الكتاب: الكبائر المؤلف: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي (المتوفى: 1206هـ) المحقق: باسم فيصل الجوابرة الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية الطبعة: الثانية، 1420هـ عدد الصفحات: 226 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- الكبائر لمحمد بن عبد الوهاب ت الجوابرة محمد بن عبد الوهاب الكتاب: الكبائر المؤلف: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي (المتوفى: 1206هـ) المحقق: باسم فيصل الجوابرة الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية الطبعة: الثانية، 1420هـ عدد الصفحات: 226 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] [ مقدمة ] الكبائر بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. فهذا كتاب الكبائر للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ذكر فيه جملة كبيرة من الكبائر معتمدا في ذلك على كلام الله سبحانه وتعالى وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يذكر عنوان الباب ثم يبدأ بقول الله سبحانه وتعالى ثم يذكر حديثا أو أكثر في الاستدلال على أن هذا الفعل كبيرة وربما يذكر بعض أقوال السلف في ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 وقد سلكت في تحقيق هذا الكتاب الخطوات التالية: 1 - اعتمدت في التحقيق على النسخة المطبوعة التي قام بها فضيلة الشيخ إسماعيل الأنصاري وفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ بمقابلتها على مخطوطاتها، وقد اعتمدا على ثلاث نسخ فجزاهما الله خيرا. 2 - عزوت الآيات إلى مواضعها من السور بذكر اسم السورة ورقم الآية. 3 - خرجت الأحاديث التي وردت في الكتاب تخريجا موسعا ثم رأيت أن أقتصر في الأحاديث التي خرجها الإمام البخاري أو مسلم بالاقتصار عليهما، أما إن كان الحديث في غير الصحيحين فأتوسع في التخريج. 4 - ذكرت درجة كل حديث من الصحة والضعف والحسن إن كان الحديث خارج الصحيحين، فإذا كان في الصحيحين أو أحدهما لا أذكر الحكم عليه، لأن وجود الحديث في أحدهما هو حكم بصحته. 5 - شرحت معظم الأحاديث التي وردت في الكتاب معتمدا في ذلك على كتب الأئمة السابقين والعلماء المعروفين فكل تعليق أو شرح للأحاديث هو من أقوال الأئمة، ولا يوجد لي عمل في ذلك إلا النقل فقط، وكثيرا لم أعز القول إلى قائله طلبا للاختصار. 6 - رقمت الأحاديث ترقيما تسلسليا. 7 - رقمت الأبواب ترقيما تسلسليا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 8 - كتبت ترجمة مختصرة للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. وأسأل الله العلي القدير أن يكون عملي خالصا لوجهه الكريم، وأن يتقبل مني هذا العمل ويجعله في ميزان عملي، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وكتبه باسم بن فيصل الجوابرة أستاذ الحديث بكلية أصول الدين الرياض في 17 / 4 / 1416هـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 [ ترجمة موجزة عن المؤلف ] اسمه ونسبه ومولده ونشأته: هو محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد التميمي. وُلِدَ سنة 1115هـ الموافقة سنة 1703م في بلدة العُيَيْنة الواقعة شمال الرياض، ونشأ في حِجْر أبيه في تلك البلدة. وقد ظهرت عليه علامات النجابة والفطنة في صغره؛ فقد حفظ القرآن الكريم قبل بلوغ العاشرة، وبلغ الاحتلام قبل إتمام الاثنتي عشرة سنة، قال أبوه: رأيته أهلا للصلاة بالجماعة، وزوَّجْتُه في ذلك العام. طلبه للعلم: درس على والده الفقه الحنبلي والتفسير والحديث، وكان في صغره مُكِبًّا على كتب التفسير والحديث والعقائد، وكان كثير الاعتناء والمطالعة بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم. رحلاته: رحل إلى مكة قاصدا حج بيت الله الحرام، ثم زار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتقى هناك بعلماء المدينة النبوية، واستفاد منهم، ثم رحل إلى البصرة فأقام فيها مدة درس العلم فيها على جماعة من العلماء، ثم رحل إلى نجد مرورا بالأحساء، وفي رحلته الطويلة هذه رأى الشيخ بثاقب نظره ما بنجد والأقطار التي زارها من العقائد الضالة والعادات الفاسدة، فصمم على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 القيام بالدعوة إلى التوحيد ونبذ الخرافات والشركيات؛ فعندما زار المدينة كان يسمع الاستغاثات الشركية برسول الله صلى الله عليه وسلم من دون الله. وقد كانت نجد مرتعا للخرافات والعقائد الفاسدة التي تناقض أصول الدين الصحيحة، فقد كان فيها بعض القبور التي تنسب إلى بعض الصحابة؛ يحج الناس إليها، ويطلبون منها حاجاتهم، ويستغيثون بها لدفع كروبهم. وأغرب من ذلك توسلهم في بلدة منفوحة بفحل النخل واعتقادهم أن من تؤمه من العوانس تتزوج!! فكانت من تقصده تقول: " يا فحل الفحول أريد زوجا قبل الحول "!! . ورأى في الحجاز من تقديس قبور الصحابة وأهل البيت رضوان الله عليهم أجمعين، والرسول صلى الله عليه وسلم، ما لا ينبغي إلا مع رب الأرباب. كما رأى في البصرة - وسمع عن العراق والشام ومصر واليمن - من الوثنية الجاهلية ما لا يستسيغه العقل ولا يقره الشرع، ووازن تلك الأفكار المنكرة بميزان الوحيين؛ كتاب الله وسنة الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، وسيرة أصحابه المتقين؛ فرآها بعيدة عن منهج الدين وروحه، ورأى فاعليها لم يعرفوا لماذا بعث الله الرسل؟ ولماذا بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم للناس كافة؟ ورأى أنهم لم يعرفوا حالة الجاهلية وما كان فيها من الوثنية الممقوتة، رآهم غيروا وبدلوا أصول الدين وفروعه إلا القليل. بدء دعوة الشيخ الإصلاحية: بعد أن ثبت وتحقق لديه حالتهم السيئة في دينهم ودنياهم، وأيقن أنهم قد أدخلوا في أصول الإسلام العليا ما يأباه القرآن وتأباه السنة، قوى عقيدته بخطئهم وركونهم إلى البدع ما جاء في السنة بأن المسلمين لا بد أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 يغيروا، وأن يسلكوا مسالك الذين قبلهم كالحديث الصحيح (1) " «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه. .» ، وحديث «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ» (2) . حينئذ صمم الشيخ أن يعلن لقومه بأنهم قد ضلوا الطريق السوي وزاغوا عن منهج الصواب. وقد ابتدأ الشيخ رحمه الله دعوته، يبين لهم أن لا يدعى إلا الله، ولا يذبح ولا ينذر إلا له. ومن عقيدتهم في تلك القبور والأحجار والأشجار الاستغاثة بها وصرف النذور إليها، واعتقاد النفع والضر، فبين أن ذلك كله ضلال وزور، وبأنهم في حالة لا ترضي الله، فلا بد من نبذ ذلك ورده. عزز كلامه بالآيات من كتاب الله، وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وسير أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين. عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه: عقيدة الشيخ هي كعقيدة السلف الصالح، وهي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون والأئمة المهتدون؛ كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وسفيان الثوري وسفيان بن عُيَيْنة وابن المبارك والبخاري ومسلم وأبي داود وسائر أهل " السنن " وأمثالهم ممن تبعهم من أهل الفقه والأثر كالأشعري وابن خزيمة وتقي الدين بن تيمية وابن القيم والذهبي - وغيرهم - رحمهم الله تعالى جميعا.   (1) رواه البخاري (3456) ومسلم (2669) عن أبي سعيد الخدري. (2) رواه مسلم (145) عن أبي هريرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 نقول من رسائله وعقائده: فمن تلك الرسائل ما كتبه لأهل القصيم: قال رحمه الله بعد البسملة: " أشهد الله ومن حضرني من الملائكة، وأشهدكم أني أعتقد ما يعتقده أهل السنة والجماعة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره. ومن الإيمان بالله؛ الإيمان بمن وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه، ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف ولا أمثل صفاته بصفات خلقه؛ لأنه تعالى لا سمي له ولا كيف ولا ند له، ولا يقاس بخلقه؛ فإنه سبحانه وتعالى أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلا، وأحسن حديثا، منزِّه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل، وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل، فقال تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ - وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فالفرقة الناجية وسط في باب أفعاله تعالى بين القدرية والجبرية، وهم وسط في باب وعيد الله، بين المرجئة والوعيدية. وهم وسط في باب الإيمان والدين، بين الحرورية والمعتزلة، وبين المرجئة والجهمية. وهم وسط في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض والخوارج. وأعتقد أن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وأنه تكلم به حقيقة، وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عبده، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وأومن بأن الله فعال لما يريد، ولا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج عن مشيئته شيء، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر المحدود، ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور. وأعتقد بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت. وأومن بفتنة القبر ونعيمه، وبإعادة الأرواح إلى الأجساد، فيقوم الناس لرب العالمين، حفاة، عراة، غرلا، تدنو منهم الشمس، وتنصب الموازين، وتوزن بها أعمال العباد: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} وتنشر الدواوين، فآخذٌ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله. ولا ينكر شفاعة النبي إلا أهل البدع والضلال، ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضى؛ كما قال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} وقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} وقال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد، ولا يأذن إلا لأهله. وأما المشركون فليس لهم في الشفاعة نصيب كما قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} وأومن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما اليوم موجودتان، وأنهما لا تفنيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته. وأومن بأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته. وأفضل أمته أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضى، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل الشجرة - أهل بيعة الرضوان - ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم. وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأذكر محاسنهم وأستغفر لهم وأكف عن مساوئهم، وأسكت عما شجر بينهم، وأعتقد فضلهم، عملا بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء. وأقر بكرامات الأولياء إلا أنهم لا يستحقون من حق الله شيئا (1) . ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني أرجو للمحسن، وأخاف على المسيء. ولا أكفر أحدا من المسلمين بذنبه، ولا أخرجه من دائرة الإسلام. وأرى الجهاد ماضيا مع كل إمام برا كان أم فاجرا، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة. والجهاد ماضٍ منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال؛ لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل.   (1) كالاستغاثة والنذر والمدد والاستعانة والذبح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين؛ برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله. ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به أو غلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته وحرم الخروج عليه. وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر وأكل سرائرهم إلى الله. وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة. وأعتقد أن الإيمان قول باللسان، وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان؛ يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهو بضع وسبعون شعبة؛ أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق. وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توحيه الشريعة المحمدية الطاهرة. فهذه عقيدة وجيزة حررتها وأنا مشتغل البال لتطلعوا على ما عندي. والله على ما نقول وكيل ". قلت: فهذه عقيدة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في هذه الرسالة نقلتها بكاملها؛ لأنها عقيدة أهل السنة والجماعة دون نقص أو زيادة، وفيها من الفوائد العظيمة الشيء الكثير. ويجب على كل مسلم أن يعتقد هذه العقيدة، ومن لم يعتقد هذا المعتقد الصحيح السليم فهو ليس من أهل السنة والجماعة، بل نخشى عليه من الضلال والزيغ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 الأسباب والدوافع التي أدت إلى عداء ومناهضة دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب السلفية الإصلاحية: 1 - لعل من أبرز الأسباب التي أدت إلى تشنيع الخصوم على الشيخ محمد بن عبد الوهاب أثناء ظهور الدعوة السلفية - تأليفا وواقعا - هو ما كان عليه أولئك الخصوم وكثير من المنتسبين إلى الإسلام من الضلال والغي، والبعد عن الصراط المستقيم. ولقد وصل حال كثير من المسلمين - قبيل ظهور دعوة الشيخ الإمام - إلى أحط الدركات في الضلال وفساد الاعتقاد؛ حيث عم الجهل وطغى، فعبد غالب المسلمين ربهم بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير، فظهرت البدع والشركيات بمختلف أنواعها، وصارت هذه الأمور الشركية والمحدثات البدعية من العوائد والمألوفات التي هرم عليها الكبير وشب عليها الصغير، فانعكست الموازين وانقلبت الحقائق وأصبح الحق باطلا والباطل حقا. 2 - وهناك سبب ثان لهذا التحامل والمعاداة للدعوة السلفية؛ وهو ما ألصق بهذه الدعوة ومجددها وأنصارها من التهم الباطلة والأكاذيب والمفتريات، فقد أصاب هذه الدعوة منذ بدء ظهورها حملة مكثفة شنيعة عمت البلاد والعباد، فلقد ألصق بعض أدعياء العلم في هذه الدعوة السلفية ما ليس منها! فزعموا أنها مذهب خامس! وأنهم خوارج يستحلون دماء وأموال المسلمين! وأن صاحبها يدعي النبوة وينتقد الرسول صلى الله عليه وسلم!!! إلى آخر تلك المفتريات. ومما يؤسف له أن الكثير من العوام يتلقف هذا الإفك والبهتان عن أولئك المفترين والوضاعين دون أدنى تثبت أو تَحَرٍّ في النقل، بل عمدته في ذلك مجرد التقليد الأعمى! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 ومما يجدر ذكره - هاهنا - أن بعض الخصوم قد استغل ما وقع فيه شرذمة من الأعراب المتحمسين، - وفي فترة محدودة - ممن تابع هذه الدعوة من التشدد والجفاء، فحكموا بغيا وعدوانا على جميع أتباع هذه الدعوة، وعلى مر الأزمان بهذا الحكم الجائر، فرموهم أيضا بالتشدد والجفاء. 3 - وسبب ثالث أدى إلى عداء الدعوة السلفية هو النزعات السياسية والحروب التي قامت بين أتباع هذه الدعوة وبين الأتراك من جهة، وبين أتباع هذه الدعوة وأمراء الحجاز (!) من جهة أخرى. يقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: إن سبب قذف الوهابية بالابتداع والكفر: سياسي محض كان لتنفير المسلمين منهم لاستيلائهم على الحجاز، وخوف الترك من أن يقيموا دولة عربية، ولذلك كان الناس يهيجون عليهم تبعا لسخط الدولة، ويسكتون عنهم إذا سكنت ريح السياسة. ويوضح الشيخ محمد رشيد رضا آثار العداء السياسي بين بعض كبار أهل مكة وساستها وأنصار هذه الدعوة، فكان مما أشار إليه أن هؤلاء قد أصدروا عدة منشورات في جريدة القبلة سنة 1336 هـ وسنة 1337 هـ، تضمنت رَمْي الوهابيين بالكفر وقذفهم بتكفير أهل السنة والطعن بالرسول وغير ذلك من الأكاذيب والافتراءات. وكان بعض أهل دمشق وبيروت يتقربون إلى هؤلاء الكبار - وهم من العلمانيين والقوميين - بطبع الرسائل في تكفيرهم ورميهم بالأكاذيب - ثم سرى ذلك إلى مصر، وظهر له أثر في بعض الجرائد. 4 - وهناك سبب رابع أدى إلى تراكم المؤلفات المعادية للدعوة السلفية؛ وهو دفاع هؤلاء الخصوم - وبالأخص الصوفية والرافضة - عن معتقداتهم الفاسدة وآرائهم الباطلة؛ فإنه لما غلب على حال كثير من المسلمين ظهور الشركيات، وانتشار البدع، واستفحال الخرافات، والغلو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 في الأموات، والاستغاثة بهم، وظهور تشييد المشاهد، وإقامة المزارات على القبور، وزخرفتها وتزيينها وصرف الأموال الطائلة عليها: قامت ضد ذلك كله دعوة الشيخ رحمه الله. ولقد وجد هؤلاء المتصوفة في هذه الواقع مرتعا خصبا لبث سمومهم العقدية، فلما بدت أنوار هذه الدعوة تكشف غياهب الظلام، وتزيل أدران الشرك ونجاسته، وتدعو الناس إلى تحقيق التوحيد بصفائه ونقائه أدرك الخصوم أن ظهور هذه الدعوة السلفية نذير بزوال عقائدهم الباطلة، فحشد أولئك الخصوم قواهم، وانبروا في التشنيع بهذه الدعوة وأنصارها، وهم أثناء تشنيعهم يذكرون معتقدهم الصوفي أو الرافضي وغيرهما ويزينونه للناس ويزعمون أنه الحق! . فنجد هؤلاء الصوفية أثناء ردهم على الدعوة السلفية يتبجحون بصوفيتهم، ويفتخرون بانتسابهم إلى الطرق الصوفية. ويدافعون عن التصوف وأدعيائه. والرافضة أثناء مناهضتهم للدعوة السلفية يدافعون بكل ما عرف عنهم من كذب وقلب للحقائق عن معتقدهم. ونوضح ذلك بما حدث منهم لما كتب علماء المدينة النبوية سنة 1344 هـ الفتوى حول تحريم البناء على القبور واتخاذها مساجد، وأجابوا بالحق الذي تعضده الأدلة، فلما ظهرت هذه الفتوى وتم العمل بموجبها وأزيلت القباب والأبنية على القبور، عندئذ قام علماء الرافضة وضجوا وسودوا الصحائف والأوراق في الطعن على هذه الفتوى، والنعي للمسلمين على زوال تلك القباب والمزارات!! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 هذه بعض الأسباب الظاهرة لشدة عداوة الخصوم للدعوة السلفية - أيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبعد موته - رحمه الله. وكثرة المؤلفات المناوئة لهذه الدعوة الصادقة الحقة. تسمية الدعوة بالوهابية: أما بالنسبة إلى كلمة الوهابية؛ فإن الكثير من الخصوم أطلقوا هذا اللقب على أتباع الدعوة السلفية ويريدون بذلك توهيم الناس أن الوهابية مذهب جديد أو مستقل عن سائر المذاهب الإسلامية، لذا؛ فإن الأصل التحاشي من هذا اللقب، واجتناب ذكره. ومن معاملة الله لهم - أي: خصوم الدعوة - بنقيض قصدهم: أنهم قصدوا بلقب الوهابية ذمهم، وأنهم مبتدعة، ولا يحبون الرسول صلى الله عليه وسلم كما زعموا! فلقد صار هذا اللقب الآن - بحمد الله - علما على كل من يدعو إلى الكتاب والسنة، وإلى الأخذ بالدليل وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة البدع والخرافات والتمسك بمنهج السلف الصالح رضي الله عنهم. مفتريات ألصقت بدعوة الشيخ مع الدحض لها: ولقد ألصقت بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه مفتريات كثيرة، وصدقها كثير من الناس، حتى شوهت هذه الدعوة المباركة فأصبح معنى الوهابي عند الناس الجهلة أنه يكره رسول الله صلى الله عليه وسلم!! وأنه مذهب خامس!! وأنه ينكر كرامات الأولياء!! وأنه يكفر المسلمين ويستبيح دماءهم وغير ذلك من المفتريات. وسأورد هاهنا عددا منها مع الرد عليه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 الفرية الأولى: الافتراء على الشيخ بأنه ينتقص الرسول صلى الله عليه وسلم أو يكرهه! أو لا يحب الصلاة عليه!! . قلت: إن الكتب التي بين أيدينا من مؤلفات هذا العالم تثبت أن هذا افتراء مبين على الشيخ، بل هو من أكثر الناس في عصره تعظيما وحبا وإجلالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول الشيخ في أحد كتبه التي أرسلها إلى عبد الرحمن السويدي - أحد علماء العراق - مجيبا عن هذه الافتراءات. " يا عجبا كيف يدخل هذا عقل عاقل؟ هل يقول هذا مسلم أو كافر أو عارف أو مجنون؟ ". ومما كتبه ابن الشيخ عبد الله ذاكرا هذه المفتريات ثم معقبا عليها: " ومن شاهد حالنا وحضر مجالسنا وتحقق معنا علم قطعا أن جميع ذلك وضعه وافتراه علينا أعداء الدين وإخوان الشياطين؛ تنفيرا للناس على الإذعان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة وترك أنواع الشرك ". ثم قال: " والذي نعتقده أن مرتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعلى مراتب المخلوقين على الإطلاق، وأنه حي في قبره حياة برزخية أبلغ من حياة الشهداء المنصوص عليها في التنزيل، إذا هو أفضل منه بلا ريب، وأنه يسمع سلام المسلم عليه. وتسن زيارته إلا أنه لا يشد الرحل إلا لزيارة المسجد والصلاة فيه وإذا قصد مع ذلك فلا بأس، ومن أنفق أوقاته بالاشتغال بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم الواردة عنه فقد فاز بسعادة الدارين. قلت: هذه عقيدة الشيخ وأتباعه في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم، وكل من يقول غير ذلك فهو كاذب مفتر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 الفرية الثانية: فرية إنكار كرامات الأولياء! ومن الافتراءات التي ألصقت بالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أنه ينكر كرامات الأولياء. قلت: إن الشيخ رحمه الله لا ينكر كرامات الأولياء كما زعموا، بل يثبت هذه الكرامات بشرط أن يكون وليا حقيقيا صحيحا - والولي هو المتبع للكتاب والسنة - مبتعدا عن البدع الخرافات، والشرط الثاني أن كرامة الأولياء هي في حياتهم وليس بعد مماتهم، وأن الميت يحتاج بعد موته إلى دعاء الأحياء، وليس العكس. وهذه العقيدة في الأولياء هي عقيدة أهل السنة والجماعة، ولم يخالفهم الشيخ في ذلك. يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أحد كتبه في إثبات كرامات الأولياء: " وأقر بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئا، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله ". ويقول أيضا: " والواجب علينا حبهم واتباعهم والإقرار بكرامتهم، ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال ودين الله وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالين، وحق بين باطلين ". ويؤكد أتباع الدعوة من بعد الشيخ محمد بن عبد الوهاب هذا الاعتقاد ويقرونه: يقول أحد أتباع الشيخ رحمه الله: وكذلك حق أوليائه محبتهم والترضي عنهم والإيمان بكرامتهم لا دعاؤهم ليجلبوا لمن دعاهم خيرا لا يقدر على جلبه إلا الله تعالى، أو ليدفعوا عنهم سوءا لا يقدر على دفعه إلا هو عز وجل؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 فإن ذلك عبادة مختصة بجلاله تعالى وتقدس، هذا إذا تحققت الولاية أو رجيت لشخص معين، كظهور اتباع سنة وعمل بتقوى في جميع أحواله، وإلا فقد صار الولي في هذا الزمان من أطال سبحته، ووسع كمه، وأسبل إزاره، ومد يده للتقبيل ولبس شكلا مخصوصا، وجمع الطبول والبيارق وأكل أموال عباد الله ظلما وادعاء، ورغب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وأحكام شرعه!! ". ويقول ابن الشيخ محمد - واسمه عبد الله -: " ولا ننكر كرامات الأولياء، ونعترف لهم بالحق، وأنهم على هدى من ربهم ما ساروا على الطريقة الشرعية والقوانين المرعية، إلا أنهم لا يستحقون شيئا من أنواع العبادات لا حال الحياة ولا بعد ممات، بل يطلب من أحدهم الدعاء في حال حياته، بل ومن كل مسلم ". هذه نصوص من كلام الشيخ وأتباعه تثبت أن الشيخ يقر بكرامات الأولياء، ولا ينكرها، ولكنه - رحمه الله - ينكر الاستغاثة بهم وطلب الحاجة منهم وصرف العبادة لهم من دون الله سبحانه وتعالى. وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة ولم يخالفهم الشيخ في ذلك. الفرية الثالثة: إن من أشد الشبهات التي أثيرت على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله شبهة تكفير المسلمين، واستحلال دمائهم وجواز قتالهم! لقد بلغت هذه الفرية الخاطئة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فتعددت ردوده وأجوبته عليها، لأن فرية تكفير المسلمين واستباحة دمائهم قد شاعت وذاعت في غالب بلاد المسلمين وانتشرت انتشار النار في الهشيم، فقد حرص الشيخ رحمه الله على تأكيد هذه الردود، وإعلان براءته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 ما ألحق به، فأرسل هذه الردود إلى مختلف البلاد: فقال في إحدى رسائله: " وأما ما ذكره الأعداء من أني أكفر بالظن وبالموالاة أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة فهذا بهتان عظيم يريدون تنفير الناس عن دين الله ورسوله ". ويقول في رسالة أخرى ردا على بعض المفترين: " وكذلك تمويهه على الطغام بأن ابن عبد الوهاب يقول: الذي ما يدخل تحت طاعتي كافر. نقول: سبحانك هذا بهتان عظيم! بل نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن من عمل بالتوحيد وتبرأ من الشرك وأهله فهو المسلم في أي زمان وأي مكان، وإنما نكفر من أشرك بالله في ألوهيته بعد ما تبين له الحجة على بطلان الشرك ". يقول أحد تلاميذ الشيخ رحمة الله عليه: " والشيخ محمد رحمه الله من أعظم الناس توقفا وإحجاما على إطلاق الكفر حتى إنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور أو غيرهم إذا لم يتيسر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر مرتكبها ". ويقول أيضا في مكان آخر عن معتقد الشيخ في مسألة التكفير: ". . . فإنه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله من الشرك الأكبر، والكفر بآيات الله ورسوله، أو بشيء منها بعد قيام الحجة وبلوغها المعتبر، كتكفير من عبد الصالحين ودعاهم مع الله، وجعلهم أندادا فيما يستحقه على خلقه من العبادات والإلهية ". ويقول أيضا: " كل عاقل يعرف سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يعلم أنه من أعظم الناس إجلالا للعلم والعلماء، ومن أشد لناس نهيا عن تكفيرهم وتنقيصهم وأذيتهم وأذيتهم، بل هو ممن يدينون بتوقيرهم وإكرامهم والذب عنهم، والأمر بسلوك سبيلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 والشيخ رحمه الله لم يكفر إلا من كفره الله ورسوله، وأجمعت الأمة على كفره، كمن اتخذ الآلهة والأنداد لرب العالمين ". هذه بعض النقول عن الشيخ وأتباعه في مسالة تكفير المسلمين. ويظهر من هذه النقول الجلية براءة الشيخ وكذا أتباعه وأنصار دعوته من مفتريات وأكاذيب الخصوم في مسألة التكفير. ومن طالع كتبهم وقرأ رسائلهم تبين لهم صحة معتقدهم وسلامة فهمهم لمسألة التكفير، وأن اعتقادهم فيها هو عين اعتقاد السلف الصالح. وفاته - رحمه الله -: وبعد حياة مليئة بالعلم، والجهاد، والدعوة إلى الله سبحانه، توفي الشيخ - رحمه الله - في بلدة الدرعية سنة (1206 هـ) . نسأل الله له الرحمة والرضوان، وأن يجمعنا وإياه في غرف الجنان، برحمة ربنا العظيم المنان (1) .   (1) أخذت هذه المقدمة باختصار من كتاب " الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه " بقلم الشيخ أحمد بن حجر آل أبو طامي. وكتاب " دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقد " للشيخ عبد العزيز آل عبد اللطيف فجزاهما الله خير الجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 [ كتاب الكبائر ] [ باب أكبر الكبائر ] بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين كتاب الكبائر وقول الله تعالى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} الآية [سورة النساء، الآية: 31] . وقوله تعالى {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} الآية [سورة النجم، الآية: 32] . روى ابن جرير (1) . عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو لعنة أو غضب أو عذاب. وله (2) . عنه قال: هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى السبع، غير أنه لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار. ولعبد الرزاق عنه، هي إلى سبعين أقرب منها إلى سبع.   (1) تفسير الطبري 4 / 41. (2) المصدر نفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 " 1 " باب أكبر الكبائر 1 - في الصحيحين عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؛ قلنا بلى يا رسول الله قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال - ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور " فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت» .   (1) رواه البخاري كتاب الشهادات 5 / 261 رقم 2654، وكتاب الأدب 10 / 405 رقم 5976 وكتاب الاستئذان 11 / 66 رقم 6273، 6274 ورقم 9919. ومسلم كتاب الإيمان 1 / 91، رقم 87. الشرك هو جعل شريك لله سبحانه وتعالى في ربوبيته وإلهيته والغالب الإشراك في الألوهية بأن يدعو مع الله غيره أو يصرف له شيئا من أنواع العبادة كالذبح لغير الله أو النذر أو الخوف أو الدعاء، والشرك نوعان: الأول: شرك أكبر يخرج من الإسلام يخلد صاحبه في النار إذا مات ولم يتب منه، وهو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كدعاء غير الله والتقرب بالذبح والنذر لغير الله من القبور والجن والخوف من الموتى أو الجن أن يضروه أو يمرضوه - ورجاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من قضاء الحاجات وتفريج الكربات مما يفعل الآن حول قبور الصالحين وغيرهم وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} والنوع الثاني: شرك أصغر لا يخرج من الإسلام لكنه ينقص التوحيد وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر وهو قسمان: القسم الأول شرك ظاهر وهو ألفاظ وأفعال فالألفاظ كالحلف بغير الله قال صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» صحيح رواه أبو داود وغيره ونحو قوله " ما شاء الله وشئت "، قال صلى الله عليه وسلم «لما قال له رجل: ما شاء الله وشئت فقال صلى الله عليه وسلم: " أجعلتني لله ندا قل ما شاء الله وحده» ونحو قوله: لولا الله وفلان، والصواب أن يقول: لولا الله ثم فلان، وما شاء الله ثم فلان. وأما الأفعال مثل لبس الحلقة والخيط لرفع البلاء أو دفعه، ومثل تعليق التمائم خوفا من العين وغيرها، هذا إذا اعتقد أن هذه أسباب لرفع البلاء أو دفعه فهذا شرك أصغر لأن الله لم يجعل هذه أسباب، وأما إن اعتقد أنها تدفع أو ترفع البلاء بنفسها فهذا شرك أكبر لأنه تعلق بغير الله. القسم الثاني من الشرك الأصغر: شرك خفي وهو الشرك في الإرادات والنيات كالرياء والسمعة كأن يعمل عملا مما يتقرب به إلى الله تعالى يريد به ثناء الناس عليه كأن يحسن صلاته أو يتصدق لأجل أن يمدح ويثنى عليه، والرياء إذا خالط العمل أبطله قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ قال: " الرياء» صحيح رواه أحمد وغيره.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 [ باب كبائر القلب ] " 2 " باب كبائر القلب 2 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» رواه مسلم.   (2) صحيح مسلم كتاب البر والصلة 4 / 1987 رقم 2564 وأحمد 3 / 539 وابن حبان في صحيحه 2 / 219 رقم 394. أي إن الله لا يجازيكم على صوركم وأجسادكم ولا على أموالكم الخالية من الخيرات أي لا يثيبكم عليها ولا يقربكم منه سبحانه، وإنما ينظر إلى قلوبكم التي هي محل التقوى. والجمال قسمان: ظاهري وباطني كجمال علم وعقل وكرم وهذا محل نظر الله وموضع محبته فيرى صاحب الجمال الباطن فيكسوه من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتسبت روحه من تلك الصفات فإن المؤمن يعطى حلاوة ومهابة بحسب إيمانه فمن رآه هابه ومن خالطه أحبه وإن كان أسود مشوها وهذا أمر مشهود بالعباد. قال الغزالي رحمه الله: قد أبان هذا الحديث أن محل القلب موضع نظر الرب فيا عجبا ممن يهتم بوجهه، الذي هو نظر الخلق فيغسله وينظفه من القذر والدنس، ويزينه بما أمكن، لئلا يطلع فيه مخلوق على عيب، ولا يهتم بقلبه الذي هو محل نظر الخالق، فيطهره ويزينه، لئلا يطلع ربه على دنس أو غيره.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 3 - وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - مرفوعا «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» .   (3) رواه البخاري كتاب الإيمان 1 / 126 رقم 52 والبيوع 4 / 290 رقم 2051 ومسلم المساقاة 3 / 1219 رقم 1599 وغيرهما من حديث طويل مشهور أوله الحلال بين والحرام بين. . . الحديث. الحديث فيه إشارة إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه، واجتنابه للمحرمات، واتقاءه للشبهات بحسب صلاح قلبه. فإن كان قلبه سليما ليس فيه إلا محبة الله، ومحبة ما يحبه الله، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه، صلحت حركات الجوارح كلها، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات كلها، وتوقي الشبهات حذرا من الوقوع في المحرمات. وإن كان القلب فاسدا، قد استولى عليه اتباع هواه، وطلب ما يحبه ولو كرهه الله، فسدت حركات الجوارح كلها، وانبعثت إلى كل المعاصي والمشتبهات، بحسب اتباع هوى القلب. ولهذا يقال القلب ملك الأعضاء، وبقية الأعضاء جنوده، وهم مع هذا جنود طائعون له منبعثون في طاعته وتنفيذ أوامره، ولا ينفع عند الله إلا القلب السليم كما قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ - إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: «أسألك قلبا سليما» رواه الترمذي وغيره وهو حسن. فالقلب السليم، هو السالم من الآفات والمكروهات كلها، وهو القلب الذي ليس فيه سوى محبة الله، وما يحبه الله، وخشية الله، وخشية ما يباعد منه.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 [ باب ذكر الكبر ] " 3 " باب ذكر الكبر وقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} وقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} وقول الله تعالى: {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} 4 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: - «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل: يا رسول الله إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا قال: إن الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق وغمط الناس» رواه مسلم.   (4) رواه مسلم كتاب الإيمان 1 / 93 رقم 91. الكبر: بكسر الكاف وهي الحالة التي يختص بها الإنسان من إعجابه بنفسه وذلك أن يرى نفسه أكبر من غيره، وأعظم ذلك أن يتكبر على ربه بأن يمتنع من قبول الحق والإذعان له بالتوحيد والطاعة، والتكبر يأتي على وجهين أحدهما: أن تكون الأفعال الحسنة زائدة على محاسن الغير ومن ثم وصف سبحانه نفسه بالمتكبر. والثاني: أن يكون متكلفا لذلك، متشبعا بما ليس فيه، وهو وصف عامة الناس نحو قوله سبحانه: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} أما معنى قوله: «الكبر بطر الحق» هو أن يجعل ما جعله الله حقا من توحيده وعبادته باطلا. وقيل هو أن يتجبر عند الحق فلا يراه حقا وقيل هو أن يتكبر عن الحق فلا يقبله. أما غمط الناس: الغمط الازدراء والاحتقار. واعلم أن الكبر من المهلكات ولا يخلو أحد من خلق عن شيء منه، وإزالته فرض عين، لا يزول بمجرد التمني بل بالمعالجة. قال الغزالي: ومن المعالجات لمرض الكبر أن يعرف نفسه، ويعرف ربه تعالى ويكفيه ذلك في إزالة الكبر، فإنه مهما عرف نفسه حق المعرفة علم أنه أذل من كل ذليل وأقل من كل قليل وأنه لا يليق به إلا التواضع والذلة والمهابة، وإذا عرف ربه علم أنه لا تليق العظمة والكبرياء إلا بالله. وأما معرفة نفسه فنذكر من ذلك ما ينفع في إثارة التواضع والمذلة ويكفيه أن يعرف معنى آية واحدة في كتاب الله قوله تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ - مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ - مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ - ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ - ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ - ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} فقد أشارت الآية إلى أول خلق الإنسان، وإلى آخره وإلى وسطه، فلينظر الإنسان إلى ذلك ليفهم معنى هذه الآية. أما أوله فهو لم يكن شيئا مذكورا، وقد كان في حيز العدم، ثم خلقه من أرذل الأشياء، ثم من أقذرها إذ قد خلقه من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة. . إلخ ثم أسمعه بعدما كان أصم، وبصره بعدما كان فاقدا للبصر، قواه بعد ضعف، وعلمه بعد الجهل وأغناه بعد الفقر، وأشبعه بعد الجوع، وكساه بعد العري، وهداه بعد الضلال، فانظر كيف دبره وصوره. وأما آخره ومورده، فهو الموت فيسلب منه روحه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته وحركته، فيعود جمادا كما كان أول مرة، ثم يوضع في التراب فيصير جيفة منتنة قذرة يهرب منه الحيوان، ويستقذره الإنسان، لشدة الإنتان ويأكل الدود أجزاءه فيصير روثا في أجواف الديدان، وبعد ذلك يكون متكبرا! اللهم غفرانك.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 5 - روى البخاري عن حارثة بن وهب رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عُتُلٍّ جواظ مستكبر» العتل الغليظ الجافي، والجواظ قيل المختال الضخم، وقيل القصير البطين، وبطر الحق: رده إذا أتاك، وغمط الناس احتقارهم وازدراؤهم. 6 - ولأحمد وصححه ابن حبان من حديث أبي سعيد رضي الله عنه رفعه «من تواضع لله درجة رفعه الله بها درجة حتى يجعله في أعلى عليين. ومن تكبر على الله درجة وضعه الله بها درجة حتى يجعله في أسفل سافلين» . 7 - وللطبراني عن ابن عمر - رضي الله عنهما - رفعه «إياكم والكبر فإن الكبر يكون في الرجل وإن عليه العباءة» رواته ثقات.   (5) رواه البخاري كتاب التفسير 8 / 622 رقم 4918 والأدب 10 / 489 رقم 6071 ومسلم كتاب صفة الجنة 4 / 2190 رقم 2853. العتل: شديد الخصومة، وقيل الجافي عن الموعظة، وقيل الفظ الشديد من كل شيء وقيل الفاحش الآثم. الجواظ: الكثير اللحم، المختال في مشيه، وقيل الأكول وقيل الفاجر. (6) رواه أحمد 3 / 76 وابن ماجه كتاب الزهد 2 / 1398 رقم 4176 وابن حبان 12 / 491 رقم 5678. كلهم من طريق عمر بن الحارث أن دراجا حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعد. قال البوصيري في الزوائد هذا إسناد ضعيف دراج بن سمعان أبو السمح وإن وثقه ابن معين وأخرج له ابن حبان في صحيحه فقد قال أبو داود وغيره حديثه مستقيم إلا ما كان عن أبي الهيثم، قال ابن عدي عامة أحاديث دراج مما لا يتابع عليه أ. هـ. قال الحافظ عنه صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعف. (7) رواه الطبراني في الأوسط كما في مجمع البحرين 8 / 189 رقم 4937 قال الهيثمي في مجمع الزوائد 10 / 226 رجاله ثقات. قلت في إسناده سويد بن عبد العزيز ضعيف. وأن عليه العباءة: أي من شدة الحاجة وضنك المعيشة وقلة الشيء ولا يمنعه رثاثة حاله عن النظر في عاقبته وحاله أن يتكبر.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 [ باب ذكر العجب ] " 4 " باب ذكر العجب وقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} روي عن ابن مسعود أنه قال: «الهلاك في اثنين - القنوط والعجب» . 8 - عن أبي بكرة «أن رجلا ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فأثنى عليه رجل خيرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ويحك قطعت عنق صاحبك " ردده مرارا ثم قال: " إن كان أحدكم مادحا لا محالة فليقل أحسبه كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك وحسيبه الله ولا أزكي على الله أحدا» رواه البخاري ومسلم.   (8) رواه البخاري كتاب الشهادات 5 / 274 رقم 2662 والأدب 10 / 476 رقم 6061، 6162 ومسلم الزهد 4 / 2296 رقم 3000 بنحوه. قال الحافظ: " قال ابن بطال: حاصل النهي أن من أفرط في مدح آخر، بما ليس فيه، لم يأمن على الممدوح العجب، لظنه أنه بتلك المنزلة، فربما ضيع العمل والازدياد في الخير اتكالا على ما وصف به. وللإعجاب أسباب، فمن أقوى أسبابه كثرة مديح المتقربين وإطراء المتملقين، الذين جعلوا النفاق عادة ومكسبا، فإذا وجدوه مقبولا في العقول الضعيفة أغروا أربابها باعتقاد كذبهم وجعلوا ذلك ذريعة إلى الاستهزاء بهم، قال بعض الحكماء من رضي أن يمدح بما ليس فيه فقد أمكن الساخر منه.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 ولأحمد (1) بسند جيد عن الحارث بن معاوية أنه قال لعمر - رضي الله عنه - إنهم كانوا يراودونني (2) . على القصص فقال: أخشى أن تقص فترتفع عليهم في نفسك ثم تقص فترتفع حتى يخيل إليك أنك فوقهم في منزلة الثريا، فيضعك الله عز وجل تحت أقدامهم يوم القيامة بقدر ذلك ". 9 - وللبيهقي عن أنس - رضي الله عنه - مرفوعا: «لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أشد من ذلك " العجب» .   (9) رواه البيهقي في شعب الإيمان 5 / 453 رقم 7255. ورواه البزار كما في كشف الأستار كتاب الزهد 4 / 244 رقم 3633 بنحوه قال الهيثمي 10 / 269 رواه البزار وإسناده جيد. قلت: في إسناده سلام بن أبي الصهباء، قال البخاري: منكر الحديث وضعفه يحيى بن معين وقال: أحمد حسن الحديث، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. . . اللسان 3 / 58..   (1) رواه أحمد في المسند 1 / 18. (2) جاء في المسند أنهم أرادوني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 [ باب ذكر الرياء والسمعة ] " 5 " باب ذكر الرياء والسمعة وقول الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} 10 - عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من سمَّع سمَّع الله به ومن يرائي يرائي الله به» أخرجاه. (قيل معنى من سمع سمع الله به أي فضحه يوم القيامة، ومعنى من   (10) رواه البخاري الرقائق 11 / 335 رقم 6499 والأحكام 13 / 128 رقم 7152 ومسلم الزهد 4 / 2289 رقم 2987. الرياء مشتق من الرؤية، والرياء أصله طلب المنزلة في قلوب الناس بإيرائه خصال الخير. والسمعة مشتقة من السماع، والمراد بها نحو ما في الرياء لكنها تتعلق بحاسة السمع والرياء بحاسة البصر. ومعناه أن من عمل عملا على غير إخلاص، وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه، جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه، وقيل من قصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس، ولم يرد به وجه الله فإن الله يجعله حديثا عند الناس، الذين أراد نيل المنزلة عندهم، ولا ثواب له في الآخرة. قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ - أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 يرائي: أي من أظهر العمل الصالح للناس ليعظم عندهم «يرائي به الله» قيل معناه إظهار سريرته للناس. 11 - ولهما عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» . 12 - ولمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا «إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة ثلاثة - رجل استشهد في سبيل الله فأتي به فعرفه نعمته فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال قاتلت في سبيلك حتى قتلت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال هو جريء فقيد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت ليقال هو عالم وقرأت ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه فأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أنه ينفق فيه إلا أنفقت فيه لك»   (11) رواه البخاري بدء الوحي 1 / 9 رقم 1 ورقم 54، 2529، 3898، 5070، 6689، 6953 ومسلم الإمارة 3 / 1515 رقم 1907. (12) رواه مسلم الإمارة 35 / 1513 رقم 1905.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 قال الله كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار - وللترمذي (1) فيه أن معاوية - رضي الله عنه - لما سمعه بكى وتلا قوله {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} الآية [هود: 15] .   (1) رواه الترمذي الزهد 4 / 510 رقم 2382 وابن حبان في صحيحه 2 / 135 رقم 408 وقال الترمذي حسن غريب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 [ باب الفرح ] " 6 " باب الفرح وقول الله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا} وقوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} الآية [الطور: 26] وقوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} الآية: [الأنعام: 44] . معنى الآية الأولى، أنه كان لا يفكر في العواقب مما أمامه، فأعقبه ذلك الفرح اليسير الحزن الطويل. أما معنى الآية الثانية، فجاءت في معرض الثناء على من يخاف الله ويخشاه، أي كنا في الدار الدنيا ونحن في أهلينا خائفين من ربنا، مشفقين من عذابه وعقابه، وبسبب ذلك تصدق الله علينا، وأجارنا مما نخاف، وهو عذاب السعير. أما الآية الثالثة: أي لما أعرضوا عنه وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم، فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون، وهذا استدراج منه تعالى وإملاء لهم، حتى إذا فرحوا بما أوتوا من الأموال، والأولاد، والأرزاق، أخذناهم على غفلة فإذا هم آيسون من كل خير.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 [ باب ذكر اليأس من روح الله والأمن من مكر الله ] " 7 " باب ذكر اليأس من روح الله والأمن من مكر الله وقول الله تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} وقوله تعالى: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} عن ابن مسعود رضي الله عنه قال «أكبر الكبائر الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله» . رواه عبد الرزاق (1) . 13 - وأخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - مرفوعا ولفظه «سئل ما الكبائر فقال: " الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، واليأس من روح الله.» (2) .   (13) أمر يعقوب عليه السلام بنيه أن يبحثوا عن يوسف وأمرهم أن لا ييأسوا من روح الله أي لا يقطع رجاءهم وأملهم من الله فيما يرومونه ويقصدونه، فإنه لا يقطع الرجاء ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. أما الآية الثانية: أفأمنوا مكر الله: أي بأسه ونقمته وقدرته عليهم، وأخذه إياهم في حال سهوهم وغفلتهم. قال الحسن البصري - رحمه الله - المؤمن يعمل بالطاعات، وهو مشفق وجل خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن..   (1) مصنف بعد الرزاق 10 / 260. (2) رواه البزار بنحوه كما في كشف الأستار 1 / 71 رقم 106 وقال الهيثمي 1 / 103 رجاله موثقون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 [ باب ذكر سوء الظن بالله ] " 8 " باب ذكر سوء الظن بالله وقول الله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} وقول الله تعالى: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} الآية: [فصلت: 23] ، وقوله تعالى {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} روي من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - «أكبر الكبائر سوء الظن بالله» رواه ابن مردويه ". 14 - وعن جابر - رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول قبل وفاته بثلاث: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله» أخرجاه وزاد ابن أبي الدنيا «فإن قوما أرداهم سوء ظنهم بالله فقال تبارك وتعالى {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} » [فصلت: 23] .   (14) رواه مسلم صفة الجنة 4 / 2205 رقم 2877 وأبو داود الجنائز 3 / 189 رقم 3113 وابن ماجه الزهد 2 / 1395 رقم 4167 وأحمد 3 / 325، 334، 390، 393 وابن حبان 2 / 403 رقم 636، 638 ولم أجده في صحيح البخاري. ومعنى حسن الظن بالله، بأن يظن أنه يرحمه ويعفوا عنه، أي عندما يكون في حالة الصحة يكون خائفا راجيا فإذا دنت آمارات الموت غلب عليه الرجاء لأن مقصود الخوف، الابتعاد عن المعاصي، الحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذر ذلك أو معظمه في هذا الحال، فاستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار إلى الله تعالى، والإذعان له ويؤيده الحديث الذي بعده. وقد أفاد الحديث التحذير من اليأس والقنوط، والحث على الرجاء، وخاصة عند دنو الأجل.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 15 - ولهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا قال الله تعالى: «أنا عند ظن عبدي بي» زاد أحمد (1) . وابن حبان «إن ظن بي خيرا فله وإن ظن بي شرا فله» .   (15) رواه البخاري التوحيد 13 / 466 رقم 7505 ومسلم الذكر 4 / 2067 رقم 2675. ورواه البخاري 13 / 384 رقم 7405 ومسلم التوبة 4 / 2102 رقم 2675 والذكر 4 / 2061 رقم 2675 مطولا. ومعناه أنا أعامله على حسن ظنه بي، وأفعل به ما يتوقعه مني من خير أو شر، والمراد الحث على تغليب الرجاء على الخوف، وحسن الظن بالله. قال القرطبي قيل معنى ظن عبدي بي، أي ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها تمسكا بصادق وعده، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة» ولذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه، موقنا بأن الله يقبله ويغفر له، لأنه وعد بذلك، وهو لا يخلف الميعاد، فإن اعتقد أو ظن أن الله لا يقبلها، وأنها لا تنفعه فهذا هو اليأس من رحمة الله، وهو من الكبائر، ومن مات على ذلك وُكل إلى ما ظن فإن كان خيرا فخير وإن ظن غير ذلك فله..   (1) رواه أحمد في المسند 2 / 391 وابن حبان في صحيحه 2 / 405 رقم 639. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 [ باب ذكر إرادة العلو والفساد ] " 9 " باب ذكر إرادة العلو والفساد وقول الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} 16 - عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» أخرجاه. 17 - وعن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به.»   (16) رواه البخاري الإيمان 1 / 56 رقم 13 ومسلم الإيمان 1 / 67 رقم 45. معنى لا يؤمن: أي إيمانا كاملا، والمحبة إرادة ما تعتقده خيرا. قال النووي المحبة الميل إلى ما يوافق المحب، والمراد هنا الميل الاختياري دون القهري ومن ذلك أيضا أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه من السوء ولم يذكره لأن حبه الشيء مستلزم بغض نقيضه وذلك ليكون المؤمنون كنفس واحدة، ومن زعم أن هذا من الصعب الممتنع غفل عن المعنى، والمراد هو أن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها، وعماد ذلك وأساسه السلامة من الأدواء القلبية كالحسد. . (17) رواه ابن أبي عاصم في السنة 1 / 12 رقم 15 والخطيب في تاريخ بغداد 4 / 369 والبغوي في شرح السنة 1 / 212. وفي إسناده نعيم بن حماد وهو ضعيف، والانقطاع ما بين عقبة بن أوس وعبد الله بن عمرو. وهناك أحاديث صحيحة في معنى هذا الحديث وهو «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» ، رواه أحمد والنسائي وغيرهما. ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم إرادة طاعته وترك مخالفته، وهو من واجبات الإسلام. والحديث من جوامع الكلم لأنه جمع فيه أصناف المحبة الثلاث محبة الإجلال وهي محبة الأصل، ومحبة الشفقة، وهي محبة الولد، ومحبة المجانسة وهي محبة الناس أجمعين.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 [ باب العداوة والبغضاء ] " 10 " باب العداوة والبغضاء وقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية: [النساء: 59] وقال الله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ} الآية: [الممتحنة: 4] . [ باب الفحش ] " 11 " باب الفحش وقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقوله تعالى: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} الآية: [التوبة: 91] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 [ باب ذكر مودة أعداء الله ] " 12 " باب ذكر مودة أعداء الله وقول الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ} الآية [المجادلة: 22] . وقوله: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} وقوله: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} الآية: [هود: 113] . وقال أبو العالية: لا ترضوا بأعمالهم. وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - لا تميلوا إليهم كل الميل في المحبة ولين الكلام والمودة. 18 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المرء مع من أحب» أخرجاه.   (18) رواه البخاري الأدب 10 / 557 رقم 6168، 6169 ومسلم البر والصلة 4 / 2034 رقم 2640. ومعناه أنه يحشر مع محبوبه يكون رفيقا لمطلوبه، وظاهر الحديث العموم الشامل للصالح والطالح، فمن أحب الصالحين حشر معهم، ومن أحب الطالحين حشر معهم، ويؤيده حديث «المرء على دين خليله» ففيه ترغيب وترهيب ووعد ووعيد. قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 [ باب ذكر قسوة القلب ] " 13 " باب ذكر قسوة القلب وقول الله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} الآية: [المائدة: 13] ، وقوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وقوله: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} الآية: [الحديد: 16] . 19 - عن ابن عمرو - رضي الله عنهما - مرفوعا «ارحموا ترحموا واغفروا يغفر لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون» رواه أحمد.   (19) رواه أحمد في المسند 2 / 165، 219 قال الهيثمي في مجمع الزوائد 10 / 191 رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير حبان بن يزيد الشرعبي ووثقه ابن حبان قلت قال عنه الحافظ ثقة، وقد صححه الشيخ ناصر في السلسلة الصحيحة رقم 482. يطلب منا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرحم، لأن الرحمة من صفات الحق سبحانه التي شمل بها عباده، فلذا كانت أعلى ما اتصف به البشر، فندب الشارع إليها في كل شيء حتى في قتال الكفار، وفي ذبح الحيوانات وإقامة الحج وغير ذلك. أما قوله صلى الله عليه وسلم: «اغفروا يغفر لكم» لأنه سبحانه وتعالى يحب أسماءه وصفاته التي منها الرحمة والغفران، ويحب من تخلق بهما. والأقماع جمع قمع وهو الإناء الذي يترك في رؤوس الظروف لتملأ بالمائعات في الأشربة والأدهان. شبه أسماع الذين يستمعون لقول ولا يعونه، ويحفظونه ولا يعملون به بالأقماع التي لا تعي شيئا مما يفرغ فيها. فكأنه يمر عليهم مجازا كما يمر الشراب في الأقماع اجتيازا، أما قوله صلى الله عليه وسلم «ويل للمصرين» ، أي على الذنوب أي عازمين على المداومة عليها ويقيمون عليها فلم يتوبوا ولم يستغفروا وهم يعلمون: أي يصرون في حال علمهم بأن ما فعلوه معصية أو يعلمون بأن الإصرار أعظم من الذنب، أو يعلمون بأن الله سبحانه يعاقب على الذنب.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 20 - وللترمذي عنه (1) . مرفوعا: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد القلوب من الله القلب القاسي» . 21 - ولهما عن جرير - رضي الله عنه - مرفوعا: «من لا يرحم الناس لا يرحمه الله» أخرجاه.   (20) رواه الترمذي الزهد 4 / 525 رقم 2411 وقال الترمذي حسن غريب وضعفه الشيخ ناصر في السلسلة الضعيفة رقم 920. في هذا الحديث إشارة إلى أن بعض الكلام مباح، وهو ما يعنيه، فيجب علينا أن نكثر الكلام بذكر الله، لأنه سبب في لين القلب والرحمة، وكثرة الكلام بغير ذكر الله هو سبب في قسوة القلوب، وهو عدم سماع الحق وقلة الخشية وعدم الخشوع والبكاء. (21) رواه البخاري الأدب 10 / 438 رقم 6013 والتوحيد 13 / 358 رقم 7376 ومسلم 4 / 1809 رقم 2309. أي من لا يكون من أهل الرحمة لا يرحمه الله، أو من لا يرحم الناس بالإحسان لا يثاب من قبل الرحمن، أو من لا يكون فيه رحمة الإيمان في الدنيا لا يرحم في الآخرة..   (1) بل عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 [ باب ذكر ضعف القلب ] " 14 " باب ذكر ضعف القلب وقول الله تعالى: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} الآية. وقوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ - وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} وقوله تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} وقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} 22 - ولهما عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعا: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» .   (22) رواه البخاري الإيمان 1 / 53 رقم 10 والرقاق 11 / 316 رقم 6484 قال الحافظ في الفتح 1 / 53 هذا الحديث من أفراد البخاري عن مسلم على أن مسلما أخرج معناه من وجه آخر. قلت أخرجه مسلم بدون اللفظ الأخير، كتاب الإيمان 1 / 65 رقم 40 عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المسلمين خير؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده» ومعناه: إن المسلم الكامل مثل زيد الرجل أي الكامل في الرجولة، وقيل أفضل المسلمين من جمع إلى أداء حقوق الله تعالى أداء حقوق المسلمين، وهو الذي لا يتعرض للمسلمين بما حرم من دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وقد قدم اللسان لأن التعرض به أسرع وقوعا وأكثر، وخص اليد لأن معظم مزاولة الأفعال بها، وسيأتي مزيد شرح له برقم 158. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 [ أبواب كبائر اللسان ] [ باب التحذير من شر اللسان ] " 15 " باب التحذير من شر اللسان وقول الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} وقوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} وقوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} 23 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» أخرجاه.   (23) رواه البخاري الرقاق 11 / 308 رقم 6475 ومسلم الإيمان 1 / 68 رقم 47. «من كان يؤمن بالله» أي إيمانا كاملا منجيا من عذابه المتوقف على امتثال الأوامر الآتية. فليقل خيرا: أي كلاما يثاب عليه. قال الشافعي لكن بعد أن يتفكر فيما يريد التكلم به فإذا ظهر له أنه خير لا يترتب عليه مفسدة ولا يجر إليها أتي به. قال القرطبي: معناه أن المصدق بالثواب والعقاب المترتبين على الكلام في الدار الآخر لا يخلو إما أن يتكلم بما يحصل له ثوابا أو خيرا فيغنم، أو يسكت عن شيء يجلب له عقابا أو شرا فيسلم. وعليه ف " أو " للتنوع والتقسيم فيسن له الصمت، حتى عن المباح لأدائه إلى محرم أو مكروه. . وقد أكثر الناس الكلام في تفصيل آفات الكلام وهي أكثر من أن تدخل تحت حصر، وحاصله أن آفات اللسان أسرع الآفات للإنسان وأعظمها في الهلاك والخسران، فالأصل ملازمة الصمت إلى أن يتحقق السلامة من الآفات والحصول على الخيرات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 24 - ولهما (1) . عن سهل بن سعد - رضي الله عنهما - مرفوعا «من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه، أضمن له الجنة ".»   (24) رواه البخاري كتاب الرقاق 11 / 308 رقم 6474 والحدود 12 / 113 رقم 6807 والترمذي الزهد 4 / 524 رقم 2408 وأحمد 5 / 333 وابن حبان في صحيحه 13 / 8 رقم 5701، ولفظ الترمذي من تكفل ولفظ أحمد من توكل ولفظ ابن حبان يتوكل. الضمان: بمعنى الوفاء بترك المعصية. ولحييه: هما العظمان بجانبي الفم وأراد بهما اللسان وما يتأتى به من النطق وغيره فيشمل سائر الأقوال والأكل والشرب، وسائر ما يتأدى بالفم من الفعل، والنطق باللسان أصل كل مطلوب. وما بين رجليه: أي الفرج، والمعنى من أدى الحق الذي على لسانه في النطق بالواجب، والصمت عما لا يعنيه وأدى الحق الذي على فرجه من وضعه في الحلال، وكفه عن الحرام، وهذا تحذير من شهوة البطن والفرج وأنهما مهلكة، ولا يقدر على كسر شهوتها إلا الصديقون.   (1) لم أجده في صحيح مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 25 - «وعن سفيان بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: " كف عليك هذا» قال الترمذي حسن صحيح. 26 - وله وصححه «عن معاذ - رضي الله عنه - قلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: " ثكلتك أمك يا معاذ. وهل يكب الناس على وجوههم - أو قال على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم» . 27 - وله عن أبي سعيد - رضي الله عنه - مرفوعا «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان تقول اتق الله فينا فإنما نحن بك، إن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا» قوله تكفر أي تذل وتخضع.   (25) صحيح رواه الترمذي كتاب الزهد 4 / 524 رقم 2410 وابن ماجه كتاب الفتن 2 / 1314 رقم 3972 وأحمد 3 / 413، د 4 / 384 والدارمي الرقائق 2 / 208 رقم 2714 والطيالسي 171 رقم 1231 والطبراني 7 / 78 رقم 6396، 6397 وابن حبان في صحيحه 13 / 5 رقم 5698، 5699، 5700 والحاكم 4 / 313. (26) صحيح رواه الترمذي الإيمان 5 / 13 رقم 2616 وابن ماجه الفتن 2 / 1314 رقم 3973 وأحمد 5 / 331، 336، 237 وقال الترمذي حسن صحيح. ومعنى ثكلتك: أي فقدتك وهو دعاء عليه بالموت ظاهرا، والمقصود التعجب من الغفلة عن هذا الأمر. (27) رواه الترمذي الزهد 4 / 523 رقم 2407. وحسنه الشيخ ناصر في صحيح الجامع 1 / 124 رقم 351. تكفر اللسان: تذل وتخضع له، من قولهم كفر اليهودي إذا خضع وطأطأ رأسه وانحنى لتعظيم صاحبه. اتق الله فينا: أي خفه في حفظ حقوقنا فلا ترتكب منهيا فنهلك معك. فإنما نحن بك: أي نستقم ونعوج تبعا لك. فإن استقمت: أي اعتدلت على الصراط المستقيم. وإن اعوججت: ملت عن الاعتدال. ومعناه أن نطق اللسان يؤثر في أعضاء الإنسان، بالتوفيق والخذلان، فاللسان أشد الأعضاء جماحا وطغيانا وأكثرها فسادا وعدوانا، ويؤكد هذا المعنى قول مالك بن دينار - رحمه الله - إذا رأيت قساوة في قلبك ووهنا في بدنك وحرمانا في رزقك، فاعلم أنك تكلمت فيما لا يعنيك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 28 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب» أخرجاه. 29 - وللترمذي وصحيحه عن بلال بن الحارث - رضي الله عنه - مرفوعا. «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه ".»   (28) رواه البخاري الرقاق 11 / 308 رقم 6477، 6478 ومسلم الزهد 4 / 2290 رقم 2988 واللفظ لمسلم. (29) صحيح رواه الترمذي الزهد 4 / 484 رقم 2319 وابن ماجه الفتن 2 / 1312 رقم 3969 وأحمد 3 / 469 ومالك 2 / 985 والحميدي 2 / 405 رقم 911 والطبراني 1 / 353 رقم 1129 - 1136 وابن المبارك في الزهد 1394 وابن حبان في صحيحه 1 / 514 رقم 280، 281 والحاكم وصححه 1 / 45 وانظر السلسلة الصحيحة رقم 888. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 30 - ولمسلم عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - مرفوعا «أن رجلا قال والله لا يغفر الله لفلان؟ فقال الله عز وجل من ذا الذي يَتَأَلَّى علي أن لا أغفر لفلان إني قد غفرت له وأحبطت عملك» وروي أن القائل رجل عابد قال أبو هريرة (1) تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته.   (30) رواه مسلم البر والصلة 4 / 2023 رقم 2621.   (1) رواية أبي هريرة رواها أبو داود الأدب 4 / 275 رقم 4901. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 [ باب ما جاء في كثرة الكلام ] " 16 " باب ما جاء في كثرة الكلام وقول الله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ - كِرَامًا كَاتِبِينَ - يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} 31 - عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - مرفوعا «إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعا وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال» أخرجاه. 32 - وعن جابر - رضي الله عنه - مرفوعا «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون المتشدقون المتفيهقون» حسنه الترمذي.   (31) رواه البخاري كتاب الأدب 10 / 405 رقم 5975 والاستقراض 5 / 405 رقم 5975 ومسلم الأقضية 3 / 1341 رقم 593 ورواه البخاري الزكاة 3 / 340 رقم 1477 مختصرا. (32) رواه الترمذي البر والصلة 4 / 325 رقم 2018 وقال الترمذي حسن غريب وذكره الشيخ ناصر في السلسلة الصحيحة رقم 791 وله شاهد من حديث أبي ثعلبة الخشني رواه أحمد 4 / 193، 194 وله شاهد آخر بمعناه من حديث أبي هريرة رواه أحمد 2 / 369. وحسن الخلق: هو اختيار الفضائل وترك الرذائل، وذلك لأن حسن الخلق يحمل على التنزه عن الذنوب والعيوب، والتحلي بمكارم الأخلاق من الصدق في المقال والتلطف في الأحوال والأفعال، وحسن المعاملة مع الرحمن، والعشرة مع الإخوان، وطلاقة الوجه، وصلة الرحم والسخاء والشجاعة، وغير ذلك من الكمالات. الثرثارون: هم الذين يكثرون الكلام تكلفا وخروجا عن الحق. المتشدقون: هم المتوسعون في الكلام من غير احتياط واحتراز، وقيل أراد بالمتشدق المستهزئ بالناس يلوي شدقه بهم وعليهم، والشدق جانب الفم. المتفيهقون: هم الذين يتوسعون في الكلام ويفتحون به أفواههم، مأخوذ من الفهق وهو الامتلاء والاتساع، وقيل وهذا في الكبر والرعونة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 [ باب التشدق وتكلف الفصاحة ] " 17 " باب التشدق وتكلف الفصاحة وقول الله تعالى {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} 33 - عن ابن عمر - رضي الله عنه - مرفوعا «إن من البيان لسحرا» رواه البخاري.   (33) رواه البخاري النكاح 9 / 201 رقم 5046 والطب 10 / 237 رقم 5767. البيان نوعان: أحدهما ما تقع به الإبانة عن المراد بأي وجه كان والآخر ما دخلته الصنعة بحيث يروق للسامعين ويستميل قلوبهم، وهو الذي يشبه بالسحر إذا خلب القلب وغلب النفس حتى يحول الشيء عن حقيقته ويصرفه عن وجهه. وهذا إذا صرف إلى الحق مدح، وإذا صرف إلى الباطل يذم، والحديث ليس ذما للبيان كله ولا مدحا لقوله صلى الله عليه وسلم من البيان فأتى بلفظ من التي للتبغيض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 34 - وعن ابن عمرو (1) - رضي الله عنهما - مرفوعا «إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة» حسنه الترمذي. 35 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا «من تعلم صرف الكلام ليصرف به قلوب الرجال أو الناس لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا» . رواه أبو داود. 36 - ولأحمد عن معاوية - رضي الله عنه -: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين يشققون الكلام تشقيق الشعر» .   (34) رواه أبو داود الأدب 4 / 301 رقم 5005 والترمذي 5 / 129 رقم 2853 وأحمد 2 / 165، 187 وقال الترمذي حسن غريب. ذكره الشيخ ناصر في السلسلة الصحيحة رقم 880. (35) رواه أبو داود الأدب 4 / 302 رقم 5006 وفي إسناده عبد الله بن المسيب قال عنه الحافظ مقبول أي عند المتابعة. (36) رواه وكيع في الزهد (1 / 403) ومن طريقه رواه أحمد في المسند 4 / 98. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 8 / 116 وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف قلت وفيه علة أخرى وهي الانقطاع ما بين عمرو بن يحيى ومعاوية.   (1) جاء عن ابن عمر والصواب ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 [ باب شدة الجدال ] " 18 " باب شدة الجدال وقول الله تعالى: {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} 37 - عن عائشة - رضي الله عنها - مرفوعا «إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم» . 38 - وللترمذي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعا «كفى بك إثما أن لا تزال مخاصما» .   (37) رواه البخاري التفسير 8 / 188 رقم 4523 والأحكام 13 / 180 رقم 7178 ومسلم العلم 4 / 2054 رقم 2668. ألد أفعل تفضيل من اللدد وهو شدة الخصومة. وسبب البغض لما يسببه من النفور والشقاق بين المسلمين وأن كثرة الخصومة تفضي غالبا إلى ما يذم صاحبه أو يخص في حق المسلمين بمن خاصم في باطل. (38) رواه الترمذي البر والصلة 4 / 315 رقم 1994 وقال الترمذي غريب قلت في إسناده ابن وهب بن منبه وهو مجهول وله شاهد ضعيف من حديث أبي أمامة رواه الطبراني كما في الفتح 13 / 181. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 [ باب من هابه الناس خوفا من لسانه ] " 19 " باب من هابه الناس خوفا من لسانه وقول الله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} 39 - عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه الناس - أو تركه الناس اتقاء فحشه» .   (39) رواه البخاري الأدب 10 / 452 رقم 3132، 10 / 471 رقم 6054، 6131 ومسلم البر والصلة 4 / 2002 رقم 2591 واللفظ له. أي لأجل قبح فعله وقوله، أو لأجل فحشه أي مجاوزة الحد الشرعي قولا وفعلا، وهذا الحديث أصل في ندب المداراة، إذا ترتب عليها دفع ضر أو جلب نفع، بخلاف المداهنة فحرام مطلقا إذ هي بذل الدين لصلاح الدنيا، والمداراة بذل الدنيا لصلاح دين أو دينا بنحو الرفق بجاهل في تعليم وبفاسق في نهي عن منكر. قال المناوي قال بعضهم أخذ من هذا الخبر وما قبله أن ملازمة الرجل الشر والفحش حتى يخشاه الناس اتقاء لشره من الكبائر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 [ باب البذاء والفحش ] " 20 " باب البذاء والفحش وقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} 40 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعا: «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء» حسنه الترمذي. 41 - وله وصححه عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - مرفوعا: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق. وإن الله يبغض الفاحش البذيء الذي يتكلم بالفحش» .   (40) رواه الترمذي البر والصلة 4 / 308 رقم 1977 وأحمد في المسند 1 / 405، 416 وأبو نعيم في الحلية 4 / 235، 5 / 58 والحاكم 1 / 12. وقال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين وذكره الشيخ ناصر في السلسلة الصحيحة 320. ليس المؤمن أي الكامل. بالطعان: أي عيابا للناس. اللعان كثير اللعن ولعل اختيار صيغة المبالغة فيها لأن الكامل قل أن يخلو عن المنقصة بالكلية. الفاحش: أي فاعل الفحش أو قائله. البذيء: هو الذي لا حياء له وقيل هو الفاحش في القول وهو بذيء اللسان. (41) رواه الترمذي البر والصلة 4 / 318 رقم 2002 إلى قوله الفاحش البذيء ورواه أبو داود الأدب 4 / 253 رقم 4799 وأحمد 6 / 442، 446، 448، 451 مختصرا وقال الترمذي حسن صحيح وذكره الشيخ ناصر في السلسلة الصحيحة 876. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 42 - ولمسلم عن عائشة - رضي الله عنها - مرفوعا «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء شانه» . 43 - وللترمذي وحسنه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعا " «ألا أخبركم بمن يحرم على النار وتحرم عليه النار؟ تحرم على كل قريب هين سهل» . 44 - ولمسلم عن جرير رضي الله عنه: «من يحرم الرفق يحرم الخير كله» .   (42) رواه مسلم البر والصلة 4 / 2004 رقم 2594. (43) رواه الترمذي صفة القيامة والرقائق 4 / 564 رقم 2488 وابن حبان في صحيحه 2 / 216 رقم 470 والطبراني 10 / 285 رقم 10562 ورواه أحمد 1 / 415 مختصرا. وقال الترمذي حسن غريب وصححه الشيخ ناصر في السلسلة الصحيحة لشواهده رقم 938. أي تحرم النار على كل سهل طلق حليم لين الجانب. (44) صحيح مسلم البر والصلة 4 / 2003 رقم 2592. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 [ باب ما جاء في الكذب ] " 21 " باب ما جاء في الكذب وقول الله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} وقوله تعالى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} وقوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} 45 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعا: «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا» أخرجاه.   (45) رواه البخاري الأدب 10 / 507 رقم 6094 ومسلم البر والصلة 4 / 2012 رقم 2607. ومعنى يهدي من الهداية وهي الدلالة الموصلة إلى المطلوب. صديقا: المراد أنه يتكرر منه الصدق حتى يستحق اسم المبالغة في الصدق. الفجور: أصل الفجر الشق فالفجور شق ستر الديانة، ويطلق على الميل إلى الفساد وعلى التحذير من الكذب والتساهل فيه، فإنه إذا تساهل فيه كثر منه فيعرف به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 46 - وفي الموطأ عنه «لا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب، فينكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه فيكتب عند الله من الكاذبين» . 47 - وفيه «عن صفوان بن سليم قال قيل، لرسول الله أيكون المؤمن جبانا؟ قال: نعم. قيل أيكون المؤمن بخيلا؟ قال: نعم. قيل أيكون المؤمن كذابا؟ قال: لا» . 48 - وللترمذي وحسنه عن ابن عمر «إذا كذب العبد تباعد عنه الملك ميلا (من نتن ما جاء به) » (1) .   (46) رواه مالك في الموطأ بلاغا كتاب الكلام 2 / 990 رقم 18 موقوفا على ابن مسعود. (47) رواه مالك في الموطأ كتاب الكلام 2 / 990 رقم 19 وإسناده مرسل. قال ابن عبد البر لا أحفظه مسندا من وجه ثابت. (48) رواه الترمذي البر والصلة 4 / 307 رقم 1972 وفي إسناده عبد الرحيم بن هارون وهو ضعيف.   (1) ما بين قوسين زيادة من جامع الترمذي لعلها سقط من الناسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 [ باب ما جاء في إخلاف الوعد ] " 22 " باب ما جاء في إخلاف الوعد وقول الله تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} 49 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» أخرجاه.   (49) رواه البخاري الإيمان 1 / 89 رقم 33، 2682، 2749، 6095 ومسلم الإيمان 1 / 78 رقم 59. النفاق لغة مخالفة الباطن للظاهر فإن كان في اعتقاد الإيمان فهو نفاق الكفر، وإلا فهو نفاق العمل ويدخل فيه الفعل والترك وتتفاوت مراتبه. والآية العلامة. ووجه الاقتصار على هذه العلامات الثلاث، أنها منبهة على ما عداها، إذ أصل الديانة منحصر في ثلاث القول والفعل والنية. فنبه على فساد القول بالكذب وعلى فساد الفعل بالخيانة وعلى فساد النية بخلف الوعد، لأن خلف الوعد لا يقدح إلا إذا كان العزم عليه مقرونا بالوعد أما لو كان عازما ثم عرض له مانع، أو بدا له رأي فهذا لم توجد منه صورة النفاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 50 - ولهما عن ابن عمر مرفوعا «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها - إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» ".   (50) رواه البخاري الإيمان 1 / 89 رقم 34، وكتاب المظالم 5 / 107 رقم 2459 ورقم 3178. قال الحافظ: فإن قيل ظاهره الحصر في الثلاث فكيف جاء في الحديث الآخر بلفظ أربع من كن فيه. . . الحديث؟ أجاب القرطبي باحتمال أنه استجد له صلى الله عليه وسلم من العلم بخصالهم ما لم يكن عنده. وقال الحافظ ليس بين الحديثين تعارض، لأنه لا يلزم من عد الخصلة المذمومة الدالة على كمال النفاق كونها علامة على النفاق، لاحتمال أن تكون العلامات دالات على أصل النفاق، والخصلة الزائدة إذا أضيفت إلى ذلك كمل بها خلوص النفاق، على أن في رواية مسلم عن أبي هريرة ما يدل على إرادة عدم الحصر فإن لفظة " من علامات النفاق " وكذا أخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد، وإذا حمل اللفظ الأول على هذا لم يرد السؤال فيكون قد أخبر ببعض العلامات في وقت وببعضها في وقت آخر. . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 [ باب ما جاء في زعموا ] " 23 " باب ما جاء في زعموا وقول الله تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} 51 - عن أبي مسعود أو حذيفة - رضي الله عنهما - مرفوعا «بئس مطية الرجل زعموا» رواه أبو داود بسند صحيح.   (51) رواه أبو داود الأدب 4 / 294 رقم 4972 وأحمد 5 / 401 عن أبي قلابة قال: قال أبو مسعود لأبي عبد الله أو قال أبو عبد الله لأبي مسعود ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في زعموا. . ثم قال أبو داود وأبو عبد الله هو حذيفة. ورواه أحمد في المسند 4 / 119 عن أبي مسعود الأنصاري قال قيل له ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في زعموا. . الزعم: القول في الحق والباطل وأكثر ما يقال فيما يشك فيه. المطية: المركوب. ومعنى الحديث أسوأ عادة للرجل أن يتخذ لفظ زعموا مركبا إلى مقاصده فيخبر عن أمر تقليدا من غير تثبت، فيخطئ ويجرب عليه الكذب. أو يجعل المتكلم مقدمة كلامة والمقصود إن الإخبار بخبر مبناه على الشك والتخمين دون الجزم واليقين قبيح، بل ينبغي أن يكون لخبره سند وثبوت ويكون على ثقة من ذلك لا مجرد حكاية على ظن وحسبان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 52 - ولمسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع» .   (52) رواه مسلم في المقدمة 1 / 101 رقم 5 وأبو داود الأدب 4 / 298 رقم 4992. أي لو لم يكن للرجل كذب إلا تحدثه بكل ما سمع من غير مبالاة أنه صادق أو كاذب كفاه من جهة الكذب لأن جميع ما سمعه لا يكون صدقا، وفيه زجر عن الحديث بشيء لا يعلم صدقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 [ باب ما جاء في الكذب والمزح ونحوه ] " 24 " باب ما جاء في الكذب والمزح ونحوه وقول الله تعالى: {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} 53 - عن أم كلثوم بنت عقبة - رضي الله عنها - مرفوعا «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيرا أو ينمي خيرا» أخرجاه. 54 - ولمسلم: «قالت ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس، إلا في ثلاث - في الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها» .   (53) رواه البخاري الصلح 5 / 299 رقم 2692 ومسلم البر والصلة 4 / 2011 رقم 2605. فينمي: بفتح أوله وكسر الميم أي يبلغ، تقول نميت الحديث أنميه إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير، فإذا بلغته على وجه الفساد فهي النميمة. المراد بالحديث أنه يخبر عما علمه من الخير ويسكت عما علمه من الشر، ولا يكون ذلك كذبا لأن الكذب الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه وهذا ساكت، ولا ينسب لساكت قول. (54) صحيح مسلم 4 / 2012 رقم 2605. قال النووي الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة، لكن التعريض أولى، وقال ابن العربي الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه. وقال الحافظ: قال آخرون لا يجوز الكذب في شيء مطلقا، وحملوا الكذب المراد هنا على التورية والتعريض كمن يقول للظالم دعوت لك أمس وهو يريد قوله اللهم اغفر للمسلمين، ومن يعد امرأته بعطية شيء ويريد إن قدَّر الله ذلك. واتفقوا على أن المراد بالكذب في حق المرأة والرجل إنما هو فيما لا يسقط حقا عليه أو عليها، أو أخذ ما ليس له أو لها، وكذا في الحرب في غير التأمين " أي إذا أعطى الأمان لا يجوز له أن يغدر ". واتفقوا على جواز الكذب عند الاضطرار كما لو قصد ظالم قتل رجل وهو مختف عنده، فله أن ينفي كونه عنده ويحلف على ذلك ولا يأثم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 55 - «وعن عبد الله بن عامر - رضي الله عنه - قال دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في بيتنا. فقالت: ها تعال أعطك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وما أردت أن تعطيه " قالت: أعطيه تمرا فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " أما إنك لو لم تعطيه لكتبت عليك كذبة» رواه أحمد وأبو داود. 56 - ولأحمد عن أبي هريرة مرفوعا: «من قال لصبي ها تعال أعطك ثم لم يُعْطِهِ فهي كذبة» .   (55) رواه أبو داود الأدب 4 / 2098 رقم 4992 وأحمد في المسند 3 / 447 وفي إسناده رجل مجهول. (56) رواه أحمد في المسند 2 / 452 وفي إسناده انقطاع ما بين ابن شهاب وأبي هريرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 57 - وله «عن أسماء بنت يزيد - رضي الله عنها - قلت يا رسول الله إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه لا أشتهيه، أيعد ذلك كذبا؟ قال: " نعم إن الكذب يكتب كذبا حتى تكتب الكذيبة كذيبة» (1) . (57) رواه أحمد 6 / 438 والطبراني 24 / 155 رقم 400 عن أسماء بنت عميس قال الهيثمي 4 / 51 رواه أحمد والطبراني في الكبير وفيه أبو شداد عن مجاهد روى عنه ابن جريج ويونس بن يزيد وبقية رجاله رجال الصحيح إلا أن أسماء بنت عميس كانت بأرض الحبشة مع زوجها جعفر حين تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة والصواب حديث أسماء بنت يزيد والله أعلم. ورواه الطبراني في الصغير والله أعلم أ. هـ 58 - وللترمذي وحسنه مرفوعا: «ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب. ويل له ويل له» .   (58) حسن رواه الترمذي الزهد 4 / 483 رقم 2315 وأبو داود الأدب 4 / 297 رقم 4990 وأحمد 5 / 5، 7 وغيرهم كلهم من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده.   (1) جاء كذبة والتصويب من المسند. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 [ باب ما جاء في التملق ومدح الإنسان بما ليس فيه ] " 25 " باب ما جاء في التملق ومدح الإنسان بما ليس فيه وقول الله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} وروى الإمام أحمد عن أبي داود عن شعبة عن قيس بن مسلم أنه سمع طارق بن شهاب يحدث عن عبد الله يقول: «إن الرجل ليخرج من بيته ومعه دينه فيلقى الرجل وله إليه حاجة، فيقول له: أنت كيت وكيت، يثني عليه لعله أن يقضي من حاجته شيئا، فيسخط الله عليه، فيرجع وما معه من دينه شيء» (1)   (1) رواه الطبراني في الكبير 9 / 112 رقم 8562 بنحوه قال الهيثمي في مجمع الزوائد 8 / 118 رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدهما رجال الصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 [ باب ما جاء في النهي عن كون الإنسان مداحا ] " 26 " باب ما جاء في النهي عن كون الإنسان مداحا وقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} 59 - ولمسلم «عن المقداد - رضي الله عنه - أن رجلا جعل يمدح عثمان. فجثى المقداد على ركبتيه فجعل يحثو في وجهه التراب، فقال له عثمان - رضي الله عنه - ما شأنك قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجههم التراب» . 60 - وفي المسند عن معاوية - رضي الله عنه - مرفوعا: «إياكم والمدح، فإنه الذبح» .   (59) رواه مسلم الزهد 4 / 2297 رقم 3002. (60) رواه أحمد 4 / 92، 93، 98، 99 ورواه ابن ماجه كتاب الأدب 2 / 1232 رقم 3743 وذكره الشيخ ناصر في السلسلة الصحيحة رقم 1284. قال الغزالي رحمه الله: والمدح منهي عنه لأن فيه ست آفات أربع في المادح واثنتان في الممدوح. أما المادح فالأولى: أنه قد يفرط في المدح فينتهي به إلى الكذب. الثانية: أنه قد يدخله الرياء فإنه بالمدح مظهر للحب وقد يكون مظهرا له لا معتقدا لجميع ما يقوله فيصير به مرائيا منافقا. الثالثة: أنه قد يقول ما لا يتحققه ولا سبيل إلى الاطلاع عليه. الرابعة: أنه قد يفرح الممدوح وهو ظالم أو فاسق وذلك غير جائز، بل الظالم الفاسق ينبغي أن يذم ليغتم ولا يمدح لفرح، أما الممدوح فيضره من وجهين. أحدهما: أنه يحدث فيه كبرا وإعجابا وهما مهلكان. الثاني: أنه إذا أثنى عليه بالخير فرح به وفتر ورضي عن نفسه وقل تشمره وإنما يتشمر للعمل من يرى نفسه مقصرا فأما إذا انطلقت الألسن بالثناء عليه ظن أنه قد أدرك، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم «قطعت عنق صاحبك» . فإن سلم المدح من هذه الآفات في حق المادح والممدوح لم يكن به بأس بل ربما كان مندوبا إليه. ولذلك أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصاحبة فقال: «لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان الأمة لرجح» . . أ. هـ. مختصرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 [ باب ما يمحق الكذب من البركة ] " 27 " باب ما يمحق الكذب من البركة 61 - عن حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه مرفوعا: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا. فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما» .   (61) رواه البخاري البيوع 4 / 309 رقم 2079، 2082، 2108، 2110، 2114 ومسلم البيوع 3 / 1164 رقم 1532. قوله صدقا: أي من جانب البائع في السوم ومن جانب المشتري في الوفاء. وقوله بينا أي لما في الثمن والمثمن من عيب فهو من جانبيهما وكذا نقصه وفي الحديث حصول البركة لهما إن حصل منهما الشرط، وهو الصدق والتبيين، ومحقها إن وجد ضدها وهو الكذب والكتم، ويفيد الحديث أن الدنيا لا يتم حصولها إلا بالعمل الصالح وأن شؤم المعاصي يذهب بخير الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 [ باب من تحلم ولم ير شيئا ] " 28 " باب من تحلم ولم ير شيئا 62 - روى البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعا: " «من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل» .   (62) رواه البخاري التعبير 12 / 427 رقم 7042 في حديث طويل. اشتد وعيد الكذب في المنام مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه، إذ تكون شهادة في قتل أحد أو أخذ مال، لأن الكذب في المنام كذب على الله أنه أراه مات ما لم يره، والكذب على الله أشد من الكذب على المخلوقين، وإنما كان الكذب في المنام كذبا على الله لحديث «الرؤيا جزء من النبوة» وما كان من أجزاء النبوة فهو من قبل الله تعالى. ومعنى العقد بين الشعيرتين أن يفتل إحداهما بالأخرى وهو مما لا يمكن عادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 [ باب ذكر مرض القلب وموته ] " 29 " باب ذكر مرض القلب وموته 63 - وقول الله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} وقوله: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا - مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا}   (63) وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن إذا أذنت ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستعتب صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي قال الله تعالى فيه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} » [المطففين: 14] . رواه الترمذي، وقال حسن صحيح. وقال الأعمش: أرانا مجاهد بيده قال: كانوا يرون أن القلب في مثل هذا: يعني الكف فإذا أذنب العبد ذنبا ضم منه وقال بأصبعه الخنصر هكذا، فإذا أذنب، ضم وقال بأصبعه الأخرى هكذا (فإذا أذنب ضم وقال بإصبع آخر هكذا) حتى ضم أصابعه كلها قال ثم يطبع عليه بطابع، وكانوا يرون أن ذلك هو الران. رواه ابن جرير (1) عن أبي كريب عن وكيع عنه بنحوه وعن مجاهد أيضا قال: الران أيسر من الطبع. والطبع أيسر من الإقفال. (63) رواه الترمذي تفسير القرآن 5 / 404 رقم 3334 وابن ماجه الزهد 2 / 1418 رقم 4244 والنسائي في الكبرى التفسير 6 / 509 رقم 11658 وأحمد 2 / 297 وقال الترمذي حسن صحيح. النكت هو في الأصل أن تضرب في الأرض بقضيب فيؤثر فيها، ومعنى نكتة سوداء أي جعلت في قلبه نكتة سوداء أي أثر قليل كالنقطة شبة الوسخ في المرآة ونحوها وقيل كقطرة حبر تقطر على ورقة بيضاء ويختلف على حسب المعصية وقدرها، والحمل على الحقيقة أولى من جعله من باب التمثيل والتشبيه حيث قيل شبه القلب بثوب في غاية النقاء والبياض، والمعصية بشيء في غاية السواد أصاب ذلك الأبيض، فبالضرورة أنه يذهب ذلك الجمال منه وكذلك الإنسان إذا أصاب المعصية. ومعنى صقل قلبه: أي جلاه أي نظفه وصفى لأن التوبة بمنزلة المصقلة تمحو وسخ القلب وسواده. والران الغشاوة وهو كالصدأ على الشيء الصقيل. وهذه الآية مذكورة في الحق الكفار لكن ذكرها صلى الله عليه وسلم تخويفا للمؤمنين كي يحترزوا عن كثرة الذنب كيلا تسود قلوبهم كما سودت قلوب الكفار ولذا قيل المعاصي بريد الكفر.   (1) تفسير ابن جرير الطبري 5 / 99. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 64 - وعن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر، وقلب أغلف مربوط بغلافه، وقلب منكوس، وقلب مصفح، فإما القلب الأجرد فقلب المؤمن، فسراجه فيه نور، وأما القلب الأغلف فقلب الكافر وأما القلب المنكوس فقلب المنافق الخالص عرف الحق ثم أنكر. وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق ومثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم فأي المادتين غلبت على الأخرى غلبت عليه» .   (64) رواه أحمد 3 / 17 والطبراني في الصغير 2 / 109 وأبو نعيم في الحلية 4 / 385 قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1 / 63 رواه أحمد والطبراني في الصغير وفي إسناده ليث بن أبي سليم، وقلت هو صدوق اختلط أخيرا ولم يتميز حديثه فترك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 [ باب ذكر الرضا بالمعصية ] " 30 " باب ذكر الرضا بالمعصية روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: هلكت إن لم يعرف قلبك المعروف وينكر المنكر. 65 - ولمسلم عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون. فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» .   (65) رواه مسلم الإيمان 1 / 69 - 70 رقم 50 والحواريون هم خلصاء الأنبياء وأصفياؤهم والخلصاء الذين نقوا من كل عيب وقيل هم أنصارهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 66 - وله عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها مرفوعا «إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع» أي من كره بقلبه وأنكر بقلبه. وفي رواية غير الصحيح بعد وتابع «فأولئك هم الهالكون» .   (66) رواه مسلم الإمارة 1 / 1481 رقم 1855 وانظر تخريجه منفصلا في حاشية مسند أبي يعلى 12 / 414 رقم 6980. أي تعرفون بعض أفعالهم وتنكرون بعضها أي أن أفعالهم يكون بعضها حسنا وبعضها قبيحا. فمن أنكر: أي من قدر أن ينكر بلسانه عليهم قبائح أفعالهم. فقد برئ: أي من المداهنة والنفاق. ومن كره: أي ولم يقدر على ذلك ولكن أنكر بقلبه وكره ذلك. فقد سلم: أي من مشاركتهم في الوزر والإثم. ولكن من رضي: أي بفعلهم. وتابع: أي تابعهم في العمل فهو الذي شاركهم في العصيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 [ باب ذكر تمني المعصية والحرص عليها ] " 31 " باب ذكر تمني المعصية والحرص عليها 67 - في الصحيحين عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال: - «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار " قالوا يا رسول الله: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: " إنه كان حريصا على قتل صاحبه» .   (67) رواه البخاري الإيمان 1 / 84 رقم 31 والديات رقم 6875 والفتن 7083 ومسلم الفتن 4 / 2213 رقم 2888. قال الحافظ ابن حجر: قال العلماء معنى كونهما في النار لأنهما يستحقان ذلك ولكن أمرهما إلى الله تعالى إن شاء عاقبهما ثم أخرجهما من النار كسائر الموحدين وإن شاء عفا عنهما أصلا. وقال أخرج البزار زيادة تبين المراد وهي «إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار» ، ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ «لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدرى القاتل ولا المقتول فيم قتل فقيل كيف يكون ذلك؟ قال الهرج القاتل والمقتول في النار» . قال القرطبي: فبين هذا الحديث أن القاتل إذا كان على جهل من طلب الدنيا أو اتباع هوى فهو الذي أريد بقوله القاتل والمقتول في النار ولا يلزم من كون القاتل والمقتول في النار أن يكون في مرتبة واحدة، فالقاتل يعذب على القاتل والقتل، والمقتول يعذب على القتال فقط فلم يقع التعذيب على العزم المجرد فقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 68 - وعن أبي كبشة الأنماري - رضي الله عنه - مرفوعا «مثل هذه الأمة كمثل أربعة رجال: رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل في ماله بعلمه، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا. فقال لو كان لي مال مثل مال فلان لعملت فيه مثل عمله، فهما في الأجر سواء - ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يتخبط في ماله لا يدرى ما له مما عليه - ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما فقال لو كان لي مثل مال فلان لعملت فيه مثل ما عمل فلان فهما في الوزر سواء» صححه الترمذي.   (68) رواه ابن ماجه الزهد 2 / 1413 رقم 4228 وأحمد 4 / 230 ورواه الترمذي الزهد 4 / 487 رقم 2325 وفيه زيادة في أوله وقال الترمذي حسن صحيح. فإن قال قائل هذا مخالف لحديث الصحيحين عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال. . «فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له. . ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة. .» الحديث. يحمل الحديث المتفق عليه على من هم بالمعصية هما مجردا من غير تصميم وحديث أبي كبشة على من صمم على ذلك وأصر عليه، وقال إن العزم على السيئة تكتب سيئة مجردة لا السيئة التي هم أن يعملها. فمن عزم على المعصية وصمم عليها كتبت عليه سيئة، فإذا عملها كتبت عليه معصية ثانية. قال النووي: وهذا ظاهر حسن لا مزيد عليه قد تظاهرت نصوص الشريعة بالمؤاخذة على عزم القلب المستقر كقولة تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} الآية قال ابن الجوزي: إذا حدث نفسه بالمعصية لم يؤاخذ فإن عزم وصمم زاد على حديث النفس وهو من عمل القلب، والدليل على التفريق بين الهم والعزم أن من كان في الصلاة فوقع في خاطره أن يقطعها لم تنقطع فإن صمم على قطعها بطلت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 [ باب ذكر الريب ] " 32 " باب ذكر الريب وقول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} الآية: [الحجرات: 15] وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ - أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا} - إلى قوله - {وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} (وكان معاذ (1) - رضي الله عنه - يقول في مجلسه كل يوم قلما يخطئه: الله حكم قسط، هلك المرتابون) وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - «إن من اليقين أن لا ترضي أحدا بسخط الله؛ ولا تحمد أحدا على ما آتاك الله ولا تلوم أحدا على ما لم يؤتك الله، وإن الله بعلمه وقسطه جعل الروح والفرح في اليقين، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط، وإن رزق الله لا يجره حرص حريص ولا يرده كراهية كاره» ، وقال عمر - رضي الله عنه - يوم الحديبية «فعملت لذلك أعمالا» . 69 - وفيه معنى قوله صلى الله عليه وسلم - «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا» أخرجه مسلم. وعن العباس - رضي الله عنه - مثله.   (69) رواه مسلم الإيمان 1 / 62 رقم 34 عن العباس. معنى رضيت بالشيء، قنعت به واكتفيت به، ولم أطلب معه غيره، فمعنى الحديث لم يطلب غير الله ولم يسع في غير طريق الإسلام ولم يسلك إلا ما وافق شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ولا شك أن من كانت هذه صفته فقد خلصت حلاوة الإيمان إلى قلبه وذاق طعمه. وقال القاضي عياض معنى الحديث صح إيمانه واطمأنت خامر في باطنه لأن رضاه بالمذكورات دليل لثبوت معرفته ونفاذ بصيرته ومخالطة بشاشة قلبه لأن من رضي أمرا سهل عليه فكذا المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان سهل عليه طاعات الله تعالى ولذت له.   (1) رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 [ باب السخط ] " 33 " باب السخط وقول الله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} قال علقمة (1) هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى بها ويسلم. 70 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فعليه السخط» رواه الترمذي وحسنه.   (70) رواه الترمذي الزهد 4 / 519 رقم 2396 وابن ماجه الفتن 2 / 1338 رقم 4031 وأحمد 5 / 427. وذكره الشيخ ناصر في السلسلة الصحيحة رقم 146. ابتلاهم أي اختبرهم. وهذا الحديث يدل على أن البلاء إنما يكون خيرا، وأن صاحبه يكون محبوبا عند الله تعالى إذا صبر على بلاء الله تعالى، ورضي بقضاء الله عز وجل. والمقصود الحث على الصبر على البلاء بعد وقوعه لا الترغيب في طلبه للنهي عنه لقوله صلى الله عليه وسلم «لا تتمنوا لقاء العدو. .» الحديث.   (1) تفسير الطبري 14 / 123. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 [ باب القلق والاضطراب ] " 34 " باب القلق والاضطراب وقول الله تعالي: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} الآية: [الفتح: 26] ، وقوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآية: [النساء: 65] ، وقوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ - ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} الآية: [الفجر: 27] . 71 - ولهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» .   (71) رواه البخاري الأدب 10 / 518 رقم 6114 ومسلم البر والصلة 4 / 2014 رقم 2609. إن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الذي يملك نفسه عند الغضب أعظم الناس قوة. قال بعض العلماء: خلق الله الغضب من نار، وجعله غريزة في الإنسان، فمهما قصد أو نوزع في غرض ما، اشتعلت نار الغضب، وثارت، حتى يحمر الوجه والعينان من الدم لأنه البشرة تحكى لون ما وراءها. وأما أثره في اللسان، فانطلاقه بالشتم والفحش الذي يستحي منه العاقل، ويظهر أثر الغضب في الفعل بالضرب والقتل، وربما مزق ثوبه ولطم خده، وربما سقط صريعا أو أغمي عليه، وربما كسر الآنية وضرب من ليس له في ذلك جريمة. ويعين على ترك الغضب استحضاره ما جاء في الكتاب والسنة في كظم الغيظ وأن يستعيذ من الشيطان وأن يتوضأ. الفتح 10 / 519. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 72 - وللبخاري «أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - أوصني قال: " لا تغضب " فردد مرارا قال: " لا تغضب» . 73 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - مرفوعا «قد أفلح من أخلص الله قلبه للإيمان وجعل قلبه سليما، ولسانه صادقا، ونفسه مطمئنة، وخليقته مستقيمة، وجعل أذنه مستمعة وعينه ناظرة فأما الأذن فقمع وأما العين فمعبرة لما يوعي القلب وقد أفلح من جعل الله قلبه واعيا» . رواه أحمد.   (72) رواه البخاري الأدب 10 / 519 رقم 1616. قال الخطابي معنى قوله لا تغضب اجتب أسباب الغضب ولا تتعرض لما يجلبه، وأما نفس الغضب فلا يتأتى النهي عنه، لأنه أمر طبيعي لا يزول من الجبلة، وقال غيره ما كان من قبيل الطبع الحيواني لا يمكن دفعه فلا يدخل في النهي، لأنه من تكليف المحال، وما كان من قبيل ما يكتسب بالرياضة فهو المراد، قيل معناه لا تغضب، لأن أعظم ما ينشأ عنه الغضب، الكبر لكونه يقع عنه مخالفته أمرا يريده، فيحمله الكبر على الغضب، فالذي يتواضع حتى يذهب عنه عزة النفس يسلم من شر الغضب. (73) رواه أحمد 5 / 147 قال الهيثمي في مجمع الزوائد 10 / 232 رواه أحمد وإسناده حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 [ باب الجهالة ] " 35 " باب الجهالة وقول الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ} الآية: [الأعراف: 179] . 74 - 75 - وعن ابن عباس ومعاوية وغيرهما - رضي الله عنهم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» .   (74) حديث ابن عباس رواه الترمذي العلم 5 / 28 رقم 2645 والدرامي المقدمة 1 / 65 رقم 231 وأحمد 1 / 306. (75) حديث معاوية رواه البخاري العلم 1 / 164 رقم 71 والخمس 6 / 217 رقم 3116، 3641 والاعتصام 13 / 293 رقم 7312 ومسلم الإمارة 3 / 1524 رقم 1037 والزكاة 2 / 718 رقم 1037. يفقهه: أي يفهمه يقال فقه بالضم إذا صار له سجية، وفقه بالفتح إذا سبق غيره إلى الفهم وفقه بالكسر إذا فهم، وقد نكر خيرا ليشمل القليل والكثير. ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين، أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع - فقد حرم الخير، ولأن من لم يعرف أمور دينه لا يكون فقيها، ولا طالب فقه فيصح أن يوصف بأنه أريد به الخير، وفي ذلك بيان ظاهر لفضل العلماء على سائر الناس ولفضل التفقه في دين الله على سائر العلوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 76 - وفي حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه «أن المرتاب هو الذي يقول إذا سأله الملكان ها هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته» .   (76) رواه أحمد في المسند بطوله 4 / 295 والطيالسي 102 رقم 753 والحاكم في المستدرك 1 / 37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 [ باب القحة ] " 36 " باب القحة (1) . وقول الله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ} الآية: [النساء: 108] . 77 - وفي البخاري عن أبي مسعود عقبة بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت» .   (77) رواه البخاري أحاديث الأنبياء 6 / 515 رقم 3483، 3484، والأدب 10 / 523 رقم 6120. من كلام النبوة: أي مما اتفق عليه الأنبياء، أي أنه مما ندب إليه الأنبياء، ولم ينسخ فيها نسخ من شرائعهم لأنه أمر طبقت عليه العقول. فاصنع ما شئت: هو أمر بمعنى الخبر، أو هو للتهديد أي أصنع ما شئت، فإن الله يجزيك أو معناه انظر ما تريد أن تفعله فإن كان مما لا يستحى منه فافعله، وإن كان مما يستحى منه فدعه. أو المعنى أنك إذا لم تستح من الله من شيء يجب أن تستحي منه من أمر الدين فافعله ولا تبالي بالخلق أو المراد الحث على الحياء والتنويه بفضله أي لم يجز صنع جميع ما شئت لم يجز ترك الاستحياء.   (1) ورد هذا اللفظ في المخطوطات الثلاث هكذا القحة وورد في النسخ المطبوعة بلفظ الخفية. والقُح: الجافي من الناس كأنه خالص فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 [ باب الحرص على المال والشرف ] " 37 " باب الحرص على المال والشرف 78 - عن كعب - رضي الله عنه مرفوعا: «ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم، بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه» . صححه الترمذي.   (78) رواه الترمذي الزهد 4 / 508 رقم 2376 وأحمد 3 / 456، 460 وقال الترمذي حسن صحيح. وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه أبو يعلى في مسنده 11 / 331 وغيره. والمعنى أن حرص المرء على جمع المال والشرف أي الجاه أكثر فسادا لدينه من ذئبين جائعين دخلا على زريبة غنم. أما المال فإفساده أنه نوع من القدرة يحرك داعية الشهوات، ويجر إلى التنعم في المباحات فيصير التنعم مألوفا، وربما يشتد أنسه بالمال، ويعجز عن كسب الحلال فيقتحم في الشبهات، مع أنه ملهية عن ذكر الله تعالى وهذه لا ينفك عنها أحد. وأما الجاه فكفى به إفسادا أن المال يبذل للجاه ولا يبذل الجاه للمال، وهو الشرك الخفي فيخوض في المراءاة والمداهنة والنفاق وسائر الأخلاق الذميمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 [ باب الهلع والجبن ] " 38 " باب الهلع والجبن وقول الله تعالى {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} إلى قوله {إِلَّا الْمُصَلِّينَ} 79 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «شر ما في الرجل شح هالع؛ وجبن خالع» رواه أبو داود بسند جيد. الهلع: أشد الجزع والفجر.   (79) صحيح رواه أبو داود الجهاد 3 / 12 رقم 2511 وأحمد 2 / 302، 320 وابن أبي شيبة 9 / 98 وابن حبان 8 / 42 رقم 3250 والبخاري في التاريخ الكبير 6 / 8 وأبو نعيم في الحلية 9 / 50. وذكر الشيخ ناصر في السلسة الصحيحة رقم 560. قال الخطابي: أصل الهلع الجزع، والهالع ههنا ذو الهلع، ويقال إن الشح أشد من البخل الذي يمنعه من إخراج الحق الواجب عليه فإذا استخرج منه هلع وجزع. وقيل الشح يحمل على الحرص على المال، والجزع على ذهابه، وقيل هو أن لا يشبع كلما وجد شيئا بلعه، وقيل لا يجتمع الشح مع معرفة الله أبدا، فإن المانع من الإنفاق والجود خوف الفقر، وهو جهل بالله وعدم وثوق بوعده وضمانه ومن تحقق أنه الرزاق لم يثق بغيره. وجبن خالع: أي شديد كأنه يخلع فؤاده من شدة خوفه والمراد به ما يعرض من أنواع الأفكار، وضعف الخوف من الخلع وهو نزع الشيء من الشيء بقوة يعني حين يمنعه من محاربة الكفار والدخول في عمل الأبرار فكأن الجبن يخلع القوة والنجدة من القلب أو يخلع المتصف به عن كونه من الفحول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 80 - ولمسلم عن جابر - رضي الله عنه - مرفوعا «اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم» .   (80) صحيح مسلم 4 / 1196 رقم 2578. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 [ باب البخل ] " 39 " باب البخل وقول الله تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} الآية: [النساء: 37] ، وقوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} 81 - عن جابر قال: «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من سيدكم يا بني سلمة؟ - قلنا الجد بن قيس على أنا نُبَخِّلُهُ قال: " وأي داء أدوأ من البخل. بل سيدكم عمرو بن الجموح» رواه البخاري في الأدب المفرد.   (81) صحيح رواه البخاري في الأدب المفرد 112 رقم 297 وأبو نعيم في الحلية 7 / 317. وله شاهد من حديث كعب بن مالك رواه الطبراني الصغير 1 / 115، ومن حديث أبي هريرة رواه الطبراني في الأوسط كما في جمع البحرين 6 / 389 والحاكم في المستدرك 4 / 163. وعلم أن البخل سببه حب المال ولحب المال سببان. أحدهما: حب الشهوات التي لا يتوصل إليها إلا بالمال مع طول الأمل، فإن الإنسان لو علم أنه يموت بعد يوم ربما لا يبخل بماله إذ القدر الذي يحتاج إليه في يوم وفي شهر أو في سنة قريب، وإن كان قصير الأمل ولكن كان له أولاد أقام الولد مقام طول الأمل فإنه يقدر بقاءهم كبقاء نفسه فيمسك لأجلهم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم «الولد مبخلة مجبنة محزنة» فإذا انضاف إلى ذلك خوف الفقر وقلة الثقة بمجيء الرزق قوي البخل لا محالة. السبب الثاني: أنه يحب عين المال، فمن الناس من معه ما يكفيه لبقية عمره، إذا اقتصر على ما جرت به عادته بنفقته وتفضل الآلاف وهو شيخ بلا ولد ومعه أموال كثيرة ولا تسمح نفسه بإخراج الزكاة وبمداومة نفسه عند المرض بل صار محبا للدنانير عاشقا لها يلتذ بوجودها في يده وبقدرته عليها فيكنزها تحت الأرض وهو يعلم أنه يموت فتضيع، أو يأخذها أعداؤه، ومع هذا فلا تسمح نفسه بأن يأكل أو يتصدق منها بحبة واحدة، وهذا مرض للقلب عظيم عسير العلاج ولا سيما في كبير السن وهو مرض مزمن لا يرجى علاجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 [ باب عقوبة البخل ] " 40 " باب عقوبة البخل وقول الله تعالى: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} 82 - فيه «لا توعي فيوعي الله عليك» كما في الحديث الآخر.   (82) رواه البخاري الزكاة 3 / 301 رقم 1434 والهبة 5 / 217 رقم 2590 و2591 ومسلم الزكاة 2 / 713 رقم 1029 ولفظه «عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها قالت، قلت يا رسول الله ما لي مال إلا ما أدخل الزبير فأتصدق. قال صلى الله عليه وسلم: تصدقي ولا توعي فيوعى عليك» وفي رواية «فيوعي الله عليك» . يقال أوعيت المتاع في الوعاء إذا جعلته فيه ووعيت الشيء حفظته. ومعناه أن الله يجازي العامل بمثل عمله، والمعنى النهي عن منع الصدقة خشية النفاذ فإن ذلك أعظم الأسباب لقطع مادة البركة لأن الله يثيب على العطاء بغير حساب. ومن علم أن الله يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يعطي ولا يحسب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 83 - «ارضخي يرضخ لك» أي وسعي يوسع لك. 84 - وقوله عليه السلام: «اللهم أعط ممسكا تلفا، وأعط منفقا خلفا» .   (83) رواه البخاري الزكاة 3 / 301 رقم 1434 ومسلم 2 / 714 رقم 1029 ولفظ البخاري «عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " لا توعي فيوعي الله عليك ارضخي ما استطعت» ولفظ مسلم «ارضخي ما استطعت، ولا توعي فيوعي الله عليك» . والرضخ هو العطاء اليسير فالمعنى أنفقي بغير إجحاف ما دمت قادرة مستطيعة. (84) رواه البخاري الزكاة 3 / 304 رقم 1442 ومسلم 2 / 700 رقم 1010 من حديث أبي هريرة بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا» . والإنفاق الممدوح ما كان في الطاعات وعلى العيال والضيفان والتطوعات وقال القرطبي: وهو يعم الواجبات والمندوبات لكن الممسك عن المندوبات لا يستحق هذا الدعاء إلا أن يغلب عليه البخل المذموم بحيث لا تطيب نفسه بإخراج الحق الذي عليه ولو أخرجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 [ باب ازدراء النعمة والاستخفاف بحرمات الله ] " 41 " باب ازدراء النعمة والاستخفاف بحرمات الله (1) [ باب بغض الصالحين ] " 42 " باب بغض الصالحين وقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} الآية: [الحشر: 10] . 85 - عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا: " يقول الله تعالى: «من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب» . (2) " معناه إذا خرج رجلان من الصفين للقتال وههنا من عادى ولي الله فهو مبارز الله بالحرب " (3)   (85) رواه البخاري الرقاق 11 / 340 رقم 6502 عن أبي هريرة بلفظ «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب» . . . الحديث بطوله. ورواه ابن ماجه الفتن 2 / 1320 رقم 3989 من حديث عمر بن الخطاب بلفظ. . . . «وإن من عادى لله وليا فقد بارز الله بالمحاربة» . . . الحديث. المراد بولي الله العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته، وفي هذا الحديث تهديد شديد لمن يؤذي العلماء بالطعن فيهم وشتمهم أو الاستهزاء بطلبة العلم والعباد لأن من حاربه الله أهلكه وهذا في جانب المعاداة فكذلك يثبت في جانب الموالاة فمن والى أولياء الله وأحبهم أحبه الله وأكرمه. ويستفاد من الحديث أن أداء الفرائض أحب الأعمال إلى الله، ولهذا من ترك الفرائض يعاقب على تركها بخلاف النفل، ولهذا كانت أحب إلى الله وأشد تقربا، وأيضا فالفرض كالأصل والأس والنفل كالفرع والبناء، وفي الإتيان بالفرائض على الوجه المأمور به امتثال الأمر واحترام الآمر بالانقياد إليه وإظهار عظمة الربوبية وذل العبودية فكان التقرب بذلك أعظم العمل، والذي يؤدي الفرض قد يفعله خوفا من العقوبة ومؤدي النفل لا يفعله إلا إيثارا للخدمة فيجازى بالمحبة التي هي غاية مطلوب من تقرب بخدمته قال بعض العلماء: يؤخذ من قوله «ما تقرب» . . . . . أن النافلة لا تقدم على الفريضة لأن النافلة إنما سميت نافلة لأنها تأتي زائدة على الفريضة فما لم تؤد الفريضة لا تحصل النافلة ومن أدى الفرض ثم زاد عليه النفل وأدام ذلك تحققت إرادة التقرب..   (1) بعد هذه الترجمة بياض في خ، ج وفي مخطوطة سماحة المفتي كذلك وأما مخطوطة الشيخ محمد بن عبد اللطيف فلم تذكر فيها هذه الترجمة أصلا. (2) أخرجه أي أخرجه البخاري دون مسلم. (3) ما بين قوسين غير موجود في المخطوطات الثلاث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 86 - عن أبي هريرة مرفوعا: «لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر» .   (86) رواه مسلم الإيمان 1 / 86 رقم 76. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 [ باب الحسد ] " 43 " باب الحسد وقول الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآية: [النساء: 54] . 87 - عن أنس رضي الله تعالى عنه مرفوعا «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» . 88 - وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا: «إياكم والحسد فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أو قال العشب» رواه أبو داود. الحسد هو كراهية النعمة عن المحسود، وحب زوالها عن المنعم عليه. فيغتم الحاسد بنعمة إن أصابها غيره، ويسر بمصيبة أن نزلت به وهذا من فعل المنافقين. قال بعض السلف أول خطيئة هي الحسد حسد إبليس آدم عليه السلام على رتبته فأبى أن يسجد له فحمله على الحسد والمعصية.   (87) رواه البخاري الإيمان 1 / 56 رقم 13 ومسلم الإيمان 1 / 67 رقم 45. لا يؤمن: أي من يدعي الإيمان والمراد بالنفي كمال الإيمان ونفي اسم الشيء على معنى نفي الكمال عنه مستفيض في كلامهم كقولهم فلان ليس بإنسان. والمراد من الحديث أن يحب أن يحصل لأخيه نظير ما يحصل له لا عينه سواء كان في الأمور المحسوسة أو المعنوية وليس المراد أن يحصل لأخيه ما حصل له مع سلبه عنه ولا مع بقائه بعينه له. ومن الإيمان أيضا أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه من الشر ولم يذكره لأن حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه فترك التنصيص عليه اكتفاء. (88) رواه أبو داود الأدب 4 / 276 رقم 4903 وعبد بن حميد كما في المنتخب 153 - 154 والبخاري في التاريخ الكبير 1 / 272. وإسناده ضعيف في رجل مجهول، وله شاهد ضعيف جدا، رواه ابن ماجه الزهد 2 / 1408 رقم 4210 وأبو يعلى 6 / 330 رقم 3656 في إسناده عيسى بن ميسرة متروك الحديث. وذكره الشيخ ناصر في السلسلة الضعيفة رقم 1901، 1902. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 [ باب سوء الظن بالمسلمين ] " 44 " باب سوء الظن بالمسلمين وقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} 89 - عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» رواه مسلم.   (89) رواه مسلم البر والصلة 4 / 19865 رقم 2563. ورواه البخاري الأدب 10 / 481 رقم 6064. المراد بالنهي عن ظن السوء. قال الخطابي هو تحقيق الظن وتصديقه دون ما يهجس في النفس فإن ذلك لا يملك. قال النووي ومراد الخطابي أن المحرم من الظن ما يستمر صاحبه عليه ويستقر في قلبه دون ما يعرض في القلب ولا يستقر فإن هذا لا يكلف به ومعناه احذروا اتباع الظن واحذروا سوء الظن بمن لا يساء الظن به من العدول، والظن تهمة تقع في القلب بلا دليل. قال الغزالي: وهو حرام كسوء القول لكن لست أعني به إلا عقد القلب وحكمه على غيره بالسوء، أما الخواطر وحديث النفس فعفو بل الشك عفو أيضا فالمنهي عنه أن تظن والظن عبارة عما تركن إليه النفس ويميل إليه القلب، وسبب تحريمه أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب، فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءا إلا إذا انكشف لك بعيان لا يحتمل تأويلا، فعند ذلك لا تعتقد إلا ما علمته وشاهدته، فما لم تشاهده ولم تسمعه ثم وقع فيه قلبك فإنما الشيطان يلقيه إليك فينبغي تكذيبه فإنه أفسق الفساق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 [ باب ما جاء في الكذب على الله أو على رسوله ] " 45 " باب ما جاء في الكذب على الله أو على رسوله وقول الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} الآية: [العنكبوت: 68] . وقوله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} الآية: [الزمر: 60] . 90 - وفي الصحيح عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: «إن كذبا علي ليس ككذب على غيري: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» . 91 - ولمسلم عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - مرفوعا «مَنْ حَدَّثَ عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين» .   (90) رواه مسلم المقدمة 1 / 10 رقم 2 بلفظ من تعمد علي الكذب فليتبوأ مقعده من النار. أما لفظ المصنف فرواه البخاري الجنائز 3 / 160 رقم 1291 ومسلم المقدمة 1 / 10 رقم 4 من حديث المغيرة بن شعبة. ولا يلزم من إثبات الوعيد المذكور على الكذب عليه أن يكون الكذب على غيره مباحا بل يستدل على تحريم الكذب على غيره بدليل آخر. والفرق بينهما أن الكذب عليه توعد فاعله بجعل النار له مسكنا، بخلاف الكذب على غيره. (91) رواه مسلم في المقدمة 1 / 9 وجاء في صحيح مسلم الكاذبين أي على الجمع قال النووي 1 / 65 وأما فقه الحديث فظاهر ففيه تغليظ الكذب والتعرض له وأن من غلب على ظنه كذب ما يرويه، فرواه كان كاذبا وكيف لا يكون كاذبا وهو مخبر بما لم يكن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 [ باب ما جاء في القول على الله بلا علم ] " 46 " باب ما جاء في القول على الله بلا علم وقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} - إلى قوله - {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} قال أبو موسى: من علمه الله علما فليعلمه الناس وإياه أن يقول ما لا علم له به فيكون من المتكلفين، ويمرق من الدين. 92 - وفي الصحيح عن ابن عمرو رضي الله تعالى عنه مرفوعا: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من قلوب الرجال. ولكن يقبض العلم بموت العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» .   (92) رواه البخاري العلم 1 / 194 رقم 100 والاعتصام 13 / 282 رقم 7307. ومسلم رقم 2673. انتزاعا: أي محوا من الصدور. قال الحافظ في الفتح 13 / 287 بعد أن ذكر أحاديث في الفتن وقبض العلم. ويمكن أن تنزل هذه الأحاديث على الترتيب في الواقع فيكون أولا رفع العلم بقبض العلماء المجتهدين الاجتهاد المطلق ثم المقيد ثانيا فإذا لم يبق مجتهد استووا في التقليد لكن ربما كان بعض المقلدين أقرب إلى بلوغ درجة الاجتهاد المقيد من بعض، ولا سيما إن فرعنا على جواز تجزئ الاجتهاد ولكن لغلبة الجهل يقدم أهل الجهل أمثالهم وإليه الإشارة بقوله: «اتخذ الناس رؤوسا جهالا» وهذا ينفي ترئيس بعض من لم يتصف بالجهل التام كما لا يمتنع ترئيس من ينسب إلى الجهل في الجملة في زمن أهل الجهاد. . . يزداد حينئذ عليه الجهل وترئيس أهله ثم يجوز أن يقبض أولئك حتى لا يبقى منهم أحد وذلك جدير بأن يكون عند خروج الدجال أو بعد موت عيسى عليه السلام وحينئذ يتصور خلو الزمان عمن ينسب إلى العلم أصلا ثم تهب الريح فتقبض كل مؤمن وهناك يتحقق خلو الأرض عن مسلم فضلا عن عالم فضلا عن مجتهد ويبقى شرار الناس فعليهم الساعة والعلم عند الله. وفي الحديث من الفوائد الزجر عن ترئيس الجاهل لما يترتب عليه من المفسدة وقد يتمسك به من لا يجيز تولية الجاهل بالحكم ولو كان عاقلا عفيفا لكن إذا دار الأمر بين العالم الفاسق والجاهل العفيف فالجاهل العفيف أولى لأن ورعه يمنعه عن الحكم بغير علم فيحمله على البحث والسؤال أ. هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 [ باب ما جاء في شهادة الزور ] " 47 " باب ما جاء في شهادة الزور وقول الله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} الآية. [الحج: 30] . 93 - عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: «إن الطير لتخفق بأجنحتها، وترمي ما في حواصلها من هول يوم القيامة وإن شاهد الزور لا تزول قدماه حتى يتبوأ مقعده من النار» .   (93) رواه ابن ماجه مختصرا الأحكام 2 / 794 رقم 2373 والحاكم في المستدرك 4 / 98 بلفظ: «لا تزول قدما شاهد الزور يوم القيامة حتى تجب له النار» وقال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. قلت في إسناده محمد بن الفرات وهو كذاب. ورواه أبو نعيم في الحلية 7 / 264 من طريق محمد بن خليد عن خلف بن خليفة عن مسعر عن محارب عن ابن عمر. ومحمد بن خليد ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 94 - ولهما من حديث أبي بكر - رضي الله عنه - «ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور " فما زال يكررها حتى قلنا، ليته سكت» .   (94) رواه البخاري في الشهادات 5 / 261 رقم 2654 ومسلم الإيمان 1 / 91 رقم 87 من حديث طويل فيه «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر» . . . الحديث. أصل الزور: تحسين الشيء ووصفه بخلاف الحقيقة حتى يخيل لمن سمعه أنه خلاف ما هو به. وفي الاصطلاح مدح من لا يشهد شيئا من الباطل. ويشعر التكرير تأكيد تحريمه وعظم قبحه وسبب الاهتمام بذلك كون قول الزور أو شهادة الزور أسهل وقوعا على الناس والتهاون بها أكثر فإن الإشراك ينبوعه قلب المسلم، والعقوق يصرف عنه الطبع وأما الزور فالحوامل عليه كثيرة كالعداوة والحسد وغيرهما فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمه وليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها من الإشراك قطعا بل لكون مفسدة الزور متعدية إلى غير الشاهد بخلاف الشرك فإن مفسدته قاصرة غالبا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 [ باب ما جاء في اليمين الغموس ] " 48 " باب ما جاء في اليمين الغموس (1) 95 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعا: «من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان " ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} » [آل عمران: 77] . 96 - ولمسلم عن أبي أمامة - رضي الله عنه - مرفوعا: «من اقتطع حق امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان» وفي رواية «فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة " فقال رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله قال " وإن كان قضيبا من أراك» .   (95) رواه البخاري المساقاة 5 / 33 رقم 2356، 2357 ومسلم الأيمان 1 / 122 رقم 138. ويفيد الحديث التشديد على من حلف باطلا ليأخذ حق مسلم، وهو عند الجميع محمول على من مات على غير توبة صحيحة، وعند أهل السنة محمول على من شاء الله أن يعذبه. وأما التقيد بالمسلم فلا يدل على عدم تحريم الذمي بل هو حرام أيضا لكن لا يلزم أن يكون فيه هذه العقوبة العظيمة. والحاصل أن المسلم والذمي لا يفترق الحكم في الأمر فيهما في اليمين الغموس والوعيد عليها وفي أخذ حقهما باطلا وإنما يفترق في قدر العقوبة بالنسبة إليهما. (96) رواه مسلم الأيمان 1 / 122 رقم 137. وفي الحديث غلظ تحريم حقوق المسلمين وأنه لا فرق بين قليل الحق وكثيره في ذلك.   (1) وسمي غموسا لأنه يغمس صاحبه في النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 [ باب ما جاء في قذف المحصنات ] " 49 " باب ما جاء في قذف المحصنات وقول الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} الآية: [النور: 23] . 97 - ولهما عن أبي هريرة مرفوعا: «اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: " الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» .   (97) رواه البخاري الوصايا 5 / 393 رقم 2766 وكتاب الحدود 12 / 181 رقم 6857 ومسلم الإيمان 1 / 92 رقم 89. الموبقات المهلكات سميت بذلك لأنها سبب لإهلاك مرتكبها، والمراد قذف المحصنات الحرائر العفيفات ولا يختص بالمتزوجات بل حكم البكر كذلك بالإجماع. وقد انعقد الإجماع على أن حكم قذف المحصن من الرجال حكم قذف المحصنة من النساء. والقذف هو رمي العفيفات واتهامهن بالزنا. والغافلات: أي الغافلات عن الفاحشة التي اتهمن بها لأنهن بريئات منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 [ باب ما جاء في ذي الوجهين ] " 50 " باب ما جاء في ذي الوجهين وقول الله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} وقوله: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} 98 - ولهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا «تجدون شر الناس يوم القيامة ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه» .   (98) رواه البخاري المناقب 6 / 526 رقم 3494 والأدب 10 / 474 رقم 6058 والأحكام 13 / 170 رقم 7179 ومسلم البر والصلة 4 / 2011 رقم 2526 قال الحافظ 10 / 475. يحتمل أن يكون المراد بالناس من ذكر من الطائفتين المتضادتين خاصة فإن كل طائفة منهما مجانبة للأخرى ظاهرا فلا يتمكن من الاطلاع على أسرارها إلا بما ذكر من خداعه الفريقين ليطلع على أسرارهم فهو شرهم كلهم والأولى حمل الناس على عمومه فهو أبلغ في الذم. قال القرطبي: إنما كان ذو الوجهين شر الناس لأن حاله حال المنافق، إذ هو متملق بالباطل بالكذب مدخل للفساد بين الناس. قال النووي: هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها، فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها وصنيعه نفاق، ومحض كذب، وخداع وتحيل على الاطلاع على أسرار الطائفتين وهي مداهنة محرمة، فأما من يقصد بذلك الإصلاح بين الطائفتين فهو محمود. وقال غيره الفرق بينهما أن المذموم من يزين لكل طائفة عملها ويقبحه عند الأخرى ويذم كل طائفة عند الأخرى، والمحمود أن يأتي لكل طائفة بكلام فيه صلاح الأخرى ويعتذر لكل واحدة عن الأخرى، وينقل إليها ما أمكنه من الجميل ويستر القبيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 99 - وعن أنس - رضي الله عنه - مرفوعا «من كان ذا لسانين جعل الله له يوم القيامة لسانين من النار ".»   (99) رواه البزار كما في كشف الأستار الأدب 2 / 428 رقم 2025. قال الهيثمي 8 / 95 رواه البزار وأبو يعلى وفيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف. ورواه الطبراني في الأوسط كما في مجمع البحرين 8 / 202 رقم 4966. قال الهيثمي 8 / 95 رواه الطبراني في الأوسط وفيه مقدام بن داود ضعيف وله شاهد من حديث عمار بن ياسر رواه أبو داود الأدب 4 / 268 رقم 4873 وله شاهد آخر من حديث سعد بن أبي وقاص رواه الطبراني كما في مجمع البحرين 8 / 202 رقم 4965. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 [ باب ما جاء في النميمة ] " 51 " باب ما جاء في النميمة وقول الله تعالى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} 100 - عن حذيفة - رضي الله عنه - مرفوعا «لا يدخل الجنة نمام» . همز الإنسان: اغتابه. والنم: إظهار الحديث بالوشاية، وأصل النميمة الهمس والحركة. والنميمة: نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على وجه الإفساد سواء كان المنقول قولا أم فعلا وسواء كان عيبا أم لا.   (100) رواه البخاري الأدب 10 / 472 رقم 6056 ومسلم الإيمان 1 / 101 رقم 105 واللفظ لمسلم وجاء في لفظ البخاري ولفظ آخر لمسلم «لا يدخل الجنة قتات» وهو النمام. لا يدخل الجنة: أي في أول وهلة. قال الحافظ 10 / 473 قال الغزالي ما ملخصه: ينبغي لمن حملت إليه النميمة أن لا يصدق من نم له، ولا يظن بمن نم عنه ما نقل عنه ولا يبحث عن تحقيق ما ذكر له، وأن ينهاه ويقبح له فعله، وأن يبغضه إن لم ينزجر وأن لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه فينم هو على النمام فيصير نماما. قال النووي: وهذا كله إذا لم يكن في النقل مصلحة شرعية وإلا فهي مستحبة أو واجبة كمن اطلع من شخص أنه يريد أن يؤذي شخصا ظلما فحذره. واختلف في الغيبة والنميمة هل هما متغايرتان أو متحدتان والراجح التغاير وأن بينهما عموما وخصوصا وذلك لأن النميمة نقل حال الشخص لغيره على جهة الإفساد بغير رضاه سواء كان بعلمه أم بغير علمه، والغيبة ذكره في غيبته بما لا يرضيه، فامتازت النميمة بقصد الفساد ولا يشترط ذلك في الغيبة، وامتازت الغيبة بكونها في غيبة المقول فيه، واشتركتا فيما عدا ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 101 - ولهما في حديث القبرين «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير بلى إنه كبير أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة» الحديث. 102 - ولمسلم عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعا «ألا هل أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة القالة بين الناس ".»   (101) رواه البخاري الطهارة 1 / 317 رقم 216، 218 والجنائز 3 / 242 رقم 1378 والأدب 10 / 469 رقم 6052، 6055 ومسلم الطهارة 1 / 240 رقم 292 ولفظ الصحيحين يستتر بدل يستبرئ: أي يتجنبه ويتحرز منه. أبدى بعض العلماء للجمع بين هاتين الخصلتين مناسبة وهي أن البرزخ مقدمة الآخرة، وأول ما يقضى فيه يوم القيامة من حقوق الله الصلاة، ومن حقوق العباد الدماء، ومفتاح الصلاة التطهر من الحدث والخبث، ومفتاح الدماء الغيبة والسعي بين الناس بالنميمة بنشر الفتن التي يسفك بسببها الدماء. (102) رواه مسلم البر والصلة 4 / 2012 رقم 2606. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 [ باب ما جاء في البهتان ] " 52 " باب ما جاء في البهتان وقول الله تعالى {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} 103 - عن ابن عمر مرفوعا «من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال» رواه أبو داود بسند صحيح. 104 - ولمسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا «أتدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال: " ذكرك أخاك بما يكره " قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال: " إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ".» البهتان هو الباطل وأصل البهت أن يقال الباطل في وجهه.   (103) رواه أبو داود الأقضية 3 / 305 رقم 3597 وابن ماجه الأشربة 2 / 1120 رقم 377 وأحمد 2 / 70 والحاكم 2 / 27. وزاد ابن ماجه «قالوا يا رسول الله وما ردغة الخبال قال: " عصارة أهل النار» ذكره الشيخ ناصر في السلسلة الصحيحة رقم 438. وخروجه مما قال أن يتوب عنه ويستحل من المقول فيه. (104) رواه مسلم البر والصلة 4 / 2001 رقم 2589. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 [ باب ما جاء من اللعن ] " 53 " باب ما جاء في اللعن 105 - عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه مرفوعا: «إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها. ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن، فإن كان أهلا وإلا رجعت إلى قائلها» رواه أبو داود بسند جيد. 106 - وله شاهد عند أحمد بسند من حديث ابن مسعود. 107 - وأخرجه أبو داود وغيره من حديث ابن عباس رواته ثقات لكن أعل بالإرسال.   (105) رواه أبو داود الأدب 4 / 277 رقم 4905. قال الشيخ ناصر في صحيح الجامع حسن انظر الصحيحة 1269. (106) رواه أحمد في المسند 1 / 408. قال المنذري في الترغيب والترهيب 5 / 132 وإسناده جيد. (107) رواه أبو داود كتاب الأدب 4 / 278 رقم 4908 والترمذي البر والصلة 4 / 309 رقم 1978، وابن حبان 13 / 55 رقم 5745 والطبراني 12 / 160 رقم 57 / 127 عن ابن عباس رضي الله عنه «أن رجلا لعن الريح عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تلعن الريح فإنها مأمورة وليس أحد يلعن شيئا ليس له بأهل إلا رجعت عليه اللعنة. » وقال الترمذي حسن غريب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 108 - ولمسلم عن أبي برزة رضي الله عنه مرفوعا: «أن امرأة لعنت ناقة لها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تصحبنا ناقة عليها لعنة» . وله عن عمران (1) نحوه.   (108) صحيح مسلم البر والصلة 4 / 2005 رقم 2596.   (1) رواه مسلم 4 / 2004 رقم 2595. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 [ باب ما جاء في إفشاء السر ] " 54 " باب ما جاء في إفشاء السر 109 - عن أبي سعيد مرفوعا «إن من أشر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها ". » وفي رواية «إن من أعظم الأمانة» رواه مسلم. 110 - وعن جابر - رضي الله عنه - مرفوعا «إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة» حسنه الترمذي.   (109) رواه مسلم النكاح 2 / 1060 رقم 1437. يفضي: أي يصل إليها ويباشرها. ثم ينشر: أي يظهر. سرها: أي ما جرى بينه وبينها من أمور الاستمتاع. (110) رواه أبو داود الأدب 4 / 267 رقم 4868 والترمذي البر والصلة 4 / 301 رقم 1959 وأحمد المسند 3 / 380 وهو في السلسلة الصحيحة رقم 1090. ثم التفت: أي يمينا وشمالا احتياطا. فهي: أي ذلك الحديث لأن الحديث بمعنى الحكاية. أمانة: أي عند من حدثه أي حكمه حكم الأمانة فلا يجوز إضاعتها بإشاعتها لأن التفاته إعلام لمن حدثه أنه يخاف أن يسمع حديثه أحد، وأنه خصه سره فكان الالتفات قائما مقام اكتم هذا عني أي خذه عني واكتمه وهو عندك أمانة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 111 - ولأحمد عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - مرفوعا «من سمع من رجل حديثا لا يحب أن يذكر عنه فهو أمانة وإن لم يستكتمه» .   (111) رواه أحمد في المسند 6 / 445. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 8 / 97 وفي إسناد أحمد وأحد إسنادي الطبراني عبيد الله بن الوليد الوصافي وهو متروك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 [ باب ما جاء في لعن المسلم ] " 55 " باب ما جاء في لعن المسلم 112 - عن ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه - مرفوعا «لعن المؤمن كقتله» أخرجاه. 113 - وللبخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: «أنهم ضربوا رجلا قد شرب الخمر فلما انصرف قال بعض القوم أخزاك الله. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " لا تقولوا هذا لا تعينوا عليه الشيطان» .   (112) رواه البخاري الأدب 10 / 464 رقم 6047 - 6652 ومسلم الإيمان 1 / 104 رقم 101. (113) صحيح البخاري الحدود 12 / 66 رقم 6777، 6781. قال الحافظ: ووجه عونهم الشيطان بذلك يريد بتزيينه له المعصية أن يحصل له الخزي فإذا دعوا عليه بالخزي فكأنهم قد حصلوا مقصود الشيطان. بل يندب الدعاء له بالتوبة والمغفرة. لأن الدعاء عليه قد يحمله على التمادي أو يقنطه من قبول التوبة. وفي الحديث رد على من زعم أن مرتكب الكبيرة كافر لثبوت النهي عن لعنه والأمر بالدعاء له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 [ باب ذكر تأكده في الأموات ] " 56 " باب ذكر تأكده في الأموات 114 - عن عائشة - رضي الله عنها - مرفوعا «لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا» . رواه البخاري.   (114) رواه البخاري الجنائز 3 / 258 رقم 1393 رقم 6516. قال الحافظ في الفتح. قال ابن بطال: سب الأموات يجري مجرى الغيبة فإن كان أغلب أحوال المرء الخير - وقد تكون منه الفلتة - فالاغتياب له ممنوع، وإن كان فاسقا معلنا فلا غيبة له، فكذلك الميت ويحتمل أن يكون النهي على عمومه فيما بعد الدفن، والمباح ذكر الرجل بما فيه قبل الدفن ليتعظ بذلك الفساق الأحياء، فإذا صار إلى قبره أمسك عنه لإفضائه إلى ما قدم، وأصح ما قيل في ذلك أن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساويهم للتحذير منهم والتنفير عنهم، وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتا. وقيل إن السب ينقسم في حق الكفار وفي حق المسلمين، أما الكافر فيمنع إذا تأذى به الحي المسلم، وأما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك كأن يصير من قبيل الشهادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 [ باب ذكر قول يا عدو الله أو يا فاسق أو يا كافر ونحوه ] " 57 " باب ذكر قول يا عدو الله أو يا فاسق أو يا كافر ونحوه 115 - عن أبي ذر - رضي الله عنه - مرفوعا «لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك» رواه البخاري.   (115) صحيح البخاري الأدب 10 / 464 رقم 6045. قال الحافظ في الفتح. وهذا يقتضي أن من قال لآخر أنت فاسق، أو قال له أنت كافر، فإن كان ليس كما قال، كان هو المستحق للوصف المذكور، وأنه إذا كان كما قال لم يرجع عليه شيء. لكونه صدق فيما قال، لكن لا يلزم من كونه لا يصير بذلك فاسقا ولا كافرا إلا يكون آثما في صورة قوله له أنت فاسق بل في هذه الصورة تفصيل. إن قصد نصحه أو نصح غيره ببيان حاله جاز، وإن قصد تعييره وشهرته بذلك ومحض أذاه لم يجز، لأنه مأمور بالستر عليه وتعليمه وعظته بالحسنى، فمهما أمكنه ذلك بالرفق لا يجوز له أن يفعله بالعنف، لأنه قد يكون سببا لإغرائه وإصراره على ذلك الفعل، كما في طبع كثير من الناس من الأنفة، لا سيما إن كان الآمر دون المأمور في المنزلة. قال النووي: اختلف في تأويل هذا الرجوع. . وأرجح من الجميع أن من قال ذلك لمن عرف منه الإسلام ولم يقم له شبهة في زعمه أنه كافر فإنه يكفر بذلك، فمعنى الحديث فقد رجع عليه تكفيره فالراجح التكفير لا الكفر فكأنه كفر نفسه لكونه كفر من هو مثله، ومن لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام، ويؤيده أن بعض طرقه وجب الكفر على أحدهما. قال القرطبي حيث جاء الكفر في لسان الشرع فهو جحد المعلوم من دين الإسلام بالضرورة الشرعية، وقد ورد الكفر في الشرع بمعنى جحد النعم وترك شكر المنعم والقيام بحقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 116 - وعن سمرة - رضي الله عنه - مرفوعا «لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار» صححه الترمذي. 117 - ولهما عن أبي ذر - رضي الله عنه - مرفوعا «من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله. وليس كذلك إلا حار عليه ".»   (116) رواه أبو داود الأدب 4 / 277 رقم 4906 والترمذي البر 4 / 308 رقم 1976 وأحمد 5 / 15 والحاكم 1 / 48. قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح ووافقه الذهبي، قلت في إسناده الحسن البصري وهو مدلس وقد عنعن وهو يروي عن سمرة، والخلاف مشهور في سماع الحسن من سمرة. (117) رواه البخاري 10 / 464 رقم 6045 ومسلم الإيمان 1 / 79 - 80 رقم 112 واللفظ لمسلم. حار عليه: أي رجع عليه ما نسب إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 [ باب ما جاء في لعن الرجل والديه ] " 58 " باب ما جاء في لعن الرجل والديه 118 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعا «من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه - قيل يا رسول كيف يلعن الرجل والديه؟ قال: " يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه» أخرجاه.   (118) رواه البخاري الأدب 10 / 403 رقم 5973 ومسلم الإيمان 1 / 92 رقم 90. وقد استبعد السائل أن يلعن الرجل والديه لأن الطبع المستقيم يأبى ذلك فبين في الجواب أنه وإن لم يتعاط السب بنفسه في الأغلب الأكثر لكن قد يقع منه التسبب فيه وهو مما يمكن وقوعه كثيرا. وهذا الحديث أصل في سد الذرائع ويؤخذ منه أن من آل فعله إلى محرم، يحرم عليه ذلك الفعل، وإن لم يقصد إلى ما يحرم، والأصل في هذا الحديث قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} وفيه دليل على عظم حق الأبوين وفيه العمل بالغالب لأن الذي يسب أبا الرجل يجوز أن يسب الآخر آباه ويجوز أن لا يفعل لكن الغالب أن يجيبه بنحو قوله. واستنبط منه العلماء منع بيع الثوب الحرير ممن يتحقق أنه يلبسه أو العصير أو العنب ممن تحقق أنه يتخذه خمرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 [ باب النهي عن دعوى الجاهلية ] " 59 " باب النهي عن دعوى الجاهلية 119 - «ولما قال المهاجري يا للمهاجرين! وقال الأنصاري يا للأنصار! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ " وغضب لذلك غضبا شديدا» .   (119) رواه البخاري كتاب التفسير سورة المنافقين 8 / 648 رقم 4905 ومسلم البر 4 / 1998 رقم 2554 من طريق جابر. قال النووي: وأما تسميته صلى الله عليه وسلم ذلك دعوى الجاهلية فهو كراهة منه لذلك، فإنه مما كانت عليه الجاهلية من التعاضد بالقبائل في أمور الدنيا ومتعلقاتها، وكانت الجاهلية تأخذ حقوقها بالعصبيات والقبائل، فجاء الإسلام بإبطال ذلك وفصل القضايا بالأحكام الشرعية فإذا اعتدى إنسان على آخر حكم القاضي بينهما وألزمه مقتضى عدوانه كما تقرر من قواعد الإسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 [ باب النهي عن الشفاعة في الحدود ] " 60 " باب النهي عن الشفاعة في الحدود وقول الله تعالى: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} 120 - ولهما في حديث المخزومية «أتشفع في حد من حدود الله؟» الموطأ عن الزبير - رضي الله عنه.   (120) رواه البخاري الأنبياء 6 / 513 رقم 3475 والحدود 12 / 87 رقم 6788 ومسلم الحدود 3 / 1315 رقم 1688. قال الحافظ في الفتح 12 / 95. وفي الحديث من الفوائد منع الشفاعة في الحدود ويقيد المنع بما إذا انتهى ذلك إلى أولي الأمر. واختلف العلماء في ذلك فقال ابن عبد البر لا أعلم خلافا أن الشفاعة في ذوي الذنوب حسنة جميلة ما لم تبلغ السلطان وأن على السلطان أن يقيمها إذا بلغته. وذكر الخطابي وغيره عن مالك أنه فرق بين من عرف بأذى الناس ومن لم يعرف وقال لا يشفع للأول مطلقا سواء بلغ الإمام أم لا، وأما من لم يعرف بذلك فلا بأس أن يشفع له ما لم يبلغ الإمام. وفي الحديث ترك المحاباة في إقامة الحد على من وجب عليه ولو كان ولدا قريبا أو كبير القدر والتشديد في ذلك، والإنكار على من رخص فيه أو تعرض للشفاعة فيمن وجب عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 121 - وفي الموطأ عن الزبير رضي الله عنه: «إذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع» . 122 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعا: «من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره ".»   (121) رواه مالك في الموطأ الحدود 2 / 835 رقم 29 قال الحافظ في الفتح 12 / 87 منقطع مع وقفه قلت ربيعة بن أبي عبد الرحمن لم يعاصر الزبير. ورواه الطبراني في الصغير 1 / 59 وفي الأوسط كما في مجمع البحرين 4 / 259 رقم 2433 قال الهيثمي 6 / 259 وفيه أبو عزية محمد بن موسى الأنصاري ضعفه أبو حاتم وغيره ووثقه الحاكم. وعبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف. قال الحافظ في الفتح 12 / 89 وهو عند ابن أبي شيبة (9 / 464) بسند حسن عن الزبير موقوفا وبسند آخر حسن عن علي نحو ذلك. قلت: لفظ ابن أبي شيبة عن الزبير وعن علي ليس فيه لعن. (122) رواه أبو داود الأقضية 3 / 305 رقم 3597 وأحمد 2 / 70 والحاكم 2 / 27. وقال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. ذكره الشيخ ناصر في الصحيحة 438 ورواه ابن أبي شيبة 9 / 465 رقم 8128 والبيهقي في الكبرى 8 / 332 موقوفا على ابن عمر. وللمرفوع شاهد عن أبي هريرة. رواه الطبراني في الوسط كما في مجمع البحرين 1 / 260 رقم 2434، 4 / 105 رقم 2171. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 4 / 2021، 6 / 259 وفيه رجاء السقطي ضعفه ابن معين ووثقه ابن حبان قلت وهو ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 [ باب من أعان على خصومة في الباطل ] " 61 " باب من أعان على خصومة في الباطل وقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} الآية [المائدة: 2] ، وقوله {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} الآية [النساء: 85] . 123 - عن ابن عمر - رضي الله عنه - مرفوعا «من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره. ومن خاصم في باطل وهو يعلم أنه باطل، لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه حبس في ردغة الخبال. حتى يخرج مما قال» وفي رواية «ومن أعان على خصومة بظلم، فقد باء بغضب من الله عز وجل» رواه أبو داود بسند صحيح.   (123) تقدم في الحديث السابق. من خاصم: أي جادل أحدا. في باطل: أي يعلم أنه باطل أو يعلم نفسه أنه على الباطل أو يعلم أن خصمه على الحق. حتى ينزع: أي يترك وينتهي عن مخاصمته يقال نزع عن الأمور نزوعا إذا انتهى عنه. وخروجه مما قال: أن يتوب منه ويستحل من المقول فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 [ باب من شهد أمرا فليتكلم بخير أو ليسكت ] " 62 " باب من شهد أمرا فليتكلم بخير أو ليسكت 124 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فإذا شهد أمرا فليتكلم بخير أو ليسكت» رواه مسلم.   (124) رواه مسلم الإيمان 1 / 68 رقم 47 والبخاري الأدب 10 / 445 رقم 6018 بنحوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 [ باب ما يحذر من الكلام في الفتن ] " 63 " باب ما يحذر من الكلام في الفتن 125 - عن ابن عمرو (1) - رضي الله عنهما - مرفوعا «ستكون فتنة تستنظف العرب قتلاها في النار، اللسان فيها أشد من وقع السيف» رواه أبو داود. 126 - وله عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا «ستكون فتنة صماء بكماء عمياء، من أشرف لها استشرفت له، وإشراف اللسان فيها كوقوع السيف» .   (125) رواه أبو داود الفتن 4 / 102 رقم 4265 وابن ماجه الفتن 2 / 1312 رقم 3967. والترمذي 4 / 411 رقم 2178. وفي إسناده زياد بن سليم مقبول. تستنظف: تستوعبهم هلاكا من استنظف الشيء أخذه كله وقتلاها في النار: بسبب قتالهم على الدنيا واتباعهم الشيطان والهوى أي سيكونون في النار أو هم حينئذ في النار لأنهم يباشرون ما يوجب دخولهم النار. قال القرطبي: بالكذب عند أئمة الجور ونقل الأخبار إليهم فربما ينشأ من ذلك من الغضب والقتل والجلاء والمفاسد العظيمة أكثر مما ينشأ من وقوع الفتنة نفسها. (126) رواه أبو داود الفتن 4 / 102 رقم 4264 وفي إسناده عبد الرحمن بن البيلماني ضعيف. وقد وصفت الفتنة بهذه الأوصاف، بأوصاف أصحابها أي لا يسمع فيها الحق ولا ينطق به ولا يتضح الباطل عن الحق، وقيل لا يميزون فيها بين الحق والباطل ولا يسمعون النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل من تكلم فيها بحق أوذي ووقع في الفتن والمحن. من أشرف لها: أي من اطلع عليها وقرب منها. استشرفت له: أي اطلعت تلك الفتنة عليه وجذبتهم إليها.   (1) جاء في الأصل عمر والصواب ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 127 - ولابن ماجه عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعا «إياكم والفتن فإن اللسان فيها كوقع السيف» .   (127) رواه ابن ماجه الفتن 2 / 1312 رقم 3968. قال البوصيري في الزوائد وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن وهو ضعيف وأبوه لم يسمع من ابن عمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 [ باب قول هلك الناس ] " 64 " باب قول هلك الناس 128 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا «إذا قال الرجل هلك الناس، فهو أهلكهم» رواه مسلم.   (128) رواه مسلم كتاب البر 4 / 2024 رقم 2623 اتفق العلماء على أن هذا الذم إنما هو فيمن قاله على سبيل الازدراء على الناس واحتقارهم وتفضيل نفسه عليهم وتقبيح أحوالهم. قالوا: فأما من قال ذلك تحزنا لما يرى في نفسه وفي الناس من النقص في أمر الدين فلا بأس عليه قال الخطابي معناه لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم أي أسوأ حالا منهم بما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أنه خير منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 [ باب الفخر ] " 65 " باب الفخر وقول الله تعالى: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} الآية: [الأعراف: 12] . 129 - عن عياض بن حمار - رضي الله عنه - مرفوعا «إن الله تعالى أوحى إلي، أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد» رواه مسلم. 130 - وله عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن - الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت، وقال - النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب» .   (129) صحيح مسلم الجنة 4 / 2198 رقم 2865. قال أبو علي الجوزجاني رحمه الله: إن النفس معجونة بالكبر والحرص والحسد فمن أراد الله تعالى هلاكه منع منه التواضع والنصيحة والقناعة وإذا أراد الله تعالى به خيرا لطف به في ذلك فإذا هاجت في نفسه نار الكبر أدركها التواضع من نصرة الله تعالى وإذا هاجت نار الحسد في نفسه أدركتها النصيحة مع توفيق الله عز وجل وإذا هاجت في نفسه نار الحرص أدركتها القناعة مع عون الله عز وجل. (130) صحيح مسلم الجنائز 2 / 644 رقم 934. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 131 - وروى الترمذي وحسنه «لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا، إنما هم فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان، إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء إنما هو مؤمن تقي، أو فاجر شقي، الناس من آدم، وآدم خلق من تراب» عبية بتشديد الباء وكسرها الفخر والكبر.   (131) رواه الترمذي المناقب 5 / 690 رقم 3955 وأبو داود الأدب 4 / 331 رقم 5516 وأحمد 2 / 361 وقال الترمذي حسن غريب وصححه الشيخ ناصر في صحيح الجامع 2 / 963 رقم 5482. الجعل: هي الخنفساء. عبية الجاهلية: نخوتها وكبرها. مؤمن تقي وفاجر شقي: قال الخطابي معناه أن الناس رجلان مؤمن تقي فهو الخير الفاضل وإن لم يكن حسيبا في قومه، وفاجر شقي فهو الدنيء وإن كان في أهله شريفا رفيعا اهـ. وقيل إن المفتخر المتكبر إما مؤمن تقي فإذا لا ينبغي له أن يتكبر على أحد، أو فاجر شقي فهو ذليل عند الله، والذليل لا يستحق التكبر، فالتكبر منفي بكل حال، ولا يليق بمن أصله التراب النخوة والتجبر، أو إذا كان الأصل واحدا فالكل إخوة فلا وجه للتكبر لأن بقية الأمور عارضة لا أصل لها حقيقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 [ باب الطعن في الأنساب ] " 66 " باب الطعن في الأنساب 132 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا «اثنتان في الناس هما بهم كفر، الطعن في الأنساب، والنياحة على الميت» .   (132) صحيح مسلم الإيمان 1 / 82 رقم 67. المراد أن هاتين الخصلتين من أعمال الكفار لا من خصال الأبرار أو المراد كفر النعمة. وقوله هما بهم كفر: أي هاتان الخصلتان هما كفر قائم بالناس فنفس الخصلتين كفر حيث كانتا من عمل الكفار، فهما قائمتان بالناس، لكن ليس كل من قام به شعبة من شعب الكفار كافرا الكفر المطلق الذي تقوم به حقيقة الكفر، كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير مؤمنا حتى يقوم به أصل الإيمان. الطعن في الأنساب: أي الوقوع في أعراض الناس بنحو القدح في نسب ثبت في ظاهر الشرع. النياحة على الميت: ولو بغير بكاء ولا شق جيب والنياحة رفع الصوت بالندب بتعدد شمائله، وذلك لأن من طعن في نسب غيره فقد كفر نعمة سلامة نسبه من الطعن، ومن ناح فقد كفر نعمة الله حيث لم يرض بقضائه وهو المحيي والمميت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 [ باب من ادعى نسبا ليس له ] " 67 " باب من ادعى نسبا ليس له 133 - ولهما عن سعد مرفوعا «من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام» . 134 - ولهما عن أبي هريرة مرفوعا «لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فهو كفر» .   (133) رواه البخاري الفرائض 12 / 54 رقم 6766 ومسلم الإيمان 1 / 80 رقم 63. (134) رواه البخاري الفرائض 12 / 54 رقم 6768 ومسلم 1 / 80 رقم 62. المراد بالحديث من تحول عن نسبته لأبيه إلى غير أبيه عالما عامدا مختارا، وكانوا في الجاهلية لا يستنكرون أن يتبنى الرجل ولد غيره ويصير الولد ينسب إلى الذي تبناه حتى نزل قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} فنسب كل واحد إلى أبيه الحقيقي وترك الانتساب إلى من تبناه لكن بقي بعضهم مشهورا بمن تبناه فيذكر به لقصد التعريف لا لقصد النسب الحقيقي. وليس المراد بالكفر حقيقة الكفر التي يخلد صاحبها في النار، قال النووي 2 / 57 وفيه أقوال أصحها أن معناه من أعمال الكفار وأخلاق الجاهلية والثاني أنه يؤدي إلى الكفر. وإطلاق الكفر هنا أنه كذب على الله كأنه يقول خلقني الله من ماء فلان وليس كذلك لأنه إنما خلقه من غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 135 - ولهما عن علي رضي الله عنه مرفوعا «من ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا» .   (135) رواه البخاري 4 / 81 رقم 1870 ومسلم الحج 2 / 994 رقم 1370 من حديث طويل. قال البيضاوي الظاهر أنه أراد به ولاء العتق، لعطفه على قوله «من ادعى إلى غير أبيه» والجمع بينهما بالوعيد، فإن العتق من حيث إنه لحمة كلحمة النسب فإذا نسب إلى غير من هو له، كان كالدعي الذي تبرأ عمن هو منه وألحق بغيره فيستحق به الدعاء عليه بالطرد والإبعاد عن الرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 [ باب من تبرأ من نسبه ] " 68 " باب من تبرأ من نسبه 136 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا «كفر من تبرأ من نسبه وإن دق، أو ادعى نسبا لا يعرف» . 137 - وللطبراني معناه من حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه. 138 - ولأبي داود وابن حبان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا «أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها جنته، وأيما والد جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله عنه يوم القيامة، وفضحه على رؤوس الخلائق من الأولين والآخرين» .   (136) حسن، رواه أحمد في المسند 2 / 215 والطبراني في الصغير 2 / 108. (137) حسن رواه الطبراني في الأوسط كما في مجمع البحرين 1 / 149 رقم 132، 133 والبزار كما في كشف الأستار الإيمان 1 / 70 رقم 104 والدارمي الفرائض 2 / 248 رقم 2864، 2866. (138) رواه أبو داود الطلاق 2 / 279 رقم 2263 والنسائي الطلاق 6 / 490 رقم 1481 وابن ماجه الفرائض 2 / 916 رقم 2743 والشافعي في المسند 2 / 49 والحاكم 2 / 202 والدارمي 2 / 161 رقم 2534 وابن حبان في صحيحه 9 / 418 رقم 4108 والبيهقي 7 / 403 وإسناده ضعيف فيه عبد الله بن يونس لم يوثقه غير ابن حبان ولم يرو عنه إلا يزيد بن عبد الله بن الهاد. وله شاهد من حديث ابن عمر رواه أحمد 2 / 26 وغيره وسنده حسن. أيما امرأة أدخلت على قوم: أي بالانتساب بالباطل. ليست من الله في شيء: أي من رحمته. ولن يدخلها الله جنته: أي مع من يدخلها من المحسنين بل يؤخرها أو يعذبها ما شاء الله أن تكون. جحد ولده: أي أنكره ونفاه. وهو ينظر له: أي الرجل ينظر إلى الولد وهو كناية عن العلم بأنه ولده أو الولد ينظر إلى الرجل فيه إشعار إلى قلة شفقته ورحمته وكثرة قساوة قلبه وغلظته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 [ باب من ادعى ما ليس له ومن إذا خاصم فجر ] " 69 " باب من ادعى ما ليس له ومن إذا خصم فجر 139 - فيه حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - وروي عن ابن مسعود وعمر - رضي الله عنهما - «من قال أنا مؤمن فهو كافر ومن قال هو في الجنة فهو في النار، ومن قال هو عالم فهو جاهل» . 140 - ولهما عن أبي ذر مرفوعا «ليس من رجل ادعى إلى غير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى ما ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار، ومن رمى مسلما بالكفر أو قال يا عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه» .   (139) يشير إلى الحديث المتقدم برقم 50. (140) رواه البخاري كتاب المناقب 6 / 539 رقم 3508 ومسلم الإيمان 1 / 79 رقم 112. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 [ باب الدعوى في العلم افتخارا ] " 70 " باب الدعوى في العلم افتخارا 141 - عن عمر - رضي الله عنه - مرفوعا «يظهر الإسلام حتى تختلف التجار في البحر، وحتى تخوض الخيل في سبيل الله. ثم يظهر أقوام يقرءون القرآن، يقولون من أقرأ منا؟ من أعلم منا؟ من أفقه منا؟ ثم قال: هل في أولئك من خير؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال: " أولئك منكم من هذه الأمة " وأولئك هم وقود النار» . رواه البزار بسند لا بأس به. 142 - وللطبراني معناه عن ابن عباس. قال المنذري (1) إسناده حسن.   (141) رواه البزار العلم باب ما يخاف على العالم 1 / 68 رقم 173 والطبراني في الأوسط كما في مجمع البحرين 1 / 279 رقم 331. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1 / 186 رواه الطبراني والبزار ورجال البزار موثقون. (142) رواه الطبراني 12 / 250 رقم 13019. ورواه أبو يعلى 12 / 56 رقم 6698 والبزار كما في كشف الأستار 1 / 99 رقم 173 من حديث العباس بن عبد المطلب. قال الهيثمي من مجمع الزوائد 1 / 185 رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الكبير وفيه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف.   (1) كما في الترغيب والترهيب 1 / 83 كتاب العلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 [ باب ذكر جحود النعمة ] " 71 " باب ذكر جحود النعمة 143 - في الصحيح عن ابن عباس مرفوعا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «دخلت (1) النار فرأيت أكثر أهلها النساء، يكفرن، قيل يكفرن بالله؟ قال لا، يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت، ما رأيت منك خيرا قط» . 144 - عن أبي هريرة مرفوعا «من لا يشكر الناس لا يشكر الله» صححه الترمذي وقال حسن غريب (2) .   (143) رواه البخاري الإيمان 1 / 83 رقم 29 والكسوف 2 / 540 رقم 1052 وفي النكاح 9 / 298 رقم 5197 ومسلم الكسوف 2 / 626 رقم 907. يكفرن العشير المقصود كفر إحسان العشير لا كفر ذاته. والعشير: هو الزوج. وفي الحديث إشارة إلى وجود سبب التعذيب لأنها بذلك كالمصرة على كفر النعمة والإصرار على المعصية من أسباب العذاب. وخص كفران العشير من بين أنواع الذنوب لدقيقة بديعة، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: " «لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» فقرن حق الزوج على الزوجة بحق الله فلذلك يطلق عليها الكفر لكنه كفر لا يخرج عن الملة " الفتح 1 / 83. (144) رواه أبو داود الأدب 4 / 255 رقم 4811 والترمذي البر 4 / 298 رقم 1954 وقال حسن صحيح، وأحمد 2 / 258، 295، 303، 388، 461، 492.   (1) لفظ صحيح البخاري أريت النار ولفظ مسلم رأيت النار. (2) كذا جاء ولعلها تصحيف من النساخ من حسن صحيح كما هو في جامع الترمذي ولأن المصنف رحمه الله قال صححه الترمذي ولعل مكانها في الحديث القادم. قال الغزالي: إن مما ينبغي أن نعالج به القلوب البعيدة عن الشكر، أن تعرف أن النعمة إذا لم تشكر زالت ولم تعد، ولذلك كان الفضيل بن عياض رحمه الله يقول عليكم بملازمة الشكر على النعم فقل نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم. قال بعض السلف: النعم وحشية فقيدوها بالشكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 145 - وعن جابر - رضي الله عنه - مرفوعا «من أعطى عطاء فليجز به إن وجد، ومن لم يجد فليثن به، فإن الثناء شكر، فإن أثنى فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره» .   (145) رواه الترمذي البر 4 / 322 رقم 2034 وأبو داود 4 / 255 رقم 4813 وابن حبان 8 / 204 رقم 3415. قال الترمذي حسن غريب. وذكره الشيخ ناصر في السلسلة الصحيحة 617. أي من أعطى شيئا فليكن عارفا بحقه فإن وجد مالا فيعطيه مكافأة على صنيعه، ومن لم يجد مالا فليشكره ويثني عليه، أو يدعو له، ولا يجوز كتمان نعمته فإن أثنى عليه فقد شكره على ما أعطاه وإن كتمه فقد كفره أي كفر نعمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 [ باب ما جاء في لمز أهل طاعة الله والاستهزاء بضعفتهم ] " 72 " باب ما جاء في لمز أهل طاعة الله والاستهزاء بضعفتهم 146 - عن أبي مسعود (1) - رضي الله عنه - «لما نزلت آية الصدقة كنا نحمل على ظهورنا، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقالوا: مراء، وجاء رجل فتصدق بصاع، فقالوا: إن الله لغني عن هذا فنزلت: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ} » [التوبة: 79] .   (146) رواه البخاري الزكاة 3 / 282 رقم 1415 والتفسير 8 / 330 رقم 4668 ومسلم 2 / 706 رقم 1018 ولفظه عن أبي مسعود قال: «لما أمرنا بالصدقة كنا نتحامل فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رياء فنزلت {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ} » الآية.   (1) جاء في الأصل ابن مسعود والصواب ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 [ باب الاستهزاء ] " 73 " باب الاستهزاء وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} وقوله تعالى: {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ} وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} الآية: [الحجرات: 11] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 147 - عن الحسن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم في الآخرة باب من الجنة فيقال له: هلم هلم! فيجيء بكربه وغمه فإذا جاءه أغلق دونه ثم يفتح له باب آخر فيقال له هلم هلم فيجيء بكربه وغمه فإذا جاءه أغلق دونه فما يزال كذلك حتى إن أحدهم ليفتح له الباب من أبواب الجنة فيقال له هلم فما يأتيه من اليأس» أخرجه البيهقي. 148 - ولابن أبي حاتم وغيره عن ابن عمرو (1) مرفوعا: «من مات همازا لمازا ملقبا للناس كان علامته أن يسمه الله على الخرطوم من كلا الشدقين» .   (147) رواه البيهقي في شعب الإيمان 5 / 310 رقم 6757 والحديث مرسل لأن الحسن البصري تابعي. (148) رواه البيهقي في شعب الإيمان 5 / 307 رقم 6744 بنحوه. والنسوي في المعرفة والتاريخ 2 / 515، 516.   (1) جاء في الأصل ابن عمر والصواب ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 [ باب ترويع المسلم ] " 74 " باب ترويع المسلم 149 - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: «حدثنا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يسيرون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فنام رجل منهم فقام بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إنه لا يحل لمسلم أن يروع أخاه» رواه أبو داود.   (149) صحيح، رواه أبو داود الأدب 4 / 301 رقم 5004 وأحمد 5 / 362. يروع: يفزع. لا يجوز للمسلم أن يفزع أو يخيف أخاه المسلم وإن كان مازحا كإشارته بالسلاح أو بحديدة أو أخذ متاعه لما فيه من إدخال الأذى والضرر عليه والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 [ باب المتشبع بما لم يعط ] " 75 " باب المتشبع بما لم يعط 150 - ولهما عن أسماء «أن امرأة قالت يا رسول الله إن لي ضرة فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي بما لم يعطني فقال: " المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور» .   (150) رواه البخاري النكاح 9 / 317 رقم 5219 ومسلم اللباس 3 / 1681 رقم 2130. المتشبع: أي المتزين بما ليس عنده يتكثر بذلك ويتزين بالباطل، كالمرأة تكون عند الرجل ولها ضرة فتدعى من الحظوة عند زوجها أكثر مما عنده تريد بذلك غيظ ضرتها، وأراد بذلك تنفير المرأة عما ذكرت خوفا من الفساد بين زوجها وضرتها وما يورث بينهما من البغضاء فيصير كالسحر الذي يفرق بين المرء وزوجه. وكذلك هذا في الرجل يلبس الثياب المشبهة لثياب الزهاد يوهم أنه منهم ويظهر من التخشع والتقشف أكثر مما في قلبه. ومعنى ثوبي زور هو أن يلبس ثوبي وديعة أو عارية يظن الناس أنها له ولباسهما لا يدوم ويفتضح بكذبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 [ باب التحدث بالمعصية ] " 76 " باب التحدث بالمعصية 151 - ولهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل عملا بالليل، ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه، وأصبح يكشف ستر الله عليه» ".   (151) رواه البخاري الأدب 10 / 486 رقم 6069 ومسلم الزهد 4 / 2291 رقم 2990. كل أمتي معافى: من العافية وهو إما بمعنى عفا الله عنه وإما سلمه الله. والمجاهر: الذي أظهر معصيته وكشف ما ستر الله عليه فيحدث بها. قال النووي: إن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون ما لم يجاهر به. قال ابن بطال: وفي الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين وفيه ضرب من العناد لهم. وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف، لأن المعاصي تذل أهلها وستر الله مستلزم لستر المؤمن على نفسه، فمن قصد إظهار المعصية والمجاهرة بها أغضب ربه فلم يستره، ومن قصد الستر بها حياء من ربه ومن الناس من الله عليه بستره إياه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 [ باب ما جاء في الشتم بالزنا ] " 77 " باب ما جاء في الشتم بالزنا 152 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا «من قذف مملوكه بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال» .   (152) رواه البخاري الحدود 12 / 185 رقم 6858 ومسلم الإيمان 3 / 1282 رقم 1660. قال الحافظ قال ابن المهلب أجمعوا على أن الحر إذا قذف عبدا لم يجب عليه الحد، ودل هذا الحديث على ذلك لأنه لو وجب على السيد أن يجلد في قذف عبده في الدنيا لذكره كما ذكره في الآخرة، وإنما خص ذلك بالآخرة تمييزا للأحرار من المملوكين فأما في الآخرة فإن ملكهم يزول عنهم ويتكافئون في الحدود ويقتص لكل منهم إلا أن يعفو، ولا مفاضلة حينئذ إلا بالتقوى وقال الحافظ في نقله الإجماع نظر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 [ باب النهي عن تسمية الفاسق سيدا ] " 78 " باب النهي عن تسمية الفاسق سيدا 153 - عن بريدة مرفوعا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا تقولوا للمنافق سيد فإنه إن يك سيدا فقد أسخطتم ربكم» . رواه أبو داود بسند صحيح.   (153) رواه أبو داود الأدب 4 / 295 رقم 4977 وأحمد 5 / 246 والبخاري في الأدب المفرد 258 رقم 761 والنسائي في الكبرى عمل اليوم والليلة 6 / 70 رقم 10073 وابن السني في عمل اليوم والليلة ص 385 والحاكم 4 / 311 وغيرهم. قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين، وقال المنذري في الترغيب والترهيب 4 / 21 رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح. فإن يك سيدا: أي سيد قوم أو صاحب عبيد أو إماء وأموال فقد أسخطتم ربكم، لأنه يكون تعظيما له وهو ممن لا يستحق التعظيم، فكيف إن لم يكن سيدا بأحد من المعاني، فإنه يكون مع ذلك كذبا ونفاقا، وقيل معناه لا تقولوا للمنافق سيد فإنه إن كان سيدكم وهو منافق فحالكم دون حاله والله لا يرضى لكم ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 [ باب النهي عن الحلف بالأمانة ] " 79 " باب النهي عن الحلف بالأمانة 154 - عن بريدة رضي الله عنه مرفوعا «من حلف بالأمانة فليس منا» رواه أبو داود بسند صحيح.   (154) رواه أبو داود الأيمان والنذور 3 / 223 رقم 3253 وأحمد 5 / 352 وابن حبان 10 / 205 رقم 4363 والطحاوي في مشكل الآثار 2 / 136 والحاكم 4 / 298 والبيهقي 10 / 3 قال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وذكره الشيخ ناصر في السلسلة الصحيحة رقم 94 وقال إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات. يدل الحديث على تحريم الحلف بالأمانة ولا يجوز الحلف بغير الله مطلقا فهو كفر بالله سبحانه لقوله صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» فلا يجوز الحلف بالأب أو بالنبي أو بالولي أو بالشرف أو بغير ذلك من الأشياء قال في النهاية: يشبهه أن تكون الكراهة فيه لأجل أنه أمر أن يحلف بأسماء الله وصفاته والأمانة أمر من أموره فنهوا عنها من أجل التسوية بينها وبين أسماء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 [ باب النهي عن الحلف بملة غير الإسلام ] " 80 " باب النهي عن الحلف بملة غير الإسلام 155 - عن أبي زيد (1) رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من حلف بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال» أخرجاه.   (155) رواه البخاري الجنائز 3 / 226 رقم 1363، 6047، 6105، 6652 ومسلم أيمان 1 / 104 رقم 110. الملة: الدين والشريعة وهي نكرة في سياق الشرط تعم جميع الملل من أهل الكتاب كاليهودية والنصرانية ومن لحق بهم من المجوسية والصابئة وأهل الأوثان وغيرهم. قال ابن دقيق العيد: الحلف بالشيء حقيقة هو القسم به وإدخال بعض حروف القسم عليه كقوله والله والرحمن. فتكون صورة الحلف هنا على وجهين: الأول: أن يتعلق بالمستقبل كقوله إن فعل كذا فهو يهودي. الثاني: يتعلق بالماضي كقوله إن كان فعل كذا فهو يهودي وقد يتعلق بهذا من لم ير فيه كفارة لكونه لم يذكر فيه كفارة بل جعل المرتب على كذبه قوله فهو كما قال. ولا يكفر في صورة الماضي إلا إذا قصد التعظيم ويستفاد من معنى قوله كاذبا متعمدا أن الحالف المتعمد إن كان مطمئن القلب بالإيمان وهو كاذب في تعظيم ما لا يعتقد تعظيمه لم يكفر. وإن قاله معتقدا لليمين بتلك الملة لكونها حقا كفر، وإن قالها لمجرد التعظيم لها احتمل. الفتح 10 / 515.   (1) هو ثابت بن الضحاك الأنصاري رضي الله عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 156 - وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من حلف فقال أنا بريء من الإسلام. فإن كان كاذبا فهو كما قال وإن كان صادقا فلن يرجع إلى الإسلام سالما» رواه أبو داود.   (156) صحيح ورواه أبو داود الإيمان 3 / 225 رقم 3258 والنسائي الأيمان والنذور 7 / 0 1 رقم 3781 وابن ماجه الكفارات 1 / 678 رقم 2098 وأحمد 5 / 355، 356، وصححه الشيخ ناصر في الإرواء رقم 2576. إني بريء من الإسلام: أي لو فعلت كذا أو لو لم أفعله. قال الحافظ قال ابن المنذر اختلف فيمن قال أكفر بالله ونحو ذلك إن فعلت ثم فعل فقال ابن عباس. . وجمهور فقهاء الأمصار لا كفارة عليه ولا يكون كافرا إلا إن أضمر ذلك بقلبه، وقال الأوزاعي والثوري والحنفية وأحمد وإسحق هو يمين وعليه كفارة الفتح 11 / 538، قال الخطابي فيه دليل على أن من حلف بالبراءة من الإسلام فإنه يأثم ولا تلزمه الكفارة وذلك لأنه جعل عقوبتها في دينه ولم يجعل في حاله شيئا. وإن كان صادقا: أي في حلفه. سالما: لأن فيه نوع استخفاف بالإسلام فيكون هذا الحالف آثما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 [ باب ما جاء في الغيبة ] " 81 " باب ما جاء في الغيبة وقول الله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} الآية [الحجرات: 12] . 157 - عن أبي بكرة - رضي الله عنه - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته يوم النحر " أي شهر هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. فقال أليس ذا الحجة؟ قلنا بلى. قال فأي بلد هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال: أليس بلد الله الحرام؟ قلنا بلى. قال فأي يوم هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. فقال أليس يوم النحر؟ قلنا بلى قال: " فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم. ألا فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى ممن سمعه. ثم قال: ألا هل بلغت؟ قلنا نعم قال: اللهم اشهد " قالها ثلاثا» . أخرجاه.   (157) رواه البخاري الحج 3 / 573 رقم 1739 ومسلم القسامة 3 / 1305 رقم 1679. اعلم أن حد الغيبة أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه، سواء ذكرته بنقص في بدنه أو نسبه أو في خلقه أو في فعله أو في قوله أو في دينه حتى في ثوبه وداره ودابته. ومن أسباب الغيبة: الأول: أن يشفي غيظه فإنه إذا هاج غضبه يشتفي بذكر مساوئه فيسبق اللسان إليه بالطبع، أو لم يكن ثم دين وازع. الثاني: موافقة الأصدقاء ومجاملة الرفقاء ومساعدتهم على الكلام. الثالث: الحسد. الرابع: السخرية والاستهزاء، والعلاج من مرض الغيبة، هو أن يتذكر المغتاب تعرضه لسخط الله تعالى بغيبته، وأن يعلم أنها محبطة لحسناته يوم القيامة، فإنها تنقل حسناته يوم القيامة إلى من اغتابه، بدلا عما استباحه من عرضه فإن لم يكن له حسنات نقل إليه من سيئات خصمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 158 - ولهما عن ابن عمرو - رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» .   (158) تقدم برقم 22. المسلم: المراد أفضل المسلمين من جمع إلى أداء حقوق الله تعالى أداء حقوق المسلمين. والمراد بذلك الإشارة إلى الحث على حسن معاملة العبد مع ربه لأنه إذا أحسن معاملة إخوانه فأولى أن يحسن معاملة ربه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى. وذكر المسلمين هنا خرج مخرج الغالب لأن محافظة المسلم على كف الأذى عن أخيه المسلم أشد تأكيدا، ولأن الكفار بصدد أن يقاتلوا وإن كان فيهم من يجب الكف عنه. والإتيان بجمع التذكير للتغليب فإن المسلمات يدخلن في ذلك، وخص اللسان بالذكر لأنه المعبر عما في النفس، وهكذا اليد لأن أكثر الأفعال بها. والحديث عام بالنسبة إلى اللسان دون اليد لأن اللسان يمكنه القول في الماضين والموجودين والحادثين بعد، بخلاف اليد، نعم يمكن أن تشارك اللسان في ذلك بالكتابة وإن أثرها في ذلك لعظيم. . الفتح1 / 53 ". والمهاجر: الهجرة ضربان ظاهرة وباطنة فالباطنة ترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء والشيطان. والظاهرة الفرار بالدين من الفتن. وكأن المهاجرين خوطبوا بذلك لئلا يتكلوا على مجرد التحول من دارهم حتى يمتثلوا أوامر الشرع ونواهيه، ويحتمل أن يكون ذلك قبل بعد انقطاع الهجرة لما فتحت مكة تطييبا لقلوب من لم يدرك ذلك، بل حقيقة الهجرة تحصل لمن هجر ما نهى الله عنه، والحديث من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم الفتح 11 / 319. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 159 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا «من أكل لحم أخيه في الدنيا قرب إليه يوم القيامة، فيقال له كله ميتا كما أكلته حيا فيأكله فيكلح ويصيح» رواه أبو يعلى بسند حسن (1) . 160 - ولابن حبان وصححه عنه في قصة ماعز «أن رجلا قال لآخر انظر إلى هذا الرجل الذي ستر الله عليه فلم يدع نفسه حتى رجم رجم الكلب، فقال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم - " كلا من جيفة هذا الحمار الميت كما أكلتما عرض هذا الرجل فإن ما أكلتما أشد من أكل هذه الجيفة» .   (159) رواه الطبراني في الأوسط كما في مجمع البحرين 8 / 200 رقم 4961. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 8 / 92 رواه الطبراني في الأوسط وفيه ابن إسحق وهو مدلس ومن لم أعرفه. (160) صحيح ابن حبان 10 / 246 رقم 4400 ورواه البخاري في الأدب المفرد 248 رقم 738 في إسناده عبد الرحمن بن الهضهاض لم يوثقه إلا ابن حبان.   (1) قال الحافظ في الفتح 10 / 470. . له شاهد عند البزار وابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة، وعند أبي يعلى من حديث عائشة ومن حديث أبي هريرة رفعه " من أكل لحم أخيه في الدنيا. " الحديث سنده حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 161 - ولهما عن ابن عباس - رضي الله عنهما - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بقبرين فقال: " إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير بلى إنه كبير - أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة» . 162 - أخرج البخاري في الأدب المفرد نحوه من حديث جابر. وفيه " «أما أحدهما فكان يغتاب الناس» . 163 - ولأحمد بسند صحيح معناه. من حديث أبي بكرة ولأبي داود الطيالسي عن ابن عباس مثله بسند جيد. 164 - وللترمذي وصححه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - «حسبك من صفية كذا وكذا - قال بعض الرواة تعني أنها قصيرة. قال: " لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته - قالت وحكيت له إنسانا فقال " ما أحب أن تحكي لي إنسانا وأن لي كذا وكذا» .   (161) تقدم برقم 101. (162) رواه البخاري في الأدب المفرد 247 رقم 737. (163) رواه أحمد 1 / 225 والطيالسي في مسنده 344 رقم 2646. (164) رواه أبو داود 4 / 269 رقم 4875 والترمذي القيامة 4 / 570 رقم 2502، 2503 وأحمد 6 / 189 وقال الترمذي حسن صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 [ باب ما جاء في إضلال الأعمى عن الطريق ] " 82 " باب ما جاء في إضلال الأعمى عن الطريق 165 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (لعن من أضل الأعمى عن الطريق) » . 166 - ولأبي داود عن معاذ - رضي الله عنه - مرفوعا «من حمى مؤمنا من منافق آذاه بعث الله له يوم القيامة ملكا يحمي لحمه من نار جهنم، ومن رمي مسلما بشيء يريد شينه حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال» .   (165) رواه البيهقي في سننه الكبرى 8 / 231. وله شاهد من حديث ابن عباس رواه أحمد 1 / 217. وابن حبان 10 / 265 رقم 4417 والحاكم 4 / 356. (166) رواه أبو داود الأدب 4 / 270 رقم 4883 وأحمد 3 / 441 عن معاذ بن أنس وفي إسناده إسماعيل بن يحيى المعافري مجهول. من حمى: من الحماية أي حرس وحفظ. مؤمنا: أي عرضه. من منافق: أي مغتاب، وإنما سمي منافقا لأنه لا يظهر عيب أخيه عنده ليتدارك، بل يظهر عنده خلاف ذلك أو لأنه يظهر النصيحة ويبطن الفضيحة. حتى يخرج مما قال: أي من عهدته والمعنى حتى ينقى من ذنوبه ذلك بإرضاء خصمه أو بشفاعة أو بتعذيبه بقدر ذنبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 [ باب تشييع الفاحشة في المؤمنين ] " 83 " باب تشييع الفاحشة في المؤمنين وقول الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 [ باب الرشوة ] " 84 " باب الرشوة وقول الله تعالى: {وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} الآية: [البقرة: 41] . 167 - عن ابن عمرو - رضي الله عنهما - مرفوعا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لعن الله الراشي والمرتشي» صححه الترمذي.   (167) رواه أبو داود الأقضية 3 / 300 رقم 3580 والترمذي الأحكام 3 / 623 رقم 1337 وابن ماجه الأحكام 2 / 775 رقم 2313 وأحمد 2 / 164، 190، 194، 212 وابن أبي شيبة 6 / 588 رقم 2134 وكلهم رووه بلفظ: «لعن رسول الله الراشي والمرتشي» ، سوى ابن ماجه ولفظ لأحمد 2 / 202 بلفظ «لعنة الله على الراشي والمرتشي» وقال الترمذي حسن صحيح. الراشي: هو الذي يدفع الرشوة. المرتشي: الذي يأخذها. الرائش: الذي يسعى بينهما يستزيد لهذا أو يستنقص لهذا والرشوة بكسر الراء والرشوة بضم الراء الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة والصلة من الرشاء أي الحبل الذي يتوصل به للماء. والرشوة: ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل أما إذا أعطى ليتوصل به إلى حق أو ليدفع به عن نفسه ظلما ولم يكن هناك سبيل لحصول الحق ودفع الظلم إلا بذل المال وليس هناك من ينصفه فإنه والحالة هذه لا يدخل في اللعن والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 168 - ولأحمد عن ثوبان - رضي الله عنه - مرفوعا لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «الراشي والمرتشي والرائش» يعني الذي يمشي بينهما.   (168) رواه أحمد 279 وابن أبي شيبة 6 / 587 رقم 2133 والحاكم 4 / 103 والطبراني 1 / 88 والبزار 2 / 124 رقم 1353. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4 / 198 رواه البزار والطبراني في الكبير وفيه أبو الخطاب وهو مجهول. قلت رواية الحاكم والطبراني من طريق أخرى وفي إسنادها ليث بن أبي سليم ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 [ باب هدايا الأمراء غلول ] " 85 " باب هدايا الأمراء غلول 169 - عن أبي حميد قال «استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم رجلا على الصدقة. فلما قدم قال هذا لكم وهذا أهدي إلي، قال فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " ما بال الرجل نستعمله على العمالة مما ولانا الله فيقول هذا لكم وهذا أهدي إلي! فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر هل يهدى إليه شيء أم لا؟ والذي نفس محمد بيده لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله وهو يحمله يوم القيامة، إن كان بعيرا له رغاء، وإن كان بقرة لها خوار، أو شاة تيعر - ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه ثم قال: اللهم هل بلغت " قالها ثلاثا» .   (169) رواه البخاري الهبة 5 / 220 رقم 2597 والأيمان والنذور 11 / 524 رقم 6636 والحيل 12 / 348 رقم 6979 والأحكام 13 / 164 رقم 7174، 7197 ومسلم الإمارة 3 / 1463 رقم 1832. الغلول: هي الخيانة. قال الحافظ في الفتح 12 / 349. بين الرسول صلى الله عليه وسلم للعامل - أن الحقوق التي عمل لأجلها هي السبب في الإهداء له وأنه لو قام في منزله لم يهد له شيء فلا ينبغي له أن يستحلها بمجرد كونها وصلت إليه على طريق الهدية فإن ذاك إنما يكون حيث يتمحض الحق له. قال المهلب: حيلة العامل ليهدى له تقع بأن يسامح بعض من عليه الحق، فلذلك قال: «هلا جلس في بيت أمه لينظر هل يهدى له» فأشار صلى الله عليه وسلم إلى أنه لولا الطمع في وضعه من الحق ما أهدي له، فأوجب النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الهدية وضمها إلى أموال المسلمين. قال ابن بطال: دل الحديث على أن الهدية للعامل تكون لشكر معروف، أو للتحبب إليه، وللطمع في وضعه من الحق، فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه فيما يهدى له من ذلك كأحد المسلمين لا فضل له عليهم فيه، وأنه لا يجوز الاستئثار به أ. هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 [ باب الهدية على الشفاعة ] " 86 " باب الهدية على الشفاعة 170 - عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعا، «من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى بابا من أبواب الربا» رواه أبو داود ورواه إبراهيم الحربي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: السحت أن يطلب الرجل الحاجة فتقضى له فيهدي إليه فيقبلها. وله عن مسروق عنه من رد عن مسلم مظلمة فأعطاه عليها قليلا أو كثيرا فهو سحت قلنا يا أبا عبد الرحمن ما كنا نرى السحت إلا الرشوة في الحكم قال: ذلك كفر {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}   (170) حسن رواه أبو داود البيوع 3 / 291 رقم 3541 وأحمد في المسند 5 / 261. وذلك لأن الشفاعة الحسنة مندوب إليها وقد تكون واجبة فأخذ الهدية عليها يضيع أجرها كما أن الربا يضيع الحلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 [ باب الغلول ] " 87 " باب الغلول وقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية [آل عمران: 161] . 171 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال «لما فتح الله خيبر انطلقنا إلى الوادي ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد له يقال له مدعم فلما نزلنا الوادي رمي بسهم فمات فقلنا هنيئا له بالشهادة يا رسول الله فقال: " كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر لتلتهب عليه نارا أخذها من المغانم لم تصبها المقاسم " ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال يا رسول الله أصبت يوم خيبر فقال: " شراك أو شراكان من نار» أخرجاه.   (171) - رواه البخاري المغازي 7 / 487 رقم 4234 والأيمان والنذور 11 / 592، 6707 ومسلم الإيمان 1 / 108 رقم 115. الغلول: هو الخيانة من المغنم والسرقة من الغنيمة قبل القسمة وكل من خان شيئا في خفية فقد غل. وسميت غلولا لأن الأيدي فيها مغلولة أي ممنوعة مجعولة في غل وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير في عنقه. الشراك بكسر الشين وتخفيف الراء: سير النعل على ظهر القدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 [ باب طاعة الأمراء ] " 88 " باب طاعة الأمراء وقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} الآية: [النساء: 59] ، وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 172 - عن معاذ بن جبل رضي الله عنه مرفوعا «الغزو غزوان فأما من ابتغى به وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة، وياسر الشريك واجتنب الفساد فإن نومه ونبهته أجر كله. وأما من غزا فخرا ورياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنه لن يرجع بالكفاف» رواه أبو داود والنسائي.   (172) حسن، رواه أبو داود الجهاد 3 / 13 رقم 2515 والنسائي الجهاد 5 / 356 رقم 3188 وأحمد 5 / 234. أنفق الكريمة: أي النفيسة الجيدة من كل شيء وقيل المختارة من ماله وياسر الشريك: من المياسرة بمعنى المساهلة أي ساهل الرفيق وعامله باليسر. ونبهته: بفتح النون أي انتباهه. فإنه لم يرجع بالكفاف: أي لم يرجع لا عليه ولا له من الثواب من تلك الغزوة بل يرجع وقد لزمه الإثم لأن الطاعات إذا لم تقع بصلاح سريرته انقلبت معاصي والعاصي آثم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 173 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعا «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» أخرجاه.   (173) رواه البخاري الجهاد 6 / 115 رقم 2955 والأحكام 13 / 121 رقم 7144 ومسلم الإمارة 3 / 1469 رقم 1839 واللفظ له. قال الحافظ في الفتح 13 / 7 قد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء، ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها. وقال 13 / 8 ونقل ابن التين عن الداودي قال: الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب، وإلا فالواجب الصبر، وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء فإن أحدث جورا بعد أن كان عادلا فاختلفوا في جواز الخروج عليه والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه أ. هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 [ باب الخروج عن الجماعة ] " 89 " باب الخروج عن الجماعة وقول الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} الآية: [النساء: 115] وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} 174 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعا «من كره من أميره شيئا فليصبر فإنه من خرج من السلطان قيد شبر مات ميتة جاهلية» أخرجاه.   (174) رواه البخاري الفتن 13 / 5 رقم 7053، 7054، 7143 ومسلم الإمارة 3 / 1466 رقم 1835. جاء في الفتح 13 / 7. المراد بخرج من السلطان قيد شبر، كناية عن معصية السلطان ومحاربته والمراد بالخروج: السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير، ولو بأدنى شيء، فكنى عنها بمقدار الشبر لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق. والمراد بالميتة الجاهلية: حاله الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال، وليس له إمام مطاع، لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك، وليس المراد أنه يموت كافرا بل يموت عاصيا، ويحتمل أن يكون التشبيه على ظاهره، ومعناه أنه يموت مثل موت الجاهلي وإن لم يكن هو جاهليا، أو أن ذلك ورد مورد الزجر والتنفير وظاهره غير مراد. ويؤيد أن المراد بالجاهلية التشبيه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر «من فارق الجماعة شبرا فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه» أخرجه الترمذي وغيره. قال النووي: وأجمع أهل السنة أن لا ينعزل السلطان بالفسق. . قال العلماء وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه لما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 175 - ولمسلم عن حذيفة رضي الله عنه - مرفوعا «ستكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس " قال حذيفة قلت يا رسول الله كيف أصنع إن أدركت ذلك؟ قال: " تسمع وتطيع الأمير وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك فاسمع وأطع» . 176 - وله عن عرفجة الأشجعي - رضي الله عنه - مرفوعا «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، ويفرق جماعتكم فاقتلوه» .   (175) رواه مسلم الإمارة 3 / 1476 رقم 1847 من حديث طويل. (176) رواه مسلم الإمارة 3 / 1480 رقم 1852. في الحديث الأمر بقتال من خرج على الإمام أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك، وينهى عن ذلك فإن لم ينته قوتل وإن لم يندفع شره إلا بقتله قتل وكان دمه هدرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 [ باب ما جاء في الفتن ] " 90 " باب ما جاء في الفتن وقول الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} الآية: [الأنفال: 25] وقوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} الآية: [الأنعام: 65] . 177 - عن ابن عمرو قال «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه ومنا من ينتضل ومنا من هو في جشره إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول الله فقال: " إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها. وتجيء الفتنة فيرقق بعضها بعضا وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي، ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت للناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» رواه مسلم.   (177) رواه مسلم الإمارة 3 / 1472 رقم 1844. ومنا من ينتضل: هو من المناضلة وهي المراماة بالنشاب. جشره: هي الدواب التي ترعى وتبيت مكانها. يرقق بعضها بعضا: أي يصير رقيقا أي خفيفا لعظم ما بعد فالثاني يجعل الأول رقيقا. وليأت إلي الناس الذي يجب أن يؤتى إليه. قال النووي: هذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وبديع حكمه وهذه قاعدة مهمة فينبغي الاعتناء بها، وأن الإنسان يلزم أن لا يفعل مع الناس إلا ما يجب أن يفعلوه معه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 178 - وله عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا «بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا» . 179 - وله عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - مرفوعا «العبادة في الهرج كهجرة إلي» .   (178) رواه مسلم الإيمان 1 / 110 رقم 118. معني الحديث الحث، على المبادرة بالأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بها يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر ووصفه صلى الله عليه وسلم نوعا من شدائد تلك الفتن وهو أن يمسي مؤمنا ثم يصبح كافرا أو عكسه وهذا لعظم الفتن ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب. (179) رواه مسلم الفتن 4 / 2268 رقم 2948. المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس. وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يفعلون عنها ويشتغلون عنها ولا يتفرغ لها إلا أفراد. كهجرة إلي: أي في كثرة الثواب أو يقال المهاجر في الأول كان قليلا لعدم تمكن أكثر الناس من ذلك فهكذا العابد في الهرج قليل. ووجه تمثيله بالهجرة أن الزمن الأول كان الناس يفرون فيه من دار الكفر وأهله إلى دار الإيمان وأهله فإذا وقعت الفتن تعين على المرء أن يفر بدينه من الفتنة إلى العبادة ويهجر أولئك القوم وتلك الحالة وهو أحد أقسام الهجرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 180 - ولهما عن حذيفة - رضي الله عنه - أن عمر - رضي الله عنه - قال: «أيكم يحفظ قول النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن؟ فقلت: أنا فقال: هات فإنك عليه لجريء فقلت سمعته يقول: " فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: ليس هذا أريد إنما أريد التي تموج كموج البحر فقلت: ما لك ولها يا أمير المؤمنين؟ إن بينك وبينها بابا مغلقا، فقال: يفتح الباب أم يكسر؟ قلت: بل يكسر قال ذلك أجدر أن لا يغلق فقلت لحذيفة أكان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم كما يعلم أن دون غد الليلة أني حدثته حديثا ليس بالأغاليط فهبنا أن نسأله من الباب، فقلنا لمسروق اسأله فسأله فقال: عمر» .   (180) رواه البخاري الصلاة 2 / 8 رقم 525. 1435، 1895، 3586، 7096، ومسلم الإيمان 1 / 128 رقم 144 والفتن 4 / 2218 رقم 144. قال الحافظ: يحتمل أن يكون كل واحدة من الصلاة وما معها مكفرة للمذكورات كلها لا لكل واحدة منها، وأن يكون من باب اللف والنشر بأن الصلاة مثلا مكفرة الفتنة في الأهل والصوم في الولد. . إلخ. والمراد بالفتنة ما يعرض للإنسان مع ما ذكر من الشر، أو الالتهاء بهم أو أن يأتي لأجلهم بما لا يحل له أو يخل بما يجب عليه. والفتنة بالأهل تقع بالميل إليهن أو عليهن في القسمة والإيثار حتى في أولادهن، أو من جهة التفريط في الحقوق الواجبة لهن، والفتنة بالمال يقع بالاشتغال به عن العبادة أو بحبسه عن إخراج حق الله، والفتنة بالأولاد تقع بالميل الطبيعي إلى الولد وإيثاره على كل أحد، والفتنة بالجار تقع بالحسد والمفاخرة والمزاحمة في الحقوق وإهمال التعاهد. وأما تخصيص الصلاة وما ذكر معها بالتكفير دون سائر العبادات ففيه إشارة إلى تعظيم قدرها لا نفي أن غيرها في الحسنات ليس فيها صلاحية التكفير. وخص الرجل بالذكر لأنه في الغالب صاحب الحكم في داره وأهله وإلا فالنساء شقائق الرجال في الحكم. وتكفير الذنوب لا يختص بالأربع المذكورات بل نبه بها على ما عداها، والضابط أن كل ما يشغل صاحبه عن الله فهو فتنة له، وكذلك المكفرات لا يختص بما ذكر، بل نبه به على ما عداها، فذكر من عبادة الأفعال الصلاة والصوم ومن عبادة المال الصدقة ومن عبادة الأقوال الأمر بالمعروف، ومعنى تموج كموج البحر: أي تضطرب اضطراب البحر عند هيجانه، وكنى بذلك عن شدة المخاصمة وكثرة المنازعة وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة. ومعنى أن بينك وبينها بابا مغلقا: أي لا يخرج من الفتن في حياتك. وقد آثر حذيفة الحرص على حفظ السر ولم يصرح لعمر بما سأل عنه، وإنما كنى عنه كناية، ويحتمل أن حذيفة علم أن عمر يقتل ولكنه كره أن يخاطبه بالقتل لأن عمر كان يعلم أنه الباب فأتى بعبارة يحصل بها المقصود بغير تصريح بالقتل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 181 - ولمسلم عن أبي بكرة - رضي الله عنه - مرفوعا «إنها ستكون فتن ألا ثم تكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي إليها ألا فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله ومن كان له غنم فليلحق بغنمه. ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه فقال رجل» :   (181) رواه مسلم الفتن 4 / 2212 رقم 2887. قال النووي رحمه الله 18 / 10. «القاعد فيها خير من القائم:» معناه عظم خطرها والحث على تجنبها والهرب منها ومن التشبث في شيء وأن شرها وفتنتها يكون على حسب التعلق بها. قيل المراد كسر السيف حقيقة على ظاهر الحديث ليسد على نفسه هذا القتال، وقيل هو مجاز والمراد ترك القتال، والأول أصح. وهذا الحديث وما في معناه مما يحتج به من لا يرى القتال في الفتنة بكل حال، وقد اختلف العلماء في قتال الفتنة، فقالت طائفة لا يقاتل في فتن المسلمين، وإن دخلوا عليه بيته وطلبوا قتله فلا يجوز له المدافعة عن نفسه، لأن الطالب متأول. وقالت طائفة يجب نصر المحق في الفتن والقيام معه بمقاتلة الباغين كما قال تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} وهذا هو الصحيح، وتتأول هذه الأحاديث على من لم يظهر له المحق أو على طائفتين ظالمتين لا تأويل لواحدة منهما، ولو كان كما قال الأولون لظهر الفساد واستطال أهل البغي والمبطلون والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 «يا رسول الله أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض قال: " يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينج أن استطاع النجاء ثم قال: " اللهم هل بلغت " قالها ثلاثا فقال رجل: يا رسول الله أرأيت أن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين فيضربني رجل بسيفه أو يجيء سهم فيقتلني قال: " يبوء بإثمك وإثمه فيكون من أصحاب النار» . 182 - ولأبي داود (1) عن سعد «قلت يا رسول الله أرأيت إن دخل علي بيتي وبسط إلي يده ليقتلني فقال: " كن كخير ابني آدم " وتلا هذه الآية {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} » الآية [المائدة: 28] .   (182) صحيح، رواه أبو داود الفتن 4 / 99 رقم 4257 والترمذي الفتن 4 / 421 رقم 2194 وأحمد 1 / 185. وقد ذكر الشيخ ناصر شواهده في الإرواء 2541.   (1) جاء ولابن ماجه والصواب ما أثبت فالظاهر أنها تغيرت من قبل النساخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 [ باب تعظيم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ] " 91 " باب تعظيم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق 183 - عن سالم بن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال «يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة: سمعت أبي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الفتنة تجيء من هاهنا وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرن الشيطان وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ فقال الله تعالى له: {وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} » [طه: 40] رواه مسلم.   (183) صحيح مسلم الفتن 4 / 2229 رقم 2905. قال الحافظ 12 / 496. وقول ابن عباس رضي الله عنه بأن المؤمن إذا قتل مؤمنا متعمدا لا توبة له مشهور عنه، وقد جاء عنه في ذلك ما هو أصرح مما تقدم فروى أحمد والطبري وابن ماجه عن سالم بن أبي الجعد قال: كنت عند ابن عباس بعد ما كف بصره فأتاه رجل، فقال ما ترى في رجل قتل مؤمنا متعمدا؟ قال جزاؤه جهنم خالدا فيها وساق الآية {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} قال: لقد نزلت في آخر ما نزل وما نسخها شيء حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نزل وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أفرأيت إن تاب وآمن وعمل عملا صالحا ثم اهتدى؟ قال: وأنى له التوبة والهدى. وجاء على وفق ما ذهب إليه ابن عباس في ذلك أحاديث كثيرة منها ما أخرجه أحمد والنسائي عن معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا، والرجل يقتل مؤمنا متعمدا» ، وقد حمل جمهور السلف وجميع أهل السنة ما ورد في ذلك على التغليظ، وصححوا توبة القاتل كغيره، وقالوا معنى قوله {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} " أي إن شاء الله أن يجازيه تمسكا بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ومن الحجة في ذلك حديث الإسرائيلي الذي قتل تسعة وتسعين نفسا ثم تمام المائة فقال: لا توبة فقتله فأكمل به مائة ثم جاء آخر فقال ومن يحول بينك وبين التوبة، الحديث في صحيح مسلم، فإذا ثبت ذلك لمن قبل من غير هذه الأمة، فمثله لهم أولى لما خفف الله عنهم من الأثقال التي كانت على من قبلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 184 - ولهما عن المقداد رضي الله عنه قلت «يا رسول الله أرايت إن التقيت أنا ورجل من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أأقتله؟ قال: " لا تقتله فإنك إن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قالها» .   (184) رواه البخاري المغازي 7 / 321 رقم 4019، الديات 12 / 187 رقم 6865 ومسلم الإيمان 1 / 95 رقم 95. قال الحافظ 12 / 189 قال الخطابي معناه أن الكافر مباح الدم بحكم الدين قبل أن يسلم، فإذا أسلم صار مصان الدم كالمسلم، فإن قتله المسلم بعد ذلك صار معه مباحا بحق القصاص، كالكافر بحق الدين، وليس المراد إلحاقه في الكفر كما تقوله الخوارج من تكفير المسلم بالكبيرة وحاصلة اتحاد المنزلتين مع اختلاف المأخذ فالأول أنه مثلك في صون الدم، والثاني أنك مثله في الهدر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 185 - ولهما عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال «بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحُرقات من جهينة فصبحنا القوم فهزمناهم، فلحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري فطعنته برمحي فقتلته، فلما قدمنا بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: " يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ " قلت يا رسول الله: إنما قالها متعوذا فقال - " أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله) فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم» . وفي رواية أنه قال: «أفلا شققت عن قلبه» . 186 - ولمسلم «أنه قال يا رسول الله استغفر لي فقال: " كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة» . 187 - وللبخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعا «لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما» .   (185) رواه البخاري المغازي 7 / 517 رقم 4269، 6872 ومسلم الإيمان 1 / 96 رقم 96. (186) رواه مسلم الإيمان 1 / 97 - 98 رقم 97 من حديث جندب بن عبد الله. (187) رواه البخاري الديات 12 / 187 رقم 6862. قال ابن العربي: الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره، والفسحة في الذنب قبوله الغفران بالتوبة حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول. وقال: ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق والوعيد في ذلك، فكيف بقتل الآدمي؟ فكيف بالمسلم؟ فكيف بالتقي الصالح؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 [ باب تكثير السواد في الفتن ] " 92 "باب تكثير السواد في الفتن 188 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " «من حمل علينا السلام فليس منا، ومن غشنا فليس منا» رواه مسلم. 189 - وفي البخاري عن محمد بن عبد الرحمن أبي الأسود قال: قطع على أهل المدينة بعث فاكتتبت فيه. فلقيت عكرمة فأخبرته فنهاني أشد النهي وقال: «أخبرني عبد الله بن عباس أن أناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتي السهم»   (188) رواه مسلم إيمان 1 / 99 رقم 101. ليس منا: قال النووي 1 / 109 معناه عند أهل العلم أنه ليس ممن اهتدى بهدينا واقتدى بعلمنا وعملنا وحسن طريقتنا كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله لست مني وهكذا القول في كل الأحاديث الواردة بنحوه. وقال 2 / 108 وعليه قاعدة مذهب أهل السنة والفقهاء وهي أن من حمل السلاح على المسلمين بغير حق ولا تأويل ولم يستحله فهو عاص ولا يكفر بذلك فإن استحله كفر. فأما تأويل الحديث فقيل محمول على المستحل بغير تأويل فيكفر ويخرج من الملة وقيل معناه ليس على سيرتنا الكاملة وهدينا. وكان سفيان بن عيينة رحمه الله يكره قول من يفسره بليس على هدينا ويقول بئس هذا القول يعنى بل يمسك عن تأويله ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر والله أعلم. (189) رواه البخاري التفسير 8 / 262 رقم 4596 والفتن 13 / 37 رقم 7085. البعث: الجيش والمعنى أنهم ألزموا أهل المدينة بإخراج جيش لقتال أهل الشام وكان ذلك في خلافة عبد الله بن الزبير على مكة. فيأتي السهم فيرمي به. قال الحافظ 13 / 38 قيل هو من القلب والتقدير فيرمي بالسهم. أو يضرب: معطوف على فيأتي لا على فيصيب أي يقتل إما بالسهم وإما بالسيف. وفي الحديث تخطئة من يقيم بين أهل المعصية باختياره، لا لقصد صحيح من إنكار عليهم مثلا، أو رجاء إنقاذ مسلم من هلكة، وأن القادر على التحول عنهم لا يعذر، كما وقع للذين كانوا أسلموا ومنعهم المشركون من أهلهم من الهجرة ثم كانوا يخرجون مع المشركين، لا لقصد قتال المسلمين بل لإيهام كثرتهم في عيون المسلمين، فحصلت لهم المؤاخذة بذلك، فمن خرج في جيش يقاتلون المسلمين يأثم وإن لم يقاتل ولا نوى ذلك أ. هـ الفتح. قال الحافظ 8 / 263 وفي هذه القصة دلالة على براءة عكرمة مما نسب إليه من رأي الخوارج لأنه بالغ في النهي عن قتال المسلمين وتكثير سواد من يقاتلهم. وعرض عكرمة أن الله ذم من كثر سواد المشركين مع أنهم كانوا لا يريدون بقلوبهم موافقتهم، واستنبط سعيد بن جبير من هذه الآية وجوب الهجرة من الأرض التي يعمل فيها بالمعصية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 «يرمى به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل فأنزل الله {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الآية» [النساء: 97] . 190 - وقوله: صلى الله عليه وسلم: «وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» .   (190) رواه مسلم الإمارة 3 / 1481 رقم 1854 عن أم سلمة مرفوعا: «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 [ باب ذكر العقوق ] " 93 " باب ذكر العقوق وقول الله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} 191 - عن ابن عمرو (1) رضي الله عنهما «أقبل رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله فقال " هل من والديك أحد حي " قال: نعم بل كلاهما قال " فتبتغي الأجر من الله تعالى " قال: نعم قال: " فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما» أخرجاه. واللفظ لمسلم.   (191) رواه البخاري الجهاد 6 / 140 رقم 3004 الأدب 10 / 403 رقم 5972 ومسلم البر والصلة 1975 / 4 رقم 2549. قال الحافظ: ومن فوائده أن بر الوالدين قد يكون من الجهاد، وأن المستشار يشير بالنصيحة المحضة، وأن المكلف يستفصل عن الأفضل في أعمال الطاعة ليعمل به، لأنه سمع فضل الجهاد فبادر إليه ثم يقنع حتى استأذن فيه، فدل على ما هو أفضل منه في حقه ولولا السؤال ما حصل له العلم بذلك. قال الجمهور: يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين، لأن برهما فرض عين عليه، والجهاد فرض كفاية فإذا تعين الجهاد فلا إذن. واستدل به على تحريم السفر بغير إذن لأن الجهاد إذا منع مع فضيلته فالسفر المباح أولى: نعم إن كان سفرا لتعلم فرض عين حيث يتعين السفر طريقا إليه فلا منع.   (1) جاء في الأصل عمر والصواب ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 192 - وعن معاوية بن جاهمة - رضي الله عنه - «أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك فقال " فهل لك من أم؟ قلت: نعم، قال: " فالزمها فإن الجنة تحت رجليها» رواه أحمد والنسائي. 193 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - «أن رجلا قال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال أمك. قال ثم من؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال أمك. قال ثم من؟ قال: " أبوك» أخرجاه. 194 - وللبخاري عن ابن عمرو (1) - رضي الله عنهما - مرفوعا «الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين وقتل النفس، واليمين الغموس» .   (192) رواه النسائي الجهاد 6 / 317 رقم 3104 وابن ماجه الجهاد 2 / 929 رقم 2781 وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 3 / 58 رقم 1371 والطبراني 2 / 325 رقم 2202 والحاكم 2 / 102. ورواه أحمد في المسند 3 / 429 أن معاوية جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ في الإصابة 1 / 446 في ترجمة جاهمة وقد اختلف فيه على ابن جريج. (193) رواه البخاري الأدب 10 / 401 رقم 5971 ومسلم البر والصلة 4 / 1974 رقم 2548. قال الحافظ في الفتح 10 / 402 قال ابن بطال: مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر وذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها، ثم تشارك الأب في التربية، وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} فسوى بينهما في الوصاية وخص الأم بالأمور الثلاثة، قال القرطبي المراد أن الأم تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر. (194) رواه البخاري الأيمان والنذور 11 / 555 رقم 6675، 6870، 6920.   (1) جاء في الأصل عمر والصواب ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 [ باب ذكر القطيعة ] " 94 " باب ذكر القطيعة وقول الله تعالى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ - الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} 195 - ولهما عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - مرفوعا «لا يدخل الجنة قاطع رحم» .   (195) رواه البخاري الأدب 10 / 415 رقم 5984 ومسلم البر 4 / 1981 رقم 2556. الرحم يطلق على الأقارب وهم من بينه وبين الآخر نسب سواء كان يرثه أم لا وسواء كان ذا محرم أم لا، وقيل هم المحارم فقط والأول هو المرجح لأن الثاني يستلزم خروج أولاد الأعمام وأولاد الأخوال من ذوي الأرحام وليس كذلك. قال النووي قال القاضي عياض: ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية كبيرة، والأحاديث في الباب تشهد لهذا، لكن الصلة درجات بعضها أرفع من بعض وأدناها ترك المهاجرة ووصلها بالكلام ولو بالسلام ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة فمنها واجب ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعا ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له لا يسمى واصلا. ومعنى لا يدخل الجنة قال النووي: هذا الحديث يتأول تأويلين أحدهما: حمله على من يستحل القطيعة بلا سبب ولا شبهة مع علمه بتحريمها فهذا كافر يخلد في النار ولا يدخل الجنة أبدا. الثاني معناه لا يدخلها في أول الأمر مع السابقين بل يعاقب بتأخره الذي يريده الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 196 - ولهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا " «إن الله تعالى خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم، قامت الرحم فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك. قالت: بلى، قال: فذلك لك. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأوا إن شئتم {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} » الآية [محمد: 22] .   (196) رواه البخاري التفسير 8 / 579 رقم 4830 والأدب 10 / 417 رقم 5987 والتوحيد 13 / 465 رقم 7502 ومسلم البر 4 / 1980 رقم 2554. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 [ باب أذى الجار ] " 95 " باب أذى الجار وقول الله تعالى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} الآية [النساء " 36] . 197 - عن أبي شريح رضي الله عنه مرفوعا «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» أخرجاه.   (197) رواه البخاري الأدب 10 / 445 رقم 6018، 6135، 6476 ومسلم الإيمان 1 / 68 رقم 48. قال الحافظ في الفتح 10 / 446. من كان يؤمن بالله واليوم الآخر: المراد بقوله يؤمن الإيمان الكامل وخصه بالله واليوم الآخر إشارة إلى المبدأ والمعاد أي من آمن بالله الذي خلقه وأمن بأنه سيجازيه بعمله فليفعل الخصال المذكورات. وقد ورد تفسير الإكرام والإحسان للجار وترك أذاه في عدة أحاديث منها ما أخرجه الطبراني من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده والخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأبو الشيخ في كتاب التوبيخ من حديث معاذ بن جبل: «قالوا يا رسول الله ما حق الجار على الجار قال: إن استقرضك أقرضته، وإن استعانك أعنته، وإن مرض عدته وإن احتاج أعطيته، وإن افتقر عدت عليه، وإن أصابه خير هنيته وإن أصابته مصيبة عزيته، وإذا مات اتبعت جنازته، ولا تستطيل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه ولا تؤذيه بريح قدرك إلا أن تغرف له، وإن اشتريت فاكهه فأهد له، وإن لم تفعل فأدخلها سرا ولا تخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده» وألفاظهم متقاربة والسياق أكثره لعمرو بن شعيب وقال الحافظ أسانيدهم واهية لكن اختلاف مخارجها يشعر بأن للحديث أصلا ثم الأمر بالإكرام يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فقد يكون فرض عين وقد يكون فرض كفاية وقد يكون مستحبا ويجمع الجميع أنه من مكارم الأخلاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 198 - ولمسلم عن أبي هريرة مرفوعا «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن - قيل من يا رسول الله؟ قال - الذي لا يأمن جاره بوائقه» . البوائق: الغوائل والشرور.   (198) صحيح مسلم 1 / 68 رقم 46 بلفظ «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه» . أما لفظ «والله لا يؤمن والله لا يؤمن» . . رواه البخاري في صحيحه الأدب 10 / 443 رقم 6016 من حديث أبي شريح ثم قال البخاري بعده، وقال حميد بن الأسود وعثمان بن عمر وأبو بكر بن عياش وشعيب بن إسحاق عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة. قال الحافظ: قال ابن بطال في هذا الحديث تأكيد حق الجار لقسمه صلى الله عليه وسلم على ذلك وتكريره اليمين ثلاث مرات وفيه نفي الإيمان عمن يؤذي جاره بالقول والفعل ومراده الإيمان الكامل ولا شك أن العاصي غير كامل الإيمان. قال النووي عن نفي الإيمان: في مثل هذا جوابان أحدهما أنه في حق المستحل والثاني أن معناه ليس مؤمنا كاملا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 199 - وللترمذي وحسنه عن ابن عمرو مرفوعا «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره» . 200 - وفي المسند وصحيح الحاكم عن ابن عمر مرفوعا «أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم الذمة» . 201 - وفي صحيح الحاكم عن ابن عباس مرفوعا «ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع» وفي رواية «لا يؤمن من بات شبعان وجاره طاويا» .   (199) رواه الترمذي البر 4 / 294 رقم 1944 والدارمي السير 2 / 134 رقم 2442 وأحمد 2 / 168 والحاكم 4 / 164. وذكره الشيخ ناصر في السلسلة الصحيحة رقم 103. (200) رواه أحمد المسند 2 / 33 وأبو يعلى 11 / 115 رقم 5746 والبزار البيوع 2 / 106 رقم 1311 والحاكم البيوع 2 / 12. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4 / 100 رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط وفيه أبو بشر الأملوكي ضعفه ابن معين. (201) رواه البخاري في الأدب المفرد 54 رقم 112 وأبو يعلى في مسنده 5 / 92 رقم 2699 والطبراني 12 / 154 رقم 12741 والحاكم في المستدرك البر 4 / 167 والخطيب في تاريخ بغداد 10 / 391. وقال الحاكم حديث صحيح ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي 8 / 167 ورجاله ثقات. وذكره الشيخ ناصر في السلسلة الصحيحة رقم 149 وذكر شواهده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 [ باب الاستخفاف بأهل الفضل ] " 96 " باب الاستخفاف بأهل الفضل 202 - عن ابن عمرو مرفوعا «ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ولم يعرف شرف كبيرنا» صححه الترمذي. 203 - ولأبي داود عن أبي موسى مرفوعا «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه، والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط» حديث حسن.   (202) رواه الترمذي البر 4 / 284 رقم 1920 وأبو داود الأدب 4 / 286 رقم 4943 وأحمد 2 / 207، 222 وابن أبي شيبة في المصنف 8 / 527 رقم 5411 والحميدي 2 / 268 رقم 586 والبخاري في الأدب المفرد 130 رقم 256، 357، 360. (203) رواه أبو داود، الأدب 4 / 261 رقم 48543. وقال الشيخ ناصر في صحيح الجامع 1 / 438 رقم 2199 حسن. من إجلال الله: أي تبجيله وتعظيمه. إكرام ذي الشيبة: أي تعظيم الشيخ الكبير في الإسلام بتوقيره في المجالس والرفق به والشفقة عليه ونحو ذلك كل هذا من كمال تعظيم الله لحرمته عند الله. حامل القرآن: أي إكرام حافظه وسماه حاملا له لما تحمل المشاق الكثيرة تزيد على الأحمال الثقيلة. غير الغالي فيه أي في القرآن، والغلو التشديد ومجاوزة الحد يعني غير المتجاوز الحد في العمل به وتتبع ما خفي منه واشتبه عليه من معانيه وفي حدود قراءته ومخارج حروفه. والجافي عنه: أي وغير المتباعد عنه المعرض عن تلاوته وأحكامه وإتقان معانيه والعمل بما فيه، وقيل الغلو المبالغة في التجويد أو الإسراع في القراءة بحيث يمنعه عن تدبر المعنى، والجفاء أن يتركه بعدما علمه لا سيما إذا كان نسيه فإنه عد من الكبائر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 204 - ولأحمد بسند جيد «ليس منا من لا يجل كبيرنا ولا يرحم صغيرنا ولا يعرف لعالمنا حقه» انتهى.   (204) رواه أحمد 5 / 323 والطحاوي في مشكل الآثار 2 / 133 والحاكم في المستدرك1 / 122 عن عبادة بن الصامت. ومعرفة حق العالم هو حق العلم بأن يعرف قدره بما رفع الله من قدره فإنه قال سبحانه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} ثم قال: {وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} فيعرف له درجته التي رفع الله له بما آتاه من العلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 [ باب إغضاب الزوج ] " 97 " باب إغضاب الزوج وقول الله تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} الآية [النساء: 34] . 205 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا «والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها زوجها» - وفي رواية - «إلا لعنتها الملائكة حتى تصبح» أخرجاه.   (205) رواه البخاري النكاح 9 / 293 رقم 5193 ومسلم 2 / 1059 رقم 1436 لفظ ساخطا عليها في مسلم فقط. الفراش: كناية عن الجماع، قال الحافظ 9 / 194. وظاهر الحديث اختصاص اللعن بما إذا وقع منها ذلك ليلا لقوله حتى تصبح، وكان السر تأكيد ذلك الشأن في الليل وقوة الباعث عليه ولا يلزم من ذلك أنه يجوز الامتناع في النهار، وإنما خص الليل بالذكر لأنه المظنة لذلك. وقال الحافظ: والحديث فيه دليل على أن الملائكة تدعو على أهل المعصية ما داموا فيها، وذلك يدل على أنهم يدعون لأهل الطاعة ما داموا فيها، وفيه الإرشاد إلى مساعدة الزوج وطلب مرضاته، وفيه أن صبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة، وفيه أن أقوى التشويشات على الرجل داعية النكاح ولذلك حض الشارع النساء على مساعدة الرجال في ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 206 - وعنه مرفوعا «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» صححه الترمذي.   (206) رواه الترمذي الرضاع 3 / 465 رقم 1159 وابن حبان 9 / 470 رقم 4162 والبيهقي 7 / 291 والحاكم 4 / 171 وقال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم صحيح الإسناد. وللحديث شواهد عن أنس رواه أحمد 3 / 58 وعن معاذ رواه أحمد 5 / 227 وعائشة رواه أحمد 6 / 76 وغيره. انظر الإرواء رقم 1998 فقد ذكر الشيخ ناصر شواهده بالتفصيل. وسبب هذا السجود لكثرة حقوقه عليها وعجزها عن القيام بشكرها، وفي هذا غاية المبالغة لوجوب طاعة المرأة في حق زوجها فإن السجدة لا تحل لغير الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 [ باب أذى الصالحين ] " 98 " باب أذى الصالحين وقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} 207 - عن أبي جبير (1) - رضي الله عنه - «أن أبا سفيان أتى على سليمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا: ما أخذت سيوف الله مأخذها من عنق عدو الله، فقال أبو بكر - رضي الله عنه - أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: " يا أبا بكر لعلك أغضبتهم " لئن كنت أغضبتهم فقد أغضبت ربك، فقال: يا إخوتاه لعلي أغضبتكم؟ فقالوا: لا. يغفر الله لك يا أخي.» رواه مسلم. 208 - وللترمذي وحسنه عن أبي بكرة رضي الله عنه مرفوعا «من أهان السلطان أهانه الله» .   (207) رواه مسلم فضائل الصحابة 4 / 1947 رقم 2504. وهذا الإتيان لأبي سفيان كان وهو كافر في الهدنة بعد صلح الحديبية وفي هذا فضيلة ظاهرة لسلمان ورفقته هؤلاء وفيه مراعاة قلوب الضعفاء وأهل الدين وإكرامهم وملاطفتهم. (208) حسن، رواه الترمذي الفتن 4 / 435 رقم 224 وأحمد 5 / 42، 49 والطيالسي 121 رقم 887 وابن أبي عاصم في السنة 2 / 489 رقم 1017، 1018 وقال الترمذي حسن غريب، وقال الشيخ ناصر حسن.   (1) أبو جبير هو الصحابي عائذ بن عمرو المزني وهو من أهل بيعة الرضوان رضي الله عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 [ باب ما جاء في الأمانة والخيانة فيها وتفسير الأمانة ] " 99 " باب ما جاء في الأمانة والخيانة فيها وتفسير الأمانة وقول الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} وقوله: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا} الآية [الأحزاب: 72] . روى البيهقي (1) عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: «القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الأمانة والدين - يؤتى بالعبد يوم القيامة وإن قتل في سبيل الله فيقال له أد أمانتك فيقول: أي رب كيف وقد ذهبت الدنيا؟ فيقال انطلقوا به إلى الهاوية فينطلقون به إليها فتمثل له أمانته كهيأتها يوم دفعت إليه فيراها ويعرفها فيهوي في أثرها حتى يدركها فيحملها على منكبه حتى إذا ظن أنه خارج زلت عن منكبه فهو يهوي في أثرها أبد الآبدين ثم قال الصلاة أمانة والوضوء أمانة والوزن أمانة والكيل أمانة - وعدد أشياء - وأشد ذلك الودائع قال: فأتيت البراء فقلت: ألا ترى إلى ما قال ابن مسعود؟ قال كذا وكذا. قال صدق أما سمعت الله تعالى يقول {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} » قال زيد بن أسلم هي الصوم والغسل من الجنابة وما خفي من الشرائع.   (1) رواه البيهقي في شعب الإيمان 4 / 223 رقم 5266 وقال السيوطي في الدر المنثور 2 / 175 رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبيهقي في شعب الإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 [ باب الولايات من الأمانة ] " 100 " باب الولايات من الأمانة 209 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه مرفوعا «أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم - متى الساعة؟ قال: " إذا ضيعت الأمانة فانتظر (1) الساعة - قال كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» أخرجه البخاري.   (209) رواه البخاري العلم 1 / 141 رقم 59 وفيه زيادة والرقاق 11 / 333 رقم 6496. إذا وسد: أي أسند وأصله من الوسادة وكان من شأن الأمير عندهم إذا جلس أن تثنى تحته وسادة، وقوله وسد أي جعل له غير أهله وسادا. وإسناد الأمر إلى غير أهله إنما يكون عند غلبة الجهل ورفع العلم والمراد بالأمر جنس الأمور التي تتعلق بالدين كالخلافة والإمارة والقضاء والإفتاء وغير ذلك. قال ابن بطال: إن الأئمة قد ائتمنهم الله على عباده وفرض عليهم النصيحة لهم فينبغي لهم تولية أهل الدين فإذا قلدوا غير أهل الدين فقد ضيعوا الأمانة التي قلدهم الله تعالى إياها.   (1) جاء فانتظروا والصواب ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 [ باب النهي عن طلبها ] " 101 " باب النهي عن طلبها 210 - عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه - مرفوعا «لا تسأل الإمارة فأنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك» أخرجاه.   (210) رواه البخاري الأيمان والنذور 11 / 516 رقم 6622، 11 / 608 رقم 6722 والأحكام 13 / 123 رقم 7146، 7147 ومسلم الإيمان 3 / 1273 رقم 1652 والإمارة 3 / 1456 رقم 1652. جاء في الفتح وكلت إليها أي صرف إليها ومن وكل إلى نفسه هلك ومنه في الدعاء " ولا تكلني إلى نفسي " ووكل أمره إلى فلان صرفه إليه ومعنى الحديث أن من طلب الإمارة فأعطيها تركت إعانته عليها من أجل حرصه ويستفاد منه أن طلب ما يتعلق بالحكم مكروه فيدخل في الإمارة القضاء والحسبة ونحو ذلك، وأن من حرص على ذلك لا يعان. ومن لم يكن له من الله عون على عمله لا يكون فيه كفاية لذلك العمل، فلا ينبغي أن يجاب سؤاله، ومن المعلوم أن كل ولاية لا تخلو من المشقة فمن لم يكن له من الله إعانة تورط فيما دخل فيه وخسر دنياه وعقباه، فمن كان ذا عقل لم يتعرض للطلب أصلا بل إذا كان كافيا وأعطيها من غير مسألة فقد وعد الصادق بالإعانة ولا يخفى ما في ذلك من الفضل. قال المهلب: الحرص على الولاية هو السبب في اقتتال الناس عليها حتى سفكت الدماء واستبيحت الأموال والفروج وعظم الفساد في الأرض بذلك، ووجه الندم أنه قد يقتل أو يعزل أو يموت فيندم على الدخول فيها لأنه يطالب بالتبعات التي ارتكبها ولد فاته ما حرص عليه بمفارقته ويستثنى من ذلك من تعين عليه كأن يموت الوالي ولا يوجد بعده من يقوم بالأمر غيره، وإذا لم يدخل في ذلك يحصل الفساد بضياع الأحوال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 211 - ولمسلم عن أبي ذر - رضي الله عنه - قلت «يا رسول الله ألا تستعملني؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال " يا أبا ذر إني أراك ضعيفا، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها» .   (211) رواه مسلم الإمارة 13 / 1457 رقم 1825، قال النووي: هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلا لها، أو كان أهلا ولم يعدل فيها فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه ويندم على ما فرط. وأما من كان أهلا للولاية وعدل فيها فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة كحديث سبعة يظلهم الله، والحديث المذكور هنا وإجماع المسلمين منعقد عليه ومع هذا فلكثرة الخطر فيها حذره صلى الله عليه وسلم منها وكذا حذر العلماء وامتنع منها خلائق من السلف وصبروا على الأذى حين امتنعوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 [ باب ما جاء في غش الرعية ] " 102 " باب ما جاء في غش الرعية 212 - عن معقل بن يسار رضي الله عنه مرفوعا «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة» - وفي رواية - «فلم يحطها بنصيحته إلا لم يجد رائحة الجنة» أخرجاه.   (212) رواه البخاري الأحكام 13 / 127 رقم 7151 ومسلم الإيمان 1 / 125 رقم 142. يحطها: أي يكلؤها أو يصنها. ويحصل ذلك بظلمه لهم بأخذ أموالهم أو سفك دمائهم أو انتهاك أعراضهم وحبس حقوقهم وترك تعريفهم ما يجب عليهم في أمر دينهم وبإهمال إقامة الحدود فيهم وردع المفسدين منهم وترك حمايتهم ونحو ذلك. قال ابن بطال هذا وعيد شديد على أئمة الجور فمن ضيع من استرعاه الله أو خانهم أو ظلمهم فقد توجه إليه الطلب بمظالم العباد يوم القيامة فكيف يقدر على التحلل من ظلم أمة عظيمة، الفتح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 [ باب الشفقة على الرعية ] " 103 " باب الشفقة على الرعية وقول الله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} وقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} الآية [آل عمران: 159] . 213 - ولمسلم عن عائشة - رضي الله عنها - مرفوعا «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به» .   (213) رواه مسلم الإمارة 1458 رقم 1828. قال النووي هذا الحديث من أبلغ الزواجر عن المشقة على الناس وأعظم الحث على الرفق بهم وقد تظاهرت الأحاديث بهذا المعنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 [ باب الاحتجاب دون الرعية ] " 104 " باب الاحتجاب دون الرعية 214 - عن أبي مريم الأزدي رضي الله عنه أنه قال لمعاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة» " فجعل معاوية رجلا على حوائج الناس. رواه أبو داود والترمذي. 215 - وللترمذي (1) عن عمرو بن مرة الجهني نحوه. صححه الحاكم.   (214) رواه أبو داود الإمارة 3 / 135 رقم 2948 واللفظ له والترمذي الأحكام 3 / 620 رقم 1333 والطبراني 22 / 331 رقم 832 والدولابي في الكنى 1 / 54 وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 4 / 296 رقم 2317 والحاكم 4 / 93 وصححه ووافقه الذهبي وذكره الشيخ ناصر في السلسلة الصحيحة 629. فاحتجب دون حاجتهم: أي امتنع من الخروج إليهم وقضاء احتياجاتهم. خلتهم: هي الحاجة الشديدة. والمعنى منع أصحاب الحوائج أن يدخلوا عليه ويعرضوا حوائجهم وقيل الحاجة والفقر والخلة متقارب المعنى كرر للتأكيد. (215) رواه الترمذي الأحكام 3 / 619 رقم 1332 والحاكم 4 / 94.   (1) جاء ولأبي داود والصواب ما أثبت لأن الحديث رواه الترمذي ولم يروه أبو داود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 [ باب المحاباة في الولاية ] " 105 " باب المحاباة في الولاية 216 - أخرج أحمد والحاكم وصححه عن يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه «أن أبا بكر رضي الله عنه قال له: يا يزيد إن لك قرابة فهل عسيت أن تؤثرهم بالإمارة وذلك أكثر ما أخاف عليك بعد ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ولي من أمر المسلمين شيئا فأمر أحدا محاباة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم» . 217 - وللحاكم وصححه عن ابن عباس مرفوعا «من استعمل رجلا على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين» .   (216) رواه أحمد 1 / 6 والحاكم في المستدرك 4 / 93 وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 5 / 232 وفيه رجل لم يسم. قلت إسناد الحاكم ليس فيه إبهام، وقال عنه الحاكم صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي بقوله بكر بن خنيس قال عنه الدارقطني متروك. (217) رواه الحاكم 4 / 92 وقال صحيح الإسناد. قلت في إسناده حسين بن قيس الرحبي وهو متروك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 [ باب الجور والظلم وخطر الولاية ] " 106 " باب الجور والظلم وخطر الولاية 218 - أخرج الحاكم وصححه «ما من أحد يكون على شيء من أمور هذه الأمة فلم يعدل فيهم إلا كبه الله في النار» . 219 - ولهما عن معاذ رضي الله عنه مرفوعا «اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» .   (218) رواه الحاكم في الأحكام 4 / 90 - 91 عن معقل بن سنان. قال الحاكم صحيح الإسناد وافقه الذهبي. قلت في إسناده عامر الدهني لم أجد ترجمته وكذلك والده، وقال الشيخ ناصر في ضعيف الجامع ضعيف. (219) رواه مسلم الإيمان 1 / 50 رقم 19 عن معاذ، ورواه البخاري كتاب الزكاة 3 / 357 رقم 1496 والمظالم 5 / 100 رقم 2448 والمغازي 8 / 64 رقم 4347. وقد جعله من مسند ابن عباس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه لليمن. قال الحافظ في الفتح 3 / 358 عن ابن عباس قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن كذا في جميع الطرق إلا ما أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب وإسحاق بن إبراهيم ثلاثتهم عن وكيع فقال فيه عن ابن عباس عن معاذ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلى هذا فهو من مسند معاذ، وظاهر سياق مسلم أن اللفظ مدرج لكن لم أر ذلك في غير رواية أبي بكر بن أبي شيبة، وسائر الروايات أنه من مسند ابن عباس. اتق دعوة المظلوم: أي تجنب الظلم لئلا يدعو عليك المظلوم وفيه تنبيه على المنع من جميع أنواع الظلم. حجاب: أي ليس لها صارف يصرفها ولا مانع، والمراد أنها مقبولة وإن كان عاصيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 220 - ولمسلم عن عدي بن عميرة رضي الله عنه مرفوعا «من استعملناه على عمل فكتم منه مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة» . 221 - ولأحمد عن أبي هريرة مرفوعا «ويل للأمراء ويل للعرفاء ويل للأمناء، ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريا يتذبذبون بين السماء والأرض ولم يكونوا عملوا على شيء» .   (220) صحيح مسلم الإمارة 13 / 1465 رقم 1833. المخيط: الإبرة، الغلول: الخيانة والسرقة الخفية. (221) صحيح، رواه أحمد في المسند 2 / 352 وأبو يعلى 8 / 4745، 11 / 6217 والطيالسي 2 / 165 رقم 2608 وابن حبان 10 / 335 رقم 4483 والبيهقي 10 / 97 والحاكم 4 / 91. العرفاء جمع عريف وهو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم ويعرف الأمير على أحوالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 [ باب ولاية من لا يحسن العدل ] "107" باب ولاية من لا يحسن العدل 222 - عن أبي ذر - رضي الله عنه - مرفوعا «يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تَأَمَّرَنَّ على اثنين، ولا تَوَلَّيَنَّ مال يتيم» رواه مسلم. 322 - ولأبي داود عن بريدة رضي الله عنه مرفوعا «القضاة ثلاثة واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار» .   (222) تقدم رقم 211. (223) صحيح. رواه أبو داود في الأقضية 3 / 299 رقم 3573 والترمذي الأحكام 3 / 613 رقم 1322 وابن ماجه الأحكام 2 / 776 رقم 2315 والبيهقي 10 / 16 والحاكم 4 / 90. جار في الحكم: أي مال عن الحق وظلم عالما به متعمدا له. على جهل: حال من فاعل قضى أي قضى للناس جاهلا. الحديث دليل على أنه لا ينجو من النار من القضاة إلا من عرف الحق وعمل به، والعمدة العمل فإن من عرف الحق ولم يعمل فهو ومن حكم بجهل سواء في النار، وظاهره أن من حكم بجهل وإن وافق حكمه الحق فإنه في النار لأنه أطلقه وقال فقضى للناس على جهل فإنه يصدق على من وافق الحق وهو جاهل في قضائه أنه قضى على جهل، وفيه التحذير من الحكم بجهل أو بخلاف الحق مع معرفته به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 224 - وله (1) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا «من أفتى فتيا بغير علم كان إثم ذلك على الذي أفتاه» .   (224) حسن. رواه أبو داود العلم 3 / 321 رقم 3657 وابن ماجه المقدمة 1 / 20 رقم 8 والدارمي المقدمة 1 / 53 رقم 2161 وأحمد 2 / 321، 365 والحاكم 1 / 126 وقال الحاكم صحيح. من أفتى: على بناء المفعول أي من وقع في خطأ بفتوى عالم فالإثم على ذلك العالم وهذا إذا لم يكن الخطأ في محل الاجتهاد أو وقع في الخطأ لعدم بلوغه في الاجتهاد حقه. وقيل على صيغة المجهول وقيل من المعلوم يعني كل جاهل سأل عالما عن مسألة فأفتاه العالم بجواب باطل فعمل السائل بها ولم يعلم بطلانها فإثمه على المفتي إن قصر في اجتهاده.   (1) جاء بها بعض النسخ ولهما والتصويب من مخطوطة الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 [ باب الأمانة في البيع والشراء والكيل والوزن ] " 108 " باب الأمانة في البيع والشراء والكيل والوزن وقول الله تعالى: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} 225 - عن حذيفة - رضي الله عنه - «قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة. ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر المجل كجمر دحرجها على رجلك فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء، ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله. فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحدهم يودي الأمانة حتى يقال إن في بني فلان رجلا أمينا، وحتى يقال للرجل ما أجلده ما أظرفه ما أعقله، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان. ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلما ليردنه علي دينه وإن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه علي ساعيه. وأما اليوم فما كنت أبايع منكم إلا فلانا وفلانا» . الجذر الأصل - والوكت الأثر اليسير - والمجل نفط يسير من أثر عمل. ومنتبرا مرتفعا.   (225) رواه البخاري الرقاق 11 / 333 رقم 6497 والفتن رقم 7086 والاعتصام رقم 7276 ومسلم الإيمان 1 / 126 رقم 230. الأمانة هي ضد الخيانة والمراد برفعها إذهابها بحيث يكون الأمين معدوما أو شبه المعدوم. بايعت: قال الخطابي تأوله بعض الناس على بيعة الخلافة وهذا خطأ وكيف يكون؟ وهو يقول إن كان نصرانيا رده على ساعيه فهو لا يبايع النصراني على الخلافة وإنما أراد مبايعة البيع والشراء. رده علي ساعيه: أي واليه الذي أقيم عليه لينصف منه، وأكثر ما يستعمل الساعي في ولاة الصدقة، ويحتمل أن يراد به هنا الذي يتولى قبض الجزية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 226 - ولمسلم في حديث الشفاعة وترسل الأمانة والرحم فيقومان بجنبتي الصراط يمينا وشمالا.   (226) صحيح مسلم الإيمان 1 / 186 رقم 195 هو حديث حذيفة الطويل في الشفاعة العظمى. قال النووي وأما إرسال الأمانة والرحم فهو لعظم أمرهما وكثير موقعهما فتصوران مشخصتين على الصفة التي يريدها الله تعالى وتقومان لتطلبا كل من يريد الجواز بحقهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 [ باب قوله كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ] " 109 " باب قوله كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته وقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} الآية: [التحريم: 6] . 227 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته. فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده ومسئولة عن رعيتها، والولد راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته. فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» متفق عليه.   (227) رواه البخاري الأحكام 13 / 111 رقم 7138 ومسلم 3 / 1459 رقم 1829 الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه. قال الخطابي: اشتركوا أي الإمام والرجل ومن ذكر في التسمية أي في الوصف بالراعي ومعانيهم مختلفة فرعاية الإمام الأعظم حياطة الشريعة بإقامة الحدود والعدل في الحكم. ورعاية الرجل أهله سياسة لأمرهم وإيصالهم حقوقهم، ورعاية المرأة تدبير أمر البيت والأولاد والخدم والنصيحة للزوج في كل ذلك. ورعاية الخادم حفظ ما تحت يده والقيام بما يجب عليه من خدمته قال الطيبي: في هذا الحديث أن الراعي ليس مطلوبا لذاته وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه المالك فينبغي أن لا يتصرف إلا بما أذن الشارع فيه وهو تمثيل ليس في الباب ألطف ولا أجمع ولا أبلغ منه فإنه أجمل أولا ثم فصل وأتى بحرف التنبيه مكررا، الفتح 13 / 111. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 [ باب الرفق بالمملوك ] " 110 " باب الرفق بالمملوك 228 - عن أبي مسعود - رضي الله عنه - أنه ضرب عبدا له فقال النبي صلى الله عليه وسلم. «اعلمْ أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام - قلت هو حر لوجه الله تعالى. فقال: " أما إنك لو لم تفعل للفحتك النار - أو لمستك النار» .   (228) رواه مسلم 2 / 1280 رقم 1659. وفيه الحث على الرفق بالمملوك والوعظ والتنبيه على استعمال العفو وكظم الغيظ والحكم كما يحكم الله على عباده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 [ باب الرفق بالبهائم ] " 111 " باب الرفق بالبهائم 229 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى حمارا قد وسم في وجهه فأنكر ذلك. وفي رواية (1) «لعن الله الذي وسمه» وفي رواية (2) «نهى عن الضرب في الوجه وعن الوسم في الوجه» لما رواه مسلم. 230 - ولهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا «دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت» . 231 - ولمسلم عن ابن عمرو (3) - رضي الله عنهما - مرفوعا «كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته» ولأبي داود (4) «أن يضيع من يقوت» .   (229) رواه مسلم اللباس 3 / 1673 رقم 2118. (230) رواه البخاري بدء الخلق 6 / 356 رقم 3318 ومسلم التوبة 4 / 2023 رقم 2619. (231) صحيح مسلم الزكاة 2 / 692 رقم 996.   (1) هذه الرواية رواها الطبراني كما في مجمع الزوائد الأدب 8 / 110. ورواها مسلم 3 / 1673 رقم 2117 من حديث جابر بن عبد الله. (2) هذه الرواية رواها مسلم وغيره 3 / 1673 من حديث جابر. (3) جاء في الأصل عمرو الصواب ما أثبت. (4) سنن أبي داود الزكاة 2 / 132 رقم 1692 وأحمد 2 / 193، 195. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 232 - ولهما عن الحسن أنه قال لصاحب الجمل الذي لم يعلفه: «أما إنه ليحاجك يوم القيامة» .   (232) لم أجده في الصحيحين. رواه أبو داود الجهاد 3 / 23 رقم 2549 وأحمد 1 / 124 وأبو عوانة 1 / 197، من طريق الحسن بن سعد عن عبد الله بن جعفر مرفوعا بمعناه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 [ باب إباق العبد ] " 112 " باب إباق العبد 233 - عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - مرفوعا «أيما عبد أبق فقد برئت منه الذمة» رواه مسلم.   (233) صحيح مسلم الإيمان 1 / 83 رقم 69. الآبق: الهارب من سيده. فقد برئت منه الذمة: قال النووي فمعناه لا ذمة له، قال الشيخ أبو عمرو - رحمه الله - الذمة هنا يجوز أن تكون هي الذمة المفسرة بالذمام وهي الحرمة ويجوز أن يكون من قبيل ما جاء في قوله: " له ذمة الله تعالى وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي ضمانه وأمانته ورعايته ومن ذلك أن الآبق كان مصونا عن عقوبة السيد له وحبسه فزال ذلك بإباقه والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 [ باب ظلم الأجير ] " 113 " باب ظلم الأجير 234 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا «قال الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته - رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يؤته أجرته» رواه البخاري.   (234) صحيح البخاري البيوع 4 / 417 رقم 2227 الإجارة 4 / 447 رقم 2270 قال الحافظ في الفتح 4 / 417. قال ابن التين هو سبحانه وتعالى خصم لجميع الظالمين إلا أنه أراد التشديد على هؤلاء بالتصريح والخصم يطلق على الواحد وعلى الاثنين وعلى أكثر من ذلك. أعطى بي ثم غدر: على حذف المفعول والتقدير أعطى يمينه بي أي عاهد عهدا وحلف عليه بالله ثم نقضه. باع حرا فأكل ثمنه: خص الأكل بالذكر لأنه أعظم مقصود. قال المهلب: وإنما كان إثمه شديدا لأن المسلمين أكفاء في الحرية فمن باع حرا فقد منعه التصرف فيما أباح الله له وألزمه الذل الذي أنقذه الله منه. ورجل استأجر أجيرا: هو في معنى من باع حرا وأكل ثمنه لأنه استوفى منفعته بغير عوض وكأنه أكلها لأنه استخدمه بغير أجرة وكأنه استعبده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 [ باب سؤال المرأة الطلاق ] " 114 " باب سؤال المرأة الطلاق 235 - أخرج الترمذي وابن حبان في صحيحه عن ثوبان مرفوعا «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة» .   (235) صحيح، رواه أبو داود الطلاق 2 / 268 رقم 2226 والترمذي الطلاق 3 / 493 رقم 1187 وابن ماجه الطلاق 1 / 662 رقم 2055 وأحمد 5 / 277، 283 وابن أبي شيبة 5 / 272 والدارمي الطلاق 2 / 85 رقم 2275 وابن حبان 9 / 490 رقم 4184. قال الحافظ قي الفتح 9 / 304 وصححه ابن خزيمة وابن حبان. من غير بأس: أي من غير حاجة تلجئها إلى سؤال المفارقة، فحرام عليها رائحة الجنة: أي ممنوع عنها وذلك على نهج الوعيد أو وقوع ذلك متعلق بوقت دون وقت أي لا تجد رائحة الجنة أول ما وجدها المحسنون. قال الحافظ في الفتح 9 / 402. وفيه أن الأخبار الواردة في ترهيب المرأة من طلاق زوجها محمولة على ما إذا لم يكن سبب يقتضي ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 [ باب ما جاء في الديوث ] " 115 " باب ما جاء في الديوث 236 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعا «ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، وَرَجْلَةُ النساء» . رواه في المستدرك - والطبراني بسند قال المنذري لا أعلم فيه مجروحا قريبا منه وفيه فما " الديوث " قال: " الذي لا يبالي بمن دخل على أهله " قيل فما الرجلة قال: " التي تتشبه بالرجال ".   (236) صحيح، رواه النسائي الزكاة 5 / 84 رقم 2561 وأحمد 2 / 69، 128 وأبو يعلى 8 / 409 رقم 5556 والبزار كشف الأستار 2 / 372 رقم 1875، 1876 والطبراني 12 / 302 رقم 13180 والبيهقي 10 / 226 والحاكم 4 / 146 وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 8 / 147، رواه البزار بإسنادين رجالهما ثقات وصححه الشيخ ناصر في السلسلة الصحيحة رقم 1397 (1) . والديوث فيعول من ديثت البعير إذا ذللته ولينته بالرياضة فكأن الديوث ذلل حتى رأى المنكر بأهله فلا يغيره. ورجلة النساء بفتح الراء وسكون الجيم وبفتح اللام أي المتشبهة بالرجال في الزي أو الهيئة لا في الرأي والعلم فإنه محمود. قال ابن القيم ذكر الديوث يدل على أن أصل الدين الغيرة ومن لا غيرة له لا دين له فالغيرة تحمي القلب فتحمي له الجوارح فترفع السوء والفواحش وعدمها يميت القلب فتموت الجوارح فلا يبقى عندها دفع البتة، والغيرة في القلب كالقوة التي تدفع المرض وتقاومه فإذا ذهبت القوة كان الهلاك.   (1) 1 - هذه الرواية رواها الطبراني عن عمار بن ياسر كما في مجمع الزوائد 4 / 327 وقال الهيثمي رواه الطبراني وفيه مساتير وليس فيهم من قيل إنه ضعيف. وقال المنذري في الترغيب والترهيب باب الترهيب من تشبه المرأة بالرجال 3 / 59 رواه الطبراني ورواته ليس فيهم مجروح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 [ باب ظلم المرأة ] " 116 " باب ظلم المرأة 237 - أخرج الطبراني بسند رجاله ثقات أنه - صلى الله عليه وسلم - قال «أيما رجل تزوج امرأة على ما قل من المهر أو كثر وليس في نفسه أن يؤدي إليها حقها خدعها فمات ولم يؤد إليها حقها لقي الله يوم القيامة وهو زان» .   (237) رواه الطبراني في الكبير 8 / 40 رقم 7302 عن صهيب رضي الله عنه. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4 / 131 رواه الطبراني في الكبير وعمرو بن دينار هذا متروك. قلت له طريق آخر بنحوه رواه أحمد في المسند 4 / 332 والطبراني 8 / 40 رقم 7301. قال الهيثمي 4 / 284 رواه أحمد والطبراني وفي إسناد أحمد رجل لم يسم وبقية رجاله ثقات وفي إسناد الطبراني من لم أعرفهم. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة رواه البزار كما في كشف الأستار 2 / 162 رقم 1429 ومن حديث ميمون الكردي عن أبيه رواه الطبراني في الصغير والأوسط وأنظر مجمع الزوائد 4 / 284. أي مات وهو متلبس بإثم مثل إثم الزاني والزاني في النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 [ باب الإشارة بالسلاح على وجه اللعب ] " 117 " باب الإشارة بالسلاح على وجه اللعب 238 - عن أبي هريرة مرفوعا «لا يشيرن أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار» أخرجاه. 239 - ولمسلم «من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يردها وإن كان أخاه من أبيه وأمه» .   (238) رواه البخاري الفتن 13 / 23 رقم 7072 ومسلم البر والصلة 4 / 2020 رقم 2617. قال الحافظ في الفتح 13 / 25 قال الخليل في العين نزغ الشيطان بين القوم نزغا حمل بعضهم على بعض بالفساد ومنه قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} والمراد أنه يغري بينهم حتى يضرب أحدهما الآخر بسلاحه فيحقق الشيطان ضربته له. وقال ابن التين النهي عما يفضي إلى المحذور وإن لم يكن محذورا محققا سواء كان ذلك في جد أو هزل. (239) رواه مسلم البر والصلة 4 / 2020 رقم 2616. قال ابن العربي إذا استحق الذي يشير بالحديدة اللعن فكيف الذي يصيب بها؟ وإنما يستحق اللعن إذا كانت إشارته تهديدا سواء كان جادا أم لاعبا، وإنما أخذ اللاعب لما أدخله على أخيه من الروع، ولا يخفى أن إثم الهازل دون إثم الجاد وإنما نهى عن تعاطي السيف مسلولا لما يخاف من الغفلة عند التناول فيسقط فيؤذي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 240 - وللترمذي وحسنه عن جابر رضي الله عنه: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تعاطي السيف مسلولا» . 241 - وفي المسند عن أبي بكرة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على قوم يتعاطون السيف مسلولا فقال: " لعن الله من فعل هذا أوليس قد نهيت عنه؟ ثم قال: إذا سل أحدكم سيفه فنظر إليه ثم أراد أن يناوله أخاه فليغمده ثم يناوله إياه» .   (240) رواه أبو داود الجهاد 3 / 31 رقم 2588 والترمذي الفتن 4 / 403 رقم 2163. وإنما نهى عن تعاطي السيف مسلولا لما يخاف من الغفلة عند التناول فيسقط فيؤذي. (241) رواه أحمد في المسند 5 / 42 والحاكم 4 / 290 وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 [ باب العصبية ] " 118 " باب العصبية 242 - عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - مرفوعا «من قتل تحت راية عمية يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتلته جاهلية» رواه مسلم. 243 - ولأبي داود بسند جيد عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعا وموقوفا «فمن نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي ردي في بئر فهو ينزع بذنبه» .   (242) صحيح مسلم الإمارة 3 / 1478 رقم 1850. العصبية: أي من يدعو الناس إلى الاجتماع على عصبية وهي معاونة الظالم. ومعناه أنه يقاتل لشهوة في نفسه وغضبة لها ويقاتل عصبية لقومه وهواه. (243) رواه أبو داود الأدب 4 / 331 رقم 5117 موقوفا ورواه أحمد 1 / 393، 449 مرفوعا. من نصر قومه على غير الحق أي على باطل أو مشكوك فيه، قال الخطابي معناه أنه وقع في الإثم وهلك كالبعير إذا تردى في بئر فصار ينزع أي يخرج بذنبه ولا يقدر على الخلاص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 [ باب من آوى محدثا ] " 119 " باب من آوى محدثا 244 - عن علي - رضي الله عنه - قال: حدثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأربع كلمات «لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثا، لعن الله من غير منار الأرض» رواه مسلم.   (244) صحيح مسلم الأضاحي 3 / 1567 رقم 1978. اللعن: هو الطرد والإبعاد من رحمة الله. الذبح لغير الله كمن ذبح للصنم أو الصليب أو لنبي من الأنبياء عليهم السلام أو ولي من الأولياء أو ذبح للقبر. ولا تحل هذه الذبيحة سواء كان الذابح مسلما أو كافرا فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله تعالى أو لعبادة له كان ذلك كفرا فإن كان الذابح مسلما قبل ذلك صار بالذبح مرتدا، وأما ما يذبح عند قدوم الملك أو الرئيس أو السلطان تقربا إليه فهو حرام لأنه مما أهل به لغير الله. لعن الله من آوى محدثا، آوى: أي ضمه إليه وحماه. محدثا: من نصر جانيا أو آواه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه. والحدث الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة. منار الأرض: علامات وحدود. وتغير منار الأرض هو تقديم أو تأخير علاماتها وحدودها، فيدخل الرجل ملك غيره في ملكه فيقتطعه ظلما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 [ كتاب المظالم ] [ باب ظلم اليتيم ] " 120 " باب ظلم اليتيم وقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} 245 - ولهما عن أبي هريرة مرفوعا «اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» .   (245) رواه البخاري الوصايا 5 / 393 رقم 2766 والحدود 12 / 181 رقم 6857 ومسلم الإيمان 1 / 92 رقم 89. الشرك تقدم الكلام عليه في الحديث الأول. السحر: جاء في الفتح 10 / 222 السحر يطلق على معان. أحدها: ما لطف ودق، ومنه سحرت الصبي خادعته واستملته، وكل من استمال شيئا فقد سحره ومنه إطلاق الشعراء سحر العيون لاستمالتها النفوس ومنه حديث «إن من البيان لسحرا» . الثاني: ما يقع بخداع وتخييلات لا حقيقة لها، نحو ما يفعله المشعوذة من صرف الأبصار عما يتعاطاه بخفة يده، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} وقال تعالى: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} وقد يستعين في ذلك بما يكون فيه خاصية كالحجر الذي يجذب الحديد المسمى المغنطيس. الثالث: ما يحصل بمعاونة الشياطين بضرب من التقرب إليهم وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} الرابع: ما يحصل بمخاطبة الكواكب واستنزال روحانياتها بزعمهم. . . وقد كان أهل بابل قوما صابئين يعبدون الكواكب السبعة ويسمونها آلهة ويعتقدون أنها الفعالة لكل ما في العالم. . وهم الذين بعث إليهم إبراهيم عليه السلام وكانت علومهم أحكام النجوم. واختلف في السحر فقيل هو تمثيل فقط لا حقيقة له قال النووي الصحيح أن له حقيقة وبه قطع الجمهور وعليه عامة الفقهاء، ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة. والفرق بين السحر والمعجزة والكرامة. أن السحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال حتى يتم للساحر ما يريد، والكرامة لا تحتاج إلى ذلك بل إنما تقع غالبا اتفاقا، وأما المعجزة فتمتاز عن الكرامة بالتحدي. ونقل إمام الحرمين الإجماع على أن السحر لا يظهر إلا من فاسق وأن الكرامة لا تظهر على فاسق. قال القرطبي السحر حيل صناعية يتوصل إليها بالاكتساب غير أنها لدقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس. وقد استدل بقوله تعالى، {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} على أن الساحر كافر ومتعلمه كافر وهو واضح في بعض أنواعه قدمتها وهو التعبد للشياطين أو الكواكب. . قال النووي: عمل السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات. ومنه ما يكون كفرا ومنه ما لا يكون كفرا بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر، وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام فإن كان فيه ما يقتضي الكفر كفر واستتيب منه ولا يقتل فإن تاب قبلت توبته، وإن لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عزر، وعن مالك الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب بل يتحتم قتله كالزنديق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 [ باب غصب الأرض ] " 121 " باب غصب الأرض 246 - عن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - مرفوعا «من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين» أخرجاه.   (246) رواه البخاري المظالم 5 / 103 رقم 2452، 3198 ومسلم المساقاة 3 / 1230 رقم 1610. قال الحافظ في الفتح 5 / 105. وفي الحديث تحريم الظلم والغصب وتغليظ عقوبته وأنه من الكبائر. قال القرطبي: إن من ملك أرضا ملك أسفلها إلى منتهى الأرض وله أن يمنع من حفر تحتها سردابا أو بئرا بغير رضاه، وفيه أن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها بها فيه من حجارة ثابتة وأبنية ومعادن وغير ذلك وأن له أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر بمن يجاوره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 [ باب الظلم في الأبدان ] " 122 " باب الظلم في الأبدان 247 - عن ابن عمرو (1) - رضي الله عنهما - مرفوعا «ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة - من أم قوما وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دبارا - والدبار أن يأتيها بعد أن تفوته - ورجل اعتبد محررا» رواه أبو داود والطبراني بسند جيد.   (247) رواه أبو داود الصلاة 1 / 162 رقم 513 وابن ماجه الصلاة 15 / 311 رقم 970. وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وهو ضعيف. قال الشوكاني في نيل الأوطار: وقد قيد ذلك جماعة من أهل العلم بالكراهة الدينية لسبب شرعي فأما الكراهة لغير الدين فلا عبرة بها وقيدوه أيضا بأن يكون الكارهون أكثر المأمومين، ولا اعتبار بكراهة الواحد أو الاثنين والثلاثة إذا كان المؤتمون جمعا كثيرا والاعتبار بكراهة أهل الدين دون غيرهم. قال الخطابي يشبه أن يكون الوعيد في الرجل ليس من أهل الإمامة فيقتحم فيها ويتغلب عليها حتى يكره الناس إمامته، فأما إن كان مستحقا للإمامة فاللوم على من كرهه دونه. ورجل أتى الصلاة إدبارا، الإدبار يطلق على آخر الشيء وقيل جمع دبر وهو آخر أوقات الشيء والمراد أنه يأتي الصلاة حين أدبر وقتها. قال الخطابي هو أن يكون قد اتخذها عادة حتى يكون حضوره الصلاة بعد فراغ الناس وانصرافهم عنها. ورجل اعتبد محررا: أي اتخذ نفسا معتقة عبدا أو جارية قال الخطابي اعتباد المحرر يكون من وجهين أحدهما أن يعتقه ثم يكتم عتقه أو ينكره وهذا شر الأمرين. الوجه الآخر أن يعتقله بعد العتق فيستخدمه كرها.   (1) جاء في الأصل ابن عمر والصواب ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 248 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - مرفوعا «من جرد ظهر مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان» .   (248) رواه الطبراني 8 / 136 رقم 7536 قال الهيثمي في مجمع الزوائد 6 / 253 وإسناده جيد وضعفه الشيخ ناصر في ضعيف الجامع 799 رقم 4543. جرد: أي عراه من ثيابه. والمراد فيما يظهر أنه جرده من ثيابه ليضربه وهذا وعيد شديد يفيد أن ذلك كبيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 [ باب الظلم في الأموال ] " 123 " باب الظلم في الأموال 249 - في الصحيح «ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن» .   (249) رواه البخاري المظالم 5 / 119 رقم 2475 والأشربة 10 / 30 رقم 5578 والحدود 12 / 58 رقم 6772 من حديث أبي هريرة وفيه زيادة. النهب: هو أخذ الرجل ما ليس له جهارا وقهرا. قال الحافظ 3 / 53. وأشار برفع البصر إلى حالة المنهوب - فإنهم ينظرون إلى من ينهبهم ولا يقدرون على دفعه ولو تضرعوا إليه، ويحتمل أن يكون كناية عن عدم التستر بذلك فيكون صافة لازمة للنهب بخلاف السرقة والاختلاس فإنه يكون في خفية والانتهاب أشد إثما لما فيه من مزيد الجراءة وعدم المبالاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 [ باب خذلان المظلوم ] " 124 " باب خذلان المظلوم 250 - عن سهل بن حنيف - رضي الله عنه - مرفوعا «من أُذِلَّ عنده مسلم فلم ينصره وهو يقدر أن ينصره أذله الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة» رواه أحمد.   (250) رواه أحمد 3 / 487 والطبراني 6 / 89 رقم 5554. وقال الهيثمي 7 / 267 وفيه ابن لهيعة وهو حسن الحديث وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات. قال الحافظ في الفتح 5 / 99. نصر المظلوم فرض كفاية وهو عام في المظلومين وكذا في الناصرين بناء على أن فرض الكفاية مخاطب به الجميع على الراجح ويتعين أحيانا على أن من له القدرة عليه وحده إذا لم يترتب على إنكاره مفسدة أشد من مفسدة المنكر فلو علم أو غلب على ظنه أنه لا يفيد سقط الوجوب وبقي أصل الاستحباب بالشروط المذكورة فلو تساوت المفسدتان تخير، وشرط الناصر أن يكون عالما بكون الفعل ظلما. ما من امرئ يخذل امرأً مسلما: أي لم يحل بينه وبين من يظلمه ولا ينصره، بأن يتكلم فيه بما لا يحل والحرمة هنا ما لا يحل انتهاكه. قال الجوهري انتهك عرضه بالغ يا شتمه. إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته: أي في موضع يكون فيه أحوج لنصرته وهو يوم القيامة. فخذلان المؤمن حرام شديد التحريم مثل أن يقدر على دفع عدو يريد البطش به فلا يدفعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 251 - ولأبي داود عن جابر وأبي طلحة - رضي الله عنهما - مرفوعا «ما من امرئ مسلم يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ مسلم ينصر امرأ مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته» .   (251) حسن. رواه أبو داود الأدب 4 / 271 رقم 4884 وأحمد 4 / 30 وقد حسنه الشيخ ناصر في صحيح الجامع 2 / 992 رقم 5690. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 [ باب ما جاء في أخوة الإسلام وحق المسلم على المسلم ] " 125 " باب ما جاء في أخوة الإسلام وحق المسلم على المسلم وقول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} وقوله تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} الآية: [المائدة: 54] . 252 - وفي الصحيح «لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام أفضل» .   (252) رواه البخاري فضائل الصحابة 7 / 17 رقم 3656، 3657 من حديث ابن عباس. قال الحافظ 7 / 13. " واختلف في المودة والخلة والمحبة والصداقة هل هي مترادفة أو مختلفة قال أهل اللغة الخلة أرفع رتبة وهو الذي يشعر به هذا الحديث وكذا قوله صلى الله عليه وسلم «لو كنت متخذا خليلا غير ربي» فإنه يشعر بأنه لم يكن له خليل من بني آدم ". وهذا الحديث منقبة عظيمة لأبي بكر لم يشاركه فيها أحد. وقال الحافظ 7 / 13. وفيه إشكال فإن الخلة أفضل من أخوة الإسلام، لأنها تستلزم ذلك وزيادة، فقيل المراد أن مودة الإسلام مع النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من مودته مع غيره، وقيل أفضل بمعنى فاضل، ولا يعكر على ذلك اشتراك جميع الصحابة في هذه الفضيلة لأن رجحان أبي بكر عرف من غير ذلك وأخوة الإسلام ومودته متفاوتة بين المسلمين في نصر الدين وإعلاء كلمة الحق وتحصيل كثرة الثواب ولأبي بكر من ذلك أعظمه وأكثره والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 253 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - مرفوعا «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» أخرجاه. 254 - ولهما عن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - مرفوعا «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» .   (253) رواه البخاري الصلاة 1 / 565 رقم 481، 2446، 6026 ومسلم البر والصلة 4 / 1999 رقم 2585. (254) رواه البخاري الأدب 10 / 438 رقم 6011 ومسلم البر 4 / 1999 رقم 2586. جاء في الفتح 10 / 439. قال ابن أبي جمرة الذي يظهر أن التراحم والتوادد والتعاطف وإن كانت متقاربة في المعنى لكن بينهما فرق لطيف فأما التراحم فالمراد به أن يرحم بعضهم بعضا بأخوة الإيمان لا بسبب شيء آخر، وأما التوادد فالمراد به التواصل الجالب للمحبة كالتزاور والتهادي، وأما التعاطف فالمراد به إعانة بعضهم بعضا كما يعطف الثوب عليه ليقويه. قال القاضي عياض فتشبيه المؤمنين بالجسد الواحد تمثيل صحيح وفيه تقريب للفهم وإظهار للمعاني في الصور المرئية وفيه تعظيم حقوق المسلمين، والحض على تعاونهم وملاطفة بعضهم بعضا. قال ابن أبي جمرة: شبه النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بالجسد وأهله بالأعضاء لأن الإيمان أصل وفروعه التكاليف فإذا أخل المرء بشيء من التكاليف شأن ذلك الإخلال بالأصل، وكذلك الجسد أصل الشجرة وأعضاؤه كالأغصان فإذا اشتكى عضو من الأعضاء اشتكت الأعضاء كلها كالشجرة إذا ضرب غصن من أغصانها اهتزت الأغصان كلها بالتحرك والاضطراب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 255 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا «لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا ولا تدابروا. ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا - المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التقوى هاهنا - وأشار إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» رواه مسلم. 256 - ولهما عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعا «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» .   (255) رواه مسلم البر والصلة 4 / 1986 رقم 2564. (256) رواه البخاري المظالم 5 / 97 رقم 2442 ومسلم البر والصلة 4 / 1996 رقم 2580. أسلم فلان فلانا: إذا ألقاه إلى الهلكة ولم يحمه من عدوه وهو عام في كل من أسلم لغيره لكن غلب في الإلقاء إلى الهلكة. ولا يسلمه: أي لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه بل ينصره ويدفع عنه. كربه: أي غمه والكرب هو الغم الذي يأخذ النفس. من ستر مسلما: أي من رآه على قبيح فلم يظهره أي للناس وليس في هذا ما يقتضي ترك الإنكار عليه فيما بينه وبينه. والستر محله في معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حصل التلبس بها، فيجب الإنكار عليه وإلا رفعه إلى الحاكم المسلم، وليس من الغيبة المحرمة بل من النصيحة الواجبة، وفيه إشارة إلى ترك الغيبة لأن من أظهر مساوئ أخيه لم يستره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 257 - ولهما عن أنس - رضي الله عنه - مرفوعا «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» . 258 - وللبخاري عنه مرفوعا «انصر أخاك ظالما أو مظلوما " فقال رجل يا رسول الله إن كان ظالما كيف أنصره؟ قال: " تحجزه وتمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه» والله تعالى أعلم. تمت بحمد الله ومنته وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما كثيرا.   (257) رواه البخاري الإيمان 1 / 56 رقم 13 ومسلم الإيمان 1 / 67 رقم 45. قال الحافظ 1 / 57. لا يؤمن: أي من يدعي الإيمان، والمراد بالنفي، كمال الإيمان، ونفي اسم الشيء على معنى نفي الكمال عنه مستفيض في كلامهم، كقولهم فلان ليس بإنسان، فإن قيل فيلزم أن يكون من حصلت له هذه الخصلة مؤمنا كاملا وإن لم يأت ببقية الأركان، أجيب بأن هذا ورد مورد المبالغة، أو يستفاد من قوله لأخيه المسلم ملاحظة بقية صفات المسلم، وقد صرح ابن حبان في رواية " لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان " ومعنى الحقيقة هنا الكمال. وضرورة أن من لم يتصف بهذه الصفة لا يكون كافرا. (258) رواه البخاري المظالم 5 / 98 رقم 2443، 2444، الإكراه 12 / 323 رقم 6952. جاء في الفتح 5 / 98. قال ابن بطال: النصر عند العرب الإعانة، وتفسيره لنصر الظالم بمنعه من الظلم من تسمية الشيء بما يئول إليه، وهو من وجيز البلاغة قال البيهقي: معناه أن الظالم مظلوم في نفسه فيدخل فيه ردع المرء عن ظلمه لنفسه حسا ومعنى فلو رأى إنسانا يريد أن يَجُبَّ نفسه لظنه أن ذلك يزيل مفسدة طلبه الزنا مثلا منعه من ذلك وكان ذلك نصرا له، واتحد في هذه الصورة الظالم والمظلوم. والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220