الكتاب: أصول وشواهد النظر العقلي في القرآن والفكر الإسلامي المؤلف: د. عبد القادر محمود   [الكتاب مرقم آليا] ---------- أصول وشواهد النظر العقلي في القرآن والفكر الإسلامي د. عبد القادر محمود الكتاب: أصول وشواهد النظر العقلي في القرآن والفكر الإسلامي المؤلف: د. عبد القادر محمود   [الكتاب مرقم آليا] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الكتاب: أصول وشواهد النظر العقلي في القرآن والفكر الإسلامي المؤلف: د. عبد القادر محمود أصُوُلُ وَشَواهِدُ النَّظَر العَقلي في القُرآنِ وَالفِكرِ الإسلامي لا شك في أن التديّن، سابقّ على التفلسف. وقبل ظهور فلاسفة اليونان، كانت هنا: ديانات مُنَزَّلةٌ معروفةٌ، وأخرى غير منزّلة، ولا ريب في أنّ فلاسفة اليونان عرفوا ذلك، وانطبعت عقولهم بالكثير منه، خصوصاً أفلاطون، لكن اليونان بوجه عام، في تصوراتهم للألوهية وأحاديثهم عنها، كانوا يعتمدون على ملكاتهم الفكرية الطبيعية. حقيقة أخرى خاصة بالديانة اليهودية; فعلى الرغم من أن اليهودية ظهرت قبل الفلسفة اليونانية وكانت أسبق عليها; فإنه لم يظهر بين اليهود من تفلسف، إلاّ بعد ظهور الفلسفة اليونانية. كان ذلك: على يد فيلوان السكندري (30 ق. م ـ 50م) ; لكننا في الحقيقة لا نجد عنده ولا عند فلسفته نظراً عقلياً، وتفسيراً علميّاً فلسفياً لهذا العالم، ولا أدلّةً نظرية لإثبات وجود الله، ولا فلسفة لاهوتية بمعنى الكلمة، وإن وجدنا فقط تأويلات رمزية للتوراة، ونزعات روحية، فيها عناصر أفلاطونية، مع دفاع عن الدين. أما فلاسفة اليهود الذين يشار إليهم ويُعتَدُّ بهم، من بدايات نشأة التفكير الفلسفي بين اليهود حتى ظهور موسى بن ميمون (ت1204 هـ) ، فإنهم نبغوا بفضل الحضارة الإسلامية بالذات، وبفضل الفكر الإسلامي بالذات، وهم ينتمون جميعاً من الناحية الفلسفية، إلى التيارات الكبرى عند فلاسفة الإسلام (2) . وكان ظهور المسيحية، واختلاط عناصر الفلسفة، بتصوّرات علماء اللاهوت المسيحيين، مجالاً لظهور آراء في الألوهيّة. لكنّ أوَّل كلام له وَزنُه، فيما يتعلق بالله، وإثبات وجود الله، هو ما نجده عند «أوغسطين» (ت340م) ثم عند «انسلم» (ت1109م) . الصفحة: 2 أما «أوغسطين» فيستدلّ على وجود الله من النظر، في هذا العالم المحسوس، الذي يدل تغيُّرُه على أنّه مخلوق، ويدلّ نظامُه البديع على أنه مصنوع (3) . ويضيف «أوغسطين» حقيقة جديدة، هي أن ذات الله لا يمكن إدراكها بالمفهومات الإنسانية فهو «يُعرف بأنّه لا يعرف» ، وهو قد خلق الأشياء عن لا شيء، بِفعل إراديِّ حرّ كامل. ومعنى هذا أن أوغسطين، يرفض تماماً، ما ذهب إليه أفلاطون وأرسطو، من وجود «هيولى» قديمة إلى جانب علّة العالم، كما يرفض القول بالصُّدور، على ما هو معروف في الأفلوطينية المحدثة (4) . وأمّا «أنسلم» فهو يؤكد أننا نتصور ونَعقَل وجود كائن لا يمكن تصوّر ما هُوَ أعظم منه، لكن هذا الكائن لا يمكن أن يكون في الذّهن فقط، لأنه إنّ كان كذلك، فنحن نستطيع أن نتصوره موجوداً في الحقيقة، أي خارج الذهن، وهو في هذه الحالة يكون أعظم. وإذن، فلو كان الكائن، الذي لا أعظم منه، موجوداً في الذهن فقط، فكأننا نقول: ما لا يُتَصَوَّر أعظم منه، يمكن أن يتصور أعظم منه!! وهذا تناقض. وعلى هذا فالكائن الذي لا أعظم منه، لابد أن يكون موجوداً في الذهن، كمفهوم، وخارج الذهن كشيء حقيقي موجود بالفعل (5) . وقد ظل هذا الدليل موضع جدال وخلاف بين الفلاسفة، وكان أقوى من رَفَضَه واعتبره لوناً من السفسطة، (توماس الأكويني) (ت1274م) . ومن الواضح أن الأكويني ـ وهو متأثر بمدرسة ابن رشد ـ كان يرى، كما رأى بعض فلاسفة المتكلمين في الإسلام بوجه عام، أن المعرفة بالله، ليست بديهية أو ضرورية كما يقولون، يقصدون أن العقل لا يمكنه إنكارها. ويمكن الرجوع في هذا إلى المستشرق الأسباني، آسين بلاسيوس في بعض مباحثه عن الأكويني والمدرسة الإسلامية في الثلاثينات من هذا القرن العشرين. وكان ظهور الإسلام بكتابه الحكيم هو الحقيقة العظمى، كما كان مدخل التحوّل، في تاريخ الدين المنزَّل، والتفكير الديني أو العلمي والفلسفي معاً وجميعاً. فقد جاء فيما يتعلق بالألوهية، بالمفهوم الكامل الواضح للإله، بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة، وجاء يبني الإيمان على نظر العقل وثمرة المعرفة، وجعل موضوعات العقائد مسائل بحثٍ، وموضوع دليل وبرهان، ورسم منهجاً من المعرفة، يحدّد سبيلها، بُوُجود الله، وما له من صفات الكمال. إنّ الذي يعنينا في هذه الكلمة، هو أن القرآن، حين عظّم أمر العلم والحكمة، أمر بالنظر العقلي البصير، في آيات الكون الظاهرة، داعياً للتأمل في أسرارها الخفية، عن طريق الحس والوجدان والعقل معاً وجميعاً والقرآن الحكيم حين يتكلم عن الله سبحانه، في ذاته، وصفاته، وأفعاله، وتدبيره لهذا العالم، فإنه يبيّن لنا أن المنهج إلى معرفة ذلك: هو النظر العقلي المتكامل الصحيح في هذا العالم بكل إبداعاته وإجازاته الكونية والطبيعية، ومع سائر مخلوقاته وكائناته على السواء. والقرآن الحكيم حين يعيب أهل التقليد فيصفهم بأنهم صمٌ بكمٌ عُميٌ فهم لا يعقلون، يؤكد أن مقاصد آياته ومعانيها، إنما تتجلّى للعلماء، والراسخين في العلم، أولئك الذين يدركون ضرورة وجود الإله الحق، ويَدعون فيما يَدعون إلى تعظيمه وخَشيَته: ?إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء? (الآية 28، فاطر) . وإذا كان القرآن يشير في بعض آياته إلى أنّ المعرفة بالله كامنةٌ في الفطرة الأصلية، فطرة الروح الإنسانية، على حالتها الأولى، قبل أن تظهر في هذا العالم، وتستخدم فيه، هذا المركّب البديع، الذي هو البَدَن، ومالَهُ من حواسّ ظاهرة وباطنة، ومن جوارح، فإنه يُوجِّهُ عقل الإنسان إلى الطريق السويّ، لمعرفة الله، بأن نبّهَهُ إلى النظر في العالم وفي نفسه معاً: ?وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ / وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ? (الآية 20 ـ 21، الذاريات) . ?إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ / وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ? (الآية 3 ـ 4، الجاثية) . ?أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ? (الآية 10، إبراهيم) . ?سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ? (الآية 53، فصّلت) . فالقرآن يجعل نقطة البداية لمعرفة الله، ما يشاهده الإنسان في الكون وفي نفسه. وتدلّ آيات كثيرة في القرآن، على أن المقصود مما يشاهده الإنسان في نفسه، هو نشأته وتقلُّبه في مراحل الخِلقة، وبنيتهُ، وأعضاؤه، وجوارحهُ، إلى جانب ما يدركُه الإنسان في حياته الباطنة: حياة الفكر، وحياة النفس. معنى هذا أن القرآن لا يجعل أساس النظر العقلي، المؤدِّي إلى معرفة الله، مفهوماتٍ مجرّدة، ولا معانِيَ ذهنية، ولا قضايا نظرية جَدَليّة، وهو حتى عندما يريد أن يجادل، لا يجعل موضوع الجدال، خارجاً، أو بعيداً عن نطاق المُشَاهَد الذي يدركه الإنسان مباشرة. فأمامنا هذه الآية الكريمة التي ترينا منهج القرآن في الإرشاد إلى معرفة الله ... ? وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ? (الآية 163 ـ 164، البقرة) . ونلاحظ أن الآية الكريمة قد وضعت القضية أوّلاً، وهي وجود الإله الواحد الأحد، ثم نبّهت وأرشدت إلى الطريق للمعرفة به، وأكدت فيما أكدّت، أن هذا الطريق فقط لمن يستعمل عقله. ولنتأمل بوعي وبصيرة هذه الآيات الكريمة: ?فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ / وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ / يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ / وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ / وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ / وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ / وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ / وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ /وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ / وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ / وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ / ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ / بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ / فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ? (الآيات 17 ـ 30، الروم) . في هذه الآيات الطيبات، نجد أنّ وضع القضية، معرفةُ الله وتعظيمه وتمجيده، في توحيده المؤكد لصدق الإيمان به ... ثم يأتي الحديث عن تدبير الله الحكيم للأشياء، وعن آيات الكون، ثم تأتي الإشارة الدقيقة إلى أولئك الذين ظلموا أنفسهم باتباع أهوائهم، وبُعدهم التام عن نهج العقل وهدايته ... أولئك الذين لم يستندوا إلى علم، أو هُدّى من عقل، أو كتابٍ مُنير، ولم يسلكوا طريق العلم، المؤدّي إلى المعرفة بالله ... ثم يأتي التوجيه الإلهي إلى الدين الحق، مع الإشارة إلى أنّ الدين القائم على العلم، يُطابق الفطرة الإنسانية، أي الفطرة الأولى الأصلية التطر فَطَرَ النَّاس عليها، والفطرة الحاليّة، التي تتلخّص في العلم والعقل واستعمالهما الاستعمال الصحيح. ولننظر بعين العقل إلى هذه الآيات: ?أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ / وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ / وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ / وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ? (الآيات 30 ـ 33، الأنبياء) . في هذه الآيات نشهد وندرك موقف المنكرين لوجود الله ... وهي تُنبِّهُهُم إلى ما في نظام السموات والأرض من اتساق وإحكام، وتطالبهم بأن يُفسّروا هذا النظام المحكم، بحسب قوانين العقل، الذي يقضي بأنّ الشيء الحادِث والواقِع والكائن والموجود، على نحو معيّن، لابدّ أن تكون له علّة كافية، وأن بقاء هذا النظام المحكم على ما هو عليه منذ وجوده، يؤكّد أيضاً إلى جانب العلّة الكافية لإيجادِهِ، علّةً أخرى مصاحبة متلازمة وقائمة مع العلّة الكافية، وهي علّةُ الحفظ والرعاية، وهي التي تؤكّد نفس علة الإيجاد والخَلق معاً وجميعاً ... ولننظر أيضاً بوعي إلى هذه الآية الكريمة: ?ألم تَرَوا أنّ الله سَخَّر لكم ما في السموات وما في الأرض وأَسبغَ عليكم نِعَمَهُ ظاهرةً وباطنةً ومِن الناس مَن يُجادل في الله بغير علم ولا هُدىً ولا كتابٍ منير? (الآية 20، لُقمان) هذه الآية تنبّه إلى القوانين الطبيعية والكونية السائدة، التي يخضع لها نظامُ العالم كله، وإلى أن هذه القوانين في مَجراها، تحقق مصالح الإنسان وعمران الحياة، وتشيرُ إلى أن الجاحدين بوجود الله، لا يستندون مطلقاً فيما يزعمون، إلى أي سَنَدٍ مِن علم بالأمر، أو منهجٍ راشد، أو حجة علمية محقّقة مدوّنة متداولة. هذه الآيات وأمثالها كثير في الكتاب الحكيم، تبيّن لنا بأفصح لسان وأرفع بيان، أن نقطة البداية لإثبات وجود الله هي النظر الواعي المستنير في كتاب الكون الكبير، كما أنها نقطة البداية أيضاً، للرد على الجاحدين. والذي لا مراء فيه، أن القرآن قد انفرد بين الكتب المنزّلة، على صورتها التي وصلت إلينا بهذه الطريقة، من المعرفة بالله وجعل مسألة إثبات وجود الله، مسألةَ بحثٍ علمي، في ضوء العقل والحسّ. ويُؤخذ من حُشود الآيات الكثيرة، في القرآن الداعية إلى النظر العقلي، أن الإيمان بالله ثمرة العِلم، وَأن الجحود بوجوده سببُهُ الجهل. على أساس هذا الصراط القويم من منهج القرآن الحكيم، أمكن لعلماء وفلاسفة الإسلام أن يستخلصوا أدلّة على وجود الله، ولا يزال وسيظل المجال مفتوحاً أمام المفكر المسلم في كل عصر وفي كل مكان وزمان. فَعَلَى أساسٍ من جملة آيات القرآن، التي تتكلم عن العالم وتنبّه إلى آياته وعجائبه وَأسراره، استخلصوا بوجه عام، دليلاً على وجود الله، أسموه: «دليل التدبير، أو: دليل الإتقان، أو: دليل الإِحكام» . وهو يتلخص في الاستدلال من النظر في نظام العالم، على وجود خالقٍ قادر حكيم، طبقاً لمبدإٍ عقليٍّ هو مبدأ العلِّية، الذي يَقضي، بأنّ كل حادث، وكل شيء واقع، يقع على نحوٍ ما، لابُدَّ له من علِّة كافية وهي الخالق المُوجِد القادر الحكيم. فإذا وقفنا مثلاً أمام ابن رشد، رائد النظر العقليّ في الفلسفة الإسلامية، (ابن رشد ت595 هـ = 1198 م) فإننا نشهد أنه نظر في آيات القرآن نظراً فلسفياً تحليليّاً عميقاً، وميّز بين دليلين اثنين يمكن أخذهما من الكتاب الكريم (6) : الدليل الأول: دليل الاختراع، ومعنى الاختراع هو الإِيجاد والإِحداث، أو كما يقول ابن رشد، هو اختراع جواهر الأشياء، واختراع الحياة في المادّة. ويقوم هذا الدليل في نظره على نوع من الدلالة، التي يدركها الإنسان بالحسّ والعقل إدراكاً مباشراً. فمثلاً، فيما يتعلق بعالم الكائنات الحيّة نحن نلاحظ حدوث النبات والحيوان، وهذا يدل بحكم الضرورة العقلية، على أنّ للحياة عِلَّةً خالقة، وفيما يتعلق بنظام السموات، نلاحظ أن الأهرام والكواب والأفلاك: السماوية، بكل ما يتعلّق بها من ملايين المجرّات والنجيمات والذّرات، تلتزم تماماً، في كل حركاتها ومساراتها، مَسَالِكَ مُعينة، تؤدي إلى تحقيق غايات، وخصوصاً فيما يتعلق بالأرض ومن عليها وما عليها مع دَوَرَانات الفصول وتعاقب الليل والنهار وحركة الكون الكلية. إنّ هذا معناه أن كل هذه الأجرام السماوية مُسَخَّرةٌ مقهورة، والعقلُ يَقضِي بأن المُسَخَّر مُختَرَعٌ مخلوق بالضرورة. الدليل الثاني: دليل العناية. وهذه العناية ـ كما يقولُ ابن رُشد ـ مِحوَرُها الإنسان خاصّة. فنحن نلاحظ أن جميع نظام العالم من الشمس والقمر والليل والنهار، وكل ما ظهر على الأرض ملائمٌ للحياة الإنسانية، بل إن تركيبة الإنسان نفسه ملائمة لحياته على الأرض، الأمر الذي نلاحظه وندركه بالحس والعقل، وهو مر يَقضي بأن هذه المُلاءمة، ناشئةٌ عن فِعل خالقٍ مدبّر حكيم قَصَدَ ذلك وأراده سبحانه، وأنّ عِلّةَ الرعَاية والعناية قائمةٌ في عِلّة الإيجاد والخلق معاً وجميعاً ودائماً ... نذكر أيضاً فيما نذكر، بعض الشواهد الأخرى، فيما أخذه المفكرون من آيات القرآن الكريم، وفيها أدلّةٌ نظريّة علمية منطقية في بِنائها ... الأشعري مثلاً (أبو علي الحسن بن إسماعيل الأشعري ت324 هـ) وصاحب مقالات الإسلاميين وغيرها من الروائع في الفكر الإسلامي ... الأشعري (7) يقول فيما يقول: هذا الإنسان الذي نراه في حال كمال نموّه البَدَني، قد تطوّر من مبادىء بسيطة. ونلاحظ أن هذه مقدمة حسّية. ولكنّ هذا الإنسان ذاته، يعلم علم اليقين، أنه ليس هو الذي يَنقُل نفسه من طور إلى طور، أو من مرحلة إلى مرحلة، «لأنه حتّى وهو في حال كمال قوّته لا يستطيع أن يخلق لنفسه حاسّةً أو جارحةً» . وهذا يدل فيما يدلّ، على أنّه، عندما كان في بداية أمره، وأول نشأته، أعجز عَن أن يخلق لنفسه ذلك:. ثم هو يعلم تماماً أنه ليس هو الذي ينقل نفسه من حال الشباب والفُتُوَّة، إلى حال الكبر والشيخوخة والهَرَم والعَجز، بدليل أنه لا يستطيع أن يُعيد أو يردّ نفسه إلى الشباب، ثم هو لا يستطيع أبداً أن يمنع عن نفسه الموت، فهو من البداية إلى النهاية عاجز، وكل هذا يدركه بالحس والعقل معاً وجميعاً. وإذن: فبما أن الإنسان ليس هو الذي يطوّر نفسه، وبما أنه محمولٌ على التطور، فإنه ليس هو الذي أوجد نفسه، لأنه لا يملك من أمر ظهوره أو نهايته أو أمر ميلاده أو موته شيئاً، ولابد لهذا من الإيمان بموجد هو الذي أوجده وخلقه وهو الذي يدبّر أمره، لأنه صاحب الخلق والأمر في الحياة والموت على السواء. ونلاحظ أن الأشعري بعد هذا العرض السخيّ الثريّ، عن العلّة الكافية الراعية للكائنات والمخلوقات، يؤكد أن من يجحد ذلك يُصادم قوانين العقل وبديهياته، كما يؤكد ويثبت، أن الخالق الأوحد الأعظم لا يمكن أن يكون جسماً على الإطلاق، ويؤكد ويثبت كل صفات الكمال للإله الحق، وهي صفات الخَلق والإيجاد والتدبير والعناية والرعاية. ومن الواضح أن الأشعري حين يدور حول ظاهرة الإنسان في إثبات آرائه وأدلته، فإنه يؤكد في نفس الوقت ومع نفس الحجة، أن الفكرة التي يقوم عليها تشمل كل شيء حادث أو كائن، يسيرُ حسب قوانين ثابتة هي سنُّةُ الله في خَلقه، كما يقول القرآن بأفصح وأدق بيان والعالم كلُّه كذلك. ونعود فنقول إن الآيات التي أخذ منها الفلاسفة والعلماء، دليل الإتقان أو الأحكام أو الرعاية والعناية، تتواصل مع آيات أخرى كريمة، هي في ذاتها أَقرب أو أشبه بالأدلّة المنطقية لإثبات وجود الله. وحسبنا أن نذكر منها هذه الآيات القصيرة المحكمة، والموجّهة بالذات إلى المنكرين الجاحدين: ?أم خُلِقوا من غير شيءٍ أم هُمُ الخالقون ... ? ?أم خَلَقُوا السموات والأرض بل لا يُوقنون ... ? ?أم لهم إلهٌ غيرُ الله، سبحانَ الله عما يُشركون? (الآيات 35 ـ 36 ثم 43 من سورة الطور) . والناظر الباصر المتأمّل لهذه الآيات القصيرة الحاسمة في صُورها المنطقية الرائعة، يتبيّن له، أنها تَتَضَمَّنُ بيان الاحتمالات الممكنة، بحسب العقل، فيما يتعلق بتعليل هذه الأشياء الحادثة التي نراها: ما هي العلّة لوجودها؟ هل الأشياء الحادثة حدثت من غير علّة؟ هذا أمر يرفضه العقل. هل هي التي أحدثت نفسها؟ هذا أمر يرفضعه العقل أيضاً، لأن هذه الأشياء لا تملك: أمر ميلادها أو موتها أو تطوّرها بين الميلاد والموت ... فإذا فرضنا أن بعض هذه الكائنات، يُؤثر في وجود بعضها، مما يحدث تطورات وتغييرات، فالسؤال هنا: من الذي أوجد هذا النظام الكوني في جُملته وفي أجزائه أو في ذرّاته في السموات وفي الأرض، وفي كل ما نعلم وما لا نعلم، وفي كل ما نراه ولا نراه؟ إن هذه الآيات الحاسمة الرائعة، حين تذكر هذه الاحتمالات على صورة الاستفهام، فإنها في الحقيقة، تؤكّد النقيض، حين تؤكد وتثبت أنه لابد من علّةٍ مُوجِدَةٍ راعيةٍ حافظةٍ، لهذا النظام الكوني كلّه، وهي الإله، الخالق الحق الحكيم. إلى جانب هذه الأدلة، نرى دليلاً آخر أسماه بعض العلماء «دليل إبراهيم» وهو الذي يسمّى في القرآن: حُجَّةً. نرى هذا من الآيات التي تبيّن لنا موقف أبي الأنبياء الخليل إبراهيم عليه السلام، من قومه الذين كانوا يعبدون ويقدسون الأصنام، وحوارَه معهم، ودعوتَه لهم بالتفكر في نظام الكون، واهتداءَهُ هو بنفسه، في تجربته الخاصة، إلى حقيقةِ: أنَّ تَغَيُّرَ أحوال الأشياء، يؤكد أنها حادثة، لابدّ لها، من خالقٍ واحدٍ لا يتغير. وهذه الآيات هي: ?وكذلك نُري إبراهيم ملكوتَ السمواتِ والأرضِ وليكون من المُوقنين فلمّا جَنَّ عليه الليلُ رأى كوكباً قال هذا ربّي فلما أَفَلَ قال لا أُحِبُّ الآفلين فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربّي فلما أفَلَ قال لئن لم يَهدِنِي ربّي لأكُونَنَّ من القوم الضالّين فلما رأى الشمس بازغةً قال هذا ربّي هذا أكبر فلما أَفَلَت قال يا قوم إني بريءٌ مما تشركون إني وَجَّهتُ وجهيَ للذي فَطَرَ السموات والأرض حَنِيفاً، وما أنا من المشركين? (الآيات 70 ـ 79، الأنعام) . ألم تَرَ إلى الذي حاجَّ إبراهيمَ في ربّه، أن آتاهُ اللهُ المُلك إذ قال إبراهيمُ رَبِّيَ الذي يُحيي ويميت قال أنا أُحيِي وأُميت قال إبراهيم فإنَّ اللهَ يأتي بالشمسِ من المشرقِ فَأتِ بها من المَغرب فَبُهِتَ الذي كَفَرَ والله لا يَهدِي القوم الظالمين? (الآية 258، البقرة) . وفي القرآن آيات وآيات، تتكلم عن فَزَعِ الإنسان عندما تحيط به الأخطار المهلكة، والتجائِهِ إلى مُوجِدِ الكون، الذي بيده كل شيء من خيرٍ وشرٍ، ونفع وضر، وهذا الشعور في حقيقته، ناشئٌ عن معرفةٍ كامنةٍ عميقةٍ، في نفس الإنسان، بأنَّ له خالقاً رحيماً، هو خالق العالم، ومدبّر الأمر كله فيه. لكنّ هذا الشعور تَغمُرُه عواملُ ورواسبُ التقليد، أو الإنكار، أو الشك، أو المكابرة والعِناد، أو الغرور، يتجلى وقت الشدة، فَيَفزَعُ الإنسانُ، بفطرته الأصيلة، إلى الله مفتقراً إليه. وهذا ما أشار إليه بعض المفكرين، حين تكلموا عما أسموه: دليل الافتقار، نرى هذا مع المُطهّر بن طاهر المقدسي (ت 340 هـ) في كتابه الشهير: البدء والتاريخ حين يقول فيما يقول (8) : «من الدليل على إثبات الباري سُبحانه: وَلَهُ النفوس، وَفَزَعُ القلوب إليه، إذا ضَرَبَت الحوادث اضطراراً. إذ لا يوجد مضطر وقد عضّتهُ نائبة، ولدغته ناكبة، يفزع إلى حجر أو شجر أو مدر، أو شيءٍ من الخلائق، غلاّ إليه، ويدعوه بما هو معروف عنده، من اسم أو صفةٍ ـ هذا مشاهد عياناً ـ كما تفزع النفس عند المكاره المخوفة، إلى طلب المهرب والنجاة، وكما يفزع الطفل إلى ثدي أمه ضرورةً وخلقة ... كذلك الله في معرفة خلقه إياه، إلاّ أنّ أثر الدلالة في الخلق عليه أعظم من أمثال ميل الطبع إلى ما يلائمه، وازوراره عما ينافره، ولا يمكن للملحد المنكر، وإن غلا وتعمق في الإلحاد، الامتناع في معرفة الله، وإجراء ذكره واسمه على لسانه، شاء أم أبى، في حال عمره ونسيانه، لأنّ قلبه ولسانه على ذلك: خلق، كما أنّ طبعه على الميل إلى المحبوب، والازورار عن المكروه جبل» على أننا نجد آيات طيّبات في القرآن، توجّه الإنسان إلى الإيمان بالإله الحق، عن طريق الترهيب والترغيب، أي عن طريق التأثير النفسي، مع الاستعانة، بما يثير الوجدان، ومن ذلك على سبيل المثال: ?والذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ يَحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاهُ حِسابه والله سريع الحساب أو كظلمات في بحرٍ لجيٍّ، يغشاهُ موجٌ مِن فوقه سحابٍ ظلماتٌ بعضُها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور? (الآية 39 و 40، النور) . ?يا أيها الناس اتقوا ربكم إنّ زلزلة الساعة شيءٌ عظيم ... يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كلُّ مُرضِعَةٍ عمّا أرضعت وتضع كل ذات حملٍ حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد? (الآية 1 ـ 2، الحج) . ?ومن يُشرك بالله فكأنما خرَّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريحُ في مكان سحيق? (الآية 31 من الحج) . والذي لا شك فيه، أنّ في هذه الآيات وأمثالها، اتساقاً بين روح الموعظة، وبين التفكير المنطقي، على صورة طبيعية بسيطة، يهدف فيما يهدف إلى الإقناع والتوجيه للسامع أو القارئ المتصوّر للمشاهد الرهيبة، عن طريق دعوته للموازنة والمقارنة، بين ما يدعو إلى الفزع، وبين ما يدعو إلى الأمان، وبين ما يدعو إلى القلق والخوف، وبين ما يدعو إلى السكينة والاطمئنان. إنّ هذا معناه، أنّ في القرآن، أنواعاً من الأدلّة على وجود الله، لها شواهدُها وملامحها، في أفكار وآراء علماء وفلاسفة الإسلام، وهذه الأدلة القرآنية، منها، ما هو ذو طابَعٍ علمي فلسفيٍّ، ومنها ما لَهُ طابَعُ نظريٌّ منطقيّ، ومنها أدلةٌ إقناعيّة متنوعة، تكفي لإقناع الإنسان على أساس نفسيّ وكلُّها جميعاً في تواصُلها، لا تقطع النسب أو الصلة بين الفكر والواقع. حقيقة هامة يجب أن ندركها من القرآن، ومن شواهد الآراء لكثير من علماء وفلاسفة الإسلام، وهي أن الله سبحانه الموصوف بكل صفات الكمال ?لا تدركه الأبصار وهو يُدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير? (الآية 103، الأنعام) إن هذا معناه، أنّ كُنهُ ذات الله تعالى لا يُدرك. لهذا لا نجد كلاماً عن ماهيّة الله، أي عن حقيقته في ذاته، ولا عن هويّته، أي من هو؟ حتى مع وجود المناسبات الداعية إلى ذلك، إنما نجد كلاماً عن أفعاله وأنه هو الخالق الأوحد المدبّر لكل شيء، والذي بيده الأمر كله ... نرى هذا في صورة بيانية رفيعة، لا حدّ لروعتها ولا لوصفها على الإطلاق، في حوار موسى وفرعون، بلسان القرآن الحكيم: ?قال فرعون وما ربُّ العالمين قال ربّ السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربّكم وربّ آبائكم الأوّلين قال إنّ رسولكم الذي أُرسل إليكم لمجنون قال ربّ المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون? (الآيات 23 ـ 28، الشعراء) . قال فَمَن ربُّكما يا موس قال ربنا الذي أعطى كُلّ شيءٍ خَلقهُ ثم هدى قال فما بالُ القرون الأولى قال عِلمها عند ربي في كتاب لا يضلُّ ربي ولا يَنسَى الذي جعل لكم الأرض مهداً وسلك لكم فيها سبلاً وأنزل من السماء ماءً فأخرجنا به أزواجاً من نباتٍ شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآياتٍ لأولي النهي? (الآيات 49 ـ 54، طه) على هذا الصراط، يستدل المفكرون في الإسلام على أنّ ذات الله سبحانه وتعالى لا تُدرك، وهذا معناه أن العقل لا يحيط، بكنه ذاته، وإن كان يقطع بأنه موجودٌ بالأدلّة التي يستحيل إنكارُها على الاطلاق. كما يستنتجون، أنّ ذات الله لا يمكن أن تُعرَّف التعريف المنطقيّ، لأنَّه ـ سبحانه وتعالى ـ فريدٌ أوحدٌ، في وجوده، فلا يدخل مطلقاً في المفهومات العاديّة، ولأنّ التعريف المنطقي يتألف من الجنس القريب والفصل، وهو ـ سبحانه وتعالى ـ لا يدخل في جنس ولا نوع، لأنه ليس كمثله شيء!! إن هذا معناه أن الله سبحانه وتعالى له حقيقته المخصوصة التي لا يعلمها إلاّ هو، ومن الطبيعي، والبديهيّ معاً، أن العقل الإنساني الحادِث المحدود النظر، لا يحيط بكنه المطلق الذي لا نهاية له. لذلك فإن القرآن عندما يتكلم عن الله، فإنه يذكر صفاته ويشير إلى أفعاله وحسبنا أن نذكر على سبيل المثال في هذا المقام آية الكرسي: الله لا إله إلا هو، الحيّ القيّوم لا تأخذه سِنةٌ ولا نومٌ له ما في السموات وما في الأرض مَن ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيءٍ من علمه إلا بما شاء وسع كرسيهُ السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العليُّ العظيم? (الآية 255، البقرة) كما نذكُر هذه الآيات: ?هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملكُ القدّوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبر سبحانه الله عمّا يشركون هو الله الخالق البارئ المصوّر له الأسماء الحُسنى يُسبِّح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم? (الآيات 32 ـ 34، الحشر) . وقد يتكلم القرآن عن صفات الله على صورة التشبيه والرمز أحياناً، نرى هذا في آية النور العظيمة، التي قامت على صراطها ونورها فلسفات الإشراق في الحقل الفلسفي والصوفي معاً. وفي مختلف الدوائر الفلسفية والصوفية، وآية النور الرمزية هي: ?اللهُ نورُ السموات والأرض مثل نُوره كمشكاة فيها مصباح المصباحُ في زجاجة الزجاجةُ كأنها كوكبٌ ذُرّيٌّ يُوقد من شجرةٍ مباركةٍ زيتونة لا شرقيةٍ ولا غربيةٍ يكادُ زَينتُةا يُضيءُ ولو لم تَمسَسهُ نار نورٌ على نورٍ يهدي اللهُ لنوره مَن يشاء ويضربُ الله الأمثالَ للناس والله بكل شيء عليم? (الآية 35، النور) . على أنه إذا كان القرآن من جهة يرشد المتفكر، إلى الطريق المؤدي إلى الإيمان بوجود الله إيماناً استدلالياً، يقوم على النظر العقلي العلمي والفلسفي، في هذا العالم; فإنه من جهةٍ أخرى يشير إلى أن أساس الإيمان بالله، موجود كامنٌ في الفطرة الإنسانية: ?فأقِم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها? (الآية 30، الروم) أمر آخر نجده في آية العهد والميثاق التي شغلت ساحة التصوف الإسلامي كله، وهذه الآية تؤكد أن الإيمان بالله إلى جانب أنه معرفة أصلية، فهو عهدٌ وميثاق، أخذه اللهُ على الأرواح الآدمية البشرية كلها في عالمها السابق قبل أن تظهر متلبسةً متشخصةً في الأبدان والأجساد في هذه الدنيا: ?وإذ أخذ ربُّك مِن بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذريةً من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون? (الآيات 172 ـ 174، الأعراف) . ولا شك: أن معرفة الروح بوجود الله، تلك المعرفة الفطرية في عالم الأرواح، الناطقة في آية العهد والميثاق الأزليّ الأبديّ، هذه المعرفة ليست استدلالية، بل هي معرفة ضرورية أو تجربة روحية، فيها تدرك الروح وجود ذاتها، وتدرك أن الله هو مصدر وجودها ومصدر معرفتها بهذه الحقيقة. على صراط الكتاب الحكيم، قامت البحوث حول المعرفة الإلهية. هل هي في هذه الدنيا استدلالية، أو هي ضرورية بديهية مغروزة كامنة في الفطرة كمون النار والنور في الحجر الصوان كما يقول بعض مفكّري الإسلام. ذهب البعض إلى أن كل عقلٍ، فيه المعرفة بالله، ولكنها مغمورة بتأثير عوامل كثيرة، قد لا يستطيع الإنسان إلا قليلاً، أن يعبر عنها. وذهب البعض إلى أن المعرفة بالله استدلالية، وأنها نتيجة للنظر العقلي في العالم الرحيب. والأوّلون هم في الغالب من الصوفية، الذين يعرفون بطبيعة الحال طريق النظر العقلي ويسلكونها، وإلى جانب ذلك يسلكون طريق التصفية الروحية، ليدركوا المعرفة بالله في أرواحهم إدراكاً ذوقيّاً، ويدركوا تدبير الله في كل شيء. والآخَرون هم أصحاب النظر والاستدلال، وهم جماعة المتكلمين وعلماء الكلام، والفلاسفة بوجه عام، وكل المؤمنين المشتغلين بالعلوم الطبيعية والكونية. عَلى أنه لا تناقُض بين الطريقين، لأن النظر والاستدلال، لا يُعارضان طريق التصفية الروحية، وهما يؤيدان عن طريق البرهان، ما تثمره التصفية من معرفة ذوقية. والصوفية يرون أن المعرفة بالله الموجودة في النفس من عهد?ألست بربكم? كالخط المكتوب على لوح وقع عليه غبار، ثم أُزيل، فعند ذلك يظهر الخط (9) . ويردُ ذكرُ هذا العهد مع الله في أشعارهم الرائعة، مثل شعر عمر ابن الفارض، وعبد الكريم الجيلي، وجلال الدين الرومي وعبد الرحمن الجامي وغيرهم. والمحقّقون من الصوفية في حضور دائم بين يدي الله، حتى قال بعضهم (10) : «ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه» وقال البعض الآخر «ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله قبله» . ويمكن القول بأن دليل المتكلمين الرئيسي لإثبات وجود الله هو (دليل الحدوث) أي أنه يستند إلى النظر في هذا العالم، وإثبات حدوث ما فيه من أجسام، ثم إثبات وجود محدثٍ له، بمقتضى ضرورة عقلية لا شك: فيها. على أن بعض المتكلمين انفرد بأدلّة على وجود الله، اختص بها; فيذكر لإبراهيم النظّام (11) دليل على وجود الله، يمكن تلخيصه فيما يلي: «الأشياء في هذا العالم مختلفة متضادة بطبيعتها، لكنها مجتمعة، ومقهورة على خلاف طبيعتها. ولما كان الضدّان لا يجتمعان من ذات أنفسهما، فإن اجتماعهما يدلّ على فعلٍ لهما، على خلاف طبيعتهما، والخاضع لقهر غيره ضعيف حادث محتاج إلى محدث» . ويمكننا أن نجد عند المقدسي (12) ، إجمالاً لكثير من الأدلّة على وجود الله وأهمها: 1 ـ دليل الاضطرار أو دليل الافتقار وقد وضحناه وذكرنا شواهده في القرآن. 2 ـ الدليل المستند إلى إجماع الأمم على وجود خالق مدبر، وهو دليل وثيق الصلة أيضاً، بالآية القرآنية: ?ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض، ليقولنَّ خلقهنَّ العزيز العليم? (الآية 9، الزخرف) . 3 ـ الدليل الغائي مع مزجه بالدليل الكوني (ومن الدليل على إثبات الباري سبحانه، هذا العالم بما فيه من عجيب النظم وبديع التركيب، ومحكم الصنع، ولطيف التدبير والاتساق والإتقان) . 4 ـ الدليل المستند إلى تفاوت المخلوقات في درجاتها «فلو كانت الأشياء راجعةً إلى الطبيعة، لاستوت أحوالها وتكافأت أسبابها ولم تتفاوت، فلما وجدناها على خلاف ذلك، فلابد لها من مدبر حكيم وهو الله» . 5 ـ الدليل الغائي المستند إلى الإتقان والدقة والنظام في كل شيء، مما يدلّ على تدبير قادر حكيم. ويرى المقدسي (13) أنّ الملحد حجة على نفسه بنفسه ولغيره (فلا محيص للملحد من حجج الله وآياته، فكيف وهو حجة بنفسه ولغيره) ، كما يرى أن شكّ الشاكّين في وجوده له نفس الدلالة، وأيضاً وجود الخير والشر والثواب والعقاب، كل هذا يقضي بضرورة وجود الإله. فإذا مضينا مع الفلاسفة كالكندي والفارابي وابن سينا مثلاً كما وقفنا مع ابن رشد في البداية، وجدنا للكنديّ (14) أدلّة تقوم على مقدمات واضحة: إمّا من البديهيات الرياضية والمنطقية، وإمّا من النظر في الواقع الكوني. وأهم أدلته. 1 ـ دليل التناهي: تناهي هذا العالم من حيث امتداده المكاني، ومن حيث مدة زمانه، ومن حيث حركته. 2 ـ دليل التغير، وهذا شاهد فيما يعتري الأشياء من أحوال التغيرات، من وحدة وكثرة وتركيب وانحلال، وتتابع هذه الأحوال يدل على أنها ليست للأشياء بحكم طبيعتها، فلابدّ أن تكون راجعةً لعلّةٍ خارجةٍ عنها. 3 ـ الدليل المنطقي التحليلي، وخلاصته أن الحادث يستحيل أن يكون علّةً لحدوث نفسه أو ذاته، لما في ذلك من تناقض واضح. 4 ـ الدليل الغائي، وهو عند الكندي على صورة واضحة، تجمع بين الاعتماد على الحسّ وعلى العقل. فإذا انتقلنا إلى الفارابي المثاليّ النزعة، فإننا نجده يؤثر طريق التأمل لمفهوم الوجود، وتحليل هذا المفهوم، أو كما يقول الفارابي (15) : «الموجودات على ضربين: أحدهما إذا اعتبرنا ذاته لم يجب وجوده، وهو يسمى ممكن الوجود، والثاني إذا اعتبرنا ذاته، وجب وجوده، وهو يسمى واجب الوجود، وهو الله. فإذا فرضنا أن ممكن الوجود غير موجود، لم يلزم عن ذلك محال، فإذا وجد فلا غنى لوجوده عن علّة، ولا يجوز أن تمر العلل بلا نهاية، بل لابد أن تنتهي إلى شيء واجب الوجود وهو الله. وهذا الدليل يمكن ن نسميه: دليل الإمكان» . وعند الفارابي دليل آخر، يقوم على التمييز بين حقيقة الأشياء أو ماهيتها (مثل الإنسانية بالنّسبة لأفراد الإنسان) ، وبين وجودها المتشخّص المشار إليه، أو هويّتها (مثل أفراد الإنسان) . فبما أن للممكنات ماهيّة وهويّة، وليست الأولى داخلة في الثانية، ولا الثانية في الأولى، ولا إحداهما تقتضي الأخرى، فإنهما إذا اجتمعتا، فلابدَّ لهما، من مبدإٍ مغايرٌ له ماهيّته، عين هويّته» . ولا يخرج ابن سينا في أدلته على وجود الله، على منهج الفارابي وفكر الفارابي، وإن كان ابن سينا أكثر تفصيلاً وأرواع أسلوباً، وهذا واضح تمام الوضوح في سائر كتبه ومباحثه ولا سيما الإشارات. ونعود فنقول في نهاية بحثنا أنّ الدين المنزّل، من عند خالق العالم وخالق الإنسان جاء موجهاً للإنسان المزود بالعقل والحواس وهو في هذا العالم. وهو من هذه النقطة، أو من ناحية المبدأ، يوحى بأن هناك اتفاقاً بين حقائق الدين، وبين ما يصل إليه العقل من علم، بشرط أن يكون الدين المنزّل على حالة صحّبته الأصلية، وأن يكونه فهمنا له فهماً صحيحاً، وأن يكون العلم الذي نصل إليه صحيحاً، وأن نعرف حكم العقل الصحيح وحدود أحكامه. ولمّا كان الإسلام دين عقل وعلم، وكان القرآن قد تكلّم عن العالم ونظامه، وأمر بالنظر فيه، بالحس والعقل، للاستدلال على وجود الله، فإن العالم المسلم جديرٌ، بأن يؤمن بالعلم، كما يؤمن بالدين، فيطلب العلم بالكون، لأنه سبيل المعرفة بالله أيد هذا أو أكدهُ سائر علماء وفلاسفة الإسلام، فالكندي (16) مثلاً يقول فيما يقول: «كلّ ما جاء به الإسلام يمكن أن يُفهم بالمقاييس العقلية، التي لا يرفضها إلاّ جاهل» وابن رشد (17) يقول فيما يقول: «إنه لمّا كان الدين حقاً، فإنه لا يمكن أن يناقض العلم البرهاني، لأن الحق لا يضاد الحق، بل هو يوافقه ويشهد له» وإذا كان دليل العلم، قد أثبت وجود الله القادر الحكيم، فإنه بذلك يضع العالم كله أمام مسؤولية كبرى، فيما يتعلق بواجبه نحو هذا الإله، وحكمته من وجود الإنسان الذي كرّمه الله، وفيما يتعلق بواجبه نحو ما يترتب على استعمال نتائج البحوث العلمية التي وصلت إليها عبقرية العلماء، من عصر البخار والكهرباء حتى عصر الراديوم واليورانيوم، والكومبيوتر، وسفن الفضاء، في القرن العشرين ... فهي قد تُستعمل لخير الإنسان وعمران الحياة، أو لتحطيم، وتدمير الإنسان وتخريب الحياة. ومن هنا يجب على العالم الحديث والمعاصر أن يهتم بالنتائج التي تترتب على استعمال المعرفة العلمية، اهتمامه بالبحث العلمي نفسه. ومن هنا يصبح الإيمان بالله، باعثاً على معرفة حكمته، وعلى تقديسها واحترامها، فيكون العلم، مؤيداً للإيمان بالله ورسالة الإنسان، وعاملاً على كمال هذا الإنسان، وخيره وسعادته، في دنياه وأُخراه.   1- هذا البحث له أصوله في مذكرات كنت أدوّنها خلال دراساتي الأكاديمية العالية، وهي مستوحاة من بعض محاضرات في الفلسفة الإسلامية، كان يلقيها علينا من أربعين عاماً أستاذنا الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريدة أحد أعلام مدرسة شيخنا الجليل مصطفى عبد الرازق مؤسس ورائد المدرسة الفلسفية الإسلامية في الفكر الإسلامي المعاصر. 2- د/ علي سامي النشار: الفكر اليهودي وتأثره بالفلسفة الإسلامية المقدمة + المدخل 1 ـ 3 دار المعارف بالإسكندرية 1972م. 3- يوسف كرم: تاريخ الفلسفة الأوروبية في العصر الوسيط 32 ـ 33 القاهرة ـ دار المعارف 1965. 4- المرجع السابق 1/2. 5- المراجع السابقة 1 / 2. 6- ابن رشد: الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة تحقيق وتقديم الأستاذ الدكتور محمود قاسم مكتبة الأنجلو القاهرة 1964م. 7- الأشعري: (أبو الحسن) : مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ج1 ج2، اسطمبول 1920م. 8- المقدسي: البدء والتاريخ 1/50 ـ 62 بيروت 1960م. 9- نجم الدين الكبرى: فوائح الجمال وفواتح الجلال القاهرة 1920 م10 ـ 20 وانظر أيضاً الكلاباذي: التعرف لمذهب أهل التصوف 60 ـ 70 الحلبي: القاهرة 1964 وانظر أيضاً د/ عبد القادر محمود: الفلسفة الصوفية في الإسلام دار الفكر 1965 وانظر أيضاً د/ عبد القادر محمود: الفكر الإسلامي والفلسفات المعارضة في القديم والحديث 3 أجزاء جامعة الخرطوم لجنة التأليف والترجمة والنشر 1971 ـ 1973. 10- نجم الدين الكبرى: فوائح الجمال وفواتح الجلال القاهرة 1920 م10 ـ 20 وانظر أيضاً الكلاباذي: التعرف لمذهب أهل التصوف 60 ـ 70 الحلبي: القاهرة 1964 وانظر أيضاً د/ عبد القادر محمود: الفلسفة الصوفية في الإسلام دار الفكر 1965 وانظر أيضاً د/ عبد القادر محمود: الفكر الإسلامي والفلسفات المعارضة في القديم والحديث 3 أجزاء جامعة الخرطوم لجنة التأليف والترجمة والنشر 1971 ـ 1973. 11- د/ عبد الهادي أبو ريدة: إبراهيم بن سيار النظّام ـ ط2/ 1990 م القاهرة. 12- د/ عبد الهادي أبو ريدة: رسائل الكندي الفلسفية تحقيق وتقديم الدكتور أبو ريدة القاهرة 1950 م. 13- نفس المصدر. 14- نفس المصدر. 15- ابن رشد: فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، 1949م. 16- نفس المصدر. 17- نفس المصدر.