصاص تصرف فِيهِ بِقرْعَة أَو ترَاض اه. فَقَوله: من مَمْلُوك يتَعَلَّق بمشاع، وَمن للْبَيَان أَي الْمشَاع الَّذِي هُوَ مَمْلُوك لمالكين وَلَو حذفهما وَجعل مَمْلُوكا صفة لمشاع لكفاه، وَفِي بعض النّسخ فَأكْثر بعد قَوْله مالكين، وَبِه يصير الْحَد جَامعا. وَقَوله: معينا مفعول ثَان لتصيير، ومفعوله الأول هُوَ الْمُضَاف إِلَيْهِ، وَلم يَأْتِ بِمعين للإخراج بل للإيضاح وَالْبَيَان، لِأَن قيود الْحُدُود لَا يلْزم أَن تكون كلهَا للإخراج والاحتراز، فَلَا يُقَال احْتَرز بِهِ عَمَّا إِذا صيره غير معِين لِأَنَّهُ لَا يُمكن، وَقَوله: وَلَو باختصاص الخ. مَا قبل الْمُبَالغَة مَحْذُوف وَتَقْدِيره صيره معينا باختصاص فِي الرّقاب بِقرْعَة أَو ترَاض، بل وَلَو كَانَ التَّعْيِين باختصاص فِي الْمَنَافِع فَقَط مَعَ بَقَاء الأَصْل مشَاعا كسكنى دَار أَو خدمَة عبد هَذَا شهرا وَهَذَا شهرا اه. وَلِهَذَا كَانَ الأولى أَن يُؤَخر هَذِه الْمُبَالغَة عَن قَوْله بِقرْعَة أَو ترَاض وَيصير الْحَد هَكَذَا تصيير مشَاع مَمْلُوك لمالكين فَأكْثر معينا بِقرْعَة أَو ترَاض، بل وَلَو باختصاص تصرف فِيهِ. قَالَ ابْن عَرَفَة: فَيدْخل قسم مَا على مَدين وَلَو غَائِبا يَعْنِي لقَوْله فِي الْمُدَوَّنَة؛ وَإِن ترك ديوناً على رجال لم يجز للْوَرَثَة أَن يقسموا الرِّجَال فيصيروا ذمَّة بِذِمَّة، وليقسموا مَا على كل وَاحِد اه. وَهُوَ معنى قَول (خَ) : وَجَاز أَخذ وَارِث عرضا وَآخر دينا إِن جَازَ بَيْعه الخ. وَيخرج تعْيين مُعتق أحد عَبْدَيْنِ أَحدهمَا أَو تعْيين مُشْتَر أحد ثَوْبَيْنِ أَحدهمَا، وَتَعْيِين مُطلق عدد موصى بِهِ من أَكثر مِنْهُ بِمَوْت الزَّائِد عَلَيْهِ قبل تَعْيِينه بِالْقِسْمَةِ اه. وَخُرُوج الثَّلَاثَة بقوله: مشَاع الخ. إِذْ لَا شياع فِي الثَّلَاثَة، وَيحْتَمل أَن تخرج بقوله بِقرْعَة أَو ترَاض إِذْ لَا قرعَة فِي الثَّلَاثَة أَيْضا. ثمَّ هِيَ ثَلَاثَة أَنْوَاع: قسْمَة قرعَة بعد تَعْدِيل وتقويم، وَقِسْمَة مراضاة كَذَلِك، وَقِسْمَة مراضاة من غير تَعْدِيل وَلَا تَقْوِيم، فالقسم الأول هُوَ الَّذِي يحكم بِهِ وَهُوَ بيع عِنْد مَالك، وَصَوَّبَهُ اللَّخْمِيّ وَقيل: إِنَّهَا تَمْيِيز حق وَهُوَ الْأَصَح عِنْد عِيَاض وَابْن رشد وَغَيرهمَا، وَعَلِيهِ عول (خَ) إِذْ قَالَ: وقرعة وَهِي تَمْيِيز حق. وَأما الْقسم الثَّانِي: فَبيع على الْمَشْهُور، وَأما الثَّالِث: فَبيع بِلَا خلاف وَإِلَى هَذِه الْأَنْوَاع أَشَارَ النَّاظِم بقوله: ثَلاَثٌ الْقِسْمَةُ فِي الأَصُولِ وَغَيْرِهَا تَجُوزُ مَعْ تَفْصِيلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 (ثَلَاث) خبر عَن قَوْله (الْقِسْمَة فِي الْأُصُول وَغَيرهَا) يَعْنِي من الْعرُوض وَالْحَيَوَان ثمَّ أجَاب عَن سُؤال مُقَدّر فَكَأَن قَائِلا قَالَ: وَمَا حكمهَا وَهل هِيَ جَائِزَة فِي الْأَقْسَام الثَّلَاثَة؟ فَقَالَ: (تجوز مَعَ تَفْصِيل) فالجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً ثمَّ بَين هَذَا التَّفْصِيل فَقَالَ: فَقِسْمَةُ القُرْعَةِ بالتَّقْوِيمِ تَسُوغُ فِي تَماثُلِ المَقْسُومِ (فقسمة الْقرعَة بالتقويم) لكل حَظّ (تسوغ فِي تماثل الْمَقْسُوم) أَو تقاربه غير أَنه إِذا تَسَاوَت أَجزَاء الْمَقْسُوم فَلَا يحْتَاج إِلَى تَقْوِيم لِأَنَّهُ يعرف التَّسَاوِي بِدُونِهِ، وَيقسم حِينَئِذٍ بالذراع والمساحة أَو الْعدَد وَنَحْو ذَلِك. نعم مَا تفاوتت أجزاؤه فَلَا بُد فِيهِ من التَّقْوِيم فتجمع الدّور على حدتها، والأقرحة أَي الْفَدادِين على حدتها، والأجنات على حدتها، وَالْبَقر صغيرها وكبيرها على حدتها، وَالْإِبِل كَذَلِك على حدتها، وَالرَّقِيق كَذَلِك على حِدته، وَالْحمير صغيرها وكبيرها على حِدته، وَالْبِغَال كَذَلِك. وَهَكَذَا، ثمَّ يجزأ الْمَقْسُوم من كل نوع بِالْقيمَةِ على أقلهم نَصِيبا ويقترعون، وَلَيْسَ لَهُم أَن يجْعَلُوا الْبَقر مثلا فِي نَاحيَة وَالْعَقار أَو الْإِبِل الَّتِي تعادلها فِي الْقيمَة فِي نَاحيَة ويقترعون، لِأَن الْقرعَة لَا يجمع فِيهَا بَين جِنْسَيْنِ وَلَا يَفِي ذَلِك من الْغرَر كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: كَذَاك فِي اخْتِلَاف الْأَجْنَاس الخ. فَإِن كَانَ هُنَاكَ نوع لَا يقبل الْقِسْمَة على أقلهم نَصِيبا فَإِنَّهُ لَا يضم إِلَى غَيره فِي الْقرعَة، بل يتْرك حَتَّى يتراضيا على شَيْء فِيهِ أَو يُبَاع وَيقسم ثمنه وَيشْتَرط فِي جمع الدّور والأقرحة أَن تتساوى رَغْبَة ونفاقاً كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة وَعطف النِّفَاق على الرَّغْبَة من عطف التَّفْسِير كَمَا حَقَّقَهُ طفي، فَالْمُرَاد بالنفاق على هَذَا كَون كل من الدّور والفدادين فِي مَحل مَرْغُوب فِيهِ، إِمَّا عِنْد الشُّرَكَاء والأجانب، أَو عِنْد الشُّرَكَاء فَقَط، وَيجمع البعل للسيح على الْمَشْهُور، فَإِن اخْتلف فِي النِّفَاق كَمَا لَو كَانَ بَعْضهَا مجاوراً لِلْمَسْجِدِ أَو السُّوق أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا يرغب فِي الْقرب مِنْهُ، وَغَيره فِي مَحل آخر لَا يرغب فِيهِ لم يجمع وَيقسم كل على حِدته إِن أمكن وإلاَّ بيع، وَقسم ثمنه إِن لم يتراضيا على شَيْء، وَيشْتَرط أَيْضا أَن تتقارب أمكنتها فِي الْمسَافَة كميل أَو ميلين. اللَّخْمِيّ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 فَإِن كَانَت الداران فِي محلّة وَاحِدَة أَو محلتين متقاربتين جمعتا فِي الْقرعَة، وَسَوَاء كَانَتَا فِي طرف الْبَلَد أَو وَسطه، وَإِن كَانَت إِحْدَاهمَا فِي طرفه وَالْأُخْرَى فِي وَسطه أَو فِي طَرفَيْهِ لم يجمعا، وَإِن كَانَتَا فِي وَسطه وتباين مَا بَين الْمَوْضِعَيْنِ كإحداهما فِي محلّة شريفة وَالْأُخْرَى فِي محلّة مَرْغُوب عَنْهَا لم يجمعا، وَقد يسْتَحق ذَلِك فِي الْبَلَد الصَّغِير وَإِن اخْتلف الدّور فِي الصّفة فَكَانَ مِنْهَا الْجَدِيد وَالْقَدِيم الرث، وَهِي ذَات عدد قسم الْجَدِيد على حِدة وَالْقَدِيم الرث على حِدة، وَإِن كَانَتَا دارين جَدِيدَة وقديمة جمعتا فِي الْقرعَة وَهِي ضَرُورَة، وَلَيْسَ كَالْأولِ لِأَن الأول لَهُ فِيهِ مندوحة اه. وَلَا تجمع أَيْضا دور غير غلَّة للحوانيت وَلَا لفندق أَو حمام، وَأما دور الْغلَّة فتجمع للحوانيت كَمَا فِي الشَّامِل. وَهَذَا معنى قَول (خَ) : وأفرد كل نوع وَجمع دور وأقرحة إِن تَسَاوَت قيمَة ورغبة وتقاربت كالميل الخ. تَنْبِيه: إِذا كَانَ بعض الْفَدادِين أَو الدّور طيبا فَلَا بَأْس أَن يُزَاد لغير الطّيب ضعفه ليَقَع التعادل ويقترعان. قَالَ فِي الْمُنْتَخب، قلت: فَإِن كَانَت دور أَو داران بَين رجلَيْنِ وهما فِي الْموضع سَوَاء إِلَّا أَن الْبُنيان بعضه أطرى من بعض، فَجعل الْقَاسِم مَكَان الْبُنيان الْجَدِيد ضعفه من الْبُنيان الَّذِي قدرتّ وبلي وَعدل ذَلِك كُله بِالْقيمَةِ، ثمَّ ضرب عَلَيْهِ بِالسَّهْمِ أَيجوزُ هَذَا؟ قَالَ: نعم وَهَذَا هُوَ وَجه الْقِسْمَة اه. ثمَّ إِذا طلب بعض الشُّرَكَاء أَن يقسم كل فدان على حِدته وَلَا يضم إِلَى غَيره مَعَ وجود شُرُوط الضَّم أَو كل دَار على حدتها مَعَ وجود شُرُوط الضَّم أَيْضا وأبى غَيره من ذَلِك وَقَالَ: لَا بُد من الْجمع ليخرج حَظه مجتمعاً فِي فدان أَو أفدنة أَو دَار أَو دور متحدة، فَإِن القَوْل لطَالب الضَّم وَالْجمع وَلَا مقَال لمن قَالَ: أَنا لَا أخرج من هَذِه الدَّار وَلَا من هَذَا الفدان وَنَحْو ذَلِك. وَأما الأجنات فَإِنَّهُ يقسم كل صنف مِنْهَا على حِدته أَيْضا إِن قبل الْقِسْمَة على أقلهم نَصِيبا فَإِن لم يقبلهَا فَإِنَّهُ يضم حَائِط التفاح لحائط الرُّمَّان وَيقسم إِن أمكن فَإِن لم يُمكن أَيْضا فَإِنَّهُ يُبَاع وَيقسم ثمنه وَهُوَ معنى قَول (خَ) وأفرد كل صنف كتفاح إِن احْتمل، فمفهومه أَنه إِذا لم يحْتَمل فَإِنَّهُ يضم إِلَى غَيره، وَإِن اخْتلفَا رَغْبَة وَهُوَ كَذَلِك إِذْ الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة فِي الْعقار والرباع لَا تشْتَرط فِي أَصْنَاف الثِّمَار كَمَا للأجهوري، وَيفهم من هَذَا أَن الْحَائِط الَّذِي فِيهِ شجر مُخْتَلفَة مختلطة يقسم مَا فِيهِ بِالْقُرْعَةِ بالأحرى، وَلَا يلْتَفت إِلَى مَا يصير فِي حَظّ أحدهم من الألوان للضَّرُورَة، ثمَّ مَا تقدم من أَنه لَا يجمع فِيهَا بَين نَوْعَيْنِ وَلَا بَين متباعدين فِي النِّفَاق والمسافة، وَإِن رَضوا هُوَ الْمَشْهُور لما فِي ذَلِك من الْغرَر والخطر. وروى ابْن عَبدُوس عَن أَشهب أَنه يجوز الْجمع برضاهم وَلَو مَعَ اختلال الشُّرُوط، فَمن أَخذ بِهِ لَا يعنف عَلَيْهِ، وَأما الْبَز فَكَأَنَّهُ صنف وَاحِد أطلقهُ فِي الْكتاب على كل مَا يلبس صُوفًا كَانَ أَو خَزًّا أَو كتاناً أَو قطناً أَو حَرِيرًا، وَلَو كَانَ بعضه مخيطاً فَيقوم كل صنف على حِدته وَتجمع فِيهِ الْقرعَة مَا لم يحمل كل نوع الْقسم بِانْفِرَادِهِ، وإلاَّ فَلَا يجمع على الْمُعْتَمد (خَ) : وَجمع بز وَلَو كصوف وحرير الخ. وَمَنْ أَبَى الْقَسْمَ بِهَا فَيُجْبَرُ وَجَمْعُ حَظَّيْنِ بِهَا مُسْتَنْكَرُ (وَمن أَبى الْقسم بهَا) أَي بِالْقُرْعَةِ مَعَ وجود شُرُوطهَا (فَيجْبر) لمن دَعَا إِلَيْهَا وَيحكم عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 بهَا (خَ) : وأجبر لَهَا كل إِن انْتفع كل الخ. وَبِهَذَا خَالَفت الْقرعَة قسْمَة المراضاة فَإِن المراضاة كَانَت مَعَ تَعْدِيل وتقويم أم لَا. لَهَا حكم البيع فِي الْعَيْب والاستحقاق وَالْقِيَام بِالْغبنِ وَعدم الْجَبْر وَنَحْو ذَلِك. وَأما الْقرعَة فتخالفها فِي الْجَبْر الْمَذْكُور وَفِي أَنَّهَا لَا تصح إِلَّا فِيمَا تجانس أَو تماثل كَمَا مرّ. وَفِي الْقيام بِالْغبنِ فِيهَا (خَ) : وَنظر فِي دَعْوَى جور أَو غلط وَحلف الْمُنكر، فَإِن تفاحش أَو ثَبت نقضت كالمراضاة إِن أدخلا مُقَومًا الخ. وَفِي أَنَّهَا لَا يجمع فِيهَا بَين حظين كَمَا قَالَ: (وَجمع حظين بهَا مستنكر) أَي مَمْنُوع وَظَاهره اتّفقت الْأَنْصِبَاء أَو اخْتلفت كَانَت الْوَرَثَة ذَوي فرض فَقَط كَأُمّ وَزَوْجَة وأخوة لأم وأخوات لأَب أَو ذَوي فرض وعصبة أَو موصى لَهُم أَو عصبَة فَقَط أَو عصبَة وموصٍ لَهُم، وَهُوَ كَذَلِك على قَول مَالك فِي الْمُدَوَّنَة: وَلَا يجمع حَظّ رجلَيْنِ بالقسم وَإِن أَرَادَ ذَلِك الْبَاقُونَ إِلَّا فِي مثل هَذَا أَي الْعصبَة مَعَ أهل السهْم. عِيَاض: تَأَوَّلَه ابْن الْقَاسِم على أَنه لَا يجمع سهم اثْنَيْنِ اتفقَا أَو اخْتلفَا رَضِيا أَو كرها جمعهم سهم أَو فرقهم إِلَّا الْعصبَة إِذا رَضوا بذلك قَالُوا: وَتَأْويل ابْن الْقَاسِم هَذَا خلاف قَول مَالك وَغير مُرَاده، وَإِنَّمَا معنى قَول مَالك: إِذا اسْتَوَت الْأَنْصِبَاء كثلاثة لكل وَاحِد الثُّلُث، وَأما إِن اخْتلفت فَكَانَ لقوم الثُّلُث ولآخرين السُّدس ولآخرين النّصْف، فَإِنَّهُ يجمع كل وَاحِد مِنْهُم فِي الْقرعَة وَإِن كَرهُوا ذَلِك كُله، فَإِذا خرج نصيب كل فريق قسم على رؤوسهم إِن أَحبُّوا قَالُوا: وَهَذَا قَول جَمِيع أَصْحَابنَا اه. كَلَام عِيَاض. وَالْحَاصِل أَن فِي أهل السهْم الْوَاحِد قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا لِابْنِ الْقَاسِم أَنهم لَا يجمعُونَ وَإِن رَضوا إِلَّا الْعصبَة إِذا كَانُوا مَعَ زَوْجَة فَإِنَّهُم يجمعُونَ أَولا برضاهم حَتَّى تخرج الزَّوْجَة أَو نَحْوهَا من ذَوي الْفُرُوض، ثمَّ يقسمون بَينهم. ابْن نَاجِي: مَا ذكره فِي الْمُدَوَّنَة من أَنه لَا يجمع حَظّ اثْنَيْنِ وَإِن أَرَادَ ذَلِك الْبَاقُونَ هُوَ الْمَشْهُور الخ. ابْن يُونُس: وَإِنَّمَا لم يجز سهم رجلَيْنِ فِي الْقسم لِأَن الْقسم بِالْقُرْعَةِ غرر، وَإِنَّمَا جوز للضَّرُورَة إِذْ كل وَاحِد يحْتَاج إِلَى تَمْيِيز حَظه وَلَا ضَرُورَة فِي جمع رجلَيْنِ فَأكْثر نصِيبهم فَمنع مِنْهُ لاتساع الْغرَر وَخُرُوج الرُّخْصَة عَن موضعهَا اه. وَنَحْوه لعبد الْحق. وَهَذَا التَّعْلِيل يدل على أَن جمع حَظّ اثْنَيْنِ لَا يجوز وَلَو رَضِي الْعصبَة مَعَ نَحْو كَالزَّوْجَةِ فَتَأَمّله. ثَانِيهمَا: أَنهم يجمعُونَ وَإِن أَبَوا وَهُوَ قَول جَمِيع الْأَصْحَاب، وَحكى عَلَيْهِ ابْن رشد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 الِاتِّفَاق فَإِن قَالَ: أما أهل السهْم الْوَاحِد كالزوجات وَالْبَنَات وَالْأَخَوَات والجدات وَالْمُوصى لَهُم بِالثُّلثِ، فَلَا خلاف أحفظه أَنه يجمع حظهم فِي الْقِسْمَة شاؤوا أَو أَبَوا لأَنهم بِمَنْزِلَة الْوَاحِد اه. وَنَحْوه اللَّخْمِيّ. وَبحث ابْن نَاجِي وَابْن عَرَفَة فِي الِاتِّفَاق الْمَذْكُور بِمَا نَقله عِيَاض من الْخلاف الْمُتَقَدّم، فَتحصل أَن كلاًّ من الْقَوْلَيْنِ شهر إِذْ مَا حكى عَلَيْهِ ابْن رشد الِاتِّفَاق لَا أقل أَن يكون مَشْهُورا، وَإِن جمع الْعصبَة مَعَ كَالزَّوْجَةِ مُعْتَبر فِيهِ رضاهم بِخِلَاف جمع أهل السهْم كالزوجات، فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر فِيهِ رضاهن على الثَّانِي وَكَانَ حق النَّاظِم حَيْثُ درج على الأول أَن يَسْتَثْنِي الزَّوْجَة مَعَ الْعصبَة، وَقد جمع (خَ) بَين الْقَوْلَيْنِ على مَا قَرَّرَهُ بِهِ (ز) فَأَشَارَ إِلَى الأول بقوله: وَلَا يجمع بَين عاصبين إِلَّا برضاهم مَعَ كَزَوْجَة، وَإِلَى الثَّانِي بقوله: كذي سهم أَو وَرَثَة والتشبيه فِي مُطلق الْجمع لَا بِقَيْد الرِّضَا. قَالَ (ز) : وَانْظُر مَا وَجه الْجمع برضاهم حَيْثُ كَانَ مَعَهم صَاحب فرض وَعَدَمه حَيْثُ لم يكن مَعَهم ذُو فرض، وَالتَّعْلِيل بِأَنَّهُ يقل الْغرَر مَعَ وجود ذِي الْفَرْض وَيكثر مَعَ فَقده لَا ينْهض اه. قلت: لَا يظْهر لمنع الْجمع برضاهم وَجه لِأَن العاصبين أَو الشَّرِيكَيْنِ إِذا رَضِيا أَن يخرجَا بِالْقُرْعَةِ فِي مَحل وَاحِد، ثمَّ يقسمان أَو يستمران على الشّركَة فَلَا مقَال لغَيْرِهِمَا من الْعصبَة لِأَن الْحق فِي ذَلِك لَهما، وَلَا سِيمَا حَيْثُ كَانَ نصيب اللَّذين رَضِيا بِالْجمعِ لَا يقبل الْقِسْمَة كثلاثة رجال مثلا لأَحَدهم النّصْف وَللْآخر الثُّلُث وَللْآخر السُّدس، وَكَانَ الْمَقْسُوم لَا يقبل الْقِسْمَة على سِتَّة ويقبلها مُنَاصَفَة فَرضِي صَاحب السُّدس وَالثلث أَن يخرجَا بِالنِّصْفِ لأَحَدهمَا ثُلُثَاهُ وَللْآخر ثلثه ليقل ضَرَر الشّركَة أَو يخف فَهَذَا لَا وَجه لمَنعه كَمَا لَا وَجه لمنع الْجمع حَيْثُ رَضِيا بِجمع نصيبهما فِي الْفَرْض الْمَذْكُور مَعَ كَون الْمَقْسُوم يقبل الْقِسْمَة على سِتَّة. وَقد أشارت تبعا لغيره إِلَى جَوَاز الْجمع مَعَ الرِّضَا مُطلقًا. وَاعْتِرَاض الشَّيْخ الرهوني عَلَيْهِ بِمَا تقدم من الْغرَر لَا ينْهض لِأَن الْغرَر الْمَذْكُور حَاصِل حَتَّى مَعَ عدم الْجمع، وَحَاصِل فِي جمع الْعصبَة مَعَ ذِي فرض، وَلَا تَخْلُو الْقِسْمَة بِالْقُرْعَةِ عَن غرر إِذْ لَا يدْرِي فِي أَي مَحل يخرج سَهْمه، وَالتَّعْلِيل بالغرر مَبْنِيّ على أَنَّهَا بيع، وَالْمَشْهُور أَنَّهَا تَمْيِيز حق وَالْقِسْمَة إِنَّمَا شرعت لرفع الضَّرَر أَو تخفيفه، وَلَا إِشْكَال فِي رَفعه أَو تخفيفه بِمَا ذكر، وَلَا سِيمَا حَيْثُ كَانَ الْمَقْسُوم لَا يقبل الْقِسْمَة، إِلَّا مَعَ الْجمع الْمَذْكُور، إِذْ قسمته مَعَ الْجمع أولى من تفويته عَلَيْهِمَا بِالْبيعِ، وَأَيْضًا إِذا كَانَ لصَاحب السُّدس وَالثلث أَن يرجعا إِلَى الشّركَة بعد الْقِسْمَة على أقلهم نَصِيبا فَلَا يمنعان من بقائهما على الشّركَة ابْتِدَاء وَالله أعلم. وَإِنَّمَا قُلْنَا التَّعْلِيل بالغرر مَبْنِيّ على أَنَّهَا بيع لقَوْل اللَّخْمِيّ: الأَصْل منع الْقسم بِالْقُرْعَةِ لتضمنها بيع الْإِنْسَان ملكه بِغَيْر رِضَاهُ، وَالْغرر فِيمَا يصير لَهُ، وَإِنَّمَا استخف ذَلِك لعظم الضَّرَر فِي خُرُوج الْملك من يَده إِن لم يمكثا من الْقِسْمَة اه. . تَنْبِيه: قَول (خَ) أَو وَرَثَة الخ. مِثَاله: شريكان مَاتَ أَحدهمَا عَن وَرَثَة فَإِن الْوَرَثَة يجمعُونَ فِي الْقسم أَولا جبرا فَيقسم الْملك نِصْفَيْنِ نصفه للشَّرِيك وَنصفه للْوَرَثَة، ثمَّ يقسم الْوَرَثَة ثَانِيًا فِيمَا بَينهم. هَكَذَا فِي ابْن الْحَاجِب وضيح وَابْن سَلمُون وَغَيرهم، وَبِه تعلم مَا فِي المعيار عَن ابْن العواد فِي رجلَيْنِ كَانَت بَينهمَا قَرْيَة مشاعة نِصْفَيْنِ فَمَاتَ أَحدهمَا عَن وَرَثَة فَقَالَ شريكهم: تقسم مُنَاصَفَة ثمَّ اقسموا نصفكم. وَقَالَ الْآخرُونَ: بل تقسم على أقل الانصباء. فَأجَاب هُوَ وَابْن رشد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 وَأصبغ وَابْن عمر: لَا تكون الْقِسْمَة إِذا تشاح الْوَرَثَة إِلَّا على أقل الانصباء بِالْقُرْعَةِ على مَا مضى بِهِ الْعَمَل فِي الْقرعَة اه. كَذَاكَ فِي اخْتِلاَفٍ الأَجْنَاسِ وَفِي مَكيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ المَنْعُ اقْتُفي (كَذَاك فِي اخْتِلَاف الْأَجْنَاس) أَي كَمَا منع جمع حظين فِي الْقرعَة كَذَلِك يمْنَع فِيهَا جمع الْأَجْنَاس الْمُخْتَلفَة أَو الْأَصْنَاف الْمُخْتَلفَة، فَلَا تجمع الْخَيل مَعَ البغال أَو الرَّقِيق مَعَ الْعقار كَمَا مرّ فِي مَفْهُوم قَوْله: يسوغ فِي تماثل الْمَقْسُوم (وَفِي مَكِيل) كالقمح (أَو مَوْزُون) كَاللَّحْمِ وَالسمن (الْمَنْع) مُبْتَدأ (اقتفي) خَبره وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ، وَظَاهره أَنَّهَا تمنع فِي الْمكيل وَالْمَوْزُون، سَوَاء قسموا بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن أَو بِالتَّحَرِّي، وَفِي كل خلاف وَوجه الْمَنْع فِي الأول أَنه إِذا كيل أَو وزن فقد اسْتغنى عَن الْقرعَة فَلَا معنى لدخولها فِيهِ. ابْن عَرَفَة عَن ابْن رشد والباجي: لَا تجوز الْقرعَة فِي شَيْء مِمَّا يُكَال أَو يُوزن، وَعَزاهُ ابْن زرقون لسَحْنُون قَالَ: وَكَذَا عِنْدِي مَا قسم بِالتَّحَرِّي لِأَن مَا يتساوى فِي الْجِنْس والجودة وَالْقدر لَا يحْتَاج إِلَى سهم كالدنانير وَالدَّرَاهِم اه. وَنَقله طفي وَقَالَ عقبه: نعلم أَن المثلى إِذا قسم بِالْكَيْلِ أَو الْوَزْن لَا تدخل الْقرعَة فِيهِ، وَزَاد ابْن زرقون: إِذا قسم تحرياً على القَوْل بِجَوَازِهِ اه. أَي: على القَوْل بِجَوَاز قسم الْمكيل وَالْمَوْزُون بِالتَّحَرِّي، وعَلى مَا لِابْنِ رشد والباجي اقْتصر صَاحب الْمعِين والناظم وَهُوَ خلاف مَا للخمي من جَوَاز الْقرعَة فِيمَا قسم بِالْوَزْنِ وَنَحْوه لأبي الْحسن قَائِلا: يقوم من قَوْلهَا يقسم الحلى بِالْوَزْنِ الخ. جَوَاز الْقرعَة فِي الوزيعة إِذا اسْتَوَت فِي الْوَزْن وَالْقيمَة، وَكَذَلِكَ فِي جَمِيع المدخرات اه. وَنَقله الشَّيْخ بناني قَالَ: وَأما عدم دُخُولهَا فِيمَا يقسم بِالتَّحَرِّي كَمَا قَالَ ابْن زرقون فَهُوَ خلاف مَا قَالَه الْبَاجِيّ فِي قسْمَة الثِّمَار فِي رُؤُوس النّخل بِالتَّحَرِّي أَنَّهَا لَا تجوز إِلَّا بِالْقُرْعَةِ، واستظهره سَيِّدي عِيسَى بن علال، وَمَسْأَلَة الوزيعة تجْرِي عَلَيْهِ، وَذكر عَن العبدوسي أَنَّهَا إِن قسمت الوزيعة وزنا فَإِن شاؤوا اقترعوا أَو تركُوا على مَا للخمي، وَإِن قسمت تحرياً فَهُوَ مَوضِع الْقرعَة اه. تَنْبِيه: قَالَ ابْن سَلمُون عَن ابْن حبيب: أجَاز مَالك رَحمَه الله فِيمَا لَا يُكَال من الطَّعَام الَّذِي لَا يجوز التَّفَاضُل فِيهِ، وَإِنَّمَا يُبَاع وزنا كَاللَّحْمِ وَالْخبْز وَفِيمَا لَا يُبَاع وزنا وَلَا كَيْلا كالبيض أَن يقسم بِالتَّحَرِّي، وَذَلِكَ فِيمَا قل لِأَن التَّحَرِّي يُحِيط بِهِ، فَإِذا كثر لم يجز اقتسامه بِالتَّحَرِّي اه. قلت: وَإِذا قسم بِالتَّحَرِّي فَهَل تجب الْقرعَة فِيهِ أَو تمنع؟ يجْرِي فِيهِ مَا تقدم عَن الْبَاجِيّ وَابْن زرقون، وَانْظُر قسْمَة الوزيعة بِالتَّحَرِّي وَمَا فِيهَا عِنْد قَول ناظم الْعَمَل: وَهَكَذَا وزيعة فِي اللَّحْم الخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 وَلاَ يَزِيدُ بَعْضُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُزَادُ فِي حَظَ لِكَيْ يُعَدَّلاَ (وَلَا يزِيد بَعضهم) أَي لَا تجوز الْقرعَة على أَن يزِيد أَحدهمَا للْآخر (شَيْئا) من الدَّرَاهِم مثلا. فَإِذا كَانَت قيمَة إِحْدَى الدَّاريْنِ مائَة وَقِيمَة الْأُخْرَى خمسين فَلَا يجوز أَن يقترعا على أَن من صَارَت لَهُ ذَات الْخمسين زَاده الآخر خَمْسَة وَعشْرين، إِذْ كل مِنْهُمَا لَا يدْرِي هَل يرجع أَو يرجع عَلَيْهِ. وَظَاهر النّظم أَنه لَا يجوز ذَلِك، وَلَو قلت الزِّيَادَة كَنِصْف الْعشْر وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور كَمَا فِي القلشاني. ابْن نَاجِي: وَعَلِيهِ الْعَمَل. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: إِن كَانَت قيمَة أَحدهمَا مائَة وَالْأُخْرَى تسعين لَا بَأْس أَن يقترعا على أَن من صَارَت لَهُ ذَات الْمِائَة أعْطى صَاحبه خَمْسَة لِأَن هَذَا مِمَّا لَا بُد مِنْهُ اه. وَصَوَّبَهُ القلشاني وَاسْتَحْسنهُ ورد اعْتِرَاض ابْن عَرَفَة عَلَيْهِ وعَلى مَا للخمي درج (خَ) إِذْ قَالَ عاطفاً على الْمَنْع أَو فِيهِ تراجع إِلَّا أَن يقل اه. وانتصر لَهُ ابْن رحال وَغَيره وَالله أعلم. (و) كَذَا (لَا يُزَاد) أَيْضا من التَّرِكَة شَيْء مُخَالف لجنس الْمَقْسُوم (فِي حَظّ لكَي يعدلا) أَي الحظان مَعًا ويصيرا فِي الْقِسْمَة، سَوَاء كَمَا لَو كَانَت أحد الدَّاريْنِ بِمِائَة وَالْأُخْرَى بِثَمَانِينَ فيزاد لذات الثَّمَانِينَ عشرُون درهما أَو ثوب أَو عبد من التَّرِكَة قِيمَته عشرُون ويقترعان، فالمزيد فِي الأول من غير التَّرِكَة وَفِي هَذِه مِنْهَا. ابْن سَلمُون: وَلَا يجوز أَن تصير الشَّجَرَة الْوَاحِدَة من إِحْدَى السِّهَام فِي سهم الآخر وَلَا يزِيد دَرَاهِم أَو دَنَانِير فِي هَذِه الْقِسْمَة بِوَجْه وَلَا غَيرهمَا من الثِّيَاب وَالْحَيَوَان. وَبَيْنَ أَهْلٍ الْحَجْرِ لَيْسَ يَمْتَنِعْ قَسْمٌ بِهَا وَمُدَّعِي الغَبْنَ سُمِعْ (وَبَين أهل الْحجر) من صبي أَو سَفِيه أَو غَيرهمَا. (لَيْسَ يمْتَنع) للْوَصِيّ وَالْقَاضِي ومقدمه (قسم بهَا) أَي بِالْقُرْعَةِ، بل يجوز وَيَقْضِي بهَا عَلَيْهِ بعد ثُبُوت ملكيتها للموروث وحيازتها على مَا يَأْتِي قَرِيبا (ومدعي الْغبن) فِيهَا (سمع) مِنْهُ مَا يَدعِيهِ ويكلف بإثباته، فَإِذا أثْبته وَكَانَ قد قَامَ بِالْقربِ وَحده ابْن سهل: بِسنة نقضت الْقِسْمَة وَإِن لم يُثبتهُ أَو قَامَ بعد الْعَام حلف الْمُنكر (خَ) وَنظر فِي دَعْوَى جور أَو غلط وَحلف الْمُنكر، فَإِن تفاحش أَو ثَبت نقضت وأعيدت أَي: مَا لم يفت الْمَقْسُوم بِبِنَاء أَو هدم أَو حِوَالَة سوق فِي غير الْعقار إلاَّ وَجَبت فِي ذَلِك القمية يقتسمونها، فَإِن فَاتَ الْبَعْض اقتسموا مَا لم يفت مَعَ قيمَة مَا فَاتَ. قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. ابْن عَرَفَة: وفوته بِبيع لَغْو مَا لم يفت بِبِنَاء مبتاعه، فَإِن فَاتَ بِهِ رَجَعَ ذُو النَّقْص على بَائِعه فَإِن وجد عديماً رَجَعَ على مبتاعه والجور مَا كَانَ عَن عمد والغلط بِخِلَافِهِ. أَبُو الْحسن: والثبوت يكون بِالْبَيِّنَةِ من أهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 الْمعرفَة يَقُولُونَ فِي هَذِه الْقِسْمَة تغابن وَإِن لم يبلغ الثُّلُث على ظَاهرهَا اه. بل وَلَو كَانَ يَسِيرا. وَعَزاهُ عِيَاض للْمُدَوّنَة وَأَشْهَب وَابْن حبيب، وَقيل: يُعْفَى عَن الْيَسِير كالدينار فِي الْعدَد الْكثير وَهُوَ لِابْنِ أبي زيد والتفاحش مَا ظهر حَتَّى لغير أهل الْمعرفَة. قَالَ (ز) : وَيَنْبَغِي أَن لَا تنقض الْقِسْمَة فِيهِ وَلَو قَامَ بِالْقربِ حَيْثُ سكت مُدَّة تدل على الرِّضَا، فَإِن لم يسكت مَا يدل على رِضَاهُ حلف لاحْتِمَال اطِّلَاعه عَلَيْهِ وَرضَاهُ بِهِ، فَيحلف أَنه مَا اطلع عَلَيْهِ وَلَا رضيه الخ. الْبَاجِيّ: إِذا شهِدت الْبَيِّنَة بِالْغبنِ وَلم تفسر أَو شهدُوا بِهِ مُجملا فشهادتهم تَامَّة إِذا كَانُوا من أهل الْمعرفَة وَالْبَصَر لِأَنَّهَا صناعتهم اه. وَإِنَّمَا تمت شَهَادَتهم وَلَو لم يفسروها لِأَن الْغبن هُنَا لَا يشْتَرط فِيهِ بُلُوغ الثُّلُث كَمَا مر، لِأَن كل وَاحِد مِنْهُم دخل على قيمَة مقدرَة وَكيل مَعْلُوم، فَإِذا وجد نقصا فَلهُ نقض الْقِسْمَة بِخِلَاف الْغبن فِي البيع فَلَا بُد من بُلُوغه الثُّلُث كَمَا مرّ فِي فَصله، وَلَا بُد من استفسار شُهُوده إِذا أجملوا. وَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ذِهِ القِسْمَةُ حَيْثُ تُسْتَحَقْ يَظْهَرُ فِيهَا أنَّها تمييزُ حَقْ (وَهَذِه الْقِسْمَة) يَعْنِي قسْمَة الْقرعَة (حَيْثُ تسْتَحقّ) وَتجب شرعا بِطَلَب بعض الشُّرَكَاء لَهَا (يظْهر فِيهَا) عِنْد ابْن رشد وعياض وَغَيرهمَا (أَنَّهَا تَمْيِيز حق) لَا بيع، وَلذَا يجْبر عَلَيْهَا من أَبَاهَا أَن تماثل الْمَقْسُوم وتجانس كَمَا مرّ وانتفع كل من الآبي والطالب انتفاعاً مجانساً للِانْتِفَاع الأول فِي سكناهُ ومدخله ومخرجه، فَإِن لم ينْتَفع كل فَلَا جبر. ابْن رشد: الَّذِي بِهِ الْعَمَل عندنَا أَن الدَّار لَا تقسم حَتَّى يكون لكل وَاحِد من الساحة والبيوت مَا ينْتَفع بِهِ ويستتر فِيهِ عَن صَاحبه، فَإِن لم تحمل الساحة الْقِسْمَة واحتملت الْبيُوت قسمت الْبيُوت وأقرت الساحة بَينهم يرتفقون بهَا كالفناء إِلَى أَن يتفقوا على قسمتهَا اه. وَرُوِيَ عَن مَالك أَن قسْمَة الْقرعَة بيع، وَصَوَّبَهُ اللَّخْمِيّ وَيَنْبَنِي على الْخلاف لَو ورث ثَلَاثَة أخوة ثَلَاثَة أعبد فاقتسموهم لكل وَاحِد عبد فَمَاتَ عبد أحدهم وَاسْتحق عبد الآخر، فعلى أَنَّهَا تَمْيِيز حق لَا يرجع الْمُسْتَحق من يَده على من مَاتَ عَبده بِشَيْء، وَإِنَّمَا يرجع على الَّذِي بَقِي عِنْده العَبْد فَيكون لَهُ ثلثه وَلمن بِيَدِهِ العَبْد ثُلُثَاهُ، وعَلى أَنَّهَا بيع يرجع الْمُسْتَحق من يَده على الَّذِي مَاتَ عَبده بِثلث قِيمَته وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَيْضا قسم الْوَرَثَة أضْحِية موروثهم، وَقسم الثَّمر فِي رُؤُوس الشّجر فعلى أَنَّهَا تَمْيِيز لَا جَائِحَة وعَلى أَنَّهَا بيع فِيهِ الْجَائِحَة إِلَى غير ذَلِك. وَلما فرغ من الْكَلَام على قسْمَة الْقرعَة شرع فِي الْكَلَام على قسْمَة المراضاة وَهِي نَوْعَانِ أَشَارَ لأولهما بقوله: وَقِسْمَةُ الوِفاق والتَّسْلِيمِ لَكِنْ مَعَ التَّعْدِيلِ وَالتَّقْوِيمِ (وَقِسْمَة الْوِفَاق وَالتَّسْلِيم) أَي توَافق الشُّرَكَاء عَلَيْهَا وَسلم كل مِنْهُم لصَاحبه مَا أَخذه من غير قرعَة (لَكِن مَعَ التَّعْدِيل) لأجزاء الْمَقْسُوم (والتقويم) المحصل لذَلِك التَّعْدِيل إِذْ لَا يحصل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 التَّعْدِيل إِلَّا بِهِ، وَظَاهره سَوَاء أدخلُوا مُقَومًا يقوم لَهُم أَو قومُوا لأَنْفُسِهِمْ وَهُوَ كَذَلِك فَقَوله: قسْمَة مُبْتَدأ خَبره. جَمْعٌ لِحظَيْنِ بِهَا لَا يُتَّقَى وتَشْمَلُ المَقْسُومَ كُلاًّ مُطْلَقا (جمع لحظين بهَا لَا يتقى) أَي لَا يمْنَع لِأَنَّهُ برضاهما (وتشمل الْمَقْسُوم كلا مُطلقًا) اتّفق الْجِنْس أَو اخْتلف، فَيجوز أَن يتراضيا على أَن يَأْخُذ هَذَا عبدا قِيمَته عشرَة، وَهَذَا ثوبا قِيمَته كَذَلِك أَو فرسا، وَكَذَا إِن أَخذ هَذَا قمحاً وَالْآخر قطنية مماثلة لَهُ فِي الْقيمَة فَإِن اتَّحد جنس الطَّعَام الْمَقْسُوم فَلَا بُد من الْمُمَاثلَة كَيْلا أَو وزنا وَإِلَّا امْتنع كَمَا قَالَ: فِي غَيْرٍ مَا مِنَ الطَّعامِ الْمُمْتَنِعْ فِيهِ تَفَاضُلٌ وَفِيهِ تَمْتَنِعْ (فِي غير مَا) هُوَ (من الطَّعَام الْمُمْتَنع فِيهِ تفاضل) وَهُوَ الْجِنْس الْوَاحِد المقتات المدخر كوسق من شعير قوم بِسِتَّة وَنصف وسق من قَمح قوم بِسِتَّة أَيْضا، وتوافقا على أَن يَأْخُذ أَحدهمَا الْقَمْح وَالْآخر الشّعير. (فَفِيهِ تمْتَنع) الْقِسْمَة للتفاضل بَين الطعامين لِأَن قسْمَة المراضاة بيع فَيمْتَنع فِيهَا مَا يمْتَنع فِيهِ، وَكَذَا النِّسَاء فَلَا يجوز أَن يَأْخُذ أَحدهمَا وسْقا من قَمح الْآن ليَأْخُذ الآخر مثله من جنسه أَو من غير جنسه غَدا، فَإِن كَانَ غير مقتات أَو غير مدخر جَازَ التَّفَاضُل وَامْتنع النِّسَاء، وَظَاهر النّظم أَن التَّفَاضُل مُمْتَنع فِيمَا اتَّحد جنسه وَلَو تمحض الْفضل الْبَين لأحد الْجَانِبَيْنِ، وَالَّذِي فِي (خَ) جَوَازه مَعَ تبين الْفضل إِذْ قَالَ عاطفاً على الْجَائِز: وَفِي قفيز أَخذ أَحدهمَا ثُلثَيْهِ وَالْآخر ثلثه إِلَى أَن قَالَ: وَفِي كثلاثين قَفِيزا وَثَلَاثِينَ درهما أَخذ أَحدهمَا عشرَة دَرَاهِم وَعشْرين قَفِيزا. يَعْنِي: وَيَأْخُذ الآخر مَا بَقِي، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لِأَن أَحدهمَا ترك للْآخر فضلا وَهُوَ مَحْض مَعْرُوف فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِك فِي الثَّانِيَة من بيع طَعَام ودراهم بمثلهما، بل كَأَنَّهُمَا قسما الدَّرَاهِم وَحدهَا على التَّفَاوُت والمكيل وَحده كَذَلِك، فترجع الثَّانِيَة للأولى، وَظَاهره أَن ذَلِك جَائِز وَلَو بالتراخي. وَقد صرح بذلك اللَّخْمِيّ قَالَ: لِأَن ذَلِك مَعْرُوف فَهُوَ كمن أَخذ مائَة دِينَار قرضا ليردها بعد سنة وَلَيْسَ ذَلِك على وَجه الْمُبَايعَة حَتَّى يمْنَع التَّرَاخِي، وَنَقله أَبُو الْحسن وَغَيره مُسلما، وَعَلِيهِ فَيجوز مَا يَقع الْيَوْم بَين المتزارعين أَن يحمل أَحدهمَا مَا تصفى من الزَّرْع لمنزله حَتَّى ليَوْم آخر يحمل شَرِيكه مَا تصفى بعد ذَلِك إِلَى دَاره، وَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابَة أَيْضا أَن لأحد الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا أَن يَأْخُذ النَّجْم الأول بِإِذن شَرِيكه حَتَّى يَأْخُذ الشَّرِيك النَّجْم الآخر. قَالَ (ق) : وَكَذَا فِي قسم الزَّيْتُون وَنَحْوه حبا يَأْخُذ أَحدهمَا زِيَادَة عَن صَاحبه، ثمَّ يعاوضه فِي الْيَوْم الَّذِي بعده، وَكَذَا الحراثون يزرع أَحدهمَا يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ ويزرع الآخر مثل ذَلِك بعده وَالله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 تَنْبِيه: وَلَا يجوز قسم اللَّبن فِي ضروع وَلَو بالمراضاة فَلَا يجوز للوارثين مثلا أَن يحلب أَحدهمَا بقرة وَالْآخر بقرة أَو شَاة لِأَنَّهُ مخاطرة وقمار وَبيع لبن بِلَبن من غير كيل إِلَّا لفضل بَين، فَيجوز قسمه حِينَئِذٍ بِالتَّرَاضِي كَمَا مر فِي القفيز، وَفِيه الْجَوَاز فِي الْمُدَوَّنَة مَعَ الْفضل الْبَين بِكَوْنِهِ على وَجه الْمَعْرُوف، وَكَونه إِذا هلك مَا بِيَدِهِ من الْغنم رَجَعَ فِيمَا بيد صَاحبه قَالَ فِيهَا: لِأَن أَحدهمَا ترك للْآخر حِينَئِذٍ فضلا بِغَيْر معنى الْقسم اه. قَالَ أَبُو الْحسن: يظْهر من هَذَا التَّعْلِيل أَنه حَيْثُ كَانَ يتْرك أَحدهمَا للْآخر فضلا بِغَيْر معنى الْقسم أَن ذَلِك لَا يمْتَنع فِي جَمِيع مَا يحرم فِيهِ التَّفَاضُل، وَهَذَا تَنْبِيه على الْعلَّة كَقَوْلِه تَعَالَى: فَإِنَّهُ رِجْس أَو فسقاً} (الْأَنْعَام: 145) وَذكر الْفَقِيه رَاشد عَن شَيْخه أبي مُحَمَّد صَالح أَنه قَالَ: الْأَدِلَّة الَّتِي بنى عَلَيْهَا مَالك مذْهبه سِتَّة عشر: نَص الْكتاب وَظَاهر الْكتاب وَهُوَ الْعُمُوم، وَدَلِيل الْكتاب وَهُوَ مَفْهُوم الْمُخَالفَة، وَمَفْهُوم الْكتاب وَهُوَ بَاب آخر، وتنبيه الْكتاب وَهُوَ التَّنْبِيه على الْعلَّة كَقَوْلِه تَعَالَى: فَإِنَّهُ رِجْس أَو فسقاً} . وَمن السّنة أَيْضا مثل هَذِه الْخَمْسَة، فَهَذِهِ عشرَة. وَالْحَادِي عشر الْإِجْمَاع، وَالثَّانِي عشر وَالثَّالِث عشر عمل أهل الْمَدِينَة، وَالرَّابِع عشر قَول الصَّحَابِيّ، وَالْخَامِس عشر الِاسْتِحْسَان، وَالسَّادِس عشر الحكم بسد الذرائع. وَاخْتلف قَوْله فِي السَّابِع عشر وَهُوَ مُرَاعَاة الْخلاف فَمرَّة يراعيه وَمرَّة لَا يراعيه. أَبُو الْحسن: وَمن ذَلِك الِاسْتِصْحَاب اه. وَأُعْمِلَتْ حتَّى عَلَى المَحْجُورِ حَيْثُ بدا السَّدَادُ فِي المَشْهُورِ (وأعملت) هِيَ أَي قسْمَة الْوِفَاق والمراضاة وَلَو فِي الْأَجْنَاس الْمُخْتَلفَة والأصناف المتباينة والبعيدة بَعْضهَا من بعض على النَّاس كلهم (حَتَّى على الْمَحْجُور) مِنْهُم كصبي وسفيه وَمَجْنُون ومفلس (حَيْثُ بدا) ظهر (السداد) أَي وَثَبت بِالْبَيِّنَةِ (فِي الْمَشْهُور) الْمَعْمُول بِهِ خلافًا لِابْنِ الْهِنْدِيّ فِي قَوْله: بِعَدَمِ جَوَاز الْقسم بهَا على الْمَحْجُور وَنَحْوه فِي الْعُتْبِيَّة. قَالَ الْبَاجِيّ: وإجازته فِي الْمُدَوَّنَة شِرَاء الْوَصِيّ لبَعض مَا يَلِيهِ من بعض. يرد قَول ابْن الْهِنْدِيّ اه. وَمحل جَوَازهَا على الْمَحْجُور إِذا لم تكن بَينه وَبَين حاجره وإلاَّ فَلَا يجوز، وَلَو ظهر السداد على الرَّاجِح الْمَعْمُول بِهِ من أَنه لَا بُد من الرّفْع للْإِمَام فَيقدم من يقسم بَينه وَبَين محاجره، فَإِن لم يرفع للْإِمَام فسخت لِأَنَّهُ بَاعَ مَال مَحْجُوره من نَفسه، وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم: فَإِن يكن مشاركاً لمن حجر الخ. نعم إِذا كَانَ مَعَ الحاجر والأيتام شريك أَجْنَبِي، فَإِنَّهُ يجوز لَهُ أَن يقاسم الْأَجْنَبِيّ وَيتْرك نصِيبه وَنصِيب الْأَيْتَام على الإشاعة مَعَهم كَمَا يَأْتِي للناظم أَيْضا: فَإِذا أَرَادَ أَن يقاسمهم رفع إِلَى السُّلْطَان كَمَا مر. تَنْبِيه: إِذا رفع الْوَصِيّ أَو الْوَرَثَة الْأَمر إِلَى الإِمَام ليقسم بَينهم فَإِنَّهُ لَا يقسم بَينهم حَتَّى يثبتوا أصل الْملك للموروث واستمراره وحيازته وَالْمَوْت والإراثة كَمَا لِابْنِ فَرِحُونَ وَغَيره وَذكر فِي المعيار عَن الإِمَام السنوسي أَن الْعَمَل عَلَيْهِ، وَيُؤَيِّدهُ كَمَا فِي الارتفاق لِابْنِ رحال مَا قَالُوهُ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 إِن القَاضِي لَا يُمكن الْمُرْتَهن من بيع الرَّهْن حَتَّى يثبت ملكيته للرَّاهِن، وَأَنه لَا يُمكن الْغُرَمَاء من بيع مَال الْمُفلس حَتَّى يثبتوا ملكيته لَهُ، وَأَنه لَا يَبِيع دَار الْغَائِب لنفقة زَوجته حَتَّى تثبت ملكيتها لَهُ كَمَا قَالَ (خَ) وبيعت دَاره بعد ثُبُوت ملكه الخ. وَقَالَ فِي الْحجر أَيْضا: وَبَاعَ بِثُبُوت يتمه وَملكه لما بيع الخ. وَالْقِسْمَة بالمراضاة بيع فَهَذَا كُله يشْهد لصِحَّة الْعَمَل الَّذِي فِي المعيار، وَلَكِن قَالَ ابْن عبد الْبر كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة: إِن قسم القَاضِي بَينهم دون أَن يثبتوا أصل الْملك، فليذكر فِي كتاب الْقِسْمَة أَن ذَلِك إِنَّمَا كَانَ بإقرارهم اه. وَاقْتصر عَلَيْهِ (ق) آخر بَاب الْقِسْمَة فَدلَّ ذَلِك على أَن ثُبُوت ملكية الْمَوْرُوث شَرط كَمَال فَقَط، وَيُؤَيِّدهُ مَا مر عَن الشَّامِل وَابْن عبد السَّلَام فِي فصل البيع على الْغَائِب، إِذْ الأَصْل فِيمَن بَاعَ شَيْئا أَنه لَهُ وَأَنه يملكهُ، وَكَونه تعدى عَلَيْهِ وَكَونه لغيره خلاف الأَصْل فقسمة القَاضِي بَين الْوَرَثَة أَو بَيْعه على الْغَائِب وَنَحْوه دون ثُبُوت أصل الْملك نَافِذ حَتَّى يثبت أَن الْملك لغير الْغَائِب والموروث، وَلَا ينْقض البيع وَالْقسم بِمُجَرَّد احْتِمَال كَون الْمَقْسُوم وَالْمَبِيع للْغَيْر لِأَنَّهُ احْتِمَال ضَعِيف كَمَا هُوَ ظَاهر وَالله أعلم. وَمَا مَزيدُ العَيْنِ بالمَحْظُورِ وَلَا سِواهُ هَبْهُ بالتَّأَخِيرِ (وَمَا) نَافِيَة (مزِيد) أَي زِيَادَة (الْعين بالمحظور) أَي الْمَمْنُوع (وَلَا) زِيَادَة (سواهُ) أَي الْعين كالعرض (هبة) أَي ذَلِك الْمَزِيد (بِالتَّأْخِيرِ) كدار بِمِائَة وَعبد بمائتين فتراضيا على أَن يَأْخُذ أَحدهمَا العَبْد وَيزِيد للْآخر خمسين أَو ثوبا نَقْدا أَو إِلَى أجل. وَمَنْ أَبى القَسْمَ بِهَا لَا يُجْبَرُ وقائِمٌ بالْغَبْنِ فِيهَا يُعْذَرُ (وَمن أَبى الْقسم بهَا لَا يجْبر) لِأَنَّهَا بيع على الْمَشْهُور وَلَا يجْبر أحد على بيع شَيْئه (وقائم بِالْغبنِ فِيهَا يعْذر) وَيسمع قَوْله لِأَنَّهُمَا لما دخلا على قيمَة مقدرَة سَمِعت دَعْوَاهُ الْغبن، فَإِن أثْبته عمل بِمُقْتَضَاهُ وَإِلَّا حلف الْمُنكر كَمَا تقدم فِي الْقرعَة، وَظَاهره أَن الْغبن هُنَا مَا نقص عَن الْقيمَة نقصا بَينا وَلَو لم يبلغ الثُّلُث، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مر فِي الْقرعَة لِأَن الْقَائِم لم يتسبب فِي الْغبن، بل المتسبب فِيهِ هُوَ الْمُقَوّم الْأَجْنَبِيّ أَو كل الشُّرَكَاء إِن قومُوا لأَنْفُسِهِمْ، فَلِذَا كَانَ يقوم بِهِ وَلَو لم يبلغ الثُّلُث، وَهَذَا إِذا قَامَ بِالْقربِ فَإِن طَال كالسنة فَلَا قيام لَهُ كَمَا يَأْتِي لَهُ فِي قَوْله: والغبن من يقوم فِيهِ بعد الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى النَّوْع الثَّانِي من نَوْعي المراضاة فَقَالَ: وقِسْمَةُ الرِّضا والاتِّفاقِ مِنْ غَيْرِ تَعْدِيلٍ عَلَى الإطْلاَقِ (وَقِسْمَة الرِّضَا والاتفاق من غير تَعْدِيل) وَلَا تَقْوِيم (على الْإِطْلَاق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 كَقِسْمَةِ التَّعْدِيلِ وَالتَّراضِي فِيما عَدَا الغَبْنَ مِنَ الأَغْرَاضِ كقسمة التَّعْدِيل والتراضي) فَقَوله: وَقِسْمَة الرِّضَا مُبْتَدأ وكقسمة التَّعْدِيل خَبره، وعَلى الْإِطْلَاق حَال من الضَّمِير المستقر فِي الْخَبَر، وَمَعْنَاهُ أَن قسْمَة الرِّضَا من غير تَعْدِيل وَلَا تَقْوِيم كائنة كقسمة الرِّضَا بتعديل وتقويم على الْإِطْلَاق أَي فِي جَمِيع أَحْكَامهَا، فَتجوز فِي الْجِنْس الْوَاحِد والمختلف والمكيل وَالْمَوْزُون، وَيجمع فِيهَا بَين حظين وَيحرم التَّفَاضُل فِي المقتات المدخر من طعامها على التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم، وَلَا يمْنَع فِيهَا زِيَادَة الْعين أَو غَيرهَا إِلَّا أَنه لَا قيام فِيهَا بِالْغبنِ كَمَا قَالَ: (فِيمَا عدا الْغبن من الْأَغْرَاض) بالغين الْمُعْجَمَة أَي فَإِنَّهُ لَا قيام بِهِ فِيهَا لِأَنَّهُ لم يَأْخُذ مَا خرج بِهِ على قيمَة مقدرَة وَلَا على ذِرَاع مَعْلُوم، وَلَا على أَنه مماثل لما خرج عَنهُ فَهِيَ كَبيع المساومة بِاتِّفَاق وَهُوَ لَا قيام فِيهِ بِالْغبنِ وَلَو بلغ الثُّلُث على الْمَشْهُور، وَأما على مَا مر للناظم فِي فصل الْغبن فيقام بِهِ فِيهَا لِأَن الحكم عَلَيْهَا بِأَنَّهَا كَالْبيع يُوجب لَهَا حكمه وَقد تقدم أَنه يُقَام فِيهِ بِالْغبنِ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدّمَة على الْمَعْمُول بِهِ، وَإِن كَانَ خلاف الْمَشْهُور فَكَانَ على النَّاظِم حَيْثُ درج فِيمَا تقدم على أَن البيع يُقَام فِيهِ بِالْغبنِ أَن لَا يستثنيه هَهُنَا، وَقد يُقَال: إِنَّمَا اسْتثْنى غبن الْقِسْمَة وَهُوَ النَّقْص عَن الْقيمَة نقصا بَينا أَي: فالنقص عَن الْقيمَة الَّذِي لم يبلغ الثُّلُث لَا يُقَام بِهِ فِي هَذَا النَّوْع، بِخِلَاف النَّوْعَيْنِ قبله، فَإِنَّهُ يُقَام بِهِ فيهمَا، وَأما مَا بلغ الثُّلُث فَإِنَّهُ يُقَام بِهِ فِي هَذِه وَفِيمَا قبلهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يجب حمل النَّاظِم عَلَيْهِ وَالله أعلم. وَمحل عدم قِيَامه بِهِ فِي هَذِه مَعَ نَقصه عَن الثُّلُث إِذا لم يكن الْعَاقِد للْقِسْمَة وَكيلا وإلاَّ فللموكل الْقيام بِهِ إِذا ثَبت كَمَا لِابْنِ زرب وَغَيره، وَهُوَ الْمُوَافق لقَوْل (خَ) فِي الْوكَالَة: وَتعين نقد الْبَلَد وَثمن الْمثل والأخير الخ. وَذَلِكَ لِأَن النَّائِب عَن غَيره لَا يمْضِي من فعله إِلَّا مَا هُوَ سداد ومصلحة. وَمُدْعٍ غَبْناً بهَا أَوْ غَلَطَا مُكَلَّفٌ إنْ رَامَ نَقْضاً شَططا (و) إِذا لم يكن لَهُ الْقيام بِالْغبنِ ف (مُدع غبناً بهَا) أَي بقسمة المراضاة بِلَا تَعْدِيل (أَو) مُدع (غَلطا) وَهُوَ مَا صدر من غير قصد (مُكَلّف) بِكَسْر اللَّام الْمُشَدّدَة خبر عَن قَوْله مُدع (إِن رام) أَي قصد (نقضا) للْقِسْمَة (شططا) مفعول ثَان بمكلف، وَالْمَفْعُول الأول مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير مُكَلّف الْحَاكِم شططاً أَي ظلما وجوراً إِن رام نقضهَا لكَون دَعْوَى الْغَلَط والغبن فِيهَا لَا تسمع، وَهَذَا الْبَيْت تَصْرِيح بِمَفْهُوم قَوْله: فِيمَا عدا الْغبن. وَقِسْمَةُ الْوَصِيِّ مُطْلَقاً عَلَى مَحْجُورِهِ مَعْ غَيْرِهِ لَنْ تُحْظَلاَ (وَقِسْمَة الْوَصِيّ) مُبْتَدأ (مُطلقًا) حَال من الضَّمِير فِي تحظلا (على مَحْجُور مَعَ غَيره) متعلقان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 بقسمة، وَالضَّمِير الْمَجْرُور بِغَيْر رَاجع للْوَصِيّ (لن تحظلا) خبر عَن الْمُبْتَدَأ، وَالْمعْنَى أَن الْمَحْجُور إِذا كَانَ مشاركاً لغير حاجره فَإِن قسْمَة حاجره عَلَيْهِ لَا تحظل وَلَا تمنع مُطلقًا كَانَت بِالْقُرْعَةِ أَو بالمراضاة بنوعيها، لَكِن مَعَ ظُهُور السداد ومصادفة الصَّوَاب لِأَن الْوَصِيّ حِينَئِذٍ نَائِب عَن مَحْجُوره لَا يمْضِي من فعله إِلَّا مَا كَانَ سداداً كَمَا مر (خَ) وَقسم عَن صَغِير أَب أَو وَصِيّ وملتقط كقاض عَن غَائِب الخ. وَإِنَّمَا عبر بِالْإِطْلَاقِ الشَّامِل لأنواع الْقِسْمَة الثَّلَاثَة مَعَ تَقْدِيم حكم الْقِسْمَة عَلَيْهِ بِالْقُرْعَةِ، أَو بالمراضاة مَعَ تَعْدِيل لأجل قَوْله: فَإنْ يَكُنْ مُشَارِكَاً لِمَنْ حَجَرْ فِي قِسْمَةٍ فَمَنْعُهُ مِنْهَا اشْتَهَرْ (فَإِن يكن) الْوَصِيّ أَو الْأَب (مشاركاً لمن حجر) سَوَاء شاركهما أَجْنَبِي أَيْضا أم لَا. (فِي قسْمَة) أَي فِي مقسوم من إِطْلَاق الْمصدر وَإِرَادَة الْمَفْعُول أَي كَانَ مشاركاً لَهُ فِي الشَّيْء الْمَقْسُوم فقاسم عَن نَفسه ومحجوره من غير رفع للْحَاكِم، وَيحْتَمل أَن يكون على حذف مُضَاف أَي فِي ذِي قسْمَة (فَمَنعه) أَي الْوَصِيّ (مِنْهَا) أَي من الْقِسْمَة مَعَ مَحْجُوره بأنواعها الثَّلَاثَة كَمَا هُوَ ظَاهره (اشْتهر) لِأَنَّهُ من بيع الْوَصِيّ مَال مَحْجُوره من نَفسه، وَهُوَ لَا يجوز وَإِن وَافق السداد (خَ) : فِي بَاب الْوكَالَة عاطفاً على الْمَمْنُوع وَبيعه من نَفسه ومحجوره الخ. وَقيل: يجوز إِن ظهر السداد وَلم يُجَاب، وَالْخلاف مَبْنِيّ على أَن الْمُخَاطب هَل يدْخل تَحت الْخطاب أم لَا؟ التَّوْضِيح. وَالظَّاهِر وَإِن قُلْنَا إِنَّه يدْخل فَلَا يمْضِي للتُّهمَةِ وَلَا يُقَال تبين انتفاؤها بِالْبيعِ بِالْقيمَةِ فَأكْثر لأَنا نقُول: يحْتَمل أَنه اشْتَرَاهَا بذلك لما رأى أَن من النَّاس من يرغب فِي شِرَائهَا بِأَكْثَرَ اه. وعَلى هَذَا عول فِي الشَّامِل فِي بَاب الْوكَالَة وَأَنه إِذا بَاعَ من نَفسه فلموكله ومحجوره الْخِيَار، وَهُوَ الْمُوَافق للْعَمَل الَّذِي يَأْتِي عَن الْمُتَيْطِيَّة فِي الْبَيْتَيْنِ بعده، وَلما تقدم فِي فصل مسَائِل من أَحْكَام البيع من أَن بيع الْأَب مَال وَلَده من نَفسه مَحْمُول على غير السداد، وَإِذا كَانَ هَذَا فِي الْأَب فأحرى فِي الْوَصِيّ، وعَلى القَوْل الثَّانِي وَهُوَ الْجَوَاز إِن لم يُجَاب عول (خَ) فِي بَاب الْوَصِيَّة حَيْثُ قَالَ: وَلَا اشْتَرَاهُ من التَّرِكَة وإلاَّ تعقب بِالنّظرِ فيمضي الْأَصْلَح للْيَتِيم وَيرد غَيره وَنَحْوه للقرطبي فِي تَفْسِيره وَابْن الْعَرَبِيّ فِي أَحْكَامه قَالَا: مَشْهُور مَذْهَب مَالك الْجَوَاز إِن لم يحاب، وَعَلِيهِ اقْتصر آخر الكراس الأول من أنكحة المعيار، وَبِه أفتى المجاصي لما سُئِلَ عَن وَصِيّ قاسمت عَن نَفسهَا ومحجورها مَعَ اشْتِرَاك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 وأخرجت للمحجور نصِيبه على حِدة وَلها نصِيبهَا على حِدة، ثمَّ قَامَ الْمَحْجُور بعد تَفْوِيت بعض الِاشْتِرَاك نصِيبه بِالْبيعِ فَقَالَ الْوَصِيّ: لَا يقاسم مَحْجُوره، فَإِن وَقع وَنزل تعقب بِالنّظرِ، فَإِن كَانَ سداداً مضى وإلاَّ نقض قَالَه ابْن نَاجِي فِي شرح الْمُدَوَّنَة، فَإِن فَاتَ بيد المُشْتَرِي رَجَعَ عَلَيْهِ بِتمَام الْقيمَة أَو على البَائِع وَإِن تعذر الرُّجُوع على من ذكر كَانَ الرُّجُوع على الْوَصِيّ الْعَالم لتَفْرِيطه قَالَه أَبُو إِبْرَاهِيم الْأَعْرَج، وَكَذَلِكَ إِن طَالَتْ عمَارَة المُشْتَرِي فَلَا يتَعَرَّض لَهُ قَالَه الْأُسْتَاذ ابْن لب، وَمثله لِابْنِ سهل قَالَ: وَمِنْه استيلاد الْأمة، وَهَذَا حكم البيع وَمثله قسْمَة المراضاة بوجهيها لِأَنَّهَا بيع من الْبيُوع اه. وَفِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن أبي زيد فِي الْأَب يُرِيد أَن يقاسم وَلَده الصَّغِير قَالَ: يَنْبَغِي لَهُ الرّفْع إِلَى القَاضِي ليجعل لَهُ من يَلِي الْقسم مَعَ الْأَب، فَإِن قَاسم لنَفسِهِ مضى إِلَّا أَن تظهر مُحَابَاة بَيِّنَة فللولد الْقيام إِن بلغ اه. ثمَّ اسْتثْنى من عُمُوم قَوْله: مشاركاً لمن حجر لِأَنَّهُ شَامِل لثلاث صور: لما إِذا شاركهما أَجْنَبِي، وَخرج كل بِنَصِيبِهِ على حِدة، وَلما إِذا لم يشاركهما أحد، وَلما إِذا شاركهما غَيرهمَا وَخرج نصيب الْمَحْجُور مشَاعا مَعَ وَصِيّه فَأخْرج هَذِه الْأَخِيرَة من ذَلِك الْعُمُوم بقوله: إلاَّ إَذَا أَخْرَجَهُ مُشاعا مَعْ حَظِّهِ قَصْداً فَلاَ امْتِنَاعَا (إِلَّا إِذا أخرجه مشَاعا مَعَ حَظه قصدا فَلَا امتناعا) لِأَنَّهُ لَا تلْحقهُ تُهْمَة حِينَئِذٍ، وَمحل الْمَنْع فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَوليين إِذا تولى الْوَصِيّ الْقِسْمَة بِنَفسِهِ وَلم يرفع للْحَاكِم كَمَا مرّ، فَإِن رفع الْأَمر إِلَيْهِ وَقدم من يقاسمه فَلَا منع كَمَا قَالَ: وَيَقْسِمُ القَاضِي عَلَى المَحْجُورِ مَعْ وَصِيِّهِ عِنْدَ اقْتِفَاءِ مَنْ مَنَعْ (وَيقسم القَاضِي على الْمَحْجُور مَعَ وَصِيّه عِنْد اقتفاء) اتِّبَاع (من منع) قسمه مَعَه من الْفُقَهَاء كَابْن أبي زمنين وَغَيره وَهُوَ الَّذِي بِهِ الْقَضَاء وَعَلِيهِ الْعَمَل قَالَه فِي المعيار عَن الإِمَام السنوسي، وَأَصله فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَنَصّ اختصارها: فَإِن كَانَ الْوَصِيّ شَرِيكا للأيتام نظرت فَإِن كَانَ مَعَهم غَيرهم جَازَ لَهُ أَن يقاسم عَنهُ وعنهم الأجنبيين، وَيكون نصِيبه ونصيبهم على الإشاعة وَنصِيب الْأَجْنَبِيّ مُنْفَردا. وَقَالَ ابْن أبي زمنين وَغَيره: لَا يجوز ذَلِك وَيفْسخ، وَإِن كَانَ سداداً فَإِن الْوَصِيّ شَرِيكا لَهُم وَحده فَقَالَ ابْن أبي زمنين: لَا يجوز أَن يقسم هُوَ لَهُم وليرفع للْإِمَام فَيقدم من يقاسم عَن الْأَيْتَام، فَإِذا تميز حظهم رَجَعَ فِيهِ النّظر للْوَصِيّ، وَقيل: يجوز مقاسمة الْوَصِيّ لَهُ وَلَهُم إِذا ضمن الشُّهُود معرفَة السداد وَهُوَ ظَاهر قَول مَالك فِي العتيبة قَالَ بعض الموثقين: وَالْأول أولى وَبِه الْقَضَاء اه. وَإِذا كَانَ الْعَمَل وَالْقَضَاء بقول ابْن أبي زمنين، وَهُوَ يَقُول بِوُجُوب الْفَسْخ فِيمَا إِذا قَاسم عَنهُ وعنهم الأجنبيين فأحرى أَن يَقُول بِالْفَسْخِ فِيمَا إِذا كَانَ الْوَصِيّ شَرِيكا لَهُم وَحده، فَيكون الْمَعْمُول بِهِ من الْخلاف الْمُتَقَدّم قَرِيبا فَوق هذَيْن الْبَيْتَيْنِ هُوَ الْفَسْخ وَالله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 كَذَا لَهُ القَسْمُ عَلى الصِّغَارِ وَغَائِبٍ مُنْقَطِع الأخْبَارِ (كَذَا) أَي كَمَا يجب أَن يقسم القَاضِي على الْمَحْجُور مَعَ وَصِيّه كَذَلِك يجب (لَهُ الْقسم على الصغار) الَّذين لَا أَب لَهُم وَلَا وَصِيّ وَطلب شركاؤهم الْقِسْمَة، ومقدم القَاضِي كَهُوَ فيقاسم عَن الْأَيْتَام على الأجنبيين أَو الأكابر من إخْوَانهمْ بمشورة القَاضِي لِأَن الْمُقدم لَا يَبِيع ربع الْيَتِيم إِلَّا بمشورة القَاضِي على الْمَعْمُول بِهِ وَالْقِسْمَة بيع، وَهَذَا إِذا كَانَ يُمكنهُ الرّفْع إِلَيْهِ ومشاورته وَلم يَأْمُرهُ بِالْقِسْمَةِ، وَلم يثبت عِنْد القَاضِي مَا يُوجب الْقسم وإلاَّ فقسمته مَاضِيَة وَلَو لم يشاوره قَالَه فِي نَوَازِل الصُّلْح من المعيار (و) كَذَا لَهُ الْقسم على (غَائِب مُنْقَطع الْأَخْبَار) حَيْثُ طلب شركاؤه ذَلِك فَإِن علم خَبره فَكَذَلِك إِن بَعدت غيبته وَإِلَّا انْتظر، وَالظَّاهِر أَن الْقَرِيبَة مَا كَانَت على ثَلَاثَة والبعيدة مَا فَوْقهَا كَمَا يَشْمَلهُ قَول (خَ) فِي الْقَضَاء: وَالْعشرَة أَيَّام أَو اليومان مَعَ الْخَوْف يقْضِي عَلَيْهِ مَعهَا فِي غير اسْتِحْقَاق الْعقار الخ. وَالْقِسْمَة من الْقَضَاء عَلَيْهِ فِي غير الِاسْتِحْقَاق الْمَذْكُور. وَحَيْثُ كانَ القَسْمُ للْقُضَاةِ فَبَعْدَ إثْباتٍ لِمُوجِبَاتِ (وَحَيْثُ كَانَ الْقسم للقضاة) لكَون الْمَقْسُوم مُشْتَركا بَين الْوَصِيّ ومحجوره، أَو بَين غَائِب وَغَيره، أَو بَين أَجْنَبِي ومحجور لَا وَصِيّ لَهُ، أَو بَين وَرَثَة فيهم رشيد ومحجور، أَو بَين وَرَثَة رشداء وطلبوا مِنْهُ الْقِسْمَة بَينهم (ف) إِن الْقُضَاة لَا يقسمون إِلَّا (بعد إِثْبَات لموجبات) من ثُبُوت الشّركَة وَالْحجر والغيبة وَبعدهَا وإهمال الْيَتِيم وَطلب الشَّرِيك الْقِسْمَة وملكية الشَّيْء الْمَقْسُوم كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَغَيره، فَإِن قسم قبل إِثْبَاتهَا فقد تقدم عَن السيوري أَن بَيْعه ينْقض وَالْقِسْمَة بيع، وَلَكِن هَذَا فِي غير ثُبُوت الْملك لما تقدم عِنْد قَوْله: وأعملت حَتَّى على الْمَحْجُور الخ. من إِثْبَات الملكية لَا ينْقض الْقسم بعد إثْبَاته فَرَاجعه هُنَاكَ، وراجع مَا تقدم فِي البيع على الْغَائِب، وَفِي فصل مسَائِل من أَحْكَام البيع عِنْد قَوْله: وَبيع من وَصِيّ للمحجور الخ. تَنْبِيهَانِ. الأول: فِي جَوَاز قسم الحاضن كأخ أَو عَم أَو أَجْنَبِي عَن محضونه أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه كالوصي على كل حَال فيبيع وَيقسم وَهِي رِوَايَة ابْن غَانِم وَابْن الْمَاجشون عَن مَالك، وَهَذِه الرِّوَايَة جَيِّدَة لأهل الْبَوَادِي لإهمالهم الْإِيصَاء، وَبهَا الْعَمَل كَمَا مر فِي بيع الحاضن. وَثَانِيها: أَنه كَالْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ مذهبها. وَثَالِثهَا: لِابْنِ وهب كالوصي إِن كَانَ أما أَو من الأجداد والجدات، وَرَابِعهَا: لِابْنِ كنَانَة كالوصي إِن كَانَ من الأجداد والجدات والأخوة لَا من غَيرهم من الْقرَابَات. الثَّانِي: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَلَا يجوز قسم الْأَب عَن ابْنه الْكَبِير وَإِن غَابَ وَلَا الْكَافِر عَن ابْنَته الْمسلمَة الْبكر كَمَا لَا يُزَوّجهَا، وَلَا يجوز قسم الزَّوْج لزوجته الْبكر وَلَا قبض مَالهَا، وَالْأَب أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 وَصِيّه أولى بذلك وَإِن دخلت حَتَّى يؤنس رشدها بعد الدُّخُول فَيدْفَع إِلَيْهَا حِينَئِذٍ مَالهَا، وَلَيْسَ للزَّوْج قبض مَالهَا قبل الدُّخُول وَلَا بعده، وَإِن مَاتَ الْأَب وَلم يوص لم يجز للزَّوْج أَن يقسم لَهَا إِلَّا بِأَمْر القَاضِي اه. ويقيد بِمَا تقدم فِي الْوكَالَة من قَوْله: وَالزَّوْج للزَّوْجَة كالموكل الخ. وَيُتْرَكُ القَسْمُ عَلَى الأصاغِرِ لحَال رَشْدٍ أَوْ لِوَجْهٍ ظَاهِ (وَيتْرك الْقسم على الأصاغر لحَال رشد) أَي إِلَى أَن يرشدوا (أَو لوجه ظَاهر) كَأَن يكون شريكهم ذَا سطوة فَلَا ينصفهم من حَقهم فَيتْرك الْقسم بَينه وَبينهمْ حَيْثُ لم يَطْلُبهُ الشَّرِيك إِلَى أَن يملكُوا أنفسهم. ابْن سَلمُون: وَإِذا كَانَت الْأَمْلَاك بَين الأصاغر وأربابها كلهم محاجير فَإِنَّهَا تتْرك إِلَى أَن يرشدوا فيقتسمونها، أَو يرشد أحدهم فيطلب ذَلِك إِلَّا أَن يثبت فِي ذَلِك النّظر لَهُم، فَحِينَئِذٍ يقسم بَينهم فَإِن كَانَ عَلَيْهِم وَصِيّ فبادر إِلَيْهَا فَقَسمهَا، فقد أجَاز ذَلِك سَحْنُون وَالْأولَى مَا تقدم اه. وَمَنْ دَعَا لِبَيْعِ مَا لاَ يَنْقَسِمْ لَمْ يُسْمَع إلاَّ حَيْثُ إضْرارٌ حُتِمْ (وَمن دَعَا) من الشُّرَكَاء (لبيع مَا لَا يَنْقَسِم) أصلا كالرقيق الْوَاحِد وَالْفرس الْوَاحِد أَو يَنْقَسِم بِفساد كالياقوتة الْوَاحِدَة والخف الْوَاحِد وَالثَّوْب الْوَاحِد أَو دَار أَو بُسْتَان لَا يقسمان على أقل الحظوظ وَلَا يصير لأَصْحَاب الْحَظ الْقَلِيل مَا ينْتَفع بِهِ. (لم يسمع) قَوْله: وَلَا يُجَاب إِلَى مَا ادَّعَاهُ وَيبِيع نصِيبه مُفردا إِن شَاءَ حَيْثُ لم يتحد مدخله مَعَ شَرِيكه ولصاحبه الشُّفْعَة إِن كَانَ من الْأُصُول لَا من الْعرُوض كَمَا مرّ فِي الشُّفْعَة فَقَوله: مَا لَا يَنْقَسِم شَامِل لجَمِيع مَا مرّ، وَسَوَاء كَانَ مَا لَا يَنْقَسِم على أقل الحظوظ من الرباع المتخذة للغلة أَو المتخذة للِانْتِفَاع بهَا بِعَينهَا، ثمَّ أخرج هَذَا الثَّانِي من الْعُمُوم الْمَذْكُور بقوله: (إِلَّا حَيْثُ إِضْرَار) فِي دوَام اشتراكه (حتم) لكَونه متخذاً للِانْتِفَاع بِهِ بِعَيْنِه. مِثْلُ اشْتِراكِ حائِطٍ أَوْ دَارِ لَا كالرَّحَى وَالْفُرْنُ فِي المُخْتَارِ (مثل اشْتِرَاك حَائِط) أَي بُسْتَان (أَو دَار) متخذين للِانْتِفَاع بهما بعينهما فَإِنَّهُ يُجَاب من دَعَا إِلَى بَيْعه حَيْثُ اتَّحد مدخله مَعَ شَرِيكه، وَسَوَاء كَانَ الْمُدَّعِي للْبيع ذَا الْحَظ الْكثير أَو الْقَلِيل، وَمرَاده بمثلهما كل مَا يتَّخذ للِانْتِفَاع بِهِ بِعَيْنِه فَيدْخل فِيهِ الْخُف وَالْعَبْد وَالثَّوْب وَالْحمام الْمُتَّخذ للِانْتِفَاع بِهِ بِعَيْنِه وَنَحْو ذَلِك، وَإِنَّمَا مثل بِالْحَائِطِ وَالدَّار لما فيهمَا من الْخلاف لِأَن مَالِكًا رَحمَه الله يرى الْقِسْمَة فيهمَا وَلَو لم يصر لصَاحب الْحَظ الْقَلِيل مَا ينْتَفع بِهِ كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَمذهب ابْن الْقَاسِم أَنه لَا يجوز قسمهَا إِلَّا إِذا صَار لكل مِنْهُمَا مَا ينْتَفع بِهِ وَهُوَ الْمَشْهُور وَبِه الْقَضَاء (خَ) : وأجبر لَهَا أَي للقرعة كل أَن انْتفع كل الخ. اللَّخْمِيّ: وَلَو قيل يمْنَع قسم الْحمام وَنَحْوه وَلَو رَضِيا كَمَا يمْنَع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 قسم اللؤلؤة لَكَانَ وَجها. (لَا) مَا كَانَ (كالرحى والفرن) وَنَحْوهمَا مِمَّا لَا يقبل الْقِسْمَة، وَهُوَ متخذ للغلة فَقَط لَا للِانْتِفَاع بِهِ بِعَيْنِه، فَإِنَّهُ لَا يجْبر شَرِيكه على البيع مَعَه، وَلَو اتَّحد مدخلهما وَهُوَ مِثَال لما قبل الِاسْتِثْنَاء وَمَا قبله مِثَال لما بعده (فِي) القَوْل (الْمُخْتَار) عِنْد ابْن رشد وعَلى التَّفْرِيق بَين رباع الْغلَّة فَلَا يجْبر، وَلَو اتَّحد مدخلهما بِخِلَاف غَيرهَا فَيجْبر حَيْثُ اتَّحد الْمدْخل عول (خَ) إِذْ قَالَ: وأجبر البيع إِن نقصت حِصَّة شَرِيكه مُفْردَة لَا كربع غلَّة أَو اشْترى بَعْضًا الخ. وَالْمذهب وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل الْإِطْلَاق، وَأَنه لَا فرق بَين رباع الْغلَّة وَغَيرهَا كَمَا قَالَه ابْن عبد السَّلَام واليزناسي وَابْن عَرَفَة وَغَيرهم، وَهَذِه هِيَ مَسْأَلَة الصَّفْقَة وَصورتهَا؛ أَن تكون دَار مثلا أَو عبد بَين رجلَيْنِ فَأكْثر فيعمد أحدهم إِلَى ذَلِك الْملك وَيبِيع جَمِيعه بِغَيْر إذْنهمْ فَيثبت الْخِيَار لشركائه بَين أَن يكملوا البيع أَو يضموا لأَنْفُسِهِمْ ويدفعوا للْبَائِع مناب حِصَّته من الثّمن وَلها شُرُوط. أَحدهَا: أَن يكون الشَّيْء لَا يقبل الْقِسْمَة، وَأما إِن كَانَ يقبلهَا فَمن دَعَا إِلَى قسمه أجبر لَهُ الَّذِي يُرِيد بَيْعه كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة، وَهَذَا الشَّرْط هُوَ معنى قَول النَّاظِم: وَمن دَعَا لبيع مَا لَا يَنْقَسِم. ثَانِيهَا: أَن يكون ذَلِك الشَّيْء مِمَّا يتَضَرَّر بالاشتراك فِيهِ لكَونه متخذاً للِانْتِفَاع بِهِ بِعَيْنِه كَالدَّارِ والبستان لَا أَن كَانَ متخذاً للِانْتِفَاع بغلته فَقَط كالفرن والرحى وَهُوَ معنى قَول النَّاظِم: مثل حَائِط أَو دَار الخ. وَهَذَا على مَا لِابْنِ رشد، ورده ابْن عَرَفَة بِأَن الْمَعْرُوف عَادَة أَن شِرَاء الْجُمْلَة أَكثر ثمنا فِي رباع الْغلَّة وَغَيرهَا إِلَّا أَن يكون ذَلِك بِبِلَاد الأندلس وَإِن كَانَ فَهُوَ نَادِر اه. قلت: تَأمل قَوْله: فَهُوَ نَادِر هَل هُوَ نَادِر بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيرهم أَو فِيمَا هُوَ بَينهم؟ فَإِن كَانَ الأول فَلَا يجوز لغوه بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم، وَإِن كَانَ الثَّانِي فلغوه ظَاهر، لَكِن ابْن رشد إِنَّمَا بنى ذَلِك على عاداتهم فَلَا يحسن الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ، فَحق ابْن عَرَفَة أَن يسْقط قَوْله: وَإِن كَانَ فَهُوَ نَادِر الخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 ثَالِثهَا: أَن يتحد مدخلهما بِأَن يشترياه دفْعَة وَاحِدَة أَو يرثاه كَذَلِك، أما إِن كَانَ كل مِنْهُمَا اشْترى حِصَّته مُفْردَة أَو ورثهَا كَذَلِك فَلَا يجْبر أَحدهمَا للْآخر، وَهُوَ معنى قَول (خَ) أَو اشْترى بَعْضًا. رَابِعهَا: أَن ينقص ثمن حِصَّة مُرِيد البيع إِذا بِيعَتْ وَحدهَا عَن ثمن الْجُمْلَة وإلاَّ فَلَا جبر. خَامِسهَا: أَن لَا يلْتَزم الْمُمْتَنع من البيع أَدَاء النَّقْص الْحَاصِل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 لشَرِيكه. سادسها: أَن لَا يكون الْمُشْتَرك فِيهِ للتِّجَارَة وإلاَّ فَلَا يجْبر على بَيْعه كَمَا لَا يجْبر على قسمه على مَا للخمي قَائِلا: لِأَنَّهُ على الشّركَة دخل فِيهِ حَتَّى يُبَاع جملَة، ورده ابْن عَرَفَة بِأَن دُخُوله على بَيْعه جملَة مُؤَكد لقبُول دَعْوَاهُ بَيْعه جملَة، فَكيف يَصح قَوْله: لَا يجْبر على البيع من أَبَاهُ وَإِنَّمَا يَصح اعْتِبَار مَا دخلا عَلَيْهِ من شِرَائِهِ للتجر إِذا اخْتلفَا فِي تَعْجِيل بَيْعه وتأخيره؟ وَالصَّوَاب فِي ذَلِك اعْتِبَار مُعْتَاد وَقت بيع السّلْعَة حَسْبَمَا ذكره فِي الْقَرَاض من الْمُدَوَّنَة. سابعها: أَن لَا يبعض طَالب البيع حِصَّته بِأَن يَبِيع بَعْضهَا ثمَّ يُرِيد أَن يصفق بِالْبَعْضِ الْبَاقِي، فَإِنَّهُ لَا يُجَاب. ثامنها: أَن لَا يرضى البَائِع بِبيع حِصَّته مُفْردَة وَفِي عد هَذَا من الشُّرُوط شَيْء، لِأَن الْكَلَام والموضوع أَنه طلب إِجْمَال البيع، فَهَذَا هُوَ مَوْضُوع الشُّرُوط. تاسعها: أَن يكون المُشْتَرِي أَجْنَبِيّا غير شريك، وإلاَّ فَهُوَ تبعيض على نزاع فِيهِ بَيناهُ فِي حَاشِيَة اللامية. وَهَذَا كُله على مَا للأقدمين، وَأما على مَا بِهِ عمل الْمُتَأَخِّرين فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر من هَذِه الشُّرُوط إِلَّا اتِّحَاد الْمدْخل، وَعَلِيهِ فَلَو قَالَ النَّاظِم: وَمن دَعَا لبيع مَا لَا يَنْقَسِم فَغَيره بجبره قد يحكم إِن كَانَ مدْخل لَهُ قد اتَّحد وَحَيْثُ لَا فجبره لَهُ يرد لوفى بالمراد، وَمَعَ ذَلِك يُقَال: لَا مَفْهُوم لقَوْله مَا لَا يَنْقَسِم بل مَا يقبل الْقِسْمَة كَذَلِك على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا قَالَ ناظمه: فِي قَابل الْقسم وَمَا لم يقبل لَا تشْتَرط إِلَّا اتِّحَاد الْمدْخل ثمَّ إِن وجد هَذَا الشَّرْط على مَا بِهِ الْعَمَل أَو وجدت كلهَا على مُقَابِله، فلمريد البيع أَن يَبِيع الْجَمِيع من غير رفع للْحَاكِم على مَا بِهِ الْعَمَل، وَإِن لم يرض شَرِيكه بذلك، لَكِن إِذا تمّ بَيْعه فللممتنع من البيع الْخِيَار إِن شَاءَ أمضى وَأخذ حِصَّته من الثّمن وَإِن شَاءَ ضم، وَإِذا ضم فَلهُ أَن يَبِيعهُ أَو مَا شَاءَ مِنْهُ عقب ذَلِك بالفور، بِخِلَاف الشُّفْعَة فَلَيْسَ لَهُ البيع عقب الْأَخْذ بهَا على أحد قَوْلَيْنِ تقدما هُنَاكَ. وَالْفرق أَنه هُنَا مجبور فَإِن كَانَ المصفق عَلَيْهِ غَائِبا رفع المُشْتَرِي أمره للْحَاكِم فيمضي عَلَيْهِ البيع أَو يضم لَهُ، وَحَيْثُ أَمْضَاهُ مضى وَلَو كَانَ لَهُ مَال وإلاَّ أَخذ نظر أَو مصلحَة. تَنْبِيه: قَوْلهم: لَا يشْتَرط إِلَّا اتِّحَاد الْمدْخل الخ. يَقْتَضِي أَن عدم تبعيض الْحصَّة وَهُوَ الشَّرْط السَّابِع لَا يشْتَرط، وَأَن من بَاعَ بعض حِصَّته فَلهُ أَن يصفق بِالْبَاقِي، وَلَيْسَ كَذَلِك. وَعَلِيهِ فحقهم أَن يَقُولُوا: لَا يشْتَرط إِلَّا اتِّحَاد الْمدْخل وَعدم التَّبْعِيض، وَأَيْضًا فَإِن الشَّرْط الأول لَا وَجه لإلغائه لِأَن الضَّرَر يرْتَفع بِالْقِسْمَةِ، وَالْفَرْض أَن الْمُشْتَرك يقبلهَا، وَرُبمَا كَانَ الْمُمْتَنع من البيع لَا يقدر على أَدَاء ثمن حِصَّة شَرِيكه لارتفاعه فَيُؤَدِّي إِلَى تَفْوِيت حِصَّته عَلَيْهِ لينْتَفع شَرِيكه بِزِيَادَة الثّمن فِي حِصَّته، فهم قد راعوا حق مُرِيد البيع وأخلوا بِحَق الْمَبِيع عَلَيْهِ، إِذْ لَا يضر بِأحد لينْتَفع غَيره وَلَا يرفع ضَرَر بِضَرَر لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (لَا ضَرَر وَلَا ضرار) . فَالْوَاجِب فِي هَذَا هُوَ التَّمَسُّك بالمشهور، وَكَذَا يُقَال فِي الشَّرْط الْخَامِس؛ وَهُوَ أَن لَا يلْتَزم الْمُمْتَنع أَدَاء النَّقْص الْحَاصِل لشَرِيكه الخ. لَا وَجه لإلغائه أَيْضا لِأَن إلغاءه يُوجب لُحُوق الضَّرَر لكاره البيع إِذْ قد لَا تكون لَهُ قدرَة على أَدَاء ثمن حِصَّة الشَّرِيك، وَله قدرَة على جبر النَّقْص الْحَاصِل بالانفراد، فَإِذا ألزمناه أَخذ الْجَمِيع مَعَ عدم الْقدر عَلَيْهِ لزم جبره على البيع من غير ضَرَر يلْحق البَائِع لِأَن ضَرَره قد ارْتَفع بِالْتِزَام النَّقْص، وَكَذَا يُقَال: إِذا لم ينقص ثمن الْحصَّة عَن ثمن الْجُمْلَة فَهَذِهِ الشُّرُوط الْأَرْبَع يجب على من راقب الله اعْتِبَارهَا كاتحاد الْمدْخل، وقديماً كنت متأملاً فِي ذَلِك فَلم يظْهر لي وَجه إلغائها بل هُوَ مُخَالف للْكتاب وَالسّنة وَالله أعلم. وَكلُّ مَا قِسْمَتُهُ تَعْذَّرُ تُمْنَعُ كَالَّتِي بِهَا تَضَرُّرُ (وكل مَا قسمته تعذر) بِفَتْح التَّاء وَحذف إِحْدَى التَّاءَيْنِ أَي تتعذر لقَوْل ابْن مَالك: وَمَا بتاءين ابتدى قد يقْتَصر فِيهِ على تا كتبين العبر (تمنع) بِضَم التَّاء (ك) الْقِسْمَة (الَّتِي بهَا تضرر) كياقوتة أَو كخفين، وَإِذا منعت قسمته فإمَّا أَن يتَّفقَا على الِانْتِفَاع بِهِ مُشْتَركا وَإِمَّا أَن يُبَاع عَلَيْهِمَا حَيْثُ طلب أَحدهمَا ذَلِك واتحد مدخلهما، فَإِن لم يتحد بَاعَ حِصَّته مُفْردَة كَمَا مر، ثمَّ إِذا قُلْنَا من دَعَا لبيع مَا لَا يَنْقَسِم فَإِنَّهُ يُجَاب إِلَى ذَلِك حَيْثُ اتَّحد الْمدْخل على مَا مر، فَإِذا بَاعَ الشَّرِيك الْجَمِيع من غير رفع للْحَاكِم مضى بَيْعه على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا فِي اللامية وَغَيرهَا. وَكَانَ لصَاحبه الْخِيَار فِي الضَّم وَعَدَمه، وَإِن وَقع وَرفع الْأَمر للْحَاكِم فَإِنَّهُ ينظر فَإِن اتَّحد الْمدْخل أمره بِبيع الْجَمِيع وَيثبت الْخِيَار أَيْضا، وَإِن لم يتحد أمره بتسويق حِصَّته مُفْردَة ثمَّ لصَاحبه الشُّفْعَة إِذا كَانَ عقارا على الْمَعْمُول بِهِ من أَن الشُّفْعَة جَارِيَة حَتَّى فِيمَا لَا يَنْقَسِم مِنْهُ كَمَا مر، وَأما على مُقَابِله فَهُوَ كالعروض، وَحكمهَا أَنه يحكم عَلَيْهِ بِبيع حِصَّته مُفْردَة أَيْضا لعدم اتِّحَاد الْمدْخل كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع، فَإِذا وقفت على ثمن كَانَ لشَرِيكه أَخذه بذلك الثّمن رفعا لضرره، فَإِن لم يعلم الشَّرِيك حَتَّى انْعَقَد البيع فَلَا شُفْعَة وَلَا ضم، وَقد فَاتَ ذَلِك عَلَيْهِ وَهُوَ قَول ابْن عَرَفَة: كل مُشْتَرك لَا شُفْعَة فِيهِ فَبَاعَ بعض الشُّرَكَاء نصِيبه مِنْهُ فَلِمَنْ بَقِي أَخذه بِالثّمن الَّذِي يعْطى فِيهِ مَا لم ينفذ البيع اه. وَانْظُر مَا تقدم عِنْد قَول النَّاظِم فِي الشُّفْعَة: وَجُمْلَة الْعرُوض فِي الْمَشْهُور الخ. قَالَ فِي شرح العمليات: إِذا وقف الْمَبِيع من عرُوض أَو حَيَوَان على ثمن فَيُقَال للشَّرِيك: أَنْت أَحَق بِهِ فَلَا يشترى حَتَّى تسلم فِيهِ فَإِن أَخذه بِمَا بلغ منع مِنْهُ غَيره الخ. هَذَا كُله إِذا طلب أحدهم البيع وأبى غَيره، وَلم يسْأَل طَالب البيع من القَاضِي فِيمَا إِذا اتَّحد الْمدْخل أَن يُنَادي لَهُ على الْجَمِيع بل رَضِي أَن يتَوَلَّى بيع الْجُمْلَة بِنَفسِهِ، وَأما إِن طلب مُرِيد البيع مِنْهُ المناداة على الْجَمِيع أَو طلب جَمِيع الشُّرَكَاء البيع وَلَا ينظر فِي هَذِه لِاتِّحَاد الْمدْخل وَلَا لعدمه فَإِنَّهُ يُجِيبهُمْ إِلَى مَا طلبُوا فِي الصُّورَتَيْنِ. ويَحْكُمُ القَاضِي بِتَسْوِيقٍ وَمَنْ يُرِيدُ أَخْذَهُ يَزِيدُ فِي الثَّمَنْ (وَيحكم القَاضِي) حِينَئِذٍ (بتسويق) جَمِيع الْمَبِيع (وَمن يُرِيد أَخذه) مِنْهُم بِمَا وقف عَلَيْهِ لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 يُمكن مِنْهُ إِلَّا أَن (يزِيد فِي الثّمن) فَإِن سلمه لَهُ صَاحبه فَذَاك وَإِلَّا تزايدا حَتَّى يقف على أَحدهمَا فَيَأْخذهُ بِمَا وقف بِهِ عَلَيْهِ. وَإنْ أَبَوْا قَوَّمَهُ أَهْلُ البَصَرْ وآخِذٌ لَهُ يُقَضِّي مَنْ يَذَرْ (وَإِن أَبَوا) التسويق لكساد سوقه مثلا (قومه أهل الْبَصَر) فَإِذا سلم أَحدهمَا لصَاحبه بذلك التَّقْوِيم فَذَاك وَإِلَّا تزايدا (وآخذ لَهُ) بِمَا وقف بِهِ عَلَيْهِ. (يقْضِي) بِفَتْح الْقَاف أَي: يُؤدى الثّمن (من يذر) أَي لمن يتْرك أَخذه وَالزِّيَادَة فِيهِ وَيُرِيد بَيْعه لصَاحبه بِمَا وقف عَلَيْهِ. وَإن أبَوْا بِيعَ عَلَيْهِمْ بالْقَضَا واقَتْسَمُوا الثَّمَنَ كَرْهاً أوْ رِضَا (وَإِن أَبَوا) أَي امْتَنعُوا كلهم من أَخذه بِمَا قومه أهل الْبَصَر أَو بِمَا وقف عَلَيْهِ فِي التسويق (بيع عَلَيْهِم بالقضا واقتسموا الثّمن كرها أَو رضَا) وَمَا قَررنَا بِهِ النّظم هُوَ الْمُتَعَيّن الْمُوَافق لما بِهِ الْعَمَل، وَالْمَشْهُور من اتِّحَاد الْمدْخل الَّذِي درج عَلَيْهِ (خَ) فِي قَوْله: أَو اشْترى بَعْضًا. وَمَا نقلوه هُنَا عَن المتيطي والمدونة وَغَيرهمَا مِمَّا ظَاهره أَنه يحكم بتسويق مَا لَا يَنْقَسِم من عقار وَغَيره، سَوَاء اتَّحد الْمدْخل أم لَا. وَمن يُرِيد أَخذه يزِيد فِي الثّمن مُخَالف لما تقدم، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يحمل ذَلِك على مَا إِذا اتَّحد مدخله وَطلب مُرِيد البيع من القَاضِي أَن يُنَادي لَهُ على الْجَمِيع أَو توَافق الْجَمِيع على البيع كَمَا قَررنَا، لَكِن يُقَال: إِذا اتَّحد الْمدْخل فَلَا يحْتَاج الْمُمْتَنع من البيع إِلَى المزايدة، لِأَن الْخِيَار لَهُ فِي الضَّم وَعَدَمه وَلَو أمضى البيع، وَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى المزايدة إِذا طلب الْجَمِيع الْمَبِيع كَمَا هُوَ ظَاهره وَالله أعلم. وَأما إِذا لم يتحد الْمدْخل فَإِنَّهُ يحكم عَلَيْهِ بِبيع حِصَّته مُفْردَة كَمَا مر، فَقَوْل الْمُتَيْطِيَّة: وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يَنْقَسِم بيع عَلَيْهِم الخ. يَعْنِي حَيْثُ اتَّحد الْمدْخل أَو توَافق الْجَمِيع على البيع وطلبوا مِنْهُ البيع عَلَيْهِم كَمَا قَررنَا قَالَ: إِلَّا أَن يُرِيد من كره البيع أَن يَأْخُذ ذَلِك بِمَا يعْطى فِيهِ فَهُوَ أَحَق، فَإِن اخْتلفُوا فِي أَخذه بعد بُلُوغه فِي النداء ثمنا تزايدوا فَإِن قَالَ بَعضهم: ابْتِدَاء نتزايد، وَقَالَ بَعضهم: يقومه أهل الْمعرفَة، فَالْقَوْل لمن دَعَا للمزايدة، فَإِن طلب أحدهم المزايدة وَالْآخر البيع نُودي عَلَيْهِ فَإِذا وقف على ثمن كَانَ لصَاحب المزايدة أَخذه بذلك إِلَّا أَن يزِيد عَلَيْهِ الآخر فليتزايد الخ. قلت: وَهَذَا الَّذِي فِي الْمُتَيْطِيَّة أحد أَقْوَال ثَلَاثَة، وَانْظُر شَارِح العمليات عِنْد قَوْلهَا صدر الْبيُوع. ولشريك الْمَبِيع بِثمن بلغ دون الْغَيْر يرضى حَيْثُ عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 وَعند قَوْلهَا بعد ذَلِك: وَلَيْسَ يجْبر على المقاومه وحظ مَا لَا يقبل المقاسمه فَإِنَّهُ قَالَ: كَون الشَّرِيك يَأْخُذ نصيب شَرِيكه بِالثّمن الَّذِي أعْطى فِيهِ وَاضح فِيمَا بيع مبعضاً، وَأما مَا بيع صَفْقَة فَكَذَلِك إِن كَانَ الْآخِذ غير مُرِيد البيع، وَأما مريده فَفِي أَخذه نصيب شَرِيكه المجبور على البيع صَفْقَة بِالثّمن الَّذِي بلغ وَمنعه إِلَّا بِزِيَادَة، ثَالِثهَا إِن لم يكن قَصده إِخْرَاج الشَّرِيك والاستبداد بالشَّيْء الْمُشْتَرك فَلهُ وإلاَّ فَلَا حَتَّى يزِيدهُ اه. يَعْنِي: وَإِذا زَاد فلصاحبه الزِّيَادَة أَيْضا، ويتزايدان حَتَّى يقف على أَحدهمَا. وَذكر فِي ضيح أَن الْعَمَل على أَنه لَا يُمكن من أَخذه حَتَّى يزِيد كَانَ هُوَ طَالب البيع أَو غَيره، وَفِي الدّرّ النثير: إِن الْعَمَل على القَوْل الثَّالِث، وَفِي ابْن نَاجِي: إِن الْعَمَل عِنْدهم على أَن مُرِيد البيع لَا يَأْخُذهُ إِلَّا بِزِيَادَة بِخِلَاف غَيره فَيَأْخذهُ بِدُونِهَا. تَنْبِيه: وَحَيْثُ حكم لمريد البيع بالتمكن مِنْهُ وَطلب إخلاء الدَّار للتسويق، فَإِنَّهُ يُجَاب إِلَى ذَلِك بِخِلَاف الحوانيت وَشبههَا فَإِنَّهَا لَا تخلى. انْظُر حاشيتنا على اللامية. والرَّدُّ لِلْقِسْمَةِ حَيْثُ يُسْتَحَقْ مَنْ حِصَّةٍ غَيْرُ يَسِيرٍ مُسْتَحَقْ (وَالرَّدّ للْقِسْمَة) مُبْتَدأ (حَيْثُ يسْتَحق) أَي يُؤْخَذ بِالِاسْتِحْقَاقِ (من حِصَّة) بيد أحد الشَّرِيكَيْنِ أَو الشُّرَكَاء شَيْء (غير يسير مُسْتَحقّ) خبر الْمُبْتَدَأ أَي ثَابت، وَحَاصِل للْمُسْتَحقّ مِنْهُ. وَظَاهره كَانَ الْمُسْتَحق جُزْءا معينا أَو شَائِعا فِي حِصَّة أَحدهمَا أَو فِي بَعْضهَا، وَشَمل غير الْيَسِير مَا زَاد على النّصْف وَالنّصف وَالثلث، وَالْحكم فِي ذَلِك مُخْتَلف على الْمَشْهُور، فَإِن كَانَ الْمُسْتَحق زَاد على النّصْف فَيتَعَيَّن النَّقْض جبرا عَلَيْهِمَا، وَإِن كَانَ النّصْف أَو الثُّلُث فَلَا يتَعَيَّن النَّقْض، بل إِن شَاءَ أبقى الْقِسْمَة على حَالهَا وَلَا يرجع على شَرِيكه بِشَيْء، وَإِن شَاءَ رَجَعَ شَرِيكا بِقدر نصف ذَلِك مِمَّا فِي يَد صَاحبه، وَمَفْهُوم قَوْله: غير يسير إِنَّه إِذا اسْتحق الْيَسِير كالربع فدون أَنه لَا رد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 لَهُ، وَإِنَّمَا يرجع على شَرِيكه بِقِيمَة نصف مَا قَابل الْجُزْء الْمُسْتَحق ثمنا، وَهَذَا هُوَ معنى التَّخْيِير فِي قَول (خَ) : وَإِن اسْتحق نصف أَو ثلث خير لَا ربع الخ. كَمَا قَالَه طفي وَغَيره، وَهُوَ معنى قَول ابْن شَاس: وَإِن اسْتحق بعض معِين وَكَانَ كثيرا كَانَ لَهُ أَن يرجع بِقدر نصف ذَلِك مِمَّا فِي يَد صَاحبه يكون بِهِ شَرِيكا. يَعْنِي: وَله أَن لَا يرجع بِشَيْء وَيتْرك الْقِسْمَة على حَالهَا. قَالَ: وَإِن كَانَ تافهاً يَسِيرا رَجَعَ بِنصْف قيمَة ذَلِك دَرَاهِم، وَلَا يكون شَرِيكا لصَاحبه هَذَا قَول مَالك اه. وَمثله قَول الْمُدَوَّنَة: نظر أبدا إِلَى مَا اسْتحق فَإِن كَانَ كثيرا كَانَ لَهُ أَن لَا يرجع بِقدر نصف ذَلِك فِيمَا بيد صَاحبه شَرِيكا فِيهِ إِن لم يفت، وَفِي الْيَسِير يرجع فِيهِ بِنصْف قيمَة ذَلِك ثمنا اه. أَبُو الْحسن: مُرَاده بالكثير النّصْف لِأَنَّهُ يُقَال فِيهِ كثير وَلَيْسَ بِأَكْثَرَ وَالثلث كالنصف، وَالْعَيْب يطْرَأ كالاستحقاق. ابْن يُونُس عَن بعض أهل الْقرَوِيين: الَّذِي يتَحَصَّل عِنْدِي فِي طرُو الْعَيْب والاستحقاق بعد الْقسم أَن ينظر، فَإِن كَانَ ذَلِك كالربع فَأَقل رَجَعَ بِحِصَّة ذَلِك ثمنا، وَإِن كَانَ نَحْو النّصْف أَو الثُّلُث فَيكون بِحِصَّة ذَلِك شَرِيكا فِيمَا بيد صَاحبه وَلَا ينْتَقض الْقسم، وَإِن كَانَ فَوق النّصْف انْتقصَ الْقسم وابتدأه، وَبِالْجُمْلَةِ فمالك وَابْن الْقَاسِم اتفقَا على نقض الْقِسْمَة وجوبا فِي اسْتِحْقَاق الْأَكْثَر أَو عَيبه كالثلثين فَأكْثر، وعَلى عدم نقضهَا فِي الْأَقَل كالربع فدون، وَإِن اخْتلفَا فِي النّصْف وَالثلث فَابْن الْقَاسِم حكم لَهما بِحكم الْأَقَل وَأَنه لَا يرجع بذلك شَرِيكا وَهُوَ تَأْوِيل فضل على الْمُدَوَّنَة وَمَالك جعل لَهُ الْخِيَار فِي أَن يرجع شَرِيكا أَو يتَمَسَّك بِمَا بَقِي وَلَا شَيْء لَهُ وَهُوَ الْمُعْتَمد. وَهَذَا كُله إِن لم يفت مَا بيد شَرِيكه فَإِن فَاتَ بِبيع أَو هدم أَو نَحْوهمَا من حِوَالَة الْأَسْوَاق فِي غير الْأُصُول فَإِنَّهُ يرجع بِنصْف قيمَة مُقَابل مَا اسْتحق من غير فرق بَين الْأَكْثَر والأقل، فَقَوْل النَّاظِم: غير يسير شَامِل لِلنِّصْفِ وَمَا فَوْقه فَيَقْتَضِي أَن الرَّد مُسْتَحقّ ثَابت فيهمَا وَهُوَ كَذَلِك إِلَّا أَنه فِيمَا فَوق النّصْف يتَعَيَّن الرَّد وجوبا إِذْ لَا يجوز التَّمَسُّك بِأَقَلّ اسْتحق أَكْثَره فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 البيع وَالْقِسْمَة لَهَا حكمه فِيهِ، وَإِن كَانَت بِالْقُرْعَةِ وَفِي النّصْف وَالثلث إِن شَاءَ رد وَإِن شَاءَ تمسك وَلَا شَيْء لَهُ كَمَا مر، وَمَفْهُوم قَوْله: من حِصَّة أَنه إِذا اسْتحق جُزْء شَائِع من جَمِيع الحصص لَا رُجُوع لأَحَدهمَا على الآخر وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ قد اسْتحق من كل مثل مَا اسْتحق من الآخر، وَإِنَّمَا الْكَلَام للْمُسْتَحقّ إِن شَاءَ أبقى حَظه شَائِعا مَعَ جَمِيعهم، وَإِن شَاءَ نقض الْقِسْمَة وابتدأها لما عَلَيْهِ من الضَّرَر فِي تَفْرِيق حَقه، وَإِن اسْتحق نصيب أَحدهمَا بِكَمَالِهِ رَجَعَ فِيمَا بيد صَاحبه شَرِيكا كَأَن الْمَالِك لم يخلف غَيره. تَنْبِيه: مَا زَاد على الرّبع وَلم يبلغ الثُّلُث قَالَ الشَّيْخ الرهوني فِي حَاشِيَته: الَّذِي يفِيدهُ النَّقْل أَن مَا زَاد على الرّبع وَقرب من الثُّلُث يعْطى حكم الثُّلُث، وَاسْتدلَّ لذَلِك بأنقال فانظرها فِيهِ. وَالْغَبْنُ مَنْ يَقُومُ فِيهِ بَعْدَا أَنْ طَالَ وَاسْتَغَلّ قَدْ تَعَدَّى (والغبن) الَّذِي اطلع عَلَيْهِ أحد المتقاسمين بعد الْقِسْمَة بِالْقُرْعَةِ أَو بالمراضاة مَعَ التَّعْدِيل، وَكَذَا بِغَيْر تَعْدِيل على مَا مر للناظم فِي فَصله من الْقيام بِهِ فِي البيع على مَا بِهِ الْعَمَل (من يقوم) بِهِ مِنْهُمَا يُخَاصم (فِيهِ) وَيطْلب نقض الْقِسْمَة بِسَبَبِهِ (بعد أَن طَال) عَاما فَأكْثر (و) سَوَاء (اسْتَقل) الْحَظ الْمَقْسُوم فِي ذَلِك الْعَام أم لَا. (قد تعدى) فِي الْقيام بِهِ وَطلب نقضهَا بِسَبَبِهِ فَلَا يسمع مِنْهُ ذَلِك وَلَا تقبل لَهُ دَعْوَى، وَكَانَ حَقه أَن يقدم هَذَا الْبَيْت عِنْد قَوْله: ومدعي الْغبن سمع الخ. أَو عِنْد قَوْله: وقائم بِالْغبنِ فِيهَا يعْذر فَانْظُر ذَلِك هُنَاكَ. (و) إِذا اخْتلفَا الشُّرَكَاء فَادّعى بَعضهم قسْمَة الْبَتّ وَادّعى الآخر قسْمَة الْمَنْفَعَة والاستغلال فَالْقَوْل لمُدعِي الاستغلال. وَالمُدَّعِي لِقِسْمَةِ البَتَاتِ يُؤْمَرُ فِي الأَصَحِّ بالإثْبَاتِ و (الْمُدَّعِي لقسمة الْبَتَات يُؤمر فِي) القَوْل (الْأَصَح) الْمَعْمُول بِهِ (بالإثبات) لما ادَّعَاهُ من الْبَتَات فَإِن أثْبته وإلاَّ فَلَا شَيْء لَهُ إِلَّا الْيَمين على مدعي الاستغلال. قَالَ فِي الْمُفِيد: وَهُوَ الصَّوَاب وَبِه الْعَمَل، وَإِلَى تصويبه أَشَارَ النَّاظِم بالأصح، وَهَذَا إِذا لم تمض مُدَّة الْحِيَازَة على التَّفْصِيل الَّذِي يَأْتِي فِي حِيَازَة الشَّرِيك قريب أَو أَجْنَبِي، وإلاَّ فَالْقَوْل حِينَئِذٍ لمُدعِي قسْمَة الْبَتّ قَالَه أَبُو الْحسن، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا مَضَت مُدَّة الْحِيَازَة صَار بِمَثَابَة من حَاز شَيْئا مُدَّة الْحِيَازَة الْمُعْتَبرَة وَقَالَ: اشْتَرَيْته من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 الْقَائِم فَإِنَّهُ يصدق وَلَا يُكَلف بإثباته كَمَا يَأْتِي للناظم فِي فصل الْحَوْز حَيْثُ قَالَ: وَالْيَمِين لَهُ. حَيْثُ ادّعى الشِّرَاء مِنْهُ معمله الخ. وَقد علمت أَن الْقِسْمَة بيع وَمُقَابل الْأَصَح لِابْنِ الْحَاج والمشاور أَن القَوْل لمُدعِي الْبَتّ قَالَا: لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَة اخْتِلَافهمَا فِي البيع على الْبَتّ أَو الْخِيَار، وَالْقَوْل لمُدعِي الْبَتّ فِيهِ لَا لمُدعِي الْخِيَار، وَهَذَا كُله إِذا اتفقَا على الْقسم وَاخْتلفَا فِي وَجهه، وَأما إِن اخْتلفَا فِي أصل الْقسم فَادَّعَاهُ أَحدهمَا ونفاه الآخر، وَقَالَ: إِنَّمَا اقتطع كل وَاحِد منا أَرضًا يعمرها من غير قسم، فَإِن القَوْل لمنكر الْقسم كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَظَاهره اتِّفَاقًا وَهُوَ ظَاهر لِأَن ذَلِك كاختلافهما فِي وُقُوع عقد البيع، وَقد قَالُوا: إِن القَوْل لمنكره اتِّفَاقًا بل إِجْمَاعًا، وَهَذَا مَا لم تمض مُدَّة الْحِيَازَة أَيْضا وإلاَّ فَالْقَوْل لمُدعِي الْبَتّ كَمَا مر. وَلاَ يَجُوزُ قَسْمُ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرْ مَعَ الأصُولِ وَالتَّنَاهِي يُنْتَظَرْ (وَلَا يجوز) بِالْقُرْعَةِ أَو المراضاة (قسم زرع أَو ثَمَر) بعد أبارهما وَقبل بَدو صلاحهما وانتهاء طيبهما أَو بعد ذَلِك (مَعَ الْأُصُول) الَّتِي هِيَ الأَرْض وَالشَّجر (ح) : مشبهاً فِي الْمَمْنُوع كقسمه بِأَصْلِهِ، وَمحل الْمَنْع فِيمَا قبل بَدو الصّلاح إِذا دخلا على السكت أَو شَرط أَن تبقى الثَّمَرَة وَالزَّرْع فِي الشّجر وَالْأَرْض إِلَى الْجذاذ والحصاد لما يؤول إِلَيْهِ من بيع طَعَام وَعرض بِطَعَام وَعرض، فَإِن دخلا على شَرط قطع الزَّرْع وَالثِّمَار الْآن جَازَ حَيْثُ بلغ حد الِانْتِفَاع بِهِ لِأَنَّهُ بيع لَهُ على الْقطع فَلَا تَأتي الْعلَّة الْمَذْكُورَة. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِذا ورث قوم شَجرا أَو نخلا وفيهَا ثَمَر فَلَا يقتسموا الثَّمر مَعَ الأَصْل، وَإِن كَانَ الثَّمر بلحاً أَو طَعَاما وَلَا يقسم الزَّرْع مَعَ الأَرْض، وَلَكِن تقسم الأَرْض وَالْأُصُول وَحدهَا وتترك الثَّمَرَة وَالزَّرْع حَتَّى يحل بيعهمَا فيقسموا ذَلِك حِينَئِذٍ كَيْلا أَو يُبَاع وَيقسم ثمنه. أَبُو الْحسن: وَيدخل فِي قسم الزَّرْع مَعَ الأَرْض طَعَام وَعرض بِطَعَام وَعرض اه. وَإِلَى قَوْلهَا: وَلَكِن تقسم الأَرْض وَالْأُصُول وتترك الثَّمَرَة أَشَارَ النَّاظِم بقوله: (والتناهي ينْتَظر) فالجملة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر استئنافية أَي: وَلَكِن تقسم الأَرْض وَالشَّجر وَحدهمَا وينتظر بالزرع وَالثَّمَرَة تناهي الطّيب أَو بَدو الصّلاح وتقسم كَيْلا أَو تبَاع، وَيحْتَمل أَن تكون الْجُمْلَة حَالية قيدا فِيمَا قبلهَا أَي: لَا يجوز قسم زرع أَو ثَمَر مَعَ الْأُصُول فِي حَال انْتِظَار تناهي الطّيب، أما فِي حَال عدم انْتِظَاره بل دخلا على قطعه فَيجوز كَمَا مر. وَهَذَا الِاحْتِمَال هُوَ الْمُتَعَيّن فِيمَا يظْهر وإلاَّ تكَرر هَذَا مَعَ قَوْله بعد: وَمَعَ مَأْبُور وَيصِح الْقسم فِي الخ. وَقَوْلِي: بعد أبارهما احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ قبل الْأَبَّار فَإِنَّهُ يمْنَع مُطلقًا كَمَا قَالَ: وَحَيْثُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; االإبَّارُ فِيهِمَا عُدِمْ فَالمَنْعُ مِنْ قِسْمَةِ الأصْلِ مُنْحَتِمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 (وحيثما الإبار فيهمَا) أَي فِي الزَّرْع وَالثَّمَر (عدم فالمنع من قسْمَة الأَصْل منحتم) لَا وَحده وَلَا مَعَ ثمره وزرعه لِأَن قسْمَة الْأُصُول وَحدهَا فِيهِ اسْتثِْنَاء ثَمَر وَزرع لم يؤبرا، وَالْمَشْهُور مَنعه لِأَنَّهُ كاستثناء الْجَنِين فِي بطن أمه وَقسمهَا بثمرها فِيهِ طَعَام وَعرض بِطَعَام وَعرض، وَإِنَّمَا جعل الثَّمر الَّذِي لم يؤبر طَعَاما لِأَنَّهُ يؤول إِلَيْهِ وَسَوَاء اشْترطَا استثناءه أَو سكتا لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَة بِخِلَافِهِ فِي البيع، فَإِنَّهُ يجوز للْمُشْتَرِي اشْتِرَاط غير المأبور، بل هُوَ لَهُ بِنَفس العقد مَعَ السكت عَنهُ لانْتِفَاء طَعَام وَعرض بِطَعَام وَعرض كَمَا تقدم للناظم فِي بيع الْأُصُول حَيْثُ قَالَ: وَغير مَا أبر للْمُبْتَاع بِنَفس عقده بِلَا نزاع. . الخ وَمَعَ مَأْبُورٍ يَصِحُّ القَسْمُ فِي أُصُولِهِ لاَ فِيهِ مَعْهَا فَاعْرِف (وَمَعَ مَأْبُور) مُتَعَلق بقوله: (يَصح الْقسم فِي أُصُوله) وَحدهَا وتترك الثَّمَرَة وَالزَّرْع إِلَى تناهي الطّيب أَو بَدو الصّلاح وتقسم كَيْلا أَو تبَاع (لَا) يَصح الْقسم (فِيهِ) أَي المأبور (مَعهَا) أَي الْأُصُول (فاعرف) وَهَذَا الشّطْر تكْرَار مَعَ قَوْله: وَلَا يجوز قسم زرع أَو ثَمَر مَعَ الْأُصُول على الِاحْتِمَال الثَّانِي هُنَاكَ، وَأما على الِاحْتِمَال الأول فالبيت كُله تكْرَار، فَافْهَم فَلَو حذفه مَا ضرّ، وَهَذَا كُله فِي قسْمَة الْأُصُول وَحدهَا أَو مَعَ الثِّمَار، وَأما قسْمَة الثِّمَار وَحدهَا على رُؤُوس الْأَشْجَار فَأَشَارَ لَهُ بقوله: وَقَسْمُ غَيْرِ التَّمْرِ خَرْصاً وَالْعِنَبْ مِمَّا عَلَى الأشْجَارِ مَنْعُهُ وَجَبْ (وَقسم غير التَّمْر خرصاً) بِفَتْح الْخَاء أَي حزراً جزَافا وتحرياً مصدر خرص من بَاب قتل وَالِاسْم بِالْكَسْرِ (وَالْعِنَب) مَعْطُوف على تمر (مِمَّا) أَي من الثِّمَار الَّتِي (على الْأَشْجَار) من زيتون وفول أَخْضَر وَجوز وفستق وتين وَزرع فِي الْفَدادِين أَو قثاء وَغير ذَلِك (مِنْهُ وَجب) لِأَن الْقسم بيع، وَالشَّكّ فِي التَّمَاثُل كتحقق التَّفَاضُل، وَظَاهره بدا صَلَاحه أم لَا. دخلا على قطعه فِي الْحِين أم لَا. وَلَيْسَ كَذَلِك بل إِذا لم يبد صَلَاحه ودخلا على قِطْعَة جَازَ قسمه تحرياً كَمَا مر (خَ) : وثمر أَو زرع إِن لم يجذاه الخ. وَمَفْهُوم غير التَّمْر وَالْعِنَب أَن التَّمْر وَالْعِنَب يجوز قسمهما فِي رُؤُوس أشجارهما خرصاً، لَكِن إِذا قلا وَحل بيعهمَا وَاخْتلفت حَاجَة أهلهما وَإِن بِكَثْرَة أكل واتحد الْمَقْسُوم من بسر أَو رطب وَقسم بِالْقُرْعَةِ لَا بالمراضاة كَمَا فِي (خَ) : عبد الْحق: الْفرق بَين سَائِر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 الثِّمَار وَالنَّخْل وَالْعِنَب فِي الْقسم بالخرص أَن ثَمَرَة النّخل وَالْعِنَب متميزة عَن الشّجر وورقه، وَلَيْسَ كَذَلِك سَائِر الثِّمَار لِأَنَّهَا مختلطة بالورق وَلَا تتَمَيَّز اه. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَقَالَ أَشهب، عَن مَالك فِي الْعُتْبِيَّة: لَا بَأْس بقسم جَمِيع الثِّمَار بالخرص من نخل وعنب وتين وَغير ذَلِك كَانَت مدخرة أم لَا. إِن وجد من يحسن الْخرص وَحل بَيْعه إِلَى آخر الشُّرُوط، وَقَالَ ابْن حبيب: يجوز ذَلِك فِي المدخر دون غَيره فَهِيَ ثَلَاثَة أَقْوَال. وَاعْلَم أَن الطارىء على الْقِسْمَة الْمُقْتَضِي لنقضها على مَا فِي النّظم خَمْسَة. اسْتِحْقَاق وَقد تقدم فِي كَلَامه، وعيب وَحكمه حكمه كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ، ووارث أَو دين أَو وَصِيَّة وإليها أَشَارَ بقوله: وَيَنْقُضُ الْقَسْمُ لِوَارِثٍ ظَهَرْ أَوْ دَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فِيما اشْتَهَرْ (وينقض الْقسم لوَارث ظهر) كثلاثة عصبَة اقتسموا التَّرِكَة، ثمَّ طَرَأَ رَابِع فتنقض الْقِسْمَة لأَجله إِذا كَانَ الْمَقْسُوم مُقَومًا كدار وحيوان وَنَحْوهمَا فَإِن كَانَ عينا أَو مثلِيا رَجَعَ الطارىء على كل وَاحِد بِمَا أَخذه زَائِدا على حَقه، وَلَا تنقض الْقِسْمَة وَلَا يَأْخُذ مَلِيًّا عَن معدم وَلَا حَاضرا عَن غَائِب أَو ميت، وَسَوَاء علم المطرو عَلَيْهِ بالطارىء أم لَا على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة خلافًا لِابْنِ الْحَاجِب. (أَو دين) ظهر بعد قسم الْوَرَثَة التَّرِكَة كَانَت فِيهَا وَصِيَّة أم لَا. فَإِن الْقِسْمَة تنقض، وَظَاهره كَانَ الْمَقْسُوم مُقَومًا كدار أَو مثلِيا وَهُوَ كَذَلِك، فَيكون مَا هلك أَو نما من جَمِيعهم، وَفَائِدَة نقضهَا فِي المثلى كَون الضَّمَان من جَمِيعهم إِذا تلف بسماوي، وَلَو كَانَت صَحِيحَة فِيهِ مَا كَانَ الضَّمَان مِنْهُم جَمِيعًا، وَلذَا لَا نقض فِي المثلى إِن كَانَ قَائِما إِذْ لَا فَائِدَة لَهُ كَمَا لِابْنِ رشد فَغير المثلى ينْقض مُطلقًا والمثلى إِنَّمَا ينْقض مَعَ الْهَلَاك فَقَط، وَمَا فِي (خَ) من أَنَّهَا لَا تنقض فِي المثلى خلاف الْمَشْهُور الْمَنْصُوص عَلَيْهِ لِابْنِ الْقَاسِم كَمَا فِي الْبَيَان قَالَه طفي وَغَيره. وَإِذا انْتقض الْقسم على مَا هُوَ الْمَشْهُور فَيَأْخُذ المليء عَن المعدم والحاضر عَن الْغَائِب وَالْمَيِّت مَا لم يُجَاوز مَا قَبضه، وَسَوَاء علمُوا بِالدّينِ أم لَا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِذا طَرَأَ الْغَرِيم على الْوَرَثَة، وَقد أتلف بَعضهم حَظه وَبَقِي فِي يَد بَعضهم حَظه فلربه أَخذ دينه مِمَّا بِيَدِهِ اه. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ فِي الْمُقدمَات: لَا خلاف بَين جَمِيعهم أَن الْوَرَثَة لَا يضمنُون للْغُرَمَاء مَا تلف بعد الْقِسْمَة بِأَمْر من السَّمَاء ويضمنون مَا أكلوه واستهلكوه. قَالَ: وَمَا ادعوا تلفه من الْحَيَوَانَات الَّتِي لَا يُغَاب عَلَيْهَا صدقُوا فِي ذَلِك مَعَ أَيْمَانهم بِخِلَاف الْعرُوض الَّتِي يُغَاب عَلَيْهَا فَلَا يصدقون إِلَّا بِبَيِّنَة اه. وَيفهم مِنْهُ أَنهم قبل الْقِسْمَة مصدقون مُطلقًا وَلَو فِيمَا يُغَاب عَلَيْهِ لأَنهم لم يحوزوا لأَنْفُسِهِمْ شَيْئا. الثَّانِي: إِذا بَاعَ الْوَرَثَة التَّرِكَة بعد الْقِسْمَة أَو قبله فبيعهم مَاض لَا ينْقض كَانَ فِيهِ مُحَابَاة أم لَا. وَإِنَّمَا اخْتلف هَل يرجع الْغَرِيم بالمحاباة على الْوَاهِب الَّذِي هُوَ البَائِع أَو على الْمَوْهُوب لَهُ وَهُوَ المُشْتَرِي؟ وَكَذَا يمْضِي مَا اشْتَرَاهُ الْوَرَثَة من التَّرِكَة فحوسبوا بِهِ فِي ميراثهم، وَلَو كَانَت السّلْعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 قَائِمَة بيد المُشْتَرِي أَو كَانَ الْوَرَثَة معدمين بِالثّمن فَلَا مُطَالبَة على المُشْتَرِي فِي ذَلِك كُله، لَكِن مَحل إِمْضَاء بيعهم إِذا لم يعلم الْوَرَثَة بِالدّينِ حِين الْقسم، أَو جهلوا أَن الدّين قبل الْقسم كَمَا فَرْضه فِي الْمُدَوَّنَة، أما مَعَ علمهمْ بِتَقْدِيم الدّين فباعوا فللغرماء نقض البيع وانتزاع الْمَبِيع مِمَّن هُوَ فِي يَده قَالَه فِي كتاب الْمديَان من الْمُدَوَّنَة انْظُر طفي. 5 (أَو وَصِيَّة) ظَهرت بعد قسم الْوَرَثَة، فَإِن الْقِسْمَة تنقض (فِيمَا اشْتهر) . وَظَاهره كَانَت الْوَصِيَّة بِعَدَد أَو بِالثُّلثِ، أما الْوَصِيَّة بِالْعدَدِ فَهِيَ كَالدّين فينقض الْقسم لأَجلهَا كَانَ الْمَقْسُوم مُقَومًا أَو مثلِيا، وَيكون مَا هلك أَو نما من جَمِيعهم كَمَا مر، وَأما الْوَصِيَّة بِالثُّلثِ فَإِنَّمَا ينْقض الْقسم لَهَا إِذا كَانَ الْمَقْسُوم مُقَومًا كَمَا مر فِي طرُو الْوَارِث على مثله، ثمَّ مَحل نقض الْقِسْمَة فِي الدّين وَالْوَصِيَّة بِعَدَد إِذا لم يلْتَزم الْوَرَثَة بأَدَاء الدّين وإلاَّ فَلَا نقض كَمَا قَالَ: إِلَّا إذَا مَا الوارِثُونَ بَاؤُوا بِحَمْلِ دَيْنٍ فَلَهُمْ مَا شاؤوا (إِلَّا إِذا مَا) زَائِدَة (الوارثون باؤوا) رجعُوا كلهم (بِحمْل دين) وأدائه لرَبهم (فَلهم مَا شاؤوا) من إِمْضَاء الْقِسْمَة وإبقائها على حَالهَا إِذْ لَا حق لرب الدّين فِي عين التَّرِكَة، وَكَذَلِكَ إِذا تطوع أحدهم بِدفع جَمِيع الدّين من عِنْده لاغتباطه بِحقِّهِ، فَذَلِك لَهُ وَتبقى الْقِسْمَة على حَالهَا أَيْضا، وَأما إِذا أَرَادَ أحدهم أَن يدْفع مَا ينوبه من الدّين ويتمسك بحظه فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا أَن يرضى بذلك غَيره. انْظُر شرح الشَّامِل فِيمَا إِذا ثَبت الدّين بِشَهَادَة أحد الْوَرَثَة. وأصل بَاء رَجَعَ متحملاً، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: أَن تبوء بإثمي} (الْمَائِدَة: 29) أَي ترجع متحملاً بإثمي، وَبَقِي على النَّاظِم طرُو الْغَرِيم على مثله، أَو طرُو الْمُوصى لَهُ على مثله، أَو طرُو موصى لَهُ بِجُزْء على وَارِث، أَو طرُو الْغَرِيم على الْغُرَمَاء وَالْوَرَثَة، أَو طرُو الْمُوصى لَهُ بِجُزْء على الْمُوصى لَهُ بِجُزْء وعَلى الْوَرَثَة، أَو طرُو الْغَرِيم على الْوَرَثَة وعَلى الْمُوصى لَهُم بِأَقَلّ من الثُّلُث، فَهَذِهِ سِتَّة أَشَارَ (خَ) إِلَى الثَّلَاثَة الأول بقوله: وَإِن طَرَأَ غَرِيم أَو موصى لَهُ على مثله أَو موصى لَهُ بِجُزْء على وَارِث اتبع كل بِحِصَّتِهِ أَي: وَلَا تنقض الْقِسْمَة، وَهَذَا إِذا كَانَ الْمَقْسُوم مثلِيا وَإِلَّا نقضت كَمَا مرّ فِي طرُو الْوَارِث على مثله. وَانْظُر حكم الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة فِي (ح) والشامل. وَالْحَلْيُ لاَ يُقْسَمُ بَيْنَ أَهْلِهِ إِلَّا بِوَزْنٍ أَوْ بِأَخْذِ كلِّهِ (والحلى) الْمُشْتَرك (لَا يقسم بَين أَهله إِلَّا) على أحد وَجْهَيْن (بِوَزْن) معتدل حَيْثُ أمكن فِيهِ ذَلِك لتعدده مثلا (أَو بِأخذ كُله) وَيَأْخُذ الْوَارِث الآخر عينا من نَوعه بِالْوَزْنِ فَتكون مراطلة أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 عينا من غير نَوعه على حكم الصّرْف كَمَا مرّ فِي بيع النَّقْدَيْنِ أَو عقارا أَو عرضا لَا عرضا وعيناً من نَوعه لما فِيهِ من بيع عين وَهُوَ الحلى بِعَين وَعرض وَهُوَ مَمْنُوع كَمَا أَفَادَهُ (خَ) بقوله: كدينار وَدِرْهَم أَو غَيره بمثلهما الخ. وَكَذَا عرض وَعين من غير نَوعه إِلَّا أَن يكون الْجَمِيع قدر دِينَار أَو يَجْتَمِعَانِ فِيهِ. وأجْرُ منْ يَقْسِمُ أَوْ يُعَدِّلُ عَلَى الرُّؤُوسِ وَعليْهِ العمَلُ (وَأجر من يقسم) أَو غَيرهَا (أَو يعدل) أَي يقوم الْمَقْسُوم من أصُول وَغَيرهَا، وَظَاهره أَن الْمعدل غير الْقَاسِم وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الظَّاهِر كَمَا فِي (ح) أَن الْقَاسِم هُنَا هُوَ الَّذِي يقوم الْمَقْسُوم ويعد لَهُ اه. وَاعْتِرَاض طفي وَابْن رحال لَا ينْهض لمن تَأمل وأنصف، بل قَالَ الشَّيْخ الرهوني مَا اسْتَظْهرهُ (ح) : يجب الْجَزْم بِهِ وَمَا فِي (ق) عَن ابْن عَبدُوس عِنْد قَوْله: إِلَّا كحائط فِيهِ شجر الخ. صَرِيح فِي أَن الْقَاسِم هُوَ الْمُقَوّم. (على الرؤوس) . وَلَو اخْتلفت الانصباء كَنِصْف وَثلث وَسدس (خَ) : وأجره بِالْعدَدِ أَي الرؤوس لِأَن تَعب الْقَاسِم فِي تَمْيِيز النَّصِيب الْقَلِيل كتعبه فِي تَمْيِيز الْكثير أَو أَكثر. قَالَ المتيطي: وَبِهَذَا الْقَضَاء، وَتَبعهُ النَّاظِم فَقَالَ: (وَعَلِيهِ الْعَمَل) وَقيل إِنَّهَا على قدر الانصباء كالشفعة. قَالَ الْبَاجِيّ فِي وثائقه: وَبِه الْعَمَل فهما قَولَانِ عمل بِكُل مِنْهُمَا. كَذلِكَ الكَاتِبُ لِلْوَثِيقَهْ لِلْقَاسِمِينَ مُقْتَفٍ طرِيقَهْ (كَذَلِك الْكَاتِب للوثيقه للقاسمين مقتف طَرِيقه) بِالتَّاءِ المبدلة هَاء للْوَقْف، وللقاسمين نعت لَهُ تقدم عَلَيْهِ فيعرب حَالا، ومقتف خبر عَن الْكَاتِب أَي كَاتب الْوَثِيقَة مقتف طَريقَة ثَابِتَة للقاسمين حَال كَونه كَائِنا كَذَلِك فِي كَون الْأُجْرَة على الرؤوس على الْمَعْمُول بِهِ. قلت: وحاسب الْفَرِيضَة أَي ضاربها ككاتب وَثِيقَة الْقِسْمَة، وَلَكِن الْعَمَل الْيَوْم فِي ذَلِك كُله على مَا للباجي لَا على مَا للناظم، وللمسألة نَظَائِر كنس المرحاض فَإِنَّهُ على الرؤوس وسكنى الحاضنة مَعَ محضونها، وَكَذَا صيد الْكلاب فَلَا ينظر لِكَثْرَة الْكلاب، وَإِنَّمَا ينظر إِلَى رُؤُوس الصيادين، وَكَذَا حارس الْبَسَاتِين وأعدال الْمَتَاع وبيوت الطَّعَام على مَا قَالَه الْبُرْزُليّ وَغَيره وَلَكِن الْعَمَل عندنَا فِي الحارس وكنس المرحاض على أَنه على قدر الْأَنْصِبَاء كالشفعة والفطرة على العَبْد الْمُشْتَرك وَنَفَقَة الْوَالِدين، فَإِنَّهَا على قدر الْيَسَار وَأُجْرَة الدلالين وَنَفَقَة عَامل الْقَرَاض على قدر الْمَالَيْنِ، وَمَا طَرحه أهل السَّفِينَة خوف الْغَرق على قدر الْأَمْوَال والساعي يتَعَدَّى على الشَّاة فتؤخذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 من الْبَعْض، فَهِيَ على قدر الْغنم وَجِنَايَة مُعتق رجلَيْنِ على عاقلتيهما بِقدر حظيهما وَالْوَصِيَّة بِمَجْهُول (خَ) فِي الْوَصِيَّة وَضرب لمجهول فَأكْثر بِالثُّلثِ، وَهل يقسم على الحصص؟ قَولَانِ. هَذَا هُوَ الَّذِي يعْتَمد فِي هَذِه الْمسَائِل كَمَا هُوَ ظَاهر، وَإِن كَانَ فِيهِ بعض مُخَالفَة لما قَالَه طفي وَغَيره فِي فصل كاة الْفطر. وَأُجْرَةُ الكيَّالِ فِي التَّكْسِيرِ مِنْ بَائِعٍ تُؤْخَذُ فِي المَشْهُورِ (وَأُجْرَة الكيال فِي التكسير) أَي فِي كيل الأَرْض إِذا بِيعَتْ على الْكَيْل (من بَائِع تُؤْخَذ) تِلْكَ الْأُجْرَة (فِي الْمَشْهُور. كَذَاكَ فِي الْمَوْزُونِ وَالْمَكِيلِ الْحَكْمُ ذَا مِنْ غَيْرِ مَا تَفْصِيلِ كَذَاك فِي الْمَوْزُون والمكيل) من الطَّعَام أَو غَيره إِذا بيع على الْكَيْل أَو الْوَزْن فأجرة ذَلِك على البَائِع لقَوْله تَعَالَى: وَجِئْنَا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الْكَيْل} (يُوسُف: 88) والمخاطب بذلك هُوَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام، إِذْ هُوَ كَانَ البَائِع للطعام من إخْوَته (الحكم ذَا من غير مَا تَفْصِيل) وَهَذَا إِذا لم يجر الْعرف بِأَن الْأُجْرَة فِي الْكَيْل وَالْوَزْن على المُشْتَرِي وَإِلَّا فَيحكم بهَا عَلَيْهِ كَمَا عَلَيْهِ الْعَمَل الْيَوْم لِأَن الْعرف كالشرط. (فصل فِي الْمُعَاوضَة) وَهِي بيع الْعرض بِالْعرضِ كحيوان بِثَوْب أَو حَيَوَان بِمثلِهِ أَو ثوب بِمثلِهِ أَو أَرض بِمِثْلِهَا وَنَحْو ذَلِك، وتسميها الْعَامَّة الْيَوْم الْمُعَامَلَة فَهِيَ من أَنْوَاع البيع كَمَا قَالَ: يَجُوزُ عَقْدُ البَيْعِ بالْتَّعْويضِ فِي جُمْلَةِ الأصُولِ وَالْعُرُوض (يجوز عقد البيع بالتعويض فِي جملَة الْأُصُول وَالْعرُوض) وَظَاهره؛ وَلَو لم يتعرضا لقيمة كل من الْعِوَضَيْنِ وَهُوَ كَذَلِك، ثمَّ إِذا وَقعت فِي غير الْأُصُول أَو فِي الْأُصُول الَّتِي لَا ثَمَرَة فِيهَا أصلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 فَلَا إِشْكَال فِي الْجَوَاز كَمَا يُسْتَفَاد من هَذَا الْبَيْت وَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَجَائِز فِي الْحَيَوَان كُله الخ. وَأما إِن وَقعت فِي الْأُصُول الَّتِي فِيهَا ثَمَرَة فإمَّا أَن تكون تِلْكَ الثَّمَرَة غير مأبورة بِأَن لم ينْعَقد الثَّمر وَلَا خرج الزَّرْع على وَجه الأَرْض، وَإِمَّا أَن تكون مأبورة فَأَشَارَ إِلَى الأول بقوله: مَا لَمْ يَكُنْ فِي الأَصْلِ زَرْعٌ أَوْ ثَمَرْ لَمْ يُؤْبَرَا فمَا انْعِقَادُهَا يُقَرْ (مَا لم يكن فِي الأَصْل زرع أَو ثَمَر لم يؤبرا) فَإِن الْمُعَاوضَة حِينَئِذٍ لَا تجوز وَإِن وَقعت (فَمَا انْعِقَادهَا يقر) بل يجب فَسخهَا بِكُل حَال، كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى بيع طَعَام وَعرض بِطَعَام وَعرض كَمَا تقدم فِي الْقِسْمَة حَيْثُ قَالَ: وحيثما الإبار فيهمَا عدم فالمنع من قسْمَة الأَصْل منحتم وَمَا مر عَن ابْن فتحون فِي بيع الْأُصُول بثمرها إِنَّمَا هُوَ إِذا بِيعَتْ بِعَين أَو بِأَصْل لَا ثَمَرَة فِيهِ أصلا، كَمَا تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ، وَأَشَارَ إِلَى الثَّانِي بقوله: وَصَحَّ بالْمَأْبُورِ حَيْثُ يُشْتَرَطْ مِنْ جَهَةٍ أوْ بَقِيا مَعاً فَقَطْ (وَصَحَّ) عقد الْمُعَاوضَة (بالمأبور) من الْجَانِبَيْنِ (حَيْثُ يشْتَرط) لأَحَدهمَا (من جِهَة) دون الْأُخْرَى وَأفهم قَوْله بالمأبور أَن كلا من الْأَصْلَيْنِ فِيهِ مَأْبُور إِلَّا أَن أَحدهمَا اشْترط لنَفسِهِ مَأْبُور الآخر وَأبقى مَأْبُور أَصله لنَفسِهِ أَيْضا، وغايته أَنه اشْترى أصلا مَعَ مأبوره بِأَصْل فَقَط دون مأبوره وَلَا مَحْذُور فِيهِ بِمَنْزِلَة مَا لَو اشْترى أصلا مَعَ مأبوره بِعَين أَو ثوب، وَأَحْرَى وَأولى فِي الْجَوَاز إِذا كَانَ أحد الْأَصْلَيْنِ لَا ثَمَرَة فِيهِ أصلا فَبَاعَهُ ربه بِأَصْل فِيهِ مَأْبُور وَاشْترط المأبور لنَفسِهِ، وَكَذَا إِن كَانَ ثَمَر أحد الْأَصْلَيْنِ قد أبر وثمر الآخر لم يؤبر، فَيجوز على أَن تكون الثَّمَرَة الْمَأْبُورَة تبقى للَّذي صَارَت لَهُ الثَّمَرَة الَّتِي لم تؤبر، وَلَا يجوز أَن يشترطها الآخر قَالَه ابْن سَلمُون، وَفهم من قَوْله: من جِهَة أَنه إِذا اشْترط كل مِنْهُمَا مَأْبُور صَاحبه لنَفسِهِ لم يجز وَهُوَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ عرض وَطَعَام بِعرْض وَطَعَام أَي يؤول إِلَى ذَلِك كَمَا تقدم فِي الْقِسْمَة قَرِيبا، وَسَوَاء كَانَا من جنس وَاحِد أَو من جِنْسَيْنِ كأرض فِيهَا زرع مؤبر بشجرة فِيهَا ثَمَر مؤبر أَيْضا للشَّكّ فِي التَّمَاثُل فِي الْجِنْس، وَوُجُود النَّسِيئَة فِي الصُّورَتَيْنِ خلافًا للشَّيْخ (م) فِي إِجَازَته صُورَة الجنسين على جِهَة الترجي قَائِلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 لِأَن الْمُمَاثلَة غير مَطْلُوبَة والمناجزة حَاصِلَة لِأَن النّظر إِلَى الْجزَاف قبض الخ. لما علمت من أَن الثَّمَرَة الْمَأْبُورَة لَيست طَعَاما الْآن، وَلِأَن كَون النّظر إِلَى الْجزَاف قبضا إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ مِمَّا ينْتَفع بِهِ فِي الْحَال وتقطع الثَّمَرَة من الْآن كَمَا مر فِي الْقِسْمَة وَالله أعلم. (أَو بقيا) مَعْطُوف على يشْتَرط مَدْخُول لحيث أَي وَصَحَّ حَيْثُ بقيا أَي المأبوران (مَعًا) أَي عقدا على أَن يبْقى لكل وَاحِد مِنْهُمَا مَأْبُور أَصله، لِأَن الْمُعَاوضَة حِينَئِذٍ إِنَّمَا وَقعت فِي الْأَصْلَيْنِ (فَقَط) دون الثَّمَرَة، فَقَوله: فَقَط رَاجع لقَوْله: من جِهَة وَإِذا اشْترط المأبور من أحد الْجَانِبَيْنِ فإصابته جَائِحَة فَإِنَّهَا لَا تُوضَع عَنهُ لِأَن شَرط وضع الْجَائِحَة أَن لَا تشتري مَعَ أَصْلهَا وَإِلَّا فَلَا جَائِحَة فِيهَا كَمَا قَالَ (خَ) وأفردت أَو ألحق أَصْلهَا لَا عَكسه أَو مَعَه، وَإِذا اسْتحق أحد الْعِوَضَيْنِ فِي الْمُعَاوضَة أَو رد بِعَيْب انْفَسَخت الْمُعَاوضَة وَرجع كل وَاحِد من الْعِوَضَيْنِ لصَاحبه إِلَّا أَن يفوت فَيرجع بِالْقيمَةِ كَمَا قَالَ (خَ) أَيْضا. وَفِي عرض بِعرْض بِمَا خرج من يَده أَو قِيمَته الخ. وَسَائِغٌ للمُتَعَاوِضَيْنِ مِنْ جَهَةٍ فَقَطْ مَزِيدُ العَيْنِ (وسائغ) أَي جَائِز (للمتعاوضين من جِهَة فَقَط مزِيد) أَي زِيَادَة (الْعين) حَيْثُ يكون أحد الْعِوَضَيْنِ أَكثر من قيمَة الآخر، وَهُوَ معنى قَوْله: لأَجُلِ مَا كانَ مِنَ التَّفْضِيلِ بالنَّقْدِ وَالْحُلُولِ والتأجيل (لأجل مَا كَانَ من التَّفْضِيل) أَي إِنَّمَا زيدت الْعين لكَون عرض أَحدهمَا يفضل على عرض الآخر فِي الْقيمَة، فتزاد الْعين ليَقَع التعادل، وَفهم من قَوْله: من جِهَة فَقَط أَنه لَا يجوز من الْجِهَتَيْنِ لِأَنَّهُ عين وَعرض بِعَين وَعرض، فالعين مَعَ الْعرض من الْجَانِبَيْنِ إِن كَانَت من جنس وَاحِد قد اجْتمع فِيهَا الْمُبَادلَة وَالْبيع، وَذَلِكَ مؤد للربا الْمَعْنَوِيّ الْمشَار إِلَيْهِ بقول (خَ) : كدينار وَدِرْهَم أَو غَيره بمثلهما الخ. وَإِن كَانَت من جِنْسَيْنِ اجْتمع فِيهَا البيع وَالصرْف الْمشَار إِلَيْهِ بقوله أَيْضا. وَحرم بيع وَصرف إِلَّا أَن يكون الْجَمِيع دِينَارا أَو يجتمعا فِيهِ الخ. وَالْقَاعِدَة الشَّرْعِيَّة أَن الْعرض الْمُقَارن للطعام طَعَام والمقارن للعين عين، وَلذَلِك امْتنع بيع عرض وَعين بِعَين من جِنْسهَا، وَكَذَا من غير جِنْسهَا حَيْثُ لم يكن الْجَمِيع دِينَارا وَلَا اجْتمعَا فِيهِ (بِالنَّقْدِ) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من الْعين أَي جَازَت زِيَادَة الْعين لفضل أحد الْعِوَضَيْنِ على مُقَابِله فِي الْقيمَة حَال كَون الْعين كائنة بِالنَّقْدِ أَي: منقودة ومدفوعة فِي الْحِين (والحلول والتأجيل) الْوَاو بِمَعْنى (أَو) فيهمَا أَي أَو كَانَت غير منقودة وَلكنهَا بالحلول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 مَتى طُولِبَ بهَا أَدَّاهَا أَو كَانَت بالتأجيل إِلَى أجل مَعْلُوم أَو بَعْضهَا بِالنَّقْدِ وَبَعضهَا لأجل مَعْلُوم أَيْضا كل ذَلِك جَائِز. وَجَائِزٌ فِي الْحَيوَانِ كلِه تَعَاوُضٌ وإنْ يَكُنْ بِمِثْلِهِ (وَجَائِز فِي الْحَيَوَان كُله) أَي الرَّقِيق والأنعام وَالدَّوَاب (تعاوض) كَانَا من جِنْسَيْنِ كَعبد بجمل أَو جملين نَقْدا فِي الْعِوَضَيْنِ أَو تَعْجِيل أَحدهمَا وتأجيل الآخر لَا أَن تأجلا مَعًا لِأَنَّهُ من ابْتِدَاء الدّين بِالدّينِ أَو كَانَا من جنس وَاحِد كَعبد بِعَبْد وَهُوَ قَوْله: (وَإِن يكن بِمثلِهِ) أَي فِي الجنسية وَالْقدر كَانَا نَقْدا مَعًا أَو عجل أَحدهمَا لَا أَن تأجلا مَعًا كَمَا مر، وَأما إِن اخْتلف الْقدر كجمل فِي جملين مثله جودة ورداءة، فَإِن عجل العوضان مَعًا جَازَ، وَإِن تأخرا مَعًا امْتنع، وَكَذَا إِن تَأَخّر أَحدهمَا لِأَنَّهُ مَعَ تَقْدِيم الجملين ضَمَان بِجعْل وَمَعَ تأخيرهما وتعجيل الْمُنْفَرد سلف جر نفعا، وَكَذَا إِن عجل الْمُنْفَرد وَأحد الجملين اللَّذين فِي مُقَابلَته لِأَن الْمُؤَجل هُوَ الْعِوَض، والمعجل زِيَادَة لأجل السّلف. ابْن يُونُس: كل شَيْء أَعْطيته إِلَى أجل فَرد إِلَيْك مثله وَزِيَادَة فَهُوَ رَبًّا، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور الَّذِي درج عَلَيْهِ (خَ) فِي السّلم حَيْثُ قَالَ: لَا جمل فِي جملين مثل عجل أَحدهمَا الخ. وَلَا مَفْهُوم لجمل فِي جملين بل غَيرهمَا من الثِّيَاب وَسَائِر الْعرُوض كَذَلِك، وَمُقَابل الْمَشْهُور الْجَوَاز لِأَن تَعْجِيل الْمُنْفَرد مَعَ أحد الجملين بيع، والجمل الآخر مَحْض زِيَادَة وَالْقَوْلَان لمَالِك قَالَ فِي ضيح: وَالْأَقْرَب جَريا على قَوَاعِد الْمَذْهَب القَوْل الْمَشْهُور، لِأَن فِي هَذِه الْمَسْأَلَة تَقْديرا يمْنَع وتقديراً يُجِيز وَالْأَصْل فِي مثله تَغْلِيب الْمَنْع اه. ابْن بشير: جرت فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مناظرة بَين الْمُغيرَة وَأَشْهَب، فالتزم أَشهب الْجَوَاز فألزمه الْمُغيرَة ذَلِك فِي دِينَار بدينارين عجل أَحدهمَا فَالْتَزمهُ، وَقد لَا يلْزمه لِأَن بَاب الرِّبَا أضيق من غَيره، وَلَا سِيمَا الشَّافِعِي يُجِيز الزِّيَادَة فِي سلم الْعرُوض لأجل اه. فَمَا قَالَه أَشهب مُقَابل للمشهور، وَاعْتِرَاض (ق) على (خَ) بِمَا نَقله عَن الْمَازرِيّ مَرْدُود بِكَلَام ضيح وَابْن عبد السَّلَام وَعبد الْحق وَأبي إِسْحَاق، وَمَفْهُوم قَول (خَ) مثله أَنَّهُمَا لَو كَانَا مَعًا أَجود بِكَثْرَة حمل أَو سبق جَازَ مُطلقًا أَََجَلًا مَعًا أَو أَحدهمَا وَعجل الآخر لمخالفتهما للمنفرد فصارا كجنسين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 (فصل فِي الْإِقَالَة) وَهِي رُجُوع كل من الْعِوَضَيْنِ لصَاحبه. ابْن عَرَفَة: هِيَ ترك الْمَبِيع لبَائِعه بِثمنِهِ وَأكْثر اسْتِعْمَالهَا قبل قبض الْمَبِيع وَهِي رخصَة وعزيمة اه. يَعْنِي رخصَة فِي الطَّعَام قبل قَبضه، وَالْمرَاد بالعزيمة أحد أَقسَام الحكم الشَّرْعِيّ وَهُوَ الْإِبَاحَة هَهُنَا فَهِيَ رخصَة فِيمَا يمْتَنع بَيْعه قبل قَبضه جَائِزَة فِيمَا عداهُ لِأَنَّهَا بيع من الْبيُوع تَنْعَقِد بِمَا يدل على الرِّضَا وَإِن بمعاطاة، ثمَّ إِن وَقعت بِأَقَلّ من الثّمن أَو أَكثر فَهِيَ بيع اتِّفَاقًا فتمتنع فِي الطَّعَام قبل قَبضه، وَتجوز فِي غَيره مَعَ وجود شُرُوط البيع من كَون الْمقَال فِي مَقْدُورًا على تَسْلِيمه غير وَاقعَة وَقت نِدَاء الْجُمُعَة إِلَى غير ذَلِك، وَإِن وَقعت بِمثل الثّمن فَثَلَاثَة أَقْوَال. ثَالِثهَا: الْمَشْهُور أَنَّهَا بيع إِلَّا فِي الطَّعَام فَتجوز مِنْهُ قبل قَبضه بِنَاء على أَنَّهَا نقض للْبيع، وإلاَّ فِي الشُّفْعَة فَلَيْسَتْ بيعا وَلَا نقضا للْبيع، بل هِيَ بَاطِلَة إِذْ لَو كَانَت بيعا لخير الشَّفِيع فِي أَن يَأْخُذ بِالْبيعِ الأول وَالثَّانِي وَيكْتب عهدته على من أَخذ بِبيعِهِ مَعَ أَنه إِنَّمَا يَأْخُذ بِالْبيعِ الأول وَيكْتب عهدته على المُشْتَرِي، وَلَو كَانَت نقضا للْبيع لسقطت الشُّفْعَة وإلاَّ فِي الْمُرَابَحَة، فَهِيَ فِيهَا حل بيع، فَمن اشْترى سلْعَة بِعشْرَة وباعها مُرَابحَة بِخَمْسَة عشر، ثمَّ أقَال مِنْهَا مَا لم يبعها ثَانِيًا مُرَابحَة إِلَّا على أَن رَأس مَاله عشرَة، وَلَا يَبِيعهَا على أَن رَأس مَاله خَمْسَة عشر إِلَّا إِذا بَين وَهَذَا معنى قَول (خَ) وَالْإِقَالَة بيع إِلَّا فِي الطَّعَام وَالشُّفْعَة والمرابحة الخ. إقالَةٌ تجُوزُ فِيمَا حَلاَّ بالمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلاًّ (إِقَالَة) مُبْتَدأ سوغه قصد الْجِنْس وَخَبره (تجوز فِيمَا حلا) كَانَ الثّمن عينا أَو عرضا أَو طَعَاما غَابَ عَلَيْهِ أم لَا. للسلامة من التُّهْمَة الْآتِيَة فِيمَا لم يحل الْمشَار إِلَيْهِ بقوله فِيمَا يَأْتِي: وَلَا يُقَال حَيْثُ لم يَأْتِ الْأَجَل (بِالْمثلِ) يتَعَلَّق بتجوز (أَو أَكثر أَو أقلا) وَهَذَا التَّعْمِيم يجب أَن يخصص بِغَيْر الطَّعَام قبل قَبضه، وَأما فِيهِ قبل قَبضه فَلَا تجوز إِلَّا بِالْمثلِ كَمَا تقدم، وَظَاهره أَنَّهَا جَائِزَة فِيمَا حل وَلَو على تَأْخِير الثّمن وَهُوَ كَذَلِك إِن كَانَ الْمَبِيع معينا كَالْعَبْدِ وَالثَّوْب وَنَحْوهمَا، وَأما إِن كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 الْمَبِيع غير معِين كالشيء الْمُسلم فِيهِ، فَإِنَّهُ يجب فِيهِ رد رَأس المَال عَاجلا وإلاَّ أدّى لفسخ الدّين فِي الدّين لِأَن دينه كَانَ عرضا ففسخه فِي دَرَاهِم لَا يتعجلها الْآن بِخِلَاف تَأْخِير رَأس المَال فِي غير الْإِقَالَة فَيجوز كَمَا قَالَ (خَ) : شَرط السّلم قبض رَأس المَال كُله أَو تَأْخِيره ثَلَاثًا وَلَو بِشَرْط، وَذَلِكَ لِأَن اللَّازِم فِيهِ ابْتِدَاء الدّين بِالدّينِ وَهُوَ أخف من فسخ الدّين فِي الدّين الَّذِي هُوَ لَازم فِي الْإِقَالَة، وَظَاهره أَيْضا جَوَازهَا فِيمَا حل وَلَو من بعضه وَهُوَ كَذَلِك إِن كَانَ الثّمن مِمَّا يعرف بِعَيْنِه كعرض أَو مِمَّا لَا يعرف بِعَيْنِه وَلم يغب عَلَيْهِ وإلاَّ كَانَ مِمَّا لَا يعرف بِعَيْنِه كالطعام وَالْعين وَغَابَ عَلَيْهِ غيبَة يُمكنهُ فِيهَا الِانْتِفَاع بِهِ وَلم تجز الْإِقَالَة إِلَّا من الْجَمِيع لَا من الْبَعْض كَانَ الْمَبِيع طَعَاما أَو غَيره حل الْأَجَل أم لَا، لِأَنَّهُ يدْخلهُ بيع وَسلف مَعَ مَا فِي الطَّعَام من بَيْعه قبل قَبضه لِأَن الْغَيْبَة على المثلى تعد سلفا، فَإِذا أسلم لَهُ عشرَة دَرَاهِم فِي ثَوْبَيْنِ أَو وسقين وَبعد الْغَيْبَة على الْعشْرَة أقاله قبل الْأَجَل أَو بعده فِي أحد الثَّوْبَيْنِ أَو الوسقين ورد لَهُ خَمْسَة دَرَاهِم امْتنعت الْإِقَالَة لِأَنَّهُ آل الْأَمر إِلَى أَنه دفع عشرَة وَغَابَ عَلَيْهَا خَمْسَة مِنْهَا فِي مُقَابلَة الْخَمْسَة الَّتِي ردهَا سلف، وَخَمْسَة مِنْهَا فِي مُقَابلَة أحد الثَّوْبَيْنِ أَو الوسقين، فقد اجْتمع البيع وَالسَّلَف فِي الْأَمريْنِ وَزَاد أحد الوسقين بعلة أُخْرَى وَهِي بيع الطَّعَام قبل قَبضه. تَنْبِيه: إِذا بَاعَ سلْعَة فحملها المُشْتَرِي ثمَّ تَقَايلا فَإِن سَأَلَ البَائِع الْإِقَالَة فأجرة الْحمل فِي ردهَا عَلَيْهِ، وَإِن سَأَلَهَا المُشْتَرِي فأجرة الْحمل فِي ردهَا للْبَائِع عَلَيْهِ قَالَه الْبُرْزُليّ قَالَ: وَعَلِيهِ تجْرِي مَسْأَلَة تقع الْيَوْم وَهِي مَا إِذا أقاله فِي أصل بَاعه إِيَّاه قد كَانَ دفع أُجْرَة السمسار فَمن طلب الْإِقَالَة فالأجرة عَلَيْهِ أما البيع الْفَاسِد فحملها أَولا وآخراً على المُشْتَرِي سَوَاء دلّس البَائِع أم لَا. وَكَذَا فِي الرَّد بِالْعَيْبِ نَقله (ح) . وَلِلْمُقَالِ صِحَّةُ الرُّجُوعِ بحَادِثٍ يَحْدُثُ فِي الْمَبِيعِ (و) إِذا بَاعَ عبدا مثلا فَحدث فِيهِ عيب عِنْد المُشْتَرِي ثمَّ وَقعت الْإِقَالَة ف (للمقال) الَّذِي هُوَ البَائِع (صِحَة الرُّجُوع) فِي الْإِقَالَة وَيرد العَبْد على المُشْتَرِي (بحادث) ذَلِك الْعَيْب الَّذِي (يحدث) عِنْد المُشْتَرِي (فِي) ذَلِك (الْمَبِيع) لِأَن الْإِقَالَة بيع فالبائع اشْترى العَبْد وَلم يطع وَقت البيع على الْعَيْب الْحَادِث عِنْد المُشْتَرِي، فَإِذا اطلع عَلَيْهِ بعد فَلهُ الرَّد بِهِ. وَفِي القَدِيم مِنْهُ لَا مَحَالَهْ بِزَائِدٍ إنْ كَانَ فِي الإقَالَهْ (وَفِي الْقَدِيم مِنْهُ) أَي من الْعَيْب وَهُوَ مَا كَانَ مَوْجُودا وَقت البيع (لَا محَالة) يرجع البَائِع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 (بزائد) الثّمن (إِن كَانَ) قد زَاده (فِي الْإِقَالَة) زِيَادَة على الثّمن الأول كَمَا لَو بَاعه لَهُ بِثمَانِيَة فأقاله على عشرَة، ثمَّ اطلع البَائِع على عيب قديم لم يعلم بِهِ وَقت البيع الأول وَلَا المُشْتَرِي وَقت الْإِقَالَة فَإِن للْبَائِع أَن يرجع بالاثنين اللَّذين زادهما للْمُشْتَرِي عِنْد الْإِقَالَة، وَقَوْلِي: لم يعلم بِهِ وَقت البيع الأول احْتِرَازًا مِمَّا إِذا علم بِهِ وقتئذ، فَإِنَّهُ لَا يرجع على المُشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ وَلَا يرد الْمَبِيع على المُشْتَرِي لعلمه بِالْعَيْبِ وتدليسه بِهِ كَمَا قَالَ (خَ) : وَفرق بَين مُدَلّس وَغَيره فِي أَخذه مِنْهُ بِأَكْثَرَ الخ. وَقَوْلِي: وَلَا المُشْتَرِي وَقت الْإِقَالَة احْتِرَازًا مِمَّا إِذا علم بِهِ المُشْتَرِي وَعدل عَن الرَّد بِهِ إِلَى الْإِقَالَة فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ كَأَنَّهُ حدث عِنْده، وَللْبَائِع حِينَئِذٍ أَن يردهُ عَلَيْهِ إِذا لم يعلم بِهِ وَقت الْإِقَالَة، وإلاَّ فَلَا لدُخُوله عَلَيْهِ، وَمَفْهُوم قَوْله بزائد أَنه إِذا أقاله فِيهِ بِمثل الثّمن أَو بِأَقَلّ لَا يرجع بِشَيْء وَهُوَ كَذَلِك فِي الْمثل، سَوَاء أقاله بعد اطِّلَاعه على الْعَيْب أم لَا. كَانَ الْمقَال مدلساً فِي بَيْعه الأول أم لَا. غير أَنه إِذا لم يكن مدلساً فَلهُ رده على المُشْتَرِي إِذا أقاله بعد اطِّلَاعه عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة مَا حدث عِنْده كَمَا مر، وَأما فِي الْأَقَل فَإِن أقاله المُشْتَرِي قبل اطِّلَاعه على الْعَيْب فَإِن البَائِع يجب عَلَيْهِ أَن يكمل لَهُ الثّمن سَوَاء دلّس أم لَا. وَإِن أقاله بعد اطِّلَاعه عَلَيْهِ لم يكمل لَهُ دلّس أم لَا. وَإِلَى تَفْصِيل هَذِه الْمَسْأَلَة أَشَارَ (خَ) فِي الْعُيُوب بقوله: فَإِن بَاعه أَي أقاله بِمثل الثّمن أَو بِأَكْثَرَ إِن دلّس فَلَا رُجُوع وإلاَّ رد ثمَّ رد عَلَيْهِ وبأقل كمل الخ. وَإِنَّمَا يرجع البَائِع بِالزَّائِدِ فِيمَا إِذا أقاله بِأَكْثَرَ. بَعْدَ اليَمِينِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ يَعْلَمُهُ فِيما مَضَى مِنْ زَمَنِ (بعد الْيَمين أَنه لم يكن يُعلمهُ فِيمَا مضى من زمن) وَهِي يَمِين تُهْمَة لَا تقلب وَيثبت الْحق بِمُجَرَّد نُكُوله عَنْهَا، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُحَقّق المُشْتَرِي عَلَيْهِ دَعْوَى الْعلم، فَإِنَّهَا تقلب وَلَا تسْقط عَن المُشْتَرِي الزِّيَادَة حَيْثُ نكل البَائِع إِلَّا بعد يَمِينه. وَالْفَسْخُ فِي إقالَةٍ مِمَّا انْتُهِجْ بالصَّنْعَةِ التَّغْيِيرَ كَالغَزْل انْتُسِجْ (وَالْفَسْخ) مُبْتَدأ خَبره (فِي إِقَالَة) من غزل مثلا اشْتَرَاهُ ثمَّ أقَال فِيهِ بعد أَن نسجه وَلم يعلم الْمقَال بنسجه (مِمَّا) أَي من أجل مَا (انتهج) الْمَبِيع أَي سلك (بالصنعة) مَنْهَج (التَّغْيِير) مفعول مُطلق على حذف مُضَاف كَمَا ترى وَمَا مَصْدَرِيَّة أَي: الْفَسْخ وَاجِب فِي هَذِه الْإِقَالَة من أجل سلوك الْمَبِيع طَرِيق التَّغْيِير بِسَبَب الصَّنْعَة لِأَن التَّغْيِير فَوت، فَلَا يلْزم الْمقَال أَخذه مَعَ فَوته إِلَّا بِرِضَاهُ وَذَلِكَ (كالغزل) حَالَة كَونه (انتسج) بعد بَيْعه وأقاله فِيهِ قبل أَن يعلم البَائِع بنسجه كَمَا مر، فَإِن علم بنسجه فالإقالة لَازِمَة كَانَت بِمثل الثّمن أَو أقل أَو أَكثر، فَإِن تنَازعا بعد وُقُوعهَا فَادّعى المُشْتَرِي أَنه أقاله بِمثل الثّمن وَيزِيد أُجْرَة نسجه، وَادّعى الْمقَال أَنه أقاله بِالْمثلِ فَقَط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 فَذَلِك كاختلاف الْمُتَبَايعين فِي الثّمن فيتحالفان ويتفاسخان وَلَا تلْزم الْإِقَالَة. إلاَ إذَا الْمُقَالُ بالرِّضَا دَفَعْ لِمَنْ أَقال أُجْرَةٌ لما صَنَعْ (إِلَّا إِذا الْمقَال بِالرِّضَا دفع. لمن أقَال أُجْرَة لما صنع) فتلزم الْإِقَالَة حِينَئِذٍ. ابْن سَلمُون قَالَ ابْن الْمَاجشون: من أقَال رجلا فِي بيع أَو ابتياع فَوجدَ شَيْئا قد زَاد أَو نقص أَو فَاتَ هُوَ لَا يعلم لم تلْزمهُ إِلَّا فِي الطَّعَام وكل مَا يُوجد مثله فَيلْزمهُ قَالَ المشاور: وَلَا تجوز الْإِقَالَة فِي شَيْء قد دَخلته صَنْعَة من الصَّنَائِع كالخياطة فِي الثَّوْب والدباغ فِي الْجلد وَنَحْو ذَلِك وَيفْسخ إِلَّا أَن يَقُول المقيل: أقيلك على أَن تُعْطِينِي فِي خياطتي أَو دباغتي كَذَا وَكَذَا فَرضِي بذلك وإلاَّ فَلَا اه. فَقَوْل المشاور: وَلَا تجوز الْإِقَالَة يَعْنِي لَا تلْزم حَيْثُ لم يعلم بتغيره وَظُهُور تغيره كعيب بِهِ فَلَا بُد من رِضَاهُ بِهِ، وَإِذا علم بالتغير وَسكت عَن دفع الْأُجْرَة فَلَا تلْزم أَيْضا بِدَلِيل الِاسْتِثْنَاء بعده فَيكون مُوَافقا لِابْنِ عيشون لِأَن الصَّنْعَة فَوت وتزيد وتنقص فَلَا تلْزم الْإِقَالَة للمقال إِلَّا بعد علمه بالتغير ورضاهما على أَخذ الْأُجْرَة وَدفعهَا أَو على تَركهَا، وَإِلَّا فسخت الْإِقَالَة. هَذَا هُوَ المُرَاد فَقَوله: كالغزل الخ. أخرج بِهِ المثلى لِأَنَّهُ وَإِن تغير وَهُوَ لَا يعلم بتغيره فالإقالة فِيهِ لَازِمَة وَيَأْخُذ مثله وَلَا كَلَام لوَاحِد مِنْهُمَا كَمَا تقدم، وَبِهَذَا التَّقْرِير يَنْتَفِي إِشْكَال الشَّارِح حَيْثُ قَالَ: لم يتَبَيَّن لي وَجه فسخ الْإِقَالَة إِذا رَضِي الْمقَال بذهاب عمله مجَّانا، فَكَمَا يجوز لَهُ قبض أُجْرَة ذَلِك يجوز أَن يتْركهُ مجَّانا اه. لما علمت أَنه لَيْسَ مُرَاد المشاور دفع الْأُجْرَة حتما وَأَنَّهَا لَا تجوز إِلَّا بدفعها لما علمت من أَن الْإِقَالَة بيع فَتجوز بِالْمثلِ أَو بِأَقَلّ أَو بِأَكْثَرَ حصل تغير فِي الْمَبِيع كتفصيل الثَّوْب وخياطته أم لَا. وَإِنَّمَا مُرَاده أَنَّهَا لَا تلْزمهُ عِنْد التَّنَازُع فِي كَونهَا وَقعت على دفع الْأُجْرَة أَو على تَركهَا إِلَّا مَعَ الْبَيَان أَو رضَا الْمقَال بدفعها بعد علمه بالتغير، فَكَلَام المشاور تَفْسِير لكَلَام ابْن الْمَاجشون لَا أَنه مُسْتَقل كَمَا فهموه، وَأما قَول من قَالَ وَجه منعهَا بعد حُدُوث الصَّنْعَة هُوَ تُهْمَة سلف جر نفعا فَغير سديد لما علمت أَن الْغَيْبَة على الْمُقَوّم الْمعِين لَا تعد سلفا كَمَا مر فِي غير مَا مَوضِع، وَيلْزم عَلَيْهِ أَن من اشْترى سلْعَة وأحدث فِيهَا صَنعته لَا يَبِيعهَا من بَائِعهَا إِلَّا بعد دفع أُجْرَة الصَّنْعَة، وَهَذَا لَا يَقُوله أحد، وَقد تحدث الصَّنْعَة فِيهَا نقصا، وَأَيْضًا أَي نفع يحصل للمقترض بالغيبة على الْجلد وَالثَّوْب والغزل حَتَّى يحملهُ ذَلِك على الاستقراض ويتهم عَلَيْهِ وَالله أعلم. وَلاَ يُقَالُ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ الأَجَلْ بِثَمنٍ أدْنى وَلاَ وَقْتٍ أَقَلْ (وَلَا يُقَال) مضارع أقَال مَبْنِيّ للْمَفْعُول أَي لَا تجوز الْإِقَالَة لمن بَاعَ ثوبا بِعشْرَة إِلَى شهر مثلا (حَيْثُ لم يَأْتِ الْأَجَل) الَّذِي هُوَ آخر الشَّهْر (بِثمن أدنى) كثمانية نَقْدا (وَلَا وَقت) أَي: وَلَا لوقت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 (أقل) من الشُّهُور. أَوْ ثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْهُ لأَمَدْ أبْعَدَ مِمَّا كَانَ فِيهِ الْمُعْتَمدْ (أَو ثمن أَكثر مِنْهُ) أَي من الثّمن الأول الَّذِي هُوَ الْعشْرَة فِي الْمِثَال الْمَذْكُور كَأَن يقيله على اثْنَي عشر (لأمد) أجل (أبعد مِمَّا) أَي للأجل الَّذِي (كَانَ) هُوَ أَي الأمد (فِيهِ الْمُعْتَمد) خبر كَانَ وَفِيه مُتَعَلق بِهِ وضميره للْبيع أَي أَو أقاله على ثمن أَكثر من الأول لأجل أبعد من الْأَجَل الَّذِي كَانَ هُوَ أَي: الْأَجَل مُعْتَمدًا لَهما فِي البيع وَلَو قَالَ: أَو ثمن أَكثر مِنْهُ لأجل أبعد مِمَّا كَانَ فِي البيع حصل لَكَانَ أسهل وأوضح. وَالْحَاصِل أَن من بَاعَ سلْعَة لأجل وأقال بَائِعه فِيهَا، فَأَما أَن يقيله بِمثل الثّمن أَو أقل أَو أَكثر، وَفِي كل إِمَّا نَقْدا أَو لدوّنَ الْأَجَل أَو للأجل نَفسه أَو لأبعد مِنْهُ ثَلَاث فِي أَربع باثنتي عشرَة صُورَة منع مِنْهَا ثَلَاثَة وَهِي مَا عجل فِيهِ الْأَقَل كَمَا فِي (خَ) وَهِي الْمَذْكُورَة فِي النّظم، وَعلة الْمَنْع فِيهَا تُهْمَة سلف جر نفعا وضابطها أَن يعود لليد السَّابِقَة بالعطاء أَكثر مِمَّا خرج مِنْهَا، فَإِن اسْتَوَت الْأَثْمَان بِأَن أقاله أَو اشْترى مِنْهُ بِمثل الثّمن، فالجواز مُطلقًا نَقْدا أَو لدوّنَ الْأَجَل أَو للأجل نَفسه أَو لأبعد مِنْهُ كَمَا قَالَ: وهْي إذَا كَانَتْ بِمِثْلِ المالِ جائِزةٌ فِي كل حَالٍ حَالِ وَكَذَا تجوز بِأَقَلّ للأجل أَو لأبعد مِنْهُ أَو بِأَكْثَرَ نَقْدا أَو لدوّنَ الْأَجَل أَو للأجل نَفسه، فَهَذِهِ تسع صور من الاثنتي عشرَة الْمُتَقَدّمَة كلهَا جَائِزَة لِأَنَّهُ لم يعد لليد السَّابِقَة بالعطاء أَكثر مِمَّا خرج مِنْهَا، بل عَاد إِلَيْهَا فِي صور الْمثل الْأَرْبَعَة مثل مَا خرج مِنْهَا وَعَاد إِلَيْهَا فِيمَا عَداهَا أقل مِمَّا خرج مِنْهَا، وَفِي الصُّورَة الْأَخِيرَة وَهِي بِأَكْثَرَ للأجل نَفسه تقع مقاصة وَلَا يَد سَابِقَة هُنَاكَ فانتفت التُّهْمَة، وَهَذِه الْمَسْأَلَة من فصل بُيُوع الْآجَال وَهُوَ كثير التفاريع وَقد تكفل بهَا (خَ) وَغَيره. تَنْبِيه: فِي نَوَازِل الْبُرْزُليّ: وَأما من عَلَيْهِ دين حل أَجله أَو قرب فَلَا يجوز أَن يستدين من رب الدّين دينا آخر كَانَ الأول برهن أم لَا. وَلَو زعم أَنه لغيره إِذا كتبه باسمه، وَسَوَاء كَانَ الْغَرِيم مَلِيًّا أَو عديماً وَالْعلَّة سلف جر نفعا. والبرزلي: ظَاهر مسَائِل الصّرْف من الْمُدَوَّنَة أَنه إِذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 كَانَت السّلْعَة الثَّانِيَة غير الأولى أَو الأولى وَلم يردهَا عَلَيْهِ فِي الْحَال أَو مَا قرب وَلم يكن بَينهمَا شَرط وَلَا عَادَة أَنه جاهز اه. وَمُشْتَرٍ أَقَالَ مَهْمَا اشْتَرطا أَخْذَ الْمبِيع إنْ يَبِعْ تَغَبُّطَا (ومشتر) لشَيْء (أقَال) بَائِعه فِيهِ (مهما اشْترطَا) المُشْتَرِي فِي إقالته على البَائِع الْمقَال (أَخذ الْمَبِيع) الَّذِي وَقعت فِيهِ الْإِقَالَة (إِن يبع) أَي أَن يَبِعْهُ البَائِع (تغبطا) بِمَعْنى الْمَفْعُول أَي متغبطاً بِهِ، وَهُوَ حَال إِمَّا من فَاعل اشْترط أَو فَاعل يبع، وَيجوز أَن يكون مَفْعُولا لأَجله. بالثَّمَنِ الأَوَّلِ فهْو جائِزُ والمُشْتَرِي بهِ المَبِيعُ حَائِزُ (بِالثّمن الأول) مُتَعَلق بِأخذ (فَهُوَ) أَي اشْتِرَاط أَخذ الْمَبِيع بِالثّمن الأول إِذا بيع (جَائِز) وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط الَّذِي هُوَ مهما وَالشّرط وَجَوَابه خبر الْمُبْتَدَأ (و) إِذا جَازَ ذَلِك (فَالْمُشْتَرِي بِهِ) أَي بذلك الِاشْتِرَاط (الْمَبِيع) مفعول بقوله: (حائز) أَي وَإِذا بَاعه البَائِع الْمقَال فَإِن بَيْعه يفْسخ، ويحوز المُشْتَرِي الْمَبِيع وَيَأْخُذهُ بِالثّمن الأول بِسَبَب شَرطه الْمَذْكُور قَالَه ابْن الْقَاسِم فِي الْعُتْبِيَّة، وَنَصّ عَلَيْهِ ابْن فتحون، وَنَقله ابْن سَلمُون قَائِلا: إِلَّا أَن يَبِيعهَا البَائِع بعد طول من الزَّمن ترْتَفع عَنهُ فِيهِ التُّهْمَة فَلَا شَيْء للْمُشْتَرِي المقيل وتبعهم النَّاظِم، وَفِي الْمَسْأَلَة نزاع واضطراب بسطنا الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الثنيا عِنْد قَوْله: وَجَاز إِن وَقع بعد العقد طَوْعًا بِحَدّ أَو بِغَيْر حد، فَانْظُرْهُ هُنَاكَ وَلَا مَفْهُوم لقَوْله الأول، بل كَذَلِك إِذا شَرط عَلَيْهِ المُشْتَرِي فِي إقالته أَخذه بِالثّمن الَّذِي يَبِيعهُ بِهِ البَائِع ثَانِيًا كَمَا مر هُنَاكَ، وَعبارَة الأَجْهُورِيّ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة هِيَ مَا نَصه: ذكر الْحطاب فِي التزاماته مَا يَقْتَضِي أَن تَعْلِيق الْإِقَالَة يجوز بِخِلَاف تَعْلِيق البيع فِي غير الْإِقَالَة، فَإِذا قَالَ المقيل للمقال: لَا أقيلك إِلَّا على أَنَّك مَتى بعتها لغيري فَهِيَ لي بِالثّمن فَرضِي بذلك، فَإِن ذَلِك جَائِز، وَمَتى بَاعهَا كَانَت للمقيل بِالثّمن الأول، وَسَوَاء بَاعهَا بِالْقربِ أَو بعد بُعد حَيْثُ أَتَى بمتى وينقض البيع فِيهَا وَترد للمقيل، لِأَن مَتى لَا تَقْتَضِي قرب الزَّمَان، وَأما إِن أَتَى بِأَن أَو بإذا فَهِيَ لَهُ إِن بَاعهَا بِالْقربِ فَقَط بِخِلَاف لَو وَقع هَذَا الشَّرْط فِي البيع، فَإِذا بَاعه على أَنه مَتى بَاعه فَهُوَ لَهُ بِالثّمن وَلَو الأول، فَإِن البيع يفْسد هَذَا هُوَ الْمعول عَلَيْهِ قَالَه (ح) اه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 ثمَّ قَالَ الأَجْهُورِيّ الْمَذْكُور: وَالْحَاصِل أَن البيع يفْسد بِهَذَا الشَّرْط اتِّفَاقًا بِخِلَاف الْإِقَالَة فَفِيهَا خلاف يَعْنِي: والمعول عَلَيْهِ الْجَوَاز قَالَ: وَهنا أُمُور يَنْبَغِي التنبه لَهَا. الأول، قَالَ ابْن رشد: إِنَّمَا جَازَ هَذَا الشَّرْط فِي الْإِقَالَة لِأَنَّهَا مَعْرُوف فعله مَعَه وَاشْتِرَاط أَن يُكَافِئهُ عَلَيْهِ بِمَعْرُوف فَلَزِمَ ذَلِك فِيهَا بِخِلَاف البيع اه. وَهَذَا هُوَ وَجه الْفرق بَين البيع وَالْإِقَالَة. الثَّانِي: قَالَ فِي النَّوَادِر: من أقَال بَائِعه من حَائِط اشْتَرَاهُ على أَنه مَتى بَاعه البَائِع فَهُوَ للمقيل بِالثّمن الَّذِي يَبِيعهُ بِهِ فَرضِي ثمَّ بَاعه فَقَامَ المقيل بِشَرْطِهِ كَانَ ذَلِك لَهُ وَيرد البيع وَيَأْخُذهُ بِالثّمن الَّذِي بَاعه بِهِ اه وَقَوله: كَانَ ذَلِك لَهُ أَي كَانَ لَهُ الْقيام بِشَرْطِهِ. وَقَوله: وَيرد البيع وَيَأْخُذهُ أَي فَهُوَ إِنَّمَا يَأْخُذهُ بعد علمه بِهِ، فَلَيْسَ هُوَ من الشِّرَاء بِثمن مَجْهُول. وَالْحَاصِل أَنه إِن قَالَ فِي مَسْأَلَة الْإِقَالَة: إِن بِعته فَهُوَ لي بِالثّمن الأول فَإِنَّهُ يكون لَهُ بِمُجَرَّد البيع إِلَّا أَن يَشَاء عدم أَخذه، وَأما إِن قَالَ: إِن بِعته فَهُوَ لي بِالثّمن الَّذِي تبيعه بِهِ فَإِنَّهُ لَا يكون لَهُ إِن شَاءَ أَخذه إِلَّا بعد معرفَة الثّمن الَّذِي بيع بِهِ لَا قبل ذَلِك لِئَلَّا يكون من الْمَبِيع بِثمن مَجْهُول. الثَّالِث: لم يعينوا حد الْقرب وَلَا حد الْبعد فِي هَذَا الْموضع، وَقد ذكرُوا فِي مَسْأَلَة النِّكَاح أَن الْبعد السنتان كَمَا ذكره الشَّارِح عِنْد قَول المُصَنّف، وَفِي تشطير هَدِيَّة الخ. والأنسب تَفْسِير الْقرب هُنَا بِمَا فسر بِهِ الْقرب فِي الثنيا المحدودة بِأَجل فَإِنَّهُم فسروا الْقرب فِيهَا بِالْيَوْمِ وَنَحْوه اه. كَلَام الأَجْهُورِيّ بِاخْتِصَار. وَسُوِّغَتْ إقَالَةٌ فِيمَا اكْتُرِي إنْ لَمْ يَكُنْ أَعْطَى الكِرَاءَ الْمُكْتَرِي (وسوغت إِقَالَة فِيمَا اكتري) من دَار أَو دَابَّة أَو غَيرهمَا (إِن لم يكن أعْطى الْكِرَاء الْمُكْتَرِي) . وَظَاهره جَوَازهَا حَيْثُ لم يكن أعْطى الْكِرَاء سَوَاء سكن بعض الْمدَّة أَو ركب بعض الْمسَافَة أَو لم يسكن وَلم يركب وَهُوَ كَذَلِك، وَمَفْهُوم الشَّرْط أَن الْإِقَالَة بعد نقد الْكِرَاء لَا تجوز وَهُوَ كَذَلِك إِن كَانَ سكن بعض الْمدَّة أَو ركبهَا لِأَنَّهُ كِرَاء وَسلف كسلع بَاعهَا وَقبض ثمنهَا وَغَابَ عَلَيْهِ غيبَة يُمكنهُ الِانْتِفَاع بِهِ، ثمَّ أقَال من بَعْضهَا لتهمة بيع وَسلف كَمَا تقدم فِي الْبَيْت الأول من هَذَا الْفَصْل، وَهُوَ مَفْهُوم قَول (خَ) فِي الْعُيُوب: وإقالة من الْجَمِيع، فمفهومه إِذا كَانَت من الْبَعْض لَا تجوز إِن كَانَ قد غَابَ على الثّمن الَّذِي لَا يعرف بِعَيْنِه، وَقد أَشَارَ فِي كِرَاء الدَّابَّة لذَلِك أَيْضا حَيْثُ قَالَ عاطفاً على الْجَوَاز وإقالة بِزِيَادَة قبل النَّقْد وَبعده إِن لم يغب، وإلاَّ فَلَا إِلَّا من الْمُكْتَرِي فَقَط إِن اقْتصر أَو بعد سير كَبِير الخ. وَأما إِن نقد الْكِرَاء وَلم يسكن وَلم يركب فالإقالة جَائِزَة إِذْ لَا يلْزم عَلَيْهَا شَيْء، فمفهوم الشَّرْط فِي النّظم فِيهِ تَفْصِيل كَمَا ترى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 (فصل فِي التَّوْلِيَة) وَهِي كَمَا لِابْنِ عَرَفَة تصيير مُشْتَر مَا اشْتَرَاهُ لغير بَائِعه بِثمنِهِ. (والتصيير) وَهُوَ دفع شَيْء معِين وَلَو عقارا فِي دين سَابق. توْليةُ الْمبيعِ جَازتْ مُطْلقَا وَلَيْسَ فِي الطَّعَامِ ذَاك مُتَّقَى (تَوْلِيَة) الشَّيْء (الْمَبِيع) لغير بَائِعه بِثمنِهِ (جَازَت مُطلقًا) كَانَت قبل قبض المُشْتَرِي للْمَبِيع أَو بعده (وَلَيْسَ ذَاك فِي الطَّعَام) قبل قَبضه (متقى) أَي مَمْنُوعًا، بل تجوز فِيهِ قبل قَبضه كالشركة فِيهِ وَالْإِقَالَة لِأَن الثَّلَاثَة مَعْرُوف رخص فِيهَا الشَّارِع صلوَات الله عَلَيْهِ كَمَا رخص فِي اشْتِرَاء الْعرية الْمشَار إِلَيْهَا بقوله. (خَ) : وَرخّص لمعير أَو قَائِم مقَامه اشْتِرَاء ثَمَرَة تيبس أَن لفظ بالعرية وبدا صَلَاحهَا وَكَانَ يخرصها ونوعها الخ. وَقَوْلنَا: لغير بَائِعه احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ لبَائِعه فَإِنَّهُ إِقَالَة. وَقَوْلنَا بِثمنِهِ احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ بِأَقَلّ أَو بِأَكْثَرَ، فَإِنَّهُ بيع فَلَا تجوز فِيهِ قبل قَبضه، وَظَاهره أَن التَّوْلِيَة فِي الطَّعَام وَغَيره جَائِزَة وَلَو على تَأْخِير الثّمن لأجل مَعْلُوم، وَهُوَ كَذَلِك مَا لم يكن الشَّيْء الْمولى بِالْفَتْح سلما وإلاَّ فَلَا بُد أَن يتعجل الْمولي بِالْكَسْرِ رَأس المَال ناجزاً لِئَلَّا يدْخلهُ بيع الدّين بِالدّينِ، وَهُوَ أَشد من ابْتِدَاء الدّين بِالدّينِ لما مر أَن ابتداءه يجوز تَأَخره ثَلَاثًا، وَلَو بِشَرْط. والشَّرْطُ فِي التصْيير أنْ يُقَدَّرَا دَيْنٌ والإنْجَازُ لمَّا تَصَيَّرَا (وَالشّرط فِي) صِحَة (التصيير) وَتَمَامه أَمْرَانِ أَحدهمَا (أَن يقدر دين) أَي يعلم قدره لِأَنَّهُ ثمن للمصير بِالْفَتْح (و) ثَانِيهمَا (الإنجاز) لقبض (مَا تصيرا) وَمَفْهُوم الشَّرْط الأول أَنه إِذا لم يعرفا مَعًا أَو أَحدهمَا قدر الدّين لم يجز، وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ مبايعة فَلَا يجوز مَعَ جهل الْعِوَضَيْنِ أَو أَحدهمَا إِلَّا إِذا تَعَذَّرَتْ الْمعرفَة بِكُل حَال، فَيجوز حِينَئِذٍ على وَجه التَّحَلُّل كَمَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَة التمخي آخر الْفَصْل، وكما تقدم فِي قَوْله فِي الصُّلْح: وَجَائِز تحلل فِيمَا ادّعى وَلم تقم بَيِّنَة للْمُدَّعى فَانْظُر ذَلِك هُنَاكَ، وَمَفْهُوم الشَّرْط الثَّانِي أَنه إِن تَأَخّر الْقَبْض للشَّيْء الْمصير وَلَو لبعضه لِأَن الصَّفْقَة إِذا بَطل بَعْضهَا بطلت كلهَا، فَإِن التصيير لَا يجوز وَهُوَ كَذَلِك إِن كَانَ الشَّيْء الْمصير غير معِين كَأَن يصير لَهُ فِي الدّين الَّذِي عَلَيْهِ عرضا أَو حَيَوَانا أَو طَعَاما مَوْصُوفا فَيمْنَع، وَلَو وَقع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 الْقَبْض فِي الْبَعْض دون الْبَعْض بِلَا خلاف لِأَنَّهُ فسخ دين فِي دين، وَأما إِن كَانَ الْمصير معينا كحيوان أَو عرض مُعينين أَو دَار كَذَلِك فَفِيهِ خلاف واضطراب كثير، وَالْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم الْمَنْع، وَلَو وَقع الْقَبْض فِي الْبَعْض دون الْبَعْض أَيْضا، وَبِه أفتى (خَ) فِي قَوْله: وككالىء بِمثلِهِ فسخ مَا فِي الذِّمَّة فِي مُؤخر وَلَو معينا يتَأَخَّر قَبضه كغائب ومواضعة ومتأخر جذاذه وَمَنَافع عين الخ. وَاعْلَم أَن تصيير الْمعِين فِي الدّين من بَاب بيع معِين يتَأَخَّر قَبضه، وَقد تقدم تَفْصِيله صدر الْبيُوع فِي بيع الْأُصُول، وَلذَا كَانَ القَوْل بِعَدَمِ افتقاره للحيازة قَوِيا صَوبه ابْن سهل، وَرجحه ابْن يُونُس، وَصَححهُ الْمُتَأَخّرُونَ كَمَا لِابْنِ عبد السَّلَام، وَنَقله (ز) وَأفْتى بِهِ اليزناسني لِأَنَّهُ من نَاحيَة الْمُعَاوَضَات وَهِي لَا تفْتَقر للحيازة لدُخُول الْمعِين الْحَاضِر فِي ضَمَان المُشْتَرِي بِالْعقدِ، وَمثله الْعقار الْغَائِب لِأَنَّهُ يدْخل فِي ضَمَانه بِالْعقدِ أَيْضا، وَالْقَوْل بافتقاره لَهَا رَاعى فِيهِ شبه فسخ الدّين فِي الدّين وَلَيْسَ ذَلِك فسخا حَقِيقِيًّا، وَلذَا قَالَ الشَّيْخ (م) : والجاري على الْقَوَاعِد أَن تصيير الْمعِين لَا يفْتَقر إِلَى قبض إِذْ الْمعِين لَا تحمله الذمم، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَيْسَ من فسخ الدّين فِي الدّين اه. وَلذَا قَالَ ابْن سَلمُون أَيْضا: وَأما إِن كَانَت يَعْنِي الدَّار المصيرة قد نظرت إِلَيْهَا فالتصيير جَائِز بِلَا خلاف، يَعْنِي وَلَو تَأَخّر قبضهَا. وَلَعَلَّ مَا ذكره من عدم الْخلاف هُوَ طَريقَة لَهُ، وَفِي أَوَاخِر الصُّلْح من المعيار جَوَاب لمؤلفه قَالَ فِيهِ مَا حَاصله: إِذا كَانَ التصيير فِي معِين مُؤخر وَالتَّأْخِير يسير كالثلاثة الْأَيَّام فَفِي جَوَازه وَمنعه اضْطِرَاب، وَمذهب الْمُدَوَّنَة الْمَنْع وسَاق كَلَامهَا ثمَّ قَالَ: وَإِن كَانَ التَّأْخِير كثيرا فإمَّا بِشَرْط أَو غَيره، فَإِن كَانَ بِشَرْط فَيبْطل وَإِن كَانَ بِغَيْرِهِ فَابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة يمْنَع وَأَشْهَب فِي الْعُتْبِيَّة يُجِيز، وَبقول ابْن الْقَاسِم جرى عمل الموثقين والحكام اه. بِاخْتِصَار. وَمرَاده بِالتَّأْخِيرِ الْكثير هُوَ مَا يتَغَيَّر الْمعِين إِلَيْهِ غَالِبا كَمَا مرّ صدر الْبيُوع، وَإِذا أجَاز أَشهب التَّأْخِير الْكثير بِغَيْر شَرط فأحرى أَن يُجِيز الْيَسِير، وظاهرهم أَن التَّأْخِير وَلَو فِي الْمعِين الْحَاضِر يفْسد التصيير على الْمَعْمُول بِهِ وَلَو لم يدخلا عَلَيْهِ، وَلَو كَانَ يَسِيرا وَيفْسخ مَعَ الْقيام وَلَو قَبضه الْمصير إِلَيْهِ إِلَّا أَن يفوت بِبيع صَحِيح وَنَحْوه مِمَّا يفوت البيع الْفَاسِد، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا قَالَه سَيِّدي مِصْبَاح حَسْبَمَا فِي المعيار فِيمَن صير لزوجته أَرضًا فِي صَدَاقهَا فَلم تقبضها إِلَّا بعد أشهر أَو أَعْوَام أَو يَوْم. قَالَ فِي الْجَواب الَّذِي اتَّصل بِهِ الْعَمَل: أَن التصيير لَا يتم إِلَّا بالحوز بإثر العقد وَإِن ترَاخى الْقَبْض عَن ذَلِك كَانَ بيعا فَاسِدا يرد مَعَ الْقيام، وَإِن فَاتَ بِمَا يفوت بِهِ البيع كَانَت فِيهِ الْقيمَة يَوْم الْقَبْض اه. قلت: فَظَاهر قَوْله فِي السُّؤَال أَو يَوْم أَن التَّأْخِير الْيَسِير لَا يغْتَفر، وَسَيَأْتِي فِي الْبَيْتَيْنِ بعده مَا يُخَالِفهُ، وَأَيْضًا كَون التَّأْخِير الَّذِي لم يدخلا عَلَيْهِ مُفْسِدا للتصيير مُخَالف لما فِي صلح المعيار من أَنه إِذا وَقع الصُّلْح بِدَنَانِير عَن دَرَاهِم أَو بِالْعَكْسِ وتأخرت من غير شَرط فَالصُّلْح جَائِز قَالَ: وَهُوَ صَرِيح قَوْلهَا أول الْكتاب: وَإِن تَأَخَّرت الدَّنَانِير من غير شَرط جَازَ اه. وَإِذا جَازَ هَذَا فِي صرف مَا فِي الذِّمَّة مَعَ كَون بَاب الصّرْف أضيق فأحرى أَن يجوز فِي التصيير، وَلَا سِيمَا التصيير فِي الْمعِين لِأَنَّهُ أَمر جر إِلَيْهِ الْحَال وَلم يدخلا عَلَيْهِ وَلَا قصداه، وَلِأَنَّهُ من بيع الْمعِين الَّذِي يدْخل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 فِي الضَّمَان بِالْعقدِ وَلَا تحمله الذِّمَّة كَمَا مر، وَعَلِيهِ فَإِذا حازه الْمصير إِلَيْهِ بعد ذَلِك التَّأْخِير الْحَاصِل من غير شَرط لم يفْسخ وَيجْبر الآبي على حيازته، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لِأَن العقد وَقع على الصِّحَّة أَي على أَن يقبضهُ الْآن، وَالْعقد الْوَاقِع على الصِّحَّة لَا يفْسخ بِمَا طَرَأَ عَلَيْهِ كَمَا قَالُوهُ فِي مُسَاقَاة الْحَائِط الْغَائِب أَنه يشْتَرط أَن يصله الْعَامِل قبل طيبه، وَأَنه إِن ترَاخى فوصله بعد طيبه لم تفْسد، فَالَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَاده أَو يجب عدم الْفَسْخ فِيمَا إِذا حصل التَّأْخِير من غير شَرط، وَلِهَذَا قَالَ الْبُرْزُليّ فِي نَوَازِل الْإِقْرَار: إِذا صير الْإِنْسَان لامْرَأَته فِي كالئها أَو فِي دين يعلم سَببه نصف دَاره وَسكن مَعهَا إِلَى أَن مَاتَ فَهُوَ تصيير جَائِز إِذا لم يشْتَرط عَلَيْهَا السُّكْنَى فِيهَا، وَقيل مَرْدُود وَالْأول أظهر اه. وَقَالَ ابْن سراج كَمَا فِي (ق) : إِذا خدم مَعَك من لَك عَلَيْهِ دين بِغَيْر شَرط فَإِنَّهُ يجوز لَك أَن تقاصه عِنْد الْفَرَاغ من الَّذِي عَلَيْهِ، وَبِهَذَا أفتى ابْن رشد لظُهُوره عِنْده إِذْ مَا كَانَ يخفى عَلَيْهِ قَول ابْن الْقَاسِم اه. فَقَوله لظُهُوره عِنْده صَرِيح فِي أَنه اعْتمد فِي فتواه قَول أَشهب، فَيكون ابْن الْقَاسِم على هَذَا لَا يُجِيز الْمُقَاصَّة وَلَو بعد الْفَرَاغ لِأَنَّهُ عِنْده عقد فَاسد لاتهامهما على تصيير الْخدمَة الْمُتَأَخِّرَة عِنْد الِاسْتِيفَاء فِي الدّين فَلَا يصدقان فِي عدم الْقَصْد وَالشّرط، وَإِذا فسد العقد عِنْده فَيرجع الْعَامِل بِأُجْرَة مثله ويتحاسبان لِأَن مذْهبه أَن التَّأْخِير الْيَسِير مَمْنُوع، وَقَول الشَّيْخ بناني مُعْتَرضًا على الشَّيْخ (ز) مَا أفتى بِهِ ابْن رشد من الْمُقَاصَّة مُوَافق لِابْنِ الْقَاسِم لَا مُخَالف لَهُ فِيهِ نظر كَمَا ترى وَبعد كتبي مَا تقدم عَن المعيار والمدونة وقفت على مثله لأبي الْعَبَّاس الملوي فِي تحريره، فَالْحَمْد لله على الْمُوَافقَة. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا شهِدت بَيِّنَة بحوز الْمصير لَهُ شهرا ثمَّ رَجَعَ إِلَى يَد الْمصير بعد ذَلِك لم يبطل التصيير قَالَ ناظم الْعَمَل: وللحيازة افْتقر التصيير وحوزه شهر وَذَاكَ تَكْثِير وَأما إِن شهِدت إِحْدَاهمَا بحوز الْمصير لَهُ ونزوله فِي الدَّار بالمعاينة أَو الِاعْتِرَاف وَلم تشهد باستمرار الْحِيَازَة شهرا أَو شهِدت الْأُخْرَى بِأَنَّهُ لم يزل بيد الْمصير وَأَنه لم يخرج من يَده أصلا فَإِن الشَّهَادَة بِعَدَمِ خُرُوجه من يَده تقدم لِأَنَّهَا أَثْبَتَت اسْتِمْرَار عدم الْحِيَازَة وَالْأُخْرَى لم تتعرض للاستمرار، فَيمكن أَن يكون رَجَعَ ليده بعد مُعَاينَة الْحَوْز قبل مُضِيّ الشَّهْر، وَقد بَينا ذَلِك فِي حَاشِيَة اللامية، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ من الْخلاف فِي أَوَائِل الْحَبْس إِن شَاءَ الله الثَّانِي: إِذا لم تقع حِيَازَة فِي التصيير حَتَّى مَاتَ الْمصير فحازه الْمصير لَهُ بعد مَوته وَبَاعه فَقَامَ وَارِث الْمصير على المُشْتَرِي محتجاً بِفساد التصيير، فالجاري على مَا بِهِ الْعَمَل أَنه بيع فَاسد وَهُوَ يفوت بِالْبيعِ الصَّحِيح لِأَن الْفساد حصل بِمُجَرَّد التَّأْخِير سَوَاء وَقع الْقَبْض فِي حَيَاة الْمصير أَو بعد مَوته كَمَا هُوَ ظَاهر من كَلَام سَيِّدي مِصْبَاح الْمُتَقَدّم وَغَيره، وفتوى بَعضهم بِنَقْض البيع فِيهِ لِأَن قَبضه بعد الْمَوْت كَالْعدمِ فبيعه بعده تصرف فِي ملك الْغَيْر الخ. غير سديد لِأَن هَذَا إِنَّمَا يتم لَو كَانَ التصيير مَحْض هبة، وَقد علمت أَنه مُعَاوضَة بِاتِّفَاق، وَلَكِن تَأْخِير الْقَبْض فِيهِ يصيره مُعَاوضَة فَاسِدَة على الْمَعْمُول بِهِ يجْرِي على حكمهَا، لَكِن كَانَ الْقيَاس أَنه يمْضِي مَعَ الْفَوات بِالثّمن لِأَنَّهُ بيع مُخْتَلف فِيهِ لَا بِالْقيمَةِ كَمَا قَالَ سَيِّدي مِصْبَاح إِلَّا أَن يُقَال مَا فِي (خَ) من مُضِيّ الْمُخْتَلف فِيهِ بِالثّمن قَاعِدَة أغلبية فَقَط لأَنهم أوردوا على مُضِيّ الْمُخْتَلف فِيهِ بِالثّمن مسَائِل قَالَه الملوي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 الثَّالِث: اخْتلف على القَوْل بِاشْتِرَاط الْحِيَازَة هَل لَا بُد من المعاينة أَو يَكْفِي فِيهِ اعْتِرَاف الْمصير والمصير لَهُ؟ قَولَانِ: وَالثَّانِي مِنْهُمَا هُوَ الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ، وَإِذا تنَازعا فَادّعى أَحدهمَا الْحَوْز على الْفَوْر وَادّعى الآخر التَّأْخِير جرى على الِاخْتِلَاف فِي دَعْوَى الصِّحَّة وَالْفساد فِي البيع، وَقد علمت أَن القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة قَالَه أَبُو عمرَان، وَبِه أفتى العقباني وَغَيره كَمَا فِي شرح الْعَمَل، وَعَلِيهِ فَقَوْلهم لَا بُد فِيهِ من فَور الْحَوْز أَي لَا بُد أَن يثبت بِالْبَيِّنَةِ أَو باعترافهما أَو يَدعِيهِ أَحدهمَا، وَإِذا كَانَ القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة فمحله إِذا لم يغلب الْفساد، وَقد قَالَ الملوي فِي تحريره: الْغَالِب فِي التصيير للزَّوْجَة عدم حوزها فَيكون القَوْل حِينَئِذٍ لمُدعِي عدم فَور الْحَوْز، فالتصيير مُخَالف للهبة. وَنَحْوهَا من التَّبَرُّعَات إِذْ لَا بُد فِيهَا من المعاينة كَالرَّهْنِ وَمحل هَذَا إِذا لم يكن فِي التصيير مُحَابَاة وغبن وإلاَّ فَلَا بُد من المعاينة لِأَن الْمُحَابَاة هبة، وَفِي الطرر: وَإِذا ثَبت الْغبن والمحاباة فِي التصيير وَلم تصح فِيهِ الْحِيَازَة بَطل اه. وَمحله أَيْضا إِذا لم يكن الدّين ثَبت بِإِقْرَار وإلاَّ فَلَا بُد من المعاينة لاتهامهما على قصد الْهِبَة والتحيل على إِسْقَاط الْحِيَازَة فَلَا تَنْتفِي التُّهْمَة إِلَّا بالمعاينة، وَهَذَا كُله على مَا مر من أَن الْمَشْهُور ثُبُوت الْحَوْز بالاعتراف، وَأما على مَا صدر بِهِ فِي الْمعِين من أَن الِاعْتِرَاف بالحوز غير كَاف وَنَحْوه فِي الطرر وَابْن سَلمُون قَائِلا: بِهِ الْعَمَل، فَلَا فرق بَين التصيير والتبرعات فِي وجوب مُعَاينَة الْحَوْز. (الرَّابِع) : فِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن حَدِيد: إِذا صير الزَّوْج دَار سكناهُ لزوجته وَلم يخلها من مَتَاعه وَعَمله فَذَلِك دين بدين وَبيع فَاسد على قَول ابْن الْقَاسِم، وَبِه قَالَ شُيُوخ قرطبة ابْن لبَابَة وَغَيره وَبِه الْعَمَل اه. بِاخْتِصَار. وَنَقله فِي المعيار أَيْضا عَن بَعضهم وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة قَائِلا: لَا يجوز تصيير دَار السُّكْنَى للزَّوْجَة إِلَّا أَن يخليها من سكناهُ وأمتعته فَيتم لَهَا قبضهَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ اه. وَخَالف ابْن رحال فِي هَذَا فَقَالَ: إِن التصيير فِي غير مَسْأَلَة الزَّوْجَة شَرطه الْحَوْز وإلاَّ فسد، وَمَسْأَلَة الزَّوْجَة فِيهَا خلاف وَالصَّوَاب هُوَ الْمُضِيّ لِأَن مَسْأَلَة الزَّوْجَة حائزة بعض الْحَوْز وَلَا كَذَلِك من لم يحز أصلا بِدَلِيل أَن الصَّدَقَة تحاز مَعَ الْمُصدق وَتَصِح اه. وَأَشَارَ بقوله: بِدَلِيل أَن الصَّدَقَة تحاز مَعَ الْمُتَصَدّق الخ. إِلَى مَا صدر بِهِ ابْن سهل حَسْبَمَا فِي (ق) آخر الْقَرْض من أَن التصيير لَا يحْتَاج إِلَى حِيَازَة، وَبِه أفتى ابْن عتاب وَابْن الْقطَّان وَابْن مَالك فِي مَسْأَلَة تصيير نصف دَار السُّكْنَى قَالَ: وَهُوَ الصَّوَاب لِأَنَّهُ قَول مَالك فِيمَن وهب أَجْنَبِيّا جُزْءا من مَاله مشَاعا وَاعْتمر الْمَوْهُوب لَهُ مَعَ الْوَاهِب أَنه جَائِز اه. وَفِيه نظر لِأَن الزَّوْجَة فِي مَسْأَلَة تصيير نصف الدَّار لَهَا أَو تصييرها كلهَا لَهَا لم تعتمر لنَفسهَا شَيْئا فِي الْحَقِيقَة إِذْ سكناهَا على الزَّوْج والمعتمر فِي الْحَقِيقَة هُوَ الزَّوْج بِخِلَاف مَسْأَلَة صَدَقَة الْجُزْء الْمشَاع فالمتصدق عَلَيْهِ قد حَاز لنَفسِهِ. الْخَامِس: تقدم فِي النِّكَاح أَن عَادَة الْبَوَادِي أَن يسموا فِي الصَدَاق عينا ويدفعوا عَنْهَا عرضا أَو حليا أَو شورة أَو عقارا وَذَلِكَ جَائِز لَا يفْتَقر لحيازة وَأَنه لَيْسَ من التصيير. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الملوي بعد نقُول مَا نَصه: قد بَان لَك من هَذَا أَن من عقد على شَيْء وَالْمَقْصُود دفع غَيره فَالْعِبْرَة بذلك الْمَقْصُود وَكَأن العقد وَقع عَلَيْهِ ابْتِدَاء، فَإِذا تزوج بِنَقْد وَالْمَقْصُود بِالشّرطِ أَو الْعَادة دفع عقار فَكَأَنَّهُ تزوج بذلك الْعقار ابْتِدَاء فَلَا يحْتَاج إِلَى حِيَازَة وَالْعَادَة دفع الشورة فَكَأَنَّهُ تزوج بالشورة ابْتِدَاء فَيجْرِي على قَول (خَ) : وَجَاز بشورة الخ اه. وَانْظُر مَا يَأْتِي الأول فصل الْإِجَارَة فَفِيهِ مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 يُوَافقهُ. السَّادِس: إِذا لم يحز الْمصير لَهُ الشَّيْء الْمصير على الْفَوْر فَبَاعَهُ الْمصير، فَهَل يكون بَيْعه نقضا للتصيير؟ قَولَانِ. وَالرَّاجِح كَمَا يفِيدهُ (ح) : أَنه نقض للتصيير ويمضي البيع الْوَاقِع مِنْهُ وَالْهِبَة كَالْبيع، وَهَذَا كُله حَيْثُ وَقع البيع قبل فَوَاته بيد الْمصير لَهُ وإلاَّ فبيعه غير مُعْتَبر قَالَه الملوي. السَّابِع: فِي أقضية المعيار: من توفّي عَن زَوْجَة وَأَوْلَاد صغَار فطلبت الزَّوْجَة مهرهَا فصير لَهَا فِيهِ ربع من التَّرِكَة بِغَيْر نِدَاء عَلَيْهِ وَلَا حَاكم فَقَالَ: إِذا لم يكن بالموضع حَاكم وَاجْتمعَ وُجُوه الْموضع وعدوله وطلبوا الزِّيَادَة فِي مظانها أَو لم يشيدوه، وَلَكِن قوم بِقِيمَة مستوفاة بِحَيْثُ لَا تمكن فِيهِ الزِّيَادَة لرشيد فالتصيير مَاض وَلَا مقَال للْوَرَثَة، وَلَو لم يكن شَيْء من ذَلِك فَلهم الْقيام. وَالْعَرْضَ صَيِّرْه بِلاَ مُنَازَعَهْ وَالْحَيَوَانَ حَيْثُ لَا مُوَاضَعَهْ (وَالْعرض) بِالنّصب على الرَّاجِح من بَاب الِاشْتِغَال (صيره) فِي الدّين (بِلَا مُنَازعَة) أَي بِلَا خلاف فِي جَوَاز تصييره، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي كَونه يفْتَقر للحيازة أم لَا كَمَا مر. (وَالْحَيَوَان) صيره أَيْضا بهيمياً كَانَ أَو عَاقِلا كالرقيق (حَيْثُ لَا مواضعة) تجب فِي الْأمة المصيرة وَلم يَقع التصيير على عُهْدَة الثَّلَاث أَو خِيَار لأَحَدهمَا فِي الْإِمْضَاء وَالرَّدّ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يُوجب تَأْخِير قبض الشَّيْء الْمصير وَعدم دُخُوله فِي ضَمَان الْمصير إِلَيْهِ كَمَا مر فِي قَول (خَ) وَلَو معينا يتَأَخَّر قَبضه كغائب ومواضعة الخ. وَجَائِزٌ فيهِ مزِيدُ العَيْنِ حَيْثُ يَقِلُّ عَنهُ قدْرُ الدَّيْنِ (وَجَائِز فِيهِ) أَي فِي التصيير (مزِيد) مصدر ميمي أَي زِيَادَة (الْعين) من الْمصير لَهُ (حَيْثُ يقل عَنهُ) أَي عَن ثمن الشَّيْء الْمصير (قدر الدّين) بِأَن يكون الدّين مائَة وَيصير لَهُ فِيهِ دَارا تَسَاوِي مائَة وَعشْرين على أَن يزِيدهُ رب الدّين عشْرين، وَظَاهر إِطْلَاقه جَوَاز ذَلِك وَلَو تَأَخَّرت الْعشْرُونَ المزيدة وَهُوَ كَذَلِك كَمَا لصَاحب التَّيْسِير والتسهيل، وَبِه قررت كَلَام النَّاظِم وَقَول ابْن سَلمُون والمتيطية وَغَيرهَا إِن كَانَ التصيير فِي دين وَزِيَادَة زَادهَا فَلَا بُد لَهُ من الْقَبْض الناجز الخ. إِنَّمَا يعنون قبض الْملك الْمصير لَا الزِّيَادَة إِذْ لَا وَجه لمنع تَأْخِيرهَا لأجل مَعْلُوم خلافًا لما فهمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 ابْن رحال و (م) من تناجز قبض الزِّيَادَة وَالله أعلم. وَأما عكس النّظم وَهُوَ مَا لَو كَانَ الدّين مائَة وَدفع الدَّار فِي ثَمَانِينَ فَجَائِز أَيْضا إِن بقيت الْعشْرُونَ لأَجلهَا أَو قبضهَا بِحَضْرَة العقد وَإِلَّا بِأَن أَخّرهُ بهَا عَن أجلهَا امْتنع للْبيع وَالسَّلَف. وَالْخُلْفُ فِي تصْييرِ مَا كَالسُّكْنَى أوْ ثَمَرٍ مُعَيَّنٍ لِيُجْنَى (وَالْخلف فِي تصيير مَا) هُوَ مَنْفَعَة (ك) تصيير (السُّكْنَى) فِي دَار أَو حَانُوت أَو ركُوب دَابَّة أَو سفينة وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يقبض دفْعَة وَاحِدَة بل شَيْئا فَشَيْئًا فَابْن الْقَاسِم يمْنَع وَلَو شرع فِي قبض الْمَنْفَعَة أثر العقد لِأَن قبض الْأَوَائِل لَيْسَ كقبض الْأَوَاخِر عِنْده، وَأَشْهَب يُجِيز لِأَن قبض الشَّيْء عِنْده قبض لجَمِيع مَنَافِعه. قَالَ بعض الْقرَوِيين: وَهُوَ أَقيس. قَالَ ابْن سراج: يجوز فسخ الدّين فِي معِين الْيَوْم وَنَحْوه، فَإِذا كَانَ للْإنْسَان دين على آخر فَقَالَ لَهُ: احرث معي غَدا واقتطع لَك من دينك، فَهَذَا جَائِز على قَول أَشهب، وَرجحه ابْن يُونُس. وَفِي الْمُتَيْطِيَّة يجوز فِي الشَّيْء الْيَسِير أَن تُعْطِي غريمك ثوبا يخيطه لَك من دينك عَلَيْهِ وَشبه ذَلِك فَإِن كثر الْعَمَل لم يجز اه. وَظَاهره أَن هَذَا على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَأما على مَذْهَب أَشهب فَلَا فرق بَين الْعَمَل الْقَلِيل وَالْكثير فَيُؤْخَذ من هَذَا جَوَاز التَّأْخِير الْيَسِير فِي حِيَازَة التصيير كَالْيَوْمِ واليومين على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، إِذْ فسخ الدّين فِي الدّين يغْتَفر فِيهِ مَا قرب كَمَا قَالَ (خَ) : والأضيق صرف إِلَى قَوْله ثمَّ إِقَالَة عرُوض وَفسخ الدّين بِنَاء على أَن معنى الضّيق وَالسعَة فِي ذَلِك جَوَاز التَّأْخِير الْيَسِير فِيمَا عدا الصّرْف، فالتأخير الْيَسِير مَعَ اشْتِرَاطه جَائِز على مَا يَقْتَضِيهِ شراحه هُنَالك، وَأما مَعَ عدم الِاشْتِرَاط فَتقدم أَنه لَا فرق بَين الْيَسِير وَالْكثير. (أَو ثَمَر معِين ليجنى) فَابْن الْقَاسِم يمْنَع أَن يَأْخُذ عَن دينه ثمراً معينا فِي رُؤُوس أشجاره يقتطفه بعد تناهي طيبه لِأَنَّهُ فسخ فِي معِين كَمَا مر، وَأَشْهَب يُجِيزهُ كَمَا يُجِيز أَخذ الدَّابَّة الغائبة وَالْأمة الَّتِي تتواضع وَالْعَبْد بِالْخِيَارِ وَنَحْو ذَلِك كَمَا مر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 وَامْتَنَعَ التَّصْييرُ لِلصَّبِيِّ إنْ لَمْ يَكُنْ ذَا أَبٍ أَوْ وَصِيِّ (وَامْتنع التصيير) من مَدين عَلَيْهِ دين (للصَّبِيّ إِن لم يكن) الصَّبِي (ذَا أَب أَو وَصِيّ) أَو مقدم بل كَانَ مهملاً، وَإِنَّمَا امْتنع لِأَنَّهُ تصيير يتَأَخَّر قَبضه إِذا قبض الصَّبِي كلا قبض فيدخله فسخ الدّين فِي الدّين على مَا مر. وَالتَّعْلِيل بِكَوْن قبض الصَّبِي يتَعَذَّر لكَونه كلا قبض نَحوه لِابْنِ سَلمُون عَن ابْن فتحون، وَمَعْنَاهُ أَن الصَّبِي بِالْخِيَارِ فِي إِمْضَاء عقد التصيير إِن رشد كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْحجر: وَله إِن رشد الخ. فَيكون حِينَئِذٍ تصييراً بِخِيَار وَهُوَ مَمْنُوع على الْمَذْهَب كَمَا مر، فَقَبضهُ حِينَئِذٍ كَالْعدمِ وَبِهَذَا يُفَارق حكم الْهِبَة الَّتِي يعْتَبر فِيهَا قَبضه كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: ونافذ مَا حازه الصَّغِير الخ. وَبِهَذَا يعلم أَنه لَا مَفْهُوم لقَوْله للصَّبِيّ، بل المُرَاد الْمَحْجُور وَلَو بَالغا، وَمَفْهُوم الشَّرْط الْجَوَاز إِذا قَبضه الْأَب أَو الْوَصِيّ من الْمصير فَإِن تَأَخّر قبضهما جرى على مَا مر، فَإِن كَانَ الْأَب وَالْوَصِيّ هما المصيران للمحجور فِي دين مَعْلُوم لَهُ عَلَيْهِمَا وحازا ذَلِك لَهُ صَحَّ وَجَاز لِأَن كلا مِنْهُمَا يحوز لمحجوره مَا يعرف بِعَيْنِه، وَإِن لم تشاهد الْبَيِّنَة حوزهما بل إقرارهما بالحوز لَهُ كَاف، وَإِن قدما من يحوز لَهُ فَكَذَلِك قَالَه فِي المعيار عَن أبي الضياء مِصْبَاح وَأبي الْحسن الصَّغِير قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الملوي: اسْتُفِيدَ من ذَلِك أَن حِيَازَة الْأَب لِابْنِهِ مَا صيره لَهُ فِي دين ترَتّب لَهُ عَلَيْهِ مَاض كَمَا اسْتُفِيدَ مِنْهُ أَن الِاعْتِرَاف بالحوز كَاف حَتَّى فِيمَا يحوزه الْأَب أَو نَائِبه للِابْن، وَيفهم مِنْهُ أَيْضا أَن اعْتِرَاف الْمصير وَحده كَاف، وَلَكِن الْمَسْأَلَة مَفْرُوضَة فِي التصيير للمحجور اه. قلت: تقدم أَن الِاعْتِرَاف بالحوز كَاف على الْمَشْهُور، وَلَو كَانَ التصيير لغير الْمَحْجُور وأنهما إِذا اخْتلفَا فِي فَور الْحِيَازَة وَعدم فوريتها فَالْقَوْل لمُدعِي فوريتها لِأَن ذَلِك رَاجع لدعوى الصِّحَّة وَالْفساد فِي البيع، وَهُوَ صَرِيح فِي أَن الِاعْتِرَاف بالحيازة من أَحدهمَا كَاف وَلَو فِي غير الْمَحْجُور فَلَا حَاجَة لقَوْله: وَلَكِن الْمَسْأَلَة مَفْرُوضَة الخ. وَقَوْلِي فِي دين مَعْلُوم لَهُ عَلَيْهِمَا احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ الدّين مَجْهُولا أَصله أَو قدره فَيجوز أَيْضا كَمَا قَالَ: والأَبُ كَالْوَصِيِّ فِي التَّصْييرِ تَمَخِّيَاً بالجْهْلِ لِلْمَحْجُورِ (وَالْأَب كالوصي فِي التصيير) للمحجور (تمخياً) أَي تبرياً من تمخيت من الشَّيْء إِذا تبرأت مِنْهُ وتحرجت قَالَه الْجَوْهَرِي وَهُوَ مفعول لأَجله أَي لأجل التمخي (ب) سَبَب (الْجَهْل) بِقدر مَا فِي الذِّمَّة أَو بِأَصْلِهِ (للمحجور) يتَعَلَّق بالتصيير أَي وَيصير الْوَصِيّ أَو الْأَب لمحجوره مَا يتحَرَّى بِهِ بَرَاءَة ذمَّته حَيْثُ جهل قدر الدّين أَو جهل أَصله وَالْأول وَاجِب وَالثَّانِي مَنْدُوب، وَيصِح قَبضه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 للشَّيْء الْمصير مَا لم يكن دَار سكناهُ، وإلاَّ فَلَا بُد من إخلائها كَمَا يَأْتِي فِي الْحَبْس وَالْهِبَة فَإِن قوم كراءها بعدلين وَاسْتمرّ سَاكِنا بهَا صَحَّ ذَلِك وَلم تبطل الْهِبَة قَالَه فِي هبات المعيار. وَالظَّاهِر أَن التصيير كَذَلِك كَمَا أَن الظَّاهِر أَنه إِذا اسْتمرّ سَاكِنا بِنِصْفِهَا فِي التصيير من غير تَقْوِيم لكرائها فَإِنَّهُ يبطل ذَلِك النّصْف فَقَط، وَإِن سكن الجل بَطل الْجَمِيع كَالْهِبَةِ وَالله أعلم. وَتقدم فِي الشُّفْعَة أَن هَذَا التمخي لَا شُفْعَة فِيهِ. (فصل فِي السّلم) وَهُوَ كَمَا لِابْنِ عَرَفَة عقد مُعَاوضَة يُوجب عمَارَة ذمَّة بِغَيْر عين وَلَا مَنْفَعَة غير متماثل الْعِوَضَيْنِ فَقَوله: عقد مُعَاوضَة جنس يَشْمَل جَمِيع أَنْوَاع البيع والكراء، وَقَوله: يُوجب عمَارَة أخرج بِهِ بيع الْمعِين وكراءه. وَقَوله: بِغَيْر عين أخرج بِهِ بيع الْمعِين وكراءه بِثمن عين إِلَى أجل، وَقَوله: وَلَا مَنْفَعَة أخرج بِهِ الْكِرَاء الْمَضْمُون. وَقَوله: غير متماثل للعوضين أخرج بِهِ السّلف، وَأما حكمه فَقَالَ المشذالي: صرح فِي الْمُدَوَّنَة بِأَنَّهُ رخصَة مُسْتَثْنى من بيع مَا لَيْسَ عنْدك اه. وَقد فهم من قَوْله: يُوجب عمَارَة ذمَّة أَنه لَا بُد أَن يكون الْمُسلم فِيهِ مَوْصُوفا لِأَن الذِّمَّة لَا تعمر إِلَّا بِمَا كَانَ جَائِزا شرعا فَيعلم مِنْهُ أَنه لَا يجوز فِي المعينات لِأَنَّهَا لَا تحملهَا الذمم وَلَا فِيمَا لم تضبطه الصِّفَات، لِأَن عدم التَّعَرُّض لضبط صِفَاته يُؤَدِّي لمبيع مَجْهُول الْعين وَالصّفة وَهُوَ لَا يجوز، وَلذَا قَالَ: فِيمَا عدا الأُصُولِ جَوِّزِ السَّلمْ وَلَيْسَ فِي المالِ وَلَكِنْ فِي الذِّمَمْ (فِيمَا عدا الْأُصُول) من عرُوض مَوْصُوفَة وحيوان وَطَعَام كَذَلِك (جوز السّلم وَلَيْسَ) هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 أَي السّلم كَائِنا (فِي المَال) الْمعِين بِقَرِينَة قَوْله (وَلَكِن فِي الذمم) جمع ذمَّة كقربة وَقرب أَي: وَلَكِن الشَّرْط كَون الْمُسلم فِيهِ من عرض وَنَحْوه دينا مَوْصُوفا فِي الذِّمَّة كَمَا مر وَوجه عدم جَوَاز السّلم فِي الْأُصُول أَن السّلم فِيهَا يُؤَدِّي إِلَى تَعْيِينهَا إِذْ لَا بُد فِيهَا من وصف بِمَا تخْتَلف فِيهِ الْأَغْرَاض كَمَا يَأْتِي للناظم وكما قَالَ (خَ) فِي تعداد شُرُوطه، وَإِن تبين صِفَاته الَّتِي تخْتَلف بهَا الْقيمَة فِي السّلم عَادَة كالجودة والرداءة الخ. وَوصف الْعقار بِمَا تخْتَلف بِهِ الْقيمَة يُؤَدِّي إِلَى تعْيين مَحَله ومجاوره لكَون الْقيمَة تخْتَلف بذلك، وتعيينها يُؤَدِّي إِلَى السّلم فِي الْمعِين وَهُوَ لَا يجوز إِذا لم يكن ذَلِك الْمعِين فِي ملك الْمُسلم إِلَيْهِ بِلَا خلاف للغرر، إِذْ قد لَا يَبِيعهُ مَالِكه وَإِن كَانَ فِي ملك الْمُسلم إِلَيْهِ فَهُوَ من بيع معِين يتَأَخَّر قَبضه، فَإِن كَانَ التَّأْخِير بِشَرْط وَكَانَ إِلَى أجل يتَغَيَّر ذَلِك الْمعِين إِلَيْهِ كأكثر من ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَيَوَان وَالثَّوْب، وَأكْثر من عَام فِي الدَّار وَنَحْوهَا امْتنع للغرر فِي بَقَائِهِ على تِلْكَ الصّفة، وَإِن كَانَ لأجل لَا يتَغَيَّر إِلَيْهِ غَالِبا كثلاثة أَيَّام فِي الْحَيَوَان وَالثَّوْب وكعام فِي الدَّار وَنَحْوهَا، لِأَن ذَلِك يخْتَلف باخْتلَاف الْمَبِيع جَازَ كَمَا تقدم تَحْصِيله فِي بيع الْأُصُول، وَأما تَأْخِيره بِغَيْر شَرط فَجَائِز إِذْ غَايَته أَن المُشْتَرِي تَركه أَمَانَة عِنْد البَائِع إِلَى أَي وَقت شَاءَ، وَدخل فِي ضَمَانه بِالْعقدِ كَمَا قَالَ (خَ) : وَجَاز تَأْخِير حَيَوَان جعل رَأس مَال بِلَا شَرط الخ. قَالُوا: وَلَو أخر إِلَى حُلُول أجل السّلم فَإِنَّهُ لَا يفْسد العقد وَالثَّوْب الْمعِين مثل الْحَيَوَان كَمَا يَأْتِي للناظم آخر الْفَصْل، وَإِذا جَازَ هَذَا فِي السّلم مَعَ كَونه يُؤَدِّي إِلَى شبه ابْتِدَاء الدّين بِالدّينِ فأحرى أَن يجوز فِي بيع معِين بِثمن نَقْدا معجلا، أَو يتَأَخَّر قبض الْمعِين بِلَا شَرط كَمَا مرّ فِي بيع الْأُصُول، وَقَول ضيح فِي تَعْلِيل منع السّلم فِي الْمعِين لِأَنَّهُ يلْزم فِيهِ ضَمَان بِجعْل لِأَن الْمُسلم يزِيد فِي الثّمن ليضمنه لَهُ الْمُسلم إِلَيْهِ الخ. يرد بِأَن الْمعِين يدْخل فِي ضَمَان المُشْتَرِي بِالْعقدِ كَمَا مرّ، وَقَوله أَيْضا فِي تَعْلِيل الْمَنْع: وَلِأَنَّهُ إِن لم ينْقد اخْتَلَّ شَرط السّلم الخ. هَذَا إِذا كَانَ عدم النَّقْد مَشْرُوطًا وَكَانَ إِلَى أجل يتَغَيَّر إِلَيْهِ كَمَا مر وَلما قَالَ: وَلَكِن فِي الذمم يَعْنِي حَقِيقَة الذِّمَّة مَا هِيَ؟ فَقَالَ: وَالشَّرْحُ لِلذِّمَّةِ وَصْفٌ قَامَا يَقْبَل الالْتِزَامُ وَالإِلْزَاما (وَالشَّرْح للذمة وصف) اعتباري كالطهارة وَالْقَضَاء يعتبره الْعقل ويقدره لَا حسي كالبياض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 والطول وَلَا عَقْلِي حَقِيقِيّ كَالْعلمِ والحلم (قاما) بالإنسان (يقبل) هُوَ أَي ذَلِك الْوَصْف الاعتباري الَّذِي يقدر قَائِما بِهِ (الِالْتِزَام) بِمَا الْتَزمهُ اخْتِيَارا من نَفَقَة يَتِيم وَنَحْوهَا (و) يقبل أَيْضا (الإلزاما) لما ألزمهُ الشَّرْع إِيَّاه من زَكَاة وَأرش جِنَايَة وَنَحْو ذَلِك وَظَاهره أَن الصَّبِي والمحجور لَا ذمَّة لَهما إِذْ لَا يلْزمهُمَا مَا التزماه اخْتِيَارا وَهَذَا نَحْو قَول الْقَرَافِيّ: الذِّمَّة معنى شَرْعِي يقدر فِي الْمُكَلف قَابل للالتزام واللزوم أَي: الْإِلْزَام. وَهَذَا الْمَعْنى جعله الشَّرْع مسبباً عَن أَشْيَاء خَاصَّة مِنْهَا: الْبلُوغ، وَمِنْهَا الرشد فَمن بلغ سَفِيها لَا ذمَّة لَهُ، وَمِنْهَا ترك الْحجر كَمَا فِي الْفلس، فَمن اجْتمعت لَهُ هَذِه الشُّرُوط رتب الشَّرْع عَلَيْهَا تَقْرِير معنى يقبل إِلْزَامه أروش الْجِنَايَات وَأجر الْإِجَارَات وأثمان الْمُعَامَلَات وَنَحْو ذَلِك من التَّصَرُّفَات، وَيقبل الْتِزَامه إِذا الْتزم شَيْئا اخْتِيَارا من قبل نَفسه، وَهَذَا الْمَعْنى الْمُقدر هُوَ الَّذِي تقرر فِيهِ الْأَجْنَاس الْمُسلم فِيهَا وأثمان المبيعات وصدقات الْأَنْكِحَة وَسَائِر الدُّيُون وَمن لَا يكون لَهُ هَذَا الْمَعْنى مُقَدرا فِي حَقه لَا ينْعَقد فِي حَقه سلم وَلَا ثمن إِلَى أجل وَلَا حِوَالَة وَلَا حمالَة وَلَا شَيْء من ذَلِك، ثمَّ قَالَ: الذِّمَّة يشْتَرط فِيهَا الْبلُوغ من غير خلاف أعلمهُ ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي يظْهر لي وأجزم بِهِ أَن الذِّمَّة من خطاب الْوَضع ترجع إِلَى التقادير الشَّرْعِيَّة وَهُوَ إِعْطَاء الْمَعْدُوم حكم الْمَوْجُود الخ. يَعْنِي لِأَن الذِّمَّة لَيست مَوْجُودَة فِي الْخَارِج، وَلكنهَا تُعْطِي حكم الْمَوْجُود فِيهِ، وَهَذَا الَّذِي ظهر لَهُ وَجزم بِهِ من كَونهَا من خطاب الْوَضع هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْن الشَّاط قَالَ: وَالْأولَى عِنْدِي أَن الذِّمَّة قبُول الْإِنْسَان شرعا للُزُوم الْحُقُوق دون التزامها، فعلى هَذَا يكون للصَّبِيّ ذمَّة لِأَنَّهُ يلْزمه أرش الْجِنَايَات وقيم الْمُتْلفَات، وَمَا ذَاك إِلَّا لكَونهَا من خطاب الْوَضع الَّذِي لَا يشْتَرط فِيهِ تَكْلِيف وَلَا غَيره كَمَا قَالَ (خَ) : وَضمن مَا أفسد إِن لم يُؤمن عَلَيْهِ الخ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَمن أودعته حِنْطَة. فخلطها صبي أَو أَجْنَبِي بشعير للْمُودع ضمن الصَّبِي ذَلِك فِي مَاله، فَإِن لم يكن لَهُ وَقت ذَلِك مَال فَفِي ذمَّته، قَالَ الشَّيْخ المسناوي: وَإِثْبَات الذِّمَّة للصَّبِيّ كَمَا قَالَ ابْن الشَّاط صَحِيح، وَعَلِيهِ فَلَا يشْتَرط فِي الذِّمَّة التَّمْيِيز فضلا عَن التَّكْلِيف، فالذمة ثَابِتَة للمميز اتِّفَاقًا وَلغيره على الرَّاجِح. قَالَ: وَابْن عَاصِم إِنَّمَا درج فِي تحفته على مَا للقرافي وفَاقا للأجهوري وتلميذ (ز) لَا على مَا لِابْنِ الشَّاط خلافًا للشَّيْخ (م) كَمَا هُوَ مُبين اه. انْظُر تأليفه الْمُسَمّى: بِصَرْف الهمة إِلَى تَحْقِيق معنى الذِّمَّة، وَكَونه فِي الذِّمَّة هُوَ أول الشُّرُوط فِي النّظم، وَثَانِيهمَا مَا أَشَارَ بقوله: وَشَرْطُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ أَنْ يُرَى مُتَّصِفاً مُؤَجَّلاَ مُقَدَّرا (وشروط مَا يسلم فِيهِ أَن يرى متصفاً) أَي مضبوطاً بِالصّفةِ الَّتِي تخْتَلف بهَا الْأَغْرَاض فِي السّلم اخْتِلَافا يتَغَابَن بِهِ عَادَة بِخِلَاف مَا لَا يتَغَابَن بِهِ لسهولته فَلَا يحْتَاج لبيانه (خَ) : وَإِن تبين صِفَاته الَّتِي تخْتَلف بهَا الْقيمَة فِي السّلم عَادَة كالجودة والرداءة وَبَينهمَا واللون فِي الْحَيَوَان وَالثَّوْب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 وَالْعَسَل ومرعاه الخ. وَتَعْبِيره بِالْقيمَةِ مسَاوٍ لتعبير غَيره بالأغراض كَمَا حَقَّقَهُ ابْن رحال قَائِلا: كل مَا تخْتَلف بِهِ الْقيمَة تخْتَلف بِهِ الْأَغْرَاض وَبِالْعَكْسِ، وَأطَال فِي الِاحْتِجَاج لذَلِك بِكَلَام الْأَئِمَّة، ونقلنا كَلَامه فِي شرح الشَّامِل، وثالث الشُّرُوط أَن يكون الْمُسلم فِيهِ (مُؤَجّلا) بِأَجل مَعْلُوم لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: (من أسلم فليسلم فِي كيل مَعْلُوم وَوزن مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم) (خَ) : وَأَن يُؤَجل بِمَعْلُوم زَائِد على نصف شهر وَمرَاده نصف الشَّهْر فَأكْثر، وَإِنَّمَا اشْترط فِيهِ الْأَجَل لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى بيع مَا لَيْسَ عنْدك الْمنْهِي عَنهُ فِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ وَغَيره، وَإِنَّمَا اشْترط كَونه نصف شهر فَأكْثر لِأَنَّهُ مَظَنَّة تغير الْأَسْوَاق غَالِبا فَإِن أجل بيومين أَو ثَلَاثَة فَظَاهر الْمُدَوَّنَة أَنه يفْسخ، وَاخْتَارَهُ ابْن الْمَوَّاز. وَعَن أصبغ أَنه لَا يفْسخ قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحرَام بَين وَلَا مَكْرُوه بَين، وَاخْتَارَهُ ابْن حبيب، وَأما إِن عري عَن الْأَجَل رَأْسا فَإِنَّهُ يفْسخ وَلَا يكون للْمُسلمِ إِلَّا رَأس مَاله إِلَّا أَن يكون أجل السّلم فِي ذَلِك الْجِنْس متعارفاً محدوداً عِنْد أهل الْبَلَد لَا يخْتَلف فِيهِ فيحملان عَلَيْهِ وَلَا يفْسخ قَالَه فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة. وَمحل اشْتِرَاط كَون الْأَجَل نصف شهر لَا أقل إِذا لم يشْتَرط قَبضه بِبَلَد آخر غير بلد العقد وإلاَّ فَلَا يطْلب فِيهِ نصف شهر، بل يشْتَرط أَن يكون الْبَلَد الَّذِي يقبض فِيهِ على مَسَافَة يَوْمَيْنِ فَأكْثر لِأَنَّهُ مَظَنَّة تغير سوق البلدين وَأَن يقبض فِيهِ رَأس المَال بِمَجْلِس العقد أَو قربه لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى عين الكالىء بالكالىء قَالَه الْبَاجِيّ، وَأَن يشْتَرط الْخُرُوج إِلَيْهِ فِي العقد وَأَن يخرجَا بِالْفِعْلِ، وَأَن يكون سفرهما إِلَيْهِ ببر أَو بَحر بِغَيْر ريح كَمَا قَالَ (خَ) : إِلَّا أَن يقبض بِبَلَد كيومين إِن خرج حِينَئِذٍ ببر أَو بِغَيْر ريح كالمنحدرين احْتِرَازًا من السّفر بِالرِّيحِ كالمقلعين، لِأَنَّهُ قد يصل فِي يَوْم فَيكون من السّلم الْحَال، وَإِذا وَقع السّلم على هَذِه الشُّرُوط فطرأ عذر أَو فتْنَة منعت من السّفر فَإِن كَانَ مِمَّا ينْكَشف عَن قريب فهما على سلمهما، وَإِن كَانَ مِمَّا يطول جرى على حكم من أسلم فِي ثَمَرَة وَانْقطع أَبَانهَا الْمشَار إِلَيْهِ بقول (خَ) : وَإِن انْقَطع مَاله أبان أَو من قَرْيَة خير المُشْتَرِي فِي الْفَسْخ والإنفاء بِمَاء لقابل. تَنْبِيه: يجوز الشِّرَاء من أَرْبَاب الْحَرْف وَسَوَاء قدم النَّقْد أَو أَخّرهُ، وَذَلِكَ بِشَرْط أَن يشرع فِي الْأَخْذ وَأَن يكون أصل ذَلِك عِنْد الْمُسلم إِلَيْهِ، وَأَن يبين مَا يَأْخُذهُ فِي كل يَوْم وَلَيْسَ لأَحَدهمَا الْفَسْخ إِن وَقع الشِّرَاء على جملَة أَرْطَال يَأْخُذهَا مفرقة على أَيَّام، وَأما إِن عقد مَعَه على أَن يَشْتَرِي مِنْهُ كل يَوْم رطلا مثلا فَلِكُل الْفَسْخ كَمَا يَنْفَسِخ بِمَوْت الْمُسلم إِلَيْهِ فِي الأولى أَو مَرضه أَو فلسه، وَيَأْخُذ بَقِيَّة رَأس مَاله فِي الْمَوْت وَالْمَرَض ويحاص بذلك فِي الْفلس وَهُوَ معنى قَول (خَ) : وَجَاز الشِّرَاء من دَائِم الْعَمَل كالخباز وَهُوَ بيع، وَإِن لم يدم فَسلم فَلَا بُد من اعْتِبَار شُرُوط السّلم كلهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 ورابع الشُّرُوط أَن يكون الْمُسلم فِيهِ (مُقَدرا مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ وَذَرْعٍ أَوْ عَدَدْ مِمَّا يُصابُ غَالِباً عِنْدَ الأَمَدْ بِوَزْن) كسمن وقطن (أَو كيل) كحنطة (وذرع) فِي ثوب وحبل (أَو عدد) فِي رمان وبيض (خَ) : وَأَن يضْبط بعادة من كيل أَو وزن أَو عدد كالرمان وَقيس بخيط وَالْبيض أَو بِحَبل وجرزة فِي كقصيل الخ. وخامس الشُّرُوط أَن يكون الْمُسلم فِيهِ (مِمَّا يصاب) أَي يُوجد أَي مَقْدُورًا على تَحْصِيله (غَالِبا عِنْد) حُلُول (الأمد) أَي الْأَجَل الْمعِين بَينهمَا، وَظَاهره وَإِن انْقَطع قبله وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : ووجوده عِنْد حُلُوله وَإِن انْقَطع قبله، ثمَّ قَالَ: فَيجوز فِيمَا طبخ واللؤلؤ والعنبر والجوهر والزجاج والجص والزرنيخ وأحمال الْحَطب وَالصُّوف بِالْوَزْنِ لَا بالجزاز الخ. وَإِن انْقَطع قبله الخ. يَعْنِي الْمُشْتَرط وجوده عِنْد حُلُول أَجله، وَلَو انْقَطع فِي أثْنَاء الْأَجَل كالثمار وَنَحْوهَا قَالَ فِيهَا: مَا يَنْقَطِع من أَيدي النَّاس فِي بعض السّنة من الثِّمَار الرّطبَة وَغَيرهَا لَا يشْتَرط أَخذ سلمه إِلَّا فِي أبانه، وَإِن اشْترط أَخذه فِي غير أبانه لم يجز لِأَنَّهُ شَرط مَا لَا يقدر عَلَيْهِ اه. خلافًا لأبي حنيفَة فِي اشْتِرَاطه وجوده من حِين السّلم فِيهِ إِلَى حُلُوله لِئَلَّا يَمُوت الْمُسلم إِلَيْهِ فِيهِ أَو يفلس فَتحل دُيُونه، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَا تَقْتَضِي مِنْهُ الخ. وَلم يعْتَبر مَالك وَغَيره ذَلِك لندوره، وَاحْترز بقوله غَالِبا مِمَّا إِذا كَانَ لَا يُوجد غَالِبا عِنْد الْأَجَل كالسلم فِي كبار اللُّؤْلُؤ الْخَارِج عَن الْعَادة لِئَلَّا يتَرَدَّد رَأس المَال بَين كَونه تَارَة ثمنا إِن وجد وَتارَة سلفا إِن لم يُوجد (خَ) : وَلَا يجوز السّلم فِيمَا لَا يُمكن وَصفه كتراب الْمَعْدن والجزاف وَلَا فِيمَا لَا يُوجد غَالِبا الخ. وَظَاهر التَّعْلِيل بِكَوْنِهِ تَارَة سلفا وَتارَة ثمنا أَنه جَار وَلَو فِيمَا يعرف بِعَيْنِه وَهُوَ كَذَلِك على مَا اسْتَظْهرهُ فِي ضيح. فرع: إِذا كَانَ للْمُسلمِ فِيهِ أبان فَمَاتَ الْمُسلم إِلَيْهِ قبله، فَإِن التَّرِكَة يُوقف قسمهَا إِلَى الأبان. ابْن رشد: إِلَّا إِن قل السّلم وَكَثُرت التَّرِكَة، فَإِن كَانَ عَلَيْهِ دُيُون أخر فههنا يتحاص فِي تركته وَيضْرب لصَاحب السّلم بِمَا يشترى لَهُ بِهِ بعد الأبان لَا بِمَا يشترى لَهُ بِهِ الْآن (خَ) فِي بَاب الْفلس: وَقوم مُخَالف النَّقْد يَوْم الحصاص وَاشْترى لَهُ منًّا بِمَا يَخُصُّهُ وَمضى أَن رخص أَو غلا الخ. وَلما فرغ من شُرُوط الْمُسلم فِيهِ وعدها خَمْسَة ذكر مَا يشْتَرط فِي رَأس المَال فَقَالَ: وَشَرْطَ رأسِ المالِ أنْ لَا يُخْظَلاَ فِي ذَاكَ دَفْعُهُ وَأَنْ يُعَجَّلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 (وَشرط رَأس المَال أَن لَا يحظلا) يمْنَع (فِي ذَاك) أَي الْمُسلم فِيهِ (دَفعه) فالمجرور بفي يتَعَلَّق بِهَذَا الْمصدر الْمُضَاف إِلَى ضمير رَأس المَال، وَاحْترز بِهِ من سلم ذهب فِي فضَّة وَبِالْعَكْسِ، أَو طَعَام فِي طَعَام أَو لحم فِي حَيَوَان وَبِالْعَكْسِ، أَو شَيْء فِي أَكثر مِنْهُ أَو أَجود من جنسه كالعكس كَثوب فِي ثَوْبَيْنِ أَو ثَوْبَيْنِ فِي ثوب لِئَلَّا يُؤَدِّي للصرف الْمُؤخر والنسيئة فِي الطَّعَام، وَبيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ أَو سلف جر نفعا وتهمة ضَمَان بِجعْل، وَإِنَّمَا اعتبروها هَهُنَا وألغوها فِي بُيُوع الْآجَال لِأَن تعدد العقد هُنَاكَ أضعفها (خَ) : وَيشْتَرط أَن لَا يَكُونَا أَي رَأس المَال وَالْمُسلم فِيهِ طعامين وَلَا نقدين وَلَا شَيْئا فِي أَكثر مِنْهُ أَو أَجود كالعكس إِلَّا أَن تخْتَلف الْمَنْفَعَة كفاره الْحمر فِي الأعرابية الخ. وَشرط رَأس المَال أَيْضا أَن يقبض كُله عِنْد العقد أَو مَا فِي حكمه كَمَا قَالَ: (وَأَن يعجلا. وَجَازَ إنْ أَخَّرَ كالْيَوْمَيْنِ وَالعَرْضُ فِيهِ بِخِلاَفِ العَيْنِ وَجَاز إِن أخر كاليومين) وَالثَّلَاثَة وَظَاهره وَلَو بِشَرْط وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : شَرط السّلم قبض رَأس المَال كُله أَو تَأْخِيره ثَلَاثًا وَلَو بِشَرْط الخ. وَظَاهره أَنه لَا يجوز تَأْخِيره أَو بعضه مَعَ الشَّرْط أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام، وَلَو قلت الزِّيَادَة عَلَيْهَا سَوَاء كَانَ عينا أَو عرضا أَو حَيَوَانا وَهُوَ كَذَلِك وَيفْسد السّلم وَيرد إِلَيْهِ رَأس مَاله مَعَ الْقيام أَو قِيمَته مَعَ الْفَوات، وَإِنَّمَا فسد فِي الْعرض وَالْحَيَوَان لِأَنَّهُ بيع معِين تَأَخّر قَبضه لما يتَغَيَّر إِلَيْهِ غَالِبا كَمَا مر، وَأما تَأْخِيره أَكثر من الثَّلَاثَة بِغَيْر شَرط فَفِيهِ تَفْصِيل فَإِن كَانَ عينا فسد أَيْضا على الْمَشْهُور لِأَنَّهُ عين الكالىء بالكالىء (و) أما (الْعرض) الْمعِين وَمثله الْحَيَوَان وَالطَّعَام فيهم (فِيهِ) أَي فِي جَوَاز التَّأْخِير بِلَا شَرط (بِخِلَاف الْعين) فَيجوز تأخيرهم وَلَو إِلَى حُلُول أجل السّلم، إِلَّا أَن جَوَاز التَّأْخِير فِي الْعرض وَالطَّعَام مصحوب بِكَرَاهَة، وَهل الْكَرَاهَة فيهمَا مُطلقًا أَو إِذا لم يحضر الْعرض وَلم يكل الطَّعَام وإلاَّ جَازَ تأخيرهما من غير كَرَاهَة. قَولَانِ. وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَجَاز تَأْخِير حَيَوَان بِلَا شَرط، وَهل الطَّعَام وَالْعرض كَذَلِك إِن كيل وأحضر أَو كَالْعَيْنِ؟ تَأْوِيلَانِ. قَالَ فِي ضيح: وَيَنْبَغِي فِي الْعرض إِذا أحضر الْجَوَاز وَفِي الطَّعَام إِذا لم يكل أَن تكون الْكَرَاهَة للتَّحْرِيم الخ. وَهُوَ ظَاهر لِأَن الْعرض الْحَاضِر يدْخل فِي ضَمَان الْمُسلم إِلَيْهِ بِالْعقدِ، فَلهُ أَن يتْركهُ عِنْد الْمُسلم أَمَانَة إِلَى أَي وَقت شَاءَ بِخِلَاف الطَّعَام إِذا لم يكل فَفِيهِ حق تَوْفِيَة فَلَا يدْخل فِي ضَمَانه بِالْعقدِ، فَهُوَ حِينَئِذٍ كَالْعَيْنِ لَا يجوز تَأْخِيره أَكثر من ثَلَاثَة وَلَو بِغَيْر شَرط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 تَتِمَّة: لَيْسَ من الشُّرُوط أَن يذكرَا مَوضِع قَضَاء الْمُسلم فِيهِ، بل إِذا تعرضا لموْضِع قَضَائِهِ فَإِن كَانَ متسعاً كَمَا لَو دخلا على قَضَائِهِ بِمصْر وَلم يسميا موضعا مِنْهَا يقبض فِيهِ فسخ لِأَن مصر متسعة إِذْ هِيَ مَا بَين الْبَحْر المالح وأسوان، وَمن اسكندرية إِلَى أسوان وَإِن لم يتعرضا لموْضِع قَضَائِهِ بل سكتا عَنهُ، فَإِنَّهُ لَا يفْسد وَيقْضى بِمحل عقده (خَ) : وَإِن اخْتلفَا فِي مَوضِع قَضَائِهِ صدق مدعي مَوضِع عقده، وإلاَّ فَللْبَائِع وَإِن لم يشبها حلفا وَفسخ كفسخ مَا يقبض بِمصْر وَجَاز بالفسطاط وَقضى بسوقها وإلاَّ فَفِي أَي مَكَان. (بَاب الْكِرَاء) للدور وَالْأَرضين والرواحل والسفن وَهِي فِي الِاصْطِلَاح الْمُعَاوضَة على مَنَافِع غير الْآدَمِيّ، وَالْإِجَارَة والجعل؛ وهما فِي الِاصْطِلَاح الْمُعَاوضَة على مَنَافِع الْآدَمِيّ. (وَمَا يتَّصل بِهِ) من الْأَبْوَاب المستثناة من الْأُصُول الممنوعة كالمساقاة والمزارعة والمغارسة والقراض وأدمج الشّركَة بَينهمَا، وَعقد لكل مِنْهَا فصلا يَخُصُّهُ كَمَا يَأْتِي، وغرر هَذِه الْأَبْوَاب المستثناة ظَاهر للْجَهْل بِالْعِوَضِ، وَلكنه اغتفر لشدَّة الْحَاجة إِلَيْهَا، وَمَا تقدم من أَن الْإِجَارَة والجعل لمنافع الْآدَمِيّ والكراء لمنافع غَيره هُوَ مُجَرّد اصْطِلَاح كَمَا مر قَرِيبا، وَقد يُطلق أَحدهمَا على الآخر. ابْن عَرَفَة: الْكِرَاء عقد على مَنَافِع غير الْآدَمِيّ أَو مَا يبان بِهِ وينقل غير سفينة اه. فَأخْرج بِغَيْر الْآدَمِيّ مَنَافِع الْآدَمِيّ، فَإِنَّهَا إِجَارَة أَو جعل. وَقَوله: أَو مَا يبان بِهِ مَعْطُوف على غير مَدْخُول لمنافع، وَأدْخل بِهِ الدَّابَّة وَالثَّوْب والفأس والمنشار وَنَحْو ذَلِك، وَلَو قَالَ: عقد على مَنَافِع غير آدَمِيّ من سفينة لَكَانَ أخصر وأوضح لِأَن مَا يبان بِهِ من الدَّابَّة وَنَحْوهَا دَاخل فِي غير الْآدَمِيّ، وَأخرج بقوله غير سفينة العقد على مَنَافِع السَّفِينَة فَإِن ذَلِك جعَالَة لِأَن كراءها إِنَّمَا يكون على الْبَلَاغ فَلَا يسْتَحق شَيْئا إِلَّا بِهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة، فَمن هَذَا الْوَجْه أشبهت الْجعَالَة وَإِن كَانَ كراؤها يلْزم بِالْعقدِ بِخِلَاف الْجعل، وَمثل السَّفِينَة مشارطة الطَّبِيب على الْبُرْء والمعلم على حفظ الْقُرْآن كُله أَو جُزْء معِين مِنْهُ، والمغارسة فَإِنَّهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 كلهَا على الْبَلَاغ لَا يسْتَحق الْعَامِل فِيهَا شَيْئا إِلَّا بالتمام وَتلْزم بِالْعقدِ كَالْإِجَارَةِ قَالَه ابْن عبد السَّلَام وَغَيره. يَجُوزُ فِي الدُّورِ وَشِبْهِهَا الكِرَا لمُدَّةٍ حُدَّتْ وَشَيْءٍ قُدِّرَا (يجوز فِي الدّور وَشبههَا) من حوانيت وفنادق وأرحية وَنَحْوهَا (الكرا) وَيكون على وَجْهَيْن. أَحدهمَا: أَن يكون (لمُدَّة) مُعينَة قد (حدت) بِإِشَارَة إِلَيْهَا أَو تَسْمِيَتهَا كَقَوْلِه: أكتريها مِنْك هَذِه السّنة أَو هَذَا الشَّهْر أَو هَذَا الْيَوْم أَو يَقُول لَهُ: أكتريها مِنْك شهر كَذَا أَو سنة كَذَا، أَو يَقُول: أكتريها مِنْك سنة أَو سنتَيْن أَو ثَلَاثًا أَو يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثًا، أَو يَقُول: أكتريها مِنْك إِلَى وَقت كَذَا، وَهَذِه الْأَلْفَاظ الْأَرْبَعَة كلهَا لَازم الْكِرَاء فِيهَا بِالْعقدِ إِذا وَقعت هَكَذَا (وَشَيْء) من الْعِوَض (قدرا) أَي فِيهَا لتِلْك الْمدَّة الْمعينَة كدينار أَو دِرْهَم وَيُسمى هَذَا الْوَجْه من الْكِرَاء وجيبة. وَلاَ خُرُوجَ عَنه إلاَّ بالرِّضا حَتَّى يُرَى أمَدُهُ قدِ انْقَضَى (وَلَا خُرُوج عَنهُ) لوَاحِد مِنْهُمَا قبل انْقِضَاء مدَّته للزومه لَهما بِالْعقدِ (إِلَّا بِالرِّضَا) مِنْهُمَا مَعًا على فَسخه وإلاَّ فَلَا فسخ (حَتَّى يرى أمده قد انْقَضى) ثمَّ إِن عين المبدأ فِي الْوَجْهَيْنِ الآخرين من الْوُجُوه الْأَرْبَعَة الَّتِي تسمى وجيبة وَاضح، وَالأَصَح العقد وَحمل الْأَمر على أَن أول الْمدَّة من حِين العقد لِأَنَّهُ لَو لم يحمل على ذَلِك لزم فَسَاد العقد، لِأَن الْكِرَاء لَا يجوز على سنة وَنَحْوهَا غير مُعينَة (خَ) : عاطفاً على الْجَوَاز وَعدم بَيَان الِابْتِدَاء وَحمل من حِين العقد وَعَلِيهِ، فَإِن كَانَ العقد فِي أول الشَّهْر لزمهما الْكِرَاء فِي ذَلِك الشَّهْر على الْهلَال من نقص أَو تَمام، وَإِن كَانَ فِي أثْنَاء الشَّهْر لزمهما الْكِرَاء فِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا من يَوْم عقداه. تَنْبِيه: ظَاهر قَول النَّاظِم لمُدَّة حدت أَنه يجوز ذَلِك وَلَو طَالَتْ الْمدَّة، وَهُوَ كَذَلِك إِذا كَانَت تبقى إِلَيْهَا غَالِبا، قَالَ فِي الشَّامِل: وَيجوز كِرَاء الدَّار وَشبههَا لمُدَّة تبقى فِيهَا غَالِبا وَجَاز النَّقْد فِيهَا إِن لم تَتَغَيَّر غَالِبا الخ. فالضابط لجَوَاز العقد والنقد عدم التَّغَيُّر فِي تِلْكَ الْمدَّة، وَلذَا قَالَ ابْن عَرَفَة: الْمُعْتَبر فِي أجل مَنْفَعَة الرّبع مَا لَا يتَغَيَّر فِيهِ غَالِبا فَيجوز فِيهِ العقد والنقد، وَمَا لَا يُؤمن تغيره لطول مدَّته أَو ضعف بنائِهِ جَازَ فِيهِ العقد لَا النَّقْد، وَمَا غلب على الظَّن بعد بَقَائِهِ لمُدَّة لم يجز العقد عَلَيْهِ لتِلْك الْمدَّة اه. وَالْوَجْه الثَّانِي من وَجْهي الْكِرَاء أَن يكون العقد وَقع بَينهمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 مشاهرة وَهُوَ مَا ىشار لَهُ بقوله: وَجَائِزٌ أنْ يُكْتَرَى بِقَدْرِ مُعَيَّنٍ فِي الْعَام أَو فِي الشَّهْرِ (وَجَائِز أَن يكترى بِقدر. معِين فِي الْعَام أَو فِي الشَّهْر) كَأَن يَقُول: أكتري مِنْك دَارك كل شهر بِدِينَار أَو كل سنة بِعشْرَة أَو كل يَوْم بدرهم، فَإِذا عينا المبدأ فَوَاضِح وإلاَّ حمل من حِين العقد كَمَا مرّ فِي الوجيبة، وَالْعقد على هَذَا الْوَجْه يُسمى مشاهرة وَهُوَ غير لَازم إِلَّا بِنَقْد فبقدره كَمَا قَالَ: وَمَنْ أرَادَ أنْ يَحُلَّ مَا انْعَقَدْ كانَ لهُ مَا لَمْ يَحُدَّ بعَدَدْ (وَمن أَرَادَ) مِنْهُمَا (أَن يحل) عَن نَفسه (مَا انْعَقَد) بَينهمَا من كِرَاء المشاهرة (كَانَ لَهُ) ذَلِك وَقَوله: (مَا لم يحدّ بِعَدَد) مُسْتَغْنى عَنهُ لِأَنَّهُ إِذا حد بِعَدَد كسنتين أَو شَهْرَيْن أَو يَوْمَيْنِ كَانَ من الْوَجْه الأول الَّذِي هُوَ الوجيبة. وَحَيْثُمَا حَلَّ الكِرَا يَدْفعُ مَنْ قَدِ اكترَى مِنْهُ بِقدْر مَا سَكَنْ (وحيثما حل) عقد (الكرا) ء وَفسخ فِي المشاهرة لعدم لُزُوم العقد لَهما فِيهَا حَيْثُ لم يكن الْمُكْتَرِي نقد شَيْئا أَو فسخ فِي الوجيبة برضاهما مَعًا (يدْفع من قد اكترى مِنْهُ) أَي من الْكِرَاء (بِقدر مَا سكن) حَيْثُ كَانَ سكن شَيْئا من الْمدَّة، وَقَوْلِي: حَيْثُ لم يكن الْمُكْتَرِي نقد شَيْئا احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ نقد بعض مُدَّة المشاهرة فَإِنَّهُ يلْزمهُمَا الْكِرَاء فِي قدر المنقود حَيْثُ سكن شَيْئا بعد أَن نقد كَمَا قَالَ: كَذَاكَ إنْ بَعْضُ الكِرَاءِ قُدِّما فَقَدْرُهُ مِنَ الكِرَاءِ لَزِمَا (كَذَاك) يلْزم عقد الْكِرَاء فِي المشاهرة (إِن بعض الْكِرَاء قدما) فِيهَا وأرادا فَسخهَا بعد أَن سكن شَيْئا من مُدَّة النَّقْد، فَإِن ذَلِك لَا يجوز ويلزمهما إتْمَام مُدَّة النَّقْد كَمَا قَالَ: (فقدره) أَي قدر النَّقْد الْمُقدم (من) مُدَّة (الْكِرَاء لزما) لَهما، وَظَاهره أَن قدر مُدَّة النَّقْد لَازم لَهما وَلَو تَرَاضيا على الْفَسْخ، وَهُوَ كَذَلِك إِن سكن بعض مُدَّة النَّقْد كَمَا قَررنَا، فَإِذا اكترى مِنْهُ كل شهر بِدِينَار وَقدم لَهُ دينارين وَسكن نصف شهر مثلا لزمهما إتْمَام الشَّهْرَيْنِ اللَّذين هما قدر المنقود وَلَيْسَ لَهما الْفَسْخ فِيمَا بَقِي من مُدَّة النَّقْد وَلَو رَضِيا لِأَن الْفَسْخ حِينَئِذٍ إِقَالَة وَهِي حِينَئِذٍ لَا تجوز لِأَن الْمَرْدُود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 من النَّقْد سلف والمقابل مِنْهُ لنصف الشَّهْر فِي الْمِثَال الْمَذْكُور كِرَاء فَيُؤَدِّي إِلَى كِرَاء وَالسَّلَف وهما وَإِن لم يدخلا على ذَلِك لَكِن يتهمان عَلَيْهِ كَمَا مر للناظم فِي الْإِقَالَة حَيْثُ قَالَ: وسوغت إِقَالَة فِيمَا اكترى مَا لم يكن أعْطى الْكِرَاء المكترى وَأما إِذا نَقْدا وتقايلا برضاهما قبل أَن يسكن شَيْئا فَذَلِك جَائِز لانْتِفَاء الْعلَّة الْمَذْكُورَة، وَأما إِذا أَرَادَ أَحدهمَا الْفَسْخ بعد النَّقْد وأبى الآخر، فَإِن مريده لَا يُجَاب إِلَيْهِ وَلَو لم يكن سكن شَيْئا كَمَا تقدم أَنه ظَاهر عُمُوم النّظم (خَ) : ومشاهرة وَلم يلْزم لَهما إِلَّا بِنَقْد فبقدره الخ. وَانْظُر الكراس الثَّانِي من أنكحة المعيار فَإِنَّهُ ذكر فِيهِ أَن كِرَاء الدَّابَّة كل يَوْم بدرهم لَا يجوز وَلَا بُد من ضرب الْأَجَل كشهر وَنَحْوه، وَانْظُر إِذا أكرى الدَّار ثمَّ بَاعهَا فِي فصل أَحْكَام الْكِرَاء. تَنْبِيهَات. الأول: ظَاهر قَوْله: وَمن أَرَادَ أَن يحل مَا انْعَقَد كَانَ لَهُ الخ. لَا يلْزمه فِي المشاهرة شَيْء من الْمدَّة وَلَو أقل مَا سميا كشهر، وَهُوَ كَذَلِك حَيْثُ لم ينْقد على الْمَشْهُور. وَرِوَايَة ابْن الْقَاسِم عَن مَالك وَسَوَاء سكن بعض الشَّهْر أم لَا إِلَّا أَن يكون الْمُكْتَرِي أَرضًا وحرثها أَي قَلبهَا وَأَحْرَى لَو زَرعهَا فَتلْزمهُ السّنة بحراثتها، وَلَيْسَ للمكري إِخْرَاجه مِنْهَا قبل السّنة لتَعلق حق الْمُكْتَرِي بحراثتها، وَمُقَابل الْمَشْهُور لمطرف وَابْن الْمَاجشون أَنه يلْزمهُمَا أقل مَا سمياه، فَإِن قَالَ كل شهر بِكَذَا لزمَه فِي شهر أَو كل سنة بِكَذَا لزمَه فِي سنة، وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ وَابْن حبيب، وَثَالِثهَا رِوَايَة ابْن أبي أَوْس عَن مَالك أَيْضا أَنه يلْزمه الْأَقَل إِن شرع فِي السُّكْنَى وبهذه الرِّوَايَة الْعَمَل بفاس، وَعَلِيهِ فَإِذا سكن بعض الشَّهْر فِي المشاهرة أَو بعض السّنة فِي المسانهة لزم كلا مِنْهَا بَقِيَّة الشَّهْر وَالسّنة وَلَيْسَ لأَحَدهمَا الْفَسْخ إِلَّا بِرِضا صَاحبه وَسَوَاء سكن يَوْمًا أَو بعض يَوْم. الثَّانِي: يُقيد عدم اللُّزُوم فِي كِرَاء المشاهرة إِذا لم ينْقد بِمَا إِذا لم يجر الْعرف باللزوم كَالَّذي يكْرِي المطمر ليطمر فِيهَا زرعه كل سنة بِكَذَا، فَلَيْسَ للمكري أَن يُخرجهُ إِلَّا إِذا تَغَيَّرت الْأَسْوَاق إِلَى مَا الْعَادة أَن يُبَاع بِمثلِهِ قَالَه اللَّخْمِيّ، وَنَقله أَبُو الْحسن والمكناسي فِي مجالسه. ابْن رحال: وَهُوَ صَحِيح لِأَن الْعرف كالشرط اه. وَلم يلتفتوا إِلَى اعْتِرَاض ابْن عَرَفَة عَلَيْهِ اُنْظُرْهُ فِي شرح الشَّامِل. الثَّالِث: قَالَ ابْن رشد: من اكترى دَارا مشاهرة فنص فِي الْوَثِيقَة أَو غَيرهَا على دفع كِرَاء شهر معِين فَلذَلِك بَرَاءَة للدافع مِمَّا قبل ذَلِك، لِأَن الْبَرَاءَة من شَيْء تَقْتَضِي الْبَرَاءَة مِمَّا قبله اه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 وَنَقله غير وَاحِد، وَلما نَقله فِي الالتزامات قَالَ: وَمثله يُقَال فِي الْإِشْهَاد على مُسْتَحقّ وقف بوصول مَعْلُوم سنة أَو شهرا أَنه شَاهد للدافع بوصول مَا قبل ذَلِك اه. بِلَفْظِهِ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا إِذا كَانَ فِي الدَّار نَخْلَة أَو دالية وَنَحْوهمَا وَاشْترى الْمُكْتَرِي ثَمَرَتهَا فَقَالَ: وشَرْطُ مَا فِي الدُّورِ مِنْ نَوْعِ الثَّمَرْ إذَا بَدَا الصَلاَحُ فيهِ مُعَتَبَرْ (وَشرط) الْمُكْتَرِي فِي عقد الْكِرَاء أَن يكون لَهُ (مَا فِي الدَّار من نوع الثَّمر) جَائِز (إِذا) كَانَ قد (بدا الصّلاح فِيهِ) بالزهو وَظُهُور الْحَلَاوَة وَلَو فِي حَبَّة مِنْهُ (مُعْتَبر) شَرطه لذَلِك مُطلقًا زَادَت قِيمَته على ثلث الْكِرَاء أَو نقصت، إِذْ غَايَته أَنه اجْتمع البيع والكراء وَهُوَ جَائِز فالظرف مُتَعَلق بمعتبر الَّذِي هُوَ خبر الْمُبْتَدَأ، وَفهم من قَوْله: شَرط أَن الْمُكْتَرِي إِذا لم يشترطها فَهِيَ للمكري وَهُوَ كَذَلِك سَوَاء بدا صَلَاحهَا أم لَا. وَظَاهره أَنه يجوز اشْتِرَاطهَا مَعَ بَدو الصّلاح كَانَ الْكِرَاء وجيبة أَو مشاهرة كَانَت الوجيبة تَنْتَهِي قبل طيب الثَّمَرَة أَو بعد انتهائه وَهُوَ كَذَلِك فِي الوجيبة، وَأما المشاهرة فقد علمت أَنَّهَا غير لَازِمَة مَا لم يسكن فَإِنَّهُ يلْزمه أقل مَا سَمَّاهُ على مَا بِهِ الْعَمَل، فَإِذا سكن ذَلِك الْأَقَل وَلم يكن انْتهى طيبها أَو لم يسكن شَيْئا وَأَرَادَ الْفَسْخ عَن نَفسه، فَالَّذِي يظْهر أَن البيع لَازم فِي الثَّمَرَة بِمَا ينوبها من أُجْرَة الْكِرَاء وَالله أعلم. وَمَفْهُوم قَوْله: إِذا بدا الصّلاح أَنه إِذا لم يبد لم يجز إِلَّا بِشُرُوط نبه النَّاظِم على شرطين مِنْهَا فَقَالَ: وغَيْرُ بادِي الطَّيبِ إنْ قَلَّ اشْتُرطْ حَيْثُ يُطيبُ قَبْلَ مَالِهُ ارْتُبِطْ (و) الثَّمر الَّذِي هُوَ (غير بَادِي الطّيب) بِأَن لم يُوجد أصلا أَو وجد، وَلكنه لم يبد صَلَاحه لِأَن الْقَضِيَّة السالبة لَا تَقْتَضِي وجود الْمَوْضُوع (إِن قل) بِأَن كَانَت قِيمَته ثلث جملَة الْكِرَاء فدون (اشْترط) أَي جَازَ اشْتِرَاطه (حَيْثُ) كَانَ (يطيب قبل مَاله ارْتبط) فَغير بَادِي الطّيب مُبْتَدأ، وَجُمْلَة اشْترط بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خَبره والعائد ضمير الْمُبْتَدَأ وَحَيْثُ شَرْطِيَّة مُجَرّدَة عَن الظَّرْفِيَّة، وَالتَّقْدِير: وَغير بَادِي الطّيب إِن قل صَحَّ اشْتِرَاطه، وَجَاز إِن كَانَ يطيب قبل الأمد الَّذِي ارْتبط إِلَيْهِ وَالدَّار أَو الأَرْض الْمَرْهُونَة يجوز اشْتِرَاط ثَمَرَتهَا حَيْثُ اشْترط الْمُرْتَهن مَنْفَعَة الدَّار لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مكتراة فِي الْحَقِيقَة، فهذان شَرْطَانِ فِي كَلَامه أَحدهمَا الْغلَّة بِأَن تكون قيمَة ثلث الْكِرَاء فدون وَيعرف ذَلِك بالتقويم بِأَن يُقَال: مَا قيمَة كِرَاء الدَّار بِلَا ثَمَرَة فَيُقَال عشرَة مثلا. قيل: وَمَا قيمَة الثَّمَرَة الَّتِي تطعمها هَذِه الشَّجَرَة أَو الدالية على الْمُعْتَاد الْمُتَعَارف مِنْهَا كل عَام بعد طرح قيمَة الْمُؤْنَة وَالْعَمَل؟ فَإِذا قيل خَمْسَة فَأَقل جَازَ وإلاَّ منع، وَثَانِيهمَا أَن يعلم أَن الثَّمَرَة يَنْتَهِي طيبها قبل انْقِضَاء مُدَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 الْكِرَاء وإلاَّ لم يجز اشْتِرَاطهَا، وَيفهم من هَذَا أَن الْكِرَاء وجيبة، فَإِن كَانَ مشاهرة لم يجز لِأَن الْمدَّة فِيهَا غير محدودة كَمَا مر. وَبَقِي عَلَيْهِ أَن يشْتَرط جَمِيعهَا فَإِن اشْترط بَعْضهَا لم يجز على الْمَشْهُور لِأَن اشْتِرَاط الْبَعْض يدل على قصد الْمُعَاوضَة كاشتراط بعض المأبور وخلفة القصيل كَمَا مر فِي بيع الْأُصُول لَا على قصد دفع الضَّرَر الْحَاصِل بِدُخُول رب الدَّار لإِصْلَاح ثَمَرَته. تَنْبِيه: الأَرْض مثل الدَّار فِيمَا ذكر وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم فِي الْفَصْل بعده: وَإِن تكن شَجَرَة بِموضع جَازَ اكتراؤها بِحكم التبع (خَ) : وَجَاز كِرَاء شَجَرَة للتجفيف عَلَيْهَا لَا لأخذ ثَمَرَتهَا واغتفر مَا فِي الأَرْض مَا لم يزدْ على الثُّلُث بالتقويم الخ. فَإِن كَانَت قيمتهَا أَكثر من ثلث جملَة الْكِرَاء وَكَانَ قد زرع الأَرْض أَو سكن الدَّار، فَإِن الثَّمَرَة لِرَبِّهَا وَيقوم على الْمُكْتَرِي كِرَاء الأَرْض وَالدَّار بِغَيْر ثَمَرَة وَيُعْطى أجر مَا سقى بِهِ الثَّمَرَة إِن كَانَ سَقَاهَا إو كَانَ لَهُ فِيهَا عمل فَإِن فَاتَت الثَّمَرَة عِنْده غرم لِرَبِّهَا مكيلتها إِن علمت أَو قيمتهَا إِن جهلت مكيلتها لفساد الْكِرَاء. وَهَذَا كُله فِي الثَّمَرَة، وَأما الزَّرْع الْمَوْجُود فِي الأَرْض المكتراة فَيجوز اشْتِرَاطه أَيْضا إِن كَانَ دون الثُّلُث لَا إِن كَانَ ثلثا قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة. وَالْفرق أَن الزَّرْع أَخفض رُتْبَة من الْأُصُول. أَلا ترى أَنه لَا يجوز مساقاته إِلَّا بِشُرُوط ستأتي إِن شَاءَ الله. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا اكترى دَارا أَو أَرضًا سِنِين وَبهَا شجر اشْترط ثَمَرَته فَإِن كَانَت قِيمَته فِي كل سنة الثُّلُث فَأَقل جَازَ، وَإِن كَانَت فِي سنة الثُّلُث فَأَقل، وَفِي سنة أَكثر، وَإِذا نظر إِلَى قيمَة جَمِيعه من الْكِرَاء فِي الْمدَّة كَانَت الثُّلُث لم يجز، وَيكون الْكِرَاء فَاسِدا فِي الْمدَّة جَمِيعهَا وَيجْرِي حكمه على مَا فَوْقه. الثَّانِي: سُئِلَ ابْن رشد عَمَّن بَاعَ شَجرا وَاشْترط على المُشْتَرِي أَن لَا يقبضهُ إِلَّا بعد عَام وَلَيْسَ الْآن فِيهِ ثَمَر هَل يجوز قِيَاسا على شِرَاء الأَرْض وَالدَّار وتراخي الْقَبْض إِلَى هَذَا الْقدر أم لَا لحدوث الثَّمَرَة؟ فَأجَاب: هَذَا يجْرِي على الْخلاف فِي الْمُسْتَثْنى هَل مبقي على ملك البَائِع فَيجوز أَو المُشْتَرِي فَلَا يجوز لِأَنَّهُ من بيع الثَّمَرَة قبل أَن تخلق أَو تزهو اه. وَتقدم فِي بيع الْأُصُول أَن الْمُسْتَثْنى مبقي على الْمُعْتَمد. وَمَا كَنَحْلٍ أَوْ حَمَامٍ مُطْلقَا دُخُولُهُ فِي الاكترَاءِ مُتَّقى (وَمَا كنحل) بِالْحَاء الْمُهْملَة فِي جبح أَو غَار فِي الدَّار أَو الأَرْض (أَو حمام) فِي برج الدَّار (مُطلقًا) قل أَو كثر (دُخُوله) بِشَرْط (فِي) عقد (الاكتراء متقى) لقُوَّة الْغرَر فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ من نفس الدَّار وَلَا من جِنْسهَا بِخِلَاف الشّجر، وَهَذَا فِي الْكِرَاء، وَأما فِي بيع رَقَبَة الدَّار ببرج حمامها أَو بجباح نحلهَا فَيجوز قَالَه فِي الطرر وَانْظُر (ز) صدر الْبيُوع عِنْد قَوْله: وحمام ببرج الخ. فَإِنَّهُ ذكر هُنَاكَ فروعاً مُنَاسبَة من كَون الْحمام والنحل إِذا أضرا بالثمار وَالزَّرْع هَل على رب الزَّرْع وَالثِّمَار حفظهَا أَو يمْنَع ذُو الْحمام والنحل من اتِّخَاذه، وَأَن الرجل إِذا وجد نحلاً فِي شَجَرَة أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 صَخْرَة لَا بَأْس أَن ينْزع عسلها إِذا لم يعلم أَنَّهَا لأحد إِلَى غير ذَلِك، وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي فصل الضَّرَر عِنْد قَوْله: فَإِن يكن يضر بالمنافع الخ. وجازَ شَرْطُ النّقْدِ فِي الأرْحاءِ بِحَيْثُ لَا يُخْشَى انقِطَاعُ الماءِ (وَجَاز شَرط النَّقْد فِي) كِرَاء (الأرحاء) إِذا كَانَت (بِحَيْثُ لَا يخْشَى انْقِطَاع المَاء) عَنْهَا لكَون الْعَادة جَارِيَة بدوام جريه وَعدم انْقِطَاعه لانقضاء الْمدَّة، وَمَفْهُومه أَنه إِذا كَانَ يخْشَى انْقِطَاعه لم يجز اشْتِرَاط النَّقْد وَهُوَ كَذَلِك لتردده بَين السّلف والكراء، وَإِنَّمَا يجوز كراؤها حِينَئِذٍ بِدُونِ شَرط النَّقْد، وَأما تَطَوّعا فَيجوز أَمن عدم انْقِطَاع مَائِهَا أَو لَو يُؤمن. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا أكراها بِشَرْط النَّقْد لوُجُود الشَّرْط الَّذِي هُوَ عدم انْقِطَاع المَاء فِي غَالب الظَّن وَالْعَادَة، فتخلفت تِلْكَ الْعَادة وَانْقطع المَاء واكتراها بِغَيْر شَرط النَّقْد وَانْقِطَاع المَاء أَيْضا، أَو انجلى أهل ذَلِك الْمَكَان عَنْهَا لفتنة وَنَحْوهَا، أَو انْقَطع الطَّعَام من الْبَلَد لمجاعة وَنَحْوهَا، فَإِن الْكِرَاء يفْسخ إِذا لم يرج عوده أَو يُرْجَى عَن بعد، وَأما إِن كَانَ يُرْجَى عَن قرب فَإِنَّهُ لَا يفْسخ وَلَكِن يحط عَنهُ من الْكِرَاء بِقدر ذَلِك، وَلَا يجوز فِيمَا إِذا نقد أَن يخلف عوض مَا انْقَطع مِمَّا بعد الْأَجَل لِأَنَّهُ فسخ دين فِي دين لِأَن قبض الْأَوَائِل لَيْسَ كقبض الْأَوَاخِر وَإِذا فَسخه وَهُوَ يرى أَنه لَا يعود عَن قرب فَتخلف ظَنّه وَرجع المَاء قبل انْقِضَاء الْمدَّة عَادَتْ عقدَة الْكِرَاء لتبين خطئه فَهُوَ كمن خرص عَلَيْهِ أَرْبَعَة أوسق فَدفع خَمْسَة. اللَّخْمِيّ: إِلَّا أَن يكون الْمُكْتَرِي بعد الْفَسْخ عقد موضعا غَيره بوجيبة أَو غَيرهَا فيمضي الْفَسْخ، وَلَا يجْبر الْمُكْتَرِي على إتْمَام الْمدَّة اه. وَإِن اخْتلفَا فِي قدر مُدَّة انْقِطَاعه صدق رَبهَا حَيْثُ اخْتلفَا فِي ابْتِدَاء انْقِطَاعه مثل أَن يكتري مِنْهُ سنة أَولهَا الْمحرم فسكن الْمحرم وصفر فَيَقُول الْمُكْتَرِي: انْقَطع المَاء فِي ربيع وَعَاد فِي جُمَادَى، وَيَقُول رب الرحا: لم يَنْقَطِع إِلَّا فِي ربيع الآخر وَحده فَالْقَوْل لرب الرحا لِأَن السَّاكِن مُدع عَلَيْهِ فِي انْقِطَاعه فِي ربيع الأول، فَلَا يصدق فِي إِسْقَاط الْكِرَاء بِدَعْوَاهُ، وَأما لَو اتفقَا على ابْتِدَاء انْقِطَاعه وَاخْتلفَا مَتى عَاد، فَالْقَوْل للمكتري بِيَمِينِهِ من غير خلاف لِأَن رب الرحا قد أقرّ بِانْقِطَاع المَاء وَسُقُوط الْكِرَاء عَنهُ مدعى عَلَيْهِ إِيجَاب الْكِرَاء بِعُود المَاء قَالَه ابْن يُونُس. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَكَذَا إِن اخْتلفَا فِي انهدام الدَّار فِي بعض الْمدَّة. انْظُر شرح الشَّامِل. الثَّانِي: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَمن اسْتَأْجر رَحا مَاء شهرا على أَنه إِن انْقَطع المَاء قبل الشَّهْر لزمَه جَمِيع الْأُجْرَة لم يجز، وَفِي الْعُتْبِيَّة عَن ابْن الْقَاسِم فِيمَن لَهُ مَوضِع رَحا فَأعْطَاهُ رجلا يعْمل فِيهِ رَحا على أَن لِلْعَامِلِ غلَّة يَوْم وَلَيْلَة من كل جُمُعَة فَعمل على ذَلِك نَحْو ثَلَاثِينَ سنة ثمَّ علم بفساده قَالَ: تكون الْغلَّة كلهَا لِلْعَامِلِ وَيغرم لصَاحب الأَصْل كِرَاء ذَلِك الْموضع لجَمِيع السنين الَّتِي انْتفع بهَا بِقدر رَغْبَة النَّاس أَو زهادتهم فِيهِ على النَّقْد، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 وَيُقَال لصَاحب الأَصْل: إِن شِئْت أَمرته بخلع النفض وإلاَّ فاعطه قِيمَته مقلوعاً وَتَكون لَك الرحا. وبالدَّقِيقِ والطّعام تُكتَرَى والبَدُّ بالزَّيْتِ ويُنْفَذُ الكِرَا (وبالدقيق) كصاع مِنْهُ (وَالطَّعَام) كمد من حِنْطَة أَو قسط من زَيْت (تكترى) هِيَ أَي الرحا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة وَهُوَ معنى قَول (خَ) عاطفاً على الْجَوَاز وكراء رَحا مَاء بِطَعَام أَو غَيره، وَظَاهره أَنه يجوز كراؤها بذلك نَقْدا أَو إِلَى أجل وَهُوَ كَذَلِك قَالُوا: وَإِنَّمَا نَص على ذَلِك فِي الْمُدَوَّنَة لِأَنَّهَا لما كَانَت مثبتة فِي الأَرْض وَيعْمل فِيهَا الطَّعَام فقد يتَوَهَّم أَنه من كِرَاء الأَرْض بِالطَّعَامِ (والبدُّ) بِفَتْح الْمُوَحدَة وَتَشْديد الدَّال الْمُهْملَة أَي المعصرة الَّتِي يعصر فِيهَا الزَّيْت تكترى (بالزيت) كقلة مِنْهُ نَقْدا أَو إِلَى أجل (وينقد) فِيهَا (الكرا) ء بِشَرْط أَو غَيره. قَالَ فِي الْمُفِيد: وَتجوز قبالة معصرة الزَّيْت بالزيت الموصوفة إِلَى أجل كَمَا تجوز قبالة الملاحة بالملح، وَلَا يجوز لصَاحب الْيَد اشْتِرَاط النَّوَى لِأَن بعضه أرطب من بعض وَلَا يحاط بِصفتِهِ اه. وَالْمرَاد بالنوى الفيتور أَي التفل والقبالة بِفَتْح الْقَاف أَي الْكِرَاء ثمَّ قَالَ فِي الْمُفِيد: وَإِنَّمَا جَازَ كِرَاء الملاحة بالملح لِأَن الْملح لَيْسَ يخرج مِنْهَا، وَإِنَّمَا يتَوَلَّد فِيهَا بالصناعة بجلب المَاء للأحواض وَتَركه للشمس حَتَّى يصير ملحاً وَتجوز الْمُعَامَلَة فِيهَا على الْإِجْزَاء لِلْعَامِلِ النّصْف أَو الثُّلُث أَو مَا اتفقَا عَلَيْهِ ولرب الملاحة النّصْف أَو الثُّلُث أَو مَا اتفقَا عَلَيْهِ، وَلَا يدْخل فِي هَذَا عِنْد من أجَازه كِرَاء الأَرْض بِمَا يخرج مِنْهَا إِذْ لَيست الأَرْض تنْبت الْملح وَلَا يخرج مِنْهَا وَإِنَّمَا يتَوَلَّد فِيهَا اه. قلت: انْظُر هَل يجوز كِرَاء الرحا والمعصرة بِعشر زَيْت ودقيق مَا يطحن فيهمَا من الْقَمْح وَالزَّيْتُون كَمَا فِي الملاحة أم لَا؟ وَالظَّاهِر عدم الْجَوَاز للْجَهْل بِالْقدرِ ولاختلاف صفة خُرُوج الزَّيْت والدقيق بِخِلَاف الْملح، فَإِن لم يخْتَلف الْخُرُوج وَكَانَ بقسط مَعْلُوم كمد مِنْهُ أَو من دَقِيق جَازَ كَمَا قَالَ (خَ) : وَصَاع دَقِيق مِنْهُ أَو من زَيْت لم يخْتَلف الخ. وَسَيَأْتِي فِي فصل الْإِجَارَة عدم جَوَاز إِجَارَة الدَّلال بِربع عشر الثّمن وَنَحْو ذَلِك، وَهَذَا كُله فِي الْملح الَّتِي يجلب مَاؤُهَا للأحواض، وَأما ملح الْمَعَادِن الَّتِي لَا تحْتَاج إِلَى علاج وَلَا إِلَى جلب للأحواض كملح الْمَعْدن الصَّحِيحَة فقد قَالَ فِي نظم الْعَمَل تَشْبِيها فِي الْجَوَاز: كَذَلِك الردود للصيادة. للحوت كالملاحة الْمُعْتَادَة الخ. أَي: فَيجوز كراؤهما لأجل رفع الْحجر عَنْهُمَا مُدَّة مَعْلُومَة بالملح وَغَيره انْظُر شَارِحه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 (فصل فِي كِرَاء الأَرْض وَفِي الْجَائِحَة فِيهِ) قَالَ فِي الْمُقدمَات: قد اخْتلف أهل الْعلم فِي جَوَاز كِرَاء الأَرْض اخْتِلَافا كثيرا فَقيل: لَا يجوز كراؤها أصلا بِذَهَب وَلَا فضَّة وَلَا بِشَيْء من الْأَشْيَاء لنَهْيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن كِرَاء الْمزَارِع، وَقيل: لَا يجوز كراؤها إِلَّا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِم خَاصَّة. وَقيل: يجوز بِكُل شَيْء إِذا كَانَ مَعْلُوما مَا عدا الطَّعَام، وَقيل: يجوز بِكُل شَيْء إِذا كَانَ مَعْلُوما وَلَو طَعَاما، وَإِنَّمَا لَا يجوز بالجزء مِمَّا يخرج مِنْهَا لِأَنَّهُ غرر وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَهُوَ ظَاهر قَول مَالك فِي الْمُسَاقَاة من موطئِهِ، وَقيل: يجوز بِكُل شَيْء وَلَو طَعَاما وبالجزء مِمَّا يخرج مِنْهَا كَانَ طَعَاما أم لَا. وَبِه قَالَ اللَّيْث. وَأخذ بِهِ أَكثر الأندلسيين وَهِي إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي خالفوا فِيهَا مَالِكًا، وَقيل: وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَأكْثر أَصْحَابه أَنه يجوز كراؤها بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِم وَالْعرُوض وَالثيَاب وَالْحَيَوَان مَا عدا كراءها بِالطَّعَامِ وَإِن لم تنبته كالسمن وَالزَّيْت وَبِمَا تنبته وَلَو غير طَعَام كالقطن والكتان اه بِاخْتِصَار. وَتَقْدِيم وَتَأْخِير وعَلى قَول مَالك وَأكْثر أَصْحَابه عول (خَ) ، إِذْ قَالَ عاطفاً على المتع مَا نَصه: وكراء الأَرْض بِطَعَام أَو بِمَا تنبته إِلَّا كخشب الخ. وَعَلِيهِ درج النَّاظِم أَيْضا فَقَالَ: والأرْضُ لَا تُكْرَى بِجُزْءِ تُخْرِجُهْ والفَسْخُ مَعْ كِرَاءٍ مِثْلِ مَخْرَجُهْ (وَالْأَرْض لَا تكرى بِجُزْء تخرجه) ككرائها لمن يحرثها زرعا أَو مقثأة أَو قطناً أَو كتاناً مثلا على أَن لِرَبِّهَا النّصْف أَو الرّبع من ذَلِك الَّذِي يخرج مِنْهَا (و) إِن وَقع ذَلِك وَنزل واطلع عَلَيْهِ قبل حرثها فالفسخ لَيْسَ إِلَّا وَإِن فَاتَت بحرثها فالزرع أَو المقثاة كُله للمكتري وَعَلِيهِ لِرَبِّهَا كِرَاء الْمثل عينا. هَذَا إِن اكتراها لسنة وَاحِدَة فَإِن اكتراها بِجُزْء مِمَّا تخرجه سِنِين واطلع على ذَلِك فِي أَثْنَائِهَا ف (الْفَسْخ) لباقي الأعوام (مَعَ كِرَاء مثل) عينا لماضيها (مخرجه) بِفَتْح الْمِيم وَالرَّاء أَي ذَلِك هُوَ وَجه الْخُرُوج مِنْهُ، وَبِهَذَا التَّقْرِير يَنْتَفِي مَا يُقَال أَن الْفَسْخ لَا يُجَامع كِرَاء الْمثل كَمَا هُوَ ظَاهره إِذْ كِرَاء الْمثل إِنَّمَا يجب مَعَ الْفَوات لَا مَعَ الْفَسْخ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامه إِذْ الْفَسْخ إِنَّمَا يجب قبل الْفَوات. وَلَا بِما تنبُتُهُ غَيْرَ الخَشَبْ مِنْ غَيْرِ مَزْروعٍ بِها أوِ الْقَصَبْ (وَلَا) تكرى أَيْضا (بِمَا تنبته) وَلَو غير طَعَام كقطن وكتان وقصب وتبن وعصفر وزعفران أَي مِمَّا شَأْنه أَن ينْبت فِيهَا وَلَو لم يصلح لزراعته فِي هَذِه الأَرْض المكتراة فَإِنَّهُ لَا يجوز كراؤها بِهِ (غير الْخشب) بِفتْحَتَيْنِ مُسْتَثْنى من عُمُوم مَا أَي: فَيجوز كراؤها بِهِ وَلَو كَانَت تنبته وَمثله الْعود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 والصندل والحطب والحشيش والحلفاء والقصب. قيل لسَحْنُون: وَلم جَازَ كراؤها بِهَذِهِ الْأَشْيَاء وَهِي كلهَا مِمَّا تنبته الأَرْض؟ فَقَالَ: هَذِه الْأَشْيَاء يطول مكثها ووقتها فَلذَلِك سهل فِيهَا وَقَوله: (من غير مزروع بهَا) بَيَان لما وَقَوله. (أَو الْقصب) عطف على الْخشب وَالتَّقْدِير وَالْأَرْض لَا تكرى بِجُزْء تخرجه مِمَّا هُوَ مزروع بهَا وَلَا بِمَا تنبته من غير مزروع بهَا كقطن وكتان لَا يصلحان للزِّرَاعَة فِي هَذِه الأَرْض المكتراة بخصوصها وَأَحْرَى فِي عدم الْجَوَاز إِذا كَانَا يصلحان للزِّرَاعَة فِيهَا إِلَّا الْخشب والقصب وَنَحْوهمَا من صندل وحلفاء، فَيجوز كراؤها بذلك فَقَوله وَلَا بِمَا تنبته مَعْطُوف على بِجُزْء من عطف المغاير لَا من عطف عَام على خَاص كَمَا لَا يخفى، إِذْ معنى الْمَعْطُوف أَنه أكراها مِنْهُ بِعشْرَة أَرْطَال من قطن أَو كتَّان كَانَت الأَرْض تصلح لزراعتهما وزرعا فِيهَا أَو لَا تصلح لذَلِك، وَبِهَذَا تعلم أَنه لَو حذف قَوْله من غير مزروع بهَا لَكَانَ أحسن. وَلَا بِما كانَ مِنَ المَطْعُومِ كالشّهْدِ واللّبَنِ واللُّحْومِ (وَلَا) تكرى أَيْضا (بِمَا كَانَ من المطعوم) وَإِن لم تنبته وَلَا خرج مِنْهَا (كالشهد وَاللَّبن واللحوم) والنبيذ وَالْملح والفلفل وزريعة الْكَتَّان وزريعة الفجل وطير المَاء الَّذِي للذبح وشَاة اللَّحْم وَنَحْو ذَلِك كَمَا فِي ابْن عَرَفَة وَغَيره. تَنْبِيهَات. الأول: كَانَ حق النَّاظِم أَن يُؤَخر قَوْله: وَالْفَسْخ الخ. عَن هَذَا الْبَيْت وَأَن يحذف قَوْله: من غير مزروع بهَا كَمَا مر فَلَو قَالَ: وَالْأَرْض لَا تكرى بِجُزْء تخرجه أَو بِطَعَام هَب بِمَا لَا تنبته كَذَا بِمَا تنبته غير الْخشب وَإِن يفت فَخرج مثل قد وَجب لَكَانَ أسهل وأخصر والخرج بِسُكُون الرَّاء لُغَة فِي الْخراج أَي الْأجر. الثَّانِي: تقدم أَن مَذْهَب اللَّيْث وَبِه أَخذ أَكثر الأندلسيين جَوَاز كِرَاء الأَرْض بِمَا يخرج مِنْهَا وَعَلِيهِ رد النَّاظِم بقوله: وَالْأَرْض لَا تكرى بِجُزْء تخرجه الخ. وَلَكِن عمل عَامَّة النَّاس الْيَوْم على مَذْهَب اللَّيْث وَمن أَخذ بِهِ وَلَا يَسْتَطِيع أَن يردهم عَن ذَلِك راد. ابْن الْعَرَبِيّ: وَأما كِرَاء الأَرْض بِجُزْء مِمَّا يخرج مِنْهَا فَهُوَ مَذْهَب فِيهِ أَحَادِيث كَثِيرَة وَالْمقنع فِيهَا قوي، وَذَلِكَ أَنا رَأينَا الله تبَارك وَتَعَالَى قد أذن لمن كَانَ لَهُ نقد أَن يتَصَرَّف فِي طلب الرِّبْح أَو يُعْطِيهِ لغيره يتَصَرَّف فِيهِ بِجُزْء مَعْلُوم فالأرض مثله، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 وإلاَّ فَأَي فرق بَينهمَا وَهَذَا قوي وَنحن نفعله اه. فَانْظُر قَوْله: وَنحن نفعله وَهِي إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي خَالف أهل الأندلس فِيهَا مَالِكًا، وَمِنْهَا تَوْجِيه يَمِين التُّهْمَة مُطلقًا إِلَّا فِيمَا كَانَ فِيهِ معرة كالسرقة وَالْغَصْب، وَمِنْهَا توجه الْيَمين بِدُونِ خلْطَة، وَمِنْهَا الحكم بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد إِلَى غير ذَلِك، وَذكر آخر الْمُفِيد مِنْهَا نَحْو الثَّمَانِية عشر وَتَقَدَّمت فِي بَاب الضَّمَان. الثَّالِث: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: من أكرى أرضه بِدَرَاهِم أَو دَنَانِير مُؤَجّلَة فَحلت فَلَا يَأْخُذ بهَا طَعَاما وَلَا إدَامًا وليأخذ مَا يجوز أَن تكرى بِهِ قَالَ: وَيجوز أَن تكرى أَرْضك بأصول شجر لَيْسَ فِيهَا ثَمَر، فَإِن كَانَ فِيهَا ثَمَر وقتئذ لم يجز كَمَا كره مَالك شِرَاء شجر فِيهَا ثَمَر بِطَعَام عَاجل أَو آجل، وَيجوز بيع رَقَبَة الأَرْض بشجر فِيهَا ثَمَر كَمَا يجوز أَن تبَاع بِطَعَام عَاجل أَو آجل اه. الرَّابِع: قَالَ سَحْنُون: من اكترى أَرضًا بِمَا يخرج مِنْهَا فَذَلِك جرحة فِي حَقه، وتأوله أَبُو مُحَمَّد بِمَا إِذا كَانَ عَالما بِالْمَنْعِ وَهُوَ مذْهبه أَو قلد مَذْهَب الْمَانِع وإلاَّ فَلَا انْظُر (ح) والشامل. وتُكْتَرَى الأرْضُ لِمُدَّةٍ تُحَدْ مِنْ سَنَةٍ والعَشْرُ مُنْتَهَى الأَمَدْ (وتكترى الأَرْض لمُدَّة تحد من سنة) أَو سنتَيْن أَو ثَلَاث (وَالْعشر) سِنِين (مُنْتَهى الأمد) وَظَاهره كَانَت أَرض سقِِي أَو بعل اكتريت بِشَرْط النَّقْد أَو بِدُونِهِ، وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا يجوز كراؤها لأكْثر من عشر سِنِين، وَلَيْسَ كَذَلِك فِي هَذَا الْأَخير، ويقيد جَوَاز شَرط النَّقْد فِي الْأَوَّلين بِمَا إِذا كَانَت مَأْمُونَة. اللَّخْمِيّ: الأمد فِي الْمُسْتَأْجر يخْتَلف باخْتلَاف الْأَمْن وَالْخَوْف فِي تِلْكَ الْمدَّة فأوسعها فِي الْأَجَل الأرضون ثمَّ الدّور ثمَّ العبيد ثمَّ الدَّوَابّ ثمَّ الثِّيَاب، فَيجوز كِرَاء الأَرْض ثَلَاثِينَ سنة وَأَرْبَعين بِغَيْر نقد إِلَّا أَن تكون مَأْمُونَة الشّرْب فَيجوز مَعَ النَّقْد وَيجوز ذَلِك فِي الدّور إِذا كَانَت جَدِيدَة مَأْمُونَة الْبناء، وَإِن كَانَت قديمَة فدون ذَلِك بِقدر مَا يرى أَنه يُؤمن سلامتها إِلَيْهِ فِي الْغَالِب انْظُر (ح) عِنْد قَوْله: وَعبد خَمْسَة عشر عَاما. وَفِي الْمُتَيْطِيَّة الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل، وَبِه الحكم أَنه يجوز كِرَاء الرباع الْعشْر سِنِين وَالْعِشْرين عَاما وأزيد من ذَلِك وَلَا بَأْس بتعجيل الوجيبة كلهَا. هَذَا مَذْهَب الْمُدَوَّنَة، وَبِه الحكم وَذَلِكَ إِذا كَانَ الشَّيْء المكترى ملكا للمكري، وَأما إِن كَانَ محبساً عَلَيْهِ وعَلى غَيره وَجعل لَهُ السُّكْنَى فِيهِ حَيَاته، فَلَا يجوز أَن يكريها بِالنَّقْدِ إِلَّا سنة أَو سنيتن، وَجَائِز لَهُ أَن يكريها إِلَى مَا شَاءَ من السنين وَإِن طَالَتْ إِذا كَانَ الْكِرَاء منجماً على الْمُكْتَرِي، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 فَكلما انْقَضى نجم دفع كِرَاء أَو كلما دخل نجم قدم كِرَاء إِذا كَانَ النَّجْم يَسِيرا السّنة والسنتين على مَا قدمْنَاهُ اه. وَقد أَشَارَ (خَ) إِلَى ضَابِط جَوَاز النَّقْد فِي مثل هَذَا بقوله: وَجَاز النَّقْد فِيهِ أَي فِي الشَّيْء الْمُسْتَأْجر إِن كَانَ لَا يتَغَيَّر فِي مُدَّة الْإِجَارَة غَالِبا. وَقَالَ فِي الْمُقدمَات: الْكَلَام فِي الْأَرْضين على ثَلَاثَة أوجه جَوَاز عقد الْكِرَاء وَجَوَاز النَّقْد ووجوبه فَأَما جَوَاز عقد الْكِرَاء فَجَائِز على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة من غير تَفْصِيل كَانَت أَرض مطر أَو غَيرهَا مَأْمُونَة كَانَت أم لَا. وَأما جَوَاز النَّقْد فِيهَا فَإِن كَانَت مَأْمُونَة كأرض النّيل وَأَرْض السَّقْي بالأنهار والعيون والآبار وَأَرْض الْمَطَر المأمونة يَعْنِي الَّتِي لَا يتَخَلَّف عَنْهَا الْمَطَر غَالِبا كأرض الْمغرب فالنقد فِيهَا للأعوام الْكَثِيرَة جَائِز، وَأما غير المأمونة فَلَا يجوز النَّقْد فِيهَا إِلَّا بعد أَن تروى وَيُمكن من الْحَرْث كَانَت من أَرض النّيل أَو الْمَطَر أَو السَّقْي بالعيون والآبار، وَأما وجوب النَّقْد فَإِنَّهُ إِنَّمَا يجب وَيقْضى بِهِ على الْمُكْتَرِي فِي أَرض النّيل إِذا رويت لِأَنَّهَا لَا تحْتَاج إِلَى سقِِي فِيمَا يسْتَقْبل، وَأما أَرض السَّقْي والمطر فَلَا يجب على الْمُكْتَرِي دفع الْكِرَاء حَتَّى يتم الزَّرْع ويستغني عَن المَاء، وَكَذَا إِذا كَانَت أَرضًا تزرع بطوناً فَلَا يلْزمه نقد الْكِرَاء فِي الْبَطن حَتَّى يَسْتَغْنِي عَن المَاء اه. بِاخْتِصَار. وَبِهَذَا تعلم أَنه لَا مَفْهُوم لقَوْل النَّاظِم وَالْعشر مُنْتَهى الأمد الخ. وَلَا لقَوْل (خَ) : وَأَرْض مطر عشرا إِن لم ينْقد وَإِن سنة إِلَّا المأمونة كالنيل أَو الْمعينَة فَيجوز الخ. فَقَوله: وَأَرْض مطر عشرا الخ. أَي: وَهِي غير مَأْمُونَة الخ. وَقَوله: وَإِن سنة مُبَالغَة فِي مَفْهُوم إِن لم ينْقد أَي فَإِن نقد فِي غير المأمونة بِشَرْط امْتنع، وَإِن شَرط نقد حِصَّته سنة فَقَط فَشرط النَّقْد مُؤثر فِي الْمَنْع سَوَاء نقد بِالْفِعْلِ أم لَا. وَقَوله: فَيجوز أَي فَيجوز العقد والنقد وَلَو لأربعين سنة كَمَا مر عَن اللَّخْمِيّ والمتيطي. وَإِن تَكُنْ شَجَرَةٌ بِمَوْضِعِ جازَ اكتِرَاؤُهَا بِحُكْمِ التَّبَعِ (وَإِن تكن شَجَرَة بِموضع) من الأَرْض (جَازَ اكتراؤها) أَي اشْتِرَاط ثَمَرَتهَا (بِحكم التبع) لكراء الأَرْض كَمَا مر تَفْصِيله فِي قَوْله: وَشرط مَا فِي الدَّار من نوع الثَّمر إِلَى قَوْله: وَغير بَادِي الطّيب إِن قل اشْترط الخ. وَهَذَا مَبْنِيّ على أَن التَّابِع يُعْطي حكم متبوعه أَنه لَا قسط لَهُ من الثّمن، وَأما على أَنه يُعْطي حكم نَفسه فَلَا إِشْكَال أَن لَهُ حِصَّة من الثّمن وَعَلِيهِ فَلَا يجوز اشْتِرَاطهَا لما فِيهِ من شِرَاء الثَّمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا بل وَقبل وجودهَا قَالَه (م) . تَنْبِيه: قَالَ فِي الْجَوَاهِر: وَإِذا اسْتَأْجر أَرضًا ليزرع فِيهَا صنفا سَمَّاهُ فَلهُ أَن يزرع فِيهَا غَيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 مِمَّا هُوَ أقل ضَرَرا بِالْأَرْضِ لَا مَا ضَرَره أَكثر فَإِن اسْتَأْجرهَا للقمح أَو غَيره فزرع مَا هُوَ أضرّ بِالْأَرْضِ مِنْهُ فللمالك الْقلع فِي الْحَال، فَإِن لم يقْلع حَتَّى مَضَت الْمدَّة فَلهُ أَخذه بالكراء الأول وَمَا بَين الْقِيمَتَيْنِ اه. وَفِي الْمُدَوَّنَة أَن الشّعير أضرّ من الْقَمْح، وَفِي الْمُتَيْطِيَّة يجوز أَن يكتري الأَرْض ليزرع فِيهَا مَا شَاءَ وَلَا كَلَام لِرَبِّهَا بعد ذَلِك، فَإِن قَالَ ليزرعها وَسكت عَمَّا يزرع فِيهَا فَذَلِك جَائِز وَلَا يزرع فِيهَا إِلَّا مَا يشبه أَن يزرع فِي مثلهَا، فَإِن شَرط أَن يَزْرَعهَا شَعِيرًا فَلَا يَزْرَعهَا إِلَّا ذَاك أَو مَا مضرته كمضرة الشّعير أَو أقل، فَإِن زَرعهَا مَا هُوَ أضرّ بهَا فلربها كِرَاء الشّعير وَقِيمَة زِيَادَة الضَّرَر اه. وَقَوله: فلربها كِرَاء الشّعير الخ. يَعْنِي إِذا مَضَت مُدَّة الزِّرَاعَة وإلاّ فربها مُخَيّر كَمَا مر عَن الْجَوَاهِر، وَهَذَا بِمَنْزِلَة من اكترى رَاحِلَة ليحمل عَلَيْهَا شَيْئا فَأَرَادَ أَن يحمل عَلَيْهَا غَيره الْمشَار لَهُ بقول (خَ) : وَفعل الْمُسْتَأْجر وَمثله ودونه لَا أضرّ الخ. وَقَوله: حَتَّى مَضَت الْمدَّة يَعْنِي حَتَّى فَاتَ إبان الزِّرَاعَة. ابْن عَرَفَة: وَحَال الْمُكْتَرِي فِي حرثه الأَرْض كَحال مَسْأَلَة من حرث أَرض غَيره بِغَيْر إِذْنه. وحاصلها، إِن قَامَ رَبهَا فِي الأبان وَأقر الْحَارِث بالعداء فلربها أمره بقلعه إِن كَانَ ينْتَفع بِهِ، وَلَا يجوز لَهُ أَخذه بِقِيمَتِه مقلوعاً لِأَنَّهُ بيع لَهُ قبل بَدو صَلَاحه، وَأَجَازَهُ التّونسِيّ وَهُوَ خلاف مذهبها وَإِن لم ينْتَفع بِهِ فلربها أَخذه مجَّانا، وَإِن ادّعى حرثها بِغَيْر اكتراء مِنْهُ لَكِن بِعِلْمِهِ وحضوره وَهُوَ لَا يُغير وَلَا يُنكر، فَإِن حلف رَبهَا على نفي الْعلم فَكَمَا مرّ، وَإِن نكل حلف الْحَارِث وَبَقِي لَهُ زرعه ولربها كِرَاء الْمثل وَإِن ادّعى حرثها باكتراء مِنْهُ فَإِن حلف رَبهَا على نَفْيه فَكَمَا مر وَإِن نكل حلف الْحَارِث لقد أكراها مِنْهُ بِكَذَا كَانَ مَا ادَّعَاهُ من الْكِرَاء قَلِيلا لَا يشبه أَو كثيرا أَكثر من كِرَاء الْمثل، وَإِنَّمَا كَانَ القَوْل قَوْله حَيْثُ ادّعى مَا لَا يشبه لِأَن رَبهَا قد مكنه من ذَلِك بِنُكُولِهِ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَإِن ادّعى أَنه اكتراها مِنْهُ وَأَنه حرثها بِعِلْمِهِ حلف رَبهَا على نفيهما وَخير فِي أَخذه بِمَا أقرّ بِهِ من الْكِرَاء وَأَخذه أرضه ويأمره بقلع زرعه إِن انْتفع بِهِ، وَإِن لم يكن لَهُ بِهِ منتفع أَخذه رب الأَرْض مجَّانا وَلَا يجوز تَركه للمكتري بِمَا أقرّ بِهِ من الْكِرَاء وَلَا بكرَاء الْمثل لِأَنَّهُ بيع لَهُ بِمَا يَأْخُذهُ من الْكِرَاء، وَإِن نكل حلف الْحَارِث فَإِن نكل أَخذ رب الأَرْض أرضه، وَلَو قَالَ رب الأَرْض أَحْلف أَنِّي مَا علمت بحرثه وَلَا أَحْلف أَنه مَا اكترى مني لم يُمكن من ذَلِك إِلَّا أَن ينكل الْحَارِث عَن الْيَمين ثمَّ قَالَ: وَلَو قَامَ بعد الأبان فَإِن صدقه أَنه لم يكن مِنْهُ كِرَاء فَلهُ كِرَاء الْمثل دون يَمِينه ادّعى حرثه بِحُضُورِهِ وَعلمه أم لَا. وَإِن ادّعى أَنه أكراها مِنْهُ لَا أَنه حرثها بِعِلْمِهِ حلف رَبهَا، وَأخذ كِرَاء الْمثل فَإِن نكل حلف الْحَارِث على مَا ادّعى من الْكِرَاء اه. وَقَوله: وَأَجَازَهُ التّونسِيّ الخ. يَعْنِي لِأَن التّونسِيّ قَالَ: الْأَشْبَه أَن يجوز لرب الأَرْض شِرَاء مَا فِيهَا قبل بَدو صَلَاحه لِأَن الأَرْض ملك لَهُ فَصَارَ مَقْبُوضا بِالْعقدِ وَمَا يحدث فِيهِ من نَمَاء إِنَّمَا هُوَ فِي ضَمَان مُشْتَرِيه لكَونه فِي أرضه، وَإِنَّمَا منع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بيع الثِّمَار قبل بَدو صَلَاحهَا لكَون ضَمَانهَا من البَائِع لِأَنَّهَا فِي أُصُوله، وعَلى هَذَا التَّعْلِيل أجَاز عبد الْملك شِرَاء جنان فِيهِ ثَمَرَة بقمح أَو بجنان آخر فِيهِ ثَمَرَة تخالفها لِأَن كل ثَمَرَة مَقْبُوضَة. قَالَ العبدوسي: وَأخذ الشُّيُوخ مِمَّا قَالَه التّونسِيّ جَوَاز شِرَاء صَاحب الزَّرْع نصيب الخماس قبل بَدو صَلَاحه لِأَنَّهُ قَابض لَهُ بِنَفس الشِّرَاء وعَلى مذهبها فَلَا، وَقِيَاس التّونسِيّ لَا يعول عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قِيَاس مَعَ وجود النَّص من الشَّارِع صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ على منع مَا لم يبد صَلَاحه اه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 ومُكْتَرٍ أرْضاً وبَعْدَ أَنْ حَصَدْ أصَابَ زَرْعَهُ انْتِثَارٌ بالبَرَدْ (ومكتر أَرضًا) فزرعها (وَبعد أَن) طَابَ زَرعهَا وَقبل أَن يحصده الْمُكْتَرِي أَو بعد أَن (حصد) هـ وَجعله قثاء فِي الفدان أَو الأندر (أصَاب زرعه) فِي الْحَالَتَيْنِ (انتثار بالبرد) وَنَحْوه. فَنَابِتٌ بَعْدُ مِنَ المُنْتَثِرِ هُوَ لِرَبِّ الأرْضِ لَا للْمُكْتَري (فنابت بعد) فِي السّنة الْقَابِلَة (من) ذَلِك الزَّرْع (المنتثر هُوَ لرب الأَرْض) الْمَالِك للفدان أَو الأندر (لَا للمكتري) على الْأَصَح، وَهُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم فِي الْعُتْبِيَّة، وَقيل: يكون لزارعه وَعَلِيهِ لرب الأَرْض كراؤها كَمَا إِذا تمت السّنة وَله زرع أَخْضَر، وَظَاهر النّظم أَنه لرب الأَرْض وَلَو انتثر كُله بالبرد وَهُوَ كَذَلِك فَفِي سَماع عِيسَى: من اكترى أَرضًا فزرعها فَلَمَّا استحصد زرعه أَتَاهُ برد أسقط حبه كُله فِي الفدان فأخلف فَهُوَ لرب الأَرْض لَا للمكتري لِأَن سنته قد انْقَضتْ كَقَوْل مَالك فِيمَن جر السَّيْل زرعه لأرض غَيره فنبت، ابْن رشد الْقيَاس صَحِيح، وَلَا فرق بَينهمَا لِأَن الْبذر مستهلك فِي كلتا الْحَالَتَيْنِ لَا يقدر صَاحبه على أَخذه من أَرض غَيره، وَمعنى قَوْله فِي الْمُدَوَّنَة: جر السَّيْل زرعه أَي بذره لقَوْله: فنبت لِأَن الزَّرْع لَا يُقَال فِيهِ نبت اه. وَإِلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ أَشَارَ (خَ) بقوله: وَإِن انتثر للمكتري حب فنبت قَابلا فَهُوَ لرب الأَرْض كمن جَرّه السَّيْل إِلَيْهِ الخ. وَالضَّمِير فِي قَوْله جَرّه يعود على الْحبّ أَي الْبذر، وَأما إِذا جَرّه إِلَيْهِ بعد نَبَاته فَقيل: هُوَ لرب الأَرْض أَيْضا، وَظَاهر الشَّامِل أَنه الْمَشْهُور، وَقيل هُوَ لزارعه وَرجحه الرهوني فِي حَاشِيَته مستدلاً على ذَلِك بأنقال، وَلَكِن لَا يظْهر مِنْهَا مَا أَشَارَ لَهُ من التَّرْجِيح لمن تَأمل وأنصف وَالله أعلم. وَلَا مَفْهُوم لقَوْل النَّاظِم بالبرد، بل لَو انتثر بِسَبَب الْحَصاد لَكَانَ لرب الأَرْض أَيْضا. أَبُو الْحسن: اتِّفَاقًا لِأَن شَأْن الْحَصاد أَن ينتثر مِنْهُ الْحبّ وَالْعَادَة أَن من تَركه لَا يعود إِلَيْهِ أَي: فَلَا يجْرِي فِيهِ الْخلاف الْجَارِي فِي المنتثر بالبرد، وَمَفْهُوم قَوْله: انتثار أَنه إِذا زرع وَلم ينْبت فِي سنة بذره وَنبت فِي السّنة الْقَابِلَة أَن الزَّرْع لَا يكون للمكتري بل لرَبه وَهُوَ كَذَلِك وَعَلِيهِ كراؤه وكراء الْعَام الَّذِي لم ينْبت فِيهِ إِن كَانَ لغير عَطش قَالَه (ز) وَأَصله لِابْنِ بشير فَإِن زرع فِي أرضه خلاف ذَلِك النَّوْع فنبتا مَعًا فَلِكُل زرعه إِن عرف وتبعيض الْكِرَاء عَلَيْهِمَا انْظُر الشَّامِل وَشَرحه. وَمَفْهُوم قَوْله: فنابت أَنه إِذا أنجر إِلَيْهَا حب من الأندر وَلم ينْبت بل لَا زَالَ على وَجه الأَرْض فلربه أَخذه وَلَا يكون لرب الأَرْض، وَأما الشّجر يجره السَّيْل لأرض الْغَيْر فينبت فِيهَا فَلَيْسَ حكمه حكم الزَّرْع، بل ينظر فَإِن كَانَت إِن وَقعت وَردت إِلَى أرضه نَبتَت فِيهَا فَلهُ قلعهَا وإلاَّ فللآخر دفع قِيمَته حطباً أَو أمره بقلعه قَالَه سَحْنُون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 تَنْبِيه: من اشْترى قصب فول ليوقده فَنزل الْمَطَر فحيي الْقصب واخضر وأثمر فولاً فَهَل هُوَ للْمُشْتَرِي أَو لرَبه؟ قَالَ فِي صدر معاوضات المعيار عَن الْفَقِيه الْجَعْد: أَنه يفْسخ البيع وَيكون الفول لرب الْقصب وَيرد الثّمن اه. بِاخْتِصَار. قلت: الْجَارِي على مَا تقدم أَنه إِن حييّ الْقصب نَفسه فثمره للْمُشْتَرِي وَعَلِيهِ لرب الأَرْض كِرَاء الْمثل مُدَّة بَقَائِهِ بعد عقد الشِّرَاء فِيهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا اشْتَرَاهُ ليأخذه فِي الْحِين فَتَركه حَتَّى أثمر يُوجب الْكِرَاء عَلَيْهِ وَلَا وَجه لفسخ البيع فِيهِ، وَإِن كَانَ الْقصب حييّ من غير أُصُوله فَلَا إِشْكَال حِينَئِذٍ أَن ثمره لرب الأَرْض وَلَا يفْسخ البيع أَيْضا لِأَن الْقصب الْمُشْتَرى لَا زَالَ يَابسا يجزه مُشْتَرِيه وَيَأْخُذهُ فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَجائِزٌ كِراءُ الأرْضِ بالسَّنَه وَالشّهْرِ فِي زَرَاعَةٍ مُعيِّنه (وَجَائِز كِرَاء الأَرْض بِالسنةِ) مسانهة ككل سنة بِكَذَا أَو مُعينَة كهذه السّنة كَمَا مر فِي كِرَاء الدّور، ثمَّ إِن عينت وحدت بِاثْنَيْ عشر شهرا أَو بِسِتَّة أشهر مثلا فَوَاضِح أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي إِلَّا بِتَمَامِهَا وَإِن لم تحد، وَإِنَّمَا قَالَ: أكتري مِنْك أَرْضك هَذِه السّنة أَو السّنة الَّتِي بعد هَذِه فَإِن كَانَت أَرض مطر فتتم السّنة فِيهَا بالحصاد للزَّرْع الَّذِي اكتريت لَهُ كَانَت تزرع مرّة فِي السّنة أَو مرَارًا وَلَا ينْتَظر مُرُور الاثْنَي عشر والحصاد فِي كل شَيْء بِحَسبِهِ أَي بحصده أَو قطعه أَو جذه أَو رعيه كالزرع والبرسيم واللفت والكمون وَنَحْو ذَلِك، فَلَو كَانَ مِمَّا يخلف بطوناً فتتم السّنة فِيهَا بآخر بطن، وَإِن كَانَت أَرض سقِِي فتتم فِيهَا بالشهور الاثْنَي عشر، فَإِن تمت الشُّهُور الْمعينَة أَو الَّتِي لم تعين حَيْثُ كَانَت أَرض سقِِي وَله فِيهَا زرع أَخْضَر فَيلْزم رب الأَرْض أَن يبقيه فِيهَا إِلَى تَمام طيبه، وعَلى الْمُكْتَرِي كِرَاء الْمثل فِيمَا زَاد على تِلْكَ الشُّهُور، وَقيل من حِسَاب الْكِرَاء الأول (خَ) : وَالسّنة فِي الْمَطَر بالحصاد، وَفِي السَّقْي بالشهور فَإِن تمت وَله زرع أَخْضَر فكراء مثل الزَّائِد الخ ... وَظَاهره أَن عَلَيْهِ كِرَاء الْمثل فِي الزَّائِد وَلَو علم عِنْد الزِّرَاعَة أَن الزَّرْع إِنَّمَا يتم بعد السّنة بِكَثِير وَهُوَ كَذَلِك على الْمُعْتَمد قَالَه (ز) . قَالَ (م) : وَمن اكترى دَارا أَو حانوتاً أَو غَيرهمَا لمُدَّة مُعينَة فتمضي وَيبقى الْمُكْتَرِي سَاكِنا على المساكنة فَيجْرِي حكمه على مَا تقدم فالجاري على الْمَشْهُور أَنه يلْزمه كِرَاء مثل الزَّائِد، وَقيل من حِسَاب الْكِرَاء الأول واستظهرت أَن لَهُ فِي هَذِه بِحِسَاب الْكِرَاء الأول. قلت: وَهُوَ مَا عَلَيْهِ النَّاس الْيَوْم لِأَن رب الأَرْض فِي الأولى مجبور على بَقَاء الزَّرْع فِي أرضه وَفِي هَذِه لَا جبر على رب الدَّار والحانوت وَنَحْوهمَا فَتَركه سَاكِنا بعد انْقِضَاء الْمدَّة رضَا مِنْهُ أَن لَهُ بِحِسَاب الأول واستمرار الْمُكْتَرِي ساكتاً رضَا مِنْهُ أَيْضا بِدفع ذَلِك وَالله أعلم. (والشهر) أَي وَجَائِز الْكِرَاء لشهر معِين أَو كل شهر بِكَذَا، ثمَّ إِذا كَانَ كل من السّنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 والشهر معينا كهذه السّنة أَو هَذَا الشَّهْر فَلَا إِشْكَال فِي لُزُوم الْكِرَاء بِالْعقدِ وَلَيْسَ لأَحَدهمَا الانحلال إِلَّا بِرِضا صَاحبه، إِن كَانَ كل مِنْهُمَا غير معِين ككل شهر بِكَذَا أَو كل سنة بِكَذَا فَلَا يلْزم بِالْعقدِ وَلكُل الانحلال مَا لم يحرث الْمُكْتَرِي كَمَا مر فِي كِرَاء الدّور وَأول السّنة أَو الشَّهْر من حِين العقد إِن كَانَت خَالِيَة من مزروع، وإلاَّ فَمن يَوْم تَخْلُو مِنْهُ، وَهَذَا إِذا كَانَت تزرع فِي السّنة كلهَا وإلاَّ فأولها وَقت الزِّرَاعَة (فِي زراعة مُعينَة) أَي لَا بُد من تعْيين مَا يزرعه فِيهَا حَيْثُ لم يكن عرف، وَكَأن بعض المزروع أضرّ من الآخر كَمَا مر عَن الْجَوَاهِر. ومُتَوالِي القَحْطِ والأمْطَار جائِحةُ الكِراءِ مثْلُ الفَارِ (وبتوالي الْقَحْط والأمطار) خبر عَن قَوْله (جَائِحَة الكرا) ء وَقَوله (وَمثل الفار) بِالْجَرِّ عطف على بتوالي وَمَعْنَاهُ أَن من اكترى أَرضًا للزِّرَاعَة فتوالى إِلَى الْقَحْط عَلَيْهَا أَي عدم الْمَطَر وَلَو بعد زراعتها فِي الأبان أَو توالي الْمَطَر عَلَيْهَا فغرقت حَتَّى فَاتَ أبان حراثتها، أَو هلك زَرعهَا النَّابِت فِيهَا بدود أَو فار، أَو وَقعت فتْنَة منعته من زراعتها فَإِن ذَلِك كُله جَائِحَة توجب سُقُوط الْكِرَاء عَن الْمُكْتَرِي كَمَا قَالَ: ويَسْقُط الكِراءُ إمَّا جُمْلَهْ أَوْ بِحِسَابِ مَا الفَسَادُ حَلَّهْ (وَيسْقط الْكِرَاء) بِمَا ذكر من الْقَحْط وَمَا بعده (إِمَّا جمله) وَذَلِكَ إِذا أجيح الزَّرْع كُله (أَو) يسْقط مِنْهُ (بِحِسَاب مَا الْفساد حلّه) حَيْثُ لم يجح جَمِيعه، وَظَاهره وَلَو قل المجاح فَإِنَّهُ يسْقط عَنهُ بِحِصَّتِهِ وَهُوَ كَذَلِك وَلَيْسَ ذَلِك كجائحة الثِّمَار، وَأما إِن أجيح الجل وَسلم الْقَلِيل كخمسة أفدنة أَو سِتَّة من مائَة فدان فَإِنَّهُ لَا كِرَاء عَلَيْهِ أصلا كَمَا قَالَ (خَ) : عكس تلف الزَّرْع لِكَثْرَة دودها أَو فارها أَو عَطش أَو بَقِي الْقَلِيل الخ. وَظَاهر كَلَام ابْن يُونُس وَغَيره أَنه لَا فرق بَين أَن تكون الْفَدادِين السالمة القليلة فِي نَاحيَة وَاحِدَة أَو فِي نواح مُتَفَرِّقَة. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: إِنَّمَا يسْقط عَنهُ الْكِرَاء جملَة إِذا كَانَت مُتَفَرِّقَة لِأَن كثيرا من النَّاس لَا يتَكَلَّف جمعهَا، وَأما إِن كَانَت مجتمعة فِي نَاحيَة فَعَلَيهِ من الْكِرَاء مَا ينوبها. وَلَيْسَ يَسْقُطُ الكِرَا فِي مُوجَدِ بِمِثْلِ صَرٍ أَوْ بِمِثْلِ بَرَدِ (وَلَيْسَ يسْقط الكرا فِي) أَي بِسَبَب (موجد) بِفَتْح الْجِيم (بِمثل صر) وَهُوَ الْبرد الشَّديد أَو الْحر الشَّديد (أَو بِمثل برد) وَهُوَ مطر مُنْعَقد وَأدْخل لفظ مثل الطير والجليد وَالْغَاصِب وَالسَّارِق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 والجيش وَالْجَرَاد لَكِن مَحل عدم جَائِحَة الْجَرَاد إِنَّمَا هُوَ إِذا أَتَى بعد أبان الحراثة وَإِلَّا بِأَن أَتَى فِي أَبَانهَا فمنعته من الزِّرَاعَة خيفة أَن يُؤْذِي هُوَ أَو وَلَده مَا يخرج مِنْهَا فَلَا كِرَاء عَلَيْهِ قَالَه الْبَاجِيّ وَغَيره. وَمحل عدم السُّقُوط بِمَا ذكره من الْبرد وَمَا مَعَه إِذا لم تقحط السَّمَاء، وَأما إمن أجيح بِشَيْء مِمَّا ذكر فقحطت السَّمَاء حَتَّى إِنَّه لَو لم يجح لم يتم الزَّرْع لأجل الْقَحْط فَإِنَّهَا لَا تسْقط كَمَا أفتى بِهِ ابْن رشد، وَقَالَ الْبُرْزُليّ: وَكَذَا لَو اسْتهْلك شخص زَرعهَا ثمَّ أَصَابَهُ قحط بِحَيْثُ لَو بَقِي لهلك ذَلِك الزَّرْع بِالْقَحْطِ فَإِنَّهُ لَا يضمن قيمَة الزَّرْع على الرَّجَاء وَالْخَوْف، وَإِنَّمَا سقط الْكِرَاء بِالْقَحْطِ وَالْغَرق والفار وَلم يسْقط بالبرد وَمَا مَعَه، لِأَن هَذِه عاهة لَا سَبَب للمكري فِيهَا من قبل مَائه وَلَا من قبل أرضه، فَذَلِك كغاصب غصب الزَّرْع خَاصَّة بِخِلَاف الْقَحْط وَمَا مَعَه فَإِن لأرضه سَببا فِيهِ والقحط والفار جَائِحَة مُطلقًا بِخِلَاف الْغَرق، فَإِنَّمَا هُوَ جَائِحَة إِذا كَانَ فِي الأبان فَإِن زَالَ قبل فَوَات الأبان أَو حدث بعده لزمَه الْكِرَاء كَمَا قَالَ (خَ) : أَو غرق بعد وَقت الْحَرْث أَو عَدمه بذراً. تَنْبِيه: إِذا أَصَابَته الْجَائِحَة فَلَا حق للمكتري فِي قليلها كَمَا يَأْتِي فِي الْمُزَارعَة، وَالله أعلم. (فصل فِي أَحْكَام من الْكِرَاء) لَو قَالَ فِي كِرَاء الْعرُوض وَأَحْكَام من الْكِرَاء لِأَنَّهُمَا الْمَذْكُورَان فِي هَذَا الْفَصْل لوفى بالمراد. والعَرْضُ إنْ عُرِفَ عينا فالكِرا يَجُوزُ فيهِ كالسُّروجِ وَالفِرَا (وَالْعرض إِن عرف عينا) تَمْيِيز محول عَن النَّائِب أَي إِن عرفت عينه بِحَيْثُ لَا يلتبس رده برد مثله (فالكرا يجوز فِيهِ كالسروج) للدواب (والفرا) بِكَسْر أَوله وبالمد وقصره ضَرُورَة جمع فرو بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء، قَالَ فِي الْخُلَاصَة: فعل وفعلة فعال لَهما. قَالَ الْجَوْهَرِي: الفرو الَّذِي يلبس وَالْجمع الْفراء نَقله (م) أَي: وَهُوَ ثوب مَعْلُوم يلْبسهُ أهل مصر وَغَيرهم، وَمَفْهُوم الشَّرْط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 أَن الْعرض الَّذِي لَا يعرف بِعَيْنِه كقدور الفخار يسودها الدُّخان حَتَّى لَا تعرف بِعَينهَا لَا يجوز كراؤها، وَهُوَ كَذَلِك على مَا لِابْنِ الْعَطَّار وَابْن الفخار، وَنَقله فِي ضيح مُسلما، وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الشَّامِل وَابْن سَلمُون قَائِلا: لَا تجوز فِيمَا لَا يعرف بِعَيْنِه كالدراهم وَالدَّنَانِير وقدور الفخار اه. وَظَاهر الْمُدَوَّنَة جَوَاز كرائها كَانَت تعرف بِعَينهَا أم لَا. وَهُوَ ظَاهر إِطْلَاق (خَ) أَيْضا حَيْثُ قَالَ: وَإِجَارَة ماعون كقصعة وَقدر الخ. ابْن نَاجِي: وَيُجَاب بِأَن قَوْلهَا عَام قَابل للتخصيص فَيُقَال مَعْنَاهُ فِيمَا يعرف بِعَيْنِه اه. وَعَلِيهِ فيخصص كَلَام (خَ) بذلك أَيْضا، لَكِن لَا يظْهر وَجه لما قَالَه ابْن الْعَطَّار وَمن وَافقه من منع كرائها وَالتَّعْلِيل بِكَوْنِهِ قد يرد مثلهَا فَيكون سلفا جر نفعا لَا يتم لِأَنَّهُ إِن كَانَ النَّفْع هُوَ عين الْأُجْرَة فيتهمان على قصد السّلف لأخذ الْأُجْرَة. قُلْنَا: كَذَلِك إِذا كَانَ الْعرض يعرف بِعَيْنِه لِأَن الْعرض يجوز فِيهِ رد الْعين المستقرضة فَيكون سلفا بِمَنْفَعَة أَيْضا، فَمَا لزم على الْعرض الَّذِي لَا يعرف بِعَيْنِه يلْزم على غَيره، وَلَعَلَّه لذَلِك ضعف شرَّاح (خَ) قَول ابْن الْعَطَّار الَّذِي درج عَلَيْهِ النَّاظِم، وتمسكوا بِظَاهِر الْمُدَوَّنَة و (خَ) وَقَالُوا: إِنَّه الْمُعْتَمد الْمَشْهُور وَالْفرق بَين الدَّنَانِير والقدور الَّتِي لَا تعرف أَن الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم لَا ينْتَفع بهَا إِلَّا باستهلاك عينهَا فتحقق فِيهَا السّلف بنفع بِخِلَاف الْقدر وَالله أعلم. ومُكْترٍ لِذاكَ لَا يَضْمَنُ مَا يَتْلَفُ عِنْدَهُ سِوَى أنْ ظَلَمَا (ومكتر لذاك) الْعرض (لَا يضمن مَا يتْلف عِنْده) مِنْهُ (سوى أَن ظلما) بِفَتْح الْهمزَة أَي إِلَّا أَن يظلم بتعد أَو تَفْرِيط باعترافه أَو بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَيضمن حِينَئِذٍ، وَظَاهره أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ مَعَ عدم التَّفْرِيط وَلَو شَرط عَلَيْهِ الضَّمَان وَهُوَ كَذَلِك كَمَا يَأْتِي النَّص بذلك فِي فصل كِرَاء الرَّوَاحِل، وَأما إِن لم يثبت تعديه وَلَا تفريطه. وهْو مُصَدَّقٌ مَعَ اليَمِين وإنْ يَكُنْ مَنْ لَيْسَ بالمأْمُونِ (فَهُوَ مُصدق مَعَ الْيَمين) لقد ضَاعَ وَمَا أخفاه وَأَن ضيَاعه لم يكن بتعد مِنْهُ وَلَا تَفْرِيط. هَذَا إِذا كَانَ مَأْمُونا بل (وَإِن يكن) الْمُكْتَرِي (من) بِفَتْح الْمِيم (لَيْسَ بالمأمون) فَإِنَّهُ يصدق أَيْضا لِأَنَّهُ لما أكراه مِنْهُ فقد أَمنه عَلَيْهِ، ثمَّ إِذا صدق فِي الضّيَاع بِيَمِينِهِ فَإِنَّهُ يلْزمه الْكِرَاء كُله على الْمَشْهُور، وَقَول ابْن الْقَاسِم: إِلَّا أَن يَأْتِي بِبَيِّنَة على وَقت الضّيَاع فَإِذا ادّعى تلفهَا قبل انْقِضَاء مُدَّة الْكِرَاء وَثَبت ذَلِك بِبَيِّنَة أَو ثَبت أَنه نشدها فِي ذَلِك الْوَقْت وَحلف على مَا ذكر سقط عَنهُ الضَّمَان، وَيغرم من الْكِرَاء بِقدر مَا انْتفع إِلَى وَقت التّلف، وَقيل: إِنَّه مُصدق فِي الضّيَاع، وَفِي الْوَقْت الَّذِي ضَاعَ فِيهِ وَلَا يلْزمه من الْكِرَاء إِلَّا بِقدر مَا انْتفع. ابْن يُونُس: وَجه قَول ابْن الْقَاسِم أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 الْأَشْيَاء الْمُسْتَأْجرَة يصدق مكتريها فِي ضياعها وَلَا يصدق فِي دفع كرائها وزواله من ذمَّته إِلَّا بِبَيِّنَة، فَلَمَّا اجْتمعَا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أجْرى كل على أصل بَابه فيرفع عَنهُ الضَّمَان وإغرامه الْكِرَاء إِلَّا أَن يُقيم بَيِّنَة بِمَا يُوجب رفع الْكِرَاء عَنهُ، وَوجه قَول غَيره أَنه لما صدقه فِي الضّيَاع كَانَ ذَلِك كقيام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَن يسْقط عَنهُ كِرَاء مَا زَاد على الْوَقْت الَّذِي ادّعى الضّيَاع فِيهِ وَهُوَ الصَّوَاب اه بِاخْتِصَار. وَقَوله: إِن الْأَشْيَاء الْمُسْتَأْجرَة الخ. يَشْمَل حَتَّى الدَّابَّة إِذا ادّعى ضياعها فِي أثْنَاء الْمسَافَة فَإِنَّهُ لَا يضمنهَا وَيلْزمهُ جَمِيع الْكِرَاء على الْمَشْهُور إِلَّا أَن يَأْتِي بِبَيِّنَة على وَقت الضّيَاع. ابْن سَلمُون: وَلَا ضَمَان على الْمُكْتَرِي فِيمَا يتْلف عِنْده من الحلى وَالثيَاب وَغير ذَلِك إِلَّا أَن يتَعَدَّى أَو يفرط، وَمن اكترى ثوبا يلْبسهُ فَسقط عَلَيْهِ شَيْء أفْسدهُ فَهُوَ ضَامِن، وَكَذَلِكَ إِن سقط من يَده على جليسه فَإِن ادّعى أَنه ضَاعَ أَو سرق فَالْقَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ وَيغرم الْكِرَاء كَامِلا إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة أَنه ادّعى تلفهَا قبل مُدَّة الْكِرَاء ونشدها إِذْ ذَاك فَيغرم من الْكِرَاء بِقدر مَا انْتفع، وَكَذَلِكَ يصدق فِي رد ذَلِك إِلَى صَاحبه مَعَ يَمِينه إِلَّا أَن يكون قَبضه بإشهاد فَلَا يبرأ إِلَّا بِهِ، وَمن ادّعى فِي حلى ضَاعَ عِنْده أَنه اسْتَأْجرهُ وَقَالَ ربه: بل أعرته إياك فَإِن كَانَ رب الحلى مثله مِمَّن يكريه فَالْقَوْل للَّذي ضَاعَ عِنْده وإلاَّ فَالْقَوْل لرب الحلى أَنه أَعَارَهُ وَيلْزم الآخر ضَمَانه كَمَا قَالَ: قرض وَالْآخر قِرَاض اه بِاخْتِصَار. وَنَحْوه فِي نَوَازِل الْعَارِية من المعيار، وَانْظُر مَسْأَلَة من ضلت لَهُ دَابَّة من دَوَاب اكتراها فتبعها فَوجدَ الْأُخْرَى قد ضَاعَت فِي فصل كِرَاء الرَّوَاحِل الْآتِي. والمُكْتَرِي إنْ ماتَ لَمْ يحِنْ كِرَا واسْتُؤْنِفَ الكِراءُ كَيْفَ قُدِّرا (والمكتري) دَارا سنة أَو دَابَّة وجيبة بِعشْرَة مثلا (إِن مَاتَ) أَو فلس قبل أَن يسكن أَو سكن بعض الْمدَّة (لم يحن كرا) ء أَي لم يبلغ حِينه أَي لم يحل عَلَيْهِ بالفلس أَو الْمَوْت إِذْ لَا يحل عَلَيْهِ شَيْء لم يقبض عوضه الَّذِي هُوَ الْمَنْفَعَة، فَإِذا اكترى ذَلِك لسنة وَسكن سِتَّة أشهر ثمَّ مَاتَ أَو فلس فَإِنَّمَا يحل عَلَيْهِ كِرَاء الْأَشْهر السِّتَّة الْمَاضِيَة دون الْبَاقِيَة، وَإِذا مَاتَ أَو فلس قبل السُّكْنَى لم يحل عَلَيْهِ شَيْء ابْن رشد: هَذَا أصل ابْن الْقَاسِم لِأَنَّهُ لَا يرى قبض أَوَائِل الْمَنَافِع قبضا لأواخرها، وعَلى هَذَا فَإِذا كَانَ على الْمُكْتَرِي دُيُون فَإِن رب الدَّار إِنَّمَا يحاصص بكرَاء مَا سكن الْمُكْتَرِي فَقَط، وَيَأْخُذ دَاره فِي الْفلس ويتنزل الْوَرَثَة مَنْزِلَته فِي الْمَوْت لِأَن من مَاتَ عَن حق فلوارثه، فَإِذا أَرَادوا أَن يلتزموا الْكِرَاء فِي أَمْوَالهم فَلهم ذَلِك إِلَّا أَن يَقُول رب الدَّار: لَا أرْضى بذممهم فَيكون لَهُ الْفَسْخ، وَإِن لم يلتزموا الْكِرَاء فِي أَمْوَالهم فَالْحكم أَن تكرى الدَّار لما بَقِي من الْمدَّة المضروبة مَعَ الْمَيِّت فَإِن نقص عَن الْعشْرَة الَّتِي وَقع الْكِرَاء بهَا للْمَيت وقف من التَّرِكَة قدر النُّقْصَان كَمَا قَالَ: (واستؤنف الْكِرَاء) للدَّار فِي الْمدَّة أَو مَا بَقِي مِنْهَا (كَيفَ قدرا) أَي بِمَا أمكن من قَلِيل أَو كثير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 حَيْثُ أَبَى الوارِثُ إتْمامَ الأمَدْ واسْتَوْجَبُو أَخْذَ الْمَزِيدِ فِي العَدَدْ (حَيْثُ أَبى الْوَارِث إتْمَام الأمد) على أَن الْكِرَاء فِي ذمتهم، وَمَفْهُومه أَنهم إِذا أَرَادوا إتْمَام الْمدَّة على أَن الْكِرَاء فِي ذمتهم لَكَانَ لَهُم ذَلِك كَمَا مر (واستوجبوا) أَي استحقوا (أَخذ الْمَزِيد فِي الْعدَد) الَّذِي اكتريت بِهِ للْمَيت كَمَا لَو اكتريت فِي الْمِثَال الْمَذْكُور بِخَمْسَة عشر فالخمسة لَهُم. والنَّقْصُ بَيْنَ العَدَدَيْن إنْ وُجِدْ لهُ وَفَاءٌ مِن تُرَاثِ مَنْ فُقِد (وَالنَّقْص بَين العددين إِن وجد) كَمَا لَو اكتريت بِثمَانِيَة (لَهُ) أَي لذَلِك النَّقْص (وَفَاء من تراث من فقد) أَي مَاتَ فَيُؤْخَذ من التركه قدر النُّقْصَان وَيدْفَع للمكري عِنْد وُجُوبه لَهُ، وَبِالْجُمْلَةِ إِذا أَبى الْوَرَثَة من إتْمَام الْمدَّة على أَن الْكِرَاء فِي ذمتهم فَإِن الدَّار تكرى بِمَا أمكن من قَلِيل أَو كثير وَالزِّيَادَة لَهُم وَالنُّقْصَان يُوقف من التَّرِكَة بِقَدرِهِ إِن كَانَ فِيهَا وَفَاء بِهِ، وَيدْفَع للمكري عِنْد انْقِضَاء الْمدَّة فَإِن لم يكن فِيهَا وَفَاء بِهِ فقد ضَاعَ الْبَاقِي على الْمكْرِي لعدم وجود من يرجع بِهِ عَلَيْهِ هَذَا كُله فِي الْمَوْت. وَأما فِي الْفلس فللمكري أَخذ دَاره كَمَا مرّ، وَمَا ذكره النَّاظِم تبع فِيهِ ابْن رشد فِي فتواه بذلك، وَالْمَشْهُور خِلَافه (خَ) : وَحل بِهِ وبالموت مَا أجل وَلَو دين كِرَاء الخ. وَإِذا قُلْنَا بالمشهور وَإنَّهُ يحل غير المستوفي منفعَته فَفِي الْمَوْت يبْقى الْكِرَاء لَازِما للمكري وَالْوَرَثَة ويحاصص المكرى بِهِ إِن كَانَت عَلَيْهِ دُيُون وَلَا خِيَار لَهُ، وَأما فِي الْفلس فَيُخَير الْمكْرِي بَين أَن يسلم الْمَنْفَعَة للْغُرَمَاء ويحاصص بالكراء، وَبَين أَن يرجع فِي عين شَيْئه كُله إِن لم يسْتَوْف بِشَيْء من الْمَنْفَعَة، فَإِن استوفى بَعْضهَا حَاص بِمَا يُقَابل مَا استوفى مِنْهَا وَيُخَير فِيمَا إِذا لم يسْتَوْف فِي الرُّجُوع فِيمَا بَقِي من الْمَنْفَعَة وَفِي إِسْلَامه والمحاصة بِمَا ينوبه من الْكِرَاء، فَإِذا اكتراها سنة مثلا بِاثْنَيْ عشر دِينَارا ونقده سِتَّة دَنَانِير وَسكن سِتَّة أشهر وفلس، فَإِنَّهُ يُخَيّر فِي إِسْلَامه بَقِيَّة السُّكْنَى ويحاصص بالستة دَنَانِير الْبَاقِيَة، وَأخذ بَقِيَّة السُّكْنَى ورد منابها مِمَّا قبض وحاص بِمَا رد، فَإِن لم ينقده شَيْئا فَإِنَّهُ يحاصص بِمَا يُقَابل سِتَّة أشهر الَّتِي سكنها من غير خلاف وَيُخَير فِي السِّتَّة الْبَاقِيَة إِن شَاءَ رَجَعَ فِيهَا، ويحاصص بِمَا يُقَابل السِّتَّة المسكونة فَقَط، وَإِن شَاءَ أسلمها وحاص بِمَا يقابلها أَيْضا، وَيَأْخُذ مَا نابه فِي الحصاص معجلا على الْمَنْصُوص فِي الْمُدَوَّنَة، وَهُوَ الْمَشْهُور فَمحل الْخلاف والتشهير إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لم تستوف منفعَته، وَأما مَا استوفيت منفعَته فَمحل اتِّفَاق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 فرع: إِن بَاعَ صَاحب الدَّار دَاره بعد عقد الْكِرَاء فِيهَا وَقبل انْقِضَاء مدَّته فإمَّا أَن يَبِيعهَا من الْمُكْتَرِي أَو أَجْنَبِي، فَإِن بَاعهَا من أَجْنَبِي فَإِن لم يعلم بالكراء فَهُوَ عيب إِن شَاءَ رد أَو تمسك، وَإِن علم بِهِ فَلَا رد لَهُ وَلَا كِرَاء إِلَّا أَن يَشْتَرِطه وَإِن اشْتَرَطَهُ، فَإِن وَجب الْكِرَاء للْبَائِع أَو بعضه بِمُضِيِّ الْمدَّة فَلَا خلاف فِي الْمَنْع إِذا بِيعَتْ الدَّار بِذَهَب وَهُوَ ذهب وَلَا بالورق على قَول ابْن الْقَاسِم إِلَّا أَن يكون الثّمن نَقْدا، وَيكون أقل من صرف دِينَار وَإِن لم يجب شَيْء من الْكِرَاء على المُشْتَرِي للْبَائِع الْمَذْكُور لكَونه لم يمض من الْمدَّة شَيْء واشترطه فِي العقد، فَفِي جَوَازه قَولَانِ. فَابْن رزقون يُجِيزهُ وَوَافَقَهُ غَيره، ابْن رشد: وَهُوَ الْأَصَح، وَمِنْهُم من مَنعه وَنسبه لِابْنِ الْقَاسِم فِي الدمياطية، وَمِنْهُم من قَالَ: هُوَ للْمُبْتَاع اشْتَرَطَهُ أم لَا. وَأما إِن بَاعهَا من الْمُكْتَرِي فَقَالَ أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن وَأَبُو عمرَان الفاسي: هُوَ جَائِز وَهُوَ فسخ لما تقدم من الْكِرَاء فِي قَول ابْن عبد الرَّحْمَن، وَلما بَقِي من الْمدَّة من قَول أبي عمرَان بن سهل، وَجَوَاب أبي بكر أميل إِلَى الصَّوَاب اه. وَنَقله ابْن سَلمُون إِثْر مَا ذكره النَّاظِم، وَكَذَا نَقله (ح) مَعَ زِيَادَة عِنْد قَول (خَ) فِي الْإِجَارَة واستئجار مؤجر الخ. فَانْظُر. ثمَّ مَا تقدم فِي الْأَجْنَبِيّ إِنَّمَا يَقُول إِذا ثَبت عقد الْكِرَاء فِيهَا قبل بيعهَا بِبَيِّنَة، وَأما إِذا لم تقم بَيِّنَة وَإِنَّمَا أقرّ رَبهَا بِعقد الْكِرَاء فِيهَا قبل بيعهَا فَإِن قَوْله لَا يمْضِي على المُشْتَرِي لِأَن رَبهَا يتهم على فسخ البيع فِيهَا كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) فِي الْإِجَارَة بقوله: لَا بِإِقْرَار الْمَالِك الخ. وَانْظُر شرح الشَّامِل عِنْد قَوْله: أَوَاخِر الْإِجَارَة، وَلَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة بِإِقْرَار رَبهَا بِبَيْعِهَا وَنَحْوه الخ. وَانْظُر الكراس الْخَامِس من بُيُوع مُخْتَصر نَوَازِل الْبُرْزُليّ فِيمَن بَاعَ سلْعَة بعد بيعهَا من آخر، فقد أَطَالَ فِيهَا. وَمثله إِذا واجرها ثمَّ بَاعهَا، وَأَنه إِذا ثَبت ذَلِك بِبَيِّنَة فَهِيَ للْأولِ مُطلقًا، وَبِه تعلم أَن مَا فِي معاوضات المعيار عَن ابْن أبي زمنين من أَنَّهَا للْأولِ إِلَّا أَن يقبضهَا الثَّانِي، وَيحلف أَنه غير عَالم بشرَاء الأول فَيكون لَهُ خلاف الْأُصُول لِأَن الْعَاقِد هُنَا مُتحد وبسبب اتحاده لَا يتَصَوَّر فِيهِ أَنه غير عَالم بِالْبيعِ الأول، فَلَا يَصح قياسها على ذَات الوليين وَلَا على قَول (خَ) فِي الْوكَالَة: وَإِن بِعْت وَبَاعَ فَالْأول إِلَّا لقبض الخ. فَلَا تغتر بِمَا لِابْنِ أبي زمنين، وَقد ذكر (ح) فِي الضَّمَان عِنْد قَوْله: وَلم يبعد إثْبَاته أَن من أَخذ كَفِيلا بِدِينِهِ فَأَقَامَ شخص آخر بِبَيِّنَة أَنه كَانَ اسْتَأْجرهُ قبل ذَلِك أَن الْإِجَارَة أولى بِهِ، وَلَا يحبس فِي الدّين، وَمَا ذَاك إِلَّا لِأَنَّهُ بَاعَ مَنَافِعه أَولا من زيد فَلَا عِبْرَة بِمَا يعقده ثَانِيًا مَعَ عَمْرو مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال حق الأول، وَذكر فِي موت أحد الظئرين عَن اللَّخْمِيّ: أَن الظِّئْر إِذا ثَبت أَنَّهَا تكفلت قبل الْإِجَارَة وَوَجَب سجنها سجنت، وَإِن تكفلت بعد الْإِجَارَة لم تسجن. وَفِي امْرِىءٍ مُمَتَّعٍ فِي المَالِ يَمُوتُ قَبْلَ وَقْتِ الاسْتِغْلاَلِ (وَفِي امرىء) خبر مقدم عَن قَوْله قَولَانِ بعده (ممتع فِي المَال) أَي متعته زَوجته بعد عقد النِّكَاح بِأَرْض يحرثها مثلا على أَنه لم يشْتَرط عَلَيْهَا ذَلِك التمتيع أَو انطوت ضمائرهما عَلَيْهِ فِي العقد، وإلاَّ فسد النِّكَاح كَمَا مرّ فِي قَوْله: وَيفْسد النِّكَاح بالإمتاع فِي عقدته وَهُوَ على الطوع اقتفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 (يَمُوت) صفة بِالْجُمْلَةِ بعد الْمُفْرد (قبل وَقت الاستغلال) الَّذِي هُوَ طيب الزَّرْع وحصاده وَبعد الزِّرَاعَة. وقامَتِ الزَّوْجَةُ تَطْلُبُ الكِرا قَوْلاَنِ والفَرْقُ لِمَنْ تَأَخَّرَا (وَقَامَت الزَّوْجَة تطلب الكرا) الْوَاجِب لأرضها فِي الْأَيَّام الْبَاقِيَة بعد موت الزَّوْج إِلَى طيب الزَّرْع لِأَنَّهَا إِنَّمَا متعت الزَّوْج لَا ورثته (قَولَانِ) أَحدهمَا لَا كِرَاء لَهَا. وَهُوَ قَول ابْن حبيب فِي الْعُمْرَى الَّتِي هِيَ كالتمتيع فِي هبة الْمَنْفَعَة لمُدَّة مَجْهُولَة تَنْتَهِي بِوُقُوع أَمر مَجْهُول الْوَقْت، فَلَا فرق بَين أَن يسكنهُ عمره أَو حَيَاة فلَان، أَو إِلَى قدومه، أَو يمتعه كَذَلِك فَمَا قيل فِي أحد هَذِه الْوُجُوه يُقَال فِي بقيتها كَمَا فِي (م) . وَالْقَوْل الثَّانِي لَهَا مَا ينوبها من كِرَاء الْجُمْلَة فِي الْمدَّة الَّتِي بَين الْمَوْت وَالطّيب، وَهُوَ لِابْنِ حبيب عَن غَيره. قَالَ الشَّارِح: وَوَجهه ظَاهر. (و) ثَالِثهَا (الْفرق) بَين أَن يَمُوت بعد فَوَات أبان الزِّرَاعَة فَلَا كِرَاء لَهَا أَو قبل فَوَاته فلهَا الْكِرَاء، وَهَذَا القَوْل (ل) بعض (من تأخرا) وَهُوَ مُحَمَّد بن بكر شيخ أبي سعيد كَمَا يَأْتِي، ثمَّ ذكر النَّاظِم أَن القَوْل بمنعها من الْكِرَاء هُوَ الظَّاهِر، وَأَن شَيْخه أَبَا سعيد بن لب رَحمَه الله رَجحه فَقَالَ: وحالَةُ المَنْع هِيَ المُسْتَوْضَحَة وَشَيْخُنا أبُو سعيدٍ رَجّحَه (وَحَالَة الْمَنْع) من الْكِرَاء (هِيَ المستوضحة) الظَّاهِرَة (وَشَيخنَا أَبُو سعيد) وَهُوَ فرج بن قَاسم بن لب الثَّعْلَبِيّ الأندلسي شيخ شُيُوخ غرناطة وخطيب جَامعهَا الْأَعْظَم انْفَرد برئاسة الْعلم، وَكَانَ إِلَيْهِ المفزع فِي الْفَتْوَى كتب إِلَيْهِ بعض ملاعين الْيَهُود مَا نَصه: أيا عُلَمَاء الدّين ذمِّي دينكُمْ تحير دلوه بأوضح حجَّة اذا مَا قضى رَبِّي بكفري بزعمكم وَلم يرضه مني فَمَا وَجه حيلتي قضى بضلالي ثمَّ قَالَ ارْض بالقضا فها أَنا رَاض بِالَّذِي فِيهِ شقوتي دَعَاني وسد الْبَاب دوني فَهَل إِلَى دخولي سَبِيل بينوا لي قصتي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 إِذا شَاءَ رَبِّي الْكفْر مني مَشِيئَة فَهَل أَنا عَاص بِاتِّبَاع الْمَشِيئَة وَهل لي اخْتِيَار أَن أُخَالِف حكمه فبالله فاشفوا بالبراهين علتي فَأَجَابَهُ أَبُو سعيد رَحمَه الله بنظم طَوِيل حَسْبَمَا فِي جَامع المعيار وَهَذَا مِنْهُ: قضى الرب كفر الْكَافرين وَلم يكن ليرضاه تكليفاً لَدَى كل مِلَّة نهى خلقه عَمَّا أَرَادَ وُقُوعه وإنفاذه وَالْملك أبلغ حجَّة فنرضى قَضَاء الرب حكما وَإِنَّمَا كراهتنا مصروفة للخطيئة إِلَى أَن قَالَ: دَعَا الْكل تكليفاً ووفق بَعضهم فَخص بِتَوْفِيق وَعم بدعوة ... الخ. وَمعنى قَوْله: فنرضى قَضَاء الرب الخ. أَي: نرضى بِقَضَائِهِ سُبْحَانَهُ من جِهَة حكمه ونكرهه من جِهَة كَونه خَطِيئَة، فالرضا بِقَضَائِهِ بالمعصية وَحكمه بهَا مَصْرُوف لما مضى من الزَّمَان، وبالنسبة للمستقبل يجب الإقلاع عَنْهَا وَعدم الثَّبَات عَلَيْهَا لِأَن الْمعْصِيَة لم يرض الله تَعَالَى أَن يتدين بهَا عباده، والإقلاع عَنْهَا فِي طوقهم قَالَ تَعَالَى: وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر} (الزمر: 7) وَقَالَ: إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر} (الْقَمَر: 49) (رَجحه) لِأَنَّهُ بحرث الأَرْض وزراعتها حَاز مَنْفَعَة السّنة كلهَا، فَلم يمت إِلَّا وَالْمَنْفَعَة فِي ملكه، ثمَّ بَين القَوْل الثَّالِث الْمُتَقَدّم فِي قَوْله: وَالْفرق لمن تَأَخّر فَقَالَ: وشَيْخُهُ مُحَمَّدُ بنُ بَكرِ إِلَى الوَفاةِ مَالَ عِنْدَ النَّظَرِ (وَشَيْخه) أَي شيخ أبي سعيد وَهُوَ القَاضِي أَبُو عبد الله (مُحَمَّد بن بكر) بِفَتْح الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْكَاف الْمَفْتُوحَة (إِلَى الْوَفَاة مَال عِنْد النّظر) أَي مَال عِنْد نظره فِي الْمَسْأَلَة إِلَى اعْتِبَار وَقت الْوَفَاة، وَرجح اعْتِبَار ذَلِك وَقَالَ بِهِ فالمجرور بإلى يتَعَلَّق بِالنّظرِ. فإنْ تَكُنْ وَالاِزْدِرَاعُ قَدْ مَضَى إبَّانُهُ فَلاَ كِرَاءَ يُقْتَضَى (فَإِن تكن) الْوَفَاة (و) الْحَال أَن (الازدراع قد مضى أبانه فَلَا كِرَاء يقتضى. وإنْ تَكُنْ وَوقْتُ الازْدرَاعِ باقٍ فمَا الكِرَاءُ ذُو امْتنَاعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 وَإِن تكن وَوقت الازدراع. بَاقٍ فَمَا الْكِرَاء ذُو امْتنَاع) . وَوجه هَذَا القَوْل الْحمل على الِاسْتِحْقَاق، وَالظَّاهِر أَن القَوْل الأول لَا يُخَالف فِي هَذَا إِلَّا أَن يُقَال: إِن هَذَا ينظر لفَوَات الأبان وَعَدَمه وَالْأول ينظر للزِّرَاعَة فَإِذا زَرعهَا فَلَا كِرَاء عَلَيْهِ وَلَو لم يفت الأبان وَالله أعلم. وَفِي الطّلاَقِ زرْعُهُ لِلزَّارِعِ ثُمَّ الكِرَاءُ مَا لَهُ مِنْ مَانِعِ (وَفِي الطَّلَاق) يَقع من الزَّوْج الممتع بعد أَن زرع الأَرْض، وَقبل الطّيب الثَّلَاثَة الْأَقْوَال الْمُتَقَدّمَة اقْتصر النَّاظِم فِيهَا على الثَّانِي مِنْهَا وَهُوَ أَن (زرعه للزارع) وَهُوَ الزَّوْج (ثمَّ الْكِرَاء) لباقي الْمدَّة أَي مَا ينوبها من كِرَاء الْجُمْلَة (مَا لَهُ من مَانع) يمْنَع وُجُوبه على الزَّوْج لِأَن التمتيع وَقع فِي تَحْسِين الْعشْرَة وَلَيْسَ بعد الطَّلَاق عشرَة يصانع عَلَيْهَا، فالأقوال الثَّلَاثَة الَّتِي فِي موت الزَّوْج جَارِيَة فِي طَلَاقه، وباقتصار النَّاظِم على وجوب الْكِرَاء هُنَا يعلم أَن الرَّاجِح فِي الْمَوْت هُوَ وُجُوبه أَيْضا فحقه أَن يقْتَصر عَلَيْهِ هُنَاكَ أَو يَقُول: وَحَالَة الكرا هِيَ المستوضحة الخ. فَمَا رَجحه أَبُو سعيد هُنَالك لَا يَخْلُو عَن بحث كَمَا قَالَه الشَّارِح فِي موت الزَّوْجَة. هَذَا كُله إِن طلق بعد الزِّرَاعَة وَإِن طلق قبل أَن يَزْرَعهَا. وخُيِّرَتْ فِي الْحرْثِ إِلَى إعْطاءِ قِيمَتِهِ والأخْذِ لِلْكِرَاءِ (و) بعد أَن حرثها أَي قَلبهَا (خيرت) الزَّوْجَة (فِي الْحَرْث) أَي (فِي إِعْطَاء قِيمَته) وَتَأْخُذ أرْضهَا وَفِي تَركه للزَّوْج (وَالْأَخْذ للكراء) وَاللَّام للتعدية كَقَوْلِه تَعَالَى: فعال لما يُرِيد} ومصدقا لما مَعكُمْ} (النِّسَاء: 47) وَفِي إِعْطَاء بدل مِمَّا قبله هَذَا حكم موت الزَّوْج وطلاقه، وَأما إِن مَاتَت الزَّوْجَة فَهُوَ قَوْله: وَحَيْثُمَا الزَّوْجَةُ مَاتَتْ فالكِرا عَلَى الأصَحِّ لازِمٌ مَنْ عَمَّرَا (وحيثما الزَّوْجَة) الَّتِي متعت زَوجهَا (مَاتَت) بعد الْحَرْث وَقبل الزِّرَاعَة أَو بعد الزِّرَاعَة وَقبل الطّيب (فالكرا) ء كُله فِي الأولى أَو مَا يَنُوب بَاقِي الْمدَّة (على الْأَصَح لَازم من عمرا) الأَرْض وحرثها وَهُوَ الزَّوْج لِأَنَّهَا إِنَّمَا أمتعته مَنْفَعَة مَا تملكه، وَقد زَالَ ملكهَا بموتها، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يَشَاء وارثها فِي مَوتهَا بعد الْحَرْث وَقبل الزِّرَاعَة أَن يدْفع لَهَا قيمَة حرثه فَلهُ ذَلِك كَمَا مرّ فِي الطَّلَاق، وَمُقَابل الْأَصَح قَولَانِ عدم لُزُوم الْكِرَاء أصلا وَالْفرق بَين فَوَات الأبان وَعدم فَوَاته، فالأقوال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 الثَّلَاثَة الَّتِي فِي موت الزَّوْج جَارِيَة فِي موت الزَّوْجَة أَيْضا كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَنَقله الشَّارِح قَائِلا: وَمن هُنَا يظْهر أَن من أوجب الْكِرَاء فِي مَوته يُوجِبهُ فِي مَوتهَا لِأَن الْحق قد انْتقل للْغَيْر فِي الصُّورَتَيْنِ، فَمَا رَجحه أَبُو سعيد فِي موت الزَّوْجَة لَا يَخْلُو من بحث اه. بِمَعْنَاهُ. ثمَّ إِذا قُلْنَا بِلُزُوم الْكِرَاء فِي هَذِه الصُّورَة فَإِنَّمَا يلْزمه من كِرَاء الْجُمْلَة. بِقَدْرِ مَا بَقِيَ للحَصَادِ مِنْ بَعْدِ رَعْي حَظِّهِ الْمُعْتَادِ (بِقدر) مَا يَنُوب (مَا بَقِي) من الْمدَّة بعد الْمَوْت وَالطَّلَاق (للحصاد) كَمَا مر تَقْرِيره إِلَّا أَنه فِي مَوتهَا يُرَاعِي إِرْثه مِنْهَا فيحط عَنهُ من ذَلِك الْكِرَاء اللَّازِم لَهُ قدر إِرْثه مِنْهُ كَمَا قَالَ: (من بعد رعي حَظه الْمُعْتَاد) لَهُ فِي إِرْثه مِنْهَا وَهُوَ النّصْف مَعَ فقد الْوَلَد وَالرّبع مَعَ وجوده فيحط عَنهُ وَيلْزمهُ الْبَاقِي فَقَوله: بِقدر مَا بَقِي الخ. رَاجع لجَمِيع مَا مرّ وَقَوله: من بعد رعى حَظه الخ. خَاص بِمَوْت الزَّوْجَة، وَقد تبين أَن النَّاظِم رجح لُزُوم الْكِرَاء فِي الطَّلَاق وموتها دون مَوته هُوَ، وَقد علمت أَن عدم لُزُومه فِي مَوته مبحوث فِيهِ. وإنْ تَقَعْ وَقَدْ تَنَاهَى الفُرْقَه فالزَّوْجُ دُونَ شَيْءٍ اسْتَحَقَّهُ (وَأَن تقع) الْفرْقَة بموتها أَو مَوته أَو طَلَاقه (و) الْحَال أَنه (قد تناهى) الزَّرْع وطاب ويبس فَقَوله (الفرقه) فَاعل تقع (فالزوج) أَو وَارثه (دون شَيْء) من الْكِرَاء (اسْتَحَقَّه) أَي الزَّرْع قَالَه ابْن سَلمُون وَغَيره. وَنُزِّلَ الوَارِثُ فِي التَّأْنِيثِ وَعَكْسِهِ منْزِلَة المَوْرُوثِ (وَنزل الْوَارِث فِي التَّأْنِيث) وَهُوَ موت الزَّوْجَة (وَعَكسه) وَهُوَ موت الزَّوْج (منزلَة الْمَوْرُوث) فَلَا كِرَاء إِن كَانَ الْمَوْت بعد الطّيب وتجري الْأَقْوَال الثَّلَاثَة فِيمَا إِذا كَانَ قبله. وَهَذَا الْبَيْت قَلِيل الجدوى لعلم حكمه مِمَّا مر. تَنْبِيه: فَإِن أمتعت الزَّوْجَة زَوجهَا بكرم أَو ثَمَرَة فَإِن وَقعت الْفرْقَة بِشَيْء مِمَّا ذكر بعد بَدو الصّلاح فِي الْكَرم أَو طيب الثَّمَرَة فالغلة للزَّوْج أَو لوَرثَته، وَإِن كَانَ الْفِرَاق قبل ذَلِك فالغلة للزَّوْجَة أَو لورثتها قَالَه ابْن سَلمُون فِي فصل الْمُتْعَة أَوَائِل النِّكَاح مِنْهُ قَالَ: وَهَكَذَا حكم الْحَبْس والعمرى المراعى فيهمَا بَدو الصّلاح وَظُهُور الطّيب، وَكَذَلِكَ حكم الِاسْتِحْقَاق وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 وَمرَاده بِالْحَبْسِ الْحَبْس الموقت بحياة الْمحبس عَلَيْهِ قَالَ: إِلَّا أَن الزَّوْج مَتى كَانَت الْغلَّة للزَّوْجَة أَو ورثتها لَا يرجع بِمَا سقى وعالج اه. وَاخْتَارَ أَبُو سعيد بن لب أَنه يرجع بِقِيمَة سقيه وعلاجه كَمَا فِي الشَّارِح واليزناسني. (فصل فِي اخْتِلَاف الْمكْرِي والمكتري) وهما كَمَا قَالَ (ت) : إِمَّا فِي قدر الْمدَّة وَعَلِيهِ تكلم فِي الأبيات الْخمس الأول، أَو فِي الْقَبْض وَالْجِنْس وَعَلَيْهِمَا تكلم فِي الْبَيْت الْأَخير، أَو فِي قدر الْكِرَاء وَعَلِيهِ تكلم فِيمَا بَينهمَا. القَوْلُ لِلْمُكرِي مَعَ الحَلْفِ اعْتُمِدْ فِي مُدَّةِ الكِراءِ حَيْثُ يَنْتَقِدْ (القَوْل للمكري مَعَ الْحلف) بِسُكُون اللَّام (اعْتمد) فِيمَا إِذا اخْتلفَا (فِي مُدَّة الْكِرَاء) فَقَالَ الْمكْرِي بدرهم لشهر، وَقَالَ الْمُكْتَرِي: بل بدرهم لشهرين وَهَذَا (حَيْثُ ينْتَقد) أَي يقبض الْمكْرِي الْكِرَاء الَّذِي هُوَ الدِّرْهَم فِي الْمِثَال الْمَذْكُور، وَظَاهره سَوَاء سكن الْمُكْتَرِي الشَّهْر الَّذِي يَدعِيهِ الْمكْرِي أَو لم يسكنهُ أشبه فِيمَا يَدعِيهِ إِن قَالَ النَّاس مثل تِلْكَ الدَّار تكرى بِمَا قَالَ لتِلْك الْمدَّة الَّتِي يدعيها أَو لم يشبه، وَهُوَ ظَاهر ابْن سَلمُون والمتيطي، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ، وَأما إِن سكن الشَّهْرَيْنِ فَالْقَوْل قَول الْمُكْتَرِي (ح) : لترجح جانبة بحيازة السُّكْنَى الَّتِي يدعيها، وَمَفْهُوم قَوْله: حَيْثُ ينْتَقد أَنه إِذا لم يكن الْمكْرِي انتقد الْكِرَاء وَلَا قَبضه فَإِنَّهُ تعْتَبر السُّكْنَى حِينَئِذٍ كَمَا قَالَ: وَمَعْ سُكْنَى مُكْتَرِ وَمَا نَقَدْ تحَالفا والفَسْخُ فِي بَاقِي الأَمَدْ (و) إِن اخْتلفَا (مَعَ) وجود (سُكْنى مكتر) بعض الْمدَّة (و) الْحَال أَنه (مَا نقد) للمكري شَيْئا من الْكِرَاء (تحَالفا) وَيبدأ الْمكْرِي بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُ البَائِع للمنافع (و) يجب (الْفَسْخ فِي بَاقِي الأمد. ثمَّ يؤدِّي مَا عَليهِ حَلَفا فِي أمدِ السّكنَى الذِي قَدْ سَلَفَا ثمَّ يُؤَدِّي) الْمُكْتَرِي (مَا عَلَيْهِ حلفا. فِي أمد السُّكْنَى الَّذِي قد سلفا) فَإِن اخْتلفَا بعد أَن سكن نصف الشَّهْر فِي الْمِثَال الْمَذْكُور فَإِنَّهُ يُؤَدِّي ربع الدِّرْهَم وَبعد سكناهُ الشَّهْر وَالنّصف الآخر يُؤَدِّي ثَلَاثَة أَرْبَاعه. وَإِن يكُونا قبل سُكْنَى اختلَفَا فالفسخُ مهما نكَلا أَو حَلَفا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 (وَإِن يَكُونَا قبل سُكْنى اخْتلفَا) والموضوع بِحَالهِ من كَون الْمُكْتَرِي لم ينْقد شَيْئا (فالفسخ) أَيْضا (مهما نكلا) مَعًا (أَو حلفا) مَعًا فَإِن حلف أَحدهمَا وَنكل الآخر فِي هَذِه أَو فِي الَّتِي قبلهَا قضى للْحَالِف على الناكل كَمَا قَالَ: والقَوْلُ فِي ذلِك قولُ الحالِفِ فِي لاحِقِ الزَّمانِ أَوْ فِي السالِفِ (وَالْقَوْل فِي ذَلِك قَول الْحَالِف) وَحده إِذا نكل صَاحبه سَوَاء اخْتلفَا بعد السُّكْنَى أَو قبلهَا وَقَوله: (وَفِي لَاحق الزَّمَان أَو فِي السالف) خَاص بالاختلاف بعد السُّكْنَى وَالِاخْتِلَاف فِي قدر مُدَّة الأَرْض المكتراة سِنِين كالاختلاف فِي قدر مُدَّة السُّكْنَى، وَمَا ذكره النَّاظِم فِي هَذِه الأبيات مثله فِي ابْن سَلمُون والمتيطية والنوادر، وظاهرهم أَنه لَا ينظر فِي ذَلِك لشبه، وَالظَّاهِر إِنَّه لَا بُد مِنْهُ كَمَا قَالُوهُ فِيمَا إِذا اخْتلفَا فِي قدر الْأُجْرَة وَقدر الْمدَّة الْمشَار لَهَا بقول (خَ) : وَإِن قَالَ اكتريت عشر سِنِين بِخَمْسِينَ، وَقَالَ الْمكْرِي: بل خمس سِنِين بِمِائَة حلفا وَفسخ حَيْثُ لم يزرع وَلم يسكن، وَإِن زرع بعض السنين أَو سكن بَعْضهَا فلربها مَا أقرَّ بِهِ الْمُكْتَرِي أَن أشبه وَحلف وإلاَّ فَقَوْل رَبهَا إِن أشبه وَإِن لم يشبها حلفا وَوَجَب كِرَاء الْمثل فِيمَا مضى وَفسخ الْبَاقِي مُطلقًا وَإِن نَقْدا وأشبها مَعًا أَو الْمكْرِي فَقَط فتردد هَل هُوَ كالمتقدم فِي قبُول قَول الْمكْرِي بِيَمِينِهِ وَيَأْخُذ بِحِسَاب دَعْوَاهُ فِيمَا مضى وَيفْسخ الْبَاقِي أَو يعْمل بقوله وَلَا فسخ؟ وَيلْزم الْمُكْتَرِي إتْمَام الْمدَّة بِجَمِيعِ الْمِائَة، وَأما إِذا نَقْدا وَلم يشبها مَعًا أَو أشبه الْمُكْتَرِي فَقَط فَحكم ذَلِك حكم مَا ذكر فِيمَا إِذا لم ينْقد، وَإِنَّمَا قُلْنَا: الظَّاهِر إِنَّه لَا بُد من اعْتِبَار الشّبَه فِيمَا إِذا كَانَ الِاخْتِلَاف فِي قدر الْمدَّة فَقَط الَّذِي ذكره النَّاظِم لِأَنَّهُ يلْزم من الِاخْتِلَاف فِي الْمدَّة الِاخْتِلَاف فِي قدر الْأُجْرَة، وَلذَا قَالُوا: يُؤَدِّي فِيمَا سكن بِحِسَاب مَا قَالَ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يلْزم من اعْتِبَار الشّبَه فِي الِاخْتِلَاف فِي قدر الْأُجْرَة والمدة اعْتِبَاره فِي قدر الْأُجْرَة فَقَط أَو الْمدَّة فَقَط وَإِنَّمَا تَركه من تَركه للْعلم بِهِ لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَن الشّبَه من مرجحات الدَّعْوَى، وَعَلِيهِ فَقَوْل النَّاظِم: حَيْثُ ينْتَقد يَعْنِي وأشبه، وَيلْزم الْمُكْتَرِي إِن لم يسكن إتْمَام الْمدَّة بِمَا قَالَ الْمكْرِي: كَمَا هُوَ أحد شقي التَّرَدُّد. وَقَوله: ثمَّ يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ حلفا يَعْنِي: إِذا أشبه فِيمَا يَدعِيهِ من الْمدَّة، وإلاَّ فَالْقَوْل لِرَبِّهَا وَيَأْخُذ من الْكِرَاء لماضي الْمدَّة بِحِسَاب مَا قَالَ وَيفْسخ الْبَاقِي لِأَن شِرَاء الْمَنَافِع كَشِرَاء الذوات فَمَا فَاتَ مِنْهَا يصدق فِيهِ المُشْتَرِي إِن أشبه وإلاَّ صدق البَائِع وَيفْسخ العقد فِيمَا لم يفت مِنْهَا وَهُوَ معنى قَول (خَ) فِي البيع: وَصدق مُشْتَر ادّعى الْأَشْبَه وَحلف إِن فَاتَ الخ. وَقَوله: وَإِن يَكُونَا قبل سُكْنى الخ. يَعْنِي وَلَا ينظر هُنَا لشبه لعدم فَوَات الْمَنَافِع وَالله أعلم. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الِاخْتِلَاف فِي الْقدر فَقَالَ: وَإِن يكُنْ فِي القَدْر قَبْلَ السُّكْنى تحالَفا والفَسْخُ بَعْدُ سُنَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 (وَإِن يكن) الِاخْتِلَاف (فِي الْقدر) للكراء كَأَن يَقُول الْمكْرِي بِعشْرَة وَيَقُول الْمُكْتَرِي بِثمَانِيَة فَإِن كَانَ ذَلِك (قبل السُّكْنَى. تحَالفا وَالْفَسْخ بعد) أَي بعد حلفهما (سنا) أَي شرع، وَظَاهره أَنه لَا ينظر لشبه وَلَا لنقد وَهُوَ كَذَلِك لعدم فَوَات الْمَنَافِع كَمَا فِي البيع. وإنْ يكن من بعدِ سُكْنَى أَقْسَمَا وفسْخُ باقِي مُدَّةٍ قد لَزِمَا (وَإِن يكن) الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور (من بعد سُكْنى) بعض الْمدَّة أَو زراعة بَعْضهَا (أقسما) أَي حلفا مَعًا (وَفسخ بَاقِي مُدَّة قد لزما. وَحِصَّةُ السكْنَى يُؤْدِّي المكْتَرِي إنْ كَانَ لَمْ يَنْقُد لماضي الأَشْهُرِ وَحِصَّة) مُدَّة (السُّكْنَى) والزراعة الْمَاضِيَة (يُؤَدِّي الْمُكْتَرِي) من حِسَاب مَا قَالَ وَهُوَ الثَّمَانِية فِي الْمِثَال لِأَنَّهُ يصدق فِيمَا مضى وَفَاتَ إِذا أشبه كَمَا مرّ سَوَاء أشبه الْمكْرِي أم لَا. فَإِن انْفَرد الْمكْرِي بالشبه فَيَأْخُذ لماضي الْمدَّة من حِسَاب مَا قَالَ وَهُوَ الْعشْرَة بعد يَمِينه، وَإِن لم يشبها حلفا وَوَجَب كِرَاء الْمثل فِيمَا مضى وَمحل الْفَسْخ فِي الْبَاقِي وتصديق الْمُكْتَرِي عِنْد شبهه (إِن كَانَ لم ينْقد لباقي الْأَشْهر) فَإِن نقد خَمْسَة مثلا وَقَالَ: هَذَا المنقود هُوَ كِرَاء السّنة كلهَا، وَقَالَ الآخر: بل هُوَ كِرَاء سِتَّة أشهر مِنْهَا وَبَقِي لي عنْدك من تَمام كِرَاء السّنة خَمْسَة أُخْرَى فَإِن أشبها مَعًا أَو الْمكْرِي فَقَط جَاءَ التَّرَدُّد الْمُتَقَدّم هَل يصدق الْمكْرِي بِيَمِينِهِ وَيَأْخُذ لماضي الْمدَّة بِحِسَاب مَا قَالَ وَهُوَ الْعشْرَة وَيفْسخ بَاقِي الْمدَّة أَو يعْمل بقوله فِي الْمَاضِي والمستقبل وَيلْزم الْمُكْتَرِي إتْمَام الْمدَّة بِجَمِيعِ الْكِرَاء؟ وَأما إِذا نَقْدا وَلم يشبها مَعًا أَو أشبه الْمُكْتَرِي فَقَط فَفِي الأولى يجب عَلَيْهِ كِرَاء الْمثل فِيمَا مضى وَيفْسخ الْبَاقِي، وَفِي الثَّانِيَة يكون عَلَيْهِ فِيمَا مضى بِحِسَاب مَا قَالَ، وَينظر إِلَى الدَّار فَإِن احتملت الْقِسْمَة وَلَا ضَرَر على الْمُكْتَرِي فِي سُكْنى نصفهَا سكنها فِي نصف الْخَمْسَة الْبَاقِيَة فِي الْمِثَال، وَإِن كَانَ عَلَيْهِ ضَرَر فسخت بَقِيَّة الْمدَّة ورد المكرى عَلَيْهِ نصف الْخَمْسَة المقبوضة قَالَه المتيطي إِلَّا إِنَّه لم يُقيد بالشبه، وَقد علمت أَنه لَا بُد مِنْهُ وَهُوَ معَارض لما مرّ عَن (خَ) من أَنه يفْسخ الْبَاقِي مُطلقًا، وَمن أَنه إِنَّمَا يصدق فِي الْمَاضِي مَعَ الشّبَه والفوات وَالله أعلم. والقَوْلُ من بعدِ انْقِضَاء الأَمَدِ لِلْمُكْتَري والحَلْفُ إنْ لَمْ يَنْقُدِ (وَالْقَوْل) فِيمَا إِذا اخْتلفَا فِي قدر الْأُجْرَة كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع (من بعد انْقِضَاء الأمد) أَي وَهُوَ أمد الْكِرَاء (للمكتري) بِشَرْط الشّبَه كَمَا مرّ لِأَنَّهُ مُعْتَبر مَعَ فَوَات كل الْمَنَافِع أَو بَعْضهَا، وبشرط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 أَن يحلف وَأَن لَا يكون نقد شَيْئا كَمَا قَالَ: (وَالْحلف إِن لم ينْقد) فَإِن لم يشبه بل أشبه الْمكْرِي وَحده وَنكل الْمُكْتَرِي عَن الْيَمين أَو كَانَ نقد الْعشْرَة مثلا، وَزعم بعد انْقِضَاء الْمدَّة أَن الْكِرَاء إِنَّمَا هُوَ خَمْسَة مِنْهَا والخمسة الْأُخْرَى قرض أَو وَدِيعَة، فَالْقَوْل للمكري إِن الْجَمِيع كِرَاء بِيَمِينِهِ إِن أشبه وَإِن لم يشبها حلفا وَوَجَب كِرَاء الْمثل، ثمَّ شبه فِي كَون القَوْل للمكتري مَا إِذا اتفقَا على الْأُجْرَة وَقدر الْمدَّة وَإِنَّمَا اخْتلفَا فِي انْقِضَائِهَا فَقَالَ: كَذَاكَ حُكْمُهُ مَعَ ادعائِهِ لِقدْرِ باقِي مُدَّةِ اكْتِرَائِهِ (كَذَاك حكمه) أَي الْمُكْتَرِي (مَعَ ادعائه لقدر) اللَّام زَائِدَة (بَاقِي مُدَّة اكترائه) لَو قَالَ بَقَاء قدر مُدَّة اكترائه لَكَانَ أحسن وَسلم من زِيَادَة اللَّام. وَاعْلَم أَنه لَا يَتَأَتَّى الِاخْتِلَاف فِي انْقِضَاء الْمدَّة إِلَّا بالاختلاف فِي مبدئها، وَمحل كَون القَوْل للمكتري بِيَمِينِهِ إِذا أشبه الآخر أم لَا؟ فَإِن أشبه الْمكْرِي فَقَوله بِيَمِينِهِ وَإِن لم يشبها حلفا وَوَجَب كِرَاء الْمثل فِيمَا مضى، وَإِن وَقع الِاخْتِلَاف قبل أَن يمْضِي شَيْء من الْمدَّة حلفا وتفاسخا وَلَا ينظر لشبه لعدم فَوَات الْمَنَافِع، فَإِن أَقَامَ كل الْبَيِّنَة قدمت بَيِّنَة الْمكْرِي لتقدم تاريخها، وَهَذَا الحكم عَام فِي الْكِرَاء وَالْبيع. (خَ) : وَإِن اخْتلفَا فِي انْتِهَاء الْأَجَل فَالْقَوْل لمنكر التقضي الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى اخْتِلَافهمَا فِي جنس الْكِرَاء أَو قَبضه فَقَالَ: والقولُ فِي الْقَبْض وَفي الْجِنْسِ لِمَنْ شَاهدُه مَعْ حَلْفِهِ حَالُ الزمَنْ (وَالْقَوْل) فِي الِاخْتِلَاف (فِي الْقَبْض وَفِي) الِاخْتِلَاف فِي (الْجِنْس لمن شَاهده مَعَ حلفه حَال الزَّمن) بِالرَّفْع خبر عَن شَاهده وَمَعَ حلفه حَال من القَوْل، فَإِذا اخْتلفَا فِي جنس الْكِرَاء فَزعم الْمكْرِي أَنه بِالدَّنَانِيرِ، وَزعم الآخر أَنه بِعرْض، فَإِنَّهُ ينظر لعرف الْبَلَد فِي مثل ذَلِك الْكِرَاء من كَونه بِالدَّنَانِيرِ أَو بِالْعرضِ، فَمن شهد لَهُ عرف الْبَلَد مِنْهُمَا صدق مَعَ يَمِينه كَمَا مر فِي البيع فِي التَّنْبِيه الثَّانِي عِنْد قَوْله: بأضرب الْأَثْمَان والآجال. أَنه لَا فرق بَين بيع الذوات وَالْمَنَافِع، وَأما إِذا اخْتلفَا فِي الْقَبْض فَإِنَّهُ ينظر للقرب والبعد، فَإِن كَانَ الْكِرَاء مشاهرة أَو مسانهة وَدفع بِبَيِّنَة كِرَاء شهر معِين أَو سنة مُعينَة فَذَلِك بَرَاءَة لما قبل ذَلِك من الشُّهُور والسنين كَمَا مر فِي كِرَاء الدّور فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 التَّنْبِيه الثَّالِث، وَإِن لم يدْفع كِرَاء شهر معِين وَلَا سنة بِعَينهَا فَالْقَوْل للمكتري فِيمَا مضى إِلَّا فِي الشَّهْر الْأَخير وَالسّنة الْأَخِيرَة، فَالْقَوْل لرب الدَّار إِن قَامَ بحدثان ذَلِك فَإِن تطاول ذَلِك حَتَّى حَال نَحْو الشَّهْر فِي الشُّهُور وَالسّنة فِي السنين، فالمكتري مُصدق مَعَ يَمِينه قَالَه ابْن سَلمُون وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة قَائِلا وَبِه الْعَمَل، وَكَذَلِكَ قيام الصناع بعد رد الْمَتَاع ثمَّ يطْلبُونَ بعد ذَلِك أجرتهم يفصل فِيهِ بَين الْقرب والبعد، وَالْعَمَل بفاس أَن يقبل قَول الْمكْرِي فِي الثَّلَاثَة الْأَشْهر الْأَخِيرَة أَنه لم يقبض كراءها مَعَ يَمِينه كَمَا فِي الْمجَالِس المكناسية وَلَا يقبل قَوْله فِيمَا زَاد عَلَيْهَا، فَقَوْل النَّاظِم حَال الزَّمن يَعْنِي يعْتَبر فِي كل مَا يَلِيق بِهِ، فَفِي الْقَبْض يعْتَبر الْقرب والبعد فِي الزَّمَان، وَفِي الْجِنْس يعْتَبر عرف الْبَلَد فِي ذَلِك الزَّمَان وَالله أعلم. تَنْبِيه: فَإِن لم يبينا فِي عقد الْكِرَاء وَقت أَدَائِهِ وَاخْتلفَا فِيهِ فَقَالَ الْمُكْتَرِي: تعجله فِي أول الشَّهْر، وَقَالَ الْمكْرِي فِي آخِره حملا على عرف الْبَلَد كَمَا قَالَ (خَ) : وَعجل إِن عين أَو بِشَرْط أَو عَادَة الخ. فَإِن لم يكن عرف لزمَه أَن يُؤَدِّي فِي كل يَوْم بِحِسَابِهِ. (فصل فِي كِرَاء الرَّوَاحِل) جمع رَاحِلَة وَهِي النَّاقة النجيبة الْكَامِلَة الْخلق الْحَسَنَة المنظر المدربة على الرّكُوب وَالسير وَالْحمل، بِهَذَا فسر عِيَاض قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (النَّاس كإبل مائَة لَا تكَاد تَجِد فِيهَا رَاحِلَة) عِيَاض: وَأَصلهَا من الرحل الْمَوْضُوع عَلَيْهَا اه. وَالْمرَاد بهَا هُنَا الدَّابَّة من حَيْثُ هِيَ من فرس وبغل وحمار وجمل. (والسفن) جمع سفينة. وَفِي الرَّوَاحِلِ الكِرَاءُ والسُّفُنُ عَلَى الضَّمانِ أَوْ بِتَعْيِينِ حَسَنُ (وَفِي الرَّوَاحِل الْكِرَاء) مُبْتَدأ وَالْمَجْرُور قبله مُتَعَلق بِهِ (والسفن) جمع سفينة عطف على الرَّوَاحِل (على الضَّمَان) خبر (أَو بِتَعْيِين حسن) عطف عَلَيْهِ: وَالْمعْنَى أَن الْكِرَاء فِي الرَّوَاحِل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 والسفن كَائِن على وَجْهَيْن إِمَّا على الضَّمَان كأكتري مِنْك ركُوب دَابَّة أَو سفينة إِلَى مَوْضُوع كَذَا، أَو أكتري مِنْك دابتك الْبَيْضَاء أَو السَّوْدَاء أَو الَّتِي عنْدك أَو أَكْرِي لَك دَابَّتي وَلَيْسَ لي غَيرهَا، فَهَذِهِ الصُّور كلهَا من الْمَضْمُون، وَإِمَّا على التَّعْيِين كأكتري مِنْك دابتك هَذِه إِلَى مَحل كَذَا، فالكراء الْمعِين هُوَ مَا وَقع العقد فِيهِ على مشار إِلَيْهِ والمضمون مَا كَانَ بِخِلَافِهِ. ابْن الْمَوَّاز: وَلَو اكترى مِنْهُ دَابَّة أَو سفينة ليحمله لبلد كَذَا وَلَا يعلم لَهُ غَيرهَا وَقد أحضرها رَبهَا عِنْد العقد وَلم يقل تحملنِي على هَذِه، فَهُوَ على الضَّمَان وعَلى الْمكْرِي خلفهَا إِذا هَلَكت حَتَّى يصل الْغَايَة اه. قَالُوا: لِأَن الْكِرَاء الْمَضْمُون كَشِرَاء سلع مَضْمُونَة إِذا هَلَكت قبل الْقَبْض أَو اسْتحقَّت مُطلقًا لزمَه أَن يَأْتِيهِ بِمِثْلِهَا، وَإِذا قدم فِيهِ الْمكْرِي دَابَّة للمكتري فركبها فَلَيْسَ لَهُ أَن يزيلها من تَحْتَهُ إِلَّا بِرِضَاهُ والكراء الْمعِين إِذا هلك قبل الْغَايَة انْفَسَخ الْكِرَاء وَلَا يلْزمه أَن يَأْتِيهِ بغَيْرهَا لِأَنَّهُ كَشِرَاء السّلْعَة الْمعينَة من مَكِيل وموزون إِذا هلك قبل أَن يُوفيه كَيْله أَو وَزنه انْفَسَخ البيع، فَإِذا تَرَاضيا بعد الْفَسْخ فِي الْمعينَة على أَن يخلفها بغَيْرهَا وَكَانَ لم ينْقد جَازَ لِأَنَّهُ كِرَاء مُسْتَأْنف، وَإِن كَانَ نقد لم يجز لِأَنَّهُ فسخ دين فِي دين إِلَّا أَن يكون فِي مفازة أَي مَحل لَا يجد فِيهِ دَابَّة للكراء، فَيجوز حِينَئِذٍ وَإِن أدّى لفسخ الدّين قَالَ ابْن الْمَوَّاز: وَلَا يجوز اسْتِئْجَار عبد أَو دَابَّة أَو سفينة بِعَيْنِه على أَنه إِن هلك أَتَاهُ بِمثلِهِ كَمَا أَنه لَا يجوز بيع شَيْء بِعَيْنِه على أَنه إِن هلك قبل الْقَبْض ضمن البَائِع مثله سَوَاء كَانَ الْمَبِيع حَيَوَانا أَو طَعَاما أَو عرضا اه. وَإِذا وَقع الْكِرَاء على الضَّمَان فَلَا بُد أَن يذكر جنس الدَّابَّة ككونها من الْخَيل أَو البغال ونوعها من برذون وعربي وذكورة وأنوثة كَمَا قَالَ (خَ) : وَإِن ضمنت بِجِنْس وَنَوع وذكورة الخ. وَإِذا كَانَت مُعينَة واكتراها للرُّكُوب فَيَنْبَغِي أَن يختبر سَيرهَا ليعلم سرعتها من بطئها، فَرب دَابَّة كَمَا قَالَ مَالك الْمَشْي خير من ركُوبهَا، فَإِن لم يختبرها لم يلْزمه الْكِرَاء، ثمَّ مَحل ذكر الْجِنْس وَالنَّوْع فِي الْمَضْمُونَة إِنَّمَا هُوَ إِذا أكريت للرُّكُوب، وَأما على كرائها للْحَمْل وَنَحْوه فَلَا يحْتَاج لذَلِك لعدم تعلق الْأَغْرَاض بِهِ إِلَّا فِي حمل زجاج وَنَحْوه كدهن فَيحْتَاج لوصفها خوف أَن تكون جموحاً أَو عثوراً فتفسده، وَإِذا قدم لَهُ جموحاً أَو عثوراً وَهُوَ عَالم بِأَنَّهُ يحمل عَلَيْهَا ذَلِك، فَالظَّاهِر ضَمَان الْمكْرِي حَيْثُ لم يعلم الْمُكْتَرِي بِكَوْنِهَا جموحاً أَو عثوراً وَالله أعلم. تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ الْبُرْزُليّ: من اكترى دَوَاب بأحلاسها وغرائرها فهربت دَابَّة بحملها فتبعها فَرجع فَوجدَ الْأُخْرَى قد ذهبت فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي الأولى وَلَا فِيمَا عَلَيْهَا إِلَّا أَن يتَبَيَّن كذبه وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَة أَيْضا وَلَا فِيمَا عَلَيْهَا إِن تَركهَا عِنْد ثِقَة وَإِلَّا ضمن اه. قلت: قَوْله: وإلاَّ ضمن الخ. نَحوه قَوْله فِي الدّرّ النثير فِي الرَّاعِي تذْهب الشَّاة فيتبعها وَلَا يتْرك الْغنم عِنْد أحد فتضيع كلهَا أَو بَعْضهَا: أَنه ضَامِن لِأَنَّهُ مفرط حِين علم أَنه مَوضِع الْخَوْف فَرجع إِلَى الْأَقَل وَترك الْأَكْثَر لِأَنَّهُ مَأْمُور بِحِفْظ الْأَكْثَر اه. وَمَفْهُوم قَوْله حِين علم أَنه مَوضِع الْخَوْف الخ. أَنه إِذا علم أَو غلب على ظَنّه أَنه مَحل أَمن لَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَمَفْهُوم قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 فتبعها أَنه إِذا لم يتبعهَا وَلَا طلبَهَا لَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَلَا يكون عدم طلبَهَا تفريطاً يُوجب الضَّمَان وَهُوَ كَذَلِك حَيْثُ خَافَ على الْبَاقِي لكَونه فِي غير مَحل أَمن وإلاَّ ضمن كَمَا فِي ابْن عَرَفَة. الثَّانِي: قَالَ ابْن الْقَاسِم فِي الدمياطية فِي مكتري الدَّابَّة يشْتَرط عَلَيْهِ الضَّمَان: أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ قَالَ: والمناجل وَآلَة الْحَرْب يضمنهَا. ابْن رشد قَوْله بِضَمَان المناجل وَنَحْوهَا مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ شذوذ وَلَا أعلم خلافًا أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَو مَعَ الشَّرْط، وَظَاهر كَلَامه فِي اشْتِرَاط ضَمَان الدَّابَّة عَلَيْهِ أَنه كِرَاء فَاسد وَعَلِيهِ كِرَاء الْمثل فِي الْفَوات قَالَ: وَحكم كِرَاء الْعرُوض على شَرط الضَّمَان حكم بيع الثنيا يفْسخ إِلَّا أَن يسْقط الشَّرْط، فَإِن لم يعثر على ذَلِك حَتَّى فَاتَ الْكِرَاء فَفِيهِ الْأَكْثَر من الْمُسَمّى وكراء الْمثل دون شَرط اه. وَبِه تعلم مَا فِي اشْتِرَاط تضمين الماشطة مَا تلف بِيَدِهَا مِمَّا اكترته من حلى الأعراس انْظُر (م) فِي الْبَيْت بعد هَذَا. الثَّالِث: قَالَ الوانوغي: وَفِي سَماع أَشهب فِيمَن يتكارى دَابَّة لمَكَّة كل يَوْم بدرهم؟ قَالَ: مَا هَذَا من بُيُوع النَّاس وَلَعَلَّه يمْكث بذلك شَهْرَيْن وَلَو ضرب لذَلِك أَََجَلًا كاكترائه لَهَا شهرا كل يَوْم بدرهم، فَلَا إِشْكَال فِي الْجَوَاز. وَأما إِذا اكتراها مِنْهُ إِلَى مَكَّة كل يَوْم بدرهم فَلم يجز ذَلِك هُنَا، وَأَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَة كِرَاء الرَّاحِلَة بعلفها إِلَى مَوضِع كَذَا، وَهَذَا اخْتِلَاف من القَوْل إِذْ لَا فرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّهُ إِذا أَبْطَأَ فِي السّير كثر عَلَيْهِ الْعلف، وَإِن عجل قل عَلَيْهِ الْعلف، فآل ذَلِك إِلَى الْجَهْل بمبلغ الْكِرَاء، وَلَو أكرى مِنْهُ الدَّابَّة بعلفها إِلَى مَكَّة أَو كل يَوْم بدرهم أسْرع أَو أَبْطَأَ فِي السّير لم يجز اتِّفَاقًا، فَالْخِلَاف إِنَّمَا هُوَ إِذا وَقع الْكِرَاء مُبْهما دون بَيَان، فَحَمله فِي هَذِه الرِّوَايَة على الظَّاهِر من الْوُصُول إِلَى مَكَّة قرب أَو بعد، وَحمله فِي الْمُدَوَّنَة على الْوُصُول على السّير الْمُتَعَارف فَأَجَازَهُ اه. وَاقْتصر فِي الكراس الثَّامِن من أنكحة المعيار على أَن كِرَاء الدَّابَّة كل يَوْم بدرهم لَا يجوز إِلَّا مَعَ الْأَجَل كالشهر وَنَحْوه. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى وجوب تَعْجِيل الْأجر فِي الْكِرَاء الْمَضْمُون دون الْمعِين فَإِنَّهُ يجوز فِيهِ التَّعْجِيل والتأجيل فَقَالَ: ويُمْنَعُ التَّأجِيلُ فِي المَضْمُونِ وَمُطْلَقاً جَازَ بذِي التعْيين (وَيمْنَع التَّأْجِيل) لِلْأجرِ (فِي) الْكِرَاء (الْمَضْمُون) وَظَاهره منع التَّأْجِيل وَلَو شرع فِي السّير وَلَيْسَ كَذَلِك، بل إِذا شرع وَلَو حكما كتأخير شُرُوعه الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَة لم يمْنَع تَأْجِيله، وَإِنَّمَا كَانَ الشُّرُوع حكما كالشروع بِالْفِعْلِ لِأَن حكم الْكِرَاء الْمَضْمُون حكم السّلم فِي جَوَاز التَّأْخِير ثَلَاثَة أَيَّام كَمَا فِي الْمُقدمَات، وَإِنَّمَا جَازَ التَّأْجِيل مَعَ الشُّرُوع وَلَو حكما لِأَن قبض أَوَائِل الْمَنْفَعَة قبض لأواخرها، فَلَا يلْزم ابْتِدَاء الدّين بِالدّينِ الْمُرَتّب على التَّأْجِيل وَعدم الشُّرُوع، وَهَذَا إِذا كَانَ الْعَمَل الْمَشْرُوع فِيهِ يَسِيرا كَمَا فِي الْمُقدمَات، فَإِن كَانَ كثيرا وَجب تَعْجِيل الْأجر سَوَاء شرع أم لَا. إِذْ لَا يكون قبض الْأَوَائِل كقبض الْأَوَاخِر إِلَّا فِي الْيَسِير، وَظَاهر النّظم أَيْضا أَن التَّأْجِيل مَمْنُوع وَلَو للْبَعْض وَلَيْسَ كَذَلِك، بل كل كِرَاء مَضْمُون لَا يركب فِيهِ إِلَّا فِي وَقت مَعْلُوم، وَوَقع العقد قبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 حُصُول وقته كَانَ كِرَاء حج أَو غَيره يَكْتَفِي فِيهِ بتعجيل الْيَسِير، وَيجوز تَأْجِيل مَا بَقِي كَمَا قَالَه مَالك لاقتطاع الأكرياء أَمْوَال النَّاس، وَأما إِن وَقع بعد حُصُول وقته فَلَا بُد من الشُّرُوع وَلَو حكما أَو تَعْجِيل جمع الْأجر إِذْ لَا ضَرُورَة حِينَئِذٍ تستدعي تَعْجِيل الْيَسِير فَقَط، (ومطلقاً جَازَ بِذِي التَّعْيِين) أَي وَجَاز عقد الْكِرَاء مُطلقًا كَانَ الْأجر معجلا أَو مُؤَجّلا فِي الدَّابَّة الْمعينَة أَو السَّفِينَة الْمعينَة كهذه الدَّابَّة أَو السَّفِينَة وَنَحْو ذَلِك، وَمحل الْجَوَاز مَعَ التَّعْجِيل إِذا كَانَ يَسْتَوْفِي الْمَنَافِع فِي الْحَال أَو يُؤَخر استيفاءها الْأَيَّام القلائل كالعشرة وإلاَّ لم يجز لتردد النَّقْدَيْنِ الْكِرَاء إِن لم تهْلك وَالسَّلَف إِن هَلَكت كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْخِيَار عاطفاً على الْمَنْع وأجير تَأَخّر شهرا وَأما مَعَ التَّأْجِيل للنقد فَيجوز تَأْخِير استيفائها الشَّهْر وَنَحْوه كَمَا قَالَ فِي الْإِجَارَة وكراء دَابَّة شهرا إِن لم ينْقد. تَنْبِيه: وكما يجب التَّعْجِيل لِلْأجرِ فِي الْكِرَاء الْمَضْمُون الَّذِي لم يشرع فِيهِ كَذَلِك يجب تَعْجِيل الْأجر الْمعِين كَثوب مثلا. وَحَاصِله؛ أَن الْأُجْرَة إِذا كَانَت مُعينَة كَثوب بِعَيْنِه أَو دَرَاهِم بِعَينهَا فَإِنَّهُ يجب تَعْجِيلهَا وَيقْضى بِهِ لحق الله تَعَالَى سَوَاء اشْترط التَّعْجِيل أم لَا. كَانَ المستوفي مِنْهُ الْمَنْفَعَة معينا أم لَا. وَالْإِجَارَة صَحِيحَة مَعَ الشَّرْط وَلَو لم يعجل بِالْفِعْلِ، وَكَذَا مَعَ عَدمه إِن كَانَ عرفهم التَّعْجِيل فَإِن كَانَ عرفهم التَّأْخِير أَو لَا عرف أصلا وَلم يشْتَرط التَّعْجِيل فَسدتْ وَلَو عجلت بِالْفِعْلِ، وَأما إِن كَانَت الْأُجْرَة غير مُعينَة كدراهم أَو ثوب فِي الذِّمَّة، فَإِنَّمَا يجب التَّعْجِيل إِن كَانَ الْمُسْتَوْفى مِنْهُ مَضْمُونا لم يشرع فِي اسْتِيفَاء مَنَافِعه فَإِن كَانَ معينا فَلَا يجب التَّعْجِيل وَلَا يقْضِي بِهِ عِنْد طلبه إِلَّا إِذا اشْتَرَطَهُ أَو جرى الْعرف بِهِ، لِأَن أصل ابْن الْقَاسِم أَن الثّمن فِي الْإِجَارَة على التَّأْخِير إِلَى تَمام الْعَمَل إِلَّا أَن يَشْتَرِطه أَو يجْرِي الْعرف بِهِ فَيَقْضِي لَهُ بتعجيله حِينَئِذٍ، وَبِالْجُمْلَةِ مهما اشْترط التَّعْجِيل أَو جرت الْعَادة بِهِ فَفِي الْمعِين يجب التَّعْجِيل مَضْمُونَة كَانَت أم لَا. وَكَذَا غير الْمعِين فِي الْمَضْمُونَة لَا بُد فِيهِ من التَّعْجِيل لحق الله فِي الْجَمِيع للُزُوم بيع معِين يتَأَخَّر قَبضه فِي الْأَوَّلين وللزوم ابْتِدَاء الدّين بِالدّينِ فِي الثَّالِث، وَأما غير الْمعِين فِي غير الْمَضْمُونَة فَفِي الشَّرْط أَو الْعَادة يقْضِي بِهِ فَقَط لِأَن الْحق حِينَئِذٍ للآدمي، وَهَذَا معنى قَول (خَ) : وَعجل إِن عين بِشَرْط أَو عَادَة أَو فِي مضمونه لم يشرع فِيهَا إلاَّ كِرَاء حج فاليسير إِلَى قَوْله: وفسدت إِن انْتَفَى عرف تَعْجِيل الْمعِين الخ. إِلَّا أَن عِبَارَته رَحمَه الله غير موفية بالمراد، فَلَو قَالَ: وَعجل بِشَرْط أَو عَادَة فِي الْمعِين مُطلقًا كَغَيْرِهِ فِي الْمَضْمُونَة وتفسد بِعَدَمِهِ كانتفاء عرف تَعْجِيل الْمعِين لَا غَيره فِي غَيرهَا، وَيَقْضِي بِهِ فَقَط مَعَ الشَّرْط أَو الْعَادة لأجاد وَالله أعلم. وحيثُ مُكْتَرٍ لعُذْرٍ يَرْجِعُ فَلاَزِمٌ لهُ الكِرَاءُ أَجْمَعُ (وَحَيْثُ مكتر) دَابَّة ليزف عَلَيْهَا عروساً أَو ليشيع عَلَيْهَا رجلا أَو ليرْكبَهَا لموْضِع كَذَا أَو اكتراها لحج أَو ليرْكبَهَا فِي يَوْم كَذَا فَتَركهَا حَتَّى مضى الْيَوْم (لعذر) من مرض أَو عدم رفْقَة أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 سقط أَو مَاتَ أَو حَبسه غَرِيم فِي دينه وَنَحْو ذَلِك من الْأَعْذَار الَّتِي عاقته عَن الْعَمَل عَلَيْهَا (يرجع) عَن ذَلِك الزفاف وَنَحْوه (فلازم لَهُ الْكِرَاء أجمع) إِن كَانَ حَيا أَو لوَرثَته إِن مَاتَ وَله أَو لوَارِثه كِرَاء الدَّابَّة فِي مثل مَا اكتراها لَهُ حَيْثُ كَانَ الزَّمَان الَّذِي اكتراها للرُّكُوب فِيهِ بَاقِيا قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة وَنَحْوه قَول ابْن سَلمُون: وَمن اكترى دَابَّة إِلَى مَوضِع فَرجع بهَا من الطَّرِيق فالكراء لَازم لَهُ يَعْنِي: وَله أَن يكريها فِي مثله، وَبِالْجُمْلَةِ فَكل مَا تستوفى بِهِ الْمَنْفَعَة لَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة بتلفه أَو وجود عائق كموت الْمُكْتَرِي للدابة ومرضه وحبسه وَعَدَمه رفْقَة وَنَحْو ذَلِك كتلف الْمَتَاع الْمَحْمُول على الدَّابَّة أَو أَخذ اللُّصُوص لَهُ أَو موت الْأمة المبعوثة مَعَه بِأَجْر ليوصلها لفُلَان، سَوَاء تلف أَو غصب قبل الْخُرُوج أَو بعده، وكل مَا تستوفى مِنْهُ الْمَنْفَعَة تَنْفَسِخ الْإِجَارَة بتلفه كموت الدَّابَّة الْمعينَة وانهدام الدَّار المكتراة، وَنَحْو ذَلِك كَمَا مرّ فِي الْبَيْت قبله، والناظم تكلم على الْكُلية الأولى وَسكت عَن الثَّانِيَة و (خَ) تكلم عَلَيْهِمَا مَعًا حَيْثُ قَالَ: وفسخت بِتَلف مَا يسْتَوْفى مِنْهُ لَا بِهِ واستثنوا من الْكُلية الَّتِي تعرض لَهَا النَّاظِم أَربع مسَائِل وَهِي صبيان وفرسان صبي التَّعْلِيم وَالرضَاعَة وَفرس النزو والرياضة فَقَالُوا: إِن الْإِجَارَة تَنْفَسِخ فِيهَا وَله من الْكِرَاء بِحِسَاب مَا عمل مَعَ كَونهَا مِمَّا تستوفي بهَا الْمَنْفَعَة وألحقوا بذلك كَمَا فِي الشَّامِل وَغَيره المؤاجرة على الْحَصاد فيتلف الزَّرْع وَلَيْسَ لرَبه غَيره وعَلى بِنَاء حَائِط فَيمْنَع من الْبناء مطر وَنَحْوه وثوب يدْفع لخياط أَو غزل يدْفع لنساج فيتلف كل مِنْهُمَا وَلَيْسَ لربهما غَيره، والطبيب يُؤَاجر لمداواة العليل مُدَّة فَيَمُوت العليل قبلهَا والمؤاجرة على ثقب جَوْهَر نَفِيس فينكسر وعَلى الحراثة فينكسر المحراث وَنَحْو ذَلِك قَالَ فِي ضيح: وَالْعلَّة فِيهَا كلهَا تعذر الْخلف غَالِبا اه. وَعَلِيهِ فالمدار على تعذر خلف الْمُسْتَوْفى بِهِ فَلَا مَفْهُوم للمسائل الْأَرْبَع وَلَا لما ألحقوه بهَا وَالْحق أَنَّهُمَا قَولَانِ. مَذْهَب الْمُدَوَّنَة وَهُوَ الَّذِي شهره فِي الْبَيَان أَن الْإِجَارَة لَا تَنْفَسِخ فِي ذَلِك وَعَلِيهِ جَمِيع الْكِرَاء وَله أَن يَسْتَعْمِلهُ فِي مثله، وَهُوَ مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم و (خَ) وَصَححهُ ابْن شَاس وَابْن الْحَاجِب، وَالْقَوْل الآخر إِنَّهَا تَنْفَسِخ وَعَلِيهِ درج فِي الْمُتَيْطِيَّة فِي تخلفه عَن زفاف الْعَرُوس، واستظهره (م) فِي الْبَيْت بعده وشهره فِي الْمُقدمَات قَائِلا: الْمَشْهُور انْفِسَاخ الْإِجَارَة إِذا تلف ثوب الْخياطَة، وَمرَاده إِذا كَانَ اللبَاس يتَعَذَّر خَلفه حِينَئِذٍ لَا للتِّجَارَة وَلعدم تعذر خَلفه، فهما قَولَانِ. شهر كل مِنْهُمَا، لَكِن مَحل الْخلاف إِذا لم يجر الْعرف بِالْفَسْخِ عِنْد تعذر الْمُسْتَوْفى بِهِ، وإلاَّ فَيعْمل بِالْعرْفِ لِأَنَّهُ كالشرط فَكَأَنَّهُ اشْترط عَلَيْهِ أَنه إِن عاقه عائق انْفَسَخ العقد بَينهمَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 وَرُبمَا يرشد إِلَيْهِ قَول ابْن عَرَفَة: لَا يدْخل هَذَا الْخلاف فِي نَوَازِل وقتنا بتونس لِأَن الْعرف تقرر عِنْدهم بِفَسْخ الْإِجَارَة بِكَثْرَة الْمَطَر ونزول الْخَوْف اه. وَالْعرْف عندنَا بفاس الْيَوْم الْفَسْخ بِحُصُول الْعذر حَتَّى إِنَّك لَا تَجِد اثْنَيْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي ذَلِك وَالله أعلم. وَهَذَا كُله فِي تخلف الْمُكْتَرِي للْعُذْر الْمَذْكُور، وَأما لَو خَالف الْمكْرِي فَلم يَأْتِ بالدابة فَقَالَ فِيهَا: وَإِن اكترى دَابَّة إِلَى بلد ليرْكبَهَا فِي غده فأخلفه الْمكْرِي وَلم يَأْته بهَا إِلَّا بعد يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا ركُوبه، وَلَو فَاتَهُ مَا كَانَ يرومه أَي من تشييع رجل وَنَحْوه، وَإِن اكتراها أَيَّامًا مُعينَة انْتقض الْكِرَاء فِيمَا غَابَ مِنْهَا كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجر شهرا بِعَيْنِه يمرض فِيهِ فتفسخ إِجَارَته اه. فقولها: وَلَو فَاتَهُ مَا كَانَ يرومه الخ. قَالَ ابْن الْمَوَّاز: لِأَن ذَلِك كَشِرَاء سلْعَة بِعَينهَا أَو مَضْمُونَة يَدْفَعهَا غَدا فَمَا لَهُ بذلك حَتَّى فَاتَ مَا يُرِيد فَلَا حجَّة لَهُ، وَإِنَّمَا لَهُ السّلْعَة. وَقَالَ مَالك فِي الْأَضَاحِي: يسلم فِيهَا فيأتيه بهَا بعد أَيَّام النَّحْر اه. وَهُوَ معنى قَول (خَ) عاطفاً على مَا لَا تَنْفَسِخ فِيهِ أَو خلف رب الدَّابَّة فِي غير معِين وَحج، وَإِن فَاتَ مقْصده الخ. تَنْبِيه: إِذا ضلت الدَّابَّة بالمتاع فَلَا كِرَاء لصَاحِبهَا فَإِن أدّى جعلا لمن جَاءَ بهَا فالجعل على رب الدَّابَّة وَإِن ضلت بتفريطه فغرم قيمتهَا، ثمَّ وجدت بعد ذَلِك وَلم تَتَغَيَّر فَأَرَادَ رَبهَا أَخذهَا ورد الْقيمَة فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك وَهِي للَّذي غرم قيمتهَا كَمَا فِي ابْن سَلمُون. وَفِي الْمُدَوَّنَة وكل مَا عطب من سَبَب حامله من دَابَّة أَو غَيرهَا فَلَا كِرَاء فِيهِ إِلَّا على الْبَلَاغ، وَلَا يضمن الْجمال إِلَّا أَن يغر أَي يتَعَدَّى، وَكَذَلِكَ مَا حمله الرجل على ظَهره فَعَطب فَلَا كِرَاء لَهُ وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ السَّفِينَة إِذا غرقت فِي ثُلثي الطَّرِيق فَلَا كِرَاء لَهَا وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي شَيْء مِمَّا فِيهَا. وَرَأى مَالك أَن ذَلِك على الْبَلَاغ. ابْن يُونُس: وَجه قَول مَالك إِنَّه إِنَّمَا دفع إِلَيْهِ الْكِرَاء ليحصل لَهُ غَرَضه فَلم يحصل لَهُ شَيْء فَأشبه ذَلِك الْجعل الَّذِي بطلَان تَمَامه من أجل الْأَجِير، وَأَيْضًا الْعرف قد جرى بَين النَّاس أَن الْكِرَاء فِي ذَلِك على الْبَلَاغ فَكَانَ الْمكْرِي دخل عَلَيْهِ إِلَّا أَن يشْتَرط عَلَيْهِ كل مَا سَار شَيْئا أَخذ بِحِسَابِهِ فَلهُ ذَلِك اه. وَوَاجِبٌ تَعْيينُ وَقْتِ السَّفَرِ فِي السُّفُنِ وَالْمَقَرِّ لِلّذِي اكتُرِي (وواجب تعْيين وَقت السّفر فِي) كِرَاء (السفن) بِسُكُون الْفَاء لضَرُورَة الْوَزْن، وَكَذَا يجب تعْيين وَقت السّفر فِي كِرَاء الدَّابَّة أَيْضا لاخْتِلَاف الْأَسْفَار غلاء ورخصاً باخْتلَاف الْأَوْقَات فِي كرائهما مَعًا فَلَا مَفْهُوم للسفن فِي وجوب التَّعْيِين (و) وَجب أَيْضا تعْيين (الْمقر) الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ السّير وَيُوضَع الْمَتَاع فِيهِ (للَّذي اكتري) وَلَا يضربا لذَلِك أَََجَلًا لاخْتِلَاف الرِّيَاح وَالسير فِي الدَّابَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 فَإِن ضرباه فسد الْكِرَاء كَمَا قَالَ (خَ) : وَهل يفْسد إِن جَمعهمَا أَي الْعَمَل وَالْأَجَل وتساويا أَو مُطلقًا خلاف. وَهُوَ عَلَى الْبَلاَغِ إنْ شَيءٌ جَرَى فِيهَا فَلاَ شَيْءَ لَهُ مِع الْكِرَا (وَهُوَ) أَي كِرَاء السفن عِنْد مَالك وَابْن الْقَاسِم (على الْبَلَاغ إِن شَيْء جرى فِيهَا) أَي السفن (فَلَا شَيْء لَهُ) أَي لِرَبِّهَا (من الكرا) ء لِأَنَّهَا كالجعل الَّذِي لَا يسْتَحق الْأجر فِيهِ إِلَّا بِتمَام الْعَمَل فَمحل كرائها على الْجعَالَة إِلَّا أَن يشْتَرط أَن لَهُ بِحِسَاب مَا سَار فَتكون إِجَارَة كَمَا مرّ بِالْإِشَارَةِ إِلَى ذَلِك قبل هَذَا الْبَيْت، وَتَقَدَّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ أَيْضا أول كِرَاء الدّور، وَظَاهره أَنه يجوز النَّقْد فِيهَا وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور، وَظَاهره أَنه لَا كِرَاء لِرَبِّهَا وَلَو غرقت بمرسى مَحل النُّزُول وَهُوَ كَذَلِك إِلَّا أَن يفرط رب الْمَتَاع فَلم ينْقل مَتَاعه بفور النُّزُول حَتَّى غرقت، فَإِنَّهُ يلْزمه الْكِرَاء كُله حِينَئِذٍ، وَكَذَا لَو شرعوا فِي التفريغ فغشيهم الموج ومنعهم مِنْهُ حَتَّى غرق بعضه وَسلم الْبَعْض الآخر، فَإِن كِرَاء السَّالِم لَازم، وَكَذَا لَو غرقت فِي أثْنَاء الطَّرِيق وسلمت حملاتها كلهَا أَو بَعْضهَا فاكترى رب الْمَتَاع سفينة أُخْرَى وَحمل مَتَاعه فِيهَا، فَإِن لرب السَّفِينَة الأولى من الْكِرَاء بِقدر مَا انْتفع بِهِ رب الْمَتَاع السَّالِم بِبُلُوغِهِ إِلَى الْموضع الَّذِي غرقت فِيهِ كَمَا قَالُوا فِي الْبِئْر يحْفر بَعْضهَا ثمَّ يتْرك ويكملها غَيره أَن للْأولِ بِقدر مَا انْتفع بِهِ رب الْبِئْر، وَلَا فرق على مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم من أَن كراءها على الْبَلَاغ بَين وُقُوع الْكِرَاء على قطع الْبَحْر أَو الرِّيف أمكنهم النُّزُول فِي قَرْيَة حاذوها أم لَا. كَانُوا مسافرين بِالرِّيحِ أَو بِغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْن نَافِع: كراؤها ككراء الدَّابَّة فَإِذا غرقت أَو ردّها الرّيح أَو اللُّصُوص فَيلْزمهُ من الْكِرَاء بِحَسب سَيرهَا. وَقَالَ أصبغ: إِن وصلت لمحل يُمكن السّفر مِنْهُ أَو حاذوه فردتهم الرّيح أَو اللُّصُوص فكالدابة وَإِلَّا فعلى الْبَلَاغ، وعَلى الْمَشْهُور من أَنَّهَا على الْبَلَاغ لَو زَادَت بِهِ الرّيح على الْمحل الْمَقْصُود فَلَا كِرَاء لَهُ إِلَّا أَن يردهُ الْمَقْصُود، وَإِن عرض لَهُم الْعَدو أَو هول فِي الْبَحْر فليقصدوا موضعا للنزول فِيهِ حَتَّى يتهيأ لَهُم السّفر، وَمن أَرَادَ مِنْهُم أَن ينزل أَو ينزل مَتَاعه فَذَلِك لَهُ وَعَلِيهِ أَدَاء الْكِرَاء كُله. انْظُر ابْن سَلمُون. تَنْبِيه: وَيجب طرح مَا ترجى بِهِ نجاة الْمركب من الْمَتَاع لخوف غرق وَلَا يطْرَح الْآدَمِيّ وَلَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 ذِمِّيا. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: إِذا خَشوا الْهَلَاك إِن لم يُخَفف من الْمركب فيقرع على من يرْمى حَتَّى من الْآدَمِيّ وَالرِّجَال وَالْعَبِيد، وَأهل الذِّمَّة فِي ذَلِك سواءْ ابْن عَرَفَة: وَنسبَة بَعضهم لخرق الْإِجْمَاع إِذْ لَا يرْمى الْآدَمِيّ لنجاة غَيره وَلَو ذِمِّيا، وَقَاعِدَة الْإِجْمَاع على وجوب ارْتِكَاب أخف الضررين لدرء أشدهما شاهدة لقَوْل اللَّخْمِيّ وَهِي هُنَا، وَإِن كَانَت لإتلاف النَّفس فَهِيَ فِيهِ لحفظها اه. (فصل فِي أَحْكَام الْإِجَارَة) مَأْخُوذَة من الْأجر الَّذِي هُوَ الثَّوَاب فَمَعْنَى آجره اسْتَعْملهُ بِأَجْر أَي بِثَوَاب على عمله من قَوْلهم: آجرك الله أَي أثابك. عِيَاض: يُقَال أجرت فلَانا وآجرته بِالْقصرِ وَالْمدّ، وَكَذَلِكَ أجره الله وآجره وَالْإِجَارَة بيع مَنَافِع مَعْلُومَة بعوض مَعْلُوم وَهِي مُعَاوضَة صَحِيحَة يجْرِي فِيهَا جَمِيع مَا يجْرِي فِي الْبيُوع من الْحَلَال وَالْحرَام، فَلَا بُد أَن تكون الْمَنْفَعَة وَالْأَجْر مَقْدُورًا على تسليمهما مُنْتَفعا بهما ظَاهِرين إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يشْتَرط فِي البيع، وَعرفهَا ابْن عَرَفَة بقوله: بِبيع مَنْفَعَة مَا أمكن نَقله غير سفينة وَلَا حَيَوَان لَا ينْقل بعوض غير ناشىء عَنْهَا بعضه يَتَبَعَّض بتبعيضها الخ. فَقَوله: بيع أطلق البيع على العقد لِأَن الْإِجَارَة مباينة للْبيع لَا تدخل فِيهِ، وَلَا بُد أَن يَأْتِي فِي الْحَد بِالْجِنْسِ الشَّامِل للمحدود وَغَيره، ثمَّ يخرج غَيره بالفصول فَلَو قَالَ: عقد على مَنْفَعَة الخ. لَكَانَ أحسن قَالَه الرصاع وَخرج بقوله مَنْفَعَة بيع الذوات، وَبِقَوْلِهِ مَا أمكن نَقله كِرَاء الدّور وَالْأَرْض، وَبِقَوْلِهِ وَلَا حَيَوَان لَا يعقل كِرَاء الرَّوَاحِل، وَبِقَوْلِهِ غير ناشىء عَنْهَا الْقَرَاض وَالْمُسَاقَاة لِأَن الْمَعْقُود عَلَيْهِ فيهمَا مَنْفَعَة الْعَامِل وَالثَّمَرَة وَالرِّبْح ناشئان عَن عمله، وَالضَّمِير فِي قَوْله بعضه عَائِد على الْعِوَض، وَفِي تبعيضها على الْمَنْفَعَة، وَخرج بقوله الْجعل لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّض فِيهِ الْعِوَض بتبعيض الْمَنْفَعَة فَقَوله: بعضه الخ. مخرج للجعل ومدخل للنِّكَاح الَّذِي وَقع صداقه مَنْفَعَة مَا يُمكن نَقله أَي: بعضه يَتَبَعَّض بتبعيضها وَبَعضه لَا يَتَبَعَّض كالبضع، فَإِنَّهُ لَا يَتَبَعَّض بتبعيض الْمَنْفَعَة بِهَذَا أجَاب ابْن عَرَفَة عَن زِيَادَة لَفْظَة بعضه الخ. بعد مَا توقف هُوَ وَأهل مَجْلِسه فِي زيادتها، وَرغب الله تَعَالَى فِي فهمها وَلَو قَالَ: جله يَتَبَعَّض بتبعيضها يَعْنِي وَغير الجل لَا يَتَبَعَّض كالبضع الْوَاقِع فِي مُقَابلَة الْوَارِد فِي قَوْله تَعَالَى: إِنِّي أُرِيد أَن أنكحك إِحْدَى ابْنَتي هَاتين} (الْقَصَص: 27) الْآيَة لَكَانَ أوضح وَبعد هَذَا يعْتَرض عَلَيْهِ كَمَا للوانوغي بِأَنَّهُ يلْزمه دُخُول الْجعل بِمَا دخل بِهِ النِّكَاح فَيلْزم فَسَاد طرده على أَنه لَو حذف لَفْظَة بعضه، وَاقْتصر على مَا بعده لم يلْزم خُرُوج النِّكَاح لِأَن تبعيض الْمَنْفَعَة فِيهِ يُوجب للْأَجِير الرُّجُوع فِي صدَاق الْمثل لِأَن الْمَنْفَعَة إِنَّمَا وَقعت فِي مُقَابلَته حكما، فَإِذا تبعضت تبعض مقابلها الَّذِي هُوَ صدَاق الْمثل فَيَأْخُذ منفعَته مِنْهُ، فَالصَّوَاب حذف لَفْظَة بعضه. فرع: قَالَ الْبُرْزُليّ: صدر الْإِجَارَة فِي كتاب الْغرَر مِنْهَا أَن قَالَ: بِعْتُك سُكْنى دَاري سنة فَذَلِك غلط فِي اللَّفْظ وَهُوَ كِرَاء صَحِيح، فَأخذ مِنْهَا إِذا تَعَارَضَت الْحَقِيقَة المرجوحة، وَالْمجَاز الرَّاجِح عمل عَلَيْهِ، وَفِيه أَقْوَال فِي أصُول الْفِقْه اه. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي كتاب الصّرْف، مِنْهَا: إِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 صرفت مِنْهُ دِينَارا بدرهم على أَن تَأْخُذ بهَا سمناً أَو زيتاً وَتسَمى صفته ومقداره نَقْدا أَو مُؤَجّلا، أَو على أَن تقبضها ثمَّ تشتري مِنْهُ هَذِه السّلْعَة لأجل السّلم فَذَلِك جَائِز، وَالْكَلَام الأول لَغْو فَإِن ردَّتْ السّلْعَة بِعَيْب رجعت بدينارك لِأَن البيع إِنَّمَا وَقع بالدينار، وَإِنَّمَا ينظر مَالك إِلَى فعلهمَا لَا إِلَى قَوْلهمَا، وَتَأمل قَول (خَ) فِي الْعَارِية والأطعمة والنقود قرض، وَانْظُر مَا تقدم فِي التَّنْبِيه الْخَامِس من التصيير فَإِن هُنَاكَ مَا يُوَافقهُ. العَمَلْ الْمَعَلُومُ مِنْ تَعَيينِهِ يَجُوزُ فِيهِ الأَجْرُ مَعْ تَبْيينِهِ (الْعَمَل الْمَعْلُوم من) أجل (تَعْيِينه) أَي تعْيين حَده بِالْعَمَلِ أَو بالأجل وَذكر صفته، فَالْأول كَقَوْلِه: أَو أجرك على صبغ هَذَا الثَّوْب أَو دبغ هَذَا الْجلد أَو خياطَة هَذَا الثَّوْب، وَبَين لَهُ صفة الصَّبْغ والدبغ والخياطة. وَالثَّانِي كَقَوْلِه: أوأجرك على بِنَاء يَوْم أَو خياطَة شهر أَو حراثة يَوْمَيْنِ وَنَحْو ذَلِك، فَالْعَمَل الَّذِي هُوَ الدبغ والصبغ وَنَحْوهمَا لَا بُد أَن يكون مَعْلُوما لَهما، وَلَا بُد أَيْضا أَن يكون محدوداً إِمَّا بالفراغ مِنْهُ كخياطة ثوب وطحن أردب، وَإِمَّا بِضَرْب أجل كخياطة يَوْم أَو صبغه ودبغه وطحنه فالمصنوعات أما أَن تحد بالفراغ وبالأجل وَغَيرهَا كالرعاية والخدمة الْمَعْرُوفَة وَنَحْوهمَا يحد بِضَرْب الْأَجَل لَا غير، فَإِن جمع بَين الْأَجَل وَالْعَمَل كَقَوْلِه: خطّ هَذَا الثَّوْب فِي هَذَا الْيَوْم بدرهم أَو أكتري مِنْك دابتك لتركبها إِلَى مَحل كَذَا فِي هَذَا الْيَوْم أَو أَو أجرك لتوصل الْكتاب لمحل كَذَا فِي هَذَا الْيَوْم أَو الشَّهْر بدرهم، فَهَل تفْسد مُطلقًا أَو إِنَّمَا تفْسد إِن كَانَ الْأَجَل مُسَاوِيا للْعَمَل أَو أنقص مِنْهُ لَا إِن كَانَ الْأَجَل أَكثر من الْعَمَل فَلَا تفْسد فِيهِ؟ خلاف (خَ) : وَهل تفْسد إِن جَمعهمَا وتساويا أَو مُطلقًا؟ خلاف. وَمن ذَلِك الِاسْتِئْجَار على بيع ثوب مثلا، لَكِن لما لم يكن البيع فِي مَقْدُور الْأَجِير كَانَ جعَالَة أَن حَده بِالْعَمَلِ وَهُوَ تَمام الْعَمَل وَإِجَارَة إِن حَده بالزمن وَيسْتَحق أجره بِمُضِيِّ الزَّمن حِينَئِذٍ وَإِن لم يبع (يجوز فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الْعَمَل الْمَعْلُوم (الْأجر) أَي تعويض الْأجر الَّذِي هُوَ ثمن للْعَمَل أَي: يجوز معاوضته بِالْأَجْرِ الَّذِي هُوَ ثمن لَهُ وَعَلِيهِ، فَلَا حَاجَة لدعوى الِاسْتِخْدَام (مَعَ تبيينه) أَي الْأجر أَي تَبْيِين جنسه وَقدره وَصفته إِن كَانَ غَائِبا عَن الْمجْلس، وإلاَّ فَلَا حَاجَة لذكر صفته وَلَا جنسه وَقدره، وَتقدم أَن الْإِجَارَة كَالْبيع يشْتَرط فِيهَا مَا يشْتَرط فِيهِ، وَمَفْهُومه أَنه إِذا لم يبين قدر الْأجر لم يجز، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وروى ابْن الْقَاسِم أَنه لَا بَأْس بِاسْتِعْمَال الْخياط المخالط الَّذِي لَا يكَاد يُخَالف مستعمله دون تَسْمِيَة أجر، فَإِذا فرغ أرضاه بِشَيْء يُعْطِيهِ إِيَّاه، وَمن هَذَا أعمل على دَابَّتي فَمَا حصل فلك نصفه، وَعَن ابْن سراج أَنه أجَاز إِعْطَاء السَّفِينَة بالجزء مِمَّا يحصل عَلَيْهَا وَمثله الجباح بالجزء من عسله وَالزَّرْع مِمَّن يَحْرُسهُ بِجُزْء مِنْهُ، وَمذهب السّلف جَوَاز الْإِجَارَة بِجُزْء مِنْهُ قِيَاسا على الْقَرَاض انْظُر (ق) أَوَائِل الْإِجَارَة، وعَلى ذَلِك تخرج أُجْرَة الدَّلال بِربع عشر الثّمن مثلا، وَنَصّ على جَوَازهَا بذلك صَاحب المعيار فِي نَوَازِل الشّركَة وَمِنْه إِعْطَاء الْبَقَرَة لمن يرعاها، بِنصْف زبدها كَمَا فِي نَوَازِل الفاسي، وَقد أجَاز فِي الْمُدَوَّنَة كِرَاء الْبَقَرَة للحرث وَاشْتِرَاط لَبنهَا مَعَ جهل قدره، وَانْظُر مَا يُؤَيّدهُ فِي أول الْمُزَارعَة أَيْضا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 وَلْلأَجِيرِ أُجْرَةٌ مُكمَّلَهْ إِن تَمَّ أَوْ بِقَدْرِ مَا قد عَمِلَهْ (وللأجير أُجْرَة مكملة إِن تمّ) عمله كَانَ صانعاً أَو رَاعيا أَو غَيرهمَا (أَو) لَهُ من الْأُجْرَة إِن عاقه عائق عَن الْإِتْمَام كَمَرَض وَنَحْوه (بِقدر مَا قد عمله) أَي بِقدر عمله فَمَا مَصْدَرِيَّة، وَهَذَا إِن لم يزل العائق حَتَّى تمت الْمدَّة فِي الرِّعَايَة وَنَحْوهَا، أَو تَرَاضيا على عدم الْإِتْمَام، وإلاَّ أجبر على الْإِتْمَام من أَبَاهُ وَيُؤْخَذ من الآبي كَفِيل ويسجن لَهُ وَيضْرب إِن تَمَادى على الِامْتِنَاع، لِأَن عقد الْإِجَارَة لَازم لكل مِنْهُمَا. فَإِن تروغ الرَّاعِي أَو معلم الصّبيان مثلا وخرجا قبل انْقِضَاء الْمدَّة من غير عذر وَلَا عائق، فَفِي ابْن عَرَفَة: سمع عِيسَى بن الْقَاسِم: من واجر أَجِيرا مُدَّة مُعينَة شهرا أَو يَوْمًا لعمل خياطَة أَو بِنَاء أَو غَيره فرَاغ عَنهُ حَتَّى انْقَضى الْأَجَل انْفَسَخت الْإِجَارَة فِيمَا بَطل، وَإِن عمل شَيْئا فبحسابه اه. ابْن رشد: هَذَا صَحِيح لَا خلاف فِيهِ اه. ابْن عَرَفَة: وَبِه أَفْتيت فِي الرَّاعِي وأجراء الْحَرْث لأشهر مُعينَة يروغ الْأَجِير فِي بَعْضهَا فَيَأْتِي بعد الْمدَّة أَن لَهُ بِحِسَاب مَا عمل اه. قلت: وَمَا أفتى بِهِ وَحكى عَلَيْهِ ابْن رشد الِاتِّفَاق هُوَ الَّذِي شهره فِي المازونية. وَقَالَ فِي الطرر: إِن بِهِ الْقَضَاء وَالْعَمَل وَمُقَابِله أَنه لَا شَيْء لَهُ لِأَنَّهُ ترك مَا كَانَ يجب لَهُ بترك تَمام مَا عومل عَلَيْهِ قَالَه أَبُو مَيْمُونَة الدراس فَقِيه فاس وَغَيره وَصدر بِهِ فِي الطرر قَالَ: وَالْأَصْل فِي هَذَا أَن من أَرَادَ مِنْهُمَا قطع الْمُعَامَلَة فقد رَضِي بترك حَقه إِذا لم يتم شَرطه، وَهَذَا وَجه الْقيَاس اه. وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون وَغَيره، وَعَلِيهِ فَهَذَا الْأَجِير بتروغه وهروبه منع الْمُسْتَأْجر من اسْتِيفَاء مَنَافِعه الَّتِي بَاعهَا فَهُوَ ظَالِم متْلف عمله على الَّذِي اسْتَحَقَّه فَيجب عَلَيْهِ غرم قِيمَته لِأَنَّهُ بتروغه وهروبه غَاصِب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 لمنافع نَفسه وغاصب الْمَنَافِع يضمنهَا سَوَاء اسْتعْمل أَو عطل كَمَا فِي (خَ) وَغَيره. وَإِذا كَانَ غَاصبا للمنافع الَّتِي بَاعهَا فَيجب عَلَيْهِ ضَمَان قيمتهَا بِمَنْزِلَة من بَاعَ سلْعَة فأتلفها، وَقد قَالَ (خَ) : وَإِتْلَاف المُشْتَرِي قبض وَالْبَائِع وَالْأَجْنَبِيّ يُوجب الْغرم، وَقد تقدم قَرِيبا أَنه يجْرِي فِي الْإِجَارَة مَا جرى فِي البيع، وَإِذا تقرر هَذَا فَمَا فِي السماع. وَحكى عَلَيْهِ ابْن رشد الِاتِّفَاق وشهره فِي المازونية مَبْنِيّ على أَن الْأَجِير لما كَانَ معينا تستوفى مِنْهُ الْمَنَافِع انْفَسَخت الْإِجَارَة بتروغه لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة تلفه، وَهَذَا إِنَّمَا يتم لَو كَانَ التّلف بِغَيْر اخْتِيَاره، وَأما حَيْثُ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ فَالْوَاجِب هُوَ تَضْمِينه قيمَة الْمَنَافِع الَّتِي تلفهَا فيحاسبه الْمُسْتَأْجر لَهُ بِقِيمَتِهَا فَإِذا اسْتَأْجر سنة مثلا بِاثْنَيْ عشر درهما ورعى أَو خدم ثَلَاثَة أشهر مِنْهَا وتروغ فِي الْبَاقِي، فَإِذا كَانَت قيمَة هَذَا الَّذِي تروغ فِيهِ سِتَّة دَرَاهِم قاصه بِثَلَاثَة مِنْهَا فِي الثَّلَاثَة الْوَاجِبَة لَهُ أَي: وَغرم الرَّاعِي لَهُ ثَلَاثَة، وَإِذا رعى تِسْعَة وتروغ فِي ثَلَاثَة وَقيمتهَا ثَلَاثَة أَو سِتَّة لشدَّة بردهَا أَو حرهَا فِي السّنة، فَإِن الْمُسْتَأْجر يغرم لَهُ فِي الأولى تِسْعَة وَفِي الثَّانِيَة يغرم لَهُ الرَّاعِي ثَلَاثَة، وَهَكَذَا هَذَا هُوَ الْحق وَعَلِيهِ فَقَوْلهم لَا شَيْء لَهُ لَيْسَ على إِطْلَاقه، بل إِنَّمَا ذَلِك فِي بعض الصُّور كَمَا ترى، وَإِنَّمَا تركُوا التَّفْصِيل الْمَذْكُور اتكالاً على وضوح الْمَعْنى، وعَلى هَذَا فلأرباب الْغنم وآباء الصّبيان أَن يضمناه قيمَة الْمَنَافِع الْبَاقِيَة ويؤاجرا من يرْعَى أَو يعلم الصَّبِي عَلَيْهِمَا بَقِيَّة الأمد، فَإِن قدرا عَلَيْهِ يَوْمًا مَا أخذا مِنْهُ ذَلِك إِن زَاد على مَا وَجب لَهُ فِيمَا رعى، وَإِن نقص عَنْهَا كَانَ لَهُ الْبَاقِي. هَذَا هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيه الْأُصُول، وقديماً كنت أُفْتِي بِمثل هَذَا، وَيُؤَيِّدهُ مَا وقفت عَلَيْهِ لبَعْضهِم ناسباً لَهُ لنوازل ابْن سَحْنُون بعد أَن قرر الْخلاف هَل لَهُ شَيْء أم لَا؟ قَالَ، قَالَ مُحَمَّد، وَأَنا أَقُول: إِن وَقعت الْإِجَارَة بَينهمَا فَاسِدَة فَلهُ أجر مثله فِيمَا رعى، وَإِن كَانَت صَحِيحَة اُسْتُؤْجِرَ على رعايته سنة مُعينَة وَلَيْسَ لَهُ شَيْء إِلَّا بِتمَام عمل السّنة يَعْنِي لَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا فضل عَن تَمام السّنة إِن فضل لَهُ شَيْء كَمَا مر. نعم إِذا لم يضمناه قيمَة عمل الَّذِي أتْلفه وَلم يؤاجرا عَلَيْهِ من يكمل لَهُ عمله، وَجَاء بعد انْقِضَاء الْمدَّة يطْلب مَا وَجب لَهُ، فَإِن لَهُ بِحِسَابِهِ، وَعَلِيهِ فيقيد النّظم بِمَا إِذا عاقه العائق حَتَّى انْقَضتْ الْمدَّة أَو تَرَاضيا على الْفَسْخ أَو لم يعقه شَيْء وَلَا تَرَاضيا وَلم يضمناه وَلَا واجرا عَلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ يكون لَهُ بِحِسَاب مَا عمل، وَقد كثر السُّؤَال عَن هَذِه الْمَسْأَلَة ويفتي فِيهَا من لَا تَأمل مَعَه بِمَا فِي النّظم من أَن لَهُ بِقدر مَا عمل مُطلقًا، وَذَلِكَ غير سديد. وتعليلهم بِأَن لَهُ ترك مَا كَانَ يجب لَهُ فِي ماضي الْمدَّة بترك تَمام مَا عومل عَلَيْهِ فِي بقيتها كَالصَّرِيحِ فِي أَن مَا اسْتَحَقَّه لماضي الْمدَّة يُؤَاجر عَلَيْهِ بِهِ فِي بقيتها، وَالْغَالِب أَن مَا اسْتَحَقَّه فِي الْمَاضِي لَا يَفِي بِمَا أتْلفه من عمله إِن خرج بعد رعايته من السّنة نَحْو الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَة، فَإِن وفى بِهِ وَزَاد كَانَت لَهُ الزِّيَادَة لِأَنَّهُ قد يخرج وَيبقى لتَمام السّنة نَحْو الشَّهْر أَو الشَّهْرَيْنِ، وَإِن نقص كَانَ عَلَيْهِ النُّقْصَان فهم إِنَّمَا أطْلقُوا اتكالاً على وضوح الْمَعْنى، وَلِهَذَا قَالَ (ت) : يَنْبَغِي اعْتِمَاد قَول من قَالَ لَا شَيْء لَهُ، وَحقه أَن يَقُول يجب اعْتِمَاده إِذْ مَا فِي السماع ضَعِيف الْمدْرك كَمَا ترى وَالله أعلم. وَهَذَا كُله فِي الْأَجِير الْبَالِغ الرشيد، وَأما غَيره فَلهُ بِحِسَاب مَا عمل حَيْثُ تروغ وأتى بعد انْقِضَاء الْمدَّة لِأَن غير الْبَالِغ وَغير الرشيد لَا يضمنَانِ مَا أتلفاه من منافعهما لِأَنَّهُمَا مأمونان عَلَيْهِمَا. وَقد قَالَ (خَ) : وَضمن مَا أفْسدهُ إِن لم يُؤمن عَلَيْهِ فَإِن لم يتروغ وَكَانَ حَاضرا وَهُوَ رشيد فَإِنَّهُ يضْرب ويسجن وَيُؤْخَذ مِنْهُ كَفِيل بذلك حَتَّى يفعل كَمَا مر، فَإِن تروغ وَجَاء قبل انْقِضَاء الْمدَّة أَو صَحَّ من مَرضه أَو زَالَ عذره قبل انْقِضَائِهَا أَيْضا، فَإِنَّهُ يجْبر على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 إِتْمَامهَا وَيسْقط من أجرته بِقدر مَا عطل، وَلَا يجوز إِن كَانَ نَقده الْأُجْرَة أَن يتَّفقَا على قَضَاء مُدَّة الهروب أَو الْمَرَض بعد انْقِضَاء مُدَّة الْإِجَارَة وَيَأْخُذ جَمِيع الْأُجْرَة لِأَنَّهُ فسخ مَا فِي الذِّمَّة فِي مُؤخر إِذْ قد وَجب للْمُسْتَأْجر مَا يُقَابل مُدَّة الهروب من الْأُجْرَة فيفسخها فِي شَيْء لَا يتعجله الْآن، فَإِن كَانَ لم ينقده جَازَ قَضَاء مُدَّة الهروب بعد انْقِضَاء مُدَّة الْإِجَارَة لانْتِفَاء الْعلَّة، وَهَذَا كُله مَعَ التَّعْيِين، وَأما مَعَ عَدمه كَقَوْلِه: اعمله بِنَفْسِك أَو بغيرك فَهُوَ من الْإِجَارَة الْمَضْمُونَة وَلَا تَنْفَسِخ بتروغه أَو مَوته ويستأجر من تركته من يكمله، وَإِن لم يكن وَفَاء فِي التَّرِكَة خص الْمُسْتَعْمل غرماءه. تَنْبِيه: إِذا واجره على الْعَمَل بِنَفسِهِ لَا بِغَيْرِهِ فَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَلَيْسَ لِلرَّاعِي أَن يسترعي غَيره إِلَّا بِإِذن رَبهَا فِي أحد قولي ابْن الْقَاسِم اه. ابْن رحال: وَالرَّاجِح الضَّمَان إِن استرعى من هُوَ مثله بِغَيْر إِذن رَبهَا، وَأَحْرَى إِن استرعى من هُوَ دونه. ابْن نَاجِي: وَهَذَا إِذا لم يجر عرف الْبَلَد بِأَن الرَّاعِي يَأْتِي بِمن هُوَ مثله لضَرُورَة، وإلاَّ فَلَا ضَمَان اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الْعرف إثْبَاته بِدُونِهِ لِأَن الْعرف كالنص. وَفِي الْبُرْزُليّ: إِن الحارس يحرس الطَّعَام فَذهب واستخلف من لَا يقوى على الحراسة قَالَ: هُوَ ضَامِن إِلَّا أَن يكون الْمُسْتَخْلف مطيقاً على الحرس فَلَا ضَمَان الْبُرْزُليّ: وَالصَّوَاب الضَّمَان إِلَّا أَن يكون اسْتخْلف لضَرُورَة اه. وَتقدم فِي آخر كِرَاء الرَّوَاحِل مَا إِذا ذهب لَهُ بعض الْغنم فَذهب يفتش فَوجدَ الْأُخْرَى قد ضَاعَت فَانْظُرْهُ هُنَاكَ. فرع: إِذا واجر بعض الْجَمَاعَة إِمَامًا للصَّلَاة أَو الْأَذَان فَإِن ذَلِك يلْزم من غَابَ عَن العقد كَمَا أَقَامَهُ ابْن نَاجِي من الْمُدَوَّنَة، وَبِه أفتى ابْن الْحَاج حَيْثُ جرى عرف الْقرْيَة بذلك، وَبِه أفتى ابْن هِلَال والقباب وسيدي يحيى السراج قَائِلا: إِن النَّاس يجب عَلَيْهِم إِقَامَة الْجَمَاعَة وَالْجُمُعَة ويوظف عَلَيْهِم أُجْرَة الإِمَام على قدر رؤوسهم، وَلَيْسَ لأحد أَن يمْتَنع، وَقد نَص على ذَلِك غير وَاحِد من الشُّيُوخ كَالْقَاضِي عِيَاض وَابْنه وَابْن الْحَاج وَغَيرهم اه. قلت: وعَلى هَذَا عمل النَّاس فِي الْبَادِيَة فَيجب اعْتِمَاده وَلَا يلْتَفت إِلَى مَا سواهُ، وَانْظُر شرحنا للشامل أَوَائِل الْإِجَارَة وَعند قَوْله: فَإِن كَانَت أُجْرَة الإِمَام من الأحباس الخ. فَفِيهِ فَوَائِد نفيسة مُنَاسبَة للمقام، وَانْظُر فِيهِ أُجْرَة الكرائين والخط وَحل المعقودين وَنَحْو ذَلِك. فرع: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَمن كَانَت لَهُ غنم فَبَاعَ نصفهَا على أَن يرْعَى الْمُبْتَاع نصفهَا، وَالثَّانِي مُدَّة مَعْلُومَة جَازَ ذَلِك وتكتب فِيهِ: بَاعَ فلَان من فلَان نصف مائَة شَاة ضئناً على السوَاء بِكَذَا دِينَار أَو قبضهَا مِنْهُ أَو أَخّرهُ بهَا إِلَى وَقت كَذَا، وعَلى أَن يرْعَى لَهُ الْمُبْتَاع النّصْف الْبَاقِي على ملكه مِنْهَا طول هَذِه الْمدَّة الْمَذْكُورَة، وَقبض الْمُبْتَاع جَمِيع الْغنم الْمَذْكُورَة بعد أَن قَلبهَا ورضيها وَصَارَت تَحت رعايته لَهُ نصفهَا بِهَذَا الابتياع، وَالنّصف الثَّانِي بَاقٍ على ملك البَائِع حَتَّى يقتسماها إِذا دعِي أَحدهمَا إِلَى ذَلِك، وعَلى البَائِع خلف مَا هلك أَو بَاعَ من نصِيبه مُدَّة الِاسْتِئْجَار الْمَذْكُور، وَلَهُمَا سنة الْمُسلمين فِي بيعهم واستئجارهم شهد عَلَيْهِمَا الخ اه. وَفِي المغارسة من العلمي أَن الشَّيْخ العبدوسي سُئِلَ عَن شركَة تقع من أهل الْبَادِيَة يَبِيع الرجل من الرجل نصف غنمه وَنَحْوهَا بِثمن مَعْلُوم مُؤَجل، فَمنهمْ من يضْرب للثّمن أَََجَلًا، وَمِنْهُم من لَا يضْربهُ، فَإِذا وَقع النزاع بَينهم يَقُول المُشْتَرِي للْبَائِع: أَعْطِنِي أُجْرَة الرَّبْط والحل، فَهَل البيع فَاسد أم لَا؟ وَهل يلْزم البَائِع فِي نصفه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 أجر الْحل والربط، وَإِذا تطوع الْمُبْتَاع بذلك فَهَل لامْرَأَته قيام أم لَا: فَأجَاب: بِأَنَّهُمَا إِن ضربا للثّمن أَََجَلًا فَلَا شكّ فِي الْجَوَاز، وَأما إِن جعلاه لوقت الْقِسْمَة أَو كَانَت الْعَادة جَارِيَة بذلك، أَو كَانَ مِنْهُمَا إِضْمَار على ذَلِك فَالْبيع فَاسد، وعَلى البَائِع أُجْرَة الْحل والربط حَيْثُ كَانَ الْمُبْتَاع مِمَّن يَأْخُذ ذَلِك عَادَة أَو جهل حَاله بعد أَن يحلف أَنه لم يقْصد بذلك التَّطَوُّع إِلَّا أَن يكون أشهد على ذَلِك أَو لَا. فَلَا يَمِين عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ مِمَّن لَا يَأْخُذ ذَلِك عَادَة لنسبه وحسبه فَلَا أُجْرَة لَهُ، وَأما إِن كَانَت الْمَرْأَة فِي المتولية لذَلِك فَإِنَّمَا ترجع بذلك على زَوجهَا إِن كَانَت مِمَّن تَأْخُذ ذَلِك لِأَن زَوجهَا لما تطوع بِهِ سقط عَن البَائِع وَوَجَب على زَوجهَا لتطوعه فترجع على من وَجب عَلَيْهِ لَا على من سقط عَنهُ، وَاشْتِرَاط الْحل والربط على المُشْتَرِي فِي أصل العقد إِلَى غير أمد مَعْلُوم لَا يجوز، وَإِنَّمَا يجوز إِلَى أمد مَعْلُوم بِشُرُوط وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. وَكتب عبد الله العبدوسي اه. بِبَعْض اخْتِصَار وَتَأمل قَوْله: لِأَن زَوجهَا لما تطوع الخ. فَإِنَّهُ كثير الْوُقُوع، وَتقدم آخر بيع الْفُضُولِيّ جملَة من ذَلِك، وَقَوله: إِن كَانَت مِمَّن تَأْخُذ ذَلِك إِشَارَة مِنْهُ إِلَى الْقَاعِدَة الْآتِيَة فِي الْبَيْت بعده. وَالقَوْلُ للعامِلِ حَيْثُ يَخْتَلِفْ فِي شأْنِهَا بَعْدَ الفَرَاغِ إنْ حَلَفْ (وَالْقَوْل لِلْعَامِلِ) أَي الْأَجِير (حَيْثُ يخْتَلف) هُوَ وَمن واجره (فِي شَأْنهَا) أَي الْإِجَارَة أَي فِي شَأْن عقدهَا (بعد الْفَرَاغ) من الْعَمَل فَقَالَ الْأَجِير: ادْفَعْ لي أُجْرَة الصَّبْغ أَو الْخياطَة مثلا. وَقَالَ رب الثَّوْب: لم أواجرك على ذَلِك، وَإِنَّمَا كَانَ عنْدك وَدِيعَة أَو قَالَ صبغته أَو خطته لي مجَّانا، فَإِن القَوْل للْأَجِير إِنَّه صبغه أَو خاطه بِأَجْر وَيصدق فِي قدره (إِن) أشبه و (حلف) أَنه لقد واجره بِمَا ذكر (خَ) : وَالْقَوْل للْأَجِير إِنَّه وصل كتابا أَو أَنه اصْطنع، وَقَالَ ربه وَدِيعَة الخ. وَإِنَّمَا كَانَ القَوْل للْأَجِير مَعَ أَن القَوْل لمنكر العقد إِجْمَاعًا كَمَا تقدم فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين لِأَن الْغَالِب فِيمَا يدْفع للصانع هُوَ الاصطناع والإيداع نَادِر لَا حكم لَهُ كَمَا قَالَه اللَّخْمِيّ، وَقَوله فِي شَأْنهَا صَادِق بِمَا إِذا قَالَ ربه وَدِيعَة أَو مجَّانا كَمَا مر، وَبِمَا إِذا سرق مني، وَهَذَا الثَّانِي يجب إِخْرَاجه من النّظم لِأَن الحكم فِيهِ عدم قبُول قَول الْأَجِير كَمَا قَالَ (خَ) : وَإِن ادَّعَاهُ وَقَالَ: سرق مني وَأَرَادَ أَخذه دفع قيمَة الصَّبْغ بِيَمِين إِن زَادَت دَعْوَى الصابغ عَلَيْهَا الخ. وَالْفرق أَن رب الْمَصْنُوع فِي دَعْوَى الْوَدِيعَة معترف بِأَنَّهُ أذن فِي وضع يَد الصَّانِع على الْمَصْنُوع بِخِلَاف السّرقَة، وَمَفْهُوم قَوْله: حَيْثُ يخْتَلف فِي شَأْنهَا أَنَّهُمَا إِذا اتفقَا على عدم عقدهَا أَنه لَا شَيْء على رب الْمَصْنُوع وَهُوَ كَذَلِك حَيْثُ كَانَ رب الْمَصْنُوع لَا حَاجَة لَهُ فِي تِلْكَ الصَّنْعَة، أَو كَانَت الصَّنْعَة مِمَّا يَليهَا بِنَفسِهِ أَو عبيده، وَإِلَّا لزمَه أُجْرَة الْمثل. قَالَ فِي الشَّامِل: وكل من أوصل لَك نفعا بِعَمَل أَو مَال وَإِن بِغَيْر قصد نفعك كَانَ حرث أَرْضك ظَانّا أَنَّهَا لَهُ أَو لم تَأمره بِهِ مِمَّا لَا بُد لَك مِنْهُ كحرثه أَرْضك أَو سقيه إِيَّاهَا أَو حصد زرعك أَو طحن حبك أَو حفر بئرك أَو بِنَاء دَارك أَو انفق على زَوجتك أَو ولدك أَو عَبدك لزمك أُجْرَة الْعَمَل، وَمثل المَال الَّذِي أنفقهُ على الزَّوْجَة وَنَحْوهَا لِأَنَّهُ قد قَامَ عَنْك بِوَاجِب، فَإِن فعل ذَلِك بِقصد أَن يَأْخُذهُ لنَفسِهِ فَهُوَ غَاصِب لَا شَيْء لَهُ، وَالْقَوْل قَوْله إِنَّه فعل ذَلِك بِقصد الرُّجُوع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 بِالْأُجْرَةِ، وبمثل المَال الْمُنفق فَإِن كَانَ عملا لَا تحْتَاج لَهُ كحفر بِئْر فِي أَرْضك لَا حَاجَة لَك بِهِ، أَو انفق على من لَا تلزمك نَفَقَته، أَو كَانَ الْعَمَل مِمَّا تليه بِنَفْسِك أَو عبيدك أَو دوابك فَلَا شَيْء عَلَيْك اه. بِاخْتِصَار. وَتَقْدِيم وَتَأْخِير وَزِيَادَة للإيضاح. وَهَذِه الْكُلية ذكرهَا ابْن حَارِث فِي أصُول الْفتيا فِي بَاب الضَّمَان، ونقلها ابْن شَاس وَابْن الْحَاجِب وَابْن عَرَفَة فِي بَاب الْإِجَارَة وسلموها، وَلم يعترضوا مِنْهَا شَيْئا. انْظُر نصهم فِي شرح الشَّامِل. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله بعد الْفَرَاغ فَقَالَ: وإنْ جَرَى النِّزَاعُ قبلَ العَمَلِ تَحَالَفَا والرَّدُّ بَيِّنٌ جَلِي (وَإِن جرى) أَي وَقع (النزاع) بَين الْأَجِير وَرب الْمَتَاع (قبل) الشُّرُوع فِي (الْعَمَل) أَو بعد الشُّرُوع فِيهِ بِشَيْء يسير (تحَالفا وَالرَّدّ) لعقد الْإِجَارَة أَي فَسخه (بَين جلي) وَظَاهره مُطلقًا كَانَ نزاعهما فِي عقدهَا وَعدم عقدهَا أَو فِي قدر الْأُجْرَة أَو فِي نوعها أَو جِنْسهَا أَو فِي انْتِهَاء الْمسَافَة أَو فِي ابتدائها، وَنَحْو ذَلِك. وَهُوَ كَذَلِك وَلَا يُرَاعى شبههما وَلَا شبه أَحدهمَا لِأَن الْقَاعِدَة أَنه لَا ينظر لشبه قبل الْعَمَل (خَ) : وَإِن قَالَ بِمِائَة لبرقة، وَقَالَ بل لإفريقية حلفا وَفسخ إِن عدم السّير أَو قل وَإِن نقد الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله فِي شَأْنهَا أَي عقدهَا، وَهُوَ مَا إِذا اتفقَا على العقد وَاخْتلفَا فِي الصّفة أَو النَّوْع أَو الْقدر فَقَالَ: وَإنْ يكن فِي صِفَةِ المَصْنُوعِ أَوْ نوعِهِ النِّزَاعُ ذَا وقُوعِ (وَإِن يكن فِي صفة الْمَصْنُوع) كَقَوْلِه: أَمرتنِي بصبغه أَحْمَر، وَقَالَ الآخر: بل أصفر مثلا (أَو نَوعه) كَقَوْلِه: أَمرتنِي بخياطة عَرَبِيَّة وَقَالَ الآخر: بل برومية وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بقوله: (النزاع) وَهُوَ اسْم يكن وَقَوله: (ذَا وُقُوع) خَبره. فَالقولُ لِلصَّانِعِ من بَعْدِ الْحَلِفْ وَذَاكَ فِي مقدارِ أُجرةٍ عُرِفْ (فَالْقَوْل للصانع) فِي الصُّورَتَيْنِ (من بعد الْحلف) وَهَذَا إِذا أشبه أشبه الآخر أم لَا، فَإِن انْفَرد الآخر بالشبه لكَون غَالب أَمْثَاله لم يلبسوا إِلَّا الْأَصْفَر أَو الْمخيط برومية فَقَوله: بِيَمِينِهِ فَإِن لم يشبها فأجرة الْمثل مَا لم تزد على دَعْوَى الصَّانِع أَو تنقص عَن دَعْوَى ربه فَلَا ينقص وَلَا يُزَاد. (وَذَاكَ) مُبْتَدأ وَالْإِشَارَة إِلَى كَون القَوْل للصانع مَعَ حلفه وَشبهه (فِي) نزاعهما فِي (مِقْدَار أُجْرَة) بِأَن قَالَ بِعشْرَة وَقَالَ الآخر بل بِثمَانِيَة (عرف) خبر وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ، وَظَاهره أَن القَوْل لَهُ فِي قدرهَا حَيْثُ أشبه وَحده كَانَ الْمَصْنُوع محوزاً بِيَدِهِ أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك فَإِن أشبه ربه وَحده، فَالْقَوْل لَهُ وَلَو محوزاً بيد الصَّانِع، فَإِن أشبها مَعًا فَالْقَوْل للحائز مِنْهُمَا، وَإِن لم يشبها مَعًا فأجرة الْمثل (خَ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 عاطفاً على مَا فِيهِ القَوْل للصانع مَا نَصه: أَو خُولِفَ فِي الصّفة أَو فِي الْأُجْرَة إِن أشبه وَحَازَ لَا أَن لم يحز كبناء. وإنْ يَكُنْ مِنه نُكُولٌ حَلَفَا ربُّ المَتاعِ وَلهُ مَا وَصَفَا (وَإِن يكن مِنْهُ) أَي الصَّانِع (نُكُول) عَن الْيَمين حَيْثُ القَوْل لَهُ فِي هَذِه الْفُرُوع (حلفا رب الْمَتَاع) على دَعْوَاهُ (وَله مَا وَصفا) من قدر الْأُجْرَة وَمن الصَّبْغ والخياطة وَيُؤمر الصَّانِع بِإِعَادَة الصَّبْغ والخياطة إِن أمكنه ذَلِك من غير فَسَاد، وإلاَّ ضمن قِيمَته أَبيض من غير صبغ وَلَا خياطَة. وَالقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ المَتَاعِ فِي تَنَازُعٍ فِي الرَّدِّ مَعْ حَلْفٍ قُفِي (وَالْقَوْل قَول صَاحب الْمَتَاع فِي تنَازع) بَينه وَبَين الصَّانِع (فِي الرَّد) للشَّيْء الْمَصْنُوع فَقَالَ الصَّانِع: رَددته إِلَيْك بعد الصَّنْعَة. وَقَالَ ربه: بل هُوَ بَاقٍ عنْدك فَالْقَوْل لرَبه (مَعَ حلف) مِنْهُ (قفي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صفة لحلف، وَظَاهره أَن القَوْل لرَبه سَوَاء قَبضه بِبَيِّنَة أَو بِغَيْر بَيِّنَة استصنع بِأَجْر أَو بِغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ قَبضه على الضَّمَان فَلَا يبرأ مِنْهُ كَمَا قَالَ مَالك: إِلَّا بِبَيِّنَة بِخِلَاف الْمُودع عِنْده إِذا قبض الْوَدِيعَة بِغَيْر بَيِّنَة فَهُوَ مُصدق فِي الرَّد لِأَنَّهُ لم يقبضهَا على الضَّمَان، وَهَذَا كُله فِي الْمَصْنُوع الَّذِي يُغَاب عَلَيْهِ كَالثَّوْبِ وَنَحْوه، وَأما مَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ كغلام دَفعه لمن يُعلمهُ أَو دَابَّة لمن يعلمهَا حسن السّير، فَالْقَوْل للصانع فِي رده كقبول دَعْوَى تلفه إِلَّا أَن يكون قَبضه بِبَيِّنَة مَقْصُودَة للتوثق فَلَا تقبل دَعْوَاهُ الرَّد والتلف، والمقصودة للتوثق هِيَ الْمَقْصُودَة بِالْإِشْهَادِ احْتِرَازًا مِمَّا إِذا حضرت على وَجه الإتفاق فَشَهِدت بِمَا وَقع بمحضرها من غير أَن يشهدها رب الْمَتَاع والصانع، فَهَذِهِ الْبَيِّنَة لم تقصد بِالْإِشْهَادِ، وَإِنَّمَا حضرت على وَجه الِاتِّفَاق فَهِيَ كَالْعدمِ كَمَا أوضحنا ذَلِك فِي شرحنا للشامل فِي بَاب الْوَدِيعَة (خَ) عاطفاً على مَا لَا يقبل فِيهِ قَول الصَّانِع مَا نَصه: وَلَا فِي رده فلربه وَإِن بِلَا بَيِّنَة الخ. وَفهم من النّظم أَن دَعْوَى التّلف وَالْغَصْب كدعوى الرَّد فَلَا يقبل قَول الصَّانِع فيهمَا أَيْضا لِأَن من لم يقبل دَعْوَاهُ الرَّد لم يقبل دَعْوَاهُ التّلف وَالْغَصْب إِلَّا بِبَيِّنَة عَلَيْهِمَا من غير تَفْرِيط وَيضمن قيمَة ذَلِك يَوْم الدّفع، وَلَيْسَ لرَبه أَن يَقُول: أَنا أدفَع الْأُجْرَة وآخذ قِيمَته مَعْمُولا إِلَّا أَن يقر الصَّانِع أَنه تلف بعد الْعَمَل قَالَه فِي الْمُوازِية. وَمحل الضَّمَان إِن غَابَ على الْمَصْنُوع وَنصب نَفسه لتِلْك الصَّنْعَة لسَائِر النَّاس فَإِن لم يغب على الْمَصْنُوع بل صنعه بِبَيْت ربه وَلَو بِغَيْر حُضُوره أَو بِحُضُورِهِ، وَلَو بِغَيْر بَيِّنَة، أَو لم ينصب نَفسه لسَائِر النَّاس، بل كَانَ يصنع لشخص خَاص أَو لجَماعَة مخصوصين فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا ادّعى تلفه (خَ) عاطفاً على مَا فِيهِ الضَّمَان أَو صانع أَي عَلَيْهِ الضَّمَان فِي مصنوعه لَا فِي غَيره، وَلَو مُحْتَاج لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 عمل، وَإِن بِبَيِّنَة أَو بِلَا أجر إِن نصب نَفسه وَغَابَ عَلَيْهِ فبقيمته يَوْم دَفعه، وَلَو شَرط نَفْيه أَو دعِي لأَخذه إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة أَي بتلفه فَتسقط الْأُجْرَة الخ. تَنْبِيه: ألْحقُوا السمسار بالصانع فَلَا تقبل مِنْهُ دَعْوَى الرَّد وَلَا التّلف. قَالَ فِي الْعَمَل الْمُطلق: والحقوا السمسار بالصناع فضمنوه غَائِب الْمَتَاع فرع: ذكر اللَّخْمِيّ وَابْن عَرَفَة فِي كتاب الْوَدِيعَة: من اكترى دَابَّة فَلَمَّا قدم قَالَ: أودعتها لِأَنَّهَا وقفت عَليّ فِي الطَّرِيق فَإِنَّهُ يصدق، وَلَو أنكر ذَلِك الْمُودع عِنْده وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَن الشَّأْن دفع الودائع بِغَيْر بَيِّنَة اه. والقَوْلُ لِلأَجِيرِ أَنْ كَانَ سَأَلَ بالقُرْبِ مِنْ فَرَاغِهِ أَجْرَ العَمَلْ (وَالْقَوْل للْأَجِير) فِي عدم قَبضه الْأُجْرَة (إِن كَانَ سَأَلَ) أَي جَاءَ يسْأَلهَا ويطلبها (بِالْقربِ من فَرَاغه) كاليومين وَنَحْوهمَا (أجر الْعَمَل) مفعول بقوله سَأَلَ، وَهَذَا إِذا كَانَ قد دفع الْمَصْنُوع لرَبه أَو لم يحزه أصلا كبناء وإلاَّ بِأَن كَانَ الْمَصْنُوع بَاقِيا تَحت يَده، فَالْقَوْل لَهُ فِي عدم الْقَبْض وَإِن طَال (خَ) : وَله وللجمال بِيَمِين فِي عدم قبض الْأُجْرَة وَإِن بلغا الْغَايَة إِلَّا لطول فلمكتريه بِيَمِين، وَكَانَ حق النَّاظِم أَن يُؤَخر هَذَا الْبَيْت عَن الأبيات بعده لارتباطها بِمَا قبله، وَظَاهر قَوْله بِالْقربِ من فَرَاغه أَنه لَا فرق بَين الصناع وكراء الرَّوَاحِل والسفن والدور وَالْأَرضين وَغير ذَلِك، وَهُوَ كَذَلِك. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَإِن كَانَ الْكِرَاء مشاهرة أَو مسانهة وَاخْتلفَا فِي الدّفع صدق الْمُكْتَرِي مَعَ يَمِينه فِيمَا انْقَضى من الشُّهُور فِي المشاهرة، وَمن السنين فِي المسانهة إِلَّا فِي الشَّهْر الْأَخير وَالسّنة الْأَخِيرَة، فَيصدق الْمكْرِي مَعَ يَمِينه إِن قَامَ بحدثان ذَلِك. قَالَ بعض الموثقين: والشهر بعد انْقِضَاء الْمدَّة فِي ذَلِك قريب انْتهى. قَالَ المكناسي فِي مجالسه: الْعرف بفاس أَن القَوْل قَول الْمكْرِي للدَّار وَنَحْوهَا فِي سالف الْمدَّة مَا عدا شَهْرَيْن من آخرهَا فَإِن القَوْل فِيهَا قَول الْمكْرِي انْتهى. قلت: وَالْعَمَل الْيَوْم بفاس على مَا للمكناسي بِزِيَادَة شهر فَيكون القَوْل للمكتري فِيمَا عدا الثَّلَاثَة الْأَشْهر الْأَخِيرَة، فَإِن القَوْل فِيهَا قَول الْمكْرِي مَعَ يَمِينه فِي الدّور والحوانيت والفنادق وَنَحْو ذَلِك لَا فِي الصناع والرواحل، فَإِن الْعَمَل فِيهَا على مَا فِي النّظم وَالله أعلم. ثمَّ إِذا قُلْنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 يضمن قيمَة الْمَصْنُوع فِي دَعْوَاهُ التّلف وَالرَّدّ يَوْم الدّفع كَمَا مر، فَإِن اتفقَا عَلَيْهَا فَلَا كَلَام، وَإِن اخْتلفَا فِيهَا تواصفاه، ثمَّ قوِّم، فَإِن اخْتلفَا فَالْقَوْل للصانع لِأَنَّهُ غَارِم، وَهَذَا إِن أشبه وَحلف كَمَا قَالَ: بَقِي هُنَا بَيت وَهُوَ: بَعْدَ يَمِينِهِ لمِنْ يُنَاكِرُ وَبَعْدَ طُولٍ يَحْلِفُ المُستَأْجِرُ وَالوَصْفُ مِنْ مُسْتَهْلِكٍ لمَا تَلفْ فِي يَدِهِ يُقْضى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; بِه بَعْدَ الحَلِفْ (وَالْوَصْف) مُبْتَدأ (من مستهلك) بِكَسْر اللَّام يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صفة أَي الْكَائِن من مستهلك، وَسَماهُ بذلك لهلاك الشَّيْء تَحت يَده ونكره ليعم الصَّانِع وَالْمُرْتَهن وَالْغَاصِب وَغَيرهم كَمَا سَيَقُولُ: وكل من ضمن شَيْئا الخ. (لما تلف) يتَعَلَّق بِالْوَصْفِ (فِي يَده) أَي الْمُسْتَهْلك يتَعَلَّق بِتَلف (يقْضِي بِهِ) خبر أَي يقْضِي بوصفه عِنْد اخْتِلَافهمَا فِيهِ دون وصف صَاحبه (بعد الْحلف) من الْمُسْتَهْلك (خَ) : وَإِن اخْتلفَا فِي قيمَة تَالِف تواصفاه، ثمَّ قوم، فَإِن اخْتلفَا فَالْقَوْل للْمُرْتَهن الخ. (ز) : وَلَو ادّعى شَيْئا يَسِيرا لِأَنَّهُ غَارِم، وَقَالَ أَشهب: إِلَّا أَن يتَبَيَّن كذبه لقلَّة مَا ذكره، وَنَحْوه قَول الْمُدَوَّنَة: من غصب أمة فَادّعى هلاكها وَاخْتلفَا فِي صفاتها صدق الْغَاصِب فِي الصّفة مَعَ يَمِينه إِذا أَتَى بِمَا يشبه فَإِن أَتَى بِمَا لَا يشبه صدق الْمَغْصُوب مِنْهُ فِي الصّفة حِينَئِذٍ مَعَ يَمِينه انْتهى. وَهُوَ معنى قَول النَّاظِم: وَشَرْطُهُ إتْيَانُهُ بِمشْبِهِ وَإنْ بِجَهْلٍ أَوْ نُكُولٍ يَنْتَهِي (وَشَرطه) أَي شَرط قبُول وَصفه مَعَ الْحلف. (إِتْيَانه بمشبه) فَإِن أَتَى بِمَا لَا يشبه صدق الآخر إِن أشبه وَحلف، فَإِن نكل الْمُسْتَهْلك أَو قَالَ لَا أَدْرِي صفته صدق الآخر كَمَا قَالَ: (وَإِن بِجَهْل أَو نُكُول يَنْتَهِي) الْمُسْتَهْلك بِكَسْر اللَّام. فَالقَوْلُ قَوْلُ خَصْمِهِ فِي وَصْفِهِ مُسْتَهْلِكاً بِمُشْبِهٍ مَعْ حَلْفِهِ (فَالْقَوْل قَول خَصمه) وَهُوَ رب الْمُسْتَهْلك بِفَتْح اللَّام (فِي وَصفه مُسْتَهْلكا) بِالْفَتْح مَعْمُول بِوَصْف (بمشبه) يتَعَلَّق بِوَصْف (مَعَ حلفه) مُتَعَلق بقوله خَصمه أَو حَال مِنْهُ، فَإِن لم يشبه رب الْمُسْتَهْلك أَيْضا فوسط من الْقيم بعد أيمانهما كَمَا لِابْنِ نَاجِي، وَالظَّاهِر أَنه كَذَلِك إِذا تجاهلا أَي ادّعى كل جهل صفته، وَهَذَا فِي غير الْمَرْهُون، وَأما هُوَ فَإِنَّهُمَا إِذا تجاهلاه فالرهن بِمَا فِيهِ كَمَا قَالَ (خَ) : وَإِن تجاهلا فالرهن بِمَا فِيهِ، وَلما بَين أَن القَوْل للمستهلك بِكَسْر اللَّام فِي وصف الْمُسْتَهْلك بِفَتْحِهَا أَشَارَ إِلَى مَا يضمنهُ بعد الْوَصْف وَالْيَمِين فَقَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 وَكلُّ مَنْ ضَمِنَ شَيْئاً أتْلَفَهْ فَهْوَ مُطَالَبٌ بِهِ أَنْ يُخْلِفَهْ (وكل من ضمن شَيْئا أتْلفه) من مثلى أَو مقوم (فَهُوَ مطَالب) بِفَتْح اللَّام (بِهِ أَن يخلفه) سَوَاء أتْلفه عمدا أَو خطأ. وَفي ذَوَاتِ المِثْلِ مِثلٌ يَجِبُ وَقِيمَةٌ فِي غَيْرِهِ تَسْتَوْجِبُ (وَفِي ذَوَات الْمثل مثل) مُبْتَدأ سوغه تَقْدِيم مَعْمُول الْخَبَر عَلَيْهِ على حد قَول ابْن مَالك: بهَا كَلَام قد يؤم (يجب) خَبره وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ، وَكَانَ حَقه أَن يفرعه بِالْفَاءِ فَيَقُول فَفِي ذَوَات الْمثل الخ. (وَقِيمَة فِي غَيره) أَي المثلى وَهُوَ الْمُقَوّم (تستوجب) أَي يُوجِبهَا الشَّرْع، والمثلى كل مَا يُكَال أَو يُوزن كالذهب وَالْفِضَّة وَالْحَدِيد والصفر والنحاس وَالْحِنْطَة وَالشعِير وَسَائِر المأكولات، والمقوم مَا لَا يُكَال وَلَا يُوزن كالثياب وَسَائِر الْعرُوض وَالرَّقِيق وَالْحَيَوَان. تَنْبِيه: من اسْتهْلك طَعَاما فِي الغلاء وطولب بِهِ فِي الرخَاء فَإِنَّهُ يلْزمه مثله على الْمَشْهُور، وَكَذَلِكَ من اسْتهْلك فُلُوسًا فَانْقَطع التَّعَامُل بهَا فَإِنَّهُ يلْزمه الْمثل، وَإِذا تعذر الْمثل فَإِنَّهُ يصبر حَتَّى يُوجد كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْغَصْب: والمثلى وَلَو بغلاء بِمثلِهِ وصبر لوُجُوده ولبلده الخ. وَقَوْلِي: وطولب بِهِ فِي الرخَاء احْتِرَازًا مِمَّا إِذا طُولِبَ بِهِ فِي الغلاء وَكَانَ مَوْجُودا فماطله الْمُسْتَهْلك أَو الْغَاصِب أَو الْمُقْتَرض حَتَّى رخص فَإِنَّهُ يضمن قِيمَته وَقت الطّلب كَمَا تقدم عِنْد قَول النَّاظِم صدر الْبيُوع: بأضرب الْأَثْمَان والآجال الخ. تَنْبِيه آخر: إِذا أتلف عجل بقرة أَو ولد شَاة فَإِنَّهُ يضمن قيمَة الْعجل وَقت التّلف وَيضمن أَيْضا مَا نقص من حليب الْبَقَرَة أَو الشَّاة على أَنَّهَا تحلب بنتاجها، وَهَذَا إِذا لم يكن اللَّبن هُوَ الْمَقْصُود مِنْهَا وإلاَّ خير الْمَالِك بَين أَن يضمنهُ قيمتهَا أَو يَأْخُذهَا وَمَا نَقصهَا كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) فِي فصل التَّعَدِّي بقوله: فَإِن أفات الْمَقْصُود كَقطع ذَنْب دَابَّة ذِي هَيْئَة أَو لبن شَاة هُوَ الْمَقْصُود لَا إِن لم يفته كلبن بقرة الخ. وَانْظُر أَيْضا عِنْد قَوْله فِي الدِّمَاء كجنين الْبَهِيمَة، وَانْظُر أَيْضا من أتلف ثَمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا عِنْد قَوْله فِي الشَّهَادَات كالإتلاف بِلَا تَأْخِير للحصول. وَانْظُر شرح الشَّامِل لهَذَا النَّص الَّذِي فِي الشَّهَادَات من رعى كرماً أَو أشجاراً، وَانْظُر من أتلف زرعا قبل بَدو صَلَاحه عِنْد قَوْله فِي الشّرْب: وَمَا أتلفته الْبَهَائِم لَيْلًا الخ. أَي فَإِنَّهُ يغرم قِيمَته على الرَّجَاء وَالْخَوْف، قَالَ ابْن رشد: وَلَا خلاف فِي تقويمه إِذا أيس من عوده لهيئته، وَأما إِن رعى صَغِيرا أَو رجى أَن يعود لهيئته فَاخْتلف هَل يستأني بِهِ أم لَا؟ فَقَالَ مطرف: إِنَّه لَا يستأني بِهِ، وَقَالَ سَحْنُون: يستأني بِهِ، وَإِذا حكم بِالْقيمَةِ فِيهِ على قَول مطرف ثمَّ عَاد لهيئته مَضَت الْقيمَة لصَاحب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 الزَّرْع وَقيل ترد كالبصل يعود، وَإِذا لم يحكم بِالْقيمَةِ حَتَّى عَاد لهيئته فَإِن الْقيمَة تسْقط. وَقَالَ أصبغ: لَا تسْقط، قَالَ الشَّيْخ بناني: وَرُبمَا يستروح من كَلَام ضيح أَن قَول مطرف هُوَ الرَّاجِح فِي الْجَمِيع انْتهى. وَقَوله: مَضَت الْقيمَة إِلَى قَوْله، وَقيل ترد الخ. صَرِيح أَن الزَّرْع وَالْقيمَة يكونَانِ لرب الزَّرْع لِأَنَّهُ لم يَأْخُذ الْقيمَة إِلَّا على الرَّجَاء وَالْخَوْف وَهُوَ الظَّاهِر خلاف مَا فِي حَاشِيَة الرهوني عَن الْمَقْصد الْمَحْمُود من أَن الزَّرْع يكون لدافع الْقيمَة، وَالله أعلم. (فصل فِي الْجعل) وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى: وَلمن جَاءَ بِهِ حمل بعير وَأَنا بِهِ زعيم} (يُوسُف: 72) فقد جعل لَهُ جعلا على الْإِتْيَان فِي الصواع وَلم يضْرب لَهُ أَََجَلًا فَدلَّ ذَلِك على أَنه إِن طلب وَلم يَأْتِ بِهِ فَلَا شَيْء لَهُ وَالْأَصْل فِيهِ حَدِيث الرّقية، وَهُوَ أَن نَفرا من الصَّحَابَة سافروا حَتَّى نزلُوا على حَيّ من الْعَرَب فاستضافوهم فَلم يضيفوهم فلدغ سيدهم فَأتى الملدوغ لبَعض أُولَئِكَ الصَّحَابَة يرقيه فرقاه على أَن جعل لَهُ قطيعاً من الْغنم فبرىء ووفى لَهُ بجعله، فَذكرُوا ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُم: (إِن أَحَق مَا أَخَذْتُم عَلَيْهِ أجرا كتاب الله) الخ. والقصة فِي البُخَارِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ ونقلها (ح) وَغَيره. وعرفه ابْن عَرَفَة بتعريفين أوجزهما، وَعَلِيهِ نقتصر عقد معاوضه على عمل آدَمِيّ يجب عوضه بِتَمَامِهِ لَا بعضه بِبَعْضِه، فَخرج بقوله عمل آدَمِيّ كِرَاء الرَّوَاحِل والسفن وَالنِّكَاح وكراء الْأَرْضين، وَبِقَوْلِهِ يجب عوضه بِتَمَامِهِ الْقَرَاض وَالْمُسَاقَاة وَالشَّرِكَة فِي الْحَرْث لجَوَاز عدم الرِّبْح وَالْغلَّة وَالزَّرْع، وَبِقَوْلِهِ لَا بعضه بِبَعْضِه الْإِجَارَة لوُجُوب بعض الْعِوَض إِذا ترك الْأَجِير الْعَمَل قبل تَمَامه. الجُعْلُ عَقْدٌ جائِزٌ لَا يَلْزَمُ لَكِن بِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ يُحْكَمُ (الْجعل عقد جَائِز لَا يلْزم) فَكل مِنْهُمَا أَن يفسخه قبل الشُّرُوع فِي الْعَمَل على الْمَشْهُور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 (لَكِن بِهِ) أَي باللزوم (بعد الشُّرُوع يحكم) على الْجَاعِل فَقَط، وَهُوَ باذل الْعِوَض فالمجرور والظرف متعلقان بيحكم، وَأما المجعول فَلهُ التّرْك وَلَو بعد الشُّرُوع أَو الْعَمَل الْكثير، وَلَا يلْزمه الْإِتْمَام بِحَال (خَ) : ولزمت الْجَاعِل بِالشُّرُوعِ. وَاعْلَم أَن الْجعَالَة تفارق الْإِجَارَة من وُجُوه، فَمِنْهَا أَن ضرب الْأَجَل يُفْسِدهَا كَمَا أَشَارَ لَهُ النَّاظِم فِيمَا يَأْتِي بقوله: وَلَا يحد بِزَمَان لَاحق الخ. أَي: لَا يُؤَجل بِأَجل إِلَّا أَن يشْتَرط المجعول التّرْك مَتى شَاءَ بِخِلَاف الْإِجَارَة فَلَا تصح بِدُونِ أجل، وَمِنْهَا أَنَّهَا عقد غير لَازم كَمَا قَالَ النَّاظِم هَهُنَا فَهُوَ كالقراض وَالتَّوْكِيل والتحكيم بِخِلَاف الْإِجَارَة، فَإِنَّهَا تلْزم بِالْعقدِ، وَقد نظم ابْن غَازِي مَا يلْزم بِالْعقدِ وَمَا لَا يلْزم بِهِ وَمَا فِيهِ خلاف هَل يلْزم بِهِ أم لَا فَقَالَ: أَرْبَعَة بالْقَوْل عقدهَا فرا بيع نِكَاح وسقاء وكرا لَا الْجعل والقراض وَالتَّوْكِيل وَالْحكم بِالْفِعْلِ بهَا كَفِيل لَكِن فِي الْغِرَاس والمزارعه والشركات بَينهم منازعه وفرا آخر الشّطْر الأول بِالْفَاءِ بِمَعْنى قطع، وَمِنْه فرى الْأَوْدَاج أَي قطعهَا، وَالْوَجْه الثَّالِث الَّذِي يُخَالف فِيهِ الْجعل الْإِجَارَة أَنه لَا شَيْء لَهُ إِلَّا بِتمَام الْعَمَل كَمَا قَالَ: وَلَيْسَ يَسْتَحِقُّ مِمَّا يُجْعَلُ شَيْئاً سِوَى إذَا يَتِمُّ العَمَلُ (وَلَيْسَ يسْتَحق) المجعول (مِمَّا) أَي الْجعل الَّذِي (يَجْعَل) لَهُ (شَيْئا) مفعول يسْتَحق (سوى إِذا يتم الْعَمَل) فَإِن لم يتمه فَلَا شَيْء لَهُ بِخِلَاف الْإِجَارَة فَإِن لَهُ فِيهَا بِحِسَاب مَا عمل (خَ) : صِحَة الْجعل بِالْتِزَام أهل الْإِجَارَة جعلا يسْتَحقّهُ السَّامع بالتمام ككراء السفن إِلَّا أَن يسْتَأْجر على التَّمام فنسبة الثَّانِي الخ. أَي مَحل كَونه لَا شَيْء لَهُ إِذا لم يتمه الْجَاعِل بِنَفسِهِ أَو عبيده أَو يسْتَأْجر عَلَيْهِ وإلاَّ فَلهُ فبنسبة الثَّانِي فَإِذا جاعله على الْإِتْيَان بخشبة إِلَى مَوضِع كَذَا بِخَمْسَة دَرَاهِم مثلا فحملها نصف الطَّرِيق وَتركهَا فَلَا شَيْء لَهُ، فَإِذا جَاعل صَاحبهَا شخصا آخر على بَقِيَّة الطَّرِيق بِعشْرَة فَإِنَّمَا يكون للْأولِ عشرَة لِأَنَّهَا الَّتِي تنوب فعله من عمل الثَّانِي لِأَن الثَّانِي لما اُسْتُؤْجِرَ نصف الطَّرِيق بِعشْرَة علم أَن قيمَة الْإِتْيَان بهَا فِي الطَّرِيق كلهَا يَوْم اُسْتُؤْجِرَ عشرُون، وَلَو حملهَا الأول ربع الطَّرِيق وَتركهَا وَحملهَا الثَّانِي بَقِيَّة الطَّرِيق بِعشْرَة أَيْضا كَانَ للْأولِ ثَلَاثَة وَثلث لِأَن الثَّانِي حمل كل ربع من الثَّلَاثَة الأرباع بِثَلَاثَة وَثلث، وَقس على ذَلِك لَو حملهَا الأول ثَلَاثَة أَربَاع الطَّرِيق وَنَحْو ذَلِك والحفر فِي الْبِئْر مثل الْخَشَبَة وَإِذا حملهَا بَقِيَّة الطَّرِيق بِنَفسِهِ أَو عَبده يُقَال مَا قيمَة ذَلِك أَن لَو جوعل أَو اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ. ابْن رشد: وَشبه هَذَا الدَّلال يَجْعَل لَهُ الْجعل على شَيْء فيسوقه ثمَّ يَبِيعهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 ربه بِغَيْر حَضرته، وَلَو بَاعه دلال آخر بِجعْل كَانَ الْجعل بَين الدلالين بِقدر عنائهما، لِأَن الدَّلال الثَّانِي هُوَ المنتفع بتسويق الأول اه. وَتَأمل هَذَا مَعَ مَا يَفْعَله النَّاس الْيَوْم من كَون الدَّلال الثَّانِي يستبد بِجَمِيعِ الْجعل وَذَلِكَ ظلم للْأولِ كَمَا ترى، وَهَذَا ظَاهر إِذا كَانَ الدَّلال الثَّانِي دلل الثَّوْب مثلا فِي الْيَوْم الَّذِي دلله فِيهِ الأول، وَفِي ذَلِك السُّوق بِعَيْنِه وإلاَّ فَلَا شَيْء للْأولِ بِخِلَاف تدليل الْأُصُول الْجُمُعَة والشهر وَنَحْوه، فَإِنَّهُ يُشَارك الثَّانِي وَلَو دللها فِي غير يَوْمهَا وسوقها ثمَّ مَا مر من أَن للْأولِ بِنِسْبَة الثَّانِي هُوَ الْمَشْهُور، وَاعْتَرضهُ التّونسِيّ وَابْن يُونُس قَالَا: لِأَن الأول إِذا رَضِي أَن يحملهَا جَمِيع الطَّرِيق بِخَمْسَة، فَكَانَ يجب إِذا تَركهَا فِي نصف الطَّرِيق أَن يعْطى نصف الْخَمْسَة، وَأجَاب ابْن عبد السَّلَام بِأَن عقد الْجعل لما كَانَ منحلاً من جِهَة الْعَامِل بعد الْعَمَل فَلَمَّا ترك بعد حمله نصف الْمسَافَة صَار تَركه إبطالاً للْعقد من أَصله وَصَارَ الثَّانِي كاشفاً لما يسْتَحقّهُ الأول اه. تَنْبِيهَانِ. الأول: أَرْكَان الْجعل ثَلَاثَة: عَاقد وَشَرطه أَهْلِيَّة البيع وَعمل وَهُوَ كعمل الْإِجَارَة من كَونه مَنْفَعَة تتقوم قدر على تَسْلِيمهَا بِلَا اسْتِيفَاء عين وَلَا حظر وَتعين الخ. إِلَّا أَنه لَا يشْتَرط الْعلم بِهِ هُنَا إِذْ مَسَافَة الْآبِق والضالة مَجْهُولَة انْظُر شرحنا للشامل. وَجعل وَشَرطه أَن يكون مَعْلُوما مُنْتَفعا بِهِ ظَاهرا مَقْدُورًا على تَسْلِيمه إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يشْتَرط فِي ثمن الْمَبِيع، وَتقدم عَن ابْن سراج فِي فصل الْإِجَارَة أَنه أجَاز كِرَاء السَّفِينَة بالجزء من ربحها إِذا دعت إِلَى ضَرُورَة قَالَ: لِأَنَّهُ قد علم من مَذْهَب مَالك رَحمَه الله مُرَاعَاة الْمصلحَة إِذا كَانَت كُلية حاجية، وَأَيْضًا فَإِن ابْن حَنْبَل وَجَمَاعَة من عُلَمَاء السّلف أَجَازُوا الْإِجَارَة بالجزء فِي جَمِيع الْإِجَارَات قِيَاسا على الْقَرَاض وَالْمُسَاقَاة، وَقد اخْتلف الأصوليون فِي جَوَاز الِانْتِقَال من مَذْهَب إِلَى آخر فِي بعض الْمسَائِل، وَالصَّحِيح من جِهَة النّظر جَوَازه قَالَ: وَمِمَّا يدل للْجُوَاز أَيْضا مَا ذكره الشّعبِيّ عَن أصبغ من أَن جَمِيع مَا يضْطَر إِلَيْهِ النَّاس وَلَا يَجدونَ مِنْهُ بدًّا مثل حَارِث الزَّرْع يسْتَأْجر بِجُزْء مِنْهُ، وَلَا يجد من يحرس لَهُ إِلَّا بذلك الْوَجْه فأرجو أَن لَا يكون بِهِ بَأْس اه بِاخْتِصَار. وَنقل ولد النَّاظِم كَلَامه فِي فصل الْإِجَارَة وَقَالَ عقبه: إِن عمل بِمُقْتَضى هَذِه الْفَتْوَى فتحت مسَائِل كَثِيرَة ظَاهرهَا الْمَنْع على أصل الْمَذْهَب اه. وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْفَتْوَى اعتمدها غير وَاحِد من الْمُتَأَخِّرين ومحلها عِنْدهم وَعند ابْن سراج إِذا دعت الضَّرُورَة إِلَى ذَلِك وَلم يجد فِي الْبَلَد من يعْمل بِالْأَجْرِ الْمَعْلُوم كَمَا ترى، وَتقدم فِي فصل الْإِجَارَة أَن مجاعلة الدَّلال من هَذَا الْقَبِيل وإلاَّ فَهِيَ مَمْنُوعَة. انْظُر شرحنا للشامل عِنْد قَوْله: وَالْعَمَل فِي الْجعل من شَرطه عدم تَأْجِيله الخ. وَمِمَّا يجوز فِيهِ الْجعل مَعَ جهل الْعِوَض أَيْضا قَوْله: اقتض ديني وَمَا اقتضيت فلك نصفه، أَو القط زيتوني وَمَا لقطت فلك نصفه، وجذ من نخلي مَا شِئْت، أَو احصد من زرعي مَا شِئْت وَلَك نصف مَا تحصد أَو تجذ، فَإِن ذَلِك كُله جعَالَة وَله التّرْك مَتى شَاءَ كَمَا اقْتصر عَلَيْهِ فِي الشَّامِل وَغَيره، فَإِن قَالَ: احصد زرعي هَذَا سَوَاء قَالَ كُله أم لَا. كَمَا فِي الرجراجي أَو قَالَ: جذ نخلي هَذَا أَو القط زيتوني هَذَا وَلَك نصفه، فَهُوَ إِجَارَة لَازِمَة لِأَنَّهُ مَعْلُوم بالحزر وَلَيْسَ لَهُ التّرْك كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَة. الثَّانِي: كل مَسْأَلَة يَصح الْجعل فِيهَا مَعَ اعْتِبَار شُرُوطه من عدم ضرب الْأَجَل وَنَحْوه تصح فِيهَا الْإِجَارَة مَعَ اعْتِبَار شُرُوطهَا أَيْضا من ضرب الْأَجَل وَغَيره، وَلَا عكس. أَلا ترى أَن حفر الْآبَار يَصح بجعالة كَمَا قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 كالحَفْرِ لِلْبِئْرِ وَرَدِّ الآبِقِ وَلاَ يُحَدُّ بِزَمَانٍ لاحِقِ (كالحفر للبئر) بِشَرْط أَن تكون فِي غير ملك الْجَاعِل، وَأَن يعرفا شدَّة الأَرْض ورخاوتها على مَا لصَاحب المعونة لَا على مَا لِابْنِ رشد وَابْن الْحَاجِب فَإِنَّهُمَا لَا يشترطان معرفَة شدتها ورخاوتها وَهُوَ أظهر والآلات والفؤوس على الْحَافِر إِلَّا أَن يشترطها على الْجَاعِل وَيصِح إِجَارَة أَيْضا كَانَت فِي أَرض يملكهَا الْجَاعِل أم لَا. والآلة والفؤوس على الْمُسْتَأْجر بِالْكَسْرِ، وَكَذَا بيع الثِّيَاب يَصح إِجَارَة وجعالة وَكَذَا مشارطة الطَّبِيب. (ورد الْآبِق) والشارد يَصح فيهمَا الْأَمْرَانِ أَيْضا وتنفرد الْإِجَارَة بخياطة الثَّوْب وحفر الْبِئْر فِي ملك الْجَاعِل وَنَحْوهمَا مِمَّا تبقى فِيهِ مَنْفَعَة للجاعل بعد التّرْك فَإِنَّهُ لَا يَصح جعَالَة وَإِنَّمَا يَصح إِجَارَة فَالْإِجَارَة أَعم من الْجعل مُطلقًا كَمَا قَالَ (خَ) : فِي كل مَا جَازَ فِيهِ الْإِجَارَة بِلَا عكس الخ. وَهَذَا وَاضح على الْمَشْهُور من أَن مَا تبقى فِيهِ مَنْفَعَة للجاعل بعد التّرْك لَا تصح فِيهِ الْجعَالَة، وَأما على مُقَابِله وَهُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم من صِحَة الْجعل فِيمَا تبقى فِيهِ مَنْفَعَة للجاعل فيتساوى الْجعل وَالْإِجَارَة وَلَا ينْفَرد أَحدهمَا عَن الآخر بِشَيْء. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَكره مَالك الْجعل على الْخُصُومَة على أَنه لَا يَأْخُذ شَيْئا إِلَّا بِإِدْرَاك الْحق لِأَنَّهُ لَا يعرف لفراغها غَايَة فَإِن عمل هَذَا فَلهُ أجر مثله اه. وَقَالَ قبل ذَلِك: وَيجوز فِي أحد قولي مَالك أَن يجاعل الطَّبِيب على الْبُرْء والخصم على إِدْرَاك الْحق وَهُوَ الْمَعْمُول بِهِ عِنْد الموثقين اه. وَنَحْوه فِي الْمجَالِس المكناسية، وَمَا تقدم فِي الطَّبِيب مَحَله إِذا كَانَ الدَّوَاء من عِنْد العليل وَإِلَّا لم يجز لِأَنَّهُ غرر إِن برىء أَخذ حَقه وإلاَّ ذهب دواؤه بَاطِلا. قَالَ ابْن نَاجِي: وَبِه حكمت ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق. الثَّانِي: من سرق لَهُ شَيْء أَو ضَاعَ لَهُ مثلا فالتزم ربه الْجعل الْمُسَمّى بالبشارة الْيَوْم، فَإِنَّهُ يجوز ذَلِك الِالْتِزَام وَيَقْضِي للمبشر بِأَخْذِهِ بِشَرْطَيْنِ أَن يلْتَزم لَهُ ذَلِك قبل وجود الْمَسْرُوق وَنَحْوه، وَأَن يكون مَكَانَهُ مَجْهُولا، فَمن وجد الْآبِق أَو الْمَسْرُوق أَو علم مكانهما ثمَّ جَاءَ إِلَى ربه، فَطلب أَن يلْتَزم لَهُ بالبشارة على رده أَو على الدّلَالَة على مَكَانَهُ فَلَا جعل لَهُ وَإِن قَبضه رده قَالَ فِي العمليات: وَخذ بِشَارَة بِجعْل جعلا قبل الْوُجُود وَالْمَكَان جهلا انْظُر الأنقال على ذَلِك فِي شَرحه، لَكِن ذكر أَبُو الْعَبَّاس الملوي فِي بعض تقاييده وَنَحْوه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 فِي شرح الْعَمَل الْمَذْكُور أَن بعض قُضَاة فاس أفتى بِوُجُوب الحكم بالبشارة مُطلقًا مُرَاعَاة للْمصَالح الْعَامَّة وخوفاً من ضيَاع أَمْوَال الْمُسلمين بكتمان الضوال والمسروق. قَالَ: وَقد نَص الْعلمَاء على أَن الْفَتْوَى دَائِرَة على مُقْتَضى الْحَال وَحَيْثُ أخذت الْبشَارَة من الْمَسْرُوق لَهُ، فَإِنَّهُ يرجع بهَا على السَّارِق لِأَنَّهُ ظَالِم تسبب فِي إغرام رب الْبشَارَة. قلت: وَهَذِه الْفَتْوَى جَارِيَة على مَا تقدم عَن ابْن سراج وَغَيره من رعي الْمصَالح وعَلى مقتضاها عَامَّة الْمُسلمين الْيَوْم فَلَا يَسْتَطِيع أَن يردهم عَن كتمان الضوال راد إِن لم يَأْخُذُوا الْبشَارَة وَالله أعلم. (وَلَا يحد بِزَمَان لَاحق) أَي لَا يجوز أَن يُؤَجل عمل الْجعل بِأَجل وَلَا يقدر بِزَمن كَيَوْم أَو عشرَة مثلا لِأَنَّهُ قد يَنْقَضِي الْأَجَل قبل تَمام الْعَمَل، فَيذْهب سَعْيه بَاطِلا. (خَ) : بِلَا تَقْدِير زمن إِلَّا بِشَرْط ترك مَتى شَاءَ فَيجوز حِينَئِذٍ ضرب الْأَجَل فِيهِ كَمَا مر، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعَ عدم الشَّرْط دخل على التَّمام فقوى الْغرَر بِسَبَب ذَلِك مَعَ ضرب الْأَجَل، بِخِلَاف مَا إِذا شَرط التّرْك مَتى شَاءَ مَعَ الْأَجَل فقد دخلا على التَّخْيِير فخف بذلك الْغرَر وَسكت النَّاظِم عَن شَرط النَّقْد فِيهِ وَهُوَ مَمْنُوع لتردد المنقود بَين السلفية والثمنية لَا إِن نقد تَطَوّعا فَيجوز، وَهل على اخْتِلَافهمَا فِي قدر الْجعل وَحكمه أَنه كالصانع، فَإِن كَانَ الْآبِق مثلا محوزاً بِيَدِهِ وأشبه قَوْله، فَالْقَوْل لَهُ أشبه الْجَاعِل أم لَا، وإلاَّ صدق الْجَاعِل إِن أشبه وَإِلَّا تحَالفا وَكَانَ لَهُ جعل مثله. (فصل فِي الْمُسَاقَاة) مفاعلة من السَّقْي وَأَصله مساقية تحركت الْيَاء وَانْفَتح مَا قبلهَا فقلبت ألفا فتكتب بِالْهَاءِ وتنصب الفتحة لِأَنَّهَا مُفْردَة ولفظها مفاعلة، أما من الْوَاحِد وَهُوَ قَلِيل كسافر وَعَافَاهُ الله أَو يُلَاحظ فِيهَا العقد وَهُوَ مِنْهُمَا، فَيكون من التَّعْبِير بالمتعلق بِالْفَتْح وَهُوَ الْمُسَاقَاة عَن الْمُتَعَلّق بِالْكَسْرِ وَهُوَ العقد وَهِي رخصَة مُسْتَثْنَاة من كِرَاء الأَرْض بِمَا يخرج مِنْهَا، وَذَلِكَ فِي بعض صورها كالبياض الَّذِي بَين الْأَشْجَار يعْمل فِيهِ الْعَامِل بِجُزْء من زرعه وَمن بيع الثَّمَرَة وَالْإِجَارَة بهَا قبل طيبها وَقبل وجودهَا، وَمن الْإِجَارَة المجهولة وَمن بيع الْغرَر قَالَه عِيَاض. قَالَ فِي الْكَافِي: وَمعنى الْمُسَاقَاة أَن يدْفع الرجل كرمه أَو حَائِط نخله أَو شَجَرَة تينه أَو زيتونه أَو سَائِر مثمر شَجَره لمن يَكْفِيهِ الْقيام بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من السَّقْي وَالْعَمَل على أَن مَا أطْعم الله من ثَمَرهَا يكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ أَو على جُزْء مَعْلُوم من الثَّمَرَة. ابْن عَرَفَة: هِيَ عقد على عمل مُؤنَة النَّبَات بِقدر لَا من غير غَلَّته لَا بِلَفْظ بيع أَو إِجَارَة أَو جعل فَيدْخل قَوْلهَا لَا بَأْس بالمساقاة على أَن كل الثَّمَرَة لِلْعَامِلِ ومساقاة البعل انْتهى. فَقَوله: بِقدر يَشْمَل مَا إِذا كَانَ الْقدر كل الثَّمَرَة أَو بَعْضهَا، وَلذَا قَالَ: فَيدْخل الخ. وَلَو عبر بِجُزْء لم يَشْمَل ذَلِك وَهُوَ عطف على مُقَدّر أَي يقدر من غَلَّته لَا من غير غَلَّته وَلَا تَنْعَقِد عَن ابْن الْقَاسِم إِلَّا بلفظها، وَعند سَحْنُون بِكُل مَا يدل عَلَيْهَا وَلَو بِلَفْظ الْإِجَارَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 وَهُوَ مُقْتَضى تَعْرِيف ابْن عَرَفَة الْمُتَقَدّم، وَيُؤَيِّدهُ مَا تقدم صدر الْإِجَارَة من أَنه إِذا قَالَ لَهُ: بِعْتُك سُكْنى دَاري فَذَلِك غلط فِي اللَّفْظ وَهُوَ كِرَاء صَحِيح. وَقَالَ ابْن يُونُس حَسْبَمَا نَقله الْبُرْزُليّ وَغَيره فِي المغارسة مَا نَصه: وَلَا فرق بَين أساقيك وأواجرك وَلَا يضر قبح اللَّفْظ إِذا حسن الْعَمَل، وَلم يفرق ابْن الْقَاسِم بَينهمَا وَهُوَ أصوب انْتهى. فعلى هَذَا لِابْنِ الْقَاسِم قَولَانِ وَافق فِي أَحدهمَا قَول سَحْنُون، وَصَوَّبَهُ ابْن يُونُس كَمَا ترى وَذَلِكَ مِمَّا يرجح مَا عَلَيْهِ عمل النَّاس الْيَوْم من عقدهَا بِغَيْر لَفظهَا، وَإِن كَانَ (خَ) اقْتصر على الأول فَقَالَ: بساقيتك الخ. فَلَا يشوش بِهِ على النَّاس الْيَوْم وَالله أعلم. إنَّ المُسَاقَاةَ عَلَى المُخْتَارِ لاَزِمْةٌ بالْعَقْدِ فِي الأَشْجَارِ (إِن الْمُسَاقَاة على) القَوْل (الْمُخْتَار) وَهُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة وَالْأَكْثَر (لَازِمَة بِالْعقدِ) وَإِن لم يشرع فِي الْعَمَل وَقيل إِنَّمَا تلْزم بِالشُّرُوعِ، وَقيل بالحوز كَمَا فِي ابْن عَرَفَة (فِي الْأَشْجَار) مُتَعَلق بالمساقاة أَو بتجوز مُقَدرا. وَالزرْعِ لَمْ يَيْبَسْ فَقَدْ تَحَقَّقَا قيلَ مَعَ العَجْزِ وقيلَ مُطْلَقَا (و) تجوز أَيْضا فِي (الزَّرْع) حَال كَونه (لم ييبس) أَي لم يطب، وَهَذَا الشَّرْط لَا يخْتَص بالزرع بل هُوَ شَرط حَتَّى فِي ثَمَر الْأَشْجَار وَمثل الزَّرْع المقثاة والباذنجان والقرع والبصل والقصب واللفت والجزر. وَلما كَانَت هَذِه الْأُمُور مُلْحقَة بالثمار لِأَن السّنة إِنَّمَا وَردت بالمساقاة فِيهَا خَاصَّة اشْترط الإِمَام لجَوَاز الْمُسَاقَاة فِي هَذِه الْأُمُور شُرُوطًا. أَحدهَا: عدم الطّيب وَهُوَ لَا يخْتَص بالزرع والملحق بِهِ كَمَا مر، وَثَانِيها: أَن تبرز من الأَرْض وتستقل لتصير مشابهة للشجر وَهُوَ معنى قَوْله: (وَقد تحققا) أَي: وَالْحَال أَنه قد تحقق كَونه زرعا بِأَن بزر من الأَرْض واستقل فَلَا تصح الْمُسَاقَاة فِيهَا قبل ذَلِك، وَثَالِثهَا: أَن يعجز رَبهَا عَن الْقيام بعملها الَّذِي لَا تتمّ وَلَا تنمو إِلَّا بِهِ وَهُوَ معنى قَوْله: (قيل مَعَ الْعَجز) أَي إِنَّمَا تجوز الْمُسَاقَاة فِيهَا إِذا عجز عَن الْقيام بهَا بِخِلَاف ثمار الْأَشْجَار، فَإِنَّهَا تجوز الْمُسَاقَاة فِيهَا، وَإِن لم تبرز ثَمَرَتهَا وَإِن لم يعجز رَبهَا وَاشْتِرَاط الْعَجز فِي الزَّرْع، وَمَا ألحق بِهِ هُوَ الْمَشْهُور. 6 (وَقيل مُطلقًا) وَهُوَ لِابْنِ نَافِع تجوز فِي الزَّرْع وَمَا ألحق بِهِ، وَإِن لم يعجز عَنهُ ربه وعَلى الأول اقْتصر (خَ) إِذْ قَالَ: كزرع وقصب ومقثاة إِن عجز ربه وَخيف مَوته وبرز وَلم يبد صَلَاحه. وَأَلْحَقُوا المقاثِي بالزَّرْعِ وَمَا كالْوَرْدِ وَالْقُطْنِ عَلَى مَا قُدِّمَا (وألحقوا المقاثي بالزرع) فِي الْجَوَاز بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة كَمَا مر. (وَمَا) مُبْتَدأ (كالورد) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صلَة (والقطن) مَعْطُوف عَلَيْهِ (على مَا قدما) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر، وَالتَّقْدِير وَمَا ثَبت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 كالورد وَالريحَان والياسمين والقطن تجوز مساقاته على مَا تقدم من الْخلاف فِي الزَّرْع هَل يشْتَرط الْعَجز أم لَا (خَ) : وَهل كَذَلِك الْورْد وَنَحْوه والقطن لَا تجوز مُسَاقَاة ذَلِك إِلَّا بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدّمَة فِي الزَّرْع أَو هِيَ كالأشجار فَلَا يشْتَرط فِيهَا ذَلِك، وَعَلِيهِ الْأَكْثَر، بل حكى ابْن رشد عَلَيْهِ الِاتِّفَاق فَلَا أقل أَن يكون ذَلِك مَشْهُور، تَأْوِيلَانِ ومحلهما فِي الْقطن الَّذِي تجنى ثَمَرَته وَيبقى أَصله يُثمر مرّة أُخْرَى، وَأما مَا لَا يجنى إِلَّا مرّة وَاحِدَة فَإِنَّهُ كالزرع بِاتِّفَاق. وَامْتَنَعَتْ فِي مَخْلِفِ الإِطْعَام كَشَجَرِ المَوْزِ عَلَى الدَّوَام (وامتنعت) الْمُسَاقَاة (فِي مخلف اطعام كشجر الموز) إِلَّا تبعا لما تجوز مساقاته (خَ) : إِنَّمَا تصح مُسَاقَاة شجر ذِي ثَمَر وَلم يحل بَيْعه وَلم يخلف إِلَّا تبعا، وأدخلت الْكَاف القضب بِسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْمُسَمّى عندنَا بالفصة والكزبرة، والقرط بِضَم الْقَاف مَا يرْعَى من العشب، والبقل، وَتقدم تَفْسِيره فِي الجوائح وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يخلف بعد جذه (على الدَّوَام) يتَعَلَّق بمخلف وَلَا بَأْس بشرَاء ثَمَرَة الموز إِذا حل بيعهَا وَشرط بَطنا أَو شهرا (خَ) : وَوَجَب ضرب الْأَجَل ان اسْتمرّ كالموز، وَقد تحصل أَن الْأُصُول ثَلَاثَة أَصْنَاف أصُول ثَابِتَة، وَإِنَّمَا تجذ ثَمَرَتهَا فَتجوز مساقاتها وأصول غير ثَابِتَة وَهِي الَّتِي يجذ أَصْلهَا مَعَ ثَمَرَتهَا كالزرع واللفت وَنَحْوهمَا، فَلَا تجوز مساقاتها إِلَّا أَن يعجز رَبهَا ويبرز من الأَرْض وأصول تجذ وتخلف كالبقل والكراث والقضب والموز لَا تجوز مساقاته قَالَه ابْن يُونُس. وَمَا يَحِلُّ بَيْعُهُ مِنَ الثَّمَرْ وَغَيْرِ مَا يُطْعِمُ مِنْ أَجْلِ الصِّغَرْ (و) امْتنعت أَيْضا فِي (مَا يحل بَيْعه من الثَّمر) لطيبه إِلَّا تبعا لما لم يطب فَإِن لم يكن تبعا لم يجز لَهُ لِأَنَّهُ ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى الْمُسَاقَاة حِينَئِذٍ لجَوَاز بيعهَا بالثمر إِذا عجز عَن جذاذها، وَلِأَنَّهُ يجوز لَهُ أَيْضا أَن يَدْفَعهَا لمن يجذها بِالنِّصْفِ أَو الرّبع إِجَارَة وجعالة كَمَا مر فِي الْجعل وَهُوَ قَول (خَ) فِي الْإِجَارَة: واحصد هَذَا وَلَك نصفه وَمَا حصدت فلك نصفه. (و) امْتنعت أَيْضا فِي (غير مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 يطعم) من عَامه (من أجل الصغر) كالودي وَهُوَ صغَار النّخل إِلَّا تبعا لما يطعم من عَامه. وَفي مُغَيَّبٍ فِي الأَرْضِ كالْجَزَرْ وَقَصَبِ السُّكَّرِ خُلْفٌ مُعْتَبَرْ (وَفِي) جَوَاز مُسَاقَاة (مغيب فِي الأَرْض) خبر مقدم (كالجزر) واللفت والفجل (و) فِي (قصب السكر) وَنَحْوه وَعدم جَوَاز الْمُسَاقَاة فِي ذَلِك (خلف) مُبْتَدأ (مُعْتَبر) صفة لَهُ، وَالْمَشْهُور الْجَوَاز بِشُرُوط الزَّرْع كَمَا تقدم. وَإنْ بَيَاضٌ قَلَّ مَا بَيْنَ الشَّجَرْ وَرَبُّهُ يُلْغيهِ فَهْوَ مُغْتَفَرْ (وَإِن) قل (بَيَاض) فَاعل مَحْذُوف يفسره (قل) كَمَا قَررنَا وَهُوَ الْمحل الْخَالِي من الْغَرْس سمي بَيَاضًا لإشراق أرضه بضوء الشَّمْس نَهَارا وبنور الْكَوَاكِب لَيْلًا، فَإِذا اشترت الأَرْض بزرع أَو شجر سميت سواداً لحجبها عَن بهجة الْإِشْرَاق (مَا) زَائِدَة (بَين الشّجر) حَال (وربه يلغيه) جملَة حَالية (فَهُوَ مغتفر) جَوَاب الشَّرْط، وَالْمعْنَى أَن الْبيَاض سَوَاء كَانَ بَين الشّجر أَو مُنْفَردا عَنْهَا بِنَاحِيَة إِذا قلّ بِأَن يكون كراؤه مُنْفَردا مائَة وَالثَّمَرَة على الْمُعْتَاد مِنْهَا بعد إِسْقَاط مَا أنْفق عَلَيْهَا تَسَاوِي مِائَتَيْنِ يغْتَفر إلغاؤه لِلْعَامِلِ فَيخْتَص بِمَا يزرع فِيهِ، وَسَوَاء ألغي لَهُ باشتراطه إِيَّاه عِنْد العقد أَو سكتا عَنهُ عِنْده (خَ) : وألغي لِلْعَامِلِ إِن سكتا عَنهُ أَو اشْتَرَطَهُ الخ. وَمَا فِي حَاشِيَة ابْن رحال: من أَنه عِنْد السُّكُوت يبْقى لرَبه على الرَّاجِح خلاف الْمُعْتَمد كَمَا فِي حَاشِيَة الرهوني. ابْن يُونُس: وَلَو ادّعى رب الْحَائِط قبل الْعَمَل أَنه اشْتَرَطَهُ لنَفسِهِ تحَالفا وتفاسخا، وَإِذا ألغي لِلْعَامِلِ فزرعه لنَفسِهِ ثمَّ أجيحت الثَّمَرَة كَانَ عَلَيْهِ كِرَاء الْبيَاض لِأَنَّهُ لم يُعْطه إِيَّاه إِلَّا على عمل السوَاد، فَلَمَّا ذهب السوَاد كَانَ لَهُ أَن يرجع بالكراء، وَكَذَا لَو عجز عَن إتْمَام الْعَمَل كَانَ عَلَيْهِ الْبيَاض بكرَاء مثله، وَمَفْهُوم قَوْله: قل إِنَّه إِذا لم يكن تبعا بل كَانَ كراؤه أَكثر من مائَة فِي الْمِثَال الْمَذْكُور لم يجز إلغاؤه بل يبْقى لرَبه فَإِن اشْتَرَطَهُ الْعَامِل فَسدتْ. وَجازَ أنْ يَعْمَلَ ذَاكَ العامِلُ لكِنْ بِجُزْءِ جُزْئهَا يُمَاثِلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 (وَجَاز أَن يعْمل ذَاك) الْبيَاض الْقَلِيل كَمَا فِي الْمِثَال الْمُتَقَدّم (الْعَامِل) فِي الشّجر وَتَكون فَائِدَته بَينهمَا (لَكِن) بِشُرُوط أَحدهَا أَن يكون عمله فِيهِ (بِجُزْء) من نَعته وَصفته (جزئها) أَي الْمُسَاقَاة مفعول بقوله (يماثل) كالربع أَو النّصْف فيهمَا مَعًا، فَلَو كَانَ على الرّبع فِي الثَّمَرَة وَالنّصف فِي الْبيَاض لم يجز على الْمَشْهُور، وَمذهب ابْن الْقَاسِم لِأَن الْمُسَاقَاة إِنَّمَا جَازَت فِيهِ بِحَسب التبع فَلَا بُد أَن يكون جزؤه مُوَافقا لما هُوَ تبع لَهُ، وَذهب أصبغ إِلَى عدم اشْتِرَاط مُوَافقَة جُزْء الْبيَاض للحائط وَعَلِيهِ فَمَا يَفْعَله النَّاس الْيَوْم من مُسَاقَاة الْبيَاض بِأَكْثَرَ من جُزْء الْحَائِط لَهُ مُسْتَند، فَلَا يشوش عَلَيْهِم بارتكابهم لغير الْمَشْهُور قَالَه المسناوي، وَأَشَارَ لثاني الشُّرُوط بقوله: بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا يَزْدَرِعُ مِنْ عِنْدِهِ وَجُزْءُ الأَرْضِ تَبَعُ (بِشَرْط أَن يكون مَا يزدرع) فِي الْبيَاض (من عِنْده) أَي من عِنْد الْعَامِل لِأَنَّهُ من جملَة مُؤنَة الْمُسَاقَاة، وَلِأَنَّهُ لم يرد عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه بعث إِلَى أهل خَيْبَر بزريعة وَلَا غَيرهَا، فَلَو كَانَ بذره من عِنْد ربه أَو من عِنْدهمَا فَسدتْ لخُرُوج الرُّخْصَة عَن محلهَا، وَأَشَارَ لثالث الشُّرُوط بقوله: (وجزء الأَرْض) أَي والجزء الَّذِي هُوَ الأَرْض الْبيَاض (تبع) لقيمة ثَمَرَة الْحَائِط كَمَا تقدم فِي الْمِثَال وَهَذَا الشَّرْط مُسْتَغْنى عَنهُ بقوله (قل) إِلَّا أَن يكون قصد بِهِ تَفْسِير الْقلَّة (خَ) : وكبياض نخل أَو زرع إِن وَافق الْجُزْء وبذره الْعَامِل وَكَانَ ثلثا بِإِسْقَاط كلفة الثَّمَرَة الخ. وَالْحَاصِل أَن الْبيَاض لَا يجوز إِدْخَاله فِي الْمُسَاقَاة إِلَّا بِهَذِهِ الشُّرُوط الثَّلَاثَة فَإِن اخْتَلَّ وَاحِد مِنْهَا فسد عقد الْمُسَاقَاة وَيرد الْعَامِل إِلَى مُسَاقَاة مثله فِي الْحَائِط وَإِلَى أُجْرَة مثله فِي الْبيَاض. وَحَيْثُمَا اشْتَرَطَ رَبُّ الأَرْضِ فَائِدَهُ فَالْفَسْخُ أمْرٌ مَقْضِي (وحيثما شَرط رب الأَرْض فائده) أَي الْبيَاض الْيَسِير لنَفسِهِ (فالفسخ) لعقد الْمُسَاقَاة (أَمر مقضي) بِهِ على الْمَشْهُور لِأَن سقِِي الْعَامِل يَنَالهُ فَكَانَ ذَلِك زِيَادَة اشْتِرَاطهَا رب الْحَائِط على الْعَامِل، وَقيل يجوز لرَبه اشْتِرَاطه لنَفسِهِ لِأَن الْعَامِل لَا يتَكَلَّف لذَلِك زِيَادَة فِي الْعَمَل لِأَنَّهُ يسْقِي شَجَره وَمَا ينْتَفع بِهِ الْبيَاض بعد ذَلِك كَالَّذي ينْتَفع بِهِ الْجَار اه. وَعَلِيهِ فَلَا يشوش على من فعله كَمَا مر عَن المسناوي، وَهَذَا إِذا كَانَ يَنَالهُ سقِِي الْعَامِل، وَأما إِن كَانَ لَا يَنَالهُ أَو كَانَ بعلاً فَلَا إِشْكَال أَنه لرَبه، وَهَذَا كُله فِي الْبيَاض الْيَسِير كَمَا مر. وَأما الْكثير فَلَا يَصح إِدْخَاله فِي الْمُسَاقَاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 وَلَا أَن يلغى لِلْعَامِلِ، بل يبْقى لرَبه كَمَا مر، وَظَاهر إطلاقاتهم وَلَو كَانَ سقِِي الْعَامِل يَنَالهُ. وَقَوْلنَا: فالفسخ الخ. ظَاهره وَلَو بعد الْعَمَل وَهُوَ كَذَلِك وَيكون لَهُ أُجْرَة مثله فِيهِ ومساقاة مثله فِي الْحَائِط. وَلاَ تَصِحُّ مَعْ كِرَاءٍ لَا وَلاَ شَرْطِ البَيَاضِ لِسوَى مَنْ عَمِلا (وَلَا تصح) الْمُسَاقَاة (مَعَ كِرَاء) فِي عقد وَاحِد كَقَوْلِه: اكتر لي دَارك بدرهم على أَن نعمل فِي حائطك مُسَاقَاة بِربع الثَّمَرَة لِأَنَّهَا من الْعُقُود الَّتِي لَا يجْتَمع اثْنَان مِنْهَا فِي عقد وَاحِد كَمَا مر صدر الْبيُوع (لَا) توكيد للا الَّتِي قبلهَا (وَلَا) تصح أَيْضا مَعَ (شَرط الْبيَاض) الْيَسِير (لسوى من عملا) وَهُوَ رب الْحَائِط أَو الْأَجْنَبِيّ وَأما شَرطه لِلْعَامِلِ فَهُوَ جَائِز، وَهَذَا الشّطْر مُكَرر مَعَ قَوْله قبله وحيثما الخ. وَلاَ اشْتِرَاط عَمَلٍ كَثِيرِ يَبْقَى لَهُ كَمِثْلِ حَفْرِ بِيرِ (وَلَا) يَصح أَيْضا مَعَ (اشْتِرَاط عمل كثير) على الْعَامِل (يبْقى لَهُ) أَي لرب الْحَائِط (كَمثل حفر بير) أَو عين أَو بِنَاء حَائِط أَو بَيت، وَمَفْهُوم كثير أَن الْعَمَل الْقَلِيل لَازم لَهُ (خَ) : وَلزِمَ عاملها مَا يفْتَقر لَهُ عرفا أَي وَلَا يشْتَرط تَفْصِيله لقِيَام الْعرف مقَام الْوَصْف، فَإِن لم يكن عرف أصلا أَو كَانَ وَلم يَنْضَبِط أَو انضبط وَلم يُعلمهُ الْعَامِل فَلَا بُد من الْبَيَان وَالْقَوْل لِلْعَامِلِ أَنه لم يُعلمهُ، ثمَّ إِن الَّذِي يجب عَلَيْهِ هُوَ مَا يتَعَلَّق بإصلاح الثَّمَرَة. قَالَ فِي الْمُقدمَات: عمل الْعَامِل إِن لم يتَعَلَّق بإصلاح الثَّمَرَة لم يلْزم الْعَامِل وَلَا يَصح أَن يشْتَرط عَلَيْهِ مِنْهُ إِلَّا الْيَسِير كشد الحظيرة بالظاء المشالة أَي الزرب الَّذِي بِأَعْلَى الْحَائِط يمْنَع التسور عَلَيْهِ من الْحَظْر وَهُوَ الْمَنْع، وكإصلاح الضفيرة وَهِي عيدَان تضفر وتطين ليجتمع فِيهَا المَاء كالصهريج قَالَ: وَإِن تعلق بإصلاح الثَّمَرَة وَكَانَ يَنْقَطِع بانقطاعها أَو يبْقى بعْدهَا الشَّيْء الْيَسِير، فَهَذَا يلْزم المساقي وَذَلِكَ كالحفر الَّذِي يمْنَع الدُّخُول للحائط والسقي وزبر الْكَرم وتقليم الشّجر وَإِصْلَاح مَوَاضِع السَّقْي وجلب المَاء وجذاذ الثَّمَرَة وتبقية مَنَافِع الشّجر وَنَحْو ذَلِك، وَأما مَا يبْقى بعد انقطاعها وَينْتَفع بِهِ رَبهَا كحفر بِئْر أَو بِنَاء بَين يجمع فِيهِ ثَمَرهَا كالجرين أَو إنْشَاء غرس، فَلَا يلْزم الْعَامِل وَلَا يجوز اشْتِرَاطه عَلَيْهِ اه. بِاخْتِصَار وَزِيَادَة للإيضاح. وَلاَ اخْتِصَاصِهِ بِكَيْلٍ أَوْ عَدَدْ أَوْ نَخْلةٍ مِمَّا عَلَيْهِ قَدْ عَقَدْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 (وَلَا) تصح أَيْضا مَعَ اشْتِرَاط (اخْتِصَاصه) أَي رب الْحَائِط أَو الْعَامِل (بكيل) كوسق لي وَالْبَاقِي بَيْننَا على الْجُزْء الَّذِي دَخَلنَا عَلَيْهِ (أَو عدد) كألف رمانة أَو مائَة أترجة أَو بطيخة وَالْبَاقِي بَينهمَا على مَا دخلا عَلَيْهِ، (أَو) شَرط اخْتِصَاصه بثمر (نَخْلَة مِمَّا) أَي من النخيل الَّذِي (عَلَيْهِ قد عقد) الْمُسَاقَاة يتنازعه الْكَيْل وَمَا بعده، وَمَفْهُوم قَوْله: مِمَّا عَلَيْهِ قد عقد أحروي فِي الْمَنْع، فَلَا يجوز اشْتِرَاط اخْتِصَاص الْعَامِل أَو رب الْحَائِط بكيل من حِنْطَة أَو ثَمَرَة نخل أَو عدد من دَنَانِير أَو عرض أَو من الرُّمَّان مثلا أَو ثَمَر نَخْلَة من غير مَا وَقعت عَلَيْهِ الْمُسَاقَاة، لِأَنَّهُ إِن كَانَ الدَّافِع من عِنْده هُوَ الْعَامِل فقد خرجا عَن الْمُسَاقَاة إِلَى بيع الثَّمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا وَإِن كَانَ الدَّافِع هُوَ رب الْحَائِط فَهُوَ إِجَارَة فَاسِدَة لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ واجره على الْعَمَل بِمَا أعطَاهُ لَهُ وبجزء من ثَمَرَة مَا يعْمل فِيهِ فَيرد الْعَامِل إِلَى أُجْرَة مثله فِي الصُّورَتَيْنِ وَلَا شَيْء لَهُ فِي الثَّمَرَة كَمَا قَالَ (خَ) : فَلهُ أُجْرَة مثله إِن خرجا عَنْهَا كَانَ ازْدَادَ عينا أَو عرضا الخ. نعم إِذا لم يجد رب الْحَائِط عَاملا إِلَّا مَعَ دَفعه لَهُ شَيْئا زَائِدا على الْجُزْء فَإِنَّهَا تصح للضَّرُورَة كَمَا تقدم عَن ابْن سراج فِي الْإِجَارَة قَالَه (ز) وَاحْترز بقوله بكيل الخ. مِمَّا إِذا ساقاه على أَن لأَحَدهمَا جُزْءا من عشرَة أَو خَمْسَة أَو أقل أَو أَكثر أَو الْبَاقِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ مثلا فَإِنَّهُ جَائِز لِأَن ذَلِك يرجع إِلَى جُزْء مَعْلُوم لأَحَدهمَا خَمْسَة وَنصف وَللْآخر أَرْبَعَة وَنصف قَالَه اللَّخْمِيّ. وَهيَ بِشَرْطٍ أَوْ بِمَا قَد اتُّفِقْ بِهِ وَحَدُّ أَمَدٍ لَهَا يَحِقْ (وَهِي) أَي الْمُسَاقَاة تصح (بِشَطْر) من الثَّمَرَة أَي نصفهَا (أَو بِمَا قد اتّفق) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول (بِهِ) أَي عَلَيْهِ من ثلث الثَّمَرَة أَو ربعهَا أَو خمسها أَو ثَلَاثَة أرباعها أَو كلهَا كَمَا مر عَن ابْن عَرَفَة من أَنه تجوز الْمُسَاقَاة على أَن كل الثَّمَرَة لِلْعَامِلِ اللَّخْمِيّ: وَالْمُسَاقَاة تجوز على النّصْف حَسْبَمَا ورد فِي الحَدِيث، أَنه عَلَيْهِ السَّلَام ساقى أهل خَيْبَر بِشَطْر الثَّمَرَة وعَلى الثُّلُث وَالرّبع وَأكْثر من ذَلِك وَأَقل الخ (خَ) : بِجُزْء قل أَو كثر شاع وَعلم الخ. (وحد أمد) أَي أجل من سنة فَأكْثر (لَهَا يحِق) وَظَاهره الْوُجُوب وَالَّذِي فِي الْمُدَوَّنَة والشأن فِي الْمُسَاقَاة إِلَى الْجذاذ قَالَ: وَلَا تجوز شهرا وَلَا سنة محدودة وَهِي للجذاذ إِذا لم يؤجلا وَإِن كَانَت تطعم فِي الْعَام مرَّتَيْنِ فَهِيَ إِلَى الْجذاذ الأول حَتَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 يشْتَرط الثَّانِي اه. وَهُوَ معنى قَول (خَ) : واقتت بالجذاذ وحملت على أول إِن لم يشْتَرط الخ. وَقَالَ فِي الْمعِين: وَالصَّوَاب أَن تؤرخ الْمُسَاقَاة بالشهور العجمية الَّتِي فِيهَا الْجذاذ فَإِن أرخت بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِن انْقَضتْ قبل الْجذاذ تَمَادى الْعَامِل إِلَيْهِ إِلَّا أَنه يسْتَحبّ أَن تكون الْمُسَاقَاة من سنة إِلَى أَربع، فَإِن طَالَتْ السنون جدا فسخت اه. وَفِي (ح) مَا نَصه: فَتحصل أَن الْمُسَاقَاة تؤقت بالجذاذ سَوَاء عقداها لعام وَاحِد أَو لسنين مُتعَدِّدَة فَإِن عقداها وأطلقا حملت على الْجذاذ، وعَلى أَنَّهَا لعام وَاحِد، وَإِن عقداها لسنة أَو سنتَيْن وأطلقا حملت أَيْضا على الْجذاذ، وَإِن أَرَادَ التَّحْدِيد بِانْقِضَاء السّنة الْعَرَبيَّة أَو السنين الْعَرَبيَّة لم تجز وتفسد الْمُسَاقَاة بذلك اه. تَنْبِيه: قَالَ أَبُو الْحسن: الْمُسَاقَاة تجوز بِثمَانِيَة شُرُوط. أَولهَا: أَنَّهَا لَا تصح إِلَّا فِي أصل يُثمر أَو مَا فِي مَعْنَاهُ من ذَوَات الأزهار والأوراق المنتفع بهَا كالورد والآس يَعْنِي الريحان. ثَانِيهَا: أَن تكون قبل طيب الثَّمَرَة وَجَوَاز بيعهَا. ثَالِثهَا: أَن تكون إِلَى مُدَّة مَعْلُومَة مَا لم تطل جدا أَو إِلَى الْجذاذ إِذا لم يؤجلا. رَابِعهَا: أَن تكون بِلَفْظ الْمُسَاقَاة لِأَن الرُّخص تفْتَقر إِلَى أَلْفَاظ تخْتَص بهَا. خَامِسهَا: أَن تكون بِجُزْء مشَاع لَا على عدد من آصَع أَو أوسق. سادسها: أَن يكون الْعَمَل كُله على الْعَامِل. سابعها: أَن لَا يشْتَرط أَحدهمَا من الثَّمَرَة وَلَا من غَيرهَا شَيْئا معينا خَاصّا بِنَفسِهِ. ثامنها: أَن لَا يشْتَرط على الْعَامِل أَشْيَاء خَارِجَة عَن الثِّمَار أَو مُتَعَلقَة بالثمرة وَلَكِن تبقى بعد الثَّمَرَة مِمَّا لَهُ قدر وبال اه. وَزَاد بَعضهم تاسعاً وَهُوَ أَن يكون الشّجر مِمَّا لَا يخلف اه. وجلها فِي النّظم كَمَا يعلم بِأَدْنَى تَأمل، وَقد تقدم أول الْبَاب مَا فِي الشَّرْط الرَّابِع من الْخلاف. وَالدَّفْعُ لِلزَّكَاةِ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ بَيْنَهُمَا بِنِسْبِةِ الْجُزْءِ فَقَطْ (وَالدَّفْع لِلزَّكَاةِ) مُبْتَدأ (إِن لم يشْتَرط) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير الْمُبْتَدَأ (بَينهمَا) خبر (بِنِسْبَة الْجُزْء) حَال من الضَّمِير فِي مُتَعَلق الْخَبَر (فَقَط) وَالْمعْنَى أَن المتساقيين إِذا عقدا الْمُسَاقَاة وَلم يشْتَرط أَحدهمَا على صَاحبه إِخْرَاج الزَّكَاة من نصِيبه، فَإِنَّهَا تخرج ابْتِدَاء، ثمَّ يكون الْبَاقِي بَينهمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 على مَا اتفقَا عَلَيْهِ، وَإِذا كَانَ يبْدَأ بهَا فَكل وَاحِد مِنْهُمَا قد أعْطى من الزَّكَاة بِقدر نصِيبه من الثَّمَرَة وَهُوَ معنى قَوْله: بِنِسْبَة الْجُزْء أَي جُزْء الْغلَّة فَمن لَهُ مِنْهَا ربع فقد أعْطى عشر الرّبع وَهَكَذَا. وَمَفْهُوم الشَّرْط أَنه إِذا اشْترطت الزَّكَاة على أَحدهمَا كَانَت عَلَيْهِ وَحده وَهُوَ كَذَلِك قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَلَا بَأْس أَن تشْتَرط الزَّكَاة فِي حَظّ أَحدهمَا لِأَنَّهُ يرجع إِلَى جُزْء مَعْلُوم ساقى عَلَيْهِ فَإِن لم يشْتَرط شَيْئا فشأن الزَّكَاة أَن يبْدَأ بهَا ثمَّ يقتسمان مَا بَقِي ثمَّ إِن الزَّكَاة إِنَّمَا تجب وَيبدأ بهَا إِن كَانَ رب الْحَائِط أَهلا لَهَا وثمره أَو مَا يضمه لَهُ من غَيره نِصَابا وَإِن كَانَ الْعَامِل من غير أَهلهَا لِأَنَّهُ أجِير، فَإِن لم يكن ربه من أَهلهَا كَكَوْنِهِ رَقِيقا أَو كَافِرًا أَو لم تبلغ هِيَ أَو مَعَ مَا لَهُ من غَيرهَا نِصَابا لم تجب عَلَيْهِ وَلَا على الْعَامِل فِي حِصَّته، وَلَو كَانَت نِصَابا وَهُوَ من أَهلهَا لِأَنَّهُ أجِير، وَلذَا قَالَ اللَّخْمِيّ: يزكّى الْحَائِط مُدَّة الْمُسَاقَاة على ملك ربه فَإِن كَانَ جَمِيعه خَمْسَة أوسق كَانَت فِيهِ الزَّكَاة وَإِن لم ينب كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا وسقان وَنصف ويزكى الْعَامِل وَإِن كَانَ عبدا أَو نَصْرَانِيّا وَإِن كَانَ الْحَائِط لعبد أَو نَصْرَانِيّ لم يزك الْعَامِل وَإِن صَار لَهُ نِصَاب وَهُوَ حر مُسلم اه. تَنْبِيه: فَإِن لم تجب الزَّكَاة لنقصانها عَن النّصاب وَقد اشترطها أَحدهمَا على صَاحبه فَقيل: يلغى الشَّرْط وَتَكون الثَّمَرَة بَينهمَا على مَا دخلا عَلَيْهِ، وَبِه صدر فِي الشَّامِل، وَقيل: وَهُوَ الْمُعْتَمد وَبِه صدر فِي الْمُتَيْطِيَّة يقتسمان الثَّمَرَة عشرَة أَجزَاء وَيكون لِلْعَامِلِ مِنْهَا أَرْبَعَة حَيْثُ ساقاه على النّصْف ولربها سنة حَيْثُ اشْترطت على الْعَامِل وَالْعَكْس بِالْعَكْسِ. قَالَ اللَّقَّانِيّ فِي حَوَاشِي ضيح: هَذَا القَوْل هُوَ الْجَارِي على الصَّحِيح فِي بَاب الْقَرَاض من أَن جُزْء الزَّكَاة لمشترطه (خَ) : وَهُوَ للمشترط وَإِن لم تجب الخ. تَنْبِيه: قَالَ الشَّيْخ بناني فِي حَاشِيَته عَن بعض شُيُوخه: وَالصَّوَاب أَيْضا أَن الخماس كالمساقي فالزكاة على رب الزَّرْع إِن كَانَ من أَهلهَا وَكَانَ عِنْده نِصَاب وإلاَّ فَكَمَا تقدم فِي المساقي ثمَّ مَا فضل بعد أَخذ الزَّكَاة يكون بَينهمَا على مَا دخلا عَلَيْهِ اه. قلت: ذكر فِي المعيار عَن الْبُرْزُليّ أَنه اخْتلف فِي شركَة الخماس فَقيل: جَائِزَة لِأَنَّهُ شريك وَهُوَ قَول سَحْنُون وَقيل غير جَائِزَة لِأَنَّهُ أجِير وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم. وَفَائِدَة الْخلاف تظهر فِي الزَّكَاة فعلى قَول ابْن الْقَاسِم إِنَّمَا لَهُ إجَازَة مثله فزكاة الزَّرْع على ربه، وعَلى قَول سَحْنُون على الخماس زَكَاة زرعه اه. وعَلى جَوَازهَا للضَّرُورَة درج فِي العمليات إِذْ قَالَ: وَأُجْرَة الخماس أَمر مُشكل وللضرورة بهَا تساهل وَحِينَئِذٍ فعلى الخماس زَكَاة زرعه كَمَا عَلَيْهِ النَّاس الْيَوْم، وَقد قَالَ الْبُرْزُليّ فِي نَوَازِل الزَّكَاة مَا نَصه: وَلَا زَكَاة على شريك فِي مِيرَاث أَو غَيره حَتَّى يبلغ نصِيبه نِصَابا وَمثله الخماس الْيَوْم لِأَنَّهُ شريك اه. وَقد ذكر فِي المعيار عَن ابْن لب أَن مَا ارْتَكَبهُ النَّاس وتقادم فِي عرفهم وَجرى بِهِ عَمَلهم يَنْبَغِي أَن يلْتَمس لَهُ وَجه شَرْعِي مَا أمكن على خلاف أَو وفَاق، إِذْ لَا يلْزم ارتباط الْعَمَل بِمذهب معِين وَلَا بِمَشْهُور من قَول قَائِل اه. وَالله أعلم. وَأما الَّذِي يُسمى عِنْد النَّاس الْيَوْم بالمقاطع فَإِنَّمَا يَأْخُذهُ إِجَارَة قطعا فزكاة مَا يَأْخُذهُ على رب الزَّرْع وَكَذَا عَلَيْهِ زَكَاة مَا يلقطه اللقاط الَّذِي اشْترط لقطه مَعَ الْحَصاد بِأُجْرَة، سَوَاء كَانَ الْحَصاد الَّذِي اشْترط لقطه اللقاط مَعَه هُوَ الْمُسَمّى بالمقاطع أَو غَيره. ذكر ذَلِك شَارِح الْعَمَل عَن (خَ) عِنْد قَوْله: وخدمة النِّسَاء فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 الْبَوَادِي الخ. وَنقل عَن المعيار أَن أُجْرَة الْحَصاد بِشَرْط اللقاط مَعَه فَاسِدَة وَإِن كَانَ زَكَاة مَا يلقطه على رب الزَّرْع لِأَن مَا يلقطه حِينَئِذٍ مؤاجر بِهِ، وَيفهم مِنْهُ أَنه لَا زَكَاة على ربه فِيمَا يلقطه إِذا لم يشْتَرط لقطه وَكَانَ اللقاط يَأْخُذهُ لنَفسِهِ. وَعَاجِزٌ مِنْ حَظَّهِ يُكَمَّلُ بالْبَيْعِ مَعْ بَدْوِ الصَّلاَحِ العَمَلُ (و) عَامل فِي الْمُسَاقَاة (عَاجز من حَظه) يتَعَلَّق بقوله (يكمل) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه الْعَمَل آخر الْبَيْت وَالْجُمْلَة خبر عَن عَاجز و (بِالْبيعِ) يتَعَلَّق بيكمل (مَعَ بَدو الصّلاح الْعَمَل) حَال وَالتَّقْدِير وعاجز عَن إتْمَام عمله يكمل عمله من حَظه بِبيعِهِ حَال كَون عَجزه مَعَ بَدو صَلَاح الثَّمَرَة. وَحَاصِله أَنه إِذا عجز بعد بَدو الصّلاح فَإِنَّهُ يُبَاع حَظه من الثَّمَرَة ويستأجر بِثمنِهِ من يكمل الْعَمَل، فَإِن كَانَ لَهُ فضل فَلهُ وَإِن كَانَ نقص فَيتبع بِهِ إِلَّا أَن يُرْضِي رب الْحَائِط أَخذه ويعفيه من الْعَمَل فَذَلِك لَهُ قَالَه فِي ضيح، وَفهم من النَّاظِم أَنه لَا يجوز لِلْعَامِلِ أَن يساقي غَيره فِي هَذَا الْوَجْه وَهُوَ كَذَلِك، إِلَّا مُسَاقَاة فِي ثَمَر حل بَيْعه كَمَا مر. وَحَيْثُ لَمْ يَبْدُ ولاَ يُوجَد مَنْ يَنُوبُ فِي ذَاكَ مَنَابَ مُؤْتَمَنْ (وَحَيْثُ) عجز الْعَامِل أَو ورثته بعد مَوته (وَلم يبد) صَلَاح الثَّمَرَة (وَلَا يُوجد من) أَي أَمِين (يَنُوب) عَنهُ (فِي ذَاك) الْعَمَل (مناب) الْعَامِل الَّذِي هُوَ (مؤتمن) عَن رب الْحَائِط. فَعَامِلُ يُلْق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 1648 - ; ى لَهُ مَا أَنْفَقَا وَقَوْلُ خُذْ مَا نَابَ واخْرُجْ مُتَّقى (فعامل يُلقى لَهُ مَا اتفقَا) على الثَّمَرَة وَلَا شَيْء لَهُ مِنْهَا وَلَا من أُجْرَة عمله. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِذا عجز الْعَامِل عَن السَّقْي قبل طيب الثَّمَرَة قيل لَهُ سَاق من شِئْت أَمينا فَإِن لم يجد أسلم الْحَائِط إِلَى ربه (خَ) : فَإِن عجز وَلم يجد أسلمه هدرا، وَظَاهره كظاهر الْمُدَوَّنَة وَالنّظم أَن الْعَامِل إِذا أسلمه وألغى نَفَقَته لزم رب الْحَائِط قبُوله وَلَا مقَال لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِك بل لَهُ أَن لَا يقبل إِذْ من حجَّته أَن يَقُول: أَنا لَا أقبل تَسْلِيمه هدرا وَلَكِن أَنا أستأجر من يعْمل تَمام الْعَمَل وأبيع مَا صَار لَهُ من الثَّمَرَة وأستوفي مَا أدّيت، فَإِن فضل فَلهُ وَإِن نقص اتبعته بِهِ قَالَه اللَّخْمِيّ وَابْن يُونُس، وَكَذَا قَالَ ابْن الْقَاسِم فِي المتزارعين، فعجز أَحدهمَا بعد الْعَمَل وَقبل الطّيب فَإِنَّهُ يُقَال لصَاحبه: اعْمَلْ فَإِذا طَابَ الزَّرْع بِعْ وَاسْتَوْفِ حَقك فَمَا فضل كَانَ لَهُ وَمَا نقص اتبعته بِهِ لِأَن الْعَمَل كَانَ لَهُ لَازِما. قَالَ فِي ضيح: وَهَذَا هُوَ الْمُتَعَيّن خلاف مَا قَالَه ابْن عبد السَّلَام من أَنه يلْزم ربه قبُوله، وَظَاهر (خَ) أَيْضا كالمدونة وَالنّظم أَنه لَا شَيْء لِلْعَامِلِ إِذا رَضِي رب الْحَائِط بقبوله وَلَو انْتفع رب الْحَائِط بِمَا عمل الْعَامِل فِيهِ. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: لَهُ قيمَة مَا انْتفع بِهِ من الْعَمَل الأول قِيَاسا على قَوْلهم فِي الْجعل على حفر الْبِئْر، ثمَّ يتْرك اخْتِيَارا وَأتم صَاحب الْبِئْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 حفرهَا اه. وَشَمل قَوْلهَا أَمينا من هُوَ مثله فِي الْأَمَانَة أَو أَعلَى أَو أقل، وأصل الْأَمَانَة لَا بُد مِنْهَا فَإِن ساقى غير أَمِين ضمن وَهُوَ كَذَلِك كَمَا يَأْتِي عَن (خَ) وَمَفْهُوم قَوْله: وَلَا يُوجد من يَنُوب الخ. أَنه إِذا وجد أَمينا يَنُوب عَنهُ فَإِنَّهُ يجوز لَهُ أَن يساقيه سَوَاء عجز أَو لم يعجز وَهُوَ كَذَلِك كَمَا صرح بِهِ (خَ) حَيْثُ قَالَ عاطفاً على الْجَوَاز: ومساقاة عَامل آخر وَلَو أقل أَمَانَة وَحمل على ضدها وَضمن اه. وَدخل فِي قَول (خَ) آخر الخ. رب الْحَائِط فَإِن لِلْعَامِلِ أَن يساقيه بِجُزْء أقل من جزئه أَو مُسَاوِيا لَا بِأَكْثَرَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لدفع بعض الثَّمَرَة من حَائِط آخر وَهُوَ خلاف سنة الْمُسَاقَاة كَمَا فِي (ز) فَإِن أَرَادَ الْعَامِل أَن يساقي غَيره بِأَقَلّ أَو مُسَاوِيا طلب رب الْحَائِط أَن يَأْخُذهُ بذلك الْجُزْء الَّذِي يَأْخُذهُ بِهِ غَيره، فَالْقَوْل لَهُ وَهُوَ أَحَق بِهِ وَلَا مقَال لِلْعَامِلِ فِي ذَلِك إِن كَانَ الْجُزْء مُسَاوِيا كَمَا فِي اللَّخْمِيّ. وَأما إِن كَانَ بِأَقَلّ فَهَل لِلْعَامِلِ أَن يَقُول لَا أرْضى بأمانته إِذْ هُوَ مَحْمُول على عدمهَا حَتَّى يثبتها وَهُوَ الظَّاهِر أم لَا؟ وَمحل جَوَاز مُسَاقَاة الْعَامِل آخر مَعَ عجز أَو بِدُونِهِ إِذا لم يشْتَرط رب الْحَائِط عمل الْعَامِل بِعَيْنِه وَإِلَّا منع من مساقاته آخر كَمَا فِي (ز) وَمَفْهُوم قَوْله يلغى الخ. أَنه لَا يجوز عدم الإلغاء بِأَن يَأْخُذ الْعَامِل من رب الْحَائِط قبل الطّيب ثمنا أَو ثَمَرَة من غير الْحَائِط وينصرف وَهُوَ معنى قَوْله: (وَقَول) رب الْحَائِط لِلْعَامِلِ قبل بَدو الصّلاح (خُذ مَا نَاب) عَمَلك الْآن (واخرج) عني (متقى) أَي مَمْنُوع لِأَنَّهُ من بيع الثَّمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا، وَأما بعد بدوه فَيجوز بِغَيْر طَعَام كدراهم أَو عرض لَا بِطَعَام لما فِيهِ من بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ نَسِيئَة وبالتفاضل والنسيئة إِن كَانَ الطَّعَام من جِنْسهَا. وَمَا ذكره النَّاظِم هُوَ من الْإِقَالَة بعد الْعَمَل على شَيْء يَأْخُذهُ الْعَامِل من رب الْحَائِط قَالَ فِيهَا: وَمن ساقيته حائطك لم يجز أَن يقيلك على شَيْء تعطيه إِيَّاه كَانَ قد شرع فِي الْعَمَل أم لَا. لِأَنَّهُ غرر إِن أثمر النّخل فَهُوَ بيع الثَّمر قبل زهوه، وَإِن لم يُثمر فَهُوَ أكل المَال بِالْبَاطِلِ اه. وَقَالَ فِيهَا أَيْضا: وَمن ساقى رجلا ثَلَاث سِنِين فَلَيْسَ لأَحَدهمَا المتاركة حَتَّى تَنْقَضِي لِأَن الْمُسَاقَاة تلْزم بِالْعقدِ، وَإِن لم يعْمل وَلَيْسَ لأَحَدهمَا التّرْك إِلَّا أَن يتتاركا بِغَيْر شَيْء يَأْخُذهُ أَحدهمَا من الآخر فَيجوز، وَبِه تعلم أَنه لَا مَفْهُوم لقَوْله مَا نَاب الخ. بل كَذَلِك إِذا لم يعْمل كَمَا مر عَن الْمُدَوَّنَة، وَمَفْهُوم قَوْله: خُذ الخ. أَنه إِذا تَقَايلا مجَّانا جَازَ كَمَا مر أَيْضا عَن الْمُدَوَّنَة (خَ) وتقايلهما هدر الخ. وَكَذَا يجوز إِذا قَالَ: أَنا أكفيك الْمُؤْنَة الخ. وَخذ حظك كَامِلا بعد جذاذها من عينهَا كَمَا مر عِنْد قَوْله: وعاجز من حَظه يكمل الخ. وَمحل مَا فِي النّظم إِذا كَانَت الْإِقَالَة على شَيْء من غير ثَمَرَة الْمُسَاقَاة كَمَا قَررنَا أَو على مكيلة مُسَمَّاة مِنْهَا أَو على ثَمَرَة نَخْلَة مَعْرُوفَة مِنْهَا، وَأما على جُزْء شَائِع من ثَمَرَة الْمُسَاقَاة وَلم تطب فَإِنَّهُ يجوز قبل الْعَمَل اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ هبة لِلْعَامِلِ، وَكَذَا بعده عِنْد ابْن الْقَاسِم خلافًا لسَمَاع أَشهب، كَذَا لِابْنِ رشد. وَظَاهر قَول الْمُدَوَّنَة الْمُتَقَدّم؛ أَنه لَا يجوز التقايل على شَيْء يُعْطِيهِ إِيَّاه مُطلقًا كَانَ جُزْءا شَائِعا من ثَمَرَتهَا أم لَا. قبل الْعَمَل أم لَا. وَهَذَا كُله إِذا كَانَ الدَّافِع هُوَ رب الْحَائِط، وَكَذَا إِن كَانَ الْعَامِل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 دفع لرب الْحَائِط دَرَاهِم وَنَحْوهَا ليقيله فَإِنَّهُ يمْنَع أَيْضا، وَإِن وَقع رد لَهُ الْمَدْفُوع إِن عثر عَلَيْهِ قبل الْجذاذ وَرجع لمساقاته وَبعد الْجذاذ فَلهُ جزؤه من الثَّمَرَة كَامِلا وَعَلِيهِ أُجْرَة مَا عمل عَنهُ رب الْحَائِط فيهمَا، فَإِن فَاتَت الثَّمَرَة فَإِنَّهُ يرد مكيلتها إِن علمت أَو قيمتهَا إِن جهلت كَمَا قَالُوهُ فِي بيع الثنيا الْفَاسِد، وَقد كَانَ فِي الْأُصُول ثَمَر مَأْبُور وَقت البيع وكما قَالُوهُ أَيْضا فِي المغارسة الْفَاسِدَة، وَكَذَا يُقَال فِيمَا إِذا كَانَ الدَّافِع هُوَ رب الْحَائِط فَإِنَّهُ يرد إِلَيْهِ الْمَدْفُوع قبل الْجذاذ الخ. (فصل فِي الاغتراس) ابْن عَرَفَة: المغارسة جعل وإجازة وَذَات شركَة اه. فالجعل أَن يَقُول الرجل لآخر: اغترس لي هَذِه الأَرْض أصولاً كرماً أَو تيناً أَو مَا أشبه ذَلِك، وَلَك فِي كل شَجَرَة تنْبت أَو تثمر كَذَا، وَكَذَا قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة، وسينبه النَّاظِم عَلَيْهِ آخر الْفَصْل. وَالْإِجَارَة أَن يَقُول: اغرس لي هَذِه الأَرْض كرماً أَو تيناً أَو مَا أشبه ذَلِك، وَلَك كَذَا دَرَاهِم أَو دَنَانِير أَو عرضا صفته كَذَا، فَهَذِهِ إِجَارَة محدودة بِالْعَمَلِ كخياطة الثَّوْب، وَلَا يجوز أَن يجمع فِيهَا بَين الْأَجَل وَالْعَمَل كَمَا تقدم فِي الْإِجَارَة، وَمحل جَوَازهَا جعَالَة أَو إِجَارَة إِذا كَانَت الغروس من عِنْد رب الأَرْض سمى لَهُ عدد مَا يغْرس أَو لم يسم لِأَن ذَلِك مَعْرُوف عِنْد النَّاس، وَإِن كَانَت الغروس من عِنْد الغارس فتمتنع حَيْثُ كَانَت للغروس قيمَة لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ بيع وجعالة وهما لَا يَجْتَمِعَانِ، أَو بيع وَإِجَارَة وَيجْرِي حكمهَا على من واجر بِنَاء على أَن الْآجر والجص من عِنْد الْبناء، وفيهَا تَفْصِيل اُنْظُرْهُ فِي الْمُقدمَات والمتيطية، فالجعالة لَا شَيْء فِيهَا لِلْعَامِلِ إِلَّا بِتمَام عمله بنبات الشّجر أَو أثمارها على مَا شرطاه بِخِلَاف الْإِجَارَة فَإِنَّهُ يسْتَحق أجره على مُجَرّد عمله من غير زِيَادَة عَلَيْهِ، وَإِن لم يتمه فَلهُ بِحِسَاب مَا عمل. وَقَوله: أَو ذَات شركَة هَذَا الْقسم هُوَ الْمَقْصُود للناظم وَغَيره، وَأما مَا قبله فَهُوَ دَاخل فِي بَابي الْإِجَارَة والجعل، وَهِي أَن يُعْطي الرجل أرضه لآخر ليغرسها بِجُزْء مَعْلُوم مِنْهَا يسْتَحقّهُ بِالْإِطْعَامِ أَو بِانْقِضَاء الْأَجَل الَّذِي ضرباه على مَا يَأْتِي تَفْصِيله. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَهَذَا الْقسم لَيْسَ بِإِجَارَة مُنْفَرِدَة وَلَا جعل مُنْفَرد، وَإِنَّمَا أَخذ شبها من الْإِجَارَة للزومه بِالْعقدِ يَعْنِي: وَجَوَاز تحديدها بالأجل كَمَا يَأْتِي وشبهاً من الْجعَالَة لِأَن الغارس لَا شَيْء لَهُ إِلَّا بعد نَبَات الْغَرْس وبلوغه الْحَد الْمُشْتَرط، فَإِن بَطل قبل ذَلِك لم يكن لَهُ شَيْء وَلَكِن من حَقه أَن يُعِيدهُ مرّة أُخْرَى. الاغْتِرَاسُ جَائِزٌ لِمَنْ فَعلْ مِمَّنْ لهُ البُقعَةُ أَوْ لَهُ العَمَلْ (الاغتراس) أَي العقد على غرس الأَرْض أصولاً كرماً أَو تيناً أَو نَحْوهمَا مِمَّا يطول مكثه سِنِين كقطن وزعفران فِي بعض الْأَرْضين لَا مَا لَا يطول مكثه كزرع وبقل، فَلَا يجوز فِيهِ (جَائِز) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 لَازم على الرَّاجِح (لمن فعل) أَي لمن عقد ذَلِك سَوَاء كَانَ العقد (من لَهُ الْبقْعَة) أَي الأَرْض (أَو) مِمَّن (لَهُ الْعَمَل) وَهُوَ الْعَامِل بِمَعْنى أَن عقد الاغتراس جَائِز من رب الأَرْض وَالْعَامِل، فأو بِمَعْنى الْوَاو وَلَكِن يَنْبَغِي تَحْدِيد عمل الغارس إِمَّا بِالسِّنِينَ كَأَن يتعاقدا على أَن الْعَامِل هُوَ الَّذِي يتَوَلَّى الْعَمَل وَحده مُدَّة أَربع سِنِين أَو خمس سِنِين، وَنَحْو ذَلِك من الْمدَّة الَّتِي لَا يُثمر النّخل وَلَا يطعم الشّجر قبلهَا قَالَه فِي النِّهَايَة. وَإِن سميا عدَّة سِنِين يعْمل الْعَامِل إِلَيْهَا ثمَّ يكون ذَلِك بَينهمَا جَازَ. وَقَالَ قبل ذَلِك: مَا لم تكن أَشجَار تثمر قبل الْأَجَل وإلاَّ لم يجز اه. وَمَا لِابْنِ حبيب عَن مَالك من أَنَّهَا لَا تجوز بالأجل لِأَنَّهَا جعل لَا يعول عَلَيْهِ كَمَا حَقَّقَهُ ابْن يُونُس، وَأما أَن يحداها بالمقدار كَأَن يتعاقدا على أَن يتَوَلَّى الْعَمَل وَحده إِلَى أَن تبلغ الْأَشْجَار قدرا مَعْلُوما سمياه كقامة أَو نصفهَا أَو سِتَّة أشبار وَنَحْوهَا مِمَّا لَا تطعم الْأَشْجَار قبله أَيْضا، فَإِن كَانَت تطعم قبل بُلُوغهَا الْقدر الْمُسَمّى من قامة وَنَحْوهَا أَو قبل الْأَجَل الْمَضْرُوب فِي الصُّورَة الأولى فَسدتْ لِأَن الْعَامِل تكون لَهُ تِلْكَ الثَّمَرَة إِلَى أَن يبلغ الشّجر الْأَجَل أَو الشَّبَاب الَّذِي سمياه ثمَّ يكون لَهُ نصف الشّجر بأرضه فَكَأَنَّهُ أجر نَفسه بثمر لم يبد صَلَاحه وبنصف الأَرْض وَمَا ينْبت فِيهَا قَالَه الْبُرْزُليّ وَغَيره. وَأما بالأثمار كَأَن يتَّفقَا على تَوليته الْعَمَل إِلَى إطعامها كَمَا قَالَ: والحدّ فِي خِدْمَتِهِ أَنْ يُطْعِمَا وَيَقَعُ القَسْمُ بِجُزْءٍ عُلِمَا (وَالْحَد فِي خدمته) أَي الغارس أَو الشّجر الْمَفْهُوم من السِّيَاق فَهُوَ من إِضَافَة الْمصدر إِلَى فَاعله أَو مَفْعُوله. (أَن يطعما) هُوَ أَي الشّجر وتفسد إِن شرطا زِيَادَة عَلَيْهِ لِلْعِلَّةِ الْمُتَقَدّمَة، فالإطعام هُوَ أحد الْأُمُور الَّتِي تحد المغارسة بِهِ كَمَا ترى لَا أَنَّهَا لَا تحد إِلَّا بِهِ كَمَا يَقْتَضِيهِ النّظم فَإِن سكتا وَلم يحداها بإطعام وَلَا بِغَيْرِهِ مِمَّا ذكر فَهِيَ جَائِزَة صَحِيحَة عِنْد ابْن حبيب. وَتَكون إِلَى الْإِطْعَام، وَقيل هِيَ فَاسِدَة وَالْأول الْمُعْتَمد، وَعَلِيهِ اقْتصر غير وَاحِد، وَلذَا قُلْنَا يَنْبَغِي تَحْدِيد عمل الغارس الخ. لصحتها عِنْد السكت، وَلَكِن مَحل صِحَّتهَا عِنْده إِذا كَانَ الْعرف التَّحْدِيد بِالْإِطْعَامِ وَنَحْوه مِمَّا تقدم كَمَا عندنَا الْيَوْم، وَأما إِذا كَانَ الْعرف أَن الْعَامِل يبْقى عَاملا مَا عَاشَ فَهِيَ فَاسِدَة عِنْد السكت لِأَن الْعرف كالشرط وَيُمكن أَن يحمل النّظم على مَسْأَلَة السكت وَأَن الْحَد فِيهَا إِذا سكتا هُوَ الْإِطْعَام وَهُوَ الظَّاهِر وَعَلِيهِ فَلَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ، ثمَّ إِذا انْقَضى مَا حدث بِهِ فَإِنَّهُمَا يقتسمان كَمَا قَالَ: (وَيَقَع الْقسم) فَيَأْخُذ كل وَاحِد نصِيبه من الأَرْض وَالشَّجر وَلَهُمَا الْبَقَاء على الشّركَة مشاعة، وَيكون الْعَمَل عَلَيْهِمَا على قدر الْأَنْصِبَاء، وَقد تحصل مِمَّا مر أَن من شُرُوطهَا أَن لَا يزِيد الْأَجَل أَو الشَّبَاب أَو الْعَمَل الْمُشْتَرط على الْإِطْعَام كَمَا مر، وَمن شُرُوطهَا أَيْضا أَن تكون (بِجُزْء علما) كَنِصْف أَو ثلث أَو ربع فَهُوَ مُتَعَلق بقوله جَائِز: وَمن شُرُوطهَا أَيْضا: أَن يدخلا على أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 هَذَا الْجُزْء شَائِع فِي الشّجر وَالْأَرْض أَو فِي الشّجر ومواضع أُصُولهَا من الأَرْض دون بَقِيَّة الأَرْض فَهِيَ لِرَبِّهَا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَشرط بقيا غير مَوضِع الشّجر الخ. وَلَو قدمه هُنَا لَكَانَ أحسن فَإِن سكتا وَلم يشترطا شَيْئا فَيحمل الْأَمر على شيوعه فِي الأَرْض وَالشَّجر، وَأما إِن دخلا على شيوعه فِي الشّجر خَاصَّة وَلَا حق لأصولها فِي الأَرْض أَو على أَن الأَرْض بَينهمَا دون الشّجر فَهِيَ فَاسِدَة. وَمن شُرُوطهَا أَيْضا: أَن تكون الأَرْض بَيْضَاء احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَت مشعرة كلهَا أَو جلها فَإِن المغارسة حِينَئِذٍ لَا تجوز كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَشرط مَا يثقل كالجدار الخ. وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ مِمَّا عَمِلا شَيْءٌ إِلَى مَا جَعَلاَهُ أَجَلا (وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ مِمَّا عملا شَيْء إِلَى) وُصُول (مَا جعلاه أَََجَلًا) من إطْعَام أَو شباب أَو أجل. قَالَ فِي النِّهَايَة: وَلَا شَيْء لِلْعَامِلِ فِي أَرض وَلَا شجر حَتَّى يبلغ الْغَرْس مَا شرطاه مِمَّا ذكرنَا جَوَازه، وَقَالَ قبل ذَلِك: فَإِن بَطل الْغَرْس يَعْنِي بحرق أَو آفَة قبل بُلُوغه الْحَد الْمُشْتَرط لم يكن لَهُ شَيْء اه. لِأَنَّهَا جعل فَهِيَ كحافر الْبِئْر ينهدم قبل فَرَاغه فَلَا شَيْء لَهُ. قَالَ المتيطي والفشتالي وَغَيرهمَا: وَلَكِن إِذا بَطل الْغَرْس بحرق وَنَحْوه فَمن حق الْعَامِل أَن يُعِيدهُ مرّة أُخْرَى اه. زَاد الْبُرْزُليّ: يُعِيدهُ أبدا إِلَى أَن يتم أَو ييأس مِنْهُ اه. وَمَفْهُوم النّظم أَنه إِذا وصل الْغَرْس الْأَجَل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 الْمُشْتَرط فَإِنَّهُ يكون لَهُ نصِيبه مِنْهُ، فَلَو احْتَرَقَ الْغَرْس أَو طرأت عَلَيْهِ آفَة قبل الْقسم فَإِن الأَرْض تكون بَينهمَا لِأَن الْعَامِل قد اسْتحق نصِيبه مِنْهَا بِتمَام الْغَرْس قَالَه ابْن سَلمُون. قَالَ: وَلَو كَانَ فِي الأَرْض شَجَرَة قبل المغارسة فَهِيَ لرب الأَرْض وَلَا يكون لِلْعَامِلِ فِيهَا شَيْء وَلَا يسوغ لَهُ أَن يشْتَرط أَن تكون بَينهمَا مَعَ الْغَرْس وللعامل أُجْرَة سقيها وعلاجها اه. وَنَحْوه فِي الْبُرْزُليّ قَائِلا: وَلَا تصح المغارسة على الْبيَاض الَّذِي بَين السوَاد، وَيدخل الشّجر فِي المغارسة وَإِن كَانَ على إِخْرَاجه فَإِن كَانَ لَا يصل إِلَى شَجَره مَنْفَعَة سقِِي أَو غَيره فَهُوَ جَائِز وإلاَّ لم يجز اه. قلت: وَمَا يَفْعَله النَّاس الْيَوْم فِيمَا إِذا كَانَت الأَرْض مُشْتَمِلَة على أَشجَار فيشتري الْعَامِل نصف الْأَشْجَار على شَرط أَن يغْرس الْبيَاض الَّذِي بَينهمَا مُنَاصَفَة فَاسد لما فِيهِ من اجْتِمَاع المغارسة وَالْبيع، وهما يَجْتَمِعَانِ كَمَا مرّ صدر الْبيُوع عَن ابْن الْحَاج، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يرتكب فِي ذَلِك مَذْهَب أَشهب إِذْ هَذِه الصُّورَة لَا سَبِيل لجَوَاز المغارسة فِيهَا. وَلَو فَرضنَا أَنه يؤاجره على خدمَة الْأَشْجَار لمُدَّة مَعْلُومَة بعوض مَعْلُوم، لِأَن الْإِجَارَة من نَاحيَة البيع والمغارسة من نَاحيَة الْجعل كَمَا مر. نعم على مَذْهَب أَشهب يجوز ذَلِك، وَقد تقدم فِي الْبَاب قبله عَن ابْن لب أَن مَا جرى بِهِ عرف النَّاس يلْتَمس لَهُ وَجه مَا أمكن، إِذا لَا يلْزم الْعَمَل بِمذهب معِين وَلَا بِمَشْهُور من قَول قَائِل، وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا مَا فِي الْبُرْزُليّ فِي بَاب الْقَرَاض قَالَ، قَالَ الْمَازرِيّ: وقفت على كتاب الشَّيْخ أبي مُحَمَّد بِخَط يَده وَفِيه من قَالَ لرجل: إِذا جَاءَك فلَان فَخذ السّلع الَّتِي بِيَدِهِ وادفع إِلَيْهِ دِينَارا عَن أجرته وَبَقِيَّة الثّمن ادفعه إِلَيْهِ قراضا إِن ذَلِك جَائِز، الْمَازرِيّ: وَاسْتشْكل هَذَا بِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَوَاز اجْتِمَاع الْقَرَاض وَالْإِجَارَة والجعل فِي عقد وَاحِد. الْبُرْزُليّ: وَعَلِيهِ اكثر قراضات النَّاس الْيَوْم اه. وَشَرْطُ بُقْيا غَيْرِ مَوْضِعِ الشِّجَرْ لِرَبِّ الأَرْضِ سَائِغٌ إذَا صَدَرْ (وَشرط بقيا) أَي بَقَاء (غير مَوضِع الشّجر) من الأَرْض (لرب الأَرْض سَائِغ إِذا صدر) مِنْهُ فَيجب أَن يُوفى لَهُ بِهِ كَمَا مر. الْبُرْزُليّ: إِذا غارسه على أَخذ مَوَاضِع الشّجر فَلَيْسَ لِلْعَامِلِ شَيْء من بَقِيَّة الأَرْض وَلَيْسَ عَلَيْهِ عمل فِيهَا، ويتصرف رب الأَرْض فِيهَا كَيْفَمَا شَاءَ مَا عدا مَوَاضِع الشّجر. وَشَرْطُ مَا يَثْقُلُ كالجِدَارِ مُمْتَنِعٌ وَالعَكْسُ أمْرٌ جَارِي (وَشرط مَا يثقل) على الْعَامِل (كالجدار) يبنيه حول أَرض المغارسة أَو حفر بِئْر فِيهَا تكْثر نَفَقَته أَو تكون الأَرْض مشعرة كلهَا أَو جلها، فَيشْتَرط عَلَيْهِ إِزَالَة شعرهَا، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يثقل عَلَيْهِ عمله وتعظم مُؤْنَته (مُمْتَنع) للغرر لِأَن الْغَرْس رُبمَا بَطل أَو هلك قبل بُلُوغ الْحَد الْمُشْتَرط فترجع لِرَبِّهَا، وَقد انْتفع بِإِزَالَة شعرهَا وَبِنَاء جدارها وحفر بِئْرهَا فَيذْهب عمل الْعَامِل بَاطِلا، وَقد علمت أَن المغارسة من نَاحيَة الْجعل وَهُوَ لَا يجوز إِلَّا فِيمَا لَو ترك الْعَامِل لم ينْتَفع الْجَاعِل بِشَيْء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 كَمَا مر، فَإِن كَانَ فِيهَا لمع يسيرَة من الشّعْر تخف إِزَالَتهَا أَو حفر شرب يخف أمره وَنَحْو ذَلِك من تزريب وَنَحْوه فَلَا بَأْس باشتراطه كَمَا فِي النِّهَايَة، وَهُوَ معنى قَوْله: (وَالْعَكْس) وَهُوَ شَرط مَا يخف (أَمر جَار) عِنْد النَّاس جَائِز شرعا. تَنْبِيهَات. الأول: يفهم من النّظم أَنه لَا يشْتَرط بَيَان نوع الْغَرْس من زيتون أَو تفاح وَنَحْو ذَلِك، وَهُوَ كَذَلِك. وَإِنَّمَا يطْلب بَيَانه فَقَط حَيْثُ كَانَ بعض الْغَرْس أضرّ من بعض، فَإِن لم يبيناه فَالْعقد صَحِيح وَيمْنَع من غرس الأضر كَمَا قَالُوهُ فِيمَن اكترى أَرضًا للغرس وَلم يبين نوع مَا يغْرس فِيهَا، فمذهب ابْن الْقَاسِم صِحَة العقد وَيمْنَع من فعل الأضر، وَقَالَ غَيره: يفْسد العقد كَمَا فِي ضيح، وَنَقله فِي حَاشِيَة الشَّيْخ الْبنانِيّ عِنْد قَول (خَ) فِي الْإِجَارَة: أَو لم يعين فِي الأَرْض بِنَاء أَو غرس وَبَعضه أضرّ وَلَا عرف الخ. وَقد علمت أَن المغارسة أخذت شبها من الْكِرَاء كَمَا مر، وَيُؤَيِّدهُ مَا يَأْتِي فِي التَّنْبِيه الرَّابِع، وَهَذَا كُله إِذا لم يقل لَهُ: اغرس فِي الأَرْض مَا شِئْت وإلاَّ جَازَ مُطلقًا أَو جرت الْعَادة بذلك لِأَنَّهَا كالشرط وإلاَّ جَازَ مُطلقًا. وَقَول صَاحب كتاب المغارسة: وَوَجَب بَيَان مَا يغْرس لاخْتِلَاف الْأَشْجَار فِي مُدَّة الأثمار وَفِي قلَّة الْخدمَة وَكَثْرَتهَا غير ظَاهر، لِأَن الْعَامِل إِذا غرس مَا يطول أثماره وَمَا تكْثر خدمته فقد رَضِي بطول عمله وَكَثْرَة خدمته لغَرَض لَهُ فِي ذَلِك المغروس، وَالنَّاس عندنَا الْيَوْم لَا يبينون شَيْئا للْعَادَة وَلَا يتشاحون فِي مثل ذَلِك، فَلَا يتَعَرَّض لفسخ عقدهم بِعَدَمِ الْبَيَان وَلَا سِيمَا على مَا مر قَرِيبا عَن ابْن لب. الثَّانِي: مَا نبت فِي أَرض المغارسة بِنَفسِهِ بعد عقدهَا وَلم يغرسه الغارس فَهُوَ بَينهمَا كالمغروس. الثَّالِث: إِذا حددت المغارسة بِالْإِطْعَامِ فَإِن أطْعم جلها فَالَّذِي لم يطعم تبع لما أطْعم وَيسْقط عَن الْعَامِل الْعَمَل فِي الْجَمِيع ويقتسمان إِن شاءا، وَإِن لم يطعم جلها بل أقلهَا فَإِن كَانَ ذَلِك الْأَقَل إِلَى نَاحيَة كَانَ بَينهمَا وَسقط الْعَمَل فِيهِ وَلَزِمَه الْعَمَل فِي غَيره، وَإِن كَانَ مختلطاً لزمَه الْعَمَل فِي الْجَمِيع قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا. الرَّابِع: قيد بعض الْمُتَأَخِّرين مغارسة الْأَنْوَاع أَو النَّوْع الْوَاحِد بِمَا إِذا كَانَت تطعم فِي زمن وَاحِد أَو متلاحق وَأما إِذا كَانَت تخْتَلف بالتبكير وَالتَّأْخِير فَلَا يجوز فِي عقد وَاحِد. الْبُرْزُليّ: وَظَاهر إِطْلَاق قَول ابْن حبيب: إِذا لم يسميا أَََجَلًا وَلَا شبَابًا فَهِيَ إِلَى الْإِطْعَام أَنَّهَا تجوز وَلَو لم تتلاحق الْأَنْوَاع أَو النَّوْع الْوَاحِد فِي الْإِطْعَام اه. قلت: مَا ذكره من الْجَوَاز على ظَاهر ابْن حبيب هُوَ الْمُتَعَيّن، إِذْ النَّوْع الْوَاحِد قد يتَأَخَّر كثير من أَفْرَاده عَن الْبَعْض الآخر فِي الْإِطْعَام تَأْخِيرا كثيرا كَمَا هُوَ مشَاهد بالعيان، فَكيف بذلك فِي الْأَنْوَاع الْمُخْتَلفَة؟ وَلذَا قَالُوا: إِذا أطْعم الْأَكْثَر فالأقل تَابع كَمَا مر، وَإِنَّمَا يحسن أَن يُقَال بِالْمَنْعِ فِي هَذَا لَو كَانَ ثمره مَا أطْعم يكون لِلْعَامِلِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون آجر نَفسه بثمر لم يبد صَلَاحه كَمَا مر، وَمَعَ ذَلِك يُقيد بِمَا إِذا كَانَ مَا أطْعم غير تَابع، وإلاَّ فَلَا ينظر لَهُ. وَلَو كَانَ ثَمَر لِلْعَامِلِ كَمَا هُوَ ظَاهر مَا تقدم لِأَن التوابع يغْتَفر فِيهَا مَا لَا يغْتَفر فِي متبوعاتها، وَهَذَا يبين لَك صِحَة مَا قدمْنَاهُ فِي التَّنْبِيه الأول، وَإِن مَا ذكره صَاحب كتاب المغارسة من وجوب بَيَان المغروس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 لاخْتِلَاف الْأَشْجَار فِي مُدَّة الإثمار الخ. إِنَّمَا يتمشى على مَا قَالَه بعض الْمُتَأَخِّرين وَهُوَ: وَإِن اقْتصر عَلَيْهِ فِي النِّهَايَة قَائِلا: وَيفْسخ إِن كَانَت لَا تتلاحق إِلَّا بعد بُعد وللعامل أجر مثله إِن عمل غير ظَاهر كَمَا ترى وَالله أعلم. الْخَامِس: إِذا واجره بِنصْف الأَرْض على أَن يغْرس النّصْف الْبَاقِي فَإِن ذَلِك لَا يجوز سَوَاء شرطا الْقِسْمَة قبل الْغَرْس أَو بعد غرس الْجَمِيع قَالَه ابْن رشد فِي أجوبته، وَعلله بِأَنَّهُ لَا يدْرِي مَا يخرج لَهُ بِالسَّهْمِ فَصَارَ الْعِوَض مَجْهُولا، وَمَا لَا يجوز بَيْعه لَا يجوز أَن يكون أُجْرَة، وَأطَال فِي ذَلِك إِلَى أَن قَالَ: فَلَا يجوز الِاسْتِئْجَار على غرس نصف الأَرْض بِنِصْفِهَا الآخر على الإشاعة إِلَّا أَن تكون مستوية تعتدل فِي الْقِسْمَة بالذراع، ويشترطان قسمتهَا قبل الْغَرْس ويعينا الْجِهَة الَّتِي يَأْخُذ الْأَجِير مِنْهَا النّصْف لنَفسِهِ فِي أجرته، والجهة الَّتِي يغرسها لرب الأَرْض اه. بِتَقْدِيم وَتَأْخِير. وَمَا علل بِهِ من أَن لَا يدْرِي مَا يخرج لَهُ بِالسَّهْمِ هُوَ قَول (خَ) فِي الْقِسْمَة: وَمنع اشْتِرَاط الْخَارِج الخ. وَهَذِه إِجَارَة لَا مغارسة، فَلِذَا امْتنعت بِالْجَهْلِ الْمَذْكُور لِأَن الْأَجِير يملك نصف الأَرْض بِالْعقدِ، وَلَا يدْرِي فِي أَي مَحل يخرج لَهُ بِخِلَاف المغارسة فَلَا يملكهُ بِالْعقدِ بل بِتمَام الْعَمَل وَيكون شَرِيكا. السَّادِس: إِذا عجز الغارس قبل تَمام الْعَمَل أَو أَرَادَ سفرا فَلهُ أَن يَأْتِي بِمن هُوَ مثله يكمل عمله بِأَقَلّ من الْجُزْء الَّذِي دخل عَلَيْهِ أَو بمساوٍ لَهُ إِلَّا أَن يَقُول رب الأَرْض: أَنا آخذه بذلك الْأَقَل أَو الْمسَاوِي، فَإِن سلمه هدرا وَلم يرض رب الأَرْض وَقَالَ: أَنا اسْتَأْجر من يكمل الْعَمَل وأبيع حِصَّته فالفضل لَهُ وَالنُّقْصَان عَلَيْهِ، فَلهُ ذَلِك كَمَا تقدم فِي عَامل الْمُسَاقَاة كَذَا يَنْبَغِي قَالَه فِي شرح كتاب المغارسة. قلت: وَكَذَا قَالَ الْبُرْزُليّ: الْجَارِي على الْمُسَاقَاة جَوَاز إعطائها بِجُزْء، بل وَنقل بعد ذَلِك عَن ابْن رشد أَنه يجوز لَهُ أَن يُعْطِيهَا لرب الأَرْض أَو غَيره بجزئها الَّذِي أَخذهَا بِهِ، وَلَا مقَال لرب الأَرْض فِي ذَلِك. السَّابِع: فِي المغارسة الْفَاسِدَة وَإِن اخْتلفت أَنْوَاع فَسَادهَا كَمَا لِابْنِ الْحَاج حَسْبَمَا فِي الْبُرْزُليّ، يَعْنِي ككونها مُؤَقَّتَة بِأَجل أَو شباب تثمر الْأَشْجَار قبله، أَو شَرط بِنَاء جِدَار وتعظم مُؤْنَته، أَو كَانَت الأَرْض مشعرة كلهَا أَو جلها، أَو شَرط عَلَيْهِ الْقيام على الْغَرْس مَا عَاشَ، أَو شَرط إِدْخَال مَا كَانَ من الشّجر مَوْجُودا، أَو أَن الأَرْض بَينهمَا دون الشّجر، أَو لَا حق للشجر من الأَرْض وَنَحْو ذَلِك. ثَلَاثَة أَقْوَال لِابْنِ الْقَاسِم. أَحدهَا: أَنَّهَا تمْضِي لِأَنَّهَا بيع فَاسد فَاتَت بالفراغ وبلوغ الْإِطْعَام، وَيكون على الْعَامِل نصف قيمَة الأَرْض يَوْم قبضهَا براحاً، وَله على رب الأَرْض قيمَة عمله وغراسه فِي النّصْف الَّذِي صَار إِلَيْهِ إِلَى أَن بلغ وَله أجرته فِيهِ أَيْضا من يَوْمئِذٍ إِلَى يَوْم الحكم، وَإِن اغتل الْغلَّة قبل ذَلِك مَضَت بَينهمَا، وَإِن اغتلها الغارس وَحده رد نصف ذَلِك إِلَى رب الأَرْض وَبِهَذَا القَوْل صدر ابْن يُونُس قَائِلا، وَاسْتَحْسنهُ ابْن حبيب، وَبِه قَالَ مطرف وَأصبغ، وَاسْتَحْسنهُ عِيسَى أَيْضا مثل ابْن حبيب، وَرجع إِلَيْهِ ابْن الْقَاسِم وَثَبت عَلَيْهِ اه. وَعَلِيهِ اقْتصر صَاحب الْمُفِيد والمعين وَصَاحب النِّهَايَة. ثَانِيهَا: أَنَّهَا بيع فَاسد أَيْضا قد فَاتَ فالغلة كلهَا لِلْعَامِلِ، وَيرد رب الأَرْض مَا أَخذ مِنْهَا إِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 قبضهَا رطبا رد قيمتهَا أَو تَمرا رد مكيلتها إِن علمت أَو قيمتهَا إِن جهلت، وعَلى الْعَامِل قيمَة نصف الأَرْض يَوْم قبضهَا وَعَلِيهِ كِرَاء نصف الأَرْض الَّذِي لِرَبِّهَا، وَيُخَير رب الأَرْض فِي نصف الْغَرْس الَّذِي صَار إِلَيْهِ بَين أَن يُعْطِيهِ قِيمَته مقلوعاً أَو يَأْمُرهُ بقلعه، وَهَذَا القَوْل رَوَاهُ عِيسَى وحسين بن عَاصِم عَن ابْن الْقَاسِم أَيْضا، وَبِه أفتى بعض الشُّيُوخ حَسْبَمَا فِي المعيار إِلَّا أَنه أجمل قَوْله: وَاقْتصر عَلَيْهِ شَارِح العمليات عِنْد قَوْله: واعط أَرض حبس مغارسه الخ. وَبِه أفتى الْفَقِيه أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن الفاسي حَسْبَمَا فِي نَوَازِل الزياتي قَائِلا: وَهُوَ الَّذِي رَجحه القَاضِي أَبُو الْوَلِيد، وَلَعَلَّه يُشِير إِلَى تَصْحِيح ابْن رشد لَهُ فِي الْمُقدمَات على مَا يَقْتَضِيهِ كَلَام الرهوني فِي حَاشِيَته. ثَالِثهَا: إِن لِلْعَامِلِ قيمَة غرسه أَي الأعواد الَّتِي غرسها، وَقِيمَة عمله أَي معالجته إِلَى يَوْم الحكم وَالْغَرْس كُله لرب الأَرْض وَلَا شَيْء لِلْعَامِلِ فِيهِ، وَيرد مَا أَخذه من الثَّمَرَة أَي مكيلتها إِن علمت أَو قيمتهَا إِن جهلت وَهُوَ لِابْنِ الْقَاسِم أَيْضا، وَبِه قَالَ سَحْنُون وَصدر بِهِ فِي الْبَيَان والمقدمات، وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الْمَقْصد الْمَحْمُود وَابْن سَلمُون، وَتقدم مثله عَن النِّهَايَة فِي التَّنْبِيه الرَّابِع، فَصَاحب النِّهَايَة اقْتصر على الأول أَولا وعَلى الثَّالِث ثَانِيًا، وَبِه افتى الرهوني فِي حَاشِيَته حَسْبَمَا ذكره فِي بَاب الْمُسَاقَاة قَائِلا: إِنَّه الَّذِي أفتى بِهِ ابْن عتاب وَابْن مَرْزُوق وَابْن رشد، وَنقل كَلَام الْجَمِيع. لَكِن مَا ذكره من ان ابْن رشد أفتى بِهِ فَلَيْسَ كَذَلِك، بل مَا أفتى بِهِ ابْن رشد إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا واجره بِنصْف أرضه على غرس النّصْف الْبَاقِي كَمَا مر فِي التَّنْبِيه الْخَامِس، وَيدل عَلَيْهِ قَوْله: سَوَاء شرطا الْقِسْمَة قبل الْغَرْس الخ. لِأَن المغارسة لَا تتأتى فِيهَا الْقِسْمَة قبل الْغَرْس، وعَلى أَن ذَلِك إِجَارَة اخْتَصَرَهُ أحلولو لنوازل الْبُرْزُليّ، وَالْخلاف الْمَذْكُور جَار على الْجعل هَل يرد إِلَى صَحِيح نَفسه أَو فَاسد أَصله وَهُوَ الْإِجَارَة؟ فالأولان يردانها إِلَى صَحِيح مثلهَا بِخِلَاف الثَّالِث. قَالَ مَعْنَاهُ الْبُرْزُليّ، ثمَّ إِن الَّذِي يجب اعْتِمَاده من هَذِه الْأَقْوَال هُوَ أَولهَا لِكَثْرَة قَائِلهَا، وَرُجُوع ابْن الْقَاسِم إِلَيْهِ وثبوته عَلَيْهِ، واستحسان ابْن حبيب وَعِيسَى لَهُ تَارِكًا مَا رَوَاهُ عَنهُ مَعَ حُسَيْن بن عَاصِم، وَإِن كَانَ الثَّانِي رَجحه ابْن رشد، وَالثَّالِث قَالَ بِهِ سَحْنُون، وَاخْتَارَهُ ابْن عتاب لِأَن ترجيحهما لَا يُقَاوم ذَلِك، وَقَوْلهمْ: لَا يعدل عَن قَول ابْن الْقَاسِم إِن وَافقه سَحْنُون مَحَله إِذا لم يرجع ابْن الْقَاسِم إِلَى غَيره وَيثبت عَلَيْهِ كَمَا هُنَا وَالله أعلم. وَانْظُر كَيْفيَّة تَقْوِيم الأَرْض المشعرة بعد الْفَوات فِي ابْن عرضون، وَانْظُر مَا يَأْتِي آخر الْقَرَاض من أَن مَا فِيهِ قِرَاض أَو مُسَاقَاة الْمثل يمْضِي بِالشُّرُوعِ فالمغارسة والجعل كَذَلِك، لِأَن الْجَمِيع مُسْتَثْنى من الْإِجَارَة. الثَّامِن: مَسْأَلَة التقليم وَهِي تركيب الزَّيْتُون الحلو أَو نَحوه فِي المر الْمَنْصُوص منعهَا حَسْبَمَا للقوري عَن العبدوسي، وَالَّذِي بِهِ الْعَمَل أَنَّهَا تجْرِي مجْرى المغارسة فَتَصِح مَعَ توفر شُرُوطهَا وتفسد مَعَ عدمهَا، وَهُوَ ظَاهر الْبُرْزُليّ، بل صَرِيحه، وَعَلِيهِ اخْتَصَرَهُ الونشريسي وَنَصّ اختصاره. قَالَ الْبُرْزُليّ: وَإِن دفع أشجاراً من زيتون أَو خروب على أَن يركبهَا صنفا طيبا وَيقوم عَلَيْهَا حَتَّى تثمر، فَإِن وَقعت على الشُّرُوط الْمَذْكُورَة فِي المغارسة فَجَائِز، وَإِلَّا فَلَا اه. وَنَحْوه فِي اخْتِصَار أحلولو لَهُ وَنَصه: وَمن هَذَا مَسْأَلَة تقع بجبل وسلات وَهِي أَن يعْطى الرجل شجر زيتون وَنَحْوه على أَن يركبهَا صنفا طيبا وَيقوم عَلَيْهَا حَتَّى تثمر فَتكون الثَّمَرَة بَينهمَا حَتَّى تبلى الشَّجَرَة وَلَا يكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 لَهُ فِي الأَرْض شَيْء، فَهِيَ من معنى مَا تقدم من المغارسة حَتَّى تبلى الْأُصُول فَتبقى الأَرْض لِرَبِّهَا وَهِي فَاسِدَة وَيجْرِي الْأَمر فِيهَا إِذا وَقعت على مَا تقدم من الْخلاف اه. وَمَفْهُوم قَوْله: حَتَّى تبلى الْأُصُول فَتبقى الأَرْض لِرَبِّهَا الخ. أَنَّهُمَا إِذا دخلا على أَن الشّجر ومواضعها من الأَرْض بَينهمَا فَهِيَ جَائِزَة، فَمَا قَالُوهُ من منعهَا إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَت الأَرْض تبقى لِرَبِّهَا إِذا بليت الْأَشْجَار، وَكَانَ ابْن حسون المزجاري يجيزها وَلَو على هَذَا الشَّرْط ويعلل ذَلِك لِأَن سطح الشَّجَرَة كسطح الأَرْض، فَيجوز فِيهَا مَا يجوز فِي المغارسة فِي الأَرْض، فَإِذا بليت الْأَشْجَار فَكَمَا لَو بليت الأَرْض بزلزلة وَنَحْوهَا، ثمَّ إِذا وَقعت جَائِزَة وبليت الشَّجَرَة الْوَاجِبَة لِلْعَامِلِ فِي نصِيبه، فَلهُ أَن يغْرس أُخْرَى مَكَانهَا لِأَنَّهُ قد ملكهَا مَعَ محلهَا. التَّاسِع: إِذا غرس الشَّرِيك أَو بنى بِإِذن شَرِيكه أَو بِغَيْر إِذْنه فَلهُ قِيمَته مقلوعاً، كَمَا نظم ذَلِك بَعضهم بقوله: فقيمة الْبناء مقلوعاً أَتَت فِي سَبْعَة مَعْدُودَة قد ثبتَتْ فِي الْغَصْب والثنيا وَفِي العواري وَفِي الكرا وغرس أَرض الْجَار كَذَاك فِي أَرض لموروث وَفِي أَرض الشَّرِيك حصلنه تقتفي بِإِذن أَو بِغَيْرِهِ قد نقلا عَن ابْن الْقَاسِم إِمَام النبلا وَالْمَسْأَلَة مبسوطة فِي الِاسْتِحْقَاق من شرحنا للشامل وفيهَا اضْطِرَاب. وَفِي اخْتِصَار الونشريسي للبرزلي مَا نَصه: وَمن أول كتاب الِاسْتِحْقَاق من الْبَيَان إِذا بنى الشَّرِيك أَو غرس بِإِذن شَرِيكه فَهَل يكون لشَرِيكه نصِيبه من المغروس وَيدْفَع فِيمَا نابه مِنْهُ قِيمَته قَائِما للشُّبْهَة وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْمَذْهَب أَو قِيمَته مقلوعاً؟ قَالَ: وَمِنْه مَا هُوَ مَنْصُوص لأهل الْمَذْهَب أَن من عمل فِي أَرض زَوجته ثمَّ مَاتَ فلورثته قِيمَته قَائِما وَقيل مقلوعاً. قلت: الظَّاهِر أَن ذَلِك بِغَيْر إِذْنهَا أَو يُقَال كَانَت مُكْرَهَة وَلَا سِيمَا حَيْثُ لَا أَحْكَام اه. قلت: وَقد اخْتلف فِي السُّكُوت هَل هُوَ إِذن أَو لَيْسَ بِإِذن؟ وَأظْهر الْقَوْلَيْنِ كَمَا مر فِي بيع الْفُضُولِيّ أَنه لَيْسَ بِإِذن إِلَّا فِيمَا يعلم بمستقر الْعَادة أَن أحدا لَا يسكت عَنهُ إِلَّا بِرِضا مِنْهُ، فَيكون إِذْنا ورضا، وَعَادَة الشُّرَكَاء الْيَوْم التشاح التَّام فِي الْغَرْس وَالْبناء فِي الأَرْض الْمُشْتَركَة فالسكوت إِذن ورضا، وَقد علمت فِيهِ أَنه يَأْخُذ قِيمَته قَائِما على قَول الْأَكْثَر وَهُوَ الْمُعْتَمد، وَعَلِيهِ اقْتصر الفشتالي فِي وثائقه، وَبِه شاهدت الْأَحْكَام وَقت الشبيبة، وَبِه كنت أُفْتِي وَأنْظر كَيْفيَّة التَّقْوِيم قَائِما فِي نَوَازِل الشّركَة من العلمي، وَأما إِن بنى أَو غرس بِغَيْر إِذْنه وَلَا سُكُوته فَإِنَّمَا لَهُ قِيمَته مقلوعاً قولا وَاحِدًا. نعم إِن غرس أَو بنى قدر حِصَّته فَقَط فَأَقل فَلَا غلَّة عَلَيْهِ وَلَا كِرَاء فِي نصِيبهم إِن أَرَادوا الْقِسْمَة وَله عَلَيْهِم الْكِرَاء فِي حصتهم من الزَّبْن والخدمة والتزريب فِي كل سنة لِأَنَّهُ قَامَ عَلَيْهِم بِوَاجِب، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا غلَّة عَلَيْهِ لقَوْل ناظم الْعَمَل: وَمَا على الشَّرِيك يَوْمًا إِن سكن فِي قدر حَظه لغيره ثمن فَلَا مَفْهُوم لسكن بل كَذَلِك إِذا حرث أَو غرس، وَإِنَّمَا قُلْنَا: وَله عَلَيْهِم الْكِرَاء للقاعدة الْمُتَقَدّمَة عِنْد قَول النَّاظِم فِي الْإِجَارَة: وَالْقَوْل لِلْعَامِلِ حَيْثُ يخْتَلف الخ. فراع شُرُوطهَا هُنَا. وَهَذَا كُله مَعَ وجود الْأَحْكَام، وَأما مَعَ عدمهَا فَإِذا غرس الغارس أَو بنى أَو قلع البور والغابة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 وَنَحْوهَا. وَكَانَ ذَلِك قدر حَظه فَقَط وَترك قدر حَظّ الآخر المماثل لما غرسه وبناه وقلعه فِي الْجَوْدَة وَغَيرهَا، فَإِنَّهُ يخْتَص بغرسه وتقليعه لِأَنَّهُ قد فعل فعلا لَو رفع إِلَى القَاضِي لم يفعل غَيره إِذْ ذَاك غَايَة الْمَقْدُور، وكل مَا كَانَ كَذَلِك فَفعله مَاض كَمَا ذكر هَذِه الْقَاعِدَة أَبُو الْحسن والبرزلي وَغَيرهمَا. ونقلها (ق) عِنْد قَوْله فِي الْخلْع: وَجَاز من الْأَب عَن الْمُجبرَة الخ. وَعَادَة الْبَوَادِي الْيَوْم بل وَبَعض الحواضر الاستخفاف بِالْأَحْكَامِ وَعدم المبالاة بهَا على مَا شَاهَدْنَاهُ، وَحِينَئِذٍ فللغارس غرسه وَلَو لم يطْلب الْقِسْمَة بِحَضْرَة الْعُدُول وَلَا أشهدهم على الطّلب الْمَذْكُور، إِذْ لَا فَائِدَة فِي الطّلب وَالْإِشْهَاد عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَت عَادَتهم مَا ذكر وَمَا علم بمستقر الْعَادة عَدمه لَا يطْلب الْمَرْء بِفِعْلِهِ وَالله أعلم. الْعَاشِر: فِي الطرر عَن المشاور: إِذا بنى الْوَارِث بِحَضْرَة شَرِيكه وَعلمه وَلَا يُغير عَلَيْهِ ثمَّ بَاعه أَو بعضه فَقَامَ الشَّرِيك فَأَرَادَ أَخذ نصِيبه مِنْهُ وَالْبَاقِي بِالشُّفْعَة، فَإِن قَامَ عَلَيْهِ أَو على ورثته قبل انْقِطَاع حجَّته وَذَلِكَ الْأَرْبَعُونَ سنة فَأَقل، فَإِنَّهُ يقسم ذَلِك فَمَا صَار فِي حق الْقَائِم كَانَ لَهُ وَكَانَ بِالْخِيَارِ فِي دفع قيمَة الْبُنيان وَالْغَرْس مقلوعاً أَو يَأْمُرهُ بقلعه، وَلم يكن لَهُ كِرَاء فِيمَا سكن من نصِيبه، وَلَا غلَّة فِيمَا اغتل لِأَنَّهُ أذن لَهُ فِيهِ إِذا كَانَ بِعِلْمِهِ، وَلم تكن لَهُ شُفْعَة لِأَن البيع يفْسخ وَلَا يتم العقد إِلَّا بعد الْقسم إِن أحب الْمُبْتَاع ذَلِك، وَإِن لم يعلم بذلك حَتَّى قَامَ فَلهُ كِرَاء مَا صَار لَهُ من الْبقْعَة على الْبَانِي والغارس، وَقيل: إِنَّه يَأْخُذهُ قَائِما اه. فَقَوله: وَكَانَ بِالْخِيَارِ الخ. مَحَله إِذا قُلْنَا: إِن السُّكُوت لَيْسَ بِإِذن لعدم التشاح فِي الْغَرْس وَنَحْوه كَمَا مر، وَمحل دفع قِيمَته مقلوعاً الخ. إِذا كَانَ الغارس يتَوَلَّى ذَلِك بِنَفسِهِ أَو عبيده وإلاَّ فللغارس عَلَيْهِ أُجْرَة عمله وقيامه وعلاجه، كَمَا أَشَرنَا لَهُ قبل فِي الْقَاعِدَة الْمُتَقَدّمَة فِي الْإِجَارَة. وَقَوله: وَلَا غلَّة فِيمَا اغتل مَبْنِيّ على أَن السُّكُوت إِذن، وَقَوله: لِأَن البيع يفْسخ الخ. أَي لِأَن اسْتِحْقَاق بعض الْمَبِيع كعيب بِهِ، وَهُوَ معنى قَول (خَ) فِي الْعُيُوب: وَخير المُشْتَرِي إِن غيب أَو عيب أَو اسْتحق شَائِع وَإِن قل الخ. الْحَادِي عشر: تقدم فِي الشُّفْعَة أَن المغارسة فِيهَا الشُّفْعَة لِأَنَّهَا بيع لَكِن بعد تَمام الْعَمَل وَأما قبله فَفِيهِ خلاف، فَقَالَ ابْن الْحَاج: لَا يجوز البيع لِأَنَّهُ لم يجب لَهُ نصِيبه إِلَّا بِتمَام عمله وَلَو مَاتَ لخير وَارثه وَلَو بَيت مَال بَين الْعَمَل أَو التّرْك. الْبُرْزُليّ: إِجْرَاء لَهَا على الْمُسَاقَاة، فَلِذَا يُخَيّر الْوَارِث لكَونهَا فِي الذِّمَّة ولزومها بِالْعقدِ، وَعَلِيهِ نقل بعض الْمُتَأَخِّرين عَن الرماح وَغَيره عَن الْمَذْهَب، أَنه يجوز لكل وَاحِد مِنْهُمَا بيع نصِيبه من الأَرْض وَالشَّجر إِذا كَانَ المُشْتَرِي يعْمل فِي ذَلِك كعمل البَائِع اه. ثمَّ نقل بعد هَذَا عَن ابْن رشد، أَنه يجوز لِلْعَامِلِ أَن يَبِيع من رب الأَرْض أَو غَيره أَو يُعْطِيهَا لَهُ أَو بِغَيْرِهِ بجزئها الَّذِي أَخذهَا بِهِ اه. قَالَ سَيِّدي عبد الْقَادِر الفاسي: وبعدم صِحَة البيع تجْرِي الْأَحْكَام هَهُنَا فِي فاس الْيَوْم. قَالَ: وَإِذا لم يَصح البيع فَلَا شُفْعَة وعَلى صِحَّته فَالشُّفْعَة وَاجِبَة قَالَ: وَالْمَسْأَلَة ناظرة إِلَى قَاعِدَة الشّركَة الَّتِي يُوجِبهَا الحكم هَل تجب الشُّفْعَة فِيهَا قبل تقررها أم لَا؟ ابْن رشد: وَقَول مَالك بِأَنَّهُ لَا شُفْعَة فِيهَا أصح. الثَّانِي عشر: قَالَ أصبغ: من أعْطى أرضه مغارسة فَلم يتم الْعَمَل حَتَّى عجز الْعَامِل أَو غَابَ فَأدْخل رب الأَرْض فِي الْغَرْس من قَامَ بِهِ وَعمل مَا بَقِي أَو تولاه رب الأَرْض الْمَذْكُور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 بِيَدِهِ، ثمَّ قدم الْعَامِل وَقَامَ فَهُوَ على حَقه، وَكَذَلِكَ لَو كَانَ حَاضرا وَلم يسلم ذَلِك وَلم ير أَنه تَركه وَيُعْطِي للثَّانِي قدر مَا تكلّف مِمَّا لَو وليه لزمَه مثله اه من اخْتِصَار الونشريسي واحلولو. وَعَن ابْن خجوا فِي رجلَيْنِ أخذا أَرضًا مغارسة فغرساها وَتَوَلَّى أَحدهمَا الْخدمَة وَالْقِيَام إِلَى الْإِطْعَام قَالَ: يكون للقائم بالغرس أُجْرَة مثله ويقتسمان مَا غرساه على مَا دخلا عَلَيْهِ اه. من نَوَازِل الزياتي وَهُوَ يبين لَهُ مَا قبله. وَجَازَ أَنْ يُعْطَى بِكُلِّ شَجَرَهْ تَنْبُتُ مِنْهُ حِصَّةً مُقَدَّرَهْ (وَجَاز) أَي العقد على (أَن يعْطى) الغارس (بِكُل شَجَرَة تنْبت مِنْهُ) أَي من الْغَرْس (حِصَّة مقدرَة) . وَهَذَا جعل مَحْض إِن كَانَ الْمُعْطى دَرَاهِم أَو دَنَانِير أَو عرضا وَله التّرْك مَتى شَاءَ، كَمَا مر أول الْفَصْل إِلَّا أَن قَول النَّاظِم حِصَّة شَامِل لجزء من الأَرْض والمغروس، وَفِيه ورد النَّص عَن ابْن الْقَاسِم كَمَا فِي ابْن يُونُس وَنَصه قَالَ ابْن الْقَاسِم: لَو قَالَ أستأجرك على أَن تغرس لي فِي هَذِه الأَرْض كَذَا وَكَذَا نَخْلَة فَمَا نبت فَهُوَ بيني وَبَيْنك فَهُوَ جعل وَلَيْسَ إِجَارَة، وَلَو شَاءَ أَن يتْرك ترك وَلَو لم يكن جعلا مَا جَازَ لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أيتم أم لَا اه. وَأَنت خَبِير بِأَن هَذِه الصُّورَة هِيَ عين المغارسة الَّتِي تقدم الْكَلَام فِيهَا إِلَّا أَن ابْن الْقَاسِم ذهب فِي هَذَا القَوْل على إِنَّهَا لَا تلْزم بِالْعقدِ وَهُوَ خلاف الْمُعْتَمد من لُزُومهَا بِهِ كَمَا مر وَلذَا قَالَ الْبُرْزُليّ عقب نَقله قَول ابْن الْقَاسِم مَا نَصه: قلت هَذَا خلاف مَا حَكَاهُ الْمَازرِيّ عَن عبد الحميد الصَّائِغ أَن المغارسة وَالْإِجَارَة على الْبَلَاغ مِمَّا يلزمان بِالْعقدِ، وَإِن كَانَ من أَبْوَاب الْجعل وأنهما خرجا عَنهُ فِي هَذَا. وَفِي كَون الْجعَالَة فيهمَا لَهَا مُؤنَة كَثِيرَة للضَّرُورَة إِلَيْهَا اه. وَقَوله: لَهَا مُؤنَة كَثِيرَة الخ. يَعْنِي أَن الْجعل لَا يجوز على الْعَمَل الْكثير كَمَا قَالَ (خَ) : إِلَّا كَبيع سلع لَا يَأْخُذ شَيْئا إِلَّا بِالْجَمِيعِ، والمغارسة وَالْإِجَارَة على الْبَلَاغ خالفاه فِي هَذَا فيجوزان على الْعَمَل الْكثير للضَّرُورَة، وخالفاه أَيْضا فِي اللُّزُوم بِالْعقدِ. (فصل فِي الْمُزَارعَة) ابْن عَرَفَة هِيَ شركَة الْحَرْث. وَفِي صَحِيح مُسلم عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا يغْرس مُسلم غرساً وَلَا يزرع زرعا فيأكل مِنْهُ إِنْسَان أَو دَابَّة أَو شَيْء إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَة) . الْقُرْطُبِيّ: يسْتَحبّ لمريد الْبذر فِي الأَرْض أَن يَقُول بعد الِاسْتِعَاذَة: أَفَرَأَيْتُم مَا تَحْرُثُونَ} (الْوَاقِعَة: 63) الْآيَة. ثمَّ يَقُول: الله الزَّارِع والمنبت والمبلغ، اللَّهُمَّ صلِّ على مُحَمَّد وارزقنا ثمره وجنبنا ضَرَره، واجعلنا لأنعمك من الشَّاكِرِينَ، فَإِنَّهُ أَمَان لذَلِك الزَّرْع من جَمِيع الْآفَات الدُّود وَالْجَرَاد وَغير ذَلِك. وَقد جرب فَوجدَ كَذَلِك اه. الْبُرْزُليّ: وَيسْتَحب أَن يَنْوِي أَنه يزرع ويغرس لينْتَفع بِهِ هُوَ وَجَمِيع الْمُسلمين فَيحصل لَهُ ثَوَابه مَا دَامَ قَائِما على أُصُوله، وَإِن تبدلت ملاكه اه. وللمزارعة عشر صور خَمْسَة جَائِزَة وَخَمْسَة مَمْنُوعَة فَمن الْجَائِز قَوْله: إنْ عَمِلَ العَامِلُ فِي المَزَارَعَهْ وَالأَرْضُ مِنْ ثَانٍ فَلاَ مُمَانَعَهْ (إِن عمل الْعَامِل فِي الْمُزَارعَة وَالْأَرْض من ثَان فَلَا ممانعة) . وَالْمرَاد بِالْعَمَلِ عمل الْيَد وَالْبَقر، فَإِذا أخرج أَحدهمَا ذَلِك وَأخرج الآخر الأَرْض جَازَت هَذِه الشّركَة بشرطها الْمشَار لَهُ بقوله: إنْ أَخْرَجَا البذْرَ عَلَى نِسْبَةِ مَا قَدْ جَعَلاَهُ جُزْءاً بَيْنَهُمَا (إِن أخرجَا) مَعًا (الْبذر على نِسْبَة مَا قد جعلاه جُزْءا) بِضَم الزَّاي لُغَة فِيهِ (بَينهمَا) فِي المصيف، فَإِن دخلا على أَن مَا يحصل فِي المصيف يكون لذِي الْعَمَل نصفه ولرب الأَرْض نصفه جَازَ إِذا أخرج كل مِنْهُمَا نصف الزريعة، وَإِذا دخلا على أَن لصَاحب الْعَمَل أَو الأَرْض سدس مَا يحصل جَازَ أَيْضا إِذا أخرج كل مِنْهُمَا من الزريعة بِقدر مَا يَأْخُذ فِي المصيف وَهَكَذَا. وَهُوَ معنى قَوْله: كالنِّصْفِ أَوْ كَنِصْفِهِ أَوْ السُّدُسْ وَالعَمَلُ اليَوْمَ بِهِ فِي الأَنْدَلُسْ (كالنصف أَو كنصفه) وَهُوَ الرّبع (أَو السُّدس) فَمَا بعد الْكَاف مِثَال للجزء الَّذِي دخلا على أَخذه فِي المصيف وَظَاهره الْجَوَاز، وَلَو كَانَت قيمَة الْعَمَل لَا تعادل قيمَة كِرَاء الأَرْض وَبِالْعَكْسِ، وَهُوَ كَذَلِك على القَوْل الَّذِي لَا يشْتَرط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 السَّلامَة من التَّفَاوُت فِي الْمُزَارعَة، وَعَلِيهِ فَتجوز وَلَو لم يقوِّما الْعَمَل وَلَا عرفا كِرَاء الأَرْض وَهُوَ قَول عِيسَى بن دِينَار، وَعَلِيهِ الْعَمَل كَمَا فِي الْمُفِيد والجزائري وَابْن مغيث وتبعهم النَّاظِم فَقَالَ: (وَالْعَمَل الْيَوْم بِهِ) أَي بِهَذَا القَوْل الَّذِي لَا يشْتَرط السَّلامَة من التَّفَاوُت (فِي) جَزِيرَة (الأندلس) ، بل وَكَذَلِكَ فِي مغربنا الْيَوْم لِأَن عَملنَا تَابع لعملهم، وَسميت جَزِيرَة لِأَن الْبَحْر مُحِيط بهَا من جهاتها إِلَّا الْجِهَة الشمالية فَهِيَ مُثَلّثَة الشكل، وَأول من سكنها بعد الطوفان أندلس بن يافث بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام فسميت بِهِ. وَمَفْهُوم قَوْله: إِن أخرجَا الخ. أَنَّهُمَا إِذا لم يخرجَا الْبذر على نِسْبَة مَا ذكر كَمَا لَو دخلا على المناصفة فِيمَا يحصل فى المصيف، وَلَكِن الْبذر على أَحدهمَا ثُلُثَاهُ وعَلى الآخر ثلثه، فَإِن ذَلِك لَا يجوز وَهُوَ كَذَلِك على تَفْصِيل، فَإِن كَانَ مخرج ثُلثَيْهِ هُوَ رب الأَرْض فَلَا إِشْكَال فِي الْجَوَاز لِأَن مَا زَاده من سدس الْبذر فِي مُقَابلَة الْعَمَل أَو هبة، وَإِن كَانَ مخرج ثُلثَيْهِ هُوَ الْعَامِل فَإِن كَانَ على أَن يَأْخُذ كل مِنْهُمَا بِقدر بذره جَازَ، وَإِن كَانَ على أَن يَأْخُذ كل نصف الزَّرْع امْتنع، لِأَن مَا زَاده من سدس الْبذر هُوَ فِي مُقَابلَة الأَرْض، فَإِن نزل فَلِكُل وَاحِد من الزَّرْع بِقدر بذره ويتراجعان فِي فصل الأكرية. قَالَ سَحْنُون: انْظُر شرحنا للشامل، وَإِنَّمَا امْتنع هَذَا الْوَجْه لِأَنَّهُ من كِرَاء الأَرْض بِطَعَام، وَتقدم فِي فصل كِرَاء الأَرْض مَنعه، وَتقدم هُنَاكَ أَيْضا من يَقُول بِجَوَاز كرائها بِكُل شَيْء وَلَو طَعَاما، وَعَلِيهِ فَإِذا اعتادوا فِي بلد التَّفَاوُت فِي الْبذر لَا يُنكر عَلَيْهِم كَمَا مر نَظِيره عَن المسناوي وَابْن لب فِي الْبَابَيْنِ قبله، وَلَا سِيمَا إِذا لم يجد من يتعامل مَعَه على الْوَجْه الْجَائِز وَقد قَالَ الْبُرْزُليّ: تجوز الْمُعَامَلَة الْفَاسِدَة لمن لَا يجد مندوحة عَنْهَا كَالْإِجَارَةِ والمزارعة وَالشَّرِكَة وَغير ذَلِك من سَائِر الْمُعَامَلَات، وَقد رُوِيَ عَن الْفَقِيه ابْن عيشون أَنه خَافَ على زرعه الْهَلَاك فآجر عَلَيْهِ إِجَارَة فَاسِدَة حِين لم يجد الْجَائِزَة قَالَ: وَمثله لَو عَم الْحَرَام فِي الْأَسْوَاق وَلَا مندوحة عَن غير ذَلِك، والمبيح الضَّرُورَة كَمَا جَازَ للْمُضْطَر أكل الْميتَة اه. وَتقدم نَحْو هَذَا عَن ابْن سراج فِي الْإِجَارَة، وَقَالَ الْجُزُولِيّ عِنْد قَول الرسَالَة: وَلَا بَأْس للْمُضْطَر أَن يَأْكُل الْميتَة ويشبع الخ مَا نَصه. انْظُر على هَذَا لَو اضْطر إِلَى الْمُعَامَلَة بالحرام مثل أَن يكون النَّاس لَا يتعاملون إِلَّا بالحرام وَلَا يجد من يتعامل بالحلال هَل لَهُ أَن يتعامل بالحرام أم لَا؟ وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: (لَو كَانَت الدُّنْيَا بركَة دم لَكَانَ قوت الْمُؤمن مِنْهَا حَلَالا) وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ لَا يجد من يزرع إِلَّا بكرَاء الأَرْض بِمَا تنبته أَو كَانَ لَا يجد إِلَّا من يشْتَرط شركَة فَاسِدَة وَلَيْسَ لَهُ صَنْعَة إِلَّا الْحَرْث أَو مثل الْحَصاد بالقبضة إِذا كَانَ لَا يجد من يحصد إِلَّا بهَا. قَالَ الشَّيْخ: أما إِذا تحققت الضَّرُورَة فَيجوز، وَقد سَمِعت بعض الشُّيُوخ يَقُول فِي قوم نزلُوا بِموضع قد انجلى أَهله عَنهُ وَكَانَ الَّذين نزلُوا بِهِ لَا صَنْعَة لَهُم إِلَّا الْحَرْث: أَنه يجوز لَهُم أَن يحرثوا تِلْكَ الأَرْض الَّتِي ارتحل أَهلهَا عَنْهَا. قَالَ: وَذكر عَن الْفَقِيه ابْن عيشون أَنه حصد زرعه بِإِجَارَة فَاسِدَة لأجل الضَّرُورَة اه. وَفِي السّفر الثَّالِث من المعيار قَالَ أصبغ: ينظر إِلَى أَمر النَّاس فَمَا اضطروا إِلَيْهِ مِمَّا لَا بُد لَهُم مِنْهُ وَلَا يَجدونَ الْعَمَل إِلَّا بِهِ، فأرجو أَن لَا يكون بِهِ بَأْس إِذا عَم اه. فَهَذَا كُله مِمَّا يدل للْجُوَاز مَعَ الضَّرُورَة، وَأَيْضًا فَإِنَّمَا يُقَال مَا زَاده من سدس الْبذر هُوَ فِي مُقَابلَة الأَرْض إِذا كَانَ كِرَاء الأَرْض يزِيد على قيمَة الْعَمَل، وإلاَّ فَهُوَ مَحْض هبة وَتقدم أَنه على مَا بِهِ الْعَمَل لَا يشْتَرط معرفَة قيمَة الأَرْض وَلَا الْعَمَل وَمُقَابل الْعَمَل الَّذِي فِي النّظم هُوَ مَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: إِن سلما من كِرَاء الأَرْض بممنوع وقابلها مساوٍ الخ. وَعَلِيهِ فَإِذا كَانَت قيمَة الأَرْض مائَة وَقِيمَة الْعَمَل خمسين ودخلا على المناصفة فِي الْبذر وَمَا يحصل فِي المصيف لم يجز لوُجُود التَّفَاوُت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 وَقد اشْتَمَل كَلَام النَّاظِم على ثَلَاث صور من صور الْمُزَارعَة اثْنَتَانِ جائزتان وهما صُورَة الْمَنْطُوق وَوَاحِدَة من صُورَتي الْمَفْهُوم كَمَا مر، وَسَتَأْتِي الصُّور الثَّلَاث الْبَاقِيَة من الْخمس الْجَائِزَة عِنْد قَوْله: وَجَاز فِي الْبذر اشْتِرَاك الخ. وَالتُزِمَتْ بالعَقْدِ كَالإجَارَه وَقِيلَ بَلْ بالبَدْءِ لِلْعِمَاره (والتزمت) لَو قَالَ: ولزمت (بِالْعقدِ كَالْإِجَارَةِ) وَهُوَ قَول ابْن الْمَاجشون وَسَحْنُون وَابْن الْقَاسِم فِي كتاب ابْن سَحْنُون، وَبِه قَالَ ابْن زرب وَابْن الْحَارِث وَابْن الْحَاج وَوَقع الحكم بِهِ، وَبِه كَانَ يُفْتِي ابْن رشد وَصَححهُ فِي الشَّامِل فَقَالَ: عقد الْمُزَارعَة لَازم قبل الْبذر على الْأَصَح، وَقيل لَا تلْزم إِلَّا بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَل وَهُوَ لِابْنِ كنَانَة فِي الْمَبْسُوط وَابْن رشد وَبِه جرت الْفَتْوَى بقرطبة. (وَقيل) لَا تلْزم بِالْعقدِ وَلَا بِالشُّرُوعِ (بل بالبذر للعمارة) وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة وَعَلِيهِ عول (خَ) إِذْ قَالَ: لكل فسخ الْمُزَارعَة إِن لم يبذر. وَمَعْنَاهُ كَمَا لِابْنِ رشد أَنَّهَا تلزمهما فِيمَا بذرا من قَلِيل أَو كثير وَلَا تلزمهما فِيمَا بَقِي وَلكُل فَسخهَا، فَإِن عجز أَحدهمَا بعد الْبذر فَإِنَّهُ يُقَال لشَرِيكه: اعْمَلْ فَإِذا طَابَ الزَّرْع بِعْ وَاسْتَوْفِ حَقك وَالزِّيَادَة لَهُ وَالنُّقْصَان عَلَيْهِ يتبع بِهِ كَمَا مر فِي الْمُسَاقَاة وَقَالَهُ فِي النَّوَادِر، فَإِذا أذهب السَّيْل بذر أَحدهمَا فَأبى أَن يُعِيد بذراً آخر فَإِنَّهُ لَا يجْبر لِأَن عملهما قد تمّ، وَأما على مَا صدر بِهِ النَّاظِم فَإِنَّهُ إِذا أَبى أَحدهمَا من إِتْمَامهَا بعد عقدهَا صَحِيحَة فَإِنَّهُ يجْبر على الْإِتْمَام، وَكَذَا يُقَال على لُزُومهَا بِالشُّرُوعِ أَيْضا. وَمِمَّا يَنْبَنِي على الْخلاف لَو زارع رجل شخصا آخر، فَلَمَّا قلب الأَرْض عَامل غَيره على عَملهَا من أجل عجز عَنْهَا أَو غَيره أَن الزَّرْع لرب الأَرْض وللعامل الآخر وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ الأول شَيْء وَله كراؤه على الْعَامِل الآخر ثمنا وَسَوَاء علم الْأَخير بِالْأولِ أم لَا، قَالَ الْبُرْزُليّ: هَذَا على أَن الْمُزَارعَة لَا تلْزم بِالْعقدِ وَلَا بِالشُّرُوعِ فَأشبه عَامل الْقَرَاض إِذا أَخذ الْقَرَاض وَأَعْطَاهُ قبل الْعَمَل فَلَيْسَ لَهُ من الرِّبْح شَيْء، وعَلى القَوْل بلزومها بِالْعقدِ أَو الشُّرُوع الشّركَة الثَّانِيَة لِلْعَامِلِ الأول وَالثَّانِي، وَيبقى نصيب رب الأَرْض على حَاله كالمساقاة اه. وَهَذَا إِذا أَدخل الْعَامِل الأول الثَّانِي لعجز وَنَحْوه أَو لم يدْخلهُ بل أدخلهُ رب الأَرْض كَمَا ترى. وَفِي ابْن سَلمُون وَابْن عَاتٍ: الزَّرْع لرب الأَرْض وللعامل الْأجر بِالْجِيم الساكنة، وَصَوَابه الآخر بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة بِدَلِيل قَوْله: وَلَيْسَ للوسط شَيْء يَعْنِي الْعَامِل الأول لِأَنَّهُ يُفِيد أَن الآخر يَأْخُذ من الزَّرْع لَا أَنه يَأْخُذ الْأُجْرَة فَقَط، وبدليل تَشْبِيه الْبُرْزُليّ لَهُ بعامل الْقَرَاض يُعْطِيهِ للْغَيْر قبل الْعَمَل الْمشَار لَهُ بقول (خَ) أَو قارض بِلَا إِذن وَغرم لِلْعَامِلِ الثَّانِي إِن دخلا على أَكثر الخ. كَذَا كتبه أَبُو الْعَبَّاس الملوي رَحمَه الله. وعَلى أَنَّهَا تلْزم بِالْعقدِ يجوز إِدْخَال الخماس فِيمَا حرثه رب الزَّرْع قبله وَيجوز السّلف أَيْضا على أَنَّهَا لَا تلْزم إِلَّا بالبذر، فَيجوز فيهمَا. انْظُر شرحنا للشامل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 وَلما كَانَ المُرَاد بِالْعَمَلِ فِي الْمُزَارعَة إِذا أطلق هُوَ عمل الْحَرْث فَقَط، وَأما الْحَصاد والدراس والتصفية فَإِنَّهَا لَا تندرج فِيهِ عِنْد السكت بل ذَلِك عَلَيْهِمَا على قدر الْأَنْصِبَاء إِلَّا لشرط نبه عَلَيْهِ النَّاظِم فَقَالَ: وَالدَّرْسُ وَالنَّقْلَةُ مَهْمَا اشْتُرِطَا مَعْ عَمَلٍ كَانَ عَلَى مَا شُرِطَا (والدرس) للزَّرْع (والنقلة) لَهُ من الفدان (مهما اشْترطَا مَعَ عمل) الحراثة (كَانَ) ذَلِك الشَّرْط لَازِما (على مَا شرطا) وَالْعَادَة كالشرط وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم فِي رِوَايَة حُسَيْن بن عَاصِم عَنهُ، وَبِه الْعَمَل حَسْبَمَا للجزيري فِي وثائقه. وَقَالَ سَحْنُون: لَا يجوز اشْتِرَاط ذَلِك لِأَنَّهُ مَجْهُول، وَاخْتَارَهُ ابْن يُونُس. قَالَ أَبُو حَفْص: تكلم ابْن الْقَاسِم على أَرض النّيل الَّتِي أمرهَا مَعْرُوف بِالْعَادَةِ، وَتكلم سَحْنُون على أَرض إفريقية الَّتِي يخْتَلف الْأَمر فِيهَا فَمرَّة تخصب فَتكون مُؤنَة الْحَصاد كَثِيرَة الثّمن، وَرُبمَا لم يكن خصب فيقل ثمن ذَلِك اه. وَيُمكن أَن يُقَال مَذْهَب ابْن الْقَاسِم الْجَوَاز فِي أَرض النّيل وَغَيرهَا، كَمَا أَفَادَهُ النَّاظِم لِأَن الْغَالِب إتْيَان الزَّرْع على مُقْتَضى الْعَادة وإتيانه على خلَافهَا نَادِر وَهُوَ لَا حكم لَهُ. الْبُرْزُليّ: لَو قَالَ أَحدهمَا عَلَيْك أُجْرَة الحصادين وَعلي الْغَدَاء وَالْعشَاء جَازَ ذَلِك إِن عرف قدره اه. وَالشَرْطُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مَعْمُورِ مِثْلَ الَّذِي أَلْفَى مِنَ المَحْظُورِ (وَالشّرط) أَي اشْتِرَاط رب الأَرْض على الْعَامِل إِذا دخل وَالْأَرْض معمورة أَي مَقْلُوبَة (أَن يخرج) بعد حصاد الزَّرْع (عَن معمور) الأَرْض فيقلبها لَهُ حَتَّى تصير (مثل) القليب (الَّذِي ألفى) وَقت دُخُوله (من الْمَحْظُور) خبر عَن الشَّرْط وَهُوَ بالظاء المشالة كَقَوْلِه تَعَالَى: وَمَا كَانَ عَطاء رَبك مَحْظُورًا} (الْإِسْرَاء: 20) أَي مَمْنُوعًا وَلَعَلَّ وَجه الْمَنْع أَنه من بَاب قَول (خَ) : وأجير تَأَخّر شهرا، لِأَن رب الأَرْض قد نَقده الْعِمَارَة فِي مثلهَا بعد شهور فَإِن دخلا على الشَّرْط الْمَذْكُور فسخ العقد كَمَا قَالَ: وَلَيْسَ لِلشِّرْكَةِ مَعْهُ مِنْ بَقَا وَبَيْعُهُ مِنْهُ يَسُوغُ مُطْلَقَا (وَلَيْسَ للشَّرِكَة مَعَه) بِالسُّكُونِ أَي الشَّرْط (من بقا) بل يتحتم فَسخهَا، وَهَذَا قبل الْعَمَل فَإِن فَاتَت بِالْعَمَلِ فَإِن الأَرْض تقوم بِتِلْكَ الْعِمَارَة وَيقوم عمل الْعَامِل فَمَا فضل من قيمَة كِرَاء الأَرْض بِتِلْكَ الْعِمَارَة على قيمَة عمل الْعَامِل، أَو من قيمَة الْعَمَل على كِرَاء الأَرْض أَخذه مِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 صَاحب الزِّيَادَة، قَالَه ابْن سَلمُون والمتيطية وَنَحْوه فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة انْظُر (م) . (وَبيعه) أَي القليب الْمَذْكُور (مِنْهُ) أَي الْعَامِل (يسوغ مُطلقًا) بمعجل أَو مُؤَجل كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَلَيْسَ هَذَا من اجْتِمَاع البيع وَالشَّرِكَة فِي عقد وَهُوَ لَا يسوغ كَمَا مرّ صدر الْبيُوع لِأَن القليب الْمَذْكُور هُوَ فِي نفس الشَّيْء الْمُشْتَرك فِيهِ لَا ينْفَصل عَنهُ وَلَا يزايله قَالَه اليزناسني وَأما هِبته لِلْعَامِلِ فَيجوز أَيْضا على مَا بِهِ الْعَمَل من عدم اشْتِرَاط السَّلامَة من التَّفَاوُت لَا على مُقَابِله لِأَنَّهُ لَهُ خطر وبال كالأرض الَّتِي لَهَا ذَلِك كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَحَيْثُ لاَ بَيْعَ وَعَامِلٌ زَرَعْ فَغَرْمُهُ القِيمَةَ فِيهِ مَا امْتَنَعْ (وَحَيْثُ لَا بيع) وَلَا هبة للقليب الْمَذْكُور (وعامل زرع) فِيهِ من غير تعرض لبيع وَلَا لغيره (فغرمه) أَي الْعَامِل (الْقيمَة) لذَلِك القليب (فِيهِ) مُتَعَلق بقوله (مَا امْتنع) أَي مَا يمْتَنع من غرمه الْقيمَة وَلَا محيد لَهُ عَنهُ كَمَا مر عَن ابْن سَلمُون، فَإِن ادّعى الْعَامِل أَنه وهبه لَهُ فَلهُ الْيَمين على رب الأَرْض كَمَا فِي نَوَازِل ابْن رشد وَهِي من دَعْوَى الْمَعْرُوف ومعروف الْمَذْهَب توجيهها قَالَه الونشريسي فِي جَوَاب لَهُ نَقله العلمي فِي الْغَصْب والتعدي. وَحَقُّ رَبِّ الأَرْضِ فِيما قَدْ عَمَرْ باقِ إذَا لَمْ يَنْبُتِ الَّذِي بَذَرْ (وَحقّ رب الأَرْض) صَوَابه وَحقّ ذَلِك الْعَامِل كَمَا قَالَ وَلَده (فِيمَا قد عمر بَاقٍ إِذا لم ينْبت الَّذِي بذر) أَي إِذا قلب الْعَامِل الأَرْض وزرعها وَلم ينْبت زرعه فحقه بَاقٍ قي الْعِمَارَة لَهُ أَن يَزْرَعهَا مرّة أُخْرَى أَو يَبِيعهَا مِمَّن شَاءَ، بِخِلَاف مَا إِذا نبت الزَّرْع ويبس أَو أَصَابَته آفَة من جَراد وَنَحْوه فَإِنَّهُ لَا حق لَهُ كَمَا قَالَ: بِعَكْسِ مَا كانَ لَهُ نَبَات وَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ لهُ ثَبَاتُ (بعكس مَا كَانَ لَهُ نَبَات وَلم يكن بعد) أَي بعد النَّبَات (لَهُ ثبات) قَالَه ابْن فتحون وَغَيره. قلت: وعَلى هَذَا تجْرِي مَسْأَلَة الْمُكْتَرِي للْأَرْض يجاح زرعه بعد النَّبَات أَو لَا ينْبت أصلا فَلَا حق لَهُ فِي القليب فِي الأول دون الثَّانِي وَالله أعلم. وَجَازَ فِي البَذْرِ اشْتِرَاكٌ وَالْبَقَرْ إنْ كانَ مِنْ نَاحِيَةٍ مَا يُعْتَمَرْ (وَجَاز) للمتزارعين (فِي الْبذر اشْتِرَاك و) فِي (الْبَقر) عطف على الْبذر (إِن كَانَ من نَاحيَة) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 أَي من أَحدهمَا فَقَط (مَا يعْتَمر) وَهُوَ الأَرْض، وَظَاهره سَوَاء قابلها عمل يَد الآخر كَمَا لَو كَانَ عمل الْيَد عَلَيْهِ وَحده أَو كَانَ عمل الْيَد عَلَيْهِمَا مَعًا أَيْضا وَهُوَ كَذَلِك، وَظَاهره وَلَو كَانَت الأَرْض فِي الصُّورَة الثَّانِيَة لَهَا خطر وبال وَهُوَ كَذَلِك لما مر من أَنه لَا يشْتَرط عدم التَّفَاوُت على الْمَعْمُول بِهِ، وَظَاهره أَيْضا سَوَاء كَانَ يَأْخُذ كل وَاحِد من الزَّرْع بِقدر مَا أخرج من الْبذر أم لَا كَمَا لَو أخرج أَحدهمَا الأَرْض وَنصف الْبَقر وثلثي الْبذر، وَأخرج الآخر عمل يَده وَنصف الْبَقر وَثلث الْبذر على أَن يكون الزَّرْع بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا تقدم فِي الصُّورَة الأولى من صُورَتي مَفْهُوم الْبَيْت فِي أول الْفَصْل، وَأما الْعَكْس وَهُوَ أَن يخرج أَحدهمَا عمل الْيَد وَنصف الْبَقر وَثلث الْبذر، وَيخرج الآخر الأَرْض وَنصف الْبَقر وَثلث الْبذر فَإِن كَانَ على أَن يَأْخُذ كل مِنْهُمَا من الزَّرْع بِقدر بذره جَازَ، وَإِن كَانَ على أَن يَأْخُذ كل نصف الزَّرْع امْتنع لِأَن الْعَامِل نقص لَهُ عَن نِسْبَة بذره، وَذَلِكَ يُوجب أَن سدس بذره فِي مُقَابلَة الأَرْض كَمَا مر (خَ) : أَو بعضه إِن لم ينقص مَا لِلْعَامِلِ عَن نِسْبَة بذره، وَيفهم من النّظم أَنَّهُمَا إِذا اسْتَويَا فِي الأَرْض وَالْبَقر وَالْبذْر وَالْيَد تجوز بالأحرى. (خَ) : مشبهاً فِي الْجَوَاز إِن كَانَ تَسَاويا فِي الْجَمِيع. عِيَاض: وُجُوه الْمُزَارعَة ثَلَاثَة. وَجه جَائِز بِاتِّفَاق وَهُوَ اشتراكهما فِي الأَرْض والآلة وَالْعَمَل وَالْبذْر بِحَيْثُ إِذا ضَاعَ شَيْء يكون ضَمَانه مِنْهُمَا مَعًا، وَوجه لَا يخْتَلف فِي مَنعه وَهُوَ اخْتِصَاص أَحدهمَا بِكَوْن الْبذر من عِنْده خَاصَّة وَمن عِنْد الآخر الأَرْض الَّتِي لَهَا قيمَة اشْتَركَا فِي غير ذَلِك أم لَا. اخْتلفُوا فِيمَا سواهُ أَو تساووا لِأَنَّهُ كِرَاء الأَرْض بِمَا يخرج مِنْهَا إِلَّا على مَا للداودي وَيحيى فِي جَوَاز كِرَاء الأَرْض بِمَا يخرج مِنْهَا على مَذْهَب اللَّيْث، وَذَلِكَ خَارج عَن مَذْهَب مَالك. وَالْوَجْه الثَّالِث هُوَ مَا عدا هذَيْن الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ كَيْفَمَا قدرته اه. وَمن الْجَائِز أَيْضا أَن تكون الأَرْض مِنْهُمَا مَعًا وَالْبذْر من أَحدهمَا وَعمل الْبَقر وَالْيَد أَو عمل الْيَد فَقَط من الآخر وَمِنْه أَيْضا أَن يكون الْبذر مِنْهُمَا مَعًا وَالْأَرْض من أَحدهمَا وقابلها عمل من الآخر. وَهِي الْمُتَقَدّمَة فِي أول الْفَصْل وَالْفرق بَينهَا وَبَين مَا فِي النّظم هَهُنَا أَن مَا تقدم عمل الْبَقر وَالْيَد من أَحدهمَا. وَالْأَرْض من الآخر بِخِلَاف مَا هُنَا. وَمِنْه أَيْضا أَن تكون الأَرْض وَالْبذْر مِنْهُمَا وَعمل الْيَد وَالْبَقر على أَحدهمَا وَمِنْه أَيْضا أَن يكون لأَحَدهمَا الْجَمِيع إِلَّا عمل الْيَد وَهِي مَسْأَلَة الخماس وَالْعَمَل على جَوَازهَا للضَّرُورَة كَمَا قَالَ ناظم الْعَمَل: وَأُجْرَة الخماس أَمر مُشكل وللضرورة بهَا تساهل وَظَاهر قَوْله: للضَّرُورَة وَلَو عقداها بِلَفْظ الْإِجَارَة أَو أطلقا، وَيُؤَيِّدهُ مَا مر أول هَذَا الْفَصْل وَمَا مر عَن ابْن يُونُس أول الْمُسَاقَاة من أَن قبح اللَّفْظ لَا يضر مَعَ اتِّفَاق الْمَعْنى، وَتقدم هُنَاكَ أَيْضا الْخلاف فِي زَكَاة زرع الخماس على من تكون وَأَن زَكَاة الْحَصاد بِأُجْرَة من الزَّرْع على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 رب الزَّرْع، وَكَذَا عَلَيْهِ زَكَاة مَا يلقطه اللقاط إِن شَرط الْحَصاد لقطه مَعَه لَا إِن لم يشْتَرط لقطه وَكَانَ اللقاط يلقطه لنَفسِهِ. فروع. الأول: سُئِلَ ابْن أبي زيد عَمَّن يدْفع الأَرْض بربعها وَيخرج ربع الزريعة أَيْضا وَيَأْخُذ ربع الزَّرْع؟ فَقَالَ: يجوز ذَلِك إِذا تقاربت قيمَة الأَرْض مَعَ قيمَة الْعَمَل اه. قلت: إِنَّمَا يشْتَرط التقارب الْمَذْكُور على الْمَشْهُور الَّذِي يشْتَرط عدم التَّفَاوُت لَا على مَا بِهِ الْعَمَل من عدم اشْتِرَاطه كَمَا مر. الثَّانِي: إِعْطَاء الثور لمن يحرث عَلَيْهِ بالخمس من الزَّرْع أجَازه الْفَقِيه رَاشد قِيَاسا على الْخمس، وَمنعه أَبُو عمرَان وَعمل النَّاس الْيَوْم على الأول، وَأما إِعْطَاء الأَرْض بِجُزْء مِمَّا تنبته فَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي كِرَاء الأَرْض. الثَّالِث: إِن عجز أحد المتزارعين فِي أثْنَاء الْحَرْب وَسلم لصَاحبه فِيمَا كَانَا حرثاه مَعًا فَذَلِك لَازم لَهُ قَالَه الْبُرْزُليّ، وَنَقله صَاحب كتاب المغارسة. الرَّابِع: تقدم من اشْترى زريعة فَوَجَدَهَا لم تنْبت أنظرها فِي عيب الْأُصُول، وَقد ذكر الْمَسْأَلَة هُنَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا. وَالزَّرْعُ لِلزارِعِ فِي أَشْيَاءَ وَرَبُّ الأَرْضِ يَأْخُذُ الكِرَاءَ (وَالزَّرْع للزارع) وَحده (فِي أَشْيَاء وَرب الأَرْض يَأْخُذ الْكِرَاء) وَلَا حَظّ لَهُ فِي الزَّرْع، وَذكر النَّاظِم من ذَلِك أَرْبَعَة مسَائِل فَقَالَ: كَمِثْلِ مَا فِي الْغَصْبِ وَالطَّلاَقِ وَمَوْتِ زَوْجَيْنِ وَالاسْتِحْقَاقِ (كَمثل مَا فِي الْغَصْب) يزرع الأَرْض ويقر بالعداء أَو يفوت الإبان فَعَلَيهِ كِرَاء الْمثل كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: وَإِن زرع أَي الْغَاصِب فاستحقت أَي قَامَ مَالِكهَا فَإِن لم ينْتَفع بالزرع أَخذ بِلَا شَيْء، وإلاَّ فَلهُ قلعه إِن لم يفت وَقت مَا ترَاد لَهُ وإلاَّ فَلهُ كِرَاء الْمثل الخ. وَقد تقدم تَحْصِيل ذَلِك فِي فصل الْكِرَاء والجائحة فِيهِ فراجع تَفْصِيله هُنَاكَ. (وَالطَّلَاق) يَعْنِي أَن من أمتعته زَوجته بأرضها فزرعها ثمَّ طَلقهَا فالزرع لَهُ، وَفِي الْكِرَاء الْخلاف الْمُتَقَدّم فِي فصل أَحْكَام من الْكِرَاء (وَمَوْت) أحد (زَوْجَيْنِ) بعد أَن أمتع صَاحبه بأرضه وزرعها فالزرع لَهُ وَفِي الْكِرَاء الْخلاف الْمُتَقَدّم فِي الْفَصْل الْمَذْكُور (والاستحقاق) يَعْنِي أَن من زرع أَرضًا بِشُبْهَة شِرَاء أَو إِرْث أَو اكتراء وَلم يعلم بِغَصب بَائِعهَا أَو مكتريها أَو موروثة فاستحقت من يَده قبل فَوَات الإبان فَلهُ الزَّرْع وَعَلِيهِ كِرَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 الْمثل، فَإِن لم تسْتَحقّ إِلَّا بعد فَوَاته فالزرع لَهُ أَيْضا وَلَا شَيْء عَلَيْهِ من الْكِرَاء، وَهَذَا هُوَ الْفرق بَينه وَبَين الْغَاصِب. (خَ) : كذي شُبْهَة أَو جهل حَاله الخ. وَقَالَ فِي الشَّامِل: وَلَا شَيْء لمستحقها فِي زرع ذِي شُبْهَة وَنَحْوه إِن فَاتَ الإبان وإلاَّ فَلهُ كِرَاء سنة اه. وَمن هَذَا أَيْضا مَا فِي ابْن يُونُس عَن أصبغ قَالَ: من زرع أَرض جَاره وَقَالَ: غَلطت، أَو كَانَ مكترياً لَهَا وَلَا يعرف ذَلِك، إِلَّا من قَوْله، أَو بنى فِي عَرصَة جَاره وَقَالَ: غَلطت فَلَا يعْذر الْبَانِي وَيُعْطِيه قِيمَته مقلوعاً أَو يَأْمُرهُ بقلعه، وَفِي الْحَرْث يشبه أَن يكون غلط فَيحلف ويقر زرعه وَيُؤَدِّي كِرَاء الْمثل فَاتَ الإبان أم لَا. وَهُوَ على الْخَطَأ حَتَّى يتَبَيَّن الْعمد انْظُر الْبُرْزُليّ وَابْن سَلمُون والمتيطية. وَالخُلْفُ فِيه هَا هُنَا إنْ وَقَعَا مَا الشَّرْعُ مُقْتَضٍ لَهُ أَنْ يُمْنَعَا (وَالْخلف فِيهِ) أَي الزَّرْع لمن يكون (هَهُنَا) فِي بَاب الْمُزَارعَة (إِن وَقعا مَا) أَي شَيْء (الشَّرْع) مُبْتَدأ خَبره (مُقْتَض لَهُ أَن يمنعا) وَالْجُمْلَة صفة لما أوصله والرابط الْمَجْرُور بِاللَّامِ أَي: إِن وَقع. وَفِي الْمُزَارعَة شَيْء يُوجب الْفساد وَالشَّرْع مُقْتَض الْمَنْع لَهُ فَإِن اطلع على ذَلِك قبل الْفَوات بِالْعَمَلِ فسخ، وَإِن فَاتَ بِهِ فَاخْتلف فِي الزَّرْع لمن يكون على أَقْوَال سِتَّة. قيلَ لِذِي البِذْرِ أَو الحِراثَهْ أَوْ مُحْرزٍ لاثْنَيْنِ مِنْ ثَلاَثَهْ (قيل) الزَّرْع كُله (لذِي الْبذر) أَي لمخرجه وَيُؤَدِّي لأَصْحَابه كِرَاء مَا أَخْرجُوهُ فَإِن أَخْرجَاهُ مَعًا فالزرع بَينهمَا على نِسْبَة بذريهما ويترادان فِي كِرَاء غَيره وَهُوَ رِوَايَة ابْن غَازِي (أَو) أَي وَقيل الزَّرْع كُله لصَاحب (الحراثة) أَي الْعَمَل وَهُوَ تَأْوِيل أبي زيد عَن ابْن الْقَاسِم (أَو) أَي وَقيل الزَّرْع كُله ل (مُحرز لاثْنَيْنِ من ثَلَاثَة) وَهِي الأرْضِ وَالبَذْرِ وَالاعْتِمارِ وَفِيهِ أَيْضاً غَيْرُ ذَاكَ جَارِي (الأَرْض وَالْبذْر والاعتمار) أَي الْعَمَل بِالْيَدِ وَالْبَقر أَو الْيَد فَقَط، فَيكون الزَّرْع لمن لَهُ الأَرْض مَعَ الْبذر، أَو الأَرْض مَعَ الْعَمَل، أَو الْبذر مَعَ الْعَمَل فَإِن كَانُوا ثَلَاثَة وَاجْتمعَ لوَاحِد مِنْهُم شَيْئَانِ مِنْهَا دون صَاحِبيهِ كَانَ الزَّرْع لَهُ دونهمَا، وَإِن اجْتمع لكل وَاحِد مِنْهُم شَيْئَانِ مِنْهَا أَو انْفَرد كل وَاحِد مِنْهُم بِشَيْء مِنْهَا كَانَ الزَّرْع بَينهم أَثلَاثًا وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم، وَاخْتَارَهُ ابْن الْمَوَّاز وَهُوَ الْمُعْتَمد، فَكَانَ على النَّاظِم أَن يصدر بِهِ أَو يقْتَصر عَلَيْهِ، وَعَلِيهِ فَإِذا كَانَ على أَحدهمَا ثلثا الْبذر وعَلى الآخر الأَرْض وَثلث الْبذر وَالْبَقر بَينهمَا وَعمل الْيَد على أَحدهمَا فالزرع كُله لعامل الْيَد وَعَلِيهِ للْآخر كِرَاء أرضه وبقره، وَمثل بذره لقَوْله فِي النِّهَايَة. قَالَ ابْن الْمَوَّاز عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 ابْن الْقَاسِم: إِن الزَّرْع كُله فِي فَسَاد الْمُزَارعَة لمن ولي الْعَمَل، فَإِن كَانَ رب الأَرْض هُوَ الْعَامِل فَعَلَيهِ للْآخر مثل بذره، وَإِن كَانَ صَاحب الْبذر هُوَ الْعَامِل فَعَلَيهِ للْآخر كِرَاء أرضه، وَإِن عملا جَمِيعًا غرم هَذَا لهَذَا نصف بذره وَهَذَا لهَذَا نصف كِرَاء أرضه وَعَلِيهِ عول (خَ) إِذْ قَالَ: وَإِن فَسدتْ وتكافآ عملا فبينهما وترادا غَيره وَإِلَّا فللعامل الخ. أَي عَامل الْبَقر وَالْيَد أَو الْيَد فَقَط كَمَا مر، وَظَاهره أَن الزَّرْع لصَاحب الْبذر إِذا انضاف إِلَيْهِ عمل وَلَو أسلف نصفه لصَاحبه، وَالَّذِي فِي الْبُرْزُليّ أَن الزَّرْع يكون بَينهمَا على مَا شرطا، ولمسلف الزريعة أَخذهَا من صَاحبه وَيرجع من لَهُ فضل على الآخر. (وَفِيه) أَي الزَّرْع (أَيْضا غير ذَاك) أَي غير مَا ذكر من الْأَقْوَال الثَّلَاثَة (جَار) فقد قيل: إِنَّه لمن اجْتمع لَهُ ثَلَاثَة أَيْضا على هَذَا التَّرْتِيب وَهِي أَرض وبقر وَعمل يَد، وَقيل هُوَ لمن اجْتمع لَهُ اثْنَان من أَرْبَعَة. الأَرْض وَالْعَمَل وَالْبذْر وَالْبَقر، وَقيل وَهُوَ لِابْنِ حبيب إِن سلمت الْمُزَارعَة من كِرَاء الأَرْض بِمَا يخرج مِنْهَا فالزرع بَينهمَا على مَا شرطا ويترادان فِي الزَّائِد، وَإِن لم تسلم من ذَلِك فالزرع لصَاحب الْبذر. حكى الْأَقْوَال السِّتَّة صَاحب الْمُقدمَات وإليها رمز ابْن غَازِي بقوله: الزَّرْع لِلْعَامِلِ أَو للباذر فِي فَاسد أَو لسوى المخابر أَو من لَهُ حرفان من إِحْدَى الْكَلم عَابَ وعاث ثاعب لمن فهم وَالْمرَاد بالمخابر هُنَا الَّذِي يُعْطي أرضه بِمَا يخرج مِنْهَا والعينات للْعَمَل والألفات الثَّلَاث للْأَرْض والباءان للبذر والثاءان المثلثتان للثيران. وَقَوْلُ مُدَّعٍ لِعَقْدِ الاكْتِرَا لَا الازْدِرَاعِ مَعْ يَمِينٍ أُثِرَا (و) إِذا تنَازعا بعد الْفَوات فَادّعى الْعَامِل الاكتراء للْأَرْض، وَادّعى رب الأَرْض الْمُزَارعَة أَو الْعَكْس فَالْقَوْل (قَول مُدع لعقد الاكترا) كَأَن مدعيه هُوَ رب الأَرْض أَو الْعَامِل وَلَا يصدق الْعَامِل فِي دَفعه كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة (لَا) قَول مُدع (الازدراع) وَمن صدق مِنْهُمَا فَذَلِك (مَعَ يَمِين أثرا) أَي رُوِيَ عَن ابْن الْقَاسِم وَبِه قَالَ ابْن حبيب وَظَاهره كَانَ الْغَالِب الازدراع أَو الْكِرَاء، وَالَّذِي تقدم فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين أَن القَوْل لمُدعِي الْغَالِب، فَإِن لم يكن غَالب فقد تقدم أَن القَوْل لمنكر العقد إِجْمَاعًا فَكل مِنْهُمَا يُنكر عقد صَاحبه وَيَدعِي عقدا آخر، والناظم درج على أَن الْمُزَارعَة تلْزم بِالْعقدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 كالكراء، وَحِينَئِذٍ إِذا لم يكن غَالب وتنازعا قبل الْعَمَل تحَالفا وتفاسخا، فَإِن فَاتَت بِهِ فَالْقَوْل لمُدعِي الْكِرَاء إِن كَانَ هُوَ الْعَامِل لِأَن الآخر يُرِيد أَن يُشَارِكهُ فِي الزَّرْع بِمُجَرَّد الدَّعْوَى فَانْظُر ذَلِك وتأمله وَالله أعلم. وَعَن سَحْنُون إِن اخْتلفَا بعد الطّيب فَقَالَ الْعَامِل: الزَّرْع بَيْننَا وَقد تساوينا فِي الزريعة، وَقَالَ رب الأَرْض: الزَّرْع لي وَإِنَّمَا أَنْت أجِير فَإِن عرفت الزريعة أَنَّهَا من عِنْد أَحدهمَا فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه، وَإِن لم يعلم مخرجها فَالْقَوْل لِلْعَامِلِ لِأَن الْعَادة فِي شركَة النَّاس أَن الْعَامِل يخرج الْبذر أَو نصفه انْظُر الْمُتَيْطِيَّة والبرزلي. وَحَيْثُ زَارِعٌ وَرَبُّ الأرْضِ قَدْ تَدَاعَيَا فِي وَصْفِ حَرْثٍ يُعْتَمَدْ (وَحَيْثُ زراع وَرب الأَرْض قد تداعيا) وتنازعا (فِي وصف حرث) أَي قلب كَمَا لَو قَالَ رب الأَرْض: دَخَلنَا على أَن تحرثها أَي تقلبها مرَّتَيْنِ ثمَّ بعد ذَلِك تبذرها. وَقَالَ الْعَامِل: بل مرّة وَاحِدَة (يعْتَمد) يقتصد صفة للحرث وَهُوَ تتميم. فَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ وَاليَمِينُ وقلْبُهَا إنْ شَاءَ مُسْتَبِينُ (فَالْقَوْل لِلْعَامِلِ وَالْيَمِين) عَلَيْهِ (وقلبها) أَي الْيَمين (إِن شَاءَ) أَي أَن يقلبها على رب الأَرْض (مستبين) وَاضح بيِّن. قَالَ فِي النَّوَادِر: وَإِن تزارعا على أَن الأَرْض وَالْبذْر من عِنْد أَحدهمَا وَمن الآخر الْبَقر والحرث فَطلب أَن يحرثها أَي يقلبها مرّة، وَقَالَ الآخر: بل مرَّتَيْنِ، فليحملا على سنة الْبَلَد فَإِن لم تكن لَهُم سنة وَكَانُوا يَفْعَلُونَ هَذَا وَهَذَا إِلَّا أَن الزَّرْع فِي حرثتين أكمل، فَفِي قِيَاس قَول سَحْنُون أَن لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا حرثة وَاحِدَة إِلَّا أَن يشْتَرط حرثتين فَيجوز وَتلْزَمهُ، وَلَو عقدا على أَنه إِن حرث حرثة فَلهُ الرّبع، وَإِن حرث حرثتين فَلهُ النّصْف لم يجز وَالزَّرْع لرب الْبذر وَعَلِيهِ للْآخر أجر عمله وبقره اه. وَهَذَا كُله يبين لَك أَن كَلَام النَّاظِم هُنَا مَبْنِيّ على أَن الْمُزَارعَة تلْزم بِالْعقدِ، وَأما على مُقَابِله من أَنَّهَا إِنَّمَا تلْزم بالبذر فَلِكُل فَسخهَا قبله وللعامل أجر قلبه إِن كَانَ قَلبهَا وَالله أعلم. وَفِي الْمُتَيْطِيَّة: وَإِن اخْتلف بعد الْقلب وَقبل الزِّرَاعَة فَقَالَ الْعَامِل: دَخَلنَا على أَن الْقلب عَليّ وحدي وَأَن الْعَمَل فِي الزِّرَاعَة بَيْننَا. وَقَالَ رب الأَرْض: بل الْعَمَل كُله عَلَيْك واتفقنا على التَّسَاوِي فِي الْبذر فَالْقَوْل قَول من يَدعِي مِنْهُمَا الِاعْتِدَال والتساوي فِي الزِّرَاعَة، ثمَّ قَالَ: وَإِن اخْتلفَا بعد انْقِضَاء الزِّرَاعَة فَقَالَ الْعَامِل: إِن جَمِيع مَا زرعت من عِنْدِي وَأَن نصفهَا سلف مني لرب الأَرْض وَكذبه رب الأَرْض وَقَالَ: بل دفعت نَصِيبي فَالْقَوْل قَول الْعَامِل بِيَمِينِهِ، فَإِذا حلف واستوجب سلفه كَانَ الزَّرْع بَينهمَا ويتراجعان الْفضل لِأَن الشّركَة بَينهمَا فَاسِدَة مَا لم يدع الْعَامِل أَن السّلف تطوع بِهِ بعد العقد، وإلاَّ فَهِيَ صَحِيحَة وَلَا يتراجعان اه بِاخْتِصَار. وَهَذَا على أَنَّهَا تلْزم بِالْعقدِ وإلاَّ فالسلف يُفْسِدهَا وَلَو فِي أَثْنَائِهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 (فصل فِي الشّركَة وأقسامها وأحكامها) وَهِي بِكَسْر الشين وَفتحهَا مَعَ سُكُون الرَّاء فيهمَا وبفتح الشين وَكسر الرَّاء وَالْأول أفصحها، وَعرفهَا ابْن عَرَفَة بتعريفين أَحدهمَا عَام وَالْآخر خَاص فَقَالَ: الأعمية تقرر مُتَمَوّل بَين مالكين فَأكْثر ملكا فَقَط، والأخصية بيع مَالك بعض مَاله بِبَعْض كل الآخر مُوجب صِحَة تصرفهما فِي الْجَمِيع فَيدْخل فِي الأول شركَة الْإِرْث وَالْغنيمَة لَا شركَة التَّجر، وهما فِي الثَّانِيَة على الْعَكْس وَشركَة الْأَبدَان والحرث بِاعْتِبَار الْعَمَل فِي الثَّانِيَة وَفِي عوضه فِي الأولى اه. فَأخْرج بقوله: مُتَمَوّل مَا لَيْسَ كَذَلِك كثبوت النّسَب بَين كإخوة، وَقَوله: (ملكا) أخرج بِهِ ملك الِانْتِفَاع كَمَا إِذا كَانَا ينتفعان بِحَبْس الْمدَارِس فَإِنَّهُ يصدق عَلَيْهِ تقرر مُتَمَوّل الخ. لكنه لَيْسَ بِملك على أَنه لَا يدْخل ملك الِانْتِفَاع حَتَّى يحْتَاج إِلَى إِخْرَاجه لِأَن ذكر المالكين يُخرجهُ، وَاحْترز بقوله: فَقَط من الشّركَة الأخصية فَإِن فِيهَا زِيَادَة التَّصَرُّف، وَهَذِه لَا تصرف فِيهَا، وَقَوله: بعض مَاله الخ. أخرج بِهِ مَاذَا بَاعَ الْكل بِالْكُلِّ أَو الْبَعْض بِالْكُلِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بشركة وَقَوله: صِحَة مفعول باسم الْفَاعِل قبله، وَهَذَا الْقَيْد خَاص بشركة التَّجر، وَاحْترز بِهِ من شركَة غير التَّجر كَمَا إِذا خلطا طَعَاما للْأَكْل فِي الرّفْقَة فَإِن ذَلِك لَا يُوجب التَّصَرُّف الْمُطلق للْجَمِيع، وَضمير تصرفهما عَائِد على المالكين، وَذَلِكَ يدل على أَن كل وَاحِد وَكيل لصَاحبه فِي تصرفه فِي ملكه، فشركة الْإِرْث وَالْغنيمَة يدخلَانِ فِي الأول دون الثَّانِي، وَشركَة التَّجر تدخل فِي الثَّانِي دون الأول وهما معنى قَوْله على الْعَكْس، وَقَوله: وَشركَة الْأَبدَان لِأَن شركَة الْأَبدَان وَمَا شابهها يصدق عَلَيْهَا بيع مَالك كل الخ. لِأَن كل وَاحِد بَاعَ بعض مَنَافِعه بِبَعْض مَنَافِع الآخر مَعَ كَمَال التَّصَرُّف، وَأما عوض ذَلِك فَيدْخل تَحت أعمها وَلَيْسَ فِيهِ تصرف. تَنْبِيه: قَالَ الرصاع: وَفِي استثنائه شركَة التَّجر نظر لِأَن فَائِدَة الْأَعَمّ أَن يكون صَادِقا على الْأَخَص فَهِيَ دَاخِلَة فِيهِ وَإِن لَا لم يكن فِيهِ عُمُوم اه. وَعَلِيهِ فَلَو خذف قَوْله ملكا فَقَط كَانَ أولى وَالشَّرِكَة تلْزم بِالْعقدِ على الْمَشْهُور، فالتبرع وَالْهِبَة وَالسَّلَف من أَحدهمَا للْآخر بعد العقد جَائِز، وَكَذَا فِي العقد إِن قصد الرِّفْق بِصَاحِبِهِ فَفِي الْمُتَيْطِيَّة، وَإِن تشاركا على أَن أخرج أَحدهمَا مَالا وأسلف الآخر نصفه ليعملا بِهِ، أَو أخرج أَحدهمَا مَالا وَالْآخر أقل مِنْهُ فأسلفه الأول حَتَّى اسْتَويَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 ليعملا بِهِ وَيكون الرِّبْح والوضيعة بَينهمَا بِحَسب ذَلِك، فَإِن كَانَ أسلفه رفقا بِهِ وطلباً للثَّواب من عِنْد الله تَعَالَى أَو صلَة لقرابة مِنْهُ لَا لحَاجَة إِلَيْهِ وَلَا لقُوَّة تبصر بالتجر ونفاذه فِيهِ أَكثر مِنْهُ وَلَا لشرط كَانَ بَينهمَا، فَفِي ذَلِك عَن مَالك رِوَايَتَانِ الْجَوَاز، وَبِه قَالَ ابْن الْقَاسِم وَالْأُخْرَى الْكَرَاهَة وَإِن كَانَ على غير ذَلِك لم يجز لِأَنَّهُ سلف جر نفعا اه. وَلما نقل (ق) الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ: فمقتضاه أَن مَالِكًا مرّة قَصده وَمرَّة اتهمه، وَأما فِيمَا بَينه وَبَين الله فَذَلِك جَائِز إِذا قصد الرِّفْق بِهِ اه. وعَلى الْجَوَاز إِذا قصد الرِّفْق بِهِ اقْتصر (ز) عِنْد قَول (خَ) : وَله التَّبَرُّع وَالسَّلَف وَالْهِبَة بعد العقد عَلَيْهِ، فَقَوْل الْمُتَيْطِيَّة وَلَا لشرط كَانَ بَينهمَا الخ. لَو حذفه كَانَ أولى لِأَن مَوْضُوع كَلَامه ذَلِك كَانَ على الشَّرْط. وَذكر النَّاظِم للشَّرِكَة أَرْبَعَة أَقسَام فَقَالَ: شَرِكَةٌ فِي مالٍ أَوْ فِي عَمَلِ أَوْ فيهمَا تَجُوزُ لَا لأَجَلِ (شركَة فِي مَال) وتحتها ثَلَاثَة أَقسَام شركَة مُضَارَبَة وَهِي الْقَرَاض مَأْخُوذَة من الضَّرْب فِي الأَرْض، وَسَتَأْتِي فِي الْفَصْل بعد هَذَا، وَشركَة مُفَاوَضَة وَهِي أَن يُطلق كل مِنْهُمَا التَّصَرُّف لصَاحبه فِي المَال الَّذِي أَخْرجَاهُ غيبَة وحضوراً وبيعاً وَشِرَاء وضماناً وتوكيلاً وكفالة وقراضاً، فَمَا فعل أَحدهمَا من ذَلِك لزم صَاحبه إِذا كَانَ عَائِدًا على شركتهما، وَلَا يكونَانِ شَرِيكَيْنِ إِلَّا فِيمَا يعقدان عَلَيْهِ الشّركَة من أموالهما دون مَا ينْفَرد بِهِ كل وَاحِد مِنْهُمَا من مَاله وَسَوَاء اشْتَركَا فِي كل مَا يملكانه أَو فِي بعض أموالهما وَتَكون يَد كل مِنْهُمَا كيد صَاحبه وتصرفه كتصرفه مَا لم يتَبَرَّع بِشَيْء قَالَه فِي الْجَوَاهِر. وَسَوَاء تفاوضا فِي جَمِيع أَنْوَاع المتاجر أَو فِي نوع وَاحِد مِنْهَا كرقيق يتفاوضان فِي التِّجَارَة فِيهِ فَقَط، وَسَوَاء أَيْضا عين كل مِنْهُمَا لصَاحبه نوعا أَو شَيْئا يعْمل فِيهِ أم لَا، وَلكُل مِنْهُمَا أَن يَبِيع بِالدّينِ وَيَشْتَرِي فِيهِ وَيلْزم ذَلِك صَاحبه (خَ) : ثمَّ إِن طلقا التَّصَرُّف وَإِن بِنَوْع فمفاوضة وَلَا يُفْسِدهَا انْفِرَاد أَحدهمَا بِشَيْء من المَال غير مَال الشّركَة يعْمل فِيهِ لنَفسِهِ، وَلكُل مِنْهُمَا أَن يتَبَرَّع إِن استلف أَو خف ويبضع ويقارض وَيقبل وَيُؤَدِّي ويولي وَيقبل الْمَعِيب وَإِن أَبى الآخر، ويقر بدين لمن لَا يتهم عَلَيْهِ وَبيعه بدين لَا الشِّرَاء بِهِ الخ. لَكِن مَا ذكره من عدم الشِّرَاء بِالدّينِ خلاف الْمَذْهَب كَمَا مر، أما إِن لم يُطلق كل مِنْهُمَا التَّصَرُّف للْآخر بل شرطا أَن لَا يتَصَرَّف وَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا بِحَضْرَة صَاحبه وموافقته فَهِيَ شركَة الْعَنَان لِأَن كل مِنْهُمَا أَخذ بعنان صَاحبه أَي بناصيته وَهِي جَائِزَة (خَ) : وَإِن شرطا نفي الاستبداد فعنان الخ. وَعَلِيهِ فَلَا يمْضِي فعل أَحدهمَا فِي شَيْء مِمَّا مر أَو غَيره إلاَّ بموافقة صَاحبه، وَهَذَا هُوَ الْقسم الثَّالِث من أَقسَام شركَة المَال. قَالَ فِي النِّهَايَة: وَلَا يكون الرجل شَرِيكا للرجل إِلَّا إِذا شَاركهُ فِي رِقَاب الْأَمْوَال على الإشاعة، وَأما إِن لم يُشَارِكهُ فِي رِقَاب الْأَمْوَال فَلَيْسَ بِشريك وَإِنَّمَا هُوَ خليط اه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 تَنْبِيه: إِذا أَقَامَ أَحدهمَا بَيِّنَة أَنه شَرِيكه فِيمَا بأيديهما وَلم تزد، فَإِن لم يكن هُنَاكَ عرف يصرفهما للمفاوضة أَو الْعَنَان فَالْحق أَنه لَا يتَصَرَّف وَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا بعد مُرَاجعَة صَاحبه واتفاقهما على تَخْصِيص أَو تَعْمِيم لِأَن الشّركَة تَوْكِيل، وَإِذا قَالَ: وَكلتك فَقَط فَالْمَشْهُور عدم اعْتِبَارهَا حَتَّى يخصص أَو يعمم، وَانْظُر عدم صِحَة هَذِه الشَّهَادَة عِنْد قَول النَّاظِم: وغالب الظَّن بِهِ الشَّهَادَة الخ. وَحَاصِله أَن الْمسَائِل ثَلَاث: تَارَة تشهد الْبَيِّنَة بِأَنَّهُمَا متفاوضان وَقد تقدم الْكَلَام فِي الْمحل الْمَذْكُور على صِحَة هَذِه الشَّهَادَة وَعدم صِحَّتهَا. وعَلى صِحَّتهَا فالشركة عَامَّة فِي جَمِيع مَا بأيديهما إِلَّا مَا قَامَت بَيِّنَة بِمُوجب الِاخْتِصَاص بِهِ، وَتارَة تشهد بِأَنَّهُمَا شريكان فِيمَا بأيديهما فَهِيَ كالأولى، وَتارَة تشهد بِأَنَّهُمَا شريكان وَلم تزد، وَهَذِه على تَقْدِير صِحَّتهَا وَبَيَان مُسْتَند علمهَا فِيهَا لَا تعم جَمِيع مَا بأيديهما لِأَن ذَلِك يَقع على بعض المَال وعَلى جَمِيعه قَالَه اللَّخْمِيّ. وَحِينَئِذٍ فَإِذا أنكر أَحدهمَا هَذِه الشَّهَادَة الثَّالِثَة جرى على مَا تقدم فِي قَوْله: وَمن لطَالب بِحَق شَهدا الخ. وَانْظُر شرحنا للشامل عِنْد قَوْله: وَلَو شهِدت بَيِّنَة بمفاوضة شَمل مَا بأيديهما الخ. تَتِمَّة: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: إِن تَسَاويا فِي المَال وَالْعَمَل على أَن يكون لأَحَدهمَا فضل من الرِّبْح لم يجز، وَكَذَلِكَ إِن تَسَاويا فِيهِ أَو تفاضلا على أَن يكون الْعَمَل على أَحدهمَا فَلَا يجوز ويقسمان الرِّبْح والوضيعة على قدر أموالهما وَيرجع الْعَامِل على الآخر بِأَجْر عمله فِي حَظه وَإِن تفاضلا فِي المَال ليَكُون الْعَمَل بَينهمَا على السوَاء لم يجز ويقتسمان المَال على مَا ذكرنَا، وللقليل المَال الرُّجُوع على الآخر بِفضل عمله وَلَا يضم للْآخر نصف مَا فَضله بِهِ وَلَيْسَ بمسلف لِأَن ربحه لرَبه، وَإِن خسر المَال كُله وركبهما دين فَذَلِك عَلَيْهِمَا أَيْضا بِقدر أموالهما إِلَّا على مَا شرطاه من الشَّرْط الْفَاسِد، وَإِن تَسَاويا فِي المَال وَجعل أَحدهمَا دَابَّة ليعْمَل الآخر عَلَيْهَا فِي جَمِيع المَال أَو ليعملا مَعًا فَلَا يجوز اه. وَهَذَا كُله من دخولهما على التَّفَاوُت فِي الشّركَة وَهُوَ لَا يجوز فِي مَال وَلَا فِي عمل، وَسَتَأْتِي علته فِي الْبَيْت بعده. وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وحيثما يَشْتَرِكَانِ فِي الْعَمَل الخ. (أَو) شركَة (فِي عمل) وَهِي شركَة الْأَبدَان وَسَيَأْتِي شَرط جَوَازهَا فِي قَول النَّاظِم: وحيثما يَشْتَرِكَانِ فِي الْعَمَل الخ. (أَو) شركَة (فيهمَا) أَي فِي المَال وَالْعَمَل مَعًا كَأَن يخرجَا مَالا ويشتريا بِهِ ثيابًا أَو جُلُودًا ويفصلانها ويخيطانها نعالاً أَو غفائر وَنَحْوهمَا ويبيعانها مخيطة ويشتريان بذلك الثّمن غَيرهَا وَهَكَذَا وَذَلِكَ كثير، وَلَا بُد حِينَئِذٍ من شُرُوط شركَة الْأَبدَان الْآتِيَة لِأَن هَذَا الْقسم مركب من شركَة الْأَبدَان وَشركَة المَال. وَقَوله: (تجوز) خبر عَن قَوْله شركَة وسوغه تعلق الْجَار بِهِ وَقَوله: (لَا لأجل) عطف على مُقَدّر أَي تجوز لغير أجل لَا لأجل، وَظَاهره أَنَّهَا إِن وَقعت لأجل فَهِيَ فَاسِدَة أَو يُقَال هِيَ صَحِيحَة، وَلَكِن لَا يلْزمه الْبَقَاء مَعَه إِلَى ذَلِك الْأَجَل وَهُوَ الظَّاهِر قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَالشَّرِكَة لَا تكون إِلَى أجل وَلكُل مِنْهُمَا أَن ينْحل عَن صَاحبه ويقاسمه فِيمَا بَين أَيْدِيهِمَا من ناض وعروض مَتى شَاءَ اه. وَنَحْوه قَول الْعَوْفِيّ: وَإِذا تفاصلا اقْتَسمَا مَا صَار بَينهمَا كَمَا لَو أخرج أَحدهمَا عينا وَالْآخر عرضا، فَإِذا تفاصلا كَانَ لكل وَاحِد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 مِنْهُمَا نصف الْعين وَنصف الْعرض اه. وَذَلِكَ كُله يدل على أَن المفاصلة فِي الشّركَة لَا تحْتَاج إِلَى نضوض المَال خلاف قَول الأَجْهُورِيّ: لَو أَرَادَ أَحدهمَا المفاصلة وَامْتنع الآخر عمل بامتناعه حصل خلط أم لَا للزومها بِالْعقدِ، فَإِذا أَرَادَ نضوضه بعد الْعَمَل فَيَنْبَغِي أَن ينظر الْحَاكِم كالقراض اه. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال كَمَا هُوَ الظَّاهِر مَا للعوفي والمتيطي إِنَّمَا هُوَ مَعَ تراضيهما على المفاصلة، أَو مَبْنِيّ على أَنَّهَا لَا تلْزم بِالْعقدِ كَمَا هُوَ نَص الْمُقدمَات، وَمَا للأجهوري فِيمَا إِذا تنَازعا وَفِيمَا إِذا قُلْنَا تلْزم بِالْعقدِ وَالله أعلم. فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقسَام وَالْقسم الأول الَّذِي هُوَ شركَة المَال تَحْتَهُ ثَلَاثَة أَنْوَاع كَمَا مرّ وَأَشَارَ للقسم الرَّابِع بقوله: وَفُسِخَتْ إنْ وَقَعَتْ عَلى الذِّمَمْ وَيَقْسِمَانِ الرِّبحَ حُكْمٌ مُلْتَزَمْ (وفسخها) أَي الشّركَة (إِن وَقعت على الذمم) جمع ذمَّة وَتقدم عِنْد قَول النَّاظِم: وَالشَّرْح للذمة وصف قاما الخ. وَشركَة الذمم أَن يتعاقدا على أَن يشتريا بِلَا مَال أَو بِمَال قَلِيل ويتفقا على أَن مَا اشْتَرَاهُ كل مِنْهُمَا بِالدّينِ فربحه بَينهمَا وَالضَّمان عَلَيْهِمَا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: هِيَ بَاطِلَة لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يَقُول لصَاحبه تحمل عني نصف مَا اشْتريت وأتحمل عَنْك نصف مَا اشْتريت، فَهُوَ ضَمَان بِجعْل إِلَّا أَن يجتمعا فِي شِرَاء سلْعَة مُعينَة حَاضِرَة أَو غَائِبَة فتبايعاها بدين، فَيجوز ذَلِك إِذا كَانَا حاضرين لِأَن الْعقْدَة وَقعت عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَإِن ضمن أَحدهمَا فَقَط عَن صَاحبه فَذَلِك جَائِز اه. وَقَوله: إِلَّا أَن يجتمعا الخ. هُوَ قَول (خَ) فِي الضَّمَان إِلَّا فِي اشْتِرَاء شَيْء بَينهمَا أَو بَيْعه كقرضهما على الْأَصَح (و) إِذا فسخت فَمَا كَانَ اشترياه مَعًا أَو أَحدهمَا (يقسمان الرِّبْح) الْحَاصِل فِيهِ والخسارة عَلَيْهِمَا. وَقَوله: (حكم مُلْتَزم) خبر عَن قَوْله: وفسخها. تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ اللَّخْمِيّ: فَإِن كَانَ البَائِع عَالما بِهَذِهِ الشّركَة وَلم يعلم مَا عقداه كَانَ لَهُ أَن يَأْخُذ الْحَاضِر مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الثّمن، وَإِن لم يكن هُوَ الْمُتَوَلِي للشراء وَإِن كَانَ عَالما بفسادها لم يكن لَهُ ذَلِك وَأخذ هَذَا بِنصْف الثّمن وَلم يُطَالِبهُ بِمَا على صَاحبه، وَإِن لم يكن عَالما بِالشّركَةِ. وَإِن كَانَ الْحَاضِر الْمُوسر هُوَ الْمُتَوَلِي كَانَ للْبَائِع أَن يَأْخُذهُ بِجَمِيعِ الثّمن لِأَنَّهُ دخل على أَن الْمُبَايعَة مِنْهُ وَلم يدْخل مَعَه على أَنه وَكيل لغيره فِي النّصْف الآخر، وَإِن كَانَ الْحَاضِر الْمُوسر هُوَ الَّذِي لم يتول الشِّرَاء أَخذه بِنصْف الثّمن لَا أَكثر لِأَن البَائِع لما لم يعلم بِالشّركَةِ لم يدْخل على حمالَة هَذَا وَكَانَ لَهُ أَن يَأْخُذهُ بِنصْف الثّمن لِأَنَّهُ ملك نصف سلْعَته. الثَّانِي: إِذا قَالَ رجل لآخر: اجْلِسْ فِي هَذَا الْحَانُوت تبيع فِيهِ وَأَنا أَشْتَرِي الْمَتَاع بوجهي وَالضَّمان عَليّ وَعَلَيْك فَإِنَّهُ لَا يجوز، فَإِن وَقع فَالرِّبْح لَهما على مَا تعاملا عَلَيْهِ وَيَأْخُذ أَحدهمَا من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 صَاحبه أُجْرَة مَا يفضله بِهِ فِي الْعَمَل وَالضَّمان عَلَيْهِمَا لِأَن الرِّبْح تَابع للضَّمَان، فَإِن اشْترط الضَّمَان على الْجَالِس وَحده فَالرِّبْح لَهُ وَعَلِيهِ كِرَاء الْحَانُوت، وَإِن اشْترط الضَّمَان على ذِي الْحَانُوت فَالرِّبْح لَهُ وَعَلِيهِ كِرَاء الْجَالِس قَالَه ابْن رشد. وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يجوز فِيهَا الدُّخُول على التَّفَاوُت (خَ) : وتفسد بِشَرْط التَّفَاوُت وَإِن وَقع فَلِكُل أجر عمله للْآخر وَعلة فَسَادهَا بِهِ الْخطر والقمار بِوُجُود الرِّبْح فيغبن صَاحب الْكثير وبعدمه فيغبن صَاحب الْقَلِيل لذهاب عمله بَاطِلا كَذَا لِابْنِ شَاس. وَعلله ابْن رشد بِأَن صَاحب الْكثير إِنَّمَا سمح بفضله رَجَاء الْبَقَاء مَعَه على الشّركَة، وَذَلِكَ لَا يلْزم صَاحبه فَكَانَ غرراً اه. قلت: وَفِي كلتا العلتين شَيْء لِأَنَّهُمَا دخلا على تَجْوِيز وجود الرِّبْح وَعدم وجوده وعَلى أَن صَاحبه يبْقى مَعَه أَو لَا يبْقى فَصَاحب الْفضل وَغَيره مجوز لذَلِك كُله، وَحِينَئِذٍ فَصَاحب الْفضل إِن قصد الرِّفْق بِصَاحِبِهِ كَمَا هِيَ عَادَة النَّاس جَازَ لَهُ ذَلِك كَمَا مر فِي السّلف، وَلَا سِيمَا على مَا عَلَيْهِ النَّاس من عدم تَقْوِيم الْأَعْمَال الَّتِي يعملها كل مِنْهُمَا. وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده. الثَّالِث: بَقِي على النَّاظِم من أَقسَام الشّركَة شركَة الْوُجُوه وَشركَة الْجَبْر فَالْأولى هِيَ كَمَا قَالَ (خَ) : أَن يَبِيع وجيه من التُّجَّار يرغب النَّاس فِي الشِّرَاء مِنْهُ لاعتقادهم أَنه لَا يتجر إِلَّا فِي الْجيد من السّلع مَال خامل بِجُزْء من ربحه وَهِي بَاطِلَة لِأَنَّهَا إِجَارَة بِمَجْهُول وتسميتها شركَة مجَاز، فَإِن وَقعت فللوجيه جعل مثله، وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ مُخَيّر على مُقْتَضى الْغِشّ إِن كَانَت السّلْعَة قَائِمَة وَإِن فَاتَت فَفِيهَا الْأَقَل من الثّمن وَالْقيمَة قَالَه (ز) . قلت: وَلَوْلَا مَا فِي هَذِه الْإِجَارَة من الْغِشّ والتدليس لأمكن أَن يُقَال بجوازها ابْتِدَاء على مَا مرّ عَن ابْن سراج وَغَيره فِي بَاب الْإِجَارَة، وَأما إِذا قَالَ شخص لآخر دلّ على من يَشْتَرِي مني سلْعَة كَذَا وَلَك كَذَا فَإِنَّهُ جَائِز لَازم، قَالَه فِي الْعُتْبِيَّة مَا لم يكن على وَجه التحيل بَين الدَّال وَبَين بَائِعهَا فَيَأْتِي الدَّال بالمشتري ويوهم أَنه حَرِيص على شِرَائهَا وَيظْهر المكايسة وَهُوَ فِي الْبَاطِن على خلاف ذَلِك لتقدم الِاتِّفَاق مِنْهُ مَعَ بَائِعهَا على ذَلِك، فَإِذا انْصَرف المُشْتَرِي بالسلعة رَجَعَ الدَّال إِلَى البَائِع وَأخذ مِنْهُ الْجعل فَإِن ذَلِك لَا يجوز بِإِجْمَاع بِلَا شكّ لِأَنَّهُ مكر وخديعة، وَهَذَا كثير وُقُوعه فِي هَذَا الزَّمَان. وَأما الثَّانِيَة وَهِي شركَة الْجَبْر فَهِيَ جَائِزَة بشروطها الْمشَار لَهَا بقول (خَ) : وأجبر عَلَيْهَا أَن اشْترى شَيْئا بسوقه إِلَّا لكسفر أَو قنية وَغَيره حَاضر لم يتَكَلَّم من تجاره الخ. وَلَعَلَّ النَّاظِم إِنَّمَا تَركهمَا لِأَن شركَة الْوُجُوه من قبيل الْإِجَارَة وَشركَة الْجَبْر لَا عقد فِيهَا فتسميتها شركَة إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار الْمَآل وَالله أعلم. وَإن يَكُنْ فِي العَيْنِ ذَاكَ اعْتُمِدَا تَجُزْ إنِ الْجِنْسُ هُنَاكَ اتَّخَذَا (وَإِن يكن فِي الْعين ذَاك) الِاشْتِرَاك فَهُوَ اسْم يكن، وَفِي الْعين مُتَعَلق بقوله (اعتمدا) وَالْجُمْلَة خَبَرهَا وَفِي بِمَعْنى الْبَاء (تجز) بِالْجَزْمِ جَوَاب الشَّرْط وحذفت واوه لالتقاء الساكنين وفاعله ضمير الشّركَة (إِن الْجِنْس) من الذَّهَب أَو الْفضة (هُنَاكَ اتحدا) بِأَن كَانَت بِفِضَّة من الْجَانِبَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 أَو ذهب من الْجَانِبَيْنِ متفقين صرفا ووزناً وجودة ورداءة كَمَا لِابْنِ عَرَفَة، وَسَوَاء اتّحدت سكتهما أم لَا كهاشمية ودمشقية ومحمدية ويزيدية مَعَ اتِّفَاقهمَا فِيمَا ذكر، فَإِن اخْتلفَا فِي وَاحِد من الصّرْف وَمَا مَعَه لم يجز لدخولهما على التَّفَاوُت إِلَّا أَن يكون يَسِيرا على الْمَشْهُور، وَظَاهر النّظم هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي أَنه لَا يشْتَرط السَّلامَة من التَّفَاوُت فِي الشّركَة حَيْثُ سلما من رَبًّا الْفضل وَالنِّسَاء فِي الطَّعَام وَالْعين، وَهُوَ الْمُوَافق لما تقدم فِي الْمُزَارعَة من أَنه لَا يشْتَرط السَّلامَة من التَّفَاوُت على الْمَعْمُول بِهِ، وَيُؤَيِّدهُ مَا مر قَرِيبا من أَنه إِذا قصد الرِّفْق بالسلف فِي العقد جَازَ فالهبة والتفاوت فِي الْعَمَل كَذَلِك، وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون الشّركَة بيع من الْبيُوع كَمَا تقدم فِي حد ابْن عَرَفَة: وَهُوَ يجوز فِيهِ الْغبن، وَهبة بعض الثّمن أَو بعض الْمُثمن، وَمَفْهُوم الشَّرْط فِي النّظم أَنه إِذا كَانَ الذَّهَب من جَانب وَالْفِضَّة من الآخر أَو ذهب وَفِضة من كل جَانب لم تجز، وَهُوَ كَذَلِك فِي الأول لِأَنَّهَا شركَة وَصرف وهما لَا يَجْتَمِعَانِ كَمَا مر صدر الْبيُوع، وَأَجَازَ ذَلِك أَشهب وَسَحْنُون وَقَالَ: إِنَّمَا يمْنَع الصّرْف مَعهَا إِذا كَانَ خَارِجا عَن ذَاتهَا لَا إِن كَانَ دَاخِلا فِي ذَاتهَا كَمَا هُنَا فَيجوز ابْن الْمَوَّاز وَهُوَ غلط. وَمَا علمت من أجَازه لِأَنَّهُ صرف لَا يبين بِهِ صَاحبه لبَقَاء يَد كل مِنْهُمَا فَإِن وَقع وَعَملا فَلِكُل رَأس مَاله ويقتسمان الرِّبْح لكل عشرَة من الدَّنَانِير دِينَار، وَلكُل عشرَة دَرَاهِم دِرْهَم والخسر كَذَلِك قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة، وَأما الثَّانِي وَهُوَ ذهب وَفِضة من كل جَانب فَلَا خلاف فِي الْجَوَاز قَالَه ابْن عبد السَّلَام وَغَيره. وَالْمرَاد أَن كلا مِنْهُمَا أخرج من الذَّهَب بِقدر ذهب الآخر وَمن الْفضة كَذَلِك، وإلاَّ لم يجز لوُجُود الصّرْف الْمَذْكُور (خَ) : كاشتركنا بذهبين أَو ورقين اتّفق صرفهما أَو بهما مِنْهُمَا الخ. فَفِي مَفْهُوم الشَّرْط تَفْصِيل كَمَا ترى. وَبالطَّعَامِ جَازَ حَيْثُ اتَّفَقَا وهوَ لمالِكٍ بِذَاكَ مُتَّقَى (وبالطعام) مُتَعَلق بقوله (جَازَ) أَي وَجَاز الِاشْتِرَاك بِالطَّعَامِ من كل جَانب (حَيْثُ اتفقَا) أَي الطعامان جِنْسا وَصفَة وَكيلا وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم قِيَاسا مِنْهُ على جَوَازهَا بِالدَّنَانِيرِ من الْجَانِبَيْنِ بِجَامِع حُصُول المناجزة حكما لَا حسا، فَكَمَا اغتفر هَذَا فِي الدَّنَانِير من الْجَانِبَيْنِ أَو الدَّرَاهِم كَذَلِك يغْتَفر فِي الطعامين كَذَلِك، ومنعها مَالك بِالطَّعَامِ مُطلقًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: (وَهُوَ) أَي الِاشْتِرَاك (لمَالِك بِذَاكَ) الطَّعَام مُتَّفقا جِنْسا وَكيلا أَو مُخْتَلفا (متقى) خبر عَن الضَّمِير، والمجروران يتعلقان بِهِ وَاللَّام بِمَعْنى (عِنْد) كَقَوْلِه تَعَالَى: أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} (الْإِسْرَاء: 78) وَعلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 الْمَنْع عِنْده أَنه يدخلهَا بيع الطَّعَام قبل قَبضه لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا بَاعَ نصف طَعَامه بِنصْف طَعَام صَاحبه وَلم يَجْعَل قبض لبَقَاء يَد كل وَاحِد على مَا بَاعَ، فَإِذا باعا لأَجْنَبِيّ يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا بَائِعا للطعام قبل قَبضه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ توالى عَلَيْهِ عقدتا بيع لم يتخللهما قبض قَالَه عبد الْحق. ابْن يُونُس: وَهُوَ الْأَصَح، وَعَلِيهِ درج (ح) إِذْ قَالَ: لَا بِذَهَب من جَانب وورق من الآخر وبطعامين وَلَو اتفقَا، وَظَاهر النّظم أَن الأول هُوَ الْمُعْتَمد عِنْده لتصديره بِهِ ويرشحه جَوَازهَا حَتَّى عِنْد مَالك بِطَعَام من جَانب وَعرض أَو عين من الآخر مَعَ أَن عِلّة بيع الطَّعَام قبل قَبضه مَوْجُودَة فِيهِ قَالَه أَبُو الْحسن. وَمَفْهُوم قَوْله: حَيْثُ اتفقَا أَنه إِذا اخْتلف الطعامان جِنْسا أَو صفة لم تجز اتِّفَاقًا من مَالك وَابْن الْقَاسِم وَهُوَ كَذَلِك، وأجازها سَحْنُون حَيْثُ اتفقَا قيمَة وَكيلا جَريا مِنْهُ على مذْهبه من جَوَازهَا بِالدَّنَانِيرِ من جَانب وَالدَّرَاهِم من الآخر. تَنْبِيهَانِ. الأول: الشّركَة فِي الأجباح مَمْنُوعَة اتِّفَاقًا لما فِيهَا من الْعَسَل فيدخلها التَّفَاضُل قَالَه الغرناطي، وَكَذَا قسمتهَا لَا تجوز إِن كَانَ فِيهَا عسل وإلاَّ فَتجوز، وَكَانَ ابْن عَرَفَة يَقُول: إِن الْعَسَل الَّذِي يَكْفِي النَّحْل لَا عِبْرَة بِهِ مُطلقًا. الثَّانِي: إِذا فَسدتْ الشّركَة بالطعامين فرأس مَال كل مِنْهُمَا مَا بيع بِهِ طَعَامه إِذْ هُوَ فِي ضَمَانه حَتَّى يُبَاع، وَلَو خلطاه قبل البيع جعلت رَأس المَال قيمَة طَعَام كل وَاحِد يَوْم خلطاه وبقدر ذَلِك يكون الرِّبْح والوضيعة قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة. وَجَازَ بالعَرْضِ إذَا مَا قُوِّما مِنْ جِهَةٍ أَوْ جِهَتَيْنِ فاعْلَمَا (وَجَاز) الِاشْتِرَاك (بِالْعرضِ إِذا مَا) زَائِدَة (قوما) حَال كَونه (من جِهَة) فَقَط ويقابله من الْأُخْرَى عين أَو طَعَام وبقدر قيمَة الْعرض وَالطَّعَام يكون الْعَمَل وَالرِّبْح والخسر (أَو) بِالْعرضِ من (جِهَتَيْنِ فاعلما) وَرَأس مَال كل مَا قوم بِهِ عرضه أَو طَعَامه يَوْم أحضر الِاشْتِرَاك بِهِ إِن صحت شركتهما، وَإِلَّا فَلَا تعْتَبر يَوْم الْإِحْضَار بل يَوْم البيع إِذْ كل لَا زَالَ على ملك ربه وَفِي ضَمَانه إِلَى يَوْم البيع فَإِذا قوم فِي الصَّحِيحَة أَو بيع فِي الْفَاسِدَة عرض هَذَا بِعشْرين وَعرض هَذَا أَو طَعَامه بِعشْرَة، فالشركة بَينهمَا على الثُّلُث والثلثين وبقدر ذَلِك يكون الْعَمَل وَالرِّبْح والخسر، وَسَوَاء دخلا على قيمَة الْعرض فِي الصَّحِيحَة أَو سكتا عَنْهَا فَالْعِبْرَة بِقِيمَتِه يَوْم الْإِحْضَار، وَلَا تفْسد الشّركَة بِالسُّكُوتِ عَنْهَا قَالَه فِي المعونة فَإِن لم يعرف مَا بيع بِهِ فِي الْفَاسِدَة فَتعْتَبر قِيمَته يَوْم البيع قَالَه ابْن يُونُس. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: فَإِن تشاركا على التَّسَاوِي وَقبل التَّقْوِيم فَلَمَّا قوم سلعهما تفاضلت قيمتهَا فَإِن لم يعملا أَخذ كل وَاحِد سلْعَته وانفسخت الشّركَة وَإِن عملا بعد فَوَات سلعهما فرأس مَال كل مَا بيع بِهِ سلعه وَالرِّبْح والوضيعة بِحَسب ذَلِك، وَيرجع الْقَلِيل مِنْهُمَا على الآخر بِفضل عمله وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي فضل سلع صَاحبه لِأَنَّهُ لم يَقع بَينهمَا فِي ذَلِك الْفضل بيع أَي شركَة اه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 كَذَا طَعَامُ جِهَةٍ لَا يَمْتَنعْ وَعَيْنٌ أَوْ عَرْضٌ لدَى الأُخْرَى وُضِعْ (كَذَا طَعَام جِهَة لَا يمْتَنع وَعين أَو عرض لَدَى الْأُخْرَى) يتَعَلَّق بقوله: (وضع) أَي لَا يمْتَنع وضع طَعَام من جِهَة وَوضع عين أَو عرض من الْأُخْرَى وَلم يقل وضعا بِأَلف التَّثْنِيَة لِأَن الْعَطف بِأَو وَهُوَ لَا تجب فِيهِ الْمُطَابقَة. وَهَذَا الْبَيْت تكْرَار مَعَ قَوْله: وَجَاز بِالْعرضِ إِذا مَا قوما من جِهَة الخ (خَ) : عاطفاً على الْجَوَاز وبعين وَعرض وبعرضين مُطلقًا وكل بِالْقيمَةِ يَوْم أحضر لَا فَاتَ الخ. وَالمَالُ خَلْطُهُ وَوَضْعُهُ بِيَدْ وَاحِدٍ أَو فِي الاشْتِرَاكِ مُعْتَمَدْ (وَالْمَال) الَّذِي أخرجه كل مِنْهُمَا (خلطه) مُبْتَدأ ثَان (وَوَضعه) عطف عَلَيْهِ، وَالْوَاو بِمَعْنى (أَو) وَخَبره مُعْتَمد آخر الْبَيْت وَالْمعْنَى: أَن خلط الْمَالَيْنِ حسا بِحَيْثُ لَا يتَمَيَّز أحد الْمَالَيْنِ من الآخر، أَو حكما بِأَن يوضعا مَعًا (بيد وَاحِد) مِنْهُمَا أَو وَاحِد غَيرهمَا (أَو) وضعا مَعًا أَيْضا (فِي) مَحل (الِاشْتِرَاك) بَينهمَا بِأَن يجعلاهما فِي بَيت وَاحِد، وقفلا عَلَيْهِ بقفلين أَخذ أَحدهمَا مِفْتَاح أحد القفلين وَأخذ الآخر مِفْتَاح الآخر، وَأَحْرَى إِذا كَانَ قفلاً وَاحِدًا وبيد كل مِنْهُمَا مفتاحه (مُعْتَمد) أَي شَرط فِي حُصُول الضَّمَان مِنْهُمَا، فَإِذا خلطا حسا أَو حكما فالتالف مِنْهُمَا وَإِن لم يحصل خلط لَا حسا وَلَا حكما فالتالف من ربه وَمَا اشْترى بالسالم فبينهما على رب التَّالِف نصف ثمنه، فالخلط الْمَذْكُور شَرط فِي الضَّمَان مِنْهُمَا كَمَا قَررنَا لَا فِي الصَّحِيحَة لِأَنَّهَا صَحِيحَة مَعَ توفر شُرُوطهَا وَلَو لم يخلطا وَلَا فِي اللُّزُوم لِأَنَّهَا لَازِمَة بالْقَوْل (خَ) : ولزمت بِمَا يدل عرفا من قَول كاشتركنا أَو بِمَا يقوم مقَامه من فعل كخلط الْمَالَيْنِ وَالْعَمَل بهما، ثمَّ ذكر مَا هُوَ شَرط فِي الضَّمَان فَقَالَ: إِن خلطا وَلَو حكما وَإِلَّا فالتالف من ربه وَمَا ابتيع بِغَيْرِهِ فبينهما الخ. وَتقدم قَرِيبا أَنَّهَا وَإِن كَانَت لَازِمَة بالْقَوْل فَكل مِنْهُمَا لَهُ بعد الْعَمَل الانحلال لَا قبله فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا بتراضيهما وَإِلَّا لم تكن فَائِدَة للزومها بالْقَوْل. تَنْبِيهَات. الأول: علم من كَون الشّركَة تَنْعَقِد بِمَا يدل عرفا أَن الْعم أَو الْأَخ إِذا كَانَ كل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 مِنْهُمَا مَعَ أَوْلَاد أَخِيه أَو مَعَ إخْوَته على مائدة وَاحِدَة يخدمون ويأكلون فهم كالمتفاوضين فَمَا اشْتَرَاهُ أحدهم من أصُول أَو غَيرهَا باسم نَفسه يدْخل مَعَه غَيره، ويشاركه فِيهِ على قدر عمله إِن كَانَ المَال الْمُشْتَرى بِهِ نَشأ عَن أَيْديهم، أَو على قدر نصِيبه فِي المَال إِن كَانَ الْمُشْتَرى بِهِ مَالا موروثاً وَنَحْو ذَلِك. وَهَذَا إِذا كَانُوا كلهم رشداء أَو فيهم صَغِير يُمَيّز معنى الشّركَة وَوَقع مِنْهُ مَا يدل على الرِّضَا بهَا، إِلَّا أَنه يُخَيّر بعد رشده فِي إِمْضَاء الشّركَة أَو أَخذ حَظه من المَال الْوَاقِع بِهِ الشِّرَاء، وَأما من لم يُمَيّز أصلا فَإِنَّهُ لَا حق لَهُ فِي المُشْتَرِي وَإِنَّمَا لَهُ واجبه من الثّمن الْمُشْتَرى بِهِ إِلَّا أَن يكون المُشْتَرِي أدخلهُ مَعَه فِي شِرَائِهِ، فَإِنَّهُ يُخَيّر بعد رشده فِي قبُول ذَلِك أَو أَخذ واجبه من المَال، وَذَلِكَ لِأَن الشّركَة عقد لَا يَصح إِلَّا من أهل التَّوْكِيل والتوكل، وَالَّذِي لم يُمَيّز لم يَقع مِنْهُ عقد وَلَا مَا يدل عَلَيْهِ قَالَه سَيِّدي أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب حَسْبَمَا نَقله العلمي. وَوَجهه ظَاهر خلاف مَا فِي المعيار عَن التازغدري آخر الْوَصَايَا مِنْهُ من أَن القَوْل قَوْله فِي شِرَاء الْأَمْلَاك لنَفسِهِ بِمَالِه الْخَاص بِهِ، وَنَحْوه فِي نَوَازِل الدَّعَاوَى مِنْهُ، ثمَّ مَا تقدم من أَن الشّركَة تكون فِيمَا نَشأ عَن أَيْديهم على قدر أَعْمَالهم هُوَ الصَّوَاب خلافًا لمن أطلق فِي ذَلِك، إِذْ لَيْسَ الْقوي كالضعيف وَلَا الصَّانِع كَغَيْرِهِ وَلَا خدمَة الْمَرْأَة كالذكر وَلَا من يرد أُوقِيَّة كمن يرد ثمنهَا قَالَه سَيِّدي أَحْمد الزواوي وَنَقله شَارِح الْعَمَل عِنْد قَوْله: وخدمة النِّسَاء فِي الْبَوَادِي الخ. وَهَذَا فِي المَال الْحَاصِل بِمُجَرَّد تكسبهم وَعمل أبدانهم، وَأما إِن كَانَ أصل المَال الَّذِي بَين أَيْديهم مَمْلُوكا لأَحَدهم فَقَط وَلكنه نما بخدمتهم وقيامهم عَلَيْهِ، فَإِن النَّمَاء لمَالِك الأَصْل وَعَلِيهِ أُجْرَة الْمثل لمن عداهُ اه. وَكَذَا الْوَلَد يقوم مَعَ أَبِيه سِنِين بعد بُلُوغه إِلَى أَن زوَّجه، وَكَانَ فِي هَذِه الْمدَّة يتَوَلَّى الْحَرْث والحصاد وخدمة الْأَمْلَاك بِنَفسِهِ، ثمَّ افترق مِنْهُ وَأَرَادَ مقاسمته فِي الْأَمْلَاك فَلَيْسَ لَهُ شَيْء فِيهَا، وَإِنَّمَا لَهُ أجر عمله ويحاسبه أَبوهُ بِنَفَقَتِهِ وَكسوته وَبِمَا زوَّجه قَالَه الجلالي يَعْنِي: وَكَذَا يُحَاسب غير المتزوج من الْأُخوة المتزوج مِنْهُم بِنَفَقَة زَوجته وصداقها كَمَا قَالَ (خَ) : وَإِلَّا حسبا كانفرادهما بِهِ أَي بِالْإِنْفَاقِ وَالزَّوْجَة. الثَّانِي: إِذا كَانَ الابْن يقوم بِأُمُور أَبِيه ثمَّ مَاتَ الْأَب فاستظهر الابْن برسوم أَمْلَاك اشْتَرَاهَا باسم نَفسه إِن أثبت أَنه كَانَ لَهُ مَال، وَأَن أَبَاهُ كَانَ سلم لَهُ فِيهَا فَهِيَ لَهُ، وَإِن أثبت أَنه كَانَ لَهُ مَال فَقَط فَهِيَ لَهُ إِن حلف، وَإِن لم يثبت وَاحِد مِنْهُمَا فالجميع مِيرَاث قَالَه سَيِّدي يحيى وسيدي رَاشد. قلت: وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون الابْن لما كَانَ يقوم بِأُمُور أَبِيه فَهُوَ كَالْوَكِيلِ عَنهُ بِالْعَادَةِ فَلذَلِك إِذا لم يكن للِابْن مَال كَانَ الْجَمِيع مِيرَاثا. الثَّالِث: سُئِلَ سَيِّدي إِبْرَاهِيم بن هِلَال عَن أَخَوَيْنِ متفاوضين وَكَانَ أَحدهمَا مشارطاً على الْإِمَامَة ثمَّ أَرَادَ قسْمَة مَالهمَا فَأَرَادَ المشارط أَن يستبد بِجَمِيعِ مَا استفاده من الشَّرْط؟ فَأجَاب: مَذْهَب ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة وَغَيرهَا فِي المفاوض يُؤَاجر نَفسه فِي شَيْء أَنه يخْتَص بِهِ وَلَا يدْخل مَعَه شَرِيكه، وَقَالَ أَشهب وَأصبغ وَابْن حبيب: لَا يستبد بِهِ بل يكون بَينهمَا، وَرَأَوا أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا ملك مَنَافِع صَاحبه بالتفاوض، وَلم يرد ذَلِك ابْن الْقَاسِم وَلَا محيد عَن قَوْله ومذهبه، وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: وَمن لَهُ تحرف إِن عمله الخ. قَالَ: وَإِذا تقرر ذَلِك فَهَل لِأَخِيهِ أجر عمله فِي غير ذَلِك مِمَّا عمله وفضله بِهِ من الْعَمَل أم لَا؟ صرح ابْن الْقَاسِم فِي الْمُوازِية أَنه لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 ذَلِك. وَقَالَ أصبغ: إِذا حلف أَنه لم يتَطَوَّع بِالْعَمَلِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِقدر مَا بَاشر وَعمل مُفَاوَضَة حِين شغل نَفسه بِمَا آجرها فِيهِ. قَالَ بعض الْقرَوِيين: لِأَنَّهُ تطوع لَهُ بِالْعَمَلِ ظنا مِنْهُ أَنه يعْمل فِي المَال مثل مَا عمل، فَإِذا شغل مَنَافِعه فِيمَا انْتفع بِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ صَاحبه بِمَا عمله عَنهُ. قَالَ هَذَا الْقَرَوِي الْمَذْكُور: وَمَا قَالَه ابْن الْقَاسِم إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا قصد أَن لَا يرجع بِمَا عمل وإلاَّ وَجب لَهُ الرُّجُوع اه. بِلَفْظِهِ. وَقَالَ الجلالي: إِذا غَابَ أحد الْأَخَوَيْنِ للْقِرَاءَة أَو الْحَج فَقدم وَقد وجد أَخَاهُ قد زَاد أملاكاً على مَا ترك عِنْده، فَإِنَّهُ يُشَارِكهُ فِي جَمِيعهَا حَيْثُ غَابَ وَلَيْسَ لَهما من المَال إِلَّا مَا هما مشتركان فِيهِ وَلَيْسَ لأَحَدهمَا مَال يخْتَص بِهِ اه. قلت: وَلَا يخفى أَنه يرجع الْحَاضِر عَلَيْهِ بِأُجْرَة عمله لما تقدم فِي الْكُلية الْمَذْكُورَة عِنْد قَوْله فِي الْإِجَارَة: وَالْقَوْل لِلْعَامِلِ حَيْثُ يخْتَلف الخ. وَلَا يخرج عَن ذَلِك إِلَّا مَا علم أَنه للصلة حَسْبَمَا تقدم آخر بيع الْفُضُولِيّ. وَحَيْثُما يَشْتَرِكانِ فِي الْعَمَلْ فَشَرْطُهُ اتَّحَادُ شُغْلٍ وَمَحَلْ (وحيثما يَشْتَرِكَانِ فِي الْعَمَل) فَقَط (فشرطه) أَي الِاشْتِرَاك الْمَذْكُور (اتِّحَاد شغل) أَو تلازمه، فَالْأول كخياطين أَو حدادين أَو نجارين أَو صيادين، وَالثَّانِي ككون أَحدهمَا ينسج وَالْآخر يَدُور أَو يحول، أَو أَحدهمَا يغوص لطلب اللُّؤْلُؤ وَالْآخر يمسك ويقذف عَلَيْهِ، فَإِن لم يتحد شغلهما وَلَا تلازم كخياط ونجار لم يجز لِأَنَّهُ قد تكسد صَنْعَة أَحدهمَا فَيَأْخُذ مَال صَاحبه بِغَيْر حق. (و) شَرطه أَيْضا اتِّحَاد (مَحل) أَو تقاربه أَيْضا، فَلَو كَانَ أَحدهمَا يخيط فِي مَحل وَالْآخر يخيط فِي مَحل آخر، فَإِن تقاربت أسواقهما ومنافعهما أَو كَانَت يَد أَحدهمَا تجول فِي المحلين لقربهما جَازَت شركتهما، وَإِلَّا امْتنعت لِأَنَّهُ قد ينْفق أحد المكانين دون الآخر فَيَأْخُذ غَيره مَاله بِغَيْر حق وَظَاهره أَنه لَا يشْتَرط التَّسَاوِي فِي الْعَمَل بل يجوز، وَلَو كَانَت قيمَة عمل أَحدهمَا الثُّلثَيْنِ وَقِيمَة عمل الآخر الثُّلُث ودخلا على أَن مَا يحصل بَينهمَا نِصْفَانِ، وَهُوَ كَذَلِك على قَول من لَا يشْتَرط السَّلامَة من التَّفَاوُت فِي الشّركَة كَمَا مرَّ عِنْد قَوْله: وَإِن يكن فِي الْعين ذَاك اعتمدا الخ. وَعَلِيهِ تخرج شركَة الْعُدُول إِذْ كثيرا مَا يكْتب أَحدهمَا العقد وَلَا يعْمل فِيهِ غَيره إِلَّا الشَّهَادَة لعدم مَعْرفَته بكيفية تركيب فُصُول الْوَثِيقَة، وَكَذَا شركَة الطّلبَة فِي طلب الأسعار يذهب كل وَاحِد مِنْهُمَا لأندر أَو طلب الْمَعْرُوف من الدّور، وَانْظُر نَوَازِل الشّركَة من نوازلنا فَإِن أَبَا زيد الفاسي قَالَ: كل مَا جرى فِي الْمُزَارعَة يجْرِي فِي الشّركَة، وَأما على الْمَشْهُور من اشْتِرَاط عدم التَّفَاوُت فَلَا يجوز إِلَّا إِذا كَانَ كل وَاحِد يَأْخُذ مِمَّا يحصل بِقدر قيمَة عمله، وَعَلِيهِ درج (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَجَازَت بِالْعَمَلِ إِن اتحدا أَو تلازما وتساويا فِيهِ أَو تقاربا وَحصل التعاون وَإِن بمكانين الخ. وَقَالَ قبل ذَلِك: وتفسد بِشَرْط التَّفَاوُت وَإِن وَقع فَلِكُل أجر عمله للْآخر الخ. وَقَوْلِي فِي الْعَمَل فَقَط إِشَارَة إِلَى أَنه يشْتَرط اتِّحَاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 الشّغل وَالْمَكَان إِذا اشْتَركَا فِي صَنْعَة أَيْدِيهِمَا من غير احْتِيَاج لمَال يخرجانه، أَو كَانَا مُحْتَاجين لذَلِك. وَالْمَقْصُود عِنْدهمَا الصَّنْعَة لَا مَا يخرجانه من المَال، وَأما لَو كَانَت صَنْعَة أَيْدِيهِمَا تبعا وَالْمَقْصُود هُوَ التَّجر كَمَا لَو أخرجَا مَالا مُتَسَاوِيا ليعْمَل بِهِ هَذَا فِي صَنْعَة كَذَا وَهَذَا فِي صَنْعَة كَذَا، فَإِن ذَلِك جَائِز من غير اشْتِرَاط اتِّحَاد شغل وَلَا مَحل. تَنْبِيه: زَاد الغرناطي اتِّحَاد صنعتيهما فِي الْجَوْدَة فَقَالَ: وَشركَة الْأَبدَان تجوز بِخَمْسَة شُرُوط، أَن تكون الصَّنْعَة وَاحِدَة وحركتهما فِي السرعة والإبطاء وَاحِدَة وَكَذَلِكَ الْجَوْدَة والدناءة وَاحِدَة أَو مُتَقَارِبَة ويعملان فِي مَوضِع وَاحِد والآلة بَينهمَا على السوَاء اه. اللَّخْمِيّ: وَإِن تباينت صنعتاهما بالجودة والدناءة وَكَانَ أَكثر مَا يصنعانه ويستعملان فِيهِ الْأَدْنَى جَازَت الشّركَة لِأَن الْأَعْلَى يعْمل الْأَدْنَى وَلَا حكم للقليل، وَإِن كَانَ أَكثر مَا يدْخل إِلَيْهِمَا مَا يعمله الْأَعْلَى أَو كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا كثيرا لم تجز للغرر والتفاضل اه. قلت: وَهَذِه الشُّرُوط قَلما تجدها متوفرة فِي هَذَا الزَّمَان، وغالب عُقُود شركَة النَّاس الْيَوْم الْفساد لأَنهم لَا يقومُونَ عملا وَلَا غَيره، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال: يغْتَفر لَهُم الدُّخُول على التَّفَاوُت على نَحْو مَا تقدم فِي الْمُزَارعَة كَمَا تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ. وَحَاضِرٌ يَأْخُذُ فَائِداً عَرَض فِي غَيْبَةٍ فَوْقَ الثَّلاَثِ أَوْ مَرَضْ (وحاضر يَأْخُذ فائداً عرض) وَحصل لَهُ ذَلِك الفائد (فِي غيبَة) صَاحب غيبَة (فَوق ثَلَاث أَو مرض) فَوق ثَلَاث أَيْضا كالعشرة أَيَّام وَمَا قاربها، وَمَفْهُوم فَوق ثَلَاث أَن الثَّلَاثَة وَمَا قاربها تلغى وَلَا يُحَاسب الْحَاضِر أَو الصَّحِيح الْغَائِب أَو الْمَرِيض بهَا، فالقريب اليومان وَالثَّلَاثَة والبعيد الْعشْرَة وَمَا بَينهمَا من الوسائط يرد مَا قَارب الْقَرِيب إِلَى الْقرب وَمَا قَارب الْبعيد إِلَى الْبعد قَالَ أَبُو الْحسن. وَظَاهر النّظم أَن الْحَاضِر وَالصَّحِيح يأخذان أُجْرَة مَا انفردا بِعَمَلِهِ فِي الْغَيْبَة وَالْمَرَض البعيدين وَلَا يرجع عَلَيْهِمَا الْغَائِب وَالْمَرِيض بِشَيْء، وَهُوَ كَذَلِك على مَا لِابْنِ يُونُس وَابْن سَلمُون وَهُوَ ظَاهر (خَ) حَيْثُ قَالَ: وأتى مرض كيومين أَو غيبتهما لَا إِن كثر الخ. وَلَكِن الرَّاجِح أَن للْغَائِب وَالْمَرِيض أَن يرجعا على الْحَاضِر، وَالصَّحِيح بحصتهما فِي الرِّبْح الزَّائِد على أجر عمل مثله كَمَا لَو قبضا ثوبا مثلا للخياطة بِعشْرَة وَغَابَ أَحدهمَا أَو مرض كثيرا فخاطه الآخر، فَإِذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 قيل: أجر مثل هَذِه الْخياطَة أَرْبَعَة أَخذهَا وَتبقى سِتَّة يرجع عَلَيْهِ الْمَرِيض أَو الْغَائِب بِحِصَّتِهِ مِنْهَا، وَهُوَ ثَلَاثَة حَيْثُ كَانَت الشّركَة على النّصْف فَإِن لم يفضل شَيْء عَن أجر مثله فَلَا يرجع عَلَيْهِ بِشَيْء، وَهَذَا إِذا قبضا الثَّوْب مَعًا ثمَّ مرض أَحدهمَا أَو غَابَ كثيرا وَمثله إِذا قبله أَحدهمَا مَعَ وجود الآخر أَو فِي مَرضه أَو غيبته القريبين أما مَا قبله أَحدهمَا بعد طول غيبَة الآخر أَو مَرضه فَهِيَ لَهُ وَلَا يرجع عَلَيْهِ بِشَيْء لِأَن الضَّمَان مِنْهُ وَحده كَمَا فِي ابْن يُونُس: فَإِن شرطا إِلْغَاء الطول فَسدتْ. وَالْحَاصِل أَن شَرِيكي الصَّنْعَة إِذا غَابَ أَحدهمَا أَو مرض يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة وَمَا قاربها على مَا مر، فالفائد بَينهمَا وَلَا شَيْء للحاضر أَو الصَّحِيح على الْغَائِب وَالْمَرِيض، وَسَوَاء مرض بعد أخذهما الْعَمَل أَو أَخذه الصَّحِيح بعد مَرضه، وَأما إِن قَبضه الْحَاضِر الصَّحِيح بعد طول مَرضه أَو غيبته فَهُوَ لِلْعَامِلِ مُطلقًا لِأَنَّهُ لَا ضَمَان بَينهمَا، وَأما إِن غَابَ أَو مرض بعد أَخذ المَال أَكثر من ثَلَاثَة وَمَا قاربها فالفائد بَينهمَا وَيرجع الْحَاضِر الصَّحِيح على شَرِيكه بِأَجْر مثله كَمَا مرّ، وَهل تلغى اليومان من الْعشْرَة أَو لَا؟ الرَّاجِح عدم الإلغاء، وَهَذَا فِي الصَّحِيحَة، وَأما فِي الْفَاسِدَة بِاشْتِرَاط إِلْغَاء الطول فَمن عمل شَيْئا يخْتَص بِهِ وَإِن كَانَ الْفساد بِغَيْر مَا ذكر فالرجوع على من لم يعْمل مُطلقًا والفائد بَينهمَا، وَكَذَلِكَ فِي شركَة الْأَمْوَال فالرجوع بالطويل وَغَيره صَحَّ من شرح ابْن رحال. وَهَذَا كُله فِي الشُّرَكَاء فِي الْعَمَل من صبغ وخياطة وَنَحْوهمَا، وَأما الأجراء فَلَيْسَ حكمهم كَذَلِك، فَإِذا اسْتَأْجر أجيرين لحفر بِئْر مثلا فَمَرض أَحدهمَا وَعمل الآخر جَمِيع الْعَمَل فللآخر نصِيبه وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَطَوّع بِالْعَمَلِ عَنهُ قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة. وَهَذَا فِي غير المستأجرين مياومة وإلاَّ فَلَا يُشَارك غَائِب أَو مَرِيض غَيره مُطلقًا لِأَنَّهُ بِمُضِيِّ الْيَوْم انْقَطَعت إِجَارَة الْمَرِيض وَنَحْوه. وَمَنْ لَهُ تَحَرُّفٌ إنْ عَمِلَه فِي غَيْرِ وَقْتٍ تَجْرِهِ الفَائِدُ لَهْ (وَمن لَهُ) من الشَّرِيكَيْنِ مُفَاوَضَة (تحرف) أَي صَنْعَة (إِن عمله) أَي التحرف (فِي غير وَقت تجره) كليل أَو زمَان لَا يشتغلان فِيهِ بِالتِّجَارَة ف (الفائد) أَي مَا حصله من الْأُجْرَة (لَهُ) يستبد بِهِ (خَ) : واستبد آخذ قِرَاض أَو متجر بوديعة بِالرِّبْحِ والخسر الخ. يَعْنِي إِذا كَانَ لَا يشْغلهُ عَن الْعَمَل فِي الشّركَة، وَمَفْهُوم فِي غير وَقت تجر أَنه إِذا عمله فِي وَقت تجر فَإِن صَاحبه يرجع عَلَيْهِ بِأُجْرَة مَا عمله عَنهُ كَمَا مرَّ فِي التَّنْبِيه الثَّالِث، وَانْظُر كَلَام اللَّخْمِيّ عِنْد قَول الشَّامِل: واختف آخذ قِرَاض الخ. فرع: قَالَ فِي الذَّخِيرَة: إِذا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي حَيَوَان مثلا بميراث أَو غَيره لَا يجوز لأَحَدهمَا أَن يتَصَرَّف إِلَّا بِإِذن شَرِيكه فَلَو بَاعَ نصِيبه وَسلم الْجَمِيع للْمُشْتَرِي بِغَيْر إِذن شَرِيكه كَانَ ضَامِنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 على مُقْتَضى الْقَوَاعِد، وَبِه أفتى شُيُوخنَا من الشَّافِعِيَّة لِأَن أحسن أَحْوَاله أَن يكون كَالْمُودعِ فِي الْأَمَانَة، وَهَذَا إِذا وضع يَد الْأَجْنَبِيّ يضمن لتعديه. فَإِن قيل: يلْزم عدم صِحَة البيع لعدم قدرته على التَّسْلِيم. قُلْنَا: إِن كَانَ شَرِيكه حَاضرا سلم الْمَبِيع لَهُ وَتَقَع الْخُصُومَة بَينه وَبَين المُشْتَرِي، أَو غَائِبا رفع أمره إِلَى الْحَاكِم يَأْذَن لَهُ فِي البيع وَوضع مَال الْغَائِب تَحت يَده اه. قلت: قَوْله: وَتَقَع الْخُصُومَة الخ. يَعْنِي فِي ذَلِك الْحَيَوَان عِنْد من يكون وَمن يقوم بِهِ، وَلَيْسَ المُرَاد أَن الَّذِي لم يبع يُنكر نصيب البَائِع حَتَّى يكون من بيع مَا فِيهِ خُصُومَة وَهُوَ مَمْنُوع على الْمَشْهُور كَمَا فهمه الشَّيْخ سَالم، وَفِي معاوضات المعيار: من بَاعَ نصف فرسه لرجل وسافر المُشْتَرِي عَلَيْهَا فعطبت فَهُوَ ضَامِن لنصف شَرِيكه إِلَّا أَن يُسَافر عَلَيْهَا بِإِذْنِهِ أَو جرت الْعَادة بَينهمَا أَن يُسَافر مثل ذَلِك السّفر فَلَا ضَمَان اه. (فصل فِي الْقَرَاض) بِكَسْر الْقَاف مَأْخُوذ من الْقَرْض وَهُوَ مَا يجازى عَلَيْهِ الرجل من خير أَو شَرّ، لِأَن المتقارضين قصد كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى مَنْفَعَة الآخر فَهُوَ مقارضة من الْجَانِبَيْنِ، وَقيل: من الْقَرْض وَهُوَ الْقطع لِأَن رب المَال قطع من مَاله قِطْعَة دَفعهَا لِلْعَامِلِ بِجُزْء من الرِّبْح الْحَاصِل بسعيه، وَأهل الْعرَاق يسمونه مُضَارَبَة من قَوْله تَعَالَى: وَآخَرُونَ يضْربُونَ فِي الأَرْض} (المزمل: 20) ابْن عَرَفَة: وَهُوَ تَمْكِين مَال لمن يتجر بِهِ بِجُزْء من ربحه لَا بِلَفْظ إِجَارَة فَيدْخل بعض الْفَاسِد كالقراض بِالدّينِ والوديعة وَيخرج عَنهُ قَوْلهَا: من أعْطى رجلا مَالا يعْمل بِهِ على أَن الرِّبْح لِلْعَامِلِ وَلَا ضَمَان على الْعَامِل لَا بَأْس بِهِ اه. وَمرَاده بالتمكن الْإِذْن لَا الْإِعْطَاء بِالْفِعْلِ وإلاَّ لم يَشْمَل الْقَرَاض بِالدّينِ، وَأخرج بقوله: بِجُزْء من ربحه الأبضاع وَالْإِجَارَة، وَكَذَا الشّركَة لِأَن الرِّبْح فِي الشّركَة نَشأ عَن الْمَالَيْنِ فَلم يَأْخُذ كل مِنْهُمَا إِلَّا ربح مَاله. وَقَوله: لَا بِلَفْظ إِجَارَة أخرج بِهِ مَا إِذا قَالَ: آجرتك على التَّجر فِي هَذَا المَال بِجُزْء من ربحه فَإِنَّهُ لَا ينْعَقد بذلك فَإِن عمل فَيجْرِي على الْإِجَارَة الْفَاسِدَة، وَيفهم من قَوْله: وَلَا ضَمَان على الْعَامِل الخ. أَنه إِذا لم ينف الضَّمَان عَنهُ وَلم يسمه قراضا فَإِن الضَّمَان يكون على الْعَامِل وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : وَضَمنَهُ فِي الرِّبْح لَهُ إِن لم ينفه وَلم يسم قراضا الخ. وَقَرِيب من هَذَا التَّعْرِيف قَول النَّاظِم: إعْطَاءُ مالِ مَنْ بِهِ يُتَاجِرُ لِيَسْتَفِيدَ دَافِعٌ وَتَاجِرُ (إِعْطَاء مَال) من إِضَافَة الْمصدر لمفعوله الثَّانِي وكمل بِالْأولِ الَّذِي هُوَ قَوْله (من بِهِ يتاجر) وَاللَّام فِي (ليستفيد) لَام كي التعليلية (دَافع) فَاعل (وتاجر) عطف عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 مِمَّا يُفَادُ فِيهِ جُزْءاً يُعْلَمُ هُو القِرَاضُ وَبِفعْلٍ يَلْزَمُ (مِمَّا) مُتَعَلق بيستفيد وَمَا وَاقعَة على الرِّبْح (يفاد) بِمَعْنى يحصل صلَة مَا أَو صفة (فِيهِ) مُتَعَلق بيفاد (جُزْءا) مَفْعُوله يَسْتَفِيد (يعلم) صفة لَهُ (هُوَ الْقَرَاض) مُبْتَدأ وَخبر وَالْجُمْلَة خبر إِعْطَاء، وَالتَّقْدِير: إِعْطَاء مَال لمن يتجر بِهِ لأجل أَن يَسْتَفِيد ربه وَالْعَامِل من ربح يحصل فِيهِ جُزْءا مَعْلُوما كَنِصْف لكل مِنْهُمَا أَو ربع لِلْعَامِلِ وَالْبَاقِي لرَبه، وَنَحْو ذَلِك من الْأَجْزَاء هُوَ الْمُسَمّى بالقراض اصْطِلَاحا، وَلَك أَن تَقول: هُوَ إِعْطَاء مَال لمن يتجر بِهِ ليستفيد كل من ربحه جُزْءا مَعْلُوما وَأقرب مِنْهُ وأخصر لَو قَالَ: تَوْكِيل فِي تجر بِجُزْء علما من ربحه هُوَ الْقَرَاض فاعلما وَأَشَارَ بقوله: (وبفعل يلْزم) إِلَى أَنه من الْعُقُود الْجَائِزَة الَّتِي تلْزم بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَل لَا قبل الشُّرُوع فِيهِ بسفر أَو إِنْفَاق لِلْمَالِ فَلِكُل مِنْهُمَا فَسخه (خَ) : وَلكُل فَسخه قبل عمله وَإِن تزَود لسفر إِن لم يظعن وَإِلَّا فلنضوضه. وَلما كَانَ قَوْله إِعْطَاء مَال شَامِلًا للعروض وللعين الغائبة والجزاف نبه على أَن الْقَرَاض لَا يجوز بِشَيْء من ذَلِك فَقَالَ: وَالنَّقْدُ وَالحُضُورُ وَالتَّعْيِينُ مِنْ شَرْطِهِ وَيُمْنَعُ التَّضْمِينُ (والنقد) أَي الذَّهَب وَالْفِضَّة مسكوكين، وَمثل المسكوك التبر الَّذِي يتعامل بِهِ فَإِن كَانَ لَا يتعامل بِهِ وَوَقع وَنزل وَدفع التبر قراضا مضى بِالْعَمَلِ وَيرد مثله عِنْد المفاصلة إِن عرف وَزنه وإلاَّ فَيرد مَا بيع أَو مَا خرج فِي ضربه (والحضور) أَي كَون النَّقْد حَاضرا عِنْد العقد (وَالتَّعْيِين) لعدده أَو وَزنه إِن تعامل بِهِ وزنا (من شَرطه) أَي الْقَرَاض رَاجع للأمور الثَّلَاثَة، وَاحْترز بِالنَّقْدِ من الْقَرَاض بالعروض وَالطَّعَام فَإِنَّهُ لَا يجوز فَإِن وَقع فَلهُ أجر بَيْعه وقراض مثله فِي ربحه، وَمثل الْعرُوض الْفُلُوس إِلَّا أَن يكون التَّعَامُل بهَا كالنقد وَلَا يتَغَيَّر سعرها غَالِبا كَمَا عندنَا الْيَوْم فَيجوز وبالحضور من الْقَرَاض بِالدّينِ فَإِنَّهُ لَا يجوز سَوَاء كَانَ الدّين على الْعَامِل فَقَالَ: اعْمَلْ بِالدّينِ الَّذِي لي فِي ذِمَّتك قراضا أَو كَانَ على غَيره كَقَوْلِه: أَقبض الدّين الَّذِي لي على فلَان واعمل بِهِ قراضا، فَإِن وَقع فَفِي الْوَجْه الأول يسْتَمر دينا عَلَيْهِ وَالرِّبْح لَهُ والخسارة عَلَيْهِ، وَفِي الْوَجْه الثَّانِي يكون لَهُ أجر مثله فِي قَبضه وقراض مثله فِي ربحه، وبالتعيين من الْجزَاف كَمَا لَو دفع لَهُ صرة من الذَّهَب أَو الْفضة قراضا فَإِنَّهُ لَا يجوز لِأَن الْجَهْل بِالْمَالِ يُؤَدِّي إِلَى الْجَهْل بِالرِّبْحِ، وَهَذَا يُغني عَنهُ قَوْله فِيمَا مر جُزْءا يعلم الخ: فَإِن وَقع فَانْظُر هَل يصدق الْعَامِل فِي عدده أَو وَزنه وَيكون لَهُ قِرَاض مثله فِي ربحه كمن قَالَ: اعْمَلْ بِهَذَا المَال الَّذِي عدده كَذَا وَلَك جُزْء من ربحه، وَهُوَ الظَّاهِر لِأَن الْعَامِل أَمِين أَو لَا يصدق فِي عدده وَلَا وَزنه لِأَنَّهُ يتهم على أَن يجلب بذلك نفعا لنَفسِهِ فِي كَثْرَة الرِّبْح. (وَيمْنَع التَّضْمِين) أَي: لَا يجوز أَن يشْتَرط فِي العقد على الْعَامِل ضَمَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 رَأس المَال إِذا تلف أَو خسر، أَو أَنه غير مُصدق إِن ادّعى ضيَاعه أَو تلفه، فَإِن وَقع فَالشَّرْط بَاطِل. وَقَوله مَقْبُول فِي التّلف والخسر. ابْن الْقَاسِم: وَيكون فِيهِ على قِرَاض الْمثل، وَمثل الشَّرْط مَا إِذا طاع الْعَامِل بِالضَّمَانِ قبل أَن يشرع لِأَن العقد غير لَازم فَهُوَ كاشتراطه فِي العقد، فَإِن طاع بعد الشُّرُوع فِي الْعَمَل فَفِي لُزُوم غرمه وَعَدَمه قَولَانِ لِابْنِ عتاب وَغَيره، ونظمها فِي اللامية فَقَالَ: وطوع بغرم فِي قِرَاض نعم وَلَا. ابْن رحال: وَيظْهر من إِيضَاح المسالك رُجْحَان عدم اللُّزُوم اه. قلت: بل هُوَ الْمُتَعَيّن لِأَنَّهُ هَدِيَّة مديان كَمَا يَقْتَضِيهِ قَول (خَ) فِي الْقَرَاض وَحرم هَدِيَّة لم يتَقَدَّم مثلهَا كرب الْقَرَاض وعامله وَلَو بعد شغل المَال على الْأَرْجَح. وَلاَ يَسُوغُ جَعْلُهُ إِلَى أَجَلْ وَفَسْخُهُ مُسْتَوْجبٌ إذَا نَزَلْ (وَلَا يسوغ جعله) أَي الْقَرَاض (إِلَى أجل) كَقَوْلِه: اعْمَلْ بِهِ سنة من الْآن وَلَا تعْمل بِهِ بعْدهَا، أَو إِن جَاءَ رَأس الشَّهْر أَو السّنة الْفُلَانِيَّة فاعمل بِهِ فَإِن وَقع فَلهُ قِرَاض مثله، وَأما إِن قَالَ لَهُ: لَا تعْمل بِهِ إِلَّا فِي الصَّيف أَو الشتَاء أَو موسم الْعِيد وَنَحْو ذَلِك فَهُوَ وَإِن كَانَ فَاسِدا أَيْضا لَكِن الرَّاجِح أَن فِيهِ أُجْرَة الْمثل. وَالْفرق أَن أُجْرَة الْمثل فِي الذِّمَّة وقراض الْمثل فِي الرِّبْح كَمَا يَأْتِي. (وفسخه) أَي مَا ذكر من التَّضْمِين وَالْأَجَل وَعدم الْحُضُور والنقد وَالتَّعْيِين (مستوجب) بِفَتْح الْجِيم (إِذا) وَقع و (نزل) شَيْء من ذَلِك كَمَا مَّر. تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ اللَّخْمِيّ: مَا أفْسدهُ الشَّرْط تفسده الْعَادة يَعْنِي لِأَنَّهَا كالشرط فَلَو أَخذ الْقَرَاض من عَادَته السّفر وَلَيْسَ شَأْنه التَّجر فِي الْمقَام فَاشْترى مَا يجلس بِهِ للتِّجَارَة لَكَانَ مُتَعَدِّيا، وَكَذَلِكَ إِذا أَخذ المَال بزاز صَاحب دكان فَاشْترى غير صَنعته وَمَا لَا يخزن لَكَانَ مُتَعَدِّيا. انْظُر مَا بَقِي من نَحْو هَذِه الْمسَائِل فِي شرحنا للشامل عِنْد قَوْله أَو قَالَ لَا تعامل إِلَّا فلَانا الخ. الثَّانِي: تقدم أَنه إِذا قَالَ لَهُ: إِن جَاءَ الشَّهْر الْفُلَانِيّ فاعمل فَهُوَ فَاسد وَمثله إِذا قَالَ: إِن وصلت الْبَلَد الْفُلَانِيّ فاعمل بِهِ (خَ) : أَو لَا يَشْتَرِي إِلَى بلد كَذَا الخ. وَفِي الْمُتَيْطِيَّة: إِن شَرط عَلَيْهِ التَّجر فِي بلد معِين فَإِن كَانَ حَيْثُ عين الْقَرَاض وَكَانَ لَا يعْدم فِيهَا التَّجر لعظم الْبَلَد فَذَلِك جَائِز وإلاَّ فالمنع، فَإِن شَرط عَلَيْهِ الْخُرُوج لبلد يتجر فِيهِ فَيجوز أَيْضا فَإِن شَرط عَلَيْهِ هَل السّلع من بَلَده إِلَى بلد آخر للْبيع هُنَاكَ أَو يجلبها مِنْهُ فيبيعها بِبَلَدِهِ فلابن الْقَاسِم عَن مَالك الْمَنْع وَقَالَهُ ابْن حبيب. وروى أصبغ عَن ابْن الْقَاسِم فِي الْعُتْبِيَّة الْجَوَاز وَقَالَهُ ابْن الْمَاجشون اه. قلت: وعَلى رِوَايَة أصبغ عمل عَامَّة النَّاس الْيَوْم وَلَا يردهم عَن ذَلِك راد فَلَا يشوش عَلَيْهِم بِمذهب مَالك فِي الْمُدَوَّنَة، وَقد استظهر ابْن رحال رِوَايَة أصبغ الْمَذْكُورَة وَاحْتج لَهَا بِمَا يطول ذكره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 الثَّالِث: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِن نهيته عَن شِرَاء سلْعَة فَالرِّبْح بَينهمَا والخسارة عَلَيْهِ وَحده لِأَنَّهُ فر بِالْمَالِ من الْقَرَاض حِين تعدى ليَكُون لَهُ ربحه، وَكَذَلِكَ إِن تسلف من المَال مَا ابْتَاعَ بِهِ سلْعَة لنَفسِهِ ضمن مَا خسر وَمَا ربح كَانَ بَينهمَا اه. وَيفهم من قَوْله: لِأَنَّهُ فرَّ بِالْمَالِ الخ. أَن من نَهَاهُ عَن التَّجر فِي بلد معِين فتجر فِيهِ فَالرِّبْح بَينهمَا والخسارة عَلَيْهِ وَيبقى النّظر فِيمَا إِذا سمى لَهُ بَلَدا وَسكت عَن غَيرهَا فَذهب الْعَامِل إِلَى غَيرهَا فَهَل مُجَرّد التَّسْمِيَة نهي عَن الْغَيْر وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ قَول الْجَوْهَرِي فِي بَاب الْوكَالَة لَو قَالَ للْوَكِيل: بِعْ من زيد فَلَا يبع من غَيره لِأَن الْقَرَاض تَوْكِيل أَو لَا يكون ذَلِك نهيا عَن الْغَيْر كَمَا قَالُوا فِيمَن اكترى أَرضًا ليزرع فِيهَا صنفا سَمَّاهُ فَلهُ أَن يزرع فِيهَا غَيره مِمَّا هُوَ مثله أَو دونه لَا أضرّ مِنْهُ، وكما قَالُوا أَيْضا فِيمَن اكترى دَابَّة ليحمل عَلَيْهَا شَيْئا سَمَّاهُ فَلهُ أَن يحمل مثله ودونه وَبِه كنت أَفْتيت. الرَّابِع: قَالَ ابْن عَرَفَة فِي الْوكَالَة: إِن تَأْخِير سلْعَة الْقَرَاض لما يُرْجَى لَهَا من السُّوق وَاجِب فَإِن بَاعَ قبله ضمن لِأَن مخصصات الْمُوكل مُعْتَبرَة اه. وَهُوَ معنى قَول (خَ) : هُنَاكَ تخصص وتقيد بِالْعرْفِ الخ. الْخَامِس: إِذا اخْتلفَا فِي تَعْجِيل بيع السّلْعَة وتأخيرها فَإِنَّهُ يعْتَبر مُعْتَاد وَقت بيع تِلْكَ السّلْعَة فِي ذَلِك الْبَلَد كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة (خَ) : وَإِن استنضه فالحاكم الخ. وَتقدم نَحْو هَذَا فِي الشَّرِيكَيْنِ. وَلاَ يَجُوزْ شَرْطُ شَيْءٍ يُنْفَرَدْ بِهِ مِنَ الرِّبْحِ وَإنْ يَقَعْ يُرَدْ (وَلَا يجوز) لأحد المتقارضين (شَرط شَيْء) لنَفسِهِ (ينْفَرد بِهِ) وَيخْتَص كدرهم وَنَحْوه (من الرِّبْح) وَالْبَاقِي بَينهمَا لِأَنَّهُ قد لَا يحصل فِي الرِّبْح إِلَّا ذَلِك الدِّرْهَم الْمُشْتَرط فَيذْهب عمل الْعَامِل بَاطِلا (وَإِن يَقع) ذَلِك الشَّرْط فَإِن الْقَرَاض (يرد) وَيفْسخ وَيكون لِلْعَامِلِ بعد الْعَمَل أجر مثله وَالرِّبْح لرب المَال وَالنُّقْصَان عَلَيْهِ، وَمثله مَا إِذا قلت لَهُ: بِعْ سلعتي فَمَا بعتها بِهِ من شَيْء فَهُوَ بيني وَبَيْنك، أَو قلت لَهُ فَمَا زَاد على مائَة فَهُوَ بَيْننَا فَذَلِك كُله لَا يجوز وَالثمن لَك وَله أجر مثله. قَالَ ابْن غَازِي فِي التَّكْمِيل: وَمن معنى الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة تقوم ثَمَرَة الْحَائِط على المساقي أَو غَيره بِمِائَة مثلا وَيَقُول لَهُ: بِعْهُ وَمَا زَاد على الْقيمَة فبيننا مُنَاصَفَة أَو أَربَاعًا وَنَحْو ذَلِك، فَإِن ذَلِك لَا يجوز وللعامل أجر مثله اه. وَهَذِه تقع كثيرا فِي زيتون بلدنا فاس وعنبها وَهَذَا بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ: جذ نخلي أَو انفض زيتوني وَلَك نصفه فَإِنَّهُ جَائِز كَمَا تقدم فِي الْجعل وَالْإِجَارَة، وَظَاهر النّظم عدم الْجَوَاز. وَلَو كَانَ الْمُشْتَرط مَعْلُوم الْجُزْئِيَّة كَقَوْلِه: لي دِينَار من كل عشرَة من الرِّبْح وَالْبَاقِي بَيْننَا نِصْفَانِ مثلا وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ يؤول الْأَمر فِي هَذَا الْمِثَال وَنَحْوه إِلَى أَن يكون للمشترط من الرِّبْح قل أَو أَكثر خَمْسَة أَجزَاء وَنصف وللعامل أَرْبَعَة أَجزَاء وَنصف قَالَه ابْن شَاس وَغَيره. وَلَا مَفْهُوم لقَوْله من الرِّبْح بل شَرط الِانْفِرَاد بِشَيْء من غَيره كَذَلِك ابْن الْمَوَّاز. قَالَ مَالك وَأَصْحَابه: لَا يجوز مَعَ الْقَرَاض شَرط سلف وَلَا بيع وَلَا كِرَاء وَلَا شَرط قَضَاء حَاجَة وَلَا كتاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 صحيفَة وَلَا شَرط أَحدهمَا لنَفسِهِ شَيْئا خَالِصا، وَلَا أَن يُولى الْعَامِل شَيْئا وَلَا أَن يكافىء فِي ذَلِك، فَإِن نزل هَذَا كُله فالعامل أجِير إِلَّا أَن يسْقط الشَّرْط قبل الْعَمَل اه. وَقد ذكر النَّاظِم من شُرُوط الْقَرَاض ثَلَاثَة: النَّقْد والحضور وَالتَّعْيِين، وَمن الْمَوَانِع ثَلَاثَة: الضَّمَان وَالْأَجَل وَاشْتِرَاط شَيْء ينْفَرد بِهِ أَحدهمَا وَالشّرط مَا يطْلب وجوده وَالْمَانِع مَا يطْلب عَدمه، وَقد بَقِي عَلَيْهِ شُرُوط أخر وموانع أخر انظرها فِي (خَ) وَغَيره. وَالقَوْلُ قَوْلُ عَامِلٍ إنْ يُخْتَلَفْ فِي جُزْءِ القِراضِ أَوْ حَالِ التَّلَفْ (وَالْقَوْل قَول عَامل أَن يخْتَلف) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول (فِي جُزْء الْقَرَاض) بعد الْعَمَل كَمَا لَو قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي بِنصْف الرِّبْح. وَقَالَ الآخر: بِالثُّلثِ لشروط أَحدهمَا: إِن يشبه أشبه الآخر أم لَا. ثَانِيهَا: أَن يكون المَال كُله أَو ربحه فَقَط أَو الْحصَّة الَّتِي يدعيها مِنْهُ بِيَدِهِ أَو يَد نَائِبه أَو وَدِيعَة عِنْد أَجْنَبِي أَو عِنْد ربه بِأَن دَفعه لَهُ على وَجه الْإِيدَاع حَتَّى يقتسماه وَصدقه ربه أَو قَامَت بذلك بَيِّنَة. ثَالِثهَا: أَن يحلف على مَا يَدعِيهِ (خَ) : وَالْقَوْل لِلْعَامِلِ فِي جُزْء الرِّبْح إِن ادّعى مشبهاً وَالْمَال بِيَدِهِ أَو وَدِيعَة وَإِن عِنْد ربه وَحلف ولربه إِن ادّعى الْأَشْبَه فَقَط الخ. فَإِن لم يشبها حلفا مَعًا وَوَجَب قِرَاض الْمثل. (أَو) يخْتَلف فِي (حَال التّلف) فَإِذا ادَّعَاهُ الْعَامِل وَادّعى ربه عَدمه فَالْقَوْل لِلْعَامِلِ اتِّفَاقًا بِيَمِينِهِ لِأَن ربه رضيه أَمينا وَلَو لم يكن أَمينا فِي الْوَاقِع، وَسَوَاء ادَّعَاهُ قبل الشّغل أَو بعده مَا لم يظْهر كذبه كدعواه التّلف يَوْم كَذَا فَتشهد الْبَيِّنَة أَنه ريء عِنْده بعد ذَلِك أَو دَعْوَاهُ التّلف وَهُوَ فِي رفْقَة لَا يخفى ذَلِك فِيهَا فَسئلَ عَن ذَلِك أهل الرّفْقَة فَلم يعلم ذَلِك أحد مِنْهُم. وَفِي الْبُرْزُليّ سُئِلَ ابْن الضَّابِط عَن مقارض ادّعى ضيَاع صرة كَانَت وسط صرر وَلم يضع سواهَا؟ فَأجَاب: بِالضَّمَانِ لتبين كذبه بِدَعْوَاهُ ضياعها دون غَيرهَا مِمَّا مَعهَا، فَتَأَمّله فَإِن السَّارِق قد يختطف مَا تيَسّر لَهُ أَخذه أَو تسْقط وَنَحْو ذَلِك. كَذَاكَ فِي ادِّعَائِهِ الخَسَارَهْ وَكَوْنِهِ قِرَاضاً أوْ إجَارَهْ (كَذَا فِي ادعائه الخسارة) مَا لم يظْهر كذبه أَيْضا كَأَن يَدعِي الخسارة فِي سلْعَة لم يعلم ذَلِك فِيهَا لشهرة سعرها وَنَحْو ذَلِك فَأَنَّهُ ضَامِن. وَنقل ابْن عبد السَّلَام عَن البادي أَن الْعَامِل إِذا لم يبين وَجه الخسارة فِي الْقَرَاض فَهُوَ ضَامِن اه. انْظُر شرح الشَّامِل. وَلَا فرق فِي كَون القَوْل لِلْعَامِلِ فِي التّلف والخسر بَين الْقَرَاض الصَّحِيح وَالْفَاسِد كَمَا فِي شرَّاح (خَ) وَفِي الْمُتَيْطِيَّة: إِذا سُئِلَ الْعَامِل عَن الْقَرَاض فَقَالَ هُوَ وافر وَفِيه ربح فَلَمَّا دَعَاهُ إِلَى الْقِسْمَة ادّعى الخسارة وَأَن ذَلِك من قَوْله، إِنَّمَا كَانَ لعِلَّة أَن يتْركهُ عِنْده حَتَّى يسْعَى فِي جبره لم يقبل قَوْله وَهُوَ ضَامِن مَا لم تقم بَيِّنَة أَو دَلِيل على مَا قَالَ. (و) القَوْل لِلْعَامِلِ أَيْضا فِي (كَونه) أَي المَال (قراضا) وَقَالَ ربه: لِكَثْرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 ربحه بضَاعَة بِأَجْر (أَو) قَالَ الْعَامِل (إجاره) أَي بضَاعَة بِأَجْر لفقد الرِّبْح، وَقَالَ ربه: قِرَاض وَهَذَا إِذا أشبه وَحلف وَكَانَ التَّنَازُع بعد الْعَمَل انْظُر شرح الْمَتْن، وَأما إِن ادّعى رب المَال أَنه قرض وَقَالَ الْعَامِل: بل قِرَاض أَو وَدِيعَة فَإِن القَوْل لرب المَال بِيَمِينِهِ مُطلقًا اخْتلفَا قبل الْعَمَل أَو بعده لِأَن الْعَامِل مقرّ بِوَضْع يَده الَّذِي هُوَ سَبَب الضَّمَان مُدع لدفع ذَلِك السَّبَب، وَكَذَا إِذا قَالَ رب الطَّعَام لقابضه: بِعته لَك بِثمن لأجل، وَقَالَ قابضه: بل أسلفته لي فَالْقَوْل لمُدعِي السّلف قَالَه ابْن رشد وَنَقله الفشتالي وَغَيره. وَكَذَا لَو قَالَ: أشهدكم بأنى أبرأت فلَانا من الْمِائَة دِينَار الَّتِي لي عَلَيْهِ، فَلَمَّا لَقِي الشُّهُود فلَانا وَأَخْبرُوهُ بِالْإِبْرَاءِ الْمَذْكُورَة قَالَ لَهُم: كذب مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْء وَإِنَّمَا أسلفته الْمِائَة الَّتِي ذكرهَا، فَالْقَوْل للمسلف مَعَ يَمِينه عِنْد ابْن الْقَاسِم قَالَه فِي الْمُفِيد. ابْن سهل: وَإِن ادّعى وَرَثَة على رجل أَن موروثهم بَاعَ من الْمُدعى عَلَيْهِ سلْعَة وَبَقِي ثمنهَا عِنْده وَقَالَ الْمَطْلُوب: لم أشترها مِنْهُ وَإِنَّمَا أَنا دلال أبيع للنَّاس فبعتها بِثمن دَفعته إِلَيْهِ وَأخذت أجرتي، فَإِن القَوْل للْوَرَثَة عِنْد أَكثر الْأَصْحَاب كَمَسْأَلَة دَعْوَى الْقَرَاض وَالْآخر الْقَرْض وَهُوَ الصَّوَاب اه. ابْن يُونُس: وَإِن قَالَ الْعَامِل: خسرت فِي الْبَز فَادّعى رب المَال أَنه نَهَاهُ عَنهُ، فَالْقَوْل لِلْعَامِلِ إِنَّه لم يَنْهَهُ بِخِلَاف لَو اسْتَدَانَ فَادّعى أَن رب المَال أمره بذلك فَإِن القَوْل لرب المَال إِنَّه لم يَأْمُرهُ بِهِ. تَنْبِيه: القَوْل لِلْعَامِلِ أَيْضا فِي دَعْوَى رد الْقَرَاض لرَبه إِن قَبضه بِلَا بَيِّنَة مَقْصُودَة للتوثق. (خَ) : وَالْقَوْل لِلْعَامِلِ فِي تلفه وخسره ورده إِن قبض بِلَا بَيِّنَة الخ. والمقصودة للتوثق هِيَ الَّتِي أشهدها الدَّافِع والقابض على الدّفع وَالْقَبْض مَعًا سَوَاء علم الْعَامِل وَفهم أَن رب المَال قصد بِهَذَا الْإِشْهَاد خوف دَعْوَى الرَّد أم لَا. فَلَو أشهدها الْقَابِض على نَفسه بِالْقَبْضِ بِغَيْر حُضُور رب المَال، وأشهدها رب المَال مقرا بِأَن الْإِشْهَاد لَا لخوف الْجُحُود وَدَعوى الرَّد بل لخوف إِنْكَار الْوَرَثَة الْعَامِل إِن مَاتَ أَو حضرت الْبَيِّنَة على سَبِيل الإتفاق، وَلم يقل لَهَا الْقَابِض والدافع: اشْهَدُوا علينا فَذَلِك كُله كَالْقَبْضِ بِلَا بَيِّنَة فَيصدق فِي الرَّد فِيهِ كَمَا أفْصح عَن ذَلِك (ز) فِي شَرحه للنَّص الْمُتَقَدّم، وَبِه قَرَار الْخَرشِيّ وَغَيره قَوْله فِي الشّركَة: ولمقيم بَيِّنَة بِأخذ مائَة إِن أشهد بهَا عِنْد الْأَخْذ الخ. وَمِمَّا يُوضح ذَلِك قَول الْبُرْزُليّ مَا نَصه: وَمَا يَفْعَله النَّاس الْيَوْم إِذا أعطَاهُ قراضا أَو بضَاعَة يأْتونَ إِلَى الْعُدُول ويكتبون رسماً بذلك هِيَ الْبَيِّنَة الْمَقْصُودَة للتوثق اه. وَاحْترز بالمقصودة للتوثق من الْبَيِّنَة الْحَاضِرَة على وَجه الِاتِّفَاق. قَالَ ابْن يُونُس: وَمن أَخذ الْوَدِيعَة بِمحضر قوم وَلم يقْصد إشهادهم عَلَيْهِ فَهُوَ كقبضه بِلَا بَيِّنَة حَتَّى يقْصد الْإِشْهَاد عَلَيْهِ اه. وَبِهَذَا كُله تعلم أَن مَا فِي (ح) وَابْن رحال فِي بَاب الْوَدِيعَة من اشْتِرَاط حكم الْمُودع عِنْده وفهمه عِنْد الْإِشْهَاد أَنه لَا تقبل دَعْوَاهُ الرَّد إِلَّا بِبَيِّنَة، فَحِينَئِذٍ تكون مَقْصُودَة للتوثق خلاف النَّقْل كَمَا فِي (ق) وَغَيره. وَقد أوضحناه فِي شرح الشَّامِل فَانْظُرْهُ. وَقَوْلِي: مقرا بِأَن الْإِشْهَاد الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا سكت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 عِنْد الْإِشْهَاد وَادّعى بعد ذَلِك أَنه قصد بِهِ التَّوَثُّق وَخَوف دَعْوَى الرَّد فَإِنَّهُ يصدق. وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ فِي غَيْرِ السَّفَرْ نَفَقَةٌ والتَّرْكُ شَرْطٌ لَا يُقَرْ (وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ فِي غير السّفر نَفَقَة) من مَال الْقَرَاض وَلَا كسْوَة قَالَ فِيهَا: وَإِذا كَانَ الْعَامِل مُقيما فِي أَهله فَلَا نَفَقَة لَهُ من المَال وَلَا كسْوَة اللَّخْمِيّ: وَهَذَا إِذا لم يشْغلهُ الْعَمَل فِي الْقَرَاض عَن الْوُجُوه الَّتِي كَانَت تقوم مِنْهَا نَفَقَته وإلاَّ فَلهُ النَّفَقَة كالمسافر بِهِ، وَتَقْيِيد اللَّخْمِيّ مُعْتَبر وَمَفْهُوم غير السّفر أَنه إِذا سَافر تكون لَهُ الْكسْوَة وَالنَّفقَة بِالْمَعْرُوفِ بِشَرْط أَن يحْتَمل المَال ذَلِك، وَأَن لَا يُسَافر لأجل غَزْو أَو حج أَو زَوْجَة بنى بهَا أَو صلَة رحم، وإلاَّ فَلَا نَفَقَة لَهُ ذَهَابًا وإياباً لِأَن مَا لله لَا يُشَارك بِهِ غَيره. (خَ) : وَأنْفق إِن سَافر وَلم يبن بِزَوْجَة وَاحْتمل المَال لغير أهل وَحج وغزو بِالْمَعْرُوفِ وَتَكون نَفَقَته فِي الْقَرَاض فَقَط، فَلَو أنْفق من غَيره ثمَّ تلف المَال أَو زَادَت عَلَيْهِ لم يتبع رب المَال بِشَيْء واكتسى إِن بعد ووزع إِن خرج لحَاجَة وَإِن أَخذه بعد أَن اكترى للْحَاجة وتزود لَهَا، ومعروف الْمَذْهَب عِنْد اللَّخْمِيّ وَغَيره أَنه لَا نَفَقَة لَهُ فِي هَذِه الْحَالة لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة من سَافر لأَهله. تَنْبِيهَانِ. الأول: اخْتلف فِي المَال الْكثير الَّذِي يحمل الْإِنْفَاق والقليل الَّذِي لَا يحملهُ، فَعَن مَالك السبعون دِينَارا يسير لَا ينْفق مِنْهَا، وَعنهُ أَيْضا ينْفق فِي الْخمسين فَجمع بَينهمَا بِحمْل الأول على السّفر الْبعيد فَإِن الْإِنْفَاق يجحف بِالْمَالِ وَالثَّانِي على الْقَرِيب، وَلَو كَانَ أَخذ قراضا بالفسطاط وَله بهَا أهل وَخرج إِلَى بلد لَهُ بهَا أهل أَيْضا فَلَا نَفَقَة لَهُ فِي ذَهَابه وَلَا إيابه، فَإِن لم يكن لَهُ أهل فِي الْبَلَد الَّتِي أَخذ فِيهَا الْقَرَاض فَلَا نَفَقَة لَهُ فِي ذَهَابه وَله النَّفَقَة فِي رُجُوعه. الْبِسَاطِيّ: يُؤْخَذ من هَذَا أَنه إِذا سَافر عَن وَطنه لَا نَفَقَة لَهُ فِي الرُّجُوع إِلَيْهِ. وَفِي الْمُدَوَّنَة نَفَقَة الْعَامِل ذَاهِبًا وراجعاً، وفيهَا أَيْضا: لَا نَفَقَة لَهُ فِي رُجُوعه من غير بَلَده. الْبِسَاطِيّ: فَيحمل الأول على الذّهاب وَالرُّجُوع لغير وَطن اه. فَإِن سَافر لتنمية المَال بِزَوْجَتِهِ فَلهُ النَّفَقَة على نَفسه فَقَط فِي سَفَره ذَهَابًا وإياباً، وَأما فِي إِقَامَته فِي بَلَده للتِّجَارَة فَهَل لَهُ النَّفَقَة فِي مُدَّة الْإِقَامَة بِنَاء على أَن الدَّوَام كالابتداء؟ وَظَاهر كَلَامهم أَنه لَيْسَ كالابتداء قَالَه الأَجْهُورِيّ. الثَّانِي: لَو قَالَ الْعَامِل بعد الْمُقَاسَمَة وَدفع المَال لرَبه بربحه: أنفقت من مَالِي ونسيت الرُّجُوع بِهِ قبل الْقِسْمَة أَو نسيت الرُّجُوع بِالزَّكَاةِ وَنَحْو ذَلِك، فَإِنَّهُ لَا يصدق بِمَنْزِلَة من ادّعى الْغَلَط بعد المحاسبة قَالَه ابْن يُونُس وَابْن رشد. الْبُرْزُليّ: وَسَوَاء قَامَ بِالْقربِ أَو بعد طول وَهُوَ الصَّوَاب بِخِلَاف الْجمال يدْفع الحمولة ثمَّ يطْلب الْكِرَاء بِالْقربِ اه. وَكَذَلِكَ الْوَصِيّ يُحَاسب نَفسه ثمَّ بعد ذَلِك يَدعِي أَنه غلط فِي الْحساب وَأَنه نسي أجرته وَنَحْو ذَلِك، فَإِنَّهُ لَا يصدق قِيَاسا على مَسْأَلَة الْقَرَاض قَالَه العبدوسي. (و) شَرط (التّرْك) للإنفاق من المَال الْكثير الَّذِي يحْتَمل الْإِنْفَاق (شَيْء لَا يقر) لعدم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 جَوَازه، فَإِن وَقع وَنزل وَشرط عَلَيْهِ عدم الْإِنْفَاق مِنْهُ وَفَاتَ بِالْعَمَلِ فالعامل أجِير قَالَه ابْن سَلمُون. وَعِنْدَما مَاتَ وَلاَ أَمِينَ فِي وُرَّاثِهِ وَلاَ أَتَوْا بالخَلْفِ (وعندما مَاتَ) الْعَامِل قبل نضوضه (وَلَا أَمِين فِي وراثه) يقوم مقَامه ويكمل عمله (وَلَو أَتَوا) أَي الوراث (بالخلف) أَي بأمين كموروثهم فِي الْأَمَانَة. رُدَّ إِلَى صاحِبِهِ المالُ وَلا شيْءٌ مِن الرِّبْحِ لِمِنْ قَدْ عَمِلاَ (رد إِلَى صَاحبه المَال) وسلموه لَهُ مجَّانا (وَلَا شَيْء من الرِّبْح لمن قد عملا) وَلم يتم عمله وَهُوَ الْمَوْرُوث أَي: فَلَيْسَ لوَارِثه شَيْء مِمَّا عمل، وَمَفْهُومه أَنه لَو كَانَ فيهم أَمِين وَلَو دون موروثهم فِي الْأَمَانَة أَو أَتَوا بأمين أَجْنَبِي مثل الْمَوْرُوث فِيهَا بَصيرًا بِالْبيعِ لَا يخدع فِيهِ، فَإِنَّهُ يقْضِي لَهُم بتكميله ويستحقون مَا كَانَ لموروثهم من الرِّبْح (خَ) : وَإِن مَاتَ فلوارثه الْأمين أَن يكمله وَإِلَّا أَتَى بأمين كَالْأولِ وَإِلَّا سلموه هدرا الخ. وَظَاهره كالناظم أَن الْوَارِث مَحْمُول على عدم الْأَمَانَة حَتَّى يثبتها لِأَن الأَصْل عدمهَا وَهُوَ كَذَلِك، قَالَ أَبُو الْحسن: حملهمْ يَعْنِي فِي الْمُدَوَّنَة على غير الْأَمَانَة وَفِي الْمُسَاقَاة على الْأَمَانَة لِأَن الْقَرَاض مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ وَالْعَمَل فِيهِ تعلق بِعَين الْعَامِل بِخِلَاف الْمُسَاقَاة، فَإِن الْعَمَل تعلق بِذِمَّة الْعَامِل فَإِذا مَاتَ أَخذ من مَاله مَا يسْتَأْجر بِهِ على كَمَال عمله وَقَوله وَلَا شَيْء من الرِّبْح الخ. نَحوه المساقي يعجز أَو يَمُوت كَمَا مّر فِي الْمُسَاقَاة، وَهَذَا كُله إِذا مَاتَ عَامل الْقَرَاض، وَأما لَو مَاتَ ربه فَإِن الْعَامِل يبْقى على قراضه فَإِن أَرَادَ الْوَرَثَة أَخذه فَلهم ذَلِك إِن كَانَ قد نض وإلاَّ صَبَرُوا لنضوضه، فَإِن حركه الْعَامِل بعد نضوضه وَقبل علمه بِمَوْتِهِ مضى على الْقَرَاض حَتَّى ينض وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ، كَالْوَكِيلِ يتَصَرَّف قبل علمه بِمَوْت مُوكله، وَقيل: يضمن لخصمه على مَال الْوَارِث فَإِن حركه بعد علمه بِمَوْتِهِ ضمن وَالرِّبْح لَهما إِلَّا أَن يتجر لنَفسِهِ فَالرِّبْح لَهُ وَحده لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْمُودعِ عِنْده تجر بالوديعة وَيصدق فِي أَنه اشْترى لنَفسِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 إِن نازعه الْوَارِث كَمَا يصدق الْوَكِيل فِي الشِّرَاء لنَفسِهِ إِن نازعه الْمُوكل كَمَا فِي (ز) آخر الْوكَالَة. والقراض تَوْكِيل. وَتَقَدَّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ آخر اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين. وهوَ إذَا أَوْصَى بِهِ مُصَدَّقُ فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ يُسْتَوْثَقُ (وَهُوَ) أَي الْعَامِل (إِذا أوصى بِهِ) أَي بالقراض وَمثله الْوَدِيعَة (مُصدق) سوء أوصى بِهِ (فِي صِحَة أَو مرض يستوثق) الْمَرِيض بِهِ وَيهْلك بِسَبَبِهِ، وَظَاهره التَّصْدِيق سَوَاء عين ذَلِك كَهَذا قِرَاض لزيد أَو وَدِيعَة أَو بضَاعَة أَو لم يعين شَيْئا، وَسَوَاء عرف أصل ذَلِك أم لَا. كَانَ عَلَيْهِ دين فلس فِيهِ أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك على تَفْصِيل فِيهِ، فَإِنَّهُ إِذا عينه فَإِن الْمعِين لَهُ يَأْخُذهُ وَيقدم على سَائِر الْغُرَمَاء الثَّابِتَة دُيُونهم بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار فِي صِحَة أَو مرض مَا لم يعين ذَلِك حِين تفليسه أَو قيام الْغُرَمَاء عَلَيْهِ، وإلاَّ فَلَا يقبل قَوْله إِلَّا أَن قَامَت بَيِّنَة بِأَصْلِهِ تشهد أَن عِنْده لفُلَان وَدِيعَة أَو قراضا، فَإِن قَامَت بذلك قبل قَوْله وَلَو لم يتهم عَلَيْهِ، وَأما إِن لم يعين شَيْئا بل قَالَ: عِنْدِي قِرَاض أَو وَدِيعَة لزيد قدرهما كَذَا فَإِن لم يكن مُفلسًا قبل إِقْرَاره وَيُؤْخَذ ذَلِك من تركته، وَإِن كَانَ مُفلسًا بَطل إِقْرَاره مَا لم تكن على أَصله بَيِّنَة وإلاَّ حاصص بِهِ الْغُرَمَاء كَمَا فِي الْعُتْبِيَّة عَن ابْن الْقَاسِم. هَذَا كُله إِذا أقرّ بِمَا هُوَ فِيهِ أَمِين، وَأما إِن أقرّ بدين فِي ذمَّته فَإِن كَانَ أقرّ بِمَجْلِس قيام الْغُرَمَاء أَو بِقُرْبِهِ قبل إِقْرَاره وحاص الْغُرَمَاء إِن كَانَت دُيُونهم ثَابِتَة بِإِقْرَار لَا بِبَيِّنَة (خَ) : فِي الْفلس وَقبل إِقْرَاره بِالْمَجْلِسِ أَو بِقُرْبِهِ إِن ثَبت دينه بِإِقْرَار لَا بِبَيِّنَة، ثمَّ قَالَ: وَقبل تَعْيِينه الْقَرَاض والوديعة إِن قَامَت بَيِّنَة بِأَصْلِهِ. وَقَالَ فِي الْقَرَاض وَتعين بِوَصِيَّة وَقدم فِي الصِّحَّة وَالْمَرَض الخ. فَكَلَام النَّاظِم مُقَيّد بِغَيْر الْمُفلس وإلاَّ فَلَا يصدق إِلَّا إِن قَامَت بَيِّنَة بِأَصْل مَا يوصى بِهِ، وَمَفْهُوم أوصى بِهِ أَنه إِذا لم يوص بِشَيْء فَإِنَّهُ يُؤْخَذ من تركته مَا ثَبت عَلَيْهِ مِنْهُ بِإِقْرَار أَو بَيِّنَة، وَإِن لم يُوجد وحاص غرماءه لَكِن مَحَله إِذا لم يتقادم عَهده كعشرة أَعْوَام كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْوَدِيعَة: وَضمن بِمَوْتِهِ وَلم يوص وَلم يُوجد إِلَّا لكعشر سِنِين وَمَا لم يدع مَا يسْقطهُ من تلف وَنَحْوه قبل مَوته أَو لم يدع الْوَرَثَة أَن موروثهم رده لرَبه أَو تلف مِنْهُ قبل مَوته فَإِنَّهُم يصدقون لِأَن الْوَارِث قَائِم موروثه كَمَا مّر فِي الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت وكما قَالُوهُ عِنْد قَول (خَ) فِي الْوَدِيعَة: وبدعوى الرَّد على وارثك، وَمَا لِابْنِ رحال فِي بَاب الْقَرَاض من عدم تَصْدِيق الْوَرَثَة لَا يلْتَفت إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُؤْخَذ من تركته إِذا لم يُوجد ويحاصص بِهِ حَيْثُ لم يتقادم عَهده مَعَ احْتِمَال كَونه تلف أَو خسر فِيهِ أَو رده لرَبه، لِأَن الأَصْل وَالْغَالِب هُوَ السَّلامَة وَعدم الخسر وَالرَّدّ، وَلِهَذَا أوجبوا أَخذه من تركته وعمروا بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 ذمَّته حَتَّى صَار ربه يحاصص بِهِ كَمَا مّر، وَبِه نعلم سُقُوط مَا فِي حَاشِيَة الشَّيْخ الرهوني من اعْتِبَار ذَلِك الِاحْتِمَال قَائِلا: لِأَن الأَصْل بَرَاءَة الذمم وَلَا تعمر إِلَّا بِيَقِين الخ. لأَنا نقُول كَمَا لَا تعمر إِلَّا بِيَقِين لَا تَبرأ إِلَّا بِهِ، وَهنا عمرت بِيَقِين وَاحْتِمَال طرُو التّلف وَمَا مَعَه كاحتمال طرُو الْقَضَاء فِي الدّين الثَّابِت فَهُوَ خلاف الأَصْل، وَالْغَالِب الَّذِي هُوَ اسْتِصْحَاب مَا كَانَ على مَا كَانَ وَمَا ذكره من الْبَحْث أَصله فِي الْبُرْزُليّ عَن بَعضهم، وَلَكِن قد علمت مَا فِيهِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي المعيار قبل نَوَازِل الهبات فِيمَن سَافر بالقراض لبلد السودَان بِإِذن ربه وَطَالَ مقَامه إِحْدَى عشرَة سنة قَالَ: إِن هَذَا الْعَامِل قد تعدى بإبطائه هَذِه الْمدَّة الَّتِي سَافر فِيهَا النَّاس وجاؤوا فَيجوز لرب المَال الْقيام عَلَيْهِ وَيضمنهُ مَا ثَبت من رَأس المَال ويحاصص بِهِ غرماءه اه. بِاخْتِصَار. فَهُوَ قد ضمنه رَأس المَال مَعَ احْتِمَال التّلف والخسر وَمَا ذَاك إِلَّا لِكَوْنِهِمَا خلاف الأَصْل وَالْغَالِب، وَبِه كنت أَفْتيت فِي عَامل غَابَ بالقراض مُدَّة طَوِيلَة ووافقني عَلَيْهِ مفتي قَاض شَيخنَا سَيِّدي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم وَغَيره وَوَقع الحكم بِهِ، وَهَذِه الْمَسْأَلَة كَثِيرَة الْوُقُوع فِي هَذِه الْبلدَانِ وَيفهم من قَوْله: وَيضمنهُ مَا ثَبت من رَأس المَال أَنه لَا يضمنهُ شَيْئا من الرِّبْح وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الأَصْل عدم وجوده إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة بِأَنَّهُ قد ربح بمحضرهم كَذَا أَو أقرّ عِنْدهم بذلك فَإِنَّهُ يحاصص بِحِصَّتِهِ مِنْهُ أَيْضا لِأَن الأَصْل حِينَئِذٍ بَقَاؤُهُ، وَلذَا قَالَ الْبُرْزُليّ: وَلَا يقْضى على التَّرِكَة بِالرِّبْحِ إِلَّا أَن يتَحَقَّق الخ. ثمَّ ذكر عَن ابْن عَرَفَة بعد هَذَا بِوَرَقَة وَنَحْوهَا أَنه حكم فِيهَا بِالْمَالِ وَبِمَا يقدر لَهُ من الرِّبْح فَانْظُر ذَلِك فِيهِ. وأجْرُ مِثْلٍ أوْ قِرَاضُ مِثْلِ لعامِلِ عِنْد فَسَادِ الأَصْلِ (وَأجر مثل أَو قِرَاض مثل) يجب أَحدهمَا (لعامل عِنْد فَسَاد الأَصْل) أَي الْقَرَاض. وأو فِي كَلَامه بِمَعْنى قيل لِأَنَّهُمَا قَولَانِ مرويان عَن مَالك ومنشؤهما هَل مَا فسد من العقد يرد إِلَى صَحِيح نَفسه أَو إِلَى فَاسد أَصله كَمَا مَّر مثله فِي المغارسة والجعل لِأَن الْقَرَاض مُسْتَثْنى من الْإِجَارَة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 وَالْفرق بَينهمَا أَن أُجْرَة الْمثل فِي الذِّمَّة وقراض الْمثل فِي الرِّبْح فَإِن لم يكن ربح فَلَا شَيْء لَهُ، وَأُجْرَة الْمثل يحاص بهَا الْغُرَمَاء، وقراض الْمثل يقدم فِيهِ عَلَيْهِم وَمَا فِيهِ قِرَاض الْمثل لَا يفْسخ بِالشُّرُوعِ فِيهِ كَمَا يَأْتِي، وَفِي الْمَسْأَلَة رِوَايَة ثَالِثَة بالتفصيل وَهِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم أَن الْقَرَاض إِذا كَانَ بِالْعرضِ أَو بِجُزْء مُبْهَم أَو إِلَى أجل أَو بدين أَو بِضَمَان أَو قَالَ لَهُ: اشْتَرِ سلْعَة فلَان ثمَّ اتّجر فِي ثمنهَا أَو شَرط عَلَيْهِ أَن لَا يتجر إِلَّا فِي سلْعَة كَذَا وَهِي يقل وجودهَا أَو لَا يشترى إِلَّا بدين أَو أعطَاهُ دَنَانِير وَشرط عَلَيْهِ أَن يصرفهَا ثمَّ يتجر فِي ثمنهَا، فَهَذِهِ تِسْعَة كلهَا فِيهَا قِرَاض الْمثل، وزيدت عاشرة وَهِي مَا إِذا اخْتلفَا فِي الرِّبْح وَلم يشبها فَإِنَّهُمَا يردان إِلَى قِرَاض الْمثل كَمَا مر فِي قَول النَّاظِم: وَالْقَوْل قَول عَامل إِن يخْتَلف الخ. وَفِيمَا فسد مِمَّا عدا هَذِه الْمَذْكُورَات أُجْرَة الْمثل، وعَلى هَذِه الرِّوَايَة درج (خَ) إِذا قَالَ: كفلوس وَعرض إِن تولى بَيْعه كَأَن وَكله على دين أَو ليصرف ثمَّ يعْمل فأجر مثله فِي توليه، ثمَّ قِرَاض مثله فِي ربحه كلك شرك وَلَا عَادَة أَو مُبْهَم أَو أجل أَو ضمن أَو اشْتَرِ سلْعَة فلَان ثمَّ أتجر فِي ثمنهَا أَو بدين أَو مَا يقل كاختلافهما فِي الرِّبْح وادعيا مَا لَا يشبه وَفِيمَا فسد غَيره أُجْرَة مثله. وَقد تقدم فِي النّظم بعض مَا فِيهِ قِرَاض الْمثل وَبَعض مَا فِيهِ أُجْرَة الْمثل مشروحاً فَرَاجعه فِيمَا مّر. تَنْبِيه: ذكر ابْن مغيث وَصَاحب النِّهَايَة أَن الْعَمَل جرى بقراض الْمثل فِي أَرْبَعَة فَقَط وَهِي: الْقَرَاض بالعروض أَو بالجزء الْمُبْهم أَو إِلَى أجل أَو بِضَمَان، ويجمعها قَوْلك: ضمن الْعرُوض إِلَى أجل مُبْهَم، وَمَا عدا هَذِه الْأَرْبَع فِيهِ أُجْرَة الْمثل. وَذكر الْبُرْزُليّ عَن ابْن يُونُس أَن كل مَا يرجع لقراض الْمثل يفْسخ مَا لم يشرع فِي الْعَمَل فيمضي وَكَذَا الْمُسَاقَاة وكل مَا يرجع إِلَى أجر الْمثل يفْسخ أبدا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 (بَاب التَّبَرُّعَات) الْحَبْس وَالْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَمَا يتَّصل بهَا من الْعُمْرَى والإرفاق والحيازة، قَالَ الغرناطي: تذكر فِي الْوَثِيقَة تَسْمِيَة الْمحبس والمحبس عَلَيْهِ وَالْحَبْس وموضعه وتحديده والمعرفة بِقَدرِهِ وتوليته الْحِيَازَة لِبَنِيهِ الصغار إِلَى أَن يبلغُوا مبلغ الْقَبْض وَعقد الْإِشْهَاد عَلَيْهِ وَمَعْرِفَة الشُّهُود لملك الْمحبس، فَإِن كَانَ سَاكِنا فِيهِ ضمنت مُعَاينَة الشُّهُود لإخلائه إِلَّا أَن يحبس بِكُل مَا فِيهَا فَلَا يحْتَاج إِلَى إخلائها وَإِن كَانَ الْمحبس عَلَيْهِ مَالِكًا أمره ذكرت قَبضه للحبس ونزوله فِيهِ وقبوله وضمنت مُعَاينَة الْقَبْض، وَكَذَا تعقد فِي الصَّدقَات والهبات اه. قلت: أما تَسْمِيَة الْمحبس والمحبس عَلَيْهِ وَالشَّيْء الْمحبس فَهِيَ أَرْكَان لَا بُد من ذكرهَا فَإِن سقط وَاحِد من الأول وَالثَّالِث بَطل، وَإِن سقط الْمحبس عَلَيْهِ وَقَالَ: دَاري حبس وَسكت فَإِنَّهُ يَصح وَتَكون وَقفا على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين عِنْد مَالك كَمَا فِي الْبُرْزُليّ، وَأما تحديده فَسَيَأْتِي عِنْد قَوْله: ونافذ تحبيس مَا قد سكنه. أَنه شَرط فِي الحكم بِهِ لَا فِي صِحَة التحبيس، وَأما معرفَة قدره فَإِنَّهُ مَحْمُول على مَعْرفَته بل هبة الْمَجْهُول أَو تحبيسه جَائِز، وَأما تَوليته الْحِيَازَة لِبَنِيهِ فسقوطه من الْوَثِيقَة لَا يضر كَمَا يَأْتِي فِي التَّنْبِيه الثَّالِث عِنْد قَوْله: ونافذ تحبيس مَا قد سكنه، وَأما عقد الْإِشْهَاد عَلَيْهِ فَهُوَ شَرط فِي الصَّغِير وَالْكَبِير كَمَا يَأْتِي فِي الْمحل الْمَذْكُور أَيْضا، وَأما معرفَة الشُّهُود لملك الْمحبس فَإِن عدم ذكره لَا يضر كَمَا مر فِي شَهَادَة السماع. نعم هُوَ شَرط فِي اسْتِحْقَاق الْملك بِالْحَبْسِ كَمَا مرّ هُنَاكَ، وَانْظُر مَا تقدم فِي البيع على الْغَائِب أَيْضا إِن شِئْت، وَأما معرفَة صغر الْبَنِينَ فَسَيَأْتِي أَيْضا فِي شرح الْبَيْت الْمُتَقَدّم، وَأما مُعَاينَة الشُّهُود للإخلاء فَهُوَ قَول النَّاظِم: وَمن يحبس دَار سكناهُ الخ، وَأما قبض الْمَالِك أمره فَهُوَ شَرط كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: والحوز شَرط صِحَة التحبيس الخ. وَأما قبُوله فَإِنَّهُ لَا يضر سُقُوطه كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَلمن سيوجد الخ. ثمَّ قَالَ أول وَثِيقَة النِّكَاح: وَلَا بُد من ذكر الصِّحَّة أَي صِحَة الْعَاقِد فِي النِّكَاح والهبات وَالصَّدقَات والأحباس وكل مَا لَيْسَ فِيهِ عوض اه. وَمُقْتَضَاهُ أَن القَوْل لمُدعِي الْمَرَض عِنْد النزاع وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَقدم التَّارِيخ تَرْجِيح الخ. ثمَّ إِن الْوَقْف سنة قَائِمَة عمل بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمسلمون من بعده. وَفِي صَحِيح مُسلم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِذا مَاتَ الْإِنْسَان انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث صَدَقَة جَارِيَة أَو علم ينْتَفع بِهِ أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ) اه. وَقد اتَّفقُوا على جَوَاز تحبيس الْمَسَاجِد والقناطر والطرق والمقابر، وَإِنَّمَا خَالف أَبُو حنيفَة فِي لُزُوم تحبيس غير مَا ذكر لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 فِي جَوَازه، فَإِنَّهُ يَقُول بِجَوَازِهِ لكنه عِنْده إِنَّمَا يلْزم بِحكم الْحَاكِم وَهُوَ قبل الحكم على ملك الْوَاقِف قبض أم لَا. وَله الرُّجُوع عَنهُ بِالْبيعِ وَالْهِبَة وَيُورث عَنهُ عِنْده إِن مَاتَ قَالَه فِي المعونة. ابْن عَرَفَة: وَالْوَقْف إِعْطَاء مَنْفَعَة شَيْء مُدَّة وجوده لَازِما بَقَاؤُهُ فِي ملك معطيه وَلَو تَقْديرا فَتخرج عَطِيَّة الذوات وَالْعَارِية والعمرى وَالْعَبْد المخدم حَيَاته بِمَوْت قبل سَيّده لعدم لُزُوم بَقَائِهِ فِي ملك معطيه لجَوَاز بَيْعه بِرِضَاهُ مَعَ معطاه اه. فَخرج بقوله: مَنْفَعَة إِعْطَاء الذوات، وَقَوله شَيْء يشْعر بِأَنَّهُ لَا بُد أَن يكون متمولاً لَا تافهاً، وَقَوله مَنْفَعَة هَذَا هُوَ الأَصْل وَإِن كَانَ الْحَبْس قد يكون للِانْتِفَاع كالمدارس لِأَن الِانْتِفَاع إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ إِن شَرطه الْمحبس أَو جرى عرفه بِهِ، وَالْفرق أَن مَالك الْمَنْفَعَة لَهُ أَن يكريها ويعيرها لغيره بِخِلَاف مَالك الِانْتِفَاع فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الِانْتِفَاع بِنَفسِهِ فَلَا يكْرِي وَلَا يعير، وَبِقَوْلِهِ: مُدَّة وجوده الْعَارِية والعمرى وَهُوَ مَبْنِيّ على أَن الْحَبْس لَا يكون إِلَّا مُؤَبَّدًا وَإِطْلَاق الْحَبْس على غير المؤبد مجَاز عِنْده كَمَا صرح بِهِ هُوَ بِنَفسِهِ حَيْثُ قَالَ: وَالرِّوَايَات وَاضِحَة بِإِطْلَاق الْحَبْس على مَا حبس مُدَّة يصير بعْدهَا ملكا وَهُوَ مجَاز اه. وعَلى ذَلِك يَنْبَنِي قَوْله: لَازِما بَقَاؤُهُ الخ. وَأخرج بِهِ العَبْد المخدم وَإِنَّمَا قَيده بقوله: يَمُوت قبل سَيّده لِأَنَّهُ فِيهِ يظْهر قَوْله مُدَّة وجوده، وَأما إِن مَاتَ سَيّده قبله فَإِنَّهُ يبطل إخدامه وَيرجع للْوَرَثَة فَهُوَ خَارج حِينَئِذٍ بقوله مُدَّة وجوده. وَقَوله: وَلَو تَقْديرا يحْتَمل أَن يكون مُبَالغَة فِي الْإِعْطَاء أَي: وَلَو كَانَ الْإِعْطَاء تَقْديرا كَقَوْلِه: إِن ملكت دَار فلَان فَهِيَ حبس، وَيحْتَمل أَن يكون رَاجعا لِمَعْنى قَوْله: لَازِما بَقَاؤُهُ فِي ملك معطيه أَي لَا يخرج عَن ملكه وَلَو تَقْديرا. وَقَوله: حَيَاته يَعْنِي حَيَاة السَّيِّد أَو حَيَاة العَبْد أَو المخدم بِالْفَتْح فَإِن أطلق فَيحمل على حَيَاة العَبْد وَالْكل خَارج بِمَا ذكر إِلَّا أَنه إِن أخدمه حَيَاة العَبْد وَمَا بعده فَإِن الْخدمَة لَا تبطل بِمَوْت السَّيِّد لِأَنَّهَا مَنْفَعَة قد حيزت بحوز أَصْلهَا وتورث عَن المخدم بِالْفَتْح فِي إخدامه حَيَاة العَبْد أَو إِطْلَاقه كَمَا يدل لَهُ قَول (خَ) فِي الْوَصِيَّة: وبمنافع عبد ورثت عَن الْمُوصى لَهُ. تَنْبِيه: من حبس على بنيه الصغار جَمِيع أملاكه وَقَالَ فِي تحبيسه: كل مَا يملكهُ مُدَّة حَيَاته فَهُوَ حبس فَإِن كل مَا يملكهُ بعد التحبيس لَاحق بِالْحَبْسِ إِن ملكه وَهُوَ سَالم من الدّين الْمُسْتَغْرق وَكَانَ صَحِيح الْجِسْم، فَإِن كَانَ يَوْم ملكه مدينا فَلَا حبس إِلَّا فِيمَا تقدم الدّين، وَكَذَا إِن كَانَ مَرِيضا وَمَات من مَرضه ذَلِك قَالَه فِي معاوضات المعيار. الحَبْسُ فِي الأُصُولِ جَائِزٌ وَفِي مُنَوَّعِ العَيْن بِقَصْدِ السَّلَفِ (الْحَبْس) بِالسُّكُونِ تَخْفِيفًا للوزن (فِي الْأُصُول) كالدور وَالْأَرضين والحوائط والطرق والآبار والمصانع وَهِي الْحِيَاض يجمع فِيهَا مَاء الْمَطَر، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: وتتخذون مصانع لَعَلَّكُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 تخلدون} (الشُّعَرَاء: 129) (جَائِز) بِلَا خلاف بَين الْأَئِمَّة كَمَا تقدم وَهُوَ لَازم بالْقَوْل عِنْد الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة، وَخَالف أَبُو حنيفَة فِي غير تحبيس الْمَسَاجِد وَنَحْوهَا كَمَا مرّ وَقَالَ: لَا يلْزم إِلَّا بالحكم كَمَا مر، وَعنهُ أَيْضا أَنه لَا يجوز فِي غير الْمَسَاجِد وَنَحْوهَا لقَوْله تَعَالَى: مَا جعل الله من بحيرة وَلَا سائبة} (الْمَائِدَة: 103) وَقَوله تَعَالَى: وَجعلُوا لله مِمَّا ذَرأ من الْحَرْث} الْآيَة (الْأَنْعَام: 136) قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَلَا حجَّة لَهُ فِي ذَلِك لِأَن الْآيَة إِنَّمَا تَقْتَضِي التوبيخ على مَا كَانَت الْجَاهِلِيَّة تحرمه على نَفسهَا تديناً وافتراء على الله اه. وَصرح الْبَاجِيّ بِأَنَّهُ بَاقٍ على ملك الْمحبس قَالَ: وَهُوَ لَازم تَزْكِيَة حَوَائِط الأحباس على ملك محبسها (خَ) : وَالْملك للْوَاقِف، وَقَالَ أَيْضا فِي الزَّكَاة كنبات وحيوان ونسله على مَسَاجِد الخ. (و) جَائِز أَيْضا (فِي منوع الْعين) من إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف أَي الْعين المنوعة إِلَى ذهب وَفِضة (بِقصد السّلف) كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَة فِي كتاب الزَّكَاة وَهُوَ الْمَشْهُور. وَلا يَصِحُّ فِي الطَّعَامِ واخْتَلَفْ فِي الحَيوانِ والعُرُوضِ مَنْ سَلَفْ (وَلَا يَصح) الْحَبْس (فِي الطَّعَام) وَنَحْوهَا مِمَّا لَا يعرف بِعَيْنِه إِذا غيب عَلَيْهِ، وَظَاهره وَلَو للسلف وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ابْن شَاس وَابْن سَلمُون وَغَيرهمَا قَالُوا: لِأَنَّهُ لَا ينْتَفع بِهِ إِلَّا مَعَ اسْتِهْلَاك عينه وَالْمذهب جَوَاز وَقفه للسلف أَيْضا كَالْعَيْنِ وَينزل رد مثله بِمَنْزِلَة دوَام عينه وتزكي الْعين على ملك رَبهَا كَمَا قَالَ (خَ) : وزكيت عين وقفت للسلف الخ. فَكَانَ حق النَّاظِم أَن لَا يفرق بَين الطَّعَام وَالْعين. (وَاخْتلف) بِفَتْح اللَّام (فِي) جَوَاز تحبيس (الْحَيَوَان) ناطقاً أم لَا (وَالْعرُوض) من سلَاح وَثيَاب وَنَحْوهمَا وَعدم جَوَاز تحبيس ذَلِك (من سلف) فَاعل بقوله: اخْتلف، وَالْقَوْلَان مرويان عَن الإِمَام، وَالْمَشْهُور الْجَوَاز لحَدِيث: (من حبس فرسا فِي سَبِيل الله إِيمَانًا بِاللَّه وَتَصْدِيقًا بوعده كَانَ شبعه وريه فِي مِيزَانه) . وَعَلِيهِ عول (خَ) إِذْ قَالَ: صَحَّ وقف مَمْلُوك وَلَو حَيَوَانا ورقيقاً كَعبد على مرضى وَفِي وقف كطعام تردد الخ. وَظَاهره كالناظم أَن الْمَمْلُوك يَصح وَقفه وَلَو جُزْءا شَائِعا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا يَأْتِي فِي قَول النَّاظِم: وَفِي جُزْء مشَاع حكم تحبيس قفي الخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 ولِلْكِبارِ والصِّغارِ يُعْقَدُ ولِلْجَنِينِ ولِمَنْ سَيُولَدُ (و) يشْتَرط فِي الْمحبس عَلَيْهِ أَن يكون أَهلا للتَّمَلُّك حَقِيقَة كزيد والفقراء أَو حكما كقنطرة وَمَسْجِد وَلَا يشْتَرط كَونه كَبِيرا وَلَا مَوْجُودا بل (للكبار وَالصغَار يعْقد وللجنين) الْمَوْجُود فِي بطن أمه بل (وَلمن) لم يُوجد فِي الْبَطن وَلَكِن (سيولد) فِي الْمُسْتَقْبل وَالْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَالْوَصِيَّة مثل الْحَبْس فِي ذَلِك، وَيتم ذَلِك وَيلْزم باستهلال من فِي الْبَطن أَو سيوجد (خَ) كمن سَيكون إِن اسْتهلّ أَي إِذا قَالَ: هُوَ حبس أَو صَدَقَة على من سيولد لفُلَان فَإِن ذَلِك صَحِيح قبل الْولادَة غير لَازم للمحبس وَنَحْوه حَتَّى يُوجد ويستهل، وَلذَا كَانَ للمحبس وَنَحْوه أَن يَبِيع أَو يهب قبل الْولادَة بِالْكُلِّيَّةِ على الْمَذْهَب فَإِن بَاعَ بعد أَن ولد لَهُ وَمَات الْوَلَد وَلم يحصل الْيَأْس من ولادَة غَيره فَلَا يجوز اتِّفَاقًا، وَيفهم من هَذَا أَنه لَو قَالَ: هُوَ حبس على مَا يُولد لي أَو لفُلَان وبعدهم على الْمَسَاكِين فَمَاتَ قبل أَن يُولد لَهُ أَو حصل لَهُ الْيَأْس من ولادتهما أَن الْحَبْس يبطل وَيرجع مِيرَاثا، وَأما إِن وجد الْوَلَد وَمَات فَإِنَّهُ يسْتَمر حبسا على الْمَسَاكِين، وَيفهم من هَذَا أَيْضا أَن الْغلَّة لَا توقف بل هِيَ للمحبس أَو ورثته حَتَّى يُوجد الْوَلَد ويستهل وَهُوَ كَذَلِك على الْمَعْمُول بِهِ لِأَنَّهُ لَا يلْزم إِلَّا بالاستهلال كَمَا مرّ. تَنْبِيهَانِ. الأول: يشْتَرط قبُول الْمحبس عَلَيْهِ حَقِيقَة أَو حكما كَمَا لَو قَبضه وَصَارَ يتَصَرَّف فِيهِ لِأَن ذَلِك أقوى فِي الدّلَالَة على الرِّضَا من التَّصْرِيح بِهِ، فَإِذا سقط لفظ الْقبُول من الْوَثِيقَة فَإِن ذَلِك لَا يضر حَيْثُ وجد الْقَبْض الْمَذْكُور فالقبض يسْتَلْزم الْقبُول وَالْقَبُول لَا يسْتَلْزم الْقَبْض، وَلذَا إِذا لم يقبض الْحَبْس حَتَّى مَاتَ الْمحبس أَو الْمحبس عَلَيْهِ الْمعِين لَهُ بِخُصُوصِهِ فَإِنَّهُ يبطل وَلَو تضمن الرَّسْم الْقبُول فَإِن حبس شِقْصا على شخص أَو تصدق بِهِ عَلَيْهِ وعرفه بذلك فَسكت وَلم يقل قبلت وَترك ذَلِك زَمَانا، ثمَّ قَامَ وَأَرَادَ قبض ذَلِك وحيازته فَلهُ ذَلِك حَيْثُ لم يكن مَانع من موت أَو مرض أَو فلس، فَإِن طلب غلَّة ذَلِك حلف أَنه لم يسكت على وَجه التّرْك وَرجع بهَا قَالَه فِي الِاسْتِغْنَاء وَنَقله ابْن عَرَفَة قَالَ: وَفِيه مَعَ ركنية الْقبُول نظر الْأَعْلَى أَن بت الْخِيَار مُوجب بته يَوْم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 عقده اه. أَي: لِأَن الْقبُول إِذا كَانَ ركنا فمعلوم أَن الْمَاهِيّة تنعدم بانعدام بعض أَرْكَانهَا وَذَلِكَ مُوجب لكَونه لَا غلَّة لَهُ، نعم مَا فِي الِاسْتِغْنَاء هُوَ الْجَارِي على من تصدق بِأمة فَلم يقبلهَا الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ حَتَّى ولدت أَوْلَادًا فَإِنَّهَا تكون لَهُ هِيَ وَأَوْلَادهَا، وَلَو أَخذ السَّيِّد أرش قتل بعض أَوْلَادهَا فَإِن الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ يرجع عَلَيْهِ بِهِ قَالَه فِي سَماع عِيسَى، وَلَا يظْهر فرق بَين أَوْلَاد الْأمة وَالْغلَّة الْمَذْكُورَة، وَبحث ابْن عَرَفَة وَغَيره. لَا يدْفع الْفِقْه كَمَا تقرر عِنْدهم وَالله أعلم. وَأما الْمَحْجُور من صَغِير وسفيه فَإِنَّهُ يُقَام لَهُ من يقبل من وَصِيّ ومقدم، فَإِن لم يقبل من لَهُ أَهْلِيَّة الْقبُول دفع لغيره مِمَّن يسْتَحق ذَلِك بِاجْتِهَاد الْحَاكِم وَلَا يرد للمحبس، فَإِن لم تكن فِيهِ أَهْلِيَّة للقبول كالمساجد والقناطر والفقراء فَلَا يشْتَرط قبولهم، وَالْوَصِيّ وَنَحْوه لَيْسَ لَهُ أَن يرد مَا وقف على مَحْجُوره فَإِن رد لم يَصح رده. الثَّانِي: إِذا قَالَ: حبس على فلَان وَأطلق وَلم يُقيد بِأَجل وَلَا بحياته فَإِنَّهُ يرجع بعد موت الْمحبس عَلَيْهِ ملكا على الْمُعْتَمد، وَأَحْرَى إِن قيد بِالْحَيَاةِ أَو بالأجل وَاخْتلف إِذا قَالَ: هُوَ صَدَقَة عَلَيْك وعَلى ولدك أَو على عقبك هَل يكون ملكا أَو حبسا. اللَّخْمِيّ: وَالْأول أحسن وَلَكِن يمْنَع الأول من التفويت لحق الثَّانِي كَذَا قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَسَيَأْتِي نَفسه فِي الْهِبَة إِن شَاءَ الله. ويَجِبُ النَّصُّ عَلَى الثِّمَارِ وَالزَّرْع حَيْثُ الحَبْسُ لِلصِّغار (و) إِذا كَانَ فِي الأَرْض أَو فِي الْأَشْجَار المحبسة زرع أَو ثَمَر مَأْبُور فِي رؤوسها ف (يجب النَّص على) إِدْخَال تِلْكَ (الثِّمَار و) ذَلِك (الزَّرْع) فِي الْحَبْس فَإِن لم ينص على دخولهما وَحصل مَانع قبل الْجذاذ والحصاد بَطل (حَيْثُ) كَانَ (الْحَبْس) من الْأَب (للصغار) من بنيه لِأَنَّهُ قد شغل الْحَبْس بزرعه وثمرته فَلم تتمّ فِيهِ حيازته لَهُم، وَهَذَا إِذا كَانَ الزَّرْع وَالثَّمَر فِي أَكثر الحباسة فَإِن كَانَا فِي ثلثه فَأَقل نفذ الْحَبْس فِي الْأَمْلَاك دون الثَّمَرَة لِأَنَّهُ يجوز لَهُ أَن يسْتَثْنى من حَبسه أَو صدقته قدر ثلث المساكن فِي الدَّار وَثلث الْغلَّة فِيمَا لَهُ غلَّة ثمَّ يلْحق بعد مَوته بِالْحَبْسِ أَو الصَّدَقَة قَالَه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَفِي المعيار: أَن هبة الدَّار المكتراة لَا بُد أَن يدْخل الْكِرَاء فِي هبة الدَّار وإلاَّ جرى فِيهَا مَا تقدم، ثمَّ إِنَّمَا يتم إِلْحَاقه بعد مَوته إِذا كَانَ الْمحبس عَلَيْهِ غير وَارِث وَحمل ذَلِك ثلثه قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة أَيْضا. فَقَوْل النَّاظِم: وَيجب الخ يَعْنِي على جِهَة الْأَوْلَوِيَّة لِأَنَّهُ إِذا لم ينص على ذَلِك أَو لم يرد إِدْخَال ذَلِك فِي الْحَبْس وَلم يحصل مَانع قبل الْجذاذ والحصاد فالحيازة تَامَّة، وَقَوْلِي: مَأْبُور احْتِرَازًا من غَيره فَإِنَّهُ للمحبس عَلَيْهِ فَلَا تَأتي فِيهِ الْعلَّة الْمُتَقَدّمَة، وَمَفْهُوم للصغار وَمن فِي معناهم من سَفِيه ومعتوه أَنه إِذا حَبسه على الْكِبَار الرشداء وقبضوا الْأُصُول بِمَا فِيهَا فَإِن حيازتهم تَامَّة وَإِن كَانَت الثَّمَرَة لِرَبِّهَا، وَكَذَا لَو حبس على غَيرهم دَار فقبضوها وفيهَا مَتَاع لَهُ فَإِن الْحِيَازَة تَامَّة لأَنهم قبضوها وزائداً مَعهَا كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَابْن سَلمُون. وَانْظُر مَا يَأْتِي آخر الْهِبَة من أَنه يجوز أَن يهب لَهُ أَرضًا ويستثني غَلَّتهَا سِنِين وَهَذَا فِي غير دَار سكناهُ كَمَا قَالَ: وَمَنْ يُحَبِّسْ دارَ سُكْنَاهُ فَلاَ يَصِحُّ إلاّ أنْ يُعَايَنَ الْخَلاَ (وَمن يحبس دَار سكناهُ) على بنيه أَو على غَيرهم (فَلَا يَصح) الْحَوْز (إِلَّا أَن يعاين الخلا) مِنْهَا وَيشْهد عَدْلَانِ بمعاينتها خَالِيَة من شواغل الْمحبس وَيسْتَمر على خُرُوجه مِنْهَا عَاما كَامِلا، فَإِن رَجَعَ لسكناها قبله وَبَقِي فِيهَا حَتَّى مَاتَ أَو حصل مَانع بَطل إِلَّا أَن يكون الْمحبس مَرِيضا أَو طريداً فآواه الْمحبس عَلَيْهِ فَمَاتَ فَذَلِك كلا رُجُوع كَمَا فِي كتاب الصَّدَقَة من ابْن سَلمُون (خَ) عاطفاً على المبطلات أَو عَاد لسكنى مَسْكَنه قبل عَام، وَظَاهر هَذَا وَلَو رَجَعَ إِلَيْهَا بكرَاء عقده فِيهَا بِأَن قَومهَا أَرْبَاب الْمعرفَة بكرَاء قدره كَذَا وسكنها بذلك الْكِرَاء، وَبِه صرح المتيطي فِي الصَّدَقَة قَالَ: وَلَو جَازَ ذَلِك بالكراء لجَاز بِغَيْر كِرَاء. قَالَ: فَإِن لم يسكنهَا وَلَكِن أسكنها غَيره فَإِن أسْكنهُ إِيَّاهَا على وَجه الْعُمْرَى أَو الإسكان بطلت، وَإِن كَانَ بكرَاء صحت، وَإِن شكّ هَل بكرَاء أَو إسكان صحت، وَأما غير دَار السُّكْنَى إِذا عَاد إِلَيْهِ قبل الْعَام بكرَاء كَمَا لَو وهب لصغير فداناً من أَرض ثمَّ حرثه قبل الْعَام بكرَاء قوَّمه بِهِ أَرْبَاب الْمعرفَة فَإِنَّهُ لَا يبطل كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي هبات المعيار. إِلَّا أَن يعاين الْخَلَاء يَعْنِي لكلها أَو جلها كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْهِبَة: وَدَار سكناهُ إِلَّا أَن يسكن أقلهَا ويكرى لَهُ الْأَكْثَر وَإِن سكن النّصْف بَطل فَقَط، وَالْأَكْثَر بَطل الْجَمِيع الخ. وَالْهِبَة وَالْحَبْس من وَاد وَاحِد كَمَا يَأْتِي، وَظَاهره أَنه لَا بُد من إخلائها وَلَو حَبسهَا على مَحْجُوره مَعَ مَا فِيهَا من الْأَمْتِعَة. انْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله فِي الْهِبَة: وَإِن يكن مَوضِع سكناهُ وهب الخ. وَنَافِذٌ تَحْبِيسُ مَا قَدْ سَكَنَهْ بِما كالاكِتراءِ مِنْ بَعْدِ السَّنَهْ (ونافذ تحبيس مَا قد سكنه) بعد تحبيسه (بِمَا كالاكتراء من بعد السنه) الظَّاهِر أَن مَا وَالْكَاف زائدتان، وَظَاهره أَن الْكِرَاء شَرط فِي صِحَة حيازته وَلَيْسَ كَذَلِك بل مهما رَجَعَ بعد السّنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 فالحيازة تَامَّة على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ، وَلَو رَجَعَ بِغَيْر كِرَاء كَمَا أَن قَوْله: إنْ كانَ مَا حُبِّسَ لِلْكِبَارِ وَمِثْلُ ذاكَ فِي الهباتِ جَارِي (إِن كَانَ مَا حبس للكبار) إِنَّمَا يتمشى على طَريقَة ابْن رشد، وَأما على الْمَشْهُور فَلَا مَفْهُوم للشّرط الْمَذْكُور كَمَا هُوَ ظَاهر مَفْهُوم نَص (خَ) الْمُتَقَدّم. وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا فرق بَين الصغار والكبار فِي صِحَة الْحَبْس إِن رَجَعَ بعد الْعَام كَانَ رُجُوعه بكرَاء أَو إرفاق أَو غير ذَلِك كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة قَائِلا: لَو تصدق عَلَيْهِ بدار حازها لَهُ سنتَيْن ثمَّ سكنها بكرَاء أَو غَيره وَمَات فِيهَا فَهِيَ مَاضِيَة اه. وَنَحْوه فِي الْمجَالِس والمفيد وَغَيرهمَا خلافًا لما فِي زمن أَنه إِذا رَجَعَ إِلَيْهَا بإرفاق بَطل لِأَنَّهُ إِنَّمَا يتمشى على طَريقَة ابْن رشد الَّتِي درج النَّاظِم عَلَيْهَا وَهِي مُعْتَرضَة كَمَا نظم ذَلِك الإِمَام المزواري بقوله: رُجُوع وَاقِف لما قد وَقفا بعد مُضِيّ سنة قد خففا على صبي كَانَ أَو ذِي رشد واعترضت طَريقَة ابْن رشد (وَمثل ذَاك) الحكم الْمَذْكُور فِي الْحَبْس (فِي الهبات) وَالصَّدقَات (جَار) لِأَنَّهَا من وَاد وَاحِد فِي وجوب الْحِيَازَة. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا ثَبت رُجُوعه قبل السّنة أَو بعْدهَا فَلَا إِشْكَال وَإِن جهل الْحَال هَل رَجَعَ قبل السّنة أَو بعْدهَا فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الوانشريسي وَنَقله الفاسي فِي جَوَاب لَهُ: أَنه يحمل على رُجُوعه قبل السّنة وَلَا يُعَارضهُ مَا فِي أحباس المعيار فِيمَن حبس على صَغِير ثمَّ بَاعه من أَنه إِذا ثَبت أَن بَيْعه قبل الْعَام فَالْبيع صَحِيح وَلَا قيام للمحبس عَلَيْهِ وَلَا لمن مرجعه لَهُ، أما لَو تمّ الاحتياز بانصرام الْعَام فَالْبيع مفسوخ وَيجب الرُّجُوع بِالثّمن على البَائِع أَو على تركته إِن مَاتَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا تكلم على مَا إِذا ثَبت ذَلِك قبل الْعَام أَو بعده، وَأما عِنْد الْجَهْل فَلم يتَكَلَّم عَلَيْهِ وَإِن كَانَ قَوْله: إِذا ثَبت أَن بَيْعه قبل الْعَام الخ. رُبمَا يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ أَنه إِذا لم يثبت وَجَهل أمره يحمل على مَا بعد الْعَام الخ. لِأَنَّهُ لَا يُعَارض صَرِيح بِظَاهِر وَلَا بمحتمل، وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: والحوز شَرط الخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 الثَّانِي: لَا بُد أَن يضمن الشُّهُود فِي الرَّسْم معرفَة صغر الْمحبس عَلَيْهِ لِئَلَّا يقوم عَلَيْهِ قَائِم وَهُوَ كَبِير فَيَقُول لَهُ: لم يتَصَدَّق عَلَيْك إِلَّا وَأَنت كَبِير وَلم تحز، وَيَقُول هُوَ: كنت صَغِيرا، وَقد اخْتلف فِي قَول أَيهمْ يقبل، وَالظَّاهِر أَنه يقبل قَول الصَّغِير لِأَنَّهُ يَدعِي الصِّحَّة فَإِن مَاتَ الْأَب بعد بُلُوغ الابْن وَالْحَبْس أَو الْهِبَة بِيَدِهِ فَإِن كَانَ الابْن مَعْرُوف الرشد وَقت بُلُوغه بَطل، وَإِن كَانَ مَعْرُوف السَّفه صَحَّ، وَإِن كَانَ مشكوكاً وَمَضَت لَهُ سنة من موت الْأَب بَطل قَالَه فِي هبات المعيار. وَإِذا بلغ بَعضهم وَلم يبلغ الْبَعْض الآخر حَاز الْكَبِير لنَفسِهِ وللصغار بوكالة الْأَب، وَظَاهر الْمُدَوَّنَة أَنهم محمولون على السَّفه حَتَّى يتَبَيَّن الرشد وَهُوَ ظَاهر قَوْله تَعَالَى: فان آنستم مِنْهُم رشدا} (النِّسَاء: 6) وَعَلِيهِ فَإِذا مَاتَ الْأَب بعد الْبلُوغ لَا تبطل الْهِبَة قَالَه أَبُو الْحسن. وَقَوله: بوكالة الْأَب لَا مَفْهُوم لَهُ، وَقَوله: لَا تبطل الْهِبَة يَعْنِي حَتَّى يمْضِي لَهُ عَام من يَوْم موت الْأَب كَمَا مر، وَقَوْلهمْ: إِذا رشد وَلم يحز لنَفسِهِ بَطل مَحَله إِذا لم يكن الْأَب قدم من يحوزه كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَينفذ التحبيس فِي جَمِيع مَا. الخ. الثَّالِث: إِشْهَاد الْوَلِيّ بِالْحَبْسِ على مَحْجُوره لَا بُد مِنْهُ وَذَلِكَ حوز لِابْنِهِ وَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يَقُول: رفعت يَد الْملك وَأثبت يَد الْحَوْز، وَلَا إِلَى أَن يَقُول الموثق وَحَازَ لَهُم إِلَى أَن يبلغُوا مبلغ الْحَوْز كَمَا فِي المعيار وَابْن سَلمُون فِي فصل الصَّدَقَة وَيتم حوزه لَهُ بعد الْإِشْهَاد بِصَرْف الْغلَّة فِي مصَالح ابْنه تَحْقِيقا أَو احْتِمَالا، فَإِن علم أَنه كَانَ يصرف الْغلَّة فِي مصَالح نَفسه دون مصَالح ابْنه بَطل، وَالْعلم بذلك إِنَّمَا هُوَ بِإِقْرَارِهِ أَو بِقَرِينَة كَمَا فِي الدّرّ النثير، فَإِذا أقرّ أَنه صرفهَا لنَفسِهِ أَو فِي مصَالح ابْنه فَإِنَّهُ يصدق وَتُؤْخَذ من تركته فِيمَا إِذا قَالَ: إِنَّهَا مَوْضُوعَة تَحت يَده قدرهَا كَذَا فَإِن لم يقر بِشَيْء حَتَّى مَاتَ فَهُوَ مَحْمُول على أَنه صرفهَا لِابْنِهِ، وَكَذَا يُقَال فِي الْهِبَة وَالصَّدَََقَة، وَمَا للشَّيْخ الرهوني فِي بَاب الْهِبَة مِمَّا يُخَالف هَذَا لَا يَنْبَغِي التعويل عَلَيْهِ. وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الْهِبَة وَقد أَفْتيت فِي بَيِّنَة جَاءَت من سجلماسة شهِدت بِأَن الْمحبس كَانَ ىأكل غلَّة مَا حَبسه على صغَار بنيه بِمَا نَصه: هَذِه الْبَيِّنَة قد أجملت فِي مُسْتَند علمهَا هَل كَانَ ذَلِك بمحضرها أَو بِإِقْرَارِهِ لَدَيْهَا، وَلَا يتم أَن يكون ذَلِك بمحضرها إِلَّا إِذا كَانَت تصاحبه فِي أوقاته كلهَا وَذَلِكَ مُتَعَذر، وَلذَا قَالَ ابْن لبَابَة: هُوَ من الْغمُوس الَّذِي لَا يجوز، وَأَيْضًا فَإِن قَوْلهَا ذَلِك مهمل مِمَّا لَا يدل على تَعْمِيم أَو تبعيض، وَمَا كَانَ كَذَلِك فَهُوَ مَحْمُول على التَّبْعِيض لِأَنَّهُ الْمُحَقق وَغَيره مَشْكُوك، فَيكون الْمَعْنى أكل بعض ثمره أَو زرعه، وعَلى أَنه أكل الْجَمِيع فَيحْتَمل أَن يكون أكل الْجَمِيع فِي بعض السنين دون بعض، وَهَذَا الْبَعْض إِمَّا الجل أَو النّصْف أَو الْأَقَل وَلَا يبطل شَيْء من العطايا باستغلال الْأَقَل فَلَا يبطل الْحَبْس الْمَذْكُور إِلَّا بِثُبُوت أكل الْجَمِيع أَو الْأَكْثَر وَلَا دَلِيل عَلَيْهِ وَالله أعلم. ثمَّ أَن الْإِشْهَاد شَرط صِحَة فِي التَّبَرُّعَات من حَيْثُ هِيَ وَفِي كل مَا كَانَ من غير عوض كالتوكيل وَالضَّمان وَنَحْوهمَا، وَلَا يخْتَص الْإِشْهَاد بالتبرع على الصَّغِير فَقَط إِذْ لَا معنى لكَونه شرطا فِي الصَّغِير دون الْكَبِير كَمَا قد يتَبَادَر، وَحِينَئِذٍ فَإِذا قَالَ: حبست أَو تَصَدَّقت أَو وكلت أَو أوصيت وَلم يقل اشْهَدُوا عَليّ بذلك وَلم يفهم من حَاله أَنه قصدهم إِلَى الْإِشْهَاد عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَصح شَيْء من ذَلِك، وَكَذَا لَو كتب ذَلِك وَلم يشهدهم عَلَيْهِ فَلَا ينفذ شَيْء مِنْهُ لِأَنَّهُ قد يَقُول أَو يكْتب وَهُوَ غير عازم على شَيْء من ذَلِك كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْوَصِيَّة. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: مثله فِي الرجل يَقُول لوَلَده: أصلح نَفسك وَلَك كَذَا فَإِنَّهُ إِذا لم يشْهد لَا شَيْء لَهُ لاحْتِمَال أَنه يُرِيد التحريض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 نَقله (ح) فِي بَاب الْهِبَة، وَقَالَ ابْن سَلمُون فِي فصل بيع الْوَكِيل: فَإِن لم يبينا فِي شَهَادَتهمَا أَن الْمُوكل أشهدهما بِالْوكَالَةِ فشهادتهما بَاطِلَة لَا يعْمل بهَا اه. وَقد قَالُوا أَيْضا: إِن الْمَوْهُوب لَهُ إِذا وهب الْهِبَة وَأشْهد فَذَلِك حوز وإلاَّ فَلَا كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْهِبَة: أَو وهب إِذا أشهد وأعلن الخ. وَإِذا لم يكن حوز إِلَّا مَعَ الْإِشْهَاد فَكَذَلِك لَا تكون هبة إِلَّا مَعَه أَيْضا. الرَّابِع: إِذا حبس الْوَلِيّ على محجورة جُزْءا شَائِعا فِي جَمِيع مَاله وَله أصُول وَربَاع وعروض ورقيق وماشية وناض وَطَعَام صَحَّ ذَلِك على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَرِوَايَته عَن مَالك فِي جَمِيع مَا كَانَ يملك يَوْم الْهِبَة من الْأُصُول والرباع وَالْعرُوض والماشية حاشا مَا سكن من الدَّار أَو لبس من الثِّيَاب، وَأما الطَّعَام والناض فَيبْطل الْحَبْس فِيهِ إِذْ لَا يعرف بِعَيْنِه إِلَّا أَن يَضَعهُ على غير يَده قَالَه فِي الْبَيَان، وَنَحْوه لِابْنِ نَاجِي أول كتاب الْهِبَة من الْمُدَوَّنَة قَائِلا: الْمَشْهُور صِحَة هبة الْمشَاع مَعَ بَقَاء يَد الْوَاهِب تجول فِيهِ مَعَ الْمَوْهُوب لَهُ اه. لَكِن الْكَبِير لَا بُد أَن يتَصَرَّف مَعَ الْوَاهِب، وَأما الصَّغِير فَإِن حوز الْأَب لَهُ كَاف كَمَا مرّ. وَقَوله فِي الْبَيَان: صَحَّ ذَلِك حَتَّى فِي الْعرُوض والماشية الخ. هَذَا إِذا لم يكن هُنَاكَ مُنَازع وإلاَّ فَلَا يقْضِي للِابْن إِلَّا بِمَا عين مِنْهُمَا بتوقيف الشُّهُود عَلَيْهِمَا أَو بِوَصْف يتَحَصَّل بِهِ تمييزها كَمَا قَالَه ابْن مَالك وَابْن عتاب، وَمَا ذَلِك إِلَّا لالتباسهما بِمَا اكْتَسبهُ الْأَب بعد الْهِبَة بشرَاء وَنَحْوه فَلَا يحكم للِابْن إِلَّا بِمَا شهِدت الْبَيِّنَة أَن الْحَبْس أَو الْهِبَة وَقعا على عينه بِخِلَاف الْأُصُول، فَإِن الْغَالِب عدم الزِّيَادَة عَلَيْهَا وَإِن زَاد شَيْئا فَإِن الْغَالِب شهرته عِنْد النَّاس كَمَا قَالُوهُ فِيمَن أنكر أصل الْمُعَامَلَة فَقَامَتْ بَيِّنَة بِالْقضَاءِ، وَلذَا قَالَ ابْن سهل فِي بَاب الْوَصَايَا عَن ابْن لبَابَة وَغَيره: أَن الصَّدَقَة إِذا كَانَت على ابْنه بِجَمِيعِ مَاله فَلَا حِيَازَة على الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ يَعْنِي عِنْد إِرَادَة الحكم، وَإِن كَانَ تصدق بأحقال بِأَعْيَانِهَا فَالْمَال موروث حَتَّى تحوز الْبَيِّنَة الأحقال لِأَنَّهَا لَا تتَمَيَّز من الْمَوْرُوث إِلَّا بالحيازة والتحديد، وَهَذَا إِذا تنازعوا فِي الْحُدُود وإلاَّ فَسَيَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم: وناب عَن حِيَازَة الشُّهُود توَافق الْخَصْمَيْنِ فِي الْحُدُود وَهَذَا يبطل مَا فِي المعيار عَن العبدوسي فِيمَن حبس جَمِيع مَا يملكهُ بقرية كَذَا من الدّور والجنات على صغَار بنيه وحازه لَهُم ثمَّ توفّي قَالَ فِي الْجَواب: إِن الْحَبْس بَاطِل لعدم تعْيين الْأَمْلَاك المحبسة الخ. وَلما نقل ابْن رحال جَوَاب العبدوسي قَالَ: الْحق فِي النَّازِلَة أَن الْحَبْس صَحِيح وكل مَا عرف للمحبس بِتِلْكَ الْقرْيَة فَلَا إِرْث فِيهِ الخ. وَكَأَنَّهُ لم يقف على مَا تقدم عَن ابْن سهل وإلاَّ فَهُوَ أولى مَا يرد بِهِ جَوَاب العبدوسي، وَقَالَ الإِمَام القَاضِي سَيِّدي عِيسَى السجتاني فِي نوازله: إِنَّمَا يشْتَرط التَّحْدِيد فِي صِحَة الحكم بِالْحَبْسِ، وَمن ظن أَنه شَرط فِي صِحَة الْحَبْس فَهُوَ غالط نعم يشْتَرط معرفَة الشَّيْء الْمحبس عِنْد إِرَادَة الحكم لِئَلَّا يلتبس بِالْمِيرَاثِ. وَحَيْثُ لَا لبس لَا يضر عدم التَّحْدِيد كَمَا إِذا قَالَ الْمحبس: حبست جَمِيع الْملك الْفُلَانِيّ فِي مَوضِع كَذَا اه. وَهَذَا كُله كَاف فِي رد جَوَاب العبدوسي، وَأما إِن تصدق عَلَيْهِ بِعَدَد كمائة من غنمه أَو عبيده فَإِن وسم الْغنم أَو وصفت بِأَعْيَانِهَا صحت وإلاَّ بطلت قَالَه الإِمَام مَالك. ابْن رشد: قَوْله هَذَا فِي الَّذِي تصدق على ابْنه بِعَدَد من غنمه أَو خيله هُوَ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ وَقد كَانَ يَقُول فِي حيازته للعدد جَائِزَة وَإِن لم يسمهَا وَلَا قسمهَا كالجزء الْمشَاع اه. وَقد تحصل أَنه إِذا تصدق عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 بِجَمِيعِ ملكه الَّذِي فِي مَحل كَذَا فَلَا حِيَازَة عِنْد إِرَادَة الحكم بل كل مَا عرف للمحبس أَو الْمُتَصَدّق بذلك الْمحل فَهُوَ للمحبس أَو الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ بأحقال وَلم يتوافقا على حُدُودهَا فَلَا بُد من الْحِيَازَة عِنْد إِرَادَة الحكم، وَأما إِن تصدق بِجُزْء مشَاع أَو بِعَدَد من مائَة مثلا فالأقوال ثَلَاثَة، الصِّحَّة فيهمَا عدمهَا فيهمَا صِحَّتهَا فِي الْمشَاع دون الْعدَد وَهُوَ الْمُعْتَمد. الْخَامِس: إِذا اسْتحقَّت الدَّار وَنَحْوهَا بِالْحَبْسِ فَلَا يقْضى للقائم بِهِ إِلَّا بعد إِثْبَات التحبيس وَملك الْمحبس لما حبس يَوْم التحبيس والإعذار فِيهِ للمقوم عَلَيْهِ لاحْتِمَال أَن يكون حبس غير ملكه كَمَا أَن المُشْتَرِي لَا يقْضِي لَهُ بِمَا اشْتَرَاهُ إِلَّا بعد ثُبُوت الْملك لبَائِعه. انْظُر مَا تقدم فِي شَهَادَة السماع عِنْد قَوْله: وَحبس جَازَ من السنين الخ. وَمعنى ثُبُوت ملكه هُوَ مَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: وَصِحَّة الْملك بِالتَّصَرُّفِ وَعدم مُنَازع وحوز طَال كعشرة أشهر الخ. وَسَيَأْتِي ذَلِك فِي الِاسْتِحْقَاق إِن شَاءَ الله. وكلّ مَا يَشْتَرِطُ المُحَبِّسُ مِنْ سائِغٍ شَرْعاً عَلَيْهِ الْحبْسُ (وكل مَا يشْتَرط الْمحبس) مُبْتَدأ أَو عطف على قَوْله، تحبيس مَا قد سكنه (من سَائِغ شرعا) بَيَان لما وَقَوله (عَلَيْهِ الْحَبْس) جملَة من مُبْتَدأ وَخبر خبر عَن كل وَهَذَا على أَنه مُبْتَدأ، وَأما على عطفه على مَا تقدم فالحبس فَاعل بِفعل مَحْذُوف مَعْطُوف بِحَذْف العاطف على جملَة يشْتَرط، وَالتَّقْدِير: ونافذ كل مَا يَشْتَرِطه الْمحبس وَيَقَع الْحَبْس عَلَيْهِ أَي على اشْتِرَاطه من سَائِغ شرعا وَمثل للسائغ بقوله: مثْلِ التَّساوي ودُخولِ الأَسْفَلِ وَبَيْعِ حظِّ مَنْ بِفَقْرٍ ابْتُلِي (مثل) اشْتِرَاط عدم (التَّسَاوِي) بِأَن يَقُول فِي حَبسه: للذّكر مثل خطّ الْأُنْثَيَيْنِ} (النِّسَاء: 11) أَو الْعَكْس فَإِن أطلق حمل على التَّسَاوِي (و) مثل عدم (دُخُول الْأَسْفَل) من الطَّبَقَات مَعَ الْأَعْلَى مِنْهَا فَإِن لم يشْتَرط عدم دُخُوله فَهُوَ دَاخل إِن عطف بِالْوَاو، وَلذَا قَدرنَا لَفْظَة عدم لِأَن الأَصْل دُخُوله مَعَ الْوَاو وَالْإِطْلَاق حَتَّى يشْتَرط عدم الدُّخُول، فَإِن عطف بثم فَلَا يدْخل الْأَسْفَل حَتَّى ينقرض الْأَعْلَى إِلَّا أَن من مَاتَ من الْأَعْلَى فولده يقوم مقَامه وَيدخل مَعَ أَعْمَامه كَمَا فِي (ح) فَإِن قَالَ: هُوَ حبس على فلَان ثمَّ على عقبه وعقب عقبه فَفِي دُخُول عقب الْعقب مَعَ الْعقب لعطفه بِالْوَاو وَكَونه بعده على أَن التَّرْتِيب لأجل تقدم الْعَطف بثم قَولَانِ ذكرهمَا ابْن عَرَفَة. وَيظْهر مِنْهُ رُجْحَان الأول، وَمن هَذَا من حبس على أَوْلَاد أَوْلَاده الثَّلَاثَة الثُّلُث لأَوْلَاد كل وَاحِد فَلَو قلوا أَو كَثُرُوا وَقَالَ فِي تحبيسه: من مَاتَ من أَوْلَاده الثَّلَاثَة من غير عقب فَنصِيبه يرجع لأَوْلَاد أَخَوَيْهِ ثمَّ مَاتَ أحدهم عَن غير عقب فَهَل نصِيبه يقسم على عدد رُؤُوس أَخَوَيْهِ نظرا إِلَى عدم التَّفْصِيل فِي الْمرجع أَو يقسم بَينهمَا نِصْفَيْنِ نظرا إِلَى التَّفْصِيل فِي أصل التحبيس؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 فأفتيت بِأَنَّهُ يتَخَرَّج ذَلِك على الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَة الأولى ذكر التَّرْتِيب أَولا وأسقطه ثَانِيًا، وَفِي مَسْأَلَة التَّخْرِيج ذكر التَّفْصِيل أَولا وأسقطه ثَانِيًا، فالمحبس وَإِن أبهم فِي قَوْله رَجَعَ الخ. فَإِن ذَلِك يحمل على مَا فَصله أَولا فِي أصل تحبيسه، وَلِهَذَا قَالَ ابْن رشد وَغَيره: إِذا كَانَ كَلَام الْمحبس مُحْتملا لوَجْهَيْنِ فَأكْثر فَإِنَّهُ يحمل على أظهر محتملاته، وَأظْهر المحتملات هُنَا جَرَيَان الْمرجع على التَّفْصِيل الْمَذْكُور فِي أصل التحبيس وَالله أعلم. (و) مثل اشْتِرَاط (بيع حَظّ من بفقر ابْتُلِيَ) فَإِنَّهُ يتبع شَرطه أَيْضا وَيجوز لَهُ بيع حَظه عِنْد فقره (ح) : وَاتبع شَرطه إِن حَاز كتخصيص مَذْهَب أَو نَاظر أَو تبدية فلَان بِكَذَا الخ. لِأَن أَلْفَاظ الْوَاقِف تتبع كألفاظ الشَّارِع قَالَه فِي ضيح، وَمَفْهُوم من سَائِغ شرعا أَنه إِذا شَرط مَا هُوَ مُتَّفق على عدم جَوَازه شرعا لم يتبع وَأما الْمُخْتَلف فِيهِ كاشتراط إِخْرَاج الْبَنَات من وَقفه إِذا تَزَوَّجن فَإِنَّهُ يتبع انْظُر (ح) وَمحل الِاتِّبَاع الْمَذْكُور إِذا أمكن فَإِن لم يُمكن كشرطه الِانْتِفَاع بِكِتَاب فِي خزانَة لَا يخرج مِنْهَا أَو تعذر صرفه فِي الْوَجْه الَّذِي عينه لَهُ كالقنطرة أَو الْمَسْجِد يهدمان وَلَا يُرْجَى عودهما فَإِنَّهُ لَا يتبع وَينْتَفع بِالْكتاب فِي غير الخزانة وبأنقاض القنطرة وَالْمَسْجِد فِي مثليهما. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا عين الْمحبس نَاظرا فَلَيْسَ لَهُ عَزله لتَعلق حق الْمحبس عَلَيْهِم بنظره لَهُم حَتَّى يثبت مَا يُوجب تَأْخِيره من تَقْصِيره وتفريطه قَالَه فِي المعيار عَن ابْن لب قَالَ: وَهَذَا بِمَنْزِلَة مقدم القَاضِي على النّظر فِي أَمر الْمَحْجُور أَو الْمحبس فَلَا يعزله أحد لَا القَاضِي الَّذِي ولاه وَلَا غَيره إِلَّا أَن يثبت مَا يُوجب عَزله، وَنَحْوه فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة: وَالْوَصِيّ إِذا ترك دين يتيمة حَتَّى أفلس من عَلَيْهِ الدّين فَإِن تَركه التّرْك الْمَعْهُود فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَإِن تَركه وَأَهْمَلَهُ جدا ضمن وناظر الأحباس فِيمَا يقبضهُ من الْكِرَاء كالوصي فِيمَا مرّ، فَفِي الوكالات من الْبُرْزُليّ أَن نَاظر الأحباس إِذا فرط فِي قبضهَا وَقَالَ: إِنَّه بَاقٍ عِنْد سكانه أَن ابْن عَرَفَة أفتى بتضمينه، وبمثله حكم ابْن عبد السَّلَام قبله قَالَ: وَنَحْوه لِابْنِ سهل فِي الْوَصِيّ إِذا بور ربع الْيَتِيم. الثَّانِي: ذكر فِي المعيار عَن سَيِّدي عبد الله العبدوسي أَنه إِذا ثَبت بِالْعَادَةِ المستمرة أَن السُّلْطَان يَأْخُذ جباية الأحباس فَالْقَوْل للنَّاظِر مَعَ يَمِينه، لقد جمع مَا زعم أَن السُّلْطَان أَخذه مِنْهُ وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ اه. وَحَيْثُ جَاءَ مُطْلقاً لفْظُ الوَلَدْ فَوَلَدْ الذُّكورِ داخِلٍ فَقَدْ (وَحَيْثُ جَاءَ مُطلقًا لفظ الْوَلَد) من غير تَفْسِير بفلان وفلانة كَمَا فِي الصُّورَة الْآتِيَة، بل قَالَ: حبست على أَوْلَادِي وَأَوْلَاد أَوْلَادِي أَو قَالَ على وَلَدي وَولد وَلَدي، لِأَن المُرَاد الْجِنْس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 وَأَحْرَى لَو أفرد فَقَالَ: على وَلَدي أَو على أَوْلَادِي من غير عطف عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يدْخل فِي ذَلِك كُله أَوْلَاده ذُكُورا وإناثاً وَأَوْلَاد أَوْلَاده الذُّكُور فَقَط كَمَا قَالَ: (فولد الذُّكُور) ذُكُورا وإناثاً (دَاخل فقد) فَحسب وَلَا وَلَدُ الإنَاثِ إلاَّ حَيْثُما بِنْتٌ لِصُلْبٍ ذِكْرُها تَقَدَّما (لَا) يدْخل (ولد الْإِنَاث) وَمن يُدْلِي إِلَى الْمحبس بأنثى وَهَذَا هُوَ الَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ (خَ) وَنَحْوه فِي ابْن الْحَاجِب والشامل، وَقَالَ أَبُو الْحسن فِي شرح الْمُدَوَّنَة: الْمَشْهُور دُخُول ولد الْبِنْت فِيمَا إِذا عطف إِلَى حَيْثُ انْتهى لفظ الْوَاقِف قَالَ: وَإِنَّمَا لَا يدْخل ولد الْبِنْت على مَذْهَب مَالك فِيمَا إِذا أفرد وَلم يعْطف، وَتَبعهُ فِي تَكْمِيل التَّقْيِيد وَمحل ذَلِك إِذا كَانَ لفظ الْوَلَد يُطلق على الذّكر وَالْأُنْثَى فِي عرفهم أَو لَا عرف لَهُم أصلا، وَأما إِن كَانَ إِطْلَاقه الْعرف على الذّكر فَقَط كَمَا عندنَا الْيَوْم فَإِنَّهُ لَا يدْخل الْإِنَاث وَلَو من صلبه إِلَّا أَن يُصَرح بِهن كَمَا فِي ابْن عَرَفَة، وَمَفْهُوم قَوْله مُطلقًا أَنه إِذا جَاءَ لفظ الْوَلَد مُفَسرًا كَقَوْلِه: حبست على أَوْلَادِي فلَان وفلانة وأولادهما فَإِن ولد الْبِنْت دَاخل كَمَا أَشَارَ لَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطع فِي قَوْله: (إِلَّا حَيْثُمَا بنت لصلب ذكرهَا تقدما) أَي لَكِن حَيْثُ تقدم تَفْسِير لفظ الْوَلَد بِذكر بنت الصلب، فَإِن ولد الْبِنْت يدْخل إِلَى حَيْثُ يَنْتَهِي لفظ الْوَلَد الملتبس بضميرها، فَإِذا قَالَ: حبس على أَوْلَادِي فلَان وَفُلَان وفلانة وَأَوْلَادهمْ الذُّكُور وَالْإِنَاث وَأَوْلَادهمْ، فَإِنَّهُ يدْخل ولد الْبَنَات وَولد ولد الْبَنَات لَا من بعدهمْ من أَوْلَادهنَّ إِلَّا أَن يَقُول: وَأَوْلَادهمْ وَأَوْلَاد أَوْلَادهم، وَيذكر طبقَة رَابِعَة أَو أَكثر فَإِن أَوْلَاد الْبَنَات يدْخلُونَ إِلَى الطَّبَقَة الَّتِي سمى ثمَّ يخرجُون، وَقَول الْمحبس مَا تَنَاسَلُوا وامتدت فروعهم لَا يُوجب دُخُول ولد الْبِنْت فِي غير الطَّبَقَة الَّتِي انْتهى إِلَيْهَا، فَإِن قَالَ: حبس على ابْنَتي وَوَلدهَا دخل وَلَدهَا الذُّكُور وَالْإِنَاث فَإِن مَاتُوا كَانَ لأَوْلَاد الذُّكُور ذكورهم وإناثهم وَلَا شَيْء لِابْنِ بنت ذكر أَو أُنْثَى. تَنْبِيه: لَو قَالَ: حبست على وَلَدي فلَان وفلانة وَترك آخَرين فَلَا يدْخل فِي تحبيسه من لم يذكرهُ بِخِلَاف الْإِيصَاء على أَوْلَاده ذَاكِرًا بَعضهم فَيعم من سمى وَمن لم يسم لِأَن الْمَقْصُود من الْإِيصَاء الْقيام بالأولاد فَهُوَ مَظَنَّة التَّعْمِيم قَالَه الوانوغي وَغَيره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 ومثْلُهُ فِي ذَا بنيَّ والعَقِبْ وشامِلٌ ذُرِّيَّتي فُمُنْسَحِبْ (وَمثله) أَي مثل لفظ الْوَلَد الْمُطلق (فِي ذَا) أَي فِي دُخُول ولد الذُّكُور فَقَط دون المدلي بأنثى (بني والعقب) كَقَوْلِه: حسبت على بني أَو على عَقبي أَو على نسلي فَلَا يدْخل ولد الْبِنْت إِلَّا لعرف. وَقَالَ الوانشريسي: الَّذِي بِهِ الْعَمَل دُخُوله فِي عَقبي إِلَى آخر طبقَة سَمَّاهَا نَقله فِي المعيار عَن سَيِّدي يحيى بن علال، ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق. ثمَّ إِنَّه مَعْلُوم أَن أَلْفَاظ الْوَاقِف تجْرِي على الْعرف، وَلَا يُقَال إِنَّمَا يعْمل بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ نَص بِخِلَافِهِ. لأَنا نقُول مَحَله فِي نَص غير مَبْنِيّ عَلَيْهِ لَا فِي مَبْنِيّ عَلَيْهِ كَمَا هُنَا قَالَه الزّرْقَانِيّ. (وشامل) خبر عَن قَوْله (ذريتي) وَقَوله (فمنسحب) عطف تَفْسِير على شَامِل، وَالْمعْنَى أَنه إِذا قَالَ: حبس على ذريتي فَإِنَّهُ يدْخل ولد الْبِنْت، وَإِلَى هَذِه الْمَسْأَلَة وَالْمَسْأَلَة المستثناة قبله أَشَارَ (خَ) بقوله: وَتَنَاول الذُّرِّيَّة وَوَلَدي فلَان وفلانة أَو أَوْلَادِي الذُّكُور وَالْإِنَاث وَأَوْلَادهمْ الْحَفِيد الخ. فَقَوله: الْحَفِيد مفعول بقوله تنَاول، وَظَاهره كالناظم أَن لفظ الذُّرِّيَّة يتَنَاوَل الْحَفِيد وَهُوَ ولد الْبِنْت وَإِن سفل، وَهُوَ ظَاهر التَّعْلِيل بقَوْلهمْ: لِأَن عِيسَى من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام وَهُوَ ولد بنت بِخِلَاف قَوْله حبس على وَلَدي فلَان وفلانة الخ. وَمَا بعده فَإِن ولد الْبِنْت يدْخل إِلَى الطَّبَقَة الَّتِي انْتهى إِلَيْهَا فَقَط كَمَا مرّ. فَائِدَة: اخْتلف فِيمَن أمه شريفة وَأَبوهُ لَيْسَ كَذَلِك فَأفْتى ابْن مَرْزُوق وناصر الدّين من فُقَهَاء بجاية وَجل فقهائها بِأَنَّهُ شرِيف لِأَنَّهُ من ذُرِّيَّة النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا يَشْمَل قَول الْمحبس على ذريتي وَاسْتَدَلُّوا بقوله تَعَالَى: وَمن ذُريَّته دَاوُد} إِلَى قَوْله عِيسَى} (الْأَنْعَام: 84) فَجعل عِيسَى من الذُّرِّيَّة وَهُوَ ولد بنت، وَأفْتى ابْن عبد الرفيع وَغَيره بِأَنَّهُ لَيْسَ بشريف، وَصرح ابْن عبد السَّلَام بتخطئة من قَالَ بشرفه متمسكاً بِالْإِجْمَاع أَن نسب الْوَلَد إِنَّمَا هُوَ لِأَبِيهِ لَا لأمه. انْظُر الْبُرْزُليّ فِي الأحباس فَإِن أَطَالَ فِي ذَلِك. وَالحَوْزُ شَرْطُ صِحَّةِ التَّحْبيسِ قبْلَ حُدُوثِ مَوتٍ أوْ تَفْلِيسِ (والحوز شَرط صِحَة التحبيس) وَكَذَا سَائِر التَّبَرُّعَات من هبة أَو صَدَقَة أَو نحلة إِلَّا أَن ينْعَقد النِّكَاح عَلَيْهَا كَمَا مر فِي قَوْله: ونحلة لَيْسَ لَهَا افتقار إِلَى حِيَازَة الخ. (قبل) مُتَعَلق بالحوز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 (حُدُوث موت) أَو مَرضه (أَو تفليس) وَظَاهره أَنه لَا يشْتَرط التحويز وَهُوَ كَذَلِك بِخِلَاف الرَّهْن كَمَا مرّ (خَ) : وحيز وَإِن بِلَا إِذن وأجبر عَلَيْهِ الخ. والحوز رفع يَد الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ من التَّصَرُّف فِي الْملك ورد ذَلِك إِلَى يَد الْمُعْطى لَهُ أَو نَائِبه من وَكيل أَو مقدم أَو وَصِيّ هَذَا معنى مَا أَشَارَ لَهُ ابْن عَرَفَة فِي حَده، وَهُوَ يُفِيد أَنه وضع الْيَد على الشَّيْء، وَأما الِاسْتِمْرَار وَعَدَمه فشيء آخر فَلَو لم يحزه حَتَّى مَاتَ الْمحبس أَو فلس أَو مرض وَمَات مِنْهُ بَطل كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وبانسحاب نظر الْمحبس الخ. وَكَذَا يبطل أَيْضا بالتفويت من هبة وَبيع وَنَحْو ذَلِك قَالَه فِي الْمُقدمَات، وَهُوَ مفَاد (خَ) فِي الْهِبَة حَيْثُ قَالَ: أَو وهب لثان وَحَازَ. وَقَالَ فِي بيعهَا: وَإِلَّا فالثمن للمعطي رويت بِفَتْح الطَّاء وَكسرهَا وَهَذَا فِي الْهِبَة، وَأما فِي الْحَبْس فَإِن الثّمن يكون للمحبس كَمَا تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ عِنْد قَوْله: ونافذ تحبيس مَا قد سكنه. وَهُوَ الْجَارِي على مَا يَأْتِي فِي الْجُزْء الْمشَاع من أَنه يَجْعَل ثمنه فِي مثله ندبا، وَأما الصَّدَقَة فَإِن الثّمن يكون للمعطى لَهُ، وإلاَّ كَانَ كَالْكَلْبِ الْعَائِد فِي قيئه كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَمن يَصح قَبضه وَمَا قبض، فَلَا بُد من مُرَاجعَة مَا يَأْتِي هُنَاكَ إِن شَاءَ الله، وَالْمذهب أَنه لَا بُد فِيهِ من المعاينة وَلَا يَكْفِي الْإِقْرَار بالحوز من الْمحبس والمحبس عَلَيْهِ بِخِلَاف التصيير فَيَكْفِي فِيهِ الْإِقْرَار لوُجُود المعاينة فِيهِ، فَلَو قَالُوا فِي الْوَثِيقَة حوزاً تَاما وَلم يَقُولُوا مُعَاينَة لم يكف ذَلِك لِأَنَّهُ مُحْتَمل للمعاينة وَالْإِقْرَار فَإِن كَانَ الشُّهُود أَحيَاء استفسروا وَإِن مَاتُوا بَطل الْوَقْف إِلَّا أَن يَكُونُوا من الْعلمَاء العارفين بِمَا تصح بِهِ الشَّهَادَة فَيصح قَالَه العبدوسي، فَلَو وجد الْحَبْس بيد الْمحبس عَلَيْهِ بعد حُصُول الْمَانِع وَادّعى أَنه حازه قبله فَإِنَّهُ لَا يصدق اتِّفَاقًا عِنْد ابْن رشد إِلَّا أَن تقوم لَهُ بَيِّنَة على دَعْوَاهُ كَمَا مرَّ فِي الرَّهْن، وَظَاهره أَن الْحَوْز شَرط سَوَاء كَانَ على معِين أم لَا. كالفقراء والمساجد وَهُوَ كَذَلِك (خَ) عاطفاً على المبطلات أَو لم يخل بَين النَّاس وَبَين كمسجد الخ. ثمَّ مَا تقدم من أَن الِاسْتِمْرَار وَعَدَمه شَيْء آخر الخ. هُوَ الَّذِي للقرافي فِي الْفرق الثَّامِن وَالْعِشْرين والمائتين قَالَ فِيهِ: إِذا شهِدت بيِّنة بالحيازة قبل الْمَوْت وَشهِدت الْأُخْرَى بِرُؤْيَتِهِ يَخْدمه فِي مرض الْمَوْت قدمت بيِّنة عدم الْحَوْز إِذا لم تتعرض الْأُخْرَى لاستمراره اه. وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة قَالَ فِيهَا: فَإِن قَامَ وَصِيّ على أَيْتَام فَأثْبت أَن أباهم كَانَ أوقف عَلَيْهِم وعَلى أَعْقَابهم ملكا وَأَنه حوزه لغيره فحازه لَهُم بالمعاينة وأعذر إِلَى زَوجته فَأثْبت أَن أباهم لم يزل يعمر الْملك وَيدخل مَا اغتل مِنْهُ فِي مَصَالِحه إِلَى أَن توفّي عَنهُ فأعذر إِلَى الْوَصِيّ فِي شَهَادَة الاعتمار فَلم يَأْتِ بمطعن فَحكم القَاضِي بعد مشورة الْفُقَهَاء بِنَقْض الْحَبْس ورده مِيرَاثا اه. وَذكر فِي هبات المعيار عَن ابْن المكوي أَن بِهَذَا القَوْل الْقَضَاء قَائِلا: إِلَّا أَن تشهد بَيِّنَة للْمَوْهُوب لَهُ أَنه حَاز الْهِبَة سنة اه. وَنَقله أَبُو الْعَبَّاس الملوي فِي التَّحْرِير لمسائل التصيير، وَظَاهر هَذِه النُّصُوص أَنه لَا فرق بَين أَن يَقُولُوا إِنَّه رَجَعَ لوقفه قبل السّنة أَو أبهموا ذَلِك كَمَا ترى، وَأَنه يحمل أمره عِنْد الْإِبْهَام على أَنه رَجَعَ قبل السّنة كَمَا قَالَه الوانشريسي كَمَا مرَّ عِنْد قَوْله: ونافذ تحبيس مَا قد سكنه الخ. وَبِه أجَاب سَيِّدي عبد الْقَادِر الفاسي فِي نوازله قَائِلا إِن الأَصْل فِي هَذَا الْحَوْز الَّذِي شهِدت بِهِ الْبَيِّنَة الأولى الِاسْتِصْحَاب، لَكِن ذَلِك حَيْثُ لم يُعَارض وَهَهُنَا قد عارضته شَهَادَة اللفيف أَن الْوَاهِب مَا فَارقه قطّ وَلَا رفع يَده عَنهُ مُدَّة من سنة وَنَحْوهَا قَالَ: وَهُوَ مَحْمُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 عِنْد جهل التَّارِيخ أَنه رَجَعَ قبلهَا قَالَه الوانشريسي اه بِاخْتِصَار. وَانْظُر مَا تقدم فِي تعَارض الْبَيِّنَتَيْنِ آخر الشَّهَادَات، وَمَا للشَّيْخ الرهوني فِي حَاشِيَته فِي بَاب الْهِبَة من رد مَا للفاسي والوانشريسي لَا يعول عَلَيْهِ وَلَا دَلِيل لَهُ على ذَلِك فِي نَقله، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعْتَمَد مَا بِهِ الْقَضَاء وَعَلِيهِ الحكم كَمَا مرَّ عَن المعيار والمتيطية وَإِن وجد مَا يُخَالِفهُ فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَالله أعلم. تَنْبِيهَانِ. الأول: مَا تقدم من بطلَان الْحَبْس بِعَدَمِ الْحَوْز إِنَّمَا هُوَ إِذا حبس فِي الصِّحَّة، فَإِن حبس فِي الْمَرَض أَو وهب فِيهِ فَهُوَ وَصِيَّة ينفذ مِنْهُ مَا حمله ثلثه، وَكَذَا كل مَا يَفْعَله الْمَرِيض فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ مِنْهُ من بت عتق أَو صَدَقَة هُوَ فِي ثلثه إِلَّا أَن يَصح من مَرضه فَينفذ إِن حيّز عَنهُ قَالَه مَالك وَأَصْحَابه، وَمثله من حبس فِي صِحَّته أَو وهب فِيهَا وَقَالَ: ينفذ بعد الْمَوْت أَو قَالَ هبة صرفهَا من مَاله حَيّ أَو مَاتَ، فَإِن ذَلِك يكون فِي الثُّلُث إِن كَانَ الْمَوْهُوب أَو الْمحبس عَلَيْهِ غير وَارِث قَالَه فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة. الثَّانِي: مُرَادهم بالمعاينة بِالنِّسْبَةِ للعقار التطوف عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ من سَائِر جهاته وَإِن لم تعاين الْبَيِّنَة حرثه للْأَرْض وَلَا نُزُوله فِيهَا وَلَا قطف ثمار الْأَشْجَار وَلَو مَاتَ بعد ذَلِك قبل إبان الحراثة أَو بعده لم يضر، وَكَذَلِكَ الدَّار إِذا عاينوها فارغة وخلى بَينهَا وَبَين الْمحبس عَلَيْهِ بِقَبض مفاتحها وَنَحْو ذَلِك فَذَلِك حِيَازَة، وَإِن لم يعاينوا سُكْنى الْمحبس عَلَيْهِ فِيهَا بِهَذَا جرى الْعَمَل والفتيا قَالَه ابْن الْعَطَّار وَغَيره. وَإِذا حيّز الْحَبْس بإكرائه أَو بِعقد الْمُزَارعَة فِيهِ أَو مساقاته إِن كَانَ مِمَّا يسقى كَانَ حِيَازَة تَامَّة وَاسْتغْنى بذلك عَن الْحِيَازَة بِالْوُقُوفِ على الأَرْض ونزول الْمحبس عَلَيْهِ فِيهَا على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق، وَإِنَّمَا لم يكتف عَن المعاينة بِإِقْرَار الْمحبس لِأَن المنازع فِي صِحَة الْحَبْس أما الْوَارِث أَو الْغَرِيم فَلَو اكْتفى فِي ذَلِك بِالْإِقْرَارِ لزم قبُول إِقْرَار الْإِنْسَان على غَيره وَهُوَ بَاطِل إِجْمَاعًا. لحائِزِ القَبْضِ وَفِي المَشْهورِ إِلَى الوَصِيَّ القَبْضُ للمَحْجُورِ (لجائز الْقَبْض) يتَعَلَّق بقوله الْحَوْز أَي والحوز لجائز الْقَبْض وَهُوَ الرشيد شَرط صِحَة التحبيس الخ. وَمَفْهُومه أَن الْمَحْجُور عَلَيْهِ من صبي وسفيه لَا يَصح حوزه وَهُوَ مُقْتَضى قَوْله: (وَفِي الْمَشْهُور إِلَى الْوَصِيّ) يَجْعَل (الْقَبْض للمحجور) وَلَكِن سَيَأْتِي قَوْله: ونافذ مَا حازه الصَّغِير الخ. فَمَا ذكره هُنَا لَا حَاجَة إِلَيْهِ مَعَ مَا يَأْتِي من نُفُوذ حيازته، وَمُقَابِله لإسحاق بن إِبْرَاهِيم التجِيبِي أَنه لَا يَصح قبض الْمَحْجُور لنَفسِهِ وَنَحْوه للباجي فِي وثائقه. قَالَ ابْن رشيد: وَمحل الْخلاف إِذا كَانَ لَهُ ولي وإلاَّ صحت حيازته لنَفسِهِ اتِّفَاقًا. ويُكْتَفَى بِصحَّةِ الإشْهَادِ إنْ أَعْوَزَ الحوزُ لِعَذْرٍ بَادِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 (ويكتفى بِصِحَّة الْإِشْهَاد) على الْحَوْز (إِن أعوز) أَي تعذر (الْحَوْز) الْحَقِيقِيّ من التطوف بِالْأَرْضِ وَنَحْوه (لعذر باد) قَالَ فِي كتاب الْهِبَة من الْمُدَوَّنَة: وَمن تصدق على رجل بِأَرْض فَإِن كَانَ لَهَا وَجه تحاز بِهِ من كِرَاء تكرى أَو حرث تحرث أَو غلق تغلق، فَإِن أمكنه شَيْء من ذَلِك فَلم يَفْعَله حَتَّى مَاتَ الْمُعْطِي فَلَا شَيْء لَهُ، وَإِن كَانَت أَرضًا قفاراً أَي خَالِيَة مِمَّا لَا تحاز بغلق وَلَا إكراء وَلَا أَتَى لَهَا إبان حرث تزرع فِيهِ أَو تمنح أَو يحوزها بِوَجْه يعرف حَتَّى مَاتَ الْمُعْطِي فَهِيَ نَافِذَة وحوز هَذِه الْإِشْهَاد، وَإِن كَانَت دَارا حَاضِرَة أَو غَائِبَة فَلم يحزها حَتَّى مَاتَ الْمُعْطِي بطلت وَإِن لم يفرط لِأَن لَهَا وَجها تحاز بِهِ اه. قَالَ فِي الْبَيَان: فرق ابْن الْقَاسِم بَين الدَّار الغائبة وَالْأَرْض الَّتِي لَا تمكن حيازتها فَقَالَ فِي الدَّار: إِنَّهَا بَاطِلَة إِذا لم يخرج لحوزها. وَقَالَ فِي الأَرْض: إِن مَاتَ الْمُتَصَدّق قبل إِمْكَان حيازتها اكْتفى بِالْإِشْهَادِ فِيهَا وَلم تبطل، وَلَا فرق بَينهمَا فِي الْمَعْنى فَهُوَ اخْتِلَاف من قَوْله اه بِاخْتِصَار. وَنَقله أَبُو الْحسن وَغَيره مُسلما، وبمثله أجَاب أَعنِي ابْن رشد لما سُئِلَ عَمَّن تصدق على ابْن لَهُ كَبِير بأملاك مُشْتَمِلَة على أَرض وحديقة أعناب ودور وأرحى وَأشْهد بذلك وَحَازَ الابْن بَعْضهَا وَالْبَاقِي لم يتطوف عَلَيْهِ وَلَا خرج إِلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي قطر مخوف من الْعَدو أهلكه الله لَا يَأْمَن فِيهِ من دخله وَلَا يجتاز عَلَيْهِ أحد إِلَّا على غرر ومخافة شَدِيدَة، وَالْأَب الْمَذْكُور لم يعْتَمر هَذَا الْموضع الْمخوف مُنْذُ ثَلَاثِينَ عَاما لهَذَا الْغرَر، ثمَّ مَاتَ الْأَب قبل أَن يحوز الْوَلَد هَذَا الْموضع الْمخوف بتطوف الشُّهُود عَلَيْهِ. فَقَالَ: إِذا حَال الْخَوْف اكْتفى بِالْإِشْهَادِ وَلَا تبطل الصَّدَقَة إِذا مَاتَ قبل إِمْكَان الْوُصُول إِلَيْهَا. هَذَا معنى مَا فِي الْمُدَوَّنَة اه. من أجوبته بِاخْتِصَار. قلت: وفتواه هَذِه جَارِيَة على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة سَوَاء ألحقنا الدَّار بِالْأَرْضِ كَمَا هُوَ ظَاهره أَو ألحقنا الأَرْض بِالدَّار، لِأَن قَول الْمُدَوَّنَة: وَإِن لم يفرط الخ. مَعْنَاهُ أَنه كَانَ يتهيأ لِلْخُرُوجِ أَو التَّوْكِيل كَمَا فِي الْبَيَان، فَعدم التَّفْرِيط حِينَئِذٍ صَادِق بالتهيء لِلْخُرُوجِ وَالتَّوْكِيل وباليأس من الْوُصُول إِلَى تِلْكَ الْأَمْلَاك، وَالَّذِي قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: أَنه لَيْسَ بِعُذْر هُوَ الأول دون الثَّانِي لِأَن التهيء وَالتَّوْكِيل لما حصل الْيَأْس من الْوُصُول إِلَيْهِ عَبث وَالْخُرُوج إِلَيْهِ تَكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق فَالْأول فِيهِ نوع مَا من التَّفْرِيط إِذْ لَا خوف فِيهِ بِخِلَاف الثَّانِي، وَبِهَذَا كُله يسْقط اعْتِرَاض الشَّيْخ الرهوني هَذِه الْفَتْوَى وَقَالَ تبعا لِابْنِ رحال: أَنَّهَا مَبْنِيَّة على القَوْل بِأَن عدم التَّفْرِيط فِي الْحَوْز لَا يضر وَهُوَ قَول أَشهب، ومذهبها أَنَّهَا مضرَّة فرط أَو لم يفرط فَلَا تغتر بذلك الِاعْتِرَاض أصلا إِذْ لَا يظْهر لَهُ وَلَا للبحث مَعَ ابْن رشد وَجه. وَقد تقرر من كَلَامهم أَن الْبَحْث لَا يدْفع الْفِقْه وَالله أعلم. وَقَوله فِي الْمُدَوَّنَة: أَو يحوزها بِوَجْه يعرف الخ. يَعْنِي بالتطوف عَلَيْهَا كَمَا تقدم أَنه بِهِ الْعَمَل أَي وَلَا أَتَى لَهَا إبان يحوزها فِيهِ الخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 وَيَنْفُذُ التَّحْبِيسُ فِي جَمِيعِ مَا مُحَبِّسٍ لِقَبضِهِ قَدْ تَقَدَّمَا (وَينفذ التحبيس) وَيتم (فِي جَمِيع مَا) أَي حبس (محبس) بِكَسْر الْبَاء (لقبضه قد تقدما) بِفَتْح الدَّال كَانَ الْحَبْس على غير معِين كالمساجد وَنَحْوهَا أَو على معِين وَلَو رشيدا حَاضرا فَإِذا قدم الْمحبس من يحوزه للمعين أَو غَيره جَازَ وَصَحَّ فيهمَا وَإِن لم يقدم وأبقاه بِيَدِهِ بَطل فيهمَا، وَمَفْهُوم التحبيس أَنه فِي الْهِبَة وَالصَّدَََقَة لَا ينفذ بِتَقْدِيم الْوَاهِب والمتصدق على الْحَوْز، وَهُوَ كَذَلِك إِذا كَانَ الْمَوْهُوب لَهُ حَاضرا رشيدا فَهُوَ مِيرَاث إِلَّا أَن يحوزه لنَفسِهِ قبل الْمَانِع فَإِن كَانَ غَائِبا أَو مَا فِي مَعْنَاهُ كالمحجور وَلَو سَفِيها أَو عبدا أَو كالمساجد والفقراء صَحَّ تَقْدِيمه، وَلَو كَانَ للمحجور ولي وَقدم الْوَاهِب غَيره كَمَا فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَمن وهب لصغير هبة وَقدم من يحوز لَهُ إِلَى أَن يبلغ فَذَلِك حوز كَانَ لَهُ أَب أَو وَصِيّ أَو لم يكن لِأَن هَذَا إِنَّمَا قدم من يحوزها خوف أَن يأكلها لَهُ الْوَلِيّ اه من الْمواق عِنْد قَوْله فِي الْحجر وَالْوَلِيّ الْأَب الخ. وَقَالَ فِي الشَّامِل: وَإِن قدم الْوَاقِف من يحوز لَهُ جَازَ، وَفِي الْهِبَة وَالصَّدَََقَة يجوز للْغَائِب فَقَط اه. وَالْفرق بَين الْهِبَة وَالْحَبْس أَن الْحَبْس لَيْسَ بِتَمْلِيك وَإِنَّمَا هُوَ إِجْرَاء غلَّة، وَأما الْملك فَهُوَ للْوَاقِف بِخِلَاف الْهِبَة، وَإِذا قدم الْأَب وَنَحْوه من يحوز للصَّغِير فَلَيْسَ لَهُ هُوَ أَن يحوز لَهُ بعد ذَلِك لِأَنَّهُ لما قدم الْغَيْر على حيازته صرفه عَنهُ وَأسْقط حَقه مِنْهَا، فَإِن عَاد إِلَى حيازته بَطل كَمَا فِي ابْن عَرَفَة قَالَ: وَلَو أشهد حِين رُجُوعهَا لَهُ أَن يحوزها لَهُ فَفِي صِحَّتهَا مُطلقًا أَو إِن وجد بِمن حازها لَهُ سفه أَو سوء ولَايَة. قولا مطرف وَابْن الْمَاجشون مَعَ أصبغ اه. وَمَفْهُوم قَوْله: محبس قد قدما أَنه إِذا وكل الْمحبس عَلَيْهِ من يقبضهُ لَهُ جَازَ بالأحرى، لِأَن قبض الْوَكِيل كقبض مُوكله وَسَوَاء كَانَ حَاضرا أَو غَائِبا وَهل يَكْفِي قبض غَيره لَهُ بِغَيْر تَوْكِيل؟ قَولَانِ. فَقَالَ مطرف: يَصح، وَقَالَ أصبغ وَرَوَاهُ ابْن الْقَاسِم: لَا يَصح إِلَّا بتوكيل قَالَه فِي ضيح، وَنَحْوه فِي بَاب الْهِبَة من الشَّامِل، وَيفهم من الْعزو أَن الثَّانِي هُوَ الرَّاجِح وَإِن كَانَ ظَاهر قَول النَّاظِم فِي الْهِبَة: وحوز حَاضر لغَائِب إِذا كَانَا شَرِيكَيْنِ بهَا قد أنفذا أَنه درج على قَول مطرف، لَكِن من الْمَعْلُوم أَن قَول الإِمَام مقدم على قَول غَيره، وَعَلِيهِ فَإِذا وهب على ولديه الرشيدين فحازها أَحدهمَا لنَفسِهِ ولأخيه بِغَيْر إِذن الْأَخ، ثمَّ مَاتَ هَذَا الْأَخ فوهب الْأَب الْجَمِيع للحائز الأول وَحَازَ حوزاً ثَانِيًا فَإِنَّهُ لَا شَيْء لأَوْلَاد الْأَخ الَّذِي لم يُوكل على الْحَوْز، وَكَذَا لَو كَانَ حَيا ووهب الْأَب نصِيبه للْأولِ كَمَا مرَّ فِي قَول (خَ) أَو وهب لثان وَحَازَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 وَمحل الْقَوْلَيْنِ إِذا كَانَ الْمَوْهُوب لَهُ مِمَّن يعْتَبر إِذْنه وتوكيله، وَأما من لَا يعْتَبر إِذْنه كالمحجور وَلَو عبدا فَإِنَّهُ يَصح حوز الرشيد لنَفسِهِ وَلمن مَعَه من مَحْجُور عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَمَا قَالَ: والأَخُ لِلصَّغِيرِ قَبْضُهُ وَجَبْ مَعَ اشْتِرَاكٍ وبِتَقدِيمٍ مِنْ أبْ (وَالْأَخ) الرشيد مُبْتَدأ (للصَّغِير) يتَعَلَّق بقوله (قَبضه) وَقَوله (وَجب) خبر عَن الثَّانِي وَالثَّانِي وَخَبره خبر الأول (مَعَ اشْتِرَاك) فِي شَيْء حبس أَو وهب عَلَيْهِمَا (وبتقديم من أَب) عطف على مَعَ اشْتِرَاك وَلَا مَفْهُوم لَهُ بل لَو حازه الْكَبِير بِغَيْر تَقْدِيم لصَحَّ كَمَا مر، وَلِأَن الْأَب لَو امْتنع من التَّقْدِيم رَأْسا لَا جبر عَلَيْهِ كَمَا قَالَ (خَ) وَخير وَإِن بِلَا إِذن وأجبر عَلَيْهِ. وَلذَا قَالَ أَبُو عبد الله المجاصي فِي نوازله: إِن التَّوْكِيل من الْأَب لَيْسَ بِشَرْط وَإِن أوهمته عبارَة العاصمية وَمن تقدمه وَلكنه مُسْتَحبّ فَقَط اه. وَمَفْهُومه أَنه إِذا قبض الْأَخ الرشيد حِصَّته وَحَازَ الْأَب حِصَّة الصَّغِير على الشُّيُوع بَينهمَا لم يَصح كَمَا قَالَ: وَالأَبُ لَا يقبِضُ للصَّغيرِ مَعْ كبيرِهِ وَالْحُبْسُ إرْثٌ إنْ وَقَعْ (وَالْأَب لَا يقبض للصَّغِير) وَمن فِي مَعْنَاهُ من سَفِيه وَعبد (مَعَ كبيره وَالْحَبْس) جَمِيعه (إِرْث إِن وَقع) ذَلِك على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَبِه الْعَمَل كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، والمفيد والدر النثير وَابْن سَلمُون وَغَيرهم، وَمثل هَذَا يجْرِي فِي الْهِبَة كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَللْأَب التَّقْدِيم للكبير الخ. قلت: وَتَأمل هَذَا مَعَ مَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده من أَن الشُّيُوع لَا يُنَافِي الْإِقْبَاض على الْمَشْهُور من الْقَوْلَيْنِ فالجاري عَلَيْهِ أَن قبض الْأَب للصَّغِير مَعَ الْكَبِير صَحِيح كَمَا يَقُوله مُقَابل الْمَعْمُول بِهِ وَقد يُقَال بِأَنَّهُ فِيمَا يَأْتِي فعل مقدوره إِذْ لَا سَبِيل لَهُ إِلَى حوز الْجَمِيع بِخِلَافِهَا هُنَا. إلاّ إذَا مَا أمْكَنَ التّلاَفِي وصُحِّحَ الحَوْزُ بِوَجْهٍ كافِي (إِلَّا إِذا مَا أمكن التلافي وَصحح الْحَوْز) من الْكَبِير أَو من مَحْجُور عَلَيْهِ قبل حُصُول الْمَانِع (بِوَجْه كَاف) من التطوف على الأَرْض أَو إخلاء الدَّار وَنَحْو ذَلِك مِمَّا مرّ عِنْد قَوْله: والحوز شَرط صِحَة التحبيس الخ وَسَيَأْتِي قَوْله: ونافذ مَا حازه الصَّغِير الخ. فحوز الصَّغِير مَعَ الْكَبِير صَحِيح كَمَا يَأْتِي: وإنْ يُقَدِّمْ غَيْرَه جازَ وَفِي جُزْءٍ مُشاعٍ حُكْمُ تَحْبِيسٍ قُفي (وَإِن يقدم) الْأَب (غَيره) أَي الْكَبِير ليحوز مَعَه نصيب الصَّغِير (جَازَ) كَمَا فِي المتطية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 وَغَيرهَا (وَفِي) تحبيس (جُزْء مشَاع) مَعَ غير الْمحبس أَو مَعَه (حكم تحبيس) مُبْتَدأ خَبره (قفي) أَي اتبع وَالْمَجْرُور قبله يتَعَلَّق بِهِ، أَي: لَهُ حكم تحبيس غير الْمشَاع فِي الْجَوَاز وَوُجُوب الْحِيَازَة وَنَحْو ذَلِك، لَكِن إِذا حبس مشَاعا مَعَ غَيره كَنِصْف دَار يملكهُ فَإِن كَانَت تقبل الْقِسْمَة قسمت وأجبر الْوَاقِف عَلَيْهَا إِن أرادها الشَّرِيك، وَإِن لم تقبلهَا لم يجز التحبيس ابْتِدَاء إِلَّا بِإِذن شَرِيكه فَإِن حبس دون إِذْنه أَو مَعَ إبايته فَقَوْلَانِ. الْبطلَان لما على الشَّرِيك من الضَّرَر لتعذر البيع وفقد من يصلح مَعَه، وَالثَّانِي الصِّحَّة وَعَلِيهِ فَيجْبر الْوَاقِف على البيع إِذا أَرَادَهُ الشَّرِيك وَيجْعَل ثمن حِصَّته فِي مثل وَقفه، وَهل ندبا وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم، أَو جبرا وَهُوَ قَول عبد الْملك، وَبِه الْعَمَل قَالَ ناظمه: ووقف جُزْء شَائِع لَا يَنْقَسِم من غير إِذن من شَرِيكه علم وَحَيْثُ لم يرض يُبَاع وَالثمن فِي مثله يَجْعَل جبرا حَيْثُ عَن هَذَا حكم الْمشَاع مَعَ الْغَيْر، وَأما الْمشَاع مَعَه فَفِي الْمُنْتَخب عَن أصبغ قَالَ: سَمِعت ابْن الْقَاسِم يَقُول فِيمَن تصدق عَن ابْن لَهُ صَغِير بِنصْف غنمه أَو ثلثهَا أَو عَبده أَو دَاره أَن ذَلِك جَائِز وحوز الْأَب فِيهِ حوز تَامّ اه. وَنَحْوه فِي المعيار عَن اللؤْلُؤِي، وَسَوَاء كَانَت لَهُ غلَّة كالرحى والفرن وَنَحْوهمَا أَو كَانَ للسُّكْنَى. قَالَ فِي الِاسْتِغْنَاء: من تصدق بِسَهْم مِمَّا لَا يَنْقَسِم كالفرن وَالْحمام وَلَا يتَجَزَّأ إِلَّا بخراب أَصله وَكَانَ لَهُ غلَّة فَإِن قبض الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ الْغلَّة فِي حَيَاة الْمُتَصَدّق مَضَت صدقته وتمت حيازته اه. . وَهَذَا على أَن الشُّيُوع لَا يُنَافِي الْقَبْض، وَتقدم عِنْد قَول النَّاظِم: ونافذ تحبيس مَا قد سكنه الخ: إِن هَذَا هُوَ الْمَشْهُور، لَكِن الرشيد لَا بُد أَن يتَصَرَّف مَعَ الْمحبس أَو الْوَاهِب بِخِلَاف الْمَحْجُور، فَإِن حوز الْأَب لَهُ كَاف وَأَحْرَى لَو تصرف مَعَ الْوَاهِب أَيْضا لِأَن الصَّغِير يحوز لنَفسِهِ على الْمَشْهُور كَمَا قَالَ: ونافِذٌ مَا حازَهُ الصَّغيرُ لِنَفْسِهِ وبالِغٌ مَحْجُورُ (ونافذ مَا حازه الصَّغِير) من الْحَبْس وَسَائِر العطايا (لنَفسِهِ و) أَحْرَى مَا حازه من ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 (بَالغ مَحْجُور) عَلَيْهِ لِأَن الْقَصْد خُرُوج ذَلِك من يَد الْمحبس وَذهب إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم التجِيبِي إِلَى عدم نُفُوذه وَنَحْوه للباجي فِي وثائقه، وَمحل الْخلاف إِن كَانَ لَهُ ولي وَإِلَّا جَازَت حيازته اتِّفَاقًا كَمَا تقدم عَن ابْن رَاشد وَظَاهر قَوْله: ونافذ الخ أَنه يكره ابْتِدَاء وَهُوَ كَذَلِك على مَا لِابْنِ زرب. (تَنْبِيه:) قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَإِذا سكن الْأَب دَارا تصدق بهَا على صغَار بنيه دونهم حَتَّى مَاتَ بطلت الصَّدَقَة، وَإِن سكنها وهم مَعَه فَظَاهر قَول مَالك إِنَّهَا تبطل أَيْضا. وَقَالَ ابْن حبيب: تتمّ لَهُم الْحِيَازَة لِأَنَّهُ إِنَّمَا سكن مَعَهم لحضانته لَهُم اه. وَعَلِيهِ فَإِذا كَانَ الْمَحْجُور مِمَّن يعقل أمره وَأشْهد أَنه يتَوَلَّى الْحِيَازَة لنَفسِهِ فَلَا يضرّهُ سُكْنى الْمُتَصَدّق مَعَه على مَا لِابْنِ حبيب وَهُوَ ظَاهر إِطْلَاق النَّاظِم غَيره. وبانْسِحابِ نَظَرِ المُحَبِّس لِلْمَوْتِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْحُبُسِ (وبانسحاب نظر الْمحبس) واستمراره على الْحَبْس وَنَحْوه (للْمَوْت) أَي إِلَى حُصُول الْمَانِع لَهُ من الْمَوْت والفلس وَمرض الْمَوْت (لَا يثبت حكم الْحَبْس) وَيبْطل جملَة لعدم حيازته سَوَاء كَانَ على معِين كزيد أَو على غَيره كالفقراء وَالْمَسَاكِين وَلَا يكون فِي ثلث وَلَا غَيره إِلَّا أَن يَقُول: هُوَ حبس أَو هبة صرفه من مَاله حييّ أَو مَاتَ فَإِنَّهُ يكون فِي الثُّلُث إِن لم يحزه كَمَا تقدم عَن الوثائق الْمَجْمُوعَة، وَانْظُر مَا يماثله فِي شرح الشَّامِل عِنْد قَوْله: وَالْوَقْف من رَأس مَاله إِن وَقع فِي الصِّحَّة وَإِلَّا فَمن الثُّلُث الخ. وَمَا ذكره النَّاظِم مُسْتَغْنى عَنهُ بقوله: والحوز شَرط صِحَة التحبيس الخ: لِأَن الشَّرْط يلْزم من عَدمه الْعَدَم فَيلْزم من عدم الشَّرْط الَّذِي هُوَ الْحَوْز عدم صِحَة الْحَبْس وَنَحْوه. تَنْبِيه: إِذا قَالَ الرجل لوَلَده: أصلح نَفسك وَتعلم الْقُرْآن وَلَك الْقرْيَة الْفُلَانِيَّة أَو قَالَ لزوجته النَّصْرَانِيَّة: أسلمي وَلَك دَاري وَأشْهد بذلك كُله، فَأسْلمت الزَّوْجَة وَأصْلح نَفسه الْوَلَد وَتعلم الْقُرْآن فَإِن ذَلِك يكون لَهما وَلَا يحْتَاج إِلَى حِيَازَة على مَا رَجحه ابْن رشد، لِأَن ذَلِك ثمن الْإِسْلَام والتعلم، وَبِه جزم صَاحب الْمعِين، وَحكى مُقَابِله بقيل بِصِيغَة التمريض رَاجعه فِي أواثله، وَانْظُر (ح) فِي بَاب الْهِبَة وَفِي الْبَاب الثَّالِث من التزاماته. وَمَنْ لِسُكْنَى دَارِ تَحْبيسٍ سَبَقْ تضيقُ عَمَّنْ دُونَه بِهَا أَحَقْ (وَمن) مُبْتَدأ (لسكنى دَار تحبيس) يتَعَلَّق بقوله (سبق) وَالْجُمْلَة صلَة مَا وَجُمْلَة (تضيق عَمَّن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 دونه) صفة لدار أَو حَال وَقَوله (بهَا) يتَعَلَّق بقوله (أَحَق) وَهُوَ خبر لمبتدأ مَحْذُوف، وَالْجُمْلَة خبر من أَي من سبق لدار الْحَبْس بِالسُّكْنَى بِوَصْف الأحوجية وَقد ضَاقَتْ عَمَّن دونه فَهُوَ أَحَق بهَا وَلَا كِرَاء عَلَيْهِ لغيره، وَظَاهره وَإِن صَار غَنِيا عَن السُّكْنَى بهَا والغير مُحْتَاج إِلَيْهَا وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ سكن بِوَجْه جَائِز فَلَا يرْتَفع الحكم بارتفاع سَببه الَّذِي هُوَ الأحوجية لِأَن عودتها لَا تؤمن، وَظَاهره سكن بِأَمْر الْحَاكِم أَو بَادر إِلَى ذَلِك وَلَيْسَ كَذَلِك، بل إِنَّمَا ذَلِك إِذا سكن بِاسْتِحْقَاق وصف الأحوجية كَمَا قَررنَا. وَأما إِذا بَادر بَعضهم إِلَى السُّكْنَى فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك بابتداره، وَلَكِن ينظر الإِمَام أحوجهم وأقربهم كَمَا فِي ضيح عَن ابْن كنَانَة، وَظَاهره أَيْضا كَانَت حبسا على من لَا يحاط بهم كالفقراء وطلبة الْعلم أَو على قوم وَأَعْقَابهمْ وَلَيْسَ كَذَلِك، بل إِنَّمَا ذَلِك فِي الْحَبْس على الْقَوْم وَأَعْقَابهمْ أَو على أَوْلَاده وَأَوْلَاد فلَان بِنَاء على إِلْحَاق فلَان بِغَيْر المعينين فَإِن عينهم فَحق من لم يسكن بَاقٍ حضر أَو غَابَ فَيَأْخُذ واجبه من كرائه، وَأما على من لَا يحاط بهم فَإِن من اسْتغنى مِنْهُم يخرج لغيره كَمَا فِي ابْن عَرَفَة عَن ابْن رشد قَالَ: وَمن اسْتحق مسكنا من حبس هُوَ على الْفُقَرَاء لفقره أخرج مِنْهُ أَن اسْتغنى اه. وَبِالْجُمْلَةِ: فالمحبس إِن حبس على من لَا يحاط بهم فَإِن كَانَ لوصف خَاص كَطَلَب الْعلم والغزو والتدريس وَسكن أحدهم فَلَا يخرج وَإِن اسْتغنى لِأَن الْوَصْف لَا زَالَ قَائِما فَإِن زَالَ الْوَصْف الْمحبس لأَجله أخرج كالفقر والمسكنة يزولان وَطلب الْعلم والغزو يتركان، وَنَحْو ذَلِك فالمدار على زَوَال الْوَصْف الْمحبس لأَجله وَعدم زَوَاله، وَبِه يسْقط اعْتِرَاض الشَّيْخ الْبنانِيّ على طفي، وَمحل مَا تقدم إِذا لم يكن هُنَاكَ شَرط من الْوَاقِف وإلاّ فَيتبع (خَ) : وعَلى من لَا يحاط بهم أَو على قوم وَأَعْقَابهمْ أَو على كولده وَلم يعينهم فضل الْمُتَوَلِي أهل الْحَاجة والعيال فِي غلَّة وسكنى وَلم يخرج سَاكن لغيره إِلَّا لشرط أَو سفر انْقِطَاع أَو بعيد. تَنْبِيه: قَالَ فِي الْمُنْتَخب: إِذا استبد الذُّكُور بالاغتلال زَمَانا ظنا مِنْهُم أَن لَا حق للنِّسَاء فِي الْحَبْس، ثمَّ علم النِّسَاء أَن لَهُنَّ حَقًا فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يرجع النِّسَاء على الذُّكُور بنصيبهن من الْغلَّة فِيمَا مضى كمن سكن فِي الدَّار المحبسة ثمَّ قدم غَيره اه. وَنَحْوه فِي الْمُقدمَات قَائِلا: إِذا استغل بعض الْحَبْس عَلَيْهِم وهم يرَوْنَ أَنهم ينفردون بِهِ أَو سكنوه فَإِنَّهُ لَا يرجع عَلَيْهِ الطارىء بِشَيْء من الْغلَّة وَلَا بالسكن على رِوَايَة ابْن الْقَاسِم، وَقيل: يرجع عَلَيْهِم بالغلة وَالسُّكْنَى وَهُوَ الْقيَاس اه. وَفهم من قَوْله ظنا مِنْهُم الخ ... وَقَوله: وهم يرَوْنَ أَنهم ينفردون بِهِ الخ ... أَنهم إِذا علمُوا بِأَن للْغَيْر حَقًا فِيهِ فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهِم وَفِي أحباس المعيار أَن من أخْفى رسم الْحَبْس ظلما وَكَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 يتَصَرَّف فِي الْغلَّة وَحده فَإِن غَيره يرجع عَلَيْهِ. ومَن يَبيعُ مَا عَليْهِ حُبِّسا يُرَدُّ مُطْلَقاً ومعْ عِلْمٍ أسا (وَمن يَبِيع مَا) أَي شَيْئا (عَلَيْهِ حبسا يرد) بَيْعه وَيفْسخ (مُطلقًا) فَاتَ بهدم أَو بِنَاء أَو خُرُوج من يَد أم لَا كَمَا فِي (ح) آخر الِاسْتِحْقَاق: علم البَائِع بِكَوْنِهِ حبسا أم لَا كَانَ بَائِعه مُحْتَاجا أم لَا إِلَّا إِذا جعل لَهُ البيع فِي أصل التحبيس كَمَا مرَّ فِي اتِّبَاع شَرط الْمحبس (و) إِذا بَاعه (مَعَ علم) بتحبيسه عَلَيْهِ فَيكون قد (أسا) ء وأثم فيعاقب بالأدب والسجن عِنْد ثُبُوت علمه بِهِ إِذا لم يكن لَهُ فِي بَيْعه عذر يعْذر بِهِ قَالَه فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة، وَلَعَلَّ مُرَاده بالعذر أَنه ادّعى جهل عدم جَوَاز بيع الْحَبْس أَو ادّعى أَنه بَاعه لفاقته واضطراره الَّذِي يُبِيح لَهُ أكل الْميتَة وَنَحْو ذَلِك. وَالخلْفُ فِي الْمُبْتَاع هلْ يَعْطِي الكِرا واتَّفَقُوا مَعْ عِلْمِهِ قبلَ الشِّرا (وَالْخلف فِي الْمُبْتَاع) الَّذِي لم يعلم بالتحبيس وَهُوَ مَحْمُول على عَدمه عِنْد الْجَهْل استصحاباً للْأَصْل (هَل يُعْطي الكرا) ء وَالْغلَّة وَيرد ذَلِك للمحبس عَلَيْهِ بعد أَن يرجع بِثمنِهِ ويتقاصان أَو لَا يعْطى شَيْئا لِأَن الْخراج بِالضَّمَانِ وَهُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَهُوَ الْمَذْهَب وَبِه الْعَمَل كَمَا فِي معاوضات المعيار وَنَحْوه فِي (ح) عِنْد قَوْله: لَا صدَاق حرَّة. ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق وَهُوَ الَّذِي يفِيدهُ (خَ) فِي الِاسْتِحْقَاق بقوله: وَالْغلَّة لذِي الشُّبْهَة أَو الْمَجْهُول للْحكم كوارث وموهوب ومشتر لم يُعلمهُ. (وَاتَّفَقُوا) أَي جلّ الْفُقَهَاء على رد الْغلَّة والكراء (مَعَ علمه) بالتحبيس (قبل الشرا) ء أَو بعده وَتَمَادَى على استغلاله فَإِنَّهُ يرد غلَّة مَا استغله بعد علمه وَيرد مكيلة الْمثل من ثَمَرَة وَنَحْوهَا إِن علمت أَو قيمتهَا إِن جهلت، وَقَوْلِي: جلّ الْفُقَهَاء إِشَارَة إِلَى فَتْوَى ابْن سهل بِخِلَاف ذَلِك، وَأَنه لَا يرد الْغلَّة وَإِن علم فِي المُشْتَرِي بالتحبيس. قَالَ الشَّارِح: وفتواه لَا تَخْلُو من نظر لما فِي ذَلِك من تَمْكِين الْمُبْتَاع من غلَّة عقد بَاطِل لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ. قَالَ الشَّيْخ بناني فِي فصل الِاسْتِحْقَاق: وَفِيه أَيْضا سلف جر نفعا إِذا علمه بالتحبيس قبل الشِّرَاء دُخُول على فسخ البيع وَرُجُوع الثّمن لَهُ بعد غيبَة البَائِع عَلَيْهِ وَهُوَ سلف وَالْغلَّة مَنْفَعَة فِي السّلف اه. قلت: وَيُجَاب عَن ابْن سهل بِأَنَّهُ وَإِن كَانَ عقدا بَاطِلا فَاسِدا فَإِن الضَّمَان ينْتَقل فِيهِ بِالْقَبْضِ (خَ) : وَإِنَّمَا ينْتَقل ضَمَان الْفَاسِد بِالْقَبْضِ ورد وَلَا غلَّة تصحبه، وَقد علمت أَن الْخراج بِالضَّمَانِ وَسَوَاء كَانَ سَبَب الْفساد سلفا بِمَنْفَعَة أَو غَيره. قَالَ الزّرْقَانِيّ: ظَاهر قَوْله وَلَا غلَّة الخ. وَلَو كَانَ المُشْتَرِي عَالما بِالْفَسَادِ وَوُجُوب الرَّد اه. . وَقَيده التتائي تبعا للسنهوري بِمَا قبل علمه بِوُجُوب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 الرَّد اه. وَاعْتَرضهُ مصطفى وَغَيره بمخالفة الْقَيْد الْمَذْكُور لإِطْلَاق الْمُدَوَّنَة فِي عدم رد الْغلَّة، وَكَذَا ابْن الْحَاجِب وَابْن عبد السَّلَام والتوضيح وَابْن عَرَفَة قَالُوا: وَالْإِطْلَاق هُوَ الْمُوَافق للخراج بِالضَّمَانِ إِذا علمه بِوُجُوب الرَّد لَا يُخرجهُ عَن ضَمَانه. قَالَ طفي: وَلم أر الْقَيْد الَّذِي ذكره التتائي لغيره اه. وَلما ذكر (ح) فِي التزاماته أثْنَاء الْكَلَام على الثنيا أَنه سمع من وَالِده يَحْكِي عَن بعض من عاصره أَنه لَا يحكم للْمُشْتَرِي بالغلة فِي البيع الْفَاسِد إِلَّا إِذا كَانَ جَاهِلا بفساده حَال العقد، وَأما إِن كَانَ عَالما بذلك، وتعمده فَلَا غلَّة لَهُ قَالَ عقبه مَا نَصه: وَلم أَقف على ذَلِك مَنْصُوصا وَظَاهر إِطْلَاقهم أَنه لَا فرق بَين الْجَاهِل والعالم، بل قَالَ ابْن سهل فِي أَحْكَامه: الْجَاهِل والعالم فِي البيع الْفَاسِد سَوَاء فِي جَمِيع الْوُجُوه اه. وَالْعلم بِفساد الثنيا يُوجب سلفا جر نفعا كَمَا مرّ فِي فَصله، وَمَعَ ذَلِك قَالُوا: الْغلَّة فِيهِ للْمُشْتَرِي وَهَذَا كُله يشْهد لما لِابْنِ سهل ويرجحه، وَقد اقْتصر (ح) فِي فصل الِاسْتِحْقَاق عِنْد قَوْله: لَا صدق حرَّة على مَا لِابْنِ سهل، وَكَذَا الزّرْقَانِيّ فِي الِاسْتِحْقَاق أَيْضا وَعند قَوْله: وَلَا غلَّة تصحبه الخ. تَنْبِيه: قَالَ ابْن يُونُس: وَمعنى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (الْخراج بِالضَّمَانِ) الخ أَن المُشْتَرِي للشَّيْء الَّذِي اغتله لَو هلك فِي يَده كَانَ مِنْهُ وَذهب الثّمن الَّذِي نقد فِيهِ فالغلة لَهُ بضمانه اه. ويَقْتَضِي الثَّمَنَ إِن كَانَ تَلفْ منْ فائِدِ الْمَبِيع حَتَّى يَنْتَصِفْ (و) إِذا رد البيع مَعَ علم المُشْتَرِي أَو مَعَ عَدمه فَإِن المُشْتَرِي يرجع على البَائِع بِالثّمن إِن كَانَ مَلِيًّا وَإِن كَانَ عديماً وَثَبت عَدمه وَحلف أَنه لَا مَال لَهُ فَإِنَّهُ (يَقْتَضِي الثّمن) الَّذِي دَفعه (إِن كَانَ تلف) عِنْد البَائِع وَلَيْسَ لَهُ غَيره (من فائد) أَي غلَّة (الْمَبِيع) يدْفع إِلَيْهِ عَاما بعد عَام حَتَّى يَسْتَوْفِي ثمنه وَذَلِكَ (حَيْثُ يَتَّصِف) البَائِع بِالْحَيَاةِ. وإنْ يَمُتْ مِنْ قَبْلُ لَا شَيءَ لهُ وَلَيْسَ يَعْدُو حُبْسٌ مَحَلَّهُ (وَإِن يمت) البَائِع (من قبل) أَي قبل استكمال المُشْتَرِي ثمنه فَإِنَّهُ (لَا شَيْء لَهُ) من الثّمن أَو بَاقِيه لِأَن الْحَبْس قد انْتقل لغير البَائِع (وَلَيْسَ يعدو حبس مَحَله) الَّذِي انْتقل إِلَيْهِ بعد موت البَائِع فَهُوَ كالتعليل أَي: لَا شَيْء لَهُ لِأَن الْحَبْس لَا يعدو مَحَله الَّذِي انْتقل إِلَيْهِ. تَنْبِيهَانِ. الأول: ظَاهر قَوْله: يرد مُطلقًا أَنه يرد وَلَو كَانَ الْمحبس عَلَيْهِ بَاعه لخوف الْهَلَاك على نَفسه لمجاعة وَنَحْوهَا، وَبِه أفتى البرقي وَابْن المكوي والفقيه الصديني قَائِلا: وَمَا علمت جَوَاز بَيْعه لما ذكر لأحد من أهل الْعلم وينقض إِن وَقع درج عَلَيْهِ ناظم الْعَمَل فَقَالَ: بيع الْمحبس على الْمِسْكِين لم يَقع مَعَ الْحَاجة عِنْد من حكم وَأفْتى القَاضِي أَبُو الْحسن عَليّ بن مَحْسُود بِجَوَاز البيع لخوف الْهَلَاك بِالْجُوعِ وَنَحْوه، وَظَاهره كَانَ الْمحبس عَلَيْهِ معينا محصوراً أم لَا. وَاسْتشْكل فتواه هَذِه أَبُو زيد سَيِّدي عبد الرَّحْمَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 الفاسي قَائِلا: وَلَا أعرف مُسْتَندا بِهَذِهِ الْفَتْوَى ولعلها اجْتِهَاد. نعم مستندها فِي الْجُمْلَة الْمصَالح الْمُرْسلَة وارتكاب أخف الضررين. قَالَ: وَالْحَاصِل أَن تِلْكَ الْفَتْوَى مِمَّا تندرج بِالْمَعْنَى فِيمَا استثنوه من بيع الْوَقْف لتوسيع الْمَسْجِد وَنَحْوه اه. بِاخْتِصَار. قلت: وَتَأمل مَا قَالَه الْفَقِيه الصديني وَأَبُو زيد الفاسي مَعَ نقل ابْن رحال، جَوَاز البيع عَن اللَّخْمِيّ وَعبد الحميد وَنَصه: وَمن حبس عَلَيْهِ شَيْء وَخيف عَلَيْهِ الْمَوْت لمثل مجاعَة فَإِن الْحَبْس يُبَاع وَينْفق على الْمحبس عَلَيْهِ قَالَه اللَّخْمِيّ وَعبد الحميد. وَعلل اللَّخْمِيّ ذَلِك بِأَن الْمحبس لَو حضر لَكَانَ إحْيَاء النَّفس عِنْده أولى اه. بِاخْتِصَار. ثمَّ قَالَ: وَلَعَلَّ فَتْوَى البرقي حَيْثُ لَا يغلب على الظَّن الْهَلَاك إِن لم يبع اه. كَلَام ابْن رحال بِاخْتِصَار. وَفِي المعيار عَن العبدوسي أَنه يجوز أَن يفعل فِي الْحَبْس مَا فِيهِ مصلحَة مِمَّا يغلب على الظَّن حَتَّى كَاد يقطع بِهِ أَنه لَو كَانَ الْمحبس حَيا لفعله وَاسْتَحْسنهُ اه. وَذكر ابْن عَرَفَة عَن اللَّخْمِيّ فِيمَن حبست على ابْنَتهَا دَنَانِير وشرطت أَن لَا تنْفق عَلَيْهَا إِلَّا إِذا نفست قَالَ: ذَلِك نَافِذ فِيمَا شرطت وَلَو نزلت شدَّة بالابنة حَتَّى خيف عَلَيْهَا الْهَلَاك لأنفق عَلَيْهَا مِنْهَا لِأَنَّهُ قد جَاءَ أَمر يعلم مِنْهُ أَن المحبسة أَرغب فِيهِ من الأول اه. فَهَذَا كُله يُؤَيّد فَتْوَى ابْن مَحْسُود ويرجحها وَيدل على أَنَّهَا أولى بالاتباع وَالْعَمَل وَالله أعلم. الثَّانِي: مَا تقدم من أَن الْمُسْتَحق من يَده الْحَبْس لَا يرد الْغلَّة عَن الْمَذْهَب للشُّبْهَة مَحَله إِذا لم يكن الْمُسْتَحق من يَده يستغل ذَلِك من جِهَة الْوَاقِف بِإِرْث أَو وَصِيَّة، فَإِذا أوصى لشخص بِثُلثِهِ مثلا فاستغل ثمَّ ظهر بعد ذَلِك أَن الْمُوصي كَانَ أوصى لِلْمَسْجِدِ بِالثُّلثِ أَيْضا أَو بعرصة وفدان وَنَحْو ذَلِك، فَإِن الْمُوصى لَهُ يلْزمه كِرَاء مناب الْحَبْس من وَقت انتفاعه إِلَى وَقت ظُهُور الْوَصِيَّة لِلْمَسْجِدِ، وَكَذَا الْوَارِث إِذا استغل عقار الْمَيِّت زَمَانا ثمَّ قَامَ عَلَيْهِم نَاظر الأحباس بِالْوَصِيَّةِ أَو بِأَن ذَلِك الفدان حَبسه موروثهم وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ يلْزمهُم رد الْغلَّة قَالَه فِي المعيار عَن العبدوسي قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَة من اسْتحق من يَده ملك بالحباسة وَلم يعلم بهَا أَنه لَا يرجع عَلَيْهِ بالغلة على قَول ابْن الْقَاسِم وَبِه الْعَمَل اه. قَالَ الشَّيْخ الرهوني: وَوَجهه ظَاهر لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة طرُو وَارِث يَحْجُبهُ الطارىء. قَالَ فِي الْمُقدمَات: وَأما مَا لم يؤد فِيهِ ثمنا وَلَا كَانَ عَلَيْهِ فِي ضَمَان كالوارث يَرث ثمَّ يَأْتِي من هُوَ أَحَق مِنْهُ فَلَا اخْتِلَاف أَنه يرد الْغلَّة اه. وَلَا يُعَكر عَلَيْهِ مَا تقدم عَن (خَ) لِأَن المُرَاد بالوارث فِي كَلَامه وَارِث ذِي الشُّبْهَة أَو الْمَجْهُول أَو المُشْتَرِي من الْغَاصِب الَّذِي لم يعلم بغصبه كَمَا قَرَّرَهُ بِهِ شراحه، وَيدل لَهُ قَوْلهم الْخراج بِالضَّمَانِ وَلَا ضَمَان على الْمُوصى لَهُ وَلَا على الْوَارِث الْمَذْكُورين كَمَا تقدم عَن ابْن يُونُس. وغيْرُ أصْلٍ عَادِمِ النَّفع صُرِفْ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ ثُمَّ وُقِفْ (و) حبس (غير أصل) كحيوان وَثيَاب من نَعته وَصفته (عادم النَّفْع) فِيمَا حبس عَلَيْهِ وَينْتَفع بِهِ فِي غَيره كفرس حبس على الْجِهَاد صَار بِحَيْثُ لَا ينْتَفع بِهِ فِيهِ وَلَكِن ينْتَفع بِهِ فِي الطَّحْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 وَنَحْوه فَإِنَّهُ يُبَاع و (صرف ثمنه فِي مثله ثمَّ وقف) أَي فِي فرس آخر يصلح للْجِهَاد إِن بلغ ثمنه ذَلِك، فَإِن لم يبلغهُ فَإِنَّهُ يستعان بِهِ فِي مثله (خَ) : وَبيع مَا لَا ينْتَفع بِهِ من غير عقار وَصرف ثمنه فِي مثله أَو شقصه أَي إِن وجد وإلاَّ صرف فِي السَّبِيل وَبيع فضل الذُّكُور وَمَا كبر من الْإِنَاث وَصرف ثمنه فِي إناث الخ ... وَمَفْهُوم غير أصل أَن الْأُصُول من الدّور وَالْأَرضين لَا يجوز بيعهَا وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور (خَ) : لَا عقار وَإِن خرب الخ. أَي لِأَنَّهُ قد يُوجد من يصلحه بإجارته سِنِين فَيَعُود كَمَا كَانَ، وَمُقَابِله لِرَبِيعَة وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك أَنه يجوز بيع مَا خرب مِنْهُ، وَبِه أفتى الحفار وَابْن لب وَغَيرهمَا وَعَلِيهِ الْعَمَل قَالَ ناظمه: كَذَا مُعَاوضَة ربع الْحَبْس على شُرُوط أسست للمؤتسي والمعاوضة من قبيل البيع بل قَالَ المكناسي فِي مجالسه: أَن الْجنان إِذا كَانَ لَا تفي غَلَّته بخدمته فَإِنَّهُ يُبَاع ويشترى بِثمنِهِ مثله قَالَ: وَبِه الْعَمَل اه. وَأَصله لِابْنِ الفخار وَيَأْتِي مثله فِي التَّنْبِيه الثَّانِي عَن ابْن عَرَفَة وَعَلِيهِ فَلَا مَفْهُوم للمعاوضة على هَذَا وَإِن كَانَ شَارِح الْعَمَل نقل عَن ناظمه أَن الْعَمَل إِنَّمَا هُوَ بالمعاوضة لَا بِالْبيعِ، وَالظَّاهِر أَنه حَيْثُ لم تُوجد الْمُعَاوضَة فَإِنَّهُ يُصَار للْبيع وَيَشْتَرِي بِثمنِهِ مثله كَمَا قَالَ المكناسي وَغَيره. وَهَذَا أغبط للحبس وَأولى من تَركه للضياع والاندثار. وَشرط الْمُعَاوضَة فِي الْحَبْس أَو البيع أَن يكون خرباً، وَأَن لَا تكون لَهُ غلَّة يصلح بهَا، وَأَن لَا ترجى عودته إِلَى حَالَته بإصلاح أَو غَيره وَأَن لَا يُوجد من يتَطَوَّع بإصلاحه قَالَه فِي المعيار. وَمَفْهُوم عادم النَّفْع أَن مَا فِيهِ نفع للحبس لَا يُبَاع بِحَال وَهُوَ كَذَلِك، وَالْمرَاد النَّفْع التَّام الَّذِي يحصل من أَمْثَاله، وَأما مَا قل نَفعه فَإِنَّهُ يُبَاع ويشترى بِثمنِهِ مَا هُوَ تَامّ النَّفْع كَمَا قَالَه ابْن الفخار وَغَيره: وَمن عادم النَّفْع فيض مَاء الأحباس فَإِنَّهُ يجوز بيعهَا. قَالَ ناظم الْعَمَل: وفيض مَاء حبس يُبَاع وَمَا بِهِ للحبس انْتِفَاع قَالَ فِي شَرحه: وَإِذا جَازَ البيع جَازَ الِاسْتِئْجَار بالأحرى. تَنْبِيهَانِ. الأول: علم من جَوَاز الْمُعَاوضَة وَالْبيع على مَا بِهِ الْعَمَل أَن الْحَبْس يحاز عَلَيْهِ، فَإِذا كَانَت دَار مثلا بيد شخص مُدَّة الْحِيَازَة فَقَامَ عَلَيْهِ نَاظر الأحباس وَأثبت بِالْبَيِّنَةِ العادلة أَنَّهَا حبس، وَادّعى الآخر أَنه عاوضها أَو اشْتَرَاهَا أَو ادّعى ورثته ذَلِك، فَإِن القَوْل للحائز بِيَمِينِهِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالْيَمِين لَهُ إِن ادّعى الشِّرَاء مِنْهُ معمله الخ ... بل وَكَذَلِكَ لَو لم يكن يَدعِي الْحَائِز عشر سِنِين وَلَا وَارثه شَيْئا لِأَنَّهُ يحمل على أَنَّهَا انْتَقَلت إِلَيْهِ بِوَجْه جَائِز وَلَا تنْزع من يَده مَعَ قيام احْتِمَال انتقالها إِلَيْهِ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُور مَعَ شدَّة حرص النظار فِي هَذِه الْبَلدة على حفظ الأحباس وَعدم تَركهَا للْغَيْر يتَصَرَّف فِيهَا، وَمُجَرَّد الِاحْتِمَال مَانع من الْقَضَاء إِجْمَاعًا كَمَا لِابْنِ عتاب وَغَيره. وَقَول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 الْعَامَّة: الْحَبْس لَا يحاز عَلَيْهِ إِنَّمَا ذَلِك حَيْثُ لم يجز الْعَمَل بالمعاوضة فِيهِ وَالْبيع وإلاَّ فَهُوَ كَغَيْرِهِ مَا لم يكن الْحَائِز مَعْلُوما بالجاه والكلمة وإلاَّ فَلَا يعْمل بحيازته كَمَا يُوجد من بعض أهل هَذِه الْبَلدة أَيْضا. وَبِالْجُمْلَةِ، فَيجب التثبت فِي مثل هَذَا التثبت التَّام، وَقد عَمت الْبلوى فِي هَذِه الْبَلدة بِكَوْن الرجل يعاوض أَو يسْتَأْجر مَا خرب من الْحَبْس أَو قل نَفعه وتمزق رسوم مَا عاوض بِهِ، وَيَأْخُذ رسم الْمُعَاوضَة وَلَا يكْتب على الْحِوَالَة بِإِزَاءِ مَا وَقعت فِيهِ الْمُعَاوضَة أَن ذَلِك الْمحل انْتقل للرجل بالمعاوضة للاستخفاف بِحُقُوق النَّاس والاتكال على رسم الْمُعَاوضَة الَّذِي بيد الرجل فيضيع رسم الْمُعَاوضَة الَّذِي بِيَدِهِ لطول الْعَهْد وَنَحْو ذَلِك، فَيقوم نَاظر الأحباس عَلَيْهِ أَو على ورثته بِمَا فِي دفتر الأحباس وحوالتها، ويحتج عَلَيْهِ بِأَن الْمحل الَّذِي بِيَدِهِ حبس، وَأَن الْحَبْس لَا يجاز عَلَيْهِ فَلَا يجد الرجل مَا يَدْفَعهُ بِهِ فيأخد النَّاظر المحلين الْمحل الَّذِي دفع الرجل لَهُ لتصرف الْحَبْس فِيهِ الْمدَّة الطَّوِيلَة، وَالْمحل الَّذِي أَخذه بِالِاسْتِحْقَاقِ من الرجل، وَهَذَا كثير وُقُوعه فِي هَذِه الْبَلدة، وَلَا تجدهم يَكْتُبُونَ الْمُعَاوضَة أَو الْجَزَاء والاستئجار بِإِزَاءِ مَا فِي الْحِوَالَة إِلَّا فِي النزر الْقَلِيل. هَذَا كُله لَو كَانَ مَا قَامَ بِهِ النَّاظر ثَابتا فِي الْحِوَالَة بعدلين مَعَ ثُبُوت ملك الْمحبس والحيازة عَنهُ وَادّعى الْحَائِز معاوضته أَو لم يدع شَيْئا على مَا مر بَيَانه، أما إِذا كَانَ فِي الْحِوَالَة مُجَرّد زِمَام فَقَط كَمَا هُوَ غالبها فَإِنَّهُ لَا يقْضِي بِهِ بِحَال على الْمَعْمُول بِهِ كَمَا قَالَ الْبُرْزُليّ فِيمَا يُوجد مَكْتُوبًا على ظهر الْكتب أَنَّهَا حبس، أَو على فَخذ الْفرس أَنَّهَا حبس قَالَ: لَا يعْمل بذلك على مَا بِهِ الْعَمَل إِلَّا إِذا ثَبت أصل تحبيسه بعدلين معروفين، وَثَبت أَن الأَصْل كَانَ ملكا للمحبس إِلَى أَن حَبسه وَثبتت حيازته عَنهُ، ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق وَلَا فرق بَين مَا فِي الْحِوَالَة من أَن الْمحل الْفُلَانِيّ حبس، وَبَين مَا يكْتب من التحبيس على ظهر أوراق الْكتاب أَو فَخذ الْفرس، إِذْ كل مِنْهُمَا لَا يزِيد على أَن هَذَا الْمحل حبس فَالْكل مَحْض زِمَام بِغَيْر شَهَادَة وَمَا فِي أحباس المعيار عَن الشاطبي من أَن زِمَام الأحباس يعْمل بِهِ إِذا لم يُوجد مَا هُوَ أثبت مِنْهُ لَعَلَّه مُقَابل لما بِهِ الْعَمَل فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ أَو يُقَال ذَلِك مَعَ الشُّهْرَة كَمَا فِي (ح) عِنْد قَوْله: بحبست ووقفت الخ. وَمَا رَأينَا أحدا الْيَوْم يقْضِي بزمام الْحِوَالَة وَالْقَضَاء بِهِ يفْتَقر إِلَى الْإِعْذَار فِيهِ وَلَا اعذار فِي مُجَرّد زِمَام كَمَا مرَّ فِي فصل الْإِعْذَار، وَتقدم فِي شَهَادَة السماع مَا يُؤَيّد هَذَا وَالله أعلم. الثَّانِي: النَّاظر على الْوَقْف يقدم إِصْلَاحه وعمارته إِن كَانَ عقارا وَنَفَقَته إِن كَانَ حَيَوَانا على الْمحبس عَلَيْهِم وَلَو شَرط الْوَاقِف عدم التبدئة بذلك لم يعْمل بِشَرْطِهِ ابْن عَرَفَة: الْحَاصِل أَن نَفَقَة الْحَبْس من فَائِدَة فَإِن عجز بيع وَعوض من ثمنه مَا هُوَ من نَوعه فَإِن عجز صرف ثمنه فِي مصرفه اه. (ق) . وَكَثِيرًا مَا يتَّفق أَن يتْرك الْحَبْس بِلَا إصْلَاح والمحبس عَلَيْهِ يستغله هَل يلْزمه فِي مَاله إصْلَاح مَا وهى؟ وَفِي ابْن سهل: إِن ترك الْوَكِيل جنَّات الْمَحْجُور وكرومه حَتَّى تبورت ويبست فَعَلَيهِ قيمَة مَا نقص مِنْهَا لتضييعه إِيَّاهَا اه. وناظر الأحباس كالوصي فِي ذَلِك كَمَا مرّ عَن الْبُرْزُليّ عِنْد قَوْله: وكل مَا يشْتَرط الْمحبس الخ ... وَحبس الإِمَام والمؤذن إِذا خرب فَإِنَّهُ يجب على الإِمَام والمؤذن أَن يردا من غَلَّته مَا يصلح بِهِ كَمَا فِي أحباس المعيار فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. مِنْهَا فِي أَولهَا ووسطها وَآخِرهَا، وَلَكِن نَص أَبُو الْحسن فِي أجوبته على أَن دَار إِمَام الْمَسْجِد تصلح من غلَّة الْحَبْس إِذا امْتنع الإِمَام من أَدَاء الْكِرَاء كَمَا يُعْطي هُوَ وَسَائِر خدمَة الْمَسْجِد من غلَّة أحباسه مِمَّا يصرف عَن غلَّة الْحَبْس فِي الْإِصْلَاح على وزان مَا يعْطى من الْغلَّة للْإِمَام إِجَارَة على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 الْإِمَامَة اه. وَهُوَ الصَّوَاب انْظُر الدّرّ النثير. وَلَا تُبَتّ قِسْمَةٌ فِي حُبُسِ وطالِبٌ قِسْمَةَ نَفْعٍ لَمْ يُسي (وَلَا تبت) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد التَّاء الْأَخِيرَة مَبْنِيا للْمَفْعُول (قسْمَة فِي حبس) أَي إِذا طلب الْمحبس عَلَيْهِم المعينون قسْمَة الْحَبْس قسْمَة بت فَإِنَّهُم لَا يجابون إِلَى ذَلِك (و) أما (طَالب قسْمَة نفع) واستغلال فَإِنَّهُ يُجَاب لِأَنَّهُ (لم يسي) ء فِي طلبه لذَلِك وَيجْبر غَيره عَلَيْهِ على الْمَعْمُول بِهِ لما فِي بَقَائِهِ على الإشاعة من التعطيل والضياع قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَهَذَا إِذا كَانَ الْحَبْس دوراً أَو أَرضًا لَا شجر فِيهَا، وَأما الْأَشْجَار فَلَا تقسم قسْمَة الاستغلال كَمَا فِي المقرب لما فِيهِ من قسم مَا لم يبد صَلَاحه، وَإِنَّمَا يقسمون الْغلَّة فِي أوانها وَلَو فِي رُؤُوس أشجارها بعد بَدو صَلَاحهَا بشروطها الْمُتَقَدّمَة فِي الْقِسْمَة عِنْد قَوْله: وَقسم غير التَّمْر خرصاً وَالْعِنَب الخ ... (فصل فِي الصَّدَقَة وَالْهِبَة وَمَا يتَعَلَّق بهما) وحكمهما لذاتهما النّدب. وَعرف ابْن عَرَفَة الْعَطِيَّة الَّتِي الْهِبَة وَالصَّدَََقَة من أَنْوَاعهَا بقوله: تمْلِيك مُتَمَوّل بِغَيْر عوض إنْشَاء، فَخرج بقوله مُتَمَوّل مَنْفَعَة كَانَ أَو رَقَبَة تمْلِيك الْإِنْكَاح كَأَن يَقُول: مَلكتك تزوج ابْنَتي من زيد أَو مِمَّن أَحْبَبْت، أَو تَقول الْمَرْأَة ذَلِك لوَلِيّهَا، وَيخرج بِهِ أَيْضا تمْلِيك الطَّلَاق للزَّوْجَة أَو لغَيْرهَا إِذْ الْكل لَيْسَ بمتمول، وَخرج بِغَيْر عوض البيع وَنَحْوه من الْمُعَاوَضَات، وَخرج بقوله إنْشَاء الحكم بِاسْتِحْقَاق وَارِث إِرْثه لِأَنَّهُ لَا إنْشَاء فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَقْرِير لما ثَبت وَقيل: إِن هَذَا خَارج بِتَمْلِيك لِأَن الْإِرْث لَا تمْلِيك فِيهِ من الْمَوْرُوث فَلَا حَاجَة لقَوْله إنْشَاء وَيدخل فِيهَا الْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَالْحَبْس والنحلة والعرية وَهِي هبة الثَّمَرَة، والمنحة وَهِي هبة لبن الشَّاة، والهدية وَهِي مَعْرُوفَة، والإسكان وَهُوَ هبة مَنَافِع الدَّار مُدَّة من الزَّمَان كنسة، والعمرى وَهِي تمْلِيك الْمَنْفَعَة مُدَّة عمره، وَالْعَارِية وَهِي تمْلِيك مَنَافِع الدَّابَّة وَنَحْوهَا بِغَيْر عوض، فَإِن كَانَ بعوض فَهُوَ إِجَارَة، والإرفاق وَهُوَ إِعْطَاء مَنَافِع الْعقار كَمَا يَأْتِي، وَالْعدة وَهِي إِخْبَار عَن إنْشَاء الْمخبر مَعْرُوفا فِي الْمُسْتَقْبل وَالْوَفَاء بهَا مَطْلُوب غير لَازم، والإخدام إِعْطَاء مَنْفَعَة خَادِم غُلَاما كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 أَو جَارِيَة، والصلة وَهِي مَعْرُوفَة بَين الْأَقَارِب، والحباء بِالْكَسْرِ وَالْمدّ الْعَطاء الَّذِي يُعْطِيهِ الزَّوْج لوَلِيّ الزَّوْجَة عِنْد العقد أَو قبله، فَهَذِهِ كلهَا من أَنْوَاع الْعَطِيَّة وَكلهَا تفْتَقر لحيازة مَا عدا النحلة كَمَا مرّ فِي قَوْله: ونحلة لَيْسَ لَهَا افتقار إِلَى حِيَازَة الخ ... ثمَّ قَالَ ابْن عَرَفَة: وَالْهِبَة لَا لثواب تمْلِيك ذِي مَنْفَعَة لوجه الْمُعْطى بِغَيْر عوض، وَالصَّدَََقَة كَذَلِك لوجه الله تَعَالَى بدل لوجه الْمُعْطى فَخرج بقوله: ذِي مَنْفَعَة الْعَارِية وَنَحْوهَا ولوجه الْمُعْطى خرج بِهِ الصَّدَقَة لِأَنَّهَا لوجه الله تَعَالَى، وَبِقَوْلِهِ: لَا لثواب هبة الثَّوَاب. وَأَحْكَام الْهِبَة وَالصَّدَََقَة سَوَاء إِلَّا فِي وَجْهَيْن. أَحدهمَا أَن الْهِبَة تعتصر دون الصَّدَقَة كَمَا يَأْتِي، وَالثَّانِي أَن الْهِبَة يجوز للْوَاهِب شراؤها وقبولها بِهِبَة بِخِلَاف الصَّدَقَة فَإِنَّهُ يكره فِيهَا ذَلِك. صَدَقَةٌ تَجوزُ إِلَّا مَعْ مَرضْ مَوْتٍ وبالدَّينِ المُحِيطِ تُعْتَرَضْ (صَدَقَة) وَتقدم تَعْرِيفهَا (تجوز) أَي تصح وَتلْزم بالْقَوْل، أَو يُقَال المُرَاد بِالْجَوَازِ الْإِذْن الشَّامِل للنَّدْب إِذْ هِيَ مَنْدُوب إِلَيْهَا كَمَا مر، وَظَاهره وَإِن كَانَ الْمُتَصَدّق بِهِ مَجْهُولا عِنْد الْمُتَصَدّق وَهُوَ كَذَلِك وَلَو خَالف ظَنّه بِكَثِير (خَ) : وَصحت فِي كل مَمْلُوك ينْقل وَإِن كَلْبا ومجهولاً، وَلابْن الْقَاسِم فِي الْعُتْبِيَّة أَن الْجَهْل إِن خَالف الظَّن فَلهُ نقضهَا، وَبِه أفتى ابْن هِلَال حَسْبَمَا فِي العلمي وَهُوَ ضَعِيف. انْظُر الشَّامِل وَشَرحه (إِلَّا) إِن تصدق (مَعَ) تلبسه ب (مرض موت) فَإِنَّهَا تكون وَصِيَّة مِنْهَا مَا حمله الثُّلُث إِن كَانَت لغير وَارِث وَإِلَّا توقفت على إجَازَة الْوَرَثَة فَإِن أجازوها فَهِيَ ابْتِدَاء عَطِيَّة تفْتَقر للحوز، وَمَفْهُومه أَنه إِذا لم يمت من ذَلِك الْمَرَض بل صَحَّ صِحَة بَيِّنَة ثمَّ مَاتَ فَإِن الصَّدَقَة تصح وتنفذ إِن حيزت كَانَت على وَارِث أَو غَيره، وَمرَاده بِمَرَض الْمَوْت الْمَرَض الْمخوف الَّذِي حكم أهل الطِّبّ بِكَثْرَة الْمَوْت بِهِ، وَقد تقدم بَيَانه فِي الْخلْع. وَأما غير الْمخوف كالأمراض المزمنة المتطاولة كالفالج وَحمى الرّبع والجرب والسعال المزمن، فَحكمه فِي ذَلِك كُله كَالصَّحِيحِ، فَإِذا حيزت عَنهُ فِي ذَلِك الْوَقْت فَإِنَّهَا تصح لوَارث وَغَيره بل الْمخوف فِيهِ تَفْصِيل فقد قَالَ الرجراجي فِي مناهجه: وَالْمَرَض الْمخوف المتطاول كالسل إِذا طَلقهَا فِيهِ وأعقبه الْمَوْت قبل المطاولة فَإِنَّهَا تَرثه على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة، ففهم مِنْهُ أَنه إِذا لم يعقبه الْمَوْت إِلَّا بعد المطاولة فَإِنَّهَا لَا تَرثه، وَالْهِبَة كَذَلِك فالخوف إِن أعقبه الْمَوْت بِالْقربِ بِطَلَب وإلاَّ صحت نَقله الملوي. وَأما غير الْمخوف فمهما شهدُوا بِأَن مَرضه وَقت الْهِبَة كَانَ غير مخوف وَأَنه مَاتَ بِمَرَض حدث بعْدهَا فَهِيَ صَحِيحَة للْوَارِث وَغَيره إِن حازها هَذَا الْحَادِث وَمَا تقدم عَن الرجراجي نَحوه قَول ابْن لب فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 فتواه إِذا كَانَ الْوَاهِب مُلْتَزما للْفراش واتصل حَاله كَذَلِك إِلَى أَن توفّي بعد ذَلِك بِالْأَشْهرِ الْيَسِيرَة فهبته لوَرثَته بَاطِلَة الخ. فمفهوم قَوْله: بِالْأَشْهرِ الْيَسِيرَة أَنه مَاتَ بعد طول فالهبة صَحِيحَة بشرطها الْحَوْز وَالْمَرَض الملزم للْفراش وَهُوَ الْمخوف لِأَنَّهُ لَا يتَصَرَّف مَعَه، وَلما قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: من حبس فِي مَرضه قَالَ أَبُو الْحسن: مُرَاده الْمَرَض الْمخوف، وَأما غَيره فَحكمه الصَّحِيح، وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة قَائِلا: إِذا مرض الْأَب مَرضا متطاولاً فَهُوَ كَالصَّحِيحِ وَيصِح للِابْن قبض الْحَبْس فِي ذَلِك الْحَال اه. وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَظَاهر كَلَام الرجراجي وفتوى ابْن لب وَغَيرهمَا أَن الْمخوف المتطاول فِيهِ التَّفْصِيل بَين الْقرب والبعد، وَأما غير الْمخوف فَحكمه حكم الصَّحِيح والمدار فِيهِ على كَونه غير مخوف، وَأما الشَّهَادَة فَإِنَّهُ مَاتَ بِمَرَض حدث بعده فَلَا يحْتَاج إِلَيْهَا على الْمَذْهَب، إِلَّا على قَول ابْن عَرَفَة الَّذِي يَقُول: إِن غير الْمخوف إِذا أعقبه الْمَوْت يصير مخوفا، وَاعْتَمدهُ ابْن رحال فِي شَرحه وَهُوَ مَرْدُود بِأَن الْمَرَض الْخَفِيف لَا يحصل مِنْهُ الْمَوْت إِلَّا بِزِيَادَتِهِ وَبهَا صَار مخوفا فَهُوَ كَمَرَض طَرَأَ. وَقد تقدم نَحْو هَذَا فِي بَاب الْخلْع، وَفهم مِمَّا مر أَنَّهَا لَا تقبل فِيهِ إِلَّا شَهَادَة الْأَطِبَّاء العارفين بالمخوف وَمن غَيره، وَلَا تقبل فِيهِ شَهَادَة غَيرهم كَمَا تقدم فِي قَوْله: ثمَّ الْعُيُوب كلهَا لَا تعْتَبر الخ ... تَنْبِيه: لَو كَانَت الصَّدَقَة على مجهولين مَحْصُورين مِمَّا يتَوَقَّع انقطاعهم كَقَوْلِه: تَصَدَّقت على ولد فلَان أَو فلَان وَولده، فَقيل عَن مَالك وَغَيره أَنَّهَا حبس مؤبد ترجع الأحباس قَالَه الْبُرْزُليّ، وَهِي كَثِيرَة الْوُقُوع، وَفِي الْمُتَيْطِيَّة: وَلَا يصلح أَن يشْتَرط الْمُتَصَدّق فِي صدقته إِذا مَاتَ الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ أَن ترجع الصَّدَقَة إِلَى غَيره من الْأَقَارِب أَو الْأَجَانِب، فَإِن وَقع ذَلِك نفذ وَمضى كَشَرط اعتصارها وَلَيْسَ للمتصدق عَلَيْهِ بيعهَا إِلَّا أَن يَمُوت الَّذِي اشْترط رُجُوعهَا إِلَيْهِ فِي حَيَاة الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ، فَيكون لَهُ ذَلِك انْتهى، وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الْوَصِيَّة عِنْد قَوْله: وصححت لولد الْأَوْلَاد الخ. (وبالدين الْمُحِيط تعترض) وَتبطل وَلَو بحدوثه فِيمَا بَين الْهِبَة والحوز لِأَن حُدُوثه قبل الْحَوْز مَانع مِنْهُ وَكَذَا الْحَبْس. (خَ) : وَبَطلَت إِن تَأَخّر لدين مُحِيط أَي وللغرماء إجَازَة ذَلِك ورده، وَإِن كَانَ الْمَوْهُوب عبدا أَو دَارا مثلا وزادت قِيمَته على الدّين فَإِنَّهُ يُبَاع والفضلة للْوَاهِب كَمَا فِي الشَّامِل وَغَيره. وَالْحَاصِل أَن الدّين الْمُسْتَغْرق إِذا تحقق سبقه على الْعَطِيَّة بطلت، وَإِن تحقق سبق الْعَطِيَّة لَهُ صحت إِن حيزت قبل الدّين أَو جهل الْحَال هَل تقدّمت حيازتها عَلَيْهِ أَو تَأَخَّرت كَانَت لصغير أَو غَيره؟ وَإِن جهل السَّابِق هَل الْعَطِيَّة أَو الدّين فَإِن حازها كَبِير أَو أَجْنَبِي لصغير صحت وَإِن حازها لَهُ أَبوهُ بطلت. وَلَا رُجُوعَ بَعْدُ للمصدِّق وَمِلْكُهَا بغيرِ إرْثٍ اتُّقي (وَلَا رُجُوع بعد) أَي بعد تبتيلها لَا رُجُوع فِيهَا وَلَا اعتصار وَلَو قبل حيازتها (للمصدق) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 بإدغام التَّاء فِي الصَّاد لِأَن الصَّدَقَة لَا تعتصر وَهِي لَازِمَة بالْقَوْل على الْمَشْهُور وَيجْبر على الْحَوْز كَمَا يَأْتِي، وَكَذَا الْهِبَة وَالْحَبْس. وَعَن مَالك أَنَّهَا لَا تلْزم بالْقَوْل وَله الرُّجُوع فِيهَا مَا لم تقبض وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي، وَتقدم فِي الْحَبْس أَنه لَا يبطل بِتَأْخِير القَوْل وَلَو سِنِين، وَأَحْرَى بِتَأْخِير الْحَوْز حَيْثُ لم يحصل مَانع من موت أَو إحاطة دين، وَتقدم فِي الرَّهْن أَنه لَا يشْتَرط التحويز فِيهَا بِخِلَاف الرَّهْن. (وملكها) أَي الصَّدَقَة (بِغَيْر إِرْث) من شِرَاء أَو قبُولهَا بِهِبَة وَنَحْوهَا (اتقِي) (خَ) : وَكره تمْلِيك صَدَقَة بِغَيْر مِيرَاث وَلَا يرقبها أَو يَأْكُل غَلَّتهَا وَينْفق على أَب افْتقر مِنْهَا، وَقيل يحرم التَّمَلُّك الْمَذْكُور لخَبر: (الْعَائِد فِي صدقته كَالْكَلْبِ الْعَائِد فِي قيئه) وَمَفْهُوم الصَّدَقَة أَن الْهِبَة لَا يكره فِيهَا ذَلِك كَمَا مرّ أول الْبَاب، وَمَفْهُوم بِغَيْر إِرْث أَن التَّمْلِيك بِإِرْث لَا كَرَاهَة فِيهِ لِأَنَّهُ جبري. كَذَاكَ مَا وُهِبَ لِلأَيْتَامِ والفُقراءِ وأُولِي الأرْحَامِ (كَذَاك) لَا رُجُوع فِي (مَا وهب للأيتام والفقراء وأولي الْأَرْحَام) من عمَّة وَخَالَة وَابْنَة أَخ وخال وَنَحْو ذَلِك لِأَن الْهِبَة فِي ذَلِك كُله فِي معنى الصَّدَقَة فَيكْرَه تَملكهَا بِغَيْر إِرْث وَلَا يَصح اعتصارها كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وفقر موهوب لَهُ مَا كَانَا الْمَنْع لاعتصاره قد بانا وَسَيَأْتِي أَيْضا فِي قَوْله: وَالأُم مَا حييّ أَب تعتصر الخ. والأبُ حَوْزُهُ لما تُصُدِّقَا بِهِ عَلَى مَحْجُورِهِ لَنْ يُتَّقَى (وَالْأَب) لَو عبر بالولي ليشْمل الْوَصِيّ والمقدم (حوزه لما تصدقا بِهِ) أَو وهبه (على مَحْجُوره) وَلَو بَالغا سَفِيها ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، وَلَو تزوجت الْأُنْثَى وَالذكر (لن يتقى) بل يجوز وَيصِح مَا داما سفيهين وَلَا يحْتَاج إِلَى الْإِشْهَاد، بِأَنَّهُ يحوز لَهُ بل يَكْفِيهِ الْإِشْهَاد بِالْهبةِ وَالصَّدَََقَة، وَيحمل على أَنه يحوز لَهُ إِلَّا أَن تكون دَار سكناهُ فَلَا بُد من مُعَاينَة إخلائها كَمَا مر قبل قَوْله: ونافذ تحبيس مَا قد سكنه الخ ... فَإِن بلغ الْمَحْجُور رشيدا أَو رشد السَّفِيه وَلم يحز حَتَّى مَاتَ الْمُتَصَدّق بِطَلَب كَمَا مر فِي الْمحل الْمَذْكُور أَيْضا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 ولِلْمُعَيِّنِينَ بالحَوْزِ تَصِحْ وجَبرُه مهْما أباهُ مُتَّضِحْ (و) الصَّدَقَة أَو الْهِبَة (للمعينين) كزيد وَعَمْرو وَبكر أَو فلَان وعقبه (بالحوز) مُتَعَلق بقوله: (تصح وجبره) أَي الْمُتَصَدّق وَكَذَا الْوَاهِب على الْحَوْز (مهما أَيَّاهُ متضح) بيِّن للزومها بالْقَوْل كَمَا مر (خَ) : وحيز وَإِن بِلَا إِذن وأجبر عَلَيْهِ، وَقد مر ذَلِك عِنْد قَوْله: والحوز شَرط صِحَة التحبيس الخ ... وَظَاهره أَنه يجْبر وَلَو تصدق بِجَمِيعِ مَاله وَهُوَ كَذَلِك لقصده الْقرْبَة وَيتْرك لَهُ مَا يتْرك للْمُفلس، وَكَذَا يجْبر لَو قَالَ: إِن فعلت كَذَا فَعَبْدي فلَان أَو عَبدِي وَلَا عبد لَهُ سواهُ حر، وَحنث بِخِلَاف مَا لَو قَالَ: التزمت أَن أعتق عَبدِي فلَانا الْآن أَو بعد شهر فَإِنَّهُ لَا يجْبر بِالْقضَاءِ عَلَيْهِ، وَظَاهر النّظم أَيْضا كَغَيْرِهِ أَنَّهَا تصح بالحوز، وَلَو كَانَ الْمُتَصَدّق أَو الْوَاهِب غَائِبا لَا يدرى حَاله من موت أَو فلس لِأَنَّهُ على الْحَيَاة وَالصِّحَّة، وَهُوَ اخْتِيَار ابْن حبيب وَقَول ابْن الْمَاجشون كَمَا فِي الْفَصْل الرَّابِع فِي تَقْسِيم الْمُدعى لَهُم من الْقسم الثَّانِي من الْكتاب الأول من التَّبْصِرَة، وَبِه أفتى سَيِّدي عمر الفاسي قَائِلا: يَكْتَفِي فِي رجحانه اخْتِيَار ابْن حبيب لَهُ، وَوَافَقَهُ على ذَلِك قَاضِي مكناسة الزَّيْتُون قَائِلا: وَهُوَ الْجَارِي على مَذْهَب مَالك فِي الحكم على الْغَائِب، وتبعهما على ذَلِك غَيرهمَا من المعاصرين مَعَ علمهمْ باقتصار ابْن سَلمُون على خِلَافه قَالَه أَبُو الْعَبَّاس الملوي رَحمَه الله. وَفِي سِوى المعَيَّنينَ يُؤْمَرُ بالحوْزِ والخلْفُ أَتَى هَل يُجْبَرُ (و) الصَّدَقَة وَالْهِبَة وَالْحَبْس (فِي سوى) أَي غير (المعينين) كالمرضى والفقراء وطلبة الْعلم وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَيْسَ بِمعين (يُؤمر) الْمُتَصَدّق والواهب والمحبس (بالحوز) وَدفعهَا للمتصدق والمحبس عَلَيْهِ والموهوب لَهُ (وَالْخلف أَتَى هَل يجْبر) إِن أَبى من دَفعهَا أَو لَا يجْبر لكَون الطَّالِب غير معِين وَهُوَ الْمُعْتَمد، وَمثله إِذا تصدق أَو وهب أَو حبس بِيَمِين وَلَو لمُعين كَقَوْلِه: إِن فعلت كَذَا فداري صَدَقَة أَو حبس على الْفُقَرَاء أَو على زيد، أَو قَالَ: وَالله إِن فعلت كَذَا لأتصدقن على الْفُقَرَاء أَو على زيد، أَو إِن فعلت كَذَا فعلي نذر، أَو قَالَ لزوجته: إِن تزوجت عَلَيْك فلك ألف دِرْهَم، أَو إِن فعلت كَذَا فعلي عتق رَقَبَة وَلم يعينها فَإِنَّهُ لَا يجْبر على شَيْء من ذَلِك على الْمُعْتَمد، وَلَو خَالف وَفعل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يقْصد الْقرْبَة، وَإِنَّمَا قصد اللجاج والحرج كَمَا لِابْنِ رشد، وَإِلَيْهِ أَشَارَ (خَ) بقوله: وَإِن قَالَ: دَاري صَدَقَة بِيَمِين مُطلقًا أَو بغَيْرهَا وَلم يعين لم يقْض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 عَلَيْهِ، وَإِن قَالَ: دَاري صَدَقَة أَو حبس على مَسْجِد معِين فَهَل يجْبر نظرا لتعيين الْمَسْجِد فَهُوَ كمن تصدق على رجل بِعَيْنِه أَو لَا يجْبر نظرا للمصلين؟ فِيهِ وهم غير مُعينين وَعَلِيهِ الْأَكْثَر، وَبِه الحكم وَعَلِيهِ الْعَمَل كَمَا فِي ابْن نَاجِي قَولَانِ. والجَبْرُ مَحتُومٌ بذِي تعَيُّنِ لِصِنْفِهِمْ مِنْ جِهَةِ المُعَيَّنِ (و) لَو تصدق بداره على زيد الْمعِين ثمَّ بعده على الْفُقَرَاء مثلا ثمَّ مَاتَ زيد قبل حوزها وَأَحْرَى بعده وطلبها غير الْمعِين ب (الْجَبْر) على دَفعهَا للْفُقَرَاء وتحويزها لَهُم (محتوم) مقضى بِهِ وَإِنَّمَا قضى بِهِ مَعَ كَونهم غير مُعينين لِأَنَّهُ لما وَجب الْقَضَاء (ب) سَبَب كَونهَا أَو لَا على (ذِي تعين) وَهُوَ زيد وَجب الْقَضَاء أَيْضا لَهُم تبعا فَقَوله (لصنفهم) مُتَعَلق بالجبر وضميره لغير المعينين أَي: فالجبر لصنف غير المعينين محتم وَاجِب بِسَبَب وُقُوعهَا أَو لَا على معِين وانتقالها إِلَيْهِم (من جِهَة) ذَلِك (الْمعِين) قَالَه ابْن الْحَاج وَغَيره. ولِلأَبِ التَّقْدِيمُ للكَبِيرِ لِقَبْضِ مَا يَخْتَصُّ بالصَّغيرِ (وَللْأَب) أَو الْوَصِيّ والمقدم فِيمَا إِذا وهبوا للكبير وَالصَّغِير (التَّقْدِيم للكبير) وَلَو سَفِيها أَو لأَجْنَبِيّ (لقبض مَا يخْتَص بالصغير) فَإِن لم يقدموا أحدا لحوز مَا يجب للصَّغِير وَحَازَ الْكَبِير حِصَّته فَقَط، أَو لم يحز شَيْئا حَتَّى مَاتَ الْوَاهِب بطلت عِنْد ابْن الْقَاسِم وَبِه الْعَمَل كَمَا مرَّ عِنْد قَوْله: وَالْأَب لَا يقبض للصَّغِير مَعَ كبيره وَالْحَبْس إِرْث إِن وَقع وَقيل: يَصح نصيب الصَّغِير فِي الْهِبَة وَالصَّدَََقَة خَاصَّة لِأَن الْأَب يحوز لَهُ بِخِلَاف الْحَبْس لِأَنَّهُ لَا يَنْقَسِم، وَقَوْلِي: وَحَازَ الْكَبِير حِصَّته فَقَط احْتِرَازًا مِمَّا إِذا حَاز حِصَّته وَحِصَّة الصَّغِير بِغَيْر تَقْدِيم فَإِنَّهَا تصح كَمَا تقدم عَن المجاصي عِنْد قَوْله: وَالْأَخ للصَّغِير حوزه وَجب الخ ... وَهَذَا أَيْضا إِذا لم يحز الصَّغِير حِصَّته مَعَ الْكَبِير وَالأَصَح أَيْضا لقَوْله: ونافذ مَا حازه الصَّغِير الخ. . وحوزُ حاضِرٍ لِغَائِبٍ إِذا كَانَا شَرِيكيْنِ بِهَا قَدْ أُنفِذا (وحوز حَاضر لغَائِب إِذا كَانَا شَرِيكَيْنِ بهَا) أَي فِيهَا أَي فِي الصَّدَقَة وَالْهِبَة، وَمثلهمَا الْحَبْس بِأَن تصدق أَو حبس عَلَيْهِمَا مَعًا وحازها الْحَاضِر (قد أنفذا) حوزه وَصَحَّ لَهما، وَظَاهره وَإِن لم يُوكله بل وَإِن لم يعلم الْغَائِب بِالْهبةِ كَمَا فِي المقرب عَن ابْن الْقَاسِم، وَقَالَ فِي الشَّامِل: وَهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 يَكْفِي حوز غَيره لَهُ بِغَيْر إِذْنه كَزَوج حَاز لزوجته هبة أَبِيهَا أَو لَا يَكْفِي إِلَّا بوكالتها؟ قَولَانِ اه. وَأَصله فِي التَّوْضِيح، وعزى الأول لمطرف وَالثَّانِي لأصبغ، وَرِوَايَة ابْن الْقَاسِم عَن مَالك وَهُوَ يَقْتَضِي رُجْحَان الثَّانِي لِأَن الأول وَإِن كَانَ لمطرف وَابْن الْقَاسِم، لَكِن رِوَايَته عَن الإِمَام تقدم عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهر حَيْثُ أمكنه الْحَوْز بِنَفسِهِ أَو التَّوْكِيل عَلَيْهِ، فَإِن لم يفعل وَحَازَ شَرِيكه الْجَمِيع وَحصل الْمَانِع فَإِن حِصَّة الْحَائِز تصح دون غَيره لتَفْرِيطه، وَتَقَدَّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ عِنْد قَوْله: وَينفذ التحبيس فِي جَمِيع مَا. الخ ... وَبِهَذَا يفْتَرق حوز الْكَبِير حِصَّة الصَّغِير فَإِنَّهُ يَصح الْجَمِيع دون الْكَبِير يحوز حِصَّة غَيره بِغَيْر وكَالَة فَإِنَّهُ لَا يَصح لقدرته على التَّوْكِيل أَو الْحَوْز بِنَفسِهِ فَلم يفعل وَالله أعلم. وَمَا عَلَى البَتِّ لِشَخْصٍ عُيِّنا فَهْو لَهُ ومَنْ تَعدَّى ضَمِنا (وَمَا) مَوْصُول مُبْتَدأ وَاقعَة على الصَّدَقَة (على الْبَتّ لشخص) يتعلقان بقوله (عينا) وَالْمعْنَى أَن مَا عَزله الشَّخْص من مَاله صَدَقَة على مِسْكين سَمَّاهُ بِلِسَانِهِ أَو نَوَاه بِقَلْبِه، فَإِن بتله وأمضاه لَهُ بقول أَو نِيَّة حازماً بذلك غير مترو فِيهِ (فَهُوَ لَهُ) أَي لذَلِك الْمِسْكِين (وَمن تعدى) من متصدق أَو نَائِب عَنهُ وَأَعْطَاهُ لغيره (ضمنا) ذَلِك للمبتل لَهُ حَيْثُ لم تكن قَائِمَة بيد الْمُعْطى لَهُ ثَانِيًا، وَإِلَّا ردَّتْ للْأولِ كَمَا فِي الشَّامِل، وَمَا ذكره النَّاظِم بِهِ أفتى ابْن رشد فِي نوازله وَنَقله ابْن سَلمُون وَغَيره، وَالضَّمان ظَاهر فِيمَا إِذا أعطَاهُ نَائِب الْمُتَصَدّق بِغَيْر إِذن الْمُتَصَدّق، وَأما إِن أعطَاهُ هُوَ أَو نَائِبه بِإِذْنِهِ فَإِنَّمَا يتمشى على أحد قولي ابْن الْقَاسِم فِيمَن وهب لثان وَحَازَ إِنَّهَا تكون للْأولِ لِأَن الْهِبَة تلْزم بالْقَوْل فَلم يهب الْوَاهِب للثَّانِي إِلَّا مَا ملك غَيره. قَالُوا: وَهُوَ الْقيَاس. أما على قَوْله الآخر وَهُوَ الْمُعْتَمد من أَنَّهَا تكون للثَّانِي كَمَا قَالَ (خَ) : أَو وهب لثان وَحَازَ فَإِنَّهُ لَا ضَمَان، وَقَالَ فِي الشَّامِل: وَقضى بهَا لثان حازها قبل الأول لَا لأوّل على الْأَصَح، وَلَا فرق بَين أَن يفرط الأول فِي حوزها أم لَا مضى لَهُ زمَان يُمكنهُ فِي الْحَوْز وَلم يحز أم لَا. وغيْرُ مَا يُبَتُّ إذْ يُعَيَّنُ رجُوعُهُ لِلْمِلْكِ لَيْسَ يُحْسُنُ (وَغير مَا يبت) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (إِذْ) ظرف (يعين) فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذْ وَالتَّقْدِير: وَغير المبتل للمسكين وَقت تعينه أَي لم يبتل لَهُ بقول وَلَا نِيَّة، فالمسكين معِين فِي هَذِه وَفِي الَّتِي قبلهَا، وَإِنَّمَا اخْتلفَا فِي التبتيل وَعَدَمه فَفِي التبتيل يضمن على مَا قَالَ النَّاظِم إِن أعطَاهُ للْغَيْر، وَفِي عَدمه لَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَكِن (رُجُوعه) فِي عدم التبتيل (للْملك) أَي لملك الْمُتَصَدّق (لَيْسَ يحسن) أَي يكره وَكَذَا يكره أَن يُعْطِيهِ للْغَيْر كَرَاهَة تَنْزِيه فيهمَا. وَلْلأَبِ القَبْضُ لما قَدْ وَهَبَا ولدَهُ الصَّغيرَ شَرْعاً وجَبَا (وَللْأَب) يتَعَلَّق بوجب آخر الْبَيْت (الْقَبْض) مُبْتَدأ (لما وَقد وهبا) يتَعَلَّق بِهِ (وَلَده) مفعول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 بوهب (الصَّغِير) نعت لَهُ (شرعا) مَنْصُوب على إِسْقَاط الْخَافِض (وجبا) خَبره، وَالتَّقْدِير: وَالْقَبْض للصدقة الَّتِي وَهبهَا لوَلَده الصَّغِير وَاجِب للْأَب بِالشَّرْعِ، وَالضَّمِير فِي قَوْله: وَلَده حِينَئِذٍ عَائِد على مُتَأَخّر معنى لَا لفظا والمضر هُوَ عوده على مُتَأَخّر لفظا وَمعنى، وَهَذَا الْبَيْت مُسْتَغْنى عَنهُ بقوله: وَالْأَب حوزه لما تصدقا. الخ ... وَإِنَّمَا أَعَادَهُ ليرتب عَلَيْهِ قَوْله: إلاّ الَّذِي يَهَبُ مِنَ نَقْدَيْهِ فَشَرْطُهُ الخروجُ مِنْ يَدَيْهِ (إِلَّا الَّذِي يهب) الحاجر أَبَا أَو غَيره لمحجوره (من نقديه) الذَّهَب وَالْفِضَّة وَمثلهمَا كل مَا لَا يعرف بِعَيْنِه من الْمِثْلِيَّات من مَكِيل أَو مَوْزُون أَو مَعْدُود (فشرطه) أَي شَرط صِحَّته (الْخُرُوج من يَدَيْهِ) ويدفعه. إِلَى أمِينٍ وَعَن الأَمِينِ يُغْنِي اشْتِرَاءُ هَبْه بَعْدِ حِينِ (إِلَى أَمِين) بحوزه بمعاينة الْبَيِّنَة وَلَا يَكْفِي بِغَيْر المعاينة وَلَا حوز الحاجر لمحجوره فِي شَيْء من ذَلِك، وَلَو ختم عَلَيْهِ بِخِلَاف الْعرُوض وَالْأُصُول فَيَكْفِي وَهُوَ مَا قبل الِاسْتِثْنَاء (خَ) : إِلَّا مَا لَا يعرف بِعَيْنِه وَلَو ختم. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَمن تصدق على وَلَده الصَّغِير فِي صِحَّته بِدَنَانِير أَو دَرَاهِم فليدفعها بعده لمن يحوزها عَنهُ بمعاينة بَيِّنَة. قَالَ ابْن زرب: فَإِن لم تعاين الْبَيِّنَة الْحَوْز فَهِيَ بَاطِلَة، وَإِن جعلهَا الْأَب فِي صرة وَختم عَلَيْهَا بِمحضر بَيِّنَة وحازها لَهُ فَوجدت بعد مَوته على حَالهَا فَلَا يجوز ذَلِك على رِوَايَة ابْن الْقَاسِم عَن مَالك، وَبِه الحكم وَعَلِيهِ الْعَمَل ثمَّ قَالَ: وَحكم الطَّعَام وَمَا لَا يعرف بِعَيْنِه حكم الْعين اه. ابْن عَرَفَة: وَفِي السماع لَو تصدق على ابْنه بِعَبْد مَوْصُوف فِي ذمَّة رجل صَحَّ. قَبضه الْأَب أَو لم يقبضهُ وَلَو تصدق عَلَيْهِ بِدَنَانِير فِي ذمَّة رجل وَمَات الْأَب وَهِي فِي ذمَّة الرجل صحت لِأَنَّهَا قد حيزت بِكَوْنِهَا على الْغَرِيم، وَكَذَا لَو تصدق عَلَيْهِ بِدَنَانِير ووضعها على يَد غَيره، ثمَّ أَخذهَا مِنْهُ لسفره أَو بعد مَوته لِأَنَّهَا قد حيزت كَالدَّارِ يحوزها عَنهُ السنتين وَالسّنة ثمَّ يسكنهَا وَيَمُوت فِيهَا فصدقته مَاضِيَة اه. تَنْبِيه: قَالَ ابْن رشد فِيمَن وهب لابنته الصَّغِيرَة مَا فِي دَاخل تابوته المقفول عَلَيْهِ وَأشْهد على ذَلِك عُدُولًا دون أَن يعاينوا مَا فِيهِ ثمَّ مَاتَ وَيُوجد فِيهِ الحلى وَالثيَاب: أَنه لَا شَيْء لَهَا من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 ذَلِك إِلَّا أَن يكون دفع مَفَاتِيح القفل إِلَى الشُّهُود عِنْد الْإِشْهَاد وعاينوه مقفولاً عَلَيْهِ وَيُوجد بعد موت الْوَاهِب على ذَلِك فَيصح حِينَئِذٍ للابنة مَا وجد دَاخله اه. انْظُر شرحنا للشامل فَفِيهِ زِيَادَة فَوَائِد. (وَعَن الْأمين يُغني اشْتِرَاء هبه) أَي الاشتراء وَقع (بعد حِين) من هبة الْعين وَنَحْوهَا يَعْنِي أَن مَحل دفع الْعين الْمَوْهُوبَة وَنَحْوهَا للأمين إِذا لم يَقع بهَا اشْتِرَاء، وَأما إِذا اشْترى الْأَب وَنَحْوه ملكا لمحجوره بِمَال زعم أَنه من مَال وَلَده، وَأَنه لَا يعلم للِابْن مَال فَإِن ذَلِك صَحِيح للِابْن، وَلَو كَانَ الْأَب يعتمده لنَفسِهِ حَتَّى مَاتَ على الصَّحِيح الْمَعْمُول بِهِ لِأَنَّهُ من بَاب الْإِقْرَار بِالثّمن فِي الصِّحَّة الَّتِي لَا تلْحقهُ فِي تُهْمَة وَلَا توبيخ قَالَه فِي الِاسْتِغْنَاء. وَكَذَا لَو اشْترى دَارا مثلا وَأشْهد أَنه اشْتَرَاهَا لِابْنِهِ، وَلم يذكر أَن ذَلِك من مَال الابْن فَإِن ذَلِك صَحِيح أَيْضا، وَيحمل على أَنه اشْتَرَاهَا لَهُ بِمَال وهبه إِيَّاه، وَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يحوزه لَهُ لِأَنَّهُ بِنَفس الشِّرَاء كَانَ ملكا للِابْن فَلم يَتَقَرَّر للْأَب عَلَيْهِ ملك حَتَّى يحْتَاج للحوز وَالثمن قد حيّز بِنَفس الشِّرَاء قَالَه فِي الْمَقْصد الْمَحْمُود وَغَيره. وَإِذا كَانَ هَذَا فِي الصَّغِير فأحرى الرشيد كَمَا يدل لَهُ التَّعْلِيل، وَهَذَا إِذا اشْترى لَهُ ملك غَيره، وَأما إِن وهب لَهُ ناضاً أَو مَا لَا يعرف بِعَيْنِه ثمَّ بَاعَ مِنْهُ ملكا لنَفسِهِ، فَإِنَّهُ إِذا لم يكن بَين البيع وَالْهِبَة فسحة كالسنة وَنَحْوهَا فَإِن ذَلِك بَاطِل لِأَنَّهُ لما قرب اتهمَ أَنه أَرَادَ هبة الأَصْل وَجعل الناض جنَّة لسُقُوط الْحِيَازَة، وَإِن كَانَ بَين البيع وَالْهِبَة فسحة وَأخرج الناض وَنَحْوه من يَده لمن يحوزه سنة ثمَّ بَاعَ مِنْهُ ملكا فَإِنَّهُ يَصح لانْتِفَاء التُّهْمَة قَالَه فِي وَاسِطَة الدُّرَر، وَنَحْوه فِي الْمَقْصد الْمَحْمُود والورقة السَّابِعَة وَالْعِشْرين من معاوضات المعيار. وَإِن يَكُنْ موضِعَ سُكْنَاهُ يَهَبْ فَإنّ الإِخلاء لهُ حُكْمٌ وَجَبْ (وَإِن يكن) الْأَب وَنَحْوه (مَوضِع سكناهُ يهب) لمحجوره وَلَو بَالغا وعبداً (فَإِن الإخلاء لَهُ) أَي لموْضِع سكناهُ (حكم وَجب) لَا بُد مِنْهُ، وَظَاهره أَنه مَحْمُول على أَنه كَانَ يسكنهَا لنَفسِهِ حَتَّى يثبت إخلاؤه لَهَا وَأَنه لم يكن قبل وَفَاته يسكنهَا لَا يشغلها بأمتعته، وَهُوَ كَذَلِك بِخِلَاف غير دَار السُّكْنَى فَإِنَّهُ مَحْمُول على أَنه كَانَ يستغلها لصغار بنيه قَالَه ابْن رشد، وَنَقله الْبُرْزُليّ وَغَيره، وَتقدم قَول النَّاظِم فِي الْحَبْس: وَمن يحبس دَار سكناهُ فَلَا يَصح إِلَّا أَن يعاين الخلا رَاجع مَا تقدم هُنَاكَ (خَ) عاطفاً على مَا لَا يَصح قَبضه لمحجوره مَا نَصه: وَدَار سكناهُ إِلَّا أَن يسكن أقلهَا ويكرى لَهُ الْأَكْثَر وَإِن سكن النّصْف بَطل فَقَط، وَالْأَكْثَر بَطل الْجَمِيع الخ. وَهَذَا فِي الصغار. وَأما الْكِبَار الرشداء فَيصح لَهُم مَا حازوه وَلَو قل، وَهَذَا فِي دَار السُّكْنَى، وَأما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 غَيرهَا من الْعقار وَالْعرُوض على محاجيره فيكفيه الْإِشْهَاد كَمَا مرَّ وَلَكِن لَا بُد من إخلائه من شواغله أَيْضا فَإِن ثَبت بِالْبَيِّنَةِ أَنه لم يخله من شواغله فَيكون بِمَنْزِلَة من رَجَعَ إِلَيْهِ قبل عَام فَيجْرِي على مَا تقدم فِي الْحَبْس، وراجع مَا مر عِنْد قَوْله فَيجب النَّص على الثِّمَار الخ ... وَظَاهر النّظم كَغَيْرِهِ أَنه لَا بُد من مُعَاينَة الإخلاء وَلَو تصدق بِمَا فِيهَا من الْأَمْتِعَة والأثاث وَهُوَ كَذَلِك خلافًا لِابْنِ الطلاع فِي إِجَازَته ذَلِك قَائِلا لِأَنَّهُ بسكناه فِيهَا حِينَئِذٍ صَار كالقابض لِابْنِهِ. وَلما ذكر ابْن عَرَفَة فِي كتاب الْهِبَة مَا أجَازه ابْن الطلاع قَالَ مَا نَصه: ظَاهر الرِّوَايَات بطلَان الصَّدَقَة لِأَنَّهُ قَادر على أَن يخرج مَا فِي الدَّار لينْظر فِيهِ. تَنْبِيهَانِ. الأول: تقدم فِي الْحَبْس أَن صرف الْمحبس الْغلَّة لنَفسِهِ يُبْطِلهَا، وَكَذَلِكَ الْهِبَة وَالصَّدَََقَة لِأَنَّهَا من بَاب وَاحِد كَمَا للفاسي فِي نوازله، ونقلنا على ذَلِك أنقالاً فِي الْحَبْس وَالْهِبَة من الشَّامِل، وَرجح الشَّيْخ الرهوني أَن صرف الْأَب الْغلَّة فِي مصَالح نَفسه لَا يُبْطِلهَا، وَنقل على ذَلِك أنقالاً وَهِي كلهَا حجَّة عَلَيْهِ لمن تأملها من ذَلِك مَا نَقله عَن ابْن لب من أَنه إِذا صرف الْغلَّة لنَفسِهِ فَالْمَشْهُور بُطْلَانهَا وَالصَّحِيح صِحَّتهَا اه. فَقَالَ: أَعنِي الرهوني عقبه، وَقد علمت أَن مُقَابل الصَّحِيح فَاسد فَيكون الْمَشْهُور فَاسِدا على قَوْله. وَقد تقدم عَن ابْن فَرِحُونَ عِنْد قَول النَّاظِم أول الْكتاب: مَعَ كَونه الحَدِيث للفقه جمع الخ ... مَا يرد احتجاجه، وَأَيْضًا فَهُوَ حِينَئِذٍ يحْتَج على الشَّخْص بِمذهب مثله وَهُوَ لَا يَقُوله أحد، وَإِنَّمَا مُرَاد ابْن لب أَن الصَّحِيح من جِهَة الْمَعْنى فَهُوَ كَقَوْل ابْن الْعَطَّار وَغَيره لَوْلَا اجْتِمَاع الشُّيُوخ على بُطْلَانهَا بِصَرْف الْغلَّة لنَفسِهِ لَكَانَ الْقيَاس أَن لَا يكون تعدِي الْأَب على الْغلَّة نقضا للحبس، لَكِن جرت الْفتيا وَعمل الْقُضَاة بِبُطْلَانِهِ وَرَأَوا أَنه كسكنى الدَّار وَلبس الثِّيَاب الَّتِي حبس اه. وَنَقله فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا وَقَالَ فِي هبات المعيار: إِن صرف الْوَاهِب الْغلَّة لنَفسِهِ فَإِن ذَلِك يمْنَع الْحَوْز الْحكمِي ويأباه على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ اه. وَمِنْهَا بَحثه فِي كَون الْغلَّة يثبت صرفهَا لنَفسِهِ بِإِقْرَار الْوَاهِب أَو الْمحبس مَعَ أَنه نَقله عَن أبي الْحسن وَسلمهُ فِي الدّرّ النثير وَغَيره. وَبِالْجُمْلَةِ، فَإِن أبحاثه لَا تسلم وعَلى تَسْلِيمهَا فَإِنَّهَا لَا تدفع الْفِقْه، وَانْظُر قَول ابْن الْعَطَّار وَغَيره: لَوْلَا اجْتِمَاع الشُّيُوخ الخ ... فَلم يعتمدوا فِي ذَلِك أبحاثهم وَلَا قياساتهم. وَمِنْهَا قَوْله: وَمَا أَدْرِي مَا مُسْتَند المتيطي وَمن تبعه فِي تشهير الْبطلَان بِصَرْف الْغلَّة لنَفسِهِ الخ ... فَإِنَّهُ لَو لم يكن للمتيطي مُسْتَند إِلَّا قَول ابْن الْعَطَّار وَغَيره: لَوْلَا اجْتِمَاع الشُّيُوخ الخ ... لَكَانَ كَافِيا فِي مُسْتَنده، فَكيف وَقد قَالَه غير وَاحِد مِمَّن لَا يُحْصى وَأما مَا نَقله عَن القلشاني من أَن ابْن عَرَفَة أفتى بِصِحَّة الْحَبْس مَعَ صرف الْمحبس الْغلَّة لنَفسِهِ فَذَلِك اخْتِيَار مِنْهُ لمقابل الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ فَلَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَإِن ثَبت عَنهُ وَلَا تكون فتواه حجَّة على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ لما مر من أَن مَذْهَب الشَّخْص ومختاره لَا يكون حجَّة على غَيره، وَالنَّاس كلهم يَقُولُونَ: احكم علينا بالمشهور أَو الْمَعْمُول بِهِ، وَتقدم أول الْكتاب أَن الحكم بِخِلَاف ذَلِك ينْقض كَمَا قَالَه ابْن عَرَفَة وَغَيره، ففتوى ابْن عَرَفَة الْمُتَقَدّمَة: لَو حكم حَاكم بهَا لوَجَبَ نقض حكمه، وَهَكَذَا شَأْن هَذَا الشَّيْخ رَحْمَة الله يعْتَمد فِي كثير من اعتراضاته على أبحاثه الَّتِي تظهر لَهُ وكثيرها لَا يسلم وعَلى تَسْلِيمهَا لَا تدفع الْفِقْه لقَوْل (ح) وَغَيره الْمُعْتَمد فِي كل نازلة على مَا هُوَ الْمَنْصُوص فِيهَا، وَلَا يعْتَمد على الْقيَاس والتخريج وَالله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 الثَّانِي: إِذا وهب لمحجوره دوراً مُتعَدِّدَة صَفْقَة وَاحِدَة فَإِن حكم ذَلِك حكم الدَّار الْوَاحِدَة، فَإِن سكن وَاحِدَة مِنْهَا وَهِي الْأَقَل وأكرى الْبَاقِي لَهُ صَحَّ الْجَمِيع، وَإِن سكن الْأَكْثَر بَطل الْجَمِيع، وَإِن سكن النّصْف بَطل مَا سكن، فَإِن كَانَ ذَلِك فِي عُقُود مُتعَدِّدَة فَإِنَّمَا يبطل من ذَلِك مَا سكن كَانَ الْأَقَل أَو الْأَكْثَر، وَكَذَلِكَ لَو كَانَت أَشْيَاء مُخْتَلفَة من دور وأجنات وفدادين، فَمَا كَانَ فِي صَفْقَة وَاحِدَة يجْرِي على تَفْصِيله، وَمَا كَانَ فِي صفقات فَإِنَّهُ يبطل مَا عمره فَقَط كَمَا لأبي الْحسن. قَالَ ابْن الْقَاسِم: فَإِن تَصْدِيق على رشيد بدور مُتعَدِّدَة أَو دَار وَاحِدَة، فَإِن سكن الْأَب كثيرا بَطل مَا سكن فَقَط وَصَحَّ مَا حيّز عَنهُ قلَّ أَو كثر، وَإِن سكن الْأَب قَلِيلا صَحَّ الْجَمِيع. أَبُو الْحسن: ظَاهره أَن الرشيد إِذا حَاز الْيَسِير صَحَّ ذَلِك لَهُ بِلَا خلاف، وَظَاهر عِيَاض وجود الْخلاف فِيهِ. ومَنْ يَصِحُّ قَبْضُهُ وَمَا قَبَضْ مُعْطاهُ مُطْلَقاً لتفْرِيطٍ عَرَضْ (وَمن يَصح قَبضه) للهبة وَنَحْوهَا وَهُوَ الْكَبِير الرشيد قَرِيبا كَانَ أَجْنَبِيّا (وَمَا قبض معطاه مُطلقًا) كَانَ الْمُعْطِي أصلا أَو غَيره وَكَانَ تَركه للقبض (لتفريط) مِنْهُ (عرض) لَهُ. يَبْطُلُ حَقُّهُ بِلا خِلاَفٍ إِن فَاتَهُ فِي ذَلِك التّلاَفِي (يبطل حَقه بِلَا خلاف إِن فَاتَهُ فِي ذَلِك التلافي) بِأَن مَاتَ الْمُعْطِي أَو فلس أَو أحَاط بِهِ الدّين أَو اسْتهْلك الْهِبَة أَو وَهبهَا لثان وحازها الثَّانِي على مَا مرّ قَرِيبا عَن (خَ) وَكَذَا لَو فرط حَتَّى بَاعهَا الْوَاهِب بعد علمه بهَا، وَلَكِن يكون لَهُ الثّمن على الرَّاجِح من إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَإِن لم يعلم أَو علم وَلم يفرط فِي حيازتها فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي نقض البيع أَو إمضائه وَأخذ الثّمن، وَهُوَ مَحْمُول عِنْد الْجَهْل على التَّفْرِيط حَتَّى يثبت عدم تفريطه كَمَا فِي ابْن عَرَفَة عَن ابْن حَارِث، وَمحل الْخِيَار إِذا كَانَ الْوَاهِب حَيا، وَأما إِن مَاتَ فَلَا شَيْء للْمَوْهُوب لَهُ بِيعَتْ أَو لم تبع كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة، وَبِه الْعَمَل كَمَا فِي ابْن سَلمُون والمفيد. وَسُئِلَ ابْن الْقَاسِم عَمَّن قَالَ: ثلث غنمي هَذِه صَدَقَة على ابْني وثلثها فِي السَّبِيل ثمَّ بَاعهَا وَمَات وَابْنه صَغِير؟ فَقَالَ: صَدَقَة الابْن ثَابِتَة يَأْخُذهَا من تركته لِأَنَّهُ الْحَائِز لَهُ وَلَا شَيْء لأهل السَّبِيل لِأَنَّهُ لم يُخرجهُ من يَده اه. وَظَاهره أَن بيعهَا لَا يكون اعتصاراً وَهُوَ كَذَلِك كَمَا يَأْتِي فِي فَصله، وَانْظُر شرح الشَّامِل فِيمَا إِذا وهبه ثمَّ رَهنه فَإِن الْهِبَة تصح وَيبْطل الرَّهْن إِلَّا أَن يَمُوت قبل أَن يحوزها الْمَوْهُوب لَهُ فَتبْطل الْهِبَة علم بهَا أَو لم يعلم، وَمَفْهُوم التَّفْرِيط أَنه إِذا لم يفرط كاشتغاله بتزكية شُهُود الْهِبَة أَو إِقَامَة ثَان لم تبطل. (خَ) : وَصَحَّ إِن قبض ليتروى أوجد فِيهِ أَو فِي تَزْكِيَة شَاهده الخ. وَلَيْسَ من عدم التَّفْرِيط موت الْوَاهِب قبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 علم الْمَوْهُوب بل الْهِبَة بَاطِلَة على الْمَشْهُور كَمَا لِابْنِ رشد خلافًا لما صَححهُ فِي الشَّامِل، وَأما إِن مَاتَ الْمَوْهُوب قبل علمه والواهب حَيّ لم يقم بِهِ مَانع، فَإِن الْهِبَة صَحِيحَة ويتنزل وَارثه مَنْزِلَته إِلَّا أَن يكون الْوَاهِب قصد عين الْمَوْهُوب لَهُ فَلَا شَيْء لوَرثَته حِينَئِذٍ، وَكَذَا لَو مَاتَ الْمَوْهُوب لَهُ بعد علمه وَقبل الْحِيَازَة فَإِن ورثته يحوزونها كَمَا تقدم لِابْنِ رشد. وَتقدم أول بَاب الْحَبْس أَن الْقبُول لَا تشْتَرط فوريته. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا وهب شخص أَرضًا أَو دَارا وَاسْتثنى غلَّة ذَلِك سِنِين إِلَّا أَنه حوزه الرَّقَبَة ثمَّ مَاتَ الْوَاهِب، فَإِن الْهِبَة لَا تبطل على مَا بِهِ الْعَمَل ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق، وَانْظُر مَا تقدم عِنْد قَوْله: وَيجب النَّص على الثِّمَار حَيْثُ يكون الْحَبْس للصغار وَتَقَدَّمت كَيْفيَّة الْحَوْز فِي الْحَبْس. الثَّانِي: من الهبات الْبَاطِلَة هبات بَنَات الْقَبَائِل وَالْأَخَوَات لقرابتهن كَمَا فِي نظم الْعَمَل وَشَرحه ونوازل العلمي والمعيار والدر النثير، وَقد أجبْت على ذَلِك بِجَوَاب طَوِيل أثْبته فِي نَوَازِل الْحجر من نوازلنا فَعَلَيْك بِهِ، وَمن الْهِبَة الْبَاطِلَة أَيْضا هبات الْهَرم من الرِّجَال وَالنِّسَاء كَمَا فِي العلمي وَغَيره، وَالْقَوْل قَوْلهمَا إنَّهُمَا وهبا ليقوم الْمَوْهُوب لَهُ بنفقتهما ومؤنتهما فَيكون من أَفْرَاد قَول (خَ) : وكبيعه بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ حَيَاته، وَمَعْلُوم أَن الْإِنْسَان مُصدق فِي الْوَجْه الَّذِي أخرج بِهِ مَاله عَن ملكه كَمَا قَالَ أَيْضا: وَالْقَوْل لَهُ إِنَّه لم ينْفق حسبَة وَقَالَ: إِلَّا أَن تهبه على دوَام الْعشْرَة، وَأما الْجَهْل بِقدر الْمَوْهُوب فَلَا يُبْطِلهَا كَمَا مر أول الْبَاب. الثَّالِث: قَالَ ابْن رشد: إِن تصدق على ابْنه الصَّغِير بدار سكناهُ ثمَّ بَاعهَا قبل أَن يرحل مِنْهَا فَإِن الثّمن يكون للِابْن، وَإِن مَاتَ الْأَب فِي الدَّار لِأَنَّهَا للمتشري لَا لِابْنِهِ إِلَّا أَن يكون بَاعهَا لنَفسِهِ استرجاعاً للصدقة فَلم يعثر على ذَلِك حَتَّى مَاتَ فَإِن الصَّدَقَة تبطل، وَلَو عثر على ذَلِك فِي حَيَاته وَصِحَّته لفسخ البيع وَردت الدَّار لوَلَده، وَلَو بَاعهَا بعد أَن رَحل مِنْهَا وحازها لِابْنِهِ لجَاز البيع على الابْن وَكَانَ لَهُ الثّمن من مَال أَبِيه حَيا كَانَ أَو مَيتا، وَإِن لم ينص على أَنه بَاعَ لِابْنِهِ إِلَّا أَن يَبِيع نصا استرجاعاً لصدقته فبيعه مَرْدُود إِلَى الْوَلَد حَيا كَانَ أَو مَيتا وَالثمن للْمُشْتَرِي فِي مَال الْأَب بِخِلَاف مَا لَو حَبسهَا ثمَّ بَاعهَا قبل أَن يرحل مِنْهَا وَلم يعثر على ذَلِك حَتَّى مرض أَو مَاتَ، وَلَو عثر على ذَلِك فِي صِحَّته لفسخ البيع وَصَحَّ الْحَبْس بالحيازة اه. بِنَقْل الْبُرْزُليّ قَائِلا اُنْظُرْهُ فِي رسم أوصى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 (فصل فِي الاعتصار) ابْن عَرَفَة: هُوَ ارتجاع الْمُعْطِي فِي عطيته دون عوض بِلَا طوع الْمُعْطى أخرج بِهِ هبة الْمُعْطى بِالْفَتْح للمعطي بِالْكَسْرِ وصيغته مَا دلّ عَلَيْهِ لفظا كَانَ بمادة الاعتصار أَو الرُّجُوع أَو الرَّد أَو غير ذَلِك، وَهُوَ يَصح فِي الْهِبَة والعطية والعمرى والنحلة كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة قَالَ فِيهَا: وَأما الْحَبْس فَإِن كَانَ بِمَعْنى الصَّدَقَة لم يعتصر، وَإِن كَانَ فِي معنى الْهِبَة بِكَوْنِهِ سُكْنى أَو عمرى إِلَى شهر أَو شَهْرَيْن ثمَّ مرجعها إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يعتصر. الاعْتِصَارُ جَازَ فِيمَا يَهَبُ أَوْلاَدَهُ قَصْداً لِمَحَبَّةِ الأبُ (الاعتصار) مُبْتَدأ خَبره (جَازَ فِيمَا يهب أَوْلَاده) مفعول بِهِ (قصدا لمحبة) مفعول لأَجله (الْأَب) فَاعل يهب، وَظَاهره كَانَ الْأَوْلَاد كبارًا أَو صغَارًا وَهُوَ كَذَلِك، وَاحْترز بِقصد الْمحبَّة مِمَّا إِذا كَانَت الْهِبَة لله وَالدَّار الْآخِرَة أَو كَانَت هبة ثَوَاب فَإِنَّهُ لَا اعتصار فِي ذَلِك، وَاحْترز بِالْأَبِ من جد وَجدّة وَعم وأجنبي فَإِنَّهُ لَا اعتصار لَهُم إِلَّا أَن يشترطوه عِنْد الْهِبَة. والأمُّ مَا حَيُّ أبٌ تَعْتصِرُ وَحَيْثُ جَازَ الاعْتِصَارُ يُذْكَرُ (وَالأُم مَا حييّ أَب تعتصر) أَي تعتصر مَا وهبته لولدها الصَّغِير مُدَّة حَيَاة الْأَب مَا لم تفت الْهِبَة، فَإِن فَاتَت الْهِبَة بزيد أَو نقص وَنَحْوهمَا فَلَا اعتصار لَهَا، وَظَاهر أَنه إِذا مَاتَ الْأَب لَا اعتصار لَهَا أَيْضا وَلَيْسَ كَذَلِك (خَ) كَأُمّ فَقَط وهبت ذَا أَب وَلَو تيتم على الْمُخْتَار، وَهَذَا فِي الصَّغِير وَأما الْكَبِير فتعتصر مِنْهُ وَمَا وهبته مُطلقًا (وَحَيْثُ جَازَ) مِمَّن ذكر (الاعتصار) فَإِنَّهُ (يذكر) فِي الْوَثِيقَة أَن يَقُول: وسلط عَلَيْهَا حكم الاعتصار أَو هبة يَصح اعتصارها أَو من شَأْنهَا الاعتصار وَنَحْو ذَلِك، فَإِن لم يذكر ذَلِك فِي الْوَثِيقَة فَلَا يسْقط حكم الاعتصار لِأَن ذكره إِنَّمَا هُوَ على وَجه الْكَمَال وحسم مَادَّة الْخلاف لِئَلَّا يُنَازع الْوَلَد أَبَاهُ إِذا اعتصر مِنْهُ، وإلاَّ فَالسنة أوجبت لَهُ الاعتصار، وَإِن لم يذكرهُ الْأَب وَلَا الموثق فِي وثيقته، وَنَظِيره: كتب الموثق رضَا الْمَضْمُون بِالضَّمَانِ حسماً لمادة الْخلاف وإلاَّ فَالْمَشْهُور عدم اعْتِبَار إِذْنه وَرضَاهُ كَمَا تقدم فِي قَوْله: وَلَا اعْتِبَار بِرِضا من ضمنا. وَكَذَا كتبه فِي بيع الْأُصُول وَحل الْمُبْتَاع مَحل بَائِعه فِيمَا ابتاعه وَنزل فِيهِ مَنْزِلَته وأبرأه من دَرك الْإِنْزَال الخ. فَإِنَّهُ إِنَّمَا يكْتب حسماً لمادة الْخلاف، وإلاَّ فَالْعقد يُوجِبهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 وَيدخل فِي ضَمَانه بِمُجَرَّدِهِ (خَ) وَضمن بِالْعقدِ الخ ... قَالَ ابْن سهل: مضى عمل الأندلس بالإنزال أَي بكتبه. قَالَ: وَلَا معنى لَهُ إِذا لَا يلْزم عَلَيْهِ ضَمَان وَلَا غَيره اه. [يَعْنِي: وَإِنَّمَا يكتبونه خُرُوجًا من خلاف أَشهب الَّذِي يَقُول البيع هُوَ العقد مَعَ الْقَبْض لَا العقد فَقَط فَلَا ينْتَقل ضَمَان الْمَبِيع للْمُشْتَرِي على قَوْله: بِالْقَبْضِ، فحسموا مَادَّة الْخلاف بالتنصيص على الْحُلُول والإنزال فِي الْمَبِيع كَمَا مرَّ صدر الْبيُوع وَسَيَأْتِي عِنْد قَوْله: وناب عَن حِيَازَة الشُّهُود الخ ... أَن الْعَمَل على الْإِنْزَال، وَمَفْهُوم قَوْله: حَيْثُ جَازَ الخ ... أَن الْهِبَة إِذا كَانَت فِي معنى الصَّدَقَة فَإِنَّهُ لَا يذكر فِيهَا إِلَّا أَن يَشْتَرِطه كَمَا مرّ. وضُمِّنَ الوِفَاقُ فِي الحُضُورِ إنْ كَانَ الاعْتِصَارُ مِنْ كَبِيرِ (وَضمن) فِي رسم الاعتصار (الْوِفَاق فِي الْحُضُور) أَي حُضُور الابْن الْكَبِير (إِن كَانَ الاعتصار من كَبِير) فَهُوَ كَقَوْل ابْن سَلمُون وَإِن كَانَ الابْن كَبِيرا قلت: وبمحضر الابْن وموافقته على ذَلِك اه. وَهَذَا من بَاب قطع النزاع أَيْضا لِأَنَّهُ قد يَدعِي مَا يمْنَع الاعتصار من صَدَقَة أَو فَوَات بدين وَنَحْوه فحضوره وموافقته يقطع ذَلِك، فالتضمين الْمَذْكُور إِنَّمَا هُوَ من بَاب الْكَمَال كَالَّذي قبله وَإِلَّا فَهُوَ يعتصرها مِنْهُ جبرا عَلَيْهِ. وكلُّ مَا يَجْرِي بِلفظِ الصَّدقة فَالاعتِصارُ أبَداً لنْ يَلْحَقَه (وكل مَا يجْرِي) من الْعَطِيَّة والنحلة والعمرى (بِلَفْظ الصَّدَقَة) أَو كَانَ بِلَفْظ الْهِبَة ودلت الْقَرَائِن على قصد الصَّدَقَة وَالدَّار الْآخِرَة (فالاعتصار أبدا لن يلْحقهُ) إِلَّا أَن يَشْتَرِطه عِنْد عقد الصَّدَقَة كَمَا مر (خَ) كصدقة بِلَا شَرط الخ ... وَمَفْهُومه أَنَّهَا إِذا كَانَت بِشَرْط فيعتصرها. قَالَ ابْن الْهِنْدِيّ: فَإِن قيل كَيفَ يجوز أَن يشْتَرط فِي الصَّدَقَة الاعتصار وَالصَّدَََقَة لَا تعتصر؟ قيل: وَسنة الْحَبْس لَا يُبَاع وَإِذا شَرطه الْمحبس فِي نفس الْحَبْس كَانَ لَهُ شَرطه اه. فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنه كَمَا يعْمل بِشَرْط الاعتصار فِي الصَّدَقَة من الْأَب وَالأُم يعْمل بِشَرْطِهِ فِيهَا على أَجْنَبِي وَهُوَ كَذَلِك خلافًا للمشدالي. وَلَا اعِتصَارَ مَعَ موتٍ أَوْ مَرَضْ لهُ أَوِ النِّكاحِ أَوْ دَيْنٍ عَرَضْ (وَلَا اعتصار) أصلا (مَعَ) حُصُول (موت) للْمَوْهُوب لَهُ أَو الْوَاهِب (أَو) حُصُول (مرض) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 مُتَّصِل بِمَوْت (لَهُ) أَي للْوَاهِب أَيْضا (أَو) حُصُول (النِّكَاح) للْمَوْهُوب لَهُ بعد الْهِبَة (أَو) حُصُول (دين عرض) أَي حدث للْمَوْهُوب لَهُ أَيْضا بعد الْهِبَة لتَعلق حق الْغَيْر بهَا فِي النِّكَاح وَالدّين لأَنهم إِنَّمَا أنكحوه وداينوه لأَجلهَا، وَلِأَنَّهُ فِي مرض الْوَاهِب يعتصر لغيره وَفِي مرض الْمَوْهُوب لَهُ تعلق بهَا حق ورثته، وَأَحْرَى بخروجها من يَد الْوَلِيد بِبيع أَو هبة وَنَحْوهمَا لتَعلق حق المُشْتَرِي والموهوب لَهُ بهَا، وَكَذَا لَو فَاتَت الْهِبَة بِزِيَادَة أَو نقص فِي ذَاتهَا لِأَن تغيرها بذلك يصيرها غير الْمَوْهُوب، وَكَذَا لَو وطىء الْوَلَد الْبَالِغ الْأمة الْمَوْهُوبَة أَو أعْتقهَا أَو كاتبها، وَأما حِوَالَة الْأَسْوَاق فَلَا تفيته، وَمَفْهُوم قَوْله: عرض الخ ... أَن الْمَرَض وَالنِّكَاح وَالدّين إِذا لم يعرض وَاحِد مِنْهَا بل كَانَ مَوْجُودا وَقت الْهِبَة فَإِنَّهُ لَا يمْنَع الاعتصار، وَكَذَا لَو صَحَّ من الْمَرَض الْعَارِض بعْدهَا فَإِن الاعتصار يعود وَيصِح. (خَ) وَللْأَب اعتصارها من وَلَده كَأُمّ إِن لم تفت لَا بحوالة سوق بل بزيد أَو نقص وَلم ينْكح أَو يداين لَهَا أَو يطَأ وَلَو ثَيِّبًا أَو يمرض كواهب إِلَّا أَن يهب على هَذِه الْأَحْوَال وَيَزُول الْمَرَض على الْمُخْتَار أَي: بِخِلَاف زَوَال النِّكَاح وَالدّين فَلَا يعود مَعَه الاعتصار لِأَن الْمَرَض إِذا زَالَ تَنْقَطِع توابعه، وَالنِّكَاح وَالدّين لَا تَنْقَطِع توابعهما لِأَن الصَدَاق قد يسْتَحق، وَكَذَا مَا دَفعه للْغُرَمَاء بِمُجَرَّد النِّكَاح وَالدّين مَانع بِخِلَاف الْمَرَض. وَفَقْرُ مَوْهُوبٍ لَهُ مَا كَانَا لِمَنْعِ الاعْتِصَارِ قد أَبَانا (وفقر موهوب لَهُ مَا كَانَا) صَغِيرا أَو كَبِيرا رشيدا أَو سَفِيها وَهُوَ مُبْتَدأ (لمنع الاعتصار) مِنْهُ (قد أَبَانَا) خبر وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ. قَالَ فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة: إِذا كَانَت هبة الْأَبَوَيْنِ على فَقير من بنيهما فَلَيْسَ لَهما الاعتصار لِأَن من وهب لفقير قد علم أَنه إِنَّمَا أَرَادَ الصِّلَة وَالْأَجْر اه. بِنَقْل (م) وَمثله فِي ابْن سَلمُون، فظاهرهما كالناظم كَانَ الْوَلَد صَغِيرا أَو كَبِيرا كَمَا قَررنَا. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: اخْتلف فِي اعتصار الْأَب إِذا كَانَ الْوَلَد كَبِيرا فَقِيرا فَقيل: للْأَب أَن يعتصر، وَمنع ذَلِك سَحْنُون وَقَالَ: إِنَّمَا يعتصر إِذا كَانَ الْوَلَد فِي حجره أَو بَائِنا عَنهُ وَله مَال كثير. اللَّخْمِيّ: يُرِيد إِذا كَانَ فِي حجره فَلهُ أَن يعتصر وَإِن كَانَ فَقِيرا لِأَن الْقَائِم لَهُ والمنفق عَلَيْهِ فَهُوَ فِي معنى الْمُوسر الخ ... فخلاف سَحْنُون إِنَّمَا هُوَ فِي الْفَقِير الْكَبِير وَمَعَ ذَلِك صدر بِأَنَّهُ يعتصر كَمَا ترى، وَكَذَا صدر بِهِ فِي الشَّامِل فَقَالَ: وَكَذَا لَهُ أَن يعتصر من ولد فَقير، وَمنعه سَحْنُون قَائِلا: لَا يعتصرها إِلَّا مِمَّن فِي حجره أَو أَن بَان عَنهُ وَله وَمَال الخ ... وَذَلِكَ كُله يُفِيد أَنه يعتصر فِي الصَّغِير اتِّفَاقًا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 وَكَذَا فِي الْكَبِير على الْمَذْهَب، وَلذَا لم يذكر فِي (خَ) الْفقر من مَوَاضِع الاعتصار، وَهَذَا كُله مَا لم يُصَرح فِي هِبته بِقصد الثَّوَاب وَالْأَجْر وإلاَّ فَلَا اعتصار كَمَا مرَّ. وَمَا اعْتِصَارٌ بيعُ شيءٍ قَدْ وُهِبْ منْ غَيْرِ إشْهَادٍ بهِ كَمَا يَجِبْ (وَمَا) نَافِيَة (اعتصار) خبر عَن قَوْله (بيع شَيْء قد وهب) وَالتَّقْدِير: وَمَا بيع شَيْء قد وهب اعتصار (من غير إِشْهَاد بِهِ) أَي بِأَن بَيْعه لذَلِك اعتصار (كَمَا يجب) فِيهِ، وَبيعه مَحْمُول على أَنه لغبطة أَو مصلحَة فَهُوَ كَقَوْل ابْن سَلمُون: ولبعض فُقَهَاء الشورى فِيمَن وهب لِابْنِهِ الصَّغِير هبة سلط عَلَيْهَا حكم الاعتصار ثمَّ بعد ذَلِك بَاعهَا باسم نَفسه وَمَات إِن الثّمن للِابْن فِي تَرِكَة أَبِيه وَلَيْسَ بَيْعه باسم نَفسه عصرة مِنْهُ إِلَّا أَن يشْهد عِنْد البيع أَو قبله أَن بَيْعه عصره مِنْهُ لَا هبة وإلاَّ فَلَا اه. زَاد فِي الطرر: وَلَا يَصح الاعتصار بعد البيع لِأَنَّهَا قد تَغَيَّرت عَن حَالهَا، وَلَا مَفْهُوم لشرطه الاعتصار لِأَنَّهُ شَرط مُؤَكد فقد لِأَن سنتها الاعتصار وَلَو لم يشْتَرط. وَفِي ابْن عَرَفَة قَالَ بعض فُقَهَاء الشورى من شَرط فِي هبة ابْنه الاعتصار ثمَّ بَاعهَا إِلَى آخر مَا مر فأسقط التَّقْيِيد بالصغير، فَظَاهره كالناظم أَنه لَا يكون عصرة مُطلقًا، وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون البيع لَيْسَ صَرِيحًا فِي الاعتصار فِيهَا مَعًا حَتَّى يَقع الْإِشْهَاد بِهِ كَمَا ترى. قَالَ فِي الكراس الثَّالِث عشر من معاوضات المعيار راداً على من قَالَ: إِن البيع عصرة مَا نَصه: فَأَما إيحاب العصرة بِلَفْظ مُحْتَمل يتسلط عَلَيْهِ التَّأْوِيل فَلَا يَصح لِأَن الْهِبَة قد صَارَت ملكا للْمَوْهُوب لَهُ فَلَا يَصح نقلهَا عَن ملكه إِلَى ملك الْأَب بِأَمْر مُحْتَمل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يحل مَال امرىء مُسلم إِلَّا عَن طيب نفس) اه. الْغَرَض مِنْهُ وَهُوَ صَرِيح فِي أَنه لَا فرق بَين الْكَبِير وَالصَّغِير لِأَن الْأَب يكون قد أَرَادَ أَخذ ذَلِك الثّمن مَعَ كَونه لم يقْصد بِالْبيعِ الاعتصار من غير طيب نفس الْوَلَد بِهِ، لَكِن إِذا لم يكن اعتصار فِي الْكَبِير أَيْضا فيفصل فِيهِ بَين أَن يكون الْأَب بَاعهَا قبل أَن يحوزها الْكَبِير بعد علمه وتفريطه فَيجْرِي على مَا تقدم عِنْد قَوْله: وَمن يَصح قَبضه وَمَا قبض الخ ... أَو يكون بَاعهَا بعد حوزه إِيَّاهَا فَيجْرِي على بيع الْفُضُولِيّ، وَقد مر الْكَلَام عَلَيْهِ فِي فَصله. وَظَاهر قَوْلهم: إِلَّا أَن يشْهد عِنْد البيع أَو قبله أَن قَول الْأَب بعده إِنَّمَا قصد بِهِ الاعتصار غير مَقْبُول، وَهَذَا كُله فِي البيع. وَيفهم مِنْهُ أَنه فِي الْهِبَة لَا يكون اعتصار إِلَّا بِالْإِشْهَادِ أَيْضا فِي الصَّغِير وَالْكَبِير لِأَن الصَّغِير هُوَ الَّذِي يحوز لَهُ فِيهِ هبة ثَابِتَة بعد الْحَوْز لَا تصح للثَّانِي وَلَو حازها. وَكَذَا فِي الْكَبِير بعد حوزه إِيَّاهَا لَا قبل حوزه فَتكون للثَّانِي إِن حَاز كَمَا مر. (تَنْبِيه) : ذكر فِي الكراس الرَّابِع من معاوضات المعيار عَن سَيِّدي مِصْبَاح: أَن من حبس على ابْنه ملكا ثمَّ بَاعه فَإِن ذَلِك يعد مِنْهُ اعتصاراً وَهُوَ مُخَالف لما مر من أَنه لَا يكون اعتصاراً حَتَّى يشْهد بِأَن بَيْعه اعتصار. وَلما ذكر أَن تصرف الْأَب فِي الْهِبَة وَالْبيع لَا يعد اعتصاراً استدرك مَا إِذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 صير الْهِبَة الَّتِي وَهبهَا لِابْنِهِ فِي دين لَهُ على أَبِيه فَقَالَ: لكنَّهُ يُعَدُّ مهْما صَيَّرَا ذَاك لموْهُوبٍ لَهُ مُعَتَصِرَا (لكنه يعد مهما) أشهد بِأَنَّهُ (صيرا ذَاك) الْمَوْهُوب (لموهوب لَهُ) الَّذِي هُوَ الابْن فِي الدّين الَّذِي للِابْن عَلَيْهِ (معتصرا) لَهُ وَيصير الْمَوْهُوب ملكا للْوَلَد عوضا عَن الدّين الَّذِي كَانَ لَهُ على أَبِيه، لَا بِالْوَجْهِ الأول الَّذِي هُوَ الْهِبَة، فَقَوله: معتصراً مفعول ثَان ليعد، وَالْفرق أَن التصيير على هَذَا الْوَجْه لَا يحْتَمل غير الاعتصار لِأَن إِدْخَال الْمَوْهُوب فِي ملك الْوَلَد بِسَبَب الدّين الَّذِي لَهُ على الْأَب فرغ إدخالها فِي ملك الْأَب، وإلاَّ لم يكن قَضَاء لدينِهِ بِخِلَاف البيع، فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن يقْصد بِهِ الاعتصار، وَيحْتَمل أَن يكون قصد بِهِ الْغِبْطَة والمصلحة، فَإِذا لم يكن أشهد أَنه قصد بِهِ الاعتصار لم يكن اعتصاراً إِذْ لَا ينْتَقل الْملك عَن مَالِكه بِأَمْر يحْتَمل كَمَا مر، وَهَذَا فِي التصيير للصَّغِير، وَأَحْرَى فِي التصيير للكبير إِذْ لَا يكون إِلَّا بِرِضَاهُ. وَظَاهر هَذَا القَوْل كَأَن يعرف الابْن بِالْمَالِ أم لَا. وَقيل بل يَصِحُّ إِن مالٌ شُهِرْ لهُ وإلاَّ فَلِحَوْزٍ يَفْتَقِرْ (وَقيل بل) إِنَّمَا (يَصح) التصيير الْمَذْكُور (إِن مَال شهر لَهُ) أَي للِابْن وَعرف بِهِ بِأَن تشهد بَيِّنَة أَن لَهُ مَالا وَرثهُ من أمه أَو حصله من كسب يَده وَإِن لم يبين قدره (وَإِلَّا) يكن مَعْرُوفا بِالْمَالِ (فلحوز يفْتَقر) إِن وجد بِأَن كَانَ يصرف الْغلَّة فِي مصَالح وَلَده أَو جهل حَالَة تمت الْهِبَة وَصحت وإلاَّ بِأَن كَانَ يصرفهَا فِي مصَالح نَفسه فَلَا تصح لما مر عِنْد قَوْله: وَعَن الْأمين يُغني الاشتراء الخ ... من أَنه أَرَادَ هبة الأَصْل وَجعل إِقْرَاره بِالدّينِ وتصيير الْهِبَة فِيهِ جنَّة لسُقُوط الْحِيَازَة، لِأَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 التصيير إِمَّا لِأَنَّهُ لَا يفْتَقر لحيازة لِأَنَّهُ من قبيل البيع وَإِمَّا لِأَنَّهُ يفْتَقر لحيازة شهر فَقَط كَمَا مرَّ فِي فَصله، وَالْهِبَة لَا بُد أَن تحاز عَاما فَأكْثر فَإِذا رَجَعَ إِلَيْهَا بعد الْعَام لم تبطل كَمَا مرَّ، وَبِهَذَا تعلم أَن هَذَا القَوْل الْمفصل هُوَ الَّذِي أصَاب الْمفصل لَا مَا صدر بِهِ النَّاظِم تبعا لِابْنِ الْحَاج وَالله أعلم. (فصل فِي الْعُمْرَى وَمَا يلْحق بهَا من المنحة والإخدام) ابْن عَرَفَة: هِيَ تمْلِيك مَنْفَعَة مُدَّة حَيَاة الْمُعْطِي بِغَيْر عوض إنْشَاء فَخرج بِالْمَنْفَعَةِ تمْلِيك الذَّات وبحياة الْمُعْطِي الخ ... الْحَبْس وَالْعَارِية والمعطى بِفَتْح الطَّاء خرج بِهِ حَيَاة الْمُعْطِي بِكَسْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يُسمى عمرى حَقِيقَة، وَإِن كَانَ جَائِزا كحياة أَجْنَبِي غَيرهمَا وَخرج بقوله: بِغَيْر عوض مَا إِذا كَانَ بعوض فَإِنَّهَا إِجَارَة فَاسِدَة، وَبِقَوْلِهِ: إنْشَاء الحكم بِاسْتِحْقَاق الْعُمْرَى لِأَنَّهُ تَقْرِير لَهَا لَا إنْشَاء، وَهَذَا الْحَد يُوجب جَوَازهَا فِي الْأُصُول والحلى وَالثيَاب وَغير ذَلِك. أَبُو الْحسن: إِلَّا أَنه إِن بَقِي من الثَّوْب شَيْء رده وإلاّ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وخصها النَّاظِم بالأصول لكثرتها فِيهَا فَقَالَ: هِبَةُ غَلّةِ الأصُول العُمْرَى بِجَوْزِ الأصْلِ حوْزُها اسْتقَرا (هبة غلَّة الْأُصُول) كالدور وَالْأَرضين والحوانيت (الْعُمْرَى) وَلَا بُد فِيهَا من الْحَوْز كَمَا قَالَ (بحوز أصل حوزها استقرا) لِأَن الْمَنْفَعَة تحاز بحوز أُصُولهَا كَمَا مرَّ، والحيازة للصَّغِير فِيهَا بِصَرْف الْغلَّة كَمَا مرَّ فِي الْهِبَة. طول حَيَاة معمَرٍ أَو مُدّه مَعْلُومةٍ كالعَامِ أَو مَا بعْدَه (طول) بِالنّصب ظرف لقَوْله: هبة وَهِي خبر عَن قَوْله: الْعُمْرَى، وَالتَّقْدِير: الْعُمْرَى هبة غلَّة الْأُصُول طول (حَيَاة المعمر) بِالْفَتْح (أَو) هبة غلَّة الْأُصُول (مده مَعْلُومَة كالعام أَو مَا بعده) كالعامين أَو الْعشْرَة، وحوزها اسْتَقر بحوز أَصْلهَا. اللَّخْمِيّ: والعمرى أَقسَام مُقَيّدَة بِأَجل، وحياة المعمر بِالْفَتْح ومطلقة ومعقبة، فالمقيدة بِأَجل أَو حَياتِي أَو حياتك هِيَ إِلَى ذَلِك الْأَجَل، وَإِن أطلق وَلم يُقيد كَانَ محمله على عمر الْمُعْطى لَهُ حَتَّى يَقُول: عمري أَو حَياتِي وَإِن عَقبهَا فَقَالَ: أعمرتك أَنْت وَعَقِبك لم ترجع إلىه إِلَى أَن ينقرض الْعقب. قَالَ: وَيحمل قَوْله: كسوتك هَذَا الثَّوْب وحملتك على هَذَا الْفرس على هبة الرّقاب بِخِلَاف قَوْله: أعمرتك أَو أسكنتك أَو أخدمتك فَإِنَّهُ يحمل على الْعُمْرَى، وَإِن قَالَ: أَذِنت لَك أَن تسكن دَاري وتزرع أرضي أَو تركب دَابَّتي أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 تلبس ثوبي كَانَ عَارِية فَيجْرِي على حكمهَا من ضرب الْأَجَل وَعَدَمه اه. يَعْنِي إِذا لم يضْرب الْأَجَل فَإِن الْعَارِية تنقض بِمُضِيِّ مَا يعار لمثله. وَقَوله: حَيَاة المعمر يَقْتَضِي أَن الْجَهْل بِمدَّة الْحَيَاة لَا يضر وَهُوَ كَذَلِك، لِأَن الْغرَر إِنَّمَا يمْنَع فِي الْمُعَاوَضَات دون التَّبَرُّعَات وَذكر الْمواق فِي الضَّمَان إِحْدَى عشرَة مَسْأَلَة يجوز الْجَهْل فِيهَا الْخَمَالَة وَالْهِبَة وَالْوَصِيَّة والبراءة من الْمَجْهُول وَالصُّلْح يَعْنِي: إِذا لم يعرفا قدر الْحق الْمصَالح فِيهِ كَمَا مرّ فِي بَابه، وَالْخلْع وَالصَّدَاق والقراض وَالْمُسَاقَاة والمغارسة وَالصَّدَََقَة اه. وَقَوْلهمْ: أرسل من يدك بالغرر وَلَا تَأْخُذ بِهِ مَعْنَاهُ أرسل من يدك بالغرر من غير عوض وَلَا تَأْخُذ بِهِ بعوض فكأنهم قَالُوا وَلَا تعاوض بِهِ. تَتِمَّة: إِذا مَاتَ المعمر بِالْفَتْح أَو انْقَضى الْأَجَل فَإِنَّهَا ترجع للمعمر بِالْكَسْرِ أَو وَارثه. (خَ) : وَرجعت للمعمر أَو وَارثه الخ. وَالْمُعْتَبر فِي الْوَارِث هُوَ يَوْم الْمَوْت لَا يَوْم الْمرجع، فَإِذا مَاتَ المعمر بِالْكَسْرِ عَن أَخ مُسلم وَابْن كَافِر أَو رَقِيق فورث الْمُسلم أَخَاهُ ثمَّ أسلم الابْن أَو عتق الرَّقِيق ثمَّ مَاتَ المعمر بِالْفَتْح، فَإِن الْعُمْرَى ترجع للْأَخ، الْمُسلم كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ. وبيعُها مُسوَّغٌ لِلمُعْمَرِ منْ مُعمِرٍ أَو وارِثٍ لِلمُعْمِر (وَبَيْعهَا) أَي الْعُمْرَى أَن مَنْفَعَتهَا (مسوغ للمعمر) بِالْفَتْح أَي يَبِيع مَاله من الْمَنْفَعَة مُدَّة حَيَاته (من معمر) بِالْكَسْرِ (أَو) من (وَارِث للمعمر) بِالنَّقْدِ وَالْعرُوض وَالطَّعَام وَغير ذَلِك نَقْدا أَو نَسِيئَة وَتَسْمِيَة ذَلِك بيعا مجَازًا وَإِنَّمَا هُوَ كِرَاء، وَفهم مِنْهُ أَنه لَا يجوز بيعهَا من غير المعمر أَو وَارثه وَهُوَ كَذَلِك فِيمَا إِذا كَانَت حَيَاة المعمر لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ إِجَارَة مَجْهُولَة، وَإِنَّمَا اغتفر مؤاجرتها للمعمر أَو وَارثه مَعَ وجود الْجَهْل أَيْضا للمعروف كَمَا جَازَ للمعري اشْتِرَاء عريته يخرصها تَمرا مَعَ مَا فِيهِ من بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ نَسِيئَة للمعروف أَيْضا وَأما إِن كَانَت مُقَيّدَة بِأَجل كعام وَنَحْوه فَلهُ عقد الْكِرَاء فِيهَا مَعَ المعمر أَو غَيره إِلَى تِلْكَ الْمدَّة كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَغَيره ثمَّ أَشَارَ إِلَى المنحة وَهِي هبة لبن الشَّاة كَمَا مرّ أول بَاب الْهِبَة فَقَالَ: وَغَلَّةٌ للحيوانِ إنْ تُهَبْ فَمِنْحَةٌ تُدْعَى وَلَيْسَتْ تُجْتَنَبْ (وغلة للحيوان) كلبن بقرة أَو شَاة (أَن تهب) لشخص حَيَاة الممنوح أَو مُدَّة مُعينَة فَإِن أطلق فَهُوَ مُصدق فِيمَا يَدعِيهِ من الْمدَّة فَإِن مَاتَ أَو غَابَ، فَالظَّاهِر أَنه يحمل على حَيَاة الْحَيَوَان الممنوح (فمنحة تدعى) أَي تسمى (وَلَيْسَت تجتنب) بل هِيَ مَنْدُوبَة لكَونهَا من الْمَعْرُوف، وَلَا يدْخل فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 غلَّة الْحَيَوَان ركُوب الدَّابَّة لِأَن هَذِه عَارِية كَمَا تقدم قَرِيبا عَن اللَّخْمِيّ، وَتقدم أَيْضا أول بَاب الْهِبَة ثمَّ أَشَارَ إِلَى الإخدام فَقَالَ: وخِدْمَةُ العَبْدِ هِي الإخْدامِ وَالحَوْزُ فِيهَا لَهُ الْتزامِ (وخدمة العَبْد) أَو الْأمة أَن تهب لشخص حَيَاة العَبْد أَو المخدم بِالْكَسْرِ أَو المخدم بِالْفَتْح أَو لمُدَّة مَعْلُومَة كعام وَنَحْوه (هِيَ الإخدام) فِي الِاصْطِلَاح فَإِن أطلق وَقَالَ: أخدمتك هَذَا العَبْد فَإِنَّهُ يحمل على حَيَاة العَبْد كَمَا مرّ أول بَاب الْحَبْس (والحوز فيهمَا) أَي فِي المنحة والاخدام قبل حُصُول الْمَانِع (لَهُ الْتِزَام) فَلَا يصحان بِدُونِهِ كَمَا مرَّ. حَياةُ مُخْدَمٍ أوِ المَمْنُوحِ أَوْ أَمَدٍ عُيِّنَ بالتَّصْرِيحِ (حَيَاة مخدم) ظرف لتهب الْمُقدر بعد خدمَة العَبْد (أَو) حَيَاة (الممنوح) ظرف لتهب الْمَذْكُور فِي كَلَامه من اللف والنشر المعكوس (أَو) إِلَى (أمد) كعام أَو شهر (عين) فيهمَا (بالتصريح) فَإِن أطلق وَلم يعين فقد مر حكمه. وأُجْرَةُ الرَّاعِي لما قَدْ مُنِحا عَلَى الذِي بِمِنْحَةٍ قد سَمِحَا (وَأُجْرَة الرَّاعِي لما) أَي للحيوان الَّذِي (قد منحا) لبنه وَاجِبَة (على) الشَّخْص (الَّذِي بمنحه قد سَمحا) أَو على المانح وَظَاهره أَنه إِذا اشْترطت أجرته على الممنوح أَو جرى عرف بهَا لِأَنَّهُ كالشرط لَا يجوز ذَلِك لِأَنَّهَا تنْقَلب حِينَئِذٍ إِجَارَة بِمَجْهُول وَهُوَ كَذَلِك، فَفِي نَوَازِل الفاسي: لَا يجوز إِعْطَاء بقرة لمن يرعاها على أَن يَأْخُذ نصف زبدها قَالَ: وَلَكِن فِي الْمواق والمعيار عَن ابْن سرج مَا يُؤذن بالترخيص فِي ذَلِك من أجل الِاضْطِرَار لِأَن مَذْهَب مَالك مُرَاعَاة الْمصلحَة إِن كَانَت كُلية حاجية اه. وَانْظُر مَا قدمْنَاهُ أول الْإِجَارَة وَلَا مَفْهُوم للزبد وَلَا لنصفه بل كَذَلِك بِكُل الزّبد أَو اللَّبن، وَمثل هَذَا مَا يَقع كثيرا فِي إِجَارَة معلم الصّبيان يجْعَلُونَ لَهُ مخضة على كل وَاحِد فَقَالَ العقباني: إِن ذَلِك لَا يجوز لِأَنَّهُ لم يدْخل مَعَهم على تَحْدِيد مَا يَأْخُذهُ من الزّبد بِالْوَزْنِ، وَإِنَّمَا دخل على أَن يَأْخُذ مخضة لَا يدْرِي قدرهَا، وَلما نَقله ابْن رحال عِنْد قَوْله (خَ) فِي الْإِجَارَة: أَو حميم ذِي الْحمام. قَالَ عقبَة: الصَّوَاب الْجَوَاز، وَأَشَارَ إِلَى مَا تقدم عَن ابْن سراج والمعيار، وَأما علف الدَّابَّة المعارة فقد قَالَ (خَ) آخر الْعَارِية: وَفِي علف الدَّابَّة قَولَانِ. أَي: هَل هُوَ على الْمُعير أَو الْمُسْتَعِير؟ ومحلهما مَعَ السكت وَعدم الْعرف، وَأما الشَّرْط أَو الْعرف فَهُوَ على من اشْترط عَلَيْهِ أَو قضى الْعرف أَنه عَلَيْهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يجوز كِرَاء الدَّابَّة بعلفها كَمَا قَالَ (خَ) : وَجَاز على أَن عَلَيْك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 عَلفهَا الخ ... وَالْعرْف عندنَا بفاس أَن علف الْعَارِية على الْمُسْتَعِير حَيْثُ باتت عِنْده فَإِن لم تبت فعلى رَبهَا، وَأما نَفَقَة المخدم فاقتصر فِي الِاسْتِغْنَاء كَمَا فِي الْمواق على أَنَّهَا على المخدم بِالْفَتْح، وَفِي الْمُدَوَّنَة أَنَّهَا على المخدم رُوِيَ بِفَتْح الدَّال وَكسرهَا، وَهَذَا مَعَ السكت أَو عدم الْعرف أَيْضا وإلاَّ فَهِيَ على المخدَم بِالْفَتْح اتِّفَاقًا إِذْ لَا يجوز مؤاجرة الْأَجِير بِأَكْلِهِ وتنفسخ إِذا ظهر أكولاً قَالَ (خَ) : كظهور مُسْتَأْجر أوجر بأجره أكولاً الخ ... وَزَكَاة فطره حِينَئِذٍ على سَيّده قطعا لِأَنَّهُ الْمَالِك الْمُنفق عَلَيْهِ. وجائِزٌ لِمَانِحٍ فِيهَا الشِّرا بِما يَرَى نَاجِزاً أوْ مُؤَخَّرَا (وَجَائِز لمانح فِيهَا) أَي المنحة (الشرا بِمَا) أَي بِالثّمن الَّذِي (يرَاهُ) المانح ويرضى بِهِ كَانَ ذَلِك الثّمن طَعَاما أَو غَيره (ناجزاً) كَانَ (أَو مُؤَخرا) وَلَا يدْخلهُ بيع اللَّبن الْمَجْهُول بِدَنَانِير أَو بِطَعَام نَسِيئَة لِأَن ذَلِك كُله مَعْرُوف رخص لَهُ فِيهِ كَمَا مرَّ فِي الْعُمْرَى. وَلَا يجوز لغيره شِرَاؤُهُ إِلَّا بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة عِنْد شرَّاح (خَ) عِنْد قَوْله فِي الْإِجَارَة: وشَاة للبنها، وَيفهم من النّظم أَنه يجوز للمخدِم بِالْكَسْرِ شِرَاء خدمَة مخدمه كالمنحة والعمرى إِذْ لَا فرق بَين الْجَمِيع وَالله أعلم. (فصل فِي الإرفاق) وَهُوَ إِعْطَاء مَنَافِع الْعقار. إرْفَاقُ جَارٍ حَسَنٌ للجارِ بِمَسْقَى أَوْ طَرِيقٍ أَو جِدَارِ (إرفاق جَار حسن) أَي مُسْتَحبّ (للْجَار) لحَدِيث: (مازال جِبْرِيل يوصيني بالجار حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيورثه) . وَهُوَ ثَلَاثَة أَقسَام: مَا لَهُ حق وَاحِد وَهُوَ الْجَار الذِّمِّيّ، وَمَا لَهُ حقان وَهُوَ الْجَار الْمُسلم الْأَجْنَبِيّ، وَمَا لَهُ ثَلَاثَة حُقُوق وَهُوَ الْجَار الْمُسلم الْقَرِيب. قَالَ تَعَالَى: وبالوالدين إحسانا} إِلَى قَوْله: الْجَار ذِي الْقُرْبَى وَالْجَار الْجنب} (النِّسَاء: 36) . وحد الْجوَار أَرْبَعُونَ دَارا من كل جَانب (بمسقى) يتَعَلَّق بإرفاق فَيحْتَمل أَن يكون اسْم مَكَان أَي يرفقه بِموضع يُوصل مِنْهُ المَاء ليسقي حَائِطه أَو دَاره، وَيحْتَمل أَن يكون مصدرا أَي يسْقِي مَاء فضل عَنهُ ليسقي الْجَار بِهِ حَائِطه وَنَحْوه أَو ب (طَرِيق) فِي أرضه يمر عَلَيْهَا لحائطه أَو دَار أَيْضا (أَو) ب (جِدَار) يغرز فِيهِ خَشَبَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 وَنَحْوهَا. (خَ) : وَندب إِعَارَة جِدَار لغرز خَشَبَة وإرفاق بِمَاء وَفتح بَاب ليمر عَلَيْهَا الخ ... وَهَذَا كُله حَيْثُ لم يكن على الْمرْفق بِالْكَسْرِ فِيهِ ضَرَر فَحِينَئِذٍ يتَعَلَّق النّدب بِهِ. وَقد حض عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على الْجَار فَقَالَ: (لَا يمْنَع أحدكُم جَاره أَن يغرز خَشَبَة فِي جِدَاره) وَقَالَ: (الْجَار أَمِين على جَاره فَعَلَيهِ أَن يسد حجابه عَنهُ أَي عَلَيْهِ ويكف أَذَاهُ عَنهُ ويغض بَصَره عَنهُ وَإِن رأى عَورَة سترهَا أَو سَيِّئَة غفرها أَو حَسَنَة شكرها) وَقَالَ: (لَا يدْخل الْجنَّة من خَافَ جَاره بوائقه) . والحَدُّ فِي ذَلِكَ إنْ حُدَّ اقْتُفي وعُدَّ فِي إرْفَاقِهِ كالسَّلَفِ (وَالْحَد فِي ذَلِك) الإرفاق (إِن حد) بِزَمن كَسنة أَو عشر سِنِين أَو إِلَى الْأَبَد مثله (اقتفي) وَاتبع وَكَانَ لَازِما للمرفق لَيْسَ لَهُ الرُّجُوع قبله (و) إِن أطلق وَلم يُقيد بِأَجل (عد) الْمرْفق بِالْكَسْرِ (فِي اطلاقه كالسلف) يتسلفه الْإِنْسَان وَلَا يتعرضان لأَجله فَإِنَّهُ لَا بُد أَن يتْركهُ مُدَّة ينْتَفع بِهِ فِيهَا عَادَة أَمْثَاله، فَكَذَلِك هَذَا لَا بُد أَن يتْرك للمرفق بِالْفَتْح ينْتَفع بِهِ الْمدَّة الْجَارِيَة بَين الْجِيرَان عَادَة، وَظَاهره أَن الحكم هُوَ مَا ذكر سَوَاء كَانَ الإرفاق بالغرز أَو فتح بَاب أَو سقِِي مَاء وَغير ذَلِك كإعارة عَرصَة للْبِنَاء، وَالْمُعْتَمد أَنه فِي الغرز لَا رُجُوع بعد الْإِذْن طَال الزَّمَان أَو قصر عَاشَ أَو مَاتَ إِلَّا أَن ينهدم الْجِدَار فَلَا يُعِيد الغرز إِلَّا بإرفاق ثانٍ حَيْثُ علم أَن الْخَشَبَة وضعت أَولا بالإرفاق وإلاَّ فَلهُ ردهَا كَمَا كَانَت من غير إِذن قَالَه ابْن الرَّامِي. وَأما إِعَارَة الْعَرَصَة للْبِنَاء فالراجح أَن لَهُ الرُّجُوع حَيْثُ لم يقيدا بِأَجل وَلَو قبل أَن يمْضِي مَا يرفق ويعار لمثله فِي الْعَادة، وَلَكِن بعد أَن يدْفع مَا أنْفق أَو قِيمَته (خَ) : وَله أَن يرجع وفيهَا إِن دفع مَا أنْفق وَقِيمَته. وَقَالَ أَيْضا: وَله الْإِخْرَاج فِي كبناء إِن دفع مَا أنْفق، وفيهَا أَيْضا قِيمَته الخ. وَالْفرق بَين الْعَرَصَة والجدار أَن بعض أهل الْعلم يرى الْقَضَاء بإعارة الْجِدَار إِذا امْتنع ربه من إعارته للغرز وَلَيْسَ فِيهِ عَلَيْهِ ضَرَر، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَابْن كنَانَة وَابْن حَنْبَل، قَالَ الأبي: وَكَانَ الشَّيْخ يَعْنِي ابْن عَرَفَة يَقُول: لَيْسَ المُرَاد بالغرز الْمَنْدُوب إِلَيْهِ أَن يغرز ليبني فَوق ذَلِك لِأَن ذَلِك مَعْلُوم كَونه مضراً بالجدار، وَإِنَّمَا الْمَعْنى أَن يغرز للتسقيف. تَنْبِيه: مَا تقدم من أَن لَهُ الْإِخْرَاج فِي الْعَرَصَة هُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة كَمَا رَأَيْته، وَجعل ابْن رشد وَابْن زرقون ذَلِك جَارِيا فِي الْجِدَار أَيْضا لِأَن كلا مِنْهُمَا هبة مَنْفَعَة، وَرجحه ابْن رحال فَقَالَ: قد تبين أَن الْمَذْهَب لَا فرق بَين الْجِدَار والعرصة فِي أَن لكل مِنْهُمَا الرُّجُوع حَيْثُ لم يقيدا بِأَجل بعد أَن يُعْطي كلا مِنْهُمَا مَا أنفقهُ المعار والمرتفق، وإلاَّ فَلَيْسَ لكل مِنْهُمَا الرُّجُوع إِلَّا بعد أَن يمْضِي مَا يرفق ويعار لَهُ بِحَسب الْعَادة اه بِاخْتِصَار. وَهُوَ مُخَالف لما تقدم من أَنه لَيْسَ لَهُ الْإِخْرَاج فِي الْجِدَار على الْمُعْتَمد فشدّ يدك على مَا تقدم للْفرق الْمُتَقَدّم وَلِأَن الْعَرَصَة لَا تضطر الْحَاجة إِلَيْهَا كاضطراره للغرز، وَلذَا قيل بِوُجُوبِهِ للأحاديث القوية فِيهِ والخاصة بِهِ وَالله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 (فصل فِي حكم الْحَوْز) ذكر خَلِيل وَغَيره مَسْأَلَة الْحِيَازَة آخر الشَّهَادَات لِأَنَّهَا مبينَة لصَاحِبهَا على تَصْدِيق دَعْوَاهُ وَتقدم عِنْد قَوْله: وَالْمُدَّعِي فِيهِ لَهُ شَرْطَانِ الخ ... أَن الدَّعْوَى فِي مَسْأَلَة الْحِيَازَة تسمع ويكلف الْمَطْلُوب بجوابها لَعَلَّه يقر أَو يُنكر فَيحلف، وَقَوْلهمْ: لَا تسمع دَعْوَاهُ وَلَا بَينته الخ ... مَعْنَاهُ لَا تسمع سَمَاعا يُوجب قبُول بَيِّنَة لَا أَنه لَا يُؤمر بِالْجَوَابِ بل يُؤمر بِهِ كَمَا مرَّ. وَتقدم أَيْضا أَن الدَّعَاوَى الَّتِي كلهَا توجب الْيَمين بِدُونِ خلْطَة على الْمَعْمُول بِهِ، وَلَا يسْتَثْنى من ذَلِك إِلَّا الدَّعَاوَى الَّتِي فِيهَا معرة كدعوى السّرقَة وَالْغَصْب على من لَا يَلِيق بِهِ ذَلِك فيؤدب الْمُدَّعِي وَلَا يَمِين على الْمَطْلُوب وَاعْلَم أَن الْحِيَازَة على قسمَيْنِ حِيَازَة مَعَ جهل أصل الْملك لمن هُوَ، وحيازة مَعَ علم أصل الْملك لمن هُوَ فَالْأولى يَكْفِي فِيهَا عشرَة أشهر فَأكْثر كَانَ المحوز عقارا أَو غَيره، وَالثَّانيَِة لَا بُد فِيهَا من عشر سِنِين فَأكْثر فِي الْعقار، أَو عَاميْنِ فَأكْثر فِي الدَّوَابّ وَالْعَبِيد وَالثيَاب كَمَا يَأْتِي، وكل من الحيازتين لَا بُد فِي الشَّهَادَة بِهِ من ذكر الْيَد وَتصرف الْحَائِز تصرف الْمَالِك فِي ملكه وَالنِّسْبَة وَعدم المنازع، وَطول الْمدَّة عشرَة أشهر فِي الأولى وَعشر سِنِين فِي الثَّانِيَة وَعدم التفويت فِي علمهمْ فَلَا تقبل الشَّهَادَة مَعَ فقد هَذِه الْأُمُور أَو وَاحِد مِنْهَا على الْمَعْمُول بِهِ إِلَّا إِن كَانَ من أهل الْعلم كَمَا بَيناهُ فِي حَاشِيَة اللامية، وَهل يشْتَرط زِيَادَة مَال من أَمْوَاله. ابْن عَرَفَة: وَفِي لَغْو شَهَادَة الشَّاهِد فِي دَار بِأَنَّهَا ملك فلَان حَتَّى يَقُول وَمَال من أَمْوَاله وقبولها مُطلقًا: ثَالِثهَا: إِن كَانَ الشُّهُود لَهُم نباهة ويقظة الأول لِابْنِ سهل عَن مَالك قَائِلا: شاهدت الْقَضَاء بِهِ اه. وَكَيْفِيَّة وَثِيقَة ذَلِك أَن تَقول: يشْهد الْوَاضِع شكله إثره بمعرفته لفُلَان وَمَعَهَا يشْهد بِأَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ وعَلى ملكه مَالا من أَمْوَاله وملكاً خَالِصا من جملَة أملاكه جَمِيع كَذَا الْمَحْدُود بِكَذَا يتَصَرَّف فِيهِ تصرف الْمَالِك فِي ملكه وينسبه لنَفسِهِ، وَالنَّاس إِلَيْهِ من غير علم مُنَازع وَلَا معَارض مُدَّة من عشرَة أشهر أَو عشر سِنِين، وَلَا يعلمُونَ أَنَّهَا خرجت عَن ملكه إِلَى الْآن أَو إِلَى أَن تعدى عَلَيْهَا فلَان أَو إِلَى أَن غَابَ أَو إِلَى أَن توفّي وَتركهَا لمن أحَاط بميراثه الخ ... فَإِذا أَثْبَتَت هَذِه الْوَثِيقَة هَكَذَا وأعذر فِيهَا للمقوم عَلَيْهِ فَلم يجد مطعناً فَلَا إِشْكَال أَنَّهَا تدل دلَالَة ظنية على أَن الْملك لهَذَا الْقَائِم وَلَا تفِيد الْقطع لِأَن الشَّهَادَات من حَيْثُ هِيَ إِنَّمَا تفِيد غَلَبَة الظَّن فَقَط، وَهُوَ معنى قَوْلهم: إِنَّمَا تعْمل فِيمَا جهل أصل ملكه لِأَن أصل الْملك لمن هُوَ مَجْهُول عندنَا حَتَّى شهِدت بِهِ الْبَيِّنَة لهَذَا الْقَائِم، وَحِينَئِذٍ فَيقْضى لَهُ بِهِ حَيْثُ لَا مطْعن بعد أَن يسْأَل الْحَائِز أَولا هَل لَك حجَّة، وَلَعَلَّه يقر بِأَن الْملك للقائم وَأَنه دخل بكرَاء أَو عَارِية فَإِن قَالَ: حوزي وملكي وَبِيَدِي وَأثبت حِيَازَة ذَلِك عَنهُ عشر سِنِين فِي الْأُصُول أَو عَاميْنِ فِي غَيرهَا بالقيود الْمَذْكُورَة أَيْضا من الْيَد وَالنِّسْبَة وَدَعوى الْملك وَالتَّصَرُّف وَعدم المنازع الخ ... وَالْحَال أَن الْقَائِم حَاضر سَاكِت بِلَا مَانع الخ ... فقد سقط حق الْقَائِم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 وَتبقى الْأَمْلَاك بيد حائزها وَلَا يُكَلف بِبَيَان وَجه تملكه وَلَا غير ذَلِك كَمَا يَأْتِي، وَبِالْجُمْلَةِ فمهما ثبتَتْ الْحِيَازَة عشرَة أشهر فَأكْثر بالقيود الْمَذْكُورَة أَولا لَا تقطعها الْحِيَازَة الْوَاقِعَة بعْدهَا إِلَّا أَن تكون عشر سِنِين فَأكْثر بالقيود الْمَذْكُورَة أَيْضا، وَهُوَ معنى قَوْلهم: حِيَازَة عشرَة أَعْوَام مَعَ علم أصل الْملك لمن هُوَ عَامله أَي لِأَنَّهَا قطعت حجَّة الْقَائِم مَعَ علم أصل ملكه وَمحل قطعهَا لذَلِك إِذا لم يعلم أصل مدخله أما إِذا علم كَكَوْنِهِ دخل بكرَاء من الْقَائِم أَو إسكان أَو مُسَاقَاة وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهَا لَا تقطعها وَلَو طَالَتْ، وَهَذِه الثَّانِيَة هِيَ مَقْصُود النَّاظِم فِي هَذَا الْفَصْل، وَأما الأولى فَلم يتَكَلَّم عَلَيْهَا وَتكلم عَلَيْهِمَا مَعًا (خَ) فَقَالَ فِي الأولى: وَصِحَّة الْملك بِالتَّصَرُّفِ وَعدم مُنَازع وحوز طَال كعشرة أشهر وَأَنَّهَا لم تخرج عَن ملكه فِي علمهمْ الخ. وَقَالَ فِي الثَّانِيَة: وَإِن حَاز أَجْنَبِي غير شريك وَتصرف ثمَّ ادّعى حَاضر سَاكِت بِلَا مَانع عشر سِنِين لم تسمع بَينته إِلَّا بِإِسْكَان وَنَحْوه، وَقد علمت من هَذَا أَن أصل الْملك وأصل الْمدْخل شَيْئَانِ متغايران وهما وَإِن كَانَ كل مِنْهُمَا يشْتَرط جَهله لَكِن الأول شَرط فِي قبُول بَيِّنَة الْقَائِم إِذْ هِيَ لَا تقبل إِلَّا إِذا لم يعلم أَن أصل ذَلِك الْملك لغيره. وَالثَّانِي شَرط فِي إِعْمَال حِيَازَة الْمُقَوّم عَلَيْهِ إِذْ لَا يعْمل بحيازته إِلَّا إِذا جهل أصل مدخله، أما إِذا علم بِإِسْكَان وَنَحْوه فَإِنَّهَا لَا تَنْقَطِع حجَّة الأول بل هِيَ حِينَئِذٍ كَالْعدمِ، وَانْظُر الْكَلَام على الْقُيُود الْمَذْكُورَة من الْيَد وَالنِّسْبَة وَغَيرهمَا فِي حاشيتنا على اللامية. وَاعْلَم أَيْضا أَن النَّاظِم قدم الْكَلَام أَولا على الْحِيَازَة القاطعة لحجة الْقَائِم ثمَّ فرع عَلَيْهَا مسَائِل: الأولى: أَن يثبت الْقَائِم أصل مدْخل الْحَائِز من إسكان وَنَحْوه. الثَّانِيَة: أَن يَدعِي الحائزان الْقَائِم تبرع عَلَيْهِ بذلك المحوز أَو اشْتِرَاء مِنْهُ. الثَّالِثَة: أَن يثبت الْقَائِم الشِّرَاء من الْحَائِز فيدعي الْحَائِز الْإِقَالَة ثمَّ الْحَائِز إِمَّا أَجْنَبِي من الْقَائِم أَو قريب جدا كَالْأَبِ مَعَ ابْنه وَلم يتَكَلَّم عَلَيْهِ النَّاظِم، وَسَيَأْتِي عَن (خَ) أَن الْحِيَازَة بَينهمَا إِنَّمَا تكون فِي الْمدَّة الطَّوِيلَة الَّتِي يَنْقَطِع فِيهَا الْعلم أَو تهْلك فِيهَا الْبَينَات وَإِمَّا قريب لَا جدا كالإخوة والأعمام والأصهار والموالي وَهُوَ مَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالْأَقْرَبُونَ حوزهم مُخْتَلف الخ ... وَفِي كل إِمَّا أَن يكون بَين الْقَائِم والمقوم عَلَيْهِ شركَة أم لَا فَأَشَارَ إِلَى الْقسم الأول بقوله: والأَجَنبِيُّ إنْ يَحُزْ أصلا بِحَقْ عَشرَ سنينَ فالتَملُّكَ استَحَقْ (وَالْأَجْنَبِيّ) شريك أَو غَيره (إِن يحز أصلا) كأرض وَدَار وَنَحْوهمَا يتَصَرَّف فِيهِ وينسبه لنَفسِهِ من غير مُنَازع الخ. والقائم حَاضر عَالم بَالغ رشيد لم يمنعهُ من الْقيام مَانع، وَسَوَاء كَانَ تصرفه بالازدراع وَالسُّكْنَى والاستغلال فِي جَمِيع الْعشْر أَو فِي أول جُزْء مِنْهَا، أَو كَانَ يبور الأَرْض سنة ويزرعها أُخْرَى، وَأَحْرَى تصرفه بالهدم وَالْبناء الْغَرْس، وَهَذَا فِي غير الشَّرِيك، وَأما الْأَجْنَبِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 الشَّرِيك فَلَا بُد أَن يكون تصرفه بالهدم وَالْبناء أَو الْغَرْس وإلاَّ لم يعْتَبر. (خَ) كشريك أَجْنَبِي حَاز فِيهَا إِن هدم وَبنى (بِحَق) أَي بِوَجْه شَرْعِي احْتِرَازًا مِمَّا إِذا حازه بِغَصب أَو تعد أَو كَانَ مَعْرُوفا بذلك فَإِن حيازته كَالْعدمِ، وَإِن سكت الْقَائِم بعد زَوَال سلطة الْغَاصِب وقهره فَإِن سُكُوته لَا يضرّهُ إِلَّا أَن يفوتهُ الْغَاصِب بِبيع أَو غَيره بعد زَوَال سلطنته، أَو يَمُوت فَيقسم ورثته المَال بِحَضْرَتِهِ فَلَا شَيْء لَهُ كَمَا فِي الْمعِين والمقصد الْمَحْمُود وَغَيرهمَا، وَيدخل فِي الشَّرْعِيّ مَا إِذا قَالَ: اشْتريت مِنْهُ أَو من أَبِيه أَو وهبه لي على مَا يَأْتِي أَو ورثته أَو اشْتَرَيْته من فلَان وَلَا أَدْرِي بِأَيّ وَجه صَار إِلَى الَّذِي ورثته عَنهُ أَو اشْتَرَيْته مِنْهُ، وَمَا إِذا لم يقل شَيْئا من ذَلِك كُله كَمَا هُوَ ظَاهره إِذْ الْحَائِز لَا يُكَلف بِبَيَان وَجه ملكه وَبِأَيِّ سَبَب صَار لَهُ لِأَنَّهُ يَقُول: ملكته بِأَمْر لَا أُرِيد إِظْهَاره كَمَا اقْتصر عَلَيْهِ ابْن يُونُس، وكما لِابْنِ أبي زمنين وَغَيره خلافًا لما جزم بِهِ ابْن رشد من أَنه لَا بُد من بَيَان سَبَب ملكه من شِرَاء أَو إِرْث قَالَ: وَأما مُجَرّد دَعْوَى الْملك دون أَن يَدعِي شَيْئا من هَذَا فَلَا ينْتَفع بِهِ مَعَ الْحِيَازَة إِذا ثَبت أصل الْملك لغيره اه. وَهُوَ وَإِن اقْتصر عَلَيْهِ (ت) هَهُنَا فَإِنَّهُ خلاف الرَّاجِح الْمَعْمُول بِهِ كَمَا يَأْتِي، اللَّهُمَّ إِن كَانَ مَعْرُوفا بِالْغَصْبِ والاستطالة فَلَا بُد أَن يبين بِأَيّ وَجه صَار إِلَيْهِ وَلَا يَنْفَعهُ قَوْله: اشْتَرَيْته من الْقَائِم أَو غَيره أَو ورثته بل لَا بُد من إثْبَاته ذَلِك فَإِن لم يُثبتهُ فَعَلَيهِ الْكِرَاء فِي جَمِيع الْمدَّة الَّتِي كَانَ بِيَدِهِ بِمَا يَقُوله أهل الْمعرفَة قَالَه فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة. وَقَالَ أَيْضا: إِن عرف أَن دُخُوله كَانَ بباطل لم يَنْفَعهُ طول الْحِيَازَة وَإِن ادّعى شِرَاءَهُ إِلَّا أَن يطول ذَلِك نَحْو الْخمسين سنة وَنَحْوهَا والقائم حَاضر لَا يُغير وَلَا يَدعِي شَيْئا. تَنْبِيهَانِ. الأول: لما قَالَ ابْن رشد مُجَرّد الْحِيَازَة لَا ينْقل الْملك اتِّفَاقًا وَلَكِن يدل عَلَيْهِ كالعفاص والوكاء فِي اللّقطَة قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه عقبه: هُوَ عِنْدِي غير صَحِيح بل ينْقل الْملك وَنقل على ذَلِك أنقالاً ثمَّ قَالَ: وَإِن أَرَادَ ابْن رشد أَن الْملك لَا يقطع بنقله كَمَا قَالَه ابْن عَرَفَة وَغَيره فَلَا خُصُوصِيَّة للحيازة بل كَذَلِك الْإِرْث وَالشَّهَادَة الصَّرِيحَة وَغير ذَلِك اه. بِاخْتِصَار. قلت: وَلَكِن مُرَاد ابْن رشد هُوَ مَا قَالَه ثَانِيًا من أَنه لَا يقطع بنقله بِدَلِيل قَوْله: وَلَكِن يدل عَلَيْهِ كَمَا نبينه إِن شَاءَ الله عِنْد قَوْله: أَو يَدعِي حُصُوله تَبَرعا الخ ... وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجه لاعتراض الشَّيْخ الرهوني على ابْن رحال لِأَن ابْن رحال إِنَّمَا أجال الْأَمر وَالنَّظَر بَين أَن يَقُول أَرَادَ لَا يَنْقُلهُ فَلَا يَصح وَبَين أَن يُرِيد لَا يقطع بنقله فَهُوَ صَحِيح وَلَكِن لَا خُصُوصِيَّة لَهَا. الثَّانِي: تقدم أَن الشَّرِيك الْأَجْنَبِيّ لَا يعْتَبر تصرفه إِلَّا بالهدم أَو الْبناء وَالْغَرْس، وَأما الْأَجْنَبِيّ الَّذِي لَيْسَ بِشريك فَهَل الْهدم وَالْبناء وَالْغَرْس حوز فِي حَقه من حِينه وَوَقته وَإِن لم تمض الْعشْر سِنِين وَلَا مَا دونهَا أَو لَا يكون حوزاً إِلَّا بِمُضِيِّ الْعشْر؟ قَولَانِ لِابْنِ الْمَاجشون وَابْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 الْقَاسِم. وَالْأول هُوَ الَّذِي اعْتَمدهُ شرَّاح الرسَالَة كَابْن عمر وَابْن نَاجِي، وَكَذَا أَبُو مُحَمَّد صَالح عَلَيْهَا قَائِلا هَذَا إِذا لم يحدث فِي الْعشْر سِنِين بِنَاء وَلَا غرساً أَو هدماً، وَإِن أحدث فِيهَا شَيْئا من ذَلِك فَإِن ذَلِك يسْقط كَلَام الْمُدَّعِي بِنَفس الْفِعْل يَعْنِي إِن لم يُنكر بِمُجَرَّد علمه الخ ... وَنَحْوه فِي ابْن يُونُس قَالَ ابْن رحال: وَكَونه حوزاً من حِينه وَوَقته هُوَ الَّذِي يظْهر لَا غير اه. قلت: بل هُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده لِكَثْرَة المشاحة وَعدم الْمُسَامحَة فِي الْبناء وَالْغَرْس فِي هَذَا الزَّمَان، وَإِن كَانَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم أَنه لَا بُد من الْعشْر وَهَذَا إِذا هدم صَحِيحا لَهُ قدر وبال ليتوسع فِيهِ أَو يَبْنِي غَيره مَكَانَهُ أَو ليزيده مسكنا آخر لَا أَن هَدمه لخوف سُقُوط أَو لأجل إصْلَاح حق فَإِن ذَلِك لَا يسْقط حق الْقَائِم وَلَو مَضَت الْعشْر أَو أَكثر لِأَن رب الدَّار يَأْمر الْمُكْتَرِي بِأَن يصلح من كرائها. (عشر سِنِين) ظرف لقَوْله إِن يحز، وَظَاهره أَنه لَا بُد مِنْهَا وَلَا يَكْفِي مَا دونهَا من ثَمَان أَو تسع وَهُوَ كَذَلِك على الْمَعْمُول بِهِ، ابْن عَرَفَة عَن ابْن الْقَاسِم: وَمَا قَارب الْعشْر هُوَ مثلهَا. ابْن رشد: يُرِيد بِمَا قَارب الشَّهْر والشهرين وَمَا هُوَ ثلث الْعَام فَأَقل اه. (فالتملك) مُبْتَدأ (اسْتحق) خَبره وضميره للحائز عشر سِنِين وَالْجُمْلَة خَبرا لأَجْنَبِيّ. وانْقَطَعَتْ حِجّةُ مدَّعيهِ مَع الحضورِ عَن خِصامٍ فيهِ (وانقطعت حجَّة مدعيه) الَّذِي أثبت أَنه كَانَ يملكهُ قبل هَذَا عشرَة أشهر فَأكْثر وَلَو مائَة سنة فَلَا تقبل دَعْوَاهُ وَلَا بَينته وَإِن سلمت من الطعْن (مَعَ الْحُضُور) ظرف ليحز أَيْضا أَي مَعَ حُضُور الْقَائِم فِي جَمِيع الْعشْر فَإِن حضر خمْسا أَو ثمانياً وَغَابَ الْبَاقِي فَهُوَ على حَقه كَمَا يفِيدهُ كَلَام ابْن مَرْزُوق وَغَيره، فَإِن تكَرر قدومه وسفره فَلَا حق لَهُ انْظُر ابْن سَلمُون. فَقَوله: مَعَ الْحُضُور أَو وَمَعَ علمه بِأَنَّهُ ملكه وَبِأَنَّهُ يتَصَرَّف فِيهِ وينسبه لنَفسِهِ ملكا كَمَا فِي القلشاني وَأبي الْحسن، وَاسْتغْنى النَّاظِم بالحضور عَن الْعلم بِمَا ذكر لِأَنَّهُ إِذا لم يعلم بذلك فَكَأَنَّهُ غير حَاضر (عَن خصام) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال أَي حَال كَونه ساكتاً عَن خصام (فِيهِ) وَلَا مَانع يمنعهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ هُنَاكَ مَانع فَهُوَ غير سَاكِت حكما إِذْ لَا يشْتَرط الشَّيْء إِلَّا مَعَ إِمْكَان وجوده فَقَوله: إِن يحز الخ. حذف مُتَعَلّقه أَي إِن يحز بِتَصَرُّف مَعَ نسبته إِلَيْهِ كَمَا قَررنَا، وكما فسر بِهِ ربيعَة قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام (من حَاز شَيْئا عشر سِنِين فَهُوَ لَهُ) قَالَ ربيعَة: معنى ذَلِك إِذا كَانَ الْحَائِز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 ينْسب ذَلِك لنَفسِهِ بِحَضْرَة الْمُدَّعِي أَي وَلَو مرّة وَاحِدَة فَصَارَ تَقْدِير كَلَام النَّاظِم هَكَذَا: وَالْأَجْنَبِيّ إِن يحز أصلا بتصرفه فِيهِ ونسبته إِلَيْهِ مَعَ حُضُور الْقَائِم وَعلمه بِأَنَّهُ ملكه وَبِأَنَّهُ يتَصَرَّف فِيهِ حَال كَونه ساكتاً عَن خصام فِيهِ وَلَا مَانع يمنعهُ عشر سِنِين فالتملك اسْتحق الخ. وَقَوله أصلا احْتَرز بِهِ من غير الأَصْل فَإِنَّهُ سَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي قَوْله: وَفِي سوى الأَصْل حوز النَّاس الخ. وَقَوله: بِحَق احْتَرز بِهِ من الْحَوْز بِغَصب أَو تعد كَمَا مرّ. وَقَوله: مَعَ الْحُضُور احْتَرز بِهِ عَمَّا إِذا كَانَ غَائِبا على أَرْبَعَة أَيَّام فَمَا فَوْقهَا الخ. كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وقائم ذُو غيبَة بعيدَة الخ. فَإِنَّهُ لَا يسْقط حَقه وَلَو كَانَ عَالما بالحيازة وَيصدق فِي دَعْوَاهُ أَنه كَانَ عَاجِزا عَن الْقدوم وَالتَّوْكِيل وَإِن لم يعرف إِلَّا من قَوْله على الْمَذْهَب، وَتقدم فِي الشُّفْعَة أَن الْمَرْأَة وَالرجل الضَّعِيف فِي معنى الْغَائِب، وَكَذَا السَّفِيه وَغير الْعَالم بِأَنَّهُ ملكه أَو بِأَنَّهُ يتَصَرَّف فِيهِ فَإِن الْحِيَازَة لَا تعْمل عَلَيْهَا إِلَّا بعد أَن يرشد السَّفِيه أَو يعلم غَيره وتحاز عَلَيْهِمَا الْأَمْلَاك عشرَة أَعْوَام من يَوْم الرشد وَالْعلم وهما ساكتان بِلَا مَانع، وَأما الْغَيْبَة الْقَرِيبَة كاليومين فَهُوَ كالحاضر. ابْن رشد: وَهُوَ مَحْمُول على عدم الْعلم بالحيازة حَيْثُ يثبت علمه وَكَذَلِكَ الْحَاضِر فِي الْبَلَد فَإِنَّهُ مَحْمُول على عدم الْعلم أَيْضا قَالَ (ح) عَن ابْن نَاجِي وَنَحْوه تقدم فِي الشُّفْعَة. وَقَوله: عَن خصام فِيهِ احْتَرز بِهِ عَمَّا إِذا خَاصم فَإِن حَقه لَا يسْقط كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالْمُدَّعِي إِن أثبت النزاع مَعَ الخ. وَظَاهره كظاهر (خَ) وَلَو مرّة فِي أَي وَقت من الْعشْر سِنِين وَهُوَ ظَاهر الوثائق الْمَجْمُوعَة والفشتالي وَغَيرهمَا حَيْثُ قَالُوا: لَا يعلمونه نازعه فِي ذَلِك طول الْمدَّة الْمَذْكُورَة وَهُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده لِأَن مَاهِيَّة النزاع تحصل بالمرة الْوَاحِدَة وَبهَا يخْتل السُّكُوت الْمُشْتَرط فِي قطع حجَّة الْقَائِم وبوجود الْمُنَازعَة مرّة تنخرم مَاهِيَّة الْحِيَازَة خلافًا لما فِي القلشاني وَابْن سَلمُون عَن سَحْنُون من أَنه لَا تَنْفَعهُ فِي الْمُنَازعَة مرّة أَو مرَّتَيْنِ، بل حَتَّى يتَكَرَّر ذَلِك مِنْهُ مرَارًا فَإِنَّهُ لَا يعول عَلَيْهِ كَمَا لِابْنِ رحال فِي شَرحه وحاشيته، وَاعْتِرَاض الشَّيْخ الرهوني عَلَيْهِ بِمَا لسَحْنُون خلاف مَا أطبق عَلَيْهِ أهل التوثيق إِذْ لَو كَانَ يشْتَرط التّكْرَار لقالوا: لَا يعلمُونَ تكْرَار نزاع فِيهِ، ولقال النَّاظِم: وَغَيره سَاكِت عَن تكَرر خصام فِيهِ، وَهَكَذَا مَعَ أَنهم لم يقولوه فَدلَّ ذَلِك على عدم اشْتِرَاطه، نعم إِذا سكت عشر سِنِين بعد الْمُنَازعَة فَإِنَّهُ يسْقط حَقه وَظَاهر كَلَامهم أَيْضا أَن مُجَرّد النزاع كَاف وَلَو لم يكن عِنْد القَاضِي وَهُوَ كَذَلِك خلافًا لما فِي ابْن عمر من أَن الْمُنَازعَة إِذا لم تكن عِنْد القَاضِي لم ينْتَفع بهَا فَإِنَّهُ لَا يعول عَلَيْهِ أَيْضا، وَإِن زعم الشَّيْخ الرهوني أَيْضا أَنه الرَّاجِح إِذْ لَا دَلِيل لَهُ على رجحانه. وَظَاهر كَلَام الرسَالَة وَغَيرهَا خِلَافه، وَعَلِيهِ اقْتصر الزّرْقَانِيّ وَغَيره وَمن تتبع كَلَامهم وجدهم أطْلقُوا وَلم يقيدوا بِكَوْنِهَا عِنْد القَاضِي أَو عِنْد غَيره وإطلاقهم حجَّة، وَاحْترز بِهِ أَيْضا مِمَّا إِذا كَانَ هُنَاكَ مَانع مَنعه من الْخِصَام كصغر أَو سفه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 وللحائز عَلَيْهِ دين أَو كَون الْحَائِز ذَا سطوة أَو استناد لذِي سطوة كَمَا مرَّ أَو كَانَت الْحِيَازَة فِي مَحل لَا تناله الْأَحْكَام أَو كَانَ المحوز عَلَيْهِ امْرَأَة ذَات زوج غيور عَلَيْهَا شَدِيد الضَّبْط لَهَا مَانع لَهَا من الْخُرُوج كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، فَإِنَّهُ مَعَ وجود وَاحِد من هَذِه الْأُمُور غير سَاكِت وَلَا يسْقط حَقه إِلَّا أَن يُقيم الْحَائِز بَيِّنَة بِالسَّمَاعِ أَنه اشْتَرَاهَا من الْقَائِم أَو أَبِيه وَقد حازها عشر سِنِين، فَإِنَّهُ يسْقط حق الْقَائِم وَلَو مَعَ الْعذر الْمَذْكُور كَمَا مر فِي شَهَادَات السماع، وَأما إِن قَالَ: جهلت أَن الْحِيَازَة تِلْكَ الْمدَّة تقطع الْبَيِّنَة فَإِنَّهُ لَا يعْذر بذلك لِأَن الْعرف يكذبهُ كَمَا قَالَه الْجُزُولِيّ والعبدوسي فَإِن قَالَ: إِنَّمَا تركت الْقيام لاشتغالي بِالْخدمَةِ غدواً ورواحاً فَقَالَ ابْن زرب: إِذا ثَبت أَنه كَانَ يشْهد الشُّهُود أَنه غير تَارِك لحقه فَلهُ الْقيام قَالَه فِي نَوَازِل الضَّرَر من المعيار، وَظَاهره وَلَو كَانَ يشهدهم بِغَيْر حَضْرَة الْحَائِز وَأَنه لَا يحْتَاج إِلَى إِثْبَات التقية من سطوة الْحَائِز وَنَحْو ذَلِك وَفِيه دَلِيل لما تقدم من أَن الْمُنَازعَة عِنْد غير القَاضِي كَافِيَة لِأَن هَذَا انْتفع بإشهاد الشُّهُود على عدم تَركه لحقه فَكيف لَا ينْتَفع بالمنازعة عِنْد غير القَاضِي من جمَاعَة الْمُسلمين أَو محتسب أَو قَائِد إِذْ لَا أقل أَن يكون هَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَة الشُّهُود الَّذين يشهدهم على عدم ترك حَقه، وَأما إِن قَالَ: كنت عَالما بِأَنَّهُ ملكي وبتصرف الْحَائِز وَلَكِن سكت لغيبة شهودي أَو لعدم وجود رسمي، والآن وجدت ذَلِك فَأَرَدْت الْقيام فَالَّذِي نَقله العلمي عَن الوانشريسي فِي شَرحه لِابْنِ الْحَاجِب أَن الصَّوَاب قبُول عذره. قَالَ: وَبِه الحكم وَالْقَضَاء اه. وَكَذَا قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه الْحق أَنه يقبل قَوْله مَعَ يَمِينه قَالَ: وتصويب ابْن نَاجِي عدم الْقبُول غير ظَاهر اه. وَسَيَأْتِي أول الِاسْتِحْقَاق أَن الْإِنْسَان إِذا اشْترى شَيْئا وَهُوَ يرى أَنه لَا بَيِّنَة لَهُ ثمَّ وجدهَا أَن لَهُ الْقيام وَيَأْخُذ الثّمن من البَائِع، وَقد أَطَالَ الشَّيْخ الرهوني فِي الِانْتِصَار لقبُول عذره فِي بَاب الْفلس عِنْد قَول (خَ) : وَإِن ظهر دين الخ. وَكَلَام الوانشريسي الَّذِي صرح فِيهِ بِأَنَّهُ بِهِ الحكم كَاف فِي ذَلِك وَإِن كَانَ هُوَ أَعنِي الوانشريسي بحث فِي الكراس الثَّالِث من معاوضات معياره مَعَ ابْن الْحَاج الَّذِي جعل غيبَة الرَّسْم عذرا قَائِلا: إِنَّمَا يكون عذرا إِذا لم يعلم بِأَنَّهُ ملكه حَتَّى وجد الرَّسْم وإلاَّ فَلَا يكون عذرا اه. بِاخْتِصَار، وَلَكِن الْمعول عَلَيْهِ أَنه عذر كَمَا ترى وَبِه يبطل قَول (ت) هَهُنَا. لَيْسَ من الْمَانِع جهل الحكم وَلَا مغيب شَاهد أَو رسم وَلَا جَهَالَة بدين فِي الْأَصَح الخ. بل مغيب الشَّاهِد والرسم كِلَاهُمَا عذر كَمَا ترى وَكَذَا الْجَهَالَة بهما يَعْنِي هَل لَهُ رسم على ذَلِك أم لَا؟ وَهل يجد من يشْهد لَهُ أَنه ملكه أم لَا؟ وَالْعجب مِنْهُ كَيفَ اقْتصر عِنْد قَوْله: وَإِن يكن مُدعيًا إِقَالَة الخ. على كَلَام ابْن الْحَاج وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح مَعَ أَن ابْن الْحَاج يَقُول: إِن غيبَة الشَّاهِد والرسم عذر. وَقَوله: لَيْسَ من الْمَانِع جهل الحكم الخ. يَعْنِي: جهل كَون الْحِيَازَة قَاطِعَة لحجته كَمَا تقدم عَن الْجُزُولِيّ وَغَيره. وَأما جهل كَونه ملكا لَهُ فَإِنَّهُ عذر بعد يَمِينه على الْمَشْهُور كَمَا مرَّ، وَانْظُر مَا قَدمته آخر بيع الْفُضُولِيّ وَلَا بُد. وَاعْلَم أَن مُدَّة الْحِيَازَة تلفق بَين الْوَارِث والموروث، فَإِذا تصرف الْمَوْرُوث خمْسا بالقيود الْمَذْكُورَة وَمَات ثمَّ تصرف وَارثه خمْسا أَيْضا فَإِن ذَلِك قَاطع لحجة الْقَائِم كَمَا لِابْنِ رشد وَغَيره وَمَا فِي المعيار من أَنَّهَا لَا تلفق لَا يعول عَلَيْهِ وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ، وكما تلفق الْحِيَازَة من وَارِث وموروث كَذَلِك يلفق السُّكُوت من وَارِث وموروث أَيْضا كَمَا فِي الدّرّ النثير عَن أبي الْحسن قَائِلا: إِن الْحِيَازَة الَّتِي تشهد بِنَقْل الْملك لمن ادَّعَاهُ كَمَا يحكم بهَا على سَاكِت وَاحِد كَذَلِك يحكم بهَا ملفقة من سكُوت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 وَارِث وموروث اه. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى الْمَسْأَلَة الأولى من الْمسَائِل الَّتِي فرعها على الْحِيَازَة القاطعة فَقَالَ مستثنياً من قَوْله: فالتملك اسْتحق. وانقطعت حجَّة مدعيه الخ ... إلاّ إِذا أَثْبَتَ حَوْزاً بالكِرَا أَو مَا يُضاهِيهِ فلنْ يُعْتَبَرَا (إِلَّا إِذا أثبت) الْقَائِم (حوزاً بالكرا) أَي أثبت بِالْبَيِّنَةِ أَو الْإِقْرَار أَن ابْتِدَاء حوز الْحَائِز إِنَّمَا كَانَ بِسَبَب الْكِرَاء مِنْهُ أَو من أَبِيه (أَو مَا يضاهيه) أَي الْكِرَاء كالإسكان مجَّانا وَالْمُسَاقَاة والعمرى وَالْعَارِية وَالْغَصْب وَنَحْو ذَلِك (ف) بإن حوز الْحَائِز عشر سِنِين فَأكْثر بالقيود الْمُتَقَدّمَة (لن يعتبرا) لِأَنَّهُ قد علم حِينَئِذٍ أَن أصل مدخله الْكِرَاء وَنَحْوه فَلَا تَنْفَعهُ حيازته، وَهُوَ معنى قَوْلهم: إِذا أثبت أصل الْمدْخل بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار فَلَا حِيَازَة، وَتارَة يَقُولُونَ: إِنَّمَا تَنْفَع الْحِيَازَة إِذا جهل أصل الْمدْخل هَل بكرَاء وَنَحْوه أَو بشرَاء وَنَحْوه، أما إِذا علم فَإِن كَانَ بكرَاء وَنَحْوه لم ينْتَفع بِهِ حَتَّى يَأْتِي بِأَمْر مُحَقّق من شِرَاء أَو هبة أَو صَدَقَة من الْقَائِم أَو أَبِيه، وَظَاهره أَنه لَا تَنْفَعهُ الْحِيَازَة مَعَ علم أصل الْمدْخل وَلَو طَالَتْ كالخمسين سنة وَلَيْسَ كَذَلِك، بل صرح ابْن فَرِحُونَ وَصَاحب الوثائق الْمَجْمُوعَة بِأَنَّهَا إِن طَالَتْ الْخمسين سنة وَنَحْوهَا والقائم حَاضر لَا يُغير وَلَا يَدعِي شَيْئا فَإِنَّهَا تَنْفَعهُ وَإِن لم يثبت ابتياعاً وَلَا صَدَقَة وَنَحْوه لِابْنِ رشد كَمَا فِي حَاشِيَة الشَّيْخ بناني. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة من الْمسَائِل المفرعة عاطفاً على الِاسْتِثْنَاء فَقَالَ: أَو يَدَّعِي حُصولَهُ تَبرُّعا مِنْ قَائِمٍ فَلْيُثْبِتنَّ مَا ادَّعَا (أَو يَدعِي) الْحَائِز عشر سِنِين فَأكْثر (حُصُوله) أَي الشَّيْء المحوز بِيَدِهِ (تَبَرعا) بِهِبَة أَو صَدَقَة. (من قَائِم) أَو موروثه (فليثبتن) الْحَائِز (مَا ادعا) هـ من التَّبَرُّع وَيتم ملكه. أَوْ يَحْلِفُ الْقَائِمُ وَاليَمِينُ لَهْ إِن ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ مُعْملَهْ (أَو يحلف الْقَائِم) إِن لم يثبت ذَلِك وَيَأْخُذ شَيْئه بِخِلَاف مَا لَو ادّعى الْحَائِز الشِّرَاء من الْقَائِم أَو موروثه فَإِنَّهُ لَا يُكَلف إثْبَاته وَيصدق فِي أَنه اشْتَرَاهُ مَعَ يَمِينه كَمَا قَالَ: (وَالْيَمِين لَهُ) أَي للقائم على الْحَائِز (إِن ادّعى) الْحَائِز (الشِّرَاء مِنْهُ) أَي من الْقَائِم (معمله) هَذَا وَكَأن النَّاظِم يَقُول الْحَائِز عشر سِنِين إِن أقرّ بِمَا لَا ينْقل الْملك كالإسكان وَنَحْوه لم ينْتَفع بحيازته، وَإِن أقرّ بِمَا يَنْقُلهُ كَالْهِبَةِ وَالشِّرَاء فَفِيهِ تَفْصِيل فينتفع بالحيازة وَالشِّرَاء دون الْهِبَة، وَلَكِن مَا ذكره من التَّفْرِقَة وَالتَّفْصِيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 بَين الْهِبَة وَالشِّرَاء خلاف الْمُعْتَمد كَمَا مرَّ عَن ابْن رشد وَنَحْوه لِابْنِ يُونُس قَائِلا: الصَّوَاب لَا فرق بَين البيع وَالْهِبَة وَنَحْوه فِي التَّوْضِيح، وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون الْحِيَازَة عشر سِنِين كقيام الْبَيِّنَة على انْتِقَال الْملك إِلَى الْحَائِز بشرَاء وَنَحْوه سَوَاء كَانَ الْحَائِز هُوَ البَائِع أَو غَيره كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم وَغَيره، وَلِهَذَا كَانَ لَا يُكَلف الْحَائِز بِبَيَان وَجه ملكه للشَّيْء المحوز على الرَّاجِح الْمَعْمُول بِهِ كَمَا مرَّ، لَكِن إِن وَقع وَنزل وَبَين وَجهه فَإِن بَينه بِمَا لَا ينْقل الْملك أَو قَامَت بَيِّنَة بِهِ فَهُوَ قَوْله: إِلَّا إِذا أثبت حوزاً بالكراء وَإِن بَينه بِمَا يَنْقُلهُ من صَدَقَة أَو شِرَاء وَنَحْوهمَا فَقَوله مَقْبُول بِيَمِينِهِ كَمَا لِابْنِ رشد وَغَيره، وَسَوَاء قَالَ: اشْتَرَيْته مِنْك أَو من وكيلك وَلَا يُكَلف بِإِثْبَات الْوكَالَة خلافًا لما فِي ابْن سَلمُون وأقضية المعيار، لِأَن الْحِيَازَة دَلِيل على نقل الْملك إِلَيْهِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيّ كَمَا مر، وَعَلِيهِ فَكَانَ حق النَّاظِم أَن يحذف قَوْله: أَو يَدعِي حُصُوله تَبَرعا. الْبَيْتَيْنِ. لِأَنَّهُ إِنَّمَا يتمشى على قَول من يَقُول إِنَّه يُكَلف بِبَيَان وَجه ملكه، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال إِنَّه تبرع بِالْبَيَانِ من غير تكلّف كَمَا قَررنَا. تَنْبِيه: مَا تقدم من أَنه لَا يُكَلف بِبَيَان وَجه ملكه هُوَ الَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ ابْن سَلمُون وَغَيره فِي وَثِيقَة الاعتمار وَنَحْوه فِي نَوَازِل العلمي قَائِلا: لَا يسْأَل الْحَائِز عَن شَيْء وَارِثا كَانَ أَو غَيره. قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه: وَهُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَل. قلت: وَلَا زَالَ الْعَمَل عَلَيْهِ إِلَى الْآن، وَعَلِيهِ فَلَا يلْتَفت إِلَى مَا قَالَه الشَّيْخ الرهوني من أَن الرَّاجِح هُوَ تَكْلِيفه بِبَيَان وَجه ملكه إِذْ هُوَ مُخَالف للمعمول بِهِ، وَقَول ابْن رشد مُجَرّد الْحِيَازَة لَا ينْقل الْملك الخ. يَعْنِي فِي نفس الْأَمر وَفِيمَا بَينه وَبَين الله بِدَلِيل قَوْله مُتَّصِلا بِهِ، وَلَكِن يدل على الْملك كإرخاء السّتْر وَمَعْرِفَة العفاص والوكاء فِي اللّقطَة، وَقَول ابْن رحال فِي شَرحه وحاشيته هَهُنَا: بل ينْقل الْملك للحائز عِنْد وجود الشُّرُوط الخ. يَعْنِي يقْضى لَهُ بذلك فِي الظَّاهِر، وَهُوَ معنى قَول ابْن رشد وَلَكِن يدل على الْملك الخ. وَإِذا كَانَت تدل على نقل الْملك وتوجب الْقَضَاء بِهِ فِي الظَّاهِر فَلَا وَجه لتكليفه بِبَيَان وَجه ملكه، وَإِنَّمَا يحسن تَكْلِيفه بِالْبَيَانِ على القَوْل الَّذِي يفصل بَين الْهِبَة وَالشِّرَاء لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إِذا ادّعى الْهِبَة يُكَلف بإثباتها، وَقد علمت أَنه خلاف الْمُعْتَمد، وَبعد كتبي هَذَا وقفت على أَن أَبَا الْحسن قَالَ بعد ذكره الْخلاف فِي تَكْلِيفه بِالْبَيَانِ مَا نَصه: وَلَعَلَّ الْقَائِل بالتفصيل بَين البيع وَالْهِبَة هُوَ الَّذِي يَقُول يكْشف عَن وَجه ملكه، وَأما الْقَائِل بِأَن البيع وَالْهِبَة سَوَاء فَلَا فَائِدَة فِي كشفه اه. وَقَالَ ابْن رحال أَيْضا: ظَاهر قَول (خَ) : لم تسمع وَلَا بَيِّنَة الخ. ادّعى الْحَائِز أَن الْحَوْز حصل لَهُ من الْقَائِم بِبيع أَو هبة أَو لم يدع ذَلِك وَهُوَ كَذَلِك كَمَا رَأَيْته من تصويب ابْن يُونُس اه. وَهَذَا كُله إِذا ادّعى الْحَائِز أَنه ملكه، وَأما إِن ادّعى أَنه حوزه فَقَط فَلَا إِشْكَال أَنه لَا يَنْفَعهُ ذَلِك. وَيثبِتُ الدَّفْعَ وَإلاّ الطالِبُ لَهُ اليَمينُ وَالتقضِّي لاَزِبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 (و) إِذا قبل قَول الْحَائِز فِي الشِّرَاء بِيَمِينِهِ فَلَا بُد أَن (يثبت الدّفع) للثّمن فَيبرأ مِنْهُ (وَإِلَّا) يُثبتهُ ف (الطَّالِب لَهُ) أَي عَلَيْهِ (الْيَمين) مَا قَبضه وَلَا شَيْئا مِنْهُ (والتقضي) أَي قَضَاء الثّمن وَدفعه للطَّالِب (لازب) أَي لَازم للحائز وَيدْفَع من الثّمن مَا أشبه أَن يكون ثمنا وإلاَّ فَالْقيمَة وَلَا يسْقط عَنهُ إِلَّا أَن يطول إِلَى الأمد الَّذِي لَا يُتَابع النَّاس إِلَى مثله قَالَه المشاور، وَفِيه دَلِيل على أَن الشَّهَادَة بِالشِّرَاءِ دون تَسْمِيَة قدر الثّمن صَحِيحَة تَامَّة كَمَا مر عِنْد قَوْله: وَمن لطَالب بِحَق شَهدا الخ. وَبَيَانه أَن الْبَيِّنَة هُنَاكَ شهِدت بِأَصْل الشِّرَاء لَا بِالثّمن والحيازة هُنَا دلّت على الشِّرَاء لَا على قدر الثّمن، فَكَمَا قَالُوا هُنَا يَصح البيع وَيدْفَع مَا أشبه من الثّمن أَو الْقيمَة، فَكَذَلِك يَنْبَغِي أَن يُقَال هُنَاكَ كَمَا مر. ثمَّ لَا يُقَال كَيفَ يُمكن الْقَائِم من الثّمن وَهُوَ لَا يَدعِيهِ، لأَنا نقُول إِنَّمَا يُمكن إِذا رَجَعَ إِلَى تَصْدِيق المُشْتَرِي الْمُدَّعِي للحيازة كَمَا فِي (ح) عَن ابْن رشد. قلت: وَأَيْضًا فَإِن الْمُتَبَايعين إِذا اخْتلفَا فِي عقد البيع وأثبته المُشْتَرِي أَو حلف وَنكل البَائِع فَإِنَّهُ يَأْخُذ الثّمن وَإِن كَانَ لَا يَدعِيهِ. تَنْبِيه: مَا ذكره النَّاظِم من أَنه يثبت الدّفع للثّمن إِنَّمَا يتمشى على قَول ابْن الْقَاسِم الْقَائِل: يصدق البَائِع فِي عدم قَبضه إِلَى عشْرين سنة لَا على قَول غَيره الَّذِي تقدم صدر الْبيُوع أَنه الْمُعْتَمد وَعرف النَّاس الْيَوْم عَلَيْهِ لِأَن مُضِيّ الْعَام والعامين يدل على دَفعه فَكيف يمْضِي الْعشْر مَا لم يكْتب الثّمن فِي كتاب، وإِلاَّ فَيجْرِي على حِيَازَة الدّين الْمُتَقَدّمَة هُنَاكَ أَيْضا كَمَا لأبي الْحسن وَغَيره. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة المفرعة على قطع حجَّة الْقَائِم فَقَالَ: وَإنْ يَكُنْ مُدَّعياً إقَالَهْ فَمَعْ يَمِينِهِ لَهُ المَقْالَهْ (وَإِن يكن) الْحَائِز (مُدعيًا إِقَالَة) من الْقَائِم الَّذِي أثبت الشِّرَاء من الْحَائِز (فَمَعَ يَمِينه) أَي الْحَائِز (لَهُ الْمقَالة) فَهُوَ كَقَوْل ابْن سَلمُون عَن ابْن الْحَاج: لَو قَالَ الْحَائِز أقلتني فِيهَا بعد أَن بعتها مِنْك لَكَانَ القَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه وَتبقى الْأَمْلَاك بِيَدِهِ اه. وَقَالَ قبل ذَلِك: وَلَو قَالَ الْقَائِم إِنِّي اشْتَرَيْتهَا ثمَّ أعرتك إِيَّاهَا أَو أكريتها مِنْك وَلذَلِك لم أقِم بهَا عَلَيْك لَكَانَ أبين فِي أَن يحلف إِذا استظهر بوثيقة الشِّرَاء ويأخذها اه. فَظَاهره أَنه يَأْخُذهَا وَإِن لم يدع غيبَة الْوَثِيقَة وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا يَأْتِي قَرِيبا فَيجب حمله على مَا إِذا ادّعى مَعَ ذَلِك غيبتها، وَقد علمت أَن الْإِقَالَة بيع فَهَذَا حِينَئِذٍ دَاخل فِي الْبَيْت الَّذِي قبله يَلِيهِ فَلَو حذفه مَا ضره، ثمَّ لَا مَفْهُوم لقَوْله مُدعيًا إِقَالَة بل كَذَلِك إِذا لم يدع شِرَاء وَلَا غَيره، وَإِنَّمَا قَالَ: هُوَ حوزي وملكي أَو ورثته من أبي وَهَذِه مُدَّة الْحِيَازَة على عَيْنك وَأَنت حَاضر عَالم الخ. كَمَا مر قَرِيبا من أَنه لَا يُكَلف بِبَيَان وَجه ملكه، وكما يَأْتِي أَيْضا وَيحمل الْأَمر على أَنَّهَا رجعت للحائز بِهِبَة أَو شِرَاء أَو إِقَالَة كَمَا صرح بذلك ابْن جزي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 فِي تكملته، وَنَقله ابْن رحال وشارح نظم الْعَمَل عِنْد قَوْله: لَا يُوجب الْملك عُقُود الأشرية الخ. قَالَ: وَيُوَافِقهُ كَلَام ابْن الْحَاج لِأَنَّهُ إِنَّمَا جعل الْقيام للْمُشْتَرِي على البَائِع بعد مُدَّة الْحِيَازَة وَهُوَ بيد البَائِع إِذا قَالَ: إِنَّمَا سكت لكوني لم أجد وَثِيقَة الشِّرَاء أما لَو لم يعْتَذر بذلك لم يقْض لَهُ بِأخذ الْأَمْلَاك من يَد البَائِع اه. وَمَا نقل عَن العبدوسي مِمَّا يُخَالِفهُ لَا يعول عَلَيْهِ لِأَن ظَاهره وَلَو ادّعى البَائِع إِقَالَة أَو شِرَاء أَو نَحْوهمَا فَإِن المُشْتَرِي يَأْخُذهُ من يَده وَهُوَ مُخَالف لما للناظم وَغَيره الَّذِي تلقى غير وَاحِد بِالْقبُولِ وسلموا لَهُ هَذَا الْفَرْع، وَمَا للعبدوسي لَعَلَّه مَبْنِيّ على مَا يَأْتِي عَن ابْن رشد فِي حِيَازَة الْأَقَارِب، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ بل لَو لم يدع شَيْئا لم يضرّهُ كَمَا مرَّ وَفِي دعاوى المعيار عَن ابْن لب قَالَ فِي أثْنَاء جَوَاب لَهُ مَا نَصه: وَلِأَن الْعَادة تقضي أَن المُشْتَرِي لَا يدْفع الثّمن وَيبقى الشَّيْء الْمُشْتَرى بيد البَائِع السنتين وَالثَّلَاث، إِذْ من الْمَعْلُوم فِي ذَلِك الِاسْتِهْلَاك والتغيير وَذَهَاب الْغلَّة اه. وَإِذا كَانَ هَذَا فِي السنتين وَالثَّلَاث فَكيف بِمن بَقِي بِيَدِهِ مُدَّة الْحِيَازَة؟ وَقَالَ ابْن يُونُس مستدلاً على أَن الْحِيَازَة تنقل الْملك مَا نَصه: وَلما كَانَ الْإِنْسَان فِي أغلب الْأَحْوَال لَا يحاز عَنهُ شَيْئه وَيرى الْحَائِز يتَصَرَّف فِيهِ تصرف الْمَالِك دلّ ذَلِك على أَنه خرج عَن ملكه فَإِذا قَامَ يُطَالِبهُ وَيُقِيم الْبَيِّنَة أَن ذَلِك لَهُ صَار مُدعيًا لغير الْعرف فَلم يقبل قَوْله اه. فَلم يفرق بَين كَون الْحَائِز هُوَ البَائِع أَو غَيره وَلَا بَين كَونه ادّعى بيعا وَنَحْوه أَو لم يدع شَيْئا والأنقال فِي مثل هَذَا كَثِيرَة. تَنْبِيه: علم مِمَّا مر أَن قَوْلهم عُقُود الأشرية لَا تفِيد الْملك وَلَا ينتزع بهَا من يَد حائز مَحَله إِذا لم يكن الْحَائِز هُوَ البَائِع وَإِلَّا فينتزع بهَا من يَده إِذا لم تطل مُدَّة الْحِيَازَة الْعشْر سنتَيْن فَأكْثر، وإلاَّ فَلَا ينتزع بهَا من يَد البَائِع كَمَا مر فشدّ يدك عَلَيْهِ لِأَن الْمُوَافق للنَّقْل فِي النّظم وَغَيره، وَلَا تلْتَفت إِلَى مَا سواهُ وَلَا يتَّجه اعْتِرَاض الوانشريسي على ابْن الْحَاج لِأَن ابْن الْحَاج إِنَّمَا جعل لَهُ الْقيام مَعَ الِاعْتِذَار بِعَدَمِ وجود الْوَثِيقَة، فَجعل عدم وجودهَا من مَوَانِع الْقيام كالصغر والسفه كَمَا تقدم وَالله أعلم. وَإِنَّمَا قُلْنَا لِأَنَّهُ الْمُوَافق للنَّقْل لما مرّ لِأَن صَاحب المعيار بِنَفسِهِ قَالَ فِي أثْنَاء جَوَابه مَا نَصه: وَأما مُجَرّد الْحِيَازَة من غير تعرض لضميمه دَعْوَى الْملك فِي المحوز بِوَجْه من وُجُوه النَّقْل من شِرَاء أَو هبة أَو صَدَقَة فَلَا تنقل الْملك عَن المحوز عَنهُ إِلَى الْحَائِز اه. وَهُوَ تَابع فِي ذَلِك لِابْنِ رشد الْقَائِل: إِن الْحَائِز يُكَلف بِبَيَان وَجه ملكه كَمَا يَأْتِي، وَتقدم أَن الْعَمَل على خِلَافه وَأَنه إِنَّمَا يحسن الْبَيَان إِذا كَانَ هُنَا فرق بَين الْهِبَة وَغَيرهَا وَلم يفرق ابْن رشد وَلَا غَيره فِي دَعْوَى الْإِقَالَة وَالشِّرَاء بَين كَونهمَا من بَائِع أَو غَيره، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فالبائع إِذا ادّعى الشِّرَاء أَو الْإِقَالَة فَقَوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 مَقْبُول كَمَا ترى فِي النّظم وَغَيره، بل وَكَذَا إِن ادّعى الْهِبَة كَمَا ترى أَيْضا فِي كَلَام ابْن رشد وَغَيره، وَإِنَّمَا يبْقى الْكَلَام إِذا لم يدع الْجَائِز وَلَو بَائِعا شَيْئا، وَتقدم أَن الْعَمَل على عدم كشفه وَالله أعلم. وَالْعجب مِنْهُم كَيفَ جعلُوا كَلَام ابْن الْحَاج مُفِيدا لكَون عُقُود الأشرية تفِيد الْملك وصاروا يَتَكَلَّمُونَ مَعَه من هَذِه الْحَيْثِيَّة، فَمنهمْ من يَقُول: إِن كَلَامه صَحِيح لِأَنَّهَا تفِيد الْملك إِذا كَانَ البَائِع هُوَ الْحَائِز لَا غَيره، وَمِنْهُم من يَقُول كالوانشريسي: أَنَّهَا تفِيد الْملك مَعَ أَن ابْن الْحَاج إِنَّمَا جعل الْقيام للْمُشْتَرِي على البَائِع الْحَائِز بِسَبَب دَعْوَاهُ عدم وجود الْوَثِيقَة كَمَا مر، وَأَيْضًا فَإِن مَا فِي النّظم من دَعْوَى الْإِقَالَة هُوَ لِابْنِ الْحَاج أَيْضا، فَلَو كَانَت عُقُود الأشرية عِنْده تفِيد الْملك وينتزع بهَا من يَد البَائِع مَا صدقه فِي دَعْوَى الْإِقَالَة. وَلما قدم أَن الْعشْر سِنِين لَا بُد مِنْهَا للْحَدِيث الْمُتَقَدّم ذكر أَن مَا قاربها من تسع سِنِين أَو ثَمَانِيَة بعطى حكمهَا فَقَالَ: وَالتِّسْعُ كالعَشْرِ لَدَى ابْن القَاسِمِ أَو الثَّمانِ فِي انقِطاعِ القَائِمِ (وَالتسع) سِنِين (كالعشر) الْمُتَقَدّم ذكرهَا (لَدَى) عِنْد (ابْن الْقَاسِم أَو الثمان) كَذَلِك عِنْده (فِي انْقِطَاع) حق (الْقَائِم) . وَلَكِن الْمَعْمُول هُوَ الْعشْر كَمَا مر. وَالْمُدَّعِي إنْ أثْبَتَ النِّزَاعَ مَعْ خَصِيمهِ فِي مُدةِ الحَوْزِ انْتَفَعْ (وَالْمُدَّعِي إِن أثبت النزاع مَعَ خصيمه فِي مُدَّة الْحَوْز) الَّتِي هِيَ الْعشْر سِنِين (انْتفع) بذلك وَظَاهره وَلَو نازعه مرّة وَاحِدَة وَلَو عِنْد غير القَاضِي وَهُوَ كَذَلِك مَا مرّ وكما هُوَ ظَاهر (خَ) حَيْثُ جعل عشر سِنِين ظرفا لحاضر سَاكِت بِلَا مَانع الخ. فتتنازعه العوامل الثَّلَاثَة. وَقَائمٌ ذُو غَيْبَةٍ بَعيدهْ حَجَّتُهُ باقِيَةٌ مُفيدَهْ (وقائم ذُو غيبَة بعيدَة) عَن مَحل الْحَوْز (حجَّته بَاقِيَة مفيدة) وَظَاهره وَلَو غَابَ بعد الْحِيَازَة عَلَيْهِ سِتّ سِنِين أَو ثَمَان سِنِين لِأَنَّهُ يصدق عَلَيْهِ أَنه لم تجز عَلَيْهِ عشر سِنِين إِذْ مَا بعد الْغَيْبَة لَا يحْسب عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِك كَمَا يفِيدهُ ابْن مَرْزُوق وكما يفِيدهُ جعل (ح) عشر سِنِين ظرفا لحاضر وَهَذَا مَا لم يتَكَرَّر قدومه وسفره كَمَا مرّ. . وَالْبُعْدُ كالسَّبْعِ وكَالثَّمانِ وَفي الَّتي تَوسَّلَتْ قَوْلاَنِ (والبعد كالسبع) مراحل (وكالثمان) وَظَاهر بلغه الْعلم بالحيازة عَلَيْهِ أم لَا كَانَت الْحِيَازَة عَلَيْهِ بالهدم وَالْبناء أَو بالاستغلال وَالسُّكْنَى ثَبت عَجزه عَن الْقدوم وَالتَّوْكِيل أم لَا، وَهُوَ كَذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 اتِّفَاقًا (وَفِي) انْقِطَاع حجَّته فِي الْغَيْبَة (الَّتِي توسطت) كالثلاثة وَالْأَرْبَعَة فَمَا فَوْقهَا إِلَى السَّبع (قَولَانِ) أَولهمَا لِابْنِ حبيب وَابْن الْقَاسِم أَنه يسْقط حَقه إِذا لم يثبت عَجزه عَن الْقدوم أَو التَّوْكِيل، وَثَانِيهمَا لِابْنِ الْقَاسِم أَيْضا لِأَنَّهُ لَا يسْقط حَقه وَلَو لم يثبت عَجزه وَيصدق فِيمَا يَدعِيهِ من الْعَجز عَن الْقدوم وَالتَّوْكِيل لِأَنَّهُ قد يكون مَعْذُورًا كمن لم يتَبَيَّن عذره وَهُوَ الْمُعْتَمد، قَالَ المشاور: وَبِه الْعَمَل. ابْن رشد: وَهَذَا الْخلاف إِنَّمَا هُوَ إِذا علم بالحيازة عَلَيْهِ. وَكالحُضُورِ اليَوْمُ واليَوْمَانِ بِنِسْبَةِ الرِّجَالِ لَا النِّسْوَانِ (وكالحضور) فِي عدم سَماع دَعْوَاهُ وبينته (الْيَوْم واليومان) مَعَ الْأَمْن لَا مَعَ الْخَوْف وَالْقُدْرَة على الْقدوم أَو التَّوْكِيل لَا مَعَ ثُبُوت الْعَجز عَنْهُمَا وَالْعلم بالحيازة عَلَيْهِ لَا مَعَ عَم علمه. ابْن رشد: وَهُوَ مَحْمُول على عدم الْعلم حَتَّى يثبت علمه، وَتقدم أَن الْحَاضِر كَذَلِك، وَهَذَا (بِنِسْبَة الرِّجَال لَا النسوان) فَلَا يَنْقَطِع حقهن وَلَو على مَسَافَة يَوْم أَو أقل على مَا تقدم فِي الشُّفْعَة وَلَو علِمْنَ بالحيازة عَلَيْهِنَّ وَهن محمولات على الْعَجز عَن الْقدوم وَعدم الْقُدْرَة على التَّوْكِيل لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تُسَافِر يَوْمًا وَلَيْلَة إِلَّا مَعَ ذِي محرم) الخ. وَلَا مَفْهُوم لليوم وَاللَّيْلَة. وَأما التَّوْكِيل فقد لَا يجدن من يحسن الْخِصَام وَمن يثقن بِهِ، وَمَفْهُوم الْيَوْم واليومان أَن مَا فَوْقهمَا لَا يقطع حَقه وَهُوَ كَذَلِك على الْمَعْمُول بِهِ كَمَا مرّ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: وَالْأَجْنَبِيّ إِن يجز أصلا الخ. فَقَالَ: والأقْرَبُونَ حَوْزُهُم مُخْتَلِفُ بحَسَب اعْتمارِهم يَخْتَلِفُ (وَالْأَقْرَبُونَ) غير الْأَب وَابْنه من الْإِخْوَة والأعمام وَأَبْنَائِهِمْ والأخوال وَأَبْنَائِهِمْ، وَفِي معناهم الأصهار والموالي كَانُوا شُرَكَاء أم لَا. (حوزهم) أَي أمد حوزهم (مُخْتَلف بِحَسب اعتمارهم) أَي تصرفهم فِي الشَّيْء المحوز (يخْتَلف) فَتَارَة يكون اعتمارهم وتصرفهم أقوى الْأَشْيَاء كالهدم وَالْبناء وَالْغَرْس وَسَيَأْتِي، وَتارَة يكون بِغَيْر ذَلِك وَهُوَ قَوْله: فإنْ يَكُنْ بمثْلِ سُكْنَى الدَّارِ وَالزَّرْعِ لْلأَرْضِ وَالاَعْتِمارِ للحوانيت بِأخذ أكريتها والاستغلال للثمار فِي الْأَشْجَار. فَهُوَ بِمَا يجَوزُ الأرْبعِين وَذُو تَشَاجُرٍ كالأَبْعَدِين (فَهُوَ) أَي أمد الْحِيَازَة الْقَاطِع للحجة فِيمَا بَينهم (بِمَا يجوز الْأَرْبَعين) عَاما فَإِذا حازها أحدهم الْمدَّة الْمَذْكُورَة فَأكْثر فَلَا حق للمحوز عَنهُ على مَا جرى بِهِ عمل أهل الوثائق قَالَ ابْن لب: وَهَذَا إِذا لم يكن بَينهم تشاجر وَلَا عَدَاوَة أَو أشكل أَمرهم، وَأما من عرف التشاح بَينهم فهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 كالأجانب كَمَا قَالَ: (وَذُو تشاجر) مِنْهُم (كالأبعدين) فيكتفي فيهم بِعشر سِنِين، وَمرَاده بالتشاجر التشاح وَعدم الْمُسَامحَة كَمَا فِي النَّقْل عَن ابْن يُونُس والمواق وَغَيرهمَا وَمَا فِي الدّرّ النثير من أَن عشْرين سنة إِلَى ثَلَاثِينَ غَايَة الْمدَّة فِي حِيَازَة الْأَقَارِب لِكَثْرَة التشاح فِي أهل هَذَا الزَّمَان الخ. لَا يعول عَلَيْهِ بل الْعشْر سِنِين كَافِيَة كَمَا للناظم وَغَيره. ومِثْلُه مَا حِيزَ بِالْعَتَاقِ مَا كَان أَو بالبْيع باتِّفاقِ (وَمثله) أَي اعتمار صَاحب التشاجر (مَا حيّز بالعتاق) كَيفَ (مَا كَانَ) ناجزاً أَو مُؤَجّلا أَو كِتَابَة أَو تدبيراً (أَو) مَا تصرف فِيهِ (بِالْبيعِ) فتنقطع فِيهِ حجَّة الْقَائِم بِمُضِيِّ عشر سِنِين وَهُوَ لَا يُنكر وَلَا يُغير (بِاتِّفَاق) وَفِيه نظر فَإِن الْعتْق وَالْبيع يسقطان حق البَائِع بِمُجَرَّد علمه وسكوته وَإِن لم تمض مُدَّة الْحِيَازَة من غير فرق بَين أَجْنَبِي أَو قريب كَمَا مرّ فِي فصل بيع الْفُضُولِيّ حَيْثُ قَالَ: وحاضر بيع عَلَيْهِ مَاله الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى حوزهم بأقوى الْأَشْيَاء فَقَالَ: وَفِيه بالْهَدْمِ والبُنْيانِ وَالغْرْسِ أَو عقْدِ الكِرَا قَوْلانِ (وَفِيه) أَي وَفِي مِقْدَار أمد حوز الْأَقْرَبين (بالهدم) لما لَا يخْشَى سُقُوطه بل ليتوسع فِيهِ أَو ليبني غَيره مَكَانَهُ كَمَا مر (وبالبنيان) الْغَيْر الْخَفِيف (وَالْغَرْس) كَذَلِك (أَو عقد الكرا) ء فِي الدَّار وَنَحْوهَا وَقَبضه باسم نَفسه بِمحضر غَيره من الْأَقَارِب (قَولَانِ) أَحدهمَا أَن الْعشْر سِنِين كَافِيَة كالشريك الْأَجْنَبِيّ، وَثَانِيهمَا أَنَّهَا لَا تَكْفِي بل بِمَا يُجَاوز الْأَرْبَعين كالحيازة بِالسُّكْنَى والازدراع، وَهُوَ الْمَذْهَب مَا لم يكن بَينهم تشاح فالعشر كَافِيَة كَمَا مر (خَ) : وَفِي الشَّرِيك الْغَرِيب مَعَهُمَا أَي الْهدم وَالْبناء قَولَانِ. لَا بَين أَب وَابْنه إِلَّا أَن يطول مَعَهُمَا مَا تهْلك فِيهِ الْبَينَات وَيَنْقَطِع الْعلم. تَنْبِيهَات. الأول: فَإِن حَاز الْوَارِث الشَّرِيك مثل سَهْمه أَرْبَعِينَ سنة فَهُوَ لَهُ وَلَا شَيْء لَهُ فِي الْبَاقِي، وَإِن ادّعى أَن مَا حازه خَاص بِهِ وَأَن حَقه ثَابت فِيمَا بَقِي لم يكن لَهُ ذَلِك إِذا ادّعى إشراكه إِنَّمَا تَرَكُوهُ ليَكُون لَهُ سَهْمه وسهامهم فِيمَا بَقِي وحلفوا على ذَلِك، وَإِن حَاز أقل من سَهْمه كمل لَهُ بَقِيَّة سَهْمه مِمَّا بَقِي، وَإِن حَاز أَكثر من سَهْمه فَهُوَ لَهُ كُله قدر سَهْمه بسهمه مَا زَاد على سَهْمه بالحيازة قَالَه مطرف فِي الْوَاضِحَة. قَالَ الرجراجي: وَهُوَ الْمَذْهَب وَنَحْوه فِي ابْن يُونُس وَغَيره، قَالَ الرجراجي: فَإِن حَاز كل من الْوَرَثَة طَائِفَة من الأَرْض يحرث ويعمر حَتَّى يَمُوت بَعضهم فَيكون وَلَده كَذَلِك فِيمَا تركُوا وَقد اقتسم ورثته أَو لم يقتسموا ثمَّ طلب وَرثهُ الْجد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 الْقسم، فَإِن طَال الزَّمَان فِيمَا يندرس فِيهِ علم الْمُقَاسَمَة فَذَلِك بَاقٍ على حَاله وَلَا يقبل قَول من طلب الْقسم ثَانِيًا إِلَّا أَن يكون عِنْده بَيِّنَة وَلَو بِسَمَاع أَن ذَلِك كَانَ مِنْهُم على التجاوز والمسامحة دون الْمُقَاسَمَة، فليستأنف الْقسم فَمن وَقع حَقه فِيمَا بني أَو غرس فَهُوَ لَهُ، وَمن وَقع بِنَاؤُه فِي حق غَيره فليحلف مَا بني إِلَّا بمقاسمة ثمَّ يُخَيّر صَاحبه بَين أَن يُعْطِيهِ قيمَة الْبناء وَالْغَرْس قَائِما وَبَين أَن يُعْطِيهِ الْبَانِي قيمَة أرضه، وَإِن أَبَيَا كَانَا شَرِيكَيْنِ إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة قَاطِعَة أَنه حازه بِغَيْر مقاسمة، أَو ينكل عَن الْيَمين وَيحلف الآخر فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ قِيمَته منقوضاً أَو يَأْمر بقلعه فَإِن لم يكن لَهُ بَيِّنَة قَاطِعَة أَو نكلاً أعطَاهُ قِيمَته قَائِما على مَا ذكرنَا اه. وَانْظُر مَا تقدم فِي المغارسة. الثَّانِي: ذكر (ح) آخر الْحِيَازَة مستدلاً بحيازة الدّين عَن سَماع يحيى أَن الْإِنْسَان إِذا أصدق لزوجة ابْنه أحقالاً وَبقيت بِيَدِهِ سِنِين حَتَّى مَاتَ فَأَرَادَتْ أَخذ ذَلِك فَقَالَ لَهَا الْوَرَثَة: قد عاينته زَمَانا وَهِي بِيَدِهِ وَلَا نَدْرِي وَلَعَلَّه أرضاك من حَقك أَتَرَى للْمَرْأَة فِي ذَلِك حَقًا؟ . قَالَ: نعم وَلَا يَضرهَا طول مَا تركت ذَلِك بيد أَب زَوجهَا لِأَن الصَدَاق لَيْسَ من الْأَثْمَان وَلَيْسَ هُوَ صَدَقَة حَتَّى يحْتَاج للحوز. قَالَ ابْن رشد: وَهَذِه الْمَسْأَلَة صَحِيحَة لَا إِشْكَال فِيهَا وَلَا اخْتِلَاف لِأَن حَقّهَا تركته فِي يَد حميها فَلَا يَضرهَا ذَلِك طَال الزَّمَان أم قصر، وَلَيْسَ هَذَا من وَجه الْحِيَازَة الَّتِي ينْتَفع بهَا الْحَائِز وَيفرق فِيهَا بَين الْقَرَابَة والأصهار إِذْ قد عرف وَجه كَون الأحقال بيد الحم فَهِيَ على ذَلِك مَحْمُولَة حَتَّى يعرف تصييرها إِلَيْهِ بِوَجْه صَحِيح لِأَن الْحَائِز لَا ينْتَفع بحيازته إِلَّا إِذا جهل أصل مدخله فِيهَا، وَهَذَا أصل فِي الحكم بالحيازة اه. فَقَوله لِأَن الْحَائِز لَا ينْتَفع بحيازته الخ. يَقْتَضِي أَن البَائِع الْحَائِز الْمدَّة الْمُعْتَبرَة بَين الْأَقَارِب والأصهار أَو بَين الْأَجَانِب وَادّعى أَنه رَجَعَ إِلَيْهِ بإقالة أَو شِرَاء لَا يقبل مِنْهُ لِأَنَّهُ قد عرف أصل مدخله، وَهُوَ كَونهَا كَانَت بِيَدِهِ وَقت العقد أَو الْمُسَامحَة وَنَحْوهَا، وَمثله تقدم عَن العبدوسي. وبكلام ابْن رشد هَذَا اسْتدلَّ الشَّيْخ الرهوني على أَن حِيَازَة البَائِع لَا يعْمل بهَا على المُشْتَرِي مِنْهُ وَلَو طَالَتْ وَادّعى الْإِقَالَة وَنَحْوهَا وَهُوَ مُخَالف لقَوْله: وَإِن يكن مُدعيًا إِقَالَة الخ. الَّذِي تَلقاهُ غير وَاحِد بِالْقبُولِ ومخالف لما مرّ عَن الرجراجي قَرِيبا من أَن من ادّعى الْقِسْمَة مَعَ طول الْمدَّة يصدق وَالْقِسْمَة بيع وَقد عرف وَجه دُخُوله وَهُوَ الْمُسَامحَة وَنَحْوهَا. وَمَا كَانَ يخفى على أُولَئِكَ الشُّيُوخ كَلَام ابْن رشد هَذَا لِأَن مَا قَالَه مَبْنِيّ على مذْهبه من أَن الْحَائِز لَا ينْتَفع بحيازته إِذا لم يدع ابتياعاً أَو هبة كَمَا مر عَنهُ، وَالْوَرَثَة إِنَّمَا قَالُوا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة: لَا نَدْرِي، وَلَعَلَّه أرضاك من حَقك فَلم يجزموا بِالْخرُوجِ من يَدهَا بِالْبيعِ وَنَحْوه، وَلَو جزموا بذلك مَا جعل لَهُ الْقيام كَمَا مر عَنهُ. قَالَ أَبُو الْحسن على قَوْلهَا: حوز عشر سِنِين يقطع دَعْوَى الْحَاضِر مَا نَصه: وَهَذَا إِذا ادّعى الِانْتِقَال بِالْبيعِ وَنَحْوه، وَأما لَو لم يدع إِلَّا مُجَرّد الْحِيَازَة فَقَالَ ابْن رشد: لَا خلاف أَنه لَا يَنْفَعهُ لِأَنَّهُ مقرّ بِالْملكِ لغيره مكذب لشاهد الْعرف الَّذِي هُوَ الْحِيَازَة اه. وَلَكِن تقدم أَن الْعَمَل على خِلَافه وَأَن الِاتِّفَاق الَّذِي حَكَاهُ غير مُسلم. قَالَ الرجراجي: وَاخْتلف هَل يُكَلف الْحَائِز من أَي صَار لَهُ؟ على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا إِنَّه يُكَلف أَنه كَانَ بشرَاء أَو هبة، وَالثَّانِي أَنه لَا يُكَلف إِذا ادّعى أمرا لَا يُرِيد إِظْهَاره أَو لم يدع شَيْئا إِلَّا مُجَرّد الْحِيَازَة وَهُوَ قَول مطرف، وَهُوَ ظَاهر الْمُدَوَّنَة فِي الَّذِي قَامَت الدَّار بِيَدِهِ سِنِين يحوزها ويكري ويهدم، ثمَّ أَقَامَ رجل الْبَيِّنَة أَن الدَّار دَاره أَو أَنَّهَا لِأَبِيهِ حَيْثُ قَالَ: فَإِن كَانَ هَذَا الْمُدَّعِي حَاضرا يرَاهُ فَلَا حجَّة لَهُ وَذَلِكَ يقطع دَعْوَاهُ، وَلم يقل إِنَّه يسْأَل من أَيْن صَارَت إِلَيْهِ اه. بِلَفْظِهِ. وَقد تقرر عِنْدهم أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 ظَاهر الْمُدَوَّنَة كالنص، وَلِهَذَا أفتى ابْن أبي زمنين وَغَيره، وَاقْتصر عَلَيْهِ ابْن يُونُس كَمَا مرّ، وَتقدم أَن الْعَمَل عَلَيْهِ وَأَنه إِنَّمَا يُكَلف بِالْبَيَانِ على القَوْل الَّذِي يفرق بَين البيع وَالْهِبَة وإلاَّ فَلَا فَائِدَة فِيهِ، وَإِذا علمت هَذَا فَالْوَجْه اعْتِمَاد مَا تقدم تحريره عِنْد قَوْله: وَإِن يكن مُدعيًا إِقَالَة الخ. وَإِنَّمَا أطلنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وكررنا الْكَلَام فِيهَا مرَارًا لمسيس الْحَاجة إِلَيْهَا ولاعتماد الْكثير من طلبة الزَّمَان على كَلَام ابْن رشد وَالله أعلم. الثَّالِث: حِيَازَة الدُّيُون تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا صدر الْبيُوع وَمِنْهَا الْوَصِيّ يقوم عَلَيْهِ الْيَتِيم بعد طول الزَّمَان وينكر قبض مَاله من الْوَصِيّ، فَإِن كَانَت مُدَّة يهْلك فِي مثلهَا شُهُود الْوَصِيّ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وإلاَّ فَعَلَيهِ الْبَيِّنَة بِالدفع اه. نَقله (ح) قبيل مَا مر عَنهُ. الرَّابِع: تقدم فِي الْحَبْس أَن الْحَبْس لَا يحاز عَلَيْهِ، وَتقدم مَا فِيهِ حَيْثُ جرى الْعَمَل بِأَنَّهُ يُبَاع. وَاعْلَم أَن عدم المنازع وَنَحْوه كَعَدم التفويت فِي علمهمْ وَكَونه مَالا من أَمْوَاله إِنَّمَا شرطوه فِي الشَّهَادَة بِالْملكِ لَا فِي الشَّهَادَة بِالْحَبْسِ، وَإِنَّمَا شرطُوا فِي الشَّهَادَة بِهِ أَنَّهَا تحرم بِحرْمَة الأحباس كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَغَيره، وَإِن كَانَ النَّص بذلك إِنَّمَا هُوَ فِي شَهَادَة السماع فالشهادة بِالْقطعِ كَذَلِك بل أولى لِأَنَّهَا أقوى مِنْهَا، وَيصِح قطعهم بذلك إِن كَانَ السماع مُفِيدا للْقطع، فَإِذا سمع مِمَّن لَا يُحْصى أَن هَذَا حبس على مَسْجِد كَذَا فَإِنَّهُ يعْتَمد الشَّاهِد على ذَلِك وَيقطع بِأَنَّهُ يحترم بِحرْمَة الأحباس وَلَا يسند ذَلِك إِلَى السماع، وَلَا سِيمَا إِن رأى نَائِب الْمَسْجِد الْمَذْكُور يتَصَرَّف لَهُ طول الْمدَّة وينسب ذَلِك إِلَيْهِ، ثمَّ إِذا وكل أهل الْمَسْجِد وَاحِدًا مِنْهُم يُخَاصم وَشهد باقيهم لذَلِك الْمَسْجِد بِمَا ذكر فَإِن شَهَادَتهم جَائِزَة كَمَا فِي (ح) عَن ابْن عَاتٍ فِي بَاب الشَّهَادَات وَلَا تتَوَجَّه يَمِين الِاسْتِحْقَاق على الْحَبْس وَلَا يَمِين الْقَضَاء، وَإِن شهد لِلْمَسْجِدِ شَاهد وَاحِد فَيجْرِي على قَول (خَ) فِي الشَّهَادَات وَإِن تعذر يَمِين بعض الخ. وَكَيْفِيَّة وَثِيقَة ذَلِك أَن تَقول: يعرف شُهُوده الْمحل الْفُلَانِيّ الْمَحْدُود بِكَذَا وَمَعَهَا يشْهدُونَ بِأَنَّهُ حبس على مَسْجِد كَذَا، وَأَنه يحاز بِمَا تحاز بِهِ الأحباس ويحترم بحرمتها إِلَى الْآن أَو إِلَى وَقت كَذَا، فَإِن كَانَت شَهَادَة سَماع قلت وَمَعَهَا يشْهدُونَ بِأَنَّهُم لم يزَالُوا يسمعُونَ سَمَاعا فاشياً من أهل الْعدْل وَغَيرهم أَنه حبس على بني فلَان أَو على مَسْجِد كَذَا ويعرفونه يحاز بِمَا تحاز بِهِ الأحباس ويحترم بحرمتها إِلَى الْآن أَو إِلَى وَقت كَذَا انْظُر ابْن سَلمُون وَغَيره. وَإِذا ثبتَتْ الشَّهَادَة بِالْقطعِ فَلَا إِشْكَال أَنه ينْزع بهَا من يَد الْحَائِز، وَكَذَا بِالسَّمَاعِ على ظَاهر ابْن عَرَفَة كَمَا تقدم عِنْد قَوْله فِي شَهَادَة السماع: وَحبس حَاز من السنين الخ. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى مَفْهُوم قَوْله: إِن يحز أصلا فَقَالَ: وَفِي سوى الأصولِ حوزُ النَّاس بالعَامِ والعامَيْنِ فِي اللِّباسِ (وَفِي سوى الْأُصُول) من الْعرُوض وَالْحَيَوَان وَغَيرهمَا (حوز النَّاس) الْأَجَانِب يكون (بِالْعَام والعامين فِي اللبَاس) فحوز النَّاس مُبْتَدأ وَفِي سوى الْأُصُول يتَعَلَّق بِهِ وبالعام والعامين خَبره، وَفِي اللبَاس بدل من قَوْله فِي سوى الْأُصُول بدل بعض من كل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 وَمَا كَمَرْكوبٍ فَفِيهِ لَزِما حوزٌ بعَامَيْن فَمَا فوقَهُما (وَمَا) كَانَ (كمركوب) من الدَّوَابّ اسْم شَرط (فَفِيهِ لزما) جَوَابه (حوز بعامين) فَاعل (فَمَا فَوْقهمَا) عطف عَلَيْهِ. وَفِي العبيد بثَلاَثةٍ فَمَا زَاد حُصُولُ الحَوْزِ فِيمَا اسْتُخْدِما (وَفِي العبيد بِثَلَاثَة) من الأعوام (فَمَا زَاد) عَلَيْهَا (حُصُول الْحَوْز فِيمَا استخدما) فحصول الْحَوْز مُبْتَدأ وَفِي العبيد يتَعَلَّق بِهِ وبثلاثة خَبره وَفِيمَا استخدما بدل من قَوْله فِي العبيد بدل بعض من كل أَيْضا، وَمعنى الأبيات ظَاهر، وَمَا ذكره من أَن الْأُصُول تفارق غَيرهَا فِي حِيَازَة الْأَجَانِب أَصله لأصبغ كَمَا فِي الْمُفِيد وَغَيره، وَعَلِيهِ درج (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا تفترق الدَّار من غَيرهَا فِي الْأَجْنَبِيّ، فَفِي الدَّابَّة وَأمة الْخدمَة السنتان وَيُزَاد فِي عبد وَعرض الخ. إِلَّا أَنه اعْترض عَلَيْهِ بِحَسب مَفْهُومه لِأَن مَفْهُوم قَوْله: فِي الْأَجْنَبِيّ أَن الْعقار وَغَيره سَوَاء فِي حِيَازَة الْأَقَارِب فَلَا بُد فِيهِ من الْأَرْبَعين سنة، وَهَذَا لَا يَقُوله أصبغ بل هُوَ كَمَا فرق بَين الْأَجَانِب فِي الْأُصُول فرق فِي غَيرهَا من الْأَقَارِب، فَجعل الْحِيَازَة بَينهم فِي غَيرهَا فَوق الْعشْرَة أَعْوَام وَدون الْأَرْبَعين بِالِاجْتِهَادِ كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَأما ابْن الْقَاسِم فسوى بَين الْأُصُول وَغَيرهَا فِي الْأَجْنَبِيّ كَمَا سوى بَينهمَا فِي الْأَقَارِب، فَفِي الْمُدَوَّنَة قَالَ ابْن الْقَاسِم: من حَاز على حَاضر عرُوضا أَو حَيَوَانا أَو رَقِيقا فَذَلِك كالحيازة فِي الرّبع اه. وَعَلِيهِ فمفهوم قَوْله فِي الْأَجْنَبِيّ لَا يتمشى على قَول أصبغ كَمَا ترى وَلَا على قَول ابْن الْقَاسِم لِأَن الحكم لَا يخْتَلف عِنْده فِي الْأُصُول وَغَيرهَا، فالأجانب بِالْعشرَةِ فيهمَا والأقارب بِمَا يزِيد على الْأَرْبَعين فيهمَا فَتوجه عَلَيْهِ الِاعْتِرَاض، وَأما النَّاظِم فَكَلَامه خَاص بالأجانب كَمَا قَررنَا، وَأما حوز الْأَقَارِب لغير الْأُصُول فَلم يتَكَلَّم عَلَيْهِ وَتَكون الْحِيَازَة بَينهم فِيهِ بِمَا فَوق الْعشْرَة وَدون الْأَرْبَعين على قَول أصبغ الَّذِي درج عَلَيْهِ فَلَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ، وَلَكِن مُسْتَند (خَ) فِيمَا ذكره هُوَ قَول ابْن رشد مَا نَصه: وَلَا فرق فِي مُدَّة حِيَازَة الْوَارِث على وَارثه بَين الرباع وَالْأُصُول وَالثيَاب وَالْعرُوض وَالْحَيَوَان، وَإِنَّمَا يفْتَرق ذَلِك فِي حِيَازَة الْأَجْنَبِيّ مَال الْأَجْنَبِيّ اه. قَالَ طفي: وَلم أر التَّفْصِيل الَّذِي سلكه ابْن رشد من التَّفْرِيق فِي الْأَجْنَبِيّ فَقَط إِلَّا أَنه رجل حَافظ وَلَعَلَّه فقه لَهُ اه. والوطْءُ لِلإِماءِ باتِّفاقِ مَعَ عِلمْهِ حَوْزٌ عَلَى الإطْلاَقِ (وَالْوَطْء للإماء بِاتِّفَاق مَعَ علمه) أَي الْقَائِم وسكوته بِلَا مَانع (حوز على الْإِطْلَاق) طَالَتْ الْمدَّة أم لَا. فَقَوله: بِاتِّفَاق يتَعَلَّق بقوله حوز، وَمَعَ علمه يتَعَلَّق بِالْوَطْءِ، وَهَذَا الْبَيْت تكْرَار مَعَ قَوْله فِي فصل بيع الْفُضُولِيّ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 وَالْعِتْق مُطلقًا على السوَاء مَعَ هبة وَالْوَطْء للإماء وَالماءُ لِلأَعْلَيْنَ فِيمَا قَدُما والأَسْفَلُ الأقْدَمُ فِيهِ قُدِّما (و) إِذا غرس قوم غروساً أَو زرعوا زروعاً على مَاء مُبَاح غير مَمْلُوك كَمَاء الأمطار أَو مَاء الْأَنْهَار ف (المَاء للأعلين) الَّذين يجْرِي عَلَيْهِم أَولا (فِيمَا قدما) بِضَم الدَّال أَي تقدم غرساً أَو زرعا وَكَذَا لَو تساووا بِأَن غرسوا أَو زرعوا دفْعَة وَاحِدَة أَو شكّ من الْمُتَقَدّم والمتأخر فَإِن الأعلين يقدمُونَ فِي السَّقْي فِي ذَلِك كُله، فَإِن غرس الأسفلون أَولا أَو زرعوا كَذَلِك تَحْقِيقا فَهُوَ قَوْله: (والأسفل الأقدم) غرساً أَو زرعا (فِيهِ) أَي المَاء (قُدِّما) بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الدَّال الْمَكْسُورَة مَبْنِيا للْمَفْعُول وكل من قضى بتقديمة فَإِنَّمَا يمسك المَاء للكعب ثمَّ يُرْسل جَمِيعه للْآخر على الْمَذْهَب خلافًا لِابْنِ رشد حَيْثُ استظهر مَذْهَب الْأَخَوَيْنِ أَنه يُرْسل مَا زَاد على الْكَعْبَيْنِ لَا جَمِيع المَاء. وَالْحَاصِل أَن المَاء الَّذِي تحقق عدم ملكه فَإِن الْأَعْلَى يقدم فِيهِ سَوَاء تقدم فِي الْغَرْس وَالزَّرْع أَو سَاوَى، وَسَوَاء تحقق تقدمه أَو مساواته أَو شكّ فِي ذَلِك، وَأَن الْأَسْفَل الْمُتَقَدّم فِي الْغَرْس والزراعة يقدم على الْأَعْلَى مُطلقًا خيف على زرعه الْهَلَاك أم لَا. وَالْأَصْل فِي هَذَا مَا قضى بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مهزور بِتَقْدِيم الزَّاي على الرَّاء ومذينب وهما واديان من أَوديَة الْمَدِينَة يسيلان بالمطر، وَمحل تَقْدِيم الأقدم إِذا لم يكن الأقدم رحى أَو حَماما والأقدم سقِِي الْجنان وَنَحْوهَا عَلَيْهِمَا، وَلَو تقدّمت فِي الْأَحْيَاء وَكَانَت أقرب للْمَاء كَمَا لِابْنِ رشد لِأَن مَاء الْجنان يصرف إِذا بلغ إِلَى الكعب للرحى وَلَا يصرف مَاء الرَّحَى وَنَحْوهَا لَهُ، وَلِأَن تَأْخِير سقِِي الْجنان قد يُؤَدِّي لتلف مَا فِي الْحَائِط وَتَأْخِير المَاء عَن الرَّحَى لَا يُؤَدِّي لتلفها بل لتعطيلها فَقَط قَالَه الأَجْهُورِيّ. وَاعْلَم أَن مَاء الْأَنْهَار وَالْخَارِج من العناصر والعيون من جبل ثمَّ يجْرِي لأراضٍ تَحْتَهُ إِمَّا أَن يكون أَصله مَمْلُوكا بِبَيِّنَة عدلة أم لَا، فَإِن كَانَ مَمْلُوكا فربه أَحَق بِهِ وَله مَنعه وَبيعه وَله صرفه حَيْثُ شَاءَ، وَلَو غرس عَلَيْهِ غَيره بعارية وَانْقَضَت أَو بِغَيْر إِذن وربه سَاكِت عَالم الخ. فَإِن ذَلِك لَا يضر لِأَن المَاء الْمَعْلُوم ملكيته بِالْبَيِّنَةِ لَا يحاز بِالِانْتِفَاعِ بِهِ دون اسْتِحْقَاق أَصله لاحْتِمَال أَن سكُوت الْمَالِك طول الزَّمَان إِنَّمَا هُوَ لعدم الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ، وَإِن لم تقم بَيِّنَة بملكيته لأحد بل جهل أمره وَلم يدر السَّابِق من اللَّاحِق وَلَا الْمَالِك من غَيره لتقادم الْأَعْصَار وهلاك الْبَينَات الْقَدِيمَة فَإِنَّهُ يبْقى كل وَاحِد على انتفاعه كَمَا كَانَ وَلَو كَانَ الْآن يَنْبع فِي أَرض مَمْلُوكَة إِذْ لَا يدْرِي أَصله كَيفَ كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 وَالْأَصْل بَقَاء الْأَشْيَاء على مَا كَانَت عَلَيْهِ حَتَّى يدل دَلِيل على خِلَافه لاحْتِمَال أَن يكون أَصله مَمْلُوكا للْجَمِيع أَو يكون مَمْلُوكا للأسفل. وَهَذَا مُحَصل مَا للفقيه النوازلي سَيِّدي إِبْرَاهِيم الجلالي، وَنَقله فِي نَوَازِل العلمي وَاسْتدلَّ على ذَلِك بنقول وَوَجهه ظَاهر وَالله أعلم. وَبِهَذَا كنت حكمت فِي عناصر وادراس لما تحاكم إِلَيّ أهل الْمنزل مَعَ من فَوْقهم وَكَانَ لأهل الْمنزل سواقي قديمَة مَبْنِيَّة فَأَرَادَ الأعلون أَن يقطعوا ذَلِك المَاء عَنْهُم، فحكمت بقسمته بَينهم على مَا كَانُوا عَلَيْهِ إِذْ لَا يدرى السَّابِق من اللَّاحِق وَلَا الْمَالِك من غَيره، وَوَافَقَ على ذَلِك المعاصرون من الْفُقَهَاء وَالله حسيب من بدل أَو غير. تَنْبِيه: إِذا مَال الْوَادي عَن مجْرَاه الْقَدِيم وَصَارَ الْموضع الَّذِي كَانَ يمر عَلَيْهِ يَابسا فَقيل مَوْضِعه لمن أَلْقَاهُ النَّهر إِلَيْهِ وحازه لَهُ وَهُوَ قَول عِيسَى بن دِينَار وَابْن الْمَاجشون، وَبِه أفتى ابْن حمديس وَابْن الْحَاج. قَالَ سَيِّدي يحيى السراج: وَهُوَ الرَّاجِح حَسْبَمَا فِي نَوَازِل الزياتي، وَقيل هُوَ بِمَنْزِلَة الْموَات. قَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن يحيى الأندلسي فِي آخر وثائقه: وَهَذَا الْخلاف إِذا تغير عَن جريه الْمَعْرُوف وَبَقِي مَوْضِعه يَابسا، وَأما مَا اقتطعه النَّهر من أَرض الْغَيْر فَالصَّوَاب بَقَاء مَا غَيره النَّهر واقتطعه على ملك ربه وَيُقَال: وَكَذَلِكَ لَو انحرف النَّهر عَن مجْرَاه وَجرى فِي أَرض رجل ثمَّ عَاد إِلَى مَوْضِعه أَو يبس لعادت أرضه إِلَى ملك رَبهَا اه. وَمَا رَمَى البَحْرُ بهِ من عَنْبَرِ ولؤْلؤٍ واجدُهُ بهِ حَرِي (وَمَا رمى الْبَحْر بِهِ من عنبر) وصدف بِالدَّال الْمُهْملَة (ولؤلؤ) غير مثقوب وَإِلَّا فَهُوَ لقطَة (واجده) مُبْتَدأ ثَان (بِهِ حري) خَبره وَالْجُمْلَة خبر الْمَوْصُول (خَ) : وَمَا لَفظه الْبَحْر من كعنبر فلواجده بِلَا تخميس الخ. وَأَحْرَى الْحُوت الَّذِي يصطاد من الْبَحْر فَلَيْسَ للْإِمَام وَلَا لغيره أَن يَأْخُذ الصيادين فِيهِ خمسه أَو عشره أَو نَحْو ذَلِك، ويحكى أَنه كَانَت بحيرة فِي تونس يخرج مِنْهَا حوت كثير فَكَانَ يعِيش بِهِ خلق كثير حَتَّى وضع عَلَيْهِ الإِمَام مكساً فَذهب بِالْكُلِّيَّةِ وَلم يخرج مِنْهَا شَيْء. (فصل فِي الِاسْتِحْقَاق) ابْن عَرَفَة: هُوَ رفع ملك شَيْء بِثُبُوت ملك قبله أَو حريَّة كَذَلِك بِغَيْر عوض الخ. فَقَوله: بِثُبُوت ملك قبله أخرج بِهِ رفع الْملك بِالْهبةِ وَالْبيع والاعتصار وَالْعِتْق وَنَحْوهَا لِأَنَّهُ رفع ملك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 بِثُبُوت ملك بعده فِي ذَلِك كُله وَقَوله: أَو حريَّة عطف على ملك من قَوْله بِثُبُوت ملك بعده يَعْنِي أَو رفع ملك بِثُبُوت حريَّة كَذَلِك أَي قبله، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى الِاسْتِحْقَاق بِالْحُرِّيَّةِ وَبِقَوْلِهِ بِغَيْر عوض وَأخرج بِهِ مَا وجد فِي الْمَغَانِم بعد بَيْعه أَو قسمه فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذ إِلَّا بِالثّمن كَمَا يَأْتِي وَيدخل فِي الْحَد مدعي الْحُرِّيَّة إِذا اسْتحق برق لِأَن مدعي الْحُرِّيَّة يملك مَنَافِع نَفسه واستحقاقه برقية بِرَفْع ذَلِك الْملك، كَذَا يدْخل الِاسْتِحْقَاق بِالْحَبْسِ إِن قُلْنَا هُوَ على ملك الْوَاقِف، وَكَذَا إِن قُلْنَا هُوَ ملك للْمَوْقُوف عَلَيْهِ. قَالَ (ح) : وَلَا يتَصَوَّر الِاسْتِحْقَاق إِلَّا بِمَعْرِِفَة حَقِيقَته وَحكمه وَسَببه وشروطه وموانعه، أما حَقِيقَته فَهُوَ مَا ذكر، وَأما حكمه فَقَالَ ابْن عَرَفَة: حكمه الْوُجُوب عِنْد تيَسّر أَسبَابه فِي الرّبع وَالْعَقار بِنَاء على عدم يَمِين مُسْتَحقّه وعَلى يَمِينه هُوَ مُبَاح كَغَيْر الْعقار وَالرّبع لِأَن الْحلف مشقة اه. وَتعقبه ابْن رحال وَغَيره بِأَنَّهُ لَا مُقْتَضى للْوُجُوب هُنَا لِأَن هَذَا حق مَخْلُوق فَكيف يَأْثَم بِعَدَمِ الْقيام بِهِ اه.؟ قلت: وَقد يُجَاب بِأَن مُرَاد ابْن عَرَفَة إِذا لم تسمح نَفسه بذلك لما فِيهِ حِينَئِذٍ من إطْعَام الْحَرَام لغيره مَعَ الْقُدْرَة على مَنعه مِنْهُ، وَقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (لَا يحل مَال امرىء مُسلم إِلَّا عَن طيب نفس مِنْهُ) . وَقَالَ (انصر أَخَاك وَإِن ظَالِما) وَنَصره أَن تَمنعهُ عَن ظلمه فالمستحق حِينَئِذٍ آثم بِعَدَمِ قِيَامه بِالِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّهُ ترك وَاجِبا عَلَيْهِ فَهُوَ رَاجع إِلَى تَغْيِير الْمُنكر وَهُوَ وَاجِب على كل من قدر عَلَيْهِ، والمستحق من ذَلِك الْقَبِيل وَهَذَا عَام سَوَاء كَانَ الِاسْتِحْقَاق من ذِي الشُّبْهَة أَو من غَاصِب لِأَن الْمُسْتَحق يجب عَلَيْهِ أَن يعلم ذَا الشُّبْهَة بِأَنَّهُ لَا ملك لَهُ فِيهِ، وَأَنه يسْتَحقّهُ مِنْهُ، وَأَنه لم تسمح نَفسه بِهِ ويطلعه على بَيَان ملكه للشَّيْء الْمُسْتَحق وَإِذا لم يُعلمهُ كَانَ قد ترك وَاجِبا عَلَيْهِ آثِما بذلك وَهُوَ معنى وجوب قِيَامه بِالِاسْتِحْقَاقِ خلافًا لما للشَّيْخ الرهوني من أَنه لَا يظْهر وُجُوبه بِالنِّسْبَةِ لذِي الشُّبْهَة اه. قَالَ (ح) : وَأما سَببه فَهُوَ قيام الْبَيِّنَة على عين الشَّيْء الْمُسْتَحق أَنه ملك للْمُدَّعِي لَا يعلمونه خرج عَن ملكه إِلَى أَن وجده بيد فلَان الخ. وَيَأْتِي هَذَا للناظم فِي قَوْله: وَمَا لَهُ عين عَلَيْهِ يشْهد إِلَى آخر الأبيات الثَّلَاثَة. ثمَّ إِن الشَّهَادَة بِأَنَّهَا لم تخرج عَن ملكه إِنَّمَا تكون على نفي الْعلم فِي قَول ابْن الْقَاسِم الْمَعْمُول بِهِ قَالَ: وَأما شُرُوطه فَثَلَاثَة. الأول: الشَّهَادَة على عينه إِن أمكن وإلاَّ فبحيازته الخ. قلت: هَذَا هُوَ عين قَوْله وَأما سَببه كَمَا لَا يخفى وَقَالَهُ ابْن رحال وَجَوَاب الشَّيْخ الرهوني عَنهُ لَا يظْهر. الثَّانِي: الْإِعْذَار فِي ذَلِك إِلَى الْحَائِز وَسَيَأْتِي هَذَا فِي قَول النَّاظِم: وَإِن يكن لَهُ مقَال أَََجَلًا الخ. الثَّالِث: يَمِين الِاسْتِحْقَاق وَفِي لُزُومهَا ثَلَاثَة أَقْوَال. الْمَعْمُول بِهِ عِنْد الأندلسيين أَنه لَا يحلف فِي الْعقار وَيحلف فِي غَيره، وَسَيَأْتِي هَذَا للناظم أَيْضا: وَلَا يَمِين فِي أصُول مَا اسْتحق الخ. ثمَّ قَالَ (ح) : وَأما موانعه فَفعل أَو سكُوت. أما السُّكُوت فَمثل أَن يتْرك الْقيام من غير مَانع حَتَّى يمْضِي أمد الْحِيَازَة أَي الْمُتَقَدّمَة فِي الْفَصْل قبل هَذَا، وَأما الْفِعْل فَمثل أَن يَشْتَرِي مَا ادَّعَاهُ من عِنْد حائزه فَلَو قَالَ: إِنَّمَا اشْتَرَيْته خوف أَن يفوتهُ عَليّ فَإِذا أثْبته رجعت عَلَيْهِ بِالثّمن لم يكن لَهُ مقَال. وَقَالَ أصبغ: إِلَّا أَن تكون بَينته بعيدَة جدا أَو يشْهد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 قبل الشِّرَاء أَنه إِنَّمَا اشْتَرَاهُ لذَلِك فَذَلِك يَنْفَعهُ، وَلَو اشْتَرَاهُ وَهُوَ يرى أَن لَا بَيِّنَة لَهُ ثمَّ وجد بَيِّنَة فَلهُ الْقيام وَأخذ الثّمن مِنْهُ اه. وَأَحْرَى لَو اشْتَرَاهُ وَهُوَ غير عَالم أَنه لَهُ قَالَه ابْن رحال وَهُوَ ظَاهر. المُدّعي اسْتِحْقَاق شيءٍ يلزَمُ بَيِّنَةً مثبِتةً مَا يَزْعَمُ (الْمُدَّعِي اسْتِحْقَاق) ملك (شَيْء يلْزم) بِفَتْح الزَّاي المخففة مَبْنِيا للْمَفْعُول ونائبه ضمير الْمُدَّعِي (بَيِّنَة) مَفْعُوله الثَّانِي (مثبتة مَا) أَي الْملك الَّذِي (يزْعم) بِأَن يُقيم بَيِّنَة تشهد على عين الشَّيْء الْمُسْتَحق أَنه ملكه وَمَال من مَاله وَتَحْت يَده تصرف فِيهِ وينسبه لنَفسِهِ من غير مُنَازع لَهُ فِي ذَلِك وَلَا معَارض مُدَّة من عشرَة أشهر فَأكْثر وَأَن حَده كَذَا إِن كَانَ أَرضًا وَنَحْوهَا وَلَا يعلمونه خرج عَن ملكه بِوَجْه من الْوُجُوه إِلَى أَن ألفاه الْآن بيد فلَان أَو إِلَى أَن توفّي وَتَركه لمن أحَاط بميراثه كَمَا تقدم أول فصل الْحَوْز. وَاخْتلف هَل هَذِه الْقُيُود لَا بُد أَن يُصَرح بهَا الشَّاهِد فَإِذا سقط شَيْء مِنْهَا بطلت الشَّهَادَة إِن تعذر سُؤَالهمْ بِأَن مَاتُوا أَو غَابُوا أَو لَا يحْتَاج إِلَى التَّصْرِيح بذلك، وَإِنَّمَا يعْتَمد عَلَيْهَا فِي بَاطِنه فَقَط، وَالْأول هُوَ الْمَعْمُول بِهِ. وَقد بسطنا الْكَلَام على ذَلِك فِي حَاشِيَة اللامية. ثمَّ إِن هَؤُلَاءِ الشُّهُود يؤدون على عين الشَّيْء الْمُسْتَحق إِن أمكن وَإِلَّا فيبعث القَاضِي من يحوز الدَّار وَنَحْوهَا كَمَا يَأْتِي. وَقَوله: بَيِّنَة يَعْنِي أَو إِقْرَار الْمَطْلُوب، فَفِي أقضية الْبُرْزُليّ عَن ابْن أبي زيد من طلبت مِنْهُ أُخْته مِيرَاثهَا من أَمْلَاك أَبِيهَا فَقَالَ: بيَدي ربع ملكته من أبي وَربع ملكته بكسبي وغفل عَنهُ حَتَّى مَاتَ أَن على ورثته إِثْبَات مَا ادّعى أَنه استفاده بعد أَبِيه وإلاَّ حَلَفت مَا علمت بِمَا استفاده وَقسم بَينهمَا اه. بِنَقْل (ح) فِي بَاب الْإِقْرَار، ونقلنا مثله عَن ابْن أبي بكر اللؤْلُؤِي فِي بَاب الِاسْتِحْقَاق من شرح الشَّامِل. ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَن الْمُدَّعِي يلْزم بالإتيان بِالشَّهَادَةِ الْمُتَقَدّمَة فَقَالَ: من غَيْرِ تَكْليفٍ لِمَنْ تملَّكهْ من قبل ذَا بأيِّ وَجْهٍ مَلَكَهْ (من غير تَكْلِيف لمن تملكه) أَي حَاز الشَّيْء الْمُسْتَحق وَادّعى ملكيته (من قبل ذَا) يتَعَلَّق بِملكه من قَوْله (بِأَيّ وَجه ملكه) وَالْإِشَارَة للاستحقاق أَي يلْزم الْمُدَّعِي بالإتيان بِالشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَة من غير تَكْلِيف لمن ادّعى ملكيته بِأَيّ وَجه ملكه من قبل هَذَا الِاسْتِحْقَاق، بل يَكْفِي الْمَطْلُوب أَن يُقَال: حوزي وملكي. وَبِالْجُمْلَةِ، فَإِن الْمُدَّعِي إِمَّا أَن يَدعِي أَن هَذَا الشَّيْء ملكه فَإِن الْمَطْلُوب يُوقف على الْإِقْرَار أَو الْإِنْكَار خَاصَّة فَإِن قَالَ: حوزي وملكي فَلَا يُكَلف بِأَكْثَرَ من ذَلِك ويكلف الْمُدَّعِي بالإتيان بِالشَّهَادَةِ الْمُتَقَدّمَة فَقَط، وَإِمَّا أَن يَدعِي أَنه ملك جده مثلا فَإِن الْمَطْلُوب لَا يُوقف على الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار حَتَّى يثبت الْمُدَّعِي موت جده وإراثته فَإِن أثبت ذَلِك وقف الْمَطْلُوب على الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار أَيْضا، فَإِن قَالَ: حوزي وملكي فَلَا يُكَلف بِأَكْثَرَ من ذَلِك ويكلف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 الْمُدَّعِي بالإتيان بملكية جده على الْوَصْف الْمُتَقَدّم فَإِن عجز الْمُدَّعِي عَن إِثْبَات موت جده وإراثته فَلَا يُكَلف الْمَطْلُوب بِالْجَوَابِ كَمَا تقدم فِي فصل الْمقَال فَرَاجعه هُنَاكَ. وَإِذا وَقع وَنزل وكلفه بِوَجْه ملكه قبل إِثْبَات الملكية فَقَالَ: ملكته بشرَاء ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ: حوزي وملكي فَإِنَّهُ يقبل رُجُوعه إِذْ مَا كَانَ للْقَاضِي أَن يكلفه بِبَيَان وَجه ملكه قبل أَن يثبت الْمُسْتَحق الملكية وَقبل الْإِعْذَار لَهُ فِيهَا قَالَه فِي اسْتِحْقَاق المعيار. فَإِذا أثبت ملكية نَفسه أَو ملكية جده وإراثته على الْوَجْه الْمُتَقَدّم وأعذر للمطلوب فِي ذَلِك وَلم يجد مطعناً كلف الْمَطْلُوب حِينَئِذٍ بِالْجَوَابِ من أَيْن صَار لَهُ وَبِأَيِّ وَجه ملكه فَإِن قَالَ: حوزي وملكي وَقد حُزْته عشر سِنِين وَالْمُدَّعِي عَالم سَاكِت بِلَا مَانع كلف إِثْبَات ذَلِك فَإِذا أثْبته أعذر فِيهِ للْمُدَّعِي فَإِذا لم يجد مطعناً سَقَطت دَعْوَاهُ كَمَا مر فِي الْفَصْل قبله، فَإِن لم يدع الْمَطْلُوب حيازته عشر سِنِين أَو ادَّعَاهَا وَلم يثبتها على الْوَجْه الْمَطْلُوب بل أثبت أقل مِنْهَا أَو اخْتَلَّ شَرط من شُرُوطهَا الْمُتَقَدّمَة فَلَا بُد حِينَئِذٍ أَن يبين من أَيْن صَار لَهُ وَبِأَيِّ وَجه ملكه وَلَا يَكْفِيهِ قَوْله: حوزي وملكي، فَإِن ادّعى أَنه صَار لَهُ بِالْبيعِ وَنَحْوه من غير الَّذِي أثبت الْملك وَله وَهُوَ الطَّالِب أَو موروثه لم يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَا يَنْفَعهُ ذَلِك وَلَو أثْبته لِأَنَّهُ قد يَبِيعهُ أَو يَهبهُ من لَا يملكهُ فَإِن أثبت مَعَ ذَلِك ملكية بَائِعه أَو واهبه فَينْظر فِيمَا بَين الملكيتين بالمرجحات الْمُتَقَدّمَة فِي الشَّهَادَات، وَإِن ادّعى أَنه صَار لَهُ بِالْبيعِ وَنَحْوه من قبل الطَّالِب أَو موروثه كلف إِثْبَات ذَلِك، فَإِن أثْبته وَعجز الطَّالِب عَن الطعْن فِيهِ بطلت دَعْوَاهُ وَإِن عجز عَن إِثْبَات ذَلِك للطَّالِب بِهِ بعد يَمِين الِاسْتِحْقَاق فِي غير الْأُصُول كَمَا قَالَ: وَلا يَمِين فِي أصُولِ مَا استُحِقْ وَفِي سِوَاها قَبُلُ الإعْذَارِ يَحِقْ (وَلَا فِي يَمِين أصُول مَا) زَائِدَة (اسْتحق وَفِي سواهَا) أَي الْأُصُول من الْعرُوض وَالْحَيَوَان وَغَيرهمَا (قبل الْإِعْذَار) للْمُسْتَحقّ مِنْهُ (يحِق) هُوَ أَي الْيَمين بِأَن يَقُول: بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا بَاعَ الشَّيْء الْمُسْتَحق وَلَا وهبه وَلَا خرج عَن ملكه بِوَجْه إِلَى الْآن. قَالَ المتيطي: وَاتَّفَقُوا فِي غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 الْأُصُول أَنه لَا يقْضى للْمُسْتَحقّ بِشَيْء من ذَلِك حَتَّى يحلف اه. وَإِنَّمَا وَجَبت الْيَمين لِأَن الشُّهُود إِنَّمَا قَالُوا وَلَا يعلمونه خرج عَن ملكه كَمَا مر، فهم يشْهدُونَ على نفي الْعلم وَلَا تقبل مِنْهُم إِلَّا كَذَلِك، وَقد يكون الْملك خرج عَن ملكه وهم يعلمُونَ فاستظهر بِهَذِهِ الْيَمين على بَاطِن الْأَمر، وَإِنَّمَا سَقَطت هَذِه الْيَمين فِي الْأُصُول لِأَن انْتِقَال الْملك فِيهَا لَا يكَاد يخفى والتفريق بَين الْأُصُول وَغَيرهَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل عِنْد الأندلسيين وَغَيرهم كَمَا مرّ. وَفِي ابْن عَرَفَة عَن ابْن زرقون أَن الْمَشْهُور لُزُوم الْيَمين حَتَّى فِي الْأُصُول، وَفِي المعيار عَن ابْن لب أَنه الَّذِي بِهِ الْعَمَل ودرج عَلَيْهِ ناظم عمل فاس حَيْثُ قَالَ: كَذَا فِي الِاسْتِحْقَاق لِلْأُصُولِ القَوْل بِالْيَمِينِ من مَعْمُول وَقَوله قبل الْإِعْذَار يحِق صَوَابه بعد الْإِعْذَار لِئَلَّا يطعن الْمُسْتَحق مِنْهُ فِي الْبَيِّنَة فتذهب يَمِين الْمُسْتَحق بَاطِلا كَمَا تقدم نَظِيره فِي الْيَمين مَعَ الشَّاهِد. تَنْبِيه: من شهد لَهُ بِملك أمة فولدها بمنزلتها يَأْخُذهُ الْمُسْتَحق مَعهَا إِن أمكن أَن يكون وَلدته بعد التَّارِيخ الَّذِي شهد لَهُ بملكها فِيهِ قَالَه فِي الْمعِين. وَمن اسْتحق من يَده شجر وَقد كَانَ أنْفق عَلَيْهَا وَسَقَى وعالج وَهُوَ ذُو شُبْهَة فَإِنَّهُ يرجع بِأُجْرَة سقيه وعلاجه كَمَا فِي (ح) عِنْد قَول (خَ) أَوَائِل الْبيُوع: وتراب صائغ وَله الْأجر الخ. قَالَ: وَكَذَا لَو اشْترى آبقاً ففسخ البيع بعد أَن أنْفق عَلَيْهِ. وَانْظُر أقضية المعيار فَإِنَّهُ ذكر فِيهِ أَنه يصدق فِي قدر الْغلَّة وَلَا يصدق فِي قدر الْإِنْفَاق، وَانْظُر تَحْصِيل اسْتِحْقَاق الأَرْض بعد زَرعهَا فِي فصل كِرَاء الأَرْض والجائحة فِيهِ، وَإِذا أعذر للْمُسْتَحقّ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُقَال لَهُ أَنْت مُخَيّر بَين أَن تسلم أَو تخاصم فَإِن قَالَ: أَنا أخاصم فَسَيَأْتِي وَإِن قَالَ: سلمت فَهُوَ قَوْله: وَحيثما يقُولُ مَا لي مَدْفَعُ فَهُوَ على من بَاعَ مِنْهُ يَرْجِعُ (وحيثما يَقُول) الْمُسْتَحق مِنْهُ عِنْد الْإِعْذَار لَهُ فِيمَا أثْبته الْمُسْتَحق (مَا لي) أَي لَيْسَ لي (مدفع) وَطعن فِي الْبَيِّنَة الشاهدة لَهُ وَلَا أخاصمه بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا أراجع الشُّهُود وَلَا استفسرهم وَلَا أسأَل الْعلمَاء عَن فُصُول الْوَثِيقَة فَإِنَّهُ يحكم القَاضِي حِينَئِذٍ بِاسْتِحْقَاق من يَده (فَهُوَ) أَي الْمُسْتَحق مِنْهُ (على من بَاعَ مِنْهُ يرجع) بِثمنِهِ الَّذِي دَفعه لَهُ، وَللْبَائِع حِينَئِذٍ أَن يُخَاصم أَو يسلم، وَهَكَذَا وَلَيْسَ للْمُسْتَحقّ مِنْهُ أَن يرجع على البَائِع بِالثّمن قبل الحكم عَلَيْهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ كَمَا فِي الْأَقْضِيَة والشهادات من الْبُرْزُليّ، بل وَلَا يُطَالب أَيْضا بِالْخُصُومَةِ كَمَا فِي الْمديَان والدعاوى والأيمان من المعيار قَائِلا: إِن البَائِع لَا يُطَالب بِالْخُصُومَةِ حَتَّى يحكم على المُشْتَرِي مِنْهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ، ثمَّ إِذا رَجَعَ على البَائِع بِالثّمن فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون البَائِع مَعَه فِي الْبَلَد فَالْأَمْر وَاضح، وَإِن كَانَ بِبَلَد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 آخر فَلهُ أَن يذهب بالدابة وَنَحْوهَا ليرْجع عَلَيْهِ بعد أَن يضع قيمتهَا بِبَلَد الِاسْتِحْقَاق، وَإِن كَانَ الْمُسْتَحق بِالْفَتْح جَارِيَة لم تدفع إِلَيْهِ حَتَّى يثبت أَنه مَأْمُون عَلَيْهَا وإلاَّ دفعت إِلَى أَمِين ثِقَة يتَوَجَّه بهَا مَعَه وأجرته عَلَيْهِ، وَكَذَا عَلَيْهِ نَفَقَتهَا فِي ذهابها ورجوعها وَأُجْرَة حملهَا، ويؤجل فِي ذَلِك أَََجَلًا بِقدر بعد الْموضع وقربه فَإِن رَجَعَ بهَا عِنْد الْأَجَل فَذَاك وإلاَّ أَخذ الْمُسْتَحق الْقيمَة، فَإِن جَاءَ بهَا سَالِمَة بعد أَخذه الْقيمَة فَلَا شَيْء لَهُ فِيهَا، وَإِن جَاءَ بهَا عِنْد الْأَجَل قبل أَن يقْضى لَهُ بِالْقيمَةِ وَقد تَغَيَّرت خير فِي أَخذهَا أَو الْقيمَة، وَإِن مَاتَت فمصيبتها من الذَّاهِب بهَا وَأخذ الْمُسْتَحق الْقيمَة، وَإِن تلفت الْقيمَة وَالشَّيْء الْمُسْتَحق فمصيبة كل من صَاحبه انْظُر ابْن سَلمُون واللامية وشروحها. تَنْبِيهَانِ. الأول: هَل يتسلسل الذّهاب فَيذْهب البَائِع بهَا إِلَى بَائِعه أَيْضا وهلم جرًّا كَمَا فِي الْمُقدمَات أَو الذّهاب بهَا مَخْصُوص بِالْأولِ؟ وَأما غَيره فَيرجع بِالِاسْمِ وَالصّفة وَهُوَ الَّذِي فِي المعيار والمفيد. قَالَ الْحميدِي: وَبِه الْعَمَل لَكِن مَحل الْخلاف إِذا أَرَادَ الرُّجُوع بِالثّمن، وَأما إِذا أَرَادَ الذّهاب بهَا ليثبت أَنَّهَا ملك البَائِع المرجوع عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُمكن من ذَلِك الثَّانِي وَالثَّالِث وَالرَّابِع وهلم جرًّا. لِأَن الْإِثْبَات لَا يكون إِلَّا على عينهَا قَالَه الشدادي فِي حَوَاشِي اللامية، وَنَحْوه تقدم عَن ابْن رحال فِي فصل التَّوْقِيف، وَتقدم هُنَاكَ مَا إِذا أَرَادَ الْمُسْتَحق بِالْكَسْرِ الذّهاب بهَا ليقيم الْبَيِّنَة على عينهَا. وَانْظُر الْعَمَل الْمُطلق فِي الِاسْتِحْقَاق فَإِنَّهُ ذكر أَن الْمُسْتَحق مِنْهُ يرجع على بَائِعه بِالصّفةِ، وَسَيَأْتِي عِنْد قَوْله: وَمَا لَهُ عين عَلَيْهَا يشْهد الخ. الثَّانِي: قَالَ سَيِّدي عبد الْقَادِر الفاسي: إِذا اخْتَار الْمُسْتَحق من يَده عدم الْخِصَام فَإِن الْخُصُومَة ترجع بَين البَائِع والمستحق، فَإِذا خَاصم البَائِع الْمُسْتَحق وغلبه كَانَ الشَّيْء الْمُسْتَحق للْبَائِع لَا للْمُسْتَحقّ من يَده لِأَنَّهُ قد أسلمه وَقد انْفَسَخ البيع. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا إِذا لم يسلم وَقَالَ: أَنا أخاصم فَقَالَ: وإنْ يَكُن لَهُ مَقَالٌ أُجِّلاَ فَإِن أَتَى بِمَا يَفِيدُ أُعْمِلا (وَإِن يكن لَهُ) أَي الْمُسْتَحق مِنْهُ (مقَال) فِي الْبَيِّنَة الشاهدة بِالِاسْتِحْقَاقِ وَسَأَلَ الاعذار فِيهَا ليجرحها، أَو قَالَ شهِدت بزور أَو كذب وَنَحْو ذَلِك (أَََجَلًا) لإِثْبَات مَا أَعَادَهُ من التجريح وَمَا مَعَه أَََجَلًا قدره شهر كَمَا مرّ فِي فصل الْآجَال حَيْثُ قَالَ: وَحل عقد شهر التَّأْجِيل فِيهِ الخ. (فَإِن أَتَى بِمَا يُفِيد) فِي تجريحها وَنَحْوه (أعملا) مَا أَتَى بِهِ وَبَقِي الشَّيْء بِيَدِهِ (و) إِن لم يَأْتِ بِشَيْء وَعجز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 عَن إِثْبَات مَا ادَّعَاهُ حكم القَاضِي بِالِاسْتِحْقَاقِ لمدعيه. وَما لهُ فِي عجْزهِ رجُوعُ عَلَى الذِي كانَ لهُ المبيعُ (وَمَا لَهُ) للْمُسْتَحقّ مِنْهُ (فِي) حَال (عَجزه) الْمَذْكُور (رُجُوع) بِالثّمن (على الَّذِي كَانَ لَهُ) الشَّيْء (الْمَبِيع) لِأَنَّهُ يَقُول رُجُوعه: أَنْت بعتني مَا لَيْسَ لَك بِدَلِيل هَذِه الْبَيِّنَة الشاهدة للْمُسْتَحقّ وَهُوَ قد كذبهَا بِدَعْوَاهُ تجر وَنَحْوه، وَحَيْثُ كطبها فَهُوَ مقرّ بِصِحَّة ملك البَائِع فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوع عَلَيْهِ بِمَا تَقْتَضِيه شَهَادَتهمَا على الْمَعْمُول بِهِ كَمَا معاوضات المعيار عَن أبي الْحسن، وفيهَا أَيْضا عَن العبدوسي فِي رجل بَاعَ أملاكاً فاستغلها المُشْتَرِي أَرْبَعَة أَعْوَام فَاسْتحقَّ حَظّ مِنْهَا بِالْحَبْسِ وَأخذ المُشْتَرِي يُخَاصم إِلَى أَن حكم عَلَيْهِ قَالَ: لَا رُجُوع لَهُ على بَائِعه لِأَن مخاصمته تَتَضَمَّن أَنه إِنَّمَا بَاعه مَا ملك، وَأَن دَعْوَى الْمُسْتَحق فِيهِ بَاطِلَة فَكيف يرجع عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَبِه الْعَمَل اه. وَقَوله: لِأَن مخاصمته تَتَضَمَّن الخ. صَرِيح فِي أَنه كَانَ لَا يرجع لعلمه صِحَة مَالك البَائِع لِأَنَّهُ بالتكذيب وَدَعوى التجريح مقرّ بذلك، وَهُوَ إِذا أقرّ بِصِحَّة ملكه ثمَّ يرجع لِأَنَّهُ معترف بِأَن الْمُسْتَحق قد ظلمه والمظلوم لَا يظلم غَيره كَمَا قَالَ (خَ) : فِي الِاسْتِحْقَاق تَشْبِيها فِي عدم الرُّجُوع مَا نَصه: كعلمه صِحَة ملك بَائِعه الخ. فجواب العبدوسي الْمَذْكُور صَرِيح فِي أَن مَسْأَلَة النَّاظِم رَاجِعَة لعلم صِحَة ملك البَائِع وَهُوَ ظَاهر (خَ) أَيْضا لِأَنَّهُ اقْتصر على علم صِحَة ملك البَائِع وَلم يتَعَرَّض لمسألة النَّاظِم كَمَا أَن النَّاظِم لم يتَعَرَّض لعلم صِحَة ملك البَائِع، وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون الْمَسْأَلَتَيْنِ بِمَعْنى وَاحِد كَمَا ترى، وَاقْتصر غير وَاحِد فِي مَسْأَلَة النَّاظِم على عدم الرُّجُوع وَصرح العبدوسي وَأَبُو الْحسن بِأَن الْعَمَل بِهِ كَمَا ترى، وَبِالْجُمْلَةِ فَعلم صِحَة ملك البَائِع إِمَّا أَن يكون بِإِقْرَار الْمُبْتَاع كَمَا لَو كتب الموثق فِي رسم الشِّرَاء وَعلم الْمُبْتَاع وَأقر بِصِحَّة ملك البَائِع عِنْد العقد، وَإِمَّا أَن يكون بِدَعْوَى التجريح والتكذيب لبينة الِاسْتِحْقَاق إِذْ ذَلِك كُله رَاجع لصِحَّة ملك البَائِع كَمَا مرَّ عَن العبدوسي، وَالْأَحْكَام إِنَّمَا تَدور على الْمعَانِي لَا الْأَلْفَاظ، وَقد ذكرُوا فِي علم صِحَة ملك البَائِع رِوَايَتَيْنِ. قَالَ ابْن رشد: لكل مِنْهُمَا وَجه من النّظر فَوجه الرِّوَايَة بِعَدَمِ الرُّجُوع هُوَ أَنه لَا يَصح لَهُ أَن يرجع على البَائِع بِمَا يعلم أَنه لَا يجب عَلَيْهِ وَوجه الرُّجُوع أَن البَائِع أَدخل المُشْتَرِي فِي ذَلِك فَعَلَيهِ أَن يبطل شَهَادَة من شهد عَلَيْهِ بباطل حَتَّى لَا تُؤْخَذ السّلْعَة من يَد المُشْتَرِي ويتهم إِذا لم يفعل ذَلِك أَنه قصر فِي الدّفع إِذا علم أَن المُشْتَرِي لَا يتبعهُ بِالثّمن فَأَرَادَ أَن يكلفه من الدّفع مَا هُوَ ألزم لَهُ مِنْهُ اه. وَقد ذكر أَبُو الْحسن حَسْبَمَا فِي الدّرّ النثير أَن بالرواية الأولى الْعَمَل، وَقَالَ ابْن الْمُدَوَّنَة وَنَحْوه فِي الْفَائِق والمعين والفشتالي وَغَيرهم، وَصرح المكناسي فِي مجالسه بِأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 الْمَشْهُور، وَقد تبين أَن كلا من الْقَوْلَيْنِ عمل بِهِ فِيمَا إِذا علم حِصَّة ملك بَائِعه، وَلَكِن أَكثر الموثقين على القَوْل بِالرُّجُوعِ، وَوَجهه ظَاهر كَمَا مر عَن ابْن رشد فَيجب اعْتِمَاده والتعويل عَلَيْهِ، وَأما مَسْأَلَة التَّكْذِيب وَدَعوى التجريح فَلم يقتصروا فِيهَا إِلَّا على عدم الرُّجُوع، وَمِنْهُم من صرح بِأَن الْعَمَل عَلَيْهِ كَمَا مرّ مَعَ أَنَّهَا أَضْعَف أَضْعَف من علم صِحَة المكل إِذْ لَا يلْزم من التَّكْذِيب والطعن علم صِحَة الْملك للْبَائِع إِذْ قد يكذبها وَيُرِيد الطعْن فِيهَا. وَصِحَّة ملك البَائِع مشكوكة عِنْده إِذْ كل من قَامَت عَلَيْهِ شَهَادَة يجوز كذبهمْ وَصدقهمْ وكونهم مِمَّن يقْدَح فيهم وَالشَّرْع جوز لَهُ الْبَحْث عَن ذَلِك، فَإِذا تبين صدقهم وكونهم مِمَّن لَا يقْدَح فيهم رَجَعَ على بَائِعه فالتكذيب وَإِرَادَة الطعْن أَعم من الْعلم بِصِحَّة ملك البَائِع، والأعم لَا إِشْعَار لَهُ بأخص معِين فَيلْزم الْقَائِل بِالرُّجُوعِ فِي علم صِحَة الْملك أَن يَقُول بِهِ فِي التَّكْذِيب وَإِرَادَة الطعْن بالأحرى. وحينئذٍ فَيجب التعويل فِيهَا على مَا مر فِي علم صِحَة الْملك وَلَا وَجه للتفريق بَينهمَا، وَلِهَذَا لم يفرق بَينهمَا (م) فِي شرح اللامية بل جعل الرِّوَايَتَيْنِ جاريتين فِي مَسْأَلَة النَّاظِم، وَهَذَا كُله إِذا طلب الْإِعْذَار للتكذيب وَالتَّجْرِيح كَمَا قَررنَا، وَأما إِذا طلبه بِقصد طلب رجوعهم عَن الشَّهَادَة وسؤالهم عَن كَيْفيَّة شَهَادَتهم وَهل فِيهَا تنَاقض أَو سقط فصل من فصولها وأركانها وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يقتضى التَّكْذِيب كَمَا هِيَ عَادَة النَّاس الْيَوْم، فَإِن ذَلِك لَا يبطل حَقه فِي الرُّجُوع قطعا، وَلَا يَنْبَغِي أَن يخْتَلف فِيهِ لِأَنَّهُ لم يكذبهم قَالَه ابْن رحال. قَالَ: وَكَذَا لَو يكن لَهُ إِلَّا مُجَرّد الإعتقاد أَو الشَّك كَمَا مرّ، وَبِهَذَا كُله يسْقط مَا قد قيل: إِن التَّكْذِيب أضرّ من علم صِحَة الْملك كَمَا فِي شرح الْعَمَل الْمُطلق وَالله أعلم. والأَصْل لَا تَوْقِيفَ فِيهِ إلاّ مَعَ شُبْهَةٍ قويَّةٍ تَجَلّى (وَالْأَصْل) إِذا ادّعى شخص اسْتِحْقَاقه وَطلب أَن يعقله ويوقفه فَإِنَّهُ (لَا تَوْقِيف فِيهِ) وَلَا يُجَاب إِلَى مَا طلب (إِلَّا مَعَ شُبْهَة قَوِيَّة تجلى) أَي تتضح وَتظهر كَشَهَادَة عدل وَلَو مُحْتَاجا للتزكية أَو اثْنَيْنِ كَذَلِك أَو عَدْلَيْنِ مقبولين وَبَقِي الْإِعْذَار فيهمَا كَمَا مر فِي فصل التَّوْقِيف. وَفِي سِوَى الأصْلِ بِدَعْوَى المُدِّعِي بيّنةً حاضِرةً فِي المَوضِعِ (وَفِي سوى الأَصْل) من الْعرُوض وَالْحَيَوَان يُوقف (بِدَعْوَى الْمُدَّعِي بَيِّنَة حَاضِرَة بالموضع) كَمَا تقدم لَهُ تَفْصِيل ذَلِك فِي الْفَصْل الْمَذْكُور، وَلذَلِك أجمل هَهُنَا. وَما لهُ عَينٌ عَلَيْهَا يَشْهَدُ من حيوانٍ أوعُرُوضٍ تُوجَدُ (وَمَا) مُبْتَدأ (لَهُ عين) يتَعَلَّق بتوجد آخر الْبَيْت (عَلَيْهَا يشْهد) خبر الْمُبْتَدَأ (من حَيَوَان أَو عرُوض) بَيَان لما (تُوجد) صلَة (مَا) وَالتَّقْدِير: وَمَا تُوجد لَهُ عين أَي ذَات من حَيَوَان أَو عرُوض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 يشْهد شُهُود الِاسْتِحْقَاق ويؤدون شَهَادَتهم على عينهَا، وَهَذَا الْإِعْرَاب ظَاهر من جِهَة الْمَعْنى، وَلَكِن فِيهِ تَقْدِيم النَّائِب عَن فعله، وَيجوز أَن يكون لَهُ عين هُوَ صلَة (مَا) وتوجد صفة لعين أَي: وَالَّذِي اسْتَقر لَهُ عين مَوْجُودَة فِي الْبَلَد من حَيَوَان أَو عرُوض لَا بُد أَن يُؤَدِّي شُهُود الِاسْتِحْقَاق عِنْد الْحَاكِم أَو نَائِبه شَهَادَتهم على عينهَا كَمَا مرَّ أول الْفَصْل وَفهم من قَوْله: تُوجد إِنَّهَا لَو لم تكن مَوْجُودَة بل كَانَت غَائِبَة لجازت الشَّهَادَة فِيهَا على الصّفة وَهُوَ كَذَلِك، فَفِي الوثائق الْمَجْمُوعَة إِذا كَانَت الْجَارِيَة غَائِبَة فالشهادة فِيهَا على النَّعْت وَالِاسْم جَائِزَة فَإِن وجدت جوارٍ كَثِيرَة على تِلْكَ الصّفة كلف الحاك الْمُسْتَحق أَن يثبت عِنْده أَنَّهَا وَاحِدَة مِنْهُنَّ، وَإِن لم يُوجد سواهَا لم يُكَلف شَيْئا انْتهى. وَنَقله ابْن سَلمُون وَغَيره وَهُوَ معنى قَول (خَ) فِي الْقَضَاء وَحكم بِمَا يتَمَيَّز غَائِبا بِالصّفةِ كَدين الخ. قلت: وَكَذَا يُقَال فِي الْمُسْتَحق من يَده فَإِنَّهُ يرجع على بَائِعه بِالصّفةِ مَا لم تكن هُنَاكَ دَوَاب أَو جوَار على تِلْكَ الصّفة وَإِلَّا كلف تَعْيِينهَا كَمَا مرّ وَكَذَا يُقَال إِذا هلك الشَّيْء الْمُسْتَحق بيد مُشْتَرِيه ثمَّ ثَبت الِاسْتِحْقَاق بِالصّفةِ وَلَا مشارك لَهُ فِيهَا فَإِنَّهُ يرجع الْمُسْتَحق بِالثّمن على قابضه وَهُوَ البَائِع أَو على غاصبه وَلَا شَيْء على المُشْتَرِي كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ وَغَيره فِي بَاب الْفلس عِنْد قَوْله: وَإِن تلف نصيب غَائِب عزل فَمِنْهُ، وَمَا فِي ابْن سَلمُون عَن ابْن الْحَاج من أَن اسْتِحْقَاق الْكتاب بِالصّفةِ بعد فَوَاته لَا يَصح يجب حمله على مَا إِذا كَانَ هُنَاكَ من الْكتب مَا يُشَارِكهُ فِي صفته وخطه. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: من حَيَوَان أَو عرُوض فَقَالَ: وَيُكْتَفَى فِي حَوْزِ الأصْلِ المستحَقْ بِوَاحدٍ عَدْلٍ والاثنَانِ أحَقْ (ويكتفى فِي حوز الأَصْل الْمُسْتَحق) من دَار وَأَرْض وكل مَا لَا يُمكن نَقله فَإِن الْحِيَازَة فِيهِ (بِوَاحِد عدل) يقدمهُ القَاضِي لَهَا كَافِيَة عَن حُضُوره عِنْد الْحَاكِم وَأَدَاء الشَّهَادَة على عينه لتعذر ذَلِك فِيهِ وشغل القَاضِي عَن الذّهاب إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا اكْتفى بِالْعَدْلِ الْوَاحِد لِأَنَّهُ موجه من قبل القَاضِي فَهُوَ نَائِب عَنهُ (والاثنان أَحَق) وَأولى من تَوْجِيه الْوَاحِد للحيازة الْمَذْكُورَة لِأَن الْحِيَازَة شَهَادَة وَهِي يطْلب فِيهَا التَّعَدُّد كَمَا مر فِي قَوْله: وَوَاحِد يجزىء فِي بَاب الْخَبَر الخ. وَمعنى النّظم أَنه إِذا شهد عَدْلَانِ بملكية الْمُسْتَحق للدَّار وَالْأَرْض وَنَحْوهَا وذكرا حُدُودهَا وتناسخ الوراثات إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 أَن خلصت لهَذَا الْقَائِم على الْكَيْفِيَّة الْمُتَقَدّمَة فِي الْبَيْت الأول من هَذَا الْفَصْل، فَإِن كَانَ من شهد بتناسخ الوراثات هم الشُّهُود بِالْملكِ للْجدّ مثلا وَنَحْوه وصلوا شَهَادَتهم بِأَنَّهُم لَا يعلمُونَ أحدا من الْوَارِثين فَوت حَظه من ذَلِك إِلَى أَن توفّي أَو إِلَى الْآن وَإِن كَانُوا سواهُم لم يكلفوا بذلك، فَإِذا ثَبت ذَلِك فَإِن أنكر الْمَطْلُوب الْحُدُود الَّتِي فِي الرَّسْم وَقَالَ: لَا أَدْرِي هَذِه الأَرْض الَّتِي يُنَازع فِيهَا وَلَا حُدُودهَا وَجب حِينَئِذٍ أَن يعين شُهَدَاء الْملك مَا شهدُوا بِهِ بالحيازة فيوجه القَاضِي مَعَهم عدلا وَاحِدًا أَو عَدْلَيْنِ ويقولان لَهما أَو لَهُ بعد تطوفهما على الْحُدُود: هَذَا الَّذِي حزناه وتطوفنا على حُدُوده هُوَ الَّذِي شَهِدنَا بِملكه لفُلَان عِنْد القَاضِي هَذَا إِن كَانَ شَاهدا الْملك يعرفان الْحُدُود وَكَانَا حاضرين، فَإِن كَانَا لَا يعرفان ذَلِك وَإِنَّمَا شَهدا بِأَن الْموضع الْمُسَمّى بِكَذَا ملك لفُلَان وَمَال من أَمْوَاله إِلَى آخر مَا تقدم من غير تعرض لحدوده لعدم معرفتهما بهَا أَو لغيبتهما أَو مَوْتهمَا، وَكَانَ شَاهِدَانِ آخرَانِ يعرفان حُدُود الْموضع الْمَذْكُور وَلَا يعرفان كَونه ملكا لفُلَان الْمَذْكُور فَإِن القَاضِي يُوَجه عَدْلَيْنِ أَو عدلا أَيْضا يَقُول لَهما أَو لَهُ شُهُود الْحِيَازَة هَذَا الَّذِي حزناه وتطوفنا على حُدُوده هُوَ الَّذِي يُسمى بِكَذَا وَهُوَ الْمَشْهُود بِملكه لفُلَان عِنْد القَاضِي فلَان كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَجَاز أَن يثبت ملكا شَهدا الخ. فَيكون مَجْمُوع الشُّهُود فِي هَذَا الْوَجْه سِتَّة وَفِي الأول أَرْبَعَة وَلَا تبطل شَهَادَة شُهُود الْملك بِعَدَمِ تعرضهم لتحديد الْمَشْهُود بِهِ إِذا وجد من يشْهد بتحديده كَمَا تقدم صدر الْبيُوع وَقَالَ فِي بَاب الْقَضَاء من الْعَمَل الْمُطلق: وَفِي التخالف أجز أَن يشهدَا بالحوز غير من بِملك شَهدا الخ. هَذَا كُله إِذا أنكر الْحُدُود كَمَا ترى، وَأما إِن أقرّ الْمَطْلُوب بِأَن الْحُدُود الَّتِي فِي الرَّسْم هِيَ الَّتِي تَحت يَده فَلَا حِيَازَة حِينَئِذٍ كَمَا قَالَ: وناب عَن حيازةِ الشُّهُودِ توافُقُ الخَصْمَيْنِ فِي الحدُودِ فَإِذا تمت الشَّهَادَة بالحيازة أَو بتوافق الْخَصْمَيْنِ على الْحُدُود وَجب عقل الْمَشْهُود بِهِ بتوقيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 الْخراج وَالْمَنْع من الْحَرْث كَمَا مر، ثمَّ أعذر للمطلوب فِي شُهُود الْملك فَقَط أَو فيهمَا وَفِي شُهُود الْحِيَازَة فِي الْوَجْه الثَّانِي دون الْوَجْهَيْنِ من قبل القَاضِي فَإِنَّهُ لَا إعذار فيهمَا على مَا مر بَيَانه فِي فصل الْإِعْذَار. تَنْبِيهَات. الأول: قد علمت مِمَّا مر أَن الموجهين يَشْهَدَانِ بأمرين بتوجيه العدلين للحيازة وَلَو كَانَا شُهُود الْملك وبأنهما قد حازا وعينا حُدُود الْمَشْهُود بِهِ ويكتبان ذَلِك كُله فِي رسم تَحت شَهَادَة الْملك، وَأما شَهَادَتهمَا على القَاضِي بِصِحَّة رسم الملكية فَإِن خطابه عَلَيْهِ بالاستقلال وَالْقَبُول كَاف إِذْ هُوَ عين الصِّحَّة عِنْده فَلَا يحْتَاج إِلَى الْإِشْهَاد عَلَيْهِ مَعَ الْخطاب الْمَذْكُور نعم حكمه بِنَقْل الْملك أَو بِبَقَائِهِ وَنَحْوه لَا بُد أَن يشْهد عَلَيْهِ شَاهِدَانِ كَانَا شُهُود الْحق أَو غَيرهمَا كَمَا فِي التَّبْصِرَة قبيل الْقسم الثَّانِي وَنَحْوه فِي الْمواق خلافًا لمن قَالَ لَا بُد أَن يكون شَاهد الحكم غير شَاهد الْحق. الثَّانِي: تقدم فِي فصل الْمقَال وَالْجَوَاب أَن الطَّالِب إِذا أثبت الوراثة وجر ذَلِك إِلَى نَفسه وَعجز عَن إِثْبَات وراثة سَائِر الْوَارِثين أَنه يقْضى لَهُ بِحقِّهِ، وَانْظُر فصل التَّوَارُث من الْمُتَيْطِيَّة فقد اقْتصر فِيهِ على أَن الشُّهُود إِذا عرفُوا عدد الْوَرَثَة وَلم يعرفوا أَسْمَاءَهُم فَهِيَ شَهَادَة تَامَّة، وَذكر فِيهَا أَيْضا أَنهم إِذا سموهم وَلم يشْهدُوا على عينهم أَي: وَلم يذكرُوا أَنهم يعرفونهم فَهِيَ تَامَّة إِلَّا أَن يَقع بَينهم فِي ذَلِك تنَازع. الثَّالِث: قَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن يحيى الأندلسي فِي آخر وثائقه: إِذا توافقا المتداعيان فِي الْحُدُود سَقَطت الْحِيَازَة إِلَّا أَن يفْتَقر الْمَحْكُوم لَهُ إِلَى الْإِنْزَال فَلَا بُد من الْحِيَازَة اه. قلت: الْإِنْزَال هُوَ الْقَبْض كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَنَقله فِي الارتفاق قَالَ: وَيجب على البَائِع الْإِنْزَال إِن لم يقر المُشْتَرِي لَهُ بِالْملكِ خيفة أَن يكون بَاعَ مِنْهُ مَا لَيْسَ لَهُ اه. وتأمله فَإِنَّهُ لَا معنى لوُجُوبه كَمَا مرَّ صدر الْبيُوع وَمَا علل بِهِ من خشيَة بَيْعه مَا لَيْسَ لَهُ لَا يَدْفَعهُ الْإِنْزَال الْمَذْكُور، ثمَّ وقفت على قَول ابْن مغيث مَا نَصه: إِن سقط من وَثِيقَة الابتياع ذكر الْإِنْزَال فَطَلَبه الْمُبْتَاع بذلك لزمَه أَن ينزله فِي ذَلِك فَإِن اخْتلفَا فَقَالَ الْمُبْتَاع: من هُنَا إِلَى هُنَا ابتعت مِنْك، وَقَالَ البَائِع: بل من هُنَا إِلَى هُنَا فَإِن كَانَ ذَلِك على قرب من تَارِيخ التبايع تحَالفا وتفاسخا البيع إِذا عدمت الْبَيِّنَة، وَإِن مضى لتاريخ البيع سنة سقط الْإِنْزَال، وَإِن كَانَ فِي وَثِيقَة الابتياع بَرَاءَة الْإِنْزَال لَكَانَ القَوْل قَول البَائِع مَعَ يَمِينه، وَبِهَذَا مضى الْعَمَل اه. وَنَقله ابْن سَلمُون فِي تَرْجَمَة الْعقار وَالْأَرْض الْبَيْضَاء. وواجبٌ إعْمَالُهَا إنِ الحَكَمْ بِقِسْمَةٍ عَلى المَحَاجِيرِ حَكَمْ (وواجب) خبر مقدم (إعمالها) مُبْتَدأ وضميره للحيازة (إِن الحكم) لُغَة فِي الْحَاكِم (بقسمة على المحاجير حكم) وَكَذَا إِن حكم بهَا على غير المحاجير من الشُّرَكَاء. قَالَ الْبَاجِيّ: الَّذِي أجمع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 عَلَيْهِ مَالك وقدماء أَصْحَابه أَنه لَا يجوز للْقَاضِي أَن يَأْذَن للْوَرَثَة فِي الْقِسْمَة حَتَّى يثبتوا أصل الْملك لموروثهم واستمراره وحيازته وَالْمَوْت والوراثة، وَبِه جرى عمل الْقُضَاة بقرطبة وطليطلة اه. وَنَقله فِي المعيار فِي نَوَازِل الصُّلْح فَقَوله للْوَرَثَة شَامِل للمحاجير وَغَيرهم، وَفِي الْمُفِيد عَن الْبَاجِيّ أَيْضا أَنه طلب بعض الشُّرَكَاء قسْمَة الْملك الَّذِي بَينهم من القَاضِي فَلَا يحكم لَهُم بذلك حَتَّى يثبت عِنْده أَن الْملك لَهُم اه. وَنَحْوه فِي المقرب كَمَا نَقله (م) وعللوا وجوب الْحِيَازَة بِأَنَّهُم رُبمَا أدخلُوا فِي قسمتهم مَا لَيْسَ لَهُم. قلت: وَقد علمت أَن الْقِسْمَة بيع وَالْقَاضِي لَا يجوز لَهُ البيع وَلَا الْإِذْن فِيهِ حَتَّى يثبت عِنْده ملك البيع عَلَيْهِ وحيازته لَهُ كَمَا تقدم فِي فصل مسَائِل من أَحْكَام البيع، وَفِي فصل البيع على الْغَائِب فَإِن وَقع وَنزل وَقسم أَو بَاعَ بِدُونِ ثُبُوت الْملك والحيازة فَالظَّاهِر عدم نقض ذَلِك حَتَّى يثبت أَنه قسم، أَو بَاعَ ملك الْغَيْر إِذْ الأَصْل أَنه بَاعَ أَو قسم مَا يملكونه حَتَّى يثبت خِلَافه كَمَا مر فِي البيع على الْغَائِب، وَلَا يعجل بِالنَّقْضِ بِمُجَرَّد الِاحْتِمَال فَقَوْل النَّاظِم: وواجب أَعمالهَا يَعْنِي ابْتِدَاء، وَالله أعلم. وَجَاز أنْ يُثْبِتَ مِلكاً شُهدا وَبالْحِيَازَةِ سِوَاهم شَهِدا (وَجَاز أَن يثبت) بِضَم الْيَاء وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة مضارع أثبت الرباعي (ملكا شَهدا) بِضَم الشين وَفتح الْهَاء جمع شَهِيد ككريم وكرما فَهُوَ مدود وقصره ضَرُورَة فَاعل يثبت وملكا مَفْعُوله أَي وَجَاز لمن ادّعى ملكا بيد غَيره أَن يُثبتهُ أَي يشْهد لَهُ بِهِ شُهَدَاء لَا يعْرفُونَ حُدُوده وَلَا يقدرُونَ على حيازته (وبالحيازة) فَقَط (سواهُم شَهدا) بِفَتْح الشين وَكسر الْهَاء أَي: وسواهم شهد بالحيازة لَا غير لأَنهم لَا يعْرفُونَ الْملك لمن هُوَ فَإِن الشَّهَادَتَيْنِ تلفقان، وَيثبت الْملك للْمُدَّعِي الْمَذْكُور كَمَا تقدم قبل قَوْله: وناب عَن حِيَازَة الشُّهُود الخ ... وَإِنَّمَا تلفق الشهادتان. إنْ كانَ ذَا تَسْمِيَةٍ مَعْروفهْ وَنِسْبَةٍ مشهورةٍ مَأْلُوفهْ (إِن كَانَ) الْملك الْمَشْهُود بِهِ للْمُدَّعِي (ذَا تَسْمِيَة مَعْرُوفَة) كحجاجة والزيات بفاس (و) ذَا (نِسْبَة مَشْهُورَة مألوفة) كجنان الْخَادِم وعرصة الجيار بفاس أَيْضا فَتشهد بَيِّنَة بِأَن الْموضع الْمُسَمّى بعرصة الجيار مثلا هُوَ ملك لفُلَان وَمَال من أَمْوَاله وَتَحْت يَده يتَصَرَّف فِيهِ تصرف الْمَالِك فِي ملكه وينسبه لنَفسِهِ إِلَى آخر الْوَثِيقَة الْمُتَقَدّمَة فِي الْبَيْت الأول من هَذَا الْفَصْل وَلَا يتعرضون لذكر حُدُوده لأَنهم لَا يعرفونها أَو لغيبتهم أَو مَوْتهمْ، وَتشهد بَيِّنَة أُخْرَى بِأَن الْموضع الْمُسَمّى بِمَا ذكر حَده من نَاحيَة الْقبْلَة كَذَا، وَمن الغرب كَذَا، وَمن الْجنُوب كَذَا، وَأَن التَّسْمِيَة الْمَذْكُورَة إِنَّمَا تطلق على مَا دخل الْحُدُود لَا على مَا خرج مِنْهَا وَلَا يعْرفُونَ الْموضع لمن هُوَ إِلَّا أَنهم كَانُوا يخدمونه مثلا أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 يعْرفُونَ حُدُوده خلفا عَن سلف، فَإِن الشَّهَادَتَيْنِ تلفقان كَمَا مر. وَيُوجه القَاضِي مَعَهُمَا شَاهِدين يَشْهَدَانِ على حيازتهما فَيكون مَجْمُوع الشُّهُود سِتَّة كَمَا مرَّ وَيثبت حِينَئِذٍ الِاسْتِحْقَاق انْظُر (ح) فَإِن فِيهِ بعض زِيَادَة وإيضاح. وَلما أنهى الْكَلَام على اسْتِحْقَاق الْكل أَشَارَ إِلَى الحكم فِي اسْتِحْقَاق الْبَعْض، وَحَاصِله كَمَا فِي (ت) أَن الْمُسْتَحق بعضه إِمَّا مثلي أَو مقوم، والمقوم إِمَّا أَن يسْتَحق مِنْهُ بعض معِين أَو شَائِع، والشائع إِمَّا أَن يكون فِيمَا يقبل الْقِسْمَة كمتعدد من حَيَوَان أَو عرُوض أَو دَار متسعة أَو دور أَو فِيمَا لَا يقبلهَا كدار ضيقَة أَو عبد وَاحِد. وَفِي كل من الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة إِمَّا أَن يكون الْبَعْض قَلِيلا أَو كثيرا، فَفِي المثلى إِن كَانَ الْمُسْتَحق كثيرا خير فِي رد مَا لم يسْتَحق وَيَأْخُذ جَمِيع ثمنه أَو التَّمَسُّك فِيهِ بِمَا ينوبه من الثّمن كَمَا قَالَ: وَمُشْتَرِي المثليّ مَهْمَا يُسْتَحَقْ مُعْظَمُ مَا اشتُرِي فَالتّخيير حَقْ (ومشتري المثلى) أَو الْمصَالح بِهِ (مهما يسْتَحق) أَو يتْلف مِنْهُ أَو يتعيب وَقت ضَمَان البَائِع (مُعظم مَا اشْترى) أَو صولح بِهِ، والمعظم هُوَ الثُّلُث فَأكْثر كَمَا أَفَادَهُ (خَ) بقوله: وَإِن انْفَكَّ فَللْبَائِع الْتِزَام الرّبع بِحِصَّتِهِ فَقَط لَا أَكثر خلافًا للشَّارِح حَيْثُ جعل الْمُعظم مَا جَاوز الثُّلُث، وعَلى مَا فِي (خَ) عول الأَجْهُورِيّ فِي نظمه حَيْثُ قَالَ: ثمَّ الْكثير الثُّلُث فِي المثلى وَفِي مقوم مَا فَاتَ نصفا فاعرف (لَهُ التَّخْيِير حق) وَاجِب للْمُشْتَرِي، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَهُوَ مَعَ جَوَابه خبر الْمُبْتَدَأ لَكِن التَّخْيِير مُخْتَلف فَفِي الِاسْتِحْقَاق والتلف وَقت ضَمَان البَائِع يُخَيّر. فِي الأَخْذِ للبَاقي من المَبيعِ بِقِسْطِهِ وَالرَّدُّ للجَميعِ (وَالْأَخْذ للْبَاقِي من الْمَبِيع بِقسْطِهِ) من الثّمن (وَالرَّدّ للْجَمِيع) أَي لجَمِيع الْبَاقِي بعد الِاسْتِحْقَاق والتلف وَيَأْخُذ جيمع ثمنه وَفِي التعييب وَقت ضَمَان البَائِع يُخَيّر فِي رد الْجَمِيع وَأخذ ثمنه أَو التَّمَسُّك بِجَمِيعِ الْمَبِيع بِجَمِيعِ الثّمن، وَلَيْسَ لَهُ أَن يتَمَسَّك بالسالم من الْعَيْب بِمَا ينوبه من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 الثّمن إِلَّا بِرِضا البَائِع، وَقد علمت من هَذَا أَن الصُّلْح مثل الشِّرَاء لِأَنَّهُ بيع وَأَن التّلف والتعييب قبل كَيْله أَو وَزنه أَو عده مثل الِاسْتِحْقَاق. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله مُعظم فَقَالَ: وإنْ يَكُنْ مِنْه اليَسِيرُ مَا استُحِقْ يَلزمُهُ الْبَاقِي بِمَا لهُ بِحَقْ (وَإِن يكن مِنْهُ) أَي المثلى (الْيَسِير) بِالنّصب خبر يكن (مَا اسْتحق) اسْمهَا وَمِنْه يتَعَلَّق باستحق فَهُوَ مَعْمُول للصلة وَصَحَّ تَقْدِيمه على الْمَوْصُول لِأَنَّهُ من الظروف وهم يتوسعون فِيهَا أَي: وَإِن يكن الْمُسْتَحق من المثلى الْيَسِير وَهُوَ مَا دون الثُّلُث فَالْمُشْتَرِي (يلْزمه الْبَاقِي بِمَا لَهُ يحِق) من الثّمن. قَالَ فِي الشَّامِل: بِخِلَاف اسْتِحْقَاق مثلى فَإِنَّهُ يلْزم مُشْتَرِيه بِحِصَّتِهِ إِلَّا الثُّلُث فَأكْثر فَيُخَير اه. وَقَالَ (خَ) : وَحرم التَّمَسُّك بِالْأَقَلِّ إِلَّا المثلى أَي: فَإِنَّهُ لَا يحرم التَّمَسُّك بأقله حَيْثُ اسْتحق أَكْثَره بل يُخَيّر فِي التَّمَسُّك وَالرَّدّ كَمَا مر. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا إِذا كَانَ الْبَعْض الْمُسْتَحق مُقَومًا معينا وَفِيه صُورَتَانِ أَيْضا إِمَّا أَن يكون الْبَعْض الْمُسْتَحق كثيرا وَهُوَ مَا زَاد على النّصْف أَو قَلِيلا وَهُوَ النّصْف فدون فَقَالَ: وَمَا لَهُ التَّقْوِيم باستِحقاقِ أَنْفَسِهِ يَرَدُّ بالإطلاَقِ (وَمَا) مُبْتَدأ وَاقعَة على الشَّيْء (لَهُ التَّقْوِيم) مُبْتَدأ وَخبر صلَة مَا (بِاسْتِحْقَاق أنفسه) يتَعَلَّق بقوله (يرد) وَالْجُمْلَة خبر و (بِالْإِطْلَاقِ) حَال أَي وَالشَّيْء الْمَبِيع الْمُقَوّم يرد بِاسْتِحْقَاق أنفسه مُطلقًا تَرَاضيا على التَّمَسُّك بِالْبَاقِي بِمَا ينوبه أم لَا. والتلف والتعييب وَقت ضَمَان البَائِع والاستحقاق كَمَا مر. إنْ كانَ فِي مُعَيِّنٍ وَلا يَحِلْ إمساكُ باقيهِ لِمَا فِيهِ جُهِلْ (إِن كَانَ) ذَلِك الِاسْتِحْقَاق (فِي) مقوم (معِين) كعبدين اسْتحق أفضلهما أَو خَمْسَة أَثوَاب مُتَسَاوِيَة فِي الْقيمَة اسْتحق ثَلَاثَة مِنْهَا أَو داران اسْتحقَّت إِحْدَاهمَا وينوبها أَكثر الثّمن لكَون قيمتهَا أَكثر من قيمَة الْأُخْرَى فَيفْسخ فِي الْجَمِيع وَيرجع بِجَمِيعِ ثمنه (وَلَا يحل) للْمُشْتَرِي (إمْسَاك بَاقِيه) بعد الِاسْتِحْقَاق بِمَا ينوبه من الثّمن وَلَو وَافقه البَائِع على ذَلِك (لما فِيهِ جهل) أَي لأجل الثّمن الَّذِي جهل فِيهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لما اسْتحق الْأَكْثَر انْتقض البيع فِي الْجَمِيع لِأَن الْأَقَل تَابع للْأَكْثَر الَّذِي هُوَ وَجه الصَّفْقَة فالتمسك بِالْأَقَلِّ إنْشَاء عقد بِثمن مَجْهُول إِذْ لَا يدْرِي مَا ينوبه من الثّمن إِلَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 بعد التَّقْوِيم (خَ) : وَلَا يجوز التَّمَسُّك بِأَقَلّ اسْتحق أَكْثَره الخ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: فَإِن كَانَ الْمُسْتَحق وَجه الصَّفْقَة انْتقض البيع، وَلَا يجوز أَن يتَمَسَّك بِمَا بَقِي بِمَا ينوبه من الثّمن وَإِن رَضِي البَائِع إِذْ لَا يعرف ثمنه حَتَّى يقوم وَقد وَجب الرَّد فَصَارَ بيعا مؤتنفاً بِثمن مَجْهُول اه. فمفهومها أَنه إِذا قوم وَعلم مَا ينوبه صحّح التَّمَسُّك بِهِ وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مرَّ فِي صدر الْبيُوع فَرَاجعه هُنَاكَ قَالَ مصطفى: قد أطبق من وقفت عَلَيْهِ من الشُّرَّاح على تَقْيِيد حُرْمَة التَّمَسُّك بِالْأَقَلِّ بِعَدَمِ الْفَوات فَانْظُرْهُ ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله أنفسه فَقَالَ: وَإنْ يَكُنْ أقلَّهُ فالحكمُ أنْ يَرْجِعُ فِي حِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنْ (وَإِن يكن) الْمُسْتَحق (أَقَله) وَهُوَ النّصْف فدون (فَالْحكم أَن يرجع) المُشْتَرِي (فِي حِصَّته) أَي الْأَقَل (من الثّمن) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخ العقد بِاسْتِحْقَاق الْأَقَل لِأَنَّهُ لما صَحَّ البيع فِي الْأَكْثَر كَانَ الْأَقَل تَابعا لَهُ فَلم يَنْفَسِخ العقد أصلا وَلم يكن التَّمَسُّك بِهِ إنْشَاء عقد، وَإِنَّمَا لَهُ أَن يرجع بِمَا يَنُوب الْأَقَل من الثّمن وَلَا كَلَام لَهُ فِي الرَّد وَلَا للْبَائِع إِلَّا برضاهما مَعًا. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا إِذا كَانَ الْبَعْض الْمُسْتَحق شَائِعا وَهُوَ مَفْهُوم قَوْله: إِن كَانَ فِي معِين الخ. وَفِيه أَربع صور لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يكون مِمَّا يقبل الْقِسْمَة أم لَا. وَفِي كل إِمَّا أَن يكون الْمُسْتَحق كثيرا أَو قَلِيلا وَلم يحرر النَّاظِم ذَلِك بل قَالَ: وإنْ يَكُن على الشِّياع المُسْتَحَقْ وَقَبْلَ القِسْمة فالقَسْمُ استَحَقْ (وَإِن يكن على الشياع الْمُسْتَحق و) الْحَال أَنه (قبل الْقِسْمَة) كربع أَو عشر من أَرض أَو ثِيَاب مُتعَدِّدَة أَو دَار تقبل الْقِسْمَة على ذَلِك من غير ضَرَر (فالقسم) مفعول بقوله (اسْتحق) أَي فَالَّذِي يسْتَحقّهُ المُشْتَرِي هُوَ الْمُقَاسَمَة ويتمسك بِالْبَاقِي وَيرجع بِحِصَّة مَا اسْتحق، وَظَاهره كَانَ متخذاً للغلة أم لَا وَهُوَ كَذَلِك، وَظَاهره أَيْضا قَلِيلا كَانَ الْمُسْتَحق أَو كثيرا وَلَيْسَ كَذَلِك، بل إِنَّمَا ذَلِك إِذا كَانَ قَلِيلا كَمَا قَررنَا، وَأما إِن كَانَ كثيرا كثلث فِي دَار وَنصف فِي أَرض فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَين التَّمَسُّك بِالْبَاقِي وَيرجع بِحِصَّة الْمُسْتَحق وَبَين الرَّد فَيرجع بِجَمِيعِ ثمنه منقسماً كَانَ أم لَا متخذاً للغلة أم لَا. وَبِالْجُمْلَةِ فالدار الْوَاحِدَة الثُّلُث فِيهَا كثير وَالْأَرْض النّصْف فِيهَا كثير وَمَا عدا ذَلِك لَا خِيَار فِيهِ إِلَّا مَا زَاد على النّصْف وَعَلِيهِ فَقَوْل الأَجْهُورِيّ فِي نظمه الْمُتَقَدّم مَا فَاتَ نصفا الخ. يَعْنِي فِيمَا عدا الأَرْض وَالدَّار، وَمَفْهُوم قَوْله: وَقبل الْقِسْمَة والموضوع بِحَالهِ من كَون الْمُسْتَحق قَلِيلا هُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بقوله: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 وَالخُلْفُ فِي تمسُّكٍ بِمَا بَقي بِقِسْطِهِ ممَّا انْقِسَامُه اتُّقي (وَالْخلف فِي تمسك بِمَا بَقِي) بعد اسْتِحْقَاق الْقَلِيل هَل لَهُ أَن يتَمَسَّك بِهِ (بِقسْطِهِ) من الثّمن أَو لَا؟ قَولَانِ. حَكَاهُمَا ابْن سَلمُون وَذَلِكَ الْخلاف (مِمَّا) أَي فِي الْمشَاع الَّذِي (انقسامه اتقِي) وَمنع لعدم قبُوله إِيَّاه كشجرة وَاحِدَة أَو دَار ضيقَة وَنَحْوهمَا، وَالْمُعْتَمد أَنه إِذا لم يكن متخذاً للغلة فَالْخِيَار للْمُشْتَرِي بَين التَّمَسُّك بِالْبَاقِي بِمَا ينوبه وَبَين الرَّد فَيرجع ثمنه، وَإِن كَانَ متخذاً للغلة فَلَا خِيَار لَهُ بل يلْزمه الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ من الثّمن، وَبِالْجُمْلَةِ فالكثير يُخَيّر فِيهِ مُطلقًا، وَأما الْقَلِيل فَمَا لم يَنْقَسِم وَلم يتَّخذ للغلة فَكَذَلِك وَمَا اتخذ للغلة أَو انقسم فَلَا خِيَار لَهُ بل يلْزمه الْبَاقِي بِمَا ينوبه قَالَه الزّرْقَانِيّ. قَالَ: وَعَلِيهِ فيقيد الْقَلِيل فِي قَول (خَ) أَو اسْتحق شَائِع وَإِن قلَّ الخ. بِمَا إِذا كَانَ الْقَلِيل غير منقسم وَلَا متخذ للغلة اه. قَالَ ابْن رشد فِي الْبَيَان مَا نَصه: إِذا اشْترى دَارا وَاسْتحق عشرهَا فَإِن كَانَت لَا تَنْقَسِم أصلا أَو تَنْقَسِم وَلم يكن لكل جُزْء مدْخل ومخرج على حِدة أَو كَانَ لكل جُزْء مدْخل ومخرج إِلَّا أَن الْقسم ينقص من ثمنهَا فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِي ذَلِك كُله، وَإِن كَانَت تَنْقَسِم وَلكُل مدْخل ومخرج وَلم ينقص ذَلِك من ثمنهَا فَلَا خِيَار لَهُ، وَإِنَّمَا يرجع بِمَا ينوبه وَهَذَا فِي دَار السُّكْنَى، وَأما دَار الْغلَّة فَلَا ترد إِلَّا بِاسْتِحْقَاق الثُّلُث اه. بِنَقْل (م) وَقد اقْتصر (ح) فِي الِاسْتِحْقَاق عِنْد قَوْله:: ّوإن اسْتحق بعض فكالعيب الخ. على أَن اسْتِحْقَاق الشَّائِع يُوجب الْخِيَار مُطلقًا قلّ أَو كثر وَهُوَ خلاف تَقْيِيد الزّرْقَانِيّ لَهُ. وَإنْ يكُن فِي الْفَيءِ مَالُ المُسْلِمِ فهْوَ لَهُ من قبلِ قُسْمِ المغْنمِ (وَإِن يكن فِي الْفَيْء) أَرَادَ بِهِ الْغَنِيمَة بِدَلِيل قَوْله قبل قسم الْمغنم، وَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ مَا يَشْمَل الْفَيْء الْحَقِيقِيّ وَالْغنيمَة وَمَا هُوَ مُخْتَصّ بِأَخْذِهِ لِأَن مَا ملك من مَال الْحَرْبِيّ إِمَّا غنيمَة وَهُوَ مَا أَخذ بِقِتَال وَمَا فِي حكمه كفرارهم عَنهُ بعد نزُول الْجَيْش عَلَيْهِم، وَإِمَّا فَيْء كفرارهم عَنهُ قبل خُرُوج الْجَيْش وهدية الطاغية قبل دُخُول الْمُسلمين بلدهم وصلحهم على مَال وَنَحْو ذَلِك. وَإِمَّا مُخْتَصّ بِأَخْذِهِ كهروب أَسِير بِشَيْء من مَالهم وَنَحْوه، فمراده بالفيء مَا يَشْمَل الْجَمِيع إِذْ الحكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 فِي الْجَمِيع وَاحِد (مَال الْمُسلم) أَو الذِّمِّيّ (فَهُوَ لَهُ) مجَّانا حَيْثُ اطلع ربه عَلَيْهِ (من قبل قسم الْمغنم) أَو من قبل قسم الْفَيْء على مستحقيه أَو من قبل الْأَسير مَا هرب بِهِ، وَظَاهره أَنه لَهُ وَلَو بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ وَلَيْسَ كَذَلِك بل لَا بُد أَن يشْهد لَهُ بِهِ وَاحِد وَلَو غير عدل على الْمُعْتَمد كَمَا يفِيدهُ قَوْله (خَ) فِي الْجِهَاد: وَأخذ معِين وَإِن ذِمِّيا مَا عرف لَهُ قبله أَي الْقسم مجَّانا وَحلف أَنه بَاقٍ على ملكه إِلَى الْآن. وَإنْ يَقُمْ من بعدِ مَا قد قُسِما فهْوَ بهِ أَوْلى بِمَا تَقَوَّما (وَإِن يقم) ربه (من بعد مَا قد قسما) مَاله فِي الْمغنم والفيء أَو من بعد بَيْعه (فَهُوَ بِهِ أولى بِمَا تقوما) بِهِ يَوْم الْقِسْمَة على القَوْل بِأَن الْغَنِيمَة تقسم أعيانها بعد تقويمها، وعَلى القَوْل بِأَنَّهَا تبَاع وَيقسم ثمنهَا فَهُوَ أَحَق بِهِ بعد دفع الثّمن الَّذِي بيع بِهِ (خَ) : وَله بعده أَي: الْقسم أَخذه بِثمنِهِ وبالأول إِن تعدد البيع الخ. فَإِن عرف المَال أَنه لمُسلم غَائِب حمل لَهُ إِن كَانَ الْحمل خيرا وإلاَّ بيع لَهُ وَحمل لَهُ ثمنه، فَإِن كَانَ المَال مِمَّا لَا يمكله إِلَّا الْمُسلم كنسخة البُخَارِيّ والمصحف وَنَحْوهمَا وَلم يعرف ربه، فَالْمَشْهُور أَنه يقسم بَين الْمُجَاهدين تَغْلِيبًا لحقهم، فَإِن هرب الْأَسير وَنَحْوه بِشَيْء من مَتَاعهمْ وَبَاعه فاستحقه مُسلم وَأثبت أَنه لَهُ. فَإِن الْمُسْتَحق لَا يَأْخُذهُ من يَد مُشْتَرِيه إِلَّا بِالثّمن الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ وَيرجع بِهِ الْمُسْتَحق على الْأَسير الَّذِي بَاعه لِأَن الْأَسير لَا يملك مَال الْمُسلم الَّذِي بيد الْحَرْبِيّ وبمجرد هروبه بِهِ إِذْ دَار الْحَرْب لَا تملك على الْمَشْهُور. وَمُشْتَرٍ وحائزٌ مَا سَاقَ مَنْ أُمِّنَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْهُ بالثَّمَنْ (ومشتر وحائز) بِالْهبةِ وَنَحْوهَا (مَا سَاق من) بِفَتْح الْمِيم (أَمن) بِضَم الْهمزَة وَكسر الْمِيم الْمُشَدّدَة مَبْنِيا للْمَفْعُول (لَا يُؤْخَذ مِنْهُ بِالثّمن) أَي إِذا أَتَى الْمُؤمن إِلَيْنَا وسَاق مَعَه شَيْئا من أَمْوَال الْمُسلمين فَبَاعَهُ من مُسلم أَو ذمِّي أَو وهبه لَهُ أَو لذِمِّيّ فَلَيْسَ لمَالِكه الْمُسلم أَخذه من يَد مُشْتَرِيه أَو حائزه بِالْهبةِ بِثمن وَلَا بِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ على ذَلِك أعْطى الصُّلْح وَعَلِيهِ وَقعت الْهُدْنَة، وَلَكِن يكره لغير مَالِكه شِرَاء ذَلِك من الْمُسْتَأْمن (خَ) : وَكره لغير الْمَالِك اشْتِرَاء سلْعَة وفاتت بِهِ وبهبتهم لَهَا الخ. وَمَفْهُوم قَوْله مَا سَاق من أَمن أَنه إِذا لم يَأْتِ إِلَيْنَا بل دخل بعض الْمُسلمين بلدهم فَاشْترى مِنْهُم أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 وهبوه ذَلِك بدارهم وَقت الْهُدْنَة أَو الْحَرْب فَإِن ربه يكون أَحَق بِهِ بِالثّمن فِي البيع وبدونه فِي الْهِبَة (خَ) : وَلمُسلم أَو ذمِّي أَخذ مَا وهبوه بدارهم مجَّانا وبعوض بِهِ إِن لم يبع فَإِن بيع مضى ولمالكه الثّمن فِي الْمَوْهُوب أَو الزَّائِد على الثّمن الأول فِي البيع. وَيُؤْخَذُ المَأْخُوذُ مِنَ لِصَ بِلا شيْءٍ وَمَا يُفْدى بِمَا قَدْ بُذِلا (و) إِذا عدا لص وَنَحْوه على مَال شخص فنهبه أَو سَرقه فَأتى من لَهُ حُرْمَة ووجاهة أَو غَيره وافتكه من يَد اللص أَو السَّارِق بِلَا شَيْء فَإِن ربه (يَأْخُذ) مَاله (الْمَأْخُوذ من لص) وَنَحْوه (بِلَا شَيْء) أَيْضا أَي بِلَا أجر يَدْفَعهُ لمن افتكه من اللص وَنَحْوه (و) أما (مَا يفدى) من يَد اللص وَنَحْوه بعوض فَإِن ربه لَا يَأْخُذهُ إِلَّا (بِمَا) أَي بِالْعِوَضِ الَّذِي (قد بذلا) أَي أعْطى فِيهِ وَلَا سَبِيل لَهُ إِلَيْهِ بِدُونِهِ على الْمُخْتَار عِنْد الشُّيُوخ، إِذْ لَو أَخذه مَالِكه بِلَا شَيْء كَانَ سد الْبَاب الْفِدَاء مَعَ شدَّة حَاجَة النَّاس إِلَيْهِ قَالَه ابْن نَاجِي وَابْن عبد السَّلَام وَغَيرهمَا، وَعَلِيهِ عول (خَ) إِذْ قَالَ: وَالْأَحْسَن فِي المفدى من أَمن أَخذه بِالْفِدَاءِ الخ. وَمحله إِذا لم يقدر ربه على تَخْلِيص مَتَاعه من اللص من غير شَيْء وإلاَّ فَيَأْخذهُ من يَد فاديه بِغَيْر عوض، وَمحله أَيْضا إِذا فدَاه بِقصد رده إِلَى ربه، وَأما إِن فدَاه أَو اشْتَرَاهُ بِقصد تملكه فَإِن ربه يَأْخُذهُ من يَده مجَّانا كالاستحقاق، وَالْقَوْل قَول الفادي فِي أَنه فدَاه بِقصد رده إِذْ لَا يعلم ذَلِك إِلَّا من قَوْله: وَلَا مَحل للتوقيف فِيهِ، وَمحله أَيْضا إِذا ثَبت أَنه فدَاه بذلك الْعِوَض الَّذِي ادَّعَاهُ وإلاَّ فلربه أَخذه بِلَا شَيْء مَا لم تكن الْعَادة جَارِيَة بِالْفِدَاءِ وإلاَّ فَيجب عَلَيْهِ فدَاء الْمثل فِيمَا يظْهر. تَنْبِيهَات. الأول: مَا تقدم من أَن ربه يَأْخُذهُ مجَّانا حَيْثُ لم يدْفع الفادي عَلَيْهِ عوضا ظَاهر إِذا كَانَ الفادي لم يتَكَلَّف سفرا وَلَا تزَود لافتكاكه بل افتكه بِغَيْر سفر إِلَيْهِ وإلاَّ فَلهُ أجر مثله عملا بالقاعدة الْمُتَقَدّمَة فِي الْإِجَارَة وَهِي كل من أوصل لَك نفعا بِعَمَل أَو مَال لزمك أجر الْعَمَل وَمثل المَال انظرها عِنْد قَوْله: وَالْقَوْل لِلْعَامِلِ حَيْثُ يخْتَلف الخ. ثمَّ هَل يرجع ربه بِتِلْكَ الْأُجْرَة على اللص وَالسَّارِق والمحارب وَنَحْوهم؟ وَهُوَ الْمُعْتَمد لأَنهم تسببوا فِي إغرامه تِلْكَ الْأُجْرَة، فَفِي المازونية عَن أبي الْفضل العقباني فِيمَن هرب بِأمة فاستأجر رَبهَا من يبْحَث عَلَيْهَا وَأعْطى عطايا على استخلاصها فَقَالَ: على الهارب بالأمة جَمِيع مَا خسره رَبهَا فِي استخلاصها مَا لم يُجَاوز مَا خسره قيمتهَا فَلَا يلْزمه مَا زَاد على الْقيمَة اه. الثَّانِي: إِذا غرم رب المَال الْفِدَاء للفادي فَلهُ أَن يرجع بِمَا غرمه على اللص وَالسَّارِق والمحارب وَنَحْوهم لأَنهم أَخَذُوهُ بِغَيْر حق من غير خلاف فِي ذَلِك، فَإِذا لم يقدر عَلَيْهِم وَإِنَّمَا قدر على بعض أهلهم وأقاربهم فَينْظر فَإِن كَانَ أهلهم وأقاربهم يمنعونهم ويذبون عَنْهُم إِن أُرِيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 أَخذهم من الْإِنْصَاف مِنْهُم فَإِن أهلهم وأقاربهم يؤاخذون بهم لأَنهم معينون لَهُم على ظلمهم وَهِي الْمَسْأَلَة الْمَعْرُوفَة عِنْد النَّاس بالكفاف (خَ) فِي بَاب الْحِرَابَة والقتال: يجب قَتله وَلَو بإعانة الخ. قَالُوا وَقَوله: وَلَو بإعانة أَي على الْقَتْل وَلَو بالتقوى بجاهه وَإِن لم يَأْمر بقتْله وَلَا تسبب فِيهِ لِأَن جاهه إِعَانَة عَلَيْهِ حكما عَلَيْهِ اه. وَإِذا كَانَ هَذَا فِي الدِّمَاء فأحرى فِي المَال، وَإِن كَانَ أهلهم لَا يَذبُّونَ عَنْهُم وَلَا يمْنَعُونَ أحدا من الانتصاف مِنْهُم فَإِنَّهُم لَا يؤاخذون بهم، والمعلوم من عَادَة قبائل الزَّمَان الْيَوْم هُوَ الذب عَنْهُم. انْظُر أجوبتنا لأسئلة الإِمَام محيي الدّين الْحَاج عبد الْقَادِر فقد بسطنا الْكَلَام فِي ذَلِك وَالله أعلم. الثَّالِث: إِذا افتكه الفادي بعوض دَفعه من عِنْده للص وَنَحْوه، وَقُلْنَا لَا يَأْخُذهُ ربه إِلَّا بذلك الْعِوَض وَطلب الفادي زِيَادَة أُجْرَة مَشْيه وذهابه فَقَالَ ابْن عبد السَّلَام: حَيْثُ دفع الْفِدَاء من عِنْده فَلَا إِشْكَال فِي مَنعه أَخذ الْأُجْرَة لما فِيهِ من الْإِجَارَة وَالسَّلَف وإلاَّ فللنظر فِيهِ مجَال اه. قلت: أما مَا أَشَارَ إِلَيْهِ من إجالة النّظر فَلَا مَحل لَهُ مَعَ الْقَاعِدَة الْمُتَقَدّمَة فِي الْإِجَارَة، وَأما مَا أَشَارَ إِلَيْهِ من الْمَنْع للإجارة وَالسَّلَف فقد قَالَ (ت) : قد يغْتَفر ذَلِك للضَّرُورَة كالسفاتج إِذا عَم الْخَوْف مَعَ أَن فِيهَا صَرِيح السّلف بِمَنْفَعَة للْحَاجة إِلَيْهَا. الرَّابِع: إِذا تلف الشَّيْء المفدى بعد الْفِدَاء وَقبل الْوُصُول لرَبه فَإِن ذَلِك مُصِيبَة نزلت بالفادي وَلَا شَيْء لَهُ على ربه من ثمن الْفِدَاء وَلَا من النَّفَقَة وَأُجْرَة الْحمل بِخِلَاف مَا إِذا أوصله إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يجب لَهُ ذَلِك كُله إِذا أَرَادَ بِهِ أَخذه قَالَ فِي العمليات: وَمن فدى بِغَيْر إِذن فَعرض قبل الْوُصُول تلف لَا يفترض الْخَامِس: إِذا فدَاه بنية تملكه فَاسْتحقَّ من يَده فَفِي رُجُوعه بِالْفِدَاءِ على المفدى مِنْهُ قَولَانِ. الرَّاجِح مِنْهُمَا أَن لَهُ الرُّجُوع كمن اشْترى شَيْئا مَغْصُوبًا عَالما بغصبه فَاسْتحقَّ من يَده فَإِن لَهُ الرُّجُوع على الْغَاصِب على الْمُعْتَمد. السَّادِس: قَالَ فِي الشَّامِل: وَفَاتَ بيع مكافىء ومشتر على الْمَنْصُوص ولربه مَا زَاد على الثّمن الأول إِن كَانَ فَإِن بَاعه من وهب لَهُ مضى على الْمَشْهُور وَيرجع بِهِ فَقَط على الْمَوْهُوب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 لَهُ اه. وَمَعْنَاهُ إِن من أهْدى لَهُ اللص شَيْئا مِمَّا غصبه فكافأه عَلَيْهِ بِشَيْء أَو اشْتَرَاهُ من اللص وَلم يعلم بغصبه فيهمَا فَبَاعَهُ المُشْتَرِي أَو المكافىء فَإِنَّهُ يفوت ذَلِك على مَالِكه، فَإِن بَاعه من وهبه لَهُ اللص مضى أَيْضا ولربه الثّمن على الْمَوْهُوب لَهُ. (فصل فِي الْعَارِية والوديعة والأمناء) الْعَارِية: بتَشْديد الْيَاء وَقيل بتخفيفها قَالَه فِي التَّوْضِيح هِيَ من المعاورة وَهِي الْأَخْذ والإعطاء يُقَال: هم يتعاورون من جيرانهم أَي يَأْخُذُونَ ويعطون وَقَالَ الأبي: هِيَ من عرا كغزا بِمَعْنى قصد فَهِيَ عريوة ثمَّ صَارَت عرية لِاجْتِمَاع الْيَاء وَالْوَاو فَهِيَ بِمَعْنى مَطْلُوبَة ومقصودة. وَشرعا قَالَ ابْن عَرَفَة: هِيَ تمْلِيك مَنْفَعَة مُؤَقَّتَة لَا بعوض فَتدخل الْعُمْرَى والإخدام لَا الْحَبْس فَخرج بقوله: مَنْفَعَة تمْلِيك الذوات بِبيع أَو هبة وَنَحْوهمَا، وَخرج بهَا أَيْضا تمْلِيك الِانْتِفَاع لِأَن مَالك الْمَنْفَعَة لَهُ أَن يستوفيها بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ بِخِلَاف مَالك الِانْتِفَاع كسكان الْمدَارِس والزوايا والربط فَإِنَّهُم لَا يَنْتَفِعُونَ إِلَّا بِأَنْفسِهِم، وَلَيْسَ لَهُم أَن يؤاجروا ذَلِك أَو يعيروه لغَيرهم وَالنِّكَاح من الِانْتِفَاع لَا من الْمَنْفَعَة، وَكَذَا الْجُلُوس فِي الْمَسْجِد والسوق، وَبِالْجُمْلَةِ فالانتفاع هُوَ الَّذِي قصد بِهِ الْمُعْطِي خُصُوص من قَامَ بِهِ الْوَصْف أَو خُصُوص ذَات الْمُعْطى بِالْفَتْح كسكنى بيُوت الْمدَارِس وَنَحْوهَا وكمستعير مَنعه الْمَالِك من الِانْتِفَاع بِغَيْرِهِ، وَمِنْه النِّكَاح بِخِلَاف الْمَنْفَعَة فَهِيَ الَّتِي قصد فِيهَا الِانْتِفَاع بِالذَّاتِ استوفاها الْمُعْطى لَهُ بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ فَلهُ أَن يعيرها أَو يستأجرها لمثله، وَبِهَذَا تعلم أَن الْحَبْس على قسمَيْنِ مِنْهُ مَا قصد بِهِ الْمحبس خُصُوص تمْلِيك الِانْتِفَاع لمن قَامَ بِهِ الْوَصْف كالفقراء، فَهَذَا لَا يجوز لمن اسْتَحَقَّه أَن يَهبهُ وَلَا أَن يؤاجره وَلَا أَن يعيره الْمدَّة الْكَثِيرَة، وَمِنْه مَا قصد بِهِ تمْلِيك الْمَنْفَعَة وَذَلِكَ كالحبس على شخص معِين وأعقابه مثلا، فَهَذَا تجوز فِيهِ الْهِبَة وَالْإِجَارَة والإعارة، وَاخْتلف فِي الْحَبْس على الإِمَام والخطيب والمدرّس هَل هُوَ من الْقسم الأول أَو الثَّانِي وَهُوَ الظَّاهِر، وَخرج بقوله: مُؤَقَّتَة تمْلِيك الْمَنْفَعَة الْمُطلقَة كَمَا لَو ملك عَبده مَنْفَعَة نَفسه فَإِنَّهُ يصدق عَلَيْهِ ذَلِك وَلَيْسَ بعارية وَلَيْسَ عتقا أَيْضا بِدَلِيل أَن الْأمة إِذا ملكهَا مَنْفَعَة نَفسهَا ثمَّ تزَوجهَا فَإِن أَوْلَادهَا يرقون لسَيِّدهَا، وَخرج بِهِ أَيْضا الْقسم الثَّانِي من قسمي الْحَبْس فَإِنَّهُ تمْلِيك مَنْفَعَة غير مُؤَقَّتَة فَلَيْسَ بعارية وَالْحَبْس على مُخْتَار. ابْن عَرَفَة: لَا يكون إِلَّا مُؤَبَّدًا وَتَسْمِيَة الْمُؤَقت مِنْهُ حبسا مجَاز عِنْده فَلَا يرد عَلَيْهِ أَن الْحَبْس قد يكون مؤقتاً كَمَا قَالَ (خَ) : وَلَا يشْتَرط التَّأْبِيد وَخرج بقوله لَا بعوض الْإِجَارَة. وَأما حَدهَا بِالْمَعْنَى الاسمي فَيُقَال: هِيَ مَال ذُو مَنْفَعَة مُؤَقَّتَة ملكت بِغَيْر عوض. وَحكمهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 النّدب لِأَنَّهَا مَعْرُوف وإحسان وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ، وَقد يعرض وُجُوبهَا كغنى عَنْهَا لمن يخْشَى هَلَاكه بعدمها كإبرة لجائفة وَفضل طَعَام أَو شراب لمضطر إِلَيْهِ وحرمتها ككونها مُعينَة على مَعْصِيّة وكراهتها ككونها مُعينَة على مَكْرُوه. قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي سُورَة آل عمرَان: من الْغلُول منع الْكتب من أَهلهَا. قَالَ: وَكَذَا غَيرهَا والماعون الَّذِي توعد الله على مَنعه فِي قَوْله تَعَالَى: وَيمْنَعُونَ الماعون} (الماعون: 7) الْآيَة. إِنَّمَا هُوَ الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة وَهُوَ الَّذِي ذهب إِلَيْهِ مَالك رَحمَه الله وَجُمْهُور أهل الْعلم. وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا؛ أَنه عَارِية مَتَاع الْبَيْت الَّذِي يتعاطاه النَّاس فِيمَا بَينهم. وَمَا اسْتُعِيرَ رَدُّهُ مُسْتَوْجَبُ وَمَا ضمانُ المُسْتَعِير يَجِبُ (وَمَا استعير) أَي شَيْء كَانَ (رده) لرَبه (مستوجب) أَي وَاجِب لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (الْعَارِية مُؤَدَّاة) أَي يجب ردهَا وتأديتها لِرَبِّهَا بِحَيْثُ لَا يَتْرُكهَا الْمُسْتَعِير عِنْده بعد أَن قضى مِنْهَا وطره حَتَّى يَأْتِي رَبهَا إِلَيْهَا. وَفِي الحَدِيث الْكَرِيم إِشْعَار بِمَا اخْتَارَهُ ابْن رشد من أَن أُجْرَة ردهَا على الْمُسْتَعِير (خَ) : وَمؤنَة أَخذهَا على الْمُسْتَعِير كردها على الْأَظْهر، وَفِي علف الدَّابَّة قَولَانِ الخ. ومحلهما مَا لم يكن عرف وإلاَّ فيحملان عَلَيْهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ كالشرط وَتَكون حِينَئِذٍ إِجَارَة، إِذْ يجوز كِرَاء الدَّابَّة بعلفها وَالْعرْف بفاس أَن علف الْعَارِية على الْمُسْتَعِير حَيْثُ باتت عِنْده فَإِن لم تثبت فعلى رَبهَا كَمَا تقدم (وَمَا) نَافِيَة (ضَمَان الْمُسْتَعِير يجب) أَي لَا يجب على الْمُسْتَعِير ضَمَان الْعَارِية إِن هَلَكت. إلاَّ بقابِلِ المَغيب لَم تَقُمْ بَيِّنةُ عَلَيهِ أَنَّه عُدِمْ (إِلَّا) بِأحد أَمريْن. أَحدهمَا: أَن تكون الْعَارِية وَقعت (بقابل) أَي فِي قَابل (المغيب) عَلَيْهِ فالباء بِمَعْنى (فِي) وَذَلِكَ كالثياب والسفينة السائرة والحلى وَسَائِر الْعرُوض، فَإِنَّهُ إِذا ادّعى تلف شَيْء من ذَلِك فَإِنَّهُ يضمنهُ لآخر رُؤْيَة رئي عِنْده حَيْثُ (لم تقم بَيِّنَة عَلَيْهِ) ب (أَنه) قد (عدم) وَتلف بِغَيْر سَببه، فمفهوم قَابل المغيب أَنه إِذا كَانَ لَا يقبل الْغَيْبَة عَلَيْهِ كالحيوان وَالْعَقار وسفينة بالمرسى لَا ضَمَان عَلَيْهِ إِن ادّعى تلفه وَهُوَ مُصدق فِيهِ مَا لم يظْهر كذبه كدعواه موت دَابَّة يَوْم كَذَا فَشَهِدت بَيِّنَة بِأَنَّهَا ريئت عِنْده بعد ذَلِك أَو دَعْوَاهُ مَوتهَا فِي رفْقَة أَو مدشر وَلم يعلم أحد مِنْهُم بموتها، وَمَفْهُوم لم تقم بَيِّنَة عَلَيْهِ أَنه إِذا شهِدت بَيِّنَة بِتَلف مَا يُغَاب عَلَيْهِ بِغَيْر تَفْرِيط لم يضمن لِأَن الضَّمَان إِنَّمَا هُوَ للتُّهمَةِ، وَقد انْتَفَت بِقِيَام الْبَيِّنَة فَإِن شهِدت، أَنه تلف بتعديه أَو تفريطه وَهُوَ الْأَمر الثَّانِي من الْأَمريْنِ فَهُوَ ضَامِن كَمَا قَالَ عاطفاً على قَابل المغيب أَي لَا ضَمَان إِلَّا فِي قَابل للمغيب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 أَو مَا المُعَارُ فِيهِ قَدْ تُحُقِّقا تَعَدَ أَوْ فَرَّطَ فِيهِ مُطْلَقا (أَو) فِي (مَا) أَي فِي الَّذِي (المعار فِيهِ) يتَعَلَّق بقوله (قد تحققا تعد) نَائِب الْفَاعِل بتحققا (أَو فرط) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَو الْفَاعِل (فِيهِ مُطلقًا) كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ أم لَا وَقد تحصل مِنْهُ أَن مَا ثَبت فِيهِ تعد أَو تَفْرِيط يضمنهُ مُطلقًا وَمَا لم يثبت ذَلِك فِيهِ فَفِيهِ تَفْصِيل فَإِن كَانَ مِمَّا لَا يعاب عَلَيْهِ فَلَا ضَمَان إِلَّا أَن يظْهر كذبه فَإِن ادّعى تلف دَابَّة وَلم يظْهر كذبه فَلَا يضمنهَا وَيضمن سرجها ولجامها، وَمَا كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ فَهُوَ ضَامِن إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة على تلفه بِغَيْر سَببه، وَظَاهره أَنه يضمن المغيب عَلَيْهِ مَعَ عدم الْبَيِّنَة، وَلَو شَرط نفي الضَّمَان عَنهُ وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. ابْن نَاجِي: وَبِه الْفَتْوَى وَمُقَابِله أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَرجحه اللَّخْمِيّ والمازري قَالَا: لِأَن الْعَارِية مَعْرُوف وَإِسْقَاط الضَّمَان مَعْرُوف آخر لَا مَانع مِنْهُ وَهُوَ الْجَارِي على مَا لِابْنِ أبي زيد عَن أَشهب فِي الصَّانِع: يشْتَرط أَن لَا ضَمَان عَلَيْهِ إِن شَرطه عَامل لِأَنَّهُ إِذا انْتَفَى فِي الصَّانِع مَعَ الشَّرْط فأحرى فِي الْمُسْتَعِير لِأَنَّهُ فعل مَعَه مَعْرُوفا من وَجْهَيْن كَمَا علمت، وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا لَا يقبل الْغَيْبَة وَلَو شَرط عَلَيْهِ الضَّمَان وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : وَضمن المغيب عَلَيْهِ إِلَّا بِبَيِّنَة وَهل إِن شَرط نَفْيه تردد لَا غَيره وَلَو بِشَرْط الخ. لَكِن الْعَارِية مَعَ شَرط الضَّمَان تنْقَلب إِجَارَة لِأَن الشَّرْط الْمَذْكُور يخرج الْعَارِية عَن حكمهَا إِلَى الْإِجَارَة الْفَاسِدَة لِأَن رب الدَّابَّة لم يرض أَن يعيره إِيَّاهَا إِلَّا بِشَرْط أَن يحوزها فِي ضَمَانه فَهُوَ عوض مَجْهُول يرد إِلَى الْمَعْلُوم فَيلْزمهُ إِجَارَة الْمثل فِي اسْتِعْمَاله الْعَارِية قَالَه ابْن رشد. وَهُوَ مقدم على اللَّخْمِيّ الْقَائِل: إِنَّهَا لَا تنْقَلب إِجَارَة مَعَ الشَّرْط بل تمْضِي على حكم الْعَارِية وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَا أجر لِأَن الْقَاعِدَة عِنْد الشُّيُوخ أَن مَا اسْتَظْهرهُ ابْن رشد من عِنْده مقدم على مَا اسْتَظْهرهُ اللَّخْمِيّ من عِنْده أَيْضا كَمَا قَالَه الزّرْقَانِيّ عِنْد قَوْله فِي الزَّكَاة: كالتمر نوعا أَو نَوْعَيْنِ وَقد تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ أول الْكتاب فَلَا تلْتَفت إِلَى مَا للشَّيْخ الرهوني فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 حَاشِيَته. تَنْبِيهَانِ. الأول: مثل قيام الْبَيِّنَة فِي قَابل الْغَيْبَة مَا إِذا أَتَى بِالثَّوْبِ محروقاً أَو بِهِ قرض فار أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا يعلم أَن إِتْلَافه نَشأ عَن غير فعله. قَالَ فِي الشَّامِل: وَحلف مَا فرط فِيمَا علم أَنه بِلَا سَببه كسوس وقرض فار وَحرق نَار الخ. وَنَحْوه قَول (خَ) : وَحلف فِيمَا علم أَنه بِلَا سَببه وكسوس أَنه مَا فرط الخ. إِذْ من جملَة مَا يدْخل تَحت الْكَاف قرض الفار وَالنَّار وَهُوَ الَّذِي عزاهُ اللَّخْمِيّ لِابْنِ الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة، وَاخْتَارَهُ ابْن رشد. ابْن رحال: وَهُوَ الرَّاجِح لِأَنَّهُ مَحْمُول على أَن النَّار لَيست من سَبَب كَمَا لأبي الْحسن وَابْن نَاجِي اه. وَذكر مصطفى أَن حرق النَّار لَيْسَ كالسوس وقرض الفار لِأَن النَّار يحْتَمل أَن يكون هُوَ الَّذِي تسبب فِي إيقادها فَيجب ضَمَانه حَتَّى يثبت أَنَّهَا بِغَيْر سَببه كَمَا قَالَه فِي تضمين الصناع من الْمُدَوَّنَة. وانتصر لَهُ الشَّيْخ الرهوني فِي حَاشِيَته. وَبِالْجُمْلَةِ: فهما قَولَانِ فِي الْمُدَوَّنَة، وَلَكِن الْمُعْتَمد أَن حرق النَّار كقرض الفار إِذْ الأَصْل عدم العداء وَأَن النَّار لَيست من سَببه، وَلذَا سوى بَينهمَا فِي الشَّامِل. وَقَالَ (خَ) فِي الرَّهْن: وَلم تشهد بَيِّنَة بحرقه فَلم يشترطا فِي عدم الضَّمَان قيام الْبَيِّنَة على كَون النَّار لَيست من سَببه، وَلَا سِيمَا وَقد اخْتَارَهُ ابْن رشد وَهُوَ مقدم على غَيره كَمَا مر. (الثَّانِي) : إِذا اسْتعَار نَحْو الفأس والمنشار وَالسيف لِلْقِتَالِ وَنَحْو ذَلِك فَأتى بِشَيْء من ذَلِك مكسوراً فَقَالَ (ح) : وبرىء فِي كسر كسيف إِن شهد لَهُ أَنه مَعَه فِي اللِّقَاء أَو ضرب بِهِ ضرب مثله الخ. وَهَذَا قَول ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة. وَقَالَ عِيسَى بن دِينَار ومطرف وَأصبغ: لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي ذَلِك إِذْ أَتَى بِمَا يشبه وَيرى أَنه ينكسر فِي ذَلِك الْفِعْل بل يصدق بِيَمِينِهِ. ابْن حبيب: وَبِه أَقُول. ابْن يُونُس: وَهُوَ عِنْدِي أبين. ابْن رشد: وَهُوَ أصوب الْأَقْوَال. ابْن عبد السَّلَام: وَهُوَ أقرب لِأَن الْمُسْتَعِير قد فعل مَا أذن لَهُ فِي فعله وَلم يقم دَلِيل على كذبه بل قَامَ مَا يصدقهُ اه. فَيجب أَن يكون هَذَا القَوْل هُوَ الْمُعْتَمد لما ترى من اخْتِيَار الشُّيُوخ لَهُ، وَلِأَن الأَصْل عدم العداء، وَسبب الْخلاف هَل يُقَاس تعييب الشَّيْء المعار على ذهَاب عينه أم لَا؟ فَمن جعل تعييبه كذهاب عينه قَالَ: الْمُسْتَعِير ضَامِن، وَمن جعل تعييبه مُخَالفا لذهاب عينه قَالَ: يصدق بِيَمِينِهِ. ثمَّ مَا تقدم من أَنه يحلف مَا فرط الخ. هُوَ عَام فِيمَا يُغَاب عَلَيْهِ وَمَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ، فَإِن نكل فَيضمن الْقيمَة بِمُجَرَّد نُكُوله لِأَنَّهَا يَمِين تُهْمَة. وَتعْتَبر الْقيمَة يَوْم انْقِضَاء أجل الْعَارِية على مَا ينقصها الِاسْتِعْمَال الْمَأْذُون فِيهِ قَالَ ابْن رشد: وَالقولُ قولُ مُسْتعِير حَلَفا فِي رَدِّ مَا اسْتَعَارَ حَيْثُ اخْتَلَفَا (وَالْقَوْل قَول مستعير) من نَعته وَصفته (حلفا فِي رد مَا اسْتعَار) يتَعَلَّق بقوله (حَيْثُ اخْتلفَا) وَهَذَا إِذا كَانَ لَا يُغَاب عَلَيْهِ (خَ) كدعواه رد مَا لم يضمن الخ. وَإِلَّا فَالْقَوْل للْمُعِير فِي عدم رده كَمَا قَالَ: مَا لم يكن مِمَّا يُغَابُ عَادَه عليْهِ أَوْ أُوخِذَ بالشِّهَادَه (مَا لم يكن) الشَّيْء المعار (مِمَّا يُغَاب عَاده عَلَيْهِ) كالعروض والحلى وَنَحْوهمَا (أَو) مِمَّا لَا يُغَاب عَلَيْهِ وَلَكِن (أَخذ) من يَد الْمُعير (بِالشَّهَادَةِ) الْمَقْصُودَة للتوثق وَتَقَدَّمت حَقِيقَتهَا فِي الْقَرَاض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 فالقولُ للمُعِيرِ فِيمَا بَيَّنَه وَمُدّعِي الرَّدِّ عليْه البيِّنَه (فَالْقَوْل) فِي الصُّورَتَيْنِ حِينَئِذٍ (للْمُعِير فِيمَا بَينه) أَي ادَّعَاهُ عَلَيْهِ من عدم ردهَا (ومدعي الرَّد) فِي الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ الْمُسْتَعِير (عَلَيْهِ الْبَيِّنَة) أَنه ردهَا وَمثل الْعَارِية فِي ذَلِك كُله الْوَدِيعَة وَالشَّيْء الْمُسْتَأْجر والقراض وَالرَّهْن والصناع قَالَ فِي الْمُقدمَات: كل مَوضِع يصدق فِيهِ الْقَابِض فِي دَعْوَى الضّيَاع مثل الْوَدِيعَة والقراض وَرهن مَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يصدق فِي دَعْوَى الرَّد إِذا قَبضه بِغَيْر بَيِّنَة فَإِن قَبضه بِبَيِّنَة لم يصدق فِي الرَّد ثمَّ قَالَ: وكل مَوضِع لَا يصدق فِيهِ دَعْوَى الضّيَاع لَا يصدق فِيهِ فِي الرَّد قبض بَيِّنَة أم لَا. وَتقدم أَن الْمُكْتَرِي لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا يُغَاب عَلَيْهِ وَمَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ كَمَا مرَّ فِي فصل أَحْكَام من الْكِرَاء حَيْثُ قَالَ: ومكتر لذاك لَا يضمن مَا يتْلف عِنْده سوى أَن ظلما فَيَقْتَضِي أَنه مُصدق فِي الرَّد مُطلقًا مَا لم يقبضهُ بِبَيِّنَة، وَبِه تعلم أَن الحلى وَنَحْوه الَّذِي يكرى لتزيين الْعَرُوس لَا ضَمَان فِيهِ، وَأَنه مُصدق فِي ضيَاعه كَمَا يصدق فِي رده مَا لم يقبضهُ بِبَيِّنَة، فَلَو اكترى دَابَّة فَلَمَّا قدم قَالَ: أودعتها لِأَنَّهَا وقفت عَليّ فِي الطَّرِيق فَإِنَّهُ يصدق وَلَو أنكر الْمُودع عِنْده وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَن الشَّأْن دفع الودائع بِغَيْر بَيِّنَة كَمَا تقدم فِي بَاب الْكِرَاء. وَانْظُر شرح الشَّامِل عِنْد قَوْله فِي الْوَدِيعَة: وَلَا يصدق إِن خَافَ عَورَة مَوْضِعه، وَظَاهر النّظم و (خَ) أَنه يصدق فِي دَعْوَى رد مَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ حَيْثُ أَخذه بِغَيْر بَيِّنَة، وَلَو رده مَعَ عَبده أَو غُلَامه أَو غَيرهمَا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَإِذا ادّعى الرَّسُول أَنَّهَا عطبت أَو ضلت فَلَا يضمن الْمُسْتَعِير لِأَن شَأْن النَّاس على ردهَا مَعَ الرَّسُول، وَلَو لم يعلم ضياعها إِلَّا من قَوْله وَلَو غير مَأْمُون كَمَا فِي (ح) . والقولُ فِي المُدّةِ للمُعيرِ مَعْ حَلْفِهِ وَعَجْزِ مُسْتَعِير (وَالْقَوْل) فِي اخْتِلَافهمَا (فِي الْمدَّة) فَقَالَ الْمُسْتَعِير: أعرتني ليومين أَو شَهْرَيْن، وَقَالَ الْمُعير: بل ليَوْم أَو شهر، وَكَانَ ذَلِك قبل انْقِضَاء الْمدَّة الَّتِي يدعيها الْمُسْتَعِير بِدَلِيل قَوْله بعد: وَالْقَوْل من بعد الرّكُوب ثبتا الخ. (للْمُعِير مَعَ حلفه) بِسُكُون اللَّام (وَعجز مستعير) عَن إِثْبَات مَا يَدعِيهِ، وَفهم من قَوْله: مَعَ حلفه أَن الْعَارِية تلْزم بِالْعقدِ وَهُوَ كَذَلِك وَإِلَّا لم يكن على الْمُعير يَمِين فَإِن أثبت الْمُسْتَعِير مَا يَدعِيهِ من الْمدَّة وَنكل الْمُعير فَالْقَوْل لَهُ. كَذَاكَ فِي مَسَافَةٍ لما رَكِبْ قبلَ الرُّكوب ذَا لَهُ فِيهِ يَجِبْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 (كَذَاك) تجب الْيَمين على الْمُعير (فِي) قدر (مَسَافَة لما ركب) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَو الْفَاعِل أَي لما شَأْنه أَن يركب أَو يحمل عَلَيْهِ إِذا اخْتلفَا (قبل الرّكُوب) أَو الْحمل أصلا أَو بعد ركُوب أَو حمل الْمُتَّفق عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُسْتَعِير: أعرتني لبلد كَذَا، وَقَالَ الْمُعير: لبلد أقرب مِنْهُ أَو أسهل مِنْهُ (ذَا) أَي كَون القَوْل (لَهُ) أَي للْمُعِير (فِيهِ) أَي الِاخْتِلَاف الْمَفْهُوم من السِّيَاق مِقْدَار أَو فِي مَسَافَة وَقبل الرّكُوب متعلقان بِهِ (يجب) خبر عَن اسْم الْإِشَارَة، وَالتَّقْدِير: ذَا أَي كَون القَوْل للْمُعِير يجب وَيثبت فِي الِاخْتِلَاف فِي قدر مَسَافَة لمركوب قبل ركُوبه حَال كَون القَوْل لَهُ كَذَلِك أَي مَعَ يَمِينه كَمَا فِي الْمَسْأَلَة قبلهَا و (مَا) على هَذَا مَصْدَرِيَّة، وَإِذا حلف الْمُعير فِي هَذَا الْمَوْضُوع خير الْمُسْتَعِير فِي ركُوب الْمسَافَة الْمَحْلُوف عَلَيْهَا أَو الطَّرِيق السهلة وَفِي أَن يتْرك وَلَا يركب وَلَا يحمل شَيْئا كَمَا قَالَ: والمدّعي مخيَّرٌ أنْ يَرْكبا مِقْدَارَ مَا حَدَّ لَهُ أَوْ يَذْهَبا (وَالْمُدَّعِي مُخَيّر) فِي (أَن يركبا مِقْدَار مَا حد لَهُ أَو يذهبا) وَكَذَا يُخَيّر فِي اخْتِلَافهمَا فِي الْمدَّة، وَإِذا اخْتَار الرّكُوب وَالْحمل فَلَا تسلم لَهُ الدَّابَّة إِن خشِي مِنْهُ العداء بركوب الطَّرِيق الصعبة أَو إِلَّا بعد إِلَّا بتوثق مِنْهُ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله قبل الرّكُوب فَقَالَ: والقولُ من بَعْدِ الرّكُوبِ ثَبَتا لِلْمُسْتَعير إنْ بِمُشْبِهٍ أَتَى (وَالْقَوْل من بعد الرّكُوب) للمسافة الْمُخْتَلف فِيهَا كلهَا أَو ركُوب الْمدَّة الْمُخْتَلف فِيهَا أَيْضا (ثبتا للْمُسْتَعِير) لِأَن الأَصْل عدم العداء (إِن بمشبه أَتَى) وَحِينَئِذٍ فَلَا كِرَاء عَلَيْهِ إِن سلمت وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إِن عطبت أَو تعيبت. وَإن أَتَى فِيهِ بِمَا لَا يُشْبِه فالقولُ للْمُعِير لَا يَشْتَبه (فَإِن أَتَى فِيهِ بِمَا لَا يشبه) كدعواه مَسَافَة لَا يعير النَّاس أَو هَذَا الْمُعير إِلَى مثلهَا أَو مُدَّة كَذَلِك أَو أَتَى بِمَا يشبه فيهمَا وَنكل عَن الْيَمين (فَالْقَوْل للْمُعِير لَا يشْتَبه) أَي لَا يلتبس بِشَيْء وَيَأْخُذ كِرَاء تِلْكَ الزِّيَادَة إِن سلمت وَيُخَير فِي أَخذ قيمتهَا أَو كِرَاء الدَّابَّة إِن عطبت كزيادة الْحمل فِيمَا يظْهر (خَ) مشبهاً فِي كَون القَوْل للْمُعِير كزائد الْمسَافَة إِن لم يزدْ، وَإِلَّا فللمستعير فِي نفي الضَّمَان والكراء يَعْنِي إِن أشبه وَإِن برَسُول مُخَالف للْمُعِير أَو الْمُسْتَعِير. والقولُ قَوْلُ مدّعي الكِراءِ فِي مَا يُسْتَعارُ مَعَ يمينٍ اقْتفي (و) إِن أَخذ شخص دَابَّة من غَيره أَو ثوبا وَنَحْوه فَانْتَفع بذلك وَادّعى أَنه أَعَارَهُ إِيَّاهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 وَادّعى رَبهَا كراءها لَهُ ف (القَوْل قَول مدعي الْكِرَاء) لِأَن الْمُسْتَعِير ادّعى عَلَيْهِ مَعْرُوفا وَالْأَصْل عَدمه (فِي مَا) أَي فِي الشَّيْء الَّذِي (يستعار مَعَ يَمِين) مِنْهُ على ذَلِك فَيُؤْخَذ مِنْهُ توجه الْيَمين فِي دَعْوَى الْمَعْرُوف وَهُوَ الْمَشْهُور وَتقدم نَحوه فِي الضَّمَان (اقتفي) أَي اتبع نعت ليمين، فَإِن نكل حلف الْمُسْتَعِير فَإِن نكل غرم الْكِرَاء وَهَذَا مَا لم يكن مثله لَا يكْرِي الدَّوَابّ لشرف قدره وعلو منصبه وإلاَّ فَالْقَوْل للْمُسْتَعِير قَالَه ابْن الْقَاسِم وَهُوَ معنى قَوْله: مَا لَمْ يَكُن ذَلِكَ لَا يَليقُ بهِ فَقَلْبُ القَسَم التّحَقيقُ (مَا لم يكن ذَلِك لَا يَلِيق بِهِ) أَي بِالَّذِي ادّعى الْكِرَاء (فَقلب الْقسم) على الْمُسْتَعِير هُوَ (التَّحْقِيق) فَيحلف وَلَا كِرَاء عَلَيْهِ، فَإِن نكل حلف الْمُعير وَأخذ كراءه فَإِن نكل أَيْضا فَلَا شَيْء لَهُ (خَ) وَإِن ادَّعَاهَا الْآخِذ وَالْمَالِك الْكِرَاء فَالْقَوْل لَهُ بِيَمِين إِلَّا أَن يأنف مثله عَنهُ الخ. تَنْبِيهَات. الأول: مَا تقدم من كَون القَوْل لِرَبِّهَا وَلُزُوم الْكِرَاء ظَاهر إِذا كَانَ الشَّيْء قَائِما أَو قَامَت على هَلَاكه بَيِّنَة أَو كَانَ مِمَّا لَا يُغَاب عَلَيْهِ وَلم تقم بَيِّنَة بِأَنَّهُ تلف بتفريط مِمَّن كَانَ بِيَدِهِ، وَأما إِن كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ وَلم تقم بَيِّنَة بتلفه فَمُقْتَضى كَون القَوْل لرَبه حَيْثُ كَانَ مثله لَا يأنف من ذَلِك أَنه يجب الْكِرَاء وَيسْقط الضَّمَان لِأَن الْكِرَاء لَا ضَمَان فِيهِ وَلَو فِيمَا يُغَاب عَلَيْهِ كَمَا مر، وَالْغَالِب حِينَئِذٍ أَن رَبهَا إِنَّمَا يَدعِي الْكِرَاء فِي هَذِه الصُّورَة إِذا كَانَ أَكثر من قيمَة ذَلِك الشَّيْء، فَإِن تَسَاويا فَالْمَال وَاحِد وَيظْهر أَنه لَا يَمِين على الْمَالِك إِذْ ذَاك لِأَنَّهُ قَادر على أَخذ ذَلِك بِإِقْرَار منازعه وَإِن كَانَ الْكِرَاء أقل فَلَا يَدعِيهِ غَالِبا وعَلى تَقْدِير ادعائه ذَلِك فَعدم الْحلف أَحْرَى من صُورَة الْمُسَاوَاة قَالَه الشَّيْخ الرهوني. الثَّانِي: عكس هَذِه الْمَسْأَلَة وَهُوَ أَن يَدعِي رَبهَا الْعَارِية وَيَدعِي الآخر الْكِرَاء لِئَلَّا يضمن قد تقدم حكمه فِي فصل أَحْكَام الْكِرَاء عَن ابْن سَلمُون وَصَاحب المعيار. الثَّالِث: سُئِلَ ابْن الْقطَّان عَمَّن ذهب إِلَى صهره يستعير مِنْهُ حمارة فَلم يجده وَوجد الحمارة فَأَخذهَا ثمَّ ردهَا وَهِي مَرِيضَة فعطبت فِي دَار صَاحبهَا، فَلَمَّا قدم صَاحبهَا أنكر مَرضهَا وَذهب إِلَى إغرام دَابَّته بعد أَن سكت مُدَّة من ثَلَاثَة أَعْوَام لم يطْلبهَا إِلَّا بعد خصام وَقع بَينهمَا. فَأجَاب بِأَن لَهُ طلب حَقه وَيضمن أَخذ الدَّابَّة قيمَة الدَّابَّة اه. نَقله ابْن سَلمُون. قلت: مَا لِابْنِ الْقطَّان ظَاهر إِذا لم تكن هُنَاكَ عَادَة بالإعارة وَإِلَّا فَلَا، وَظَاهر أَيْضا حَيْثُ لم يطْلبهَا إِلَّا لخصام وَقع بَينهمَا فقد قَالَ القوري فِي الْأَقَارِب والأصهار وَمن فِي معناهم: يَأْخُذ أحدهم مَتَاع الآخر من غير مشورته وَلَا إِذْنه، وَذَلِكَ على عَادَتهم وسيرتهم إِلَى أَن هلك بعض الْمَأْخُوذ من الْمُسْتَعِير لَا ضَمَان على الْمُسْتَعِير حَيْثُ ثبتَتْ عَادَتهم بذلك وَكَانَت مِمَّا لَا يُغَاب عَلَيْهِ وَهَلَكت لغير تَضْييع وَلَا تَفْرِيط. قَالَ: وَقد نَص اللَّخْمِيّ على أَن كل مَا لَا يطْلب إِلَّا عِنْد المشاجرة والمخاصمة لَا يحكم بِهِ لطالبه اه. وَنَحْوه فِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن الْحَاج فِيمَن غارت عَلَيْهِم خيل الْعَدو، وعادتهم أَن من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 وجد فرسا رَكبه فَأخذ الْعَدو الْفرس غَلَبَة وقهراً عَلَيْهِ أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ اه. بِاخْتِصَار. الرَّابِع: لَا يجوز الصُّلْح على شَيْء قد فَاتَ حَتَّى تعرف قِيمَته وَيكون الصُّلْح بمعجل لَا بمؤجل لِئَلَّا يكون دينا بدين، وَقد تقدم ذَلِك فِي الصُّلْح ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى بعض أَحْكَام الْوَدِيعَة فَقَالَ: (فصل فِي الْوَدِيعَة) وَهِي بِالْمَعْنَى المصدري كَمَا قَالَ (خَ) : تَوْكِيل على مُجَرّد حفظ مَال فَخرج بِهِ إِيدَاع الْأَب وَلَده لمن يحفظه لانْتِفَاء لَوَازِم الْوَدِيعَة من الضَّمَان وَنَحْوه، وَخرج أَيْضا الْأمة المتواضعة لِأَن الْقَصْد إِخْبَار الْأمين بحيضتها وَعَدَمه لَا حفظهَا، وَخرج بقوله مُجَرّد حفظ الخ. الْإِجَارَة على حراسة المَال ويشمل قَوْله مَال الرباع وَنَحْوهَا، وإذكار الْحُقُوق لِأَنَّهَا منضمة لِلْمَالِ وَتحفظ لأَجله وبالمعنى الاسمي مَال نقل لمُجَرّد حفظه. وَيضْمَنُ المُودَعُ معْ ظُهُورِ مخَايلِ التَّضييع والتّقصيرِ (وَيضمن الْمُودع) بِفَتْح الدَّال الرشيد مَا تلف من الْوَدِيعَة (مَعَ ظُهُور مخايل) أَي دَلَائِل (التضييع) مِنْهُ كلبس الثَّوْب الْمُودع وركوب الدَّابَّة المودعة فهلكا وَقت الِانْتِفَاع بهما (وَالتَّقْصِير) فِي الْحِفْظ كَعَدم تفقد الثَّوْب الْمُودع حَتَّى تسوس كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ عِنْد قَوْله فِي الْعَارِية: وَحلف فِيمَا علم أَنه بِلَا سَببه الخ. قَائِلا يُؤْخَذ من هَذِه الْمَسْأَلَة أَنه يجب عَلَيْهِ تفقد الْعَارِية، وَكَذَا يجب عَلَيْهِ تفقد الرَّهْن وَالشَّيْء الْمُودع الخ. وَمن ذَلِك من أودع مائَة مِثْقَال مثلا فَجَعلهَا فِي دَاره على سَرِيره أَو فِي كوَّة وَلَو غير نَافِذَة وسرقت، فَإِنَّهُ يضمنهَا لِأَنَّهُ مضيع ومفرط بِالنِّسْبَةِ إِلَى أهل بَيته وتقطع يَد السَّارِق إِذا سَرَقهَا لِأَن الْمُودع عِنْده لَيْسَ بمضيع لَهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَجْنَبِيّ قَالَه السوداني (خَ) : وَضمن بِسُقُوط شَيْء من يَد الْمُودع عَلَيْهَا وَضمن أَيْضا بانتفاعه بهَا فَهَلَكت وبخلطها حَيْثُ تعذر تمييزها وبنسيانها فِي مَوضِع إيداعها وبدخوله الْحمام بهَا وبخروجه بهَا يَظُنهَا لَهُ فَتلفت، لَا إِن نَسِيَهَا فِي كمه فَوَقَعت أَي سَقَطت أَو شَرط عَلَيْهِ الضَّمَان فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ. وَلَا ضَمَان فِيهِ للسَّفيهِ وَلا الصَّغِير معْ ضَياعٍ فِيهِ (وَلَا ضَمَان فِيهِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 أَي فِي الشَّيْء الْمُودع والمعار (للسفيه) أَي عَلَيْهِ فالللام بِمَعْنى (على) كَقَوْلِه تَعَالَى: وَإِن أسأتم فلهَا} (الْإِسْرَاء: 7) (وَلَا) على. (الصَّغِير) ، الْمُمَيز وَأَحْرَى غَيره (مَعَ ضيَاع فِيهِ) أَي فِي الشَّيْء الْمُودع وَشَمل كَلَامه مَا إِذا قَامَت بَيِّنَة على تضييعهما أَو تقصيرهما أَو تعمدهما للإتلاف، وَمُجَرَّد الدَّعْوَى من وليهما بذلك فَالْكل لَا ضَمَان فِيهِ لِأَن رَبهَا سلطه عَلَيْهَا وَلَو ضمن لبطلت فَائِدَة الْحجر، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يصون بِهِ مَاله فَيضمن فِي المَال الَّذِي صونه أَي حفظه خَاصَّة، فَإِذا بَاعَ الْوَدِيعَة مثلا وَصرف بعض ثمنهَا فِي نَفَقَته الَّتِي لَا غنى عَنْهَا وَتلف الْبَعْض الآخر أَو أكل بَعْضهَا وَتلف الْبَعْض الآخر فَلَا يضمن إِلَّا الْقدر الَّذِي صرفه فِي نَفَقَته الَّتِي لَا غنى لَهُ عَنْهَا دون الَّذِي تلف أَو الَّتِي لَهُ غنى عَنْهَا وَيضمن فِي المَال الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ وَقت الْإِنْفَاق فَقَط، فَإِن تلف مَا كَانَ بِيَدِهِ وقتئذ أَو لم يَفِ بِمَا أنفقهُ وَأفَاد غَيره لم يضمن فِيهِ قَالَه اللَّخْمِيّ وَغَيره. وَحَاصِله أَن يضمن الْأَقَل مِمَّا بِيَدِهِ أَو أنفقهُ فَإِذا كَانَ المَال الَّذِي بِيَدِهِ يُسَاوِي عشرَة الْوَدِيعَة عشرُون وَقد أنفقها لم يضمن إِلَّا عشرَة، وَكَذَلِكَ الْعَكْس وَهُوَ مَحْمُول على أَنه أنفقهُ فِيمَا لَهُ غنى عَنهُ حَتَّى يثبت أَنه أنفقهُ فِيمَا لَا غنى عَنهُ فَيضمنهُ حِينَئِذٍ كَمَا قَالَه ابْن رشد. وَيَأْتِي هَذَا أَيْضا أول بَاب الرشد، وَمَفْهُوم الْإِيدَاع أَن الْمَحْجُور صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا إِذْ أتلف مَا لم يودع عِنْده وَلَا أَمن عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يضمنهُ وَيتبع بِهِ فِي ذمَّته إِن لم يكن لَهُ مَال وَقت الْإِتْلَاف قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة. وَمن أودعته وَدِيعَة فاستهلكها ابْنه فَذَلِك فِي مَال الابْن فَإِن لم يكن لَهُ مَال فَفِي ذمَّته اه. وَهُوَ مَنْطُوق قَول (خَ) وَضمن مَا أفسد إِن لم يُؤمن عَلَيْهِ، وَمَفْهُومه هُوَ مَا صرح بِهِ فِي الْوَدِيعَة حَيْثُ قَالَ: وَإِن أودع صَبيا أَو سَفِيها أَو أقْرض أَو بَاعَ فأتلف لم يضمن الخ. وَهُوَ مَا للناظم هُنَا وَسَيَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم أَيْضا فِي الْحجر بِهِ وَكلما أتْلفه الْمَحْجُور فغرمه من مَاله الْمَشْهُور الخ. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا أودع الْمَحْجُور وَدِيعَة عِنْد رشيد فَتلفت فَإِن الرشيد يضمنهَا وَلَو تلفت بِغَيْر سَببه وَلَو لم يعلم الرشيد بحجره قَالَه الرزقاني وَهُوَ ظَاهر لتعديه بقبضها ونقلها بِغَيْر إِذن مُعْتَبر، بل ذكر الْمواق عَن الْبُرْزُليّ عِنْد قَول (خَ) : وَإِن أودع صَبيا الخ. أَن أَبَا مُحَمَّد بن أبي زيد أفتى بِضَمَان رجل أعطَاهُ صبي مَالا ثمَّ رده عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رد لمن يجوز لَهُ أَن يعطاه اه. وَأما الْمَحْجُور إِذا أَمن مَحْجُورا أَو عَامله فأتلف الثّمن فَإِن الضَّمَان على الْمُتْلف بِكَسْر اللَّام قَالَه ابْن رحال عِنْد قَوْله فِي النِّكَاح: ولولي صَغِير فسخ عقده الخ. الثَّانِي: من أدّى عَن مَحْجُوره مَا لزمَه من مَتَاع كَسره أَو أفْسدهُ أَو اختلسه فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهِ بِهِ فِي مَاله وَيتبع بِهِ فِي ذمَّته لم يكن لَهُ مَال، وَهَذَا إِن لم يُؤمن عَلَيْهِ فَإِن كَانَ قد أَمن عَلَيْهِ لم يتبع بِهِ فِي ذمَّته، وَإِنَّمَا يرجع عَلَيْهِ فِي المَال الَّذِي بِيَدِهِ إِن كَانَ صون بِهِ مَاله لَا فِيمَا أَفَادَ بعد ذَلِك. وَالتَّجْرُ بالمودَعِ مِنْ أَعْمَلَهُ يَضْمَنُه وَالرِّبْحُ كلُّه لهُ (والتجر بالمودع) مُبْتَدأ (من) مُبْتَدأ ثَان (أعمله) صلته وَالضَّمِير للتجر (يضمنهُ) أَي الْمُودع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 بِالْفَتْح وَلَو تلف بِغَيْر سَببه لِأَن التَّجر بِهِ يتَضَمَّن سلفه وَضَمان السّلف من المتسلف (وَالرِّبْح) الْحَاصِل بِسَبَب التِّجَارَة (كُله لَهُ) أَي للْمُودع بِالْفَتْح لِأَن الْخراج بِالضَّمَانِ وَإِنَّمَا يطيب لَهُ الرِّبْح إِذا رد رَأس المَال كَمَا هُوَ وَإِلَّا فَلَا يحل لَهُ مِنْهُ قَلِيل وَلَا كثير قَالَه بعض الْمُتَأَخِّرين، وَظَاهر النّظم أَن الرِّبْح كُله لَهُ كَانَت الْوَدِيعَة عينا أَو مثلِيا أَو مُقَومًا وَهُوَ كَذَلِك غير أَنه إِذا كَانَت مُقَومًا أَو كَانَ الْمُودع بِالْفَتْح معدماً حرمت التِّجَارَة ابْتِدَاء، وَإِن كَانَت عينا أَو مثلِيا كرهت ابْتِدَاء أَيْضا (خَ) : وَحرم أَي على الْمُودع سلف مقوم ومعدم وَكره النَّقْد والمثلى كالتجارة وَالرِّبْح لَهُ وبرىء إِن رد غير الْمحرم الخ. أَي إِذا تسلف الْوَدِيعَة ليتجر بهَا وَنَحْو ذَلِك. وَادّعى رد مثلهَا لمحله فَإِن كَانَ لَا يحرم تسلفها كالنقد والمثلى فَإِنَّهُ يصدق فِي رده وَفِي تلفه بعده، وَإِن كَانَ يحرم تسلفها كالعرض فَإِنَّهُ لَا يصدق فِي رده وَلَا فِي تلفه بعده. تَنْبِيهَانِ. الأول: الْوَصِيّ وَالْغَاصِب كَالْمُودعِ فِي كَون الرِّبْح لَهما إِذا اتجرا بِالْمَالِ لأنفسهما بِخِلَاف الْمُقَارض والمبضع مَعَه فَلَيْسَ لَهما أَن يتجرا لأنفسهما، فَإِن فعلا فالتلف والخسر عَلَيْهِمَا وَالرِّبْح لرب المَال، وَكَذَا الْوَكِيل. وَتقدم آخر اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين مَا إِذا قَالَ الْوَكِيل: اشْتَرَيْته لنَفْسي، وَقَالَ الْمُوكل: بل لي فَانْظُرْهُ هُنَاكَ قَالَ فِي الْمنْهَج: وَالرِّبْح تَابع لِلْمَالِ مَا عدا غصبا وَدِيعَة وتفليساً بدا وَمرَاده الْمُفلس يُوقف مَاله فيتجر فِيهِ فَالرِّبْح لَهُ لَا للْغُرَمَاء، وَهَذَا على القَوْل بِأَن ضَمَانه إِذا تلف مِنْهُم لَا من الْمُفلس، وَأما على أَن الضَّمَان من الْمُفلس فَذَلِك بَاقٍ على قَاعِدَة اتِّبَاع الرِّبْح لِلْمَالِ، وَالْمَشْهُور أَن ضَمَان الْعين مِنْهُم وَضَمان الْعرض مِنْهُ وَعَلِيهِ فَإِنَّمَا ذَلِك بِالنِّسْبَةِ للْمُفلس فِي ربح الْعين فَقَط. الثَّانِي: كَون الرِّبْح للْمُودع وَمن فِي مَعْنَاهُ وَاضح إِن كَانَت الْوَدِيعَة دَنَانِير أَو دَرَاهِم وَإِن كَانَت عرضا فربها مُخَيّر فِي الثّمن أَو الْقيمَة يَوْم التَّعَدِّي فَإِن اخْتَار الْقيمَة فَلَا كَلَام، وَإِن اخْتَار الثّمن فَإِن كَانَت فِيهَا زِيَادَة قبل البيع فَهِيَ للْمُودع بِالْكَسْرِ وَمَا حدث بعد البيع فللمودع بِالْفَتْح كَأَن يكون الْعرض بِعشْرَة فَبَاعَهُ بِعشْرين وَاشْترى بِهِ سلْعَة بَاعهَا بِثَلَاثِينَ فَالرِّبْح فِي الْبيعَة الأولى وَهُوَ عشرَة لِرَبِّهَا، وَفِي الثَّانِيَة وَهُوَ عشرَة للْمُودع بِالْفَتْح، وَأما إِذا كَانَ يَبِيع الْعرض بِالْعرضِ وهلم جرّا فَلَا ربح لَهُ وَله الْأُجْرَة قَالَه الزّرْقَانِيّ. وَمحل التَّخْيِير فِي الثّمن وَالْقيمَة إِذا مَاتَ، وَأما إِن كَانَ قَائِما فَيُخَير بَين الْإِجَارَة وَأخذ الثّمن أَو رد البيع وَأخذ عرضه. وَالقَوْلُ قَولُ مُدَّعِ فِيمَا تَلِفْ وَفي ادَّعَاءِ رَدَّهَا مَعَ الْحَلِفْ (و) إِذا طُولِبَ الْمُودع برد الْوَدِيعَة فَقَالَ تلفت أَو قَالَ رَددتهَا فَفِي الأول (القَوْل قَول مُدع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 فِيمَا تلف) مِنْهَا مُطلقًا كلا أَو بَعْضًا قبضهَا بإشهاد أم لَا. لِأَنَّهُ أَمِين وَيحلف إِن حققت عَلَيْهِ الدَّعْوَى كَانَ مِمَّن يتهم أم لَا. فَإِن لم تحقق عَلَيْهِ حلف الْمُتَّهم (و) فِي الثَّانِي القَوْل لَهُ أَيْضا (فِي ادِّعَاء ردهَا) لِرَبِّهَا (بعد الْحلف) مُتَّهمًا كَانَ أم لَا. حقق عَلَيْهِ رَبهَا الدَّعْوَى أَو اتهمه فَقَط فِي عدم الرَّد، فَإِن نكل حلف رَبهَا فِي دَعْوَى الرَّد مُطلقًا، وَفِي دَعْوَى التّلف إِن حقق عَلَيْهِ عَدمه فَإِن اتهمه فَقَط غرم بِمُجَرَّد نُكُوله وَمحل كَون القَوْل لَهُ فِي الرَّد. مَا لمْ يَكُن يَقْبَضُهُ ببَيِّنَه فَلاَ غِنَى فِي الرَّدِّ إنْ يُبَيِّنَه (مَا لم يكن) الْمُودع بِالْفَتْح (يقبضهُ) أَي الشَّيْء الْمُودع (ببينه) مَقْصُودَة للتوثق وَتَقَدَّمت حَقِيقَتهَا فِي الْقَرَاض (ف) إِنَّه حِينَئِذٍ (لَا غنى) لَهُ (فِي) دَعْوَى (الرَّد) عَن (أَن يُبينهُ) وَيُقِيم الْبَيِّنَة عَلَيْهِ وَلَا تقبل دَعْوَاهُ الرَّد بِدُونِهَا إِذا مَا قبض بإشهاد لَا يبرأ مِنْهُ إِلَّا بِهِ. تَنْبِيه: من ادعِي عَلَيْهِ بوديعة فجحدها وَأقَام رَبهَا بَيِّنَة بالإيداع فَأَقَامَ الْمُودع بَيِّنَة بِالرَّدِّ فَهَل تقبل بَيِّنَة الْمُودع أم لَا؟ لِأَنَّهُ كذبهَا بالجحد الأول فِي ذَلِك خلاف جَار على ضمن الْإِقْرَار هَل هُوَ كصريحه أم لَا، وَقد تقدم قَول النَّاظِم: ومنكر للخصم مَا ادَّعَاهُ الخ. وَبَعْضهمْ يُقيد ذَلِك بِمن كَانَ عَارِفًا بِمَا يَتَرَتَّب على جَحده، فَحِينَئِذٍ لَا تَنْفَعهُ بَيِّنَة الرَّد وإلاَّ نفعته. وَاعْتمد هَذَا التَّقْيِيد (ح) والرهوني وَغَيرهمَا، وَفِيه نظر فَإِن الْمَعْمُول بِهِ هُوَ الْإِطْلَاق كَمَا مر فِي شرح نَص النّظم الْمَذْكُور وَنَحْوه فِي نظم الْعَمَل الْمُطلق حَيْثُ قَالَ: وَلَا تصدق جَاحد الْإِيدَاع من أَصله فِي الرَّد والضياع وَنقل عَن سَيِّدي مِصْبَاح وَغَيره أَن كَون مضمن الْإِقْرَار كصريحه هُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة، وَبِه الْعَمَل وَالْقَضَاء اه. وَكثير من النَّاس من يحْتَج لصِحَّة التَّقْيِيد الْمَذْكُور بقاعدة من ادّعى الْجَهْل فِيمَا يجهله أَبنَاء جنسه فَهُوَ مُصدق الخ. وَهِي قَاعِدَة مبحوث فِيهَا فَإِن صَاحب المعيار لما نقلهَا عَن أبي الْحسن قَالَ منكتاً عَلَيْهِ مَا نَصه؛ قَالَ ابْن رشد: الأَصْل فِي هَذَا أَن كل مَا يتَعَلَّق بِهِ حق الْغَيْر لَا يعْذر الْجَاهِل فِيهِ بجهله وَمَا لَا يتَعَلَّق بِهِ حق الْغَيْر فَإِن كَانَ مِمَّا يَسعهُ ترك تعلمه عذر بجهله، وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يَسعهُ ترك تعلمه لم يعْذر بجهله، فَهَذِهِ جملَة كَافِيَة يرد إِلَيْهَا مَا شرد مِنْهَا اه. ونظم كَلَامه صَاحب الْمنْهَج، وَلذَا قَالُوا الْجَهْل بِالسَّبَبِ مُؤثر اتِّفَاقًا كتمكين الْمُعتقَة جاهلة بِالْعِتْقِ وَإِسْقَاط الشُّفْعَة قبل علمه بِالْبيعِ وَالْجهل بالحكم غير مُؤثر على الْمَشْهُور كتمكينها جاهلة أَن لَهَا الْخِيَار، وَإِسْقَاط الشُّفْعَة عَالما بِالْبيعِ جَاهِلا وُجُوبهَا اه. وَمَعَ هَذَا كُله فَلَيْسَ الْكَلَام فِي الْمَشْهُور من الْأَقْوَال، وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي الْمَعْمُول بِهِ مِنْهَا، وكل من حكى الْعَمَل من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين لَا يُقَيِّدهُ بالعارف بِمَا يَتَرَتَّب على حجره كَمَا تقدم، وَلَو حكمت تِلْكَ الْقَاعِدَة وَعمل بمقتضاها وَقُلْنَا يعْذر بِالْجَهْلِ فِي الحكم لم يقف عقد على سَاق، إِذْ النَّاس كلهم أَو جلهم عوام جهال إِلَّا الْفَرد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 النَّادِر الَّذِي فِي حكم الْعَدَم، فَيلْزم على ذَلِك أَن من أقرّ بِأَلف من خمر مثلا إِذا قَالَ: جهلت لُزُوم الْإِقْرَار وَأَن لَفْظَة من خمر تعد من التعقيب بالرافع أَنه يصدق لدعواه من يجهله أَبنَاء جنسه، وَيلْزم أَن من بيع عَلَيْهِ مَاله مثلا بِحَضْرَتِهِ وسكوته وَادّعى أَنه جَاهِل بِكَوْن السُّكُوت يعد رضَا أَنه يصدق، وَيلْزم أَن من شهد لَهُ أَبوهُ أَو ابْنه بِحَق فَأقر الْمَشْهُود عَلَيْهِ بِالْحَقِّ وَادّعى أَنه أقرّ اتكالاً على صِحَة الشَّهَادَة أَنه يصدق، وَيلْزم أَيْضا أَن من جهل لُزُوم الطَّلَاق هزلا يصدق، وَأَن الْمُعتقَة إِذا ادَّعَت أَنَّهَا جهلت كَون التَّمْكِين يقطع خِيَارهَا أَنَّهَا تصدق، وَهَكَذَا مِمَّا لَا ينْحَصر فَيُؤَدِّي إِلَى حل عُقُود الْعَوام كلهَا أَو جلها مَعَ تعلق حق الْغَيْر بهَا، وَأي شغب أَكثر من فتح هَذَا الْبَاب وَلِهَذَا قَالَ ابْن رشد مَا قَالَ، وَأطلق الْعَمَل جَمِيع من تقدم من الموثقين فِي مَسْأَلَة التَّكْذِيب للبينة وَلم يفصل بَين جَاهِل وَغَيره وَمَا كَانَ يخفى عَلَيْهِم عذره بِالْجَهْلِ. وَقد رجح ابْن رحال فِي بَاب الْوكَالَة أَن الْإِنْكَار لأصل الْمُعَامَلَة مُضر مُطلقًا فِي الْأُصُول وَغَيرهَا اه. وَانْظُر حاشيتنا على اللامية وَلما ذكر أَن الْمُودع وَالْمُسْتَعِير كل مِنْهُمَا أَمِين لَا ضَمَان على الْمُودع مُطلقًا وَلَا على الْمُسْتَعِير فِيمَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ كَمَا مرَّ ناسب أَن يذكر كل من شاركهما فِي الْأَمَانَة كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي التَّرْجَمَة فَقَالَ: وَالأُمنَاءُ فِي الّذِي يَلُونا لَيْسُوا لشيءٍ مِنه يَضْمنُونَا (والأمناء) جمع أَمِين (فِي الَّذِي يلونا) مضارع ولي الْأمين الشَّيْء يَلِيهِ إِذا تولاه بِوَجْه من الْوُجُوه (لَيْسُوا لشَيْء مِنْهُ) أَي من الَّذِي يلون (يضمنونا) وعدهم النَّاظِم سَبْعَة عشر فأولهم ولي الْمَحْجُور. كالأَبِ وَالوصِيِّ وَالدَّلاَلِ ومُرْسِلِ صُحْبَتَهُ بالمَال (كَالْأَبِ وَالْوَصِيّ) ووصيه ومقدم القَاضِي وَالْكَافِر واللقيط فِيمَا التقطه فَإِنَّهُم مصدقون فِيمَا ادعوا تلفه من مَال الْمَحْجُور، وَالَّذِي حازوه بِأَيْدِيهِم كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ أم لَا صَدَاقا كَانَ أَو غَيره، وَلَا ضَمَان عَلَيْهِم فِي شَيْء من ذَلِك (خَ) : وَقَبضه مجبر ووصي وصدقا وَلَو لم تقم بَيِّنَة، وَكَذَا يصدقون أَيْضا فِي قدر النَّفَقَة، وَأما دفع المَال لَهُ بعد بُلُوغه ورشده فَلَا (خَ) : وَالْقَوْل فِي قدر النَّفَقَة لَا فِي دفع مَاله بعد بُلُوغه الخ. وَالْمرَاد بالكافل من حَاز طفْلا بِمَالِه من غير تَقْدِيم عَلَيْهِ لعدم الْوُصُول للْقَاضِي أَو لكَوْنهم بِبَلَد لَا قَاضِي بهَا إِذْ الْقيام بالطفل وَحفظ مَاله حِينَئِذٍ فرض كِفَايَة على أهل الْبَلَد وَيسْقط بِقِيَام بَعضهم بِهِ، وأشعرت الْكَاف أَنهم غير مَحْصُورين فِي السَّبْعَة عشر الَّتِي ذكرهَا فَيدْخل الزَّوْج وَالزَّوْجَة إِذا كَانَ الصَدَاق مِمَّا لَا يُغَاب عَلَيْهِ وَهُوَ بيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 أَحدهمَا وطلق قبل الْبناء فَإِن ضَمَانه مِنْهُمَا وَلَا يرجع أَحدهمَا على الآخر بِنصفِهِ، فَإِن كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ وَلم تقم على هَلَاكه بَيِّنَة فضمانه من الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ (خَ) : وضمانه أَي الصَدَاق إِن هلك بِبَيِّنَة أَو كَانَ مِمَّا لَا يُغَاب عَلَيْهِ مِنْهُمَا وإلاَّ فَمن الَّذِي فِي يَده، وَتدْخل الْأمة المتواضعة أَيْضا إِذا كَانَت تَحت يَد المُشْتَرِي فَإِنَّهُ مُصدق فِي ضياعها وضمانها حِينَئِذٍ من بَائِعهَا، وَيدخل أَيْضا من قلب فخاراً أَو زجاجاً بِحَضْرَة ربه فَيسْقط من يَده فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ كَمَا مرّ فِي فصل بيع الْعرُوض حَيْثُ قَالَ: وَمن يقلب مَا يفيت شكله لم يضمن إِلَّا حَيْثُ لم يُؤذن لَهُ وَيدخل الْوَارِث إِذا طَرَأَ عَلَيْهِ دين أَو وَارِث وَادّعى تلف مَا كَانَ بِيَدِهِ بعد الْقِسْمَة فَإِنَّهُ يصدق فِيمَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ دون غَيره كَمَا مرَّ عَن ابْن رشد عِنْد قَوْله فِي الْقِسْمَة: وَينْقص الْقسم لوَارث ظهر الخ. وَأما قبل الْقِسْمَة فهم مصدقون مُطلقًا وَيدخل أَيْضا الْمُكْتَرِي لما يُغَاب عَلَيْهِ، وَأَحْرَى غَيره كَمَا قدمه فِي قَوْله: ومكتر لذاك لَا يضمن مَا يتْلف عِنْده سوى أَن ظلما (والدلال) وَيُقَال لَهُ السمسار فَيصدق فِيمَا ادّعى ضيَاعه كَمَا يصدق فِي رده إِلَّا أَن يَأْخُذهُ بِبَيِّنَة فَلَا يصدق فِي الرَّد كَالْمُودعِ قَالَه الْبُرْزُليّ وَغَيره. ابْن رحال فِي بَاب الْوكَالَة: وَهَذَا على الْمَشْهُور من عدم ضَمَانه وَأما على مَا بِهِ الْعَمَل من أَنه يضمن مَا يُغَاب عَلَيْهِ فَلَا يقبل مِنْهُ دَعْوَى الرَّد اه. وَفِي المعيار أَن عياضاً كَانَ يحكم بتضمين السماسرة، وَاسْتَحْسنهُ ابْنه قَالَ: وَلَا سِيمَا فِي وقتنا هَذَا حَيْثُ قلت الْأَمَانَة اه. وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي رِوَايَة الْأُمَّهَات آخر الْعُيُوب وَاسْتَحْسنهُ فضل. ابْن رشد: وَله وَجه من الْقيَاس لأَنهم نصبوا أنفسهم لذَلِك فَصَارَ حِرْفَة وصناعة لَهُم، وَلِهَذَا الْمَعْنى ضمن الْعلمَاء الرَّاعِي الْمُشْتَرك وحارس الْحمام لتنزيلهم منزلَة الصناع. ابْن الْحَاج: وَالَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَالْعَمَل أَن السماسرة كالصناع فيضمنون مَا يُغَاب عَلَيْهِ دون غَيره اه. وَإِلَيْهِ أَشَارَ ناظم الْعَمَل الْمُطلق فَقَالَ: وألحقوا السمسمار بالصناع فضمنوه غَائِب الْمَتَاع وَعَلِيهِ فَهُوَ ضَامِن لما يُغَاب عَلَيْهِ وَلَو ظهر خَيره خلافًا لقَوْل (خَ) : وسمسار ظهر خَيره على الْأَظْهر، بل أفتى ابْن المكوى بضمانهم مَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ أَيْضا، وَاخْتَارَهُ ابْن رحال فِي تأليف لَهُ قَائِلا: لقلَّة أَمَانَة النخاسين. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا ادّعى السمسار بيع السّلْعَة من رجل بِعَيْنِه وَدفعهَا لَهُ فَأنكرهُ الرجل فَقَالَ ابْن رشد: لَا خلاف أَنه يضمن وَلَو كَانَ الْعرف عدم الْإِشْهَاد إِذْ لَيست هَذِه الْمَسْأَلَة من الْمسَائِل الَّتِي يُرَاعى فِيهَا الْعرف لافتراق مَعَانِيهَا اه. فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن شَهَادَة السمسار عَلَيْهِ بِالْبيعِ لَا تجوز وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مر. وَقَوله: وَلَو كَانَ الْعرف عدم الْإِشْهَاد خَالفه فِي ذَلِك ابْن أبي زيد قَائِلا: لَا ضَمَان إِن كَانَ الْعرف عدم الْإِشْهَاد. قَالَ ابْن رشد: وَمَا حدث عِنْد نشر السمسار الثَّوْب من تمزيق مِسْمَار وَنَحْوه لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ، فَإِن قَالَ أهل الْمعرفَة: مَا حدث فِيهِ لَا يكون إِلَّا عَن عداء ضمن، وَإِن قَالُوا أَنه مُحْتَمل فَهَل يحمل على العداء أَو على عَدمه؟ فِي ذَلِك خلاف وَالصَّوَاب حمله على العداء اه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 الثَّانِي: إِذا أرسل شخص سمساراً ليَأْتِيه بِثَوْب يَشْتَرِيهِ مثلا فَأَخذه من ربه وَتلف فِي يَده فضمانه من الدَّافِع، وَقيل من الْمُرْسل بِالْكَسْرِ لِأَنَّهُ أَمِين لَهما جَمِيعًا فَاخْتلف أَي الأمانتين تغلب وَالْأَظْهَر تَغْلِيب أَمَانَة الْمُرْسل لِأَنَّهَا سَابِقَة اه. وَعَن الْقَابِسِيّ فِيمَن بعث الرجل يطْلب لَهُ ثيابًا فيضيع مِنْهَا ثوب أَن ضَمَانه من الْآمِر إِن اعْترف بإرساله أَو ثَبت عَلَيْهِ وَيحلف السمسار أَنه مَا فرط وَهَذَا دَاخل فِي قَوْله: (ومرسل) بِفَتْح السِّين سمساراً كَانَ أَو غَيره (صحبته) كائنة (بِالْمَالِ) ليَشْتَرِي بِهِ ثوبا لَك مثلا أَو يوصله لشخص فَادّعى تلفه قبل الشِّرَاء أَو بعده، وَكَذَا إِن ادّعى تلفه قبل وُصُوله للمرسل إِلَيْهِ فَإِن ادّعى أَنه دَفعه للمرسل إِلَيْهِ وَتلف وَصدقه الْمُرْسل إِلَيْهِ فَلَا إِشْكَال، وَإِن كذبه فَهُوَ ضَامِن (خَ) فِي الْوَدِيعَة عاطفاً على مَا فِيهِ الضَّمَان أَو الْمُرْسل إِلَيْهِ الْمُنكر الخ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَمن بعثت مَعَه بِمَال إِلَى رجل صَدَقَة أَو صلَة أَو سلفا أَو ثمن مَبِيع أَو يبْتَاع لَك بِهِ سلْعَة فَقَالَ: قد دَفعته إِلَيْهِ وَكذبه الرجل لم يبرأ الرَّسُول إِلَّا بِبَيِّنَة وَإِن صدقه برىء، وَكَذَلِكَ إِن أَمرته بِصَدقَة على قوم مُعينين إِن صدقه بَعضهم أَو كذبه بَعضهم ضمن حِصَّة من كذبه، وَلَو أَمرته بِصَدقَة على قوم غير مُعينين صدق مَعَ يَمِينه وَإِن لم يَأْتِ بِبَيِّنَة اه. وَعَامِلِ القِرَاض وَالموَكِّلِ وصَانِعٍ لم يَنْتَصِبْ لِلْعَملِ (وعامل الْقَرَاض) مُصدق فِي التّلف والخسر وَالرَّدّ إِن قبض بِلَا بَيِّنَة كَمَا مر فِي بَابه (وَالْمُوكل) مفوضاً أم لَا إِلَّا أَن غير الْمُفَوض إِذا وكل على قبض دين وَنَحْوه وَادّعى تلفه بعد قَبضه فَإِنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَا يبرأ الْمَدِين مِنْهُ إِلَّا بِبَيِّنَة تشهد بِدَفْعِهِ للْوَكِيل (خَ) : وَلَو قَالَ غير الْمُفَوض قبضت وَتلف برىء وَلم يبرأ الْغَرِيم إِلَّا بِبَيِّنَة الخ. وَكَذَا لَا ضَمَان عَلَيْهِ إِذا ضَاعَ الثّمن مِنْهُ قبل دَفعه للْبَائِع وَلزِمَ الْمُوكل غرمه (خَ) : وَلَزِمَه غرم الثّمن إِلَى أَن يصل لرَبه أَي البَائِع، وَكَذَا يصدق فِي دفع مَا قَبضه من دين وَنَحْوه لمُوكلِه (خَ) : وَصدق فِي الرَّد كَالْمُودعِ فَلَا يُؤَخر للإشهاد، وَأما إِذا وَكله على دفع الثّمن للْبَائِع وَنَحْوه فَادّعى أَنه دَفعه إِلَيْهِ وَأنْكرهُ البَائِع فَإِنَّهُ ضَامِن وَلَا يصدق (خَ) : وَضمن ان أَقبض الدّين وَلم يشْهد (وصانع) كخياط وصباغ (لم ينْتَصب للْعَمَل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 للنَّاس وَإِنَّمَا شَأْنه أَن يصْبغ أَو يخيط لنَفسِهِ فَقَط فواجره بعض النَّاس على خياطَة ثوب أَو صبغه وَادّعى ضيَاعه فَإِنَّهُ يصدق وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَمثله الصَّانِع الْخَاص بِرَجُل أَو جمَاعَة وَلَو كَثُرُوا فَإِنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ أَيْضا، وَمَفْهُوم لم ينْتَصب الخ. أَنه إِذا نصب نَفسه لجَمِيع النَّاس وَمن تِلْكَ الصَّنْعَة معاشه، سَوَاء كَانَ يصنع بداره أَو بحانوته وكل من أَتَاهُ بِثَوْب خاطه أَو صبغه مثلا فَإِنَّهُ ضَامِن وَلَو قَبضه بِغَيْر أجر إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة على تلفه بِغَيْر سَببه أَو صنعه بِحَضْرَة ربه أَو بمنزل ربه فَضَاعَ أَو سرق فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ كَمَا قَالَ: وذُو انْتِصَابٍ مِثْلُهُ فِي عَمَلِهْ بِحَضْرَةِ الطَّالِب أَو بمنزِلِه (وَذُو انتصاب) للصنعة (مثله) أَي مثل غير المنتصب فِي التَّصْدِيق وَعدم الضَّمَان حَيْثُ سرع (فِي عمله) بحانوته أَو دَاره (بِحَضْرَة الطَّالِب) أَي ربه وَاسْتمرّ مَعَه وَلم يغب عَنهُ إِلَى أَن تلف الْمَصْنُوع بِغَيْر سَببه (أَو) غَابَ الصَّانِع على الْمَصْنُوع وَلَكِن كَانَ يعمله (بمنزله) أَي منزل الطَّالِب الَّذِي هُوَ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ أَيْضا، وَإِن كَانَ منتصباً للصنعة لِأَنَّهُ لما ضَاعَ بِحَضْرَة ربه أَو فِي منزله انْتَفَت عَنهُ التُّهْمَة. تَنْبِيه: ضَمَان المنتصب إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَصْنُوع لَا فِيمَا لَا صَنْعَة لَهُ فِيهِ كالكتاب الَّذِي ينْسَخ لَهُ مِنْهُ، وظرف الْقَمْح عِنْد الطَّحَّان فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي الظّرْف وَالْكتاب الْمَنْسُوخ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ أَيْضا إِذا لم يكن فِي الصَّنْعَة تغرير، فَإِن كَانَ فِيهِ تغرير مثل نقش فص وثقب لُؤْلُؤ وتقويم سيف وَحرق خبز بفرن وَحرق ثوب بِقدر صباغ فَلَا ضَمَان إِلَّا أَن يَأْخُذ الصَّنْعَة من غير وَجههَا لعدم مَعْرفَته بهَا أَو يعرفهَا، وَلَكِن تعدى فَأَخذهَا على غير وَجههَا فَيضمن حِينَئِذٍ، وَمثل ذَلِك البيطار يطْرَح الدَّابَّة فتموت، أَو الخاتن يختن الصَّبِي فَيَمُوت، أَو الطَّبِيب يسْقِي الْمَرِيض فَيَمُوت أَو يكويه فَيَمُوت من كيه أَو يقطع مِنْهُ شَيْئا فَيَمُوت من قطعه، أَو الْحجام يقْلع ضرس الرجل فَيَمُوت فَلَا ضَمَان على وَاحِد من هَؤُلَاءِ فِي مَاله وَلَا فِي عَاقِلَته لِأَنَّهُ مِمَّا فِيهِ تغرير مَا لم يَأْخُذ الصَّنْعَة على غير وَجههَا قَالَه ابْن رشد. والمستعيرُ مِثْلُهم والمرتهِنْ فِي غَيْر قابِلِ الْمَغيبِ فاستبِنْ (وَالْمُسْتَعِير مثلهم) أَي الْأُمَنَاء فَهُوَ مُصدق فِيمَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ كَمَا مر (وَالْمُرْتَهن) كَذَلِك أَيْضا هُوَ مُصدق (فِي غير قَابل المغيب) كالحيوان وَالْعَقار، وَفهم مِنْهُ أَن قَابل الْغَيْبَة لَا يصدق فِيهِ الْمُسْتَعِير وَلَا الْمُرْتَهن وَهُوَ كَذَلِك (فاستبن) تتميم. وَمُودَعٌ لدَيْهِ وَالأَجِيرُ فِيمَا عليهِ الأَجْرُ والمأْمُورُ (ومودع لَدَيْهِ) أَي عِنْده هُوَ مُصدق أَيْضا فِي التّلف مُطلقًا كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ أم لَا. قَبضه بإشهاد أم لَا. وَيحلف إِن حققت عَلَيْهِ الدَّعْوَى مُطلقًا فَإِن لم تحقق حلف الْمُتَّهم كَمَا مر (خَ) وَحلف الْمُتَّهم وَلم يفده شَرط نَفيهَا الخ. وَكَذَا يصدق فِي الرَّد إِن قَبضه بِغَيْر إِشْهَاد كَمَا مرّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 (والأجير) على غسل ثوب أَو سقِِي دَابَّة وَنَحْوهمَا هُوَ أَمِين مُصدق (فِي) ضيَاع (مَا) أَخذ (عَلَيْهِ الْأجر) حَيْثُ لم يكن مَنْصُوبًا لذَلِك، وَيدخل فِيهِ أجِير الصَّانِع وصائغه اللَّذَان تَحت يَده فَإِنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِمَا، فالصانع يضمن بِشُرُوط وَهِي أَن نصب نَفسه وَغَابَ عَلَيْهِ وَلم يكن فِي الصَّنْعَة تغرير الخ. وأجيره وصانعه لَا ضَمَان عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا صانعان لخاص (خَ) عاطفاً على مَا لَا ضَمَان عَلَيْهِ وأجير لصانع الخ. لَكِن قَالَ أَشهب: مَحل عدم ضمانهما إِذا لم يغيبا فَقَالَ فِي الغسال تكْثر عَلَيْهِ الثِّيَاب فيؤاجر أجراء يَبْعَثهُم إِلَى الْبَحْر بالثياب يغسلونها فتتلف أَنهم ضامنون، وَكَذَلِكَ أجراء الْخياط يَنْصَرِفُونَ بالثياب إِلَى بُيُوتهم فتتلف أَنهم ضامنون. ابْن ميسر: وَهَذَا إِذا واجره على عمل أَثوَاب مقاطعة أَي كل ثوب بِكَذَا، ابْن يُونُس: لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كصانع دفع إِلَى صانع مَا اسْتعْمل عَلَيْهِ، وَأما إِن كَانَ واجره يَوْمًا أَو شهرا فَدفع إِلَيْهِ شَيْئا يعمله فِي دَاره وَغَابَ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ اه. وَكَلَام ابْن ميسر تَفْسِير لكَلَام أَشهب، كَمَا أَن قَول أَشهب تَقْيِيد للْمُدَوّنَة كَمَا يفهم من كَلَام ابْن يُونُس وَابْن عَرَفَة وَغَيرهمَا. (والمأمور) بالإتيان لحَاجَة أَو ردهَا أَو وَضعهَا فِي مَحل كَذَا بِغَيْر أجر فيدعي تلفهَا فَهُوَ مُصدق وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ، فَإِن كَانَ بِأَجْر فَهُوَ مَا قبله على أَن الْمَأْمُور هُوَ الْوَكِيل. وَمثْلُهُ الرَّاعِي كَذَا ذُو الشّرِكَه فِي حالةِ البضَاعَةِ المشترَكَه (وَمثله) فِي التَّصْدِيق وَعدم الضَّمَان (الرَّاعِي) غير الْمُشْتَرك وَهُوَ الرَّاعِي الْخَاص بِوَاحِد أَو جمَاعَة فَإِنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا ادّعى تلفه بِغَيْر تعد وَلَا تَفْرِيط، وَهُوَ مَحْمُول على عدم العداء والتفريط (خَ) : وَهُوَ أَمِين فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَو شَرط إثْبَاته إِن لم يَأْتِ بسيمة الْمَيِّت الخ. وَهَذَا فِي الرَّاعِي الْمُكَلف الرشيد لَا غير الرشيد، فَإِنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَو تعمد إِتْلَاف الْمَاشِيَة كَمَا مرَّ فِي قَوْله: وَلَا ضَمَان فِيهِ للسفيه الخ. وراعي الدولة بالنوبة كَالرَّاعِي الْخَاص لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا ادّعى تلفه وَإِن كَانَ مَحْجُورا واسترعاه أَرْبَاب الْمَاشِيَة فِي نوبَته أَو نَائِبا عَن غَيره عَالمين بِهِ أَو عَادَتهم ذَلِك فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَو تعمد الْإِتْلَاف كَمَا مر. وَأما الرَّاعِي الْمُشْتَرك وَهُوَ الَّذِي ينصب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 نَفسه لرعي كل من يَأْتِيهِ بِدَابَّة أَو بقرة أَو شَاة فَإِنَّهُ ضَامِن لما ادّعى تلفه قَالَ فِي العمليات: ضَمَان راعي غنم النَّاس رعى ألحقهُ بالصانع فِي الْغرم تعى وَإِذا ألحق بالصانع على الْمَعْمُول بِهِ فَلَا يصدق فِي الرَّد كَمَا مر عَن الْمُقدمَات، وَأَن كل من لَا يصدق فِي التّلف لَا يصدق فِي دَعْوَى الرَّد، وَبِه أفتى (ت) وَغَيره وَهُوَ ظَاهر. وَإِن كَانَ كالصانع أَيْضا فَلَا ضَمَان على أجيره الَّذِي يَجعله تَحت يَده لِأَنَّهُ أجِير لخاص كَمَا مرَّ فَلم ينصب نَفسه لرعي كل دَابَّة يُؤْتى إِلَيْهِ بهَا مثلا (كَذَا ذُو الشّركَة) كل مِنْهُمَا مُصدق فِي التّلف والخسر وَغَيرهمَا (فِي حَالَة البضاعة الْمُشْتَركَة) لِأَن كلا من الشَّرِيكَيْنِ وَكيل عَن صَاحبه (خَ) وكل وَكيل عَن الآخر الخ. فَيجْرِي فيهمَا مَا تقدم فِي الْوَكِيل كَانَت شركَة مُفَاوَضَة أَو عنان وأيديهما تجول فِي الْمَالَيْنِ. وَحامِلٌ للثَّقْلِ بالإطْلاَقِ وَضَمِنَ الطعامَ باتّفَاقِ (و) وَكَذَا (حَامِل للثقل) فَإِنَّهُ مُصدق وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ (بِالْإِطْلَاقِ) حمل على ظَهره أَو دَابَّته أَو سفينته كَانَ الْمَحْمُول مُقَومًا أَو مثلِيا غير طَعَام كقطن وحناء وَنَحْوهَا مَا لم يفرط أَو يقر بِفعل كعلمه بِضعْف الْحَبل، وَمَعَ ذَلِك ربط بِهِ حمل الدَّابَّة فَانْقَطع أَو انحل فَسقط الْمَحْمُول فَتلف فَإِنَّهُ يضمن الْمثل فِي المثلى وَالْقيمَة فِي الْمُقَوّم بِموضع التّلف، وَله من الْكِرَاء بِحَسب مَا سَار لِأَن الْغرَر بِالْفِعْلِ تَفْرِيط (خَ) عاطفاً على مَا لَا ضَمَان فِيهِ أَو انْقَطع الْحَبل وَلم يغر بِفعل الخ. وَإِنَّمَا يضمن مَعَ الْغرُور إِذا هلك الْمَتَاع من نَاحيَة الْغرُور لَا إِن غر وَسلم من نَاحيَة الْغرُور وَأَخذه اللُّصُوص أَو سرق مثلا فَلَا ضَمَان. وَمن الْغرُور بِالْفِعْلِ من دفع قمحه إِلَى رجل ليطحنه فطحنه بأثر نقش الرَّحَى فأفسده بِالْحِجَارَةِ فَلم يضمن لَهُ مثل قمحه كَمَا فِي الْمُنْتَخب، وَمَفْهُوم بِفعل أَنه إِذا غر بالْقَوْل كَقَوْلِه لرب الْمَتَاع الْحَبل صَحِيح مَعَ علمه بضعفه فَتَوَلّى رب الْمَتَاع الرَّبْط بِهِ فَهُوَ غرور بالْقَوْل، وَكَذَا إِن أسلم الدَّابَّة لمن يحمل عَلَيْهَا وَهُوَ عَالم بعثارها فَحمل عَلَيْهَا فَهُوَ من الْغرُور بالْقَوْل أَيْضا، وَكَمن سَأَلَ خياطاً قِيَاس ثوب فَقَالَ: يَكْفِيك وَهُوَ يعلم أَنه لَا يَكْفِيهِ أَو قلب دَرَاهِم عِنْد صيرفي فَقَالَ: إِنَّهَا جِيَاد وَهُوَ يعلم أَنَّهَا رَدِيئَة، وكبيعه خابية عَالما بِكَسْرِهَا وَهُوَ يعلم أَن المُشْتَرِي يعْمل فِيهَا زيتاً فَجعله المُشْتَرِي فِيهَا فَتلف فَلَا ضَمَان، كَمَا لَو دلّس فِي بيع عبد بِسَرِقَة فَسرق من المُشْتَرِي شَيْئا، وَالْمَشْهُور فِي الْغرُور بالْقَوْل عدم الضَّمَان مَا لم يَنْضَم إِلَيْهِ عقد كَمَا لَو أكرى خابية عَالما بِكَسْرِهَا لمن يعْمل فِيهَا زيتاً فَإِنَّهُ يضمنهُ. وَالْفرق بَين البيع والكراء أَن الْمَنَافِع فِي ضَمَان الْمكْرِي حَتَّى يستوفيها الْمُكْتَرِي بِخِلَاف البيع. انْظُر شرح الشَّامِل آخر الْإِجَارَة ثمَّ اخْرُج النَّاظِم الطَّعَام من الْإِطْلَاق الْمُتَقَدّم فَقَالَ: (وَضمن الطَّعَام بِاتِّفَاق) وَإِن لم يفرط وَلَا تعدى على دَعْوَاهُ، وَبِه قَالَ الْفُقَهَاء السَّبْعَة لسرعة الْأَيْدِي إِلَيْهِ كَانَ الطَّعَام من الأقوات كالقمح وَالشعِير والأدام أَو من الْفَوَاكِه كالترمس وَنَحْوه، وَهُوَ ظَاهر، وَأَنه لَا فرق بَين أَن يَدعِي ضيَاعه بعثار دَابَّة أَو سَرقَة أَو بِغَصب أَو بسماوي من الله تَعَالَى وَهُوَ كَذَلِك إِلَّا أَن يَأْتِي بِبَيِّنَة تشهد بذلك من غير تَفْرِيط أَو ضَاعَ بِصُحْبَة ربه لِأَن ضيَاعه بِحَضْرَة ربه أقوى من قيام الْبَيِّنَة على ضيَاعه لما ذكر. وَاخْتلف إِن حمله فِي بَحر وربه مَعَه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 اللَّخْمِيّ: وَالضَّمان أحسن وَنَحْوه لِابْنِ يُونُس عَن القبايسي لأَنهم يخونونه بِاللَّيْلِ، وَتَحْصِيل مَا يضمنهُ الحمالون أم لَا كَمَا فِي ابْن يُونُس على خَمْسَة أوجه. الأول: هلك بِسَبَب حامله من عثار أَو ضعف حَبل وَلم يغر أَو بهروب دَابَّة أَو سفينة بِمَا عَلَيْهَا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَا أُجْرَة، وَلَا يَأْتِي بِمثلِهِ ليحمله وَرجع بالكراء إِن دَفعه لِأَنَّهُ على الْبَلَاغ. وَالثَّانِي: مَا هلك بِسَبَب غرور حامله من عثار أَو ضعف حَبل فَهَلَك، فَإِنَّهُ يضمن قيمَة ذَلِك الْعرض بِموضع الْهَلَاك وَله من الْكِرَاء بِحِسَابِهِ. وَالثَّالِث: مَا هلك بِأَمْر من الله عز وَجل بِالْبَيِّنَةِ من عرض أَو غَيره فللمكري الْكِرَاء بأسره وَعَلِيهِ حمل مثله من مَوضِع هلك فِيهِ. وَالرَّابِع: مَا هلك من الطَّعَام وَلم يعلم ذَلِك إِلَّا من قَوْلهم فَلَا يصدقون فِيهِ ويضمنون مثله بِموضع حملوه إِلَيْهِ وَلَهُم جَمِيع الْكِرَاء. الْخَامِس: مَا هلك بقَوْلهمْ من الْعرُوض وَلم يعلم إِلَّا من قَوْلهم فهم مصدقون فِيهِ وَلَهُم الْكِرَاء بأسره، وَعَلَيْهِم حمل مثله من مَوضِع هلك فِيهِ إِلَى مَوضِع يحملهُ إِلَيْهِ كَالَّذي هلك بِالْبَيِّنَةِ بِأَمْر من الله اه. وَنَقله أَبُو الْحسن والقرافي وَغَيرهمَا مُسلما. قلت: قَوْله: وَعَلَيْهِم حمل مثله الخ. لَعَلَّه إِذا كَانَ ربه يقدر على خِلَافه وإلاَّ فتنفسخ الْإِجَارَة وَله من الْكِرَاء بِحِسَاب مَا سَار كَمَا قَالُوهُ فِيمَن اُسْتُؤْجِرَ على حصاد زرع لَيْسَ لرَبه غَيره فَتلف أَو اُسْتُؤْجِرَ على الْحَرْث فِي يَوْم فانكسر المحراث وَنَحْو ذَلِك، فَإِن الْإِجَارَة تَنْفَسِخ كَمَا مرَّ فِي الْإِجَارَة. تَنْبِيهَانِ. الأول: مَا تقدم من أَنه يضمن مثل الطَّعَام فِي الْمحل الَّذِي يحملهُ إِلَيْهِ مَحَله إِذا علم كَيْله وَإِلَّا فَيضمن قِيمَته. اللَّخْمِيّ: وَأَنا أرى إِن تحاكما فِي مَوضِع هَلَاكه غرم مثله فِيهِ وَإِن تحاكما فِي مَوضِع وُصُوله غرمة فِيهِ انْظُر بَقِيَّته. الثَّانِي: إِن شَرط الْحمال سُقُوط الضَّمَان فِي الطَّعَام أَو لُزُوم الضَّمَان فِي الْعرُوض، فروى مُحَمَّد أَن الشَّرْط سَاقِط وَالْعقد فَاسد فَإِن فَاتَ فَلهُ كِرَاء الْمثل. وَفِي الْمُدَوَّنَة قَالَ الْفُقَهَاء السَّبْعَة: لَا يكون كِرَاء بِضَمَان أَي فِي الْعرض إِلَّا أَن يشْتَرط على الْحمال أَن لَا ينزل بِبَلَد كَذَا أَو وَادي كَذَا وَلَا يسير بلَيْل فيتعدى مَا شَرط عَلَيْهِ فَتلف شَيْء مِمَّا حمل فِي ذَلِك التَّعَدِّي فَيضمنهُ اه. وَكَذَا يُقَال فِي الطَّعَام مَعَ قيام الْبَيِّنَة وَقد شَرط عَلَيْهِ مَا ذكر. وَالْفُقَهَاء السَّبْعَة: سعيد بن الْمسيب بِكَسْر الْيَاء الْمُشَدّدَة، وَعُرْوَة بن الزبير، وَالقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، وخارجة بن زيد بن ثَابت، وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود، وَسليمَان بن بسار. وَاخْتلف فِي السَّابِع فَقيل: هُوَ أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن. فَفِي الْمُدَوَّنَة قَالَ مَالك: علم الْقَضَاء كَغَيْرِهِ من الْعُلُوم، وَلَا أعلم بِهَذَا الْبَلَد أحدا أعلم بِالْقضَاءِ من أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن، وَكَانَ أَخذ شَيْئا من علم الْقَضَاء من أبان بن عُثْمَان، وَأخذ ذَلِك أبان من أَبِيه عُثْمَان اه. وَقيل: هُوَ أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عمر بن حزم، قَالَ الْبُرْزُليّ فِي أول الْأَقْضِيَة: اخْتلف فِي هذَيْن أَيهمَا أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة فَقيل: الأول، وَقيل: الثَّانِي وَالْآخر أحد النظراء. وهم أَي النظراء السَّبْعَة: سَالم بن عبد الله، وَأَبَان بن عُثْمَان، وَعلي بن الْحُسَيْن، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَعلي بن عبد الله بن عَبَّاس، وَأَبُو بكر بن عمر بن حزم، وَعبد الله بن هُرْمُز، فَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة عشر من التَّابِعين أفقه أهل زمانهم. قَالَ: وَالْفُقَهَاء السَّبْعَة حجَّة عِنْد مَالك اه. وعَلى كَون أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 الْحَارِث بن هِشَام هُوَ أحد الْفُقَهَاء لَا أحد النظراء نظم بَعضهم حَيْثُ قَالَ: أَلا كل من لَا يقْتَدى بأئمة فقسمته ضيزى عَن الْحق خَارجه فخذهم عبيد الله عُرْوَة قاسما سعيد أَبَا بكر سُلَيْمَان خَارجه والقولُ قَوْلُهُمْ بِلَا يمينِ والاتِّهام غَيْرُ مُسْتَبينِ (وَالْقَوْل قَوْلهم) أَي الْأُمَنَاء الْمُتَقَدِّمين (بِلَا يَمِين) عَلَيْهِم (و) الْحَالة هَذِه وَهِي كَون (الاتهام غير مستبين) فَإِن اتهمَ أحدهم وَكَانَ مِمَّن يشار إِلَيْهِ بهَا وَجَبت عَلَيْهِ الْيَمين كَمَا مر عَن (خَ) فِي الْمُودع حَيْثُ قَالَ: وَحلف الْمُتَّهم. وقِيلَ مِنْ بَعْدِ اليمينِ مُطْلَقا وَالأَوَّلُ الأَوْلى لَدَى مَن حَقّقَا (وَقيل) القَوْل قَوْلهم (من بعد الْيَمين مُطلقًا) كَانَ مِمَّن يتهم أم لَا (وَالْأول) وَهُوَ عدم الْيَمين إِذا لم يتهم هُوَ (الأولى) وَالْمُعْتَمد (لَدَى من حققا) وَعَلِيهِ درج (خَ) كَمَا مر. وَانْظُر مَا تقدم فِي شرح قَوْله: وتهمة إِن قويت بهَا تجب يَمِين متهوم الخ. وَحَارِسُ الحَمَّامِ لَيْسَ يَضْمَنُ وَبَعْضُهُمْ يقولُ بلْ يُضَمَّنُ (وحارس الْحمام لَيْسَ يضمن. وَبَعْضهمْ يَقُول بل يضمن) اللَّخْمِيّ: اخْتلف فِي تضمين صَاحب الْحمام مَا ذهب من الثِّيَاب فَقَالَ مَالك فِي الْمُدَوَّنَة: لَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي كتاب مُحَمَّد: يضمن إِلَّا أَن يَأْتِي بحارس، وَإِذا أُتِي بحارس سقط عَنهُ الضَّمَان وَعَاد الْخلاف فِي الحارس فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة وَكتاب مُحَمَّد: لَا ضَمَان عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن حبيب: يضمن لِأَنَّهُ أجِير مُشْتَرك وَعدم الضَّمَان أحسن اه. وَقَالَ ابْن رشد: حارس الثِّيَاب إِن اسْتَأْجرهُ صَاحب الْحمام لحفظ ثِيَاب الداخلين بِأُجْرَة ثَابِتَة فِي ذمَّته فَلَا خلاف فِي عدم ضَمَانه إِلَّا أَن يفرط، وَأما إِن كَانَ يحرس ثِيَاب النَّاس يجمل بِأَخْذِهِ من كل دَاخل فَقَالَ مَالك: لَا ضَمَان عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن لبَابَة: وَمَا سواهُ خطأ. وَقيل: يضمن لِأَنَّهُ كَالرَّاعِي الْمُشْتَرك، وَإِلَيْهِ ذهب ابْن حبيب اه. وَقد علمت أَن صَاحب الْحمام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 هُوَ مكتريه لَا حارس الثِّيَاب وَالْخلاف فيهمَا مَعًا، وَالْمَشْهُور عدم الضَّمَان فيهمَا كَانَ بِأُجْرَة أم لَا. (خَ) : كحارس وَلَو حمامياً الخ. ابْن عبد الْبر: كلا الْقَوْلَيْنِ مَعْمُول بِهِ على حسب الِاجْتِهَاد، ابْن يُونُس: روى مُحَمَّد إِن نَام حارس بَيت فَسرق مَا فِيهِ لم يضمنهُ وَله أجره، وَكَذَلِكَ حارس النّخل قَالَ مُحَمَّد: لَا يضمن جَمِيع الحراس إِلَّا بتعد كَانَ مَا يحرسونه طَعَاما أَو غَيره. ابْن عَرَفَة: قَوْله لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي نَومه يجب تَقْيِيده بِكَوْنِهِ فِي وَقت نَومه الْمُعْتَاد لَهُ لَا فِي نَومه فِي وَقت حَاجَة العسس والحرس. وَفِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن أبي زيد فِيمَن اكترى مخزناً للطعام وصاحبها سَاكن فِيهَا لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي الطَّعَام إِذا ذهب. الشّعبِيّ: من اكترى بَيْتا فِي دَاره أَو حَيْثُ يسكن لخزن الطَّعَام فَضَاعَ كُله أَو بعضه لَا شَيْء على صَاحب الْبَيْت وَلَا يَمِين إِن كَانَ صَالحا وَإِن كَانَ مُتَّهمًا حلف. قلت: لِأَنَّهُ وَدِيعَة بِأُجْرَة وَأخذ الْأُجْرَة لَا يُخرجهُ عَن الْأَمَانَة. وَفِي الْبُرْزُليّ أَيْضا قبل هَذَا: إِن شَرط الضَّمَان على الحراس لَا يلْزم وَلَهُم أجر مثلهم فِيمَا لَا ضَمَان عَلَيْهِ وتأمله مَعَ مَا فِي اليزناسني عَن (تت) أَن الْعرف الْآن ضَمَان الحراس لأَنهم إِنَّمَا يستأجرون على ذَلِك اه. لِأَن الْعرف غَايَته أَن يكون كالشرط وَالشّرط بالصراحة لَا ضَمَان فِيهِ. تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ الْبُرْزُليّ: حارس الطَّعَام إِذا اسْتخْلف غَيره فَالصَّوَاب ضَمَانه إِلَّا أَن يسْتَخْلف لضَرُورَة قَوِيا مثله على الحرس. الثَّانِي: جزم ابْن رحال فِي تضمين الصناع بِأَن حارس الفندق وحارس الحوانيت بِاللَّيْلِ ضَامِن قَالَ: وَكَذَا حارس الطَّعَام فِي المطمر وَهُوَ الْمُسَمّى بالمراس قلت: وَمَا قَالَه من ضَمَان حارس الفندق والسوق والمطمر ظَاهر لِأَن كلا مِنْهُم حارس لغير منحصر وَلَا مَخْصُوص. أَلا ترى أَن صَاحب الفندق نصب نَفسه لحراسة أَمْتعَة كل من دخل إِلَيْهِ وَوضع أمتعته فِيهِ كَانَت مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ أم لَا. فَهُوَ فِيمَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ بِمَنْزِلَة الرَّاعِي الْمُشْتَرك، وَقد جرى الْعَمَل بتضمينه وَفِيمَا يُغَاب عَلَيْهِ كالسمسار وَالْعَمَل بتضمينه أَيْضا، وَكَذَا البيات فِي السُّوق نصب نَفسه لحراسة أَمْتعَة كل من اكترى حانوتاً فِي ذَلِك الْمحل وَوضع أمتعته فِيهِ أيّاً كَانَ طلع لهَذَا الْحَانُوت فِي هَذَا الشَّهْر أَو السّنة أَو غَيرهمَا، وحارس المطمر كَذَلِك نصب نَفسه لكل من يخزن الطَّعَام فِي ذَلِك الْمحل وعَلى قِيَاسه يُقَال: حارس الْحمام كَذَلِك لِأَن الْعَادة عندنَا الْيَوْم أَن مكتري الْحمام يُؤَاجر أَجِيرا تَحْتَهُ يقبض أُجْرَة الداخلين للاغتسال ويحرس ثِيَاب النِّسَاء وَالرِّجَال ناصباً نَفسه لذَلِك وهم مخصوصين وَلَا منحصرين، وَلذَا قَالَ المتيطي عَن بعض الشُّيُوخ مَا فِي الْمُدَوَّنَة: من عدم الضَّمَان على حارس ثِيَاب الْحمام لَا يَقْتَضِي سُقُوط الضَّمَان عَن مكتري الْحمام لِأَن أجِير الصَّانِع لَا يضمن وَيضمن الصَّانِع وَصَاحب الْحمام فِي حكم الصَّانِع لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ التَّنْظِيف والاغتسال فَيضمن فِيمَا لَا يسْتَغْنى عَنهُ على الائتمان عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ ابْن حبيب فِي الطَّحَّان: يضمن الْقَمْح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 وظرفه إِلَّا أَن يطحنه بِحَضْرَة صَاحبه أَو يكون كالحمال يضمن الطَّعَام لِأَنَّهُ مِمَّا جرت الْعَادة بِسُرْعَة الْأَيْدِي إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ صَاحب الْحمام جرت الْعَادة بِجِنَايَتِهِ على ثِيَاب النَّاس فيضمنها اه. وَقد علمت أَن الصَّوَاب هُوَ الضَّمَان فِي الْجَمِيع لما تقدم أَن كلا الْقَوْلَيْنِ مَعْمُول بِهِ، وترجح الضَّمَان بِمَا عللوا بِهِ من جري الْعَادة بِالْجِنَايَةِ وَقد قَالَ اليزناسني فِي السمسار: أَن مَا قَالَه ابْن عبد الْبر من ضَمَانه هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَن يعْمل بِهِ فِي هَذِه الْأَزْمِنَة الَّتِي قل فِيهَا الصدْق عِنْد من يظنّ بِهِ فضلا عَن غَيره اه. وَهَذَا التَّعْلِيل جَار فِي جَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ. وَحكي أَيْضا عَن عِيَاض أَن الحكم بن نصر حكم بسوسة بتضمين صَاحب الْحمام قَالَ القلشاني: عدل عَن الْمَشْهُور إِلَى الحكم بالشاذ مُرَاعَاة للْمصْلحَة الْعَامَّة الَّتِي شهد لَهَا الشَّرْع بِالِاعْتِبَارِ فَمنع من بيع الْحَاضِر للبادي وَمن بيع التلقي على القَوْل بِأَنَّهُ لحق المجلوب إِلَيْهِم اه. وَفِي هَذَا كُله كِفَايَة لمن اكْتفى. الثَّالِث: لَو قَالَ حارس الثِّيَاب أَو الفندق دفعت ثِيَابك أَو بهيمتك لمن شبهته بك أَو قَالَ: رَأَيْت من أَخذهَا وَتركته يَأْخُذهَا لظني أَنه أَنْت فَإِنَّهُ يضمن بِلَا خلاف، لِأَن غَايَته أَن يكون مفرطاً أَو مخطئاً وَالْخَطَأ والعمد فِي أَمْوَال النَّاس سَوَاء، والتفريط هُوَ أَن يفعل مَا لَا يَفْعَله النَّاس كَمَا فِي الْبُرْزُليّ وَهُوَ مُوجب للضَّمَان كَمَا تقدم. (فصل فِي الْقَرْض وَهُوَ السّلف) بِفَتْح الْقَاف وَقيل بِكَسْرِهَا، وَفِي الذَّخِيرَة هُوَ من أعظم الْمَعْرُوف وَأجل الْقرب وَأَصله النّدب وَقد يجب فِي مسغبة وَنَحْوهَا. وَعَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (قرض مرَّتَيْنِ يعدل صَدَقَة مرّة) خرَّجه الْبَزَّار وَصَححهُ عبد الْحق، وَرُوِيَ أَن دِرْهَم الْقَرْض بِثمَانِيَة عشرَة وَدِرْهَم الصَّدَقَة بِعشْرَة كَذَا رَآهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكْتُوبًا على بَاب الْجنَّة لَيْلَة الْإِسْرَاء، وَسَأَلَ جِبْرِيل: (مَا بَال الْقَرْض أفضل من الصَّدَقَة) فَقَالَ: إِن السَّائِل يسْأَل وَعِنْده كِفَايَة، والمقترض لَا يقترض إِلَّا لحَاجَة، وَهَذَا يُعَارض مَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيث البرَاز من أَن الصَّدَقَة أفضل. وعرفه ابْن عَرَفَة بقوله: الْقَرْض دفع مُتَمَوّل فِي عوض غير مُخَالف لَهُ لَا عَاجلا تفضلاً فَقَط لَا يُوجب إِمْكَان عَارِية لَا تحل مُتَعَلقا بِذِمَّتِهِ اه. فَخرج بقوله مُتَمَوّل غير المتمول كَالْخمرِ وَالْخِنْزِير وَيدخل جلد الْميتَة المدبوغ، فَإِنَّهُ يجوز قرضه ليرد لَهُ مثله على الرَّاجِح لِأَنَّهُ مُتَمَوّل، وَأما جلد الْأُضْحِية فَلَا يجوز قرضه لِأَنَّهُ بيع لَهُ، وَبِقَوْلِهِ فِي عوض دَفعه هبة، وَبِقَوْلِهِ غير مُخَالف لَهُ البيع، وَقَوله لَا عَاجلا عطف على مُقَدّر أَي حَال كَونه مُؤَجّلا لَا عَاجلا أخرج بِهِ الْمُبَادلَة المثلية فَإِنَّهُ يصدق الْحَد عَلَيْهَا لَوْلَا الزِّيَادَة. وَبِقَوْلِهِ تفضلاً الخ. قصد نفع نَفسه أَو أَجْنَبِي، وَبِقَوْلِهِ لَا يُوجب الخ قرض الْجَارِيَة، وَبِقَوْلِهِ مُتَعَلقا بِذِمَّتِهِ الخ. نَحْو دفع شَاة فِي أُخْرَى بِعَينهَا لأجل ثمَّ قَالَ: وَلَو قُلْنَا مماثل بدل غير مُخَالف لم يَشْمَل إِلَّا مَا شَرط فِيهِ الْمثل لِامْتِنَاع مماثلة الشَّيْء نَفسه اه. وَاعْترض بِأَنَّهُ جعل جنسه الدّفع مَعَ أَن الْقَرْض يُوجد وَيلْزم بِلَا دفع لِأَنَّهُ يلْزم بالْقَوْل وَقد يُجَاب بِأَن الْمَعْنى عقد على دفع مُتَمَوّل الخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 القَرْضُ جَائزٌ وفِعْلٌ جَارِي فِي كلِّ شَيْءٍ مَا عَدَا الجَوَارِي (الْقَرْض جَائِز) بل مَنْدُوب إِلَيْهِ كَمَا مر، وَإِنَّمَا عبر بِالْجَوَازِ لأجل الْإِخْرَاج فِي قَوْله: مَا عدا الْجَوَارِي (وَفعل جَار فِي كل شَيْء) من النُّقُود والأطعمة والمقومات والمثليات وَالْحَيَوَان (مَا عدا الْجَوَارِي) فَإِنَّهُ لَا يجوز قرضهن لغير محرم مِنْهُنَّ ولغير امْرَأَة وصغير لِأَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى عَارِية الْفروج، لِأَن الْمُقْتَرض لما كَانَ مُتَمَكنًا من رد الْمثل وَالْعين بعد الْغَيْبَة عَلَيْهِ مَا لم تَتَغَيَّر صفته كَانَ رد الْعين فِي معنى عَارِية الْفرج، لِأَنَّهُ يسْتَمْتع بهَا مَا شَاءَ ثمَّ يردهَا بِعَينهَا وَيقْضى على الْمقْرض بقبولها حَيْثُ لم تَتَغَيَّر صفتهَا، وَلذَلِك انْتَفَى الْمَنْع إِذا كَانَ الْمُقْتَرض محرما مِنْهَا كَبِنْت أَخِيه أَو كَانَ امْرَأَة أَو صَغِيرا أَو كَانَت الْجَارِيَة لَا يُوطأ مثلهَا وَلَا تبلغ فِي مُدَّة الْقَرْض سنّ من يُوطأ مثلهَا، وَمثل الْجَوَارِي فِي الْمَنْع الْمَذْكُور مَا لَا يُمكن الْوَفَاء بِمثلِهِ كالدور وَالْأَرضين أَو مَا لَا تحصره الصّفة كتراب الْمَعَادِن، وَكَذَا الْجزَاف فَإِنَّهُ لَا يجوز قرضه إِلَّا مَا قل كرغيف برغيف، وَبِالْجُمْلَةِ فَكل مَا لَا يَصح السّلم فِيهِ كهذه الْأُمُور لَا يجوز قرضه. (خَ) : يجوز قرض مَا يسلم فِيهِ فَقَط إِلَّا جَارِيَة تحل للمستقرض أَي فَإِنَّهُ يجوز السّلم فِيهَا وَلَا يجوز قرضها، فَإِن وَقع وَنزل وأقرضت لمن يحل لَهُ وَطْؤُهَا فَإِنَّهَا ترد إِذا لم تفت بِوَطْء وَنَحْوه من غيبَة عَلَيْهَا وَإِلَّا رد قيمتهَا، وَمحل الْمَنْع فِي استقراض الْجَوَارِي إِذا لم يشْتَرط عَلَيْهِ رد الْمثل وإلاَّ جَازَ عِنْد ابْن عبد الحكم وَالْأَكْثَر على أَنه وفَاق للْمَذْهَب حِينَئِذٍ. تَنْبِيه: لَا يجوز تَصْدِيق الْقَرْض فِي كيل الطَّعَام أَو وَزنه أَو عده لِئَلَّا يجد الْمُقْتَرض نقصا فيغتفره رَجَاء أَن يُؤَخِّرهُ عِنْد الْأَجَل، فَإِن وَقع وَصدقه لم يفْسخ كَمَا فِي ابْن يُونُس (خَ) : وتصديق فبه كمبادلة ربويين ومقرض الخ. وشَرْطُهُ أَن لَا يَجُرَّ مَنْفَعَه وَحَاكِمٌ بِذَاكَ كلٌّ مَنَعَه (وَشَرطه) : أَي الْقَرْض (أَن لَا يجر مَنْفَعَة) للمقرض أَو الْأَجْنَبِيّ فَإِن جرها لأَحَدهمَا أَولهمَا امْتنع كَمَا قَالَ (و) قرض (حَاكم بِذَاكَ) أَي بجر الْمَنْفَعَة للمقرض أَو لأَجْنَبِيّ وَلَو قلت كسلف طَعَام عفن أَو سايس أَو مبلول أَو رطب أَو قديم أَخذ سَالم عَنهُ أَو يَابِس أَو جَدِيد (كل مَنعه) إِن لم تكن مسغبة، فَإِن كَانَت والنفع للمقترض وَحده بِحَيْثُ لَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 بَاعه ربه أمكنه أَن يَشْتَرِي بِثمنِهِ فِي زمن الرَّد مثله أَو أَكثر فَيجوز (خَ) : إِلَّا أَن يقوم دَلِيل على أَن الْقَصْد نفع الْمُقْتَرض فَقَط فِي الْجَمِيع كفدان مستحصد خفت مؤنه عَلَيْهِ يحصده ويدرسه وَيرد مثله، وَإِن كَانَ النَّفْع للمقرض والمقترض مَعًا كَمَا لَو كَانَ بِحَيْثُ لَو بَاعه لم يُمكنهُ أَن يَشْتَرِي بِهِ مثله، بل أقل، فَالْمَشْهُور الْمَنْع. وروى أَبُو الْفرج: الْجَوَاز. قلت: وَيَنْبَغِي التَّمَسُّك بِهِ نظرا لحَاجَة الْمُقْتَرض، وَقَوْلِي: بِشَرْط أَخذ سَالم الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يشْتَرط عَلَيْهِ ذَلِك وَلَا جرت بِهِ عَادَة، وَإِنَّمَا تطوع الْمُقْتَرض بِقَضَاء السَّالِم عَن العفن وَنَحْوه، فَإِنَّهُ جَائِز (خَ) : وَقَضَاء قرض بمساو وَأفضل صفة إِلَى قَوْله لَا أَزِيد عددا أَو وزنا الخ. وَفِي ابْن يُونُس عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا؛ أَن رجلا قَالَ: أسلفت لرجل سلفا واشترطت عَلَيْهِ أفضل مِنْهُ. فَقَالَ ابْن عمر: ذَلِك الرِّبَا. قَالَ: وَأرى أَن تمزق الصَّحِيفَة أَي الرَّسْم، فَإِن أَعْطَاك مثل الَّذِي أسلفته قبلته وَإِن أَعْطَاك دونه فَأَخَذته أجرت عَلَيْهِ، وَإِن أَعْطَاك فَوق ذَلِك طيبَة بذلك نَفسه فَذَلِك شكر شكره لَك وَلَك أجر مَا أنظرته اه. تَنْبِيه: من سلف بِمَنْفَعَة مَسْأَلَة السفتجة وَهِي البطاقة الَّتِي يكْتب فِيهَا الإحالة بِالدّينِ، وَذَلِكَ أَن يسلف الرجل مَالا فِي غير بَلَده لبَعض أَهله وَيكْتب الْقَابِض لنائبه أَو يذهب مَعَه بِنَفسِهِ ليدفع عوضه فِي بلد المسلف وَهِي مَمْنُوعَة على الْمَشْهُور، إِلَّا أَن يعم الْخَوْف. وروى ابْن الْجلاب عَن مَالك الْكَرَاهَة، وأجازها ابْن عبد الحكم مُطلقًا عَم الْخَوْف أم لَا. وَهَذِه الْمَسْأَلَة تقع الْيَوْم كثيرا فِي مناقلة الطَّعَام فَيكون للرجل وسق من طَعَام مثلا فِي بلد فيسلفه لمن يَدْفَعهُ لَهُ فِي بَلَده أَو قريب مِنْهُ فتجري فِيهَا الْأَقْوَال الْمَذْكُورَة إِن كَانَ ذَلِك على وَجه السّلف لَا على وَجه الْمُبَادلَة وَالْبيع، وَحِينَئِذٍ فَلَا يشوش على النَّاس بالمشهور إِذْ لَهُم مُسْتَند فِي جَوَاز ذَلِك، وَلَا يُنكر على الْإِنْسَان فِي فعل مُخْتَلف فِيهِ كَمَا مرَّ فِي بَيَاض الْأَشْجَار فِي الْمُسَاقَاة وأوائل الْإِجَارَة والمزارعة وَالله أعلم. وَكَذَا اخْتلف فِي ثمن الجاه فَمن قَائِل بِالتَّحْرِيمِ، وَمن قَائِل بِالْكَرَاهَةِ بِإِطْلَاق، وَمن مفصل بَين أَن يكون ذُو الجاه يحْتَاج إِلَى نَفَقَة وتعب وسفر فَأخذ مثل أجره فَذَلِك جَائِز وإلاَّ حرم. وَهَذَا هُوَ الْحق وَلَكِن لَا يُنكر على دافعه وَلَا على آخذه مُطلقًا لِأَنَّهُ مُخْتَلف فِيهِ فَلَا يُنكر على من دَفعه لمن يتَكَلَّم فِي أمره مَعَ السُّلْطَان وَنَحْوه كَمَا هِيَ عَادَة النَّاس الْيَوْم، ثمَّ الْمَشْهُور أَن الْقَرْض يملك بالْقَوْل فَيصير مَالا من أَمْوَال الْمُقْتَرض وَيدخل فِي ضَمَانه بِالْعقدِ كَغَيْرِهِ من الْعُقُود الصَّحِيحَة مَا لم يكن فِيهِ حق تَوْفِيَة وإلاَّ فَلَا يدْخل فِي ضَمَانه إِلَّا بالتوفية وَإِذا لزم بالْقَوْل فَإِنَّهُ يقْضِي لَهُ بِهِ وَيبقى بِيَدِهِ إِلَى الْأَجَل أَو قدر مَا يرى فِي الْعَادة أَنه قد انْتفع بِهِ إِن لم يضربا أَََجَلًا كَمَا قَالَ: وَلَيْسَ باللازم أنْ يُرَدَّا قبلَ انقِضَاءِ أَجْلٍ قد حُدَّا (وَلَيْسَ باللازم) للمقترض (أَن يردا) الْقَرْض لمقرضه (قبل انْقِضَاء أجل قد حدا) بِنَصّ أَو عَادَة لِأَن الْعَادة كالشرط (خَ) وَملك بالْقَوْل وَلم يلْزم رده إِلَّا بِشَرْط أَو عَادَة الخ. وَإِن رأى مسَلِّفٌ تَعْجيلَهُ أُلْزِمَ مَنْ سَلَّفَهُ قُبَولَهُ (وَإِن رأى مسلف) بِفَتْح اللَّام (تَعْجِيله) أَي السّلف لرَبه قبل أَجله (ألزم من سلفه قبُوله) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 كَانَ عينا أَو غَيرهَا، وَلَو نفس المَال الْمُقْتَرض بِالْفَتْح إِن لم يتَغَيَّر أَو تغير بِزِيَادَة، فَإِن تغير بِنَقص خير وَهَذَا إِذا قَضَاهُ بِمحل قَبضه وإلاَّ فَلَا يلْزم ربه أَخذه لما فِيهِ من زِيَادَة الكلفة عَلَيْهِ إِن كَانَ غير عين، وإلاَّ لزمَه قبُوله إِن كَانَ الْمحل مَأْمُونا (خَ) : كأخذه بِغَيْر مَحَله إِلَّا الْعين. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا تنَازعا فِي اشْتِرَاط الْأَجَل فَقَالَ الْمقْرض: على الْحُلُول، وَخَالفهُ الْمُقْتَرض فَالْقَوْل للمقترض على الْمُعْتَمد فَإِن اخْتلفَا فِي قدر مُدَّة تَأْجِيله فَالْقَوْل للمقرض، فَإِن الْتزم المتسلف تَصْدِيق المسلف فِي عدم الْقَضَاء بِلَا يَمِين، فَذكر ابْن نَاجِي أَن الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل هُوَ أَعمال الشَّرْط فَلَا يحلف. الثَّانِي: لَو جَاءَ الْمديَان بِبَعْض الْحق وَقَالَ ربه: لَا أقبل إِلَّا كُله فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: إِن كَانَ الْغَرِيم مُوسِرًا لم يجْبر رب المَال على أَخذ مَا جَاءَ بِهِ، وَإِن كَانَ مُعسرا أجبر وَقيل يجْبر وَلَو مُوسِرًا، وَظَاهر الْجُزُولِيّ أَنه الرَّاجِح. الثَّالِث: يَصح السّلف على شَرط على شَرط أَن يردهُ من مَال بِعَيْنِه وَأَخذه بَعضهم من قصر سلف الْيَتِيم على مَا فِي ملكه يَوْم السّلف كَمَا فِي ابْن عَرَفَة فِي السّلم وأوائل الْقَرْض. (بَاب فِي الْعتْق وَمَا يتَّصل بِهِ) عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ: (من أعتق رَقَبَة أعتق الله بِكُل عُضْو مِنْهَا عضوا من أَعْضَائِهِ من النَّار حَتَّى فرجه بفرجه) . ابْن عَرَفَة: الْعتْق رفع ملك حَقِيقِيّ لَا بسباء محرم عَن آدَمِيّ حَيّ فَخرج بِملك رفع غير الْملك كرفع الحكم بالنسخ مثلا، وَخرج بحقيقي اسْتِحْقَاق عبد بحريّة لِأَن الْمُسْتَحق من يَده لَيْسَ بِمَالك فِي الْحَقِيقَة، وَبِقَوْلِهِ: لَا بسباء محرم فدَاء الْمُسلم من حَرْب سباه أَو مِمَّن صَار لَهُ مِنْهُ لِأَن ملك الْحَرْبِيّ لَهُ سباء محرم وَهُوَ عطف على مُقَدّر أَي بسباء حَلَال لَا بسباء محرم، وَبِقَوْلِهِ: حَيّ الخ. رَفعه عِنْد الْمَوْت وَأورد عَلَيْهِ أَن قَوْله: لَا بسباء محرم مُسْتَغْنى عَنهُ بقوله: ملك حَقِيقِيّ لِأَن مُحْتَرزه لَيْسَ فِيهِ ملك حَقِيقِيّ، وَأورد عَلَيْهِ أَيْضا أَنه غير مَانع لصدقه بِبيع العَبْد فَإِنَّهُ رفع ملك أَيْضا. وَقد يُجَاب عَن هَذَا الثَّانِي بِأَن ملك فِي سِيَاق النَّفْي فَيعم وَلَا يتَحَقَّق عُمُومه إِلَّا بِرَفْع كل ملك وَالْبيع فِيهِ رفع ملك البَائِع وَثُبُوت ملك المُشْتَرِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 العِتْقُ بالتدْبيرِ وَالْوَصاةِ وبالْكِتَابَةِ وبَالبَيّنَاتِ (الْعتْق) على أَرْبَعَة أوجه (بِالتَّدْبِيرِ) وَهُوَ كَمَا فِي (خَ) تَعْلِيق مُكَلّف رشيد وان زَوْجَة فِي زَائِد الثُّلُث الْعتْق بِمَوْتِهِ على غير وَجه الْوَصِيَّة لَا على وَجه الْوَصِيَّة فَقَوله: الْعتْق مَعْمُول تَعْلِيق وَهُوَ على حذف مُضَاف أَي: تعليقة نُفُوذ الْعتْق لِأَن الْمُعَلق إِنَّمَا هُوَ نُفُوذ الْعتْق، وَأما إنْشَاء الْعتْق فَهُوَ من الْآن فالتدبير تَعْلِيق على وَجه الانبرام واللزوم، وَالْوَصِيَّة تَعْلِيق على وَجه الانحلال وَالرُّجُوع. والتعاليق ثَلَاثَة: معنوي ولفظي ونحوي، وكل وَاحِد أخص مِمَّا قبله، فَالْأول يَشْمَل أم الْوَلَد لِأَن حريتها معلقَة على موت سَيِّدهَا وَلَا لفظ فِي ذَلِك التَّعْلِيق، واللفظي يَشْمَل النَّحْوِيّ، وَهُوَ الَّذِي لَا يكون إِلَّا بأداة الشَّرْط ويشمل نَحْو: أَنْت مُدبر ودبرتك وَنَحْوه لِأَنَّهُ تَعْلِيق بِغَيْر أَدَاة الشَّرْط، واللفظي هُوَ مُرَاد الْفُقَهَاء فِي هَذَا الْبَاب، وَعَلِيهِ فَإِذا أَتَى بأداة الشَّرْط فَقَالَ: إِن كلمت فلَانا أَو دخلت الدَّار فَأَنت حر بعد موتِي، أَو فَأَنت مُدبر فَدخل الدَّار أَو كلم فلَانا فَذَلِك تَدْبِير لَازم سَوَاء نوى التَّدْبِير أم لَا. لِأَنَّهُ حانث فِي يَمِينه وبوقوع الْمُعَلق عَلَيْهِ لزمَه ذَلِك وَلَا ينفذ إِلَّا بعد مَوته لِأَنَّهُ شَرط ذَلِك فِي يَمِينه، وَإِن لم يَأْتِ بأداة الشَّرْط فَتَارَة يَأْتِي بِأَلْفَاظ صَرِيحَة فِي التَّدْبِير كَقَوْلِه: دبرتك وَأَنت مُدبر أَو حر عَن دبر مني فَإِنَّهُ يكون تدبيراً لَازِما لَا رُجُوع فِيهِ، وَلَو لم ينْو لُزُومه لِأَن الصِّيغَة الصَّرِيحَة فِي بَابهَا لَا تَنْصَرِف لغَيْرهَا إِلَّا بِبَيِّنَة أَو قرينَة كَقَوْلِه: مَا لم أغير ذَلِك أَو أرجع عَنهُ، فَإِن نوى بذلك عدم اللُّزُوم وَأَن لَهُ الرُّجُوع والانحلال، فَظَاهر التَّوْضِيح أَنه ينْصَرف للْوَصِيَّة وَأَحْرَى، إِذا أَتَى بِالْقَرِينَةِ الدَّالَّة على عدم اللُّزُوم، وَتارَة يَأْتِي بِأَلْفَاظ صَرِيحَة فِي الْوَصِيَّة كَقَوْلِه: إِن مت من مرضِي أَو سَفَرِي هَذَا فَأَنت حر أَو مُدبر فَذَلِك وَصِيَّة غير لَازِمَة، وَله الرُّجُوع فِيهِ لِأَنَّهُ لما علقه على الْمَوْت من ذَلِك الْمَرَض أَو السّفر وَقد ينشأ عَنْهُمَا موت وَقد لَا ينشأ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَن لَهُ الرُّجُوع وَإِن لم يمت فِي ذَلِك الْمَرَض أَو السّفر كَانَ ذَلِك قرينَة صارفة عَن التَّدْبِير إِلَّا أَن يَنْوِي لُزُوم الْحُرِّيَّة وَالتَّدْبِير فَلَا رُجُوع لَهُ وتنصرف للتدبير حنيئذ، وَكَذَا إِذا قَالَ فِي صِحَّته: أَنْت حر بعد موتى أَو يَوْم أَمُوت فَهُوَ وَصِيَّة لِأَن ذَلِك من صيغتها الصَّرِيحَة حَتَّى يَنْوِي بذلك اللُّزُوم، أَو يَأْتِي بِقَرِينَة فَيَقُول مثلا: هُوَ حر بعد موتِي لَا يُغير عَن ذَلِك فَيَنْصَرِف للتدبير. وَقد تحصل أَن الْعتْق بعد الْمَوْت إِذا الْتَزمهُ بنية اللُّزُوم وَعدم الرُّجُوع أَو أَتَى بِقَرِينَة فَهُوَ التَّدْبِير وَلَو كَانَ بِصِيغَة الْوَصِيَّة الصَّرِيحَة، وَإِن كَانَ الْتَزمهُ بعد الْمَوْت أَيْضا بنية الرُّجُوع فِيهِ والانحلال أَو أَتَى بِقَرِينَة فَهُوَ الْوَصِيَّة، وَلَو كَانَ بِصَرِيح التَّدْبِير فَإِن لم تكن لَهُ نِيَّة وَلَا قرينَة فَإِن كَانَ بِصَرِيح التَّدْبِير فتدبير وبصريح الْوَصِيَّة فوصية وَإِنَّمَا كَانَ ينْصَرف صَرِيح التَّدْبِير للْوَصِيَّة بِالنِّيَّةِ والقرينة وَبِالْعَكْسِ لتقارب هذَيْن الْبَابَيْنِ، وَهَذَا إِذا لم يعلقه بالأداة على شَيْء وَحنث فِيهِ وإلاَّ فليزمه بِالْحِنْثِ، وَلَو نوى عدم اللُّزُوم مُؤَاخذَة لَهُ بِظَاهِر لَفظه الْمُخَالف لنيته كَمَا مرَّ أول التَّقْرِير، وَأما لَو قَالَ: هُوَ حر بعد موتِي بِيَوْم أَو شهر أَو أَكثر فَهُوَ وَصِيَّة لمُخَالفَته للتدبير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 بِكَوْنِهِ غير مُعَلّق على الْمَوْت إِلَّا أَن يُرِيد التَّدْبِير، وَبِهَذَا كُله يظْهر الْفرق بَين الْوَصِيَّة وَالتَّدْبِير وَإِن كَانَ كل مِنْهُمَا لَا ينفذ إِلَّا من الثُّلُث. قَالَ سَحْنُون لِابْنِ الْقَاسِم: أَي شَيْء هَذَا التَّدْبِير فِي قَول مَالك؟ فَقَالَ: هُوَ إِيجَاب أوجبه السَّيِّد على نَفسه والإيجاب عِنْد مَالك لَازم، ثمَّ قَالَ: وَمَا الْوَصِيَّة؟ فَقَالَ: إِنَّهَا عدَّة، وَالْعدة لَيست بِإِيجَاب وَالتَّدْبِير إِيجَاب والإيجاب لَيْسَ بعده اه. وَقَالَ فِيمَن قَالَ: أَنْت حر بعد موتِي يسْأَل؟ فَإِن نوى التَّدْبِير أَو الْوَصِيَّة فَإِنَّهُ يصدق وَيلْزمهُ مَا نوى اه. وَلأَجل أَن الْعتْق فِي التَّدْبِير لَازم لَا رُجُوع فِيهِ استتبع الْأَوْلَاد وَكَانُوا مُدبرين كأمهم بِخِلَاف الْوَصِيَّة بِالْعِتْقِ فَإِن الْأَوْلَاد لَا يتبعُون أمّهم كَمَا قَالَه ابْن الْقصار. وَحكى عَلَيْهِ الْإِجْمَاع وَقَول (خَ) : وَإِن زَوْجَة فِي زَائِد ثلثهَا الخ. إِنَّمَا كَانَ يلْزمهَا وَلَو فِي زَائِد ثلثهَا بل وَلَو فِي عبد لَا تملك غَيره. مَعَ أَنَّهَا محجر عَلَيْهَا فِي زَائِد الثُّلُث، لِأَن الزَّوْج لَا ضَرَر عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ الْآن زَائِدا على الثُّلُث فَلَا ينفذ بعد الْمَوْت إِلَّا مِنْهُ فَلَا ضَرَر عَلَيْهِ. تَنْبِيه: اعْترض ابْن عَرَفَة تَعْرِيف ابْن الْحَاجِب للتدبير الَّذِي هُوَ كتعريف (خَ) الْمُتَقَدّم وَقَالَ: إِنَّه حد تركيبي وَهُوَ وقف معرفَة الْمُعَرّف على معرفَة حَقِيقَة أُخْرَى أَجْنَبِيَّة عَنهُ لَيست أَعم وَلَا أخص وَهِي هُنَا وَصِيَّة، فَإِن الْوَصِيَّة تفْتَقر إِلَى حَدهَا أَيْضا وَهِي مباينة للتدبير فَلَا يعرف حِينَئِذٍ التَّدْبِير إِلَّا بِمَعْرِِفَة الْوَصِيَّة، وَالْحَد التركيبي يجْتَنب فِي الْحُدُود. وَيُجَاب عَن ذَلِك بِأَن ابْن الْحَاجِب أَرَادَ الْوَصْف اللَّازِم للْوَصِيَّة فَكَأَنَّهُ قَالَ: التَّدْبِير تَعْلِيق على وَجه اللُّزُوم لَا على وَجه غير اللُّزُوم. (و) ب (الوصاة) بِفَتْح الْوَاو أَي الْوَصِيَّة كَقَوْلِه: إِن مت من مرضِي أَو سَفَرِي هَذَا فَأَنت حر أَو مُدبر أَو حر بعد موتِي وَلم يرد بِهِ التَّدْبِير أَو حر بعد موتِي بيومٍ أَو شهر وَلم ينْو بِهِ التَّدْبِير كَمَا مرَّ. (وبالكتابة) وَهِي كَمَا لِابْنِ عَرَفَة عتق على مَال مُؤَجل من العَبْد مَوْقُوف على أَدَائِهِ فَيخرج مَا على مَال معجل، وَلذَا قَالَ فِيهَا: لَا تجوز كِتَابَة أم الْوَلَد وَيجوز عتقهَا على مَال معجل، وَيخرج عتق العَبْد على مَال مُؤَجل على أَجْنَبِي الخ. فَقَوله: على مَال أخرج بِهِ الْعتْق على غير مَال سَوَاء كَانَ بتلا أَو لأجل، وَقَوله: مُؤَجل أخرج بِهِ القطاعة، وَقَوله: مَوْقُوف على أَدَائِهِ أخرج بِهِ الْعتْق الْمُعَجل على أَدَاء مَال إِلَى أجل، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِكِتَابَة عرفا، وَلَكِن الْعتْق لَازم للسَّيِّد معجلا وَلزِمَ المَال للْعَبد معجلا إِن كَانَ مُوسِرًا وَيتبع بِهِ دينا فِي ذمَّته إِن كَانَ مُعسرا. قَالَ ابْن مَرْزُوق: وَالصَّوَاب أَن يَقُول عقد يُوجب عتقا الخ لِأَنَّهَا سَبَب فِي الْعتْق لَا نَفسه. (وبالبتات) وَهُوَ الْعتْق الناجز على غير مَال كَمَا مر. وصيغته: إِمَّا صَرِيحَة وَهِي الَّتِي لَا تَنْصَرِف عَن الْعتْق بِالنِّيَّةِ كَقَوْلِه: أَعتَقتك أَو حررتك أَو أَنْت حر أَو فَككت رقبتك أَو أَنْت مفكوك الرَّقَبَة، فَإِنَّهُ لَا يصدق أَنه أَرَادَ بِهَذِهِ الصِّيَغ وَنَحْوهَا غير الْعتْق فَإِن كَانَت هُنَاكَ قرينَة لفظية كَقَوْلِه: أَنْت حر الْيَوْم من هَذَا الْعَمَل وَقَالَ: لم أرد عتقه صدق بِيَمِينِهِ ثمَّ لَا يَسْتَعْمِلهُ فِي ذَلِك الْيَوْم كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة، وَكَذَا لَو قَالَ: أَنْت حر الْيَوْم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 فَقَط وَقَالَ: لم أرد عتقا وَإِنَّمَا أردْت من عمل خَاص فَإِنَّهُ يصدق بِيَمِينِهِ أَو قرينَة معنوية كَمَا لَو رَآهُ صنع شَيْئا فأعجبه فَقَالَ: مَا أَنْت إِلَّا حر، أَو قَالَ لَهُ لما عَصَاهُ: تعال يَا حر، وَقَالَ: لم أرد بذلك عتقا وَإِنَّمَا أردْت فِي الأول أَنه حر الْفِعْل، وَفِي الثَّانِي أَنه فِي معصيتي شَبيه بِالْحرِّ فَإِنَّهُ يصدق بِيَمِينِهِ فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاء. وَإِمَّا كِنَايَة وَهِي قِسْمَانِ: ظَاهِرَة كَقَوْلِه: لَا سَبِيل لي عَلَيْك أَو لَا ملك لي عَلَيْك وَنَحْوهَا، فَإِن ذَلِك ظَاهر فِي الْعتْق وَلَكِن ينْصَرف عَنهُ بِالنِّيَّةِ وَنَحْوهَا، فَإِذا قَالَ السَّيِّد ذَلِك لعَبْدِهِ جَوَابا لكَلَام وَقع من العَبْد لَا يَلِيق بالسيد، وَقَالَ: لم أرد بذلك عتقا صدق بِيَمِينِهِ فَإِن قَالَ ذَلِك فِي غير جَوَاب أصلا أَو جَوَابا لكَلَام يَلِيق بالسيد وَلم يعلم هَل كَانَ جَوَابا لكَلَام أم لَا عتق عَلَيْهِ، وَإِمَّا كِنَايَة خُفْيَة كَقَوْلِه لَهُ: اسْقِنِي مَاء أَو اذْهَبْ أَو اغرب فَإِنَّهُ لَا يلْزَمنِي شَيْء إِلَّا إِذا قَالَ: نَوَيْت بِهِ الْعتْق والعزب الْبعد فَتبين أَن الْقَرِينَة يعْمل بهَا فِي الصَّرِيح وَالْكِنَايَة الظَّاهِرَة، وَأما فِي الْخفية فَإِنَّهُ لَا يلْزمه شَيْء إِلَّا بِالنِّيَّةِ. وليْسَ فِي التّدْبير والتبْتِيل إِلَى الرُّجُوع بَعْدُ مِنْ سبِيلِ (وَلَيْسَ فِي التَّدْبِير و) لَا فِي (التبتيل إِلَى الرُّجُوع بعد) أَي بعد عقدهما بالصيغ الْمُتَقَدّمَة فيهمَا (من سَبِيل) هُوَ اسْم لَيْسَ. وَمن زَائِدَة، وَالتَّقْدِير: لَيْسَ هُنَاكَ سَبِيل إِلَى الرُّجُوع فِي التَّدْبِير والتبتيل بعد عقدهما كَمَا لَهُ الرُّجُوع فِي الْوَصِيَّة بعد عقدهَا، بل هما نافذان لازمان لَا يقبل من السَّيِّد رُجُوع فيهمَا. نعم يبطلان مَعًا بدين مُحِيط سَابق عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا من التَّبَرُّع وَهُوَ بَاطِل بِالدّينِ الْمُحِيط (خَ) : للْغَرِيم منع من أحَاط الدّين بِمَالِه من تبرعه الخ. اللَّاحِق فَإِنَّهُ لَا يبطل التبتيل وَيبْطل التَّدْبِير إِن مَاتَ السَّيِّد لَا إِن كَانَ حَيا كَمَا قَالَ الأَجْهُورِيّ: وَيبْطل التَّدْبِير دين سبقا إِن سيد حَيّ وَإِلَّا مُطلقًا أَي: وَإِلَّا يكن حَيا أبْطلهُ مُطلقًا سَابِقًا أَو لاحقاً. وَالعِتْقُ بالمالِ هُوَ المُكاتَبَهْ وَمَا لَهُ بالجَبْرِ مِنْ مُطَالَبَهْ (وَالْعِتْق بِالْمَالِ) الْمُؤَجل (هُوَ الْمُكَاتبَة) فَإِن وَقع الْعتْق بِالْمَالِ على السكت وَلم يشترطا تنجيمه وَلَا تَأْجِيله وَجب تنجيمه على قد مَا يرى من كِتَابَة مثله وَقدر قوته، وَإِن كره سَيّده لِأَن عرف النَّاس فِي الْكِتَابَة أَنَّهَا منجمة فيحملان عَلَيْهِ عِنْد السكت. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: فَإِن شرطا تَعْجِيله فَهِيَ قطاعة كَمَا مر فِي حد ابْن عَرَفَة. (وَمَا لَهُ بالجبر من مُطَالبَة) أَي لَيْسَ للسَّيِّد أَن يجْبر عَبده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 على الْكِتَابَة وَلَا للْعَبد أَن يجْبر سَيّده عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا تصح برضاهما مَعًا على الْمَشْهُور، لَكِن إِذا طلبَهَا العَبْد من سَيّده ندب للسَّيِّد أَن يجِيبه إِلَيْهَا، وَإِذا طلبَهَا السَّيِّد جَازَ للْعَبد الْقبُول وَعَدَمه (خَ) ندب مُكَاتبَة أهل التَّبَرُّع وَحط جُزْء آخر، وَلم يجْبر العَبْد عَلَيْهَا، والمأخوذ مِنْهَا الْجَبْر الخ. فَمَا نَافِيَة وَضمير لَهُ لوَاحِد مِنْهُمَا لتقدم ذكرهمَا باللزوم، إِذْ الْعتْق يسْتَلْزم معتقاً بِالْكَسْرِ ومعتقاً بِالْفَتْح، و (من) زَائِدَة لَا تتَعَلَّق بِشَيْء، ومطالبة مُبْتَدأ خَبره لَهُ وبالجبر يتَعَلَّق بمطالبة أَي لَيْسَ لوَاحِد من السَّيِّد وَالْعَبْد مُطَالبَة الآخر بالجبر على الْكِتَابَة. وَلما كَانَ الْمُوجب لِلْعِتْقِ أسباباً أَرْبَعَة: أَولهَا: الْعتْق، بِاللَّفْظِ وَتقدم، وَثَانِيها: الْعتْق بِالْقَرَابَةِ وَلم يتَكَلَّم النَّاظِم عَلَيْهِ، وَأَشَارَ (خَ) بقوله: وَعتق بِنَفس الْملك الأبوان وَإِن علوا وَالْولد وَإِن سفل كَبِنْت وَأَخ وَأُخْت مُطلقًا الخ. وَثَالِثهَا: الْعتْق بالمثلة وَسَيَأْتِي فِي قَوْله: وَعتق من سَيّده يمثل. الخ. وَرَابِعهَا: الْعتْق بِالسّرَايَةِ وَله وَجْهَان أَحدهمَا: أَن يكون يملك جَمِيع العَبْد وَلَو بشائبة كَأُمّ وَلَده فَيعتق جزأ مِنْهُ كثلثه أَو ربعه أَو يَده أَو رجله أَو شعره أَو رِيقه وجماله فَإِنَّهُ يكمل عَلَيْهِ وَيعتق جَمِيعه كَمَا قَالَ: وَمُعْتِقٌ بِالجُزْءِ مِنْ عَبْدٍ لَهْ مُطَالَبٌ بالحُكْمِ أَن يكْمِلَهْ (ومعتق للجزء من عبد لَهُ) وَلَو ذَا شَائِبَة كمدبره (مطَالب بالحكم أَن يكمله) لِأَنَّهُ كمن قَالَ لزوجته: يدك طَالِق أَو شعرك طَالِق فَإِنَّهُ يلْزمه الطَّلَاق فِي جَمِيعهَا، وَظَاهره كَانَ الْمُعْتق مُوسِرًا أَو مُعسرا وَهُوَ كَذَلِك، وَظَاهره كَانَ الْمُعْتق مُسلما أَو ذِمِّيا وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن الذِّمِّيّ إِذا أعتق بعض عَبده الذِّمِّيّ فَإِنَّهُ لَا يكمل عَلَيْهِ. وَكَذَا الزَّوْجَة وَالْمَرِيض فِي زَائِد الثُّلُث وَفهم من قَوْله بالحكم إِنَّه لَا يكمل عَلَيْهِ بِنَفس عتق الْجُزْء بل لَا بُد من حكم الْحَاكِم بالتكميل وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور، وَعَلِيهِ فأحكام الرّقّ قبل الحكم جَارِيَة عَلَيْهِ فَلَا يحد قَاذفه وَلَا يقْتَصّ من قَاتله الْحر الْمُسلم ويرثه سَيّده دون ورثته وَهَكَذَا. وَالْوَجْه الثَّانِي: وَهُوَ أَن يكون العَبْد مُشْتَركا بَينه وَبَين غَيره فَيعتق مِنْهُ حَظه كُله أَو جُزْء من حَظه، فَإِنَّهُ يكمل عَلَيْهِ حَظه وَيقوم عَلَيْهِ حَظّ شَرِيكه وَيدْفَع قِيمَته للشَّرِيك وَيعتق جَمِيعه كَمَا قَالَ: وحَظُّ مَنْ شَارَكَهُ يَقُوْمُ عَلَيْهِ فِي اليُسْرِ وعِتْقاً يَلْزَمُ (وحظ من شَاركهُ يقوم عَلَيْهِ فِي) حَال (الْيُسْر وعتقا يلْزم) ولتقويمه شُرُوط: أَولهَا: أَن يكون الْمُعْتق لجزئه مُوسِرًا كَمَا نبه عَلَيْهِ النَّاظِم بقوله: فِي الْيُسْر أَي بِأَن يكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 مُوسِرًا يَوْم الحكم بِقِيمَة حَظّ شَرِيكه بِمَا يُبَاع على الْمُفلس، فَإِن كَانَ مُوسِرًا بِبَعْضِهَا عتق مِنْهُ بِقدر ذَلِك الْبَعْض، فَإِن لم يكن مُوسِرًا بكلها وَلَا بِبَعْضِهَا لم يقوم عَلَيْهِ شَيْء وَيعلم عسره بِأَن لَا يكون لَهُ مَال ظَاهر، ويسئل عَنهُ جِيرَانه وَمن يعرفهُ فَإِن لم يعلمُوا لَهُ مَالا حلف وَلَا يسجن، فَإِن لم يحكم عَلَيْهِ بالتقويم وَهُوَ مَلِيء حَتَّى مَاتَ أَو فلس لم يعْتق مِنْهُ إِلَّا مَا كَانَ أعْتقهُ وَلَا يقوم عَلَيْهِ حَظّ شَرِيكه كَمَا رَوَاهُ أَشهب. ثَانِيهَا: أَن يدْفع الْقيمَة بِالْفِعْلِ فَإِن قوم عَلَيْهِ وَلم يَدْفَعهَا حَتَّى مَاتَ العَبْد وَرثهُ سَيّده دون ورثته فَدفع الْقيمَة بِالْفِعْلِ شَرط فِي نُفُوذ الْعتْق وَتَمَامه لَا فِي وجوب الحكم بالتقويم، فَإِذا توفرت شُرُوط التَّقْوِيم وَجب الحكم بتقويمه وعتقه، وَإِذا حكم فَلَا ينفذ الْعتْق وَيتم إِلَّا بدفعها، فَإِن أَبى شَرِيكه من قبضهَا قبضهَا الْحَاكِم. ابْن الْحَاجِب: وَلَا يعْتق إِلَّا بعد التَّقْوِيم وَدفع الْقيمَة على أظهر الرِّوَايَتَيْنِ. ثَالِثهَا: أَن يعْتق الْجُزْء بِاخْتِيَارِهِ لَا إِن أعتق عَلَيْهِ بِغَيْر اخْتِيَاره كَمَا لَو ورث جُزْءا من أَبِيه مثلا فَإِنَّهُ لَا يقوم عَلَيْهِ مَا لم يَرِثهُ، وَلَو وهب لَهُ جُزْء من أَبِيه أَو اشْتَرَاهُ قوّم عَلَيْهِ حِصَّة شَرِيكه لِأَنَّهُ متسبب بِقبُول الْهِبَة وَالشِّرَاء. رَابِعهَا: أَن يكون السَّيِّد مُسلما أَو العَبْد لَا إِن كَانَ الِاثْنَيْنِ كَافِرين. خَامِسهَا: أَن يبتدأ الْعتْق لَا إِن كَانَ العَبْد حرا لبَعض وَقد أَفَادَ (خَ) هَذِه الشُّرُوط بقوله: وبالحكم جَمِيعه إِن أعتق جُزْءا وَالْبَاقِي لَهُ كَانَ بَقِي لغيره إِن دفع الْقيمَة حَال كَونهَا مُعْتَبرَة يَوْم الحكم وَالْمُعتق مُسلما أَو العَبْد وأيسر بهَا أَو بِبَعْضِهَا فمقابلها وفضلت عَن مَتْرُوك مُفلس وَحصل عتقه بِاخْتِيَارِهِ لَا بِإِرْث، وابتدأ الْعتْق لَا إِن كَانَ حر الْبَعْض الخ. والشروط رَاجِعَة لما بعد الْكَاف من قَوْله كَانَ بَقِي الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْعتْق بالمثلة فَقَالَ: وَعِتْقُ مَنْ سَيِّدُهُ يُمثِّلُ بهِ إذَا مَا شَانَهُ يُبَتَّلُ (وَعتق من) أَي العَبْد الَّذِي (سَيّده يمثل بِهِ) عمدا (إِذا مَا) زَائِدَة (شانه) أَي عابه ذَلِك التَّمْثِيل الْمَفْهُوم من قَوْله يمثل (يبتل) أَي ينجز عتقه عَلَيْهِ بالحكم لَا بِنَفس التَّمْثِيل (خَ) : وبالحكم إِن عمد السَّيِّد لشين برقيقه وَلَو ذَا شَائِبَة كَأُمّ وَلَده ومدبر مدبره أَو رَقِيق رَقِيقه أَو رَقِيق وَلَده الصَّغِير وَهُوَ غير سَفِيه وَلَا عبد وَلَا ذمِّي وَلَا مَدين وَلَا زَوْجَة وَلَا مَرِيض فِي زَائِد الثُّلُث، وإلاَّ فَلَا يعْتق كَمَا إِذا لم يتعمدها والمثلة كخصاء وَقلع ظفر وَقطع بعض أذن أَو جَسَد أَو سنّ أَو سحلها أَي بردهَا بالمبرد أَو خرم أنف أَو حلق شعر أمة رفيعة أَو لحية تَاجر الخ. وَالْمُعْتَمد أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 حلق الشّعْر ولحية التَّاجِر ليسَا بمثلة لِأَن الشّعْر يعود كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ وَنَحْوه فِي الشَّامِل قَائِلا: وَلَا مثلَة بحلق لحية عبد وَإِن تَاجِرًا أَو رَأس أمة وَإِن رفيعة عِنْد مَالك لَا عِنْد الْمَدَنِيين كَابْن الْمَاجشون فَهُوَ مثلَة. وَاخْتَارَ اللَّخْمِيّ القَوْل الأول إِن عَاد الشّعْر، وَالثَّانِي إِن لم يعد الخ. وَبِه يسْقط اعْتِرَاض الشَّيْخ بناني والوسم بالنَّار لَيْسَ بمثلة إِلَّا أَن يكْتب بهَا فِي جَبهته آبق وَنَحْوه. تَنْبِيه: إِذا مثل الزَّوْج بِزَوْجَتِهِ فلهَا التَّطْلِيق كَمَا مرّ فِي ضَرَر الزَّوْجَيْنِ. وَمَنْ بِمَالٍ عِتْقُهُ مُنَجَّمِ يَكُونُ عَبْداً مَعْ بَقَاءِ دِرْهَمِ (وَمن) مُبْتَدأ (بِمَال عتقه) مُبْتَدأ ثَان وَالْمَجْرُور قبله خَبره (منجم) أَي مُؤَجل يَدْفَعهُ شَيْئا فَشَيْئًا فَهُوَ بالخفض نعت لمَال، وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَخَبره صلَة من وَهِي وَاقعَة على العَبْد الْمكَاتب (يكون عبدا مَعَ بَقَاء دِرْهَم) عَلَيْهِ من كِتَابَته، وَالْجُمْلَة خبر الْمَوْصُول وَلَا مَفْهُوم لقَوْله: منجم بل كَذَلِك إِذا قاطعه على مَال حَال وَعجز عَن أَدَاء بعضه وَلَو درهما فَإِنَّهُ يرق، وَهَذَا إِن اتّفق السَّيِّد وَالْعَبْد على التَّعْجِيز وَلم يكن للْعَبد مَال ظَاهر وإلاَّ فَلَيْسَ لَهُ الْعَجز على الْمَشْهُور، وَلَو اتفقَا عَلَيْهِ فَإِن اخْتلفَا فَقَالَ السَّيِّد: أردْت التَّعْجِيز وَامْتنع العَبْد أَو بِالْعَكْسِ فَلَا بُد من نظر الْحَاكِم فِي ذَلِك قَالَه فِي التَّوْضِيح. والقوْلُ للسَّيِّدِ فِي مالٍ حَصَلْ وَالخُلْفُ فِي قَدْرٍ وَجَنسٍ وَأجَلْ (وَالْقَوْل للسَّيِّد) بِيَمِين كَمَا فِي ابْن عَرَفَة: إِذا اخْتلف مَعَ عَبده (فِي) نفي أَدَاء (مَال حصل) فِي ذمَّة العَبْد بِسَبَب الْكِتَابَة فَقَالَ العَبْد: أديته كُله أَو بعضه، وَأنكر السَّيِّد ذَلِك فَإِن نكل حلف الْمكَاتب وَعتق وَمحل الْيَمين مَا لم يشْتَرط السَّيِّد فِي صلب عقد الْكِتَابَة التَّصْدِيق بِلَا يَمِين، وإلاَّ فَيعْمل بِشَرْطِهِ كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ عَن الجزيري، وَتقدم نَحوه فِي الْقَرْض. وَكَذَا القَوْل للسَّيِّد أَيْضا فِي نفي الْكِتَابَة إِذا ادَّعَاهَا العَبْد وأنكرها السَّيِّد، لَكِن بِلَا يَمِين لِأَنَّهَا من دَعْوَى الْعتْق (خَ) : وَالْقَوْل للسَّيِّد فِي نفي الْكِتَابَة وَالْأَدَاء. (وَالْخلف) أَي الْخلاف ثَابت فِي اخْتِلَافهمَا (فِي قدر) فَقَالَ السَّيِّد: بِمِائَة، وَقَالَ العَبْد: بِخَمْسِينَ، فَإِن القَوْل للْعَبد بِيَمِين على الْمَشْهُور إِن أشبه وَحده أَو مَعَ السَّيِّد، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 فَإِن أشبه السَّيِّد وَحده فَقَوله بِيَمِين فَإِن لم يشبها حلفا وَوَجَبَت كِتَابَة الْمثل كاختلاف الْمُتَبَايعين بعد الْفَوْت وَالْكِتَابَة هُنَا فَوت ونكولهما كحلفهما وَيَقْضِي للْحَالِف على الناكل. (وجنس) فَقَالَ السَّيِّد: كاتبتك بِثِيَاب من نعتها كَذَا. وَقَالَ العَبْد: بل كاتبتني بحيوان من نَعته كَذَا، وَالْمَشْهُور وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ اللَّخْمِيّ والمازري أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وعَلى العَبْد كِتَابَة مثله فِي الْعين. (وَأجل) هُوَ شَامِل لاختلافهما فِي وجوده وَعَدَمه أَو فِي قدره أَو فِي حُلُوله، أما الأول فَالْقَوْل قَول الْمكَاتب أَنَّهَا منجمة مَا لم يَأْتِ من كَثْرَة النُّجُوم بِمَا لَا يشبه، وَكَذَا يصدق الْمكَاتب أَيْضا إِذا اخْتلفَا فِي قدره أَو حُلُوله (ح) : لَا اخْتِلَافهمَا فِي الْقدر وَالْأَجَل وَالْجِنْس يَعْنِي فَإِن القَوْل لَا يكون للسَّيِّد فِي هَذِه الثَّلَاث، وَإِنَّمَا القَوْل للْعَبد فِي الْأَوَّلين فِي كَلَامه على التَّفْصِيل الْمَذْكُور، وَفِي الثَّالِث يَتَحَالَفَانِ كَمَا مرَّ فَإِن أَقَامَ كل الْبَيِّنَة على مَا يَدعِيهِ قضى بأعدلهما، فَإِن تكافأتا سقطتا وَجرى ذَلِك على مَا مرَّ إِلَّا إِن شهِدت إِحْدَاهمَا أَن الْكِتَابَة بِمِائَة وَشهِدت الْأُخْرَى أَنَّهَا بتسعين قضى بِبَيِّنَة السَّيِّد لِأَنَّهَا زَادَت كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة. وَحُكْمُهُ كَالحُرِّ فِي التَّصَرُّفِ ومَنْعُ رَهْنٍ وَضَمانٍ اقْتُفِي (وَحكمه) أَي الْمكَاتب (كَالْحرِّ فِي التَّصَرُّف) فَلهُ البيع وَالشِّرَاء وَغير ذَلِك من الْمُعَاوَضَات بِلَا إِذن من سَيّده لَا إِن تصرف بِغَيْر مُعَاوضَة فَلَا يمْضِي كَالْعِتْقِ وَالْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَغير ذَلِك من التَّبَرُّعَات. (خَ) : وللمكاتب بِلَا إِذن بيع واشتراء ومشاركة ومقارضة ومكاتبة عَبده واستخلاف عَاقد لأمته وإسلامها أَو فداؤها إِن جنت بِالنّظرِ وسفر لَا يحل فِيهِ نجم وَإِقْرَار فِي رقبته أَي فِي ذمَّته بدين وَنَحْوه، وَأَحْرَى إِقْرَاره بِمَا يُوجب حدا عَلَيْهِ، وَله إِسْقَاط شفعته لَا عتق وَإِن قَرِيبا وَهبة وَصدقَة وتزويج وَإِقْرَار بِجِنَايَة خطأ وسفر بعد إِلَّا بِإِذن من سَيّده (وَمنع رهن وَضَمان اقتفي) فِي الْكِتَابَة. فَلَا يجوز أَن يكاتبه على أَن يَأْخُذ رهنا من غير مكَاتبه ليستوفي مِنْهُ الْكِتَابَة إِن عجز العَبْد عَنْهَا أَو مَاتَ لِأَن الرَّهْن كالحمالة، والحمالة فِي الْكِتَابَة لَا تجوز لِأَن الْكِتَابَة منجمة، والضامن يُؤَدِّي مَا حل مِنْهَا وَقد يعجز العَبْد عَن أَدَاء بَاقِيهَا فَيَأْخُذ السَّيِّد مَا كَانَ أَخذه من الضَّامِن بَاطِلا وَلِهَذَا إِذا أعطَاهُ الضَّامِن على أَن يعجل عتقه من الْآن أَو كَانَت الْكِتَابَة نجماً وَاحِدًا. وَقَالَ الضَّامِن: هُوَ عَليّ إِن عجز صَحَّ ذَلِك وَجَاز كَمَا فِي الشَّامِل وَغَيره، فَإِن وَقع وَنزل وَأَعْطَاهُ ضَامِنا أَو رهنا فِي حَالَة عدم الْجَوَاز صحت الْكِتَابَة وَبَطل الرَّهْن والحميل كَمَا فِي ابْن نَاجِي. (خَ) : صَحَّ الضَّمَان فِي دين لَازم أَو آيل إِلَى اللُّزُوم لَا كِتَابَة الخ. أَي: فَإِنَّهَا لَيست بدين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 لَازم وَلَا آيل إِلَيْهِ. أَلا ترى إِن مَاتَ الْمكَاتب وَعَلِيهِ دين لم يحاصص السَّيِّد مَعَ الْغُرَمَاء، وَإِن عجز كَانَت الدُّيُون فِي ذمَّته يتبع بهَا إِن عتق يَوْمًا إِن لم يُبْطِلهَا عَنهُ سيد أَو سُلْطَان وَلَا يدْخلُونَ مَعَ السَّيِّد فِي رقبته، وَقد قَالُوا يلْحق بِالْكِتَابَةِ سَبْعَة أَشْيَاء وَهِي: الصّرْف وَالْقصاص وَالْحُدُود والتعازير ومبيع بِعَيْنِه وَعمل أجِير يعْمل بِنَفَقَتِهِ وحمولة دَابَّة بِعَينهَا، فَوجه الْمَنْع فِي الصّرْف هُوَ أَن يُؤَدِّي للتأخير، وَوَجهه فِي الْقصاص وَالْحُدُود والتعازير أَنه لَا يُمكن استيفاؤها من الضَّامِن عِنْد هروب الْمَضْمُون، وَوَجهه فِي الْمَبِيع بِعَيْنِه أَنه إِن كَانَ الْمَعْنى أَن الضَّامِن يَأْتِي بِهِ عِنْد تعذره بِهَلَاك وَنَحْوه، فَهَذَا غير مُمكن. وَإِن كَانَ الْمَعْنى أَنه يضمن قِيمَته عِنْد تعذره فَذَلِك جَائِز، لكنه لم يصدق عَلَيْهِ أَنه تحمل بِعَيْنِه بل يقيمته وَوَجهه فِي الْأَجِير يعْمل بِنَفَقَتِهِ أَي أكله أَنه إِن كَانَ الْمَعْنى أَن الضَّامِن يقوم مقَام الْأَجِير فِي الْعَمَل، وَالْأكل عِنْد تعذره بِمَرَض وَنَحْوه، فَهَذَا الضَّامِن قد يقل عمله وَيكثر، وَكَذَا أكله قد يقل وَيكثر فَفِيهِ خطر مَعَ أَنه دخل على اسْتِيفَاء الْعَمَل من شخص معِين، وَإِن كَانَ الْمَعْنى أَن الضَّامِن يَأْتِي بِهِ وَلَو هلك أَو تروغ، فَهَذَا لَا يُمكن وَهُوَ وَجه الْمَنْع فِي حمولة دَابَّة بِعَينهَا، وَبِالْجُمْلَةِ فَالضَّمَان شغل ذمَّة أُخْرَى كَمَا مرَّ، والمعينات لَا تقبلهَا الذمم، وَكَذَا الْحُدُود وَنَحْوهَا لِأَنَّهَا مُتَعَلقَة بالأبدان وَعَن هَذِه الْأُمُور احْتَرز (خَ) بقوله: إِن أمكن اسْتِيفَاؤهُ من ضامنه الخ. وَبِقَوْلِهِ شغل ذمَّة أُخْرَى الخ. (بَاب فِي الرشد والأوصياء وَالْحجر وَالْوَصِيَّة وَالْإِقْرَار وَالدّين والفلس) ذكر فِي هَذِه التَّرْجَمَة سَبْعَة أَبْوَاب، ثمَّ ميز بَعْضهَا من بعض بالفصول وَبَدَأَ بِبَيَان الرشد فَقَالَ: الرُّشْدُ حِفْظُ المَالِ مَعْ حُسْن النَّظَرْ وَبَعْضُهُمْ لَهُ الصَّلاَحُ مُعْتَبَرْ (الرشد) الَّذِي يخرج بِهِ السَّفِيه من الْولَايَة هُوَ (حفظ المَال مَعَ حسن النّظر) فِي تنميته والتجر فِيهِ وَلَا يشْتَرط فِي ذَلِك صَلَاح الدّين، فَهُوَ إِذا كَانَ فَاسِقًا متمرداً فِي الْمعاصِي، وَكَانَ مَعَ ذَلِك ضابطاً لمَاله يحسن تنميته والتجر فِيهِ فقد اسْتحق الْإِطْلَاق وَالْخُرُوج من الْولَايَة، وَأَحْرَى أَن لَا يحْجر عَلَيْهِ إِن لم يكن مولى عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وشارب الْخمر إِذا مَا ثمرا الخ. وَمَا ذكره النَّاظِم من اشْتِرَاط حسن النّظر مَعَ حفظ المَال هُوَ ظَاهر الْمُدَوَّنَة قَالَ فِيهَا: وَصفَة من يحْجر عَلَيْهِ من الْأَحْرَار أَن يكون يبذر مَاله سَرفًا فِي لذاته من الشَّرَاب وَالْفِسْق وَيسْقط فِيهِ سُقُوط من لَا يعد المَال شَيْئا، وَأما من أَخذ مَاله وأنماه وَهُوَ فَاسق فِي حَاله غير مبذر لمَاله فَلَا يحجز عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 لَهُ مَال عِنْد وَصِيّ قَبضه اه. فَانْظُر إِلَى قَوْلهَا: وأنماه الخ. هُوَ ظَاهر فِي اشْتِرَاط التنمية كَمَا فِي (ح) وعَلى اشْتِرَاطهَا درج فِي الشَّامِل حَيْثُ قَالَ: وَزَالَ السَّفه برشد وَهُوَ حفظ المَال وَحسن تنميته وَإِن من غير جَائِز الشَّهَادَة على الْمَشْهُور الخ. فَيكون قد درج على ظَاهر الْمُدَوَّنَة من اشْتِرَاط التنمية، وعَلى ظَاهرهَا أَيْضا عول ابْن سَلمُون قَائِلا: وَبِه الحكم، وَنَحْوه لِابْنِ مغيث قَائِلا: وَعَلِيهِ الْعَمَل، وَقد علمت أَن النَّاظِم يتبع مَا عَلَيْهِ عمل الْحُكَّام، وَإِن كَانَ مُخَالفا للمشهور، لِأَن الْعَمَل مقدم عَلَيْهِ فَلَا يعْتَرض عَلَيْهِ بِأَن الْمَشْهُور فِي الرشد إِنَّمَا هُوَ حفظ المَال فَقَط، وَلَا يشْتَرط مَعَه حسن تنميته وَلَا صَلَاح دين كَمَا هُوَ ظَاهر (خَ) حَيْثُ قَالَ: إِلَى حفظ مَال ذِي الْأَب الخ. واحترزت بِقَوْلِي: الَّذِي يخرج بِهِ السَّفِيه من الْولَايَة الخ. من الرشد الَّذِي لَا يحْجر مَعَه على صَاحبه فَإِن اللَّخْمِيّ قد حكى الِاتِّفَاق على أَن من لَا يحسن التَّجر وَيحسن الْإِمْسَاك لَا يحْجر عَلَيْهِ الخ. وَعَلِيهِ فالرشد رشدان رشد يخرج بِهِ من الْولَايَة، وَهُوَ مَحل الْخلاف الْمُتَقَدّم ورشد لَا يسْتَحق التحجير مَعَه إِن لم يكن مولى عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَّفق عَلَيْهِ كَذَا فِي (ح) وضيح (و) قَالَ (بَعضهم) وهم المدنيون من أَصْحَاب مَالك (لَهُ) أَي مَعَه (الصّلاح) فِي الدّين (مُعْتَبر) زِيَادَة على مَا ذكر من حفظ المَال وَحسن التَّصَرُّف فِيهِ، فَاللَّام فِي لَهُ بِمَعْنى (مَعَ) وَقد حَكَاهُ فِي الْمُغنِي عَن بَعضهم، وَالضَّمِير لما ذكر كَمَا قَررنَا، وَالْجُمْلَة معمولة لِلْقَوْلِ الْمُقدر، وَيحْتَمل أَن تكون اللَّام بِمَعْنى (عِنْد) وَالضَّمِير للْبَعْض وَعَلِيهِ فبعضهم مُبْتَدأ، وَالصَّلَاح مُبْتَدأ ثَان. وَله يتَعَلَّق بمعتبر، وَلَا بُد فِي هَذَا الْوَجْه من تَقْدِير كَلَام أَي: وَبَعْضهمْ الصّلاح مُعْتَبر عِنْده مَعَ مَا ذكر من حفظ المَال وَحسن النّظر فِيهِ، فَالْوَجْه الأول أحسن إِذْ لَا يحْتَاج مَعَه إِلَى تَقْدِير، إِذْ الضَّمِير فِي (لَهُ) عَائِد على مَا ذكر من حفظ المَال وَحسن النّظر فِيهِ وَوجه هَذَا القَوْل إِنَّه إِذا لم يكن صَالحا فِي دينه بل كَانَ فَاسِقًا شريباً مثلا أدّى إِطْلَاقه من الْحجر إِلَى فنَاء مَاله، وَلَكِن الْمَعْمُول بِهِ مَا تقدم من اعْتِبَار حفظ المَال وَحسن النّظر فِيهِ وَلَا زَالَ الْعَمَل عَلَيْهِ إِلَى الْآن، وَأما حسن الدّين فَلَا وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: وشارب الْخمر إِذا مَا ثمرا لما يَلِي من مَاله لن يحجرا والتثمير التنمية. وَالابْنُ مَا دامَ صَغِيرا للأَبِ إِلَى بُلُوغٍ حَجْرُهُ فِيمَا اجْتُبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 (وَالِابْن مَا دَامَ صَغِيرا) ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى (للْأَب إِلَى الْبلُوغ حجره) مُبْتَدأ ثَان وَخَبره للْأَب و (فِيمَا اجتبى) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر أَي: فِيمَا اجتبى عِنْد جَمِيع أهل الْعلم، وَلَا مَفْهُوم للْأَب بل وَالْوَصِيّ والمهمل كَذَلِك، وَظَاهره أَنه لَا يخرج من الْحجر وَلَو ظهر رشده وَحسن تصرفه وَهُوَ كَذَلِك اتِّفَاقًا كَمَا فِي ضيح وَعَلِيهِ فَإِذا تصرف بِغَيْر مُعَاوضَة من هبة وَعتق فَإِن ذَلِك لَا يمْضِي وَلَو بِإِذن وليه كَمَا فِي الْمُقدمَات وَإِن تصرف بمعاوضة من بيع وَشِرَاء وَنَحْوهمَا، فَذَلِك مَوْقُوف على نظر وليه إِن رَآهُ مصلحَة أَمْضَاهُ وإلاَّ، رده فَإِن لم يكن لَهُ ولي وغفل عَن ذَلِك حَتَّى احْتَلَمَ ورشد كَانَ النّظر إِلَيْهِ فِي إِنْفَاذ ذَلِك أَو رده، وَلَو وَافق فعله السداد والمصلحة على الْمَشْهُور (خَ) : وللولي رد تصرف مُمَيّز وَله إِن رشد وَلَو حلف بحريّة عَبده فِي صغره وَحنث بعد بُلُوغه أَو وَقع الْموقع الخ. تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ الْبُرْزُليّ فِي أَوَائِل النِّكَاح: إِذا كَانَ الْمَحْجُور يَبِيع وَيَشْتَرِي وَيَأْخُذ وَيُعْطِي بِرِضا حاجره وسكوته، فَيحمل على أَنه هُوَ الَّذِي فعله بذلك أفتى شَيخنَا الإِمَام وَوَقع الحكم بِهِ قَالَ: وَلَا يبعد أَن يجْرِي على حكم مَا إِذا أعطي مَالا لاختبار حَاله وَفِيه قَولَانِ فِي الْمُدَوَّنَة اه. وَسَيَأْتِي ذَلِك عِنْد قَول النَّاظِم: وَجَاز للْوَصِيّ فِيمَن حجرا الخ. وَمَا تقدم عَن الْبُرْزُليّ نَقله (ح) صدر الْبيُوع عِنْد قَوْله: ولزومه تَكْلِيف الخ. قَائِلا: وَبِه أَفْتيت، وَمُقَابِله للأبهري أَن سُكُوته لَيْسَ بِرِضا يَعْنِي: وَلَا بِإِذن، وَحِينَئِذٍ فَلَا يلْزمه ذَلِك، وعَلى الأول فَإِن كَانَ صَوَابا ومصلحة لزم، وَإِن كَانَ غير مصلحَة نقض مَا دَامَ البيع قَائِما بيد المُشْتَرِي، فَإِن فَاتَ بِيَدِهِ بِبيع أَو غَيره لم ينْقض وَرجع على المُشْتَرِي بِكَمَال الْقيمَة على مَا أفتى بِهِ ابْن رشد فَإِن تعذر الرُّجُوع على المُشْتَرِي بِكُل وَجه وَكَانَ الْوَصِيّ عَالما بِأَنَّهُ غير مصلحَة فَالظَّاهِر أَنه يضمن اه. الثَّانِي: لَيْسَ معنى قَوْلهم: إِذا كَانَ الْمَحْجُور يَبِيع وَيَشْتَرِي بِحَضْرَة وليه وسكوته الخ أَنه يكون مُطلق الْيَد وَيخرج بذلك من الْحجر حَتَّى يمْضِي مَا فعله بِغَيْر حَضْرَة وليه كَمَا توهمه عبارَة الْمواق وَتمسك بهَا بَعضهم الْيَوْم فَأفْتى بذلك، وَإِنَّمَا مُرَادهم أَن مَا فعله بِحَضْرَتِهِ وسكوته من بيع وَنَحْوه يحمل على أَنه أجَاز خُصُوص ذَلِك البيع، وَنَحْوه الْوَاقِع بِحَضْرَتِهِ لِأَن سُكُوته عَنهُ إِذن فِيهِ حكما، وَأما مَا عداهُ مِمَّا لم يكن بِحَضْرَتِهِ فَلَا يمْضِي إِلَّا بإمضائه وَقد قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة. لَيْسَ الْإِذْن للسفيه فِي البيع مزيلاً للسفه اه. وَإِذا كَانَ الْإِذْن بالصراحة لَيْسَ مزيلاً للسفه فأحرى السُّكُوت الَّذِي هُوَ منزل مَنْزِلَته، بل ذكر (ح) فِي الْإِقْرَار عِنْد قَوْله: لَا أقرّ الخ. خلافًا فِي السُّكُوت هَل هُوَ إِذن أَو لَيْسَ بِإِذن؟ قَالَ عَن ابْن رشد: وَأظْهر الْقَوْلَيْنِ إِنَّه لَيْسَ بِإِذن الخ. وَعَلِيهِ فَمَا تقدم عَن الْأَبْهَرِيّ هُوَ الْأَظْهر لَوْلَا أَن الحكم وَالْفَتْوَى وَقعت بِخِلَافِهِ فِي خُصُوص النَّازِلَة كَمَا مر فَيجب اتِّبَاعه. الثَّالِث: إِذا بَاعَ الْمَحْجُور شَيْئا من عقاره وَنَحْوه بِغَيْر إِذن وليه فللولي الرَّد والإمضاء كَمَا مرَّ، ثمَّ الْمُبْتَاع إِن وجد الثّمن بيد الْمَحْجُور وَشهِدت بَيِّنَة لم تُفَارِقهُ أَنه الثّمن الْمَدْفُوع أَو كَانَ مِمَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 يعرف بِعَيْنِه أَخذه، وَكَذَا إِن شهِدت بَيِّنَة بِأَنَّهُ صرفه فِي مَصَالِحه مِمَّا لَيْسَ لَهُ مِنْهُ بُد قَالَه ابْن سَلمُون. وَنَقله فِي الْمواق صدر الْبيُوع وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة، ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق، وَحكي عَن العبدوسي أَن الْعَمَل عَلَيْهِ. إنْ ظَهَرَ الرُّشْدُ وَلَا قوْلَ لأَبْ وَبالغٌ بِالعَكْسِ حَجْرُهُ وَجَبْ (إِن ظهر الرشد) : شَرط فِيمَا قلبه، وَالْمعْنَى أَن الصَّبِي إِمَّا أَن يبلغ ظَاهر الرشد متحققه فيرتفع الْحجر عَنهُ حِينَئِذٍ (وَلَا قَول لأَب) فِي رد شَيْء من أَفعاله وَلَو لم يشْهد على إِطْلَاقه من الْولَايَة لِخُرُوجِهِ مِنْهَا بِبُلُوغِهِ وَظُهُور رشده، وَإِمَّا أَن يبلغ ظَاهر السَّفه متحققه وَهُوَ معنى قَوْله: (وَبَالغ بِالْعَكْسِ حجره وَجب) فَلَا يمْضِي شَيْء من أَفعاله وَلَو لم يحْجر عَلَيْهِ على مَا عَلَيْهِ الْعَمَل الْيَوْم حَتَّى يثبت رشده، وَإِمَّا أَن يبلغ مَجْهُول الْحَال مشكوكاً فِيهِ، فَإِن جدد عَلَيْهِ أَبوهُ الْحجر بفور الْبلُوغ كَانَ مَرْدُود الْأَفْعَال أَيْضا كَمَا قَالَ: كَذَاكَ مَنْ أبُوهُ حَجْراً جَدَّدَا عَلَيْهِ فِي فَوْرِ البُلُوغِ مُشْهِدَا (كذك) يسْتَمر (من أَبوهُ حجرا جددا عَلَيْهِ) الْحجر (فِي فَور الْبلُوغ) حَال كَونه (مشهداً) بذلك بِأَن يشْهد الشُّهُود أَنه جدد الْحجر عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يمْضِي لَهُ فعل إِلَّا بعد تبين رشده وإطلاقه من ثقاف الْحجر الخ. فَيكون قَوْله: كَذَاك حجر الخ. هُوَ فِي مَجْهُول الْحَال قبل مُضِيّ الْعَام والعامين أَي فِي مَعْلُوم السَّفه، وَفَائِدَته فِي مَعْلُوم السَّفه أَنه لَا يخرج من الْحجر إِلَّا بِالْإِطْلَاقِ على القَوْل بِاعْتِبَار الْولَايَة وَهُوَ قَول مَالك لَا على القَوْل بِاعْتِبَار الْحَال الْمَعْمُول بِهِ كَمَا يَأْتِي، وَلَا يَصح أَن يكون كَلَامه هُنَا فِيمَن بلغ مَعْلُوم الرشد لِأَن هَذَا لَا يَصح تحجيره وَلَو بفور الْبلُوغ كَمَا فِي النَّقْل، وكما قدمه النَّاظِم فِي قَوْله: وَلَا قَول لأَب الخ. وَهُوَ صَرِيح قَوْله تَعَالَى: فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم} (النِّسَاء: 6) إِذْ لَا يجوز إمْسَاك مَاله حِينَئِذٍ عَنهُ، وَمن أمْسكهُ فَهُوَ ضَامِن كَمَا يَأْتِي للناظم آخر الْبَاب خلافًا لما فِي الشَّيْخ بناني عَن ابْن عَاشر من أَنه يجوز التَّجْدِيد مَعَ كَونه حَافِظًا لمَاله الخ. وَظَاهر قَوْله: بفور الْبلُوغ أَن تجديده عَلَيْهِ قبله لَا يَصح لِأَنَّهُ من تَحْصِيل الْحَاصِل كَمَا لَا يَصح تَجْدِيد الْحجر على الْبِنْت الْبكر قبل الْبناء قَالَه ابْن رشد، وَنَحْوه فِي المعيار عَن العبدوسي قَائِلا: وَبِه الْقَضَاء وَالْعَمَل. ثمَّ لَا بُد أَن يضمنوا بُلُوغه فِي رسم التَّجْدِيد وإلاَّ بَطل لاحْتِمَال أَن يكون جدد قبل الْبلُوغ فَلم يُصَادف محلا كَمَا أَنه لَا بُد أَن يضمنوا فِي الْبِنْت وَقت الدُّخُول وإلاَّ بَطل لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَة قَالَه فِي دعاوى المعيار. ثمَّ مَا ذكره النَّاظِم من جَوَاز التَّجْدِيد الْمَذْكُور. قَالَ المتيطي عَلَيْهِ انْعَقَدت الْأَحْكَام، وَقَالَ ابْن مغيث: بِهِ مضى الْعَمَل من شُيُوخنَا قَالَ: وَلَا يجوز حِينَئِذٍ من أَفعاله شَيْء. قَالَ: وَكَذَا لَا يلْزمه مَا أقرّ بِهِ بعد التحجير بِمدَّة، وَأما مَا أقرّ بِهِ بِالْقربِ من تحجيره فَيلْزمهُ ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق قَالَ: وَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 ذكره من التَّفْصِيل فِي إِقْرَاره مَبْنِيّ على قَول مَالك أَن فعل السَّفِيه قبل الْحجر مَحْمُول على الْإِجَازَة وَهُوَ قَول مَالك، فَيلْزمهُ مَا أقرّ بِهِ بِالْقربِ من تحجيره لِئَلَّا يضيع مَال من عَامله بِخِلَافِهِ بعد الطول من حجره لبعد وَقت التَّعَامُل اه. وَمَفْهُوم قَوْله: بفور الْبلُوغ أَنه إِذا تَأَخّر تَجْدِيد الْحجر عَن الْبلُوغ بِكَثِير، وَالْمرَاد بذلك مَا زَاد على الْعَام والعامين كَمَا فِي التَّوْضِيح وَغَيره لم يجز تجديده وَلم يلْزم، وَعَلِيهِ يحمل مَا فِي وَصَايَا المعيار عَن سَيِّدي مُوسَى العبدوسي من أَن شُهُود التَّجْدِيد إِن لم يضمنوا علمهمْ بِسَفَه الْوَلَد فَلَا أثر للتجديد وَلَا عمل عَلَيْهِ اه. وَقَالَ فِي الْمَقْصد الْمَحْمُود: وَلَا يجدد الْأَب الْحجر على ابْنه الذّكر إِلَّا فِي فَور بُلُوغه فَإِن ترَاخى قَلِيلا لم يجز إِلَّا بِالشَّهَادَةِ باتصال سفهه، وَإِن لم تقم بَيِّنَة بِهِ خرج من ولَايَته وَلَا يدْخل تحتهَا إِلَّا أَن يثبت عِنْد القَاضِي سفهه ويعذر إِلَيْهِ، فَإِن لم يكن لَهُ مدفع ولى عَلَيْهِ أَبَاهُ أَو غَيره اه. وَنَحْوه فِي الِاسْتِغْنَاء. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: إِن جدد تسفيه ابْنه الْبَالِغ عِنْد حَدَاثَة بُلُوغه جَازَ ذَلِك. قَالَ ابْن الْعَطَّار إِلَى عَام، وَقَالَ الْبَاجِيّ: هُوَ على السَّفه إِلَى عَاميْنِ حَتَّى يثبت رشده، وَإِن تبَاعد فَهُوَ على الرشد حَتَّى يثبت سفهه عِنْد القَاضِي ويعذر إِلَيْهِ، يقدم عَلَيْهِ نَاظرا أَبَاهُ أَو غَيره اه. وَبالغٌ وَحَالُهُ قدْ جُهِلاَ عَلَى الرَّشَادِ حَمْلُهُ وَقِيلَ لَا (وَبَالغ وحاله قد جهلا على الرشاد حمله) حَتَّى يثبت سفهه، وَهِي رِوَايَة ابْن زِيَاد عَن مَالك، وَهُوَ ظَاهر مَا فِي نِكَاح الْمُدَوَّنَة إِذا احْتَلَمَ الْغُلَام فَلهُ أَن يذهب حَيْثُ شَاءَ إِلَّا أَن يتَأَوَّل أَنه أَرَادَ نَفسه لَا بِمَالِه كَمَا تَأَوَّلَه ابْن أبي زيد (وَقيل لَا) يحمل على الرشد بل على السَّفه وَهُوَ الْمَشْهُور كَمَا فِي (ح) عَن ابْن رشد والتوضيح، وَهُوَ الَّذِي عول عَلَيْهِ (خَ) حَيْثُ قَالَ: إِلَى حفظ مَال ذِي الْأَب الخ. أَي إِلَى وجوده، وَفِي الْجَهْل لم يُوجد لَهُ حفظ، وَلذَلِك كَانَ للْأَب أَن يحْجر عَلَيْهِ بفور بُلُوغه كَمَا مرّ. وَفِي الشَّامِل: وَللْأَب تسفيه وَلَده بعد بُلُوغه مَا لم يعلم رشده الخ. لَكِن هَذَا القَوْل الْمَشْهُور ظَاهر فِي أَنه مَحْمُول على السَّفه حَيْثُ يثبت رشده وَلَو طَال، وَتقدم أَنه إِذا طَال حَتَّى زَاد على العامين فَإِنَّهُ يحمل على الرشد وَلَيْسَ للْأَب تسفيهه حِينَئِذٍ إِلَّا بِالرَّفْع وَإِثْبَات سفهه كَمَا مرَّ وَهُوَ قَول ثَالِث. وَكَانَ النَّاظِم لما قدم القَوْل بالتجديد إِثْر الْبلُوغ حسن مِنْهُ أَن يُشِير إِلَى الْقَوْلَيْنِ الباقيين فِي الْمَسْأَلَة وإلاَّ فَهَذَا الْبَيْت لَا حَاجَة إِلَيْهِ، وَرُبمَا يكون ذكره مشوشاً ومعارضاً لما قدمه وَالله أعلم. وَإنْ يَمُتْ أبٌ وقَدْ وَصَّى عَلَى مُستَوْجِبٍ حَجْراً مَضَى مَا فَعَلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 (وَإِن يمت أَب و) الْحَال أَنه (قد وصّى على مستوجب) بِكَسْر الْجِيم اسْم فَاعل (حجرا) مَفْعُوله من صَغِير أَو سَفِيه يثبت سفهه بِبَيِّنَة وَقت الْإِيصَاء أَو مَجْهُول حَال لم يمض عَلَيْهِ الْعَام والعامين من بُلُوغه، لِأَن الْإِيصَاء عَلَيْهِ حِينَئِذٍ كتجديد الْحجر عَلَيْهِ (مضى مَا فعلا) من تحجيره، والإيصاء عَلَيْهِ وَلَا يخرج حِينَئِذٍ من الْولَايَة إِلَّا بِإِطْلَاق من وَصِيّ أَو سُلْطَان وأفعاله كلهَا مَرْدُودَة قبل الْإِطْلَاق، وَإِن علم رشده أَو مَاتَ وَصِيّه وَلم يقدم عَلَيْهِ وَهُوَ معنى قَوْله (خَ) : إِلَى فك وَصِيّ أَو مقدم الخ. وَلَكِن الَّذِي بِهِ الْعَمَل الْآن هُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم أَنه إِذا علم رشده وَثَبت فَلَا ترد أَفعاله، وَإِن كَانَ وَصِيّه أَو أَبوهُ مَوْجُودا فضلا عَن مَوْتهمَا وَإِن ثَبت سفهه فأفعاله مَرْدُودَة وَإِن لم يكن مولى عَلَيْهِ قَالَ ناظم الْعَمَل: وينتفي الْحجر إِذا بدا الرشاد فَمن تصرف مضى وَلَا فَسَاد وَهَذَا الْعَمَل مطرد فِي الذّكر وَالْأُنْثَى وَذي الْأَب وَالْوَصِيّ والمهمل. تَنْبِيه: ظَاهر قَول النَّاظِم مضى مَا فعلا الخ. أَن الْأَب إِذا شَرط فِي إيصائه أَن وَلَده يكون مُطلق التَّصَرُّف بعد بُلُوغه أَنه يعْمل بِشَرْطِهِ وَهُوَ كَذَلِك على مَا صدر بِهِ فِي الْمُتَيْطِيَّة: والمعين مَا لم يثبت سفهه فتستمر عَلَيْهِ الْولَايَة وَترد أَفعاله، وَقَالَ ابْن عَرَفَة: إِن شَرط الْأَب فِي إيصائه بِابْنِهِ إِطْلَاقه بعد بُلُوغه عشْرين سنة فَمَاتَ وَصِيّه وبلع الْيَتِيم الْمدَّة وَتصرف وَهُوَ مَجْهُول الْحَال فَفِي وقف تصرفه على ثُبُوت رشده وإطلاقه بِشَرْطِهِ قَولَانِ. قلت: وبالأول عمل الْقُضَاة من ذَوي الْعلم ببلدنا اه. بِاخْتِصَار. وَنَقله ابْن غَازِي فِي التَّكْمِيل. وَيَكْتَفِي الوَصِيُّ بالإِشْهَادِ إذَا رَأَى مَخَايلَ الرَّشَادِ (ويكتفي الْوَصِيّ) من قبل الْأَب ووصيه (بِالْإِشْهَادِ) على نَفسه أَنه أطلق مَحْجُوره من ثقاف الْحجر، وَإِن لم تشهد بَيِّنَة برشده وَحسن تصرفه (إِذا رأى مخايل) دَلَائِل (الرشاد) وَهُوَ مُصدق فِيمَا يذكرهُ من رشده وَحسن تصرفه، وَإِن لم يعرف إِلَّا من قَوْله وَسَوَاء كَانَ مَحْجُوره ذكرا أَو أُنْثَى، قَالَ فِي الشَّامِل: وَزَوَال الْحجر ببلوغ ورشد بَينهمَا اختبار ثمَّ قَالَ: واختباره يكون بِدُخُول الْأَسْوَاق ومخالطة النَّاس فِي البيع وَالشِّرَاء فينكر على المغبون ويغبط الرابح وَهل يختبر بِدفع شَيْء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 يسير من مَاله قَولَانِ. وَسَيَأْتِي أَن الرَّاجِح من الْقَوْلَيْنِ جَوَاز اختباره بالشَّيْء الْيَسِير فِي قَول النَّاظِم: وَجَاز للْوَصِيّ فِيمَن حجرا الخ. وَإِنَّمَا كَانَ لَا يجوز الترشيد إِلَّا بعد الاختبار لقَوْله تَعَالَى: وابتلوا الْيَتَامَى} إِلَى قَوْله: فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا} الْآيَة (النِّسَاء: 6) ابْن دبوس: اخْتلف فِي إِطْلَاق الْوَصِيّ مَحْجُوره فَقَالَ مَالك: إِطْلَاقه جَائِز وَالْوَصِيّ مُصدق فِيمَا يذكر من حَاله، وَقيل لَا يجوز إِطْلَاقه إِلَّا أَن يعلم رشده بِبَيِّنَة وَهِي رِوَايَة أصبغ، وعَلى الأول الْعَمَل اه. بِاخْتِصَار. وَمَفْهُوم مخايل الرشاد أَنه إِذا لم يرهَا لم يجز لَهُ أَن يُطلقهُ إِلَّا أَن يثبت رشده بِالْبَيِّنَةِ وَيحكم القَاضِي عَلَيْهِ بِهِ، وَكَذَا مقدم القَاضِي الَّذِي هُوَ مَفْهُوم الْوَصِيّ لَيْسَ لَهُ أَن يُطلقهُ بِمَا يعرفهُ من حَاله بل لَا بُد من إِذن القَاضِي وَشَهَادَة الْبَيِّنَة برشده كَمَا قَالَ: وَفِي ارْتِفَاعِ الحَجْرِ مُطْلقاً يَجِبْ إثْبَاتُ مُوجِبٍ لترشِيدٍ طُلِب (وَفِي ارْتِفَاع الْحجر مُطلقًا) كَانَ من مقدم القَاضِي أَو الْوَصِيّ حَيْثُ لم ير مخايل الرشاد وإلاَّ فَهُوَ مَا قبله (يجب إِثْبَات مُوجب لترشيد طلب) أَي: طلبه الْمَحْجُور فَلَا يُجَاب إِلَيْهِ بعد إِثْبَات مُوجبَة من الْبَيِّنَة برشده وَحسن حَاله، وَأَنه مِمَّن لَا يخدع فِي بيع وَلَا ابتياع ويعذر القَاضِي للْوَصِيّ والمقدم فِي تِلْكَ الْبَيِّنَة فَإِذا لم يجد مطعناً حكم بِإِطْلَاق حِينَئِذٍ وَمَا ذكره النَّاظِم فِي مقدم القَاضِي من أَنه لَا يرشده إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَلَو عمل رشده هُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَل كَمَا فِي الشَّامِل ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق وَهُوَ اخْتِيَار اللَّخْمِيّ قَائِلا: لفساد حَال النَّاس الْيَوْم إِذْ كثيرا مَا يقدم غير الْمَأْمُون فيتهم أَن يَقُول رشيد فِيمَن لَيْسَ برشيد ليسامحه الْمولى عَلَيْهِ وَيشْهد لَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَلَا يؤتمن أحد الْيَوْم إِلَّا أَن يثبت رشده اه. وَنَحْو ذَلِك لِابْنِ عَطِيَّة فِي قَوْله تَعَالَى: وابتلوا الْيَتَامَى} (النِّسَاء: 6) قَائِلا: الصَّوَاب فِي أوصياء زَمَاننَا أَن لَا يسْتَغْنى عَن الرّفْع للسُّلْطَان وَثُبُوت الرشد عِنْده لما حفظ من تواطىء الأوصياء على ترشيد محاجيرهم ويبرئهم الْمَحْجُور لسفهه وَقلة تَحْصِيله فِي ذَلِك الْوَقْت اه. وَنقل ذَلِك ابْن رحال فِي شَرحه، وَعَلِيهِ فَالْعَمَل الَّذِي فِي مقدم القَاضِي يجْرِي فِي الْوَصِيّ لِاتِّحَاد الْعلَّة بِفساد الزَّمَان لِأَن ذَلِك إِذا كَانَ فِي زمَان ابْن عَطِيَّة فَكيف بِهِ فِي زَمَاننَا الَّذِي هُوَ بعده بقرون كَثِيرَة؟ وَلذَا قَالَ الشَّيْخ الرهوني: الْعَمَل بذلك مُتَعَيّن فِي زَمَاننَا. تَنْبِيه: علم من هَذَا أَن مقدم القَاضِي إِذا دفع المَال للمحجور بِمَا يعرفهُ من حَال رشده دون بَيِّنَة وَدون حكم القَاضِي عَلَيْهِ بِهِ فَهُوَ ضَامِن لَهُ كَمَا أَن الْوَصِيّ إِذا دَفعه لَهُ قبل مخايل الرشاد ضمن أَيْضا وَكَذَا بعد مخايله على مَا تقدم عَن ابْن عَطِيَّة. وَيَسْقُطُ الإعْذَارُ فِي الترشِيدِ حَيْثُ وَصِيُّه مِنَ الشُّهُودِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 (وَيسْقط الْإِعْذَار فِي الترشيد حَيْثُ وَصِيّه من الشُّهُود) إِذْ لَا مُنَازع لَهُ غَيره. مَفْهُومه أَنه إِذا لم يشْهد بترشيده فَلَا بُد من الْإِعْذَار إِلَيْهِ إِن طلبه فَإِن أبدى مطعناً فَذَاك وإلاَّ لزمَه ترشيده، وَمَفْهُوم وَصِيّه أَنه لَا يسْقط الْإِعْذَار حَيْثُ كَانَ الْمُقدم من الشُّهُود، وَهَذَا كُله على مَا تقدم من أَن للْوَصِيّ الترشد بِمَا يعرف من حَال مَحْجُوره بِخِلَاف مقدم القَاضِي، وَأما على مَا مر عَن ابْن عَطِيَّة من مُسَاوَاة الْوَصِيّ للمقدم فَلَا يسْقط الْإِعْذَار ويكلفهما القَاضِي بِأَن يبحثا عَن أَحْوَال الشُّهُود، فَإِن اتَّهَمَهُمَا فِي التَّقْصِير عَن الْبَحْث لِلْعِلَّةِ السَّابِقَة فيبحث هُوَ بِنَفسِهِ أَو يَأْمر من يبْحَث لَهُ. وَلما فرغ من الْكَلَام على ذِي الْأَب وَالْوَصِيّ أَشَارَ إِلَى المهمل وَذكر فِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال فَقَالَ: وَالبَالِغُ المَوْصُوف بالإهْمَالِ مُعْتَبَرٌ بِوَصْفِهِ فِي الحَالِ (والبالغ الْمَوْصُوف بالإهمال) أَي لَيْسَ لَهُ أَب وَلَا وَصِيّ وَلَا مقدم من قَاض بل وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ لَهُ أحد هَؤُلَاءِ فَلَا مَفْهُوم للإهمال على قَول ابْن الْقَاسِم هَذَا (مُعْتَبر) حكمه (بوصفه فِي الْحَال) أَي: فِي حَال تصرفه بِبيع أَو شِرَاء وَغَيرهمَا ثمَّ فسر ذَلِك بقوله: فَظَاهِرُ الرُّشْدِ يَجُوزُ فِعْلُهُ وفِعْلُ ذِي السَّفَهِ رُدَّ كُلُّهُ (فَظَاهر الرشد) حَال تصرفه وَشهِدت بِهِ بَيِّنَة مُعْتَبرَة (يجوز فعله) وتصرفه وَلَو بِهِبَة وَنَحْوهَا ويمضي ذَلِك عَلَيْهِ وَلَا مقَال لِأَبِيهِ وَلَا لغيره فِي فَسخه مَا لم يكن فِي بَيْعه وابتياعه غبن فَيجْرِي على حكمه الْمُتَقَدّم فِي فَصله. (وَفعل ذِي السَّفه) الظَّاهِر الَّذِي شهِدت بَيِّنَة أَيْضا (رد) فعله (كُله) كَانَ فِيهِ غبن أم لَا كَانَ لَهُ ولي أم لَا لِأَنَّهُ مَحْجُور شرعا وَفِي نفس الْأَمر فَلَا يمْضِي شَيْء من أَفعاله وَلَو وَافَقت السداد. وذَاك مُرْوِيٌّ عَن ابْن القَاسِمِ مِنْ غير تَفْصِيلٍ لَهُ مُلاَئِمِ (وَذَاكَ) أَي هَذَا القَوْل (مَرْوِيّ عَن ابْن الْقَاسِم) مُطلقًا (من غير تَفْصِيل) بَين أَن يتَّصل سفهه أَو لَا بِخِلَافِهِ فِي القَوْل الثَّالِث فَإِنَّهُ يفصل فِيهِ التَّفْصِيل الْمَذْكُور (لَهُ) مُتَعَلق بقوله (ملائم) نعت لتفصيل، وَبِهَذَا القَوْل الْقَضَاء وَعَلِيهِ الْعَمَل إِلَى الْآن، وَلذَا صدر بِهِ النَّاظِم خلافًا لما فِي (خَ) من تصديره بقول مَالك الْمشَار لَهُ بقوله: ومَالِكٌ يُجِيزُ كلَّ مَا صَدَرْ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَنْه من غَيْرِ نَظَرْ (وَمَالك يُجِيز كل مَا صدر بعد الْبلُوغ عَنهُ) يتَعَلَّق بصدر (من غير نظر) إِلَى كَونه رشيدا أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 سَفِيها مُعْلنا بالسفه أم لَا اتَّصل سفهه بِالْبُلُوغِ أم لَا وَظَاهره وَلَو تصرف بِغَيْر عوض كعتق وَهبة وَصدقَة وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الْعلَّة عِنْده فِي رد فعله وجود الْولَايَة وَهِي لم تُوجد وَبِهَذَا صدر (خَ) حَيْثُ قَالَ: وتصرفه قبل الْحجر مَحْمُول على الْإِجَازَة عِنْد مَالك لَا ابْن الْقَاسِم الخ. وَعَن مُطَرَّفٍ أَتَى مَنِ اتَّصَلْ سَفَهُهُ فَلاَ يَجُوزُ مَا فَعَلْ (و) القَوْل الثَّالِث (عَن مطرف) وَابْن الْمَاجشون (أَتَى) أَن (من) شهِدت فِيهِ بَيِّنَة بِأَنَّهُ (اتَّصل سفهه) من حِين بُلُوغه إِلَى وَقت تصرفه بِبيع وَنَحْوه (فَلَا يجوز مَا فعل) وَيرد بَيْعه وَغَيره. وإنْ يَكُنْ سُفِّه بَعْدَ الرُّشْدِ ففِعْلُهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ رَدِّ (وَإِن يكن) طَرَأَ (سفه بعد) أَن شهِدت بَيِّنَة ب (الرشد) وَحفظ المَال (فَفعله) الَّذِي فعله من حَال طرُو السَّفه (لَيْسَ لَهُ من رد) بل هُوَ لَازم لَهُ وَهَذَا. مَا لم يَبِعْ مِنْ خَادعٍ فَيُمْنَعُ وَبالّذِي أَفَاتَهُ لَا يُتْبَعُ (مَا لم يبع من خَادع) أَي مَا لم يكن بَيْعه بيع غبن وخديعة بِبَيِّنَة كَأَن يَبِيع مَا يُسَاوِي ألفا بِمِائَة أَو يَشْتَرِي كَذَلِك (فَيمْنَع) بَيْعه وابتياعه ويفسخان وَيَقْضِي عَلَيْهِ برد الثّمن فِي الابتياع وَالثمن فِي البيع إِن بقيا بِيَدِهِ (و) أما إِن فَاتَ (بِالَّذِي أفاته) من ذَلِك (لَا يتبع) حَيْثُ لم يصون بِهِ مَاله وَإِلَّا ضمن الْأَقَل مِنْهُ وَمِمَّا صونه كَمَا مر عِنْد قَوْله فِي الْوَدِيعَة: وَلَا ضَمَان فِيهِ للسفيه الخ إِذْ غَايَته أَن المُشْتَرِي هُنَا سلطه على الثّمن وَالْبَائِع سلطه على الْمُثمن، فَهُوَ أَمِين فيهمَا وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فيهمَا حَيْثُ لم يصن بهما مَاله على قَول مطرف، وَكَذَا على قَول ابْن الْقَاسِم حَيْثُ كَانَ ظَاهر السَّفه بِخِلَافِهِ على قَول مَالك، ثمَّ قَول مطرف لم يفرق فِيهِ بَين معلن السَّفه وَغَيره بل بالاتصال وَعَدَمه، وَفرق بَينهمَا أصبغ وَهُوَ رَابِع الْأَقْوَال، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: وَمُعْلِنُ السَّفَهِ رَدَّ ابْنُ الْفَرَجْ أفعالَهُ وَالْعَكْسُ فِي العَكْسِ انْدَرَجْ (ومعلن) أَي ظَاهر (السَّفه) لكل أحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 لَا يُصِيب السداد فِي شَيْء من أَفعاله (رد) أصبغ (ابْن الْفرج) جَمِيع (أَفعاله وَالْعَكْس) أَي صَاحب الْعَكْس وَهُوَ غير معلن السَّفه وَلَا ظَاهره لكل أحد بل يُصِيب السداد فِي الْبَعْض دون الْبَعْض (فِي الْعَكْس اندرج) فتمضي أَفعاله وَلَا يرد شَيْء مِنْهَا وبقولي: لكل أحد الخ. تظهر الْمُغَايرَة من قولي أصبغ ومطرف إِذْ مطرف لَا يشْتَرط ظُهُوره لكل أحد بل يَكْتَفِي ثُبُوته بِالْبَيِّنَةِ وَإِن لم يظْهر بغَيْرهَا وَيعْتَبر الِاتِّصَال وَعَدَمه، وَأصبغ يشْتَرط ذَلِك وَلَا يعْتَبر الِاتِّصَال وَعَدَمه وَالله أعلم. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْبَالِغ المهمل الْمَجْهُول الْحَال الَّذِي لم تشهد بَيِّنَة بِظُهُور رشده وَلَا بضده فَقَالَ: وَفِعْلُ مَنْ يُجْهِلُ بالإِطْلاَقِ حَالَتهُ يَجوزُ باتِّفَاقِ (وَفعل من يجهل) مُبْتَدأ (بِالْإِطْلَاقِ) يتَعَلَّق بقوله يجوز (حَالَته) نَائِب فَاعل يجهل (يجوز) خبر الْمُبْتَدَأ (بِاتِّفَاق) حَال أَي: وَفعل من يجهل حَاله يجوز بِالْإِطْلَاقِ كَانَ بعوض أَو لَا حَال كَون الْجَوَاز بِاتِّفَاق الْأَقْوَال الْمُتَقَدّمَة، وَيجوز أَن يكون بِاتِّفَاق يتَعَلَّق بيجوز وبالإطلاق حَال. وَقَوْلِي: المهمل احْتِرَازًا من الْمَجْهُول ذِي الْأَب أَو الْوَصِيّ أَو الْمُقدم فَإِنَّهُ لَا يمْضِي شَيْء من أَفعاله إِلَى ظُهُور رشده، نعم ذُو الْأَب إِذْ بلغ مَجْهُول الْحَال وَلم يجدد عَلَيْهِ الْحجر حَتَّى مضى الْعَام وَنَحْوه فَهُوَ على الرشد كَمَا مر. وَحَاصِل مَا تقدم من أول الْبَاب أَن غير الْبَالِغ من الذُّكُور أَفعاله كلهَا مَرْدُودَة، وَلَو ظهر لَهُ شبه رشد فَلَا عِبْرَة بذلك إِلَّا أَن يكون تصرفه بِرِضا وليه وسكوته كَمَا مر، والبالغ مِنْهُم إِن ثبتَتْ لَهُ حَالَة رشد فأفعاله مَاضِيَة وَالْعَكْس بِالْعَكْسِ وَلَا عِبْرَة بِحجر وَلَا فك كَانَ لَهُ أَب أَو وَصِيّ أَو مقدم أَو لم يكن لَهُ شَيْء من ذَلِك على قَول ابْن الْقَاسِم الْمَعْمُول بِهِ من مُرَاعَاة الْحَال مُطلقًا كَمَا مر، وَإِن كَانَ قد بلغ مَجْهُول الْحَال وَلم يثبت سفهه وَلَا رشده فَإِن كَانَ ذَا أَب وجدد عَلَيْهِ الْحجر بالفور كَمَا مر مضى على حجره حَتَّى يثبت رشده فَيخرج، وَلَو لم يُطلقهُ أَبوهُ، وَإِن كَانَ ذَا وَصِيّ أَو مقدم فَهُوَ على حجره حَتَّى يثبت رشده فَيخرج أَيْضا وَلَا يحْتَاج إِلَى فكهما على الْمَعْمُول بِهِ خلافًا لما فِي حَاشِيَة ابْن رحال من اشْتِرَاط الفك وَإِن لم يكن لَهُ حاجر أصلا فأفعاله جَائِزَة. هَذَا هُوَ الْمَعْمُول بِهِ فِي الذُّكُور، وَأما الْإِنَاث فَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِنَّ فِي النّظم إِن شَاءَ الله. تَنْبِيهَانِ. الأول: تقدم فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين أَن الْمَحْجُور إِذا بَاعَ فِيمَا لَا غنى لَهُ عَنهُ وَوَافَقَ السداد أَو بَاعَ مَا لَيْسَ بمصلحة بِحَضْرَة وليه أَو تصرف بِغَيْر مُحَابَاة بِمحضر وليه وسكوته، فَإِن ذَلِك مَاض اُنْظُرْهُ هُنَاكَ، وَانْظُر أَيْضا مَا تقدم أول هَذَا الْبَاب وَتقدم أَيْضا عِنْد قَوْله فِي الْوَدِيعَة: وَلَا ضَمَان فِيهِ للسفيه الخ. أَن الْمَحْجُور إِذا أودع وَدِيعَة عِنْد رشيد فَإِن الرشيد يضمنهَا، وَأَن الْمَحْجُور إِذا أَمن مَحْجُورا أَو عَامله فأتلف الثّمن فَإِن الضَّمَان على الْمُتْلف بِكَسْر اللَّام، وَإِذا طلب المُشْتَرِي من الْمَحْجُور أَو البَائِع مِنْهُ تَحْلِيف الْوَلِيّ أَنه مَا أذن لمحجوره فِي البيع وَالشِّرَاء حَيْثُ لم يكن ذَلِك بِمحضر وليه فَلَا يَمِين عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَجَاز للْوَصِيّ فِيمَن حجرا أعطَاهُ بعض مَاله مختبرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 الثَّانِي: قَالَ فِي الكراس الثَّانِي من معاوضات المعيار: أَن الَّذِي بِهِ الْعَمَل أَن الْمَحْجُور إِذا مَاتَ وليه فالحجر منسحب عَلَيْهِ حَتَّى يُطلق اه. يَعْنِي بترشيد حاجره أَو ثُبُوت رشده على مَا بِهِ الْعَمَل من اعْتِبَار الْحَال كَمَا مر، وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: وَلَيْسَ للمحجور من تخلص إِلَّا بترشيد إِذا مَاتَ الْوَصِيّ وَالله أعلم. وَيَجْعلُ القَاضي بكلِّ حَالِ عَلَى السَّفِيهِ حاجِراً فِي المَالِ (وَيجْعَل القَاضِي بِكُل حَال على السَّفِيه) الثَّابِت سفهه (حاجراً فِي المَال) يحفظه لَهُ ويمنعه من التَّصَرُّف فِيهِ لِئَلَّا يضيعه والسفه خفَّة الْعقل وَمِنْه ثوب سَفِيه أَي خَفِيف قَالَه السوداني، وَالْمرَاد بِهِ هُنَا مَا يَشْمَل الصَّبِي، وَانْظُر إِذا أخبر القَاضِي بسفهه وَلم يَجْعَل عَلَيْهِ حاجراً حَتَّى أتلف مَاله، وَالظَّاهِر أَنه يجْرِي على قَول (خَ) كتخليص مستهلك من نفس أَو مَال فَيضمن، وَكَذَا يضمن الشُّهُود إِذا علمُوا وَلم يخبروا القَاضِي بذلك أَيْضا. وَانْظُر أَيْضا فِي الرجل أَو الْمَرْأَة يضع يَده على مَال الْأَيْتَام من غير إيصاء وَلَا تَقْدِيم وَأمكنهُ الرّفْع إِلَى الْحَاكِم فَلم يفعل أَنه مُصدق فِيمَا يَدعِي تلفه وَيَده فِي ذَلِك يَد أَمَانَة كالملتقط وحافظ المَال الَّذِي لَا حَافظ لَهُ قَالَه فِي وَصَايَا المعيار، ثمَّ إِذا جعل عَلَيْهِ حاجراً فَإِنَّهُ ينْفق على الْمَحْجُور مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يجب عَلَيْهِ أَن يتجر بِالْمَالِ، وَإِنَّمَا يسْتَحبّ ذَلِك فَقَط كالوصي، وَإِذا تلف فِي حَال التِّجَارَة أَو قبلهَا أَو بعْدهَا فَلَا ضَمَان لِأَنَّهُ كَالْمُودعِ مَا لم يفرط ويشترى لَهُ بِهِ الرَّقِيق للغلة وَالْحَيَوَان من الْمَاشِيَة كَمَا فِي (ح) وَأَحْرَى إِذا كَانَ الْحَيَوَان من مَتْرُوك أَبِيه فَإِنَّهُ يتْركهُ لَهُ للغلة إِن كَانَ مصلحَة وَمَا يَقُوله الْعَامَّة من الطّلبَة من أَن الْمَحْجُور لَا يتْرك لَهُ الْحَيَوَان لسرعة تغيره خطأ لما علمت من أَن ذَلِك بِحَسب الْمصلحَة، والمصلحة فِي الْبَوَادِي هُوَ ترك ذَلِك لَهُم وشراؤه لَهُم، وَفِي الحواضر عدم الشِّرَاء وَالتّرْك لعدم من يصونه فِي الْغَالِب، فَإِن وجد من يصونه ترك لَهُم، وَانْظُر ابْن سَلمُون. وَلَا يجوز أَن تدخل أَمْوَال الْيَتَامَى فِي ذمَّة الأوصياء بِأَن يكون لَهُم ربحها وَعَلَيْهِم ضَمَانهَا لِأَنَّهُ سلف بِمَنْفَعَة نَقله (ح) لَكِن ذكر الشَّيْخ مُحَمَّد الْعَرَبِيّ بردلة: أَن الْعَمَل على خِلَافه وَأَنه جرى الْعَمَل بِجعْل المَال فِي ذمَّة الْوَصِيّ والمقدم قَائِلا: وَلم ندرك الْأَمر إِلَّا على ذَلِك، وفعلوا ذَلِك لكَونه من الْمصَالح الْعَامَّة فَلَمَّا قلت الْأَمَانَة وَصَارَ الأوصياء يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ويزعمون تلفهَا جعل الْعلمَاء ذَلِك فِي ذمتهم احْتِيَاطًا للمحجور كَمَا جعلُوا أُجْرَة الدَّلال جعلا إِن بَاعَ قبضا وإلاّ فَلَا لقلَّة الْأَمَانَة فِي السماسرة اه. قلت: وَلَا زَالَ الْعَمَل على مَا قَالَه إِلَى الْآن فَيَقُول الموثق فِي وَثِيقَة زِمَام التَّرِكَة بعد إِخْرَاج صوائرها مَا نَصه: وَمَا بَقِي من الْمَتْرُوك بعد الصوائر الْمَذْكُورَة وَقدره كَذَا هُوَ للمحجور فِي ذمَّة الْوَصِيّ أَو الْمُقدم لَا يبرأ مِنْهُ إِلَّا بِمُوجب الخ. وإلاَّ فَكَانَ الْوَاجِب على مَا مر عَن (ح) أَن يَقُول: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 وَمَا بَقِي فَهُوَ أَمَانَة تَحت يَد الْوَصِيّ وَحفظه إِلَى رشد مَحْجُوره وَدفعه لَهُ بِمُوجب، فَإِذا ادّعى التّلف صدق على هَذَا لَا على مَا بِهِ الْعَمَل. وَلما فرغ من الْكَلَام على مَا يخرج بِهِ الذّكر من الْحجر شرع فِي الْكَلَام على مَا تخرج بِهِ الْأُنْثَى وَأَنَّهَا أَرْبَعَة أَقسَام: ذَات أَب أَو وَصِيّ أَو مقدم أَو مُهْملَة فَقَالَ: وَإنْ تَكُنْ بِنْتٌ وَحَاضَتْ وَالأَبُ حَيٌّ فَلَيْسَ الْحَجْرُ عَنْهَا يَذْهَبُ (وَإِن تكن) أَي تُوجد (بنت) فَاعل (و) الْحَال أَنَّهَا (حَاضَت و) أَن (الْأَب حَيّ) احْتَرز بِالْأولِ مِمَّا إِذا لم تَحض فَإِنَّهَا دَاخِلَة فِي قَوْله فِيمَا مر: وَالِابْن مَا دَامَ صَغِيرا الخ. وَبِالثَّانِي مِمَّا إِذا مَاتَ الْأَب فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يُوصي عَلَيْهَا غَيره أَو يَتْرُكهَا مُهْملَة، وَسَيَأْتِي ذَلِك قَرِيبا (فَلَيْسَ الْحجر عَنْهَا) أَي عَن الَّتِي حَاضَت وَلها أَب حَيّ (يذهب) بل تستمر فِي حجره وَلَا تخرج مِنْهُ. إلاّ إذَا مَا نَكَحَتْ ثمَّ مَضَى سَبْعَةُ أَعْوامٍ وذَا بهِ القَضَا (إِلَّا) بِأحد أَمريْن أَولهمَا (إِذا مَا) زَائِدَة (نكحت) أَي إِلَّا إِذا تزوجت وَوَطئهَا الزَّوْج (ثمَّ مضى سَبْعَة أَعْوَام) من يَوْم وَطئه إِيَّاهَا فَإِنَّهَا تخرج حيئذ بمضيها حَيْثُ جهل حَالهَا، فَإِن عرفت بالسفه فَلَا تخرج وَلَو مضى لَهَا أَكثر من عشرَة أَعْوَام (وَذَا) القَوْل (بِهِ القضا) ء وَالْعَمَل كَمَا لِابْنِ رشد وَمحل خُرُوجهَا بِمُضِيِّ الْمدَّة الْمَذْكُورَة مَعَ جهل الْحَال. مَا لم يُحَدِّدْ حَجْرِهَا إثْرَ البِنا أَوْ سَلَّمَ الرُّشْدَ الَّذِي تَبَيّنا (مَا لم يحدد) أَبوهَا (حجرها إِثْر الْبَنَّا) ء بهَا ووطئه إِيَّاهَا بِأَن يَقُول للشُّهُود: اشْهَدُوا عَليّ بِأَنِّي جددت الْحجر على بِنْتي فُلَانَة الْمَذْكُورَة فِي رسم النِّكَاح أَعْلَاهُ بِحَيْثُ لَا تفعل فعلا إِلَّا بإذني وَمهما فعلت بِغَيْر إذني فَهُوَ رد، وَلَا بُد أَن ينصوا فِي هَذَا الرَّسْم على أَنه قَالَ لَهُم ذَلِك بعد الْبناء وَالْوَطْء، فَإِن لم ينصوا على ذَلِك بَطل التَّجْدِيد لاحْتِمَال أَن يكون التَّجْدِيد قبل الْوَطْء، إِذْ لَا يلْزم من الدُّخُول وَالْبناء الْوَطْء بِالْفِعْلِ إِذْ كِلَاهُمَا عبارَة عَن إرخاء السّتْر عَلَيْهَا، نعم إِذا كَانَ عرفهم أَن الْبناء وَالدُّخُول لَا يطلقان إِلَّا على الْوَطْء بِالْفِعْلِ فَيَكْفِي أَن يَقُولُوا: وَذَلِكَ بعد الْبناء وَالدُّخُول الخ. فَإِذا ثَبت هَذَا الرَّسْم فَإِنَّهَا لَا تخرج حِينَئِذٍ إِلَّا بترشيده إِيَّاهَا وَلَو لم يعرف إِلَّا من قَوْله: أَو بِثُبُوت رشدها وَلَو لم يرشدها على مَا بِهِ الْعَمَل من اعْتِبَار الْحَال كَمَا مر. وَهَذَا يَقْتَضِي أَن الْأَب إِذا مَاتَ قبل السَّبْعَة أَعْوَام وَقبل التَّجْدِيد أَن القَاضِي يقدم عَلَيْهَا كَمَا يقدم على الصغار وَهُوَ كَذَلِك كَمَا لِابْنِ الْحَاج، وَمرَاده بالإثر أَن يكون التَّجْدِيد دَاخل الْمدَّة الَّتِي تخرج بهَا وَهِي سَبْعَة أَعْوَام، فَإِذا خرجت لم يَصح التَّجْدِيد كَمَا لَا يَصح قبل الدُّخُول أَيْضا لِأَنَّهَا محجورة، فالتجديد من تَحْصِيل الْحَاصِل كَمَا مر عَن العبدوسي، ثمَّ مَا ذكره النَّاظِم تبعا لِابْنِ رشد وَغَيره من أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 الْعَمَل على أَنَّهَا لَا تخرج من الْحجر إِلَّا بِمُضِيِّ سَبْعَة أَعْوَام هُوَ أحد أَقْوَال سَبْعَة ذكرهَا (ح) وَقيل إِنَّهَا تخرج من الْحجر بِانْقِضَاء عَاميْنِ إِلَّا أَن يجدد الْأَب الْحجر قبل هَذِه الْمدَّة، وَهِي رِوَايَة ابْن نَافِع عَن مَالك، قَالَ ابْن رشد: وَهِي رِوَايَة غراء أغفلها الشُّيُوخ المتقدمون وحكموا بِرِوَايَة شَاذَّة منسوبة لِابْنِ الْقَاسِم لَا يعلم لَهَا مَوضِع، أَنَّهَا لَا تخرج إِلَّا بِمُضِيِّ سَبْعَة أَعْوَام قَالَ الوانشريسي فِي أنكحة المعيار: فَإِذا مَاتَ أَبوهَا بعد مُضِيّ العامين من بِنَاء زَوجهَا فَلَا كَلَام فِي مُضِيّ أفعالها إِن لم تعرف بِسَفَه على هَذِه الراوية الغراء اه. وَذكر ناظم عمل فاس أَن عَمَلهم على هَذِه الرِّوَايَة فَقَالَ: وَالْبكْر حجرها أَب مَا جدده تخرج بالعامين من بعد الدُّخُول جَائِزَة الْأَفْعَال للرشد تؤول فَيكون الْعَمَل الَّذِي ذكره النَّاظِم قد تبدل فَتَأَمّله وَثَانِي الْأَمريْنِ اللَّذين تخرج بهما من الْحجر مَا أَشَارَ لَهُ النَّاظِم عاطفاً على نكحت بقوله: (أَو) أَي إِلَّا إِذا نكحت أَو لم تنْكح وَلَكِن ثَبت رشدها بِالْبَيِّنَةِ و (سلم الرشد الَّذِي تَبينا) وَثَبت وَلم يجد الْأَب فِيهِ مطعناً فَإِنَّهَا تخرج من الْحجر أَيْضا ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: وَالْأَب حَيّ الخ. وَهُوَ مَا إِذا مَاتَ فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يكون قد أوصى عَلَيْهَا فَهُوَ قَوْله: وَحَجْرُ مَنْ وَصَّى عَلَيْهَا يَنْسَحِبْ حَتى يَزُولَ حُكْمُهُ بِما يَجِبْ (وَحجر من وصّى عَلَيْهَا) أَبوهَا (ينسحب) وَيسْتَمر وَلَو دخل الزَّوْج وَبنى بهَا وَمَضَت لَهَا سَبْعَة أَعْوَام فَأكْثر من دُخُوله وَلَا يحْتَاج فِي اسْتِمْرَار وانسحابه إِلَى تَجْدِيد دَاخل السَّبْعَة (حَتَّى يَزُول حكمه) أَي الْحجر (بِمَا يجب) من ترشيده إِيَّاهَا وَلَو لم يعرف إلاَّ من قَوْله على مَا مر فِي قَول النَّاظِم: ويكتفي الْوَصِيّ بِالْإِشْهَادِ الخ ... لَا على مَا لِابْنِ عَطِيَّة هُنَاكَ من ثُبُوت رشدها بِالْبَيِّنَةِ وَلم يجد الْوَصِيّ مطعناً فِيهَا. والعَمَلُ اليَوْمَ عَلَيْهِ ماضِي وَمِثْلهُ حَجْرُ وصِيِّ القَاضِي (وَالْعَمَل الْيَوْم عَلَيْهِ) أَي على مَا ذكر من ترشيده إِيَّاهَا أَو ثُبُوت رشدها (مَاض وَمثله) أَي مثل الْوَصِيّ من قبل الْأَب (حجر وَصِيّ القَاضِي) أَي مقدمه فِي كَونه ينسحب، وَيسْتَمر أَيْضا حَتَّى يَزُول حكمه بِالْبَيِّنَةِ فَقَط وَلَا يَكْفِي ترشيده إِيَّاهَا على مَا قدمه فِي قَوْله: وَفِي ارْتِفَاع الْحجر مُطلقًا يجب الخ. وَإِمَّا أَن يَمُوت وَلَا يُوصي عَلَيْهَا أحدا وَهُوَ قَوْله: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 وَإنْ تَكُنْ ظَاهِرَةَ الإهْمَالِ فإنّها مَرْدُودَةُ الأفَعْالِ (وَإِن تكن) الَّتِي حَاضَت (ظَاهِرَة الإهمال) بِحَيْثُ لم يوص عَلَيْهَا أَبوهَا وَلَا قدم القَاضِي عَلَيْهَا أحدا (فَإِنَّهَا مَرْدُودَة الْأَفْعَال) كلهَا من تبرعات ومعاوضات وَلَا يمْضِي مِنْهَا شَيْء وَلها إِن رشدت رد ذَلِك كُله وَلَو طَال. إِلَّا مَعَ الوُصُولِ لِلتَّعْنِيسِ أَوْ مُكْثِ عَامٍ أَثَرَ التَّعْرِيسِ (إِلَّا مَعَ الْوُصُول للتعنيس) وَهُوَ خَمْسُونَ سنة كَمَا يَأْتِي (أَو) مَعَ (مكث عَام) من دُخُول الزَّوْج بهَا (أثر) بِفَتْح الْهمزَة والثاء الْمُثَلَّثَة (التَّعْرِيس) وَهَذَا هُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَل وَلذَا صدر بِهِ النَّاظِم. وقِيلَ بَلْ أفْعَالُها تُسَوَّغُ إنْ هِيَ حَالَةَ المَحِيضِ تَبْلُغُ (وَقيل) وَهُوَ لسَحْنُون (بل أفعالها تسوغ) وَتجوز (إِن هِيَ حَالَة الْمَحِيض) بِالنّصب مفعول مقدم بقوله (تبلغ) أَي تمْضِي أفعالها بِمُجَرَّد الْبلُوغ لِأَنَّهَا عِنْده بِمَنْزِلَة الذّكر السَّفِيه الَّذِي لم يول عَلَيْهِ فتمضي أَفعاله عِنْد مَالك لَا ابْن الْقَاسِم. وَالسِّنُّ فِي التَّعْنِيسِ من خَمْسِينِ فِيما بِهِ الْحُكْمُ إِلَى السِّتينِ (وَالسّن فِي التعنيس من خمسين) سنة (فِيمَا بِهِ الحكم) وَالْقَضَاء (إِلَى السِّتين) سنة. وَتَحْصِيل مَا بِهِ الْعَمَل فِي النسْوَة من قَوْله: وَإِن تكن بنت وحاضت إِلَى هُنَا أَن من لم تبلغ الْمَحِيض مِنْهُنَّ ففعلها مَرْدُود مُطلقًا كَمَا مر فِي قَوْله: وَالِابْن مَا دَامَ صَغِيرا الخ. وَمن بلغت مِنْهُنَّ إِن ثبتَتْ لَهَا حَالَة رشد فأفعالها مَاضِيَة وَالْعَكْس بِالْعَكْسِ، وَلَا عِبْرَة بِحجر وَلَا فك كَانَ لَهَا أَب أَو وَصِيّ أَو مقدم أَو لم يكن لَهَا شَيْء من ذَلِك على الْمَعْمُول بِهِ من مُرَاعَاة الْحَال مُطلقًا كَمَا مر فِي الذّكر، وَإِن بلغت الْمَحِيض وَهِي مَجْهُولَة الْحَال فَإِن كَانَت ذَات أَب فَلَا يمْضِي فعلهَا إِلَّا بعد مُضِيّ سَبْعَة أَعْوَام من دُخُولهَا على مَا للناظم أَو مُضِيّ عَاميْنِ على مَا لناظم عمل فاس حَيْثُ لم يجدد الْأَب عَلَيْهَا الْحجر دَاخل السَّبْعَة أَو العامين وَإِلَّا فَلَا يمْضِي فعلهَا أبدا إِلَّا بِثُبُوت رشدها أَو ترشيده إِيَّاهَا، وَإِن كَانَت ذَات وَصِيّ أَو مقدم والموضوع بِحَالهِ من جهل الْحَال فَلَا يمْضِي شَيْء من أفعالها أَيْضا حَتَّى يثبت رشدها وَلَا تحْتَاج إِلَى فك أَو يرشدها الْوَصِيّ بِمُجَرَّد قَوْله على مَا للناظم لَا على مَا لِابْنِ عَطِيَّة كَمَا مر، وَإِن كَانَت مُهْملَة والموضوع بِحَالهِ أَيْضا ففعلها يمْضِي بالتعنيس أَو مُضِيّ عَام من دُخُولهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 وَحَيْثُ رَشَّدَ الوصيّ مَنْ حَجَرْ ولايَةُ النِّكاحِ تَبْقَى بالنَّظَرْ (وَحَيْثُ رشد الْوَصِيّ من حجر) أَي رشد محجورته فولاية المَال تذْهب عَنْهَا وتزول و (ولَايَة النِّكَاح تبقى بِالنّظرِ) فَلَا يعْقد نِكَاحهَا غَيره كَمَا لَو رشدها أَبوهَا فَإِنَّهُ لَا يعْقد نِكَاحهَا غَيره أَيْضا إِلَّا أَن يكون هُنَاكَ من يتَقَدَّم على الْأَب كالابن وَابْنه فيتقدم على الْوَصِيّ أَيْضا وَهَذَا الْبَيْت تكْرَار مَعَ قَوْله فِي النِّكَاح: وَإِن يرشدها الْوَصِيّ مَا أَبى فِيهَا ولَايَة النِّكَاح كَالْأَبِ وَلَيْسَ لِلْمَحْجُورِ مِنْ تَخَلُّصِ إلاّ بترشيدٍ إذَا مَات الوَصِي (وَلَيْسَ للمحجور) ذكرا أَو أُنْثَى (من تخلص) من الْحجر (إِلَّا بترشيد) ثَابت شهِدت بِهِ بَيِّنَة مُعْتَبرَة وَحكم الْحَاكِم بِهِ (إِذا مَاتَ الْوَصِيّ) أَو الْمُقدم وَبَقِي من كَانَ فِي حجرهما مهملاً أَي فَإِنَّهُ لَا يمْضِي شَيْء من أَفعاله حَتَّى يثبت رشده وَيحكم الْحَاكِم بِإِطْلَاقِهِ. وَبَعْضُهُمْ قد قَالَ بالسَّرَاحِ فِي حقّ مَنْ يُعْرَفُ بالصَّلاَحِ (وَبَعْضهمْ) وَهُوَ ابْن الْقَاسِم (قد قَالَ) إِذا مَاتَ وَصِيّه وَتَركه مهملاً (بالسراح) من ثقاف الْحجر (فِي حق من يعرف بالصلاح) فِي التَّصَرُّف فتمضي أَفعاله من حِين حسن تصرفه وَلَو لم يحكم الْحَاكِم بِإِطْلَاقِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْمُول بِهِ كَمَا مر لِأَن الْعبْرَة عِنْده بِالْحَال لَا الْولَايَة وَالْأول هُوَ قَول مَالك يعْتَبر الْولَايَة لَا الْحَال وَكَانَ الْعَمَل بِهِ قَدِيما ثمَّ تبدل، وَلذَا نقل (ح) عَن الْبُرْزُليّ أَنه إِذا تصرف بعد موت وَصِيّه فَالَّذِي بِهِ الْعَمَل أَن تصرفه حِينَئِذٍ كتصرفه قبل مَوته إِلَّا أَن يعرف فِيهِ وَجه الصَّوَاب اه. فَهَذَا الْعَمَل إِنَّمَا هُوَ على مَا لِابْنِ الْقَاسِم. وَالشَّأْنُ الإِكثارُ مِنَ الشُّهُودِ فِي عَقْدَي التَّسْفِيهِ وَالتَّرْشِيدِ (والشأن) الَّذِي بِهِ الْعَمَل عِنْد الموثقين (الْإِكْثَار من الشُّهُود فِي عقدي التسفيه) وَهُوَ الشَّهَادَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 بِأَنَّهُ مبذر لمَاله لَا يحسن التَّصَرُّف فِيهِ وَيسْقط فِيهِ سُقُوط من لَا يعد المَال شَيْئا كَمَا مر أول الْبَاب عَن الْمُدَوَّنَة فَيسْتَحق بذلك الضَّرْب على يَده وَيمْنَع من التَّصَرُّف فِيهِ فِي الْمُسْتَقْبل وَترد أَفعاله الْمَاضِيَة على الْمَعْمُول بِهِ من اعْتِبَار الْحَال لَا على مُقَابِله فَإِنَّهُ لَا يرد الْمَاضِي من أَفعاله (والترشيد) أَي الشَّهَادَة بِأَنَّهُ حَافظ لمَاله حسن النّظر فِيهِ فَيجب بهَا مُضِيّ أَفعاله وَإِن لم يُطلقهُ وليه وَلَا الْحَاكِم على الْمَعْمُول بِهِ أَيْضا. وَلَيْسَ يَكْفِي فيهمَا العَدْلانِ وَفِي مَرَدِّ الرُّشْدِ يَكْفِيَانِ (وَلَيْسَ يَكْفِي فيهمَا العدلان) بل الثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة من الْعُدُول وَمن اللفيف السِّتَّة عشر إِلَى الْعشْرين كَمَا لناظم الْعَمَل فِي شَرحه عِنْد قَوْله: وَقدره فِي الْغَالِب اثْنَا عشرا وزد لكالرشد وضد أكثرا وَنقل عَن الكلالي أَن السِّتَّة من اللفيف تقوم مقَام الْعدْل الْوَاحِد، وَظَاهره أَنه لَا يَكْفِي ذَلِك وَلَو عجز السَّفِيه عَن أَكثر من شَاهِدين، وَالَّذِي فِي الْمُتَيْطِيَّة قَالَ أصبغ فِي الْمُوازِية: لَا تجوز شَهَادَة رجلَيْنِ فِي ترشيد حَتَّى يكون ذَلِك فاشياً قَالَ فِي الْوَاضِحَة: فَإِن لم يكن فاشياً لم يدْفع إِلَيْهِ مَاله غير أَن شَهَادَتهمَا فِي تَجْوِيز مَا فعله من عتق وَغَيره مَاضِيَة، ثمَّ بعد كَلَام نقل عَن أصبغ أَن السَّفِيه إِن عجز عَن أَكثر من شَاهِدين لم يمْنَع من أَخذ مَاله اه. وَنَحْوه فِي أقضية الْبُرْزُليّ قَائِلا: إِذا لم يُمكنهُ الاستكثار يَكْفِيهِ العدلان الخ. يَعْنِي وَمَا يقوم مقَامهَا من اللفيف وَهُوَ الاثنا عشر كَمَا مر. قَالَ ابْن فَرِحُونَ آخر الْبَاب الأول من الْقسم الثَّانِي مَا نَصه: الشَّهَادَة فِي الترشيد والتسفيه. قَالَ ابْن الْمَاجشون وَغَيره من أَصْحَاب مَالك: يشْتَرط فيهم الْكَثْرَة وَأَقلهمْ أَرْبَعَة وَالْمَشْهُور أَنه يجزىء فِي ذَلِك اثْنَان اه. قلت: وَهَذَا الْمَشْهُور لَا أقل أَن يُصَار إِلَيْهِ عِنْد الْعَجز عَن الاستكثار فَيجب أَن يُكَلف بالاستكثار ابْتِدَاء فَإِن عجز فيكفيه اثْنَان لِأَنَّهُمَا النّصاب الَّذِي شَرطه الْحق سُبْحَانَهُ فِي سَائِر الْحُقُوق فَلَا تغتر بِمَا يَفْعَله الْقُضَاة الْيَوْم من عدم الِاكْتِفَاء بالاثنين مَعَ الْعَجز مَعَ أَن الْمَشْهُور من القَوْل كَمَا ترى، فَقَوْل النَّاظِم: وَلَيْسَ يَكْفِي فيهمَا العدلان يَعْنِي مَعَ إِمْكَان أَكثر وَإِلَّا اكْتفى بهما، ثمَّ إِذا شهد بِالرشد أَرْبَعَة عدُول فَأكْثر وَشهد عَدْلَانِ بالسفه فَإِن شَهَادَة السَّفه أعمل كَمَا قَالَ: (وَفِي مرد الرشد يكفيان) وَقد تقدم ذَلِك فِي تعَارض الشَّهَادَات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 تَنْبِيه: لَا خُصُوصِيَّة للترشيد والتسفيه بالاستكثار الْمَذْكُور بل قَالَ فِي الْفَائِق: كَذَلِك يَنْبَغِي الاستكثار فِي كل مَوضِع تكون الشَّهَادَة فِيهِ على الظَّن الْغَالِب مِمَّا لَا سَبِيل فِيهِ إِلَى الْقطع كالتفليس وَحصر الْوَرَثَة والاستلحاق والاستحقاق وانتقال الْملك للْوَارِث وَالشَّهَادَة للْمَرْأَة بغيبة زَوجهَا، وَعدم رُجُوعه إِلَيْهَا وَتركهَا بِغَيْر نَفَقَة وَالشَّهَادَة بِالسَّمَاعِ إِلَى غير ذَلِك اه. وَبِالْجُمْلَةِ؛ فوثائق الاسترعاء كلهَا يَنْبَغِي فِيهَا الاستكثار مَعَ الْإِمْكَان كَمَا مر وَالله أعلم. وَجَازَ لِلْوَصِيِّ فيمَنْ حَجَرا إعْطَاءُ بَعْضِ مَالِهِ مُخْتَبِرَا لَهُ بِهِ بِشَرْطَيْنِ أَن يعلم مِنْهُ خيرا وَإِن يكون المَال يَسِيرا كالخمسين وَالسِّتِّينَ دِينَارا كَمَا لأبي الْحسن، وَظَاهر النّظم أَنه يجوز للْوَصِيّ ذَلِك وَلَو قبل بُلُوغ الْمَحْجُور، وَقيل لَا يجوز إِلَّا بعد الْبلُوغ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يَجْعَل الْوَصِيّ على الصَّبِي من يرقبه أَو كَانَ متطلعاً عَلَيْهِ وَهُوَ الظَّاهِر، لِأَن الاختبار السَّابِق على الْبلُوغ لَا يُوجب خُرُوجه من الْحجر وَلَا يعْتَمد عَلَيْهِ الْوَصِيّ فِي إطلاقة مِنْهُ كَمَا مر، وَكَذَا يجوز ذَلِك للمقدم بِإِذن القَاضِي فَإِن تلف المَال الْمَدْفُوع للاختبار فَلَا ضَمَان على الدَّافِع إِلَّا أَن يرى أَنه لَا يصلح مثله للاختبار لشدَّة سفهه فَيكون عَلَيْهِ الضَّمَان، وَلذَلِك يكْتب الشُّهُود فِي رسم الدّفع أَن الْيَتِيم مِمَّن يَصح اختباره فِي علمهمْ. قَالَ ابْن سَلمُون: وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة. فرعان. الأول: فَإِن لحقه دين فَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْمُدَوَّنَة: لَا يلْزمه الدّين لَا فِيمَا دفع إِلَيْهِ وَلَا فِي غَيره، وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن سَلمُون و (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَإِن أودع صَبيا إِلَى آخر مَا يَأْتِي، وَقَالَ أَشهب وَابْن الْمَاجشون: يكون ذَلِك الدّين فِي المَال الَّذِي اختبره بِهِ. وَقَالَ الْقَابِسِيّ: يَنْبَغِي أَن يُبَاع مِنْهُ بِالنَّقْدِ فَمن بَايعه بِالنَّقْدِ فَهَذَا الَّذِي لَا يكون لَهُ فِي المَال المختبر بِهِ شَيْء على قَول ابْن الْقَاسِم إِلَّا أَن يكون فِي يَده أَكثر من الَّذِي دفع إِلَيْهِ وليه فَيكون حق الَّذِي داينه فِي الزَّائِد إِذا كَانَ الزَّائِد من مُعَامَلَته إِيَّاه. وَوجه قَول أَشهب: إِن أذن وليه لَهُ فِي التِّجَارَة يَقْتَضِي تعلق دين من داينه عَلَيْهِ فِيهَا لِأَنَّهُ على ذَلِك داينه. وَوجه قَول مَالك: إِن الْإِذْن لم يخرج بِهِ من الْولَايَة وَإِنَّمَا هُوَ لاختبار حَاله فَهُوَ كالمولى عَلَيْهِ بعامل قَالَه ابْن يُونُس. قلت: أفتى ابْن الْحَاج وَابْن رشد أَنه إِذا تصرف بمرأى من وليه وَطَالَ تصرفه فَإِن مَا لحقه من الدّين يلْزمه وتصرفه مَاض. قَالَ الْبُرْزُليّ: وَبِه الْعَمَل، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر، ظَاهر الْمُدَوَّنَة: أَنه مَتى رَآهُ وليه يتَصَرَّف وَسكت فَإِنَّهُ مَاض وَيحمل على أَنه قصد ذَلِك وَبِه جرى الْعَمَل اه. وَهَذَا إِذا كَانَ تصرفه سداداً ومصلحة وإلاَّ فَلَا، وَتقدم عَنهُ أَيْضا نَحوه فِي التَّنْبِيه الأول عِنْد قَوْله: وَالِابْن مَا دَامَ صَغِيرا الخ. وَذَلِكَ كُله يَقْتَضِي أَن الحكم وَالْعَمَل بقول أَشهب، ثمَّ مَحل قَول ابْن الْقَاسِم إِذا لم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 يثبت أَنه أَدخل ذَلِك الدّين فِي مَصَالِحه كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة يَعْنِي أَنه صرفه فِيمَا لَا بُد لَهُ مِنْهُ وإلاَّ فيلحقه فِي المَال الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ وَلَو لم يكن دفع للاختبار كَمَا مر فِي الْوَدِيعَة وكما يَأْتِي. الثَّانِي: قَالَ فِي فصل تَقْسِيم الْمُدعى عَلَيْهِم من التَّبْصِرَة مَا نَصه: وَإِذا فرعنا على القَوْل بلحوق الدّين لما بِيَدِهِ فَإِن شهِدت الْبَيِّنَة على بَيْعه أَو إسلافه مُعَاينَة أنفذ ذَلِك وَعمل بِهِ، وَإِن شهدُوا على إِقْرَاره لم يلْزمه شَيْء إِلَّا أَن يشْهدُوا أَن إِقْرَاره كَانَ بِحَضْرَة الْمُبَايعَة وبفورها وَإِن كَانُوا لم يحضروها لكِنهمْ علمُوا أَن ذَلِك كَانَ فِي مجْلِس التبايع، فَتجوز حِينَئِذٍ ويفدى رب الْحق فِيمَا بيد السَّفِيه من المَال بعد الْإِعْذَار إِلَى وليه فِيمَا ثَبت عَلَيْهِ من ذَلِك اه. تَنْبِيه: ذكر الزّرْقَانِيّ عِنْد قَول (خَ) فِي الْوَدِيعَة: وَإِن أودع صَبيا أَو سَفِيها أَو أقْرضهُ أَو بَاعه فأتلف لم يضمن وَإِن بِإِذن أَهله الخ. مَا نَصه. ثمَّ عدم الضَّمَان مُقَيّد بِمَا إِذْ لم ينصبه فِي حانوته فَإِن نَصبه فِيهِ ضمن مَا أتْلفه مِمَّا اشْتَرَاهُ أَي: لِأَنَّهُ لما نَصبه للْبيع وَالشِّرَاء وَقبُول الْقَرْض والوديعة فقد أطلق لَهُ التَّصَرُّف فَيضمن كَذَا علله اللَّقَّانِيّ، وَالْمرَاد يضمن وليه الناصب لَهُ لَا الصَّبِي اه. فَتَأمل قَوْله: وَالْمرَاد يضمن وليه الناصب لَهُ الخ. فَإِنَّهُ يجب أَن يحمل على مَا إِذا نَصبه وَهُوَ يرى عدم صلاحيته للاختبار كَمَا مر، أَو لم ينصبه بِقصد الاختبار وإلاَّ فَلَا ضَمَان على الْوَلِيّ وَلَا سِيمَا على القَوْل بِجَوَاز اختبار الصَّبِي، بل وَلَا على القَوْل بِعَدَمِ جَوَازه لِأَن التَّفْرِيط إِنَّمَا جَاءَ من قبل من عَامله لَا من قبل من نَصبه وَالله أعلم. وَبِالْجُمْلَةِ، فَلم يظْهر وَجه قَوْله: وَالْمرَاد يضمن وليه الخ. وَإِن لم ينصبه بِقصد الاختبار لِأَن التَّفْرِيط إِنَّمَا جَاءَ من قبل عَامله كَمَا يَأْتِي عَن الْمُدَوَّنَة وَمَا تقدم من أَنه يضمن حَيْثُ علم أَن مثله لَا يصلح للاختبار إِنَّمَا هُوَ فِي ضَمَان مَال الْمَحْجُور لَا فِي ضَمَان مَال من عَامله. وَقَول (خَ) : وَإِن بِإِذن أَهله خَاص بالوديعة، وَأما بَيْعه وشراؤه بِإِذن وليه فَهُوَ مَاض إِن كَانَ سداداً بل وَلَو لم يكن إِذن وَإِنَّمَا كَانَ هُنَاكَ سكُوت فَإِنَّهُ مَاض أَيْضا كَمَا مر. تَنْبِيه آخر: ابْن حبيب: وَإِذا دفع الْوَصِيّ مَالا ليتيمه ليختبره فَأنْكر ذَلِك الْيَتِيم فالوصي مُصدق فِيمَا دفع إِلَيْهِ إِذا علم أَن الْيَتِيم كَانَ يتجر اه. ثمَّ تقدم من الْخلاف فِي كَون الدّين اللَّاحِق يكون فِي المَال المختبر بِهِ أَو لَا إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا كَانَ الدَّافِع هُوَ الْوَلِيّ كَمَا مر، وَأما لَو دفع أَجْنَبِي إِلَى مَحْجُور عَلَيْهِ من يَتِيم أَو عبد مَا لَا يتجر بِهِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: مَا لحقهما من دين فِيهِ يكون فِي ذَلِك المَال خَاصَّة قَالَ بِخِلَاف الْوَصِيّ فَلَا يلْزم ذمتهما وَلَا ذمَّة الدَّافِع بِشَيْء. أَبُو الْحسن: لِأَن الَّذِي عَامله فرط إِذْ لم يبْحَث ويتثبت لنَفسِهِ اه. تقدم أَن أَشهب وَابْن الْمَاجشون خالفاه فِي الْوَصِيّ. تَنْبِيه آخر: قَالَ فِي أنكحة المعيار عَن ابْن لب: أَن للْوَصِيّ أَن يَشْتَرِي للمحجور عَلَيْهِ وَيبِيع عَلَيْهِ وَلَا يفْتَقر فِي ذَلِك إِلَى إِثْبَات سداد وَهُوَ مَحْمُول عَلَيْهِ، نعم إِن كَانَ عَلَيْهِ مشرف فَلَا بُد من مُوَافَقَته، فَإِن امْتنع مِنْهُ أثبت حِينَئِذٍ السداد فِيمَا فعل بعد مُدَّة. تَنْبِيه آخر: إِذا اشْترى عبد أَو يَتِيم سلْعَة فَأَرَادَ السَّيِّد أَو الْوَصِيّ فسخ ذَلِك فَلَهُمَا ذَلِك فَإِن أَرَادَ المُشْتَرِي مِنْهُمَا أَو البَائِع أَن يحلف السَّيِّد أَو الْوَصِيّ مَا أذنا لَهما فِي ذَلِك فَلَيْسَ لَهما ذَلِك اه. قَالَه الرعيني فِي كتاب الدَّعْوَى وَالْإِنْكَار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 وَكلُّ مَا أتْلَفَهُ المحْجُورُ فَغُرْمُهُ مِن مَالِهِ المشْهُورُ (وكل مَا أتْلفه الْمَحْجُور) صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا سَفِيها من مَال غَيره تَعَديا، بِأَكْل أَو حرق أَو كسر وَنَحْو ذَلِك وَلم يكن قد أَمن عَلَيْهِ (فغرمه من مَاله) الَّذِي بِيَدِهِ هُوَ (الْمَشْهُور) ظَاهره سَوَاء صرفه فِيمَا لَا بُد مِنْهُ أَو لَا، وَهُوَ كَذَلِك أَي: وَظَاهره أَيْضا وَلَو لم يكن بِيَدِهِ مَال وَقت إِتْلَافه فَإِنَّهُ يتبع بِهِ فِي ذمَّته إِن حصل لَهُ يسر فِي يَوْم مَا وَهُوَ كَذَلِك قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَمن أودعته وَدِيعَة فاستهلكها ابْنه فَذَلِك فِي مَال الابْن فَإِن لم يكن لَهُ مَال فَفِي ذمَّته، وَقَالَ الرجراجي فِي كتاب الْمديَان إِن جِنَايَة الصَّغِير على الْأَمْوَال لَازِمَة لمَاله وذمته اه. وَظَاهر النّظم أَيْضا ضَمَانه لما أتْلفه وَلَو كَانَ غير مُمَيّز كَابْن شهر، وَالَّذِي لِابْنِ عَرَفَة أَن الصَّبِي الَّذِي سنه فَوق شهر يَصح أَن يَتَّصِف بِمَا يُوجب غرمه وَهُوَ جِنَايَته على المَال مُطلقًا وعَلى الدِّمَاء فِيمَا قصر عَن ثلث الدِّيَة بِخِلَاف ابْن شهر، لِأَن فعله كالعجماء حَسْبَمَا تقرر فِي أول كتاب الْغَصْب اه. بل ذكر فِي الشَّامِل وضيح فِي بَاب الْغَصْب أَي: فِيمَن لم يُمَيّز لجنون أَو صغر كَابْن شهر أَو سِتَّة أشهر أَو سنة أَو سنتَيْن أَو أَكثر ثَلَاثَة أَقْوَال. قيل، هدر، وَقيل المَال هدر دون الدَّم فَهُوَ على الْعَاقِلَة إِن بلغ الثُّلُث وإلاَّ فَفِي مَاله، وَثَالِثهَا المَال فِي مَاله وَالدَّم على عَاقِلَته إِن بلغ الثُّلُث، واستظهره ابْن عبد السَّلَام وضيح لِأَن الضَّمَان من خطاب الْوَضع الَّذِي لَا يشْتَرط فِيهِ تَكْلِيف وَلَا تَمْيِيز، وَهَذِه الطَّرِيقَة أرجح مِمَّا تقدم عَن ابْن عَرَفَة فالمميز لَا خلاف فِي ضَمَانه وَغَيره فِيهِ طرق وَالرَّاجِح الضَّمَان فتعبير النَّاظِم بالمشهور صَحِيح بِالنِّسْبَةِ لغير الْمُمَيز، وَهَذَا كُله إِذا لم يُؤمن عَلَيْهِ كَمَا قَررنَا، وَأما إِن كَانَ قد أَمن عَلَيْهِ فَفِيهِ تَفْصِيل أَشَارَ لَهُ بقوله: إلاَّ إذَا طَوْعاً إلَيْهِ صَرَفَهْ وَفِي سِوَى مَصْلَحَةٍ قَدْ أتْلَفَهْ (إِلَّا إِذا طَوْعًا إِلَيْهِ صرفه) : بِأَن أَمنه عَلَيْهِ فَيصدق بِمَا إِذا أقْرضهُ إِيَّاه أَو بَاعه أَو ودعه أَو أَعَارَهُ إِيَّاه وَنَحْو ذَلِك. (و) الْحَال أَنه (فِي سوى مصلحَة) لنَفسِهِ (قد أتْلفه) الصَّبِي أَو السَّفِيه فَإِنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ لَا فِي المَال الَّذِي بِيَدِهِ وَلَا فِي غَيره لِأَن ربه بتأمينه إِيَّاه قد سلطه عَلَيْهِ، وَلذَا لَو بَاعَ الْوَدِيعَة أَو العَبْد الَّذِي بَعثه للإتيان بِهِ وأتلف ثمنه فِي غير مصلحَة فَإِن رب العَبْد أَو الْوَدِيعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 يأخذهما من مشتريهما وَالثمن قد ضَاعَ على المُشْتَرِي، وَمَفْهُوم قَوْله فِي سوى مصلحَة أَنه إِذا أتْلفه فِي مصْلحَته بِأَن أكله أَو لبسه أَو صرف ثمنه فِيمَا لَا بُد لَهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يضمن الْأَقَل مِنْهُ وَمِمَّا صونه كَمَا مر فِي الْوَدِيعَة، وَهُوَ مَحْمُول مَعَ جهل الْحَال على أَنه صرفه فِي غير مصلحَة حَتَّى يثبت أَنه صرفه فِيهَا على الْمُعْتَمد كَمَا مر. وَفِعْلُهُ بِعَوَضِ لاَ يُرْتَضَى وَإنْ أَجَازَهُ وَصِيُّهُ مَضَى (وَفعله) أَي الْمَحْجُور صَبيا كَانَ أَو سَفِيها مولى عَلَيْهِ أم لَا (بعوض) كَبَيْعِهِ لشَيْء من مَاله أَو إِجَارَته وَنَحْو ذَلِك (لَا يرتضى) أَي لَا يمْضِي بل هُوَ مَوْقُوف على إجَازَة وليه أَو الْحَاكِم إِن لم يكن لَهُ ولي (و) لذَلِك (إِن أجَازه وَصِيّه) وَنَحْوه من أَب أَو مقدم أَو الْحَاكِم إِن كَانَ مهملاً (مضى) حَيْثُ كَانَ فعله من بيع وَنَحْوه سداداً أَو عبطة أَو مُحْتَاجا إِلَيْهِ فِي نَفَقَته وإلاَّ لم يمض، وَلَو أَمْضَاهُ من ذكر لأَنهم معزولون عَن غير الْمصلحَة، وَتقدم قَرِيبا لِأَنَّهُ لَا يَمِين على الْوَلِيّ إِن ادّعى المُشْتَرِي من الْمَحْجُور أَن وليه أذن لَهُ فِي البيع وَنَحْوه، وَتقدم قَرِيبا أَيْضا أَنه إِذا تصرف بِمحضر وليه وسكوته فَإِنَّهُ مَاض لِأَن سُكُوته رضَا بِفِعْلِهِ، وَهَذَا إِذا كَانَ فعله سداداً ومصلحة وإلاَّ فَلَا، فَإِن لم يكن لَهُ ولي أَو كَانَ وَلم يعلم بِفِعْلِهِ حَتَّى رشد كَانَ النّظر إِلَيْهِ فِي الْإِجَازَة وَالرَّدّ وَلَو كَانَ سداداً، وَهَذَا إِذا لم يُغير الْحَال فِيمَا بَاعه بِزِيَادَة أَو نُقْصَان فِيمَا اشْتَرَاهُ كَمَا لِابْنِ رشد، وَانْظُر مَا تقدم فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين عِنْد قَوْله: وَعكس هَذَا لِابْنِ سَحْنُون نمى الخ. وَتعْتَبر الْمصلحَة فِي رده وإمضائه يَوْم النّظر فِيهِ لَا يَوْم عقده على الْمُعْتَمد، وَهَذَا فِي عقد الْمُمَيز. وَأما غَيره فبيعه بَاطِل (خَ) : وَشرط عاقده تَمْيِيز الخ. وَفِي التَّبرُّعاتِ قد جَرَى العَمَلْ بِمَنْعِهِ وَلاَ يُجازُ إنْ فَعَلْ (وَفِي التَّبَرُّعَات) الصادرة من الْمَحْجُور كعتق وَهبة وَصدقَة أَو حبس (قد جرى الْعَمَل بِمَنْعه) مِنْهَا (وَلَا يجاز) فعله لَهَا (إِن) هُوَ (فعل) بل يتَعَيَّن على الْوَلِيّ ردهَا، فَإِن أجازها الْوَلِيّ أَو سكت عَنْهَا حَتَّى رشد وَملك أمره كَانَ النّظر فِي الرَّد وَالْإِجَازَة وَلَا يخرج من ذَلِك إِلَّا عتق أم وَلَده فَإِنَّهُ يمْضِي وَكَذَا وَصيته فَإِنَّهَا مَاضِيَة كَمَا يَأْتِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 وَظَاهِرُ السَّفَهِ جازَ الْحُلْمَا مِنْ غَيْرِ حَجْرٍ فِيهِ خُلْفٌ عُلِمَا (وَظَاهر السَّفه) ثَابِتَة بِالْبَيِّنَةِ من نَعته وَصفته (جَازَ الحلما) حَال كَونه (من غير حجر) عَلَيْهِ بل بَقِي مهملاً لم يول عَلَيْهِ (فِيهِ) أَي فِي جَوَاز فعله وَعدم جَوَازه (خلف علما) أَي قَولَانِ. أَحدهمَا. جَوَازُ فَعْلِهِ بأَمْرٍ لازِمِ لِمَالِكٍ والمَنْعُ لابنِ القَاسِمِ (جَوَاز فعله) وَلَو بِغَيْر عوض كعتق (بِأَمْر لَازم) وَهُوَ (لمَالِك) وكبراء أَصْحَابه لِأَنَّهُ يُرَاعِي فِي رد أَفعاله وجود الْولَايَة وَهِي مفقودة الْآن. (و) ثَانِيهمَا (الْمَنْع) من جَوَازه وَلَو بعوض وَوَافَقَ السداد (لِابْنِ الْقَاسِم) فَيكون لمن يولي عَلَيْهِ بعد النّظر فِي الرَّد وَالْإِجَازَة وَإِن لم يول عَلَيْهِ فالنظر لَهُ إِن رشد وَبِهَذَا الْعَمَل كَمَا مرّ، لِأَن ابْن الْقَاسِم يعْتَبر الْحَال وَبِه تعلم أَن خلاف ابْن الْقَاسِم لَيْسَ خَاصّا بالمهمل بل هُوَ حَتَّى فِي الْمولى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يجوز فعله إِذا ظهر رشده وَلَو لم يُطلقهُ وليه كَمَا مر عِنْد قَوْله: والبالغ الْمَوْصُوف بالإهمال الخ. فالبيتان تكْرَار مَعَه. وبالّذي على صَغيرٍ مُهْمَلِ يُقْضَى إِذا صحَّ بمُوجبٍ جَلي (وَبِالَّذِي) ثَبت بِالْبَيِّنَةِ العادلة (على صَغِير مهمل) لَا وَصِيّ لَهُ وَلَا مقدم (يقْضِي) أَي يقْضِي القَاضِي بِالَّذِي ثَبت على المهمل من الْحُقُوق دُيُون أَو غَيرهَا من اسْتِحْقَاق أصُول أَو غَيرهَا بعد يَمِيني الْقَضَاء والاستحقاق (إِذا صَحَّ) الَّذِي ثَبت عَلَيْهِ (بِمُوجب) بِكَسْر الْجِيم (جلي) بيِّن لَا مطْعن فِيهِ، وَلَا مَفْهُوم لصغير بل غَيره من سَفِيه مهمل أَحْرَى. وَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ كَالْغائِبِ إِلَى بُلُوغِهِ بِحُكْمٍ وَاجِبِ (وَهُوَ) أَي المهمل بَاقٍ (على حجَّته) إِذا وجد بَرَاءَة من الْحق أَو جرح بِبَيِّنَتِهِ فَإِنَّهُ ينفع (كالغائب) الْمُتَقَدّم فِي فَصله (إِلَى بُلُوغه) رشيدا حَال كَون بَقَائِهِ على الْحجَّة (بِحكم وَاجِب) فَقَوله: إِلَى بُلُوغه يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر الَّذِي هُوَ بَاقٍ على حجَّته إِلَى بُلُوغه ورشده، كَمَا أَن الْغَائِب بَاقٍ عَلَيْهَا إِلَى قدومه وَإِلَى بِمَعْنى (عِنْد) وَلَا مَفْهُوم لقَوْله مهمل بل ذُو الْوَلِيّ كَذَلِك فِي بَقَائِهِ على حجَّته وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله فِي اللامية: بتعجيز ذِي الْإِيصَاء قَولَانِ حصلا الخ. وأصحهما كَمَا فِي أقضية المعيار أَنه بَاقٍ على حجَّته لِأَن وليه يعرف حججه الَّتِي تبطل مَا أثْبته الْقَائِم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 وَيَدْفَعُ الْوَصِيُّ كلَّ مَا يَجِبْ مِنْ مَالِ مَنْ فِي حِجْرِهِ مَهْمَا طُلِبْ (وَيدْفَع الْوَصِيّ كل مَا يجب) وَيثبت على مَحْجُوره بعد عَجزه عَن الطعْن فِيمَا يثبت عَلَيْهِ (من مَال من فِي حجره) لَا من مَال نَفسه (مهما طلب) بذلك الدّفع وَحكم عَلَيْهِ الْحَاكِم بِهِ وَيبقى الْمَحْجُور على حجَّته على أصح الْقَوْلَيْنِ كَمَا مرّ. وَنَظَرُ الوصِيِّ فِي المَشْهُورِ مُنْسَحِبٌ عَلَى بَنِي المحْجُورِ (وَنظر الْوَصِيّ فِي الْمَشْهُور) الَّذِي بِهِ الْقَضَاء وَالْعَمَل كَمَا فِي ابْن سَلمُون عَن ابْن عتاب وَابْن الْقطَّان (منسحب على بني الْمَحْجُور) وَبنَاته تبعا لَهُ، وَظَاهره كَانُوا موجودين وَقت الْإِيصَاء أَو حدثوا بعده، وَخَالف ابْن زرب فِي ذَلِك وَقَالَ: لَا نظر للْوَصِيّ على بني مَحْجُوره إِلَّا بِتَقْدِيم من القَاضِي قَالَ المكناسي فِي آخر مجالسه: وَبِه الْعَمَل وَالْقَضَاء، وَنَحْوه فِي وثائق الغرناطي والخرشي والزرقاني عِنْد قَوْله: وَالْوَلِيّ الْأَب الخ. فَتبين أَن كلا من الْقَوْلَيْنِ عمل بِهِ، وَلَكِن الَّذِي عول عَلَيْهِ ناظم عمل فاس هُوَ مَا للمكناسي وَمن مَعَه فَقَالَ: وَلَا انسحاب الْمُوصي على أَوْلَاد مَحْجُور بِمَوْت حصلا أَي: بِمَوْت الْوَصِيّ لَا بِمَوْت الْمَحْجُور، وَإِن كَانَ أَبُو الْعَبَّاس الْمقري قَالَ: يظْهر لي أَن مَحل الْقَوْلَيْنِ فِي انسحاب نظر الْوَصِيّ على أَوْلَاد مَحْجُوره إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ الْمَحْجُور حَيا، أما بعد مَوته فَيَنْبَغِي أَن يتَّفق أَن لَا يبْقى لَهُ نظر عَلَيْهِم لِأَن النّظر عَلَيْهِم إِنَّمَا كَانَ بِحَسب التبع لأبيهم، وَالْقَاعِدَة أَنه إِن عدم الْمَتْبُوع عدم التَّابِع اه. بِنَقْل (م) لَكِن بحث فِي شرح الْعَمَل مَعَ الْمقري الْمَذْكُور وَقَالَ: إِنَّه مُخَالف للمنصوص فَانْظُرْهُ فَوَجَبَ حمل مَا لناظم فاس على موت الْمُوصي كَمَا مر عَن المكناسي وَغَيره لَا على مَا قَالَ الْمقري إِذا لم يذكر أحد أَن الْعَمَل عَلَيْهِ مَعَ أَنه مُخَالف للمنصوص، وَأما مقدم القَاضِي فَالَّذِي بِهِ الْعَمَل فِيهِ كَمَا فِي ابْن سهل أَنه لَا نظر لَهُ على أَوْلَاد مَحْجُوره إِلَّا بِتَقْدِيم من القَاضِي، وَأما الْأَب فالمنصوص عَن مَالك أَنه ينطر لأَوْلَاد ابْنه السَّفِيه كَمَا ينظر لَهُ ويوصي عَلَيْهِم كَمَا يُوصي على ابْنه السَّفِيه كَمَا فِي (ح) عِنْد قَوْله: وَإِنَّمَا يوصى على الْمَحْجُور عَلَيْهِ أَب الخ. نقل ذَلِك كُله شَارِح الْعَمَل، وَعَلِيهِ فَفِي مَفْهُوم الْوَصِيّ فِي النّظم تَفْصِيل، وَظَاهر كَلَام الشَّامِل أَن الْعَمَل على أَنه لَا نظر للْوَلِيّ على أَوْلَاد مَحْجُوره وَصِيّا كَانَ أَو أَبَا أَو مقدما لِأَنَّهُ قَالَ: وَفِي نظر ولي السَّفِيه على ابْنه أَو لَا نظر لَهُ إِلَّا بِتَقْدِيم مُسْتَأْنف وَبِه الْعَمَل قَولَانِ اه. وَيَعْقِدُ النِّكَاحَ لِلإِمَاءِ وَالنَّصُّ فِي عَقْدِ البناتِ جاءِ (ويعقد) الْوَصِيّ (النِّكَاح للإماء) اللَّاتِي يملكهن مَحْجُوره بِلَا خلاف (وَالنَّص فِي عقد) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 النِّكَاح على (الْبَنَات) أَي بَنَات مَحْجُوره (جَاءَ) اسْم فَاعل أَي مَرْوِيّ عَن مَالك فيعقد على الْأَبْكَار البالغات والثيبات اللَّاتِي لم يملكن أَمر أَنْفسهنَّ وَرَآهُ وَصِيّا عَلَيْهِنَّ بِكَوْنِهِ وَصِيّا على أبيهن وَقيل لَا يكون وَصِيّا عَلَيْهِنَّ إِلَّا بِتَقْدِيم وَهُوَ مَا تقدم عَن ابْن زرب، وَأما بَنَاته اللَّاتِي ملكن أَمر أَنْفسهنَّ فَلَا يعْقد عَلَيْهِنَّ وَكَذَا لَا يعْقد على أَخَوَات مَحْجُوره وَسَائِر قراباته فَإِن فعل مضى على مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن الْهِنْدِيّ قَالَه فِي الْمُفِيد. وَفِي وثائق ابْن فتحون: أَن للْوَصِيّ أَن يعْقد على كل من كَانَ يعْقد عَلَيْهِ الْمَحْجُور لَو كَانَ رشيدا فَيدْخل إماؤه وأخواته وَسَائِر قراباته لِأَنَّهُ منزل فِي ذَلِك منزلَة محجورة، وَهَذَا كُله فِي الْأَبْكَار والثيبات البالغات. وَعْقَدُهُ قَبْلَ البُلُوغِ جَارِ بِجَعْلِهِ فِي البكْرِ كالإجْبَارِ (و) أما (عقده) على بَنَات مَحْجُوره (قبل الْبلُوغ) فَهُوَ (جَار بجعله) أَي العقد (فِي الْبكر) من بَنَات صلبه أَي: فَإِذا جعل لَهُ أَن يعْقد على بَنَات صلبه من غير جبر كَانَ لَهُ أَن يعْقد على بَنَات ذُكُور محاجيره من غير جبر أَيْضا (كالإجبار) أَي كَمَا أَنه إِذا جعل لَهُ إِجْبَار على بَنَات صلبه كَانَ لَهُ أَن يجْبر بَنَات ذُكُور محاجيره وَإِن جعله وَصِيّا وَأطلق وَلم يُقيد بجبر وَلَا عَدمه فعلى القَوْل بِأَنَّهُ يجْبر بَنَات صلبه فَإِنَّهُ يجْبر بَنَات مَحْجُوره كَذَلِك، وعَلى القَوْل بِعَدَمِ جبر بَنَات صلبه فَلَا يجْبر بَنَات مَحْجُوره، وَهَذَا كُله هُوَ الملائم لقَوْله: منسحب على بني الْمَحْجُور. وَقد قَالَ (خَ) : وجبره وَصِيّ أمره أَب بِهِ أَو عين الزَّوْج وَإِلَّا فخلاف، وسبك كَلَام النَّاظِم وعقده على بَنَات مَحْجُوره قبل بلوغهن جَار أَي جَائِز نَافِذ بِسَبَب جعله لَهُ فِي أبكار بَنَاته كَمَا أَن إجبارهن كَذَلِك جَار على جعله لَهُ فِي أبكار بَنَات صلبه، وَهَذَا ظَاهر إِذا كَانَ للْمُوصي ذُكُور وإناث وَجعل لَهُ الْجَبْر وَعَدَمه فِي الْإِنَاث، فَإِن لم يكن لَهُ إِلَّا الذُّكُور وَأوصى عَلَيْهِم فَيجْرِي فِي جبر بناتهم الْخلاف الْمَذْكُور فِي بَنَات الصلب إِن أوصى عَلَيْهِنَّ وَأطلق وَالله أعلم. وَالنَّقْلُ لِلإيصَاءِ غَيْرُ مَعْمَلٍ إلاَّ لِعُذْرٍ أَوْ حُلُولِ أَجَلِ (وَالنَّقْل للإيصاء غير معمل) يَعْنِي أَن الْحَاكِم إِذا أَرَادَ أَن ينْقل الْإِيصَاء عَن الْوَصِيّ إِلَى غَيره، أَو أَرَادَ الْوَصِيّ أَن يتخلى عَن الْإِيصَاء بعد قبُوله إِيَّاه وَمَوْت الْمُوصي سَوَاء قبل بِاللَّفْظِ أَو بِالتَّصَرُّفِ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يعْمل على ذَلِك (إِلَّا لعذر) كاختلال عقل الْوَصِيّ أَو طرُو فسقه أَو سَفَره سفرا بَعيدا (أَو حُلُول أجل) مَوته فَإِن للْحَاكِم أَن ينْقل الْإِيصَاء حِينَئِذٍ مَعَ الْعذر الْمَذْكُور، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 وللوصي أَن يُوصي بِهِ إِلَى غَيره عِنْد وَفَاته أَو سَفَره سفر انْقِطَاع أَو بَعيدا، وَهَذَا إِذا أَرَادَ أَن يعْزل نَفسه بعد موت الْمُوصي وقبوله الْإِيصَاء كَمَا قَررنَا، وَأما فِي حَيَاة الْمُوصي فَلهُ أَن يعْزل نَفسه (خَ) : وَله عزل نَفسه فِي حَيَاة الْمُوصي وَلَو قبل لَا بعدهمَا أَي بعد الْقبُول وَمَوْت الْمُوصي أَي قبل ثمَّ مَاتَ الْمُوصي أَو مَاتَ ثمَّ قبل، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور خلافًا لما فِي الطرر عَن ابْن زرب من أَنه إِذا قبل فِي حَيَاة الْمُوصي فَلَا يقبل مِنْهُ عزل نَفسه إِلَّا لعذر، وَإِن قبل بعد مَوته فللقاضي أَن يعفيه لغير عذر الخ فَإِنَّهُ مُقَابل لَا يعول عَلَيْهِ، وَالْمرَاد بالعذر فِي كَلَام النَّاظِم الْعذر الشَّديد الَّذِي تَنْتفِي مَعَه قدرَة الْمُوصي على الْقيام بمصالح الْمَحْجُور بِالْكُلِّيَّةِ لَا الْعذر الَّذِي يشق مَعَه الْقيام قَالَه فِي الطرر وَنَقله شَارِح الْعَمَل عِنْد قَوْله: وَلَا انحلال لوصي الْتزم إِلَّا لعذر بَين لما الْتزم وَلاَ يَرُدُّ العَقْدَ بَعْدَ أَنْ قَبِلْ إنْ مَاتَ مُوصٍ وَلِعُذْرٍ يَنْعَزِلْ هَذَا الْبَيْت غير ضَرُورِيّ الذّكر لِأَن مَا قبله يُغني عَنهُ كَمَا قَررنَا، وَقَوله: إِن قبل أَي بِاللَّفْظِ أَو بِمَا يدل عَلَيْهِ كالتصرف بِالْبيعِ وَقبض الدّين وَنَحْوهمَا، وَسَوَاء قبل فِي حَيَاة الْمُوصي وَاسْتمرّ عَلَيْهِ إِلَى أَن مَاتَ الْمُوصي أَو قبل مَوته، وَأما إِن قبل فِي حَيَاة الْمُوصي وَلم يسْتَمر عَلَيْهِ بل رَجَعَ عَنهُ فَإِن لَهُ ذَلِك وَإِن لم يقلهُ الْمُوصي كَمَا مر عَن (خَ) خلافًا لما فِي الْمُفِيد من أَنه إِذا قَالَه الْمُوصي جَازَت إقالته وَإِلَّا لزمَه النّظر اه. وَلاَ رُجُوعَ إنْ أَبَى تَقَدُّمَه مِنْ بَعْدِ أَنْ مَاتَ الَّذِي قَدْ قَدَّمَه (وَلَا رُجُوع) للْوَصِيّ إِلَى قبُول الْإِيصَاء (إِن) كَانَ قد (أَبى تقدمه) أَي قبُوله إِيَّاه (من بعد أَن مَاتَ الَّذِي قد قدمه) (خَ) : وَإِن أَبى الْقبُول بعد الْمَوْت فَلَا قبُول لَهُ بعده أَي: لِأَن إبايته صيرته أَجْنَبِيّا فقبوله بعد إبايته يحْتَاج لاستئناف إيصاء وَهُوَ مَفْقُود بفقد مَحَله، وَلَا مَفْهُوم للظرف بل كَذَلِك إِن أَبى الْقبُول قبل موت الْمُوصي، ثمَّ أَرَادَ أَن يقبل بعد مَوته فِيمَا يظْهر بِدَلِيل التَّعْلِيل الْمُتَقَدّم، وَهَذَا على أَن من بعد يتَعَلَّق بأبى، وَيحْتَمل أَن يتَعَلَّق بقوله: وَلَا رُجُوع أَي لَا رُجُوع لَهُ لقبُول الْإِيصَاء بعد موت الْمُوصي إِن كَانَت سبقت مِنْهُ إباية فِي حَيَاة الْمُوصي أَو بعد مَوته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 وَكلُّ مَنْ قُدِّمَ مِنْ قاضٍ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْهُ بَدَلاَ أَي: فَلَا يُوكل غَيره على أُمُور مَحْجُوره وَلَا يوصى عَلَيْهِ عِنْد حُضُور وَفَاته بِخِلَاف الْوَصِيّ، فَلهُ أَن يُوكل ويوصي، وَمَا ذكره النَّاظِم هُوَ الْمَشْهُور كَمَا مر فِي الْوكَالَة وَتقدم هُنَاكَ أَن الَّذِي بِهِ الْعَمَل جَوَاز تَوْكِيله وَلَا زَالَ الْعَمَل على ذَلِك إِلَى الْآن. تَنْبِيه: كل من الْوَصِيّ والمقدم إِذا وكلا غَيرهمَا لَيْسَ لَهما أَن يجعلا الْإِقْرَار للْوَكِيل كَمَا أَنَّهُمَا لَيْسَ لَهما الْإِقْرَار على الْمَحْجُور، وَقد وَقعت نازلة فِي هَذَا الأوان وَهِي أَن رجلا ادّعى على وَصِيّ أَو مقدم أَن أَبَا محاجيره كَانَ تولى قبض مَتْرُوك وَالِده بوكالة مِنْهُ وزمم لَهُ زمامات تَرِكَة أَبِيه أَحدهَا باسكندرية وَآخر بالجزائر وَآخر بفاس وَحَازَ الزمامات الثَّلَاث وَطلب الْآن مِنْهُ إِحْضَار الزمامات الْمُدَّعِي بهَا على أبي محاجيره وإعمال الْحساب فِيهَا، أَو الْجَواب بِمَا يظْهر لَهُ حضر وَصِيّ المحاجير أَو مقدمهم، وَأجَاب: بِأَن أَبَا محاجيره كَانَ وَكيلا للْمُدَّعِي الْمَذْكُور وَقبض مَا وَجب من مَتْرُوك وَالِده بالزمامات الثَّلَاث الْمَذْكُورَة، وَإِن أَرَادَ الْحساب يُعْطِيهِ إِيَّاه وَالنَّظَر للشَّرْع المطاع عرفا قدره الخ. وتقيد عقبه بِعدْل وَاحِد مَا نَصه بَعْدَمَا طلب الْمُدَّعِي أَعْلَاهُ من الْمُجيب إِحْضَار زِمَام تَرِكَة الجزائر، وَزعم الْمُجيب الْمَذْكُور أَن الزِّمَام الْمَذْكُور تلف لَهُ وطولب بإحضاره حضر أَحْمد بن عبد الله وَأشْهد أَنه ضمن عَنهُ مَا يجب عَلَيْهِ شرعا فِي إِحْضَار الزِّمَام الْمَذْكُور ضمانا لَازِما بِرِضا الْمَضْمُون لَهُ عرفا قدره الخ. وَقد كَانَ القَاضِي سدده الله سجن الْوَصِيّ الْمَذْكُور حَتَّى يحضر الزِّمَام الْمَذْكُور وَطَالَ سجنه، وسئلت عَن ذَلِك فأجبت بِأَن نَائِب المحاجير من وَصِيّ ومقدم ووكيل لَا يُؤمر وَاحِد مِنْهُم بِجَوَاب الْمُدَّعِي على موروثهم إِذْ من شَرط صِحَة الدَّعْوَى الَّتِي يُكَلف الْمَطْلُوب بجوابها أَن تكون بِحَيْثُ لَو أقرّ بهَا الْمَطْلُوب لزمَه إِقْرَاره احْتِرَازًا من الدَّعْوَى على الْمَحْجُور أَو موروثه، فَإِن الْمَحْجُور ونائبه لَا يُكَلف وَاحِد مِنْهُمَا بجوابها إِذْ إقرارهما بهَا لَا يُفِيد كَمَا فِي التَّبْصِرَة و (ح) وشراح اللامية، وَقد قَالَ (خَ) : يُؤَاخذ الْمُكَلف بِلَا حجر بِإِقْرَارِهِ لأهل ونائب الْمَحْجُور كالمحجور فَكَمَا لَا يُؤَاخذ الْمَحْجُور بِإِقْرَارِهِ كَذَلِك لَا يُؤَاخذ نَائِبه فتكليف نَائِب الْمَحْجُور بِالْجَوَابِ خطأ مِمَّن فعله، وَكَذَا أَخذ الضَّامِن مِنْهُ، وَلذَا قَالَ ابْن عرضون وَغَيره: ولتحذر أبدا أَن تبيح للْوَكِيل الْمَذْكُور الْإِقْرَار إِذْ ذَاك لَا يلْزم الْمَحْجُور وَإِن وكل الْأَب أَو الْوَصِيّ عَن نَفسه وَعَن مَحْجُوره. قلت: وكل فلَان فلَانا عَن نَفسه وَعَن مَحْجُوره لينوب عَنهُ فِي المحاكمة والمخاصمة وَالْإِقْرَار وَالْإِنْكَار فِي حق نَفسه وعَلى الْإِنْكَار دون الْإِقْرَار فِي حق مَحْجُوره اه. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: إِن قَامَ الطَّالِب بدين على ميت فَإِن القَاضِي يَأْمُرهُ أَن يثبت موت الْمَطْلُوب وعدة ورثته من أجل مَا يحْتَاج من الْإِعْذَار إِلَيْهِم إِن كَانُوا مالكين أَمر أنفسهم، وَإِن كَانُوا صغَارًا وَجعل عَلَيْهِم وَصِيّ كلفه القَاضِي إِثْبَات الْإِيصَاء وَقبُول الْوَصِيّ بِالشَّهَادَةِ على عينه والإعذار فِيهَا إِلَيْهِ بِمَا ثَبت عِنْده من ذَلِك وَإِثْبَات صغَار الْوَرَثَة، فَإِذا أثبت الطَّالِب جَمِيع ذَلِك كَانَت الْخُصُومَة بَينه وَبَين الْوَصِيّ أَو الْمَالِك أَمر نَفسه أَن الْوَصِيّ لَا يُكَلف جَوَابا لِأَن إِقْرَاره لَا يعْمل، وَإِنَّمَا يُقَال للْمُدَّعِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 أُثبت مَا تدعيه على الْمَحْجُور فَإِن أثْبته مكن الْوَصِيّ من الطعْن فِيهِ فَإِن عجز عَن الطعْن حكم على الْمَيِّت بِالدّينِ بعد يَمِين الْقَضَاء اه. وَقَالَ فِي نظم عمل أهل فاس فِي بَاب الْوَصَايَا مِنْهُ: وَمَا من الدّين بِهِ الْوَصِيّ قد أقرّ فِي تَرِكَة الْمَيِّت فسد فَهَذِهِ النُّصُوص كلهَا صَرِيحَة فِي أَن نَائِب الْمَحْجُور لَا يُؤمر بِالْجَوَابِ، وَأَن جَوَابه بِأَن موروثهم قد قبض جَمِيع مَا وَجب لَهُ غير لَازم للمحاجير وَلَا إِشْكَال، وَكَذَا لَا يلْزمه هُوَ لِأَنَّهُ لم يقر على نَفسه بِشَيْء، وَإِنَّمَا أقرّ عَن الْغَيْر وَقد قَالَ ابْن عَرَفَة فِي حد الْإِقْرَار: هُوَ خبر يُوجب حكم صدقه على قَائِله فَقَط الخ. فَخرج بقوله على قَائِله كَمَا للرصاع الشَّهَادَة إِذْ الْخَبَر إِن أوجب حكمه على غَيره هُوَ الشَّهَادَة وَالْوَصِيّ أَو الْمُقدم أَو الْوَكِيل إِذا شهد على منوبه بِشَيْء وَكَانَ عدلا وَاسْتمرّ عَلَيْهَا وَلم يرجع عَنْهَا جَازَت شَهَادَته، وإلاَّ فَلَا. وَنَحْوه فِي الْمُدَوَّنَة وَنَقله (ح) وَغَيره عِنْد قَوْله فِي الشَّهَادَات: وَلَا من شهد لَهُ بِكَثِير وَلغيره بِوَصِيَّة الخ. هَذَا كُله لَو كَانَ الْمُدَّعِي بِهِ مَعْرُوف الْقدر وَالْجِنْس وَأما حَيْثُ كَانَت الدَّعْوَى فِي الزمامات من غير بَيَان قدر مَا فِيهَا وَلَا جنسه وَلَا صفته فَلَا يُكَلف الْمَطْلُوب بجوابها، وَلَو كَانَ غير مَحْجُور فضلا عَن كَونه مَحْجُورا أَو نَائِبا عَنهُ لكَونهَا من الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ فَفِي الْجَوَاهِر لَو قَالَ: لي عَلَيْك شَيْء لم تسمع دَعْوَاهُ لِأَنَّهَا مَجْهُولَة، وَالْحكم بِالْمَجْهُولِ مُتَعَذر إِذْ لَيْسَ بعضه أولى من بعض اه. فَقَوله فِي الْمقَال قبض لَهُ مَتْرُوك وَالِده مَجْهُول الْقدر وَالْجِنْس كَقَوْلِه: قبض لَهُ أَشْيَاء من مَتْرُوك وَالِده وَلَا يدْرِي مَا هِيَ تِلْكَ الْأَشْيَاء هَل هِيَ من ذَوَات الْقيم أَو ذَوَات الْأَمْثَال وَلَا يدْرِي عَددهَا وَلَا وَزنهَا. وَقد قَالَ ابْن سهل: فَإِن كَانَت الدَّعْوَى فِي شَيْء فِي الذِّمَّة بَين قدره أَو فِي شَيْء من ذَوَات الْأَمْثَال بَين الْكَيْل وَالْوَزْن وَالْعدَد أَو فِيمَا تضبطه الصّفة فَلَا بُد من بَيَان الْقيمَة اه. وَهُوَ معنى قَول اللامية: لَكِن إِن كَانَ مُجملا كَلَام يبين الخ. وَهُوَ معنى قَول (خَ) فيدعي بِمَعْلُوم مُحَقّق الخ. وَإِذا كَانَ الْبَالِغ الرشيد لَا يجب عَلَيْهِ أَن يُجيب عَن الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ لِأَنَّهُ لَو أقرّ وَقَالَ: نعم لَهُ عَليّ مَا يَدعِيهِ وَأنكر وَقَامَت الْبَيِّنَة بذلك لم يحكم عَلَيْهِ بذلك الْإِقْرَار وَلَا بِتِلْكَ الْبَيِّنَة إِذْ الْكل مَجْهُول وَالْحكم بِهِ مُتَعَذر كَمَا مر، فَكيف يقْضى بِهِ على الْمَحْجُور أَو نَائِبه وَيلْزم بضامن فِيهِ، وَأما قَوْله بِالْعَدْلِ الْوَاحِد أَن الزِّمَام قد تلف لَهُ فقد سَاقه هَذَا الْعدْل مساق الْحِكَايَة فَلَا يُفِيد، نعم استفسر عَنهُ وَقَالَ: إِنَّه أقرّ عِنْدِي بذلك أَو أشهدني بِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يسْأَل الْوَصِيّ أَو الْمُقدم عَن ذَلِك، فَإِن قَالَ: إِنَّه تلف بعد وجوده فِي تَرِكَة أبي محاجيره وَقبل دُخُوله ليده أَو بعد دُخُوله، وَلَكِن بِغَيْر سَببه وَلَا تفريطه فَهُوَ مُصدق إِذْ الأَصْل عدم العداء وَهُوَ حِينَئِذٍ مقرّ عَن الْغَيْر إِذْ لَا يضمن مَا فِيهِ حِينَئِذٍ لعدم تسببه فِي تلفه وَيجْرِي حكمه على مَا مر من كَونه مقرا أَو شَاهدا، وَإِن قَالَ: تلف بِسَبَبِهِ فَهُوَ ضَامِن لما فِيهِ لقَوْل (خَ) فِي الزَّكَاة عاطفاً على مَا فِيهِ الضَّمَان أَو بإمساك وَثِيقَة أَو تقطيعها وَلَكِن يصدق بِقدر مَا فِيهِ بِيَمِينِهِ حَيْثُ لم تقم عَلَيْهِ بَيِّنَة بذلك لقَوْله أَيْضا فِي الْغَصْب وَالْقَوْل لَهُ أَي للْغَاصِب فِي قدره وتلفه وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. كذاكَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَنْعَزِلا إلاَّ لِعُذْرٍ بَيِّنٍ إنْ قَبِلاَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 (كَذَاك لَا يجوز) للمقدم من قَول القَاضِي (أَن ينعزلا) أَي يعْزل نَفسه أَو يعزله القَاضِي عَن التَّقْدِيم (إِلَّا لعذر بَين) من طرُو فسق أَو اختلال عقل كَمَا مر (إِن) كَانَ (قبلا) فَإِن كَانَ لم يقبل فَلَا إِشْكَال فِي أَن لَهُ أَن لَا يقبل. وَصَالِحٌ لَيْسَ يُجِيدُ النَّظَرَا فِي المَالِ إنْ خِيفَ الضَّيَاعُ حُجرا (و) شخص (صَالح) فِي دينه لَا يشرب وَلَا يفسق (لَيْسَ يجيد) أَي لَا يحسن (النّظر فِي المَال) الَّذِي بِيَدِهِ (إِن خيف الضّيَاع) على مَاله لكَونه لَا يحسن إِمْسَاكه بل يبذره لكَونه لَا يعده شَيْئا أَو لكَونه يخدع فِي تَصَرُّفَاته مِمَّا لَا يتَغَابَن النَّاس بِمثلِهِ (حجرا) عَلَيْهِ أَي ولى الْحَاكِم عَلَيْهِ من يتَصَرَّف لَهُ ويحفظ مَاله وَأَحْرَى أَن لَا يُطلق من الْحجر إِذا كَانَ مولى عَلَيْهِ، وَهَذَا الْبَيْت مُسْتَغْنى عَنهُ بقوله أول الْبَاب الرشد حفظ المَال الخ. إِذْ مَفْهُومه أَنه إِذا لم يكن حَافِظًا لمَاله لم يكن رشيدا وَوَجَب تحجيره وَإِن كَانَ صَالحا فِي دينه. وَشَارِبُ الخَمْرِ إِذا مَا ثَمَّرَا لمَا يَلي مِنْ مَالِهِ لَنْ يُحْجَرَا (و) شخص (شَارِب الْخمر) فَاسق فِي دينه (إِذا مَا) زَائِدَة (ثمرا) أَي أحسن النّظر والتنمية (لما يَلِي من مَاله لن يحجرا) عَلَيْهِ لِأَن التحجير إِنَّمَا هُوَ لضبط المَال لَا لفساد الْأَمْوَال لِأَن فَسَاد أَمْوَال الرجل لَا تعدوه إِلَى غَيره، وَإِذا بذر مَاله وأتلفه صَار عَالَة على الْمُسلمين وَرجعت نَفَقَته إِلَى بَيت مَالهم فوصل ضَرَره بتبذيره إِلَى جَمِيع الْمُسلمين، فَلهَذَا وَجب تحجيره قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَهَذَا الْبَيْت مُسْتَغْنى عَنهُ أَيْضا بمنطوق قَوْله: الرشد حفظ المَال مَعَ حسن النّظر فِيهِ الخ. إِذْ لَا يشْتَرط صَلَاح الدّين على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ خلافًا للمدنيين من اشْتِرَاط صَلَاح الدّين أَيْضا كَمَا مر. وَلِلْوَصِيِّ جائزٌ أَنْ يَتْجَرَا لكنه يَضْمَنُ مَهْمَا غَرَّرَا (وللوصي جَائِز أَن يتجرا) بأموال الْيَتَامَى على أَن الرِّبْح لَهُم والخسارة عَلَيْهِم (خَ) : وَله دفع مَاله قراضا أَو بضَاعَة وَلَا يعْمل هُوَ بِهِ الخ. وَإِنَّمَا لم يجز أَن يعْمل هُوَ بِهِ مَخَافَة أَن يحابي نَفسه فَإِن عمل بِهِ بِنَفسِهِ بقراض مثله جَازَ وَلم يكن عَلَيْهِ فِيهِ ضَمَان إِن تلف وَكَانَ الرِّبْح بَينهمَا على مَا شَرط، وَإِن خسر لم يضمن وَإِن عمل بِهِ يجزء أَكثر من قِرَاض مثله فَإِنَّهُ يرد إِلَى جُزْء قِرَاض مثله فَإِن خسر أَو تلف فَاخْتلف هَل يضمن أم لَا؟ وَالْمُعْتَمد عدم الضَّمَان قَالَه ابْن رشد، وَظَاهره أَن لَهُ أَن يَدْفَعهُ قراضا وبضاعة وَلَو برا وبحراً وَهُوَ كَذَلِك مَعَ الْأَمْن كَمَا يفِيدهُ قَوْله: (لكنه يضمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 مهما غررا) فِي تجره هُوَ بِهِ فِي وَقت فتْنَة وبلد خوف لَا تنالها الْأَحْكَام أَو يَدْفَعهُ لغير أَمِين يتجر بِهِ، أَو لمن يُسَافر بِهِ فِي الْبَحْر فِي وَقت هوله، أَو يسْلك بِهِ فِي طَرِيق مخوف وَنَحْو ذَلِك وأشعر قَوْله: وللوصي جَائِز أَن يتجرا الخ. أَنه لَا يجب عَلَيْهِ ذَلِك وَهُوَ كَذَلِك إِذْ لَا يجب عَلَيْهِ تنمية مَال مَحْجُوره على الْمَشْهُور، وَقَول عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: اتَّجرُوا بأموال الْيَتَامَى لِئَلَّا تأكلها الزَّكَاة الخ. مَحْمُول على النّدب كَمَا لِابْنِ رشد، وَلَا مَفْهُوم لقَوْله؛ أَن يتجرا بل كَذَلِك لَهُ أَن يَشْتَرِي لَهُم الرَّقِيق وَالْغنم للغلة وَيبِيع عَلَيْهِم وَلَا يحْتَاج فِي ذَلِك إِلَى إِثْبَات سداد كَمَا تقدم عِنْد قَوْله: وَجَاز للْوَصِيّ فِيمَن حجرا الخ. لَكِن هَذَا كُله على أَن أَمْوَال الْيَتَامَى تبقى بيد الأوصياء على وَجه الْوَدِيعَة وَلَا تدخل فِي ذمتهم، وَأما على مَا بِهِ الْعَمَل من إدخالها فِي ذمتهم كَمَا تقدم عِنْد قَوْله: وَيجْعَل القَاضِي بِكُل حَال الخ. فَإِن الْوَصِيّ وَنَحْوه إِذا اتّجر بهَا فَإِن الرِّبْح لَهُ والخسارة عَلَيْهِ بل لَو بقيت بِيَدِهِ على وَجه الْإِيدَاع وَلم تدخل فِي ذمَّته واتجر بهَا لنَفسِهِ لَا لَهُم لَكَانَ الرِّبْح لَهُ والخسارة عَلَيْهِ كَمَا مرَّ عِنْد قَوْله فِي الْوَدِيعَة: واتجر بالمودع من أعمله الخ. تَنْبِيهَات. الأول: لَو قَالَ الْمُوصي: قبضت القراضات أَو الدُّيُون مِمَّن هِيَ عَلَيْهِ فَذَلِك بَرَاءَة للْغُرَمَاء، وَكَذَا الْوَكِيل الْمُفَوض إِلَيْهِ بِخِلَاف الْوَكِيل الْمَخْصُوص فَإِن ذَلِك لَا يكون بَرَاءَة إِلَّا بِبَيِّنَة على الدَّافِع، وَلَو قَالَ الْوَصِيّ أَو الْمُفَوض إِلَيْهِ: قبضت وَتلف مني صدق أَيْضا وَكَانَ بَرَاءَة لَهُم فَإِن ادّعى الْغُرَمَاء أَنهم دفعُوا للْوَصِيّ الدّين أَو الْقَرَاض وَأنكر ذَلِك حلف وَإِن نكل ضمن وَإِن قضى الْوَصِيّ غُرَمَاء الْمَيِّت بِغَيْر بَيِّنَة فَأنْكر وأضمن قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة. وَإِذا دفع دينا على الْمَيِّت بِلَا يَمِين الْقَضَاء فَإِنَّهُ ضَامِن قَالَه (م) فِي شرح اللامية عِنْد قَوْله: يَمِين قَضَاء ذِي وَتلْزم مُطلقًا الخ. وَتقدم فِي بَاب الصُّلْح أَن للْوَصِيّ أَن يُصَالح عَن مَحْجُوره وَلَو فِي يَمِين الْقَضَاء إِذا رأى غَرِيمه الْخصم عَلَيْهَا وَنَقله (ح) فِي الصُّلْح والبرزلي فِي الْوكَالَة. الثَّانِي: ذكر أَبُو الْحسن عَن ابْن زرب أَنه سُئِلَ عَن الْوَصِيّ يَقُول: دفعت عَن الْيَتِيم الْعشْر والمغارم والجعائل لأهل الشرطة ونائب الْعَمَل فَقَالَ: إِن كَانَ ذَلِك مَعْرُوفا بِالْبَلَدِ وَادّعى مَا يشبه أَن يُؤْخَذ بِهِ عَنهُ صدق اه. وتأمله مَعَ مَا فِي وَصَايَا المعيار من أَن الْوَصِيّ إِذا زعم أَنه كَانَ يخرج زَكَاة يتيمه فِي حَال صغره وَخَالفهُ الْيَتِيم فِي ذَلِك فَإِن الْوَصِيّ لَا يصدق حَتَّى يثبت ذَلِك اه. وَمثله فِي نَوَازِل السجسْتانِي وَفِي (ح) عِنْد قَول (خَ) : وَإِخْرَاج فطرته وزكاته الخ. أَن الْوَصِيّ إِذا لم يشْهد على إِخْرَاج زَكَاته يصدق إِن كَانَ مَأْمُونا قَالَ: وَانْظُر إِذا لم يكن مَأْمُونا هَل يلْزمه غرم المَال أَو يحلف لم أر فِيهِ نصا اه. قلت: وَالظَّاهِر أَن مَا فِي وَصَايَا المعيار إِنَّمَا هُوَ إِذا لم يكن مَأْمُونا وَهُوَ الْمُوَافق لما تقدم عَن اللَّخْمِيّ وَابْن عَطِيَّة عِنْد قَوْله: ويكتفي الْوَصِيّ بِالْإِشْهَادِ الخ. من قلَّة أَمَانَة أوصياء الزَّمَان، وَتقدم أَيْضا أَن ذَلِك هُوَ الْمُوجب لإدخال مَال المحاجير فِي ذمتهم، وَعَلِيهِ فَإِذا أَخذ نَائِب الشرطة الْوَصِيّ بِمَال الْمَحْجُور فَهَل يغرمه الْوَصِيّ للمحجور بِنَاء على أَن مَا فِي الذِّمَّة يتَعَيَّن أَو لَا يغرمه بِنَاء على أَنه لَا يتَعَيَّن؟ وعَلى الأول اقْتصر ناظم الْعَمَل حَيْثُ قَالَ: وَمَا من الدّين لَهَا رب دفع لغاصب غَرِيمه لم يتبع وَفِي وَصَايَا المعيار أَن الْمَحْجُور إِذا جنى جِنَايَة فَأخذ وَصِيّه فِي جِنَايَته فَإِن ثَبت أَن الْوَصِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 أَخذ بِسَبَب مَحْجُوره وَأَنه امْتنع حَتَّى أكره بالتهديد فَإِنَّهُ يكون مَا الْتَزمهُ من المَال مُتَعَلقا بِمَال الْمَحْجُور، وَأما الْقَرِيب إِذا أَخذ بِجِنَايَة قَرِيبه فقد بَينا حكمه فِي أسئلة محيي الدّين. الثَّالِث: على القَاضِي أَن يفْرض للْوَصِيّ أُجْرَة على نظره بِقدر شغله بِالنّظرِ فِي مَال الْيَتِيم من تصرف فِي غلات أُصُوله وَشِرَاء نَفَقَته إِذا طلب الْوَصِيّ أَو الْمُقدم ذَلِك فَإِن تورعا عَن ذَلِك فَهُوَ خير لَهما وللوصي والكافل والحاضن والمقدم أَن يؤاجروا محجورهم صَبيا كَانَ أَو سَفِيها وَيجوز دفع الْأُجْرَة لَهُ مَا لم يكن لَهَا بَال وَيكون الدّفع بمعاينة الشُّهُود قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَانْظُر ابْن سَلمُون وأوائل الْإِجَارَة من شرح الشَّامِل. الرَّابِع: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَيصدق الْوَصِيّ فِي الْإِنْفَاق على الْيَتِيم إِن كَانَ فِي حجره مَا لم يَأْتِ بسرف وَإِن ولي النَّفَقَة عَلَيْهِم غَيرهم مِمَّن يحضنهم من أم أَو غَيرهَا لم يصدق فِي دفع النَّفَقَة إِلَى من يليهم إِلَّا بِبَيِّنَة اه. فقولها فِي الْإِنْفَاق أَي فِي أَصله وَقدره والحاضن والمقدم والكافل مثل الْوَصِيّ فِي ذَلِك، وَظَاهر قَوْلهَا لم يصدق فِي دفع النَّفَقَة الخ. أَنه لَا يصدق وَلَو علم فقر الحاضن من أم وَنَحْوهَا، وللخمي فِي ذَلِك تَفْصِيل (خَ) وَالْقَوْل لَهُ فِي قدر النَّفَقَة الخ. الْخَامِس: قَالَ مَالك فِي رجل أوصى لزوجته فَتزوّجت فخيف على المَال فَإِنَّهَا تكشف عَمَّا قبلهَا اه. وَفِي الطرر: إِذا علم أَنَّهَا صَالِحَة الْحَال وافرة المَال ظَاهِرَة السداد حَسَنَة النّظر أقرَّت بعد أَن يُحْصى المَال عِنْدهَا بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ فَإِن جهل حَالهَا شُورِكَ فِي النّظر مَعهَا غَيرهَا وَيكون المَال عِنْده وَلَا يتْرك عِنْدهَا وَلَا تعزل عَن الْإِيصَاء إِلَّا أَن يثبت مَا يُوجِبهُ، وَلابْن رشد إِن جهل حَالهَا جعل القَاضِي عَلَيْهَا مشرفاً اه. وَهُوَ الَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ الزّرْقَانِيّ عِنْد قَوْله: وطرو الْفسق يعزله، وَفِي ابْن سَلمُون إِذا قَامَ قريب الْمَحْجُور يُرِيد كشف وَصِيّه عَمَّا بِيَدِهِ لم يكن لَهُ ذَلِك إِلَّا أَن يكون الْوَصِيّ لَا مَال لَهُ أَو يكون عَلَيْهِ دُيُون فَإِن القَاضِي ينظر فِي ذَلِك حِينَئِذٍ. أنظر بَقِيَّته فِيهِ وَانْظُر المعيار فِي الْوَصَايَا. وَعِنْدَمَا يأْنَسُ رشْدَ منْ حَجَرْ يُطْلِقُهُ ومالَه لَه يَذَرْ (وعندما يأنس) يبصر الْوَلِيّ أَبَا كَانَ أَو غَيره والظرف مضمن معنى الشَّرْط مَعْمُول لجوابه وَمَا مَصْدَرِيَّة (رشد) مفعول بِهِ (من) مُضَاف إِلَيْهِ وَاقع على الْمَحْجُور (حجر) صلَة من وَالتَّقْدِير وَعند إيناس الْوَلِيّ رشد مَحْجُوره (يُطلقهُ) أَي يجب عَلَيْهِ أَن يُطلقهُ من ثقاف الْحجر (وَمَاله) مفعول بقوله. (لَهُ يذر) أَي يتْرك لَهُ مَاله ويدفعه إِلَيْهِ لقَوْله تَعَالَى: فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فادفعوا إِلَيْهِم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 أَمْوَالهم} إِلَى قَوْله: فأشهدوا عَلَيْهِم} (النِّسَاء: 6) أَي لِئَلَّا تغرموا لِأَن القَوْل للمحجور فِي عدم الدّفع على الْمَشْهُور. وَحَيْثُ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ تَصَدَّى أَنْ يَضْمَنَ المَالَ لأنْ تَعَدَّى (وَحَيْثُ) علم الْوَلِيّ رشده وَوَجَب عَلَيْهِ إِطْلَاقه وَدفع مَاله إِلَيْهِ و (لم يفعل فقد تصدى) أَي تهَيَّأ (أَن يضمن المَال) إِذا تلف سَوَاء تلف بِبَيِّنَة أَو بغَيْرهَا كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ أم لَا. (لِأَن تعدى) أَي لِأَنَّهُ قد تعدى بِعَدَمِ إِطْلَاقه وَدفع مَاله إِلَيْهِ فَهُوَ كغاصب حِينَئِذٍ وَالْغَاصِب يضمن مُطلقًا، وَظَاهره لَا فرق بَين أَن يعلم الْوَصِيّ وَحده برشده وَلم تقم بَيِّنَة بِهِ أَو لم يُعلمهُ وَقَامَت بِهِ بَيِّنَة لم يجد مطعناً فِيهَا فَإِنَّهُ يضمن فِي ذَلِك كُله، وَهَذَا ظَاهر على مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم فِي قَوْله: ويكتفي الْوَصِيّ بِالْإِشْهَادِ الخ. وَأما على مَا تقدم هُنَاكَ عَن اللَّخْمِيّ وَابْن عَطِيَّة من عدم قبُول قَوْله فِي ترشيده فَإِنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا إِذا علم هُوَ فَقَط، وَإِنَّمَا يضمن مَعَ بَيِّنَة الرشد. (فصل فِي الْوَصِيَّة) وَهِي كَمَا لِابْنِ عَرَفَة عقد يُوجب حَقًا فِي ثلث عاقده يلْزم بِمَوْتِهِ أَو نِيَابَة عَنهُ بعده فَقَوله: يُوجب حَقًا الخ. أخرج بِهِ مَا يُوجب حَقًا فِي رَأس مَاله مِمَّا عقده على نَفسه من دين وَنَحْوه وَلَو بِإِقْرَار فِي صِحَّته أَو مَرضه لمن لَا يتهم عَلَيْهِ أَو هبة وَنَحْوهَا فِي صِحَّته لَا فِي مَرضه، فَإِنَّهَا فِي ثلثه. وَقَوله: يلْزم بِمَوْتِهِ أخرج بِهِ الْمَرْأَة إِذا وهبت أَو التزمت ثلث مَالهَا وَلها زوج، أَو من الْتزم ثلث مَاله لشخص فَإِنَّهُ يلْزم بعقده لَا بِمَوْتِهِ، وَكَذَا يخرج بِهِ التَّدْبِير أَيْضا لِأَنَّهُ يلْزم بعقده، وَقَوله: أَو نِيَابَة عَنهُ بعده عطف على حَقًا، وَالتَّقْدِير أَو يُوجب نِيَابَة عَن عاقده بعد مَوته فَيدْخل الْإِيصَاء بِالنّظرِ الَّذِي تضمنه الْكَلَام على الأوصياء فِي الْبَاب قبله. (وَمَا يجْرِي مجْراهَا) : من عدم محاسبة الْأَوْلَاد بِمَا أنفقة الْأَب عَلَيْهِم إِذا أوصى بذلك أَو كَانَ مَالهم عينا،. وَهِي أَي الْوَصِيَّة بِالْمَالِ مَنْدُوبَة من خَصَائِص هَذِه الْأمة تكثيراً للزاد وأهبة للمعاد، وَفِي صَحِيح مُسلم: (مَا من حق امرىء مُسلم لَهُ شَيْء يُوصي بِهِ يبيت لَيْلَتَيْنِ إِلَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 ووصيته مَكْتُوبَة عِنْد رَأسه) اه. أَي: لَيْسَ من حَقه أَن يبيت لَيْلَتَيْنِ دون أَن يكْتب وَصيته وَقد تجب كَدين لَا يتَوَصَّل لَهُ إِلَّا بهَا وَتحرم بِمحرم كنياحه وَتكره بمكروه كوصية بإطعام كَافِر من أضحيته المذبوحة فِي حَيَاته، أَو يُوصي بجز صوفها قبل الذّبْح ثمَّ تذبح وتباح بمباح كَبيع كَذَا وتنفيذ الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب وَاجِب وَغَيرهمَا حكمه حكم أَصله. فِي ثُلُثِ المالِ فأَدْنَى فِي المرَضْ أَوْ صِحَّةٍ وَصِيَّةٌ لَا تُعْتَرَضْ (فِي ثلث المَال فأدنى) كالربع وَالْخمس، وَقد اسْتحبَّ بعض الْعلمَاء أَن لَا تبلغ الثُّلُث لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَالثلث كثير) . (فِي الْمَرَض) الَّذِي مَاتَ مِنْهُ (أَو صِحَة وَصِيَّة) مُبْتَدأ (لَا تعترض) خَبره وَفِي ثلث الخ. يتَعَلَّق بِهِ، وَالتَّقْدِير: وَالْوَصِيَّة لَا تعترض فِي ثلث المَال فأدنى سَوَاء كَانَت فِي الْمَرَض أَو فِي الصِّحَّة بل هِيَ صَحِيحَة. حَتَّى مِن السَّفِيهِ والصَّغِيرِ إنْ عَقَلَ القُرْبَةَ فِي الأُمُورِ (حَتَّى من السَّفِيه وَالصَّغِير) بِشَرْط وَهُوَ (إِن عقل الْقرْبَة فِي الْأُمُور) فَإِن لم يعقل الْقرْبَة فَلَا تصح وَصيته، وَأما إِصَابَته وَجه الْوَصِيَّة بِأَن لَا يكون فِيهَا تنَاقض وَلَا تَخْلِيط فَإِنَّهُ شَرط فِي صِحَة كل وَصِيَّة كَانَت من صَغِير أَو غَيره كَمَا يشْتَرط أَن يكون الْمُوصى لَهُ غير وَارِث وإلاَّ بِطَلَب كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وامتنعت لوَارث الخ. وَظَاهره أَن الْوَصِيَّة بِالثُّلثِ فدون نَافِذَة، وَلَو قصد الْمُوصي بهَا الضَّرَر بالورثة وَهُوَ كَذَلِك على الصَّحِيح، وَبِه الحكم كَمَا فِي ابْن نَاجِي على الْمُدَوَّنَة. وَالْعَبْدُ لَا تَصِحُّ مِنْهُ مُطْلقا وَهْي مِنَ الكُفَّارِ لَيْسَتْ تُتَّقى (وَالْعَبْد لَا تصح) الْوَصِيَّة (مِنْهُ مُطلقًا) كَانَ خَالص الرّقّ أَو ذَا شَائِبَة، وَكَذَا لَا تصح من الْمَجْنُون إِلَّا أَن يُوصي حَال إِفَاقَته الَّتِي يعقل فِيهَا مَا يُوصي بِهِ فَإِن شهدُوا بِأَنَّهُ أوصى حَالَة إِفَاقَته وَشهد آخَرُونَ أَنه كَانَ ذَاهِب الْعقل فشهادة الْإِفَاقَة أولى. (وَهِي من الْكَافِر لَيست تتقى) بل تمْضِي وَإِن لمُسلم إِلَّا بكخمر (خَ) صَحَّ إيصاء حر مُمَيّز وَإِن سَفِيها وصغيراً وكافراً إِلَّا بكخمر لمُسلم. وَلها أَرْكَان: أَولهَا: الْمُوصي وَقد تقدم، وَثَانِيها: الْمُوصى لَهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: وَهْيَ لِمَنْ تَمَلُّكٌ مِنْهُ يَصِحْ حَتَّى لِحَمْلِ وَاضِحٍ أَوْ لم يَضِحْ (وَهِي) تصح (لمن تملك مِنْهُ يَصح) حَقِيقَة كآدمي أَو حكما كقنطرة وَمَسْجِد بل تصح أَيْضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 (حَتَّى لحمل وَاضح) أَي ظَاهر (أَو لم يضح) أَي لم يظْهر كَقَوْلِه: أوصيت لمن سيوجد من ولد فلَان أَو فُلَانَة أَو لمن يولدهما (خَ) صَحَّ إيصاء لمن يَصح تملكه كمن سَيكون إِن اسْتهلّ. لكنَّهَا تَبْطُل إنْ لم يَسْتَهلْ وَللعبيدِ دونَ إذْنٍ تَسْتَقِلْ (لَكِنَّهَا تبطل إِن لم يستهل) صَارِخًا وَلَا تحققت حَيَاته بِكَثْرَة رضَاع وَنَحْوهَا لِأَن الْمَيِّت لَا يملك (وللعبيد) وَلَو (دون إِذن) من السَّيِّد فِي قبُولهَا (تستقل) وَتَصِح وَتَكون للْعَبد حَتَّى ينتزعها مِنْهُ السَّيِّد (خَ) وَلم يحْتَج رق لإذن فِي قبُول كإيصائه بِعِتْقِهِ الخ. أَي بل يقبلهَا وَإِن بِغَيْر إِذن سَيّده وتنفذ وَصيته بِالْعِتْقِ وَإِن لم يقبل، وَإِذا بطلت حَيْثُ لم يستهل فترجع مِيرَاثا ثمَّ إِذا أوصى لمن سيوجد من ولد فلَان فَإِنَّهُ يخْتَص بهَا مَا يتكون من حمل زَوجته أَو أمته وَلَا يدْخل الْحمل الْمَوْجُود إِلَّا أَن يعلم أَنه قصد دُخُوله بِقَرِينَة خَارِجَة عَن اللَّفْظ فَإِن قَالَ: أوصيت لمن يُولد لَهُ فَالظَّاهِر شُمُول اللَّفْظ للْحَمْل الْمَوْجُود بِوَقْت الْإِيصَاء، وَأما لَو قَالَ: أوصيت لوَلَده وَالْحَال أَنه لَا ولد لَهُ حِين الْوَصِيَّة وَلَا حمل فَلَا يَخْلُو فإمَّا أَن يعلم الْمُوصى بذلك أم لَا. فَإِن لم يعلم فَالْوَصِيَّة بَاطِلَة كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ، وَإِن تنَازعا فِي الْعلم وَعَدَمه فَالْقَوْل للْوَرَثَة كَمَا فِي (ح) وَإِن علم فَهِيَ صَحِيحَة وَتَكون لكل من يُولد لَهُ، وَإِذا صحت فِي هَذِه الصُّور وَولد لَهُ ولد واستهل فَيكون جَمِيع الْوَصِيَّة بِيَدِهِ على معنى الِانْتِفَاع على الرَّاجِح وكل من ولد بعد ذَلِك يدْخل فِيهَا وَالذكر وَالْأُنْثَى فِي ذَلِك سَوَاء إِلَّا أَن ينص على التَّفْضِيل، وَمن مَاتَ مِنْهُم لم يُمكن ورثته من الدُّخُول فِي حَقه حَتَّى ينقرضوا جيمعاً ثمَّ يكون لورثتهم أَجْمَعِينَ، وَإِذا أَخذ المَال من وجد من الْأَوْلَاد فَإِنَّهُ يَشْتَرِي بِهِ أصل لتبقى عينه وَينْتَفع بغلته، وَقيل يتجر لَهُ بذلك المَال ثمَّ كَذَلِك كلما ولد ولد يتجر لَهُ مَعَ الأول، وَمن بلغ التَّجر تجر لنَفسِهِ فَإِن خسر فِيهِ أَو ضَاعَ مِنْهُ شَيْء فِي حِين التَّجر للصَّغِير لم يضمن لِأَن الصَّغِير لَا تعمر ذمَّته بذلك وَقد رَضِي الْمُوصى بِالْوَصِيَّةِ لَهُ على مَا توجبه الْأَحْكَام فِي الضَّمَان وَإِن بلغ وتجر لنَفسِهِ فَإِن خسر فِيهِ أَو ضَاعَ مِنْهُ شَيْء ضمن الخسارة والتلف قَالَه الرجراجي وَاخْتلف إِذا قَالَ: أوصيت لولد فلَان وَالْحَال أَن لَهُ ولدا مَوْجُودا وحملاً ثَابتا هَل يخْتَص بهَا الْمَوْجُود من الْحمل وَالْولد أَو تعم الْمَوْجُود وَمن لم يُوجد وَهُوَ الرَّاجِح كَمَا فِي تَكْمِيل الْمنْهَج قَالَ: وَالْخلف فِي وَلَده وَلم يزدْ هَل يدْخل الْوُجُود قطّ أَو يشْتَمل جَمِيعهم وَذَا ارتضى إِذْ ينْتَقل خلافًا لما فِي الزّرْقَانِيّ، وَعَلِيهِ فَيجْرِي على حكم الْأَقْسَام قبله فِي التَّجر وَغَيره، وَأما إِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 قَالَ: أوصيت لأَوْلَاد فلَان وهم عشرَة مثلا وَلَا ترجى لفُلَان ولادَة بعد، فَإِن من مَاتَ مِنْهُم قبل الْقسم فورثته يقومُونَ مقَامه سَوَاء سماهم أَو عينهم بِإِشَارَة كهؤلاء النَّفر أَو لم يسمهم وَلم يعينهم بِإِشَارَة وَلَا غَيرهَا اتِّفَاقًا فِي الأول وعَلى الْمَشْهُور فِي الثَّانِي، وَكَذَا إِذا كَانَ لَهُ أَوْلَاد وترجى لَهُ ولادَة فَإِنَّهُ إِذا سماهم أَو عينهم بِإِشَارَة فَإِن الْوَصِيَّة مَقْصُورَة عَلَيْهِم، وَمن مَاتَ مِنْهُم فوارثه قَائِم مقَامه وَلم يدْخل مَعَهم من يُوجد بعد وَإِن لم يسمهم وَلَا عينهم بِإِشَارَة فَتقدم أَن الرَّاجِح دُخُول من يُوجد بعد. تَنْبِيهَات. الأول: مَسْأَلَة التَّنْزِيل وَهِي أَن ينزل الْإِنْسَان أَوْلَاد وَلَده الْمَيِّت منزلَة أَبِيهِم جَارِيَة مجْرى الْوَصِيَّة وتقسم بَين المنزلين للذّكر مثل حَظّ الأثنين، كَمَا أفتى بِهِ أَبُو عبد الله المنصوري وَالشَّيْخ (ت) وَغَيرهمَا. الثَّانِي: اخْتلف فِي الْغلَّة الْحَاصِلَة قبل الْوَضع والاستهلال هَل هِيَ لوَرَثَة الْمُوصي لِأَن الْمُوصى لَهُ لَا يكمل إِلَّا بعد استهلاله وَتحقّق الْحَيَاة فِيهِ أَو هِيَ للْمُوصى لَهُ أَو لوَرثَته إِلَى أَن يستهل فتوقف إِلَى وَضعه وَالْمُعْتَمد الأول قَالَ ناظم الْعَمَل: وغلة قبل وجود الْمُوصى لَهُ لوَارث أنل تَخْصِيصًا الثَّالِث: إِذا تعلّقت الْوَصِيَّة بِمن يُولد لَهُ مُسْتَقْبلا وَمَات قبل أَن يُولد لَهُ أَو أيس من وِلَادَته رجعت الْوَصِيَّة مِيرَاثا، وَكَذَا إِذا مَاتَ الْمُوصى لَهُ قبل موت الْمُوصي وَهُوَ معنى قَوْله: على مَا يُوجد فِي بعض النّسخ. وَلَيْسَ مِنْ شَيْءٍ لِمَنْ يُوصَى لَهُ إلاَّ إِذا الْمُوصِي يَمُوتُ قَبْلَهُ وَظَاهره أَنه لَا شَيْء لَهُ إِذا مَاتَ قبل موت الْمُوصي وَلَو كَانَ قبلهَا وَهُوَ كَذَلِك ثمَّ أَشَارَ إِلَى الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ الْمُوصى بِهِ فَقَالَ: وَهْيَ بِمَا يُمْلَكُ حَتَّى الثَّمَرْ وَالدَّيْنِ وَالحَمْلِ وَإنْ لَم يَظْهَرْ (وَهِي) تصح (بِمَا يملك) أَي بِكُل مَا يَصح ملكه وَإِن مَجْهُولا (حَتَّى الثَّمر) الْمَوْجُود فِي رُؤُوس الشّجر أَو قبل وجودهَا كغلة هَذَا الْعَام (وَالدّين) وَلَو على غَائِب أَو معدم (وَالْحمل) الظَّاهِر فِي جَارِيَته أَو نَاقَته بل (وَإِن لم يظْهر) كَقَوْلِه: مَا تلده أمتِي أَو نَاقَتي فِي هَذِه السّنة أَو إِلَى عشر سِنِين فَهُوَ لفُلَان وَتَصِح أَيْضا بآبق وبعير شارد وَلَا تصح بِمَا لَا يملك كخمر وخنزير. تَنْبِيهَانِ. الأول: قبُول الْوَصِيَّة شَرط فِي لُزُومهَا (خَ) : وَقبُول الْمعِين شَرط بعد الْمَوْت فالملك لَهُ بِالْمَوْتِ وَقوم بغلة حصلت بعده أَي بعد الْمَوْت وَقبل الْقبُول وَيكون لَهُ مَا حمله الثُّلُث من ذَلِك، فَإِذا أوصى لَهُ بحائط يُسَاوِي ألفا وَهِي ثلث الْمَيِّت وَحصل فِيهِ بعد الْمَوْت وَقبل الْقبُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 غلَّة تَسَاوِي مِائَتَيْنِ فَإِنَّهُ يكون لَهُ خَمْسَة أَسْدَاس الْحَائِط وَثلث سدسه كَمَا فِي طفي. قلت: وَهَذَا فِي الْوَصِيَّة، وَأما مَا بتله الْمَرِيض من حبس أَو صَدَقَة أَو نَحْوهمَا، فَهُوَ وَإِن كَانَ يجْرِي على حكم الْوَصِيَّة فِي كَونه يَصح فِي الثُّلُث أَو فِيمَا حمل مِنْهُ لَكِن الْغلَّة إِذا حدثت بعد التبتيل فَإِنَّهَا تكون للمعطى لَهُ حَيْثُ حمل الثُّلُث قَالَه أَبُو الْحسن فِي كتاب الْحَبْس. قَالَ: وَالْفرق أَن لَهُ الرُّجُوع فِي الْوَصِيَّة وَلَا رُجُوع لَهُ فِي التبتيل قَالَ: فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يلفظ بِلَفْظ البتل أَو بِلَفْظ الْوَصِيَّة أَو بِلَفْظ يصلح لَهما، فَإِن لفظ بالبتل كَانَ بتلاً، وبالوصية كَانَ وَصِيَّة، وبالمحتمل ينظر للقرائن فَإِن لم تكن قرينَة فَإِن كَانَ فِي الصِّحَّة حمل على البتل لِأَنَّهُ الْغَالِب فِي الصَّحِيح، وَإِن كَانَ فِي الْمَرَض حمل على الْوَصِيَّة لِأَنَّهُ الْغَالِب فِيهِ اه. الثَّانِي: إِذا مَاتَ الْمُوصى لَهُ فِي حَيَاة الْمُوصي بطلت الْوَصِيَّة كَمَا مر، وَإِن مَاتَ بعده من قبل الْعلم بِالْوَصِيَّةِ أَو علم وَلم يقبل كَانَ ورثته مَكَانَهُ قَالَه اللَّخْمِيّ وَنَحْوه فِي الْمُدَوَّنَة. ابْن رحال: وَهَذَا هُوَ الرَّاجِح وَأَن الْوَارِث يتنزل منزلَة الْمُوصى لَهُ علم بذلك أم لَا. قبل ذَلِك الْمُوصى لَهُ قبل مَوته أم لَا. فَإِذا قبل بَعضهم ورد الْبَعْض الآخر فحظ من رد وَلم يقبل يرجع مِيرَاثا، وَإِذا رد الْمُوصى لَهُ الْوَصِيَّة فِي حَيَاة الْمُوصي فَلهُ قبُولهَا بعد مَوته كَمَا لِابْنِ الْحَاج عَن مَالك قَائِلا: لِأَنَّهُ ردهَا فِي وَقت لم تجب لَهُ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تجب بِالْمَوْتِ. وَامْتَنَعَتْ لِوَارِثٍ إلاّ مَتَى إنْفَاذُ بَاقِي الْوَارِثِين ثَبتا (وامتنعت لوَارث) لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (إِن الله قد أعْطى لكل ذِي حق حَقه فَلَا وَصِيَّة لوَارث) (إِلَّا مَتى إِنْفَاذ بَاقِي الْوَارِثين ثبتا) أَي إِلَّا أَن يجيزها بَقِيَّة الْوَرَثَة فَهُوَ ابْتِدَاء عَطِيَّة مِنْهُم على الْمَشْهُور فتفتقر للحوز بمعاينة الْبَيِّنَة كَسَائِر العطايا، وَقد تقدم فِي الْحَبْس أَن الْحَوْز أقوى فِي الدّلَالَة على الْقبُول فَلَا وَجه لاعتراض الشَّيْخ الرهوني على مصطفى بِأَن الْقبُول العاري عَن الْحَوْز وَالْقَبْض لَا أثر لَهُ، فَإِن لم تحز حَتَّى حصل الْمَانِع من استحداث دين وَنَحْوه بطلت وَلَو كَانَ قد قبلهَا لِأَن الدّين الْحَادِث للمجيز من مَوَانِع الْحِيَازَة. (خَ) : وَبَطلَت إِن تَأَخّر لدين مُحِيط، وَقَوله فِي التَّوْضِيح: إِذا أجَاز الْوَارِث الْوَصِيَّة وَلَا دين عَلَيْهِ وَلم يقبل ذَلِك الْمُوصى لَهُ حَتَّى اسْتَدَانَ الْوَارِث أَو مَاتَ الخ. صَوَابه وَلم يقبض من الْقَبْض الَّذِي هُوَ الْحَوْز كَمَا فِي نقل (ح) والمتيطي وكما فِي مصطفى وشارح الْعَمَل، وَاعْتِرَاض الرهوني على مصطفى سَاقِط لَا وَجه لَهُ كَمَا مر. تَنْبِيهَانِ. الأول: ظَاهر النّظم أَن إجَازَة الْوَارِث لَازِمَة لَهُ وَلَو أجَاز فِي مرض الْمُوصي الَّذِي مَاتَ مِنْهُ وَهُوَ كَذَلِك لَكِن بِشُرُوط أَشَارَ لَهَا (خَ) بقوله: وَلُزُوم إجَازَة الْوَارِث بِمَرَض لم يَصح بعده إِلَّا لتبين عذر كَكَوْنِهِ فِي نَفَقَته الخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 الثَّانِي: قَالَ الْبَاجِيّ: تجوز الْوَصِيَّة لِابْنِ وَارثه أَو لأحد من قرَابَته مِمَّن يظنّ أَنه يردهَا للْوَارِث. روى ذَلِك يحيى عَن ابْن الْقَاسِم وَقَالَهُ مَالك فِي الْمَجْمُوعَة، وَوَجهه أَنه وَصِيَّة لغير وَارِث وَمَا يظنّ بِهِ من صرف ذَلِك للْوَارِث لَا يمْنَع الْوَصِيَّة لِأَن مُقْتَضى ملكه لمن أوصى لَهُ بِهِ أَنه يُعْطِيهِ لمن شَاءَ، فَإِن قصد ذَلِك الْمُوصي فَهُوَ آثم قَالَ: وَلَا يَمِين على الْمُوصى لَهُ أَن الْوَصِيَّة على وَجه التوليج لِأَنَّهَا يَمِين تُهْمَة فِيمَا لَا يُمكن الِاحْتِرَاز مِنْهُ وَلَا الْمَنْع ثمَّ قَالَ: وَإِذا صرفه الْمُوصى لَهُ إِلَى الْوَارِث جَازَ ذَلِك وَكَانَ للْوَارِث أَخذه أَو تَركه اه. وَمَا ذكره من عدم الْيَمين نَحوه فِي ابْن سَلمُون عَن أصبغ، لَكِن قَالَ ابْن رشد: هُوَ جَار على الْخلاف فِي يَمِين التُّهْمَة يَعْنِي: وَالْمَشْهُور توجيهها. قَالَ: وَإِن قطع الْوَارِث بِأَن ذَلِك كَانَ توليجاً وَوجه الدَّعْوَى بذلك فاليمين وَاجِبَة بِاتِّفَاق اه. وَنقل (م) عَن أَوَائِل وَصَايَا المعيار إِنَّه إِذا اتهمَ أَن يكون اتّفق مَعَ الْمُوصى لَهُ أَن يردهَا على الْوَارِث وَأَن ذَلِك تحيل على الْوَصِيَّة للْوَارِث فَإِن الْمُوصى لَهُ يحلف للتُّهمَةِ الْمَذْكُورَة، فَإِن لم يحلف لم يُعْط الْوَصِيَّة اه. فَهُوَ جَار على توجه يَمِين التُّهْمَة. وَفِي الْمُنْتَخب وَصيته لأم وَلَده وَمَعَهَا ولد جَائِزَة وَلَا ترد الْوَصَايَا بالمظنة إِذْ الْأمة غير وارثة، وَفِيه أَن الزَّوْجَة لَا توصي لأم ولد زَوجهَا إِلَّا باليسير قَالَ: وَأما لأقارب زَوجهَا كأبويه وَصديقه الملاطف وكل مَا يخْشَى أَن يكون أَرَادَت أَن يرد ذَلِك على زَوجهَا فَهُوَ مَاض، وَلَو كَانَ الْإِيصَاء بِالْمهْرِ الَّذِي على زَوجهَا اه. وَهَذَا كُله إِذا لم يثبت أَنه أَرَادَ صرفهَا لبَعض الْوَرَثَة. قَالَ فِي المعيار عَن ابْن لب: إِن قَامَت شَهَادَة فِي الْعَهْد بِالثُّلثِ أَنه كَانَ من الْمعَاهد على وَجه الصّرْف على بعض الْوَرَثَة دون بعض فسد الْعَهْد وَصَارَ الْمَعْهُود بِهِ مِيرَاثا، وَالشَّهَادَة تكون بِالسَّمَاعِ أَي الفاشي أَو بِاشْتِرَاط من العاهد أَو باعتراف الْمَعْهُود لَهُ بذلك وَإِن لم تقم بَيِّنَة بذلك حلف الْمَعْهُود لَهُ أَن الْعَهْد لم يكن من العاهد على وَجه الصّرْف وَكَانَ لَهُ ملكا اه. وَلِلَّذِي أَوْصَى ارْتجَاعُ مَا يَرَى مِنْ غَيْرِ مَا بَتَّلَ أَوْ مَا دَبَّرَا (وللذي أوصى) فِي صِحَة أَو مرض بِعِتْق أَو غَيره (ارتجاع مَا يرى) من وَصيته كلهَا أَو بَعْضهَا أَو تغيرها لِأَنَّهَا لَا تلْزم إِلَّا بِالْمَوْتِ كَمَا مر (من غير مَا بتل) فِي مَرضه من صَدَقَة وَعتق وَأَحْرَى فِي صِحَّته (أَو مَا دبرا) فيهمَا أَيْضا فَإِنَّهُ لَا رُجُوع فِيمَا بتل أَو دبر. قَالَ فِي المعونة: الْوَصِيَّة فِي الصِّحَّة وَالْمَرَض سَوَاء لِأَنَّهَا تنفذ بعد الْمَوْت وَلَيْسَت بلازمة وَله الرُّجُوع فِيهَا مَتى شَاءَ إِلَّا التَّدْبِير فَلَا رُجُوع فِيهِ لِأَنَّهُ إِيجَاب فِي الْحَيَاة، وَإِن كَانَ لَهُ حكم الْوَصِيَّة من بعض الْوُجُوه وَهُوَ خُرُوجه من الثُّلُث، وَكَذَلِكَ الْعتْق المبتل فِي الْمَرَض اه. وَالصَّدَََقَة وَنَحْوهَا فِي الْمَرَض مثل الْعتْق فِيهِ فَإِنَّهَا تخرج من الثُّلُث إِن مَاتَ مِنْهُ وَلَا رُجُوع لَهُ فِيهَا. انْظُر مَا تقدم فِي التَّدْبِير، وَظَاهر قَوْله: ارتجاع مَا يرى الخ. سَوَاء كَانَ الارتجاع فِي الصِّحَّة أَو فِي الْمَرَض كَانَ بالْقَوْل كرجعت عَنْهَا أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 أبطلتها أَو لَا تنفذوها أَو بِالْفِعْلِ كبيعها أَو عتقهَا (خَ) : وَبَطلَت بِرُجُوع فِيهَا وَإِن بِمَرَض بقول أَو بيع أَو عتق وَكِتَابَة وإيلاد الخ. تَنْبِيه: ظَاهر النّظم أَن لَهُ أَن يرجع وَإِن الْتزم فِيهَا عدم الرُّجُوع وَهُوَ أحد قَوْلَيْنِ، وَذكر ابْن نَاجِي فِي الرهون وَكتاب التَّخْيِير وَالتَّمْلِيك أَن بِهِ الْعَمَل، وَصرح بَعضهم بمشهوريته وَالْقَوْل الآخر إِنَّه لَا رُجُوع لَهُ. قَالَ ابْن عَرَفَة: إِنَّه الْأَصَح، وَقَالَ (ح) فِي التزاماته: أَنه الرَّاجِح، وَذكر القوري عَن العبدوسي أَن بِهِ الْعَمَل وَالْقَضَاء وَهُوَ الْأَقْوَى من جِهَة النَّقْل إِذْ بِهِ أفتى أَكثر الشُّيُوخ، وَقد علمت أَن عمل فاس لَا يتبع عمل تونس، وَإِنَّمَا يتبع عمل الأندلس كَمَا مر، وَعَلِيهِ فَلَا وَجه لما ذكر ناظم عمل فاس من جَرَيَان الْعَمَل بِالصُّلْحِ فِيهَا حَيْثُ قَالَ: وَالصُّلْح فِي الْوَصِيَّة الَّتِي الْتزم أَنه لَا يرجع فِيهَا قد حكم وَإِن قَالَ إِنَّه قد حكم بِهِ سَيِّدي عَليّ بن هَارُون وسيدي عبد الْوَاحِد الونشريسي لِأَن الْعَمَل لَا يثبت بِحكم قَاض أَو قاضيين، وَأَيْضًا فَإِن ذَاك الْعَمَل لَا يُوَافق قولا من أَقْوَال الْمَسْأَلَة فَلَا يَنْبَغِي أَن يلْتَفت إِلَيْهِ لِأَن الْعَمَل لَا بُد أَن يسْتَند فِيهِ إِلَى قَول، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي التعويل على قَول الْأَكْثَر الْمَعْمُول بِهِ فِي هَذَا الْقطر من لُزُوم عدم الرُّجُوع وَمحل الْخلاف مَا لم يقل فِي الْتِزَامه كلما رجعت عَنْهَا فرجوعي تَأْكِيد لَهَا. أَو مهما وجد رسم برجوعي عَنْهَا فَهُوَ كذب فَإِن ذَلِك لَازم لَهُ خَارج عَن مَحل الْخلاف كَمَا فِي أجوبة الفاسي. وَفِي الَّذِي عَلِمَ موصٍ تَجْعَلُ وَدَيْنِ مَنْ عنِ اليَمِينِ يَنْكُلُ (و) الْوَصِيَّة (فِي الَّذِي علم موص) بِهِ قبل مَوته (تجْعَل) وَلَو أَفَادَهُ بعد الْوَصِيَّة وَلَو عمرى كَانَ مرجعها إِلَيْهِ بعد انْقِضَاء مدَّتهَا أَو بَعِيرًا شارداً أَو آبقا رجعا بعد مَوته أَو هبة أَو صَدَقَة لم تقع فيهمَا حِيَازَة حَتَّى مَاتَ على مَا رَجحه ابْن مَنْظُور وَلِأَن ذَلِك كُله مَعْلُوم لَهُ لَا فِيمَا جَهله قبل مَوته وَلم يعلم بِهِ فَإِنَّهَا لَا تكون فِيهِ (خَ) : وَهِي ومدبر إِن كَانَ بِمَرَض فِيمَا علم الخ. أَي لَا فِيمَا أقرّ بِهِ فِي مَرضه لمن يتهم عَلَيْهِ، وَهُوَ يظنّ أَن إِقْرَاره عَامل فِي ذَلِك أَو أقرَّ بِهِ فِي صِحَّته وَكذبه الْمقر لَهُ وَلم يعلم بتكذيبه حَتَّى مَاتَ وَلَا فِيمَا وَرثهُ وَلم يعلم بِهِ وَلَا فِيمَا أوصى بِهِ لوَارث وَلم تجزه الْوَرَثَة، وَإِنَّمَا تجْعَل فِيمَا علمه قبل مَوته كَمَا مر وَنَحْوه (و) فِي (دين من عَن الْيَمين ينكل) قَالَ ابْن سَلمُون: وَلَا تدخل الْوَصَايَا إِلَّا فِيمَا علمه الْمُوصي دون مَا لم يُعلمهُ من إِرْث وَنَحْوه، ثمَّ قَالَ: فَإِن أقرّ بدين لمن يجب إِقْرَاره لَهُ فنكل عَن يَمِين الْقَضَاء فَإِن الْوَصِيَّة تدخل فِي ذَلِك اه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 وَكَذَا إِذا نكل عَن يَمِين النّصاب حَيْثُ لم يكن لَهُ إِلَّا شَاهد وَاحِد فَيجمع ذَلِك الدّين لبَقيَّة مَاله وَتخرج الْوَصِيَّة من الْمَجْمُوع. قَالَ ابْن زرب: لَو قَالَ الْوَرَثَة بعض المَال لم يعلم بِهِ الْمُوصي، وَقَالَ الْمُوصى لَهُ: بل علمه فعلى الْمُوصى لَهُ إِثْبَات أَنه علمه وإلاَّ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا أقرّ الْوَارِث بِعِلْمِهِ. وَصُحِّحَتْ لِوَلَدِ الأوْلاَدِ والأَبُ لِلميراثِ بالمِرْصَادِ (وصححت) الْوَصِيَّة (لولد الْأَوْلَاد و) الْحَال أَن (الْأَب) وَهُوَ أَب الْمُوصى لَهُ (للميراث بالمرصاد) خبر عَن قَوْله الْأَب وللميراث يتَعَلَّق بِهِ أَي يرصد مِيرَاث أَبِيه الْمُوصى ويرتقيه. قَالَ تَعَالَى: إِن رَبك لبالمرصاد} (الْفجْر: 14) أَي يرصد أَعمال الْعباد لَا يفوتهُ مِنْهَا شَيْء فيجازيهم عَلَيْهَا يُقَال: رصدته أَي ارتقبته، وَإِنَّمَا صحت لولد الْوَلَد لِأَنَّهُ غير وَارِث، وَلذَا صَار وَارِثا كَمَا لَو مَاتَ أَبوهُ قبل موت الْمُوصي لم تصح (خَ) : وَالْوَارِث يصير غير وَارِث وَعَكسه الْمُعْتَبر مآله الخ. وَظَاهر النّظم كَانَ الْوَلَد الْمُوصي لوَلَده مَوْجُودا وَقت الْإِيصَاء أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك كَمَا تقدم عِنْد قَوْله: حَتَّى لحمل وَاضح أَو لم يضح لَكِنَّهَا تبطل إِن لم يستهل ... الخ وَهَذَا الْبَيْت رُبمَا يسْتَغْنى عَنهُ بذلك وبمفهوم قَوْله: وامتنعت لوَارث وَلَعَلَّه إِنَّمَا ذكره دفعا لما يتَوَهَّم من أَن الْوَصِيَّة لولد الْوَلَد وَصِيَّة للْوَلَد، وَأَنَّهَا تبطل بالتهمة. وَقد تقدم أَنَّهَا لَا تبطل، وَتقدم أَيْضا أَن مَا حصل من الْغلَّة قبل وجود الأحفاد هُوَ للْوَرَثَة على الْمَعْمُول بِهِ، وَأَنَّهَا إِذا لم يكن فِيهَا لفظ حبس فَهِيَ مَحْمُولَة على التَّمْلِيك وتقسم رقبَتهَا على الأحفاد بِالسَّوِيَّةِ بعد انْقِطَاع ولادَة الْأَب بيأس مِنْهَا أَو مَوته، وَتقدم أَيْضا أَن من وجد من الأحفاد يخْتَص بالغلة وتقسم بَينه وَبَين من وجد مَعَه بِالسَّوِيَّةِ إِلَّا أَن ينص الْمُوصي على التَّفْضِيل وينتقض الْقسم كلما وجد ولد أَو مَاتَ إِلَى أَن ينْتَهوا بِمَوْت الْأَب، أَو الْيَأْس من وِلَادَته فَيقسم الأَصْل على الْمَوْجُودين من الأحفاد وَلَا يحيى الْمَيِّت بِالذكر، وَمن مَاتَ مِنْهُم فَيكون نصِيبه لباقي الأحفاد فَإِن مَاتُوا كلهم قسم الأَصْل على وَرَثَة من تقدم فِي الْمَوْت، وَمن تَأَخّر فيحيى الْمَيِّت بِالذكر وَيكون نصِيبه لوَرثَته فَإِن قَالَ: ثلث مَالِي لأَوْلَاد أَوْلَادِي فلَان وَفُلَان وَفُلَان فَمَاتَ أحدهم بعد موت الْمُوصي وَقبل أَن يُولد بِهِ رَجَعَ حَظه لأَوْلَاد أَخَوَيْهِ وَلَا يرجع لوَرَثَة الْمُوصي، وَإِذا عقبوا وَولد لكل مِنْهُم فَإِنَّهُ يقسم الثُّلُث على عدد من حضر من الأحفاد يَوْم الْقسم دون من مَاتَ قبله، وَهَذَا إِذا أجمل فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 الْوَصِيَّة، وَأما إِذا عين لأَوْلَاد كل قدرا من ذَلِك كَمَا لَو قَالَ: ثلث مَالِي لأَوْلَاد زيد وَأَوْلَاد عَمْرو وَأَوْلَاد بكر لأَوْلَاد كل وَاحِد ثلثه، فَإِن حَظّ من مَاتَ مِنْهُم قبل أَن يُولد لَهُ يكون للْوَرَثَة وَتبطل الْوَصِيَّة فِيهِ وَلَا تدخل الْوَصَايَا فِيمَا بَطل من ذَلِك وتقسم الْغلَّة أَثلَاثًا لأَوْلَاد كل فريق ثلثا قلوا أَو كَثُرُوا، وَمحل بطلَان حَظّ من مَاتَ إِذا لم يقل من مَاتَ عَن غير عقب يرجع نصِيبه لأَوْلَاد أَخَوَيْهِ فَإِن قَالَ ذَلِك فَلَا تبطل وَيرجع لأولادهما، وَهل يقسم هَذَا الرَّاجِع على عدد الرؤوس أَو لَا يجْرِي فِيهِ مَا تقدم فِي الْحَبْس عِنْد قَوْله: وكل مَا يشْتَرط الْمحبس الخ. فرع: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة فِي بَاب الصَّدَقَة: من تصدق على ابْنه الصَّغِير وعَلى من يُولد للمتصدق جَازَ، فَإِن مَاتَ الابْن الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ فِي حَيَاة أَبِيه وقفت الصَّدَقَة بيد الْأَب حَتَّى ينظر أيولد لَهُ شَيْء أم لَا. وَلَا يجوز لَهُ بيعهَا فَإِن مَاتَ الْأَب عَن زَوْجَة فِي حَيَاة الابْن فَلَا يجوز للِابْن أَن يحدث فِيهَا شَيْئا إِلَّا بعد أَربع سِنِين أَو خمس على الِاخْتِلَاف فِي أقْصَى أَو بِالْحملِ، وَذَلِكَ إِذا لم تتَزَوَّج الْمَرْأَة بعده فَإِن لم يتْرك الْأَب زَوْجَة انْطَلَقت يَد الابْن فِي الصَّدَقَة، وَقد قيل أَنه إِذا تصدق على ابْنه وعَلى من يُولد للْأَب من مَجْهُول من يَأْتِي فَذَلِك حبس لَا سِيمَا إِذا أَدخل فِيهِ أَعْقَابهم اه. وَتقدم فِي الصَّدَقَة أَن القَوْل بِأَنَّهَا حبس هُوَ قَول مَالك، وَانْظُر التزامات (ح) فِي الْكَلَام على الشُّرُوط فِي الْهِبَة. فرع: لَو قَالَ الْمُوصي الَّذِي كتب وَصيته بِخَطِّهِ: فليشهد على خطي من وقف عَلَيْهِ فَإِنَّهَا تنفذ وَلَو لم يشْهد عَلَيْهَا قَالَه اللَّخْمِيّ. وَنَقله فِي الْمجَالِس وَمثله لعياض قَائِلا: وَأما لَو كتبهَا بِخَطِّهِ وَقَالَ: إِذا مت فلينفذ مَا كتب بخطي فَإِنَّهَا تنفذ إِذا عرف أَنه خطه اه. فَقَوله: وَقَالَ الخ. يَعْنِي كتب لذَلِك ليُوَافق كَلَام اللَّخْمِيّ لَا أَنه قَالَ ذَلِك للنَّاس لِأَنَّهُ فِي معنى الْإِشْهَاد عَلَيْهَا، وَلَا خلاف حِينَئِذٍ فِي تنفيذها وَهُوَ معنى قَول (خَ) : وَإِن ثَبت أَن عِنْده خطه أَو قَرَأَهَا وَلم يشْهد أَو يقل أنفذوها لم تنفذ الخ. فمفهومه أَنه لَو كتب بِخَطِّهِ أنفذوها فَإِنَّهَا تنفذ وَنَحْوه قَول صَاحب الْعَمَل: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 وَكَاتب بِخَطِّهِ لم يشْهد عَلَيْهِ أَو يقل تنفذ أردد وَإنْ أبٌ مِنْ مالِهِ قَدْ أنْفَقَا عَلَى ابْنِهِ فِي حَجْرِهِ تَرَفَّقَا (وَإِن أَب من مَاله قد أنفقا على ابْنه) الصَّغِير وَله مَال وَقت الْإِنْفَاق حَال كَون الابْن (فِي حجره ترفقا) أَي على وَجه الترفق فَهُوَ رَاجع لقَوْله فِي حجره لَا للإنفاق لِأَنَّهُ لَو أنْفق عَلَيْهِ ترفقاً لم يكن لَهُ عَلَيْهِ رُجُوع. . فَجَائِزٌ رُجُوعُهُ فِي الحَالِ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ اكْتِسَابِ المَالِ (فَجَائِز رُجُوعه فِي الْحَال) أَي حَال قِيَامه (عَلَيْهِ من حِين اكْتِسَاب المَال) بِإِرْث أَو هبة أَو وَصِيَّة، وَمَفْهُومه أَن مَا أنفقهُ عَلَيْهِ قبل كَسبه المَال لَا رُجُوع لَهُ بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِك لِأَن نَفَقَته حِينَئِذٍ وَاجِبَة على أَبِيه قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: يلْزم الْأَب نَفَقَة أَوْلَاده الذُّكُور حَتَّى يحتلموا وَالْإِنَاث حَتَّى يدْخل بِهن أَزوَاجهنَّ إِلَّا أَن يكون للصَّبِيّ كسب أَي عمل يَد يَسْتَغْنِي بِهِ أَو مَال ينْفق عَلَيْهِ مِنْهُ اه. وَمحل رُجُوع الْأَب على وَلَده إِذا كَانَت عَادَة الْآبَاء الرُّجُوع بِالنَّفَقَةِ على أَوْلَادهم كَمَا تقدم عَن السيوري فِي النَّفَقَة، وَظَاهره أَنه لَا يَمِين على الْأَب أَنه أنْفق ليرْجع وَهُوَ كَذَلِك كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْفلس كاليمين المتوجهة على أحد أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُمَا لَا يحلفان وَأما إِذا مَاتَ الابْن وَطلب الْأَب النَّفَقَة فَأَرَادَ وَرَثَة الابْن إحلافه فَسَيَأْتِي آخر الْبَاب، هَذَا حكم رُجُوع الْأَب بِنَفسِهِ فَإِن مَاتَ الْأَب وَأَرَادَ الْوَرَثَة أَن يحاسبوا الابْن بِمَا أنفقهُ عَلَيْهِ أَبوهُ من وَقت اكتسابه لِلْمَالِ فَقَالَ ابْن رشد: لَا يَخْلُو مَال الْوَلَد من أَرْبَعَة أوجه. أَحدهَا: أَن يكون عينا قَائِما فِي يَد الْأَب. وَالثَّانِي: أَن يكون عرضا قَائِما فِي يَده أَيْضا. وَالثَّالِث: أَن يكون الْأَب قد اسْتهْلك مَال ابْنه الْعين وَحصل فِي ذمَّته. وَالرَّابِع: أَن يكون مَال الابْن لم يصل إِلَى يَده. فَأَشَارَ النَّاظِم إِلَى الْوَجْه الأول بقوله: وَإنْ يَمُتْ وَالمالُ عَيْنٌ باقِي وَطَالَبَ الوَارِثُ بالإنْفَاقِ (وَإِن يمت) الْأَب (و) الْحَال أَن (المَال) أَي مَال الابْن (عين بَاقِي) فِي تَرِكَة الْأَب مَعْرُوف بِالْكِتَابَةِ عَلَيْهِ أَو الشَّهَادَة عَلَيْهِ أَنه مَاله (وطالب الْوَارِث) الرُّجُوع على الابْن (بالانفاق) مصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول أَي بِالْمَالِ الْمُنفق عَلَيْهِ. فمَا لَهم إِلَيْهِ مِن سَبِيلِ وَهُوَ لِلابْن دُونَ مَا تَعْلِيل (فَمَا لَهُم) أَي الْوَرَثَة (إِلَيْهِ) أَي الرُّجُوع (من سَبِيل وَهُوَ) أَي المَال الْمُنفق (للِابْن دون مَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 زَائِدَة (تَعْلِيل) لِأَن ترك الْأَب الْإِنْفَاق مِنْهُ عَلَيْهِ مَعَ تيسره دَلِيل على تبرعه. إلاَّ إذَا أوْصَى عَلَى الحِسَاب وَقَيَّدَ الإنْفَاقَ بالْكِتابِ (إِلَّا إِذا أوصى) الْأَب (على الْحساب و) كَانَ قد (قيد الانفاق بِالْكتاب) بِأَن كتبهَا بِخَطِّهِ وَأَحْرَى إِن أشهد عَلَيْهِ عَدْلَيْنِ أَنه يُحَاسب، فَحِينَئِذٍ يُمكن الْوَارِث من الرُّجُوع فِي المَال الْعين، وَمَفْهُومه أَنه إِذا أوصى وَلم يَكْتُبهَا أَو كتبهَا وَلم يوص لم يكن للْوَارِث رُجُوع على الْوَلَد وَهُوَ كَذَلِك كَمَا صرح بِهِ ابْن رشد، وَوَجهه فِي الأول أَنَّهَا وَصِيَّة لوَارث، وَفِي الثَّانِي أَنه قد يَكْتُبهَا متروياً كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَترك الْكتب فَلَنْ يطالبوا. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ مَا إِذا كَانَ مَال الابْن عرضا فَقَالَ: وإنْ يَكُنْ عَرْضاً وَكانَ عِنْدَهُ فَلَهُمْ الرَّجُوع فيهِ بَعْدَهُ (وَإِن يكن عرضا) كأثاث ولباس وفراش وأصول ورثهَا من أمه أَو تصدق بهَا عَلَيْهِ (وَكَانَ) ذَلِك (عِنْده) أَي عِنْد الابْن مَوْجُودا بِعَيْنِه فِي تركته (فَلَهُمَا الرُّجُوع) على الابْن كتبهَا عَلَيْهِ الْأَب أم لَا (فِيهِ) أَي فِي ذَلِك المَال بِعَيْنِه (بعده) أَي بعد الْأَب فَإِن زَاد الْإِنْفَاق على ذَلِك المَال فَلَا تباعة على الابْن بِالزَّائِدِ. إلاّ إذَا مَا قَال لَا تُحَاسِبُوا وَتَرَكَ الكَتْبَ فَلَنْ يُطَالِبُوا (إِلَّا إِذا مَا) زَائِدَة (قَالَ لَا تحاسبوا و) كَانَ قد (ترك الْكتب فَلَنْ يطالبوا) الابْن بِشَيْء، وَمَفْهُومه أَنه إِذا لم يقل لَا تحاسبوا فَإِنَّهُ يُحَاسب وَلَو كتبهَا لِأَنَّهُ قد يَكْتُبهَا متروياً غير عازم عَلَيْهَا، وَمَفْهُوم وَترك الْكتب أَنه إِذا كتب فَإِنَّهُ يُحَاسب وَإِن أوصى أَن لَا يُحَاسب لِأَنَّهُ لما كتب تقوى جَانب عدم التَّبَرُّع فَكَانَت وَصيته بِعَدَمِ المحاسبة وَصِيَّة لوَارث. وكالْعُرُوضِ الحَيوانُ مُطْلَقَا فِيهِ الرُّجوعُ بِالَّذِي قدْ أَنْفَقَا (وكالعروض الْحَيَوَان مُطلقًا) عَاقِلا كَانَ كالرقيق أَو غير عَاقل كالدواب والأنعام (فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 الرُّجُوع) للْوَارِث على الابْن (بِالَّذِي قد أنفقا) عَلَيْهِ أَبوهُ إِلَّا أَن يَقُول: لَا تحاسبوه وَيتْرك الْكتب كَمَا مر فِي الْعرض. ثمَّ أَشَارَ للْوَجْه الثَّالِث، وَهُوَ مَا إِذا كَانَ الْأَب قد اسْتهْلك مَال الابْن الْعين فَقَالَ: وَإنْ يَكُنْ عَيْناً وَرَسْماً أصْدَرَا بأنَّهُ ذمَّتَهُ قدْ عَمَّرَا (وَإِن يكن عينا) سَوَاء كَانَ عينا بِالْأَصَالَةِ أَو كَانَ عرضا واستهلكه الْأَب وترتبت قِيمَته فِي ذمَّته أَو بَاعه واستهلك ثمنه (ورسماً أصْدرَا) أَي أشهد الْأَب عَدْلَيْنِ فِي رسم (بِأَنَّهُ) أَي المَال الْعين أدخلهُ فِي (ذمَّته) وَأَنه (قد عمرا) ذمَّته بِهِ. فَمَا تَحَاسُبٌ لِمُسْتَحِقِّ وَهُو كالحَاضِرِ دونَ فَرْقِ (فَمَا تحاسب لمستحق وَهُوَ) أَي المَال الْمَشْهُود بِهِ فِي الذِّمَّة (كالحاضر) عينا (دون فرق) بَين هَذَا الْوَجْه وَالْوَجْه الأول فَكَمَا لَا يُحَاسب فِي الْوَجْه الأول إِلَّا إِذا أوصى وَقيد بِالْكتاب فَكَذَلِك الحكم هَهُنَا. وَقد سُئِلَ ابْن رشد عَن وَصِيّ أشهد عِنْد مَوته أَن ليتيمة عِنْده عشْرين دِينَارا، فَلَمَّا طالبت بهَا قَالَ لَهَا الْوَرَثَة: إِنَّه كَانَ ينْفق عَلَيْك وأثبتوا ذَلِك فَقَالَ إِشْهَاد الْوَصِيّ لَهَا عِنْد مَوته بالعشرين دِينَارا يُوجِبهَا لَهَا وَتبطل حِينَئِذٍ دَعْوَى الْوَرَثَة عَلَيْهَا وَلَا يحاسبونها بِشَيْء اه. وَأَشَارَ لمَفْهُوم قَوْله: ورسماً أصْدرَا والموضوع بِحَالهِ فَقَالَ: وَإنْ يَكُنْ فِي مالِهِ قَدْ أَدْخَلَهْ مِنْ غَيْرِ إشْهَادِ بِذَاكَ أَعْمَلَهْ (وَإِن يكن) المَال الْعين (فِي مَاله قد أدخلهُ) بِأَن لم يُوجد بِعَيْنِه فِي تَرِكَة الْأَب وَلَا أشهد بِأَنَّهُ أدخلهُ فِي ذمَّته كَمَا قَالَ: (من غير إِشْهَاد بِذَاكَ أعمله. مَعْ عِلْمِ أَصْلهِ فَهَاهُنَا يَجِبْ رَجُوعُ وَارِثٍ بِإنْفَاقٍ طُلِبْ مَعَ علم أَصله) أَي علم أصل مَال الابْن بِبَيِّنَة شهِدت أَنه كَانَ ورث من أمه مائَة مثلا أَو تصدق عَلَيْهِ بهَا وَلم تُوجد بِعَينهَا فِي تَرِكَة الْأَب، وَلَا أشهد أَنه أدخلها فِي ذمَّته فَالْفرق بَين هَذَا الْوَجْه وَالَّذِي قبله يَلِيهِ هُوَ الْإِشْهَاد وَعَدَمه وَالْمَال عين على كل حَال (فههنا) أَي فِي عدم الْإِشْهَاد (يجب رُجُوع وَارِث بإنفاق طلب) صفة لإنفاق أَي طلب من الابْن، وَلَو قدم النَّاظِم قَوْله: وَإِن يكن عينا ورسماً أصْدرَا إِلَى قَوْله: طلب. إِثْر قَوْله: وَقيد الْإِنْفَاق بِالْكتاب، لَكَانَ أحسن لِأَن المَال الْعين فِيهِ ثَلَاثَة أَقسَام: إِمَّا أَن يُوجد فِي التَّرِكَة بِعَيْنِه فَلَا حِسَاب إِلَّا إِذا أوصى وَقيد فِي الْكتاب، وَإِمَّا أَن لَا يُوجد فِي التَّرِكَة فَإِن أشهد أَنه فِي ذمَّته فَلَا حِسَاب أَيْضا كَالْأولِ، وَإِن لم يشْهد حُوسِبَ. تَنْبِيه: لم يذكر النَّاظِم حكم مَا إِذا لم يُوجد الْعرض فِي تَرِكَة الْأَب وَلم يشْهد بعمارة ذمَّته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 بِثمنِهِ، وَالْحكم أَن الابْن يُحَاسب بِالنَّفَقَةِ بالأحرى مِمَّا إِذا وجد قَالَه (م) : ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْوَجْه الرَّابِع وَهُوَ مَا إِذا لم يدْخل مَال الابْن بيد الْأَب فَقَالَ: وَغَيْرُ مَقْبُوضٍ عَلَى الإطْلاَقِ كالْعَرْضِ فِي الرُّجُوعِ باتِّفَاقِ (وَغير مَقْبُوض) من مَال الابْن (على الْإِطْلَاق) عينا كَانَ أَو عرضا (كالعرض فِي الرُّجُوع) إِلَّا أَن يَقُول: لَا تحاسبوا وَترك الْكتب فَلَا رُجُوع (بِاتِّفَاق) . ثمَّ أَشَارَ إِلَى حكم موت الابْن قبل الْأَب وَطلب الْأَب محاسبته فَقَالَ: وَمَوْتُ الابْنِ حُكْمُهُ كَمَوْتِ الأَبِ وَقيلَ فِي يُسْرِ أبٍ حَلْفٌ وَجَبْ (وَمَوْت الابْن) فِي حَيَاة أَبِيه إِذا أَرَادَ الرُّجُوع عَلَيْهِ (حكمه كموت الْأَب) فِي جَمِيع التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم من كَون المَال عينا أَو عرضا الخ. وَلَا يَمِين على الْأَب إِذا أَرَادَ الْوَرَثَة إحلافه أَنه أنْفق ليرْجع لأَنهم قائمون مقَام الابْن وَلَا يَرِثُونَ عَنهُ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ وَلَيْسَ للِابْن أَن يحلف أَبَاهُ. (وَقيل) وَهُوَ لمَالِك فِي سَماع ابْن الْقَاسِم يفرق فَفِي عدم الْأَب وأمانته لَا يَمِين عَلَيْهِ و (فِي يسر أَب) وَعدم أَمَانَته (حلف وَجب) عَلَيْهِ، قَالَ فِي المقرب: سُئِلَ مَالك عَن الرجل يَمُوت وَلَده وَقد كَانَ للْوَلَد مَال فتقوم جدته أَو أمه تطلب مِيرَاثهَا فَيَقُول الْأَب: قد أنفقته عَلَيْهِ أَتَرَى عَلَيْهِ يَمِينا؟ فَقَالَ: إِن كَانَ رجلا مقلاً مَأْمُونا فَلَا أرى ذَلِك عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ مُوسِرًا غير مَأْمُون أرى أَن يحلف لِأَن جلّ الأباء يُنْفقُونَ على أبنائهم وَإِن كَانَ لَهُم مَال اه. وَقَوله: لِأَن جلّ الْآبَاء الخ. يَقْتَضِي أَن الْغَالِب هُوَ إنفاقهم بِعَدَمِ قصد الرُّجُوع، ولذ قَالَ السيوري كَمَا مر فِي النَّفَقَات ينظر للْعَادَة. فرع: سُئِلَ ابْن لب عَن الَّذِي يلْتَزم لزوجته النَّفَقَة على أَوْلَادهَا على أَن يستغل مَا يكون لأولادها من المَال مُدَّة الزَّوْجِيَّة؟ فَقَالَ: الأَصْل فِي الْمَنْع لوجوه لَا تخفى إِلَّا أَن الْمُتَأَخِّرين من الموثقين جرت عَادَتهم بِالتَّخْفِيفِ فِي ذَلِك إِذا كَانَ فائد المَال المستغل يَسِيرا بِحَيْثُ أَن الْغَرَض الْمَقْصُود إِنَّمَا هُوَ التَّبَرُّع بِالنَّفَقَةِ، وَيكون فائد المَال لَا يبلغ إِلَّا بعض النَّفَقَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 (فصل فِي الْإِقْرَار) وَهُوَ لُغَة الِاعْتِرَاف. قَالَ فِي الذَّخِيرَة: الْإِقْرَار وَالدَّعْوَى وَالشَّهَادَة كلهَا إخبارات، وَالْفرق بَينهَا أَن الْإِخْبَار إِن كَانَ يقْتَصر حكمه على قَائِله فَهُوَ الْإِقْرَار، وَإِن لم يقْتَصر فإمَّا أَن لَا يكون للمخبر فِيهِ نفع فَهُوَ الشَّهَادَة أَو يكون وَهُوَ الدَّعْوَى اه. وَقَالَ ابْن عَرَفَة: هُوَ خبر يُوجب حكم صدقه على قَائِله فَقَط بِلَفْظِهِ أَو بِلَفْظ نَائِبه الخ. فَقَوله: خبر أخرج بِهِ الإنشاآت كبعت وَطلقت، وَقَوله: يُوجب حكم صدقه على قَائِله أخرج بِهِ الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة لِأَن الْقَائِل إِذا قَالَ: الصَّلَاة وَاجِبَة مثلا فَذَلِك خبر أوجب حكم صدقه على مخبره وَغَيره، وَإِذا شهد على رجل بِحَق فَإِنَّهُ خبر أوجب حكم صدقه على غَيره، وَإِذا قَالَ: فِي ذِمَّتِي دِينَار فَهُوَ خبر أوجب حكم صدقه على الْمخبر وَحده وَهُوَ معنى قَوْله: فَقَط. وَأخرج بِهِ أَيْضا قَول الْقَائِل: زيد زَان لِأَنَّهُ وَإِن أوجب حكما على قَائِله فَقَط وَهُوَ حد الْقَذْف، لَكِن ذَلِك لَيْسَ هُوَ مَا اقْتَضَاهُ الصدْق لِأَن الَّذِي اقْتَضَاهُ الصدْق هُوَ جلد غَيره مائَة أَو رجمه إِن كَانَ مُحصنا، وَزَاد قَوْله: أَو بِلَفْظ نَائِبه ليدْخل قَول الرجل لآخر أقرّ عني بِأَلف فَإِنَّهُ إِقْرَار لَا وكَالَة يحْتَاج فِيهَا إِلَى إِقْرَار الْوَكِيل كَمَا مّر فِي الْوكَالَة، وليدخل إِقْرَار الْوَكِيل عَن مُوكله. وَمَالِكٌ لأَمْرِهِ أقَرَّ فِي صِحَّتِهِ لأَجْنَبِيَ اقتُفِي (وَمَالك لأَمره) أَي بَالغ رشيد غير مكره لِأَن الْمُكْره لَا يملك أمره وَلَا يلْزمه إِقْرَار كَمَا لَا يلْزم الْمَحْجُور من صبي وسفيه وَعبد وسكران ومرتد (خَ) : يُؤَاخذ الْمُكَلف بِلَا حجر بِإِقْرَارِهِ لأهل لم يكذبهُ الخ. لِأَن فَائِدَة الْحجر على من ذكر هِيَ رد تصرفاتهم الَّتِي من جُمْلَتهَا الْإِقْرَار بِالدّينِ إِلَّا أَن يُجِيزهُ السَّيِّد من العَبْد والسكران ومحجور عَلَيْهِ فِيمَا يتَعَلَّق بالأموال والمعاوضات بِخِلَاف الطَّلَاق وَالْعِتْق وَالْجِنَايَة فَإِنَّهَا تلْزمهُ كَمَا قَالَ: لَا يلْزم السَّكْرَان إِقْرَار عُقُود بل مَا جنى عتق طَلَاق وحدود وَالْمُرْتَدّ مَحْجُور عَلَيْهِ بعد إيقافه للاستتابة وَلَا إِشْكَال فِي ذَلِك إِن قتل، وَأما إِن رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَام فَهُوَ مؤاخذ بِإِقْرَارِهِ، وَكَذَا الْمُفلس فَهُوَ مؤاخذ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنَّمَا الْخلاف هَل يحاصص الْمقر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 لَهُ الْغُرَمَاء أم لَا (خَ) : وَقبل إِقْرَاره بِالْمَجْلِسِ إِن ثَبت دينه بِإِقْرَار لَا بِبَيِّنَة وَهُوَ فِي ذمَّته الخ. وَدخل فِي كَلَامه الزَّوْجَة لِأَنَّهَا لَا حجر عَلَيْهَا فِي الْإِقْرَار وَلَو فِي زَائِد الثُّلُث، إِذْ لَيْسَ هُوَ من التَّبَرُّع، وَكَذَا الْمَرِيض فَإِن إِقْرَاره مَاض لمن لَا يتهم عَلَيْهِ وَلَو فِي الزَّائِد على الثُّلُث، وَقَول (خَ) لم يكذبهُ يَعْنِي فَإِن كذبه بَطل سَوَاء كذبه قبل الْإِقْرَار أَو بعده وَلَا يقبل رُجُوعه لتصديقه إِلَّا بِإِقْرَار ثَان، وَنَظِيره من قَالَ لامْرَأَة: تَزَوَّجتك فأنكرت ثمَّ قَالَت: نعم فَأنْكر فَإِن ذَلِك لَيْسَ بِإِقْرَار لِأَن من شَرط صِحَة الْإِقْرَار أَن يتَّفق الْمقر وَالْمقر لَهُ فِي تَصْدِيق كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه فِي وَقت وَاحِد، وَهَذَا إِذا لم يكن هُنَاكَ عذر وإلاَّ فرجوع الْمقر لَهُ لتصديق الْمقر بعد تَكْذِيبه مَقْبُول مثل أَن يقر أحد الْوَرَثَة أَن مَا تَركه أَبوهُ مِيرَاث بَينهم على مَا عهد فِي الشَّرِيعَة ثمَّ جَاءَهُ شُهُود أَخْبرُوهُ أَن أَبَاهُ أشهدهم أَنه تصدق عَلَيْهِ فِي صغره بِهَذِهِ الدَّار وحازها لَهُ، فَإِنَّهُ إِذا رَجَعَ عَن إِقْرَاره فَإِن التَّرِكَة كلهَا موروثة لَا هَذِه الدَّار الْمَشْهُود لَهُ بهَا دون الْوَرَثَة. وَاعْتذر بأخبار الْبَيِّنَة وَأَنه لم يكن عَالما بذلك حِين أقرّ بناه على الْعَادة فَإِنَّهُ تسمع دَعْوَاهُ وعذره وَلَا يكون إِقْرَاره السَّابِق مُكَذبا للبينة قادحاً فِيهَا قَالَه الْقَرَافِيّ فِي فروقه. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الملوي: اعْتمد مَا للقرافي غير وَاحِد من الْحفاظ الْمُتَأَخِّرين وتلقوه بِالْقبُولِ مِنْهُم: أَبُو سَالم إِبْرَاهِيم اليزناسي اه. وَبِه تعلم ضعف مَا فِي (خَ) عَن سَحْنُون من أَن إِقْرَاره الأول مكذب للبينة فَلَا ينْتَفع بهَا. نَقله فِي بَاب الْإِقْرَار وَالْقِسْمَة بعد ان نقل عَن الْمَازرِيّ أَنه أفتى بِمثل مَا للقرافي، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعْتَمَد مَا للقرافي وَبِه كنت أَفْتيت. انْظُر شرحنا للشامل، وَيُؤَيِّدهُ مَا مر أول الِاسْتِحْقَاق. ثمَّ اعْلَم إِن الْمَالِك لأَمره تَارَة يقر فِي صِحَّته وَتارَة فِي مَرضه، وَفِي كل مِنْهُمَا إِمَّا أَن يكون الْمقر لَهُ وَارِثا أَو أَجْنَبِيّا فَأخْبر هُنَا أَن الْمَالِك لأَمره إِذا (أقرَّ فِي صِحَّته لأَجْنَبِيّ اقتفي) إِقْرَاره وَاتبع وَلزِمَ فَقَوله: اقتفى خبر عَن قَوْله وَمَالك لأَمره، وَالْجُمْلَة بعده صفة لَهُ وَمَفْهُوم لأَجْنَبِيّ هُوَ قَوْله: وَمَا لِوَارِثٍ ففيهِ اخْتُلِفَا وَمُنْفِذٌ لَهُ لِتُهمْةٍ نَفَى (وَمَا) أقرّ بِهِ فِي صِحَّته أَيْضا (لوَارث فَفِيهِ اخْتلفَا) فَمنهمْ من أبْطلهُ للتُّهمَةِ وهم المدنيون فِي روايتهم عَن مَالك، وَمِنْهُم من أجَازه وهم المصريون فِي روايتهم عَن الإِمَام أَيْضا وَهُوَ الْمَشْهُور وَعَلِيهِ عول النَّاظِم فَقَالَ: (ومنفذ لَهُ) أَي لإِقْرَاره (لتهمة نفى) عَنهُ لكَونه فِي حَال الصِّحَّة فَلَا تلْحقهُ فِيهِ تُهْمَة وَلَا توليج. وَرَأْس مَتروكٍ المُقِرِّ أَلزَمَا وَهْوَ بهِ فِي فَلَسٍ كالغُرَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 (و) إِذا لم يلْحقهُ ذَلِك ف (رَأس مَتْرُوك الْمقر) بِنصب رَأس مفعول بقوله: (ألزما) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وفاعله ضمير المنفذ وهم المصريون (و) إِذا كَانَ يُؤْخَذ من رَأس مَاله ومتروكه فَإِن وفى بِهِ فَلَا كَلَام، وَإِن لم يوف بِهِ لاستغراق الدُّيُون تركته ف (هُوَ) أَي الْمقر لَهُ يحاصص (بِهِ فِي فلس كالغرما) يحاصص بَعضهم بَعْضًا، وَلَكِن إِنَّمَا ذَلِك فِي الدّين الْحَادِث بعد الْإِقْرَار، وَأما الْقَدِيم قبل الْإِقْرَار فمقدم اتِّفَاقًا كَمَا فِي (ح) ثمَّ إِن مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم من نُفُوذ إِقْرَار الصَّحِيح لوَارِثه هُوَ الْمَشْهُور. قَالَ المتيطي: وَعَلِيهِ الْعَمَل، وَاقْتصر عَلَيْهِ ابْن حَارِث، وَكَذَا صَاحب الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وكل من أقرّ لوَارث أَو غير وَارِث فِي صِحَّته بِشَيْء من المَال أَو الدّين أَو الْبَرَاءَة أَو قبض أَثمَان المبيعات فَإِقْرَاره عَلَيْهِ جَائِز لَا تلْحقهُ فِيهِ تُهْمَة وَلَا توليج، وَالْأَجْنَبِيّ وَالْوَارِث فِي ذَلِك سَوَاء، وَكَذَا الْقَرِيب والبعيد والعدو وَالصديق فِي الْإِقْرَار فِي الصِّحَّة سَوَاء اه. ثمَّ مَحل الْخلاف فِي إِقْرَار الصَّحِيح للْوَارِث إِن كَانَ لَا يعرف وَجه مَا أقرّ بِهِ وَلَا سَببه، وَأما إِن عرف ذَلِك ككون أم الْمقر لَهُ مَاتَت وَتركت مَالا وَأقر أَبوهُ لَهُ بِهِ، أَو أقرّ لزوجته بِقدر كالىء صَدَاقهَا، أَو أقرّ لابنته بِعَدَد يعلم مِنْهُ أَنه كَانَ يلابسها وَيبِيع لَهَا مَا اكتسبته بِيَدِهَا، فَهُوَ جَائِز نَافِذ بِاتِّفَاق المصريين والمدنيين، وَإِقْرَار الْمَرِيض للْوَارِث مَعَ علم السَّبَب كَذَلِك يجوز اتِّفَاقًا أَيْضا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وحينما الْإِقْرَار فِيهِ للْوَلَد الخ. وَهَذَا كُله إِذا كَانَ الْمقر لَهُ مِمَّن يشبه أَن يملك مثل المقَّر بِهِ لكَونه مَعْرُوفا بالتكسب وَالْإِرْث من أمه وَنَحْو ذَلِك فَإِن كَانَ مِمَّن لَا يشبه أَن يكون تكسب أَو ورث مثل هَذَا المَال المقّر بِهِ بل مَا أقرّ بِهِ أَكثر مِمَّا يشبه تكسبه أَو إِرْثه أَو كَانَ لَا يعرف بتكسب وَلَا إِرْث أصلا فَلَا يعْمل بذلك الْإِقْرَار. قَالَ أَبُو الْفضل الْبُرْزُليّ فِي مسَائِل الْبيُوع من ديوانه مَا نَصه: إِقْرَار الْأُم بدين للابنة فِي صِحَّتهَا نَافِذا لَا أَن تكون الِابْنَة غير مَعْرُوفَة بتكسب وَلَا فائد من مِيرَاث أَو غَيره فإقرارها حِينَئِذٍ بِمَا لَا يشبه أَن يكون لَهَا مَحْض توليج اه. قلت: وَلذَلِك قَالُوا: إِذا ادَّعَت الْمَرْأَة من مَتَاع الْبَيْت الَّذِي شَأْنه أَن يكون للنِّسَاء مَا لَا يشبه أَن تملكه لضعف حَالهَا وَقلة صَدَاقهَا وَعدم مَعْرفَتهَا بالتكسب لَا يكون لَهَا مِنْهُ إِلَّا قدر صَدَاقهَا كَمَا مر، فَكَذَلِك هَذَا لَا يكون لَهُ مِنْهُ إِلَّا قدر تكسبه أَو إِرْثه، وَظَاهر النّظم أَن إِقْرَاره نَافِذ وَلَو لم يتَقَدَّم من الْمقر لَهُ طلب فِي صِحَة الْمقر، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وَلَكِن فِي نظم الْعَمَل أَن الْمقر لَهُ لَا ينْتَفع بِالْإِقْرَارِ إِلَّا مَعَ قيام الْبَيِّنَة أَنه كَانَ يطْلب الْمقر بِمَا أقرّ بِهِ فِي حَيَاته وَصِحَّته وَنَصه: والسر فِي الْإِقْرَار للْوَارِث مَا ينفع دون طلب قد علما وَمحل الْخلاف أَيْضا فِي الْإِقْرَار بِالدّينِ وَنَحْوه مِمَّا لَا يعرف أصل ملكه للْمقر يَعْنِي بِعَيْنِه وَأما إِقْرَار الرجل فِي صِحَّته أَو مَرضه بِمَا يعرف ملكه لَهُ من شَيْء بِعَيْنِه أَنه لفُلَان وَفُلَان وَارِث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 أَو غير وَارِث فَإِنَّهُ يجْرِي مجْرى الْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَيحل محلهَا إِن حَاز ذَلِك الْمقر لَهُ بِهِ فِي صِحَة الْمقر جَازَ لَهُ، وإلاَّ لم يجز بِلَا خلاف قَالَه ابْن رشد وَنَقله (ح) وَغَيره. وَفِي نَوَازِل الهبات من المعيار مَا نَصه: قَالَ ابْن دحون لِابْنِ زرب: فَلَو أَن رجلا أقرّ بدار لِابْنِ لَهُ صَغِير فَقَالَ: يحل هَذَا الْإِقْرَار مَحل الْهِبَة إِن كَانَت الدَّار مَعْرُوفَة للْأَب وسكنه فَإِن خرج مِنْهَا وحازها لِابْنِهِ بعد الْإِقْرَار وإلاَّ بَطل، وَإِن كَانَت غير دَار سكناهُ نفذ إِقْرَاره يَعْنِي لِأَن الْأَب يحوز لِابْنِهِ الصَّغِير غير دَار السُّكْنَى كَمَا قَالَ (خَ) إِلَّا لمحجوره إِذْ أشهد وَصرف الْغلَّة لَهُ وَلم تكن دَار سكناهُ الخ. قَالَ ابْن زرب: وَإِن لم يعلم فِي دَار السُّكْنَى أَو فِي غَيرهَا أَنَّهَا ملك للْمقر جَازَ وَإِن لم يحزها اه. وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَمَا لم يعلم أَصله للْمقر وَصَحَّ فِيهِ إِقْرَار الصَّحِيح لوَارِثه وَمَا علم أَصله لَهُ من المعينات من أصُول وأثاث وحيوان أَن يجْرِي إِقْرَاره فِيهِ مجْرى الْهِبَة إِن حيّز فِي صِحَّته صَحَّ وَإِلَّا فَلَا. وَيعرف أَصله للْمقر بِأَن كَانَ يحوزه ويتصرف فِيهِ سِتَّة أشهر أَو عشرَة كَمَا للوانشريسي إِثْر جَوَاب ابْن رشد، وَأما إِن أقرّ بأملاك لابنته عِنْد عقد نِكَاحهَا فَإِنَّهَا نَافِذَة وَلَو لَو تحز كَمَا تقدم فِي النِّكَاح. تَنْبِيه: وعَلى الْمقر لَهُ بِالدّينِ فِي الصِّحَّة الْيَمين أَنه ترَتّب لَهُ ذَلِك الْمقر لَهُ كَمَا فِي المعيار عَن ابْن لب، وَنَقله شَارِح الْعَمَل فِي الْبَيْت الْمُتَقَدّم وَنَحْوه فِي (ح) ونظم الْعَمَل الْمُطلق خلافًا لما فِي التَّبْصِرَة فِي الْبَاب التَّاسِع وَالْعِشْرين من الْقسم الثَّانِي. ثمَّ أَشَارَ إِلَى إِقْرَار الْمَرِيض بقسميه لِأَنَّهُ إِمَّا لأَجْنَبِيّ أَو قريب فَقَالَ: وَإنْ تَكُنْ لأجْنَبِيَ فِي المَرَضْ غَيْرِ صَدِيقٍ فَهْوَ نَافِذُ الغَرَضْ (وَإِن يكن) الْإِقْرَار (لأَجْنَبِيّ فِي الْمَرَض) الْمخوف (غير صديق) صفة لأَجْنَبِيّ (فَهُوَ) أَي الْإِقْرَار (نَافِذ الْغَرَض) مَعْمُول بِهِ ورث كَلَالَة أم لَا. وَمَفْهُوم لأَجْنَبِيّ أَنه إِذا كَانَ فِي الْمَرَض لقريب أَو لصديق ملاطف فَهُوَ قَوْله: وَلِصَدِيقٍ أوْ قَرِيبٍ لَا يَرِثْ يَبْطُلُ مِمن بِكلالةٍ وَرِثْ (ولصديق) ملاطف (أَو قريب لَا يَرث) كالخال والعمة وَالْخَالَة (يبطل) الْإِقْرَار حَيْثُ وَقع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 (مِمَّن بكلالة ورث) . وَمَفْهُومه أَنه إِذا ورث بِغَيْر كَلَالَة فَإِن إِقْرَاره صَحِيح وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور كَمَا لِابْنِ رشد، وَنَقله ابْن سَلمُون وَغَيره. وَهَذَا حَيْثُ لَا دين مُحِيط عَلَيْهِ وإلاَّ فَلَا يقبل إِقْرَاره لقريب وَلَا لملاطف، وَالْمرَاد بالكلالة هُنَا الْفَرِيضَة الَّتِي لَا ولد فِيهَا ذكرا أَو أُنْثَى وَإِن سفل بِأَن كَانَ فِيهَا أَبَوَانِ أَو زَوْجَة أَو عصبَة، وَأما الْكَلَالَة فِي بَاب الْمِيرَاث فَهِيَ الْفَرِيضَة الَّتِي لَا ولد فِيهَا وَلَا وَالِد وفيهَا يَقُول الْقَائِل: ويسألونك عَن الْكَلَالَة هِيَ انْقِطَاع النَّسْل لَا محَالة وَلَا وَالِد يبْقى وَلَا مَوْلُود فَانْقَطع الْأَبْنَاء والجدود وقِيل بلْ يَمْضِي بكلِّ حَالٍ وَعِنْدَ مَا يُؤْخَذُ بالإِبْطَالِ (وَقيل بل يمْضِي) إِقْرَار الْمَرِيض لمن ذكر (بِكُل حَال) ورث كَلَالَة أَو لَا. وَالْقَوْلَان قائمان من الْمُدَوَّنَة ومشهورهما مَا تقدم. (وَعند مَا يُؤْخَذ) بالْقَوْل (بالإبطال) لكَونه ورث كَلَالَة وَهُوَ القَوْل الأول. قيل بإطْلاقٍ ولابنِ القَاسِمِ يمْضِي مِنَ الثُّلْثِ بِحُكْمٍ جازِمِ (قيل) يبطل (بِالْإِطْلَاقِ) وَلَا يكون للْمقر لَهُ شَيْء لَا من ثلث وَلَا رَأس مَال وَهُوَ الْمُعْتَمد (و) قيل وَهُوَ (لِابْنِ الْقَاسِم يمْضِي) إِقْرَاره (من الثُّلُث) إِن حمله أَو مَا حمله مِنْهُ (بِحكم جازم) وَعَلِيهِ فَتْوَى ابْن سراج فِي رجل كفل يَتِيما فَأشْهد لَهُ فِي صِحَّته بِعشْرَة دَنَانِير وَفِي مَرضه بِخَمْسِينَ دِينَارا عَن أُجْرَة لَهُ فَمَاتَ ونازعه الْوَرَثَة؟ فَأجَاب: أما الْعشْرَة فَتجب لَهُ، وَأما الْخَمْسُونَ فَإِن كَانَت قدر أجرته الْوَاجِبَة لَهُ فَتجب من رَأس مَاله وَإِن كَانَت أَكثر مِمَّا يجب لَهُ فِي إِجَارَته كَانَ قدر الْإِجَارَة من رَأس مَاله وَالزَّائِد من ثلثه اه. وَبَيَانه أَن الكافل يلاطف مكفوله، لَكِن مَا أقرّ لَهُ بِهِ فِي الصِّحَّة يمْضِي لَهُ على مَا مر من رِوَايَة المصريين، وَمَا أقرّ بِهِ لَهُ فِي الْمَرَض يمْضِي حَيْثُ كَانَ للإقرار سَبَب اتِّفَاقًا كَمَا هُنَا لِأَنَّهُ علم أَنه كَانَ يؤاجره، نعم قَوْله الزَّائِد على قدر الْإِجَارَة يكون فِي الثُّلُث إِنَّمَا يتمشى على قَول ابْن الْقَاسِم وَهُوَ ضَعِيف. ثمَّ أَشَارَ لمَفْهُوم قَوْله: لَا يَرث الخ. وَهُوَ إِقْرَاره لولد أَو زَوْجَة أَو غَيرهمَا كأخ مَعَ ظُهُور سَبَب الْإِقْرَار أَو عدم ظُهُوره فَقَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 وَحَيْثُما الإقْرَارُ فِيهِ لِلْوَلَدْ مَعْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ فيهِ مِنْ مَرَدْ (وحيثما الْإِقْرَار فِيهِ) أَي الْمَرَض (للْوَلَد مَعَ) وجود (غَيره) من الْوَرَثَة بَنِينَ أَيْضا أَو غَيرهم (فَلَيْسَ فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الْإِقْرَار (من مرد) بل هُوَ صَحِيح لَازم. مَعَ ظُهُورِ سَبَبِ الإقْرَارِ فإنْ يَكُنْ ذَاكَ عَن اخْتِيَارِ (مَعَ ظُهُور سَبَب الْإِقْرَار) اتِّفَاقًا كَأَن تشهد بَيِّنَة بِأَن الْأَب قد قبض للْوَلَد أَمْوَالًا ورثهَا من أمه، أَو بَاعَ لَهُ أسباباً وَقبض أثمانها، أَو أوصى لَهُ بِوَصِيَّة وَقَبضهَا أَبوهُ، وَإِن لم يبينوا قدر الْمَقْبُوض لِأَن ظُهُور السَّبَب يَنْفِي التُّهْمَة بِشَرْط أَن يكون الْمقر لَهُ مِمَّن يشبه أَن يملك مثل المَال المقرّ بِهِ، وإلاَّ فَلَا كَمَا مر قَرِيبا فِي الْإِقْرَار فِي الصِّحَّة. (فَإِن يكن ذَاك) الْإِقْرَار (عَن اخْتِيَار) بِأَن لم يظْهر سَبَب صِحَّته. فَذُو عُقوقٍ وَانْحِرَافٍ يُحْكَمُ لَهُ بِهِ وَذُو البُرُورِ يُحْرَمُ (ف) ولد (ذُو عقوق) لِأَبِيهِ (وانحراف) عَن طَاعَته (يحكم لَهُ بِهِ) لِأَنَّهُ لَا يتهم على أَن يُعْطِيهِ وَيحرم الْبَار (و) الْوَلَد (ذُو البرور يحرم) من إِقْرَار الْأَب لَهُ للتُّهمَةِ، وَظَاهره أَنه يفصل فِيهِ التَّفْصِيل الْمَذْكُور سَوَاء أقرّ لَهُ وَحده أَو مَعَ أَجْنَبِي وَهُوَ كَذَلِك فنصيب الْوَلَد يفصل فِيهِ بَين ظُهُور السَّبَب فَيصح وَبَين عَدمه فذو عقوق يَصح أَيْضا وَذُو برور يحرم، وَمَا ذكره النَّاظِم هُوَ أحد قَوْلَيْنِ متساويين فِي (خَ) حَيْثُ قَالَ تَشْبِيها فِي الْقَوْلَيْنِ: كإقراره للْوَلَد الْعَاق الخ. فيستفاد من النَّاظِم أَن القَوْل بِالصِّحَّةِ هُوَ الرَّاجِح، وَمَفْهُومه أَنه إِذا أقرّ لأحد المتساويين فِي العقوق أَو البرور أَو أقرّ للأقرب مَعَ وجود الْأَبْعَد كإقراره لابنته أَو لأمه مَعَ وجود الْعصبَة فَإِنَّهُ يبطل اتِّفَاقًا فيهمَا (خَ) : لَا الْمسَاوِي وَالْأَقْرَب الخ. وَأما إِن أقرّ للأبعد مَعَ وجود الْأَقْرَب كإقراره للْعصبَةِ مَعَ وجود الْأُم أَو الْبِنْت فَإِقْرَاره صَحِيح. وَإنْ يَكن لِزَوْجَةٍ بِهَا شُغِفْ فَالمَنْعُ وَالْعَكْسُ بعكْسٍ يتَّصِفْ (وَإِن يكن) إِقْرَار الْمَرِيض (لزوجة بهَا شغف) حبا فَإِن ظهر لإِقْرَاره سَبَب كَكَوْنِهِ قبض لَهَا مَالا أَو عرف أَنه بَاعَ لَهَا أسباباً فلإقرار صَحِيح اتِّفَاقًا كَمَا مر، وَكَذَا لَو أقرّ لَهَا بِقدر كالىء صَدَاقهَا لِأَنَّهُ لَو لم يقرّ بِهِ لَأَخَذته من تركته إِذْ الْعَادة بَقَاؤُهُ كَمَا مر فِي النِّكَاح عِنْد قَوْله: وَأجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 الكوالىء الْمعينَة الخ. وَإِن لم يظْهر لإِقْرَاره لَهَا سَبَب وَلَا كَانَ بكالىء صَدَاقهَا. (فالمنع) من صِحَة الْإِقْرَار لَهَا وَاجِب إِلَّا أَن يُجِيزهُ الْوَرَثَة (وَالْعَكْس) وَهُوَ أَن لَا يكون مشغوفاً بحبها بل كَانَ يعرف ببغضها (بعكس يَتَّصِف) فَيلْزم الْإِقْرَار وَيصِح وَرثهُ ولد أم لَا. انْفَرَدت بالصغير أم لَا. على الْمُعْتَمد، وَانْظُر الْإِقْرَار بالمجمل للزَّوْجَة أَو غَيرهَا فِي (ح) وَمَا فِيهِ من الْخلاف أول بَاب الْإِقْرَار، وَقد أفتى هُوَ بِصِحَّتِهِ عِنْد قَوْله: كَزَوج علم بغضه لَهَا فيستفاد من فتواه أَن الرَّاجِح صِحَّته. وَإنْ جَهِلْنَا عِنْدَ ذَاكَ حَالَهْ فَالمَنْعُ مِمَّنْ إرْثُهُ كَلاَلَهْ (وَإِن جهلنا عِنْد ذَاك) الْإِقْرَار (حَاله) مَعهَا من محبتها والميل إِلَيْهَا أَو بغضه إِيَّاهَا فَإِن ورث كَلَالَة لم يَصح إِقْرَاره كَمَا قَالَ: (فالمنع مِمَّن إِرْثه كَلَالَة) وَإِن لم يُورث كَلَالَة بِأَن وَرثهُ ابْن وَاحِد ذكر صَغِير أَو كَبِير مِنْهَا أَو من غَيرهَا صَحَّ إِقْرَاره كَمَا قَالَ: وَمَعَ وَاحِدٍ مِنَ الذُّكُورِ فِي كلِّ حَالٍ لَيْسَ بالمَخظُورِ (وَمَعَ وَاحِد من الذُّكُور فِي كل حَال لَيْسَ بالمحظور) وَإِن وَرثهُ بنُون ذُكُور فَقَط أَو ذُكُور وإناث فالإقرار صَحِيح أَيْضا كَمَا قَالَ: 1413 كَذَاكَ مَعْ تَعَدُّدٍ فِيهِمْ ذَكَرْ مَا مِنْهُمُ ذُو صِغَرٍ وَذُو كِبَرْ (كَذَاك مَعَ تعدد) الْأَوْلَاد حَال كَونهم (فيهم ذكر) وَاحِد أَو مُتَعَدد كَانُوا كلهم مِنْهَا، أَو بَعضهم مِنْهَا وَبَعْضهمْ من غَيرهَا كبارًا كَانُوا أَو صغَارًا أَو مُخْتَلفين كَمَا قَالَ: (مَا مِنْهُم ذُو صغر و) لَا (ذُو كبر) يخْتَص بِصِحَّة الْإِقْرَار مَعَه بل هُوَ صَحِيح لَهَا مَعَ وجود كل من الْفَرِيقَيْنِ أَو أَحدهمَا، لَكِن إِن كَانَ فيهم صغَار فَيشْتَرط أَن يكون الصغار من غَيرهَا فَقَط أَو بَعضهم مِنْهَا وَبَعْضهمْ من غَيرهَا، أما إِذا كَانَ الصغار مِنْهَا فَقَط وَلَو إِنَاثًا وَبَقِيَّة الْوَرَثَة كبارًا مِنْهَا وَمن غَيرهَا أَو مِنْهَا فَقَط، فَإِن الْإِقْرَار لَا يَصح اتِّفَاقًا، وَلذَا قَالَ الشَّارِح: كَانَ حَقه أَن يزِيد بَيْتا فَيَقُول: إِلَّا إِذا مَا كَانَ مِنْهَا الْأَصْغَر وَكَانَ من أم سواهَا الْأَكْبَر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 وَلَو قَالَ: وَكَانَ من غير وَمِنْهَا الْأَكْبَر وَتَكون الْوَاو فِي قَوْله: وَمِنْهَا بِمَعْنى (أَو) لوفي بِمَا تقدم. وَإنْ يَكُنْ بِغَيْرِ ذَاكَ مَطْلقَا قِيلَ مُسَوَّغٌ وقيلَ مُتَّقى (وَإِن يكن) أَي إِقْرَار الْمَرِيض للْمَجْهُول حَاله مَعهَا متلبساً (بِغَيْر ذَاك) أَي بِغَيْر مَا ذكر من الْكَلَالَة وَمن وجود الابْن أَو البنتين، بل كَانَ الْإِقْرَار لَهَا مَعَ وجود بنت أَو بَنَات (مُطلقًا) صغَارًا كن من غَيرهَا أَو كبارًا مِنْهَا فَقَط أَو مِنْهَا وَمن غَيرهَا فَقَوْلَانِ (قيل) الْإِقْرَار (مسوغ) لَهَا نظرا إِلَى أَنَّهَا أبعد من الْبِنْت (وَقيل متقى) نظرا إِلَى أَنَّهَا أقرب من الْعصبَة فَإِن وَرثهُ مَعَ الْعصبَة صَغِيرَة أَو أَكثر مِنْهَا لم يَصح إِقْرَاره لَهَا اتِّفَاقًا، وَلذَا قَالَ وَلَده: كَانَ حَقه أَن يزِيد بَيْتا أَيْضا فَيَقُول: إِلَّا إِذا كن صغَارًا أجمعا مِنْهَا فَحكم ذَاك أَن يمتنعا وَالْمرَاد بالعصبة مَا عدا الابْن وإلاَّ فَهُوَ مَا تقدم (خَ) : كَزَوج علم بغضه لَهَا أَو جهل وَورثه ابْن أَو بنُون إِلَّا أَن تنفرد بالصغير وَمَعَ الْإِنَاث والعصبة قَولَانِ الخ. وَلم أَقف على من رجح وَاحِدًا مِنْهُمَا إِلَّا مَا يظْهر من كَلَام الشَّامِل من رُجْحَان الأول، وَكَذَا النَّاظِم حَيْثُ صدر بِهِ هَذَا حكم الْإِقْرَار للْوَلَد وَالزَّوْجَة. وَإنْ يَكُنْ لِوَارِثٍ غَيْرِهما مَعْ وَلدٍ فَفي الأَصَحِّ لَزِما (وَإِن يكن) إِقْرَار الْمَرِيض (لوَارث غَيرهمَا) بِالْجَرِّ نعت لوَارث حَال كَون الْوَارِث (مَعَ) وجود (ولد) للْمقر وَلَو أُنْثَى كإقراره لأم مَعَ وجود ولد أَو لأخت مَعَ وجود بنت أَو بَنَات (فَفِي الْأَصَح) وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم، وَرَوَاهُ ابْن عبد الحكم عَن مَالك (لزما) وَمُقَابِله نَقله ابْن سهل عَن ابْن زرب فِيمَا إِذا كَانَ الْوَلَد بِنْتا. وَدونَهُ لمالِكٍ قولانِ بالمَنْعِ وَالجَوَازِ مَرْوِيَّانِ (ودونه) أَي الْوَلَد أَي وَإِقْرَاره لوَارث غَيرهمَا دون وجود ولد لَهُ (لمَالِك) فِيهِ (قَولَانِ) أَحدهمَا (بِالْمَنْعِ و) الآخر ب (الْجَوَاز مرويان) عَنهُ، ومحلهما إِن كَانَ الْمقر لَهُ مُسَاوِيا كإقراره لأحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 إخْوَته المتساويين فِي الدرجَة أَو بني عَمه كَذَلِك، أَو كَانَ أقرب كإقراره لأم مَعَ وجود أَخ أَو عَم وَالرَّاجِح مِنْهُمَا الْمَنْع كَمَا تقدم فِي مَفْهُوم قَوْله: فذو عقوق وانحراف يحكم لَهُ بِهِ الخ. وَأما إِذا أقرّ لوَارث أبعد مَعَ وجود الْأَقْرَب كإقراره للْعصبَةِ مَعَ وجود أم أَو أقرَّ لأخ لأَب أَو لأم مَعَ وجود شَقِيق فَإِن إِقْرَاره صَحِيح اتِّفَاقًا كَمَا فِي (ق) عَن ابْن رشد، وَعَلِيهِ عول (خَ) إِذْ قَالَ: ومريض إِن وَرثهُ ولد لأبعد الخ. وَصَوَابه ومريض لوَارث أبعد كَمَا لشراحه. ثمَّ أَشَارَ إِلَى إِقْرَار الزَّوْجَة لزَوجهَا فِي الْمَرَض هُوَ كإقراره لَهَا فِي التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم فَقَالَ: وَحَالة الزَّوْجَةِ والزَّوْجُ سَوا وَالْقَبْضُ للدَّيْنِ مَعَ الدَّيْنِ اسْتَوَى (وَحَالَة) إِقْرَار (الزَّوْجَة) لزَوجهَا (و) إِقْرَار (الزَّوْج) لزوجته (سوا) ء بِفَتْح السِّين فيفصل فِيهِ بَين حبها لَهُ أَو بغضها أَو جهل حَالهَا على مَا مر (و) إِقْرَار أَحدهمَا للْآخر ب (الْقَبْض للدّين مَعَ) إِقْرَاره ب (الدّين اسْتَوَى) ابْن رشد. إِقْرَار الزَّوْجَة لزَوجهَا فِي الْمَرَض كإقراره هُوَ لَهَا فِيهِ، وَلَا فرق بَين أَن يقر أَحدهمَا لصَاحبه بدين فِي ذمَّته أَو بِأَنَّهُ قبض مَاله عَلَيْهِ اه. وإطلاقه يَشْمَل الأصدقة وَغَيرهَا، فَإِذا قَالَت فِي مَرضهَا: قبضت ديني أَو مُؤخر صَدَاقي فَإِن عرف بغضها لَهُ صَحَّ، وَكَذَا إِن جهل وورثها ابْن أَو بنُون إِلَّا أَن ينْفَرد بالصغير مِنْهَا، وَأما إِقْرَاره بِأَن كالىء صَدَاقهَا بَاقٍ فِي ذمَّته فَهُوَ عاطل مُطلقًا وَإِنَّمَا يفصل فِي غَيره كَمَا مرّ فِي قَوْله: وَإِن يكن لزوجة بهَا شغف الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى تعدد الْإِقْرَار فَقَالَ: وَمُشْهِدٌ فِي مَوْطِنَيْنِ بِعَدَدْ لِطَالِبٍ يُنْكِرُ أنَّه اتَّحَدْ (ومشهد) على نَفسه (فِي موطنين) أَي زمنين مثلا (بِعَدَد) وَاحِد مثل أَن يقر لرجل بِمِائَة دِرْهَم وَيشْهد بذلك شَاهِدَانِ، ثمَّ يقر لَهُ فِي موطن آخر بِمِائَة دِرْهَم أَيْضا، وَيشْهد بذلك شَاهِدَانِ آخرَانِ وَلم يَأْمُرهُم بالكتب وَلَا ذكر السَّبَب الَّذِي من أَجله ترَتّب عَلَيْهِ ذَلِك فالإقراران مَعًا (لطَالب) وَاحِد (يُنكر أَنه) أَي الْمَشْهُود بِهِ فِي الموطنين (اتَّحد) وَيَدعِي أَنَّهُمَا مِائَتَان وَقَالَ الْمَطْلُوب: هِيَ مائَة وَاحِدَة أشهد لَهُ بهَا مرَّتَيْنِ. لَهُمْ بِهِ قَوْلان وَالْيَمِينُ عَلَى كلَيْهِمَا لَهُ تَعْيينُ (لَهُم بِهِ) أَي بِهَذَا الْفَرْع (قَولَانِ) لمَالِك فَقَالَ مرّة: القَوْل للطَّالِب بِيَمِينِهِ، وَقَالَ مرّة: القَوْل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 للمطلوب بِيَمِينِهِ وَهُوَ معنى قَوْله: (وَالْيَمِين على كليهمَا لَهُ تعْيين) وَالَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ وَهُوَ الرَّاجِح أَن القَوْل للمطلوب، وَكَذَا لَو ادّعى على رجل بِمِائَة فَأقر لِرَبِّهَا وَادّعى الْقَضَاء وَأقَام شَاهِدين أَنه أقرّ أَنه قبض مِنْهُ خمسين وَآخَرين أَنه أقرّ أَنه قبض مِنْهُ خمسين فَقَالَ رب الْحق هِيَ خَمْسُونَ وَاحِدَة من الْمِائَة أشهدت لَك بهَا قوما بعد قوم فَهِيَ خَمْسُونَ وَاحِدَة إِلَّا أَن يكون أشهدهم فِي كتابين كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَقَوْلِي: وَلَا ذكر السَّبَب احْتِرَازًا مِمَّا إِذا ذكره فَإِنَّهُ إِن اتَّحد فَهِيَ مائَة وَاحِدَة، وَإِن تعدد ككونها من بيع وَالْأُخْرَى من سلف فمائتان، وَقَوْلِي: وَلم يَأْمُرهُم بالكتب احْتِرَازًا مِمَّا إِذا أَمرهمَا بِهِ أَولا وَثَانِيا فَهُوَ قَوْله: مَا لَمْ يَكُنْ ذَاك بِرَسميْنِ ثَبَتْ فَمَا ادَّعَاهُ مُشْهِدٌ لَا يُلْتَفَتْ (مَا لم يكن ذَاك) الْإِشْهَاد (برسمين ثَبت) فِي مَحل الْخلاف مُدَّة كَون الْإِشْهَاد لم يثبت فِي رسمين بل كَانَ فِي رسم وَاحِد أَو بِغَيْر رسم أصلا أَو برسمين بِأَمْر الْمقر لَهُ، أما إِذا كَانَا فِي رسمين بِأَمْر الْمقر (فَمَا ادَّعَاهُ مشْهد) من أَنَّهَا مائَة وَاحِدَة (لَا يلْتَفت) إِلَيْهِ وَيجب عَلَيْهِ المائتان. ابْن رشد: لَا خلاف فِي أَنه إِن كَانَ فِي كتاب وَاحِد أَنه حق وَاحِد، وَكَذَا الإخلاف فِي أَنه إِن أشهد قوما فِي كتاب ثمَّ أشهد آخَرين فِي كتاب آخر أَنه يقْضِي عَلَيْهِ بالمائتين، وَإِنَّمَا مَسْأَلَة الْخلاف وَإِذا أشهد شُهُودًا بعد شُهُود بِغَيْر كتاب وَبَينهمَا مُدَّة من الزَّمَان، وَإِن كتب صَاحب الْحق بِمَا شهد عَلَيْهِ كل جمَاعَة كتابا على حِدة لم يخرج بذلك عَن الْخلاف اه. وَحَاصِله أَن الصُّور الثَّلَاث: أَن يشْهد الْمقر جمَاعَة بعد أُخْرَى وَلم يكتبا أصلا أَو كتبا فِي كتاب وَاحِد، فَالْقَوْل للْمقر بِيَمِينِهِ أَنه حق وَاحِد على الرَّاجِح من الْقَوْلَيْنِ، فَإِن نكل حلف الطَّالِب وَأخذ الْمِائَتَيْنِ. وَالثَّانيَِة: أَن يشهدهما الْمقر ويأمرهما بِكِتَابَة مَا أشهدهما بِهِ فكتباه فِي ذكرين فَيلْزمهُ المائتان كَمَا فِي النّظم. الثَّالِثَة: أَن يأمرهما بِالْكِتَابَةِ الْمقر لَهُ فَيَقُول، لكل جمَاعَة: اكتبا لي مَا سمعتما من فلَان فَإِن الْمقر لَا يلْزمه إِلَّا مائَة على الرَّاجِح أَيْضا، وَهَذِه هِيَ الَّتِي أَشَارَ لَهَا ابْن رشد بقوله: وَإِن كتب صَاحب الْحق بِمَا أشهد عَلَيْهِ الخ. وَمَفْهُوم قَوْله: مشْهد الخ. أَنه لَو شهد اثْنَان أَنه قبض مائَة بمحضرهما يَوْم الْأَحَد، وَشهد آخرَانِ أَنه قبضهَا بمحضرهما يَوْم الِاثْنَيْنِ فَعَلَيهِ مِائَتَان أَيْضا انْظُر الشَّيْخ (م) وَلَا بُد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 وَمَنْ أَقَرَّ مَثَلاَ بِتِسْعَه وَصَحَّ أنْ دَفَعَ مِنْها السَّبْعَه (وَمن أقرّ) لزيد (مثلا بِتِسْعَة) دَنَانِير (وَصَحَّ) بِإِقْرَار زيد (إِن) قد (دفع) الْمقر (مِنْهَا السَّبْعَة) مثلا. ثُمَّ أَتَى مِنْ بَعْدِ ذَا بِبَيِّنَه بِقَبْضِ دِينارَيْنِ منْهُ مُعْلنَه (ثمَّ) لما طَالبه زيد بالاثنين الباقيين (أَتَى) الْمقر (من بعد ذَا) أَي إِقْرَار زيد (بِبَيِّنَة) شاهدة لَهُ (بِقَبض دينارين مِنْهُ معلنة) بذلك وبرىء على زَعمه، فَادّعى زيد المقرّ لَهُ أَن الدينارين الْمَشْهُود بهما داخلان فِي السَّبْعَة. فالْقَوْلُ قَوْلُه إنِ الخَصْمُ ادَّعَى دُخولَ دينَارَيْنِ فِيمَا انْدَفَعَا (فَالْقَوْل قَوْله) أَي الْمقر أَنَّهُمَا داخلان فِي السَّبْعَة (إِن) بِكَسْر الْهمزَة (الْخصم) وَهُوَ زيد (ادّعى دُخُول دينارين فِيمَا اندفعا) وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَأَشَارَ بِهِ لقَوْل ابْن سَلمُون. وَعَن ابْن الْقَاسِم وَأصبغ: لَو أقرّ لَك بِاثْنَيْ عشر دِينَارا فَثَبت قبضك تِسْعَة مِنْهَا بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار وَله بَيِّنَة بأَدَاء ثَلَاثَة، فَزَعَمت أَنَّهَا من التِّسْعَة فَالْقَوْل قَوْله بِأَنَّهَا سواهَا وبرىء من الْجَمِيع، وَنَحْوه فِي (ح) آخر الْإِقْرَار فَانْظُرْهُ إِن شِئْت، وَتَأمل قَول ابْن سَلمُون بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار، فَإِن الصَّوَاب حذف قَول بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ إِذا ثَبت لَهَا قبض تِسْعَة وَبَيِّنَة أُخْرَى ثَلَاثَة بالمعاينة فيهمَا فَإِنَّهُ يبرأ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَو شهِدت وَاحِدَة أَنه قبض مِنْهُ تِسْعَة بمحضرها ثمَّ ثَلَاثَة بمحضرها أَيْضا. وَبيْعُ مَن حَابَى من المُرْدُودِ إنْ ثَبَتَ التَّوْلِيجُ بالشُّهُودِ (وَبيع من حابى من الْمَرْدُود) تقدم بيع الْمُحَابَاة وتفصيله فِي فصل مصائلم من أَحْكَام البيع، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 أَنَّهُمَا قَولَانِ درج النَّاظِم هُنَاكَ على أَحدهمَا وَهنا على الآخر، والمحاباة هِيَ البيع بِأَقَلّ من الْقيمَة بِكَثِير لقصد نفع المُشْتَرِي أَو بِأَكْثَرَ لقصد نفع البَائِع، فَإِن لم يقْصد نفع من ذكر بل وَقع للْجَهْل بِقدر الثّمن فَهُوَ غبن، وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي فَصله. وَأما قَوْله: (إنْ ثَبت التوليج بالشهود) فَهُوَ بِأَو العاطفة على حابى أَي: وَبيع من حابى أَو ثَبت توليجه بالشهود فَهُوَ من الْمَرْدُود، وَهَذِه النُّسْخَة هِيَ الصَّوَاب لِأَن التوليج والمحاباة متباينان، لِأَن التوليج هُوَ الْعَطِيَّة فِي صُورَة البيع، والمحاباة هِيَ البيع بِأَقَلّ من الْقيمَة أَو بِأَكْثَرَ كَمَا مر، وَأما نُسْخَة إِن ثَبت الخ. بِأَن الشّرطِيَّة فَلَا تصح إِلَّا على تَأْوِيل حابى بولج، فَيكون الْمَعْنى وَبيع توليج من الْمَرْدُود وَإِن ثَبت التوليج بالشهود الخ. وَهِي حِينَئِذٍ على هَذِه النُّسْخَة مَسْأَلَة وَاحِدَة بِخِلَافِهِ على النُّسْخَة الْأُخْرَى فهما مَسْأَلَتَانِ. أما مَسْأَلَة الْمُحَابَاة على مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم هَهُنَا فَلَا فرق فِيهَا بَين الْوَارِث وَغَيره، فَإِذا بَاعَ من أَجْنَبِي أَو ابْنه أَو زَوجته أَو أم ولد لَهُ مَا يُسَاوِي مائَة بِعشْرَة وَيشْهد بذلك أَرْبَاب الْبَصَر وَلم يُخرجهُ من يَده وَلَا حيّز عَنهُ حَتَّى حصل الْمَانِع فبيعه مَرْدُود، وَلَيْسَ للْمُشْتَرِي إِلَّا ثمنه على أحد قَوْلَيْنِ وَهُوَ مَا للناظم هَهُنَا كَمَا مرّ والاتفاق الَّذِي فِي ابْن سَلمُون لَا يتم بِدَلِيل مَا تقدم فِي فصل أَحْكَام البيع، وَأما مَسْأَلَة التوليج فَلَا يرد البيع فِيهَا إِلَّا بِأحد أَمريْن. إِمَّا بِالإقْرَارِ أَوْ الإشْهَادِ لَهُم بهِ فِي وَقْتٍ الانْعِقَادِ (إِمَّا) بِأَن يشْهد الشُّهُود (بِالْإِقْرَارِ) من المُشْتَرِي بعد البيع وَحُصُول الْمَانِع للْبَائِع من موت أَو فلس أَو مرض أَن البيع إِنَّمَا كَانَ صُورَة وَإِنَّمَا هِيَ عَطِيَّة (أَو الْإِشْهَاد لَهُم) أَي للشُّهُود أَي أشهدهم المُشْتَرِي وَالْبَائِع (بِهِ) أَي بالتوليج (بِوَقْت الِانْعِقَاد) للْبيع فَيَقُولَانِ لَهُم وَقت العقد: اشْهَدُوا علينا بِأَن هَذَا البيع لَا حَقِيقَة لَهُ، وبمنزلة الْإِشْهَاد مَا إِذا حَضَرُوا مَعَهُمَا على وَجه الِاتِّفَاق وسمعوا مِنْهُمَا ذَلِك من غير إشهادهما إيَّاهُم. قَالَ ابْن سَلمُون: وَكَيْفِيَّة ثُبُوت التوليج أَن يَقُول الشُّهُود: توسطنا العقد بَينهمَا واتفقا مَعًا على أَن مَا عقداه من البيع والتصيير سمعة لَا حَقِيقَة لَهُ، أَو يَقُولُوا أقرّ لنا بذلك المُشْتَرِي بعد البيع اه. زَاد الشَّارِح: أَو يَقُولُوا أشهدنا فلَانا وَفُلَانًا على شَهَادَتهمَا بِأحد هذَيْن الْوَجْهَيْنِ اه. وَمَا زَاده إِنَّمَا هُوَ من بَاب النَّقْل للشَّهَادَة فَلَيْسَ خَارِجا عَمَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 فِي النّظم وَقَوْلِي: وَحُصُول الْمَانِع الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يحصل للْبَائِع مَانع فَإِن ذَلِك لَا يبطل بل هُوَ للْمُشْتَرِي إِن حازه كَانَ وَارِثا أم لَا. فَإِن ثَبت التوليج بِأحد الْأَمريْنِ فَلَا إِشْكَال، وَإِن لم يثبت بِمَا ذكر فَإِن لم يثبت ميل البَائِع للْمُشْتَرِي فَلَا يَمِين وَالْبيع صَحِيح. وَمَعْ ثُبُوتِ مَيلِ بائعٍ لِمَنْ مِنْه اشْتَرَى يَحْلِفُ فِي دَفع الثَّمَنْ (وَمَعَ ثُبُوت ميل بَائِع لمن) وَقع (مِنْهُ اشْترى يحلف) المُشْتَرِي (فِي دفع الثّمن) أَي أَنه دَفعه وَأَنه اشْترى شِرَاء صَحِيحا وَيصِح البيع، فَإِن نكل بَطل البيع بِمُجَرَّد نُكُوله لِأَنَّهَا يَمِين تُهْمَة لَا ترد، وَظَاهره أَنه لَا فرق بَين وَارِث وَغَيره وَهُوَ كَذَلِك، وَمَا فِي ابْن سَلمُون عَن فُقَهَاء قرطبة خلاف الْمُعْتَمد لِأَن التوليج لم يثبت بِأحد أَمريْن كَمَا فِي مصطفى، وَظَاهره أَيْضا أَنه يحلف وَلَو عَايَنت الْبَيِّنَة دَفعه وَهُوَ الظَّاهِر لِأَنَّهُ مَعَ الْميل قد يدْفع إِلَيْهِ الثّمن ليَرُدهُ إِلَيْهِ وينتفي الْيَمين عَنهُ، وَقد عقد فِي لامية الزقاق للتوليج فصلا أَطَالَ فِيهِ، وَذكرنَا فِي حاشيتنا عَلَيْهِ مَا يشفي الغليل إِن شَاءَ الله، فَعَلَيْك بِهِ. وَانْظُر الكراس الْحَادِي عشر من معاوضات المعيار فِي مَسْأَلَة الْوَصَايَا اخْتلف فِيهَا فُقَهَاء بجاية إِن أردْت زِيَادَة التوسيع فِي هَذَا الْمَعْنى. (فصل فِي حكم الْمديَان) الصِّيغَة للْمُبَالَغَة، وَالْمرَاد الْمَدِين. وقسمه النَّاظِم إِلَى أَقسَام: أَولهَا الْغَنِيّ الْمُوسر بِالدّينِ وَهُوَ معنى قَوْله: وَمَن عَلَيْهِ الدَّيْنُ إِمَّا مُوسِرُ فَمَطْلِ ظُلْمٌ وَلَا يُؤَخَّرُ (وَمن عَلَيْهِ الدّين إِمَّا مُوسر) فِي ظَاهر الْحَال يتهم بِمَال أخفاه كَمَا لِابْنِ سهل وَهُوَ يلبس الثِّيَاب الفاخرة وَله خدم وَلَا يعلم بأصول وَلَا عرُوض (فمطله ظلم) لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (مطل الْغَنِيّ ظلم) (وَلَا يُؤَخر) إِن لم يعد بِالْقضَاءِ وَلم يسْأَل التَّأْجِيل لثُبُوت عسره بل يسجن حَتَّى يُؤَدِّي فَإِن وعد بِالْقضَاءِ وَسَأَلَ التَّأْجِيل كاليومين وَالثَّلَاثَة أعْطى حميلاً بِالْمَالِ لِأَنَّهُ لما وعد بِالْقضَاءِ ظَهرت قدرته على المَال فَلم يقبل مِنْهُ إِلَّا حميل بِهِ وإلاَّ سجن، وَإِن سَأَلَ التَّأْجِيل لثُبُوت عسره فَإِنَّهُ يُؤَجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 بحميل بِوَجْهِهِ عِنْد ابْن الْقَاسِم وَهُوَ الرَّاجِح. وَقَالَ سَحْنُون: بِالْمَالِ ووفق بَينهمَا بِأَن قَول سَحْنُون فِي الملد وَقَول ابْن الْقَاسِم فِي غَيره، وَقَوله فِيمَا يَأْتِي وَالْحَبْس للملد وَالْمُتَّهَم الخ. هُوَ فِي ظَاهر الملاء أَيْضا فَالْأولى حذفه والاستغناء عَنهُ بِمَا هُنَا. تَنْبِيه: إِذا سجن ظَاهر الملاء وَطلب الْخُرُوج من السجْن لطلب مَا يَنْفَعهُ بحميل بِوَجْهِهِ ثمَّ يعود إِلَيْهِ إِن عجز عَن إِثْبَات مَا يَنْفَعهُ، فَإِنَّهُ يُمكن من ذَلِك قَالَه عِيَاض وَثَانِي الْأَقْسَام قَوْله: أوْ مُعْسِرٌ قَضاؤُهُ إضْرارُ فَينْبَغِي فِي شَأْنِهِ الإنْظَارُ (أَو مُعسر) لَا يعرف بناض وَلَكِن لَهُ عرُوض وأصول يحْتَاج فِي بيعهَا إِلَى فسحة وتوسعة فَإِنَّهُ يُؤَخر بِالِاجْتِهَادِ على قدر كَثْرَة المَال وقلته إِذْ (قَضَاؤُهُ) أَي القَاضِي بِبَيْعِهَا عَلَيْهِ عَاجلا من غير تَأْخِير فِيهِ (إِضْرَار) بِهِ (فَيَنْبَغِي) أَي يجب (فِي شَأْنه الإنظار) وَالتَّأْخِير بِقدر قلَّة المَال وكثرته كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وسلعة الْمديَان رهنا تجْعَل الخ. إِذْ هُوَ من تَتِمَّة مَا هُنَا وَظَاهره أَنه يُؤَخر بِدُونِ حميل لِأَن الرَّهْن كالحميل كَمَا يَأْتِي عَن ناظم عمل فاس إِذْ حَيْثُ جعلت السّلْعَة رهنا للأجل الْمَضْرُوب فَلَا سَبِيل لِرَبِّهَا إِلَى تفويتها، وَإِن فعل لم يمض تفويته إِيَّاهَا إِلَّا بعد أَدَاء مَا عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي مَا فِي ذَلِك ثمَّ هَذَا الْقسم دَاخل فِي مَعْلُوم الملاء (خَ) : وَأجل لبيع عرضه إِن أعْطى حميلاً بِالْمَالِ. تَنْبِيه: فَإِن ادّعى رب الدّين أَن لَهُ مَالا ناضاً وَطلب تَحْلِيفه فَيجْرِي ذَلِك على الِاخْتِلَاف فِي يَمِين التُّهْمَة والمعمول بِهِ توجيهها كَمَا مّر فِي بَاب الْيَمين، وَمُقَابِله لأبي عمر الأشبيلي أَنه لَا يَمِين عَلَيْهِ محتجاً بقول مَالك: جلّ النَّاس لَيْسَ لَهُم ناض أَي: وَالْحمل على هَذَا الْغَالِب وَاجِب وَإِلَى هَذَا الْخلاف أَشَارَ (خَ) بقوله: فَفِي حلفه على عدم الناض تردد وَمحله إِذا لم يُحَقّق الدَّعْوَى عَلَيْهِ وإلاَّ تَوَجَّهت اتِّفَاقًا، فَإِن نكل حلف الطَّالِب وأجبر الْمَطْلُوب على الْأَدَاء وَلَا يُؤَخر قَلِيلا وَلَا كثيرا كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وثالث الْأَقْسَام قَوْله: أوْ مُعْدِمٌ وَقَدْ أَبَانَ مَعْذِرَه فواجِبٌ إنظارُهُ لميْسِرَه (أَو معدم و) الْحَال أَنه (قد أبان) أَي أثبت (معذرة) بِأَن شهِدت بَيِّنَة لَا مطْعن فِيهَا بِعَدَمِهِ وَحلف مَعهَا وأخرجها أول جُلُوسه عِنْد الْحَاكِم (فَوَاجِب إنظاره لِميسرَة) لقَوْله تَعَالَى: وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة إِلَى ميسرَة} الْآيَة (الْبَقَرَة: 280) وَمَفْهُوم قَوْله: وَقد أبان معذرة الخ. إِنَّه إِذا لم يثبت عَدمه أول جُلُوسه عِنْد الْحَاكِم فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ إِمَّا ظَاهر الملاء، وَقد تقدم أَو مَجْهُول الْحَال وَيحبس لثُبُوت عسره إِن لم يَأْتِ بحميل بِوَجْهِهِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وحيثما يجهل حَال من طلب الخ: تَنْبِيه: ظَاهره أَنه لَا يلْزم بالتكسب وَهُوَ كَذَلِك مَا لم يداينه النَّاس ليقضيهم من صَنعته فقد قَالَ اللَّخْمِيّ: إِن الْمُفلس الصَّانِع يداين ليعْمَل وَيَقْضِي من عمله، ثمَّ عطل أجبر على الْعَمَل فَإِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 لد اُسْتُؤْجِرَ فِي صَنعته تِلْكَ. قَالَ ابْن عَرَفَة: فَيلْزم مثله فِي الزَّوْج فِي النَّفَقَة إِذا ترك صَنعته، وَأما نَفَقَة الْأَوْلَاد فَلَا خلاف أَنه لَا يجْبر على الصَّنْعَة قَالَه الْبُرْزُليّ فِي النِّكَاح. ورابع الْأَقْسَام قَوْله: ومَنْ عَلَى الأَمْوَالِ قد تَقَعَّدَا فالضَّرْبُ والسِّجْنُ عَلَيْهِ سَرْمَدَا (وَمن) كَانَ مَعْلُوم الملاء و (على الْأَمْوَال قد تقعدا) ويشمل الْمُعسر الَّذِي لَهُ عرُوض الْمُتَقَدّم فِي الْقسم الثَّانِي كَمَا مر. قَالَ فِي التَّوْضِيح: ومثلوا مَعْلُوم الملاء بِمن أَخذ أَمْوَال النَّاس وَيقْعد للتِّجَارَة، ثمَّ يَدعِي ذهابها وَلم يثبت مَا يصدقهُ من احتراق منزله أَو سَرقته أَو نَحْوهمَا، (فالضرب والسجن عَلَيْهِ سرمدا) عِيَاض: وَلَا يُؤْخَذ مِنْهُ حميل لِأَنَّهُ ملد ظَالِم إِلَّا أَن يلْتَزم الْحميل دفع المَال فِي الْحَال إِن عرف أَنه من أهل الناض. ابْن عبد السَّلَام: وَلَيْسَ للْإِمَام أَن يَبِيع عروضه كَمَا يَبِيعهَا على الْمُفلس لِأَن الْمُفلس قد ضرب على يَده وَمنع من مَاله. وَلَا الْتِفَاتَ عِنْدَ ذَا لبيِّنه لما ادَّعَى مِن عَدَمِ مُبيِّنه (وَلَا الْتِفَات عِنْد ذَا) أَي عِنْد تقعده على أَمْوَال النَّاس وادعائه الْعَدَم (لبينة لما ادّعى من عدم مبينَة) صفة لقَوْله لبينة، وَلما ادّعى مُتَعَلق بِهِ أَي: لَا يلْتَفت للبينة الشاهدة بِعَدَمِهِ دون أَن يشْهدُوا أَنه احْتَرَقَ منزله، أَو أَنه ذهب مَا بِيَدِهِ بِسَرِقَة أَو غصب أَو نزُول الْأَسْوَاق بِهِ وَنَحْو ذَلِك كَمَا للخمي وَنَصه: وَإِن شهِدت بَيِّنَة بالفقر سُئِلت كَيفَ علمت ذَلِك فَإِن كَانَ من قَول الْغَرِيم وشكواه ذهب مَا فِي يَدي وخسرت وَمَا أشبه ذَلِك لم تكن شَهَادَة، وَإِن قَالُوا: كُنَّا نرى تصرفه فِي بَيْعه وشرائه وَقدر أرباحه ونزول الْأَسْوَاق عَلَيْهِ وَنَفَقَته على عِيَاله وَنقص رَأس مَاله شَيْئا بعد شَيْء كَانَت شَهَادَة تَامَّة اه. وَنَحْوه للمازني، ودرج عَلَيْهِ فِي الشَّامِل فَقَالَ: وَلَا تقبل بَيِّنَة من علم ملاؤه إِلَّا بذهاب مَاله بِأَن تَقول: كُنَّا نرى بَيْعه وشراءه وَنَفَقَته وَنقص مَاله اه. وإنْ أَي بِضَامِنِ فبالأَدَا حَتَّى يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ قَعَدَا (وَإِن أَتَى) مَعْلُوم الملاء (بضامن ف) إِنَّه يقبل مِنْهُ الضَّامِن (بالأدا) ء كَمَا مّر عَن عِيَاض (حَتَّى يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ قعدا) ، وَظَاهره: أَن مَعْلُوم الملاء إِذا أَرَادَ أَن يُؤَدِّي بعض الْحق وأبى ربه من قبُوله إِلَّا بأَدَاء الْجَمِيع فَإِن القَوْل لرَبه وَهُوَ كَذَلِك على الْمُعْتَمد (خَ) : وَإِن علم بالناض لم يُؤَخر وَضرب مرّة بعد مرّة الخ. وَالظَّاهِر أَن ظَاهر الملاء إِذا سجن وتخلد فِي السجْن يجْرِي فِيهِ قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 فالضرب الخ. وَكَذَا الْمُعسر الَّذِي لَهُ أصُول وَأجل لبيعها فَلم يفعل بعد السجْن فَإِنَّهُ يضْرب أَيْضا إِذْ كل من لم يفد فِيهِ السجْن يضيق عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ. تَنْبِيه: بِمَنْزِلَة مَعْلُوم الملاء من أقرّ بالملاء ثمَّ ادّعى الْعَدَم فَفِي ابْن فتوح كتب الموثقين أَن الْمَدِين مَلِيء بِالْحَقِّ الَّذِي ثَبت عَلَيْهِ حسن فَإِن ادّعى الْعَدَم لم يصدق وَإِن قَامَت لَهُ بِهِ بَيِّنَة لِأَنَّهُ قد كذبهَا إِلَّا أَن تشهد بَيِّنَة بعطب حل بِهِ بعد إِقْرَاره، وَفِي وثائق الفشتالي والمعيار: أَن عدم قبُول الْبَيِّنَة بِالْعدمِ مِمَّن اعْترف بالملاء هُوَ الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ، ويسجن أبدا حَتَّى يُؤَدِّي دينه أَو تبيض عَيناهُ مَا لم تقم بَيِّنَة بطروء آفَة أذهبت مَاله بِنَهْب أَو سَرقَة أَو احتراق اه. وَانْظُر مَا قدمْنَاهُ فِي التَّنْبِيه السَّابِع عِنْد قَوْله: وَالْخلْع سَائِغ الخ. وخامس الْأَقْسَام قَوْله: وَحَيْثُما يُجْهَلُ حَالُ مَنْ طُلِبْ وَقصَدَ اخْتبارُهُ بِمَا يَجِبْ (وحيثما يجهل حَال من طلب) بدين هَل هُوَ مَلِيء أَو معدم فَإِنَّهُ يسجن إِلَى ثُبُوت فقره مَا لم يَأْتِ بحميل بِوَجْهِهِ فَإِن أَتَى بِهِ لم يسجن وَأخر لإِثْبَات عسره فَإِن أنقضى الْأَجَل وَلم يُثبتهُ أَو لم يَأْتِ بحميل أول الْأَمر فَلَا بُد من اختباره بالسجن والتضييق عَلَيْهِ كَمَا قَالَ: (وَقصد اختباره بِمَا يجب) من السجْن الْمَذْكُور، وَلَعَلَّ لَهُ مَالا أخفاه وَلَكِن حَبسه يخْتَلف بقلة المَال وكثرته كَمَا قَالَ: فَحَبْسُهُ مِقْدَارَ نِصْفِ شَهْرِ إنْ يَكُنْ الدَّيْنُ يَسِير القَدْرِ (فحسبه مِقْدَار نصف شهر إِن يكن الدّين يسير الْقدر) كالدريهمات كَمَا فِي الْمُقدمَات. والحَبْسُ فِي تَوَسُّطِ شَهْرَان وضعفُ ذين فِي الخَطِير الشّانِ (والحَبْسُ فِي توَسط) أَي فِي المَال الْمُتَوَسّط بَين الْقلَّة وَالْكَثْرَة (شَهْرَان وَضعف دين) وَهُوَ أَرْبَعَة أشهر فَيحْبس (فِي) المَال (الخطير الشان) وَوجه ذَلِك أَنه يحبس لاختبار حَاله، فَوَجَبَ أَن يكون على قدر الْحق الَّذِي عَلَيْهِ وَلم يذكرُوا للخطير حدا، وَلَعَلَّه يخْتَلف باخْتلَاف النَّاس قَالَه (ت) فَإِذا انْقَضى نصف الشَّهْر أَو الشهران فِي الْمُتَوَسّط أَو الْأَرْبَعَة فِي الْكثير سرح من السجْن وخلي سَبيله (خَ) : وَأخرج الْمَجْهُول إِن طَال حَبسه بِقدر الدّين والشخص. وَحَيْثُ جاءَ قبلُ بالْحميلِ بِالْوَجْهِ مَا لِلسِّجْنِ منْ سَبِيلِ (وَحَيْثُ جَاءَ) الْمَجْهُول وَمثله ظَاهر الملاء (قبل) أَي قبل حَبسه (بالحميل بِالْوَجْهِ) وَطلب التَّأْجِيل ليثبت عَدمه ف (مَا للسجن من سَبِيل) بل يُؤَجل، فَإِذا انْقَضى الْأَجَل وَلم يثبت مَا ادَّعَاهُ حبس حِينَئِذٍ للاختبار كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ أول التَّقْرِير (خَ) : وَحبس لثُبُوت عسره إِن جهل حَاله وَلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 يسئل الصَّبْر لَهُ بحميل بِوَجْهِهِ الخ. وَإِنَّمَا يحبس فِي مُجَرّد الدَّعْوَى بعد حلف الْمُدَّعِي أَن مَا ادَّعَاهُ حق كَمَا مر. عِنْد قَوْله: وضامن الْوَجْه على من انكرا دَعْوَى امرىء خشيَة ان لَا يحضرا الخ وَسِلعةُ المِدْيان رهنا تُجْعَلُ وَبَيْعُهَا عَلَيْهِ لَا يُعَجَّلُ (وسلعة الْمديَان) يُرِيد رب الدّين تَعْجِيل بيعهَا عَلَيْهِ وَطلب رَبهَا أَن لَا تفوت عَلَيْهِ وتوضع رهنا ويؤجل أَيَّامًا فَينْظر فِي الدّين فَإِن رَبهَا يُجَاب إِلَى ذَلِك، و (رهنا تجْعَل وَبَيْعهَا عَلَيْهِ لَا يعجل) لما فِي التَّعْجِيل من الضَّرَر بِهِ. وَحَقُّهُ مَعْ ذَاكَ أنْ يُؤَخَّرَا بِحَسَب المالِ لِما القاضِي يَرَا (وَحقه مَعَ ذَاك) أَي مَعَ جعلهَا رهنا (أَن يؤخرا) أَََجَلًا (بِحَسب المَال) قلَّة أَو كَثْرَة (لما القَاضِي يرى) بِاجْتِهَادِهِ. هَذَا الَّذِي جرى بِهِ الحكم وَمضى بِهِ الْعَمَل، وتدل عَلَيْهِ الرِّوَايَات عَن مَالك وَأَصْحَابه قَالَه ابْن رشد. وَتقدم أَن هَذِه الْمَسْأَلَة من تَتِمَّة الْقسم الثَّانِي، بل لَو اسْتغنى بِهِ عَنْهَا لكفاه لِأَنَّهُ إِذا كَانَ يُؤَجل من غير رِضَاهُ بجعلها رهنا فأحرى مَعَ رِضَاهُ بذلك. تَنْبِيه: فِي نَوَازِل الْبُرْزُليّ مَا نَصه: كتب إِلَى شُيُوخ قرطبة فِيمَن عَلَيْهِ دين وَله أصُول مَأْمُونَة فَسَأَلَ تَأْخِيره حَتَّى يَبِيع الْأُصُول هَل يعْطى حميلاً بِالْوَجْهِ على مَا يُفْتِي بِهِ أهل طليطلة؟ فَأجَاب ابْن عتاب: يلْزمه حميل بِالْمَالِ كَانَ لَهُ أصُول أَو لم يكن، وَبِه جرى الْعَمَل. قَالَ: وَيلْزم الْحميل وَلَو كَانَ بيد الطَّالِب رهن حَتَّى ينصفه وَهُوَ مَذْهَب الشُّيُوخ، وَأفْتى ابْن مَالك إِن كَانَ الْمَطْلُوب مَعْرُوف الْعين ظَاهر الملاء فَلَا أرى الْحميل بِالْأَمر اللَّازِم اه. وَإِلَى الأول أَشَارَ (خَ) بقوله: وَأجل لبيع عرضه إِن أعْطى حميلاً بِالْمَالِ كَمَا مر، وَإِنَّمَا نَقَلْنَاهُ لما فِيهِ من زِيَادَة الْفَائِدَة وَهِي أَنه يلْزمه الضَّامِن بِالْمَالِ وَلَو كَانَ بيد الطَّالِب رهن وتأمله مَعَ قَوْله بعد. سُئِلَ سَحْنُون عَمَّن وَجب عَلَيْهِ غرم مَال؟ فَقَالَ: هَذَا ربعي لم أجد من يَشْتَرِيهِ فَطلب مِنْهُ الطَّالِب حميلاً بِالْوَجْهِ فَقَالَ: لَا حميل عَلَيْهِ إِذا بذل من نَفسه ذَلِك وَلم يتهم، فَإِن زعم الطَّالِب أَنه يَقُول للْمُشْتَرِي: لَا تشتري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 فَإِن الْحَاكِم يشيده ثمَّ يَبِيعهُ بِالْخِيَارِ رَجَاء الزِّيَادَة اه. وَلَكِن مَا أفتى بِهِ ابْن مَالك وَقَالَهُ سَحْنُون هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عمل فاس قَالَ ناظمه: وَمن بدين قد أقرّ بسجن إِن لم يجىء برهن أَو من يضمن وَإِذا جعله رهنا وأشاده الْحَاكِم للْبيع بعد انْقِضَاء مَا أَجله إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يجْرِي على قَول (خَ) : وَعجل بيع الْحَيَوَان وَاسْتوْفى بعقاره كالشهرين الخ. وَقد تقدم أَنه إِذا انْقَضى الشهران يُبَاع وَلَو لم يبلغ الْقيمَة لِأَنَّهُ غَايَة الْمَقْدُور، وَكَذَا قَالَ ابْن رشد فِي بيع ربع الْيَتِيم للنَّفَقَة عَلَيْهِ اه. وَالحَبْسِ لِلْمُلِدِّ وَالمُتَّهَمْ إِلَى الأداءِ أَوْ ثُبُوتِ العَدَمْ (وَالْحَبْس للملد وَالْمُتَّهَم) يسْتَمر (إِلَى الْأَدَاء أَو ثُبُوت الْعَدَم. ولَيْسَ يُنْجِيه مِن اعتقالِ إلاَّ حميلٌ غارمٌ للمالِ و) إِن وعد بِقَضَاء ف (لَيْسَ ينجيه من اعتقال. إِلَّا حميل غَارِم لِلْمَالِ) هَذَا هُوَ ظَاهر الملاء الْمُتَقَدّم، وَظَاهره أَنه لَا بُد لَهُ من حميل بِالْمَالِ وعد بِالْقضَاءِ أَو سَأَلَ التَّأْجِيل لثُبُوت عسره، وَهَذَا قَول سَحْنُون. وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الْمُقدمَات وَابْن سَلمُون، وتبعهما النَّاظِم. وَلَكِن الْمَشْهُور التَّفْصِيل بَين أَن يعد بِالْقضَاءِ فيؤجل بالحميل بِالْمَالِ اتِّفَاقًا كَمَا قَالَ (خَ) : وَإِن وعد بِالْقضَاءِ وَسَأَلَ تَأْخِيرا كَالْيَوْمِ أعْطى حميلاً بِالْمَالِ وَبَين أَن يسْأَل التَّأْجِيل لثُبُوت عسره فبحميل بِالْوَجْهِ عِنْد ابْن الْقَاسِم وَهُوَ الرَّاجِح. وَقَالَ سَحْنُون بِالْمَالِ أَيْضا. قَالَ ابْن سهل: وَأما من ظَاهره الملاء وَلم يعلم ملاؤه وَلَكِن يتهم على إخفاء المَال فَقَالَ سَحْنُون وَغَيره: يسجن حَتَّى يتَبَيَّن أمره. قَالَ سَحْنُون: وَلَا يُؤْخَذ مِنْهُ حميل بِالْوَجْهِ وَلَكِن بِالْمَالِ. قَالَ ابْن الْقَاسِم: يُؤْخَذ مِنْهُ الْحميل، وفهموه على أَنه يُرِيد حميل الْوَجْه، وَاخْتلف فِي قَول ابْن الْقَاسِم وَسَحْنُون فَقيل خلاف، وَقيل وفَاق. فَيحمل قَول سَحْنُون على إِنَّه كَانَ ملداً ظَاهر الملاء. وَقَول ابْن الْقَاسِم على غَيره اه. وَنَقله فِي التَّوْضِيح ودرج عَلَيْهِ فِي الشَّامِل فَقَالَ: وَمن تفالس وَظَاهره الملاء سجن أَيْضا وَلَو شهِدت بَيِّنَة بفقره إِن لم تزك وَحَيْثُ يقبل مِنْهُ الْحميل فَهَل بِمَال أَو وَجه؟ وَرجح قَولَانِ وَهل الْقَوْلَانِ على ظاهرهما أَو الأول للملد وَالثَّانِي لغيره؟ خلاف اه. ابْن رحال: الرَّاجِح فِيمَا يظْهر لنا أَنه وفَاق بِدَلِيل اقْتِصَار العبدوسي عَلَيْهِ اه. وَقد علمت من هَذَا أَن الرَّاجِح قَول ابْن الْقَاسِم وَإِن كَانَ فِي الْمُقدمَات اقْتصر على قَول سَحْنُون وَتَبعهُ ابْن سَلمُون والناظم وَقَررهُ (م) وَمن تبعه على ظَاهره، وَقد علمت أَيْضا أَن هَذَا لَيْسَ قسما زَائِدا على الْأَقْسَام الْمُتَقَدّمَة، وَأَن جعلهم الْمَجْهُول يَنْقَسِم إِلَى مُتَّهم وَغَيره غير سديد إِذْ لم يقلهُ أحد لِأَن الملد الْمُتَّهم غير الْمَجْهُول إِذْ لَا يحكم عَلَيْهِ باللدد والتهمة حَتَّى يكون ظَاهره يُخَالف دَعْوَاهُ وَهُوَ ظَاهر الملاء حِينَئِذٍ وَالله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 وَبِالْجُمْلَةِ: فالأقسام ثَلَاثَة: مَجْهُول الْحَال، وَظَاهر الملاء وَعنهُ عبر ابْن رشد بالملد وَالْمُتَّهَم، وَمَعْلُوم الملاء وَيدخل فِيهِ الْمُعسر الَّذِي لَهُ عرُوض كَمَا مر التَّنْبِيه عَلَيْهِ، فَإِن كَانَ ثَابت الْعَدَم من أول الْأَمر كَانَت الْأَقْسَام أَرْبَعَة، وَلِهَذَا كَانَ الأولى للناظم حذف الأول من هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَيذكر ثَانِيهمَا عقب قَوْله: وَلَا يُؤَخر، ويحذف أَيْضا قَوْله: أَو مُعسر لِأَنَّهُ دَاخل فِي قَوْله: وَمن على الْأَمْوَال قد تقعدا الخ. كَمَا يحذف أَيْضا قَوْله: وَحَبْسُ مَنْ غَابَ عَلى المَالِ إِلَى أدَائِهِ أَوْ مَوْتِهِ مُعْتَقِلا (وَحبس من غَابَ على المَال) مُسْتَمر (إِلَى أَدَائِهِ أَو مَوته معتقلا) إِذْ هُوَ مَعْلُوم الملاء. وَقد تقدم لَهُ حكمه، وَبِالْجُمْلَةِ فقد وَقع للناظم رَحمَه الله فِي هَذِه الأبيات الْخَمْسَة عشر مَعَ الأبيات الثَّلَاثَة بعْدهَا من التَّدَاخُل والإطناب وَعدم التَّرْتِيب والإخلال بِبَعْض الْقُيُود مَا لَا يخفى، وَقد كنت أصلحتها فِي هَذِه الأبيات وَنَصهَا: وَمن عَلَيْهِ الدّين إِمَّا ظَاهر أَو مُبْهَم فِي حَاله أَو مُوسر فَأول يسجن للْأَدَاء مَا لم يكن وعد بِالْقضَاءِ فبحميل الْوَجْه جَاءَ ينظر عَنْهُم بِغَيْر ذَاك لَا يُؤَخر وَإِن يكن سَأَلَ للعدم الاجل فبحميل الْوَجْه فِي القَوْل الْأَجَل وَحَيْثُ جَاءَ الثَّانِي بالحميل بِالْوَجْهِ مَا للسجن من سَبِيل وَإِن يكن عَن الْحميل عَجزه فَوَاجِب بِالسنةِ اختباره فالدين إِن كَانَ يسير الْقدر فسجنه مِقْدَار نصف شهر وَالْحَبْس فِي توسيطه شَهْرَان وَضعف ذين فِي الخطير الشان وثالث بِالضَّرْبِ والسجن حكم وعسره الثَّابِت بعد كَالْعدمِ إِلَّا إِذا أشهد بالذهاب لِلْمَالِ بالحرق والاغتصاب وَإِن أَتَى بضامن فبالأدا حَتَّى يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ قعدا وكل من سَأَلَ تأجيلا لما يَبِيع من عروضه مُلْتَزما فبحميل المَال قد يُؤَجل بِقدر دينه يكون الْأَجَل وَقَوْلنَا: وكل من سَأَلَ الخ. يَشْمَل مَعْلُوم الملاء وَظَاهره ومجهوله إِذْ بِطَلَبِهِ التَّأْجِيل للْبيع علم ملاؤه. وَغَيْرُ أهْلِ الوَفْرِ مَهْمَا قَصَدا تأْخِيرَهُ وَبالقَضَاءِ وَعَدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 542 (وَغير أهل الوفر) وَهُوَ فِي اللُّغَة المَال الْكثير، وَالْمرَاد بِهِ هُنَا مُطلق المَال وَغير أَهله هُوَ ظَاهر الملاء ومجهوله (مهما قصدا) أَي طلب (تَأْخِيره وبالقضاء وَعدا. مُكِّنَ مِنْ ذَاكَ بِضَامِنِ وإنْ لم يأتِ بالضَّامِنِ لِلْمَالِ سُجِنْ مكن من ذَاك بضامن) بِالْمَالِ (وَإِن لم يَأْتِ بالضامن بِالْمَالِ سجن) كَمَا مر فِي قَول (خَ) وَإِن وعد بِقَضَاء وَسَأَلَ تَأْخِيرا كاليومين أعْطى حميلاً بِالْمَالِ وَإِلَّا سجن الخ. وَإِنَّمَا أدخلنا فِي كَلَامه الْمَجْهُول لِأَنَّهُ بوعده بِالْقضَاءِ انْتَفَى جَهله. وَمَنْ لَهُ وَفْرٌ فَلَيْسَ يُضْمَنُ فَإنْ قَضَى الْحَقَّ وَإلاَّ يُسْجَنُ (وَمن لَهُ وفر) وَهُوَ مَعْلُوم الملاء الْمَعْرُوف بالناض (فَلَيْسَ يضمن) وَلَا يُؤَخر (فَإِن قضى الْحق) الَّذِي عَلَيْهِ بذلك الناض فَذَاك (وَإِلَّا) يقضه (يسجن) (خَ) : وَإِن عرف بالناض لم يُؤَخر وَضرب الْمرة بعد الْمرة. وَأَوْجَبَ ابْنُ زَرْبٍ أَنْ يُحَلّفَا مَنْ كَانَ باكْتِسَابِ عَيْنٍ عُرفا (وَأوجب) القَاضِي أَبُو بكر (ابْن زرب أَن يحلفا من كَانَ باكتساب عين عرفا) وهم التُّجَّار لِأَن الْغَالِب على أَحْوَالهم حُضُور الناض، وَتقدم عِنْد قَوْله: أَو مُعسر الخ. أَن هَذِه الْيَمين جَارِيَة على إِيمَان التهم وَالْمَعْرُوف توجهها من غير فرق بَين تجار وَغَيرهم، وَابْن زرب توَسط فِي ذَلِك فأوجبها على التُّجَّار دون غَيرهم. ومُحْمِلُ النَّاسِ عَلَى حَال المَلاَ عَلَى الأَصَحِّ وَبِهِ الحُكْمُ خَلا (ومحمل النَّاس على حَال الملا) ء فَمن ادّعى الْعَدَم فَعَلَيهِ إثْبَاته (على الْأَصَح) قَالَه ابْن الْحَاج (وَبِه الحكم) وَالْعَمَل (خلا) وَمضى. وَهَذَا مِمَّا قدم فِيهِ الْغَالِب على الأَصْل لِأَن الْإِنْسَان يُولد وَلَا شَيْء لَهُ لَكِن الْغَالِب عَلَيْهِ التكسب وَصفَة الشَّهَادَة بِالْعدمِ أَن يَقُولُوا: نَعْرِف فلَانا الْمعرفَة التَّامَّة ونشهد بِأَنَّهُ فَقير عديم لَا نعلم لَهُ مَالا ظَاهرا وَلَا بَاطِنا، فَإِن قطع الشُّهُود وَقَالُوا: لَا مَال لَهُ ظَاهرا وَلَا بَاطِنا فَقيل: لَا تجوز لِأَنَّهَا تحمل على ظَاهرهَا من الْبَتّ، وَقيل تجوز وَتحمل على الْعلم، فَإِن صَرَّحُوا بالبت وَالْقطع لم تجز قولا وَاحِدًا قَالَه ابْن رشد. وَقد يغْتَفر للعوام التَّصْرِيح بِالْقطعِ فِيهَا قِيَاسا على مَا قيدوا بِهِ قَول (خَ) : أَو شهد وَحلف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 وَيَشْهَدُ الناسُ بِضْعَفٍ أَوْ عَدَمْ وَلا غِنَى فِي الحَالَتيْنِ مِنْ قَسَمْ (و) يجوز أَن (يشْهد النَّاس) للْمَدِين (بِضعْف) لحاله وَقلة ذَات يَده لضعف صَنعته أَو تِجَارَته، وصفتها أَن يَقُولُوا: يعرف شُهُوده فلَانا ويعلمونه ضَعِيف الْحَال بَادِي الإقلال قَلِيل ذَات الْيَد مَقْدُورًا عَلَيْهِ فِي رزقه وحاله مُتَّصِلَة على ذَلِك إِلَى الْآن فِي علمهمْ، فَإِذا ثَبت هَذَا الرَّسْم أَخذ مِنْهُ الْقَلِيل الَّذِي فِي يَده وَدفع للْغُرَمَاء بعد أَن يحلف أَن لَا شَيْء لَهُ غَيره (أَو عدم) أَي كَمَا يجوز أَن يشْهد النَّاس للْمَدِين بِالْعدمِ الْمَحْض وَأَنه لَا شَيْء لَهُ فِي علمهمْ كَمَا مر قَرِيبا فَإِن شهِدت إِحْدَاهمَا بالضعف أَو الْعَدَم وَشهِدت أُخْرَى لرب الْحق بالملاء فَإِن بَيِّنَة الملاء تقدم على الْمَعْمُول بِهِ بيّنت أم لَا. كَمَا فِي الأَجْهُورِيّ خلافًا لما فِي (خَ) من أَنَّهَا لَا تقدم إِلَّا إِذا بيّنت أَنه أخْفى مَالا أَو عينت لَهُ دَارا مثلا كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَمن بِمَالِه أحَاط الدّين الخ. وَتَقَدَّمت هَذِه الْمَسْأَلَة آخر الشَّهَادَات عِنْد الْكَلَام على تعَارض الْبَينَات فانظرها هُنَاكَ مَعَ نظائرها. (وَلَا غنى فِي الْحَالَتَيْنِ) وهما شَهَادَتهم بالضعف وشهادتهم بِالْعدمِ (من) أَي عَن (قسم) من الْمَدِين لِأَنَّهُ إِنَّمَا شهدُوا لَهُ بِظَاهِر الْحَال، فَلَا بُد من حلفه على الْبَاطِن وَاخْتلف هَل يحلف. بمَا اقْتَضاه الرَّسْمُ لَا اليقينِ إذْ لاَ يَصِحُّ بَتُّ ذِي اليَمِينِ (بِمَا) أَي على وفَاق مَا (اقْتَضَاهُ الرَّسْم) فَيقسم أَنه لَا يعلم لنَفسِهِ مَالا ظَاهرا وَلَا بَاطِنا على طبق مَا شهدُوا لَهُ بِهِ فِي الرَّسْم و (لَا) يُكَلف الْحلف على (الْيَقِين) والبت بِأَن يَقُول: لَا مَال لي وَهُوَ الَّذِي اعْتَمدهُ (خَ) والناظم وَعلله بقوله: (إِذْ لَا يَصح بت ذِي الْيَمين) لِإِمْكَان إِرْثه مَالا لم يعلم بِهِ أَو يحلف على الْبَتّ وَالْقطع فَيَقُول: لَا مَال لَهُ ظَاهرا وَلَا بَاطِنا وَإِن وجده ليقضينه وَهُوَ الْمَذْهَب، فَإِذا حلف أخر المعدم وَأخذ من الضَّعِيف مَا بِيَدِهِ وَدفع للْغُرَمَاء (خَ) : وَترك لَهُ قوته وَالنَّفقَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ لظن يسرته، ثمَّ إِذا ادّعى الطَّالِب عَلَيْهِ بعد هَذِه الْيَمين أَنه أَفَادَ مَالا لم يحلف الْمَدِين لرد هَذِه الدَّعْوَى لِأَنَّهُ قد حلف على ذَلِك حَيْثُ قَالَ: وَإِن وجده ليقضينه إِذْ لَا فَائِدَة لتِلْك الزِّيَادَة إِلَّا ذَاك. وَمَنْ نُكُولُهُ عَن الحَلْفِ بَدَا فَإنَّهُ يُسْجَنُ بَعْدُ أَبَدَا (وَمن نُكُوله عَن الْحلف بدا فَإِنَّهُ يسجن بعد أبدا) وَلَا يسرح حَتَّى يُؤَدِّي دينه لِأَن نُكُوله تُهْمَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 وَحَيْثُ تَمَّ رَسْمُهُ وَعُدَّمَا كانَ عَدِيماً لأولاءِ الغُرَمَا (وَحَيْثُ تمّ رسمه) وَحلف مَعَه (وعدما) بتَشْديد الدَّال أَي حكم الْحَاكِم بِعَدَمِهِ أَو ضعفه (كَانَ عديماً لأولاء الغرما) فَلَا مُطَالبَة لَهُم عَلَيْهِ وَلَو طَال الزَّمَان. إلاَّ إذَا اسْتَفَادَ مِنْ بعدِ العَدَمْ مَالا فَيَطْلُبُونَهُ بالمُلْتَزَمْ (إِلَّا أَن) يعلم أَنه (اسْتَفَادَ من بعد الْعَدَم) الثَّابِت بِالْبَيِّنَةِ (مَالا) بِإِرْث أَو هبة أَو تِجَارَة (ف) إِنَّهُم حِينَئِذٍ (يطلبونه بالملتزم) من الدّين الْبَاقِي فِي ذمَّته وَلَو داين غَيرهم من بعد ثُبُوت عَدمه فَقَامَ عَلَيْهِ غير الْأَوَّلين فَلَا دُخُول للأولين مَعَهم إِلَّا فِيمَا يحصل لَهُ من الرِّبْح، وَإِذا مَضَت مُدَّة من الْعَدَم الأول فَإِنَّهُ يُكَلف تَجْدِيد عدم للآخرين، وَإِن عَدمه الأول مُتَّصِل إِلَى الْآن وَلَا يعلمُونَ أَنه اسْتَفَادَ مَالا إِلَى قيام هَؤُلَاءِ الآخرين عَلَيْهِ، لِأَن الآخرين لم يحكم عَلَيْهِم وَلَا عذر لَهُم فِي شُهُود الْعَدَم الأول فَيجب أَن يجدد الْبَيِّنَة باتصال عَدمه ويعذر إِلَيْهِم فِيهَا قَالَه فِي الطرر وَابْن سَلمُون. وَمَفْهُوم قَوْله: إِلَّا إِن اسْتَفَادَ مَالا أَنه إِذا لم يعلم أَنه اسْتَفَادَ شَيْئا فَهُوَ على عَدمه وَإِن طَال الزَّمَان كَمَا قَررنَا. قَالَ ابْن نَاجِي: وَبِه الْعَمَل، وَفِي المعيار وَابْن سَلمُون عَن ابْن الْحَاج: إِنَّمَا ينْتَفع بِبَيِّنَة عَدمه إِلَى سِتَّة أشهر فَإِن زَادَت الْمدَّة عَلَيْهَا فَلَا بُد من اسْتِئْنَاف عدم آخر. قَالَ ابْن عَاشر فِي طرره: وَبقول ابْن الْحَاج رَأَيْت الْعَمَل بفاس اه. ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق. وَيَنْبَغِي إعْلانُ حَالِ المُعْدَمِ فِي كلِّ مَشْهَدٍ بِأَمْرِ الحَاكِمِ (و) إِذا ثَبت الْعَدَم بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي لَا مطْعن فِيهَا ف (يَنْبَغِي إعلان حَال المعدم) وإشهار عَدمه (فِي كل مشْهد) فيطاف بِهِ فِي الْمجَالِس والأسواق (بِأَمْر الْحَاكِم) ليعلم النَّاس عَدمه فَلَا يغتر بِهِ أحد وَلَا يعامله أحد إِلَّا على بَصِيرَة من أمره قَالَ الشَّارِح: مَا ذكره النَّاظِم من إعلان حَاله وَهُوَ الَّذِي جرى بِهِ الْعَمَل من قُضَاة الْعدْل. وَالْأَصْل فِي ذَلِك فعل عمر رَضِي الله عَنهُ اه. وَهَذَا الإشهار نَظِير إشهار من حجر عَلَيْهِ القَاضِي وَقدم عَلَيْهِ (خَ) : ونادى بِمَنْع مُعَاملَة يَتِيم وسفيه، وَفِي المعيار عَن العبدوسي فِي امْرَأَة مُسِنَّة باعت حظها من دَار ثمَّ ثَبت حجرها قَالَ: وَأما النداء عَلَيْهَا فَلَيْسَ من حق المُشْتَرِي خَاصَّة بل من حُقُوق الْمُسلمين كَافَّة يُنَادى عَلَيْهَا فِي المحافل مكشوفة الْوَجْه لتعرف هَذِه فُلَانَة الساكنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 بِموضع كَذَا ثَبت عِنْد القَاضِي حجرها فكونوا على حذر من معاملتها الخ. ويقام كل من الْمُفلس والمحجر عَلَيْهِ من السُّوق قَالَ فِي الشَّامِل: ويقام الْمُفلس من السُّوق على الْأَصَح كسفيه حجر عَلَيْهِ اه. وَذكر ابْن نَاجِي أَن الْعَمَل على عدم إشهار المعدم وَعدم إطاقته قَالَ: وَكَذَا الْعَمَل أَنه لَا يُقَام من السُّوق ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق أَيْضا، وَلَكِن تقدم فِي غير مَا مَوضِع أَن عمل فاس تَابع لعمل الأندلس لَا لعمل تونس فَلَا يعول على مَا لِابْنِ نَاجِي لما فِيهِ من غرر الْمُسلمين، وَلِأَن الرجل إِذا علم إشهاره عِنْد عَدمه لم يتجرأ على أَخذ الدّين وَإِذا أَخذه حمله ذَلِك على الْقَضَاء وَلِأَنَّهُ الْوَارِد عَن السّلف فَلَا يَنْبَغِي للْقَاضِي إهمال هَذَا الْفَصْل بِحَال، وإلاَّ فقد تعرض لتضييع حُقُوق الْمُسلمين وَهُوَ وَاجِب عَلَيْهِ حفظهَا وَالله أعلم. وَمُثْبِتٌ لِلضَّعف حالُ دَفْعهِ لغُرَمَائِهِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ (ومثبت) مُبْتَدأ سوغه تعلق (للضعف) بِهِ (حَال دَفعه) مُبْتَدأ ثَان (لغرمائه) يتَعَلَّق بِدفع (بِقدر وَسعه) خبر الثَّانِي وَالثَّانِي وَخَبره خبر الأول، وَتقدم أَنه يدْفع لغرماء مَا بِيَدِهِ بعد حلفه وَهُوَ مُرَاده بِقدر وَسعه وطاقته، وَكَانَ الْأَنْسَب تَقْدِيم هَذَا الْبَيْت هُنَاكَ. وَطَالِبٌ تَفْتِيشَ دَارِ المُعْسِرِ ممتَنِعٌ إسْعَافُهُ فِي الأَكْثَرِ (وطالب تفتيش دَار) الْمَدِين (الْمُعسر) أَي مدعي الْعسر وَقبل ثُبُوته وحلفه نازعه رب الدّين وَادّعى أَن لَهُ أَمْوَالًا وأمتعة بداره وَسَأَلَ تفتيشها (مُمْتَنع إسعافه) أَي فَلَا يُجَاب إِلَى تفتيشها (فِي) قَول (الْأَكْثَر) ابْن عتاب وَابْن مَالك وَمن وافقهما. قَالَ ابْن نَاجِي: وَبِه الْعَمَل وَمُقَابِله لفقهاء طليطلة، وَقَالَهُ ابْن شعْبَان وَابْن الْقطَّان وَرجحه ابْن رشد. وَقَالَ ابْن سهل: أَنا أرَاهُ حسنا فِيمَن ظَاهره اللدد والمطل اه. قَالَ بعض: وَهُوَ اللَّائِق بِهَذَا الزَّمَان لِكَثْرَة اللدد والمطل. قلت: وَهُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده وَعَلِيهِ فَمَا ألفى فِي دَاره من مَتَاع النِّسَاء فادعته زَوجته فَهُوَ لَهَا، وَمَا ألفى فِيهَا من مَتَاع الرِّجَال بيع وَقضى مِنْهُ دينه وَهُوَ مَحْمُول على أَنه لَهُ كَمَا يَأْتِي عِنْد قَول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 النَّاظِم: وَهُوَ مُصدق إِذا مَا عينا الخ. من أَنه لَا يصدق فِي دَعْوَاهُ أَنه عَارِية أَو وَدِيعَة حَتَّى يثبت ذَلِك بل يعين رَبهَا وَيشْهد لَهما النَّاس بذلك كَمَا قَالَ (خَ) : وَقبل تَعْيِينه الْقَرَاض والوديعة إِن قَامَت بَيِّنَة بِأَصْلِهِ أَي: بِأَن عِنْده قراضا أَو وَدِيعَة وَإِن لم تشهد بِعَينهَا، وَمَفْهُوم دَار أَنه إِذا سَأَلَ تفتيش جيبه أَو كمه أَو كيسه فَإِنَّهُ يُجَاب إِلَى ذَلِك وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ أخف من الدَّار. قَالَ ابْن نَاجِي: وَبِه حكمت. (فصل فِي الْفلس) مُشْتَقّ من الْفُلُوس عِيَاض: لِأَن الْمُفلس صَار ذَا فلوس بعد أَن كَانَ ذَا ذهب وَفِضة الخ. وَالْمرَاد أَنه صَار وضيعاً بعد أَن كَانَ ذَا عز وَشرف، وَفِي الْخَبَر الصَّحِيح: (إِن نفس الْمُؤمن مَرْهُونَة بِدِينِهِ) أَي محبوسة عَن مقَامهَا الْكَرِيم فِي البرزخ فَلَا تكون منبسطة فِيهِ مَعَ الْأَرْوَاح المنبسطة فِيهِ، ومحبوسة أَيْضا بِمَعْنى معوقة عَن دُخُول الْجنَّة حَتَّى يرضيه الله من عِنْده، أَو يعوضه بِقدر دينه من حَسَنَاته إِن وجدت فَإِن لم تُوجد طرح عَلَيْهِ من سيئاته انْظُر (ز) . وَاعْلَم أَن لمن أحَاط الدّين بِمَالِه ثَلَاثَة أَحْوَال: الأولى: قبل قيام الْغُرَمَاء فَلَا يجوز لَهُ تصرف فِي شَيْء من مَاله بِغَيْر عوض كَالْهِبَةِ وَالصَّدَََقَة وَالْعِتْق وَالْإِقْرَار لمن يتهم عَلَيْهِ، وَإِلَى هَذِه الْحَالة أَشَارَ النَّاظِم بقوله: وَمَنْ بِمَالِهِ أَحَاطَ الدَّيْنُ لَا يَمْضي لَهُ تَبَرُّعٌ إنْ فَعَلا (وَمن بِمَالِه أحَاط الدّين لَا يمْضِي لَهُ تبرع) من عتق وَمَا ذكر مَعَه وَلَهُم رده إِن لم يعلمُوا بِهِ إِلَّا حِين قيامهم (إِن) هُوَ (فعلا) وَمعنى أحَاط زَاد أَو سَاوَى لِأَن الْعلَّة وَهِي إِتْلَاف مَال الْغُرَمَاء دَاخِلَة فِي المساوى، وَهَذَا إِذا ثبتَتْ الْإِحَاطَة فَإِن لم تثبت فتبرعه مَاض حَتَّى تثبت فَيرد، وَمَفْهُوم تبرع أَن تصرفه بِالْبيعِ وَالشِّرَاء مَاض وَهُوَ كَذَلِك إِن لم يحاب، وَإِلَّا فالدين أَحَق بالمحاباة لِأَنَّهُ هبة وَكَذَا تمْضِي نَفَقَته على أَبِيه وَابْنه وَنَفَقَة عيدين وأضيحة لِأَنَّهَا لَيست من التَّبَرُّع وَلَو أسرف فِي ذَلِك وَفَاتَ بذهاب عينه تبعه بالسرف فَإِن كَانَت عينه قَائِمَة فَيرد السَّرف وَدخل فِي قَوْله: وَمن بِمَالِه أحَاط الدّين الخ: الْحميل إِذا تحمل بِمَا يُحِيط بِمَالِه فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهُ التَّبَرُّع قَالَه أَبُو الْحسن. وَمَفْهُوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 أحَاط إِن من لم يحط الدّين بِمَالِه إِذا قَامَ عَلَيْهِ ربه، فَأَما ان يكون مَعْلُوم الملاء أَو ظَاهره أَو مَجْهُول الْحَال فَيجْرِي على مَا تقدم فِي الْفَصْل قبله، فَإِن ادّعى الْعَدَم وَأثبت ربه ملكا معينا لَهُ، فَإِن أقرّ بذلك أمره الْحَاكِم بِبيعِهِ فَإِن أَبى حكم عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ والسجن حَتَّى يَبِيعهُ وَلَا يَبِيعهُ الْحَاكِم عَلَيْهِ كَبَيْعِهِ على الْمُفلس كَمَا مر، لِأَن هَذَا لم يفلس وَإِن أنكر أَنه ملكه بَاعه الْحَاكِم حِينَئِذٍ نَقله (ح) . تَنْبِيه: وكما للْغَرِيم مَنعه من تبرعه كَذَلِك لَهُ أَن يمنعهُ من سَفَره إِن كَانَ الدّين يحل بغيبته وَلم يُوكل من يَقْضِيه وَلَا ضمنه مُوسر، وإلاَّ فَلَا يمنعهُ فَإِن خشِي سَفَره حلف أَنه مَا يُرِيد سفرا فَإِن نكل كلف حميلاً ثِقَة يغرم المَال وَمحل تَحْلِيفه إِذا علم وُقُوفه عِنْد الْيَمين، فَإِن علم أَو ظن عدم وُقُوفه عِنْدهَا كلف حميلاً ثِقَة يغرم المَال لِأَن الْيَمين إِنَّمَا شرعت لحفظ المَال، فَإِن علم أَو ظن عدم الْحِفْظ لم تشرع وَيكون الْمَشْرُوع مَا يحصل بِهِ الْحِفْظ اه. انْظُر شرحنا للشامل، وَانْظُر مَا تقدم عِنْد قَوْله فِي الضَّمَان: وَهُوَ بِوَجْه أَو بِمَال جَار الخ. من أَن الْإِنْسَان إِذْ بَاعَ سلْعَة إِلَى أجل فَظهر من المُشْتَرِي إخلال وَأَنه لَا يُوجد لَهُ عِنْد الْأَجَل شَيْء فَإِنَّهُ يُكَلف بحميل أَو رهن أَو يضْرب على يَده فِيمَا بِيَدِهِ. وَالْحَالة الثَّانِيَة بعد قيام الْغُرَمَاء وَقبل حكم الْحَاكِم بخلع مَاله فَلَا يجوز لَهُ تصرف بِبيع وَلَا بِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ: وَإنْ يَكُنْ لِلْغُرَمَا فِي أمْرِهِ تَشَاوُراً فَلاَ غِنًى عنْ حجْرِهِ (وَإِن يكن للغرما فِي أمره تشاوراً) بِأَن قَامُوا عَلَيْهِ وَأَرَادُوا تفليسه وَلَو لم يرفعوه للْحَاكِم (فَلَا غنى عَن حجره) لَهُم بِأَن لَا يمْضِي لَهُ بيع وَقع بعد قيامهم وَلَا شِرَاء وَلَا قَضَاء بعض غُرَمَائه دون بعض، وَلَا إِقْرَاره إِلَّا إِذا أقرّ لمن لَا يتهم عَلَيْهِ بِمَجْلِس الْقيام أَو قربه، وَالْحَال أَن جَمِيع دينه ثَابت بِإِقْرَار لَا إِن ثَبت جَمِيع دينه بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ أَدخل نقصا على من ثَبت دينه بِالْبَيِّنَةِ بِمُجَرَّد قَوْله بِأَن كَانَ بعضه بِإِقْرَار وَبَعضه بِبَيِّنَة، فَإِنَّهُ يدْخل مَعَ من ثَبت دينه بِإِقْرَار لَا بِبَيِّنَة، وَلَو تداين فِي هَذِه الْحَالة دخل الْأَولونَ مَعَ الآخرين فِيمَا بِيَدِهِ وَمَا ذكره النَّاظِم من أَن التشاور هُوَ حد التَّفْلِيس هُوَ قَول ابْن الْقَاسِم، وَقيل التَّفْلِيس هُوَ حكم الْحَاكِم، وَقيل هُوَ سجن الْمَدِين. وَالْحَالة الثَّالِثَة: أَن يقومُوا ويرفعوه للْحَاكِم وَيحكم بخلع مَاله لَهُم، وفائدتها أَنه إِذا تداين بعد الحكم الْمَذْكُور فَلَا دُخُول للأولين فِيمَا بِيَدِهِ إِلَّا أَن يكون فِيهِ فضل ربح كَمَا أَنه إِذا مكنهم قبل الرّفْع من مَاله فباعوا واقتسموا، ثمَّ داين غَيرهم فَلَا دُخُول للأولين مَعَ الآخرين إِلَّا إِذا بَقِي بِيَدِهِ فضل ربح أَيْضا وَأَشَارَ (خَ) إِلَى الْحَالة الأولى بقوله: للْغَرِيم منع من أحَاط الدّين بِمَالِه من تبرعه وسفره إِن حل بغيبته، وَإِلَى الْحَالة الثَّانِيَة بقوله: وفلس حضر أَو غَابَ إِن لم يعلم ملاؤه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 بِطَلَبِهِ دينا حل فَمنع من تصرف مَالِي الخ. فَقَوله: فلس أَي حجر، وَالضَّمِير الْمَجْرُور بِالْمَصْدَرِ فِي قَوْله: بِطَلَبِهِ يعود على رب الدّين لَا على التَّفْلِيس كَمَا لشراحه أَي: بِطَلَب رب الدّين دينه الْحَال زَاد على مَاله أَو بَقِي مَا لَا يَفِي بالمؤجل وَطَلَبه هُوَ قِيَامه عَلَيْهِ بِهِ فيستتر الْمَدِين عَنهُ أَو يواعده للمحاسبة وَنَحْو ذَلِك، فيبيع أَو يَشْتَرِي فِي ذَلِك الْوَقْت فَإِن ذَلِك يرد لِأَنَّهُ بقيامه حكم الشَّرْع بحجره لَهُ، وَإِلَى الثَّالِثَة بقوله: وَلَو مكنهم الْغَرِيم فباعوا واقتسموا ثمَّ داين غَيرهم فَلَا دُخُول للأولين مَعَ الآخرين كتفليس الْحَاكِم الخ. وكل حَالَة من هَذِه الْأَحْوَال تمنع بِمَا تَمنعهُ الَّتِي قبلهَا وَلَا عكس. وَلما كَانَت الْحَالة الثَّانِيَة حجرا شَرْعِيًّا كالثالثة قسم ابْن عَرَفَة التَّفْلِيس إِلَى أَعم وأخص فَقَالَ فِي الْأَعَمّ: قيام ذِي دين على مدينه لَيْسَ لَهُ مَا يَفِي بِهِ مُوجبه أَي ثَمَرَته منع دُخُول إِقْرَار الْمَدِين على مُتَقَدم دينه، وَقَالَ فِي الْأَخَص: حكم الْحَاكِم بخلع كل مَال الْمَدِين لغرمائه لعَجزه عَن قَضَاء مَا لزمَه مُوجبه منع دُخُول دين سَابق عَلَيْهِ على لَاحق بمعاملة بعده اه. وَاعْترض بِأَن من شَأْن الْأَعَمّ صدقه على الْأَخَص، وَهُوَ هُنَا لَيْسَ كَذَلِك إِذْ الْأَعَمّ قيام الْغُرَمَاء. والأخص حكم الْحَاكِم وهما متباينان، وَتقدم مثل هَذَا الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ فِي الشّركَة حَيْثُ قسمهَا إِلَى أَعم وأخص، وَمَا أُجِيب بِهِ عَنهُ هُنَا من الأعمية بِاعْتِبَار الْأَحْكَام لَا بِاعْتِبَار الصدْق، وَلَا شكّ أَن الْأَخَص إِذا ثَبت منع من كل مَا مَنعه الْأَعَمّ وَزِيَادَة دون الْعَكْس فَغير ظَاهر لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَن يكون حكم الْحَاكِم هُوَ الْأَعَمّ، وَقيام الْغُرَمَاء هُوَ الْأَخَص، وَالْوَاقِع فِي كَلَام ابْن عَرَفَة خِلَافه، وَإِنَّمَا الْجَواب الْحق أَن يُقَال إِنَّه لَا مباينة بَين الرسمين لِأَنَّهُ اعْتبر فِي الْأَخَص قيدين. أَحدهمَا: حكم الْحَاكِم، وَثَانِيهمَا: قَوْله لغرمائه إِذْ اللَّام فِيهِ يتَعَيَّن أَن تكون بِمَعْنى (عِنْد) كَقَوْلِه تَعَالَى: أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} (الْإِسْرَاء: 78) وَهُوَ على حذف مُضَاف دلّ عَلَيْهِ الْمَعْنى أَي: هُوَ حكم الْحَاكِم عِنْد قيام الْغُرَمَاء فَكَأَنَّهُ قَالَ هُوَ قيام الْغُرَمَاء مَعَ حكم الْحَاكِم وَلم يعْتَبر فِي الْأَعَمّ حكما وَالشَّيْء مهما ازْدَادَ قيدا ازْدَادَ خُصُوصا نَظِيره الْحَيَوَان مَعَ الْحَيَوَان النَّاطِق، فَالْأول أَعم من الثَّانِي قطعا لصدقه بالناطق وَبِغَيْرِهِ، وَكَذَا قيام الْغُرَمَاء فِي كَلَام ابْن عَرَفَة هُوَ مُقَيّد فِي الْأَخَص بالحكم، وَلم يُقيد بِهِ فِي الْأَعَمّ. فالأحكام المترتبة على الْأَعَمّ فِي كَلَام ابْن عَرَفَة تُوجد بِوُجُودِهِ وجد مَعَ ذَلِك الْأَعَمّ حكم حَاكم أم لَا. وَالْأَحْكَام المترتبة على الْأَخَص لَا تُوجد إِلَّا مَعَ حكم الْحَاكِم. لَا يُقَال: إِذا مكنهم الْغَرِيم فباعوا واقتسموا فقد وجد الحكم الْمُرَتّب على الْأَخَص وَهُوَ عدم دُخُول الْأَوَّلين مَعَ الآخرين مَعَ أَنه لَا حكم هُنَا لأَنا نقُول: تَمْكِينه من البيع وَالْقِسْمَة بِمَنْزِلَة حكم الْحَاكِم، إِذْ لَو رفع الْأَمر إِلَيْهِ لم يفعل غير ذَلِك، وَإِذا علمت صِحَة تَقْسِيم التَّفْلِيس بِمَعْنى التحجير إِلَى أَعم وأخص وَأَن كلا مِنْهُمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ حكم لم يَتَرَتَّب على الآخر سقط بحث مصطفى رَحمَه الله مَعَ ابْن عَرَفَة بِأَن ابْن رشد لم يعبر بالأعم والأخص، وَبِأَن حدّه للأخص غير مُطَابق لِابْنِ رشد لِأَن ابْن رشد لم يَجعله حكم الْحَاكِم بخلع كل مَاله بل جعله التَّمْكِين من البيع واقتسام المَال إِنَّمَا هُوَ الْمَانِع من دُخُول الْأَوَّلين الخ. وَوجه سُقُوط بَحثه أَن ابْن رشد جعل كلا من التَّمْكِين وَحكم الْحَاكِم مَانِعا من دُخُول الْأَوَّلين، لِأَنَّهُ قَالَ: إِذا مكنهم فباعوا واقتسموا فَذَلِك مَانع من دُخُول الْأَوَّلين كتفليس السُّلْطَان الخ. وتفليس السُّلْطَان هُوَ حكمه بخلع كل المَال الخ. وَإِذا صحت الأعمية والأخصية معنى صَحَّ التَّعْبِير بهما وَإِن لم يعبر بهما ابْن رشد وَلَا غَيره، وَالله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 فرع: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِذا كَانَ لشخصين دين منجم فَأذن أَحدهمَا للْآخر بِقَبض نجم من نجومه على أَن يقبض هُوَ النَّجْم الَّذِي بعده، فَلَمَّا قَبضه الأول فلس الْمَدِين فَليرْجع هَذَا على صَاحبه لِأَنَّهُ سلف مِنْهُ اه. وَحَلَّ مَا عليهِ مِنْ دُيُونِ إذْ ذَاك كالحُلُول بالمَنُونِ (و) إِذا قَامَ عَلَيْهِ الْغُرَمَاء فمكنهم من مَاله فأرادوا البيع وَالْقِسْمَة أَو حكم الْحَاكِم بخلع كل مَاله (حل) بِوَاحِد من الْأَمريْنِ (مَا عَلَيْهِ من دُيُون إِذْ ذَاك) وَلَو دين كِرَاء وَلَو لم تستوف منفعَته كدار مثلا اكتراها وجيبة وفلس قبل مُضِيّ الْمدَّة، فَإِن الْمكْرِي يحاصص بكرائه (كالحلول) أَي كحلول الدّين وَلَو كِرَاء لم تستوف منفعَته أَيْضا (بالمنون) أَي بِالْمَوْتِ (خَ) : وَحل بِهِ وبالموت مَا أجل وَلَو دين كِرَاء، ثمَّ إِذا حل غير المستوفي منفعَته فَفِي الْمَوْت يبْقى الْكِرَاء لَازِما للمكري وَالْوَرَثَة ويحاصص المكرى بِهِ وَلَا خِيَار لَهُ، وَأما فِي الْفلس فَيُخَير الْمكْرِي بَين أَن يسلم الْمَنْفَعَة للْغُرَمَاء ويحاصص بالكراء، وَبَين أَن يرجع فِي عين شَيْئه كُله إِن لم يسْتَوْف شَيْئا من الْمَنْفَعَة فَإِن استوفى بَعْضهَا حاصص بِمَا يُقَابل مَا استوفى مِنْهَا وَيُخَير فِيمَا لم يسْتَوْف فِي الرُّجُوع فِيمَا بَقِي من الْمَنْفَعَة وَفِي إِسْلَامه والمحاصصة بِمَا ينوبه من الْكِرَاء. تَنْبِيهَانِ. الأول: يُبَاع مَاله بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا إِذْ بيع الْحَاكِم إِنَّمَا يكون بِمَا ذكر فَإِن بَاعَ بِغَيْر خِيَار فللغرماء أَو للْمُفلس رده كَمَا فِي (ز) . وَأما بيعهم حَيْثُ مكنهم مِنْهُ بِغَيْر حكم فَهُوَ بِغَيْر خِيَار وَيتْرك لَهُ قوته وَالنَّفقَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ لظن يسرته، وَيقسم مَا حصل من ثمن مَاله بِنِسْبَة الدُّيُون الخ كَمَا فِي (خَ) . الثَّانِي: مَا قَرَّرْنَاهُ بِهِ من إِدْخَال صُورَة تَمْكِين الْغَرِيم من البيع وَالْقِسْمَة فِي كَلَامه هُوَ الْمُتَعَيّن كَمَا هُوَ ظَاهر إِطْلَاقه واطلاق غَيره خلافًا لما فِي الزّرْقَانِيّ من أَنه لَا يحل الدّين فِي تِلْكَ الصُّورَة قَائِلا، وَإِنَّمَا يحل بالحكم فَقَط أَو الْمَوْت الخ. لما علمت من أَنه إِذا مكنهم من بيع كل مَاله لم يبْق شَيْء للمؤجل دينه فَيكون مُخَالفا لما مّر عَن (خَ) أَو بَقِي مَا لَا يَفِي الْمُؤَجل الخ. وَقد قَالَ اللَّخْمِيّ: الدُّيُون المؤجلة لَا حجر بِسَبَبِهَا إِلَّا أَن تَتَغَيَّر حَاله أَو يظْهر مِنْهُ إِتْلَاف يخْشَى مَعَه أَن لَا يُوجد عِنْده عِنْد الْأَجَل شَيْء فيحجر عَلَيْهِ، وَيحل دينه إِلَّا أَن يضمن لَهُ أَو يجد ثِقَة يتجر لَهُ بِهِ ويحال بَينه وَبَينه اه. ومخالف أَيْضا لما مر عَن ابْن رشد من أَن اقتسامهم لِلْمَالِ بِمَنْزِلَة تفليس السُّلْطَان سَوَاء، وَبعد كتبي هَذَا وجدت للشَّيْخ بناني اعتراضاً عَلَيْهِ بِمثل مَا ذكر. والاعِتصارُ لَيْسَ بالمُكَلِّف لَهُ وَلا قُبُولُ غَيْرِ السَّلَفِ (و) إِذا كَانَ الْمَدِين قد وهب لوَلَده شَيْئا قبل إحاطة الدّين بِمَالِه فالهبة صَحِيحَة فَإِذا فلس بعد ذَلِك ف (الاعتصار) للهبة الْمَذْكُورَة (لَيْسَ بالمكلف) أَي اللَّازِم (لَهُ) فَإِن اعتصر كَانَ للْغُرَمَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 أَخذهَا (وَلَا) يُكَلف عَلَيْهِ أَيْضا (قبُول غير السّلف) من هبة أَو صَدَقَة أَو مداينة وكل مَا تلْحقهُ فِيهِ منَّة، وَأما السّلف كَمَا لَو طاع شخص بأَدَاء الدّين عَن الْمَدِين وبقائه فَإِذا حصل لَهُ يسر مَا رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا كَلَام للْمَدِين حَاضرا كَانَ أَو غَائِبا أذن فِي الْأَدَاء عَنهُ أم لَا (خَ) : تَشْبِيها فِي اللُّزُوم كأدائه رفقا لَا عنتاً الخ. وَتقدم قَول النَّاظِم: إِذْ قد يُؤَدِّي الدّين من لَا أذنا الخ. فَإِن قَالَ المسلف: أَنا لَا أسلفه إِلَّا إِذا رَضِي الْمَدِين بقبوله أَو طلبه مني فَإِن الْمَدِين لَا يلْزمه الْقبُول حِينَئِذٍ وَلَا الطّلب، فمفهوم النّظم فِيهِ تَفْصِيل. وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْمشَار لَهُ بقوله (خَ) : وَلَا يلْزم بتكسب وتسلف واستشفاع وعفو للدية وانتزاع مَال رَقِيقه وَمَا وهبه لوَلَده الخ. فَلَا مُعَارضَة بَين مَفْهُوم النّظم، وَمَا لخليل من عدم لُزُوم تسلفه، وَقَوله: وَلَا يلْزم بتكسب الخ. تقدم أَن مَحل هَذَا إِذا لم يداين ليقضيهم من صَنعته وإلاَّ أجبر عَلَيْهَا كَمَا مّر عِنْد قَوْله: أَو معدم وَقد أبان معذره الخ. وَهُوَ مُصَدَّقٌ إذَا مَا عَيَّنا مَالا لَهُ وَما عَلَيْهِ أُمِّنَا (وَهُوَ) أَي الْمُفلس (مُصدق إِذْ مَا قد عينا مَالا لَهُ وَمَا) أَي ومالاً (عَلَيْهِ أمنا) بِأَن قَالَ: هَذَا مَالِي وَهَذَا أَمَانَة عِنْدِي قِرَاض أَو وَدِيعَة أَو عَارِية أَو بضَاعَة فَلَا تقربوه وَيكون للْمقر لَهُ بِيَمِينِهِ كَمَا فِي الطرر، وَقيل لَا يصدق، وَثَالِثهَا الْمَشْهُور يصدق إِن قَامَت بِأَصْلِهِ بَيِّنَة تشهد أَنهم يعلمُونَ أَن عِنْده سلْعَة وَدِيعَة أَو قراضا وَإِن لم يعينوها وَلَا سموا رَبهَا وَيكون رَبهَا الَّذِي أقرّ بِهِ الْمقر أَحَق بهَا وَلَو مِمَّن يتهم عَلَيْهِ كأخيه وَابْنه لِأَن قيام الْبَيِّنَة يَنْفِي تهمته فَإِن لم يُعينهُ الْمقر وَلَا الْبَيِّنَة وَلم يدع تِلْكَ السّلْعَة أحد فتوضع فِي بَيت المَال على قَاعِدَة المَال الَّذِي ضل صَاحبه (خَ) : وَقبل تَعْيِينه الْقَرَاض والوديعة إِن قَامَت بَيِّنَة بِأَصْلِهِ الخ. وَظَاهره أَنه يَأْخُذهُ ذُو الْبَيِّنَة بِغَيْر يَمِين وَهُوَ كَذَلِك، وَمثل الْبَيِّنَة بِأَصْلِهِ مَا إِذا شهِدت أَنه أقرّ قبل التَّفْلِيس أَن بِيَدِهِ للْمقر لَهُ قراضا أَو وَدِيعَة كَمَا فِي ابْن يُونُس: وَمن اكترى أَرضًا بِثمن إِلَى أجل فزرعها ثمَّ فلس أَو مَاتَ فَإِن الْمكْرِي يقدم فِي أَخذ كِرَاء أرضه من زَرعهَا على سَائِر الْغُرَمَاء، بل وعَلى ساقي الزَّرْع ومرتهنه فَلَا شَيْء لَهُم من زَرعهَا حَتَّى يَسْتَوْفِي الْمكْرِي كراءه كَمَا قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 وَرَبُّ الأرْضِ المكْتَرَاةِ إنْ طَرَقْ تَفْلِيسٌ أَوْ مَوْتٌ بِزَرْعِها أَحَقْ (وَرب الأَرْض المكتراة إِن طرق تفليس أَو موت بزرعها حق) . لِأَن الزَّرْع كرهن بِيَدِهِ فِي كرائها فَيُبَاع وَيُؤْخَذ الْكِرَاء من ثمنه وحوز الأَرْض للزَّرْع كحوزه هُوَ لَهُ فَيقدم على حوز مرتهنه وساقيه لِأَن حوزها أَشد من حوزهما لِأَنَّهُ نَشأ عَنْهَا، وَلَيْسَ المُرَاد أَنه يَأْخُذ الزَّرْع فِي الْكِرَاء لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى كِرَاء الأَرْض بِمَا يخرج مِنْهَا، ثمَّ مَا ذكره من أَنه أَحَق فِي الْمَوْت والفلس خلاف الْمَشْهُور، وَمذهب الْمُدَوَّنَة من أَنه يكون أَحَق بِهِ فِي الْفلس لَا فِي الْمَوْت فَلَا يكون أَحَق بِهِ بل هُوَ إسوة الْغُرَمَاء فِيهِ (خَ) : وَقدم فِي زَرعهَا فِي الْفلس ثمَّ سَاقيه ثمَّ مرتهنه أَي مَا فضل عَن الْمكْرِي يقدم فِيهِ الساقي، وَمَا فضل عَنهُ يقدم فِيهِ الْمُرْتَهن، ثمَّ مَا فضل يكون للْغُرَمَاء. وَاحْكُمْ بِذَا لِبَائِعٍ أَوْ صَانِعٍ فِيمَا بِأَيْدِيهِمْ فمَا من مانِعِ (واحكم بذا) أَي بِكَوْنِهِ أَحَق فِي الْمَوْت والفلس (لبائع) سلْعَة مثلا (أَو صانع) كنساج وخياط فلس المُشْتَرِي قبل قبض السّلْعَة وَالْمُسْتَأْجر قبل أَخذ الثَّوْب من الصَّانِع، فَإِن البَائِع أَو الصَّانِع أَحَق (فِيمَا) أَي فِي السّلْعَة وَالثَّوْب اللَّذين (بِأَيْدِيهِم) حَتَّى يُبَاع ويستوفي الأول ثمنه وَالثَّانِي أجرته. (فَمَا من مَانع) لَهُم من ذَلِك (خَ) : والصانع أَحَق وَلَو بِمَوْت مَا فِي يَده الخ. وَمَفْهُوم بِأَيْدِيهِم أما بِالنِّسْبَةِ للصانع فَإِنَّهُ إِذا سلم الْمَصْنُوع لرَبه فَهُوَ إسوة الْغُرَمَاء كَمَا لَو لم يحزه أصلا كالبناء فَإِن رد لرَبه الْبَعْض وَبَقِي الْبَعْض الآخر فَفِيهِ تَفْصِيل، فَإِن كَانَا بِعقد وَاحِد وَلم يسم لكل وَاحِد قدرا فَلهُ حبس الْبَاقِي فِي أجرته وَأُجْرَة الْمَرْدُود، وَإِن تعدد عقدهما أَو اتَّحد وَلَكِن سمى لكل وَاحِد قدرا فَلَيْسَ لَهُ أَن يحبس الْبَاقِي فِي أُجْرَة الْمَرْدُود قَالَه ابْن يُونُس. وَأما بِالنِّسْبَةِ للْبَائِع فَهُوَ قَوْله: ومَا حَوَاهُ مُشْترٍ ويحْضُرُ فَرَبُّهُ فِي فَلَسٍ مُخَيَّرُ (وَمَا) بيع من السّلع و (حواه) أَي حازه (مُشْتَر) من بَائِعه وَقبل أَن يدْفع ثمنه فلس (و) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 الْحَال أَن الْمَبِيع (محْضر) بِعَيْنِه قَائِم بِذَاتِهِ ثَابت أَنه لَهُ بِبَيِّنَة أَو اعْتِرَاف الْمُفلس قبل التَّفْلِيس (فربه) البَائِع لَهُ أَو الْقَائِم مقَامه بِإِرْث أَو هبة الثّمن أَو صدقته (فِي فلس مُخَيّر) إِن شَاءَ تَركه وحاص بِثمنِهِ وَإِن شَاءَ أَخذه وَلَا شَيْء لَهُ وَظَاهره أَن التَّخْيِير الْمَذْكُور ثَابت وَلَو زَادَت فِي سوقها أَو بدنهَا أَو نقصت فيهمَا وَهُوَ كَذَلِك. إِلَّا إذَا مَا الغُرَمَاءُ دفَعُوا ثمنَهُ فأَخْذهُ مُمْتنِعُ (إِلَّا إِذا مَا الْغُرَمَاء دفعُوا) لَهُ (ثمنه) وَلَو من مَالهم (فَأَخذه) لَهُ (مُمْتَنع) حِينَئِذٍ. فَهَذَا أحد شُرُوط التَّخْيِير، وَثَانِيهمَا: أَن يُمكن أَخذه لَا إِن لم يُمكن كبضع، وَثَالِثهَا: أَن لَا يتَغَيَّر عَن حَالَته لَا إِن تغير كَمَا لَو طحنت الْحِنْطَة أَو فصل الثَّوْب وَنَحْو ذَلِك. وَرَابِعهَا: أَن يكون الْمَبِيع مِمَّا يعرف بِعَيْنِه لَا إِن كَانَ مِمَّا لَا يعرف بِعَيْنِه بعد الْغَيْبَة عَلَيْهِ كالمكيل وَالْمَوْزُون والمعدود، وَمَفْهُوم فِي فلس أَنه فِي الْمَوْت إسوة الْغُرَمَاء (ح) : وللغريم أَخذ عين مَاله المحاز عَنهُ فِي الْفلس لَا الْمَوْت وَلَو مسكوكاً أَو آبقاً وَلَزِمَه أَي الْآبِق خلافًا لمن قَالَ: لَا يلْزمه لِأَن أَخذ الْآبِق ابْتِدَاء شِرَاء فَيكون فَاسِدا ثمَّ قَالَ: إِن لم يفده غرماؤه وَأمكن لَا بضع وعصمة وقصاص وَلم ينْتَقل لَا إِن طحنت الْحِنْطَة أَو خلط بِغَيْر مثلي الخ. ومحضر اسْم مفعول خبر لمبتدأ مَحْذُوف، وَالْجُمْلَة حَالية كَمَا قَررنَا، وَفِي بعض النّسخ ويحضر بالمضارع الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول فإعرابه كَالْأولِ، وَمن اشْترى شَيْئا فَوجدَ عَيْبا بِهِ فَرده على بَائِعه ففلس البَائِع بعد رده عَلَيْهِ، وَقبل أَن يرد الثّمن للْمُشْتَرِي فَإِن الرَّاد لَا يكون أَحَق بِهِ بل إسوة الْغُرَمَاء كَمَا قَالَ: وَلَيْسَ مَنْ رَدَّ بِعَيْبٍ مَا اشْتَرَى أَوْلَى بِهِ فِي فَلَسٍ إنْ اعْتُرَى (وَلَيْسَ من رد بِعَيْب مَا اشْترى) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل (أولى بِهِ) من الْغُرَمَاء (فِي فلس إِن اعترى) وَغشيَ بل هُوَ إسوتهم كَمَا مر بِنَاء على أَن الرَّد بِالْعَيْبِ نقض للْبيع، وَأما على أَنه ابْتِدَاء بيع فَيكون أَحَق بِهِ كَمَا فِي الْمُقدمَات، وَظَاهره أَنه لَا يكون أَحَق بِهِ وَلَو أَخذ عَن دين وَهُوَ كَذَلِك (خَ) عاطفاً على مَا لَا يكون أَحَق بِهِ مَا نَصه: ورد السّلْعَة بِعَيْب وَإِن أخذت بدين واحترزت بِقَوْلِي بفلس بعد ردهَا مِمَّا لَو ردهَا عَلَيْهِ بعد فلسه فَإِنَّهُ لَا يكون أَحَق بهَا مُطلقًا سَوَاء بنينَا على أَن الرَّد بِالْعَيْبِ نقض للْبيع أَو ابْتِدَاء بيع لِأَن ابْتِدَاء البيع بعد الْفلس يمْنَع من أَخذ البَائِع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 عين شَيْئه كَمَا قَالَ (خَ) كَبَيْعِهِ وَلم يعلم بفلسه، وَأما لَو أَرَادَ الرَّد وَأقر بذلك على نَفسه فَوجدَ البَائِع قد فلس فَفِي كَونه أَحَق بهَا وتباع فِي الثّمن، أَو لَا يكون أَحَق بهَا وَهُوَ بِمَنْزِلَة من ردهَا قبل الْفلس، وَصَوَّبَهُ ابْن عَاشر ومصطفى قَولَانِ. وَالْخُلْفُ فِي سِلْعَةِ بَيْعٍ فاسِدِ ثَالِثُهَا اخْتِصَاصُهَا بالناقِدِ (وَالْخلف فِي سلْعَة بيع فَاسد) كَمَا لَو ابتاعها بِشَرْط الثنيا أَو بِشَرْط الْحمل أَو وَقت نِدَاء الْجُمُعَة بِثمن نَقده فِيهَا أَو صيرت لَهُ فِي دين فِي ذمَّة بَائِعهَا، واطلع على الْفساد بعد تفليس البَائِع أَو مَوته وَفسخ البيع والسلعة لم تفت بيد المُشْتَرِي وَفَاتَ ثمنهَا، أَو كَانَ لَا يعرف بِعَيْنِه فَقَالَ سَحْنُون: المُشْتَرِي أَحَق بهَا مُطلقًا وَهُوَ الْمُعْتَمد، وَقَالَ ابْن الْمَوَّاز: لَا يكون أَحَق بهَا مُطلقًا (ثَالِثهَا) لِابْنِ الْمَاجشون (اختصاصها بالناقد) فَيكون أَحَق بهَا فِيهِ دون الْآخِذ لَهَا عَن دين فَلَا يكون أَحَق بهَا بل هُوَ إسوة الْغُرَمَاء (خَ) وَفِي كَون المُشْتَرِي أَحَق بالسلعة تفسخ لفساد البيع أَو لَا أَو فِي النَّقْد أَقْوَال الخ. وَقد علمت أَن مَحل الْخلاف إِذا اطلع على الْفساد بعد الْفلس وَأما لَو اطلع عَلَيْهِ قبله فَهُوَ أَحَق بهَا بِاتِّفَاق كَذَا فِي الرزقاني، وَالَّذِي فِي الرجراجي أَن من اشْترى شِرَاء فَاسِدا ففلس البَائِع بعد أَن رد المُشْتَرِي السّلْعَة فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَيْهَا قولا وَاحِدًا، وَإِنَّمَا حَقه فِي عين ثمنه إِن وجده فَإِن فلس بعد أَن فسخ البيع وَقبل أَن يرد المُشْتَرِي السّلْعَة فَهَل يكون أَحَق بالسلعة أم لَا؟ فَذكر الْأَقْوَال الْمُتَقَدّمَة. وَقَوْلِي: والسلعة لم تفت احْتِرَازًا مِمَّا إِذا فَاتَت فَإِنَّهُ يمْضِي بِالْقيمَةِ ويحاصص بباقي الثّمن إِن كَانَت أقل، وَقَوْلِي: وَفَاتَ ثمنهَا احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يفت وَكَانَ يعرف بِهِ فَإِنَّهُ يكون أَحَق بِهِ اتِّفَاقًا. وَزَوْجَةٌ فِي مَهْرِها كالغُرَما فِي فَلَسٍ لَا فِي المَمَاتِ فاعْلَمَا (وَزَوْجَة) وَلَو لم يدْخل بهَا الزَّوْج حَيْثُ لم يكن دفع لَهَا الصَدَاق. (فِي مهرهَا كالغرما. فِي فلس لَا فِي الْمَمَات فاعلما) كَذَا فِي الْجلاب. قَالَ اللَّخْمِيّ: وَلَا وَجه لهَذِهِ التَّفْرِقَة وَقيل لَا تحاصص فيهمَا. وَثَالِثهَا الْمَشْهُور تحاصص فيهمَا (خَ) : وحاصت الزَّوْجَة بِمَا أنفقت وبصداقها كالموت الخ. وَظَاهره أَنَّهَا تحاصص بِجَمِيعِهِ وَلَو فلس قبل الْبناء وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ دين فِي ذمَّته حل بِمَوْتِهِ أَو تفليسه، وَإِذا حاصت بِجَمِيعِهِ ثمَّ طَلقهَا قبل الْبناء فَإِنَّهَا ترد مَا زَاد على تَقْدِير المحاصة بِنصفِهِ وَقَوله: بِمَا أنفقت أَي على نَفسهَا أَو على الزَّوْج حَال يسره فِي غيبته أَو حَضرته، لَكِن فِي الْغَيْبَة إِنَّمَا تحاصص بِمَا أنفقت على نَفسهَا من يَوْم الرّفْع للْحَاكِم، وَسَوَاء تقدم إنفاقها على دين الْغُرَمَاء أَو تَأَخّر وَلَو بعد تفليسه لكنه يتْرك لَهُ النَّفَقَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ وَمِنْه نَفَقَة الزَّوْجَة إِلَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 أَن أنفقت عَلَيْهِ حَال عسره، فَإِنَّهَا لَا تحاصص بهَا وَلَو غَابَ لسقوطها عَنهُ بالعسر. وَحَارِسُ المَتَاعِ والزَّرْعِ وَمَا أشْبَهَهُ مَعَهُمْ قد قَسَما (وحارس الْمَتَاع وَالزَّرْع وَمَا أشبهه) كأجير رعي أَو علف وَنَحْوه (مَعَهم) أَي الْغُرَمَاء (قد قسما) أَي حاصص بأجرته فِي الْمَوْت والفلس وَلَا يكون أَحَق بِمَا يَحْرُسهُ ويرعاه إِلَّا أَن يكون الرَّاعِي لَا يبيت بالماشية عِنْد رَبهَا بل يبيت بهَا بداره فَيكون أَحَق بهَا، وَمثل الحارس فِي عدم الِاخْتِصَاص صَاحب الْحَانُوت يحمل كراؤه على مكتريه حَتَّى فلس أَو مَاتَ فَإِنَّهُ لَا يكون أَحَق بِمَا فِي الْحَانُوت (خَ) : تَشْبِيها فِيمَا لَا اخْتِصَاص فِيهِ كأجير رعي وَنَحْوه وَذي حَانُوت فِيمَا بِهِ الخ. وَأما مكتري الدَّابَّة يفلس مكريه أَو يَمُوت فَإِنَّهُ أَحَق بالمعينة أَو بمنفعتها قبضت أم لَا حَيْثُ نقد كراءها حَتَّى يَسْتَوْفِي مَا نَقده، وَأما غير الْمعينَة وَهِي الْمَضْمُونَة فَإِنَّهُ أَحَق بهَا إِن قبضت (خَ) : والمكتري بالمعينة وبغيرها إِن قبضت وَلَو أديرت الخ. تَتِمَّة: قَالَ الْمَازرِيّ: لَا يخْتَلف أَن الْوَرَثَة منهيون عَن البيع قبل وَفَاء الدّين فَإِن فعلوا فللغرماء فَسخه هَذَا إِن لم يقدروا على أَدَاء الدّين إِلَّا بِالْفَسْخِ، وَأما إِن قَضَاهُ الْوَرَثَة من أَمْوَالهم أَو أسقط الْغُرَمَاء حُقُوقهم فالأشهر من الْمَذْهَب أَن البيع لَا يفْسخ لِأَن النَّهْي عَن البيع لحق المخلوقين، وَقد سقط اه. ابْن عبد السَّلَام: وَخرج بَعضهم على رِوَايَة أَشهب عَن مَالك أَن الْوَرَثَة إِذا عزلوا للدّين أضعافه وَبَاعُوا ليرثوا أَن البيع بَاطِل وَيفْسخ فَيكون لجَمِيع الْغُرَمَاء إِذا لم يحضروا البيع أَخذ السّلع من أَيدي المشترين إِلَّا أَن يَشَاء المشترون أَن يدفعوا قيمَة مَا فِي أَيْديهم أَو ثمنه أَو بعضه إِن كَانَ قَائِما اه. وَقد تقدم فِي الْقِسْمَة وَالصُّلْح أَن الْوَرَثَة إِذا باعوا التَّرِكَة قبل الْقسم أَو بعده فبيعهم مَاض لَا ينْقض للدّين كَانَ فِيهِ مُحَابَاة أم لَا وَإِنَّمَا كررناها فِي هَذِه الْأَبْوَاب لِكَثْرَة وُقُوعهَا وَكَثْرَة التَّنَازُع فِيهَا. (بَاب فِي الضَّرَر وَسَائِر الْجِنَايَات) وَمُحْدِثٌ مَا فِيهِ لِلْجَارِ ضَرَرْ محَقَّقٌ يُمْنَعُ مِنْ غَيْرِ نَظَرْ (ومحدث) بِكَسْر الدَّال (مَا) أَي شَيْئا (فِيهِ للْجَار ضَرَر مُحَقّق) بِالْبَيِّنَةِ كَونه ضَرَرا كالأمثلة الْآتِيَة لَا مُحْتَمل كَونه ضَرَرا أَو كَانَ غير ضَرَر كصوت الصّبيان فِي الْمكتب وَصَوت الرَّحَى وَنَحْوهمَا مِمَّا يَأْتِي فِي الثَّانِي عِنْد قَوْله: فَإِن يكن يضر بالمنافع (يمْنَع) من إحداثه ويزال مَا أحدثه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 (من غير نظر) وَلَا توقف لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (لَا ضَرَر وَلَا ضرار) أَبُو الْحسن: اخْتلف فِي مَعْنَاهُ فَقيل مَعْنَاهُ لَا تدخل على أحد ضَرَرا فالضرار تَأْكِيد للْأولِ، وَقيل الضَّرَر الَّذِي لَك فِيهِ مَنْفَعَة، والضرار مَا لَيْسَ لَك فِيهِ مَنْفَعَة وعَلى جَارك فِيهِ مضرَّة، وَهَذَا وَجه حسن فِي الحَدِيث قَالَه ابْن عبد الْبر اه. فاحترز النَّاظِم بالمحقق من الْمُحْتَمل كَمَا قَررنَا، والمحقق شَامِل لمحقق الْوُقُوع فِي الْحَال أَو فِي الْمُسْتَقْبل وَعبارَة (م) : وَاحْترز بِوَصْف الضَّرَر بالمحقق من الضَّرَر الَّذِي يكون متوقعاً غير وَاقع وَلَا مُحَقّق يَعْنِي الْوُقُوع فِي الْمُسْتَقْبل، وَذكر النَّاظِم للمحقق أَمْثِلَة فَقَالَ: كالفُرْنِ والبَابِ وَمِثْلِ الأَنْدَرِ أوْ مَا لهُ مَضَرَّةٌ بالجُدُرِ (كالفرن) يحدث قرب من يتَضَرَّر بدخانه أَو ناره وَمثله الْحمام (خَ) : وَقضى بِمَنْع دُخان ورائحة كدباغ الخ. وَأما دُخان المطابخ وَنَحْوهَا مِمَّا لَا يسْتَغْنى عَنهُ فِي المعاش وَيكون فِي بعض الْأَوْقَات فَقَط وَلَا يستدام أمره فَلَا يمْنَع مِنْهُ، وَلَو أَرَادَ صَاحب الدُّخان الْقَدِيم إِحْدَاث آخر ويضيفه للقديم يمْنَع من ذَلِك لزِيَادَة الضَّرَر، وفيهَا لَو اتخذ مكتري الدَّار تنوراً يجوز لَهُ عمله فِيهَا فاحترقت مِنْهُ الدَّار وبيوت الْجِيرَان لم يضمن وَلَو شَرط رَبهَا عَلَيْهِ أَن لَا يُوقد فِيهَا نَارا فَفعل ضمن (وَالْبَاب) يَعْنِي فِي السِّكَّة الْغَيْر النافذة أَي: فَلَا يجوز لوَاحِد من سكانها إِحْدَاث بَاب يُقَابل بَاب جَاره ويشرف عَلَيْهِ مِنْهُ، وَظَاهره وَلَو نكب أَي حرف الْبَاب الْمُحدث عَن بَاب جَاره بِحَيْثُ لَا يشرف مِنْهُ على مَا فِي دَار جَاره وَلَا يقطع عَنهُ مرفقاً من إِنْزَال أَصْحَابه ومربط دَابَّته، وَإِلَيْهِ ذهب ابْن زرب وَابْن رشد، وَبِه الْعَمَل بقرطبة. ابْن نَاجِي: وَبِه الْعَمَل عندنَا اه. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَة: إِنَّه الصَّحِيح فِي الْمَذْهَب اه. وَمُقَابِله أَنه إِن نكب عَن بَاب جَاره بِحَيْثُ لَا يشرف عَلَيْهِ مِنْهُ وَلَا يقطع عَنهُ مرفقاً لم يمْنَع من إحداثه، وَبِه أفتى (خَ) إِذْ قَالَ: إِلَّا بَابا إِن نكب الخ. وَمَفْهُوم الْبَاب أَن الروشن أَو الساباط لمن لَهُ الجانبان يجوز لَهُ إحداثه بِغَيْر النافذة وَلَو بِغَيْر إِذن مِمَّن يمر تحتهما وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ، وَقيل يمْنَع إِلَّا بِإِذن من يمر تَحْتَهُ، ابْن نَاجِي: وَبِه الْعَمَل. وَفِي نَوَازِل الدَّعَاوَى من المعيار: أَن من أَرَادَ أَن يحدث ساقية أَو قادوساً من المَاء الحلو أَو غَيره فِي غير النافذة ويغطي ذَلِك بِالْحجرِ بِحَيْثُ لَا يضر أحدا فَإِنَّهُ لَا يمْنَع من ذَلِك وَلَو بِغَيْر إذْنهمْ، وبنحوه أفتى السراج حَسْبَمَا نَقَلْنَاهُ فِي نوازلنا، وَأما السِّكَّة النافذة فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: لَك أَن تفتح فِيهَا مَا شِئْت وتحول بابك حَيْثُ شِئْت مِنْهَا. ابْن نَاجِي: ظَاهرهَا وَإِن كَانَ مُقَابلا لباب غَيره وَبِه الْعَمَل اه. وَنَحْوه للمعلم مُحَمَّد بن الرَّامِي قَائِلا: الَّذِي بِهِ الْعَمَل أَن لَا يمْنَع من فتح بَاب وَإِن قَابل بَاب رجل آخر إِذا كَانَت الطَّرِيق بَينهمَا نَافِذَة اه. وَمَفْهُومه أَن إنْشَاء الْحَانُوت قبالة بَاب آخر يمْنَع مِنْهُ وَلَو فِي النافذة، وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ أَشد ضَرَرا لتكرر الْوَارِد عَلَيْهِ قَالَه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 الْبُرْزُليّ: ابْن نَاجِي: وَبِه الْعَمَل، وَقيل لَا يمْنَع مِنْهُ كالباب. قَالَ ابْن رشد: وَهُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة. قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه الْمَذْهَب فِي الْحَانُوت قبالة الْبَاب الْمَنْع مُطلقًا بسكة نَافِذَة أم لَا. ولفق ذَلِك فِي بَيْتَيْنِ نصهما: إِحْدَاث حَانُوت لباب غَيره يمْنَع مُطلقًا لَدَى المنتبه فِي نَافِذ وَغَيره لما يرى من عِلّة قد فهمت بِلَا مرا وَمَفْهُوم قبالة الْبَاب أَنه إِذا نكبه عَن الْبَاب جَازَ. قَالَ المتيطي: إِن الْحَانُوت لَا تتَّخذ للتِّجَارَة قبالة بَاب دَار جَاره إِلَّا مَعَ التنكيب وإلاَّ منع. (وَمثل الأندر) فَإِنَّهُ يمْنَع من إحداثه قبالة دَار وبستان لِأَن ربهما يتَضَرَّر بتبنه عِنْد الذرو قَالَه ابْن رشد (خَ) عاطفاً على مَا يمْنَع مِنْهُ وأندر قبل بَيت الخ. وَمثله نفض الْحَصِير على بَاب دَاره لتضرر الْمَارَّة أَو الْجَار بغباره (أَو) إِحْدَاث (مَا لَهُ مضرَّة بالجدر) جمع جِدَار كحفر مرحاض بِقرب جِدَار جَاره أَو بِنَاء رحى تضر بِهِ أَو حفر بِئْر كَذَلِك، فَإِنَّهُ يمْنَع من ذَلِك اتِّفَاقًا (خَ) : عاطفاً على الْمَنْع وَمُضر بجدار كاصطبل الخ. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَمن بنى مَا يضر بجاره من حمام أَو فرن أَو لتشبيب ذهب أَو فضَّة أَو كير لعمل حَدِيد أَو رحى مِمَّا يضر بجاره فَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَة: يمْنَع من ذَلِك، وَقَالَهُ مَالك. قَالَ ابْن حبيب: وُجُوه الضَّرَر كَثِيرَة، وَإِنَّمَا تتبين عِنْد نزُول الحكم فِيهَا فَمن ذَلِك دُخان الحمامات والأفران وغبار الأندر ونتن الدّباغ. الخ. وَمِنْه إِحْدَاث إصطبل فَإِنَّهُ يمْنَع من إحداثه ملاصقاً لدار جَاره مُطلقًا كَانَ قبالة بَاب جَاره أم لَا لما فِيهِ من الضَّرَر ببول الدَّوَابّ وزبلها وحركتها كَمَا فِي شرح ابْن حَال لِأَنَّهَا لَا تسكن أصلا بِخِلَاف الْبَقر اه. فَفِي الْبُرْزُليّ سُئِلَ اللَّخْمِيّ عَمَّن يدق النَّوَى فِي بَيته لبقره ويبيتها فِي بَيته فَقَالَ: يمْنَع من ذَلِك لِأَنَّهُ يضر بِالْبِنَاءِ، وَأما تبييت الْبَقر فَلَا ضَرَر على الْجَار فِيهِ اه. الْبُرْزُليّ: ظَاهره وَلَو كَانَ يَقع مِنْهُ الندا، وَيحْتَمل أَن لَا يكون فِيهِ إِلَّا حَرَكَة الْبَقر خَاصَّة، وَأما لَو كَانَ مَعَه ندا وضرر للحائط لوَجَبَ مَنعه كَمَا تمنع الأروية الْمعدة للبهائم اه. تَنْبِيهَانِ. الأول: تقدم أَن حفر الْبِئْر إِذا كَانَ يضر بجدار جَاره فَإِنَّهُ يمْنَع مِنْهُ، وَأما إِذا كَانَ لَا يضر بالجدار وَإِنَّمَا يضر ببئر جَاره فِي تقليل مَائِهَا أَو إعدائه بِالْكُلِّيَّةِ فَفِيهِ أَقْوَال. صدر فِي الشَّامِل فِي بَاب الْموَات بِعَدَمِ مَنعه وَهُوَ قَول أَشهب، وَرِوَايَته عَن مَالك قَالَ: لِأَنَّهُ قد أضرّ بِهِ تَركه كَمَا أضرّ بجاره حفره فَهُوَ أَحَق أَن يمْنَع جَاره من أَن يضر بِهِ فِي مَنعه الْحفر، وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن شَاس وَابْن الْحَاجِب وَهُوَ ظَاهر النّظم هُنَا حَيْثُ خصص الْمَنْع بِضَرَر الْجِدَار لَا بِمَاء بِئْر جَاره، واستظهره ابْن بعد السَّلَام أَيْضا قَائِلا: لِأَن ضررهما متقابل ويترجح جَانب من أَرَادَ الإحداث بِأَنَّهُ تصرف فِي ملكه، وَأما إِن وجد عَنهُ مندوحة وَلم يتَضَرَّر بترك حفره فَلَا يُمكن من حفره لتمحص إضراره بجاره حِينَئِذٍ، وَمُقَابِله لِابْنِ الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة إِنَّه يمْنَع من حفره وَإِن اضْطر إِلَى ذَلِك. اللَّخْمِيّ: وَوَجهه أَن المَاء فِي يَد الَّذِي حفر أَولا مَعَ احْتِمَال أَن يكون هُوَ الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 اختط تِلْكَ الأَرْض أَولا أَو آباؤه أَو الَّذِي ابْتَاعَ مِنْهُ فَلَا ينتزع المَاء من يَده بِالشَّكِّ، وَثَالِثهَا يُمكن من حفره مَا لم يضر ببئر جَاره ضَرَرا بَينا، وَقد علمت أَن الأول هُوَ أقواها نقلا وَعلة، وَإِن قَالَ فِي التَّبْصِرَة: لَيْسَ عَلَيْهِ عمل لِأَنَّهُ أَي الأول مَرْوِيّ عَن مَالك، وَرجحه ابْن عبد السَّلَام وَاقْتصر عَلَيْهِ الفحول فَلَا يعدل عَنهُ بِحَال. الثَّانِي: ذكر فِي المعيار عَن ابْن الرَّامِي أَن ضَرَر الرَّحَى والإصطبل يرْتَفع عَن الْجِدَار ببعدهما عَنهُ بِثمَانِيَة أشبار أَو يشغل ذَلِك بالبنيان بَين دوران الْبَهِيمَة وحائط الْجَار انْظُر كَلَامه فِي (م) . فإنْ يكن يَضُرُّ بالمنافِعِ كالفُرْنِ بالْفُرْنِ فمَا مِنْ مَانِعِ (فَإِن يكن) الشَّيْء الْمُحدث (يضر بالمنافع) فَقَط (كالفرن) يحدثه (ب) قرب (الفرن) أَو الرَّحَى يحدثها بِقرب أُخْرَى أَو حمام كَذَلِك فتقل غلَّة الأول أَو تَنْقَطِع بِالْكُلِّيَّةِ (فَمَا من مَانع) من ذَلِك اتِّفَاقًا حَيْثُ كَانَ الْمُحدث لَا يضر بالقديم بِشَيْء من وُجُوه الضَّرَر، بل فِي نُقْصَان الْغلَّة أَو انقطاعها فَقَط قَالَه ابْن سهل. وَلَا مَفْهُوم للمنافع بل كَذَلِك إِذا كَانَ ينقص الثّمن لَا غير كَمَا أفتى بِهِ ابْن عتاب وَصَوَّبَهُ ابْن سهل خلافًا لأبي الْمطرف، وَنَقله المتيطي وَابْن عَرَفَة وَنَصه: فِي كَون إِحْدَاث حمام أَو فرن قرب دَار تجاوره لَا يَضرهَا بِدُخَان وَلَا غَيره إِلَّا أَنه يحط من ثمنهَا ضَرَرا يمْنَع أم لَا. نقل المتيطي مَعَ ابْن سهل عَن أبي الْمطرف مَعَ بعض شُيُوخ ابْن عتاب وَله مَعَ بعض شُيُوخه اه. فَلَو قَالَ النَّاظِم: فَإِن يكن يضر بالمنافع أَو ثمن فَمَا لَهُ من مَانع لشملهما. وَاسْتدلَّ ابْن عتاب لفتواه بِعَدَمِ اعْتِبَار نقص الْأَثْمَان باتفاقهم على عدم اعتبارهم نقص الْمَنَافِع إِذْ من لازمها نقص الْأَثْمَان، لَكِن قَالَ (ت) : أفتى ابْن مَنْظُور بمقابل مَا فِي النّظم وَإِن ضَرَر الْمَنَافِع يمْنَع مِنْهُ وَفِي الْبَيَان أَنه الْمَشْهُور ذكره فِي كتاب السداد والأنهار فِي رجل أحدث رحى قرب أُخْرَى اه. قلت: فَانْظُرْهُ مَعَ مَا نَقله الشَّارِح و (ح) عَن ابْن رشد أَوَائِل فصل مسْقط الْقيام بِالضَّرَرِ من أَنه قسم الضَّرَر إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام: مِنْهُ مَا يمْنَع عَنهُ بِاتِّفَاق كالحمام والفرن وَمِنْه مَا لَا يمْنَع مِنْهُ بِاتِّفَاق كإحداث فرن قرب فرن آخر يضر بِهِ فِي غَلَّته فَقَط، وَمِنْه مَا يخْتَلف فِيهِ كَأَن يحدث فِي أرضه بِنَاء قرب أندر جَاره يمنعهُ بِهِ الرّيح فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: يمْنَع، وَاخْتلف فِيهِ قَول سَحْنُون. قَالَ ابْن رشد: وَالْأَظْهَر أَنه لَا يمْنَع اه. فَأَنت ترى ابْن رشد بِنَفسِهِ حكى فِي مَسْأَلَة النّظم الِاتِّفَاق على عدم الْمَنْع كَمَا ذكره ابْن سهل أَيْضا محتجاً بِهِ على عدم اعْتِبَار نقص الْأَثْمَان، وراجع مَا أَشَارَ لَهُ (ت) عَن الْبَيَان فَلم يسعني الْآن مُرَاجعَته، وَالَّذِي فِي المعيار عَن العبدوسي مثل مَا للناظم وَلم يحك فِيهِ خلافًا، وَكَذَا الْبُرْزُليّ وَنَحْوه فِي مُفِيد الْحُكَّام والتبصرة، فَمَا للناظم هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 الْمُعْتَمد الَّذِي عَلَيْهِ الجادة وَلَا يعدل عَنهُ إِلَى سواهُ وَإِن صَحَّ تشهيره وَالله أعلم. ثمَّ بعد كتبي هَذَا وقفت على رُجُوع (ت) عَمَّا حَكَاهُ عَن الْبَيَان من التشهير انْظُر نَصه فِي نَوَازِل الضَّرَر من نوازلنا. تَنْبِيهَانِ. الأول: هَل يمْنَع أَرْبَاب النَّحْل أَو الْحمام أَو الدَّجَاج من اتِّخَاذه حَيْثُ أضرت بِالنَّاسِ فِي زروعها وبساتينها، وَهُوَ رِوَايَة مطرف عَن مَالك وَعدم مَنعهم وعَلى أَرْبَاب الزَّرْع وَالشَّجر حفظهَا وَهُوَ قَول لِابْنِ الْقَاسِم وَابْن كنَانَة. قَالَ ابْن حبيب: وَلَا يُعجبنِي قَول ابْن الْقَاسِم، بل قَول مطرف أحب إِلَيّ، وَبِه أَقُول وَهُوَ الْحق إِن شَاءَ الله ابْن عَرَفَة: هَذِه النَّازِلَة تقع كثيرا وَالصَّوَاب أَن يحكم فِيهَا بقول مطرف وَابْن حبيب، وَإِن كَانَ خلاف قَول ابْن الْقَاسِم لِأَن منع أَرْبَاب الْحَيَوَان أخف ضَرَرا من ضَرَر أَرْبَاب الزَّرْع وَالثِّمَار لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى لَهُم حفظهَا وَلَا يُمكنهُم نقل زرعهم وَلَا أَشْجَارهم، وَإِذ التقى ضرران ارْتكب أخفهما قَالَ: وَبَعْضهمْ يذكر ارْتِكَاب أخف الضررين حَدِيثا، وَبَعْضهمْ يذكرهُ أثرا، وَبَعْضهمْ يذكرهُ حكما مجمعا عَلَيْهِ اه. وَمَا ذكره ابْن عَرَفَة من تصويبه لقَوْل مطرف نَحوه لعيسى حَسْبَمَا فِي نَوَازِل الضَّرَر من المعيار قَائِلا: هَذِه الْأَشْيَاء لَا يُسْتَطَاع الِاحْتِرَاز مِنْهَا، وَقد قيل فِيمَن لَهُ كوى فِي حَائِطه تَجْتَمِع فِيهَا البراطيل فتؤذي النَّاس فِي زُرُوعهمْ أَنه يُؤمر بسدها. وَقَالَ مَالك أَيْضا فِي الدَّابَّة الضارية بإفساد الزَّرْع تغرب أَو تبَاع على صَاحبهَا لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاع الِاحْتِرَاز مِنْهَا. وَانْظُر مَا مر آخر فصل الْإِجَارَة فِي الدَّوَابّ تتْلف الزَّرْع وَنَحْوه. الثَّانِي: ظَاهر النّظم أَن ضَرَر الْأَصْوَات غير مُعْتَبر، وَحكى ابْن نَاجِي فِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال. قيل بلغوه مُطلقًا قَالَ: وَبِه الْعَمَل عندنَا، وَقيل يمْنَع مُطلقًا قَالَه ابْن عتاب، وَبِه أفتى شُيُوخ طليطلة، وَقيل إِن عمل بِالنَّهَارِ فَالْأول وبالليل فَالثَّانِي، وَقيل: يجوز إِن خف وَلم يكن فِيهِ كَبِير مضرَّة اه. وَمَا حكى بِهِ الْعَمَل هُوَ الْمَشْهُور قَالَ فِي المعيار عَن ابْن رشد: وَالْمَشْهُور عدم منع الْأَصْوَات مثل الْحداد والكماد والنداف اه. وَظَاهره وَلَو اشْتَدَّ ودام وَهُوَ ظَاهر (خَ) أَيْضا حَيْثُ قَالَ عاطفاً على مَا لَا يمْنَع مِنْهُ وَصَوت ككمد الخ. وَقَالَ ابْن رحال فِي شَرحه بعد: نقُول قد تبين من هَذَا أَن الصَّوْت إِذا كَانَ قَوِيا مستداماً فِي اللَّيْل فَإِنَّهُ يمْنَع على مَا يظْهر رجحانه من النقول اه. فَانْظُرْهُ. وَهُوَ عَلَى الحُدُوثِ حَتَّى يَثْبُتَا خِلافُهُ بِذَا القَضَاءُ ثَبَتَا (وَهُوَ) أَي الضَّرَر إِذا تنَازعا فِي قدمه وحدوثه مَحْمُول (على الْحُدُوث حَتَّى يثبتا خِلَافه بذا) أَي بِهَذَا القَوْل (الْقَضَاء) وَالْعَمَل (ثبتا) عِنْد الموثقين كَابْن سَلمُون وَابْن فَرِحُونَ وَصَاحب الْمُفِيد والمتيطي وَغَيرهم وَهَذَا على أَن الضَّرَر يحاز بِمَا تحاز بِهِ الْأَمْلَاك كَمَا يَأْتِي فِي فصل مسْقط الْقيام بِالضَّرَرِ. وَأما على القَوْل بِأَنَّهُ لَا يحاز بِمَا تحاز بِهِ الْأَمْلَاك فَلَا يحْتَاج إِلَى النّظر فِي كَونه قَدِيما أَو حَادِثا بل يجب رَفعه وإزالته وَلَو طَالَتْ حيازته. وَإنْ يكن تَكَشّفاً فَلاَ يُقَرْ بِحَيْثُ الأشْخاصُ تَبِينُ والصُّوَرْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 (وَإِن يكن) الضَّرَر الْحَادِث (تكشفاً) كَمَا لَو فتح كوَّة أَو بَابا فِي غرفَة يشرف مِنْهَا على مَا فِي دَار جَاره أَو اسطوانه أَو بستانه الَّذِي جرت الْعَادة بالترداد إِلَيْهِ بالأهل وَلَو فِي بعض الْأَوْقَات كزمن الصَّيف كَمَا فِي (ح) وَابْن سَلمُون عَن ابْن الْحَاج (فَلَا يقر) ذَلِك التكشف بل يزَال وتغلق الكوة وَالْبَاب بِالْبِنَاءِ وتقلع عتبتهما لِئَلَّا يحْتَج بهَا إِذا طَال الزَّمَان، وَيَقُول: إِنَّمَا أغلقتها لأعيدها (خَ) وَقضى بسد كوَّة فتحت أُرِيد سد خلفهمَا الخ. وَمحل إِزَالَته إِذا كَانَ قَرِيبا (بِحَيْثُ الْأَشْخَاص تبين و) تتَمَيَّز (الصُّور) فَيعرف زيد من عَمْرو وَالذكر من الْأُنْثَى وَالْحسن من الْقَبِيح، وَإِلَّا فَلَا يقْضِي بإزالته وَظَاهره وَلَو كَانَت الكوة عالية بِحَيْثُ لَا يُمكن الِاطِّلَاع مِنْهَا إِلَّا بسرير وَنَحْوه وَهُوَ كَذَلِك على الْمَعْمُول بِهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة عَن مَالك. قَالَ ابْن فتوح وَغَيره: وَبِه الْعَمَل خلافًا لما رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ من أَنه يوضع السرير من جِهَة الْمُحدث للكوة وَأَن يقف عَلَيْهِ وَاقِف، فَإِن أطلعه على دَار جَاره منع من ذَلِك وإلاَّ فَلَا. وَجعله (ح) تقييداً لقَوْل (خَ) وَقضى بسد كوَّة الخ. وَقد علمت أَن الْمَعْمُول بِهِ هُوَ قَول مَالك أَنه يمْنَع مهما يشْهد بِهِ أَنه ضَرَر من غير تَقْيِيد بسرير وَلَا غَيره كَمَا لأرباب الوثائق ابْن فتوح وَابْن فَرِحُونَ وَابْن سَلمُون وَغَيرهم فَلَا يعول على تَقْيِيد (ح) وَمَا فِي المعيار والتبصرة من أَن الكوة الَّتِي لَا يُمكن الِاطِّلَاع مِنْهَا إِلَّا بسلم وَشبهه لَا يقْضِي بسدها كُله خلاف الْمَعْمُول بِهِ من قَول مَالك فِيمَا يظْهر كَمَا مر. وَقَوْلِي فِي الْحَادِث احْتِرَازًا من الْقَدِيم فَإِنَّهُ لَا يقْضِي بإزالته على الْمَشْهُور وَلَو لم تكن فِيهِ مَنْفَعَة. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: فَأَما كوَّة قديمَة أَو بَاب قديم لَا مَنْفَعَة لَهُ فِيهِ وَلَا مضرَّة على جَاره فَلَا يمْنَع مِنْهُ اه. وَيسْتَثْنى من الْقَدِيم الْمنَار فَإِنَّهُ يمْنَع الْمُؤَذّن من الصعُود إِلَيْهِ وَلَو قَدِيما حَتَّى يَجْعَل بِهِ سائراً يمْنَع من الِاطِّلَاع على الْجِيرَان من كل جِهَة حَتَّى لَا تتبين أشخاص وَلَا هيئات وَلَا أثاث قربت الدَّار أَو بَعدت كَمَا فِي (ح) فِي فصل الآذان. تَنْبِيهَات. الأول: من أحدث كوَّة يطلع مِنْهَا على مَا يطلع عَلَيْهِ غَيره فَإِنَّهُ يمْنَع من ذَلِك وَلَا حجَّة لَهُ فِي اطلَاع غَيره لِأَن هَذَا زِيَادَة ضَرَر بِمَنْزِلَة مَا تقدم فِي زِيَادَة الدُّخان وَسَوَاء كَانَ الزقاق نَافِذا أَو غير نَافِذ. الثَّانِي: من أحدث كوَّة تقَابل أُخْرَى فَطلب سد المحدثة فَقَالَ لَهُ الآخر: سد أَنْت الْقَدِيمَة فَإِنِّي إِنَّمَا سكت عَنْهَا نَحْو خمس سِنِين أَو أَربع على حسن الْجوَار، فَفِي كتاب ابْن سَحْنُون يحلف صَاحب الكوة المحدثة أَنه مَا ترك الْقَدِيمَة إِلَى هَذِه الْمدَّة إِلَّا على حسن الْجوَار غير تَارِك لحقه ثمَّ تسدان مَعًا. قَالَه ابْن الرَّامِي قَالَ: وَنزلت نازلة فِي رجل فتح كوَّة فِي دَاره لَا يتكشف مِنْهَا على جَاره غير أَنه يسمع كَلَامه فَرَأى بَعضهم أَنه ضَرَر وَلم يعتبره آخَرُونَ وَحكم بقول من لم يعتبره قَالَ: وَنزلت أَيْضا نازلة وَهِي أَن رجلا كَانَ لَهُ مطلع إِلَى سطح دَاره بسترة فَسَقَطت الستْرَة وَصَارَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 كل من يطلع إِلَى السَّطْح ينظر لما فِي دَار الْجَار فَطلب مِنْهُ إِعَادَة الستْرَة فَحكم بِعَدَمِ إِعَادَتهَا وَلَكِن ينذرهم إِذْ صعد إِلَى سطحه قَالَ: وَسَأَلت القَاضِي ابْن عبد الرفيع عَمَّن أحدث كوَّة يرى مِنْهَا سطوح جِيرَانه وَبَعض الْجِيرَان يتَصَرَّف فِي سطحه بالنشر وَنَحْوه. فَقَالَ: لَا يمْنَع اه. قلت: تَأمل قَوْله: لَا يمْنَع فَإِنَّهُ مُخَالف مَا قَالُوهُ من أَن الْبُسْتَان الَّذِي يتَرَدَّد ربه إِلَيْهِ بالأهل وَلَو فِي بعض الْأَوْقَات على الْمَعْمُول بِهِ كَانَ بِهِ بِنَاء أم لَا. كَمَا قَالَه ابْن زيتون فَإِنَّهُ يمْنَع من إِحْدَاث المتكشف عَلَيْهِ والسطوح أَكثر تردداً وَأقوى فَمَا قَالُوهُ من عدم الْمَنْع مُقَابل وَالله أعلم. الثَّالِث: من بنى عَرصَة وَفتح فِيهَا أبواباً أَو كوَّة يطلع مِنْهَا على قاعة غَيره فَأَرَادَ صَاحب القاعة مَنعه وَقَالَ: هَذَا يضرني إِذا بنيت أَنا قاعتي دَارا، فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: وَهُوَ الْأَصَح كَمَا فِي الشَّامِل إِنَّمَا يمنعهُ إِذا بنى فَيَقْضِي عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بسدها وَلَا يمنعهُ قبل الْبناء، وَقَالَ مطرف: يمنعهُ مُطلقًا. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: لَا يمنعهُ مُطلقًا. وَمَا بِنَتْنِ الرِّيح يُؤْذِي يُمْنَعُ فَاعِلُهُ كَالدَّبْغِ مَهْمَا يَقَعُ (وَمَا بنتن الرّيح يُؤْذِي) جَاره (يمْنَع) مِنْهُ (فَاعله) ومحدثه وَذَلِكَ (كالدبغ) والمجزرة والمرحاض الَّذِي لَا يغطيه (مهما يَقع) لِأَن الرَّائِحَة المنتنة تخرق الخياشيم وَتصل إِلَى الأمعاء فتؤذي الْإِنْسَان وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حَسْبَمَا فِي الْمُوَطَّأ: (من أكل من هَذِه الشَّجَرَة يَعْنِي الثوم فَلَا يقرب مَسْجِدنَا يؤذينا) . وَتقدم قَول (خَ) ورائحة كدباغ. وَقَول مَنْ يُثْبِتْهُ مُقَدَّمُ عَلَى مَقالِ مَنْ بِنَفْيٍ يَحْكُمُ (وَقَول من) أَي شَاهد (يُثبتهُ) أَي الضَّرَر (مقدم) عِنْد التَّعَارُض (على مقَال من) أَي شَاهد (بِنَفْي) لَهُ (يحكم) أَي يشْهد قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَبِه الْقَضَاء وَعَلِيهِ الْعَمَل أَي لِأَن الْمُثبت مقدم على من نفى كَمَا مر آخر الشَّهَادَات خلافًا لما فِي المعيار من أَنه ينظر إِلَى أعدل الْبَيِّنَتَيْنِ، وَإِذا شهد بِنَفْي الضَّرَر وَحكم بِمُقْتَضَاهُ ثمَّ تبين خِلَافه نقض الحكم قَالَه فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة يَعْنِي: وَكَذَلِكَ إِذا شهد بِالضَّرَرِ ثمَّ تبين خِلَافه. وَإن جِدَارٌ ساتِرٌ تَهَدَّمَا أَوْ كَانَ خَشْيَةَ السُّقُوطِ هُدِّمَا (وَإِن جِدَار سَاتِر) بَين دارين مَمْلُوك لأَحَدهمَا فَقَط وَلَيْسَ بمشترك (تهدما) وَحده بِأَمْر سماوي (أَو كَانَ) لم يتهدم وَحده بل (خشيَة السُّقُوط هدما) أَي هَدمه مَالِكه لميلانه وتلاشيه وخشية سُقُوطه وَلَو بِقَضَاء الْحَاكِم عَلَيْهِ بذلك لخشية سُقُوطه على الْمَارَّة أَو على الْجَار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 فَمَنْ أَبَى بِنَاءَهُ لَنْ يُجْبَرَا وَقيلَ لِلطَّالِبِ إنْ شِئْتَ اسْتُرَا (فَمن أَبى بناءه) أَي السَّاتِر الْمُتَهَدِّم وَحده أَو خشيَة السُّقُوط (لن يجبرا) عَلَيْهِ إِذا طلبه صَاحبه على الْأَصَح وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم (وَقيل) أَي وَالْحكم إِذا لم يجْبر أَن يُقَال (للطَّالِب إِن شِئْت استرا) على نَفسك أَو اترك وَظَاهره أَنه لَا يجْبر، وَإِن كَانَ قَادِرًا على بنائِهِ وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور فَلَو قَالَ الْمَالِك: إِنِّي مُحْتَاج إِلَى هَدمه فَقَالَ مطرف وَابْن الْمَاجشون: ينظر الْحَاكِم فِي ذَلِك فَإِن ظهر صدقه ترك يصلح على نَفسه وَأمر بإعادته للسترة الَّتِي قد لَزِمته. وَقَالَ أصبغ: لَا تلْزمهُ إِعَادَته. ابْن حبيب: وَبقول مطرف أَقُول نَقله فِي ضيح، فَلَو قَالَ الْجَار للْمَالِك: أَعْطِنِي أَرض حائطك بترابه وَعلي الطوب وَالنَّفقَة فَإِذا تمّ حملنَا عَلَيْهِ مَعًا فَقَالَ سَحْنُون: لَا يجوز لِأَنَّهُ عقد لغير أجل مَعْلُوم وَلَا سمى كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا يحمل عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فعلى رب القاعة وَالتُّرَاب أَن يُعْطي لرب الطوب وَالْعَمَل قيمَة طوبه وَعَمله وَيكون الْجِدَار لَهُ وَلَو سَأَلَ من ذِي الْجِدَار المائل أَن يَأْذَن لَهُ فِي هَدمه وبنائه لَهُ على أَن يحمل عَلَيْهِ فَفعل فَقَالَ ابْن دِينَار: سَبِيل هَذَا سَبِيل الشِّرَاء فَلَيْسَ لرب الْحَائِط أَن يرفع خشب الْبَانِي عَنهُ وَإِن احْتَاجَ إِلَيْهِ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم مَا مرّ وَهُوَ مَا إِذا تعمد الْهدم فَقَالَ: وعامِدٌ لِلْهَدْمِ دون مُقْتَضِ عليْهِ بالبِنَاء وحدَهُ قُضِي (وعامد للهدم) للجدار السَّاتِر بَينه وَبَين جَاره (دون) مَنْفَعَة لَهُ فِي الْهدم وَلَا (مُقْتَض) لذَلِك بل إِنَّمَا قصد بِهِ الضَّرَر لجاره أَو الْعَنَت (عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ وَحده) حَال والمجروران متعلقان بقوله: (قضي) وَالْجُمْلَة خبر عَامِد أَي قضى عَلَيْهِ بإعادته كَمَا كَانَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ مضار بجاره (خَ) : وَقضى بِإِعَادَة السَّاتِر لغيره أَن هَدمه ضَرَرا لَا لإِصْلَاح أَو انْهَدم الخ. وَظَاهر كَلَام (خَ) هَذَا كَغَيْرِهِ أَنه يجْبر على إِعَادَته وَلَو لم يكن لَهُ مَال يَعْنِي وَيُبَاع مِمَّن يبنيه وَهُوَ الَّذِي لِابْنِ رشد عَن سَماع يحيى وَعِيسَى وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا يدل عَلَيْهِ ابْن عَرَفَة، وَقيل إِنَّمَا يجْبر على إِعَادَته إِذا كَانَ لَهُ مَال وَإِلَّا أدب وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَعَلِيهِ عول النَّاظِم فَقَالَ: إنْ كانَ ذَا وَجْهٍ وَكانَ مَالَهُ وَالْعَجْزُ عَنْهُ أدباً أنَالهُ (إِن كَانَ ذَا وَجه) أَي مَحل الْقَضَاء عَلَيْهِ بإعادته كَمَا كَانَ إِذا كَانَ الهادم ذَا مَال (وَكَانَ) الْجِدَار (مَاله) أَي ملكه وَحده، وَهَذَا قيد فِي أصل الْمَسْأَلَة أَي وَإِن جِدَار سَاتِر تهدما وَكَانَ مَاله أَي غير مُشْتَرك (وَالْعجز عَنهُ) أَي عَن بنائِهِ حَيْثُ هَدمه ضَرَرا (أدبا) مفعول بقوله (أناله) وَالْجُمْلَة خبر الْعَجز، وَمَفْهُوم قَوْله: مَاله أَنه إِذا كَانَ لغيره فَعَلَيهِ قِيمَته إِلَّا أَن يكون وَقفا فَعَلَيهِ إِعَادَته على خلاف فِيهِ كَمَا مر فِي بَاب الْحَبْس، وَأما إِن كَانَ مُشْتَركا فَهُوَ قَوْله: وإنْ يكن مُشْتَركاً فَمَنْ هَدَمْ دُونَ ضَرُورَةٍ بنَاءَهُ التَزَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 (وَإِن يكن) الْجِدَار السَّاتِر (مُشْتَركا فَمن هدم. دون ضَرُورَة) توجب هَدمه من تلاشيه وخشية سُقُوطه (بناءه) مفعول بقوله (الْتزم) أَي لزمَه أَن يبنيه كَمَا كَانَ لِأَنَّهُ أتلف مَال غَيره بِغَيْر مُوجب. وإنْ يكن لمقْتَضٍ فَالحُكْمُ أَنْ يَبْنِيَ مَعْ شَرِيكِهِ وَهُوَ السِّنَنْ (وَإِن يكن) هَدمه (لمقتض) كخشية سُقُوطه، وَأثبت ذَلِك بأرباب الْبَصَر وَبعد الْإِثْبَات هَدمه أَو انْهَدم الْحَائِط وَحده. (فَالْحكم أَن يَبْنِي) . ذَلِك الْحَائِط السَّاتِر (مَعَ شَرِيكه وَهُوَ السّنَن) أَي الطَّرِيق الْمَشْرُوع. مِنْ غَيْرِ إجْبَارٍ فإنْ أَبى قُسِمْ مَوْضِعُهُ بَيْنَهُمَا إذَا حُكِمْ (من غير إِجْبَار) لَهُ على الْبناء مَعَه يَعْنِي بل يُؤمر أَن يَبْنِي مَعَ شَرِيكه من غير قَضَاء عَلَيْهِ ابْتِدَاء على السّنَن الْمَشْرُوع (فَإِن) أَمر بِالْبِنَاءِ مَعَه ف (أَبى) وَامْتنع (قسم مَوْضِعه بَينهمَا) عرضا وَيَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا نصفه مِمَّا يَلِيهِ وَبنى فِي نصِيبه (إِذا حكم) أَي أمكن قسمه فَعبر بالحكم عَن الْإِمْكَان لِأَنَّهُ لَازمه إِذْ من لَازم الحكم بالقسم إِمْكَانه فَإِن لم يُمكن قسمه لكَونه لَا يصير لكل مِنْهُمَا مَا ينْتَفع بِهِ بِبِنَاء مُعْتَاد فِيهِ فَأَما بنى مَعَه أَو بَاعَ لمن يبنيه. فَالْحَاصِل أَنه يُؤمر أَولا بِالْبِنَاءِ مَعَه من غير إِجْبَار فَإِن أَبى قسم بَينهمَا إِن أمكن فَإِن لم يُمكن أجبر على الْبناء أَو البيع على الْمُعْتَمد كَمَا فِي (ح) قَائِلا: هَذَا هُوَ الَّذِي رَجحه صَاحب الْكَافِي وَابْن عبد السَّلَام وَغَيرهمَا، وَيكون حِين لم يُمكن قسمه من إِفْرَاد قَول (خَ) : وَقضى على شريك فِيمَا لَا يَنْقَسِم أَن يعمر أَو يَبِيع الخ. وَقَوْلِي: وَبعد الْإِثْبَات هَدمه الخ. احْتِرَازًا مِمَّا لَو هَدمه قبل الْإِثْبَات ونازعه شَرِيكه فِي خشيَة سُقُوطه وافتقاره للهدم فَإِن الهادم حِينَئِذٍ لَا يصدق وَيلْزمهُ بِنَاؤُه وَحده. تَنْبِيهَانِ. الأول: لَو كَانَت دَابَّة أَو معصرة أَو سفينة بَين رجلَيْنِ ولأحدهما مَا يطحن أَو يحمل عَلَيْهَا وَلَيْسَ للْآخر شَيْء يطحنه أَو يحملهُ وضع صَاحبه من الْحمل والطحن إِلَّا بكرَاء وَقَالَ الآخر: إِنَّمَا أطحن وأحمل فِي نَصِيبي، فَالْحكم أَنه يمْنَع من الْحمل والطحن حَتَّى يتراضيا على كِرَاء أَو غَيره وَإِلَّا بيع الْمُشْتَرك عَلَيْهَا كَمَا فِي (ح) . الثَّانِي: سُئِلَ اللَّخْمِيّ عَن حَائِط فاصل بَين جنتين يعْمل عَلَيْهِ السِّدْرَة والشوك لدفع الضَّرَر فَدَعَا أحد الرجلَيْن للْبِنَاء وأبى الآخر وَقَالَ: من شكا الضَّرَر فليبن. فَأجَاب: إِن كَانَ بَقَاؤُهُ مهدوماً يضرهما فَمن دَعَا إِلَى الْبناء فَالْقَوْل قَوْله، وَإِن كَانَ الضَّرَر ينَال أَحدهمَا فبناؤه على من يَنَالهُ الضَّرَر دون صَاحبه، وَإِن لم يكن هُنَاكَ حَائِط فَلَيْسَ على من أَبى أَن يحدث حَائِطا جبرا إِلَّا أَن يدْخل ضَرَر على أَصْحَاب الجنات بَعضهم من بعض، فَالْقَوْل لمن دَعَا إِلَى التصوين وَالْبناء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 وإنْ تَدَاعَيَاه فالقَضَاءُ لمن لهُ العُقُودُ والبِنَاءُ (وَإِن تداعياه) أَي الْجِدَار فَادَّعَاهُ كل لنَفسِهِ وَلَا بَيِّنَة لوَاحِد مِنْهُمَا (فالقضاء) يكون (لمن) شهد (لَهُ) بِهِ الْعرف وَهُوَ سِتَّة (الْعُقُود وَالْبناء) عَلَيْهِ وَالْبَاب والغرز والكوة وَوجه الْبناء فالعقود والقمط مُتَرَادِفَانِ وهما عبارَة عَن معاقد الْأَركان وَهِي إِدْخَال الْحَائِط فِي الآخر كاشتباك الْأَصَابِع، وَمِنْه تقميط الصَّبِي وَهُوَ إِدْخَاله وستره فِي الْخرق، وَإِنَّمَا قضى بِهِ لذِي القمط والعقود لِأَن الْحِيطَان الْمَعْقُود بَعْضهَا بِبَعْض كحائط وَاحِد بني فِي وَقت وَاحِد لمَالِك وَاحِد، وَقيل: الْعُقُود عبارَة عَن تدَاخل الْأَركان، والقمط عبارَة عَمَّا يشد بِهِ وَجه الْحَائِط ويمنعه من الانتثار من جير وجص وَنَحْوهمَا، وَقيل: القمط الْفرج غير النافذة، وَقيل: تَوْجِيه الْآجر، وَقيل: السَّوَارِي تبنى فِي الْحَائِط، فهما على هَذِه التفاسير متباينان وكل من هَذِه الْوُجُوه يشْهد لمن هِيَ إِلَى جِهَته بِلَا إِشْكَال، وَأما الْبناء فَمَعْنَاه أَن الْحَائِط إِذا كَانَ عَلَيْهِ بِنَاء لأَحَدهمَا دون الآخر فَهُوَ لمن لَهُ عَلَيْهِ الْبناء كسترة وَنَحْوهَا، وَكَذَا إِذا كَانَت بَابه لجِهَة أَحدهمَا دون الآخر، أَو كَانَت جُذُوع أَحدهمَا مَحْمُولَة عَلَيْهِ دون الآخر، أَو كَانَت الكوة الْغَيْر النافذة لجِهَة أَحدهمَا وَهِي الَّتِي تتَّخذ لرفع الْحَوَائِج، وَلَا بُد أَن تكون مَبْنِيَّة مَعَ بِنَاء الْحَائِط، وَأما المنقوبة فَلَا دَلِيل فِيهَا كَمَا أَن النافذة كَذَلِك، أَو كَانَ وَجه الْبناء إِلَى جِهَة أَحدهمَا دون صَاحبه، فَمن وجدت هَذِه الْأَشْيَاء أَو بَعْضهَا إِلَى ناحيته قضى لَهُ بِهِ إِذا لم تقم بَيِّنَة للْآخر، وإلاَّ فالاعتماد على الْبَيِّنَة. وَلَو وجدت هَذِه الْأَشْيَاء جَمِيعهَا فَلَو اشْتَركَا فِي هَذِه العلامات حلفا واشتركا فِيهِ كَمَا لَو كَانَت جُذُوع كل مِنْهُمَا مَحْمُولَة عَلَيْهِ أَو وَجه آجر الْبناء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 لجِهَة كل مِنْهُمَا أَو عقوده لكل مِنْهُمَا، فَإِن كَانَ أَحدهمَا انْفَرد بالقمط وَالْآخر بالخشب فَهُوَ لذِي القمط لِأَنَّهَا أقوى دلَالَة والخشب لم يرهَا. ابْن الماشجون حجَّة قَالَ: لِأَنَّهَا تغرز بِالْهبةِ وَالسَّرِقَة. قَالَ الْمعلم مُحَمَّد: مَا كَانَ مِنْهُمَا موصلاً وضع بِغَيْر حفر أوجب الْملك لِرَبِّهَا وَمَا وضع بالنقب فَلَا يُوجب ملكا وَلَو كَانَ لأَحَدهمَا بَاب وَللْآخر حمل الْخشب، فَقَالَ سَحْنُون: هُوَ لرب الْبَاب وَللْآخر حمل الْخشب، وَتقدم عِنْد قَوْله: وَوَاحِد يجزىء فِي بَاب الْخَبَر الخ. أَن القَاضِي يجب عَلَيْهِ أَن يشْتَرط على أَرْبَاب الْبَصَر أَن لَا يحكموا فِي شَيْء ويضعونه بِمَا يزِيل الْإِشْكَال وَينظر هُوَ فِيهِ. (فصل فِي ضَرَر الْأَشْجَار) وَمَا يُثمر مِنْهُ وَمَا لَا. وَكلُّ مَا كَانَ مِنَ الأَشْجَارِ جَنْبَ جِدَارٍ مُبْدِيَ انتِشَارِ (وكل مَا كَانَ من الْأَشْجَار جنب جِدَار) أَي حذوه حَال كَونه أَي الْأَشْجَار (مبدي انتشار) أَي آخِذا فِيهِ فَهُوَ على قسمَيْنِ: إِمَّا أَن يكون الْجِدَار سَابِقًا على الْأَشْجَار أَو الْعَكْس. فإنْ يَكن بَعْدَ الْجِدَارِ وُجِدا قُطِعَ مَا يُؤْذِي الجِدَارَ أَبَدَا (فَإِن يكن) الشّجر (بعد) بِنَاء (الْجِدَار وجدا) أَي غرس (قطع مَا يُؤْذِي الْجِدَار) مِنْهُ (أبدا) من غير خلاف. وَحَيْثُ كَانَ قَبْلَهُ يُشَمَّرُ وَتَرْكُه وَإنْ أضَرَّ الأشْهَرُ (وَحَيْثُ كَانَ) الشّجر مَوْجُودا (قبله) أَي قبل الْجِدَار (يشمر) يقطع أغصانه الَّتِي انتشرت على الْجِدَار وأضرت بِهِ وَهُوَ قَول مطرف وَعِيسَى وَأصبغ وَابْن حبيب، واستظهره فِي الْبَيَان وَهُوَ الْمُعْتَمد وَالْمذهب، وَوَجهه أَن الْجِدَار بناه ربه فِي ملكه فأغصان الشّجر الممتدة عَلَيْهِ قد خرجت عَن ملك رَبهَا فَيجب قطعهَا لِأَنَّهَا ضَرَر على من خرجت إِلَيْهِ، وَمُقَابِله لِابْنِ الْمَاجشون أَنَّهَا لَا تشمر لِأَن الْبَانِي قرب شَجَرَة قد أَخذ من حريمها وَهُوَ يعلم أَن شَأْن الشّجر الانتشار وَلم يرجح (خَ) وَاحِدًا مِنْهُمَا بل قَالَ: وَيقطع مَا أضرّ من شَجَره بجدران تَجَدَّدَتْ وإلاَّ فَقَوْلَانِ. وَأما النَّاظِم فشهر الثَّانِي حَيْثُ قَالَ: (وَتَركه) أَي التشمير (وَإِن أضرّ) الشّجر بالجدار هُوَ (الْأَشْهر) وَفِيه نظر فَإِن الْأَشْهر هُوَ الأول كَمَا مر لظُهُور علته وَكَثْرَة قَائِله، وَلذَا كَانَ لَا خُصُوصِيَّة للجدار بِمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 ذكر بل كَذَلِك إِذا امتدت أَغْصَانهَا على أَرض جَاره فَإِنَّهُ يقطع مِنْهَا مَا أضرّ بأرضه كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وكل مَا خرج عَن هَوَاء صَاحبه الخ. ومَنْ تكُنُ لَهُ بِمِلْكٍ شَجَرَهْ أَغْصَانُهَا عاليَةٌ مُنْتَشِرَهْ (وَمن تكن لَهُ بِملك) أَي فِي ملكه وأرضه (شَجَرَة) من نعتها (أَغْصَانهَا عالية منتشرة) فِي هَوَاء ملك رَبهَا لم تخرج عَن هوائه محَال. فلاَ كلاَمَ عِنْدَ ذَا لِجَارِها لَا فِي ارْتِفَاعِهَا وَلا انْتِشَارِهَا (فَلَا كَلَام عِنْد ذَا لجارها لَا فِي ارتفاعها وَلَا) فِي (انتشارها) وَإِن منعته الشَّمْس وَالرِّيح فَلَا حجَّة لَهُ كالبنيان يرفعهُ الرجل فِي ملكه فَيمْنَع جَاره الشَّمْس وَالرِّيح كَمَا يَأْتِي آخر الْفَصْل بعده. وَكُلُّ مَا خَرَجَ عَن هَوَاءِ صَاحِبهَا يُقْطَعُ باسْتِوَاءِ (وكل مَا خرج) من أَغْصَانهَا (عَن هَوَاء) أَرض (صَاحبهَا) وامتد على أَرض جَاره فَإِنَّهُ (يقطع) ذَلِك الْخَارِج فَقَط (باستواء) وَظَاهره أَنه لَا حجَّة لَهُ فِي قَوْله: أَخَاف أَن يطرقني أَو يتكشف عَليّ مِنْهَا وَهُوَ كَذَلِك، وَلَكِن إِذا صعد عَلَيْهَا أنذره بطلوعه ليستتر مِنْهُ حريمه (خَ) عاطفاً على مَا لم يمْنَع فِيهِ وصعود نَخْلَة وأنذر بطلوعه، وَهَذَا إِذا كَانَت نابتة فِي أرضه فامتدت أَغْصَانهَا لأرض جَاره، وَأما لَو كَانَت لَك شَجَرَة نابتة فِي أرضه بَاعهَا لَك أَو خرجت لَك بقسمة وَنَحْوهَا فَلَيْسَ لَهُ أَن يقطع مَا طَال وانبسط مِنْهَا كَمَا قَالَ: وَإنْ تكن بِمِلْكِ مَنْ لَيْسَتَ لَه وَانْتَشَرَتْ حَتَّى أَظَلَّتْ جُلَّهُ (وَإِن تكن) شَجَرَة (بِملك من لَيست لَهُ) أَي فِي أَرض غَيره ملكهَا بشرَاء أَو هبة (وانتشرت) وعظمت (حَتَّى أظلت جله) أَي جلّ ملك الْغَيْر. فَمَا لربِّ الْمِلْكِ قَطْعُ مَا انْتَشَرْ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ ذَا شَأَنُ الشَّجرْ (فَمَا لرب الأَرْض قطع مَا انْتَشَر) مِنْهَا وَإِن أضرّ بأرضه (لعلمه بِأَن ذَا شَأْن الشّجر) قَالَه ابْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 الْقَاسِم وَغَيره. وَهَذَا كُله فِي الأغصان، وَأما لَو كَانَت لَهُ فِي أرضه شَجَرَة فَخرجت عروقها لأرض جَاره فَنَبَتَتْ وَصَارَت شَجرا مثمراً فَإِن من نَبتَت فِي أرضه مُخَيّر بَين أَن يقلعها أَو يُعْطِيهِ قيمتهَا مقلوعة إِلَّا أَن يكون لصَاحب الشَّجَرَة مَنْفَعَة لَو قلعهَا وغرسها بِموضع آخر لنبتت فَلهُ قلعهَا وَأَخذهَا وَإِن كَانَت لَا مَنْفَعَة لَهُ فِيهَا وَلَا مضرَّة عَلَيْهِ فِيهَا فَهِيَ لرب الأَرْض انْظُر الْمواق. وَالحُكْمُ فِي الطّريقِ حُكْمُ الجَارِ فِي قَطْعِ مَا يُؤْذِي مِنَ الأَشْجَارِ (وَالْحكم فِي الطَّرِيق) تمتد أَغْصَان الْأَشْجَار عَلَيْهَا (حكم الْجَار فِي قطع مَا يُؤْذِي) المارين فِي الطَّرِيق (من الْأَشْجَار) لِأَن الطَّرِيق حبس على سَائِر الْمُسلمين وَذَلِكَ يُوجب اسْتِوَاء الحكم بَينهم وَبَين الْجَار، وَمَفْهُوم الْأَشْجَار أَن الْبناء بِالطَّرِيقِ يهدم وَإِن لم يؤذ المارين وَلَا ضيقها عَلَيْهِم (خَ) : ويهدم بِنَاء بطرِيق وَلَو لم يضر الخ. نعم لَا بَأْس بالروشن والساباط فَوق الطَّرِيق النافذة لمن لَهُ الجانبان حَيْثُ رفع على رُؤُوس الراكبين وَلم يظلماها كَمَا قَالَ (خَ) أَيْضا: وروشن وساباط لمن لَهُ الجانبان بسكة نفذت، وَتقدم مَا فِي ذَلِك عِنْد قَول النَّاظِم: كالفرن وَالْبَاب وَكَذَا من ملك جَانِبي النَّهر فَلهُ أَن يَبْنِي ساباطاً فَوْقه وَلَيْسَ للسطان مَنعه وَلَا حجَّة لَهُ فِي أَن الْوَادي لَهُ نَقله (م) . (فصل فِي مُسْقط الْقيام بِالضَّرَرِ) على الْمَشْهُور بِأَنَّهُ يحاز بِمَا تحاز بِهِ الْأَمْلَاك. وَعَشْرَةُ الأَعْوَامِ لامْرِىءٍ حَضَرْ تَمْنَعُ إنْ قَامَ بِمُحْدِثِ الضَّرَرْ (وَعشرَة الأعوام) مَضَت (لامرىء) رشيد (حضر) إِحْدَاث ضَرَر عَلَيْهِ عَالما بِهِ سَاكِنا بِلَا عذر (تمنع) الْحَاضِر الْمَذْكُور (إِن قَامَ) بعْدهَا (بمحدث) بِفَتْح الدَّال (الضَّرَر) من إِضَافَة الصّفة للموصوف أَي الضَّرَر الْمُحدث، وَفهم مِنْهُ أَنه إِذا كَانَ غَائِبا أَو مَضَت عَلَيْهِ أقل من عشرَة أَو كَانَ مَحْجُورا مولى عَلَيْهِ أَو صَغِيرا أَي غير عَالم أَو غير سَاكِت أَو كَانَ لَهُ عذر لَهُ فِي سُكُوته من سطوة وَنَحْوهَا فَهُوَ على حَقه، وَلَو طَالَتْ الْمدَّة حَتَّى تمْضِي عشر سِنِين من قدومه من الْغَيْبَة وَزَوَال الْحجر وَحُصُول الْعلم وَنَحْو ذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 وَذَا بهِ الْحُكْمُ وبالْقِيَامِ قدْ قِيل بالزائِدِ فِي الأَيَّامِ (وَذَا) القَوْل الَّذِي قَالَ يسْقط حَقه بِمُضِيِّ الْعشْرَة وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب وَابْن نَافِع و (بِهِ الحكم) وَعَلِيهِ الْعَمَل كَمَا فِي المعيار عَن ابْن رشد، وَمثله فِي التَّبْصِرَة وَغَيرهَا، وَمُقَابِله لأصبغ أَنه لَا يسْقط حَقه إِلَّا بالعشرين سنة وَنَحْوهَا وَهُوَ معنى قَوْله: (وبالقيام قد قيل بِالزَّائِدِ) على الْعشْرَة (فِي الْأَيَّام) الْكَثِيرَة إِلَى عشْرين سنة وَنَحْوهَا، فَيسْقط حَقه حِينَئِذٍ وغايته أَنه أطلق جمع الْقلَّة على جمع الْكَثْرَة وَهُوَ كثير فِي الْعَرَبيَّة كَمَا فِي الْخُلَاصَة هَذَا هُوَ الظَّاهِر، فَيكون قد أَشَارَ إِلَى قَول أصبغ، وَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ بِالْأَيَّامِ الْيَسِيرَة كالعشرة أَيَّام بِدَلِيل جمع الْقلَّة، وَيكون أَشَارَ إِلَى قَول من قَالَ: إِن الْعشْر سِنِين لَا تَكْفِي بل لَا بُد من مُطلق الزِّيَادَة عَلَيْهَا حَسْبَمَا حَكَاهُ ابْن عَرَفَة فِي جملَة الْأَقْوَال الثَّمَانِية الَّتِي نقلهَا فِيمَا يسْقط بِهِ الضَّرَر، وَظَاهر النّظم أَن الْعشْرَة أَعْوَام قَاطِعَة لحقه، سَوَاء كَانَ الْحَائِز قَرِيبا للمحوز عَنهُ أَو أَجْنَبِيّا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي الطرر وَغَيرهَا فَلَيْسَتْ حِيَازَة الضَّرَر كحيازة الْأَمْلَاك الَّتِي يفرق فِيهَا بَين الْأَقَارِب والأجانب، وَظَاهره أَيْضا أَنَّهَا قَاطِعَة لحقه كَانَ الضَّرَر مِمَّا لَا يتزايد كالكوة وَالْبَاب أَو مِمَّا يتزايد ضَرَره كالكنيف والمدبغ والحفر الَّتِي يستنقع المَاء فِيهَا وَهُوَ كَذَلِك، وَقيل: الضَّرَر المتزايد لَا يحاز بِالْعشرَةِ وَلَا بغَيْرهَا لِأَن الدّباغ والكنيف يحدثان بطول الزَّمَان وَهنا على وَهن وضعفاً فِي جِدَار الْجِدَار فَلهُ الْقيام بِمَا زَاد عَلَيْهِ من الضَّرَر وَلَو طَال، وَقيل: لَا يحاز الضَّرَر أصلا كَانَ مِمَّا يتزايد أم لَا. وَهُوَ قَول ابْن حبيب، وَعَلِيهِ فَفِي حوز الضَّرَر وَعَدَمه. ثَالِثهَا إِن كَانَ مِمَّا لَا يتزايد وعَلى الْحَوْز فَفِي كَونه بالعشر أَو بالعشرين ثَالِثهَا بالعشر وَزِيَادَة الْأَيَّام الْيَسِيرَة. وَمن رأى بُنْيَانَ مَا فِيهِ ضَرَرْ وَلَمْ يقُمْ مِنْ حِينِهِ بِمَا ظَهَرْ (وَمن رأى بُنيان مَا فِيهِ ضَرَر) عَلَيْهِ وَسكت (وَلم يقم من حِينه بِمَا ظهر. حَتَى رَأى الْفَرَاغَ مِنْ إتْمَامِهِ مُكِّنَ بالْيَمِينِ مِن قِيامِهِ حَتَّى رأى الْفَرَاغ من إِتْمَامه) أَي الْبُنيان وَفتح الْبَاب وَنَحْوهمَا فَقَامَ بِحقِّهِ بعد الْفَرَاغ بِالْقربِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 وَأَحْرَى بعد طول وَقبل مُضِيّ مُدَّة الْحِيَازَة (مكن بِالْيَمِينِ من قِيَامه) أَي: فَيحلف أَن سُكُوته حَتَّى كمل الْبُنيان وَفتح الْبَاب مثلا مَا كَانَ عَن رضَا بِإِسْقَاط حَقه ويهدم الْبناء ويسد الْبَاب حِينَئِذٍ قَالَه فِي التَّبْصِرَة والوثائق الْمَجْمُوعَة وَابْن سَلمُون وَغَيرهم، وَفهم من قَوْله: وَلم يقم أَنه إِذا قَامَ حِين رَآهُ يَبْنِي وَأَرَادَ مَنعه من الْبناء فَإِنَّهُ لَا يمْنَع من بنائِهِ وإتمام عمله حَتَّى يثبت الضَّرَر ويعذر للباني فِيهِ وَلم يجد فِيهِ مطعناً فيهدم الْبناء عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَلَو كمل كَمَا فِي التَّبْصِرَة، وَالْفرق بَين هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَسْأَلَة النَّاظِم أَنه فِي هَذِه أَرَادَ أَن يمنعهُ بِمُجَرَّد الدَّعْوَى حِين شُرُوعه فِي الْبناء أَو بعد أَن أثبت الْبَيِّنَة المحتاجة للتزكية والاعذار فَإِن الْبَانِي لَا يمْنَع من إتْمَام عمله حَتَّى يعجز عَن الدّفع كَمَا مر إِذْ لَا يحكم على أحد بِالْمَنْعِ من التَّصَرُّف فِي ملكه مَعَ قيام احْتِمَال صِحَة الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة وَعدم صِحَّتهَا وَبِه تعلم أَن مَا للشَّيْخ الرهوني من استشكال هَذِه الْمَسْأَلَة غير سديد كَمَا أَن مَا قَالَه من عدم وجوب الْيَمين فِي مَسْأَلَة النَّاظِم إِن قَامَ بِالْقربِ غير سديد أَيْضا إِذْ هَذِه الْيَمين يَمِين تُهْمَة والمعمول بِهِ توجهها فِي الْقرب والبعد كَمَا مر فِي بَاب الْيَمين. فإنْ يَبِعْ بَعْدُ بِلَا نِزَاعِ فَلَا قيامَ فِيهِ لِلْمُبْتَاعِ (فَإِن يبع) الْمُحدث عَلَيْهِ الضَّرَر (بعد) أَي بعد حُدُوثه عَلَيْهِ وَعلمه بِهِ حَال كَونه (بِلَا نزاع) فِيهِ أَي بَاعَ بعد الإحداث وَالْعلم بِهِ وَقبل النزاع فِيهِ (فَلَا قيام) وَلَا خصام (فِيهِ للْمُبْتَاع) اتِّفَاقًا كَمَا فِي (خَ) عَن ابْن عَرَفَة لِأَنَّهُ اشْترى على تِلْكَ الْحَالة، وَظَاهره وَلَو لم يعلم بِهِ، وَقيل: إِذا لم يعلم بِهِ المُشْتَرِي فَلهُ رده على البَائِع لِأَن الضَّرَر عيب لم يطلع عَلَيْهِ، فَإِذا رده فَللْبَائِع حِينَئِذٍ الْقيام بِهِ قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة عَن حبيب بن نصر، وَيَنْبَغِي حمله على التَّفْسِير لما درج عَلَيْهِ النَّاظِم: وإنْ يكُنْ حينَ الخِصَام بَاعَا فالْمُشْترِي يَخْصِمُ مَا اسْتَطَاعَا (وَإِن يكن) البَائِع لم يعلم بالإحداث أَو علم وَتكلم فِيهِ وَخَاصم و (حِين الْخِصَام) أَو عدم الْعلم (باعا فَالْمُشْتَرِي يخصم) فِي ذَلِك الضَّرَر (مَا استطاعا) لقِيَامه مقَام البَائِع حِينَئِذٍ وحلوله مَحَله إِذْ البَائِع حِينَئِذٍ بَاعَ مَا يملكهُ من الدَّار وَرفع الضَّرَر، وَالْمُشْتَرِي اشْترى ذَلِك فَقَامَ فِيهِ مقَام البَائِع، وَظَاهره أَن هَذَا البيع جَائِز وَلَيْسَ هُوَ من بيع مَا فِيهِ خُصُومَة. وَقَالَ ابْن بطال مَعْنَاهُ: إِن الْحَاكِم قضى بِإِزَالَة الضَّرَر وأعذر وَبَقِي التسجيل وَالْإِشْهَاد يَعْنِي على الحكم، وَأما لَو بَاعَ وَقد بَقِي شَيْء من المدافع والحجج لم يجز البيع لِأَنَّهُ بيع مَا فِيهِ خُصُومَة يَعْنِي: وَالْمَشْهُور مَنعه، وَقد أَطَالَ (خَ) من ذكر الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة والمعول عَلَيْهِ مَا للناظم وَالله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 وَمَانِعُ الشَّمْسِ أَوْ الرِّيحِ مَعا لِجَارِهِ بِمَا بَنَى لَنْ يُمْنَعَا (ومانع الرّيح أَو الشَّمْس) أَو هما (مَعًا لجاره) مفعول بمانع وَاللَّام زَائِدَة لَا تتَعَلَّق بِشَيْء (بِمَا بنى لن يمنعا) من ذَلِك على الْمَشْهُور ابْن نَاجِي وَبِه الْعَمَل، وَهُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة قَالَ فِيهَا: وَمن رفع بُنْيَانه فَتَجَاوز بِهِ بُنيان جَاره وأفسد عَلَيْهِ كواه فأظلمت. أَبْوَاب غرفه وكواها وَمنعه الشَّمْس لم يمْنَع من هَذَا الْبُنيان اه. وَهَذَا إِذا كَانَ للباني فِي رفع بنائِهِ مَنْفَعَة قَصدهَا، وَأما إِذا لم يكن لَهُ فِي الْبناء مَنْفَعَة وَثَبت ذَلِك فَإِنَّهُ يمْنَع كَمَا قَالَه ابْن عتاب، إِذْ لَا ضَرَر أَكثر من أَن يمْنَع الْإِنْسَان جَاره الضَّوْء وَالرِّيح من غير نفع يعود عَلَيْهِ فِي ذَلِك، وَظَاهره أَنه لَا يمْنَع من رفع بُنْيَانه وَلَو منع الشَّمْس وَالرِّيح عَن الأندر السَّابِقَة على بنائِهِ وَهُوَ مَا اسْتَظْهرهُ ابْن رشد كَمَا مّر عِنْد قَوْله: فَإِن يكن يضر بالمنافع الخ. وَلَكِن الْمَشْهُور خِلَافه (خَ) : لَا مَانع شمس وريح إِلَّا الأندر أَي فَإِنَّهُ يمْنَع من بِنَاء مَا يمْنَع الشَّمْس وَالرِّيح، وَظَاهره وَلَو احْتَاجَ للبنيان وَكَانَت لَهُ فِيهِ مَنْفَعَة وَمثل الأندر مرج الْقصار ومنشر المعاصر وجرين التَّمْر وَالْفرق بَين الأندر وَغَيرهَا عِنْد ابْن الْقَاسِم فِيمَا يظْهر أَن الدَّار لَا يُمكن منع الضَّوْء مِنْهَا جملَة إِذْ مَا يقابلها من السَّمَاء يضيئها قطعا، وَكَذَا الشَّمْس، وَأما الرّيح فالمقصود مِنْهَا اتقاؤه بهَا والكوة يُمكنهُ فتحهَا لوسط دَاره بِخِلَاف الأندر وَمَا مَعَه فَإِن منفعَته تبطل كلهَا بِمَنْع الشَّمْس وَالرِّيح، وَأما الْبِئْر إِذا أَرَادَ حفرهَا فِي أرضه وَهِي تنقص مَاء بِئْر جَاره أَو تقطعه فقد يتَقَدَّم الْكَلَام عَلَيْهَا عِنْد قَوْله: أَو مَا لَهُ مضرَّة بالجدر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 (فصل فِي الْغَصْب والتعدي) قَالَ (خَ) : الْغَصْب: هُوَ أَخذ مَال قهرا تَعَديا بِلَا حرابة الخ. فَقَوله: أَخذ مَال كالجنس يَشْمَل أَخذ الْإِنْسَان مَال نَفسه من تَحت يَد الْمُودع وَغَيره، وَخرج بقوله مَال أَخذ امْرَأَة اغتصاباً كَمَا يَأْتِي، وَخرج بِهِ أَيْضا أَخذ رَقَبَة الْحر وَالْخِنْزِير وَنَحْوهمَا مِمَّا لَا يملكهُ الْمُسلم، وَقَوله قهرا مخرج للسرقة لِأَنَّهَا أَخذ مَال خُفْيَة وللغيلة لِأَنَّهُ لَا قهر فِيهَا لِأَنَّهَا بِمَوْت الْمَالِك، ومخرج أَيْضا لما أَخذه اخْتِيَارا كالسلف وَالْعَارِية والقراض وَالصَّدَََقَة وَنَحْوهَا. وَقَوله: تَعَديا مخرج لما أَخذه من محَارب وَنَحْوه، وَلما إِذا أَخذ الشَّيْء الْمَغْصُوب من يَد غاصبه ولآخذ الزَّكَاة كرها من مُمْتَنع من دَفعهَا ولأخذ الْجِزْيَة ولأخذ السَّيِّد مَال عَبده ولأخذ الْأَب وَالْجد الغنيين مَال ولدهما لِأَن لَهما فِيهِ شُبْهَة، وَلذَا لم يقطعا فِيهِ فَإِن ذَلِك كُله مَأْخُوذ بالقهر، وَلَكِن لَا عداء فِيهِ. وَقَوله: بِلَا حرابة مخرج لما أَخذه الْمُحَارب فَإِن الْأَوْصَاف السَّابِقَة تصدق عَلَيْهِ والحرابة غير الْغَصْب لاخْتِلَاف أحكامهما. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَلَيْسَ كل غَاصِب مُحَاربًا لِأَن السُّلْطَان يغصب وَلَا يعد مُحَاربًا اه. وَاعْترض قَوْله: بِلَا حرابة بِأَنَّهُ يُوجب فِي الْحَد التَّرْكِيب الَّذِي هُوَ توقف الْمَحْدُود على معرفَة حَقِيقَة أُخْرَى لَيست أَعم مِنْهُ وَلَا أخص من أعمه، وَبِأَنَّهُ غير مَانع لدُخُول الْمَنَافِع فِيهِ كأخذه سُكْنى دَار وحرث عقار وَنَحْوهمَا. وَلَيْسَ غصبا بل تَعَديا فَلَو زَاد بعد قَوْله: مَال غير مَنْفَعَة، وأبدل قَوْله بِلَا حرابة بقوله بِلَا خوف فَقَالَ كَمَا فعل ابْن عَرَفَة لسلم من الِاعْتِرَاض، وَالْمرَاد بِالْأَخْذِ الِاسْتِيلَاء على المَال وَإِن لم يحزه لنَفسِهِ بِالْفِعْلِ، فَإِذا استولى الظَّالِم على مَال شخص وَحَال بَينه وَبَين مَاله وَقد أبقاه بموضعه الَّذِي وَضعه ربه كَانَ غَاصبا ضَامِنا لَهُ إِن تلف. وَأما التَّعَدِّي: فَهُوَ كَمَا قَالَ ابْن عَرَفَة التَّصَرُّف فِي الشَّيْء بِغَيْر إِذن ربه دون قصد تملكه فَقَوله: التَّصَرُّف كالجنس يَشْمَل التَّصَرُّف بِالِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّف بالاستهلاك والإتلاف كلا أَو بَعْضًا، فَالْأول كَقَتل الدَّابَّة وَحرق الثَّوْب، وَالثَّانِي كخرق بخاء مُعْجمَة لثوب وَكسر بعصى صَحْفَة أَو عصى، وَقَوله بِغَيْر إِذن ربه مخرج للإجارة وَالْعَارِية وَنَحْوهمَا. وَقَوله: دون قصد تملكه مخرج للغصب لِأَن الْغَاصِب يقْصد تملك الْمَغْصُوب، وَقد فهم مِنْهُ أَن الْفرق بَين الْغَصْب والتعدي هُوَ قصد التَّمَلُّك وَعَدَمه، وَأَنه إِذا أقرّ بِقصد التَّمَلُّك أَو دلّت عَلَيْهِ قرينَة وَاضِحَة فَهُوَ غَاصِب تجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامه، وَإِن أقرّ بِقصد الْمَنْفَعَة أَو قَامَت قرينَة عَلَيْهَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ فتجري عَلَيْهِ أَيْضا أَحْكَامه، فَإِن لم يكن إِقْرَار وَلَا قرينَة فَالْقَوْل قَوْله فِيمَا يَدعِيهِ من غصب الْمَنْفَعَة أَو الذَّات إِذْ لَا يعلم ذَلِك إِلَّا من قَوْله. وَالْقَاعِدَة أَن كل مَا لَا يعلم من الْأُمُور القلبية إِلَّا بقول مدعيه يصدق فِيهِ وَيتَصَوَّر التَّعَدِّي أَيْضا بِأَن يكون بعد تقدم إِذن من مَالِكه كتعديه فِي الْعَارِية أَو فِي الْكِرَاء أَو زِيَادَة الْمسَافَة أَو الْحمل فَمن أَحْكَام الْغَصْب قَوْله: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 وَغَاصِبٌ يَغْرَمُ مَا اسْتَغَلَّهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَيَرُدُّ أصْلَهُ (وغاصب) سوغ الِابْتِدَاء بِهِ قصد الْجِنْس (يغرم مَا استغله من كل شَيْء) غصبه كَانَ الْمَغْصُوب حَيَوَانا أَو عقارا وَسَوَاء استغل بِنَفسِهِ فَركب الدَّابَّة أَو سكن الدَّار مثلا أَو أكراها لغيره (خَ) : وَضمن غلَّة مُسْتَعْمل الخ. أَي فَيرد قيمَة الْمَنْفَعَة وَالصُّوف وَالثَّمَرَة وَاللَّبن (وَيرد) أَيْضا (أَصله) وَهُوَ الْمَغْصُوب أَي فَيرد مَا ذكر مَعَ الْغلَّة من رد عين الشَّيْء الْمَغْصُوب. حَيْثُ يُرَى بِحَالِهِ فإنْ تَلِفْ قُوِّمَ والمِثْلُ بِذِي مِثْلِ أُلِفْ (حَيْثُ يرى) كل مِنْهُمَا بَاقِيا (بِحَالهِ) لم يتَغَيَّر وَلم يتْلف (فَإِن) تلف الصُّوف أَو الثَّمَرَة وَلم تقم على التّلف بَيِّنَة فَيغرم مكيلة الثَّمَرَة وَوزن الصُّوف إِن علما أَو قيمتهمَا إِن جهلا مَعَ رد عين الْمَغْصُوب لرَبه، وَإِن قَامَت بَيِّنَة على تلفهما بِغَيْر سَببه فَيرد الْمَغْصُوب فَقَط وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فيهمَا اتِّفَاقًا قَالَه ابْن رشد. وَأما إِن (تلف) الشَّيْء الْمَغْصُوب بسماوي أَو بِسَبَب عداء الْغَاصِب عَلَيْهِ (قوّم) على الْغَاصِب وَغرم قِيمَته يَوْم غصبه لَا يَوْم عدائه عَلَيْهِ وَلَا يَوْم التّلف بسماوي، وَأما إِن تلف بعداء أَجْنَبِي عَلَيْهِ عِنْد الْغَاصِب فَإِن ربه مُخَيّر بَين أَن يتبع الْغَاصِب بِقِيمَتِه يَوْم غصبه فَيتبع الْغَاصِب حِينَئِذٍ الْأَجْنَبِيّ بِقِيمَتِه يَوْم الْجِنَايَة وَلَو زَادَت على قِيمَته يَوْم الْغَصْب وَتَكون لَهُ الزِّيَادَة، وَبَين أَن يتبع الْجَانِي بِقِيمَتِه يَوْم الْجِنَايَة وَلَو زَادَت على قِيمَته يَوْم الْغَصْب، فَإِن كَانَت أقل من قِيمَته يَوْم الْغَصْب أَخذهَا وَرجع على الْغَاصِب بِمَا بَقِي لَهُ لتَمام قِيمَته يَوْم الْغَصْب (خَ) : فَيغرم قِيمَته يَوْم غصبه، وَلَو قَتله الْغَاصِب تَعَديا وَخير فِي قتل الْأَجْنَبِيّ فَإِن تبعه تبع هُوَ الْجَانِي فَإِن أَخذ ربه أقل فَلهُ الزَّائِد من الْغَاصِب فَقَط الخ (والمثل) أَي: وَأما إِن كَانَ الْمَغْصُوب التَّالِف مثلِيا فَإِنَّهُ يضمن (بِذِي الْمثل ألف) سَوَاء تلف بسماوي أَو بِسَبَب الْغَاصِب فَيرجع الْمَغْصُوب مِنْهُ عَلَيْهِ بِمثلِهِ، أَو تلف بِسَبَب أَجْنَبِي فَيُخَير ربه بَين أَن يرجع عَلَيْهِ أَو على الْغَاصِب بِمثلِهِ. وَقَوله: استغله يَعْنِي مَعَ بَقَاء عينه أما الدَّنَانِير يتجر بهَا وَالزَّرْع يحرثه فَالرِّبْح لَهُ اتِّفَاقًا فِي طَريقَة. ابْن رشد: وَمَفْهُوم قَوْله استغله وَقَول (خَ) مُسْتَعْمل أَنه إِذا عطل كَمَا إِذا لَو ربط الدَّابَّة فَلم يستعملها وَلَا أكراها، أَو بور الأَرْض فَلم يحرثها، أَو أغلق الدَّار فَلم يسكنهَا بِنَفسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يغرم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 شَيْئا، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور أَيْضا بِخِلَاف غَاصِب الْمَنْفَعَة فَإِنَّهُ يضمن الْغلَّة مُطلقًا سَوَاء اسْتعْمل أَو عطل كَمَا يَأْتِي مَعَ بَقِيَّة الفروق بَينهمَا عِنْد قَوْله: كالمتعدي غَاصِب الْمَنَافِع الخ. وَظَاهر قَوْله: يغرم مَا استغله الخ. أَنه يضمن الْغلَّة، وَلَو فَاتَ الْمَغْصُوب بذهاب عينه ولزمت قِيمَته فَيرد الْغلَّة وَيغرم الْقيمَة، وَهُوَ قَول مَالك وَلكنه خلاف الْمَشْهُور، وَمذهب الْمُدَوَّنَة من أَنه مُخَيّر فِي أَخذ قِيمَته يَوْم الْغَصْب وَلَا شَيْء لَهُ من الْغلَّة وَالْولد أَو أَخذ الثَّمَرَة وَالْولد وَالْغلَّة وَلَا شَيْء لَهُ من الْقيمَة وَنَصهَا وَمَا أثمر عِنْد الْغَاصِب من نخل أَو شجر أَو نسل من الْحَيَوَان أَو جز من الصُّوف أَو حلب من اللَّبن فَإِنَّهُ يرد ذَلِك كُله مَعَ الْمَغْصُوب لرَبه، وَمَا أكل رد الْمثل فِيمَا لَهُ مثل وَالْقيمَة فِيمَا لَهُ قيمَة وَإِن مَاتَت الْأُمَّهَات وَبَقِي الْأَوْلَاد وَمَا جزّ مِنْهَا أَو حلب خير رَبهَا فَأَما أَخذ قيمَة الْأُمَّهَات يَوْم الْغَصْب وَلَا شَيْء لَهُ فِيمَا بَقِي من ولد أَو صوف أَو لبن وَلَا فِي ثمنه إِن بيع وَإِن شَاءَ أَخذ الْولدَان كَانَ ولد وَثمن مَا بيع من صوف أَو لبن وَنَحْوه، وَمَا أكل الْغَاصِب أَو انْتفع بِهِ من ذَلِك فَعَلَيهِ الْمثل فِي المثلى وَالْقيمَة فِي الْمُقَوّم وَلَا شَيْء عَلَيْهِ من قبل الْأُمَّهَات. أَلا ترى أَن من غصب أمة ثمَّ بَاعهَا فَولدت عِنْد الْمُبْتَاع ثمَّ مَاتَت فَلَيْسَ لِرَبِّهَا إِلَّا أَخذ الثّمن من الْغَاصِب أَو قيمتهَا يَوْم الْغَصْب، أَو يَأْخُذ الْوَلَد من الْمُبْتَاع وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَلَا على الْغَاصِب فِي قيمَة الْأُم، ثمَّ يرجع الْمُبْتَاع على الْغَاصِب بِالثّمن وَلَا يجْتَمع على الْغَاصِب غرم ثمنهَا وَقيمتهَا اه. فَقَوله: فَأَما أَخذ قيمَة الْأُمَّهَات الخ. قَالَ ابْن رشد: لِأَنَّهُ إِذا ضمنه قيمَة الْأُم يَوْم الْغَصْب كَانَت الْغلَّة إِنَّمَا حدثت فِيمَا قد ضمن بِالْقيمَةِ. ابْن نَاجِي: مَا ذكره فِي الْكتاب هُوَ الْمَشْهُور، وَقَالَ أَشهب: يَأْخُذ قيمتهَا مَعَ عين الْوَلَد اه. وَقَول أَشهب هَذَا هُوَ ظَاهر النّظم، وَلَكِن الْمَشْهُور خِلَافه كَمَا رَأَيْت وعَلى الْمَشْهُور، فَإِن مَاتَت الْأُم وَالْولد مَعًا فَلَيْسَ لِرَبِّهَا إِلَّا قيمَة الْأَلَم خلافًا لأَشْهَب وَإِن وجدهما حيين أخذهما مَعًا اتِّفَاقًا وَإِن مَاتَت الْأُم وَحدهَا فَلهُ أَن يَأْخُذ الْوَلَد وَلَا شَيْء لَهُ من قيمَة الْأُم أَو يَأْخُذ قيمَة الْأُم وَلَا شَيْء لَهُ فِي الْوَلَد وَيحد الْغَاصِب الواطىء، وَكَذَا المُشْتَرِي مِنْهُ والموهوب لَهُ العالمان بِالْغَصْبِ. وَقَوْلِي: لم يتَغَيَّر احْتِرَازًا مِمَّا تعيب وَلم تفت عينه فَأَما أَن يتعيب بسماوي وَلَو قلّ عَيبه فَيُخَير ربه بَين أَخذه قِيمَته معيبا وَلَا شَيْء لَهُ فِي النَّقْص، أَو يَأْخُذ قِيمَته يَوْم الْغَصْب وَلَا شَيْء لَهُ غَيرهَا، وَأما أَن يتعيب بِجِنَايَة من الْغَاصِب فَيُخَير بَين أَخذه قِيمَته يَوْم الْغَصْب أَو أَخذ الْمَغْصُوب مَعَ أرش الْعَيْب وَأما أَن يتعيب بِجِنَايَة من أَجْنَبِي فَيُخَير فِي أَخذ قِيمَته من الْغَاصِب يَوْم الْغَصْب وَيتبع الْغَاصِب الْجَانِي بِأَرْش الْجِنَايَة، وَفِي أَخذ الشَّيْء الْمَغْصُوب مَعَ أَخذ الْأَرْش من الْجَانِي لَا من الْغَاصِب (خَ) : وان تعيب وَإِن قل ككسر نهديها أَو جنى هُوَ أَو أَجْنَبِي خير فِيهِ الخ. وَكَيْفِيَّة التَّخْيِير هُوَ مَا تقدم. تَنْبِيه: وعَلى مَا مر أَن الْغَاصِب يغرم الْغلَّة فَإِنَّهُ يرجع على الْمَغْصُوب مِنْهُ بِمَا أنْفق على العَبْد وَالدَّابَّة وَسقي شجر ورعي مَاشِيَة وَنَحْو ذَلِك. وَيسْقط من الْغلَّة على قَول ابْن الْقَاسِم وَهُوَ الْمَشْهُور (خَ) : وللغاصب مَا أنْفق الخ. وَهُوَ مَحْصُور فِي الْغلَّة لَا يتعداها إِلَى ذمَّة الْمَغْصُوب مِنْهُ حَيْثُ لم تف بِهِ الْغلَّة. وَالقَوْلُ لِلْغَاصِبِ فِي دَعْوَى التَّلَفْ وَقَدْرِ مَغْصُوبٍ وَمَا بِهِ اتَّصَفْ (و) إِذا تنَازع الْغَاصِب وَالْمَغْصُوب مِنْهُ فِي تلف الْمَغْصُوب وَعَدَمه أَو فِي قدره أَو صفته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 ف (القَوْل للْغَاصِب) بِيَمِينِهِ (فِي دَعْوَى التّلف) للشَّيْء الْمَغْصُوب إِذا ادّعى ربه أَنه بَاقٍ عِنْده وَأَنه يُرِيد أَن يفوتهُ عَلَيْهِ بغرم قِيمَته. (و) فِي (قدر مَغْصُوب) من كيل أَو وزن أَو عدد لِأَنَّهُ غَارِم (و) فِي (مَا بِهِ اتّصف) من رداءة بِحَيْثُ تكون قِيمَته على وَصفه دِرْهَمَيْنِ وعَلى وصف ربه عشرَة فَيحلف الْغَاصِب أَنه يَوْم استيلائه عَلَيْهِ كَانَ على الصّفة الَّتِي ذكرهَا وَيغرم دِرْهَمَيْنِ، وَهَذَا إِذا أشبه فَإِن وَصفه بِمَا لَا يشبه فَالْقَوْل للْمَغْصُوب مِنْهُ بِيَمِينِهِ إِن أشبه فَإِن لم يشبها فَقَالَ ابْن نَاجِي: يقْضِي فِي ذَلِك بالوسط من الْقيم بعد أيمانهما بِنَفْي كل مِنْهُمَا دَعْوَى صَاحبه وَتَحْقِيق دَعْوَاهُ اه. وَالسَّارِق مثل الْغَاصِب فِي التَّفْصِيل الْمَذْكُور وَالتَّقْيِيد بالشبه هُوَ الْمَشْهُور، وَقَالَ أَشهب: يصدق الْغَاصِب مُطلقًا وَلَو أَتَى بِمَا لَا يشبه كَقَوْلِه: هِيَ بكماء صماء عمياء. قَالَ: وَمن قَالَ برعي الشّبَه فَقَط غلط، وَإِنَّمَا ذَلِك فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين فِي قلَّة الثّمن وكثرته والسلعة قَائِمَة اه. (خَ) : وَالْقَوْل لَهُ أَي للْغَاصِب فِي تلفه ونعته وَقدره الخ. وَظَاهر قَوْله: وَمَا بِهِ اتّصف الخ. أَنه يصدق فِي وَصفه وَلَو جحد الْغَصْب أَو لَا. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: إِذا أنكر الْغَاصِب الْغَصْب وَشهِدت الْبَيِّنَة باعترافه أَو بمعاينة غصبه فَالْقَوْل للْمَغْصُوب مِنْهُ بِيَمِينِهِ أَن صفته كَانَت كَذَا، وَيسْتَحق قيمَة وَصفه. وَقيل: لَيْسَ لَهُ بعد يَمِينه إِلَّا الْوسط وَالْأول أصوب اه. وَهُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده لِأَن الْغَاصِب لَا يقبل وَصفه بعد تبين كذبه بجحده. تَنْبِيهَات. الأول: مَا ذكره النَّاظِم و (خَ) من أَن القَوْل للْغَاصِب فِي الْقدر وَالْوَصْف هُوَ الْمَشْهُور، وَلَكِن عمل فاس على خِلَافه قَالَ ناظمه: لولد الْقَتِيل مَعَ يَمِين القَوْل فِي الدَّعْوَى بِلَا تَبْيِين إِذا ادّعى دراهماً وأنكرا القاتلون مَا ادَّعَاهُ وطرا قَالَ النَّاظِم فِي شَرحه لنظمه هَذِه الْمَسْأَلَة مِمَّا جرى بِهِ الْعَمَل، وَهُوَ أَن وَالِد الْقَتِيل إِذا ادّعى دَرَاهِم من جملَة المنهوب وأنكرها القاتلون فَالْقَوْل قَول وَالِد الْقَتِيل، ثمَّ قَالَ نَاقِلا عَن قَاضِي الْجَمَاعَة أبي الْقَاسِم بن النَّعيم مَا نَصه: الَّذِي جرى بِهِ الْعَمَل عندنَا فِي هَذِه النَّازِلَة وَمثلهَا أَن القَوْل قَول وَالِد الْقَتِيل مَعَ يَمِينه، والظالم أَحَق أَن يحمل عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الْمَشْهُور خِلَافه، وَكم من مَسْأَلَة جرى الحكم فِيهَا بِخِلَاف الْمَشْهُور ورجحها الْعلمَاء للْمصَالح الْعَامَّة اه. وَقَالَ سَيِّدي الْعَرَبِيّ الفاسي مَا ذكره ابْن النَّعيم رَحمَه الله: شاهدنا الحكم بِهِ عَام قدوم الْخَلِيفَة أبي الْعَبَّاس الْمَنْصُور حَضْرَة فاس، وَقد انحشر النَّاس إِلَى الشكوى بالمظالم وَكَانَ يحضر مَجْلِسه أَي مجْلِس الْخَلِيفَة للْحكم فِيهَا عُلَمَاء فاس كشيخنا الْمَذْكُور، وَشَيخنَا الْمُفْتِي سَيِّدي مُحَمَّد الْقصار، وَشَيخنَا سَيِّدي عَليّ بن عمرَان، وعلماء مراكش، وقاضي مراكش، وقاضي شفشاون سَيِّدي مُحَمَّد بن عرضون رَحِمهم الله، فَكَانَ الحكم يصدر على الْوَجْه الْمَذْكُور قَالَ: وَالْعَام الْمَذْكُور عَام أحد عشر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 وَألف اه. كَلَام النَّاظِم بِلَفْظِهِ فِي شَرحه للبيتين. وَقَالَ الرعيني فِي كتاب الْغَصْب مَا نَصه قَالَ مَالك فِيمَن دخل عَلَيْهِ السراق فسرقوا مَتَاعه وانتهبوا مَاله وَأَرَادُوا قَتله فنازعهم وحاربهم ثمَّ ادّعى أَنه عرفهم أَو لم يعرفهُمْ أهوَ مُصدق عَلَيْهِم إِذا كَانُوا معروفين بِالسَّرقَةِ مستحلين لَهَا؟ قَالَ: هُوَ مُصدق وَقد نزلت مثل هَذِه بِالْمَدِينَةِ فِي زمن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي رجل دخل عَلَيْهِ السراق فانتهبوا مَاله وجرحوه، فَلَمَّا أصبح حمل إِلَى عمر فَقَالَ: إِنَّمَا فعل بِي هَذَا فلَان وَفُلَان وَقد انتهبوا مَالِي فأغرمهم عمر بقوله، ونكلهم وَلم يكلفه الْبَيِّنَة عَلَيْهِم اه. بِاللَّفْظِ. وَنَقله ابْن فَرِحُونَ، وَغَيره وَنَحْوه ورد عَن يحيى بن يحيى، وبمثله أفتى الحفار حَسْبَمَا فِي نَوَازِل الْبيُوع من المعيار قَائِلا قَالَ الْفُقَهَاء: من عرف بِالتَّعَدِّي وَالظُّلم يغلب الحكم فِي حَقه فَمن ادّعى على من بِهَذِهِ الْحَالة فَيحلف الطَّالِب وَيسْتَحق مَا طلب اه. وَنَحْوه رَوَاهُ أَشهب عَن مَالك فِي الْمَرْأَة تَدعِي على المشتهر بِالْفِسْقِ أَنه اغتصبها وَتَأْتِي مُتَعَلقَة بِهِ، فَإِنَّهُ يجب لَهَا عَلَيْهِ صدَاق مثلهَا، وَبِه صدر فِي الْمُقدمَات والتصدير من عَلَامَات التشهير، وَلَا سِيمَا وَهُوَ قَول الإِمَام الْأَعْظَم، وَمَعْلُوم تَقْدِيمه على قَول ابْن الْقَاسِم وَسَيَأْتِي ذَلِك عِنْد قَوْله: وَفِي وجوب الْمهْر خلف مُعْتَبر وَلَا فرق بَين الْفروج وَالْأَمْوَال، وَلِأَن الْفرج هُنَا آيل لِلْمَالِ وَعَلِيهِ فناظم الْعَمَل إِنَّمَا عَنى بنظمه هَذَا الْفِقْه، وَأَن الْمَعْرُوف بالظلم والتعدي يقْضى عَلَيْهِ بِمُجَرَّد دَعْوَى الْمُدَّعِي أَنه غصبه أَو سَرقه، وَأَنه غصبه قدر كَذَا. وَقد اعْتمد المكناسي فِي مجالسه هَذَا الْفِقْه، وَكَذَا الْقَرَافِيّ كَمَا مر فِي التَّنْبِيه الثَّالِث عِنْد قَوْله: فالمدعي من قَوْله مُجَرّد الخ. فَقَوله: لوالد الْقَتِيل يَعْنِي ادّعى عَلَيْهِم أَنهم قَتَلُوهُ ونهبوه أمتعته، وَمن جملَة المنهوب دَرَاهِم قدرهَا كَذَا، وَلَا يُرِيد خُصُوص أَنهم أقرُّوا بِالْقَتْلِ أَو ثَبت بِالْبَيِّنَةِ كَمَا هِيَ مَسْأَلَة الصرة الْآتِيَة عَن الْعُتْبِيَّة، وَفهم من قَوْله: إِذا ادّعى دَرَاهِم الخ. أَنه إِذا ادّعى ذَلِك تَحْقِيقا وَأَنه يعْمل بِدَعْوَاهُ فِي المَال فَقَط لَا فِي الْقَتْل، فَإِن الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يقتل بِمُجَرَّد الدَّعْوَى لخطر الدِّمَاء وَالدَّعْوَى بِمَا يؤول لِلْمَالِ كَالْمَالِ لَا يَأْتِي فِي فصل الاغتصاب وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ، وَإِن كَانَ لَا يقتل لَكِن يضْرب ويطال سجنه حَتَّى يَأْتِي عَلَيْهِ السنون الْكَثِيرَة كَمَا يَأْتِي فِي الدِّمَاء، وَفهم من قَوْله فِي هَذِه النَّازِلَة وَمثلهَا، وَمن وَقَوله: والظالم أَحَق أَن يحمل عَلَيْهِ، وَمن قَوْله: رجحها الْعلمَاء للْمصَالح، وَمن قَوْله: وَقد انحشر النَّاس للشكوى بالمظالم إِلَى غير ذَلِك أَنه لَا مَفْهُوم لقتيل وَلَا لدراهم، بل كَذَلِك لَو كَانَت الدَّعْوَى بِالدَّرَاهِمِ وَالْقَتْل أَو بِالدَّرَاهِمِ فَقَط أَو بِالْحَيَوَانِ أَو الْعرُوض أَو غير ذَلِك، وَإِنَّمَا الْمدَار على كَون الدَّعْوَى على مَعْرُوف بِالتَّعَدِّي وَالظُّلم كقبائل الزَّمَان، فَإِن جلهم وغالبهم مَعْرُوف بالتهمة وَالْفساد وَالْحمل على الْغَالِب وَاجِب. وَقد قَالَ الشَّيْخ (م) فِي بعض فَتَاوِيهِ: قد آل بِنَا الْحَال إِلَى أَن يتبع الْمُسَافِرين بعض مَرَدَة أهل الْبَلَد وَنَحْوهَا مِمَّا قرب من الْبَلَد فيسفكون دِمَاءَهُمْ وينهبون أَمْوَالهم ويرجعون إِلَى الْبَلَد بالأمتعة فَلَا ينْتَقم مِنْهُم، وَلَا يستفتي عَن حكمهم، بل وَإِلَى مَا هُوَ أعظم من هَذَا من الْقَتْل صبرا وَنهب الْأَمْوَال من الدّور والحوانيت ثمَّ يكْتَسب فَاعل ذَلِك التَّعْظِيم والاحترام فضلا عَن عدم النكير عَلَيْهِ وَالضَّرْب على يَده مَعَ كَلَامه، وَإِذا كَانَ مثل هَذَا يَقع فِي حَضْرَة فاس كَمَا حَكَاهُ وكما هُوَ مشَاهد الْآن فِي وقتنا هَذَا، فَكيف بالبوادي وقبائل الزَّمَان؟ حَتَّى صَار قَاتل النَّفس لَا يضْرب فضلا عَن الْقصاص، وَالسَّارِق لَا يسجن فضلا عَن قطعه، بل كل مِنْهُمَا يعظم ويحترم وَلَا يشْهد أحد عَلَيْهِ، وَلِهَذَا جرى الْعَمَل بإغرامهم بِمُجَرَّد الدَّعْوَى زجرا لَهُم ولأمثالهم، وَعَلِيهِ فَلَا يحْتَاج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 لإِثْبَات التلصص بِإِقْرَار وَلَا مُعَاينَة، بل بِمُجَرَّد كَونهم مِمَّن يشار إِلَيْهِم بِالتَّعَدِّي، وَالظُّلم يُوجب إغرامهم للْمصْلحَة الْمَذْكُورَة كَمَا مر عَن الرعيني وَغَيره. وَكَلَام ابْن رحال فِي شَرحه صَرِيح فِي أَن الْعَمَل بِهِ وَعَلِيهِ، فَمَا قَالَه سَيِّدي مُحَمَّد بن قَاسم فِي شرح الْعَمَل الْمَذْكُور من أَنه لَا بُد من ثُبُوت التلصص بِالْإِقْرَارِ أَو المعاينة كَمَا فِي مَسْأَلَة الصرة الْآتِيَة لَا يعول عَلَيْهِ وَلَا يلْتَفت إِلَى شَيْء مِنْهُ لمُخَالفَته لما نقل عَن الرعيني وَغَيره شَاهدا لنظم الْعَمَل الْمَذْكُور. وَمَا نَقله عَن أبي الْحسن الزرويلي وَابْن هِلَال من أَن مَا للرعيني خلاف الْأُصُول الخ. لَا يقْدَح فِي الْعَمَل الْمَذْكُور لِأَن مَا قَالَه من مُخَالفَته لِلْأُصُولِ إِنَّمَا هُوَ إِذا روعي الْمَشْهُور، وهم قد قَالُوا: إِن هَذَا الْعَمَل مُخَالف للمشهور فهم معترفون بمخالفته لِلْأُصُولِ، وَإِنَّمَا ارتكبوه للْمصْلحَة من عدم ضيَاع الْحُقُوق، وَذَلِكَ أَن الأَصْل عدم التَّعَدِّي وَالظُّلم، لَكِن لما كثر كل مِنْهُمَا فِي هَذَا الزَّمَان وَغلب أجروا الْأَحْكَام على مُقْتَضَاهُ، وحملوا النَّاس عَلَيْهِ لِئَلَّا تضيع الْحُقُوق لِأَن الأَصْل وَالْغَالِب إِذا تَعَارضا فَالْحكم للْغَالِب لقَوْله تَعَالَى: وَأمر بِالْعرْفِ} (الْأَعْرَاف: 199) أَي احكم بِهِ. وَلذَا قَالَ أَبُو الْحسن فِي أجوبته فِي مَسْأَلَة من رفع شخصا لحَاكم جَائِر فأغرمه مَا لَا يجب عَلَيْهِ بعد أَن حكى فِيهَا قَوْلَيْنِ مَا نَصه: وَهَذَا وَقد كَانَ الْحَاكِم يحكم بِحَق تَارَة وبباطل أُخْرَى، وَأما الْآن فالحاكم لَا يحكم إِلَّا بِالْبَاطِلِ، فَلَا يَنْبَغِي أَن يخْتَلف فِي أَنه يغرم مَا خسره اه. وَسلمهُ ابْن هِلَال فِي الدّرّ النثير فَأَنت ترَاهُ حمل الْحُكَّام على الظُّلم والتعدي حَيْثُ غلب مِنْهُم ذَلِك، وَأوجب على الشاكي الغرامة بِمُجَرَّد قَول الْمُدَّعِي إِن الْحَاكِم قبض مني وَقدر الْمَقْبُوض كَذَا، وَإِن كَانَ الأَصْل عدم العداء وَنَحْوه يَأْتِي عَن سَيِّدي مِصْبَاح فِي التَّنْبِيه الرَّابِع حَيْثُ قَالَ: إِذا تقرر الْعرف فِي وُلَاة الظُّلم وأجنادهم بغرم المَال مِمَّن أَخَذُوهُ ظلما كَانَ القَوْل للمأخوذ مِنْهُ فِيمَا غرم من المَال لِأَن الْعرف شَاهد لمدعيه وَيقوم مقَام الشَّاهِد النَّاطِق الخ. وَيَأْتِي نَحوه فِي التَّنْبِيه الْخَامِس الخ. وقبائل الزَّمَان ومردة حواضرهم كَذَلِك لما كثر مِنْهُم العداء وَغلب كَانَ القَوْل للمنهوب وَالْمَغْصُوب أَنه غصبه، وَإِن قدر الْمَغْصُوب كَذَا كَمَا رَأَيْته فِيمَا يشبه أَن يملكهُ فَقَط كَمَا قَالُوهُ فِي منتهب الصرة الْآتِيَة. وَإِذا علمت هَذَا فَمَا جرى بِهِ الْعَمَل لَهُ مُسْتَند صَحِيح لَا يخْتَلف فِيهِ اثْنَان، وَله أصل أصيل فِي الشَّرِيعَة، وَهَذَا الْعَمَل حدث بعد زمَان أبي الْحسن وَابْن هِلَال كَمَا تقدم. وَلَو كَانَت الْقَبَائِل وَالنَّاس فِي زمانهما على مَا هم عَلَيْهِ فِي وَقت جَرَيَان الْعَمَل الْمَذْكُور مَا وسعهما أَن يَقُولَا بمخالفته لِلْأُصُولِ لاعترافهما بِأَن الحكم للْغَالِب كَمَا رَأَيْته، وَإِنَّمَا أطلنا الْكَلَام فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لأجل استبعاد كثير من الإخوان مَا جرى بِهِ الْعَمَل لضعف مُسْتَنده عِنْدهم، وَحَمَلُوهُ على خُصُوص مَسْأَلَة الصرة الْمَذْكُورَة فِي الْعُتْبِيَّة وَهِي أَن رجلا اخْتَطَف صرة بمعاينة الْبَيِّنَة وَغَابَ عَلَيْهَا وَلم يعرف قدر مَا فِيهَا، فَالْمَشْهُور أَن القَوْل للْغَاصِب فِي قدرهَا وَقَالَ مَالك ومطرف: إِن القَوْل للمنهوب فِي قدرهَا، وَلَكِن لَيست مَخْصُوصَة بِالْعَمَلِ الْمُتَقَدّم خلافًا للرهوني فِي حَاشِيَته، وَتَخْصِيص الْعَمَل بهَا بعيد من الأنقال الْمُتَقَدّمَة بِدَلِيل تَعْلِيلهم بِالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّة، وَلَكِن يجْرِي الْعَمَل الْمَذْكُور فِيهَا بالأحرى. الثَّانِي: إِذا ثَبت التلصص أَو علم من عَادَة الْقَبَائِل كَمَا هُوَ مَوْجُود فِي قبائل الزَّمَان الْآن، فَإِن اللص وَالسَّارِق إِذا ظفر الْحَاكِم بهما أغرمهما كَمَا مرّ، وَإِذا لم يظفر بهما وَإِنَّمَا ظفر بِبَعْض قرابتهما أَو بعض من يحميهما من قبيلتهما وَلَو بجاهه فَإِنَّهُ يغرمه مَا أَخذه اللص أَو السَّارِق أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 اتهما بِهِ (خَ) فِي الْحِرَابَة وبالقتل يجب قَتله وَلَو بإعانة. قَالَ الزّرْقَانِيّ: أَي على الْقَتْل وَلَو بالتقوى بجاهه وَإِن لم يَأْمر بقتل وَلَا تسبب فِيهِ لِأَن جاهه أَعَانَهُ عَلَيْهِ حكما كَكَوْنِهِ من فِئَة ينحاز إِلَيْهِم قطاع الطَّرِيق فَيقْتل الْجَمِيع لأَنهم متمالئون اه. بِاخْتِصَار، وَنَحْوه فِي ابْن الْحَاج والشامل، وَإِذا كَانَ الْمعِين بجاهه والانحياز إِلَيْهِ مؤاخذاً بِالْقَتْلِ فَهُوَ مؤاخذ بِمَا نهبوه من الْأَمْوَال بالأحرى، وقبائل الزَّمَان مَعْلُوم مَا هم عَلَيْهِ من حمايتهم لمتلصصيهم وغاصبهم بِالْفِعْلِ فضلا عَن حمايتهم لَهُم بالجاه والانحياز، فَلَا إِشْكَال أَن غير الْمُبَاشر مِنْهُم مؤاخذ بِمَا فعله الْمُبَاشر وَلَو لم يظْهر مِنْهُ تسبب لِأَنَّهُ لَا أقل من أَن يكون حامياً للمباشر بجاهه أَو إيوائه إِلَيْهِ بل لَو لم يكن هُنَاكَ حماية أصلا لَا بالجاه وَلَا بالإيواء والانحياز وَلَا بِغَيْر ذَلِك لَكَانَ إغرامهم لما اتهمَ بِهِ سراقهم وغصابهم أمرا شَرْعِيًّا كَمَا قَالَ ناظم الْعَمَل: وَلَا يُؤَاخذ بذنب الْغَيْر فِي كل شرع من قديم الدَّهْر إِلَّا إِذا سدت بِهِ الذريعة أَو خيف شرع شرعة أَو شيعَة وَالشَّاهِد فِي قَوْله: إِلَّا إِذا سدت بِهِ الذريعة، الخ. لأَنهم إِذا غرموا حملهمْ ذَلِك على حفظ طرقاتهم وَحفظ المارين بأرضهم وَعدم كتمان غصابهم وسراقهم، فضلا عَن التعصب عَلَيْهِم. وَقد بسطنا الْكَلَام على ذَلِك بِمَا يشفي الغليل إِن شَاءَ الله فِي الْفَصْل الثَّالِث وَالسَّادِس من أجوبتنا لأسئلة الإِمَام محيي الدّين. الثَّالِث: الحكم فِي الدَّعْوَى على المتهوم من وَظِيفَة الْوُلَاة كَمَا مر عَن الْخَلِيفَة أبي الْعَبَّاس الْمَنْصُور إِذْ هُوَ الَّذِي تولى الحكم فِي ذَلِك بِمحضر أُولَئِكَ الْعلمَاء، وَقد قَالَ الْقَرَافِيّ: يمتاز نظر القَاضِي وَنظر وَالِي الجرائم بِأُمُور. مِنْهَا: أَن وَالِي الجرائم يسمع الدَّعْوَى على المتهوم ويبالغ فِي كشفه بِخِلَاف القَاضِي، وَمِنْهَا أَن يعجل بِحَبْس المتهوم للاستبراء والكشف قَالَ: وَقد ورد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجد فِي بعض غَزَوَاته رجلا فاتهمه بِأَنَّهُ جاسوس فعاقبه حَتَّى أقرّ، وَمِنْهَا أَنه يضْرب المتهوم مَعَ قُوَّة التُّهْمَة، وَمِنْهَا أَنه يتوعد المجرم بِالْقَتْلِ فِيمَا لَا يجب فِيهِ قتل لِأَنَّهُ إرهاب لَا تَحْقِيق، وَيجوز لَهُ أَن يُحَقّق وعيده بالأدب دون الْقَتْل بِخِلَاف الْقُضَاة فَلَيْسَ لَهُم ذَلِك اه. بِاخْتِصَار. وَنَقله ابْن فَرِحُونَ فِي تبصرته وَزَاد أَن لقضاة الْمَالِكِيَّة فعل ذَلِك وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: وَإِن يكن مطالباً من يتهم فَمَا لَك بِالضَّرْبِ والسجن حكم وَقَالَ فِي التَّبْصِرَة أَيْضا: كَانَ مَالك يَقُول فِي هَؤُلَاءِ الَّذين عرفُوا بِالْفَسَادِ والجرم أَن الضَّرْب قل مَا ينكلهم، وَلَكِن أرى أَن يحبسهم السُّلْطَان فِي السجون ويثقلهم بالحديد وَلَا يخرجهم مِنْهُ أبدا فَذَلِك خير لَهُم ولأهليهم وللمسلمين حَتَّى تظهر تَوْبَة أحدهم، وَيثبت ذَلِك عِنْد السُّلْطَان فَإِذا صلح وَظَهَرت تَوْبَته أطلقهُ اه. من النَّوَادِر. فَهَذِهِ النُّصُوص متواترة بكشف المتهوم وَاحِدًا كَانَ أَو جمَاعَة من الْقَبَائِل أَو غَيرهم، وَمَعَ ذَلِك يضمنُون لما مر من الْمصلحَة الْعَامَّة أَو سداً للذريعة كَمَا مرّ، وَعَلِيهِ فإرسال المتهوم للْقَاضِي يحكم بَينهم من زِيَادَة الْفساد قطعا وإهمال سد الذرائع لَيْسَ بِالْأَمر الهين إِذْ فِيهِ إِعَانَة الظَّالِم على ظلمه لِأَن غَايَة مَا يَفْعَله القَاضِي أَن يُكَلف المنهوب بِالْبَيِّنَةِ، وَأَيْنَ هَذِه الْبَيِّنَة؟ إِذْ لَو حَضرته الْبَيِّنَة مَا غصب وَمَا سرق، وعَلى فرض وجودهَا فَلَا تكون إِلَّا من أهل الْبَلَد وهم على مَا هم عَلَيْهِ من الحمية والعصبية وَقُوَّة التُّهْمَة بِالتَّعَدِّي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 وَالْفساد، فَكيف يشْهدُونَ مَعَ كَونه نهب بأرضهم بل من شهد مِنْهُم عاقبوه وخشي على نَفسه لأَنهم مكتسبون بغصبهم التَّعْظِيم والاحترام كَمَا مرّ. وَمن أجل إهمال هَذَا الْبَاب غلب الظُّلم وَكثر الْفساد وسفكت دِمَاء وغصبت أَمْوَال يعلمهَا الْكَبِير المتعال، حَتَّى إِن الْمُسَافِر ينهب مَاله أَو يسفك دَمه فيرسله الْعَامِل للقضاة فيستبشر الْمُدعى عَلَيْهِ لعلمه أَن القَاضِي يردهُ للْيَمِين، وَكَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِ أَن لَا يُرْسِلهُ للْقَاضِي بل يُبَالغ فِي كشفه بِالضَّرْبِ وَطول السجْن والإغرام على مَا مرّ، وقبائل الزَّمَان كلهم متهمون إِذْ غَالب أَحْوَالهم النهب وَالْغَصْب وَسَفك الدِّمَاء وَغَيرهم من مَرَدَة الحواضر تظهر تهمته بالقرائن وَدَلَائِل أَحْوَاله، وَلذَا جرى الْعَمَل بالإغرام لِأَن الْحمل على الْغَالِب وَاجِب، وَالْمرَاد إغرام لأربابه الطالبين لَهُ، وَأما مَا يَفْعَله جهال الْعمَّال من أَخذهم أَمْوَالًا من السراق والغصاب وَلَا يدْفَعُونَ للطَّالِب شَيْئا مِمَّا يَدعِيهِ فَذَلِك خرق للْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع قَالَ تَعَالَى: لَا تَأْكُلُونَ أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} إِلَى قَوْله: وَمن يفعل ذَلِك عُدْوانًا وظلماً فَسَوف نصليه نَارا} (النِّسَاء: 30) الخ. الرَّابِع: إِذا كَانَ الْإِنْسَان مَعْرُوفا مَشْهُورا بِعَدَمِ التَّعَدِّي وَعدم أكل أَمْوَال النَّاس فرفعه شخص لجائر يتَجَاوَز الْحَد فِيهِ ويغرمه مَا لَا يجب عَلَيْهِ فَالَّذِي بِهِ الْعَمَل أَن الشاكي يغرم للمشكو بِهِ مَا غرم كَمَا فِي الْمواق عَن ابْن لب وَنَحْوه فِي المعيار عَن العبدوسي، وَعَلِيهِ فَإِذا ثَبت الرّفْع للظالم وَقدر مَا دَفعه بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار الشاكي فَلَا كَلَام، وَإِن لم يثبت ذَلِك وَادّعى المشكو بِهِ أَنه دفع كَذَا وَخَالفهُ الشاكي فَالْقَوْل للمشكو بِهِ كَمَا فِي معاوضات المعيار عَن سَيِّدي مِصْبَاح قَائِلا: إِذا تقرر الْعرف أَن المشكو بِهِ لَا يُطلق إِلَّا بِمَال كَانَ القَوْل قَول المشكو بِهِ فِي أَنه دفع مَالا للظالم وَفِي قدره بِيَمِينِهِ لِأَن الْعرف كشاهد لمدعيه وَيجب رُجُوعه على الظَّالِم إِن قدر عَلَيْهِ، وَإِن لم يقدر فَفِيهِ اخْتِلَاف، وَالَّذِي بِهِ الْفَتْوَى وَعَلِيهِ الْعَمَل رُجُوعه على الشاكي، وبمثله أفتى الْفَقِيه الجنوي وَغَيره، وَهَذِه الْمَسْأَلَة حكى (خَ) فِيهَا أقوالاً حَيْثُ قَالَ: وَهل يضمن شاكيه لمغرم زَائِد الخ. وَهَذَا إِذا كَانَ الشاكي ظَالِما كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع، وَأما إِن كَانَ مَظْلُوما لَا يصل إِلَى حَقه إِلَّا بالشكوى للظالم الجائر فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، والحكام الْيَوْم محمولون على الْجور كَمَا مّر عَن أبي الْحسن. الْخَامِس: قيل لِابْنِ سَحْنُون فَبِمَ يعرف السَّارِق الْمَشْهُور وَغير الْمَشْهُور؟ فَقَالَ: اخْتلف فِيهِ الْعلمَاء. فَقيل: إِذا كثر طلابه بِالسَّرقَةِ وقويت فِيهِ التُّهْمَة فَهُوَ مَشْهُور. قَالَ: فَكل من ادّعى بِالسَّرقَةِ على السَّارِق الْمَشْهُور بهَا يحلف على شَيْئَيْنِ أَنه ضَاعَ وَتلف لَهُ مَا ادَّعَاهُ على السَّارِق، وَيحلف أَيْضا لقد اتهمه وَيغرم السَّارِق بِغَيْر بَيِّنَة لِأَن إشهاره بِالسَّرقَةِ هُوَ شَاهد عرفي أقوى من الْبَيِّنَة الناطقة. قَالَ: ويقوّم عَلَيْهِ قيمَة مُغَلّظَة لِأَنَّهُ أَحَق بِالْحملِ عَلَيْهِ اه. من الدّرّ الْمكنون. يَعْنِي: وَالْغَاصِب الْمَشْهُور بِالْغَصْبِ مثل السَّارِق الْمَذْكُور، وَسَيَأْتِي فِي فصل السّرقَة أَن سراق الزَّمَان كلهم لصوص تجْرِي عَلَيْهِم أَحْكَام الْحِرَابَة، وَيثبت ذَلِك وَلَو بِالسَّمَاعِ الفاشي وَذكر فِي الدُّرَر المكنونة فِي نَوَازِل مازونة عَن سَحْنُون أَنه قَالَ: تجوز على السَّارِق شَهَادَة الصّبيان والرعاة إِذا عرفوه، وَقَالُوا: فلَان رَأَيْنَاهُ سرق دَابَّة فلَان وَتجوز عَلَيْهِم شَهَادَة السيارة عُدُولًا كَانُوا أَو غير عدُول وَلَيْسَ قَول من قَالَ: لَا يجوز عَلَيْهِم إِلَّا الْعُدُول بِشَيْء عندنَا، وَقد سُئِلَ مَالك عَن مثل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 هَذَا الْأَمر فِي لصوص أهل الْحجاز وبرابر برقة فَقَالَ: تجوز عَلَيْهِم شَهَادَة من لَقِيَهُمْ من النَّاس، فَقيل لَهُ: إِنَّهُم غير عدُول. قَالَ: وَأَيْنَ يُوجد الْعُدُول على مَوَاضِع السَّارِق واللص، وَإِنَّمَا يتبع اللص وَالسَّارِق الخلوات الَّتِي لَيْسَ فِيهَا الْعُدُول. وَقَالَهُ مُحَمَّد بن سَحْنُون اه. وَنَحْوه فِي تَنْبِيه الغافل قَائِلا: تقبل شَهَادَة غير الْعُدُول على السَّارِق سَوَاء كَانَ الشَّاهِد رجلا أَو امْرَأَة وَلَو لم يغرم السَّارِق واللص إِلَّا بِشَهَادَة الْعُدُول لم يغرم السَّارِق أبدا، ثمَّ قَالَ: لَو شهد عَلَيْهِ وَاحِد يحلف صَاحب الْمَتَاع مَعَه وَيسْتَحق قَالَ: إِن كَانَ مَعْرُوفا بِالسَّرقَةِ فَلَا يَمِين عَلَيْهِ وكل مَوضِع لَا يُمكن فِيهِ حُضُور الْعُدُول فالشهادة على التوسم بِظَاهِر الْإِسْلَام جَائِزَة احْتِيَاطًا لأموال النَّاس، وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: وَمَالك فِيمَا رَوَاهُ أَشهب قسَامَة بِغَيْر عدل تجب الخ فَهُوَ شَاهد لذَلِك. وَهَذَا كُله شَاهد لما تقدم من الْعَمَل الْمَذْكُور إِذْ شَهَادَة غير الْعُدُول كَالْعدمِ فِي نظر الشَّرْع، وَلَكِن اعتبروها فِي هَذَا الْمحل احْتِيَاطًا للأموال، وَبِه تعلم أَن اعْتِرَاض الشَّيْخ مصطفى فِي أَوَائِل الشَّهَادَات من حَاشِيَته على مَا تقدم عَن المازونية، ونوازل ابْن سَحْنُون قَائِلا ذَلِك كُله خلاف الْمَشْهُور لَا يعول عَلَيْهِ لِأَن اعتراضه مَبْنِيّ على الْمَشْهُور، وكلامنا الْآن فِي الْمَعْمُول بِهِ وَأَيْضًا فَهُوَ بِنَفسِهِ نقل عَن الذَّخِيرَة وَغَيرهَا أَنا إِذا لم نجد فِي جِهَة إِلَّا غير الْعُدُول فَإنَّا نجوز شَهَادَة أقلهم فجوراً والأمثل فالأمثل لِئَلَّا تضيع الْمصَالح والحقوق. وَقَالَ: وَمَا أَظن أحدا يُخَالِفهُ فَإِن التَّكْلِيف شَرطه الْإِمْكَان الخ. وَلَا شكّ أَن مَوَاطِن الخلوات الَّتِي يقصدها الغصاب والسراق لَا يُوجد فِيهَا فِي الْغَالِب إِلَّا من ذكر من الرُّعَاة وَنَحْوهم فهم أمثل من وجد فِي تِلْكَ المواطن فَتجوز شَهَادَتهم للضَّرُورَة لِئَلَّا تضيع الْحُقُوق كَمَا جَازَت شَهَادَة الأمثل غير الْعُدُول لذَلِك وَعَلِيهِ فَمَا مر عَن المازونية وَغَيرهمَا جَار على الْمَشْهُور، وَإِنَّمَا يعْتَبر الأمثل إِذا وجد مَعَ غَيره وإلاَّ لم يعْتَبر إِذْ التَّكْلِيف شَرطه الْإِمْكَان، وَمن قَالَ ذَلِك إِنَّمَا قَالَه لعدم إِمْكَان الْعُدُول فِي تِلْكَ المواطن كَمَا رَأَيْته ومراعاة الِاحْتِيَاط لأموال النَّاس كَمَا تقدم عَن تَنْبِيه الغافل فَلَا يَصح الِاعْتِرَاض عَلَيْهِم، والقائلون بِالْعَمَلِ الْمَذْكُور إِنَّمَا بنوه على مُرَاعَاة تِلْكَ الْمصَالح والضرورات ومراعاة الْعرف فِي زمنهم كَمَا مّر، وَرَأَوا أَن الشُّهْرَة بِالْفَسَادِ تنزل منزلَة التَّحْقِيق وَأَن ارْتِكَاب الْمَشْهُور فِي الزَّمَان الَّذِي غلب على أَهله الْفساد يُفْضِي إِلَى سفك الدِّمَاء وغصب الْأَمْوَال كَمَا هُوَ مشَاهد بالعيان، وَقَول الشَّيْخ عبد الْقَادِر الفاسي فِي بعض فَتَاوِيهِ: إِن نَوَازِل ابْن سَحْنُون مطعون فِيهَا إِن كَانَ يُرِيد فِي جَمِيعهَا فَلَا سَبِيل إِلَيْهِ، وَإِن كَانَ يُرِيد فِي بَعْضهَا فَصَحِيح، وكل كتاب لَا يَخْلُو من ارتكابه غير الْمَشْهُور فِي بعض مسَائِله. وَالْغُرْمُ والضَّمَانُ مَعْ عِلْمٍ يَجِبْ عَلَى الَّذِي انْجرَّ إلَيْهِ مَا غُصِبْ (وَالْغُرْم وَالضَّمان مَعَ علم يجب) أَي: وكما يجب الْغرم وَالضَّمان على الْغَاصِب كَذَلِك يجبان (على الَّذِي انجر إِلَيْهِ مَا غصب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 بإرْثٍ أَوْ مِنْ وَاهِبٍ أَوْ بائِعِ كالمُتَعَدِّي غَاصِبِ المنافِعِ بِإِرْث أَو) أنجر إِلَيْهِ (من واهب) وهبه لَهُ (أَو) من (بَائِع) بَاعه لَهُ مَعَ علمه فِي ذَلِك كُله بِالْغَصْبِ (خَ) : ووارثه وموهوبه إِن علما كَهُوَ أَي كَالْغَاصِبِ فيضمنون التّلف وَلَو بسماوي، ويردون الْغلَّة حَيْثُ استعملوا وَلم يفت الْمَغْصُوب، فَإِن فَاتَ لم يجمع للْمَغْصُوب مِنْهُ بَين الْقيمَة وَالْغلَّة كَمَا مّر فِي الْغَاصِب، وَتعْتَبر الْقيمَة يَوْم قبضهم للْمَغْصُوب، لِأَنَّهُ يَوْم الِاسْتِيلَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم وَيُخَير الْمَالِك فِي اتِّبَاع أَيهمْ شَاءَ، وَإِذا رَجَعَ الْمَالِك على وَاحِد مِنْهُم فَلَا رُجُوع لَهُ على الْغَاصِب كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة إِلَّا فِي المُشْتَرِي إِذا وجد الْمَغْصُوب بِيَدِهِ وَأَخذه ربه فَإِنَّهُ يرجع بِثمنِهِ على الْغَاصِب وَلَا يكون بِعِلْمِهِ بِالْغَصْبِ واهباً للثّمن على الصَّحِيح لِأَنَّهُ لَو قصد الْهِبَة لم يرتبها على هَذَا العقد قَالَه أَبُو الْحسن. وَمَفْهُوم قَوْله مَعَ علم أَنهم إِذا لم يعلمُوا فَلَا يضمنُون السماوي حَيْثُ كَانَ مِمَّا لَا يُغَاب عَلَيْهِ أَو يُغَاب عَلَيْهِ وَقَامَت على تلفه بَيِّنَة، وَمعنى عدم ضَمَانه أَنهم لَا يكونُونَ غريماً ثَانِيًا للْمَالِك، بل إِنَّمَا يرجع بِقِيمَتِه على الْغَاصِب وَيَأْخُذ الْغَاصِب الثّمن من المُشْتَرِي إِن كَانَ لم يقبضهُ وَلَا يضمن المُشْتَرِي الْغلَّة الَّتِي استغلها غير عَالم وَلَا يضمنهَا الْغَاصِب أَيْضا على الْمَشْهُور لِأَنَّهُ لم يسْتَعْمل، واحترزت بالسماوي من الْعمد فَإِنَّهُم يضمنُون، وَكَذَا الْخَطَأ على الْمُعْتَمد فَيُخَير الْمَالِك حِينَئِذٍ فِي مَسْأَلَة الشِّرَاء بَين الرُّجُوع على الْغَاصِب فَيَأْخذهُ بِقِيمَتِه يَوْم الِاسْتِيلَاء وَبَين الرُّجُوع على المُشْتَرِي فَيَأْخذهُ بِقِيمَتِه يَوْم التّلف، فَإِن كَانَت أقل من الْقيمَة يَوْم الْغَصْب رَجَعَ على الْغَاصِب بِتَمَامِهَا، وَرجع المُشْتَرِي على الْغَاصِب بِالثّمن الَّذِي دفع لَهُ. وَفِي مَسْأَلَة الْهِبَة لَا يُخَيّر الْمَالِك بل يبتدىء بِالرُّجُوعِ على الْغَاصِب فَيَأْخذهُ بِقِيمَة الْمَوْهُوب يَوْم الِاسْتِيلَاء أَو بالغلة الَّتِي استغلها الْمَوْهُوب لَهُ حَيْثُ اخْتَار تَضْمِينه الْغلَّة دون قيمَة الْمَوْهُوب، وإلاَّ فَلَا يجمع لَهُ بَينهمَا كَمَا مّر فَإِن أعْسر الْغَاصِب أَو لم يُوجد أَو وجد وَلم يقدر عَلَيْهِ فَيرجع حِينَئِذٍ على الْمَوْهُوب لَهُ لِأَنَّهُ الْمُسْتَهْلك ثمَّ لَا يرجع الْمَوْهُوب لَهُ على الْغَاصِب بِشَيْء كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة خلافًا لما فِي التَّوْضِيح لِأَنَّهُ يَقُول لَهُ: وَهبتك شَيْئا لم يتم لَك، وَفِي مَسْأَلَة الْوَارِث يُخَيّر الْمَالِك كتخييره فِي مَسْأَلَة الشِّرَاء حَيْثُ كَانَت تَرِكَة الْغَاصِب مَوْجُودَة، وَقَوْلهمْ يرد الْوَارِث الْغلَّة يَعْنِي إِن كَانَ الْمَغْصُوب قَائِما علم بِالْغَصْبِ أم لَا. وَفَاتَ بسماوي وَلم يعلم، وَأما إِن فَاتَ بِجِنَايَتِهِ عمدا أَو خطأ فَالظَّاهِر أَنه لَا يجمع لَهُ بَين الْغلَّة وَالْقيمَة فَتَأَمّله. تَنْبِيه: إِذا تلف الْمَغْصُوب فغرم الْغَاصِب قِيمَته ثمَّ وجده فَإِنَّهُ يكون لَهُ لَا لرَبه وَكَذَا الرَّاعِي والصانع وَالْمُسْتَعِير وَغَيرهم كَمَا تقدم الْكَلَام على ذَلِك مُسْتَوفى فِي بَاب الصُّلْح. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى تَعْرِيف الْمُتَعَدِّي مشبهاً لَهُ بالغاصب فِي الضَّمَان فَقَالَ: (كالمتعدي) وَهُوَ (غَاصِب الْمَنَافِع) دون قصد تملك الرَّقَبَة كَمَا مّر أول الْفَصْل فَإِنَّهُ يضمن مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 تعدى عَلَيْهِ إِن هلك بِغَيْر سماوي وَيضمن الْغلَّة سَوَاء اسْتعْمل أَو عطل بِخِلَاف الْغَاصِب فَلَا يضمن إِلَّا غلَّة مَا اسْتعْمل، ويفارقه أَيْضا فِي كَونه يضمن الْقيمَة يَوْم تعديه، وَلَا يضمن السماوي بِخِلَاف الْغَاصِب فَإِنَّهُ يضمن الْقيمَة يَوْم الِاسْتِيلَاء وَيضمن السماوي ويفارقه أَيْضا فِي أَنه إِذا تعدى على مَنَافِع الْإِبِل وَنَحْوهَا فحبسها عَن أسواقها فَإِنَّهُ يضمن قيمتهَا إِن شَاءَ رَبهَا وَلَو شَاءَ ردهَا سَالِمَة بِخِلَاف الْغَاصِب فَإِنَّهُ لَا خِيَار لِرَبِّهَا إِن جَاءَ بهَا سَالِمَة، ويفارقه أَيْضا فِي أَنه إِذا جنى على السّلْعَة فأتلف الْمَقْصُود مِنْهَا فَإِن رَبهَا يُخَيّر فِي أَخذهَا مَعَ مَا نَقصهَا أَو أَخذ قيمتهَا بِخِلَاف مَا إِذا لم يتْلف الْمَقْصُود مِنْهَا بل عيبها عَيْبا قَلِيلا فَلَا خِيَار لِرَبِّهَا، وَإِنَّمَا لَهُ أَخذهَا مَعَ أرش الْعَيْب كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: ومتلف مَنْفَعَة مَقْصُوده الخ. بِخِلَاف الْغَاصِب فَإِن رَبهَا يُخَيّر بِالْعَيْبِ الْقَلِيل وَالْكثير كَمَا مّر عِنْد قَوْله: فَإِن تلف قوم والمثل بِذِي مثل ألف. ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَن مَفْهُوم الْمُتَعَدِّي وَالْغَاصِب وَهُوَ من حَاز شَيْئا بِشُبْهَة من شِرَاء أَو غَيره ثمَّ اسْتحق من يَده بِوَجْه من الْوُجُوه الشَّرْعِيَّة لَا يرد الْغلَّة فَقَالَ: وَشُبْهَةٌ كالْمِلْكِ فِي ذَا الشَّأْنِ لِقَوْلِهِ الْخَرَاجُ بالضّمانِ (وشبهة) للْملك كمشتر ومكتر من غَاصِب لم يعلمَا بغصبه وكمجهول حَاله لَا يدْرِي هَل هُوَ غَاصِب أم لَا. وَهل واهبه غَاصِب أم لَا. وَكَذَا موهوب الْغَاصِب إِذا لم يعلم وَكَانَ الْغَاصِب مَلِيًّا إِذْ لَو كَانَ معدماً لم تكن لموهوبه غلَّة كَمَا مّر قَرِيبا لَا وَارِث الْغَاصِب فَلَا غلَّة لَهُ مُطلقًا كَمَا مر. (كالملك) التَّام الَّذِي لم يطْرَأ عَلَيْهِ اسْتِحْقَاق (فِي ذَا الشَّأْن) أَي شَأْن الْغلَّة فَلَا يردهَا وَاحِد مِمَّن تقدم حَيْثُ طَرَأَ عَلَيْهِ اسْتِحْقَاق (لقَوْله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْخراج) أَي الْغلَّة (بِالضَّمَانِ) وَالْمُشْتَرِي الَّذِي لم يعلم لَو هلك مَا اشْتَرَاهُ لَكَانَ ضَمَانه مِنْهُ بِمَعْنى أَنه لَا يرجع بِثمنِهِ على الْغَاصِب، فَكَانَت الْغلَّة لَهُ وَهُوَ معنى قَول الْفُقَهَاء من عَلَيْهِ التوا فَلهُ النما والتوا بِالْمُثَنَّاةِ وَالْقصر أَي ضَمَان الشَّيْء إِذا هلك، والنما بالنُّون الزِّيَادَة وَالْمرَاد بِهِ الْغلَّة. وَلاَ يَكُون الرَّدُّ فِي اسْتِحَقَاقِ وَفَاسِدِ الْبَيْعِ عَلى الإطْلاَقِ (و) لكَون الْخراج بِالضَّمَانِ (لَا يكون الرَّد) للغلة (فِي) طرُو (اسْتِحْقَاق) على من لَهُ شُبْهَة الْملك كَمَا مّر وَلَو فَرعه بِالْفَاءِ وَقدمه على قَوْله: الْخراج بِالضَّمَانِ لَكَانَ أحسن (خَ) : وَالْغلَّة لذِي الشُّبْهَة أَو الْمَجْهُول الحكم كوارث وموهوب ومشتر لم يعلمُوا الخ. وَمرَاده بالوارث وَارِث من جهلت حَاله أَو ظَهرت شبهته لَا وَارِث الْغَاصِب لما مر أَنه لَا غلَّة لَهُ علم أَو لم يعلم، وَكَذَا محيي أَرضًا يَظُنهَا مواتاً لَا غلَّة لَهُ كَمَا مر فِي ابْن يُونُس، لَكِن الْوَارِث ومحيي الأَرْض وَإِن كَانَا لَا غلَّة لَهما لَا يهدم بناؤهما وَلَا يقْلع زرعهما فذو الشُّبْهَة الَّذِي لَهُ الْغلَّة أخص من ذِي الشُّبْهَة الَّذِي لَا يقْلع غرسه وَلَا بِنَاؤُه بل يجْرِي على قَول (خَ) فِي الِاسْتِحْقَاق: وَإِن غرس أَو بنى قيل للْمَالِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 أعْطه قِيمَته قَائِما الخ. وَدخل فِي النّظم من بَاعَ مَا يعرف لغيره زاعماً أَن مَالِكه وَكله على بَيْعه وَهُوَ من ناحيته وَسَببه فَلم يثبت التَّوْكِيل وَفسخ البيع فَلَا ترد الْغلَّة كَمَا للخمي، وَكَذَا إِذا بَاعَ الحاضن مَا لَيْسَ بِيَسِير ثمَّ فسخ بَيْعه فَلَا ترد الْغلَّة أَيْضا، وَكَذَلِكَ إِذا بَاعَ على الصَّغِير قَرِيبه كالأخ وَالْعم بِلَا إيصاء وَلَا حضَانَة فَكبر الصَّغِير وَأخذ شَيْئه، فَإِن المُشْتَرِي لَا يرد الْغلَّة وَلَو كَانَ عَالما يَوْم البيع بتعدي البَائِع، وَهَذَا على أَن الْقَرِيب لَا يتنزل منزلَة الْوَصِيّ، وَأما على أَنه يتنزل مَنْزِلَته وَهُوَ الْمَعْمُول بِهِ كَمَا مّر فَلَا إِشْكَال أَنه لَا يردهَا بل وَلَا يفْسخ البيع وَأما من اشْترى حبسا من الْمحبس عَلَيْهِ وَهُوَ عَالم بالتحبيس فيردها كَمَا مّر فِي قَوْله: وَمن يَبِيع مَا عَلَيْهِ حبسا الخ. تَنْبِيه: قَالَ ابْن زرب: من ادّعى أَنه ابْتَاعَ دَارا من رجل وَأنكر الرجل ذَلِك فَلم تقم للْمُدَّعِي بَيِّنَة أَنه يُؤْخَذ بخرجها فَقَالَ لَهُ ابْن دحون: أَلَيْسَ الْغلَّة بِالضَّمَانِ؟ فَقَالَ: أَلَيْسَ هَذَا مقرا بِأَن الدَّار كَانَت للقائم وَيَزْعُم أَنه ابتاعها وَلم يثبت لَهُ ذَلِك فَرجع عَلَيْهِ بالغلة. وَلَو قَالَ الدَّار ملكي وَلم يدع ابتياعها من الْقَائِم ثمَّ ثبتَتْ للقائم لم يرجع عَلَيْهِ بالغلة اه. ونظمها فِي اللامية حَيْثُ قَالَ: وَغرم خراج من على غَيره ادّعى بِملك بِهِ سكناهُ بيعا تقبلا الخ وَهَذَا إِذا لم تمض الْحِيَازَة القاطعة كعشر سِنِين وإلاَّ فَيصدق وَإِن لم يُثبتهُ كَمَا مَّر فِي قَوْله: فِي الْحِيَازَة وَالْيَمِين لَهُ إِن ادّعى الشِّرَاء مِنْهُ معمله. وَانْظُر مَا يُعَارض مَا قَالَه ابْن زرب فِي فصل الِاسْتِحْقَاق من شرحنا للشامل، ثمَّ ذكر أَرْبَعَة أُمُور لَا ترد فِيهَا الْغلَّة لدخولها فِي الْخراج بِالضَّمَانِ فَقَالَ: (و) لَا ترد الْغلَّة أَيْضا فِي (فَاسد البيع على الْإِطْلَاق) كَانَ قَائِما وَفسخ البيع ورد الْمَبِيع أَو فَاتَ بِالثّمن أَو الْقيمَة (خَ) : وَإِنَّمَا ينْتَقل ضَمَان الْفَاسِد بِالْقَبْضِ وَلَا غلَّة تصحبه، فَإِن فَاتَ مضى الْمُخْتَلف فِيهِ بِثمنِهِ وإلاَّ ضمن قِيمَته الخ. وَالرَّدِّ بالْعَيْبِ وَلا فِي السِّلْعَهْ مَوجُودَةً فِي فَلَسٍ وَالشُّفْعَهْ (و) لَا ترد أَيْضا فِي (الرَّد بِالْعَيْبِ) يطلع عَلَيْهِ بعد أَن استغل لكَون الضَّمَان مِنْهُ أَو هلك الْمَبِيع (وَلَا) ترد أَيْضا (فِي السّلْعَة) كسفينة ودابة مثلا اشتراهما واستغلهما قبل أَن يدْفع الثّمن وَكَانَت كلتاهما (مَوْجُودَة) بِحَالِهَا (فِي فلس) المُشْتَرِي فَإِن ربهما يكون أَحَق بهما فِي ثمنه وَلَا يرجع على الْمُفلس بِمَا استغله لكَون الضَّمَان مِنْهُ لَو هلكتا بِيَدِهِ. (و) لَا ترد أَيْضا فِي (الشُّفْعَة) يقوم بهَا الشَّرِيك بعد أَن استغل المُشْتَرِي لكَون الضَّمَان مِنْهُ لَو هلك الشّقص، وَقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 أَشَارَ (خَ) لهَذِهِ الْأُمُور فِي الْعُيُوب حَيْثُ قَالَ: وَالْغلَّة لَهُ أَي للْمُشْتَرِي للْفَسْخ بِخِلَاف ولد وَثَمَرَة أبرت وصوف تمّ كشفعة وَاسْتِحْقَاق وتفليس وَفَسَاد الخ. وَقد اسْتُفِيدَ من قَوْله: بِخِلَاف ولد إِلَى قَوْله وصوف، تمّ أَن عدم رد الْغلَّة فِي هَذِه الْأُمُور الْخَمْسَة إِنَّمَا هُوَ فِيمَا حدث مِنْهَا بعد البيع، لَكِن إِن كَانَ ثَمَرَة غير مؤبرة يَوْم الشِّرَاء أَو حدثت بعده فَفِي الْعَيْب وَالْفساد يَسْتَحِقهَا المُشْتَرِي بِمُجَرَّد الزهو وَفِي الشُّفْعَة والاستحقاق باليبس وَفِي التَّفْلِيس بالجذاذ وَهُوَ الْقطع، وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْن غَازِي بقوله: الجذ فِي الثِّمَار فِيمَا انتقيا يضبطه تَجِد عفزاً شسيا وَمعنى انتقيا اختير فالتاء فِي تَجِد للتفليس وَالْجِيم وَحدهَا أَو مَعَ الدَّال للجذاذ وَالْعين وَالْفَاء فِي عفزاً للعيب وَالْفساد وَالزَّاي للزهو والشين وَالسِّين فِي شسيا للشفعة والاستحقاق، وَالْيَاء لليبس فَإِن كَانَت صُوفًا غير تَامّ وَقت البيع أَو حدث بعده فَهُوَ لَهُ إِذا جزه قبل الِاطِّلَاع على الْعَيْب، فَإِن اطلع عَلَيْهِ قبل جزه فَهُوَ تبع للغنم وَلَو تمّ، وَإِن جزه بعد الِاطِّلَاع فَهُوَ رضَا. قَالَ فِي الْمُقدمَات: وَلَا يرجع الْمُبْتَاع بِشَيْء من نَفَقَته عَلَيْهَا بِخِلَاف النّخل، وَفِي الِاسْتِحْقَاق يَأْخُذهُ الْمُبْتَاع إِذا جذت وَكَذَا فِي الْفساد والتفليس وَلَا تتَصَوَّر الشُّفْعَة فِيهِ هَذَا حكم الْحَادِث من الْغلَّة فِي الْأُمُور الْمَذْكُورَة، وَأما مَا كَانَ مَوْجُودا قبل البيع فَفِيهِ تَفْصِيل أَيْضا فَالْوَلَد سَوَاء كَانَ مِمَّا لَا يعقل أم لَا لَيْسَ بغلة فِي الِاسْتِحْقَاق وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ والتفليس فَهُوَ للْبَائِع فِي الآخرين، وللمستحق فِي الأول سَوَاء اشْتَرَاهَا حَامِلا الْوَلَد أَو حدث الْوَلَد عِنْده، وَفِي الْفساد يفوتهُ وَيُوجب الرُّجُوع بِالْقيمَةِ وَفِي الشُّفْعَة لَا يتَصَوَّر فِيهَا، وَأما الثَّمَرَة المؤبرة حِين البيع فَهِيَ للْبَائِع أَلا أَن يشترطها المُشْتَرِي فَإِن اشترطها واطلع على عيب فيردها إِن كَانَت قَائِمَة وإلاَّ رد مكيلتها إِن علمت أَو قيمتهَا إِن جهلت أَو ثمنهَا إِن بِيعَتْ لِأَن لَهَا وَقت البيع حِصَّة من الثّمن وَيرجع بسفيه وعلاجه، وَحكمهَا فِي البيع الْفَاسِد كَحكم الرَّد بِالْعَيْبِ، وَأما فِي التَّفْلِيس فالبائع أَحَق بهَا مَا لم تجذ فَإِن جذت كَانَ أَحَق بالأصول بِمَا ينوبها من الثّمن ويحاصص بِمَا يَنُوب الثَّمَرَة، وَأما فِي الِاسْتِحْقَاق وَالشُّفْعَة فَإِن طَرَأَ أَحدهمَا قبل طيب الثَّمَرَة فَهُوَ أَحَق بهَا بعد أَن يُؤَدِّي أُجْرَة السَّقْي والعلاج وَإِن طَرَأَ بعد طيب الثَّمَرَة قبل يبسها أَو بعد يبسها وَلم تجذ أَو بعد جذها وَهِي قَائِمَة أَو فَائِتَة فَإِن الْمُسْتَحق يَأْخُذ الثَّمَرَة بعد أَن يرفع أُجْرَة السَّقْي والعلاج على نَحْو مَا تقدم فِي الْعَيْب، وَالشَّفِيع يَأْخُذهَا مَعَ الْأُصُول مَعَ أُجْرَة السَّقْي والعلاج مَا لم تيبس وَإِلَّا فَيَأْخُذ الأَصْل ويحط عَنهُ مَا يَنُوب الثَّمَرَة من الثّمن كَمَا قَالَ (خَ) فِي الشُّفْعَة: وَحط حصَّتهَا إِن أزهت أَو أبرت الخ. وَأما الصُّوف التَّام وَقت البيع فَفِي الْعَيْب يردهُ مَعَ الْغنم فَإِن جزه وَفَاتَ رد مثله فَإِن لم يعلم وَزنه رد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 الْغنم بحصتها من الثّمن. اللَّخْمِيّ: وَإِن وجد الْعَيْب بعد أَن جزها وَعَاد إِلَيْهَا الصُّوف ردهَا وَلَا شَيْء عَلَيْهِ للصوف الأول اه. وَلَا يرجع الْمُبْتَاع بِشَيْء من نَفَقَته عَلَيْهَا بِخِلَاف النّخل، وَالْفرق أَن للغنم غلَّة تبتغي مِنْهَا سوى الصُّوف وَفِي اسْتِحْقَاق الْغنم يَأْخُذهُ الْمُسْتَحق إِن كَانَ قَائِما أَو مثله إِن اسْتَهْلكهُ الْمُبْتَاع وَعلم وَزنه، وإلاَّ رد قِيمَته وَإِن كَانَ قد بَاعه رد ثمنه. وَفِي التَّفْلِيس يكون بَائِعه أَحَق بِهِ مُدَّة كَونه قَائِما وَإِن جزه الْمُفلس، وَإِن فَاتَ خير البَائِع بَين أَخذ الْغنم بِمَا ينوبها من الثّمن وحاص بِمَا يَنُوب الصُّوف مِنْهُ وَبَين تَسْلِيم الْغنم وحاص بِجَمِيعِ ثمنهَا وَفِي البيع الْفَاسِد قَالَ (ح) لم أَقف على نَص فِيهِ، وَالظَّاهِر أَن حكمه حكم الْعَيْب، وَأما فِي الشُّفْعَة فَلَا تتَصَوَّر فِي الصُّوف ثمَّ أَشَارَ إِلَى بَقِيَّة الْكَلَام على الْمُتَعَدِّي، وَتقدم أَنه إِذا أتلف الشَّيْء ضمنه، وَإِذا عَيبه فَيُخَير ربه بَين المفيت للمقصود دون غَيره فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا أرش الْعَيْب فَقَالَ: وَمْتْلِفٌ مَنْفَعَةً مَقْصُودَهْ مِمَّا لَهُ كيْفيَّةٌ مَعْهُودَهْ (ومتلف مَنْفَعَة مَقْصُودَة) كقلع عَيْني عبد أَو قطع يَدَيْهِ أَو يَد وَاحِدَة وَهُوَ صانع أَو إذهاب لبن شَاة هُوَ مُعظم الْمَقْصُود مِنْهَا أَو قطع رجل وَاحِدَة من أَي حَيَوَان كَانَ أَو قطع ذَنْب دَابَّة ذِي هَيْئَة ومروءة كقاض وأمير وَكَاتب وشهيد أَو قطع طيلسان من ذكر أَو عمَامَته وَنَحْو ذَلِك. (مِمَّا لَهُ كَيْفيَّة معهودة) عِنْد ربه لَا يَسْتَعْمِلهُ إِلَّا على تِلْكَ الْكَيْفِيَّة، وَإِنَّمَا كَانَ قطع الذَّنب وَمَا بعده مفيتاً وَإِن كَانَ عَيْبا يَسِيرا مُرَاعَاة لمَالِكهَا لِأَن ذَا الهيبة لَا يلبسهَا وَلَا يركبهَا على تِلْكَ الْحَال فَصَارَ قطعهَا كإتلافها عَلَيْهِ، وَلذَا وَجب لَهُ الْخِيَار كَمَا قَالَ: صَاحِبُهُ خُيِّرَ فِي الأَخْذِ لَهُ مَعْ أَخْذِهِ لأَرْشِ عَيْبٍ حَلَّهُ (صَاحبه خير) أَي يُخَيّر (فِي الْأَخْذ لَهُ) أَي للشَّيْء الَّذِي فَاتَ الْمَقْصُود مِنْهُ (مَعَ أَخذه لأرش عيب حلّه) فَيقوم سالما بِعشْرَة ومعيباً بِخَمْسَة مثلا فَيَأْخذهُ مَعَ الْخَمْسَة. أَوْ أَخْذِهِ لِقيمَةِ الْمَعِيبِ يَوْمَ حُدُوثِ حَالَةِ التَّغْيِيب (أَو) بِمَعْنى الْوَاو أَي وَفِي (أَخذه لقيمة الْمَعِيب) سالما مُعْتَبرَة (يَوْم حُدُوث حَالَة التعييب) وَهِي الْعشْرَة فِي الْمِثَال الْمَذْكُور وَيسلم الْمَعِيب للمتعدي. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم مَقْصُوده فَقَالَ: وَلَيْسَ إِلَّا الأَرْشُ حَيْثُ المَنْفَعَهْ يَسِيرَةٌ والشَّيْءُ مَعْهَا فِي سِعَه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 (وَلَيْسَ) يجب لرَبه على الْمُتَعَدِّي (إِلَّا الْأَرْش حَيْثُ) كَانَت (الْمَنْفَعَة) الَّذِي أفسدها الْمُتَعَدِّي (يسيرَة) لَا تفيت الْمَقْصُود كإذهاب لبن بقرة أَو نَاقَة لِأَن فيهمَا مَنَافِع غير اللَّبن، وَمن ذَلِك من قتل عجلاً فَعَلَيهِ قِيمَته وَمَا نقصته أمه من حلابها، وَكَذَلِكَ قطع لبن حمارة أَو رمكة أَو قلع عين وَاحِدَة لعبد لِأَن الْعين الْبَاقِيَة يتَصَرَّف مَعهَا كَمَا يتَصَرَّف بالاثنين أَو قطع يَد وَاحِدَة وَهُوَ غير صانع أَو خرق ثوب أَو كسر قَصْعَة خرقاً وكسراً لَا يفيت الْمَقْصُود فَإِن الشَّيْء يقوم فِي ذَلِك كُله سالما بِعشْرَة مثلا ومعيباً بِثمَانِيَة وَيَأْخُذهُ مَعَ مَا نَقصه وَلَا خِيَار لرَبه. (و) إِنَّمَا لم يُخَيّر لِأَن (الشَّيْء) المجنى عَلَيْهِ لَا زَالَ (مَعهَا) أَي الْجِنَايَة (فِي سَعَة) لم يفت الْمَقْصُود مِنْهُ (خَ) والمتعدي جَان على بعض غَالِبا فَإِن أفات الْمَقْصُود مِنْهُ كَقطع ذَنْب دَابَّة ذِي هَيْئَة أَو أذنها أَو طيلسانه وَلبن شَاة هُوَ الْمَقْصُود، أَو قلع عَيْني عبد أَو يَدَيْهِ فَلهُ أَخذه ونقصه أَو قِيمَته، وَإِن لم يفته فنقصه الخ. لَكِن إِنَّمَا يَأْخُذهُ ربه مَعَ نَقصه فِي المفيت وَغَيره. مِنْ بَعْدِ رَفْوِ الثوْبِ أَوْ إِصْلاحِ مَا كانَ مِنْهُ قَابِلَ الصَّلاحِ (من بعد رفو الثَّوْب) الَّذِي خرقه عمدا أَو خطأ (أَو إصْلَاح مَا كَانَ مِنْهُ قَابل الصّلاح) كقصعة فيرقعها أَو عَصا فيجبرها أَو حلى فيصيغه، فَإِن رَجَعَ لحالته فَلَا شَيْء عَلَيْهِ والإغرام مَا نَقصه الثَّوْب وَنَحْوه بعد الرفو والترقيع لَا قبل ذَلِك، فَإِذا كَانَ أرش النَّقْص قبل الرفو دِرْهَمَيْنِ وَبعده درهما وَاحِدًا وَأجر الرفو نصف دِرْهَم فَإِنَّمَا يلْزمه دِرْهَم وَنصف وَإِنَّمَا يلْزمه رفوه فِي المفيت إِذا اخْتَار ربه أَخذه ونقصه إِذْ فِي حَالَة اخْتِيَار ربه الْقيمَة لَيْسَ على الْمُتَعَدِّي رفوه، وَمَا قَرَّرْنَاهُ بِهِ من أَنه يلْزمه رفوه فِي المفيت وَغَيره هُوَ الْمَشْهُور. (خَ) : ورفو الثَّوْب مُطلقًا الخ. وَقيل إِنَّمَا يلْزمه الرفو فِي غير المفيت، وَرجحه ابْن يُونُس، ودرج عَلَيْهِ ابْن سَلمُون وَابْن فَرِحُونَ وَغَيرهمَا، وَهُوَ ظَاهر الْمُدَوَّنَة والناظم، بل صرح ابْن سَلمُون بِأَن القَوْل بالرفو فِي المفيت ضَعِيف، وَذَلِكَ كُله يُفِيد أَن مَا رَجحه ابْن يُونُس هُوَ الْمُعْتَمد، وَمَفْهُوم رفو الثَّوْب أَن الدَّابَّة لَا يلْزمه أَن يداويها، وَكَذَا أُجْرَة الطَّبِيب لَا تلْزمهُ، وَقيل يلزمانه (خَ) : وَفِي أُجْرَة الطَّبِيب قَولَانِ. وَرجح كل مِنْهُمَا فرجح (تت) فِي كبيره عدم اللُّزُوم قَالَ وَقَالَ بَعضهم: إِنَّه الْمَشْهُور وَرجح الأَجْهُورِيّ وَمن تبعه الثَّانِي، وَهُوَ الَّذِي استحسنه اللَّخْمِيّ وَابْن عَرَفَة كَمَا نَقله الزّرْقَانِيّ فِي الدِّمَاء قَائِلا: ثمَّ الَّذِي استحسنه ابْن عَرَفَة القَوْل بِأَن على الْجَانِي أُجْرَة الطَّبِيب وَثمن الدَّوَاء سَوَاء برىء على شين أم لَا. مَعَ الْحُكُومَة فِي الأول، وَأما مَا فِيهِ شين مُقَدّر فَلَيْسَ فِيهِ دَوَاء، وَلَو برىء على شين سوى مُوضحَة الْوَجْه وَالرَّأْس فِيهِ أُجْرَة الطَّبِيب وَثمن الدَّوَاء اه. وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون قَائِلا: وَالْحَيَوَان وَغَيره فِي ذَلِك سَوَاء يَعْنِي يلْزمه مداواة الدَّابَّة وَغَيرهَا كَمَا يلْزمه رفو الثَّوْب، وَبِهَذَا تعلم أَن مَا رَجحه الأَجْهُورِيّ وَمن تبعه أصح وَأقوى، وَعَلِيهِ فَإِن بَرِئت الدَّابَّة أَو غَيرهَا على غير شين فَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِلَّا الْأَدَب فِي الْعمد، وَإِن برئا على شين غرم النَّقْص فِي الدَّابَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 وَالْعَبْد وَفِي الْحر حُكُومَة بِنِسْبَة نُقْصَان الْجِنَايَة إِذا برىء من قِيمَته عبدا فرضا من الدِّيَة الخ. كَمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله. وَمحل الْقَوْلَيْنِ فِي جرح خطأ لَيْسَ فِيهِ مَال مُقَدّر أَو عمدا لَا قصاص فِيهِ لإتلافه أَو لعدم الْمُسَاوَاة أَو لعدم الْمثل وَلَيْسَ فِيهِ مَال مُقَدّر أَيْضا، وَأما إِذا كَانَ فِيهِ مَال مُقَدّر فَإِنَّمَا عَلَيْهِ ذَلِك المَال وَلَا يلْزمه دَوَاء وَلَا ثمنه، وَلَو برىء على شين كَمَا لِابْنِ عَرَفَة، وَكَذَا الْعمد الَّذِي فِيهِ الْقصاص فَإِن الْوَاجِب فِيهِ الْقصاص إِلَّا أَن يتصالحا على شَيْء يتفقان عَلَيْهِ. تَنْبِيه: قَالَ ابْن رحال: تنزل عندنَا نازلة وَهِي أَن الخماس مثلا يخرج فِي وَقت الْحَصاد أَو الْحَرْث فَيمْنَع من الْعَمَل هَل يلْزم الْجَانِي أَن يُعْطِيهِ أَجِيرا يخْدم فِي مَحَله لِأَنَّهُ عطله وَلَا عِنْده مَا يعِيش بِهِ غير مَا ذكر قَالَ: وَيظْهر من كَلَام اللَّخْمِيّ أَنه يلْزم الْجَانِي ذَلِك لِأَنَّهُ ظَالِم أَحَق بِالْحملِ عَلَيْهِ اه. قلت: هَذَا الْجرْح إِن كَانَ عمدا فَالْوَاجِب فِيهِ الْقصاص فَإِن تصالحا على شَيْء فَلَا كَلَام، وَإِن طلب الْقصاص فَلَيْسَ لَهُ أَن يقْتَصّ وَيَأْخُذ أَجِيرا يخْدم فِي مَحَله لِأَن الشَّارِع إِنَّمَا حكم بِالْقصاصِ من غير زِيَادَة عَلَيْهِ وَلَا حجَّة فِي كَونه عطله لِأَن الْجَانِب كَذَلِك يعطل أَيْضا عَن حرفته وَقت قصاصه مِنْهُ، وَإِن كَانَ الْجرْح خطأ مِمَّا لَا قصاص أَو لكَونه من المتالف أَو لعدم المماثل فَهَذَا الَّذِي تقدم أَنه يجب فِيهِ أُجْرَة المداواة وَتجب فِيهِ الْحُكُومَة إِن برىء على شين، وَإِن كَانَ فِيهِ مَال مُقَدّر فَإِنَّمَا عَلَيْهِ ذَلِك الْمُقدر كَمَا مرّ. فَقَوله يظْهر من كَلَام اللَّخْمِيّ الخ. غير ظَاهر وَبِهَذَا كنت اعترضته فِي شرحنا للشامل ثمَّ بعد ذَلِك بسنين وقفت على الشَّيْخ الرهوني اعْتَرَضَهُ أَيْضا بقول (خَ) : وَضمن مَنْفَعَة الْبضْع وَالْحر بالتفويت وَغَيرهمَا بالفوات الخ قَائِلا: فالمجروح إِن كَانَ حرا فَلَا شَيْء على من عطله إِذا لم يَسْتَعْمِلهُ كَمَا لَو عطله بشد يَده أَو غير ذَلِك من مَوَانِع الْعَمَل، وَإِن كَانَ عبدا وَجب عَلَيْهِ غرم قيمَة منفعَته لَا أَنه يَأْتِي بشخص آخر يعْمل مَكَانَهُ. (فصل فِي الاغتصاب) وَهُوَ وَطْء حرَّة أَو أمة جبرا على غير وَجه شَرْعِي. وَوَاطِىءٌ لِحُرَّةٍ مُغْتَصِبا صَدَاقُ مِثْلِهَا عَلَيْهِ وَجَبَا (و) بَالغ (واطىء لحرة مغتصبا) بِكَسْر الصَّاد أَي مكْرها لَهَا (صدَاق مثلهَا) يَوْم الْوَطْء (خَ) : وَمهر الْمثل مَا يرغب بِهِ مثله فِيهَا بِاعْتِبَار دين وجمال وَحسب وَمَال وبلد الخ. أَي وَكَونهَا بكرا أَو ثَيِّبًا من جملَة مَا يرغب بِهِ فِيهَا. (عَلَيْهِ وجبا) ويتعدد الصَدَاق بِتَعَدُّد الوطآت بِخِلَاف وَطْء الشُّبْهَة (خَ) واتحد المهران اتّحدت الشُّبْهَة كالغالط بِغَيْر عَالِمَة وإلاَّ تعدد كَالزِّنَا بهَا أَو بالمكرهة الخ. وَالضَّمِير فِي قَوْله بهَا يعود على غير العالمة، وَمَفْهُوم قَوْله مغتصباً. وَقَول (خَ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 بالمكرهة أَن الزِّنَا بالطائعة لَا صدَاق فِيهِ وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهَا أَذِنت فِي فَسَاد بضعهَا، وَهَذَا ظَاهر إِذا كَانَت بَالِغَة يعْتَبر إِذْنهَا، وَانْظُر لَو كَانَت صَغِيرَة يُوطأ مثلهَا وطاوعته على الزِّنَا بهَا هَل عَلَيْهِ صَدَاقهَا وَهُوَ الظَّاهِر لِأَن إِذْنهَا غير مُعْتَبر، وَأما من لَا يُوطأ مثلهَا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا شانها ونقصها عَن صدَاق مثلهَا لِأَن وَطأهَا جرح لَا وَطْء، واحترزت بِقَوْلِي بَالغ من الصَّغِير يطَأ السفيهة أَو الصَّغِيرَة البكرين فَعَلَيهِ مَا شانهما بِدَلِيل قَوْله: وَضمن مَا أفسد إِن لم يُؤمن عَلَيْهِ وَلَا عِبْرَة بِرِضا الصَّغِيرَة وموافقتها لَهُ على الْوَطْء، وَكَذَا السفيهة بِخِلَاف الرشيدة وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي الثّيّب، انْظُر الشَّارِح عِنْد قَوْله فِي النِّكَاح: ولولي صَغِير فسخ عقده الخ. إنْ ثَبَتَ الوطءُ وَلَو بِبَيِّنَهْ بأَنَّهُ غَابَ عَلَيْهَا مُعْلِنَه (إِن ثَبت الْوَطْء) بالمعاينة أَو بِالْإِقْرَارِ من غير الْمَحْجُور بل (وَلَو بِبَيِّنَة بِأَنَّهُ غَابَ عَلَيْهَا معلنة) صفة لقَوْله: بَيِّنَة أَي وَلَو بِبَيِّنَة معلنة أَي شاهدة بِأَنَّهُ احتملها بمحضرهم وَغَابَ عَلَيْهَا غيبَة يُمكن فِيهَا الْوَطْء وادعته الْمَرْأَة وَلَو صَغِيرَة يُمكن وَطْؤُهَا أَو سَفِيهَة، فَإِنَّهُ يجب لَهَا جَمِيع الصَدَاق فَإِن صدقت الْغَاصِب فِي عدم الْوَطْء فَلَا شَيْء لَهَا وَلَو صَغِيرَة كَمَا يفهم من قَول (خَ) : وصدقت فِي خلْوَة الاهتداء فِي الْوَطْء وَفِي نَفْيه وَإِن سَفِيهَة وَأمة الخ. وَظَاهره أَن الْبكر لَا ينظرها النِّسَاء وَالْعَمَل على خِلَافه. وَقيمَةُ النَّقص عَلَيْهِ فِي الأَمَهْ هَبْهَا سِوَى بِكْرٍ وَغَيْرِ مُسْلِمَه (وَقِيمَة النَّقْص عَلَيْهِ فِي الْأمة) أَي وَعَلِيهِ فِي الْأمة مَا نَقصهَا وَطْؤُهُ عليا كَانَت أَو وخشاً طَائِعَة أَو مُكْرَهَة (هبها سوى) أَي غير (بكر) بِأَن تكون ثَيِّبًا (وَغير مسلمة) بِأَن تكون يَهُودِيَّة أَو نَصْرَانِيَّة، وَهَذَا حَيْثُ أقرّ بِوَطْئِهَا أَو قَامَت عَلَيْهِ بَيِّنَة بمعاينة الْوَطْء، وَأما إِن شهِدت بَيِّنَة بغيبته عَلَيْهَا غيبَة يُمكن فِيهَا الْوَطْء فَالْمَشْهُور لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَقيل يضمن قيمَة النَّقْص، وَيجب أَن يكون الْعَمَل عَلَيْهِ لموافقته لما مرّ فِي الْغَاصِب للصرة وَغَيرهَا. وَثَالِثهَا إِن كَانَت رائعة وَاخْتَارَهُ ابْن رشد، وَإِنَّمَا وَجب عَلَيْهِ مَا نَقصهَا فِي الثّيّب لِأَنَّهُ بِوَطْئِهِ أحدث فِيهَا عَيْبا وَهُوَ مؤالفتها للزِّنَا لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت مُكْرَهَة فقد ترْضى بِهِ فِي ثَانِي حَال فتقوم على أَنَّهَا لم يَطَأهَا الْغَاصِب بِعشْرَة مثلا وبوطئة بِثمَانِيَة وَيغرم مَا بَينهمَا. وَالوَلَدُ اسْتُرِقَّ حَيْثُ عَلِمَا وَالحَدُّ مَعْ ذَاكَ عَلَيْهِ فِيهما (وَالْولد) من الْأمة الْمَذْكُورَة (اسْترق) أَي يحكم باسترقاقه (حَيْثُ علما) أَنه من الزِّنَا وَذَلِكَ بِأَن لم يكن لَهَا زوج وَلَا سيد أَو كَانَ لَهَا سيد ونفاه بِشَرْط اعْتِمَاده فِي نَفْيه على الِاسْتِبْرَاء بِحَيْضَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 وَولدت لسِتَّة أشهر فَأكْثر من يَوْم الزِّنَا (خَ) : وَلَا يَمِين إِن أنكرهُ ونفاه وَولدت لسِتَّة أشهر الخ. فَإِن لم ينفه وَادعت هِيَ أَنه من الْغَصْب فَلَا كَلَام لَهَا، وَكَذَا إِن قَالَت: هُوَ من الزَّوْج الأول وَقد أَتَت بِهِ لسِتَّة أشهر فَأكْثر من تزوج الثَّانِي فَلَا يقبل قَوْلهَا، بل هُوَ للثَّانِي حرَّة كَانَت أَو أمة، وَلَو صدقهَا الثَّانِي فِي ذَلِك فَلَا يَنْتَفِي عَنهُ إِلَّا بِلعان (خَ) : وَلَو تَصَادقا على نَفْيه (وَالْحَد مَعَ ذَاك) الْغرم للصداق أَو قيمَة النَّقْص (عَلَيْهِ فيهمَا) أَي الْحرَّة وَالْأمة، وَهَذَا إِذا شهد أَرْبَعَة بمعاينة الْوَطْء أَو أقرّ بذلك على نَفسه وَلم يرجع عَنهُ، وَأما إِن شهدُوا بِأَنَّهُ احتملها وَغَابَ عَلَيْهَا وَادعت الْمَرْأَة الْوَطْء وَأنكر هُوَ فَلَا حد عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الصَدَاق للْحرَّة وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي الْأمة كَمَا مر. وَقَوله فِي المقرب: وَمن اغتصب امْرَأَة وَوَطئهَا فِي دبرهَا يَعْنِي ادَّعَت هِيَ ذَلِك بعد غيبته عَلَيْهَا فلهَا الصَدَاق دون الْحَد عَلَيْهِ، إِذْ لَا يجب الْحَد إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ أَو الْإِقْرَار كَمَا مر، وَأما الِاسْتِبْرَاء فَوَاجِب عَلَيْهَا (خَ) عاطفاً على مَا يُوجب قدر الْعدة أَو غَابَ غَاصِب أَو سَاب أَو مُشْتَر الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: إِن ثَبت الْوَطْء الخ. فَقَالَ: وإنْ يَكُنْ ذَا الْغَصْبُ بالدَّعْوَى فَفِي تَفْصِيلِهِ بَيَانُ حُكْمِهِ يَفي (وَإِن يكن ذَا الْغَصْب بِالدَّعْوَى) فَقَط من غير ثُبُوته بِبَيِّنَة وَلَا إِقْرَار (فَفِي تَفْصِيله) يتَعَلَّق بيفي آخر الْبَيْت (بَيَان حكمه) مُبْتَدأ خَبره (يَفِي) وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط، وَالتَّقْدِير فبيان حكمه يَأْتِي مَذْكُورا فِي تَفْصِيله وَحَاصِل التَّفْصِيل أَن الْمُدعى عَلَيْهِ إِمَّا أَن يكون مَعْرُوفا بِالدّينِ وَالْخَيْر، وَإِمَّا أَن يكون مَجْهُول الْحَال لَا يعرف بِخَير وَلَا فسق، وَإِمَّا أَن يكون مَعْرُوفا بِالْفَسَادِ وَالْفِسْق، وَفِي كل إِمَّا أَن تَأتي مستغيثة مُتَعَلقَة بِهِ عِنْد النَّازِلَة أَو تَدعِي عَلَيْهِ ذَلِك بعد حِين فالأقسام سِتَّة فَأَشَارَ إِلَى أَولهَا بقوله: فَحَيْثُمَا الدَّعْوَى عَلَى مَنْ قَدْ شُهِرْ بالدِّيْنِ وَالصَّلاَحِ وَالفَضْلِ نُظِرْ (فَحَيْثُمَا الدَّعْوَى على من قد شهر بِالدّينِ وَالصَّلَاح وَالْفضل نظر) . فِي ذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 فإنْ تَكُنْ بَعْدَ التَّرَاخِي زَمَنَا حُدَّتْ لِقَذْفٍ وَبِحَمْلٍ للزِّنَا (فَإِن تكن) الدَّعْوَى (بعد التَّرَاخِي) عَن النَّازِلَة (زَمنا) قَرِيبا أَو بَعيدا (حدت لقذف) فتجلد ثَمَانِينَ (و) حدت أَيْضا (ب) سَبَب (حمل) ظهر بهَا (للزِّنَا) إِن كَانَت مُحصنَة وَلم ترجع عَن قَوْلهَا. وتجلد مائَة إِن كَانَت بكرا وَإِنَّمَا تعدد الْحَد لاخْتِلَاف موجبهما. وَحَيْثُما رَحِمُهَا مِنْهُ بَرِي فالحدُّ تَسْتَوْجِبُهُ فِي الأَظْهَرِ (وحيثما رَحمهَا مِنْهُ) أَي من الْحمل (بَرى فالحد) للزِّنَا (تستوجبه) أَيْضا (فِي) القَوْل (الْأَظْهر) هَذَا كُله بِالنِّسْبَةِ للْمَرْأَة، وَأما الرجل فَلَا يَمِين عَلَيْهِ وَلَا صدَاق كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَمَا على الْمَشْهُور بالعفاف مهر وَلَا حلف الخ. وَأَحْرَى لَا حد عَلَيْهِ، وَظَاهره أَنه لَا يفصل فِيهَا التَّفْصِيل الْآتِي فِي مَجْهُول الْحَال بَين كَونهَا مَعْرُوفَة بالصيانة أَو لَا بل الحكم مَا ذكر فِي هَذَا الْقسم كَيفَ مَا كَانَت هِيَ، وَهُوَ ظَاهر ابْن رشد أَيْضا حَيْثُ قَالَ: فَإِن ادَّعَت على من لَا يَلِيق بِهِ ذَلِك وَهِي غير مُتَعَلقَة بِهِ فَلَا خلاف أَنه لَا شَيْء على الرجل وَأَنَّهَا تحد لَهُ حد الْقَذْف وحد الزِّنَا إِن ظهر بهَا حمل، وَإِن لم يظْهر بهَا فيتخرج وجوب حد الزِّنَا عَلَيْهَا على الِاخْتِلَاف فِيمَن أقرّ بِوَطْء أمة رجل وَادّعى أَنه اشْتَرَاهَا مِنْهُ أَو وَطْء امْرَأَة وَادّعى أَنه تزَوجهَا، فتحد على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم إِلَّا أَن ترجع عَن قَوْلهَا وَلَا تحد على مَذْهَب أَشهب اه. وَمَفْهُوم بعد التَّرَاخِي أَنَّهَا إِذا جَاءَت مُتَعَلقَة بِهِ فحد الْقَذْف لَازم لَهَا، وحد الزِّنَا يسْقط عَنْهَا مُطلقًا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَحَيْثُ دَعْوَى صاحبت تعلقا حد الزِّنَا يسْقط عَنْهَا مُطلقًا الخ. وَكَانَ حَقه التَّقَدُّم هَهُنَا. وَأَشَارَ إِلَى الثَّانِي بقوله: وَذَاكَ فِي الْمَجْهُولِ حَالاً إنْ جُهِلْ حالٌ لَهَا أَوْ لَمْ تَحُزْ صَوْناً نُقِل (وَذَاكَ) مُبْتَدأ خَبره نقل آخر الْبَيْت و (فِي الْمَجْهُول) يتَعَلَّق بِهِ (حَالا) تَمْيِيز محول عَن النَّائِب وَقَوله: (إِن جهل حَال لَهَا) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ (أَو لم تحز صونا) مَعْطُوف على الشَّرْط (نقل) وَالتَّقْدِير: وَذَاكَ الحكم الْمَذْكُور فِي الْمَعْرُوف بِالْخَيرِ هُوَ الحكم الْمَنْقُول فِي الْمَجْهُول حَاله وَإِن كَانَت هِيَ المجهولة الْحَال أَيْضا أَو مَعْرُوفَة بِعَدَمِ الصيانة والعفاف، وَعَلِيهِ فَإِن كَانَت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 الدَّعْوَى بعد التَّرَاخِي زَمنا حدت للقذف وللزنا إِن ظهر بهَا حمل وَكَذَا إِن لم يظْهر فِي القَوْل الْأَظْهر. وَإنْ تَكُنْ مِمَّنْ لَهَا صَوْنٌ فَفِي وجُوبِهِ تَخْرِيجاً الخُلْفُ قُفي (وَإِن تكن مِمَّن لَهَا صون) والموضوع بِحَالهِ من دَعْوَاهَا على مَجْهُول الْحَال (فَفِي وُجُوبه) أَي حد الْقَذْف عَلَيْهَا (تخريجاً الْخلف) مُبْتَدأ خَبره (قفي) وَفِي وُجُوبه مُتَعَلق بِهِ، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وتخريجاً مصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول حَال من الضَّمِير فِي قفي، وَالتَّقْدِير: وَإِن تكن مِمَّن لَهَا صون فالخلف قفي فِي وجوب الْحَد عَلَيْهَا حَال كَونه مخرجا لَا نصا، وَظَاهره أَن الْخلاف فِي حد الزِّنَا وَالْقَذْف وَالَّذِي فِي ابْن رشد تَخْصِيصه بِحَدّ الْقَذْف وَيظْهر مِنْهُ أَنَّهَا تحد للزِّنَا إِن ظهر بهَا حمل أَو لم يظْهر على مَا مر، وعَلى القَوْل بحدها لَهُ لَا شَيْء عَلَيْهِ وعَلى مُقَابِله إِنَّمَا عَلَيْهِ الْيَمين كَمَا قَالَ: وَحَيْثُ قيل لَا تُحَدُّ إنْ نَكَلْ فالمَهْرُ مَعْ يَمِينِهَا لَهَا حَصَلْ (وَحَيْثُ قيل لَا تحد) فاليمين عَلَيْهِ (و) إِن (نكل) عَنْهَا (فالمهر) يلْزمه بِنُكُولِهِ (مَعَ يَمِينهَا لَهَا حصل) وَلَا حد عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يقر والظرف وَالْمَجْرُور يتعلقان بحصل. هَذَا حكم الْمَجْهُول إِذا لم تتَعَلَّق بِهِ، وَأما إِن جَاءَت مُتَعَلقَة بِهِ فَلَا حدّ عَلَيْهَا لَا للزِّنَا وَلَا للقذف حَيْثُ كَانَت من أهل العفاف وإلاَّ فَقَوْلَانِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَعدم الْحَد كَذَا للمنبهم حَالا الخ. وَما عَلَى المَشْهُورِ بالعَفَافِ مَهْرٌ وَلا حَلْفٌ بِلا خِلاَفِ (وَمَا على الْمَشْهُور بالعفاف) وَهُوَ الْقسم الأول (مهر وَلَا حلف بِلَا خلاف) وَكَانَ حَقه التَّقْدِيم إِثْر قَوْله: تستوجبه فِي الْأَظْهر ويصل بذلك قَوْله: وَحَيْثُ دَعْوَى صَاحَبَتْ تَعلُّقا حَدَّ الزَّنَا يَسْقُطُ عَنْهَا مُطْلَقَا (وَحَيْثُ دَعْوَى) على الْمَشْهُور بِالْخَيرِ والعفاف (صاحبت تعلقاً) بِهِ وَقت النَّازِلَة جَاءَت مستغيثة تدمى إِن كَانَت بكرا ف (حد الزِّنَا يسْقط عَنْهَا مُطلقًا) ظهر بهَا حمل أم لَا. لما بالغت من فضيحة نَفسهَا، وَمعنى التَّعَلُّق أَن تذكر ذَلِك فِي الْحِين وتشتكي بذلك لأَهْلهَا، وَلَيْسَ المُرَاد أَن تَأتي ماسكة بِيَدِهِ أَو بِثَوْبِهِ، فَهَذَا لَا يَتَأَتَّى لَهَا فِيمَن لَا قدرَة لَهَا عَلَيْهِ. قَالَ فِي أَوَائِل نَوَازِل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 الدَّعَاوَى من المعيار: معنى قَوْلهم تدمى أَن تَأتي صارخة مستغيثة، وَلَو كَانَت ثَيِّبًا وَلَيْسَت كل معصوبة تقدر على التَّعَلُّق. وَالْقَذْفُ فيهِ الحَدُّ لابْنِ القَاسِمِ وَخَلْفُهُ لَدَيْهِ غَيْرُ لازِمِ (و) أما (الْقَذْف) فَكَذَلِك لَا حد عَلَيْهَا عِنْد غير ابْن الْقَاسِم، و (فِيهِ الْحَد لِابْنِ الْقَاسِم وحلفه لَدَيْهِ) أَي ابْن الْقَاسِم (غير لَازم) . لِأَنَّهُ قد برأه ونزهه. وَمَن نَفَى الحَدَّ فَعِنْدَهُ يَجِبْ تَحْليفُهُ بأَنَّ دَعْوَاهَا كَذِبْ (وَمن نفى الْحَد) عَنْهَا بقذفه وَهُوَ غير ابْن الْقَاسِم (فَعنده يجب تَحْلِيفه) لَهَا (بِأَن دَعْوَاهَا) عَلَيْهِ (كذب) فَإِن حلف برىء. ومَعْ نُكُولِهِ لَهَا اليمينُ وتأْخُذُ الصَّداقَ مَا يكُونُ (وَمَعَ نُكُوله) عَن الْيَمين (لَهَا) هِيَ (الْيَمين) أَن مَا ادَّعَتْهُ عَلَيْهِ لحق (ونأخذ الصَدَاق) أَي صدَاق مثلهَا (مَا) أَي شَيْء (يكون) قل أَو جلّ، وَمحل الْخلاف الْمُتَقَدّم فِي حَدهَا للقذف إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَت مَعْرُوفَة بالصيانة والعفاف. وَحَدُّهَا لهُ اتَفَاقاً إنْ تَكُنْ لَيْسَ لَهَا صَونٌ وَلا حالٌ حَسَنْ (و) الأوجب (حَدهَا لَهُ اتِّفَاقًا إِن تكن لَيْسَ لَهَا صون وَلَا حَال حسن) . وَهَذِه الأبيات من قَوْله: وَمَا على الْمَشْهُور بالعفاف إِلَى هُنَا كلهَا حَقّهَا التَّقْدِيم إِثْر قَوْله: يستوجبه فِي الْأَظْهر كَمَا مرت إِلَيْهِ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الدَّعْوَى على مَجْهُول الْحَال المصحوبة بتعلقها بِهِ فَقَالَ: وَعَدَمُ الحَدِّ كَذَا لِلْمُنْبَهِم حَالا إذَا كَانَت تَوَقَّى مَا يَصِم (وَعدم الْحَد) للقذف وَالزِّنَا (كَذَا) أَي وَاجِب اتِّفَاقًا فِي دَعْوَاهَا (للمنبهم) أَي عَلَيْهِ فَاللَّام بِمَعْنى (على) (وَحَالا) تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل وَهَذَا (إِذا) جَاءَت مُتَعَلقَة بِهِ تدمى إِن كَانَت بكرا و (كَانَت) مَعْرُوفَة بالعفاف والصيانة (توقى) أَصله تتوقى فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ لقَوْل صَاحب الْخُلَاصَة وَمَا بتاءين قد يقْتَصر فِيهِ على تا الخ. (يصم) أَي يعيب ويقبح. وَإنْ تَكُنْ لاَ تَتَوَقَّى ذَلِكْ فالخُلْفُ تَخْرِيجاً بَدَا هُنَالِكْ (وَإِن تكن لَا تتوقى ذَلِك) الَّذِي يصم ويعيب (فالخلف) فِي حَدهَا لَهُ للقذف (تخريجاً) حَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 من فَاعل (بدا هُنَالك) وَكَانَ حَقه أَي يصل قَوْله: وَعدم الْحَد الخ. بقوله مَعَ يَمِينهَا لَهَا حصل كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ، ثمَّ إِذا قُلْنَا: لَا تحد هُنَا اتِّفَاقًا فِي الصينة وعَلى أحد الْقَوْلَيْنِ فِي غَيرهَا، فَلَا بُد أَن يحلف فَإِن نكل حَلَفت واستحقت عَلَيْهِ صدَاق مثلهَا كَمَا قَالَ بعد: وَإِن يكن مَجْهُول حَال فَيجب تَحْلِيفه وَمَعَ نُكُول يَنْقَلِب الخ. فَكَانَ حَقه أَن يقدمهُ هَهُنَا ثمَّ أَشَارَ إِلَى الثَّالِث بقسميه أَي مَعَ تعلق بِهِ أَو بعد حِين فَقَالَ: وَفي ادِّعائِهَا عَلَى المَشْتَهَرِ بالْفِسْقِ حَالتَانِ للمُعْتَبِرِ (وَفِي ادعائها على المشتهر بِالْفِسْقِ حالتان للمعتبر) أحداهما. حالُ تَشبُّثٍ وَبِكْرٌ تُدْمَى فذِي سُقُوطُ الحدِّ عَنْهَا عَمَّى (حَال تشبث) أَن تعلق بِهِ أَي تذكر ذَلِك فِي الْحِين كَمَا مر (وَبكر تدمى فذي سُقُوط الْحَد عَنْهَا عمى. فِي القَذْفِ وَالزِّنَا وإنْ حَمْلٌ ظَهَرْ وَفِي وُجُوب المَهْرِ خَلْفٌ مُعْتَبَرْ فِي الْقَذْف وَالزِّنَا) إِن لم يظْهر بهَا حمل بل (وَإِن حمل ظهر) لما بالغت من فضيحة نَفسهَا ولشبهة دَعْوَاهَا عَلَيْهِ (وَفِي وجوب الْمهْر) لَهَا عَلَيْهِ (خلف مُعْتَبر) فروى عِيسَى عَن ابْن الْقَاسِم: لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَلَو كَانَ أشر من عبد الله بن الْأَزْرَق فِي زَمَانه، وَلَكِن بعد يَمِينه لِأَنَّهُ إِذا كَانَ يحلف مَجْهُول الْحَال لرد دَعْوَاهَا فأحرى هَذَا. وروى أَشهب عَن مَالك: لَهَا مهر مثلهَا إِن كَانَت حرَّة أَو مَا نَقصهَا إِن كَانَت أمة، وَبِه صدر فِي الْمُقدمَات وَنَحْوه فِي الْوَاضِحَة عَن مطرف وَغَيره، وَهُوَ الَّذِي يجب الْعَمَل بِهِ لموافقته لما مر فِي الْغَصْب عِنْد قَول النَّاظِم: وَالْقَوْل للْغَاصِب فِي دَعْوَى التّلف الخ. لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْمَعْمُول بِهِ فِي الْأَمْوَال أَن الْمَغْصُوب مِنْهُ مُصدق فأحرى فِي الْفروج وَلِأَنَّهُ رَاجع لِلْمَالِ، وَمن حمل النَّاس على خلاف الْمَعْمُول بِهِ الَّذِي قدمْنَاهُ فَإِنَّهُ يُرِيد زِيَادَة الْفساد وتضييع حُقُوق الْعباد. وَثَالِثهَا لِابْنِ الْمَاجشون لَهَا الصَدَاق إِن كَانَت حرَّة وَلَا شَيْء لَهَا إِن كَانَت أمة. وَحَيْثُ قِيلَ إنّهَا تَسْتَوْجِبُهْ فَبَعْدَ حَلْفٍ فِي الأَصَحِّ تَطْلُبُهْ (وَحَيْثُ قيل إِنَّهَا تستوجبه) أَي الصَدَاق (فَبعد حلف فِي الْأَصَح) عِنْد ابْن رشد وَهُوَ قَول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 ابْن الْقَاسِم (تطلبه) وَمُقَابِله لأَشْهَب عَن مَالك أَنَّهَا تَأْخُذهُ بِغَيْر يَمِين، وَرُبمَا يفهم من هَذَا أَن لِابْنِ الْقَاسِم قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا لَا شَيْء عَلَيْهِ وَهِي رِوَايَة عِيسَى عَنهُ، وَالثَّانِي يُوَافق عَلَيْهِ مَالِكًا وَلَكِن يَقُول تَأْخُذهُ بِيَمِين. وَإنْ يَكُن مَجْهُولُ حالٍ فَيجِبْ تَحْلِيفُهُ وَمَعْ نُكُولٍ يَنْقَلِبْ (وَإِن يكن مَجْهُول حَال فَيجب تَحْلِيفه وَمَعَ نُكُول يَنْقَلِب) . وَتقدم أَن حَقه أَن يذكر هَذَا الْبَيْت عقب قَوْله: فالخلف تخريجاً بدا هُنَالك. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: حَال تشبث الخ. وَهِي الْحَالة الثَّانِيَة بِالنِّسْبَةِ للمشتهر بِالْفِسْقِ فَقَالَ: وحالةٌ بَعْدَ زَمَانِ الفِعْلِ فالحَدُّ سَاقِطٌ سِوَى مَعْ حَمْلِ (وَحَالَة) تَدعِي فِيهَا على المشتهر بِالْفِسْقِ (بعد زمَان الْفِعْل فالحد سَاقِط) عَنْهَا للقذف وَكَذَا للزِّنَا (سوى مَعَ حمل) يظْهر بهَا فتحد حِينَئِذٍ. وَلَا صَدَاقَ ثمَّ إنْ لَمْ يَنْكَشِفْ مِنْ أَمْرِهِ بالسِّجْنِ شَيْءٌ فالحَلِفْ (وَلَا صدَاق) لَهَا فِي هَذِه الْحَالة، وَإِنَّمَا ينظر الإِمَام فِي أمره فيسجنه ويتجسس على حَاله وَيفْعل فِيهِ مَا ينْكَشف بِهِ أمره (ثمَّ إِن) فعل بِهِ مَا ذكر و (لم ينْكَشف من أمره ب) طول (السجْن شَيْء فالحلف) أَنه مَا اغتصبها وَاجِب عَليّ. وَإنْ أَبَى مِنَ اليَمينِ حَلَفَتْ وَلِصَدَاقِ الْمِثْلِ مِنْهُ اسْتَوْجَبَتْ (وَإِن أَبى من الْيَمين) أَي امْتنع مِنْهَا (حَلَفت) هِيَ (ولصداق الْمثل مِنْهُ اسْتَوْجَبت) قَالَه ابْن رشد وَحَاصِله أَنه لَا صدَاق لَهَا فِي مُجَرّد الدَّعْوَى على الصَّالح ومجهول الْحَال مُطلقًا وَكَذَا فِي الْفَاسِد إِن حلف مَعَ عدم تعلقهَا بِهِ فَإِن تعلّقت فالمعمول بِهِ أَن لَهَا الصَدَاق، وَأما الْحَد فَهُوَ مُنْتَفٍ على الرجل مُطلقًا، وَأما هِيَ فتحد مَعَ عدم التَّعَلُّق فِي الصَّالح ومجهول الْحَال للقذف وَالزِّنَا إِن ظهر بهَا حمل أَو لم يظْهر فِي القَوْل الْأَظْهر (خَ) : وَإِن ادَّعَت استكراها على غير لَائِق بِلَا تعلق حدث الخ. وَإِن تعلّقت فَلَا حد للزِّنَا وَإِن ظهر بهَا حمل وحدت للقذف فِي الصَّالح على قَول ابْن الْقَاسِم لَا على قَول غَيره، وَمحل الْخلاف إِن كَانَت صينة وَإِلَّا حدت اتِّفَاقًا وَلَا تحد للقذف اتِّفَاقًا مَعَ الصون فِي الْمَجْهُول الْحَال وَمَعَ عَدمه قَولَانِ. وَلَا تحد فِي الدَّعْوَى على الْفَاسِق مُطلقًا مَعَ التَّعَلُّق؛ وَكَذَا مَعَ عَدمه إِن لم يظْهر بهَا حمل وَالله أعلم. وَانْظُر أَوَاخِر فصل الصَدَاق من ابْن عَرَفَة فَإِنَّهُ أَطَالَ فِي الْمَسْأَلَة وَفِيه زِيَادَة على مَا فِي النّظم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 (فصل فِي دَعْوَى السّرقَة) وَهِي كَمَا فِي الشَّامِل أَخذ مَال أَو غَيره من حرز خُفْيَة لم يؤتمن فَقَوله أَو غَيره يُرِيد بِهِ الطِّفْل الصَّغِير الْحر الَّذِي لَا يعقل فَإِن آخذه يعد سَارِقا وَيقطع بِهِ وَلَيْسَ بِمَال، وَاحْترز بقوله: من حرز مِمَّا لَو أَخذه من غير حرز فَلَا يعد سَارِقا، والحرز هُوَ مَا لَا يعد الْوَاضِع فِيهِ مضيعاً فَلَا قطع فِي الْمَتْرُوك فِي السُّوق وَنَحْوه من الْأَمَاكِن الَّتِي لَا تعد صونا لِلْمَالِ عرفا لِأَنَّهُ فِي غير حرز وَبِقَوْلِهِ خُفْيَة، مِمَّا لَو أَخذه جهاراً فَإِنَّهُ لَا يُسمى سَارِقا بل مختطفاً أَو مُحَاربًا أَو غَاصبا وَبِقَوْلِهِ: لم يؤتمن عَلَيْهِ مِمَّا لَو أَخذ مَا فِي أَمَانَته فَإِن هَذَا خائن لَا سَارِق، وَلَا بُد أَن يكون المَال الْمَأْخُوذ نِصَابا لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ، وَيكون أَخذه بِقصد وَاحِد فَلَا قطع على من أَخذ أقل من نِصَاب، وَلَا على من لَهُ شُبْهَة فِيهِ كَالْأَبِ يَأْخُذ مَال وَلَده وَالْعَبْد يَأْخُذ مَال سَيّده والمضطر فِي المجاعة يَأْخُذ مَا يسد جوعته، وَلَا على من أَخذ نِصَابا فِي مَرَّات مَعَ تعدد قَصده، وَلَا بُد أَن يكون الْآخِذ مُكَلّفا، وَلذَا حَدهَا ابْن عَرَفَة بقوله: أَخذ مُكَلّف حرا لَا يعقل لصغره أَو مَالا مُحْتَرما لغيره نِصَابا أخرجه من حرزه بِقصد وَاحِد خُفْيَة لَا شُبْهَة فِيهِ قَالَ: فَيخرج أَخذ غير الْأَسير مَال حَرْبِيّ وَمَا اجْتمع بِتَعَدُّد إِخْرَاج وَقصد وَالْأَب مَال وَلَده والمضطر فِي المجاعة اه. فاحترز بالمكلف من الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ فَإِن مَا عَلَيْهِمَا ضَمَان المَال إِن تلف لَا الْقطع، وَبِقَوْلِهِ مُحْتَرما من أَخذ الْأَسير مَال حَرْبِيّ أَو سَرقَة خمر لمُسلم، لَكِن يرد عَلَيْهِ أَخذ غير الْأَسير مَال حَرْبِيّ فَإِنَّهُ لَا قطع فِيهِ، وَإِن أَمن عَلَيْهِ فَلَو حذف غير لَكَانَ أحسن، وَكَذَا يرد عَلَيْهِ خمر الذِّمِّيّ فَإِنَّهُ لَا قطع فِيهِ مَعَ أَنه مُحْتَرم بِالنِّسْبَةِ للذِّمِّيّ، وَلذَا كَانَ يجب عَلَيْهِ غرم قيمتهَا إِن تلف، وَكَذَا يرد عَلَيْهِ أَخذ مَا فِي أَمَانَته لِأَنَّهُ مُحْتَرم أَيْضا، لَكِن هَذَا رُبمَا يُقَال أخرجه بقوله من حرزه إِذْ الْأمين لَيْسَ الْمَكَان حرْزا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ مَأْذُون لَهُ فِي الدُّخُول إِلَيْهِ، وَبِقَوْلِهِ نِصَابا مِمَّا لَو سرق أقل من ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو من ربع دِينَار أَو من مقوم بهما، لَكِن يرد عَلَيْهِ من سرق ثوبا خلقا فَوجدَ فِيهِ ثَلَاثَة دَرَاهِم فَإِنَّهُ يقطع مَعَ كَونه إِنَّمَا قصد الثَّوْب الَّذِي لَا يُسَاوِي ثَلَاثَة دَرَاهِم، فَإِن أَرَادَ مَا وجد فِيهِ النّصاب فَيرد عَلَيْهِ مَا إِذا سرق خَشَبَة فَوجدَ فِيهَا ثَلَاثَة دَرَاهِم فَإِنَّهُ لَا يقطع وَيُمكن الْجَواب بِأَن المُرَاد نِصَاب مَوْجُود مَقْصُود فَيخرج بموجود الثَّوْب الْمَذْكُور وبمقصود الْخَشَبَة الْمَذْكُورَة، وَبِقَوْلِهِ بِقصد وَاحِد مِمَّا لَو أخرج النّصاب فِي مَرَّات لَا بِقصد وَاحِد، بل كَانَت نِيَّته الِاقْتِصَار على مَا أخرجه أَولا ثمَّ بدا لَهُ فَرجع وَأخرج مَا كمل بِهِ النّصاب فَإِنَّهُ لَا قطع عَلَيْهِ وَهُوَ مُصدق فِي ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يعلم إِلَّا من قَوْله: فَإِن أخرج أَولا بعضه بنية أَن يرجع لما فِيهِ تَمام النّصاب فَأكْثر فَإِنَّهُ يقطع لِأَنَّهُ صدق عَلَيْهِ أَنه أخرجه بِقصد وَاحِد وَيدخل فِي كَلَامه من سرق نِصَابا، ثمَّ سَرقه آخر من السَّارِق فَإِنَّهُمَا يقْطَعَانِ مَعًا لِأَن المَال مُحْتَرم بِالنِّسْبَةِ للثَّانِي لِأَنَّهُ فِي ضَمَان الأول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 فَائِدَة: قَالَ عِيَاض: أَخذ المَال بِغَيْر حق على ضروب عشرَة: حرابة وغيلة وغصب وقهر وخيانة وسرقة واختلاس وخديعة وتعد وَجحد، وَاسم الْغَصْب يُطلق على الْجَمِيع فِي اللُّغَة كالحرابة كل مَا أَخذ مُكَابَرَة ومدافعة، والغيلة مَا أَخذ بعد قتل صَاحبه بحيلة ليَأْخُذ مَاله، وَحكمه حكم الْحِرَابَة. وَالْغَصْب مَا أَخذه ذُو الْقُدْرَة وَالسُّلْطَان والقهر نَحْو مِنْهُ إِلَّا أَن يكون من ذِي الْقُوَّة فِي جِسْمه للضعيف وَمن الْجَمَاعَة للْوَاحِد، والخيانة كل مَا كَانَ لآخذه قبله أَمَانَة أَو يَد، وَالسَّرِقَة مَا أَخذ على وَجه الاختفاء، والاختلاس كل مَا أَخذ بِحَضْرَة صَاحبه على غَفلَة وفر آخذه بِسُرْعَة، والخديعة مَا أَخذه بحيلة كالتشبه بِصَاحِب الْحق، وَصَاحب الْوَدِيعَة أَو المتزيي بزِي الصّلاح ليَأْخُذ المَال بذلك، والجحد إِنْكَار مَا تقرر بِذِمَّة الجاحد وأمانته وَهُوَ نوع من الْخِيَانَة، والتعدي مَا أَخذ بِغَيْر إِذن بِحَضْرَتِهِ أَو مغيبه اه. وَمُدَّعٍ على امْرِىءٍ أَنْ سَرَقَهْ وَلَمْ تَكُنْ دَعْوَاهُ بالمُحَقَّقَهْ (ومدع على امرىء إِن سَرقه وَلم تكن دَعْوَاهُ بالمحققة) . أَي الْبَيِّنَة الَّتِي تحقق دَعْوَاهُ فَيشْمَل مَا إِذا قَالَ: اتهمته لِأَن دَعْوَى الاتهام لَا بَيِّنَة فِيهَا، وَمَا إِذا حقق عَلَيْهِ الدَّعْوَى وَلم تقم لَهُ بَيِّنَة فَالْحكم فِي الصُّورَتَيْنِ وَاحِد كَمَا قَالَ: فإنْ يَكُن مُدَّعِياً ذَاكَ عَلَى مَنْ حَالُهُ فِي النَّاسِ حالُ الفُضَلاَ (فَإِن يكن مُدعيًا ذَاك على من حَاله فِي النَّاس حَال الفضلا فَلَيْس مِنْ كَشْفٍ لِحَالِهِ وَلا يَبْلُغُ بالدَّعْوَى عَلَيْهِ أمَلاَ فَلَيْسَ) على الْمُدعى عَلَيْهِ يَمِين وَلَا (من) زَائِدَة (كشف لحاله) بالسجن وَنَحْوه (وَلَا يبلغ بِالدَّعْوَى عَلَيْهِ أملا) بل يلْزم الْمُدَّعِي الْأَدَب كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْغَصْب: وأدب مُمَيّز كمدعيه على صَالح الخ. وَانْظُر مَا تقدم فِي بَاب الْيَمين عِنْد قَوْله: وتهمة إِن قويت الخ. وَإنْ يَكن مُطَالِباً مَنْ يُتَّهَمْ فمالِكٌ بالضَّرْبِ وَالسِّجْن حَكَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 (وَإِن يكن مطالباً) بِفَتْح اللَّام خبر يكن وَاسْمهَا (من يتهم) وَيجوز كسرهَا على أَنه خبر يكن أَيْضا وَاسْمهَا ضمير يعود على رب الْمَتَاع وَمن يتهم مفعول بالْخبر الْمَذْكُور (فَمَا لَك بِالضَّرْبِ والسجن حكم) كَمَا مرّ عَن الْقَرَافِيّ وَغَيره عِنْد قَوْله: وَالْقَوْل للْغَاصِب فِي دَعْوَى التّلف وَظَاهره أَنه أطلق الْمُتَّهم على مَا يَشْمَل مَجْهُول الْحَال لِأَنَّهُ جعله قسما للمعروف بِالْفَضْلِ وَنَحْوه فِي التَّبْصِرَة قَائِلا مَجْهُول الْحَال عِنْد الْحَاكِم الَّذِي لَا يعرف ببر وَلَا فجور إِذا ادعِي عَلَيْهِ بتهمة فَإِنَّهُ يحبس حَتَّى يكْشف حَاله. هَذَا حكمه عِنْد عَامَّة عُلَمَاء الْإِسْلَام وَالْمَنْصُوص عِنْد أَكثر الْأَئِمَّة أَنه يحْبسهُ القَاضِي أَو الْوَالِي وَهُوَ مَنْصُوص لمَالِك وَأَصْحَابه اه. وَقَالَ قبل ذَلِك: إِن الْمُتَّهم بِالْفُجُورِ كالسرقة وَقطع الطَّرِيق وَالْقَتْل وَالزِّنَا لَا بُد أَن يكْشف ويستقصي بِقدر تهمته بذلك وشهرته بِهِ، وَرُبمَا كَانَ بِالضَّرْبِ قَالَ: وَلَيْسَ تَحْلِيفه وإرساله مذهبا لأحد من الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَلَا غَيرهم، وَلَو حلفنا كل وَاحِد مِنْهُم وأطلقناه مَعَ الْعلم باشتهاره بِالْفَسَادِ فِي الأَرْض وَكَثْرَة سرقاته وَقُلْنَا: لَا نَأْخُذهُ إِلَّا بشاهدي عدل كَانَ ذَلِك مُخَالفا للسياسة الشَّرْعِيَّة، وَمن ظن أَن الشَّرْع تَحْلِيفه وإرساله فقد غلط غَلطا فَاحِشا مُخَالفا لنصوص رَسُول الله صلوَات الله عَلَيْهِ ولإجماع الْأَئِمَّة قَالَ: وَقد تقدم أول الْبَاب من أَفعَال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يدل على عُقُوبَة الْمُتَّهم وحبسه. وَاعْلَم أَن هَذَا النَّوْع من المتهمين يجوز ضربه وحبسه لما قَامَ على ذَلِك من الدَّلِيل الشَّرْعِيّ قَالَ: وَفِي أَحْكَام ابْن سهل إِذا وجد عِنْد الْمُتَّهم بعض الْمَتَاع الْمَسْرُوق وَادّعى أَنه اشْتَرَاهُ وَلَا بَيِّنَة لَهُ لم يُؤْخَذ مِنْهُ غير مَا بِيَدِهِ، فَإِن كَانَ مَجْهُول الْحَال فعلى السُّلْطَان حَبسه والكشف عَنهُ، وَإِن كَانَ مَعْرُوفا بِالسَّرقَةِ حبس حَتَّى يَمُوت فِي السجْن اه. وَنَحْوه لِابْنِ يُونُس عَن مطرف وَابْن الْمَاجشون وَأصبغ، وَتقدم مثله عَن مَالك عِنْد قَوْله: وَالْقَوْل للْغَاصِب، وَقَوله: لم يُؤْخَذ مِنْهُ غير مَا بِيَدِهِ الخ. هَذَا إِنَّمَا يتمشى على الْمَشْهُور لَا على مَا مر فِي الْغَصْب من أَن الْعَمَل مُؤَاخذَة الْمُتَّهم بالغرامة بِمُجَرَّد الدَّعْوَى فضلا عَن كَون بعض الْمَسْرُوق قد وجد بِيَدِهِ، وَأَن القَوْل للمسروق مِنْهُ فِي قدره، وَقَوله: حَتَّى يَمُوت الخ. بِمثلِهِ كتب عمر بن عبد الْعَزِيز قَائِلا: يسجن حَتَّى يَمُوت. قَالَ فِي التَّبْصِرَة: يَعْنِي إِذا لم يقرَّ بِهِ. وَحَكَمُوا بِصِحَّةِ الإقْرَارِ مِن ذَاعِرٍ يُحْبَسُ لاخْتِبَارِ (وحكموا بِصِحَّة الْإِقْرَار) بِالنِّسْبَةِ لغرم المَال لَا للْقطع فَلَا يقطع (من ذاعر) بالذل الْمُعْجَمَة يَعْنِي مفزع ومخيف أَو بِالْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الزَّانِي الْفَاسِق السَّارِق (يحبس) أَو يضْرب (لاختبار) فالمجهول إِذا أقرّ فِي السجْن عمل بِإِقْرَارِهِ وَغرم المَال، وَالْمُتَّهَم الْمَعْرُوف بالعداء إِذا أقرّ وَلَو تَحت الْعَصَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 كَذَلِك لِأَنَّهُ لما جَازَ ضربه وسجنه شرعا كَمَا مر جَازَ إِقْرَاره إِذْ لَا فَائِدَة لَهُ إِلَّا ذَاك وَالْإِكْرَاه الشَّرْعِيّ طوع وَلذَا قَالَ سَحْنُون: وَذَلِكَ خَارج عَن الْإِكْرَاه وَلَا يعرف هَذَا الْأَمر إِلَّا من ابْتُلِيَ بِهِ يَعْنِي من الْقُضَاة وَمن شابههم. قَالَ فِي التَّبْصِرَة: كَأَنَّهُ يَقُول إِن ذَلِك الْإِكْرَاه كَانَ بِوَجْه جَائِز شرعا، وَإِذا كَانَ من الْحق عُقُوبَته وسجنه لما عرف من حَاله كَانَ من الْحق أَن يؤاخذه باعترافه اه. وَقَالَ ابْن رحال: إِن حبس القَاضِي الْمُتَّهم الَّذِي يجب حَبسه أَو تخويفه أَو ضربه فَأقر فَإِنَّهُ يُؤَاخذ بِإِقْرَارِهِ على قَول سَحْنُون، فَيَنْبَغِي أَن يعْمل بِهَذَا بِالنِّسْبَةِ لغرم المَال اه. وَفِي الْمُتَيْطِيَّة: وَيضْرب السَّارِق حَتَّى يخرج الْأَعْيَان الَّتِي سَرَقهَا يَعْنِي إِن كَانَت قَائِمَة بَاقِيَة فَإِن كَانَت مِمَّا لَا يعرف بِعَيْنِه أَو مِمَّا يعرف بِعَيْنِه، وَلَكِن فَوتهَا فيكفيه إِقْرَاره بهَا ويؤاخذ بِهِ كَمَا مرّ، وَالْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة كثير وَلَكِن الْمعول عَلَيْهِ مَا قدمْنَاهُ فِي الْغَصْب، وَمَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم هَهُنَا. وَقد تقدم من كَلَام التَّبْصِرَة وَغَيرهَا مَا يشْهد لَهُ وَيشْهد لَهُ أَيْضا قَول الْقَرَافِيّ مَا نَصه: اعْلَم أَن التَّوسعَة على الْحُكَّام فِي أَحْكَام السياسة لَيْسَ مُخَالفا للشَّرْع بل تشهد لَهُ الْأَدِلَّة الْمُتَقَدّمَة وَتشهد لَهُ أَيْضا الْقَوَاعِد من وُجُوه. أَحدهَا: أَن الْفساد قد كثر وانتشر بِخِلَاف الْعَصْر الأول، وَمُقْتَضى ذَلِك اخْتِلَاف الْأَحْكَام اه. وَقَالَ أَيْضا: مَوْضُوع ولَايَة الْوَالِي الْمَنْع من الْفساد فِي الأَرْض وقمع أهل الشَّرّ، وَذَلِكَ لَا يتم إِلَّا بالعقوبة للمتهمين المعروفين بالجرائم بِخِلَاف ولَايَة الْقُضَاة، وَقد تقدم عَنهُ أَن هَذَا مِمَّا لَا يتَمَيَّز بِهِ نظر القَاضِي والوالي، وَإِذا كَانَ الْفساد قد كثر فِي زمن الْقَرَافِيّ فَكيف بذلك فِي زَمَاننَا؟ فَلَا يعْتَرض على النَّاظِم بِأَنَّهُ ارْتكب فِي هَذَا خلاف الْمَشْهُور الَّذِي درج عَلَيْهِ (خَ) حَيْثُ قَالَ وَثَبت إِقْرَار إِن طاع وإلاَّ فَلَا. وَلَو عين السّرقَة أَو أخرج الْقَتِيل الخ. لِأَن مُقَابل الْمَشْهُور قد يجْرِي بِهِ الحكم وَالْعَمَل لِكَثْرَة الْفساد، وَقد قَالَ ابْن رحال فِي حَاشِيَته هُنَا: وَلِأَن (خَ) يتبع مَذْهَب الْمُدَوَّنَة وَهِي إِنَّمَا قَالَت ذَلِك فِي وَقت عدم كَثْرَة الْفساد كَمَا قد رَأَيْته عَن الْقَرَافِيّ، وَلما زَاد هَذَا الْفساد وانتشر انتشار أبلغ الْغَايَة قَامَ مقَام التَّحْقِيق، وَلذَلِك جرى الْعَمَل بإغرام الْمُتَّهم بِمُجَرَّد الدَّعْوَى على مَا تقدم فِي فصل الْغَصْب، وَمَا يرْوى عَن مَالك وَغَيره من اخْتِلَاف الْأَقْوَال فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لَعَلَّه إِنَّمَا هُوَ باخْتلَاف النَّوَازِل والبلدان، فَرب بلد غلب على أَهلهَا الْفساد، وَرب بلد لم يغلب، وَرب شخص علم مِنْهُ الْفساد، وَرب شخص وَقع ذَلِك مِنْهُ فلتة فَلم يقل بخلوده فِي السجْن وَالله أعلم. وَيُقْطَعُ السَّارِقُ باعْتِرَافِ أَوْ شَاهِدَيْ عَدْلٍ بِلَا خِلاَفِ (وَيقطع السَّارِق باعتراف) بِالسَّرقَةِ طَائِعا لَا إِن اعْترف فِي السجْن أَو تَحت الْعَصَا فَلَا قطع، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْغرم حَيْثُ كَانَ مُتَّهمًا أَو مَجْهُول الْحَال كَمَا مر قَرِيبا، وَلَا بُد فِي الْقطع من كَونه مُكَلّفا وَكَون الْمَسْرُوق مَالا مُحْتَرما نِصَابا لم يُؤمن عَلَيْهِ لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ مأخوذاً من حرز وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 مِمَّا يَصح بَيْعه كَمَا مر. لَا إِن كَانَ كخمر أَو كلب وَلَو كلب الحراسة لوُجُود الْخلاف فِي بَيْعه أَو أضْحِية بعد ذَبحهَا وَجَبت بِالذبْحِ وَلَا تبَاع على الْمُفلس، بِخِلَاف مَا إِذا سرق لَحمهَا من متصدق عَلَيْهِ أَو طنبور لِأَنَّهُ لَا يُبَاع لِأَن منفعَته غير شَرْعِيَّة إِلَّا أَن يُسَاوِي بعد كَسره نِصَابا وَنَحْو ذَلِك مِمَّا هُوَ مَذْكُور فِي (خَ) (أَو) بِشَهَادَة (شَاهِدي عدل) من إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى صفته كَصَلَاة الأولى وَمَسْجِد الْجَامِع وَعدل فِي الأَصْل مصدر يُوصف بِهِ الْوَاحِد والمثنى وَالْجمع (بِلَا خلاف) . وَظَاهره أَنه لَا يشْتَرط فِي قبُول شَهَادَتهمَا بَيَان نوعها وصفتها وَلَا كَونهَا أخذت فِي ليل أَو نَهَار، وَهُوَ كَذَلِك إِلَّا أَنه يسْتَحبّ للْحَاكِم أَن يسألهم عَن ذَلِك فَإِن قَالُوا: لَا نذْكر الْيَوْم وَلَا الْمَكَان قبلت عِنْد ابْن الْقَاسِم، وَإِن ذكرُوا الْموضع وَالْيَوْم أَو النَّوْع وَاخْتلفُوا فِي شَيْء من ذَلِك فَقَالَ: هَذَا يَوْم الْجُمُعَة، وَقَالَ الآخر: يَوْم الْخَمِيس. أَو قَالَ: هَذَا سَرَقهَا من مَحل كَذَا وَقَالَ الآخر من غَيره، أَو قَالَ نوعها كَذَا وَقَالَ الآخر خِلَافه بطلت فالبطلان إِنَّمَا هُوَ إِذا قَالُوا تذكر الْيَوْم وَنَحْوه وَاخْتلفُوا، وَأما إِن قَالُوا لَا نذْكر ذَلِك فَلَا تبطل كَمَا لِابْنِ رشد، وَهَذَا على أَن سُؤَالهمْ مُسْتَحبّ كَمَا هُوَ ظَاهر قَوْلهَا: يَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يكْشف الشُّهُود بِالزِّنَا وَالسَّرِقَة فحملها (خَ) وَغَيره على الِاسْتِحْبَاب فَقَالَ: وَندب سُؤَالهمْ أَي شُهُود الزِّنَا كالسرقة مَا هِيَ وَكَيف أخذت الخ. وَقَالَ أَبُو الْحسن: إِلَّا أَن يَنْبَغِي فِي كَلَامهَا للْوُجُوب واستظهره (ح) وَابْن رحال. وَهَذَا فِي حد الزِّنَا وَالسَّرِقَة لِأَن الْحُدُود يطْلب درؤها بِالشُّبُهَاتِ لَا فِي غَيرهَا من الْحُقُوق فَإِذا شهد شَاهد بِأَن لفُلَان فِي ذمَّة فلَان مائَة دِينَار مثلا فَلَا يكْشف عَن سكتها هَل هِيَ يزيدية أَو محمدية، وَلَكِن يقْضِي بالأغلب رواجاً فِي الْبَلَد كَمَا مر فِي صدر الْبيُوع، وَأَحْرَى أَن لَا يكْشف عَن الْيَوْم الَّذِي ترتبت فِيهِ فِي ذمَّته لِأَنَّهُ لَو أرخ بالشهر أَو ترك التَّارِيخ أصلا لم تبطل. تَنْبِيه: نقل الْبُرْزُليّ فِي نوازله: أَن سراق الْمغرب الْيَوْم كلهم لصوص تجْرِي عَلَيْهِم أَحْكَام الْحِرَابَة من الْقَتْل أَو الْقطع من خلاف أَو النَّفْي لَا أَحْكَام السّرقَة لأَنهم يجْعَلُونَ أحد السراق عِنْد رَأس صَاحب الْمنزل فِي الْحَاضِرَة أَو الْبَادِيَة مَتى رَآهُ تحرّك ضربه أَو هدده ويجعلون وَاحِدًا يخرج الْحَيَوَان وَالْمَتَاع وَالْبَاقُونَ واقفون بِالسِّلَاحِ يمنعونه مِمَّن يقوم عَلَيْهِ قَالَ: وَالْحكم فيهم أَنهم إِذا أخذُوا بعد أَن قتل أحدهم رب الْمنزل قتلوا جَمِيعًا، وَإِن لم يقتل أحد أجريت عَلَيْهِم أَحْكَام الْمُحَارب، وَإِذا أَخذ أحدهم كَانَ ضَامِنا لجَمِيع مَا أَخَذُوهُ اه. قلت: وَمَا قَالَه صَحِيح وَمَا ذكره من الحكم عَلَيْهِم بِمَا ذكر إِنَّمَا هُوَ إِذا ثَبت عَلَيْهِم ذَلِك وَلَو بِالسَّمَاعِ الفاشي لقَوْل (خَ) فِي الْحِرَابَة: وَلَو شهد اثْنَان أَنه المشتهر بهَا ثبتَتْ وَإِن لم يعايناها، وَأما إِن لم يثبت ذَلِك لَا بِالسَّمَاعِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْغَالِب فِي هَذَا الْوَقْت لعدم وجود من يشْهد على من اكْتسب التَّعْظِيم والاحترام بتلصصه كَمَا مر فِي الْغَصْب، فَإِنَّهُ ينكل ويخلد فِي السجْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 وَلَا أقل من أَن ينفى من الأَرْض مُؤَاخذَة لَهُ بالأيسر ردعاً لَهُ ولأمثاله. وَمَنْ أَقَرَّ وَلشُبْهةٍ رَجَعْ دُرِىءَ عَنْهُ الحَدُّ فِي الَّذي وَقَعْ (وَمن أقرّ) بِسَرِقَة (ولشبهة رَجَعَ) عَن إِقْرَاره كَقَوْلِه: أخذت مَالِي الْمُودع أَو الْمَغْصُوب مني أَو المعار، وظننت أَن ذَلِك سَرقَة أَو قَالَ: أضافني فلَان وأنزلني فِي بَيته فَأخذت مِنْهُ كَذَا فَظَنَنْت أَنه سَرقَة (درىء عَنهُ الْحَد فِي الَّذِي وَقع) مِنْهُ لِأَنَّهُ فِي الثَّلَاثَة الأول إِنَّمَا أَخذ مَتَاعه على زَعمه وَإِن كَانَ لَا يقْضِي لَهُ بذلك بِدُونِ بَيِّنَة، وَأَنه مَاله وَفِي الرَّابِعَة هُوَ خائن على زَعمه لَا سَارِق فَلَا قطع عَلَيْهِ كَمَا مر أول الْفَصْل. وَنَقَلُوا فِي فَقْدِهَا قَوْلَينِ وَالْغُرْمُ وَاجِبٌ عَلَى الحَالَيْنِ (ونقلوا فِي) رُجُوعه عَن إِقْرَاره مَعَ (فقدها) أَي الشُّبْهَة كَأَن يَقُول: كذبت فِي إقراري أَو أنكر الْإِقْرَار من أَصله (قَوْلَيْنِ) فِي قبُول رُجُوعه وَعَدَمه وَالْمَشْهُور الأول (خَ) : وَقبل رُجُوعه بِلَا شُبْهَة وَمحل الْقَوْلَيْنِ إِذا لم يكن عين السّرقَة، وَأما إِن عينهَا ثمَّ أنكر الْإِقْرَار من أَصله فَإِنَّهُ لَا يقبل إِنْكَاره وَيقطع اتِّفَاقًا كَمَا لِابْنِ رشد، وَمثل السَّارِق فِي قبُول رُجُوعه لشُبْهَة ولغيرها الزَّانِي والشارب والمحارب وَقد جمعت فِي قَوْله: وسارق وَالزَّانِي ثمَّ الشَّارِب رجوعهم يقبل كالمحارب وَمثلهمْ من يشْهد عَلَيْهِ بمعاينة زِنَاهُ بالإحصان ثمَّ رَجَعَ عَنهُ، فَإِنَّهُ يقبل رُجُوعه ويجلد مائَة وَلَا يرْجم، وَكَذَا من أقرّ بقتل الغيلة ثمَّ رَجَعَ فَإِنَّهُ يقبل رُجُوعه، وَفَائِدَته أَنه إِذا عَفا عَنهُ الْوَلِيّ لم يقتل لِأَنَّهُ لم يبْق بعد عَفوه إِلَّا قَتله لحق الله وَهُوَ يدْرَأ بِالرُّجُوعِ لشُبْهَة وَغَيرهَا، وَمثله من أقرّ بِالْقَتْلِ عمدا لغير غيلَة فَرجع عَن إِقْرَاره مُنْكرا لَهُ، أَو قَالَ كذبت فِيهِ فَإِنَّهُ يسْقط عَنهُ ضرب مائَة وسجنه سنة، إِذا عَفا عَنهُ الْوَلِيّ وَالضَّابِط كل حد كَانَ حَقًا لله تَعَالَى فَإِنَّهُ يسْقط بِالرُّجُوعِ عَن إِقْرَاره بِمُوجبِه فَإِن لم يرجع قَاتل الْعمد وَعَفا عَنهُ الْوَلِيّ فَلَا بُد لَهُ من ذَلِك كَمَا قَالَ (خَ) وَعَلِيهِ أَي قَاتل الْعمد مُطلقًا كَانَ مُسلما أَو كَافِرًا أَو عبدا جلد مائَة ثمَّ حبس سنة وَإِن بقتل مَجُوسِيّ أَو عَبده الخ. (و) إِذا سقط الْقطع عَن السَّارِق بِرُجُوعِهِ ف (الْغرم) لِلْمَالِ (وَاجِب) عَلَيْهِ (على) كلا (الْحَالين) الشُّبْهَة وَعدمهَا على القَوْل بِأَن رُجُوعه لغير شُبْهَة مُعْتَبر، وَهَذَا إِذا كَانَ حرا. وَأما العَبْد إِذا أقرّ بِالسَّرقَةِ وَرجع وَقد فَاتَ الْمَسْرُوق بذهاب عينه فَإِنَّهُ لَا غرم عَلَيْهِ لِأَن مَا بِيَدِهِ لسَيِّده فَلَا يمْضِي إِقْرَاره عَلَيْهِ كَمَا أَفَادَهُ (خَ) فِي الْإِقْرَار بقوله: كَالْعَبْدِ فِي غير المَال الخ. لَكِن يتبع بِهِ إِذا أعتق يَوْمًا مَا فَإِن لم يرجع عَنْهَا فالقطع وَلَا غرم عَلَيْهِ إِذا أعتق كَمَا يَأْتِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 وَكلُّ مَا سُرِقَ وَهُوَ بَاقِي فإنَّهُ يُرَدُّ باتِّفَاقِ (وكل مَا سرق وَهُوَ بَاقٍ) بِعَيْنِه بيد السَّارِق أَو غَيره (فَإِنَّهُ يرد) لرَبه (بِاتِّفَاق) أَي إِجْمَاعًا وَيرجع الْغَيْر على السَّارِق إِن كَانَ أَخذه مِنْهُ بعوض، وَلَو كَانَ السَّارِق عبدا فَإِنَّهُ يتبعهُ بِهِ إِذا عتق يَوْمًا مَا، وَظَاهره أَنه يرد وَلَو قطع وَهُوَ كَذَلِك، وَمَفْهُوم قَوْله: وَهُوَ بَاقٍ الخ. أَنه إِذا فَاتَ بذهاب عينه فَفِيهِ تَفْصِيل فَإِن كَانَ مُتَّصِل الْيُسْر بالمسروق كُله أَو بعضه من يَوْم سرق إِلَى الْيَوْم إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يقطع وَيغرم كَمَا قَالَ: وَحيْثُما السَّارِقُ بالحُكْمِ قُطِعْ فبالّذي سَرَقَ فِي اليُسْرِ اتُّبِعْ (وحيثما السَّارِق بالحكم قطع) لعدم رُجُوعه عَن إِقْرَاره بهَا أَو لقِيَام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ (فبالذي سرق فِي) حَال (الْيُسْر) المستمر إِلَى وَقت الْقطع (اتبع) وَإِن كَانَ وَقت السّرقَة مُعسرا أَو أعْسر فِي بعض الْمدَّة الَّتِي بَين السّرقَة وَالْقطع لم يلْزمه غرم وَلَو أيسر بعد الْقطع لخَبر إِذا أقيم الْحَد على السَّارِق فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ أَي: لَا يتبع بِهِ فِي عسره وَقت السّرقَة أَو فِيمَا بَين السّرقَة وَالْقطع لِئَلَّا يجْتَمع عَلَيْهِ عقوبتان قطع يَده وَاتِّبَاع ذمَّته، وَمَفْهُوم قطع أَنه إِذا لم يقطع لكَونه سَرقه من غير حرزة أَو لقِيَام شَاهد وَاحِد عَلَيْهِ بهَا أَو لكَون الْمَسْرُوق أقل من نِصَاب أَو لسُقُوط الْعُضْو الَّذِي يجب قطعه بسماوي أَو بِجِنَايَة عَلَيْهِ أَو لرجوعه عَن الْإِقْرَار بهَا، وَنَحْو ذَلِك اتبع بِهِ مُطلقًا مُوسِرًا أَو مُعسرا أَو يحاصص بِهِ ربه غُرَمَاء السَّارِق إِن كَانَ عَلَيْهِ دين وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : وَوَجَب رد المَال إِن لم يقطع مُطلقًا. وَالحَدُّ لَا الْغُرْمُ عَلَى الْعَبْدِ مَتى أَقَرَّ بالسَّرِقَةِ شَرْعاً ثَبَتَا (وَالْحَد) أَي الْقطع (لَازم على العَبْد) لَا الْغرم فَلَا يلْزمه وَلَو كَانَ ذَا شَائِبَة (مَتى أقرّ بِالسَّرقَةِ) بِسُكُون الرَّاء للوزن أَي وَلم يرجع عَنهُ (شرعا ثبتاً) خبر ثَان أَي: وَالْحَد لَازم ثَابت شرعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 على العَبْد الخ. وَمَفْهُوم أقرّ أَنه إِذا لم يقر بل شهد عَلَيْهِ شَاهد وَاحِد أَو أقرّ بهَا سَيّده دونه فَإِن العَبْد حِينَئِذٍ فِي جِنَايَته فَيُخَير سَيّده فِي إِسْلَامه أَو فدائه، لَكِن بعد يَمِين الْمَسْرُوق فِي الأولى، وَأما إِن ثَبت عَلَيْهِ بِشَاهِدين فالقطع وَلَا غرم، واحترزت بِقَوْلِي وَلم يرجع مِمَّا إِذا رَجَعَ فَإِنَّهُ لَا قطع وَيتبع بهَا إِذا عتق كَمَا مر قَرِيبا، وَإِنَّمَا كَانَ العَبْد فِي جِنَايَته إِذا أقرّ بهَا سَيّده دونه لِأَن العَبْد إِذا ادعِي عَلَيْهِ بِمَا يُوجب الْقصاص أَو الْقطع أَو الْأَدَب فَإِنَّهُ الَّذِي يُجيب عَن ذَلِك لِأَنَّهُ الَّذِي يُؤَاخذ بِهِ فِي بدنه لَو أقرّ بِهِ، وَأما إِذا ادعِي عَلَيْهِ بِإِتْلَاف زرع أَو دَابَّة عمدا أَو خطأ أَو قتل شخص أَو قطعه خطأ أَو سَرقَة شَيْء فَأنْكر، فَإِن الَّذِي يُجيب عَن ذَلِك هُوَ السَّيِّد، فَإِذا أقرّ لزمَه أَن يُسلمهُ أَو يفْدِيه (خَ) فِي آخر الشَّهَادَات وليجب عَن الْقصاص العَبْد وَعَن الْأَرْش السَّيِّد الخ. (فصل فِي أَحْكَام الدِّمَاء) وَهُوَ بَاب مُهِمّ بِلَا شكّ لِأَن حفظ النُّفُوس إِحْدَى الْخمس الَّتِي اجْتمعت الْملَل على وجوب حفظهَا فقد نقل الأصوليون إِجْمَاع الْملَل على حفظ الْأَدْيَان والنفوس والعقول والأعراض وَالْأَمْوَال، وَقد ذكر بَعضهم الْأَنْسَاب بدل الْأَمْوَال. وَفِي الحَدِيث الْكَرِيم: (لقتل الْمُؤمن أعظم عِنْد الله من زَوَال الدُّنْيَا كلهَا) وَفِيه أَيْضا: (من أعَان على قتل أمرىء مُسلم وَلَو بِشَطْر كلمة جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة بَين عَيْنَيْهِ مَكْتُوب آيس من رَحْمَة الله تَعَالَى) اه. وَنَقله ابْن الْحَاج وَغَيره قَالَ: وَورد عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه قَالَ: (كل ذَنْب عَسى الله أَن يغفره إِلَّا من مَاتَ مُشْركًا أَو من قتل مُؤمنا مُتَعَمدا) وَقد أخبر تَعَالَى أَن قتل النَّفس بِغَيْر حق كَقَتل جَمِيع النَّاس فِي عظم الْإِثْم فَقَالَ: من قتل نفسا بِغَيْر نفس أَو فَسَاد فِي الأَرْض فَكَأَنَّمَا قتل النَّاس جَمِيعًا} (الْمَائِدَة: 32) قَالَ مُجَاهِد: جعل الله جَزَاء من قتل نفسا بِغَيْر حق جَهَنَّم وَغَضب عَلَيْهِ ولعنه وَأعد لَهُ عذَابا عَظِيما، فَلَو قتل جَمِيع الْخلق لم يزدْ من الْعَذَاب على ذَلِك، وَمَا سَمَّاهُ الله عَظِيما لَا يعلم قدره إِلَّا هُوَ عز وَجل اه. وَاخْتلف فِي قبُول تَوْبَته على قَوْلَيْنِ مأخوذين من قَول مَالك لِأَنَّهُ مرّة قَالَ: لَا تجوز إِمَامَته وَإِن تَابَ، وَيُؤَيِّدهُ أَن من شَرط قبُول التَّوْبَة رد التباعات ورد الْحَيَاة على الْمَقْتُول مُتَعَذر إِلَّا أَن يحلله الْمَقْتُول قبل مَوته، وَمرَّة قَالَ: هُوَ فِي الْمَشِيئَة يكثر من الْعَمَل الصَّالح وَالصَّدَََقَة وَالْجهَاد وَالْحج فَيُؤْخَذ مِنْهُ قبُول تَوْبَته. ابْن رشد: من قَالَ إِن الْقَاتِل مخلد فِي النَّار أبدا فَقَط أَخطَأ، وَخَالف أهل السّنة لِأَن الْقَتْل لَا يحبط مَا تقدم من إيمَانه وَلَا مَا اكْتسب من صَالح أَعماله اه. وَحكى ابْن عَطِيَّة الْإِجْمَاع منا وَمن الْمُعْتَزلَة على أَن الْقصاص كَفَّارَة للْقَتْل لحَدِيث (من عُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ) قَالَ: وَالْجُمْهُور على قبُول تَوْبَته اه. وَمَا حَكَاهُ من الْإِجْمَاع طَريقَة لَهُ، بل حكى ابْن رشد فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ متساويين قيل كَفَّارَة، وَقيل لَيْسَ بكفارة لِأَن الْمَقْتُول لَا مَنْفَعَة لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 فِي الْقصاص، وَإِنَّمَا منفعَته عَائِدَة على الْأَحْيَاء ليتناهى النَّاس عَن الْقَتْل. قَالَ تَعَالَى: وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} (الْبَقَرَة: 179) أَي لكم فِي مَشْرُوعِيَّة الْقصاص حَيَاة لِأَن الشَّخْص إِذا علم أَنه يقْتَصّ مِنْهُ انكف عَن الْقَتْل وَهُوَ ضَرْبَان قتل خطأ وَسَيَأْتِي، وَقتل عمد وَلَا وَاسِطَة بَينهمَا على الْمَشْهُور إِلَّا مَا ثَبت من شبه الْعمد عِنْد مَالك فِي رمي الْأَب وَلَده بحديدة على مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وغلظت فثلثت فِي الْإِبِل الخ خلافًا لمن أثبت شبه الْعمد فِي غير الْأَب وَإِلَى الْعمد الْمَحْض أَشَارَ النَّاظِم بقوله: وَالْقَتْلُ عَمْداً للقصَاصِ مُوجِبُ بعد ثُبُوتِهِ بِمَا يَسْتَوْجِبُ (وَالْقَتْل) بِفعل حَال كَونه (عمدا) عُدْوانًا (للْقصَاص مُوجب بعد ثُبُوته) أَي الْعمد (بِمَا يسْتَوْجب) بِكَسْر الْجِيم وَفتح الْيَاء مَبْنِيا للْفَاعِل وَالسِّين وَالتَّاء زائدتان أَي الْقَتْل عمدا مُوجب للْقصَاص بعد ثُبُوته بِمَا يجب ثُبُوته بِهِ، وَالَّذِي يثبت بِهِ أحد أَشْيَاء ثَلَاثَة بَينهَا بقوله: مِن اعْتِرَافِ ذِي بُلُوغٍ عَاقِلِ أَوْ شَاهِدَيْ عَدْلٍ بِقَتْلِ القَاتِلِ (من اعْتِرَاف) شخص (ذِي بُلُوغ عَاقل) طائع أَنه قتل فلَانا عمدا عُدْوانًا لَا باعتراف صبي أَو مَجْنُون أَو مكره، فَإِن أقرّ أَنه قَتله خطأ وَقَالَ الْأَوْلِيَاء: بل عمدا عُدْوانًا فَالظَّاهِر أَن القَوْل للأولياء كَمَا يَأْتِي فِيمَن قَامَت بَيِّنَة بضربه فَقَالَ: لم أقصد ضربه، وَقَالَ الْأَوْلِيَاء: بل قصدته فَإِن القَوْل لَهُم. (أَو شَاهِدي عدل) شَهدا (ب) معاينتهما ل (قتل) هَذَا (الْقَاتِل) الْعَاقِل الْبَالِغ لهَذَا الْمَقْتُول أَو شَهدا بمعاينتهما لضربه وَإِن بقضيب أَو لطمة أَو وكزة أَو حجر أَو عَصا فَمَاتَ عَاجلا أَو مغموراً لم يتَكَلَّم، فَإِن تكلم يَوْمًا أَو أَيَّامًا فالقصاص بقسامة أكل أَو لم يَأْكُل مَا لم ينفذ مَقْتَله فَلَا قسَامَة وَلَو أكل أَو شرب وعاش أَيَّامًا كَمَا فِي ابْن الْحَاجِب وَلَا يصدق أَنه لم يقْصد ضربه وَلَا أَنه ضربه على وَجه اللّعب قَالَ فِي الشَّامِل: وَلَا يصدق فِي إِرَادَة اللّعب وَلَا أَنه لم يرد قَتله. وَاعْلَم أَن أَرْكَان الْقصاص ثَلَاثَة. أَولهَا: الْقَتْل أَي الْفِعْل عمدا وَهُوَ معنى مَا فِي الْبَيْت الأول، وَقَوْلِي بِفعل شَامِل للضرب والتخنيق والتثقيل وَمنع الطَّعَام وَطرح غير محسن العوم فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 نهر وَوضع مزلق بطرِيق، واتخاذ كلب عقور وَنَحْو ذَلِك. وَإِلَى هَذَا الرُّكْن أَشَارَ (خَ) بقوله: إِن قصد أَي تعمد ضرب الْغَضَب أَو عَدَاوَة وَإِن بقضيب لخنق وَمنع طَعَام أَو مثقل وَلَا قسَامَة إِن أنفذ مَقْتَله أَو مَاتَ مغموراً، ثمَّ قَالَ: وَإِن تصادما أَو تجاذبا مُطلقًا قصدا فماتا أَو أَحدهمَا فالقود وحملا عَلَيْهِ الخ. أَي: على الْقَصْد وَهُوَ يُوضح لَك أَن من وجد مِنْهُ الضَّرْب وَإِن بقضيب مَحْمُول على قَصده فَلَا يقبل مِنْهُ أَنه لم يَقْصِدهُ أَو أَنه قَصده على وَجه اللّعب. قَالَ ابْن فَرِحُونَ: وَيجوز للشُّهُود أَن يشْهدُوا بِأَنَّهُ قَتله عمدا عُدْوانًا، والعمدية صفة قَائِمَة بِالْقَلْبِ فَجَاز للشَّاهِد أَن يشْهد بهَا اكتفاه بِالْقَرِينَةِ الظَّاهِرَة الخ. يَعْنِي لما رَأَوْهُ من ضربه على وَجه الْغَضَب، وَظَاهر قَوْله عمدا أَنه يقتل بِهِ وَلَو تبين خلاف الذَّات الَّتِي قصد قَتلهَا كَمَا لَو ضربه على أَنه عَمْرو فَتبين أَنه زيدا وعَلى أَنه عَمْرو بن فلَان فَتبين أَنه عَمْرو بن فلَان آخر، وَهُوَ كَذَلِك إِذْ كِلَاهُمَا مَعْصُوم وَلَا علينا فِي اعْتِقَاده، وَكَذَا لَو قصد ضرب رَأسه أَو رجله فَأصَاب عينه ففقأها فَإِنَّهُ يقْتَصّ مِنْهُ خلافًا لما فِي الرجراجي، وَأما لَو قصد ضرب هَذِه الذَّات عُدْوانًا فَأصَاب ذاتاً أُخْرَى فَلَا قَود وَهُوَ خطأ خلافًا لما فِي (ح) وَالْفرق أَنه فِي الأول قصد هَذِه الذَّات فَقَتلهَا فَتبين أَن الْمَقْصُود غَيرهَا وَهَذِه قصد ضرب هَذِه الذَّات فعدلت الرَّمية عَنْهَا إِلَى غَيرهَا. واحترزت بِقَوْلِي عُدْوانًا عَمَّا إِذا قصد ضرب شَيْء مُعْتَقدًا أَنه غير آدَمِيّ أَو أَنه آدَمِيّ غير مُحْتَرم لكَونه حَرْبِيّا أَو زَانيا مُحصنا، فَتبين أَنه آدَمِيّ مُحْتَرم فَلَا قصاص أَيْضا وَلَو تكافئا، وَإِنَّمَا فِيهِ الدِّيَة وَيصدق بِيَمِينِهِ أَنه ظَنّه حَرْبِيّا لِأَن هَذَا وَإِن كَانَ عمدا لكَونه لَيْسَ بعدوان فَإِنَّهُ مُلْحق بالْخَطَأ، وَمِمَّا إِذا كَانَ الضَّرْب على وَجه اللّعب وَقَامَت قرينَة عَلَيْهِ وإلاَّ فَلَا يصدق فِي إِرَادَته كَمَا مر، وَمِمَّا إِذا كَانَ الضَّرْب على وَجه الْأَدَب مِمَّن يجوز لَهُ كَالْأَبِ وَنَحْوه فَمَاتَ أَو كسر رجله أَو فَقَأَ عينه فَالدِّيَة على الْعَاقِلَة إِن بلغت الثُّلُث وإلاَّ فَعَلَيهِ فَقَط. وَيصدق الْأَب والمعلم وَالزَّوْج فِي إِرَادَة الْأَدَب دون الْقَتْل إِن كَانَ بِآلَة يُؤَدب بِمِثْلِهَا لَا إِن ضربه الْمعلم باللوح وَنَحْوه فَإِنَّهُ يقْتَصّ مِنْهُ، وَكَذَا إِن ذبح الْأَب وَلَده أَو شقّ بَطْنه لَا إِن رَمَاه بِالسَّيْفِ وَادّعى أَنه أدبه فَلَا يقْتَصّ مِنْهُ، وَثَانِيها الْقَاتِل وَشَرطه أَن يكون عَاقِلا بَالغا فَحَذفهُ من الْبَيْت الثَّانِي لدلَالَة الأول عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي أَنه يُزَاد على ذَلِك كَونه غير حَرْبِيّ مماثلاً للمقتول فِي الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام حَيْثُ قَالَ: والقود الشَّرْط بِهِ المثليه فِي الدَّم وَالْإِسْلَام والحريه الخ. فَلَا يقتل حَرْبِيّ بِمُسلم قَتله فِي حَال حربيته ثمَّ أسلم، وَلَا مُسلم بِكَافِر وَلَو حرا، وَلَا حر مُسلم بِعَبْد كَمَا يَأْتِي. وَثَالِثهَا: الْقَتِيل وَشَرطه أَن يكون مَعْصُوم الدَّم كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالشّرط فِي الْمَقْتُول عصمَة الدَّم الخ. فَلَا يقْتَصّ من مُسلم قتل مُرْتَدا أَو زَانيا مُحصنا. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْأَمر الثَّالِث الَّذِي يثبت بِهِ الْقَتْل فَقَالَ: أَوْ بِالْقِسَامَةِ وَباللَّوْثِ تَجِبْ وَهْوَ بِعَدِلٍ شَاهِدٍ بِمَا طُلِبْ (أَو بالقسامة) وَهِي خَمْسُونَ يَمِينا على قتل حر مُسلم مُحَقّق الْحَيَاة فَلَا قسَامَة على قتل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 أضدادهم كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَلَيْسَ فِي عبد وَلَا جَنِين قسَامَة الخ (خَ) : والقسامة سَببهَا قتل الْحر الْمُسلم يَعْنِي الْمُحَقق الْحَيَاة، وَلَكِن لَا يُمكن مِنْهَا الْوَلِيّ مُطلقًا بل (وباللوث تجب) وَتثبت لَهُ بِدُونِهِ (وَهُوَ) أَي اللوث أَمر يحصل مِنْهُ غَلَبَة الظَّن بِصدق الْمُدَّعِي وينشأ عَن أُمُور خَمْسَة. أَحدهَا: أَنه ينشأ (بِعدْل) وَاحِد (شَاهد بِمَا طلب) من مُعَاينَة الْقَتْل أَو الضَّرْب أَو الْجرْح تَأَخّر الْمَوْت بِأَكْل أَو شرب أم لَا. كَانَ الْمَقْتُول بَالغا أم لَا. مُسلما أَو كَافِر، والمرأتان العدلتان كالشاهد الْوَاحِد فِيمَا ذكر فَيحلف الْأَوْلِيَاء يَمِينا وَاحِدَة تَكْمِلَة للنصاب أَنه لقد قَتله أَو ضربه ثمَّ خمسين يَمِينا أَنه لقد قَتله أَو لقد ضربه أَو جرحه وَلمن ضربه أَو جرحه مَاتَ ويستحقون الْقود فِي الْعمد وَالدية فِي الْخَطَأ أَو فِي عدم المماثل، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يشْهد بِأَنَّهُ قَتله غيلَة فَلَا يقسمون مَعَه لِأَنَّهُ لَا يقبل فِيهَا إِلَّا العدلان على الْمُعْتَمد كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ، وَظَاهر النّظم كَغَيْرِهِ أَن شَهَادَة الْعدْل لوث وَلَو لم يُوجد أثر الضَّرْب الَّذِي شهد بِهِ، وَهُوَ كَذَلِك إِذْ الضَّرْب قد لَا يظْهر أَثَره فِي خَارج الْجَسَد. وَثَانِيها: أَنه ينشأ عَن شَهَادَة اللفيف كَمَا قَالَ: أَوْ بِكَثِيرٍ مِنْ لَفِيفِ الشُّهَدَا وَيسْقُطُ الإعْذَارُ فيهم أبَدَا (أَو بِكَثِير من لفيف الشهدا) اثْنَي عشر فَأكْثر على مَا بِهِ الْعَمَل شهدُوا بمعاينة قَتله أَو ضربه أَو جرحه على نَحْو مَا تقدم فِي الْعدْل الْوَاحِد، وَهَذَا على مَا عِنْد النَّاظِم، وَلَكِن الْعَمَل الْجَارِي بفاس قبُول شَهَادَة اللفيف فِي جَمِيع الْأُمُور فَإِن السِّتَّة مِنْهُم يقومُونَ مقَام الْعدْل الْوَاحِد، وَقد نَص ناظمه على أَن الْعَمَل جرى بِنَفْي الْيَمين مَعَ الاثْنَي عشر، وَظَاهر كَلَامه وَكَلَام شراحه وَلَو فِي الدِّمَاء لِأَن الاثْنَي عشر فِي مرتبَة العدلين وَنِصْفهَا فِي مرتبَة الْوَاحِد وَعَلِيهِ فشهادته لَيست لوثاً فَقَط بل قَائِمَة مقَام العدلين وَلَا سِيمَا على مَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَمَالك فِيمَا رَوَاهُ أَشهب الخ. لِأَنَّهُ يفهم مِنْهُ حَيْثُ أوجب الْقسَامَة مَعَ غير الْعدْل المتحد أَنَّهَا لَا تجب مَعَ المتعدد الْكثير كَمَا فِي اللفيف الْمَذْكُور. (وَيسْقط الْإِعْذَار) للخصم (فيهم أبدا) لِأَنَّهُ مَدْخُول فيهم على عدم الْعَدَالَة فَلَا يقْدَح فيهم بِكُل مَا يقْدَح بِهِ فِي الْعُدُول من مطل وَلعب نيروز وَحلف بِعِتْق أَو طَلَاق وَعدم أَحْكَام الصَّلَاة وَالْوُضُوء وَالْغسْل وَنَحْو ذَلِك: نعم لَا بُد فيهم من ستر الْحَال فَلَا يقبل تَارِك الصَّلَاة وَلَا مجاهر بالكبائر من كَثْرَة كذب وَإِظْهَار سكر وَلعب بقمار وسفه ومجون، وَلَا مُتَّهم كصديق وَقَرِيب للْمَشْهُود لَهُ أَو عَدو للْمَشْهُود عَلَيْهِ، وَهَذَا إِذا وجد فِي الْبَلَد أمثل مِنْهُم، وَأما إِذا عَم الْفساد بالسكر وَكَثْرَة الْكَذِب والمجاهرة بالكبائر. فَلَا يقْدَح فِي شَهَادَتهم بِشَيْء من ذَلِك كَمَا لشارح الْعَمَل عِنْد قَوْله: لَا بُد فِي شَهَادَة اللفيف من ستر حَالهم على الْمَعْرُوف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 الخ. وَإِذا سقط الْإِعْذَار فيهم بِمَا ذكر فَلَا بُد أَن يعْذر إِلَى الْقَاتِل فَيُقَال لَهُ: إِن كَانَت لَك مَنْفَعَة من غير بَاب شُهُود اللفيف فَأثْبت بهَا، أَو لَك تجريح بِالْقَرَابَةِ أَو الْعَدَاوَة أَو المجاهرة بالكبائر ويوسع لَهُ فِي الْأَجَل كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَغَيره. وَثَالِثهَا: أَن ينشأ عَن الْوَاحِد غير الْعدْل كَمَا قَالَ: وَمَالِكٌ فِيمَا رَوَاهُ أَشْهَبُ قَسَامَةٌ بِغَيْرِ عَدْلٍ يُوجِبُ (وَمَالك) مُبْتَدأ (فِيمَا رَوَاهُ أَشهب قسَامَة بِغَيْر عدل يُوجب) خبر وقسامة مَفْعُوله والمجروران يتعلقان بِهِ أَي: وَمَالك يُوجب الْقسَامَة بِشَهَادَة الْوَاحِد غير الْعدْل فِيمَا رَوَاهُ أَشهب وَلَا إعذار فِيهِ أَيْضا إِلَّا بِمَا يعْذر بِهِ فِي اللفيف الْمُتَقَدّم، وَهَذَا وَإِن كَانَ الْمَشْهُور خِلَافه، وَلَكِن لَا يَنْبَغِي أَن يهدر هَذَا القَوْل ويلغى بِالنِّسْبَةِ للمتهم الْمَعْرُوف بالعداء لموافقته لما بِهِ الْعَمَل كَمَا مر فِي بَابي السّرقَة وَالْغَصْب وَلَعَلَّ مَالِكًا إِنَّمَا قَالَ فِي هَذِه الرِّوَايَة بِأَن شَهَادَة غير الْعدْل لوث نظرا إِلَى كَون الْمُدعى عَلَيْهِ مُتَّهمًا مَعْرُوفا بالعداء وَسَفك الدِّمَاء، وَيُؤَيِّدهُ مَا يَأْتِي عَن ابْن رحال فِي التدمية الْبَيْضَاء، وَأَيْضًا فَإِن التَّكْلِيف شَرطه الْإِمْكَان، وَقد لَا يحضر قَتله إِلَّا غير الْعدْل فشهادته، وَإِن لم توجب قصاصا فَلَا أقل من أَن توجب مَعَ الْقسَامَة الدِّيَة وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ مَسْتُور الْحَال، فشهادته حِينَئِذٍ أقوى فِي اللوث من مُجَرّد قَول الْمُدَّعِي دمي عِنْد فلَان الَّذِي أَشَارَ لَهُ بقوله: أَو بمقَالةِ الْجَرِيحِ المُسْلِمِ البَالِغِ الحُرِّ فُلاَنٌ بِدمِ (أَو بمقالة الجريح) أَي الَّذِي بِهِ جرح لَا يَفْعَله الْمَرْء بِنَفسِهِ أَو أثر ضرب أَو أثر سم (الْمُسلم الْبَالِغ الْحر) الْعَاقِل وَلَو سَفِيها أَو مسخوطاً ادّعى بذلك على ورع أَو زَوْجَة على زَوجهَا أَو ولد على أَبِيه أَنه ذبحه أَو شقّ بَطْنه (فلَان بدمي) أَي قتلني كَانَ فلَان كَافِرًا ذكرا أَو أُنْثَى حرا أَو عبدا مُسلما أَو ذِمِّيا صَبيا أَو بَالغا عَاقِلا أم لَا. هَذَا إِذا قَالَ: قتلني عمدا بل وَلَو قَالَ: قتلني خطأ فَيقسم الْأَوْلِيَاء ويستحقون الْقود أَو الدِّيَة، وَمَفْهُوم قتلني أَنه إِذا قَالَ: جرحني أَو قطع يَدي فَإِنَّهُ لَا قسَامَة وَهُوَ كَذَلِك مَا لم تكن بَينه وَبَين الْمُدعى عَلَيْهِ عَدَاوَة فَإِنَّهُ يحلف ويقتص كَمَا يَأْتِي فِي الْجراح. يَشْهَدُ عَدْلاَنِ عَلَى اعْتِرَافِهِ وَصِفةُ التمييزِ مِنْ أَوْصَافِهِ (يشْهد عَدْلَانِ على اعترافه) أَي على قَوْله فلَان بدمي أَو قتلني وَيسْتَمر على إِقْرَاره، فَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 قَالَ: قتلني فلَان بل فلَان بَطل الدَّم، وَكَذَا لَو قيل لَهُ من جرحك؟ فَقَالَ: لَا أعرفهُ، ثمَّ قَالَ: فلَان أَو قَالَ دمي عِنْد فلَان أَو فلَان على جِهَة الشَّك أَو دمي على جمَاعَة، ثمَّ أَبْرَأ بَعضهم أَو دمي على رجل ثمَّ دمي عَلَيْهِ وعَلى غَيره فَإِن تدميته سَاقِطَة كَمَا فِي الْبَيَان (و) الْحَال أَن (صفة التَّمْيِيز) وَقت اعترافه (من أَوْصَافه) فَلَا يقبل قَوْله مَعَ وجود اختلال فِي عقله وَلَو كَانَ بَالغا وَفهم من قَوْله الجريح إِن مقَالَة الَّذِي لَا أثر جرح فِيهِ وَلَا أثر ضرب وَلَا أَنه يتقيأ سما أَو يتنخم دَمًا لَا تقبل، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَعْمُول بِهِ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا لِأَنَّهَا تدمية بَيْضَاء، وَاعْتَمدهُ (خَ) حَيْثُ قَالَ: إِن كَانَ بِجرح. قَالُوا: وَعَلِيهِ فَلَا يسجن المدمي عَلَيْهِ قبل موت المدمى لِأَنَّهُ قد يتهم أَن يكون أَرَادَ سجنه بِدَعْوَاهُ، فَإِن مَاتَ سجن. وَقَالَ ابْن رحال: الْمَذْهَب قبُول التدمية الْبَيْضَاء لِأَنَّهُ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَبَعْضهمْ يَقُول: هُوَ ظَاهر الْمُدَوَّنَة. قَالَ ابْن مَرْزُوق: وَهُوَ الرَّاجِح نقلا ونظراً قَالَ: وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي للمقلد أَن يُفْتِي بِهِ ثمَّ قَالَ: ومداره على غَلَبَة الظَّن بِصدق المدمى كَمَا قَالَه الشاطبي. أَلا ترى إِذا غضب شرير شَأْنه الفتك على صَالح لأجل شَهَادَة عَلَيْهِ مثلا فَقَالَ الصَّالح: دمي عِنْد فلَان فَإِنَّهُ يقتل بِهِ لِأَن الْغَالِب على الصَّالح أَنه لَا يكذب عَلَيْهِ انْتهى. وَكله مَأْخُوذ من كَلَام اللَّخْمِيّ، وَنَصّ الْمَقْصُود مِنْهُ على نقل الأبي الْقَائِل بأعمال التدمية، وَإِن لم يظْهر لَهَا أثر. أصبغ: وَهُوَ ظَاهر إِطْلَاق الرِّوَايَات وَالْقَائِل بإلغائها حَتَّى يظْهر الْأَثر. ابْن كنَانَة وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ وَابْن رشد وَبِه الْعَمَل. قَالَ اللَّخْمِيّ: إِلَّا أَن يعلم أَنه قد كَانَ بَينهمَا قتال وَيلْزم الْفراش عقب ذَلِك، أَو كَانَ يتَصَرَّف تصرف مشتك عَلَيْهِ دَلِيل المرضى وَتَمَادَى بِهِ ذَلِك حَتَّى مَاتَ قَالَ: يَعْنِي الأبي وباختيار اللَّخْمِيّ هَذَا أَفْتيت اه. وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا مَا يَأْتِي فِي الْجراح من أَن من ادّعى على شخص أَنه قطع يَده مثلا وَكَانَت بَينهمَا عَدَاوَة أَنه يحلف ويقتص مِنْهُ، وَهَذَا كُله مِمَّا يُقَوي قَول النَّاظِم: وَمَالك فِيمَا رَوَاهُ أَشهب. من أَنه يعْمل بِشَهَادَة غير الْعدْل على الْمَعْرُوف بالعداء، وَيُقَوِّي أَيْضا مُسْتَند الْعَمَل الْمُتَقَدّم فِي الْغَضَب وَالله أعلم. وَاحْترز بِالْمُسلمِ من الْكَافِر، وبالبالغ من الصَّبِي، وبالحر من العَبْد، وبالمميز من المختل الْعقل فَلَا عِبْرَة بتدميتهم وَكَيْفِيَّة وثيقتها عاين شهيداه يَوْم تَارِيخه فلَانا وبرأسه أَو يَده أَو جسده جرح مخوف مِمَّا لَا يَفْعَله الْمَرْء بِنَفسِهِ أَو أثر ضرب أَو يتقيأ سما أَو يتنخم دَمًا أَو بجسده نفخ، وأشهدهم أَن فلَانا أَصَابَهُ بذلك عمدا أَو خطأ، أَو أشهدهم أَن مَمْلُوك فلَان أَصَابَهُ بذلك بِأَمْر سَيّده فلَان وتحريضه عَلَيْهِ، وَقَوله لَهُ: اضْرِب اضْرِب اقْتُل اقْتُل وَأَنه يجد من ذَلِك ألم الْمَوْت فَمَتَى قضى الله بوفاته ففلان المؤاخذ بدمه أَو فلَان ومملوكه المؤاخذان بِهِ إشهاداً صَحِيحا عَارِفًا قدره وَهُوَ فِي صِحَة عقله وثبات ميزه وَمرض من ألم الْجرْح وطوع وَجَوَاز وعرفه وَعرف المدمى عَلَيْهِ وَفِي كَذَا بِأَن سقط مِنْهَا مُعَاينَة الْجرْح الْمَذْكُور وَمَا مَعَه أَو لم يقل مخوف مِمَّا لَا يَفْعَله الْمَرْء بِنَفسِهِ الخ. فَإِنَّهَا تدمية بَيْضَاء لِأَن الْجرْح الْخَفِيف لَا يعْتَبر، وَقد علمت مَا فِي الْبَيْضَاء من الْخلاف، وَالرَّاجِح أَعمالهَا فِي هَذِه الْأَزْمِنَة لغَلَبَة الْفساد كَمَا مر، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَت بَينهمَا عَدَاوَة. وَقَوْلِي: وأشهدهم الخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 لَا مَفْهُوم لَهُ بل وَكَذَلِكَ إِذا لم يشهدهم وَإِنَّمَا قَالُوا سمعنَا مِنْهُ ذَلِك يحكيه للْغَيْر كَمَا هُوَ ظَاهر قَوْله: يشْهد عَدْلَانِ على اعترافه، وَقَوله: أَو بمقالة الجريح، وَقَول (خَ) : كَأَن يَقُول بَالغ حر الخ. وَقَوله: عمد أَو خطأ لَا مَفْهُوم لَهُ أَيْضا، بل كَذَلِك إِذا لم يبين عمدا وَلَا خطأ فَإِن أولياءه يبينون ويقسمون على مَا بينوا فيستحقون كَمَا قَالَ (خَ) أَو أطلق وبينوا لَا خالفوا أَي لَا إِن قَالَ عمدا وَقَالُوا هم خطأ أَو بِالْعَكْسِ، فَتبْطل التدمية. وَقَوْلِي: بِأَمْر سَيّده احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يقل ذَلِك فَإِن السَّيِّد لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَقَوله: اضْرِب اضْرِب الخ. زِيَادَة تَأْكِيد وإلاَّ فَقَوله بِأَمْر سَيّده كَاف فِي مُؤَاخذَة سَيّده (خَ) وكأب أَو معلم أَمر ولدا صَغِيرا أَو سيد أَمر عبدا مُطلقًا الخ. وَهَذَا وَإِن كَانَ فِي الثَّالِث أمره لَهُ بِالْبَيِّنَةِ فالتدمية كَذَلِك لِأَنَّهَا هَهُنَا قَائِمَة مقَام الْبَيِّنَة. وَقَوله: وَأَنه يجد من ذَلِك ألم الْمَوْت إِلَى قَوْله إشهاداً صَحِيحا الخ. كُله إِن سقط من الرَّسْم لم يضر، وَكَذَا قَوْله عَارِفًا قدره لِأَنَّهُ مَحْمُول على مَعْرفَته، وَكَذَا قَوْله وَهُوَ فِي صِحَة عقله إِلَى قَوْله وَجَوَاز الخ. لِأَنَّهُ مَحْمُول على ثبات الْعقل والطوع وَالْجَوَاز حَتَّى يثبت اختلال عقله وإكراهه، وَأما السَّفِيه فَإِنَّهُ يعْمل بتدميتة، وَقَوله: وعرفه احْتِرَازًا مِمَّا إِذا سَقَطت الْمعرفَة والتعريف وَالْوَصْف فَإِن كَانَ الشَّاهِد مَعْرُوفا بالضبط والتحفظ صحت وَإِلَّا سَقَطت، والا أَن تكون على مَشْهُور مَعْرُوف كَمَا مّر. قَوْله: وَعرف المدمى عَلَيْهِ لَا يضر سُقُوطه إِذا وَصفه بصفاته الَّتِي يتَمَيَّز بهَا كَمَا يَأْتِي آخر الْبَاب فِي قَوْله: وسوغت قسَامَة الْوُلَاة الخ. فَإِن لم يصفه فَلَا يضر أَيْضا لِأَن الأَصْل أَنه هُوَ حَتَّى يثبت من يُشَارِكهُ فِي الْبَلَد فِي اسْمه وَنسبه (خَ) آخر الْقَضَاء: وَإِن لم يُمَيّز فَفِي أعدائه أَو لَا حَتَّى تثبت أحديته قَولَانِ. أرجحهما أعداؤه وَعَلِيهِ إِثْبَات أَن هُنَاكَ من يُشَارِكهُ وَسُقُوط التَّارِيخ لَا يضر أَيْضا كَمَا مر أول الْكتاب، ثمَّ إِن الْأَوْلِيَاء لَا يمكنون من الْقسَامَة فِي هَذَا الْمِثَال، وَفِي غَيره حَيْثُ لم يحضر جسده حَتَّى يثبت موت المدمى كَمَا قَالَ (خَ) إِن ثَبت الْمَوْت، وَيَأْتِي قَول النَّاظِم أَيْضا بعد ثُبُوت الْمَوْت الخ. وَيكْتب فِيهِ عاين شهيداه يَوْم كَذَا فلَانا المدمى بمحوله أَو أَعْلَاهُ مَيتا أَو تَقول يعرف شُهُوده فلَانا معرفَة تَامَّة لعَينه واسْمه وَنسبه، وَمَعَهَا يشْهدُونَ بِأَنَّهُ توفّي من الْجرْح الَّذِي دمي بِهِ على فلَان قبل أَن يظْهر بُرْؤُهُ وتتبين إِفَاقَته، وَفِي كَذَا فَإِن سقط من الرَّسْم قبل أَن يظْهر بُرْؤُهُ الخ. لم يضر لِأَن الأَصْل الِاسْتِصْحَاب حَتَّى يثبت بُرْؤُهُ وهم إِنَّمَا عَلقُوا الحكم بالقسامة على ثُبُوت الْمَوْت لَا على كَونه قبل الْبُرْء، وَقَول صَاحب الْمُفِيد من تَمام الشَّهَادَة أَن يَقُولُوا إِن الجريح لم يفق من جرحه فِي علمهمْ الخ. إِنَّمَا يَعْنِي من تَمامهَا على وَجه الْكَمَال لَا على وَجه الشّرطِيَّة بِدَلِيل قَول ابْن مغيث وَغَيره: إِذا ثبتَتْ صِحَة المدمى سَقَطت التدمية وَبِه الْفتيا فَقَوله: إِذا ثبتَتْ الخ. صَرِيح فِي أَنه إِذا لم تثبت فَيبقى الْأَمر على حَاله. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى خَامِس الْأُمُور الَّتِي ينشأ عَنْهَا اللوث فَقَالَ عاطفاً على: بمقالة الجريح أَو على بِعدْل شَاهد بِمَا طلب. أَو بقتيلٍ مَعَهُ قد وُجِدَا مَنْ أَثَرُ الْقَتْلِ عليهِ قَدْ بَدَا (أَو بقتيل) من نَعته وَصفته (مَعَه قد وجدا من) بِفَتْح الْمِيم مَوْصُول نَائِب فَاعل وجد (أثر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 607 الْقَتْل) مُبْتَدأ وَجُمْلَة (عَلَيْهِ قد بدا) خَبره، وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر صلَة من وَمَعَهُ يتَعَلَّق بوجد، وَالتَّقْدِير أَو بمقتول قد وجد مَعَه الشَّخْص الَّذِي أثر الْقَتْل قد بدا عَلَيْهِ، وَهَذَا نَحْو قَول الْجلاب إِن وجد قَتِيل وبقربه رجل مَعَه سيف أَو عَلَيْهِ شَيْء من دم أَو عَلَيْهِ أثر الْقَتْل فَهُوَ لوث (خَ) عاطفاً على مَا يُوجب اللوث أَو رَآهُ أَي الْعدْل الْوَاحِد أَو العدلان يَتَشَحَّط فِي دَمه وَالْمُتَّهَم قربه وَعَلِيهِ أَثَره الخ. أَي: أَو خَارِجا من مَكَان الْمَقْتُول وَلم يُوجد فِيهِ غَيره وَلَا مَفْهُوم لقَوْله يَتَشَحَّط كَمَا يفِيدهُ مرَّ عَن الْجلاب، وَقيل لَيْسَ ذَلِك بلوث، وَبِه قَالَ ابْن زرب، وَأفْتى بِهِ ابْن عتاب قَالَ ابْن سهل: وَبِه جرى الْعَمَل، وَبِه أفتى سَيِّدي إِبْرَاهِيم الجلالي حَسْبَمَا فِي أول الدِّمَاء من العلمي لَكِن اقْتِصَار (خَ) وَابْن الْحَاجِب على الأول يشْعر بِأَن ذَلِك الْعَمَل قد نسخ وَصَارَ الْعَمَل على خِلَافه إِذْ لَو كَانَ ذَلِك الْعَمَل مستمراً مَا صَحَّ لَهما إهماله وَعدم ذكره فَلَا تغتر بِالْعَمَلِ الْمَذْكُور، وَلَا بِمَا أفتى بِهِ الجلالي تبعا لِابْنِ عتاب وَالله أعلم. وَفِي ابْن سهل عَن مَالك وَابْن الْقَاسِم فِي رجلَيْنِ شَهدا أَنه مر بهما ثَلَاثَة رجال يحملون خَشَبَة وَمَعَهُمْ صبي هُوَ ابْن لأَحَدهم، فَلَمَّا غَابُوا عَنْهُمَا سمعا وَقع الْخَشَبَة فِي الأَرْض وبكاء الصَّبِي فاتبعاهم فوجدا الْخَشَبَة فِي الأَرْض وَالصَّبِيّ يَمُوت فِي حجر أَبِيه وَمَات من سَاعَته قَالَ: هِيَ شَهَادَة قَاطِعَة تجب فِيهَا الدِّيَة على عواقلهم وَإِن لم يشْهدُوا بالمعاينة. قَالَ ابْن الْقَاسِم: وَمثله لَو شَهدا أَنَّهُمَا رَأيا رجلا خرج من دَار فِي حَال رِيبَة فاستنكراه فدخلا الدَّار من ساعتهما فواجدا قَتِيلا يسيل دَمه وَلَا أحد فِي الدَّار غير الْخَارِج فَهِيَ شَهَادَة قَاطِعَة، وَإِن لم تكن على المعاينة يَعْنِي يثبت الدَّم فِيهَا بِدُونِ قسَامَة. وَبَقِي على النَّاظِم مِثَال سادس، وَهُوَ أَن يشْهد شَاهِدَانِ بمعاينة جرح أَو ضرب لحر مُسلم أَو غَيرهمَا، سَوَاء وجدا أثر الْجرْح وَالضَّرْب أم لَا. ثمَّ يتَأَخَّر الْمَوْت عَن كَلَامه أَو أكله أَو شربه فَيقسم الْأَوْلِيَاء لمن ضربه أَو جرحه مَاتَ ويستحقون الدَّم أَو الدِّيَة فِي الْخَطَأ، وَفِي غير المكافىء وَلَهُم أَن يتْركُوا الْقسَامَة ويقتصون من الْجَارِح فِي الْعمد وَيَأْخُذُونَ دِيَته فِي الْخَطَأ. وَمِثَال سَابِع، وَهُوَ أَن يشْهد شَاهد وَاحِد على إِقْرَار الْقَاتِل بِالْقَتْلِ عمدا إِلَّا أَن شهد على إِقْرَاره خطأ فَلَيْسَ بلوث لِأَن الْعَاقِلَة لَا تحمل الِاعْتِرَاف على الْمُعْتَمد وَتَكون الدِّيَة فِي مَاله، نعم إِن شهد شَاهد بِإِقْرَارِهِ فِي الْخَطَأ وَشهد آخر بمعاينة الْقَتْل خطأ فلوث فيقسمون ويستحقون الدِّيَة على الْعَاقِلَة، وَهَذِه الْأَمْثِلَة كلهَا فِي (خَ) مَا عدا اللفيف وَغير الْعدْل. وَيُزَاد أَيْضا مِثَال ثامن، وَهُوَ السماع الفاشي بِأَنَّهُم قَتَلُوهُ كَمَا مّر فِي الشَّهَادَات وَأما مَا فِي (م) من زِيَادَة مِثَال شَاهد على الإجهاز أَي الْقَتْل أَو على مُعَاينَة الضَّرْب، ثمَّ يَمُوت بعد أَيَّام فَهُوَ مُسْتَغْنى عَنهُ بالمثال الأول فِي النّظم، وَكَذَا مَا زَاده (ت) من قَوْله: وكشاهد بذلك أَي بالمعاينة إِن ثَبت الْمَوْت الخ. فَإِنَّهُ مُسْتَغْنى عَنهُ إِذْ هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 608 دَاخل فِي الْمِثَال الأول أَيْضا، وَأما قَوْله: إِن ثَبت الْمَوْت فَهُوَ شَرط فِي جَمِيع أَمْثِلَة اللوث كَمَا مر. وَهْيَ بخَمْسِينَ يَمِينا وُزِّعَتْ عَلَى الذّكُورِ وَلأُنْثَى مُنِعَتْ (وَهِي) أَي الْقسَامَة (بِخَمْسِينَ يَمِينا) الْبَاء زَائِدَة وَلَو حرك الْهَاء لاستغنى عَنْهَا (وزعت على الذُّكُور) الْمُكَلّفين من الْأَوْلِيَاء إِن كَانُوا أقل من خمسين كولدين فَيحلف كل مِنْهُمَا خمْسا وَعشْرين، فَإِن انْكَسَرت كثلاثة بَنِينَ حلف كل وَاحِد مِنْهُم سَبْعَة عشر، وَكَذَا لَو كَانُوا ثَلَاثِينَ أَخا فَإِنَّهُ يجب لكل وَاحِد يَمِين وَثُلُثَانِ فَيحلف كل وَاحِد يمينين فَإِن قَالُوا: يحلف عشرُون منا يمينين لكل وَاحِد وَعشرَة يَمِينا لكل وَاحِد لم يمكنوا من ذَلِك على الْأَصَح، وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا جبرها على أَكثر كسرهَا إِنَّمَا يَتَأَتَّى ذَلِك فِي الْخَطَأ لِأَنَّهُ يحلفها كل من يَرث وَإِن وَاحِدًا أَو امْرَأَة وَفهم من قَوْله: وزعت أَنهم إِذا كَانُوا أَكثر من خمسين لَا توزع بل يَكْتَفِي بِحلف الْخمسين وَهُوَ كَذَلِك، وَإِذا كَانَ الْعصبَة خمسين أَو أقل أَو أَكثر فطاع إثنان يحلف جَمِيع الْأَيْمَان فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بذلك (خَ) : واجتزى بِاثْنَيْنِ طاعا من أَكثر. (ولأنثى منعت) فَلَا تحلف شَيْئا من أيمانها لِأَن الْحلف شَهَادَة وَالْأُنْثَى لَا تشهد فِي الْعمد، وَظَاهر أَن الْعصبَة يحلفونها وَإِن لم يرثوا بِأَن حجبهم ذَوُو الْفُرُوض وَهُوَ كَذَلِك فَإِن لم يُوجد للمقتول عاصب وَلَو من الموَالِي الأعلين صَار الْمَقْتُول بِمَنْزِلَة من لَا وَارِث لَهُ فَترد الْإِيمَان على المدمى عَلَيْهِ فَإِن حَلفهَا ضرب مائَة وَحبس عَاما وَإِلَّا حبس حَتَّى يحلف وَلَو طَال سجنه، ثمَّ إِنَّهُم إِنَّمَا يمكنون من الْقسَامَة حَيْثُ كَانَت الشَّهَادَة بِأَنَّهُ ضربه أَو جرحه وَتَأَخر مَوته وَلم يُوجد جسده حَيا وَلَا مَيتا. بَعْدَ ثُبُوتِ الْمَوْتِ وَالْوُلاَةِ وَيَحْلِفُونَهَا عَلَى البَتَاتِ (بعد ثُبُوت الْمَوْت) كَمَا مّر لاحْتِمَال كَونه حَيا. وَقَوْلِي: ضربه الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا شهد شَاهد وَاحِد على مُعَاينَة قَتله أَو على إِقْرَاره بِالْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَا يحْتَاج لثُبُوت الْمَوْت وَإِن رَجَعَ عَن إِقْرَاره لِأَنَّهُ ثَابت بِمَا ذكر (و) بعد ثُبُوت (الْوُلَاة) وَأَنَّهُمْ عصبته المستحقون لدمه فَحِينَئِذٍ يمكنون مِنْهَا (ويحلفونها) وَلَاء (على الْبَتَات) لَا على نفي الْعلم (خَ) وَهِي خَمْسُونَ يَمِينا مُتَوَالِيَة بتاً وَإِن أعمى أَو غَائِبا الخ. وَذَلِكَ لِأَن أَسبَاب الْعلم تحصل بِالسَّمَاعِ وَالْخَبَر كَمَا تحصل بالمعاينة فيعتمد كل وَاحِد مِنْهُم على ذَلِك ويبت الْيَمين (خَ) : وَاعْتمد البات على ظن قوي الخ. فَفِي الشَّاهِدين بمعاينة الضَّرْب أَو الْجرْح، ثمَّ يتَأَخَّر الْمَوْت يقسمون لمن ضربه أَو جرحه مَاتَ وَفِي الشَّاهِد لوَاحِد بذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 609 يقسمون لقد ضربه وَلمن ضربه مَاتَ فِي كل يَمِين من الْخمسين، فَإِن شهد الْوَاحِد بمعاينة الْقَتْل فيقسمون لقد قَتله كَمَا مّر فِي الْمِثَال الأول، ثمَّ إِذا كَانَ الْقَتْل خطأ فَيحلف كل وَارِث مِنْهُم جَمِيع حَظه وَلَو قبل حلف أَصْحَابه، وَمن نكل سقط حَظه من الدِّيَة، وأمّا فِي الْعمد فَيحلف هَذَا يَمِينا وَهَذَا يَمِينا فَإِذا كَانُوا عشرَة حلف كل وَاحِد مِنْهُم يَمِينا يَمِينا ثمَّ تُعَاد فَيحلف كل وَاحِد كَذَلِك، وَهَكَذَا لِأَنَّهُ فِي الْعمد إِذا نكل وَاحِد بَطل الدَّم فتذهب أَيْمَان من حلف بَاطِلا. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا قتل الْأَوْلِيَاء الْقَاتِل قبل الْقسَامَة فَهَل يقتلُون وَهُوَ الَّذِي فِي ابْن عَرَفَة عَن ابْن الْمَوَّاز لأَنهم قتلوا قبل أَن يستحقوا، أَو يمكنون من الْقسَامَة فَإِن نكلوا قتلوا حِينَئِذٍ، وَبِه أفتى المجاصي وَمن وَافقه، وَهُوَ الظَّاهِر من كَلَام ابْن عَرَفَة آخرا وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَاده كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَام العلمي فِي نوازله. الثَّانِي: لَو صَالح الْعصبَة على مَال بعد الْقسَامَة وَالْحَال أَنهم محجوبون بذوي الْفُرُوض، فَإِن مَا وَقعت الْمُصَالحَة بِهِ يكون مِيرَاثا بعد أَن تقضى بِهِ دُيُونه وَلَا شَيْء للْعصبَةِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: مَا أَخذ فِي صلح الْعمد تقضى بِهِ دُيُون الْمَقْتُول وَبَاقِيه يُورث على فَرَائض الله وَنَحْوه فِي أَوَائِل الدِّمَاء من العلمي، وَهَذَا ظَاهر إِذا لم يكن الْعصبَة اشترطوا على الْوَرَثَة أَنهم إِنَّمَا يصالحون إِذا أسهموهم من مَال الصُّلْح قدرا مَعْلُوما وإلاَّ فَيعْمل على شرطهم لأَنهم إِنَّمَا تركُوا قَتله حِينَئِذٍ لمَال يأخذونه فيوصى لَهُم بذلك وَالله أعلم. وَتُقْلَبُ الأَيْمَانُ مهما نَكَلاَ وَليُّ مَقْتُولٍ عَلَى مَنْ قَتَلاَ (وتقلب الْأَيْمَان) أَي أَيْمَان الْقسَامَة (مهما نكلا ولي مقتول) أَي نكلوا كلهم وهم فِي دَرَجَة وأحدة أَو بَقِي وَاحِد مِنْهُم وَلم يجد معينا يَسْتَعِين بِهِ عَلَيْهَا (على من قتلا) أَي تقلب على الْمُدعى عَلَيْهِ، فَإِن كَانُوا جمَاعَة حلف كل وَاحِد مِنْهُم خمسين يَمِينا فَمن حَلفهَا برىء من الْقَتْل وَضرب مائَة وَحبس عَاما، وَمن نكل حبس حَتَّى يحلف وَلَو طَال سجنه على الْمَشْهُور (خَ) : ونكول الْمعِين غير مُعْتَبر بِخِلَاف غَيره وَلَو بعدوا، فَترد على الْمُدعى عَلَيْهِم وَيحلف كل خمسين يَمِينا وَمن نكل حبس حَتَّى يحلف وَلَا استعانة الخ. وَقيل لَهُ أَن يَسْتَعِين فَيحلف مَعَه عصبته كَمَا يَسْتَعِين ولي الْمَقْتُول بعصبته على مَا يَأْتِي، وَقَوْلِي: وَلم يجد معينا يَسْتَعِين بِهِ عَلَيْهَا الخ. إِشَارَة إِلَى أَنه لَا يبطل الدَّم بنكول الْبَعْض لِأَن نُكُوله قد يكون على وَجه التورع عَن الْأَيْمَان فِي الْغَالِب فللباقي أَن يحلف إِن كَانَ مُتَعَددًا وَإِن كَانَ وَاحِدًا فيستعين بعصبته وَلَا يبطل حَقه كَمَا جزم بِهِ (ت) تبعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 610 للشراح خلافًا لما فِي ابْن رحال من أَنه يبطل بنكول الْبَعْض، وَفِي الْمَسْأَلَة أَقْوَال وَلَكِن الَّذِي يجب اعْتِمَاده هُوَ مَا ذَكرْنَاهُ وَالله أعلم. وَيَحْلِفُ اثنانِ بهَا فَمَا عَلاَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ بهَا لَنْ يُقْتَلاَ (وَيحلف اثْنَان بهَا) أَي فِي قسَامَة الْعمد (فَمَا علا) أَي فَمَا زَاد عَلَيْهِمَا (خَ) : وَلَا يحلف فِي الْعمد أقل من رجلَيْنِ عصبَة من نسب الْقَتِيل وَإِن لم يرثوا بِأَن حجبهم ذَوُو الْفُرُوض كَمَا مّر فَإِن لم يوجدوا فمواليه الذُّكُور الأعلون لأَنهم عصبَة، وَإِنَّمَا لم يحلف أقل من رجلَيْنِ لِأَن ذَلِك كَالشَّهَادَةِ وَهُوَ لَا يقتل بِأَقَلّ من شَاهِدين، وَلذَلِك لَا يحلفها النِّسَاء لِأَنَّهُنَّ لَا يشهدن فِي الْعمد فَإِن لم يُوجد عاصب أصلا فَترد الْأَيْمَان على الْمُدعى عَلَيْهِ كَمَا مر. فَتحصل أَن الْأَيْمَان تقلب فِيمَا إِذا لم يُوجد عاصب أصلا وَفِيمَا إِذا وجدوا، وَلَكِن نكلوا عَنْهَا أَو عَن بَعْضهَا فَإِن وجد عاصب وَاحِد فَلهُ أَن يَسْتَعِين عَلَيْهَا بعصبة نَفسه، وَإِن لم يَكُونُوا عصبَة للمقتول كامرأة مقتولة لَيْسَ لَهَا غير ابْنهَا وَله أخوة من أَبِيه فيستعين بهم أَو بِوَاحِد مِنْهُم أَو بِعَمِّهِ، ثمَّ إِذا نكل هَذَا الْمُسْتَعَان بِهِ فنكوله غير مُعْتَبر (خَ) : وللولي الِاسْتِعَانَة بعاصبه إِلَى قَوْله ونكول الْمعِين غير مُعْتَبر الخ. يَعْنِي وَينظر الْوَلِيّ من يَسْتَعِين بِهِ غير هَذَا الناكل فَإِن لم يجد ردَّتْ الْأَيْمَان كَمَا مر. (وَغير وَاحِد بهَا) أَي الْقسَامَة (لن يقتلا) فَإِذا قَامَ اللوث على جمَاعَة أَو قَالَ دمي عِنْدهم أَو قَامَت بَيِّنَة بِالسَّمَاعِ الفاشي أَنهم قَتَلُوهُ فَالْمَشْهُور أَنهم يقسمون على وَاحِد مِنْهُم يعينونه لَهَا وَيَقُولُونَ لقد قَتله أَو لمن ضربه أَو جرحه مَاتَ وَلَا يَقُولُونَ لقد قَتَلُوهُ أَو لمن ضَربهمْ أَو جرحهم مَاتَ (خَ) : وَوَجَب بهَا الدِّيَة فِي الْخَطَأ والقود فِي الْعمد من وَاحِد يعين لَهَا الخ. وَقَالَ أَشهب: يقسمون على جَمِيعهم ثمَّ يختارون وَاحِدًا للْقَتْل: قلت: وَهُوَ أظهر لِأَن الْأَوْلِيَاء تَارَة يتَرَجَّح لَهُم الْأَقْوَى فعلا فيقسمون عَلَيْهِ، وَتارَة لَا يتَرَجَّح لَهُم فيقسمون على الْجَمِيع لِئَلَّا يحلفوا غموساً، وَالْمَشْهُور يَقُول فِي هَذِه إِمَّا أَن يحلفوا غموساً أَو يبطل حَقهم فَلَزِمَ عَلَيْهِ أَنه تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح مَعَ لُزُوم الْغمُوس أَو إهدار دم الْمَقْتُول، وَأَشْهَب لَا يلْزمه إلاَّ التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَالله أعلم. وعَلى الْمَشْهُور لَو قدم وَاحِد مِنْهُم للْقَتْل بعد الْقسَامَة عَلَيْهِ بِعَيْنِه فَأقر غَيره بِأَنَّهُ الَّذِي قَتله خير الْأَوْلِيَاء فِي قتل وَاحِد مِنْهُمَا وَلَا يمكنون من قَتلهمَا مَعًا قَالَه ابْن الْقَاسِم فِي الْمُوازِية والمجموعة. ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَنه لَا قسَامَة فِي غير الْحر الْمُسلم وَفِي غير مُحَقّق الْحَيَاة فَقَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 611 وَلَيْسَ فِي عبْدٍ وَلَا جَنينِ قَسَامَةٌ وَلاَ عَدُوِّ الدِّينِ (وَلَيْسَ فِي) قتل (عبد وَلَا جَنِين قسَامَة وَلَا) فِي قتل (عَدو الدّين) من ذمِّي أَو معاهد وَلَا فِي جرح فَإِذا قَالَ العَبْد أَو الْكَافِر: دمي عِنْد فلَان أَو قَالَت الْمَرْأَة: جنيني عِنْد فلَان فَيحلف الْمُدعى عَلَيْهِ يَمِينا وَاحِدَة وَيبرأ وَكَذَا إِن قَالَ شخص: جرحني فلَان فَإِن الْمُدعى عَلَيْهِ يحلف لرد دَعْوَاهُ مَا لم تكن تقدّمت بَينهمَا عَدَاوَة على مَا يَأْتِي فِي فصل الْجراح، فَإِن قَامَ شَاهد وَاحِد على مُعَاينَة قتل العَبْد أَو ضرب الْمَرْأَة أَو على إِقْرَار الْقَاتِل أَو الضَّارِب بذلك أَو شَهَادَة سَماع على ذَلِك وَنَحْو ذَلِك من أَمْثِلَة اللوث حلف سيد العَبْد يَمِينا وَاحِدَة وَأخذ قِيمَته وَولي الْكَافِر وَأخذ دِيَته وَلَو من كَافِر مكافىء للمقتول ووارث الْجَنِين وَأخذ غرته، وَإِن نكلوا حلف الْقَاتِل وَاحِدَة أَيْضا وبرىء فَإِن ثَبت ضرب الْمَرْأَة حَتَّى أَلْقَت جَنِينهَا بِشَاهِد وَاحِد وَمَاتَتْ كَانَت الْقسَامَة فِي الْمَرْأَة وَيَمِين وَاحِدَة مَعَ الشَّاهِد فِي الْجَنِين، إِذْ لَا مدْخل للقسامة فِي الْجَنِين، وَكَذَلِكَ فِي الْجرْح يحلف مَعَ شَاهده وَاحِدَة ويقتص فِي الْعمد وَيَأْخُذ الدِّيَة فِي الْخَطَأ. (خَ) : وَمن أَقَامَ شَاهدا على جرح أَو قتل كَافِر أَو عبد أَو جَنِين حلف وَاحِدَة وَأخذ الدِّيَة يَعْنِي: واقتص فِي جرح الْعمد وَإِن نكل برىء الْجَارِح وَمن مَعَه إِن حلف وَإِلَّا يحلف غرم فِي الصُّور كلهَا مَا عدا جرح الْعمد فَإِنَّهُ يحبس حَتَّى يحلف. والقوَدُ الشَّرْطُ بهِ المُثْلِيَّه فِي الدَّمِ بالإسْلامِ وَالحُرِّيَّهْ (والقود) وَهُوَ الْقصاص سمي قوداً لِأَن الْعَرَب كَانَت تقود الْجَانِي بِحَبل وتسلمه لوَلِيّ الدَّم (الشَّرْط) مُبْتَدأ ثَان (بِهِ) أَي فِيهِ (المثلية) خبر عَن الثَّانِي وهما خبران عَن الأول (فِي الدَّم) يتَعَلَّق بِالشّرطِ (بِالْإِسْلَامِ) الْبَاء بِمَعْنى فِي يتَعَلَّق بالمثلية (وَالْحريَّة) مَعْطُوف على الْإِسْلَام وَالتَّقْدِير: والقود فِي الدَّم أَي الْقَتْل شَرط فِيهِ زِيَادَة على شَرْطِيَّة التَّكْلِيف الْمُتَقَدّمَة المثلية فِي الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام من حِين السَّبَب أَي الرَّمْي إِلَى حِين الْمُسَبّب أَي الْمَوْت. وَتقدم أَن من جملَة الشُّرُوط أَن يكون الْقَاتِل غير حَرْبِيّ فَلَا يقتل حَرْبِيّ بِمُسلم وَلَا مُسلم وَلَو عبدا بِكَافِر وَلَو حرا كذمي وَلَا حر مُسلم برقيق وَلَو مُسلما، وَكَذَا لَو رمى عبد رَقِيقا مثله فِي الدّين فَعتق الرَّامِي قبل موت المرمى لم يقتل بِهِ لزِيَادَة الرَّامِي بِالْحُرِّيَّةِ حِين الْمُسَبّب أَي الْمَوْت وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَته، وَلَو رمى حَرْبِيّ مُسلما ثمَّ صَار الرَّامِي من أهل الْإِسْلَام أَو أهل الذِّمَّة ثمَّ مَاتَ المرمى لم يقتل بِهِ لِأَنَّهُ حَرْبِيّ حِين السَّبَب وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَلَو رمى حر ذمِّي عبدا ذِمِّيا ثمَّ حَارب الرَّامِي فَأخذ واسترق ثمَّ مَاتَ المرمى لم يقتل بِهِ لزِيَادَة الرَّامِي حِين السَّبَب عَلَيْهِ بِالْحُرِّيَّةِ وَإِن ساواه حِين الْمَوْت، وَكَذَا لَو رمى مُسلم كَافِرًا أَو مُرْتَدا فَأسلم قبل وُصُول الرَّمية إِلَيْهِ ثمَّ وصلته لم يقتل لزِيَادَة الرَّامِي عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ حِين السَّبَب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 612 وَإِن ساواه حِين الْقَتْل، وَعَلِيهِ دِيَة مُسلم عِنْد ابْن الْقَاسِم كمن رمى صيدا وَهُوَ حَلَال فَلم تصل الرَّمية إِلَيْهِ حَتَّى أحرم فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ. (خَ) : إِن أتلف مُكَلّف وَإِن رق غير حَرْبِيّ وَلَا زَائِدَة حريَّة أَو إِسْلَام حِين الْقَتْل فالقود الخ. وَاحْترز النَّاظِم بقوله فِي الدَّم أَي فِي الْقَتْل من الْجرْح فَإِنَّهُ لَا يقْتَصّ من الْأَدْنَى للأعلى كَمَا يَأْتِي فِي فَصله إِن شَاءَ الله. وَقَتْلُ مُنْحَطٍ مَضَى بالعالِي لَا العكْسُ والنساءُ كالرِّجَالِ (وَقتل منحط مضى بالعالي) فَيقْتل العَبْد الْمُسلم بِالْحرِّ الْمُسلم، وَكَذَا الْكَافِر بِالْمُسلمِ وَلَو عبدا لِأَنَّهُ أشرف مِنْهُ (لَا لعكس) أَي لَا يقتل العالي بالمنحط عَنهُ لعدم وجود المثلية فَهُوَ مُسْتَغْنى عَنهُ لِأَنَّهُ اشْترط فِي الْقود أَن يماثله من حِين السَّبَب أَي الرَّمْي إِلَى حِين الْمُسَبّب أَي الْمَوْت، فَإِذا كَانَ أَعلَى مِنْهُ بِالْحُرِّيَّةِ أَو الْإِسْلَام حِين السَّبَب أَو الْمُسَبّب لم يقتل بِهِ كَمَا مر فِي الْأَمْثِلَة، وَيفهم من هَذَا أَنه إِذا حدث الْعُلُوّ بِالْإِسْلَامِ وَالْحريَّة بعدهمَا أَي السَّبَب والمسبب لم يسْقط الْقصاص فَإِذا قتل عبد مثله أَو كَافِر مثله ثمَّ أسلم الْكَافِر أَو أعتق العَبْد فَلَا يسْقط الْقصاص لِأَن الْمَانِع إِذا حصل بعد ترَتّب الحكم لَا أثر لَهُ (خَ) : وَلَا يسْقط الْقَتْل عِنْد الْمُسَاوَاة بزوالها بِعِتْق أَو إِسْلَام الخ. وَمثل الْقَتْل الْجرْح فَإِذا قطع رِجل أَو يَد حر مُسلم ثمَّ ارْتَدَّ المقطوعة يَده فالقصاص، وَيفهم أَيْضا من حصره الْعُلُوّ فِي الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام أَنه لَا علو إِلَّا بهما، وَهُوَ كَذَلِك إِذْ لَا أثر لعلو بشرف وَفضل أَو عَدَالَة أَو سَلامَة أَعْضَاء أَو رجولية، بل يقتل الشريف بالمشروف وَالْعدْل بالفاسق وَالصَّحِيح بالمريض وبالأعمى والمقطوع وَالرجل بِالْمَرْأَةِ كَمَا قَالَ: (وَالنِّسَاء كالرجال) وَكَذَا لَا أثر للعدد أَيْضا فَتقْتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ (خَ) : وَقتل الْأَدْنَى بالأعلى كحر كتابي بِعَبْد مُسلم وَالْكفَّار بَعضهم بِبَعْض من كتابي ومجوسي وَمُؤمن كذوي الرّقّ وَذكر وصحيح وضديهما الخ. فَقَوله: وَالْكفَّار الخ. أَي لِأَن الْكفْر كُله مِلَّة وَاحِدَة فَيقْتل الْكِتَابِيّ بالمجوسي وَالْمُؤمن بِغَيْرِهِ، وَقَوله: كذوي الرّقّ أَي وَلَو كَانَ الْقَاتِل ذَا شَائِبَة فَإِنَّهُ يقتل بِمن لَا شَائِبَة فِيهِ، وَقَوله وضديهما أَي ضد الذّكر الْمَرْأَة وضد الصَّحِيح السقيم فَيقْتل الرجل بِالْمَرْأَةِ وَالصَّحِيح بالمريض، وَقَالَ أَيْضا: وَيقتل الْجمع بِوَاحِد والمتمالئون وَإِن بِسَوْط سَوط والمتسبب مَعَ الْمُبَاشر الخ. وَالشّرطُ فِي المقْتُولِ عِصمَةُ الدَّمِ زِيادةٌ لِشَرْطِهِ الْمُسْتَقْدَمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 613 (وَالشّرط فِي الْمَقْتُول) الَّذِي يقْتَصّ لَهُ من قَاتله (عصمَة الدَّم) من حِين السَّبَب الَّذِي هُوَ الرَّمْي إِلَى حِين الْمَوْت فَلَو قتل مُسلم زَانيا مُحصنا أَو قَاتل غيلَة فَلَا يقْتَصّ مِنْهُ لعدم عصمَة دمهما وَإِن كَانَا متساويين لَهُ فِي الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام، بل لَو قَتلهمَا ذمِّي لم يقتل بهما لعدم عصمَة دمهما وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَدَب للافتيات على الإِمَام، وَكَذَا لَو رمى مُسلم مثله فَارْتَد المرمى قبل وُصُول الرَّمية إِلَيْهِ فوصلت إِلَيْهِ وَمَات فَإِنَّهُ لَا يقتل بِهِ وَكَذَا لَو جرحه فَارْتَد الْمَجْرُوح أَو زنى فِي حَال إحْصَانه ثمَّ نزى وَمَات لِأَنَّهُ صَار إِلَى مَا أحل دَمه فِي الصُّورَتَيْنِ وَلم تستمر عصمته للْمَوْت، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ دِيَة الْمُرْتَد وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي الْمُحصن غير الْأَدَب لافتياته على الإِمَام. وَكَذَا لَو رمى كتابي مُرْتَدا فجرحه ثمَّ أسلم الْمُرْتَد ونزى وَمَات فَإِنَّهُ لَا يقتل بِهِ لِأَنَّهُ حِين السَّبَب كَانَ غير مَعْصُوم (زِيَادَة) مَنْصُوب على الْحَال أَي حَال كَون الْعِصْمَة زِيَادَة (لشرطه) أَي على الشَّرْط فِي الْقصاص (المستقدم) لِأَنَّهُ تقدم لَهُ أَنه يشْتَرط فِي الْقصاص ثُبُوت الْقَتْل عمدا، وَكَون الْقَاتِل مُكَلّفا مكافئاً للمقتول أَي غير زَائِد عَلَيْهِ بحريّة أَو إِسْلَام وَغير حَرْبِيّ، وَيُزَاد على ذَلِك كَون الْمَقْتُول مَعْصُوم الدَّم لِأَنَّهُ قد يكون مكافئاً فِي الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام، وَلَكِن دَمه غير مَعْصُوم كَمَا مر. وَلَو أبدل النَّاظِم هَذَا الشّطْر بقوله: من حَالَة الرَّمْي لوقت الْعَدَم، لوفى بالمراد. وَقد اشْتَمَل كَلَامه من أول الْفَصْل إِلَى هُنَا على أَرْكَان الْقصاص الثَّلَاثَة كَمَا تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهَا، وَالْفُقَهَاء يطلقون على الرُّكْن شرطا وَبِالْعَكْسِ، وَأَشَارَ (خَ) لهَذَا الرُّكْن بقوله: مَعْصُوما للتلف والإصابة الخ. أَي مَعْصُوما للْمَوْت لَا حِين الْجرْح فَقَط وللإصابة لَا حِين الرَّمْي فَقَط. وإنْ وَلِيُّ الدَّمِ للمَالِ قَبِلْ والقوْدَ استحقَّهُ فِيمَن قُتِلْ (وَإِن ولي الدَّم) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره مَا بعده (لِلْمَالِ) اللَّام زَائِدَة لِأَنَّهُ مفعول لقَوْله (قبل) الْمُفَسّر للمحذوف الْمَذْكُور (و) الْحَال أَن (الْقود اسْتَحَقَّه) الْوَلِيّ الْمَذْكُور (فِيمَن) أَي فِي قَرِيبه الَّذِي (قتل) وَمَعْنَاهُ أَن الْوَلِيّ إِذا قبل المَال كَانَ أقل من الدِّيَة أَو أَكثر، وَقد كَانَ اسْتحق الْقود فِي قَرِيبه الْمَقْتُول بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدّمَة فَفِي ذَلِك قَولَانِ لأَشْهَب وَابْن الْقَاسِم. فأشهبُ قَالَ لِلاستِحْيَاءِ يُجْبَرُ قاتلٌ على الإعْطَاءِ (فأشهب قَالَ للاستحياء يجْبر قَاتل على الْإِعْطَاء) لِلْمَالِ الَّذِي قبله الْوَلِيّ إِذا كَانَ مَلِيًّا بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 614 وليسَ ذَا فِي مَذْهبِ ابنِ القَاسِمِ دونَ اخْتيارِ قاتِلٍ بِلاَزمِ (وَلَيْسَ ذَا فِي مَذْهَب ابْن الْقَاسِم دون اخْتِيَار قَاتل بِلَازِم) الْإِشَارَة بذا للجبر الْمُتَقَدّم أَي لَيْسَ الْجَبْر على دفع المَال الَّذِي قبله الْوَلِيّ لَازِما فِي مَذْهَب ابْن الْقَاسِم دون اخْتِيَار الْقَاتِل لَهُ وَرضَاهُ بِهِ، لِأَن الْوَاجِب عِنْده هُوَ الْقود أَو الْعَفو مجَّانا وَالدية لَا تكون إِلَّا برضاهما مَعًا، فَإِذا قَالَ الْقَاتِل: إِمَّا أَن تقتص أَو تَعْفُو مجَّانا. وَقَالَ الْوَلِيّ: إِنَّمَا أعفو على مَال قدره كَذَا وَأَنت ملي بِهِ، فَإِن الْقَاتِل لَا يجْبر على ذَلِك فِي مَذْهَب ابْن الْقَاسِم وَهُوَ الْمَشْهُور (خَ) فالقود عينا. وَقَالَ أَشهب: وَرَوَاهُ عَن مَالك يجْبر لِأَنَّهُ وجد سَبِيلا لحقن دَمه فَلَيْسَ لَهُ أَن يسفكه قَالَ: وَلَو فدَاه من أَرض الْعَدو لَكَانَ عَلَيْهِ مَا فدَاه بِهِ فالولي عِنْده مُخَيّر بَين أَن يقْتَصّ أَو يقبل الدِّيَة فَيجْبر الْقَاتِل على دَفعهَا حَيْثُ كَانَ مَلِيًّا بهَا. وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ وَهُوَ مُقْتَضى الحَدِيث كَمَا فِي (ح) . وعفوُ بعضٍ مُسقِطُ القَصاصِ مَا لم يكن من قُعْدُد انتِقاصِ (وعفو بعض) الْأَوْلِيَاء الْمُسْتَحقّين للدم المتساوين فِي الدرجَة كَابْن من الْأَبْنَاء أَو عَم من الْأَعْمَام (مسْقط الْقصاص) لِأَن عَفوه يتنزل منزلَة عَفْو الْجَمِيع (خَ) : وَسقط إِن عَفا رجل كالباقي أَي مساوٍ للْبَاقِي فِي الدرجَة، وَإِذا سقط بِعَفْو الْبَعْض فَلِمَنْ لم يعف نصِيبه من دِيَة عمد كَمَا قَالَ أَيْضا: وَمهما أسقط الْبَعْض فَلِمَنْ بَقِي نصِيبه من دِيَة عمد (مَا لم يكن) الْعَافِي (من قعدد انتقاص) أَي أبعد من دَرَجَة من بَقِي فَعبر بانتقاص عَن الْأَبْعَد فَكَأَنَّهُ يَقُول: يسْقط الْقصاص بِعَفْو الْبَعْض مَا لم يكن الْبَعْض الْعَافِي من قعدد أبعد من قعدد من بَقِي من وُلَاة الدَّم كعفو الْعم مَعَ وجود الْأَخ أَو عَفْو الْأَخ مَعَ وجود الابْن فَإِنَّهُ لَا يسْقط الْقصاص بذلك إِذْ لَا كَلَام للأبعد مَعَ الْأَقْرَب. وَاعْلَم أَن الْمُسْتَحقّين للدم تَارَة يكون جَمِيعهم رجَالًا وَتارَة يكون جَمِيعهم نسَاء، وَتارَة يكونُونَ رجَالًا وَنسَاء فالقسم الأول يسْقط الْقَتْل بِعَفْو وَاحِد مِنْهُم وترتيبهم كَالنِّكَاحِ فَيقدم الابْن فابنه فأخ فابنه إِلَّا الْجد والأخوة فهما فِي مرتبَة وَاحِدَة فَلَا يقدم أَحدهمَا على الآخر (خَ) : والاستيفاء للعاصب كالولاء إِلَّا الْجد وَالْأَخ فسيان، وَالْقسم الثَّانِي إِمَّا أَن يحزن الْمِيرَاث كُله أَو لَا فَإِذا لم يحزنهُ كالبنات أَو الْأَخَوَات فَلَهُنَّ الْقَتْل وَإِن عَفا بَعضهنَّ نظر السُّلْطَان (خَ) : وَإِن عفت بنت من بَنَات يَعْنِي أَو أُخْت من أَخَوَات أَو بَنَات ابْن نظر السُّلْطَان فيمضي مَا يرَاهُ سداداً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 615 وصواباً من عَفْو أَو قتل، وَإِنَّمَا كَانَ ينظر لِأَنَّهُ يَرث الْبَاقِي، وَإِذا اجْتمعت الْأُم مَعَ الْبَنَات فَلَا كَلَام للْأُم فِي عَفْو وَعَدَمه بل الْكَلَام للبنات فَقَط كَمَا فِي الشَّامِل وَغَيره، وَإِن حزن الْمِيرَاث كَبِنْت وَأُخْت فالبنت أولى بِالْقَتْلِ أَو بِالْعَفو (خَ) : وَالْبِنْت أولى من الْأُخْت فِي عَفْو وضده، وَالْقسم الثَّالِث: إِمَّا أَن يكون الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي دَرَجَة وَاحِدَة أم لَا. فَإِن كَانُوا فِي دَرَجَة وَاحِدَة كبنين وَبَنَات أَو إخْوَة وأخوات فَلَا كَلَام للنِّسَاء فِي عَفْو وَلَا ضِدّه، فَهُوَ كَمَا لَو انْفَرد الرِّجَال وحدهم كَمَا فِي الْقسم الأول، وَإِن لم يَكُونُوا فِي دَرَجَة وَاحِدَة، بل كَانَ الرِّجَال أبعد فإمَّا أَن يحوز النِّسَاء الْمِيرَاث كُله أم لَا. فَإِن لم يحزنهُ كالبنات والأخوة والأعمام فَلَا عَفْو إِلَّا باجتماع الْبَعْض من الْفَرِيقَيْنِ، وَالْقَوْل لمن طلب الْقَتْل حَيْثُ انْفَرد أحد الْفَرِيقَيْنِ بِالْعَفو وَثَبت الْقَتْل بقسامة أَو بَيِّنَة، وَإِن حزنه كالبنات وَالْأَخَوَات والأعمام فَإِن ثَبت الْقَتْل بقسامة فَلَا عَفْو إِلَّا باجتماعهم أَيْضا، وَإِن ثَبت بغَيْرهَا فَلَا كَلَام للْعصبَةِ مَعَهُنَّ، وَإِلَى هَذَا الْقسم أَشَارَ (خَ) عاطفاً على الِاسْتِيفَاء للعاصب بقوله: وللنساء أَي والاستيفاء للنِّسَاء إِن ورثن وَلم يساوهن عاصب وَلكُل الْقَتْل وَلَا عَفْو إِلَّا باجتماعهم كَأَن حزن الْمِيرَاث وَثَبت بقسامة الخ. فاحترز بقوله: إِن ورثن من نَحْو الْعمة وَالْخَالَة فَإِنَّهُ لَا كَلَام لَهما وَلَو انفردتا لعدم إرثهما، وَلَا بُد أَن يكون النِّسَاء الوارثات لَو قدرن ذكرا لعصبن لتخرج الْأُخْت للْأُم وَالزَّوْجَة وَالْجدّة للْأُم لِأَنَّهُنَّ لَا كَلَام لَهُنَّ، وَإِن ورثن ولتدخل الْأُم لِأَنَّهَا لَو قدرت ذكرا عصبت، وَاحْترز بقوله: وَلم يساوهن عاصب مِمَّا لَو ساواهن عاصب فَإِنَّهُ لَا كَلَام لَهُنَّ مَعَه كَمَا مر فِي الْحَالة الأولى من هَذَا الْقسم، وَقَوله: وَلكُل الْقَتْل لَو أَخّرهُ عَن قَوْله: وَلَا عَفْو إلاّ باجتماعهم لَكَانَ أولى يَعْنِي إِذا لم يحز النِّسَاء الْمِيرَاث وعصبهن عاصب أَسْفَل مِنْهُنَّ فَلَا عَفْو إِلَّا باجتماع الْبَعْض من الْفَرِيقَيْنِ وإلاَّ فَالْقَوْل لمن طلب الْقَتْل كَمَا مر فِي الْحَالة الثَّانِيَة من هَذَا الْقسم أَيْضا. وَقَوله: كَأَن حزن الْمِيرَاث الخ. هِيَ الْحَالة الثَّالِثَة مِنْهُ، والتشبيه فِي قَوْله: وَلكُل الْقَتْل وَلَا عَفْو إِلَّا باجتماعهم، وَمَفْهُومه إِذا ثَبت الْقَتْل بِغَيْر قسَامَة لَا كَلَام لعاصب مَعَهُنَّ، وَقد نظم هَذِه الْأَقْسَام سَيِّدي عبد الْوَاحِد الوانشريسي بقوله: إِذا انْفَرد الرِّجَال وهم سَوَاء فَمن يعْفُو يبلغ مَا يَشَاء ودع قَول الْبعيد بِكُل وَجه كَأَن ساوت بقعددهم نسَاء فَإِن يكن النِّسَاء أدنى فتمم بوفق جَمِيعهم عفوا تشَاء وَإِن إِرْثا يحزن فدع رجَالًا إِذا ثبتَتْ فَلَا قسم دِمَاء فالبيت الأول وَشطر الثَّانِي هُوَ مَا احتوى عَلَيْهِ الْقسم الأول من هَذِه الْأَقْسَام، وَقَوله: كَأَن ساوت الخ. هُوَ الْحَالة الأولى من الْقسم الثَّالِث. وَقَوله: فَإِن يكن النسا أدنى الخ. شَامِل للحالة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة مِنْهُ إِلَّا أَنه فِي الثَّالِثَة إِذا حزن الْمِيرَاث وَثَبت بقسامة وَمعنى أدنى أقرب أَي أقرب من الرِّجَال، وَيقْرَأ النسا بِالْقصرِ للوزن وَقَوله: وَإِن إِرْثا يحزن الخ. هُوَ مَفْهُوم ثَبت بقسامة من الْحَالة الثَّالِثَة، وَبَقِي عَلَيْهِ الْقسم الثَّانِي من الْأَقْسَام الثَّلَاثَة وَهُوَ: مَا إِذا لم يكن مَعَهُنَّ عاصب أصلا، وَلذَا ذيله الشَّيْخ (م) بقوله: كَذَا إِذا انفردن وحزن مَالا فَحكم للقريبة مَا تشَاء وَإِن إِرْثا يشط لبيت مَال فحاكمنا يجنب مَا يَشَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 616 وَإِنَّمَا أطلنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وتعرضنا لشرح نظمها لتشعبه وتشعبها على كثير من الطّلبَة. تَنْبِيه: إِذا لم يكن للمقتول مُسْتَحقّ لدمه لَا من الرِّجَال وَلَا من النِّسَاء فَإِن الإِمَام يقْتَصّ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ الْعَفو إِلَّا أَن يكون الْقَاتِل والمقتول كَافِرين ثمَّ يسلم الْقَاتِل. وشُبْهَةٌ تدرَؤهُ وَمِلْكُ بعضِ دمِ الَّذِي اعتَرَاه الهلْكُ (وشبهة تدرؤه) أَي الْقصاص وتوجب الدِّيَة على الْعَاقِلَة كضرب الزَّوْج لزوجته وَالْأَب لوَلَده والمعلم للمتعلم بِآلَة يُؤَدب بِمِثْلِهَا، وَيحمل فعله على الْخَطَأ لَا بِمَا لَا يُؤَدب بِمثلِهِ كلوح فَهُوَ على الْعمد كَمَا مر أول الْبَاب قَالَ فِي الشَّامِل: وَمن جَازَ لَهُ فعل بِضَرْب وَشبهه حمل على الْخَطَأ حَتَّى يثبت الْعمد كأب وَزوج ومعلم وطبيب وخاتن الخ (و) كَذَا يدرؤه (ملك بعض دم الَّذِي اعتراه الهلك) وَهُوَ الْمَقْتُول كأربعة أَوْلَاد قتل أحدهم أَبَاهُ فالدم للثَّلَاثَة، فَإِذا مَاتَ أحدهم سقط الْقصاص عَن الْقَاتِل لإرثه من أَخِيه الْمَيِّت بعض دم الْأَب فَصَارَ كعفو الْبَعْض، وَأَحْرَى لَو ملك جَمِيع دَمه كابنين قتل أَحدهمَا أَبَاهُ ثمَّ مَاتَ غير الْقَاتِل فورثه الْقَاتِل (خَ) : تَشْبِيها فِي سُقُوط الْقصاص كإرثه وَلَو قسطاً من نَفسه وإرثه كَالْمَالِ الخ. وَمَا بعد الْمُبَالغَة هُوَ نَص النَّاظِم. وَهَذَا الحكم إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ الْبَاقِي يسْتَقلّ بِالْعَفو، وَأما إِن كَانَ لَا يسْتَقلّ كَمَا لَو كَانُوا رجَالًا وَنسَاء والتكلم للْجَمِيع كمن قتل أَخَاهُ وَترك الْمَقْتُول بنتين وَثَلَاثَة أخوة أشقاء غير الْقَاتِل فَمَاتَ أحدهم فقد ورث الْقَاتِل قسطاً من دم نَفسه فَلَا يسْقط الْقَتْل حَتَّى تَعْفُو البنتان أَو إِحْدَاهمَا. وحيثُ تَقْوَى تُهمةٌ فِي المدَّعَى عَلَيْهِ فالسِّجْنُ لَهُ قد شُرِعَا (وَحَيْثُ تقوى تُهْمَة فِي الْمُدعى عَلَيْهِ) وَلم تصل إِلَى حد اللوث الْمُوجب للقسامة وَأَحْرَى لَو وصل إِلَى حد الْقسَامَة وَلم يُوجد من يطْلبهَا أَو تورع الْأَوْلِيَاء عَنْهَا (فالسجن) الطَّوِيل (لَهُ قد شرعا) حَتَّى يكْشف أمره، وَظَاهره وَلَو كَانَ مَجْهُول الْحَال وَلَو بِمُجَرَّد الدَّعْوَى وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مر فِي بَابي السّرقَة وَالْغَصْب، وَقد تقدم هُنَا مَا فِيهِ كِفَايَة. وَفِي ابْن سَلمُون: وَإِن قويت عَلَيْهِ تُهْمَة وَلم تتَحَقَّق تَحْقِيقا يُوجب الْقسَامَة حبس الْحَبْس الطَّوِيل. قَالَ ابْن حبيب: حَتَّى تتَحَقَّق بَرَاءَته أَو تَأتي عَلَيْهِ السنون الْكَثِيرَة. قَالَ مَالك: وَلَقَد كَانَ الرجل يسجن فِي الدَّم باللطخ والشبهة حَتَّى إِن أَهله يتمنون لَهُ الْمَوْت من طول سجنه اه. وَتقدم أَنه رُبمَا يسجن أبدا وَأَنه يضْرب وَذَلِكَ يخْتَلف باخْتلَاف شهرته بذلك وَعدم شهرته، وَفِي أَحْكَام ابْن سهل الْكُبْرَى: وَمن جَاءَك وَعَلِيهِ جراح مخوفة فاحبس الْمُدعى عَلَيْهِ بِالدَّمِ حَتَّى يَصح الْمَجْرُوح أَو تتبين حَالَة توجب إِطْلَاقه، وَمن جَاءَك معافى فِي بدنه من الْجراح يَدعِي على رجل ضربا مؤلماً فَإِن ثَبت تعدِي الْمُدعى عَلَيْهِ فعزره وَإِن رَأَيْت حَبسه فَذَلِك إِلَيْك على مَا يظْهر لَك من شنعة مَا يثبت عَلَيْهِ، وَمن جَاءَ بِجرح خَفِيف وَهُوَ مِمَّن يظنّ بِهِ أَنه يرتكب مثل هَذَا من نَفسه فاسلك بِهِ سَبِيل الْمعَافى من الْجراح، فَإِذا فعلت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 617 هَذَا ارْتَفَعت الْيَد العادية وانتفعت بِهِ الْعَامَّة وحفظت بذلك دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالهمْ اه. بِاخْتِصَار. والعفوُ لَا يُغْنِي عَنِ القَرَابهْ فِي القَتْلِ والْغَيْلَةِ وَالحِرَابهْ (وَالْعَفو لَا يُغني من الْقَرَابَة) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صفة للعفو وَالتَّقْدِير: وَالْعَفو الْكَائِن من الْقَرَابَة حَال كَونه كَائِنا (فِي الْقَتْل والغيلة والحرابة) لَا يُغني عَن قتل الْقَاتِل لِأَن الْقَتْل فيهمَا حد من حُدُود الله تَعَالَى لَا يجوز إِسْقَاطه لَا للْإِمَام وَلَا لغيره، فَهَذَا الْبَيْت كالتخصيص لعُمُوم قَوْله: وعفو بعض مسْقط الْقصاص الخ. فنبه هُنَا على أَن ذَلِك خَاص بِغَيْر الغيلة والحرابة، وَأما هما فَلَا عَفْو فيهمَا، وَظَاهره وَلَو كَانَ الْمَقْتُول غيلَة وحرابة كَافِرًا أَو عبدا، وَظَاهره أَيْضا وَلَو جَاءَ تَائِبًا وَلَو لم يُبَاشر الْقَتْل بل أعَان عَلَيْهِ وَلَو بجاهه وَهُوَ كَذَلِك فِي الْجَمِيع (خَ) : وبالقتل يجب قَتله وَلَو بِكَافِر أَو إِعَانَة وَلَو جَاءَ تَائِبًا وَلَيْسَ للْوَلِيّ الْعَفو الخ. لَكِن إِذا جَاءَ الْمُحَارب تَائِبًا قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ سقط حق الله وَبَقِي حق الْآدَمِيّ فَلهُ الْعَفو حِينَئِذٍ كَمَا لشراحه فَأَما الغيلة فَهِيَ من أَنْوَاع الْحِرَابَة وَهِي أَن يقْتله لأخذ مَاله أَو زَوجته أَو ابْنَته، وَكَذَا لَو خدع كَبِيرا أَو صَغِيرا فيدخله موضعا خَالِيا ليَقْتُلهُ وَيَأْخُذ مَاله (خَ) : ومخادع الصَّبِي أَو غَيره ليَأْخُذ مَا مَعَه. قَالَ فِي الرسَالَة: وَقتل الغيلة لَا عَفْو فِيهِ. الْجُزُولِيّ: يَعْنِي لَا للمقتول وَلَا للأولياء وَلَا للْإِمَام لِأَن الْحق فِيهِ لله تَعَالَى اه. وَظَاهره وَلَو جَاءَ تَائِبًا وَهُوَ كَذَلِك، وَقيل إِذا جَاءَ تَائِبًا للْوَلِيّ الْعَفو كالمحارب والغيلة لَا تثبت إِلَّا بعدلين لَا بِشَاهِد وقسامة كَمَا مر، وَأما الْحِرَابَة فَتثبت حَتَّى بالشهرة (خَ) : وَلَو شهد اثْنَان أَنه المشتهر بهَا ثبتَتْ وَإِن لم يعايناها. وَمِائَة يُجْلَدُ بالأحْكَامِ مَن عَنهُ يُعْفَى مَعْ حَبْسِ عامِ (وَمِائَة يجلد) أَي يضْرب (فِي الْأَحْكَام من عَنهُ يُعْفَى) بعد ثُبُوت الْقَتْل عَلَيْهِ عمدا بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار أَو لوث بعد الْقسَامَة أَو قبلهَا، وَلَو قَامَ اللوث على جمَاعَة وقسموا على وَاحِد عينوه لَهَا فَإِن على أَصْحَابه ضرب مائَة (مَعَ حبس عَام) بعد الْجلد الْمَذْكُور وَلَا يحْسب فِيهِ سجنه قبل ذَلِك، وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 618 مَفْهُوم لقَوْله: يُعْفَى بل كَذَلِك إِذا لم يكن عَفْو، وَلَكِن سقط الْقَتْل لعدم التكافىء (خَ) : وَعَلِيهِ أَي الْقَاتِل عمدا وَلَو عبدا أَو ذِمِّيا جلد مائَة ثمَّ حبس سنة وَإِن بقتل مَجُوسِيّ أَو عبد الخ. وَالْحَبْس قبل الْعَفو لَا بُد فِيهِ من الْحَدِيد بِخِلَافِهِ بعده فَيحْبس بِغَيْر حَدِيد، وَتقدم فِي بَاب السّرقَة أَن الْقَتْل إِذا ثَبت بِإِقْرَار رَجَعَ عَنهُ وَعَفا عَنهُ الْوَلِيّ لَا حبس فِيهِ وَلَا ضرب. والصّلحُ فِي ذَاك مَعَ العَفْوِ استوَى كَمَا هما فِي حُكْمِ الإسقاطِ سَوَا (وَالصُّلْح فِي ذَاك) الْقصاص الْمُتَقَدّم (مَعَ الْعَفو) مجَّانا (اسْتَوَى) فِي جلد مائَة وسجن عَام لِأَن الضَّرْب والسجن الْمَذْكُورين حقان لله لَا يسقطان بِالْعَفو مجَّانا وَلَا بِالصُّلْحِ على مَال (كَمَا هما) أَي الْعَفو وَالصُّلْح (فِي حكم الْإِسْقَاط) للْقَتْل (سوا) وَهَذَا الشّطْر تتميم للبيت. وَديَةُ العَمْدِ كذاتِ الخَطَإ أَو مَا تَرَاضَى فِيهِ بينَ المَلإ (و) حَيْثُ عَفا بعض الْمُسْتَحقّين للدم أَو صَالح أَو عفوا كلهم أَو بَعضهم على دِيَة مُبْهمَة، فَالْوَاجِب لمن لم يعف وَلم يُصَالح فِي ذَلِك كُله (دِيَة الْعمد) كَمَا تقدم فِي قَوْله (خَ) : وَمهما أسقط الْبَعْض فَلِمَنْ بَقِي نصِيبه من دِيَة عمد لَا ينقص لَهُ من نصِيبه مِنْهَا شَيْء إِلَّا بِرِضَاهُ لتقرر الدِّيَة فِي ذمَّة الْقَاتِل بِعَفْو الْبَعْض أَو صلحه وقدرها. (كذات الخطا) فِي كَونهَا مائَة من الْإِبِل إِلَّا أَنَّهَا تكون مربعة بِحَذْف ابْن اللَّبُون كَمَا يَأْتِي فَيَأْخُذ من لم يعف، وَلم يُصَالح نصِيبه مِنْهَا حَيْثُ كَانُوا من أهل الْإِبِل أَو من قيمتهَا حَيْثُ كَانُوا من أهل بقر أَو غنم، وَيَأْخُذ نصِيبه من ألف دِينَار إِن كَانُوا من أهل الذَّهَب، وَهَكَذَا. وَقَوْلِي: مُبْهمَة مِثَاله أَن يَقُول: عَفَوْت عَنْك على دِيَة ويرضى الْقَاتِل فَإِن قدرهَا حِينَئِذٍ كذات الْخَطَأ فَإِن بَين شَيْئا كَأَن يَقُول: عَفَوْت عَنْك على ألف عبد أَو بقرة أَو جمل، وَنَحْو ذَلِك من قَلِيل أَو كثير عمل عَلَيْهِ حَيْثُ رَضِي الْقَاتِل بذلك كَمَا قَالَ: (أَو) للتنويع أَي نوع مِنْهَا قدره كذات الْخَطَأ وَهُوَ مَا تقدم وَنَوع مِنْهَا قدره (مَا تراضى فِيهِ) الْقَاتِل (بَين) أَي مَعَ (الْمَلأ) أَي جمَاعَة الْأَوْلِيَاء كَانَ مَا تراضوا عَلَيْهِ مثل دِيَة الْخَطَأ أَو أقل أَو أَكثر (خَ) : وَجَاز صلحه فِي عمد بِأَقَلّ أَو بِأَكْثَرَ أَي لِأَن الْعمد لَا شَيْء فِيهِ مُقَدّر من الشَّارِع، فَإِن لم يرض الْقَاتِل بِدفع المَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 619 وَقَالَ: إِنَّمَا لَك الْقَتْل أَو الْعَفو مجَّانا فَإِنَّهُ لَا يجْبر على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم وَيجْبر على قَول أَشهب كَمَا مر. تَنْبِيه: إِذا عَفا الْوَلِيّ عَن الْقَاتِل عفوا مُطلقًا لم يذكر فِيهِ دِيَة ثمَّ بعد ذَلِك قَالَ: إِنَّمَا عَفَوْت لأجل الدِّيَة فَإِنَّهُ لَا يصدق فِي ذَلِك إِلَّا أَن يظْهر من حَاله وقرائن الْأَحْوَال أَنه أَرَادَ ذَلِك كَقَوْلِه عِنْد الْعَفو: لَوْلَا الْحَاجة مَا عَفَوْت عَنهُ أَو يكون الْوَلِيّ فَقِيرا أَو الْقَاتِل مَلِيًّا كَمَا فِي ابْن رحال فَإِنَّهُ يحلف ويبقي على حَقه إِن امْتنع الْقَاتِل (خَ) : وَلَا دِيَة لعاف مُطلقًا إِلَّا أَن يظْهر إرادتها فَيحلف ويبقي على حَقه إِن امْتنع الخ. وَظَاهره كظاهر الْمُدَوَّنَة أَنه إِذا علمت الْقَرِينَة عِنْد الْعَفو يصدق سَوَاء قَامَ بِالْقربِ أَو بعد طول وَهُوَ كَذَلِك خلافًا لما فِي الزّرْقَانِيّ. وَهْيَ إِذا مَا قُبِلَتْ وسُلِّمَتْ بحَسَبِ المِيراثِ قَدْ تَقَسَّمَتْ (وَهِي) أَي دِيَة الْعمد (إِذا مَا) زَائِدَة (قبلت) من الْقَاتِل تكون حَالَة عَلَيْهِ لَا منجمة إِلَّا بِرِضا الْأَوْلِيَاء وَتَكون فِي مَاله لَا على الْعَاقِلَة فَإِن كَانَ عديماً اتبعت ذمَّته بهَا (و) إِذا (سلمت) للأولياء وَدفعت لَهُم فَإِنَّهَا (بِحَسب الْمِيرَاث قد تقسمت) على فَرَائض الله تَعَالَى بعد قَضَاء دُيُونه فتأخذ مِنْهَا الزَّوْجَة وَالْأَخ للْأُم وَلَا شَيْء لأهل الْوَصَايَا مِنْهَا لِأَنَّهُ مَال طَرَأَ لم يعلم بِهِ الْمُوصي والوصايا إِنَّمَا تدخل فِيمَا علم بِهِ كَمَا مر فِي بَابهَا، بل لَو قَالَ: إِن قبل أَوْلَادِي الدِّيَة، أَو قَالَ: وصيتي فِيمَا علمت وَفِيمَا لم أعلم لم تدخل الْوَصَايَا فِي شَيْء من الدِّيَة، ابْن رشد: لِأَنَّهُ مَال لم يكن، نعم إِن أنفذت مقاتله وَقبل وَارثه الدِّيَة وَعلم بقبوله إِيَّاهَا فَإِن الْوَصَايَا حِينَئِذٍ تدخل فِي الدِّيَة، سَوَاء كَانَت الْوَصَايَا قبل الْعلم أَو بعده (خَ) : بِخِلَاف الْعمد فَلَا تدخل الْوَصَايَا فِي دِيَته إِلَّا أَن ينفذ مَقْتَله وَيقبل وَارثه الدِّيَة وَعلم الخ. بِخِلَاف دِيَة الْخَطَأ فَإِن الْوَصَايَا تدخل فِيهَا إِن عَاشَ بعد الْجرْح مَا يُمكنهُ فِيهِ التَّغْيِير فَلم يُغير، وَظَاهر قَول النَّاظِم: بِحَسب الْمِيرَاث الخ. وَلَو ثَبت الْقَتْل بقسامة الْعصبَة المحجوبين بذوي الْفُرُوض مثلا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مر عِنْد قَوْله: ويحلفونها على الْبَتَات الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى قدر الدِّيَة وحبسها وَهِي كَمَا قَالَ ابْن عَرَفَة: مَال يجب بقتل آدَمِيّ حر عَن دَمه أَو بجرحه مُقَدرا شرعا لَا بِاجْتِهَاد الخ. فَقَوله مَال يَشْمَل الْإِبِل وَغَيرهَا، وَذَلِكَ يخْتَلف باخْتلَاف النَّاس، وَخرج بِالْحرِّ العَبْد فَإِنَّمَا فِيهِ الْقيمَة أَو مَا نَقصه إِن برىء على شين، وَخرج بقوله مُقَدرا شرعا الْحُكُومَة فَإِنَّهَا بِالِاجْتِهَادِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَفِي جراح الْخَطَأ الْحُكُومَة الخ فَقَالَ: وَجُعِلتْ دِيةُ مُسلِمٍ قُتِلْ على البوادِي مائَة مِنَ الإبِلْ (وَجعلت دِيَة) حر (مُسلم قتل) خطأ أَو عمدا وعفي عَنهُ على دِيَة مُبْهمَة أَو عَفا الْبَعْض أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 620 صَالح فَلِمَنْ لم يعف وَلم يُصَالح نصِيبه من الدِّيَة كَمَا مر أَو قدرهَا فِي الْخَطَأ والعمد الْمَذْكُورين (على) أهل (الْبَوَادِي) القاتلين (مائَة من الْإِبِل) إِن كَانُوا أهل إبل إِلَّا أَنَّهَا فِي الْخَطَأ مخمسة كَمَا يَأْتِي منجمة على الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين تحل بأواخرها، والجاني كواحد مِنْهُم، وَأما فِي الْعمد فَهِيَ على الْقَاتِل وَحده حَالَة عَلَيْهِ مربعة كَمَا قَالَ: والحُكْمُ بالتَّرْبِيع فِي العَمْدِ وَجَبْ وألفُ دِينارٍ على أهْلِ الذّهَبْ (وَالْحكم بالتربيع فِي الْعمد وَجب) فَيُؤَدِّي خمْسا وَعشْرين من كل صنف من الْأَصْنَاف الْآتِيَة (خَ) : وربعت فِي عمد بِحَذْف ابْن اللَّبُون، وَفهم مِنْهُ أَنَّهَا لَا تربع فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة أَي لَا تغلظ فيهمَا، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور بِخِلَاف الْمُثَلَّثَة الْآتِيَة فِي قَوْله: وغلظت وثلثت فِي الْإِبِل، فَإِنَّهَا تغلظ فِيهَا كَمَا يَأْتِي (و) قدرهَا (ألف دِينَار على أهل الذَّهَب) كالشامي والمصري والمغربي وَصرف الدِّينَار إثنا عشر درهما شَرْعِيًّا كَمَا تقدم فِي بَاب النِّكَاح. وَقَدْرُها على أُوْلي الوَرقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَا أَدْنَى (وقدرها لأهل ورق) بِسُكُون الرَّاء لُغَة كالعراق وَفَارِس وخراسان. (اثْنَا عشر ألف دِرْهَم لَا أدنى) من ذَلِك فَإِن لم يَكُونُوا من أهل الْإِبِل وَلَا الذَّهَب وَلَا الْوَرق بل كَانُوا أهل خيل أَو بقر أَو غنم فَهَل يكلفون بِمَا يجب على أقرب الحواضر إِلَيْهِم أَو يكلفون بِدفع قيمَة الْإِبِل لِأَنَّهَا الأَصْل وَاسْتظْهر الأول. وَفهم من النّظم أَن الْمُعْتَبر أهل الْقَاتِل فِي جَمِيع هَذِه الْأُمُور لَا أهل الْمَقْتُول، وَفهم مِنْهُ أَيْضا أَن أهل الْإِبِل إِذا أَرَادوا أَن يؤدوها من الذَّهَب أَو أهل الذَّهَب أَرَادوا أَن يؤدوها من الْإِبِل لَا تقبل مِنْهُم إِلَّا بِرِضا الْأَوْلِيَاء ويراعى فِي ذَلِك حِينَئِذٍ بيع الدّين فَلَا يجوز أَخذ ذهب عَن ورق لأجل لِأَنَّهُ صرف مُؤخر، وَيجوز مَعَ حلولهما وتعجيلهما لِأَنَّهُ صرف لما فِي الذِّمَّة وَصرف مَا فِي الذِّمَّة جَائِز بعد حلولهما لَا قبله، وَأما أَخذ الْعرض نَقْدا من أهل الذَّهَب أَو الْوَرق فَجَائِز وَلَو لم يحل كَبيع الدّين، وَيجوز أَخذ الثَّوْب أَو الذَّهَب أَو الْوَرق من أهل الْإِبِل إِن عجل بِالْفِعْلِ، وإلاَّ فَلَا. لما يلْزم عَلَيْهِ من فسخ الدّين فِي الدّين، وَلَا يجوز أَيْضا أَخذ إبل أَو ذهب أَو ورق أقل من الْوَاجِب قبل حُلُول أجلهَا لما يلْزم عَلَيْهِ من ضع وتعجل، وَلَا أَخذ أَكثر لأبعد من الْأَجَل لِأَنَّهُ سلف بِزِيَادَة. ونِصْفُ مَا ذُكِرَ فِي اليَهُودِ وَفِي النّصَارى ثَابتُ الوُجودِ (وَنصف مَا ذكر) وَهُوَ خَمْسُونَ من الْإِبِل مخمسة فِي الْخَطَأ ومربعة فِي الْعمد أَو خَمْسمِائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 621 دِينَار أَو سِتَّة آلَاف دِرْهَم (فِي) قتل (الْيَهُودِيّ) ذِمِّيا أَو معاهداً (و) الحكم كَذَلِك (فِي) قتل الْوَاحِد من (النَّصَارَى) وَقَوله (ثَابت الْوُجُود) خبر عَن نصف وَالْمَجْرُور مُتَعَلق بِهِ قَالَ (ت) : وَكَانَ من حَقه أَن يزِيد هُنَا بَيْتا فَيَقُول مثلا: وَفِي الْمَجُوسِيّ وَفِي الْمُرْتَد ثلث خمس فادره بالعد وَيقْرَأ ثلث بِضَم اللَّام، وَخمْس بِسُكُون الْمِيم للوزن فديَة الْمَجُوسِيّ، وَالْمُرْتَدّ من الذَّهَب سِتَّة وَسِتُّونَ دِينَارا وَثلثا دِينَار، وَمن الْفضة ثَمَانمِائَة دِرْهَم، وَمن الْإِبِل سِتَّة أَبْعِرَة وَثُلُثَانِ. وَفِي النِّسَاءِ الحُكْمُ تَنْصِيفُ الدّيهْ وحالُهُ فِي كلِّ صِنْفٍ مُغْنِيَهْ (وَفِي النِّسَاء) من كل صنف تقدم مسلمات أَو كتابيات أَو مجوسيات أَو مرتدات. (الحكم تنصيف الدِّيَة) فديَة كل امْرَأَة على نصف دِيَة ذكر ملتها (وحاله) أَي التنصيف (فِي كل صنف مغنيه) عَن بَيَانهَا فَيجب فِي الْمسلمَة خَمْسُونَ من الْإِبِل، وَفِي الْيَهُودِيَّة والنصرانية خمس وَعِشْرُونَ، وَفِي الْمَجُوسِيَّة والمرتدة ثَلَاثَة أَبْعِرَة وَثلث، وَقس على ذَلِك فِي الذَّهَب وَالْوَرق (خَ) : وَفِي الْكِتَابِيّ والمعاهد نصفه، والمجوسي وَالْمُرْتَدّ ثلث وَخمْس وَأُنْثَى كل نصفه. وَتَجِبُ الديةُ فِي قَتلِ الخَطَا والإبِلُ التّخميسُ فِيهَا قُسِّطا (وَتجب الدِّيَة فِي قتل الخطا) وَمِنْه عمد الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَمَا لَا يقْتَصّ مِنْهُ من الْجراح لإتلافه كجائفة وآمة وَكسر فَخذ فَإِن ذَلِك كُله على الْعَاقِلَة، وَإِنَّمَا وَجَبت الدِّيَة فِي الْخَطَأ لقَوْله تَعَالَى: وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة إِلَى أَهله} (النِّسَاء: 92) (وَالْإِبِل) الْمَأْخُوذَة فِيهَا (التخميس) مُبْتَدأ ثَان خَبره (فِيهَا قسطا) عشرُون بنت مَخَاض وَهِي الَّتِي دخلت فِي السّنة الثَّانِيَة وَعِشْرُونَ بنت لبون وَهِي مَا دخلت فِي الثَّالِثَة، وَعِشْرُونَ ابْن لبون كَذَلِك، وَعِشْرُونَ حقة وَهِي مَا دخلت فِي الرَّابِعَة وَعِشْرُونَ جَذَعَة وَهِي مَا دخلت فِي الْخَامِسَة، وَتقدم أَنَّهَا تربع فِي الْعمد بِحَذْف ابْن لبون. تَحمِلُهَا عاقِلَةٌ للقاتِلِ وَهْيَ القَرَابةُ مِنَ الْقَبَائِلِ (تحملهَا) أَي دِيَة الْخَطَأ (عَاقِلَة للْقَاتِل) وَهُوَ كواحد مِنْهُم وَتَكون منجمة عَلَيْهِم كَمَا يَأْتِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 622 (وَهِي) أَي الْعَاقِلَة (الْقَرَابَة من الْقَبَائِل) أَرَادَ الطَّبَقَات الَّتِي ينتسب إِلَيْهَا الْقَاتِل بِدَلِيل قَوْله: بعد الْأَدْنَى فالأدنى فَيبْدَأ بالفصيلة ثمَّ الْفَخْذ ثمَّ الْبَطن ثمَّ الْعِمَارَة بِالْفَتْح ثمَّ الْقَبِيلَة ثمَّ الشّعب بِالْفَتْح، وَقد نظمها بَعضهم فَقَالَ: قَبيلَة قبلهَا شعب وبعدهما عمَارَة ثمَّ بطن يتلوه فَخذ وَلَيْسَ يأوى الْفَتى إِلَّا فصيلته وَلَا سداد لسهم مَاله قذذ جمع قُذَّة وَهِي ريش السهْم، فَهَذِهِ طَبَقَات قبائل الْعَرَب، فبنو الْعَبَّاس مثلا فصيلة، وَبَنُو هَاشم فَخذ، وَبَنُو قصي بطن، وقريش عمَارَة وكنانة قَبيلَة، وَخُزَيْمَة شعب. وَقَول ابْن الْحَاجِب: يبْدَأ بالفخذ يَعْنِي إِذا لم يكن فِي الفصيلة كِفَايَة، وَهَذَا التَّرْتِيب الْمَذْكُور هُوَ الَّذِي فِي ابْن الْحَاجِب وَهُوَ الْمَذْهَب وَهُوَ رَاجع إِلَى اللُّغَة (خَ) : وَهل حد الْعَاقِلَة سَبْعمِائة أَو الزَّائِد على ألف؟ قَولَانِ. وعَلى الأول الْعَمَل كَمَا فِي نظم الْعَمَل الْمُطلق فَإِذا وجد هَذَا الْعدَد مثلا من الفصيلة لَا يضم إِلَيْهِم الْفَخْذ وإلاَّ ضم إِلَيْهِم وَهَكَذَا، وَعَلِيهِ فَيُقَال فِي قبائل الْمغرب: يبْدَأ بِمد شَرّ الْقَاتِل الَّذين هم إخوانه وقرابته، فَإِن لم تكن فيهم كِفَايَة وَلم يحصل مِنْهُم الْعدَد الْمَذْكُور فجماعته، فَإِن لم تكن فيهم كِفَايَة فربع قبيلته إِن كَانَ الْقَبِيلَة منقسمة أَربَاعًا مثلا، فَإِن لم تكن فيهم كِفَايَة فَجَمِيع قبيلته، فَإِن لم تكن فيهم كِفَايَة فأقرب الْقَبَائِل إِلَيْهِم وَهُوَ معنى قَول (خَ) : وَغَيره وَهِي أَي الْعَاقِلَة الْعصبَة وبدىء بالديوان إِن أعْطوا ثمَّ يبْدَأ بهَا أَي بالعصبة الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب، ثمَّ الموَالِي الأعلون ثمَّ الأسفلون، ثمَّ إِذا لم يكن للْقَاتِل عصبَة وَلَا قَبيلَة فبيت المَال يعقل عَنهُ إِن كَانَ الْجَانِي مُسلما، فَإِن لم يكن بَيت مَال أَو كَانَ وَلَكِن لَا يُمكن الْوُصُول إِلَيْهِ، فَالدِّيَة على الْجَانِي وَحده بِنَاء على الْمَشْهُور من أَنه كواحد من الْعَاقِلَة وعَلى مُقَابِله تسْقط. وَقَوله: وبدىء بالديوان الخ. يَعْنِي أَنه يقدم الدِّيوَان على عصبَة الْجَانِي الَّذين لَيْسُوا مَعَه فِي الدِّيوَان، والديوان عبارَة عَن الذمام الَّذِي يجمع فِيهِ الإِمَام أَفْرَاد الأجناد على عَطاء يخرج لَهُم من بَيت المَال فِي أَوْقَات مَعْلُومَة أَي: فيقدمون قبل عصبَة الْجَانِي، وَإِن كَانُوا من قبائل شَتَّى لأجل تناصرهم، فَإِن لم تكن فيهم كِفَايَة فيعينهم الْعصبَة الَّذين لَيْسُوا مَعَه فِي الدِّيوَان، وَهَكَذَا على التَّرْتِيب الْمُتَقَدّم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 623 وَمَا ذكره من أَنه يبْدَأ بالديوان هُوَ الَّذِي فِي الْمُوازِية والعتبية وَهُوَ خلاف ظَاهر الْمُدَوَّنَة من أَن الْعقل على الْقَبَائِل على التَّرْتِيب الْمُتَقَدّم كَانَ الْجَانِي دَاخِلا فِي ديوَان أم لَا. وَهُوَ الْمُعْتَمد وَالْقَوْل بتبدئة الدِّيوَان ضَعِيف كَمَا للخمي. تَنْبِيهَانِ. الأول: فِي نَوَازِل العلمي أَنه لَا عَاقِلَة فِي هَذَا الزَّمَان، وَلَا يُمكن الْوُصُول لبيت المَال، فَالدِّيَة فِي مَال الْجَانِي، وَسَيَأْتِي مثله لِابْنِ رحال عِنْد قَوْله: كَذَا على الْمَشْهُور من معترف الخ. الثَّانِي: عَاقِلَة الذِّمِّيّ أهل دينه الَّذين مَعَه فِي بَلَده فَلَا يعقل يَهُودِيّ مَعَ نَصْرَانِيّ وَلَا عَكسه، والمعاهد إِذا قتل أحدا فَإِن الدِّيَة فِي مَاله لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَة لَهُ، ثمَّ الْعَاقِلَة إِنَّمَا تحمل الدِّيَة. حيثُ ثبوتُ قَتْلِهِ بالبيِّنَه أَوْ بِقَسامَةٍ لَهُ مُعَيَّنَهْ (حَيْثُ ثُبُوت قَتله بِالْبَيِّنَةِ) التَّامَّة (أَو بقسامة) بشروطها الْمُتَقَدّمَة (لَهُ) أَي للْقَتْل خطأ (مُعينَة) . وَمَفْهُوم بِالْبَيِّنَةِ أَو الْقسَامَة أَن الْقَتْل إِذا ثَبت باعتراف الْقَاتِل لَا تحمل دِيَته الْعَاقِلَة، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: كَذَا على الْمَشْهُور من معترف الخ. لِأَن الْعَاقِلَة لَا تحمل عمدا عداء وَلَا اعترافاً وَلَا قَاتل نَفسه عمدا أَو خطأ وَلَا مَا دون الثُّلُث كدية مُوضحَة، وَأما مَا بلغ الثُّلُث كدية الْجَائِفَة فتحمله كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْت الثَّالِث بعده، ثمَّ من الِاعْتِرَاف إِقْرَار الْمَرْأَة أَنَّهَا نَامَتْ على وَلَدهَا حَتَّى قتلته (خَ) : ونجمت دِيَة الْحر بِلَا اعْتِرَاف على الْعَاقِلَة الخ. فمفهومه أَن الِاعْتِرَاف لَا يكون على الْعَاقِلَة، بل هُوَ فِي مَال الْجَانِي فَلَو نَام الرجل مَعَ زَوجته فَأصْبح الْوَلَد مَيتا وَلَا يدْرِي من رقد عَلَيْهِ فَهُوَ هدر كَمَا أفتى بِهِ ابْن عبد السَّلَام، وَأما الْمَرْأَة الهاربة عَن رضيعها حَتَّى مَاتَ الْوَلَد من عدم اللَّبن فَقَالَ ابْن هَارُون: دِيَته على عاقلتها، وقاسها بالمسافرين الَّذين منعُوا المَاء حَتَّى مَاتُوا عطشاً. ابْن فَرِحُونَ: إِذا شربت الْحَامِل دَوَاء فَأَلْقَت جَنِينهَا فَلَا شَيْء عَلَيْهَا إِذا كَانَ الدَّوَاء مَأْمُونا يَعْنِي لَا غرَّة عَلَيْهَا، وَلَو سقت وَلَدهَا دَوَاء فَمَاتَ فَلَا شَيْء عَلَيْهَا. يَدفَعُها الأَدْنَى فالأَدْنى بِحَسَبْ أحوالِهِم وحكْمُ تَنجِيمٍ وَجَبْ (يَدْفَعهَا) إِلَى دِيَة الْخَطَأ (الْأَدْنَى) للْقَاتِل (فالأدنى) لَهُ فَإِن كَانَ فِي الفصيلة كِفَايَة لم يلْزم الْفَخْذ شَيْء كَمَا مر. وَتقدم هَل حَدهَا سَبْعمِائة الخ؟ وتقسط عَلَيْهِم (بِحَسب أَحْوَالهم) وَقدر طاقتهم (خَ) : وَضرب على كل مَا لَا يضر أَي: فالغني بِحَسبِهِ وَغَيره بِحَسبِهِ. قَالَ فِي المناهج: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 624 لَا حد لما يُؤْخَذ من كل وَاحِد مِنْهُم، وَإِنَّمَا ذَلِك على قدر الْيُسْر والعسر وَهُوَ الصَّحِيح اه. وَقَالَ الشَّافِعِيَّة: يُؤْخَذ من الْغَنِيّ نصف دِينَار وَهُوَ الَّذِي ملك عشْرين دِينَارا بعد الْمسكن وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ، وَمن الْمُتَوَسّط ربع دِينَار وَهُوَ الَّذِي يملك أقل من ذَلِك اه. وَلَا تسْقط على فَقير وَلَا امْرَأَة، وَلَو وَقع الْقَتْل مِنْهُمَا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: من مُوسر الخ. (وَحكم تنجيم) للدية الْكَامِلَة على الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين (وَجب) فتؤدي فِي آخر كل سنة ثلثهَا وَابْتِدَاء التنجيم من يَوْم الحكم لَا من يَوْم الْقَتْل أَو الْخِصَام، واحترزت بالكاملة من غَيرهَا كَمَا لَو وَجب ثلث الدِّيَة كجائفة، فَإِنَّهَا تؤجل بِسنة وَالثُّلُثَانِ كآمة وجائفة بِسنتَيْنِ، فَإِن كَانَ الْوَاجِب نصفا كَقطع يَد فسنتان للثلث سنة وللسدس سنة أُخْرَى، وَكَذَا لَو كَانَ الْوَاجِب ثَلَاثَة أَربَاع الدِّيَة كَقطع يَد وأصبعين وَسن وَاحِدَة بِخمْس وَسبعين من الْإِبِل فثلثاها بِسنتَيْنِ، وللزائد سنة أُخْرَى (خَ) : وَنجم فِي الثَّلَاثَة الأرباع بالتثليث وللزائد سنة. من مُوسِرٍ مُكَلَّفٍ حُرَ ذكَرْ موافِقٍ فِي نِحْلَةٍ وَفِي مَقَرْ ثمَّ بَين من تقسط عَلَيْهِ بقوله: (من مُوسر مُكَلّف حر ذكر) فَلَا تقسط على فَقير وَلَا صبي وَلَا مَجْنُون وَلَا عبد وَلَا امْرَأَة، وَظَاهره وَلَو وَقع الْقَتْل مِنْهُم وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : وعقل عَن صبي وَمَجْنُون وَامْرَأَة وفقير وغارم وَلَا يعْقلُونَ أَي: لَا يعْقلُونَ عَن أنفسهم وَلَا عَن غَيرهم، وَالْمرَاد بالغارم الْمديَان الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَا يَفِي بِالدّينِ أَو يبْقى بِيَدِهِ مَا يعد بِهِ فَقِيرا، وَشَمل قَوْله: مُكَلّف السَّفِيه فَإِنَّهُ كالرشيد فِي الْعقل عَن نَفسه وَعَن غَيره، وَفهم مِنْهُ أَن الْمُعْتَبر وَقت الضَّرْب والتقسيط، فَإِذا أسلم الْكَافِر أَو عتق العَبْد أَو بلغ الصَّبِي بعد الضَّرْب وَقبل أَدَائِهَا فَلَا شَيْء عَلَيْهِم وَلَا يقسط مَا ضرب على الْغَنِيّ بفقره بعد. (مُوَافق فِي نحلة) أَي دين فَلَا يعقل مُسلم عَن كَافِر مُطلقًا، وَلَو من عصبته على تَقْدِير إِسْلَامه وَلَا عَكسه وَلَا يَهُودِيّ عَن نَصْرَانِيّ وَلَا عَكسه. ابْن الْحَاجِب: وَلَا نضرب على فَقير وَلَا مُخَالف فِي دين الخ. وَلَيْسَ المُرَاد بالنحلة المَال المنحول أَي الْمُعْطى فِي الدِّيَة لِأَن هَذَا هُوَ قَوْله: (وَفِي مقرّ) أَي مَحل الْقَرار وَالسُّكْنَى (خَ) : وَلَا دُخُول لبدوي مَعَ حضري أَي: وَلَو من عصبَة الْقَاتِل، وَلَا شَامي مَعَ مصري وَلَو من عصبته أَيْضا مُطلقًا اتَّحد جنس الدِّيَة عِنْد كل أم لَا، وَذَلِكَ لِأَن الْعلَّة التناصر والبدوي لَا ينصر الحضري، وَكَذَلِكَ الشَّامي مَعَ الْمصْرِيّ، وَإِنَّمَا الدِّيَة على أهل قطره، فَإِن لم يكن فيهم الْعدَد الْمُعْتَبر فيضم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 625 أقرب الأقطار إِلَيْهِم كَمَا مر. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا لَا تحمله الْعَاقِلَة فَقَالَ: وكونُهَا مِن مَال جانٍ إنْ تَكُنْ أَقَلَّ مِن ثُلْثٍ بذَا الحُكْمُ حَسَنْ (وَكَونهَا) أَي الدِّيَة وَمَا فِي مَعْنَاهَا من الْغرَّة والحكومة (من مَال جَان) حَالَة عَلَيْهِ (إِن تكن) هِيَ أَي الدِّيَة وَمَا فِي مَعْنَاهَا (أقل من ثلث) دِيَة الْمَجْنِي عَلَيْهِ ودية الْجَانِي مَعًا فَمَتَى نقصت عَن دِيَتهمَا مَعًا فَهِيَ فِي مَال الْجَانِي حَالَة عَلَيْهِ كجناية حر مُسلم على مثله مُوضحَة أَو هاشمة أَو قطع أصْبع من مسلمة وَنَحْو ذَلِك، وَمَتى بلغت ثلث دِيَتهمَا مَعًا أَو ثلث دِيَة أَحدهمَا حملتها الْعَاقِلَة، فَإِذا قطع مُسلم من مَجُوسِيَّة أصبعين فَتحمل ذَلِك عَاقِلَته، وَإِن لم يبلغ ذَلِك ثلث دِيَته والإصبعان أَكثر من ثلث دِيَتهَا لِأَن لَهَا فيهمَا مثل مَا للرِّجَال من أهل دينهَا، وَذَلِكَ مائَة وَسِتُّونَ درهما وَثلث دِيَتهَا مائَة وَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ درهما وَثلث دِرْهَم، وَكَذَلِكَ كل امْرَأَة دِيَة إصبعها أَكثر من ثلث دِيَتهَا لِأَنَّهَا تَسَاوِي ذكرهَا لثلث دِيَته ثمَّ ترجع لديتها، فَإِذا قطع مُسلم أصبعين من ذِمِّيَّة فلهَا فيهمَا عشر من الْإِبِل لِأَنَّهَا كذكرها فيهمَا فَتحمل ذَلِك عَاقِلَته لِأَن عشرا من الْإِبِل أَكثر من ثلث خَمْسَة وَعشْرين الَّتِي هِيَ دِيَتهَا، وَإِن قطعت مَجُوسِيَّة أصبعاً وَاحِدًا من مُسلم حر فَذَلِك على عاقلتها لِأَن ذَلِك أَكثر من ثلث دِيَتهَا بل وَمن جَمِيع دِيَتهَا لِأَن عشرا من الْإِبِل الْوَاجِبَة فِي قطع أصْبع الْمُسلم أَكثر من ثَلَاثَة أَبْعِرَة وَثلث الَّتِي هِيَ دِيَة الْمَجُوسِيَّة وَهَكَذَا. (بذا الحكم حسن) بِضَم السِّين وَهُوَ الْمَشْهُور (خَ) : ونجمت دِيَة الْحر الْخَطَأ بالاعتراف على الْعَاقِلَة والجاني إِذا بلغ ثلث دِيَة الْمَجْنِي أَو الْجَانِي وَمَا لم يبلغ فحال عَلَيْهِ الخ. وَاحْترز بِالْحرِّ من العَبْد فَإِن قِيمَته على الْجَانِي كَمَا مر، وَإِن كَانَ هُوَ الْجَانِي فَذَلِك فِي رقبته وَظَاهر النّظم و (خَ) إِن مَا لم يبلغ الثُّلُث هُوَ فِي مَال الْجَانِي وَلَو كَانَ صَبيا أَو مَجْنُونا، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا قرر بِهِ الزّرْقَانِيّ وَصرح بِهِ فِي الشَّامِل فَقَالَ: وَالدية على عاقلتهما إِن بلغت الثُّلُث وإلاَّ فَفِي مَالهمَا أَو ذمتهما إِن لم يكن لَهما مَال الخ. وَاعْتِرَاض الشَّيْخ بناني على (ز) سَاقِط. كَذَا على الْمَشْهُورِ مِنْ مُعْتَرِفِ تُؤْخَذُ أَوْ مِنْ عَامِدٍ مُكَلَّفِ (كَذَا على الْمَشْهُور من) مَال (معترف) بِالْقَتْلِ خطأ أَو بِالْجرْحِ خطأ (تُؤْخَذ) حَالَة من الْعَاقِلَة، وَبِه صدر فِي الشَّامِل، وَبِه قرر (خَ) شراحه. وَفِي الْمَسْأَلَة أَقْوَال. أَحدهَا: مَا تقدم وَقيل على الْعَاقِلَة بقسامة من الْأَوْلِيَاء، وَقيل على الْعَاقِلَة أَيْضا مَا لم يتهم الْمقر بإغناء الْوَرَثَة لكَوْنهم أقرباء لَهُ أَو ملاطفين لَهُ، وَقيل إِن كَانَ الْمقر عدلا، وَالَّذِي تجب بِهِ الْفَتْوَى، وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن الْحَاجِب وَعَزاهُ ابْن الْجلاب لمذهبها وَهُوَ فِي الدِّيات مِنْهَا، وَرجحه ابْن مَرْزُوق وَابْن رحال فِي شَرحه: أَن الْمقر إِذا أقرّ لمن لَا يتهم عَلَيْهِ وَكَانَ عدلا مَأْمُونا لَا يخْشَى عَلَيْهِ أَخذ الرِّشْوَة فَالدِّيَة على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 626 الْعَاقِلَة بقسامة، فَإِن أَبَوا أَن يقسموا فَلَا شَيْء لَهُم على الْعَاقِلَة وَلَا على الْمقر، وَمِنْه تعلم أَن الْمَرْأَة لَا يقبل اعترافها بنومها على وَلَدهَا لاتهامها بإغناء إخوانه أَو أَبِيه، هَذَا إِذا كَانَ الْمُعْتَرف لَهُ عَاقِلَة، وَأما إِذا كَانَ لَا عَاقِلَة لَهُ فَقيل فِي مَاله أَيْضا، وَقيل فِي بَيت المَال، وَقيل مَا ينوبه فِي مَاله وَيسْقط الْبَاقِي، وَقيل هدر. قَالَ أَبُو الْحسن: وَكَانَ الْفَقِيه رَاشد يُفْتِي بِأَنَّهَا فِي مَاله أَخذ ذَلِك من قَول ابْن الْقَاسِم فِي الْمعَاهد يقتل مُسلما خطأ إِن ذَلِك فِي مَاله إِذْ لَا يتَوَصَّل إِلَى عَاقِلَته وَبَيت المَال مُتَعَذر اه. قَالَ ابْن رحال: وَمَا أفتى بِهِ الْفَقِيه رَاشد يُقَوي القَوْل بِأَن دِيَة الِاعْتِرَاف على الْمقر لِأَن بَيت المَال الْيَوْم مُتَعَذر وَالْأَخْذ من الْقَبَائِل كَذَلِك بِلَا ريب، فَإِن الْأَخْذ من الْقَبَائِل إِنَّمَا يكون بسطوة السُّلْطَان والاعتناء بذلك من السُّلْطَان غير كَائِن وَمن شكّ فَإِن الْعَرَب بِالْبَابِ اه. وَهَذَا صَرِيح فِي أَن الْأَخْذ من الْعَاقِلَة مُتَعَذر الْيَوْم لعدم اعتناء السلاطين بذلك وَهُوَ مَا تقدم عَن نَوَازِل العلمي. (أَو من عَامِد مُكَلّف) أَي: وكما أَن الدِّيَة تُؤْخَذ من الْمُعْتَرف بالْخَطَأ وَلَا تحملهَا الْعَاقِلَة، كَذَلِك تُؤْخَذ من الْعَامِد إِذا كَانَ مُكَلّفا لَا إِن كَانَ صَبيا أَو مَجْنُونا فَإِن عمدهما كالخطأ تحمله الْعَاقِلَة إِن بلغت الثُّلُث، وإلاَّ فَفِي مَالهمَا كَمَا مر، وَكَذَلِكَ لَا تحمل الْعَاقِلَة دِيَة غلظت على الْأَب وَإِن علا فِي عمد لم يقتل بِهِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وغلظت فثلثت فِي الْإِبِل، وَكَذَلِكَ لَا تحمل الْعمد الَّذِي سقط فِيهِ الْقصاص لعدم المماثل بِخِلَاف الْعمد الَّذِي لَا قصاص فِيهِ لإتلافه كجائفة ومأمومة وَكسر فَخذ، فَإِنَّهُ مُلْحق بالْخَطَأ فتحمله الْعَاقِلَة إِن بلغت الْحُكُومَة فِي كسر الْفَخْذ ثلث الدِّيَة كَمَا مر (خَ) : مشبهاً فِيمَا لَا تحمله الْعَاقِلَة مَا نَصه كعمد ودية غلظت وساقط لعدمه إِلَّا مَا لَا يقْتَصّ مِنْهُ من الْجراح لإتلافه فعلَيْهَا. وَفِي الجَنِينِ غَرَّةٌ مِنْ مَالِهِ أَوْ قِيمَةٌ كالإرْثِ فِي اسْتِعمَالِهِ (و) يجب على المتسبب (فِي) إِلْقَاء (الْجَنِين) الْوَاحِد وَإِن علقَة وَهِي الدَّم الْمُجْتَمع الَّذِي إِذا صب عَلَيْهِ المَاء الْحَار لم يذب (غرَّة من مَاله) وَهِي عبد أَو وليدة أَي أمة صَغِيرَة كَبِنْت سبع سِنِين (أَو قيمَة) الْغرَّة وَهِي عشر دِيَة الْأُم إِن كَانَت أمة جرة أَو عشر قيمتهَا إِن كَانَت أمة فَفِي جَنِين الْحرَّة الْمسلمَة عشر دِيَة أمة وَهِي خَمْسُونَ دِينَارا على أهل الذَّهَب وسِتمِائَة دِرْهَم على أهل الْوَرق أَو عبد أَو وليدة تَسَاوِي ذَلِك وَهَكَذَا فِي جَنِين الْحرَّة الْكِتَابِيَّة والمجوسية، وَنَحْو ذَلِك إِذا كَانَ الْجَنِين مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ، فَإِن كَانَ العَبْد أَو الوليدة لَا تَسَاوِي الْعشْر الْمَذْكُور بل نقصت عَنهُ، فَلَا يلْزم أهل الْغرَّة قبولهما، وَمهما بذل عشر دِيَة الْأُم أَو العَبْد أَو الوليدة الَّتِي تساويهم لَزِمَهُم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 627 الْقبُول، وَأما جَنِين الْأمة فَفِيهِ عشر قيمَة أمه مَا لم يكن من سَيِّدهَا الْحر الْمُسلم، فَإِنَّهُ كجنين الْحرَّة الْمسلمَة، وَكَذَلِكَ جَنِين الْيَهُودِيَّة والنصرانية من العَبْد الْمُسلم فَإِنَّهُ كَالْحرَّةِ الْمسلمَة أَيْضا، وَظَاهره أَن الْخِيَار للجاني فِي دفع الْعشْر أَو الْغرَّة وَهُوَ كَذَلِك فِي جَنِين الْحرَّة، وَأما جَنِين الْأمة فَيتَعَيَّن فِيهِ الْعين، وَظَاهره أَيْضا كَانَ الْجَنِين ذكرا أَو أُنْثَى كَانَت أمة مسلمة أَو كَافِرَة كَانَ أَبوهُ حرا أَو عبدا، لِأَن الْجَنِين تَابع لأمه، وَظَاهره أَيْضا كَانَ التَّسَبُّب فِي إلقائه عمدا أَو خطأ بِضَرْب أَو شتم أَو تخويف، وَهُوَ كَذَلِك لَا بِمُجَرَّد شتم فَإِنَّهُ لَا شَيْء فِيهِ، وَظَاهره كَانَ المتسبب أَبَاهُ أَو أمه أَو غَيرهمَا وَهُوَ كَذَلِك، فَلَو ضربت هِيَ بَطنهَا أَو شربت مَا تلقيه بِهِ أَو شمت رَائِحَة فألقته بذلك حَال تَقْصِيرهَا عِنْد الشم بتدارك أكل مَا شمته لوجدت الْغرَّة عَلَيْهَا، وَإِن شمت سمكًا أَو جبنا أَو نَحْو ذَلِك فعلَيْهَا طلب ذَلِك فَإِن لم تطلب وَإِن لم يعلمُوا بِحَالِهَا فعلَيْهَا الْغرَّة لتقصيرها وتسببها، فَإِن طلبت وَلم يعطوها فالغرة عَلَيْهِم علمُوا بحملها أم لَا، وَكَذَلِكَ إِن علمُوا بِهِ، وَأَن ريح الطَّعَام أَو السّمك يُسْقِطهَا، وَإِن لم تطلب كَمَا فِي (ز) وَقَوله: من مَاله أَي مَال الْجَانِي حَالَة عَلَيْهِ، وَهَذَا فِي الْعمد مُطلقًا وَفِي الْخَطَأ إِذا لم تبلغ ثلث دِيَة الْجَانِي، وَإِلَّا فتحملها الْعَاقِلَة. فَفِي الْمُدَوَّنَة وَإِن ضرب مَجُوسِيّ أَو مَجُوسِيَّة بطن مسلمة خطأ فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا حَملته عَاقِلَة الضَّارِب، وَمحل هَذَا كُله إِذا ألقته مَيتا أَو حَيا وَلم يستهل وَهِي حَيَّة وَإِلَّا بِأَن اسْتهلّ سَوَاء خرج مِنْهَا فِي حَال حَيَاتهَا أَو بعد مَوتهَا، فَفِيهِ فِي التَّسَبُّب خطأ الدِّيَة بقسامة، وَلَو مَاتَ عَاجلا فَإِن لم يقسموا فَلهم الْغرَّة، وَأما فِي التَّسَبُّب الْعمد الَّذِي قصد بِهِ إِلْقَاء الْجَنِين فألقته واستهل فَفِي الْقصاص وَعَدَمه خلاف وَالْمُعْتَمد الْقصاص، وَأما إِن ألقته مَيتا بعد مَوتهَا فَلَا شَيْء فِيهِ، وَإِنَّمَا الدِّيَة فِي أمه أَو الْقصاص، وَإِذا تعدد فَإِن الْغرَّة تَتَعَدَّد بتعدده، وَمحله أَيْضا إِذا شهِدت الْبَيِّنَة بِالسَّبَبِ الَّذِي أَلْقَت جَنِينهَا من أَجله من ضرب أَو تخويف وَأَنه أَمر يخَاف مِنْهُ وَأَنَّهَا لَزِمت الْفراش من وَقت السَّبَب الْمَذْكُور وَشهِدت النِّسَاء أَو غَيْرهنَّ على مُعَاينَة السقط، وَأَنه علقَة ففوق وإلاَّ فَلَا شَيْء فِيهِ إِلَّا الْأَدَب فِي الْعمد وَقَوله: (كَالْإِرْثِ) حَال من الْغرَّة وَمَا عطف عَلَيْهَا أَي حَال كَون الْغرَّة أَو قيمتهَا الَّتِي هِيَ عشر دِيَة الْأُم مقسومة على فَرَائض الله كَالْإِرْثِ (فِي اسْتِعْمَاله) فَيكون للْأَب مِنْهُ الثُّلُثَانِ وَللْأُمّ الثُّلُث مَا لم يكن لَهُ إخْوَة فلأمه السُّدس، وَإِن لم يكن لَهُ أَب فَهِيَ بَين الْأُم وَالإِخْوَة أَو غَيرهم من الْعصبَة إِلَّا أَن الضَّارِب أَي المتسبب لَا يَرث مِنْهَا وَلَو أَبَا أَو أما، وَلَا يحجب وَارِثا، وَسَوَاء كَانَ التَّسَبُّب عمدا أَو خطأ قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة، وَإِلَى مَسْأَلَة الْغرَّة أَشَارَ (خَ) بقوله فِي الْجَنِين: وَإِن علقَة عشر أمه نَقْدا أَو غرَّة عبد أَو وليدة تساويه وَالْأمة من سَيِّدهَا والنصرانية من العَبْد الْمُسلم كَالْحرَّةِ إِن زايلها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 628 كُله حَيَّة إِلَّا أَن يحيى فَالدِّيَة إِن قسموا، وَلَو مَاتَ عَاجلا وَإِن تَعَمّده بِضَرْب ظهر أَو بطن أَو رَأس، فَفِي الْقصاص خلاف وتعدد المواجب بتعدده وَورث على الْفَرَائِض الخ. فَقَوله: نَقْدا أَي حَالَة من الذَّهَب أَو الْفضة لَا من الْإِبِل، وَقَوله: أَو غرَّة بِالرَّفْع عطف على عشر أمه، وَقَوله: عبد الخ. بدل من غرَّة، وَقَوله: من العَبْد الْمُسلم وَأَحْرَى من الْحر الْمُسلم وَفهم مِنْهُ أَنه إِذا كَانَ من الْكِتَابِيّ لَا غرَّة فِيهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ عشر دِيَة أمه الْكِتَابِيَّة وَلَو أسلمت بعد الْحمل لِأَن الْجَنِين حِينَئِذٍ غير مَحْكُوم بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ تَابع لِأَبِيهِ، فالغرة يشْتَرط فِيهَا حريَّة الْجَنِين وَكَونه مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ وَأما إِن كَانَ رَقِيقا فعشر قيمَة أمه، وَإِن كَانَ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ فعشر دِيَة أمه وَبَاقِي كَلَامه يفهم مِمَّا مر بِأَدْنَى تَأمل. تَنْبِيه: تُؤْخَذ مَسْأَلَة تخويف الْحَامِل من قَول (خَ) فِي فصل حرم بِالْإِحْرَامِ وبسبب، وَلَو اتّفق كفزعه فَمَاتَ أَي فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ، فَكَذَلِك الْحَامِل عَلَيْهِ غرتها وَإِن لم يقْصد فزعها وَنزلت بسيدنا عمر رَضِي الله عَنهُ أرسل أعواناً فرأتهم امْرَأَة فخافت وَأَلْقَتْ جَنِينهَا فَسَأَلَ عمر الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فَقَالُوا: لَا يلزمك شَيْء لِأَنَّك مَا فعلت إِلَّا جَائِزا لَك. وَقَالَ لعَلي رَضِي الله عَنهُ: يَا أَبَا الْحسن مَا تَقوله؟ فَقَالَ: أرى أَن عَلَيْك الْغرَّة فأداها عمر رَضِي الله عَنهُ. وغُلِّظتْ فَثُلِّثَثْ فِي الإبِلِ وقُوِّمَتْ بالْعَيْنِ فِي القَوْلِ الجَلِي (وغلظت) الدِّيَة على الْأَبَوَيْنِ وَإِن علوا وَلَو مجوسيين كَمَا يَأْتِي فِي عمد لم يقتلُوا بِهِ أَو جرح كَذَلِك كرميهم ولدهم بحديدة أَو سيف قصدُوا أدبه أَو لم يقصدوا شَيْئا، فضابطه أَن لَا يقصدوا إزهاق روحه. (فثلثت فِي الْإِبِل) بِثَلَاثِينَ حقة وَهِي الَّتِي دخلت فِي الرَّابِعَة، وَثَلَاثِينَ جَذَعَة وَهِي الَّتِي دخلت فِي الْخَامِسَة، وَأَرْبَعين خلفة وَهِي الَّتِي أَوْلَادهَا فِي بطونها بِلَا حدس فِيهَا (خَ) : وغلظت فِي الْأَب فِي عمد لم يقتلُوا بِهِ كجرحة بِثَلَاثِينَ حقة وَثَلَاثِينَ جَذَعَة وَأَرْبَعين خلفة الخ. وغلظت أَيْضا بحلولها عَلَيْهِم فَهِيَ فِي مَالهم حَالَة لَا منجمة، فَإِن أعدموا فيتبعون بهَا كَمَا مرّ، وَكَذَا تغلظ عَلَيْهِم فِي الْجراح أَيْضا كموضحة أَو مأمومة، وَالْأَصْل فِي تثليثها مَا فِي الْمُوَطَّأ أَن رجلا من بني مُدْلِج حذف ابْنه بِالسَّيْفِ فَأصَاب سَاقه فَمَاتَ، فَحكى ذَلِك لعمر فَقَالَ لسراقة. اعدد لي على مَاء قديد مائَة وَعشْرين من الْإِبِل حَتَّى أقدم عَلَيْك، فَلَمَّا قدم عمر رَضِي الله عَنهُ أَخذ مِنْهَا الْعدَد الْمَذْكُور وَدفعه لأخ الْمَقْتُول وَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَيْسَ للْقَاتِل شَيْء) اه. وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيل على أَنَّهَا أخذت من إبل الْجَانِي وَحده، وَإِنَّمَا أَخذ كَونهَا من مَال الْجَانِي وَحده من دَلِيل آخر، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ دَلِيل مُقَابل الْمَشْهُور الَّذِي قَالَ: إِن الْمُغَلَّظَة تكون على الْعَاقِلَة، وَمَفْهُوم أَن لَا يقصدوا إزهاق روحه أَنهم إِذا قصدُوا إزهاقها أَو فعلوا فعلا لَا يُمكن مَعَه قصد الْأَدَب كَمَا لَو شَقوا بَطْنه أَو ذبحوه أَو جذوا يَده أَو وضعُوا أصبعهم فِي عينه فأخرجوها، فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِم الْقصاص وَلَا يقبل مِنْهُم إِرَادَة الْأَدَب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 629 قَالَ الأَجْهُورِيّ: فهم مِمَّا ذكرنَا أَن الْأَب إِذا فعل بِابْنِهِ مَا يُمكن فعله إِلَّا لقصد الْقَتْل أَو الْجرْح فَإِنَّهُ يقْتَصّ مِنْهُ فيهمَا، وَإِن فعل مَا يحْتَمل قصد الْقَتْل أَو الْجرْح وَمَا يحْتَمل غَيرهمَا فَإِن اعْترف بِأَنَّهُ قصد بِهِ الْقَتْل أَو الْجرْح اقْتصّ مِنْهُ أَيْضا، وَإِن لم يعْتَرف بِهِ لم يتقص مِنْهُ سَوَاء ادّعى أَنه أَرَادَ الْأَدَب أَو لم يرد شَيْئا اه. يَعْنِي وتغلظ عَلَيْهِ الدِّيَة حَيْثُ كَانَ مَا رَمَاه بِهِ مَا لَا يُؤَدب بِمثلِهِ كالحديدة وَنَحْوهَا، وَأما إِن كَانَ مِمَّا يُؤَدب بِمثلِهِ فَإِن الدِّيَة على عَاقِلَته كَمَا مر أول الْبَاب وَعند قَوْله: وشبهة تدرؤه الخ. وَقد تقدم أول الْبَاب أَن الْقَتْل إِمَّا عمدا أَو خطأ لَا وَاسِطَة بَينهمَا عِنْد مَالك إِلَّا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة الَّتِي تغلظ فِيهَا الدِّيَة على الْأَب وَنَحْوه، فَإِنَّهَا من شبه الْعمد قَالَ الْبَاجِيّ: لَا خلاف فِي ثُبُوت شبه الْعمد فِي حق الْأَب اه. ابْن الْحَاجِب: وَلذَلِك لَا يَرث الْقَاتِل فِيهَا من مَال الْمَقْتُول شَيْئا وَيقتل غَيرهم بذلك، وَحِينَئِذٍ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَاسِطَة بَين الْعمد وَالْخَطَأ وَلَا وَاسِطَة بَينهمَا غير هَذَا عِنْد مَالك خلافًا للخمي حَيْثُ أثبت شبه الْعمد فِي ثَلَاث مسَائِل غير هَذِه أَحدهَا: الْقَتْل بِغَيْر آلَة الْقَتْل كالسوط والعصا واللطمة. وَالثَّانيَِة: أَن يكون الْقَتْل صدر مِمَّن أذن لَهُ فِي الْأَدَب كالزوج والمعلم. وَالثَّالِثَة: أَن يصدر من المتلاعبين والمتصارعين الخ. وَتقدم أَن الْقَتْل بِالسَّوْطِ والعصا من الْعمد الَّذِي فِيهِ الْقصاص وَأَن الزَّوْج وَنَحْوه إِذا ضرب بِآلَة يُؤَدب بِمِثْلِهَا فَهُوَ من الْخَطَأ، وإلاَّ فَهُوَ من الْعمد وَإِن الْقَتْل من المتلاعبين خطأ كَمَا مر ذَلِك كُله فِي أول الْبَاب وَلما كَانَ التَّغْلِيظ لَيْسَ خَاصّا بِأَهْل الْإِبِل كَذَلِك تغلظ الدِّيَة على أهل الذَّهَب وَالْوَرق وَكَيْفِيَّة تغليظها عَلَيْهِمَا هُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بقوله: (وقومت) دِيَة الْإِبِل مُثَلّثَة ومخمسة لأجل تغليظها (فِي) أَي على أهل (الْعين) أَي فتقوم الديتان مَعًا ليعلم مَا بَين القيميتن فيزاد بنسبته على الْألف دِينَار أَو الاثْنَي عشر ألف دِرْهَم، فَإِذا كَانَت قيمَة المخمسة على أسنانها وتأجيلها مائَة وَقِيمَة الْمُثَلَّثَة على أسنانها وحلولها مائَة وَعشْرين، فَإِن الْعشْرين الزَّائِدَة تنْسب إِلَى الْمِائَة، ونسبتها مِنْهَا خمس فَيدْفَع الْأَب وَنَحْوه ألف دِينَار وَخَمْسَة أَو اثْنَي عشر ألف دِرْهَم وخمسها، وَهَكَذَا إِذا زَادَت أقل من ذَلِك أَو أَكثر، وَيلْزم فِي المأمومة والجائفة ثلث الدِّيَة الْمُغَلَّظَة، وَكَذَا غَيرهمَا من مُوضحَة وَنَحْوهمَا مِمَّا فِيهِ شَيْء مُقَدّر فَفِي الْمُوَضّحَة عشر دِيَة مُغَلّظَة وَهَكَذَا (فِي القَوْل الْجَلِيّ) أَي الْمَشْهُور ومقابلة أَنَّهَا لَا تغلظ إِلَّا على أهل الْإِبِل دون أهل الذَّهَب وَالْوَرق، وعَلى الْمَشْهُور فَإِن الْمُغَلَّظَة تقوم حَالَة دون المخمسة فَإِنَّهَا تقوم على تنجيمها على الْمُعْتَمد كَمَا مر فِي الْمِثَال، وَفهم مِنْهُ أَن المربعة الْمُتَقَدّمَة فِي قَوْله: ودية الْعمد كذات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 630 الْخَطَأ لَا تغلظ على أهل الذَّهَب وَالْوَرق، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وَقَالَ أَشهب: بل تغلظ عَلَيْهِمَا أَيْضا وَعَلِيهِ فيسلك بهَا مَسْلَك الْمُثَلَّثَة. وهْيَ بالآباءِ والأُمَّهَاتِ تَخْتَصُّ والأَجْدادِ والجدّاتِ (وَهِي) أَي الْمُغَلَّظَة بالتثليث (بِالْآبَاءِ والأمهات) بِنَقْل حَرَكَة الْهمزَة للام فيهمَا للوزن وَالْمَجْرُور مُتَعَلق بقوله: (تخْتَص) وَقَوله (والأجداد والجدات) عطف على الْآبَاء، وَظَاهره وَإِن علوا كَانُوا من جِهَة الْأَب أَو الْأُم، وَهُوَ كَذَلِك على الرَّاجِح، وَفهم مِنْهُ أَن الْأَعْمَام والأخوة والزوجين لَا تغلظ بالتثليث فِي حَقهم وَهُوَ كَذَلِك، بل تربع حَيْثُ وَقع الْعَفو على دِيَة مُبْهمَة أَو عَفا الْبَعْض أَو صَالح فَلِمَنْ بَقِي نصِيبه من دِيَة عمد مربعة لما مر. وَلما قدم أَن الْقسَامَة خَمْسُونَ يَمِينا وَأَنَّهَا فِي الْعمد يحلفها الذُّكُور فَقَط دون الْأُنْثَى، وَأَنه لَا يحلفها أقل من رجلَيْنِ عصبَة كَمَا مر ذَلِك كُله فِي قَوْله: ولأنثى منعت إِلَى قَوْله وَيحلف اثْنَان بهَا فَمَا علا الخ. نبه هُنَا على أَنَّهَا فِي الْخَطَأ يحلفها كل من يَرث من الذُّكُور وَالْإِنَاث وَإِن وَاحِدًا أَو امْرَأَة فَقَالَ: وَيحلِفُ الذكورُ كالإنَاثِ بِنِسْبِة الْحُظُوظِ فِي المِيرَاثِ (وَيحلف الذُّكُور كالإناث) خمسين يَمِينا ويقتسمونها (بِنِسْبَة الحظوظ فِي الْمِيرَاث) فتحلف الزَّوْجَة ثمن الْإِيمَان مَعَ الْوَلَد وَالأُم سدسها وَهَكَذَا، وَفهم مِنْهُ أَن الْغُرَمَاء يحلفونها لأَنهم مقدمون على الْوَرَثَة وَإِن من لَا وَارِث لَهُ إِلَّا بَيت المَال فَلَا قسَامَة وَلَا دِيَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 631 وإنْ يمينٌ عِنْدَ ذَا تَنْكَسرُ يَحْلِفُها مَنْ حَظُّهْ مُوَفِّرُ (وَإِن يَمِين عِنْد ذَا) أَي عِنْد قسمهَا بِنِسْبَة الحظوظ (تنكسر يحلفها من حَظه موفر) أَي أَكثر كسراً كَبِنْت وَابْن ينوبها ثلث الْإِيمَان سِتَّة عشر وَثُلُثَانِ فتحلف سَبْعَة عشر وَيحلف الابْن ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ، فَإِن تَسَاوَت الكسور كثلاثة بَنِينَ أَو أَرْبَعَة كمل كل وَاحِد كَسره. وواحِدٌ يَجُوزُ أنْ يُحلَّفَا حيْثُ انْفَرادُهُ بِمَا تَخَلَّفَا (وَوَاحِد يجوز أَن يحلفا) بِضَم الْيَاء وَتَشْديد اللَّام مَبْنِيا للْمَفْعُول أَي يحلف يَمِينا كلهَا (حَيْثُ انْفِرَاده بِمَا) أَي بِالْمِيرَاثِ الَّذِي (تخلفا) عَن الْهَالِك بِأَن كَانَ لَا وَارِث لَهُ غَيره كَابْن أَو عَم بِخِلَاف الْعمد، فَإِنَّهُ لَا يحلف فِيهِ أقل من رجلَيْنِ كَمَا مر، وَإِلَى هَذِه الْمَسْأَلَة من أَولهَا أَشَارَ (خَ) بقول يحلفها فِي الْخَطَأ من يَرث وَأَن وَاحِدًا أَو امْرَأَة وجبرت الْيَمين على أَكثر كسرهَا، وإلاَّ فعلى الْجَمِيع الخ. وَفهم من قَوْله: حَيْثُ انْفِرَاده إِنَّه إِذا لم ينْفَرد بِالْمِيرَاثِ بل كَانَ مَعَه غَيره فِيهِ، فَأَما أَن يكون هَذَا الْغَيْر بَيت مَال أَو أُخْت فَإِنَّهَا تحلف جَمِيع الْإِيمَان وَتَأْخُذ حظها من الدِّيَة وَيسْقط الْبَاقِي مِنْهَا لتعذر الْقسَامَة من بَيت المَال وَأما أَن يكون الْغَيْر عاصباً مُسَاوِيا فِي الدرجَة للحاضر كابنين أَحدهمَا غَائِب أَو صبي أَو ناكل فَإِن الْحَاضِر يحلف جَمِيعهَا أَيْضا وَيَأْخُذ حَظه فَقَط وَيسْقط حَظّ الناكل عَن الْعَاقِلَة، وَيُوقف حَظّ الْغَائِب وَالصَّبِيّ، فَإِذا بلغ الصَّبِي أَو قدم الْغَائِب حلف كل مِنْهُمَا حَظه من الْأَيْمَان وَأخذ حَظه من الدِّيَة، فَإِن مَاتَ الصَّبِي أَو الْغَائِب فوارثه يقوم مقَامه فَإِن كَانَ وَارثه هُوَ الْحَالِف لجميعها فَهَل لَا بُد من حلفه مَا كَانَ يحلفهُ موروثه أَو يَكْتَفِي بأيمانه السَّابِقَة؟ قَولَانِ. وَإِنَّمَا كَانَ الْحَاضِر لَا يَأْخُذ حَظه إِلَّا إِذا حلف جَمِيع الْأَيْمَان لِأَن الْعَاقِلَة تَقول: لَا ندفع شَيْئا حَتَّى يثبت الدَّم وَهُوَ لَا يثبت إِلَّا بِحلف الْجَمِيع، وَهَذَا معنى قَول (خَ) : وَلَا يَأْخُذ أحد شَيْئا من الدِّيَة إِلَّا بعْدهَا أَي بعد جَمِيع أيمانها. وَهَذِه الأحْكامُ طُرًّا تُعْتَمَدْ بحيثُما يَسْقُطُ بالشَّرْعِ الْقَوَدْ (وَهَذِه الْأَحْكَام) الْمَذْكُورَة من حلف الْإِنَاث وَكَون الْأَيْمَان تقسم على حظوظ الْمِيرَاث وَأَنَّهَا تجبر على أَكثر الكسور وَأَن الْوَاحِد يحلفها إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهَا (طراً) أَي جَمِيعًا و (تعتمد) فِي قتل الْخَطَأ فَقَط، وَعنهُ عبر النَّاظِم بقوله (بحيثما يسْقط بِالشَّرْعِ الْقود) الْبَاء وَمَا زائدتان وَحَيْثُ ظرف مضمن معنى الشَّرْط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ، وَالتَّقْدِير: هَذِه الْأَحْكَام إِنَّمَا تعتمد جَمِيعًا إِذا يسْقط الْقود بِالشّرطِ والقود إِنَّمَا يسْقط فِي الْخَطَأ لَا فِي الْعمد، وَحِينَئِذٍ فالعمد يُخَالف الْخَطَأ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 632 هَذِه الْأَحْكَام فَلَا يحلف فِيهِ الْإِنَاث وَلَا تقسم الْأَيْمَان بِنِسْبَة الحظوظ فِي الْمِيرَاث بل يحلفها الْعصبَة، وَإِن لم يَكُونُوا وَرَثَة ويجتزىء فِيهَا بِاثْنَيْنِ طاعا من أَكثر وَلَا تجبر فِيهِ الْيَمين على أَكثر كسرهَا إِذْ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا ذَلِك وَلَا يحلفها أقل من رجلَيْنِ كَمَا مر ذَلِك كُله. وَسُوِّغَتْ قَسَامَةُ الوُلاةِ فِي غَيْبَةِ الجَانِي على الصِّفَاتِ (وسوغت قسَامَة الْوُلَاة) أَي وُلَاة دم الْعمد (فِي غيبَة الْجَانِي على الصِّفَات) أَي على صِفَاته الَّتِي تعينه وتميزه من كَونه طَويلا أَو قَصِيرا أَو أَعور الْيُمْنَى وَنَحْو ذَلِك. وَيَنْفُذُ القِصَاصُ إنْ بهِ ظُفِرْ إقْراراً وَوِفَاقَ مَا مِنها ذُكِرْ (و) إِذا أَقْسمُوا على صِفَاته الْمَذْكُورَة ف (ينفذ) بِضَم الْيَاء وَكسر الْفَاء المخففة من أنفذ الرباعي، وَيحْتَمل أَن يكون بِفَتْح الْيَاء وَضم الْفَاء وعَلى الأول ف (الْقصاص) مَفْعُوله وَإِقْرَار فَاعله، وعَلى الثَّانِي فالقصاص فَاعله وَإِقْرَار حَال الخ. (إِن بِهِ ظفر) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ (إِقْرَار) فَاعل أَو حَال من الضَّمِير فِي بِهِ (أَو وفَاق) مَعْطُوف على إِقْرَار (مَا) أَي الصِّفَات (مِنْهَا) يتَعَلَّق بقوله (ذكر) وَالتَّقْدِير، على الِاحْتِمَال الثَّانِي وَينفذ الْقصاص إِن ظفر بِهِ حَال كَونه مقرا بِأَن تِلْكَ الصِّفَات الْمَذْكُورَة فِي رسم الْقسَامَة هِيَ صِفَاته أَو لم يقر بذلك، وَلَكِن صِفَاته الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا الْآن مُوَافقَة لما ذكر مِنْهَا فِي رسم الْقسَامَة وَتَقْدِيره على الِاحْتِمَال الأول ظَاهر. وَأَشَارَ النَّاظِم بِهَذَا إِلَى قَول ابْن سَلمُون: فَإِن غَابَ الْجَانِي وعرفه الشُّهُود ووصفوه بصفاته الَّتِي ينْحَصر بهَا وَتقوم مقَام التَّعْيِين وَذهب الْأَوْلِيَاء إِلَى أَن يحلفوا فَلهم ذَلِك فَإِن استكملوا أَيْمَان الْقسَامَة استوجبوا الْقود مِنْهُ مَتى وجدوه، وَذَلِكَ بعد أَن توَافق صِفَاته الصِّفَات الَّتِي فِي عقد التدمية أَو يقر أَنه هُوَ الَّذِي دمى عَلَيْهِ بعد الْإِعْذَار إِلَيْهِ انْتهى. وَبِه تعلم أَن قَول ابْن رحال لم أَقف على خُصُوص مَسْأَلَة النَّاظِم بِعَينهَا قُصُور، وَقَول ابْن سَلمُون ووصفوه يَعْنِي: وَكَذَلِكَ إِن وَصفه المدمى حَيْثُ لَا شَاهد أصلا، وَمرَاده بالشهود مَا يَشْمَل الْعدْل الْوَاحِد بمعاينة الْقَتْل أَو الضَّرْب كَمَا مر. (فصل فِي الْجِرَاحَات) الْجَوْهَرِي: الْمُفْرد لفظان أَحدهمَا: جِرَاحَة بِكَسْر الْجِيم وَالْهَاء فِي آخِره وَجمعه جراحات وجراح بِوَزْن كتاب، وَثَانِيهمَا جرح بِضَم فَسُكُون وَجمعه جروح قَالَ تَعَالَى: والجروح قصاص} (الْمَائِدَة: 45) وَالْمرَاد بِهِ فِي التَّرْجَمَة مَا يَشْمَل الْقطع وَالْكَسْر والفقء وَإِتْلَاف الْمعَانِي من السّمع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 633 وَنَحْوه، وَإِن خالفته اللُّغَة والاصطلاح. ابْن عَرَفَة مُتَعَلق الْجِنَايَة غير النَّفس إِن أبانت بعض الْجِسْم فَقطع، وإلاَّ فَإِن أزالت اتِّصَال عظم لم يبن فَكسر وإلاَّ فَإِن أثرت فِي الْجِسْم فجرح، وإلاَّ فإتلاف مَنْفَعَة وَالْقصاص فِيهَا كالنفس إِلَّا فِي جِنَايَة أدنى على أَعلَى اه. (خَ) : وَالْجرْح كالنفس فِي الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول، فَقَوله فِي الْفِعْل يَعْنِي أَنه يشْتَرط فِي الْقصاص فِي الْجرْح مَا اشْترط فِي الْقَتْل من كَونه عمدا عُدْوانًا وَهُوَ قصد الضَّارِب إِلَى الْمَضْرُوب كَمَا مر أول الْبَاب، وَقَوله: وَالْفَاعِل يَعْنِي أَنه يشْتَرط فِي الْجَارِح مَا اشْترط فِي الْقَاتِل من كَونه مُكَلّفا مكافئاً للمجروح غير زَائِد عَلَيْهِ بحريّة أَو إِسْلَام وَغير حَرْبِيّ أسلم كَمَا مر فِي قَول النَّاظِم: والقود الشَّرْط بِهِ المثلية الخ. فَكَمَا تعْتَبر تِلْكَ الْقُيُود فِي الْقصاص من الْقَاتِل كَذَلِك تعْتَبر فِي الْقصاص من الْجَارِح، وَقَوله: وَالْمَفْعُول يَعْنِي أَنه يشْتَرط فِي الْمَجْرُوح مَا اشْترط فِي الْمَقْتُول من كَونه مَعْصُوم الْعُضْو وَالدَّم إِلَى حِين الْإِصَابَة كَمَا مر فِي قَوْله: وَالشّرط فِي الْمَقْتُول عصمَة الدَّم الخ. فينتج من هَذَا أَن كل شَخْصَيْنِ يقْتَصّ من أَحدهمَا للْآخر فِي الْقَتْل يقْتَصّ من أَحدهمَا للْآخر فِي الْجرْح إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة وَهِي أَن الْأَدْنَى إِذا جرح من هُوَ أَعلَى مِنْهُ كَمَا لَو قطع عبد يدحر مُسلم أَو جرحه أَو قطع كَافِر يَد مُسلم أَو جرحه، فَإِنَّهُ لَا يقْتَصّ للأعلى مِنْهُمَا على الْمَشْهُور، وَإِن كَانَ يقْتَصّ لَهُ مِنْهُمَا فِي النَّفس كَمَا مر فِي قَوْله: وَقتل منحط مضى بالعالي الخ. وَإِنَّمَا لم يقْتَصّ لَهُ مِنْهُمَا هُنَا لِأَن ذَلِك كجناية الْيَد الشلاء على الصَّحِيحَة وَهِي لَا قصاص فِيهَا، وَإِذا لم يقْتَصّ من الْأَدْنَى للأعلى فديَة الْجرْح فِي رَقَبَة العَبْد وَفِي ذمَّة الْكَافِر إِن كَانَ فِيهِ شَيْء مُقَدّر من الشَّارِع كموضحة بَرِئت على شين أم لَا. وَإِن لم يكن فِيهِ شَيْء مُقَدّر ككسر الْفَخْذ مثلا فَحُكُومَة إِن برىء على شين وَإِلَّا فَلَيْسَ على العَبْد وَالْكَافِر إِلَّا الْأَدَب. جُلُّ الجَرَاحِ عَمْدَها فِيهِ القَوَدْ وديةُ معْ خَطَرٍ فِيهَا فَقَدْ (جلّ الْجراح عمدها) الثَّابِت وَلَو بِشَاهِد وَاحِد أَو قرينَة تقوم مقَامه كَمَا مر عِنْد قَوْله: وَلَيْسَ فِي عبد وَلَا جَنِين قسَامَة الخ. (فِيهِ الْقود) بعد الْبُرْء إِذْ لَا قصاص فِي جرح إِلَّا بعد برئه أَو مَعَ التكافىء، إِذْ لَا قصاص فِي جرح من غير مكافىء كَمَا مر قَرِيبا. وَهَذَا إِذا لم يكن فِي الْقود خطر ككسر الْفَخْذ وَعظم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 634 الصَّدْر والعنق والصلب ورض الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا قَود فِي مثل ذَلِك وَإِن ثَبت عمده لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى أَخذ النَّفس فِيمَا دونهَا، (و) عَلَيْهِ فَالْوَاجِب فِي ذَلِك (دِيَة) مُغَلّظَة بالتثليث فِي الْأَب وَفِي التربيع فِي غَيره، وَهَذَا فِيمَا فِيهِ شَيْء مُقَدّر من الشَّارِع كرض الْأُنْثَيَيْنِ إِذْ فيهمَا دِيَة كَامِلَة وكدامغة فِيهَا ثلث الدِّيَة أَو حُكُومَة فِيمَا لَيْسَ فِيهِ شَيْء مُقَدّر ككسر الْفَخْذ وَعظم الصَّدْر إِن برىء على شين وإلاَّ فَلَا شَيْء فِيهِ إِلَّا الْأَدَب، وَهَذِه الدِّيَة أَو الْحُكُومَة إِنَّمَا هما (مَعَ) وجود (خطر فِيهَا) أَي فِي الْقصاص من تِلْكَ الْجِرَاحَات الْمَذْكُورَة (فقد) أَي فَحسب والخطر الإشراف على الْهَلَاك وَيرجع فِي كَونه خطراً أَو عَدمه لأهل الْمعرفَة، وَمثل الْخطر فِي وجوب الدِّيَة مَا إِذا تعذر الْقصاص لعدم وجود المماثل من الْجَارِح. وَقَوْلِي. أَو قرينَة الخ. ليدْخل مَا إِذا لم يثبت الْجرْح بِشَاهِد، وَإِنَّمَا ادّعى الْمَجْرُوح أَن فلَانا جرحه وَأثبت أَنه كَانَت بَينهمَا ثائرة وعداوة، فَإِنَّهُ يحلف الْمَجْرُوح ويقتص مِنْهُ كَمَا أفتى بِهِ القوري وَابْن عرضون والتالي وَغَيرهم حَسْبَمَا فِي نَوَازِل العلمي خلافًا لفتوى أبي الْقَاسِم العبدوسي من أَن الْيَمين على الْجَارِح. وَقَوله: جلّ الْجراح هُوَ مَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: واقتص من مُوضحَة أوضحت عظم الرَّأْس والجبهة والخدين وَإِن كابرة واقتص أَيْضا من سابقها وَهِي سِتَّة. دامية: وَيُقَال لَهَا أَيْضا دامعة بِالْعينِ الْمُهْملَة وَهِي الَّتِي تضعف الْجلد فيسيل مِنْهُ دم كالدمع. وحارصة: بالصَّاد الْمُهْملَة وَهِي الَّتِي شقَّتْ الْجلد كُله وأفضت للحم وسمحاق: وَهِي الَّتِي كشطت الْجلد أَي أزالته عَن مَحَله فَيُقَال لذَلِك الْجلد سمحاق. وباضعة: وَهِي الَّتِي شقَّتْ اللَّحْم. ومتلاحمة: وَهِي الَّتِي غاصت فِيهِ أَي فِي اللَّحْم فَأخذت يَمِينا وَشمَالًا وَلم تقرب من الْعظم. وملطاة: بِكَسْر الْمِيم وَهِي الَّتِي شقَّتْ اللَّحْم وَقربت من الْعظم، فَهَذِهِ الْجِرَاحَات كلهَا يقْتَصّ مِنْهَا كَانَت فِي الرَّأْس أَو فِي غَيره من الْجَسَد، وَكَذَا يقْتَصّ من هاشمة ومنقلة فِي غير الرَّأْس، والهاشمة هِيَ الَّتِي هشمت الْعظم أَي كَسرته والمنقلة هِيَ الَّتِي أطارت فرَاش الْعظم بِكَسْر الْفَاء وَفتحهَا من أجل الدَّوَاء وَمحل الْقصاص فيهمَا فِي غير الرَّأْس إِذا لم يعظم الْخطر، وإلاَّ فَلَا قصاص، وَإِنَّمَا فيهمَا الْحُكُومَة إِذا برئا على شين وَإِلَّا فالأدب فَقَط، وَفهم من قَوْله: جلّ الْجراح أَن الْأَقَل لَا قَود فِيهِ وَذَلِكَ كالمنقلة والهاشمة فِي الرَّأْس، فَإِنَّهُ لَا قصاص فيهمَا. وَكَذَا لَا قصاص فِي أمة وَهِي الَّتِي أفضت لأم الدِّمَاغ أَي المخ الَّذِي فِي الرَّأْس، وَلَا فِي دامغة وَهِي الَّتِي خرقت خريطته أَي شقتها، وَإِنَّمَا لم يقْتَصّ من هَذِه الْجِرَاحَات فِي الرَّأْس لعظم خطرها، وَإِنَّمَا فِيهَا الدِّيَة. فَفِي الهاشمة والمنقلة عشر الدِّيَة وَنصفه وَفِي الْأمة والدامغة ثلث الدِّيَة، وَكَذَا لَا يقْتَصّ من الْجَائِفَة وَهِي الَّتِي أفضت للجوف من بطن أَو ظهر، وَإِنَّمَا فِيهَا ثلث الدِّيَة بِخِلَاف عظم ترقوة بِفَتْح التَّاء وَضم الْقَاف وَهُوَ الْعظم الَّذِي بِأَعْلَى الصَّدْر الْمُتَّصِل بالعنق، فالقصاص فِيهِ اتِّفَاقًا، وَكَذَا يقْتَصّ فِي الْعين وَالرجل وَالْأنف وَالْأُذن وَالسّن وَالذكر والأجفان والشفتين، وَكَذَا اللِّسَان إِن أمكن وَلم يكن متلفاً وإلاَّ فَلَا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 635 وَقد علمت من هَذَا أَن الْمُوَضّحَة وَمَا قبلهَا فِيهِ الْقصاص مُطلقًا، والهاشمة والمنقلة فيهمَا الْقصاص إِذا لم يعظم الْخطر وكانتا فِي غير الرَّأْس، وَأما إِذا كَانَتَا فِي الرَّأْس فَلَا قصاص فيهمَا بل الدِّيَة فَقَط كَمَا تجب الدِّيَة فِي الْأمة والدامغة وَلَا يكونَانِ، إِلَّا فِي الرَّأْس، وَفِي الْجَائِفَة وَلَا تكون إِلَّا فِي غَيره، فَهَذِهِ الْجِرَاحَات عمدها كخطئها فِي الدِّيَة إِلَّا أَنَّهَا يجب فِيهَا الْأَدَب فِي الْعمد زِيَادَة على الدِّيَة، وَبِهَذَا صَحَّ قَول النَّاظِم: جلّ الْجراح عمدها فِيهِ الْقود، فمفهومه أَن الْأَقَل لَا قَود فِيهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ الدِّيَة إِن كَانَ فِيهِ شَيْء مُقَدّر أَو حُكُومَة إِن لم يكن فِيهِ شَيْء مُقَدّر ككسر عظم الْعُنُق والصلب وَغير ذَلِك مِمَّا مر. تَنْبِيهَات. الأول: لَا قصاص فِي لطمة أَو ضَرْبَة على الْخَدين بباطن الرَّاحَة إِذا لم ينشأ عَنْهَا جرح أَو ذهَاب معنى كبصر، وإلاَّ فيقتص مِنْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ لَا قصاص فِيهَا حَيْثُ لم ينشأ عَنْهَا مَا ذكر لعدم انضباطها وَمثلهَا الضَّرْب بالعصا حَيْثُ لم ينشأ عَنْهَا مَا ذكر بِخِلَاف ضَرْبَة السَّوْط فَفِيهَا الْقصاص كَمَا فِي (ح) لانضباطه، وَإِذا لم يقْتَصّ من اللَّطْمَة وَالضَّرْب بالعصا فَلَا إِشْكَال أَن الْفَاعِل يُؤَدب كَمَا يُؤَدب من سل سَيْفه على أحد وَلَو على وَجه المزاح، وَكَذَلِكَ يُؤَدب من كسر الدعْوَة للْحَاكِم أَو قبل امْرَأَة كرها، وَلأبي الْعَبَّاس سَيِّدي أَحْمد بن القَاضِي مَا نَصه: وَمن نضى سَيْفه يَوْمًا على أحد فالأربعون لَهُ إِن لِلْقِتَالِ نضى وَالسيف يرْوى لبيت المَال مصرفه وَقيل يقتل وَالْحكم بِذَاكَ مضى وَمن نضاه على وَجه المزاح فقد جَفا وَيضْرب عشرا حكمه فرضا وَالْأَرْبَعُونَ اذا مَا دَعَوْت كسرت لقاض أَو حَاكم للْمُسلمين قضى من قبل امْرَأَة يَوْمًا وأكرهها يُزَاد عشرا كَمَا إِن كَانَ مِنْهَا رضَا الثَّانِي: قد علمت مِمَّا مر أَنه لَا قصاص وَلَا حُكُومَة وَلَا دِيَة فِي جرح إِلَّا بعد برئه، وَأَن الدِّيَة والحكومة مغلظتان حالتان فِي مَال الْجَانِي وَحده وَأَن الْجَانِي يجْبر على دفع الدِّيَة، والحكومة فِيمَا وَجب فِيهِ ذَلِك بِخِلَاف مَا وَجب فِيهِ الْقصاص فَلَا يجْبر، بل إِذا قَالَ: إِمَّا أَن تقتص وَإِمَّا أَن تَعْفُو مجَّانا فَلهُ ذَلِك فَإِن تَرَاضيا على شَيْء من المَال قَلِيلا أَو كثيرا عمل عَلَيْهِ كَمَا مر عِنْد قَوْله: وَإِن ولي الدَّم لِلْمَالِ قبل الخ. وَيجب تَأْخِير الْقصاص لزوَال حر أَو برد مفرطين لِئَلَّا يَمُوت إِذا اقْتصّ مِنْهُ فيهمَا فتؤخذ نفس فِيمَا دونهَا كَمَا تُؤخر الْحَامِل الجانية لوضع حملهَا، سَوَاء جنت على طرف أَو نفس (خَ) : وَآخر لبرد أَو حر كالبرء كدية خطأ أَو دِيَة عمد أَي. فَلَا تُؤدِّي دِيَتهمَا إِلَّا بعد الْبُرْء وَلَو كجائفة وحامل إِلَى أَن قَالَ: لَا بِدُخُول الْحرم أَي لَا يُؤَخر الْقصاص عَن الْجَانِي بِدُخُولِهِ الْمَسْجِد الْحَرَام، بل يخرج من الْمَسْجِد الْحَرَام ليقام عَلَيْهِ الْحَد وَالْقصاص وَلَو كَانَ محرما بِحَجّ أَو عمْرَة، فَإِنَّهُ لَا يُؤَخر إِلَى فرَاغ نُسكه بل يقْتَصّ مِنْهُ قبل فَرَاغه، وَسَوَاء فعل مَا يُوجب الْحَد أَو الْقصاص فِي الْحرم أَو خَارجه ولجأ إِلَيْهِ. الثَّالِث: إِذا كَانَ لَا يُؤَخر بِدُخُول الْحرم الشَّرْعِيّ الَّذِي هُوَ مَكَّة وَالْمَدينَة كَمَا مر فأحرى أَن لَا يُؤَخر بِدُخُولِهِ الزوايا مِمَّا لَيْسَ بحرم شَرْعِي، وَلذَا قَالَ أَبُو عبد الله الأبي: كَانَ ابْن عَرَفَة لَا يحل إيواء الظلمَة والجناة الهاربين إِلَى الزوايا قَائِلا: إِلَّا أَن يعلم أَنه يتَجَاوَز فيهم فَوق مَا يسْتَحقُّونَ اه. قَالَ الْعَارِف بِاللَّه سَيِّدي عبد الرَّحْمَن الفاسي عقب كَلَام الأبي مَا نَصه: هَذَا وَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 636 يظْهر من أُمُور خَارِجَة عَمَّا ذكر من ظُهُور برهَان لمن تعدى على زَاوِيَة أَو رَوْضَة فَذَلِك أَمر خَارج عَن الْفَتْوَى بِهِ، وغيرلا من الله على أوليائه لَا تحد بِقِيَاس وَلَا تنضبط بميزان شَرْعِي وَلَا قانون عادي، فَإِن الموازين الشَّرْعِيَّة كليات وعمومات، وَقد يكون مُرَاد الْحق سُبْحَانَهُ فِي خُصُوص نازلة خلاف مَا تَقْتَضِيه العمومات، وَلذَلِك الْخَواص يفتقرون إِلَى إِذن خَاص فِي كل نازلة وَاعْتبر بتكرار قَوْله تَعَالَى: بإذني} (الْمَائِدَة: 110) فِيمَا أخبر بِهِ عَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام من إبرائه الأكمه والأبرص وإحياء الْمَوْتَى وَغير ذَلِك انْتهى. قلت: قَوْله: فَذَلِك أَمر خَارج عَن الْفَتْوَى الخ رُبمَا يتَوَهَّم قَاصِر الْفَهم أَنه يُرَاعِي حرم الزاوية وَالرَّوْضَة لما يخْشَى من الْبُرْهَان كَمَا عَلَيْهِ الْعَامَّة الْآن قولا وفعلاً، وَهَذَا لَا يَقُوله أحد من الْأَئِمَّة وَلَا من أَصْحَابهم وَلَا من أهل السّنة، إِذْ لَا حرم لغير مَكَّة وَالْمَدينَة شرعا، وَغَايَة مَا ذكره الفاسي أَن الله تَعَالَى قد أَمر بِإِقَامَة الْحُدُود على كل من فعل موجباتها، وَكَون الله سُبْحَانَهُ ينْتَقم مِمَّن أخرجه من زَاوِيَة أَو رَوْضَة لإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ أَمر خَارج عَن الْفَتْوَى بِهِ، لِأَن ذَلِك الْحَد والإخراج مِمَّا أَمر الله تَعَالَى بِهِ، وَقد يُرِيد خِلَافه فِي خُصُوص زيد الْجَانِي وَنَحْو ذَلِك، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد يَأْمر بالشَّيْء وَيُرِيد خِلَافه كَمَا أَمر بِإِيمَان الْكَفَرَة وَأَرَادَ مِنْهُم خِلَافه، وَهَذَا مِنْهُ رُبمَا يدل على أَن المصائب الَّتِي تنزل بمخرجهم من الزوايا انتقام من الله لَهُم على إخراجهم مِنْهَا وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الْجَانِي الْمُحْتَرَم بالزاوية أَو الرَّوْضَة يجب إِخْرَاجه لإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ إِجْمَاعًا امتثالاً لأمر الله تَعَالَى، والمصيبة الَّتِي تنزل بمخرجه إِن وَقعت إِنَّمَا هِيَ اتفاقية مَكْتُوبَة عَلَيْهِ لقَوْله تَعَالَى: مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها} (الْحَدِيد: 22) أَي نخلفها وَلَيْسَت انتقاماً على الْإِخْرَاج لكَون الله أَرَادَ خِلَافه. أَلا ترى أَن الله سُبْحَانَهُ أوجب قتال الْكفَّار وَأمر بِهِ، والمصائب الَّتِي تنزل بهم عِنْد قِتَالهمْ من هزيمَة وَنَحْوهَا مَكْتُوبَة عَلَيْهِم لِأَن الله انتقم مِنْهُم لإرادته خلاف قِتَالهمْ أَو غيرَة عَلَيْهِم، بل ذَلِك مَكْتُوب عَلَيْهِم فِي أزله سُبْحَانَهُ ليعظم بذلك أُجُورهم وَيكثر بِهِ ثوابهم، فَكَذَلِك الْجَانِي فالمصيبة وَإِن وَقعت بأثر إِخْرَاجه إِنَّمَا هِيَ أَمر اتفاقي مَكْتُوب عَلَيْهِ نُزُولهَا بِهِ فِي ذَلِك الْوَقْت لَا بُد من وُقُوعهَا بِهِ أخرجه أَو لم يُخرجهُ ليعظم بهَا أجره وَيكثر بهَا ثَوَابه إِن صَبر واحتسب. وَقَالَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون كَمَا فِي الْآيَة. قَالَ تَعَالَى: قل لَو كُنْتُم فِي بُيُوتكُمْ لبرز الَّذين كتب عَلَيْهِم الْقَتْل إِلَى مضاجعهم} (آل عمرَان: 154) وَذَلِكَ كُله امتحان واختبار للْعَبد هَل يصبر على المصائب حَتَّى يُؤَدِّي مَا أَمر بِهِ سُبْحَانَهُ أَو يرجع عَن ذَلِك وَلَا يصبر. قَالَ تَعَالَى: ليميز الله الْخَبيث من الطّيب} (الْأَنْفَال: 37) وَقَالَ: أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا أَن يَقُولُوا آمنا وهم لَا يفتنون} (العنكبوت: 2) وَقَوله: وغيرة من الله على أوليائه الخ. يُقَال لَهُ من لنا بِأَنَّهَا غيرَة من الله بل الْغيرَة من الله إِنَّمَا وَردت بارتكاب مَمْنُوع لَا بارتكاب وَاجِب، فَوَجَبَ أَن يكون أمرا اتفاقياً إِذْ الْمُؤمن لَا يَخْلُو من مصائب، وَقد تكون تِلْكَ المصائب من التواني فِي الِامْتِثَال أَو من اكْتِسَاب مَمْنُوع تقدم، وَلَو كَانَ ذَلِك غيرَة لَكَانَ نزُول المصائب بالكفار أولى حَيْثُ يمتهنونهم فِي الْأَرَاضِي الَّتِي دخلوها، وبمن يفعل الْفَوَاحِش ويسفك الدِّمَاء فِي أضرحتهم وزواياهم كَذَلِك، وَكم من فَاعل ذَلِك فِي أضرحتهم لم يصبهُ شَيْء، وَأَيْضًا لَو أقيم حد على شخص فَنزلت مُصِيبَة فِي الْحِين بمقيمه لوَجَبَ أَن يُقَال على هَذَا أَن ذَلِك غيرَة من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على الْمَحْدُود، وَذَلِكَ مِمَّا لَا معنى لَهُ بل الْوَلِيّ لَو كَانَ حَيا لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْمُبَادرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 637 إِلَى إِقَامَته على من اجترم بِهِ، وَإِن حماه وَلم يفعل فَلَيْسَ بولِي لِأَن الَّذِي يحمي الظَّالِم ظَالِم. وَقَوله: وَلذَلِك الْخَواص يفتقرون إِلَى إِذن خَاص فِي كل نازلة الخ. مَعْنَاهُ على مَا قَالَ من مَذْهَب الْخَواص أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِذا أَمر برجم كل فَاسق مثلا فِي كل مَكَان، فزنى زيد الْمُحصن فيحتاجون فِي رجمه إِلَى إِذن خَاص من الله سُبْحَانَهُ وَإِن زنى عَمْرو فيحتاجون فِي رجمه إِلَى إِذن خَاص، وَهَكَذَا وَلَا يتمسكون بِالْعُمُومِ الْمَذْكُور لِئَلَّا يكون مُرَاد الْحق سُبْحَانَهُ خلاف رجم ذَلِك الْمعِين بِخُصُوصِهِ، وَهَذَا أَمر خَارج عَن الشَّرْع لم يَأْمر الله سُبْحَانَهُ باتباعه لَا الْخَواص وَلَا غَيرهم لِأَن امْتِثَال الْأَوَامِر وَاجِب، وَإِن فَرضنَا أَن مُرَاد الْحق سُبْحَانَهُ خلاف مَا أَمر بِهِ، وَحِينَئِذٍ فمعاذ الله أَن لَا يُبَادر الْخَواص إِلَى تَنْفِيذ أوَامِر الله ويتربصون إِلَى أَن يرد عَلَيْهِم الْإِذْن الْخَاص خشيَة أَن يكون مُرَاده خلاف مَا أَمر بِهِ، إِذْ ذَلِك يَقْتَضِي أَنه لَا يُصَلِّي ظهر هَذَا الْيَوْم حَتَّى يرد عَلَيْهِ الْإِذْن الْخَاص فِي صلَاتهَا، وَهَكَذَا مَعَ أَنه مَأْمُور بالامتثال. وَلَو فَرضنَا أَنه علم أَن مُرَاده سُبْحَانَهُ خلاف ذَلِك لِأَنَّهُ مُكَلّف بِاتِّبَاع الْأَوَامِر وَلَا عَلَيْهِ فِي الْإِرَادَة، وَبِهَذَا احْتج إِبْلِيس اللعين فَقَالَ: كَيفَ أَسجد لآدَم وَالله لم يردهُ مني، وَهَذَا إِن زَعمه بعض النَّاس وَادّعى أَنه من الْخَواص وَأَنه يتربص فِي تَنْفِيذ أوَامِر الله إِلَى إِذن خَاص وَجب ضرب عُنُقه بِلَا ريب، وَلَو كَانَ يغوص فِي المَاء ويطير فِي الْهَوَاء. وَقَوله: وَاعْتبر بتكرار قَوْله تَعَالَى: بإذني} الخ إِنَّمَا يتم الِاحْتِجَاج بِهِ للخواص لَو كَانَ تكْرَار الْإِذْن فِي كل فَرد من أَفْرَاد الأكمة وَفِي كل فَرد من أَفْرَاد الْمَوْتَى الخ. وَبِالْجُمْلَةِ؛ فالحرم الشَّرْعِيّ لَا يجير عَاصِيا كَمَا فِي الحَدِيث فضلا عَن الزوايا وأضرحة الصَّالِحين، فَالْوَاجِب على من بسط الله يَده على عباده أَن لَا يلْتَفت إِلَى شَيْء مِمَّا يتخيله الْعَامَّة من كَون الله سُبْحَانَهُ ينْتَقم مِمَّن أخرجهم لإِقَامَة الْحُدُود عَلَيْهِم، بل لَو تحققنا الانتقام الْمَذْكُور وَأَنه من أجل الْإِخْرَاج وَأَن الله سُبْحَانَهُ أَرَادَ عَدمه، لوَجَبَ علينا اخراجهم للامتثال كَمَا مّر، فَكيف والانتقام إِنَّمَا هُوَ متخيل متوهم، وعَلى فرض وُقُوعه فَلَيْسَ هُوَ من أجل الْإِخْرَاج بل هُوَ أَمر اتفاقي كَمَا مر، لَا لكَون الله أَرَادَ عدم إخراجهم. وَمن الْعَجَائِب أَنهم يعتبرون المصائب الَّتِي تنزل بعد الْإِخْرَاج ويعدونها انتقامات وَلَا يعتبرون المصائب الَّتِي تنزل مَعَ عدم إخراجهم مَعَ كثرتها وَلَا يعدونها انتقامات على عدم إلاخراج، وَعدم تَنْفِيذ أوَامِر الله مَعَ أَن الله سُبْحَانَهُ إِنَّمَا رتب المصائب على عدم الِامْتِثَال فَقَالَ: وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم} (الشورى: 30) إِن الله لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم} (الرَّعْد: 11) إِلَى غير ذَلِك من الْآيَات. وَمَا انتقم الله من الْأُمَم السَّابِقَة إِلَّا لعدم امتثالهم أوامره بِاتِّبَاع رسله، وَقد نجا كل من امتثل أوامره باتبَاعهمْ، وَقد كثر الْفساد من عدم إِخْرَاج الجناة من الزوايا والأضرحة ويتخيلون أَن المصائب الَّتِي تنزل وَلَو بعد مائَة عَام إِنَّمَا هِيَ من ذَلِك، وَمَا أَظن ذَلِك إِلَّا من استخفاف الْحُكَّام بامتثال الْأَوَامِر وَإِقَامَة الْحُدُود مَعَ ضميمة التخيل الْمَذْكُور، وَالله يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم. وَلما تكلم النَّاظِم على مَا يجب فِي جراح الْعمد شرع فِي أَحْكَام جراح الْخَطَأ فَقَالَ: وَفِي جِرَاحِ الخَطَإِ الْحُكْومهْ وَخمسةٌ ديتُهَا مَعْلُومَهْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 638 (وَفِي جراح الْخَطَإِ) الَّتِي لَا شَيْء فِيهَا مُقَدّر من قبل الشَّارِع ككسر الْفَخْذ والترقوة وَعظم الصَّدْر والعنق والصلب وَنَحْو ذَلِك (الْحُكُومَة) إِذا بَرِئت على شين، وإلاَّ فَلَا شَيْء فِيهَا لَا أدب وَلَا غَيره وَسَيَأْتِي تَفْسِير الْحُكُومَة (وَخَمْسَة) من جراح الخطا (دِيَتهَا مَعْلُومَة) وَكلهَا فِي الرَّأْس مَا عدا الْجَائِفَة. فَنِصْفُ عُشْرِ دِيَةٌ فِي الْمُوضِحَهْ وَهْيَ الَّتِي تُلْفَى لعَظْمٍ مُوضِحَهْ (فَنصف عشر دِيَة فِي الْمُوَضّحَة) وَعرفهَا بقوله: (وَهِي الَّتِي تلفى لعظم مُوضحَة) أَي كاشفة أياً كَانَ الْعظم فِي الرَّأْس وَفِي غَيره، لَكِن الدِّيَة الَّتِي هِيَ نصف الْعشْر خَاصَّة بِمَا إِذا كَانَت. فِي رَأسٍ أَو وجهٍ كذَا المُنَقِّلهْ عُشْرٌ بهَا ونِصفٌ مَعْدِلَهْ (فِي رَأس أَو وَجه) يَعْنِي بِهِ الْجَبْهَة والخدين لَا إِن كَانَت فِي اللحى الْأَسْفَل أَو فِي غَيره من الْجَسَد، فَحُكُومَة إِن بَرِئت على شين، وَكَذَا بَقِيَّة جراح الْجَسَد من ملطاة وحارصة وَغَيرهمَا فَفِيهَا الْحُكُومَة إِن بَرِئت على شين، وإلاَّ فَلَا شَيْء فِيهَا. وَظَاهره أَن الْمُوَضّحَة فِيهَا مَا ذكر فَقَط بَرِئت على شين أم لَا. وَلَيْسَ كَذَلِك بل إِذا بَرِئت على شين فيزاد على دِيَتهَا حُكُومَة على الْمَشْهُور فَيقوم عبدا صَحِيحا ومعيباً على مَا يَأْتِي وَيُزَاد على دِيَتهَا مَا بَين الْقِيمَتَيْنِ، وَظَاهره أَيْضا أَن مَا قبل الْمُوَضّحَة من ملطاة وَنَحْوهَا فِي الرَّأْس وَالْوَجْه لَا شَيْء إِلَّا الْحُكُومَة وَلَيْسَ كَذَلِك بل الملطاة فِي الرَّأْس فِيهَا قَولَانِ. مَذْهَب ابْن كنَانَة أَن فِيهَا نصف دِيَة الْمُوَضّحَة، وَرُوِيَ أَن عُثْمَان وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا قضيا بذلك، وَقيل فِيهَا دِيَة الْمُوَضّحَة ذكر الْقَوْلَيْنِ فِي الشَّامِل مصدرا بِالْأولِ. (كَذَا المنقلة) دِيَتهَا مَعْلُومَة وَهِي (عشر) بِضَم الْعين وَسُكُون الشين (بهَا وَنصف عشر) بِسُكُون الشين أَيْضا وَلَو قَالَ: عشرهَا وَنصفه (معدلة) لَا تزن الْبَيْت بِلَا كلفة أَي عشر الدِّيَة وَنصف عشرهَا يعدل جرحها حَال كَونهَا. فِي المَوْضِعين مُطْلقاً وهْيَ الَّتِي كسرَ فِرَاشِ العظمِ قد تَوَلَّتِ (فِي الْمَوْضِعَيْنِ) الرَّأْس وَالْوَجْه لَا فِي اللحى الْأَسْفَل أَو غَيره من الْجَسَد، فَفِيهَا الْحُكُومَة إِن بَرِئت على شين (مُطلقًا) عمدا أَو خطأ إِذْ لَا يقْتَصّ مِنْهَا فِي الْعمد كَمَا مر (وَهِي) أَي المنقلة (الَّتِي كسر فرَاش الْعظم) فَكسر مفعول بقوله. (قد تولت) أَي هِيَ الَّتِي تولت كسر صغَار عظم الرَّأْس أَي الَّتِي ينْقل الطَّبِيب مِنْهَا الْعِظَام الصغار كقشر البصل ليلتئم الْجرْح، وَتلك الْعِظَام هِيَ الَّتِي يُقَال لَهَا الْفراش بِالْفَتْح وَالْكَسْر فإضافته إِلَى الْعظم بَيَانِيَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 639 وَعُشْرٌ ونِصْفُه فِي الهاشِمَهْ وهَي لِعْظمِ الرَّأْسِ تُلفَى هاشِمَهْ (وَعشر وَنصفه فِي الهاشمة وَهِي) الَّتِي (لعظم الرَّأْس) أَو الْوَجْه أَو الْخَدين (تلفى هاشمة) أَي كاسرة عمدا أَو خطأ أَيْضا، إِذْ لَا قصاص فِي عمدها. وَعند ابْن الْقَاسِم لَا بُد أَن تصير منقلة إِذْ مَا من هاشمة إِلَّا عَادَتْ منقلة، فَالصَّوَاب إِسْقَاطهَا على مذْهبه وَهُوَ الْمُعْتَمد. وَقيل نِصْفُ العُشْرِ أَوْ حُكُومَهْ وَثُلُثُ الدِّيَةِ فِي الْمَأْمُومَهُ (وَقيل) الْوَاجِب فِي الهاشمة (نصف الْعشْر) كالموضحة، وَعَزاهُ ابْن عبد الْبر وَابْن رشد لِلْجُمْهُورِ. (أَو) أَي وَقيل الْوَاجِب فِيهَا (حُكُومَة) فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال مشهورها أَولهَا: (وَثلث الدِّيَة فِي المأمومة) وَيُقَال لَهَا أَيْضا الْأمة بِالْمدِّ وَالتَّشْدِيد وَسَوَاء كَانَت عمدا أَو خطأ أَيْضا. وَمَا انتهتْ للجَوفِ وَهِي الجائِفَهْ كذاكَ وَالْأولَى الدِّماغُ كاشِفَهْ (وَمَا انْتَهَت للجوف) وَإِن بِمِقْدَار إبرة (فَهِيَ الْجَائِفَة كَذَاك) فِيهَا ثلث الدِّيَة عمدا أَو خطأ أَيْضا، إِذْ لَا قصاص فِي عمدها، وَسَوَاء وصلت للجوف من الْبَطن أَو الظّهْر فَإِن نفذت مِنْهُمَا فجائفتان فيهمَا ثلث الدِّيَة. (وَالْأولَى) يَعْنِي المأمومة وَهِي الَّتِي ألفيت (الدِّمَاغ كاشفة) أَي أفضت لأم الدِّمَاغ وَبَقِي عَلَيْهِ الدامغة وَهِي الَّتِي خرقت خريطته كَمَا مر، وفيهَا ثلث الدِّيَة كَمَا مر. وَقد أَشَارَ (خَ) إِلَى مَا تقدم بقوله: إِلَّا الْجَائِفَة وَالْأمة فثلث، والموضحة فَنصف عشر، والمنقلة الهاشمة فعشر وَنصفه وَإِن بشين فِيهِنَّ وَإِن كن بِرَأْس أَو لحى أَعلَى الخ. وَاعْترض عَلَيْهِ ذكر الهاشمة لِأَنَّهَا المنقلة عِنْد ابْن الْقَاسِم، وَبقيت عَلَيْهِ الدامغة أَيْضا وفيهَا ثلث الدِّيَة. وَقد تحصل مِمَّا مر أَن مَا فِيهِ ثلث الدِّيَة هُوَ على الْعَاقِلَة فِي الْخَطَأ منجماً كَمَا مر، وَمَا لم يبلغ الثُّلُث كالمنقلة والموضحة هُوَ فِي مَال الْجَانِي حَال عَلَيْهِ كالعمد فَإِنَّهُ مغلظ حَال فِي مَال الْجَانِي وَأَن مَا فِيهِ الدِّيَة لَا حُكُومَة فِيهِ بعْدهَا برىء على شين أم لَا. إِلَّا الْمُوَضّحَة فَفِيهَا الْحُكُومَة زِيَادَة على الدِّيَة إِن بَرِئت على شين، وَإِن مَا عدا هَذِه الْجِرَاحَات الْمَذْكُورَة لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْحُكُومَة إِن برىء على شين فِي الْخَطَأ كَمَا قدمه فِي قَوْله: فِي جراح الْخَطَأ الْحُكُومَة الخ. وَأما جراح الْعمد فَفِيهِ الْقصاص أَو مَا تَرَاضيا عَلَيْهِ من قَلِيل أَو كثير إِلَّا مَا فِيهِ خطر فَلَا قصاص فِيهِ، وَهُوَ حِينَئِذٍ على وَجْهَيْن: إِمَّا أَن يكون فِيهِ شَيْء مُقَدّر كالجائفة وَنَحْوهَا فَفِيهِ مَا قدره الشَّارِع مغلظاً، وَإِمَّا أَن لَا يكون فِيهِ شَيْء مُقَدّر ككسر الْفَخْذ وَنَحْوه، فَفِيهِ الْحُكُومَة مُغَلّظَة مَعَ الْأَدَب فِي الْعمد من حَيْثُ هُوَ كَمَا قَالَ: وَلاجْتِهَادِ حاكِمٍ مَوْكُولُ فِي غيرِها التأدِيب والتَّنْكِيلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 640 (ولاجتهاد حَاكم موكول فِي غَيرهَا) أَي غير جراح الْخَطَأ وَهِي جراح الْعمد (التَّأْدِيب والتنكيل) أَي الْعقُوبَة أَي لَا بُد من الْأَدَب للجارح عمدا اقْتصّ مِنْهُ أَو لم يقْتَصّ لخطر الْجرْح أَو للعفو عَن قصاصه وَقدر الْأَدَب بِاجْتِهَاد الْحَاكِم فِي عظم الْجِنَايَة وخفتها واعتياد الْجَانِي لَهَا ووقوعها مِنْهُ فلتة كَمَا فِي ضيح. وَجَعَلُوا الْحُكُومَةَ التقويما فِي كونِهِ مَعيباً أَوْ سَليما (وَجعلُوا الْحُكُومَة) الْوَاجِبَة فِيمَا لَيْسَ فِيهِ شَيْء مُقَدّر من جراح الْخَطَأ كالمنقلة والموضحة فِي غير الرَّأْس، وَنَحْو باضعة وسمحاق مُطلقًا وَعظم ترقوه وَفِيمَا فِيهِ خطر من جراح الْعمد الَّذِي لَا قصاص فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء مُقَدّر أَيْضا ككسر الْفَخْذ والعنق والصدر وَنَحْو ذَلِك مِمَّا مرّ (التقويما) للمجروح بعد برئه بِتَقْدِير كَونه عبدا فرضا أَي مَفْرُوضًا عبوديته إِن ابيض فأبيض وَإِن اسود فأسود، وَينظر (فِي) قيمَة (كَونه معيبا) بتسعين مثلا (أَو) بِمَعْنى الْوَاو فِي قيمَة كَونه (سليما) من عيب الْجِنَايَة بِمِائَة مثلا فقد نَقصه عيب الْجِنَايَة الْعشْر فَيَأْخُذ من الْجَانِي عشر دِيَته كَمَا قَالَ: وَمَا تَزيدُ حالةُ السَّلاَمَهْ يأْخُذُهُ أَرْشاً وَلاَ مَلاَمَهْ (وَمَا تزيد حَالَة السَّلامَة) وَهُوَ الْعشْر فِي الْمِثَال الْمَذْكُور (يَأْخُذهُ) المجنى عَلَيْهِ (أرشاً) أَي يَأْخُذ بنسبته من دِيَته ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى أَو ذِمِّيا أَو غير ذَلِك، فَأخذ الذِّمِّيّ فِي الْمِثَال الْمَذْكُور عشر دِيَته وَالْمَرْأَة عشر دِيَتهَا وَهَكَذَا، وَإِن نَقصه الْعَيْب سدس قِيمَته أَو ثلثهَا كَمَا لَو قوم معيبا بستين وسالماً بتسعين فيأخد سدس دِيَته أَو ثلثهَا، وَيكون على عَاقِلَة الْجَانِي فِي الْخَطَأ لِأَن الْحُكُومَة بلغت سدس دِيَة المجنى عَلَيْهِ، وَقد تقدم أَن مَا بلغ الثُّلُث هُوَ على الْعَاقِلَة فِي الْخَطَأ وَمَا دون الثُّلُث فَهُوَ حَال فِي مَال الْجَانِي والحكومة فِي عمد الْقصاص فِيهِ تكون مُغَلّظَة بالتربيع والتثليث حَال فِي مَال الْجَانِي أَيْضا كَمَا مر، وأشعر قَوْله: معيبا أَن الْحُكُومَة إِنَّمَا تجب إِذا برىء على شين فَحِينَئِذٍ يَأْخُذ من دِيَته بِقدر نِسْبَة نقص قِيمَته معيبا عَن قِيمَته سالما، وَأما إِن برىء على غير شين فَلَا شَيْء فِيهِ إِلَّا الْأَدَب فِي الْعمد. (وَلَا ملامة) عَلَيْهِ فِي تقويمه عبدا تَقْديرا. وَيَثْبُتُ الجِرَاحُ للمَالِ بِمَا يَثْبُتُ ماليُّ الْحُقُوقِ فاعْلَمَا (وَيثبت الْجراح لِلْمَالِ) أَي لأجل المَال يَعْنِي الْجراح الَّتِي لَا قَود فِيهَا عمدا كَانَت أَو خطأ، وَإِنَّمَا فِيهَا المَال الْمُقدر من الشَّارِع أَو الْحُكُومَة (بِمَا يثبت) بِهِ (مَالِي الْحُقُوق) أَي الْحُقُوق الْمَالِيَّة وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 641 عدل وَامْرَأَتَانِ أَو أَحدهمَا مَعَ الْيَمين (فاعلما) (خَ) : وَفِي الْجراح حُكُومَة بِنِسْبَة نُقْصَان الْجِنَايَة إِذا برىء من قِيمَته عبدا فرضا من الدِّيَة الخ. وَمَفْهُوم قَوْله: لِلْمَالِ أَن جراح غير المَال وَهِي جراح الْعمد الَّتِي فِيهَا الْقصاص لَا تثبت بِمَا يثبت بِهِ مَالِي الْحُقُوق وَلَا بُد فِيهَا من عَدْلَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَفِي الْمُدَوَّنَة: وَمن أَقَامَ شَاهدا عدلا على جرح عمدا وَخطأ فَيحلف مَعَه يَمِينا وَاحِدَة ويقتص فِي الْعمد وَيَأْخُذ الْفِعْل فِي الْخَطَأ اه. وَتقدم قَول (خَ) : وَمن أَقَامَا شَاهدا على جرح حلف وَاحِدَة إِلَى آخر مَا تقدم عِنْد قَوْله: وَلَيْسَ فِي عبد وَلَا جَنِين الخ. فَلَو قَالَ النَّاظِم: وَيثبت الْجراح مُطلقًا بِمَا الخ. لوفي بالمراد وَثُبُوت جراح الْعمد بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين إِحْدَى المستحسنات الْأَرْبَع الَّتِي استحسنها الإِمَام وَلم يسمع فِيهَا شَيْئا من غَيره، ثَانِيهَا: شُفْعَة الثِّمَار الْمشَار لَهَا بقول (خَ) فِي الشُّفْعَة وكثمرة ومقائي الخ. وَتَقَدَّمت للناظم فِي الشُّفْعَة أَيْضا. وَثَالِثهَا: شُفْعَة الْأَشْجَار الْمشَار لَهَا بقول (خَ) فِي الشُّفْعَة أَيْضا وكشجر وَبِنَاء بِأَرْض حبس أَو معير الخ. وَمَعْنَاهُ أَنه إِذا انقصت مُدَّة الْعَارِية وَبَاعَ أَحدهمَا واجبه فِي النَّقْص، فلصاحبه الشُّفْعَة إِن امْتنع الْمُعير من أَخذه. وَرَابِعهَا: أُنْمُلَة الْإِبْهَام فَفِيهَا نصف دِيَة الْأصْبع اسْتِحْسَانًا الْمشَار لَهَا بقول (خَ) فِي الدِّمَاء والأنملة ثلثه إِلَّا فِي الْإِبْهَام فنصفه فالمستحسنات اثْنَان مِنْهَا فِي الشُّفْعَة وَاثْنَانِ مِنْهَا فِي الدِّمَاء. وَفِي ادّعاءِ العَفْوِ مِنْ وَلِيِّ دَمْ أَوْ مِنْ جَريحٍ الْيَمِينُ تُلْتَزَمْ (وَفِي ادِّعَاء الْعَفو من ولي دم أَو من جريح الْيَمين) مُبْتَدأ خَبره (تلتزم) وَفِي مُتَعَلق بِهِ وَمَعْنَاهُ أَن الْيَمين تلْزم ولي الدَّم فِي ادِّعَاء الْقَاتِل عَلَيْهِ الْعَفو أَو ادِّعَاء الْجَارِح ذَلِك على الْمَجْرُوح (خَ) : وللقاتل الِاسْتِحْلَاف على الْعَفو فَإِن نكل الْوَلِيّ حلف أَي الْقَاتِل وَاحِدَة وبرىء وتلوم لَهُ فِي بَينته الغائبة يَعْنِي الْقَرِيبَة وَإِن نكل الْقَاتِل قتل، وَهَذَا صَحِيح على قَاعِدَة قَوْلهم: كل دَعْوَى لَو أنكرها الْمُدعى عَلَيْهِ انْتفع الْمُدَّعِي بِنُكُولِهِ سَمِعت وتوجهت فِيهَا الْيَمين، ووارد على قَوْلهم كل دَعْوَى لَا تثبت إِلَّا بعدلين فَلَا يَمِين بمجردها لِأَن الْعَفو لَيْسَ بِمَال وَلَا آيل إِلَيْهِ، وَمَا كَانَ كَذَلِك لَا تتَوَجَّه فِيهِ الْيَمين بِمُجَرَّد الدَّعْوَى، وَهَذَا تَوَجَّهت فِيهِ. فالقاعدة الثَّانِيَة حِينَئِذٍ أغلبية وَإِنَّمَا خرج الْعَفو مِنْهَا للِاحْتِيَاط للدم وَعَلِيهِ، فَإِذا قَامَ للْقَاتِل شَاهد وَاحِد بِالْعَفو فَإِنَّهُ يحلف مَعَ شَاهد وَيبرأ كَمَا كَانَ يحلف مَعَ نُكُول الْوَلِيّ وَيبرأ، قَالَه بعض الْقرَوِيين لِأَن النّكُول بِمَنْزِلَة الشَّاهِد، وَقيل لَا تجوز شَهَادَة الشَّاهِد بِالْعَفو وَهِي كَالْعدمِ، وَحَكَاهُ ابْن أبي زيد فِي مُخْتَصره وَنَحْوه لأبي عمرَان. تَنْبِيه: إِذا عَفا الْمَجْرُوح عَن جرحه أَو صَالح ثمَّ مَاتَ فلورثته أَن يقسموا لمن ذَلِك الْجرْح مَاتَ ويقتصوا فِي الْعمد ويأخذوا الدِّيَة فِي الْخَطَأ، وَسَوَاء صَالح عَنهُ وَعَما يؤول إِلَيْهِ وَعنهُ فَقَط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 642 على الْمُعْتَمد خلافًا لما اقْتصر عَلَيْهِ ابْن سَلمُون من أَنه إِذا صَالح عَنهُ وَعَما يؤول إِلَيْهِ فَلَا قيام لَهُم إِذا مَاتَ انْظُر (خَ) وشراحه فِي الصُّلْح. وقَوَدٌ فِي القَطْعِ للأَعْضاءِ فِي العَمْدِ مَا لَمْ يُفْضِ لِلْفَنَاءِ (وقود) يجب (فِي الْقطع للأعضاء) كيد أَو رجل أَو ذكر أَو شفتين أَو لِسَان أَو مارن أنف وَكَذَا لَو قطع بضعَة من لحم فَفِيهَا الْقصاص (فِي الْعمد مَا لم) يخف أَن (يفض) الْقود الْمَذْكُور (للفناء) أَي الْمَوْت كَقطع الْفَخْذ أَو اللِّسَان أَو الذّكر أَو الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا قَود لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى أَخذ النَّفس فِيمَا دونهَا. وَإِنَّمَا فِيهِ الدِّيَة إِن كَانَ فِيهَا شَيْء مُقَدّر كاللسان وَالذكر والأنثيين كَمَا يَأْتِي، وَإِن لم يكن فِيهِ شَيْء مُقَدّر ككسر الْفَخْذ والعنق فَفِيهِ الْحُكُومَة وَإِن برىء على شين وإلاَّ فَلَا شَيْء فِيهِ إِلَّا الْأَدَب كَمَا مر، وَرُبمَا يسْتَغْنى عَن هَذَا الْبَيْت بقوله فِيمَا مر: ودية مَعَ خطر فِيهَا فقد. وَالْخَطَأ الدِّيَةُ فيهِ تُقْتَفَى بحَسَبِ الْعُضْوِ الَّذِي قدْ أُتْلِفَا (وَالْخَطَأ) مُبْتَدأ (الدِّيَة) مُبْتَدأ ثَان (فِيهِ تقتفى) خبر الثَّانِي وَهُوَ وَخَبره خبر الأول أَي: وَالْقطع خطأ تتبع الدِّيَة فِيهِ (بِحَسب الْعُضْو الَّذِي قد أتلفا) فَمِنْهُ مَا تجب فِيهِ الدِّيَة كَامِلَة، وَمِنْه مَا يجب فِيهِ نصفهَا كَمَا قَالَ: وَديةٌ كاملةٌ فِي المُزْدَوِجْ ونِصفُها فِي واحِدٍ مِنْه انْتُهِجْ (ودية) لَو فَرعه بِالْفَاءِ لَكَانَ أولى (كَامِلَة فِي) قطع (المزدوج) من الْأَعْضَاء خطا كاليدين وَالرّجلَيْنِ والعينين والأذنين والشفتين والأنثيين والشفرين إِن بدا الْعظم وثديي الْمَرْأَة وحلمتيها إِن بَطل اللَّبن، فَإِن لم يبد الْعظم أَو لم يبطل اللَّبن بِقطع الحلمتين فَحُكُومَة، وَأما قطع ثديي الرجل ففيهما حُكُومَة فَقَط (وَنِصْفهَا) أَي الدِّيَة (فِي) قطع (وَاحِد مِنْهُ) أَي المزدوج (انتهج) أَي سلك. فَفِي الْيَد الْوَاحِدَة نصف الدِّيَة وَفِي الرجل الْوَاحِدَة كَذَلِك، وَفِي الْعين كَذَلِك وَهَكَذَا إِلَّا عين الْأَعْوَر فَفِيهَا الدِّيَة كَامِلَة كَمَا يَأْتِي. وَفي اللسَانِ كُمِلَتْ وَالذَّكَرِ والأَنْفِ وَالْعَقْلِ وَعينِ الأَعْوَرِ (وَفِي) قطع (اللِّسَان) كُله (كملت) الدِّيَة على عَاقِلَة قَاطِعَة، وَكَذَا تكمل إِن قطع مِنْهُ مَا مَنعه من الْكَلَام، فَإِن لم يمنعهُ من الْكَلَام فَحُكُومَة (خَ) عاطفاً على مَا فِيهِ الدِّيَة كَامِلَة مَا نَصه: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 643 وَفِي لِسَان النَّاطِق وَإِن لم يمْنَع النُّطْق مَا قطعه فَحُكُومَة كلسان الْأَخْرَس وَالْيَد الشلاء والساعد وأليتي الْمَرْأَة وَسن مضطربة جدا وعسيب ذكر بعد الْحَشَفَة الخ. أَي هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي بعد الْكَاف إِنَّمَا فِيهَا حُكُومَة فَقَط. (و) كملت أَيْضا فِي قطع (الذّكر) كُله أَو فِي قطع حشفته فَقَط، فَإِن قطع بَعْضهَا كثلثها فَيَأْخُذ المجنى عَلَيْهِ من الدِّيَة بِحِسَاب ذَلِك، فَإِن قطع الذّكر والأنثيين فديتان كاملتان وَلَو بضربة وَاحِدَة على الْمَشْهُور، فَإِن كَانَ مَقْطُوع الْحَشَفَة وَقطع هَذَا عسيبه فَقَط فَحُكُومَة كَمَا مرّ. (و) كملت أَيْضا فِي قطع (الْأنف) كُله أَو فِي قطع مارنه وَهُوَ مَا لَان من الْأنف، فَإِن قطع بعض المارن فبحسابه أَيْضا، فَإِن كَانَ مَقْطُوع المارن وَقطع هَذَا بَاقِي الْأنف فَحُكُومَة فِيمَا يظْهر. (و) كملت أَيْضا فِي إذهاب (الْعقل) بضربة وَنَحْوهَا (و) فِي (عين الْأَعْوَر) للسّنة بِخِلَاف مَا عَداهَا من آحَاد المزدوجين كأذن أَو رجل فَإِنَّمَا فِيهِ نصف الدِّيَة وَإِن لم يكن لَهُ غَيره. وَفِي إزَالَةٍ لِسَمْعٍ أَوْ بَصَرْ والنصْفُ فِي النصفِ وَشَمَ كالنَّظَرْ (و) كملت أَيْضا (فِي إِزَالَة لسمع) كُله (أَو بصر) كُله بضربة أَو أكل أَو شرب أَو فعل من الْأَفْعَال (وَالنّصف) من الدِّيَة (فِي) إِزَالَة (النّصْف) من سمع أَو بصر أَو غَيرهمَا (و) إِزَالَة (شم ك) إِزَالَة (النّظر) فَإِن أزاله كُله فَالدِّيَة كَامِلَة. وَإِن أَزَال نصفه وَجب فِيهِ نصفهَا أَو ثلثه فثلثها وَهَكَذَا. وَالنطْقِ والصوتِ كَذَا الذوقِ وَفِي إذْهاب قوةِ الجماعِ ذَا اقتُفي (والنطق وَالصَّوْت) بِالْجَرِّ فيهمَا أَي فِي إِزَالَة كل وَاحِد مِنْهُمَا دِيَة كَامِلَة وَلَا ينْدَرج أَحدهمَا فِي الآخر إِلَّا أَن يذهبا مَعًا بضربة أَو أكل، وَنَحْو ذَلِك فديَة وَاحِدَة. والنطق صَوت بحروف وَالصَّوْت هَوَاء منضغط يخرج من دَاخل الرئة كَانَ بحروف أم لَا، فعطفه على النُّطْق من عطف الْعَام على الْخَاص، إِذْ لَا يلْزم من ذهَاب الْخَاص ذهَاب الْعَام وَالْكَلَام هُوَ اللَّفْظ الْمُفِيد فَهُوَ أخص من النُّطْق، فَإِذا جنى عَلَيْهِ فَأذْهب كَلَامه ونطقه وصوته فديَة وَاحِدَة، وَإِذا أذهب الْكَلَام فَقَط بِحَيْثُ لَا يقدر على تركيب الْمُفْردَات حَتَّى تحصل الْفَائِدَة فديَة وَاحِدَة أَيْضا، فَإِن لم يكن لَهُ إِلَّا النُّطْق بالمفردات فأذهبه أَو الصَّوْت فأذهبه فديَة كَامِلَة أَيْضا، وَإِذا أذهب بعض نطقه أَو صَوته فبحسابه من الدِّيَة. (كَذَا الذَّوْق) أَي فِي إذهابه كُله فَفِيهِ الدِّيَة كَامِلَة وَبَعضه بِحِسَابِهِ (وَفِي إذهاب قُوَّة الْجِمَاع) بضربة أَو أكل وَنَحْوهمَا (ذَا) مُبْتَدأ أَي وجوب الدِّيَة الْكَامِلَة (اقتفي) فِي إذهاب قُوَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 644 الْجِمَاع بِأَن أبطل إنعاظه أَو قطع مَاءَهُ أَو أفْسدهُ حَتَّى صَار مَاؤُهُ لَا يتكون مِنْهُ نسل، وَكَذَا إبِْطَال قِيَامه أَو جُلُوسه أَو تجذيمه أَو تبريصه (خَ) : وَالدية فِي الْعقل أَو السّمع أَو الْبَصَر أَو الشم أَو النُّطْق أَو الصَّوْت أَو الذَّوْق أَو قُوَّة الْجِمَاع أَو نَسْله أَو تجذيمه أَو تبريصه أَو قِيَامه أَو جُلُوسه أَو تسويده إِلَى أَن قَالَ: وجرب الْعقل بالخلوات والسمع بِأَن يصاح من أَمَاكِن مُخْتَلفَة مَعَ سد الصَّحِيحَة وَنسب لسمعه الآخر، وإلاَّ فَسمع وسط وَله نسبته إِن حلف وَلم يخْتَلف قَوْله: وإلاَّ فَهدر وَالْبَصَر بإغلاق الصَّحِيحَة كَذَلِك، والشم برائحة حادة والنطق بالْكلَام اجْتِهَادًا بِأَن يَقُول أهل الْمعرفَة: ذهب من كَلَامه نصفه أَو ثلثه فَيعْطى بِقدر من دِيَته، والذوق بالمر كصبر بِفَتْح الصَّاد وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَقد تسكن فِي ضَرُورَة الشّعْر كَقَوْلِه: الصَّبْر كالصبر مر فِي مذاقته لَكِن عواقبه أحلى من الْعَسَل وَإِن لم يُمكن اختباره بِمَا تقدم أَو أخبر وأشكل أمره صدق مدعي ذهَاب الْجَمِيع بِيَمِين مَا عدا الْعقل فَإِنَّهُ لَا تمكن الدَّعْوَى فِيهِ من المجنى عَلَيْهِ، بل من وليه وَهُوَ لَا يحلف ليستحق غَيره فَيصدق بِغَيْر يَمِين. وكلُّ سِنَ فيهِ مِنْ جِنْسِ الإبِلْ خَمْسٌ وَفي الأصْبَعِ ضِعْفُهَا جُعِلْ (وكل سنّ) مُبْتَدأ خَبره (فِيهِ من جنس الْإِبِل خمس) أَي يجب فِي كل سنّ نصف عشر الدِّيَة مخمسة فِي الْخَطَأ ومثلثة فِي الْأَب وَنَحْوه، وَلَو عبر بِهِ لَكَانَ أولى ليشْمل الْمُسلم وَغَيره، فَفِيهَا فِي الْحر الْمُسلم على أهل الْإِبِل خمس من الْإِبِل، وعَلى أهل الذَّهَب خَمْسُونَ دِينَارا وَهَكَذَا، وَظَاهره ثنية كَانَت السن أَو ربَاعِية أَو ضرساً قلعت من أَصْلهَا أَو من اللَّحْم قلعهَا أَو سودها أَو اصْفَرَّتْ أَو احْمَرَّتْ أَو اضْطَرَبَتْ جدا، فَإِن كسرهَا فبحساب ذَلِك وَهُوَ كَذَلِك فِي الْجَمِيع (خَ) : وَفِي كل سنّ خمس وَإِن سَوْدَاء بقلع أَو اسوداد أَو بهما أَو بحمرة أَو صفرَة إِن كَانَ عرفا كالسواد أَو باضطرابها جدا. (وَفِي الْأصْبع ضعفها) وَهُوَ عشرَة من الْإِبِل وَمِائَة دِينَار (جعل) وَفِي الْأُنْمُلَة ثلث إِلَّا فِي الْإِبْهَام فنصفه، وَسَوَاء كَانَت الْأصْبع من يَد أَو رجل وَلَو زَائِدَة حَيْثُ كَانَت لَا قُوَّة لَهَا كالأصلية، وَسَوَاء كَانَت الْجِنَايَة على الزَّائِدَة عمدا أَو خطأ إِذْ لَا قَود فِيهَا لعدم المماثل. تَنْبِيه: تقدم أَنه إِذا قطع ذكره وأنثياه وَلَو بضربة وَاحِدَة فديتان، وَكَذَا تَتَعَدَّد الدِّيَة لَو أذهب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 645 سَمعه وبصره أَو أذهب الذَّوْق وَقُوَّة الْجِمَاع أَو قطع يَده فَذهب عقله، وَهَكَذَا إِلَّا الْمَنْفَعَة بمحلها كَمَا لَو قطع أُذُنَيْهِ فَزَالَ سَمعه، أَو قطع مارنه فَذهب شمه، أَو قلع عَيْنَيْهِ فَذهب بَصَره فديّة وَاحِدَة لِأَن الْمَنْفَعَة بِمحل الْجِنَايَة، وَكَذَا لَو جنى على لِسَانه فَأذْهب ذوقه ونطقه أَو فعل بِهِ مَا أذهب النُّطْق والذوق بَقَاء اللِّسَان فديَة وَاحِدَة، وَأما إِن أوضحه فَذهب عقله، فَإِن قُلْنَا إِن مَحَله الرَّأْس كَمَا هُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَابْن الْمَاجشون، فَكَذَلِك وَإِن قُلْنَا إِن مَحَله الْقلب وَهُوَ قَول مَالك وَأكْثر أهل الشَّرْع فديّة لِلْعَقْلِ وَنصف عشرهَا للموضحة، وَهَذَا كُله إِن أذهب ذَلِك بضربة أَو ضربات فِي فَور، وَأما بضربات فِي غير فَور فتتعدد وَلَو بمحلها (خَ) : وتعددت الدِّيَة بتعددها إِلَّا الْمَنْفَعَة بمحلها الخ. ودِيةُ الْجُرُوحِ فِي النساءِ كدِية الرّجال بالسَّوَاءِ (ودية الجروح فِي النِّسَاء كدية الرِّجَال بالسواء) فديّة جرح الْمَرْأَة كديّة الرجل من أهل دينهَا فلهَا فِي الْمُوَضّحَة إِن كَانَت حرَّة مسلمة نصف عشر دِيَة الْحر الْمُسلم وَهُوَ خمس من الْإِبِل على أهل الْإِبِل وَخَمْسُونَ دِينَارا على أهل الذَّهَب وَلها فِي المنقلة والهاشمة عشر الدِّيَة وَنصف عشرهَا وَهُوَ خمس عشرَة من الْإِبِل وَمِائَة وَخَمْسُونَ دِينَارا فَهِيَ وَالرجل فِي ذَلِك سَوَاء لِأَن ذَلِك لم يبلغ ثلث دِيَة الرجل من أهل دينهَا، وَلها فِي ثَلَاثَة أَصَابِع ثَلَاثُونَ من الْإِبِل وثلاثمائة دِينَار، وَهَكَذَا فِي كل جرح لم تبلغ دِيَته ثلث دِيَة الرجل من أهل دينهَا فَإِن بلغت ثلث دِيَته كجائفة ومأمومة فترجع لديتها كَمَا قَالَ: إلاّ إذَا زَادَتْ عَلَى ثُلْثِ الدِّيَهْ فَمَا لَهَا مِنْ بَعْدِ ذَاكَ تَسْوِيَهْ (إِلَّا إِذا زَادَت) صَوَابه ساوت بهَا (على ثلث الدِّيَة فَمَا لَهَا من بعد ذَاك تَسْوِيَة) وَإِنَّمَا قُلْنَا صَوَابه ساوت لِأَن كَلَامه يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا ترجع لديتها إِلَّا إِذا زَادَت دِيَة جرحها على ثلث دِيَته كيد أَو رجل مثلا وَلَيْسَ كَذَلِك بل ترجع لديتها إِذا ساوت دِيَة جرحها ثلث دِيَته كَمَا فِي الْجَائِفَة أَو المأمومة، فلهَا فيهمَا حِينَئِذٍ سِتَّة عشر بَعِيرًا وَثلثا بعير فأحرى إِذا زَادَت كيد أَو رجل فلهَا فيهمَا خمس وَعِشْرُونَ من الْإِبِل ومائتان وَخَمْسُونَ دِينَارا، وَلها فِي أَرْبَعَة أَصَابِع عشرُون من الْإِبِل (خَ) : وساوت الْمَرْأَة الرجل لثلث دِيَته فترجع لديتها الخ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَالْمَرْأَة تعاقل الرجل إِلَى ثلث دِيَته لَا تستكمله، فَإِذا بلغت ذَلِك رجعت إِلَى عقل نَفسهَا فلهَا فِي ثَلَاثَة أَصَابِع وَنصف أُنْمُلَة إِحْدَى وَثَلَاثُونَ بَعِيرًا وَثلثا بعير، وَالرجل فِي هَذَا وَهِي سَوَاء، وَإِذا أُصِيب مِنْهَا ثَلَاثَة أَصَابِع وأنملة رجعت إِلَى عقلهَا فَكَانَ لَهَا فِي ذَلِك سِتَّة عشر بَعِيرًا وَثلثا بعير اه. وَفِي الْمُوَطَّأ عَن ربيعَة قلت لِابْنِ الْمسيب: كم فِي ثَلَاثَة أَصَابِع من الْمَرْأَة؟ قَالَ: ثَلَاثُونَ. قلت: فكم فِي أَربع؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 646 قَالَ: عشرُون. فَقلت حِين عظم جرحها نقص عقلهَا. فَقَالَ: أعراقي أَنْت؟ فَقلت: بل عَالم متثبت أَو جَاهِل متعلم. فَقَالَ: تِلْكَ السّنة يَا ابْن أخي. تَنْبِيه: ظَاهر النّظم أَنَّهَا إِذا ساوت ثلث الدِّيَة أَو زَادَت ترجع لديتها وَلَو تعدد الْفِعْل وَهُوَ كَذَلِك فِي الْأَصَابِع فَقَط حَيْثُ اتَّحد الْمحل، فَلَو قطع لَهَا أَرْبعا من الْأَصَابِع من كل يَد أصبعين بضربة وَاحِدَة أَو ضربات فِي فَور وَاحِد أَو جمَاعَة أَو قطع لَهَا ثَلَاثًا من يَد أَو رجل وأصبعاً من الْيَد أَو الرجل الْأُخْرَى بضربة أَو ضربات فِي فَور أَيْضا أخذت عشْرين من الْإِبِل فَقَط، لِأَن الْفِعْل الْوَاحِد وَمَا فِي حكمه يضم مَا نَشأ عَنهُ بعضه إِلَى بعض، وَلَو تعدد الْمحل كَافِي الْمِثَال، وَأَحْرَى لَو اتَّحد الْمحل وَلَو قطع لَهَا ثَلَاثًا من يَد وَاحِدَة أَو رجل بضربة أَو ضربات أخدت ثَلَاثِينَ من الْإِبِل لكل أصْبع عشر من الْإِبِل ثمَّ إِن قطع لَهَا بعد ذَلِك من تِلْكَ بِالْيَدِ أَو الرجل أصبعاً رَابِعا أَو أَكثر فلهَا فِي كل أصْبع خمس من الْإِبِل، وَإِنَّمَا كَانَ لَهَا خمس فَقَط لِأَن مُتحد الْمحل يضم بعضه إِلَى بعض وَلَو تعدد الْفِعْل لكَونه فِي غير فَور، وَأما إِن تعدد الْفِعْل وَالْمحل مَعًا كَمَا لَو قطع لَهَا ثَلَاثًا من يَد فَأخذت ثَلَاثِينَ ثمَّ قطع لَهَا بعد ذَلِك ثَلَاثًا من الْيَد الْأُخْرَى فتأخذ ثَلَاثِينَ أَيْضا، وَلَا يضم من يَد أَحدهمَا للْآخر لتَعَدد كل من الْفِعْل وَالْمحل، وَهَذَا كُله فِي الْأَصَابِع لَا فِي الْأَسْنَان فَإِنَّهُ لَا يضم بَعْضهَا إِلَى بعض إِذا تعدد الْفِعْل، وَسَوَاء كَانَت من حنك أَو حنكين لِأَن الحنكين مَحل وَاحِد، فَإِذا قلع لَهَا عشر أَسْنَان فِي عشر ضربات متفرقات لَيست فِي فَور وَاحِد، فلهَا فِي كل سنّ خمس من الْإِبِل، وَإِن قلعهَا فِي ضَرْبَة وَاحِدَة أَو مَا فِي حكمهَا كضربات فِي فَور فَإِنَّهَا تضم وَترجع إِلَى دِيَتهَا فِي سبع أَسْنَان فَأكْثر وَضم مُتحد الْفِعْل وَمَا فِي حكمه أَو الْمحل فِي الْأَصَابِع لَا فِي الْأَسْنَان. (بَاب التَّوَارُث) مصدر على وزن تفَاعل من توارث الْقَوْم إِذا ورث بَعضهم بَعْضًا، وَالْمِيرَاث اسْم لِلْمَالِ الْمَتْرُوك وَهُوَ مفعال من ورث يَرث ورثاً ووراثة وَالْإِرْث اسْم للشَّيْء الْمَوْرُوث وهمزته منقلبة عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 647 وَاو كأشاح وَسمي المَال الْمَتْرُوك مِيرَاثا لِأَنَّهُ يبْقى بعد موت صَاحبه، وَكَذَلِكَ الْوَرَثَة لبقائهم بعد الْمَيِّت لأخذهم الْإِرْث. (والفرائض) جمع فَرِيضَة من الْفَرْض بِمَعْنى التَّقْدِير من قَوْله تَعَالَى فَنصف مَا فرضتم} (الْبَقَرَة: 237) أَي قدرتم أَي أوجبتم يُقَال: فرضت الشَّيْء أفرضه أَي أوجبته وَقدرته. وَتَسْمِيَة هَذَا الْعلم بِعلم الْفَرَائِض اصطلاحية، وإلاَّ فَعلم الْفَرَائِض فِي اللُّغَة يَشْمَل الْوَاجِبَات كلهَا من فَرَائض الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَغير ذَلِك، وَسمي بذلك لِكَثْرَة دوران الْفَرْض على أَلْسِنَة أَهله وَهُوَ علم قرآني جليل، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (إِن الله لم يكل قسْمَة مواريثكم إِلَى أحد بل تولاها بِنَفسِهِ وَبَينهَا أتم بَيَان) وَقَالَ: (تعلمُوا الْقُرْآن وعلموه النَّاس وتعلموا الْفَرَائِض وعلموها النَّاس فَإِنِّي امْرُؤ مَقْبُوض وَأَن الْعلم سيقبض وَتظهر الْفِتَن حَتَّى يخْتَلف اثْنَان فِي الْفَرِيضَة فَلَا يجدان من يفصل بَينهمَا) . وَفِي الْجَوَاهِر عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه قَالَ: (تعلمُوا الْفَرَائِض وعلموها النَّاس فَإِنَّهَا نصف الْعلم) . وَاعْلَم أَن علم الْفَرَائِض لَهُ حد، وموضوع وَغَايَة، فغايته أَي ثَمَرَته حُصُول ملكة للْإنْسَان توجب سرعَة الْجَواب على وَجه الصِّحَّة وَالصَّوَاب، وَأما حَده وموضوعه فَقَالَ ابْن عَرَفَة: وَعلم الْفَرَائِض لقباً الْفِقْه الْمُتَعَلّق بِالْإِرْثِ وَعلم مَا يُوصل لمعْرِفَة قدر مَا يجب لكل ذِي حق فِي التَّرِكَة. وموضوعه التركات لَا الْعدَد خلافًا للصودي فَقَوله: لقباً مَعْنَاهُ أَن علم الْفَرَائِض نقل من مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ الَّذِي هُوَ علم الْوَاجِبَات وَصَارَ لقباً لهَذَا الْفَنّ فاحترز بقوله: لقباً من علم الْفَرَائِض مُضَافا بَاقِيا على إِضَافَته، فَإِنَّهُ أَعم لشُمُوله جَمِيع الْوَاجِبَات على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا كَمَا مر، فَهُوَ كَقَوْلِهِم بُيُوع الْآجَال لقباً وَإِضَافَة فَهُوَ إِضَافَة يَشْمَل كل بيع لأجل، ولقباً مَقْصُور على بُيُوع الْآجَال المتحيل فِيهَا على دفع قَلِيل من كثير، وَقَوله: الْمُتَعَلّق بِالْإِرْثِ أَي إِثْبَاتًا أَو نفيا من إِرْث وحجب وَتَعْيِين الْقدر الْمَوْرُوث، وَخرج بِالْإِرْثِ مَا تعلق بالعبادات وَالنِّكَاح والمعاملات. وَقَوله: وَعلم الخ. . هُوَ بِالرَّفْع مَعْطُوف على قَوْله الْفِقْه، وَمَا فِي قَوْله مَا يُوصل وَاقعَة على الْحساب الَّذِي يتَوَصَّل بِهِ لمعْرِفَة قدر مَا يجب لكل وَارِث، فحقيقة هَذَا الْعلم مركبة من أَمريْن معرفَة من يَرث وَمن لَا يَرث، وَمَعْرِفَة كَيْفيَّة الْقِسْمَة وَالْعَمَل فِي مسَائِل المناسخات وَغَيرهَا، وَهَذَا الثَّانِي لم يتَكَلَّم عَلَيْهِ النَّاظِم بل هُوَ بَاقٍ عَلَيْهِ، وَقَوله: وموضوعه التركات الخ يَعْنِي لِأَنَّهَا يبْحَث فِيهَا عَن عوارضها الذاتية أَي عَن أحوالها اللاحقة لَهَا من كَون تجهيز الْمَيِّت يقدم ثمَّ تقضى دُيُونه ثمَّ وَصَايَاهُ، وَكَون هَذَا الْوَارِث لَهُ ربعهَا أَو نصفهَا وَهَذَا يَرث مِنْهَا وَهَذَا لَا يَرث وَنَحْو ذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 648 وموضوع كل علم مَا يبْحَث فِيهِ من عوارضه الذاتية، فموضوع علم النَّحْو مثلا الْكَلِمَات لِأَنَّهُ يبْحَث فِيهِ عَن أحوالها الَّتِي تعرض لَهَا فِي تركيبها من رفع وَنصب وتعريف وتنكير، وموضوع علم التصريف الْمُفْردَات لِأَنَّهُ يبْحَث فِيهِ عَن أحوالها من صِحَة وإعلال وتفكيك وإدغام، وَهَكَذَا. وَعَلِيهِ فَمن لم يتْرك شَيْئا فَلَيْسَ لهَذَا الْعلم بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ مَوْضُوع، وَأما الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أبي بكر بن يحيى الصودي الْمَالِكِي فقد قَالَ فِي شرح الحوفية: إِن مَوْضُوع هَذَا الْعلم الْعدَد، ورده ابْن عَرَفَة بِأَن الْعدَد مَوْضُوع لعلم الْحساب وَلَا يكون الشَّيْء الْوَاحِد مَوْضُوعا لأمرين قيل: وَالْخلاف بَينهمَا فِي حَال لِأَن الصودي اعْتبر مَا اصْطلحَ عَلَيْهِ الفراض من إِلْغَاء التَّرِكَة لعدم انضباطها، وعمدوا إِلَى أعداد يحصرها الْعدَد ويضبطها الْحَد وسموها أصولاً كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: سِتَّة الْأُصُول مِنْهَا فِي الْعَمَل الخ. فجعلوها كالقالب تفرغ فِيهِ كل تَرِكَة فَصَارَت تِلْكَ الْأَعْدَاد الَّتِي سَموهَا أصولاً مَوْضُوعَة لهَذَا الْعلم بِهَذَا الِاعْتِبَار وَأما ابْن عَرَفَة فراعى أَن التَّصَرُّف فِي تِلْكَ الْأَعْدَاد إِنَّمَا هُوَ وَسِيلَة إِلَى التَّوَصُّل لمعْرِفَة كَيْفيَّة قسْمَة التَّرِكَة، فالمقصود بِالْقِسْمَةِ هُوَ التَّرِكَة. فَابْن عَرَفَة رَاعى الْمَوْضُوع بِالْقَصْدِ والذات، والصودي رَاعى الْمَوْضُوع بالأولية وَالْغَرَض والوسيلة، وكل من الاعتبارين صَحِيح، وَكَون الْعدَد مَوْضُوعا لعلم الْحساب لَا يمْنَع أَن يكون مَوْضُوعا لعلم الْفَرَائِض بِالِاعْتِبَارِ الْمُتَقَدّم. والتركة حق يقبل التجزأ ثَبت لمستحق بعد موت من كَانَ لَهُ بِقرَابَة أَو مَا فِي مَعْنَاهَا كَالنِّكَاحِ وَالْوَلَاء فَقَوله: حق بتناول المَال وَغَيره كالخيار وَالشُّفْعَة وَالْقصاص، فَكلهَا تَرِكَة وَكلهَا تقبل التجزأ لِأَن المُرَاد بِقبُول التجزىء مَا يُمكن أَن يُقَال فِيهِ لهَذَا نصفه وَلِهَذَا ثلثه مثلا، وَهَذِه الثَّلَاثَة كَذَلِك، وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ خُصُوص مَا يقبل الامتياز حسا فَقَط كالعدد من الدَّرَاهِم والدور وَالْأَرْض، بل مَا يَشْمَل الامتياز حَقِيقَة كالأرض أَو حكما كالشفعة وَخرج بقابل التجزىء الْوَلَاء الَّذِي هُوَ لحْمَة كلحمة النّسَب فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ ينْتَقل للأبعد بعد موت الْأَقْرَب لكنه لَا يقبل التجزأ، فَكَمَا لَا يُقَال لهَذَا نصف النّسَب كَذَلِك لَا يُقَال لهَذَا نصف الْوَلَاء الَّذِي هُوَ لحْمَة كالنسب، وَكَذَا ولَايَة النِّكَاح فَإِنَّهَا تنْتَقل بِمَوْت الْأَب مثلا وَلَا تقبل التجزأ وإلاَّ لم يَصح عقد الْأَوْلِيَاء المتساوين إِلَّا بموافقة جَمِيعهم، وَأما الْوَلَاء بِمَعْنى الْإِرْث فَهُوَ قَابل للتجزىء، وَخرج بقوله بعد موت من كَانَ لَهُ الْحُقُوق المنتقلة بِالشِّرَاءِ وَالْهِبَة وَنَحْوهمَا، وَخرج بقوله بِقرَابَة الخ. الْوَصِيَّة على الْمَشْهُور من أَنَّهَا تملك بِالْمَوْتِ ثمَّ الْإِرْث بَين الْأَحْرَار الْمُسلمين يكون بِأحد ثَلَاثَة أَشْيَاء أَشَارَ لَهَا النَّاظِم بقوله: الإرْثُ يُسْتَوْجَبُ شَرْعَاً وَوَجَبْ بِعِصْمَةٍ أَوْ بِوَلاءٍ أَوْ نَسَبْ (الْإِرْث) مصدر ورث وهمزته منقلبة عَن وَاو كَمَا مر (يسْتَوْجب) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (شرعا) أَي يسْتَحق بِالشَّرْعِ وَهُوَ الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس (وَوَجَب) لمستحقه بِالشَّرْعِ بِأحد ثَلَاثَة أُمُور. إِمَّا (بعصمة) أَي نِكَاح مُنْعَقد وَلَو فَاسِدا غير مُتَّفق على فَسَاده كَنِكَاح الْمحرم والشغار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 649 وَنِكَاح العَبْد وَالْمَرْأَة فَإِنَّهُ إِذا مَاتَ أَحدهمَا قبل فَسخه وَرثهُ الآخر مَاتَ قبل الدُّخُول أَو بعده، فَإِن كَانَ مُتَّفقا على فَسَاده كَنِكَاح ذَات محرم بِنسَب أَو رضَاع أَو خَامِسَة فَلَا مِيرَاث فِيهِ وَلَو بعد دُخُوله، وَكَذَا نِكَاح الْمَرِيض لَا إِرْث فِيهِ وَإِن كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ لِأَن فَسَاده من جِهَة إِرْثه لثُبُوت الْإِرْث فِيهِ تَتِمَّة للغرض الْفَاسِد الَّذِي هُوَ إِدْخَال الْوَارِث، وَقد مر ذَلِك مُبينًا فِي فصل الْفَسْخ وَفِي فصل فَاسد النِّكَاح. (أَو بولاء) وَهُوَ لحْمَة كلحمة النّسَب يحدثها الْعتْق، فَإِذا مَاتَ الْمُعْتق بِالْفَتْح وَلَا عاصب لَهُ من نسبه فَإِنَّهُ يَرِثهُ الْمُعْتق بِالْكَسْرِ، فَإِن لم يكن فعصبته من وَلَده وَإِن سفل، فَإِن لم يكن لَهُ ولد فأبوه وَإِن علا، فَإِن لم يكن لَهُ أَب وَلَا ولد فأخوه أَو عَمه، وَهَكَذَا فَإِن لم يُوجد الْمُعْتق وَلَا عصبته فمعتق الْمُعْتق بِالْكَسْرِ فيهمَا (خَ) : وَقدم عاصب النّسَب ثمَّ الْمُعْتق ثمَّ عصبته كَالصَّلَاةِ ثمَّ مُعتق مُعْتقه، وَلَا تَرثه أُنْثَى إِلَّا إِن باشرت عتقه أَو جَرّه وَلَاء بِوِلَادَة أَو عتق (أَو نسب) أَي قرَابَة من بنوة وأبوة وأخوة وعمومة وَنَحْوهَا. وَقد تَجْتَمِع الثَّلَاثَة كَابْن عَم لامْرَأَة مُعتق لَهَا زوج لَهَا أَو اثْنَان كَكَوْنِهِ معتقاً لَهَا، وَزوجهَا أَو زَوجهَا وَابْن عَمها، وَلَا يسْتَحق الْإِرْث بِشَيْء من هَذِه الْأَسْبَاب الثَّلَاثَة إِلَّا بعد ثُبُوتهَا وَلَو بِالسَّمَاعِ الفاشي كَمَا مر فِي الشَّهَادَات، فَإِن لم يحط بِالْمِيرَاثِ شَيْء من هَذِه الْوُجُوه فبيت المَال كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَبَيت مَال الْمُسلمين يسْتَقلّ الخ. واحترزت بِقَوْلِي الْأَحْرَار من الأرقاء فَإِن مَال الرَّقِيق وَلَو مبعضاً لسَيِّده (خَ) : ولسيده الْمُعْتق بعضه جَمِيع إِرْثه الخ. وتسميته إِرْثا مجَازًا وبالمسلمين من الْكفَّار فَإِنَّهُ لَا إِرْث بَين مُسلم وَكَافِر كَمَا يَأْتِي. جميعُها أرْكانُهُ ثَلاثهْ مالٌ وَمِقْدَارٌ وَذُو الوِرَاثَهْ (جَمِيعهَا) أَي الْأَسْبَاب الثَّلَاثَة أَي كل فَرد مِنْهَا (أَرْكَانه ثَلَاثَة مَال) مَتْرُوك عَن الْمَيِّت (وَمِقْدَار) مَا يَرِثهُ كل وَارِث (وَذُو الوراثة) أَي معرفَة من يَرث مِمَّن لَا يَرث فَإِنَّهُ لَا يَصح الْإِرْث بالعصبة أَو الْوَلَاء أَو النّسَب إِلَّا باجتماع هَذِه الْأَركان الثَّلَاثَة وَمهما اخْتَلَّ وَاحِد مِنْهَا لم يَصح. (فصل فِي ذكر الْوَارِثين من الرِّجَال وَالنِّسَاء) ذُكُورُ من حَقَّ لَهُ الميرَاثُ عَشْرَةٌ وَسَبْعٌ الإنَاثُ (ذُكُور من حق) أَي ثَبت (لَهُ الْمِيرَاث عشرَة) ويتفرعون إِلَى ثَمَانِيَة عشر كَمَا يَأْتِي (وَسبع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 650 الْإِنَاث) ويتفرعن أَيْضا إِلَى عشرَة كَمَا يَأْتِي فمجموع من يَرث ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ، فالرجال الثَّمَانِية عشر. الأَبُ وَالْجَدُّ لَهُ وَإنْ عَلاَ مَا لم يكُنْ عَنْهُ بأنثى فُصِلاَ (الْأَب) يَرث بِالْفَرْضِ تَارَة كَمَا لَو كَانَ للهالك ولد ذكر، وبالفرض والتعصيب تَارَة كَمَا لَو كَانَ للهالك بنت أَو بنت ابْن اتّحدت أَو تعدّدت فَإِنَّهُ يفْرض لَهُ مَعهَا أَو مَعَهُنَّ السُّدس، وَيَأْخُذ الْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ، فَإِن انْفَرد وَلم يكن للهالك غَيره فيرث الْجَمِيع بِالتَّعْصِيبِ (وَالْجد لَهُ) أَي للهالك (وَإِن علا) فيرث بِالْفَرْضِ تَارَة وبالفرض والتعصيب أُخْرَى وبالتعصيب والانفراد كَمَا مرَّ فِي الْأَب حرفا حرفا (خَ) : وَيَرِث بِفَرْض وعصوبة الْأَب ثمَّ الْجد مَعَ بنت وَإِن سفلت الخ. إِلَّا أَن الْأَب يحجب الْإِخْوَة وَالْجد لَا يحجب إِلَّا الْإِخْوَة للْأُم، فَلهُ مَعَ الْإِخْوَة أَو الْأَخَوَات الأشقاء أَو لأَب الْخَيْر من الثُّلُث أَو الْمُقَاسَمَة وَله مَعَ ذِي فرض مَعَهُمَا السُّدس أَو ثلث الْبَاقِي أَو الْمُقَاسَمَة كَمَا يَأْتِي. (مَا لم يكن) الْجد (عَنهُ) أَي عَن الْهَالِك (بأنثى فصلا) فَإِنَّهُ لَا مِيرَاث لَهُ والمجروران يتعلقان بقوله: فصلا. وَخرج بذلك جد الْهَالِك لأمه وجد أَبِيه من جِهَة أمه. وَالزوْجُ وَابْن وَابْنُهُ هَبْ سَفُلاَ كذاكَ مَوْلى نِعْمةٍ أَوْ بِوَلاَ (وَالزَّوْج) وَيَرِث بِفَرْض فَقَط تَارَة كَمَا لَو كَانَ أَجْنَبِيّا أَو بِفَرْض وعصوبة كَمَا لَو كَانَ ابْن عَمها، فَإِنَّهُ يَرث النّصْف بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ حَيْثُ لم يكن هُنَاكَ من يُشَارِكهُ فِيهِ أَو من هُوَ أولى بِهِ مِنْهُ (وَابْن) للهالك فَإِنَّهُ يَرث بِالتَّعْصِيبِ فَقَط إِمَّا الْجَمِيع أَو الْبَاقِي بعد ذَوي الْفُرُوض (وَابْنه) أَي ابْن الابْن حَيْثُ لم يكن ابْن (هَب) إِنَّه (سفلا) بِضَم الْفَاء وَفتحهَا وَهُوَ أشهر وَهُوَ عاصب فَقَط كالابن (كَذَاك مولى نعْمَة) وَهُوَ الَّذِي بَاشر الْعتْق بِنَفسِهِ وَلَو أُنْثَى فَإِنَّهُ عاصب حَيْثُ لَا عاصب للْمُعْتق بِالْفَتْح من نِسْبَة فيرث الْجَمِيع أَو الْبَاقِي بعد الْفُرُوض، وَقد يَرث بِالْفَرْضِ وبالتعصيب كَمَا لَو كَانَ زوجا (أَو) مولى (بولا) وَهُوَ من لم يُبَاشر الْعتْق بل أعْتقهُ أَبوهُ أَو جده أَو أَخُوهُ أَو عَمه أَو جَرّه لَهُ الْوَلَاء بِوِلَادَة أَو أعتق فَإِنَّهُ عاصب يجْرِي فِيهِ مَا يجْرِي فِي مولى النِّعْمَة. وَالأَخُ وابنُ الأَخِ لَا لِلأُمِّ والعمُّ لَا لِلأُمِّ وَابْنُ العَمِّ (وَالْأَخ) الشَّقِيق أَو لأَب أَو لأم والأولان عاصبان فَقَط وَالثَّالِث من ذَوي الْفُرُوض، وَقد يَرث بِالْفَرْضِ والتعصيب كَابْن عَم وَأَخ لأم (وَابْن الْأَخ) الشَّقِيق أَو للْأَب وهما عاصبان فَقَط (لَا) ابْن الْأَخ (للْأُم) فَإِنَّهُ لَا يَرث أصلا (وَالْعم) الشَّقِيق أَو للْأَب وهما عاصبان فَقَط أَيْضا (لَا) الْعم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 651 (للْأُم) فَلَا يَرث أَيْضا (وَابْن الْعم) الشَّقِيق أَو للْأَب وهما عاصبان فَقَط، إِلَّا أَن يَكُونَا زَوْجَيْنِ، وَإِذا كَانَ الْعم للْأُم لَا يَرث فأحرى ابْن الْعم للْأُم، فَذَلِك لم يُقيد النَّاظِم ابْن الْعم بقوله: لَا للْأُم فَهَذِهِ عشرَة بجعله مولى النِّعْمَة وَالْوَلَاء قسما وَاحِدًا. وتتفرع هَذِه الْعشْرَة إِلَى سِتَّة عشر بتنويع الْمولى إِلَى نعْمَة أَو وَلَاء وتنويع الْأَخ إِلَى شَقِيق أَو لأَب أَو لأم وَالْعم إِلَى شَقِيق أَو لأَب أَو لأم وَابْن الْعم كَذَلِك كَمَا ترى، وَيُزَاد عَلَيْهِم عَم الْأَب وَبَنوهُ وَإِن سلفوا وَعم الْجد وَإِن علا وَبَنوهُ، فمجموع الْعدَد من الرِّجَال ثَمَانِيَة عشر كَمَا مرّ. وَيقدم فِي هَذِه الْأُمُور الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَإِن غير شَقِيق والشقيق على الَّذِي للْأَب. ثمَّ أَشَارَ إِلَى النِّسَاء السَّبع فَقَالَ: والأُمُّ والزَّوْجَةُ ثمَّ البِنْتُ وابنةُ الابْنِ بَعْدَهَا وَالأُخْتُ (وَالأُم) تَرث الثُّلُث حَيْثُ لَا حَاجِب لَهَا من ولد أَو تعدد أخوة وَإِلَّا حجبت للسدس وَلها ثلث الْبَاقِي فِي زوج أَو زَوْجَة وأبوين (وَالزَّوْجَة) وَلها الرّبع مَعَ فقد الْوَلَد وَإِلَّا حجبت للثّمن (ثمَّ الْبِنْت) وَلها النّصْف إِذا انْفَرَدت فَإِن تعدّدت فلهَا الثُّلُثَانِ فَإِن كَانَ مَعهَا أَخُوهَا ورثت بِالتَّعْصِيبِ للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ (وَبنت الابْن بعْدهَا) أَي بعد الْبِنْت فِي الرُّتْبَة وَيجْرِي فِيهَا مَا جرى فِي الْبِنْت، وحجبها ابْن فَوْقهَا أَو بنتان فَوْقهَا إِلَّا الابْن فِي درجتها مُطلقًا أَو أَسْفَل فمعصب (وَالْأُخْت) شَقِيقَة أَو لأَب وَالأُم وَيجْرِي فِي الْأَوَّلين مَا جرى فِي الْبِنْت فيحجب الَّتِي للْأَب شَقِيق فَوْقهَا أَو شقيقتان فَوْقهَا إِلَّا أخاها للْأَب فِي درجتها فمعصب، نعم قَوْله أَو أَسْفَل مِنْهَا لَا يجْرِي هَهُنَا لِأَن ابْن الْأَخ لَا يعصب عمته فَلَا شَيْء لَهَا مَعَه، نعم إِذا اجتمعتا أَي الَّتِي للْأَب والشقيقة مَعَ الْبِنْت فهما عاصبتان كَمَا قَالَ: وَالْأَخَوَات قد يصرن عاصبات إِن كَانَ للهالك بنت أَو بَنَات الخ. وَالثَّالِثَة: وَهِي الْأُخْت للْأُم لَهَا السُّدس مَعَ الِانْفِرَاد فَإِن تعدّدت فَلَهُمَا أَو لَهُنَّ الثُّلُث. وَجَدَّةٌ للجِهَتَيْنِ مَا عَلَتْ مَا لم تَكُنْ بذَكَرٍ قَدْ فُصِلَتْ (وَجدّة للجهتين) أَي جِهَة الْأُم وَهِي أم الْأُم وَأمّهَا وَإِن علت، وجهة الْأَب وَهِي أم الْأَب وَأمّهَا (مَا علت مَا لم تكن بِذكر) يَعْنِي غير الْأَب (قد فصلت) فَلَا مِيرَاث لأم جد لهالك من جِهَة أَبِيه وَأمه لِأَنَّهَا مفصولة عَنهُ بِذكر غير الْأَب على مَذْهَب مَالك لِأَنَّهُ لَا يُورث أَكثر من جدتين وحجبتها الْأُم مُطلقًا، ويحجب الْأَب الْجدّة الَّتِي من جِهَته فَقَط، وَكَذَا تحجب الْقُرْبَى من جِهَة الْأُم البعدى من جِهَة الْأَب وَإِلَّا اشتركتا. كَذَاكَ مَوْلاَةٌ لَهَا العِتْقُ وَلَا حَقَّ لَهَا فِيمَا يكُونُ بِالْوَلاَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 652 (كَذَاك مولاة) نعْمَة وَهِي الَّتِي (لَهَا الْعتْق) مُبَاشرَة أَو انجر لَهَا بِوِلَادَة أَو عتق فَإِنَّهَا وارثة بِالتَّعْصِيبِ فترث الْجَمِيع إِن انْفَرَدت أَو مَا بَقِي بعد الْفَرْض. (وَلَا حق لَهَا فِيمَا) لم تباشر عتقه وَلَا جَرّه لَهَا وَلَاء بِوِلَادَة أَو عتق لِأَنَّهُ إِنَّمَا (يكون) الْإِرْث (بِالْوَلَاءِ) لعاصب الْمُعْتق بِالْكَسْرِ فَقَط، فَإِذا مَاتَ الْمُعْتق بِالْفَتْح وَلَا عاصب لَهُ سوى ابْن سَيّده وبنته فَلَا مِيرَاث للْبِنْت بل المَال كُله أَو مَا بَقِي بعد ذَوي الْفُرُوض للِابْن دون الْبِنْت قَالَ فِيهَا: وَلَا يَرث أحد من النِّسَاء وَلَاء مَا أعتق أَب لَهُنَّ أَو أم أَو أَخ أَو ابْن والعصبة أَحَق بِالْوَلَاءِ مِنْهُنَّ، وَلَا يَرث النِّسَاء من الْوَلَاء إِلَّا من أعتقن أَو عَتيق من اعتقن أَو ولد من اعتقن من ولد الذُّكُور ذُكُورا كَانُوا أم إِنَاثًا وَلَا شَيْء لَهُنَّ فِي ولد الْبِنْت ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى الخ. وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَلَا تَرثه أُنْثَى إِلَّا أَن باشرت عتقه أَو جَرّه وَلَاء بِوِلَادَة أَو عتق الخ. فَهَذِهِ سبع نسْوَة فَجعل الْجدّة للجهتين قسما وَاحِدًا ويتفرعن إِلَى عشرَة بتنويع الْأُخْت إِلَى شَقِيقَة أَو لأَب أَو لأم، وتنويع الْجدّة إِلَى الَّتِي لأَب أَو لأم، فمجموع من يَرث ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ عدد حُرُوف الهجاء، وَقد تحصل أَن الذُّكُور كلهم عصبَة إِلَّا الزَّوْج وَالْأَخ للْأُم وَالْأَب وَالْجد إِذا كَانَ مَعَهُمَا ولد، وَالْإِنَاث كُلهنَّ أهل فرض إِلَّا مولاة النِّعْمَة وَالْأَخَوَات مَعَ الْبَنَات. وَبَيْتُ مَال المُسلَمين يَسْتَقِلْ بحيثُ لَا وَارِثَ أَو بِمَا فَضَلْ (و) إِن لم يُوجد وَاحِد مِمَّن ذكر أَو وجد وَلم يسْتَغْرق التَّرِكَة ف (بَيت مَال الْمُسلمين يسْتَقلّ) بِالْإِرْثِ فَيَأْخُذ المَال كُله (بِحَيْثُ) الْبَاء زَائِدَة أَي حَيْثُ (لَا وَارِث) أصلا (أَو) يخْتَص (بِمَا فضل) عَن ذَوي الْفُرُوض كَزَوْجَة وَأم أَو بنت وَبنت ابْن، وَإِذا مَاتَ الرجل بِبَلَد وَخلف فِيهِ مَالا وَخلف فِي بلد آخر مَالا وَلم يكن لَهُ وَارِث إِلَّا بَيت المَال، فَإِن عَامل الْبَلَد الَّذِي كَانَ مستوطناً فِيهِ أَحَق بميراثه مَاتَ فِيهِ أَو فِي غَيره من الْبِلَاد قَالَه فِي الْمُفِيد، وَظَاهر النّظم أَن الْبَاقِي بعد الْفَرْض يكون لبيت المَال وَلَا يرد أَي الْبَاقِي بعد الْفَرْض على ذَوي الْفُرُوض وَلَا يدْفع لِذَوي الْأَرْحَام، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وَقَالَ عَليّ رضى الله عَنهُ: يرد على كل وَارِث بِقدر مَا ورث سوى الزَّوْج وَالزَّوْجَة أَي: فَلَا يرد عَلَيْهِمَا إِجْمَاعًا كَمَا فِي ابْن يُونُس، وَقيد عدم رده على ذَوي الْأَرْحَام بِمَا إِذا كَانَ بَيت المَال منتظما وإلاَّ رد الْبَاقِي عَلَيْهِ. قَالَ ابْن رحال: وتوريث ذَوي الْأَرْحَام مُتَأَخّر عَن الرَّد على ذَوي الْفُرُوض بِحَسب ظَاهر أنقالهم. ابْن يُونُس: لَو أدْرك مَالك وَأَصْحَابه زمننا هَذَا لجعلوا الْمِيرَاث لِذَوي الْأَرْحَام لَا لبيت المَال لعدم انتظامه فِي هَذَا الزَّمَان، وَأطَال رَحمَه الله فِي الِاحْتِجَاج لتوريثهم. قَالَ ابْن نَاجِي: وَلَا أعرف الْيَوْم بَيت مَال، وَإِنَّمَا هُوَ بَيت ظلم وعَلى القَوْل بتوريث ذَوي الْأَرْحَام فَينزل ولد الْبَنَات وَالْأَخَوَات منزلَة أمهاتهم وَبَنَات الْأَخَوَات والأعمام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 653 منزلَة آبائهن والخالات والأخوال منزلَة الْأُم والعمات منزلَة الْأَب، فَإِذا ترك الْهَالِك بنت بنت فَيكون لَهَا النّصْف بِمَنْزِلَة أمهَا، وَهَكَذَا وأولو الْأَرْحَام سِتَّة رجال وَسبع نسْوَة، فالرجال ابْن الْبِنْت وَابْن الْأُخْت وَابْن الْأَخ للْأُم وَالْعم للْأُم وَالْخَال وَالْجد للْأُم وَالنِّسَاء بنت الْبِنْت وَبنت الْأُخْت وَبنت الْأَخ وَبنت الْعم والعمة وَالْخَالَة وَالْجدّة أم أبي الْأُم، وَزيد فِي الرِّجَال ابْن الْعمة وَابْن بنت الابْن وَعم الْأُم، وَفِي النِّسَاء بنت بنت الابْن وَبنت ابْن الْعم وَبنت بنت الْأَخ. (فصل فِي ذكر أَحْوَال الْمِيرَاث) وَهِي خَمْسَة وبيانها أَن: الحالُ فِي الميارثِ قد تَقَسَّما إِلَى وجُوبِ ولحَجْبٍ قُسِما (الْحَال فِي الْمِيرَاث قد تقسما إِلَى) وَجْهَيْن حَالَة (وجوب) بِحَيْثُ لَا يحجب أصلا كالأبوين وَالْأَوْلَاد وَالزَّوْج وَالزَّوْجَة كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَلَا سُقُوط لأَب وَلَا ولد وَلَا لزوجين وَلَا أم فقد (ول) حَالَة (حجب) وَهَذَا الثَّانِي (قسما لحجْبِ الإسْقَاطِ أَوِ النقْلِ وَذَا لِفَرْضٍ أَو تَعْصِيبٍ أبْدَى مَنْفَذَا لحجب الْإِسْقَاط) بِحَيْثُ لَا يَرث شَيْئا كالإخوة مُطلقًا مَعَ الْأَب أَو الْإِخْوَة للْأُم مَعَ الْجد وكالجدة مَعَ الْأُم وكابن الابْن مَعَ ابْن الصلب، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يَأْتِي فِي فصل حجب الْإِسْقَاط. (أَو) أَي ولحجب (النَّقْل) من إِرْث إِلَى إِرْث (وَذَا) أَي حجب النَّقْل يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام. إِمَّا من فرض (لفرض) آخر كَزَوْجَة تنقل من الرّبع للثّمن بِوُجُود الْوَلَد، وكالأم تنقل من الثُّلُث إِلَى السُّدس بِوُجُود الْوَلَد أَو تعدد الْأُخوة وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يَأْتِي فِي فصل حجب النَّقْل، (أَو) أَي: وَإِمَّا من تعصيب لفرض كأب وجد فَإِنَّهُمَا عاصبان وينقلان للسدس مَعَ وجود ابْن أَو ابْن ابْن وَإِمَّا من فرض ل (تعصيب) كأخت أَو أَخَوَات مَعَ بنت أَو بَنَات (أبدى منفذا) أَي بِفَتْح الْمِيم وَالْفَاء وبالذال الْمُعْجَمَة مَعْنَاهُ الطَّرِيق فَقَوْل النَّاظِم: وَذَا لفرض الخ. يَشْمَل النَّقْل من فرض لفرض وَمن تعصيب إِلَى فرض، وَقَوله: أَو تعصيب أَي النَّقْل من الْفَرْض إِلَى التَّعْصِيب، فالنقل ثَلَاثَة أَقسَام تضم لحالتي الْوُجُوب والإسقاط تكون الْأَحْوَال خَمْسَة كَمَا مر. وَهَذَا الْفَصْل كالتوطئة لما يَأْتِي لَهُ من ذكر حجب الْإِسْقَاط وحجب النَّقْل. وَاعْلَم أَن من الفراض من لَا يتَعَرَّض لهَذَا الْفَصْل وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 654 للَّذي قبله، وَإِنَّمَا يَقُول أَصْحَاب النّصْف كَذَا وَأَصْحَاب الثُّلُث كَذَا الخ. ثمَّ يَقُول: ولعاصب ورث المَال أَو الْبَاقِي بعد الْفَرْض وَيذكر الْعصبَة الْمُتَقَدّمَة وَهُوَ صَنِيع (خَ) وَمن وَافقه، وَمِنْهُم من يعد من يَرث على سَبِيل الْإِجْمَال، ثمَّ يتَعَرَّض لذَلِك على سَبِيل التَّفْصِيل كالناظم وَابْن الْحَاجِب وَمن وافقهما، وَأما هَذَا الْفَصْل واللذان بعده فهم قليلو الجدوى. (فصل فِي ذكر الْمِقْدَار الَّذِي يكون بِهِ الْإِرْث) وَهُوَ إِمَّا كل الْمَتْرُوك أَو جُزْء مُسَمّى مِنْهُ أَو مُسَمّى من الْبَاقِي بعد أَخذ فرض أَو أَكثر، فَالْمُرَاد بالمقدار مَجْمُوع الْمَتْرُوك، وَالْبَاء من قَوْله بِهِ بِمَعْنى فِي قَالَه (م) . القَدْرُ يُلْفَى باشْتِراكٍ فِيهِ فِي جُملةٍ المتروكِ أَو باقِيهِ (الْقدر) أَي الْمَتْرُوك الَّذِي يكون فِيهِ الْإِرْث تَارَة (يلفى) ملتبساً (بإشتراك فِيهِ فِي جملَة الْمَتْرُوك) أَي فِي جَمِيعه، وَهَذَا الِاشْتِرَاك إِمَّا بَين الْعصبَة كثلاثة بَنِينَ أَو إخْوَة، وَإِمَّا بَين ذَوي السِّهَام كَزَوج وَأُخْت أَو أم وَأَخ لأم وَزوج، وَإِمَّا بَين ذَوي سهم وعاصب كَبِنْت وَأُخْت أَو أم وَأَخ (أَو) أَي وَتارَة يلفى ملتبساً باشتراك فِي (بَاقِيه) أَي بَاقِي الْمَتْرُوك بعد أَخذ ذَوي الْفَرْض فرضهم كثلاثة أخوة مَعَ بنت أَو أبوين مَعَ زوج أَو زَوْجَة. أَو بانِفرادٍ باحِتيازِ المَالِ أجْمعَ فِيهِ وَهُوَ فِي الرّجالِ (أَو) أَي وَتارَة يلفى ملتبساً (بانفراد) فِيهِ كَابْن لَيْسَ مَعَه غَيره أَو أَخ كَذَلِك، وَكَذَا نَحْوهمَا من الْعصبَة، فَإِن العاصب يحوز جَمِيع المَال حيت انْفَرد كَمَا قَالَ: (باحتياز المَال اجْمَعْ فِيهِ) يتَعَلَّق بانفراد (وَهُوَ) أَي حوز جَمِيع المَال كَائِن (فِي الرِّجَال) الْمُتَقَدِّمين. عدا أَخاً للأُمِّ وَالزَّوْج وَفي مولاةِ نَعْمَى حُكمُ ذَلِك اقتُفِي (عدا أَخا للْأُم) مِنْهُم (و) عدا (الزَّوْج) فَإِنَّهُمَا ليسَا بعاصبين كَمَا تقدم (وَفِي مولاة نعمى) مُتَعَلق باقتفي أَي و (حكم ذَلِك) وَهُوَ حوز جَمِيع المَال (اقتفي) اتبع فِي مولاة نعْمَة وَإِنَّمَا تحوز الْجَمِيع إِذا لم يكن للْمُعْتق بِالْفَتْح عاصب كَمَا تقدم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 655 (فصل فِي ذكر حالات وجوب الْمِيرَاث) وَهِي ثَلَاثَة كَمَا قَالَ: ويَحْصُل الميراثُ حيْثُ حُتِما بِفَرْضٍ أَو تعصيبٍ أوْ كِليْهما (وَيحصل الْمِيرَاث حَيْثُ حتما) أَي وَجب (بِفَرْض) فَقَط كَأُمّ وَأَخ لأم وَزوج (أَو تعصيب) فَقَط كأب أَو جد أَو عَم (أَو كليهمَا) أَي فرض وتعصيب كأب أَو جد مَعَ بنت أَو بَنَات يَأْخُذ فَرْضه السُّدس، ثمَّ الْبَاقِي تعصيباً وَكَذَا أَخ لأم هُوَ ابْن عَم أَو زوج هُوَ ابْن عَم كَمَا مر. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا يَرِثهُ العاصب فَقَالَ: والمالَ يَحْوِي عاصِبٌ مُنْفرِدُ أَو مَا عَنِ الفُروضِ بعدُ يُوجدُ (وَالْمَال) بِالنّصب مفعول مقدم (يحوي عاصب مُنْفَرد) كَابْن وَاحِد أَو أَخ أَو عَم كَذَلِك (أَو) يحوي (مَا عَن الْفُرُوض بعد يُوجد) أَي مَا يُوجد بعد أَخذ ذَوي الْفُرُوض فروضهم كَزَوْجَة وَأم وعاصب أَو بنت وعاصب ويستبد العاصب بِالْجَمِيعِ أَو بِالْبَاقِي إِن انْفَرد. وقِسْمَةٌ فِي الحالتَيْن مُعْمَلَه إِمَّا عَلَى تَفَاضُلٍ أوْ مَعْدِلَهْ (و) إِمَّا أَن تعدد ف (قسْمَة) بَين الْعصبَة (فِي الْحَالَتَيْنِ) أَي حَالَة أَخذ الْجَمِيع أَو حَالَة أَخذ الْفَاضِل بعد الْفَرْض (معمله) هِيَ أَي الْقِسْمَة ثمَّ هِيَ (إِمَّا على تفاضل) كبنين وَبَنَات وحدهم أَو مَعَ زَوْجَة، فالمتروك كُله أَو الْبَاقِي بعد الزَّوْجَة يقسم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَهَكَذَا فِي الْأَخ وَالْأَخَوَات وحدهم أَو مَعَ كَزَوْجَة أَو أم (أَو) أَي: وَإِمَّا أَن يقسم الْجَمِيع أَو الْبَاقِي بعد الْفَرْض على التَّسَاوِي (معدله) كبنين وحدهم لَيْسَ مَعَهم ذُو فرض أَو مَعَهم ذُو فرض كَزَوْجَة، وَكَذَا الْإِخْوَة للْأُم فَإِنَّهُم يقسمون حظهم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَلَا يخفى مَا فِي هَذَا الْفَصْل والفصلين قبله من التَّدَاخُل والتكرار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 656 (فصل فِي ذكر أهل الْفَرَائِض وأصولها) عطف على أهل، وَالْمرَاد بالفرائض الْأَجْزَاء المحددة شرعا الْمَعْلُوم نسبتها من جملَة المَال وَهِي سِتَّة: النّصْف وَنصفه وَهُوَ الرّبع وَنصف نصفه وَهُوَ الثّمن وَالثُّلُثَانِ ونصفهما وَهُوَ الثُّلُث وَنصف نصفهما وَهُوَ السُّدس، وَأَهْلهَا المستحقون لَهَا مَا يَأْتِي للناظم فِي قَوْله: أَولهَا النّصْف لخمسة جعل الخ. وَالْمرَاد بأصولها الْأَعْدَاد الَّتِي تقوم مِنْهَا تِلْكَ الْفَرَائِض أَي: أقل عدد يُؤْخَذ مِنْهُ ذَلِك الْفَرْض صَحِيحا، فالفريضة الَّتِي فِيهَا سدس أَصْلهَا من سِتَّة لِأَنَّهُ أقل عدد لَهُ سدس، وَالَّتِي فِيهَا ربع أَصْلهَا من أَرْبَعَة وَهَكَذَا، وَلِهَذَا كَانَت الْأُصُول خَمْسَة: اثْنَان وَأَرْبَعَة وَثَمَانِية وَثَلَاثَة وَسِتَّة، وَإِنَّمَا كَانَت خَمْسَة لَا سِتَّة كالفرائض لِاتِّحَاد مخرج الثُّلُث والثلثين، وَهَذَا على سَبِيل الِانْفِرَاد، وَأما مَعَ الِاجْتِمَاع فَإِن اجْتمع النّصْف مَعَ غَيره فَلَا يُوجب زِيَادَة على الْأَعْدَاد الْخَمْسَة كَمَا هُوَ وَاضح. وَأما الرّبع، فَاعْلَم أَنه لَا يجْتَمع مَعَ الثّمن لِأَن الثّمن للزَّوْجَة فَإِن كَانَ لَهَا ربع فَلَا ثمن، وَإِن كَانَ للزَّوْج فَلَيْسَ هُنَاكَ زَوْجَة، نعم قد يجْتَمع أَحدهمَا مَعَ الثُّلُث والثلثين أَو السُّدس فَإِن كَانَ الْمُجْتَمع مَعَ وَاحِد من هَذِه الثَّلَاثَة هُوَ الرّبع فَيحْتَاج إِلَى زِيَادَة أصل آخر وَهُوَ اثْنَا عشر، لِأَنَّهُ إِذا اجْتمع مَعَ الثُّلُث كَأُمّ وَزَوْجَة فَالثُّلُث مقَامه من ثَلَاثَة وَالرّبع مقَامه من أَرْبَعَة، وهما متباينان فَتضْرب أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر، وَكَذَا إِن اجْتمع مَعَ الثُّلثَيْنِ كشقيقتين وَزَوْجَة، وَإِن اجْتمع مَعَ السُّدس كَأُمّ وَزَوْجَة وأخوين لأَب فَإِن السِّتَّة توَافق الْأَرْبَعَة بِالنِّصْفِ فَتضْرب نصف أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِاثْنَيْ عشر، وَإِن كَانَ الْمُجْتَمع مَعَ وَاحِد من ذَلِك هُوَ الثّمن فَيحْتَاج إِلَى زِيَادَة أصل آخر وَهُوَ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ لِأَن الثّمن إِذا اجْتمع مَعَ الثُّلُث أَو الثُّلثَيْنِ فَتضْرب الثَّلَاثَة مقَامهَا فِي الثَّمَانِية مقَام الثّمن بأَرْبعَة وَعشْرين، وَإِن اجْتمع مَعَ السُّدس فالثمانية توَافق السِّتَّة بِالنِّصْفِ فَتضْرب نصف أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر يخرج مَا ذكر، فأصول الْفَرَائِض على هَذَا سَبْعَة خَمْسَة مِنْهَا بسائط أَي غير مركبة وَاثْنَانِ مركبان من الضَّرْب، وهما الاثنا عشر وَالْأَرْبَعَة وَالْعشْرُونَ وسيشير لَهما فِي قَوْله: وَالْأَصْل بالتركيب ضعف سِتَّة الخ. وَعَلِيهِ فالمنقسم إِلَى بسائط ومركبات هُوَ أصُول الْفَرَائِض لَا الْفَرَائِض كَمَا يُوهِمهُ قَوْله: ثُمَّ الفَرائِضُ البسَائِطُ الأُوَلْ سُتةٌ الأصُولُ مِنْهَا فِي العَمَلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 657 (ثمَّ الْفَرَائِض البسائط الأول) فَالصَّوَاب حذف قَوْله البسائط الأول، وَلَا يَصح أَن يكون الْفَرَائِض على حذف مُضَاف أَي أصُول الْفَرَائِض، وَيكون الْوَصْف بالبسائط رَاجعا لِلْأُصُولِ لِأَن البسائط من الْأُصُول إِنَّمَا هِيَ خَمْسَة فَقَط وَهُوَ قد قَالَ: (سِتَّة) لِأَنَّهُ خبر عَن قَوْله الْفَرَائِض، وَقد تقدم أَن الْفَرَائِض سِتَّة، وأصولها سَبْعَة خَمْسَة مِنْهَا بسيطة وَاثْنَانِ مركبان، فَوَجَبَ حِينَئِذٍ حذف لفظ البسائط الأول لإيهامه غير الْمَقْصُود (الْأُصُول) مُبْتَدأ (مِنْهَا) خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير الْأُصُول فرائضها مَأْخُوذَة مِنْهَا (فِي الْعَمَل) أَي عمل الْفَرَائِض، وَذَلِكَ لِأَن الرّبع مثلا هُوَ الْفَرْض وَالْأَرْبَعَة هِيَ أَصله، فَهُوَ مَأْخُوذ مِنْهَا أَي مقَامه مِنْهَا أَي مِنْهَا يَصح فِي عمل الْفَرَائِض مَا عدا النّصْف، فَإِنَّهُ لَيْسَ مأخوذاً من لفظ الِاثْنَيْنِ، وَإِن كَانَ مقَامه مِنْهُمَا، نعم الرّبع مقَامه من أَرْبَعَة، وَالثمن من ثَمَانِيَة، وَالسُّدُس من سِتَّة، وَالثلث وَالثُّلُثَانِ من ثَلَاثَة، وَلذَا كَانَت الْفَرَائِض سِتَّة، وأصولها البسائط خَمْسَة لِاتِّحَاد مخرج الثُّلُث والثلثين كَمَا مر. أَوَّلُها النصفُ لِخَمْسَةٍ جُعِلْ البنتِ والزوجِ إِذا لم ينتَقِلْ (أَولهَا) أَي الْفَرَائِض السِّتَّة (النّصْف) وَهُوَ (لخمسة جعل) أَحدهَا: (الْبِنْت) حَيْثُ انْفَرَدت لَا إِن كَانَت مَعَ معصب كأخ لَهَا فِي درجتها فَإِنَّهَا تَرث حِينَئِذٍ بِالتَّعْصِيبِ (و) ثَانِيهَا: (الزَّوْج إِذا لم ينْتَقل) أَي إِذا لم يحجب حجب نقل بِأَن لَا يكون للهالكة ولد وَإِلَّا بِأَن كَانَ ولد ذكر أَو أثنى وَإِن سفل وَإِن من زنا انْتقل للربع. ولابنَةِ ابْنٍ ولأُخْتٍ لَا لأُمْ وَنصْفُهُ الرُّبْعُ بِهِ الزَّوْجين أُمْ (و) ثَالِثهَا أَنه فرض (لابنَة ابْن) حَيْثُ لَا بنت للهالك وَلَا أَخ لَهَا فِي درجتها أَيْضا، فَإِن كَانَ لَهَا أَخ أَو ابْن عَم فِي درجتها كَانَت عاصبة للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ (و) رَابِعهَا وخامسها أَنه فرض (لأخت) شَقِيقَة أَو لأَب حَيْثُ انْفَرَدت وَلَا أَخ لَهَا فِي درجتها أَيْضا وَإِلَّا فَهِيَ عاصبة (لَا) أُخْت (لأم) فَلَيْسَتْ من أهل النّصْف، فَهَذِهِ خَمْسَة بتنويع الْأُخْت الشَّقِيقَة وَللْأَب (خَ) : من ذِي النّصْف الزَّوْج وَبنت وَبنت ابْن إِن لم تكن بنت وَأُخْت شَقِيقَة أَو لأَب إِن لم تكن شَقِيقَة وَعصب كلا أَخ يساويها. ثمَّ أَشَارَ إِلَى ثَانِي الْفُرُوض فَقَالَ: (وَنصفه) مُبْتَدأ أَي نصف النّصْف وَهُوَ (الرّبع بِهِ الزَّوْجَيْنِ أم) بِضَم الْهمزَة فعل أَمر بِمَعْنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 658 أقصد، وَبِه يتَعَلَّق بِهِ والزوجين مَفْعُوله، وَالْمعْنَى أَن نصف النّصْف وَهُوَ الرّبع أقصد بِهِ الزَّوْجَيْنِ فَهُوَ فرض الزَّوْج من زَوجته مَعَ وجود الْوَلَد الْوَارِث لَهَا وَإِن سفل ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى مِنْهُ أَو من غَيره وَإِن من زنا وَخرج بالوارث ولد ابْنهَا الْمَنْفِيّ بِلعان أَو قَامَ بِهِ مَانع من رق أَو كفر لِأَن من لَا يَرث لَا يحجب وَارِثا إِلَّا الْأُخوة للْأُم، فَإِنَّهُم يحجبون الْأُم للسدس مَعَ كَونهم محجوبين بالجد مثلا (خَ) وَالرّبع الزَّوْج بفرع الخ. وَالرّبع أَيْضا فرض الزَّوْجَة فَأكْثر من الزَّوْج مَعَ فقد الْوَلَد الْوَارِث لَهُ وإلاَّ بِأَن كَانَ لَهُ ولد وَارِث وَإِن سفل ذكرا أَو أُنْثَى مِنْهَا أَو من غَيرهَا حجب للثّمن، وَخرج بالوارث أَيْضا من قَامَ بِهِ مَانع من رق أَو كفر أَو لعان أَو كَانَ من زنا أَو نِكَاح فَاسد لَا يلْحق فِيهِ الْوَلَد وَنَحْو ذَلِك، فَإِن هَؤُلَاءِ لَا يحجبونها للثّمن كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وتنقل الزَّوْجَة من ربع إِلَى ثمن صَحِيح نِسْبَة من هؤلا ثمَّ أَشَارَ إِلَى ثَالِث الْفُرُوض فَقَالَ: وَنِصْفُهُ الثُّمْنُ لزوجةٍ وَفِي تعدُّدٍ قسمةُ حظيْهَا اقتُفِي (وَنصفه) أَي الرّبع وَهُوَ (الثّمن) ثَابت (لزوجة) فَقَط مَعَ وجود ولد وَارِث وَإِن سفل لزَوجهَا الْهَالِك، وإلاَّ يكن وَارِثا لم تحجب للثّمن كَمَا مر، فَإِن اتّحدت الزَّوْجَة أخذت الرّبع أَو الثّمن كُله (وَفِي تعدد) لَهَا بِأَن كَانَ لَهُ زوجتان فَأكْثر (قسْمَة حظيها) أَي الرّبع وَالثمن بَينهمَا أَو بَينهُنَّ (اقتفي) أَي اتبع (خَ) : وَالثمن لَهَا أَو لَهُنَّ بفرع لَاحق الخ. وَيشْتَرط فِي توارث الزَّوْجَيْنِ أَن يَكُونَا مُسلمين حُرَّيْنِ غير قَاتل أَحدهمَا الآخر كغيرهما، وَأَن يكون نِكَاحهمَا صَحِيحا أَو مُخْتَلفا فِيهِ لَا إِن كَانَ مُتَّفقا على فَسَاده فَلَا إِرْث مَاتَ أَحدهمَا قبل الدُّخُول أَو بعده. ثمَّ أَشَارَ إِلَى رَابِع الْفُرُوض فَقَالَ: والثُلْثَان حِصةٌ لأَرْبَعِ بناتِ صُلبٍ وبناتِ ابنِ فَعِي (وَالثُّلُثَانِ حِصَّة لأَرْبَع) نسْوَة وَهن (بَنَات صلب) أَي اثْنَتَانِ فَأكْثر حَيْثُ لَا عاصب فِي درجتهما أَو درجتهن (وَبَنَات ابْن) أَي اثْنَتَانِ أَيْضا، فَأكْثر حَيْثُ لَا بنت لصلب وَلَا عاصب فِي الدرجَة (فعي) أَي احفظ. والأخْتِ لَا لِلأَمِّ فِي التَّعْدَادِ والثلْثُ للجَدِّ برَجْحِ بَادِي (وَالْأُخْت لَا للْأُم فِي التعداد) أَي فِي تعددها بِأَن تكون اثْنَتَانِ فَأكْثر وَأطلق فِي الْأُخْت فَشَمَلَ الشقيقتين واللتين للْأَب فِي عدم الشَّقِيقَة، فَلِكُل مِنْهُمَا الثُّلُثَانِ حَيْثُ لَا عاصب فِي درجتهما (خَ) : ولتعددهن أَي الْبِنْت وَبنت الابْن وَالْأُخْت الشَّقِيقَة أَو الَّتِي للْأَب الثُّلُثَانِ الخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 659 وَاحْترز بقوله: لَا للْأُم من الْأُخْت للْأُم إِذا تعدّدت فَلَيْسَتْ من ذَوي الثُّلثَيْنِ، بل من ذَوي الثُّلُث فَقَط كَمَا يَأْتِي قَرِيبا. ثمَّ اشار إِلَى خَامِس الْفُرُوض فَقَالَ: (و) نصفهَا أَي الثُّلُثَانِ وَهُوَ (الثُّلُث) حِصَّة لثَلَاثَة (للْجدّ) فِي بعض أَحْوَاله وَهُوَ إِذا كَانَ مَعَ الْأُخوة وَلَيْسَ مَعَهم ذُو فرض فَإِنَّهُ فِي هَذِه الْحَالة يكون لَهُ الْخَيْر من الثُّلُث أَو الْمُقَاسَمَة، فَإِذا كَانَ الْأُخوة ثَلَاثَة فَأكْثر فَالثُّلُث هُنَا يكون فَرْضه (برجح باد) أَي ظَاهر لِأَنَّهُ خير لَهُ من الْمُقَاسَمَة بِخِلَافِهِ مَعَ أَخ وَاحِد. فالمقاسمة أفضل لَهُ وَيَسْتَوِي الثُّلُث والمقاسمة إِذْ كَانَ مَعَ أَخَوَيْنِ، وَمَسْأَلَة الاسْتوَاء خَارِجَة بقوله: برجح وَلَا يضر خُرُوجهَا وَعدم شُمُوله لَهَا لِأَن الثُّلُث فِيهَا لَا يتَعَيَّن كَونه فرضا لَهُ الْجَوَاز أَخذه لَهُ بالمقاسمة بِخِلَافِهِ فِي الأولى، فَالثُّلُث فرض لَهُ على مَا للناظم، وَبَعْضهمْ لم يَجْعَل الْجد من أهل الثُّلُث لعدم استقراره عَلَيْهِ وَعَلِيهِ درج (خَ) : وَالأُمِّ دونَ حاجِب والإخْوَهْ لَهَا وَهُمْ فِي قَسْم ذَاك أُسْوَهْ (وَالأُم) عطف على الْجد أَي لَهَا الثُّلُث حَال كَونهَا (دون) وجود (حَاجِب) يحجبها عَنهُ للسدس (خَ) : وَالثلث للْأُم وحجبها للسدس ولد وَإِن سفل، وَأَخَوَانِ أَو أختَان مُطلقًا شقائق أَو لأَب أَو لأم (وَالإِخْوَة لَهَا) عطف على الْجد أَيْضا أَي الثُّلُث فرض الْأَخَوَيْنِ للْأُم فَأكْثر ذُكُورا كَانُوا أَو إِنَاثًا أَو مُخْتَلفين (خَ) : وَمن ذَوي الثُّلُث الْأُم وولداها فَأكْثر إِلَى أَن قَالَ: وَسقط الْأَخ للْأُم بِابْن الْهَالِك وَابْنه وَبنت وَإِن سفلت وَأب وجد الخ. وَسَيَأْتِي ذَلِك للناظم فِي حجب الْإِسْقَاط: (وهم) أَي الْإِخْوَة للْأُم (فِي قسم ذَاك) الثُّلُث (إسوة) الذّكر كالأنثى لقَوْله تَعَالَى: فهم شُرَكَاء فِي الثُّلُث} (النِّسَاء: 12) وَالشَّرِكَة إِذا أطلقت حملت على التَّسَاوِي، وَهَذَا مُسْتَثْنى من قَاعِدَة كل ذكر وَأُنْثَى اجْتمعَا فِي رُتْبَة وَاحِدَة فللذكر ضعف الْأُنْثَى أَي إِلَّا الْإِخْوَة للْأُم. ثمَّ أَشَارَ إِلَى سادس الْفُرُوض فَقَالَ: وَنِصْفُهُ السُّدْسَ لأمَ والأَبِ ولابْنَةِ ابنِ ولجَدَ اجْتُبِي (وَنصفه) أَي الثُّلُث وَهُوَ (السُّدس) كَائِن لسبعة (لأم) مَعَ وجود الْوَلَد ذكرا أَو أُنْثَى وَإِن سفل أَو مَعَ المتعدد من الْأُخوة كَمَا مر (وَالْأَب) مَعَ وجود الْوَلَد ذكرا أَو أُنْثَى وَإِن سفل أَيْضا، لَكِن إِن كَانَ ذكرا كَانَ لَهُ السُّدس ولأمه كَذَلِك كَمَا فِي الْآيَة الْكَرِيمَة. وَإِن كَانَ أُنْثَى وَلَو تعدّدت أَخذ كل مِنْهُمَا السُّدس أَيْضا وَأخذت الْأُنْثَى فَرضهَا وَأخذ الْأَب مَا بَقِي بِالتَّعْصِيبِ حَيْثُ لم يستغرقه الْفَرْض، فَإِن كَانَ الْفَرْض مُسْتَغْرقا كبنتين وأبوين أَو معادلاً كَزَوج وبنتين وأبوين فَلَيْسَ للْأَب إِلَّا فَرْضه. (ولابنة ابْن) مَعَ بنت الصلب تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ، وَهَذَا حَيْثُ لَا عاصب فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 660 درجتهما وإلاَّ فَهِيَ عاصبة فيقاسمها للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، سَوَاء كَانَ أخاها أَو ابْن عَمها، فَإِن كَانَ أَسْفَل مِنْهَا اخْتصّت بالسدس وَأخذ هُوَ مَا بَقِي وتحجب بنت الابْن بِابْن فَوْقهَا أَو بنتين فَوْقهَا، فَإِذا خلف الْهَالِك بنت ابْن وَابْن ابْن وَبنت ابْن ابْن أَو خلف بِنْتي ابْن وَبنت ابْن ابْن فَلَا شَيْء لَهَا لِأَنَّهَا محجوبة بِمن فَوْقهَا إِلَّا أَن يكون مَعهَا أَخُوهَا أَو ابْن عَمها فِي درجتها أَو أَسْفَل مِنْهَا، فَإِنَّهُ يعصبها فيأخذان مَا فضل عَن البنتين أَو بِنْتي الابْن اللَّتَيْنِ فَوْقهمَا للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ. (ولجد اجتبي) أَي اختير لَهُ مَعَ الْوَلَد أَو مَعَ استغراق الْفُرُوض كَزَوج وَأم وجد كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالْجد مثل الْأَب مَعَ من ذكرا الخ. وَأما مَعَ عدم الْوَلَد وَعدم الِاسْتِغْرَاق فَلَيْسَ السُّدس فرضا لَهُ لعدم استقراره عَلَيْهِ بل يَأْخُذهُ لكَونه أحظى لَهُ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالسُّدُس أَن يرجح لَهُ مَتى صحب أهل الْفُرُوض صنف إخْوَة يجب وجدةٍ وَلأَخٍ مِن أُمِّ وَأَشْمَلْ لأُخْتٍ جِهةً فِي الْحُكْمِ (وَجدّة) لأم أَو لأَب وحجبت الْقُرْبَى من جِهَة الْأُم البعدى من جِهَة الْأَب وَإِلَّا اشتركتا كَمَا مّر وأسقطتها الْأُم مُطلقًا كَمَا يَأْتِي (ولأخ) وَاحِد (من أم) ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى فَإِن تعدد فَالثُّلُث كَمَا مر، وَهَذَا حَيْثُ لَا حَاجِب لَهُ وَإِلَّا سقط كَمَا مر. (واشمل) فعل أَمر (لأخت) مفعول بِهِ وَاللَّازِم زَائِدَة (جِهَة) مَنْصُوب على إِسْقَاط الْخَافِض (فِي الحكم) يتَعَلَّق باشمل، وَالتَّقْدِير اشمل فِي الحكم بالسدس أُخْتا لجِهَة يَعْنِي الَّتِي للْأَب مَعَ الشَّقِيقَة لَهَا السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ، وَأما الْأُخْت للْأُم فَهِيَ دَاخِلَة فِي الْأَخ من أم كَمَا قَررنَا، وتحجب الْأُخْت للْأَب بشقيق أَو بشقيقتين فَأكْثر فَلَا شَيْء لَهَا إِلَّا أَن يكون مَعهَا أَخ لأَب فَيَأْخُذ الثُّلُث مَعهَا فِي الْحجب بالشقيقتين أَو النّصْف فِي الشَّقِيقَة للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِن كَانَ مَعهَا ابْن أَخِيهَا فَقَط فَلَا شَيْء لَهَا فِي الْحجب بالشقيقتين، بل الثُّلُث الْبَاقِي يخْتَص بِهِ ابْن الْأَخ دون عمته وَدون أُخْته الَّتِي فِي دَرَجَته لِأَن بنت الْأَخ لَا تَرث وَلَو انْفَرَدت، وَابْن الْأَخ لَا يعصب عمته بِخِلَاف ابْن الابْن، فَإِنَّهُ يعصب أُخْته الَّتِي فِي دَرَجَته وَعَمَّته الَّتِي فَوْقه كَمَا مر، وَلم يذكر النَّاظِم فِي فصل حجب الْإِسْقَاط أَن بنت الابْن تحجب بِابْن فَوْقهَا أَو بنتين فَوْقهَا، وَلَا أَن الْأُخْت للْأَب تحجب بشقيق أَو شقيقتين، وَقد بَينا لَك ذَلِك هَا هُنَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 661 وَقد تحصل أَن جملَة الْفُرُوض على مَا للناظم اثْنَان وَعِشْرُونَ وَالصَّوَاب أَنَّهَا أحد وَعِشْرُونَ بِإِسْقَاط الثُّلُث للْجدّ لِأَنَّهُ لايأخذ فرضا بل لكَونه أحظى لَهُ، إِذْ لَو كَانَ يَأْخُذهُ بالفريضة لم ينْتَقل عَنهُ للمقاسمة إِذا كَانَت أحظى وإلاَّ لقيل إِن الْمُقَاسَمَة من فَرْضه أَيْضا إِذا كَانَت أحظى وَلم يقلهُ أحد، وَكَذَا السُّدس لَيْسَ فرضا لَهُ فِي اجْتِمَاع ذَوي الْفُرُوض والأخوة، وَلِهَذَا رمز بَعضهم لِذَوي الْفُرُوض على التَّرْتِيب السَّابِق بقوله: هبادبز، فالهاء لأَصْحَاب النّصْف، وَالْبَاء لأَصْحَاب الرّبع، وَالْألف لأَصْحَاب الثّمن، وَالدَّال لأَصْحَاب الثُّلثَيْنِ، وَالْبَاء بعد الدَّال لأَصْحَاب الثُّلُث، وَالزَّاي لأَصْحَاب السُّدس، فَلم يَجْعَل الْجد من أَصْحَاب الثُّلُث، وَلذَا رمز لَهُ بِالْبَاء دون الْجِيم لِأَنَّهُ لَا يسْتَقرّ عَلَيْهِ، وَلَا يُقَال السُّدس لَا يسْتَقرّ عَلَيْهِ أَيْضا فَلم عده من ذويه؟ لأَنا نقُول: إِنَّمَا لَا يسْتَقرّ عَلَيْهِ فِي خُصُوص اجتماعه مَعَ ذَوي الْفُرُوض وَالإِخْوَة إِذْ لَهُ حِينَئِذٍ الأحظى لَهُ من السُّدس من رَأس المَال أَو ثلث الْبَاقِي أَو الْمُقَاسَمَة كَمَا يَأْتِي، وَأما مَعَ الْوَلَد أَو ولد الْوَلَد فَهُوَ مُسْتَقر على السُّدس لَا ينْتَقل عَنهُ إِلَى غَيره، فَحسن حِينَئِذٍ عده من أَصْحَابه، وَلَا يُقَال أَيْضا الزَّوْج ينْتَقل وَالزَّوْجَة وَالأُم كَذَلِك، وَكَذَا بنت الابْن وَالْأُخْت للْأَب، لأَنا نقُول: كل وَارِث فِي فَرِيضَة غير نَفسه فِي أُخْرَى، فالزوج مثلا مَعَ عدم الْوَلَد غير نَفسه مَعَ الْوَلَد، فَلِذَا تعدد فَرْضه وَكَذَا الزَّوْجَة وَالأُم وَمَا بعدهمَا. تَنْبِيه: كَانَ اللَّائِق للناظم الَّذِي مرامه الِاخْتِصَار أَن يقْتَصر على هَذَا الْفَصْل ويقدمه أول الْبَاب ثمَّ يَقُول: وفاضل هُنَا عَن الْفُرُوض لعاصب كَعَدم الْمَفْرُوض أَي كَمَا يكون للعاصب جَمِيع المَال إِن عدم الْمَفْرُوض لَهُ، ثمَّ يذكر الرِّجَال الْمُتَقَدِّمين فِي قَوْله: الْأَب وَالْجد لَهُ وَإِن علا الخ. وَيسْقط مِنْهُم الزَّوْج وَالْأَخ للْأُم لِأَنَّهُمَا ليسَا من الْعصبَة وَيذكر بدلهما مولاة النِّعْمَة لِأَنَّهَا عاصبة كَمَا مر. وَاعْلَم أَن الْفَرِيضَة إِمَّا عادلة: وَهِي الَّتِي ساوت سِهَام أَصْحَابهَا كَزَوج وَأم وَأَخ لأم، وَإِمَّا نَاقِصَة وَهِي الَّتِي نقصت سهامها عَن أُصُولهَا كَزَوج وَبنت، وَإِمَّا عائلة وَهِي الَّتِي زَادَت سهامها على أُصُولهَا وإليها أَشَارَ بقوله: فإنْ يَضِقْ عنِ الفُرُوضِ المَالُ فالعولُ إِذْ ذَاك لَهُ اسْتِعْمَالُ (فَإِن يضق عَن الْفُرُوض المَال فالعول) أَي الزِّيَادَة (إِذْ ذَاك لَهُ اسْتِعْمَال) فتجعل الْفَرِيضَة على قدر السِّهَام، وَيدخل النَّقْص على كل مِنْهُم، وَذَلِكَ كَزَوج وَأُخْت وَأم، فَفِي هَذِه الْفَرِيضَة نِصْفَانِ وَثلث، وكيفما كَانَ المَال لَا يُوجد فِيهِ ذَلِك حَتَّى قَالَ ابْن عَبَّاس: من باهلني باهلته أَن الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 662 أحصى رمل عالج عددا لم يَجْعَل فِي المَال نصفا وَنصفا وَثلثا، وَأنكر الْعَوْل وَقَالَ: إِن النَّقْص يدْخل على الْأُخْت وَحدهَا لِأَنَّهَا تنْتَقل من الْفَرْض إِلَى التَّعْصِيب بِخِلَاف الزَّوْج وَالأُم فَإِنَّهُمَا لَا ينتقلان إِلَّا إِلَى فرض آخر فهما أقوى مِنْهَا وَهَكَذَا. وَهَذِه أول فَرِيضَة عالت فِي الْإِسْلَام، وَقيل أول فَرِيضَة عالت زوج وأختان شقيقتان أَو لأَب، فتوقف فِيهَا عمر رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ للصحابة: أَشِيرُوا عَليّ فَإِنِّي إِن أَعْطَيْت للزَّوْج فَرْضه لم يبْق للأختين فرضهما، وَإِن أَعْطَيْت للأختين لم يبْق للزَّوْج فَرْضه، فَأَشَارَ عَلَيْهِ الْعَبَّاس وَقيل عَليّ وَقَالَ: أَرَأَيْت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو أَن رجلا مَاتَ وَعَلِيهِ لرجل ثَلَاثَة دَنَانِير وَلآخر أَرْبَعَة وَلم يتْرك إِلَّا سِتَّة أَلَيْسَ يَجْعَل المَال سَبْعَة أَجزَاء وَيدخل النَّقْص على جَمِيعهم، فَأخذت الصَّحَابَة بقوله وَأَجْمعُوا عَلَيْهِ، ثمَّ أظهر ابْن عَبَّاس الْخلاف فِي ذَلِك، وَأنكر الْعَوْل وَهُوَ محجوج بِإِجْمَاع الصَّحَابَة تَفْرِيعا على الْمُخْتَار من أَنه لَا يشْتَرط فِي الْإِجْمَاع انْقِرَاض الْعَصْر، وَإِن زَادَت الْفُرُوض أعيلت أَي: وَإِن زَادَت سِهَام الْفَرِيضَة على أَصْلهَا أعيلت أَي زيد أَصْلهَا حَتَّى يصير على قدر السِّهَام كَزَوج وأختين أَصْلهَا من سِتَّة لأجل النّصْف والثلثين لِأَنَّهُ أقل عدد لَهُ نصف وَثُلُثَانِ والسهام سَبْعَة: ثَلَاثَة للزَّوْج وَأَرْبَعَة للأختين والستة تضيق فِي ذَلِك فيعال فِيهَا أَي يُزَاد لِأَن الْعَوْل الزِّيَادَة فتجعل السِّتَّة سَبْعَة فقد عالت بِمثل سدسها، وَيَأْخُذ كل وَاحِد من السَّبْعَة مَا يَأْخُذهُ من السِّتَّة فَللزَّوْج ثَلَاثَة من سِتَّة يَأْخُذهَا من سَبْعَة، وللأختين أَرْبَعَة من سِتَّة تأخذانها من سَبْعَة أَيْضا، وَكَذَلِكَ فِي العائلة لثمانية كَزَوج وَأُخْت وَأم أَصْلهَا من سِتَّة أَيْضا وتعول لثمانية بِمثل ثلثهَا، فَيَأْخُذ الزَّوْج نصف السِّتَّة وَهُوَ ثَلَاثَة من ثَمَانِيَة، وَكَذَلِكَ الْأُخْت وَتَأْخُذ الْأُم ثلث السِّتَّة وَهُوَ اثْنَان من ثَمَانِيَة وتعول أَيْضا لتسعة بِمثل نصفهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 663 كَزَوج وأختين وأخوين لأم وتعول لعشرة بِمثل ثلثيها إِن زيدت الْأُم، وَيعرف قدر مَا انْتقصَ لكل وَارِث بِنِسْبَة الزَّائِد إِلَى الْمَجْمُوع، فَفِي الْمَسْأَلَة الأولى وَقع الْعَوْل بِوَاحِد ونسبته من سَبْعَة سبع فقد انْتقصَ لكل وَارِث سبع مَا بِيَدِهِ، وَفِي الثَّانِيَة وَقع بِاثْنَيْنِ ونسبتهما من الثَّمَانِية ربع فقد انْتقصَ لكل وَارِث ربع مَا بِيَدِهِ، وَفِي الثَّالِثَة انْتقصَ لكل وَاحِد ثلث مَا بِيَدِهِ، وَفِي الرَّابِعَة انْتقصَ لَك خمْسا مَا بِيَدِهِ وَهَكَذَا، فَإِذا قيل: لَك كم انْتقصَ لكل وَاحِد فَإنَّك تنْسب الْجُزْء الزَّائِد على أصل الْمَسْأَلَة إِلَى مَا انْتَهَت إِلَيْهِ الْمَسْأَلَة بالعول، وَإِذا قيل لَك: بكم عالت فَإنَّك تنسبه إِلَى أصل الْمَسْأَلَة بِدُونِ عول، وَفِي ذَلِك قَالَ الشَّيْخ عَليّ الأَجْهُورِيّ رَحمَه الله: وعلمك قدر النَّقْص من كل وَارِث بِنِسْبَة عول للفريضة عائله وَمِقْدَار مَا عالت بنسبته لَهَا بِلَا عولها فَارْحَمْ بِفَضْلِك قَائِله وتعول الاثنا عشر لثَلَاثَة عشر بِمثل نصف سدسها كَزَوْجَة وأختين لأَب وَأَخ لأم، وَقد انْتقصَ لكل وَارِث جُزْء من ثَلَاثَة عشر، وتعول أَيْضا لخمسة عشر بِمثل ربعهَا كَزَوج وأبوين وابنتين، وَقد انْتقصَ لَك وَارِث خمس مَا بِيَدِهِ وتعول أَيْضا لسبعة عشر بِمثل ربعهَا وسدسها كثلاث زَوْجَات وثمان أَخَوَات شقائق أَو لأَب وَأَرْبع لأم وجدتان لِلزَّوْجَاتِ الرّبع وللأخوات الثُّلُثَانِ وَالرّبع من أَرْبَعَة وَالثُّلُثَانِ من ثَلَاثَة وهما متباينان فَتضْرب أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِاثْنَيْ عشر لِلزَّوْجَاتِ ربعهَا ثَلَاثَة وللأختين ثلثاها ثَمَانِيَة وللإخوة للْأُم ثلثهَا أَرْبَعَة، وللجدتين سدسها اثْنَان ومجموع ذَلِك سَبْعَة عشر، وَقد انْتقصَ لكل وَارِث خَمْسَة أَجزَاء من سَبْعَة عشر، فَإِذا كَانَت التَّرِكَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة سَبْعَة عشر دِينَارا فَلِكُل وَاحِدَة دِينَار وَتسَمى أم الأرامل والدينارية الصُّغْرَى، وتعول الْأَرْبَعَة وَالْعشْرُونَ لسبعة وَعشْرين فَقَط بِمثل ثمنهَا كَزَوْجَة وأبوين وابنتين وَهِي المنبرية، وَقد انْتقصَ لكل وَارِث تسع مَا بِيَدِهِ، وَإِنَّمَا سميت بذلك لِأَن عليا رَضِي الله عَنهُ سُئِلَ عَنْهَا وَهُوَ على الْمِنْبَر فَقَالَ: صَار ثمنهَا تسعا وَمضى على خطبَته الَّتِي أَولهَا: الْحَمد لله الَّذِي يحكم بِالْحَقِّ قطعا الَّذِي يَجْزِي كل نفس تسْعَى وَإِلَيْهِ الْمعَاد والرجعى فَقيل لَهُ: زَوْجَة وأبوان وابنتان فَقَالَ: صَار ثمنهَا تسعا الخ. وَجَاءَت إِلَيْهِ امْرَأَة فَقَالَت: أخي توفّي وَخلف سِتّمائَة دِينَار فَأعْطيت مِنْهَا دِينَارا وَاحِدًا فَقَالَ لَهَا: أَخُوك توفّي عَن زَوْجَتَيْنِ وابنتين وَأم واثني عشر أَخا وَأَنت؟ فَقَالَت: نعم. فَقَالَ: هُوَ حَقك. وَتسَمى هَذِه بالدينارية الْكُبْرَى، فَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يفهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 664 على البديهة مَا لَا يفهمهُ المتبحر فِي الْعُلُوم لما رزقه الله من غزارة الْعلم وَركب فِيهِ من قُوَّة الْفَهم. وَالرّبْعُ كالثُّلْث وكالثُّلْثَيْنِ تَعْدمُهُ فرِيضةٌ مِثْلَيْنِ (وَالرّبع) مُبْتَدأ (كالثلث) حَال (وكالثلثين) مَعْطُوف عَلَيْهِ (تعدمه) أَي مَا ذكر (فَرِيضَة) فَاعل وَالْجُمْلَة خبر (مثلين) حَال. وَالتَّقْدِير أَن الرّبع حَال كَونه مماثلاً للثلث والثلثين تعدمهم الْفَرِيضَة حَال كَونهمَا مثلين فِيهَا فَلَا يُوجد فَرِيضَة فِيهَا ربعان، لِأَن الرّبع إِنَّمَا هُوَ للزَّوْج مَعَ الْوَلَد أَو الزَّوْجَة مَعَ فَقده، وَلَا يجْتَمع فِي فَرِيضَة زوج وَزَوْجَة، وَكَذَا لَا يجْتَمع فِي فَرِيضَة ثلث وَثلث لِأَنَّهُ إِنَّمَا يكون للإخوة للْأُم أَو للْأُم عِنْد فقد الْإِخْوَة، وَأما الْجد فَهُوَ وَإِن كَانَ يَأْخُذهُ فِي بعض الْأَحْوَال فَهُوَ إِنَّمَا يَأْخُذهُ لكَونه أحظى لَهُ لكَونه فرضا كَمَا مر قَرِيبا، وعَلى تَقْدِير كَونه يَأْخُذهُ فرضا على مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم، فَلَيْسَ فِي فريضته ثلث آخر لِأَن الْإِخْوَة للْأُم يحجبهم الْجد وَالأُم لَا تَرث الثُّلُث مَعَ تعدد الْإِخْوَة، وَهُوَ إِنَّمَا يَأْخُذهُ مَعَ تعددهم كَمَا مر، وَكَذَا الثُّلُثَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ مَعَ ثلثين آخَرين فِي فَرِيضَة أبدا لِأَن الثُّلثَيْنِ لذِي النّصْف إِن تعدد وَهُوَ البنتان أَو بِنْتا الابْن فِي عدمهَا أَو الْأُخْتَيْنِ الشقيقتين أَو اللَّتَيْنِ للْأَب فِي عدم الشقيقتين وَرُبمَا وجدت بنتان لم يبْق لبنتي الابْن إِلَّا ثلث، فَإِن كَانَ مَعَهُمَا ذكر فِي درجتهما أَو أَسْفَل مِنْهُمَا عصبهما فِيهِ، وإلاَّ كَانَ للأختين بِالتَّعْصِيبِ، وَكَذَا بِنْتا الابْن مَعَ الْأَخَوَات يَرث الْأَخَوَات مَا فضل عَنْهُمَا بِالتَّعْصِيبِ كَمَا مر. وَثُمنٌ بالربْعِ غيرُ مُلْتَقِي وَغَيْرُ ذَاكَ مُطْلَقاً قد يَلْتقِي (وَثمن بِالربعِ غير ملتقي) لِأَن الثّمن إِنَّمَا هُوَ للزَّوْجَة مَعَ الْوَلَد فَإِن كَانَ لَهَا ربع مَعَ فَقده فَلَا ثمن، وَإِن كَانَ الرّبع للزَّوْج مَعَ الْوَلَد فَلَيْسَ هُنَاكَ زَوْجَة (وَغير ذَاك) الْمَذْكُور من الْأَجْزَاء (مُطلقًا) من غير تَقْيِيد (قد يلتقي) فالنصف يلتقي مَعَ الْجَمِيع، فيلتقي مَعَ الثُّلُث وَالسُّدُس فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 665 زوج وَأم وَأَخ لأم وَتسَمى فَرِيضَة عادلة كَمَا مر، ويلتقي مَعَ الرّبع وَالثمن فِي بنت وَزوج أَو بنت وَزَوْجَة وَأَخ وَتسَمى فَرِيضَة نَاقِصَة لنُقْصَان سهامها عَن أُصُولهَا، لِأَن العاصب لَيْسَ من أهل السِّهَام، ويلتقي أَيْضا مَعَ الثُّلثَيْنِ كَزَوج وأختين ويلتقي الثُّلُث وَالسُّدُس كَأُمّ وَأَخ لَهَا، وَكَذَا الرّبع وَالسُّدُس كَزَوج وَأم وَابْن، وَكَذَا الثّمن وَالسُّدُس كَزَوْجَة وَأم وعاصب وَتسَمى فَرِيضَة نَاقِصَة أَيْضا لنُقْصَان سهامها عَن أُصُولهَا، وَكَذَا يلتقي الثُّلُثَانِ وَالثلث كأختين شقيقتين وأخوين لأم، وَهِي عادلة، وَكَذَا الثُّلُثَانِ وَالسُّدُس كبنتين وَأم وَهِي نَاقِصَة، وَكَذَا الثُّلُثَانِ وَالثمن كبنتين وَزَوْجَة وَهِي نَاقِصَة أَيْضا، وَأما الثّمن وَالثلث فَلَا يَلْتَقِيَانِ خلاف ظَاهر كَلَامه لِأَن الثّمن فرض الزَّوْجَة مَعَ الْوَلَد فَقَط، وَحِينَئِذٍ فالأم إِنَّمَا لَهَا السُّدس كالجد وَلَا شَيْء للإخوة للْأُم لسقوطهم وَالثلث إِنَّمَا هُوَ فرض هَؤُلَاءِ، وَقد علمت أَن النَّاقِصَة هِيَ مَحل التَّعْصِيب، وَأما العادلة والعائلة المتقدمتان فَلَا تعصيب فيهمَا. وَلما قدم الْكَلَام على الْأُصُول البسائط تكلم على المركبة فَقَالَ: وَالأَصْلُ بالتركيبِ ضِعْفُ سِتَّهْ وَضِعْفُهَا لَا غَيْرُ ذَين البَتَّهْ (وَالْأَصْل بالتركيب ضعف سِتَّة) وَهُوَ اثْنَا عشر وَلَا يُصَار إِلَيْهَا إِلَّا إِذا كَانَ فِي الْمَسْأَلَة فرضان متباينان كربع وَثلث فِي زوج وَأم، فمقام الرّبع من أَرْبَعَة وَالثلث من ثَلَاثَة، وهما متباينان فَتضْرب أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِاثْنَيْ عشر وكربع وَسدس فِي زوج وَأم وَابْن (خَ) : وَالرّبع وَالثلث أَو السُّدس من اثْنَي عشر (وضعفها) أَي ضعف ضعف السِّتَّة وَهُوَ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ وَهُوَ أصل لكل فَرِيضَة فِيهَا ثمن وَسدس كَزَوْجَة وَأم وَابْن أَو ثمن وَثُلُثَانِ كَزَوْجَة وابنتين وعاصب (خَ) : وَالثمن وَالسُّدُس أَو الثُّلُث من أَرْبَعَة وَعشْرين الخ. وَصَوَابه أَو الثُّلُثَانِ لما مّر من الثّمن وَالثلث لَا يَجْتَمِعَانِ (لَا غير ذين) العددين مَوْجُود فِي الْأُصُول المركبة (أَلْبَتَّة) أَي قطعا خلافًا لإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالنَّوَوِيّ، وَمن وافقهما من الْمُحَقِّقين حَيْثُ زادوا فِي اجْتِمَاع الْجد وَالإِخْوَة مَعَ ذَوي الْفُرُوض أصلين آخَرين، وهما ثَمَانِيَة عشر وضعفها سِتَّة وَثَلَاثُونَ مِثَال الأول: أم وجد وَخَمْسَة إخْوَة لغير أم فللأم السُّدس من سِتَّة وَالْبَاقِي خَمْسَة الْأَفْضَل للْجدّ فِيهَا ثلث الْبَاقِي وَلَا ثلث لَهَا، فَتضْرب الْمَسْأَلَة فِي ثَلَاثَة مقَام الثُّلُث بِثمَانِيَة عشر وَمِثَال الثَّانِي أم وَزَوْجَة وجد وَسَبْعَة إخْوَة أَصْلهَا من اثْنَي عشر للْأُم سدسها وللزوجة ربعهَا تبقى سَبْعَة الْأَفْضَل للْجدّ ثلث مَا بَقِي وَلَا ثلث لَهَا فَتضْرب الثَّلَاثَة فِي أصل الْمَسْأَلَة بست وَثَلَاثِينَ. وَاعْلَم أَن الْعدَد الَّذِي تصح مِنْهُ الْفَرِيضَة تَارَة ينظر إِلَيْهِ من حَيْثُ اتِّحَاد الْفُرُوض وتعدادها، وَتارَة ينظر إِلَيْهِ من حَيْثُ اتِّحَاد رُؤُوس مستحقي السِّهَام وتعدادها، فالنظر الأول يُسمى أصلا وَالنَّظَر الثَّانِي يُسمى فرعا وتصحيحاً، وَلِهَذَا وَقع الْخلاف فِي الثَّمَانِية عشر وضعفها، فَرَأى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 666 الْجُمْهُور أَنَّهُمَا تَصْحِيح نَشأ من أصل السِّتَّة وضعفها، فالضرب فِي ثَلَاثَة إِنَّمَا هُوَ لأجل الانكسار الْوَاقِع فِي السهْم، ورأي الْأَقَل أَنَّهُمَا تأصيل، وَاحْتَجُّوا بِمَا إِذا كَانَ فِي الْفَرِيضَة زوج وأبوان فَإِن مَذْهَب الْجُمْهُور فِيهَا أَن أَصْلهَا من سِتَّة لأَنهم احتاجوا إِلَى عدد يَصح نصفه وَثلث مَا بَقِي فَقَالَ: لَهُم الْأَقَل كَذَلِك الفريضتان احتجتا فيهمَا إِلَى عدد يَصح سدسه وَثلث مَا بَقِي، وَإِلَى عدد يَصح سدسه وربعه وَثلث مَا بَقِي وإلاَّ لزمكم فِي زوج وأبوين إِن أَصْلهَا من اثْنَيْنِ وتبلغ سِتَّة لأجل الانكسار، وَتظهر ثَمَرَة الْخلاف فِيمَن أوصى بِجُزْء أَو سهم من مَاله، فَإِن الحكم أَن الْمُوصى لَهُ يعْطى جُزْءا من أصل فَرِيضَة الْمُوصي كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْوَصِيَّة: وبجزء أَو سهم فيسهم من فريضته، فعلى الأول يَأْخُذ الْمُوصى لَهُ وَاحِدًا من سِتَّة أَو ضعفها فِي هَاتين الفريضتين، وعَلى الثَّانِي يَأْخُذ وَاحِدًا من ثَمَانِيَة عشر أَو ضعفها، وَكَذَا تظهر فِيمَا إِذا بَاعَ أحد الْأُخوة حَظه من ربع ورثوه، فَإِذا قُلْنَا إِن الْجد يَأْخُذ ثلث مَا بَقِي بِالْفَرْضِ كَمَا هُوَ مَذْهَب الْأَقَل فَإِنَّهُ على قَول أَشهب: لَا دُخُول للْجدّ مَعَ بَاقِي الْإِخْوَة فِي الشُّفْعَة لِأَنَّهُ ذُو سهم، وَلَا دُخُول لذِي سهم على الْعصبَة على قَوْله: وَإِن قُلْنَا إِنَّه يَرِثهُ بِالتَّعْصِيبِ، وَمَعْنَاهُ أَن مَا فضل عَن ذَوي الْفُرُوض يَأْخُذ الْجد والأخوة بِالتَّعْصِيبِ للْجدّ ثلثه وللأخوة مَا بَقِي، فالجد حِينَئِذٍ عاصب فَيدْخل عَلَيْهِم ويدخلون عَلَيْهِ. تَنْبِيه: تكلم النَّاظِم على أصُول الْمسَائِل. وَمَا يعول مِنْهَا وَبَقِي عَلَيْهِ كَيْفيَّة تَصْحِيح الْمسَائِل وَاعْلَم أَن الْمَسْأَلَة إِذا انقسمت سهامها على الْوَرَثَة كَزَوج وَثَلَاثَة بَنِينَ فَالْأَمْر وَاضح، وَإِن لم تَنْقَسِم وانكسرت فإمَّا على صنف أَو أَكثر، فَفِي الأول ينظر بَين عدد السِّهَام وَعدد رُؤُوس الصِّنْف الْمُسْتَحق لَهَا بالتباين والتوافق فَقَط، فَإِن توافقا رددت الرؤوس إِلَى وفقها وضربتها فِي أصل الْمَسْأَلَة كأربع بَنَات وَأُخْت الْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة: للبنات سَهْمَان لَا ينقسمان عَلَيْهِنَّ لَكِن يتوافقان مَعَ رؤوسهن بِالنِّصْفِ فَترد الرؤوس إِلَى وفقها وتضربها فِي ثَلَاثَة بِسِتَّة ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من أصل الْمَسْأَلَة وَهُوَ ثَلَاثَة أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة وَهُوَ اثْنَان، فللبنات اثْنَان مضروبان فِي اثْنَيْنِ بأَرْبعَة، وَللْأُخْت وَاحِد فِي اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ، وَلَو ضربنا عدد الرؤوس فِي أصل الْمَسْأَلَة من غير ردهَا إِلَى وفقها لحصل الْمَطْلُوب، وَلَكِن الْمَقْصُود الِاخْتِصَار، فَلذَلِك كَانَ إِخْرَاج الْمَسْأَلَة من الْعدَد الْكثير مَعَ إِمْكَان إخْرَاجهَا من الْقَلِيل مذموماً عِنْد الفراض، وَمِثَال آخر زَوْجَة وَسِتَّة إخْوَة لغير أم أَصْلهَا من أَرْبَعَة للإخوة ثَلَاثَة لَا تَنْقَسِم عَلَيْهِم، وَلَكِن توافقهم بِالثُّلثِ فَتضْرب ثلثهم وَهُوَ اثْنَان فِي أَرْبَعَة بِثمَانِيَة، وَهَذَا فِي غير العائلة، وَكَذَا إِن كَانَت عائلة كَأُمّ وثمان أَخَوَات لغير أم وأخوين لأم أَصْلهَا من سِتَّة، وتعول إِلَى سَبْعَة للْأُم وَاحِد وللأخوات أَرْبَعَة لَا تَنْقَسِم عَلَيْهِنَّ، وَلَكِن توَافق رؤوسهن بِالربعِ فَتضْرب وفْق رؤوسهن وَهُوَ اثْنَان فِي الْمَسْأَلَة بعولها بأَرْبعَة عشر، ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من سَبْعَة أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة وَهُوَ اثْنَان فللأم وَاحِد فِي اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ، وللأخوين لَهما اثْنَان فِي اثْنَيْنِ بأَرْبعَة، وللأخوات الثمنان أَرْبَعَة فِي اثْنَيْنِ بِثمَانِيَة وَاحِد لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ، وَإِن لم يكن توَافق بَين رُؤُوس الصِّنْف وسهامه بل تباينا فَاضْرب عدد الرؤوس فِي أصل الْمَسْأَلَة. ومثاله: كَبِنْت وَثَلَاث أَخَوَات لغير أم فأصلها من اثْنَيْنِ للْبِنْت سهم وللأخوات الثَّلَاث سهم لَا يَنْقَسِم عَلَيْهِنَّ وَلَا يُوَافق رؤوسهن فَتضْرب الثَّلَاثَة عدد الرؤوس فِي اثْنَيْنِ بِسِتَّة ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من اثْنَيْنِ أَخذه مَضْرُوبا فِي ثَلَاثَة كَمَا مر، وَكَذَا إِذا كَانَت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 667 عائلة فَإنَّك تضرب عدد الرؤوس فِي أصل الْمَسْأَلَة بعولها. ومثاله: أَربع زَوْجَات وَأَرْبع بَنَات وأبوان فأصلها بالعول من سَبْعَة وَعشْرين، وَسَهْم الزَّوْجَات منكسر عَلَيْهِنَّ مباين لرؤوسهن فَتضْرب عددهن فِي الْمَسْأَلَة بعولها بِمِائَة وَثَمَانِية ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من الْمَسْأَلَة أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة وَهُوَ أَرْبَعَة. هَذَا كُله إِذا انْكَسَرت السِّهَام على صنف وَاحِد، وَأما إِن انْكَسَرت على صنفين فَإنَّك تنظر بَين كل صنف وسهامه بالنظرين الْمُتَقَدِّمين، وهما التوافق والتباين، فَمَا باين سهامه أثبت جملَته، وَمَا وافقها أثبت وَفقه. وَهَذَا الْمُثبت يُسمى فِي الِاصْطِلَاح بالراجع. ثمَّ هَذَانِ المثبتان لَا يَخْلُو حَالهمَا من أَرْبَعَة أوجه: إِمَّا أَن يتماثلا أَو يتداخلا أَو يتوافقا أَو يتباينا، فَإِن تماثلا فَإِنَّهُ يُؤْخَذ أحد الراجعين وَيضْرب فِي الْمَسْأَلَة على مَا هِيَ عَلَيْهِ من عول وَعَدَمه، ثمَّ التَّمَاثُل فِيهِ ثَلَاث صور لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يحصل مَعَ مُوَافقَة كل من الصِّنْفَيْنِ لسهامه، أَو مَعَ مباينة كل مِنْهُمَا لسهامه، أَو مَعَ مباينة أَحدهمَا وموافقة الآخر. وَهَذِه الصُّور الثَّلَاث تجْرِي أَيْضا فِيمَا إِذا تدَاخل الراجعان أَو توافقا أَو تباينا مِثَال التَّمَاثُل مَعَ مُوَافقَة كل صنف سهامه: أم وَأَرْبَعَة إخْوَة لأم وَسِتَّة لأَب أَصْلهَا من سِتَّة لأم وَاحِد ولأولادها الْأَرْبَعَة سَهْمَان لَا ينقسمان عَلَيْهِم، لَكِن يتوافقان بِالنِّصْفِ فَترد الْأَرْبَعَة إِلَى اثْنَيْنِ وللإخوة للْأَب ثَلَاثَة لَا تَنْقَسِم عَلَيْهِم، لَكِنَّهَا توافقهم بِالثُّلثِ فتردهم إِلَى إثنين أَيْضا، فراجع الْإِخْوَة للْأُم وَالإِخْوَة للْأَب بَينهمَا تماثل، فتكتفي بِأحد المثلين وتضربه فِي الْمَسْأَلَة بِاثْنَيْ عشر، وَمن لَهُ من شَيْء من أصل الْمَسْأَلَة أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة وَهُوَ اثْنَان. ومثاله مَعَ مباينة أَحدهمَا وموافقة الآخر وَسِتَّة أخوة لأم وَثَلَاث أَخَوَات لأَب أَصْلهَا من سِتَّة وتعول لسبعة للْأُم وَاحِد ولأولادها اثْنَان لَا ينقسمان عَلَيْهِم، وَلَكِن يتوافقان بِالنِّصْفِ فَترد السِّتَّة إِلَى ثَلَاثَة وَالْأَخَوَات للْأَب أَرْبَعَة مباينة لَهُنَّ، فَتثبت عدد رؤوسهن وَبَين رؤوسهن وراجع السِّتَّة التَّمَاثُل، فتكتفي بِأَحَدِهِمَا وتضربه فِي الْمَسْأَلَة بعولها بِأحد وَعشْرين، وَمن لَهُ شَيْء من أَصْلهَا أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ وَهُوَ ثَلَاثَة. ومثاله: مَعَ مباينة كل مِنْهُمَا لسهامه أم وَسَبْعَة إخْوَة لَهَا وَسَبْعَة أَخَوَات لأَب أَصْلهَا من سِتَّة، وتعول لسبعة للْأُم وَاحِد ولأولادها اثْنَان مباينان لرؤوسهم فَتثبت عدد رؤوسهم وللأخوات للْأَب أَرْبَعَة مباينة لَهُنَّ فَتثبت عدد رؤوسهن، وَبَين المثبتين التَّمَاثُل فتكتفي بِأَحَدِهِمَا وتضربه فِي الْمَسْأَلَة بعولها بِتِسْعَة وَأَرْبَعين، وَمن لَهُ شَيْء من الْمَسْأَلَة أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ وَهُوَ سَبْعَة فللأم وَاحِد فِي سَبْعَة بسبعة، وللإخوة لَهَا اثْنَان فِي سَبْعَة بأَرْبعَة عشر اثْنَان لكل وَاحِد، وللأخوات للْأَب أَرْبَعَة فِي سَبْعَة بِثمَانِيَة وَعشر وَأَرْبَعَة لكل وَاحِد مِنْهُنَّ، وَأما إِن تدَاخل الراجعان فَإنَّك تكتفي بِالْأَكْثَرِ وتضربه فِي أصل الْمَسْأَلَة على مَا هِيَ عَلَيْهِ من عول وَغَيره، وَفِيه ثَلَاث صور أَيْضا كَمَا مر فِي التَّمَاثُل مِثَاله مَعَ مُوَافقَة كل صنف سهامه أم وَثَمَانِية أخوة لَهَا وَسِتَّة لأَب أَصْلهَا من سِتَّة للْأُم وَاحِد وللإخوة للْأُم اثْنَان منكسران عَلَيْهِم، لَكِن يتوافقان بِالنِّصْفِ فَترد رؤوسهم إِلَى أَرْبَعَة وَيبقى للإخوة للْأَب ثَلَاثَة منكسرة، وتوافقهم بِالثُّلثِ فَترد رؤوسهم إِلَى اثْنَيْنِ، فالراجعان هُنَا أَرْبَعَة وَاثْنَانِ والأصغر دَاخل فِي الْأَكْبَر فتكتفي بِهِ، وتضربه فِي أصل الْمَسْأَلَة بأَرْبعَة وَعشْرين، وَمن لَهُ شَيْء من الأَصْل أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة. وَمثله: مَعَ مباينة كل صنف سهامه زوجتان وَبنت وَأَرْبَعَة إخْوَة لأَب أَصْلهَا من ثَمَانِيَة للزوجين وَاحِد منكسر مباين فَتثبت رأسيهما، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 668 وللبنت أَرْبَعَة، وللإخوة ثَلَاثَة منكسرة مباينة أَيْضا، فَتثبت رؤوسهم فالمثبتان هُنَا أَرْبَعَة وَاثْنَانِ، فتكتفي بالأكبر وتضربه فِي أصل الْمَسْأَلَة. ومثاله مَعَ مباينة أَحدهمَا وموافقة الآخر أم وَسِتَّة إخْوَة لَهَا وتسع أَخَوَات لأَب أَصْلهَا من سِتَّة وتعول لسبعة للْأُم وَاحِد ولأولادها اثْنَان توَافق عَددهمْ بِالنِّصْفِ فَترد عَددهمْ إِلَى ثَلَاثَة، وللأخوات أَرْبَعَة مباينة لَهُنَّ فَتثبت عددهن، فالثلاثة وفْق الْإِخْوَة للْأُم دَاخِلَة فِي تِسْعَة عدد الْأَخَوَات فتكتفي بالأكبر وتضربه فِي الْمَسْأَلَة بعولها، وَأما إِن توَافق الراجعان فَإنَّك تضرب وفْق أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر، ثمَّ الْخَارِج فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 669 أصل الْمَسْأَلَة وَفِيه ثَلَاث صور أَيْضا مِثَاله: مَعَ مُوَافقَة كل صنف سهامه أم وَثَمَانِية إخْوَة لَهَا وَثَمَانِية عشر أَخا لأَب أَصْلهَا من سِتَّة للْأُم وَاحِد وللإخوة لَهَا اثْنَان منكسرة مُوَافقَة بِالنِّصْفِ فَترد عَددهمْ إِلَى أَرْبَعَة وَيبقى للإخوة للْأَب ثَلَاثَة منكسرة مُوَافقَة لَهُم بِالثُّلثِ، فَترد عَددهمْ إِلَى سِتَّة، فالراجعان أَرْبَعَة وَسِتَّة، وهما متوافقان بِالنِّصْفِ فَتضْرب وفْق أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِاثْنَيْ عشر، ثمَّ تضرب هَذَا الْخَارِج فِي أصل الْمَسْأَلَة بِاثْنَيْنِ وَسبعين، ومثاله: مَعَ مباينة كل صنف سهامه تسع بَنَات وَسِتَّة إخْوَة لأَب أَصْلهَا من ثَلَاثَة للبنات اثْنَان متباينان فَتثبت عددهن وللإخوة للْأَب وَاحِد مباين أَيْضا فَتثبت عَددهمْ فالمثبتان هُنَا تِسْعَة وَسِتَّة، وهما متوافقان بِالثُّلثِ فَتضْرب وفْق أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِثمَانِيَة عشر، ثمَّ الْخَارِج فِي أصل الْمَسْأَلَة بأَرْبعَة وَخمسين، ومثاله: مَعَ مُوَافقَة أَحدهمَا ومباينة الآخر أم وَاثنا عشر أَخا لأم وتسع أَخَوَات لأَب أَصْلهَا من سِتَّة، وتعول إِلَى سَبْعَة فنصيب الْإِخْوَة للْأُم اثْنَان موافقان لَهُم بِالنِّصْفِ فتردهم إِلَى سِتَّة، وللأخوات أَرْبَعَة مباينة فَتثبت عددهن، فالراجعان هُنَا سِتَّة وَتِسْعَة وهما متوافقان بِالثُّلثِ، فَتضْرب وفْق أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِثمَانِيَة عشر، ثمَّ الْخَارِج فِي الْمَسْأَلَة بعولها بست وَعشْرين وَمِائَة، وَأما إِن تبَاين الراجعان فَإنَّك تضرب الْكَامِل فِي الْكَامِل، ثمَّ الْخَارِج فِي الْمَسْأَلَة وَفِيه ثَلَاث صور أَيْضا. مِثَاله: مَعَ مُوَافقَة كل صنف سهامه أم وَأَرْبَعَة إخْوَة لأم وست أَخَوَات لغَيْرهَا أَصْلهَا من سِتَّة. وتعول إِلَى سَبْعَة للْأُم وَاحِد ولأولادها اثْنَان منكسران موافقان بالإنصاف فَترد الْأَرْبَعَة إِلَى اثْنَيْنِ وللأخوات أَرْبَعَة مُوَافقَة فتردهن إِلَى ثَلَاثَة، فالراجعان اثْنَان وَثَلَاثَة وهما متباينان، فَتضْرب أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِسِتَّة، ثمَّ هِيَ فِي الْمَسْأَلَة بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعين، ومثاله: مَعَ مباينة كل صنف سهامه ثَلَاث زَوْجَات وعاصبان أَصْلهَا من أَرْبَعَة لِلزَّوْجَاتِ وَاحِد منكسر مباين، فَتثبت عددهن وللعاصبين ثَلَاثَة مباينة لَهَا، فَتثبت عَددهَا أَيْضا فالراجعان ثَلَاثَة وَاثْنَانِ وهما متباينان، فَتضْرب الْكل فِي الْكل بِسِتَّة، ثمَّ الْخَارِج فِي الْمَسْأَلَة بأَرْبعَة وَعشْرين. ومثاله: مَعَ مباينة أَحدهمَا وموافقة الآخر أَربع أَخَوَات لغير أم وَثَلَاث أَخَوَات لأم أَصْلهَا من ثَلَاثَة للأخوات اثْنَان موافقان لَهُنَّ بِالنِّصْفِ فتردهن إِلَى اثْنَيْنِ وللإخوة للْأُم وَاحِد مباين لَهُم، فَتثبت عَددهمْ فالراجعان اثْنَان وَثَلَاثَة وهما متباينان، فَتضْرب الْكل فِي الْكل بِسِتَّة، ثمَّ الْخَارِج فِي الْمَسْأَلَة بِثمَانِيَة عشر، هَذَا كُله إِذا انْكَسَرت السِّهَام على صنفين، وَأما إِن انْكَسَرت على ثَلَاثَة أَصْنَاف وَهِي غَايَة الانكسار فَإنَّك تنظر أَولا بَين كل صنف وسهامه بنظرين فَقَط الْمُوَافقَة والمباينة فَإِن وافقته سهامه فَأثْبت وفْق رؤوسه، ثمَّ انْظُر بَين رَاجع صنفين مِنْهَا بأَرْبعَة أنظار بالموافقة والمباينة والمداخلة والمماثلة، فَإِن باينت ضربت أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر، وَنظرت بَينه وَبَين رَاجع الصِّنْف الثَّالِث بالوجوه الْأَرْبَعَة أَيْضا. فَإِن توافقا ضربت وفْق أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر، ثمَّ الْخَارِج فِي الْمَسْأَلَة وَإِن تباينا ضربت الْكل فِي الْكل، ثمَّ الْخَارِج فِي أصل الْمَسْأَلَة وَإِن تداخلا اكتفيت بالأكبر وضربته فِي الْمَسْأَلَة وَإِن تماثلا اكتفيت بِأَحَدِهِمَا وضربته فِي الْمَسْأَلَة أَيْضا. مِثَال تماثل الرواجع أَربع زَوْجَات وَسِتَّة عشر أَخا لأم وَأَرْبَعَة عصبَة أَصْلهَا من اثْنَي عشر لِلزَّوْجَاتِ ثَلَاثَة مباينة لَهُنَّ، فَتثبت عددهن وللإخوة أَرْبَعَة مُوَافقَة لَهُم بِالربعِ فَترد عَددهمْ إِلَى أَرْبَعَة، فَإِذا نظرت بَين رَاجع هذَيْن الصِّنْفَيْنِ بالوجوه الْأَرْبَعَة وجدت بَينهمَا التَّمَاثُل فتكتفي بِأحد المثلين وَتنظر بَينه وَبَين رَاجع الصِّنْف الثَّالِث وهم الْعصبَة بالوجوه الْأَرْبَعَة أَيْضا، فتجد راجعهم أَرْبَعَة أَيْضا لمباينة سِهَامهمْ لرؤوسهم، فالراجع حِينَئِذٍ أَرْبَعَة وَأَرْبَعَة وَأَرْبَعَة وَكلهَا متماثلة، فتكتفي بأحدها وتضربه فِي اثْنَي عشر بِثمَانِيَة وَأَرْبَعين، وَمن لَهُ شَيْء أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة، ليَكُون لكل زَوْجَة ثَلَاثَة، وَلكُل أَخ وَاحِد، وَلكُل عاصب خَمْسَة. وَمِثَال التَّدَاخُل زوجتان وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ أُخْتا لأَب، وَثَمَانِية أعمام فأصلها من اثْنَي عشر، للزوجتين ثَلَاثَة مباينة لَهُنَّ فَتثبت عددهن وَهُوَ اثْنَان، وللأخوات ثَمَانِيَة مُوَافقَة لَهُنَّ بِالثّمن فتردهن إِلَى أَرْبَعَة، ثمَّ انْظُر هذَيْن الراجعين بالوجوه الْأَرْبَعَة فتجد الِاثْنَيْنِ داخلين فِي الْأَرْبَعَة، فتكتفي بهَا وَتنظر بَينهَا وَبَين رَاجع الْأَعْمَام الَّذِي هُوَ ثَمَانِيَة لمباينتهم لسهمهم بالوجوه الْأَرْبَعَة أَيْضا، فتجد بَينهمَا التَّدَاخُل لِأَن الْأَرْبَعَة دَاخِلَة فِي الثَّمَانِية فتكتفي بالثمانية وتضربها فِي أصل الْمَسْأَلَة بِسِتَّة وَتِسْعين، وَمِثَال التوافق أَربع زَوْجَات وَثَمَانِية وَأَرْبَعُونَ أُخْتا لأَب وَعشرَة أعمام، فأصلها من اثْنَي عشر لِلزَّوْجَاتِ ثَلَاثَة مباينة، فَتثبت عددهن أَرْبَعَة وللأخوات ثَمَانِيَة مُوَافقَة لَهُنَّ بِالثّمن، فتردهن إِلَى وفقهن وَهُوَ سِتَّة، وَإِذا نظرت بَين هذَيْن الراجعين بالوجوه الْأَرْبَعَة وجدت بَينهمَا التوافق بِالنِّصْفِ فَتضْرب نصف أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِاثْنَيْ عشر. ثمَّ انْظُر بَين هَذَا الْخَارِج وَبَين رَاجع الْأَعْمَام الَّذِي هُوَ عشرَة لمباينتهم لسهمهم بالوجوه الْأَرْبَعَة أَيْضا، فتجد بَينهمَا التوافق بِالنِّصْفِ أَيْضا، فَاضْرب نصف الاثْنَي عشر وَهُوَ سِتَّة فِي عشرَة بستين، ثمَّ السِّتين فِي أصل الْمَسْأَلَة بِعشْرين وَسَبْعمائة لكل زَوْجَة خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ، وَلكُل أُخْت عشرَة، وَلكُل عَم سِتَّة. وَمِثَال تبَاين الرواجع زوجتان وَثَلَاث أَخَوَات لأَب وَخَمْسَة أعمام، فأصلها من اثْنَي عشر للزوجتين ثَلَاثَة مباينة فَتثبت عددهما، للأخوات للْأَب ثَمَانِيَة مباينة، فَتثبت عددهن، وَإِذا نظرت بَين هذَيْن الراجعين بالوجوه الْأَرْبَعَة وجدت التباين، فَاضْرب أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِسِتَّة، وَانْظُر بَين السِّتَّة الْخَارِجَة بِالضَّرْبِ، وراجع الْأَعْمَام الَّذِي هُوَ خَمْسَة لمباينتهم لسهمهم بالوجوه الْمَذْكُورَة فتجد بَينهمَا التباين أَيْضا، فَاضْرب أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِثَلَاثِينَ، ثمَّ الثَّلَاثِينَ فِي اثْنَي عشر الَّتِي هِيَ أصل الْمَسْأَلَة بستين وثلاثمائة، وَمن لَهُ شَيْء من أَصْلهَا أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة وَهُوَ ثَلَاثُونَ، فَيكون لكل زَوْجَة خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ، وَلكُل أُخْت ثَمَانُون وَلكُل عَم سِتَّة. (فصل فِي ذكر حجب الْإِسْقَاط) تقدم فِي فصل أَحْوَال الْمِيرَاث أَن الْوَارِثين على ثَلَاثَة أَقسَام: من لَا يحجب أبدا، وَمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 670 يحجب فَلَا يَرث شَيْئا وَهُوَ حجب الْإِسْقَاط، وَمن يحجب عَن كَثْرَة الْمِيرَاث إِلَى قلته وَيُسمى حجب نقل وحجب نقص، وَتكلم هُنَا على أَعْيَان كل قسم، فَأَشَارَ للثَّالِث بِالْفَصْلِ بعد هَذَا وللأولين بقوله: وَلا سقوطَ لأَبٍ وَلَا وَلَدْ وَلَا لزوجين وَلَا أُمَ فَقَدْ (وَلَا سُقُوط لأَب) دنية بل وَإِن علا (وَلَا ولد) وَإِن سفل (وَلَا) سُقُوط أَيْضا (لزوجين وَلَا أم فقد) أَي فَحسب إِلَّا أَن يقوم بِوَاحِد مِمَّن ذكر مَانع من كفر أَو رق أَو قتل عمدا كَمَا يَأْتِي فِي مَوَانِع الْمِيرَاث. وَالجدُّ يحْجُبُهُ الأَدْنى والأَبُ كَذَا ابْنَ الأبْنَاءِ بالأَعْلَى يُحْجَبُ (و) لَكِن (الْجد) الْأَعْلَى (يَحْجُبهُ) الْجد (الْأَدْنَى) مِنْهُ فَلَا يَرث مَعَه شَيْئا (و) يَحْجُبهُ أَيْضا (الْأَب) فَلَا يَرث مَعَه شَيْئا، وكما يحجب الْجد بِالْأَبِ وبالجد الْأَدْنَى مِنْهُ (كَذَا ابْن الْأَبْنَاء) الْأَسْفَل (بالأعلى) مِنْهُ من ابْن أَو ابْن ابْن (يحجب) فَلَا يَرث مَعَ الْأَعْلَى شَيْئا. وَبأبٍ وابْنٍ وبابن ابنِ حُجِبْ إخْوَةُ مَنْ ماتَ فَلَا شيءَ يَجِبْ (وبأب وَابْن وبابن ابْن حجب إخْوَة من مَاتَ) أشقاء كَانُوا أَو لأَب أَو لأم (فَلَا شَيْء يجب) لوَاحِد مِنْهُم مَعَ وجود من ذكر. كَذَا بنُو الإخْوَةَ أَيْضا حُجِبُوا بالحدّ وَالإخْوةِ ضَمَّهُم أبُ (كَذَا بَنو الْإِخْوَة أَيْضا حجبوا بالجد و) حجبوا أَيْضا ب (الْإِخْوَة) حَال كَونهم (ضمهم أَب) لِأَن الْأَخ للْأَب مقدم على ابْن الْأَخ الشَّقِيق، وَأَحْرَى أَن يقدم الْأَخ الشَّقِيق على ابْن أَخِيه الشَّقِيق أَو لأَب. وَالْجدُّ بالحَجْب لإخوةٍ دَها فِيمَا انتَمَتْ لِمَالِكٍ وشبْهِهَا (وَالْجد بالحجب لإخوة دها) أَي أصَاب يُقَال مَا دهاك أَي مَا أَصَابَك كَمَا فِي الْجَوْهَرِي (فِيمَا) أَي فِي الْفَرِيضَة الَّتِي (انتمت لمَالِك) وَهِي زوج وجد وَأم وَأَخ لأَب وَأَخَوَانِ فصاعد الْأُم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 671 أَصْلهَا من سِتَّة للْأُم وَاحِد وَللزَّوْج ثَلَاثَة وللجد وَاحِد يبْقى وَاحِد. قَالَ مَالك فِي مَشْهُور قَوْله: هُوَ للْجدّ أَيْضا لِأَنَّهُ يَقُول للْأَخ للْأَب: لَو كنت دوني لم يكن لَك شَيْء، وَكَانَ الثُّلُث الْبَاقِي للإخوة للْأُم، وَأَنا حجبتهم فَأَنا أَحَق بنصيبهم، وَقَالَ زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ: إِن السُّدس الْبَاقِي يكون للْأَخ للْأَب لِأَن الْإِخْوَة للْأُم محجوبون، وَوَافَقَهُ مَالك فِي قَوْله الآخر حَسْبَمَا حَكَاهُ ابْن الْعَرَبِيّ والقرطبي فِي تَفْسِيره. وَلما كَانَ الْمَشْهُور عَن مَالك هُوَ الأول قيل: لم يُخَالف مَالك زيدا إِلَّا فِي هَذِه، وَلذَا سميت بالمالكية فَإِن كَانَ مَحل الْأَخ للْأَب أَخ شَقِيق فَهِيَ شبه الْمَالِكِيَّة كَمَا قَالَ: (وَشبههَا) عطف على مَا أَي، وَفِي شبه الْمَالِكِيَّة وَهِي زوج وَأم وجد وَأَخ شَقِيق وَأَخَوَانِ فَأكْثر لأم، فعلى قِيَاس مَشْهُور قَول مَالك: لَا شَيْء للشقيق لِأَن الْجد يَقُول لَهُ: لَو كنت دوني لَكُنْت تشارك الْإِخْوَة للْأُم فِي الثُّلُث الْبَاقِي الذّكر كالأنثى وَهِي الْمُسَمَّاة بالحمارية فَأَنت إِنَّمَا تَرث فِي الحمارية بِالْأُمِّ، وَأَنا أحجب كل من يَرث بِالْأُمِّ فَلَا شَيْء لَك، وَإِنَّمَا سميت بالحمارية حَيْثُ لَا جد فِيهَا لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ قضى فِيهَا أَولا بِأَن لَا شَيْء للشقيق لاستغراق ذَوي الْفُرُوض التَّرِكَة للزَّوْج ثَلَاثَة وَللْأُمّ وَاحِد وللإخوة للْأُم اثْنَان، والشقيق عاصب لم يفضل لَهُ شَيْء، ثمَّ نزلت بِهِ فِي الْعَام الْقَابِل فاحتج عَلَيْهِ الأشقاء، وَقيل عَليّ رَضِي الله عَنهُ بقَوْلهمْ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا ورثوا بأمهم وَهِي أمنا. هَب أَن أَبَانَا كَانَ حمارا أَو حجرا ملقى فِي اليم أليست الْأُم تجمعنا مَا زادنا الْأَب إِلَّا قرباً فَأَشْركهُمْ فِي الثُّلُث لِاجْتِمَاعِهِمْ فِي الْأُم، وَقَوله: وَشبههَا إِنَّمَا سميت بشبه الْمَالِكِيَّة لِأَن مَالِكًا لم يتَكَلَّم عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا تكلم عَلَيْهَا أَصْحَابه، فَمنهمْ من قاسها على قَول مَالك فِي الْمَالِكِيَّة وَهُوَ الرَّاجِح عِنْد النَّاظِم وَغَيره من شرَّاح (خَ) وَمِنْهُم من قَالَ فِيهَا بقول زيد وَأَن السُّدس الْبَاقِي يكون للشقيق، وَرجحه ابْن يُونُس قَائِلا: الصَّوَاب أَن يكون السُّدس الْبَاقِي فِي الْمَالِكِيَّة، وَشبههَا للأشقاء أَو للَّذين للْأَب، وحجتهم أَن يَقُولُوا: أَنْت لَا تسْتَحقّ شَيْئا من الْمِيرَاث إِلَّا شاركناك فِيهِ فَلَا تحاسبنا بأنك لَو لم تكن لِأَنَّك كَائِن بعد، وَلَو لزم مَا قَالَه الْجد للَزِمَ فِي ابْنَتَيْن وَبنت ابْن وَابْن ابْن أَن لَا تَرث بنت الابْن مَعَ ابْن الابْن شَيْئا، ويحتج بِمثل احتجاج الْجد اه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 672 وَنَحْوه لِابْنِ خروف قَائِلا: وَقَول زيد أجْرى على الْقيَاس وَالْأُصُول قَالَ: وَالْحجّة الْمَذْكُورَة فِي شبه الْمَالِكِيَّة لَا يلْتَفت إِلَيْهَا لأَنهم إِنَّمَا شوركوا مَعَهم حِين ورثوا، فَإِذا سقطوا صَار الْآخرُونَ عصبَة فَجرى عَلَيْهِم حكم الْعصبَة اه. وَقَالَ الطرابلسي: مَا قَالَه زيد هُوَ الصَّحِيح لِأَن المحجوب عَن الْمِيرَاث كَأَنَّهُ لم يكن. تَنْبِيه: إِنَّمَا صوروا الْمَالِكِيَّة وَشبههَا بِتَعَدُّد الْإِخْوَة للْأُم ليتم احتجاج الْجد الَّذِي هُوَ قَوْله: لَو كنت دوني لم تَرث شَيْئا وَهُوَ إِنَّمَا لَا يَرث شَيْئا مَعَ فقدان الْجد إِذا تعدّدت الْإِخْوَة للْأُم، وَأما لَو كَانَ الْأَخ للْأُم وَاحِدًا فَلهُ وَاحِد وَيبقى للْأَخ للْأَب أَو الشَّقِيق وَاحِد، فَلَا يتم الِاحْتِجَاج حِينَئِذٍ، وإلاَّ فالجد يحجب الْأَخ للْأُم وَاحِدًا أَو مُتَعَددًا فَيكون أَحَق بِنَصِيبِهِ فِي الْمَالِكِيَّة وَشبههَا على قَول مَالك: وَابنُ أخٍ بالْحَجْبِ للْعَمِّ وَفَا وَالعمُّ لِابْنِ العمِّ مَا كَانَ كَفَى (وَابْن أَخ) وَلَو لأَب (بالحجب للعم) وَلَو شقيقاً (وفا) أَي جَاءَ فِي الشَّرْع أَن ابْن الْأَخ يحجب الْعم لكَونه أقرب للهالك مِنْهُ (وَالْعم) حَاجِب (لِابْنِ الْعم مَا كَانَ) أَي كَيْفَمَا كَانَ الْعم شقيقاً أَو لأَب فَإِنَّهُ (كفى) فِي حجب ابْن الْعم شقيقاً أَو لأَب أَيْضا. والأمُّ كلتا الْجدتين تَحْجُبُ وَجَدَّةً لْلأَبِ يَحْجُبُ الأَبُ (وَالأُم كلتا الجدتين تحجب) بِضَم الْجِيم مَبْنِيا للْفَاعِل خبر عَن قَوْله: الْأُم، وكلتا مَفْعُوله أَي الْأُم تحجب جدة الْهَالِك من جِهَة أمه وجدته من جِهَة أَبِيه (وَجدّة للْأَب) بِالنّصب مفعول مقدم بقوله: (يحجب الْأَب) وَلَا يحجب جدة الْهَالِك من أمه بِخِلَاف الْأُم فَإِنَّهَا تحجب الْجدّة مُطلقًا (خَ) : وأسقطتها الْأُم مُطلقًا وَالْأَب الْجدّة من جِهَته. وَمَنْ دَنَتْ حاجبة لبُعْدَى جِهَتِها مِنْ غَيْر أَنْ تَعَدَّى (وَمن دنت) كَأُمّ الْأُم أَو أم الْأَب (حاجبة لبعدى جِهَتهَا) فتحجب كل وَاحِدَة مِنْهُمَا أمهَا وَأم أمهَا وَإِن علت (من غير أَن تعدى) بحجب غير جِهَتهَا أَو مَا ذكره فِي قَوْله. وَقُرْبَى الأَمِّ حَجَبَتْ بُعْدَى لأَبْ وَالعكس إِن أَتَى فَمَا حجْبٌ وَجَبْ (وقربى الْأُم) كَأُمّ الْأُم (حجبت بعدى لأَب) كَأُمّ أم الْأَب (وَالْعَكْس) وَهُوَ أَن تكون الْجدّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 673 للْأَب أقرب من الَّتِي للْأُم كَأُمّ أم أمه وَأم أَبِيه (إِن أَتَى) ذَلِك (فَمَا حجب وَجب) بل يَشْتَرِكَانِ فِي السُّدس، وَكَذَلِكَ إِن كَانَتَا فِي رُتْبَة وَاحِدَة كَأُمّ الْأُم وَأم الْأَب فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ أَيْضا كَمَا قَالَ: وَحَظُّهَا السدْسُ فِي الِانْفِرَاد وَقِسْمَةُ السواءِ فِي التَّعْدَادِ (وحظها) أَي الْجدّة (السُّدس فِي الِانْفِرَاد وَقِسْمَة السوَاء فِي التعداد) حَيْثُ كَانَت الْجدّة للْأَب أقرب أَو كَانَتَا فِي رُتْبَة وَاحِدَة كَمَا مر. (خَ) : وأسقطت الْقُرْبَى من جِهَة الْأُم البعدى من جِهَة الْأَب وَإِلَّا اشتركتا. وَالإرْثُ لم يَحُزْهُ مِنْ هاتينِ تعدُّداً أكثَرُ مِنْ ثنْتَيْنِ (وَالْإِرْث لم يحزه من هَاتين) الجدتين أَي الَّتِي من جِهَة الْأُم وَالَّتِي من جِهَة الْأَب (تعدداً) أَي حَال تعددهن وَوُجُود جمَاعَة مِنْهُنَّ (أَكثر) فَاعل يحز (من اثْنَتَيْنِ) إِحْدَاهمَا أم الْأُم وَإِن علت وَالْأُخْرَى أم الْأَب وَأمّهَا وَإِن علت. قَالَ فِي الرسَالَة: وَلَا يَرث عِنْد مَالك أَكثر من جدتين أم الْأُم وَأم الْأَب وأمهاتهما، وَيذكر عَن زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ أَنه ورث ثَلَاث جدات. وَاحِدَة من قبل الْأُم واثنتين من قبل الْأَب أم أم الْأَب وَأم أبي الْأَب وَإِن علين، وَلم يحفظ عَن الْخُلَفَاء تَوْرِيث أَكثر من جدتين اه. وَمُسْقِطٌ ذُو جِهَتَيْنِ أبدا ذَا جِهةٍ مهمَا تَسَاوَوْا قُعْدُدَا (ومسقط) خبر عَن قَوْله (ذُو جِهَتَيْنِ) جِهَة الْأَب وجهة الْأُم (أبدا) فِي جَمِيع الْمِيرَاث (ذَا جِهَة) مفعول بمسقط (مهما تساووا قعددا) أَي رُتْبَة فالأخ الشَّقِيق ذُو جِهَتَيْنِ حَاجِب للَّذي للْأَب وَالْعم الشَّقِيق حَاجِب الْعم للْأَب، وَابْن الْأَخ الشَّقِيق حَاجِب ابْن الْأَخ للْأَب وَابْن الْعم كَذَلِك، وَهَكَذَا وَيسْتَثْنى من كَلَامه الْأَخ للْأُم، فَإِنَّهُ ذُو جِهَة وَلَا يَحْجُبهُ الشَّقِيق، وَمَفْهُوم تساووا قعددا أَنهم إِذا لم يتساووا فِيهِ كالأخ للْأَب مَعَ ابْن الْأَخ الشَّقِيق أَنه لَا شَيْء لِابْنِ الْأَخ لِأَن الْأَخ أقرب مِنْهُ للهالك (خَ) : ثمَّ الْعم الشَّقِيق ثمَّ للْأَب ثمَّ عَم الْجد الْأَقْرَب بالأقرب وَإِن غير شَقِيق، وَقدم مَعَ التَّسَاوِي الشَّقِيق مُطلقًا. ومَنْ لَهُ حَجبُ بِحَاجِبٍ حُجِبْ فحجْبُهُ بمَنْ لهُ الحَجْبُ يَجِبْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 674 (وَمن) مَوْصُولَة وَاقعَة على الْأَخ للْأَب الَّذِي (لَهُ حجب بحاجب) هُوَ الشَّقِيق من نعت وَصفَة هَذَا الْحَاجِب الَّذِي هُوَ الشَّقِيق (حجب) أَيْضا بِولد الْهَالِك (فحجبه) أَي الْأَخ للْأَب (بِمن) أَي الَّذِي (لَهُ الْحجب) لحاجبه (يجب) فحجب مُبْتَدأ وضميره لمن الْوَاقِعَة على الْأَخ للْأَب مثلا، وَجُمْلَة لَهُ حجب صلته ولحاجب يتَعَلَّق بحجب، وَجُمْلَة حجب بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صفة لحاجب وحجبه مُبْتَدأ خَبره يجب وبمن يتَعَلَّق بِهِ، وَجُمْلَة لَهُ الْحجب صلَة من وَالتَّقْدِير: وَالْأَخ للْأَب المحجوب بشقيق مَحْجُوب بِولد يجب حجبه عِنْد فقد الشَّقِيق بِالْوَلَدِ الْحَاجِب لحاجبه، فَإِذا هلك وَترك ابْنا وأخاً وشقيقاً وأخاً لأَب فالأخ للْأَب مَحْجُوب بالشقيق، والشقيق مَحْجُوب بالابن فَلَو عدم الشَّقِيق لم يَرث الْأَخ للْأَب شَيْئا لوُجُوب حجبه بالابن الَّذِي هُوَ حَاجِب حَاجِبه، وَهَكَذَا يُقَال فِي ابْن الْأَخ مَعَ وجود أَخ وَابْن للهالك، فَإِن ابْن الْأَخ مَحْجُوب بالأخ وَلَو عدم لَكَانَ محجوباً بالابن، وَكَذَا ابْن الْأَخ مَعَ الْعم وَابْن الْعم، فَإِن الْعم مَحْجُوب بِابْن الْأَخ وَابْن الْعم مَحْجُوب بالعم، فَلَو فقد الْعم لم يَرث ابْن الْعم لوُجُوب حجبه بحاجب حَاجِبه، وَهَذَا الْبَيْت مَعَ تعقيده قَلِيل الجدوى مَفْهُوم حكمه من الْبَيْت الَّذِي قبله، إِذْ من الْمَعْلُوم أَن حَاجِب الْحَاجِب لغيره حَاجِب لذَلِك الْغَيْر، وَأَن الْأَقْرَب يحجب الْأَبْعَد. وإخْوةُ الأمِّ بِمن يكُون فِي عَمُودَي النَّسَبِ حَجْبُهُمْ يَفي (وإخوة الْأُم) مُبْتَدأ (بِمن يكون فِي عمودي النّسَب) من ابْن أَو بنت للهالك وَإِن سفلت وَأب أَو جد وَإِن علا (حجبهم) مُبْتَدأ ثَان (يَفِي) خَبره وَالْمَجْرُور بِالْبَاء يتَعَلَّق بِهِ، وَالْجُمْلَة خبر الأول، وَالْمعْنَى أَن الْإِخْوَة للْأُم محجوبون بِمن يُوجد فِي عمودي النّسَب الْأَعْلَى والأسفل، فعموده الْأَعْلَى الْأَب وَالْجد وَإِن علا وعموده الْأَسْفَل الْوَلَد وَولده وَإِن سفل فَيدْخل فِي ذَلِك الْبِنْت وَبنت الابْن وَإِن سفلت لِأَنَّهُمَا من عموده الْأَسْفَل قطعا (خَ) : وَسقط الْأَخ للْأُم بِابْن وَابْنه وَبنت وَإِن سفلت وَأب وجد الخ. وَإِنَّمَا حجبوا بِمَا ذكر لقَوْله تَعَالَى وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة أَو امْرَأَة وَله أَخ أَو أُخْت} (النِّسَاء: 12) الْآيَة. والكلالة كَمَا فِي الْأَزْهَرِي وَغَيره الْفَرِيضَة الَّتِي لَا ولد فِيهَا وَلَا وَالِد وَلذَا قيل فِيهَا: ويسألونك عَن الكلاله هِيَ انْقِطَاع النَّسْل لَا محاله لَا ولد يبْقى وَلَا مَوْلُود فَانْقَطع الْأَبْنَاء والجدود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 675 وكلالة فِي الْآيَة إِمَّا تَمْيِيز وَالْأَصْل يَرِثهُ كَلَالَة بِالرَّفْع على الفاعلية، فَحذف الْفَاعِل وَبني الْفِعْل للْمَفْعُول فارتفع الضَّمِير واستتر، ثمَّ جِيءَ بالفاعل تمييزاً، وَإِمَّا حَال من ضمير يُورث أَي ذَا كَلَالَة، وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْل بعده أَن الْإِخْوَة للْأُم يحجبون الْأُم للسدس وَإِن كَانُوا محجوبين بالجد وَنَحْوه. (فصل فِي ذكر (حجب النَّقْل) من تعصيب (إِلَى فرض)) أَو من فرض إِلَى فرض آخر، فَأَشَارَ إِلَى الثَّانِي بقوله فِيمَا يَأْتِي: وَالْأُخْت من أَب وَإِن تعدّدت الخ. وَإِلَى الأول بقوله: الأبُ معْ فُرُوضِ الاسْتِغْرَاقِ وَالنقصُ يَحْوِي السُّدْسَ بالإِطْلاَقِ (الْأَب) هُوَ عاصب فِي الأَصْل لكنه ينْتَقل للْفَرض (مَعَ فروض الِاسْتِغْرَاق) أَي الْفَرِيضَة الَّتِي يستغرقها أهل فروضها، سَوَاء كَانَت عادلة كبنتين وَأب وَأم فَلهُ السُّدس وَللْأُمّ مثله وللبنتين الثُّلُثَانِ أَرْبَعَة أَو عائلة كَزَوج وَبنت وَأم وَأب أَصْلهَا من اثْنَي عشر، وتعول لثَلَاثَة عشر للزَّوْج الرّبع ثَلَاثَة وللبنت النّصْف سِتَّة وَللْأُمّ السُّدس اثْنَان وَللْأَب كَذَلِك، وَلَو بَقِي عاصباً على أَصله لأخذ الْوَاحِد الْبَاقِي من اثْنَي عشر وَلَا يعال لَهُ. (و) بيع فروض (النَّقْص) وَهِي الْفَرِيضَة الَّتِي نقصت فروضها عَن أَصْلهَا كَمَا مر كَبِنْت وَأم وَأب أَصْلهَا من سِتَّة للْبِنْت ثَلَاثَة وَللْأُمّ سدسها وَاحِد وَللْأَب كَذَلِك يبْقى وَاحِد يَأْخُذهُ الْأَب بِالتَّعْصِيبِ فَقَوله: (يحوي السُّدس) بِسُكُون الدَّال خبر عَن الْأَب وَقَوله (بِالْإِطْلَاقِ) أَي فِي جَمِيع مَا مرّ من العادلة والعائلة والناقصة إِلَّا أَنه فِي العادلة يَأْخُذ السُّدس من غير زِيَادَة عَلَيْهِ وَلَا نقص مِنْهُ، وَفِي العائلة يَأْخُذ السُّدس إِلَّا مَا نَقصه الْعَوْل وَهُوَ جُزْء من ثَلَاثَة عشر فِي الْمِثَال الْمُتَقَدّم، وَفِي النَّاقِصَة يَأْخُذ السُّدس ثمَّ الْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ، وَقد تقدم أَن كل ذكر عاصب إِلَّا الزَّوْج وَالْأَخ للْأُم وكما حوى السُّدس فِيمَا ذكر. كذاكَ يَحْوِي مَعَ ذُكْرَانَ الوَلَدْ أوْ وَلدِ ابْنٍ مِثلهُمْ سدْساً فَقَدْ (كَذَاك يحوي) أَيْضا (مَعَ ذكر أَن الْوَلَد) وَاحِدًا أَو أَكثر (أَو) مَعَ (ولد ابْن مثلهم) فِي كَونه ذكرا وَاحِدًا أَو أَكثر فالجمع فِي قَوْله: ذكران غير مَقْصُود، وَإِنَّمَا المُرَاد جنس الذُّكُور وَلَو وَاحِدًا من أَبنَاء الْهَالِك أَو أَبنَاء ابْنه، وَإِن سفلوا يحوي مَعَهم الْأَب (سدساً) بِسُكُون الدَّال مفعول بقوله يحوي (فقد) اسْم فعل بِمَعْنى حسب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 676 والسدْسُ معْ أُنْثَى مِنَ الصنْفَيْن لهْ وَالباقي بِالتَّعْصِيبِ بَعْدُ حَصَّلَهْ (وَالسُّدُس) بِسُكُون الدَّال مُبْتَدأ (مَعَ أُنْثَى) وَاحِدَة أَو أَكثر (من الصِّنْفَيْنِ) صنف بَنَات الصلب وصنف بَنَات الابْن (لَهُ) خبر أَي: وَالسُّدُس كَائِن للْأَب وثابت لَهُ مَعَ بنت أَو بنتين فَأكْثر للهالك، وَمَعَ بنت ابْن أَو بَنَات ابْن يَأْخُذهُ بِالْفَرْضِ (وَالْبَاقِي) وَهُوَ الثَّالِث مَعَ الْوَاحِدَة من الصِّنْفَيْنِ وَالسُّدُس مَعَ أَكثر يَأْخُذهُ (بِالتَّعْصِيبِ بعد) أَي بعد أَخذه السُّدس بِالْفَرْضِ (حصله) أَي حصل مَا ذكرُوا حفظه، وَدخل فِي كَلَامه مَا إِذا خلف بِنْتا وَبنت ابْن وَأَبا فللبنت النّصْف ولبنت الابْن السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ، وَللْأَب السُّدس وَاحِد ثمَّ يَأْخُذ الْوَاحِد الْبَاقِي تعصيباً فَإِن خلف بنتين فَلَا شَيْء لبِنْت الابْن، وَإِن تعدّدت لحجبها بالبنتين فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَللْأَب وَاحِد بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ، وَهَذَا الْبَيْت تكْرَار مَعَ قَوْله: وَالنَّقْص إِذْ الْفَرِيضَة فِيهِ نقصت سهامها عَن أُصُولهَا. وَالجدُّ مِثْلُ الأَبِ مَعْ مَنْ ذُكِرَا حَالاً بحَالٍ فِي الّذِي تَقَرَّرَا (وَالْجد مثل الْأَب مَعَ من ذكرا) من أهل الْفُرُوض المستغرقة والناقصة وَأَبْنَاء الصلب وَأَبْنَاء الابْن حَال كَونه (حَالا بِحَال فِي الَّذِي تقررا) وَهُوَ أَخذ السُّدس فِي المستغرقة العادلة كَزَوج وَأم وجد، والعائلة كَزَوج وبنتين وجد أَصْلهَا من اثْنَي عشر، وتعول لثَلَاثَة عشر، والناقصة كَبِنْت وَأم وجد أَو بنت فَقَط وجد أَو بنتين وجد يَأْخُذ السُّدس فرضا، وَالْبَاقِي بعد الْبِنْت وَالأُم أَو بعد الْبِنْت أَو البنتين بِالتَّعْصِيبِ، وَله السُّدس فَقَط مَعَ ابْن الْهَالِك أَو ابْن ابْن فالأب وَالْجد متساويان فِي هَذِه الْأَحْوَال الْأَرْبَعَة وَهِي أَن لَهما السُّدس فِي المستغرقة أَو النَّاقِصَة أَو مَعَ ابْن الصلب أَو ابْن الابْن وَزَاد الْجد على الْأَب فِي اجتماعه مَعَ الْإِخْوَة بِثَلَاثَة أَحْوَال أخر وَذَلِكَ لِأَن الْأَب يحجب إخْوَة الْهَالِك كَيْفَمَا كَانُوا وَلَا يَرِثُونَ مَعَه شَيْئا، وَالْجد لَا يحجب إِلَّا الْإِخْوَة للْأُم، وَأما غَيرهم فَلهُ مَعَهم على مَا ذكر النَّاظِم ثَلَاثَة أَحْوَال. الأولى: أَن يَكُونُوا كلهم شقائق أَو لأَب وَلَيْسَ مَعَهم ذُو فرض فللجد مَعَهم الْخَيْر من الثُّلُث أَو الْمُقَاسَمَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 677 الثَّانِيَة: أَن يكون مَعَهم ذُو فرض فَلهُ الْخَيْر من السُّدس من رَأس المَال أَو ثلث الْبَاقِي بعد الْفَرْض أَو الْمُقَاسَمَة. الثَّالِثَة: أَن يجْتَمع الشَّقِيق وَالَّذِي للْأَب فَالْحكم كَذَلِك لَكِن يعد الشَّقِيق على الْجد الْأَخ للْأَب ثمَّ يرجع عَلَيْهِ، والمعادلة تكون مَعَ انْفِرَاد الْإِخْوَة وَالْجد أَو مَعَ اجْتِمَاعهم مَعَ ذَوي الْفُرُوض فللجد على هَذَا سَبْعَة أَحْوَال: أَرْبَعَة هُوَ فِيهَا كَالْأَبِ وَزَاد عَلَيْهِ بِثَلَاثَة مَعَ الْإِخْوَة، فَأَشَارَ إِلَى الْحَالة الأولى الَّتِي زَاد بهَا عَلَيْهِ فَقَالَ. وَزَاد بِالثُلثِ إِن رَجْحٌ ظَهَرْ مَعْ صِنْفِ الإخْوَةِ وَقَسْمٍ كَذَكَرْ (وَزَاد بِالثُّلثِ إِن الرجح) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره (ظهر مَعَ صنف الْإِخْوَة) كلهم أشقاء أَو كلهم لأَب (وَقسم) بِالْجَرِّ عطف على الثُّلُث، وَالْوَاو بِمَعْنى (أَو) أَي: وَزَاد الْجد يَأْخُذ ثلث جَمِيع المَال إِن كَانَ ذَلِك رجح لَهُ أَو مقاسمة. (كذكر) مِنْهُم إِن كَانَت أرجح لَهُ من الثُّلُث، وَحِينَئِذٍ فَإِذا زَاد عدد ذُكُور الْإِخْوَة على اثْنَيْنِ وَعدد الْإِنَاث على أَربع فثلث جَمِيع المَال أرجح لَهُ لِأَنَّهُ إِن قَاسم ثَلَاثَة إخْوَة أَو خمس أَخَوَات أَخذ أقل من ثلث لِأَنَّهُ ينوبه مَعَ ثَلَاث إخْوَة ربع الْمَتْرُوك، وَمَعَ خمس أَخَوَات سبعا الْمَتْرُوك وَذَلِكَ أقل من ثلث الْمَتْرُوك وَإِن نقص ذُكُور الْإِخْوَة عَن اثْنَيْنِ وَعدد الْأَخَوَات عَن أَربع، فالمقاسمة أرجح لَهُ لِأَنَّهُ ينوبه فِي مقاسمة الْأَخ الْوَاحِد النّصْف، وَفِي مقاسمة ثَلَاث أَخَوَات خمسان لِأَنَّهُ برأسين، وكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ بِرَأْس، ومجموع ذَلِك خَمْسَة والخمسان أَكثر من الثُّلُث لِأَن ثلث الْخَمْسَة وَاحِد وَثُلُثَانِ، وَذَلِكَ أقل من خمسين صَحِيحَيْنِ، وَأَحْرَى أَن يقاسم أُخْتا وَاحِدَة لِأَن لَهُ مَعهَا الثُّلثَيْنِ أَو أُخْتَيْنِ لِأَن لَهُ مَعَهُمَا النّصْف، وَهَكَذَا وَإِن كَانَ عدد ذُكُور الْإِخْوَة اثْنَيْنِ وَعدد الْأَخَوَات أَرْبعا فيستوي الثُّلُث والمقاسمة. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْحَالة الثَّانِيَة الَّتِي زَاد الْجد بهَا على الْأَب فَقَالَ: وَالسُّدْسُ إنْ يَرْجَحْ لَهُ مَتى صَحِبْ أَهْلَ الفروضِ صِنفٌ إخْوَةٍ يَجِبْ (وَالسُّدُس) من جَمِيع المَال (أَن يرجح) على غَيره من الْمُقَاسَمَة أَو ثلث الْبَاقِي (لَهُ مَتى صحب أهل الْفُرُوض) مفعول مقدم على الْفَاعِل الَّذِي هُوَ (صنف الْإِخْوَة) كلهم أشقاء أَو كلهم لأَب (يجب) خبر عَن قَوْله: وَالسُّدُس وَالضَّمِير الْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 678 أَوْ قِسْمَةُ السواءِ فِي البقِيهْ أَوْ ثُلْثُهَا إلاَّ فِي الأَكْدَرِيهْ (أَو قسْمَة السوَاء) بَينه وَبَين الْإِخْوَة إِن تكن أرجح لَهُ (فِي الْبَقِيَّة) من المَال بعد أَخذ ذَوي الْفُرُوض فروضهم (أَو ثلثهَا) أَي الْبَقِيَّة إِن تكن أرجح لَهُ أَيْضا فَأَي الثَّلَاثَة كَانَ أرجح، فَهُوَ الْوَاجِب لَهُ فالسدس أرجح لَهُ فِي زوج وَأم وأخوين وجد وَتَصِح من سِتَّة لَهُ فِي الْمُقَاسَمَة ثلثا الْوَاحِد، وَكَذَا فِي ثلث الْبَاقِي وَفِي السُّدس وَاحِد كَامِل، وَكَذَا يكون السُّدس أرجح لَهُ فِي بنتين وجد وأخوين أَو ثَلَاث أَخَوَات، فَالْأولى من سِتَّة وَتَصِح من اثْنَي عشر، وَالثَّانيَِة من سِتَّة وَتَصِح من ثَمَانِيَة عشر، والمقاسمة أرجح لَهُ فِي أم وَأَخ وَاحِد أَصْلهَا من ثَلَاثَة للْأُم وَاحِد يبْقى اثْنَان لَهُ فِي السُّدس من رَأس المَال ثلث وَاحِد، وَفِي ثلث الْبَاقِي ثلثا الْوَاحِد، وَفِي الْمُقَاسَمَة وَاحِد كَامِل، وَكَذَا تكون الْمُقَاسَمَة أحظى لَهُ فِي زَوْجَة وجد وَأَخ تصح من ثَمَانِيَة وَثلث الْبَاقِي أحظى لَهُ فِي أم وَثَلَاثَة إخْوَة وجد أَصْلهَا من سِتَّة للْأُم وَاحِد، وَالْبَاقِي خَمْسَة ثلثهَا وَاحِد وَثُلُثَانِ وَهُوَ أَكثر من السُّدس وَاحِد، وَمن الْمُقَاسَمَة وَاحِد وَربع، وَكَذَا يكون أحظى لَهُ فِي أم وجد وَثَلَاثَة إخْوَة أَصْلهَا من سِتَّة وَتَصِح من ثَمَانِيَة عشر للْأُم ثَلَاثَة وللجد خَمْسَة تبقى عشرَة لكل وَاحِد من الْإِخْوَة الثَّلَاثَة ثَلَاثَة وَثلث فَاضْرب عدد رؤوسهم فِي الْمَسْأَلَة فَمَا خرج فَمِنْهُ تصح وَيَسْتَوِي السُّدس والمقاسمة وَثلث الْبَاقِي فِي زوج وجد وأخوين. وَلما تقدم أَن الْجد يعصب الْأُخْت ويقاسمها اقْتضى ذَلِك أَنَّهَا تَرث بِالتَّعْصِيبِ وَأَنه مَعهَا كأخ وَعَلِيهِ فَلَا يفْرض لَهَا مَعَه بِحَال إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة استثناها بقوله: (إِلَّا فِي الأكدرية) أَلْقَاهَا عبد الْملك بن مَرْوَان على رجل يحسن الْفَرَائِض يُقَال لَهُ أكدر، فَأَخْطَأَ فِيهَا فنسبت إِلَيْهِ وَهِي زوج وَأم وجد وَأُخْت شَقِيقَة أَو لأَب. فَالْعَوْلُ لِلأُخْتِ بهَا قد أُعمِلا وَاجْمَعْهُمَا وَاقْسِمْ وَجَدًّا فَضِّلا (فالعول للْأُخْت بهَا) أَي فِيهَا (قد اعملا) لِأَن أَصْلهَا من سِتَّة للزَّوْج النّصْف ثَلَاثَة وَللْأُمّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 679 الثُّلُث اثْنَان يفضل وَاحِد يَأْخُذهُ الْجد لِأَنَّهُ لَا ينقص مَعَ ذَوي الْفُرُوض عَن سدس جَمِيع المَال كَمَا مر لِأَنَّهُ فَرْضه مَعَهم، وَإِذا كَانَ السُّدس فَرْضه فَلَا يعصب الْأُخْت لِأَن ذَا الْفَرْض لَا يصير غَيره عاصباً إِلَّا الْبَنَات مَعَ الْأَخَوَات كَمَا يَأْتِي، وَإِذا لم يعصبها فَلَا بُد من الْفَرْض لَهَا لِأَنَّهَا من ذَوي الْفُرُوض وَلَيْسَ هُنَاكَ من ينقلها للتعصيب فأعيل لَهَا بِثَلَاثَة: نصف الْمَسْأَلَة فَصَارَت من تِسْعَة خُذ نصيب الْجد مِنْهَا وَهُوَ وَاحِد وَنصِيب الْأُخْت وَهُوَ ثَلَاثَة. (واجمعها) تكن أَرْبَعَة (وَأقسم) عَلَيْهِمَا (وجدا) مفعول بقوله (فضلا) لِأَنَّهُ كأخ لَهَا يَأْخُذ الثُّلثَيْنِ وَهِي الثُّلُث وَأَرْبَعَة على ثَلَاثَة منكسر مباين أضْرب عدد رُؤُوس المنكسر عَلَيْهِم وَهُوَ ثَلَاثَة فِي الْمَسْأَلَة بعولها وَهُوَ تِسْعَة بسبعة وَعشْرين، ثمَّ تَقول من لَهُ شَيْء من التِّسْعَة أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة وَهُوَ ثَلَاثَة: فَللزَّوْج ثَلَاثَة فِي ثَلَاثَة بِتِسْعَة وَللْأُمّ اثْنَان فِي ثَلَاثَة بِسِتَّة وللجد وَالْأُخْت أَرْبَعَة فِي ثَلَاثَة بِاثْنَيْ عشر لَهُ ثَمَانِيَة، وَلها أَرْبَعَة. وَمَفْهُوم قَوْله: للْأُخْت أَنَّهُمَا إِذا كَانَتَا أُخْتَيْنِ فَأكْثر لَا يعال لَهما وَهُوَ كَذَلِك، فَللزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ السُّدس وللجد السُّدس وللأختين فَأكْثر مَا بَقِي وَهُوَ السُّدس وَلَا يعال لَهما قَالَه مَالك، وَفِيه إِشْكَال قَالَه الْفَاكِهَانِيّ وَغَيره. وَاعْلَم أَن الْجد فِي الأكدرية ورث أَولا بِالْفَرْضِ، وَثَانِيا بِالتَّعْصِيبِ، إِذْ لَا يقاسمها إِلَّا بِتَقْدِير كَونه معصباً لَهَا وَكَونه من ذَوي الْفُرُوض معصباً فِي حَالَة وَاحِدَة لَا يعقل ويلغز بهَا من وَجْهَيْن. أَحدهمَا: أَن يُقَال أَرْبَعَة ورثوا مَيتا أَخذ أحدهم ثلث مَاله، وَأخذ الثَّانِي ثلث الْبَاقِي، وَأخذ الثَّالِث ثلث بَاقِي الْبَاقِي، وَأخذ الرَّابِع مَا بَقِي، وَجَوَابه هَذِه الْمَسْأَلَة فَإِن الزَّوْج أَخذ ثلث مَاله وَالأُم أخذت ثلث الْبَاقِي وَالْأُخْت أخذت ثلث بَاقِي الْبَاقِي، وَالْجد أَخذ مَا بَقِي، الثَّانِي قَالَ ابْن عَرَفَة: بِأَن يُقَال مَا فَرِيضَة أخر قسمهَا للْحَمْل فَإِن كَانَت أُنْثَى ورثت وَإِن كَانَ ذكرا لم يَرث شَيْئا. وَجَوَابه امْرَأَة تركت زَوجهَا وجدهَا وَأما حَامِلا. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْحَالة الثَّالِثَة وَهِي أَن يجْتَمع مَعَ الْجد الشَّقِيق وَالَّذِي للْأَب فَقَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 680 وَالقسمُ مَعْ شَقَائِقٍ وَمَنْ لأَبْ مَعًا لَهُ وَعَدُّ كُلِّهِمْ وَجَبْ (وَالْقسم) مُبْتَدأ (مَعَ) اجْتِمَاع إخْوَة (شقائق وَمن لأَب مَعًا) أَي جَمِيعًا (لَهُ) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر وضميره للْجدّ أَي وَاجِب لَهُ (وعد كلهم) على الْجد ليحرم كَثْرَة الْمِيرَاث (وَجب) وَإِذا عد عَلَيْهِ الْجَمِيع وَأخذ كل حَظه، فَإِن الشَّقِيق يرجع على الَّذِي للْأَب فَيَأْخُذ مَا بِيَدِهِ كَمَا قَالَ: وَحَظُّ منْ لِلأَبِ لِلأَشِقّا وَحْدَهُمْ يكونُ مُسْتَحِقا (وحظ) مُبْتَدأ (من للْأَب) مُضَاف إِلَيْهِ (للأشقا) يتَعَلَّق بمستحقا (وحدهم) حَال من الأشقاء (يكون مُسْتَحقّا) خبر الْمُبْتَدَأ، وَالتَّقْدِير حَظّ الْإِخْوَة للْأَب يكون مُسْتَحقّا للأشقاء حَال كَونهم وحدهم، وَظَاهره أَن الشَّقِيق يعد الْأَخ للْأَب على الْجد، سَوَاء كَانَ مَعَهم ذُو فرض أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك فَإِذا ترك أما وأخاً شقيقاً وأخاً لأَب وجدا، فَإِن الشَّقِيق يعد الْأَخ للْأَب فتستوي الْمُقَاسَمَة وَثلث الْبَاقِي بعد الْفَرْض، فَإِذا أَخذ الْجد حَظه رَجَعَ الشَّقِيق على الَّذِي للْأَب بِمَا فِي يَده، وَكَذَا إِذا لم يكن مَعَهم ذُو فرض فَإِذا ترك شقيقتين وأختاً لأَب فَالْمَسْأَلَة من خَمْسَة للْجدّ اثْنَان وللأخوات ثَلَاثَة، وَإِذا ترك شَقِيقَة وأختين أَو أَخا لأَب، فَكَذَلِك وَكَذَا أَخا شقيقاً وأختاً لأَب وَإِن ترك شقيقه وأختاً لأَب، فَالْمَسْأَلَة من اثْنَيْنِ للْجدّ النّصْف وللأختين النّصْف، ثمَّ إِذا أَخذ كل حَظه فِي هَذِه الْأَمْثِلَة الَّتِي لم يبلغ فِيهَا عدد الْإِخْوَة مثلَيْهِ رَجَعَ الأشقاء على اللَّذين للْأَب بِمَا لَهُم لَو لم يكن لَهُم جد، وَلَا شكّ أَن فرض الشقيقتين فِي الْمقَال الأول لَو لم يكن جد الثُّلُثَانِ فيرجعان على الَّتِي للْأَب بِجَمِيعِ مَا أَخَذته، وَفرض الشَّقِيقَة فِي الْمِثَال الثَّانِي النّصْف فترجع بِوَاحِد وَنصف، وَيبقى نصف وَاحِد بيد أختيها أَو أَخِيهَا للْأَب، والشقيق يرجع على الَّتِي للْأَب بِجَمِيعِ مَا بِيَدِهَا، وَكَذَا الشَّقِيقَة فِي الْمِثَال الْأَخير، وافهم مثل هَذَا فِيمَا إِذا بلغ عدد الْإِخْوَة مثلَيْهِ أَو زادوا كَانَ مَعَهم ذُو فرض أَيْضا أَو لم يكن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 681 وَالضَّابِط أَنه مهما كَانَ فِي الشقائق ذكر فَإِنَّهُ لَا شَيْء للَّذي للْأَب لِأَنَّهُ يَحْجُبهُ وَمثله شقيقتان فَأكْثر لِأَن لَهما الثُّلثَيْنِ وَالْجد لَا ينقص عَن الثُّلُث، فَلَا يفضل للَّذين للْأَب شَيْء، وَكَذَا شقيقه وَأُخْت لأَب وجد كَمَا فِي الْمِثَال الْأَخير، وَإِلَّا فيفضل للَّذين للْأَب كَمَا فِي الْمِثَال الثَّانِي، وَمثله مَا إِذا كَانَت الشَّقِيقَة مَعَ أَخ وَأُخْت لأَب، أَو مَعَ ثَلَاث أَخَوَات لأَب فَإِنَّهَا تَأْخُذ نصفهَا وَالْبَاقِي وَهُوَ السُّدس يكون للَّذين للْأَب، وَبِه تعلم أَن قَوْله: وحظ من للْأَب للأشقا الخ. لَيْسَ على إِطْلَاقه بل فِي بعض الصُّور كَمَا ترى، وَعبارَة (خَ) أحسن إِذْ قَالَ: وَعَاد الشَّقِيق بِغَيْرِهِ ثمَّ رَجَعَ كالشقيقة لما لَهما لَو لم يكن جد الخ، وَلما تكلم على النَّقْل من تعصيب إِلَى فرض أَشَارَ إِلَى النَّقْل من فرض إِلَى فرض فَقَالَ: وَالأخْتُ منْ أبٍ وَإنْ تعدَّدَتْ مَعْ شقيقةٍ بسُدْسٍ أُفْرِدَتْ (وَالْأُخْت من أَب وَإِن تعدّدت) كَانَت فِي الأَصْل من ذَوَات النّصْف إِن اتّحدت أَو من ذَوَات الثُّلثَيْنِ إِن تعدّدت كَمَا مرّ، لَكِن إِذا كَانَت أَو كن (مَعَ) أُخْت (شَقِيقَة بسدس أفردت) أَي انْتَقَلت إِلَيْهِ حَال كَونه. تَكْمِلَةُ الثَّلُثَيْنِ وَالحُكْمُ كذَا معْ بنتِ صُلْبٍ لابْنَةِ ابْنِ يُحْتَذَا (تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ) فتأخذه وَحدهَا إِن اتّحدت وَيقسم على عددهن إِن تعدّدت إِلَّا أَن يكون مَعهَا أَو مَعَهُنَّ أَخ لأَب فيقسمون ذَلِك للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ كَمَا مر، وافهم قَوْله تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ أَنَّهَا لَا تَأْخُذهُ فرضا مُسْتقِلّا وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنَّهَا لَو باعت الشَّقِيقَة نصفهَا فِي أصل أَو الْعَكْس، فالأخرى أَحَق بِالشُّفْعَة من سَائِر الْوَرَثَة كإحدى الزوجتين فِي ثمن أَو ربع وعَلى أَنَّهَا تَأْخُذهُ فرضا مُسْتقِلّا لَا تكون أَحَق بهَا من الْوَرَثَة، وعَلى الأول عول (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَقدم مُشَاركَة فِي السهْم وَإِن كأخت لأَب أخذت سدساً. (وَالْحكم كَذَا مَعَ بنت صلب لابنَة ابْن يحتذا) فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَالتَّقْدِير: وَالْحكم هَكَذَا يتبع لابنَة الابْن مَعَ بنت الصلب فللبنت النّصْف ولابنة الابْن وَاحِدَة، فَأكْثر السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ مَا لم يكن مَعهَا أَو مَعَهُنَّ ابْن ابْن آخر فِي درجتها كَانَ أخاها أَو ابْن عَمها فيردها للتعصيب، ويقتسمون النّصْف الْبَاقِي بعد الْبِنْت للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِن كَانَ ابْن الابْن أَسْفَل مِنْهَا فَهِيَ غنية بسدسها كَمَا مر مُبينًا فِي فصل أهل الْفُرُوض عِنْد قَوْله: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 682 وَنصفه السُّدس لأم وَالْأَب الخ. وَالزَّوْجُ مِنُ نِصْفٍ لِرُبْعٍ انْتَقَلْ مَعَ ولَدٍ أَو وَلَدِ ابْنٍ هَبْ سَفَلْ (وَالزَّوْج من نصف لربع انْتقل مَعَ) وجود (ولد) لزوجته الهالكة ذكرا كَانَ الْوَلَد أَو أُنْثَى مِنْهُ أَو من غَيره وَإِن من زنا (أَو) وجود (ولد ابْن) لَهَا ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، لَكِن لَا بُد أَن يكون لاحقاً بِأَبِيهِ (هَب) أَنه أَي ولد الابْن (سفل) أَي نزل بِضَم الْفَاء وَفتحهَا كَمَا مر. وَيَنْقُل الزوجَةَ مِنْ رُبْعٍ إلَى ثُمْنٍ صَحِيحٍ نِسْبَةُ مِح هَؤُلا (وينقل الزَّوْجَة من ربع إِلَى ثمن) بِسُكُون الْمِيم (صَحِيح) بِالرَّفْع فَاعل ينْقل (نِسْبَة من هؤلا) بِالْقصرِ وَالْإِشَارَة للْوَلَد وَولد الابْن العالي والنازل وَشرط فِي ولد الزَّوْج وَولد ابْنه أَن يكون صَحِيح النِّسْبَة احْتِرَازًا من ولد الزِّنَا والمنفي بِلعان فَلَا يحجبانها إِلَى الثّمن. وَالأَمُّ مِنْ ثُلْثٍ لِسُدْسٍ تُفْرَدُ بِهِمْ وَبالإِخْوَةِ إنْ تَعَدَّدُوا (وَالأُم من ثلث لسدس تفرد) أَي تنقل من الثُّلُث إِلَى السُّدس (بهم) أَي بِالْوَلَدِ ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وبولد الابْن كَذَلِك وَإِن سفل (و) تنقل أَيْضا للسدس (وبالإخوة إِن تعددوا) أَي زادوا على الْوَاحِد، وَظَاهره مُطلقًا أشقاء كَانُوا أَو لأَب أَو لأم أَو مُخْتَلفين ذُكُورا أَو إِنَاثًا أَو مُخْتَلفين أَو خناثى، وَسَوَاء كَانُوا وارثين بالشخص كأب وَأم وأخوين مُطلقًا، وكأم وجد وأخوين لأم، فهم وَإِن كَانُوا محجوبين بِالْأَبِ فِي الأولى وبالجد فِي الثَّانِيَة يحجبان الْأُم للسدس فتأخذ السُّدس وَالْبَاقِي للْأَب فِي الأولى، وللجد فِي الثَّانِيَة، ثمَّ علل الْإِطْلَاق الْمَذْكُور بقوله: وَغيرُ مَنْ يَرِثُ لَيْسَ يَحْجُبُ إلاُّ أُولاءِ حَجَبُوا إذْ حُجِبُوا (وَغير من يَرث) أَي إِنَّمَا حجبت الْأُم بالإخوة مُطلقًا لِأَن غير من يَرث لمَانع بِهِ من رق أَو كفر أَو قتل عمد (لَيْسَ يحجب) بِضَم الْجِيم مَبْنِيا للْفَاعِل أَي: لَا يحجب غَيره حجب إِسْقَاط وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 683 حجب نقل (إِلَّا) هـ (ؤلاء) الْإِخْوَة (حجبوا) للْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس (إِذْ حجبوا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي حجبهم الْأَب مُطلقًا وَالْجد إِذا كَانُوا لأم كَمَا مر، وَهَذَا الْبَيْت قريب من قَول التلمسانية: وَفِيهِمْ فِي الْحجب أَمر عجب لأَنهم قد حجبوا وحجبوا وَقَول (ت) : حجبهم الْأَب أَو الْوَلَد أَو الْجد الخ. الصَّوَاب حذف الْوَلَد لِأَن الَّذِي نقل الْأُم للسدس هُوَ نفس الْوَلَد لَا الْإِخْوَة حَتَّى يُقَال: حجبوها وهم محجوبون بِالْوَلَدِ، وَلما قدم أَن للْأُم حالتين تَرث فِي إِحْدَاهمَا الثُّلُث وَفِي الْأُخْرَى السُّدس ذكر لَهَا حَالَة ثَالِثَة تَرث فِيهَا ثلث الْبَاقِي، وَذَلِكَ فِي إِحْدَى الغراوين سميتا بذلك لشهرتيهما فَقَالَ: وَثُلْثُ مَا يَبْقَى مِنَ الزوجَيْنِ تأخُذُ مَعْ أبٍ بِغَرَّاوَيْنِ (وَثلث مَا يبْقى عَن الزَّوْجَيْنِ تَأْخُذ) الْأُم (مَعَ أَب بغراوين) إِحْدَاهمَا زَوْجَة وأبوان أَصلهمَا من أَرْبَعَة للزَّوْجَة الرّبع وَللْأُمّ ثلث الْبَاقِي وَللْأَب ثُلُثَاهُ، وَالثَّانيَِة زوج وأبوان أَصْلهَا من اثْنَيْنِ للزَّوْج وَاحِد، وللأبوين وَاحِد منكسر للْأُم ثلثه وَللْأَب ثُلُثَاهُ، فَتضْرب عدد الرؤوس فِي أصل الْمَسْأَلَة وَهُوَ ثَلَاثَة فِي اثْنَيْنِ بِسِتَّة، وَمن لَهُ شَيْء من أصل الْمَسْأَلَة أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ، فَللزَّوْج وَاحِد فِي ثَلَاثَة بِثَلَاثَة، وللأبوين وَاحِد كَذَلِك بِثَلَاثَة للْأُم مِنْهَا وَاحِد وَللْأَب اثْنَان (خَ) : وَلها أَي الْأُم ثلث الْبَاقِي فِي زوج أَو زَوْجَة وأبوين الخ. فَلَو كَانَ مَوضِع الْأَب جد لَكَانَ للْأُم ثلث المَال لِأَنَّهَا تَرث مَعَ الْجد بِالْفَرْضِ وَمَعَ الْأَب بِالْقِسْمَةِ. (فصل فِي ذكر حجب النَّقْل من الْفَرْض (للتعصيب)) وَذَلِكَ أَن الْبِنْت وَبنت الابْن وَالْأُخْت الشَّقِيقَة وَالَّتِي للْأَب كُلهنَّ من ذَوي الْفُرُوض كَمَا تقدم، لَكِن مَحل ذَلِك إِذا لم يكن مَعَ الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ فَأكْثر أَخ يساويها فِي درجتها فَإِنَّهُ ينقلها من الْفَرْض ويصيرها عاصبة يقاسمها للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ كَمَا قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 684 لِلاِبْنِ شَرْعاً حَظَّ بِنتيْنِ ادَفَعِ مِن مالِ أوْ بَاقِيه فِي التَّنَوُّعِ (للِابْن شرعا) مُتَعَلق بادفع (حَظّ بنتين) مفعول بقوله (ادْفَعْ) أَي للِابْن اللَّاحِق لِأَبِيهِ بِالشَّرْعِ حَظّ بنتين (من) كل (مَال) للهالك حَيْثُ لم يكن فِي التَّرِكَة ذُو فرض (أَو) ادْفَعْ لَهُ من (بَاقِيه) أَي المَال بعد أَخذ ذَوي الْفُرُوض فروضهم حَيْثُ كَانَ فِيهَا ذُو فرض كَالزَّوْجَةِ وَالأُم مثلا فللزوجة الثّمن وَللْأُمّ السُّدس تصح من أَرْبَعَة وَعشْرين، وَالْبَاقِي بعد إِخْرَاج الثّمن وَالسُّدُس بَين الْأَب وَالْبَنَات للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ (فِي التنوع) أَي فِي تنوع الْوَرَثَة إِلَى ذَوي فروض وعصبة. وَوَلَدُ ابْنٍ مِثْلُهُمْ فِي الحُكْمِ وَإخْوَةٌ كَذَا لغير الأُمِّ (وَولد ابْن مثلهم) أَي مثل أَبنَاء الصلب (فِي الحكم) وَهُوَ قسم المَال كُله أَو بَاقِيه بعد ذَوي الْفُرُوض للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، لَكِن بنت الابْن يعصبها من فِي درجتها كَانَ أخاها أَو ابْن عَمها، وَكَذَا يعصبها من هُوَ أَسْفَل مِنْهَا كَمَا مر مفصلا عِنْد قَوْله: ولابنة ابْن ولجد اجتبى الخ. (وإخوة) ذُكُور مَعَ أخواتهم الْإِنَاث (كَذَا) لَهُم هَذَا الحكم إِذا كَانُوا (لغير الْأُم) بل كَانُوا أشقاء أَو لأَب فالشقيق يعصب شقيقته وَالْأَخ للْأَب يعصب أُخْته للْأَب للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ فِي المَال كُله أَو الْبَاقِي بعد الْفَرْض، وَاحْترز بقوله لغير الْأُم مِمَّا إِذا كَانُوا إخْوَة لأم فَإِنَّهُم يقتسمون ثلثهم الذّكر كالأنثى كَمَا مر فِي قَوْله: وهم فِي قسم ذَاك إسوة الخ. وَالأُخْتُ لَا لِلأُمِّ كيفَ تَأتِي من شَأنِهَا التعصيبُ مَعْ بَنَاتِ (وَالْأُخْت) الشَّقِيقَة أَو لأَب (لَا) الَّتِي (للْأُم كَيفَ تَأتي) وَاحِدَة أَو أَكثر (من شَأْنهَا التَّعْصِيب مَعَ بَنَات) قَالَ فِي التلمسانية: وَالْأَخَوَات قد يصرن عصبات إِن كَانَ للهالك بنت أَو بَنَات فتأخذ الْبِنْت الْوَاحِدَة نصفهَا وَالْأُخْت وَالْأَخَوَات مَا بَقِي وَتَأْخُذ البنتان الثُّلثَيْنِ وَالْأُخْت فَأكْثر مَا بَقِي تعصيباً. كَذَا يُعْصِّبْنَ بنَات الابْنِ وَالعَوْلُ فِي الصَّنْفَيْنِ عَنهُ اسْتُغْنِي (كَذَا يعصبن) أَي الْأَخَوَات (بَنَات الابْن) مفعول يعصبن وَنون الْإِنَاث عَائِدَة على الْأَخَوَات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 685 كَمَا قَررنَا، فَإِذا ترك بنت ابْن وأختاً وأخوات فلبنت الابْن النّصْف وَللْأُخْت أَو الْأَخَوَات النّصْف الْبَاقِي، وَإِذا ترك بِنْتي ابْن فَأكْثر فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَللْأُخْت أَو الْأَخَوَات مَا بَقِي (والعول فِي الصِّنْفَيْنِ) صنف الْأَخَوَات مَعَ الْبَنَات أَو صنفهن مَعَ بَنَات الابْن (عَنهُ استغني) لِأَنَّهُنَّ أَي الْأَخَوَات يرثن مَا فضل من الْبَنَات أَو بَنَات الابْن بِالتَّعْصِيبِ والعاصب لَا يعال لَهُ، بِخِلَاف مَا إِذا اجْتمع الْأَخَوَات مَعَ غير الصِّنْفَيْنِ الْمَذْكُورين فَإِنَّهُنَّ يرثن بِالْفَرْضِ حَيْثُ لَا حَاجِب وَلَا معصب لَهُنَّ كَمَا فِي زوج وأختين أَو زوج وَأم وَأُخْت أَو زوج وَأم وأختين وَأَخ لأم فَالْأولى تعول لسبعة، وَالثَّانيَِة لثمانية، وَالثَّالِثَة لتسعة كَمَا مرّ فِي مسَائِل الْعَوْل، وَاعْلَم أَن العاصب يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة: عاصب بِنَفسِهِ وَهُوَ كل ذكر لم يفصل بَينه وَبَين الْهَالِك أُنْثَى، فالذكور المتقدمون فِي فصل عدد الْوَارِثين كلهم عصبَة إِلَّا الزَّوْج وَالْأَخ للْأُم وعاصب مَعَ غَيره وَهُوَ كل أُنْثَى تصير عاصبة مَعَ أُنْثَى أُخْرَى كالأخت مَعَ الْبِنْت أَو بنت الابْن، وعاصب بِغَيْرِهِ وَهُوَ النسْوَة الْأَرْبَع الْبِنْت وَبنت الابْن وَالْأُخْت الشَّقِيقَة وَالَّتِي للْأَب، وَإِذا اجْتمع كل مِنْهُنَّ مَعَ أَخِيه فَإِنَّهُ يصيرها عاصبة. وَبِنْتُ الابنِ إنْ تَكُنْ قدْ حُجِبَتْ بابْنِ مُسَاوٍ أَوْ أَحَطَّ عَصَّبَتْ (وَبنت الابْن إِن تكن قد حجبت) بِاثْنَتَيْنِ فَوْقهَا من بَنَات الصلب فَإِنَّهَا (بِابْن) ابْن فَهُوَ على حذف مُضَاف كَقَوْلِهِم: قطع الله يَد وَرجل من قَالَهَا بِقَرِينَة قَوْله: (مسَاوٍ) لَهَا فِي الدرجَة (أَو أحط) أَي أَسْفَل مِنْهَا بِدَرَجَة أَو دَرَجَات كَابْن ابْن أَخِيهَا (عصبت) فترث مَعَه الثُّلُث الْبَاقِي للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ فَقَوله: عصبت بِفَتْح الْعين وبابن يتَعَلَّق بِهِ لَا بحجبت لِأَنَّهَا إِذا حجبت بِابْن لَا تَرث شَيْئا (خَ) وحجبها ابْن فَوْقهَا أَو بنتان فَوْقهَا إِلَّا ابْن فِي درجتها مُطلقًا أَو أَسْفَل فمعصب الخ. وَمَفْهُوم حجبت أَنَّهَا إِذا لم تحجب كَمَا لَو كَانَت مَعَ بنت وَاحِدَة، فَإِنَّهَا تَأْخُذ السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَالثلث الْبَاقِي يَأْخُذهُ ابْن أَخِيهَا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مر فِي قَوْله: وَالْحكم كَذَا مَعَ بنت صلب لابنَة ابْن يحتذا. وبأخٍ لَا بابْنِهِ أَخَوَاتُ الأبْ تَعْصِيبُهُنَّ مَعْ شَقيقَاتٍ وَجَبْ (وبأخ لَا بِابْنِهِ أَخَوَات) مُبْتَدأ وَهُوَ بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْخَاء جمع مؤنث سَالم سكنت عينه للضَّرُورَة كَقَوْلِه: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 686 وحملت زفرات الضُّحَى فأطقتها وَمَا لي بزفرات الْعشي يدان قَالَ ابْن هِشَام: هِيَ ضَرُورَة حَسَنَة لِأَن هَذِه الْعين قد تسكن فِي الْمُفْرد كَقَوْلِه: يَا عَمْرو يَا ابْن الأكرمين نسبا بِسُكُون السِّين (الْأَب) مُضَاف إِلَيْهِ وَيقْرَأ بِنَقْل حَرَكَة الْهمزَة للام للوزن (تعصيبهن) مُبْتَدأ ثَان (مَعَ شقيقات) يتَعَلَّق بقوله: (وَجب) وَكَذَا قَوْله بِأَخ، وَالتَّقْدِير وأخوات الْأَب تعصيبهن وَجب مَعَ شقيقات بِأَخ لَا بِابْن أَخ، وَمرَاده بالشقيقات اثْنَتَانِ فَأكْثر، وَالْمعْنَى أَن الْأُخْت للْأَب إِنَّمَا يعصبها أَخُوهَا الَّذِي فِي درجتها اجْتمع مَعَ شَقِيقَة وَاحِدَة أَو مَعَ شقيقتين فَأكْثر فَلَهُمَا النّصْف الْبَاقِي مَعَ الْوَاحِدَة للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَالثلث الْبَاقِي مَعَ الشقيقتين فَأكْثر، كَذَلِك ابْن الْأَخ فَإِنَّهُ لَا يعصبها فَإِذا اجْتمعت مَعَ الْوَاحِدَة فلهَا السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَالثلث الْبَاقِي لِابْنِ أَخِيهَا، وَإِذا اجْتمعت مَعَ شقيقتين، فَأكْثر فَلَا شَيْء لَهَا بل الثُّلُث الْبَاقِي يخْتَص بِهِ ابْن الْأَخ لِأَنَّهُ لَا يعصبها بِخِلَاف بنت الابْن، فَإِن ابْن أَخِيهَا يعصبها فِي الثُّلُث الْفَاصِل عَن البنتين كَمَا مر، بِهَذَا وَردت السّنة كَمَا فِي ابْن يُونُس، وَتَقَدَّمت الْإِشَارَة إِلَى هَذَا الْفِقْه عِنْد قَوْله: وأشمل لأخت جِهَة فِي الحكم. تَتِمَّة: تقدم أول الْبَاب أَن علم الْفَرَائِض على قسمَيْنِ معرفَة من يَرث وَمن لَا يَرث، وَتكلم عَلَيْهِ النَّاظِم من أول الْبَاب إِلَى آخر الْكتاب وَمَعْرِفَة مَا يُوصل لكل ذِي حق حَقه فِي المناسخات قد بَقِي عَلَيْهِ، وَهَا أَنا أذكر لَك كَيْفيَّة ذَلِك تتميماً للمقصود فَأَقُول صفة الْعَمَل فِي ذَلِك أَن تجْعَل الجامعة الَّتِي انْتَهَت إِلَيْهَا فريضتك إِلَى أئمتها الْأَوَائِل، وَتحفظ تِلْكَ الْأَئِمَّة ثمَّ تحل أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِلَى أئمتها الْأَوَائِل وأئمة الْأُوقِيَّة هِيَ ثَمَانِيَة للأثمان وَاثنا عشر للفلوس وَثَمَانِية للحبوب وترتيبها هَكَذَا: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 687 ثمَّ بعد الْفَرَاغ من حل أَئِمَّة الْأُوقِيَّة وأئمة الجامعة تقَابل بَين مَا حللت إِلَيْهِ من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة وأئمة الجامعة، وَلَا يَخْلُو الْحَال إِذْ ذَاك من أَرْبَعَة أوجه: إِمَّا مماثلة فِي الْجَمِيع، وَإِمَّا عدمهَا فِي الْجَمِيع، وَإِمَّا مماثلة فِي الْبَعْض دون الْبَعْض، ثمَّ هَذَا الْبَعْض المماثل إِن كَانَ من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِمَّا أَن يكون وَاحِدًا أَو مُتَعَددًا، فَإِن كَانَت الْمُمَاثلَة فِي الْجَمِيع فَالْمَال المقتسم هُوَ جُزْء سهم الجامعة ضَعْهُ عَلَيْهَا وَاضْرِبْ فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، وَهَذَا هُوَ الْوَجْه الأول، وَإِن وَقعت الْمُخَالفَة فِي الْجَمِيع فسطح أَئِمَّة الْأُوقِيَّة بأجمعها، وَالْخَارِج اضربه فِي المَال المقتسم وَالْخَارِج هُوَ جُزْء سهم الجامعة اضْرِب فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، واقسم على أَئِمَّة الجامعةكلها وَقدم فِي الْقِسْمَة أكبرها، ثمَّ على ثَمَانِيَة الْحُبُوب الخ. وَهَذَا هُوَ الْوَجْه الثَّانِي، وَإِن وَقعت الْمُمَاثلَة فِي الْبَعْض وَالْبَعْض الَّذِي لم يماثل من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِمَام وَاحِد، فَاضْرِبْهُ فِي المَال وَالْخَارِج هُوَ جُزْء السهْم، وَهَذَا هُوَ الْوَجْه الثَّالِث، وَإِن كَانَ الْبَعْض الَّذِي لم يماثل من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة أَكثر من إِمَام وَاحِد فسطحه، وَاضْرِبْ الْخَارِج فِي المَال وَالْخَارِج هُوَ جُزْء السهْم اضْرِب فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، وَهَذَا الْوَجْه الرَّابِع. وَهَذَا النّظر كُله فِي أَئِمَّة الْأُوقِيَّة، وَأما أَئِمَّة الجامعة فَإِن ماثلت كلهَا فَلَا يقسم الْخَارِج من ضرب مَا بيد كل وَارِث فِي جُزْء سهم الجامعة على شَيْء مِنْهَا، وَإِنَّمَا يقسم على ثَمَانِيَة الْحُبُوب أَولا، ثمَّ الْخَارِج على اثْنَي عشر للفلوس ثَانِيًا ثمَّ الْخَارِج على ثَمَانِيَة الْأَثْمَان ثَالِثا، وَإِن خَالَفت كلهَا فَلَا بُد من الْقِسْمَة عَلَيْهَا أَولا مرتبَة كعمل التَّسْمِيَة ثمَّ يقسم الْخَارِج على أَئِمَّة الْأُوقِيَّة على نَحْو مَا تقدم، وَإِن ماثل بَعْضهَا وَخَالف الْبَعْض فأسقط المماثل وَلَا بُد من الْقِسْمَة أَولا على الْمُخَالف مِنْهَا، ثمَّ على أَئِمَّة الْأُوقِيَّة كَمَا تقدم، وَلَا بُد من تَرْتِيب أَئِمَّة الْأُوقِيَّة على الْوَجْه الْمُتَقَدّم وإلاَّ فسد الْعَمَل بِخِلَاف أَئِمَّة الجامعة، فتقديم الْأَكْبَر بِالْقِسْمَةِ عَلَيْهِ أَولا أفضل فَقَط لِأَن النِّسْبَة وَاحِدَة تقدم الْأَكْبَر أَو الْأَصْغَر، وَإِذا ضربت مَا بيد كل وَارِث من الجامعة فِي جُزْء سهمها فأقسم الْخَارِج على إِمَام من الْأَئِمَّة الْمَذْكُورَة وَالْخَارِج من الْقِسْمَة أقسمه على الإِمَام الَّذِي قبله، وَالْبَاقِي ضَعْهُ تَحت الإِمَام الْمَقْسُوم عَلَيْهِ لِأَنَّك تنسبه إِلَيْهِ، وَهَكَذَا حَتَّى يفرغ الْمَقْسُوم فالباقي من الْقِسْمَة على إِمَام من أَئِمَّة الجامعة أَجزَاء مَأْخُوذَة من الْحبّ، وَالْبَاقِي من الْقِسْمَة على ثَمَانِيَة الْحُبُوب حبوب، وَالْبَاقِي من الْقِسْمَة على اثْنَي عشر للفلوس فلوس وَالْبَاقِي على ثَمَانِيَة الْأَثْمَان أَثمَان فالقسمة على ثَمَانِيَة الْأَثْمَان عدد صَحِيح فَإِذا فرغت من ضرب مَا بيد كل وَارِث من الجامعة فِي جُزْء سهمها، وَمن قسْمَة الْخَارِج على الْأَئِمَّة الْمَذْكُورَة رجعت إِلَى الاختبار بِالْجمعِ، فتجمع مَا تَحت الإِمَام الْأَخير وتقسم الْمُجْتَمع عَلَيْهِ وَالْخَارِج من الْقِسْمَة من جنس الإِمَام الَّذِي قبله ضَعْهُ تَحت جدوله واجمعه إِلَى الْأَعْدَاد الْمَوْضُوعَة تَحت ذَلِك الإِمَام واقسم الْمُجْتَمع أَيْضا عَلَيْهِ، وَهَكَذَا حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى الْقِسْمَة على ثَمَانِيَة الْأَثْمَان فَيكون الْخَارِج من الْقِسْمَة عَلَيْهَا عددا صَحِيحا أَدخل بِهِ تَحت آحَاد الصَّحِيح فِي جدول المَال الموَالِي لجدول الْأَئِمَّة قبله واجمع مُرْتَفع المَال للمقسوم من غير تَحْرِيف وَلَو بِجُزْء دَقِيق، وَمهما لم يَنْقَسِم عدد على إِمَامه وَبقيت مِنْهُ بَقِيَّة فَالْعَمَل فَاسد، فَارْجِع وَانْظُر من أَيْن دخل الْفساد فكثيراً مَا يعتري من سرعَة الْيَد فِي الْعَمَل وَعدم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 688 التثبت فِيهِ، وَلَا بُد من أَمْثِلَة يَتَّضِح بهَا الْعَمَل الْمَقْصُود إِن شَاءَ الله، وتنوعها بِاعْتِبَار مَا ذكر من الْمُمَاثلَة فِي الْجَمِيع وَعدمهَا فِي الْجَمِيع وَعدم وجودهَا فِي الْبَعْض الْمُفْرد والمتعدد، فمثال الْمُمَاثلَة فِي الْجَمِيع من ترك سِتَّة بَنِينَ توفّي أحدهم عَن زَوْجَة وَسِتَّة عشر ابْنا، فالفريضة الأولى من سِتَّة مَاتَ أحد الْبَنِينَ عَن سهم وَاحِد مِنْهَا، وفريضته صحت من ثَمَانِيَة وَعشْرين وَمِائَة، فَانْظُر بَين سَهْمه من الأولى وَمَا صحت مِنْهُ مَسْأَلته تَجِد بَينهمَا التباين لِأَن الْوَاحِد الَّذِي هُوَ سَهْمه من الأولى مباين للثمانية وَالْعِشْرين وَالْمِائَة الَّتِي صحت مِنْهَا فريضته، فارب حِينَئِذٍ الْفَرِيضَة الأولى الَّتِي هِيَ سِتَّة فِي كَامِل الثَّمَانِية عملا بقول (خَ) وَإِن لم يتوافقا ضرب مَا صحت مِنْهُ مَسْأَلته فِيمَا صحت مِنْهُ الأولى الخ. يخرج ثَمَانِيَة وَسِتُّونَ وَسَبْعمائة وَهِي الجامعة، ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من الأولى أَخذه مَضْرُوبا فِي الثَّانِيَة، وَمن لَهُ شَيْء من الثَّانِيَة أَخذه مَضْرُوبا فِي سِهَام موروثه، فَكل ابْن من الأولى لَهُ وَاحِد يَأْخُذهُ مَضْرُوبا فِي الثَّمَانِية وَالْعِشْرين وَالْمِائَة يخرج لَك الْعدَد الْمَذْكُور بِعَيْنِه لِأَن الضَّرْب فِي الْوَاحِد لَا يزِيد فضع لَهُ ذَلِك الْعدَد فِي جدوله تَحت الجامعة، وللزوجة من الثَّانِيَة سِتَّة عشر تأخذها مَضْرُوبَة فِي سِهَام الْمَوْرُوث وَهُوَ وَاحِد بِسِتَّة عشر ضعها لَهَا فِي جدولها تَحت الجامعة، وَلكُل ابْن من أبنائها من الثَّانِيَة سَبْعَة يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي سِهَام الْمَوْرُوث بسبعة ضعها لَهُ فِي جدوله تَحت الجامعة أَيْضا، ثمَّ اجْمَعْ ذَلِك فَإِن ارْتَفَعت الجامعة صَحِيحَة فَالْعَمَل صَحِيح، وإلاَّ فَارْجِع وَانْظُر من أَيْن دخل الْفساد، وَإِذا صحت الجامعة فَحلهَا إِلَى أَوَائِل أئمتها وَهِي ثَلَاثَة وَاثْنَانِ ثَمَان مَرَّات مثل أَئِمَّة الْأُوقِيَّة فاسقط أَثمَان الجامعة كلهَا وَاجعَل المَال ولتفرضه عشر أواقي جُزْء سهم الجامعة ضَعْهُ عَلَيْهَا، وَاضْرِبْ فِيهِ مَا بيد كل وَارِث واقسم الْخَارِج على أَئِمَّة الْأُوقِيَّة فَقَط على ترتيبها الْمَذْكُور، وَلَا تقسم على شَيْء من أَئِمَّة الجامعة لِأَنَّهَا ذهبت كلهَا للماثلة، فَيجب لكل ابْن من الأولى أُوقِيَّة وَخَمْسَة أَثمَان الْأُوقِيَّة وَأَرْبَعَة أفلس، وللزوجة أُوقِيَّة وَثَمَانِية أفلس، وَلكُل ابْن من الثَّمَانِية ثَمَانِيَة أفلس وَسِتَّة حبوب وَهَكَذَا كَمَا فِي الْجَدْوَل: ثمَّ اجْمَعْ مَا تَحت ثَمَانِيَة الْحُبُوب تَجدهُ سِتَّة وَتِسْعين اقسمه عَلَيْهَا يخرج اثْنَا عشر ادخل بهَا تَحت جدول الاثْنَي عشر للفلوس، واجمعها إِلَى مَا فَوْقهَا يجْتَمع ثَمَانِيَة وَسِتُّونَ وَمِائَة اقسمها عَلَيْهَا يخرج أَرْبَعَة عشر لكل وَاحِد ادخل بهَا تَحت ثَمَانِيَة الْأَثْمَان، واجمعها إِلَى مَا فَوْقهَا يرْتَفع أَرْبَعُونَ اقسمها عَلَيْهَا يخرج خَمْسَة من الصَّحِيح ادخل بهَا تَحت الْعشْر أواقي، واجمع يرْتَفع لمَال الْمَقْسُوم كَمَا هُوَ الْمَطْلُوب. وَمِثَال: مَا إِذا ماثلت أَئِمَّة الجامعة كلهَا وَبَقِي من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة أَكثر من إِمَام وَاحِد امْرَأَة مَاتَت وَتركت أَبَاهَا وبنتها وَابْن ابْنهَا، ثمَّ مَاتَت بنتهَا عَن أَرْبَعَة بَنِينَ، ثمَّ مَاتَ أحد الْبَنِينَ عَن بنتين وَوَلَدي ابْن، فالفريضة الأولى من سِتَّة وَالثَّانيَِة من أَرْبَعَة والثالة من سِتَّة، فللبنت الهالكة من الْفَرِيضَة الأولى ثَلَاثَة، وفريضتها من أَرْبَعَة وَبَين سهامها وفريضتها التباين لِأَن الثَّلَاثَة اليت هِيَ سهامها مباينة للأربعة الَّتِي هِيَ فريضتها، فَاضْرب حِينَئِذٍ الْفَرِيضَة الأولى فِي كَامِل الثَّانِيَة عملا بِمَا تقدم عَن (خَ) يخرج لَك أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ هِيَ الجامعة للفريضتين ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من الأولى أَخذه مَضْرُوبا فِي الثَّانِيَة وَمن لَهُ شَيْء من الثَّانِيَة أَخذه مَضْرُوبا فِي سِهَام موروثه فالأب لَهُ وَاحِد من الأولى يَأْخُذهُ مَضْرُوبا فِي أَرْبَعَة بأَرْبعَة، وَابْن الابْن لَهُ اثْنَان من الأولى يأخذهما مضروبين فِي أَرْبَعَة بِثمَانِيَة، وَلكُل وَاحِد من أَبنَاء الهالكة من الْفَرِيضَة الثَّانِيَة وَاحِد يَأْخُذهُ مَضْرُوبا فِي سِهَام موروثه بِثَلَاثَة يجْتَمع من ذَلِك أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ مَاتَ أحد الْبَنِينَ الْأَرْبَعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 689 عَن بنتين وَوَلَدي ابْن وفريضته تصح من سِتَّة وسهامه الَّتِي مَاتَ عَنْهَا ثَلَاثَة، وَبَين فريضته وسهامه الَّتِي مَاتَ عَنْهَا التوافق بِالثُّلثِ لِأَن ثلث الثَّلَاثَة وَاحِد وَثلث السِّتَّة اثْنَان، فَتضْرب الجامعة الَّتِي هِيَ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ فِي وفْق السِّتَّة وَهِي اثْنَان عملا بقول (خَ) : والأوفق بَين نصِيبه وَمَا صحت مِنْهُ مَسْأَلته وَضرب وفْق الثَّانِيَة فِي الأولى الخ. يخرج ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من الأولى أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق الثَّانِيَة، وَمن لَهُ شَيْء من الثَّانِيَة أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق سِهَام موروثة فللأب أَرْبَعَة من الأولى الَّتِي هِيَ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ لِأَنَّهَا صَارَت أولى بِالنِّسْبَةِ للَّتِي تَلِيهَا يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي اثْنَيْنِ بِثمَانِيَة ولولد الابْن مِنْهَا ثَمَانِيَة أَيْضا يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي اثْنَيْنِ بِسِتَّة عشر، وَلكُل ابْن من الْفَرِيضَة الثَّانِيَة ثَلَاثَة يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي اثْنَيْنِ بِسِتَّة، وَلكُل بنت من الْفَرِيضَة الثَّالِثَة اثْنَان تأخذهما مضروبين فِي وفْق سِهَام موروثها وَهُوَ وَاحِد بِاثْنَيْنِ، وَلكُل ولد ابْن مِنْهَا وَاحِد يَأْخُذهُ مَضْرُوبا فِي وفْق سِهَام موروثه وَهُوَ وَاحِد بِوَاحِد، وضع لكل وَاحِد عدده الَّذِي لَهُ فِي جدوله تَحت الجامعة كَمَا مر، واجمع ذَلِك فَإِن صحت الجامعة فَحلهَا إِلَى أَوَائِل أئمتها وَهِي ثَلَاثَة وَاثْنَانِ أَربع مَرَّات قابلها بأئمة الْأُوقِيَّة التيهي ثَلَاثَة وَاثْنَانِ ثَمَان مَرَّات، واسقط المماثل يبْقى من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة اثْنَان أَربع مَرَّات سطحها، وَالْخَارِج اضربه فِي المَال يخرج سِتُّونَ وَمِائَة هِيَ جُزْء السهْم ضَعْهُ على رَأس الجامعة، وَاضْرِبْ فِيهِ مَا بيد كل وَاحِد، واقسم على ثَمَانِيَة الْحُبُوب ثمَّ على اثْنَي عشر الْفُلُوس، ثمَّ على ثَمَانِيَة الْأَثْمَان وَلَا تقسم على شَيْء من أَئِمَّة الجامعة لمماثلتها كلهَا فَيجب للْأَب أُوقِيَّة وَخَمْسَة أَثمَان الْأُوقِيَّة وَأَرْبَعَة أفلس، وَلابْن الابْن ثَلَاث أَوَاقٍ وَثمن الْأُوقِيَّة وَثَمَانِية أفلس، وَلكُل ابْن فِي الْفَرِيضَة الثَّانِيَة أُوقِيَّة وَثمنا الْأُوقِيَّة، وَلكُل بنت فِي الْفَرِيضَة الثَّالِثَة ثَلَاث أَثمَان الْأُوقِيَّة وَأَرْبَعَة أفلس وَلكُل ولد ابْن مِنْهَا ثمن الْأُوقِيَّة وَثَمَانِية أفلس هَكَذَا: ثمَّ اجْمَعْ مَا تَحت اثْنَي عشر الْفُلُوس تَجدهُ سِتَّة وَثَلَاثِينَ أقسمه عَلَيْهَا يخرج ثَلَاثَة لكل وَاحِد ادخل بهَا تَحت ثَمَانِيَة الْأَثْمَان، واجمعها إِلَى مَا فَوْقهَا يجْتَمع أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ اقسمها عَلَيْهَا تخرج ثَلَاثَة لكل وَاحِد ادخل بهَا تَحت جدول المَال واجمعها إِلَى مَا فَوْقهَا يرْتَفع لَك المَال بِتَمَامِهِ، وَأما إِذا بَقِي من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِمَام وَاحِد، فَإِن ذَلِك الإِمَام يضْرب فِي المَال وَالْخَارِج هُوَ جُزْء السهْم يضْرب فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، وَيقسم على أَئِمَّة الْأُوقِيَّة على ترتيبها الْمَذْكُور وَلَا يقسم على شَيْء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 690 من أَئِمَّة الجامعة حَيْثُ ماثلت كلهَا كَمَا مر، فَإِن بَقِي شَيْء مِنْهَا لم يماثل فَلَا بُد من الْقِسْمَة عَلَيْهِ أَولا ثمَّ على أَئِمَّة الْأُوقِيَّة على ترتيبها الْمَذْكُور، ومثاله: رجل مَاتَ وَترك زَوْجَتَيْنِ عَائِشَة وحدهم وَأَوْلَاده فَمن الثَّانِيَة مُحَمَّد، وَمن الأولى الطّيب وَفَاطِمَة وزهرة وَمن غَيرهمَا عبد الْقَادِر، وفريضته تصح من أَرْبَعَة وَسِتِّينَ لكل زَوْجَة أَرْبَعَة، وَلكُل ولد من أَوْلَاده الثَّلَاثَة أَرْبَعَة عشر، وَلكُل بنت سَبْعَة مَاتَت عَائِشَة عَن أَرْبَعَة، فَورثَهَا أَوْلَادهَا الطّيب وَفَاطِمَة وزهرة ونصيبها منقسم عَلَيْهِم، للطيب اثْنَان تضم للأربعة عشر الَّتِي بِيَدِهِ فَيصير بِيَدِهِ سِتَّة عشر، وَلكُل من أختيه وَاحِد يضم لما بِيَدِهَا، فَيصير بيد كل وَاحِدَة مِنْهُمَا ثَمَانِيَة عملا بقول (خَ) : فَإِن انقسم نصيب الثَّانِي على ورثته صحتا الخ. ثمَّ مَاتَت حَدهمْ الْمَذْكُورَة فَورثَهَا وَلَدهَا مُحَمَّد فتضم أربعتها لنصيبه فَيصير بِيَدِهِ ثَمَانِيَة عشر، ثمَّ مَاتَت الزهرة فَورثَهَا شقيقاها الطّيب وَفَاطِمَة وفريضتها من ثَلَاثَة مباينة لسهامها الَّتِي هِيَ ثَمَانِيَة فَتضْرب حِينَئِذٍ الْفَرِيضَة الأولى الَّتِي هِيَ أَرْبَعَة وَسِتُّونَ فِي كَامِل الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ ثَلَاثَة عملا بقول (خَ) : وَإِن لم يتوافقا ضرب مَا صحت مِنْهُ مَسْأَلته فِيمَا صحت مِنْهُ الأولى الخ. يخرج اثْنَان وَتسْعُونَ وَمِائَة هِيَ الجامعة، ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من الأولى ضرب لَهُ فِي الثَّانِيَة وَمن لَهُ شَيْء من الثَّانِيَة أَخذه مَضْرُوبا فِي سِهَام موروثه، فلمحمد من الأولى ثَمَانِيَة عشر يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بأَرْبعَة وَخمسين ضعها لَهُ فِي جدوله تَحت الجامعة، ولعَبْد الْقَادِر من الأولى أَرْبَعَة عشر يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعين ضعها لَهُ تَحت الجامعة، وللطيب من الأولى سِتَّة عشر يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بِثمَانِيَة وَأَرْبَعين وَله من الثَّانِيَة اثْنَان يأخذهما مضروبين فِي سِهَام موروثه الَّتِي هِيَ ثَمَانِيَة بِسِتَّة عشر، فَيكون مَجْمُوع مَا بِيَدِهِ من الأولى وَالثَّانيَِة أَرْبَعَة وَسِتُّونَ ضعها لَهُ فِي جدوله تَحت الجامعة، ولفاطمة من الأولى ثَمَانِيَة تأخذها مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بأَرْبعَة وَعشْرين، وَلها من الثَّانِيَة وَاحِد تَأْخُذهُ مَضْرُوبا فِي سِهَام موروثها وَهِي ثَمَانِيَة بِثمَانِيَة فيجتمع لَهَا من الأولى، وَالثَّانيَِة اثْنَان وَثَلَاثُونَ ضعها لَهَا فِي جدولها تَحت الجامعة، ثمَّ مَاتَ عبد الْقَادِر عَن زَوْجَة وَثَلَاث بَنَات عَائِشَة وَفَاطِمَة وآمنة وعصبة إخْوَته للْأَب الطّيب وَمُحَمّد وَفَاطِمَة المذكرون، وفريضته تصح من اثْنَيْنِ وَسبعين للزَّوْجَة تِسْعَة، وَلكُل بنت من بَنَاته سِتَّة عشر، وللطيب سِتَّة، ولمحمد كَذَلِك، ولفاطمة ثَلَاثَة وَبَين فريضته وسهامه التوافق بالأسداس لِأَن سدس الِاثْنَيْنِ وَالسبْعين اثْنَا عشر وَسدس الِاثْنَيْنِ وَالْأَرْبَعِينَ سَبْعَة فَتضْرب حِينَئِذٍ الْفَرِيضَة الأولى الَّتِي هِيَ اثْنَان وَتسْعُونَ وَمِائَة فِي وفْق الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ الاثنا عشر عملا بقول (خَ) : والأوفق بَين نصِيبه وَمَا صحت مِنْهُ مَسْأَلته وَاضْرِبْ وفْق الثَّانِيَة فِي الأولى الخ. يخرج أَلفَانِ وثلثمائة وَأَرْبَعَة هِيَ الجامعة، ثمَّ تَقول: من لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 691 شَيْء من الأولى أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق الثَّانِيَة، وَمن لَهُ شَيْء من الثَّانِيَة أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق سِهَام موروثه، فلمحمد من الأولى أَرْبَعَة وَخَمْسُونَ يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي اثْنَي عشر الَّتِي هِيَ وفْق الثَّانِيَة بِثمَانِيَة وَأَرْبَعين وسِتمِائَة، وَله من الثَّانِيَة سِتَّة يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي سَبْعَة الَّتِي هِيَ وفْق سِهَام الْمَوْرُوث بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعين، فتضم إِلَى مَا بِيَدِهِ فَيصير الْمَجْمُوع تسعين وسِتمِائَة. ضعها لَهُ فِي جدوله تَحت الجامعة وللطيب من الأولى أَرْبَعَة وَسِتُّونَ يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي الاثْنَي عشر بِثمَانِيَة وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة، وَله من الثَّانِيَة سِتَّة مَضْرُوبَة فِي سَبْعَة وفْق سِهَام الْمَوْرُوث بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعين يصير مَجْمُوع مَا بِيَدِهِ ثَمَانمِائَة وَعشرَة. ضعها لَهُ تَحت الجامعة، ولفاطمة من الأولى اثْنَان وَثَلَاثُونَ تأخذها مَضْرُوبَة فِي وفْق الثَّانِيَة بأَرْبعَة وَثَمَانِينَ ومثلثمائة، وَلها من الثَّانِيَة ثَلَاثَة تأخذها مَضْرُوبَة فِي سَبْعَة بِإِحْدَى وَعشْرين يجْتَمع لَهَا من الفريضتين أَرْبَعمِائَة وَخَمْسَة ضعها لَهَا فِي جدولها تَحت الجامعة، ولزوجة عبد الْقَادِر من الثَّانِيَة تِسْعَة تأخذها مَضْرُوبَة فِي سَبْعَة وفْق سِهَام موروثها بِثَلَاثَة وَسِتِّينَ ضعها لَهَا فِي جدولها تَحت الجامعة، وَلكُل من بناتها الثَّلَاث سِتَّة عشر يأخذنها مَضْرُوبَة فِي سَبْعَة بِمِائَة واثني عشر لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ، ثمَّ مَاتَت آمِنَة بنت عبد الْقَادِر الْمَذْكُور فورثتها أمهَا الْمَذْكُورَة وشقيقتاها فَاطِمَة وَعَائِشَة المذكورتان، وعصبها عماها مُحَمَّد وَالطّيب، وفريضتها تصح من اثْنَي عشر للْأُم اثْنَان، وللشقيقتين ثَمَانِيَة أَرْبَعَة لكل وَاحِدَة مِنْهَا ولعميها وَاحِد لكل وَاحِد مِنْهُمَا وَبَين فريضتها وسهامها التوافق بالأرباع لِأَن سهامها الَّتِي هِيَ الاثْنَي عشر وَمِائَة لَهَا ربع وَهُوَ ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ، وفريضتها الَّتِي هِيَ الاثنا عشر لَهَا ربع وَهُوَ ثَلَاثَة، وَحِينَئِذٍ فَتضْرب الْفَرِيضَة الأولى أَعنِي الجامعة الَّتِي هِيَ أَلفَانِ وثلثمائة وَأَرْبَعَة فِي وفْق الثَّانِيَة، وَهِي ثَلَاثَة عملا بقول (خَ) : والأوفق بَين نصِيبه وَمَا صحت مِنْهُ مَسْأَلته وَاضْرِبْ وفْق الثَّانِيَة فِي الأولى الخ. يخرج لَك سِتَّة آلَاف وَتِسْعمِائَة وَاثنا عشر وَهِي الجامعة الْأَخِيرَة الَّتِي انْتَهَت هَذِه الْفَرَائِض إِلَيْهَا ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من الأولى أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق الثَّانِيَة وَهُوَ ثَلَاثَة، وَمن لَهُ شَيْء من الثَّانِيَة أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق سِهَام موروثه وَهُوَ ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ، فلمحمد من الأولى تسعون وسِتمِائَة يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بِأَلفَيْنِ وَثَمَانِية وَتِسْعين، وَله من الثَّانِيَة وَاحِد يَأْخُذهُ مَضْرُوبا فِي وفْق سِهَام موروثه بِثمَانِيَة وَعشْرين يجْتَمع لَهُ ثَمَانِيَة وَتسْعُونَ وَأَلْفَانِ. ضعها لَهُ تَحت الجامعة، وللطيب من الأولى ثَمَانمِائَة وَعشرَة يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بِأَلفَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة وَثَلَاثِينَ، وَله من الثَّانِيَة وَاحِد يَأْخُذهُ مَضْرُوبا فِي ثَمَانِيَة وَعشْرين يجْتَمع لَهُ أَلفَانِ وَأَرْبَعمِائَة وَثَمَانِية وَخَمْسُونَ ضعها لَهُ تَحت الجامعة، ولفاطمة من الأولى أَرْبَعمِائَة وَخَمْسَة تأخذها مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بِخَمْسَة عشر وَمِائَتَيْنِ وَألف وَلَا شَيْء لَهَا من الثَّانِيَة لِأَنَّهَا لَا تَرث فِي بنت أَخِيهَا، ولزوجة عبد الْقَادِر من الأولى ثَلَاثَة وَسِتُّونَ تأخذها مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بِتِسْعَة وَثَمَانِينَ وَمِائَة، وَلها من الثَّانِيَة اثْنَان تأخذهما مضروبين فِي ثَمَانِيَة وَعشْرين بِسِتَّة وَخمسين يجْتَمع لَهَا مِائَتَان وَخَمْسَة وَأَرْبَعُونَ ضعها لَهَا فِي جدولها تَحت الجامعة، ولعائشة بنتهَا من الأولى اثْنَا عشر وَمِائَة تأخذها مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بست وَثَلَاثِينَ وثلثمائة، وَلها من الثَّانِيَة أَرْبَعَة تأخذها مَضْرُوبَة فِي ثَمَانِيَة وَعشْرين بِاثْنَيْ عشر وَمِائَة يجْتَمع لَهَا ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ وَأَرْبَعمِائَة، ولفاطمة أُخْتهَا مثلهَا، وَإِذا صحت هَذِه الجامعة فَحلهَا إِلَى أَوَائِل أئمتها وَهِي اثْنَان ثَمَان مَرَّات وَثَلَاثَة ثَلَاث مَرَّات قابلها بأئمة الْأُوقِيَّة فتماثلها كلهَا، وَيبقى من أَئِمَّة الجامعة ثَلَاثَة وَثَلَاثَة فَلَا بُد من الْقِسْمَة أَولا على هذَيْن الْإِمَامَيْنِ، ثمَّ الْخَارِج على أَئِمَّة الْأُوقِيَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 692 على ترتيبها الْمَذْكُور، فَيجب لمُحَمد ثَلَاث أَوَاقٍ وَثَلَاثَة أفلس وَثَلَاثَة حبوب وَثلث ثلث الْحبّ، ونسبته من المَال ثَلَاثَة أعشار وثُمن ربع الْعشْر وَثَلَاثَة أَثمَان ثلث ثمن ربع الْعشْر، فالفدان من الأَرْض مثلا يقسم على عشرَة أَجزَاء فَيَأْخُذ من ذَلِك ثَلَاثَة أَجزَاء، وَثمن ربع الْجُزْء وَثَلَاثَة أَثمَان ثلث ثمن ربع الْجُزْء لِأَن الْحُبُوب ثَمَانِيَة مِنْهَا فِي الْفلس، وَقس على هَذَا مَا بعده، وللطيب ثَلَاثَة أَوَاقٍ وَأَرْبَعَة أَثمَان الْأُوقِيَّة وَخَمْسَة أفلس، وَثَلَاثَة حبوب وَثلث ثلث الْحبّ، ولفاطمة أُوقِيَّة وَسِتَّة أَثمَان الْأُوقِيَّة وَسِتَّة حبوب ولزوجة عبد الْقَادِر ثمنا الْأُوقِيَّة وَعشرَة أفلس وَثلثا ثلث ثمن الْحبّ ولعائشة بنتهَا خَمْسَة أَثمَان الْأُوقِيَّة وفلسان وَحب وَثلثا الْحبّ وَثلث ثلث الْحبّ، ولفاطمة أُخْتهَا مثلهَا جدول هَكَذَا: ثمَّ اجْمَعْ مَا تَحت الثَّلَاثَة تَجدهُ سِتَّة أقسمه عَلَيْهَا يخرج اثْنَان لكل وَاحِد ادخل بهما تَحت الثَّلَاثَة الْأُخْرَى واجمع يخرج سِتَّة أَيْضا اقسمه عَلَيْهَا يخرج اثْنَان لكل وَاحِد مِنْهُمَا ادخل بهما تَحت ثَمَانِيَة الْحُبُوب، واجمع يرْتَفع لَك سِتَّة عشر أقسمه عَلَيْهَا يخرج اثْنَان لكل وَاحِد ادخل بهما تَحت الاثْنَي عشر للفلوس يرْتَفع لَك أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ اقسمه عَلَيْهَا يخرج اثْنَان لكل وَاحِد ادخل بهما تَحت ثَمَانِيَة الْأَثْمَان، واجمع يرْتَفع لَك أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ أقسمه عَلَيْهَا يخرج ثَلَاثَة لكل وَاحِد ادخل بهَا تَحت جدول المَال، واجمع يرْتَفع لَك المَال بِتَمَامِهِ. وَهَذِه الْفَرِيضَة هِيَ فَرِيضَة الوالدة رَحمهَا الله فِي أَبِيهَا مَعَ أخواتها، وَلما كنت صَغِيرا فِي الْمكتب رَفعهَا الْوَالِد رَحمَه الله لبَعض أَعْيَان فُقَهَاء فاس، فَلم يحسن قسمتهَا، وَلما منّ الله علينا بتَعَلُّم علم الْفَرَائِض استخرجتها كَمَا ترى، وَهِي أول فَرِيضَة ابتدأت بتعلمها. وَالْحَاصِل أَن أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِن ماثلت أَئِمَّة الجامعة وَلم يفضل شَيْء من أَحدهمَا فَالْمَال هُوَ جُزْء السهْم ضَعْهُ على الجامعة، وَاضْرِبْ فِيهِ مَا بيد كل وَارِث واقسم على ثَمَانِيَة الْحُبُوب فِي الاثْنَي عشر للفلوس، ثمَّ على ثَمَانِيَة الْأَثْمَان كَمَا فِي الْمِثَال الأول وَإِن ماثلت أَئِمَّة الجامعة كلهَا وَبَقِي من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة أَكثر من إِمَام وَاحِد فسطح الْبَاقِي من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة وَاضْرِبْهُ فِي المَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 693 وَالْخَارِج هُوَ جُزْء السهْم، ضَعْهُ على الجامعة وَاضْرِبْ فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، واقسم على ثَمَانِيَة الْحُبُوب أَيْضا، ثمَّ الْفُلُوس ثمَّ الْأَثْمَان كَمَا فِي الْمِثَال الثَّانِي، وَإِن بَقِي من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِمَام وَاحِد، فَاضْرِبْهُ فِي المَال إِذْ لَا شَيْء هُنَاكَ يسطح فِيهِ، وَالْخَارِج هُوَ جُزْء السهْم اضْرِب فِيهِ مَا بيد كل وَارِث واقسم على ثَمَانِيَة الْحُبُوب إِلَى آخِره، وَتركت مِثَاله لفهمه من الَّذِي قبله، وَإِن ماثلت أَئِمَّة الْأُوقِيَّة كلهَا وَبَقِي شَيْء من أَئِمَّة الجامعة فَالْمَال هُوَ جُزْء السهْم اضْرِب فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، واقسم على مَا بَقِي من أَئِمَّة الجامعة، ثمَّ على ثَمَانِيَة الْحُبُوب الخ. كَمَا مر فِي هَذَا الْمِثَال الْأَخير، وَإِن لم تماثل أَئِمَّة الجامعة شَيْئا من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة فسطح أَئِمَّة الْأُوقِيَّة كلهَا، وَالْخَارِج اضربه فِي المَال وَهُوَ جُزْء السهْم، ضَعْهُ على رَأس الجامعة وَاضْرِبْ فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، واقسم على أَئِمَّة الجامعة كلهَا، وَقدم فِي الْقِسْمَة أكبرها، ثمَّ اقْسمْ على ثَمَانِيَة الْحُبُوب الخ. وَإِن بَقِي شَيْء من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة وَشَيْء من أَئِمَّة الجامعة لم يتماثلا فسطح الَّذِي لم يماثل من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِن كَانَ أَكثر من إِمَام وَاحِد، وَاضْرِبْهُ فِي المَال وَالْخَارِج هُوَ جُزْء السهْم اضْرِب فِيهِ مَا بيد كل وَارِث واقسم على مَا لم يماثل من أَئِمَّة الجامعة، وَقدم أكبرها فِي الْقِسْمَة ثمَّ على ثَمَانِيَة الْحُبُوب الخ. وَإِن كَانَ الَّذِي لم يماثل من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِمَامًا وَاحِدًا فَاضْرِبْهُ فِي المَال وَالْخَارِج هُوَ جُزْء السهْم اضْرِب فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، واقسم على مَا لم يماثل من أَئِمَّة الجامعة أَيْضا على ثَمَانِيَة الْحُبُوب الخ. وَتركت أَمْثِلَة ذَلِك لوضوحها مِمَّا مر وَالله أعلم. (فصل فِي ذكر مَوَانِع الْمِيرَاث) أَي: الْأَوْصَاف الَّتِي تمنع مِنْهُ. الكُفْرُ وَالرِّقُّ لإرْثٍ مَنَعَا وَإنْ هما بعدَ الممَاتِ ارْتَفَعَا (الْكفْر) الْأَصْلِيّ (وَالرّق) وَإِن بشائبة حريَّة كمكاتب وَأم ولد ومدبر ومعتق لأجل ومعتق بعضه (لإرث منعا) فَإِذا كَانَ لحر مُسلم ابْن كَافِر أَو رَقِيق وَمَات الْأَب أَو الابْن لم يَرث أَحدهمَا الآخر، بل مَال الْكَافِر لوَرثَته الْكفَّار وَمَال الرَّقِيق وَإِن بشائبة لسَيِّده، هَذَا إِذا اسْتمرّ الْكفْر وَالرّق إِلَى الْقسم، بل (وَإِن هما بعد الْمَمَات) وَقبل قسم المَال (ارتفعا) بل أسلم الْكَافِر أَو عتق العَبْد فِي عقب الْمَوْت وَقبل الْقسم إِذْ بزهوق الرّوح انْتقل الْإِرْث للْغَيْر. وَمِثْلُ ذَاكَ الحُكْمُ فِي المرْتَدِّ وَمُطْلَقاً يَمْنَعُ قتلُ العَمْدِ (وَمثل ذَاك) الْمَذْكُور فِي الْكفْر الْأَصْلِيّ (الحكم فِي الْمُرْتَد) الْعَارِض كفره، فَإِنَّهُ إِذا مَاتَ قَرِيبه زمن استتابته لم يَرِثهُ وَلَو رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ وَلَو مَاتَ هُوَ على ردته لورثه بَيت المَال، وَهَذَا إِذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 694 جهر بالارتداد، وَأما إِذا أسر بِهِ وَهُوَ الزنديق فَإِنَّهُ يقتل بِغَيْر اسْتِتَابَة وَمَاله لوَرثَته الْمُسلمين نظرا إِلَى مَا كَانَ يظهره من الْإِسْلَام (خَ) : وَقتل الْمُسْتَتر بِلَا اسْتِتَابَة إِلَّا أَن يَجِيء تَائِبًا وَمَاله لوَرثَته، (ومطلقاً) من غير تَقْيِيد بِالدِّيَةِ (يمْنَع قتل الْعمد) الْعدوان فَلَا يَرث من مَال وَلَا دِيَة إِن صَالحه الْأَوْلِيَاء بهَا إِجْمَاعًا مُعَاملَة لَهُ بنقيض قَصده لَا لتأديته لخراب الْعَالم لِأَنَّهُ مَحْفُوظ بمشروعية الْقصاص، وَظَاهره بَاشر الْقَتْل أَو تسبب فِيهِ، وَظَاهره وَلَو كَانَ الْقَاتِل صَبيا أَو مَجْنُونا، وَهُوَ كَذَلِك على مَا نَقله الطرطوشي وَغَيره عَن مَالك قَائِلا لِأَن الْمُرَاهق قد يتصابى وَهُوَ محتلم وَقد يتجان وَهُوَ عَاقل، وَمَفْهُوم الْعمد أَشَارَ لَهُ بقوله: وَإنْ يَكُنْ عَن خَطَإ فمنْ دِيَهْ وَحالةُ الشَّكِّ بمنْعٍ مُغْنِيَهْ (وَإِن يكن) الْقَتْل ناشئاً (عَن خطأ فَمن) إِرْث (دِيَة) يمْنَع لَا من إِرْث المَال (خَ) : وَلَا يَرث قَاتل عمد عُدْوانًا وَإِن أَتَى بِشُبْهَة كمخطىء من الدِّيَة الخ. نعم يَرث قَاتل الْعمد وَالْخَطَأ الْوَلَاء كَمَا قَالَ فِي التلمسانية: ويرثان مَعَ الْوَلَاء الخ. وَمعنى ذَلِك أَن من قتل شخصا لَهُ وَلَاء عتق وَالْقَاتِل وَارِث الشَّخْص الْمَذْكُور فَإِنَّهُ يَرث مَاله من الْوَلَاء وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن الْمُعْتق بِالْكَسْرِ إِذا قتل عتيقه يَرِثهُ، بل هَذَا حكمه مَا مر من التَّفْصِيل بَين الْعمد وَالْخَطَأ، وَمَفْهُوم عدوان أَنه لَو قتل موروثه فِي باغيه أَو قصاص لم يمْنَع من إِرْثه (خَ) فِي الباغية: وَكره للرجل قتل أَبِيه وَورثه الخ. وَكَذَا لَو قَتله يَظُنّهُ حَرْبِيّا وَحلف أَو قَتله على وَجه اللّعب أَو تأديباً كَمَا مر أول الدِّمَاء، فَإِن ذَلِك كُله من الْخَطَأ لَا يمْنَع إِرْثه من المَال بل من الدِّيَة فَقَط وَقَوله: وَإِن أَتَى بِشُبْهَة يَعْنِي كَمَا لَو رمى وَلَده بحديدة فَإِنَّهُ لَا يقتل بِهِ كَمَا مر فِي الدِّمَاء وَلَكِن لَا يَرِثهُ. تَنْبِيه: لَو أنفذ مَقْتَله وَارثه وأجهز عَلَيْهِ غَيره، فمذهب ابْن الْقَاسِم، وَرجحه ابْن رشد أَنه لَا يقتل بِهِ المجهز وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَدَب، وَإِنَّمَا يقتل بِهِ المنفذ لمقتله وَعَلِيهِ فَلَا يَرِثهُ وَقيل: يقتل بِهِ المجهز فَقَط وعَلى الآخر الْأَدَب لِأَنَّهُ بعد إنفاذها مَعْدُود من الْأَحْيَاء يَرث وَيُورث ويوصي بِمَا شَاءَ من عتق وَغَيره، فَإِذا مَاتَ أَخُوهُ قبل زهوق روحه، فَإِنَّهُ يَرِثهُ. وَإِذا كَانَ لَهُ أَخ عبدا وَكَافِر فَأسلم أَو عتق بعد إنفاذها وَقبل زهوق روحه فَإِنَّهُ يَرِثهُ. (وَحَالَة الشَّك) فِي التَّقَدُّم والتأخر أَو الْقَتْل عمدا أَو خطأ (بِمَنْع) مِيرَاث (مغنيه) فَإِذا مَاتُوا تَحت هدم أَو فِي سفر أَو غرق أَو حرق وَلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 695 يعلم السَّابِق من اللَّاحِق أَو علم وجهلت عينه فَلَا مِيرَاث بَينهم لِأَن الْمِيرَاث لَا يكون بِالشَّكِّ، وَالْأَصْل فِيهِ إِجْمَاع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم، فقد مَاتَت أم كُلْثُوم بنت عَليّ زوج عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُم، وَابْنهَا زيد فِي وَقت وَاحِد فَلم يَرث أَحدهمَا الآخر وَكَذَا لم يتوارث من قتل يَوْم الْجمل وَيَوْم صفّين وَيَوْم الْحرَّة إِلَّا من علم أَنه مَاتَ قبل الآخر، وعَلى هَذَا فَإِذا مَاتَ رجل وَابْنه وَأمه وَإِحْدَى زوجتيه تَحت هدم مثلا، فللزوجة الْأُخْرَى جَمِيع الرّبع ويستبد بِمَال الْميتَة عاصبها، وَكَذَا الْأُم وَالِابْن، وَلَيْسَ من هَذَا الْمَعْنى من مَاتَ عِنْد الزَّوَال بالمشرق مَعَ من مَاتَ عِنْد الزَّوَال بالمغرب لِأَن زَوَال الْمشرق سَابق على زَوَال الْمغرب. تَنْبِيه: لَا يدْخل فِي كَلَام النَّاظِم كَمَا قَررنَا مَا إِذا شكّ فِي كَون الْقَتْل عمدا أَو خطأ، وَبِه قرر الشَّارِح كَلَام أَبِيه، وقصره عَلَيْهِ لينتفي التّكْرَار مَعَ مَا يَأْتِي وَهُوَ ظَاهر لِأَنَّهُ إِذا شكّ فِي كَونه عمدا أَو خطأ، فَهُوَ مَحْمُول على الْعمد الْعدوان، إِذْ الأَصْل فِي أَفعَال الْعُقَلَاء هُوَ تعمدها، وَالْقَصْد إِلَيْهَا إِلَّا أَن تقوم قرينَة على عدم تعمدها من لعب وأدب وَنَحْوهمَا كَمَا مر أول الدِّمَاء، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَا يُقَال الشَّك فِي التَّقَدُّم والتأخر شكّ فِي السَّبَب وَهُوَ مُؤثر، وَالشَّكّ فِي كَون الْقَتْل عمدا أَو خطأ شكّ فِي الْمَانِع الَّذِي هُوَ الْعمد وَهُوَ غير مُؤثر، لأَنا نقُول: حَيْثُ كَانَ مَحْمُولا على الْعمد فَلَا شكّ، بل هُوَ كمحقق الْوُجُود والنصوص فِيهِ تقدّمت فِي بَاب الدِّمَاء فنبه الشَّارِح وَغَيره على أَنه إِذا شكّ فِي كَونه عمدا أَو خطأ فَهُوَ مَحْمُول على الْعمد فَيمْنَع الْمِيرَاث وَالله أعلم. وَيُوقَفُ القَسْمُ مَعَ الحَمْلِ إِلَى إنْ يَسْتَهِلَّ صَارِخاً فَيُعْمَلاَ (وَيُوقف الْقسم) للتركة (مَعَ) وجود (الْحمل) الْوَارِث كَانَت الْحَامِل زَوْجَة للهالك أَو أمة أَو غَيرهمَا كامرأة أَخِيه أَو عَمه، وَسَوَاء كَانَ الْحمل يَرث تَحْقِيقا أَو احْتِمَالا كالأم فِي الأكدرية الْمُتَقَدّمَة لِأَنَّهَا إِن ولدت أُنْثَى ورثت وإلاَّ لم تَرث (إِلَى أَن يستهل صَارِخًا فيعملا) حِينَئِذٍ على مَا تبين من استهلاله فيرث وَيُورث، وَمن عدم استهلاله فَهُوَ كَالْعدمِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَنَحْوه قَول ناظم عمل فاس: ووقف قسم مُطلقًا إِذا ادّعى حمل لزوجة لهالك نعى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 696 وَإِنَّمَا وقف الْقسم لاستهلاله للشَّكّ هَل يُوجد من الْحمل وَارِث أم لَا؟ وعَلى وجوده هَل هُوَ مُتحد أَو مُتَعَدد وَعَلَيْهِمَا هَل هُوَ ذكر أَو أُنْثَى أَو مُخْتَلف؟ وَظَاهره أَنه يُوقف جَمِيع الْمَتْرُوك وَلَا يعجل للزَّوْجَة وَنَحْوهَا أدنى من سهميها، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور عَن أَشهب يعجل الْقسم فِي الْمُحَقق فتعطى الزَّوْجَة أدنى سهميها وَهُوَ الثّمن وتعطى الْأُم أدناهما أَيْضا وَهُوَ السُّدس، وَذكر سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الصَّادِق فِي شَرحه للمختصر أَنه رأى بِخَط من يوثق بِهِ فِي قسم تَرِكَة الْوَلِيّ الْعَارِف بِاللَّه سَيِّدي أَحْمد بن عبد الله: أَنهم عزلوا حَظّ الْحمل على أَنه ذكر قَالَ: وَكَذَلِكَ فعلته فِي قسْمَة تَرِكَة كبراء بعض الْأَشْرَاف فَوضعت أُنْثَى فقسم فَاضل الْمَوْرُوث بَين الْوَرَثَة اه. وَذَلِكَ لِأَن الْغَالِب فِي الْحَوَامِل وضع شخص وَاحِد ذكر أَو أُنْثَى فيعجل قسم مَا عداهُ وَيُوقف مِيرَاث شخص وَاحِد لِأَنَّهُ الْمَشْكُوك على قَول أَشهب، وَقيل يُوقف للْحَمْل على قَوْله مِيرَاث أَرْبَعَة ذُكُور لِأَنَّهُ غَايَة مَا وَقع تَحْقِيقا لِأَن أم ولد أبي إِسْمَاعِيل ولدت أَرْبَعَة ذُكُور من حمل وَاحِد بِاتِّفَاق الروَاة، وَقيل يُوقف مِيرَاث خَمْسَة، وَقيل مِيرَاث اثْنَي عشر، وَقيل أَرْبَعِينَ. وَقَول النَّاظِم مَعَ الْحمل الخ. يَعْنِي مَعَ ظُهُوره وثبوته بِشَهَادَة النِّسَاء، وَأما لَو ادَّعَت الْمَرْأَة أَنَّهَا حَامِل فَإِن التَّرِكَة توقف أَيْضا حَتَّى تضع أَو يظْهر عدم حملهَا بِانْقِضَاء عدَّة الْوَفَاة وَلَيْسَ بهَا حمل ظَاهر، وَإِن قَالَت: لست بحامل قبل قَوْلهَا وَقسمت التَّرِكَة وَإِن قَالَت: لَا أَدْرِي أخر قسم التَّرِكَة حَتَّى يتَبَيَّن أَنَّهَا لَيست بحامل بِأَن تحيض حَيْضَة أَو يمْضِي أمد الْعدة وَلَا رِيبَة حمل بهَا قَالَه ابْن رشد. فَإِن رجعت عَن إِقْرَارهَا بِالْحملِ فَلَا تصدق حَتَّى تمْضِي عدَّة الْوَفَاة وَتشهد القوابل بِأَنَّهَا لَيْسَ بهَا حمل ظَاهر فتقسم التَّرِكَة حِينَئِذٍ قَالَه ابْن هِلَال. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا وَجب تَأْخِير قسم التَّرِكَة للْحَمْل وَكَانَ للْمَيت أم متزوجة بِغَيْر أَبِيه فَإِن ثَبت حِين وَفَاته أَنَّهَا حَامِل بِشَهَادَة النِّسَاء، فَإِنَّهُ يَرث وَلَو تَأَخّر وَضعه لأربعة أَعْوَام أَو لما فَوْقهَا فِيمَا دون الْخَمْسَة أَعْوَام وَإِن لم يثبت أَنَّهَا حَامِل وَلَا عرف ذَلِك إِلَّا بقولِهَا كَانَ لَهُ الْمِيرَاث إِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 697 وَضعته لأَقل من سِتَّة أشهر من موت أَخِيه، وَلم يكن لَهُ مِيرَاث إِن وَضعته لأكْثر إِلَّا أَن يكون زَوجهَا مَيتا أَو غَائِبا يعلم أَنه لَا يصل إِلَيْهَا بعد وَفَاة ابْنهَا، وَلَا تصدق الْمَرْأَة وَلَا زَوجهَا إِن كَانَ حَاضرا وولدته لأكْثر من سِتَّة أشهر فِي أَنه لم يَطَأهَا بعد موت ابْنهَا قَالَه فِي قسْمَة المعيار عَن ابْن رشد. 5 الثَّانِي: إِذا فرعنا على الْمَشْهُور وتعدى الْوَرَثَة، وقسموا وأوقفوا للْحَمْل أوفر حظيه، ثمَّ هلك مَا بِأَيْدِيهِم كُله أَو بعضه ضمنُوا لتعديهم وَلم يكن لَهُم رُجُوع فِيمَا عزلوا إِن سلم، وَإِن ضَاعَ مَا وقف للْحَمْل فَقَط رَجَعَ على بَقِيَّة الْوَرَثَة وَمَا وقف لَهُ وَتلف كَالْعدمِ، فَإِن وجد بَعضهم عديماً قَاسم المليء مِنْهُم فِيمَا بِيَدِهِ على حسب الْمَوَارِيث وَاتبع جَمِيعهم المعدم كغريم طَرَأَ على وَرَثَة لَا كوارث طَرَأَ عَلَيْهِم، وَلَو نما مَا فِي أَيْديهم دخل عَلَيْهِم فِيهِ وَلم يدخلُوا عَلَيْهِ فِيمَا نما بِيَدِهِ، فالقسمة جَائِزَة عَلَيْهِم لَا عَلَيْهِ فَإِن قاسمهم وَصِيّه أَو القَاضِي أَو مقدمه جَازَت عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم، وَمَفْهُوم الْقسم أَن الدّين يعجل وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : وأخرت أَي الْقِسْمَة لَا دين لحمل، وَفِي الْوَصِيَّة قَولَانِ مَحلهمَا فِي الْوَصِيَّة بِغَيْر عدد، وَأما الْوَصِيَّة بِالْعدَدِ فَإِنَّهَا كَالدّين تعجل اتِّفَاقًا. وَبَيْن مَنْ مَاتَ بِهَدْمٍ أَوْ غَرَقْ يَمْتَنِعُ الإرْثُ لجهلِ مَنْ سَبَقْ (وَبَين من مَاتَ) من الْأَقَارِب (بهدم أَو غرق يمْتَنع الْإِرْث لجهل من سبق) كَمَا تقدم عِنْد قَوْله: وَحَالَة الشَّك بِمَنْع مغنيه. وَإرثُ خُنْثَى بمَبَالِهِ اعْتُبِرْ وَمَا بَدَا عَلَيْهِ فِي الحُكْم اقْتُصِرْ (وَارِث خُنْثَى) وَهُوَ من لَهُ فرج ذكر وَفرج أُنْثَى أَو لَا يكونَانِ لَهُ، وَلَكِن لَهُ ثقب يَبُول مِنْهُ، وَهَذَا الثَّانِي قد يتمحض للأنوثة بِسَبَب حيض أَو نَبَات ثدي وللذكورة بنبات لحية فَقَوله (بمباله اعْتبر) خَاص بالنوع الأول فَإِن بَال من فرج الذّكر فَهُوَ ذكر أَو من فرج الْأُنْثَى فَهُوَ أُنْثَى، وَكَذَا لَو كَانَ يَبُول مِنْهُمَا لَكِن بَوْله من أَحدهمَا أَكثر خُرُوجًا من الآخر أَو كَانَ خُرُوجه مِنْهُ أسبق من خُرُوجه من الآخر، فَالْحكم للكثير وللأسبق كَمَا قَالَ: (وَمَا بدا) من ذَلِك (عَلَيْهِ فِي الحكم اقْتصر) وَهَذِه العلامات تظهر فِي الصَّغِير وَلَا إِشْكَال إِذْ يجوز النّظر لعورته، وَأما الْكَبِير فَقيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 698 يُؤمر بالبول إِلَى حَائِط أَو عَلَيْهِ، فَإِن ضرب بَوْله الْحَائِط أَو أشرف عَلَيْهِ فَذكر، وإلاَّ فأنثى، وَقيل تنصب لَهُ الْمرْآة وَتعقب بِأَن النّظر لصورة الْعَوْرَة كالنظر لَهَا. وَقد يُجَاب بِأَن ذَلِك للضَّرُورَة حَيْثُ لم يُمكن معرفَة حَاله بِغَيْر الْمرْآة وَظَاهر إطلاقاتهم أَنه لَا يشْتَرط التّكْرَار فَلَو تحققت حَيَاته وبال من أَحدهمَا مرّة وَاحِدَة ثمَّ مَاتَ كفى. وَإنْ يَبُل بالجهتين الْخُنْثَى فَنِصْفُ حَظَّيْ ذَكرٍ وَأُنْثَى (وَإِن يبل بالجهتين الْخُنْثَى) واستويا فِي السبقية وَالْكَثْرَة وقف الْقسم إِلَى بُلُوغه إِن كَانَ غير بَالغ على الْمَشْهُور، ووقف حَظّ ذكر فَقَط أَو أَرْبَعَة على مُقَابِله فَإِن نَبتَت لَهُ لحية دون ثدي أَو أمنى من ذكره فَذكر، وَإِن ظهر لَهُ ثدي كَبِير لَا يشبه ثدي الرِّجَال أَو حاض وَلَو دفْعَة فأنثى، فَإِن ثبتَتْ لَهُ اللِّحْيَة والثدي مَعًا أَو أمنى من فرجيه مَعًا أَو بَال مِنْهُمَا مَعًا واستويا فِي الْكَثْرَة والسبقية فَهُوَ خُنْثَى مُشكل دَائِم الْإِشْكَال، وميراثه من قَرِيبه حِينَئِذٍ مَا أَشَارَ لَهُ بقوله: (فَنصف حظي ذكر وَأُنْثَى) هُوَ الْوَاجِب لَهُ أَي نصف نصِيبه بِتَقْدِير كَونه ذكرا وَنصف نصِيبه بِتَقْدِير كَونه أُنْثَى، فَإِذا كَانَ لَهُ على تَقْدِير الذكورىة سَهْمَان، وعَلى تَقْدِير الأنوثية سهم وَاحِد فَيعْطى نصف النَّصِيبَيْنِ وَهُوَ سهم وَنصف، وَهَذَا إِذا كَانَ يَرث بِكُل التَّقْدِيرَيْنِ، فَإِن كَانَ يَرث بِتَقْدِير الذُّكُورَة فَقَط كعم أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 699 ابْن أَخ أَو بالأنوثة فَقَط كالأخت فِي الأكدرية فَيعْطى نصف مَا يَرث بِهِ وَإِن اسْتَوَى إِرْثه بهما كأخ لأم أعطي السُّدس كَامِلا. وَاعْلَم أَن الْخُنْثَى منحصر فِي الْأَوْلَاد وَأَوْلَادهمْ وَالإِخْوَة وَأَبْنَائِهِمْ والأعمام وَأَبْنَائِهِمْ والموالي وَلَا يَرث الْوَلَاء إِلَّا حَيْثُ يَرِثهُ النِّسَاء لِأَنَّهُ لَيْسَ بعاصب إِذْ لَا يستكمل المَال كُله، وَلَا يتَصَوَّر أَن يكون أَبَا وَلَا أما وَلَا جدا وَلَا جدة وَلَا زوجا وَلَا زَوْجَة لمنع منا كحته مَا دَامَ مُشكلا. قَالَ الزّرْقَانِيّ وَغَيره: فَإِن وَقع وَتزَوج وَولد لَهُ فَلَا شكّ أَن الْولادَة إِن حصلت من الْبَطن فَهُوَ أُنْثَى وَإِن حصلت من الظّهْر فَهُوَ ذكر إِلَّا أَن الْولادَة من الظّهْر لَا يكَاد يقطع بهَا، وَقد قيل أَنَّهَا نزلت بعلي رَضِي الله عَنهُ فِي رجل تزوج بخنثى وأصابها، فَوَقع الْخُنْثَى على جَارِيَة لَهَا فأحبلتها فَأمر عَليّ رَضِي الله عَنهُ بعدِّ أضلاع الْخُنْثَى، فَإِذا هُوَ رجل فزياه بزِي الرِّجَال وَفرق بَينهمَا، فَإِن ولد من الظّهْر والبطن فقد ذكر فِي الْمُقدمَات أَنه يَرث من ابْنه لصلبه مِيرَاث الْأَب كَامِلا، وَمن ابْنه لبطنه مِيرَاث الْأُم كَامِلا اه. وَلَا مِيرَاث بَين وَلَدي الظّهْر والبطن لِأَنَّهُمَا لم يجتمعا فِي ظهر وَلَا بطن فليسا أبوين لأَب وَلَا لأم، وَعَلِيهِ فَلَا يعْتق أَحدهمَا على الآخر إِذا ملكه، وَبِه تعلم أَن قَوْلهم لَا يتَصَوَّر أَن يكون أَبَا وَلَا أما وَلَا جدا وَلَا جدة بَاطِل، بل يتَصَوَّر، وَذَلِكَ كَمَا رَأَيْته وَيتَصَوَّر أَيْضا بِأَن يُوطأ بِشُبْهَة أَو غلط أَو زنا أَو لكَونه لم يعلم بِحرْمَة مناكحته وَهَكَذَا، وَقَول النَّاظِم: فَنصف حظي ذكر وَأُنْثَى الخ. هَذَا فِي الْخُنْثَى الْوَاحِد فَإِن هلك وَترك خُنْثَى وَاحِدًا وَمَعَهُ وَارِث مُحَقّق الذُّكُورَة أَو الْأُنُوثَة أَو بَيت المَال، فَإنَّك تصحح الْمَسْأَلَة على تَقْدِير تذكيره فَقَط وعَلى تَقْدِير تأنيثه فَقَط، ثمَّ انْظُر مَا بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ من تماثل فيكتفي بِأحد المثلين أَو تدَاخل فيكتفي بأكبرهما أَو توَافق فَتضْرب وفْق أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر أَو تبَاين فَتضْرب الْكل فِي الْكل، ثمَّ اضْرِب الْخَارِج فِي حالتي الْخُنْثَى، واقسم الْخَارِج على التَّقْدِيرَيْنِ، فَمَا اجْتمع لَهُ فيهمَا فاعطه نصفه، وَكَذَلِكَ غَيره مِمَّن مَعَه فِي الْفَرِيضَة. مِثَاله: لَو هلك وَترك خُنْثَى وَاحِدًا وعاصباً وَلَو بَيت مَال فعلى تَقْدِير كَونه ذكرا لَهُ الْجَمِيع، وعَلى تَقْدِير كَونه أُنْثَى لَهُ النّصْف من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 700 اثْنَيْنِ وَبَين الْمَسْأَلَتَيْنِ التَّدَاخُل لِأَن الْوَاحِد دَاخل فِي الِاثْنَيْنِ، فتكتفي بِأَحَدِهِمَا واضربهما فِي حالتي الْخُنْثَى بأَرْبعَة لَهُ فِي التَّذْكِير أَرْبَعَة بِتَمَامِهَا. وَفِي التَّأْنِيث اثْنَان نصف الْأَرْبَعَة فمجموع مَا اجْتمع لَهُ فِي الْحَالَتَيْنِ سِتَّة فاعطه نصفهَا وَهُوَ ثَلَاثَة واعط للعاصب وَاحِدًا لِأَنَّهُ نصف مَا بِيَدِهِ، وَكَذَا لَو ترك خُنْثَى وبنتاً فالتذكير من ثَلَاثَة، والتأنيث من ثَلَاثَة أَيْضا فَبين مسألتيه التَّمَاثُل فتكتفي بِأحد المثلين، وَاضْرِبْهُ فِي حالتي الْخُنْثَى يخرج لَهُ سِتَّة فِي الذُّكُورَة مِنْهَا: أَرْبَعَة وَفِي الْأُنُوثَة اثْنَان فمجموع مَا بِيَدِهِ سِتَّة أَيْضا اعطه نصفهَا وَهُوَ ثَلَاثَة وبيد الْبِنْت أَرْبَعَة تَأْخُذ نصفهَا وَهُوَ اثْنَان يبْقى وَاحِد يَأْخُذهُ العاصب، وَمِثَال التباين لَو ترك ابْنا وَخُنْثَى، فعلى ذكوريته الْمَسْأَلَة من اثْنَيْنِ، وعَلى أنوثته الْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة، وَبَينهمَا التباين فَتضْرب الْكل فِي الْكل بِسِتَّة، ثمَّ اضربها فِي حالتي الْخُنْثَى بِاثْنَيْ عشر، فعلى الذكورية لكل وَاحِد سِتَّة، وعَلى الْأُنُوثَة لَهُ أَرْبَعَة وللابن ثَمَانِيَة، فمجموع حظيه فِي الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة عشرَة، فَيَأْخُذ نصفهَا وَهُوَ خَمْسَة ومجموع مَا بيد الابْن أَرْبَعَة عشر فَيَأْخُذ نصفهَا وَهُوَ سَبْعَة. هَذَا كُله فِي الْخُنْثَى الْوَاحِد، وَأما إِذا ترك خنثيين فَإنَّك تصحح الْمَسْأَلَة على أَربع تقديرات على تَقْدِير كَونهمَا ذكرين مَعًا أَو أنثيين مَعًا أَو الْأَكْبَر ذكرا والأصغر أُنْثَى، وَبِالْعَكْسِ. ثمَّ انْظُر مَا بَين الْمسَائِل من تماثل وتداخل وتوافق وتباين على نَحْو مَا تقدم، وَاضْرِبْ الْخَارِج فِي الْأَحْوَال الْأَرْبَعَة واعط لكل وَاحِد ربع مَا اجْتمع لَهُ لَا نصف مَا اجْتمع لَهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ عُمُوم النّظم، وَإِن كَانَ الخناثى ثَلَاثَة فصحح الْمَسْأَلَة على ثَمَان تقديرات، واعط لكل وَاحِد ثمن مَا اجْتمع لَهُ، وَهَكَذَا إِذْ نِسْبَة الْوَاحِد الهوائي لحالتي الخنثي الْوَاحِد النّصْف، ولأربعة أَحْوَال الخنثين الرّبع، ولثمانية أَحْوَال الخناثى الثَّلَاثَة الثّمن، وَقس على ذَلِك. فَلَو ترك خنثين وعاصباً فالتذكير من اثْنَيْنِ والتأنيث من ثَلَاثَة لَهما الثُّلُثَانِ وللعاصب الثُّلُث وَهُوَ وَاحِد، وعَلى تَقْدِير كَون الْأَكْبَر ذكر أَو الْأَصْغَر أُنْثَى وَبِالْعَكْسِ الْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة أَيْضا، فَهَذِهِ الْفَرَائِض الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة مماثلة فتكتفي بِوَاحِدَة مِنْهَا وتضربه فِي اثْنَيْنِ الَّتِي هِيَ فَرِيضَة تذكيرهما مَعًا لمباينتها لَهَا يخرج لَك سِتَّة اضربها فِي الْأَحْوَال الْأَرْبَعَة بأَرْبعَة وَعشْرين أقسمها على كل حَال من الْأَحْوَال الْأَرْبَعَة يحصل لكل خُنْثَى فِي تذكيرهما مَعًا اثْنَا عشر، وَلكُل مِنْهُمَا فِي تأنيثهما مَعًا ثَمَانِيَة، وللعاصب ثَمَانِيَة وَيحصل للأكبر فِي تذكيره فَقَط سِتَّة عشر، وَفِي تأنيثه فَقَط ثَمَانِيَة وَيحصل للأصغر فِي تذكيره وتأنيثه مثله، فيجتمع لكل مِنْهُمَا فِي الْأَحْوَال الْأَرْبَعَة أَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ، وللعاصب ثَمَانِيَة وَنسبَة الْوَاحِد الهوائي إِلَى الْأَحْوَال الْأَرْبَعَة ربع فَيعْطى كل وَارِث ربع مَا اجْتمع لَهُ فَالْكل من الخنثيين أحد عشر، وللعاصب اثْنَان. تَتِمَّة: أول من حكم فِي الْخُنْثَى فِي الْإِسْلَام عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ، وَأول من حكم فِيهِ فِي الْجَاهِلِيَّة عَامر بن الظرب بِكَسْر الرَّاء كَمَا فِي الصِّحَاح كَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة لَا تقع لَهُم معضلة إِلَّا اخْتَصَمُوا إِلَيْهِ وَرَضوا بِحكمِهِ فَسَأَلُوهُ عَن خُنْثَى أتجعله ذكرا أَو أُنْثَى فَقَالَ: امهلوني وَبَات ليلته ساهراً، وَكَانَت لَهُ جَارِيَة اسْمهَا سخيلة ترعى لَهُ غنما وَكَانَت تَأَخّر السراح والرواح حَتَّى تسبق، وَكَانَ يعاتبها على ذَلِك وَيَقُول: أَصبَحت يَا سخيلة أمسيت يَا سخيلة، فَلَمَّا رَأَتْ سهره وقلقه قَالَت لَهُ: مَا لَك فِي ليلتك هَذِه ساهراً؟ قَالَ: وَيحك دعِي أمرا لَيْسَ من شَأْنك، وَيُقَال: إِنَّهَا قَالَت لَهُ ذَلِك بعد إقامتهم عِنْده أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَهُوَ يذبح لَهُم فَقَالَت لَهُ: إِن مقَام هَؤُلَاءِ أسْرع فِي غنمك، وَسَأَلته عَمَّا نزل بِهِ فَذكره لَهَا بعد أَن راجعته مرَارًا فَقَالَت: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 701 سُبْحَانَ الله اتبع الْقَضَاء للمبال. فَقَالَ: فرجتها وَالله يَا سخيلة أمسيت بعد هَذَا أم أَصبَحت، فَخرج حِين أصبح فَقضى بذلك. قلت: وَيُسْتَفَاد من هَذِه الْقَضِيَّة فَوَائِد: مِنْهَا أَن فِي ذَلِك ردعاً ومزدجراً لجهلة الْقُضَاة والمفتيين، فَإِن هَذَا مُشْرك توقف فِي حكم حَادِثَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلم يتجرأ على أَن يحكم بِغَيْر علم، وَقد كَانَت الصَّحَابَة الَّذين هم أعلم الْأمة يتوقفون وَلَا يبادرون. قَالَ ابْن أبي ليلى: أدْركْت فِي هَذَا الْمَسْجِد مائَة وَعشْرين من الصَّحَابَة مَا سُئِلَ أحدهم عَن مَسْأَلَة إِلَّا وودَّ أَن صَاحبه كَفاهُ، وَكَانَ بَعضهم يحِيل على بعض، وَفِي الْمواق أَن الإِمَام النعالي سُئِلَ من برقة عَمَّن قَالَ لامْرَأَته: إِن فعلت كَذَا فلست لي بِامْرَأَة فَبَقيَ سنة كَامِلَة يَتَأَمَّلهَا فَمَا خرج الحكم بِلُزُوم الطَّلَاق إِلَّا بعد مُضِيّ سنة، وَعَلِيهِ عول (خَ) فِي قَوْله: أولست لي بِامْرَأَة إِلَّا أَن يعلق فِي الْأَخير. وَمِنْهَا: أَن الْحِكْمَة فِي الْعلم قد يخلقها الله تَعَالَى على لِسَان من لَا يظنّ بِهِ مَعْرفَتهَا كهذه الْأمة وَإِن عجز عَنْهَا أهل الفطنة والعقول الراسخة، وَفِي التَّنْزِيل: يُؤْتِي الْحِكْمَة من يَشَاء} (الْبَقَرَة: 269) الْآيَة. وَمِنْهَا: أَنه يَنْبَغِي لمن نزل بِهِ أَمر معضل أَن يَسْتَعِين بِغَيْرِهِ كَمَا فعل هَذَا الجاهلي، وَلَو كَانَ الْغَيْر دونه عقلا وعلماً لِأَنَّهُ قد يُوجد فِي النَّهر مَا لَا يُوجد فِي الْبَحْر. وَمِنْهَا: وجوب الْإِنْصَاف إِذا ظهر الْحق كَمَا أنصف هَذَا الجاهلي لهَذِهِ الْأمة، واعترف لَهَا بِالْحَقِّ وَالْفضل، وَمَا أقبح بالإنسان أَن يَسْتَفِيد ويجحد، وَللَّه در شهَاب الدّين الْقَرَافِيّ وَكَانَ يتَمَثَّل بِهِ كثيرا حَيْثُ قَالَ: وَإِذا جَلَست إِلَى الرِّجَال وأشرقت فِي جو باطنك الْعُلُوم الشرد فاحذر مناظرة الجهول فَرُبمَا تغتاظ أَنْت ويستفيد ويجحد وَمِنْهَا: أَن المذاكرة سَبَب النَّفْع كَمَا تَذَاكر هَذَا الجاهلي مَعَ هَذِه الْأمة، وَقد قيل فهم سطرين خير من حفظ، وقرين ومذاكرة اثْنَيْنِ خير من هذَيْن وَللَّه در الْقَائِل: وَللَّه قوم كلما جِئْت زَائِرًا وجدت قلوباً كلهَا ملئت حلما إِذا اجْتَمعُوا جاؤا بِكُل فَضِيلَة ويزداد بعض الْقَوْم من بَعضهم علما وَمِنْهَا: أَن قَول الْإِنْسَان لَا أَدْرِي لَا يُنَافِي كَمَال الْعلم والفهم كَمَا فعل الجاهلي حَيْثُ قَالَ: امهلوني. وَكَانَ ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ يُسأل عَن عشر مسَائِل، ويجيب عَن وَاحِدَة. وَيَقُول فِي الْبَاقِي: لَا أَدْرِي، وَسُئِلَ مَالك عَن ثَمَان وَأَرْبَعين مَسْأَلَة فَقَالَ فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مِنْهَا: لَا أَدْرِي، وَمن كَلَامه رَحمَه الله: إِذا سُئِلت عَن علم وَأَنت لَا تعلمه فَقل: لَا أَدْرِي، فَإِن الله يعلمك مَا لم تكن تعلم، وَفِي الحكم من رَأَيْته مجيباً عَن كل مَا سُئِلَ، ومعبراً لكل مَا شهد، وذاكراً لكل مَا علم، فاستدل بذلك على جَهله، وَالْوَاو فِي كَلَامه بِمَعْنى (أَو) إِذْ كل من الثَّلَاثَة دَلِيل الْجَهْل، وَذَلِكَ لِأَن الْجَواب عَن كل سُؤال يتَضَمَّن دَعْوَى الْإِحَاطَة بِالْعلمِ وَلَيْسَت إِلَّا لعلام الغيوب. وَمِنْهَا: أَن الرياسة لَا تحصل إِلَّا بِالْعلمِ إِذْ النُّفُوس لَا تذعن إِلَّا لمن كَانَ أعلم مِنْهَا، فالعرب إِنَّمَا اتَّخذُوا ابْن الظرب رَئِيسا لما اعتقدوا فِيهِ من فهم المشكلات وَحل المعضلات، وَلم يخلق الله تَعَالَى أشرف مَعَ الْعلم، وَبِه شرفت الْمَلَائِكَة والأنبياء، وَمن أَجله سجدت الْمَلَائِكَة لآدَم حِين علمه ربه الْأَسْمَاء، وَلم يَأْمر الله سُبْحَانَهُ نبيه بِطَلَب الزِّيَادَة من شَيْء إِلَّا من الْعلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد وَقل رب زِدْنِي علما، وَلذَا حث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام على طلبه فَقَالَ (اطْلُبُوا الْعلم وَلَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 702 بالصين) وَقَالَ (كل يَوْم لَا أزداد فِيهِ علما يقربنِي إِلَى الله فَلَا بورك لي فِي طُلُوع شمس ذَلِك الْيَوْم) فَقَالَ الْفُقَهَاء: الْعلم الَّذِي يطْلب وَلَو بالصين هُوَ علم الْحَلَال وَالْحرَام، وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هُوَ علم كتاب الله الْعَزِيز، وَقَالَ المحدثون: هُوَ علم الحَدِيث، وَقَالَ الصُّوفِيَّة: هُوَ علم النَّفس، وَالصَّحِيح أَن الحَدِيث الْكَرِيم شَامِل لذَلِك كُله، إِذْ علم الْحَلَال وَالْحرَام مستنبط من الْكتاب وَالسّنة وَعلم النَّفس رَاجع إِلَى ذَلِك كُله. وَهَذَا كُله فِي الْعلم النافع إِذْ مَا من فضل ورد فِيهِ إِلَّا وَهُوَ خَاص بِهِ، فقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام (الْعلم علمَان علم فِي اللِّسَان فَقَط وَهُوَ حجَّة الله على عَبده، وَعلم فِي الْقلب وَهُوَ الْعلم النافع) . قَالَ أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ رَضِي الله عَنهُ، وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهمَا: كل علم لَا يُورث لصَاحبه خشيَة فِي قلبه وَلَا تواضعاً وَلَا نصيحة لخلقه وَلَا شَفَقَة عَلَيْهِم وَلَا امتثالاً للأوامر وَلَا اجتناباً للنواهي وَلَا حفظا للجوارح، فَهُوَ الْعلم المحجوج بِهِ العَبْد الْمَحْفُوظ فِي اللِّسَان فَقَط، إِذْ الشَّهَوَات غالبة عَلَيْهِ أطفأت نوره وأذهبت ثَمَرَته وَهُوَ الْعلم الْغَيْر النافع، وكل علم تمكن فِي الْقلب وَحصل بِهِ تَعْظِيم الرب وأورث لصَاحبه خشيَة وتواضعاً ونصيحة لِلْخلقِ وشفقة عَلَيْهِم، وامتثال الْأَوَامِر وَاجْتنَاب النواهي فَهُوَ الْعلم النافع، وَقد استعاذ عَلَيْهِ السَّلَام من علم لَا ينفع فَقَالَ (أعوذ بِاللَّه من علم لَا ينفع وقلب لَا يخشع) وَقَالَ: (مَا آتى لله عبدا علما فازداد للدنيا حبا إِلَّا ازْدَادَ من الله غَضبا وبعداً) : وَقَالَ: (أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة عَالم لَا يَنْفَعهُ علمه) وَقَالَ تَعَالَى: يَا نسَاء النَّبِي من يَأْتِ مِنْكُن بِفَاحِشَة مبينَة يُضَاعف لَهَا الْعَذَاب ضعفين} (الْأَحْزَاب: 30) الْآيَة. وَمَا ذَاك إِلَّا لكونهن رَضِي الله عَنْهُن أعلم النَّاس بِشَرِيعَتِهِ وسنته فبمخالفتهن لشريعته مَعَ علمهن بهَا وَجَبت مضاعفة الْعَذَاب وَالْخطاب لَهُنَّ وَلِجَمِيعِ الْأمة، لِأَن الْعَالم إِذا خرج عَن الطَّرِيق تبعه الْجَاهِل، واعتقد أَن ذَلِك حَلَال فَيكون هَذَا الْخَارِج قد أهلك نَفسه وَأهْلك غَيره كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام (إِن الله لَا ينْزع الْعلم من صُدُور الرِّجَال انتزاعاً وَلَكِن يقبضهُ بِقَبض الْعلمَاء حَتَّى إِذا لم يبْق عَالم اتخذ النَّاس رُؤَسَاء جُهَّالًا فسئلوا فأفتوهم بِغَيْر علم فقد ضلوا وأضلوا أَي هَلَكُوا وأهلكوا) . وَقَوله: بِغَيْر علم يَعْنِي إِمَّا عَن جهل ابْتِدَاء وَإِمَّا بعد علم، وَأفْتى بِغَيْر علم عمدا وَإِثْبَات الضلال والهلاك للأتباع يدل على أَنهم لَا يعذرُونَ بخطئهم فِي الإعتقاد وَهُوَ صَرِيح قَوْله تَعَالَى: رَبنَا هَؤُلَاءِ أضلونا فآتهم عذَابا ضعفا من النَّار} (الْأَعْرَاف: 38) يَعْنِي أَن الْكفَّار يَقُولُونَ يَوْم الْقِيَامَة: رَبنَا هَؤُلَاءِ الْأَحْبَار والرؤساء أضلونا، وَزَعَمُوا أَن مَا يدعوننا إِلَيْهِ من عبَادَة الْأَوْثَان وَاتِّبَاع الشَّهَوَات وَمُخَالفَة الْأَنْبِيَاء هُوَ الطَّرِيق الْحق فاعتقدنا ذَلِك. وَنحن لَا نعلم فاعذرنا وآتهم عذَابا ضعفا من النَّار. قَالَ تَعَالَى: لكل ضعف} (الْأَعْرَاف: 38) فسوى بَين الْمَتْبُوع وَالتَّابِع فِي مضاعفة الْعَذَاب وَلم يعْذر التَّابِع بخطئه فِي اعْتِقَاده، وَقَوْلهمْ من قلد عَالما لَقِي الله سالما مَعْنَاهُ إِذا كَانَ الْعَالم مَشْهُورا بِالْعلمِ وَالتَّقوى، فالتقوى تَمنعهُ من أَن يَقُول بَاطِلا، وَالْعلم يعرف بِهِ مَا يَقُول، وَإِن لم يكن كَذَلِك، فَلَا يجوز استفتاؤه وَلَا تَقْلِيده ومقلده مغرور لَاحق لَهُ الْوَعيد الْمَذْكُور. وَابْنُ اللّعان إرْثُهُ بأُمِّهِ مَا كَانَ وَالسُّدُسُ أقْصى سَهْمِهِ (و) لَا يَرث ملاعن من ملاعنة التعنت بعده فَإِن مَاتَ قبل التعانها ورثهَا، وَكَذَا لَا تَرث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 703 ملاعنة من زَوجهَا الملتعن قبلهَا لَا إِن التعنت هِيَ قبله وَمَات قبل التعانه فترث، فَإِن مَاتَ بعد التعانه الْوَاقِع قبل التعانها فعلى القَوْل بِوُجُوب إِعَادَتهَا تَرثه، وعَلى مُقَابِله لَا تَرثه هَذَا حكم الزَّوْجَيْنِ المتلاعنين، وَأما (ابْن اللّعان) الَّذِي وَقع اللّعان فِيهِ فَإِنَّمَا (إِرْثه بِأُمِّهِ) فَقَط (مَا كَانَ) ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَاحِدًا أَو مُتَعَددًا فَلَا يَرِثهُ أَبوهُ الْملَاعن فِيهِ وَلَا يَرث هُوَ أَبَاهُ لانْقِطَاع نسبه مِنْهُ بِاللّعانِ إِلَّا أَن يستلحقه فيجلد أَبوهُ للقذف، وَيَقَع التَّوَارُث بَينه وَبَين أَبِيه حِينَئِذٍ، وَإِذا ثَبت إِرْثه بِأُمِّهِ فَمَاتَتْ فيرثها أَو مَاتَ هُوَ فترث مِنْهُ فَرضهَا وترث مِنْهُ جدته لأمه إِن لم تكن هُنَاكَ أم دون جدته لِأَبِيهِ، وَإِذا مَاتَ أَخُوهُ الْملَاعن فِيهِ أَو غَيره وَرثهُ. (وَالسُّدُس أقْصَى سَهْمه) مِنْهُ حَيْثُ اتَّحد فَإِن تعدد ورث الثُّلُث كَمَا تقدم فِي الْإِخْوَة للْأُم من أَن الْوَاحِد مِنْهُم لَهُ السُّدس والمتعدد لَهُ الثُّلُث. وَتَوْأَمَاهُ هَبْهُمَا تَعَدَّدَا هُما شَقِيقَانِ فِي الإرْثِ أَبَدَا (وتوأماه) أَي اللّعان يَعْنِي توأمي الْحمل الَّذِي وَقع اللّعان فِيهِ (هبهما تعددا) بِأَن وضعت ثَلَاثًا أَو أَرْبعا من ذَلِك الْحمل (هما شقيقان فِي الْإِرْث أبدا) فَإِذا مَاتَ أحد التوأمين انْفَرد التوأم الآخر بإرثه حَيْثُ لم يكن هُنَاكَ أم وَلَا إخْوَة لأم، فَإِن كَانُوا ورثت أمه السُّدس وَإِخْوَته لأمه الَّذين لم يَقع اللّعان فيهم الثُّلُث وَورث التوأم الْبَاقِي مَا بَقِي بِالتَّعْصِيبِ، وَفهم مِنْهُ أَن غير التوأمين ليسَا شقيقين، فَإِذا وَقع اللّعان فِي أَرْبَعَة أَوْلَاد كل وَاحِد من حمل، فَإِنَّمَا يتوارثون إِذا مَاتَ أحدهم بالإخوة للْأُم فَقَط، وَمثل توأمي الْمُلَاعنَة توأما المستأمنة والمسبية بِخِلَاف توأمي الزَّانِيَة والمغتصبة، فَإِن توارثهما بالإخوة للْأُم فَقَط على الْمَشْهُور. (خَاتِمَة) وَمَا قَصَدتُ جَمْعَهُ هنَا انْتَهَى وَالحمدُ لله بِغيْرِ مُنْتَهَى (وَمَا قصدت جمعه) من تَقْرِير الْأَحْكَام الَّتِي يكثر دورانها بَين الْقُضَاة والحكام (هُنَا انْتهى) وكمل. وَلما كَانَ إلهامه لهَذَا التَّأْلِيف وَخلق الْقُدْرَة لَهُ عَلَيْهِ حَتَّى أتمه من أجل النعم، ومهماتها حمد الله تَعَالَى على ذَلِك بقوله: (وَالْحَمْد لله بِغَيْر مُنْتَهى) إِذْ كل نعْمَة تستوجب حمداً عَلَيْهَا، وَلَا سِيمَا النِّعْمَة الَّتِي يَدُوم ثَوَابهَا لصَاحِبهَا بدوام الِانْتِفَاع بهَا كالتأليف لِأَنَّهُ من الْأَعْمَال الَّتِي لَا تَنْقَطِع بِالْمَوْتِ لحَدِيث: (إِذا مَاتَ الْمَرْء انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث صَدَقَة جَارِيَة أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ أَو علم يبثه فِي صُدُور الرِّجَال) . وبالصَّلاةِ خَتْمُهُ كَمَا ابْتُدِي عَلى الرَّسُولِ المُصْطَفَى مُحمّدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 704 (وبالصلاة) خبر عَن قَوْله (خَتمه) وضميره للنظم الَّذِي قصد جمعه (كَمَا ابتدي) بِضَم التَّاء مَبْنِيا للْمَفْعُول ونائبه عَائِد على النّظم، وَمَا مَصْدَرِيَّة وَالْكَاف تتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر، وَالْجُمْلَة خبرية قصد بهَا الْإِنْشَاء أَي: وانشىء مختم هَذَا النّظم بِالصَّلَاةِ كابتدائه بهَا تبركاً بهَا فِي المحلين لما قيل من إِنَّهَا مَقْبُولَة قطعا، وَالْمولى سُبْحَانَهُ أكْرم من أَن يقبل للصلاتين ويدع مَا بَينهمَا (على الرَّسُول) يتَعَلَّق بِالصَّلَاةِ وَهُوَ إِنْسَان أُوحِي إِلَيْهِ بشرع وَأمر بتبليغه (الْمُصْطَفى) الْمُخْتَار من جَمِيع الْخلق (مُحَمَّد) بن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة ابْن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس ابْن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان وَآلِهِ وَصَحْبِهِ الأَخْيَارِ مَا كُوِّرَ اللَّيْلُ عَلَى النَّهَارِ (وَآله) هم أَقَاربه الْمُؤْمِنُونَ من بني هَاشم، وَقيل: وَالْمطلب وَهُوَ أَخُو هَاشم، وَقيل هم بَنو قصي، وَقيل كل من اتبعهُ وآمن بِهِ فَهُوَ من آله (وَصَحبه) اسْم جمع لصَاحب بِمَعْنى الصَّحَابِيّ لَا جمع لصَاحب الَّذِي هُوَ مُطلق الصُّحْبَة لِأَن الصَّحَابِيّ أخص، إِذْ هُوَ كل من اجْتمع مُؤمنا بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَرَآهُ أَو لم يره وَمُطلق الصاحب أَعم (الأخيار) جمع خير بعد تخفيفه وَالْخَيْر الْمُخْتَار. قَالَ تَعَالَى: كُنْتُم خير أمة} (آل عمرَان: 110) ثمَّ وقّت هَذِه الصَّلَاة بِمَا يُفِيد الدَّوَام والاستمرار فَقَالَ: (مَا) ظرفية مصدريه (كور) أَي أَدخل (اللَّيْل على النَّهَار) فيزيد وَأدْخل النَّهَار على اللَّيْل فيزيد أَيْضا أَي مُدَّة تكوير أَحدهمَا على الآخر، وَذَلِكَ مُدَّة بَقَاء الدُّنْيَا. قَالَ مُقَيّد هَذَا الشَّرْح الْمُبَارك عَليّ بن عبد السَّلَام التسولي السبراري: هَذَا آخر مَا قصدناه من شرح هَذَا النّظم الْمقسم، فَالْحَمْد لله على مَا أنعم وألهم فجَاء شرحاً موفياً للمرام جَامعا إِن شَاءَ الله لأشتات الْمسَائِل الَّتِي يكثر نُزُولهَا بَين الْحُكَّام ينْتَفع بِهِ البادي ويستحسنه الشادي، وَهَا أَنا أختمه أَيْضا اقْتِدَاء بمؤلفه رَحمَه الله بِالْحَمْد لله وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عدد مَا ذكره الذاكرون وغفل عَن ذكره الغافلون، وَعدد مَا فِي علم الله من يَوْم خلق الدُّنْيَا إِلَى قيام السَّاعَة وأحمده تَعَالَى بِجَمِيعِ محامده كلهَا مَا علمت مِنْهَا وَمَا لم أعلم على نعمه كلهَا مَا علمت مِنْهَا وَمَا لم أعلم حمداً يوافي نعمه ويكافىء مزيده، لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْهِ كَمَا هُوَ أثنى على نَفسه، وأسأله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 705 أَن ينفع بِهِ من كتبه أَو طالعه أَو سعى فِي شَيْء مِنْهُ كَمَا نفع بِأَصْلِهِ نفعا يَدُوم بدوام الله مدده، وَيبقى لآخر الْأَبَد مدده، وَأَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم مُوجبا للخلود مَعَ الْأَحِبَّة وَالْمُسْلِمين فِي جنَّة النَّعيم بجاه عين الرَّحْمَة الْوَاسِطَة فِي كل نعمه سيدنَا مُحَمَّد الْمُصْطَفى الْكَرِيم الْقَائِل: توسلوا بجاهي فَإِن جاهي عِنْد الله عَظِيم، وأعتذر لِذَوي الْأَلْبَاب من الْخلَل الْوَاقِع فِيهِ فينظرونه بِعَين الرِّضَا، ويتأولون مَا بِهِ الْقَلَم طَغى من لفظ لَا يحاكيه وَلَا يدانيه أَو معنى لَا يوافيه وَلَا يجاريه وَالله يجازي الْجَمِيع على نِيَّته بِخَير الدَّاريْنِ خير الدُّنْيَا وَخير الْآخِرَة وَيَعْفُو عَمَّا اقترفه الْكل عفوا يُحِيط بِالذنُوبِ الْمُتَقَدّمَة والمتأخرة، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ جواد كريم لَا تَنْفَعهُ طَاعَة وَلَا تضره مَعْصِيّة وَلَا ينقص ملكه بمجاوزته عَن عبد مثلي عَظِيم الْفِرْيَة، اللَّهُمَّ رب كل شَيْء وَولي كل شَيْء وقاهر كل شَيْء وفاطر كل شَيْء، والعالم بِكُل شَيْء، وَالْحَاكِم على كل شَيْء، والقادر على كل شَيْء، بقدرتك على كل شَيْء اغْفِر لي وَلمن نظر فِي هَذَا الْكتاب وَالْمُسْلِمين كل شَيْء. وهب لنا وَلَهُم كل شَيْء، وَلَا تسألنا عَن شَيْء وَلَا تحاسبنا بِشَيْء إِنَّك على كل شَيْء قدير، وبالإجابة جدير، وَيرْحَم الله عبدا يَقُول: آمين وَسَلام على كَافَّة رسل الله أَجْمَعِينَ، وَآخر دعوانا أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَوَافَقَ الْفَرَاغ من تأليفه يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر شَوَّال عَام سِتَّة وخسمين وَمِائَتَيْنِ وَألف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 706 قيل لأبي الدَّرْدَاء: فلَان أعتق مائَة رَقَبَة. فَقَالَ: إِيمَان ملزوم وَلِسَانك رطب بِذكر الله أفضل من ذَلِك، وَالْقلب الخاشع هُوَ الَّذِي مَاتَت شهواته فذلت النَّفس لله وبرئت من الْكبر وَالْعجب وسيئ الْأَخْلَاق وخشع الْقلب بِمَا طالع من جلال الله الْملك الْحق وعظمته، وَالْعلم النافع هُوَ الَّذِي تمكن فِي الصَّدْر وتصور وانشرح بِهِ الْقلب وتنور، وَذَلِكَ أَن النُّور إِذا أشرق فِي الْقلب فصغرت الأمورحسنها وسيئها كل مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَوَقع لذَلِك ظلّ الصَّدْر هُوَ صُورَة الْأُمُور فَيَأْتِي حسنها ويجتنب سيئها، فَذَلِك الْعلم النافع من نور الْقلب خرجت تِلْكَ المعالم إِلَى الصُّدُور وَهِي عَلَامَات الْهدى وَمَا تعلمه قبل ذَلِك هُوَ علم اللِّسَان إِنَّمَا هُوَ شَيْء قد استودع الْحِفْظ والشهوة غالبة عَلَيْهِ، وَإِذا غلبت عَلَيْهِ أذهبت بضلمتها ضوءه فَلَا يكون بِهِ منتفع، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك من علم لَا ينفع وقلب لَا يخشع وَدُعَاء لَا يسمع وَنَفس لَا تشبع، نَعُوذ بك من هَؤُلَاءِ الْأَرْبَع ونسألك علما نَافِعًا وَعَملا صَالحا متقبلاً وَرِزْقًا وَاسِعًا حَلَالا وعمراً طَويلا مُبَارَكًا، ونسألك الْعَافِيَة فِي الدّين وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة بِرَحْمَتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ أبسط علينا رحمتك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وانشر علينا رحمتك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة واتمم علينا نِعْمَتك يَا أكْرم الأكرمين، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك عَيْشًا قاراً وَعَملا باراً وَرِزْقًا دَارا وعافية كَامِلَة ونعمة شَامِلَة فَإِنَّهُ لَا غنى لنا عَن خيرك وبركتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ صلِّ وَسلم على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك النَّبِي الْأُمِّي الحبيب العالي الْقدر الْعَظِيم الجاه عدد ذرات الكونين وأنفاس الثقلَيْن، وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ آمين. وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك الْعَفو والعافية وَالْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة لنا ولوالدينا وَأَوْلَادنَا وإخواننا وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين، وخصوصاً المحبين والمعتقدين وَأَن تَنْفَع بِهَذَا التَّأْلِيف من كتبه أَو قَرَأَهُ أَو حصله أَو سعى فِي شَيْء مِنْهُ بِفَضْلِك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ. يَا رب الْعَالمين أَنْت ولينا ومولانا وَنعم الْمولى وَنعم النصير، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك، عَلَيْك توكلت وَإِلَيْك أنيب وَلَا ملْجأ لي مِنْك إِلَّا إِلَيْك، فَاغْفِر بِفَضْلِك مَا قدمت وَمَا أخرت وَمَا علمت يداي وَمَا سطرته الحفظه عَليّ يَا كريم الصفح يَا عَظِيم الْمَنّ يَا حسن التجاوز يَا خير المسؤولين. وَيَا أكْرم المعطين، اللَّهُمَّ شفع فِينَا سيدنَا ومولانا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ، وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم. قَالَ مُقَيّد هَذَا الشَّرْح الْمُبَارك عَليّ بن عبد السَّلَام التسولي السبراري: هَذَا آخر مَا قصدناه من شرح هَذَا النّظم الْمقسم، فَالْحَمْد لله على مَا أنعم وألهم فجَاء شرحاً موفياً للمرام جَامعا إِن شَاءَ الله لأشتات الْمسَائِل الَّتِي يكثر نُزُولهَا بَين الْحُكَّام ينْتَفع بِهِ البادي ويستحسنه الشادي، وَهَا أَنا أختمه أَيْضا اقْتِدَاء بمؤلفه رَحمَه الله بِالْحَمْد لله وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عدد مَا ذكره الذاكرون وغفل عَن ذكره الغافلون، وَعدد مَا فِي علم الله من يَوْم خلق الدُّنْيَا إِلَى قيام السَّاعَة وأحمده تَعَالَى بِجَمِيعِ محامده كلهَا مَا علمت مِنْهَا وَمَا لم أعلم على نعمه كلهَا مَا علمت مِنْهَا وَمَا لم أعلم حمداً يوافي نعمه ويكافىء مزيده، لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْهِ كَمَا هُوَ أثنى على نَفسه، وأسأله تَعَالَى أَن ينفع بِهِ من كتبه أَو طالعه أَو سعى فِي شَيْء مِنْهُ كَمَا نفع بِأَصْلِهِ نفعا يَدُوم بدوام الله مدده، وَيبقى لآخر الْأَبَد مدده، وَأَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم مُوجبا للخلود مَعَ الْأَحِبَّة وَالْمُسْلِمين فِي جنَّة النَّعيم بجاه عين الرَّحْمَة الْوَاسِطَة فِي كل نعمه سيدنَا مُحَمَّد الْمُصْطَفى الْكَرِيم الْقَائِل: توسلوا بجاهي فَإِن جاهي عِنْد الله عَظِيم، وأعتذر لِذَوي الْأَلْبَاب من الْخلَل الْوَاقِع فِيهِ فينظرونه بِعَين الرِّضَا، ويتأولون مَا بِهِ الْقَلَم طَغى من لفظ لَا يحاكيه وَلَا يدانيه أَو معنى لَا يوافيه وَلَا يجاريه وَالله يجازي الْجَمِيع على نِيَّته بِخَير الدَّاريْنِ خير الدُّنْيَا وَخير الْآخِرَة وَيَعْفُو عَمَّا اقترفه الْكل عفوا يُحِيط بِالذنُوبِ الْمُتَقَدّمَة والمتأخرة، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ جواد كريم لَا تَنْفَعهُ طَاعَة وَلَا تضره مَعْصِيّة وَلَا ينقص ملكه بمجاوزته عَن عبد مثلي عَظِيم الْفِرْيَة، اللَّهُمَّ رب كل شَيْء وَولي كل شَيْء وقاهر كل شَيْء وفاطر كل شَيْء، والعالم بِكُل شَيْء، وَالْحَاكِم على كل شَيْء، والقادر على كل شَيْء، بقدرتك على كل شَيْء اغْفِر لي وَلمن نظر فِي هَذَا الْكتاب وَالْمُسْلِمين كل شَيْء. وهب لنا وَلَهُم كل شَيْء، وَلَا تسألنا عَن شَيْء وَلَا تحاسبنا بِشَيْء إِنَّك على كل شَيْء قدير، وبالإجابة جدير، وَيرْحَم الله عبدا يَقُول: آمين وَسَلام على كَافَّة رسل الله أَجْمَعِينَ، وَآخر دعوانا أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَوَافَقَ الْفَرَاغ من تأليفه يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر شَوَّال عَام سِتَّة وخسمين وَمِائَتَيْنِ وَألف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 707