الكتاب: تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين وغيرهم. المؤلف: أبو المحاسن المفضل بن محمد بن مسعر التنوخي المعري (المتوفى: 442هـ) تحقيق: الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو. الناشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة الطبعة: الثانية 1412هـ - 1992م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو ضمن خدمة التراجم] ---------- تاريخ العلماء النحويين للتنوخي التنوخي، أبو المحاسن الكتاب: تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين وغيرهم. المؤلف: أبو المحاسن المفضل بن محمد بن مسعر التنوخي المعري (المتوفى: 442هـ) تحقيق: الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو. الناشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة الطبعة: الثانية 1412هـ - 1992م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو ضمن خدمة التراجم] ربِّ يسِّرْ وأعنْ يَا كريم قَالَ القَاضِي أَبُو المحاسن المُفضَّل بن مُحَمَّد بن مسعر: الْحَمد لله رب الْعَالمين، أَحْمَده رضيَّ الْحَمد لَهُ، وأزكاه عِنْده، وأوجبه لبَقَاء نعْمَته، وأدعاه للمزيد من فَضله. وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَحده لَا شيك لَهُ. وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وشرفا، وبالعلم وَالْأَدب شغفا، أَنِّي أذكر ذَلِك، مِمَّا دَعَاني إِلَى مَا أودعهُ هَذَا الْكتاب، وَهُوَ أَمْرَانِ: أَحدهمَا: أَن كثيرا مِمَّن ينتحل الْعلم وَيَدعِي رُتْبَة فِيهِ وَلَا يقْتَصر على أَنه من طالبيه يجهل مقادير أَهله المتقادمين، وَلَا يفرق بَينهم وَبَين الْمُتَأَخِّرين، وَلَا يعرف مَرَاتِبهمْ فِي أنسابهم، وَلَا تفاوتهم فِي أزمانهم، وَأَنِّي سَمِعت من هَذِه الطَّائِفَة من يَقُول: إِن الْمبرد أَخذ النَّحْو عَن سِيبَوَيْهٍ، وَإنَّهُ بعد ذَلِك رد عَلَيْهِ، وتنكر مَا كَانَ مِنْهُ إِلَيْهِ. وَالْآخر: أَن فِي الْوُقُوف على ذكر من مضى من أهل الْفضل مَا سلَّى الْمُبْتَلى بفقد حَبِيبه، وعزى الْمُصَاب بصديقه أَو نسيبه. وَمن أَبْيَات الْمعَانِي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 ذكرتُ أَبَا ليلى فَبِتُّ كأنني ... بِردِّ الأُمورِ الماضِيات وَكِيلُ لما ذكر هَذَا الشَّاعِر خَلِيله، أَخذ يعدد من فقد صاحباً كفقده، وَوجد فِي الْحزن كوجده، فَكَأَنَّهُ وَكيل فِي ردِّ من مضى، وَإِنَّمَا فعل ذَلِك طلبا للعزاء، واستراحةً إِلَى التأسِّي بِالنّظرِ. وَبِاللَّهِ أستعين، وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل: قَالَ القَاضِي أَبُو المحاسن: دخلت سنة عشر وَأَرْبَعمِائَة، وَأَنا بِبَغْدَاد، وَبهَا من النَّحْوِيين الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين فِي علم النَّحْو ثَلَاثَة: 1 - عَليّ بن عِيسَى بن الْفرج بن صَالح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 صَاحب أبي عَليّ الْحسن بن أَحْمد الْفَارِسِي. وَقد قَرَأَ، على مَا ذكرت، " كتاب الْجرْمِي الْمُخْتَصر " على أبي سعيد الْحسن بن عبد الله السيرافي. * * * و 2 - أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن عبيد الله الدَّقيقي صَاحب أبي الْحسن عَليّ بن عِيسَى بن عَليّ الرماني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 قَرَأَ عَلَيْهِ " كتاب سِيبَوَيْهٍ " قِرَاءَة تفهُّم، وَأخذ بذلك خطَّه عَلَيْهِ، وانتفع النَّاس بِهِ. وَعنهُ أخذتُ، وعَلى رُواته عوَّلتُ. * * * وَمَا من هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة إِلَّا من حضرت بِحَضْرَتِهِ، وَأخذت عَنهُ، وَإِن كَانَ عَليّ بن عِيسَى يَقُول: مَا حصل من بحهته. (1) وَالثَّالِث: 3 - أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد ابْن أَشْرَس النَّيْسَابُورِي كَانَ ملازماً دَار الْخَلِيفَة، وَيَأْتِي يَوْم الثُّلَاثَاء إِلَى قطيعه المَلْحَم، فَكنت أصِل إِلَيْهِ فِي هَذَا الْموضع.   (1) كَذَا بالنسخة، وَلم أعرف الْكَلِمَة. وَرُبمَا كَانَت صِحَة الْكَلَام: وَمَا من هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة إِلَّا من حضرت بِحَضْرَتِهِ، وَأخذت عَنهُ، وَإِن كَانَ عَليّ بن عِيسَى يفوق مَا حصل من جِهَته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 وَكَانَ وَاسع الْعلم، غزير الْحِفْظ. * * * وَمِمَّنْ تقدَّمت وَفَاته: 4 - أَحْمد بن بكر الْعَبْدي * * * فَأَما هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة الَّذين تقدَّم ذكرهم، فبلغوا سنة خمس عشرَة وَأَرْبَعمِائَة، وَلم يجاوزوا سنة عشْرين وَأَرْبَعمِائَة، فَمَا لقِيت أحدا من البغداديين يحفظ فِي أَي سنة توفّي المتوفي مِنْهُم، فأُثْبِتَه على حَقِيقَته، فَمن وقف على كتابي هَذَا، وَعرف ذَلِك، فليقض الحقَّ بإلحاقه. * * * وَكَانَ بِبَغْدَاد كُهُولٌ من أهل هَذَا الْعلم: 5 - كَأبي الْحسن عَليّ بن خمران * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 و: 6 - أبي الْحسن عَليّ بن رضوَان، الْمَعْرُوف بالثمانيني الضَّرِير * * * و: 7 - الْمَعْرُوف بِابْن البرلي. (**) * * * وَكَانَ قبل هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة الَّذين قدَّمت ذكرهم: 8 - أَبُو الْفَتْح عُثْمَان بن جنِّي صَاحب أبي عَليّ الفارسيِّ، قَرَأَ عَلَيْهِ " الْكتاب "، وَغَيره. وَله مصنفات؛ مِنْهَا كتاب " سر صناعَة الْإِعْرَاب "، وَكتاب " شرح   (**) كَذَا بالنسخة، وَلم أعرفهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 تصريف أبي عُثْمَان الْمَازِني "، وَكتاب يُلقَّب ب " المُحتسب "، وَكتاب " الخصائص ". وَمن كتبه الصِّغار: " اللُّمَع "، و" التَّصْرِيف الْمُلوكِيّ ". وَله كتاب " الفسْر " تكلم فِيهِ على شعر المتنبي. توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وثلاثمائة. * * * وتُوفي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى: 9 - مُحَمَّد بن مِسْعَر بعده بِسنة، سنة ثَلَاث وَتِسْعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وَإِنَّمَا ذكرته لِأَنَّهُ من أهل هَذَا الْعلم، وَمِمَّنْ شُهر فِي الشَّام بِهِ. * * * وَكَانَ قبل هَؤُلَاءِ الَّذين ذكرتهم ثَلَاثَة، انْتَهَت إِلَيْهِم الرِّياسة فِي علم النَّحْو، مِنْهُم: 10 - أَبُو عَليّ الْحسن بن أَحْمد بن عبد الْغفار الْفَارِسِي أدْرك أَبَا إِسْحَاق الزَّجَّاج، وَأَبا بكر بن السَّرَّاج، وَأخذ عَنْهُمَا، وَعَن عَليّ بن سُلَيْمَان الْأَخْفَش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وردَّ على أبي إِسْحَاق فِي كتاب " مَعَاني الْقُرْآن " مسَائِل فِي كتابٍ، لقَّبه كتاب " الأغفال ". وَله كتاب " الحُجَّة " تكلَّم فِيهِ على مَذَاهِب القُرَّاء السَّبْعَة الَّذين ثبتَتْ قراءتهم فِي " كتاب أبي بكر بن مُجَاهِد " رَحمَه الله، ووجوهها فِي الْعَرَبيَّة، وَاحْتج لكل وَاحِد مِنْهُم. وَله كتاب يُلقَّب " بالعضدي "، عمله للْملك فناخسرو، وَكتاب يُعرف ب " العوامل ". وَله " شرح مسَائِل مشكلة "، وَغَيرهَا، وَكتاب يعرف بِكِتَاب " التَّذْكِرة ". توفّي سنة سبع وَسبعين وثلاثمائة. وَترك ثَلَاثَة من جُملة أَصْحَابه قد قدَّمت ذكرهم، وهم: أَبُو الْفَتْح عُثْمَان بن جني، وَعلي بن عِيسَى بن الْفرج الرَّبَعي، وَأَبُو طَالب أَحْمد بن بكر العبديّ. وَلَيْسَ الْعَبْدي فِي طبقَة أبي الْفَتْح وَأبي الْحسن عَليّ بن عِيسَى. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 11 - أَبُو سعيد الْحسن بن عبد الله السيرافي لحق الزَّجَّاج والسَّرَّاج، وَأخذ عَنْهُمَا. وَله " شرح كتاب سِيبَوَيْهٍ ". وَولي الْقَضَاء فِي آخر عمره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 تُوفي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وثلاثمائة. * * * وخلَّف ولدا: 12 - يُوسُف بن الْحسن بن عبد الله بن الْمَرْزُبَان يُكنى أَبَا مُحَمَّد. كَانَ راوية الْأَشْعَار. وَله " شرح أبيان غَرِيب المُصنَّف "، و" شرح أَبْيَات إصْلَاح الْمنطق ". و" شرح كتاب سِيبَوَيْهٍ ". وَله عَقِب. تُوفي سنة خمس وَثَمَانِينَ وثلاثمائة. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 13 - أَبُو الْحسن عَليّ بن عِيسَى الرُّمَّاني أدْرك الزَّجَّاج، وَابْن السَّرَّاج، وَقَرَأَ عَلَيْهِمَا " الْكتاب ". وَله تصنيف كَبِير، من تصنيفه كِتَابه الْكَبِير فِي " مَعَاني الْقُرْآن وَشرح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 إعرابه "، وَله كتاب " الِاشْتِقَاق "، و " رِسَالَة منتخبة " من كتاب " الِاشْتِقَاق ". كَانَ يجمع إِلَى علم النَّحْو علم الْكَلَام على مَذْهَب البغداديين، وَرُبمَا خلط الْكَلَام فِي مَوَاضِع مَعَ النَّحْو بِكَلَام المُتكلمين. وَله كتاب لطيف، لقَّبه كتاب " النُّكت فِي إعجاز الْقُرْآن "، وَله شُرُوح وتصانيف فِي علم الْكَلَام. تُوفي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وثلاثمائة. * * * وخَلَفَه صَاحبه: أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن عبيد الله الدقيقي، رَحمَه الله تَعَالَى. وَفد النَّاس عَلَيْهِ بِبَغْدَاد نَحْو ثَلَاثِينَ سنة. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وَكَانَ من عُلَمَاء الزَّجَّاج أَيْضا: 14 - أَبُو الْفَتْح المراغي * * * و: 15 - أَبُو النَّضر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن أَسْبَاط الْكِنْدِيّ نزل فِي أنطاكية مدَّة، وَسَار عَنْهَا إِلَى مصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 وَله كِتَابَانِ: كتاب " التَّلْقِين "، وَكتاب " المُوقِظ ". * * * و: 16 - أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل النَّحَّاس قَرَأَ عَلَيْهِ " الْكتاب " بِبَغْدَاد، وَأخذ عَنهُ علما كثيرا، وَعَاد إِلَى مصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وصنف كتبا، مِنْهَا: كتاب لقبه ب " الْكَافِي " فِي علم الْعَرَبيَّة، وَكتاب سَمَّاهُ " المُقْنِع "، وَذكر فِيهِ اخْتِلَاف الْبَصرِيين والكوفيين، وَكتاب " إِعْرَاب الْقُرْآن "، وكتابان جيدان ذكر فيهمَا أَقْوَال الْمُتَقَدِّمين. وَلم يكن صَاحب دراية واستنباط، وَإِنَّمَا كَانَ معوِّله على النَّقْل وَالرِّوَايَة. وَله كتاب فِي " النَّاسِخ والمنسوخ "، و " شرح المعلقات السَّبع "، و " شرح المُفَضَّليَّات "، و " شرح أَبْيَات الْكتاب ". حُكيَ الْمُنْذر بن سعيد، قَاضِي الأندلس، قَالَ: لقِيت يَوْمًا ابْن النّحاس بِمصْر، فِي مَجْلِسه، فَأَلْفَيْته يملي شعر قيس بن معَاذ الْمَجْنُون، فَانْتهى إِلَى قَوْله: خَلِيَليَّ هَل بالشَّام عَيْنٌ مَرِيضَةٌ ... تُبَكِّي عَلى نَجْدٍ لَعَلِّي أُعِينُها قَدَ اسْلَمَها الباكُونَ إلاَّ حَمَامَةً ... مُطَوَّقَةً باتتْ وَبَات قَرِينُها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 فَقلت: باتا يفْعَلَانِ مَاذَا!! أعزَّك الله. قَالَ لي: وَكَيف تَقول أَنْت يَا أندلسي؟ فَقلت: بَانَتْ وَبَان قرينها. فَسكت. وَكنت على الانتساخ من نسخته كتاب " الْعين "، وَكَانَ وَعَدَني بِهِ، فَمَنَعَنِي بعد ذَلِك، فَلَقِيت ابْن ولاَّدٍ، فَسَأَلته فِي الْكتاب، فَأخْرجهُ إليَّ، وَكَانَ ذَا أدب، وَعلم، ومروءة. فَلَمَّا علم ابْن النّحاس بذل كِتَابه. قَالَ الزبيدِيّ: وَكَانَ يتبذل، وَيقوم فِي حَاجته بِنَفسِهِ. وَله ولد. توفّي فِي ذِي الْحجَّة، سنة سبع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وَمن أَصْحَاب أبي إِسْحَاق الزَّجَّاج بالشَّام: 17 - عبد الرَّحْمَن، يعرف بِأبي الْقَاسِم الزَّجَّاجي جَاءَ إِلَى بَغْدَاد، وَقَرَأَ عَلَيْهِ، وَصَارَ إِلَى دمشق. وَله كتاب مُخْتَصر لقَّبه " الجُمل "، وَله تصنيفٌ، و " أمالِ ". قَرَأت على ظهر دفتر بِدِمَشْق: توفّي أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق الزَّجَّاجي بطبرية، سنة أَرْبَعِينَ وثلاثمائة. وَقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 قيل فِي ذِي الْحجَّة، فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة. ورُوي عَن أبي عَليّ الْفَارِسِي، أَنه قَالَ، -وَقد وقف على كَلَامه فِي النَّحْو-: لَو رآنا لاستحيى. * * * وَمن أَصْحَاب أبي إِسْحَاق الزَّجَّاج أَيْضا: 18 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْوَلِيد بن ولاَّد الْمصْرِيّ لَهُ كتاب " الْمَقْصُور والممدود " على تَرْتِيب حُرُوف المعجم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 تُوفي سنة اثْنَتَيْنِ وثلاثمائة. * * * قبل هَؤُلَاءِ الطَّبَقَة الْمَذْكُورَة، أَصْحَاب المُبرِّد. مِنْهُم: 19 - أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن السَّريّ الزَّجَّاج لَهُ كتاب " مَعَاني الْقُرْآن وَشرح إعرابه "، وَله كتاب " الِاشْتِقَاق "، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وَكتاب " فعلت وأفعلت "، ومُصنَّفات، مِنْهَا: كتاب " الأنواء ". تُوفي سنة ستَّ عشرَة وثلاثمائة. وَقد رُوي أَن وَفَاته تقدّمت قبل السّنة الَّتِي ذَكرنَاهَا. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 وروى ابْن خالويه أَنه تُوفي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وثلاثمائة، وَقَالَ: دخلت بَغْدَاد سنة أَربع عشرَة وثلاثمائة، بعد موت الزّجاج بِسنتَيْنِ. * * * 20 - مُحَمَّد بن سري السَّرَّاج لَهُ كتاب " الأُصول "، وَله " شرح كتاب سِيبَوَيْهٍ "، وَكتاب يلقب ب " الجُمل "، وَكتاب يُلقب ب " المُوجز ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وَكَانَ لَهُ حَال صَالِحَة، فَهَوِيَ جَارِيَة، فأنفق عَلَيْهَا مَاله صَارَت أمَّ وَلَده، وَكَانَت من الْقَيْنَات الحسان، وَكَانَت هجرته وقتا من الزَّمَان وهجرها، فَقَالَ وَقد أنكر على جَارِيَته أحوالها: قَايَسْتُ بَين جَمالِها وفِعَالِها ... فَإِذا الْخِيانَةُ بالمَلاحِة لَا تَفِي واللهِ لَا كَلَّمُْتها وَلَوَ أنَّها ... كالشَّمْسِ أَو كالبَدْرِ أَو كالْمُكْتَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وَلأَصْبِرَنَّ على مَضاضَةِ هَجْرِهِ ... كَيْلاَ يرى جَزَعِي عَلَيْهِ فيَشْتَفِي ورُوي أَن الْكَاتِب الْمَعْرُوف بِزَنْجيّ كَانَ يهوى قينة وَكَانَت تصير إِلَيْهِ كل جُمُعَة، وَكَانَ بَينه وَبَين أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْفُرَات مَوَدَّة وانبساط، فحدَّث أَحْمد بن الْفُرَات، قَالَ: فَاجْتَمَعْنَا يَوْم سبت فَقلت لزنجي: مَا كَانَ خبرك مَعَ صَاحبَتك أمس، وَمَا كَانَ صَوْتك عَلَيْهَا؟ فَأخْبرهُ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ، وَقَالَ: الشّعْر لِابْنِ المعتز. وَقَالَ: ركبت إِلَى الْقَاسِم بن عبيد الله، فحدَّثته بذلك، وأنشدته الْبَيْتَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 فحدَّثني بعد مُدَّة يسيرَة أَنه أنْشد المكتفي الْبَيْتَيْنِ، وَسَأَلَهُ عَن قائلهما، قَالَ: عبيد الله بن عبد الله بن طَاهِر. قَالَ: فَأمرنِي أَن أحمل إِلَيْهِ ألف دِينَار. فَقلت: مَا عرَّفتك إِلَّا أَنَّهُمَا لِابْنِ المعتز، فصرفتهما، إِلَى ابْن طَاهِر!! فَقَالَ: وَالله مَا وَقع لي إِلَّا أَنَّهُمَا لِابْنِ طَاهِر، فَهَذَا رِزْق رُزِقَه. وَقَالَ زنجي: قَالَ لي أَبُو الْعَبَّاس: ادْفَعْ هَذِه الدَّنَانِير إِلَى عبيد الله، وَقل لَهُ: هَذَا رزق زقك الله من حَيْثُ لَا تحتسب. فأوصلت الْألف إِلَيْهِ، فَشكر لأبي الْعَبَّاس ابْن الْفُرَات، وَقَالَ: مَا رَأَيْت أعجب من هَذَا، يعْمل الشّعْر ابْن السَّرَّاج، وَيكون سَببا لرزق عبيد الله ابْن طَاهِر. وَمن شعره: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 يَا قَمَراً جُدِّرَ لَمَّا اسْتَوَى ... فزَادَهُ حُسْناً وزَادَتْ هُمُومِي أَظُنُّه غَنَّى لشَمْسِ الضُّحَى ... فنَقَّطَتْهُ طَرَباً بالنُّجُومِ تُوفي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثلاثمائة. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 21 - عَليّ بن سُلَيْمَان بن الْفضل الْأَخْفَش الصَّغِير كَانَ إِبْرَاهِيم بن المُدَبِّر طلب من أبي الْعَبَّاس المُبرِّد جَلِيسا يجمع مَعَ مُجَالَسَته تَعْلِيم وَلَده، فندب عَليّ بن سُلَيْمَان، وَبَعثه إِلَيْهِ إِلَى مصر، وَكتب مَعَه: قد أنفذت إِلَيْك - فلَانا، وجملةُ أمره، كَمَا قَالَ الشَّاعِر: إِذا زُرْتُ المُلُوكَ فَإِن حَسْبِي ... شَفِيعاً عِنْدهم أَن يَخْبُرُونِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وَكَانَ قدومه إِلَى مصر سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَخرج عَنْهَا سنة ثَلَاثمِائَة إِلَى حلب مَعَ عَليّ بن أَحْمد بن بسطَام، فَأَقَامَ بهَا مُدَّة، ثمَّ سَار إِلَى الْعرَاق. وتُوفي بِبَغْدَاد، سنة خمس عشرَة وثلاثمائة. * * * 22 - أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن جَعْفَر بن درسْتوَيْه قَرَأَ على المُبرِّد " كتاب سِيبَوَيْهٍ "، وَشرح " كتاب الْجرْمِي الْمُخْتَصر ". تُوفي سنة سبع وَأَرْبَعين وثلاثمائة. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 23 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن مَنْصُور الخيَّاط لحق المُبرِّد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 وَأخذ عَنهُ أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن أبي الْأَزْهَر، مُستملي أبي الْعَبَّاس المُبرِّد. * * * 24 - أَبُو بكر مُحَمَّد بن شقير لَهُ كتاب لقبه " الجُمل "، وَرُبمَا نُسب هَذَا الْكتاب إِلَى الْخَلِيل، وَهُوَ من عمله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 يَقُول فِيهِ: النَّصب على أَرْبَعِينَ وَجها، وَالرَّفْع على كَذَا. * * * وَكَانَ فِي هَذِه الطَّبَقَة: 25 - أَبُو بكر مُحَمَّد بن عَليّ مَبْرَمان مِمَّن أَخذ على الزَّجَّاج. وَله " شرح الْكتاب الأوسطي " لأبي الْحسن الْأَخْفَش. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 26 - ابْن أبي زُرعة الْفَزارِيّ، يكنى أَبَا يعلي لَهُ شرح قَلِيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 قُتل فِي وَقت دُخُول الزنج الْبَصْرَة، سنة سبع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ. وَهُوَ صَاحب الْمَازِني. * * * وَكَانَ: 27 - أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن كيسَان مِمَّن أَخذ عَن المُبردِّ، وثعلب. وَكَانَ إِلَى مَذْهَب الْكُوفِيّين أميل، ويخلط المذهبين. وَله كتب كَثِيرَة نافعة، مِنْهَا: " المُهذَّب "، و " الْحقائق "، و " الْبُرْهَان "، و " الْمُخْتَار "، وَكتاب لقبه " مصابيح الْكتاب ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 قَالَ مبرمان: قصدته لأقرأ عَلَيْهِ " الْكتاب " فَامْتنعَ، وَقَالَ: اذْهَبْ بِهِ إِلَى أَهله. وَأَشَارَ إِلَى الزَّجَّاج. تُوفي سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 28 - أَبُو الْعَبَّاس المُبرِّد مُحَمَّد بن يزِيد بن عبد الْأَكْبَر بن عُمَيْر بن حسان بن سُليم بن سعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 بن عبد الله بن زيد بن مَالك بن الْحَارِث بن عَامر بن عبد الله ابْن عَامر بن مَالك بن عَوْف بن أسلم، وَهُوَ ثمالة من أَزْد. وَإِنَّمَا نَسَبْتُه لطعن بعض النَّاس فِي نسبه. مولده الْبَصْرَة. وابتدأ بِقِرَاءَة " الْكتاب " على الْجرْمِي فَقَرَأَ بعضه، وكَمَّل بَاقِيه على الْمَازِني. واشتهر أمره بِبَغْدَاد بعد خمول، وَذَاكَ أَن المتَوَكل استحضره إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 سر من رأى، لِأَنَّهُ قَرَأَ يَوْمًا وَالْفَتْح بن خاقَان بِحَضْرَتِهِ: (وَمَا يُشْعِرُكُمْ إِنَّهَا) ، فَقَالَ الْفَتْح: يَا سَيِّدي (أَنَّهَا) ، فَقَالَ: مَا أعرفهَا إِلَّا بِالْكَسْرِ. فَأمر بإحضار المُبرِّد، فَحَضَرَ، وَورد إِلَى الْفَتْح بن خاقَان فسلَّم عَلَيْهِ، فَذكر لَهُ مَا استحضره لَهُ، فَوَافَقَ الْفَتْح، فَرفع مَجْلِسه، ثمَّ أُدخل بعد ذَلِك المتَوَكل، فصوَّب قِرَاءَته، وَذكر جَوَاز الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا. ثمَّ سَار إِلَى بَغْدَاد، وَتكلم فِي جَامع الْمَنْصُور، وَأخذ يُجيب عَن مسَائِل يُفهم أَنه قد سُئل عَنْهَا، فَقَامَ الزَّجَّاج من حَلقَة أَحْمد بن يحيى ثَعْلَب إِلَيْهِ، وَألقى عَلَيْهِ عدَّة مسَائِل، فَأجَاب فِي جَمِيعهَا، فَلَزِمَهُ وَترك مجْلِس ثَعْلَب. فَسمِعت شَيخنَا أَبَا الْقَاسِم الدقيقي، رَحمَه الله تَعَالَى، يَقُول: مَا زَالَ " الْكتاب " مُطَّرحاً بِبَغْدَاد، لَا يُنظر فِيهِ، وَلَا يعول عَلَيْهِ، حَتَّى ورد المُبرِّد إِلَيْهَا، فبيَّنه، على علو قدره وشرفه، ورغَّب النَّاس فِيهِ، فَكَانَ لَا يُمكِّن أحدا من قِرَاءَته عَلَيْهِ حَتَّى يقرأه على الزَّجَّاج، ويُصححه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 قَالَ الْمَعْرُوف باليوسفي: كنت يَوْمًا قَاعِدا عِنْد أبي حَاتِم السجسْتانِي، إِذْ أَتَاهُ شَاب من نيسابور، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا حَاتِم، إِنِّي قد قدمت إِلَى بلدكم، وَهُوَ مَحل الْعلم وَالْعُلَمَاء، وَأَنت شيخ هَذِه الْمَدِينَة، وَقد أَحْبَبْت أَن أَقرَأ عَلَيْك " كتاب سِيبَوَيْهٍ ". فَقَالَ سهل بن مُحَمَّد: الدَّين النَّصِيحَة، إِن أردْت أَن تنْتَفع بِالْقِرَاءَةِ فاقرأ على هَذَا الْغُلَام. يَعْنِي مُحَمَّد بن يزِيد، فعجبت من ذَلِك. وَكَانَ الْمبرد يَقُول الشّعْر، وَمن شعره، مَا أنشدنيه أبي مُحَمَّد بن مسعر، رَحمَه الله، قَالَ: أَنْشدني أَحْمد بن مُحَمَّد الْأَنْبَارِي، ويُعرف بالحميري، الْقَارئ بمعرة النُّعْمَان، قَالَ: أنشدنا دَاوُد بن الْهَيْثَم التنوخي، قَالَ: أنشدنا الْمبرد لنَفسِهِ: شَرِبْتُ مِن فِضَّةٍ ومِن ذَهَبِ ... أسْرَعَ فِي فَضَّتِي وَفِي ذَهَبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 فصِرْتُ عُطلاً لم تُبْقِ حِلْيَتَهُ ... عليَّ مِن حِلْيةٍ سِوَى الأدبِ والأدبُ الحِلْيةُ النَّفِيسَةُ لَا ... زُخْرُفَةٌ مِن زَخارِفِ النَّسبِ وحدَّث الْحسن بن إِسْمَاعِيل الْبَغْدَادِيّ، قَالَ: كنت يَوْمًا عِنْد الْمبرد إِذْ جَاءَ غُلَام حسن الْوَجْه، فَقَالَ لَهُ الْمبرد: أَيْن كنت هَذِه الْمدَّة؟ قَالَ: كنت عليلاً. فَأَطْرَقَ أَبُو الْعَبَّاس سَاعَة، ثمَّ أنشأ يَقُول: فلَوْ كَانَ المَريضُ يَزِيدُ حُسْناً ... كَمَا تَزْدادُ أنتَ علَى السَّقامِ لَمَا عِيدَ الْمرِيضُ إِذا وعُدَّتْ ... لَنا الشَّكْوى مِن النِّعَمِ العظامِ فَأَما مَا ذكرت من الطعْن فِي نسبه، فإنَّ أَبَا الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد بن يحيى بن أبي العوَّام الْمصْرِيّ، حدَّث سنة أَربع وَأَرْبَعين وثلاثمائة، قَالَ: حدَّثني يَمُوت بن المُزَرَّع الْبَصْرِيّ، قَالَ: صرت مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 أبي الْعَبَّاس إِلَى أبي شُرَاعة فَقَالَ: يَا أَبَا شراعة، أَنْشدني أبياتك فِي آل ريَاح. فَقَالَ لَهُ أَبُو شراعة الْقَيْسِي: بِاللَّه يَا أَبَا الْعَبَّاس فِيمَن تنتمي الْيَوْم؟ فَقَالَ: فِي ثمالة. قَالَ: بِاللَّه يَا أَبَا الْعَبَّاس هلاَّ اخْتَرْت لنَفسك نسبا هُوَ أرفع من هَذَا! فَقَالَ لَهُ الْمبرد: دَعْنَا من هزلك، وأنشدنا أبياتك فِي آل ريَاح. فأنشده وَنحن عِنْده: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 بَنِي رِيَاحٍ أعادَ اللهُ نِعْمَتَكُمْ ... خَيْرَ المَعادِ وأسْقَى رَبْعَكُم دِيَمَا فكَمْ بهَا مِن فَتىً حُلْوٍ شَمائِلُهُ ... يكادُ يَنْهَلُّ مِن أعْطافِهِ كَرَمَا لم يَلْبَسُوا نِعْمَةَ للهِ مُذْ خُلِقُوا ... إلاَّ تَلَبَّسَها إخْوانُهم نِعَمَا ويُروى أَن الْمبرد ولد لَيْلَة الْأَضْحَى، سنة عشرٍ وَمِائَتَيْنِ بِالْبَصْرَةِ، وَأقَام بهَا مُدَّة طَوِيلَة قبل أَن يصير إِلَى بَغْدَاد. وأملى كتبا كَثِيرَة: " الْمدْخل إِلَى علم سِيبَوَيْهٍ " و " المُقتضب "، و " الْكَامِل "، و " الْجَامِع ". وَله " كتاب صَغِير " يرد على سِيبَوَيْهٍ نَحْو أَرْبَعمِائَة مَسْأَلَة. قَالَ الزّجاج: رَجَعَ عَن أَكْثَرهَا إِلَى قَول سِيبَوَيْهٍ. قَالَ: وفيهَا مَا يلْزم سِيبَوَيْهٍ على مذْهبه نَحْو أَرْبَعِينَ مَسْأَلَة. وَالَّذِي أعتقد فِي ذَلِك أَن سِيبَوَيْهٍ لَا يتَعَلَّق بِهِ شَيْء مِمَّا ذُكر عَنهُ، لِأَنَّهُ يروي عَن الْعَرَب قَول الشَّاعِر: وَلم يَرْتَفِقْ والناسُ مُحْتَضِرُونَهُ جَمِيعًا ........... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 وَمثل: أَبَا ابنُ التَّارِكِ البكْرِيِّ بِشْرٍ ... عَلَيْهِ الطَّيْرُ تَرْقُبُهُ وَقُوعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 وَهل يُسمى مثلُ رِوَايَة هَذَا على الْمجَاز " غلط من الرَّاوِي ". وأكبر ظَنِّي أَن أَبَا عَليّ الْفَارِسِي إِنَّمَا عدل عَن إقراء كتبه، والتكثر بالرواية عَنهُ، بِهَذِهِ الْحَال. ويُروى عَنهُ أَنه قَالَ: مَا أَدْرِي، لِمَ لقَّب ذَلِك الْكتاب بالكامل! وَمن كتبه كتاب " الرَّوْضَة "، فِي من أشعار النحدثين، وَله " كتاب فِي القوافي "، و " كتاب فِي الخطِّ والهجاء "، و " كتاب فِي الْقُرْآن "، وَكتاب " اخْتِيَار الشّعْر "، وَكتاب لقبه " الْكَافِي " فِيهِ أخبارٌ، لَا أَدْرِي لِمَ اخْتَار لَهُ هَذَا اللقب، من أَي شَيْء يَكْفِي؟. وَكَانَ البحتري صديقا لَهُ، وَكَانَ - فِيمَا ذكر - يَجْتَمِعَانِ على الشَّرَاب. ويروي أَن البحتري كتب إِلَيْهِ بِهَذِهِ الأبيات: يومُ سَبْتٍ وعنْدَنا مَا يَكْفِي الْحُرَّ ... طَعاماً والوِرْدُ مِنَّا قَرِيبُ ولَنَا مَجْلِسُ على الشَّطِّ فَيَّا ... حٌ فسِيحٌ تَرْتاحُ فِيهِ القُلوبُ فَأْتِنَا يَا محمدُ بن يَزِيد ... فِي اسْتِتَارِ كَيْلاَ يراكَ الرَّقِيبُ اطْرُدِ الْهَمَّ باصْطِباحِ ثَلاثٍ ... مُتْرَعاتٍ تُنْفَي بِهِنَّ الكُروبُ إنَّ فِي الرَّاحِ رَاحَةً مِن جَوَى الحُبِّ ... وقلبِي إِلَى الأديبِ طرُوبُ لَا يَرُعْكَ الْمَشِيبُ مِنِّي فإنِّي ... مَا ثَنانِي عَن التَّصابِي الْمَشِيبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 ويروى أَن البحتري صَار إِلَيْهِ يَوْمًا إِلَى مَجْلِسه، فَنَهَضَ إِلَيْهِ الْمبرد، فأقسم عَلَيْهِ البحتري، فَقَالَ: لَئِنْ قُمْتُ مَا فِي ذَاك مِنِّي غَضاضَةٌ ... عليَّ وإنِّي لِلْكريمِ مُذَلَّلُ على أنَّها مِنِّي لِغَيْرِكَ سُبَّةُ ... ولكنَّها بيْنِي وبَيْنَك تَجْمُلُ وتُوفي لليلتين بَقِيَتَا من ذِي الْحجَّة، سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ. ودُفن فِي مَقْبرَة بَاب الْكُوفَة، وَصلى عَلَيْهِ يُوسُف بن يَعْقُوب القَاضِي، وَله سِتّ وَسَبْعُونَ سنة. وَقَالَ أَحْمد بن عبد السَّلَام يرثيه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 ذهَب المُبَرِّدُ وانْقَضَتْ أيَّامُهْ ... ولَيَذْهَبَنَّ مَع المُبَرِّدِ ثَعْلَبُ بَيْتُ من الآدابِ أصْبَح شَطْرُه ... خَرِباً وباقِي شَطْرِه فسيَخْربُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 فتدارَكُوا مِن عِلْمِه فَبِكأْسِ مَا ... شَرِبَ المُبَرِّدُ ثَعْلَبُ فسَيَشْربُ وعَلْيكُمُ أَن تكْتُبوا أنْفَاسَهُ ... إنْ كانتِ الأنْفاسُ مِمَّا تُكْتبُ وَكَانَ قَالَ فيهمَا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 أيا طالِبَ النَّحْوِ لَا تَجْهلنَّ ... وعُذْ بالمُبَرِّدِ أَو ثَعْلَبِ تَجِدْ عِنْد هَذَيْنِ عِلْمَ الوَرَى ... فَلَا تَكُ كالجملِ الأجْرَبِ عُلومُ الْخَلائِقِ مَقرُونَةٌ ... بهذَيْنِ فِي الشَّرْقِ والمَغْرِبِ * * * 29 - أَبُو عُثْمَان المازنيّ اسْمه بكر بن مُحَمَّد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 كتب أَبُو غَسَّان رَفيع إِلَيْهِ بِأَبْيَات، فَقَالَ: مَا سَأَلَني فيتعبني، وَيُقَال: فيعييني. والأبيات: تَفكَّرْتُ فِي النَّحْوِ حتَّى ضَجِرْتُ ... وأتْعَبْتُ نَفْسِي لَهُ والْبَدَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وأتْعَبْتُ بَكْراً وأشْيَاعَهُ ... بطُولِ الْمَسَائِلِ فِي كُلِّ فَنّ خَلاَ أنَّ بَابا عَلَيْهِ العفا ... ءُ للفاء يَا ليته لم يَكُنْ ولِلْواوِ بَابٌ إِلَى جَنْبِهِ ... مِن المَقْتِ أحْسَبُه قد لُعِنْ أجَبْت لما قِيلَ هَذَا كَذَا ... على النَّصْبِ قَالُوا بإِضْمارِ أنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 أدْرك أَبَا الْحسن الْأَخْفَش، وَقَرَأَ عَلَيْهِ أَكثر " الْكتاب "، وكمَّله على الْجرْمِي. وَيُقَال: إِنَّه تَحَرَّف من حمله فِي كُمِّه مَرَّات، وَكَانَ يعظِّم شَأْنه. ويُروى أَنه قَالَ؛ من أَرَادَ أَن يعْمل كتابا كَبِيرا فِي النَّحْو بعد سِيبَوَيْهٍ فليستحي. وَعمل كتبا لَطِيفَة؛ " كتابا فِي التَّصريف "، و " كتاب الْألف وَاللَّام "، و " كتاب مَا يلحن فِيهِ الْعَامَّة ". وَكَانَ الواثق أَمر بإحضاره من الْبَصْرَة، للخُلْفِ الْوَاقِع بَين جَارِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 مغنية وَبَين ابْن السّكيت، فِي قَول الشَّاعِر: أظَلُومُ إنَّ مُصَابَكُمْ رَجُلاً ... أهْدَى السَّلامَ تَحِيَّةً ظُلْمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 أنشدته الْجَارِيَة هَكَذَا بِنصب " رجل "، وَقَالَ يَعْقُوب: " رجلٌ ". فَلم ترجع إِلَى قَوْله، وَذكرت أَنَّهَا أَخَذته عَن المازنيِّ. والحكاية مَشْهُورَة. وَاخْتلف فِي وَفَاته، فَقَالَ بعض المصنفين الْمُتَقَدِّمين: سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ. وَقَالَ أَحْمد بن أبي يَعْقُوب: سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 قَالَ الْمَازِني: سَأَلَني الْأَصْمَعِي عَن قَول الرَّاوِي: يَا بِئْرُ يَا بئرَ بني عَدِيِّ لأَنْزَحَنْ جَوْفَكِ بالدُلِيِّ حَتَّى تَعُودِي اقْطَعَ الْوَلِيِّ فَقلت: أَرَادَ قليباً أقْطَعَ الوليّ. فَاسْتحْسن جوابي. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 30 - أَبُو عمر صَالح بن إِسْحَاق الْجرْمِي مولى الجَرْم بن رَبَّان، من قضاعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 قَرَأَ " كتاب سِيبَوَيْهٍ " على أبي الْحسن الْأَخْفَش. وَلَقي يُونُس بن حبيب، لم يلق سِيبَوَيْهٍ. قَالَ الْمبرد: كَانَ أغوص نظرا من الْمَازِني، وَكَانَ الْمَازِني أحدَّ مِنْهُ. وَله كتاب " فرخ سِيبَوَيْهٍ "، وَله " كتاب فِي التَّصريف ". * * * 31 - أَبُو حَاتِم سهل بن مُحَمَّد السجسْتانِي روى " الْكتاب " عَن الْأَخْفَش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وَقَالَ أَبُو حَاتِم: قَالَ أَبُو زيد: يُقَال تَّغديت وتعشَّيت، وَلم أسمع: غَدَوْت وَلَا عشوت. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قد سَمعتهَا. وَله " كتاب نَحْو " وَلم يشْتَهر بِعلم النَّحْو اشتهار غَيره. وَله رِوَايَة فِي اللُّغَة، وصنف " كتابا فِي الْوَقْف والابتداء ". قَالَ ابْن دُرَيْد، تُوفي أَبُو حَاتِم فِي رَجَب، سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 32 - أَبُو الْفضل الْعَبَّاس بن الْفرج الرِّيَاشيّ مولى مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْهَاشِمِي، كَانَ أَبوهُ عبدا لرجل من جذام، يُقَال لَهُ رياش فغلب عَلَيْهِ، ونُسب إِلَى رياشٍ مولى كَانَ بَاعه من الْهَاشِمِي، فَأعْتقهُ. روى أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن الزجاجي، عَن عَليّ بن سُلَيْمَان الْأَخْفَش، عَن ثَعْلَب، قَالَ: قدم الرياشي بَغْدَاد سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، فصرت إِلَيْهِ لآخذ عَنهُ، فَقَالَ: أأَسأَلك عَن مَسْأَلَة؟ قلت: نعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 فَقَالَ: أتجيز " نِعْمَ الرَّجُلُ يقوم "؟ فَقلت: نعم هِيَ جَائِزَة عِنْد الْجَمِيع، أما الْكسَائي فيضمر، وَالتَّقْدِير عِنْده: نِعْمَ الرَّجل رجلٌ يقوم. لِأَن " نِعْمَ " عِنْده فعل. وَالْفراء يضمر، لِأَن " نِعْمَ " عِنْده اسْم، وَيرْفَع " الرجل " بنعم، و " يقوم " صلَة الرجل. وَأما صَاحبك - يَعْنِي سِيبَوَيْهٍ - فَإِنَّهُ يضمر شَيْئا، و " نعم " أَيْضا عِنْده فِعلٌ، وَلَكِن يَجْعَل " يقوم " مترجماً. فَسكت. قلت: فأسألك عَن مَسْأَلَة؟ قَالَ: نعم. قلت: " يقوم نِعْمَ الرَّجُلُ "؟ قَالَ: جَائِز. قلت: هَذَا خطأ عِنْد الْجَمِيع. أما على مَذْهَب الْكسَائي، فَإِنَّهُ لَا يولي الْفِعْل فعلا. وَأما الْفراء، فَإِن " يقوم " عِنْده صلَة، والصلة لَا يتَقَدَّم على الْمَوْصُول. وَأما على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ، فَإِنَّهُ لَا يجوز، لِأَنَّهُ تَرْجَمَة، والترجمة تَبْيِين وإيضاح للجملة الَّتِي تتقدمها، وَلَا يجوز تَقْدِيمهَا عَلَيْهَا. فَقَالَ: أَنا تَارِك للعربية، فَخذ فِيمَا قصدت لَهُ. ففاتحته الْأَخْبَار، ففتحت بِهِ ثبج بحرٍ. وَقَالَ الرياشي: تحفظت كتب أبي زيد، إِلَّا أَنِّي لم أُجالسه كَمَا جالست الْأَصْمَعِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وروى مُحَمَّد بن رستم الطَّبَرِيّ، قَالَ: أخبرنَا أَبُو عُثْمَان الْمَازِني، قَالَ: كنت عِنْد سعيد بن مسْعدَة الْأَخْفَش، أَنا وَأَبُو الْفضل الرياشي، فَقَالَ الْأَخْفَش: إِن " مذ " إِذا رفع بهَا فَهِيَ اسْم الْمُبْتَدَأ، وَمَا بعْدهَا خَبَرهَا، كَقَوْلِك: " مَا رَأَيْته مذ يَوْمَانِ "، وَإِذا خُفض بهَا فَهِيَ حرف معنى لَيْسَ باسم، كَقَوْلِك: مَا رَأَيْته مذ الْيَوْم. فَقَالَ الرياشي: فَلم لَا يكون فِي الْمَوْضِعَيْنِ اسْما، فقد رُوِيَ الْأَسْمَاء تنصب وتخفض، كَقَوْلِك: " هَذَا ضَارب زيدا "، و " ضَارب زيد أمس " فَلم لَا يكون بِهَذِهِ الْمنزلَة؟ فَلم يَأْتِ الْأَخْفَش بمقنع. قَالَ أَبُو عُثْمَان: فَقلت لَهُ: لَا تشبه " مذ " مَا ذكرت من الْأَسْمَاء؛ لأَنا لم نر الْأَسْمَاء هَكَذَا تلْزم موضعا وَاحِدًا، إِلَّا إِذا عارضت حُرُوف الْمعَانِي، نَحْو " أَيْن " و " كَيفَ " وَكَذَلِكَ " مذ " هِيَ مضارعة لحروف الْمعَانِي، فلزمت موضعا وَاحِدًا. قَالَ الطَّبَرِيّ: فَقَالَ ابْن أبي زرْعَة للمازني: أفَرَأَيْت حُرُوف الْمعَانِي تعْمل عملين مُخْتَلفين متضادين؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 قَالَ: نعم، كَقَوْلِك: " قَامَ الْقَوْم حاشا زيد "، و " حاشا زيدا "، و " على زيد ثوبٌ "، و " علا زيد الْجَبَل ". فَيكون مرّة حرفا وَمرَّة فعلا بِلَفْظ وَاحِد. وقُتل الرياشي سنة سبع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، قتلته الزَّنْج وَقت دُخُولهَا الْبَصْرَة، فِي هَذِه السّنة. قَالَ ابْن الْخياط: سَمِعت الْعَنزي يَقُول: سَمِعت الْمَازِني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 يَقُول: قَرَأَ عليّ الرياشي " كتاب سِيبَوَيْهٍ " فَكَانَ مَا أفدت مِنْهُ أكبر مِمَّا أَفَادَ مني. قَالَ ابْن الْخياط: الَّذِي اسْتَفَادَ مِنْهُ الْمَازِني النّصْف الآخر من الْكتاب لأنَّ آخِره لُغَة. * * * 33 - الزيَادي، أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن سُفْيَان بن سُلَيْمَان بن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن أَبِيه وَكَانَ قد قَرَأَ " كتاب سِيبَوَيْهٍ " وَلم يتممه، وَله نكت فِي " كتاب سِيبَوَيْهٍ "، وَخلاف لَهُ فِي مَوَاضِع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وَقَرَأَ على الْأَصْمَعِي، وروى عَنهُ، وَعَن غَيره. * * * رَجَعَ: 34 - التوزي، أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد مولى قُرَيْش. وتَوَّز: مَدِينَة. توفّي سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وحدَّث سهل بن مُحَمَّد، قَالَ: كنت أَنا والتوزي عِنْد أبي الْحسن الْأَخْفَش، فَقَالَ لي التوزي: مَا صنعت فِي كتاب " الْمُذكر والمؤنث ". قلت: قد جمعت مِنْهُ شَيْئا. قَالَ: فَمَا تَقول فِي الفردوس؟ قلت: مُذَكّر. قَالَ: فإنَّ الله تَعَالَى يَقُول: (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خالِدُونَ) . قلت: ذهب إِلَى معنى الْجنَّة، كَمَا قَالَ: (منْ جَاءَ بالْحسنةِ فلهْ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) ، فأنَّثَ المِثْل. وكما قَالَ الشَّاعِر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وإنَّ كِلاباً هَذِه عَشْرُ أَبْطُنٍ ... وأنتَ بَرِيءٌ مَن قَبائِلِهَا الْعَشْرِ فَقَالَ لي: يَا عَاقل، أَلَيْسَ النَّاس يَقُولُونَ: نَسْأَلك الفردوس الْأَعْلَى؟ فَقلت: يَا نَائِم، هَذِه الْحجَّة حجتي، لأنَّ الْأَعْلَى من صِفَات الْمُذكر، وَلَو كَانَ مؤنثا قيل، الْعليا. فَسكت خجلاً * * * 35 - أَبُو عَليّ مُحَمَّد بن المستنير قُطرب وَيُقَال: إِنَّه إِنَّمَا سُمي قُطرباً لقَوْل سِيبَوَيْهٍ، وَكَانَ يخرج بالأسحار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 فيجده على بَابه حَرِيصًا على التَّعَلُّم: إِنَّمَا أَنْت قُطرب ليل. وَهُوَ مولى سلم بن زِيَاد. وَأخذ النَّحْو عَن سِيبَوَيْهٍ. وَله " كتاب فِي الْقُرْآن "، حسن كثير الْفَوَائِد. وَله كتاب فِي النَّحْو يُلقَّب ب " الجماهير "، وَكَانَ سَبَب تصنيف هَذَا الْكتاب أَن الرشيد قَالَ لَهُ يَوْمًا: كَيفَ تُصَغِّرُ الدُنيا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 فَقَالَ: هِيَ مصغرة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَقَالَ لَهُ: اعْمَلْ كتابا لعبد الله وَمُحَمّد، فَإِنَّهُمَا من أحْوج الورى إِلَيْهِ. فعمله، وَلَيْسَ بالطائل. وَكَانَ من تلاميذه الْمَعْرُوف بِأبي الْقَاسِم المُهبلَّي، فَجعل لَهُ مَالا على أَن يقدمهُ على نَفسه فِي شعر لقَوْله: ذَا مَا أقَرَّ بِهِ قُطْرُبٌ ... عَلَى نفسِهِ لأبي الْقِاسم وأشْهَد هُوداً وجَهْماً عليْهِ ... وأشْهَدَ غَزْوَانَ مَعْ عاصِمِ بأنْ قَالَ قد بَذَّنِي فِي الْقِياسِ ... وصَيَّرْتُ فِي يَدِه خَاتِمِي فأعْلَمُ بالنَّحْوِ مِن سِيبَوَيْه ... وأجْوَدُ بالمالِ مِن حاتِمِ بَدِيهَتُه عندَ رَدِّ الجَوابِ ... يزيدُ علَى فِكْرَةِ العالمِ فصِرْتُ علَى السِّنِّ تِلْميذَهُ ... وأضْحَى أَبُو قَاسمٍ عالِمِي * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 36 - أَبُو الْحسن سعيد بن مسْعدَة الْأَخْفَش مولى بني مجاشع بن دارم، وإليهم ينْسب، فَيُقَال الْمُجَاشِعِي، ويُلقب أَيْضا بالراوية. وَهُوَ أحذق أَصْحَاب سِيبَوَيْهٍ، وَقد لَقِي من لقِيه، وَلَيْسَ لكتابه طَرِيق إِلَّا من جِهَته، وَذَلِكَ أَن " كتاب سِيبَوَيْهٍ " لَا يُعلم أَن أحدا قَرَأَهُ على سِيبَوَيْهٍ، وَلَا قَرَأَهُ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ، وَلكنه لما مَاتَ سِيبَوَيْهٍ قُرئ " الْكتاب " على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 أبي الْحسن الْأَخْفَش، وَكَانَ مِمَّن قَرَأَهُ عَلَيْهِ أَبُو عمر الْجرْمِي، وَأَبُو عُثْمَان الْمَازِني، وَغَيرهمَا. وَكَانَ أسن من سِيبَوَيْهٍ، وَصَحب الْخَلِيل أَولا، وَكَانَا جَمِيعًا يطلبان، فجَاء الْأَخْفَش بعد أَن برع إِلَى سِيبَوَيْهٍ يناظره، فَقَالَ لَهُ الْأَخْفَش: إِنَّمَا ناظرتك لأستفيد لَا لغيره. فَقَالَ: تُراني أَشك فِي هَذَا!! وَكَانَ ثَعْلَب يفضله، وَيَقُول: هُوَ أوسع النَّاس رِوَايَة، وَأول من أمْلى غَرِيب كل بَيت تَحْتَهُ، وَكَانَ قبله تُفسر القصيدة بعد فراغها. وروى ثَعْلَب أَيْضا، رَوَاهُ ابْن مُجَاهِد، عَنهُ، عَن مسلمة، قَالَ: حَدثنِي الْأَخْفَش، قَالَ: جَاءَنَا الْكسَائي، إِلَى الْبَصْرَة، فَسَأَلَنِي أَن أَقرَأ عَلَيْهِ " كتاب سِيبَوَيْهٍ "، أَو أقرئه، فَفعلت، فوجَّه إليَّ خمسين دِينَارا. وَيُقَال: إِنَّه كَانَ معلما لولد الْكسَائي. ويروى عَن الْأَخْفَش أَنه قَالَ: لما جرى بَين سِيبَوَيْهٍ وَالْكسَائِيّ مَا جرى بِحَضْرَة البرامكة رَحل سِيبَوَيْهٍ عَن بَغْدَاد، يُرِيد الأهواز، فَلَمَّا وصل إِلَى ظَاهر الْبَصْرَة وجَّه إليَّ فَجِئْته، فعرَّفني خَبره مَعَ البغداديين، وَمَا جرى من التعصب عَلَيْهِ، وودَّعني وَمضى إِلَى الأهواز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 فأصلحت حَالي، وَجَلَست فِي سمارية، (1) فصرت إِلَى بَغْدَاد، ثمَّ إِنِّي وافيت مَسْجِد الْكسَائي، فَصليت خَلفه صَلَاة الْفجْر، فَلَمَّا فرغ وانتقل من محرابه، قعد بَين يَدَيْهِ الْفراء والأحمر وَهِشَام وَابْن سَعْدَان الضَّرِير، فسلَّمت عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم، ثمَّ ألقيت مائَة مَسْأَلَة عَلَيْهِ، فَلم يصبْ فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة، فهمَّ أَصْحَابه بالوثوب ي، فَقَالَ: بِاللَّه أَنْت الْأَخْفَش أَبُو الْحسن سعيد؟ فَقلت: نعم. فقان إليَّ، فعانقني، وَقَالَ لي: أَوْلَادِي أولى بك، أُحبُّ أَن يتأدبوا بأدبك، وَتَكون غير مفارق لي. فأجبته إِلَى ذَلِك. فَلَمَّا اتَّصَلت الْأَيَّام، سَأَلَني أَن أؤلف كتابا فِي الْقُرْآن، فَعمِلت كتابي، وَجَعَلته إِمَامًا، وَعمل هُوَ بعد ذَلِك كِتَابه فِي الْقُرْآن، وَعمل أَيْضا عَلَيْهِ الْفراء كتابا فِي مَعَاني الْقُرْآن. وَكَانَ الْأَخْفَش بِبَغْدَاد، والطوسي مستميله.   (1) كَذَا فِي النُّسْخَة والمصادر الَّتِي حكت الْقِصَّة. وَفِي اللِّسَان: ((السُّمَيريَّة: ضرب من السفن)) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وتُوفي سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ. وَله " الْكتاب الْأَوْسَط "، وَكتاب " التصريف ". وَمن أَصْحَاب الْأَخْفَش، نصر بن عَليّ بن نصر الْجَهْضَمِي. رُوِيَ عَنهُ، وَقَالَ: سمعته يَقُول: أَصْحَاب الْخَلِيل أَرْبَعَة؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 سِيبَوَيْهٍ، وَالنضْر بن شُمَيْل، وَعلي بن نصر، ومؤرج. وتُوفي مؤرج سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَة. ولحن الْأَخْفَش يَوْمًا، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 لَعَمْرُكَ مَا اللَّحْنُ مِن شِيمَتِي ... وَلَا أنَا مَن خَطَأً ألْحَنُ ولكِنَّني قد عَرَفْتُ الأنامَ ... أُخاطِبُ كلا بِمَا يُحْسِنُ * * * 37 - سِيبَوَيْهٍ عَمْرو بن عُثْمَان بن قنبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 يُكنى أَبَا بشر، مولى لبني الْحَارِث. ولد بقرية من قرى شيراز، يُقَال لَهَا الْبَيْضَاء. وَقد الْبَصْرَة يكْتب الحَدِيث، فَلَزِمَ حَلقَة حَمَّاد بن سَلمَة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 فاستملى مِنْهُ يَوْمًا قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَيْسَ أحد من أَصْحَابِي إِلَّا لَو شِئْت أخذت عَلَيْهِ، لَيْسَ أَبَا الدَّرْدَاء "، فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: لَيْسَ أَبُو الدَّرْدَاء. فَقَالَ لَهُ أَبُو حَمَّاد: لحنت يَا سِيبَوَيْهٍ، لَيْسَ هَذَا حَيْثُ ذهبت، " لَيْسَ " اسْتثِْنَاء. فَقَالَ: سأطلب علما لَا تلحنني فِيهِ. فَلَزِمَ الْخَلِيل. وروى عبيد الله بن معَاذ، قَالَ: جَاءَ سِيبَوَيْهٍ إِلَى حَمَّاد فَقَالَ: أحدثَّك هِشَام عَن أَبِيه، فِي رجل رعُف فِي الصَّلَاة فَانْصَرف. فَقَالَ لَهُ: أَخْطَأت، إِنَّمَا هُوَ " رَعَف ". فَانْصَرف إِلَى الْخَلِيل، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: صدق حَمَّاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 قَالَ المَخْزُومِي، وَكَانَ كثير المجالسة للخليل: مَا سمعته يَقُول: مرْحَبًا بزائرٍ لَا يُمَلُّ. إِلَّا لسيبويه. وَقَالَ النطاح: كنت عِنْد الْخَلِيل يَوْمًا، فَأقبل سِيبَوَيْهٍ، فَقَالَ الْخَلِيل: مرْحَبًا بزائرٍ لَا يُمَلُّ. وَقَالَ ابْن عَائِشَة: كُنَّا نجلس عِنْد سِيبَوَيْهٍ النحويِّ فِي الْمَسْجِد - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 يَعْنِي مَسْجِد الْبَصْرَة - وَكَانَ شَابًّا جميلاً لطيفاً، قد تعلق من كل علم بِسَبَب، مَعَ براعته فِي النَّحْو، فَبَيْنَمَا نَحن عِنْده ذَات يَوْم، هبت ريح أطارت وَرقا كَانَ بَين يَدَيْهِ، فَقَالَ أهل الْحلقَة: انْظُر أَي ريح هِيَ؟ فَقَامَ لذَلِك، وَكَانَ على مَنَارَة الْمَسْجِد مِثَال فرس من صفر: ثمَّ عَاد، فَقَالَ مَا تثبت الْفرس على شَيْء. فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: الْعَرَب تَقول فِي مثل هَذَا: تذاءب الرّيح، أَي فعلت فعل الذِّئْب، يَجِيء من هَاهُنَا وَهَاهُنَا، تختل ليتوهم النَّاظر أَنه عدَّة ذئاب. وَقَالَ ابْن سَلام فِي " كِتَابه ": كنت جَالِسا فِي حَلقَة سِيبَوَيْهٍ، فِي مَسْجِد الْبَصْرَة، فتذاكرنا شَيْئا من حَدِيث قَتَادَة، فَذكر حَدِيثا غَرِيبا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وَقَالَ: لم يرو هَذَا إِلَّا سعيد بن أبي العَرُوبة. فَقَالَ بعض ولد جَعْفَر بن سُلَيْمَان: مَا هَاتَانِ الزائدتان يَا أَبَا بشر؟ فَقَالَ: هَكَذَا؛ لِأَن العَرُوبة الْجُمُعَة، وَمن قَالَ: عرُوبَة فقد أَخطَأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 قَالَ ابْن سَلام: فَذكرت ذَلِك ليونس، فَقَالَ: صدق، لله درُّه. وَقَالَ أَحْمد بن مُعَاوِيَة بن بكر العليمي: سَمِعت أبي يَقُول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 سِيبَوَيْهٍ أثبت من أَخذ من الْخَلِيل، وَكَانَت فِيهِ حُبْسة، كَانَ علمه أبلغ من لِسَانه. وروى عَن أبي زيد، قَالَ: كَانَ سِيبَوَيْهٍ يَأْتِي مجلسي، فَإِذا سمعته أَو وجدته يَقُول: حَدثنِي الثِّقَة، أَو من أَثِق بِهِ. فإياي يَعْنِي. وَقَالَ سعيد الْأَخْفَش: كَانَ يعرض عليَّ مَا يعْمل من كِتَابه، وَكَانَ أعلم مني، وَأَنا الْيَوْم أعلم مِنْهُ. قَالَ القَاضِي أَبُو المحاسن: مَا كنت أستحب لسَعِيد أَن يَقُول ذَلِك، لِأَنَّهُ يتَعَرَّض لقَوْل الشَّاعِر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 أُعَلِّمُه الرِّمايَة كُلَّ يَوْمٍٍ ... فلمَّا اسْتَدَّ ساعِدُه رَمَانِي ويروى بالشين مُعْجمَة. وَقَالَ الْأُخَر: ولمِّا أنْ فَككْتُ الغُلَّ عَنهُ ... وأفْلَتَ قَالَ أيُّ فَتىً تَرانِي وروى مُحَمَّد بن حسن الزبيدِيّ، قَالَ: قَالَ العسكري: سِيبَوَيْهٍ اسْم فَارسي، فالسِّي ثَلَاثُونَ، وبويه رَائِحَة، كَأَنَّهُ فِي الْمَعْنى ثَلَاثُونَ رَائِحَة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وقرأت على أبي مُحَمَّد بن مِسْعر، رَحمَه الله تَعَالَى، من خطه: قَالَ أَبُو الْقَاسِم الزجاجي: اُخْبُرْنَا عَليّ بن سُلَيْمَان الْأَخْفَش، قَالَ حَدثنَا ثَعْلَب، قَالَ: حَدثنِي سَلمَة، قَالَ: قَالَ الْفراء: قدم سِيبَوَيْهٍ على البرامكة، فعزم يحيى على الْجمع بَينه وَبَين الْكسَائي، فَجعل لذَلِك يَوْمًا، فَلَمَّا حضر تقدّمت أَنا والأحمر، فَدَخَلْنَا، فَإِذا بمثال فِي صدر الْمجْلس، فَقعدَ عَلَيْهِ، وَمَعَهُ إِلَى جَانب الْمِثَال جَعْفَر وَالْفضل، وَمن حضر بحضورهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 قَالَ: وَحضر سِيبَوَيْهٍ، فَأقبل عَلَيْهِ الْأَحْمَر، فَسَأَلَهُ عَن مَسْأَلَة، فَأجَاب فِيهَا سِيبَوَيْهٍ. فَأقبل عَلَيْهِ الْأَحْمَر، فَقَالَ: أَخْطَأت. ثمَّ سَأَلَهُ عَن ثَانِيَة، فَأجَاب فِيهَا. فَقَالَ الْأَحْمَر: أَخْطَأت. ثمَّ سَأَلَهُ عَن ثَالِثَة، فَأَجَابَهُ فِيهَا. فَقَالَ لَهُ: أَخْطَأت. فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: هَذَا سوء أدب. قَالَ الْفراء: فَأَقْبَلت عَلَيْهِ، فَقلت: إِن ي هَذَا الرجل حدَّة وعجلة، وَلَكِن مَا تَقول فِيمَن قَالَ: هَؤُلَاءِ أبون. ومررت بأبين، كَيفَ تَقول على مِثَال ذَلِك من وأيت وأويت. فقدَّر، فَأَخْطَأَ. فَقلت: أعد النّظر. فقدَّر، فَأَخْطَأَ. فَقلت: أعد النّظر. ثَلَاث مَرَّات، وَلَا يُصِيب. فَلَمَّا كثر ذَلِك عَلَيْهِ، قَالَ: لست أُكلمكما حَتَّى يحضر صاحبكما، حَتَّى أُناظره. فَحَضَرَ الْكسَائي، فَأقبل على سِيبَوَيْهٍ، فَقَالَ: تَسْأَلنِي أَو أَسأَلك؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 فَقَالَ: بل سلني أَنْت. فَأقبل عَلَيْهِ الْكسَائي، فَقَالَ: كَيفَ تَقول: " كنت أَظن أَن الْعَقْرَب أشدُّ لسعة من الزنبور، فَإِذا هُوَ هِيَ، أَو فَإِذا هُوَ إِيَّاهَا "؟ فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: فَإِذا هُوَ هِيَ. وَلَا يجوز النصب. فَقَالَ لَهُ الْكسَائي: لحنت. ثمَّ سَأَلَهُ عَن مسَائِل من هَذَا النَّحْو: خرجت فَإِذا عبد الله القائمُ والْقائِمَ. فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: ذَلِك كُله بِالرَّفْع دون النصب. فَقَالَ الْكسَائي: لَيْسَ هَذَا كَلَام الْعَرَب، ترفع ذَلِك وتنصبه. فَدفع سِيبَوَيْهٍ قَوْله. فَقَالَ يحيى بن خَالِد: فقد اختلفتما، وأنتما رَئِيسا بلديكما فَمن ذَا يحكم بَيْنكُمَا؟ فَقَالَ لَهُ الْكسَائي: هَذِه الْعَرَب ببابكم قد اجْتمعت من كل أَوب، ووفدت عَلَيْك من كل صقع، وهم فصحاء النَّاس، وَقد قنع بهم أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 المصرين، وَسمع أهل الْكُوفَة وَأهل الْبَصْرَة مِنْهُم، فيحضرون ويسألون. قَالَ يحيى وجعفر: قد أنصفت. وَأمر بإحضارهم، فَدَخَلُوا، وَفِيهِمْ أَبُو فقعس، وَأَبُو ثروان، وَأَبُو الجرَّاح، وَأَبُو زِيَاد، فسُئلُوا عَن الْمسَائِل الَّتِي جرت بَين الْكسَائي وسيبويه، فتابعوا الْكسَائي وَقَالُوا بقوله. فَأقبل يحيى على سِيبَوَيْهٍ، وَقَالَ لَهُ: قد تسمع أَيهَا الرجل؟ فاستكان سِيبَوَيْهٍ. فَأقبل الْكسَائي على يحيى، وَقَالَ لَهُ: أصلح الله الْوَزير، إِنَّه قد وَفد عَلَيْك من بَلَده مؤملاً، فَإِن رَأَيْت أَن لَا تردَّه خائباً. فَأمر لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم. فَخرج، وصيَّر وَجهه إِلَى فَارس، فَأَقَامَ هُنَالك، وَلم يعد إِلَى الْبَصْرَة. قَالَ ثَعْلَب: إِنَّمَا أَدخل الْعِمَاد فِي هَذَا لِأَن " فَإِذا " مفاجأة، أَي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 فَوَجَدته ورأيته، وَوجدت وَرَأَيْت تنصب شَيْئَيْنِ، فَلذَلِك نصب الْعَرَب، انْتهى الْخَبَر. قَالَ أَبُو الْقَاسِم: ونقول فِي ذَلِك: أما حِكَايَة الْفراء عَن الْأَحْمَر عَن الْمسَائِل، وَأَنه قد أجَاب، فقد شهد بإجابته، فَلَا يُلتفت إِلَى قَوْله: أَخْطَأت، وَأَيْضًا فَلم يذكر الْمسَائِل وَالْجَوَاب ليعلم وَجه الْخَطَأ من الصَّوَاب، وَهَذَا كَلَام أبي الْقَاسِم وَمَعْنَاهُ. قلت: فَكَذَلِك الْجَواب عَن قَول الْفراء، كَيفَ يَقُول على مَذْهَب من قَالَ: " هَؤُلَاءِ أبون " و " رَأَيْت أبين " مثله من وأيت وأويت. قد كَانَ يجب أَن يكون ذكر تَقْدِيره الَّذِي أَخطَأ فِيهِ ثَلَاثًا، ليُعلم خطأ أم صَوَاب، كَمَا ذكر جَوَابه عَن مَسْأَلَة الْكسَائي، وَهُوَ الَّذِي لَا يجوز عِنْد أحد من الْبَصرِيين غير مَا قَالَ، فهم أَيْضا يرونه صَوَابا، وَإِنَّمَا يجيزن النصب فِي قَوْلهم " كنت أَظن الزنبور أَشد لسعة من الْعَقْرَب، فَإِذا هُوَ هِيَ "، فَيَقُولُونَ: " فَإِذا هُوَ إِيَّاهَا "، يأْتونَ بِالْكِنَايَةِ عَن الْمَنْصُوب، وأراهم إِنَّمَا حملُوا ذَلِك على إجازتهم الْحَال أَن يكون معرفَة. وَلَيْسَ هَذَا الْكتاب مِمَّا يَنْبَغِي أَن يذكر فِيهِ بطلَان قَوْلهم فِي الْحَال. وَأما قَول الْفراء لسيبويه: كَيفَ تَقول على مَذْهَب من قَالَ " هَؤُلَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 أبون " من وأى وَأَوَى، فإنَّ الْجَواب عَنهُ: أَن مِثَال " أَب " فِي الأَصْل فعل، فَإِذا بنيت مِثَاله من " وأى " كَانَ على مِثَال الْفِعْل الْمَاضِي مِنْهُ، وَكَذَلِكَ " أَوَى " فَيخرج جمعه إِلَى بَاب جمع مصطفى، فَإِذا جمعت " أَوَى " جمع السَّلامَة، قلت فِي الرّفْع: " هَؤُلَاءِ أوون " كَمَا تَقول: " مصطفون ". و " رَأَيْت أوين " مثل " مصطفين "، وَالْوَاو فِيهِ فَاء والهمزة الْعين وَاللَّام يَاء. وسها الزّجاج فِي قَوْله: وَإِن كَانَت واواً فَلَنْ تصح؛ لِأَن الْوَاو لم يجِئ مِنْهَا مِثَال سَلس، وَهُوَ نقل فِي الْيَاء. وَأما " أَوَى " فالهمزة فَاء، وَالْوَاو عين، وَالْيَاء لَام، وَلَا يجوز أَن تكون واواً، وَإِن كَانَ قد جَاءَ " فوه " و " جوه ": لِأَنَّهَا لَو كَانَت كَذَلِك ليسن على غير هَذَا الْبناء، فِيهِ مثل قَوْلك " أبون "، فِي الرّفْع أوون، وَفِي النصب والجر أوين، وَالْقِيَاس وَاحِد. وَلَو جمعت اسْم رجل عَصا لَقلت: " عصون " فِي الرّفْع، وَفِي النصب والجرِّ: " عصين ". وَهَذَا لَا أعلم فِيهِ اخْتِلَافا بَين الْبَصرِيين، وَلَيْسَ أحد مِمَّن يعرف هَذَا الْعلم دون معرفَة سِيبَوَيْهٍ يقصر عَن الْجَواب عَن مَا ذكره الْفراء. وَأَقُول: إِن الْفراء سامه أَن يَبْنِي على مذْهبه فِي هَذِه الْأَسْمَاء؛ لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 يَرَاهَا معربة من مكانين، فَيرى ضمَّة الْبَاء إعراباً، وَالْوَاو إعراباً، وَهَذَا مَا لَا يَقُوله البصريون، وَهِي أَسمَاء خرجت عَن القاس، نقصتها الْعَرَب، وصححت مَا هُوَ مثلهَا، أَو سمَّته معتلاًّ. وَأَبُو عُثْمَان الْمَازِني وَحده يذهب إِلَى أَن الْبَاء فِي قَوْلك " أَبوك " الْحَرْف الَّذِي يَقع عَلَيْهِ الْإِعْرَاب، بِمَنْزِلَة دَال " زيد "، وَأَن الْوَاو فِي الرّفْع إشباع الضَّمَّة، وَكَذَلِكَ يَقُول فِي الْيَاء وَالْألف. وسيبويه يرى أَن الْوَاو فِي قَوْلك: " أَبوك " وَسَائِر أخواته، هِيَ حرف الْإِعْرَاب، وَأَن مَا قبلهَا من الْحَرَكَة تَابع لَهَا، يَجْعَل الْحَرَكَة فِي الْبَاء بِمَنْزِلَة وحركة رَاء " هَذَا امْرُؤ "، وَكَذَلِكَ فِي النصب والجر. وَقد وافقته على هَذَا الْأَخْفَش، وَرُوِيَ عَنهُ، أَعنِي الْأَخْفَش، أَنه جعلهَا، أَعنِي الْوَاو، دَلِيل الْإِعْرَاب، كواو الْجمع. وقرأت على أبي، رَحمَه الله، من حَدثَك الْحُسَيْن بن خالويه، قَالَ: حدَّثنا عمرَان بن الْفضل، قَالَ: دخل إِبْرَاهِيم النظام على سِيبَوَيْهٍ فِي مَرضه، فَقَالَ: كَيفَ تجدك يَا أَبَا بشر؟ قَالَ: أجدني ترحل عني الْعَافِيَة بانتقال، وَأَجد الدَّاء يخامرني بحلول، غير أَنِّي قد وجدت الرَّاحَة مُنْذُ البارحة. قلت: فتشتهي شَيْء؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 قَالَ: لَا، وَلَكِن أشتهي أَن أشتهي. فَلَمَّا كَانَ من غَد ذَلِك الْيَوْم، دخلت إِلَيْهِ وَأَخُوهُ يبكي، وَقد قطرت دمعة من دُمُوعه على خَدّه، فَقلت كَيفَ تجدك؟ فَقَالَ: يَسُرُّ الفَتَى مَا قَد تَقَدَّمَ مِن بَقَا ... إذَا عُرِفَ الدَّاءُ الَّذِي هُوَ قَاتِلُه يُروى بِرَفْع الدَّاء ونصبه. وَكَذَلِكَ قَول الآخر، أنْشدهُ الْأَخْفَش مجروراً: إذَا بَلَّ مِنْ دَاءٍ بِهِ ظَنَّ أَنَّهُ ... نَجَاوَبِهِ الدَّاء الَّذِي هُوَ قَاتِلُهْ قَالَ النظام: ثمَّ مَاتَ من يَوْمه. وتُوفي بشيراز، سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة. قَالَ الْأَصْمَعِي: قَرَأت على قبر سِيبَوَيْهٍ بشيراز: هَذَا قبر سِيبَوَيْهٍ. وَعَلِيهِ مَكْتُوب هَذِه الأبيات: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 ذََبَ الأحِبَّةُ بَعْدَ طُولِ تَزَاوُرٍ ... وَنَأى الْمَزَارُ فَأسْلمُوكَ وَأقْشعُوا تَرَكُوكَ أوْحش مَا يكُونُ بِقَفْرةٍ ... لَمْ يُؤْنِسُوكَ وَكُرْبَةً لَمْ يَدْفَعُوا قُضِيَ الْقَضَاءُ وَصِرْتَ صَاحِبَ حُفْرَةِ ... عَنْكَ الأحِبَّةُ أعْرَضُوا وَتَصَدَّعُوا ويروى أَنه أنْشد عِنْد مَوته، عِنْد بكاء أَخِيه: أُخَيَّيْنِ كُنَّا فَرَّقَ الدَّهْرُ بَيْنَنَاإلَى الأَمَدِ الأَقْصَى وَمَنْ يَأْمَنُ الدَّهْرا ذكر الَّذين أَخذ عَنْهُم سِيبَوَيْهٍ: الْخَلِيل صَاحبه الَّذِي استكثر مِنْهُ، وَإِذا قَالَ فِي كِتَابه: " سَأَلته " بِغَيْر تَسْمِيَة المسؤول، فَإِنَّمَا يَعْنِي الْخَلِيل دون غَيره. وَيُونُس بن حبيب، وَعِيسَى بن عمر، وَأَبُو الْخطاب الْأَخْفَش. هَؤُلَاءِ أَخذ عَنْهُم، يَقُول فِي " الْكتاب ": حَدثنَا أَبُو الْخطاب. وَأُخْرَى يَقُول: حَدثنَا بذلك عَن الْعَرَب عِيسَى يُونُس. وَيذكر رِوَايَة يُونُس عَن أبي عَمْرو ابْن الْعَلَاء. وَعِيسَى بن عمر تُوفي قبل أبي عَمْرو بِخمْس سِنِين، وَلست أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 لأي حَال لم يلق أَبَا عَمْرو، ويدُلُّ على مَا ذكرته من وَفَاته، على خلاف مَا يذكر الْعَامَّة من عمره، أَنه قد بلغ خمسين سنة. ويروى عَن يُونُس أَنه أنكر على سِيبَوَيْهٍ شَيْئا، فَقيل لَهُ: إِنَّه قد روى عَنْك، فَأنْظر فِيمَا روى. قَالَ: فَنظر فِي " كِتَابه " فَقَالَ: صدق وَالله فِي جمع مَا حكى عني. وتُوفي سِيبَوَيْهٍ، رَحمَه الله، بعد مُنْصَرفه من بَغْدَاد، سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة، وعمره على مَا أوجبه التَّأَمُّل والتقريب خَمْسُونَ سنة، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 قد روى عَن عِيسَى بن عمر، يَقُول: أَخْبرنِي عِيسَى. فِي غير مَوضِع من " الْكتاب "، وَلَا اخْتِلَاف فِي التواريخ أَن عِيسَى بن عمر تُوفي سنة تسع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وَأَرْبَعين وَمِائَة، فَيَنْبَغِي أَن يكون سمع عَنهُ وَهُوَ ابْن تسع عشرَة، وَمَا زَاد عَلَيْهَا. وَلَيْسَ قَول من قَالَ عمره ثَلَاثُونَ سنة بِشَيْء، هَذَا مُحال لَا يلْتَفت إِلَيْهِ، وَلَا يعول عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ على غير تَأمل وَلَا معرفَة. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 38 - يحيى بن الْمُبَارك اليزيدي يُكنى أَبَا مُحَمَّد، وَشهر بالكنية فَاخْتلف فِي اسْمه، فَقَالَ قوم: يحيى، وَقَالَ آخَرُونَ: عبد الرَّحْمَن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 أَخذ علم النَّحْو عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء. وَكَانَ يعلِّم الْمَأْمُون، وَالْكسَائِيّ يُؤَدب الْأمين. وَكَانَ يَقُول الشّعْر، فَمن شعره يُخَاطب الْخَلِيفَة: سَكْرْتُ فَأَبْدَتْ مِنِّيَ الكَأْسُ بعضَ مَاكَرِهْتَ وَمَا إنْ يَسْتَوِي السُّكْرُ والصَّحْوُ وَلاَ سِيَّمَا إِذْ كُنْتُ عِنْدَ خَلِيفَةٍوَفِي مَجْلِسٍ مَا إِنْ يَجُوزُ بِهِ اللَّغْوُ وَقَالَ فِي الْكسَائي: إنَّ الْكِسَائِيَّ وأَشْيَاعَهُ ... يَرْقَوْنَ فِي النَّحْوِ إِلَى أَسْفَلِ فَكُلُّهُمْ يَعْمَلُ فِي نَقْضِ مَا ... بِهِ يُصَابُ الحَقُّ لَا يَأْتَلِي وَقَالَ بعد ذَلِك يرثيه، وَمُحَمّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ القَاضِي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 أَسِيتُ على قاضِي الْقُضَاةِ مُحَمَّدٍ ... فأذْريْتُ دَمْعِي والفُؤَادُ عمِيدُ وَأَقْلَقَنِي مَوْتُ الْكِسَائِيّ بعدَهُ ... وَكَادَتْ بيَ الأرْضُ الفَضَاءُ تَمِيدُ هُمَا عَالِمَانَا أوْدَيَا وَتُخُرِّما ... وَمَا لهُمَا فِي العَالَمِينِ نَدِيدُ وَكَانَا توفيا مَعَ الرشيد بِالريِّ، فَقَالَ: دفنَّا الْعلم بِالريِّ. وَمَات أَبُو مُحَمَّد اليزيدي، وَكَانَ لَهُ خَمْسَة أَوْلَاد، كلهم من أهل الْعلم شَاعِر: مُحَمَّد أَبُو عبد الله، وَإِبْرَاهِيم، وَإِسْمَاعِيل، وَعبد الله، وَإِسْحَاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وحدَّث أَبُو عبد الله اليزيدي، قَالَ: خبَّرني عمي الْفضل بن مُحَمَّد، عَن أبي مُحَمَّد يحيى بن الْمُبَارك، قَالَ: كُنَّا بِبَلَد مَعَ الْمهْدي قبل أَن تصير إِلَيْهِ الْخلَافَة بأَرْبعَة أشهر، فِي شهر رَمَضَان، فذاكرنا لَيْلَة عِنْده النَّحْو والعربية، وَكنت مُتَّصِلا بخاله يزِيد بن مَنْصُور، وَالْكسَائِيّ مَعَ ولد حسن الْحَاجِب، فَبعث إليَّ وَإِلَى الْكسَائي، فصرت إِلَى الدَّار، فَإِذا الْكسَائي بِالْبَابِ قد سبقني، فَقَالَ لي: اعوذ بِاللَّه من شرك يَا أَبَا مُحَمَّد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 فَقلت: وَالله لَا تُؤْتى من قِبلي، أَو أُوتى من قبلك. فَلَمَّا دَخَلنَا على الْمهْدي أقبل عليَّ، فَقَالَ كَيفَ: نسبوا إِلَيّ الْبَحْرين، فَقَالُوا: بحراني، وَإِلَى الحصنين، فَقَالُوا: حصني، أَلا قَالُوا: حصناني، كَمَا قَالُوا: بحراني. فَقلت: أَيهَا الْأَمِير، لَو قَالُوا: بحري. لالتبس بِالنّسَبِ إِلَى الْبَحْر، فزادوا ألفا للْفرق، كَمَا قَالُوا فِي النّسَب إِلَى الرّوح: روحاني. وَلم يكن للحصنين شَيْء يلتبس بِهِ، فَقَالُوا: حصني. على الْقيَاس. فَسمِعت الْكسَائي يَقُول لعمر بن بزيع: لَو سَأَلَني الْأَمِير لأجبته بِأَحْسَن من هَذِه الْعلَّة. فَقلت: أصلح الله تَعَالَى الْأَمِير، إِن هَذَا يزْعم أَنَّك لَو سَأَلته لأجاب أحسن من جوابي. قَالَ: فقد سَأَلته. فَقَالَ: أصلح الله تَعَالَى الْأَمِير، كَرهُوا أَن يَقُولُوا: حِصْناني فيجمعوا بَين النونين، وَلم يكن فِي الْبَحْرين إِلَّا نون وَاحِدَة، فَقَالُوا: بحراني. لذَلِك. فَقلت: فَكيف تنْسب إِلَى رجل من بني جنان، إِن لَزِمت قياسك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 فَقلت: جنِّي. فَجمعت بَينه وَبَين النّسَب إِلَى الجنِّ، وَإِن قلت: جِنَّانيّ رجعت عَن قياسك، وجمعت بَين ثَلَاث نونات. وَقَالَ فِيهِ: يَا طَالِبَ النَّحْوِ أَلاَ فَاْبكِهِ ... بعدَ أَبِي عمروٍ وَحَمَّادِ أمَّا الْكِسَائِيُّ فَذَاكَ امْرُؤٌ ... فِي النَّحْوِ حَازٍ غَيْرُ مُرْتَادِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وَهْوَ لِمَنْ يَأْتِيهِ جَهْلاً بِهِ ... مِثْلُ شَرَابِ النَّبِيذِ لِلصَّادِي وابنِ أبِي إِسْحَاقَ فِي عِلْمِهِ ... والزَّيْنِ فِي المَشْهَدِ والنَّادِي عِيسَى وأشْبَاهٍ بِعِيسَى وهَلْ ... يَأْتِي لَهُمْ دَهْرٌ بِأنْدَادِ يَا ضَيْعَةَ النَّحْوِ بِهِ مُغْرِبٌ ... عَنْقَاءُ أوْدَتْ ذَاتُ إِصْعَادِ أَفْسَدَهُ قَوْمٌ وأَزْرَوْا بِهِ ... مِنْ بَيْنِ أَغْتَامٍ وأوغادِ ذَوِي مِرَاءٍ وَذَوِي لُكْنَةٍ ... لِئَامِ آباءٍ وأَجْدَادِ فَهُمْ مِنَ النَّحْوِ وَلَوْ عُمِّرُوا ... أَعْمَارَ عادٍ فِي أَبِي جَادِ وَحكى أَبُو عبد الله اليزيدي، عَن عَمه يحيى بن الْمُبَارك قَالَ: سَأَلت ابْن ميسور: مَا وزن ميسور من الْفِعْل؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 فَقَالَ: فيعول. فَقلت: بئس مَا أثنيت على جدك إِن كَانَ سُمي بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ على هَذَا التَّقْدِير من المسر، وَهُوَ السّعَايَة الْكَذِب، وَإِنَّمَا هُوَ مفعول من الْيُسْر. * * * 39 - يُونُس بن حبيب يُكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن، وَقد قيل: أَبُو مُحَمَّد. قَالَ: أول من تعلمت مِنْهُ النَّحْو حَمَّاد بن سَلمَة. قَالَ ابْن سَلام: قلت لَهُ: أَيّمَا أسن، أَنْت أم حَمَّاد؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 قَالَ: هُوَ أسن مني، وَمِنْه تعلمت الْعَرَبيَّة. قَالَ أَبُو زيد: مَا رَأَيْت أبذل للنحو من يُونُس. وَيُقَال: إِنَّه أَخذ النَّحْو أَيْضا عَن عِيسَى بن عمر، وَعَن أبي عَمْرو، وَأبي الْخطاب الْأَخْفَش. قَالَ ابْن سَلام: قلت ليونس: أتجيز " إياك زيدا "؟ قَالَ: قد أجَاز ابْن أبي إِسْحَاق للفضل بن عبد الرَّحْمَن قَوْله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 إِيَّاكَ إِيَّاكَ الْمِرَاءَ فإِنَّهُ ... إِلَى الشَّرِّ دَعَاءٌ ولِلشَّرِّ جَالِبُ وَفِي بعض نسخ " الْكتاب ": وَإِن شِئْت جعلت الْوَاو محذوفة، إِذْ كَانَت فِي معنى " مِن " كَمَا تُحذف " من ". وَمثله: اخْتَرْت الإبلَ جَمَلاً، أَي من الْإِبِل. وَلم يَجِيء بَيت مثل هَذَا جاهلي وَلَا بدوي. وَالَّذِي عَلَيْهِ النّسخ كَأَنَّهُ قَالَ: إياك، ثمَّ يُضمر بعده فعلا آخر فَقَالَ: المراء. وقرأت فِي أَخْبَار النَّحْوِيين، أَن رجلا قَالَ لَهُ بِبَغْدَاد: إِذْ جرى ذكرك بِالْبَصْرَةِ، فَقَالَ رجل: وَيُونُس يعِيش بعد!!! فَقَالَ: مَا بَقَاء من يتعجب من بَقَائِهِ. وَمَات تِلْكَ السّنة. وَيُقَال: إِنَّه أسن حَتَّى جَاوز مائَة سنة. هَذَا قَول ثَعْلَب. وَقَالَ غَيره: ثمانياً وَثَمَانِينَ سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وتُوفي سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ، عَاشَ بعد سِيبَوَيْهٍ أَرْبعا وَعشْرين سنة. وَكَانَ يُقَال لَهُ: يُونُس النحويُّ. وَقَالَ ابْن سَلام: مَا كنت أَنا وَلَا أمثالي نسْأَل أَبَا عَمْرو بن الْعَلَاء عَن شيءٍ، إِنَّمَا كَانَ يسْأَله يُونُس، ونسمع. * * * 40 - الْخَلِيل بن أَحْمد الْأَزْدِيّ أَخذ علم النَّحْو عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 واخترع علم الْعرُوض، وَمَعْرِفَة أوزان أشعار الْعَرَب. وَيُقَال أَيْضا: إِنَّه نظر فِي علم النُّجُوم، وفهمه، فَلم يحمده، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وَقَالَ رَحمَه الله: أبْلِغَا عَنِّيَ الْمُنجِّم أنِّي ... كافِرٌ بالَّذِي قَضتْهُ الْكواكبْ عَالِمٌ أنَّ مَا يكونُ مِنَ الأمْ ... رِ قَضَاءٌ مِنَ المُهَيْمِنِ وَاجِبْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وَله قطع مختارة، فَمِنْهَا مَا خَاطب بِهِ أَخَاهُ، وَكَانَ أنكر عَلَيْهِ حَالا رَآهَا مِنْهُ، فَقَالَ، رَحمَه الله تَعَالَى: لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا أقُولُ عَذَرْتَنِي ... أوْ كُنْتُ أفْهَمُ مَا تقولُ عَذَلْتُكَا لكِنْ جَهِلْتَ مَقَالَتِي فَعَذَلْتَنِي ... وَعَلِمْتُ أنَّكَ جاهِلٌ فَعَذَرْتُكَا وَقَالَ أَيْضا، عَفا الله عَنهُ: عَذَلْتَ علَى مَا لَوْ عَلِمْتَ بِقَدْرِهِ ... بَسَطْتَ مَكَانَ اللَّوْمِ والعَذْلِ مَنْ عُذْرِي جَهِلْتَ وَلَمْ تَعْلَمْ بأنَّكَ جَاهِلٌ ... فَمَن لِي بِأَنْ تَدْرِي بأَنَّك لَا تَدْرِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وَقَالَ أَيْضا، رَحمَه الله: عُذْرُكَ عِنْدَ رَبِّكَ مَبْسُوطُ ... وَالذَّنْبُ عَنْ مِثْلِكَ مَحْطُوطُ لَيْسَ بِمَسْخُوطٍ فِعَالُ امرئٍ ... كُلُّ الَّذِي يَفْعَلُ مَسْخُوطُ وروى أَبُو بكر ابْن الْأَنْبَارِي، أَظُنهُ عَن أَبِيه، عَن عَليّ بن نصر الْجَهْضَمِي، قَالَ: ورد الْخَلِيل بن أَحْمد - وَيُقَال: إِنَّه لم يسم فِي الْإِسْلَام قبله أَحْمد - إِلَى سُلَيْمَان بن حبيب بن الْمُهلب، إِلَى الأهواز، وَكَانَ صديقا لَهُ، فَأَقَامَ عِنْده مدَّة، فَكتب رقْعَة وَانْصَرف، فَلم يجده عِنْد ظَنّه بِهِ، فَكتب رقْعَة، وَكَانَ فِي الرقعة: وَرَدَ العُفاةُ المُعْطِشُونَ فأَصْدَرُوا ... رِيًّا وطابَ لَهُم لَدَيْكَ الْمَشْرَعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 ووَرَدْتُ دونَك ظامِياً مُتَدَفِّقاً ... فردَدْتَ دَلْوِي شَنُّها يَتَقَعْقَعُ وأَرَاكَ تُمْطِرُ جَانِباً عَن جَانِبٍ ... وفَضاءُ أرْضِي مِن سَمائِكَ بَلْقَعُ أَلِحُسْنِ مَنْزِلَتِي تُؤَخِّرُ حاجَتِي ... أم لَيْسَ لي فيهِ بِخَيْرٍ مطْمعُ وَكتب إِلَيْهِ: أَبْلِغْ سُلَيْمَان أنِّي عَنهُ فِي سَعَةٍ ... ................. الأبيات، وسنذكرها بكمالها. وروى ابْن الْأَنْبَارِي أَيْضا، أَن سُلَيْمَان بن حبيب أهْدى إِلَيْهِ هَدِيَّة لم يرضها، فَكتب إِلَيْهِ: أَهْدَى إليَّ أَبُو أَيُّوبَ فَاكِهَةً ... مِن أَرْضِ سَنْدَانَ يَا للهِ مِن طُرَفِ هَدِيَّةٌ لم تكُنْ عندِي بفائِدةٍ ... وَلَا هَدايَا ذَوِي الإنْعامِ والشَّرَفِ وَله أَيْضا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 يَا زَلَّةً يُكْثِرُ الشَّيْطانُ إنْ ذُكِرتُ ... مِنْهَا التَّعَجُّب جَاءَت من سليمانا لَا تَعْجَبُوا أَن يَزِلَّ الخَيْرُ عَن يَدِهِ ... الْكوكبُ النَّحْسُ يسْقِي الأرْض أحْياناً وغيرُ ابْن الْأَنْبَارِي يَقُول: إِن سُلَيْمَان بن عَليّ الْهَاشِمِي كتب إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 يستدعيه، وَبعث إِلَيْهِ بِمَال وَفَاكِهَة، ورد المَال، وَكتب إِلَيْهِ بِهَذِهِ الأبيات: أبْلِغْ سليمانَ أنِّي عَنهُ فِي سَعَةٍ ... وَفِي غِنىً غيرَ أنِّي لستُ ذَا مَال شُحًّا بنَفْسِيَ إنِّي لَا أَرَى أحَداً ... يَمُوتُ هَزْلاً وَلَا يَبْقَى علَى حَالِ فالرِّزْقُ عَن قَدَرٍ لَا العَجْزُ يَنْقُصُهُ ... وَلَا يَزِيدُك فِيهِ حَوْلَ مُحْتالِ وإنَّ بينَ الْغِنَى والفَقْرِ مَنْزِلَةً ... مَوْصُوَلةً بجَدِيدٍ لَيْسَ بالْبالِي والفقرُ فِي النَّفسِ لَا فِي المالِ تَعْلَمُهُومِثْلُ ذَاك الغِنَى فِي النَّفْسِ لَا المالِ والصَّبْرُ يُعْقِبُ خَيْراً إِن قَنَعْتَ بِهِ ... والحِرْصُ يَدْعُو إِلَى فَقْرٍ وإذْلالِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وَلم يُختلف فِي زهده. ويروى أَن صديقا لَهُ ولي ولَايَة، فَكتب إِلَيْهِ: الحقْ بِي. فجَاء الرَّسُول وَهُوَ يَأْكُل كِسْرة، فَقَالَ: قل لَهُ: أما دمت أَصْبِر على الكسرة فلست أبلغك. وأنشده يَقُول: قد صَاغَةُ اللهُ مِن مِسْكٍ ومِن ذَهَبٍ ... وصاغَ رَاحَتَهُ مِن عَارِض هَطِلِ وَله " كتاب فِي الْعرُوض "، وَكتاب " الْعين ". وَهُوَ أول من صنف اللُّغَة على حُرُوف المعجم. قَالَ الشَّاعِر يَعْنِي ابْن دُرَيْد، لما عمل كِتَابه الْمَعْرُوف " الجمهرة ": وهْوَ كتابُ العَيْنِ إلاَّ ... أنَّه قد غَيَّرَهْ فِي أَبْيَات تركناها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وتُوفي الْخَلِيل سنة سبعين وَمِائَة، وَقد قيل: سنة خمس وَسبعين وَمِائَة. وَقَالَ الجاحظ: لَهُ " كتاب فِي الألحان ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وَمن شعره، يذكر كتابي عِيسَى بن عمر: ذَهَبَ النَّحْوُ جمِيعا كُلُّهُ ... غير مَا أحْدث عِيسَى بنُ عُمرْ ذاكَ إكْمالُ وَهَذَا جامِعٌ ... وهما للِنَّاسِ شمْسٌ وقمرْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وَكَانَ يُقَال لأَحَدهمَا " المكمل "، وَالْآخر " الْجَامِع ". ويروى أَنه دخل على الْمَنْصُور، فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور: قد قلتُ بَيْتا فأجزه. فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: أدَرْتُ الهَوَى حتَّى إِذا صارَ كالرَّحَى ... جعلتُ مَحَلَّ القَلْبِ فِي مَوْضِع القُطْبِ فَأَطْرَقَ سَاعَة، ثمَّ قَالَ: فلمَّا جَعَلْتُ القلبَ تحتَ رَحَى الْهَوَى ... نَدِمْتُ وصارَ القلبُ فِي مَوْضِعٍ صَعْبِ فَأمر لَهُ بجائزة. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 41 - عِيسَى بن عمر مولى خَالِد بن الْوَلِيد المَخْزُومِي. نزل فِي ثَقِيف، فَرُبمَا نُسب إِلَيْهِم. وَأخذ النَّحْو عَن ابْن أبي إِسْحَاق. وَفِي أَخْبَار النَّحْوِيين: أَنه اجتاز بِأبي عَمْرو بن الْعَلَاء، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَمْرو، وَكَانَ اجتاز بِهِ وَهُوَ رَاكب حمارا: كَيفَ رجلاك أَبَا عَمْرو؟ فَقَالَ لَهُ: مَا ازدادتا بعْدك إِلَّا مَثالة. قَالَ أَبُو عَمْرو: فَمَا هَذِه المعيورا الَّتِي أَرَاك تركض! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 كَانَ بلغ ابْن هُبَيْرَة أَن بعض عماله أودع عِيسَى مَالا وثياباً، فَاسْتَحْضرهُ، فَأمر بِهِ، فَيُقَال إِنَّه ضُرب نَحوا من ألف سَوط. وَقَالَ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْهَاشِمِي: كَانَ بعض أَصْحَاب خَالِد ابْن عبد الله الْقَسرِي استودعه وَدِيعَة، فنمى أمرهَا إِلَى يُوسُف بن عمر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 فَكتب إِلَى واليه بِالْبَصْرَةِ بِحمْلِهِ، فقَيَّده، وَقَالَ لَهُ بعد ذَلِك: لَا بَأْس عَلَيْك، إِنَّك تمْضِي تؤدِّب أَوْلَاد الْأَمِير. قَالَ: فَمَا بَال الْقَيْد إِذا؟ فبَقَيتْ فِي الْبَصْرَة مَثَلاً. فَلَمَّا حضر عِنْد يُوسُف سَأَلَهُ عَن الْوَدِيعَة، فَأنْكر فَأمر بِهِ، فَلَمَّا أَخذه السَّوْط، قَالَ: أَيهَا الْأَمِير، إِن كَانَت إِلَّا أثياباً فِي أسيفاط قبضهَا عشَّاروك. وَيُقَال: إِنَّه دفع الْوَدِيعَة، وناله من الضَّرْب ألم عَظِيم. وَلم يخْتَلف فِي وَفَاته سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَة. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وَكَانَ فِي زَمَانه: مسلمة بن عبد الله الفِهري، وَكَانَ يُقَال لَهُ مسلمة النَّحْو. وَبكر بن حبيب السَّهْمِي. وَلم يشتهرا اشتهار غَيرهمَا من النَّحْوِيين، وَلَكِن لَا غنى بالواقف على هَذَا الْكتاب أَن يعرف غير الْمَشْهُورين. * * * 42 - أَبُو الْخطاب الْأَخْفَش الْكَبِير اسْمه عبد الحميد بن عبد الْمجِيد، وَيُقَال، ابْن عبد الحميد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 أَخذ النَّحْو عَنهُ سِيبَوَيْهٍ. وَقَالَ فِي " كِتَابه ": زعم أَبُو الْخطاب - وَسَأَلته غير مرّة - أَن نَاسا من الْعَرَب يوثق بعربيتهم، وهم بَنو سُلَيْمَان، يجْعَلُونَ بَاب (قلت) أجمع، مثل (ظَنَنْت) . وَيُقَال: إِن يُونُس أَخذ عَن أبي الْخطاب، والخليل عَن أبي عَمْرو. * * * أَرْبَعَة فِي زمن، فكلُّ واحدٍ مِنْهُم مَشْهُور: يحيى بن يعمر، وَهُوَ من عدوان. وَعبد الله بن أبي إِسْحَاق. وَعِيسَى بن عمر. وَأَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 43 - أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء اخْتلف فِي اسْمه، فَقَالَ قوم: عُرْيَان. وَقَالَ قوم: زبان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وَقيل: إِنَّه لم يعرف لَهُ اسْم لجلالة قدره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 وَكَانَ يُقرئ النَّاس فِي مَسْجِد الْبَصْرَة، وَأَبُو سعيد الْحسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 حَاضر، ويروى عَنهُ أَنه قَالَ: كَادَت الْعلمَاء أَن تكون أَرْبَابًا. وحَدثني أبي مُحَمَّد بن مسعر، رَحمَه الله، قَالَ: حَدثنَا الْحُسَيْن ابْن خالويه، قَالَ: حَدثنَا ابْن دُرَيْد، عَن أبي حَاتِم، عَن الْأَصْمَعِي، قَالَ: غَابَ أَبُو عَمْرو عَن الْبَصْرَة عشْرين سنة، ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا، ففقد إخوانه الَّذين كَانُوا يَجْلِسُونَ إِلَيْهِ فِي مَجْلِسه، فَأَنْشَأَ يَقُول: يَا مَنْزِلَ الحيِّ الَّذِي ... ن تفرَّقتْ بهمُ المَنازِلْ أصْبَحْتَ بَعْدَ عِمَارةٍ ... قَفْراً تَهُبُّ بك الشَّمائِلْ فَلَئِنْ رأيتُك مُوحِشاً ... فَبِما رأيتُ وأنْتَ آهِلْ كنت إِذا جِئْته يُوسع لي، وَرُبمَا حلف لَا يخبرن بِحرف حَتَّى آكُل، وتجيء ابْنَته وتجلس عندنَا، وَقد حجم ثديها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 كَانَ نقش خَاتم أبي عَمْرو: إنَّ امْرَءاً دُنْياهُ أكثرُ هَمِّه ... لَمُسْتَمْسِكٌ مِنْهَا بحَبْلِ غُرورِ وَلما نَاظر عَمْرو بن عبيد فِي الْوَعيد، قَالَ: إِن الْكَرِيم إِذا وعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وفى، وَإِذا تواعد عَفا، أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: وإنِّي إِذا أوْعَدْتُه أَو وَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفُ إيعادِي ومُنْجِزُ موْعِدِي فَقَالَ لَهُ عَمْرو: شغلك يَا أَبَا عَمْرو الْإِعْرَاب عَن معرفَة الصَّوَاب. وَيُقَال: إِنَّه انشد لبَعض الْعَرَب: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 لَا يُخْلِفُ الوَعْدَ والوَعِيدَ وَلَا ... يَبِيتُ من ثَأْرِه عَلى فَوْتِ قَالَ الْأَصْمَعِي: سَأَلت الْخَلِيل عَن قَول الراجز: حَتَّى تَحاجِزْنَ عَن الذُّوَّادِ تَحاجُزَ الرِّيِّ ولمْ تَكَادَ فَقلت: لم قَالَ: وَلم تكَاد. وَلم يقل: تكد؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 فطحن فِيهَا يَوْمه أجمع، وَسَأَلت أَبَا عَمْرو، فَكَأَنَّمَا كَانَت على طرف لِسَانه، فَقَالَ: وَلم تكادي أيتها الْإِبِل. وَفِي أَخْبَار النَّحْوِيين، أَنه كَانَ إِذا وضع جنبه على فرَاشه ينشد قَول عدي ابْن الرّقاع: كلُّ امْرِئٍ سَوف يَسْتَقْرِي مَضَاجِعَهُ ... حتَّى يَبِيتَ بأَقْصاهُنَّ مُضْطَجَعَا وَكَانَ يكتم سنَّه، فَقَالَ بَعضهم: فاعتل، فَأَتَيْته أعوده، فَسَأَلته حَاله، فَقلت: أبشر بالعافية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 فَقَالَ: أبعد الثَّمَانِينَ!! فأقرَّ، فبرأ من مَرضه، فَلَمَّا لَقيته، قَالَ: اكتم مَا سَمِعت. فَقلت: أفعل إِن نفعك. وقرأت فِي مَجْهُول الْعَهْد: ولد أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين، وَحج بِالنَّاسِ فِيهَا المصعب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وتُوفي سنة أَربع وَخمسين وَمِائَة، فِي طَرِيق الشَّام. وَله عقب بِالْبَصْرَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وَكَانَ لَهُ أَخ يُكنى أَبَا سُفْيَان، كَانَ من النَّحْوِيين أَيْضا وَلم يشْتَهر اشتهاره، وَقد روى الْأَخْبَار، تُوفي سنة خمس وَسِتِّينَ وَمِائَة. وروى شُعْبَة، قَالَ: كنت أَنا وَأَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء نَخْتَلِف إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 ابْن أبي عَقْرب، فأسأله أَنا عَن الْفِقْه، ويسأله أَبُو عَمْرو عَن الْعَرَبيَّة، وَيقوم عَنهُ وَأَنا لَا أحفظ حرفا مِمَّا سَأَلَهُ عَنهُ أَبُو عَمْرو، وَهُوَ لَا يحفظ حرفا مِمَّا سَأَلت عَنهُ. وَكَانَ فَقِيها نحويًّا. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 44 - عبد الله بن أبي إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ قَالَ أَبُو عَمْرو: اجْتمعت أَنا وَهُوَ عِنْد بِلَال بن أبي بردة فِي زمن هِشَام بن عبد الْملك، فتكلمنا فِي الْهَمْز، فغلبني فِيهِ، فَنَظَرت فِيهِ بعد ذَلِك وبالغت. وَكَانَ عبد الله يطعن عليَّ فِي شَيْء بالشاذِّ من الْعَرَب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وَبلغ والفرزدق أَنه يعيب عَلَيْهِ، فَقَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 فَلَو كَانَ عبد الله مولى هجوته ... ولكنَ عبد اللهِ موْلى مَوَالِيَا ويروى أَنه لما سمع هَذَا الْبَيْت، قَالَ: وَهُوَ فِي هَذَا أَيْضا مخطيء، وَالصَّوَاب: مولى موالٍ. وَأَبُو عَمْرو والخليل وسيبويه يجْعَلُونَ هَذَا من ضَرُورَة الشّعْر. تُوفي سنة تسع عشرَة وَمِائَة. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 45 - يحيى بن يعمر لَهُ كَلَام مَحْفُوظ ينْسب فِيهِ إِلَى التَّقعُّرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 ونفاه الْحجَّاج، فاستكتبه يزِيد بن الْمُهلب بخراسان، فَكتب عَنهُ كتابا إِلَى الْحجَّاج، فَقَالَ فِيهِ يصف عسكراً لقِيه يزِيد: واضطررناهم إِلَى عراعر الْجبَال، وأهضام الْغِيطَان، وأثناء الْأَنْهَار. فَقَالَ الْحجَّاج، لما وقف على هَذَا الْفَصْل من الْكتاب: مَا لَا بن الْمُهلب وَلها الْكَلَام! حسداً لَهُ. فَقيل: إنَّ ابْن يعمر هُنَاكَ. فَقَالَ: ذَاك إِذا. وَيُقَال: إِن نصر بن عَاصِم اللَّيْثِيّ أَخذ عَن يحيى. وَتُوفِّي يحيى بن يعمر سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 46 - نصر بن عَاصِم اللَّيْثِيّ لَهُ " كتاب نَحْو ". قَالَ خَالِد الْحذاء: كَانَ نصر يقْرَأ: (قُلْ هُو اللهُ أحدُ اللهُ الصَّمدُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 يتْرك التَّنْوِين. فَقلت لَهُ: إِن عُرْوَة ينونه. فَقَالَ: بئس مَا قَالَ، وَهُوَ لِبِئْسَ أهلٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 قَالَ خَالِد: فَأخْبرت عبد الله بن أبي إِسْحَاق بقول نصر، فَمَا زَالَ يقْرَأ بهَا حَتَّى مَاتَ. * * * 47 - عَنْبَسَة بن معدان 48 - مَيْمُون الأقرن قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: اخْتلف النَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 إِلَى أبي الْأسود يتعلمون مِنْهُ الْعَرَبيَّة، وَكَانَ أبرع أَصْحَابه عَنْبَسَة بن معدان، وَيعرف بالفيل. وروى عمر بن شبة عَن التوزي، عَنهُ - أَعنِي أَبَا عُبَيْدَة: مَيْمُون الأقرن، ثمَّ عَنْبَسَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وعنبسة من مَهْرة. وَقَالَ بعض الروَاة: كَانَ يعيب شعر الفرزدق. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ يروي شعر جرير. وَقَالَ الفرزدق: لقد كَانَ فِي معْدان والْفِيلِ شَاغِلٌ ... لِعنْبسة الزَّاري عليَّ القصائِدَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 هَكَذَا رِوَايَة من قَالَ: إِنَّه كَانَ يعيب شعره. وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: " الرَّاوِي عَليّ القصائدا ". هَكَذَا أوردهُ أَبُو سعيد السيرافي. وَيُقَال: إِن عَنْبَسَة أنْشد هَذَا الْبَيْت: لقد كانَ فِي مَعْدَانَ واللَؤْمِ شَاغِلٌ ... ............... بِحَضْرَة رجلٍ فَقَالَ لَهُ: إِن شَيْئا فَرَرْت مِنْهُ إِلَى اللؤم لعَظيم عنْدك. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 49 - عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز يُقَال: إِن مَالك بن أنس كَانَ يخْتَلف إِلَيْهِ، يتَعَلَّم مِنْهُ الْعَرَبيَّة. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 أَخْبَار أبي الْأسود الدؤَلِي: واسْمه: 50 - ظَالِم بن عَمْرو بن سُفْيَان وَيُقَال ابْن عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كَانَ لَا يخرج شَيْئا مِمَّا أَخذه عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَا من أَصْحَابه، ثمَّ انْتقل رَأْي زِيَاد فِي أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَلم ينْتَقل رَأْي أبي الْأسود، وَبَقِي مَا بَينه وَبَين زِيَاد على حَاله. فَلَمَّا ولي زِيَاد الْعرَاق بعث إِلَيْهِ، يَقُول لَهُ: اعْمَلْ شَيْئا تكون فِيهِ إِمَامًا، تُعرب بِهِ كتاب الله تَعَالَى، وَينْتَفع النَّاس بِهِ. فاستعفاه من ذَلِك، حَتَّى سمع قَارِئًا يقْرَأ: (إنَّ الله بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولِه) . فَقَالَ: مَا ظَنَنْت أَمر النَّاس صَار إِلَى هَذَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 فَرجع إِلَى زِيَاد، فَقَالَ: أَنا أفعل مَا أَمر بِهِ الْأَمِير، فليتبعني كَاتبا لقناً يفعل مَا أَقُول. فأُتي بكاتب من عبد الْقَيْس، فَلم يرضه، فأُتي بآخر - قَالَ الْمبرد: أَحْسبهُ مِنْهُم - فَقَالَ لَهُ أَبُو الْأسود: إِذا رَأَيْتنِي قد فتحت فمي بالحرف فانقط فَوْقه نقطة، وَإِذا رَأَيْتنِي قد ضممت فمي فانقط نقطة بَين يَدي الْحَرْف، وَإِن كسرت فَاجْعَلْ النقطة تَحت الْحَرْف، فَإِن اتبعت شَيْئا من ذَلِك غُنَّةً فَاجْعَلْ مَكَان النقطة نقطتين. فَهَذِهِ نقطة أبي الْأسود. وَيُقَال: إنَّ ابْنَته قَالَت لَهُ يَوْمًا: يَا أَبَت، مَا أشدُّ الحرَّ. وَكَانَ يَوْمًا حاراً. فَقَالَ: مَا نَحن فِيهِ. فَقَالَت: إِنَّمَا أردْت أَن الْحر شَدِيد. فَقَالَ: قولي مَا أشدَّ الحرَّ. ويروى أَنه قَالَ لَهَا مَكَان قَوْله: " مَا نَحن فِيهِ ": إِذا كَانَت الصقعاء من فَوْقك والرمضاء من تَحْتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 وَرُوِيَ أَيْضا أَن ابْنَته قَالَت لَهُ: مَا أحسنُ السَّمَاء. فَقَالَ: أَي بنية، المجرة. وَيُقَال: نجومها. فَقَالَت: لم أرد أَي شَيْء مِنْهَا أحسنُ، إِنَّمَا تعجبت. فَقَالَ: قولي إِذا: مَا أحسنَ السَّمَاء. وَكَانَ ينزل فِي الْبَصْرَة، فِي بني قُشَيْر، فَكَانَ يُرجم بِاللَّيْلِ، لرأيه فِي عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام، فيُصبح فيشتكي، فَيَقُولُونَ لَهُ: الله يرجمك. فَيَقُول: لَو رجمني الله لأصابني، وَأَنْتُم ترجمونني وَلَا تصيبون. وَقَالَ: أَلا منْ يشْترِي دَارا بِرُخْصٍ ... كَرَاهَةَ بَعْضِ جِيرَتِها تُباعُ وَفِيهِمْ يَقُول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 يقولُ الأرْذلُونَ بَنو قُشيْرٍ ... طوال الدَهْرِ لَا يُنسى أُحِبُّ مُحَمَّدًا حُبًّا شَدِيداً ... وعبَّاساً وحَمْزة والْوصِيَّا فإِنْ يَكُ حُبُّهُم رُشْداً أُصِبْهُ ... وَلَيْسَ بِمُخْطِئٍ إنْ كَانَ غَياً وَكَانَت مَعَه امْرَأَة مِنْهُم، فَأصْبح، فَقَالَ لَهُم: أرَيْتَ امْرَءاً كُنْتُ لَمْ أَبْلُهُ ... أتانِي فَقَالَ اتَّخِذْنِي خلِيلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 فَصَاحَبْتُهُ ثمَّ صافَيْتُهُ ... فَلَمْ أَسْتَفِدْ مِنْ نَدَاهُ فَتِيلاَ وأَلْفَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتِبٍ ... وَلاَ ذَاكِرِ اللهَ إلاَّ قليلاَ أَلَسْتُ خَلِيقاً بإِبْعَادِهِ ... وأُتْبِعُ ذَلِكَ هَجْراً طَوِيلاَ فَقَالُوا: بلَى. فَقَالَ: اشْهَدُوا أَن فُلَانَة - يَعْنِي الْمَرْأَة - طَالِق. قَالَ الْهَيْثَم بن عدي: أول بَاب أَلفه أَبُو الْأسود فِي النَّحْو بَاب التَّعجُّب. عمره خمس وَثَمَانُونَ سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وتُوفي فِي طاعون الجارف بِالْبَصْرَةِ، سنة تسع وَسِتِّينَ. وَفِي بعض الْكتب أَنه تُوفي فِي خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز، هُوَ وَأَبُو طفيل عَامر بن وَاثِلَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 قَالَ: وهما آخر من بَقِي من شيعَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام. وَمن شعره: أَمِنْتُ علَى السِّرِّ امْرَءاً غيرَ حَازِمٍ ... وَلَكِنَّهُ فِي النُّصْحِ غيرُ مُرِيبِ أَذاعَ بِهِ فِي النَّاسِ حتَّى كَأَنَّهُ ... لعلياءِ نارٍ أُوقِدَتْ بثقوبِ وَمَا كُلُّ ذِي لُبٍّ بِمُعْطِيك نُصْحهُ ... ولاَ كُلُّ مُؤْتٍ نُصْحهُ بِلِبيبِ ولكنْ إذَا مَا استجمعا عِنْد واحِدٍ ... فَحَقَّ لَهُ من طَاعَة بنصيبِ وَله أَيْضا: زَعَمَ الأمِيرُ أَبُو المُغِيرَةِ أنَّنِي ... شيخٌ كَبِيرٌ قَدْ دَنَوْتُ مِن الْبِلَى أأَبَا المُغِيرَةِ رُبَّ أَمْرٍ مُعْضِلٍ ... فَرَّجْتُهُ بالنُّكْرِ مِنِّي والدَّهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 وأنشده ابْن جني " أَبَا الْمُغيرَة " بطرح الْهمزَة. وَهُوَ الْقَائِل وَقد أدام لبس جُبَّة، لمن قَالَ لَهُ: أما تملها: " رُبَّ مملول لَا يُسْتَطَاع فِرَاقه ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 فَبعث إِلَيْهِ بجباب، فَقَالَ: كساكَ وَلم تَسْتَكْسِهِ فشكَرْتَهُ ... أَخٌ لَكَ يُعْطِيكَ الجَزِيلَ وَنَاصِرُ وإِنَّ أَحَقَّ الناسِ إنْ كنتَ شاكِراً ... بِشُكْرِكَ مَن آساكَ والعِرْضُ وافِرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وَقيل لَهُ: لَو علقت عَلَيْك تَمِيمَة، فَقَالَ: أَفْنَى الشَّباب الَّذِي أفْنَيْت جِدَّتَه ... كَرُّ الجدِيديْن مِنْ آتِ ومُنْطلِقِ لَمْ يتْرُكَا لِيَ فِي طُولِ اخْتِلافِهِمَا ... شَيْئاً أخَافُ عَلْيهِ لَذْعَةَ الْحَدَقِ وقرأت عَن ابْن الْأَنْبَارِي: دخل أَبُو الْأسود على زِيَاد، فَقَالَ لَهُ: كَيفَ حبك لعَلي عَلَيْهِ السَّلَام؟ فَقَالَ: يزْدَاد شدَّة كَمَا يزْدَاد بغضك لَهُ وحبك لمعاوية شدَّة، وَالله مَا أردْت بحبي لعَلي إِلَّا الله وَمَا عِنْده، وَمَا أردْت بحبك لمعاوية إِلَّا الدُّنْيَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وزخرفها، وَهِي زائلة عَنْك عَن قَلِيل، وَمثلك ومثلي فِي هَذَا قَول الْجعْفِيّ: خلِيلانِ مُخْتَلِفٌ شأْنُنا ... أُرِيدُ العَلاَءَ وَيَبْغِي السِّمنْ إذَا مَا رأى وَضَحاً فِي الإنَاءِ ... سَمِعْتَ لَهُ زَهْزَماً كالمُغْنّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وَقَالَ: غَضِب الأمِيرُ لِأَن صَدقْتُ وَرُبَّما ... غَضِب الأميرُ على الْكَرِيم المُسْلِم أأَبَا المُغِيرةِ رُبَّ يَوْم لم يكُنْ ... أهْلُ الْبراءةِ عِنْدكُمْ كالْمُجْرِمِ اللهُ يعلمُ أنَّ حُبَي صادِقٌ ... لِبنِي النَّبِيِّ ولِلْقَتِيلِ المُحْرِمِ قَالَ: زهزم صَوت فِيهِ تطريب، يُقَال: بعير مزهزم وناقة مزهزمة، إِذا صوَّتا تصويتاً فِيهِ تطريب. وَقَالَ بعض المُحْدَثين، يذمُّ رجلا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 لَوْ تَلَبَّسْتَ مِن سَوَادِ أَبِي الأَسْ ... وَدِ لَوْنًا يُكْنَى أَبَا السَّوْدَاءِ وَتَخَلَّلْتَ بِالْخَلِيلِ وَأَضْحَى ... سِيبَوَيْه لَدَيْكَ عَبْدَ سِبَاءِ وَتَلَفَّفْتَ فِي كِسَاءِ الْكِسَائِي ... وَتَفَرَّيْتَ فَرْوَةَ الْفَرَّاءِ لأَبَى اللهُ أَنْ يَرَاكَ ذَوُو الأَلْ ... بَابِ إِلاَّ فِي صُورَةِ الأَغْبِيَاءِ * * * أَخْبَار نَحْويي الْكُوفَة: كَانَ آخر من قَامَ بمذهبهم: 51 - أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن بشار الْأَنْبَارِي أَخذ النَّحْو عَن أبي الْعَبَّاس ثَعْلَب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 وَلأبي بكر مصنفات، مِنْهَا: كتاب فِي النَّحْو، يُعرف ب " الْكَافِي "، وَله الْكتاب " الزَّاهِر "، و " كتاب فِي الْمَقْصُور والممدود ". وَله علم، وَرِوَايَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 عمره ثَمَان وَخَمْسُونَ سنة. تُوفي سنة سبع وَعشْرين ثَلَاثمِائَة. * * * وَلم يكن بعده إِمَام فِي علم نَحْو الْكُوفِيّين، مثل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 52 - أَحْمد بن يحيى ثَعْلَب لَهُ مصنفات فِي النَّحْو واللغة، مِنْهَا: كِتَابه " الفصيح " و " كتاب فعلت وأفعلت "، وَالْكتاب الْمَعْرُوف ب " المصون فِي النَّحْو "، وَكتاب " اخْتِلَاف النَّحْوِيين ". وَله علم كثير، وَرِوَايَة وَاسِعَة، وأمال جَيِّدَة. مولده سنة مِائَتَيْنِ. وَفَاته سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وَبَعْضهمْ يَقُول: تُوفي ثَعْلَب سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ. وَوجدت بِخَط أبي رَحمَه الله: عَاشَ ثَعْلَب خمْسا وَتِسْعين سنة. كَانَ رجل يكنى أَبَا عِيسَى، يغشى مجْلِس أَحْمد بن يحيى ثَعْلَب فيرفعه، فاعتل ثَعْلَب، فَلم يعده أَبُو عِيسَى، فَلَمَّا برأَ، وَعَاد إِلَى مجْلِس أبي الْعَبَّاس لم يرفعهُ، وَجلسَ حَيْثُ اسْتَقر بِهِ الْمجْلس، فَانْقَطع بعد ذَلِك عَن الْحُضُور، فَكتب إِلَيْهِ ثَعْلَب: إِخَاءُ أَبِي عِيسَى إخاءُ ابنِ ضَرَّةٍ ... وَوُدِّي لَهُ وُدُّ ابْنِ أمٍّ ووالِدِ فَمَا بَالُهُ مُسْتَعْذِباً مِن جَفَائِنَا ... مَوَارِدَ لَمْ تَعْذُبْ لَنا مِن مَوَارِدِ أَقَمْتُ ثَلاثاً حِلْفَ حُمَّى مُضَرَّةٍ ... فَلَمْ أَرَهُ فِي أَهْلِ وُدِّي وَعَائِدِي سَلاَمٌ هِيَ الدُّنْيَا قُرُوضٌ وَإِنَّمَا ... أَخُوكَ أخُوكَ المُرْتَجَى لِلشَّدَائِدِ وَخَبره مَعَ ابْن الْمُغيرَة مَشْهُور، فَلذَلِك تَرَكْنَاهُ. * * * وَكَانَ قبل ثَعْلَب: 53 - سَلمَة بن عَاصِم وَعنهُ أَخذ. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 و: 54 - أَبُو عُبَيْدَة ابْن قادم وَله " مُخْتَصر فِي النَّحْو ". واسْمه مُحَمَّد بن عبد الله بن قادم. وَيُقَال لَهُ الطُّوَال. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 55 - أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن سَعْدَان الضَّرِير لَهُ " كتاب كَبِير " فِي النَّحْو، و " مُخْتَصر صَغِير ". تُوفي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. * * * 56 - أَبُو مِسْحَل عبد الرَّحْمَن بن حَرِيش قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: روى أَبُو مسحل عَن عَليّ بن الْمُبَارك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 الْأَحْمَر، أَرْبَعِينَ ألف بَيت، يستشهد بهَا فِي النَّحْو. سُمع ثَعْلَب يَقُول: مَا نَدِمت على شَيْء كندامتي على ترك سَماع الأبيات الَّتِي يَرْوِيهَا أَبُو مسحل عَن الْأَحْمَر. * * * 57 - هِشَام بن مُعَاوِيَة الضَّرِير أَخذ علم النَّحْو عَن الْكسَائي. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 58 - عَليّ بن الْمُبَارك الْأَحْمَر كَانَ يُؤَدب الْأمين. قَالَ: قعدت مَعَه سَاعَة من نَهَار فوصل إليَّ فِيهَا ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم. * * * 59 - أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن زِيَاد الْفراء أوسع الْكُوفِيّين علما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 لَهُ كتب فِي الْعَرَبيَّة كَثِيرَة جدا، وَفِي الْقُرْآن كِتَابه مَشْهُور، وَكتبه فِي الْعَرَبيَّة يُقَال لَهَا الْحُدُود " حدُّ كَانَ " كتابٌ، " حدُّ الِاسْتِثْنَاء " كتابٌ، وَكَذَلِكَ كَانَ يصنع فِي أَبْوَاب الْعَرَبيَّة. وَله كتاب " الْمَقْصُور والممدود ". وَيُقَال: إِنَّه يَوْمًا لحن بَين يَدي الرشيد، فَقَالَ لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: طباع أهل البدو اللّحن، وطباع الْعَرَب الْإِعْرَاب، وَإِذا تحفظت لم أَلحن، وَإِذا تَكَلَّمت مُرسلاً رجعت إِلَى الطِّباع فَاسْتحْسن الرشيد قَوْله. وَكَانَ ابْتَدَأَ بإملاء " كِتَابه فِي الْقُرْآن "، سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَ يُملي مِنْهُ فِي يَوْمَيْنِ كل أُسْبُوع، وَفرغ مِنْهُ سنة خمس وَمِائَتَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وقرأت فِي " كِتَابه فِي الْمُذكر والمؤنث ": أَنْشدني يُونُس الْبَصْرِيّ: أَرَى رَجُلاً مِنْهُم أسِيفاً كأنَّمَا ... يضمُّ إِلي كَشْيَحيْهِ كَفًّا مُخَضَّبا قَالَ: وَإِنَّمَا ذكره لضَرُورَة الشّعْر. وتُوفي فِي طَرِيق مَكَّة سنة سبع وَمِائَتَيْنِ. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 60 - أَبُو الْحسن عَليّ بن حَمْزَة الْكسَائي أحد الْقُرَّاء السَّبْعَة. أَخذ علم النَّحْو عَن الرُّؤَاسِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 قَالَ الْمبرد: حَدثنِي الْمَازِني والتَّوَّزيُّ، أنَّ الْكسَائي كتب إِلَى أبي زيد: شَكَوْتَ إليَّ مَجَانِيَنُكْم ... فأشْكْو إِلْيكَ مَجَانِيَنَنَا فَإِنْ كَانَ أقْذَارُكُمْ قد نَمَوْا ... فَأقْذِرْ وأنْتِنْ بِمَنْ عِنْدَنَا فَلَوْلاَ الْمُعَافَاةُ كُنَّا كَهُمْ ... وَلَوْلاَ البَلاَءُ لكَانُوا كَنَا قَالَ أَبُو زيد: قدم الْكسَائي الْبَصْرَة، يَأْخُذ عَن أبي عَمْرو وَعِيسَى وَيُونُس علما كثيرا صَحِيح، فَلَمَّا خرج إِلَى بَغْدَاد، وَقدم أَعْرَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 الحطمة، وَأخذ عَنْهُم شَيْئا فَاسِدا، وخلط هَذَا بذلك، فأفسد. وَيُقَال: إِنَّه كَانَ مولى لبني أسدٍ. تُوفي هُوَ وَمُحَمّد بن حسن الشَّيْبَانِيّ فِي الريِّ، سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 فَقَالَ الرشيد: دفَنَّا الْعلم فِي الريِّ. وَله " تصنيف فِي الْقُرْآن "، وَغَيره. وَكَانَ يرى الإمالة. * * * 61 - معَاذ الهرَّاء قيل لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ يَبِيع الثِّيَاب الهروية. وَعنهُ أَخذ الْكسَائي. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 62 - أَبُو جَعْفَر الرؤاسيّ عَنهُ أَخذ جَمِيع الْكُوفِيّين علم النَّحْو، وَكَانَ أَخذه عَن عِيسَى بن عمر. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وَيُقَال: إِن أَبَا مُسلم، مؤدب عبد الْملك بن مران، لما سمع التصريف الَّذِي أحدثه النحويون لم يفهمهُ، وَقَالَ: قد كَانَ أَخْذُهُمُ فِي النَّحْوِ يُعْجِبُنِي ... حتَّى تعاطَوْا كَلَام الزَّنْج والرُّومِ لمَّا سَمِعْتُ كلَاما لستُ أُحْسِنُهُ ... كأنَّه زَجَلُ الغِرْبانِ والْبُومِ تَرَكْتُ نَحْوَهُمُ واللهُ يَعْصِمُنِي ... مِن التَّقَحُّم فِي تِلْكَ الْجَراِثيِمِ فَأَجَابَهُ معاذٌ الهراء: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 عايَنْتَها أمْرَدَ حتَّى إِذا ... شِبْت وَلم تْعرفْ أَبَا جادها سَمَّيْت من يَعْرِفُها جاهِلا ... تُصْدِرُها مِن بَعْدِ إيرادِها سَهَّل مِنْهَا كُلَّ مُسْتصْعَبٍ ... طَوْدٌ عَلاَ أقْران أطْوادِها * * * ذكر أَصْحَاب اللُّغَة: 63 - ثَابت بن أبي ثَابت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 أَخذ اللُّغَة عَن أبي عبيد، وَأحمد بن عبيد بن نَاصح. * * * 64 - أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام الْخُزَاعِيّ أَخذ عَن شُيُوخ أهل اللُّغَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وَله كتب كَثِيرَة، فِي فنون شَتَّى، فِي اللُّغَة؛ " غَرِيب المُصَنَّف "، و " كتاب قراءات "، وَكتاب " تَفْسِير غَرِيب الحَدِيث " و " كتاب فِي النَّاسِخ والمنسوخ "، و " كتاب فِي مَعَاني الشّعْر " غَيره مَا ذكرته. قَالَ عَبَّاس الخيَّاط: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 كنت مجتازا مَعَه، فعبرنا بِبَاب دَار إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْموصِلِي، فَقَالَ: مَا أَكثر علمه بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْه وَالشعر. فَقلت: إِنَّه يذكرك بضدِّ هَذَا. قَالَ: وَمَا ذَاك؟ قلت: ذكر أَنَّك صحَّفت فِي " المُصَنّف " نيفاً وَعشْرين حرفا. فَقَالَ: مَا هَذَا بِكَثِير، فِي الْكتاب عشرُون ألف حرف مسموعة يغلط فِيهَا بِهَذَا الْيَسِير. وَكَانَ يكْتب لَهُ عَليّ بن عبد الْعَزِيز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 وَولي الْقَضَاء بطرسوس. وتُوفي أَبُو عبيد سنة خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 65 - يَعْقُوب بن إِسْحَاق السّكيت روى عَن الْأَصْمَعِي، وَأبي عُبَيْدَة، وَالْفراء، وَغَيرهم من أهل اللُّغَة. وَكتبه جَيِّدَة صَحِيحَة نافعة، مِنْهَا: " إصْلَاح الْمنطق "، وَكتاب " الْأَلْفَاظ "، و " كتاب فِي مَعَاني الشّعْر "، و " كتاب الْقلب والإبدال ". وَلم يكن لَهُ نَفاذ فِي علم النَّحْو. فَكَانَ يمِيل فِي رَأْيه واعتقاده، إِلَى مَذْهَب من يرى تَقْدِيم أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 قَالَ أَحْمد بن عبيد: شاورني فِي منادمة المتَوَكل، فنهيته، فَحمل قولي على الْحَسَد، وَأجَاب إِلَى مَا دُعي إِلَيْهِ. قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْد المتَوَكل جَاءَ المعتز والمؤيد فَقَالَ: يَا يَعْقُوب، أَيّمَا أحب إِلَيْك ابناي هَذَانِ، أم الْحسن وَالْحُسَيْن؟ فغضَّ من ابنيه، وَذكر من الْحسن وَالْحُسَيْن عَلَيْهِمَا السَّلَام مَا هما أَهله. فَأمر الأتراك فداسوا بَطْنه، فحُمل إِلَى دَاره، فَمَاتَ بعد غَد ذَلِك الْيَوْم. وَكَانَ سنة أَربع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ. وَيُقَال: سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وَفِي هَذِه السّنة مَاتَ عَمْرو بن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ. وَقَالَ عبد الله بن عبد الْعَزِيز - وَكَانَ نهى يَعْقُوب عَن الاتَّصالِ بالمتوكل - فَذكره: نَهَيْتُك يَا يعقوبُ عَن قُرْبِ شَادِنٍ ... إِذا مَا سَطَا أرْبَى علَى كُلِّ ضَيْغَمِ فذُقْ واحْسُ مَا اسْتَحْسَيْتَه لَا أَقُول إِذْ ... عَثرْتَ لَعاً بلْ لِلْيَدَيْنِ ولِلْفَمِ * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 66 - أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن حبيب لَهُ كتب، مِنْهَا: " كتاب أفعل من كَذَا ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وَله اختيارات، وَرِوَايَة. * * * 67 - أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن زِيَاد الْأَعرَابِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 لَهُ رِوَايَة وَاسِعَة، وَكتاب ملقب ب " النَّوَادِر ". * * * 68 - اللحياني، عَليّ بن حَازِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 وَله " نَوَادِر " أَيْضا. * * * 69 - أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 اسْمه إِسْحَاق بن مرار. لَهُ كتاب مُلقب ب " النَّوَادِر " أَيْضا. عَاشَ مائَة وَثَلَاثًا وَسِتِّينَ سنة. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 70 - عبد الله بن مُسلم بن قُتَيْبَة لَهُ تصانيف كَثِيرَة فِي الْقُرْآن، وَغَيره، وَكتاب " أدب الْكَاتِب "، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وَكتاب " عُيُون الشّعْر "، وَكتاب " عُيُون الْأَخْبَار "، و " كتاب فِي الأنواء "، وَكتاب " المعارف "، وَكتاب " المُشْكِل ". تُوفي سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ، غُرَّة رَجَب، مِنْهَا. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 71 - أَبُو مُحَمَّد الْأمَوِي، عبد الله بن سعيد يروي عَنهُ اللُّغَة أَبُو عُبَيْدَة. * * * 72 - أَبُو عُبَيْدَة معمر بن مثنى التَّيْمِيّ أوسع النَّاس علما بأخبار الْعَرَب وأيامها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 وَله تصنيف كثير، من كتبه: " الْمجَاز " فِي الْقُرْآن، وَله " كتاب فِي غَرِيب الحَدِيث "، وَله " كتاب فِي ذكر أَيَّام الْعَرَب الْمَشْهُورَة "، وَله " كتاب العققة والبررة "، وَله كتاب " الأدعياء واللواحق ". وجدت بِخَط أبي، رَحمَه الله: عَاشَ أَبُو عُبَيْدَة سبعا وَتِسْعين سنة، وتُوفي سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ، عَن ابْن قُتيبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 قَالَ الْمبرد: كَانَ أعلم بِالنّسَبِ من الْأَصْمَعِي، وَكَانَ الْأَصْمَعِي أعلم بالنحو مِنْهُ. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 وَمن أهل الْكُوفَة: 73 - المُفضَّل بن مُحَمَّد بن يعلي الضَّبِّيُّ وَله اخْتِيَار من الشّعْر، الْمَعْرُوف ب " المفضليات ". وَيُقَال: إِنَّه لم يرو أحد من الْبَصرِيين، عَن أحد من أهل الْكُوفَة، إِلَّا أَبُو زيد، فَإِنَّهُ قَالَ: أَنْشدني الْمفضل: بَكَرَتْ تَلُومُكَ بعدَ وَهْنٍ فِي النَّدَى ... بَسْلٌ عليكِ مَلاَمَتِي وعِتَابِي * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وَمن الْبَصرِيين: 74 - أَبُو خَليفَة الْفضل بن حباب الجُمَحِي * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 75 - أَبُو مَالك عَمْرو بن كركرة * * * 76 - الْحُسَيْن بن الْحُسَيْن أَبُو سعيد السكرِي تُوفي سنة تسعين وَمِائَتَيْنِ. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 77 - عبد الرَّحْمَن بن عبد الله ابْن أخي الْأَصْمَعِي، روى عَن عَمه رِوَايَة كَثِيرَة، ويروى للأصمعي فِيهِ: ربِّ قد أَعْطَيْتَناهْ ... وهْو من شرّ عطَاءِ عَارياً يَا رَبِّ خُذْهُ ... فِي قَمِيصٍ ورِداءِ * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 78 - عبد الْملك الْأَصْمَعِي ابْن قريب بن عبد الْملك بن أصمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 وَيُقَال: إِن جده كَانَ فِيمَن بَعثه الْحجَّاج يتتبع الْمَصَاحِف الْمُخَالفَة للمصحف الَّذِي فِي أَيدي النَّاس يمحوها. وَقَالَ الشَّاعِر: .............. كَأَنَّهَا ... كتابٌ مَحاهُ الْباهِليُّ بنُ أَصْمَعَا وَهُوَ من باهلة، وَهِي قَبيلَة تعتمد بالهجاء. قَالَ عِيسَى بن إِسْمَاعِيل: رَأَيْت رجلا يقْرَأ على الْأَصْمَعِي، فيغلط فَلَا يُغير عَلَيْهِ، فَقلت لَهُ: مَالك لَا تُغيِّر عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: لَو علمت أَنه يفلح لغيرت عَلَيْهِ. قَالَ الْأَصْمَعِي: سَأَلَني شُعْبَة عَن " الثِّرَاب الوَذِمَة "، فَقلت: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 غلط، إِنَّمَا هِيَ " الوِذَام التَّرِبَة "، والوَذَم يكون شَيْء فِي بطن الشَّاة يسْقط إِلَى الأَرْض، فيتترب، فَيُقَال: وَذَمٌ تَرِبٌ، فينفُضُه القَصَّاب. ويروى من شعره: أيُّها المَغْرُورُ هلْ لَكْ ... عِبْرَةٌ فِي آلِ بَرْمَكْ عِبْرَةٌ لم تَرَها أنْ ... تَ وَلَا قَبْلُ أبٌ لَكْ ويروى أَنه سَأَلَ الْكسَائي بِحَضْرَة الرشيد، فِي قَول الشَّاعِر: قُتِل ابنُ عفَّانَ الخَلِيفةُ مُحْرِماً ... فَدَعَا فَلم أرَ مِثْله مخْذولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 فَقَالَ: كَانَ محرما بِالْحَجِّ. فَقَالَ الْأَصْمَعِي: فَقَوْل الآخر: قَتَلُوا كِسْرى بِليْلٍ مُحْرِماً ... فَتولَّى لم يُمتَّعْ بِكفنْ أَكَانَ محرما بِالْحَجِّ؟! فَقَالَ الرشيد: يَا عليّ، إِذا جَاءَ الشّعْر فإياك والأصمعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وَكَانَ الرشيد يُسَمِّيه شَيْطَان الشّعْر. عَاشَ إِحْدَى وَتِسْعين سنة. وتُوفي فِي شهر رَمَضَان، سنة سِتّ عشرَة وَمِائَتَيْنِ. وَقد رُوِيَ: سنة سبع عشرَة. وَقَالَ اليزيدي فِيهِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 وَمَا أَنْت هَل أنتَ إلاَّ امْرُؤٌ ... إِذا صَحَّ أصْلُكَ مِن بَاهِلَهْ ولِلْباهِلِيِّ علَى خُبْزِهِ ... كِتابٌ لآكِلِهِ الآكِلَهْ وَفِي باهلة يَقُول الآخر: فَمَا إنْ دَعَا اللهَ عَبْدٌ لَهُ ... فَخَاب ولَوْ كَانَ مِن بَاهِلَهْ ويروى لأبي الْعَتَاهِيَة، يرثيه: لَهَفِي لِفَقْدِ الأَصْمَعِيِّ لَقَدْ ثَوَى ... حَمِيداً لَهُ فِي كُلِّ صَالِحَةٍ قسْمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وَقد كَانَ نَجْماً فِي الْمَجَالِسِ بيْننا ... فلمَّا هَوَى مِن بيْنِنا أفل النَّجْمُ * * * 79 - أَبُو زيد سعيد بن أَوْس الْأنْصَارِيّ كَانَ يَقُول: إِذا قَالَ سِيبَوَيْهٍ: اخبرني الثِّقَة، فإياي يَعْنِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وَله مَوْضُوعَات فِي اللُّغَة: " النَّوَادِر "، و " كتاب الْهمزَة " ذكر أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد اليزيدي، قَالَ لي أَبُو زيد: عملته فِي ثَلَاثِينَ سنة. تُوفي سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ. وَوجدت بِخَط أبي، مُحَمَّد بن مسعر، رَحمَه الله: عَاشَ أَبُو عُبَيْدَة رَحمَه الله، سبعا وَتِسْعين سنة، وَكَذَلِكَ أَبُو زيد، يُقال: إِن عمره أَربع وَتسْعُونَ سنة. قَرَأت فِي " كتاب " خليق بِالصِّحَّةِ: تُوفي أَبُو زيد وَأَبُو عُبَيْدَة، رحمهمَا الله، سنة أَربع عشرَة وَمِائَتَيْنِ. * * * 80 - أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن بن دُرَيْد الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ مُتَأَخّر الْعَصْر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 لَهُ كتاب " الجمهرة " على حُرُوف المعجم، قَالَ بَعضهم يعِيبهُ: وهْوُ كتابُ الْعَيْنِ إلاَّ ... أنَّه قَدْ غَيَّرَهْ وَله كتاب " الِاشْتِقَاق "، وَكتاب " الملاحن ". وَله شعر كثير، مِنْهُ " الْمَقْصُور والممدود "، هِيَ مَشْهُورَة. أَخذ عَن بِي حَاتِم. وَبلغ ثَمَانِينَ سنة، وجازها. تُوفي سنة إِحْدَى وَعشْرين وثلاثمائة. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وَكَانَ أَخذ عَنهُ: 81 - أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن خالويه وَأخذ أَيْضا عَن أبي عمر مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الزَّاهِد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 وَورد ابْن خالويه إِلَى سيف الدولة ابْن حمدَان، إِلَى حلب، وانتشر لَهُ ذكر. وصنَّف كُتُباً. وتُوفي سنة سبعين وثلاثمائة. * * * ذكر الْفُقَهَاء: 82 - أَبُو حنيفَة: تُوفي أَبُو حنيفَة، رَحمَه الله، سنة خمسين وَمِائَة. ومولده سنة ثَمَانِينَ. * * * 83 - أَبُو يُوسُف، صَاحبه سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ، وَله سبع وَثَمَانُونَ سنة. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 84 - مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ. * * * 85 - ابْن أبي ليلى سنة ثَمَانِي وَأَرْبَعين وَمِائَة. * * * فِي هَذِه السّنة تُوفي: 86 - جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَلَيْهِ السَّلَام * * * قتل: 87 - عِيسَى بن مُحَمَّد سنة سبع وَخمسين وَمِائَة. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 88 - مَالك بن أنس مَاتَ سنة تسع وَسبعين وَمِائَة. * * * 89 - الشَّافِعِي، مُحَمَّد بن أدريس مَاتَ سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ. وَله أَربع وَخَمْسُونَ سنة. * * * 90 - أَحْمد بن حَنْبَل: سبع وَسَبْعُونَ. * * * ذكر القُرَّاء: تُوفِّيَ: 91 - نَافِع بن عبد الرَّحْمَن بن أبي نعيم الْمدنِي رَحمَه الله، سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 92 - عبد الله بن كثير يُكنى أَبَا معبد، رَحمَه الله، سنة عشْرين وَمِائَة. * * * 93 - مولى عمر بن عَلْقَمَة الْكِنَانِي، عَاصِم بن أبي النجُود الْكَلْبِيّ، رَحمَه الله تُوفي سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 94 - حَمْزَة بن حبيب الزَّيَّات تُوفي سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَة. * * * 95 - عبد الله بن عَامر، رَحمَه الله تُوفي سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَة. * * * أَبُو عَمْرو، وَالْكسَائِيّ. قد ذكرت وفاتهما، رحمهمَا الله، فِي جملَة مَا ذكرته فِي أَخْبَار النَّحْوِيين. * * * وَالْحَمْد لله حقَّ حَمده، حمداً يوافي نعمه، ويكافئ مزيده. وَصلى الله على رَسُوله، سيدنَا مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي، الطَّاهِر الرَّضيِّ، الزَّكيِّ المرضي، وعَلى آله وَصَحبه، وسلَّم تَسْلِيمًا كثيرا مُبَارَكًا طيبا، كَمَا يُحب رَبنَا ويرضى، وكما هُوَ أَهله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232