الكتاب: موت الألفاظ في العربية المؤلف: عبد الرزاق بن فراج الصاعدي الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الطبعة: السنة التاسعة والعشرون. العدد السابع بعد المائة. (1418/ 1419هـ) عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- موت الألفاظ في العربية عبد الرزاق بن فراج الصاعدي الكتاب: موت الألفاظ في العربية المؤلف: عبد الرزاق بن فراج الصاعدي الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الطبعة: السنة التاسعة والعشرون. العدد السابع بعد المائة. (1418/ 1419هـ) عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] موت الألفاظ في العربية للدكتور عبد الرزاق بن فراج الصاعدي أستاذ مساعد - قسم اللغويات كلية اللغة العربية - الجامعة الإسلامية ال مقدمة الحمد لله الحكيم الباعث والمحيي المميت، والصلاة والسلام على صفوة الخلق محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد؛ فإن من ألفاظ العربية ما يملك مقومات الحياة والبقاء فيبقى، ومنها ما يفقد تلك المقومات فيموت ويفنى، فاللغة كائن حي1 نام خاضع لناموس التطور والارتقاء، وليس فيها كسب دائم من النمو والتجديد، فكل نمو في جانب يقابل بنوع من الخسائر في الجانب الآخر، وهي ((تحاول دائماً أن تصل إلى نوع من التوازن، فهي كما تقترض ألفاظاً من اللغات الأخرى لتسعف حاجات المتكلمين بها نراها تستغني عن ألفاظ أخرى تختفي من الاستعمال)) 2. ومن الألفاظ ما يعمر فلا يموت، ولو مضى عليه آلاف السنين، لما فيه من ضروب المناعة الداخلية كقوة المعنى ودوامه، ورشاقة اللفظ وعذوبة جرسه، أو المناعة الخارجية، كألفاظ القرآن الكريم التي تكفّل الله - عز وجل - بحفظها، وما صح من ألفاظ الحديث النبوي الشريف. أما ما دُوْنَ ذلك فإنه معرّض للتبديل والهجر والموت والانقراض، إلا أنّ هذا لا يكون أبدياً؛ فكل لفظ مات واندثر قابل للبعث لتدبّ فيه الحياة من جديد، وتجري به الألسنة بمعناه القديم أو بإلباسه معنى جديداً.   1 ينظر: اللغة العربية كائن حي 92. 2 المولد في العربية 151. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 وفي العربية الفصحى ألفاظ هجرت في الاستعمال لأسباب عديدة فماتت، كالمِرْباع، والنَّشيطة، والفُضُول، والحُلْوَان، والصَّرورة من الأسماء1، وجَعْتَبَ، وحَنْجَدَ، وخَنَدَ، وحَبَّ، وكَهَفَ، وعَذَطَ، من الأفعال2. وهذه مع غيرها ألفاظ أميتت في العربية منذ وقت مبكر، وقد صادفها علماء العربية عند تدوين اللغة في عصور الاحتجاج مماتة ساقطة من الاستعمال، فوردت عنهم إشارات لها متفرقة في مصادر اللغة المتنوعة؛ تدل على موتها؛ فأردت أن أجمع ما تفرق مما أميت من ألفاظ العربية زمن الفصاحة وأدرسه، أما ما هجر بعد عصور الاحتجاج منذ نهاية القرن الرابع إلى عصرنا هذا فليس مما أهدف إليه في هذا البحث، وهو كثير، ولا اعتداد بهجره من الاستعمال، ولا يعدّ من الممات في العربية، وإنما تركه المولدون لابتعادهم عن منابع اللغة وضعف سلائقهم ولما استجد من أمور الحضارة، و ((لو ذهبنا إلى المعارضة بين ألفاظ الحياة العربية الأولى وما اختصت به من المعاني وبين هذه الحياة الحضرية ومستحدثاتها، لرأينا قسماً كبيراً من اللغة يتنزل منها منزلة البقايا الأثرية)) 3 مما يعد من فضول الحاجات كأسماء الإبل وصفاتها وأسماء الحشرات وأدوات البداوة، وأسماء النبات، وما جاءت به اللغات المتعددة، وهو كثير مستفيض، وليس هو من الممات، وإن تركه المعاصرون. وقد حافظ علماء اللغة على الممات القديم ودونوه في معجماتهم، ولعل من أبرز العوامل التي أدت إلى اشتمال العربية على هذا الثراء اللفظي أن الممات من ألفاظها كتب له البقاء، بتدوينه، وكأن احتفاظهم به إرهاص لإحيائه4.   1 ينظر معاني هذه الأسماء في باب الممات من الأسماء. 2 ينظر معاني هذه الأفعال في باب الممات من الأفعال. 3 تاريخ آداب العرب 1/168. 4 ينظر: دراسات في فقة اللغة 1/25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 إلا أن التدوين بعامة لم يشمل اللغة كلها لسعتها، وقد كان أبو عمرو بن العلاء يقول: "ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافراً لجاءكم علم وشعر كثير"1. ويقول: "قد ذهب من كلامهم شيء كثير"2. وقال ابن فارس: "ذهب علماؤنا أو أكثرهم إلى أن الذي انتهى إلينا من كلام العرب هو الأقل. قال: ولو جاءنا جميع ما قالوه لجاء شعر كثير وكلام كثير. وأحر بهذا القول أن يكون صحيحاً"3. ولهذا وجب الحذر في الأحكام بموت الألفاظ، والتسليم بأن الإلمام بكل الممات في اللغة غاية لا يمكن الوصول إليها، فثمة ما أميت قديماً من العربية القديمة؛ كالثمودية والصفوية واللحيانية من العربية الشمالية، والسبئية والمعينية والقتبانية والحميرية، من العربية الجنوبية، وهي مما يسمى ((العربية البائدة)) أو عربية النقوش التي بادت قبل الإسلام بما فيها من ألفاظ وظواهر لا نكاد نعرف منها إلا القليل. وللمات في اللغة وجهان رئيسان: الأول: موت الألفاظ، وهو موضوع هذا البحث. الثاني: موت المعاني، أي أن يموت المعنى ويبقى اللفظ لتطوّر دلالته وانتقالها إلى معنى آخر، كالألفاظ الإسلامية التي تركت معانيها القديمة مثل: الصلاة، والزكاة، والصّوم، والكفر، وما أشبه هذا، وهو كثير، ولا يدخل في هذا البحث.   1 طبقات فحول الشعراء 1/25. 2 اللسان (جدف) 9/24. 3 الصاحبي 58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 وقد دعاني إلى الكتابة في هذا الموضوع ((موت الألفاظ في العربية)) أمور، من أهمها: 1- أهمّيّة البحث في الممات، لكونه أحد الظّواهر اللّغويّة الّتي تحتاج إلى درس، يفصّل فيها ويكشف عن مخبوئها ويبحث في أسبابها. 2- دور الممات في نموّ اللّغة وإثرائها عن طريق إحيائه واستعماله، كما سيأتي بيانه في الباب الأخير من هذا البحث. 3- دوره في وصل الحلقات المفقودة في التطوّر اللّغويّ والكشف عن تاريخ العربيّة، وإسهامه في التّعرف على أحوال العرب الغابرين، وتفهّم شؤون حياتهم الاجتماعية، فهو لا يقلّ في قيمته العلميّة عن القطع الأثريّة الّتي يُعنى بها علماء الحفريّات والآثار. 4- جِدّة الموضوع، وطرافته، إذ لم يكتب فيه - فيما أعلم - بحث مستقلّ يجمع شتاته ويبسط القول فيه، ويبين أسبابه، ودوره في نمو اللغة، فليس في تراثنا اللّغويّ قديمه وحديثه شيء منه سوى إشارات وأقوال متناثرة في بعض الألفاظ المماتة، وعلى رأس هؤلاء: الخليل في ((العين)) وسيبويه في ((الكتاب)) وابن دريد في ((الجمهرة)) والسّيوطي في ((المزهر)) . أو مباحث قصيرة عارضة في مؤلّفات بعض المعاصرين؛ كالّرافعي في ((تاريخ آداب العرب)) 1. وأنستاس الكرملي في ((نشوء اللّغة ونموّها واكتهالها)) 2. والدكتور حلمي خليل في كتابه ((المولّد في العربية)) 3 وقد استلّ ماكتبه   1 1/166 - 170. 2 ص 99 - 101. 3 ص 141 - 151. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 في كتابه هذا فنشره في ((المجلة العربية)) 1 بعنوان: ((انقراض الكلمات)) ((وهو عنوان مطابق لفصل قصير كتبه ستيفن أولمان في كتابه: ((دور الكلمة في اللغة)) 2 إلا أن ما كتبه ((أولمان)) لا يخصّ لغة بعينها، فهو يبحث في علم اللغة العام، مع تركيز على اللغات الأوربية، كالإنجليزية والفرنسية. وللأستاذ شفيق جبري محاضرة بعنوان ((حياة الألفاظ)) أشار فيها إلى شيء من الممات والمهجور، ومسهما مساً خفيفاً، ونشرت محاضرته في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق3. وللشيخ عبد القادر المغربي مقالة وجيزة بعنوان ((توهم الميت حياً)) نشرها في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق4 ناقش فيها أربع كلمات مناقشة صرفية موجهاً ما جاء فيها من شذوذ صرفي في الجمع أو اشتقاق اسم المفعول توجيهاً يستند على قاعدة سماها: توهم الميت حياً. وقد اقتضت طبيعة الموضوع أن يأتي هذا البحث في أربعة أبواب يسبقها تمهيد ويتلوها خاتمة، وفق الخطة التالية: المقدمة التمهيد: مصطلحات الممات. الباب الأول: الممات من الأسماء الفصل الأول: الممات من أسماء الأيام. الفصل الثاني: الممات من أسماء الشهور.   1 السنة الخامسة، العدد 1 جمادي الثانية 1401هـ ص 56 - 58. 2 ص 209 - 214. 3 مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق المجلد 8، ج 5 ص 257. 4 المجلد الثاني عشر (سنة 1932) الجزء 5، 6 ص 355 -361. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 الفصل الثالث: الممات من أسماء متفرقة. الفصل الرابع: أسماء أميت مفردها. الفصل الخامس: أسماء مصغرة أميت مكبرها. الباب الثاني: الممات من الأفعال. الفصل الأول: أفعال أميتت صيغها وتصريفاتها. الفصل الثاني: أفعال اختلف في موتها. الفصل الثالث: أفعال أميت المجرد منها دون المزيد. الفصل الرابع: أفعال أميتت بعض تصريفاتها. الفصل الخامس: أفعال مبنية للمجهول أميت المبني للمعلوم منها. الباب الثالث: أسباب إماتة الألفاظ الفصل الأول: العامل الصوتي. الفصل الثاني: العامل الدلالي. الباب الرابع: إحياء الممات. الفصل الأول: الحاجة إلى إحياء الممات. الفصل الثاني: موقف العلماء من إحياء الممات. الفصل الثالث: دور مجامع اللغة العربية في إحياء الممات. الخاتمة. فهرس الألفاظ. فهرس المصادر والمراجع. فهرس الموضوعات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 ولقد شغلني هذا البحث زمناً، وكان حاضراً في ذهني وأنا أكتب بحث الدكتواره، فجمعت مادّته على مُكثٍ طويل، ولا أزعم بلوغ الغاية فيه، ولكني أرجو المقاربة والسّداد، ولا أبرّئ نفسي من التقصير وسوء الفهم والعثرة والزّلّة، والمأمول مِمّن ينظر فيه أن يصلح ما طغى به القلم، وزاغ عنه البصر، وقصر عنه الفهم، فالإنسان محل النسيان، وعلى الله التكلان، ومنه العون وهو حسبي ونعم الوكيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 التمهيد مصطلحات الممات لظاهرة موت الألفاظ في اللّغة مصطلحات متعدّدة عند اللّغويين القدامى، كـ ((الممات)) و ((المتروك)) و ((العُقميّ)) و ((الاستغناء)) ، وهي مترادفة في مدلولاتها. وأضاف اللغويون المعاصرون مصطلحات أخرى منها: ((المنقرض)) ، و ((البقايا الأثريّة)) و ((الكلمات التاريخيّة)) . وثمّة مصطلحات قديمة ليست بعيدة في مفهومها عن الممات، أو هي تدلّ على ألفاظ في طريقها إلى الانقراض، وهي على درجات متفاوتة في الفصاحة؛ كـ ((الضّعيف)) و ((المنكر)) و ((الحوشي)) و ((النّادر)) و ((الشّارد)) و ((الغريب)) و ((المذموم)) و ((المرغوب عنه)) من اللغات، و ((الرّديء)) و ((القبيح)) و ((الخبيث)) . فمن مصطلحات الممات: 1- الممات: وهو ما كان مستعملاً من ألفاظ اللّغة، ثمّ أميت بالهجر، أو التطوّر اللّغويّ، أو النّهي عن استعماله، فاستغنت عنه اللّغة تماماً، كأسماء الأيّام والشّهور القديمة، وبعض الألفاظ الجاهليّة الّتي زالت لزوال معانيها أو لنهي الإسلام عن استعمالها. ومن أقدم من ذكر هذا المصطلح بهذا المعنى الخليل في مواضع متعدّدة من ((العين)) ومنها قوله: "عندأوة: فعللوة، والأصل أميت فعله"1.   1 العين 2/215. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 وروي عن الكسائي قوله: "محبوب: من حببت، وكأنها لغة قد ماتت"1. 2- المتروك: وهو ما ترك واستغنت عنه اللّغة تماماً فمات وحلّت محله ألفاظ أخرى جديدة2 كأسماء الأيام والشّهور في الجاهليّة، فالمتروك مصطلح مرادف للممات ويعرّفه السّيوطي بقوله: إنه "ما كان قديماً من اللّغات ثمّ ترك واستعمل غيره"3. قال ابن دريد: "وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: مضَّني: كلام قديم قد ترك، كأنه أراد أن أمضّني هو المستعمل"4 3- العُقميّ: العقمي هو ما درس من الكلام، أو الغريب الّذي لا يكاد يُعرف، قال ابن سيده: "كلام عُقميّ: قديم قد درس؛ عن ثعلب. وسَمِعَ رجلٌ رجلاً يتكلّم، فقال: هذا عقميّ الكلام: أي قديم الكلام"5. وقال الأزهري: "وقال ابن شُميل: إنه لعالم بعقميّ الكلام وعُقبي الكلام، وهو غامض الكلام الذي لا يعرفه الناس، وهو مثل النوادر". وقال أبو عمرو: "سألت رجلاً من هُذيل عن حرف غريب، فقال: هذا كلام عُقْمِيّ، يعني أنه من كلام الجاهلية، لا يعرف اليوم"6.   1 المزهر 1/219. 2 ينظر: المولد في العربية 148. 3 المزهر 1/214. 4 الجمهرة 1/148. 5 المحكم 1/150. 6 التهذيب 1/289. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 4- الاستغناء: وهو أن يستغني بكلمة عن أخرى مماتة، وقد أكثر سيبويه من استعماله، فمنه قوله: إن العرب استغنت بتركْتُ عن وَدَعْتُ1، وباشتدّ عن شَدُد2 وباحمارّ عن حَمِرَ3، وباستنوك عن نَوِك4. 5- الانقراض: هو أن تهجر الكلمة فتزول من الاستعمال وتندثر، كأسماء الأيام والشهور في الجاهلية، وهذا من اصطلاحات المعاصرين5. 6- البقايا الأثريّة: وهذا من مصطلحات الرّافعي6، وهو يريد بالبقايا الأثريّة ما أراده علماء اللغة أنفسهم بمصطلحات المتروك والممات والمنكر، ومثّل له بما مثلوا له في هذه المصطلحات الثّلاثة. 7- الكلمات التّاريخية: وهي الكلمات الّتي تزول من الاستعمال لزوال مدلولاتها واندثارها، وذكر هذا المصطلح اللغويّ الفرنسي ((درمستيتر)) (Darmesteter) في قوله: ((إنّ الكلمات الّتي تخرج من الاستعمال مع الأشياء التي نعبّر عنها تندثر لأسباب تاريخيّة، ويمكن أن   1 الكتاب 1/25، 4/67، 99. 2 المصدر السابق 4/33. 3 المصدر السابق 4/33. 4 المصدر السابق 4/36. 5 ينظر: دور الكلمة في اللغة 209، 210، والمولّد في العربيّة 145، والدّلالات الجديدة في المعجم الوسيط 257. 6 ينظر: تاريخ آداب العرب 1/168. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 نسميها بالكلمات التاريخية)) 1، ومثّل لها بالأسلحة، والمعدات، والعملات، والقوانين، والأحداث الاجتماعية، التي سادت في عصر ثم زالت لزوال تلك المدلولات. 8- المهمل: هذا من المصطلحات التي قد تلتبس بالممات، وليس هو مما يرادف الممات في دلالته، والفرق بينهما كبير، فالمهمل من الألفاظ هو ما لم يستعمل في الأصل اللغوي مما تحتمله قسمة التركيب في بعض الأصول اللغوية المتصوّرة أو المستعملة، وأكثره مهمل للاستثقال2 لتقارب حروفه نحو: سص وظث وثظ، ومقلوبات ((خرع)) و ((هكع)) و ((خشع)) و ((خضع)) وهو كثير في الثلاثي، وأكثر في الرباعي، وكثير جداً في الخماسيّ؛ إذ تأتلف من الخماسيّ نحو ((سفرجل)) عشرون ومائة أصل يحتملها التقليب أهملت جميعاً سوى سفرجل، وكذلك في ((فرزدق)) و ((جحمرش)) فالمهمل في العربية أكثر من المستعمل، ومع ذلك فالمستعمل كثير، وهذا يدل على الطاقة الكبيرة للعربية. أمّا الممات فهو ما كان مستعملاً من ألفاظ اللّغة ثمّ أميت لعلّةٍ، كما تقدّم ذكره. ومن المصطلحات الّتي تلحق بالممات أو تدلّ على ألفاظ في طريقها إلى الانقراض، أو ممّا يتّصل بفصاحة اللّفظ. 1- الضّعيف: وهو ((ما انحطّ عن درجة الفصيح)) 3 كقولهم للضّفدع: خُنْدَع،   1 المولد في العربية 145. 2 ينظر: الخصائص 1/54. 3 المزهر 1/214. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 ولغلاف القارورة أو غطاء الرأس: برصوم، وللقصير: بُعْقُوط، وللبعوض: الطَّيْثَار، وللرِّخْو: بَخْو1. 2- المنكر: وهو أقلّ درجة من الضعيف؛ بحيث أنكره بعض أئمة اللّغة، ولم يعرفه، كقولهم: بَلَقُ الدّابّة؛ وهو سواد وبياض2. 3- الغريب والحوشي والنّادر والشّارد: وهي مصطلحات متقاربة، وكلّها خلاف الفصيح. وتندرج تحت الغريب الّذي لا يكاد يعرف من الألفاظ. فالحوشيّ من الكلام: ما نفر عن السّمع، كأنّه منسوب إلى الحُوش؛ وهي بقايا إبل وَبَار3 بأرض قد غلبت عليها الجنّ، كما يزعمون4. ويحمل النّادر والشّارد على ما في الغريب والحوشيّ من معنى، وهي الألفاظ القليلة الاستعمال الّتي توشك أن تهجر فتموت. ومن ذلك: البَرْت: الرّجل الدليل، والحَرْش: الأثر، والعَيْقَة: ساحل البحر، والوَبيل: الحُزْمة من الحطب5.   1 المزهر 1/215، 216. 2 المصدر السابق 1/214، 218، واللسان (بلق) 10/25. 3 وَبَار مثل قَطَام: أرض كانت لعاد بين اليمن ورمال يبرين كما قيل، غلبت عليها الجن، فمن العرب من يجريها مجرى نَزَالِ ومنهم من يجريها مجرى سُعاد. ينظر:اللسان (وبر) 4/273. 4 المزهر 1/233. 5 المصدر السابق 1/233 - 237. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 4- الرّديء والمذموم والقبيح والخبيث والمرغوب عنه: كلّ ذلك من اللّغات، وهو أقبحها وأنزلها درجة1؛ كالكشكة، والعنعنة، والفحفحة، والاستنطاء. ومنه في الألفاظ: الطَّعْسَفَةُ، قال ابن دريد: "وهي لغة مرغوب عنها؛ مرّ يطعسف في الأرض، إذا مرّ يخبطها"2. ومنه قولهم: غَلَقْتُ الباب غلقاً، وهي لغة رديئة متروكة3. وثحجه برجله ثحجاً: ضربه بها، مهريّة مرغوب عنها4. ويقال: الفِصّ بالكسر - لغة في الفصّ، وهي أردأ اللّغتين5. ويقال: مِنتن - بالكسر - وهي رَديئة خبيثة6.   1 المزهر 1/221. 2 الجمهرة 2/1155. 3 الصحاح (غلق) 4/1538. 4 ينظر: المجمل 1/157، واللسان (ثحج) 2/222. 5 ينظر: المزهر 1/334. 6 المصدر السابق 1/334. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 الباب الأول: الممات من الأسماء مدخل ... مدخل ثمة أسماء أُميتت في العربية الفصحى، وترك العرب استعمالها بعد أن كانت في لغتهم، فانقرضت وزالت، كأسماء الأيام والشّهور في الجاهلية، وما تركه العرب من ألفاظ خاصّة زالت بزوال معانيها، والمكبّر الّذي أميت ودلّ عليه مصغّره، وهو المصغّر الّذي لا واحد له، والمفرد الّذي أميت ودلّ عليه مثناه أو جمعه، وهما المثنّى الّذي لا واحد له والجمع الّذي لا واحد له من لفظه، وغير ذلك ممّا نصّ العلماء على أنه من الممات أو المتروك في اللغة، أو أشاروا إليه بطرف خفي. وأكثر هذه الأسماء أميت لفظاً، وأميت المعنى في بعضها القليل وبقي اللفظ مستعملاً في أشياء أخرى، مثل ((أول)) اسم يوم الأحد، و ((مؤنس)) اسم يوم الخميس في الجاهلية، وقد أُميتا ولكن اللفظ بقي في دلالات أخر، وقد ذكرت هذه الألفاظ القليلة لاتّصالها بأخواتها ممّا أميت اللّفظ فيها. والممات من الأسماء على النّحو التّالي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 الفصل الأول الممات من أسماء الأيام كانت الأيام في الجاهلية على النّحو التّالي: الأحد: أول. الاثنين: أَهْوَن وأَوْهَد، وقالوا: هذا يوم الثُّنَى - أيضاً. الثلاثاء: جُبار الأربعاء: دُبار أو دِبار الخميس: مؤنس. الجمعة: العروبة، وحَرْبَة - أيضاً. السبت: شِيار. ثم أميتت هذه الألفاظ واستخدمت مكانها الأيام المعروفة: السبت والأحد .... ألخ. وقد جمعها شاعر جاهليّ، فقال1: أُؤَمّل أن أَعِيشَ وإنَّ يَوْمِي ... بأوّلَ أو باهونَ أو جُبارِ أَوِ التَّالِي دُبارَ2، فإن أَفُتْهُ ... فمؤنِسَ3 أو عَرُوبةَ أو شِيارِ هِيَ الأَيَّامُ دُنيانا عَلَيها ... ممَرُّ اللَّيلِ دَأباً والنَّهارِ   1 ينظر: الأيام والليالي والشهور 37، والجمهرة 3/1311، والإبدال لأبي الطيب اللغوي 1/393، والمقاييس 1/159، والإنصاف 2/497. 2 ترك صرف ((دُبار)) للضّرورة، وهو منصرف، وقيل: ترك الصّرف على اللّغة القديمة الميّتة. ينظر: اللسان (عرب) 1/593. 3 ترك صرف ((مؤنس)) للضّرورة، أو على اللّغة القديمة الميّتة. ينظر: اللسان (عرب) 1/593. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 أمّا معاني ذلك، فإنهم قالوا للأحد ((أوّل)) لأنهم جعلوه أوّل عدد الأيام، وقالوا للاثنين: ((أَهْوَن)) و ((أَوْهَد)) فأهون من الهَوْن وهو السّكون، ومنه قوله تعالى {يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوناً} 1 ويدلّ ((أَوْهَدُ)) على هذا المعنى؛ لأن الوَهْدَة الانخفاض، كأنّهم جعلوا الأوّل أعلى ثم انخفضوا في العدد. وقالوا للثلاثاء: ((جُبار)) ؛ لأن العدد جُبِرَ به، وقوي إذ حصل به فرد وزوج2، وقيل: هو من الأَرْش: ما يُهْدر، والأَرْش: الدية3. وقالوا للأربعاء ((دُبار)) لأنه عندهم آخر العدد، وبه يتمّ العقد الأول، ودبر كلّ شيء مؤخره. أمّا الخميس والجمعة فسمّيت بأشياء تصنع فيها، فاستغنوا بها عن عددها، فقالوا للخميس ((مؤنس)) لأنّه يؤنس به لقربه من الجمعة التي يتأهّبون فيها للاجتماع. وقالوا للجمعة ((عروبة)) لبيانها عن سائر الأيّام، والإعراب في اللغة: الإبانة والإفصاح. وقيل: من العَرُوبة، وهي المتحبّبة إلى زوجها أو لأن كلمتهم اجتمعت، وبان لهم من الرأي ما كان خافياً؛ فتعربوا واتّفقوا. وتسمّى الجمعة ((حَرْبة)) أيضاً، لبياضها ونورها وتعظيمها؛ فهي في الأيام كالحَرْبة. وقالوا للسبت ((شِيار)) من قولهم: شُرت الشّيء إذا أظهرته وبيّنته4. والعَروبة بالألف واللام، وربّما لم تدخل عليها، قال القطاميّ:   1 سورة الفرقان: الآية 63. 2 ينظر: الأزمنة والأمكنة 1/270. 3 ينظر العين 6/116. 4 ينظر: الأزمنة والأمكنة 279 - 281. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 نَفْسِي الفِدَاءُ لأَقْوَامٍ هُمُ خَلَطُوا ... يَوْمَ العَرُوبَةِ أَوْراداً بأَوْرَادِ1 فأدخل الألف واللام، وقال ابن مقبل: وإذا رَأى الرُّوَّادَ ظَلَّ بأَسْقفٍ ... يَوْماً كَيَومِ عَرُوبةَ المُتَطَاوِلِ2   1 ديوان القطامي 88. 2 ديوان ابن مقبل 221. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 الفصل الثاني الممات من أسماء الشهور كانت أسماء الشّهور في الجاهليّة على النحو التّالي1: المؤتمر: المحرم. ناجر: صفر. خَوّان أو خُوّان: ربيع الأوّل. وُبْصَان أو وَبْصَان: ربيع الآخر. الحَنين: جمادى الأولى. رُنّى2، ويقال: رُبّى - بالباء: جمادى الآخرة.   1 الأيام والليالي والشهور 49، والأزمنة وتلبية الجاهلية 129، والجمهرة 3/1311، والأزمنة والأمكنة 9/43 والمخصص 9/43. 2 اختلف العلماء في اسم هذا الشهر فقال بعضهم: هو بالباء. ومن هؤلاء قطرب وابن الأنباري والسيوطي. (ينظر: الأزمنة وتلبية الجاهلية 129، واللسان (رنى) 14/240، والمزهر 1/219) ويرى أكثرهم أنه بالنون. (ينظر: الأيام والليالي والشهور 49، والجمهرة 3/1312، والأزمنة والأمكنة 1/281، والآثار الباقية 62، والمخصص 9/43) ونقل عن أبي عمر الزاهد أنه قال: رُبّى بالباء تصحيف، إنما هو بالنون. (ينظر: اللسان (رنى) 14/340. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 الأَصَمّ: رجب. عاذِل: شعبان. ناتق: رمضان. وَعِل1 شوّال. وَرْنَة، وقيل: هُوَاع2 ذو القعدة. بُرَك: ذو الحجة. وثمّة من خالف جمهور العلماء في أسماء هذه الشهور، فقد ذكر البيروني أنها كما يلي: المؤتمر وناجر وخوّان وصُوان وحنتم وزَبّاء والأصمّ وعادل ونافق وواغِل وهُوَاع وبُرَك3 ونظمها الصاحب بن عبّاد في قوله4: أَرَدْتَ شُهُورَ العُرْبِ في الجَاهِلِيَّةِ ... فَخُذْهَا عَلَى سَرْدِ المُحَرّم تشتَرِكْ فمؤتمرٌ يأتي ومِن بَعْدُ ناجرٌ ... وخَوَّانُ مع صُوَان يُجْمَعُ في شَرَكْ حَنينٌ وزَبّا والأصَمُّ وعادل ... ونافِق مَعْ وَغْلٍ وَرَنَّةُ مَعْ بُرَكْ والموازنة بين بعض هذه الأسماء، وما يقابلها في الروايتين ترجح أن ثمّة تصحيفاً أو تحريفاً في بعض أسمائها، قارن مثلاً بين وبصان وصوّان، والحنين وحنتم، ورنّى وربّى وزباء، وعاذل وعادل، وناتق ونافق، ووَعِل وواغل.   1 في اللسان (وعل) 11/732: وَعْل بالسكون شعبان ووَعِل بالكسر: شوال، وفيه أيضاً: وقيل: وَعِل شعبان. 2 ينظر: الأيام والليالي والشهور 53. 3 ينظر: الآثار الباقية 60، 61. 4 المصدر السابق 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 والتصحيف في أسماء هذه الشهور غير غريب، لإماتة هذه الألفاظ وتركها في الاستعمال مع قدمها، وقد تكون لغات لبعض القبائل. وخالف المسعودي - أيضاً - في بعض أسمائها، فهي عنده: ناتِق وثَقِيل وطَلِيق ونَاجِر وأَسْلَخ وأَمْيَح وأَحْلَك وكُسَع وزَاهِر وبُرَك وحُرَف ونُعَس، وهو ذو الحجة1. واشتقاق هذه الشهور المماتة - وفق ما ورد في الروايات المشهورة في أسمائها - على النحو التالي2: ((المؤتمر)) (المحرم) من أحد ثلاثة؛ أحدها أنّه يؤتمر فيه الحرب والثاني أن يكون من أَمَرَ القومُ إذا كثروا؛ فكأنّهم لما حُرِموا القتال فيه زادوا وكثروا. والثّالث: أن يأتمر بكلّ شيء ممّا تأتي به السّنة من أقضيتها. وأمّا ((ناجر)) (صفر) فهو من النجر، وهو شدة الحرّ، أو لأنّ الإبل تَنْجَرُ فيه، أي: يشتدّ عطشها حتّى تيبس جُلودها. أمّا ((خوان)) (ربيع الأول) فهو من الخَون وهو النّقص؛ لأن الحرب يكثر ويشتدّ فيه فيتخوّنهم أي يتنقّصهم، وقد يكون من الخيانة. أمّا ((وُبصان)) أو ((وَبصان)) (ربيع الأول) فهو من الوبيص أي البريق، ومن قال: بُصان فهو من البصيص. واشتقاق ((الحنين)) (جمادي الأولى) من حنين الناس إلى أوطانهم؛ لأن النّاس يحنّون فيه إلى أوطانهم - كما يقول المرزوقي3. و ((رُنّى)) (جمادي الآخرة) : (فعلى) من الشّدّة في كل شيء، قيل: يوم أَرْوَنانٌ: شديد في كل شيء ووزنه (أفوعال) من الرّنين فيما ذهب إليه ابن   1 ينظر: مروج الذهب 2/191. 2 ينظر: الأزمنة والأمكنة 280 - 282. 3 ينظر: الأزمنة والأمكنة 281. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 الأعرابي، وهو عند بعضهم (أفعلان) من قولك: كشف الله عنك رونة هذا الأمر، أي غمّته وشدّته1. وأنكر بعضهم النّون - كما تقدم - وقال هو: رُبّى - بالباء، مأخوذ من الشّاة الرُّبَّى، وهي الحديثة النِّتاج؛ لأن فيه يعلم ما نتجت حروبهم إذا انجلت عنه، قال الشاعر: أتيتك في الحَنِين فقلت: رُبَّى ... وماذا بين رُبّى والحَنِينِ 2 وقد يقال في ((رُنّى)) : ((رُنَّة)) بحذف الألف وتخفيف النّون، قال ابن منظور: "رُونة، وهي محذوفة العين، ورُونة الشيء: غايته في حَرٍّ أو بردٍ أو غيره، فسمّي به جمادى لشدّة برده، ويقال: إنهم حين سمّوا الشّهور وافق هذا الشَّهر شدّة البرد فسُمّوه بذلك"3. وسُمِّيَ رجب: ((الأصمّ)) لتركهم الحرب فيه حتى لا تسمع صلصلة حديد. وسُمّيَ شَعبان: ((عاذلاً)) كأنّه كان يعذلهم على الإقامة، وقد حلّت الحرب والغارات. وقيل: ((عاذل)) اسم شهر شوال، أمّا شعبان فاسمه وَعِل، أي: أنّهم عكسوا4، وأكثرهم على ما ذكرت، أي أن عاذلاً هو شعبان ووَعِلاً شوال5.   1 ينظر: اللسان (رنن) 13/187، 188. 2 ينظر: المصدر السابق (رنن) 13/188. 3 المصدر السابق (رنى) 14/340. 4 ينظر: الأزمنة والأمكنة 1/282. 5 ينظر: اللسان (عذل) 11/438. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 وفي نَاتِقٍ كانَ اصْطِلامُ سَرَاتِهم ... لَيَالِيَ أَفْنَى القَرْحُ جُلَّ إِيَادِ نَفَوا إخْوَةً ما مِثْلَهُم كَانَ إِخْوَةٌ ... لِحَيٍّ وَلَمْ يَسْتَوْحِشُوا لِفَسَادِ وسُمِّيَ شوَال ((وَعِلاً)) لأن الغارة كانت تكثر فيه فيلتجي كلُّ قوم إلى ما يُتَحَصّنُ به، والتَوَعّل: التَّوقّل وهو العلو والاحتراز، ومنه اشتقّ الوعل والمستوعل من الحمير المتحرزة. وسُمّي ذو القعدة: ((وَرْنَة)) للتَّنَعُّم فيه، قال ابن الأعرابي: "التَّوَرُّن: كثرة التّدهّن والنّعيم"2. أمّا ((هُوَاع)) - وهو الاسم الآخر الّذي روي لشهر ذي القعدة - فقد قيل له ذلك "لأنه كان يهوع الناس، أي: يخرجهم من أماكنهم إلى الحج، ويقال: هاع فلان يهوع هوعاً إذا قاء وتهوّع وما يخرج من حلقه هُواعة"3. أمّا ((بُرَكُ)) وهو شهر الحج، فهو معدول عن ((بارك)) وكأنّه الوقت الذي تبرك فيه الإبل للموسم، وقد يكون مشتقاً من البَرَكة، لأنّه وقت الحجّ، فالبركات تكثر فيه، وأصل البَرَكة من الثَّبات، كأنه من قولهم: بَرَكَ البَعِير، أو هو من مبرك البَعير الّذي يثبت فيه. وقد سمّت العرب أشهرها بالأسماء المعروفة المحرّم وصفر ... إلخ، واشتقوا أسماءها من أمور اتّفق وقوعها عند تسميتها، والمتأمل لاشتقاق أسماء شهور   1 ديوان الراعي النميري 20. 2 ينظر: التهذيب 15/237. 3 الأزمنة والأمكنة 1/283. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 الجاهلية أوّلاً ثمّ اشتقاقها ثانياً يتبين له أنّ بين التسميتين زماناً طويلاً، لاختلاف المدلول الزمني بين التسمتين لكل شهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 الفصل الثالث الممات من أسماء متفرقة ترك العرب مما كان مستعملاً في الجاهلية ألفاظاً كثيرة أماتوها بعد أن زالت معانيها، فمن ذلك1: 1- المِرباع: وهو ربع الغنيمة يكون لرئيس القوم في الجاهليّة دون أصحابه وصار في الإسلام الخمس على ما فرضه الله تعالى. 2- النَّشِيطة: وهي من الغنيمة ما أصاب الرئيس لنفسه، مثل السّيف والفرس والجارية، قبل أن يصير إلى بيضة القوم. 3- الصَّفايا: جمع صَفِيّ، وهو ما يصطفيه الرئيس لنفسه، مثل السّيف والفرس والجارية، قبل القسمة مع الربع الذي له، وبقي الصّفيّ حيناً في الإسلام، وقد خصّ بذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقد اصطفى صلى الله عليه وسلم سيف منبّه بن الحجّاج المسمّى ذو الفِقار، يوم بدر، وغير ذلك، قال ابن فارس: "وزال اسم الصّفيّ لمّا توفّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم"2. 4- الفُضُول، وهو ما فضل من القسمة مما لا تصحّ قسمته على عدد الغزاة كالبعير والسكين ونحوهما، قال عبد الله بن عَنَمَة الضّبّي حليف بني شيبان   1ينظر: الصاحبي 102، 105، والحيوان 1/327 - 330، والمزهر 1/296 - 298. 2 الصاحبي 103. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 في رثاء بسطام بن قيس: لَكَ المِرْبَاعُ مِنها والصَّفَايا ... وحُكْمُكَ والنَّشِيطَةُ والفُضُولُ1 5- إتاوة، وهو الخراج أو الرّشوة، نص ابن فارس على أنه ممّا ترك من ألفاظ الجاهليّة2، وربّما أحيي هذا اللّفظ فيما بعد. 6- المَكْسُ، وهو الجباية، دراهم كانت تؤخذ من بائع السِّلع في الأسواق الجاهليّة، وهو ما يأخذه العشّار من ضريبة، ولهذا يقال للعشّار: ماكِس. قال جابر بن حُنَيّ3: وفِي كُلِّ أَسْوَاقِ العِراقِ إِتَاوَةٌ ... وفِي كلّ مَا بَاعَ امْرِوٌ مَكْسُ دِرْهَمِ4 7- الحُلوان: الرشوة، ومنه أن يأخذ الرجل من مهر ابنته لنفسه، وهذا عار عند العرب، قالت امرأة في مدح زوجها: لا يَأخُذُ الحُلْوانَ مِن بَنَاتِنَا 5 8- صَرُورة: رَوَى أبو عبيد في غريب الحديث: "لا صرورة في الإسلام"6 وهو في الحديث: "التَّبتّل وترك النكاح؛ أي ليس ينبغي لأحد أن يقول: لا أتزوج؛ لأنه ليس من أخلاق المؤمن، وهو فعل الرُّهبان"7.   1 ينظر: الحماسة 1/503، والحيوان 1/330، والأمالي للقالي 1/144، واللآلي 1/389. 2 ينظر: الصاحبي 103. 3 شاعر جاهلي قديم، كان صديقاً لامرئ القيس. ينظر: معجم الشعراء 206، 207، والمفضليات 208. 4 ينظر: المفضليات 211. 5 ينظر: اللسان (حلو) 14/193. 6ينظر: سنن أبي داود 2/141، ومستدرك الحاكم 1/448، ومسند أحمد 1/312 وغريب الحديث لأبي عبيد 3/97، وكنز العمال 3/658وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير وزياداته 909. 7 النهاية 3/22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 وروي عن ابن مسعود: أنه قال: "لا يقولنّ أحدكم: إني صرورة، فإن المسلم ليس بصرورة"1. قال ابن دريد: "الأصل في الصّرورة أنّ الرجل في الجاهلية كان إذا أحدث حدثا ولجأ إلى الكعبة لم يُهَجْ، فكان إذا لقيه وليّ الدم بالحرم قيل له: هو صرورة فلا تَهِجْهُ، فكثر ذلك في كلامهم حتّى جعلوا المتعبّد الّذي يجتنب النّساء وطيّب الطّعام صرورة وصرورياً، وذلك عنى النّابغة الذّبياني بقوله: لَوْ أَنَّهَا عَرَضَتْ لأَشْمَطَ رَاهِبٍ ... عَبَدَ الإِلَهَ صَرُورَةٍ مُتَعَبِّدِ أي: متقبّض عن النّساء والتّنعم"2. ومن هذا سمّيَ من لم يَحُجّ: صرورة أو صرورياً، فترك تسميتة بذلك، وأميت لفظه3. 9- النّوافج؛ وهي الإبل التي تساق في الصّداق، فتكثر بها إبل الرجل وتعظُم، وكانت العرب تقول في الجاهلية للرجل إذا ولدت له بنت: هنيئاً لك النّافجة، أي المعظّمة لمالك، وذلك أنّه يزوّجها فيأخذ مهرها من الإبل، فيضمّها إلى إبله فينفجها، أي يرفعها ويكثّرها4. قال شاعرهم وقد كره ذلك: لَيْسَ تِلادِي مِن وِرَاثَةِ وَالِدِي ... ولا شَانَ مَالي مُسْتَفَادُ النَّوافِجِ5   1 ينظر: المجموع للنووي 8/281. 2 الجمهرة 3/1252. 3 ينظر: الصاحبي 103. 4 ينظر: الجمهرة 1/489، واللسان (نفج) 2/382. 5 ينظر: الصاحبي 105. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 10- غُلامة، وهي مؤنث الغلام، كان يقال للجارية؛ قال أبو عبيدة معمر ابن المثنى عن أبي عبد الرحمن يونس بن حبيب النّحوي حين أنشده شعر الأسديّ: ومِرْكَضَةٍ صَرِيحىّ أَبُوها ... تُهانُ لَهَا الغُلامَةُ والغُلامُ قال: فقلت له: فتقول للجارية: غلامة؟ قال: لا، هذا من الكلام المتروك1. 11- الرَّتِيمة، وهي شيء كان يفعله الجاهليّون، كان الرّجل إذا أراد سفراً عمد إلى شجرتين متقاربتين فعقد غصنين منهما فإذا رجع من سفره نظر إليهما، فإن كان الغصنان بحالهما علم أنه لم يُخَن في أهله، وإن كانا منحلّين ظنّ بأهله ظنّ سوء2. 12- عَدَوْلاة، وهو اسم موضع في البحرين، قال الخليل: "والعَدَوْلِيّة: ضرب من السفن، نُسب إلى موضع يقال له: عدولاة، أميت اسمه"3 أي أميت لفظ ((عَدَوْلاة)) . والّذي في كتب البلدان أنّ اسم القرية ((عَدَولَى)) 4 قال البكريّ: "عَدَوْلَى: قرية بالبحرين، والعَدَوليُّ من السُّفن منسوب إليها، قال طرفة: عَدَوْلِيّةٌ أو من سَفِين ابن يامِنٍ يَجُوزُ بها المَلاّحُ طَوْراً ويَهْتَدِي5 وذكره سيبويه فيما جاء من الأسماء على مثال فَعَولَى، وزعم الخليل أنه موضع كانت تنسب إليه السفن، فأميت اسمه"6.   1 ينظر: الحيوان 1/329، 330. 2 ينظر: اللسان (رتم) 12/225. 3 العين 2/40. 4 ينظر: معجم البلدان 4/90. 5 ينظر: ديوان طرفة 20. 6 معجم ما استعجم 2/926. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 13- الجَدَف، وهو ما لايغطّى من الشراب، ورد في حديث عمر، قال أبو عمرو بن العلاء: "الجَدَف لم أسمعه إلا في هذا الحديث، وما جاء إلا وله أصل، ولكن ذهب من كان يعرفه ويتكلم به كما قد ذهب من كلامهم شيء كثير"1. 14- الأرداف، وهم الوزراء في الجاهلية، قال الأزهري: "أرداف الملوك في الجاهلية الذين يخلفونهم في القيام بأمر المملكة، بمنزلة الوزراء في الإسلام"2. وقال الجوهري: "الرِّدافة: الاسم من إردافِ الملوك في الجاهلية. والردافة: أن يجلس الملك ويجلس الرِّدف عن يمينه، فإذا شرب الملك شرب الردف قبل الناس، وإذا غزا الملك قعد الردف في موضعه، وكان خليفته على الناس حتى ينصرف، وإذا عادت كتيبة الملك أخذ الردف المرباع. وكانت الرِّدافة في الجاهلية لبني يربوع، لأنه لم يكن في العرب أحد أكثر غارة على ملوك الحيرة من بني يربوع، فصالحوهم على أن جعلوا لهم الرِّدافة، ويكفّوا عن أهل العراق الغارة"3. فهذه كلمات متفرّقة أميتت في الجاهلية، وهجرت، وربما أحيي بعضها فاستعمل مرة أخرى في معناه القديم أو بمعنى آخر، وإحياء الممات وارد في اللغة على النحو الذي سيأتي تفصيله في الباب الرابع - إن شاء الله تعالى. 15- عُبسُور، وهي السريعة من النوق، وهذه الكلمة مما انفرد به المتقدمون وتركه المتأخرون؛ لاستعمالهم مرادفه. قال ابن فارس: ".. وقد كان   1 اللسان (جدف) 9/24. 2 التهذيب 14/97. 3 الصحاح (ردف) 4/1363. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 لذلك كله ناس يعرفونه. وكذلك يعلمون معنى ما نستغربه اليوم نحن من قولنا: عُبسُور، في الناقة، وعَيْسَجور، وامرأة ضِناكٌ وفرس أَشَقُّ أمقُّ خِبَقٌ ذهب هذا كله بذهاب أهله"1. 16- عَيْسجُور، وهي الناقة الصلبة، وقيل السريعة القوية، ذكر ابن فارس أنه مما ذهب بذهاب أهله - كما تقدم في النص السابق في الفقرة (15) . 17- ضِناك، في قولهم: امرأة ضِناك، وهي ثقيلة العجز الضخمة، ذكر ابن فارس أنه مما ذهب بذهاب أهله - كما تقدم في الفقرة رقم (15) . 18- خِبَقٌّ، في قولهم: فرس: أَشَقُّ أَمَقُّ خِبَقٌّ، وناقة كذلك، وهي السريعة، وقيل: خِبقٌّ إتباع، وذكر ابن فارس أنه مما ذهب بذهاب أهله - كما تقدم.   1 الصاحبي 65،66. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 الفصل الرابع أسماء أميت مفردها وهو نوعان: الجمع، والمثنى، وهما على النحو التالي: أ – الجمع: المفرد من الأسماء هو الأصل للجمع، فلكل جمع مفرد مسموع أو مقدّر، قياساً على الكثير الغالب من كلام العرب، وثمّة جموع قليلة لم يوجد من مادّتها مفرد البتة1؛ روى اللحياني عن الأصمعيّ: "أن المطايب والأطايب والمحاسن   1 ثمة خلاف في همزة البتة فهي همزة وصل عند بعض العلماء، وهي همزة قطع عند بعضهم الآخر، وقد بحثتُ في هذه المسألة قبل سنوات، ولم أصل إلى ما أقطع به في ذلك، وأنا أتّبع الأصل فيها، وهو أن الهمزة فيها همزة وصل، وعلى هذا كثير من علمائنا، والذي يكتبها همزة قطع فهو مصيب غير مخطئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 والمساوئ والمغازي والمقاليد لا يعرف لها واحد"1 وكذلك نسوة وعبابيد وعباديد ومذاكير. وأغلب الظن أن مفرداتها أميتت فانقرضت2، وظلّت تلك الجموع دليلاً على مفرداتها، ولا خلاف بين العلماء أن المفرد من تلك الجموع مقدر، وأنه يكون عند التقدير على حسب القياس3، ولكنه مهجور في الاستعمال لإماتته، اكتفاء - فيما نقدر - بلفظ الجمع، وهو يسمّى عند بعض العلماء ((المفرد التقديري)) أو ((الخيالي)) أو ((غير الحقيقي)) 4 ولو سمّي المفرد الميت أو الممات أو المتروك لكان صحيحاً. أما المفردات التي لم يسمع لها جموع، نحو المرء والمرأة، والدّبور؛ وهي ريح الصبا؛ فإنه لا يصح أن يقال: إن تلك الجموع مماتة؛ لأن الجمع فرع والمفرد أصل، ووجود الأصل - وهو المفرد - لا يقتضي وجود الفرع وهو الجمع، ويصح معكوس ذلك لفظاً ومعنى؛ أي أن وجود الفرع في الاستعمال يقتضي وجود الأصل في الاستعمال ولو مرة واحدة قبل الإماتة. ومن الجموع الّتي أميتت مفرداتها وزالت من الاستعمال5: 1- الخَلابيس، وهي الأمور التي لا نظام لها، لم يعرف البصريون لها واحداً، وقال البغداديون: خِلْبِيس - كما يقول ابن دريد6.   1 التهذيب 14/40. 2 ينظر: في علم الصرف 125. 3 ينظر: تصريف الأسماء 233. 4 ينظر: المعجم المفصل في النحو العربي 2/1034. 5 ينظر: الكتاب 2/282، 3/23، 256، 379، 275، 425، والجمهرة 3/1271، والمزهر 2/197، وأزاهير الفصحى 256. 6 ينظر: الجمهرة 3/1271. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 2- سَمادير العين، وهو ما يراه المُغْمَى عليه من حُلْم، والمفرد ممات. 3- معاليق، وهو ضرب من التّمر، والمفرد ممات. 4- عبابيد وعباديد، وهم الفرق من الناس، والخيل الذاهبون في كل وجه، والمفرد ممات. 5- تَبَاشير الصّباح، وهي أوائلة الّتي تبشربه، وتباشير النخل بواكيره، والتباشير - أيضاً - البشرى، وأميت مفرده. 6- التَّعَاشِيب في قولهم: أرض مملوءة بالتعاشيب، وقيل: هو أول ما يظهر من العشب، ويكون متفرقاً، وهو مما أميت مفرده. 7- تضاعيف الشيء، وهو ما ضُعِّف منه، والمفرد ممات، قال ابن سيده: "ليس له واحد، ونظيره في أنه لا واحد له: تباشير الصبح ... وتعاشيب الأرض، لما يظهر من أعشابها أولاً"1. 8- التعاجيب، وهي العجائب، وتعاجيب الدهر: ما يأتي من عجائبه. أميت المفرد. 9- التماسي، وهي الدواهي، قال أبو عمرو بن العلاء: "لقيت من فلان التماسي، أي الدواهي، لا يعرف واحده"2. 10- الهزائز، وهي الشدائد، حكاها ثعلب، قال: ولا واحد لها3. 11- الزآنب، وهي القوارير، ذكر ابن الأعرابي أنّه لا واحد لها4، أي أنّ المفرد ممات.   1 المحكم 1/255. 2 اللسان (مسا) 15/281. 3 ينظر: اللسان (هزز) 5/425. 4 ينظر: التاج (زأنب) 1/384. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 12- مطايب اللحم وغيره: خياره وأطيبه، قال ابن منظور نقلاً عن ابن سيده: "ومطايب اللحم وغيره: خياره وأطيبه؛ لا يفرد، ولا واحد له من لفظه، وهو من باب محاسن وملامح؛ وقيل: واحدها مَطَاب ومَطَابة، وقال ابن الأعرابي: هي من مطايب الرطب، وأطايب الجزور. وقال يعقوب: أطعمنا من مطايب الجزور ولا يقال: من أطايب. وحكى السيرافي أنه سأل بعض العرب عن مطايب الجزور، ما واحدها؟ فقال: مَطْيَب، وضحك الأعرابي من نفسه كيف تكلّف لهم ذلك في كلامه"1. 13- المحاسن، وهي المواضع الحسنة من البدن، قال ابن سيده: "قال بعضهم: واحدها محسن، وليس هذا بالقوي ولا بذلك المعروف، إنّما المحاسن عند النحويين، وجمهور اللغويين جمع لا واحد له، ولذلك قال سيبويه: إذا نسبت إلي محاسن قلت: محاسنيّ، فلو كان له واحد لردّه إليه في النسب، وإنما يقال: إنّ واحده: حَسَنٌ على المسامحة"2. 14- ملامح الإنسان: ما بدا من محاسن وجهه ومساويه مفرده: ((مَلْمَحَة)) استغنوا عنه بلمحة، فأميت3. ب – المثَنَّى: من المثنّيات في العربيّة ما أميت واحده، وترك في الاستعمال، وهي قليلة منها4:   1 اللسان (طيب) 1/566. 2 المحكم 3/143. 3 ينظر: الكتاب 3/275، 425. 4 ينظر: المثنّى لأبي الطّيّب اللّغويّ 56 - 62. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 1- اثنان، لا واحد له من لفظه، وقد أميت مفرده فيما نقدّر. 2- المِذْروان، طرفا الأليتين، ليس لهما واحد، وقيل واحده مِذْري، وفي اللِّسان: ((قيل: المِذروان: أطراف الأليتين، ليس لهما واحد، وهو أجود القولين؛ لأنه لو قال مِذرى لقيل في التثنية مِذْريان بالياء للمجاورة)) 1. ذكره أبو الطيب اللغويّ فيما ليس له مفرد من لفظه2. 3- هجاجان؛ يقال هم هجاجيه، أي عن يمينه وشماله، ذكر أبو الطّيّب أنه لا واحد له من لفظه3. 4- دَوَاليك، ومعناه مُداولة بعد مُداولة، قال الزّجَاجيّ: ((ولا يفرد له واحد)) 4.   1 اللّسان (ذرا) 14/285. 2 ينظر: المثنّى 59. 3 نفسه 62. 4 أمالي الزّجّاجيّ 130. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 الفصل الخامس أسماء مصغرة أميت مكبرها من الأسماء ما جرى في العربيّة مصغّراً وأميت مكبّره، مثل: كُعَيت وكُميت، وقد تناوله علماء اللغة في كلامهم في التّصغير1 على وجه من الإيجاز، ومثّلوا له بألفاظ قليلة من أبرزها: 1 - كُعَيت؛ وهو البلبل، وحُكِىَ عن المبرّد أنّه قال: يشبه البلبل ويقاربه، وقد يصغّر الشيء لمقاربة الشيء كقولهم دُوين ذلك وفويقه، ويقولون في جمعه:   1 ينظر: الكتاب 3/477، والمقتضب 3/233، والأصول في النحو 3/61، والمخصص 14/106، وشرح المفصل لابن يعيش 5/136، والتسهيل 287، والمساعد 3/520. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 كعتان؛ لأنّ تقدير مكبّره الممات أن يكون على كُعَت1. 2 - جُميل، وهو البلبل - أيضاً - لا يستعمل إلا مصغّراً بعد إماتة مكبّره. 3 - كُمَيت، لون ليس بأشقر ولا أدهم، بين السّواد والحمرة، قال سيبويه: "سألت الخليل عن كُميت، فقال: هو بمنزلة جُمَيل؛ وإنما هي حمرة مخالطها سواد، ولم يخلص؛ فإنما حقّروها لأنّها بين السّواد والحمرة، ولم يخلص أن يقال له أسود ولا أحمر، وهو منهما قريب، وإنّما هو كقولك: دوين ذلك"2. 4 - الثُّريّا، كواكب في السماء، سمّيت بذلك لكثرة كواكبها مع صغر مرآتها، فكأنها كثيرة العدد بالإضافة إلى ضيق المحلّ، لازمت التّصغير3 بعد إماتة مكبّرها، وهو ((ثَرْوَى)) 4. 5 - القَصَيرى، وهي أسفل الأضلاع، وقيل: هي الضِّلع الّتي تلي الشّاكلة، وهي الواهنة، وقيل: هي آخر الضّلوع5. استغنى بمصغّرها عن مكبّرها الممات. 6 - ويكثر ذلك في الأعلام، مثل حُنين، موضع بين الطائف ومكّة، وأمّ حُبين؛ دويّبة على خلقة الحرباء، وهُذيل، وقُريظة، وقصيّ، وطُهيّة، وبُثينة6. وتكاد تنحصر نظرة علماء العربيّة إلى مكبّر هذه الكلمات في أحد أمرين:   1 ينظر: المخصص 14/106. 2 الكتاب 3/477. 3 ينظر: المساعد 3/520. 4 ينظر: تفسير رسالة أدب الكاتب 87. 5 ينظر: اللسان (قصر) 5/103. 6 ينظر: شرح الكافية الشافية 4/1921. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 الأوّل: أنّ المكبّر لم يستعمل أصلاً، ولم ينطق به، وإنّما نطق بالمصغّر ابتداء، فجرى في الكلام دون غيره ((كأنهم في أصل الوضع فهموا تصغيره، فوضعوا اسمه على التّصغير)) 1 وقد نطقوا بهذه الكلمات مصغّرة؛ لأنها عندهم مستصغرة2، والصّغر من لوازمها، فوضعوا الألفاظ على التّصغير)) 3. قال الرّضي: "وقولهم في جُمَيل وكعيت: جِملان وكِعتان؛ كصِردان ونِغْران تكسير لمكبّريهما المقدّرين، وهما الجُمَل والكُعَت، وإنّما قُدّرا على هذا الوزن؛ لأنه أقرب وزن مكبّر من صيغة المصغّر، فلمّا لم يسمع مكبّراهما قُدّرا على أقرب الأوزان من وزن المصغّر"4. الثّاني أن المكبّر كان مستعملاً ثم أميت وتُرِك5، واستغنى عنه بالمصغّر، وتنوسي التّصغير فأصبح كالمكبّر. قال سيبويه: "هذا باب ما جرى في الكلام مصغّراً وترك تكبيره؛ لأنه عندهم مستصغر، فاستغنى بتصغيره عن تكبيره"6 ولا يكادون يلفظون به7. ومما يقوّي هذا الرأي أنّ المصغّر فرع كالجمع والمثنّى، والمكبّر أصل كالمفرد، والفرع تالٍ والأصل سابق في الوضع، فدلّ هذا على سبق المكبر في الاستعمال.   1 الإيضاح في شرح المفصل 1/584. 2 ينظر: شرح المفصل لابن يعيش 5/136. 3 ينظر: شرح الشافية للرضي 1/280. 4 المصدر السابق 1/280، 281. 5 ينظر: المفصل 206. 6 الكتاب 3/477. 7 ينظر: شرح المفصل لابن يعيش 5/136. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 ويقويه - أيضاً - أن للمصغّر قياساً يتّبع في التّصغير، وهو أن يكون على وزن واحد من الأوزان الثلاثة المعروفة، وهي: فُعَيل للثّلاثي وفعيعل للرّباعي، وفعيعيل للخماسي الذي رابعه حرف لين، أو ما حذف منه وعُوّض عن محذوفه، ويتعذر اختيار أحد الأوزان الثّلاثة في التّصغير قبل معرفة المكبّر وعدد حروفه، فدلّ قولهم: جُمَيل وكُعَيت - مثلاً - على معرفتهم بأن المكبر ثلاثي وهو: جُمَل وكُعَت، وليس رباعياً أو خماسياً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 الباب الثاني: الممات من الأفعال مدخل ... مدخل: ثمّة أفعال كثيرة أُميتت في العربيّة، وترك العرب استعمالها بعد أن كانت في لغتهم، فانقرضت وزالت، وبقي ما يَدُلّ عليها من الأسماء أو بعض اشتقاقات الفعل. والإماتة في هذه الأفعال على أربعة أوجه: أوّلها: إماتة الفعل بكل تصريفاته وصيغه. ثانيها: إماتة المجرّد وإحياء المزيد. ثالثها: إماتة بعض التصريفات (الأزمنة) رابعها: إماتة المبني للمعلوم. وينبغي - قبل تفصيل هذه الأنواع - أن يعلم الباحث اللّغويّ في متن اللّغة أنّ علماء العربية اعتادوا في معاجمهم أن يتركوا ذكر القياسيّ من الأفعال والأسماء وتصريفاتهما اختصاراً أو استغناء بالقياس، فوجب الحذر وأخذ ذلك في الحسبان عند الحكم بالإماتة وخاصة حين لا يكون هناك نصّ صريح لأولئك العلماء المتقدّمين أو لأحدهم من غير إنكار عليه منهم، أو يكون ثمة دليل لغوي يُهتدى به، كاستعمال المضارع أو الأمر دون الماضي نحو "يَهيط" بمعنى، يصيح فإن المضارع فرع والماضي أصل له، ووجود الفرع دون الأصل دليل على إماتة ذلك الأصل، وهذا قياس لغوي. ومن علماء العربيّة الّذين يمكن للباحث أن يظفر بإشارات لهم فيما أميت من الأفعال: الخليل في "العين" وابن دريد في "الجمهرة" و"الاشتقاق" والأزهريّ في "تهذيب اللّغة" والصّغانيّ في "الذّيل والتّكملة والصّلة". وفيما يلي تفصيل الأوجه الأربعة في إماتة الأفعال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 الفصل الأول أفعال أميتت صيغها وتصريفاتها أمكن لي الظّفر بجملة من الأفعال المماتة بكامل تصريفاتها مستخرجة من المصادر اللّغويّة القديمة، وعلى رأسها "الجمهرة " لابن دريد الّذي عني في معجمه هذا بذكر الممات والإشارة إليه في مواضع عديدة، ولم يرد لها ذكر في معاجم الأفعال لابن القوطيّة والسّرقسطيّ وابن القطّاع أو المعاجم الكبيرة مثل "التهذيب" و"الصّحاح" و"المحكم" و"اللسان" و"القاموس المحيط" و"التاج" فدلّ ذلك على أنها مماته، كما قال ابن دريد وغيره من العلماء. وأنبه - بين يدي هذا الفصل قبل أن أعرض لعدد من الأفعال المماتة - إلى أن ثمة خلافاً بين البصريين والكوفيين في أصل المشتقات، فالبصريون يرون أن المصدر هو الأصل والفعل منه، ويرى الكوفيون أن الفعل هو الأصل والمصدر مشتق منه. واستدل البصريون على أن المصدر أصل الفعل بأمور، منها أن المصدر يدل على زمان مطلق، والفعل يدل على زمان معين، فكما أن المطلق أصل للمقيد فكذلك المصدر أصل للفعل. واستدل الكوفيون على أن الفعل أصل المصدر بأمور، منها أن المصدر يصح لصحة الفعل، ويعتل لاعتلاله، كما في قولك: قاوَم قِوَاماً وقام قياماً، فلما صح المصدر لصحة الفعل واعتل لاعتلاله دلّ على أنه فرع عليه. والخلاف في هذه المسألة مبسوط في كتب النحو والصرف1،فلا حاجة   1 ينظر: الإنصاف في مسائل الخلاف 1/235، 245، وأسرار العربية 171، وائتلاف النصرة 111. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 لبسطه هنا، وقد رجح جمهور العلماء مذهب البصريين. ويبدو أن ابن دريد الذي نقلت عنه قدراً صالحاً من ممات الأفعال في هذا الفصل والذي يليه - يختار مذهب الكوفيين في أصل الاشتقاق مع أنه بصري. والحق أنه يصعب الجزم بصحة أحد المذهبين وتخطئة الآخر، فالطابع العام لهذه المسألة نظري - كما يقول بعض الباحثين المعاصرين - "ولذا كان الخلاف فيها ميداناً لتصارع الحجج النظرية، ومن هنا ترددتْ خلال الحجج قضايا فلسفية، مثل الأصالة والفرعية، والإطلاق والتقييد، والبساطة والتركيب، وفي الوقت نفسه لم تخل المسألة من استئناس بالواقع اللغوي"1. ويبدو أن الموازنات السامية ترجح مذهب الكوفيين، وفي ذلك يقول ولفنسون: "وقد نشأ من اشتقاق الكلمات من أصل هو الفعل أن سادت العقلية الفعلية- إذا صح هذا الاستعمال - على اللغات السامية، أي أن لأغلب الكلمات في هذه الكلمات مظهراً فعلياً ... وقد رأى بعض علماء اللغة العربية أن المصدر الاسمي هو الأصل الذي يشتق منه أصل كل الكلمات والصيغ ولكن هذا الرأي خطأ - في رأينا - لأنه يجعل أصل الاشتقاق مخالفاً لأصله في جميع أخواتها السامية. وقد تسرب هذا الرأي إلى هؤلاء العلماء من الفرس الذين بحثوا في اللغة العربية بعقليتهم الآرية، والأصل في الاشتقاق عند الآريين أن يكون من مصدر اسمي. أما في اللغات السامية فالفعل هو كل شيء، فمنه تتكون الجملة، ولم يخضع الفعل للاسم والضمير، بل نجد الضمير مسنداً إلى الفعل ومرتبطاً به   1 الخلاف بين النحويين 204. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 ارتباطاً وثيقاً"1. ولست بصدد مناقشة هذا الرأي، ولكن هذا يكفي - على الأقل - لجعلي أقبل - في هذا البحث - برأي ابن دريد حينما يجعل الفعل أصلاً للمصدر في الاشتقاق ويقول بموته حين يجد المصدر مستعملاً ولا فعل له. وأذكر فيما يلي ما وقفت عليه من الأفعال المماتة، مرتبة على حروف المعجم، وهي: 1ـ بحن: أميت الفعل "بَحِنَ" بكلّ تصريفاته وأزمنته. قال ابن دريد: "البَحَنُ: فعل ممات، ومنه اشتقاق البَحْوَن، وهو الرّمل المتراكب"2، وقوله: فِعل ممات؛ أي: فعله ممات، أي أنه مشتق من فعل ممات. ومنه رجل بَحْوَن: عظيم البطن3. وتقدير الفعل: بَحِنَ يَبْحَنُ. وسأقدر جميع الأفعال التّالية وفق أقيسة الأفعال، واحتمال الخطأ في تقدير ضبط العين وارد، لعدم السّماع، لأنّ عين الماضي والمضارع في العربيّة لا تنضبطان انضباطاً كاملاً، والعمدة في كثير منهما على السماع4.   1 تاريخ اللغات السامية 14،15. 2 الجمهرة 1/285. 3 ينظر: اللسان (بحن) 13/46. 4 صوابي في تقدير ضبط عين الفعل الماضي والمضارع في هذا النوع أو خطئي فيه ليس له تأثير على إماتة الفعل، فهذا التقدير من لزوم ما لا يلزم في هذا البحث، حملني عليه رجاء الفائدة - إن شاء الله -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 2ـ تير: تَيّار البحر: موجه، وهو من فعل ممات، قال الأزهري: "التَّيّار: فَيعَال من تار يَتُور، مثل القيام من قام يقوم، غير أن فعله ممات"1. 3 ـ ثتل: قال ابن دريد: "ثتل: استعمل منها الثَّتْل، ثمّ أميت2، ومنه بناء ثَيْتَل، وهو جبل معروف ... والثَّتْل ضرب من الطير زعموا"3. وتقدير الفعل: ثَتَلَ يَثْتِلُ أو يَثْتُلُ. 4 ـ ثعر: قال ابن دريد: "الثَّعْر ممات، وهو أصل بناء الثُّعرور، والثعروران كالحلمتين تكتنفان غرمول الفرس عن يمين وشمال، وكذلك الزائدتان على ضرع الشّاه"4. وذكر هذا المعنى في بعض المعاجم5 ولم أجد من قدّر له فعلاً مماتاً غير ابن دريد. وتقدير الفعل: ثَعَرَ يَثْعَرُ. 5 ـ جعتب: قال أبو بكر: "جُعْتُب: اسم مأخوذ من فعل ممات"6.   1 التهذيب 11/310. 2 أي أميت الفعل. 3 الجمهرة 1/384. 4 المصدر السابق 1/421. 5 ينظر: اللسان (ثعر) 4/102. 6 الجمهرة 2/1110. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 ورويَ هذا الاسم بالثّاء المثلّثة فقد جاء في التّاج: "جُعْثُب كقُنْفُذ؛ أهمله الجوهري، وهو بالمثلّثة في سائر النسخ، وقال ابن دريد هو بالثاء المثناة الفوقية؛ اسم مأخوذ من فعل ممات"1. وتقدير الفعل: جَعْتَب يُجعتِب، أو جَعْثَبَ يُجْعثِبُ. 6 ـ حتد: قال السّرقسطيّ: "حَتَدَ بالمكان يَحْتِد حتداً إذا أقام به ... وهي لغة مرغوب عنها، وقد أميتت"2. وفي "الجمهرة"3: "لغة مرغوب عنها" وفي "اللّسان"4: "مماتة" وكذلك في "التّاج"5. وتقدير الفعل: حَتَدَ يَحْتِد، كما قال السَرقسطي. 7 ـ حجد أو حنجد: حُنْجُود اسم جد جاهلي، مشتق من فعل ممات، كما يرى بعض اللّغويين، وهو ثلاثي، ولا يمتنع أن يكون رباعياً بأصالة النون؛ لأنها ثانية. ومن أقدم من قال بإماتة هذا الفعل ابن دريد، قال في "الجمهرة6: "حُنجُود: اسم ... والنّون والواو فيه زائدتان، وهو فعل ممات". وذكر في "الاشتقاق"7 أنه من الأسماء المشتقة من الأفعال التي أميتت.   1 التاج (جعثب) 1/183. 2 الأفعال 1/394. 3 1/385. (حتد) 3/139. (حتد) 2/330. 6 1/435. 7 213. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 وتقدير الفعل حَجَدَ يحجُد، مثل هَجَدَ يهجُدُ، أو حَنْجَدَ يُحَنجدُ إن كان الفعل رباعياً. 8 ـ حمط: قال ابن دريد: "الحَمْطُ من قولهم: حَمَطتُ الشّيء أَحْمِطُهُ حَمْطاً إذا قشرته، وهذا فعل قد أُميت"1. وقد أشار إلى إماتة هذا الفعل بعض العلماء كابن منظور2 والزّبيديّ3. وأنكر الأزهري4 الحَمْط بمعنى القشر، وذكر أنَه لم يسمعه لغير ابن دريد. وتقدير الفعل: حَمَطَ يَحْمِط، كما قال ابن دريد. 9 ـ خنذ: قال الأزهري: "الخِنذيذ - بوزن فِعليل - كأنه بني من خنذ، وقد أميت فعله، ويقال هو الخَصّيُّ من الخيل، ويقال الطّويل ... وقال شمر: قال ابن الأعرابي: كلّ ضخم من الخيل وغيره خِنذيذ - خصياً كان أو غير خصيّ"5. وتقدير الفعل: خَنِذَ يَخْنِذ، مثل خَنِثَ يخنِثُ، أو خَنَذَ يخنِذُ ويَخْنذُ مثل خَنَسَ يخنِسُ ويخنُسُ، ويكون بعد الإلحاق: خَنْذَذَ يُخَنْذِذُ.   1 الجمهرة 1/551. 2 ينظر: اللسان (حمط) 6/276. 3 ينظر: التاج (حمط) 5/121. 4 ينظر: التهذيب 4/401. 5 التهذيب 7/325. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 10 ـ درح: قال ابن دريد: "الدِّرحاية الرَّجل الضخم ... واشتقاق الدِّرحَاية من الدرح، وهو فعل ممات"1، أي: أن فعله " دَرَحَ" ممات. وتقدير الفعل: دَرَحَ يدرَح، مثل سَرَحَ يسْرَح. 11 ـ دفص: الدَّفْصُ المُلُوسة، وفعله ممات2، ومنه اشتقاق الدّوفص وهو البصل الأبيض الأملس، والواو زائدة. وتقدير الفعل: دَفِصَ يدفَصُ مثل: دَلِصَ يدلَص، بمعنى: زَلِقَ أو لانَ. 12 ـ ردك: قال ابن دريد: "الرَّدْك فعل ممات استعمل منه غلام رَوْدَك، وجارية رَوْدكة: في عنفوان شبابها"3. ونقل عنه هذا جماعة من العلماء من غير إنكار عليه؛ ومنهم الصّغاني4، والفيروز آبادي5 والزبيدي6. وتقدير الفعل: رَدُك يردُك، أو رَدِكَ يردَك. 13 ـ زتن: يحتمل لفظ الزّيتون – وهو الثمر المعروف – أحد أصلين: (زيت) و (زتن)   1 الجمهرة 1/501. 2 ينظر: الجمهرة 2/655، 1177، والقاموس (دفص) 799. 3 الجمهرة 2/637. 4 ينظر: التكملة والذيل والصلة (ردك) 5/201. 5 ينظر: القاموس (ردك) 1214. 6 ينظر: التاج (ردك) 7/135. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 فالأول مشتقّ من الزّيت، فوزنه حينئذ (فعلون) والثاني مشتق من الزَّتن، والفعل منه ممات كما ذكر بعض العلماء1، ووزنه حينئذ (فيعول) ولذا وضعه ابن منظور في الأصلين (زيت) و (زتن) . وتقدير الفعل الممات: زَتَنَ يزتِن أو يزتُنُ، أو زتِن يزتَن. 14 ـ زعك: قال ابن دريد: "الزَّعْك: فعل ممات، ومنه اشتقاق قولهم رجل أزعكيّ، وهو الدّميم، وذكر يونس أنّه سمع زعكوك، قصير مجتمع الخلق"2. وهذا مما انفرد به ابن دريد. وتقدير الفعل: زَعَكَ يَزْعَك أو زَعِكَ يَزْعَك. 15 ـ سلحف: قال أبو بكر: "سَلْحَف (فعل) ممات، ومنه اشتقاق السّلحفاة. تمدّ وتقصر"3. وتقدير الفعل: سَلْحَفَ يُسَلْحِفُ. 16 ـ سمدع: السّميدع هو السيّد الشّريف الكريم، وذكر بعض العلماء أنّه مشتق من فعل رباعيّ ممات وهو: سَمْدَع يُسَمْدِعُ4.   1 ينظر: الخصائص 3/203. 2 الجمهرة 2/815. 3 المصدر السابق 2/1142. 4 المصدر السابق 2/1148. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 17 ـ سنر: السّنر ضيق الخلق وشراسته، وهو مشتقّ من فعل ثلاثي ممات، تقديره: سَنَر يسنُرُ، ومنه اشتقاق السِّنَّور1. 18 ـ سهق: السَّهْوَق هو الظّليم الطّويل الرّجلين، وربّما سمّى الرجّل الطّويل السّاقين سَهْوقاً، واشتقاقه من فعل ممات، وهو سَهْوَق كما يرى ابن دريد2. والواو فيه للإلحاق بالرّباعي. 19 ـ ضعز: الضّعز: الوطء الشّديد، وهو مشتقّ من فعل ممات في رأي ابن دريد3 وقد ذكر ابن القطّاع هذا الفعل، قال: "ضَعَزَ المرأة نكحها"4. وأشار الزّبيدي إلى أن هذا الفعل ممات5. 20 ـ ضعس: قال ابن دريد: "الضَعْسُ فعل ممات، واشتق منه: رجل ضَعْوَس، وهو الحريص النَّهِم"6. وقال ابن منظور: "الضّعرس: النّهم الشّديد"7 فكأنه منه أو مرادف له أو تحريف منه، وفي "القاموس"8: الضّغرس بالغين المعجمة.   1 الجمهرة 2/722. 2 المصدر السابق 2/853. 3 المصدر السابق 2/812. 4 الأفعال 2/274. 5 ينظر: التاج (ضعز) 4/46. 6 الجمهرة 2/833. 7 اللسان (ضعرس) 6/120. (ضعرس) 713. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 وتقدير الفعل الثلاثي: ضَعُسَ يضعُس، مثل ضَعُف يضعُف، والرباعي ضَعْوَسَ يُضَعْوِسُ وضَعْرَسَ يُضَعْرِسُ. 21 ـ طهش: الطَّهْش: أن يختلط الرجل فيما أخذ فيه من عمل بيده فيفسده1. وذكر جماعة من علماء العربية أن فعله أميت، ومنه بناء "طَهْوَشٍ"2 وهو اسم. وتقدير الفعل: طَهَشَ يَطْهَشُ، مثل: طَهَسَ في الأرض يطهَس، إذا دخل فيها. 22 ـ عتص: قال ابن دريد: "العَتَصُ: فعله ممات، وهو - زعموا - كالاعتياص، وليس بثبت؛ لأن بناءه لا يوافق أبنية العرب، استعمل الاعتياص، وهو الافتعال من قولهم اعتاص يعتاص اعتياصاً، وهذه الألف أصلها ياء كأنه اعتَيَصَ"3. وذكر إماتة هذا الفعل "عَتَصَ" الصّغاني4، والفيروز آبادي5 والزبيديّ 6 وهو لا يوافق أبنية العرب؛ لأن العرب تتجنّب التاء بجوار الصّاد، لثقل ذلك، أو تقلب التّاء طاء، كما حدث في تاء الافتعال في اصطفى ونحوه.   1 ينظر: اللسان (طهش) 6/312. 2 ينظر: الجمهرة 2/868، والتكملة والذيل والصلة (طهش) 3/487، والتاج (طهش) 4/320. 3 الجمهرة 1/400. 4 ينظر: التكملة والذيل والصلة (عتص) 4/19. 5 ينظر: القاموس (عتص) 803. 6 ينظر: التاج (عتص) 4/405. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 وليس العتص من الاعتياص، فهما أصلان مختلفان تماماً فالأول من (ع ت ص) والثّاني من (ع وص) فالتّاء في "لاعتياص"زائدة، وهي تاء الافتعال، والتّاء في "لعتص"أصليّة، وهي عين الكلمة. وتقدير هذا الفعل الممات: عَتَصَ يعتِص، مثل عَتَمَ يَعْتِم، إذا كفّ عن الشيء بعد المضيّ فيه. 23 ـ عضنك: العَضَنّك: الغليظ الشّديد من الرّجال، والعجزاء اللفاء من النّساء. وذكر ابن دريد أن فعله1 أميت، وهو رباعيّ، ويجوز أن يكون ثلاثياً بزيادة النّون. وتقدير الفعل: عَضْنَكَ يَعْضْنِكُ. 24 ـ عظر: يقال: عَظِرَ الرّجل، أي كَرِهَ الشّيء، وهذا فعل ممات، قال ابن دريد: "جل عِظْيَرّ: كَزّ غليظ، ويقال هو الشيء الخلق، وهذا اسم مشتقّ من فعل قد أميت، وهذا من عَظِرَ الرّجل، إذا كدّه الأمر واشتد عليه، ولا يكادون يتكلمون به ولا يصرّفون له فعلاً". وأشار ابن منظور إلى إماتة هذا الفعل وأنهم لا يكادون يتكلمون به2. وتقدير الفعل: عَظِرَ يعظَرُ.   1 ينظر: الجمهرة 2/1158. 2 ينظر: اللسان (عظر) 4/583. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 25 ـ عقز: العَقْز: تقارب دبيب النّمل وما أشبهه1، ذكر الزّبيديّ2 أنّ الفعل منه ممات، وتقديره: عَقَزَ يعقز، مثل: عَقَر يَعْقِر. 26 ـ عقس: العَقَسُ شُجيرة تنبت في الثُّمام3، وكذلك العَوقس، قال ابن دريد: "لعَقسُ فعل ممات، ومنه اشتقاق عَوْقَس، وهو ضرب من النّبت"4. وتقدير الفعل: عَقِسَ يَعْقَسُ مثل عَكِشَ يَعْكَشُ. 27 ـ عدو أو عندأ: العِندأوة التواءٌ وعسر وجرأة في الرجل، والعندأو الدّاهية أو الجرئ المقدام من الرّجال. قال الخليل: "يقال عندأوة (فِعللوة) والأصل أميت فعله، لا يدرى أمِنْ عَنْدَى يُعندي أم عدا يعدو، فلذلك اختلف فيه"5. وذكر الأزهري6 أن فعله ممات، وأنه "دو"يزيادة النون والهمزة، أو أنه من "ندأ". من الممكن أن نقيس على "دو"في إماتة فعله والاختلاف في تقديره: "لحنطأو"وهو عظيم البطن من الرجال، و"لسّند أو"المقدام، و"لقندأو"الصّلب الشّديد و"لكنثأو"عظيم اللحية.   1 المصدر السابق (عقز) 5/380. 2 ينظر: التّاج (عقز) 4/59. 3 ينظر: اللسان (عقس) 6/144. 4 الجمهرة 2/840. 5 العين 2/215. 6 ينظر: التهذيب 3/118. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 28 ـ عهج: العَوْهَج: الطّويلة العُنُق من الظّباء والظّلمان والنّوق. قال ابن دريد: "لعَهْج فعل ممات، ومنه اشتقاق: ظبية عَوْهَج، طويلة العنق، الواو زائدة". وتقدير الفعل: عَهَجَ يَعْهَجُ، وأميت لسبب صوتيّ يأتي بيانه في الباب الثالث إن شاء الله. 29 ـ عهم: العَهْم فعله ممات، ومنه اشتقاقهم: ناقة عَيْهَم وعَيهامة وعَيْهَمانة، وهي السَّريعة الجرئية على السّير1. وتقدير الفعل: عَهِمَ يَعْهَم، مثل عَهِدَ يَعهَد. 30 ـ فسط: أميت فعل "لفَسْط"ومنه اشتقاق الفسيط - كما يقول ابن دريد2، وهو قلامة الظفر، واحدته فسيطة. وتقدير الفعل: فَسَطَ يَفْسُطُ أو يَفْسِط. 31 ـ فلم: الفَيلم: الرجل العظيم، والجبان، والعظيم الجُمَّة3.   وقال ابن دريد: "لفَلْم فعل ممات، ومنه اشتقاق الفَيلَم، وهي الجُمَّةُ 1 المصدر السابق 2/954. 2 المصدر السابق 2/835. 3 ينظر: القاموس (فلم) 1479. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 العظيمة"1 وتقدير الفعل: فَلم يَفْلَم. 32 ـ قدل: قال أبو بكر: "لقَدْل: فعل ممات، وهو أصل بناء القَنْدَل، والنون زائدة، وهو الصّلب الشّديد، وقال قوم: هو الصّلب الرأس"2. وتقدير الفعل: قَدُلَ يَقْدُلُ أو يَقْدُلُ، أو قَدِلَ يِقْدَلُ. 33 ـ قعن: القَيْعون من العشب: نبت على زنة (فيعول) مثل القَيصوم، وهو ما طال منه، يقال اشتقاقه من القعن، وفعله ممات3. وتقدير الفعل: قَعَنَ يَعْعَن. 34 ـ قلط: القلطيّ والقُلاط والقيليط: القصير المجتمع من الرجال4،وهو مشتق من فعل ممات كما يقول ابن دريد5. وتقدير الفعل: قَلَط يقلُط، بمعنى اجتمع الشيء وقَصُر. 35 ـ قنر: قال ابن دريد: "لقنر فعل ممات، ومنه اشتقاق: رجل قَنَوَّر، وهو السّيّء الخلق الشَّكِسه"6.   1 الجمهرة 2/970. 2 الجمهرة 2/675. 3 ينظر: العين 1/170. 4 اللسان (قلط) 7/385. 5 ينظر: الجمهرة 2/923. 6 المصدر السابق 2/793. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 وتقدير الفعل: قَنَر يَقْنُرُ، أو قَنِرَ يَقْنَر. 36- لخم: قال ابن دريد: "لخْم: قبيلة من العرب، واشتقاق أصله من قولهم: لَخُم الرجل، إذا كثر لحم وجهه وغَلُظ، وهذا فعل ممات لا يكادون يتكلمون به"1. وأيد المعجميون ابن دريد، وأشاروا إلى إماتة هذا الفعل2. وتقدير الفعل: لَخُم يلخُم، كما قال ابن دريد. 37 ـ مدن: ذكر علماء اللّغة أن المَدن فعل ممات، ومعناه الإقامة والثّبات، وأنّه من قولهم: مدن بالمكان إذا قام به، وبه سمّيت المدينة في لغة هؤلاء. 38 ـ نرز: النّرز: الاستخفاء من فزع، وبه سمّي الرجل: نَرْزَة ونارزة، وفعله ممات عند بعض المعجميين كابن دريد3، والصّغاني4، وابن منظور5، والزبيديّ6. وتقديره مع المضارع: نَرَزَ ينرِز، وهو ثقيل - كما ترى - لمجئ الراء   1 المصدر السابق 1/620. 2 ينظر: التكملة والذيل والصلة (لخم) 6/145، والقاموس (لخم) 1494، والتاج (لخم) 9/58. 3 ينظر: الجمهرة 2/711. 4 ينظر: التكملة (نرز) 3/305. 5 ينظر: اللسان (نرز) 5/416. 6 ينظر: التاج (نرز) 4/85. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 المتحرّكة بعد النون السّاكنة، وهذا نادر في العربيّة، وهو من أسباب إماتة هذا الفعل، كما سيأتي. 39 ـ هلف: الرجل الِهلَّوف: الكثير الشّعر الجافي، ومنه لحية هِلّوفة: كثيرة الشعر، ومنه الهَلَف، وهو مشتق من فعل ممات، كما يقول ابن دريد1 والصغاني2، وتقدير الفعل مع مضارعه: هَلِفَ الشعرُ يَهْلَف؛ أي: طال وكثر. 40 ـ وده: قال ابن دريد: "لوَدْهُ: فعل ممات من وَدِهَ يَوْدَه وَدَها، وأودهني عن كذا وكذا؛ أي: صدّني عنه، وهي لغة قديمة"3. وأشار جماعة من علماء العربية إلى إماتة هذا الفعل، ومنهم السرقسطي4، وابن سيده5، وابن منظور6. 41- وذل: قال ابن دريد: "الوَذْل فعل ممات، ومنه الوذيلة، وهي السبيكة من الفِضّة خاصّة، وقال قوم: بل من الفضة والذهب"7. وتقدير الفعل: وَذَل يذِل.   1 ينظر: الجمهرة 2/971. 2 ينظر: العباب (هلف) 660. 3 الجمهرة 2/689. 4 ينظر: الأفعال 4/282. 5 ينظر: المحكم 4/298. 6 ينظر: اللسان (وده) 13/560. 7 الجمهرة 2/702. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 الفصل الثاني أفعال اختلف في موتها يلحق بتلك الأفعال المماتة التي أوردناها في الفصل الأول من هذا الباب أفعال ذكر بعض العلماء أنّها أميتت، وذكرها آخرون في مؤلفاتهم من غير نصّ على إماتتها وتركها فكأنّها عندهم من المستعمل في الكلام. وليس لدينا ما نقطع به في إماتة كثير من هذه الأفعال أو بقائها في الاستعمال اللّغوي، ومن هذه الأفعال: 1 ـ أَبَوَ وأَمَمَ: ذكر الهروي في "إسفار الفصيح"1 أن العرب تركت الفعل من الأبِ والأمّ بعد أن أميت فعلاهما. ولكن جاء في "لسان العرب"2: "أَبَوْتَ وأَبَيتَ: صرتَ أباً ... وأبوتُ الرجلَ أَأْبوه، إذا كنت له أبا، ويقال: ماله أب يأبوه، أي يغذوه ويُربّيه". ويقال: "أمّت أمومة، أي صارت أُمّاً"3 و"لقد أمِمْتِ أمومةً؛ أي: صرتِ أمّاً"4. وقد يكون هذا تقديراً للفعل الممات، وقد يكون إحياء له، وقد تكون الإماتة في بيئة دون غيرها.   1 ص 158. 2 اللسان (أبو) 14/8. 3 القاموس (أمم) 1391. 4 الأفعال للسرقسطي 1/82. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 2 ـ بتو: قال ابن دريد: "البَتْو فعل ممات، ثم قالوا: بتا يبتو بتوّاً فلم يهمزوا، وهمز قوم، فقالوا: بتأ يبتأ بتوءاً، إذا أقام بالمكان"1. وذكر ابن منظور هذا الفعل بمعناه من غير إشارة إلى إماتته2. 3 ـ حظب: ذكر ابن دريد أن قولهم رجل حُظُبٌّ، وهو الجافي الغليظ أو البخيل - مشتقّ من فعل ممات، وهو حَظَب يحظِب ويحظُبُ. وهذا الفعل مذكور بمعناه في بعض المعاجم3، ولم يُذكر أنّه ممات. 4 ـ خفد: يرى ابن دريد أن الخَفْد مشتق من فعل ممات، وهو خَفَدَ يخفِد خَفْداً، إذا أسرع في المشي. ومنه اشتقاق الخفيدد وهو الظّليم4. والفعل مذكور في بعض المعاجم5. 5 ـ دره: قال الخليل: "دَرَهَ: أميت فعله إلا قولهم رجل مِدْرَه حرب، وهو مِدْره القوم؛ أي: الدّافع عنهم"6.   1 الجمهرة 2/1016. 2 ينظر: اللسان (بتأ) 1/26، و (بتو) 14/64. 3 ينظر: الأفعال لابن القوطية 211، والأفعال للسرقسطي 1/394، والأفعال لابن القطاع 238، واللسان (حظب) 1/323. 4 ينظر: الجمهرة 1/579. 5 ينظر: الأفعال لابن القطاع 1/306، واللسان (خفد) 3/163. 6 العين 4/24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 ووافقه ابن عبّاد فذكر أن هذا الفعل ممات1. وقال السّرقسطيّ: "دَرَهَ لقومه دَرْها: دفع عنهم بلسانه ويده"2. وقالوا: دَرَهَ على القوم: هجم، ودره فلان علينا ودرأ؛ إذا هجم من حيث لم نحتسبه3، ولم يذكر هؤلاء أنه ممات. 6 ـ دسق: أميت فعل الدّسق على رأي ابن دريد، ومنه اشتقاق الدَّيسق بزيادة الياء، وهو ترقرق السّراب على الأرض، وترقرق الماء المتضحضح، وكلّ لمعان ماء أو سراب فهو ديسق4. ولكن ورد في الاستعمال اللّغويّ قولهم: دَسِقَ الحوض دَسَقاً: امتلأ وساح ماؤه، ومنه قالوا الدّيسق وهو ترقرق الماء أو السّراب5. 7 ـ رمغ: ذكر ابن دريد أن الرَّمْغ أميت فعله، وهو عرك الشيء باليد6. وورد في المعاجم: رَمَغَ الشيء يرمغه رَمْغاً: دلكه بيده كما تدلك الأديم ونحوه7، وهذا يدلّ على أنّ هذا الفعل لم يزل حياً.   1 ينظر: المحيط 3/442. 2 الأفعال 3/317. 3 ينظر: اللسان (دره) 13/487، 488. 4 ينظر: الجمهرة 2/646. 5 ينظر: الأفعال السّرقطيّ 3/321، واللّسان (دسق) 10/96،97. 6 ينظر: الجمهرة 2/781. 7 ينظر: الأفعال للسّرقسطيّ 3/77، والأفعال لابن القطاع 2/31، واللّسان (رفع) 8/430. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 8 ـ زغر: قال ابن دريد: "الزَّعْر فعل ممات، وهو اغتصابك الشيء، زعموا، زَغَرْتُ الشّيء أزغر زغراً"1. وهذا فعل مذكور بمعناه في معاجم اللّغة الكبيرة، كـ "اللّسان"2 و"القاموس"3 و"التاج"4 وهو في معاجم الأفعال5. 9 ـ سكم: ذكر ابن دريد أنّ العرب أماتت فعل السَّكْم، ومنه اشتقاق "سَيْكم" وهو تقارب خطوٍ في ضعف6، ونقله عنه الأزهري7، وابن منظور8، والزّبيدي9، وورد هذا الفعل في بعض المعاجم دون إشارة إلى أنّه ممات10. 10 ـ ضرك: قال ابن دريد: "الضَّرك فعل ممات، ومنه اشتقاق الضَّريك، وهو المضرور، ولا يكادون يصرّفون للضّريك فعلاً، لا يقولون: ضَرَكه، في معنى ضَرَّه"11.   1 الجمهرة 2/705. (زغر) 4/324. (زغر) 512. (زغر) 3/238. 5 ينظر: الأفعال للسّرقطيّ 3/466، والأفعال لابن القطّاع 2/98. 6 ينظر: الجمهرة 2/855. 7 ينظر: التهذيب 10/90. 8 ينظر: اللسان (سكم) 12/289. 9 ينظر: التاج (سكم) 8/336. 10 ينظر: الأفعال للسّرقسطيّ 3/544، والأفعال لابن القطّاع 2/154. 11 الجمهرة 2/751. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 ونقل الجوهري عن الأصمعي أنّهم لا يصرّفون له فعلاً، أي لا يقولون: ضركه، في معنى ضرّه1. وهذا يعضّد ما قاله ابن دريد. وفي "الأفعال"2 للسّرقسطيّ ما يدلّ على أن الفعل مستعمل في الكلام، قال: "ضَرُك ضراكة: أصابه ضُرُّ في جسمه، وضَرُك الجسم وضرِك ضراكة: عَظُم واشتدّ ... وضَرُك الرّجل وحدَه: ساءَتْ حاله من الهزال". ومثله في "الأفعال"3 لابن القطّاع. 11 ـ عذف: قال ابن دريد: "العَذْف فعل ممات، يقال منه: ما له عذوف يوم، أي قوت يوم، وما أكلت عذوفاً، أي ما أكلت شيئاً، والعذوف، والعزوف واحد "4. ولكن جاء هذا الفعل في بعض المعاجم، قالوا: "عذف من الطّعام والشّراب يعذف عذفاً: أصاب منه شيئاً"5. 12 ـ عشد: ذكر ابن دريد أن العَشْد - وهو جمعك الشّيء - أميت فعله6. وجاء في بعض المعاجم: عَشَدَه يَعْشِده عَشْداً: جمعه7.   1 ينظر: الصّحاج (ضرك) 4/1598. 2 2/233. 3 2/276. 4 الجمهرة 2/697. 5 ينظر: اللسان (عذف) 9/236. 6 ينظر: الجمهرة 2/651. 7 ينظر: الأفعال لابن القطاع 2/383، واللسان (عشد) 3/291، والتاج (عشد) 2/423. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 13 ـ عشز: قال ابن دريد: "العَشْز فعل ممات، وهو غِلَظُ الجسم، ومنه اشتقاق العَشَوزَن، وهو الغليظ من الإبل والنّاس"1. وهذا يخالف ما ذكره السّرقسطي، فالفعل عنده مستعمل، قال: "عَشَزَ المقطوعُ الرّجل عَشَزانا: مشى مِشْيَته"2. وكذا في المعاجم الكبيرة3، فقد لا يكون من الممات، وقد يكون مما أُحيِيَ بعد موته. 14 ـ علد: ذكر ابن دريد أنّهم أماتوا فعل العَلْد، ومعناه: اشتدّ وصَلُب، ومنه: رجل عِلّود وبعير عِلّود"4. وورد هذا الفعل في بعض المعاجم من غير إشارة إلى إماتته، قالوا: عَلِدَ يَعْلِد عَلَداً بمعنى اشتدّ وصَلُب ورَسَى5. 15 ـ غرد: قال ابن دريد: "الغَرْد فعل ممات، استعمل منه: غَرَّد الطّائر تغريداً، وهو مغرّد، إذا طرّب في صوته"6. ولكن جاء في بعض المعاجم: غَرِدَ الطائر كفرح، فهو غرد، وهو مثل غرّد   1 الجمهرة 2/811. 2 الأفعال 1/261. 3 ينظر: اللسان (عشز) 5/379، والقاموس (عشز) 665، والتاج (عشز) 4/59. 4ينظر: الجمهرة 2/662. 5 ينظر: اللسان (علد) 3/301، والقاموس (علد) 384، والتاج (علد) 2/430. 6 الجمهرة 2/633. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 تغريداً1، وهذا يدلّ على أنّ الفعل ليس مماتاً، أو أَنّه ممّا استعمل بعد إماتته. 16 ـ غطر: ذكر ابن دريد أنّ الغَطْر فعل ممات، ونقل عن يونس أنّهم يقولون: مرّ فلان يغطر بيديه مثل يخطر سواء2، فكيف يكون مماتاً؟ وفي "اللّسان": "الغَطْر لغة في الخطر؛ مرّ يَغْطِرُ بّذنبه أي يَخْطِرُ"3. وكذا في أفعال السّرقسطيّ4. 18 ـ مسر: ذكر صاحب "الجمهرة" أن المَسْر فعل ممات، وهو مَسَرتُ الشيء أمسُره مَسْراً، إذا استللته فأخرجته، أي أخرجته من ضيق إلى سعة5. وجاء في أفعال السّرقسطيّ: مَسَرت الشيء مَسْراً: استخرجته من ضيق6، ومثله في "اللّسان"7. 19 ـ مظع: ذكر ابن دريد أن المظع فعل ممات، ومنه اشتقاق مظّعت العود، إذا تركته في لحائه ليشرب ماءه8.   1 ينظر: اللّسان (غرد) 3/324، والقاموس (غرد) 388. 2 ينظر: الجمهرة 2/754. 3 اللسان (غطر) 5/25. 4 2/31. 5 ينظر: الجمهرة 2/721. 6 الأفعال 4/184. 7 5/183 (مسر) 8 ينظر: الجمهرة 2/931. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 وحكى المعجميون: مَظَعَ الخَشَبة مظعاً؛ أخرج نُدُوَّتها، والوتر ملّسه، ومَظَعَ العود مَظْعا، ومظّعه تمظيعاً، شرّبه ماء لحائه1. 20 ـ نفه: قال ابن دريد: "النَّفْهُ ممات، منه رجل منفّه، ضعيف القلب، نفّهت الرجل تنفيها فهو منفّه"2. وليس هذا الفعل مماتاً عند بعض المعجميين، فقد حكى السرقسطي: "نَفِهَ البعير نَفَها: أعيا ... ونُفِهَ الرجل نَفْها: ضَعُف قلبه"3. 21 ـ نيح: النَّيح عند ابن دريد مما أميت فعله، وذكر منه قولهم: ما نّيحته بخير، أي ما أعطيته شيئاً. وحكى المعجميون قول العرب: ناح العظيم نيحا: اشتدّ بعد رطوبته4، وناح الغُصْن نيحا، ونَيَحانا: مال. وفي غريب الحديث: لا نيّح الله عظامه؛ أي: لاصلّبها ولا شدّ منها5. 22 ـ هدس: قال ابن دريد: "الهَدْس: لغة يمانيّة مماتة، وأصله من قولهم: هدسته أهدسته   1 ينظر: الأفعال للسّرقسطيّ 4/177، والأفعال لابن القطّاع 3/177، واللّسان (مظع) 8/339. 2 الجمهرة 2/972. 3 الأفعال 3/227، وينظر: الأفعال لابن القطاع 3/221. 4 ينظر: الأفعال للسرقسطي 3/236، واللسان (نيح) 2/628. 5 ينظر: النهاية في غريب الحديث 4/140. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 هَدْساً، إذا زجرته وطردته، وقد أميت هذا الفعل"1. وذكر بعض المعجميين2 هذا الفعل من غير إشارة إلى إماتته. 23 ـ همغ: ذكر ابن دريد أنّ الهمغ مما أميت فعله، ومنه بناء الهِمْيَغ، وهو الموت الوَحِيّ،3 أي السّريع. ويقال - عن شمر: هَمَغَ رأسه وثدغه وثمغه؛ إذا شدخه4. 24 ـ وطح: ذكر ابن دريد أنّ الوطح – وهو الدفع باليدين – ممّا أميت فعله5. وجاء في "التّاج"6: "وطحه يطِحه طِحة كعدة؛ إذا دفعه بيديه عنيفاً، أي في عنف" ولم يشر إلى إماتة الفعل، وكأنه - عنده - من المستعمل، ومثله في "أقرب الموارد"7 من غير إشارة إلى إماتته.   1 الجمهرة 2/651. 2 ينظر: الأفعال للسرقسطي 1/163، واللسان (هدس) 6/247. 3 ينظر: جمهرة 2/963. 4 ينظر: التهذيب 5/289. 5 ينظر: الجمهرة 1/552. (وطح) 2/548. (وطح) 2/1463. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 الفصل الثالث أفعال أميت المجرد منها دون المزيد قد يمات مجرد الفعل الماضي، ويستغنى عنه ببعض الصّيغ المزيدة، فتكون تلك الصّيغ - مع انتفائه - شاهداً قوياً على موته. ومن تلك الصّيغ الّتي شقّت طريقها في الحياة، وأميت مجرّدها: أَفْعَلَ، وفَعَّلَ، وفَاعَلَ، وفنعَلَ، فَعْوَلَ وَفَوْعَلَ، وفَعْيَلَ، وتَفَعّلَ، وتَفَاعَل، وتَفَنْعَلَ، وافتَعَلَ، واستَفْعَلَ، وافْعَلَلَّ، وافْعَلَّ، وافْعَالَّ. وهي على النّحو التّالي: أـ مجرَد (أَفْعَلَ) باب فعلت وأفعلت من الأبواب المعروفة في اللّغة، وألّف فيه جماعة من علماء اللّغة، وثمّة أفعال استغنى فيها بأَفْعَلْتُ عن فَعَلْتُ، فتَرِكَ هذا الأخيرُ مع أنّه هو الأصل، فأميتَ، وهي أفعال قليلة، قال سيبويه: "استُغنيَ عن جَنَنتُ ونحوها بأَفْعَلْتُ"1. وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: "مَضَّنِي" كلام قديم قد تُرِكَ فأُميت؛ أراد أنّ "أمضّني" هو المستعمل2. أمّا ابن دريد فكان يقول: إنّ غَاثَه يغُوثُهُ غَوثاً أصل لقولهم: أغاثه يُغيثه إغاثة، فأميت الأصل من هذا، واستعمل الفرع وهو المهموز3، إلا أنّ هذا الفعل الممات مذكور في بعض المعاجم4.   1 الكتاب 4/67. 2 ينظر: الجمهرة 1/148. 3 الجمهرة 1/429. 4 ينظر: الأفعال للسّرقسطيّ 2/21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 وأميت الفعل (حَبَّ) اكتفاء بـ (أَحَبّ) قال الكسائي: "محبوب من حَبَبتُ، وكأنّه لغة قد ماتت"1 يريد أنّ الفعل الثلاثي المجرّد هو الّذي أميت، وبقي اسم المفعول منه وهو محبوب، فهم يقولون: أحبّه فهو محبوب، مبنياً على الثّلاثيّ الممات، وليس على الرّباعيّ. قال أبو جعفر النحّاس: (قال الكسائي: يقال: يحِبّ وتَحِبُّ وأَحِبُّ، ويِحِبُّ - بكسر الياء - وتِحِبُّ ونِحِبُّ وإحِبّ، قال: وهذه لغة بعض قيس يعني الكسر، قال: والفتح لغة تميم وأسد وقيس، وهي على لغة من قال: حَبَّ، وهي لغة قد ماتت. قال الأخفش: لم تسمع حببت. قال الفراء: لم نسمع حببت إلا في بيت أنشده الكسائيّ: [فَوَ اللَّهِ] لَوْلا تَمْرُهُ ما ... ولا كَانَ أَدْنَى مِن عُبَيدٍ ومُشْرقِ) وقال الأصمعي: "يقال تَحِب - بفتح التاء، ولا أعرفه في غير التاء، ولا أعرف حَبَبْتُ"3. ومثل هذا قولهم: أحنط الرِّمث، فهو حانط؛ إذا أثمر، فحانط اسم فاعل من الفعل الثّلاثيّ الممات، وهو (حنط) 4. وشبيه به قولهم: أَيْفَعَ الغُلام فهو يافع وأبقل الموضع فهو باقل، وأَوْرَسَ الرّمث فهو وارس5، فكأنّهم أماتوا (فَعَلَ) من هذه الأفعال، أو شرعوا في   1 شرح القصائد المشهورات 2/11. 2 إعراب القرآن 1/367، وما بين المعقوفين تصويب من المصادر. ينظر: شرح المفصل لابن يعيش 7/137، ومغنى اللبيب 473، وشرح شواهد المغني 2/780. 3 ينظر: شرح القصائد المشهورات 2/11. 4 ينظر: الجمهرة 1/551. 5 ينظر: المخصص 15/68، 69. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 إماتتها، فبقيت منها بقايا مذكورة في المعاجم، قال السّرقسطيّ: "يَفَعَ الغلام يُفُوعاً - لغة - وأيفع الأعمُّ: شبّ"1. وأماتوا ماضي (أنذر) وهو: (نَذَرَ) قال الأزهريّ: "والنّذير يكون بمعنى المُنذر، وكان الأصل نَذَرَ، إلا أنّ فعله الثّلاثيّ ممات"2. ب ـ مجرّد (فعّل) أميت مجرد (فعّل) في مثل: نبّأ وحدَّثَ من الأفعال التي تنصب ثلاثة مفاعيل المتضمنة معنى (أَعْلَم) ولم يستعمل الثلاثي في هذا المعنى3. ومن مجرد (فعّل) أميت (ضِحْتُ) فقالوا: ضَيَّحْتُ اللبن تضييحاً، إذا مزجته بالماء. وأشار إلى إماتة هذا الفعل بعض العلماء4. وقال بعضهم إن ضِحْتُ مثل ضيّحت5 أي أن الثلاثي مستعمل. وأماتوا مجرّد (ورّخ) الكتاب بمعنى وقّته، وقالوا: (أرّخه) والهمزة مبدلة من الواو، أو العكس6، والرّاجح الأوّل لقولهم في الجمع: تواريخ، ولم يقولوا: تآريخ7.   1 الأفعال للسرقسطي 4/294. 2 التهذيب 14/420. 3 ينظرك حاشية الشيخ ياسين الحمصي على التصريح 1/264. 4 ينظر: الجمهرة 1/549، والتكملة والذيل والصلة (ضيح) 2/69، واللسان (ضيح) 2/527. 5 ينظر: التكملة (ضيح) 2/69. 6 ينظر: الأفعال للسّرقسطيّ 4/291 واللّسان (أرخ) 2/4، و (ورخ) 2/66. 7 ينظر: التطور اللّغويّ مظاهره وعلله 82. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 ج ـ مجرّد (فاعل) أميت ماضي (فَاعَل) في الدَّلْس، ومنه قولهم: دَالَسَ يُدالس مُدالسة ودِلاساً، بمعنى خادع، ويقال: فلان لا يدالس ولا يوالس؛ أي: لا يخادع ولا يغدر1. ومن أقدم من قال بإماتة هذا الفعل ابن دريد2، واستعملوا منه – أيضاً- (فعّل) فقالوا: دَلّس في السّلعة، إذا كتم عيبها3. د ـ مجرّد (فَنعَلَ) أميت الفعل المُجَرّد للفعل المزيد على وزن (فَنعَل) ومنه قولهم: كَنْهَفَ عنا؛ أي: تَنَحّى، وفي هذا يقول ابن دريد: "الكَهْف - زعموا - السّرعة في المشي والعدو، وهو فعل ممات، ومنه بناء كنهَفَ عنا، إذا تنحّى"4. ولم يذكر الفعل الثّلاثيّ الممات في المعاجم الّتي اطّلعت عليها، وأشار الصّغاني5 والفيروزاباديّ6 والزّبيدي7 إلى إماتة هذا الفعل الثّلاثيّ. هـ ـ مجرّد (فَعْوَلَ) أماتوا الفعل (هَرَلَ) 8 بمعنى أسرع في مشيه دون الخبب، واشتقّوا منه المزيد على وزن (فعول) فقالوا: هَرْوَلَ يُهَرْوِلُ هَرْوَلَة وهِروالاً، بمعنى الفعل الثّلاثي، فأغناهم عنه.   1 ينظر: اللّسان (دلس) 6/86. 2 ينظر: الجمهرة 2/647. 3 ينظر: الأفعال لابن القطّاع 1/355. 4 الجمهرة 2/970. 5 ينظر: العباب (كهف) 557. 6 ينظر: القاموس (كهف) 1101. 7 ينظر: التّاج (كهف) 6/241. 8 ينظر: الجمهرة 2/802. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 وقالوا قَهْوَس الرّجل في مشيه قَهْوَسَةً إذا أسرع في مشيه، أو عدا من فزع، وفعله الثلاثي (قهس) ممات1. وقالوا: قَعْوَل يُقعول قعولة، إذا جاء يسفي التّراب بصدر قدميه في مشيته، وقيل: القعولة: إقبال القدم كلها على الأخرى، وقيل: هي مشي ضعيف2، وقد أميت فعله الثّلاثيّ المجرد (قعل) كما قال ابن دريد3. وـ مجرّد (فَوعَلَ) قالوا: هَوْذَلَ في مشيه هَوْذَلَةً؛ أسرع، وقيل: الهَوْذَلَةُ: اضطراب في العدو، والفعل على وزن (فَوْعَلَ) . وذكر ابن دريد أنّ الفعل المجرّد أميت وأنّ أصله: هَذِلَ يهذَل هَذَلاً وهذلاناً4. ز ـ مجرّد (فَعْيَلَ) قالوا: عَذْيَطَ الرّجل يُعَذْيِط عَذْيَطَة؛ أي: أحدث عند غشيان النّساء، وهو العِذْيوط5. والفعل المجرّد منه ممات6. ح ـ مجرّد (تَفَعّل) ذكر الأصمعيّ أنّ العرب تقول تَطَوَّسَتِ المرأة والجارية؛ إذا تزيّنت7   1 ينظر: المصدر السابق 2/853، والأفعال للسّرقسطيّ 2/130. 2 ينظر: اللّسان (قعل) 11/560. 3 ينظر: الجمهرة 2/940. 4 الجمهرة 2/702. 5 ينظر: الأفعال للسّرقسطيّ 1/324. 6 ينظر: الجمهرة 2/1149. 7 ينظر: التّكملة والذّيل والصّلة (طوس) 3/380. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 وهو مأخوذ من الطّوس كما يقول السّرقسطي1. وذكر ابن دريد أن فعله المجرّد ممات2. ويقال تزنّر الشيء إذا دقّ، وهو على زنة (تفعّل) والمجرّد منه ممات على رأي ابن دريد3. ط- مجرّد (تَفَاعَل) قال ابن دريد: "اللّحك من قولهم: لَحِكَ يلحَك لَحْكاً ولَحَكاً، إذا تداخل بعضه في بعض، وقد أميت هذا الفعل فاكتفوا بقولهم: تلاحك تلاحُكاً"4. وفي (اللّسان) 5: "وربما قيل لَحِكَ لَحَكاً، وهي مماتة" ومثله في (التاج) 6. ي ـ مجرّد (تَفَنْعَلَ) العكث: اجتماع الشّيء والتئامه، وقد أميت الفعل الثّلاثيّ منه، واستعمل مزيده (تعنكث) على زنة (تفنعل) . قال الزّبيديّ: "العكث أميت أصل بنائه، وهو الاجتماع والالتئام؛ أي لم يستعملوه ثلاثياً، وإنّما استعمل مزيداً كما يدلّ على ذلك قوله: "وتعنكث الشيء: اجتمع"7.   1 ينظر: الأفعال 3/286. 2 ينظر: الجمهرة 2/838. 3 المصدر السابق 2/711. 4 المصدر السابق 1/563. (لحك) 10/483. (لحك) 7/173. 7 التاج (عكث) 1/633. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 وقد ذكر غير واحد من علماء اللغة إماتة الفعل المجرد من هذا الفعل1. ك ـ مجرّد (افْتَعَلَ) أميت المجرّد من فعلي افتقر واشتدّ وبقي منهما المزيد، قال سيبويه: "ولم نسمعهم قالوا فَقُرَ، كما لم يقولوا في الشّديد: شَدُد، استغنوا باشتدّ وافتقر، كما استغنوا باحمارّ عن حَمِرَ"2. وذهب ابن دريد3 إلى أن العرب أماتت الفعل المجرد من (المحن) وبقي منه في الاستعمال: امتحنه امتحاناً؛ أي ابتلاه ابتلاء واختبره. وحكى السّرقسطيّ قولهم: "مَحَنَ الرجلَ وغيرَه: اختبره"4 ولم يذكر أنه ممات. وذكر بعض اللغويين أنه أميت مجرّد (اعترط) بمعنى أبعد في الأرض5. ل ـ مجرّد (اسْتَفْعَلَ) أماتوا مجرّد (استنوك) والمُستنوِك هو الأحمق، وكذلك الأنوك، والجمع النوكى. قال سيبويه: "وقالوا: استنوك، ولم نسمعهم يقولون نَوِك، كما لم يقولوا: فَقُر"6.   1 ينظر: الجمهرة 1/426، والتكملة (عكث) 1/373، والقاموس (عنكث) 221. 2 الكتاب 4/33. 3 ينظر: الجمهرة 1/572. 4 الأفعال 4/187. 5 ينظر: الجمهرة 2/753. 6 الكتاب 4/36. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 ولكن جاء في (اللّسان) 1: "نَوِكَ نَوَكاً ونَوْكاً ونَوَاكةً: حَمُقَ، وهو أنوك" ومثله في أفعال السّرقسطي2. م ـ مجرد (افْعَلَلَّ) أميت الفعل الرّباعيّ (ضَمْحَل) واستُغْنِى بمزيده: (اضمحلّ) بمعنى ذهب وتلاشى3. وأميت الفعل الرّباعيّ (زَمْهَلَ) 4 واستغنى عنه بمزيده (ازمهلّ) فقالوا: ازمهلّ المطر ازمهلالاً؛ وقع، وازمهلّ إذا الثلج إذا سال بعد ذوبانه5. ن ـ مجرد (افعلّ) و (افعالّ) أميتت بعض الأفعال المجرّدة الدّالّة على الألوان، واستغنوا عنها بالمزيد نحو افعلّ وافعالّ. قال سيبويه: "وقد يستغنى بافعالّ عن فَعِل وفَعُل، وذلك نحو ازراقّ، اخضارّ، واصفارّ، واحمارّ، واشرابّ، وابياضّ، واسوادّ، واسودّ وابيضّ واخضرّ واحمرّ واصفرّ أكثر في كلامهم"6.   (نوك) 10/501. 2 3/169. 3 ينظر: الجمهرة 2/1142. 4 ينظر: الجمهرة 2/1155. 5 ينظر: اللسان (زمهل) 11/312. 6 الكتاب 4/26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 الفصل الرابع أفعال أميتت بعض تصريفاتها يغلب في العربيّة استعمال الفعل بتصرّفاته الثّلاثة، أي أزمنته، الماضي والمضارع والأمر؛ والماضي هو الأصل، والمضارع مشتقّ منه، ومن المضارع اشتقّ فعل الأمر على مذهب الجمهور من علماء اللغة. وثمّة أفعال قليلة لازمت صيغة واحدة؛ كالماضيّ أو المضارعة أو الأمر، مع إماتة الصيغتين الأخريين، أو لازمت صيغتين كالمضارع والأمر مثلاً مع إماتة الصيغة الثالثة، كما سيأتي بيانه، أولا لازمت صيغة واحدة، وأميت ما عداها، نحو ليس ونعم وبئس. إلا أنه ينبغي التحرّز في هذا النّوع خاصّة؛ لأنه ليس ثمّة دليل قاطع على إماتة المضارع والماضي، أي أنّهما استُخدما ثمّ أميتا؛ لأن الماضي هو الأصل والمضارع ومن بعده الأمر: فرعان، ووجود الأصل لايقتضي بالضّرورة وجود الفرع، فقد يكون الفرع مهملاً لم يستعمل قط فلا إماتة حينئذ، ويصح عكس ذلك؛ أي أن وجود المضارع - مثلاً - يقتضي وجود الماضي، مستعملاً أو مماتاً، ولا يمنع هذا أن نظن ظناً أنّ المضارع والأمر من بعده من الممات، إذا فقدناهما في الاستعمال ووجدنا ماضيهما؛ لأن الكثير الغالب في لغة العرب أن يكون للفعل في الاستعمال تصريفات ثلاثة: الماضي والمضارع والأمر، فنحمل القليل مما قصّرت تصريفاته على الكثير مما كملت تصريفاته أي أزمنته الثلاثة. واحتمالات الإماتة في هذا كلّه على النّحو التّالي: 1- إماتة الماضي دون غيره. 2- إماتة المضارع دون غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 3- إماتة الأمر دون غيره. 4- إماتة الماضي والمضارع دون الأمر. 5- إماتة الماضي والأمر دون المضارع. 6- إماتة المضارع والأمر دون الماضي. وفيما يلي ما وقفت عليه ممّا أميت من هذه الأوجه الستة: أ - إماتة الماضي دون غيره: اشتهر عند اللّغويين والنّحاة قولهم إن العرب أماتت ماضي الفعل (يَدَعُ) وكذلك ماضي (يَذَرُ) استغناء عنهما بـ (تَرَكَ) 1 وهم يقولون: ذر ذا ودعه؛ أي: اتركه، كما يقولون: يذره ويدعه، ولا يقولون: وَذَرْتُهُ ولا وَدَعْتُهُ، ولكن تركته، ولا يقولون: واذرٌ ولا وادع ولكن تارك2؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُوْنَ أَزْوَاجاً} 3 و {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتُرُوْن} 4. واستعملوا (فعّل) من (وَدَعَ) قالوا: ودّعته، وفي القرآن {مَا وَدَّعَكَ رُبُّكَ وَمَا قَلَى} 5. ولم يكن حكمهم بإماتة الفعل (وَدَعَ) محلّ اتفاق عند النّحاة؛ لورود هذا الفعل في قراءة النبي – صلى الله عليه وسلم – وعروة بن الزُّبير وأبي حَيْوَة وابن أبي عبلة {مَا وَدَّعَكَ رُبُّكَ وَمَا قَلَى} 6.   1 ينظر: الكتاب 1/25، 4/399، والفصيح 289، والمسائل العسكرية 135، 136، وتصحيح الفصيح 127 أ، والمغرب 2/345. 2 ينظر: إسفار الفصيح 203، 204. 3 سورة البقرة: الآية 234. 4 سورة الأنعام الآية 112. 5 سورة الضحى: الآية 3. 6 سورة الضحى: الآية 3، وينظر: المحتسب 2/364، ومختصر في شواذ القرآن 175، والدر المصون 11/36. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 ولوروده في الشّعر، كقول أبي الأسود: لَيْتَ شِعْرِي عَنْ خَلِيلِي مَا الَّذي ... غَالَهُ في الحُبِّ حَتَّى وَدَعَهْ 1 وقول الآخر: وثُمَّ وَدَعْنَا آلَ عَمْرٍو وعَامِر ... فَرَائِسَ أَطْرَافِ المُثَقَّفَةِ السُّمْرِ2 وجاء المصدر من (وَدَعَ) في الحديث: "لَيَنْتَهِيَنَّ أقوامٌ عن وَدْعِهم الجُمُعات"3 وروي "الجماعات"4. وقد روي عن شمر قوله: "زعمت النّحويّة أنّ العرب أماتوا مصدر يدع، والنّبيّ عليه السّلام أفصح العرب، وقد رويت عنه هذه الكلمة"5. ولورود هذا الفعل في القرآن والحديث والشّعر قال الفيّوميّ: "وما هذه سبيله فيجوز القول بقلّة الاستعمال ولا يجوز القول بالإماتة"6. وأرى أنّ ما قاله النّحاة صحيح، فالماضي من هذا الفعل ممات، كما قالوا، وقد يظهر الممات في الاستعمال، على قلة، كما ظهر هذا الفعل في قراءةٍ وشعرٍ وحديثٍ؛ فيكون هذا من باب إحياء الممات عند الحاجة، كما سيأتي بيانه في الباب الرابع. أمّا ماضي الفعل الآخر (وَذَرَ) فهو من الممات عند أكثر اللّغوييّن، فلا يقال: وذرته، ولكن يقال يذرُ وذَرْهُ، قال الخليل: "والعرب أماتت المصدر من   1 ينظر: ديوان أبي الأسود (ملحق الديوان) 350، والخصائص 1/99، والإنصاف 2/485. ونسب لأنس بن زنيم في حماسة البحتري 259، وخزانة الأدب 6/471. 2 ينظر: البحر المحيط 8/485، والدر المصون 11/36. 3 ينظر: صحيح مسلم: جمعة 40 (3/10) 4 ينظر: سنن ابن ماجة: مساجد ح 794 (1/260) 5 المغرب 2/346. 6 المصباح (ودع) 653. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 يَذَرُ والفعل الماضي، واستعملته في الحاضر والأمر، فإذا أرادوا المصدر قالوا: ذَرْهُ تركاً، أي اتركه"1. ويرى بعضهم أنّه قد يستعمل على قلّة، قال الفيّوميّ: "وربّما استعمل الماضي على قلّة، ولا يستعمل منه اسم فاعل"2. ب - إماتة المضارع دون غيره: أي أن يستعمل الماضي والأمر ويمات المضارع، ولم أجد لهذا النّوع شاهداً، وسبب ذلك فيما أرى أنّ استعمال فعل الأمر يقتضي - في الغالب - استعمال الفعل المضارع؛ لأنّ الأمر مقتطع من المضارع المجزوم بحذف حرف المضارعة، فثمّة تلازم بين المضارع والأمر، وقد يمات المضارع إذا أميت الماضي، فتكون الإماتة حينئذ للمضارع والماضي معاً، كما سيأتي في الفقرة (د) . جـ – إماتة الأمر دون غيره: أُميت الأمر - فيما نقدّر - في بعض الأفعال، نحو مازال وأخواتها، وهنّ أربعة: زال وفتئ وبرح وانفكّ، ويشترط في عملهنّ النّفي3. قال الأزهريّ: "يقال: مازال يفعل كذا وكذا، ولا يزال يفعل كذا؛ كقولك ما برح، وما فتئ، وما انفكّ، ومضارعه: لا يزال؛ ولا يُتكلّم به إلا بحرف نفي"4. ولا يستعمل منه فعل الأمر، وكذلك في أخواتها: ما فتئ وما برح وما انفكّ5، ولعلّ فعل الأمر من هذه الأفعال من الممات.   1 العين 8/196. 2 المصباح (وذر) 654. 3 ينظر: المساعد 1/255. 4 التهذيب 13/253. 5 ينظر: شرح ابن عقيل 1/271. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 وأميت الأمر في بعض أفعال المقاربة نحو كادَ وأَوْشَكَ على الصّحيح،1 أو الرجح، حكى الجوهريّ مضارع طَفِقَ، قال: "طَفِقَ يفعل كذا يطفَق طفوقاً ... وقال بعضهم طفَقَ - بالفتح - يطفِق طفوقاً"2 وحكى الكسائيّ مضارع جعل3. ويعمل الماضي والمضارع من هذه الأفعال، نحو كاد ويكاد، وأوشك ويوشك وطَفِق يطفِقُ وجعل يجعل، تقول مثلاً: يَطفِق الحجيجُ يعود إلى بلاده، ولم يستعمل الأمر من هذه الأفعال فقد يكون مهملاً من الأصل، وقد يكون مماتاً. د - إماتة الماضي والمضارع دون الأمر: أميت الماضي والمضارع من قولهم: هَاتَى يُهَاتِي، وبقى منه الأمر، وهو: هاتِ، قال الخليل: "المُهاتاة من قولك: هاتِ، يقال: اشتقاقه منه هاتى، الهاء فيه أصليّة، ويقال: بل الهاء في موضع قطع الألف من آتي يؤاتي، ولكن العرب أماتوا كلّ شيء من فعلها إلا هاتِ في الأمر، وقد جاء قوله: لله ما يُعْطِي وما يُهَاتِي ... أي: ما يأخذ" 4. ومثل ذلك في "التهذيب"5 و"اللّسان"6. ومنه في القرآن: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُم} 7.   1 ينظر: شرح ابن عقيل 1/338، والمغني في تصريف الأفعال 160. 2 الصحاح (طفق) 4/1517. 3 ينظر: شرح ابن عقيل 1/341. 4 العين 4/80. 5 6/395. (هتى) 15/352. 7 سورة الأنبياء: الآية 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 وقيل: إن (هاتِ) اسم فعل، كما سيأتي بعد قليل. وقالوا في النّداء: تعالَ؛ أي: اعلّ، ولا يستعمل في غير الأمر1، وهو بمعنى الارتفاع، قال عز وجل {فَقُلْ تَعَالَوا نَدْعُ أَبْنَاءَنا وَأَبْنَاءَكم ونِسَاءَنا ونِسَاءَكم وأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُم ثمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَل لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الكَاذِبِين} 2 والأصل في هذا الفعل أنه من مادة (العلو) من التّعالي، بمعنى الارتفاع وعلى هذا فإنّ وزن تعالَ: (تفاعَ) حذفت لامه للجزم. والعرب تقول في النّداء للرّجل: تعالَ أو تعالَه - بها السّكت، وللاثنين: تعاليا، وللرّجال: تعالَوا، وللمرأة تعالَيْ، وللنّساء: تعالَينَ، وهم لا يبالون إن كان المدعو في مكان أعلى من مكان الدّاعي، أو في مكان دونه3. قال الخليل: "وأماتوا هذا الفعل سوى النداء"4 يعني سوى الأمر، وفي هذا نظر؛ فقد جاء الماضي من هذا الفعل في القرآن بكثرة كقوله عز وجلّ {تَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُون} 5 و {تَعَالى عَمّا يَقُولُون عُلُوّاً كبيراً} 6 وقوله {عُلُواً} ليس مصدر (تعالى) . و (هات) و (تعالَ) فعلا أمر على الرّاجح؛ لأن اسم الفعل لا تبرز فيه ضمائر الرّفع على مذهب الجمهور، فلماّ برزت هذه الضمائر معهما دلّ ذلك على أنّهما ليسا من أسماء الأفعال، وقد عدّهما بعض العلماء من أسماء الأفعال،   1 ينظر: اللسان (علو) 15/90. 2 سورة آل عمران: الآية 61. 3 ينظر: التهذيب 3/189، والزاهر 2/265. 4 العين 2/247. 5 سورة النمل: الآية 63. 6 سورة الإسراء: الآية 43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 قال ابن هشام: "وأما هاتِ وتَعالَ فعدّهما جماعة من النّحويين في أسماء الأفعال، والصّواب أنّهما فعلا أمر، بدليل أنّهما دالان على الطّلب، وتلحقهما ياء المخاطبة، تقول: هاتِي وتعالَيْ"1. ويلحق بهذين الفعلين (هَلُمَّ) على لغة بني تميم إذ تلحقها الضّمائر البارزة، بحسب ما أسندت إليه، فتقول: هَلُمَّ، وهلمّا، وهلمّوا، وهَلْمُمْنَ، بفكّ الإدغام وسكون الّلام، وهَلُمِّي، وهي عند هؤلاء فعل أمر لدلالتها على الطلب وقبولها ياء المخاطبة، وقد أميت ماضيها ومضارعها2. وهي اسم فعل على لغة من ألزمها طريقة واحدة مع الواحد والمثنّى والجمع، وهي لغة أهل الحجاز، وبها جاء التّنزيل، قال تعالى: {والقَائِلِينَ لإِخْوَانِهم هَلُمَّ إِلينَا} 3 أي: ائتوا إلينا. هـ – إماتة الماضي والأمر دون المضارع: (يَهِيط) مضارع لا ماضي له ولا أمر، قال ابن القطّاع: "وما زال يهيط مرة ويميط أخرى، لا ماضي ليهيط، والهياط: الصياح منه، والمياط الدّفاع"4. وفي "اللّسان"5: "ما زال منذ اليوم يَهيط هيطاً، وما زال في هيط وميط وهياط ومياط؛ أي في ضجاج وشرّ وجلبة ... وقد أميت فعل الهياط" أي: أميت الفعل الماضي. ومن هذا قولهم: ينبغي له أن يفعل كذا، قال تعالى: {ومَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا   1 شرح قطر الندى 41. 2 ينظر: شرح المفصل لابن يعيش 4/44، وشرح قطر الندى 40. 3 سورة الأحزاب: الآية 18. 4 الأفعال لابن القطاع 3/366. (هيط) 7/424. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 يَنْبَغِي لَهُ} 1وهو ملازم لهذه الصّيغة، أي: أميت ماضيه وأمره، وحكى اللّحياني: انبغى2. وذكر بعض الباحثين المعاصرين أنّ قول بعض النّحويين: "انبغى لفلان أن يفعل، أي صلح له أن يفعل؛ من قبيل الأمثلة المصنوعة، فليس له نظير في قديم فصيح يحتج به عليه، ولو أنّهم وجدوا شيئاً من ذلك ما تركوه، ومن هنا كان هذا الفعل الماضي مما حُذقت فيه الصنعة، وهوشيء مهجور"3 أي ممات. و إماتة المضارع والأمر دون الماضي: أميت المضارع والأمر من بعض الأفعال الّتي ترفع المبتدأ اسماً لها وتنصب الخبر، مثل ليس ودامَ، قال ابن مالك: "وما سوى ليس ودام من أفعال هذا الباب يتصرّف؛ أي: يستعمل منه ماض ومضارع وأمر واسم فاعل ومصدر، إلا أنّ الأمر لا يتأتّى صوغه من ملازمات النّفي"4. وثمّة خلاف في إماتة المضارع من (دام) ومذهب الفرّاء وكثير من النّحاة أنّها لا تتصرّف، فلا تستعمل إلا بلفظ الماضي5. ولازمت أفعال المقاربة لفظ الماضي إلا (كاد) و (أوشك) عند الجمهور6 و (طفق) عند الجوهري - كما تقدم. ومن أقدم من نصّ على إماتة المضارع والأمر في الفعل (عسى) الخليلُ،   1 سورة يس: الآية 69. 2 ينظر: اللسان (بغى) 14/79. 3 في شعاب العربية 187. 4 شرح التسهيل 1/343. 5 ينظر: الارتشاف 2/79، وشرح ابن عقيل 1/243. 6 ينظر: شرح التسهيل 1/400، 401. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 إذ قال: "ويستعمل منه الفعل الماضي، فيقال،: عسيت وعيسنا وعسوا وعسيا وعسين - لغة - وأميت ما سواه من وجوه الفعل، لا يقال يفعل ولا فاعل، ولا مفعول"1. ومرة أخرى أذكّر بأنّ المضارع والأمر فرع، والماضي أصل، واستعمال الأصل دون الفرع لا يعني بالضّرورة إماتة الفرع - أي المضارع والأمر- إنّما نأخذه بالقياس على الكثير، وبقول العلماء، فنقول فيه بالإماتة، من غير قطع به، ولهذا قال الرّافعي في حديثه عن بعض الألفاظ المماتة: "ومن ذلك (ليس) الفعل الناقص؛ فإن بعضهم يظنّ مضارعه وأمره من الأفعال المماتة"2.   1 العين 2/201. 2 تاريخ آداب العرب 1/169. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 الفصل الخامس أفعال مبنية للمجهول أميت المبني للمعلوم منها في العربية أفعال لازمت صيغة البناء للمجهول سماعاً، بعضها مجرّد وبعضها مزيد، وقد ذكر النّحاة أنّ المبني للمعلوم منها لم تستعمله العرب، أي: أنّه أميت استغناء بصيغة المبني للمجهول، مثل: سُلَّ وزُكم وجُنَّ ودُهِشَ وشُدِهَ وأُوْلِعَ به واستُهْتِر به، وأُغْرِمَ به. ولمّا كانت صيغة المبني للمجهول صيغة فرعية، محوّلة من الصيغة الأصليّة، وهو المبني للمعلوم، فقد تبيّن أنّ فقد هذه الصّيغة الأصليّة - مع وجود الصّيغة الفرعيّة المحوّلة عنها - دليل على إماتة تلك الصّيغة الأصلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 ومن أقدم من عقد لهذه الأفعال باباً، وأشار إلى إماتة أصولها، المبنيّة للمعلوم: سيبويه، إذ قال: "هذا باب ما جاء فُعِلَ منه على غير فَعَلْتُه، وذلك نحو: جُنَّ وسُلَّ وزُكم ووُرِد، وعلى ذلك قالوا: مجنون ومسلول مزكوم ومحموم مورود. وإنّما جاءت هذه الأفعال على جَنَنته وسَلَلته وإن لم يستعمل في الكلام، كما أنّ يَدَعَ على وَدَعْتُ ويَذَرُ على وَذَرْت ُ وإن لم يستعملا، استغنى عنهما بتركت، واستغنى عن قَطِعَ بقُطِع، وكذلك استغنى عن جَنَنْتُ ونحوها بأفعلت، فإذا قالوا: جُنَّ وسُلّ فإنّما يقولون جُعل فيه الجنون والسِّل"1. وذكر ثعلب2 طائفة من هذه الأفعال، وأشار إلى أنَّها لا تبني للمعلوم، وتبعه جماعة من العلماء، كابن قتيبة3، والسّيوطيّ4، وأفردها بعض المتأخّرين بتأليف مستقلّ جمع فيه متفرّقها، ومن هؤلاء: ابن أبي السّعود بن ظهيرة القرشيّ المخزوميّ المكّيّ "من علماء القرن العاشر" في "المنهل المأهول في الفعل المبني للمجهول" وابن علان الصّدّيقي (1057هـ) في "اتحاف الفاضل بالفعل المبني لغير الفاعل". وهذه الأفعال من حيث الإماتة والإحياء على نوعين: أحدهما: ما لازم صيغة المجهول، نحو حُمَّ الأمر، بمعنى قضي، وحُمَّ الرّجل بمعنى أصابته الحمَّى، وسُلَّ: أصيب بذات الرّئة، وامتُقِعَ لونه؛ أي: تغَيّر، من حزن أو فزع، وهذا النّوع هو الّذي أميت أصله المبني للمعلوم، وأمثلته كثيرة مذكورة في الكتابين المشار إليهما آنفاً، ولا حاجة إلى سردها هنا.   1 الكتاب 4/67. 2 ينظر: الفصيح 269 - 271. 3 ينظر: أدب الكاتب 401 - 403. 4 ينظر: المزهر 2/233 - 236. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 والآخر: ما جاء على صيغتي المعلوم والمجهول معاً، ولكن استعماله على صيغة المجهول أكثر، نحو بُهت الرّجل؛ أي: تحيّر، وزُهِيَ علينا؛ أي: تكبّر، ونُفِسَت المرأة؛ أي: وضعت حملها، وما شابه ذلك، وليس المبني للمعلوم - من هذا النّوع الثّاني - من الممات، لاستعماله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 الباب الثالث: أسباب إماتة الألفاظ مدخل ... مدخل: تقوم اللّغة في أصل من أصولها على مبدأ الاختيار والاصطفاء، فتموت ألفاظ فتندثر، وتولد ألفاظ فتحيا وتزدهر، وموت الكلمات نتيجة مباشرة للتطوّر اللّغوي الّذي لا يتوقّف، وهذا التطوّر نتيجة لاستعمال اللّغة وحركتها الدائمة. وقد تختفي بعض الألفاظ من الاستعمال فتموت لأسباب عديدة، تتّفق في بعضها سائر اللّغات، وتنفرد ببعضها لغات، وللعربيّة أسبابها الخاصّة الّتي أدّت إلى إماتة الألفاظ فيها ممّا حُكِمَ بموته عند تدوينها، وهي ترجع - في الجملة إلى أسباب صوتيّة ومعنويّة، وقد ربط علماء العربيّة القدماء في معرفتهم لفصاحة الكلمة، وشيوعها في الاستعمال، بين عنصرين هامّين من عناصر الكلمة، وهما: 1- العنصر الصّوتيّ. 2- القيمة الدلاليّة. وهذان العنصران في حقيقة الأمر هما ما يعطيان الحياة للكلمة أو يسلبانها إيّاها فتترك ويستغني عنها ثمّ تموت1، وهما كما يلي:   1 ينظر: المولد في العربية 144. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 الفصل الأول العامل الصوتي قد تموت الكلمة لسبب داخليّ فيها، وهو ما تشتمل عليه من أصوات، فلا تمتدّ بها الحياة كثيراً كمن ولد مريضاً فلا يلبث أن يموت، وآفة الكلمة أن تتقارب مخارج الحروف فيها، ((فلا يكاد يجيئ في كلام العرب ثلاثة أحرف من جنس واحد في كلمة واحدة لحزونة ذلك على ألسنتهم وثقله)) 1 وحروف الحلق خاصّة يقلّ اتصالها في الكملة من غير فصل، وأمّا القاف والكاف فلا تجيئ متّصلة في كلام العرب، وندر ائتلاف القاف والجيم أو الكاف والجيم، فلم يأت عنهم: قج ولا جق، ولا كج وجك، ولا قك ولا كق، كلّ ذلك لتجنّب الثّقل الذي يعيق آلة اللسان بسببٍ من تقارب المخارج. وبالجملة فإنّ تأليف الحروف العربيّة يأتي على ثلاثة أقسام2: فالأول: تأليف الحروف المتباعدة، نحو: كتب وجلس ودخل، وهو الأحسن والمختار، هو الكثير في كلام العرب. والثّاني: تضعيف الحرف نفسه، نحو: عدّ وفكّر، أو تكريره، نحو وسوس وهمهم، وهو يلي القسم الأول في الحسن، وأقل منه في الكثرة والاستعمال. والثّالث: تأليف الحروف المتجاورة، وهو قليل في كلامهم أو منبوذ في الاستعمال كما تقدّم. وهذا القليل الّذي قد يقع في كلامهم هو الّذي يكون عرضة للإماتة لثقله،   1 سر الفصاحة 57. 2 ينظر: المصدر السابق 58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 نحو العَهْق، فإن فعله ممات، كما يقول ابن دريد1، لمجاورة الهاء العين، ومثله إماتة الفعل ((عهم)) لتجاور حرفي الحلق2، وقد ندر مجيء الرّاء بعد النّون ولاسيّما إن كانت النّون ساكنة والرّاء متحرّكة، وهذا قليل جدّاً في العربيّة. وقد جاء في اللّسان3: "النّرز: فعل ممات، وهو الاستخفاء، من فزع، وبه سمّي الرجل: نَرْزة ونارزة، ولم يجىء في كلام العرب نون بعدها راء إلا هذا، وليس بصحيح". وعلّة الإماتة واضحة؛ لأن اللّسان يميل إلى الأسهل في النّطق في العادة؛ ولأنّ الحروف المتباعدة تجري من السّمع مَجرى الألوان من البصر، ولا شكّ في أنّ الألوان المتباينة إذا اجتمعت بان حسنُها لعين النّاظر، بخلاف الألوان المتقاربة؛ ولهذا كان البياض مع السّواد أحسن منه مع الصّفرة4، واللّغة تميل في أصل من أصول تطوّرها إلى مبدأ الاختيار والاصطفاء، فيترك ما ثقل على الألسن، وينبو عن الأسماع، فيموت. ومن القواعد الصوتية لبنية الكلمة العربية أن الخماسي لا يخلو من حرف أو أكثر من حروف الذلاقة الستة: الراء واللام والنون والباء والفاء والميم، المجموعة في قولك: ((مربنفل)) . وكذلك الرباعي غير المضاعف إلا في النادر، وعلة ذلك أن هذه الأحرف خفيفة في اللسان فناسب أن تأتي في الخماسي والرباعي لتعطيهما شيئاً من الخفة. أما الثلاثي فهو خفيف بعدد حروفه، فلا يجب أن يكون فيه حرف من حروف الذلاقة.   1 ينظر: الجمهرة 2/945. 2 المصدر السابق 2/954. (نرز) 5/416. 4 ينظر: سرّ الفصاحة 64. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 فإذا وُجد كلمة خماسية أو رباعية خالية من حروف الذلاقة فإنها تحتمل وجهين: أحدهما: أن تكون دخيلة أو محدثة مبتدعة - كما قال الخليل1. والآخر: أن تكون من بقايا الممات القديم. قال الخليل: "فلما ذلقت الحروف الستة، ومذل بهنّ اللسان، وسهلت عليه في المنطق كثرت في أبنية الكلام، فليس شيء من بناء الخماسي يعرى منها أو من بعضها ... فإن وردت عليك كلمة رباعية أوخماسية معرّاة من حروف الذَّلَق أو الشفوية، ولا يكون في تلك الكلمة من هذه الحروف حرف واحد أو اثنان أو فوق ذلك فاعلم أن تلك الكلمة محدثة مبتدعة، ليست من كلام العرب؛ لأنك لست واجداً من يسمع من كلام العرب كلمة واحدة رباعية أو خماسية إلا وفيها من حروف الذَّلَق والشفوية واحد واثنان أو أكثر"2. وقال الليث: "قلت: فكيف تكون الكلمة المولدة المبتدعة غير مشوبة بشيء من هذه الحروف؟ فقال [الخليل] : نحو الكَشَعْثج، والخَضَعثج، والكَشَعْطج، وأشباههنّ، فهذه مولّدات لا تجوز في كلام العرب ... وأما البناء الرباعي المنبسط فإن الجهور الأعظم منه لا يعرى من الحروف الذُّلْق، أومن بعضها، إلا كلمات نحواً من عشركنّ شواذ‍ّ. ومن هذه الكلمات: العَسْجَد والقَسْطوس والقُداحِس والدُّعشوقة ... "3.   1 ينظر: العين 1/52. 2 الصاحبي المصدر السابق 1/52. 3 العين 1/52، 53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 ومن الرباعي الذي خلى من حروف الذلاقة: ((تَخْطَعٌ)) وهو اسم ذكره ابن منظور في الرباعي، وقال: "قال ابن دريد: أظنه مصنوعاً، لأنه لم يعرف معناه"1. وقد يكون مماتاً ولذلك لم يعرف معناه. ومنه: ((العُهْعُخ)) قال الخليل: "سَمِعْتُ كلمة شنعاء لا تجوز في التأليف الرباعي؛ سئل أعرابي عن ناقته فقال: تركتها ترعى العُهْعُخ، فسألنا الثقات من علمائهم فأنكروا أن يكون هذا الاسم من كلام العرب. وقال الفذّ منهم: هي شجرة يُتداوى بورقها. وقال أعرابيّ: إنما هو الخُعْخُع، وهذا موافق لقياس العربية"2. ومنه ((القُداحِسُ)) وهو الشّجاع أو السيّء الخلق أو الأسد - كما يقول صاحب ((القاموس)) 3. ومهما يكن من أمر فإن كلماتٍ من هذا النوع الذي خلا من حروف الذلاقة لا يكتب لها البقاء في العربية؛ لأنها ثقيلة فتهجر وتموت، وقد لا تعرف، ولعل هذه الألفاظ النادرة التي رواها بعض العلماء هي من بقايا ممات غير قليل، وهذه الألفاظ القليلة المروية معرضة للهجر والإماتة أكثر من غيرها.   1 اللسان (تخطع) 8/32. 2 العين 2/274. 3 مادة: (قدحس) 728. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 الفصل الثاني: العامل الدلالي المبحث الأول: زوال المعنى ... الفصل الثاني العامل الدلاليّ الدّلالة عنصر فعّال فيما يتّصل بإماتة الألفاظ، وإليها يعود موت كثير من الألفاظ المشهورة في العربيّة، وللإماتة هنا عدّة أسباب، ومن أهمّها: 1 - زوال المعنى. 2 - الاستغناء. 3 - العامل الديني. 4 - العامل الاجتماعي. وهي على النحو التالي: المبحث الأول: زوال المعنى: قد يزول معنى الكلمة وليس لها معانٍ أخرى تتشبّث بها، فتموت؛ لتفريغها من محتواها الّذي هو سرّ بقائها، وقد أشار إلى ذلك ابن فارس في قوله: "ومن الأسماء الّتي كانت فزالت بزوال معانيها قولهم: المرباع، والنّشيطة والفضول ... "1. وقال الجاحظ: "قال أبو عبيدة معمر بن المثنى عن أبي عبد الرحمن يونس بن حبيب النّحوي حين أنشده شعر الأسدي: ومركضةٌ صَرِيحيٌّ أَبُوهَا ... تُهَانُ لَهَا الغُلامَةُ والغُلامُ قال: فقلت له: فتقول للجارية: غلامة؟ قال: لا، هذا من الكلام المتروك،   1 الصاحبي 102. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 وأسماؤه زالت مع زوال معانيها؛ كالمرباع والنّشيطة … "1. وقد قضى الإسلام على كثير من الكلمات الدّالّة على نظم جاهليّة، كالمِرْبَاع والصَّرورة والنَّوَافج والحُلْوَان والمَكْسُ، وغيرها، فماتت تلك الكلمات؛ لأنّ الإسلام غير من القيم الفكرية والاجتماعيّة الّتي كانت سائدة في الجاهليّة. ولا مبرّر لوجود الكلمة في اللّغة عند ما لا تقول للعقل شيئاً، فإنّ اللّغة تهملها، كما يقول درمستيتر (Darmesteter) 2. وهكذا تتخلّص اللّغة من الألفاظ الّتي لم تعد كافية للتّعبير عن المعنى الّذي يناط بها؛ لأنّها ضعفت أو بليت3.   1 الحيوان 1/329، 330. 2 ينظر: المولد في العربية 218. 3 ينظر: اللغة لفندريس 272. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 المبحث الثاني: الاستغناء قد يؤدّي التّرادف إلى ترك بعض الألفاظ استغناء بمرادف لها؛ لأنّه يؤدّي معناها، فتموت الألفاظ المتروكة، قال سيبويه: "وأمّا استغناؤهم بالشّيء عن الشّيء فإنّهم يقولون: يَدَعُ، ولا يقولون: وَدَعَ، استغنوا عنها بترك، وأشباه ذلك كثير"1 وقد استغنوا باشتدّ عن شَدُدَ2، وباحمارّ عن حِمِر3 وباستنوك عن نوك4. وقال ابن الأنباريّ: "استغنوا عن وَدَعَ بترك؛ لأنّه في معناه، وكذلك   1 الكتاب 1/25. 2 المصدر السابق 4/33. 3 المصدر السابق 4/33. 4 المصدر السابق 4/36. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 استغنوا به عن وَذَرَ"1. وقال ابن جنّي في تركهم بعض المصادر: "يقال: نَذِرْتُ بالشّيء؛ إذا علمت به فاستعددت له، فهو في معنى فهمته وعلمت به، وطَبِنْتُ له، وفي وزن ذلك، ولم تستعمل العرب لقولهم نذرت بالشيء مصدراً، كأنّه من الفروع المهجورة الأصول. ومنه ((عسى)) لا مصدر لها، وكذلك ((ليس)) . وكأنّهم استغنوا عنه بأنْ والفعل، نحو: سرّني أن نَذِرْت بالشيء، ويسرّني أن تَنْذَر به"2. وقد يُمات الفعل المجرّد استغناء بمزيده، قال ابن دريد: "واللّحَك من قولهم: لَحِكَ يلحَك لَحْكاً، إذا تداخل بعضه في بعض، وقد أميت هذا الفعل فاكتفوا بقولهم: تلاحك تلاحكاً"3.   1 الإنصاف 2/485. 2 المحتسب 1/367. 3 الجمهرة 1/563. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 المبحث الثالث: العامل الديني كان العرب على إرث من إرث آبائهم في لغتهم وآدابهم ونسائكهم وقاربينهم -كما يقول ابن فارس1 - فلمّا جاء الإسلام حالت أحوال، ونقلت دلالات، وأميتت ألفاظ كره العرب النّطق بها في الإسلام؛ لأنّه نهى عنها للمدلول الّذي تحمله، قال عزّوجلّ: {يَا أَيُّها الَّذِين آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وقُولُوا انظُرْنَا} 2 وقد قيل: "إنّ (راعنا) كلمة كانت تجري مجرى الهزء فنهى المسلمون أن يلفظوا بها بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك أنّ اليهود   1 ينظر: الصاحبي 78. 2 سورة البقرة: الآية 104. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 - لعنهم الله - كانوا اغتنموها فكانوا يسبّون بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفوسهم، ويتسترون من ذلك بظاهر المراعاة منها، فأمروا أن يخاطبوه بالتّعزيز والتّوقير"1. وقال ابن تيمية: "ومما يدل من القرآن على النهي عن مشابهة الكفار: قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . قال قتادة وغيره: "كانت اليهود تقوله استهزاء؛ فكره الله للمؤمنين أن يقولوا مثل قولهم". وقال أيضاً: "كانت اليهود تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: راعنا سَمْعَك، يستهزؤون بذلك. وكانت في اليهود قبيحة". ورى أحمد عن عطية العوفي قال: قال: كان يأتي ناس من اليهود فيقولون: "راعنا سَمْعَك، حتى قالها ناس من المسلمين فكره الله لهم ما قالت اليهود". وقال عطاء: "كانت لغة في الأنصار في الجاهلية". وقال أبو العالية: "إن مشركي العرب كانوا إذا حَدَّت بعضهم بعضاً يقول أحدهم لصاحبه: راعني سمعك فنهوا عن ذلك وكذلك قال الضحاك. فهذا كله يبين أن هذه الكلمة نُهِي المسلمون عن قولها لأن اليهود كانوا يقولونها، وإن كانت من اليهود قبيحة، ومن المسلمين لم تكن قبيحة لما كانت مشابهتهم فيها من مشابهة الكفار، وطريقهم إلى بلوغ غرضهم"2. ومن ذلك أنّهم أماتوا كلمة ((العَتِيرة)) وهي شاة كانت تذبح في الجاهليّة   1 التهذيب 2/341. 2 اقتضاء الصراط المستقيم 45، 46. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 في رجب يتقرّب بها، ثمّ نسخت العتيرة بالأضاحي1، وقيل إنّ العتيرة هي الشّاة الّتي كانت تذبح في الجاهليّة وتقدّم للأصنام، فيصبّ دمها على رأسها2. ومن ذلك ((الصّرورة)) روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: "لا صرورة في الإسلام"3 وهو التّبتّل في الإسلام، وأصل الصّرورة أنّ الرّجل في الجاهليّة كان إذا أحدث حدثاً فلجأ إلى الحرم لم يُهَجْ، وكان إذا لقيه وليّ الدّم في الحرم قيل له: هو صرورة، فلا تَهُجه، ثم كَثُر ذلك في كلامهم حتّى جعلوا المتعبّد الّذي يتجنّب النّساء: صرورة، وصرورياً 4، كما تقدم في الباب الأول. وللرّافعيّ تعليل في إماتة الإسلام هذا النّوع من الألفاظ، وهو أنّهم كرهوا النّطق بها في الإسلام لخوفهم على العرب أن يعودوا في شيء من أمر الجاهليّة، فمنعوهم من الكلام الّذي فيه أدنى متعلّق5.   1 ينظر: الجمهرة 1/392. 2 ينظر: النهاية 3/178. 3 ينظر: سنن أبي دواد 2/141، وكنز العمال 3/658. 4 ينظر الصاحبي 104. 5 ينظر: تاريخ آداب العرب 1/209. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 المبحث الرابع: العامل الاجتماعي قد تنحطّ دلالة الكلمة فتدلّ مباشرة على ما يستقبح ذكره، كدلالتها الصّريحة على قذارة أو نجس، أو عضو تناسليّ، أو غريزة جنسيّة، فيكون ذلك إيذاناً بتركها ثمّ موتها، فيبحث المجتمع عن كلمة أخرى ليس فيها ذلك المعنى المباشر، أو يلجأ إلى الكناية، ثم تستخدم الكلمة، فتحمل مع كثرة الاستعمال ما تحملته سابقتها، ومن ذلك كلمة ((الغائط)) مثلاً، فإنّها كناية عن ذلك الشّيء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 في أصل الاستعمال اللّغوي، ومعناها اللّغويّ القديم المكان المنخفظ. ويمكن القول: إن الأسباب الاجتماعية ((واضحة جداً في تغيّر الكلمات مراعاة للّياقة، إذ ليس من الّلائق أن يتكلّم في أحد المجتمعات عن أفعال معروفة بالفظاظة، أو بأنّها مما يجرح الحياء)) 1. ويصل الحال إلى التّضييق من دائرة المفردات حتّى لا يتكلّم النّاس إلا تلميحاً أو بالكناية كما يحدث عادة في ألفاظ النّكاح، وهو ما يفسّر كثرتها؛ لأنّ النّاس يلجؤون2 إلى ترك الكلمة لمجرد ما يتعلق بها ذلك المعنى، وعلى هذا ماتت كثير من الألفاظ في العربيّة، ورصدت المعاجم بعضه مع أنّه متروك في الاستعمال اللّغويّ الرّاقيّ، والأمثلة على ذلك معروفة. وقد يكون للكلمة مدلول اجتماعي مكروه، لا يليق بمكانة الإنسان، ومن ذلك ما روي عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - وقد جاءه قوم من العرب، فسألهم - عليه السّلام - فقال: "من أنتم" فقالوا: "بنو غيّان"، فقال: "بل أنتم بنو رِشْدان"3. وعلّة ذلك ظاهرة، وهي أنّ غيّان من الغيّ؛ فكره لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الاسم، لما يحمل في طياته من دلالة اجتماعية غير مرغوبة؛ فأمر بتركه وإماتته.   1 اللغة، لفندريس 280. 2 وتكتب أيضاً: يلجأون، وكتابة الهمزة – هنا - على الواو يرجحها كثير من العلماء. ينظر: الإملاء والترقيم 121، والهمزة في الإملاء العربي 37. 3 ينظر: المبهج 35، والمناهي اللّفظية 252. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 الباب الرابع: إحياء الممات الفصل الأول: الحاجة إلى إحياء الممات. ... الفصل الأول الحاجة إلى إحياء الممات اللغة ألفاظ معدودة يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، والأغراض تتجدد والمعاني تتولّد، والحضارة تقذف كلّ يوم بمخترع، والعلوم تطالب كل حين بمصطلح جديد، والألفاظ محدودة، والمعاني لا تنتهي واللغة التي لا تستوعب حاجات أهلها ولا تساير ركب الحياة تضمحل ثم تموت. وللغات الحية وسائل تنمو بها، وطرائق تجدد بها شبابها، وللعربية وسائلها وطرائقها التي تنمو بها وتتجدد، ومن أبرز هذه الوسائل1: 1- القياس. 2- الاشتقاق. 3- الوضع والارتجال. 4- النحت. 5- القلب والإبدال. 6- نقل الدلالة. 7- التعريب. 8- إحياء الممات. وهذا الأخير لم أجد من ذكره في وسائل تنمية اللغة، وهو في رأيي المتواضع أحدها، وإن لم يكن أهمها، ويمكن اللجوء إليه والاستفادة منه عند   1 ينظر: من أسرار اللغة 6، وعوامل تنمية اللغة العربية 59 وما بعدها، وعوامل التطور اللغوي 13 وما بعدها، والاشتقاق والتعريب 8 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 الحاجة، وبخاصة إذا أردنا أن نحافظ على نقاء اللغة ونحد من ظاهرة الاقتراض في العربية بشقيها المعرب والدخيل. ويطيب لي أن أقول من خلال هذا البحث أن للمات دوراً في تنمية اللغة العربية يتمثل في إمدادها بألفاظ من مخزونه الثري، فلربما ماتت الكلمة واختفت زمناً طويلاً ثم بعثت من جديد لتستخدم في معناها القديم، أو في معنى جديد، كإحياء الكلمات الميتة للتعبير عن المصطلحات العلمية الجديدة، ولهذا يقول علماء اللغة المعاصرون: إنه من الخطأ أن نقول: (إن كلمة ما قد ماتت؛ إذ إنّ هناك دائماً احتمال عودتها للحياة، ولو كان ذلك بعد قرون عديدة من الهجوع والاختفاء من الاستعمال1. وممّا أعيد استعماله من الممات "الإتاوة" بمعنى الجزية والخراج، فقد دَبَّتْ في هذه الكلمة الحياة من جديد، فذكرتها المعاجم المعاصرة الّتي تعنى بالمفردات الحية2، وقد نصّ علماء اللّغة القدامى على إماتتها، وأنّها من ألفاظ الجاهلية3. وذكر ابن دريد أنّ (الغوث) من غاث غوثاً أميت مع فعله، واستعمل منه أغاثه يُغيثه إغاثة4. وقد أحيا المعاصرون هذا الفعل الثلاثيّ الممات، واستعملوا منه قولهم: "غوث اللاجئين" وهو من تعبيراتهم المشهورة. وأحيت العامّة في جزيرة العرب فعلاً مماتاً، وهو (قَلَطَ) فقالوا في ترحيبهم بالضّيف: اقْلُطْ؛ أي: تفضلْ بالدّخول، وصرَفوه في كافَة أزمنة الفعل   1 دور الكلمة في اللغة 214. 2 ينظر: المعجم الوسيط 1/4. 3 ينظر: الصاحبي 103. 4 ينظر: الجمهرة 1/429. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 واشتقّوا منه اسم الفاعل. وقد ذكر ابن دريد أنّ الفعل (قَلَط) ممّا أميت من الأفعال1، ولهذا لم يرد له ذكر في معاجم اللّغة؛ كـ (العين) ، و (الأفعال) للسّرقسطيّ، و (الأفعال) لابن القوطيّة، و (الأفعال) لابن القطّاع، و (اللّسان) و (القاموس) و (التّاج) . وإذا أمكن إحياء لفظ مهجور لمعنى مستجد مع وجود لفظ مولّد يمكن أن يؤدّي الغرض فإنّ إحياء القديم خير من استعمال المولّد، بشرط أن يكون ممّا يستساغ لفظه ويقبل تركيبه. وذهب بعض المعاصرين إلى خلاف ذلك فرأى أنّ استعمال اللّفظ المولّد خير من إحياء اللّفظ الميّت واستبقاء المولود الجديد أولى من إحياء الميّت القديم2. وإحياء الممات خير من استعمال المهمل؛ لأنّ المهمل لم تأتلف حروفه من أصل الوضع اللّغوي لعلل صوتيّة في الكثير الغالب، كما يظهر ذلك من تأمّل المهمل في معاجم التقليبات، وأمّا الممات فإنّه ممّا ائتلفت حروفه وساء حينا ثمّ باد لعلل دلاليّة في الكثير الغالب، والدّلالة دائمة التّغير والدّوران. ويتّصل بإحياء الممات واستعماله الاشتقاق منه دون إحيائه، وهذا عنصر فعال في تنمية اللّغة، وقد أكثر العرب قديماً من الاشتقاق من ألفاظ مماته نصّ عليها بعض المعجميّن، فمن ذلك اشتقاقهم (العَدَوليَة) وهو ضرب من السّفن منسوب إلى لفظ ممات، وهو (عَدَوْلاه) 3.   1 المصدر السابق 2/923. 2 ينظر: اللغة العربية كائن حي 93. 3 ينظر: العين 2/40. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 واشتقّت العرب من (كَهَفَ) وهو فعل ممات قولهم: كَنْهَفَ عنَا، إذا تنحّى1. واشتقوا من (هَرَلَ) هَرْوَلَ هرولة2. وقال اللغويّيون: إنّ اسم هذيل مشتقّ من فعل ممات، وهو (هَذَلَ) 3. واشتقّت العرب (العذيوط) من فعل ممات، وهو (عَذَطَ) 4. ومثل هذا كثير، أوردنا منه قدراً صالحاً من الأمثلة في الباب الثاني من هذا البحث وهو يدل دلالة لا لبس فيها على أنه يجوز الاشتقاق من الممات. ويمكن - من جانب آخر - أن يعد الممات عند موته عاملاً من عوامل نمو اللغة "فكل تجديد أو نمو في جانب يقابل بنوع من الخسائر في الجانب الآخر، واللغة في هذا تشبه الكائن الحيّ"5 الذي تتجدد خلاياه مع مرور الزمن، فليس في اللغة كسب دائم من النمو يوفر لها ثراء لا يتناهى، وليس فيها جمود وثبات مطلق، فهي تحاول دائماً أن تصل إلى نوع من التوازن الدقيق، فكما "تقترض ألفاظاً من اللغات الأخرى لتسعف حاجات المتكلمين بها نراها تستغني عن ألفاظ أخرى تختفي من الاستعمال"6. والممات بهذا المعنى يؤدي دورة في نمو اللغة، ويسهم مع سائر العوامل الأخرى في بقاء اللغة قوية قادرة على مواجهة مستجدات الحياة الفكرية   1 ينظر: الجمهرة 2/970. 2 نفسه 2/802. 3 نفسه 2/702. 4 نفسه 2/1149. 5 المولد في العربية 141. 6 ينظر: المرجع السابق 151. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 والمادية، فشأنه في هذا شأن الخلية الميتة في جسم الإنسان التي تفسح بموتها المجال للخلية الجديدة الشابة ليبقى الجسم قوياً قادراً علىالحياة. وبالجملة فإنّ الممات عامل مهمّ من عوامل نموّ اللّغة، في إماتته وفي إحيائه، ففي إماتته إفساح المجال لتنمية اللّغة وتجديدها، وفي إحيائه حقن للّغة بألفاظ أصيلة مألوفة للّغة ومقاييسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 الفصل الثاني موقف العلماء من إحياء الممات لعلماء العربيّة موقفان متضادّان في إحياء الممات وهم في ذلك فريقان: فريق لا يجيز إحياء الممات، وفريق يجيزه. وممّن لا يجيزون إحياء الممات (ثعلب) فهو يَعُدُّ ماضي وَذَرَ ووَدَعَ من غير الفصيح، ولا يجوز الكلام بهما1. ومنهم الفارابيّ إذ نقل عنه الفيّوميّ أنّه قال: "والعرب قد تميت الشيء حتّى يكون، مهملاً فلا يجوز أن ينطق به"2 وهذا نصّ صريح الدّلالة. ولا يجيز أبو عليّ الفارسيّ استعمال ما أميت من (يَدَعُ) و (يَذَرُ) لأنّ العرب رفضت ذلك واستغنت عنه3، وعلى هذا يمكن أن يقال: إنّه يمنع إحياء الممات، قياساً على منعه إحياء ماضي يَدَعُ ويَذَرُ. ويوافقه في ذلك تلميذه ابن جنّي في كلامه في باب القول على الاطّراد   1 ينظر: الفصيح 289. 2 المصباح 702. 3 ينظر: المسائل العسكرية 135، 136. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 والشّذوذ، يقول: "فإن كان الشّيء شاذّاً في السّماع مطّرداً في القياس تحاميت ما تحامت العرب من ذلك، وجريت في نظيره على الواجب في أمثاله. من ذلك امتناعك من: وَذَرَ ووَدَعَ؛ لأنّهم لم يقولوهما ولا غرو عليك أن تستعمل نظيرهما نحو وَزَنَ ووَعَدَ، لو لم تسمعهما، فأمّا قول أبي الأسود: لَيتَ شِعْرِي عَن خَلِيلِي مَا الَّذِي ... غَالَهُ في الحُبِّ حَتَّى وَدَعَه فشاذّ، وكذلك قراءة بعضهم: "ما وَدَعَك رَبُّكَ وما قَلَى"1. وأشار إلى ذلك السّيوطيّ في "المزهر"2. وأمّا الفريق الثّاني فإنّه يجيز إحياء الممات واستعماله لدوره المهم في تنمية اللغة وإثرائها، ومن أقدم من قال ابن درستويه في رده على ثعلب الّذي يمنع استعمال الماضي والمصدر من وَذَرَ ووَدَعَ، قال ابن درستويه: "واستعمال ما أهملوا3 جائز صواب وهو الأصل وقد جاء في الشّعر منه قول أبي الأسود ... وقَرَأتَ القرّاء ... واستعمال ما لم يستعمله العرب من ذلك4 غير خطأ، بل هو في القياس الوجه، وهو في الشّعر أحسن منه في الكلام، لقلّة اعتياده؛ لأنّ الشّعر - أيضاً- أقلّ استعمالاً من الكلام"5. ويدلّ هذا الرّأي الجريء من ابن درستويه على فهم دقيق مبكّر لدور الممات، وأهميّته في اللّغة ونموّها. ويبدو لي أنّ كثيراً من علماء العربيّة المتقدّمين يوافقون على هذا الرّأي وإن لم   1 الخصائص 1/99. 2 1/229. 3 يعني هنا ما تركوه؛ أي: الممات. 4 أي من الممات. 5 تصحيح الفصيح 127 أ، 127 ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 يصرّحوا به، وإنّما يفهم من موقفهم من ماضي (يَدَعُ) فهم يحكمون بأنّه من الممات، مع أنّهم ذكروا بعض الشّواهد على استعماله، من دون أن يخطّئوا صاحبه، أو يضعّفوا قوله، وذكروا بعض القراءات وهم يرون الاحتجاج بالقراءات الشّاذّة في اللغة، وليس لذلك تفسير عندي سوى الإقرار منهم بأنّ الفعل المَيّت قد يظهر في الاستعمال على قلة إذا دعت الحاجة إليه في شعر أو غيره، فيكون من باب إحياء الممات. وقد حمل الأستاذ سعيد الأفغاني على علماء العربيّة القدامي وسفّه قولهم بإماتة هذا الفعل، وقال: "والطّريف أنّ بعض المحقّقين ممّن تأخر زمانه عن أولئك صحّح خطّأهم فأثبت صاحب المصابح هذه اللّغة الفصيحة في معجمة واستنكر ادّعاءهم الإماتة ... وبذلك ترى تسرّب الوهن إلى بعض أحكامهم إذ كانت خطّتهم ينقصها الإحكام في المنهج والكفاية في الاستقراء معاً، وكان عليهم قبل إرسالها استيعاب قراءات القرآن على الأقلّ والاحتجاج بها"1. ولو تدبّر الأستاذ الأفغاني -رحمه الله - في ذلك وتأمّل طريقة علمائنا في تناول هذا الفعل المتمثلة في الجمع بين قولهم بإماتته وروايتهم قدراً من الشّواهد على استعماله لربّما توصّل إلى مثل ما توصّلت إليه، وتجنب اتهامهم -رحمهم الله- بالخلل في المنهج وعدم الكفاية في الاستقراء. ويبدو أنّ في صنيع أصحاب المعاجم دلالة قويّة على أهميّة الممات، وأعنى بذلك احتفاظهم بالممات في بطون المعاجم الكبيرة المتأخّرة، كـ (التكملة) و (العباب) و (اللسان) و (القاموس) و (التاج) ولعلّ ذلك إرهاص لإحيائه عند الحاجة، وفي هذا كانت المزية للعربيّة، إذ لا تحتفظ سائر اللّغات إلا   1 في أصول النحو 35، 36. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 بالمستعمل، وهو مهدّد بالموت، ومعرّض لقوانين التّطور اللّغويّ والتّعبير الصّوتيّ، فإذا أميت بالترك لم يكن في طبائعها ما تعوض به المتروك الجديد بمتروك قديم، فتضطرّ إلى الاستجداء من لغات أخرى1، فقد تصاب بالتّخمة والتّسمم لكثرة ما في أحشائها من الدّخيل. ولقد ظهرت دعوات في الأوساط اللّغويّة العربيّة المعاصرة للاستفادة من الممات وإحيائه بطريقة منظّمة، تتمشّى مع خطّة معيّنة، تمليها السّياسة اللّغويّة، وتهدف إلى التخلّص من الكلمات الأجنبية أو إلى سدّ النقص الملحوظ في الاستعمال، الّذي لا يمكن معالجته بالطّرق المألوفة، وقد شاع هذا الاتجاه في لغات أجنبيّة في القرن الثامن عشر، كاللغة الألمانية، عند ما جاهد دعاة المحافظة على اللغة وقواعدها في سبيل التّخلّص من الكلمات الفرنسيّة الدّخلية2. أمّا في العربيّة فقد أحيا الأدباء والعلماء في العصور الحديثة كثيراً من الألفاظ القديمة للحاجة إلى معانيها، وتبعاً للمخترعات الصناعيّة الّتي تستلزم بعض المصطلحات، ومن هنا وجدناهم يعيدون إلى اللّغة شيئاً من الألفاظ المهجورة "فكثيراً ما يلجؤون إلى ذلك للتّعبير عن معان لا يجدون في المفردات المستعملة ما يعبّر عنها تعبيراً دقيقاً، أو لمجرد الرّغبة في استخدام كلمات غريبة، أو في التّرفع عن المفردات الّتي لاكتها الألسنة كثيراً، وبكثرة الاستعمال تبعث هذه المفردات خلقاً جديداً، ويزول ما فيها من غرابة، وتندمج في المتداول المألوف، ولا يخفى ما لذلك من أثر في نهضة لغة الكتابة واتّساع متنها وزيادة قدرتها على التّعبير"3.   1 ينظر: دراسات في فقه اللغة 293. 2 ينظر: دور الكلمة في اللغة 213. 3 علم اللغة لعلي عبد الواحد وافي 255، 256. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 وعلى الرغم من ذلك فثمة فريق من علماء العربية المعاصرين يميل إلى تجديد اللغة وتنميتها عن طريق الوسائل المشهورة كالاشتقاق والارتجال والمجاز والنحت والتعريب، ويدعو إلى ترك الغريب والحوشي والمهجور والممات وتفريغ المعاجم اللغوية مما تحويه من ذلك1. ومن أظهر من يمثل هذا الرأي المعلم الخوري بطرس البستاني الذي عدّ اشتمال المعاجم العربية على الغريب والحوشي والمهجور والممات عيباً من عيوبها وشائبة ينبغي تخليص المعاجم منها لمكان ذلك من الغرابة أو لتوغله في الحوشية والوحشية أو لهجره، وهو يرى أن دفنه خير من بقائه ويشبه بقاءه بالدُّمَّل في جسم اللغة البهي2. ويتألم هذا الباحث ويتحسر لاتجاه اللغويين والمعجمين إلى الإبقاء على هذا النوع من الألفاظ في معاجم العربية، ويقول: "ومما هو جدير بالأسف أنه بات من الراسخ في وهمنا أن تلك الألفاظ المستكرهة لا بد من إثباتها في معاجمنا، وإلا اجترحنا أفظع جريرة في حق لغتنا، وأفقدناها كنزاً ثميناً لا يعوض ولا نعلم متى تسقط هذه الكلمات المنبوذة من معاجمنا"3. وهذه نظرة غير موفقة لهذا النوع من الألفاظ التي يمكن الاستفادة منها بإحيائها في معناها أو بإلباسها معنى جديداً كما استفادت بعض اللغات الحية من ممات اللاتينية القديم.   1 ينظر: في أصول اللغة 109، وأعمال مجمع اللغة العربية بالقاهرة 196، والعيد الذهبي لمجمع اللغة العربية 192، والمعجم العربي: بحوث في المادة والمنهج والتطبيق 268. 2 ينظر: مجلة المشرق، سنة 1931م، مجلد 29 ص 683، 684. 3 مجلة المشرق سنة 1931م، مجلد 29 ص 683. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 الفصل الثالث دور مجامع اللغة العربية في إحياء الممات تنطلق مجامع اللغة العربية في عنايتها باللغة وحرصها على نقائها وإثرائها بما يضمن لها النماء والحيوية ومسايرة مستجدات العصر من نظرتين متوازيتين: إحداهما: الحفاظ على التراث اللغوي للعربية، وتقريب بعيدة، وتيسير غريبة، وإحياء مماتة. ثانيهما: الاقتراض والترجمة. ولهذه المجامع نشاط ملحوظ في إحياء الممات يتلخص في التشجيع على الاستفادة من ممات العربية فيما استجدّ من المعاني والمصطلحات، وإحياء ما يلائم روح العصر منه، والحدّ من تسرّب الدخيل المعاصر إلى اللغة، ليكون الممات أحد الوسائل النافعة التي تمدّ العربية بكلمات جديدة تدعو إليها الحاجة ومقتضيات العصر. ولكن المجامع اللغوية التي تكاثر فيها الأعضاء المجددون اتجهت بتأثير منهم نحو اعتماد آراء أكثر جرأة في التجديد والانفتاح على اللغات الحية عن طريق التعريب والترجمة، فانعكس ذلك سلباً على نشاط المجامع في إحياء الممات أو العودة إلى الغريب والحوشي والمهجور. ومن هذا المنطلق تعالت الأصوات الداعية إلى ترك الممات وإهمال المهجور والألفاظ الحوشية الجافية بحجة عدم الحاجة إليها أو قلة الفائدة منها. ومن هؤلاء علي الجارم الذي ذكر أنه وجد بمجلة المجمع القاهرة ألفاظاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 قديمة غير مستعلمة، وقد اعتمدت للتعبير عن أشياء جديدة تختلف معانيها عن معانيها القديمة، وهو لا يستسيغ هذه الطريقة1. وقدم الأستاذ أحمد أمين اقتراحاً يقضي بالتخفف من كثير من مفردات اللغة، وهو يرى "أن أولى الكلمات بالإعدام هي تلك الكلمات الحوشية فلا بد من استبعادها وعدم إدخالها في المعاجم الجديدة"2. وعلق عليه الدكتور إبراهيم أنيس مؤيداً تخليص اللغة من الألفاظ الحوشية والمهجورة3 وأدى هذا الاقتراح للأستاذ أحمد أمين إلى صدور قرار لمجمع اللغة بالقاهرة في الدورة الثلاثين سنة 1964م وفيما يلي نص القرار: "من الواجب أن يكون من المعاجم ما يتضمن كل كلمات اللغة، أما وصف بعض الألفاظ بأنها حوشية فذلك اعتبار بلاغي لا لغوي، ولا يستبعد اللفظ من المعاجم بأنه حوشي"4. وبهذا رد المجمع الاعتبار للألفاظ القديمة وفتح الباب للإفادة منها في المصطلحات العلمية الجديدة، فأصبحت القاعدة تنص على تفضيل المصطلحات العربية القديمة على المصطلحات المستحدثة شريطة ألا تكون المصطلحات المستحدثة شائعة في الاستعمال، وأن تكون المصطلحات القديمة معبرة عن المقصود تعبيراً دقيقاً5. وكان لتدخل الشيخين حسين والي وأحمد الإسكندري6 أثر ظاهر في   1 ينظر: أعمال مجمع اللغة العربية بالقاهرة 166، ومحاضر الجلسات 2/77. 2 في أصول الفقة 71. 3 في أصول اللغة 109. 4 في أصول اللغة 71. 5 محاضر الجلسات 1/432. 6 ينظر: أعمال مجمع اللغة العربية بالقاهرة 405. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 ترجيح كفة المحافظين الداعين إلى الاستعانة بالتراث اللغوي القديم بجميع أوجهه، ومنها الغريب والحوشي والمهجور والممات. وكان الاتجاه اللغوي في باقي مجامع اللغة العربية مشابهاً لما يدور في أروقة مجمع القاهرة فثمة تياران يتنازعان في مجمع دمشق أحدهما محافظ والآخر مجدد، يدعو أولهما إلى إحياء التراث اللغوي، والتحفظ على ظاهرة الاقتراض اللغوي، فثمة باحثون في ذلك المجمع سعوا إلى استثمار رصيد العربية اللغوي استثماراً إيجابياً1. ومهما يكن من أمر فإن مجامع اللغة - في الجملة - تنظر إلى تراث العربية القديم بما فيه من حوشي ومهجور وممات نظرة احترام وتقدير، وتدعو إلى استثمار ذلك الرصيد الوافر لتنمية اللغة والاستعانة به في المصطلحات شريطة أن يعالج من قبل لغويين متخصصين، لا يتقيدون بالمعنى القديم لتلك الألفاظ، فقد يعمدون إلى نزع دلالي كامل يطبق على بعض تلك الألفاظ المماتة مثلما فعل العلماء الأوربيون الذين هجموا على الممات في اللاتينية واشتقوا منه كثيراً من مصطلحاتهم2 بعد تحوير المعنى اللغوي القديم، وتضمينها المعنى العلمي الجديد. ويبدو هذا الرجوع إلى القديم واضحاً عند محمود تيمور الذي استعلمه كثيراً في (معجم الحضارة) الذي تتميز مصطلحاته بقدمها ومحافظتها3. ومن المصطلحات القديمة أو المهجورة أو المماتة التي أحياها بعض المعاصرين   1 ينظر: أعمال مجمع اللغة العربية بالقاهرة 414، والمصطلحات العلمية في اللغة العربية 65،66،75. 2 ينظر: اللغة والعلوم 24. 3 ينظر: أعمال مجمع اللغة 415. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 ووضعها لما يقابلها من المصطلحات الأجنبية: "زُلَّخة"1 للتعبير عن (LUMBAGO) أحياها عبد الفتاح الصعيدي في بحثه (مصطلحات العلوم) 2. ومما أحياه بعض العلماء: (الوشيعة) 3 لـ: (LE GRILLAGE) و (المَثْعَب) 4 لـ: (LE SIPHON) و (السَّحْسَاح) 5 لـ: (LA DOUCHE) و (الشِّمْراخ) 6 لـ: PETITE LISTE) ( و (الصَّفْنة) 7 لـ: (LA TROUSSE) و (المَثْبَنَة) 8 لـ: (LE SACA) وفي غير المصطلحات تدعو مجامع اللغة الأدباء والكتاب والعلماء للعناية بالمفردات المهجورة وإحيائها في كتاباتهم، لأن الكلمة التي تنقرض من لغة المحادثة تأوي إلى ركن شديد في ميادين الشعر أو الأمثال أو الآداب أو الفنون، فتتوطد لها فيه أسباب المنعة والبقاء9، وتعود إلى الاستعمال عند الحاجة، وفي هذا   1 الزُّلّخة: الزّحلوقة يتزلخ منها الصبيان، أي يتزحلقون. ينظر: القاموس المحيط (زلخ) 322. 2 ينظر: مجلة مجمع القاهرة ج 13 ص 215. 3 الوشيعة: خشبة أو قصبة يلف عليها الغَزْل. ينظر: اللسان (وشع) 8/394. 4 المثعب: مسيل السطح والحوض ينظر: أقرب الموارد (ثعب) 1/88. 5 السَّحْسَح والسحساح: عرصة الدار، عرصة المحلّة. ينظر: اللسان (سحح) 2/477. 6 الشمراخ: الغرة التي دقّت وسالت في الجبهة وعلى قصبة الأنف ولم تبلغ الجحفلة. ينظر: اللسان (شمرخ) 3/31. 7 الصَّفْنة: شيء يشبه العيبة يضع فيه الرجل متاعه ينظر: اللسان (صفن) 13/274. 8 المثبنة: كيس تضع فيه المرأة مِرآتها وأداتها. ينظر: اللسان (ثبن) 13/76. 9 ينظر: علم اللغة لوافي 300. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 يقول الدكتور علي عبد الواحد وافي: (أما نشأة كلمات في اللغة فتدعو إليها - في الغالب - مقتضيات الحاجة إلى تسمية مستحدث جديد مادّي أو معنوي ... ويتم ذلك بإحدى الوسائل الآتية: 1 - إنشاء الكلمة إنشاء ... 2 - انتقال الكلمة من اللغة أو اللهجة إلى لغة أو لهجة أخرى ... 3 - إحياء الأدباء والعلماء لبعض المفردات المهجورة في اللغة ... "1. وبالجملة، فإن لمجامع اللغة نشاطاً ملحوظاً مشكوراً في إحياء الممات والمهجور والحوشي يتلخص في التشجيع على الاستفادة منه فيما يستجد من المعاني والمصطلحات بما يلائم روح العصر، للحد من تسرب الدخيل المعاصر إلى اللغة العربية.   1 علم اللغة لوافي 298. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 الخاتمة والآن؛ وقد انتهى بي المطاف إلى هذا الحد الذي اقتضاه المنهج وارتضاه البحث، وفق الخطة التي ذكرتها في المقدمة، وإذ انتهيت فيه إلى الصورة التي رجوت، يجدر بي أن أعرض لأبرز ما ورد فيه من أفكار أو حقائق أو نتائج، وهي على النحو التالي: (أ) من ألفاظ العربية ما يملك مقومات الحياة والبقاء فيبقى، ومنها ما يفقد تلك المقومات فيموت ويفني، فاللغة كائن حي نام خاضع لناموس التطور والارتقاء، وليس فيها كسب دائم من النمو والتجدد، فكل نمو في جانب يقابل بنوع من الخسائر في الجانب الآخر. (ب) من الألفاظ في العربية ما يُعمر فلا يموت، ولو مضى عليه آلاف السنين، لما فيه من ضروب المناعة الداخلية، كقوة المعنى، ودوامه، ورشاقة اللفظ وعذوبة جرسه، أو المناعة الخارجية، كألفاظ القرآن الكريم التي تكفّل الله - عز وجل - بحفظها. (ج) لا يكون الموت في الألفاظ أبدياً، فكل لفظ مات واندثر قابل للبعث لتدب فيه الحياة من جديد، وتجري به الألسن بمعناه القديم، أو بإلباسه معنى جديداً. (د) للمات في اللغة وجهان رئيسان: الأول: موت الألفاظ، وهو موضوع هذا البحث. الثاني: موت المعاني؛ أي أن يموت المعنى ويبقى اللفظ لتطور دلالته وانتقالها إلى معنى آخر، كالألفاظ الإسلامية التي تركت معانيها القديمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 (هـ) الحكم القاطع بموت الألفاظ يقتضي الإطلاع على اللغة كاملة، وهذا من المحال، ولذا يجب الحذر وعدم القطع بالأحكام في الممات، ويحسن الاستئناس بأقوال علماء العربية المتقدمين وإشاراتهم في هذا الموضوع؛ لأنهم أقرب عهداً بمنابع اللغة وأصولها، وأكثر إحاطة بكلام العرب. ويمكن - أيضاً - الاستعانة بمقاييس اللغة، فيقال مثلاً: إن للفعل الملازم للبناء للمجهول فعلاً مبنياً للمعلوم مماتاً، وإن للاسم الملازم للتصغير مكبراً مماتاً، وإن للجمع الذي لا واحد له مفرداً مماتاً؛ لأن المبني للمجهول والمصغر والجمع فروع، والمبني للمعلوم والمكبرّ والمفرد أصول؛ ووجود الفرع في الاستعمال يدلّ على استعمال قديم للأصل. أما المفرد الذي لا جمع له من لفظه فإنه لا يتعيّن القول بأنّ له جمعاً مماتاً؛ لأن وجود الأصل دون الفرع لا يقتضي ذلك؛ أي: لا يقتضي ظهور الفرع، فيجوز أن يكون الفرع مما لم يستعمل أصلاً، أي أن يكون مهملاً، والمهمل غير الممات. ومن أظهر الأدلة على هذا المقياس الفعلُ المضارع، فإن ظهوره في الاستعمال دون الماضي يقتضي القول بأن الماضي ممات، ومن هنا حكم علماء اللغة بإماتة الفعلين (وَذَرَ) و (وَدَعَ) استدلالاً بمضارعيهما: (يَذَرُ) و (يَدَعُ) . وإن ظهر الماضي في الاستعمال دون المضارع والأمر تعيّن التوقّف في الحكم؛ لأنه لا يستدلّ بالأصل على إماتة الفرع. (و) جاء الممات في العربية في الأسماء، وجاء في الأفعال - أيضاً. ولم أجد شيئاً منه في الحروف. ففي الأسماء جاء في: أسماء الأيام، وأسماء الشهور، ومفرد بعض المثنيات أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 الجموع، ومكبّر بعض الأسماء المصغرة، وأسماء متفرقة زالت بزوال معانيها. وفي الأفعال جاء في أفعال أميتت صيغها وتصريفاتها بالكامل، وأفعال أميت المجرد منها دون المزيد، وأفعال أميتت بعض تصريفاتها، وأفعال مبنية للمجهول أميت المبني للمعلوم منها. (ز) تموت الألفاظ لأسباب عديدة، وهي ترجع - في الجملة - إلى سببين أوعاملين رئيسين: أحدهما: العامل الصوتي. والآخر: العامل الدلالي. وهذا الأخير هو العامل الفعال فيما يتصل بإماتة الألفاظ، وإليه يعود موت كثير من الألفاظ المشهورة في العربية، وللإماتة في هذا العامل عدة أسباب، من أبرزها: 1- زوال المعنى. 2- الاستغناء. 3- العامل الديني. 4- العامل الاجتماعي. (ح) يمكن أن يعد إحياء الممات وسيلة فعالة من وسائل تنمية اللغة العربية من داخلها، إذا أُريد المحافظة على نقاء اللغة والحدّ من ظاهرة الاقتراض فيها بشقيها المعرب والدخيل. (ط) لعلماء العربية القدامى والمحدثون موقفان متضادّان في إحياء الممات، وهم في ذلك فريقان: فريق لا يجيز إحياء الممات. وفريق يجيزه، ويرى أن يستعان به في تنمية اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 (ي) لمجامع اللغة العربية نشاط ملحوظ في إحياء الممات يتلخص في التشجيع على الاستفادة من ممات العربية فيما استجد من المعاني والمصطلحات وإحياء ما يلائم روح العصر منه، والحد من تسرب الدخيل المعاصر إلى اللغة، ليكون أحد الوسائل النافعة التي يمكن أن تمد العربية بكلمات جديدة تدعو إليها الحاجة ومقتضيات العصر. (ك) لظاهرة موت الألفاظ في اللغة العربية مصطلحات متعددة عند اللغويين القدامى، مثل: (الممات) و (المتروك) و (المهجور) و (العُقميّ) و (الاستغناء) و (المنقرض) و (البقايا الأثرية) و (الكلمات التاريخية) وهي مترادفة في معناها إلى حد كبير. وقريب منها: (الحوشي) و (النادر) و (الشارد) و (الغريب) و (المذموم) و (المرغوب عنه) و (المنكر) و (الرديء) و (القبيح) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468