الكتاب: يسألونك عن المعاملات المالية المعاصرة المؤلف: حسام الدين بن موسى محمد بن عفانة الناشر: المكتبة العلمية ودار الطيب للطباعة والنشر - القدس / أبوديس الطبعة: الأولى (أبوديس / بيت المقدس / فلسطين)، 1430هـ - 2009م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- يسألونك عن المعاملات المالية المعاصرة حسام الدين عفانة الكتاب: يسألونك عن المعاملات المالية المعاصرة المؤلف: حسام الدين بن موسى محمد بن عفانة الناشر: المكتبة العلمية ودار الطيب للطباعة والنشر - القدس / أبوديس الطبعة: الأولى (أبوديس / بيت المقدس / فلسطين)، 1430هـ - 2009م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] يسألونك عن المعاملات المالية المعاصرة الجزء الأول تأليف الأستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة أستاذ الفقه والأصول كلية الدعوة وأصول الدين / جامعة القدس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 الطبعة الأولى أبوديس / بيت المقدس / فلسطين 1430هـ - 2009م توزيع المكتبة العلمية ودار الطيب للطباعة والنشر القدس / أبوديس / شارع جامعة القدس هاتف (2791365) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 بسم الله الرحمن الرحيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أثيم إن الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين َفإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيات 275 - 279. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 مقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}. وبعد ... فهنالك إقبال متزايد على المصارف الإسلامية مؤخراً وخاصة في أعقاب الأزمة المالية العالمية، حيث أقبلت جهات عدة في العالم الغربي على المطالبة بدراسة نظام المصارف الإسلامية والتعامل معه، وأطلقت الدعوات للتعامل مع المصارف الإسلامية كما صرحت وزيرة الاقتصاد الفرنسي في شهر تموز من العام الماضي أن السلطات الفرنسية المختصة مقتنعة بأن إرساء نظام المصرفية الإسلامية في فرنسا يعد فعلاً فرصة ذهبية أمام الاقتصاد الفرنسي. وتعهدت بالسعي إلى المساعدة على توفير الإطار القانوني الذي من شأنه تطوير نظام المصرفية الإسلامية في فرنسا. وشهدت الفترة السابقة افتتاح عدد من المصارف الإسلامية في مختلف دول العالم كفرنسا وبريطانيا وغيرهما، كما أن المصارف الإسلامية تحقق نمواً سريعاً بنسبة أعلى مما في البنوك الربوية فقد حققت بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 المصارف الإسلامية نسبة نمو بلغت 15 - 30 % وهذا يؤكد حقيقة مهمة وهي إن نظام المعاملات الإسلامية الذي تطبقه المصارف الإسلامية هو الأصلح للبشرية من كل الأنظمة الوضعية، وخاصة التي تقوم على مبدأ الفائدة أي الربا، ومعلوم أن الربا من أكبر الكبائر وتحريمه قطعي في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ}. وثبت في الحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وصححه وصححه العلامة الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية) رواه أحمد وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 3/ 29. وغير ذلك من الأحاديث. ومن المعلوم أن للمصارف الإسلامية خصائص ومميزات تتميز بها عن المصارف الأخرى، ذلك لأنها تختلف عن المصارف الربوية من حيث المبدأ والمحتوى والمضمون اختلافاً واضحاً. وفيما يلي ثلاث منها تعتبر من أهم هذه خصائص المصارف الإسلامية: الخاصية الأولى: استبعاد التعامل بالفائدة: أول ما يمتاز به المصرف الإسلامي عن المصارف الأخرى هو إسقاط الفائدة الربوية من كل عملياته أخذاً أو إعطاءً. وتعد هذه الخاصية المعلم الرئيس للمصرف الإسلامي، وبدون هذه الخاصية يكون المصرف الإسلامي كأي مصرف ربوي آخر. ذلك لأن الإسلام قد حرم الربا بكل أشكاله وشدد العقوبة عليه كما سبق في الآيات والأحاديث. ومساوئ الربا ومضاره معروفة لدى الجميع. بل يكاد يكون هناك إجماع على أن الربا يمثل قمة الظلم والاستغلال مما يتيح لأحد أطرافه استرداد رأس ماله زائداً الفائدة الربوية وما الأزمة المالية العالمية عنا ببعيد. الخاصية الثانية: توجيه كل الجهد نحو الاستثمار الحلال المصارف الإسلامية مصارف تنموية في المقام الأول وبما أنها تتبع منهج الله عز وجل، لذا فإنها في جميع أعمالها محكومة بما أحله الله. وهذا يدفعها إلى الدخول في استثمارات وتمويل المشاريع التي تحقق الخير للعباد والبلاد مما يترتب عليه الآتي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 1. توجيه الاستثمار في دائرة السلع والخدمات التي تشبع الحاجات السوية للفرد المسلم. 2. لا بد أن يكون المنتج (سلعة - خدمة) في دائرة الحلال. الخاصية الثالثة: ربط التنمية الاقتصادية بالاجتماعية وهو أن التنمية الاجتماعية هي الأساس الذي عن طريقه تؤتي التنمية الاقتصادية ثمارها وهو بذلك يراعي الجانبين ويعمل لصالح الجميع ورفع المستوي المعيشي للمجتمع. الخاصية الرابعة: تجميع الأموال المجمدة ودفعها إلى مجال الاستثمار وذلك لابتعاد كثير من المسلمين عن الاستثمار في البنوك الربوية وبهذا تمكنت المصارف الإسلامية من جذب هذه الأموال المجمدة وإدخالها في استثمار المشاريع التنموية المختلفة. ومن الجوانب المهمة في عمل المصارف الإسلامية الناحية الإعلامية والعمل على نشر الوعي بين الناس لبيان ميزات المصارف الإسلامية، وقد أحسن البنك الإسلامي الفلسطيني في تعاونه مع كلية الشريعة في جامع الخليل في عقد مؤتمر (الاقتصاد الإسلامي وأعمال البنوك) في أواخر شهر تموز 2009م، وقد ناقش المؤتمر على مدى يومين مجموعة قيمة من الأبحاث المتعلقة بالمصارف الإسلامية، وقد صدر عن المؤتمر توصيات هامة أوجزها فيما يلي: - النظام الربوي، وغياب الوازع الديني، وتحويل النقود من أدلة تعين على إشباع حاجات الناس عن طريق الاستفادة من الموارد الطبيعية والسلع المنتجة والخدمات إلى سلعة يعتبر رئيساً في ظهور الأزمة المالية العالمية. - شركة المضاربة، وعقد المرابحة للآمر بالشراء والإجارة المنتهية بالتمليك بدائل شرعية عن المعاملات التي تقوم بها البنوك الربوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 - توسيع قاعدة الخدمات المصرفية الإسلامية بحيث لا تقتصر على بيع المرابحة للآمر بالشراء، والتوسع في لتعامل بالمشتقات المالية الإسلامية، سيما مع وجود فرص كثيرة لاجتذاب ودائع واستثمارات جديدة. - بيع المرابحة للآمر بالشراء جائز إذا تم تطبيقه بدقة، لأن حكم المعاملة إباحة أو تحريماً قد يختلف بوجود وصف مؤثر أو انتفائه. - الحاجة لعقد مؤتمرات وندوات وإعداد نشرات علمية متخصصة، وعمل محاضرات لوضع أساليب استثمارية جديدة يمكن للمصارف الإسلامية الأخذ بها بعد تأصيلها وضبطها بالضوابط الشرعية. - دعم عملية تفريع المصارف الإسلامية في كافة مناطق فلسطين، لرفع أدائها في تقديم الخدمات المصرفية والقيام بتمويل المشروعات الإنتاجية. - ضرورة أن تراعي المصارف الإسلامية عند اختيار أعضاء الرقابة الشرعية، العلم العميق بفقه المعاملات، والدراية بالعمل المصرفي الإسلامي، والورع والتقوى، دون النظر إلى السمعة، أو المنصب. - تدريب العاملين في المصارف الإسلامية وتزويدهم بالأحكام الشرعية المتعلقة بالمعاملات المالية الإسلامية. وختاماً أشير إلى بعض القضايا المتعلقة بالمصارف الإسلامية في بلادنا فلسطين المحتلة بشكل موجز: - تحتاج المصارف الإسلامية في بلادنا لتحقيق أهدافها أن تطور أساليبها في مختلف المجالات وخاصة في طرح منتجات جديدة في العمل المصرفي الإسلامي. - الرقابة الشرعية على المصارف الإسلامية في بلادنا تحتاج إلى تطوير ومزيد من أهل الاختصاص. - موظفو المصارف الإسلامية في بلادنا يحتاجون إلى تثقيف وتدريب مستمرين ليواكبوا التطور والتقدم في المصرفية الإسلامية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 - على المصارف الإسلامية الاهتمام بالإعلام وتوعية الناس بالمصرفية الإسلامية من خلال النشرات والندوات والإذاعة والتلفزيون. - على المصارف الإسلامية أن تطور أساليبها في التعامل مع الناس وأن تواكب التقدم في مجال تكنولوجيا المعلومات. وأخيراً فهذا الجزء الأول من كتابي يسألونك عن المعاملات المالية المعاصرة، وقد جمعت فيه مجموعة طيبة تتعلق بمسائل الربا المعاصرة ومسائل القروض والمصارف الإسلامية والتعامل بالشيكات والأسهم والسندات والبورصة وأحكام العملات وبطاقات الائتمان والتأمين التعاوني وغيرها. وصلى الله وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين كتبه الأستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة أبوديس/ القدس المحتلة صباح يوم الأربعاء السابع من شعبان 1430هـ وفق التاسع والعشرين من تموز 2009م الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 الربا ومعاملات البنوك الربوية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 الربا من الكبائر يقول السائل: ما حكم وضع المال في بنوك الدول الغربية أو البنوك الإسرائيلية وأخذ الفائدة؟ الجواب: إن الربا من أكبر الكبائر وتحريمه قطعي في كتاب الله سبحانه وتعالى، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن المسلم إذا دقق النظر في النصوص الشرعية الواردة في تحريم الربا لَوقف على خطورة هذه الكبيرة والنتائج المترتبة عليها. يقول الله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} سورة البقرة الآيتان 275 - 276. ويقول الله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقر الآيتان 278 - 279. وإن المتمعن في حال الأمة الإسلامية اليوم ليرى أن سوء حالها من ذلة وهوان على الناس ما هو إلا إحدى نتائج البعد عن منهج الله جل وعلا، ومن ذلك التعامل بالربا؛ فالأمة المسلمة في معظم البلدان تتعامل بالربا، ويراه كثير من الناس مباحاً، وبعضهم غير اسم الربا إلى فائدة متحايلاً على شرع الله؛ فحاربهم الله تعالى وسلط عليهم الأمم من كل جانب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وينبغي أن يعلم أن آيات تحريم الربا وردت عامة، فلا تفرق في تحريمه بين التعامل به مع المسلمين أو غيرهم، وهذا العموم من خواص المحرمات في الشريعة الإسلامية؛ فالشيء المحرم يكون محرماً على كل مسلم سواء كان في ديار الإسلام أو في ديار غيرهم. فالخمر حرام على المسلم في ديار الإسلام وحرام عليه أيضاً إذا خرج منها. قال الإمام الشافعي رحمه الله: [ومما يرافق التنزيل والسنة ويعقله المسلمون ويجتمعون عليه أن الحلال في دار الإسلام حلال في دار الكفر والحرام في دار الإسلام حرام في دار الكفر] الأم 4/ 160. ولذلك كله فلا يجوز التعامل بالربا مع أي بنك وفي أي بلد مهما كان. وهذا مذهب جمهور أهل العلم وبه قال الأئمة مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من العلماء. وقد نسب إلى بعض الفقهاء قولهم بجواز التعامل بالربا في غير دار الإسلام، وهذا المذهب ضعيف لا تقوم الحجة به، وليس عندهم دليل معتبر، والصحيح في هذه المسألة حرمة التعامل بالربا مطلقاً ويدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) رواه البخاري ومسلم. فيؤخذ من هذا الحديث أن كل من يأكل الربا ملعون. أي مطرود من رحمة الله من غير فرق بين أن يتعامل به مع المسلمين أو مع غيرهم. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الحساب الجاري في البنوك الربوية الأصل حرمة التعامل مع البنوك الربوية لأن أكثر أعمالها تتعلق بالإقراض والاقتراض بالفوائد الربوية المحرمة قطعاً، ولكن نظراً للظروف التي نعيشها من حيث عدم الأمان على المال ومن حيث قلة البنوك الإسلامية ومن حيث توقف أعمال التجارة والصناعة على التعامل مع البنوك الربوية فيجوز فتح حسابات جارية في البنوك الربوية، بشرط عدم ربطها بالفائدة الربوية. وإذا وجد بنك إسلامي في منطقة المتعامل فيجب التعامل معه فقط ويحرم حينئذ التعامل مع البنوك الربوية. - - - يحرم التعامل بالربا مطلقاً، سواءً أكان مع مسلم أو مع غيره يقول السائل: هل صحيح ما يقال، أنه يجوز التعامل بالربا بين المسلم وغير المسلم فيجوز للمسلم أن يضع أمواله في بنوك غير المسلمين، ويأخذ الربا ولا يكون ذلك حراماً؟ الجواب: إنّ الربا محرم بنصوص صريحة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيات 275 - 279. وإنَّ أكثر العلماء على تحريم الربا في جميع الظروف والأحوال فالربا في ديار الإسلام حرام، وكذلك هو حرام في ديار الكفر، والربا بين المسلم والمسلم حرام، وكذلك هو حرام بين المسلم وغير المسلم، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف من الحنفية، والزيدية وأهل الظاهر وغيرهم. ونقل عن أبي حنيفة أنه يجيز الربا بين المسلم والكافر في دار الحرب فقد ورد عن أبي حنيفة قوله: [لو أنَّ مسلماً دخل أرض حربٍ بأمان، فباعهم الدرهم بالدرهمين لم يكن بذلك بأس]. واستدل من أجاز الربا، بما ورد عن مكحول بن زيد الدمشقي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب)، وهذا الحديث ليس بثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال الإمام الشافعي: [وما احتج به لأبي حنيفة ليس بثابت فلا حجة فيه] معرفة السنن والآثار 13/ 276. وقال الإمام الزيلعي عن هذا الحديث بأنه غريب، أي لا أصل له. وقال الإمام النووي عن حديث مكحول، أنه مرسل ضعيف، فلا حجة فيه. ومذهب الجمهور هو الحق إن شاء الله، فالربا حرام في حق المسلم في كل بلدٍ سواء أكان بلد إسلام أم بلد حرب. قال الإمام الشافعي: [ومما يوافق التنزيل والسنة ويعقله المسلمون، أنَّ الحلال في دار الإسلام حلالٌ في دار الكفر، والحرام في دار الإسلام حرامٌ في دار الكفر فمن أصاب حراماً فقد حدَّه الله على ما شاء منه، ولا تضع بلاد الكفر عنه شيئاً] الأم 4/ 165. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وقال الإمام النووي: [يستوي في تحريم الربا الرجل والمرأة، والعبد والمكاتب بالإجماع، ولا فرق بين دار الإسلام ودار الحرب، فما كان حراماً في دار الإسلام كان حراماً في دار الحرب، سواءً جرى بين مسلمين أو مسلم وحربي، سواءً دخلها المسلم بأمان أم بغيره، هذا مذهبنا وبه قال الإمام مالك وأحمد وأبو يوسف والجمهور] المجموع 9/ 391 - 392. ومما يرد على القائلين بالجواز، أنَّ حديث مكحول ضعيفٌ لا يصلح للاستدلال به، ولو كان مقبولاً، فإنه معارضٌ لإطلاق النصوص من كتاب الله وسنة رسوله الواردة في تحريم الربا. قال ابن قدامة: [ولا يجوز ترك ما ورد تحريمه بالقرآن وتظاهرت به السنة، وانعقد الإجماع على تحريمه بخبر مجهول لم يرد في صحيحٍ ولا مسند ولا كتاب موثوق، وهو مع ذلك مرسلٌ محتمل، ويحتمل أنَّ المراد بقوله (لا ربا) النهي عن الربا كقوله تعالى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} سورة البقرة /197] المغني 4/ 32. ومما يؤيد القول بالتحريم، قياس الربا على القمار وشرب الخمر بجامع أنّ كل ذلك معصية، فالقمار وشرب الخمر لا يحلان في دار الحرب وكذلك الربا، فما كان حراماً في دار الإسلام فهو حرامٌ في دار الكفر، ولا فرق. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 الاقتراض بالربا للضرورة !! يقول السائل: ما قولكم فيمن اقترض قرضاً ربوياً [بالفائدة] لشراء سيارة جديدة معللاً ذلك بأن السيارة شيء أساسي في حياة الإنسان وأنه لم يجد من يقرضه قرضاً حسناً فاضطر للاقتراض بالفائدة والضرورات تبيح المحظورات؟ الجواب: لا بد أولاً من معرفة الضرورة عند العلماء وما هي المحظورات التي تباح بالضرورة لنرى هل ما فعله هذا الشخص يدخل ضمن ذلك أم لا؟ فنقول إن الشريعة الإسلامية جاءت باليسر والسماحة ودفع المشقة ورفع الحرج عن الناس. يقول الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} سورة البقرة الآية 173. ويقول الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} سورة المائدة الآية 3. ويقول الله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} سورة الأنعام الآية 145. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 ويقول الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} سورة الأنعام الآية 119. فهذه الآيات الكريمات بينت أن حالات الضرورة مستثناة من التحريم وبناءً على ذلك قال الفقهاء: [الضرورة هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو أو بالعرض أو بالعقل أو بالمال وتوابعها ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام أو ترك الواجب أو تأخيره عن وقته دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع] نظرية الضرورة الشرعية ص 67 - 68. وقاعدة الضرورات تبيح المحظورات ليست على عمومها ولم يقل أحد من أهل العلم أن كل محظور يباح عند الضرورة. فالضرورة لا تدخل في كل الأمور المحرمة بمعنى أن هنالك محرمات لا تباح بالضرورة، كالقتل فلا يباح قتل المسلم بحجة الضرورة، فلا يجوز لمسلم أن يقتل مسلماً ولو كان مضطراً أو مكرهاً؛ لأن قتل النفس لا يباح إلا بالحق يقول الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} سورة الإسراء الآية 33. وقد اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز للمسلم أن يقدم على قتل غيره بحجة الضرورة. وكذلك فإن الزنا لا يباح بحجة الضرورة فلا يحل لمسلم أن يزني بحجة الضرورة ولو كان مكرهاً. ولكن يجوز أكل الميتة وأكل لحم الخنزير في حال الاضطرار، وكذا إساغة اللقمة بالخمر عند الغصة أو عند العطش الشديد أو عند الإكراه الملجىء فهذه الأمور ونحوها تباح عند الضرورة. وقد ذكر الفقهاء قديماً وحديثاً قواعد وضوابط للضرورة منها: أن يحصل فعلاً خوف الهلاك أو التلف على النفس أو المال وذلك بغلبة الظن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 أو يتحقق المرء من وجود خطر حقيقي على إحدى الضرورات الخمس وهي الدين والنفس والعرض والعقل والمال ومنها ألا يتمكن الشخص من دفع الضرورة بوسيلة أخرى من المباحات. ومنها أن الضرورة تقدر بقدرها فلا يصح التوسع في باب الضرورات فيقتصر المضطر على الحد الأدنى لدفع الضرر. نظرية الضرورة الشرعية ص 69 - 70. إذا تقرر هذا فأقول: إنه لا يجوز شرعاً الاقتراض بالربا لشراء السيارة لأن اقتناء السيارة ليس من باب الضرورة التي تبيح الحرام (الربا). لا شك أن السيارة حاجة مهمة في الحياة ولكن لا يصل الحال إلى اعتبارها من الأمور الضرورية التي يتوقف عليها حفظ إحدى الضرورات الخمس فكم من الناس لا يملكون سيارة وحياتهم تسير بشكل طبيعي. فلا يجوز شرعاً أن نبيح الربا باسم الضرورة، وخاصة إذا كانت هذه الضرورة متوهمة وليست حقيقية كما هو الحال في شراء سيارة جديدة بقرض ربوي باسم الضرورة. قال الشيخ المودودي: [لا تدخل كل ضرورة في باب الاضطرار بالنسبة للاستقراض بالربا. فإن التبذير في مجالس الزواج ومحافل الأفراح والعزاء ليس بضرورة حقيقية. وكذلك شراء السيارة أو بناء المنزل ليس بضرورة حقيقية وكذلك ليس استجماع الكماليات أو تهيئة المال لترقية التجارة بأمر ضروري. فهذه وأمثالها من الأمور التي قد يعبر عنها بالضرورة والاضطرار ويستقرض لها المرابون آلافاً من الليرات لا وزن لها ولا قيمة في نظر الشريعة والذين يعطون الربا لمثل هذه الأغراض آثمون. فإذا كانت الشريعة تسمح بإعطاء الربا في حالة من الاضطرار فإنما هي حالة قد يحل فيها الحرام، كأن تعرض للإنسان نازلة لا بد له فيها من الاستقراض بالربا، أو حلت به مصيبة في عرضه أو نفسه، أو يكون يخاف خوفاً حقيقياً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 حدوث مشقة أو ضرر لا قِبَل له باحتمالها، ففي مثل هذه الحالات يجوز للمسلم أن يستقرض بالربا ما دام لا يجد سبيلاً غيره للحصول على المال، غير أنه يأثم بذلك جميع أولي الفضل والسعة من المسلمين الذين ما أخذوا بيد أخيهم في مثل هذه العاهة النازلة به حتى اضطروه لاستقراض المال بالربا. بل أقول فوق ذلك أن الأمة بأجمعها لا بد أن تذوق وبال هذا الإثم لأنها هي التي غفلت وتقاعست عن تنظيم أموال الزكاة والصدقات والأوقاف مما نتج عنه أن أصبح أفرادها لا يستندون إلى أحد ولم يبق لهم من بدّ من استجداء المرابين عند حاجاتهم. وعلى كل حال فإنه لا يجوز الاستقراض حتى عند الاضطرار إلا على قدر الحاجة، ومن الواجب التخلص منه ما استطاع الإنسان إليه سبيلاً؛ لأنه من الحرام له قطعاً أن يعطي قرشاً واحداً من الربا بعد ارتفاع حاجته وانتفاء اضطراره. أما: هل الحاجة شديدة؟ .. أم لا .. ؟ وإذا كانت فإلى أي حدّ؟ .. ومتى قد زالت؟ فكل هذا مما له علاقة بعقل الإنسان المبتلى بمثل هذه الحالة وشعوره بمقتضى الدين والمسؤولية الأخروية. فهو على قدر ما يكون متديناً يتقي الله ويرجو حساب الآخرة يكون معتصماً بعروة الحيطة والورع في هذا الباب] الربا ص 157 - 158. وأخيراً يجب أن يعلم أن كثيراً من الناس يدخلون إلى الربا الحرام من باب الضرورة كما يزعمون وهذه دعوى باطلة كما بينت فالربا محرم بالنص القطعي من كتاب الله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآية 275 - 279. وقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. - - - زيادة محرمة يقول السائل: اشترى زوج أختي قطعة أرض مني ودفع لي بعض ثمنها ثم فسخ العقد لأسبابٍ معينة، ويطالبني الآن بالمبلغ الذي دفعه مع الزيادة الربوية، وأنا أرفض دفع الزيادة له، ولكن والديَّ يهدداني بالغضب عليَّ إذا لم أدفع له ما يريد، أفتوني مأجورين؟ الجواب: إذا تم فسخ العقد، يعيد البائع المبلغ الذي قبضه للمشتري ويعيد المشتري العين المباعة، وهي هنا في السؤال قطعة الأرض، ولا يحق للمشتري بأن يطالب بأي زيادة على المبلغ الذي دفعه لأن هذه الزيادة تعتبر من باب الربا وهو محرم بنص كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 وأما تهديد والديك بالغضب إن لم تدفع لزوج أختك الزيادة فغضبهما في غير محله وهما غير محقين في هذا الغضب، وعليك أن تبين لهما أن هذه الزيادة من الربا وتذكرهما بالله سبحانه وتعالى فلعلهما يتراجعان عن ذلك. وإذا أصرا على موقفهما بعد البيان والتوضيح فلا عليك من غضبهما. وطاعة الله أولى ومقدمة على طاعة الوالدين وخاصة أنهما يأمران ولدهما بارتكاب معصية من المعاصي، بل كبيرة من الكبائر ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وعلى والديك أن يتقيا الله فيك وواجبهما العمل على إنقاذك من نار جهنم، لا أن يدفعاك إليها. وليذكرا قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}. - - - حساب التوفير في البنوك التجارية يقول السائل: ما الحكم في حساب التوفير وهل يدخل ذلك في حكم الربا؟ الجواب: لا شك أن للبنوك الربوية أساليب كثيرة مغرية لجلب الزبائن للتعامل معها ولإيداع أموالهم حتى توسع أعمالها وتزيد من دخلها وتزين للناس طرق كسب كثيرة ولكنها لا تخرج في حقيقة الأمر عن دائرة الربا المحرم ومن ذلك دعوة الناس إلى فتح حسابات التوفير لدى هذه البنوك بطرق دعائية براقة تستهوي كثيراً من الناس ومن ذلك ما جاء في دعاية أحد البنوك من أن حسابات التوفير هي ضمان وأمان للمستقبل ونحو ذلك من الكلام الزائف. ومن المعلوم أن البنوك تدفع ما تسميه فوائد مجزية على حسابات التوفير وهي في الحقيقة من الربا المحرم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 ومما يؤسف له أن كثيراً من الناس يقبلون على فتح حسابات التوفير هذه ويزعمون أنهم يؤمنون مستقبل أولادهم ويدخرون لهم وهذه المدخرات تنمو بالربا الحرام والمال الحرام لا يبارك الله فيه بل يسحقه ويمحقه. يقول الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}. وعلى المسلم أن يوقن بأن الأرزاق بيد الله وأن تأمين المستقبل كما يقولون لا يكون عن طريق الحرام وإنما يكون بالادخار من المال الحلال فهذا الذي يدخر لأولاده من المال الحرام وبطرق حرام إنما يربي أولاده على الحرام وينفق عليهم من الحرام ويدخر لهم نار جهنم والعياذ بالله. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلونَ عَلِيمٌ}. وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذيه بالحرام فأنى يستجاب له) رواه مسلم. وعلى كل مسلم أن يسعى لتأمين مستقبل أولاده بالكسب المشروع الحلال ولا يكون ذلك أبدأً عن طريق الربا المحرم بنص كتاب الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَوَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 برنامج توفير محرم يقول السائل: ما الحكم الشرعي لما يعرف عندنا (في منطقة 48 من فلسطين) بصندوق الاستكمال وهو برنامج توفير لمعلمي المدارس التابعة للمعارف الهدف منه تشجيع المعلم على الخروج في إجازة مدفوعة الأجر لمدة سنة كاملة بعد ست سنوات عمل بشرط أن يتعلم خلال هذه السنة على حساب الصندوق ما يفيده ولكي يتجدد نشاطه عندما يعود لمزاولة عمله، ثم يدخر من جديد فترة ست سنوات أخرى كي يحصل على إجازة مدفوعة الأجر لمدة سنة كاملة كما في المرة السابقة ... وهكذا، مع العلم أن الاشتراك في هذا الصندوق اختياري وليس إلزامياً. وهذا الصندوق يعمل وفق النظام التالي: يدّخر فيه المعلم مبلغاً من المال يُقتطع من راتبه شهرياً وتضع وزارة المعارف مقابل هذا المبلغ ضعفيه في الصندوق لصالح المعلم ويستمر الادخار في هذا الصندوق ست سنوات على الأقل بحيث لا يستطيع المعلم سحب هذه الأموال قبل انتهاء المدة. وفي نهاية السنوات الست، يحق للمعلم الخروج في إجازة مدفوعة الأجر لمدة سنة كاملة، بشرط أن يتعلم خلالها (على حساب الصندوق) ما يفيده، وفي حالات معينة يستطيع سحب هذه الأموال بدل الخروج في إجازة بعد انتهاء السنوات الست إذا أثبت بأنه مدين ديناً فاحشاً لجهة ما أو أنه يعيل بالإضافة إلى زوجته وأولاده، أحد والديه أو كليهما أو أحداً من أقاربه أو أنه بحاجة إلى تجديد أو توسيع بيته ليتناسب مع ازدياد عدد أفراد عائلته. والجدير ذكره أن الاشتراك في هذا الصندوق اختياري وليس إلزامياً. هذه الأموال توضع في بنك ربوي ويعطي عليها رباً يسمونه أرباحاً وتعويضاً يعادل قيمة انخفاض العملة بسبب غلاء المعيشة أي تعويضاً عن هبوط قيمة النقد. إذا اختار المعلم سحب هذه الأموال من الصندوق فإنه يحصل على جميع الأموال التي اقتطعت من مرتبه، و89% من الأموال التي وضعها المشغل لصالحه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 مضافاً لكل ذلك ما يسمى بالأرباح الربا والتعويض عن هبوط قيمة النقد فما حكم هذه المعاملة؟ الجواب: هذا العقد عقد ربوي إبتداءً فلا يجوز للمسلم التوقيع عليه؛ لأنه تضمن شرطاً ربوياً وإقراراً بالربا؛ حيث إن المشترك في هذا الصندوق قَبِل التعامل بالربا مختاراً، ومن المعلوم أن الربا محرم قطعاً في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيتان 278 - 279. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات – المهلكات -، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (الربا اثنان وسبعون باباً أدناها إتيان الرجل أمه) رواه الحاكم وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/ 488. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وقال صلى الله عليه وسلم: (الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 633. وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 636 وغير ذلك من الأحاديث. ومما يؤكد بطلان هذا العقد الذي يعمل به الصندوق المشار إليه أنه يعطي تعويضاً يعادل قيمة انخفاض العملة بسبب غلاء المعيشة، أي أنه يربط المال الموفر بجدول غلاء المعيشة، وهذا أمر باطل شرعاً فلا يجوز شرعاً ربط الديون بمستوى الأسعار أو جدول غلاء المعيشة لأنه نوع من الربا، فقد قرر مجمع الفقه الإسلامي ما يلي: [العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أياً كان مصدرها بمستوى الأسعار] مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، الجزء الثالث، ص 2261. والواجب على من اشترك في هذا الصندوق وهو لا يعلم حرمة المشاركة فيه، أن يوقف تعامله معه، وأن يتخلص من الربا الذي أعطي له وقد نص كثير من أهل العلم على أن التخلص من المال الحرام يكون بالتصدق به فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: [عن رجل مرابٍ خلَّف مالاً وولداً وهو يعلم بحاله فهل يكون المال حلالاً للولد بالميراث؟ أم لا؟ فأجاب: أما القدر الذي يعلم الولد أنه ربا فيخرجه إما أن يرده إلى أصحابه إن أمكن وإلا تصدق به. والباقي لا يحرم عليه .. ] مجموع الفتاوى 29/ 307. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [عن امرأة كانت مغنية واكتسبت في جهلها مالاً كثيراً وقد تابت ... فهل هذا المال الذي اكتسبته ... إذا أكلت وتصدقت منه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 تؤجر عليه؟ فأجاب بأن هذا المال لا يحل للمغنية التائبة ولكن يصرف في مصالح المسلمين ... إلخ) انظر مجموع الفتاوى 29/ 308 - 309. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [عن الرجل يختلط ماله الحلال بالحرام؟ فأجاب بأنه يخرج قدر المال الحرام فيرده إلى صاحبه وإن تعذر عليه ذلك تصدق به] مجموع الفتاوى 29/ 308. وقال القرطبي عند تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآية 297. ما نصه: [قال علماؤنا إن سبيل التوبة مما بيده من الأموال الحرام إن كانت رباً فليردها على من أربى عليه ويطلبه إن لم يكن حاضراً فإن أيس من وجوده فليتصدق بذلك. وإن أخذ بظلم فليفعل كذلك في أمر من ظلمه فإن التبس عليه الأمر ولم يدر كم الحرام من الحلال مما بيده فإنه يتحرى قدر ما بيده مما يجب رده حتى لا يشك أن ما يبقى قد خلص له فيرده من ذلك الذي أزال عن يده إلى من عُرف ممن ظلمه أو أربى عليه فإن أيس من وجوده تصدق به عنه، فإن أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه وجب عليه من ذلك ما لا يطيق أداءه أبداً لكثرته فتوبته أن يزيل ما بيده أجمع إما إلى المساكين وإما إلى ما فيه صلاح المسلمين .. ] تفسير القرطبي 3/ 366. ومما يدل على ذلك أيضاً ما وردت به الروايات في قصة رهان أبي بكر رضي الله عنه لبعض الكفار عندما نزل قوله تعالى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ في بضع سنين} سورة الروم الآيات 1 - 3. وجاء في بعض روايات هذه الحادثة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: (هذا سحت فتصدق به). وكان هذا قبل تحريم القمار كما قال القرطبي، وقد ذكر ابن كثير والقرطبي عدة روايات لهذه الحادثة. تفسير القرطبي 14/ 2 - 4، تفسير ابن كثير 3/ 422 - 424. وقال ابن كثير بعد أن ساق عدداً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 من روايات هذه الحادثة: [وقد روي نحو هذا مرسلاً عن جماعة من التابعين مثل عكرمة والشعبي ومجاهد وقتادة والسدي والزهري وغيرهم] تفسير ابن كثير 3/ 423. وخلاصة الأمر أنه تحرم المشاركة فيما يسمى صندوق الاستكمال وأن العقد الوارد فيه عقد ربوي محرم ويجب على من اشترك فيه أن يتخلص من المال الربوي الذي حصل عليه وذلك بإنفاقه في وجوه الخير والمصالح العامة للمسلمين. - - - فوائد صندوق التوفير يقول السائل: إنه يعمل في شركة ويوجد فيها صندوق توفير للموظفين حيث إن الشركة تقتطع نسبة من راتب الموظف وتدفع ضعفها ويوضع المال في صندوق التوفير وقد قامت الشركة بوضع المال في بنك ربوي وأخذت عليه فوائد كما وقامت الشركة بإقراض الموظفين من صندوق التوفير بالفائدة فما حكم الأرباح التي تحققت حيث إن الشركة ستوزعها على الموظفين أفيدونا؟ الجواب: إن ما سماه السائل أرباحاً إنما هو في الحقيقة الربا المحرم بالنصوص القطعية من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن الفوائد البنكية هي الربا المحرم، والواجب على الموظف في الشركة المذكورة أن يتخلص من هذا المال الحرام فكل مال حرام لا يجوز للمسلم أن ينتفع به انتفاعاً شخصياً، فلا يجوز أن يصرفه على نفسه ولا على زوجته ولا على أولاده ولا على من يعولهم، ولا يجوز أن يدفع منه ضريبة ولا نحوها؛ لأنه مال حرام بل هو من السحت، ومصرف هذا المال الحرام وأمثاله هو إنفاقه على الفقراء والمحتاجين ومصارف الخير كدور الأيتام والمؤسسات الاجتماعية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 ونحوها. وكذلك فإنه لا يجوز ترك هذه الأموال للبنوك بل تؤخذ وتنفق في جهات الخير والبر. ويجب على الموظف في الشركة المذكورة أن يعرف مقدار المبلغ الذي حسم من راتبه ومقدار المبلغ الذي أضافته الشركة وهذا يكون حلالاً له وأما الربا فيصرفه كما ذكرت آنفاً. ولا يقولن قائلٌ إن الموظف ليس مسئولاً عما قامت به الشركة من تشغيل أموال صندوق التوفير بالربا أو أن الإثم يقع على المسؤول عن الصندوق أو نحو ذلك من الاعتذارات التي تردها قواعد الشريعة الإسلامية فإنه ينبغي أن يعلم أنه لا يجوز للمسلم أن يكون طرفاً في أي عملية ربوية بطريق مباشر أو غير مباشر لأن الربا محرم بنصوص صريحة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيات 275 - 279. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات – المهلكات – قلنا: وما هي يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وجاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم قال الإمام النووي: [قوله: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابين والشهادة عليهما. وفيه: تحريم الإعانة على الباطل. والله أعلم] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 207. وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الربا ثلاثة وسبعون شعبة أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وصححه. وفي رواية النسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (آكل الربا ومؤكله وشاهداه وكاتبه إذا علموا ذلك ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة) وهو حديث صحيح وغير ذلك من النصوص. وإنني لأستغرب مما يفتي به بعض المنتسبين للعلم الشرعي من إباحة الربا تحت أسماء مختلفة مثل بدل خدمات أو أن هدف المقرض ليس الربا أو أن المشتري فيما يسمى بالتقسيط الميسر اشترى السلعة من التاجر ودفع الثمن المتفق عليه بدون زيادة وإن كان هنالك عقد ربوي بين التاجر والبنك الربوي وأن لا علاقة للمشتري بذلك العقد وإن دفع عن طريق البنك الربوي ونحو ذلك من الترهات فكل ما سبق هو من الربا الحرام وهنا يجب التذكير بالقواعد الآتية: 1. يحرم التعاون على الإثم والعدوان بنص كتاب الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} سورة المائدة الآية 2. 2. إذا استقر الدين في الذمة فلا تجوز الزيادة عليه لأن ذلك عين الربا. 3. كل زيادة مشروطة على القرض ربا بغض النظر عن اسمها فتغيير الأسماء لا يغير من حقائق المسميات شيئاً فقد صار شائعاً عند كثير من المتعاملين بالربا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 التلاعب بالألفاظ والعبارات محاولةً منهم لتغيير الحقائق والمسميات بتغيير أسمائها فقط فالربا يسمى فائدة ويسمى رسم خدمات وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا التلاعب من تغيير الناس لأسماء المحرمات كما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليستحلن طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في غاية المرام ص24، وفي السلسلة الصحيحة 1/ 136. وجاء في رواية أخرى: (إن ناساً من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها) رواه الحاكم والبيهقي وله شواهد تقويه، وقد صدق الصادق المصدوق فإن الخمور تسمى في زماننا بالمشروبات الروحية. وروي في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: (يأتي على الناس زمان يستحلون الربا باسم البيع) ذكره ابن القيم في إغاثة اللهفان 1/ 352. وضعفه الشيخ الألباني في غاية المرام ص 25. ثم قال: [ ... معنى الحديث واقع كما هو مشاهد اليوم]. ويجب أن يعلم أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني كما قرر ذلك فقهاؤنا. وخلاصة الأمر أن فوائد صندوق التوفير هي من الربا المحرم ويجب على الموظف أن يتخلص منها بإنفاقها على الفقراء أو في المصالح العامة ولا يجوز صرفها في المساجد ولا يجوز للموظف أو من يعولهم الانتفاع بها. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 حكم جوائز حسابات التوفير يقول السائل: ما حكم جوائز حسابات التوفير التي تقدمها البنوك، أفيدونا؟ الجواب: الجائزة هي العطيّة إذا كانت على سبيل الإكرام كما جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية 15/ 76. وقد ورد في الحديث عن أبي شريح العدوي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته). قالوا وما جائزته يا رسول الله؟ قال: (يومه وليلته والضيافة ثلاثة أيام فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه) رواه البخاري ومسلم. والأصل في الجائزة الإباحة ما دامت منضبطة بالضوابط الشرعية، ورد في الموسوعة الفقهية الكويتية ما يلي: [الأصل إباحة الجائزة على عمل مشروع سواء أكان دينيّاً أو دنيويّاً لأنّه من باب الحثّ على فعل الخير والإعانة عليه بالمال وهو من قبيل الهبة] 15/ 77. إذا تقرر هذا فأعود إلى جواب السؤال فأقول: إن حسابات التوفير إذا كانت في البنوك الربوية فهي محرمة، وبالتالي فإن الجوائز التي تعطيها البنوك الربوية على حسابات التوفير حرام أيضاً، وتعتبر هذه الجوائز من باب الفوائد الربوية، ويضاف إلى ذلك أنها تحرم أيضاً لأنها من باب القمار، جاء في فتاوى الشبكة الإسلامية ما يلي: [فإذا كان البنك يتعامل بالربا فلا يجوز ذلك، وهذه الجوائز هي عين الفائدة الربوية، لكن اختلفت طريقة التوزيع فقط، بل هذا جمع بين الربا والميسر، فإن العميل سيضع ماله على أمل أن يكون من الفائزين، وقد يقع عليه الاختيار وقد لا يقع] عن موقع الشبكة الإسلامية على شبكة الإنترنت. ويجب أن يعلم أن الأصل في المسلم أنه لا يتعامل مع البنوك الربوية إلا في حالات خاصة، فقد جاء في قرار مجمع الفقه برابطة العالم الإسلامي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 المنعقد بمكة المكرمة سنة 1406هـ/1986م ما يلي: [يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل أو الخارج؛ إذ لا عذر له في التعامل معها مع وجود البديل الإسلامي، ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب، ويستغني بالحلال عن الحرام]. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية ما يلي: [لا يجوز إيداع النقود ونحوها في البنوك الربوية ونحوها من المصارف والمؤسسات الربوية، سواء كان إيداعها بفوائد أو بدون فوائد؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، إلا إذا خيف عليها من الضياع، بسرقة أو غصب أو نحوهما، ولم يجد طريقاً لحفظها إلا إيداعها في بنوك ربويةٍ مثلاً، فيرخص له في إيداعها في البنوك ونحوها من المصارف الربوية بدون فوائد، محافظةً عليها؛ لما في ذلك من ارتكاب أخف المحظورين] فتاوى اللجنة الدائمة 13/ 346. وأما حسابات التوفير في البنوك الإسلامية فالأصل فيها الجواز، لأن البنوك الإسلامية لا تتعامل بالربا (الفائدة) لا أخذاً ولا إعطاءً، وهذه حقيقة ما زال بعض الناس يجادل فيها، ويزعمون أنه لا فرق بين البنوك الربوية وبين البنوك الإسلامية، وهذا كلام باطل، فإن خاصية البنوك الإسلامية في عدم التعامل بالربا هي الخاصية الأساسية التي يتميز بها البنك الإسلامي عن البنك الربوي لأن الربا كما هو معلوم محرم بالنصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يقول الله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 كَفَّارٍ أثيم إن الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين َفإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيات 275 - 279. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) رواه مسلم. يقول الدكتور غريب الجمال: [تشكل خاصية استبعاد الفوائد من معاملات المصارف الإسلامية المعلم الرئيسي لها وتجعل وجودها متسقاً مع البنية السليمة للمجتمع الإسلامي وتصبغ أنشطتها بروح راسية ودوافع عقائدية تجعل القائمين عليها يستشعرون دائماً أن العمل الذي يمارسونه ليس مجرد عمل تجاري يهدف إلى تحقيق الربح فحسب بل إضافة إلى ذلك أسلوب من أساليب الجهاد في حمل عبء الرسالة والإعداد لاستنقاذ الأمة من مباشرة أعمال مجافية للأصول الشرعية وفوق كل ذلك وقبله يستشعر هؤلاء العاملون أن العمل عبادة وتقوى مثاب عليها من الله سبحانه وتعالى إضافة إلى الجزاء المادي الدنيوي] المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق ص192 - 193. والجوائز التي تعطيها البنوك الإسلامية على حسابات التوفير يختلف حكمها من بنك لآخر، لذا يصعب إصدار فتوى واحدة تعمها بالجواز أو المنع، والأمر يحتاج إلى تفصيل كما يلي: أولاً: لا يجوز أن يكون إعطاء الجائزة مشروطاً بفتح الحساب، بمعنى أنه يشترط عند فتح حساب التوفير للدخول في السحب على الجائزة شروط معينة على المتعامل كأن يفتح حساب توفير بعملة معينة كالدولار الأمريكي. وأن لا يقل رصيد الحساب عن كذا دولار. وأن يعمل على تغذية الحساب بشكل مستمر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 بحيث يمنح صاحب الحساب عن كل مائة دولار فرصة للفوز بالجائزة. فهذه الجوائز تعتبر من باب الفائدة الربوية، لأن التكييف الصحيح لحساب التوفير أنه من باب القرض، ومن المعلوم أن أي زيادة مشروطة على القرض تعد من باب الربا. وقد قرر الفقهاء أن كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا، كما جاء في معنى حديث غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن معناه صحيح، وقد اتفق الفقهاء على تحريم أي منفعة يستفيدها المقرض من قرضه، ولكن ليس على إطلاقها، فالقرض الذي يجر نفعاً ويكون رباً أو وجهاً من وجوه الربا هو القرض الذي يشترط فيه المقرض منفعة لنفسه فهو ممنوع شرعاً. قال الحافظ ابن عبد البر: [وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلِف فهو ربا، ولو كانت قبضة من علف، وذلك حرام إن كان بشرط]. وقال ابن المنذر: [أجمعوا على أن المسلِف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، إن أخذ الزيادة ربا] الموسوعة الفقهية 33/ 130. ثانياً: إذا أعطت البنوك الإسلامية جوائز على حسابات التوفير بدون شرط مسبق عند فتح الحساب، فإن كثيراً من هيئات الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية قد أجازت ذلك، وأجازه كذلك عدد من الباحثين المعاصرين، انظر كتاب الجوائز أحكامها وصورها المعاصرة ص 110 - 114، وجاء في فتاوى الشبكة الإسلامية ما يلي: [فالذي يترجح أن هذه الجوائز إذا كانت مقدمة من طرف بنك إسلامي فهي مباحة يجوز أخذها. فهي تشجيع من البنك لاستقطاب أكثر عدد ممكن من العملاء بطريقة لا تفضي إلى محظور شرعاً. ولا يشبه هذا القمار، لأن العميل لم يدفع شيئاً فيغنم أو يغرم كما هو الشأن في القمار، وإنما يودع ماله ليستثمر له] عن موقع الشبكة الإسلامية على شبكة الانترنت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وجاء في فتوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي السوداني ما يلي: [يجوز أن يمنح البنك جوائز لأصحاب ودائع الادخار دون علم سابق من جانبهم وكيف يحددها البنك بحيث تتعدد وتتباين صور هذه الجوائز في كل مرة، ولا تكون في فترات ثابتة، حتى تصبح هي الدافع للادخار ولا يجوز تقديم جوائز للمدخرين بصورة معلنة ومتكررة، وإن كانت غير مشروطة في عقد وديعة الادخار لأن ذلك سيصير بمرور الزمن عرفا وبالتالي يأخذ حكم المنفعة المشروطة في عقد الوديعة، ويما أن أصحاب الودائع أذنوا للبنك في التصرف في ودائعهم، وضمن البنك ردها إليهم فإنها تأخذ حكم القرض، ولا يجوز اشتراط منفعة للمقرض] عن شبكة الانترنت. وخلاصة الأمر أن الجوائز على حسابات التوفير في البنوك الربوية محرمة شرعاً وأما الجوائز على حسابات التوفير في البنوك الإسلامية فإذا كان هنالك شرط سابق لها فلا تجوز وأما إذا كانت بدون شرط مسبق فلا بأس بها. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الكفالة في قرض ربوي يقول السائل: ما حكم أن يكفل شخصاً كفالة مالية من أجل سداد قرض ربوي؟ الجواب: إن الإسلام إذا حرم شيئاً سد كل الطرق الموصلة إليه والميسرة له، فالربا من أشد المحرمات وبالتالي حرم الإسلام كل ما يؤدي له أو يساعد فيه ومن هذا الباب يحرم على الشخص أن يكفل من اقترض قرضاً ربوياً ويحرم عليه أيضاً أن يشهد على ذلك ويحرم عليه أن يكتب معاملة ربوية، وقد ثبت في الحديث عن ابن مسعود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه) رواه أصحاب السنن وهو حديث صحيح وأصله في الصحيحين. وآكل الربا هو من يأخذ المال بالربا ومؤكل الربا هو دافعه ومطعمه غيره وهذا الحديث يدل دلالة صريحة على تحريم الربا وما لحق به من حيث الشهود والكاتب والكفيل أشد من ذلك. - - - السحب على المكشوف من البنك الربوي يقول السائل: أنا موظف وراتبي محول على أحد البنوك التجارية وأقوم بسحب الراتب قبل تحويله من المؤسسة التي أعمل فيها، وأحياناً أسحب ضعف الراتب قبل نزوله فما حكم هذه العملية، أفيدونا؟ الجواب: هذه العملية تسمى السحب على المكشوف، وتكييفها الشرعي أنها قرض ربوي، لأن البنوك التجارية التي تتعامل بها ترتب فوائد ربوية عليها، فحقيقة هذه المعاملة أن البنك يقرض الموظف مبلغاً من المال قبل موعد نزول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 راتب الموظف لدى البنك، ثم يقوم البنك باستيفاء القرض مع الفائدة الربوية عند نزول الراتب، وهذا هو الربا بعينه، والربا من أكبر الكبائر وتحريمه قطعي في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيات 275 - 279. وثبت في الحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فَرُدَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا) رواه البخاري. وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة) رواه ابن ماجة، ورواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، وفي لفظ له قال: (الربا وإن كثر فإن عاقبته إلى قل) وقال فيه أيضاً صحيح الإسناد، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم 3542 وبرقم 5518. وعن سلمان بن عمرو عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع يقول: (ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون، ألا وإن كل دم من دم الجاهلية موضوع، وأول دم أضع منها دم الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل، قال: اللهم هل بلّغت؟ قالوا: نعم، ثلاث مرات. قال: اللهم اشهد ثلاث مرّات) رواه أبو داود وابن ماجة وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 641 - 642. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمِن الحلال أم مِنَ الحرام) رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (يأتي على الناس زمان يأكلون الربا، فمن لم يأكله، أصابه من غباره). رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم في المستدرك وقال: قد اختلف في سماع الحسن عن أبي هريرة، فإن صح سماعه منه، فهذا حديث صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الربا ثلاثة وسبعون شعبة أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وصححه وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 633. وعن عبد الله بن حنظلة رضي الله عنه - غسيل الملائكة - أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشدُّ من ستٍّ وثلاثين زنية) رواه أحمد، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد 4/ 117. وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 3/ 29. وغير ذلك من النصوص الحرمة للربا. ومن صور السحب على المكشوف في البنوك الربوية التعامل ببطاقات الائتمان، التي تتيح لحاملها أن يسحب من البنك مبالغ مالية مع أن حسابه لا يغطيها ويقوم البنك بترتيب فوائد ربوية على ذلك، وهذا لا شك في تحريمه، وقد صدر قرار عن مجمع الفقه الإسلامي وضح فيه القواعد الأساسية للتعامل مع هذه البطاقات ونصه: [ ... بعد إطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع (بطاقات الائتمان غير المغطاة) وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله من الفقهاء والاقتصاديين، ورجوعه إلى تعريف بطاقة الائتمان في قراره رقم 63/ 1/7 الذي يستفاد منه تعريف بطاقة الائتمان غير المغطاة بأنه: مستند يعطيه مصدرُه (البنك المصدر) لشخص طبيعي أو اعتباري (حامل البطاقة) بناء على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع، أو الخدمات، ممن يعتمد المستند (التاجر) دون دفع الثمن حالاً لتضمنه التزام المصدر بالدفع، ويكون الدفع من حساب المصدر، ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية، وبعضها يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع بعد فترة محددة من تاريخ المطالبة، وبعضها لا يفرض فوائد. قرر ما يلي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 أولاً: لا يجوز إصدار بطاقة الائتمان غير المغطاة ولا التعامل بها، إذا كانت مشروطة بزيادة فائدة ربوية، حتى ولو كان طالب البطاقة عازماً على السداد ضمن فترة السماح المجاني. ثانياً: يجوز إصدار البطاقة غير المغطاة إذا لم تتضمن شرط زيادة ربوية على أصل الدَّين. ويتفرع على ذلك: أ. جواز أخذ مصدرها من العميل رسوماً مقطوعة عند الإصدار أو التجديد، بصفتها أجراً فعلياً على قدر الخدمات المقدمة منه. ب. جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على مشتريات العميل منه، شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد. ثالثاً: السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراضاً من مصدرها، ولا حرج فيه شرعاً إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية، ولا يعد من قبيلها الرسوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة. وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعاً كما نص على ذلك المجمع في قراره رقم 13 (10/ 2) و 13 (1/ 3). رابعاً: لا يجوز شراء الذهب والفضة وكذا العملات النقدية بالبطاقة غير المغطاة] انتهى قرار المجمع الفقهي. ومن صور السحب على المكشوف أيضاً إصدار شيك بدون رصيد حيث إن بعض المتعاملين مع البنوك الربوية يتفقون معها عند إصدارهم شيكات بدون رصيد، على أن يقوم البنك بتغطية قيمة هذه الشيكات التي لا رصيد لها واحتساب فوائد ربوية على مبلغ الشيكات، وهذا رباً واضح وهو محرم شرعاً. وخلاصة الأمر أن السحب على المكشوف الذي تتعامل به البنوك الربوية محرم شرعاً، لأنه في حقيقته عقد ربوي، كما أن التعامل ببطاقات الائتمان التي تسمح لحاملها أن يسحب أكثر من رصيده يحرم التعامل بها، وكذا إصدار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 شيكات بدون رصيد على أن يقوم البنك بتغطيتها مع ترتيب فائدة ربوية من المحرمات. - - - يحرم شراء بيت السكن بالربا يقول السائل: أريد أن أشتري بيتاً لأسكن فيه أنا وعائلتي ولا يوجد مجال أمامي للحصول على البيت سوى الاقتراض بالفائدة وأنا مضطر للجوء للبنك الربوي فما حكم ذلك؟ الجواب: إن الربا من أكبر الكبائر وتحريمه قطعي في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم فمن ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيات 275 - 279. وثبت في الحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الربا ثلاثة وسبعون شعبة أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وصححه وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 633. وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية] رواه أحمد وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد 4/ 117. وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 3/ 29. وغير ذلك من الأحاديث. إذا تقرر هذا فإن بعض المشايخ يتساهلون تساهلاً كبيراً في الإفتاء بجواز الربا بحجج هي أوهى من بيت العنكبوت متكئين على أن الضرورات تبيح المحظورات فتراهم يفتون بجواز الاقتراض بالفائدة لشراء مسكن وبعضهم يفتي بجواز الاقتراض بالفائدة من أجل الزواج وغير ذلك من الفتاوى العرجاء التي لا تستند على دليل صحيح فضلاً عن مصادمتها للنصوص الصريحة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم المحرمة للربا تحريماً قطعياً. واستناداً لهذه النصوص الصريحة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم قرر العلماء أن الإقراض بالرِّبا محرَّم لا تبيحه ضرورة ولا حاجة، والاقتراض بالرِّبا محرَّم كذلك لا تبيحه الحاجيات، ولا يجوز إلا في حالة الضرورة. ولكن ما هي الضرورة التي تجيز الاقتراض بالربا؟ وهل شراء المسكن داخل في مفهوم الضرورة؟ يقول الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} سورة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 الأنعام الآية 119. ويقول الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} سورة البقرة الآية 173. وتأصيلاً على هذه النصوص وغيرها قال العلماء: [الضرورة هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو أو بالعرض أو بالعقل أو بالمال وتوابعها ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام أو ترك الواجب أو تأخيره عن وقته دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع] نظرية الضرورة الشرعية ص 67 - 68. وبناءً على ما سبق فإن الضرورة التي تجيز التعامل بالربا هي بلوغ الإنسان حداً إن لم يتعامل بالربا المحرم هلك أو قارب على الهلاك. وبالتأكيد فإن شراء المسكن ليس داخلاً في هذه الضرورة، صحيح أن المسكن من الحاجات التي لا غنى للإنسان عنها ولكن ليس شرطاً أن يكون المسكن ملكاً للساكن بل يمكن للإنسان أن يكون مستأجراً للمسكن لا مالكاً له. قال الشيخ المودودي: [لا تدخل كل ضرورة في باب الاضطرار بالنسبة للاستقراض بالربا. فإن التبذير في مجالس الزواج ومحافل الأفراح والعزاء ليس بضرورة حقيقية. وكذلك شراء السيارة أو بناء المنزل ليس بضرورة حقيقية وكذلك ليس استجماع الكماليات أو تهيئة المال لترقية التجارة بأمر ضروري. فهذه وأمثالها من الأمور التي قد يعبر عنها بالضرورة والاضطرار ويستقرض لها المرابون آلافاً من الليرات لا وزن لها ولا قيمة في نظر الشريعة والذين يعطون الربا لمثل هذه الأغراض آثمون. فإذا كانت الشريعة تسمح بإعطاء الربا في حالة من الاضطرار فإنما هي حالة قد يحل فيها الحرام كأن تعرض للإنسان نازلة لا بد له فيها من الاستقراض بالربا أو حلت به مصيبة في عرضه أو نفسه أو يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 يخاف خوفاً حقيقياً حدوث مشقة أو ضرر لا قبل له باحتمالها ففي مثل هذه الحالات يجوز للمسلم أن يستقرض بالربا ما دام لا يجد سبيلاً غيره للحصول على المال غير أنه يأثم بذلك جميع أولي الفضل والسعة من المسلمين الذين ما أخذوا بيد أخيهم في مثل هذه العاهة النازلة به حتى اضطروه لاستقراض المال بالربا. بل أقول فوق ذلك أن الأمة بأجمعها لا بد أن تذوق وبال هذا الإثم لأنها هي التي غفلت وتقاعست عن تنظيم أموال الزكاة والصدقات والأوقاف مما نتج عنه أن أصبح أفرادها لا يستندون إلى أحد ولم يبق لهم من بدّ من استجداء المرابين عند حاجاتهم. لا يجوز الاستقراض حتى عند الاضطرار إلا على قدر الحاجة ومن الواجب التخلص منه ما استطاع الإنسان إليه سبيلاً لأنه من الحرام له قطعاً أن يعطي قرشاً واحداً من الربا بعد ارتفاع حاجته وانتفاء اضطراره. أما: هل الحاجة شديدة أم لا؟ وإذا كانت فإلى أي حدّ؟ ... ومتى قد زالت؟ فكل هذا مما له علاقة بعقل الإنسان المبتلى بمثل هذه الحالة وشعوره بمقتضى الدين والمسؤولية الأخروية. فهو على قدر ما يكون متديناً يتقي الله ويرجو حساب الآخرة يكون معتصماً بعروة الحيطة والورع في هذا الباب] الربا ص 157 - 158. وجاء في الفتوى التي أصدرها المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية والذي عقد في القاهرة سنة 1965م ما يلي: أ. الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي وما يسمى بالقرض الإنتاجي، لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين. ب. كثير الربا وقليله حرام، كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} صدق الله العظيم سورة آل عمران الآية130. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 ج. الإقراض بالربا المحرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا محرم كذلك، لا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه الضرورة، وكل امرئ متروك لدينه في تقدير ضرورته]. وخلاصة الأمر أن الاقتراض بالربا من المحرمات القطعية الثابتة التي لا مجال للتلاعب بها ولا يباح الاقتراض بالربا إلا في حالة الضرورة وأن الضرورة تقدر بقدرها ولا يدخل تملك المسكن في ذلك ومن أفتى بجواز تملك المسكن بالاقتراض الربوي ففتواه باطلة ومردودة عليه ولا يجوز الأخذ بها شرعاً. - - - العمل في البنوك الربوية تقول السائلة: إن زوجها يعمل في البنك وتسأل هل المعاش - الراتب – حلال أم حرام؟ وهل وضع الأموال في البنوك بدون أخذ الفائدة يجوز أم لا؟ الجواب: يقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}. مما لا شك فيه أن الربا محرم شرعاً باتفاق أهل العلم، وأن النظام الاقتصادي الإسلامي يحارب الربا وكل المؤسسات الربوية، وقد شدد الإسلام في أمر الربا، فبالإضافة للآيات السابقة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 السبع الموبقات – المهلكات – قلنا: وما هي يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه مسلم. وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء)، رواه مسلم. وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الربا ثلاثة وسبعون شعبة أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وصححه، وغير ذلك من الأحاديث. وبناءً على ما سبق فقد قرر كثيرٌ من أهل العلم حرمة العمل في البنوك الربوية، حتى ولو كان العمل حارساً ليلياً للبنك، لأن ذلك من باب التعاون على الإثم والعدوان، وهو محرم بنص القرآن الكريم وكذلك فقد أفتى كثير من العلماء المعاصرين بحرمة تأجير المحلات أو العمارات للبنوك الربوية لذات السبب السابق. وأما إيداع الأموال في البنوك الربوية، فالأصل في ذلك التحريم ولا يجوز إلا في حالة الضرورة، كأن يخشى الإنسان على ماله من الضياع ولا يجد مكاناً آمنا ً لوضعه إلا في البنك كحسابٍ جارٍ ولا يأخذ ربا عليه. أقول هذا وأنا أعلم أن التعامل مع البنوك الربوية أصبح بلاء عاماً لا ينجو منه إلا القليل، وأعلم أن امتناع شخص أو أشخاص من العمل مع البنوك الربوية أو الإيداع فيها لا يحل المشكلة المستعصية، لأن المشكلة جزء من سيئات النظام العام الذي نعيشه ونحياه، ولكن سددوا وقاربوا واتقوا الله ما استطعتم. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 كيفية التصرف بالمال الربوي يقول السائل: إذا كسب الشخص مالاً ربوياً وأراد أن يتخلص منه فكيف يفعل؟ الجواب: إن الربا من أكبر المحرمات وقد قامت الأدلة الصريحة من كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم على تحريمه والأصل أنه يحرم على المسلم أن يضع أمواله في البنوك الربوية ابتداء إلا عند الضرورة فإذا حصل ووضع أمواله في البنك الربوي وأعطاه البنك الربوي ما يسمونه بالفائدة وهو الربا حقيقة وفعلاً فإن أمامه عدة احتمالات ليتصرف بهذا المال كما قرر ذلك بعض الفقهاء المعاصرين: أولاً: أن ينفق هذا المال على نفسه وعياله وفي شؤونه الخاصة. ثانياً: أن يترك هذا المال للبنك. ثالثاً: أن يأخذ هذا المال ويتلفه ليتخلص منه. رابعاً: أن يأخذه ويصرفه في مصارف الخير المختلفة للفقراء والمساكين والمؤسسات الخيرية. هذه هي الاحتمالات الأربعة القائمة في هذه المسألة ونريد أن نناقشها واحداً تلو الآخر. أما الخيار الأول وهو أن يأخذ هذا المال الحرام - الفائدة - من البنك وينفقه على نفسه وعياله وشؤونه الخاصة فهذا أمر محرم شرعاً بنص كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لأنه إن أخذه وأنفقه على نفسه وعياله يكون قد استحل الربا المحرم، يقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} ويقول أيضاً: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وأما الخيار الثاني الذي مفاده أن تترك الفائدة للبنوك فإنه مهما اعتبره بعض الناس اقتضاء التقوى وموافقة حكم الشرع ومهما ترجح هذا الرأي لديهم لا يشك في تحريم ذلك من له أدنى معرفة بنظام البنوك الربوية وخاصة بنوك أوروبا وأميركا حيث تقوم هذه البنوك بتوزيع تلك الأموال على جمعيات معادية للإسلام والمسلمين. لذلك فإن إبقاء الفوائد للبنوك الربوية حرام ولا يجوز شرعاً، قال الدكتور القرضاوي: [والخلاصة أن ترك الفوائد للبنوك وبخاصة الأجنبي حرام بيقين وقد صدر ذلك عن أكثر من مجمع وخصوصاً مؤتمر المصارف الإسلامية الثاني في الكويت) فتاوى معاصرة 2/ 410. وذكر أحد علماء الهند المعاصرين أن تلك الفوائد التي كان المسلمون يتركونها للبنوك الربوية في الهند كانت تصرف على بناء الكنائس وعلى إرساليات التبشير وغير ذلك. راجع قضايا فقهية معاصرة ص 24. وأما الخيار الثالث وهو إتلاف تلك الأموال فلا يقول به عاقل لأن المال نعمة من الله سبحانه وتعالى وليس بنجس بنفسه وإنما يخبث المال إذا كسبه بطريق حرام فإتلافه إهدار لنعمة الله، قال الشيخ مصطفى الزرقا: [فالمال لا ذنب له حتى نحكم عليه بالإعدام فإتلافه إهدار لنعمة الله وهو عمل أخرق والشريعة الإسلامية حكمة كلها لأن شارعها حكيم]. فإذا بطلت الخيارات الثلاثة وبقي الخيار الرابع وهو أخذ المال من البنك وتوزيعه على الفقراء والمساكين وجهات الخير الأخرى وهذا شأن كل مال حرام يحوزه المسلم فيجب عليه أن يتصدق به، قال حجة الإسلام الغزالي موضحاً مسألة التصدق بالمال الحرام ما نصه: [فإن قيل: ما دليل جواز التصدق بما هو حرام وكيف يتصدق بما لا يملك؟ وقد ذهب جماعة إلى أن ذلك غير جائز لأنه حرام وحكى عن الفضيل أنه وقع في يده درهمان فلما علم أنهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 من غير وجههما رماهما بين الحجارة وقال: لا أتصدق إلا بالطيب ولا أرضي لغيري مالاً لا أرضاه لنفسي؟ فنقول: نعم ذلك له وجه واحتمال وإنما اخترنا خلافه للخبر والأثر والقياس. أما الخبر: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتصدق بالشاة المصلية التي قدمت فكلمته بأنها حرام إذ قال صلى الله عليه وسلم (أطعموها الأسارى) قال الحافظ العراقي في تخريج هذا الحديث رواه أحمد وإسناده جيد. ولما نزل قوله تعالى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} كذبه المشركون وقالوا للصحابة: ألا ترون ما يقول صاحبكم يزعم أن الروم ستغلب فخاطرهم أبو بكر بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما حقق الله صدقه وجاء أبو بكر رضي الله عنه بما قامرهم به قال عليه الصلاة والسلام: (هذا سحت فتصدق به) وفرح المؤمنون بنصر الله وكان قد نزل تحريم القمار بعد إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم له في المخاطرة مع الكفار. قال الحافظ العراقي: حديث مخاطرة أبي بكر المشركين بإذنه صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} وفيه فقال صلى الله عليه وسام: (هذا سحت فتصدق به) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة من حديث ابن عباس وليس فيه إن ذلك كان بإذنه صلى الله عليه وسلم والحديث عند الترمذي وحسنه والحاكم وصححه دون قوله أيضاً: (هذا سحت فتصدق به). وأما الأثر فإن ابن مسعود رضي الله عنه اشترى جارية فلم يظفر بمالكها لينقده الثمن فطلبه كثيراً فلم يجده فتصدق بالثمن وقال: اللهم هذا عنه إن رضي وإلا فالأجر لي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وسئل الحسن رضي الله عنه عن توبة الغال -من يأخذ من مال الغنيمة قبل أن يقسم- وما يؤخذ منه بعد تفرق الجيش فقال: يتصدق به. وروي أن رجلاً سوّلت له نفسه فغلّ مائة دينار من الغنيمة ثم أتى أميره ليردها عليه فأبى أن يقبضها وقال له: تفرق الناس. فأتى معاوية فأبى أن يقبضها. فأتى بعض النّساك فقال: ادفع خمسها إلى معاوية وتصدّق بما يبقى فبلغ معاوية قوله فتلهف إذ لم يخطر له ذلك. وقد ذهب أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وجماعة من الورعين إلى ذلك. وأما القياس: فهو أن يقال أن هذا المال مردد بين أن يضيع وبين أن يصرف إلى خير إذ قد وقع اليأس من مالكه وبالضرورة يعلم أن صرفه إلى خير أولى من إلقائه في البحر فإنا إن رميناه في البحر فقد فوتناه على أنفسنا وعلى المالك ولم تحصل منه فائدة وإذا رميناه في يد فقير يدعو لمالكه حصل للمالك بركة دعائه وحصل للفقير سد حاجته وحصول الأجر للمالك بغير اختياره في التصدق لا ينبغي أن ينكر فإن في الخبر الصحيح: (إن للزارع والغارس أجراً في كل ما يصيبه الناس من ثماره وزروعه) رواه البخاري. وأما قول القائل: لا نتصدق إلا بالطيب فذلك إذا طلبنا الأجر لأنفسنا ونحن الآن نطلب الخلاص من المظلمة لا الأجر وترددنا بين التضييع وبين التصدق ورجحنا جانب التصدق على جانب التضييع. وقول القائل: لا نرضى لغيرنا ما لا نرضاه لأنفسنا فهو كذلك ولكنه علينا حرام لاستغنائنا عنه وللفقير حلال إذا حلّه دليل الشرع وإذا اقتضت المصلحة التحليل وجب التحليل وإذا حل فقد رضينا له الحلال. ونقول: إنه له أن يتصدق على نفسه وعياله إذا كان فقيراً أما عياله وأهله فلا يخفى لأن الفقر لا ينتفي عنهم بكونهم من عياله وأهله بل هم أولى ولو تصدق به على فقير لجاز وكذا إذا كان هو الفقير] فتاوى معاصرة 2/ 412 - 413. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 وبهذا يظهر لنا أن المصرف الوحيد لهذه الأموال-الفوائد- هو التصدق بها وقد قال بهذا القول عدد من الفقهاء المعاصرين في مؤتمر عقد سنة 1979 وشارك فيه عدد من العلماء المسلمين المعاصرين وهو قول سديد وفقه حسن وبه أقول. - - - بيع العينة وبيع التورق يقول السائل: ما هو بيع العينة الذي ورد ذكره في الحديث وما الفرق بينه وبين التورق؟ الجواب: ورد في الحديث عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) رواه أبو داود والبيهقي وأحمد قال الحافظ ابن حجر: [رجاله ثقات وصححه ابن القطان] بلوغ المرام ص 172. وصححه الشيخ العلامة الألباني في غاية المرام ص 121 وفي السلسلة الصحيحة 1/ 15. وبيع العينة هو أن يبيع شخص شيئاً لغيره بثمن مؤجل ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر وهذه أشهر صور بيع العينة فمثلاً اشترى زيد سيارة من عمرو بمبلغ إثني عشر ألف دينار مؤجلة ثم باع زيد السيارة إلى عمرو بمبلغ عشرة آلاف دينار حالة فهنا دخلت السيارة في عملية البيع وليست مقصودة بالبيع لأن السيارة عادت إلى صاحبها فوراً وإنما المقصود النقود (العين) وهذه العملية تعتبر رباً حيث إن زيداً قد اقترض عشرة آلاف وسيقوم بتسديد اثني عشر ألفاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 فالعينة قرض ربوي مستتر تحت صورة البيع وبناء على كونها رباً قال جمهور أهل العلم بتحريم بيع العينة. انظر نيل الأوطار 5/ 234، شرح ابن القيم على مختصر سنن أبي داود 9/ 241 فما بعدها، الموسوعة الفقهية 9/ 69. وقد ساق العلامة ابن القيم أدلة كثيرة على تحريم العينة منها عن ابن عباس: (أنه سئل عن العينة يعني بيع الحريرة؟ فقال: إن الله لا يُخدع، هذا مما حرم الله ورسوله) وقال ابن القيم: وهذا في حكم المرفوع اتفاقاً عند أهل العلم. وعن امرأة أبي إسحق قالت: [(دخلت على عائشة في نسوة فقالت: ما حاجتكن؟ فكان أول من سألها أم محبة فقالت: يا أم المؤمنين هل تعرفين زيد بن أرقم؟ قالت: نعم. قالت: فإني بعته جارية لي بثمانمائة درهم إلى العطاء وإنه أراد أن يبيعها فابتعتها بستمائة درهم نقداً. فأقبلت عليها وهي غضبى فقالت: بئسما شريت وبئسما اشتريت، أبلغي زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب. وأفحمت صاحبتنا فلم تتكلم طويلاً ثم إنه سهل عنها فقالت: يا أم المؤمنين أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي؟ فتلت عليها: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف) فلولا أن عند أم المؤمنين علماً لا تستريب فيه أن هذا محرم لم تستجز أن تقول مثل هذا بالاجتهاد ولا سيما إن كانت قد قصدت أن العمل يحبط بالردة وأن استحلال الربا كفر وهذا منه ولكن زيداً معذور لأنه لم يعلم أن هذا محرم ولهذا قالت أبلغيه. ويحتمل أن تكون قد قصدت أن هذا من الكبائر التي يقاوم إثمها ثواب الجهاد فيصير بمنزلة من عمل حسنة وسيئة بقدرها فكأنه لم يعمل شيئاً. وعلى التقديرين لجزم أم المؤمنين بهذا دليل على أنه لا يسوغ فيه الاجتهاد ولو كانت هذه من مسائل الاجتهاد والنزاع بين الصحابة لم تطلق عائشة ذلك على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 زيد فإن الحسنات لا تبطل بمسائل الاجتهاد] شرح ابن القيم على مختصر أبي داود 9/ 246. ثم ذكر ابن القيم أدلة أخرى على تحريم بيع العينة. أما التورق فهو أن يشتري شخص سلعة إلى أجل ثم يبيعها لغير البائع بأقل مما اشتراها نقداً ليحصل بذلك على النقد فمثلاً اشترى زيد ثلاجة بستة آلاف مؤجلة واستلم الثلاجة من البائع وباعها إلى شخص آخر بخمسة آلاف نقداً فهذا هو التورق. انظر الموسوعة الفقهية 14/ 147، الجامع في أصول الربا ص 174. وهذه المعاملة جائزة عند جمهور أهل العلم وقال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم بكراهة هذه المعاملة ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: [التورق أخية الربا] مجموع الفتاوى 29/ 303. وقال العلامة مصطفى الزرقا: [إن هذه المسألة التي سألتم عنها تسمى عند الفقهاء (مسألة التورق) لأن مشتري البضاعة لا يريد البضاعة لذاتها وإنما يريد الرقة أو الورق وهي الفضة أي: مقصوده الدراهم وحكمها الشرعي في رأي العلماء أنها إذا كانت نتيجة تواطؤ (تفاهم مسبق) بين المشتري والتاجر البائع على أن يعيد بيعها للبائع بسعر أقل نقداً (وقد كان اشتراها منه بسعر أعلى مؤجلاً) فذلك غير جائز شرعاً، لأنه كالمراباة الصريحة – وهذه هي العينة- أما إذا كان المحتاج إلى النقود (ولا يجد من يقرضه قرضاً حسناً) قد ذهب من تلقاء نفسه إلى السوق، فاشترى بضاعة بثمن مؤجل، ثم باعها بدون سابق تواطؤ نقداً بسعر أقل، لكي يحصل على الدراهم التي هي حاجته دون أن يلجأ إلى الاقتراض بالربا، فلا مانع منه شرعاً، بل يعتبر حسن تصرف منه كيلا يقع في المراباة والله سبحانه أعلم] فتاوى العلامة مصطفى الزرقا ص 496. وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين بعد أن ذكر خلاف العلماء في المسألة: [لكن أرى أنها حلال بشروط هي: الشرط الأول: أن يتعذر القرض أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 السلم أي أن يتعذر الحصول على المال بطريق مباح والقرض في وقتنا الحاضر الغالب أنه متعذر ... الشرط الثاني: أن يكون محتاجاً لذلك حاجة بينة. الشرط الثالث: أن تكون السلعة عند البائع فإن لم تكن عند البائع فقد باع ما لم يدخل في ضمانه وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع السلع في مكان شرائها حتى ينقلها التاجر إلى رحله) – متفق عليه - فهذا من باب أولى لأنها ليست عنده فإذا اجتمعت هذه الشروط الثلاثة فأرجو أن لا يكون بها بأس لأن الإنسان قد يضطر أحياناً لهذه المعاملات] الشرح الممتع على على زاد المستقنع 8/ 232 - 233. وخلاصة الأمر أن التورق جائز عند توفر الشروط السابقة. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 ردود وتعقيبات على قضايا الربا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 تعقيب على مقال " البنوك وفتوى شيخ الأزهر " كتب د. تيسير التميمي في جريدة القدس بتاريخ 9/ 2/1998 تعليقاً على فتوى شيخ الأزهر المتعلقة بالبنوك، وأشار إلى المكانة التي يتبوؤها شيخ الأزهر، وطرح موضوع الفتوى للمناقشة لمن يهمه الأمر. وقد كان يجول في خاطري منذ زمن أن أعلق على فتوى شيخ الأزهر، حول فوائد البنوك، إذ أنه قد طرح رأيه هذا منذ سنين مضت، ولكن كنت أحجم عن ذلك لأن عدداً من كبار العلماء قد ردوا على فتوى شيخ الأزهر ووضعوا في ذلك مؤلفات، مثل د. يوسف القَرضَاوي، ود. علي السالوس وغيرهما. ولكن لما أعيد طرح هذه الفتوى مرة أخرى في الصحافة المحلية، أحببت أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع، فأقول وبالله التوفيق: ينبغي أن يعلم أن الحق لا يعرف بالرجال، وإنما الرجال هم الذين يعرفون بالحق، فصدور الفتوى من أي مرجع مهما كانت مكانة هذا المرجع، لا يعطيها صفة الحق والصواب، وإنما هذه الصفة تُستَمَد من الأدلة والمستندات التي تعتمد عليها تلك الفتوى، وقد قال الإمام مالك يرحمه الله: [كلٌ يؤخذ منه ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم]. وإن كان صدور الفتوى من مرجع مرموق يتولى منصباً رفيعاً، له أثر كبير على عامة الناس، ولكن ذلك لا يعني شيئاً كثيراً عند أهل العلم، هذا من جهة، وأما من الجهة الأخرى، فإن الرد العلمي على فتوى شيخ الأزهر، لا يتسع له هذا المقام، حيث إنه يحتاج إلى صفحات وصفحات، وقد كفانا المؤونة العلماء الذين أشرت لهم، ولكن لا بأس بذكر بعض الأمور التي تلقي الضوء على إبطال الفتوى، فأبدأ أولاً بذكر ما صدر عن شيخ الأزهر الحالي صاحب هذه الفتوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 عندما كان مفتياً للديار المصرية، حيث إنه أصدر فتوى في تحريم فوائد البنوك، وأذكر هنا نص السؤال المقدم إليه، وجوابه عليه: [سؤال ورد إلى دار الإفتاء من المواطن، يوسف فهمي حسين، وقيد برقم 515/ لسنة 1989، يقول فيه: إنه قد أحيل على المعاش، وصرفت له الشركة التي كان يعمل فيها مبلغاً - أربعين ألف جنيه -، والمعاش الذي يتقاضاه لا يفي بحاجته الأسرية، ولأجل أن يغطي حاجيات الأسرة، وضع المبلغ في بنك مصر، في صورة شهادات استثمار بعائد شهري، حيث لم يعد هناك أمان لوضع الأموال في شركات توظيف الأموال، وعندما فكر في وضعها في أي مشروع، لم يجد وخاصة أن حالته الصحية لا تسمح بالقيام بأي جهد، وقد قرأ تحقيقاً بجريدة أخبار اليوم، شارك فيه بعض المشايخ والعلماء الأفاضل، بأن الودائع التي تودع في البنوك تخدم في مشاريع صناعية وتجارية، وأن هذه الشهادات الاستثمارية تدر عائداً حلالاً لا رباً .... إلى أن قال السائل: وحيث إنه حريص على أن لا يدخل بيته حراماً، بعث إلى دار الإفتاء يستفسر عن رأي الدين في هذا الأمر، حيث إن بعض العلماء يقولون بأن العائد حلالٌ والبعض الآخر يقولون إنه رباً]. هذا هو نص السؤال الوارد إلى دار الإفتاء فماذا كان جواب المفتي؟ [الجواب: بعد المقدمة ...... يقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيات 278 - 279. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يروي أبو سعيد قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء) رواه أحمد والبخاري ومسلم. أجمع المسلمون على تحريم الربا، الربا في اصطلاح فقهاء المسلمين هو زيادة مال في معاوضة مال بمال دون مقابل، وتحريم الربا بهذا المعنى أمر مجمع عليه في كل الشرائع السماوية. لما كان ذلك وكان إيداع الأموال في البنوك، أو إقراضها، أو الاقتراض منها بأي صورة من الصور مقابل فائدة محدودة مقدماً زمناً ومقداراً، يعتبر قرضاً بفائدة، وكل قرض بفائدة محددةً مقدماً حرام، كانت تلك الفوائد التي تعود على السائل داخلة في نطاق ربا الزيادة المحرم شرعاً، بمقتضى النصوص الشرعية، وننصح كل مسلم بأن يتحرى الطريق الحلال لاستثمار أمواله، والبعد عن كل ما فيه شبهة حرام لأنه مسؤول يوم القيامة عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه]. أخي القارئ ما تقدم، هو نص الفتوى التي صدرت عن مفتي جمهورية مصر العربية الدكتور. محمد طنطاوي، بتاريخ 20/ 2/1989م، وسجلت برقم 41/ 124، وهو نفسه الذي صار شيخ الأزهر فيما بعد وما زال، وأصدر الفتوى التي تنص على أن فوائد البنوك ليست من الربا المحرم، وأن لا فرق بين بنك إسلامي وغير إسلامي. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا غيَّر الشيخ طنطاوي فتواه تغييراً جذرياً، ففي الفتوى الأولى الربا حرام، وفوائد البنوك حرام، وفي الثانية فوائد البنوك ليست من الربا المحرم. ومن المعلوم عند أهل العلم أن تغيير الفتوى في المسألة الواحدة من العالم الواحد لا بدَّ له من سبب صحيح، فإذا بنى المجتهد فتواه على اجتهاد، ثم بلغه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 حديث شريف لم يكن قد سمع به من قبل، والفتوى تعارضه يلزمه العدول فوراً عن قوله إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم. وإذا أفتى في واقعة ثم تغيرت الواقعة وجب أن تتغير الفتوى تبعاً لتغير الواقعة انظر فوائد البنوك هي الربا المحرم للدكتور يوسف القرضاوي ص 140 - 142. ومن المسلّم به والمؤكد أن البنوك الربوية لم تتغير طبيعة عملها وأنظمتها، ولم تختلف صورة تعاملها في الفترة ما بين الفتوى الأولى للشيخ طنطاوي، عندما كان مفتياً لمصر، والفتوى الثانية عندما صار شيخاً للأزهر. إن الأدلة التي ساقها الشيخ طنطاوي في الفتوى الأولى في تحريم فوائد البنوك لم تتغير، فالأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحريم الربا ما زالت قائمة وستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. بعد هذا أقول: إن فتوى شيخ الأزهر بإباحة فوائد البنوك الربوية، مناقضة تماماً للنصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم الربا، ومخالفة لأقوال العلماء والفقهاء قديما ً وحديثاً في تحريم الربا بمختلف صوره وأشكاله، ولا شك لدى العلماء والفقهاء في هذا العصر، أن فوائد البنوك هي من الربا المحرم، وقد انعقدت مجامع علمية كثيرة في هذا العصر، وأقرت وأكدت على أن فوائد البنوك هي من الربا المحرم، فمن ذلك: 1. قرار المؤتمر الإسلامي الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة سنة 1965م والذي حضره عدد كبير من العلماء من مختلف العالم الإسلامي، ومن ضمن قراراته (الفائدة على أنواع القروض كلها رباً محرم) 2. قرار مجمع الفقه الإسلامي، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية سنة 1985 م والذي يضم ثلة من فقهاء العالم الإسلامي. 3. قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي سنة 1406هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 4. قرار المؤتمر الثاني للمصارف الإسلامية لسنة 1983م. 5. لجنة الفتوى بالأزهر الشريف لسنة 1988م. 6. البيان الصادر عن علماء الأزهر بمكة المكرمة، عن حرمة معاملات البنوك الربوية، رداً على مفتي مصر، ووقع عليه ثلاثة وثلاثون عالماً أزهرياً. وغير ذلك من الفتاوى .... وقد ردَّ فتوى شيخ الأزهر عددٌ كبير من أهل العلم المعتبرين، وأبطلوا فتواه من وجوه كثيرة يضيق المقام عن ذكرها، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى: 1. كتاب الدكتور يوسف القَرَضَاوي [فوائد البنوك هي الربا المحرم]. 2. كتاب الدكتور علي السالوس [الاقتصاد الإسلامي]. 3. كتاب الدكتور وهبة الزُحَيّلي [الفقه الإسلامي وأدلته/ج 9]، وغيرها. (وإننا لنعجب كثيراً ونشفق على فضيلة المفتي، وعلى المسلمين إذ هو يشككهم في أمور مجمع عليها، بل تعتبر مما عُلمَ من الدين بالضرورة، وإذا تطرَّق الشك إلى هذه الأمور وصل الأمر إلى هدم الشريعة من الأساس، فهل يسمح لنا المفتي أن نسأله: إذا كانت فوائد البنوك ليست ربا، فما هو الربا المحرم شرعاً؟) الاقتصاد الإسلامي 1/ 369. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 الرد على فتوى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر التي أباحت فوائد البنوك يقول السائل: ما قولكم في فتوى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر التي أباحت فوائد البنوك؟ الجواب: إن تحريم الربا أمر قطعي في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقد انعقد الإجماع على ذلك منذ عهد سلف الأمة قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} سورة البقرة الآية 275. وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيتان 278 - 279. وجاء في الحديث: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. وغير ذلك من الأدلة الكثيرة. وقد أصبح تحريم الربا من المعلوم من الدين بالضرورة، واتفق المسلمون كافة على أنه من كبائر الذنوب ومن الموبقات السبع، وقد آذن القرآن الكريم مرتكبيه بحرب من الله ورسوله كما سبق في الآية الكريمة وهذا ما أجمع عليه العلماء يقول الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وكل قرض شُرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة، أو هدية فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا) المغني 4/ 240. وإنه لأمر مؤسف حقاً أن تسمع وترى من المشايخ من يخالف هذه الأدلة الصريحة الواضحة بحجج واهية وذرائع فاسدة واجتهادات مخالفة للنصوص مخالفة صريحة ومخالفة لما اتفق عليه علماء الأمة قديماً وحديثاً وأرجو أن لا تكون هذه الفتوى مدفوعة الأجر سلفاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 وقد ردَّ على هذه الفتوى عدد كبير من أهل العلم وبينوا الخطأ الشنيع الذي وقع فيه مصدروها حيث إن مناط هذه الفتوى غير موجود في الواقع ولا تتعامل به البنوك الربوية مطلقاً بل إن الأنظمة المعمول بها تمنع البنوك الربوية من ممارسة ما أباحته الفتوى فهي فتوى في حادثة لا وجود لها في واقع البنوك الربوية!!! وفعلاً إنه لأمر محزن حقاً حينما يفتي بعض المفتين مع عدم معرفتهم بواقعة الفتوى معرفة أكيدة فتأتي فتواهم بعيدة عن الواقع وقد ذكر أهل العلم أنه يلزم المفتي معرفة الحادثة التي يفتي فيها معرفة تامة لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره يقول أستاذنا الدكتور حسين حامد حفظه الله مبيناً بطلان الفتوى المشار إليها: [هذه المعاملة بهذه الصورة لا يجري عليها العمل في البنوك التجارية ولا المتخصصة، لا في مصر، ولا في البلاد العربية، بل تناقض ما نصت عليه القوانين المدنية وقوانين التجارة وقوانين الجهاز المصرفي في هذه البلاد. فإن هذه الفتوى لا تطبق على ودائع البنوك. قد يكون البنك مقدم السؤال يطبق هذه الصيغة، ويتلقى الودائع بصفته وكيلاً عن المودعين في استثمار هذه الودائع في معاملاته المشروعة، وهذه مسألة ادعاء على واقع وتحتاج إلى إثبات!!! ومع ذلك فإن هذه الوكالة باطلة بالإجماع؛ لأن جميع عوائد وأرباح المال المستثمر بعقد الوكالة تكون للموكل؛ لأنه المالك للمال المستثمر، كما أنه يتحمل جميع خسائره التي تحدث بسبب لا يد للوكيل فيه ولا قدرة له على دفعه ولا تلافي آثاره، وللوكيل أجر معلوم يجب النص عليه في عقد الوكالة، وهو يحدد بمبلغ مقطوع أو نسبة من المال المستثمر، وهو ما لم يتحقق في الصورة المسئول عنها، بل إن الوكيل هو الذي يستحق أرباح استثمار الوديعة، ويتحمل خسائرها، ويحدد للموكل مالك الوديعة قدراً أو نسبةً من رأس المال، ويسميها ربحاً. والبنوك الإسلامية تمارس هذه الصورة بمقتضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 قوانين ونظم إنشائها؛ فهي تتلقى الودائع وتستثمرها لحساب أصحابها وعلى مسئوليتهم؛ فلهم أرباح ويتحملون خسائرها التي تحدث بسبب لا يد للبنك فيه، وهو ما يسمى في القانون بالقوة القاهرة والسبب الأجنبي. ويستحق البنك أجراً محدداً في عقد الوكالة في الاستثمار، بمبلغ مقطوع أو نسبةً من الوديعة المستثمرة. وبالقطع فإن هذه الودائع مملوكة لأصحابها وليست قرضاً للبنك ولا ديناً في ذمته. والدليل على أن المعاملة موضوع السؤال والفتوى لا يجري عليها العمل، ولا تسمح بها القوانين المطبقة في البنوك، وأن المطبق إنما معاملة أخرى مختلفة عنها جملةً وتفصيلاً، يأتي وفق عدة اعتبارات، هي: الاعتبار الأول: الفتوى تفترض وجود بنك يتلقى الودائع والمدخرات من المتعاملين معه ليكون وكيلاً عنهم في استثمارها؛ وهو ما يعني وجود عقد وكالة مستوفٍ لشروطه، وتترتب عليه أحكام الشريعة، ينظم العلاقة بين البنك والمودع. وهذا القول مناقض لحكم القوانين المطبقة، ولا وجود له في واقع البنوك. إن الذي ينظم علاقة البنك بمودعيه هو عقد وديعة النقود، أو الوديعة الناقصة بلغة القانون. وحكم هذا العقد أنه ينقل ملكية الوديعة إلى البنك، ويخوله استخدامها لحسابه وعلى مسئوليته؛ فله وحده ربحها وعليه خسارتها، وهو يدفع للمودع فائدة وهي نسبة من رأس المال مرتبطة بالمدة ويسميها ربحاً والبنك يلتزم برد الوديعة؛ لأنه مدين بها، وهذه المعاملة قرض بالقطع، وفقاً لنصوص القانون وحكم الشريعة؛ وهو ما يجعل الزيادة المشروطة عليها رباً بالإجماع ... وكان الواجب أن تصدر الفتوى على المعاملة حسبما يقررها القانون ويجري عليها العمل دون افتراض صورة خيالية غير واقعة، حتى لا يقع اللبس لدى العامة بأن حكم هذه الصورة المتخيلة ينطبق على ما يجري عليه العمل في البنوك. فالمادة رقم 726 من القانون المدني الجديد تنص على أنه (إذا كانت الوديعة مبلغاً من النقود، أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وكان المودع عنده مأذوناً له في استعماله؛ اعتبر العقد قرضاً). وهذا هو الحكم في بقية القوانين العربية ويقول الدكتور السنهوري: [وأكثر ما ترد الوديعة الناقصة على ودائع النقود في المصارف؛ حيث تنتقل ملكية النقود إلى المصرف، ويرد مثلها بعد الطلب أو بعد أجل، بل ويدفع المصرف في بعض الأحيان فائدة عنها؛ فيكون العقد في هذه الحالة قرضاً، وقد أحسن المشرع المصري في اعتبار الوديعة الناقصة قرضاً] ثم يقول: [لا محل للتمييز بين الوديعة الناقصة (وديعة النقود) والقرض؛ حيث إن المودع في الوديعة الناقصة ينقل ملكية الشيء المودع إلى المودع عنده، ويصبح هذا مديناً برد مثله] وتنص المادة 301 من القانون رقم 17 لسنة 1999 بإصدار قانون التجارة المصري على أن (وديعة النقود عقد يخول البنك ملكية النقود المودعة، والتصرف فيها بما يتفق ونشاطه، مع التزام برد مثلها للمودع، طبقاً لشروط العقد). وتنص المادة 300 من نفس القانون على أن أحكام الباب الثالث منه، الخاص بعمليات البنوك، ومنه المادة 301 (تسري على العمليات التي تعقدها البنوك مع عملائها، تجاراً كانوا أم غير تجار، وأياً كانت طبيعة هذه العمليات). فهذه النصوص القانونية تقطع بأن وديعة النقود في البنوك قرض. وقد أكد فقهاء القانون هذا بما لا يدع مجالاً للشك. وحيث إن هناك إجماعاً على أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا ... فإن ما يصرف للمودع يعد رباً وإن سُميَ ربحاً أو عائداً ... وإني لأعجب كيف غاب عن العلماء الأفاضل أعضاء المجمع هذه الحقائق مع سعة علمهم وغزارة إطلاعهم؟ غير أن عذرهم هو أنهم يجيبون على سؤال يعرض صورة محددة، هي (تلقي البنك للودائع لاستثمارها بطريق الوكالة في صيغ استثمار مشروعة)، وكان الجواب على قدر السؤال وإن بصورة افتراضية غير متحققة في الواقع. وإن كنا سنرى أن تحديد مبلغ مقدماً للمودع بصفته موكلاً لا يجوز شرعاً، ولو سمي ربحاً؛ لأنه يناقض أحكام الوكالة في الاستثمار التي أجمع عليها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 الفقهاء، وهي: أن ربح الوديعة المستثمرة كله للمودع، وأن خسارتها التي لا يد للوكيل فيها عليه. وأن أجر الوكيل يجب تحديده عند توقيع عقد الوكالة بمبلغ مقطوع أو نسبة من الوديعة المستثمرة. وهذا كله يقتضي أن يمسك الوكيل (البنك) حساباً مستقلاً للوديعة أو مجموع الودائع، يقيد فيه الإيرادات والمصروفات حتى يتحدد الربح الذي يستحقه المودع أو مجموعة المودعين، وذلك على النحو الذي تمارسه البنوك الإسلامية في عمليات الاستثمار بطريق الوكالة. الاعتبار الثاني: أنه على فرض أن العقد الذي ينظم علاقة البنك والمودعين فيه هو عقد وكالة في الاستثمار، وهو فرض يناقض حكم القوانين وينافي الواقع العملي؛ فإن البنوك التجارية والمتخصصة لا تملك استثمار الودائع بنفسها استثماراً مباشراً؛ بمعنى الاتجار فيه، بل تملك إقراضه للغير بفائدة. فالقانون المصري رقم 163 لسنة 1957 والقوانين المعدلة له تنص على ما يأتي: المادة رقم 26 مكرراً تنص على أنه (تخضع جميع البنوك التي تمارس عملياتها داخل جمهورية مصر العربية لأحكام هذا القانون). والمادة رقم 38 من نفس القانون تنص على أنه (يُعتبر بنكاً تجارياً كل منشأة تقوم بصفة معتادة بقبول ودائع تدفع عند الطلب أو بعد أجل لا يجاوز سنة). والمادة رقم 39 من نفس القانون تنص على أنه (يحظر على البنك التجاري أن يباشر العمليات الآتية: أ. التعامل في المنقول أو العقار بالشراء أو البيع أو المقايضة فيما عدا: 1. العقار المخصص لإدارة أعمال البنك ... 2. المنقول أو العقار الذي تئول ملكيته إلى البنك وفاءً لدين له قبل الغير قبل أن يقوم البنك بتصفيته خلال سنة من تاريخ أيلولة الملكية بالنسبة للمنقول وحتى سنوات بالنسبة للعقار ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 ب. امتلاك أسهم الشركات المساهمة، ويشترط ألا تجاوز القيمة الاسمية للأسهم التي يملكها البنك في الشركة مقدار رأسماله المصدر واحتياطياته). والمادة رقم 45 تنص على أنه (يحظر على البنوك العقارية والبنوك الصناعية وبنوك الاستثمار نفس الأعمال المحظورة على البنوك التجارية). فهذه النصوص تقطع بأنه يحظر على البنوك التجارية وغير التجارية العاملة في مصر الاستثمار عن طريق الاتجار بالشراء والبيع بصفة مطلقة، إلا إذا كان التملك وفاءً لدين، وبشرط التصرف في العقار أو المنقول خلال مدة محددة، أو كان العقار مستخدماً لإدارة البنك أو لأماكن ترفية موظفيه. وحتى في حالة المشاركة في تأسيس الشركات وشراء أسهم، يحظر على البنك أن يمس الودائع مطلقاً، بل إن له أن يتصرف في حدود حقوق المساهمين. فافتراض الفتوى محل النظر أن البنوك تقوم باستثمار الودائع بالاتجار فيها بالبيع والشراء بصفة مباشرة، أو حتى شراء أسهم الشركات افتراض غير صحيح، وبناء الفتوى عليه باطل. وإذا كنا نتكلم عن أمر واقع .. فأين هو؟ وأي بنك يقوم باستثمار الودائع بنفسه استثماراً مباشراً؟ وأين يعمل؟ أيعمل في مصر أم في الخارج؟ ... وعلى كل حال فإن الفتوى لا يتحقق مناط تطبيقها في البنوك التجارية أو المتخصصة؛ لأن الفتوى تفترض قيام البنوك التي تتلقى الودائع بصفتها وكيل استثمار، باستثمار هذه الودائع بنفسها استثماراً مباشراً بالاتجار فيها بالبيع والشراء وغيرهما، وهذا محظور على هذه البنوك ... الاعتبار الثالث: وعلى فرض أن البنوك تتلقى الودائع بصفتها وكيل استثمار، وعلى فرض أنها تملك استثمار الودائع بنفسها استثماراً مباشراً بالاتجار فيها بالبيع والشراء وشراء الأسهم، وهو فرض غير جائز قانوناً وغير واقع عملاً وممارسةً، على فرض ذلك كله .. فإن الفتوى تنص على أن استثمار الودائع يكون في (عمليات البنوك المشروعة). وهذا الفرض غير واقع؛ ذلك أن البنوك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 تملك استخدام الودائع في عمليات الإقراض بفائدة، وهي ربا محرم باتفاق. والفتوى نفسها لم تتعرض لحكم استخدام البنك لودائعه في إقراضها بفائدة برغم كونه رباً محرَّماً باتفاق. وتنص المادة الرابعة من القانون رقم 37 لسنة 1992 على أن تُستبدَل بكلمة (الفائدة) أينما وردت في القانون رقم 163 لسنة 1957 أو القانون رقم 120 لسنة 1975 كلمة (العائد)، وهو لا يغير من الحكم الشرعي، وهو حرمة كل زيادة عن مبلغ القرض؛ ذلك أن الحكم الشرعي مرتبط بكلمة (النفع) بكل صوره وجميع أشكاله، بصرف النظر عن التسمية التي تُطلق عليه، ربحاً كانت أو عائداً أو هديةً أو منحةً أو مكافأةً أو جائزةً ... وإذا ثبت أن الودائع تستخدم بطريق الإقراض بفائدة أو عائد -كما يسميه القانون-، كان افتراض الفتوى أن البنك يستثمر الودائع في معاملاته المشروعة افتراضاً غير واقع وغير صحيح، وبناء الفتوى عليه باطل، ولو فرض أن هناك بنكاً يتلقى الودائع بصفته وكيل استثمار، ويستثمرها في معاملاته المشروعة استثماراً مباشراً بصيغ وعقود استثمار مشروعة ولا يقرضها للغير بفائدة؛ لكانت الفتوى منطبقة على هذا البنك (أي يتحقق فيه مناط الفتوى). فالفتوى التي بين أيدينا أُنيطت وارتبطت وتعلقت ببنك يتلقى الودائع وفق عقد وكالة في الاستثمار، وليس وفق عقد وديعة تأخذ حكم القرض، ويقوم باستثمار هذه الودائع، والاتجار فيها بنفسه (وهذا محظور على البنوك القائمة)، ويتم التعامل فيها بصيغ وعقود استثمار شرعية، وليس بإقراضها بفائدة كما هو الوضع في البنوك العادية. فإذا ما اختل أو انعدم أحد هذه العناصر التي تشكل مناط الفتوى فإن الفتوى لا تطبق. ولقد ذكرنا أن الفتوى تنطبق على البنوك الإسلامية، مع ملاحظة أن البنوك الإسلامية تلتزم بشروط وأحكام الوكالة الشرعية، وأهمها حرمة اشتراط ربح محدد للمودع بصفته موكلاً؛ لأن هذا باطل بالإجماع، وصرف الربح كله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 للمودع بعد خصم أجرة البنك المحددة في عقد الوكالة، وتحميل المودع بصفته موكلاً جميع مخاطر استثمار الوديعة، وخسائرها التي لا يد للبنك فيها، ولا قدرة له على توقعها أو تلافي آثارها (أي: إذا كانت بسبب قوة قاهرة، أو بسبب أجنبي بلغة القانون). ولو وُجد بنك يتلقى الودائع بعقد وكالة مستوفية لشروطها، وتترتب عليها أحكامها الشرعية؛ لكانت معاملاته صحيحة. ولكن الوكالة المذكورة في الفتوى، على الرغم من أنها مجرد اختراع وخيال يناقض أحكام القوانين وواقع العمل؛ فإنها وكالة باطلة بالإجماع؛ لأن الوكيل (البنك) يأخذ أرباح الوديعة، وليس أجراً محدداً في عقد الوكالة، ويتحمل خسائرها، ويشترط للمودع (الموكل) مبلغاً محدداً مقدماً أسماه ربحاً، وهذه وكالة باطلة بإجماع الفقهاء طوال 14 قرناً من الزمان، ولا أظن أن هذا يغيب عن علم أصحاب الفضيلة أعضاء المجمع، وهم من المشهود لهم بالعلم والفضل والورع. وخلاصة الرد على هذا الجزء من الفتوى أنها فتوى في معاملة افتراضية؛ حيث هذه المعاملة المستفتى فيها غير جائزة قانوناً، وغير واقعة عملاً، بالنسبة للبنوك العاملة في مصر، بل وفي غيرها من البلاد العربية وغيرها. وهي صورة بنك يتلقى الودائع بصفة وكيل استثمار، ويستثمر هذه الودائع بنفسه في معاملات وبصيغ وعقود استثمار مباشرة، وهذه المعاملات وتلك الصيغ تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية. وإذا فرضنا جدلاً أن البنوك تقبل الودائع بصفتها وكيلاً عن المودعين لاستثمارها بنفسها والاتجار فيها استثماراً مباشراً؛ فإن هذا الاستثمار يجب أن يكون بصيغ استثمار شرعية كالبيع والشراء والاستصناع والمرابحة والسلم والمشاركة وغيرها من الصيغ والعقود الشرعية، وليس بصيغة الإقراض بفائدة، كما أنه يجب أن تكون الوكالة في الاستثمار مستوفية لشروطها الشرعية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وتترتب عليها الأحكام والآثار التي ترتبها الشريعة الإسلامية؛ من كون الربح كله للمودعين، وللبنك الأجر المحدد المتفق عليه في عقد الوكالة، على أن تكون خسارة الودائع التي لا يد للبنك فيها على أصحابها؛ لأنهم المالكون لها. وهذا يقتضي أن يُفِرد البنك للودائع التي يستثمرها بطريق الوكالة حساباً مستقلاً منتظماً مُدقَّقاً، تقيد فيه إيرادات ومصروفات جميع المعاملات الشرعية التي يقوم بها البنك، حتى يتحدد الربح المستحق للمودعين، بعد أن يخصم البنك الأجرة المتفق عليها عند الإيداع. إن كان التناول النقدي السابق يتعلق بالإشكال الذي انطوى عليه السؤال من توصيف غير حقيقي لطبيعة النشاط الاقتصادي الذي تمارسه المصارف، ومن ثم سوء الفهم المترتب على هذا التوصيف الخاطئ؛ فإن الجزء الذي بين أيدينا يتناول تجاوزات في فتوى مجمع البحوث نفسها. لقد ذكرت الفتوى بعض الأدلة على ما توصلت إليه من حكم بأن تحديد الأرباح مقدماً لأصحاب الودائع في البنوك حلال لا شبهة فيه. واستكمالاً للبحث فإني أذكر هذه الأدلة، أو بالأحرى التعليلات والمناسبات التي ذكرت لتأكيد هذه الفتوى: أولاً: جاء في الفتوى أنه (من المعروف أن البنوك عندما تحدد للمتعاملين معها هذه الأرباح أو العوائد مقدماً، إنما تحددها بعد دراسة دقيقة للأسواق المالية أو المحلية وللأوضاع الاقتصادية في المجتمع، ولظروف كل معاملة أو نوعها ومتوسط أرباحها). وهذا التعليل أو التدليل ليس في محل النزاع؛ لأن الخلاف ليس في طريقة تحديد ما يُعطى للمودع، بل في الحكم الشرعي لما يُعطى، بصرف النظر عن مقداره وطريقة تحديده. وقد تقدم أن الوديعة تُعد قرضاً بنص القوانين وبإجماع الفقهاء، (وكل قرض جر نفعًا فهو ربا) بنص الحديث الشريف؛ ذلك أن واقع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 البنوك أنها تتلقى الودائع وتملكها، وتستقل باستخدامها في إقراض الغير بفائدة، مع التزامها بردها مع الفائدة، وهذا هو حكم القرض بنص القانون، ولا دخل بعد ذلك في كيفية أو طريقة تحديد هذا النفع أو مقداره أو مسماه؛ فقد تُسمى هذه النتيجة نفعاً أو ربحاً أو عائداً أو فائدةً أو مكافأةً أو هديةً؛ لأن العبرة بما يرتبه العقد من آثار بين عاقديه. والأحكام تُبنى على الواقع لا على الخيال. ودعوى أن البنك وكيل استثمار، وأنه يستثمر الودائع بنفسه في معاملات مشروعة، تقدم تفنيده وإبطاله، وتوضيح مخالفته للقانون والشرع والواقع. ثانياً: جاء في الفتوى أنه من المعروف أن هذا التحديد (للربح الذي يعطى للمودع) قابل للزيادة أو النقص؛ بدليل أن شهادات الاستثمار بدأت بتحديد العائد، ثم ارتفع إلى أكثر من 15%، ثم انخفض الآن إلى ما يقارب 10%. وهذا التعليل أو التعديل في غير الموضوع الذي نتحدث عنه؛ إذ الحديث عن الصفة الشرعية لما يعطيه البنك للمودِع؛ وقد تقدم أنه ربا؛ لأنه منفعة يمنحها المقترض للمقرِض (زيادة عن الدين؛ لأنها نسبة من رأس المال مقابل الأجل). ولا يجادل أحد في أن هذا هو حقيقة الربا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل قرض جر نفعًا فهو ربا)، ولإجماع الأمة على أن الزيادة على الدين في مقابل الأجل هي الربا، سواء تحددت وشُرطت مقدماً كما جاء في السؤال والفتوى، أو كانت العادة جارية في البنوك بذلك. وإذا ثبت أن الوديعة النقدية قرض يفيد ملك البنك للوديعة، وحقه في استخدامها مع رد مثلها، وأن ذلك قرض بحكم القانون والشرع؛ فإن كل زيادة على القرض تُعطى للمودع تكون رباً مهما كان قدرها، أو طريقة تحديدها، أو التسمية التي تُطلق عليها، أو تغييرها بالزيادة والنقصان. ودعوى أن البنك يتلقى الودائع بصفته وكيل استثمار، وأنه يستثمرها بنفسه في معاملاته المشروعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 بالاتجار والبيع والشراء وغير ذلك من عقود وصيغ الاستثمار الشرعية، دعوى يكذبها الواقع، ويحظرها القانون، كما سبق شرحه وإثباته. ثالثاً: جاء في الفتوى أن (الخلاصة أن تحديد الربح مقدماً للذين يستثمرون أموالهم عن طريق الوكالة الاستثمارية في البنوك أو غيرها حلال، ولا شبهة في هذه المعاملة؛ فهي من قبيل المصالح المرسلة، وليست من العقائد أو العبادات التي لا يجوز فيها التغيير أو التبديل). والرد على ذلك يكون بتناول عدة جزئيات على النحو التالي: أولاً: الحكم الشرعي إذا ثبت بالدليل، وعُرف مناطه؛ فلا يجوز تغييره ولا تبديله بحال، يستوي في ذلك العقائد والعبادات وغيرها من المعاملات. غير أن تفسير النصوص الشرعية، وتحديد مجال إعمالها، يُرجع فيه إلى المصلحة التي شُرع الحكم لتحقيقها، وذلك في المعاملات بخلاف العبادات التي يقف فيها المجتهد عند النص ولا يتوسع في تفسيره. وهذا أصل أكده الإمام الشاطبي وغيره، غير أنه في جميع الحالات إذا توصل المجتهد بهذا المنهج إلى حكم شرعي فإنه لا يحل تغييره أو تبديله. وثمة فرق بين العبارتين؛ إذ إن عبارة التغيير والتبديل لأحكام الشريعة تُوهم أنها غير ملزمة للمكلف، وهذا رأي نسب إلى الطوفي الحنبلي، وهو منه بريء (راجع نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي ص: 533، وما بعدها لكاتب التعليق)، إذ لم يقل بذلك أحد في تاريخ الاجتهاد الإسلامي. فقد نسب بعض المحدثين إلى الطوفي أنه يقدم المصلحة على النص والإجماع في المعاملات، ورموه بأنه أول من فتح باب الشر، وأن ما قاله (باطل) صادر عن (مضل) (فاجر) (ساقط)، ولا يقول بقوله إلا من هو (أسقط منه)، وأن رأيه في المصلحة (إلحاد مكشوف)، من أعار له سمعاً لم يكن له نصيب من العلم ولا من الدين، وأن مذهبه ليس غلطاً فقط من عالم حسن النية يحتمل التأويل، بل فتنة فتح بابها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 قاصد شر ومثير فتن. ويقول الإمام أبو زهرة عن الطوفي: [إن مهاجمته للنصوص وفكرة نسخها بالمصالح أسلوب شيعي]. ثانيًا: هذه المعاملة ليست من باب المصالح المرسلة؛ لأنها وكالة في الاستثمار كما جاء في الفتوى. وقد بينت الشريعة الإسلامية شروط الوكالة وأحكامها. فليست مما سكتت عنه النصوص الشرعية، وهذه الأحكام باتفاق الفقهاء، هي: 1. وجوب النص على أجر الوكيل في عقد الوكالة، سواء كان مبلغاً مقطوعاً أو نسبةً من المال المستثمر. 2. إن أرباح المال المستثمر كلها للموكل، وخسارته عليه بحكم أنه المالك للمال. 3. وجوب إمساك الوكيل حساباً مستقلاً عن عمليات الوكالة تقيد فيه إيرادات العمليات ومصروفاتها؛ حتى تتحدد الأرباح التي يستحقها الموكل بعد خصم أجرة الوكيل. والوكالة المُدَّعاة في الفتوى، رغم أنها مجرد خيال غير واقع، فهي وكالة باطلة؛ لأنها لم تستوفِ شروطها الشرعية، ولم يترتب عليها الأحكام التي رتبها الشارع عليها. وخلاصة ردنا على الفتوى أنها لا تطبق على البنوك التي تعمل في مصر، ولا في غيرها من البلاد العربية؛ لأن مناط الفتوى غير متحقق في هذه البنوك؛ فهي ليست وكيلة في الاستثمار، ولا تملك الاستثمار والاتجار في الودائع بطريقة مباشرة بحكم القوانين المنشئة لها، كما أن توظيفها للمال غير مشروع؛ لأنها تقرضها بفائدة محرمة. وإذا فُرض وجود نظام مصرفي يقوم على أساس الوكالة في الاستثمار؛ فإن هذه الوكالة يجب أن تتوافر شروطها الشرعية، وأن تترتب عليها أحكامها التي لا تُنافي مقتضاها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 إن البنوك الإسلامية تقوم بتلقي الودائع، واستثمارها بطريق مباشر، وبصيغ وعقود شرعية في عقد الوكالة في الاستثمار بجانب صيغ أخرى.) أ. هـ كلام أستاذنا د. حسين حامد نقلاً عن موقع إسلام أون لاين. نت. ومما يؤكد أن هذه الفتوى غير صحيحة أنها بنيت على تصور خاطىء لما عليه العمل في البنوك الربوية حيث إن حقيقة البنك الربوي أنه تاجر ديون يقترض ويقرض وهذا يغطي أكثر من 75% من أعمال البنوك الربوية وهي لا تقوم بتشغيل الأموال في المشاريع ولا تقوم بالاستثمار الحقيقي. ويضاف لما سبق أن هذه الفتوى مخالفة لجميع ما اتفق عليه أهل العلم في عصرنا من تحريم للربا بجميع أشكاله ومن ذلك: 1. قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة فقد جاء فيه ما يلي: فإن مجلس المجمع الفقهي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12 رجب 1406هـ إلى يوم السبت 19 رجب 1406هـ قد نظر في موضوع (تفشي المصارف الربوية وتعامل الناس معها، وعدم توفر البدائل عنها) وهو الذي أحاله إلى المجلس معالي الأمين العام نائب رئيس المجلس. وقد استمع المجلس إلى كلام السادة الأعضاء حول هذه القضية الخطيرة، التي يقترف فيها محرم بيّن، ثبت تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع، وأصبح من المعلوم من الدين بالضرورة، واتفق المسلمون كافة على أنه من كبائر الإثم والموبقات السبع، وقد آذن القرآن الكريم مرتكبيه بحرب من الله ورسوله، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآية 279. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وقد صح في الحديث: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. كما روى ابن عباس عنه: (إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله عز وجل) وروى نحوه ابن مسعود. وقد أثبتت البحوث الاقتصادية الحديثة أن الربا خطر على اقتصاد العالم وسياسته، وأخلاقياته وسلامته، وأنه وراء كثير من الأزمات التي يعانيها العالم، وألا نجاة من ذلك إلاّ باستئصال هذا الداء الخبيث الذي هو الربا من جسم العالم، وهو ما سبق به الإسلام منذ أربعة عشر قرناً. ومن نعم الله تعالى أن المسلمين بدؤوا يستعيدون ثقتهم بأنفسهم ووعيهم لهويتهم، نتيجة وعيهم لدينهم، فتراجعت الأفكار التي كانت تمثل مرحلة الهزيمة النفسية أمام الحضارة الغربية، ونظامها الرأسمالي، والتي وجدت لها يوماً من ضعاف الأنفس من يريد أن يفسر النصوص الثابتة الصريحة قسراً لتحليل ما حرم الله ورسوله. وقد رأينا المؤتمرات والندوات الاقتصادية التي عقدت في أكثر من بلد إسلامي، وخارج العالم الإسلامي أيضاً، تقرر بالإجماع حرمة الفوائد الربوية وتثبت للناس إمكان قيام بدائل شرعية عن البنوك والمؤسسات القائمة على الربا. ثم كانت الخطوة العملية المباركة، هي إقامة مصارف إسلامية خالية من الربا والمعاملات المحظورة شرعاً، بدأت صغيرة ثم سرعان ما كبرت، قليلة ثم سرعان ما تكاثرت حتى بلغ عددها الآن في البلاد الإسلامية وخارجها أكثر من تسعين مصرفاً. وبهذا كذبت دعوى العلمانيين وضحايا الغزو الثقافي الذين زعموا يوماً أن تطبيق الشريعة في المجال الاقتصادي مستحيل، لأنه لا اقتصاد بغير بنوك، ولا بنوك بغير فوائد. وقد وفق الله بعض البلاد الإسلامية مثل باكستان لتحويل بنوكها الوطنية إلى بنوك إسلامية لا تتعامل بالربا أخذاً ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 عطاءً، كما طلبت من البنوك الأجنبية أن تغير نظامها بما يتفق مع اتجاه الدولة، وإلاّ فلا مكان لها، وهي سنة حسنة لها أجرها وأجر من عمل بها إن شاء الله. ومن هنا يقرر المجلس ما يلي: أولاً: يجب على المسلمين كافة أن ينتهوا عما نهى الله تعالى عنه من التعامل بالربا، أخذا وعطاءً، والمعاونة عليه بأية صورة من الصور، حتى لا يحل بهم عذاب الله، وحتى لا يؤذنوا بحرب من الله ورسوله. ثانياً: ينظر المجلس بعين الارتياح والرضا إلى قيام المصارف الإسلامية، التي هي البديل الشرعي للمصارف الربوية، ويعنى بالمصارف الإسلامية كل مصرف ينص نظامه الأساسي على وجوب الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء في جميع معاملاته ويلزم إدارته بوجوب وجود رقابة شرعية ملزمة. ويدعو المجلس المسلمين في كل مكان إلى مساندة هذه المصارف وشد أزرها، وعدم الاستماع إلى الإشاعات المغرضة التي تحاول أن تشوش عليها، وتشوه صورتها بغير حق. ويرى المجلس ضرورة التوسع في إنشاء هذه المصارف في كل أقطار الإٍسلام، وحيثما وجد للمسلمين تجمع خارج أقطاره، حتى تتكون من هذه المصارف شبكة قوية تهيئ لاقتصاد إسلامي متكامل. ثالثاً: يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل أو الخارج، إذ لا عذر له في التعامل معها بعد وجود البديل الإسلامي، ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب ويستغني بالحلال عن الحرام. رابعاً: يدعو المجلس المسئولين في البلاد الإسلامية والقائمين على المصارف الربوية فيها إلى المبادرة الجادة لتطهيرها من رجس الربا، استجابة لنداء الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} سورة البقرة الآية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 278. وبذلك يسهمون في تحرير مجتمعاتهم من آثار الاستعمار القانونية والاقتصادية. خامساً: كل مال جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعاً، لا يجوز أن ينتفع به المسلم -مودع المال- لنفسه أو لأحد ممن يعوله في أي شأن من شئونه، ويجب أن يصرف في المصالح العامة للمسلمين، من مدارس ومستشفيات وغيرها، وليس هذا من باب الصدقة وإنما هو من باب التطهر من الحرام. ولا يجوز بحال ترك هذه الفوائد للبنوك الربوية، للتقوي بها، يزداد الإثم في ذلك بالنسبة للبنوك في الخارج، فإنها في العادة تصرفها إلى المؤسسات التنصيرية واليهودية، وبهذا تغدو أموال المسلمين أسلحة لحرب المسلمين وإضلال أبنائهم عن عقيدتهم، علماً بأنه لا يجوز أن يستمر في التعامل مع هذه البنوك الربوية بفائدة أو بغير فائدة. كما يطالب المجلس القائمين على المصارف الإسلامية أن ينتقوا لها العناصر المسلمة الصالحة، وأن يوالوها بالتوعية والتفقيه بأحكام الإسلام وآدابه حتى تكون معاملاتهم وتصرفاتهم موافقة لها. 2. قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي: فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10 - 16 ربيع الثاني 1406هـ، الموافق 22 – 28 ديسمبر 1985م. بعد أن عرضت عليه بحوث مختلفة في التعامل المصرفي المعاصر وبعد التأمل فيما قدم ومناقشته مناقشة مركزة أبرزت الآثار السيئة لهذا التعامل على النظام الاقتصادي العالمي، وعلى استقراره خاصة في دول العالم الثالث. وبعد التأمل فيما جرَّه هذا النظام من خراب نتيجة إعراضه عما جاء في كتاب الله تعالى من تحريم الربا جزئياً وكلياً تحريماً واضحاً بدعوته إلى التوبة منه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وعلى الاقتصار على استعادة رءوس أموال القروض دون زيادة أو نقصان قل أو كثر، وما جاء من تهديد بحرب مدمرة من الله ورسوله للمرابين. قرر: أولا: أن كل زيادة (أو فائدة) على الدين الذي حل أجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة (أو الفائدة) على القرض منذ بداية العقد: هاتان الصورتان رباً محرمٌ شرعاً. ثانياً: إن البديل الذي يضمن السيولة المالية والمساعدة على النشاط الاقتصادي حسب الصورة التي يرتضيها الإسلام - هي التعامل وفقًا للأحكام الشرعية - ولا سيما ما صدر عن هيئات الفتوى المعنية بالنظر في جميع أحوال التعامل التي تمارسها المصارف الإسلامية في الواقع العملي. ثالثاً: قرر المجمع التأكيد على دعوة الحكومات الإسلامية إلى تشجيع المصارف الإسلامية القائمة، والتمكين لإقامتها في كل بلد إسلامي لتغطي حاجة المسلمين كيلا يعيش المسلم في تناقض بين واقعه ومقتضيات عقيدته. 3. قرار المؤتمر الإسلامي الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، عام 1385هـ، الموافق 1965م. وقد جاء فيه مايلي: 1. الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي، وما يسمى بالقرض الإنتاجي لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين. 2. كثير الربا وقليله حرام، كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً}. 3. الإقراض بالربا محرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا محرم كذلك، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه الضرورة ... وكل امرئ متروك لدينه في تقدير ضرورته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 4. أعمال البنوك من الحسابات الجارية وصرف الشيكات وخطابات الاعتماد والكمبيالات الداخلية التي يقوم عليها العمل بين التُّجَّار والبنوك في الداخل: كل هذا من المعاملات المصرفية الجائزة، وما يؤخذ في نظير هذه الأعمال ليس من الربا. 5. الحسابات ذات الأجل، وفتح الاعتماد بفائدة، وسائر أنواع الإقراض نظير فائدة كلها من المعاملات الربوية وهي محرمة. وخلاصة الأمر أنها فتوى باطلة مصادمة للنصوص ومخالفة لما اتفق عليه علماء الأمة بل إنه قد سبق لشيخ الأزهر الذي ذيل الفتوى بتوقيعه أن أفتى سنة 1989م بتحريم مثل هذه المعاملات الربوية فسبحان مغير القلوب وهذا نص فتواه السابقة: [يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} سورة البقرة 278 – 279. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبّر بالبُر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء) رواه أحمد والبخاري ومسلم. وأجمع المسلمون على تحريم الربا، والربا في اصطلاح فقهاء المسلمين هو: زيادة مال في معاوضة مال بمال دون مقابل. وتحريم الربا بهذا المعنى أمر مجمع عليه في كل الشرائع السماوية، لما كان ذلك، وكان إيداع الأموال في البنوك أو إقراضها أو الاقتراض مناه بأي صورة من الصور مقابل فائدة محددة مقدماً زمناً ومقدراً يعتبر قرضاً بفائدة، وكل قرض بفائدة محددة مقدماً حرام، كانت تلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 الفوائد التي تعود على السائل داخلة في نطاق ربا الزيادة المحرم شرعاً بمقتضى النصوص الشرعية. وننصح كل مسلم بأن يتحرى الطريق الحلال لاستثمار ماله، والبعد عن كل ما فيه شبهة حرام لأنه مسؤول يوم القيامة عن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ مفتي جمهورية مصر العربية. توقيع: د. محمد طنطاوي سجل 41/ 124 في 14 رجب 1409هـ الموافق 20/ 2/1989. وأخيراً فإن على الناس أن لا ينخدعوا بمثل هذه الفتاوى العرجاء. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 معاملات البنوك الإسلامية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 الأصل في المعاملات الإباحة يقول السائل: هل قاعدة الأصل في المعاملات الإباحة قاعدة صحيحة، أرجو توضيح ذلك؟ الجواب: نعم، لقد قرر العلماء أن الأصل في باب المعاملات الإباحة والمراد بكلمة الأصل أي القاعدة المطردة المستمرة التي لا تتخلف إلا نادراً والمعاملات جمع معاملة وتكون بين المتعاقدين كالبائع والمشتري في باب البيوع والمستأجر والمؤجر في الإجارة والشركاء في باب الشركة ونحو ذلك والمراد بالإباحة الجواز أي أن هذه العقود التي تجري بين المتعاقدين القاعدة المستمرة فيها أنها مباحة وجائزة ولا يصح القول بتحريم معاملة ما إلا بدليل صحيح ناقل من الجواز إلى التحريم أو الكراهة وأما إذا لم يرد في الشريعة دليل صحيح على منع المعاملة فهي باقية على الأصل وهو الجواز وبناءً على ذلك لا يجوز منع أي معاملة إلا بنص صريح من الشارع الحكيم أو قياس صحيح عليه وهذا هو القول الصحيح الذي تؤيده الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والآثار الواردة عن سلف الأمة فمما يدل على ذلك قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} سورة البقرة الآية 29. وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} سورة لقمان الآية 20. وقد ورد في الحديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئاً وتلا قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} سورة مريم الآية 64). رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وقال العلامة الألباني حديث حسن، انظر غاية المرام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 ص14. ومما يدل على ذلك أيضاً قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} سورة البقرة الآية 275. فهذه الآية تدل على حل كل أنواع البيع ولا يستثنى من ذلك إلا ما أخرجه الدليل من هذا العموم. قال الإمام الشافعي: [وذكر الله البيع في غير موقع من كتابه بما يدل على إباحته فاحتمل إحلال الله عز وجل البيع معنيين أحدهما أن يكون أحل كل بيع تبايعه المتبايعان جائزي الأمر فيما تبايعاه عن تراض منهما وهذا أظهر معانيه] الأم 3/ 3. ثم قال الإمام الشافعي: [فأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتبايعين الجائزي الأمر فيما تبايعا إلا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم محرم إذ أنه داخل في المعنى المنهي عنه وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في كتاب الله تعالى] الأم 3/ 3. وبين الإمام القرطبي في تفسيره لهذه الآية أن قول الله تعالى: [{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} أن هذا من عموم القرآن الكريم والألف واللام في قوله البيع للجنس لا للعهد فهي تدل على العموم ويخص هذا العموم بما قام الدليل على تخصيصه فالآية تدل على إباحة البيوع في الجملة والتفصيل ما لم يخص بدليل] انظر تفسير القرطبي 3/ 356 - 357. ويدل على ذلك قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} سورة المائدة الآية 1. فالآية الكريمة أوجبت الوفاء بالعقود من غير تعيين قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والأصل في هذا أنه لا يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه كما لا يشرع لهم من العبادات التي يتقربون بها إلى الله إلا ما دل الكتاب والسنة على شرعه إذ الدين ما شرعه الله والحرام ما حرمه الله بخلاف الذين ذمهم الله حيث حرموا من دين الله ما لم يحرمه الله وأشركوا به ما لم ينزل به سلطاناً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، اللهم وفقنا لأن نجعل الحلال ما حللته والحرام ما حرمته والدين ما شرعته] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 28/ 386. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى، وإلا دخلنا في معنى قوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} سورة الشورى الآية 21. والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرمه، وإلا دخلنا في معنى قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلًا} سورة يونس الآية 59. ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما لم يحرمه في سورة الأنعام من قوله تعالى: {وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لشركائنا فَمَا كَانَ لشركائهم فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شركائهم سَاء مَا يَحْكُمُونَ وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاء اللهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَقَالُواْ هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} سورة الأنعام الآيتان 136 - 138، فذكر ما ابتدعوه من العبادات، ومن التحريمات. وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: إني خلقت عبادي حُنَفاء، فاجتالتهم الشياطين، وحرَّمَتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمَرَتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزِل به سلطاناً) وهذه قاعدة عظيمة نافعة. وإذا كان كذلك، فنقول: البيع والهبة والإجارة وغيرها هي من العادات التي يحتاج الناس إليها في معاشهم؛ كالأكل والشرب واللباس؛ فإن الشريعة قد جاءت في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 هذه العادات بالآداب الحسنة، فحرمت منها ما فيه فساد، وأوجبت ما لابد منه، وكرَّهت ما لا ينبغي، واستحبت ما فيه مصلحة راجحة في أنواع هذه العادات ومقاديرها وصفاتها. وإذا كان كذلك، فالناس يتبايعون ويستأجرون كيف شاءوا، ما لم تحرم الشريعة. كما يأكلون ويشربون كيف شاءوا ما لم تحرم الشريعة. وإن كان بعض ذلك قد يستحب، أو يكون مكروهاً، وما لم تحد الشريعة في ذلك حداً، فيبقون فيه على الإطلاق الأصلي] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 29/ 17 - 18. وقال العلامة ابن القيم: [والأصل في العقود والمعاملات الصحة حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم، والفرق بينهما أن الله سبحانه لا يعبد إلا بما شرعه على ألسنة رسله، فإن العبادة حقه على عباده، وحقه الذي أحقه هو ورضي به وشرعه وأما العقود والشروط والمعاملات فهي عفو حتى يحرمها، ولهذا نعى الله سبحانه على المشركين مخالفة هذين الأصلين. وهو تحريم ما لم يحرمه، والتقرب إليه بما لم يشرعه، وهو سبحانه لو سكت عن إباحة ذلك وتحريمه لكان ذلك عفواً لا يجوز الحكم بتحريمه وإبطاله فإن الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه، وما سكت عنه فهو عفو، فكل شرط وعقد ومعاملة سكت عنها فإنه لا يجوز القول بتحريمها فإنه سكت عنها رحمة منه من غير نسيان وإهمال، فكيف وقد صرحت النصوص بأنها على الإباحة فيما عدا ما حرمه؟ وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعقود والعهود كلها، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} المائدة الآية1. وقال: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} سورة الإسراء الآية 34. وقال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} سورة المعارج الآية 32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وقال تعالى: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا} سورة البقرة الآية 177. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} سورة الصف الآيات 2 - 3. وقال: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} سورة آل عمران الآية 76، وقال: {إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ} الأنفال الآية 58. وهذا كثير في القرآن]. ثم ذكر ابن القيم عدداً من الأحاديث التي تدل على صحة ما قاله. إعلام الموقعين عن رب العالمين 3/ 107 - 112. وقال الشيخ السعيدان مستدلاً على صحة القاعدة السابقة [ ... قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} سورة النساء الآية 29، قال المفسرون: ووجه الشاهد منه: أن الله جل وعلا حرم علينا تعاطي الأسباب المحرمة في المكاسب وأباح لنا المتاجر المشروعة التي تكون عن تراضٍ بين البائع والمشتري فكأنه قال: افعلوها وتسببوا بها في تحصيل الأموال، وأطلق هذه التجارات ولم يقيدها بتجارة دون تجارة، وقد تقرر في الأصول (أن المطلق يجب إبقاؤه على إطلاقه حتى يرد المقيِّد) فهذا الدليل فيه جواز جميع أنواع التجارات، فمن حرم تجارةً وأخرجها عن هذا الإطلاق فعليه الدليل، فقولنا في القاعدة: (الأصل في المعاملات الحل والإباحة) هو قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمًْ} سورة النساء الآية 29، وقولنا (إلا بدليل) هو قوله تعالى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} سورة النساء الآية29، فهذا الدليل نص في المطلوب أيضاً والله أعلم. ومن الأدلة أيضاً: أن الصحابة على عهده صلى الله عليه وسلم لا يزالون يتبايعون بسائر أنواع المعاملات من غير سؤال عن حلالها وحرامها، مما يدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 على أن الأصل المتقرر عندهم هو الحل والإباحة، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولم يثبت عنه أنه أنكر عليهم ذلك إلا أنواعاً من المعاملات ثبت تحريمها لما فيها من الغرر أو الربا أو المخادعة، لكن لم يقل لهم: لا تتعاملوا إلا بمعاملة ثبت حلها. مما يدل على أن الأصل الحل والإباحة، ولا أقول: الصحابة فقط! بل الناس جميعاً من زمانهم إلى زماننا هذا يتعاملون في أسواقهم بشتى أنواع المعاملات من غير نكير مما يدل على إجماعهم على أن الأصل في هذه المعاملات الحل والإباحة. ومن الأدلة أيضاً: أن المستقرئ لأدلة الشريعة في سائر أبواب كتاب البيع يجد أن الأدلة حرصت على بيان العقود المحرمة فقط، فغالب الأدلة الموجودة إنما هي في بيان ذلك، وهذا يدلنا على أن الأصل هو الحل والإباحة وإنما المراد بيان ما هو محرم فقط، كذلك باب العبادات فالأدلة فيه غالباً تبين ما يجوز منها فقط، أما ما لا يجوز فهو نزر قليل مما يدل على أن الأصل فيه المنع، فالشريعة تحرص على بيان المحرم منه، وباب المعاملات غالب الأدلة فيه إنما هي في بيان المعاملات المحرمة فدل ذلك على أن الأصل فيه الجواز والحل، والله أعلم] قواعد البيوع وفرائد الفروع، وغير ذلك من الأدلة التي لا يتسع المقام لتفصيلها. وخلاصة الأمر أن الأصل في باب المعاملات الإباحة إلا ما أخرجه الدليل عن ذلك. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 الفرق بين الربح والربا يقول السائل: كثير من الناس لا يفرق بين نسبة الربح التي تتقاضاها البنوك الإسلامية ونسبة الفائدة التي تأخذها البنوك الربوية فأرجو بيان الفرق بينهما؟ الجواب: إن أسس عمل البنوك الإسلامية لا زالت غير واضحة عند كثير من الناس والأمر بحاجة ماسة إلى مزيد من الشرح والتوضيح والبيان والتوعية وللأسف أن البنوك الإسلامية مقصرة في شرح فكرتها للناس فواجب البنوك الإسلامية أن تبادر إلى مخاطبة جمهور الناس ببيان قواعد العمل في البنوك الإسلامية ويمكن أن يتم ذلك بوسائل كثيرة كعقد الندوات والمحاضرات وإصدار النشرات وهذا الأمر كفيل بزيادة تفهم الناس لطبيعة عمل البنوك الإسلامية. ومن القضايا المشكلة في أذهان كثير من الناس ما ورد في السؤال وهو عدم التفريق بين الربح والفائدة (الربا). فيقول هؤلاء إنه لا فرق بين ما يتم التعامل به في البنوك الإسلامية وبين ما يتم التعامل به في البنوك الربوية فيقول أحدهم مثلاً: إنه ذهب لشراء سيارة إلى البنك الإسلامي فأخبروه أن ثمن السيارة مثلاً مائة ألف شيكل وأنهم سيربحون منه ثمانية آلاف شيكل وأنه ذهب إلى بنك ربوي ليحصل على قرض لشراء ذات السيارة فأخبروه أنهم سيقرضونه مائة ألف شيكل بفائدة قدرها 6.5% فهو يرى أنه لا فرق بين المعاملتين بل إن الفائدة في البنك الربوي أقل من الربح في البنك الإسلامي ولذلك قرر أن يختار أقل التكلفتين. ولتوضيح الفرق بين الصورتين أقول: إن الربح في لغة العرب هو النماء في التجارة والعرب تقول: ربحت تجارته إذا ربح صاحبها فيها ويقولون تجارة رابحة كما ورد في تاج العروس 4/ 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وقد وردت الإشارة إلى ذلك في القرآن الكريم حيث قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} سورة البقرة ص 116. وقد ذكر الطبري في تفسيره لهذه الآية ما يلي: [ ... الرابح من التجار المستبدل من سلعته المملوكة عليه بدلا هو أنفس من سلعته أو أفضل من ثمنها الذي يبتاعها به فأما المستبدل من سلعته بدلاً دونها ودون الثمن الذي يبتاعها به فهو الخاسر في تجارته] تفسير الطبري 1/ 315 - 316. فالربح هو الزيادة على رأس المال نتيجة تقليبه في النشاط التجاري أو هو الزائد على رأس المال نتيجة تقليبه في الأنشطة الاستثمارية المشروعة كالتجارة والصناعة وغيرها. انظر الربح في الفقه الإسلامي ص 44. والربح عند الفقهاء ينتج من تفاعل عنصري الإنتاج الرئيسيين وهما العمل ورأس المال فالعمل له دور كبير في تحصيل الربح. المصدر السابق ص44 - 45. قال د. سامي حمود: [والخلاصة أن الربح في النظر الفقهي الإسلامي هو نوع من نماء المال الناتج عن استخدام هذا المال في نشاط استثماري وأن هذا النشاط الاستثماري ملحوظ فيه عنصر تقليب رأس المال من حال إلى حال كما هو الحال عند الاتجار بالمال حيث تصبح النقود عروضاً ثم تعود نقوداً أكثر بالربح أو أقل بالخسارة إذا حصلت خسارة بالفعل. وإن هذا التقليب المعتبر للمال والذي يحصل الربح نتيجة له ما هو إلا إظهار للجهد البشري المرتبط بعمل الإنسان في المال. وذلك لأن هذا المال الجامد لا يزيد، ولولا مخالطة العمل للمال لبقي الدينار فيه ديناراً عاماً بعد عام ولكن هذا الدينار يمكن أن يصبح دنانير إذا أمسكته يد الإنسان الخبير بالبيع والشراء وسائر وجوه التقليب المعتبرة فالمال الجامد لا ينمو إلا بالعمل فيه حيث إن النقود لا تلد النقود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 ولذا فإن الإسلام في نظرته لرأس المال - كما تجلت قواعده الفقهية - لم يقرر للنقود حقاً في الحصول على أي ربح إلا إذا كان ذلك على وجه المشاركة للعمل في السراء والضراء، وفي هذا دليل ملموس على مدى اعتبار هذا العنصر المعنوي المتمثل في جهد الإنسان الذي كرمه الله تكريماً لم يقدره هذا المخلوق الجزوع والذي لا يتوانى عن الخضوع ذليلاً لكل ما يشرعه أهل الأرض بينما لا يخجل من نفسه أن يتطاول - وإذا نظر للمسائل دون إيمان - على ما شرع الله لعباده بالعدل والإحسان] تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية ص 254. وأما الفائدة فهي زيادة مستحقة للدائن على مبلغ الدين يدفعها المدين مقابل احتباس الدين إلى تمام الوفاء. الفائدة والربا ص 16. إذا تأملنا تعريف الفائدة فنجد أنها زيادة في مبادلة مال بمال لأجل أي أن الفائدة هي مقابل المدة الزمنية. فمثلاً إذا اقترض شخص ألف دينار من البنك الربوي على أن يردها ألفاً ومائة دينار فالمائة دينار هي الفائدة وهذه استحقت مقابل تأجيل السداد لمدة سنة، ولتوضيح الفرق بين الربح والفائدة (الربا) لا بد أن نلاحظ أن الربح ناتج عن اجتماع العمل مع رأس المال فالتاجر يشتري ويبيع فيتولد من عمله ورأس ماله ربح وأما الفائدة فهي متولدة من رأس المال فقط بلا عمل أي أن المال هو الذي يولد المال. وقد يقول قائل إن كلاً من الربح والفائدة يحملان معنى الزيادة في المال وهذا الكلام صحيح ولكن الزيادة في الربح مرتبطة بالتصرف الذي يتحول به المال من حال إلى حال، وأما الزيادة في الفائدة فهي حاصلة بشكل يزداد فيه المال نفسه أي أن الألف دينار صارت ألفاً ومائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وينبغي التنبيه إلى ما يقال من أن نتيجة الأعمال التي تقوم بها البنوك الإسلامية هي نفس نتيجة الأعمال التي تقوم بها البنوك الربوية فلوا افترضنا أن شخصاً اشترى سلعة من بنك إسلامي وكان ثمنها أحد عشر ألف دينار وشخص آخر اقترض عشرة آلاف دينار بفائدة قدرها 10% لشراء ذات السلعة فإن النتيجة في الحالتين واحدة وأقول إن العبرة ليست بالنتيجة وإنما بالطريق الموصل إلى تلك النتيجة. فلو افترضنا أن شخصين كل منهما عنده ألف دينار فقام الأول بشراء كمية من الأرز بالألف التي يملكها ثم باع الأرز بألف ومائة دينار فإن هذا الشخص يكون قد زاد رأس ماله مائة دينار وتسمى هذه الزيادة ربحاً. وإذا قام الشخص الثاني بإقراض الألف التي يملكها لآخر على أن يردها ألفاً ومائة فإنه يكون قد زاد رأس ماله مائة دينار وهذه الزيادة تمسى ربا وفائدة. فنلاحظ أن كلاً منهما زاد رأس ماله مائة دينار فالنتيجة في الحالتين واحدة ولكن الزيادة الأولى حلال والزيادة الثانية حرام. فليست العبرة بالنتيجة وإنما العبرة بالطريق الموصل إليها. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 الفرق بين البنوك الإسلامية وبين البنوك الربوية يقول السائل: إنه سمع خطيب المسجد يقول إنه لا فرق بين البنوك الإسلامية وبين البنوك الربوية وأن البنوك الإسلامية تتحايل لأكل الربا فما قولكم في ذلك؟ الجواب: كثير من الناس يلقون الكلام جزافاً دون معرفة أو اطلاع على حقائق الأمور وأمثال هذا الكلام الذي قاله خطيب الجمعة يردده كثير من الوعاظ والعامة وبعض المنتسبين إلى العلم الشرعي من أرباع المثقفين وليس من أنصافهم الذين ما عرفوا الأسس الشرعية التي تقوم عليها فكرة البنوك الإسلامية وما عرفوا كيفية تطبيق المعاملات في البنوك الإسلامية ومن جهل شيئاً عاداه وبعض هؤلاء المعادين لفكرة البنوك الإسلامية يرفضونها لأنهم يعتبرونها ترقيعاً ويظنون أنه عندما تقوم للمسلمين دولة سيضغط الخليفة على زر فتتحول البنوك الربوية إلى بنوك إسلامية في لحظة واحدة ولكن هؤلاء واهمون ومخطئون. ولو سألت هؤلاء ما هو الحل لهذه المشكلة العظيمة التي يعاني منها العالم الإسلامي وهي هذا الطوفان الربوي الجارف فلا يجدون جواباً سديداً. والغريب في مقولة المحاربين لفكرة البنوك الإسلامية أنهم يسوون بين الحلال والحرام دونما بصر أو بصيرة ودعواهم هذه قالها المشركون قديماً كما حكى الله سبحانه وتعالى قولهم: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} وقد رد الله سبحانه وتعالى عليهم رداً قاطعاً واضحاً فقال جل جلاله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}. وأقول لهؤلاء هل درستم نظام المعاملات في الشريعة الإسلامية دراسة واعية ودرستم كيفية تطبيق البنوك الإسلامية لمعاملاتها قبل أن تلقوا الكلام على عواهنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 إن الفكرة الأساسية التي تقوم عليها البنوك الإسلامية هي البعد عن الربا في جميع معاملاتها أخذاً وإعطاءً فكيف تسوون بينها وبين البنوك الربوية التي تقوم أكثر معاملاتها على الربا أخذاً وإعطاءً. إن البنوك الإسلامية تعلن جهاراً نهاراً أنها لا تتعامل بالربا بجميع أشكاله وتنص أنظمتها ولوائحها الداخلية على ذلك ويأتي هؤلاء ويقولون إنه لا فرق بين البنوك الإسلامية والبنوك الربوية!!؟ إن خاصية البنوك الإسلامية في عدم التعامل بالربا هي الخاصية الأساسية التي يتميز بها البنك الإسلامي عن البنك الربوي لأن الربا كما هو معلوم محرم بالنصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يقول الله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أثيم إن الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين َفإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيات 275 - 279. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) رواه مسلم. يقول الدكتور غريب الجمال: [تشكل خاصية استبعاد الفوائد من معاملات المصارف الإسلامية المعلم الرئيسي لها وتجعل وجودها متسقاً مع البنية السليمة للمجتمع الإسلامي وتصبغ أنشطتها بروح راسية ودوافع عقائدية تجعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 القائمين عليها يستشعرون دائماً أن العمل الذي يمارسونه ليس مجرد عمل تجاري يهدف إلى تحقيق الربح فحسب بل إضافة إلى ذلك أسلوب من أساليب الجهاد في حمل عبء الرسالة والإعداد لاستنقاذ الأمة من مباشرة أعمال مجافية للأصول الشرعية وفوق كل ذلك وقبله يستشعر هؤلاء العاملون أن العمل عبادة وتقوى مثاب عليها من الله سبحانه وتعالى إضافة إلى الجزاء المادي الدنيوي] عن المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق ص 192 - 193. كما أن البنوك الإسلامية توجه كل جهودها نحو استثمار المال بالحلال فمن المعلوم أن المصارف الإسلامية مصارف تنموية بالدرجة الأولى ولما كانت هذه المصارف تقوم على اتباع منهج الله المتمثل بأحكام الشريعة الغراء، لذا فإنها وفي جميع أعمالها تكون محكومة بما أحله الله وهذا يدفعها إلى استثمار وتمويل المشاريع التي تحقق الخير للبلاد والعباد والتقيد في ذلك بقاعدة الحلال والحرام التي يحددها الإسلام مما يترتب عليه ما يأتي: أ. توجيه الاستثمار وتركيزه في دائرة إنتاج السلع والخدمات التي تشبع الحاجات السوية للإنسان المسلم. ب. تحري أن يقع المنتج - سلعة كان أو خدمة - في دائرة الحلال. ج. تحري أن تكون كل مراحل العملية الإنتاجية (تمويل - تصنيع - بيع - شراء) ضمن دائرة الحلال. د. تحري أن تكون كل أسباب الإنتاج (أجور - نظام عمل) منسجمة مع دائرة الحلال. هـ. تحكيم مبدأ احتياجات المجتمع ومصلحة الجماعة قبل النظر إلى العائد الذي يعود على الفرد] المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق ص 193. ويضاف إلى ذلك ما للبنوك الإسلامية من دور هام في إحياء نظام الزكاة من خلال صندوق الزكاة وتوزيع الزكاة على المستحقين لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وكذلك دور البنوك الإسلامية الذي لا ينكره إلا مكابر أو جاهل في بعث الروح في فقه المعاملات في الشريعة الإسلامية الذي طالما كان مهجوراً فتوجهت همم الباحثين والدارسين لنفض الغبار عنه وبدأت الدراسات الكثيرة عن مفردات هذا النظام فحفلت المكتبة الإسلامية بمئات المؤلفات التي درست المرابحة والمضاربة والشركات والصرف وغير ذلك. وينبغي أن يعلم أن كلامي هذا عن البنوك الإسلامية لا يعني أنها بلغت الدرجة العالية في التطبيق والتنفيذ وأنها لا تخطئ وأنها كلها تسير على المنهج الشرعي بشكل تام. لا فإن البنوك الإسلامية حالها كحال الناس تماماً فكما أنك تجد في أفراد المسلمين من هو ملتزم تماماً بالحكم الشرعي وتجد فيهم من خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً فكذلك البنوك الإسلامية تجد بعضها لديه التزام عال بالمنهج الشرعي وبعضها يخلط الخطأ بالصواب وإن وجود الأخطاء في التطبيق لدى البنوك الإسلامية لا يعني بحال من الأحوال أن الخطأ في الفكرة والقاعدة التي تسير عليها البنوك الإسلامية ولكن وجود الأخطاء من العاملين أمر عادي جداً فالذي لا يعمل هو الذي لا يخطئ أما الذي يعمل فلا بد أن يقع منه الخطأ. وأخيراً يجب التنبيه إلى أن البنوك الإسلامية تسير في مسيرتها التي تشهد تقدماً ونجاحاً بمرور الأيام - والحمد لله - معتمدةً على أسس وقواعد وضعها عدد كبير من علماء المسلمين في هذا العصر من خلال دراسات وأبحاث ومجامع علمية وفقهية ومن خلال مؤتمرات علمية يشارك فيها خبراء في الاقتصاد بجانب علماء الشريعة كما أن لكل بنك إسلامي هيئة للرقابة الشرعية مؤلفة من أهل الخبرة والاختصاص الشرعيين والاقتصاديين لمراقبة أعمال البنك تتولى التوجيه والإرشاد والتدقيق وغير ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وأختم كلامي بعبارات نيرة للدكتور يوسف القرضاوي فقد قال: [ ... كلمة أوجهها للناقدين للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية أيا كانت دوافعهم وأعتقد أن بعضهم مخلص في نقده وكلمتي إليهم تتمثل في أمور ثلاثة: أ. أن يكونوا واقعيين ولا ينشدوا الكمال في البنوك الإسلامية وحدها في مجتمع يعج بالنواقص في كل ميدان وأن يصبروا على التجربة فهي لا زالت في بدايتها وأن يقدموا لها العون بدل أن يوجهوا إليها الطعن من أمام ومن خلف. وان يذكروا هذه الحكمة جيداً: إن من السهل أن نقول ونحسن القول ولكن من الصعب كل الصعب أن يتحول القول إلى عمل. ب. أن يقدموا حسن الظن بالناس بدل المسارعة بالاتهام للغير وسوء الظن بالآخرين وأن يتخلوا عن الإعجاب بالرأي فهو أحد المهلكات وعن الغرور بالنفس فهو أحد الموبقات وأن يذكروا قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} سورة الحجرات الآية 12. وقول رسوله الكريم: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث) متفق عليه. ج. أن يذكروا أن المصارف الإسلامية - وإن كان لها بعض السلبيات وعليها بعض المآخذ - لها إيجابيات مذكورة وإنجازات مشكورة نذكر منها: 1. أنها يسرت للفرد المسلم سبيل التعامل الحلال وأراحت ضمائر المسلمين من التعامل مع البنوك الربوية. 2. زرعت الثقة والأمل في أنفس المسلمين بإمكان قيام بنوك بغير ربا وأن تطبيق الشريعة عندما تتجه الإرادة الجماعية إليه ميسور غير معسور. 3. شجعت قاعدة كبيرة من جماهير الشعوب المسلمة على الادخار والاستثمار على حين قلما تتعامل البنوك الربوية إلا مع الأغنياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 4. هيئت فرصة مساعدة الفقراء ومساعدة المؤسسات الخيرية والجمعيات الإسلامية عن طريق صناديق الزكاة والبر والقرض الحسن. 5. ساهمت في تنمية الجانب التربوي الثقافي] بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية ص 86 - 87. - - - البيع بالأقساط إلى أجل ما حكم البيع بالتقسيط مع العلم أن الثمن يزيد عن البيع الحال وهل تعتبر تلك الزيادة من الربا المحرم؟ الجواب: البيع بالتقسيط جائز شرعاً ولا مانع منه ويدل على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} وكذلك ما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث فقال رسول الله من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم) رواه البخاري ومسلم. وثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعاماً بنسيئة إلى أجل ورهنه درعاً من حديد رواه البخاري ومسلم. وليس في بيع التقسيط ربا وليس فيه غرر ما دام العاقدان قد بتا البيع فإذا قال البائع للمشتري: أبيعك هذه السلعة بألف دينار حاله وبألف ومائة مؤجلة فقال المشتري: اشتريها بألف ومائة مؤجلة فالعقد صحيح ولا مانع منه وزيادة المائة ليست من الربا المحرم فالصورة المذكورة جائزة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وأما إذا قال المشتري: قبلت ولم يحدد ما الذي قبله هل هو الثمن الحال أم الثمن المؤجل؟ فلا يجوز ذلك ويعتبر العقد باطلاً لأنه بيعتين في بيعة حيث أنه لم يجزم ببيع واحد. والبيع بالتقسيط فيه توسعة على الناس فالبائع يزيد مبيعاته والمشتري يستطيع الحصول على السلعة دون أن يكون لديه ثمناً حالاً بل يسدد ثمنها على أقساط. وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي هذا الموضوع وقرر جوازه مع مراعاة ما يلي: 1. تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقداً وثمنه بالأقساط لمدد معلومة ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل. فإن وقع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ثمن محدد فهو غير جائز شرعاً. 2. لا يجوز شرعاً في بيع الأجل التنصيص في العقد على فوائد التقسيط مفصولة عن الثمن الحال بحيث ترتبط بالأجل سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطاها بالفائدة السائدة. 3. إذا تأخر المشتري المدين في دفع القسط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط لأن ذلك ربا محرم. 4. يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء. 5. يجوز شرعاً أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها عند تأخر المدين عن أداء بعضها ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد. 6. لا حق للبائع في الاحتفاظ بالمبيع بعد البيع ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 تحديد مقدار الربح مسبقاً في المصارف الإسلامية يقول السائل: هل يجوز شرعاً تحديد مقدار الربح مسبقاً للمستثمرين في المصارف الإسلامية بنسبة مئوية ثابتة وهل يعتبر هذا التحديد من الربا؟ الجواب: كثير من الاستثمارات التي تقوم بها المصارف الإسلامية والتي يستثمر فيها المستثمرون من غير المساهمين في البنك هي في حقيقتها عقد مضاربة حيث إن المستثمر أو المستثمرين هم أصحاب الأموال والمصرف الإسلامي هو العامل. والمضاربة جائزة شرعاً باتفاق الفقهاء وقامت الأدلة العامة على مشروعيتها من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهو المأثور عن الصحابة والتابعين فقد كانوا يتعاملون بها من غير نكير فهذا بمثابة الإجماع على جوازها. انظر الشركات للخياط 2/ 53. ومن شروط عقد المضاربة أن يتم الاتفاق على تحديد نصيب كل من الشريكين أو الشركاء من الربح نصاً صريحاً يمنع النزاع والخلاف وليكون كل منهم على بصيرة من الأمر. وقال الفقهاء: لا بد أن يكون الربح نصيباً شائعاً كأن يكون مثلاً ربعاً أو ثلثاً أو نصفاً. قال ابن المنذر: [أجمع أهل العلم على أن للعامل أن يشترط على رب المال ثلث الربح أو نصفه أو يجمعان عليه بعد أن يكون ذلك معلوماً جزءاً من أجزاء] المغني 5/ 23. وحساب الربح بالنسبة المئوية جائز شرعاً ولا بأس به وهو بمعنى حساب الربح بالربع أو الثلث أو النصف، فإن الربع يساوي 25% والثلث 33% وهكذا ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 مانع مطلقاً من حساب الربح بالنسبة المئوية وما يظنه كثير من الناس أن حساب الربح بالنسبة المئوية هو من باب الربا غير صحيح ويرجع هذا الظن الخاطئ إلى تعامل الناس مع البنوك الربوية التي تحسب فوائدها بالنسبة المئوية كأن يقترض شخص من البنك الربوي عشرة آلاف دينار لمدة سنتين فيقال له إن عليك فائدة بنسبة 9% مثلاً وفي الحقيقة والواقع أن حساب المصارف الإسلامية للأرباح بالنسبة المئوية ليس له علاقة بالربا ولا بمعدلات الفائدة الربوية. - - - بيع المرابحة للآمر بالشراء يقول السائل: ما هو المقصود بعقد المرابحة الذي تتعامل به بعض المؤسسات والبنوك التي تسير وفق أحكام الشريعة الإسلامية وما الفرق بينه وبين الربا؟ الجواب: عقد المرابحة هو في الأصل بيع المرابحة المعروف عند الفقهاء المتقدمين وإن اختلفت بعض صوره الحديثة التي تتعامل وفقها المؤسسات والبنوك الإسلامية كبيع المرابحة للآمر بالشراء فبيع المرابحة عند الفقهاء هو بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح. وصورة بيع المرابحة المستعملة الآن في البنوك والمؤسسات الإسلامية هي أن يتفق العميل والبنك على أن يقوم العميل بشراء البضاعة بربح معلوم بعد شراء البنك لها وهذه الصورة هي المسماة ببيع المرابحة للآمر بالشراء ومثال ذلك أن يطلب صاحب مصنع من البنك أو المؤسسة التي تتعامل وفق الشريعة الإسلامية أن يشتري له جهازاً من الأجهزة اللازمة له ويكون طلب الشراء مصحوباً باستعداد لشراء ذلك الجهاز من البنك أو المؤسسة إذا كانت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 مواصفاته كما طلب ويدفع المشتري ربحاً يتم الاتفاق عليه مقابل قيام البنك أو المؤسسة بشراء ذلك الجهاز وتأجيل الثمن وجعله على أقساط فيشتري البنك أو المؤسسة الجهاز ويحوزه في ملكه ثم يبيعه للآمر بالشراء حسب الشروط التي تم الاتفاق عليها، وإذا لحق بالجهاز ضرر يكون الضرر على البنك إلى أن يقوم بتسليمه للآمر بالشراء ويكون الآمر بالشراء ملزماً بشراء السلعة إذا كانت مواصفاتها كما طلب. فهذه الصورة من بيع المرابحة للآمر بالشراء هي أكثر صورة منتشرة الآن وهذه الصورة جائزة شرعاً عند كثير من فقهاء العصر وصدرت بجوازها فتاوى كثيرة والأدلة على جوازها، قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} فالآية الكريمة تدل على حل جميع أنواع البيع إلا إذا ورد دليل بتحريم نوع معين والمرابحة من ضمن البيوع المباحة. وكذلك فإن المعاملات مبنية على مراعاة العلل والمصالح كما قرر ذلك فقهاء الإسلام يقول د. يوسف القرضاوي: [إن الشرع لم يمنع من البيوع والمعاملات إلا ما اشتمل على ظلم وهو أساس تحريم الربا والاحتكار والغش ونحوها أو ما خشي منه أن يؤدي إلى نزاع وعداوة بين الناس وهو أساس تحريم الميسر والغرر ... ]. وكذلك فإن بيع المرابحة جائز قياساً على جواز عقد الاستصناع، وأما قول من قال إن هذه الصورة ما هي إلا نوع من الربا فكلام باطل ومردود وقد أجاب عن ذلك الدكتور القرضاوي فقال: [قالوا: إن القصد من العملية كلها هو الربا والحصول على النقود التي كان يحصل عليها العميل من البنك الربوي فالنتيجة واحدة وإن تغيرت الصورة والعنوان، فإنها ليست من البيع والشراء في شيء فإن المشتري الحقيقي ما لجأ إلى المصرف إلا من أجل المال والمصرف لم يشتر هذه السلعة إلا بقصد أن يبيعها بأجل إلى المشتري وليس له قصد في شرائها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 ونقول إن هذا الكلام ليس صحيحاً في تصوير الواقع فالمصرف يشتري حقيقة ولكنه يشتري ليبيع لغيره كما يفعل أي تاجر وليس من ضرورة الشراء الحلال أن يشتري المرء للانتفاع أو القنية أو الاستهلاك الشخصي، والعميل الذي طلب من المصرف الإسلامي أن يشتري له السلعة يريد شراءها حقيقة لا صورة ولا حيلة كالطبيب الذي ذكرنا أنه يريد شراء أجهزة ولجوء مثله إلى المصرف الإسلامي ليشتري له السلعة المقصودة له أمر منطقي لأن مهمة المصرف أن يقدم الخدمة والمساعدة للمتعاملين معه. من ذلك أن يشتري لهم السلعة بما يملك من ماله ويبيعها لهم بربح مقبول. نقداً أو لأجل وأخذ الربح المعتاد على السلعة لا يجعلها حراماً وبيعها إلى المشتري بأجل لا يجعلها حراماً أيضاً. المهم أن هنا قصداً إلى بيع وشراء حقيقيين لا صوريين وليس المقصود الاحتيال لأخذ نقود بالربا والقول بأن هذه العملية هي نفس ما يجري في البنوك الربوية وإنما تغيرت الصورة فقط قول غير صحيح. فالواقع أن الصورة والحقيقة تغيرتا كلتاهما فقد تحولت من استقراض بالربا إلى بيع وشراء وما أبعد الفرق بين الاثنين وقد حاول اليهود قديماً أن يستغلوا المشابهة بين البيع والربا ليصلوا منها إلى إباحة الربا فرد الله تعالى عليهم رداً حاسماً بقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} سورة البقرة الآية 275. على أن تغيير الصورة أحياناً يكون مهماً جداً وإن كانت نتيجة الأمرين واحدة في الظاهر فلو قال رجل لآخر أمام ملأ من الناس: خذ هذا المبلغ واسمح لي أن آخذ ابنتك لأزني بها فقبل وقبلت البنت لكان كل منهم مرتكباً منكراً من أشنع المنكرات ولو أنه قال له: زوجنيها وخذ هذا المبلغ مهراً لها ... فقبل وقبلت لكان كل من الثلاثة محسناً والنتيجة في الظاهر واحدة ولكن يترتب على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 مجرد كلمة (زواج) من الحقوق والمسؤوليات شيء كثير. وكذلك كلمة (البيع) إذا دخلت بين المتعاملين فإنه يترتب عليها بأن يكون هلاك المبيع إذا هلك على ضمان البائع حتى يقبضه المشتري. وأن يتحمل تبعة الرد بالعيب إذا ظهر فيه عيب وكذلك إذا كان غائباً واشتراه على الصفة فجاء على غير المواصفات المطلوبة. كما أنه إذا تأخر في توفية الثمن في الأجل المحدد لعذر مقبول لم تفرض عليه أية زيادة كما يفعل البنك الربوي بل يمهل حتى يوسر كما قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} البقرة 280. وإن تأخر لغير عذر فهو حينئذ ظالم يستحق العقوبة كما في حديث: (مطل الغني ظلم) وحديث: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته) فمن حق المصرف الإسلامي أن يطالبه بالتعويض عن الضرر الفعلي قلّ أو كثر عملاً بالقاعدة الشرعية التي عبر عنها حديث: (لا ضرر ولا ضرار) وأخذ منها الفقهاء أن الضرر يزال. وهذا يخالف ما تفعله البنوك الربوية لأنها تأخذ المبلغ المقترض والفائدة الربوية المقررة على كل حال من المعسر والموسر سواء حدث ضرر أم لم يحدث سواء كان الضرر قليلاً أم كثيراً بل تأخذه سواء سلمت السلعة المقترض لها المال أم لم يتسلمها أو هلكت فالبنك الربوي لا علاقة له بالسلعة بحال، انظر بيع المرابحة ص 27 - 31. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 حكم ربط البيوع الآجلة بمؤشر (الليبور) يقول السائل: هل يجوز شرعاً حساب الأرباح في البيوع الآجلة بربطها بمؤشر (الليبور)، فتكون الأرباح غير ثابتة، بل متغيرة مع تغير عدد الأشهر والأيام، وتتم تسويتها مع النسبة العالمية للأرباح مثلاً: ( Libour2%) فما الحكم في ذلك أفيدونا؟ الجواب: مؤشر الليبور كما عرفه الدكتور سامر قنطقجي: [نظام الليبور هو المؤشر الرئيسي الذي تستخدمه البنوك الربوية ومؤسسات الائتمان والمستثمرون لتثبيت تكلفة الاقتراض في أسواق المال في جميع أنحاء العالم، وكلمة Libor هي اختصار لمعدل الفائدة المعروض من قبل مصرف لندن، ويستخدم الليبور لحساب معدلات الفائدة الربوية المطبقة في قطاع كبير من العقود والقروض والتبادل التجاري على المدى القصير. ويتم وضع الليبور من قبل جمعية المصارف البريطانية BBA عند تثبيت معدل الليبور وتتبادل الـ BBA الرأي مع Libor Steering Group التي تقود نشاط ممارسي سوق المال في لندن] كتاب معيار قياس أداء المعاملات المالية الإسلامية بديلاً عن مؤشر الفائدة ص 16 بتصرف. ونظام الليبور نظام معتمد لدى البنوك الربوية في العالم العربي، ومع الأسف الشديد أن بعض البنوك الإسلامية قد انزلقت في هذا المنزلق الربوي الخطير، فصارت تربط أرباح بيع المرابحة للآمر بالشراء بنظام الليبور، فتكون الأرباح التي يحصل عليها البنك الإسلامي غير ثابتة، بل متغيرة مع تغير عدد الأشهر والأيام، ولا يتم البت بمقدار الربح عند توقيع عقد المرابحة، بل تُسجل مع نهاية كل شهر عند دفع القسط المستحق، بعد تسويتها مع نظام الليبور ( Libour 3%) أو أكثر أو أقل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 ولا بد أن نقرر أن من شروط صحة بيع المرابحة أن يكون الثمن معلوماً وأن يكون الربح معلوماً، وهذا ما قررته المجامع الفقهية والمؤسسات التي تعنى بشؤون المصارف الإسلامية، فقد جاء في المعيار الشرعي رقم 8 من معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بالبحرين المتعلق بالمرابحة ما يلي: [يجب أن يكون كل من ثمن السلعة في بيع المرابحة للآمر بالشراء وربحها محدداً ومعلوماً للطرفين عند التوقيع على عقد البيع. ولا يجوز بأي حال أن يترك تحديد الثمن أو الربح لمتغيرات مجهولة أو قابلة للتحديد في المستقبل؛ وذلك مثل أن يعقد البيع ويجعل الربح معتمداً على مستوى الليبور الذي سيقع في المستقبل. ولا مانع من ذكر مؤشر من المؤشرات المعروفة في مرحلة الوعد للاستئناس به في تحديد نسبة الربح، على أن يتم تحديد الربح في عقد المرابحة للآمر بالشراء على أساس نسبة معلومة من التكلفة ولا يبقى الربح مرتبطاً بالليبور أو بالزمن. يجب أن يكون الربح في عقد المرابحة للآمر بالشراء معلوماً ولا يكفي الاقتصار على بيان الثمن الإجمالي، ويجوز أن يكون الربح محدداً بمبلغ مقطوع أو بنسبة مئوية من ثمن الشراء فقط أو من ثمن الشراء مضافاً إليه مبلغ المصروفات. ويتم هذا التحديد بالاتفاق والتراضي بين الطرفين]. وجاء في الضوابط الشرعية لهيئة الرقابة الشرعية لبنك البلاد السعودي – مصرف إسلامي – ما يلي: [للبنك أن يُفصح عن ثمن السلعة، وربحها في بيع المرابحة للآمر بالشراء على أن يكون الثمن الإجمالي للسلعة محدداً ومعلوماً للطرفين عند التوقيع على عقد البيع. ولا يجوز بأي حال أن يربط تحديد الثمن أو الربح بأمر مستقبلي مثل مؤشر الليبور ( libor) أو السيبور ( sibor). ولا مانع من ذكر مؤشر من المؤشرات المعروفة في مرحلة الوعد للاستئناس به في تحديد نسبة الربح، على أن يكون الربح محدداً، ولا يبقى الربح مرتبطاً بالمؤشر أو بالزمن]. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 ولا بد من توضيح ما ورد في الضوابط السابقة بخصوص الاسترشاد بمؤشر الليبور في مرحلة المواعدة في عقد المرابحة، وليس في مرحلة العقد، فمن المعلوم أن المواعدة في المرابحة تكون قبل عقد بيع المرابحة، ولا تعتبر عقد بيع، وبالتالي لا مانع شرعاً من الاسترشاد بمؤشر الليبور في هذه المرحلة، كمؤشرٍ لتحديد نسبة الربح في البنوك الإسلامية في بيع المرابحة للآمر بالشراء وغيره من معاملاتها [فلا يوجد في الشريعة - بحسب ما نعلم- طريقة لحساب الربح، والمعول في المعاملات هو على صيغة العقد لا على طريقة الحساب، فإذا كان بيعاً وجب أن يكون مكتمل الأركان تام الشروط خالياً من الربا والغرر والغش والغبن ... إلخ، فإذا توفر ذلك فلا أهمية للطريقة التي حسب بها الربح، وهذا يعني أن ربط هامش الربح بأسعار الفائدة مقبول إذا كانت صيغة البيع صحيحة] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد8، ج3/ 683 - 684. وانظر أيضاً الربح في الفقه الإسلامي ضوابطه وتحديده في المؤسسات المالية المعاصرة ص246. وهنالك فرق واضح بين الحالتين السابقتين وهما: الحالة الأولى: الاسترشاد بمؤشر الليبور لتحديد نسبة الربح في مرحلة المواعدة في بيع المرابحة للآمر بالشراء. الحالة الثانية: ربط الأرباح بمؤشر الليبور فتكون الأرباح غير ثابتة، بل متغيرة مع تغير عدد الأشهر والأيام، وتتم تسويتها مع النسبة العالمية للمؤشر مثل: ( Libour 2%). ففي الحالة الأولى لا تعدو العملية عن استرشاد، فلا تؤثر في صحة العقد، بينما في الحالة الثانية يربط الربح بمؤشر الليبور، فيؤدي ذلك إلى جهالة الربح وعدم معلوميته، وهذا يؤدي إلى بطلان عقد المرابحة. لأن من شروط صحة عقد المرابحة أن يكون الربح معلوماً ومحدداً، وربطه بمؤشر الليبور ينافي ذلك حيث يجعله متذبذباً، فإذا ارتفع مؤشر الليبور ارتفع الربح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 وإذا انخفض مؤشر الليبور انخفض الربح. وهذا الربط بمؤشر الليبور يحول بيع المرابحة إلى معاملة باطلة، لاشتمالها على غرر فاحش مفسد للعقد. إذا تقرر هذا فإن البنوك الإسلامية بحاجة ماسة لاعتماد مؤشرات لقياس الربح بخلاف ما هو معتمد في البنوك الربوية حتى تتميز البنوك الإسلامية في أعمالها عن البنوك الربوية وحتى تبتعد ابتعاداً تاماً عن الشبهات. وقد أوصى مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الثامن، بالإسراع بإيجاد المؤشر المقبول إسلامياً الذي يكون بديلاً عن مراعاة سعر الفائدة الربوية في تحديد هامش الربح في المعاملات] وقد بُحثت مسألة إيجاد المؤشر المقبول إسلامياً الذي يكون بديلاً عن مراعاة سعر الفائدة الربوية، في عدد من الندوات وكتبت بعض الأبحاث في ذلك، وخرجت بمقترحات جيدة لإيجاد مؤشر شرعي في المعاملات الإسلامية، منها ما قدمه الدكتور سامر قنطقجي [من طرق بديلة مقترحة عن مؤشر الليبور: 1. يمكن اللجوء إلى آخر أرباح موزعة (من الممكن اللجوء إلى التوزيعات الربع سنوية) لثمانية مصارف أو مؤسسات مالية إسلامية بأخذ وسطي أقرب رقمين، أو بأخذ وسطها الحسابي. 2. يمكن اللجوء إلى تقديرات ثمانية مصارف أو مؤسسات مالية إسلامية وأخذ وسطي أقرب رقمين. 3. البحث عن سعر التضحية المناسب لكل قطاع من قطاعات العمل واعتبار أقلها هو تكلفة الفرصة البديلة. ولما كان المؤشر هو شكل من أشكال التسعير فإن مؤشر سعر الفائدة هو عبارة عن دليل يسترشد به العاملون في السوق لتسعير أعمالهم من إقراض واقتراض أو في تقييم الاستثمارات ومقارنة ريعها وجدواها. لذلك فإن تحديد مؤشر الفائدة هو شكل من أشكال التسعير بغض النظر عن مضمونه الشرعي. ويرى ابن تيمية ضرورة التسعير عندما يخشى من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 الاحتكار بقوله: [إذا امتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل، ولا معنى للتسعير إلا إلزامها بقيمة المثل، فيجب أن يلتزموها بما ألزمهم الله به] الحسبة في الإسلام ص23. أما عن آلية تحقيق ذلك، فيقول ابن تيمية: [ينبغي للإمام أن يجمع وجوه أهل سوق ذلك الشيء، ويحضر غيرهم استظهاراً على صدقهم فيسألهم كيف يشترون وكيف يبيعون، فينازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سداد، حتى يرضوا ولا يجبرون على التسعير] الحسبة في الإسلام ص 40. والرضا عامل مهم في زرع الثقة والطمأنينة بين أفراد السوق مما يعني ازدهار ونمو التبادل واستقرار في الأسعار مما يؤدي لحركة تجارية تنعش الدخول، أما العكس أي إكراه البائعين على البيع بسعر معين دون النظر لتكاليفهم فإنه يؤدي إلى [فساد الأسعار وإخفاء الأقوات وإتلاف أموال الناس]. الحسبة في الإسلام ص 41. وتلجأ أسواق البورصة حاليا لأمور مشابهة لتحديد أسعار الصرف، [أما أسعار الصرف الخاصة بالعملات الأجنبية فيتم تحديدها يومياً من قبل الوسطاء المقبولين أو المعتمدين من قبل البورصة المعنية، أي المصارف بما فيها المصرف المركزي] البورصة وأسس الاستثمار والتوظيف ص 31. فابن تيمية جمع وجوه أهل السوق وفي البورصة الوسطاء المقبولين، والإمام عند ابن تيمية قابلها المصارف وزاد ابن تيمية عند تحديده للسعر بالمنازلة أي المساومة دون الإكراه. لذلك يمكن اللجوء إلى إحدى الطرق الثلاث السابقة بعد تكوين هيئة من المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية مهمتها إعداد المعيار، إضافة إلى لجنة إشراف مؤلفة من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية وأساتذة جامعيين وممارسين وخبراء من ذوي السمعة والشهرة في عالم الاستثمار، وهي التي ستكافئ الإمام عند ابن تيمية، حيث تستأنس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 اللجنة بالمعيار المحسوب بإحدى الطرق المذكورة سابقًا لمقابلة هيئة المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في المنازلة والمساومة وصولاً للرضا الذي يحقق مصلحة الطرفين دون إكراه] كتاب معيار قياس أداء المعاملات المالية الإسلامية بديلاً عن مؤشر الفائدة ص21 - 22. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز شرعاً ربط نسبة الربح في بيع المرابحة بمؤشر الليبور في مرحلة العقد، لأنه يؤدي إلى جهالة مفسدة للعقد، ولا بأس بالاستئناس بمؤشر الليبور في مرحلة المواعدة، حتى يوجد بديل لمؤشر إسلامي. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 حكم جعل سعر الفائدة مؤشراً للربح في البنوك الإسلامية يقول السائل: إنه أراد أن يشتري سيارة من أحد البنوك الإسلامية بطريقة المرابحة على أن يقسط ثمنها لمدة سنتين وتبين له أن البنك الإسلامي يحسب نسبة الربح التي يتقاضاها حسب نسبة الفائدة في البنوك التقليدية فما الحكم في ذلك أفيدونا؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن الفكرة الأساسية التي تقوم عليها البنوك الإسلامية هي البعد عن الربا في جميع معاملاتها أخذاً وإعطاءً بخلاف البنوك التجارية الربوية التي تقوم أكثر معاملاتها على الربا أخذاً وإعطاءً. وصورة بيع المرابحة للآمر بالشراء المستعملة في البنوك الإسلامية هي أن يتفق العميل والبنك على أن يقوم العميل بشراء البضاعة بربح معلوم بعد شراء البنك لها ودخولها في ملك البنك الإسلامي دخولاً فعلياً، هذه الصورة متفرعة عن بيع المرابحة المعروف عند الفقهاء قديماً وهو بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح. ولا بد أن يعلم أيضاً أن الفرق بين الربح وبين الربا (الفائدة)، فالربح هو الزيادة على رأس المال نتيجة تقليبه في النشاط التجاري، أو هو الزائد على رأس المال نتيجة تقليبه في الأنشطة الاستثمارية المشروعة كالتجارة والصناعة وغيرها. انظر الربح في الفقه الإسلامي ص 44. والربح عند الفقهاء ينتج من تفاعل عنصري الإنتاج الرئيسيين وهما العمل ورأس المال، فالعمل له دور كبير في تحصيل الربح. المصدر السابق ص44 - 45. وأما الفائدة فهي زيادة مستحقة للدائن على مبلغ الدين يدفعها المدين مقابل احتباس الدين إلى تمام الوفاء. انظر الفائدة والربا ص 16. فالفائدة الربوية هي زيادة في مبادلة مال بمال لأجل أي أن الفائدة هي مقابل المدة الزمنية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 إذا تقرر هذا فنعود إلى السؤال فنقول إن البنوك الإسلامية تعمل في ظل تنافس شديد مع البنوك التجارية الربوية وتواجه البنوك الإسلامية عقبات كثيرة تحد من تقدمها وازدهارها ومع ذلك فإن كثيراً من البنوك الإسلامية ما زالت تعتمد في معاملاتها على أنواع من المعاملات الشرعية التي ترتب لها ديوناً كبيرة على جمهور المتعاملين معها كالبيوع الآجلة ومنها بيع المرابحة للآمر بالشراء، ولحساب نسبة الربح أو هامش الربح في بيع المرابحة للآمر بالشراء لابد من النظر إلى أمرين أساسين وهما تكلفة شراء السلعة على البنك الإسلامي ثم نسبة الربح التي يتقاضاها البنك الإسلامي ومن المعلوم أن هذه النسبة ليست ثابتة فإذا باع البنك الإسلامي السلعة مرابحة على أن يقسط الثمن على سنة تكون النسبة أقل مما لو باعها بالتقسيط على سنتين، وهذا الأمر جعل كيفية حساب هامش الربح شبيهة بسعر الفائدة في البنوك التجارية الربوية مما جعل الأمرين متشابهين في الصورة ولا شك أن هنالك [اختلافاً جذرياً يتمثل في أن الفائدة هي زيادة مشروطة في قرض، بينما أن هامش المرابحة هو جزء من ثمن بيع آجل صحيح؛ برغم ذلك فهي مرتبطة بأسعار الفائدة العالمية، ولا يعني ذلك أنها مساوية لها بالضرورة، ولكنها تتغير معها نزولاً وصعوداً، الأمر الذي يوحي بأنهما صنوان، ولطالما انتقدت البنوك الإسلامية، وشكك المشككون فيها بناء على ما يرون من ارتباط بين هامش الربح وأسعار الفائدة العالمية] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد8 ج3/ 682. ومن أسباب هذا التشابه في الصورة بين هامش الربح في البنوك الإسلامية وأسعار الفائدة في البنوك التجارية الربوية هو أن [البنوك الإسلامية تمارس نشاطها المصرفي في بيئة تتنافس فيها مع البنوك التقليدية، ويمثل الجميع أعضاءً في سوق واحد، وسواء كانت هذه البنوك تمارس نشاطها بصفة أساسية داخل بلدانها أو على نطاق دولي فإنه يبقى أن البديل لصيغ تمويلها المقبولة شرعاً هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 الاقتراض بالفائدة، ولذلك فهي مضطرة في تحديد هوامش الربح (والتي تمثل ببساطة ثمن الخدمة التي تقدمها) أن تأخذ في اعتبارها هذه الحقيقة، فهي لا تستطيع أن تحدد هامش ربح يزيد كثيراً على أسعار الفائدة السائدة؛ لأنها إذا فعلت تركها الناس ومالوا إلى البنوك التقليدية (إلا من رحم ربك)، وهي لا تستطيع أن تحدد هامش مرابحة يقل كثيراً عن أسعار الفائدة؛ لأنها عندئذٍ سوف توزع على المودعين لديها وملاك البنوك أرباحاً تقل عن أسعار الفائدة التي يمكن أن يحصلوا عليها في البنوك التقليدية فيتركونها إلى البنوك التقليدية (إلا من رحم ربك)، لا شك في أننا نعيش في أوضاع غير مثالية، ولذلك لا نستطيع أن نفترض أن جميع المسلمين سوف يتجاهلون هذين العاملين لأنهم في الواقع لن يفعلوا، لذلك تجد البنوك الإسلامية نفسها مضطرة إلى ربط معدلات أرباحها بأسعار الفوائد الدولية] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد8 ج3/ 682. وكذلك فإن من [عوامل وجود التقارب بين هامش ربح التمويل الإسلامي مع التمويل التقليدي هو عدم وجود سوق مالية إسلامية قادرة على خلق أدوات مالية إسلامية مستقلة بذاتها قادرة على استيعاب السيولة الموجودة واستخدامها لطرق إسلامية، ومن ثم خلق مؤشر إسلامي مستقل لقياس هامش أرباح الأدوات الإسلامية بناء على مؤشرات هذا السوق] صحيفة الشرق الأوسط، شبكة الانترنت. ومما لا شك فيه أن البنوك الإسلامية بحاجة إلى إيجاد مؤشر خاص بها لتحديد نسبة الربح أو هامش الربح وقد أكد على ذلك مجمع الفقه الإسلامي حيث ورد في قرار المجمع ما يلي: [الإسراع بإيجاد المؤشر المقبول إسلامياً الذي يكون بديلاً عن مراعاة سعر الفائدة الربوية في تحديد هامش الربح في المعاملات] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد8 ج3/ 793. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وبناءً على ما سبق فلا يوجد ما يمنع شرعاً من أن يكون سعر الفائدة مؤشراً لتحديد نسبة الربح في البنوك الإسلامية في بيع المرابحة للآمر بالشراء وغيره من معاملاتها [فلا يوجد في الشريعة - بحسب ما نعلم- طريقة لحساب الربح، والمعول في المعاملات هو على صيغة العقد لا على طريقة الحساب، فإذا كان بيعاً وجب أن يكون مكتمل الأركان تام الشروط خالياً من الربا والغرر والغش والغبن ... إلخ، فإذا توفر ذلك فلا أهمية للطريقة التي حسب بها الربح، وهذا يعني أن ربط هامش الربح بأسعار الفائدة مقبول إذا كانت صيغة البيع صحيحة] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد8، ج3/ 683 - 684. وانظر أيضاً الربح في الفقه الإسلامي ضوابطه وتحديده في المؤسسات المالية المعاصرة ص 246. وخلاصة الأمر أن يجوز شرعاً جعل أسعار الفائدة مؤشراً لتحديد نسبة الربح في البنوك الإسلامية وإن التشابه بين الأمرين إنما هو تشابه في الصورة فقط مع الاختلاف في الجوهر والحقيقة والواقع، حيث إن الربح الذي تتقاضاه البنوك الإسلامية إنما هو جزء من ثمن بيع آجل صحيح لا غبار عليه من الناحية الشرعية، بينما الفائدة الربوية هي زيادة في مبادلة مال بمال لأجل، أي أن الفائدة هي مقابل المدة الزمنية. ولا بد للبنوك الإسلامية أن تسعى لإيجاد مؤشر خاص بها لتحديد هامش أرباحها. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 المضاربة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 المضاربة الصحيحة يقول السائل: إنه اتفق مع أحد التجار ليدخله شريكاً في تجارته لمدة ثلاث سنوات على أن يدفع للتاجر مبلغ عشرة آلاف دينار وشرط عليه أن يعطيه مائة دينار شهرياً وأن يرد له العشرة آلاف دينار عند انتهاء المدة المتفق عليها فما حكم هذه المعاملة؟ الجواب: المعاملة المذكورة في السؤال باطلة شرعاً من وجهين: الأول منهما أنها في حقيقتها قرض ربوي فالتاجر المذكور اقترض من السائل عشرة آلاف دينار على أن يدفع له ربا (فائدة) على المبلغ وهي مائة دينار شهرياً لأن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني كما قرر ذلك فقهاؤنا، قال العلامة ابن القيم: [قواعد الفقه وأصوله تشهد أن المرعي في العقود حقائقها ومعانيها لا صورها وألفاظها] زاد المعاد 5/ 200. وقال في موضع آخر: [والتحقيق أنه لا فرق بين لفظ ولفظ فالاعتبار في العقود بحقائقها ومقاصدها لا بمجرد ألفاظها] زاد المعاد 5/ 813. فكون المتعاقدين قد سميا العقد بينهما شركة فهذا لا يغير من حقيقة كونه ربا شيئاً بناء على القاعدة السابقة. والشركة المقصودة هي شركة المضاربة وعقد المضاربة المعروف عند الفقهاء هو شركة تقوم على العمل من العامل والمال من صاحب المال ويجب أن يكون الربح بينهما بنسبة شائعة كالربع أو الثلث مثلاً أو نسبة مئوية مثل 25% أو حسبما يتفقان عليه والخسارة تكون على صاحب المال والعامل يخسر جهده وعمله وتبطل المضاربة إذا اشترط لأحدهما مبلغاً مقطوعاً. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحاً قول الخرقي: [ولا يجوز أن يجعل لأحد من الشركاء فضل دراهم] قال ابن قدامة: [وجملته أنه متى جعل نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة، أو جعل مع نصيبه دراهم مثل أن يشترط لنفسه جزءاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وعشرة دراهم بطلت الشركة. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة وممن حفظنا ذلك عنه مالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ... وإنما لم يصح ذلك لمعنيين: أحدهما أنه إذا شرط دراهم معلومة احتمل أن لا يربح غيرها، فيحصل على جميع الربح واحتمل أن لا يربحها فيأخذ من رأس المال جزءاً وقد يربح كثيرا ً فيستضر من شرطت له الدراهم والثاني أن حصة العامل ينبغي أن تكون معلومة بالأجزاء لما تعذر كونها معلومة بالقدر، فإذا جهلت الأجزاء فسدت كما لو جهل القدر فيما يشترط أن يكون معلوماً به ولأن العامل متى شرط لنفسه دراهم معلومة، ربما توانى في طلب الربح لعدم فائدته فيه وحصول نفعه لغيره بخلاف ما إذا كان له جزء من الربح] المغني 5/ 28. ومن المعلوم أن الربا من كبائر الذنوب وتحريمه قطعي في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} سورة البقرة الآيتان 275 - 276. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيتان 278 - 279. وورد في الحديث: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) رواه مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 والوجه الثاني لبطلان المعاملة المذكورة في السؤال هو أن التاجر قد ضمن رأس المال وهذا الشرط لا يجوز شرعاً لأن يد المضارب يد أمانة وليست يد ضمان ولا يضمن المضارب إلا إذا فرَّط أو قصَّر أو أخلَّ بما شرط عليه صاحب المال والمضاربة مشاركة بالمال من جهة وبالعمل من جهة أخرى فإذا حصلت خسارة فهي على رب المال ويخسر العامل جهده وتعبه فشرط ضمان التاجر لرأس المال ينافي مقتضى العقد فلا يجوز، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إذا تعدى المضارب وفعل ما ليس له فعله أو اشترى شيئاً نُهي عن شرائه فهو ضامن للمال في قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن أبي هريرة وحكيم بن حزام وأبي قلابة ونافع وإياس والشعبي والنخعي والحكم وحماد ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي ... ولنا أنه متصرف في مال غيره بغير إذنه فلزمه الضمان كالغاصب] المغني 5/ 39. وقال الإمام الماوردي: [ ... فأما تعدي العامل في مال القراض من غير الوجه الذي ذكرنا فعلى ضربين: أحدهما: أن يكون تعديه فيه لم يؤمر به مثل إذنه بالتجارة في الأقوات فيتجر في الحيوان، فهذا تعدٍ يضمن به المال، ويبطل معه القراض، فيكون على ما مضى في مقارضة غيره بالمال. والضرب الثاني: أن يكون تعديه لتغريره بالمال، مثل أن يسافر به ولم يؤمر بالسفر أو يركب به بحراً ولم يؤمر بركوب البحر، فإن كان قد فعل ذلك مع بقاء عين المال بيده ضمنه، وبطل القراض بتعديه، لأنه صار مع تعديه في عين المال غاصباً] الحاوي الكبير 7/ 340 - 341. وقال ابن رشد المالكي عند حديثه عن الشروط الفاسدة في القراض (المضاربة) [ومنها إذا شرط رب المال الضمان على العامل، فقال مالك: لا يجوز القراض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وهو فاسد، وبه قال الشافعي ... وعمدة مالك أن اشتراط الضمان زيادة غرر في القراض ففسد .. ] بداية المجتهد ونهاية المقتصد 2/ 199. وأخيراً أنبه على أنه يجوز توقيت المضاربة بمدة معينة على الراجح من أقوال العلماء وهو قول الحنفية والحنابلة قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويصح تأقيت المضاربة مثل أن يقول: ضاربتك على هذه الدراهم سنة فإذا انقضت فلا تبع ولا تشتر قال مهنا: سألت أحمد عن رجل أعطى رجلاً ألفاً مضاربة شهراً قال: إذا مضى شهر يكون قرضاً قال: لا بأس به .. ] المغني 5/ 50، وانظر الاختيار لتعليل المختار 3/ 21. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز اشتراط مبلغ مقطوع في المضاربة لأنها تتحول حينئذ إلى ربا محرم وكذلك لا يجوز أن يضمن العامل رأس المال في المضاربة إلا إذا فرَّط أو قصَّر أو تعدى. - - - المضارب يضارب في مالين يقول السائل: إن المضارب في السؤال الأول بعد أن اتفق مع الشركاء ليضارب لهم بأموالهم في أنواع معينة من البضائع اتفق مع أشخاص آخرين ليتاجر لهم بنفس نوعية البضائع في المضاربة الأولى فما حكم ذلك؟ الجواب: إن هذا العامل ضارب في رأس مالين أخذهما من جهتين ومحل المضاربة نفس نوعية البضاعة وهذا العمل قد يلحق ضرراً بصاحب المال الأول ولا يجوز له أن يضارب للثاني إذا كان يلحق ضرراً بالأول قال الخرقي من الحنابلة: [وإذا ضارب لرجل لم يجز أن يضارب لآخرين إذا كان فيه ضرر على الأول] وقال الشيخ ابن قدامة موضحاً كلام الخرقي: [وجملة ذلك: أنه إذا أخذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 من إنسان مضاربة ثم أراد أخذ مضاربة أخرى من آخر فأذن له الأول جاز وإن لم يأذن له ولم يكن عليه ضرر جاز أيضاً بغير خلاف، وإن كان فيه ضرر على رب المال الأول ولم يأذن مثل أن يكون المال الثاني كثيراً يحتاج إلى أن يقطع زمانه ويشغله عن التجارة في الأول ويكون المال الأول كثيراً متى اشتغل عنه بغيره انقطع عن بعض تصرفاته لم يجز له ذلك] المغني 5/ 37. - - - عقد مضاربة باطل يقول السائل: لدَّي مال يبلغ خمسة آلاف دينار وقال لي شخص أعطني هذا المال أشغله لك في تجارتي على أن أعطيك مائتين وخمسين ديناراً في الشهر فما الحكم الشرعي في ذلك الأمر؟ الجواب: إن العرض الذي عرضه عليك هذا الشخص يسمى عند الفقهاء عقد المضاربة، ولكن هذه المضاربة المعروضة عليك مضاربة فاسدة، وقبل بيان فسادها أبين لك معنى المضاربة عند الفقهاء: فالمضاربة وتسمى أيضاً القراض: هي أن يدفع شخص مبلغاً من المال لآخر ليتجر فيه، والربح مشترك بينهما على حسب ما يتفقان – أي يكون المال من شخص والعمل من شخص آخر. والمضاربة جائزة عند عامة الفقهاء اتباعاً لما ورد عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم الذين أجازوها وعملوا بها ولم يثبت فيها بعينها دليل لا من الكتاب ولا من السنة كما قال جماعة من أهل العلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 ويشترط أن يكون رأس المال نقداً ومعلوم المقدار ويشترط أن يكون نصيب كل من المتعاقدين من الربح معلوماً على أن يكون جزءاً مشاعاً كنسبة مئوية 10% أو 15% أو 40% على حسب ما يتفقان. ولا يجوز أن يكون الربح مبلغاً محدداً فإن حصل ذلك أدى ذلك إلى فساد عقد المضاربة ومن الأمور المهمة في عقد المضاربة أن الخسارة إن حصلت يتحملها صاحب المال دون العامل لأن العامل يخسر جهده وعمله، إلا إذا كانت المضاربة مقيدة ومشروطة بشرطٍ محدد، فخالف العامل ذلك الشرط فإنه حينئذٍ يضمن، كأن يشترط صاحب المال على العامل ألا يتاجر بالسيارات مثلاً، فتاجر العامل بالسيارات فخسر فحينئذٍ فإن العامل ضامن لأنه خالف الشرط الذي اتفق عليه. وأعود إلى بيان سبب فساد العقد الذي عرض على السائل فأقول: إن المضاربة تقتضي المشاركة في الربح بين صاحب المال والعامل، فإذا حدد مبلغ مقطوع سيكون لأحدهما كما في السؤال مبلغ (250) دينارا ً فلعل المضاربة لا تربح إلا ذلك المبلغ فيكون المبلغ لأحدهما دون الآخر، وهذا الحال يتنافى مع الاشتراك في الربح فلذلك قرر الفقهاء أنه لا بد من أن يكون الربح جزءا ًشائعاً. فلو ربح مائة دينار وكان بينهما نسبة معينة مثلاً 40% لصاحب المال والباقي للعامل أو حسب ما يتفقان فإن المشاركة تكون حاصلة في الربح. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 عقد المضاربة يصح مطلقاً ويصح مقيداً يقول السائل: اتفق عدد من الأشخاص على أن يدفعوا مبلغاً من المال لشخص على أن يتاجر لهم بأنواع معينة من البضائع ولكن هذا الشخص أدخل في التجارة أنواعاً أخرى من البضائع ويتاجر بها لنفسه فما حكم تصرفه؟ الجواب: هذا الاتفاق يعتبر عقد مضاربة عند الفقهاء ويسميه بعض العلماء عقد قراض أيضاً، والمضاربة مشروعة عند أهل العلم وإن لم يرد نص صحيح صريح من الكتاب والسنة في خصوصها قال الشيخ ابن حزم: [كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في القرآن والسنة حاشا القراض فما وجدنا له أصلاً فيهما البتة ولكنه إجماع صحيح مجرد] نيل الأوطار 5/ 301. وقال ابن المنذر: [وأجمعوا على أن القراض بالدنانير والدراهم جائز] الإجماع ص 58. وقد استدل العلماء على جواز المضاربة بأدلة عامة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واحتجوا ببعض الأحاديث والآثار في ذلك كما سأبين. قال الماوردي: [والأصل في إحلال القراض وإباحته عموم قول الله عز وجل: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} سورة البقرة الآية 198، وفي القراض ابتغاء فضل وطلب نماء] الحاوي الكبير 7/ 305. وجاء عن حكيم بن حزام صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضة يضرب له به أن لا تجعل مالي في كبد رطبة ولا تحمله في بحر ولا تنزل به بطن مسيل فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي) رواه البيهقي والدارقطني وقوى الحافظ إسناده كما ذكر الشوكاني في نيل الأوطار 5/ 300. وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: (خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهّل ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى هاهنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان به متاعاً من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون الربح لكما فقالا: وددنا ذلك ففعل وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهم المال فلما قدما باعا فأربحا فلما دفعا ذلك إلى عمر قال: أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟ قالا: لا، فقال عمر بن الخطاب: ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما أديا المال وربحه فأما عبد الله فسكت وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه فقال عمر: أدياه فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضاً فقال عمر: قد جعلته قراضاً فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب نصف ربح المال) ورواه الدارقطني أيضاً، قال الحافظ ابن حجر وإسناده صحيح، نيل الأوطار 5/ 300 وانظر الاستذكار 21/ 120. وقد وردت آثار أخرى عن الصحابة كعلي وابن مسعود وابن عباس وجابر وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، قال الشوكاني: [فهذه الآثار تدل على أن المضاربة كان الصحابة يتعاملون بها من غير نكير إجماعاً منهم على الجواز] نيل الأوطار 5/ 300 - 301. إذا ثبتت مشروعية المضاربة فنعود إلى ما ورد في السؤال فأقول: إذا كانت المضاربة مطلقة أي غير مقيدة بشرط يمنع المضارب من خلط ماله مع مال المضاربة فلا بأس بذلك فالمضارب في السؤال طلب منه أن يتاجر في أنواع معينة من البضائع لشركائه فأضاف هو أنواعاً أخرى لنفسه فلا بأس بذلك وعمله صحيح بشرط أن يميز ماله من مال شركائه وبشرط أن لا يعطل مال شركائه فلا يعطيه الجهد المطلوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 فإذا كان المضارب يستطيع العمل في المالين فله أن يخلط ماله بمال المضاربة، قال الحطاب من المالكية: [وللعامل أن يخلط القراض بماله إذا كان قادراً على التجر بهما وإن كان لا يقدر على التجر بأكثر من مال القراض لم يكن ذلك له] شرح الحطاب على مختصر خليل. - - - المضارب يعطي مال المضاربة لغيره يقول السائل: هل يجوز للمضارب أن يعطي مال المضاربة لغيره مضاربة؟ الجواب: الأصل أن المضارب عليه أن يتولى العمل بنفسه لأن صاحب المال ما أعطى ماله للمضارب إلا لحصول الثقة به وبخبرته في العمل فلا يجوز له أن يعطي مال المضاربة لغيره إلا أن يأذن له صاحب المال فإن أذن له في ذلك جاز وهذا مذهب جمهور الفقهاء. قال الشيخ المرداوي: [ليس للمضارب دفع مال المضاربة لآخر من غير إذن رب المال على الصحيح] الإنصاف 2/ 438. - - - المضارب لا يضمن مال المضاربة يقول السائل: هل يضمن المضارب مال المضاربة؟ الجواب: المضاربة شركة تقوم على العمل من العامل والمال من صاحب المال ومن المعلوم أن الربح يكون بينهما بحسب ما يتفقان عليه والخسارة تكون على صاحب المال والعامل يخسر جهده وعمله ولا يجوز أن يضمن العامل رأس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 المال إلا إذا قصر أو تعدى وأما بدون حصول تقصير أو تعدٍ فهو غير ضامن لأن المضاربة مبنية على الأمانة والوكالة والمضارب فيها وكيل عن صاحب المال ويكون المال أمانة في يده عند قبضه أما إذا تعدى كأن يكون صاحب المال شرط عليه أن يتاجر مثلاً في المواد الغذائية فتاجر في الحيوانات فماتت فهو ضامن، وكذلك فإنه يضمن بالتقصير كأن يسرق مال المضاربة لأن العامل لم يأخذ بالأسباب التي تحافظ عليه وهكذا. ولا يجوز أن يشترط في عقد المضاربة أن يضمن العامل رأس مال المضاربة. وعلى العامل أن يلتزم بالشروط التي يفرضها صاحب المال لأن صاحب المال أدرى بما يحفظ ماله وقد كان الصحابة والتابعون يشترطون ما يرونه مناسباً لحفظ أموالهم كما سبق عن حكيم بن حزام صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضة يضرب له به أن لا تجعل مالي في كبد رطبة ولا تحمله في بحر ولا تنزل به بطن مسيل فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي) رواه البيهقي والدارقطني وقوى الحافظ إسناده كما سبق. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان العباس بن عبد المطلب إذا دفع مالاً مضاربة اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحراً ولا ينزل به وادياً ولا يشتري به ذات كبد رطبة فإن فعل فهو ضامن فرفع شرطه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجازه) رواه البيهقي في سننه 6/ 111 وفيه ضعف. وقد جاء في فتاوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك دبي الإسلامي ما يلي: السؤال: هناك أموال أيتام يريدون استثمارها في المضاربة الشرعية وقد اشترطت الجهة القائمة على هذه الأموال ضمان هذه الأموال خوفاً عليها من الخسارة فهل يجوز ضمان هذه الأموال عن طريق إصدار خطاب ضمان يضمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 فيها أموال اليتامى وهل يمكن اعتبارها إذا صح المخرج عن طريق خطاب الضمان كأمانة ترد كما هي ربحت المضاربة أم خسرت؟ الجواب: بحثت الهيئة مسألة ضمان أموال الأيتام المستثمرة ورأت أنه لا يجوز شرعاً ضمان المال المستثمر بقصد الربح لأن الاستثمار في الإسلام يقوم على أساس الغرم بالغنم فالضمان المطلوب بهذه الصورة لا أساس له شرعاً وإنما يجب اتخاذ الحيطة والحذر لذلك باختيار المضارب الثقة الأمين المتمسك بدينه مع الأخذ بالأساليب العلمية في الاستثمار من دراسة السوق ودراسة الجدوى الاقتصادية والمتابعة والتقييم لكل الخطوات التنفيذية وغير ذلك مما تتطلبه أساليب الاستثمار السليمة. - - - ضمان المضارب لمال المضاربة في حال التعدي أو التقصير يقول السائل: دفعت مبلغاً من المال لشخص يشتغل في تجارة المواد الغذائية كشريك مضارب، وقام هذا الشخص وبدون علمي بتشغيل مالي مع شخص آخر يشتغل في مجالات أخرى فخسر المال، فمن يتحمل الخسارة في هذه الحال، أفيدونا؟ الجواب: عقد المضاربة عند الفقهاء هو أن يدفع شخص مبلغاً من المال لآخر ليتجر فيه، والربح مشترك بينهما على حسب ما يتفقان. والمضاربة جائزة عند عامة الفقهاء اتباعاً لما ورد عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم الذين أجازوها وعملوا بها ولم يثبت فيها بعينها دليل لا من الكتاب ولا من السنة كما قال جماعة من أهل العلم. ويشترط في المضاربة أن يكون نصيب كل من المتعاقدين من الربح معلوماً على أن يكون جزءاً مشاعاً كنسبة مئوية 10% أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 15% أو 40% على حسب ما يتفقان. ولا يجوز أن يكون الربح مبلغاً محدداً، فإن حصل ذلك أدى ذلك إلى فساد عقد المضاربة. ومن الأمور المهمة في عقد المضاربة أن الخسارة إن حصلت يتحملها صاحب المال دون العامل لأن العامل يخسر جهده وعمله، إلا إذا كانت المضاربة مقيدة ومشروطة بشروط محددة، فخالف العامل تلك الشروط فإنه حينئذٍ يضمن، والأصل المتفق عليه بين الفقهاء أن يد المضارب يد أمانة، ويد الأمانة في الفقه الإسلامي لا تضمن إلا بالتفريط أو التعدي أو التقصير. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [والوضيعة (الخسارة) في المضاربة على المال خاصة، ليس على العامل منها شيء، لأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال، وهو مختص بملك ربه، لا شيء للعامل فيه، فيكون نقصه من ماله دون غيره، وإنما يشتركان فيما يحصل من النماء] المغني5/ 22. وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ما يلي: [المضارب أمين ولا يضمن ما يقع من خسارة أو تلف إلا بالتعدي أو التقصير، بما يشمل مخالفة الشروط الشرعية أو قيود الاستثمار المحددة التي تم الدخول على أساسها، ويستوي في هذا الحكم المضاربة الفردية والمشتركة] قرار رقم 122. وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة 1408هـ، بشأن سندات المقارضة: [لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال، فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضِمناً بطل شرط الضمان] مجلة مجمع الفقه الإسلامي 4/ 3/2159. وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ما يلي: [الخسارة في مال المضاربة على رب المال في ماله، ولا يُسأل عنها المضارب إلا إذا تعدى على المال أو قصر في حفظه]. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وورد في فتاوى المستشار الشرعي لمجموعة البركة الجزء 2 الفتوى رقم (107) ما يلي: [رأس المال في شركة المضاربة أمانة في يد المضارب فلا يضمن ما يحصل فيه من خسارة إلا في حالات التعدي أو التقصير أو مخالفة الشروط] وورد في مجلة الأحكام العدلية: المادة 1413 - المضارب أمين ورأس المال في يده في حكم الوديعة، ومن جهة تصرفه في رأس المال وكيل لرب المال، وإذا ربح يكون شريكاً فيه] والمادة التي ذكرت حكم الوديعة في المجلة هي: المادة 777 - الوديعة أمانة بيد المستودع بناء عليه إذا هلكت أو فقدت بدون صنع المستودع وتعديه وتقصيره في الحفظ لا يلزم الضمان. وقد قرر العلماء أن المضارب يضمن في حالات التعدي أو التقصير أو التفريط أو مخالفة شرط رب المال، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إذا تعدَّى المضارب وفعل ما ليس له فعله أو اشترى شيئاً نُهي عن شرائه فهو ضامن للمال في قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن أبي هريرة وحكيم بن حزام وأبي قلابة ونافع وإياس والشعبي والنخعي والحكم وحماد ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي ... ولنا أنه متصرف في مال غيره بغير إذنه فلزمه الضمان كالغاصب.] المغني 5/ 39. ومن المعلوم أن الأصل المقرر عند الفقهاء أن على المضارب أن يتولى العمل بنفسه، لأن صاحب المال ما أعطى ماله للمضارب إلا لحصول الثقة به وبخبرته في العمل، فلا يجوز له أن يعطي مال المضاربة لغيره إلا أن يأذن له صاحب المال، فإن أذن له في ذلك جاز وهذا مذهب جمهور الفقهاء. قال الشيخ المرداوي: [ليس للمضارب دفع مال المضاربة لآخر من غير إذن رب المال على الصحيح] الإنصاف 2/ 438. وجاء في الموسوعة الفقهية [ولو ضارب العامل شخصاً آخر بغير إذن المالك فسدت المضاربة مطلقاً، سواء أقصد المشاركة في عملٍ وربحٍ أم ربحٍ فقط أم قصد الانسلاخ، لانتفاء إذن المالك فيها وائتمانه على المال غيره، فإن تصرف العامل الثاني بغير إذن المالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 فتصرف غاصب فيضمن ما تصرف فيه، لأن الإذن صدر ممن ليس بمالك ولا وكيل ... وإذا تعدى المضارب وفعل ما ليس له فعله فهو ضامن للمال لأنه متصرف في مال غيره بغير إذنه، فلزمه الضمان كالغاصب، ومتى اشترى ما لم يؤذن فيه فربح فيه فالربح لرب المال] الموسوعة الفقهية الكويتية 38/ 60 - 61. وكذلك فإن على المضارب أن يلتزم بالشروط التي يفرضها صاحب المال بناءً على العقد المبرم بين الفريقين، ويدل على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} سورة المائدة الآية 1. ومما يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، ورواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم لكنه بدون الاستثناء، ورواه كذلك الحاكم وأبو داود عن أبي هريرة بلفظ (المسلمون عند شروطهم) أي بدون الاستثناء. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [إن الوفاء بها أي بالالتزامات التي التزم بها الإنسان من الواجبات التي اتفقت عليها الملل بل العقلاء جميعاً] مجموع الفتاوى 29/ 516. ومن المعلوم حرص صاحب المال على ماله فهو أدرى بما يحفظ ماله، وقد كان الصحابة يشترطون في المضاربة ما يرونه مناسباً لحفظ أموالهم، فعن حكيم بن حزام صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضة يضرب له به أن لا تجعل مالي في كبدٍ رطبةٍ ولا تحمله في بحر ولا تنزل به بطن مسيل، فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي) رواه البيهقي والدارقطني وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/ 295 ... وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان العباس بن عبد المطلب إذا دفع مالاً مضاربةً اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحراً ولا ينزل به وادياً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 ولا يشتري به ذات كبدٍ رطبةٍ، فإن فعل فهو ضامن فرفع شرطه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجازه) رواه البيهقي والدارقطني والطبراني وفي سنده ضعف. قال الإمام الماوردي: [ ... فأما تعدي العامل في مال القراض من غير الوجه الذي ذكرنا فعلى ضربين: أحدهما: أن يكون تعديه فيه لم يؤمر به مثل إذنه بالتجارة في الأقوات فيتجر في الحيوان، فهذا تعدٍ يضمن به المال، ويبطل معه القراض، فيكون على ما مضى في مقارضة غيره بالمال. والضرب الثاني: أن يكون تعديه لتغريره بالمال، مثل أن يسافر به ولم يؤمر بالسفر أو يركب به بحراً ولم يؤمر بركوب البحر، فإن كان قد فعل ذلك مع بقاء عين المال بيده ضمنه، وبطل القراض بتعديه، لأنه صار مع تعديه في عين المال غاصباً] الحاوي الكبير 7/ 340 - 341. وقد نصت مجلة الأحكام العدلية على التزام المضارب بشروط رب المال وأن المضارب إذا خالفها فهو ضامن، فقد جاء في المادة (1420) يلزم المضارب في المضاربة المقيدة مراعاة قيد وشرط رب المال مهما كان. وجاء في المادة (1421) إذا خرج المضارب عن مأذونيته وخالف الشرط يكون غاصباً وفي هذا الحال يعود الربح والخسارة في بيع وشراء المضارب عليه، وإذا تلف مال المضاربة يكون ضامناً. وورد في المادة (1422) إذا خالف المضارب حال نهي رب المال إياه بقوله: لا تذهب بمال المضاربة إلى المحل الفلاني أو لا تبع بالنسيئة، فذهب بمال المضاربة إلى ذلك المحل فتلف المال أو باع بالنسيئة فهلك الثمن يكون المضارب ضامناً]. وهذا الكلام الذي ذكرته في ضمان المضارب لرأس المال في حالات التعدي أو التقصير أو التفريط أو مخالفة شرط رب المال، ينطبق على المصارف الإسلامية، فالأصل أن المصرف الإسلامي لا يضمن إلا في الحالات المذكورة، فإذا حصل شيء من التعدي أو التقصير أو التفريط أو مخالفة شرط رب المال، [المسئول عما يحدث في البنوك والمؤسسات المالية ذات الشخصية الاعتبارية هو مجلس الإدارة؛ لأنه الوكيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 عن المساهمين في إدارة الشركة، والحالات التي يُسأل عنها مجلس الإدارة هي الحالات التي يُسأل عنها مضارب الشخص الطبيعي، فيكون مجلس الإدارة أيضاً مسئولاً أمام أرباب المال عن كل ما يحدث في مال المضاربة من خسارة بتعدٍ أو تفريط، أما إذا لم يكن هناك تعدٍ ولا تفريط، فإن الشركة أو البنك لا يتحمل شيئاً من الخسارة، وعلى المساهمين محاسبة مجلس الإدارة على التعدي أو التقصير] مسائل متعلقة بشركات المساهمة عن شبكة الإنترنت. وخلاصة الأمر أنه يجب على المضارب أن يعمل في المال بنفسه ولا يصح أن يعطيه لغيره بدون إذن رب المال، فإن فعل فهو ضامن ويتحمل الخسارة وحده ولا شيء على رب المال، لأنه قد تعدى بإخراج المال من يده إلى يد أخرى لم يأذن لها رب المال بالتصرف، وإن حصل ربح من ذلك فهو لرب المال. - - - حكم تبرع المضارب بضمان رأس المال يقول السائل: إنه اتفق مع شخص ليتاجر له بماله والمتوقع بإذن الله تعالى أن تكون التجارة رابحة واحتمالات الخسارة ضئيلة جداً ولكن صاحب المال يخشى أن تخسر التجارة فهل يجوز أن أتبرع له بما يخسره إن حصلت الخسارة أفيدونا؟ الجواب: الاتفاق المشار إليه في السؤال يسمى عند الفقهاء عقد المضاربة ويسمى أيضاً القراض، والمضاربة هي أن يدفع شخص مبلغاً من المال لآخر ليتجر فيه، والربح مشترك بينهما على حسب ما يتفقان – أي يكون المال من شخص والعمل من شخص آخر. والمضاربة جائزة شرعاً باتفاق الفقهاء وقامت الأدلة العامة على مشروعيتها من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهو المأثور عن الصحابة والتابعين فقد كانوا يتعاملون بها من غير نكير فهذا بمثابة الإجماع على جوازها. انظر الشركات للخياط 2/ 53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 قال الإمام الماوردي: [والأصل في إحلال القراض وإباحته عموم قول الله عز وجل: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} سورة البقرة الآية 198، وفي القراض ابتغاء فضل وطلب نماء] الحاوي الكبير 7/ 305. وجاء عن حكيم بن حزام صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضة يضرب له به أن لا تجعل مالي في كبد رطبة ولا تحمله في بحر ولا تنزل به بطن مسيل فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي) رواه البيهقي والدارقطني وقوى الحافظ إسناده كما ذكر الشوكاني في نيل الأوطار 5/ 300. وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: (خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق فلما قفلا مرَّا على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهّل ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى هاهنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان به متاعاً من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون الربح لكما فقالا: وددنا ذلك ففعل وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهم المال فلما قدما باعا فأربحا فلما دفعا ذلك إلى عمر قال: أَكُلَّ الجيشِ أَسْلَفَهُ مثل ما أَسْلَفَكُما؟ قالا: لا، فقال عمر بن الخطاب: ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما أديا المال وربحه فأما عبد الله فسكت وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه فقال عمر: أدياه فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضاً فقال عمر: قد جعلته قراضاً فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب نصف ربح المال) ورواه الدارقطني أيضاً، قال الحافظ ابن حجر وإسناده صحيح، نيل الأوطار 5/ 300، وانظر الاستذكار 21/ 120. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 وقد وردت آثار أخرى عن الصحابة كعلي وابن مسعود وابن عباس وجابر وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، قال الشوكاني: [فهذه الآثار تدل على أن المضاربة كان الصحابة يتعاملون بها من غير نكير إجماعاً منهم على الجواز] نيل الأوطار 5/ 300 - 301. إذا تقرر هذا فإن الفقهاء متفقون على أن يد المضارب يد أمانة وبناءً على ذلك قرر الفقهاء أنه لا يجوز أن يضمن المضارب رأس المال إلا إذا تعدى أو قصر فحينئذ يكون ضامناً. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إذا تعدى المضارب وفعل ما ليس له فعله أو اشترى شيئاً نُهي عن شرائه فهو ضامن للمال في قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن أبي هريرة وحكيم بن حزام وأبي قلابة ونافع وإياس والشعبي والنخعي والحكم وحماد ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي ... ولنا أنه متصرف في مال غيره بغير إذنه فلزمه الضمان كالغاصب ... ] المغني 5/ 39. وأما إذا حصلت خسارة بدون تعدٍ أو تقصير من المضارب فلا شيء عليه ولا يجوز شرعاً تضمينه رأس المال ويكون المضارب قد خسر جهده وتعبه. وإن شرط في عقد المضاربة أن ضمان رأس المال على المضارب فالعقد فاسد لا يصح قال ابن رشد المالكي عند حديثه عن الشروط الفاسدة في القراض (المضاربة): [ومنها إذا شرط رب المال الضمان على العامل، فقال مالك: لا يجوز القراض وهو فاسد، وبه قال الشافعي ... وعمدة مالك أن اشتراط الضمان زيادة غرر في القراض ففسد ... ] بداية المجتهد ونهاية المقتصد 2/ 199، وانظر المغني 5/ 53. وقرر مجمع الفقه الإسلامي ذلك كما ورد في القرار رقم 5 من الدورة الرابعة: [لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 المال، فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضمناً بَطَلَ شرط الضمان واستحق المضارب ربح مضاربة المثل]. وبعد هذا العرض الموجز لمسألة ضمان المضارب أعود لقضية تبرع المضارب بتحمل الخسارة فأقول: إذا تبرع المضارب بتحمل الخسارة بدون أن يكون هذا شرطاً مكتوباً أو ملحوظاً عند الاتفاق فلا أرى مانعاً من جوازه فإذا تم العقد مع خلوه من شرط ضمان رأس المال ملفوظاً أو ملحوظاً واشتغل المضارب بالمال وعند تصفية الشركة تبين حصول خسارة فتبرع المضارب بتحملها فالقول بجواز ذلك له وجه، لأن هذا التبرع تمَّ بدون إلزام أو شرط مسبق والمفسد لعقد المضاربة عند الفقهاء أن يشترط على المضارب ضمان رأس المال عند العقد وهنا لم يشرط ذلك عند العقد وإنما تبرع هو بالضمان بعد أن تحققت الخسارة فلا مانع منه وقال بجواز ذلك جماعة من فقهاء المالكية. انظر المضاربة الشرعية ص 127، فتاوى المستشار الشرعي لمجموعة البركة الجزء 2 الفتوى رقم 107. وهذا القول أخذت به بعض المؤسسات المالية التي تتعامل وفق أحكام الشريعة الإسلامية فقد جاء في فتاوى المستشار الشرعي لمجموعة البركة ج1 فتوى رقم 44: [ ... على أنه لا مانع من أن تكون هناك مبادرة من العميل بتحمل ما قد يقع من خسارة في حينها - لا عند التعاقد لأن ذلك من قبيل الهبة والتصرف من صاحب الحق في حقه، دون تغيير لمقتضى العقد شرعاً. فحين وقوع الخسارة دون تعدٍ أو تقصيرٍ يطبق المبدأ الشرعي بتحميلها لرب المال (البنك هنا) إلا أن يبادر العميل لتحملها ودون مقاضاته أو إلزامه، لأنه قد يقدم على هذه المبادرة انسجاماً مع اعتبار نفسه مقصراً في الواقع ولو لم تستكمل صورة التقصير في الظاهر بما يحيل الضمان عليه. والقاعدة الشرعية أن المرء بسبيل من التصرف في ماله]. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وينبغي أن يعلم أن مجمع الفقه الإسلامي أجاز ضمان رأس مال المضاربة من طرف ثالث عل سبيل التبرع كما ورد في القرار رقم 5 من الدورة الرابعة: [ليس هناك ما يمنع شرعاً من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين، على أن يكون التزاماً مستقلاً عن عقد المضاربة، بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطاً في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه، ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو عامل المضاربة الدفع ببطلان المضاربة أو الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء بما تبرع به، بحجة أنَّ هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد]. وخلاصة الأمر أن الأصل في عقد المضاربة أنه لا يجوز ضمان رأس مال المضاربة من المضارب إلا إذا تعدى أو قصر ويجوز أن يتبرع المضارب بضمان ما يلحق صاحب المال من خسارة عند وقوعها فعلاً وليس عند انعقاد العقد على أن لا يكون التبرع بتحمل الخسارة شرطاً ملفوظاً أو ملحوظاً عند العقد. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 الديون والقروض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 رد القرض للمقرض مع هدية يقول السائل: إنه استقرض مبلغاً من المال من شخص ولما قضاه القرض أهداه هدية فما حكم ذلك؟ الجواب: الإقراض من الأمور الطيبة التي يعين بها المسلم أخاه ويفك عسره ويفرج كربته وهو داخل في عمومات الأدلة التي تحض على قضاء حاجة المسلم وإعانته كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من نفس على أخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه). وورد في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقتها مرة) رواه ابن ماجة وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. الإرواء 5/ 226. وقد ثبت في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استقرض جملاً من أعرابي) رواه البخاري. وورد في الحديث عن عبد الله بن أبي ربيعة قال: (استقرض مني النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألفاً فجاءه مال فدفعه إلي وقال: إنما جزاء السلف الحمد والأداء) رواه النسائي وابن ماجة وأحمد وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني. الإرواء 5/ 224، وغير ذلك من الأحاديث. والأصل في القرض أن يسدده المقترض كما اقترضه وأما إذا أقرض وشرط أن يزيد عند السداد فهذا من الربا المحرم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 وأما إذا اقترض وزاده عند الوفاء وكانت تلك الزيادة غير مشروطة عند العقد فمذهب جمهور الفقهاء جواز ذلك. ولا تعد تلك الزيادة من الربا ومثل ذلك الهدية بعد سداد القرض كما في السؤال. ويدل على جواز ذلك أحاديث واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم وآثار عن الصحابة رضي الله عنهم منها: 1. عن أبي رافع رضي الله عنه قال: (استلف النبي صلى الله عليه وسلم بكراً - الفتي من الإبل - فجاءته إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره، فقلت: إني لم أجد من الإبل إلا جملاً خياراً رباعياً - جملاً كبيراً له من العمر ست سنوات - فقال: أعطه إياه فإن من خير الناس أحسنهم قضاء) رواه مسلم. 2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سناً فأعطى سناً خيراً من سنه، وقال: خياركم أحاسنكم قضاء) رواه أحمد والترمذي وصححه. 3. وفي رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم مسن من الإبل فجاء يتقاضاه، فقال: أعطوه فطلبوا سنه فلم يجدوا إلا سناً فوقها، فقال: أعطوه. فقال: أوفيتني أوفاك الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن خيركم أحسنكم قضاء) رواه البخاري ومسلم. 4. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد ضحى فقال: صل ركعتين وكان لي عليه دين فقضاني وزادني) رواه البخاري. وفي رواية أخرى عند البخاري قال جابر: (فلما قدمنا المدينة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم يا بلال: اقضه وزده فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطاً). 5. وعن مجاهد قال: (استلف عبد الله بن عمر من رجل دراهم ثم قضاه دراهم خيراً منه فقال الرجل: يا أبا عبد الرحمن هذه خير من دراهمي التي أسلفتك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 فقال عبد الله بن عمر: قد علمت ولكن نفسي بذلك طيبة) رواه مالك في الموطأ. 6. وقال الإمام مالك رحمه الله: (لا بأس بأن يقبض من أسلف شيئاً من الذهب أو الورق أو الطعام أو الحيوان ممن أسلفه ذلك أفضل مما أسلفه إذا لم يكن ذلك على شرط منهما ... ). 7. وقال القرطبي: [أجمع المسلمون نقلاً عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضة من علف كما قال ابن مسعود أو حبة واحدة ويجوز أن يرد أفضل مما استلف إذا لم يشترط ذلك عليه لأن ذلك من باب المعروف استدلالاً بحديث أبي هريرة في البكر: (إن خياركم أحسنكم قضاء) رواه الأئمة البخاري ومسلم. فأثنى صلى الله عليه وسلم على من أحسن القضاء وأطلق ذلك ولم يقيده بصفة. وبهذا يظهر لنا أن الهدية المذكورة في السؤال جائزة ولا بأس بها ولا تعتبر من الربا المحرم]. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 لا يصح اشتراط عقدٍ آخر مع القرض يقول السائل: توفي شخص وترك ثلاث بنات وولد، وقد وزعت التركة حسب الشرع، فرغبت البنات في بيع حصتهن في قطعة أرض لشخص ما بسعر أقل من السعر المتعارف عليه والولد - أخو البنات - لا يملك ثمن الأرض ليتقدم بالشراء فعرض عليه أحد الأشخاص أن يقرضه ثمن الأرض، وشرط عليه أن يبيعه جزءاً من الأرض، فهل يجوز ذلك؟ الجواب: لا يجوز شرعاً للمقرض أن يشترط أي عقد آخر مع القرض، كالبيع أو الإجارة، أو يشترط أن يقرضه المقترض، وهذا مذهب جمهور أهل العلم لما ثبت في الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل سلف وبيع) رواه أبو دلود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد وغيرهم، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الشيخ الألباني: حسن، إرواء الغليل 5/ 146. قال الشيخ ملا علي القاري: [لا يحل سلف وبيع، أي معه يعني مع السلف، بأن يكون أحدهما مشروطاً في الآخر]. قال القاضي رحمه الله: [السلف يطلق على السلم والقرض والمراد هنا شرط القرض ... أي لا يحل بيع مع شرط سلف بأن يقول مثلاً: بعتك هذا الثوب بعشرة على أن تقرضني عشرة نفي الحل اللازم للصحة ليدل على الفساد من طريق الملازمة] مرقاة المفاتيح 6/ 89. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [معنى الحديث أن لا يجمع بين معاوضته وتبرع لأن ذلك التبرع إنما كان لأجل المعاوضة لا تبرعاً مطلقاً فيصير جزءاً من العوض] مجموع الفتاوى 29/ 62 - 63. وقال الشيخ ابن القيم: [وأما السلف والبيع فلأنه إذا أقرضه مائة إلى سنة، ثم باعه ما يساوي خمسين بمائة، فقد جعل هذا البيع ذريعة إلى الزيادة في القرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 الذي موجبه ردّ المثل ولولا هذا البيع لما أقرضه، ولولا عقد القرض لما اشترى ذلك] تهذيب سنن أبي داود 9/ 295 - 296. وبناءً على ما تقدم، فإن اشتراط البيع المذكور في السؤال باطل شرعاً. - - - سداد الدين بعملة أخرى يقول السائل: هل يجوز لمن أقرض شخصاً، مبلغ عشرة آلاف شيكل مثلاً أن يتفق مع المقرض على أن يسددها بما يعادلها من الدولارات عندما يحين موعد السداد؟ الجواب: لا يجوز لمن اقترض مبلغاً بعملة معينة أن يتفق مع المقترض على سداد القرض بعملة أخرى، فإذا استدان شخص ألف دينار أردني فإن الواجب عليه سداد ألف دينار أردني فقط، لأنها هي الثابتة في ذمته. وكذلك لا يجوز ربط قيمة الدين بالذهب عند الاستدانة ليتم السداد بالذهب يوم السداد لأن اختلاف العملة يفسح مجالاً للتفاضل مع التأجيل، فيصير قرضاً ربوياً كما تدل على ذلك الأحاديث النبوية على أن هذه المبادلة تصير بيعاً ممنوعاً، فالذهب بالفضة لا يجوز بالأجل لأنه يصير حينئذٍ صرفاً مؤجلاً، انظر الجامع في أصول الربا ص 283. إلا أنه يجوز اتفاق الدائن والمدين في يوم سداد الدين على قضاء الدين بعملة أخرى بسعر صرفها في يوم السداد، فمثلاً استدان شخص من آخر مبلغ ألف دولار، على أن يسددها بعد سنة، ولما حان يوم السداد، اتفق الدائن والمدين على أن يسدد المدين الألف دولار بقيمتها بالدينار الأردني، فيجوز ذلك بشرط أن لا يبقى شيء لأحدهما في ذمة الآخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وهذا مذهب جماعة من أهل العلم، ويدل عليه ما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (كنت أبيع الإبل في البقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ بالدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ بالدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا بأس، إذا أخذتهما بسعر يومهما فافترقتما وليس بينكما شيء) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد وغيرهم، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الشيخ الأرناؤوط: إسناده حسن على شرط مسلم. وعن يسار بن نمير قال: [كان لي على رجل دراهم، فعرض عليّ دنانير، فقلت: لا آخذها حتى أسأل عمر، فسألته فقال: ائت بها الصيارفة فاعرضها فإذا قامت على سعر فإن شئت فخذها، وإن شئت فخذ دراهمك] ذكره ابن حزم في المحلى. [وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي ما يلي بالنسبة إلى هذه المسألة: أولاً: الدين الحاصل بعملة معينة لا يجوز الاتفاق على تسجيله في ذمة المدين بما يعادل قيمة تلك العملة من الذهب أو من عملة أخرى على معنى أن يلتزم المدين بأداء الدين بالذهب أو العملة الأخرى المتفق على الأداء بها. ثانياً: يجوز أن يتفق الدائن والمدين يوم السداد لا قبله على أداء الدين بعملة مغايرة لعملة الدين إذا كان ذلك بسعر صرفها يوم السداد، وكذلك يجوز الدين على أقساط بعملة معينة الاتفاق يوم سداد أي قسط على أدائِه كاملاً بعملة مغايرة بسعر صرفها في ذلك اليوم ويشترط في جميع الأحوال أن لا يبقى في ذمة المدين شيء مما تمت عليه المصارفة في الذمة]. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 تقضى الديون بأمثالها لا بقيمتها يقول السائل: إنه اشترى سيارة بمبلغ تسعين ألف شيكل ودفع بعض ثمنها للبائع واتفقا على أن يسدد الباقي بعد شهر ثم هبطت قيمة الشيكل ويطالبه البائع الآن بتسديد الثمن حسب سعر صرف الشيكل بالنسبة للدينار في يوم الشراء فما قولكم في ذلك؟ الجواب: لا يجوز للبائع أن يطالب بتسديد ثمن السيارة حسب سعر صرف الشيكل بالنسبة للدينار في يوم شراء السيارة لأن الدين قد استقر في ذمة المشتري وهو تسعون ألف شيكل فعلى المشتري أن يسدد الثمن الذي استقر في ذمته عدداً لا قيمةً أي تسعون ألف شيكل فقط. وهذا مذهب أكثر الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وكثير من الفقهاء والعلماء المعاصرين حيث إنهم يرون أن الدين إذا استقر في ذمة المشتري بمقدار محدد فالواجب هو تسديد ذلك المقدار بدون زيادة أو نقصان فالديون تقضى بأمثالها في حالة الرخص والغلاء ولا تقضى بقيمتها جاء في المدونة: [كل شيء أعطيته إلى أجل فرد إليك مثله وزيادة فهو ربا] المدونة 4/ 25. وقال أبو إسحاق الشيرازي: [ويجب على المستقرض رد المثل فيما له مثل لأن مقتضى القرض رد المثل] المهذب مع المجموع 12/ 185. وقال الكاساني: [ولو لم تكسد - النقود - ولكنها رخصت قيمتها أو غلت لا ينفسخ البيع بالإجماع وعلى المشتري أن ينقد مثلها عدداً ولا يلتفت إلى القيمة هاهنا] بدائع الصنائع 5/ 542. وقال الشيخ ابن عابدين في رسالته عن النقود: [ ... لأن الإمام الإسبيجاني في شرح الطحاوي قال: وأجمعوا على أن الفلوس إذا لم تكسد ولكن غلت قيمتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 أو رخصت فعليه مثل ما قبض من العدد] رسالة تنبيه الرقود على مسائل النقود 2/ 60 ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين. ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً وجوب رد المثل بلا زيادة. مجموع الفتاوى 29/ 535. وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي هذه المسألة بحثاً مستفيضاً وتوصل العلماء المشاركون في المجمع إلى القرار التالي: [العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أياً كان مصدرها بمستوى الأسعار] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 5 ج 3/ 2261. وقد يقول بعض الناس إن رد المثل في القرض والديون فيه ضررٌ للمقرض والبائع فنقول لهم: إن الضرر لا يزال بضرر مثله كما قرر ذلك الفقهاء. - - - حكم المماطلة وعقوبتها يقول السائل: ما المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليُ الواجد يُحلُ عرضه وعقوبته)؟ الجواب: هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم والبيهقي وورد في مسند أحمد بلفظ: (لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته). والحديث قال عنه الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي وحسنه الحافظ ابن حجر وحسنه الشيخ الألباني أيضاً. فتح الباري 5/ 259، إرواء الغليل 5/ 259. ولي الواجد معناه مطل القادر على قضاء دينه. عون المعبود 10/ 41. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (مطل الغني ظلم) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم (مطل الغني ظلم) قال القاضي وغيره: المطل منع قضاء ما استحق أداؤه فمطل الغني ظلم وحرام، ومطل غير الغني ليس بظلم ولا حرام لمفهوم الحديث ولأنه معذور ... ] شرح الإمام النووي على صحيح مسلم 4/ 174 - 175. وهذان الحديثان الشريفان فيهما التحذير الشديد للمماطل القادر على سداد دينه ومع ذلك يماطل في سداد الدين لينتفع بالمال لنفسه ولا يؤدي حقوق العباد وهذه المماطلة سماها الرسول صلى الله عليه وسلم ظلماً والظلم ظلمات يوم القيامة. قال الحافظ ابن عبد البر: [وقد أتى الوعيد الشديد في الظالمين بما يجب أن يكون من فقهه عن قليل الظلم وكثيره منتهياً وإن كان الظلم ينصرف على وجوه بعضها أعظم من بعض ... قال الله عز وجل: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} سورة لقمان الآية 13. وقال تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} سورة طه الآية 111. أي خاب من رحمة الله تعالى ومن بعضها أو من كثير منها على حسب ما ارتكب من الظلم والله يغفر لمن يشاء. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حاكياً عن الله تبارك وتعالى: (يا عبادي إني حرمت عليكم الظلم فلا تظالموا) رواه مسلم. ومن الدليل على أن مطل الغني ظلم محرم موجب للإثم ما ورد به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم من استحلال عرضه والقول فيه ولولا مطله لم يحل ذلك ... ] الاستذكار 20/ 268 - 269. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 والغني المماطل يعدُّ فاسقاً عند جمهور أهل العلم ويدل على ذلك بأن منع الحق بعد طلبه وانتفاء العذر عن أدائه كالغصب والغصب كبيرة وتسميته ظلماً يشعر بكونه كبيرة. فتح الباري 5/ 372. وقال بعض العلماء إن مطل الغني بعد مطالبته وامتناعه عن الأداء لغير عذر يعتبر من كبائر الذنوب وقد عده ابن حجر المكي من الكبائر: [إذ الظلم وحل العرض والعقوبة أكبر الوعيد] الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 570. وذهب بعض أهل العلم إلى أن الغني المماطل مردود الشهادة قال سحنون بن سعيد: [إذا مطل الغني بدين عليه لم تجز شهادته لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه ظالماً] الاستذكار 20/ 270. وجاء في الحديث عن خولة زوجة حمزة رضي الله عنهما: (أن رجلاً كان له على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسق تمر فأمر أنصارياً أن يقضيه فقضاه دون تمره فأبى أن يقبضه فقال: أترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم ومن أحق بالعدل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاكتحلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدموعه ثم قال: صدق ومن أحق مني بالعدل لا قدس الله أمة لا يأخذ ضعيفها حقه من شديدها ولا يتعتعه. ثم قال: يا خوله عديه واقضيه فإنه ليس من غريم يخرج من عنده غريمه راضياً إلا صلت عليه دواب الأرض ونون البحار وليس من عبد يلوى غريمه وهو يجد إلا كتب الله عليه في كل يوم وليلة إثماً) رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 140. وتعتعه أي أقلقه وأتعبه بكثرة تردده إليه ومطله إياه، ويلوي أي يمطل ويسوف. وجاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه ديناً كان عليه فاشتد عليه حتى قال له: أحرج عليك إلا قضيتني فانتهره أصحابه وقالوا: ويحك تدري من تكلم؟ قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 إني أطلب حقي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلاّ مع صاحب الحق كنتم؟ ثم أرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمرنا فنقضيك. فقالت: نعم بأبي أنت يا رسول الله. قال: فأقرضته فقضى الأعرابي وأطعمه. فقال: أوفيت أوفى الله لك. فقال صلى الله عليه وسلم: أولئك خيار الناس إنه لا قدّست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع) رواه ابن ماجة وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/ 55 وانظر الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 570. ومعنى غير متعتع: أي من غير أن يصيبه أذى يقلقه ويزعجه. كما وينبغي أن يعلم هذا الغني المماطل أن الموت قد يخطفه فجأة ويبقى الدين في ذمته إلى يوم القيامة وقد صح الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت عنده مظلمة لأحد فليتحلله فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئاته وطرح عليه) رواه البخاري. وأما النبي صلى الله عليه وسلم يحل عرضه وعقوبته فمعناه كما قال عبد الله بن المبارك: [يحل عرضه يغلظ له وعقوبته يحبس] عون المعبود 10/ 40. وأخيراً ينبغي أن يعلم أنه لا يجوز فرض غرامة مالية على المدين المماطل لأن ذلك يعتبر من الرب المحرم شرعاً. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 التهاون في سداد الدين يقول السائل: إنه صاحب محل تجاري وإن بعض الناس يشتري منه البضاعة بالدين على أن يقضيه في آخر الشهر ثم يمضي الشهر والشهران والشهور وهذا المدين لا يسدد دينه مع أنه مستطيع فما قولكم في ذلك؟ الجواب: مما يؤسف له أن كثيراً من الناس يتساهلون في الدين تساهلاً كبيراً فتراهم يشترون البضاعة ويطلبون من البائع أن يمهلهم حتى استلام رواتبهم أو حتى نهاية الشهر أو نحو ذلك ثم يماطلون ويسوفون في سداد الدين وقد تمضي عليهم الشهور والسنون وهم كذلك مع مقدرتهم على قضاء ديونهم، إن ما يقوم به هؤلاء الناس ما هو إلا أكل لأموال الناس بالباطل وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} سورة النساء الآية 29. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمثال هؤلاء الذين يأخذون أموال الناس ويماطلون فيها فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله) رواه البخاري. وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: (كانت ميمونة تدان فتكثر فقال لها أهلها في ذلك ولاموها ووجدوا عليها فقالت: لا أترك الدين وقد سمعت خليلي وصفيي صلى الله عليه وسلم يقول: ما من أحد يدان ديناً يعلم الله منه أنه يريد قضاءه إلا أداه الله عنه في الدنيا) رواه النسائي وابن ماجة وابن حبان وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجة 2/ 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه دينار أو درهم قضي من حسناته ليس ثم دينار ولا درهم) رواه ابن ماجة وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2/ 53. وعن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيما رجل يدين ديناً وهو مجمع على أن لا يوفيه إياه لقي الله سارقاً) رواه ابن ماجة والبيهقي وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح. المصدر السابق 2/ 52. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الدين كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة جالساً فيه فقال: يا أبا أمامة ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلّمك كلاماً إذا قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟ فقال: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وأمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من البخل والجبن وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. قال: فقلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني) رواه أبو داود. فلا ينبغي لأحد من الناس أن يتساهل في الدين وخاصة أن الإنسان قد يموت وهو مدين ويكون بذلك على خطر عظيم لأن نفس المؤمن تكون معلقة بدينه، فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن، ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وعن جابر رضي الله عنه قال: (توفي رجل فغسّلناه وكفّناه وحنّطناه ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه، فقلنا: تصلي عليه؟ فخطا نحوه خطوة ثم قال: أعليه دين؟ قلنا: ديناران، فانصرف فتحملهما أبو قتادة فأتيناه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 فقال أبو قتادة: الديناران عليّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أوفى الله حق الغريم وبرئ منهما الميت؟ قال: نعم فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: ما فعل الديناران؟ قلت: إنما مات أمس، فعاد إليه من الغد فقال: قد قضيتهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآن بردت جلدته) رواه أحمد بإسناد حسن كما قال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 2/ 591. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتنع عن الصلاة عمن عليه دين حتى يقضى دينه فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل الميت عليه الدين فيسأل: هل ترك لدينه قضاء؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلّى عليه، وإلا قال: صلوا على صاحبكم. فلما فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي وعليه دين فعليّ قضاؤه ومن ترك مالاً فهو لورثته) رواه مسلم. ويجب أن يعلم أن هؤلاء الذين يتلاعبون بأموال الناس ويماطلون في تسديد الدين أن المماطلة في أداء الدين محرمة مع القدرة على الأداء فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (مطل الغني ظلم) متفق عليه. قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم (مطل الغني ظلم) قال القاضي وغيره: المطل منع قضاء ما استحق أداؤه فمطل الغني ظلم وحرام] شرح النووي على صحيح ... مسلم 4/ 174 - 175. ومن المعلوم عند أهل العلم أن أداء الدين واجب باتفاق بدلالة الأحاديث الصحيحة الواردة في تحريم مال الغير كما قال القرطبي في تفسيره 3/ 415. ولأهمية قضاء الدين من أموال الميت فهو مقدم على الوصية وإن ذكرت قبله في قول الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} سورة النساء الآية 12، وعلى هذا أكثر أهل العلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وكذلك فإن الدين يقضى عن الميت قبل توزيع تركته. وأخيراً أنبه الدائنين أن يوثقوا ديونهم ويكتبوها ويشهدوا على ذلك لأن ذمم كثير من الناس قد خربت وفسدت وكثير من هؤلاء ينكرون الدين إن لم يكن موثقاً بالكتابة وقد قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} سورة البقرة الآية 282. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 حكم ما يعرف بجمعية الموظفين يقول السائل: ما الحكم فيما يسمى بجمعية الموظفين وهل يعتبر ذلك من الربا المحرم وينطبق عليها ما ورد في الحديث (كل قرض جر نفعاً فهو ربا)؟ الجواب: أولا أبين أن الحديث المذكور في السؤال لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ وروي بلفظ آخر وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة) فقد رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده وفي إسناده متروك كما قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 34. ورواه البيهقي في السنن الكبرى 5/ 350 بلفظ: (كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا) وقال البيهقي: موقوف. ورواه البيهقي أيضاً في معرفة السنن والآثار 8/ 169 والحديث ضعيف، ضعفه الحافظ ابن حجر العسقلاني كما سبق وضعفه الشيخ الألباني في إرواء الغليل 5/ 235. ومعنى الحديث صحيح ولكن ليس على إطلاقه، فالقرض الذي يجر نفعاً ويكون رباً أو وجهاً من وجوه الربا هو القرض الذي يشترط فيه المقرض منفعة لنفسه فهو ممنوع شرعاً. إذا تقرر هذا فأعود إلى السؤال فأقول إن ما يعرف بجمعية الموظفين هو اتفاق مجموعة من الموظفين على أن يدفع كل منهم مبلغاً متساوياً من المال ويدفع مجموع المبالغ لأحدهم على رأس كل شهر وفي الشهر التالي يأخذه آخر وهكذا حتى تدور الدورة على جميع المشتركين. وهذه المعاملة تعتبر من تبادل القروض وهي معاملة صحيحة شرعاً ولا علاقة لها بالربا وتوضيح ذلك كما يلي: أولاً: إن المقصود بهذه المعاملة (جمعية الموظفين) الإرفاق حيث إن القرض الحسن هو عقد إرفاق عند الفقهاء. انظر الموسوعة الفقهية 33/ 11. وما يفعله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 الموظفون في جمعية الموظفين إنما هو تسهيل أمورهم بأن يأخذ كل واحد منهم مجموع المبالغ التي يدفعها الجميع شهرياً فيأخذه كل منهم في كل مرة حسب مدة الجمعية وهذا العمل من باب التعاون على الخير وفيه ابتعاد عن القروض المحرمة شرعاً. ثانياً: إن القرض المحرم في الشريعة الإسلامية هو القرض المشروط بالزيادة عند السداد كما هو الحال في قروض البنوك الربوية التي تفرض فيها الفوائد (الربا) وهو ذات الربا المحرم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} سورة البقرة الآية 275. وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} سورة البقرة الآية 278. وأما في جمعية الموظفين فلا يوجد زيادة على القرض حيث إن كل واحد من المشاركين في الجمعية يسترد المبالغ التي دفعها بدون زيادة فلذلك فهي قرض غير مشروط بزيادة نفع ولا ينطبق عليها ما ورد في الحديث السابق مع عدم ثبوته: (كل قرض جر نفعاً فهو ربا) [وذلك لأن المنفعة التي فيها الربا أو شبهته ويجب خلو القرض منها: هي الزيادة المشترطة للمقرض على مبلغ القرض في القدر أو الصفة وكذا المنفعة المشترطة له التي يبرز فيها ما يشبه العلاوة المالية كشرط المقرض على المقترض أن يحمل له مجاناً بضاعة يبذل عليها في العادة أجر أو أن يعيره شيئاً ليستعمله المقرض ونحو ذلك. أما منفعة إقراضه نفس المبلغ ولذات المدة مقابل قرضه فليست بزيادة في قدر ولا صفة وليست من جنس المنفعة التي فيها شبهة الربا أو حقيقته وإنما هي من قبيل النفع المشترك الذي لا يخص المقرض وحده بل يعم المقرض والمقترض على السواء ويحقق مصلحة عادلة للطرفين فهذا ليس بمنصوص على تحريمه ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 هو في معنى المنصوص فلزم إبقاؤه على الإباحة] قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد ص 229 - 230. وقد يقول قائل: إن كل واحد من المشاركين في جمعية الموظفين انتفع بأموال الآخرين من المشاركين في الجمعية. ويجاب عن ذلك بأنه لا مانع شرعاً من أن ينتفع المقرض والمقترض منفعة متبادلة وهذا يشبه تبادل المنافع في مسألة السفتجة المعروفة عند الفقهاء. قال الإمام النووي: [قوله في باب القرض اقترض على أن يكتب له سفتجة ... وهو كتاب يكتبه المستقرض للمقرض إلى نائبه ببلد آخر ليعطيه ما أقرضه] تهذيب الأسماء واللغات 3/ 149. وتعتبر السُفَتْجَة عند جمهور الفقهاء من باب القرض وهي جائزة عند جماعة من أهل العلم مع أن المقرض قد أمن خطر الطريق قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وروي عنه - أي عن الإمام أحمد – جوازها – السفتجة - لكونها مصلحة لهم جميعاً وقال عطاء كان ابن الزبير يأخذ من قوم بمكة دراهم ثم يكتب لهم بها إلى مصعب بن الزبير بالعراق فيأخذونها منه فسئل عن ذلك ابن عباس، فلم ير به بأساً. وروي عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن مثل هذا، فلم ير فيه بأساً وممن لم ير به بأساً: ابن سيرين والنخعي رواه كله سعيد. وذكر القاضي أن للوصي قرض مال اليتيم في بلد ليوفيه في بلد أخرى ليربح خطر الطريق. والصحيح جوازه لأنه مصلحة لهما من غير ضرر بواحد منهما والشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها بل بمشروعيتها ولأن هذا ليس بمنصوص على تحريمه ولا في معنى المنصوص فوجب إبقاؤه على الإباحة] المغني 4/ 240 - 241. والسُفَتْجَة فيها نفع للطرفين المقرض والمقترض ولا مانع يمنع من انتفاعهما قال شيخ الإسلام ابن تيمية مرجحاً جواز السفتجة: [والصحيح الجواز لأن المقرض رأى النفع بأمن خطر الطريق في نقل دراهمه إلى ذلك البلد وقد انتفع المقترض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 أيضاً بالوفاء في ذلك البلد وأمن خطر الطريق فكلاهما منتفع بهذا الاقتراض والشارع لا ينهى عما ينفعهم ويصلحهم وإنما ينهى عما يضرهم] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 29/ 530. وقد سئل الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز مفتي السعودية عن حكم جمعية الموظفين السؤال التالي: [جماعة من المدرسين يقومون في نهاية كل شهر بجمع مبلغ من المال من رواتبهم ويعطى لشخص معين منهم وفي نهاية الشهر الثاني يعطى لشخص آخر وهكذا حتى يأخذ الجميع نصيبهم. وتسمى عند البعض بالجمعية، فما حكم الشرع في ذلك؟ الجواب: ليس في ذلك بأس وهو قرض ليس فيه اشتراط نفع زائد لأحد وقد نظر في ذلك مجلس هيئة كبار العلماء فقرر بالأكثرية جواز ذلك لما فيه من المصلحة للجميع بدون مضرة ... والله ولي التوفيق] فتاوى علماء البلد الحرام ص841. وجاء أيضاً في فتوى لبيت التمويل الكويتي حول القروض المتبادلة بأنه لا مانع شرعاً من القروض المتبادلة بدون فائدة لا أخذاً ولا عطاءً، فتاوى بيت التمويل الكويتي 2/ 484. وخلاصة الأمر أن ما يعرف بجمعية الموظفين جائزة شرعاً ولا علاقة لها بالربا. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 حكم غرامات شركة الكهرباء يقول السائل: إن شركة الكهرباء تقوم بفرض غرامة على كل من يتأخر بسداد الفاتورة عن موعدها فما هو الحكم الشرعي لهذه الغرامة أفيدونا؟ الجواب: لابد أن يعلم أولاً أنه يجب شرعاً سداد فاتورة الكهرباء في موعدها لأن ذلك هو مقتضى العقد القائم بين شركة الكهرباء والمشترك ولا يجوز التأخر في السداد وقد أمر الله عز وجل بالوفاء بالعقود في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} سورة المائدة الآية 1. إذا تقرر ذلك فإن فرض غرامة مالية على من يتأخر في سداد فاتورة الكهرباء محرم شرعاً لأنه رباً واضح وهو عين الربا الذي كان في الجاهلية. قال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} سورة البقرة الآية 275 ما نصه: [أي إنما الزيادة عند حلول الأجل آخراً كمثل أصل الثمن في أول العقد، وذلك أن العرب كانت لا تعرف ربا إلا ذلك، فكانت إذا حلَّ دينها قالت للغريم: إما أن تقضي وإما أن تُربي، أي تزيد في الدين. فحرم الله سبحانه ذلك ورد عليهم قولهم بقوله الحق: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} وأوضح أن الأجل إذا حلَّ ولم يكن عنده ما يؤدي أنظر إلى الميسرة. وهذا الربا هو الذي نسخه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله يوم عرفة لما قال: (ألا إن كل رباً موضوع وإن أول ربا أضعه ربانا، ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله). فبدأ صلى الله عليه وسلم بعمه وأخص الناس به. وهذا من سنن العدل للإمام أن يُفيض العدل على نفسه وخاصته فيستفيض حينئذ في الناس] تفسير القرطبي 3/ 356. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية ما يلي: [إن كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حلَّ أجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد. هاتان الصورتان ربا محرم شرعاً] مجلة المجمع عدد2، ج2، ص 873. ويجب أن يعلم أن كل غرامة تفرض على المدين تعتبر من باب الربا وإن سميت غرامة تأخير أو سميت شرطاً جزائياً فإن الشرط الجزائي لا يكون في الديون وإنما يكون في العقود المالية التي تخلو من الديون كعقود المقاولات والتوريد وغيرهما فمثلاً لو اتفق شخص مع مقاول ليبني له بيتاً واتفقا على تسليم البيت في موعد محدد واتفقا على أنه إذا تأخر المقاول في التسليم فيدفع له مبلغاً من المال عن كل يوم تأخر فيه عن تسليم البيت صح ذلك شرعاً. ولا يعتبر هذا المبلغ من الربا. وكذلك عقود المقولات التي تتم بين الشركات والدولة أو أصحاب المشاريع وكان الاتفاق فيها على العمل يجوز شرعاً أن تتضمن شرطاً جزائياً مالياً على أن يكون التأخير في تسليم ما اتفق عليه ناتجاً عن إهمال من المقاول أو تقصير منه وأن لا يكون التأخير ناتجاً عن أمور خارجة عن إرادة المقاول كالعوامل الطبيعية مثلاً. وبشرط أن يكون مقدار الشرط الجزائي مماثلاً للضرر الفعلي الذي لحق بالطرف الآخر. ومما يدل على جواز الشرط الجزائي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح ورواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم لكنه بدون الاستثناء ورواه كذلك الحاكم وأبو داود عن أبي هريرة بلفظ (المسلمون عند شروطهم) أي بدون الاستثناء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 ويمكن أن يستدل على جواز الشرط الجزائي بما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن ابن سيرين أن رجلاً قال لكريِّه: (من يكري وسائل النقل) أدخل ركابك فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم فلم يخرج فقال شريح: من شرط على نفسه طائعاً ليس مكره فهو عليه) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [إن الوفاء بها أي بالالتزامات التي التزم بها الإنسان من الواجبات التي اتفقت عليها الملل بل العقلاء جميعاً] مجموع الفتاوى 29/ 516 والقواعد النورانية ص53. وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية عشر والمتعلق بالشرط الجزائي ما يلي: [أولاً: الشرط الجزائي في القانون هو اتفاق بين المتعاقدين على تقدير التعويض الذي يستحقه من شُرِط له عن الضرر الذي يلحقه إذا لم يُنَفِّذ الطرف الآخر ما التزم به، أو تأخّر في تنفيذه. ثانياً: يؤكد المجلس قراراته السابقة بالنسبة للشرط الجزائي الواردة في قراره في السَّلَم رقم 85 (2/ 9)، ونصه: [لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه؛ لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير]، وقراره في الاستصناع رقم 65 (3/ 7). ونصه: [يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطاً جزائياً بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة]، وقراره في البيع بالتقسيط رقم 51 (2/ 6) ونصه: [إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط بعد الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم]. ثالثاً: يجوز أن يكون الشرط الجزائي مقترناً بالعقد الأصلي، كما يجوز أن يكون في اتفاق لاحقٍ قبل حدوث الضرر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 رابعاً: يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها ديناً؛ فإن هذا من الربا الصريح وبناء على هذا، يجوز هذا الشرط – مثلاً – في عقود المقاولات بالنسبة للمقاول، وعقد التوريد بالنسبة للمورد، وعقد الاستصناع بالنسبة للصانع إذا لم ينفّذ ما التزم به أو تأخّر في تنفيذه. ولا يجوز مثلاً في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المتبقية سواء، كان بسبب الإعسار، أو المماطلة، ولا يجوز في عقد الاستصناع بالنسبة للمستصنع إذا تأخر في أداء ما عليه. خامساً: الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي، وما لَحِق المضرور من خسارة حقيقية، وما فاته من كسب مؤكد، ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي. سادساً: لا يُعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شُرِط عليه أن إخلاله بالعقد كان بسببٍ خارج عن إرادته، أو أثبت أن من شرط له لم يلحقه أي ضرر من الإخلال بالعقد. سابعاً: يجوز للمحكمة بناء على طلب أحد الطرفين أن تُعدِّل في مقدار التعويض إذا وجدت مبرراً لذلك، أو كان مبالغاً فيه] مجلة المجمع العدد الثاني عشر ج 2/ 91. وبهذا يظهر لنا بوضوح وجلاء أن الشرط الجزائي يجوز في العقود التي لا يكون الالتزام فيها ديناً، أما ما كان الالتزام فيها ديناً فإنه لا يجوز فيها الشرط الجزائي بحال من الأحوال كالبيع بالتقسيط فلا يجوز الشرط الجزائي فيه عند تأخر المدين بالسداد وكذلك لا يجوز شرعاً فرض غرامات التأخير في عقود بيع المرابحة للآمر بالشراء فلا يجوز شرعاً أن يتفق البنك الإسلامي مع العميل المدين على أن يدفع له مبلغاً محدداً أو نسبة من الدين الذي عليه في حالة تأخره عن السداد في المدة المتفق عليها سواء أسمي هذا المبلغ غرامة تأخير أو تعويضاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 عن الضرر أو شرطاً جزائياً، لأن هذا هو ربا الجاهلية المتفق على تحريمه كما سبق وهذا أصح قولي العلماء في هذه المسألة. وكذلك جميع الديون المستحقة على الإنسان سواء كانت عن بيع أو قرض أو شراء منفعة أو نحو ذلك فلا يجوز شرعاً فرض غرامة تأخير فيها لأن هذا هو ربا الجاهلية فالشرط الجزائي في الديون كلها لا يجوز فهو رباً محرم. وخلاصة الأمر أنه يجب سداد فواتير الكهرباء في مواعيدها ويحرم شرعاً التهرب من ذلك بأي وسيلة كانت كما يحرم فرض غرامات تأخير على من يتأخر في السداد ويتحمل إثم فرض هذه الغرامات الربوية مجلس إدارة الشركة وكل من أسهم في فرضها وكل من حصلَّها وتعاون عل هذا الإثم لأنها رباً محرم وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. وكذلك يحرم فرض غرامات التأخير في كل التزام أصله دين. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 اشتراط الغرامة في القرض بسبب تؤخر السداد يقول السائل: إنه اقترض مبلغاً من المال لبناء مسكن له، على أن يسدد القرض على أقساط، واشترط عليه أنه إذا تأخر في سداد قسط من الأقساط أن يدفع غرامة مالية بسبب التأخير، واشترط عليه أنه لا يجوز له بيع المسكن إلا بموافقة المقرض وإذا باع مسكنه فإنه يدفع غرامة مالية للمقرض زيادة على القرض، فما الحكم في ذلك؟ الجواب: القرض الحسن مشروع بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} سورة البقرة /245. ووجه الدلالة فيه، أن الله سبحانه وتعالى شبه الأعمال الصالحة والإنفاق في سبيل الله بالمال المقرَض، وشبه الجزاء المضاعف على ذلك ببدل القرض شيئاً ليأخذ عوضه، ومشروعية المشبه تدل على مشروعية المشبه به، عقد القرض ص13. وثبت في الحديث الصحيح، عن أبي رافع رضي الله عنه، (أن النبي صلى الله عليه وسلم استلف من رجل بكراً - أي جملاً فتياً - فقدمت على الرسول صلى الله عليه وسلم إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره فقال: يا رسول الله، لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً - أي جملاً كبيراً -، فقال: أعطه، فإن خير الناس أحسنهم قضاءً) رواه مسلم. وإقراض المعسر وتفريج كربه أمر مرغَّب فيه شرعاً ويدخل ذلك في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) رواه مسلم. وللمقرِض أجر عظيم عند الله سبحانه وتعالى فقد جاء في الحديث عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين، إلا كان كصدقة مرة) رواه ابن حبان في صحيحه وابن ماجة والطبراني وهو حديث حسن. وينبغي أن يعلم أنَّ القروض تقضى بأمثالها، ولا يجوز شرعاً الزيادة المشروطة في رد بدل القرض، وكل زيادة تعتبر من باب الربا. قال الحافظ ابن عبد البر: [وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلِف فهو ربا، ولو كانت قبضة من علف، وذلك حرام إن كان بشرط]. وقال ابن المنذر: [أجمعوا على أن المسلِف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، إن أخذ الزيادة ربا] الموسوعة الفقهية 33/ 130. وهنا لا بد من التنبيه على بعض القضايا المهمة والمتعلقة بالقروض: أولاً: يحرم على المدين الموسر أن يماطل في أداء ما حلَّ عليه من الأقساط، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم) رواه البخاري ومسلم. ثانياً: وإن ماطل المدين الموسر، يحرم شرعاً فرض أية غرامة مالية عليه، في حال التأخر عن السداد لأن ذلك يعتبر من الربا، وهذا ما قرره أكثر الفقهاء قديماً وحديثاً، وأخذت به المجامع الفقهية المعتمدة، فقد جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، بمكة المكرمة ما يلي: [نظر المجمع الفقهي في موضوع السؤال التالي، إذا تأخر المدين عن سداد الدين في المدة المحددة، فهل للبنك الحق أن يفرض على المدين غرامة مالية، جزائية بنسبة معينة بسبب التأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 الجواب: وبعد البحث والدراسة، قرر المجمع الفقهي بالإجماع ما يلي: إن الدائن إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن يدفع له مبلغاً من المال غرامة مالية جزائية محددة أو بنسبة معينة، إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرط أو فرض باطل، ولا يجب الوفاء به، ولا يحل سواءً أكان الشارط هو المصرف أو غيره، لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه]. وفد يقول قائل: إن هذا الكلام يشجع المدينين على المماطلة وعدم الوفاء بالدين، ونقول يمكن للمقرض أن يشترط على المدين أنه في حالة تأخره عن سداد قسط من أقساط الدين تحلّ بقية الأقساط ويمكن اتخاذ أمور أخرى ضد المدين المماطل كمطالبة الكفلاء وغير ذلك. ثالثاً: لا يجوز شرعاً منع المقترض من بيع منزله الذي بناه بالقرض، لأن ذلك مخالف للقواعد المقررة شرعاً من حرية تصرف المالك في ملكه وغير ذلك. ولا يصح إلزام المقترض بأية غرامة مالية في حال بيعه مسكنه لأن ذلك نوع من الربا المحرم شرعاً. رابعاً: لا يجوز شرعاً ربط الديون بمستوى الأسعار أو جدول غلاء المعيشة، فقد قرر مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة ما يلي: [العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أياً كان مصدرها بمستوى الأسعار] مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، الجزء الثالث ص 2261. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 لا يجوز فرض غرامة مالية على المدين المماطل يقول السائل: اشترى شخص مني عقاراً بالتقسيط، ودفع بعض الأقساط، ولم يكمل دفع بقية الأقساط، وقد استلم العقار، وهذا الشخص قادر على تسديد بقية الأقساط، إلا أنه يماطل وقد مضى على موعد تسديد آخر قسط ثلاث سنوات وما يزال يماطل فهل يحق لي أن أطالبه بتعويضٍ مالي مقابل العطل والضرر الذي ألحقه بي؟ الجواب: يجب أن يعلم أولاً أنه يحرم على الغني أن يماطل فيما وجب عليه من حقوق، كالدين مثلاً، وكذلك من وجد أداءً لحق عليه وإن كان فقيراً تحرم عليه المماطلة، وقد ثبت في الحديث الصحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم) رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر: [والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر، والغني مختلف في تعريفه ولكن المراد به هنا من قدر على الأداء فأخره ولو كان فقيراً] فتح الباري 5/ 371. وقال الحافظ أيضاً: [وفي الحديث الزجر عن المطل، واختلف هل يعد فعله عمداً كبيرة أم لا؟ فالجمهور على أن فاعله يفسَّق] فتح الباري 5/ 372. وكما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته) رواه أبو داود والنسائي وأحمد بإسناد حسن كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 5/ 459. وذكره الإمام البخاري تعليقاً فقال: [باب لصاحب الحق مقالاً، ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته). قال سفيان: عرضه تقول: مطلتني، وعقوبته الحبس، والمراد بقوله (ليّ الواجد) أي مماطلة من يجد أداء الحقوق التي عليه، وقوله (يحل عرضه وعقوبته) المراد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 به كما فسره سفيان أن يقول صاحب الحق، أو صاحب الدين: مطلني فلان، وعقوبته أن يسجن. إذا تبين لنا حرمة مماطلة المقتدر على سداد ديونه، فنقول: اتفق أهل العلم على أنه لا يجوز معاقبة المماطل بفرض غرامة مالية عليه، لأن ذلك يعتبر من باب الربا المحرم، وإنما يعاقب بالحبس فقط. [وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي هذه القضية بحثاً موسعاً، وخلص إلى ما يلي: 1. إذا تأخر المشتري في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط أو بدون شرط، لأن ذلك رباً محرَّم. 2. يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء. 3. يجوز شرعاً أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها عند تأخر المدين عن أداء بعضها ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد] مجلة المجمع الفقهي عدد 6 جزء 1، ص447 - 448. وأخيراً ينبغي أن ننبه إلى أن هذا الحكم إنما هو في حق الغني المماطل وأما إذا كان المدين معسراً فإن الله سبحانه وتعالى طلب إنظاره إلى ميسرة، كما قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} سورة البقرة الآية 280. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 رسوم خدمات القروض يقول السائل: هنالك إحدى المؤسسات تقدم قروضاً لمشاريع صغيرة لتوسيعها وتطويرها وجاء في النشرة التي تصدرها المؤسسة المذكورة تحت عنوان: [فوائد ورسوم القروض بأنهم لا يأخذون أية فائدة أو رسوم ولكن الأشخاص الذين يحصلون على القروض يدفعون رسوم خدمات وهذه الرسوم تختلف تبعاً لحجم وشروط القرض] فما قولكم في ذلك؟ الجواب: لقد صار شائعاً عند كثير من المتعاملين بالربا التلاعب بالألفاظ والعبارات محاولةً منهم لتغيير الحقائق والمسميات بتغيير أسمائها فقط فالربا يسمى فائدة ويسمى رسم خدمات كما في السؤال وتغيير الأسماء لا يغير من حقائق المسميات شيئاً وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا التلاعب من تغيير الناس لأسماء المحرمات كما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليستحلن طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في غاية المرام ص 24، وفي السلسلة الصحيحة 1/ 136. وجاء في رواية أخرى: (إن ناساً من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها) رواه الحاكم والبيهقي وله شواهد تقويه، وقد صدق الصادق المصدوق فإن الخمور تسمى في زماننا بالمشروبات الروحية. وروي في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: (يأتي على الناس زمان يستحلون الربا باسم البيع) ذكره ابن القيم في إغاثة اللهفان 1/ 352، وضعفه الشيخ الألباني في غاية المرام ص 25 ثم قال: [ ... معنى الحديث واقع كما هو مشاهد اليوم]. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 والملاحظ في السؤال أن ما سموه رسم خدمات يختلف مقداره تبعاً لحجم القرض وشروطه وهذه إشارة واضحة إلى أنه ربا لأنه لو كان رسماً للخدمات فعلاً لما اختلف مقداره باختلاف حجم القرض وشروطه إذ أن الخدمات التي تؤدى لمن يقترض ألفاً هي ذاتها الخدمات التي تؤدى لمن يقترض عشرة آلاف ولكنه التلاعب ومحاولة تغيير الأسماء ليخدع الناس ويظنوا أن ذلك لا شيء فيه ويجب أن يعلم أن هذه الرسوم هي ربا وإن غيرت أسماؤها لأن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني كما قرر ذلك فقهاؤنا. - - - حكم رسوم القروض يقول السائل: بعض الجمعيات والمؤسسات تقدم قروضاً بهدف إقامة مشاريع صغيرة، زراعية، وتجارية، وصناعية، وللإسكان، وتقول هذه المؤسسات إن قروضها بدون فوائد، ولكنها تأخذ رسوماً عند استلام القرض وعند تسديد كل قسط من الأقساط، فهل هذه الرسوم تعتبر من الربا، أفيدونا؟ الجواب: تغيير الأسماء لا يغير شيئاً من حقائق المسميات، فتغيير اسم الخمور إلى مشروبات روحية لا يؤثر في حقيقتها وكونها محرمة، وقد أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فقال: (ليستحلن طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 1/ 136. وكذلك تغيير اسم الربا إلى فائدة أو ربح أو دخل أو غير ذلك من الأسماء، لا يغير شيئاً من حقيقة الربا المحرم، وتلاعب الناس بالألفاظ في المعاملات لا يؤثر على حقيقتها شيئاً، لأن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني كما قرر ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 فقهاؤنا، وأذكر أنني حسبتُ مرة ما زعمت إحدى المؤسسات المقرضة أنه رسوم خدمات إدارية ورسوم تسديد قسط، فوجدته قد بلغ 14% زيادة على القرض، ثم يقولون هذا ليس من الربا؟! فما هو الربا إذن! لا شك أن التحايل لاستحلال ما حرم الله من أشد المحرمات. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [والحيل كلها محرمة غير جائزة في شيء من الدين، وهو أن يظهر عقداً مباحاً يريد به محرماً ً، مخادعةً وتوسلاً إلى فعل ما حرم الله واستباحة محظوراته أو إسقاط واجب، أو دفع حق ونحو ذلك، قال أيوب السختياني: إنهم ليخادعون الله كأنما يخادعون صبيا ًً، لو كانوا يأتون الأمر على وجهه كان أسهل عليَّ] المغني 4/ 43. وقد نعى الله سبحانه وتعالى تحيل اليهود لانتهاك المحرمات فقال تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} سورة الأعراف الآية 163. وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ترتكبوا ما ارتكبت يهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) رواه ابن بطة في إبطال الحيل، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [هذا إسناد جيد يصحح مثله الترمذي وغيره تارة ويحسنه تارة] إبطال الحيل ص112، مجموع الفتاوى 29/ 29. وقال الحافظ ابن كثير: هذا إسناد جيد، وقال العلامة الألباني: [وحسن إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير] صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص 33. وثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قاتل الله اليهود لما حرم شحومها جملوه – أي أذابوه – ثم باعوه فأكلوا ثمنه) رواه البخاري ومسلم. وقد قرر الفقهاء أن أي زيادة مشروطة على مبلغ القرض تعتبر من الربا، فقد جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن الرسول صلى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 عليه وسلم قال: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء) رواه البخاري ومسلم. ومما يدل أيضاً على منع الزيادة المشروطة على القرض، ما روي في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة) رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده، وفي إسناده متروك كما قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 34. ورواه البيهقي في السنن 5/ 350، بلفظ: (كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا) وقال البيهقي: موقوف. ورواه البيهقي أيضاً في معرفة السنن والآثار 8/ 169 والحديث ضعيف، ضعفه الحافظ ابن حجر وضعفه العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/ 235. ولكن معنى الحديث صحيح وقد اتفق الفقهاء على تحريم أي منفعة يستفيدها المقرض من قرضه ولكن ليس على إطلاقها، فالقرض الذي يجر نفعاً ويكون رباً أو وجهاً من وجوه الربا هو القرض الذي يشترط فيه المقرض منفعة لنفسه فهو ممنوع شرعاً. قال الحافظ ابن عبد البر: [وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلِف فهو ربا، ولو كانت قبضة من علف، وذلك حرام إن كان بشرط]. وقال ابن المنذر: [أجمعوا على أن المسلِف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، أن أخذ الزيادة ربا] الموسوعة الفقهية 33/ 130. وقال الإمام القرطبي: [أجمع أهل العلم على أن استقراض الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب وكل ما له مثل من سائر الأطعمة جائز. وأجمع المسلمون نقلاً عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف رباً ولو كان قبضة من علف كما قال ابن مسعود أو حبة واحدة] تفسير القرطبي3/ 241. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [كل قرضٍ شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف] المغني 4/ 240. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 إذا تقرر هذا فإن الزيادة على القرض التي تسمى رسوم خدمات القرض أو أجور القرض أو مصاريف إدارية أو أتعاب إدارية للقرض بين فيها أهل العلم ما يلي: أولاً: إن هذه الرسوم لا بد أن تكون مقابل خدمات فعلية لا وهمية. ثانياً: أي زيادة على الخدمات الفعلية تعتبر من الربا المحرم شرعاً، فقد جاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث سنة 1407هـ وفق 1986م ما يلي: [ ... بخصوص أجور خدمات القروض في البنك الإسلامي للتنمية: قرر مجلس المجمع اعتماد المبادئ التالية: 1. جواز أخذ أجور عن خدمات القروض. 2. أن يكون ذلك في حدود النفقات الفعلية. 3. كل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعًا] مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد 3 الجزء 1/ 305. ووجه جواز هذه الزيادة واعتبارها مصاريفاً إدرايةً أنها تعتبر من باب الأجرة مقابل خدمات حقيقية فعلية كمتابعة القرض والإشراف الهندسي على التنفيذ ونحو ذلك. ومن المتفق عليه بين الفقهاء أنه يشترط في الأجرة تحديدها والاتفاق عليها قبل البدء في العمل، لا بعده. ثالثاً: إن هذه الرسوم لا يجوز أن تكون مقابل استيفاء القرض بل تكون عند إنشاء عقد القرض بمعنى أنها مصاريف إدارية تغطي التكاليف الإدارية مثل أجور الموظفين والشؤون المكتبية ونحو ذلك، وإذا كانت الجهة المقرضة تتولى الإشراف على التنفيذ فيدخل في ذلك أجور المهندسين أو المراقبين كما هو الحال في بعض المؤسسات التي تقرض للبناء والإسكان. وأما إذا كانت مقابل استيفاء القرض فهي ربا، كما هو الحال في بعض المؤسسات المقرضة فإنها تحصل رسوماً تحت اسم رسوم تحصيل القرض وهو أن يدفع المقترض مبلغاً من المال مع كل قسط يسدده كرسوم تحصيل للقرض فهذا ربا محرم وإن سموه رسوماً. رابعاً: يجب أن تقدر هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 الرسوم بمبلغ مقطوع ولا تقدر بنسبة مئوية وخاصة إذا أخذت هذه الرسوم مقابل الأمور المكتبية فقط، لأنها إذا قدرت بنسبة مئوية فستختلف باختلاف مبلغ القرض لأنها لو كانت رسوماً للخدمات فعلاً لما اختلف مقدارها باختلاف حجم القرض وشروطه إذ أن الخدمات المكتبية التي تؤدى لمن يقترض ألفاً، هي ذاتها الخدمات التي تؤدى لمن يقترض عشرة آلاف، ولكنه التلاعب ومحاولة تغيير الأسماء ليخدع الناس، ويظنوا أن ذلك لا شيء، فيه ويجب أن يعلم أن هذه الرسوم بهذه الصورة هي ربا وإن غيرت أسماؤها لأن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني كما سبق. وينبغي التنبيه إلى ما ورد في تحريم الربا من نصوص الكتاب والسنة، وبيان أنه من كبائر الذنوب، وأن الله قد لعن كل من يتعامل بالربا بأي شكل من الأشكال، أو يعين عليه، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيتان 278 - 279. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (الربا اثنان وسبعون باباً أدناها إتيان الرجل أمه) رواه الحاكم وقال العلامة الألباني: صحيح. انظر السلسلة الصحيحة 3/ 488. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وقال صلى الله عليه وسلم: (الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وقال العلامة الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 633. وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني وقال العلامة الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 636. وقال الإمام السرخسي: [وقد ذكر الله تعالى لآكل الربا خمساً من العقوبات: أحدها: التخبط قال الله تعالى: {لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} ... والثاني: المحق قال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللهُ الْرِّبَا} والمراد: الهلاك والاستئصال، وقيل: ذهاب البركة والاستمتاع، حتى لا ينتفع هو به ولا ولده بعده. والثالث: الحرب. قال الله تعالى: {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} ... والرابع: الكفر قال الله تعالى: {َذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} وقال تعالى: {وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} أي: كفار باستحلال الربا أثيم فاجر بأكل الربا والخامس: الخلود في النار. قال الله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}] المبسوط 12/ 109 - 110. وخلاصة الأمر أن رسوم خدمات القرض يجب أن تقابل بخدمات فعلية حقيقية، حتى تخرج عن نطاق الربا، وأن تكون معلومة ومقدرة تقديراً حقيقياً. وأن أي زيادة على القرض سوى ذلك تعتبر من الربا، وختاماً أوصي من يتعرض للسؤال عن هذه القضايا وغيرها أن ينظر إلى حرمة الربا القطعية في الكتاب والسنة وإلى خطورة الربا وما يجلبه على الناس من مصائب، وما الأزمة المالية العالمية الحالية عنا ببعيد. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 متى تعتبر مصاريف القروض ربا ً؟ يقول السائل: متى تعتبر الزيادة على القرض رباً محرماً؟ ومتى تعتبر مصاريف إدارية؟ حيث إنني توجهت لإحدى المؤسسات التي تقرض مبلغاً لبناء مسكن فطلبوا نسبة 3% كمصاريف إدارية، أفيدونا. الجواب: الأصل الذي قرره فقهاؤنا أن أي زيادة مشروطة على مبلغ القرض تعتبر من الربا المحرم ومن المعلوم أن تحريم الربا قطعي في شريعتنا وأذكر بعض النصوص الشرعية التي تحرم الربا والتعامل به: يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيتان 278 - 279. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (الربا اثنان وسبعون باباً أدناها إتيان الرجل أمه) رواه الحاكم وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/ 488. وقال صلى الله عليه وسلم: (الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 633. وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وهو يعلم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 636. وقد دلت هذه النصوص على تحريم الربا وهو كل زيادة مشروطة على القرض. ومما يدل أيضاً على منع الزيادة المشروطة ما روي في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة) رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده وفي إسناده متروك كما قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 34.ورواه البيهقي في السنن 5/ 350، بلفظ: (كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا) وقال البيهقي: موقوف. ورواه البيهقي أيضاً في معرفة السنن والآثار 8/ 169 والحديث ضعيف، ضعفه ابن حجر وضعفه الشيخ الألباني في إرواء الغليل 5/ 235.ولكن معنى الحديث صحيح وقد اتفق الفقهاء على تحريم أي منفعة يستفيدها المقرض من قرضه ولكن ليس على إطلاقها، فالقرض الذي يجر نفعاً ويكون رباً أو وجهاً من وجوه الربا هو القرض الذي يشترط فيه المقرض منفعة لنفسه فهو ممنوع شرعاً. قال الحافظ ابن عبد البر: [وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلِف فهو ربا، ولو كانت قبضة من علف، وذلك حرام إن كان بشرط]. وقال ابن المنذر: [أجمعوا على أن المسلِف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، إن أخذ الزيادة ربا] الموسوعة الفقهية 33/ 130. وأما إذا كانت الزيادة على القرض غير مشروطة عند العقد لا تصريحاً ولا تلميحاً فهي جائزة عند جمهور الفقهاء ولا تعد تلك الزيادة من الربا ويدل على جواز ذلك أحاديث واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم وآثار عن الصحابة رضي الله عنهم منها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد ضحى فقال: صل ركعتين وكان لي عليه دين فقضاني وزادني) رواه البخاري. وفي رواية أخرى عند البخاري قال جابر رضي الله عنه: (فلما قدمنا المدينة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم يا بلال: اقضه وزده فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطاً). وعن أبي رافع رضي الله عنه قال: (استلف النبي صلى الله عليه وسلم بكراً - الفتي من الإبل - فجاءته إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره، فقلت: إني لم أجد من الإبل إلا جملاً خياراً رباعياً - جملاً كبيراً له من العمر ست سنوات - فقال: أعطه إياه فإن من خير الناس أحسنهم قضاء) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سناً فأعطى سناً خيراً من سنه، وقال: خياركم أحاسنكم قضاء) رواه أحمد والترمذي وصححه. وفي رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم مسن من الإبل فجاء يتقاضاه، فقال: أعطوه فطلبوا سنه فلم يجدوا إلا سناً فوقها، فقال: أعطوه. فقال: أوفيتني أوفاك الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن خيركم أحسنكم قضاء) رواه البخاري ومسلم. وعن مجاهد قال: (استلف عبد الله بن عمر من رجل دراهم ثم قضاه دراهم خيراً منها فقال الرجل: يا أبا عبد الرحمن هذه خير من دراهمي التي أسلفتك، فقال عبد الله بن عمر: قد علمت ولكن نفسي بذلك طيبة) رواه مالك في الموطأ. وقال الإمام مالك رحمه الله: [لا بأس بأن يقبض من أسلف شيئاً من الذهب أو الورق أو الطعام أو الحيوان ممن أسلفه ذلك أفضل مما أسلفه إذا لم يكن ذلك على شرط منهما ... ]. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وقال القرطبي: [وأجمع المسلمون نقلاً عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضة من علف كما قال ابن مسعود أو حبة واحدة ويجوز أن يرد أفضل مما يستلف إذا لم يشترط ذلك عليه لأن ذلك من باب المعروف استدلالاً بحديث أبي هريرة في البكر- الفتي من الإبل -: (إن خياركم أحسنكم قضاء) رواه الأئمة البخاري ومسلم. فأثنى صلى الله عليه وسلم على من أحسن القضاء وأطلق ذلك ولم يقيده بصفة] تفسير القرطبي 3/ 241. وأما الزيادة على القرض التي تسمى رسوم خدمات القرض أو أجور القرض أو مصاريف إدارية أو أتعاب إدارية للقرض فيجب أن يعلم ما يلي: أولاً: إن هذه الرسوم لا بد أن تكون مقابل خدمات فعلية لا وهمية. ثانياً: أي زيادة على الخدمات الفعلية تعتبر من الربا المحرم شرعاً. جاء في قرارات مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث سنة 1407هـ وفق 1986م [ ... بخصوص أجور خدمات القروض في البنك الإسلامي للتنمية: قرر مجلس المجمع اعتماد المبادئ التالية: 1. جواز أخذ أجور عن خدمات القروض. 2. أن يكون ذلك في حدود النفقات الفعلية. 3. كل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعًا] مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد 3 الجزء 1/ 305. ثالثاً: إن هذه الرسوم لا يجوز أن تكون مقابل إستيفاء القرض بل تكون عند إنشاء عقد القرض بمعنى أنها مصاريف إدارية تغطي التكاليف الإدارية مثل أجور الموظفين والشؤون المكتبية ونحو ذلك وإذا كانت الجهة المقرضة تتولى الإشراف على التنفيذ يدخل في ذلك أجور المهندسين أو المراقبين كما هو الحال في بعض المؤسسات التي تقرض للبناء والإسكان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 وأما إذا كانت مقابل استيفاء القرض فهي ربا لذا ما تسميه بعض المؤسسات رسوم تحصيل القرض وهو أن يدفع المقترض مع كل قسط يسدده مبلغاً من المال كرسوم تحصيل للقرض ما هو إلا ربا محرم. رابعاً: كثير من فقهاء العصر يرون أن تقدر هذه الرسوم بمبلغ مقطوع ولا تقدر بنسبة مئوية وخاصة إذا أخذت هذه الرسوم مقابل الأمور المكتبية فقط لأنها إذا قدرت بنسبة مئوية فستختلف باختلاف مبلغ القرض لأنها لو كانت رسوماً للخدمات فعلاً لما اختلف مقدارها باختلاف حجم القرض وشروطه إذ أن الخدمات المكتبية التي تؤدى لمن يقترض ألفاً هي ذاتها الخدمات التي تؤدى لمن يقترض عشرة آلاف ولكنه التلاعب ومحاولة تغيير الأسماء ليخدع الناس ويظنوا أن ذلك لا شيء فيه ويجب أن يعلم أن هذه الرسوم بهذه الصورة هي ربا وإن غيرت أسماؤها لأن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني كما قرر ذلك فقهاؤنا. ومن فقهاء العصر من أجاز أن تكون نسبة مئوية ضئيلة مثل 1% أو 2% مع تحقق ما ذكرته سابقاً. وخلاصة الأمر أن الزيادة المشروطة على القرض تعتبر من الربا وأما الزيادة غير المشروطة فلا تعتبر من الربا كأن يهدي المقترض للمقرض هدية عند السداد. وأما رسوم خدمات القرض فيجب أن تقابل خدمات فعلية حقيقية وأن تكون معلومة ومقدرة تقديراً حقيقياً. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 كل قرض جرَّ نفعاً فهو ربا يقول السائل: ما معنى الحديث: (كل قرض جرّ نفعاً فهو ربا) وهل يدخل فيه أي منفعة صارت إلى المقرض مهما كانت؟ الجواب: هذا الحديث بهذا اللفظ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي بلفظ آخر وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة) فقد رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده وفي إسناده متروك كما قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 34. ورواه البيهقي في السنن 5/ 350، بلفظ: (كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا) وقال البيهقي: موقوف. ورواه البيهقي أيضاً في معرفة السنن والآثار 8/ 169 والحديث ضعيف، ضعفه ابن حجر كما سبق وضعفه الشيخ الألباني في إرواء الغليل 5/ 235. ومعنى الحديث صحيح ولكن ليس على إطلاقه، فالقرض الذي يجر نفعاً ويكون رباً أو وجهاً من وجوه الربا هو القرض الذي يشترط فيه المقرض منفعة لنفسه فهو ممنوع شرعاً. وأما إذا لم يشترط ذلك فرد المقترض للمقرض القرض وهدية مثلاً بدون شرط سابق فهذا جائز ولا بأس به، بل هو من باب مكافأة الإحسان بالإحسان وقد قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم أحسنكم قضاء) رواه البخاري ومسلم. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد ضحى فقال: صل ركعتين وكان لي عنده دين فقضاني وزادني) رواه البخاري. ومن هذا يتبين لنا أن المنفعة التي يجرها القرض تكون محرمة إذا كانت مشروطة وينطبق عليها كل قرض جر منفعة فهو ربا. ويلحق بالمنفعة المشروطة الهدية أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 المنفعة التي يقدمها المقترض للمقرض قبل السداد. ولم تجر العادة في التهادي بينهما ففيها شبه بالربا وقد ورد في آثار عن الصحابة المنع من ذلك. فقد روى البخاري عن أبي بردة قال: (أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال لي: ألا تجيء إلى البيت حتى أطعمك سويقاً وتمراً فذهبنا فأطعمنا سويقاً وتمراً، ثم قال: إنك بأرض الربا فيها فاش - أي منتشر - فإذا كان لك على رجل دين فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تقبله فإن ذلك من الربا). وعن سالم بن أبي الجعد قال: (كان لنا سماك عليه لرجل خمسون درهماً فكان يهدي إليه السمك فأتى ابن عباس فسأله عن ذلك؟ فقال: قاصه بما أهدى إليك) رواه البيهقي وقال الألباني إسناده صحيح. وله رواية أخرى: (أن ابن عباس قال في رجل كان له على رجل عشرون درهماً فجعل يهدي إليه وجعل كلما أهدى إليه هدية باعها حتى بلغ ثمنها ثلاثة عشر درهما فقال ابن عباس: لا تأخذ منه إلا سبعة دراهم) سنن البيهقي 5/ 349 - 350 وقال الألباني إسناده صحيح. إرواء الغليل 5/ 234. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 الخصم من الدين إذا عجل المدين السداد يقول السائل: إنه اشترى بضاعة بالتقسيط لمدة أربعة وعشرين شهراً وبعد مضي سبعة أشهر توفر له ثمن البضاعة فطلب من البائع أن يحط عنه من الثمن على أن يسدده فوراً فقيل له إن هذا من الربا فلا يجوز، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: مضمون هذا السؤال يسمى عند الفقهاء مسألة (ضع وتعجل) وهي مسألة خلافية بينهم، فذهب جمهور أهل العلم إلى منعها، وقال آخرون بالجواز وهو منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما وبه قال إبراهيم النخعي وابن سيرين وأبو ثور وهو راوية عن الإمام أحمد ومنقول عن الإمام الشافعي وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن عابدين الحنفي وقال به جماعة من العلماء المعاصرين كما سيأتي. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إذا كان عليه دين مؤجل فقال لغريمه: ضع عني بعضه وأعجل لك بقيته لم يجز كرهه زيد بن ثابت وابن عمر والمقداد وسعيد بن المسيب وسالم والحسن وحماد والحكم والشافعي ومالك والثوري وهشيم وابن علية وإسحاق وأبو حنيفة وقال المقداد لرجلين فعلا ذلك كلاكما قد آذن بحرب من الله ورسوله وروي عن ابن عباس: أنه لم ير به بأساً وروي ذلك عن النخعي وأبي ثور لأنه آخذ لبعض حقه تارك لبعضه فجاز كما لو كان الدين حالَّاً] المغني 4/ 39. وقال العلامة ابن القيم بعد أن ذكر القول بمنع (ضع وتعجل) قال: ... [والقول الثاني أنه يجوز وهو قول ابن عباس وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد حكاها ابن أبي موسى وغيره واختاره شيخنا] أي شيخ الإسلام ابن تيمية. إعلام الموقعين 3/ 359. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وقد احتج هذا الفريق من أهل العلم بما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لمَّا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج بني النضير قالوا: يا رسول الله إنك أمرت بإخراجنا ولنا على الناس ديون لم تحل، فقال صلى الله عليه وسلم: ضعوا وتعجلوا) رواه الحاكم وقال هذا حديث صحيح الإسناد. المستدرك 2/ 362. وأخرجه الطبراني في الكبير وفيه مسلم بن خالد الزنجي وهو ضعيف وقد وثق كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 130، ورواه البيهقي في السنن الكبرى 6/ 28، وقال إنه ضعيف لضعف مسلم بن خالد الزنجي. وروى البيهقي بإسناده: [أن ابن عباس كان لا يرى بأساً أن يقول أعجل لك وتضع عني] سنن البيهقي 6/ 28. وتضعيف مسلم بن خالد الزنجي غير مسلَّم قال الذهبي عنه: [الإمام فقيه مكة] ثم ذكر اختلاف العلماء في توثيقه وتجريحه فقال: [قال يحيى بن معين ليس به بأس، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال ابن عدي: حسن الحديث أرجو أنه لا بأس به، وقال أبو داود: ضعيف. قلت - أي الذهبي -:بعض النقاد يرقي حديث مسلم إلى درجة الحسن] سير أعلام النبلاء 8/ 176 - 177. وسبق كلام الهيثمي أن مسلم بن خالد الزنجي قد وثق وهو شيخ الإمام الشافعي وقد روى عنه الإمام الشافعي واحتج به! قال ابن القيم بعد أن ساق الحديث: [قلت هو على شرط السنن وقد ضعفه البيهقي وإسناده ثقات وإنما ضعف بمسلم بن خالد الزنجي وهو ثقة فقيه روى عنه الشافعي واحتج به] إغاثة اللهفان 2/ 13. وبهذا يظهر لنا أن الحديث صالح للاحتجاج به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 وقال هذا الفريق من أهل العلم إن مسألة ضع وتعجل تعتبر من قبيل الصلح وليس فيه مخالفة لقواعد الشرع وأصوله بل حكمة الشرع ومصالح المكلفين تقتضي أن المدين والدائن قد اتفقا وتراضيا على أن يتنازل الأول عن الأجل والدائن عن بعض حقه فهو من قبيل الصلح والصلح جائزٌ بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً وحرم حلالاً. الربا والمعاملات المصرفية ص 237. وأجاب العلامة ابن القيم عن دعوى أن مسألة ضع وتعجل من باب الربا بقوله: [لأن هذا عكس الربا فإن الربا يتضمن الزيادة في أحد العوضين في مقابلة الأجل وهذا يتضمن براءة ذمته من بعض العوض في مقابلة سقوط الأجل فسقط بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الأجل فانتفع به كل واحد منهما ولم يكن هنا ربا لا حقيقةً ولا لغةً ولا عرفاً فإن الربا الزيادة وهي منتفية ههنا والذين حرموا ذلك إنما قاسوه على الربا ولا يخفى الفرق الواضح بين قوله: إما أن تربي وإما أن تقضي، وبين قوله: عجل لي وأهب لك مائة. فأين أحدهما من الآخر؟ فلا نص في تحريم ذلك ولا إجماع ولا قياس صحيح] إعلام الموقعين 3/ 359. وقال ابن القيم أيضاً: [قالوا: وهذا ضد الربا فإن ذلك يتضمن الزيادة في الأجل والدين وذلك إضرار محض بالغريم ومسألتنا تتضمن براءة ذمة الغريم من الدين وانتفاع صاحبه بما يتعجله فكلاهما حصل له الانتفاع من غير ضرر بخلاف الربا المجمع عليه فإن ضرره لاحق بالمدين ونفعه مختص برب الدين فهذا من الربا صورة ومعنى] إغاثة اللهفان 2/ 13. وقد أجاز مجمع الفقه الإسلامي مسألة ضع وتعجل عند بحثه لبيع التقسيط فقد جاء في قرار المجمع ما يلي: [الحطيطة من الدين المؤجل لأجل تعجيله سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين (ضع وتعجل) جائزة شرعاً لا تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناءً على اتفاق مسبق وما دامت العلاقة بين الدائن والمدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 ثنائية فإذا دخل طرف ثالث لم تجز لأنها تأخذ عندئذ حكم حسم الأوراق التجارية] مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/ 2/218. كما وأجازت هذه المسألة عدد من الهيئات العلمية الشرعية. - - - الظفر بالحق يقول السائل: لي دين على شخص وهذا الدين ثابت وقد مضى على الدين سنوات والمدين مقر به ولكنه مماطل ويرفض سداد الدين لأسباب غير مقبولة، وبينما كنت في السوق قابلني قريب للمدين وطلب مني توصيل مبلغ من المال له فهل يجوز لي شرعاً أن آخذ المبلغ المستحق لي عنده وأعطيه الباقي أفيدونا. الجواب: يجب أن يعلم أولاً أنه تحرم المماطلة على الغني القادر على سداد دينه وقد ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم) رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر، والغني مختلف في تعريفه ولكن المراد به هنا من قدر على الأداء فأخره ولو كان فقيراً] فتح الباري 5/ 371. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني أيضاً: [وفي الحديث الزجر عن المطل، واختلف هل يُعَدُّ فعله عمداً كبيرة أم لا؟ فالجمهور على أن فاعله يفسَّق] فتح الباري 5/ 372. وكذلك ينبغي أن يعلم أن الأصل عند أهل العلم أن من كان له دين فماطله المدين فعليه أن يطالب بدينه عن طريق القضاء فإن تعذر ذلك كأن يكون حكم القضاء غير نافذ أو تطول مدة النظر في القضية عدة سنوات أو غير ذلك من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 الأسباب فهل يجوز لصاحب الدين إن ظفر بمالٍ للمدين أن يستوفي حقه منه أم لا؟ هذه المسألة تسمى مسألة الظفر بالحق عند أهل العلم وهي محل خلاف بينهم وأرجح أقوال أهل العلم جواز ذلك وبه قال الحنفية والمالكية والشافعية وهو قول في مذهب الحنابلة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال الشيخ ابن حزم الظاهري إن ذلك فرض وقد ذكر العلماء تفاصيل كثيرة تتعلق بالمسألة، انظر المغني 9/ 286 - 289، المحلى 6/ 490 - 494، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 30/ 371 - 375، سبل السلام 3/ 868 - 869، الموسوعة الفقهية الكويتية 29/ 156 - 166. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إذا كان لرجل على غيره حق، وهو مقر به باذل له لم يكن له أن يأخذ من ماله إلا ما يعطيه، بلا خلاف بين أهل العلم فإن أخذ من ماله شيئاً بغير إذنه لزمه رده إليه، وإن كان قدر حقه لأنه لا يجوز أن يملك عليه عيناً من أعيان ماله بغير اختياره لغير ضرورة، وإن كانت من جنس حقه لأنه قد يكون للإنسان غرض في العين وإن أتلفها أو تلفت فصارت ديناً في ذمته وكان الثابت في ذمته من جنس حقه تقاضياً، في قياس المذهب والمشهور من مذهب الشافعي وإن كان مانعاً له لأمر يبيح المنع كالتأجيل والإعسار، لم يجز أخذ شيء من ماله بغير خلاف وإن أخذ شيئاً، لزمه رده إن كان باقياً أو عوضه إن كان تالفاً ولا يحصل التقاضي ها هنا لأن الدين الذي له لا يستحق أخذه في الحال، بخلاف التي قبلها وإن كان مانعاً له بغير حق وقدر على استخلاصه بالحاكم أو السلطان لم يجز له الأخذ أيضا بغيره لأنه قدر على استيفاء حقه بمن يقوم مقامه، فأشبه ما لو قدر على استيفائه من وكيله] المغني 9/ 287. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 ومما يدل على جواز مسألة الظفر بالحق وأنه مشروع قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} سورة البقرة الآية 194. ولا شك في أن من كان عليه حق فأنكره وامتنع عن بذله فقد اعتدى، فيجوز أخذ الحق من ماله بغير إذنه وبغير حكم القضاء، فإن الشارع قد أذن بذلك. ويدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) رواه البخاري، وإن أخذ الحق من الظالم نصر له. انظر الموسوعة الفقهية الكويتية 29/ 162 - 163. ومما يدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيَّ إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل عليَّ في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي عند ذكر ما يستفاد من الحديث: [ومنها: أن من له على غيره حق وهو عاجز عن استيفائه يجوز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذنه، وهذا مذهبنا ... ] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 373. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [واستدل به على أن من له عند غيره حق وهو عاجز عن استيفائه جاز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذنه، وهو قول الشافعي وجماعة، وتسمى مسألة الظفر، والراجح عندهم لا يأخذ غير جنس حقه إلا إذا تعذر جنس حقه، وعن أبي حنيفة المنع، وعنه يأخذ جنس حقه ولا يأخذ من غير جنس حقه إلا أحد النقدين بدل الآخر، وعن مالك ثلاث روايات كهذه الآراء، وعن أحمد المنع مطلقاً] فتح الباري 9/ 631. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وقال الإمام ابن دقيق العيد: [نعم فيه دليل على مسألة الظفر بالحق، وأخذه من غير مراجعة من هو عليه، ولم يدل الحديث على جواز أخذها من الجنس، أو من غير الجنس. ومن يستدل بالإطلاق في مثل هذا: يجعله حجة في الجميع. واستدل به على أنه لا يتوقف أخذ الحق من مال من عليه على تعذر الإثبات عند الحاكم. وهو وجه للشافعية؛ لأن هنداً كان يمكنها الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ الحق بحكمه] إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام 2/ 270. [وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الرجل يكون له على الرجل دين فيجحده، أو يغصبه شيئاً. ثم يصيب له مالاً من جنس ماله. فهل له أن يأخذ منه مقدار حقه؟ فأجاب: وأما إذا كان لرجل عند غيره حق من عين أو دين. فهل يأخذه أو نظيره، بغير إذنه؟ فهذا نوعان: أحدهما: أن يكون سبب الاستحقاق ظاهراً لا يحتاج إلى إثبات، مثل استحقاق المرأة النفقة على زوجها، واستحقاق الولد أن ينفق عليه والده، واستحقاق الضيف الضيافة على من نزل به، فهنا له أن يأخذ بدون إذن من عليه الحق بلا ريب؛ كما ثبت في الصحيحين أن هند بنت عتبة ... وكذلك لو كان له دين عند الحاكم وهو يمطله، فأخذ من ماله بقدره، ونحو ذلك] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 30/ 372 - 373. واحتج الشيخ ابن حزم على فرضية أخذ الحق بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة والآثار منها: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} سورة النحل الآية 126. وقَوْله تَعَالَى: {وَلَمَنْ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} سورة الشورى الآيتان 41 - 42. وقَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ إذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 عَلَى اللَّهِ} سورة الشورى الآية 39. وقَوْله تَعَالَى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} سورة البقرة الآية 194. وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}. سورة البقرة الآية 194. وقَوْله تَعَالَى: {إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} سورة الشعراء الآية 227 ... (ومنها قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِغُرَمَاءِ الَّذِي أُصِيبَ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا: خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ) وَهَذَا إطْلَاقٌ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم لِصَاحِبِ الْحَقِّ عَلَى مَا وَجَدَ لِلَّذِي لَهُ عَلَيْهِ الْحَقُّ ... عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ [قَالَ: قُلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقرونا، فما ترى فيه؟ فقال لنا عليه السلام: إن نزلتم بقوم فأمر لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف).وهو قول علي بن أبي طالب، وابن سيرين. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنْ أَخَذَ الرَّجُلُ مِنْك شَيْئًا فَخُذْ مِنْهُ مِثْلَهُ ... عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إنْ أَخَذَ مِنْك شَيْئًا فَخُذْ مِنْهُ مِثْلَه ... عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَا تَخُنْ مَنْ خَانَك، فَإِنْ أَخَذْت مِنْهُ مِثْلَ مَا أَخَذَ مِنْك فَلَيْسَ عَلَيْك بَأْسٌ. وَعَنْ عَطَاءٍ حَيْثُ وَجَدْت مَتَاعَك فَخُذْهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} فَمَنْ ظَفَرَ بِمِثْلِ مَا ظُلِمَ فِيهِ هُوَ، أَوْ مُسْلِمٌ، أَوْ ذِمِّيٌّ، فَلَمْ يُزِلْهُ عَنْ يَدِ الظَّالِمِ وَيَرُدَّ إلَى الْمَظْلُومِ حَقَّهُ فَهُوَ أَحَدُ الظَّالِمِينَ، لَمْ يُعِنْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى بَلْ أَعَانَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، هَذَا أَمْرٌ يُعْلَمُ ضَرُورَةً. وَكَذَلِكَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ) فَمَنْ قَدَرَ عَلَى كَفِّ الظُّلْمِ وَقَطْعِهِ وَإِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ قَدَرَ عَلَى إنْكَارِ الْمُنْكَرِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَخَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 عليه وسلم إلَّا أَنْ يُحَلِّلَهُ مِنْ حَقِّ نَفْسِهِ فَقَدْ أَحْسَنَ بِلَا خِلَافٍ، وَالدَّلَائِلُ عَلَى هَذَا تَكْثُرُ جِدًّا] المحلى 6/ 491 - 492. والمسألة فيها كلام كثير لأهل العلم. وخلاصة الأمر أنه يجوز شرعاً استيفاء الدين من مال المدين بدون إذنه وعلى الدائن أن يخبر المدين بأنه استوفى حقه منه ويعيد له بقية المبلغ. - - - لا يجوز تثبيت سعر العملة في عقد القرض يقول السائل: اقترضت قبل حوالي السنة مبلغ أربعة آلاف دولار من أحد الأقارب وكتبنا ورقة بيننا على أن سعر الدولار 3.4 شيكل، واتفقنا على أنه إذا ارتفع سعر الدولار فأسدد المبلغ بالدولار، وإذا انخفض سعر الدولار فأسدد بالشيكل حسب سعر صرف الدولار يوم القرض أي بسعر الدولار 3.4 شيكل، فما حكم هذه المعاملة، أفيدونا؟ الجواب: الشرط المذكور في الاتفاق بينكما شرط باطل، لأن المقترض يلزمه أن يرد مثل ما اقترض فقط، ولا يلزمه أن يرد قيمته، قال ابن عابدين نقلاً عن كتاب الخلاصة: [القرض بالشرط حرام، والشرط لغو] حاشية ابن عابدين. وحقيقة ما تم بين السائل وبين المقرض أنه قرض وبيع، فالسائل اقترض أربعة آلاف دولار، وفي نفس الوقت اشترها بسبعة عشر ألف ومئتي شيكل، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سلف وبيع، كما ثبت في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد وغيرهم، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال العلامة الألباني: حسن. إرواء الغليل 5/ 146. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وقال العلامة ابن القيم: [وحرم الجمع بين السلف والبيع، لما فيه من الذريعة إلى الربح في السلف بأخذ أكثر مما أعطى] إغاثة اللهفان 1/ 363. إذا تقرر هذا فالواجب عليك أن ترد له مبلغ أربعة آلاف دولار بغض النظر عن ارتفاع سعر الدولار أو انخفاضه، لأن الأصل المقرر في الفقه الإسلامي أن الديون تقضى بأمثالها ولا تقضى بقيمتها، ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء)، وفي رواية أخرى: (أبيع بالدنانير وآخذ مكانها الورق وأبيع بالورق وآخذ مكانها الدنانير) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة والحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، [فابن عمر كان يبيع الإبل بالدنانير أو الدراهم وقد يقبض الثمن في الحال وقد يبيع بيعاً آجلاً وعند قبض الثمن ربما لا يجد مع المشتري بالدنانير إلا دراهم وقد يجد مع من اشترى بدراهم ليس معه إلا دنانير أفيأخذ قيمة الثمن يوم ثبوت الدين أم يوم الأداء؟ مثلاً إذا باع بمائة دينار وكان سعر الصرف: الدينار بعشرة دراهم أي أن له ما قيمته ألف درهم وتغير سعر الصرف فأصبح الدينار مثلاً بأحد عشر درهماً أفيأخذ الألف أم ألفاً ومائة؟ وإذا أصبح بتسعة دراهم فقط أفيأخذ تسعمائة درهم يمكن صرفها بمائة دينار يوم الأداء أم يأخذ ألف درهم قيمة مائة الدينار يوم البيع؟ بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن العبرة بسعر الصرف يوم الأداء، وابن عمر الذي عرف الحكم من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، سأله بكر بن عبد الله المزني ومسروق العجلي عن كرَّيٍ لهما له عليهما دراهم وليس معهما إلا دنانير فقال ابن عمر: أعطوه بسعر السوق. فهذا الحديث الشريف يعتبر أصلاً في أن الدين يؤدى بمثله لا بقيمته حيث يؤدي عن تعذر المثل بما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 يقوم مقامه وهو سعر الصرف يوم الأداء، يوم الأداء لا يوم ثبوت الدين] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 5 جزء 3 ص1727 - 1728. وهذا مذهب أكثر الفقهاء، الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة واختار هذا القول كثير من الفقهاء والعلماء المعاصرين، حيث إنهم يرون أن الدين إذا استقر في ذمة الشخص بمقدار محدد فالواجب هو تسديد ذلك المقدار بدون زيادة أو نقصان فالديون تقضى بأمثالها في حالة الرخص والغلاء ولا تقضى بقيمتها جاء في المدونة: [كل شيء أعطيته إلى أجل فرد إليك مثله وزيادة فهو ربا] المدونة 4/ 25. وقال أبو إسحاق الشيرازي الشافعي: [ويجب على المستقرض رد المثل فيما له مثل لأن مقتضى القرض رد المثل] المهذب مع المجموع 12/ 185. وقال الكاساني الحنفي: [ولو لم تكسد - النقود - ولكنها رخصت قيمتها أو غلت لا ينفسخ البيع بالإجماع وعلى المشتري أن ينقد مثلها عدداً ولا يلتفت إلى القيمة هاهنا] بدائع الصنائع 5/ 542. وقال الشيخ ابن عابدين في رسالته عن النقود: [ ... لأن الإمام الإسبيجاني في شرح الطحاوي قال: وأجمعوا على أن الفلوس إذا لم تكسد ولكن غلت قيمتها أو رخصت فعليه مثل ما قبض من العدد] رسالة تنبيه الرقود على مسائل النقود 2/ 60 ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [لا يجب في القرض إلا رد المثل بلا زيادة] مجموع الفتاوى 29/ 535. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [والدراهم لا تقصد عينها فإعادة المقترض نظيرها كما يعيد المضارب نظيرها وهو رأس المال. ولهذا لم يستحق المقرض إلا نظير ماله، وليس له أن يشترط الزيادة عليه في جميع الأموال باتفاق العلماء، والمقترض يستحق مثل قرضه في صفته ... ] مجموع الفتاوى 29/ 473. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وقال العلامة الغزي الحنفي: [أما إذا غلت قيمتها أو ازدادت، فالبيع على حاله، ولا يتخير المشتري، ويطالب بالنقد بذلك العيار الذي كان وقت البيع، كذا في فتح القدير. وفي البزازية معزياً إلى المنتقى: [غلت الفلوس أو رخصت فعند الإمام الأول والثاني أولاً ليس عليه غيرها) رسالة بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير النقود ص 83 - 84. وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي هذه المسألة بحثاً مستفيضاً وتوصل العلماء المشاركون في المجمع إلى القرار التالي: [العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أياً كان مصدرها بمستوى الأسعار] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 5 ج 3/ 2261. وبناءً على ما سبق فإن قضاء الديون بأمثالها لا بقيمتها هو الأصل في هذه المسألة، ويعتبر قضاء الديون بقيمتها من الربا المحرم شرعاً [إن الحكم على المدين المماطل بتعويض دائنه بفرق هبوط القوة الشرائية للنقد عقب مطله غير سائغ شرعاً إذ هو وقوع في حمى الربا المحرم تحت ستار تعويض الدائن عن انخفاض القوة الشرائية للنقود، بل إن الدائن ليحصل في كثير من الأحيان باسم ذلك التعويض على ما يزيد قدراً ويفوق جوراً الفوائد التأخيرية في البنوك الربوية] قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد ص500. ويستثنى من الأصل المذكور حالة واحدة فقط وهي: إذا كان تغير قيمة العملة كبيراً وهنالك خلاف بين الفقهاء في مقدار التغير الكبير فمنهم من يقول الثلث ومنهم من يقول النصف. وأود أن أنبه على بعض القضايا المرتبطة بمسألة تغير قيمة العملة وهي: أولاً: للمقترض أن يحسن لمن أقرضه فيعوضه عن هبوط قيمة العملة، كما أحسن المقرض له عندما أقرضه، وهذا من باب الإحسان، ولا يجوز أن يكون ذلك مشروطاً، فقد ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (أتيت النبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد ضحىً فقال: صل ركعتين، وكان لي عليه دين فقضاني وزادني) رواه البخاري. وفي رواية أخرى عند البخاري قال جابر رضي الله عنه: (فلما قدمنا المدينة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم يا بلال: اقضه وزده فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطاً). وعن أبي رافع رضي الله عنه قال: (استلف النبي صلى الله عليه وسلم بكراً - الفتي من الإبل - فجاءته إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره، فقلت: إني لم أجد من الإبل إلا جملاً خياراً رباعياً - جملاً كبيراً له من العمر ست سنوات - فقال: أعطه إياه فإن من خير الناس أحسنهم قضاء) رواه مسلم. وعن مجاهد قال: (استلف عبد الله بن عمر من رجل دراهم ثم قضاه دراهم خيراً منها فقال الرجل: يا أبا عبد الرحمن هذه خير من دراهمي التي أسلفتك، فقال عبد الله بن عمر: قد علمت ولكن نفسي بذلك طيبة) رواه مالك في الموطأ. وقال الإمام مالك: (لا بأس بأن يقبض من أسلف شيئاً من الذهب أو الورق أو الطعام أو الحيوان ممن أسلفه ذلك أفضل مما أسلفه إذا لم يكن ذلك على شرط منهما ... ). وقال الإمام القرطبي: [وأجمع المسلمون نقلاً عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضة من علف كما قال ابن مسعود أو حبة واحدة ويجوز أن يرد أفضل مما يستلف إذا لم يشترط ذلك عليه لأن ذلك من باب المعروف استدلالاً بحديث أبي هريرة في البكر- الفتي من الإبل -: (إن خياركم أحسنكم قضاء) رواه الأئمة البخاري ومسلم. فأثنى صلى الله عليه وسلم على من أحسن القضاء وأطلق ذلك ولم يقيده بصفة] تفسير القرطبي 3/ 241. ثانياً: يدخل فيما سبق قيام أصحاب العمل بتثبيت سعر الدينار أو الدولار عند مقدار معين، وهذا أيضاً من باب التفضل والإحسان، ولا يجوز أن يكون بشرط سابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 ثالثاً: لا مانع شرعاً من أن يكون هنالك اتفاقٌ بين صاحب العمل والعامل على تعديل أجر العامل دورياً مثلاً كل شهر أو شهرين بنسبة تعادل انخفاض قيمة العملة. كأن يتفق العامل مع صاحب العمل على أن يعطيه زيادة على أجره كل آخر شهر بنسبة 2% أو 3% أو نحو ذلك من أجل المحافظة على أجر العامل من انخفاض قوته الشرائية. وسبق لمجمع الفقه الإسلامي أن ناقش هذه القضية وأصدر القرار التالي: [يجوز أن تتضمن أنظمة العمل واللوائح والترتيبات الخاصة بعقود العمل التي تتحدد فيها الأجور بالنقود شرط الربط القياسي للأجور على أن لا ينشأ عن ذلك ضرر للاقتصاد العام. والمقصود هنا بالربط القياسي للأجور تعديل الأجور بصورة دورية تبعاً للتغير في مستوى الأسعار وفقاً لما تقدره جهة الخبرة والاختصاص والغرض من هذا التعديل حماية الأجر النقدي للعاملين من انخفاض القدرة الشرائية لمقدار الأجر بفعل التضخم النقدي وما ينتج عنه من الارتفاع المتزايد في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات. وذلك لأن الأصل في الشروط الجواز إلا الشرط الذي يحل حراماً أو يحرم حلالاً] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 8 ج 3/ 787. وخلاصة الأمر أن الأصل في الديون أنها تقضى بأمثالها لا بقيمتها، وأنه لا يجوز ربط سعر عملة بعملة أخرى عند الاقتراض أو البيع أو عند ترتيب أي حق مالي، ويجوز للمقترض أن يعوض المقرض عن هبوط قيمة العملة بدون شرط سابق، وأن هذا من باب المعروف والإحسان. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 الشرط الجزائي في العقود التي تتضمن التزاماً مالياً في الذمة السؤال: اطلعت على اتفاقية تلزيم مقصف في إحدى المؤسسات وقد لفت نظري بند ينص على أنه في حالة التأخر عن الدفع يترتب على الفريق الثاني دفع مبلغ وقدره 300 شيكل عن كل يوم تأخير وقد رأيت أن أبين حكم هذا الشرط فيما يلي: الجواب: الشرط المذكور في الاتفاقية المشار إليها يسمى شرطاً جزائياً وهو اتفاق المتعاقدين في ذات العقد أو في اتفاق لاحق، وبشرط أن يكون ذلك قبل الإخلال بالالتزام على مقدار التعويض الذي يستحقه الدائن عند عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه أو تأخيره عنه فيه. انظر بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة 2/ 855. والشرط الجزائي منه ما يكون في العقود التي تتضمن أعمالاً كعقود المقاولة والتوريد وعقد الاستصناع بالنسبة للصانع إذا لم ينفّذ ما التزم به أو تأخر في تنفيذه. ومنه ما يكون في العقود التي تتضمن التزاماً مالياً في الذمة وقد اتفق الفقهاء المعاصرون على جواز النوع الأول من الشروط الجزائية وأما النوع الثاني فهو محرم عند أكثر فقهاء العصر. ويستدل على جواز النوع الأول من الشرط الجزائي بما رواه الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن ابن سيرين أن رجلاً قال لكريِّه: (من يكري وسائل النقل) أدخل ركابك فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم فلم يخرج، فقال شريح: من شرط على نفسه طائعاً ليس مكره فهو عليه. ويدخل النوع الأول من الشرط الجزائي في عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم) رواه أصحاب السنن وهو حديث صحيح. وجاء في رواية أخرى: (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 حراماً) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وكذلك الاعتماد على القول الصحيح من أن الأصل في الشروط الصحة، وأنه لا يحرم منها ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصاً أو قياساً. انظر أبحاث هيئة كبار العلماء 1/ 213. وأما النوع الثاني من الشروط الجزائية وهو ما كان مقرراً لتأخير الوفاء بالديون اللازمة في الذمة فهو محرم لأنه عين الربا وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة عشرة في الفترة من 8 إلى 13 ذو القعدة 1423هـ، الموافق 11 16 كانون الثاني 2003 ما يتعلق بالديون المتأخرة وسدادها: أ. بخصوص الشرط الجزائي في العقود: يؤكد المجلس قراراته السابقة بالنسبة للشرط الجزائي الواردة في قراره في السَّلم رقم 85 (2/ 9) ونصه: (لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه، لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير)، وقراره في الشرط الجزائي رقم 109 (4/ 12) ونصه: (يجوز أن يكون الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دَيناً، فإن هذا من الربا الصريح، وبناء على هذا لا يجوز الشرط الجزائي مثلاً في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المتبقية سواء كان بسبب الإعسار أو المماطلة، ولا يجوز في عقد الاستصناع بالنسبة للمستصنع إذا تأخر في أداء ما عليه). ب. يؤكد المجمع على قراره السابق في موضوع البيع بالتقسيط رقم 51 (2/ 6) في فقراته الآتية: ثالثاً: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط لأن ذلك ربا محرم. رابعاً: يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حلَّ من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 وبناءً على ما سبق فإن الشرط الجزائي لا يدخل في باب الديون مطلقاً فلذا لا يجوز أن يدخل الشرط الجزائي في بيع التقسيط في حالة تأخر المشتري عن السداد وكذلك لا يدخل في عقد الإجارة إذا تأخر المستأجر في دفع الأجرة وكذلك لا يدخل في عقد القرض إذا تأخر المقترض في سداد القرض. قال ابن المنذر: [أجمعوا على أن المسلِف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، إن أخذ الزيادة ربا] الموسوعة الفقهية 33/ 130. وجاء في قرار مجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ما يلي: [نظر المجمع الفقهي في موضوع السؤال التالي، إذا تأخر المدين عن سداد الدين في المدة المحددة، فهل للبنك الحق أن يفرض على المدين غرامة مالية، جزائية بنسبة معينة بسبب التأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما؟ الجواب: وبعد البحث والدراسة، قرر المجمع الفقهي بالإجماع ما يلي: إن الدائن إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن يدفع له مبلغاً من المال غرامة مالية جزائية محددة أو بنسبة معينة، إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرط أو فرض باطل، ولا يجب الوفاء به، ولا يحل سواءً أكان الشارط هو المصرف أو غيره، لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه] ويجب أن يعلم أنه يحرم على الغني أن يماطل فيما وجب عليه من حقوق، كالدين مثلاً، وكذلك من وجد أداءً لحق عليه وإن كان فقيراً تحرم عليه المماطلة، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم) رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر: [والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر، والغني مختلف في تعريفه ولكن المراد به هنا من قدر على الأداء فأخره ولو كان فقيراً] فتح الباري 5/ 371. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وأما إذا كان المدين معسراً فإن الله سبحانه وتعالى طلب إنظاره إلى ميسرة، كما قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} سورة البقرة الآية 280. وخلاصة الأمر أن الشرط المذكور في اتفاقية تلزيم المقصف الذي ينص على أنه في حالة التأخر عن الدفع يترتب على الفريق الثاني دفع مبلغ وقدره 300 شيكل عن كل يوم تأخير أنه شرط ربوي محرم لا يجوز اشتراطه ويحرم الوفاء به لأنه عين الربا المحرم تحريماً قطعياً في كتاب الله عز وجل وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 الشيكات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 التعامل بالشيكات يقول السائل: يتعامل بعض الناس بالشيكات مع بعض الصرافين فيأخذ الصراف الشيك من الزبون ويكون موعد صرفه بعد ستة أشهر مثلاً فإذا كانت قيمة الشيك ألف دينار يدفع الصراف تسعمائة وخمسين دينار، وفي حالة أخرى يتم صرف الشيك الذي حل موعد استحقاقه مقابل عمولة تقدر ب 1% أو 1.5% فما حكم التعامل بالصورتين المذكوريتن؟ الجواب: إن التعامل بالصورة الأولى المذكورة في السؤال حرام شرعاً لأن ما يقوم به الصراف من أخذ الشيك الذي تبلغ قيمته ألف دينار بتسعمائة وخمسين ديناراً يعتبر أحد أبواب الربا لأن المبلغ الذي يأخذه الصراف هو مقابل المدة الباقية على صرف الشيك وهي ستة أشهر مثلاً وهذه الصورة غير جائزة لا يجوز التعامل بها. وأما الصورة الثانية فإن ما يتقاضاه الصراف وهو المسمى عمولة وتقدر بنسبة قليلة فيعتبر من باب الأجر ولا بأس بالتعامل بهذه الصورة ولا يعد من التعامل بالربا. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 استلام الشيك الحالّ بمثابة قبض النقود يقول السائل: هل استلام الشيك في الصرف يعتبر بمثابة قبض النقود وما حكم أخذ العمولة على الشيكات الحالة والمؤجلة وما تعليقكم على ما جاء في إحدى الفتاوى التي نشرت في جريدة القدس من منع استعمال الشيك في عمليات الصرف وعدم جواز دفع العمولة عليها؟ الجواب: إن الأصل في نظام المعاملات في الشريعة الإسلامية الإباحة مع الالتزام بالقواعد العامة الحاكمة لنظام المعاملات المالية الشرعية وإن التطور الملموس الذي ظهر في باب المعاملات المالية يحتاج إلى دراسة وبحث لصور المعاملات المالية الحديثة على ضوء القواعد الشرعية وينبغي التروي في إصدار الأحكام ودراستها دراسة عميقة ومن المعروف أن التعامل بالشيكات صار من الأمور المشهورة والمعروفة والتي لا يستغني عنها الناس في معاملاتهم المالية والشيك عبارة عن أمر من العميل إلى المصرف ليدفع إلى شخص ثالث المبلغ المدون في الشيك من حسابه الجاري في المصرف. المصارف الإسلامية ص 314. والشيكات على أنواع وأشكال مختلفة ولا يتسع المقام للحديث عن تفاصيل ذلك ولكن سأذكر حكم استعمال الشيك في الصرف وهل يقوم استلام الشيك مقام قبض المبلغ في الصرف لأنه من المعلوم فقهاً أنه يشترط لصحة عقد الصرف تقابض البدلين في المجلس فإذا ما تصارف اثنان أحدهما لديه ألف دينار مثلاً ويريد أن يصرفها إلى دولارات فدفع الأول الألف دينار للصراف فأعطاه الصراف شيكاً حال الأجل بالدولارات التي تقابل الدنانير فهل عملية الصرف هذه صحيحة أم لا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 الجواب: إذا نظرنا إلى حقيقة التعامل بالشيكات وأن منزلتها لا تقل عن منزلة التعامل بالأوراق النقدية وإذا اشترطنا في الشيك الحلول بمعنى أن يكتب تاريخ الشيك في تاريخ المصارفة وأن يكون المبلغ المكتوب فيه محدداً فإنه يجوز استعمال الشيك في هذه الحالة ويعتبر استلام الشيك بمثابة قبض المبلغ المدون فيه فقبض الشيك في هذه الحالة يقوم مقام قبض بدل الصرف ذاته. يقول الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله: [فإذا نظرنا إلى أن الشيكات تعتبر في نظر الناس وعرفهم وثقتهم بمثابة النقود الورقية وأنها يجري تداولها بينهم كالنقود تظهيراً وتحويلاً وأنها محمية في قوانين جميع الدول من حيث أن سحب الشيك على بنك ليس للساحب فيه رصيد يفي بقيمة الشيك المسحوب يعتبر جريمة شديدة تعاقب عليها قوانين العقوبات في الدول جميعاً، إذا نظرنا إلى هذه الاعتبارات يمكن القول معها بأن تسليم المصرف الوسيط شيكاً بقيمة ما قبض من طالب التحويل يعتبر بمثابة دفع بدل الصرف في المجلس أي أن قبض ورقة الشيك كقبض مضمونه فيكون الصرف قد استوفى شريطته الشرعية في التقابض] أحكام صرف النقود والعملات ص 101. وبهذا يتضح لنا أن إعطاء شيك حال بمنزلة التقابض في المجلس فلا مانع من ذلك شرعاً وأما أخذ العمولة على الشيكات المؤجلة كأن تكون قيمة الشيك ألف دينار مثلاً وتاريخ الشيك بعد شهرين فيذهب حامل الشيك إلى الصراف فيعطيه 950 ديناراً فأرى أن هذه الصورة ممنوعة شرعاً لاشتمالها على الربا. وأما إذا كان الشيك حالاً فلا مانع من أخذ العمولة عليه كما جرت عادة المصارف والصرافين من خصم 1% مثلاً على الشيك فهذه الصورة تخرج على أنها وكالة والوكالة تجوز بأجر وبدون أجر فهذه العملية ظاهر فيها الجواز شرعاً لأن العمولة التي يأخذها البنك هي أجرة له على التحصيل فهو وكيل مفوّض من قبل أصحاب هذه الأوراق علماً أن تحصيلها يتطلب جهداً كبيراً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 من البنك ويكلفه مصاريف انتقال المحصلين وإرسال الإخطارات للمدينين والإشعارات بسدادهم يقول الأستاذ الهمشري: [وبالتأمل في مفهوم كل من التحصيل للأوراق التجارية والوكالة أستطيع أن أقرر أن عملية التحصيل للأوراق التجارية لا تخرج عن كونها عملية توكيل للبنك بأجر وإذا أجزنا للمحامي الأجر مقابل وكالته في الدفاع سواء أكسب القضية أم خسرها فإن الوكيل - البنك - في عملية التحصيل للدين يستحق الأجر سواء تم التحصيل أم لا لأنه قام بالوكالة وحقق المطالبة بسداد الدين في ميعاد الاستحقاق واتخذ كافة وسائل التحصيل الممكنة .. ] البنوك الإسلامية ص 137 - 138. وأما ما جاء في الفتوى المنشورة في جريدة القدس قبل حوالي أسبوعين حيث ورد فيها ما يلي: [وأما إذا كان قبض المبلغ غير مؤجل أي أنه حال ويستطيع الصيرفي قبض المبلغ من الجهة الموجه إليها الشيك في أي وقت يريد فالأمر فيه تفصيل فإذا كانت العملية تسمى صرفاً فتكون العملية غير جائزة وذلك لأن صورة الصرف الشرعية هي مبادلة مال بمال مثلاً بمثل دون زيادة وفي نفس المجلس يستلم الطرفان كل من الآخر دون أن يفترقا وفي هذه الصورة قد استلم صاحب الشيك مبلغه نقداً وأما الصيرفي فقد استلم ورقة فيها أمر بالدفع ولم يستلم نقوداً وقدم المبلغ أيضاً ناقصاً. وأما إذا كانت العملية غير صورة الصرف ... فصاحب الشيك المضمون قبضه حالاً غير مؤجل لسبب من الأسباب لا يتمكن من الذهاب للجهة الموجه إليها الأمر بالقبض فيكلف شخصاً آخر سواء الصيرفي أو غيره بأن يقوم بهذه المهمة مقابل أجرة معينة فيستلم الصيرفي الشيك المضمون قبضه حالاً ويعطي صاحبه مبلغه باستثناء الأجرة المتفق عليها ... فهذه الصورة ليست فيها مخالفة شرعية ... الخ]. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 أقول هذه الفتوى فرقت بين المتماثلين في الحقيقة والواقع واعتمدت في التفريق على اختلاف الاسم فقط ففي الصورة الأولى التي تسمى صرفاً لا تجوز وفي الصورة الثانية التي تسمى مهمة مقابل الأجر تجوز وليس فيها مخالفة شرعية. إن الشريعة الإسلامية لا تفرق بين المتماثلين وإن مضمون الصورتين واحد وإن اختلفت التسمية كما جاء في الفتوى. إن من القواعد المعلومة في الشريعة الإسلامية أن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني وهذه القاعدة مستمدة من القاعدة الكلية الأخرى وهي الأمور بمقاصدها. قال العلامة ابن القيم: [قواعد الفقه وأصوله تشهد أن المرعي في العقود حقائقها ومعانيها لا صورها وألفاظها] زاد المعاد 5/ 200. وقال في موضع آخر: [والتحقيق أنه لا فرق بين لفظ ولفظ فالاعتبار في العقود بحقائقها ومقاصدها لا بمجرد ألفاظها] زاد المعاد 5/ 813. وبهذا يظهر لنا أن تفريق الفتوى بين الصورتين المذكورتين في صرف الشيك الحال تفريق غير صحيح لأن حقيقة الصورتين واحدة وإن اختلفت التسمية كما ورد في الفتوى. وختاماً فالذي يظهر لي هو جواز صرف الشيكات الحالة مع دفع عمولة عليها كما هو متعارف الآن لدى البنوك والصرافين وأن هذه العمولة تخرج على أنها وكالة بأجر. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 من أحكام التعامل بالشيكات يقول السائل: إن معه شيك مؤجل الدفع بقيمة 680 ديناراً وأنه اشترى بضاعة من تاجر قيمتها 600 دينار وأعطاه الشيك المؤجل وطلب من التاجر أن يدفع له ما بقي من قيمة الشيك أي 80 ديناراً فما حكم ذلك؟ الجواب: لا مانع شرعاً من ذلك حيث إن التاجر أعطاك الثمانين ديناراً على أنها قرض حسن واستوثق لنفسه بأخذ الشيك حيث إن الشيك وثيقة بالدين في هذه الحالة فهذه المعاملة جائزة إن شاء الله. وأما المحظور الذي يقع فيه كثير ممن يتعاملون بالشيكات الآجلة أنهم يعطونها للتجار أو للصرافين ويأخذون أقل من المبلغ المرقوم فيها فهذا نوع من الربا حيث إن الشخص في هذه الحالة يكون قد اقترض مبلغاً من المال على أن يسدد أكثر منه. فإذا كان المبلغ المرقوم في الشيك ألف دينار مثلاً فإن التاجر أو الصراف يعطيه 950 ديناراً. وهذا ما تفعله البنوك الربوية في الإقراض حيث إنها عندما تقرض تخصم الربا (الفائدة) سلفاً. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 التعامل بالشيكات الآجلة يقول السائل: ما قولكم في تاجر يبيع البضائع لزبائنه بشيكات مؤجلة من شهر إلى ستة أشهر ثم يقوم هذا التاجر ببيع الشيكات لأحد البنوك بأقل من قيمتها الحقيقية؟ الجواب: لا يجوز شرعاً بيع الشيكات الآجلة بأقل من قيمتها الحقيقية ويعتبر ذلك من الربا المحرم حيث إن هذه العملية عند التدقيق فيها يتبين لنا أن التاجر الذي أخذ الشيكات الآجلة من زبائنه وتساوي قيمتها مثلاً مائة ألف دينار يبيعها إلى البنك بسبعة وتسعين ألف دينار فكأن البنك أقرض التاجر سبعة وتسعين ألف دينار الآن وسوف يستوفيها مائة ألف دينار عندما يقوم الزبائن بدفع قيمة هذه الشيكات فهذا هو الربا المحرم بعينه. - - - مسائل في التعامل بالشيكات يقول السائل: عندي ثلاثة أسئلة تتعلق بالتعامل بالشيكات أرجو الجواب عنها وهي: أ. لدي شيكات مؤجلة قيمتها سبعة وثمانون ألف شيكل وأريد بيعها لصراف بستة وسبعين ألف شيكل فما حكم ذلك؟ وهل يجوز بيع الشيكات التي فات تاريخ تحصيلها بأقل من المبلغ المرقوم فيها؟ ب. ما حكم شراء ذهب للعرس بشيكات مؤجلة؟ ج. لدي شيك مؤجل بالدولار فعرضته على صراف فأعطاني قيمة الشيك بالشيكل ولكنه حسب الدولار بأقل من سعر صرفه الآن مقابل الشيكل فما حكم ذلك؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 الجواب: التعامل بالشيكات من الأمور الجائزة شرعاً ضمن الضوابط الشرعية لذلك ومن أهم هذه الضوابط أنه لا يجوز بيع الشيكات المؤجلة بأقل من قيمتها لأن ذلك من الربا المحرم حيث إن بيع الشيك المؤجل بأقل من قيمته هو في الحقيقة بيع دين بنقد مع التفاضل وعدم التقابض في المجلس وهذا ربا النسيئة المحرم بالنصوص الشرعية وقد انعقد الإجماع على ذلك فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبُر بالبُر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء) رواه البخاري ومسلم. وقد اتفق أهل العلم على أن من شروط عقد الصرف تقابض البدلين من المتعاقدين في مجلس العقد قبل افتراقهما. قال ابن المنذر: [أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد] المغني4/ 41. وأما بيع الشيكات التي قد مضى تاريخ استحقاقها ولم يستطع الشخص تحصيلها فيبيعها بأقل من المبلغ المرقوم فيها بكثير فهذا أمر محرم شرعاً وهو باب من أبواب الربا لما سبق من وجوب التقابض في مجلس العقد. وتحرم المعاملة السابقة أيضاً لما فيها من الغرر نظراً للجهالة في تحصيل قيمتها من مصدرها فالمشتري لهذه الشيكات المؤجلة قد يحصلها ممن أصدرها وقد لا يحصلها. ويمكن الاستعاضة عن بيع هذه الشيكات بأقل من قيمتها بأن تجعل أيها السائل مبلغاً من المال لمن يحصل لك تلك الشيكات المؤجلة على أن تدفع له المبلغ المتفق عليه بعد أن يقوم بتحصيلها وهذا ما يسمى الجعالة عند الفقهاء وهي تسمية مال معلوم لمن يعمل للجاعل عملاً مباحاً انظر الموسوعة الفقهية 15/ 208. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وقد قال جمهور أهل العلم بصحة عقد الجعالة ويدل على جوازها قوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} سورة يوسف الآية 72. ويدل على جوازها أيضاً ما ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها، حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا أن يضيفوهم، فلُدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط! الذين نزلوا لعلهم أن يكون عندهم شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم، والله إني لأرقي، ولكن استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براقٍ حتى تجعلوا لنا جُعلاً، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه، ويقرأ: الحمد لله رب العالمين، فكأنما أنشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قَلَبَة، فقال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقتسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له ذلك، فقال: وما يدريك أنها رقية؟، ثم قال: قد أصبتم، اقتسموا، واضربوا لي معكم سهماً) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من الأدلة. ولا بد من التنبيه على أن من شروط صحة الجعالة أن العامل لا يستحق شيئاً إلا بعد إنجاز العمل المتفق عليه. الموسوعة الفقهية 15/ 209. وأما جواب السؤال الثاني فأقول: إن شراء الذهب بالشيكات يعتبر من باب الصرف عند الفقهاء لأن الذهب يعتبر الأصل في العملات كما أن الأصل في عقد الصرف هو تقابض البدلين في مجلس العقد ويحرم تأجيل أحدهما لما سبق في الحديث (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبُر بالبُر، والشعير بالشعير، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 والتمر بالتمر والملح بالملح، مثلاًُ بمثل، يداً بيد ... ) ومن المعلوم أن الشيكات تقوم مقام النقد. وبناءً على ما تقدم فإنه يجوز بيع وشراء الذهب بأنواعه وأشكاله المختلفة بالشيكات بشرط أن تكون الشيكات حالة أي يستطيع الصائغ (البائع) صرفها فوراً وبشرط أن يتم استلام الذهب والشيك في مجلس العقد وأما إذا كانت الشيكات مؤجلة أي كتب عليها تاريخ متأخر عن تاريخ شراء الذهب ولو بيوم واحد فهذه المعاملة محرمة لأنها أخلت بشرط التقابض في مجلس العقد. وهنا ينبغي التذكير بأن مذهب جماهير أهل العلم أنه لا يجوز بيع حلي الذهب والفضة نسيئة أي مع تأخير قبض الثمن أو بالدَّين كما يقول عامة الناس بل لابد من البيع نقداً مع التقابض في مجلس العقد وقد صح في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض -أي لا تزيدوا- ولا تبيعوا الوَرِق -الفضة- بالوَرِق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائباً بناجز) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا سواء بسواء)، قال العلماء: هذا يتناول جميع أنواع الذهب والورق من جيد ورديء وصحيح ومكسور وحلي وتبر وغير ذلك وسواء الخالص والمخلوط بغيره وهذا كله مجمع عليه] شرح النووي على مسلم 4/ 195. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: (والجيد والرديء والتبر والمضروب والصحيح والمكسور سواء في جواز البيع مع التماثل وتحريمه مع التفاضل وهذا قول أكثر أهل العلم) المغني 4/ 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وأما إجابة السؤال الثالث فأقول إن ما قام به الصراف يعد نوعاً من التحايل على الربا المحرم شرعاً فإن بيع الشيك بعملة أخرى هو من باب الصرف ويشترط فيه التقابض في المجلس كما سبق وعليه فلا يجوز شرعاً بيع الشيكات المؤجلة بأقل من قيمتها سواء كان ذلك بنفس العملة المذكورة في الشيك أو بغيرها من العملات وسواء كان ذلك بقيمتها أو بأقل من قيمتها. وخلاصة الأمر أنه يحرم بيع الشيكات المؤجلة بأقل من قيمتها كما يحرم شراء حلي الذهب والفضة بالشيكات المؤجلة ويحرم صرف الشيكات المؤجلة بعملة غير المذكورة في الشيك سواء كان ذلك بقيمتها أو بأقل من قيمتها. - - - حكم إصدار شيك بدون رصيد يقول السائل: أرجو بيان حكم إصدار شيك بدون رصيد؟ الجواب: الشيك نوع من أنواع التوثيق المشروع للدين بالكتابة، كما ورد في قرار مجمع الفقه الإسلامي [الأوراق التجارية -الشيكات- من أنواع التوثيق المشروع للدين بالكتابة] مجلة المجمع العدد السابع ج 2 ص9. والتعامل بالشيكات الأصل فيه الجواز بشرط أن يكون وفق الضوابط الشرعية التي قررها الفقهاء المعاصرون وكذا المجامع الفقهية، وإصدار شيك بدون رصيد أمر معروف ويتعامل به الناس وخاصة التجار، حيث إنهم يشترون بضاعة ويعطون بائعها شيكاً متأخراً بلا رصيد، ويجوز إصدار شيك بدون رصيد إذا كان المصدر للشيك سيقوم بتغطية المبلغ المرقوم في الشيك قبل تاريخ استحقاقه، فإذا التزم مصدر الشيك بهذا القيد فلا حرج في إصداره شيكاً بدون رصيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وأما إذا أصدر شيكاً بدون رصيد وهو عازم على عدم تغطية المبلغ المرقوم في الشيك قبل تاريخ استحقاقه، وحان موعد صرف الشيك وليس له رصيد، فإن هذا العمل محرم لما يلي: أولاً: لأن هذا يعتبر من باب تعمد إخلاف الوعد، والأصل في المسلم أن يفي بوعده، وخاصة أن مصدر الشيك إذا كان تاجراً فإنه يكون قد استلم البضاعة، وصاحب البضاعة ما سلَّمها له إلا ثقة به على أن يستلم ثمن البضاعة حين يأتي تاريخ الشيك المتأخر. وكثيرٌ من النصوص من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أمرت بالوفاء بالوعد وحثت على ذلك وذمت من لم يف بوعده فمن هذه النصوص قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} سورة المائدة الآية 1. فهذه الآية الكريمة تأمر بالوفاء بالعقود والوعد داخل في ذلك. قال الزجاج: [المعنى أوفوا بعقد الله عليكم وبعقدكم مع بعضكم مع بعض] نقله عنه القرطبي في تفسيره 6/ 33. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} سورة الصف الآية 3. وهذه الآية من أشد الآيات في وجوب الوفاء بالوعد لأنها تضمنت الذم الشديد لمن لم يف بما يعد. قال القرافي: [والوعد إذا أخلف قول لم يفعل فيلزم أن يكون كذباً وأن يحرم إخلاف الوعد مطلقاً] الفروق 4/ 20. وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} سورة النحل الآية 91. وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} سورة الإسراء الآية 34. وورد في السنة النبوية ما يدل على وجوب الوفاء بالوعد فمن ذلك ما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الهل صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا وعد أخلف) رواه البخاري ومسلم. وجاء في رواية أخرى عند مسلم: (من علامات المنافق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 ثلاث ... ). وفي رواية ثالثة عند مسلم أيضاً: (آية المنافق ثلاث ... وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم). وجاء في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) رواه البخاري ومسلم. وجاء في الحديث عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال: (دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتها فقالت: تعال أعطك. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أردت أن تعطيه؟ فقالت: أعطيه تمراً. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنك لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبة) رواه أبو داود وحسّنه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/ 943، وفي السلسة الصحيحة 2/ 384. وجاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ في صلاته كثيراً من المأثم والمغرم -الإثم والدَّين- فقيل له: يا رسول الله، ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: إن الرجل إذا غرم -أي استدان- حدث فكذب ووعد فأخلف) رواه البخاري. والذي أميل إليه وأختاره وجوب الوفاء بالوعد ديانةً وقضاءً وهذا قول جماعة من أهل العلم منهم جماعة من فقهاء السلف كالفقيه المعروف ابن شبرمة والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والقاضي سعيد بن الأشوع وإسحاق بن راهويه وغيرهم. ثانياً: إن إصدار شيك بدون رصيد مع عدم تغطيته في موعده يُعَدُّ من باب أكل أموال الناس بالباطل ولا شك في تحريم ذلك، يقول الله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل} سورة البقرة الآية 188. ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} سورة النساء الآية 29. وعن صهيب رضي الله عن أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيما رجل يدين ديناً وهو مجمع على أن لا يوفيه إياه لقي الله سارقاً) رواه ابن ماجة والبيهقي وقال العلامة الألباني: حسن صحيح كما في صحيح سنن ابن ماجة 2/ 52. ثالثاً: بعض المتعاملين مع البنوك الربوية يتفقون معها عند إصدارهم شيكات بدون رصيد، حيث يقوم البنك بتغطية قيمة هذه الشيكات التي لا رصيد لها واحتساب فوائد ربوية على مبلغ الشيكات، وهذا رباً واضح وهو محرم شرعاً بالنصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يقول الله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أثيم إن الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين َفإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيات 275 - 279. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) رواه مسلم. رابعاً: إن إصدار شيك بدون رصيد مع عدم تغطيته في موعده، فيه إلحاق الضرر بالناس وهو أمر محرم وقد جاء في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة والطبراني وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 250. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 خامساً: إصدار شيك بدون رصيد مع عدم تغطيته في موعده، من المسائل المستجدة التي ينبغي أن يعاقب عليها بعقوبة تعزيرية رادعة، لأنها صارت منتشرة بين الناس بشكل كبير ويترتب عليها أضرار كثيرة، والقوانين الوضعية تعاقب عليها، فقد جاء في ذلك المادة 421 من قانون العقوبات الأردني: [يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن مائة دينار ولا تزيد على مائتي دينار كل من أقدم بسوء نية على ارتكاب أحد الأفعال الآتية: أ. إذا أصدر شيكاً وليس له مقابل وفاء قائم وقابل للصرف. ب. إذا سحب بعد إصدار الشيك كل المقابل لوفائه أو بعضه بحيث لا يفي الباقي بقيمته. ج. إذا أصدر أمراً إلى المسحوب عليه بالامتناع عن صرف الشيك في غير الحالات التي يجيزها القانون. د. إذا ظهَّر لغيره شيكاً أو أعطاه شيكاً مستحق الدفع لحامله وهو يعلم أنه ليس له مقابل يفي بكامل قيمته أو يعلم أنه غير قابل للصرف]. كما أن بعض البلدان قد وضعت عقوبات أخرى لمن يصدر شيكات بدون رصيد مثل شطب السجل التجاري لمن يصدر بشكل متكرر شيكات بدون رصيد، والتحفظ على محل التاجر أو شركته. وختاماً أنبه على أمرين: أولهما تعامل البنوك الإسلامية مع الشيكات بدون رصيد، حيث إن البنوك الإسلامية لا تتقاضى أية فوائد في حال قبلت كشف حساب الزبون المصدر للشيك بدون رصيد، لأن القاعدة الأساسية التي تقوم عليها البنوك الإسلامية هي عدم التعامل بالربا لا أخذاً ولا إعطاءً، كما أن البنوك الإسلامية لا تقبل كشف حساب الزبون المصدر للشيك بدون رصيد، إلا إذا كان عنده ضمانات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 مثل وديعة استثمارية، وكذلك أن يكون كشف الحساب لمدة قصيرة لا تتجاوز نهاية الشهر الذي قُدمَ فيه الشيك بدون رصيد. وثانيهما: إذا صدر شيك بدون رصيد وأرجعه البنك المسحوب عليه، فإن البنك يتقاضى رسوماً على ذلك، وهذه الرسوم يجب أن يتحملها المصدر للشيك بدون رصيد. وخلاصة الأمر أنه يحرم إصدار شيكات بدون رصيد إذا لم يتم تغطية المبلغ المرقوم فيها، لاشتمال هذه العملية على عدة مفاسد بينتها. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 أحكام العملات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 صرف العملة مع تأجيل القبض يقول السائل: طلب شخص من صراف أن يبيعه مبلغاً من الدولارات على أن يسدد قيمتها بالشيكل بعد شهر فما حكم ذلك؟ الجواب: إن بيع عملة بعملة أخرى يسمى عند الفقهاء عقد الصرف وقد اتفق أهل العلم على أن من شروط عقد الصرف تقابض البدلين من الجانبين في المجلس قبل اقترافهما. قال ابن المنذر: [أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد]. فلذلك يشترط في عملية بيع عملة بأخرى أن يتم تبادل العملتين في المجلس ولا يجوز تأجيل قبض إحداهما وإن حصل التأجيل فالعقد باطل ويدل على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب مثلاً بمثل يداً بيد والفضة بالفضة مثلاُ بمثل يداً بيد) رواه مسلم. وبما أن العملات الورقية تقوم مقام الذهب والفضة كما قال كثير من علماء العصر فأنه يشترط في بيع هذه العملات بغيرها من العملات التقابض ولا يجوز التأجيل وبناء على ما تقدم لا يجوز للسائل أن يشتري دولارات بشيكلات مؤجلة الدفع. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 حكم بيع العملات بالهامش (المارجن) يقول السائل: إنه بدأ التعامل مع إحدى شركات الوساطة المالية لبيع وشراء العملات في البورصات العالمية بما يعرف بالبيع بالهامش (المارجن) وإن الشركة المذكورة تعتمد على فتوى لمجلس الفتوى الفلسطيني تجيز التعامل المذكور حيث وضعت الفتوى على موقع شركة الوساطة على الإنترنت، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: لا بد أولاً من بيان حقيقة ما يسمى البيع بالهامش أو ما يعرف بالمارجن [لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره. فيقصد بالشراء بالهامش: شراء العملات بسداد جزء من قيمتها نقداً بينما يسدد الباقي بقرض مع رهن العملة محل الصفقة. والهامش هو التأمين النقدي الذي يدفعه العميل للسمسار ضماناً لتسديد الخسائر التي قد تنتج عن تعامل العميل مع السمسار. وفي هذه المعاملة يفتح العميل حساباً بالهامش لدى أحد سماسرة سوق العملات، الذي يقوم بدوره بالاقتراض من أحد البنوك التجارية - وقد يكون السمسار هو البنك المقرض نفسه- لتغطية الفرق بين قيمة الصفقة وبين القيمة المدفوعة كهامش. مثال ذلك: لنفرض أن عميلاً فتح حساباً بالهامش لدى أحد السماسرة، وضع فيه العميل تأميناً لدى السمسار بمقدار عشرة آلاف دولار. وفي المقابل يُمَكِّن السمسارُ العميلَ بأن يتاجر في بورصة العملات بما قيمته مليون دولار، أي يقرضه هذا المبلغ برصده في حسابه لديه - أي لدى السمسار- ليضارب العميل به، فيشتري بهذا الرصيد من العملات الأخرى كاليورو مثلاً، ثم إذا ارتفع اليورو مقابل الدولار باع اليورو، وهكذا، فيربح العميل من الارتفاع في قيمة العملة المشتراة] شبكة الإنترنت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 إن ما يتم في البورصات العالمية من بيع وشراء للعملات المختلفة مخالف في أغلبه لقواعد الصرف المعروفة عند الفقهاء وأهمها التقابض في مجلس العقد، فقد اتفق أهل العلم على أن من شروط عقد الصرف تقابض البدلين من المتعاقدين في مجلس العقد قبل افتراقهما. قال ابن المنذر: [أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد] المغني4/ 41. ويدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) رواه مسلم. فلذلك يشترط في عملية بيع عملة بأخرى أن يتم تبادل العملتين في المجلس ولا يجوز تأجيل قبض إحداهما وإن حصل التأجيل فالعقد باطل قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم: (يداً بيد) حجة للعلماء كافة في وجوب التقابض وإن اختلف الجنس] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 199. وإذا تأملنا مسألة البيع بالهامش (المارجن) وجدناها قد أخلت بهذا الشرط المتفق عليه بين العلماء فلا يوجد فيه قبض لا حقيقي ولا حكمي، وقد ظن بعض المفتين أن تسجيل العملية في قيد المتعامل لدى شركة الوساطة هو قبض حكمي، وهذا ظن خاطئ لأنه يوجد ما يسمى بالتسوية المالية ( Settlement) أو ما يعرف بنظام (السبوت SPOT) وهذه التسوية لا تكون إلا بعد يومي عمل على أقل تقدير وقد تزيد عن ذلك [مع مراعاة أيام العطلات الرسمية في حساب تواريخ الاستحقاق وهي: السبت والأحد في أوروبا وأمريكا والجمعة في الشرق الأوسط. ويترتب على ذلك أنه إذا تم تبادل بين عملة أوروبية أو أمريكية مقابل عملة أوروبية يوم الجمعة فسيكون التسليم الفعلي يوم الثلاثاء بإهدار يومي السبت والأحد لأنهما عطلة رسمية في أوروبا وأمريكا. وإذا تم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 تبادل بين عملة أوروبية أو أمريكية مقابل عملة شرق أوسطية يوم السبت فسيكون التسليم الفعلي يوم الأربعاء بإهدار أيام الجمعة والسبت والأحد؛ لأنها أيام عطلة في الشرق الأوسط فكأن العملية تمت يوم الاثنين فيكون التسليم يوم الأربعاء بعد يومي عمل، وما يحدث يوم التعاقد هو تسجيل للعملية فقط] ويقول الشيخ الدكتور سامي بن إبراهيم السويلم (باحث في الاقتصاد الإسلامي من علماء المملكة العربية السعودية): [هناك فرق بين إجراء البيع والشراء وبين التسوية، فإجراء العقد يتم في ثوان كما أشار الأخ الكريم. أما التسوية ( settlement)، فهي تعني دخول المبلغ في حساب المشتري، ودخول العوض في حساب البائع، بحيث يمكن لكل طرف أن يتصرف في المبلغ لمصلحته الخاصة بالسحب وغيره، وبهذا يتحقق التقابض بين الطرفين. لا يوجد حتى الآن في سوق العملات الدولية تقابض أو تسوية فورية تتم في لحظة إنجاز العقد، بل يتأخر التقابض لمدة يومين (ويشار إليه ب ( T+2) أو أكثر. في بعض الحالات يمكن للمتعامل اشتراط أن تتم التسوية في نفس اليوم ( T+0) لكن الأصل هو التأخر]. إذن يوجد فرق بين تسجيل العملية في قيد المتعامل وبين التسوية وعليه فإن من يشتري عملة فإنه لا يستطيع سحبها من حسابه قبل عملية التسوية وإن كانت قد سجلت في قيده لدى شركة الوساطة، وبالتالي لا يجوز له بيعها إلا بعد عملية التسوية. وما ورد في الفتوى المشار إليها [ولا يتم بيع أو شراء العملة إلا إذا ملكها المتعامل عن طريق تسجيلها في حسابه عبر الوسائل الحديثة ويتسلم المتعامل مستندات خاصة بكل عملية بيع وشراء بسرعة فائقة عبر وسائل الاتصالات الحديثة، هذا التسجيل في حساب المتعامل أو تسلم المستندات يعتبر في الفقه الإسلامي قبضاً حكمياً للعملة المشتراة أو المباعة فالبيع والشراء بعد القبض الحكمي لا ربا فيه لأن البائع والمشتري يملكان البدلين عند العقد ويتم تسليمها في مجلس العقد هذا ما يتفق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 مع شروط الصرف الصحيح] وأقول إن هذا الكلام غير صحيح فقهاً، لأنه لا يتم القبض الحكمي في العملية المذكورة إلا بعد التسوية وليس بمجرد التسجيل في حساب المتعامل كما ورد في الفتوى. وكذلك فإن الفتوى المذكورة قد أغفلت قضية هامة عندما ذكرت أن [التمويلات أو التسهيلات المالية والتي هي عبارة عن حساب جارٍ مدين يمنحه البنك للمتعامل لحساب ما يحتاجه لشراء العملات وبيعها هي عبارة عن إذن من البنك للمتعامل بالتصرف في هذا المبلغ وما يسحبه المتعامل أو وكيله هو قرض ويسجل في حساب المتعامل على أنه مدين والقرض في الشريعة الإسلامية مشروع ما دام البنك لا يتقاضى شيئاً على التمويل أو التسهيلات المالية ... ]. أقول لو سلمنا بأن هذا القرض بدون فوائد فإنه قرض يجر نفعاً وهو أن البنك يشترط أن يكون التعامل عن طريقه وبهذا يكون قرضاً جرَّ نفعاً وقد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعاً فهو من الربا المحرم. كما أن الفتوى المذكورة قد خالفت ما اتفقت عليه المجامع الفقهية المعتبرة من تحريم التعامل بالمارجن كما ورد في فتوى المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، في دورته الثامنة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 10 - 14 من ربيع الأول 1427هـ، الذي يوافقه 8 - 12 من إبريل 2006م، قد نظر في موضوع: (المتاجرة بالهامش)، والتي تعني: (دفع المشتري (العميل) جزءاً يسيراً من قيمة ما يرغب شراءه يسمّى هامشاً، ويقوم الوسيط مصرفاً أو غيره، بدفع الباقي على سبيل القرض، على أن تبقى العقود المشتراة لدى الوسيط، رهناً بمبلغ القرض). وبعد الاستماع إلى البحوث التي قدمت، والمناقشات المستفيضة حول الموضوع، رأى المجلس أن هذه المعاملة تشتمل على الآتي: (1) المتاجرة (البيع والشراء بهدف الربح)، وهذه المتاجرة تتم غالباً في العملات الرئيسة، أو الأوراق المالية (الأسهم والسندات)، أو بعض أنواع السلع، وقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 تشمل عقود الخيارات، وعقود المستقبليات، والتجارة في مؤشرات الأسواق الرئيسة. (2) القرض، وهو المبلغ الذي يقدمه الوسيط للعميل مباشرة إن كان الوسيط مصرفاً، أو بواسطة طرف آخر إن كان الوسيط ليس مصرفاً. (3) الربا، ويقع في هذه المعاملة من طريق (رسوم التبييت)، وهي الفائدة المشروطة على المستثمر إذا لم يتصرف في الصفقة في اليوم نفسه، والتي قد تكون نسبة مئوية من القرض، أو مبلغاً مقطوعاً. (4) السمسرة، وهي المبلغ الذي يحصل عليه الوسيط نتيجة متاجرة المستثمر (العميل) عن طريقه، وهي نسبة متفق عليها من قيمة البيع أو الشراء. (5) الرهن، وهو الالتزام الذي وقعه العميل بإبقاء عقود المتاجرة لدى الوسيط رهناً بمبلغ القرض، وإعطائه الحق في بيع هذه العقود واستيفاء القرض إذا وصلت خسارة العميل إلى نسبة محددة من مبلغ الهامش، ما لم يقم العميل بزيادة الرهن بما يقابل انخفاض سعر السلعة. ويرى المجلس أن هذه المعاملة لا تجوز شرعاً للأسباب الآتية: أولاً: ما اشتملت عليه من الربا الصريح، المتمثل في الزيادة على مبلغ القرض، المسماة (رسوم التبييت)، فهي من الربا المحرم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيتان 278 - 279. ثانياً: أن اشتراط الوسيط على العميل أن تكون تجارته عن طريقه، يؤدي إلى الجمع بين سلف ومعاوضة (السمسرة)، وهو في معنى الجمع بين سلف وبيع المنهي عنه شرعاً في قول الرسول?: (لا يحل سلف وبيع ... ) الحديث رواه أبو داود (3/ 384) والترمذي (3/ 526) وقال: حديث حسن صحيح. وهو بهذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 يكون قد انتفع من قرضه، وقد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعاً فهو من الربا المحرم. ثالثاً: أن المتاجرة التي تتم في هذه المعاملة في الأسواق العالمية غالباً ما تشتمل على كثير من العقود المحرمة شرعاً، ومن ذلك: 1. المتاجرة في السندات، وهي من الربا المحرم، وقد نص على هذا قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة رقم (60) في دورته السادسة. 2. المتاجرة في أسهم الشركات دون تمييز، وقد نص القرار الرابع للمجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة عشرة سنة 1415هـ على حرمة المتاجرة في أسهم الشركات التي غرضها الأساسي محرم، أو بعض معاملاتها ربا. 3. بيع وشراء العملات يتم غالباً دون قبض شرعي يجُيز التصرف. 4. التجارة في عقود الخيارات وعقود المستقبليات، وقد نص قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة رقم (63) في دورته السادسة، أن عقود الخيارات غير جائزة شرعاً، لأن المعقود عليه ليس مالاً ولا منفعة ولا حقاً مالياً يجوز الاعتياض عنه ... ومثلها عقود المستقبليات والعقد على المؤشر. 5. أن الوسيط في بعض الحالات يبيع ما لا يملك، وبيع ما لا يملك ممنوع شرعاً. رابعاً: لما تشتمل عليه هذه المعاملة من أضرار اقتصادية على الأطراف المتعاملة، وخصوصاً العميل (المستثمر) وعلى اقتصاد المجتمع بصفة عامة. لأنها تقوم على التوسع في الديون، وعلى المجازفة، وما تشتمل عليه غالباً من خداع وتضليل وشائعات، واحتكار ونجش وتقلبات قوية وسريعة للأسعار، بهدف الثراء السريع والحصول على مدخرات الآخرين بطرق غير مشروعة، مما يجعلها من قبيل أكل المال بالباطل، إضافة إلى تحول الأموال في المجتمع من الأنشطة الاقتصادية الحقيقية المثمرة إلى هذه المجازفات غير المثمرة اقتصادياً، وقد تؤدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 إلى هزات اقتصادية عنيفة تلحق بالمجتمع خسائر وأضراراً فادحة. ويوصي المجمع المؤسسات المالية باتباع طرق التمويل المشروعة التي لا تتضمن الربا أو شبهته، ولا تحدث آثاراً اقتصادية ضارة بعملائها أو بالاقتصاد العام كالمشاركات الشرعية ونحوها، والله ولي التوفيق] شبكة الإنترنت. وخلاصة الأمر أن بيع وشراء العملات عن طريق ما يسمى بالبيع بالهامش (المارجن) محرم شرعاً، وأدعو مجلس الفتوى الموقر إلى إعادة النظر في فتواه المذكورة والمؤرخة في 12/ 6/2006، والتي تستغل من الطامعين بالثراء السريع من المضاربين بالعملات، مع العلم أن هذه المضاربات لا تعود بأي نفع على الاقتصاد المحلي، ولولا ضيق المقام لفصلت الكلام في هذه المسألة. - - - صرف دولارات بعضها ببعض يقول السائل: الدولار الأمريكي من الفئة الكبيرة هي المتداولة بين جمهور الناس في منطقتنا أما الفئة الصغيرة فهي غير متداولة ولكن البنوك تأخذ ثلاثة بالألف عمولة على تبديلها وتقول: إنها أجرة نقل للبنوك أما عامة الصرافين فيأخذونها بسعر أقل من ذلك أيضاً فهل يجوز تبديل الفئة الصغيرة بفئة كبيرة من البنوك وذلك بدفع ثلاثة بالألف أم أن تبدل بعملة أخرى بسعر أقل من السعر الحقيقي علماً بأنها لا تساوي قيمتها أي الفئة الصغيرة إلا في الولايات المتحدة الأمريكية؟ الجواب: لا يجوز شرعاً بيع الفئة الصغيرة من الدولار الأمريكي بفئة كبيرة من العملات الورقية - النقود - تقوم مقام الذهب والفضة وبالتالي فإن الربا يجري فيها كما يجري في الذهب والفضة فتأخذ النقود الورقية أحكام الذهب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 والفضة وبناء عليه لا يجوز بيع الجنس الواحد منها بعضه ببعض متفاضلاً سواء كان ذلك نسيئة أو يداً بيد لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) رواه مسلم. وأرى أن يقوم الصراف بتبديل الفئات الصغيرة من الدولار بعملة أخرى بسعر أقل من السعر الذي تبدل به الفئات الكبيرة من الدولار فهذه الصورة جائزة ولا بأس بها. - - - جريان الربا في العملات الورقية يقول السائل: قرأت مقالاً نشرته صحيفة القدس بتاريخ 23/ 2/2009م بعنوان (فتوى الشيخ جمعة بتحليل الفوائد البنكية تثير لغطاً بين المتعاملين مع المصارف السعودية) وجاء في المقال أن الشيخ علي جمعة مفتي الديار المصرية يجيز أخذ الفائدة البنكية لأن غطاء العملات قد تغير فلم تعد كالسابق بالذهب والفضة، فما قولكم في هذه الفتوى، أفيدونا؟ الجواب: الخلاف في جريان الربا في النقود الورقية خلاف قديم وجد منذ أن عرفت العملات الورقية، وهو مبني على مسألة مهمة وهي علة الربا في الأصناف الربوية، وقد اختلف العلماء في ثمنية النقود الورقية، فمنهم من قال إنها ليست نقوداً شرعية، وإنما هي سندات بديون على الدولة التي أصدرتها، ومنهم من قال النقود الورقية عروض ولا تأخذ صفة الثمنية وتسري عليها أحكام العروض من عدم جريان الربا فيها. وقد ذهب جماهير علماء العصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 وكذا المجامع الفقهية المعتبرة إلى أن النقود الورقية تقوم مقام الذهب والفضة وتأخذ أحكامهما فتثبت لها صفة الثمنية، وبالتالي يجري فيها الربا بنوعيه النسيئة والفضل، انظر المعاملات المالية المعاصرة ص 151 - 153، وهذا القول هو الصحيح الذي تؤيده الأدلة، والأقوال الأخرى ضعيفة لا يلتفت إليها ولا يعول عليها، وقول المفتي المذكور ومن قبله قول شيخ الأزهر ومن قال بمثل قولهما، يعتبر هدماً لتحريم الربا الذي جاءت به النصوص من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، حيث إن القول الصحيح عند جماهير علماء العصر أن ربا البنوك هو الربا المحرم في القرآن والسنة. ومن المعلوم أن أرجح أقوال أهل العلم في علة الربا في النقدين الذهب والفضة هي الثمنية أو مطلق الثمنية، قال العلامة ابن القيم: [وأما الدراهم والدنانير، فقالت طائفة العلة فيهما كونهما موزونين، وهذا مذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه ومذهب أبي حنيفة، وطائفة قالت: العلة فيهما الثمنية، وهذا قول الشافعي ومالك وأحمد في الرواية الأخرى، وهذا هو الصحيح بل الصواب] إعلام الموقعين 2/ 156. وقد آلت هذه العلة إلى النقود الورقية، فقد أصبحت العملة الورقية ثمناً للأشياء، وتدفع بها الالتزامات كما هو متعارف عليه بين الناس، قال الشيخ صالح السدلان: [الأوراق النقدية قائمة في الثمنية مقام ما تفرعت عنه، وبدل عما حلت محله من عملات الذهب والفضة، وما كان منها متفرعاً عن الذهب فله حكم الذهب، وما كان منها متفرعاً عن الفضة فله حكم الفضة، والأمور الشرعية بمقاصدها ومعانيها لا بألفاظها ومبانيها: وأنها إذا زالت عنها الثمنية أصبحت مجرد قصاصات ورق لا تساوي بعد إبطالها شيئاً مما كانت تساويه قبل إبطالها إذن: فلها حكم النقدين الذهب والفضة مطلقاً، لأن ما يثبت للمبدل عنه يثبت للبدل] عن شبكة الإنترنت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وهذا ما أقرته المجامع الفقهية المعتبرة كما ذكرت، فقد جاء في قرار هيئة كبار العلماء ما يلي: [بناء على أن النقد هو كل شيء يجري اعتباره في العادة أو الاصطلاح، بحيث يلقى قبولاً عاماً كوسيط للتبادل، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: [وأما الدرهم والدينار فما يعرف له حدٌ طبعي ولا شرعي، بل مرجعه إلى العادة والاصطلاح؛ وذلك لأنه في الأصل لا يتعلق المقصود به، بل الغرض أن يكون معياراً لما يتعاملون به، والدراهم والدنانير لا تقصد لنفسها، بل هي وسيلة إلى التعامل بها؛ ولهذا كانت أثماناً ... إلى أن قال: والوسيلة المحضة التي لا يتعلق بها غرض، لا بمادتها ولا بصورتها يحصل بها المقصود كيفما كانت] مجموع الفتاوى 29/ 251، وذكر نحو ذلك الإمام مالك في المدونة من كتاب الصرف حيث قال: [ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى يكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة] المدونة الكبرى 3/ 5، وحيث إن الورق النقدي يلقى قبولاً عاماً في التداول، ويحمل خصائص الأثمان من كونه مقياساً للقيم ومستودعاً للثروة، وبه الإبراء العام، وحيث ظهر من المناقشة مع سعادة المحافظ: أن صفة السندية فيها غير مقصودة، والواقع يشهد بذلك ويؤكده، كما ظهر أن الغطاء لا يلزم أن يكون شاملاً لجميع الأوراق النقدية، بل يجوز في عرف جهات الإصدار أن يكون جزءاً من عملتها بدون غطاء، وأن الغطاء لا يلزم أن يكون ذهباً، بل يجوز أن يكون من أمور عدة: كالذهب والعملات الورقية القوية، وأن الفضة ليست غطاءً كلياً أو جزئياً لأي عملة في العالم، كما اتضح أن مقومات الورقة النقدية قوة وضعفاً مستمدة مما تكون عليه حكومتها من حال اقتصادية، فتقوى الورقة بقوة دولتها وتضعف بضعفها، وأن الخامات المحلية؛ كالبترول والقطن والصوف لم تعتبر حتى الآن لدى أي من جهات الإصدار غطاء للعملات الورقية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وحيث إن القول باعتبار مطلق الثمنية علة في جريان الربا في النقدين هو الأظهر دليلاً، والأقرب إلى مقاصد الشريعة، وهو إحدى الروايات عن الأئمة مالك، وأبي حنيفة، وأحمد، قال أبو بكر: روى ذلك عن أحمد جماعة، كما هو اختيار بعض المحققين من أهل العلم؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما. وحيث إن الثمنية متحققة بوضوح في الأوراق النقدية؛ لذلك كله فإن هيئة كبار العلماء تقرر بأكثريتها: أن الورق النقدي يعتبر نقداً قائماً بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرها من الأثمان، وأنه أجناس تتعدد بتعدد جهات الإصدار، بمعنى: أن الورق النقدي السعودي جنس، وأن الورق النقدي الأمريكي جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، وأنه يترتب على ذلك الأحكام الشرعية الآتية: أولاً: جريان الربا بنوعيه فيها، كما يجري الربا بنوعيه في النقدين: الذهب، والفضة، وفي غيرهما من الأثمان كالفلوس، وهذا يقتضي ما يلي: (أ) لا يجوز بيع بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما نسيئة مطلقاً، فلا يجوز مثلاً بيع الدولار الأمريكي بخمسة أريلة سعودية أو أقل أو أكثر نسيئة. (ب) لا يجوز بيع الجنس الواحد منه بعضه ببعض متفاضلاً، سواء كان ذلك نسيئة أو يداً بيد، فلا يجوز مثلاً بيع عشرة ريالات سعودية ورق بأحد عشر ريالاً سعودياً ورقاً. (ج) يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقاً، إذا كان ذلك يداً بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية بريال سعودي، ورقاً كان أو فضة، أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة ريالات سعودية أو أقل أو أكثر إذا كان ذلك يداً بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة بثلاثة ريالات سعودية ورق أو أقل أو أكثر يداً بيد؛ لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 جنسه ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة] أبحاث هيئة كبار العلماء 1/ 90 - 93. وكذلك ورد في قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي ما يلي: [ أولا: إنه بناء على أن الأصل في النقد هو الذهب والفضة وبناء على أن علة جريان الربا فيهما هي مطلق الثمنية في أصح الأقوال عند فقهاء الشريعة وبما أن الثمنية لا تقتصر عند الفقهاء على الذهب والفضة وإن كان معدنهما هو الأصل وبما أن العملة الورقية قد أصبحت ثمناً وقامت مقام الذهب والفضة في التعامل بها، وبها تُقَوم الأشياء في هذا العصر لاختفاء التعامل بالذهب والفضة وتطمئن النفوس بتمولها وادخارها ويحصل الوفاء والإبراء العام بها، رغم أن قيمتها ليست في ذاتها وإنما في أمر خارج عنها وهو حصول الثقة بها كوسيط في التداول والتبادل وذلك هو سر مناطها بالثمنية، وحيث إن التحقيق في علة جريان الربا في الذهب والفضة هو مطلق الثمنية وهي متحققة في العملة الورقية، لذلك كله فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي يقرر أن العملة الورقية نقدٌ قائمٌ بذاته له حكم النقدين من الذهب والفضة، فتجب الزكاة فيها ويجري الربا عليها بنوعيه فضلاً ونسياً كما يجري ذلك في النقدين من الذهب والفضة تماماً باعتبار الثمنية في العملة الورقية قياساً عليهما وبذلك تأخذ العملة الورقية أحكام النقود في كل الالتزامات التي تفرضها الشريعة فيها. ثانياً: يعتبر الورق النقدي نقداً قائماً بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان كما يعتبر الورق النقدي أجناساً مختلفةً تتعدد بتعدد جهات الإصدار في البلدان المختلفة، بمعنى أن الورق النقدي السعودي جنس، وأن الورق النقدي الأمريكي جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، وبذلك يجري فيها الربا بنوعيه فضلاً ونسياً كما يجري الربا بنوعيه في النقدين الذهب والفضة وفي غيرها من الأثمان، وهذا كله يقتضي ما يلي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 (أ) لا يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعض، أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى، من ذهب أو فضة أو غيرهما، نسيئة مطلقًا. فلا يجوز مثلاً بيع ريال سعودي بعملة أخرى متفاضلاً نسيئة بدون تقابض. (ب) لا يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضه ببعض متفاضلاً، سواء كان ذلك نسيئةً أو يداً بيد، فلا يجوز مثلاً بيع عشرة ريالات سعودية ورقاً، بأحد عشر ريالاً سعودية ورقاً، نسيئةً أو يداً بيد. (ج) يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقًا، إذا كان ذلك يداً بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية بريال سعودي ورقاً كان أو فضة، أو أقل من ذلك، أو أكثر. وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة ريالات سعودية، أو أقل من ذلك، أو أكثر، إذا كان ذلك يداً بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة بثلاثة ريالات سعودية ورق، أو أقل من ذلك أو أكثر يداً بيد؛ لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه، لا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة .. ]. ومثل ذلك ورد في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي: [بخصوص أحكام العملات الورقية: أنها نقود اعتبارية فيها صفة الثمنية كاملة، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة، والسلم وسائر أحكامهما] وسُقتُ قرارات المجامع الفقهية لأنني أعتبر أن الاجتهاد الجماعي الذي تمثله المجامع الفقهية، مقدمٌ على الاجتهاد الفردي الذي يصدر عن أفراد الفقهاء، فهو أكثر دقةً وإصابةً من الاجتهاد الفردي، كما أن فيه تحقيقاً لمبدأ الشورى في الاجتهاد، وهو مبدأ أصيل في تاريخ الفقه الإسلامي، كما بينت ذلك سابقاً في إحدى حلقات يسألونك. وخلاصة الأمر أن الربا بنوعيه يجري في النقود الورقية، وأن الفتوى المذكورة في السؤال باطلة حيث إنها تهدم الربا المحرم في كتاب الله عز وجل وفي سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 الرسول صلى الله عليه وسلم. بل إن هذه الفتوى وأمثالها تهدم كل أساس في نظرية الربا المقررة في الكتاب والسنة. - - - المواعدة على الصرف يقول السائل: هل يجوز شرعاً أن أتفق مع شخص على أن أبيعه عشرة آلاف دولار بما يعادلها من الدنانير بالسعر الحاضر على أن يتم التسليم والاستلام بعد شهرين؟ الجواب: هذه العملية تسمى مواعدة على الصرف وهي محل خلاف بين أهل العلم قديماً وحديثاً، ومن المعروف أن الصرف هو بيع الثمن بالثمن جنساً بجنس أو بغير جنس. وشروط الصرف تقابض البدلين في مجلس العقد وأن يخلو عقد الصرف من الأجل ومن خيار الشرط لأنه يخل بالقبض كما قرر ذلك جمهور الفقهاء. انظر الموسوعة الفقهية 24/ 348 فما بعدها. وبناءً على اشتراط عدم التأجيل في عقد الصرف اختلف الفقهاء في جواز المواعدة على الصرف والذي أميل إليه وأطمئن إليه هو جواز المواعدة على الصرف على أن تكون المواعدة غير لازمة. فإذا تواعد شخصان على المصارفة بعد ستة أشهر مثلاً بأن حدَّدا نوع العملة وسعرها اليوم واتفقا على أن يتم التقابض عندما يحل الأجل وعندما حل الأجل عقد الطرفان عقداً جديداً وتم التسليم والاستلام فهذا العقد جائز ولا بأس به حيث إن المواعدة في هذه الحال ليست لازمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وأما إن كانت المواعدة لازمة في عقد الصرف فلا تصح المعاملة لأن كلاً من الطرفين يكون ملزماً بتنفيذ الوعد عند حلول الأجل ولا يحتاج إلى إنشاء عقد جديد فحينئذ يكون ذلك بمثابة عقد صرف تأخر فيه تقابض البدلين وتقابض البدلين قبل التفرق شرط لصحة عقد الصرف ولا عبرة بتسمية اتفاقهم الأول مواعدة إذ العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني. وقد قال بجواز هذه المعاملة الإمام الشافعي وابن حزم الظاهري وابن نافع من المالكية وبعض العلماء المعاصرين. قال الإمام الشافعي: [وإذا تواعد الرجلان الصرف فلا بأس أن يشتري الرجلان الفضة ثم يقرانها عند أحدهما حتى يتبايعاها ويصنعا بها ما شاءا] الأم 3/ 32. وقال ابن حزم: [والتواعد في بيع الذهب بالذهب أو بالفضة وفي بيع الفضة بالفضة وفي سائر الأصناف الأربعة بعضها ببعض جائز تبايعا بعد ذلك أو لم يتبايعا لأن التواعد ليس بيعاً. وكذلك المساومة أيضاً جائزة - تبايعا أو لم يتبايعا - لأنه لم يأت نهي عن شيء من ذلك وكل ما حرم علينا فقد فصل باسمه قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ}. فكل ما لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال بنص القرآن إذ ليس في الدين إلا فرض أو حرام أو حلال فالفرض مأمور به في القرآن والسنة والحرام مفصل باسمه في القرآن والسنة وما عدا هذين فليس فرضاً ولا حراماً بالضرورة حلال إذ ليس هنالك قسم رابع - وبالله التوفيق] المحلى 76/ 465 - 466. وقال الشيخ العدوي: [ ... وأما لو أراد أن يعقدا بعد ذلك فلا ضرر كأن يقول له سر بنا إلى السوق بدراهمك فإن كانت جياداً تصارفنا أي أوقعنا عقد الصرف بعد ذلك يوافقه الآخر فلا ضرر فيه] حاشية العدوي على شرح الخرشي على مختصر خليل 5/ 38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وقد أجازت المواعدة على الصرف عدد من الهيئات العلمية الشرعية فقد جاء في فتاوى ندوات البركة ما يلي: 1. ما هو الرأي في المواعدة بشراء العملات مختلفة الجنس بسعر يوم الاتفاق (يوم المواعدة) على أن يكون تسليم كل من البدلين مؤجلاً لكي يتم التبادل في المستقبل يداً بيد وذلك في حالة كون مثل هذه المواعدة ملزمة وحالة كونها غير ملزمة؟ الفتوى: إن هذه المواعدة إذا كانت ملزمة للطرفين فإنها تدخل في عموم النهي عن بيع الكالئ بالكالئ (بيع الدين بالدين) فلا تكون جائزة وإذا كانت غير ملزمة للطرفين فإنها جائزة. فتاوى ندوات البركة ص 28. 2. ما حكم المواعدة في صرف العملات؟ الفتوى: يؤكد على ما جاء في قرارات المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي بالكويت في مارس 1983 من أن المواعدة في بيع العملات مع تأجيل الثمن جائزة إذا كانت المواعدة غير ملزمة (هذا رأي الأغلبية) أما المواعدة إذا كانت ملزمة فهذه المعاملة غير جائزة شرعاً. فتاوى ندوات البركة ص 107. وجاء في الفتاوى الشرعية للبنك الإسلامي الأردني السؤال التالي: [تسهيلاً لحجاج بيت الله الحرام ترغب وزارة الأوقاف بأن يتفق البنك الإسلامي الأردني معها لبيعها ريالات سعودية بسعر محدد مسبقاً - اليوم مثلاً - خلال فترة مستقبلية محددة - ستين يوماً من تاريخه مثلاً - على أن تقوم وزارة الأوقاف بتسليم البنك خلال أي يوم من الستين يوماً ثمن الريالات السعودية بالدنانير الأردنية وأن يقوم البنك في ذات اليوم بتسليمها شيكاً بالريالات السعودية محسوباً على أساس السعر المحدد سابقاً لهذه الغاية - والذي قد يزيد أو يقل عن سعر صرف الريال في ذلك اليوم - فهل يجوز شرعاً السير في هذه المعاملة؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الجواب: إن الاتفاق على تبادل العملات مختلفة الأجناس بسعر يحدد حين الاتفاق على أن يتم التسليم والتسلم من قبل البنك والوزارة في وقت واحد على أساس السعر المتفق عليه سابقاً بغض النظر عن سعر العملة يوم التنفيذ يشمله ما جاء في نيل الأوطار من أن مذهب الحنفية والشافعية أنه يجوز التبادل بسعر يومها وأغلى وأرخص وإن هذا الاتجاه وإن كان يخالف ما جاء في حديث ابن عمر الذي يتضمن الإجازة بسعر يومها إلا أنه يظهر أن الأمامين أخذا بالحديث العام وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) وعليه فإني أوافق على السير في معاملة الاتفاق على الوجه المشروح عملاً برأي الحنفية والشافعية المشار إليه والله سبحانه وتعالى أعلم] فتاوى البنك الإسلامي الأردني 2/ 10 - 11. وجاء في فتاوى بيت التمويل الكويتي: [ما الرأي الشرعي في مدى جواز الاتفاق على بيع أو شراء العملة وبسعر يتفق عليه مقدماً على أن تنفذ العملية في زمن لاحق ويكون التسليم والاستلام بالنقد في وقت واحد؟ الجواب: مثل هذه المعاملة تعتبر وعداً بالبيع فإن أنفذاه على الصورة الواردة في السؤال فلا مانع شرعاً والله أعلم. وزيادة في إيضاح هذه المسألة أقول: إن تنفيذ هذا الوعد على الصورة الواردة في السؤال يكون مشروعاً ولكنه إذا اقترن الوعد بما يدل على أنه عقد بيع بأن دفع بعض الثمن دون بعض فيكون من قبيل بيع الكالئ بالكالئ (المؤجل بالمؤجل) وهو ممنوع مطلقاً ولا سيما في عقد الصرف الذي يشترط لصحته تقابض كلا البدلين في مجلس العقد ويعتبر اشتراط التأجيل مفسداً له عند جميع الأئمة] فتاوى بيت ... التمويل 1/ 203. ومما يدل على جواز هذه المعاملة أن المواعدة في الصرف خارجة عن نطاق النصوص التي تحرم تأخير تسليم العوضين أو أحدهما لأن المراد من هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 النصوص النهي عن قبض أحد العوضين فقط دون الآخر لأن ذلك يؤدي إلى ربا النسيئة فوجود الفترة الزمنية بين قبض أحد العوضين وتأجيل قبض الآخر هو الذي أوجد الربا وهذه الصورة لا خلاف في تحريمها وهي تختلف عن المواعدة في الصرف في أن المواعدة في الصرف لا يحصل فيها تسليم أحد البدلين وتأجيل الآخر وإنما يكون فيها التسليم والتسلم في المستقبل معاً فليس هناك تسليم مسبق وتأجيل بل التسليم يتم في الموعد المحدد في نفس اللحظة التي يتم فيها تسليم العملة المحلية يتم تسلم العملة الأجنبية وما يتم حين التواعد هو تحديد السعر الذي يتم على أساسه هذا التسليم في المستقبل وليس إنشاء عقد الصرف. أحكام صرف النقود والعملات في الفقه الإسلامي ص 123. وهذه المعاملة تحقق مصلحة للمتعاملين بها كما أنه ليس في هذه العملية ما يقضي بحرمتها لانتفاء الغرر والجهالة والربا، غاية ما في الأمر أن العميل يطمئن من خلال هذه العملية أنه سيحصل على المبلغ الذي يريده في زمن محدد، يقول الدكتور سامي حمود: [وإذا نظرنا إلى واقع الحال بالنسبة لما تؤديه العملية من خدمة للمستورد في حال المواعدة على الشراء وللمصدِّر في حال المواعدة على البيع نجد أن اطمئنان كل من المستورد لما سيدفعه من ثمن والمصدر لما سيقتضيه أمر له اعتباره، أما المصرف فإنه إذا كانت لديه عمليات واسعة فإنه يستطيع أن يوازن بين المواعدة بالبيع مع المواعدة بالشراء] تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية ص 320، أحكام صرف النقود والعملات ص 126. وخلاصة الأمر أن هذه المعاملة جائزة شرعاً بشرط أن تكون المواعدة غير لازمة. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 تغير قيمة العملة يقول السائل: هل صاحب العمل ملزم شرعاً بتعويض عمّاله في حالة نقص قيمة العملة كما حصل مؤخراً؟ الجواب: إن صاحب العمل غير ملزم شرعاً بتعويض العامل عن النقص الحاصل بسبب رخص العملة كما أن العامل غير ملزم برد أي شيء من أجره إذا ارتفعت قيمة العملة. ولكن لما كان الطابع العام هو انخفاض قيمة العملة المستعملة حالياً وهي الشيكل فلا مانع شرعاً من أن يكون هنالك اتفاقٌ بين صاحب العمل والعامل على تعديل أجر العامل دورياً مثلاً كل شهر أو شهرين بنسبة تعادل انخفاض قيمة العملة. كأن يتفق العامل مع صاحب العمل على أن يعطيه زيادة على أجره كل آخر شهر بنسبة 2% أو 3% أو نحو ذلك من أجل المحافظة على أجر العامل من انخفاض قوته الشرائية. وسبق لمجمع الفقه الإسلامي أن ناقش هذه القضية وأصدر القرار التالي: [يجوز أن تتضمن أنظمة العمل واللوائح والترتيبات الخاصة بعقود العمل التي تتحدد فيها الأجور بالنقود شرط الربط القياسي للأجور على أن لا ينشأ عن ذلك ضرر للاقتصاد العام. والمقصود هنا بالربط القياسي للأجور تعديل الأجور بصورة دورية تبعاً للتغير في مستوى الأسعار وفقاً لما تقدره جهة الخبرة والاختصاص والغرض من هذا التعديل حماية الأجر النقدي للعاملين من انخفاض القدرة الشرائية لمقدار الأجر بفعل التضخم النقدي وما ينتج عنه من الارتفاع المتزايد في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 وذلك لأن الأصل في الشروط الجواز إلا الشرط الذي يحل حراماً أو يحرم حلالاً] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 8 ج 3 ص 787. - - - انخفاض قيمة العملة وأثره على الرواتب المتأخرة يقول السائل: إنه يعمل في إحدى المؤسسات وإن هذه المؤسسة قد تأخرت في دفع بعض رواتب موظفيها لعدة شهور وخلال هذه الفترة انخفضت قيمة العملة فهل يجوز للموظفين أن يطالبوا المؤسسة بتعويضهم عن انخفاض العملة؟ الجواب: إن الأصل المقرر في الفقه الإسلامي أن الديون تقضى بأمثالها ولا تقضى بقيمتها ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء) وفي رواية أخرى: (أبيع بالدنانير وآخذ مكانها الورق وأبيع بالورق وآخذ مكانها الدنانير) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة والحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي (فابن عمر كان يبيع الإبل بالدنانير أو الدراهم وقد يقبض الثمن في الحال وقد يبيع بيعاً آجلاً وعند قبض الثمن ربما لا يجد مع المشتري بالدنانير إلا دراهم وقد يجد مع من اشترى بدراهم ليس معه إلا دنانير أفيأخذ قيمة الثمن يوم ثبوت الدين أم يوم الأداء؟ مثلاً إذا باع بمائة دينار وكان سعر الصرف: الدينار بعشرة دراهم أي أن له ما قيمته ألف درهم وتغير سعر الصرف فأصبح الدينار مثلاً بأحد عشر درهماً أفيأخذ الألف أم ألفاً ومائة؟ وإذا أصبح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 بتسعة دراهم فقط أفيأخذ تسعمائة درهم يمكن صرفها بمائة دينار يوم الأداء أم يأخذ ألف درهم قيمة مائة الدينار يوم البيع؟ بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن العبرة بسعر الصرف يوم الأداء وابن عمر الذي عرف الحكم من الرسول الكريم سأله بكر بن عبد الله المزني ومسروق العجلي عن كرَّيٍ لهما له عليهما دراهم وليس معهما إلا دنانير فقال ابن عمر: أعطوه بسعر السوق. فهذا الحديث الشريف يعتبر أصلاً في أن الدين يؤدى بمثله لا بقيمته حيث يؤدي عن تعذر المثل بما يقوم مقامه وهو سعر الصرف يوم الأداء، يوم الأداء لا يوم ثبوت الدين] مجلة مجمع الفقه الإسلامي ع 5 ج 3 ص1727 - 1728. وهذا مذهب أكثر الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، حيث إنهم يرون أن الدين إذا استقر في ذمة المشتري بمقدار محدد فالواجب هو تسديد ذلك المقدار بدون زيادة أو نقصان فالديون تقضى بأمثالها في حالة الرخص والغلاء ولا تقضى بقيمتها جاء في المدونة: [كل شيء أعطيته إلى أجل فرد إليك مثله وزيادة فهو ربا] المدونة 4/ 25. وقال أبو إسحاق الشيرازي: [ويجب على المستقرض رد المثل فيما له مثل لأن مقتضى القرض رد المثل] المهذب مع المجموع 12/ 185. وقال الكاساني: [ولو لم تكسد - النقود - ولكنها رخصت قيمتها أو غلت لا ينفسخ البيع بالإجماع وعلى المشتري أن ينقد مثلها عدداً ولا يلتفت إلى القيمة هاهنا] بدائع الصنائع 5/ 542. وقال الشيخ ابن عابدين في رسالته عن النقود: [ ... لأن الإمام الإسبيجاني في شرح الطحاوي قال: وأجمعوا على أن الفلوس إذا لم تكسد ولكن غلت قيمتها أو رخصت فعليه مثل ما قبض من العدد] رسالة تنبيه الرقود على مسائل النقود 2/ 60 ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [لا يجب في الفرق إلا رد المثل بلا زيادة] مجموع الفتاوى 29/ 535. وقال العلامة الغزي: [أما إذا غلت قيمتها أو ازدادت، فالبيع على حاله، ولا يتخير المشتري، ويطالب بالنقد بذلك العيار الذي كان وقت البيع، كذا في فتح القدير. وفي البزازية معزياً إلى المنتقى: [غلت الفلوس أو رخصت فعند الإمام الأول والثاني أولاً ليس عليه غيرها) رسالة بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير النقود ص 83 - 84. ويضاف إلى ما سبق أن معظم فقهاء العصر يرون أن الديون تقضى بأمثالها ولا تقضى بقيمتها إلا إذا كان تغير قيمة العملة كبيراً كما ذكرت سابقاً ويرون أن قضاء الديون بقيمتها يعد من الربا المحرم شرعاً [إن الحكم على المدين المماطل بتعويض دائنه بفرق هبوط القوة الشرائية للنقد عقب مطله غير سائغ شرعاً إذ هو وقوع في حمى الربا المحرم تحت ستار تعويض الدائن عن انخفاض القوة الشرائية للنقود، بل إن الدائن ليحصل في كثير من الأحيان باسم ذلك التعويض على ما يزيد قدراً ويفوق جوراً الفوائد التأخيرية في البنوك الربوية] قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد ص500. وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي هذه المسألة بحثاً مستفيضاً وتوصل العلماء المشاركون في المجمع إلى القرار التالي: [العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أياً كان مصدرها بمستوى الأسعار] مجلة مجمع الفقه الإسلامي ع5 ج3/ 2261 ومن المعلوم أيضاً أن المدين ليس له علاقة بانخفاض قيمة العملة حتى نقول بأن عليه أن يدفع الفرق فالمدين غير مسؤول عن ذلك حيث إن تغير قيمة العملة ينتج عن أمور كثيرة سياسية كانت أو اقتصادية أو غير ذلك فلا يصح أن نحمل أحد الطرفين مسؤولية ذلك الانخفاض لأن في تحميل المدين نتيجة الانخفاض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 رفع للظلم عن الدائن ووضعه على المدين وفي القواعد المقررة شرعاً أن الضرر لا يزال بمثله وكذلك فإن الظلم لا يزال بظلم. كما أن انخفاض قيمة العملة عندما يقع فإنه يصيب الأموال ولو كانت بأيدي أصحابها فمثلاً لو أن الموظف المذكور في السؤال قبض رواتبه من المؤسسة في أوقاتها وادخرها إلى الآن فإن انخفاض قيمة العملة سيؤثر عليها بلا شك فهذا الانخفاض ناتج عن أسباب خارجة عن إرادة الموظف والمؤسسة التي يعمل بها. انظر أحكام صرف النقود ص191 - 192. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز للدائن المطالبة بفرق العملة من المدين نتيجة انخفاض قيمة العملة وخاصة أن هذا الانخفاض ليس كبيراً أي لا يتجاوز الثلث الذي اعتبره الفقهاء حداً فاصلاً بين القليل والكثير. - - - أثر اختلاف قيمة العملة على المهور يقول السائل: إنه متزوج من أكثر من أربعين سنة ويريد أن يعطي زوجته مؤخر مهرها وقدره مئتا دينار أردني ولكن زوجته ترفض أخذ المئتي دينار لأن قيمة العملة قد اختلفت اختلافاً كبيراً فما قولكم أفيدونا؟ الجواب: إن المهر حق من حقوق الزوجة الواجبة على زوجها يقول الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} سورة النساء الآية 4. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصدق نساءه عند الزواج فعن أبي سلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنه أنه قال: (سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت كان صداقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشاً. قالت أتدري ما النش؟ قال: قلت لا. قالت: نصف أوقية فتلك خمس مائة درهم فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه) رواه مسلم. وكذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم يفعلون فعن أنسٍ رضي الله عنه قال سأل النبي صلى الله عليه وسلم عبدَ الرحمن بن عوف وتزوج امرأة من الأنصار كم أصدقتها؟ قال وزن نواة من ذهب) رواه البخاري. وقد اتفق العلماء على أنه يجوز التعجيل والتأجيل في المهر المسمى في عقد الزواج فيصح أن يكون بعض المهر معجلاً وبعضه مؤجلاً على حسب ما يتم عليه الاتفاق عند عقد الزواج وسواء كان المهر معجلاً أو مؤجلاً فهو حق ثابت للزوجة ودين واجب لها في ذمة الزوج. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويجوز أن يكون الصداق معجلاً ومؤجلاً وبعضه معجلاً وبعضه مؤجلاً لأنه عوض في معاوضة فجاز ذلك فيه كالثمن ثم إن أطلق ذكره اقتضى الحلول كما لو أطلق ذكر الثمن وإن شرطه مؤجلاً إلى وقت فهو إلى أجله وإن أجله ولم يذكر أجله فقال القاضي: المهر صحيح ومحله الفرقة فإن أحمد قال إذا تزوج على العاجل والآجل لا يحل الآجل إلا بموت أو فرقة وهذا قول النخعي والشعبي ... ووجه القول الأول أن المطلق يحمل على العرف والعادة في الصداق الآجل ترك المطالبة به إلى حين الفرقة فحمل عليه فيصير حينئذ معلوماً بذلك] المغني 7/ 222. ومن المعلوم أن العرف في بلادنا جرى على أن يكون جزء من المهر مؤجلاً تأجيلاً مطلقاً ويكون ديناً في ذمة الزوج وفي هذه الحالة يجب المهر المؤجل للمرأة في حالتين وهما: الطلاق والوفاة، فإذا طلق الزوج امرأته وجب لها المؤجل من مهرها، وكذا إذا مات زوجها وجب لها المهر المؤجل، ويخرج من التركة ويخرج قبل الوصية وقبل قسمة التركة بين الورثة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وكذلك إذا ماتت الزوجة ولها مهر مؤجل في ذمة زوجها فيكون مهرها المؤجل من ضمن تركتها ويوزع على الورثة بقدر نصيب كل منهم. وقد نصت المادة (46) من قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية عندنا على ذلك ( ... وإذا لم يكن الأجل معيناً اعتبر المهر مؤجلاً إلى وقوع الطلاق أو وفاة أحد الزوجين) ويخرج قبل الوصية وقبل قسمة التركة بين الورثة. ولا يجوز للزوجة أن تطالب زوجها بالمهر المؤجل ما دامت على ذمته لأن العرف جارٍ على تأخيره وتنص القاعدة الفقهية على أن العادة محكمة، وكذا المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً وكذا استعمال الناس حجة يجب العمل بها. وقيام الرجل بدفع المهر المؤجل لزوجته أمر حسن وفيه إبراء لذمته ولكنه ليس واجباً عليه بل يجب في حالتي الطلاق أو الوفاة كما سبق. وأما بالنسبة لعدم قبول الزوجة للمائتي دينار وهي مقدار مهرها المؤجل بحجة أن قيمة العملة قد تغيرت فلا بد أن أبين أن الأصل المقرر في الفقه الإسلامي أن الديون تقضى بأمثالها ولا تقضى بقيمتها ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء. وفي رواية أخرى: (أبيع بالدنانير وآخذ مكانها الورق - الفضة المصكوكة- وأبيع بالورق وآخذ مكانها الدنانير) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة والحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، (فابن عمر كان يبيع الإبل بالدنانير أو الدراهم وقد يقبض الثمن في الحال وقد يبيع بيعاً آجلاً وعند قبض الثمن ربما لا يجد مع المشتري بالدنانير إلا دراهم وقد يجد مع من اشترى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 بدراهم ليس معه إلا دنانير أفيأخذ قيمة الثمن يوم ثبوت الدين أم يوم الأداء؟ مثلاً إذا باع بمائة دينار وكان سعر الصرف: الدينار بعشرة دراهم أي أن له ما قيمته ألف درهم وتغير سعر الصرف فأصبح الدينار مثلاً بأحد عشر درهماً أفيأخذ الألف أم ألفاً ومائة؟ وإذا أصبح بتسعة دراهم فقط أفيأخذ تسعمائة درهم يمكن صرفها بمائة دينار يوم الأداء أم يأخذ ألف درهم قيمة مائة الدينار يوم البيع؟ بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن العبرة بسعر الصرف يوم الأداء وابن عمر الذي عرف الحكم من الرسول الكريم سأله بكر بن عبد الله المزني ومسروق العجلي عن كرَّيٍ لهما له عليهما دراهم وليس معهما إلا دنانير فقال ابن عمر: أعطوه بسعر السوق. فهذا الحديث الشريف يعتبر أصلاً في أن الدين يؤدى بمثله لا بقيمته حيث يؤدي عن تعذر المثل بما يقوم مقامه وهو سعر الصرف يوم الأداء، يوم الأداء لا يوم ثبوت الدين] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 5 جزء 3 ص1727 - 1728. وقرر معظم فقهاء العصر أن الديون تقضى بأمثالها ولا تقضى بقيمتها إلا إذا كان تغير قيمة العملة كبيراً ويرون أن قضاء الديون بقيمتها يعد من الربا المحرم شرعاً [إن الحكم على المدين المماطل بتعويض دائنه بفرق هبوط القوة الشرائية للنقد عقب مطله غير سائغ شرعاً إذ هو وقوع في حمى الربا المحرم تحت ستار تعويض الدائن عن انخفاض القوة الشرائية للنقود، بل إن الدائن ليحصل في كثير من الأحيان باسم ذلك التعويض على ما يزيد قدراً ويفوق جوراً الفوائد التأخيرية في البنوك الربوية] قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد ص500. وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي هذه المسألة بحثاً مستفيضاً وتوصل العلماء المشاركون في المجمع إلى القرار التالي: [العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها .. ] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد5 ج 3/ 2261. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 هذا هو الأصل المقرر في قضاء الديون بأمثالها لا بقيمتها إلا إذا كان التغير في قيمة العملة كبيراً وبما أن المدة المذكورة في السؤال طويلة (أربعون سنة) فلا شك أن قيمة العملة الأردنية قد اختلفت اختلافاً كبيراً خلال هذه المدة فيجب على الزوج أن يعطي زوجته قيمة المائتي دينار لا عددها والمرجع في تقدير القيمة هنا الذهب أي نسأل الصاغة والصرافين عن المئتي دينار كم كان يشترى بها غرامات ذهب؟ فيعطي الزوجة قيمة ذلك الذهب في الوقت الحاضر. وأما أن يعطيها ما كتب لها في عقد الزواج منذ أربعين سنة، فظلم واضح. وخلاصة الأمر أنه لا يجب على الزوج أن يدفع المهر المؤجل لزوجته ما دامت على ذمته فإن فعل فأمر حسن وعلى السائل أن يعطي زوجته قيمة مهرها المؤجل نظراً لاختلاف قيمة العملة اختلافاً كبيراً. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 أحكام الذهب والفضة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 شراء الذهب بأقساط إلى أجل مسمى تقول السائلة: اشتريت أساور ذهبية من الصائغ واتفقت معه على تسديد الثمن على أقساط فما حكم ذلك؟ الجواب: إن بيع الأساور الذهبية وتسديد ثمنها فيما بعد على أقساط غير جائز شرعاً بل هو محرم لأنه من الربا المحرم بالنص ولا بد في هذا البيع أن يكون دفع الثمن فوراً وفي مجلس العقد أي لا بد من التقابض من العاقدين البائع والمشتري فلا يصح تأجيل أحد البدلين. فمثلاً إذا قلت للصائغ: بعني أساور ذهبية. فقال: لا يوجد لدي الآن سآتيك بها في الأسبوع القادم وقبض منك ثمنها عند التعاقد فهذا أيضاً بيع باطل ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) رواه مسلم. وقد قرر الفقهاء المعاصرون أن الأوراق النقدية المعمول بها الآن تقوم مقام الذهب والفضة في التعامل بيعاً وشراءً وبها تقدر الثروات وتدفع الرواتب، ولذا تأخذ أحكام الذهب والفضة ولا سيما وجوب التناجز في مبادلة بعضها ببعض وتحريم التأجيل فيها فلذلك لا يجوز بيع الذهب بالعملات الورقية ولا شراء الذهب بالعملات الورقية ولا شراء الذهب بها إلا إذا كان يداً بيد وإذا كان هنالك تأجيل لأحد البدلين فإن ذلك حرام شرعاً لأنه باب من أبواب الربا. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 حكم بيع الحلي الذهبية القديمة بجديدة يقول السائل: كثير من النساء عندما يردن بيع الحلي الذهبية القديمة التي لديهن يذهبن إلى الصائغ فيعطينه الذهب القديم ويأخذن ذهباً جديداً ويدفعن فرق السعر، فما حكم ذلك؟ الجواب: هذا البيع باطل ولا يجوز شرعاً لأنه يشترط في بيع الذهب بالذهب أمران أولهما اتحاد الوزن أي التساوي في الوزن والثاني التقابض في مجلس البيع والشراء وفي صورة السؤال فإن الذهب الجديد لم يساو الذهب القديم في الوزن حيث إنه تم دفع الفرق في السعر بينهما. وحتى يكون هذا البيع صحيحاً فإن المرأة تبيع الذهب القديم إلى الصائغ بالسعر الذي يتم الاتفاق عليه وتقبض الثمن ثم تشتري منه ذهباً جديداً بالسعر الذي يتم الاتفاق عليه والأولى والأفضل أن تبيع المرأة الذهب القديم إلى الصائغ وتقبض الثمن ثم تذهب إلى السوق فتطلب حاجتها من الذهب من غيره من الصاغة فهذا أحسن كما ذهب إليه الإمام أحمد. المغني 4/ 42. وقد صح في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض - أي لا تزيدوا - ولا تبيعوا الورق - الفضة - بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائباً بناجز) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا سواء بسواء)، قال العلماء: هذا يتناول جميع أنواع الذهب والورق من جيد ورديء وصحيح ومكسور وحلي وتبر وغير ذلك وسواء الخالص والمخلوط بغيره وهذا كله مجمع عليه] شرح النووي على مسلم 4/ 195. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 وقال ابن قدامة المقدسي: (والجيد والرديء والتبر والمضروب والصحيح والمكسور سواء في جواز البيع مع التماثل وتحريمه مع التفاضل وهذا قول أكثر أهل العلم) المغني 4/ 8. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب وزناً بوزن مثلاً بمثل والفضة بالفضة وزناً بوزن مثلاً بمثل فمن زاد أو استزاد فهو ربا) رواه مسلم. وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزناً بوزن) رواه مسلم. ويؤخذ من هذه الأحاديث وغيرها أن الأموال الربوية أي التي يجري فيها الربا لا يجوز بيع بعضها ببعض إلا إذا تساوى الوزن وتم القبض في مجلس العقد. فلا يصح بيع الرديء منها بالجيد مع اختلاف الوزن وكذلك القديم بالجديد ويدل على ذلك ما ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بعث أخا عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر فقدم بتمر جنيب - أي جيد - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا والله يا رسول الله إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع - تمر رديء -، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعلوا ولكن مثلاً بمثل أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا وكذلك الميزان) رواه مسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً). ويدل على ذلك أيضاً ما ثبت في الحديث عن أبي سعيد قال: (جاء بلال بتمر برني - تمر جيد - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أين هذا؟ فقال بلال: تمر كان عندنا رديء فبعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوه عين الربا لا تفعل لكن إذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخر ثم اشتر به) رواه مسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا الربا فردوه ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذا). وخلاصة الأمر أن الصحيح في هذه المعاملة أن يباع الذهب القديم بالنقود وبعد قبضها من الصائغ يشترى الذهب الجديد ولا ينبغي أن يكون هنالك تواطؤ على العقدين والأفضل هو بيع القديم لصائغ وشراء الجديد من صائغ آخر. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 الأسهم والسندات والبورصة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 الضوابط الشرعية للتعامل بالأسهم يقول السائل: ما هي الضوابط الشرعية للتعامل بالأسهم؟ الجواب: الأسهم عبارة عن حصص الشركاء في الشركات المساهمة حيث إن رأسمال الشركة المساهمة يقسم إلى أجزاء متساوية يسمى سهماً فالسهم هو جزء من رأس مال الشركة وهو يمثل حق المساهم مقدراً بالنقود لتحديد نصيبه في ربح الشركة أو خسارتها وكذلك تحديد مسؤولية المساهم في الشركة. والأصل في الشركة المساهمة الجواز إذا كانت خالية من الربا والتعامل المحرم، فالمساهمون فيها يتحقق فيهم معنى الشركاء حيث إنهم يقدمون أسهمهم حصصاً في رأس المال فيشتركون في رأس المال، ويقتسمون الأرباح والخسائر فيكونون شركاء بمجرد توقيع عقد الاكتتاب في الشركة فيعتبر ذلك إيجاباً وقبولاً؛ لأن الإيجاب والقبول لا يشترط فيهما التلفظ بل يصحان بالكتابة. وهؤلاء الشركاء يوكلون مجلس إدارة الشركة بالقيام بالعمل وهو توكيل صحيح. والقول بتحريم شركة المساهمة قول ضعيف جداً لا يؤيده دليل معتبر. وقد وضع الفقهاء المعاصرون ضوابط شرعية للتعامل بالأسهم سواء كان بشراء أسهم الشركات للاستفادة من ريعها أو كان للمتاجرة بها للاستفادة من فرق السعر بين الشراء والبيع وأهم هذه الضوابط ما يلي: أولاً: لا يجوز للمسلم أن يساهم في شركات تتعامل بالربا أخذاً وإعطاءً كما هو حال البنوك الربوية (التجارية) فهي في الأصل شركات مساهمة تقوم على الإقراض والاقتراض بالربا (الفائدة). ثانياً: لا يجوز للمسلم أن يساهم في شركات تتعامل بالمباح ولكن يدخل في تعاملها الربا مثل أن ينص نظامها الأساسي على أنها تقرض وتقترض بالربا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 كما هو واقع كثير من الشركات المساهمة الكبيرة التي تتعامل في مجالات الكهرباء والاتصالات والمواصلات وغير ذلك. والقول بتحريم الإسهام في هذه الشركات هو القول الراجح من قولي العلماء المعاصرين في هذه المسألة لأنه لا يجوز للمسلم أن يوقع أي عقد تضمن شروطاً ربوية وهذه الشركات يوجد في نظامها الأساسي بند ينص على أنها تقرض وتقترض بالربا. وينبغي للمسلم أن يحرص على الكسب الحلال ويبتعد عن الكسب الذي فيه شبهة. جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، في دورته الرابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة ما يلي: 1. بما أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مباحة أمر جائز شرعاً. 2. لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم، كالتعامل بالربا أو تصنيع المحرمات أو المتاجرة فيها. 3. لا يجوز لمسلم شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا، وكان المشتري عالماً بذلك. 4. إذا اشترى شخص - أسهماً - وهو لا يعلم أن الشركة تتعامل بالربا، ثم علم فالواجب عليه الخروج منها. والتحريم في ذلك واضح، لعموم الأدلة من الكتاب والسنة في تحريم الربا، ولأن شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا مع علم المشتري بذلك، يعني اشتراك المشتري نفسه في التعامل بالربا، لأن السهم يمثل جزءاً شائعاً من رأس مال الشركة، والمساهم يملك حصة شائعة في موجودات الشركة، فكل مال تقرضه الشركة بفائدة، أو تقترضه بفائدة، فللمساهم نصيب منه، لأن الذين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 يباشرون الإقراض والاقتراض بالفائدة يقومون بهذا العمل نيابة عنه، والتوكيل بعمل المحرم لا يجوز]. ورد في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السابع ما يلي: [الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحياناً بالمحرمات، كالربا ونحوه، بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة]. ثالثاً: لا يجوز للمسلم أن يساهم في شركات عملها مباح ولكنها تملك أسهماً في البنوك الربوية لأن من مصادر دخلها ما هو ربا وتحريم الربا قليلاً كان أو كثيراً قطعي في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. رابعاً: لا يجوز للمسلم أن يساهم في شركات تتعامل بالمحرمات كالشركات المنتجة للخمور والدخان والتي تعمل في مجال التأمين التجاري أو القمار ونحو ذلك من المحرمات. خامساً: لا يجوز تداول أسهم الشركات التي ما زالت في طور التأسيس قبل أن يتحوّل رأس مال الشركة إلى سلع ومعدات وأعيان فلا يجوز بيع هذه الأسهم بأكثر من قيمتها الحقيقية لأنه حينئذٍ يكون بيع نقود بنقود مع زيادة وهذا ربا واضح، إلا إذا بِيعت الأسهم بنفس قيمتها الاسمية دون أية زيادة فهذا جائز. سادساً: [لا يجوز شراء السهم بقرض ربوي يقدمه السمسار أو غيره للمشتري لقاء رهن السهم، لما في ذلك من المراباة وتوثيقها بالرهن وهما من الأعمال المحرمة بالنص على لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. سابعاً: لا يجوز أيضاً بيع سهم لا يملكه البائع وإنما يتلقى وعداً من السمسار بإقراضه السهم في موعد التسليم، لأنه من بيع ما لا يملك البائع، ويقوى المنع إذا اشترط إقباض الثمن للسمسار لينتفع به بإيداعه بفائدة للحصول على مقابل الإقراض] من قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السابع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 ثامناً: التداول في الأسهم عن طريق ما يسمى البيع على المكشوف والمراد به: (قيام شخص ببيع أسهم لا يملكها، عن طريق اقتراضها من آخرين، مقابل الالتزام بإعادة شرائها، وتسليمها للمقرض، في وقت محدد). وهذا النوع محرم لاشتماله على الربا والغرر. جاء في قرار المجمع الفقهي [إن العقود الآجلة بأنواعها التي تجري على المكشوف، أي على الأسهم والسلع التي ليست في ملك البائع بالكيفية التي تجري في السوق المالية (البورصة) غير جائزة شرعاً؛ لأنها تشتمل على بيع الشخص ما لا يملك اعتماداً على أنه سيشتريه فيما بعد ويسلمه في الموعد، وهذا منهي عنه شرعاً، لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تبع ما ليس عندك)، وكذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تباع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم)]. وختاماً أقول إن تعامل الناس بالأسهم الربوية قد كثر في هذا الزمان طمعاً في تحقيق مكاسب سريعة ونسوا أو تناسوا أنهم سيقفون غداً بين يدي الله عز وجل وسيسألهم عن أموالهم من أين اكتسبوها؟ وفيما أنفقوها؟ فقد ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه) رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وصححه العلامة الألباني. وأذكر هؤلاء ببعض النصوص الشرعية التي تحرم الربا والتعامل به: 1. يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيتان 276 - 277. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 2. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. 3. وقال صلى الله عليه وسلم: (الربا اثنان وسبعون باباً أدناها إتيان الرجل أمه) رواه الحاكم وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/ 488. 4. وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 636 وغير ذلك من الأحاديث. - - - حكم شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا أحيانا ً يقول السائل: ما حكم شراء أسهم الشركات التي يكون مجال عملها مباحاً ولكن تلك الشركات قد تقرض وتقترض بالربا؟ وما حكم من له أسهم في تلك الشركات وماذا يصنع بأرباح تلك الأسهم والربا يشكل جزءاً من تلك الأرباح؟ الجواب: لا يجوز للمسلم أن يساهم في شركات تتعامل بالربا أخذاً وإعطاءً كما هو حال كثير من الشركات المساهمة التي ينص في أنظمتها على أن من موارد الشركة الإقراض والاقتراض بالربا. والنصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم صريحة في تحريم الربا تحريماً قاطعاً لا شك فيه. ومن المسلّم به عند أهل العلم أن فوائد البنوك هي من الربا المحرم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وإن في طرق الاستثمار الشرعية غنىً عن الاستثمار بالطرق المحرمة كالمساهمة في شركات تتعامل بالحرام أو تتعامل بالربا أخذاً وإعطاءً وهذا القول هو أصح قولي العلماء في هذه المسألة وأقربها للتقوى إن شاء الله. ولكن بعض أهل العلم المعاصرين لهم رأي آخر في المسألة ولا بأس من ذكره وهو أنه قد تكون الشركة المساهمة ذات أغراض مشروعة وموضع نشاطها حلالاً وتؤدي خدمات عامة للاقتصاد لكنها تتعامل مع البنوك الربوية بالفائدة فتضع أموالها في تلك البنوك وتتقاضى عليها فوائد ربوية تدخل في مواردها وأرباحها كما تقترض في بعض الحالات ما تحتاج إليه من تلك البنوك لقاء فائدة تدفعها وتدخل تلك القروض في إنتاج ما تنتجه والربح الذي تحققه، فالربا يدخل في بعض أعمالها أخذاً وإعطاءً فلا ينبغي أن نُحرِّم على الناس اقتناء أسهم هذه الشركات بصورة مطلقة ولا أن نبيحها لهم بصورة مطلقة بل نراعي ضرورة قيام هذه المؤسسات في المجتمعات ومنها المجتمعات الإسلامية وحاجة كثير من الناس إلى اقتناء أسهمها ولا سيما الذين لا يجدون طريقاً آخر لاستثمار مدخراتهم الصغيرة دون أن يجمدوها حتى تتآكل وفي الوقت نفسه يجب استبعاد العنصر الحرام من أرباح هذه الأسهم ... وذلك بأن يحسب مالك الأسهم بصورة دقيقة أو تقريبية جداً عند تعذر الحساب الدقيق ما دخل على عائدات كل سهم من العنصر الحرام في ربحه فيقرر مقداره من عائدات الأسهم ويوزعه على الفقراء دون أن ينتفع به أية منفعة ولا أن يحتسبه من زكاته ولا يعتبره صدقة من خالص ماله ولا أن يدفع به ضريبة حكومية ولو كانت من الضرائب الجائرة الظالمة لأن كل ذلك انتفاع بذلك العنصر الحرام من عائدات أسهمه. وإن حساب هذا العنصر ولا سيما بصورة تقريبية جداً قد أصبح ميسوراً بالوسائل والأجهزة الحديثة والاستعانة بأهل الخبرة. وهذا يدخل في عموم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 البلوى وبهذا نيسر على الناس ونجنبهم الحرام دون أن نحرمهم من طريق استثماري لا يجدون بديلاً له بسب صغر مدخراتهم مع ملاحظة أن طريق المشاركات الصغيرة التجارية والمضاربة قد أصبح شديد الخطورة بسب ندرة الأمانة - مع الأسف - في هذا الزمان حيث أصبح الذي يضع ماله في يد غيره لاستثماره يدخل في مخاطرة كبيرة لفساد الذمم ويعرضه للتبخر ولا سيما أيضاً أن كثيراً من المدخرين الصغار أيتام وأرامل لا يستطيعون العمل بأنفسهم لأنفسهم. ولكل زمان حكمه وقد قرر الفقهاء في مناسبات كثيرة أموراً استثنائية عللوها بفساد الزمان. هذا وفي حالة توافر شركات مساهمة تسد الحاجة وتلتزم بعدم التعامل بالربا أخذاً وإعطاءً يجب على المسلمين عدم التعامل مع الشركات المساهمة التي تقترض بالربا عند الحاجة وتودع أموالها بفائدة. المعاملات المالية المعاصرة ص170. ويعلق صاحب الكتاب السابق على الفتوى المذكورة بقوله: نستخلص من هذه الفتوى عدة أمور: 1. إن هذه الفتوى خاصة بالشركات الحيوية التي تؤدي خدمات عامة للناس ويقع الناس في حرج ومشقة نتيجة انهيارها ولا تعم جميع الشركات ويؤكد هذا الدكتور عبد الله الكيلاني في رسالته حيث يقول: [سألت الأستاذ الزرقاء حول موضوع الشركات المساهمة هل هي على إطلاقها أو لا؟ فأجاب: بأن الشركة التي لا تؤمِّن مرفقاً حيوياً ضرورياً أو حاجياً للمجتمع وكانت تتعامل بالربا في ادخار أموالها فأفتي بحرمة الاكتتاب بأسهمها لأنه لا يضر المجتمع انهيارها]. 2. إن هذه الفتوى تستند إلى عدة أمور وهي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 أ. سد حاجة حيوية عامة للمسلمين لا تستطيع رؤوس الأموال الفردية ولا رؤوس أموال الدولة أن تقوم بها فتعين وجودها من خلال شركات المساهمة التي قد تتعامل بالربا في إيداع أموالها والاقتراض من المصارف. ب. تخريج المسألة على قاعدة (عموم البلوى ورفع الحرج عن الناس) ففي حالة فساد الزمان وخراب الذمم يمكن أن يفتى الناس بالأحكام الاستثنائية، فقد قرر الفقهاء عند فساد الزمان وشيوع الفسق وندرة العدالة قبول شهادة غير العدل فتقبل شهادة الأمثل فالأمثل لعموم البلوى كيلا يتعطل القضاء إذا طلبت العدالة الكاملة في الشاهد. ج. سد حاجة فردية لصغار المساهمين الذين لا يجدون بديلاً استثمارياً بسب صغر مدخراتهم وعجزهم عن القيام بأنفسهم بالاستثمار بالإضافة إلى عدم الثقة بكثير ممن يقومون بالمشاركات الأخرى كالمضاربة لفساد ذممهم وقلة الأمانة لديهم. 3. الفتوى تمنع انتفاع صاحب الأسهم بالمال الحرام الذي دخل في عوائدها، وينبغي تقديره والتخلص منه بإعطائه للفقراء والمستحقين. انظر كتاب المعاملات المالية المعاصرة ص 171. وخلاصة الأمر أني لا أجيز لمسلم أن يساهم في شركات تتعامل بالربا أخذاً وإعطاءً ابتداءً. ومن له أسهم في مثل هذه الشركات فإن أراد التقوى والورع فعليه أن يبيع أسهمه تلك وأن يخلَّص رأس ماله من شوائب الربا. قال تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآية 279. وإن اختار الطريق الآخر وأخذ بالرأي الثاني - وله حظ من النظر والفقه - فذلك شأنه. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 حكم السندات يقول السائل: إنه أراد أن يشتري أسهماً في إحدى الشركات المساهمة العامة واطلع على النظام الداخلي للشركة فوجد أن الشركة يحق لها إصدار سندات عند الحاجة لزيادة رأس المال ويسأل عن هذه السندات وما حكمها؟ الجواب: السندات نوع من الأوراق المالية التي يجري التعامل بها في الأسواق المالية المعاصرة وتسمى أحياناً شهادات الاستثمار وهي عبارة عن قرض طويل الأجل تتعهد الشركة المقترضة بموجبه أن تسدد قيمته في تواريخ محددة. المعاملات المالية المعاصرة ص 176. أو هو صك قابل للتداول يمثل قرضاً يعقد عادة بواسطة الاكتتاب العام وتصدره الشركات أو الحكومات ويعتبر حامل سند الشركة دائناً للشركة ويعطى حامل السند فائدة ثابتة سنوياً وله الحق في استيفاء قيمته عند حلول أجل معين. مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد 6 جزء 2 ص 1283. ويلاحظ في تعريف السندات أن السند عبارة عن دين ثابت على الشركة ويستوفي حامل السند فائدة ثابتة سواء ربحت الشركة أو خسرت. وخلاصة الأمر أن السند عبارة عن قرض ربوي مهما اختلفت أسماؤه وتعددت أوصافه. وبناءً على أن السند قرض ربوي فيحرم التعامل بالسندات ما دامت تصدر بفائدة ثابتة معينة لذا لا يجوز إصدار السندات ولا تداولها والقول بتحريم السندات واعتبارها من الربا المحرم هو مذهب أكثر العلماء والفقهاء المعاصرين. لأن السند قرض على الشركة أو الجهة التي أصدرته لأجل معين وبفائدة معينة ثابتة ومشروطة وهذا هو ربا النسيئة بعينه الذي حرمته الشريعة الإسلامية بالنصوص الصريحة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا ... خَالِدُونَ} سورة البقرة الآية 275. وقد حاول بعض العلماء أن يخرج مسألة السندات على عقد المضاربة المعروف في الفقه الإسلامي ولكن هذا التخريج غير صحيح مطلقاً لأن السندات في حقيقتها قروض ربوية ولو سلمنا جدلاً بصحة تخريجها على المضاربة الشرعية فهي مضاربة فقدت شروط صحتها شرعاً كما قال الدكتور القرضاوي: [والخلاصة أن شهادات الاستثمار من فئة (أ) و (ب) إما أنها من باب القرض بفائدة وهو الأمر الواضح بحسب قانون إنشائها أو من باب المضاربة التي فقدت شروطها الشرعية ففقدت بذلك إذن الشرع فيها فهي محرمة على كلا الاحتمالين] فوائد البنوك هي الربا الحرام ص 102. والقول بتحريم السندات هو القول الفصل في المسألة وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي الذي ضم عدداً كبيراً من العلماء والفقهاء المعاصرين فقد جاء في قرار المجمع ما يلي: [وبعد الاطلاع على أن السند شهادة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند أو ترتيب نفع مشروط سواء أكان جوائز توزع بالقرعة أم مبلغاً مقطوعاً أم حسماً (خصماً). قرر: 1. إن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعاً من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة ولا أثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 لتسميتها شهادات أو صكوكاً استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو ريعاً أو عمولة أو عائداً. 2. تحرم أيضاً السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصماً لهذه السندات. 3. كما تحرم أيضاً السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين أو لبعضهم لا على التعيين فضلاً عن شبهة القمار. 4. من البدائل للسندات المحرمة - إصداراً أو شراءً أو تداولاً - السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين بحيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك ولا ينالون هذا الربح إلا إذا تحقق فعلاً. ويمكن الاستفادة في هذا من الصيغة التي تم اعتمادها في القرار رقم 5 للدورة الرابعة لهذا المجمع بشأن سندات المقارضة] مجلة مجمع الفقه الإسلامي 6/ 2/1725 - 1726. وختاماً أقول إن تعامل الناس بالربا في هذا الزمان قد عمّ وطمّ وغلب التعامل بالربا على أكثر معاملات الناس المعاصرة بسبب ارتباط الحياة الحديثة بالبنوك الربوية وقد وقع مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (ليأتينّ على الناس زمان لا يبقى أحد منهم إلا أكل الربا ومن لم يأكله أصابه من غباره) رواه أبو داود وابن ماجة والنسائي. ومع انتشار التعامل بالربا في زماننا إلا أن كثيراً من الناس يقدمون على التعامل به مختارين غير مكرهين ولا مضطرين وإلى هؤلاء وغيرهم أسوق بعض النصوص الشرعية التي تحرم الربا والتعامل به: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 1. يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيتان 276 - 277. 2. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. 3. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. 4. وقال صلى الله عليه وسلم: (الربا إثنان وسبعون باباً أدناها إتيان الرجل أمه) رواه الحاكم وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/ 488. 5. وقال صلى الله عليه وسلم: (الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 633. 6. وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 636 وغير ذلك من الأحاديث. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 حكم التعامل في الأسواق المالية (البورصة) يقول السائل: ما حكم عمليات البيع والشراء التي تتم في سوق الأوراق المالية (البورصة)؟ الجواب: سوق الأوراق المالية المسماة بالبورصة تعني المكان الذي يلتقي فيه المصرفيون وسماسرة الأوراق المالية والتجار لإجراء الصفقات التجارية في الأسهم والسندات وحصص التأسيس. وسوق الأوراق المالية أمر حديث نسبياً في العالم الإسلامي حيث إنه من نتاج الحضارة الرأسمالية وليس معنى ذلك أنه مرفوض شرعاً وإنما لا بد من وضع ضوابط شرعية معينة حتى يصح التعامل في الأسواق المالية، وقد وضع العلماء المعاصرون هذه القيود والضوابط للحالات التي يجوز التعامل بها في السوق المالي. وينبغي أولاً التذكير بأن الأصل في باب المعاملات في الشريعة الإسلامية هو الإباحة وبناءً على ذلك لا يجوز منع أي معاملة إلا بنص صريح من الشارع الحكيم أو قياس صحيح عليه. ويدل على ذلك قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} سورة المائدة الآية 1. فالآية الكريمة أوجبت الوفاء بالعقود من غير تعيين قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والأصل في هذا أنه لا يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه كما لا يشرع لهم من العبادات التي يتقربون بها إلى الله إلا ما دل الكتاب والسنة على شرعه إذ الدين ما شرعه الله والحرام ما حرمه الله بخلاف الذين ذمهم الله حيث حرموا من دين الله ما لم يحرمه الله وأشركوا به ما لم ينزل به سلطاناً وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 الله، اللهم وفقنا لأن نجعل الحلال ما حللته والحرام ما حرمته والدين ما شرعته] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 28/ 386. ويقول الدكتور القرضاوي: [إن الأصل في المعاملات والعقود الإذن والإباحة إلا ما جاء نص صحيح الثبوت صريح الدلالة يمنعه ويحرمه فيوقف عنده ... وهذا بخلاف العبادات التي تقرر: أن الأصل فيها المنع حتى يجيء نص من الشارع لئلا يشرع الناس في الدين ما لم يأذن به الله فإذا كان الأساس الأول للدين ألا يعبد إلا الله فإن الأساس الثاني ألا يعبد الله إلا بما شرع. وهذه التفرقة أساسية ومهمة فلا يجوز أن يقال لعالم: أين الدليل على إباحة هذا العقد أو هذه المعاملة؟ إذ الدليل ليس على المبيح لأنه جاء على الأصل وإنما الدليل على المُحّرّم، والدليل المحرم يجب أن يكون نصاً لا شبهة فيه كما هو اتجاه السلف الذين نقل عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية أنهم ما كانوا يطلقون الحرام إلا على ما علم تحريمه جزماً] بيع المرابحة للقرضاوي ص 13. كما وأن الأصل في البيع الحل لعموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} سورة البقرة الآية 275. إذا تقرر هذا فأعود إلى بيان حكم التعامل بالأسواق المالية (البورصة) فأقول: تتعامل البورصة بالأسهم والسندات بشكل عام، فأما الأسهم فهي عبارة عن حصص الشركاء في الشركات المساهمة حيث إن رأسمال الشركة المساهمة يقسم إلى أجزاء متساوية يطلق على كل منها سهماً فالسهم هو جزء من رأس مال الشركة وهو يمثل حق المساهم مقدراً بالنقود لتحديد نصيبه في ربح الشركة أو خسارتها وكذلك تحديد مسؤولية المساهم في الشركة. والأصل في الشركة المساهمة الجواز إذا كانت خالية من الربا والتعامل المحرم فالمساهمون فيها يتحقق فيهم معنى الشركاء حيث إنهم يقدمون أسهمهم حصصاً في رأس المال فيشتركون في رأس المال ويقتسمون الأرباح والخسائر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 فيكونون شركاء بمجرد توقيع عقد الاكتتاب في الشركة فيعتبر ذلك إيجاباً وقبولاً لأن الإيجاب والقبول لا يشترط فيهما التلفظ بل يصحان بالكتابة وهؤلاء الشركاء يوكلون مجلس إدارة الشركة بالقيام بالعمل وهو توكيل صحيح. والقول بمنع شركة المساهمة قول ضعيف لا دليل يؤيده. انظر شركة المساهمة ص 303 فما بعدها. وأما السندات فهي عبارة عن قروض طويلة الأجل تتعهد الشركة المقترضة بموجبها أن تسدد قيمتها في تواريخ محددة مع فائدة متفق عليها. المعاملات المالية المعاصرة ص 176. والصحيح من أقوال أهل العلم جواز التعامل بالأسهم ضمن ضوابط معينة وحرمة التعامل بالسندات لأنها قروض ربوية. وأما ضوابط التعامل بالأسهم فهي: أولاً: أن تكون الأسهم صادرة من شركات ذات أغراض مشروعة بأن يكون موضوع نشاطها حلالاً مباحاً مثل الشركات الإنتاجية للسلع والخدمات كشركة الكهرباء وشركة الأدوية وغير ذلك، أما إذا كان موضوع نشاطها محرماً كشركات إنتاج الخمور أو شركات إنشاء البنوك الربوية فلا يجوز امتلاك شيء من أسهمها وتداوله بين المسلمين كما تحرم أرباحها لأن شراء الأسهم من تلك الشركة من باب المشاركة في الإثم والعدوان ... ثانياً: أن تكون الأسهم صادرة عن شركة معروفة ومعلومة لدى الناس بحيث تتضح سلامة تعاملها ونزاهته لذا لا يجوز التعامل بأسهم سلة شركات مساهمة كما هو في الغرب دون أن يعرف المشتري للأسهم حقيقة تلك الشركات فمن الأساليب الجديدة في الاستثمار استثمار في سلة مشتركة لشركات مساهمة أمريكية ( Mutual Fund) وكل سلة لها مدير مشرف عليها ويديرها حسب تعليمات ودراسات تجريها شركة: (مريل لينش الاستثمارية) فالأسهم التي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 يشتريها المستثمر في السلة المشتركة عرضة للربح والخسارة ففي عام 1995 حققت سلة (ميرل ليتس بيسك فاليو) أرباحاً بنسبة 18% في ستة أشهر في حين أنها في عام 1990 خسرت بنسبة 13%. فبالرغم من أن الاستثمار في هذه السلة عرضة للربح والخسارة إلا أن هذا الأسلوب من الاستثمار لا يجوز لأمرين: الأول: عدم معرفة ماهية تلك الشركات التي تتضمنها تلك السلة فهي لا تخلو من شركات مساهمة ذات أنشطة اقتصادية محرمة كشركات إنتاج الخمور أو شركات البنوك الربوية التي حرم الإسلام التعامل بأسهمها. والثاني: إن هذه السلات تقوم بأنشطة اقتصادية غير مشروعة كبيع دين بدين على حساب الفائدة. ولذلك ترفض المصارف الإسلامية التعامل مع تلك السلات واستثمار أموالها عن طريقها. ثالثاً: أن لا يترتب على التعامل بها أي محظور شرعي كالربا والغرر والجهالة وأكل أموال الناس بالباطل فلا يجوز للمسلم قبول أسهم الامتياز التي تعطي له حق الحصول على ربح ثابت سواء أربحت الشركة أم خسرت لأن هذا ربا محرم شرعاً ولا يجوز للمسلم قبول أسهم التمتع التي تعطي صاحبها حق الحصول على الأرباح دون أن يكون شريكاً في المال والعمل لأن هذا أكل لأموال الناس بالباطل. المعاملات المالية المعاصرة ص 169 - 173. وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي في مؤتمره السابع التعامل مع الأسواق المالية وقرر ما يلي: [أولاً: الأسهم: 1. الإسهام في الشركات: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 أ. بما أن الأصل في المعاملات الحل فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة أمر جائز. ب. لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم كالتعامل بالربا أو إنتاج المحرمات أو المتاجرة بها. ج. الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحياناً بالمحرمات بالربا ونحوه بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة ... التعامل بالأسهم بطرق ربوية: أ. لا يجوز شراء السهم بقرض ربوي يقدمه السمسار أو غيره للمشتري لقاء رهن السهم لما في ذلك من المراباة وتوثيقها بالرهن وهما من الأعمال المحرمة بالنص على لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه. ب. لا يجوز أيضاً بيع سهم لا يملكه البائع وإنما يتلقى وعداً من السمسار بإقراضه السهم في موعد التسليم لأنه من بيع ما لا يملك البائع ويقوى المنع إذا اشترط إقباض الثمن للسمسار لينتفع به بإيداعه بفائدة للحصول على مقابل الإقراض ... ] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد7 ج1 ص 711 - 717. وأما التعامل بالسندات فهو محرم كما قلت لأنها قروض ربوية بفوائد محددة وقرر ذلك مجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة حيث جاء في قراره: 1. إن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعاً من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أم عامة ترتبط بالدولة ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكاً استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو ريعاً أو عمولة أو عائداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 2. تحرم أيضاً السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الإسمية ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها حسماً (خصماً) لهذه السندات. 3. كما تحرم أيضاً السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين أو لبعضهم لا على التعيين فضلاً عن شبهة القمار ... ] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد6 ج 2 ص1725 - 1726. وبناء على كل ما تقدم فإنه لا يجوز شرعاً تداول أسهم البنوك الربوية وشركات التأمين وكل شركة تتعامل بالمحرمات كشركات إنتاج الخمور ونحوها كما لا يجوز إجراء عمليات البيع الآجلة لأن هذا النوع من العمليات لا يتم فيه تسليم المعقود عليه لا الثمن ولا المثمن بل يشترط تأجيلها فهذه العملية لا تجوز لأن شرط صحة العقود أن يتم تسليم العوضين أو أحدهما ولا يجوز تأجيل الاثنين حيث إنها تدخل في معنى بيع الكالئ بالكالئ فهذه العمليات تدخل في القمار الممنوع لأن البائع يضارب على هبوط السعر في اليوم المحدد والمشتري يضارب على صعوده ومن يصدق توقعه يكسب الفرق. الأسواق المالية ص 327. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 بطاقات الائتمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 حكم التعامل ببطاقات الائتمان يقول السائل: إنه تاجر يتعامل ببطاقات الائتمان التي يحملها الزبائن في بيع السلع وأحياناً يقوم بصرف عملات للزبائن فيدفع لهم شواكل مثلاً على أن يدخل في حسابه دولارات بواسطة بطاقة الائتمان فما حكم هذه المعاملة؟ الجواب: إننا نعيش في ظل ظروف عامة فرضت على كثير من الناس أن يتعاملوا مع البنوك الربوية وكثير من المعاملات التجارية صارت متوقفة على التعامل مع البنوك الربوية ومع ذلك فإني أنصح بعدم التعامل مع البنوك الربوية إلا في أضيق نطاق نظراً لخطورة الربا فهو من المحرمات القطعية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك التعامل بهذه البطاقات فينبغي أن يكون استعمالها في أضيق نطاق لأن البطاقات التي تصدرها البنوك الربوية تتضمن في الغالب شروطاً ربوية مثل فرض زيادة ربوية (فائدة) في حال تأخر حامل البطاقة عن التسديد أو كشف حسابه في البنك المصدر للبطاقة، وكذلك فإن البنوك الربوية تفرض نسبةً مقطوعة محددة على كلّ عمليّة سحب نقدي يجريها حامل البطاقة وهذا هو الربا المحرم قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة البقرة الآيتان 278 - 279. وصح في الحديث عَنْ جَابِر بن عبد الله رضي الله عنهما قَال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) رواه مسلم. ومن المعلوم أن موضوع السؤال من المسائل الجديدة التي لم يعرفها الفقه الإسلامي قديماً وقد وفدت هذه المسألة من ضمن ما وفد على المسلمين من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 مستلزمات الرأسمالية التي تقوم على نظام الربا (الفائدة) وقد درست هذه القضية من مجامع فقهية وحلقات علمية ودراسات فردية ولكن بداية وقبل تفصيل الجواب على السؤال أذكر أن شيخنا الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان حفظه الله ورعاه يرى أن تسمية البطاقات التي تصدرها البنوك من أمثال: فيزا وماستر كارد وأميريكان إكسبريس ببطاقات الائتمان تسمية غير صحيحة وليست معبرة عن حقيقة هذه البطاقات فقد ذكر في كتابه البطاقات البنكية الإقراضية والسحب المباشر من الرصيد أنه يجب تصحيح مصطلح بطاقات الائتمان وأن المصطلح الصحيح هو: بطاقات الإقراض والسحب المباشر من الرصيد ليكون أبلغ في الكشف عن حقيقتها وأقسامها المتداولة، يدركه المثقف والعامي، التاجر والمستهلك، من يحملها، ومن تقدم له، مصطلح ترسخ معناه في أذهان الجميع، يعرفون آثاره ومسؤولياته، الحلال منه والحرام، معلومة أحكامه من الدين بالضرورة، مسلم المبادئ والأحكام، وليس من سبب يدعو لهجره والعدول عنه] البطاقات البنكية الإقراضية والسحب المباشر من الرصيد ص31. وقد عرف مجمع الفقه الإسلامي هذه البطاقة بأنها (مستند يعطيه مصدره لشخص طبيعي أو اعتباري بناءً على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع أو الخدمات ممن يعتمد المستند دون دفع الثمن حالاً لتضمنه التزام المصدر بالدفع ومن أنواع هذا المستند ما يمكن من سحب نقود من المصارف. ولبطاقات الائتمان صور: - منها ما يكون السحب أو الدفع بموجبها من حساب حاملها في المصرف وليس من حساب المصدر فتكون بذلك مغطاة. ومنها ما يكون الدفع من حساب المصدر ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 - ومنها ما يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع خلال فترة محددة من تاريخ المطالبة. ومنها ما لا يفرض فوائد. - وأكثرها يفرض رسماً سنوياً على حاملها ومنها ما لا يفرض فيه المصدر رسماً سنوياً، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع الجزء الأول ص717. وقد صدر قرار عن مجمع الفقه الإسلامي وضح فيه القواعد الأساسية للتعامل مع هذه البطاقات ونصه: ... بعد إطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع (بطاقات الائتمان غير المغطاة) وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله من الفقهاء والاقتصاديين، ورجوعه إلى تعريف بطاقة الائتمان في قراره رقم 63/ 1/7 الذي يستفاد منه تعريف بطاقة الائتمان غير المغطاة بأنه: مستند يعطيه مصدره (البنك المصدر) لشخص طبيعي أو اعتباري (حامل البطاقة) بناء على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع، أو الخدمات، ممن يعتمد المستند (التاجر) دون دفع الثمن حالاً لتضمنه التزام المصدر بالدفع، ويكون الدفع من حساب المصدر، ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية، وبعضها يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع بعد فترة محددة من تاريخ المطالبة، وبعضها لا يفرض فوائد قرر ما يلي: أولاً: لا يجوز إصدار بطاقة الائتمان غير المغطاة ولا التعامل بها، إذا كانت مشروطة بزيادة فائدة ربوية، حتى ولو كان طالب البطاقة عازماً على السداد ضمن فترة السماح المجاني. ثانياً: يجوز إصدار البطاقة غير المغطاة إذا لم تتضمن شرط زيادة ربوية على أصل الدين. ويتفرع على ذلك: أ. جواز أخذ مصدرها من العميل رسوماً مقطوعة عند الإصدار أو التجديد، بصفتها أجراً فعلياً على قدر الخدمات المقدمة منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 ب. جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على مشتريات العميل منه، شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد. ثالثاً: السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراضاً من مصدرها، ولا حرج فيه شرعاً إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية، ولا يعد من قبيلها الرسوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة. وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعاً كما نص على ذلك المجمع في قراره رقم 13 (10/ 2) و 13 (1/ 3). رابعاً: لا يجوز شراء الذهب والفضة وكذا العملات النقدية بالبطاقة غير المغطاة] انتهى قرار المجمع الفقهي. إذا تقرر هذا فأعود لقضية استعمال هذه البطاقات في عملية صرف العملات فأقول: اتفق أهل العلم على أن من شروط عقد الصرف تقابض البدلين من الجانبين في مجلس العقد قبل افتراقهما. قال ابن المنذر: [أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد]. فلذلك يشترط في عملية بيع عملة بأخرى أن يتم تبادل العملتين في المجلس ولا يجوز تأجيل قبض إحداهما وإن حصل التأجيل فالعقد باطل ويدل على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب مثلاً بمثل يداً بيد والفضة بالفضة مثلاً بمثل يداً بيد) رواه مسلم. وبما أن العملات الورقية تقوم مقام الذهب والفضة كما قاله كثير من علماء العصر وهو القول الصحيح فإنه يشترط في بيع هذه العملات بغيرها من العملات التقابض في مجلس العقد ولا يجوز التأجيل وبناء على ما تقدم فإذا كان التاجر يمكنه أخذ الدولارات بمجرد رجوعه إلى البنك المصدر للبطاقة فيجوز استعمال البطاقات المذكورة في صرف العملات لأن القيد في الحساب مباشرة يقوم مقام القبض الفعلي وأما إذا لم يمكنه ذلك فيحرم حينئذ استعمالها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 وخلاصة الأمر أني أنصح بعدم التعامل مع البنوك الربوية بشكل عام وإذا احتاج الشخص للتعامل معها فيكون ذلك في أضيق نطاق وإذا احتاج للتعامل بالبطاقات فلا بد من الانتباه لأمر هام وهو أن يكون حساب الشخص غير مكشوف لدى البنك. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 التأمين الإسلامي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 أسس وضوابط التأمين الإسلامي يقول السائل: ما هي الأسس التي يقوم عليها التأمين الإسلامي، أفيدونا؟ الجواب: الفقه الإسلامي فقه حيوي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وفقهاء الأمة في كل عصر وأوان يقدمون الحلول للمشكلات التي يواجهها المجتمع المسلم، لذا فالفقه الإسلامي فقه غني، وهو فقه عملي تطبيقيي أيضاً، وفي عصرنا الحاضر قدَّم فقهاء الأمة حلولاً للقضايا المعاصرة في مختلف جوانب الحياة، كالقضايا الطبية المعاصرة وكذا القضايا الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وكان من أهم هذه القضايا المعاصرة ما يتعلق بالمعاملات المالية المعاصرة مثل الحقوق المعنوية كحق التأليف والاختراع والاسم التجاري ونحوها ومثل قضايا النقود، ومثل البنوك الإسلامية وشركات التأمين الإسلامي وغيرها كثير، وهذه الحلول تقوم على الأصول الفقهية المقررة عند أئمتنا وفقهائنا، وكثير من هذه المسائل بحثت على مستوى المجامع الفقهية والندوات الخاصة والبحوث والرسائل الجامعية وغير ذلك. إذا تقرر هذا فإن تعريف التأمين الإسلامي باعتباره نظاماً: هو [اتفاق بين شركة التأمين الإسلامي باعتبارها ممثلة لهيئة المشتركين (حساب التأمين أو صندوق التأمين) وبين الراغبين في التأمين (شخص طبيعي أو قانوني) على قبوله عضواً في هيئة المشتركين والتزامه بدفع مبلغ معلوم (القسط) على سبيل التبرع به وبعوائده لصالح حساب التأمين على أن يدفع له عند وقوع الخطر تعويض طبقاً لوثيقة التأمين والأسس الفنية والنظام الأساسي للشركة] التأمين الإسلامي د. علي القرة داغي ص 203. وانظر أيضاً التأمين على حوادث السيارات د. حسين حامد حسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 وقد بدأ التأمين الإسلامي بشكل عملي وتطبيقي منذ حوالي الأربعين عاماً، وقد نشأ التأمين الإسلامي ليكون بديلاً عن التأمين التجاري ذي القسط الثابت، وقد سبقت نشأة التأمين الإسلامي وصاحبته، دراسات فقهية معمقة، لبيان حكمه وتأصيله شرعاً، ولوضع حلول للمشكلات التي تواجه التأمين الإسلامي، وكان من القرارات الصادرة بجواز التأمين الإسلامي وتأصيله شرعاً القرار الصادر عن هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية سنة 1397هـ وفق 1977م، وجاء فيه ما يلي: [ الأول: إن التأمين التعاوني من عقود التبرع التي يقصد بها أصالة التعاون على تفتيت الأخطار والاشتراك في تحمل المسئولية عند نزول الكوارث وذلك عن طريق إسهام أشخاص بمبالغ نقدية تخصص لتعويض من يصيبه الضرر، فجماعة التأمين التعاوني لا يستهدفون تجارة ولا ربحاً من أموال غيرهم وإنما يقصدون توزيع الأخطار بينهم والتعاون على تحمل الضرر. الثاني: خلو التأمين التعاوني من الربا بنوعيه ربا الفضل وربا النساء فليست عقود المساهمين ربوية ولا يستغلون ما جمع من الأقساط في معاملات ربوية. الثالث: إنه لا يضر جهل المساهمين في التأمين التعاوني بتحديد ما يعود عليهم من النفع لأنهم متبرعون فلا مخاطرة ولا غرر ولا مغامرة بخلاف التأمين التجاري فإنه عقد معاوضات مالية تجارية. الرابع: قيام جماعة من المساهمين أو من يمثلهم باستثمار ما جمع من الأقساط لتحقيق الغرض الذي من أجله أنشئ هذا التعاون سواء كان القيام بذلك تبرعاً أو مقابل أجر معين]. وقرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي سنة 1398هـ وفق 1978م وقد جاء فيه ما يلي: [قرر مجلس المجمع بالإجماع الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم 51 بتاريخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 4/ 4/1397هـ من جواز التأمين التعاوني بدلاً عن التأمين التجاري المحرّم]. وقرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي سنة 1406هـ وفق 1985م وجاء فيه ما يلي: أولاً: إن عقد التأمين التجاري ذا القسط الثابت الذي تتعامل به شركات التأمين التجاري عقد فيه غرر كبير مفسد للعقد، ولذا فهو حرام شرعاً. ثانياً: إن العقد البديل الذي يحترم أصول التعامل الإسلامي هو عقد التأمين التعاوني القائم على أساس التبرع والتعاون، وكذلك الحال بالنسبة لإعادة التأمين القائم على أساس التأمين التعاوني. ثالثاً: دعوة الدول الإسلامية للعمل على إقامة مؤسسات التأمين التعاوني وكذلك مؤسسات تعاونية لإعادة التأمين، حتى يتحرر الاقتصاد الإسلامي من الاستغلال، ومن مخالفة النظام الذي يرضاه الله لهذه الأمة] مجلة المجمع عدد 2، ج2/ 731. وهذا ما أفتت به ووافقت عليه هيئات الرقابة الشرعية لعدد من البنوك الإسلامية وهيئات الرقابة الشرعية لشركات التأمين الإسلامية. وفي وقتنا الحاضر صار التأمين الإسلامي له حصة كبيرة من سوق التأمين، وشركات التأمين الإسلامي في ازدياد، وقد جاء في دراسة حديثة لواقع شركات التأمين الإسلامي ما يلي: [تبلغ نسبة نمو قطاع التأمين المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية (التأمين الإسلامي) مابين 20 - 25% سنويا بينما يبلغ نمو قطاع التأمين التجاري نسبة تتراوح ما بين 6 - 7% سنويا ويعزى ذلك إلى نمو القطاع المالي الإسلامي بوجه عام. ويعمل في سوق قطاع التأمين الإسلامي 60 شركة منتشرة في 23 دولة ومن المتوقع أن يصل حجم إجمالي أقساط هذا القطاع إلى 10 مليارات دولار بحلول عام 2010 حسب تقديرات سوق التأمين العالمية] عن شبكة الإنترنت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 وأما عن أهم الأسس التي يقوم عليها التأمين الإسلامي فهي: أولاً: التأمين الإسلامي يقوم على مبدأ التعاون والتكافل، وهو مبدأ شرعي أصيل قامت عليه عشرات الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ثانياً: إن التأمين التعاوني من عقود التبرع التي يقصد بها أصالة التعاون على تفتيت الأخطار، فالأقساط المقدمة من حملة الوثائق في التأمين التعاوني تأخذ صفة التبرع وهو تبرع يلزم بالقول على رأي الإمام مالك رحمه الله. وعلى هذا يكون العضو ملتزماً بدفع القسط بمجرد توقيعه على العقد، وبالتالي يكون الأعضاء متبرعين بالأقساط التي يدفعونها، وبعوائد استثمار هذه الأقساط، في حدود المبالغ اللازمة لدفع التعويضات عن الأضرار التي تصيب أحدهم. كما يتضمن التوقيعُ على وثيقة التأمين قبولَ العضو للتبرع من مجموع أموال التأمين أي الأقساط وعوائدها الاستثمارية وفقاً لأحكام وثيقة التأمين والنظام الأساسي للشركة حسب أحكام الشريعة الإسلامية، والعضو لا يتبرع بالأقساط وعوائدها جملة، بل يتبرع منها بما يكفي لدفع التعويضات ... ولا مانع أن يحقق التأمين التعاوني أرباحاً من خلال استثمار الأرصدة المجتمعة لديه استثماراً مشروعاً، والممنوع هو أن تكون الغاية المعاوضة والاسترباح لا مجرد تحقيق الأرباح] التأمين التعاوني الإسلامي د. صالح بن حميد عن الإنترنت. ثالثاً: تخلو عقود التأمين الإسلامي من الربا بنوعيه: ربا الفضل وربا النسيئة، فعقود المساهمين ليست ربوية ولا يستغل ما جمع من الأقساط في معاملات ربوية. التأمين الإسلامي د. علي القرة داغي ص 210. رابعاً: التأمين الإسلامي يعتمد على أقساط التأمين المحصلة، وعلى استثمارها في أمور مشروعة تخلو من الربا أو المعاملات المحرمة ويتم دفع التعويضات من ذلك. كما أن شركة التأمين الإسلامي لا تتملك أقساط التأمين وإنما تكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 ملكاً لحساب التأمين وهو حق للمشتركين، وتقوم شركة التأمين الإسلامي بإدارة الحساب نيابة عنهم. خامساً: الفائض في التأمين الإسلامي يعود إلى مجموع المؤمنين ولا يعود إلى شركة التأمين، ولكن شركة التأمين الإسلامي تأخذ حصة من الفائض إما باعتبارها وكيلة بأجر أو باعتبارها مضارباً. سادساً: تحتفظ شركة التأمين الإسلامي بحسابين منفصلين، أحدهما لاستثمار رأس المال، والآخر لحسابات أموال التأمين. سابعاً: شركات التأمين الإسلامي هي شركات خدمات، أي أنها تدير عمليات التأمين وتستثمر أمواله نيابة عن هيئة المشتركين، وعلاقة الشركة بهيئة المشتركين علاقة معاوضة، فهي الأمينة على أموال التأمين، وتقوم بالإدارة نيابة عن هيئة المشتركين، والعوض الذي تأخذه الشركة مبلغ مقطوع، أو نسبة من الأقساط التي تجمعها، أو التعويضات التي تدفعها باعتبارها وكيلاً، أو نسبة معلومة من عائد الاستثمار باعتبارها مضارباً، أو هما معاً] التأمين التعاوني الإسلامي د. صالح بن حميد. عن الإنترنت. ثامناً: تخضع جميع أعمال شركة التأمين الإسلامي للتدقيق من هيئة رقابة شرعية للنظر في مدى توافقها مع الأحكام الشرعية. وخلاصة الأمر أن التأمين الإسلامي عقد مشروع إذا تمَّ وفق القواعد والضوابط الشرعية. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 متفرقات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 الأزمة المالية العالمية من منظور شرعي يقول السائل: هل من رؤية شرعية لأزمة الرهن العقاري التي عصفت بالاقتصاد الغربي، أفيدونا؟ الجواب: وصلتني رسالة على بريدي الإلكتروني من أحد خبراء الاقتصاد وفيها شرح مفصل لأسباب نشوء أزمة الرهن العقاري وخلاصتها: [إقدام كثير من الأمريكيين على شراء بيوت للسكن بالتقسيط عن طريق الحصول على قروض من البنوك مقابل رهن البيت ولكن بمعدلات فائدة عالية مع العلم أن أسعار الفائدة متغيرة وليست ثابتة. وهذه الأسعار تكون منخفضة في البداية ثم ترتفع مع الزمن. وترتفع أسعار الفائدة كلما رفع البنك المركزي أسعار الفائدة، وإذا تأخر المشتري عن دفع أي دفعة فإن أسعار الفائدة تتضاعف بنحو ثلاث مرات، كما أن المدفوعات الشهرية خلال السنوات الثلاث الأولى تذهب كلها لسداد الفوائد، وهذا يعني أن المدفوعات لا تذهب إلى ملكية جزء من البيت إلا بعد مرور ثلاث سنوات. وبعد أشهر رفع البنك المركزي أسعار الفائدة فارتفعت الدفعات الشهرية ثم ارتفعت مرة أخرى بعد مرور عام كما نصت عليه عقود الشراء. وإذا تأخر المشتري في السداد فهنالك فوائد على التأخير، وقد توقف كثيرون عن الدفع، وقامت البنوك ببيع القروض على شكل سندات لمستثمرين وأخذ عمولة ورسوم خدمات منهم. وهؤلاء المستثمرين رهنوا هذه السندات، على اعتبار أنها أصول، مقابل ديون جديدة للاستثمار في شراء مزيد من السندات. وبما أن قيمة السندات السوقية وعوائدها تعتمد على تقييم شركات التقييم لهذه السندات بناء على قدرة المدين على الوفاء، وبما أنه ليس كل من اشترى البيوت له القدرة نفسها على الوفاء، فإنه ليست كل السندات سواسية. فالسندات التي تم التأكد من أن قدرة الوفاء فيها ستكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 فيها أكيدة ستكسب تقدير (أ) وهناك سندات أخرى ستحصل على (ب) وبعضها سيصنف على أنه لا قيمة له بسبب العجز عن الوفاء. ولتلافي هذه المشكلة قامت البنوك بتعزيز مراكز السندات عن طريق اختراع طرق جديدة للتأمين بحيث يقوم حامل السند بدفع رسوم تأمين شهرية كي تضمن له شركة التأمين سداد قيمة السند إذا أفلس البنك أو صاحب البيت، الأمر الذي شجع المستثمرين في أنحاء العالم كافة على اقتناء مزيد من هذه السندات. ولما توقف أصحاب البيوت عن سداد الأقساط فقدت السندات قيمتها، وأفلست البنوك الاستثمارية وصناديق الاستثمار المختلفة. أما الذين اشتروا تأميناً على سنداتهم فإنهم حصلوا على قيمتها كاملة، فنتج عن ذلك إفلاس شركات التأمين] ولا شك أن أزمة الرهن العقاري قد سببت ضرراً بليغاً للاقتصاد الرأسمالي، ونتج عنها إفلاس عدد من البنوك وشركات الرهن العقاري وشركات التأمين وكل ذلك ينعكس سلباً على مختلف النشاطات الاقتصادية - وقد نشرت الجزيرة نت لائحةً بأسماء المصارف والمؤسسات المالية وشركات التأمين المتضررة من الأزمة المالية العالمية-. ولا شك أن أهم أسباب أزمة الرهن العقاري التعامل بالربا – الفائدة – وكذلك بيع الديون [وكشفت هذه الأزمة عن فقاعتين تحكمان الاقتصاد العالمي الأولى: فقاعة الربا، والثانية: فقاعة بيع الديون، وكل منهما ترتبط بالأخرى. وارتبطت بوادر تلك الأزمة بصورة أساسية بالارتفاع المتوالي لسعر الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي منذ العام 2004م وهو ما شكل زيادة في أعباء القروض العقارية من حيث خدمتها وسداد أقساطها، خصوصا في ظل التغاضي عن السجل الائتماني للعملاء وقدرتهم على السداد حتى بلغت تلك القروض نحو1.3 تريليون دولار في آذار من العام 2007م وتفاقمت تلك الأزمة مع حلول النصف الثاني من العام نفسه، وإلى الآن لا يعرف يقيناً المدى الذي يمكن أن تصل إليه تلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 الأزمة. وسعى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى خفض الفائدة على الدولار أكثر من مرة لدعم الاقتصاد الأمريكي، والخروج من أزمة الرهن العقاري على الرغم من مواصلة الضغوط التضخمية التي تحد من اتجاه خفض الفائدة، من دون أثر ملموس يبشر بقرب انفراج تلك الأزمة. أما فقاعة بيع الديون فجاءت من خلال (توريق) أو (تسنيد) تلك الديون العقارية وذلك بتجميع الديون العقارية الأمريكية وتحويلها إلى سندات وتسويقها من خلال الأسواق المالية العالمية. ونتج عن عمليات التوريق زيادة في معدلات عدم الوفاء بالديون لرداءة العديد منها، مما أدى إلى انخفاض قيمة هذه السندات المدعمة بالأصول العقارية في السوق الأمريكية بأكثر من 70%] عن صحيفة الخليج الإماراتية على شبكة الإنترنت. ومن الأمور اللافتة للنظر في هذه الأزمة ظهور أصوات في الغرب تطالب بإعادة النظر في نظام الفائدة (الربا)، بل إن بعض تلك الأصوات طالبت باعتماد النظام الإسلامي في المعاملات، ففي افتتاحية مجلة (تشالينجز)، كتب (بوفيس فانسون) رئيس تحريرها موضوعاً بعنوان (البابا أو القرآن)، وقد تساءل الكاتب فيه عن أخلاقية الرأسمالية؟ ودور المسيحية كديانة والكنيسة الكاثوليكية بالذات في تكريس هذا المنزع والتساهل في تبرير الفائدة، مشيراً إلى أن هذا النسل الاقتصادي السيئ أودى بالبشرية إلى الهاوية. وتساءل الكاتب قائلاً: (أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلاً من الإنجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأن النقود لا تلد النقود). وطالب رئيس تحرير صحيفة (لوجورنال دفينانس) بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي لوضع حدٍ لهذه الأزمة التي تهز أسواق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 العالم من جراء التلاعب بقواعد التعامل والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة. وكتب مقالاً بعنوان: هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية؟ المخاطر التي تحدق بالرأسمالية وضرورة الإسراع بالبحث عن خيارات بديلة لإنقاذ الوضع، وقدَّم سلسلة من المقترحات المثيرة في مقدمتها تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية برغم تعارضها مع التقاليد الغربية ومعتقداتها الدينية. وذكر جوهان فيليب بتمان مدير البنك الألماني في فرانكفورت في كتابه (كارثة الفائدة) [أن الفوائد سبب رئيسي في تدهور النقد وظهور التضخم، ولو استمرت الفوائد في الازدياد فإن هناك كارثة لا مفر من حدوثها، ومن السهل التنبؤ بها، فهي ليست مصادفة، أو أنها ستأتي فجأة كنتيجة عفوية أو كسوء حظ، وإنما ستأتي نتيجة السياسة الاقتصادية الخاطئة التي تعتمد على نظام الفوائد، فهذه السياسة هي المسؤولة عن الكارثة] ونادى بعض الاقتصاديين الغربيين، وعلى رأسهم الاقتصادي الكبير (كينز) بإلغاء نظام الفائدة الربوية ويرون أن الفائدة تعوق النمو الاقتصادي، وتعطل حركة الأموال، وأن التنمية لا تتحقق إلا إذا كان سعر الفائدة صفراً أو ما يقرب منه. وفي كتاب صدر مؤخراً للباحثة الإيطالية لووريتا نابليوني بعنوان (اقتصاد ابن آوى) أشارت فيه إلى أهمية التمويل الإسلامي ودوره في إنقاذ الاقتصاد الغربي. واعتبرت (التوازن في الأسواق المالية يمكن التوصل إليه بفضل التمويل الإسلامي بعد تحطيم التصنيف الغربي ... ورأت نابليوني أن التمويل الإسلامي هو القطاع الأكثر ديناميكية في عالم المال الكوني) عن شبكة الإنترنت. إذا تقرر أن السببين الأساسين في نشوء أزمة الرهن العقاري هما نظام الفائدة (الربا) وبيع الديون، فإن الشريعة الإسلامية قد حرمتهما، فمن المعلوم أن الربا من أكبر الكبائر وتحريمه قطعي في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم فمن ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيات 275 - 279. وثبت في الحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. وقد اتفق الفقهاء على أن بيع الدين بالدين ممن هو ليس عليه محرم، انظر كشاف القناع 3/ 265، وهذا ما حصل في أزمة الرهن العقاري حيث بيعت الديون مع ربطها بأسعار الفائدة. وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أن المصارف الإسلامية لم تلحقها خسائر من أزمة الرهن العقاري التي تشهدها الأسواق المالية العالمية، وهو ما فشلت فيه عدد من أكبر البنوك العالمية، بحسب مسئولين وخبراء اقتصاد. وتوقع الخبراء أن تصب أزمة الرهن العقاري في مصلحة البنوك والمصارف الإسلامية من خلال جذب عدد أكبر من العملاء الذين سيبحثون عن البديل في ضوء تلك الأزمة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 مشيرين إلى أن ذلك سيزيد من حجم التمويل الإسلامي على مستوى العالم. عن إسلام أون لاين. وخلاصة الأمر أن من أهم عوامل نشوء أزمة الرهن العقاري هو التعامل بالربا وبيع الديون، وإن هذه الأزمة لتؤكد لنا أنه لا خلاص للبشرية إلا بإتباع دين الله عز وجل، وأنه المنهج الوحيد القادر على تقديم الحلول الناجعة لمشكلات البشرية جمعاء. - - - حكم شراء شقة على المخططات قبل البناء يقول السائل: ما حكم شراء شقة لم يتم بناؤها بعد، ويقع الشراء على المخططات المعدة للشقة، أفيدونا؟ الجواب: يجوز شراء شقة أو عمارة على المخططات والخرائط، وهذا يعتبر عقد استصناع، بشرط أن تكون المخططات والخرائط تفصيلية ومبيناً فيها كافة المواصفات، منعاً للنزاع والخلاف مستقبلاً، وعقد الاستصناع هو عقد على بيع عين موصوفة في الذمة مطلوب صنعها، وهو عقدٌ مشروع عند عامة الفقهاء، فقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: (اصطنع خاتماً) رواه البخاري. وثبت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استصنع منبراً كما في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى امرأة من الأنصار: مُري غلامَك النجار يعمل لي أعواداً أجلس عليهن) وفي رواية عند مسلم (انظري غلامك النجار يعمل لي أعواداً أكلم الناس عليها. فعمل هذه الثلاث درجات ثم أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت هذا الموضع فهي من طرفاء الغابة). وقد تعامل المسلمون بالاستصناع في مختلف العصور وما زالوا يتعاملون به من غير نكير. وقد أقرت المجامع الفقهية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 والهيئات العلمية الشرعية عقد الاستصناع ووضعت له ضوابط معينة، فمن ذلك ما ورد في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي: [بعد استماعه للمناقشات التي دارت حوله - عقد الاستصناع - ومراعاة لمقاصد الشريعة في مصالح العباد والقواعد الفقهية في العقود والتصرفات، ونظراً لأن عقد الاستصناع له دور كبير في تنشيط الصناعة، وفي فتح مجالات واسعة للتمويل والنهوض بالاقتصاد الإسلامي، قرر ما يلي: أولاً: إن عقد الاستصناع – وهو عقد وارد على العمل والعين في الذمة – ملزم للطرفين إذا توافرت فيه الأركان والشروط. ثانياً: يشترط في عقد الاستصناع ما يلي: أ. بيان جنس المستصنع ونوعه وقدره وأوصافه المطلوبة. ب. أن يحدد فيه الأجل. ثالثاً: يجوز في عقد الاستصناع تأجيل الثمن كله، أو تقسيطه إلى أقساط معلومة لآجال محددة. رابعاً: يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطاً جزائياً بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة] مجلة المجمع عدد 7 ج2 ص 223. وهذا القرار في عقد الاستصناع بشكل عام، وقد قرر المجمع جواز شراء المساكن قبل بنائها وفق المخططات الهندسية المفصلة فقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المتعلق بالتمويل العقاري لبناء المساكن ما يلي: [تملك المساكن عن طريق عقد الاستصناع – على أساس اعتباره لازماً – وبذلك يتم شراء المسكن قبل بنائه بحسب الوصف الدقيق المزيل للجهالة المؤدية للنزاع دون وجوب تعجيل جميع الثمن بل يجوز تأجيله بأقساط يتفق عليها مع مراعاة الشروط والأحوال المقررة لعقد الاستصناع لدى الفقهاء الذين ميزوه عن عقد السلم] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 6 ج 1 ص188. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 ولا بد هنا من التأكيد أن لعقد الاستصناع معايير وضوابط خاصة لا بد من مراعاتها حتى يكون العقد صحيحاً فمن ذلك: 1. عقد الاستصناع ملزم للطرفين إذا توافرت فيه شروطه، وهي: بيان جنس الشيء المستصنع ونوعه وقدره وأوصافه المطلوبة ومعلومية الثمن وتحديد الأجل إن وجد. ويثبت للمستصنِع الخيارُ إذا جاء المصنوع مخالفاً للمواصفات المشروطة. 2. لا يجوز عقد الاستصناع إلا فيما تدخله الصنعة وتخرجه عن حالته الطبيعية. فما دام الصانع التزم بالعين المصنوعة صح الاستصناع. 3. يجب على الصانع إنجاز العمل وفقاً للمواصفات المشروطة في العقد، وفي المدة المتفق عليها، أو في المدة المناسبة التي تقتضيها طبيعة العمل وفقاً للأصول المتعارف عليها لدى أهل الخبرة. 4. يشترط أن يكون ثمن الاستصناع معلوماً عند إبرام العقد، ويجوز أن يكون نقوداً، أو عيناً، أو منفعة لمدة معينة، سواء كانت منفعة عين أخرى أم منفعة المصنوع نفسه. 5. يجوز تأجيل ثمن الاستصناع، أو تقسيطه إلى أقساط معلومة لآجال محددة، أو تعجيل دفعة مقدمة وتسديد باقي الثمن على دفعات متوافقة مع مواعيد التسليم لأجزاء من المصنوع. ويجوز ربط الأقساط بمراحل الإنجاز إذا كانت تلك المراحل منضبطة في العرف ولا ينشأ عنها نزاع. 6. إذا كان العمل مكوناً من عدة أجزاء، أو كان الثمن محدداً على أساس الوحدة، فيجوز أن يشترط الصانع على المستصنِع أن يؤدي من الثمن المؤجل بقدر ما أنجزه من العمل مطابقاً للمواصفات. 7. يجوز اتفاق الصانع والمستصنِع بعد عقد الاستصناع على تعديل المواصفات المشروطة في المصنوع، أو الزيادة فيه، مع تحديد ما يترتب على ذلك بالنسبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 للثمن وإعطاء مهلة في مدة تنفيذه، ويجوز النص في العقد على أن مقابل التعديلات أو الزيادات هو بنسبتها إلى الثمن حسبما تقتضيه الخبرة أو العرف، أو أي مؤشر معروف تنتفي به الجهالة المفضية إلى النزاع. 8. لا يجوز زيادة الثمن لتمديد أجل السداد. أما تخفيض الثمن عند تعجيل السداد فيجوز إذا كان غير مشترط في العقد. 9. تبرأ ذمة الصانع بتسليم المصنوع إلى المستصنع أو تمكينه منه، أو تسليمه إلى من يحدده المستصنع. 10. إذا كان المصنوع وقت التسليم غير مطابق للمواصفات فإنه يحق للمستصنع أن يرفضه، أو أن يقبله بحاله، فيكون من قبيل حسن الاقتضاء. ويجوز للطرفين أن يتصالحا على القبول ولو مع الحط من الثمن. 11. يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطاً جزائياً غير مجحف لتعويض المستصنع عن تأخير التسليم بمبلغ يتفق عليه الطرفان إذا لم يكن التأخير نتيجة لظروف قاهرة أو طارئة، ولا يجوز الشرط الجزائي بالنسبة للمستصنع إذا تأخر في أداء الثمن، لأن ذلك يعتبر من باب الربا، لأن كل غرامة تفرض على المدين تعتبر من باب الربا، وإن سُميت غرامة تأخير أو سُميت شرطاً جزائياً، فإن الشرط الجزائي لا يكون في الديون، وإنما يكون في العقود المالية التي تخلو من الديون كعقود المقاولات والتوريد والاستصناع وغيرها، جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية ما يلي: [إن كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حلَّ أجلُه وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد. هاتان الصورتان ربا محرم شرعاً] مجلة المجمع عدد 2 ج 2 ص 873. وبما أن عقد الاستصناع هو عقد على العمل، فيصح أن يدخله الشرط الجزائي، فقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 65 (3/ 7): الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطاً جزائياً بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة]. 12. لا يجوز بيع المصنوع قبل تسلمه من الصانع حقيقةً أو حكماً، وبناء على ذلك لا يجوز أن تُباع الشقة التي اشتريت على المخططات قبل أن يتسلمها المشتري. 13. يجوز أن تجري المؤسسة بصفتها صانعاً عقد استصناع مع عميل بثمن مؤجل، وتتعاقد مع صانع أو مقاول للشراء منه بالاستصناع الموازي لمصنوعات أو مبانٍ بنفس المواصفات بثمن حال، بشرط عدم الربط بين العقدين. 14. لا يجوز الربط بين عقد الاستصناع وعقد الاستصناع الموازي، ولا يجوز التحلل من التسليم في أحدهما إذا لم يقع التسليم في الآخر، وكذلك التأخير أو الزيادة في التكاليف، ولا مانع من اشتراط المؤسسة على الصانع في الاستصناع الموازي شروطاً (بما فيها الشرط الجزائي) مماثلة للشروط التي التزمت بها مع العميل في الاستصناع الأول أو مختلفة عنها] انظر المعيار الشرعي رقم (11) من معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ص 173 فما بعدها. وأخيرا لا بد من التأكيد على أن بعض البائعين والمقاولين – الصانعين – لا يفون بشروط العقود التي يوقعونها مع المشترين، وبالتالي تقع المنازعات والخصومات التي تمتد لمدة طويلة، ولا شك في تحريم ذلك، لأن الوفاء بالعقود فريضة شرعية. فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} سورة المائدة الآية1. وقال: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} سورة الإسراء الآية 34. وقال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} سورة المعارج الآية 32. وقال تعالى: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا} سورة البقرة الآية 177. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} سورة الصف الآيات 2 - 3. وقال: {بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين} سورة آل عمران الآية 76، وقال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} الأنفال الآية 58. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً) رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، ورواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم لكنه بدون الاستثناء، ورواه كذلك الحاكم وأبو داود عن أبي هريرة بلفظ (المسلمون عند شروطهم) أي بدون الاستثناء. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [إن الوفاء بها أي بالالتزامات التي التزم بها الإنسان من الواجبات التي اتفقت عليها الملل بل العقلاء جميعاً] مجموع الفتاوى 29/ 516 والقواعد النورانية ص53. وخلاصة الأمر أنه يجوز شراء الشقق والعمارات على المخططات الهندسية التفصيلية المبينة لكافة المواصفات، منعاً للنزاع والخلاف مستقبلاً، ويجب على البائع أن يسلم الشقة محل الاستصناع وفقاً للشروط التي تم الاتفاق عليها. - - - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 الشرط الجزائي يقول السائل: ما الحكم الشرعي فيما يعرف هذه الأيام بالشرط الجزائي في المعاملات؟ الجواب: لا بد من توضيح الشرط الجزائي فنقول: نظراً لتطور أساليب التجارة والتعامل بين الناس وجدت أنواع من العقود والتعامل في العصور المتأخرة لم تكن معروفة في الماضي وصار لعامل الوقت أهمية قصوى في التعامل كما هو الحال في عقود التوريد إلى المصانع والمؤسسات المختلفة ونظراً لما يترتب على تأخير تسليم البضاعة إلى المصانع أو إلى المؤسسات أو تأخير تسليم المقاولين للأعمال المنوطة بهم ولما يترتب على ذلك التأخير من أضرار قد تلحق بالأطراف الأخرى في أمثال هذه العقود احتاج الناس إلى اشتراط شروط تصمن لهم حقوقهم وتلزم الطرف الذي يتأخر في تنفيذ العقد أو يخل بشيء من العقد بدفع تعويض مالي إلى الطرف الآخر وهذا ما يعرف بالشرط الجزائي. والذي عليه كثير من الفقهاء المعاصرون أن الشرط الجزائي جائز وأنه من الشروط التي تعتبر في مصلحة العقد إذ هو حافز لإكمال العقد في وقته المحدد له، ويمكن أن يستدل على جوازه بما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن ابن سيرين أن رجلاً قال لكريه: (من يكري وسائل النقل) أدخل ركابك فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم فلم يخرج فقال شريح: من شرط على نفسه طائعاً ليس مكره فهو عليه. ويضاف إلى ذلك أن الشرط الجزائي مقابل للإخلال بالالتزام الذي قد يلحق الضرر ويفوت المنافع. والقول بجواز الشرط الجزائي سد لأبواب الفوضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 والتلاعب بحقوق عباد الله وهو سبب من أسباب دفع الناس للوفاء بالعقود تحقيقاً لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}. وينبغي ملاحظة أمرين في قضية الشرط الجزائي: الأول: أنه لا ينبغي تنفيذ الشرط الجزائي إذا كان هنالك عذر شرعي في الإخلال بالالتزام فيكون العذر الشرعي مسقطاً لوجوبه حتى يزول العذر. الثاني: إذا كان الشرط الجزائي كثيراً عرفاً بحيث يراد به التهديد المالي ويكون بعيداً عن مقتضى القواعد الشرعية فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف ويرجع في تقدير الضرر إلى أهل الخبرة والشأن في ذلك. ولا بد من مراعاة قواعد العدل ورفع الضرر عن الناس لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار). - - - شركات التسويق الهرمي يقول السائل: هنالك شركة على شبكة الإنترنت تسمى بزناس تقوم بتسويق برامج كمبيوتر للتعليم وتقدم مواقع وبريد إلكتروني على شبكة الإنترنت وغير ذلك. وتقوم الشركة بتسويق برامجها بشكل مباشر للزبائن وتعطي كل زبون الحق في تسويق برامجها إلى آخرين مقابل عمولات يحصل عليها الزبون عند اكتمال عدد محدد من الزبائن المشترين الذين يقنعهم بشراء منتجات الشركة كما أن الشركة تعطي نفس الحق للزبائن الجدد وهكذا. فما قولكم في هذه الطريقة مع العلم أن المسوق قد يحصل على مبالغ كبيرة شهرياً؟ الجواب: بعد الإطلاع على نظام عمل الشركة المذكورة والنظام الذي تتبعه في تسويقها لمنتجاتها وبعد الإطلاع على بعض الفتاوى التي نشرتها الشركة في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 موقعها على الإنترنت والتي تجيز معاملات الشركة. وبعد الإطلاع على آراء أخرى في الموضوع يظهر لي أن أسلوب تعامل الشركة غير شرعي لما يلي: إن معاملة الشركة المذكورة تقوم على الغرر وهو ما كان مجهول العاقبة لا يدرى هل يحصل أم لا؟ وقد صح في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر) رواه مسلم. فمعاملة الشركة كأنها نوع من القمار حيث إن الزبون يدفع مبلغاً من المال وهنالك احتمال أن يربح أو لا يربح. يقول د. سامي السويلم: [إن الدخول في هذا البرنامج في حقيقته مقامرة: كل يقامر على أنه سيربح قبل توقف الهرم. ولو علم الشخص أنه سيكون من المستويات الدنيا حين يتوقف الهرم لم يكن ليقبل بالدخول في البرنامج ولا بربع الثمن المطلوب ولو علم أنه سيكون من المستويات العليا لرغب في الدخول ولو بأضعاف الثمن. وهذا حقيقة الغرر المحرم إذ يقبل الشخص بالدخول على أمل الإثراء حتى لو كان احتمال تحقق هذا الأمل ضعيفاً جداً من حيث الواقع. فالثراء هو الذي يغري المرء لكي يدفع ثمن الانضمام للبرنامج فهو يغره بالأحلام والأماني والوهم بينما حقيقة الأمر أن احتمال خسارته أضعاف احتمال كسبه. قد يقال بيعتان في بيعة: عن الثمن الذي يدفعه المشترك هو مقابل السلعة وليس مجرد الانضمام للبرنامج فهو ينتفع بشراء السلعة سواء استمر الهرم في النمو أم لا. وهذه هي الحجة التي تستند إليها الشركات التي تنفذ البرامج في إقناع الجمهور بأنها تختلف عن البرامج الممنوعة قانوناً. لكن الجميع يعلم أن الذي ينضم إلى هذا البرنامج لا يريد السلعة ذاتها بل يريد الانضمام للبرنامج الهرمي وهذا معنى قاعدة منع بيعتين في بيعة وأصل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة وحقيقة بيعتين في بيعة أنها محاولة للالتفاف على الأحكام الشرعية من خلال ضم عقد غير مقصود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 للطرفين أو لأحدهما من أجل تنفيذ العقد الآخر ولو استقل العقد الآخر لم يكن جائزاً. وفي برامج التسويق الهرمي فإن امتلاك السلعة غير مقصود للمشتري ولا مراد له بل مراده هو الانضمام للبرنامج على أمل الثراء السريع فالشراء مجرد ستار للانضمام للبرنامج بينما الانضمام للبرنامج مقابل ثمن من الغرر وأكل المال بالباطل] مقال منشور على شبكة الإنترنت. ويقول د. حامد العلي: [ثم بعد ذلك توالت علينا أسئلة كثيرة تسأل عن بزناس وهي شركة على شبكة الإنترنت تقوم بعمليات تجارية تبين لنا بعد ذلك أنها تدخل فيما يسمى برامج التسلسل الهرمي أو شبكات التسويق وبعد النظر في حقيقة ما تقوم به تبين لي أنها معاملات محرمة تشتمل على الغش والخداع والوهم وتتضمن مقامرة وغرراً وعليه فلا يجوز التعامل مع الشركة المذكورة وأرجو من كل من اغتر بإدراجهم فتواي أن يتنبه إلى أن الفتوى لا تنطبق على الشركة وإنما تدل على منطوقها المحدد بجواز المعاملة المحددة التي نصت عليها الفتوى فحسب وأما الشركة المذكورة فقد تبين لنا تحريم التعامل معها لأن معاملاتها الحقيقية أشد تعقيداً وأبعد مدى بكثير مما تظهره في سؤالها للعلماء. ونهيب بكل العلماء الذين استطاعت الشركة المذكورة أن تحصل على فتاواهم في إباحة تعاملاتها اعتماداً على إبراز سؤال لا يعبر عن حقيقتها أن ينبهوا إلى خطر ما تقوم به هذه الشركة ويحذروا من استغلال فتاواهم في إباحة تعاملاتها] فتوى منشورة على شبكة الإنترنت. وأنصح من يريد الحصول على معلومات أكثر عن هذا الموضوع أن يقرأ الدراسة المفصلة التي أعدها د. سامي السويلم عضو الهيئة الشرعية لشركة الراجحي وهي منشورة على الإنترنت www.islamtoday.net وخلاصة الأمر يبدو لي أنه لا يجوز التعامل مع شركة بزناس لأن فكرتها كثيرة الشبه بالقمار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 فهرس المحتويات الموضوع ... الصفحة مقدمة ... 5 الربا ومعاملات البنوك الربوية ... 11 الربا من الكبائر ... 13 الحساب الجاري في البنوك الربوية ... 15 يحرم التعامل بالربا مطلقاً، سواءً أكان مع مسلم أو مع غيره ... 15 الاقتراض بالربا للضرورة ... 18 زيادة محرمة ... 22 حساب التوفير في البنوك التجارية ... 23 برنامج توفير محرم ... 25 فوائد صندوق التوفير ... 29 حكم جوائز حسابات التوفير ... 33 الكفالة في قرض ربوي ... 38 السحب على المكشوف من البنك الربوي ... 38 يحرم شراء بيت السكن بالربا ... 43 العمل في البنوك الربوية ... 47 كيفية التصرف بالمال الربوي ... 49 بيع العينة وبيع التورق ... 53 ردود وتعقيبات على قضايا الربا ... 57 تعقيب على مقال (البنوك وفتوى شيخ الأزهر) ... 59 ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 الرد على فتوى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر التي أباحت فوائد البنوك ... 64 معاملات البنوك الإسلامية ... 83 الأصل في المعاملات الإباحة ... 85 الفرق بين الربح والربا ... 91 الفرق بين البنوك الإسلامية وبين البنوك الربوية ... 95 البيع بالأقساط إلى أجل ... 100 تحديد مقدار الربح مسبقاً في المصارف الإسلامية ... 102 بيع المرابحة للآمر بالشراء ... 103 حكم ربط البيوع الآجلة بمؤشر (الليبور) ... 107 حكم جعل سعر الفائدة مؤشراً للربح في البنوك الإسلامية ... 113 المضاربة ... 117 المضاربة الصحيحة ... 119 المضارب يضارب في مالين ... 122 عقد مضاربة باطل ... 123 عقد المضاربة يصح مطلقاً ويصح مقيداً ... 125 المضارب يعطي مال المضاربة لغيره ... 127 المضارب لا يضمن مال المضاربة ... 127 ضمان المضارب لمال المضاربة في حال التعدي أو التقصير ... 129 حكم تبرع المضارب بضمان رأس المال ... 134 الديون والقروض ... 139 رد القرض للمقرض مع هدية ... 141 ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 لا يصح اشتراط عقدٍ آخر مع القرض ... 144 سداد الدين بعملة أخرى ... 145 تقضى الديون بأمثالها لا بقيمتها ... 147 حكم المماطلة وعقوبتها ... 148 التهاون في سداد الدين ... 152 حكم ما يعرف بجمعية الموظفين ... 156 حكم غرامات شركة الكهرباء ... 160 اشتراط الغرامة في القرض بسبب تؤخر السداد ... 165 لا يجوز فرض غرامة مالية على المدين المماطل ... 168 رسوم خدمات القروض ... 170 حكم رسوم القروض ... 171 متى تعتبر مصاريف القروض ربا ... 177 كل قرض جرَّ نفعاً فهو ربا ... 182 الخصم من الدين إذا عجل المدين السداد ... 184 الظفر بالحق ... 187 لا يجوز تثبيت سعر العملة في عقد القرض ... 192 الشرط الجزائي في العقود التي تتضمن التزاماً مالياً في الذمة ... 198 الشيكات ... 203 التعامل بالشيكات ... 205 استلام الشيك الحالّ بمثابة قبض النقود ... 206 من أحكام التعامل بالشيكات ... 210 التعامل بالشيكات الآجلة ... 211 ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 مسائل في التعامل بالشيكات ... 211 حكم إصدار شيك بدون رصيد ... 215 أحكام العملات ... 221 صرف العملة مع تأجيل القبض ... 223 حكم بيع العملات بالهامش (المارجن) ... 224 صرف دولارات بعضها ببعض ... 230 جريان الربا في العملات الورقية ... 231 المواعدة على الصرف ... 237 تغير قيمة العملة ... 242 انخفاض قيمة العملة وأثره على الرواتب المتأخرة ... 243 أثر اختلاف قيمة العملة على المهور ... 246 أحكام الذهب والفضة ... 251 شراء الذهب بأقساط إلى أجل مسمى ... 253 حكم بيع الحلي الذهبية القديمة بجديدة ... 254 الأسهم والسندات والبورصة ... 257 الضوابط الشرعية للتعامل بالأسهم ... 259 حكم شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا أحياناً ... 263 حكم السندات ... 267 حكم التعامل في الأسواق المالية (البورصة) ... 271 بطاقات الائتمان ... 277 حكم التعامل ببطاقات الائتمان ... 279 التأمين الإسلامي ... 285 ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 أسس وضوابط التأمين الإسلامي ... 287 متفرقات ... 293 الأزمة المالية العالمية من منظور شرعي ... 295 حكم شراء شقة على المخططات قبل البناء ... 300 الشرط الجزائي ... 306 شركات التسويق الهرمي ... 307 تم الكتاب بحمد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 الأعمال العلمية للمؤلف الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانة 1. الحقيقة والمجاز في الكتاب والسنة وعلاقتهما بالأحكام الشرعية (رسالة الماجستير) 2. بيان معاني البديع في أصول الفقه (رسالة الدكتوراه) 3. الأدلة الشرعية على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية (كتاب) 4. أحكام العقيقة في الشريعة الإسلامية (كتاب) 5. يسألونك الجزء الأول (كتاب) 6. يسألونك الجزء الثاني (كتاب) 7. بيع المرابحة للآمر بالشراء على ضوء تجربة شركة بيت المال الفلسطيني العربي (كتاب) 8. صلاة الغائب دراسة فقهية مقارنة (كتاب) 9. يسألونك الجزء الثالث (كتاب) 10. يسألونك الجزء الرابع (كتاب) 11. يسألونك الجزء الخامس (كتاب) 12. المفصل في أحكام الأضحية (كتاب) 13. شرح الورقات في أصول الفقه لجلال الدين المحلي (دراسة وتعليق وتحقيق) 14. فهارس مخطوطات مؤسسة إحياء التراث الإسلامي ج1 15. الفتاوى الشرعية (1) بالاشتراك (هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال الفلسطيني العربي) 16. الفتاوى الشرعية (2) بالاشتراك (هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال الفلسطيني العربي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 17. الشيخ العلامة مرعي الكرمي وكتابه دليل الطالب (بحث) 18. الزواج المبكر (بحث) 19. الإجهاض (بحث) 20. مسائل مهمات في فقه الصوم والتراويح والقراءة على الأموات (كتاب) 21. مختصر كتاب جلباب المرأة المسلمة للعلامة المحدث الألباني (كتاب) 22. إتباع لا ابتداع (كتاب) 23. بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير النقود للغزي التمرتاشي (دراسة وتعليق وتحقيق) 24. يسألونك الجزء السادس (كتاب) 25. رسالة إنقاذ الهالكين للعلامة محمد البركوي (دراسة وتعليق وتحقيق) 26. الخصال المكفرة للذنوب (يتضمن تحقيق مخطوط للخطيب الشربيني) (كتاب) 27. أحاديث الطائفة الظاهرة وتحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين (كتاب) 28. التنجيم (بحث بالاشتراك) 29. الحسابات الفلكية (بحث بالاشتراك) 30. يسألونك الجزء السابع (كتاب) 31. المفصل في أحكام العقيقة (كتاب) 32. يسألونك الجزء الثامن (كتاب) 33. يسألونك الجزء التاسع (كتاب) 34. فهرس المخطوطات المصورة ج 2 (الفقه الشافعي) (كتاب) 35. فقه التاجر المسلم وآدابه (كتاب) وقد ترجم الكتاب إلى اللغة التركية الدكتور ثروت بايندر من جامعة إستنبول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 36. يسألونك الجزء العاشر (كتاب) 37. يسألونك الجزء الحادي عشر (كتاب) 38. يسألونك عن الزكاة (كتاب) 39. يسألونك الجزء الثاني عشر (كتاب) 40.فهرس المخطوطات المصورة ج 3 (الفقه الحنفي) (كتاب) 41. يسألونك عن رمضان (كتاب) 42. يسألونك الجزء الثالث عشر (كتاب) 43. فهرس المخطوطات المصورة ج 4 (الحديث النبوي) (كتاب) 44. بيع المرابحة المركبة كما تجريه المصارف الإسلامية في فلسطين (بحث) 45. يسألونك الجزء الرابع عشر (كتاب) 46. يسألونك عن المعاملات المالية المعاصرة ج1 (هذا الكتاب) موقع الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانة على شبكة الإنترنت: www.yasaloonak.net وعنوان البريد الإلكتروني: husam@is.alquds.edu أو: yasaloonak.net fatawa@ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317