الكتاب: مرويات غزوة حنين وحصار الطائف المؤلف: إبراهيم بن إبراهيم قريبي الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1412هـ   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- مرويات غزوة حنين وحصار الطائف إبراهيم بن إبراهيم قريبي الكتاب: مرويات غزوة حنين وحصار الطائف المؤلف: إبراهيم بن إبراهيم قريبي الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1412هـ   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] المجلد الأول مقدمة ... شكر وتقدير الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله وحده تتحقق جلائل المهمات، وعليه وحده الاتكال في جميع الملمات، وبعد: فإني أشكر في هذه الكلمة أستاذي الدكتور أكرم ضياء العمري على جهوده الموفقة مع جميع أبنائه الطلاب عموماً، وعلى ما أولاني من بالغ عنايته، وشديد حرصه، وما قدمه لي من التوجيه والإرشاد، وغزير الفوائد العلمية من أجل إخراج هذا البحث على الوجه العلمي المطلوب، وهذا دأب شيخنا الكبير في إعانة تلاميذه بفوائده العلمية، وفرائده التوجيهية من الناحية الشكلية والموضوعية، وما كان يبخل بزمنه المليء بالأعمال العلمية المتعددة، ولا بتوجيهاته أو تنبيهاته على سهو غفلت عنه، أو غلط وقعت فيه، أو فكرة نادّة لم أكن متنبها لها. ولا أجد كلمة تفي بشكره، وتعبر عما تكنه نفسي له من عرفان بالجميل وتقدير لعطائه العلمي، غير أن الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - أرشدنا إلى ما يكون المناسب في مثل هذا المقام فقال: "ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه1 به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه" 2. وانطلاقاً من هذا المبدأ، فإني سأظل – إن شاء الله تعالى – داعياً له بالتوفيق وازدياد العلم النافع والعمل الصالح، والله - جل وعلا - يقول: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} 3. وأشكر القائمين على الجامعة الإسلامية الذين سعوا ويسعون جادّين لتيسير سبل طلب العلم الشرعي لأبناء العالم الإسلامي، وأسأل الله أن يعينهم على   1 سقطت النون في أكثر روايات هذا الحديث بلا ناصب ولا جازم، ولعلها سقطت تخفيفاً، وقد ثبتت في رواية الإمام أحمد. 2 أبو داود: السنن 1/389 كتاب الزكاة، باب عطية من سأل بالله عز وجل. والنسائي: السنن 5/61 كتاب الزكاة، باب من سأل بالله عز وجل. وأحمد: المسند2/68، 95 - 96، 99، 127 الجميع من حديث عبد الله بن عمر. وصححه النووي كما في رياض الصالحين ص605 حديث 1731. 3 سورة الكهف - آية: 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 مساعيهم الحميدة، وأن يجنبهم كل مكروه، وأن يزيد هذا الصرح العلمي الشامخ مزيداً من التقدم والازدهار مادياً وأدبياً في ظل هذه الحكومة المباركة التي تعنى بقضايا الإسلام والمسلمين في كل أنحاء المعمورة، ومن براهين عنايتها الفائقة بتضامن المسلمين وحل مشكلاتهم واتفاق كلمتهم دعمها لهذه الجامعة العلمية العظيمة بكل ما تحتاج إليه من وجوه الدعم المختلفة، ولا شك أن هذه الجامعة قد امتد نفعها وتأثيرها في العالم كله، ممّا يكون في ميزان حسنات هذه الدولة الرشيدة، بل ذلك من أكبر حسناتها، وأجلّ أعمالها التي يعود نفعها وخيرها على المسلمين جميعاً. فجزاهم الله خير الجزاء، وسدد خطاهم، ووفقهم إلى ما فيه تقدم المسلمين واستعادة مجدهم، وحقق لهم ما يصبون إليه من تضامن العالم الإسلامي على هدي الكتاب والسنة وسبيل سلف الأمة، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلاّ ما صلح به أولها. {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} ، [سورة العنكبوت، الآية: 69] . وفي ختام هذه الكلمة أتوجه بالشكر والتقدير على وجه العموم لكل من كان له مشاركة في إخراج هذا البحث، وأعانني عليه من جميع الأساتذة والإخوة الزملاء وغيرهم من الإخوة الفضلاء، شكر الله للجميع عونهم ودعمهم، وجزاهم الله خير الجزاء. والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على عبده ورسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين. والله الهادي إلى سواء السبيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 المقدِّمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فقد هيأ الله لي أن أكون من طلبة علوم السنة النبوية، وأن أسهم في دراسة السيرة النبوية الطاهرة، فكانت البداية أن تقدمت بدراسة غزوة (بني المصطلق) دراسة علمية متخصصة، أحسبها الأولى من نمطها في تجلية حقائق تلك الغزوة، وبيان أحداثها التاريخية، وعبرها وأحكامها، وغير ذلك ممّا له صلة بها، وكانت تلك أطروحتي لنيل شهادة العالمية (الماجستير) ، وكان لتلك التجربة - بالنسبة لي- صداها العميق في نفسي، حيث ارتبطت تَوَجُّهاتي العلمية بخدمة سيرة أحب الخلق إلى الله وأكرمهم عليه، تلك السيرة النقية الحقيقة بالحب والإكبار، الجديرة بالبحث العلمي الجادّ الذي يرسي حقائقها، وينفي عنها الزَبَد1 ليذهب جُفاء2 ويمكث ما ينفع الناس. ولن يتم ذلك إلا بعد التطواف العلمي الحثيث القائم على مناهج المحدِّثين وطرق تقويمهم للحديث النبوي الشريف، وصولاً إلى نتائج علمية محققة، ينتفع بها الدارسون لهذه السيرة العظيمة العطرة، ويزدادون اطمئناناً ويقيناً بهذا الجانب الخطير من جوانب حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم. وفي طليعة هذا التقديم أود أن أشير إلى أهم القضايا التي يحسن أن أتناولها فيه، وستكون على النحو الآتي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 أ - دراسة السيرة واجب إسلامي: إن إبراز مكانة السيرة النبوية، وإظهار عظمتها في العصر الحديث لهو من الأمور الضرورية في مواجهة تحديات هذا العصر المتكاثرة، ذلك أن عصرنا الحاضر يقوم على مناهج تربوية مؤثِّرة في صبغ الأجيال الصاعدة بصبغة جاهلية معاصرة، في الأعم الأغلب، وقد شمل هذا الفكر التربوي والأدبي أجيال المسلمين، وتغلغل في نفوسهم، واحتل مكان الصدارة في التوجيه والتأثير، وفقدت الأجيال - أو كادت - ثقتها لتراثها، واشتدت الهجمات القوية العنيفة على علوم الإسلام وحضارته، بما في ذلك التشكيك في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، مستغلين في ذلك بعض الروايات الضعيفة والحكايات الغريبة، والمبالغات الشاطحة، التي لم يقم عليها دليل، ولم يسندها عقل، ولم تثبت بنقل فكان لزاماً على الدارسين المختصين أن يولوا هذه السيرة الزكية بالغ اهتمامهم، جمعاً ودراسة وتمحيصاً وتحقيقاً مستندين في ذلك إلى قواعد المحدثين في الجرح والتعديل لكشف العلل الغامضة فيها، وبيان الصحيح من الضعيف في نصوصها. وإذا كان مصطلح الحديث قد طبق تطبيقاً رائعاً في تقويم الأحاديث النبوية والحكم لها أو عليها، من خلال دراسة الأسانيد والمتون، فإن ذلك لم يطبق مثله أو قريباً منه في دراسة السيرة النبوية وأحداثها وغزواتها، إلى غير ذلك من قضاياها العديدة. هذا جانب من جوانب دراسة السيرة. والجانب الآخر هو الجانب التحليلي المعاصر، الذي يعنى فيه الدارس بتجلية حقائق السيرة النبوية من الناحية الفكرية والتربوية والفقهية بأسلوب قوي أخّاذ, يهدف إلى تحبيب الناس في هذه السيرة، وترغيب الأجيال في الإقبال عليها والاقتداء بصاحبها العظيم عليه الصلاة والسلام، وإبراز جوانبها المشرقة، ووقفاتها المضيئة، وأشهد أنني لم أقم بشيء يذكر في هذا الجانب؛ لأن الأصل في بحثي تحقيق نصوص السيرة من الوجهة الحديثية الصرفة، ولأن الوقت لا يساعد على الجمع بين الحسنين، ولكني أقرر أن هذا واجب عظيم تجاه خدمة هذه السيرة المباركة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 ولا أنسى أن أنوّه1 بدراسة جيدة بدأت في هذا الجانب لبعض المهتمين بقضايا الدعوة الإسلامية في هذا العصر2، ولكن الأمر يحتاج إلى المزيد الذي يغطي جوانب هذه السيرة تغطية كاملة. وإغفال هذا الجانب التحليلي في دراسة السيرة النبوية خطأ جسيم في حق السيرة، وترك لواجب يفرضه الواقع المعاصر، وتقتضيه حاجة الأجيال الملحة. ب - كلمة عن السيرة وضرورة التكامل في دراستها: لفظ السيرة يراد به في اللغة: السنة والطريقة والهيئة، يقال: سار بهم سيرة حسنة، وسار في الناس سيرة حسنة أو قبيحة3. والسيرة على هذا تشمل في مدلولها اللغوي المنهج والطريقة التي يتبعها الراعي في رعيته، والرجل في أهله4. كما تطلق السيرة على الهيئة والحالة. وبتأمل إطلاقات العلماء للفظ السيرة، يظهر أن السيرة مرّت في مدلولها الاصطلاحي بتطورات علمية بارزة، فبالنظر في صنيع العلماء الذين عنوا بتسجيل غزوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسراياه، وما يتبع ذلك من شؤون الحرب بين المسلمين وأعدائهم في العهد الأول، مثل عروة بن الزبير وأبان5 بن عثمان بن عفان، ومحمد بن شهاب الزهري، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم.   1 نوهت بالشيء، ونوهته تنويهاً رفعته ونوهت باسمه، رفعت ذكره. (لسان العرب 17/442) 2 وذلك مثل: فقه السيرة للغزالي، وفقه السيرة للبوطي، والسيرة النبوية للندوي، والسيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة لأبي شهبة، ودراسة في السيرة للدكتور عماد الدين خليل، والسيرة النبوية دروس وعبر للدكتور مصطفى السباعي، وخاتم النبيين لمحمد لأبي زهرة، وسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمحمد عزة دروزة. ولكن الموضوع بحاجة إلى جهود أكثر. (لسان العرب لابن منظور 6/56) ، و (مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر الرازي ص 325) ، و (المصباح المنير لأحمد ابن محمد الفيومي 1/353) ، و (القاموس المحيط لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادي 2/54) . (دي الساري: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ص136) . 5 وفاته سنة (105هـ) . (التقريب 1/31) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 ثم من جاء بعدهم أمثال: موسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، وأبو معشر1 السندي، وشرحبيل2 بن سعد، والأربعة من تلاميذ الزهري، ثم محمد بن عمر الواقدي، ومحمد بن سعد، ثم المؤرخ العظيم الإمام الطبري، وغيرهم من أئمة السير والمغازي القدامى الذين هم الأصل في هذا العلم. يتبيّن للناظر في تآليفهم العلمية أنهم يخصون لفظ السيرة بالغزوات والسرايا في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وما يقع فيها من قضايا متعددة الجوانب، لذلك قال الفيومي: "وغالب اسم السيرة في ألسنة الفقهاء على المغازي"3. وهذا المدلول الاصطلاحي استمر في الأدوار التاريخية المتلاحقة فإذا أطلق هذا اللفظ انصرف الذهن إلى الغزوات والسرايا وما له صلة بها قبل المعركة وبعدها. وهناك مصادر أساسية جعلت السيرة بهذا المدلول جزءاً من موضوعاتها وبحوثها، مثل: "دلائل النبوة" للبيهقي، فقد ذكر مباحث السيرة في ثنايا عرضه لما يتصل بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم. وممّن جرى على هذا المنوال من المتأخرين: ابن سيد4 الناس في كتابه "عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير"، وأبو زكريا يحيى بن أبي بكر العامري في كتابه "بهجة المحافل وبغية الأماثل في تلخيص السير والمعجزات والشمائل"، وشهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني في كتابه "المواهب اللدنية بالمنح المحمدية"، فهذه الكتب جمعت بين الشمائل، وهي الصفات الخُلقية5 والخلقية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبين الدلائل وهي البراهين على صحة نبوته صلى الله عليه وسلم، وبين السرايا والمغازي التي تمت في حياته - صلى الله عليه وسلم - وهذا الصنيع أقرب إلى مدلول لفظ السيرة من الوجهة اللغوية، لأن السيرة في اللغة العربية تدور على معنيين:   1 أبو معشر السندي: هو نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني، مولى بني هاشم، مشهور بكنيته، توفي سنة (170هـ) . (التقريب 2/298) . 2 شرحبيل بن سعد، أبو سعد المدني، مولى الأنصار (ت123هـ) (التقريب 1/348) . (المصباح المنير 1/353) . 4 هو أبو الفتح اليعمري محمد بن محمد. 5 الخلق- بضم الخاء واللام وسكونهما-: الدين والطبع والسجية، وحقيقته أنه لصورة الإنسان الباطنة، وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها. والخلق- بفتح الخاء وسكون اللام-: صورة الإنسان الظاهرة وأوصافها ومعانيها. (النهاية لابن الأثير 2/70) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 الأول: الطريقة والمنهج والسنة المتبعة. والثاني: الهيئة والحالة والصفات الجبليّة1 والكسبية. وعلى هذا يمكن القول بأن مصطلح السيرة شامل لجميع ما يتصل بتطبيقات الرسول - صلى الله عليه وسلم - العملية للإسلام، وهذا المعنى العام يمكن أن يلحظه الباحث عند بعض العلماء الأجلاء مثل الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه العظيم (زاد المعاد في هدي خير العباد) فهو كتاب جامع لسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في السلم والحرب وفي العبادة والمعاملة، وفي بيته مع أهله وخدمه، ومع سائر الناس، فكان رصدا كاملا لجميع جوانب السيرة النبوية بالمعنى العام مع التحليل والاستنباط والمناقشة والتحقيق، وهي صفات أساسية في دراسة ابن قيم الجوزية رحمه الله، وهو وإن لم يجعل كتابه معنونا بالسيرة، إلاّ أن إدخاله للسيرة ضمن هديه - صلى الله عليه وسلم - المتعدد الجوانب يدل على نظرة دقيقة إلى مفهوم السيرة عنده، ممّا يشير إلى التدرج العلمي والفكري في مسالك العلماء المختلفة لمعالجة قضايا السيرة النبوية. وقد ذكر أئمة الحديث مباحث الغزوات والسرايا في جملة مصنفاتهم ولكن أئمة السير والمغازي الذين أفردوها بالتصنيف المستقل كانوا أكثر استقراء واستيعابا للمغازي والسير من غيرهم، لذلك صاروا أئمة في هذا الشأن يرجع إليهم فيه. ولا شك أن تتبع هذه المصادر المختلفة لاستخراج ما له صلة بغزوة من الغزوات يحتاج من الباحث إلى زمن كاف، وجهد متواصل في كتب التراث ودواوينه2 الواسعة، لأن مباحث السيرة النبوية لم تقتصر على كتب معينة خاصة بها. ومن هنا تكون مهمة الباحث المعاصر في هذا الميدان أن يتنبه لهذه الحقيقة العلمية، وأن يدرك اختلاف طرائق العلماء في تناول مباحث السيرة النبوية في تصانيفهم، وما طرأ عليها من إضافات وتضخيمات بمعزل عن الصواب والحق، ذلك   1 الجبلة - بكسرتين وتثقيل اللام -: الطبيعة والخليقة والغريزة بمعنى واحد. وجبله الله على كذا من باب قتل، فطره عليه. (المصباح المنير للفيومي 1/110-111) . والمراد بذلك الصفات التي فطر الله الإنسان عليها. والصفات الكسبية هي التي تأتي بالتمرن عليها ومعالجة الإنسان نفسه عليها. 2 جمع ديوان هو مجتمع الصحف، والكتاب يكتب فيه أهل الجيش ويجمع أيضا على دياوين، وأول من وضعه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. (القاموس المحيط 4/224) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 أن بعض المصادر المتأخرة لم تخل من إضافات تخالف الواقع التاريخي للسيرة النبوية، وتخالف روح الإسلام ونصوص القرآن والسنة، ممّا جعل السبيل ممهدة أمام المستشرقين وغيرهم أن يشككوا في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وقد اشتملت كتب الشمائل والتواريخ المتأخرة عن عهود التدوين – إلاّ القليل النادر منها – على تهاويل كثيرة تذكر قبل مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - زاعمين أنها إرهاصات1 لنبوته، وتذكر في أثناء مولده وبعد ولادته، وهي أخبار غريبة ومبالغات مرتجلة2 لا أساس لها من الصحة يجب تنقية السيرة منها، وبيان زيفها، وقد تلقفها جمهور المسلمين وتناشدوها في حفلات الموالد وسجلوها في أشعار المديح والإطراء للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكلها أخبار واهية، إما إسرائيليات وإما من نسج الخيال وإنشاء المداحين والقصاصين ومن على شاكلتهم، ولا شك أن مثل هذه الأساطير تفتح الباب أمام المغرضين من المستشرقين وأذنابهم لإنكار السيرة والحط منها والتشكيك في أحداثها الزاخرة، ومدلولاتها العظيمة، ومعطياتها المتعددة. إن الباحث المعاصر حري به أن يرجع إلى نمط من المصادر الموثقة للنقاد المعتمدين في علوم الإسلام، مثل كتب الحديث وكتب الرجال وكتب التواريخ المسندة، ومن ثمّ دراسة النص التاريخي للسيرة دراسة نقدية جادّة وفق الأصول والقواعد العلمية المقررة، وهذا النوع من الدراسة هو الكفيل بوضع الحق في نصابه في حوادث السيرة النبوية ودمغ أباطيل المتزيدين والمستكثرين، ومن ثمّ إقناع كل من له إنصاف وعقل بتلك الصفات المشرقة من حياة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -. إن المسلمين أحوج ما يكونون اليوم إلى معطيات سيرة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - في شتى مجالاتها المتنوعة. إن هذه السيرة النبوية حفظها الله للمسلمين ولم تحفظ سيرة نبي من الأنبياء كما حفظت سيرة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ولازال الباحثون إلى اليوم وإلى قيام الساعة يتمكنون من بيان هذه السيرة ودراستها ونفي الكذب عنها كما نُفي من حديثه - صلى الله عليه وسلم - رحمة من الله بهذه الأمة لتبقى لهم أعمال نبيهم وتطبيقاته وجميع تحركاته ونشاطاته المختلفة   1 قال محمد بن علي التهاوني: (الإرهاص) شرعا: قسم من الخوارق، وهو الخارق الذي يظهر من النبي قبل البعثة، سمي به لأن الإرهاص في اللغة بناء البيت، فكأنه بناء بيت إثبات النبوة (كشاف اصطلاحات الفنون 3/45) . 2 في (القاموس المحيط 3/382) : ارتجل الكلام: تكلم به من غير أن يهيئه، وبرأيه انفرد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 في السلم والحرب المرجع الذي يعودون إليه فيجدون فيه أنفاسه - صلى الله عليه وسلم - وإن كانت نفسه الشريفة قد فارقت الدنيا، ويقتدون بسيرته كما يتبعون سنته. ومن هنا وجب القيام بدراستها من الناحية النقدية الحديثية، ومن الناحية التحليلية التربوية بأسلوب معاصر وعرض جديد يقربها من لغة المثقف المعاصر، وهما واجبان متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر. وبهذا المنهج يمكن استدراك النقص الناجم عن الدراسات الإنشائية المرتجلة البعيدة عن التحقيق والبحث العلمي، كما يمكن تدارك الخلل الناجم عن الدراسة المتخصصة الدقيقة التي تبعد عن التحليل العلمي المعاصر، ولا تعنى بتقريب أحداث السيرة ونصوصها من فهم المثقفين المعاصرين، مما جعل كثيرا من الدارسين المعاصرين يعتمدون في دراستهم للسيرة على كتب المستشرقين ومن نحا نحوهم في كتابة السيرة بأسلوب العصر ولغته الأدبية وتحليلاته النفسية التربوية وفق مناهج غربية لا تخلو من تحامل وتشكيك في قضايا السيرة. وهذه الفجوة الخطيرة قد قامت محاولات1 جادّة لسدها ظهرت في صورة دراسات يغلب عليها طابع العصر في سرعة التناول وغلبة الارتجال ولكنها دراسات نافعة أفادت منها الأجيال المعاصرة، بيد أن الأمر يحتاج إلى ضرورة التكامل في دراسة السيرة. ج - سبب اختياري لغزوة حنين: كانت تجربتي الأولى في دراسة غزوة "بني المصطلق" تدفعني لمواصلة خدمة السيرة النبوية، وقد وقع اختياري على هذه الغزوة لبحث الدكتوراه استمرارا لهذا الاتجاه الذي أرجو أن يكون من صالح أعمالي الموفقة، كما أتمنى أن يكون عملا علميا نافعا في خدمة الغزوتين العظيمتين. وأود أن أجمل دوافع اختياري لغزوة حنين على وجه الخصوص في النقاط الآتية: 1- كثرة أحداث غزوة حنين وتشعب مروياتها وتعدد الجوانب العلمية لوقائعها التاريخية ومعطياتها الجليلة، ممّا جعلها - في نظري - جديرة بإفرادها بالدراسة   1 انظر ص 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 العلمية الوافية، لذلك اخترتها لبحث الدكتوراه عسى أن أفي بحقها وألم شعثها وأجمع متفرقها وأحقق نصوصها وفق المناهج العلمية المتبعة في نقد الروايات من الوجهة الحديثية. 2- تعد غزوة حنين آخر غزوات الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في جزيرة العرب، حيث لم تقم بعدها للوثنية العربية قائمة، وارتفع بعدها علم التوحيد عاليا في سماء الجزيرة العربية، وتهاوت ألوية الشرك، ودخل العرب جميعا بعد هذه الغزوة في دين الله أفواجا. وغزوة هذا شأنها، وهذه بعض معطياتها حقيقة بالدراسة المتأنية والتحقيق العلمي الجادّ، لذلك أجمعت أمري على خوض غمارها، ونقد مروياتها، وتجلية أحداثها واستقصاء جميع ما يتصل بها، بحسب الإمكان وفي حدود طاقتي العلمية المتواضعة. 3– تعددت الجوانب العلمية لهذه الغزوة فهي من جانب تشتمل على تدبيرات الرسول - صلى الله عليه وسلم - العسكرية والسياسية، وهي من جانب آخر جمعت بين الهزيمة للمسلمين في بادئ الأمر ثم كانت العاقبة لهم النصر والظفر بأعدائهم. وقد احتوت على عدد من المعجزات والدلائل على نبوته - صلى الله عليه وسلم -، وفيها أيضا قضايا متصلة بالعقيدة، وأحكام فقهية واسعة، إلى غير ذلك من المسائل العظيمة البارزة التي تحتاج إلى دراسة مستقلة متخصصة تستوعب هذه الجوانب العلمية وتفي بأطرافها الموزعة في المصادر العلمية الكثيرة. 4– الناظر في كتب التراث عامة يلحظ أن هذه الغزوة لم تحظ بدراسة علمية تجمع ما تفرق منها هنا وهناك، وتنسق موضوعاتها وفق الدراسة الموضوعية المتكاملة في أبواب وفصول ومباحث تنتظم جميع أحداثها ووقائعها التاريخية، لذلك رأيت أن أقوم بذلك الجمع العلمي لما تفرق، وبذلك الترتيب والتبويب لتلك الأحداث والوقائع المتصلة بهذه الغزوة – مع الدراسة النقدية – عسى أن يسد عملي هذا ثغرة علمية، وأن يضيف شيئا ذا بال في طريقة دراسة هذا الموضوع الخطير. والله الموفق والمستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 خطة البحث: سار هذا البحث على خطة رسمتها لنفسي بغية الإحاطة بأطرافه على الطريقة الآتية: 1 - المقدمة: وفيها افتتاحية، ووجوب دراسة السيرة، وكلمة موجزة عن السيرة، ومصادرها، وكيف يتم التكامل في دراسة السيرة النبوية. 2 – التمهيد: وفيه قضيتان: الأولى: التعريف بهوازن وثقيف وفيه: 1) نسب هوازن وثقيف. 2) تحديد مواقعهم وديارهم من الناحية الجغرافية. 3) صلتهم بقريش: أ - الصلة النسبية. ب- المصاهرة. جـ- تبادل المصالح المشتركة. 4) موقفهم من ظهور الإسلام ودعوته. 5) موقفهم من الصراع بين المسلمين وقريش. الثانية: تحركات المسلمين العسكرية: وفي هذه القضية التمهيدية تناولت ما يلي: 1) تجهيز سرية لهدم العزى. 2) بعث سرية أخرى لهدم مناة. 3) سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة. وكانت هذه السرايا الثلاث قبيل معركة حنين. وبعد هذا التمهيد الموجز رأيت أن يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 الباب الأول: في الحديث عن غزوة حنين وتحته أربعة فصول: الفصل الأول: في مقدمات غزوة حنين وفيه مبحثان: 1) سبب الغزوة. 2) الاستعداد للمعركة. الفصل الثاني: في المسير إلى حنين وفيه سبعة مباحث: 1) في تاريخ الغزوة. 2) تعيين الأمير على مكة. 3) عدد الجيش الإسلامي في هذه الغزوة. 4) استعداد هوازن العسكري. 5) تبشير الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالنصر وبيان فضل الحراسة في سبيل الله. 6) بقايا من رواسب الجاهلية. 7) بيان من قال في هذه الغزوة "لن نغلب اليوم من قلة". الفصل الثالث: في وصف المعركة وفيه أربعة مباحث: 1) سبب هزيمة المسلمين في بداية المعركة. 2) مواقف مريبة إثر انكشاف المسلمين في بادئ الأمر. 3) عدد الثابتين مع الرسول الله-صلى الله عليه وسلم-يوم حنين. 4) عوامل انتصار المسلمين في حنين. الفصل الرابع: ما أسفرت عنه معركة حنين من ضحايا وغنائم وفيه مبحثان: 1) خسائر المشركين في هذه الغزوة. 2) إصابات المسلمين في هذه الغزوة. الباب الثاني: ملاحقة فلول المشركين والأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك وفيه أربعة فصول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 الفصل الأول: تعقب الفارين نحو نخلة وأوطاس - وفيه ثلاثة مباحث: 1) التوجه إلى النخلة. 2) سرية أوطاس. 3) موقف شيماء وبجاد. الفصل الثاني: في غزوة الطائف – وفيه أربعة مباحث: 1) حصار الطائف. 2) ما صدر من التعليمات العسكرية للمسلمين في حصار الطائف. 3) عدد القتلى من الفريقين في غزوة الطائف. 4) فك الحصار عن الطائف والعودة إلى الجعرانة. الفصل الثالث: في تقسيم الغنائم – وفيه خمسة مباحث: 1) الفرق بين الغنيمة والفيء والنفل. 2) جفاء الأعراب وغلظتهم. 3) اعتراض ذي الخويصرة التميمي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قسم الغنائم. 4) في بيان حكمة توزيع الغنائم على قوم دون آخرين. 5) موقف الأنصار من توزيع الغنائم وخطبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيهم. الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف بعد المعركة – وفيه مبحثان: 1) في قدوم وفد هوازن إلى الجعرانة مسلمين. 2) في إيفاد ثقيف جماعة منهم إلى المدينة للتفاوض مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الباب الثالث: في بيان أبرز الأحكام المستنبطة من غزوة حنين – وفيه سبعة عشر حكما، وقد سردتها حكما بدون فصول ولا مباحث لعدم الحاجة الداعية لذلك: 1) جواز وطء المسبية بعد الاستبراء. 2) وقوع العزل في سرية أوطاس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 1) في بيان مسألة المتعة. 2) منع المخنثين من الدخول على النساء الأجنبية. 3) في النهي عن قتل النساء والضعفاء ومن في حكمهم. 4) العذر الذي يبيح ترك حضور صلاة الجماعة. 5) تعليم أبي محذورة الأذان. 6) إقامة الحد في دار الحرب. 7) الاستعانة بالمشركين. 8) العارية من حيث الضمان وعدمه. 9) قضاء الرسول - صلى الله عليه وسلم -. 10) في بيان نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم. 11) استحقاق القاتل سلب القتيل. 12) في بيان تحريم الفلول في الغنيمة. 13) المؤلفة قلوبهم. 14) بعض ما يجتنبه المحرم. 15) عمرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الجعرانة. أما الخاتمة فقد ضمنتها أبرز النتائج العلمية التي توصلت إليها من خلال دراستي لهذه الغزوة. منهجي في البحث: أريد أن أوضح طريقة عملي في دراسة هذه الغزوة والمنهج الذي سرت عليه في تناول مروياتها جمعا وتحقيقا ودراسة، مجملا ذلك في النقاط الآتية: 1- أول ما قمت به جمع المادة العلمية المتصلة بهذه الغزوة من مظانها في كتب التراث الواسعة ما بين مخطوط ومطبوع مع الإفادة في ذلك من الدراسات المعنية بسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قديماً وحديثا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 2- أتبعت ذلك بدراسة مرويات غزوة حنين معتمدا في ذلك على أسلوب المحدثين في نقدهم للروايات وفق قواعد الجرح والتعديل المقررة في مصطلح الحديث، وقد سلكت في ذلك الطريقة الآتية: أ- إذا كان الحديث في الأصول الستة أو أحدها1، فإني أصدر به الباب أو الفصل أو المبحث في الأغلب الأعم، ثم أراعي بعد ذلك الترتيب في إيراد الحديث أو الأثر بحسب الوفيات في الغالب أيضا. ب- لا أترجم لرواة الحديث الذي أخرجه الشيخان أو أحدهما؛ لأن رجالهما قد جاوزوا القنطرة، وأجمع العلماء بعدهما على توثيق رجالهما، وربما ذكرت الحديث أو جزءا منه مجردا عن الإسناد ما دام مخرجا في الصحيحين أو أحدهما. ?- ما كان من الأحاديث في غير الصحيحين أو أحدهما أقوم بدراسة إسناده وترجمة رواته والحكم عليه بما يستحقه صحة أو حسنا أو ضعفا. د - كان اعتمادي في التراجم ودراسة السند على تقريب التهذيب وتهذيب التهذيب لابن حجر، وإذا كان الرجل من غير رجال التقريب أو متكلما فيه ولو كان من رجاله، فإني أرجع إلى بقية كتب الجرح والتعديل غالبا لاستظهار ما يتصل بحقيقة الحال في أمره بحسب الإمكان. 3- بعد تلك الدراسة النقدية الحديثية قمت بما يلي: أ- ترقيم جميع الأحاديث الواردة في هذه الرسالة بأرقام متسلسلة. ب- تخريج الحديث عند أول إيراده في البحث ثم الإحالة إلى رقمه بعد ذلك إذا دعت الحاجة إلى إيراده مرة أخرى. وقد أذكر تخريجه عند أول وروده مقتصرا على بعض ممّن أخرجه، ثم أستوفي تخريجه في مكان لاحق لأنه ألصق بالموضع الذي ورد فيه متأخراً. ?- تقطيع المتن في أماكن مفرقة بحسب المناسبات المختلقة التي تدعو إلى ذلك.   1 الأصول الستة هي: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 رموز رجال الإسناد: سلكت في اختيار رموز رجال الإسناد مسلك الحافظ ابن حجر في كتابه "تقريب التهذيب"، وإليك بيانها: (خ) البخاري في صحيحه. (خت) البخاري في صحيحه معلقا. (بخ) البخاري في الأدب المفرد. (عخ) البخاري في خلق أفعال العباد. (ز) البخاري في جزء القراءة خلف الإمام. (ي) البخاري في رفع اليدين. (م) مسلم في صحيحه. (د) أبو داود في سننه. (مد) أبو داود في كتابه المراسيل. (صد) أبو داود في كتابه فضائل الأنصار. (خد) أبو داود في كتابه الناسخ والمنسوخ. (قد) أبو داود في كتابه القدر. (ف) أبو داود في كتابه التفرد. (ل) أبو داود في كتابه المسائل. (كد) أبو داود في كتابه مسند مالك. (ت) الترمذي في سننه. (تم) الترمذي في الشمائل. (س) النسائي في سننه. (عس) النسائي في مسند علي. (كن) النسائي في مسند مالك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 (ق) ابن ماجة في سننه. (فق) ابن ماجة في التفسير. (ع) للراوي الذي أخرج له أهل1 الكتب الستة. (عم) للراوي الذي أخرج له أهل2 السنن الأربعة3.   1 هم: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة. 2 هم: من عدا البخاري ومسلما. 3 أنظر: (تقريب التهذيب 1/7) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 تمهيد تمهيد بين يدي غزوة حنين وفي هذا التمهيد قضيتان: الأولى: التعريف بهوازن وثقيف، وفيه: 1) نسب هوازن وثقيف. 2) تحديد موقعهم وديارهم من الناحية الجغرافية. 3) صلتهم بقريش. الصلة النسبية، المصاهرة، المصالح المشتركة. 4) موقفهم من ظهور الإسلام ودعوته. 5) موقفهم من الصراع بين المسلمين وقريش. الثانية: تحركات المسلمين العسكرية قبل غزوة حنين، وفي هذه القضية: 1) هدم العزى. 2) هدم مناة. 3) سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 أوّلاً: التعريف بهوازن وثقيف 1 - نسب هوازن وثقيف: قبل الدخول في تفاصيل غزوة حنين وأحداثها، يحسن بنا إعطاء لمحة موجزة عن التعريف بهوازن وديارها التي كانت تقطنها فيها عند بزوغ فجر الإسلام، ومدى الصلة بينهم وبين قريش، وموقفهم من الدعوة الإسلامية قبل غزوة حنين، لنتبين مكانة هذه القبيلة وما كانت تتمتع به من قوة ومنعة. وإذا أفردنا الحديث عن هوازن فتدخل فيها ثقيف؛ لأنها فرع منها. وهوازن قبيلة من أعظم القبائل العربية وأكثرها خطرا، وهي من حيث القوة والعدد تضاهي قبائل غطفان النجدية الشهيرة. وهي قبيلة مضرية عدنانية يعود نسبها إلى قيس عيلان، وهي من أهمّ بطون قيس عيلان. وهوازن جد بطون متفرقة، وهو: هوازن بن منصور بن عكرمة ابن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان1. قال القلقشندي: "المشهور من قبائل العرب المستعربة الموجودين الآن خمس قبائل: الأولى2: نزار3، وهم بنو نزار بن معد بن عدنان.   1 ابن حزم: (جمهرة أنساب العرب ص 264، 266، 269) . وابن خلدون: (تاريخ ابن خلدون 2/307) . وباشميل: (غزوة حنين ص 200) . 2 والقبيلة الثانية: ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. والثالثة: خندف - بمعجمة ودال مهملة مكسورتين بينهما نون ساكنة -: وهم بنو إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، عرفوا بالنسبة إلى أمهم خندف امرأة إلياس. والرابعة: كنانة، وهم: بنو كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. والخامسة: قريش، وهم، بنو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. 3 نزار - بكسر نون وبزاي وراء -. (القلقشندي: قلائد الجمان ص 110، 129، 132، 134، 136) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 والمشهور من الموجودين من عقب نزار بطنان: البطن الأول1: مضر2، وهم بنو مضر بن نزار، ومنه تفرعت أكثر قبائل العدنانية. والمشهور من الموجودين من عقب مضر بن نزار فخذان: الفخذ الأول3: قيس بن عيلان4، وهو قيس بن عيلان بن مضر ابن نزار بن معد بن عدنان. والمشهور من الموجودين من الآن من فصائل قيس عيلان هوازن، وهي محل بحثنا. وهناك فصائل أخرى5. وقد بين ابن خلدون بتفصيل - بطون – هوازن فقال:   1 والبطن الثاني: هو ربيعة بن نزار، فقد ذكر بن قتيبة أن مضر وربيعة إليهما ينسب ولد نزار وهم الصريح من ولد إسماعيل عليه السلام. (المعارف ص29) . 2 مضر - بمضمومة وفتح ضاد معجمة - (ابن طاهر الهندي: المغني ص72) 3 والفخذ الثاني: هو إلياس بن مضر؛ لأن ولد مضر هما عيلان وإلياس. (ابن كثير: البداية والنهاية 2/199) . 4 قيس عيلان: بإضافة قيس إلى عيلان، وقيس - بفتح قاف ومثناة تحتية ثم سين مهملة -، وعيلان - بفتح مهملة وسكون تحتية ولام ثم نون - وليس في العرب (عيلان) بعين مهملة غيره. واسمه الناس - بالنون -. (القلقشندي: قلائد الجمان ص110) . و (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ص404) . وقال ابن حزم: وقال قوم: قيس بن عيلان، والصحيح: قيس عيلان (جمهرة أنساب العرب ص10) . 5 من هذه الفصائل: بنو غطفان بن معد بن قيس عيلان. وبنو سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان. وبنو عدوان بن عمرو بن قيس عيلان. (القلقشندي: قلائد الجمان ص110، 112، 115، 123، 128) . وانظر: ابن قتيبة: (المعارف ص36، 41) . وخليفة بن خياط: (كتاب الطبقات ص4، 53، 55، 130) . وابن هشام: (السيرة النبوية 1/14) . وابن حزم: (جمهرة أنساب العرب ص271، 272، 273) . وابن الأثير: (اللباب 2/328، 3/123) . وابن كثير: (البداية والنهاية 2/220) . وابن خلدون: (تاريخ ابن خلدون 2/334) . وكحالة: (معجم قبائل العرب 3/1231) . وباشميل: (غزوة حنين ص41) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 وأما هوازن بن منصور1: ففيهم بطون كثيرة يجمعهم ثلاثة أصول كلهم لبكر بن هوازن وهم: أ- بنو سعد بن بكر بن هوازن بن منصور. ب- بنو معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور. جـ- بنو منبه بن بكر بن هوازن بن منصور2. أ- فأما بنو سعد بن بكر بن هوازن، فمنهم أظآر3 النبي صلى الله عليه وسلم. ب- وأما بنو معاوية بن بكر بن هوازن، فمن ولده: صعصعة4 ابن معاوية، ونصر5 بن معاوية، وجشم6 بن معاوية، وعوف بن معاوية، وبنوه يسمون   1 ولمنصور من الولد غير هوازن: سليم بن منصور، ومازن بن منصور، وسلامان بن منصور. فولد سليم بن منصور: بهثة، وولد بهثة معاوية وعوفا والحارث، وثعلبة، وامرأ القيس. ومن بني امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور: بنو عصية بن خفاف ابن امرئ القيس الذين قتلوا القراء يوم بئر معونة، ودعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص263، 481. والنويري: نهاية الأرب 2/333، 341) . 2 ابن خلدون: (تاريخ ابن خلدون 2/309) . وابن حزم: (جمهرة أنساب العرب ص264) . والنويري: (نهاية الأرب 2/334- 335) . وكحالة: (معجم قبائل العرب 3/1231. وباشميل: (غزوة حنين ص41، 200) . 3 أظآر: جمع ظئر، والظئر - بالكسر - العاطفة على ولد غيرها المرضعة له في الناس وغيرهم، ويقع على الذكر والأنثى. (ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث 3/154. وابن منظور: لسان العرب 6/186. والفيروز آبادي: القاموس المحيط 2/80) . ومن بني سعد: حليمة بنت أبي ذؤيب، واسمه: عبد الله بن الحارث بن شجنة - بكسر فسكون - ابن جابر بن رزام - بكسر أوله - ابن ناصرة بن فصية بن نصر ابن سعد بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر ابن نزار بن معد بن عدنان. أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة، وزوجها والد رسول - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة - الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة ... إلخ. (ابن هشام: السيرة 1/160- 161. وابن عبد البر: الاستيعاب 4/270 مع الإصابة. وابن الأثير: أسد الغابة 7/67. والنويري: نهاية الأرب 2/334- 335. وابن كثير: البداية والنهاية 2/273. وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 2/319. وابن حجر: الإصابة 4/274) . 4 صعصعة - بصادين مهملتين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة ثم هاء. (القلقشندي: قلائد الجمان ص115) . 5 منهم مالك بن عوف النصري قائد المشركين في حنين. 6 منهم: دريد بن الصمة واسمه معاوية بن بكر بن علقمة بن خزاعة بن غزية بن جشم بن معاوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 الوقعة1، دخلوا في بني عمرو بن كلاب بن الحارث2. أما صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن: فمن ولده: عامر3 بن صعصعة، وفيه البيت والعدد4. ومرة5 بن صعصعة وهم بنو سلول. فولد عامر بن صعصعة: ربيعة، وفيه البيت والعدد. هلالا6. ونميرا. وسواءة7 وولد ربيعة بن عامر بن صعصعة: كلابا, وكعبا8, وعامرا, وكليبا9.   1 الوقعة: محركة - بطر من بني سعد بن بكر (ابن منظور: لسان العرب 10/290. والفيروز آبادي: القاموس المحيط 3/96) . 2 ابن حزم: (جمهرة أنساب العرب ص269- 270، 271، 272، 482) . وابن الأثير: (اللباب في تهذيب الأنساب 1/280) . والنويري: (نهاية الأرب 2/335- 336. ومجلة العرب ص818) . 3 عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن قبيلة كبيرة، منها: لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعصة العامري الشاعر المشهور صاحب المعلقة. (ابن الأثير: اللباب 2/306، وأسد الغابة 4/514. وابن كثير: البداية والنهاية 2/220. وابن حجر: الإصابة 3/326) . 4 البيت المراد به: الشرف والسناء والرفعة، والعدد: المراد به: الكثرة. (جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 12) . 5 مرة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، ويعرفون ببني سلول، نسبة إلى أمهم: سلول بنت ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاصط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار ابن معد بن عدنان. (خليفة بن خياط: كتاب الطبقات ص55. وابن حزم جمهرة أنساب العرب ص271.وابن الأثير: اللباب 2/131؟، 219) . 6 هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، ومنهم ميمونة أم المؤمنين ولبابة الصغرى أم الفضل وعبد الله ابني العباس، ولبابة الكبرى أم خالد بن الوليد، وهن: بنات الحارث بن حزم بن بجير بن هزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال. (ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص274. وابن عبد البر: الاستيعاب 4/398، 401، 404 مع الإصابة. وابن الأثير: أسد الغابة 7/253- 254، 272. وابن حجر: الإصابة 4/398، 401) . 7 سواءة - بضم السين وتخفيف الواو- منهم: جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب ابن حجير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة. (ابن الأثير: اللباب 2/152، وأسد الغابة 1/304) . 8 كعب وكلاب هم الذين تخلفوا عن غزوة حنين، وقال عنهم دريد بن الصمة: "غاب الحد والجد". وحضر حنينا من أولاد عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة: عوف بن عامر وعمرو ابن عامر، الذين قال عنهم دريد: "ذانك الجذعان من عامر لاينفعان ولا يضران". (سيرة ابن هشام 2/438) . (ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص280. والقلقشندي: قلائد الجمان ص116- 117. والنويري: نهاية الأرب 2/336 و338) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 - وأما منبه بن بكر بن هوازن: فولده: ثقيف1 - واسمه - قسي بن منبه بن بكر بن هوازن2. فولد ثقيف بن منبه: جشم وعوفا. فولد جشم بن ثقيف: حطيطا. فولد حطيط: مالكا3, وغاضرة. وولد عوف بن ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن: سعدا وغيرة4, ويعرفون بالأحلاف، وذلك أنهم تحالفوا على بني مالك، وصارت غاضرة مع الأحلاف. فثقيف فرقتان: بنو مالك بن حطيط بن جشم بن قسي - ثقيف - بن منبه بن بكر ابن هوازن.   1 ثقيف: بوزن أمير، وقسي بوزن غني. قال أبو عبيد: "سمي قسيا لأنه مر على أبي رغال وكان مصدقا - يعني جابيا للصدقات - فقلته، فقيل: "قسا قلبه، فسمي قسيا". (أنظر: ابن قتيبة: كتاب المعارف ص41. والزبيدي تاج العروس 10/294) . (ابن هشام: سيرة ابن هشام 1/14،47. وخليفة بن خياط: كتاب الطبقات ص53، 130. وابن قتيبة: كتاب المعارف ص41. وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص266، 468، 482. وابن الأثير: اللباب 1/240. وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 2/309. والنويري: نهاية الإرب 2/334. والفيروزآبادي: القاموس المحيط 3/121. والزبيدي: تاج العروس 6/51. وابن السعد: الطبقات 4/284. وباشميل: غزوة حنين ص200) . 3 من بني مالك بن حطيط: عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن الحارث بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسي، كان صاحب لواء المشركين يوم حنين، وقتل يومئذ كافرا. (ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص266. وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 2/309) . 4 غيرة: بكسر معجمة وفتح مثناة تحتية. (ابن طاهر الهندي: المغني ص59- 60) ومن بني غيرة: أبي بن شريق، ويعرف بالأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العزى بن غيرة بن عوف بن ثقيف الثقفي، يكنى أبا ثعلبة. كان حليفا لبني زهرة ومقدما فيهم، فلما خرجت قريش إلى بدر، أتاهم الخبر عن أبي سفيان بن حرب أنه قد نجا من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأجمعت قريش على إتيان بدر، أشار الأخنس على بني زهرة بالرجوع إلى مكة، وقال لهم: قد نجى الله عيركم التي مع أبي سفيان، فلا حاجة لكم في غيرها، فعادوا، فلم يقتل منهم أحد في بدر، وحينئذ لقب بلأخنس. (ابن الأثير: أسد الغابة 1/60) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 وبنو عوف وهم من الأحلاف1. هكذا ذكر علماء النسب وغيرهم أن ثقيفا فرع من هوازن القبيلة العدنانية الشهيرة. وقد ذكر الفيروزآبادي، وتابعه الزبيدي شارح القاموس بأن ثقيفاً من ثمود واستندوا إلى ما ورد عند أبي داود وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خرج إلى حنين مر بقبر فقال: "هذا قبر أبي رغال، وهو "أبو ثقيف وكان من ثمود" 2. والحديث عند أبي داود في النسخ الموجودة، وليس فيه: "أبو ثقيف، وكان من ثمود". وهذا نصّ الحديث عند أبي داود قال:   (ابن سعد الطبقات الكبرى 5/510- 511. وابن قتيبة: المعارف ص41. وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 2/309. وابن الأثير: أسد الغابة 1/168، 2/41. وأكرم ضياء العمري: في تعليقه على تاريخ خليفة بن الخياط ص97) . ومن الأحلاف: عروة بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد ابن ثقيف، لحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يصل إلى المدينة منصرفه من حصار الطائف فأسلم وعاد إلى قومه داعيا فقتلوه. وفي قول آخر أنه قدم المدينة بعد حجة أبي بكر الصديق. انظر حديث رقم (214) . ووهم ابن حزم فقال بأن الذي بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قومه داعيا هو: معتب بن مالك جد عروة بن مسعود. ومن الأحلاف أيضا: المغيرة بن شعبة، والحجاج بن يوسف الثقفي، والمختار بن أبي عبيد الثقفي الذي زعم أن جبريل يأتيه بالوحي. وقد ورد في صحيح مسلم 4/1971 كتاب الفضائل باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها (أن أسماء بنت أبي بكر رضي اله عنها قالت: "أما أن رسول الله حدثنا" أن في ثقيف كذابا ومبيرا "فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه ". قال النووي: "اتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا المختار بن أبي عبيد. وبالمبير: الحجاج بن يوسف". (شرح مسلم 5/608) . وانظر ابن حزم: (جمهرة أنساب العرب ص 267. وابن عبد البر: الاستيعاب 3/112. وابن الأثير: أسد الغابة 4/31-35، 5/247. وابن كثير: البداية والنهاية 8/289، 9/117. وابن حجر: الاصابة 2/277. وابن قتيبة: المعارف ص128، 173. وابن سعد: الطبقات الكبرى 5/503) . 2 أبو رغال: ككتاب: قال الجوهري والصنعاني: "كان دليلا للحبشة حين توجهوا إلى مكة، فمات في الطريق". وقال ابن سيدة: "كان عبدا لشعيب عليه الصلاة والسلام، وكان عشارا جائرا، فقبره بين مكة والطائف يرجم إلى اليوم". ورد الفيروزآبادي والزبيدي هذين القولين. وقال ابن منظور: "رأيت حاشية على هامش صحاح الجوهري ما صورته: أبو رغال اسمه زيد بن مخلف عبد كان لصالح النبي - عليه السلام -، بعثه مصدقا، وأنه أتى قوماً ليس لهم لبن إلا شاة واحدة، ولهم صبي قد ماتت أمه فهم يغذونه بلبن تلك الشاة، فأبى أن يأخذ غيرها، فقالوا له: "دعها نحابي بها هذا الصبي فأبى"، فيقال أنه نزلت به قارعة من السماء، ويقال: "بل قتله صاحب الشاة"، فلما فقده صالح عليه السلام قام في الموسم ينشد الناس فأخبر بصنيعه فلعنه، فقبره بين مكة والطائف يرجمه الناس. (ابن منظور: لسان العرب 13/310. والفيروزآبادي: القاموس المحيط 3/385- 386. والقسطلاني: المواهب اللدنية 1/166. والزبيدي: تاج العروس 7/348. والمباركفوري: تحفة الأحوذي 4/279. ومحمد شمس الحق العظيم آبادي: عون المعبود 8/346- 348) . وقال ابن بلهيد: قبر أبي رغال قبل أن تصل إلى "الزيمة" ترى جبالا يقال لها "ردوم الزيمة" وهي التي تعرف في التاريخ بقبر أبي رغال، وأقرب ما يكون لتلك المواضع موضع يقال له "ردام" (صحيح الأخبار 2/144) . قلت: "والزيمة" تقع في الطريق القديم بين مكة والطائف، قال ابن خميس: كان الطريق قبل بين "مكة" و"الطائف"، فإذا خرجت من مكة إلى الطائف تمر "بالشرائع"، فوادي "يدعان" -جدعان- فوادي "سبوحة" فقرية "الزيمة" فوادي "نخلة اليمانية" ... إلخ". غير أن ابن خميس وحمد الجاسر يريان أن قبر أبي رغال في المغمس وهو في طريق غير طريق "الزيمة". انظر: عبد الله بن محمد بن خميس: المجاز بين اليمامة والحجاز ص268، 391. وحمد الجاسر: التعليق على كتاب المناسك للحربي ص352-353. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 1- حدثنا يحيى1بن معين، أخبرنا وهب2 بن جرير، أخبرني أبي3 قال سمعت محمد4 بن إسحاق يحدث عن إسماعيل5 بن أمية، عن بجير6 بن أبي بجير قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا قبر أبي رغال، وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية   1 يحيى بن معين بن عون الغطفاني مولاهم، أبو زكريا البغدادي، ثقة حافظ مشهور، إمام الجرح والتعديل، من العاشرة (ت233) /ع (ابن حجر: التقريب 2/358، وتهذيب التهذيب 11/280-288) . 2 وهب بن جرير بن حازم بن زيد، أبو عبد الله الأزدي، البصري، ثقة من التاسعة (ت206) /ع (المصدر السابق 2/338، 11/161) . 3 هو جرير بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي، أبو النضر البصري، والد وهب، ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه، من السادسة (ت170) بعدما اختلط لكن لم يحدث في حال اختلاطه/ع (المصدر السابق 1/127، 2/69) . 4 محمد بن إسحاق بن يسار، أبو بكر المطلبي المدني، نزيل العراق، إمام المغازي صدوق يدلس، ورمي بالتشيع والقدر، من صغار الخامسة (ت150) ويقال بعدها /خت م عم (المصدرالسابق 2/144 و9/38-46) . 5 إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، ثقة ثبت، من الثالثة (ت144) وقيل قبلها /ع (المصدر السابق 1/67، 1/283) . 6 بجير بن أبي بجير - بجيمين مصغرا - حجازي، ويقال اسم أبيه سالم، مجهول من الثالثة /د (ابن حجر: التقريب 1/93) وفي تهذيب التهذيب (1/418) ، قال: "بجير ابن أبي بجير حجازي، روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص، روى عنه إسماعيل ابن أمية. روى له أبو داود حديثا واحدا في قصة أبي رغال". قال يحي بن معين: "لم أسمع أحدا يحدث عنه غير إسماعيل". قال ابن حجر: قلت: وكذا قال النسائي. وأما ابن المديني فقال: بجير بن سالم أبو عبيد روى عنه إسماعيل بن أمية وروح بن القاسم حديث أبي رغال، وهو من أهل الطائف مجهول لم يرو عنه غيرهما. قال أبو داود: حديث روح بن القاسم عن إسماعيل بن أمية عن بجير، لا عن بجير مباشرة، فتبين أنه ليس له راو غير إسماعيل بن أمية. وأما ابن أبي حاتم: فقد فرق بين بجير بن أبي بجير وبين بجير بن سالم فحكى عن أبيه أن بجير بن سالم يروي عنه يعلى بن عطاء، ولم يذكر لبجير بن أبي بجير راو غير إسماعيل. ثم ختم ابن حجر ترجمته بقوله: وذكره ابن حبان في الثقات، وجهله ابن القطان. وقال الذهبي: بجير بن أبي بجير لم يعرفه ابن أبي حاتم بشيء، وقال ابن معين: لم أسمع أحدا حدث عنه غير إسماعيل بن أمية، وصدق في ذلك. ثم قال: قلت: له حديث واحد انفرد ابن إسحاق به، ثم ساق حديث الباب من غير طريق أبي داود، وافق أبا داود في شيخه يحي بن معين، وقال: رواه أبو داود عن يحي بن معين فوافقناه بعلو. وهكذا قال المزي. (انظر: البخاري: التاريخ الكبير 2/139. وابن أبي حاتم: الجرح والتعديل 2/425. والمزي: تهذيب الكمال1/19. والذهبي: ميزان الاعتدال 1/197) . قلت: والذي يظهر لي أن بجير بن أبي بجير غير بجير بن سالم وذلك أن بجير بن سالم يروي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وبجير بن أبي بجير يروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص هذا الحديث الفرد وليس له غيره. وقد أورده المزي والذهبي في ترجمته. وقال ابن حجر: روى له أبو داود هذا الحديث الواحد في قصة أبي رغال عن عبد الله بن عمرو بن العاص. وفرق البخاري وأبو حاتم بينهما فجعلا بجير بن أبي بجير يروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وعنه إسماعيل بن أمية، وبجير بن سالم أبا عبيد يروي عن عبد الله ابن عمر بن الخطاب وعنه يعلى بن عطاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 ذلك1 أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه، فابتدره2 الناس فاستخرجوا الغصن" 3. والحديث أخرجه ابن حزم من طريق يحي بن معين، عن وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق به. ثم قال: هذا الحديث لا يصح، لأنه عن ابن بجير وهو مجهول4. وأخرجه إبراهيم الحربي والبيهقي كلاهما من طريق يزيد5 بن زريع، عن   1 وآية ذلك: أي علامة ذلك (ابن الأثير: النهاية 1/88) . 2 فابتدره الناس: أي تسابقوا إليه مسرعين (الفيروزآبادي: القاموس المحيط 1/369) . 3 أبو داود: (السنن 2/161) ، كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب نبش القبور العادية يكون فيها المال. 4 "المحلى 7/528"، وحصل خطأ في المحلى في مقامين: الأول: جعل ابن إسحاق يروي عن بجير بن أبي بجير مباشرة، وإنما يروي عنه بواسطة إسماعيل بن أمية، كما هو واضح في حديث أبي داود. والثاني: أنه كتب يحي بن أبي بجير، والصواب بجير بن أبي بجير. 5 يزيد بن زريع - بتقديم الزاي مصغرا- البصري، أبو معاوية، ثقة ثبت من الثامنة (ت182) /ع (ابن حجر: التقريب 2/364، وتهذيب التهذيب 11/325) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 روح1 بن القاسم، عن إسماعيل بن أمية، عن بجير بن أبي بجير، عن عبد الله بن عمرو قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما كنا عند قبر أبي رغال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا قبر أبي رغال، وكان امرأ كافرا، وكان من ثمود، وكان يسكن الحرم، وأنه خرج حتى إذا صار في هذا الموضع مات فدفنوه، ومعه غصن من ذهب، فاستخرجوه فابتدرنا فاستخرجناه". لفظ الحربي2. ولفظ البيهقي: "عن عبد الله بن عمرو أنهم كانوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر أو مسير فمروا بقبر فقال: هذا قبر أبي رغال كان من قوم ثمود، فلما أهلك الله قومه بما أهلكهم به منعه لمكانه من الحرم فخرج حتى إذا بلغ هذا المكان أو الموضع مات ودفن معه غصن من ذهب فابتدرناه فأخرجناه" 3. وأخرجه البيهقي أيضا من طريق أبي الأزهر4، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن إسماعيل بن أمية عن بجير بن أبي بجير قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم يقول حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا قبر أبي فلان وكان بهذا الحرم يدفع به عنه، فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه وجدتموه معه"، فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن. ثم قال: رواه أبو داود في السنن عن يحي بن معين، عن وهب بن جرير، وقال: "قبر أبي رغال"5.   1 روح بن القاسم التميمي العنبري، أبو غياث - بمعجمة وتحتانية خفيفة ثم مثلثة - البصري، ثقة حافظ من السادسة (ت141) /خ م د س ق. (المصدر السابق 1/254، 3/298) . 2 الحربي: (كتاب المناسك ص352- 353) . 3 البيهقي: (السنن الكبرى 4/156) . 4 هو أحمد بن الأزهر بن منيع، أبو الأزهر العبدي النيسابوري، صدوق، كان يحفظ ثم كبر، فصار كتابه أثبت من حفظه، من الحادية عشرة، (ت263) /س ق (ابن حجر: التقريب 1/10، وتهذيب التهذيب 1/11) . وقال أبو حاتم والذهبي: "صدوق". (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/41، وميزان الاعتدال للذهبي 1/82) . 5 البيهقي: (السنن الكبرى 4/156) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وأخرجه المزي والذهبي في ترجمة بجير بن أبي بجير، كلاهما من طريق أحمد1 ابن الحسن بن عبد الجبار، عن يحي بن معين، عن وهب بن جرير، عن أبيه به. ثم قالا: رواه أبو داود عن يحي بن معين فوافقناه2 بعلو. وزاد المزي: "وهذا حديث حسن عزيز"3. وأخرجه عبد الرزاق، عن معمر بن راشد، عن إسماعيل بن أمية مرسلا4. بلفظ: "هذا قبر أبي رغال رجل من ثمود" 5 والجواب عن هذا الحديث من وجوه: الأول: أنه ليس في حديث أبي داود في النسخ الموجودة بين أيدينا مع شروحها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف وكان من ثمود". وهو بهذا اللفظ عند المزي والذهبي. الثاني: أن هذا الحديث مداره على بجير بن أبي بجير ولا متابع له، وقد جزم   1 أحمد بن الحسن بن عبد الجبار بن راشد، أبو عبد الله الصوفي، روى عن يحي بن معين وغيره، وعنه جماعة. قال الدارقطني: ثقة (ت306) . (الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/82، 86. والذهبي: ميزان الاعتدال 1/91، و297. وابن حجر: لسان الميزان 1/151) . 2 الموافقة: هي أن يصل الراوي إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه مع علو إسناده على إسناد المصنف. وهنا قد وصل المزي والذهبي إلى شيخ أبي داود يحي بن معين بستة رواة، ولو روياه من طريق أبي داود لكان وصلا إلى يحي بن معين بسبعة، فقد وافقا أبا داود في شيخه مع علو إسنادهما عن إسناد أبي داود. (ابن حجر: نزهة شرح نخبة الفكر ص51. وأطيب المنح في علم المصطلح للعباد وعبد الكريم مراد ص50) . (المزي: تهذيب الكمال 1/19. والذهبي: ميزان الاعتدال 1/297) . 4 لعل إسماعيل كان يصل الحديث تارة، ويرسله أخرى. 5 انظر: (البداية والنهاية لابن كثير 4/137) . والحديث من مسند عبد الله بن عمرو بن العاص كما هو عند أبي داود وفي الأطراف للمزي 6/281 (حديث 8607) وذخائر المواريث للنابلسي 2/167 (حديث 4458) ، وجامع الأصول لابن الأثير 11/803 (حديث 9522) ، ووقع في القاموس المحيط للفيروزآبادي، وتاج العروس للزبيدي، وعون المعبود لمحمد شمس الحق العظيم آبادي، وتحفة الأحوذي للمباركفوري، وضعيف الجامع الصغير للألباني: عن ابن عمر ولعله ابن عمرو فسقطت الواو فصار ابن عمر. انظر: (القاموس3/385- 386. وتاج العروس 7/348. وعون المعبود 8/346. وتحفة الأحوذي4/279.وضعيف الجامع الصغير6/37- 38) ، (حديث 6095) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 ابن حجر وغيره: بجهالته، ورواية المجهول مردودة عند جماهير العلماء من أهل الحديث وغيرهم1. الثالث: أن ثمود من القبائل البائدة التي لم يبق لها عقب، ولذا كان الحجاج بن يوسف الثقفي إذا سمع من يقول بأن "ثقيفا" من بقايا ثمود يقول: كذبوا، قال الله تعالى: {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} ، [سورة النجمالآية: 51] ، أي أهلكهم الله ولم يبق منهم أحدا2. الرابع: لعل سبب نسبة "ثقيف" إلى ثمود هو ما ذكره ابن خلدون: من أن ثمود نزلت الطائف قبل وادي القرى3. قال: ومن ثم يقال: إن ثقيفاً من بقايا ثمود لكونهم نزلوا الطائف بعد ثمود4. الخامس: أن الذي عليه جمهور علماء النسب وغيرهم أن "ثقيفا" فرع من هوازن القبيلة الشهيرة كما تقدم5. السادس: أن هذا الحديث الوارد فيه أن "ثقيفاً" من ثمود لا تقوم به حجة لجهالة راويه "بجير بن أبي بجير"، وهي جهالة عينية ولا يعرف هذا الحديث إلاّ من طريقه، كما تقدم ذلك في ترجمته6. وأما تحسين المزي لهذا الحديث ففيه نظر، وقد عقب عليه ابن كثير بقوله: قلت: تفرد به بجير بن أبي بجير، ولا يعرف إلا بهذا الحديث، ولم يرو عنه سوى إسماعيل بن أمية.   1 ابن الصلاح: (المقدمة ص144 مع التقييد والإيضاح) . وابن حجر: (نزهة النظر ص39. والسيوطي: تدريب الراوي ص210) . 2 انظر: (الطبري: جامع البيان 27/78. وابن كثير: التفسير 4/259. والقلقشندي: نهاية الأرب ص198. والشوكاني: فتح القدير 5/117. وحمد إبراهيم الحقيل: كنز الأنساب ص149- 150) . 3 وادي القرى: هو واد بين الشام والمدينة وهو بين تيماء وخيبر، ووادي القرى والحجر والجناب منازل قضاعة ثم جهينة وعذرة وبلى، وكانت قديما منازل ثمود وعاد، وبها أهلكهم الله. (معجم البلدان لياقوت الحموي 4/338) . وقال عاتق بن غيث البلادي: الحجر هو رأس وادي القرى، تقع شمال مدينة العلا بقرابة (22) كيلا وشمال المدينة المنورة ب (322) كيلا. وأهله اليوم قبيلة عنزة. (معجم المعالم الجغرافية ص93) . (تاريخ ابن خلدون 2/310) . 5 انظر: ص: 28. 6 انظر: ص: 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 ثم نقل عن المزي نفسه ما يخالف تحسينه لهذا الحديث فقال: قال شيخنا المزي: فيحتمل أن بجير بن أبي بجير وهم في رفعه، وإنما يكون من كلام عبد الله بن عمرو من زاملته1. ثم قال ابن كثير: "لكن يشهد له حديث جابر بن عبد الله، وما رواه عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري مرسلا"، بلفظ "أبو رغال أبو ثقيف"2. وأورده ابن حجر عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، إلاّ أنه قال أبو رغال هو الجد الأعلى لثقيف3. قلت: والحديث من مراسيل الزهري ومراسيله ضعيفة عند العلماء4. ولا يحصل من هذا الأثر تقوية لحديث بجير بن أبي بجير، لأن الأثر ضعيف. وحديث بجير بن أبي بجير مختلف في وصله وإرساله ووقفه على عبد الله بن عمرو بن العاص5. مع جهالة بجير بن أبي بجير العينية. وقد قال ابن الصلاح: ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت، فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة. إلى أن قال: ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته6. وأما حديث جابر بن عبد الله الذي أشار إليه ابن كثير فليس فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أبو رغال أبو ثقيف"، وهذا سياقه لزيادة الإيضاح.   1 الزاملة البعير الذي يحمل عليه الطعام والمتاع، من الزمل: وهو الحمل. (ابن الأثير: النهاية 2/313) والمراد هنا حمل بعير من كتب العلم. وفي (تذكرة الحفاظ للذهبي 1/42) ، قال: "وكان عبد الله بن عمرو بن العاص أصاب جملة من كتب أهل الكتاب وأدمن النظر فيها، ورأى فيها عجائب". إهـ. (ابن كثير: البداية والنهاية 1/137) . 3 ابن حجر: (فتح الباري 6/381) . 4 انظر: السيوطي: (تدريب الراوي 124- 125) . 5 انظر ص 6 ابن الصلاح: (المقدمة ص50 مع التقييد والإيضاح) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 2- عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: لما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحجر قال: "لا تسألوا الآيات، وقد سألها قوم صالح فكانت1 ترد من هذا الفج2 وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها فكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون لبنها يوما، فعقروها فأخذتهم الصيحة أهمد الله عز وجل من تحت أديم3 السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله - عز وجل -، قيل: من هو يا رسول الله؟ قال: "هو أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه"4. قال ابن كثير: "وهذا الحديث على شرط مسلم، وليس هو في شيء من الكتب الستة. وقال في مكان آخر: إسناده صحيح ولم يخرجوه"5. وقال ابن حجر: رواه أحمد والحاكم عن جابر بإسناد حسن6. والخلاصة: أن حديث أحمد هذا: أ – لا توجد في متنه زيادة "وكان أبا ثقيف" فتبقى هذه الزيادة لا متابع لها وتكون بذلك ضعيفة مردودة، ويترجح القول بأن ثقيفاً ليس لها صلة نسبية بثمود. ب– حديث أحمد صريح في أن الله عز وجل أهلك قوم صالح ولم يبق منهم أحدا، بما فيهم أبو رغال، وأن الله أمهله مدة بقائه في الحرم، فلما خرج منه أصابه ما أصاب قومه، فكيف تكون ثقيف من بقايا ثمود، مع أن الحديث صريح في أن الله لم يبق منهم أحدا، كما أن الحديث صريح في ثبوت قصة أبي رغال وأنه من ثمود، وأما كون أبي رغال كان في الحرم وأنه لما خرج منه أخذه الله عز وجل، فهذا لا نزاع فيه، ويصلح أن يكون حديث أحمد مقويا لرواية "بجير بن أبي بجي" في هذه الجزئية.   1 فكانت: أي الناقة. 2 الفج: الطريق الواسع بين جبلين (الفيروزآبادي: القاموس المحيط 1/202) . 3 ما تحت أديم السماء: قال الفيروزآبادي: "أديم السماء والأرض: ما ظهر". (القاموس 4/73) . والمعنى: ما ظهر على الأرض منهم. أي أهلكهم. 4 أخرجه أحمد في (المسند 3/296) ، من طريق أبي الزبير المكي عن جابر وأخرجه الطبري في (جامع البيان 14/50) ، من طريق عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله. 5 ابن كثير: (البداية والنهاية 1/137، 5/11) . 6 فتح الباري (6/380-381) . وانظر الحديث في (المستدرك 2/567-568) ، وقال: صحيح على شرط مسلم، وسكت عنه الذهبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 3- وقد ورد عند الترمذي من حديث عبد الله بن عمر موقوفا أن رجلا من ثقيف طلق نساءه، فقال له عمر: لتراجعن نساءك أو لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال1. وأخرجه أحمد أيضا عن ابن عمر وسمى الرجل "غيلان". وهذا سياقه عن عبد الله بن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اختر منهن أربعا، فلما كان في عهد عمر طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر، فقال: إني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك، فقذفه في نفسك ولعلك أن لا تمكث إلاّ قليلاً، وايم الله لتراجعن نساءك ولترجعن في مالك أو لأورثهن منك، ولآمرن بقبرك فيرجم كما رجم قبر أبي رغال2. وأخرجه ابن ماجة عن ابن عمر أيضا إلى قوله: "أربعا"3. وأخرجه مالك عن الزهري بلاغا4. وقال جرير5 يهجو الفرزدق: إذا مات الفرزدق فارجموه ... كما ترمون قبر أبي رغال6 هذه نبذة موجزة عن التعريف بقبيلة هوازن وفروعها المتعددة، التي من جملتها ثقيف على الراجح من أقوال العلماء، وأنه لا ينهض دليل على القول بأن ثقيفا من بقايا ثمود.   1 الترمذي: (السنن 2/299) ، كتاب النكاح، باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده عشر نسوة. 2 أحمد: (المسند 2/14) . (سنن ابن ماجة 1/628) ، كتاب النكاح، باب الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة. (الموطأ 2/586) ، كتاب الطلاق، باب جامع الطلاق. 5 هو أبو حزورة جرير بن عطية بن حذيفة بن بدر بن سلمة التميمي الشاعر المشهور، كان من فحول شعراء الإسلام، وكانت بينه وبين الفرزدق مشادة ونقائض، وأجمعت العلماء أنه ليس في شعراء الإسلام مثل ثلاثة: جرير، والفرزدق، والأخطل. مات جرير سنة (111) ، وأما الفرزدق فهو أبو فراس همام بن غالب التميمي الشاعر المشهور، مات سنة (110) . (ابن خلكان: وفيات الأعين 1/321، 326، 6/86، 97) . 6 ابن منظور: لسان العرب 13/310. وانظر: (معالم مكة التاريخية والأثرية لعاتق بن غيث البلادي ص116) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 ثانياً: ديار هوازن وثقيف: تقع مواطن هوزان ما بين غور تهامة1 إلى ما والى بيشة وناحية السراة، والطائف وذي المجاز وحنين وأوطاس وما صاقبها من البلاد. هذه مواطن هوزان "الأم" من حيث الجملة. ومواطن فروعها الرئيسية يمكن بيانها على النحو الآتي: 1- بنو منبه "ثقيف" كانوا يسكنون سراة الطائف، وسراة الطائف غورها مكة المكرمة، ونجدها ديار هوزان من عكاظ2   1 الغور هو: كل ما انحدر سيله مغربا، وما انحدر سيله مشرقا فهو نجد. وتهامة: ما بين ذات عرق إلى مرحلتين من وراء مكة، وما وراء ذلك من المغرب فهو غور، وما وراء ذلك من مهب الجنوب فهو السراة إلى تخوم اليمن. وقيل: الغور وتهامة واحد. والخلاصة أن ما سال من جبال السروات مشرقا فهو نجد، وما سال مغربا حتى يفسخ الجبال فهو الحجاز، وما خلف الجبال إلى البحر فهو تهامة. والسراة: سلسلة جبلية على نسق واحد من أقصى اليمن إلى بلاد الشام، وهي الجبال المطلة على تهامة مما يلي اليمن، وهي الحاجزة بين نجد وتهامة.. وهي ثلاث سروات: سراة ثقيف، ثم سراة فهم وعدوان، ثم سراة الأزد. وذو المجاز: موضع سوق بعرفة على ناحية كبكب على فرسخ من عرفة، كانت تقوم في الجاهلية ثمانية أيام. قال ابن بليهد: وهو واقع في واد المغمس إذا قطعت وادي الشرائع المعروف وأنت قاصد مكة أتيت وادي المغمس في الطريق على يسارك فإذا حاذيت كبكب فهو هناك، فيه آثار قديمة لا تزال ماثلة إلى هذا العهد، وفيه بئر باقية إلى هذا العهد بقال لها "ذو المجاز". انظر: ياقوت: (معجم البلدان 2/137، 3/204، 4/216-217، 5/55، 261-262. وابن منظور: لسان العرب19/106.وابن بليهد: صحيح الآثار عما في بلاد العرب من الأخبار 2/50. وابن خميس: المجاز بين اليمامة والحجاز ص216-217، 276، 284. والبلادي: نسب حرب ص349-350. والحربي: كتاب المناسك ص532-538) . 2 عكاظ: قال ياقوت: عكاظ - بضم أوله، وآخره ظاء معجمة - اسم سوق من أسواق العرب في الجاهلية، وكانت قبائل العرب تجتمع بعكاظ في كل سنة ويتفاخرون فيها ويحضرها شعراؤهم ويتناشدون ما أحدثوا من الشعر ثم يتفرقون. وعكاظ: نخل في واد بينه وبين الطائف ليلة وبينه وبين مكة ثلاث ليال، وبه كانت تقام سوق العرب بموضع منه يقال له الأثيداء. وبه كانت أيام الفجار، وكانت هناك صخور يطوفون بها ويحجون إليها. قال الواقدي: عكاظ بين نخلة والطائف، وذو المجاز خلف عرفة، ومجنة بمر الظهران وهذه أسواق قريش والعرب ولم يكن فيه أعظم من عكاظ. قالوا: كانت العرب تقيم بسوق عكاظ شهر شوال ثم تنتقل إلى سوق مجنة فتقيم فيه عشرين يوما من ذي القعدة، ثم تنتقل إلى سوق ذي المجاز فتقيم فيه أيام الحج. (معجم البلدان 4/142) . وأورد ابن خميس أقوال العلماء قديما وحديثا حول تحديد عكاظ. ثم قال: والذي أستخلصه من مجموع تلك الأقوال في تحديد "عكاظ"، أنه يقع في متسع من الأرض يحده من الجنوب: ملتقى وادي شرب بوادي عرج الأخيضر والعبيلاء، ومن الغرب: جبال الصالح وجبال مدسوس ومدفع وادي المهيد. ومن الشمال: الشظفا والخلص ومشرفة وماءة المبعوث. ومن الشرق: الدار السوداء والحرة، فيما بين هذه الأعلام يقع سوق عكاظ وهي تشكل شكلا مستطيلا لا يتجاوز طوله من الجنوب إلى الشمال أربعة أكيال، ومن الغرب إلى الشرق كيلين. وهذا التحديد يدخل الأنصاب - الحجارة - المنصوبة التي تدعى الآن "بالمرزز"، كما أن هذه المنطقة هي مدفع ثلاثة الأودية: العرج والشرب والمهيد. (المجاز ص239-242) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 والفتق1 - أي الأرض الواقعة شرق الطائف على مقربة منه -2. والموجودون الآن من ثقيف عدة بطون منها: أ- بطن النمور وهم سكان الهدى ووادي المحرم. ب- بطن طويق ومنهم الجعيدات والفضل والعبدة والحمران وغيرهم. ?- بطن سفيان: ومنهم العسران والخضرة وغيرهم3. 2- بنو سعد: وهم الذين استرضع فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولا تزال فروعهم إلى الآن يسكنون أطراف السراة الواقعة شرق الطائف وجنوبه. 3- بنو معاوية الذين منهم مالك بن عوف النصري قائد هوازن في حنين، ودريد بن الصمة الجشمي4. فإنهم منتشرون حاليا في شمال الطائف مثل وادي   1 الفتق - بضم أوله وثانيه وفي آخره قاف -: قرية بالطائف. وقيل الفتق - بفتح الفاء وسكون التاء - من مخاليف الطائف. (ياقوت: معجم البلدان 4/235) ووصفها حمد الجاسر بما يدل على أنها تقع شرق الطائف (التعليق على كتاب المناسك للحربي ص645) 2 حمد الجاسر: سراة غامد وزهران ص356، 433. والمجاز بين اليمامة والحجاز ص278. 3 حمد إبراهيم الحقيل: كنز الأنساب ص149- 154. وفؤاد حمزة: قلب جزيرة العرب ص134- 135. وكحال: معجم قبائل العرب 1/147- 148. 4 وفي مجلة العرب: والناس الآن ينطقون (جشم) قثمة بالثاء والنسبة إليه قثامي (محمد سعيد حسن كمال: مجلة العرب ص817- 819. وابن خميس: المجاز بين اليمامة والحجاز ص242) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 السيل – قرن المنازل1 - وأعالي وادي العقيق2 وما يقرب من هذه الأمكنة3 والموجودون الآن من بني نصر ثلاثة بطون: وهم: شعيث، وحسيكة، وآل موسى. والموجودون من بني جشم حاليا: الدوانية، والخلد، والعمامرة4. هذه كلمة موجزة عن موطن هوازن "الأم" وأجنحتها الرئيسية، وبعض القبائل الموجودين منهم حاليا، وأرجو أن تكون الخارطة التي بين يدي القارئ ضمن هذه الرسالة كافية في توضيح وتحديد أماكن هذه القبائل. والله أعلم.   1 قرن المنازل: هو السيل الكبير وهو قرن الثعالب، ويحرم منه أهل الطائف، وأهل نجد وأهل الكويت، ويبعد عن مكة (80) كيلا. (عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام: تيسير العلام 1/501- 502. وحمد الجاسر: التعليق على كتاب المناسك للحربي ص 353، 614، 645. وابن خميس: المجاز بين اليمامة والحجاز ص 268، 270، 272) . 2 العقيق: هنا هو عقيق الطائف يمر بشمالي الطائف وينحدر مما يلي جبل "الغمير" (ابن خميس: المجاز بين اليمامة والحجاز ص265. وحمد الجاسر: التعليق على كتاب المناسك للحربي ص411) . 3 حمد الجاسر: (سراة غامد وزهران ص484- 485) . وذكر ياقوت: أن من مساكنهم (البوباة) وهي تقع في أعالي نخلة اليمانية (معجم البلدان 1/506) . قال محمد سعيد حسن كمال: "وقد حرف اسم البوباة إلى البهيتاء" (مجلة العرب ص817- 818) . وحمد الجاسر: (التعليق على كتاب المناسك للحربي ص353) . 4 محمد سعيد حسن كمال: (مجلة العرب ص817- 819) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 رسم توضيحي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 رسم توضيحي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 ثالثاً: صلة هوازن وثقيف بقريش: إن صلة هوازن وثقيف بأهل مكة المكرمة صلة عريقة, تتمثل فيما يأتي: 1- الصلة النسبية: إذ أن كلاً من هوازن وقريش يلتقون في مضر. وهو الجد السادس لهوازن, والسابع لقريش على قول. وذلك أن هوازن: هو: هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة ابن قيس بن عيلان بن مضر. وقريش: هو: فهر1 بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. هذا على القول بأن "فهراً" هو قريش. وأمّا على قول من ذهب إلى أن قرشاً هو "النضر" فيكون مضر هو الجد الخامس لقريش2.   1 فهر: بكسر الفاء وسكون الهاء. والنضر: بفتح النون وسكون الضاد المعجمة. وكنانة: بكسر الكاف وبنونين بينهما ألف وأولهما خفيفة. وخزيمة: بلفظ التصغير. ومدركة: اسم فاعل من الإدراك. (محمد بن طاهر الهندي: كتاب المغني: ص27, 66, 70, 79) . 2 ابن هشام: (سيرة ابن هشام 1/1, 93. وابن قتيبة: المعارف ص31, 51. وابن سعد: الطبقات الكبرى 1/55. والطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/262. وابن حزم: جوامع السيرة ص4، وابن الأثير: اللباب3/112.والكلاعي: الاكتفاء1/24. وابن كثير: البداية والنهاية 2/200-201. والقلقشندي: قلائد الجمان ص:8, 14, ونهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ص397. وابن حجر: فتح الباري 6/528, 7/163) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وعلى كل حال سواء أكان قريش هو "فهراً" أم "النضر". فإن الذي يهمنا هو أن هوازن قبيلة عدنانية تلتقي مع قريش في مضر, ممّا يتوضح1 به قوة الصلة النسبية بين هوازن وقريش التي تفرعت منها قبائل مكة المكرمة, وهذه الصلة لها قيمتها لدى القوم لأنها إحدى مفاخرهم، التي كانوا يفتخرون بها. 2 – المصاهرة: كان كثير من رؤساء مكة ووجهائهم متزوجين من قبائل هوازن, وكان بعض رجال هوازن متزوجين أيضا عند المكيين، مما يؤكد قوة الصلة والترابط بين هوازن وأهل مكة، فهي صلة قوية في النسب والمصاهرة وتبادل المصالح المشتركة بين الفريقين. وممن صاهر هوازن من المكيين: أ – رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد تزوج – من بني عبد الله بن هلال - ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية. ب– وكان العباس بن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، متزوجا بأختها لبابة الكبرى بنت الحارث وهي أم ولديه عبد الله والفضل - رضي الله عنهم -. ?- وكان الوليد بن المغيرة آخذا أختها الثانية لبابة الصغرى بنت الحارث، وهي أم خالد بن الوليد - رضي الله عنه -. د– وكان صخر بن حرب آخذا عمتها صفية بنت حزن، وهي أم أبي سفيان بن حرب والد أم المؤمنين أم حبيبة. ?- وكان أبوجهل متزوجا عند بني عبد مناف بن هلال، وهي أم جميل بنت مجالد بن عبد مناف بن هلال، وهي أم عكرمة بن أبي جهل - رضي الله عنه -2.   1 يتوضح: يتبين (القاموس المحيط 1/255) . 2 خليفة بن خياط: (كتاب الطبقات ص4، 10، 20) . وابن حزم: (جمهرة أنساب العرب ص273، 274) . وابن عبد البر: (الاستيعاب 4/398، 401، 404) ، مع (الإصابة) . وابن الأثير: (أسد الغابة 7/253، 254، 272، 2/109) . وابن حجر: (الإصابة 4/398، 411) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وممن تزوج عند المكيين من فروع هوازن: أ- عروة بن مسعود الثقفي، فقد تزوج بزينب بنت أبي سفيان بن حرب، وهي أخت أم المؤمنين أم حبيبة. ب- وكانت أمه من قريش كذلك، فقد كان أبوه مسعود بن متعب1 الثقفي متزوجا بسبيعة2 بنت عبد شمس بن عبد مناف. ?- وكان عبد الله بن عثمان الثقفي متزوجا بأم الحكم بنت أبي سفيان بن حرب. 4- وفي صحيح البخاري: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كانت أم الحكم بنت أبي سفيان تحت عياض بن غنم3 الفهري، فطلقها فتزوجها عبد الله بن عثمان الثقفي"4. هذه نبذة يسيرة تبين قوة الترابط بين قبائل هوازن وقبائل مكة المكرمة، ولقد قويت هذه الرابطة حتى كان بعض رجال هوازن له الكلمة المسموعة لدى قريش، فقد كان الأخنس بن شريق الثقفي حليفا لبني زهرة، وقد أشار عليهم بعدم حضور معركة بدر الكبرى فأطاعوه، فكان في ذلك سلامة لأرواحهم وحمد على ذلك. وموقف عروة بن مسعود الثقفي في صلح الحديبية يشهد بما كان لقبائل هوازن من المكانة عند القرشيين، فقد ذكر البخاري - رحمه الله - موقف عروة بن مسعود هذا في قصة صلح الحديبية فقال: 5- قام عروة بن مسعود فقال: "أي قوم، ألستم بوالد5؟ قالوا: بلى، قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى، قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون أني   1 معتب: بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر المثناة الفوقية الثّقيلة. 2 سبيعة: بالتصغير. (ابن طاهر الهندي: المغني ص38، 73) . 3 غنم - بفتح الغين المعجمة وسكون النون. (ابن طاهر الهندي: المغني ص59) . 4 البخاري: (الصحيح 7/42 كتاب الطلاق، باب نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن. وانظر: ابن سعد: الطبقات الكبرى 8/240. ابن عبد البر: الاستيعاب 4/445 مع الإصابة. وابن الأثير: أسد الغابة 7/131، 320. وابن حجر: الإصابة 2/344، 4/316، 443) . 5 قال هذا لكون أمه منهم فهم كالوالد له، وهو كالولد لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 استنفرت أهل عكاظ فلما بلَّحوا1علي جئتكم بأهلي وولدي، ومن أطاعني؟ قالوا: بلى، قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة2 رشد اقبلوها" الحديث3. فكان عروة أحد المفاوضين مع قريش في هذا الصلح. تلك مكانة قبائل هوازن لدى المكيين الذين كانوا محل عناية واحترام عند سائر قبائل العرب بحكم أنهم سكان بيت الله الحرام وحجابه وأهل سقايته، فكانت هذه المزية إحدى أسباب احترام قريش وتقديرها من قبائل العرب الأخرى. 3- تبادل المصالح المشتركة: لقد كانت الصلات قوية بين أهل مكة وأهل الطائف، تجمع بينهم روابط قوية من المصالح المشتركة، فالأسواق العربية الكبرى4 كانت تقوم في المنطقة الواقعة بين مكة والطائف في ديار هوازن فيستفيد منها الجميع، كما كانت الطائف تسد النقص الذي تعاني منه مكة المكرمة، وهو افتقارها إلى الزراعة مع شدة حرارة جوها في فصل الصيف، وكانت الطائف خصبة التربة تنمو فيها الفواكه والزروع المختلفة، إلى جانب جوها اللطيف في فصل الصيف لقيامها على قمة جبل غزوان5، وتحف بها وديان كثيرة تسيل فيها المياه عند سقوط الأمطار، وحولها عيون وآبار كثيرة6. لذلك كانت الطائف مصيف أهل مكة المكرمة.   1 بلّحوا: بالموحدة وتشديد اللام المفتوحتين ثم مهملة مضمومة، أي امتنعوا وأبوا. (ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث1/151. وابن حجر: فتح الباري 5/339) . 2 خطة رشد: بضم الخاء المعجمة: أي عرض عليكم أمرا واضحا في الهدى والاستقامة. (ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث 2/48) . 3 البخاري: (الصحيح 3/170) ، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب. 4 من أشهرها: سوق عكاظ (انظر ياقوت: معجم البلدان 4/142. وابن خميس: المجاز ص239- 242. وعبد القدوس الأنصاري: بين التاريخ والآثار ص37- 44. وسعيد الأفغاني: أسواق العرب ص333. وباشميل: غزوة حنين ص46) . 5 جبل غزوان: هو الجبل الذي تقع عليه مدينة الطائف. 6 انظر: (ياقوت: معجم البلدان 4/9-11.والسهلي: الروض الأنف7/263-264. وابن حجر: فتح الباري 8/43.والبلادي: نسب حرب ص367.وابن خميس: المجاز ص254-255، 257، 264-265.وباشميل: غزوة حنين ص200-202) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وكان للأغنياء من أهل مكة بها بساتين وزروع، فكان لعتبة وشيبة ابني ربيعة1 بستان في الطائف، وهو الذي لجأ إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن خرج من الطائف طريدا عندما ذهب يطلب نجدتهم بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجه خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها -2. وكان للعباس بن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مال بالطائف، كرم كان يحمل زبيبه إلى مكة فينبذ فيسقى به الحجاج وكان ذلك دأبه في الجاهلية والإسلام، ثم كان عبد الله بن عباس يفعل مثل ذلك، ثم كان عليّ بن عبد الله بن عباس يفعل مثل ذلك3. وكان لأبي سفيان بن حرب مال بالطائف أيضا يسمى "ذا الهرم"4 وكان لعمرو بن العاص مال بالطائف يسمى "الوهط"5. قال ياقوت: "وهو كرم كان على ألف ألف خشبة شرى كل خشبة بدرهم، وكان أكداس الزبيب في وسط البستان كأنها حرار سود، ثم صار هذا البستان لابنه عبد الله بن عمرو بن العاص بعد وفاة عمرو بن العاص - رضي الله عنهم -. وكان أهل مكة يستهلكون كثيرا من أعناب الطائف ورمانها ويجلبون منها الزبيب والأدم"6. كما كان الثقفيون يشاركون في قوافل مكة التجارية، وكان كثير من رجالهم حلفاء للقرشيين، وقد بلغ بعضهم مبلغ السيادة في البطون القرشية، كالأخنس بن شريق حليف بين زهرة الذي كان مسموع الكلمة فيهم مطاعا.   1 قتل عتبة وربيعة يوم "بدرالكبرى" على كفرهما. (سيرة ابن هشام 1/420) . 2 المصدر السابق 1/709. (الواقدي: المغازي 2/838) . 4 ذو الهرم: بفتح الهاء وإسكان الراء وميم. (الواقدي: المغازي 3/971. وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/500. والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 4/9) . ووقع في زاد المعاد "ذو الهدم" بالدال المهملة وهو خطأ. 5 الوهط: بفتح أوله وسكون ثانيه، وطاء مهملة. (ياقوت: معجم البلدان 5/386. والذهبي: تذكرة الحفاظ 1/42، وسير أعلام النبلاء 3/89. وابن خميس: المجاز بين اليمامة والحجاز ص255- 256) . 6 الأدم: بضم الهمزة والدال: جمع أديم وهو الجلد. (الفيروزآبادي: القاموس المحيط 4/73) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وقد أشارت بعض الآيات القرآنية إلى ما بين مكة والطائف من ترابط، وأنهم كانوا يماثلون أهل مكة قوة وجاها1، قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [سورة الزخرف، الآية: 31] 2. هذه لمحة موجزة عن مدى الصلة والترابط الذي كان بين مكة ورجال هوازن وثقيف، وهي تتمثل في النسب والمصاهرة والمصالح المشتركة. وأحسب أن هذه اللمسات تعطي صورة واضحة عن الصلات القوية والروابط المتينة بين القبيلتين الكبيرتين: قريش وهوازن.   1 انظر: (دور الحجاز في الحياة السياسية العامة لأحمد إبراهيم شريف ص23- 24) . 2 ويريدون بالقريتين: مكّة، والطّائف، وبالرّجل: الوليد بن المغيرة بمكّة، وعروة بن مسعود الثقفي بالطّائف، وقيل: غير ذلك مما جاء في تفسير هذه الآية. انظر: ابن كثير 4/126-127. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 رسم توضيحي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 رسم توضيحي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 رسم توضيحي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 رسم توضيحي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 رابعاً: موقف هوازن وثقيف من ظهور الإسلام ودعوته: يمكن أن يتحدد هذا الموقف في الأمور الآتية: أ – رفض دعوة التوحيد، ويرجع ذلك إلى تغلغل رواسب الوثنية في نفوس القوم وحبهم للأوثان واعتزازهم بتقاليدهم وعاداتهم الجاهلية بوجه عام. وقد واجهوا دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالعداء والكراهية الشديدة. ب – كان لرفض قريش الإسلام أثر بالغ في نكول كثير من القبائل العربية الأخرى عن الإسلام لما وقر في نفوس العرب جميعا من تعظيم هذا الحي من قريش؛ لأنهم سدنة البيت الحرام وحجاب الكعبة وأهل الحرم، وهم قوم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلما حاربوا دعوته ورفضوا ما جاء به، رفض غيرهم دعوته وقالوا: "القوم أدرى بصاحبهم"، وكانت قريش نفسها تقول ذلك منفرة من دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "نحن أعلم بصاحبنا لو كنا نعلم ما يقول حقا لتبعناه:، فحين شاهدت قبائل هوازن وثقيف ذلك الموقف العدائي من أهل مكة، وهم قوم الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأقربون، رفضوا دعوته وقالوا: "أترون أنّ رجلاً يصلحنا وقد أفسد قومه ولفظوه". وسوف أورد الآثار الدالة على ذلك منها: 6- ما رواه الإمام أحمد بإسناد حسن من طريق عبد الرحمن1 ابن خالد بن أبي جبل العدواني، عن أبيه2، أنه أبصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مشرق ثقيف وهو قائم على   1 قال ابن حجر: روى عن أبيه وله صحبة، وعنه عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي. قال الحسيني: مجهول. ثم عقب ابن حجر بقوله: قلت: صحح ابن خزيمة حديثه، ومقتضاه أن يكون عنده من الثقات. (تعجيل المنفعة ص166) . 2 هو خالد بن أبي جبل - بالجيم والباء الموحدة - ووقع "جيل" بالجيم والمثناة التحتية الساكنة، العدواني: بفتح المهملتين، الطائفي، يقال إنه بايع تحت الشجرة. له هذا الحديث الواحد أخرجه أحمد وابن أبي شيبة وابن خزيمة في صحيحه، والطبراني وابن شاهين، كلهم من طريق عبد الله بن الرحمن الطائفي عن عبد الرحمن بن خالد بن أبي جبل العدواني عن أبيه. ثم قال ابن حجر: وفرق ابن حبان بين خالد بن جبل العدواني وخالد بن أبي جبل الثقفي، ووهم في ذلك. (تعجيل المنفعة ص76، والإصابة 1/402- 403، والاستيعاب 1/414- 415 مع الإصابة، وأسد الغابة 2/91- 92) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 قوس – أو عصا – حين أتاهم يبتغي عندهم النصر قال: فسمعته يقرأ: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} ، [سورة الطارق، الآية: 1] ، حتى ختمها. قال: فوعيتها في الجاهلية وأنا مشرك ثم قرأتها في الإسلام، قال: فدعتني ثقيف فقالوا: ماذا سمعت من هذا الرجل؟ فقرأتها عليهم، فقال من معهم من قريش: "نحن أعلم بصاحبنا، لو كنا نعلم ما يقول حقا لتبعناه"12. والحديث رواه البخاري في تاريخه، والطبراني في معجمه، كلاهما من طريق عبد الرحمن بن خالد، عن أبيه به3. قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني، وعبد الرحمن ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه أحد4، وبقية رجاله ثقات5. 7- ما رواه البخاري من طريق أيوب6، عن أبي قلابة، عن عمرو بن سلمة قال7: قال لي أبو قلابة: ألا تلقاه فتسأله؟ قال: فلقيته فسألته فقال: كنا بماء ممر8 الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم: ما للناس، ما للناس؟ ما هذا الرجل9؟   1 2 أحمد: (المسند 3/335) . 3 البخاري: (التاريخ الكبير 3/138- 139) . والطبراني: المعجم الكبير 4/234- 235. 4 وقد عرفت أن الحسيني قال عنه: " مجهول" وصحح ابن خزيمة حديثه. (مجمع الزوائد 7/136. وانظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/229) . 6 أيوب: هو ابن أبي تميمة السختياني. وأبو قلابة: هو عبد الله بن زيد الجرمي. وعمرو بن سلمة - بكسر اللام- ابن قيس الجرمي، صحابي صغير. (ابن حجر: التقريب 2/71، وفتح الباري 8/23) . 7 قوله: "قال لي أبو قلابة" هو مقول أيوب، والضمير في "تلقاه" يعود على عمرو ابن سلمة، أي قال أبو قلابة لأيوب: ألا تلقى عمرو بن سلمة فتسأله. (ابن حجر: فتح الباري 8/23) . 8 "ممر" يجوز في ممر الحركات الثلاث. 9 قوله: "ما هذا الرجل" أي يسألون عن النبي - صلى الله غليه وسلم - وعن حال العرب معه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 فيقولون: "يزعم أن الله أرسله، أوحي إليه، أو أوحى الله بكذا1، فكنت أحفظ ذلك الكلام، وكأنما يغرى2 في صدري، وكانت العرب تلوم3 بإسلامهم الفتح فيقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر4 أبي5 قومي بإسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي - صلى الله عليه وسلم حقاً -"6 الحديث. والحديث رواه أبو داود، والنسائي، وأحمد7. وأخرجه الحاكم ثم قال: قد روى البخاري هذا الحديث عن سليمان بن حرب مختصرا فأخرجته بطوله ووافقه الذهبي8. لقد كانت هوازن وثقيف من جملة القبائل العربية التي تنتظر بإسلامها قبائل مكة المكرمة وقد وقفت إلى جانب قريش تحارب الإسلام وتناصبه العداء.   1 وقوله: "أوحي إليه أو أوحى الله إليه بكذا" يريد ما كانوا يخبرونه به مما سمعوه من القرآن. 2 قوله: "وكأنما يغرى في صدري" بضم أوله وبغين معجمة مفتوحة وراء ثقيلة، أي يلصق بالغراء، ورجحها عياض. وفي رواية الكشميهني: "يقر" بضم أوله وفتح القاف وتشديد الراء، من القرار. وفي رواية عنه: "يقرى" بزيادة ألف مقصورة، من التقرية: أي يجمع. وللأكثر "يقرأ" بهمز من القراءة. (فتح الباري 8/23) . 3 "تلوم" بفتح أوله واللام وتشديد الواو تنتظر، وإحدى التاءين محذوفة. (المصدر السابق 8/22) 4 بدر: أي سبق قومه بالإسلام. 5 هو: سلمة بن قيس:، ويقال: ابن نفيع، ويقال غير ذلك - الجرمي - بفتح الجيم وسكون الراء - البصري، صحابي، له وفادة، وما له سوى هذا الحديث، وهو والد عمرو بن سلمة. (ابن حجر: التقريب 1/319، وتهذيب التهذيب 4/154، وفتح الباري 8/23) . 6 البخاري: الصحيح 5/124 كتاب المغازي، باب وقال الليث: حدثني يونس ... الخ، وتمام الحديث: "فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلوا كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا، فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني، لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت عَلَيَّ بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا عنا است قارئكم، فاشتروا، فقطعوا لي قميصا، فما فرحت بشيء فرحي بذلك". 7 أبو داود: السنن1/138- 139 كتاب الصلاة، باب من أحق بالإمامة. والنسائي: السنن 2/9 كتاب الأذان، باب اجتزاء المرء بأذان غيره في الحضر. و55 كتاب القبلة، باب الصلاة في الإزار و26- 36 كتاب الإمامة، باب إمامة الغلام قبل أن يحتلم. وأحمد: (المسند 5/30) . (المستدرك 3/47) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 8- فقد ورد في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كُلال1، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق2 إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم عليّ ثم قال: يا محمد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين3، فقال النبيصلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا 4.   1 قوله: "ابن عبد يا ليل" بتحتانية وبعد الألف لام مكسورة، ثم تحتانية ساكنة ثم لام، و"ابن عبد كلال" بضم الكاف وتخفيف اللام وآخره لام، واسمه كنانة. والذي في المغازي أن الذي كلمه هو عبد يا ليل نفسه. وعند أهل النسب أن عبد كلال أخوه لا أبوه، وأنه عبد يا ليل بن عمرو بن عمير بن عوف، ويقال اسم عبد يا ليل: مسعود، وله أخ أعمى له ذكر في السيرة في قذف النجوم عند المبعث النبوي. وكان عبد يا ليل من أكابر أهل الطائف من ثقيف. (ابن حجر: فتح الباري 6/315) . انظر سيرة ابن هشام 1/419. 2 قوله: "فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب" أي لم أفطن لنفيسي ولم أنتبه لحالي إلا وأنا بقرن الثعالب لكثرة همي الذي كنت فيه. وقرن الثعالب: هو قرن المنازل وهو ميقات أهل نجد، ويقال له الآن وادي السيل. (فتح الباري 6/315. والنووي: شرح مسلم 4/438) . 3 الأخشبان: بالمعجمتين، هما جبلا مكة أبو قبيس والذي يقابله، وكأنه قُعَيْقِعَان. وقال الصاغاني: "بل هو الجبل الأحمر الذي يشرف على قعيقعان، ووهم من قال: هو ثور كالكرماني، وسميا بذلك لصلابتهما وغلظ حجارتهما، والمراد بإطباقهما أن يلتقيا على أهل مكة، ويحتمل أن يريد أنهما يصيران طبقاً واحداً". ابن حجر: (فتح الباري 6/316) . وقال عبد الله بن خميس: أما أخشبا مكة فهما (أبو قبيس) و (قعيقعان) وما يتصل من الجبال المشرفة على مكة غربا وشرقا. (المجاز بين اليمامة والحجاز ص322) . 4 البخاري: (الصحيح 4/91 كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء ... الخ، 9/95 كتاب التوحيد، باب وكان الله سميعاً بصيراً) . ومسلم: (الصحيح 3/1420 كتاب الجهاد والسير) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغشى الناس في أسواقهم ومنتدياتهم، يعرض عليهم دعوته ويطلب من ينصره حتى يبلغ رسالة ربه فلم يجد أذنا واعية، وما يأتي أحدا من تلك القبائل إلا قال: قوم الرجل أعلم به، أترون أن رجلا يصلحنا وقد أفسد قومه ولفظوه1. 3 – بعد فتح مكة ودخول أهلها في الإسلام أوجست قبائل هوازن خيفة من الإسلام وأهله ولم يدعهم ذلك إلى التفكير في الدخول فيه أو مهادنته، بل فخر القوم بجموعهم المتكاثرة وبأسهم الشديد وشجاعتهم الباسلة، فأخذوا يعدون عدتهم ويحشدون قواهم لمهاجمة المسلمين، وبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم خبرهم وما يبيتون من كيد ووقيعة بالمسلمين فبادرهم بالهجوم قبل أن يهاجموه وكانت وقعة حنين الشهيرة كما سيأتي تفاصيلها. خامساً: موقف هوازن من الصراع بين المسلمين وقريش: لم تشر المصادر التي بين أيدينا إلى أن هوازن اشتركت مع قريش في معاركها التي خاضتها ضد المسلمين، لا في بدر الكبرى ولا في غيرها من الغزوات، كما أن هوازن أيضا لم تساند قريشا في فتح مكة عندما داهمهم الجيش الإسلامي المسلح، رغم اتحادهم في المبدإ والغاية وهو عداوة الإسلام وأهله، ولعل السبب في ذلك يعود إلى: أ– ما انتشر وذاع في ربوع هوازن من أن خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة كان قاصدا هوازن أولا. يؤيد هذا ما ساقه الطبري في هذا الصدد، فقال: وكان من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر المسلمين هوازن: 9 - ما حدثنا علي2بن نصر بن علي الجهضمي، وعبد الوارث3 ابن عبد الصمد بن عبد الوارث.   1 ابن كثير: (البداية والنهاية 3/140- 141) . 2 علي بن نصر بن علي بن نصر الجهضمي - بفتح الجيم وسكون الهاء بعدها معجمة مفتوحة - أبو الحسن البصري الصغير، ثقة حافظ من الحادية عشرة (ت 250) /م د ت س. (ابن حجر: التقريب2/45،وتهذيب التهذيب7/390- 391) . 3 عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد، أبو عبيدة العنبري البصري، صدوق، من الحادية عشرة (ت 252) /م ت س ق (المصدر السابق 1/527، 6/443- 444) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 قال علي: حدثنا عبد الصمد. وقال عبد الوارث: حدثنا أبي1 قال: حدثنا أبان2 العطار، قال: حدثنا هشام3 بن عروة، عن عروة4، قال: أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة عام الفتح نصف شهر، لم يزد على ذلك، حتى جاءت هوازن وثقيف، فنزلوا بحنين، وحنين واد إلى جنب ذي المجاز – وهم يومئذ عامدون يريدون قتال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا قد جمعوا قبل ذلك حين سمعوا بمخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة، وهم يظنون أنما يريدهم حيث خرج من المدينة. الحديث5 10- وعن عليّ6 - رضي الله عنه - قال: "لما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة أرسل إلى ناس من أصحابه أنه يريد مكة وفيهم حاطب7 بن أبي بلتعة وفشا في الناس أنه يريد حنينا. قال: فكتب حاطب إلى أهل مكة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريدكم. الحديث. قال الهيثمي: رواه أبو يعلى، وفيه الحارث الأعور8،وهو ضعيف.   1 هو: عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد العنبري مولاهم، التنوري - بفتح المثناة وتثقيل النون المضمومة -، أبو سهل البصري والد الذي قبله، صدوق، ثبت في شعبة، من التاسعة (ت 207) /ع (المصدر السابق 1/507، 6/327) . 2 أبان بن يزيد العطار البصري، أبو زيد، ثقة له أفراد، من السابعة (ت في حدود 160) /خ م د ت س. (المصدر السابق 1/31 و1/101) . 3 هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، ثقة فقيه ربما دلس، من الخامسة (ت 145 أو 146) /ع (المصدر السابق 2/319، 11/48) . 4 عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي، أبو عبد الله المدني، والد الذي قبله، ثقة فقيه مشهور، من الثانية (ت 94) على الصحيح، ومولده في أوائل خلافة عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه -/ع. (المصدر السابق 2/19، 7/180) . 5 الطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/70، وانظر: تاريخ ابن خلدون 2/45. 6 عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وزوج ابنته فاطمة، من السابقين الأولين، المرجح أنه أول من أسلم، وهو أحد العشرة، مات في رمضان سنة (40) وهو يومئذ من أفضل الأحياء من بني آدم بالأرض بإجماع أهل السنة، وله (63) سنة على الأرجح /ع. (ابن حجر: التقريب 2/39، وتهذيب التهذيب 7/334) . 7 حاطب بن أبي بلتعة - بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها مثناة ثم مهملة مفتوحتان - ابن عمرو بن عمير بن سلمة بن صعب بن سهل اللخمي حليف بني أسد بن عبد العزى، شهد بدرا والحديبية ومات في خلافة عثمان سنة (65) . (الإصابة 1/300) . 8 الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني - بسكون الميم - الحوتي - بضم المهملة وبالمثناة الفوقية - الكوفي، أبو زهرة الخارفي، صاحب علي، كذبه الشعبي في رأيه، ورمي بالرفض، وفي حديثه ضعف. وليس له عند النسائي سوى حديثين، (ت في خلافة ابن الزبير) /ع (ابن حجر: التقريب 1/141، وتهذيب التهذيب 2/145) . وساق الذهبي أقوال أئمة الجرح والتعديل ثم قال: "وحديث الحارث في السنن الأربعة، والنسائي مع تعنته في الرجال، فقد احتج به وقَوَّى أمره". والجمهور على توهين أمره مع روايتهم لحديثه في الأبواب. فهذا الشعبي يكذبه ثم يروي عنه، والظاهر أنه كان يكذب في لهجته وحكاياته، وأما في الحديث النبوي فلا، وكان من أوعية العلم. (انظر: ميزان الاعتدال 1/435- 437) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 والحديث في الصحيح1 بغير هذا السياق2. والحديث الأول مرسل. والثاني فيه الحارث الأعور. وهكذا ذكر الواقدي أن هوازن بعثت جاسوسا لها يرصد وجهة رسول الله - صلى الله عليه وسلم، ويعلم لهم خبره، وأنه إن كان يريد قريشا فسيسلك الطريق، وإن كان يريدنا أولا فسيسلك بطن وادي سَرِف3 حتى يخرج إلينا، وهذا يدل على أن هوازن كانت مهددة بالخطر في عقر دارها، وأنها كانت تتوقع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سيبدأ بهم قبل قريش، ولذا فقد وقفت داخل حدودها متخوفة من هجوم المسلمين. وكون هوازن لم تساند قريشا في معاركها ضد المسلمين، لا يمنع ذلك من وجود بعض أفراد من هوازن وقفوا إلى جانب قريش ضد المسلمين، وخاصة من ثقيف، كما حصل من الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة فإنه كان ممّن خرج مع قريش إلى غزوة بدر الكبرى، وأشار إلى حلفائه من بني زهرة بعدم حضور بدر وقال لهم: إنكم خرجتم لنجدة عيركم، وقد سلمت فلا حاجة لكم بحرب المسلمين، فأطاعه بنو زهرة ولم يحضر بدرا زهري فكان في ذلك سلامة لأرواحهم4. وكما حصل أيضا من عروة بن مسعود الثقفي في صلح الحديبية، فقد جاء بأهله وولده ومن أطاعه من قومه مساندة لقريش، وكان أحد المبعوثين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -   1 انظر: (صحيح البخاري5/119 كتاب المغازي، باب غزوة الفتح. وصحيح مسلم 4/1941 كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أهل بدر، وقصة حاطب بن أبي بلتعة) . (مجمع الزوائد 6/162- 163) . 3 سرف: بفتح السين المهملة وكسر الراء وآخره فاء: واد كبير من روافد مر الظهران، يسيل من جبل أظلم وما حوله، وفيه هناك الجعرانة يمر شمال مكة على اثني عشر كيلا، ثم يصب في مر الطهران عند دف خزاعة، وفيه بنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بميمونة بنت الحارث أم المؤمنين وتوفيت بنفس المكان. (معالم مكة التاريخية والأثرية لعاتق البلادي ص132- 133) . 4 انظر: (ابن الأثير: أسد الغابة 1/60. وابن حجر: الإصابة 1/25) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 من قبل قريش للتفاوض معه، وأشار إلى قريش بقبول ما عرضه عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم: "إن هذا عرض عليكم خطة رشد اقبلوها" 1. ب– تحركات المسلمين العسكرية قبل غزوة حنين: إن المراد بهذا التحرك هو ذكر الأحداث العسكرية والتحركات الإسلامية التي كانت توطئة لهذه الغزوة. وبالنظر إلى الروايات التي وردت في هذا الصدد، ظهر أن هذه التحركات الإسلامية كانت ترمي إلى نشر الإسلام بالدعوة إليه، ثم القضاء على كل من يقف في وجه الدعوة الإسلامية. وكان أبرز أعمال هذه السرايا2 ملاحقة فلول الوثنية حول مكة وهدم ما تبقى من أصنام تُعبد من دون الله، وكان ذلك تمهيداً عسكرياً وتطهيراً للأرض من رجس الوثنية حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. ولقد انهارت الزعامة الوثنية على أيدي المسلمين بفتح مكة، ولم تبق في الجزيرة العربية قوة يحسب لها حساب عند المسلمين بعد أن فتح الله عليهم مكة سوى قبائل هوازن، وهي قبائل كثيرة ممتدة في رقعة واسعة من الأرض، وكانت ذات شوكة ومنعة، فصرف المسلمون نظرهم إليها بعد فتح مكة مباشرة، وفيما يلي بيان التفاصيل وفقا للروايات التاريخية في ذلك.   1 تقدم هذا الحديث برقم (5) . 2 السرايا: جمع سرية، وهي طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو ثم تعود إليه. سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم، من الشيء السري، أي النفيس. وقيل: سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا وخفية، وليس هذا بوجيه، لأن لام السر (راء) وهذه ياء. (ابن الأثير: النهاية 2/363) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 أوّلاً: سرية خالد بن الوليد لهدم العزى: كانت هذه السرية مكونة من ثلاثين فارسا بقيادة خالد بن الوليد، بعثهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بعد فتح مكة لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان للهجرة – لهدم العزى أعظم صنم عند قريش ومن دان بدينها من كنانة وبني شيبان من بني سليم1. فقد ذكر ابن إسحاق: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث خالد بن الوليد إلى العزى، وكانت بنخلة2، وكانت بيتا يعظمه هذا الحي من قريش وكنانة ومضر كلها، وكانت سدنتها وحجابها من بني شيبان3 من بني سليم4 حلفاء بني هاشم5، فلما سمع صاحبها السلمي بمسير خالد إليها، علق عليها سيفه وأسند6 في الجبل الذي هي فيه، وهو يقول: على خالد ألقي القناع وشمري ... أيا عزى شدي شدة لا شوى7 لها فبوئي بإثم عاجل أو تنصري ... يا عزى إن لم تقتلي المرء خالدا فلما انتهى إليها خالد هدمها، ثم رجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -8.   (ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/145. والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/65. وابن الأثير: الكامل 2/176. وابن كثير: البداية والنهاية 4/316، 375. وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/413- 414. والقسطلاني: المواهب اللادنية 1/160. والخضري بك: نور اليقين ص219. وباشميل: غزوة حنين ص17) . 2 هي نخلة الشامية انظر: ص 61 تعليقة (5) . 3 هو: شيبان بن جابر بن مرة بن عيسى بن رفاعة بن الحارث بن عتبة بن سليم بن منصور (الكشميري: فيض الباري 4/239) . 4 بنو سليم: نسبة إلى سليم - بضم السين وفتح اللام- ابن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر. (ابن الأثير: اللباب في تهذيب الأنساب 2/128) . 5 قال ابن هشام: حلفاء بني أبي طالب خاصة. (سيرة ابن هشام 1/84) . 6 أسند في الجبل: رقي وصعد. (المعجم الوسيط 1/453) . 7 لا شوى لها: أي لا تبقي على شيء. يقال: رمى فأشوى إذا لم يصب المقتل. (ابن الأثير: النهاية 2/511) . 8 سيرة ابن هشام 2/436. وانظر: (ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/145. وخليفة بن خياط: تاريخ خليفة ص88. والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/65. وابن الأثير: الكامل 2/176. وابن كثير: البداية والنهاية 4/316، 2/192) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 12- وأخرج النسائي في السنن الكبرى فقال، أخبرنا عليّ1 ابن المنذر أخبرنا ابن فضيل2: حدثناالوليد3 بن جميع، عن أبيالطفيل4 قال: لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة، بعث خالد بن الوليد إلى نخلة5، وكانت بها العزى، فأتاها خالد وكانت على ثلاث سمرات فقطع السمرات وهدم البيت الذي كان عليها، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -   1 علي بن المنذر الطريقي - بفتح المهملة وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم قاف - الكوفي، صدوق يتشيع، من العاشرة (ت 256) / ت س ق (ابن حجر: التقريب 2/44، وتهذيب التهذيب 7/386) . وقال ابن أبي حاتم: سمعت منه مع أبي وهو ثقة صدوق. وقال أيضا: سئل عنه أبي فقال: حج خمسين أو خمسا وخمسين حجة، ومحله الصدق. (الجرح والتعديل 6/206. والذهبي: ميزان الاعتدال 3/157) . 2 محمد بن فضيل بن غزوان - بفتح المعجمة وسكون الزاي - الضبي مولاهم، أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق عارف، رمي بالتشيع، من التاسعة /ع (التقريب 2/200- 201، وتهذيب التهذيب 9/405) . وفي هدي الساري ص441 نقل فيه أقوال العلماء، ثم عقب بقوله: قلت: إنما توقف فيه من توقف لتشيعه، وقد قال أحمد بن علي الأبار، حدثنا أبو هاشم قال: سمعت ابن فضيل يقول: رحم الله عثمان، ولا رحم الله من لا يترحم عليه، قال ورأيت عليه آثار أهل السنة والجماعة، - رحمه الله -، وقد احتج به جماعة. وقال الذهبي: روى عنه عدد كثير وجم غفير على تشيع كان فيه، إلاّ أنّه كان من علماء الحديث، والكمال عزيز. وختم ترجمته بقوله: وقد احتج به أرباب الصحاح. (سير أعلام النبلاء 9/173- 175) . وقد ذكر البخاري في (التاريخ الكبير 1/207- 208) : أن وفاة محمد بن فضيل كانت سنة (195) ، وهكذا ذكر الذهبي في (سير أعلام النبلاء، وميزان الاعتدال 4/9- 10، وتذكرة الحفاظ 1/315، والخلاصة للخزرجي 2/450) ، إلاّ أن الذهبي قال: وقيل مات سنة (194) . ووقع في تهذيب التهذيب 9/406 أنّ وفاته كانت سنة (295) وهو خطأ. 3 الوليد بن عبد الله بن جميع - مصغرا - الزهري المكي، نزيل الكوفة، صدوق يهم، ورمي بالتشيع، من الخامسة /بخ م د ت س. هكذا ذكر ابن حجر في التقريب، والرجل وثقه ابن معين وابن سعد، والعجلي وغيرهم، وضعفه العقيلي وابن حبان والحاكم. (ابن حاتم: الجرح والتعديل 9/8، والذهبي: ميزان الاعتدال 4/337، وابن حجر: التقريب2/333،وتهذيب التهذيب11/138-139،والخزرجي: الخلاصة3/121) . وقال الذهبي: في (الكاشف30/210) وثقوه، وقال ابن أبي حاتم: صالح الحديث. 4 هو: عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي، أبو الطفيل وربما سمي عمرا، ولد عام أحد، ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروى عن أبي بكر فمن بعده، وعُمِّرَ إلى أن مات سنة عشر ومائة على الصحيح، وهو آخر من مات من الصحابة، قال مسلم وغيره /ع (التقريب1/389، وتهذيب التهذيب5/82) . 5 نخلة: هي الشامية: وهو واد يصب من الغمير ويجتمع مع وادي نخلة اليمانبة في البستان، ويصيران واديا واحدا فيه بطن مر، وكانت العزى في حراض من وادي نخلة الشامية، وحراض: موضع قرب مكة بين المشاش والغمير، وكان أول من اتخذ العزي ظالم بن أسعد. (ياقوت: معجم البلدان 2/234، 5/277) . وقال حمد الجاسر: المراد بالبستان الذي هو مجتمع النخلتين هو بستان بن معمر، وهو معمر بن عبيد بن معمر، من تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب. ثم قال: والعامة يسمونه بستان بن عامر وهو غلط. (التحقيق على كتاب المناسك للحربي ص365) . وقال عاتق بن غيث البلادي: نخلة الشامية أكبر روافد وادي مر الظهران تأخذ أعلى مساقطها من جبل "الحبلة" بثلاث فتحات من جهته الشرقية قرب الطائف من الغرب، ثم تسمى أسماء عديدة في رحلتها الطويلة فتمر بالمحرم ثم قرن ثم السيل ثم بعج ثم حراض، ثم المضيق ثم تجتمع مع نخلة اليمانية في وادي الزبارة، لها روافد ضخام من السيل الصغير، وبرى، والزرقاء، وسقام وفيه العزى، سكنها ثقيف، فعتبية، فهذيل. (نسب حرب ص388) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 فأخبره فقال: "ارجع فإنك لم تصنع شيئا": فرجع خالد، فلما أبصرته السدنة وهم حَجَبَتُهَا أمعنوا1 في الجبل وهم يقولون: يا عزى، يا عزى، فأتاها خالد فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحثو التراب على رأسها، فغمسا بالسيف حتى قتلها، ثم رجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال: "تلك العزى" 2. والحديث نسبه السيوطي للنسائي وابن مردويه3. وقال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه علي4 بن المنذر وهو ضعيف5. ورواه أبو يعلى فقال: حدثنا أبو كريب6، ثنا محمد بن الفضل به7. ورواه البيهقي أيضاً من طريق أبي كريب عن محمد بن الفضيل به8.   1 أمعنوا في الجبل: أي جدوا وأسرعوا في طلوع الجبل. (ابن الأثير: النهاية 4/344) . 2 المزي: تحفة الأشراف 4/235 (حديث 5054) . وابن كثير: التفسير 4/254. 3 الدر المنثور 6/176. 4 في مجمع الزوائد: وفيه يحيى بن المنذر، وهو خطأ، والحديث أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة ص469 عن الطبراني فقال: علي بن المنذر، وقد تقدم القول في علي ابن المنذر في أول هذا الحديث ص وتابعه أبو كريب محمد بن العلاء عند أبي يعلى والبيهقي. 5 مجمع الزوائد 6/176. 6 محمد بن العلاء بن كريب، أبو كريب الهمداني، ثقة حافظ، من العاشرة (ت 248) وقال في التقريب: مات سنة 247، وقال في تهذيب التهذيب: وهو وهم. ووقع في التقريب الطبعة المصرية في باب الكنى "أبو كريبة" هو محمد بن العلاء، وهو خطأ والصواب أبو كريب بدون هاء./ع (ابن حجر: التقريب2/197، وتهذيب التهذيب 9/385- 386، والخزرجي: الخلاصة 2/46) . (مسند أبي يعلى 1/107 أ) . 8 ابن كثير: البداية والنهاية 4/316. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 13- ما رواه بن أبي شيبة في التاريخ قال: حدثنا علي بن مسهر1، حدثنا الأجلح2 عن عبد الله3 بن أبي هذيل قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى العزى فجعل يضربها بسيفه، ويقول: يا عزى كفرناك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك4 والحديث الثاني من طريق أبي الطفيل - رضي الله عنه - وهو من صغار الصحابة فإن كل من ترجم له قال بأنه ولد عام أحد5. وبعث خالد بن الوليد إلى العزى كان أواخر السنة الثامنة من الهجرة، فيكون سن أبي الطفيل عندئذ خمس سنوات، لأن أحد كانت في السنة الثالثة، وهو وقت يصح السماع فيه6. 14- وقد ورد عند أبي يعلى: عن أبي الطفيل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالجعرانة فقسم لحما وأنا يومئذ غلام7، فأقبلت امرأة بدوية، فلما دنت من النبي - صلى الله عليه وسلم - بسط لها رداءه،   1 علي بن مسهر - بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء - القرشي الكوفي، قاضي الموصل، ثقة له غرائب بعدما أضر، من الثامنة (ت 189) /ع (التقريب 2/44، تهذيب التهذيب 7/383) . وقال الذهبي عنه: "علي بن مسهر الإمام الحافظ أبو الحسن". قال أحمد العجلي: "كان ممن جمع بين الفقه والحديث ثقة". (تذكرة الحفاظ 1/290- 291) . 2 الأجلح بن عبد الله بن حجية - بالمهملة والجيم مصغرا - يكنى أبا حجية الكندي، يقال اسمه يحيى، والأجلح لقب، صدوق شيعي من السابعة (ت 145) /بخ ع (التقريب 1/49، تهذيب التهذيب 1/189) . 3 عبد الله بن أبي الهذيل الكوفي، أبو المغيرة، ثقة، من الثانية، مات في ولاية خالد بن عبد الله القسري على العراق/زم ت س. (التقريب1/458،وتهذيب التهذيب 6/62. وكان خالد بن عبد الله القسري واليا على العراق من قبل هشام بن عبد الملك، ثم عزله في سنة (125) . (تهذيب التهذيب 3/101) . (تاريخ ابن أبي شيبة ص25 بسم الله الرحمن الرحيم) . 5 أنظر ابن عبد البر: (الاستيعاب 4/115 مع (الإصابة) ، وابن الأثير: أسد الغابة 3/145، وابن حجر: تهذيب التهذيب5/82- 83، والتقريب 1/389) . وقد ورد عند أحمد في المسند 5/454 عن أبي الطفيل قال: أدركت ثماني سنين من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وولدت عام أحد. 6 يؤيد ذلك ما رواه البخاري في صحيحه 1/22 من كتاب العلم، باب متى يصح سماع الصغير من حديث محمود بن الربيع قال: "عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو". وانظر: (فتح الباري 1/171- 173 وتدريب الراوي ص237) . 7 الغلام الطار الشاب والكهل ضد، أو من حيث يولد إلى ان يشيب. (القاموس 4/157) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 فجلست عليه، فسألت من هذه؟ قالوا أمه التي أرضعته1. فلو صح هذا الحديث لكان صريح في السماع أبي الطفيل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن قصة الجعرانة، وقصة هدم العزى كانتا في وقت واحد، لأن هدم العزى كان قبل خروج رسول الله - صلى الله عليه مسلم - إلى غزوة حنين، وقصة الجعرانة كانت في وقت تقسيم الغنائم التي غنمها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-من غزوة حنين، ولكن الحديث لم يصح لأن فيه جعفر بن يحيى بن ثوبان، وعمارة بن ثوبان، وكلاهما مجهول الحال2. ولذا فقد جزم ابن السكن3 برؤية أبي الطفيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون سماعه منه، فقال: جاءت عنه روايات ثابتة أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم4، وأما سماعه منه صلى الله عليه وسلم فلم يثبت5. وعلى هذا فيكون أبو الطفيل لم يسمع حديث خالد بن الوليد لهدم العزى من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وعليه فيكون الحديث من مراسيل الصحابة وهو مقبول على المعتمد سواء أكان الصحابي الذي أرسل الحديث صغيرا أم كبيرا لم يشهد الحادثة لتأخر إسلامه. قال النووي: في آخر كلامه على الحديث المرسل: "هذا كله في غير مرسل الصحابي، أما مرسله فمحكوم بصحته على المذهب الصحيح"6. قال السيوطي: "قوله أما مرسله" أي مرسل الصحابي وذلك كإخباره عن شيء   (أبو يعلى: المسند 1/107 أ) . والحديث أيضا عند البيهقي، وفيه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم نعماً بالجعرانة. (البداية والنهاية لابن كثير4/364) . والظاهر: أن "نعما" أولى من "لحما". (الذهبي: ميزان الاعتدال 1/420) . ابن حجر: التقريب 1/132، 2/49، تهذيب التهذيب 2/109، 7/412. 3 ابن السكن: هو الحافظ الحجة أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن البغدادي، نزيل مصر (294- 353) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/937، وكحالة: معجم المؤلفين 4/227) . 4 ثبتت رؤيته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح 2/927، وأحمد: المسند 5/454 من طريق معروف بن خَرَّبُوذ قال: سمعت أبا الطفيل يقول: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن" لفظ مسلم، وزاد أحمد: "وأنا غلام شاب". (ابن حجر: الإصابة 4/113، وتهذيب التهذيب 5/83) . (تقريب النووي ص126 مع تدريب الراوي) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - أو نحوه ممّا يعلم أنه لم يحضره لصغر سنه أو تأخر إسلامه، (فمحكوم بصحته على المذهب الصحيح) الذي قطع به الجمهور من أصحابنا وغيرهم، وأطبق عليه المحدثون المشترطون للصحيح القائلون بضعف المرسل، وفي الصحيحين من ذلك ما لا يحصى1، لأن أكثر رواياتهم عن الصحابة وكلهم عدول، ورواياتهم عن غير الصحابة نادرة، وإذا رووها بينوها، بل أكثر ما رواه الصحابة عن التابعين ليس أحاديث مرفوعة، بل إسرائيليات أو حكايات أو موقوفات"2. إ? والحديث بهذا يكون حسنا لغيره، وهو نص في أن الذي تولى هدم العزى هو خالد بن الوليد - رضي الله عنه -. وقد ذكره ابن إسحاق معضلا، وابن أبي شيبة عن عبد الله بن أبي الهذيل مرسلا3، وأطبق على ذلك علماء المغازي والتفسير. وأما وجود العزى فقد ثبت في القرآن الكريم، في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى} ، [سورة النجم، الآية: 19] . وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: 15- "من حلف فقال في حلفه: واللات والعزى، فليقل: لا إله إلاَّ الله". الحديث..لفظ البخاري4. هذه إحدى السرايا التي بعثها الرسول - صلى الله عليه وسلم - لضرب معاقل الوثنية وهدم ما تبقى من أعلامها، لأن هدف الإسلام الأول، هو تثبيت عقيدة التوحيد في نفوس الناس، وبيان أن هذه الأوثان والأصنام لا يصح أن تعبد من دون الله، وعبادتها ضرب من   1 مثل محمود بن الربيع وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو والسائب بن يزيد. (السيوطي: تدريب الراوي ص126، والسخاوي: فتح المغيث 1/146) . 3 انظر: الحديث رقم 11، 13. 4 الصحيح (6/117) تفسير سورة النجم و8/23 كتاب الأدب، باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولاً أو جاهلا، و8/56 كتاب الاستئذان، باب كل لهو باطل إذا شغل عن طاعة الله الخ. و8/112 كتاب الأيمان والنذور، باب لا يحلف باللات والعزى ولا بالطواغيت. ومسلم: الصحيح (3/1267- 1268) كتاب الأيمان، باب من حلف باللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 السفه والجهل والخروج عن فطرة الله التي فطر الناس عليها، ومن ثمّ عني الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذا الأمر غاية العناية، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي الهيَّاج1 الأسدي، قال: 16- قال لي عليّ بن أبي طالب: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ "أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلاّ سويته" 2. ثالثاً: هدم مناة: ومن الأصنام التي كانت خارج الحرم "مناة"، وهي أقدم صنم وأعظمه عند العرب، فقد كان لهذا الصنم من المكانة والإجلال في نفوسهم ما جعلهم يتسمون به، وكانوا يقربون له القرابين ويطوفون به. قال ابن الكلبي: كان الذي وضع الأصنام في بلاد العرب عمرو ابن لحي3، فكان أقدمها كلها مناة4، وكان منصوبا على ساحل البحر من ناحية المشلل5 بقديد، بين المدينة ومكة، وكانت العرب جميعا تعظمه، وتذبح حوله، وكانت الأوس   1 أبو الهياج - بتشديد الياء - حيان بن حصين الأسدي، الكوفي، ثقة، من الثالثة/م د ت س. (ابن حجر: التقريب 1/208) 2 مسلم: (الصحيح 2/666 كتاب الجنائز، باب الأمر بتسوية القبور) . 3 عمرو بن لحي - باللام والمهملة مصغرا - وهو والد خزاعة. (انظر: فتح الباري 6/547. ونهاية الأرب للنويري 2/332) . 4 مناة: بفتح الميم والنون المخففة. قرأ الجمهور "مناة" بألف من دون همزة مشتقة من منى يمنى أي صب، لأن دماء النسك كانت تصب عندها يتقربون بذلك إليها. وقرأ غير الجمهور "مناءة" بالمد والهمزة، مشتقة من النوء، وهو المطر، لأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء. وقيل: هما لغتان للعرب. (الشوكاني: فتح القدير 5/107- 108) 5 المشلل: بضم الميم وفتح الشين المعجمة ثم لامين أولهما مشدد مفتوح، وأصل هذا الاسم لتل صغير تكسوه حجارة المرو بطرف قديد من الشمال كانت عليه "مناة" الطاغية، ثم نسبت إليه الحرة الكبيرة المنقادة بين قديد ودوران والتي يقع تل المشلل بطرفها الغربي، يفصل بينهما ثنية المشلل، وتسمى الحرة الآن "القديدية" نسبة على وادي قديد. (انظر: ياقوت: معجم البلدان 2/480، 4/313، 5/136، 204- 205. والبلادي: نسب حرب ص40، 385) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 والخزرج ومن ينزل المدينة ومكة وما قارب من المنطقة يعظمونه ويذبحون له، ويهدون له، ولم يكن أحد أشد إعظاما له من الأوس والخزرج. وكانت الأوس والخزرج ومن يأخذ بإخذهم1 من عرب أهل يثرب وغيرها يحجون فيقفون مع الناس المواقف كلها، ولا يحلقون رؤوسهم، فإذا نفروا أتوا مناة فحلقوا رؤوسهم عنده وأقاموا عنده، ولا يرون لحجهم تماما إلا بذلك. ومناة هذه هي التي ذكرها الله عز وجل فقال: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} ، [سورة النجم، الآية: 20] . وكانت لهذيل وخزاعة، وكانت قريش وجميع العرب تعظمه2 ا.?. هكذا ذكر ابن الكلبي عن تعظيم العرب لمناة ومكانته في نفوسهم. 17- وقد ورد عند البخاري وغيره من حديث عروة، عن عائشة رضي الله عنها قال: قلت لعائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا يومئذ حديث السن -: أرأيت قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ، [سورة البقرة، الآية: 158] ، فلا أرى3 على أحد شيئا ألا يطوف بهما، فقالت عائشة: "كلا، لو كانت كما تقول4 كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار: كانوا يهلون لمناة، وكانت مناة حذو قديد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين   1 الإخذ: بكسر الهمزة، قال ابن منظور: والعرب تقول: لو كنت منا لأخذت بإخذنا بكسر الهمزة أي أخذت بخلائقنا وزينا وشكلنا وهدينا. (لسان العرب 5/3-4) . 2 ابن الكلبي: كتاب الأصنام ص13-15. 3 فلا أُرى - بضم الهمزة - أي فلا أظن. 4 قوله (لو كانت) أي هذه الآية (كما تقول) أي كما تأولها عليه من الإباحة (لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) بزيادة "لا" بعد "أن" فإنها كانت حينئذ تدل على رفع الإثم عن تاركه، وذلك حقيقة المباح، فلم يكن في الآية نص على الوجوب ولا عدمه. قال النووي: "قال العلماء: هذا من دقيق علمها وفهمها الثاقب وكبير معرفتها بدقائق الألفاظ، لأن الآية الكريمة إنما دل لفظها على رفع الجناح عمن يطوف بهما، وليس فيه دلالة على عدم وجوب السعي، ولا على وجوبه، فأخبرته عائشة رضي الله عنها أن الآية ليست فيها دلالة للوجوب ولا لعدمه، وبيَّنت السبب في نزولها، والحكمة في نظمها وأنها نزلت في الأنصار حين تحرجوا من السعي بين الصفا والمروة في الإسلام، وأنها لو كانت كما يقول عروة لكانت لا جناح عليه ألا يطوف بهما، وقد يكون الفعل واجبا ويعتقد إنسان أنه يمنع إيقاعه على صفة مخصوصة، وذلك كمن عليه صلاة الظهر وظن أنه لا يجوز فعلها عند غروب الشمس، فسأل عن ذلك فيقال في جوابه: لا جناح عليك إن صليتها في هذا الوقت، فيكون جوابا صحيحا ولا يقتضي نفي وجوب صلاة الظهر". إهـ. (شرح النووي على صحيح مسلم 3/410. وانظر: ابن حجر: فتح الباري 3/499، والمباركفوري: تحفة الأحوذي 8/302، ومحمد شمس الحق العظيم آبادي: عون المعبود 5/356) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 الصفا والمروة، فلمّا جاء الإسلام، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} 1. وفي لفظ عند البخاري من طريق الزهري عن عروة، قالت عائشة: بئسما قلت يا ابن أختي إن هذه لو كانت كما أولتها عليه، كانت لا جناح عليه أن لا يطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية2 التي كانوا يعبدونها عند المشلل، فكان من أهل يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، قالوا: يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية. قالت عائشة - رضي الله عنها -: وقد سن3 رسول الله- صلى الله عليه وسلم-الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما. ثم أخبرت4 أبا بكر بن عبد الرحمن فقال: إن هذا لعلم ما كنت سمعته، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أن الناس – إلا من ذكرت عائشة ممن كان يهل بمناة – كانوا يطوفون بالصفا والمروة، فلما ذكر الله تعالى الطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن، قالوا: يا رسول الله، كنا نطوف بالصفا والمروة، وأنّ الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا، فهل علينا من حرج أن نطوّف بالصفا والمروة؟   1 البخاري: الصحيح 3/6 كتاب العمرة (باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج) . ومالك: (الموطأ 1/373) كتاب الحج (باب جامع السعي) . وأبو داود: (السنن 1/438- 439) ، كتاب المناسك (باب أمر الصفا والمروة) . 2 الطاغية: صفة إسلامية (لمناة) . (ابن حجر: فتح الباري 3/499) . 3 قول عائشة: "وقد سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطواف بين الصفا والمروة ... الخ": أي فرضه بالسنة وليس مرادها نفي فرضيتها، ويؤيده قولها "لم يتم الله حج أحدكم ولا عمرته ما لم يطف بينهما". (ابن حجر: فتح الباري 3/501) وانظر ص70 تعليقة (3) . 4 القائل (ثم أخبرت) : هو الزهري راوي هذا الحديث كما هو مصرح به عند مسلم. انظر ص69. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 فأنزل الله تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية، قال أبو بكر: "فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما: في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا في الجاهلية بالصفا والمروة، والذين يطوفون، ثم تحرجوا ان يطوفوا بهما في الإسلام من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا حتى1 ذكر ذلك بعدما ذكر الطواف بالبيت"2. وهو عند مسلم أيضا ولفظه: قال الزهري: فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فأعجبه ذلك، وقال: إن هذا لعلم، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون: إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب يقولون: إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية. وقال آخرون من الأنصار: إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر به بين الصفا والمروة، فأنزل الله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} . قال أبو بكر بن عبد الرحمن: فأراها قد نزلت في هؤلاء وهؤلاء3. وعند البخاري أيضا قال: قال معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: كان رجال من الأنصار ممن كان يهل لمناة – ومناة صنم بين مكة والمدينة – قالوا: يا نبي الله: كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة4. هكذا علقه البخاري عن معمر، ووصله أحمد ولفظه: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة في قوله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} قالت: كان رجال من الأنصار ممن كان يهل لمناة في الجاهلية ومناة صنم بين مكة والمدينة قالوا: يا نبي الله: إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة فهل علينا من حرج أن نطوف بهما، فأنزل الله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} 5.   1 قوله: "حتى ذكر ذلك بعدما ذكر الطواف بالبيت"، يعني تأخر نزول آية البقرة في الصفا والمروة عن آية الحج وهي قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ، [الحج: من الآية29] . (ابن حجر: فتح الباري 3/501) . 2 البخاري: (الصحيح 2/132) ، كتاب الحج (باب وجوب الصفا والمروة) . 3 مسلم: (الصحيح 2/929) ، كتاب الحج (باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به) 4 البخاري: (الصحيح 6/118 كتاب التفسير (باب ومناة الثالثة الأخرى) . 5 أحمد: (المسند 6/162) ، ووقع فيه خطأ مطبعي فأسقط "لا" من قوله: كنا لا نطوف ... الخ، والصواب إثباتها كما في رواية البخاري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 18- وورد من حديث عاصم بن سليمان قال: سألت أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن الصفا والمروة؟ فقال: كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما فأنزل الله تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} .. إلى قوله.. {أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} لفظ البخاري1. ولفظ مسلم: عن أنس قال: كانت الأنصار يكرهون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، حتى نزلت: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} 2. وعند مسلم أيضا: قال عروة: قلت لعائشة: ما أرى علي جناح أن لا أتطوف بين الصفا والمروة. قالت: لم؟ قلت: لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية. فقالت: لو كان كما تقول لكان: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما وإنما أنزل هذا في أناس من الأنصار، كانوا إذا أهلوا أهلوا لمناة في الجاهلية فلا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما قدموا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - للحج، ذكروا ذلك له، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فلعمري: ما أتم الله3 حج من لم يطف بين الصفا والمروة4. وفي لفظ: "قلت لعائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما أرى على أحد لم يطف بين الصفا والمروة شيئا، وما أبالي ألا أطوف بينهما، قالت: بئسما قلت يا ابن أختي. طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطاف المسلمون فكانت سُنة وإنما كان من أهلَّ لمناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة، فلما كان الإسلام سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله عزوجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ولو كانت كما تقول لكانت: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما"5.   1 البخاري: (الصحيح 6/19- 20) ، كتاب التفسير، باب قوله (إن الصفا والمروة من شعائر الله) . والترمذي (السنن: 4/277- 278 أبواب التفسير) . 2 مسلم: (الصحيح 2/930 كتاب الحج) ، باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به. 3 وعند البخاري: "ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته ما لم يطف بين الصفا والمروة". 4 مسلم: (الصحيح 2/928 كتاب الحج) . وابن ماجه: (السنن 2/994 فيه (باب السعي بين الصفا والمروة) . 5 مسلم: (الصحيح 2/929 كتاب الحج) . والترمذي: (السنن 4/277 كتاب التفسير) . والبخاري: (الصحيح 6/117 كتاب التفسير، باب ومناة الثالثة الأخرى) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 وفي لفظ عن عروة بن الزبير: أن عائشة أخبرته أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا هم وغسان يهلون لمناة فتحرجوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة وكان ذلك سنة في آبائهم، من أحرم لمناة1 لم يطف بين الصفا والمروة، وأنهم سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك حين أسلموا، فأنزل الله عز وجل في ذلك {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} . إن حديث عائشة - رضي الله عنها - برواياته المتعددة يعطينا صورة عن حالة العرب قبل الإسلام، وكيف تمكن الشيطان منهم فزيّن لهم عبادة غير الله من الأصنام والأحجار والأشجار، ويصور لنا مدى حبهم واحترامهم وإجلالهم لهذه الآلهة المزعومة حتى أنهم كانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، وأشدهم في ذلك تعظيما لمناة الأوس والخزرج، فلما جاء الله بالهدى والنور ودخلوا في دين الله الحق، سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حكم طوافهم بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} كما ورد ذلك في حديث عائشة وأنس بن مالك. هذه نبذة يسيرة عن موقف العرب من الأصنام وما كان لها في نفوسهم من المكانة، وخاصة "مناة" التي كان يعبدها جل العرب، ولذا فإن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-عندما دخل مكة فاتحاً وجّه عنايته البالغة إلى تحطيم هذه الأصنام الموجودة داخل الحرم وخارجه، حتى يعبد الله وحده ويكفر بما سواه من الأنداد الفاسدة والعقائد الضالة المنحرفة.   1 ورد عند مسلم أيضا من طريق أبي معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه "أن عائشة قالت لعروة: وهل تدري فيما كان ذاك؟ إنما كان ذاك أن الأنصار كانوا يهلون في الجاهلية لصنمين على شط البحر، يقال لهما إساف ونائلة، ثم يجيؤون فيطوفون بين الصفا والمروة ثم يحلقون، فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية. قالت: فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} ، [البقرة: من الآية158] ، إلى آخرها، قالت: فطافوا". قال النووي: قال القاضي عياض: (هكذا وقع في هذه الرواية، وهو غلط، والصواب ما جاء في الروايات الأخرى في الباب "يهلون لمناة"، وفي الرواية الأخرى "لمناة الطاغية التي بالمشلل" قال: وهذا هو المعروف، و"مناة" صنم كان نصبه عمرو بن لحي في جهة البحر بالمشلل مما يلي قديدا، وكذا جاء مفسرا في هذا الحديث في الموطأ، وكانت الأزد وغسان تهل له بالحج، ... وأما "إساف ونائلة" فلم يكونا قط في جهة البحر، وإنما كانا عند الكعبة، وقيل على الصفا والمروة. (شرح النووي على صحيح مسلم 3/411، وابن حجر: فتح الباري 3/500) . قلت: ولعل الوهم من أبي معاوية، فإن الحديث رواه مالك، عن هشام بن عروة عن أبيه فجاء مفسرا فيه أنهم كانوا يهلون لمناة وكانت حذو قديد. انظر: الموطأ 1/373 كتاب الحج، باب جامع السعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 أما الحديث عمن تولى هدم هذا الصنم "مناة" فقد اختلف في ذلك على النحو التالي: أ- فعند ابن الكلبي أن الذي تولى هدمها هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وكان ذلك سنة ثمان للهجرة، عندما خرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المدينة قاصدا فتح مكة، فلما سار من المدينة أربع ليال أو خمس ليال بعث عليا إليها فهدمها وأخذ ما كان لها، فأقبل به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان فيما أخذ سيفان كان الحارث1 بن أبي شمر الغساني ملك غسان أهداهما لها، أحدهما يسمى (مِخْذَماً) والآخر (رسوبا) 2 فوهبهما النبي - صلى الله عليه وسلم - لعيّ - رضي الله عنه -، فيقال: إن ذا الفقار3 سيف عليّ - رضي الله عنه - أحدهما4. ونسب هذا الفعل إلى علي بن أبي طالب ابن هشام وابن كثير بصيغة التمريض5. ب- وعند الواقدي وابن سعد أن الذي تولى هدمها هو سعد6 بن زيد الأشهلي. وهذا نص كلام ابن سعد قال: "ثم سرية سعد بن زيد الأشهلي إلى "مناة"   1 هو الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق، وعند ابن هشام: ملك تخوم الشام، وكان تابعا لقيصر ملك الروم بعث إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتاب مع شجاع بن وهب الأسدي يدعوه فيه إلى الإسلام، فامتنع من الدخول فيه وأسلم حاجبه، ومات الحارث بن أبي شمر عام الفتح. (ابن هشام: السيرة النبوية 2/207، وابن سعد: الطبقات الكبرى 1/261، 3/94، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/644) . 2 ويقال: أن عليا وجد هذين السيفين في الفِلس - بكسر الفاء - وهو صنم طيئ. حيث بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهدمه. (ابن الكلبي: كتاب الأصنام ص15، الفيروز آبادي: القاموس 2/238) . 3 كون ذي الفقار أصابه عليّ - رضي الله عنه - عندما هدم "مناة" أو هدم "الفلس" يرد هذا حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد فقال: رأيت في سيفي ذي الفقار فلا فأولته فلا يكون فيكم. الحديث: لفظ أحمد. (أحمد: المسند 1/271، والترمذي: السنن 3/61 كتاب السير (باب في النفل) ، وابن ماجه: السنن 2/939 كتاب الجهاد (باب السلاح) ، والحاكم: المستدرك 2/128- 129، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأقره الذهبي، ومن طريق الحاكم أورده البيهقي كما هو عند ابن كثير: البداية والنهاية 4/11. وبهذا الحديث يتضح أن ذا الفقار كان موجودا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل هدم "مناة" بأعوام. 4 ابن الكلبي: (كتاب الأصنام ص15، ابن حجر: فتح الباري 8/612) . 5 ابن هشام: (السيرة النبوية 1/86، ابن كثير: التفسير 4/254، والبداية والنهاية 2/192) . 6 سعد بن زيد بن مالك بن عبد بن كعب بن عبد الأشهل الأنصاري الأشهلي، هو الذي بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبايا من بني قريضة فاشترى بها من نجد خيلا وسلاحا. (ابن حجر: الإصابة 2/28) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 في شهر رمضان سنة ثمان من مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين فتح مكة سعد بن زيد الأشهلي، إلى مناة، وكانت بالمشلل للأوس والخزرج وغسان، فلما كان يوم الفتح بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعد بن زيد الأشهلي، يهدمها فخرج في عشرين فارسا حتى انتهى إليها وعليها سادن، فقال السادن: ما تريد؟ قال: هدم مناة! قال: أنت وذاك! فأقبل سعد يمشي إليها وتخرج إليه امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل وتضرب صدرها، فقال السادن: مناة دونك بعض غضباتك! ويضربها سعد بن زيد الأشهلي وقتلها ويقبل إلى الصنم معه أصحابه فهدموه، ولم يجدوا في خزانتها شيئا، وانصرف راجعا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان ذلك لست بقين من شهر رمضان1. هكذا ذكر ابن سعد بدون إسناد. ?- وقيل أن الذي بعث لهدمها هو أبو سفيان بن حرب2. هذه هي أقوال العلماء فيمن بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهدم مناة وهذه الروايات مختلفة في تعيين الصحابي الذي هدم "مناة" كما أنها اختلفت أيضا في زمن الهدم، فيظهر من بعضها أنه حصل هدم "مناة" قبل الفتح، وهذا ما ذكره ابن الكلبي، وذكر الواقدي وابن سعد أن ذلك كان بعد الفتح، وهو خلاف لا أثر له؛ لأن الغاية التي تحققت هي هدم "مناة" هذا الصنم الذي يحتل مكانة خاصة في نفوس العرب، وتصرف له العبادة، من دون الله، فهو إذاً واحد من الآلهة المزعومة التي يقف عابدوها في وجه الدعوة الإسلامية، بل هو أعتى صنم عند القوم، من أجل ذلك أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهدمه، فبعث له من يقوم بهذه المهمة، وحين أراد تنفيذ هدمه اعترضه السادن قائلا: ماذا تريد؟ فقال الصحابي الجليل: أريد هدم مناة، فقال السادن: أنت وذاك، ثم قال بثقة غريبة: "مناة دونك بعض غضباتك" وهو يعتقد بأن إلهه سوف   (ابن سعد: الطبقات الكبرى2/146-147، والواقدي: المغازي 2/869-870) . وانظر: (الطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/66، وابن عبد البر: الاستيعاب 2/47 مع "الإصابة"، وابن الأثير: الكامل 2/177 وأسد الغابة 2/352، وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/414، وابن حجر: الإصابة 2/28) . (ابن هشام: السيرة النبوية 1/86، وابن كثير: التفسير 4/254 والبداية والنهاية 2/192، وابن حجر الإصابة 2/179 منسوبا لابن إسحاق) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 يدافع عن نفسه ويبطش بمن أراده بسوء، ممَّا يدل على تمكن هذه العقيدة في نفوس العرب، فتقدم الصحابي الجليل فهدمه، فسقط في أيدي القوم واتضح لهم ما كانوا عليه من باطل. وصدق الله إذ يقول: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} ، [سورة الأنبياء، الآية: 18] . ثالثاً: سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة: كانت هذه السرية مكونة من ثلاثمائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار وغيرهم من قبائل العرب، وكانت عقب فتح مكة في شهر شوال سنة ثمان للهجرة، قبل الخروج إلى غزوة حنين. قال ابن حجر: وهذا البعث كان عقب فتح مكة في شهر شوال قبل الخروج إلى حنين عند جميع أهل المغازي1. 19- قال ابن اسحاق: حدثني حكيم2 بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبي جعفر3 محمد بن علي قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعيا، ولم يبعثه مقاتلا، ومعه قبائل من العرب:   (فتح الباري 8/57، وعند ابن سعد "كان ذلك بعد أن رجع خالد من هدم العزّى، وتعرف هذه السرية "بيوم الغميصاء". (الطبقات الكبرى 2/147) . والغميصاء: بضم الغين المعجمة وفتح الميم وسكون التحتية فصاد مهملة ممدودة - ماء لبني جذيمة أوقع فيه خالد بن الوليد ببني جذيمة. (الطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/66، وخليفة بن خياط: التاريخ ص 88، وياقوت: معجم البلدان 4/214، والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/2) . 2 حكيم بن حكيم بن عبّاد بن حنيف - مصغرا - الأنصاري الأوسي، صدوق، من الخامسة / عم (ابن حجر: التقريب 1/194، وتهذيب التهذيب 2/448) . 3 محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو جعفر الباقر، ثقة فاضل من الرابعة (ت بضع عشرة ومائة) /ع. (التقريب 2/192، وتهذيب التهذيب 9/350، وفتح الباري 8/57) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 سُليم1بن منصور، بن مُدِلج2 بن مرة، فوطئوا بني جَذِيْمة3 ابن عامر بن عبد مناة بن كنانة، فلما رآه القوم أخذوا السلاح، فقال خالد: ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا ... فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك، فاكتفوا، ثم عرضهم على السيف، فقتل من قتل منهم، فلما انتهى الخبر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رفع يديه على السماء، ثم قال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد" 4. والحديث أخرجه خليفة بن خياط من طريق ابن إسحاق مختصرا، والطبري وابن كثير بتمامه5. والحديث معضل لأنه من رواية محمد بن علي، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو لم يدرك ذلك، لأن ولادته كانت ما بين سنة أربعين إلى سنة ست وخمسين6. وبالتالي يكون الحديث ضعيفا.   1 سليم بن منصور بن هوازن. 2 مُدِلج - بضم الميم وسكون الدال وكسر اللام - هو: مدلج بن مرة بن عبد مناة ابن كنانة، بطن كبير من كنانة، منهم سراقة بن مالك بن جعثم المدلجي له صحبة، ومنهم القافة الذين يلحقون الأولاد بالآباء منهم مجزز المدلجي له صحبة أيضا. (ابن الأثير: اللباب في تهذيب الأنساب 2/183، وأسد الغابة 2/331، وابن حجر: الإصابة 3/365) . 3 جذيمة: بفتح الجيم وكسر المعجمة ثم تحتانية ساكنة، وزن "عظيمة" بين في الحديث بأنه ابن عامر بن عبد مناة بن كنانة، وكانوا بأسفل مكة من ناحية يَلَمْلَم. ووهم الكرماني فظن أنه من بني جذيمة بن عوف بن بكر بن عوف، قبيلة من عبد القيس. (ابن حجر: فتح الباري 8/58 و10/142) . قلت: ومثل قول الكرماني قال القسطلاني (المواهب اللدنية 1/161) . وتعقبه الزرقاني بقوله: فعجب من المصنف كيف جزم بما حكم شيخ الحفاظ ابن حجر بأنه وهم، وكذا قال إمام المغازي ابن إسحاق، وتابعه الإمام اليعمري وغيره. (انظر: شرح المواهب 3/2) . ويَلَمْلَم: بفتح المثناة التحتية فلامين مفتوحتين بينهما ميم ساكنة، آخره ميم أخرى، اسم لا ينصرف، وهو جبل من جبال تهامة، يبعد عن مكة جنوبا بمرحلتين، وبالكيلمتر (80) وهو ميقات أهل اليمن. وميقات جاوه والهند والصين قديما. (ياقوت: معجم البلدان 5/441، وعبد الله بن صالح آل بسام: تيسير العلام 1/501) . وعاتق البلادي: (معالم مكة التاريخية والأثرية ص 328) . (سيرة ابن هشام 2/428- 429) . (تاريخ خليفة ص87- 88، وتاريخ الرسل والملوك للطبري 3/66- 67، والبداية والنهاية لابن كثير 4/312) . 6 ابن حجر: (تهذيب التهذيب 9/351) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 20- وأخرج الطبري من طريق ابن إسحاق قال حدثني عبد الله1 بن أبي سلمة قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف-فيما بلغني-كلام2 في ذلك، فقال له3: عملت بأمر الجاهلية في الإسلام، فقال: إنما ثأرت بأبيك، فقال عبد الرحمن بن عوف: كذبت، قد قتلت قاتل أبي. ولكنك ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة، حتى كان بينهما شيء، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مهلاً يا خالد، دع عنك صاحبي، فوالله لو كان لك أحد ذهبا ثم أنفقته في سبيل الله، ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته" 4. والحديث مرسل. وهو يدل على ما وقع من خالد بن الوليد مع بني جذيمة، إنما هو انتقام وثأر لعمه الفاكه بن المغيرة، وهذا لا يليق بخالد بن الوليد وبصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامة، ولا ينبغي أن يظن بهم أنه يصدر منهم مثل هذا، والحديث ضعيف لا تقوم بمثله حجة، والصحيح في ذلك ما جاء في حديث ابن عمر عند البخاري والنسائي وأحمد وعبد بن حميد، وهذا سياقه عند البخاري:   1 عبد الله بن أبي سلمة الماجشون-بفتح الجيم وضم الشين-التيمي مولاهم، ثقة من الثالثة (ت106) / م د س. (ابن حجر: التقريب1/420،وتهذيب التهذيب5/343) . 2 هذا الكلام الذي حصل بين خالد وعبد الرحمن بن عوف جاء عند ابن إسحاق أن سببه أن بني جذيمة كانوا قد أصابوا في الجاهليه عوف بن عبد عوف، والد عبد الرحمن بن عوف، والفاكه بن المغيرة. وذلك أن الفاكه بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وعوف بن عبد مناف بن عبد الرحمن بن زهرة، وعفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس قد خرجوا تجارة إلى اليمن، ومع عفان ابنه عثمان، ومع عوف ابنه عبد الرحمن، فلما أقبلوا حملوا مال رجل من بني جذيمة بن عامر - كان هلك باليمن إلى ورثته، فادعاه رجل منهم يقال له خالد بن هشام، ولقيهم بأرض بني جذيمة قبل أن يصلوا إلى اهل الميت، فأبوا عليه، فقاتلهم بمن معه من قومه على المال لياخذه، وقاتلوه، فقتل عوف بن عبد عوف، والفاكه بن المغيرة، ونجا عفان بن أبي العاص وابنه عثمان وأصابوا مال الفاكه بن المغيرة، ومال عوف ابن عبد عوف، وانطلقوا به، وقتل عبد الرحمن بن عوف خالد بن هشام قاتل أبيه، فهمت قريش بغزو بني جذيمة، فقالت بنو جذيمة: ما كان مصاب أصحابكم عن ملأ منا، إنما عدا عليهم قوم بجهالة، فأصابوهم ولم نعلم، فنحن نعقل لكم ما كان لكم قبلنا من دم أو مال، فقبلت قريش ذلك، ووضعوا الحرب. (سيرة ابن هشام 2/431، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/68، والسهيلي: الروض الأنف 7/129، وابن كثير: البداية النهاية 4/314) . 3 أي فقال عبد الرحمن بن عوف لخالد بن الوليد. (الطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/66، وسيرة ابن هشام 2/431) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 21- قال حدثني محمود1، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، -ح2- وحدثني نعيم3، أخبرنا عبد الله، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: بعث النبي - صلى الله خالد - بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون صبأنا4 صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر5، ودفع إلى كل رجل منا أسيره6، حتى إذا كان يوم7 أمر خالد أن يقتل كل   1 محمود: هو ابن غيلان العدوي مولاهم. (ابن حجر: فتح الباري 8/57، وتهذيب التهذيب 10/64) . (ح) هذه لها أربعة معان: أ - أن المراد بها التحويل من سند إلى سند آخر، وهذا هو المشهور. ب - أنها من الحيلولة أي حالت بين السند الأول والسند الثاني، بمعى فصلت بين إسنادين. ?- أنها إشارة إلى بقية الحديث، كأنه قال لك اقرأ الحديث. د- أن المراد بها صح، كأنه يقول: الإسناد الأول صحيح، هؤلاء رواته، والإسناد الثاني صحيح وهؤلاء رواته. وحسن إثبات صح هنا لئلا يتوهم أن حديث هذا الإسناد سقط، ولئلا يركب الإسناد الثاني على الأول، فيجعلا إسنادا واحدا. (انظر: المقدمة ابن الصلاح ص218- 219 مع (التقييد والإيضاح) ، وتقريب النووي ص303- 304 مع (تدريب الراوي) . 3 نعيم: هو ابن حماد، وعبد الله: هو ابن المبارك (ابن حجر: فتح الباري 8/57) . 4 قوله: "صبأنا صبأنا" قال ابن حجر: هذا من ابن عمر راوي الحديث، يدل على أنه فهم أنهم أرادوا الإسلام حقيقة، ويؤيد فهمه أن قريشا كانوا يقولون لكل من أسلم صبأ، حتى اشتهرت هذه اللفظة، وصاروا يطلقونها في مقام الذم. ومن ثم لما أسلم ثمامة بن أثال وقدم مكة معتمرا قالوا له: صبأت؟ قال: لا بل أسلمت، فلما اشتهرت هذه اللفظة بينهم في موضع أسلمت استعملها هؤلاء. وأما خالد فحمل هذه اللفظة على ظاهرها، لأن قولهم "صبأنا" أي خرجنا من دين إلى دين، ولم يكتف خالد بذلك حتى يصرحوا بالإسلام. وقال الخطابي: يحتمل أن يكون نقم عليهم العدول عن لفظ الإسلام، لأنه فهم عنهم أن ذلك وقع منهم على سبيل الأنفة، ولم ينقادوا إلى الدين فقتلهم متأولا قولهم. (فتح الباري 8/57) . 5 وعند النسائي "وجعل خالد قتلا وأسرا". وعند أحمد "وجعل خالد بهم أسرا وقتلا". قال ابن حجر: وفي كلام ابن سعد أن خالدا أمرهم أن يستأسروا فاستأسروا فاكتف بعضهم بعضا، وفرقهم في أصحابه. ثم قال ابن حجر: فيجمع بأنهم أعطوا بأيديهم بعد المحاربة. (فتح الباري 8/57، وانظر: (الطبقات الكبرى لابن سعد 2/147- 148) . 6 وعند أحمد "ودفع إلى كل رجل منا أسيراً". 7 وعند النسائي وأحمد وعبد بن حميد "حتى إذا أصبح يوماً". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 رجل منا أسيره، فقلت1: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرناه2، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه، فقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين" 34. والحديث رواه أحمد، وعبد بن حميد، كلاهما عن عبد الرزاق، عن معمر به5. ورواه النسائي من طريق هشام6 بن يوسف، وعبد الرزاق، ومن طريق عبد الله بن المبارك ثلاثهم عن معمر به7. والحديث صريح في أن خالدا قتل بني جذيمة لعدم تصريهم بالإسلام، واقتصارهم على قولهم "صبأنا" فلم يقبل ذلك خالد منهم ولم يعتبره عاصما لدمائهم، وهذا يرد ما جاء في الروايات المتقدمة من أن خالدا قتلهم ثأرا بعمه الفاكه بن المغيرة. ولذا فقد أورد ابن كثير الأحاديث التي ساقها ابن إسحاق، التي ظاهرها أن ما وقع من خالد بن الوليد مع بني جذيمة كان بدافع الانتقام والأخذ بثأر عمه، ثم عقب بقوله "وهذه مرسلات ومنقطعات". ثم أورد حديث ابن عمر بإسناد أحمد بن حنبل، ثم قال: ورواه البخاري والنسائي من حديث عبد الرزاق به نحوه8.   1 وعند النسائي وأحمد وعبد بن حميد "قال ابن عمر: فقلت". 2 وعند أحمد "قال: فقدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له صنيع خالد". وعند النسائي "قال: فقدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر له صنيع خالد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، ورفع يديه، "اللهم إني أبرأ إليك" ... الخ. وعند عبد بن حميد "فذكر له ما صنع خالد". 3 وعند عبد بن حميد "مرتين أو ثلاثا". 4 البخاري: (الصحيح 5/131 كتاب المغازي (باب بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن وليد إلى بني جذيمة) . و9/1 كتاب الأحكام، باب إذا قضى الحاكم بجور أو خلاف أهل العلم فهو رد. و8/63 كتاب الدعوات، باب رفع الأيدي في الدعاء تعليقا مختصرا. و4/80 كتاب الجزية، باب إذا قالوا صبأنا، تعليقا أيضا. 5 أحمد: (المسند 2/150- 151، وعبد بن حميد: المسند 1/100 بسم الله الرحمن الرحيم) . 6 هشام بن يوسف، هو: الصنعاني أبو عبد الرحمن. (ابن حجر: تهذيب التهذيب 11/57) . 7 السنن 8/208 كتاب آداب القضاة (باب الرد على الحاكم إذا قضى بغير حق) . (البداية والنهاية 4/313- 314) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وعند تفسير قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} الآية1، قال: والجمهور على أن المراد بالفتح ههنا فتح مكة ... 22- وقد يستدل لهذا القول بما قال الإمام أحمد: حدثنا أحمد2 ابن عبد الملك، حدثنا زهير3، حدثنا حميد4، عن أنس5، قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام فقال خالد لعبد الرحمن: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها فبلغنا أن ذلك ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "دعوا لي أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أُحد أو مثل الجبال ذهبا ما بلغتم أعمالهم" 6. ثم قال ابن كثير: ومعلوم أن إسلام خالد بن الوليد المواجه بهذا الخطاب كان بين صلح الحديبية وفتح مكة، وكانت هذه المشاجرة بينهما في بني جذيمة، الذين بعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد بعد الفتح، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فأمر خالد بقتلهم وقتل من أسر منهم، فخالفه عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر وغيرهما، فاختصم خالد وعبد الرحمن بسبب ذلك7. فهذا الصنيع من ابن كثير - رحمه الله تعالى - يدل على أنه لم يرتض ما قاله   1 سورة الحديد – آية: 10. 2 أحمد بن عبد الملك بن واقد الحراني، أبو يحيى الأسدي، ثقة تكلم فيه بلا حجة، من العاشرة (ت221) /خ س ق. (ابن حجر: التقريب1/20،وتهذيب التهذيب1/57) . 3 زهير بن معاوية بن خديج، أبو خثيمة الجعفي الكوفي، نزيل الجزيرة، ثقة ثبت، من السابعة (ت72 أو173 أو 174) /ع. (التقريب1/265،وتهذيب التهذيب1/351) . 4 حميد بن أبي حميد الطويل، أبو عبيدة البصري، ثقة مدلس، وعابه زائدة لدخوله في شيء من أمر الأمراء، من الخامسة (ت 142، 143) وهو قائم يصلي/ع. (التقريب 1/202، وتهذيب التهذيب 3/38) . 5 أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، خدمه عشر سنين، صحابي مشهور (ت92 وقيل 93) وقد جاوز المائة/ع. (ابن خجر: التقريب 1/84، وتهذيب التهذيب 1/376) . 6 الحديث في مسند أحمد 3/266 وفيه حميد وهو مدلس وقد عنعن ولكن أصل المشاجرة بين خالد وعبد الرحمن بن عوف ثابتة في صحيح مسلم 4/1967 كتاب فضائل الصحابة (باب تحريم سب الصحابة) من حديث أبي سعيد الخدري قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء، فسبه خالد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبوا أحدا من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أُحد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه". (ابن كثير: التفسير 4/306) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 ابن إسحاق وموافقوه من أن سبب الخصومة بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف هو قتل خالد لبني جذيمة ثأرا بعمه الفاكه1. والحق أن الاختلاف والمشاجرة بين عبد الرحمن وخالد، كان بسبب قول بني جذيمة "صبأنا صبأنا". ففهم منها عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر أن مراد القوم بهذه الكلمة الدخول في الإسلام. وحملها خالد على أن القوم يتنقصون الإسلام ويحتقرونه وأنه لا بدّ من تصريهم بكلمة "أسلمنا". وهذا هو الذي يتعين المصير إليه إجلالا لصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوقوع في مثل هذا. وفيما يلي ننقل شيء ممّا قاله العلماء حول موقف خالد بن الوليد - رضي الله عنه - مع بني جذيمة، ليتجلى الموقف أكثر، ويتضح أن ما فعله خالد كان بهدف نصرة الإسلام والمسلمين: عذر خالد بن الوليد: إن الذي فعله خالد بن الوليد رضي الله عنه مع بني جذيمة كان عن تأويل واجتهاد إذ لم يتيقن أن القوم أسلموا بقولهم "صبأنا"، ومعلوم أن المجتهد إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر. وهذا ما حصل من خالد - رضي الله عنه -، فإنه اجتهد في ذلك ولكنه أخطأ، ولذا فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يؤاخذه على ما صنع، وإن كان تبرأ من فعله وغضب - صلى الله عليه وسلم - لتسرعه وعدم تثبته. قال بن كثير- بعد أن ساق المشاجرة التي أوردها ابن إسحاق بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف2:   1 انظر ص76 من هذا المبحث، تعليقة (1) .؟؟؟ 2 انظر ص: 78- 80. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 والمظنون بكل منهما أنه لم يقصد شيئا من ذلك، وإنما يقال هذا في وقت المخاصمة، فإنما أراد خالد بن الوليد نصرة الإسلام وأهله، وإن كان أخطأ في أمر، واعتقد أنهم ينتقصون الإسلام بقولهم "صبأنا صبأنا" ولم يفهم عنهم أنهم أسلموا، فقتل طائفة كثيرة منهم وأسر بقيتهم، وقتل أكثر الأسرى أيضا؛ ومع هذا لم يعزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل استمر به أمرا، وإن كان قد تبرأ منه في صنيعه ذلك، وودى1 ما كان جناه خطأ في دم أو مال ... ولهذا لم يعزله الصديق حين قتل مالك2 ابن نويرة أيام الردة وتأول عليه ما تأول حين ضرب عنقه واصطفى امرأته أم تميم، فقال له عمر بن الخطاب: اعزله فإن في سيفه رهقا3، فقال الصديق: لا أغمد سيفا سله الله على المشركين4. وقال ابن حجر: قوله: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" يعني من قتله الذين قالوا: "صبأنا" قبل أن يستفسرهم عن مرادهم بذلك القول، فإن فيه إشارة إلى تصويب فعل ابن عمر ومنم تبعه في تركهم متابعة خالد على قتل من أمرهم بقتلهم من   1 أي سلم دية القتلى، جاء ذلك عند ابن إسحاق من مرسل أبي جعفر محمد بن علي قال: ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، فقال: يا علي، اخرج إلى هؤلاء القوم، فانظر في أمرهم، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك، فخرج علي حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال، حتى إنه لا يدي لهم ميلغة الكلب، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه، بقيت معه بقية من المال، فقال لهم علي - رضوان الله عليه - حين فرغ منهم: هل بقي لكم بقية من دم أو مال لم يود لكم؟ قالوا: لا، قال: فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال، احتياطا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مما يعلم ولا تعلمون ففعل. الحديث. (انظر: سيرة ابن هشام 2/430) . 2 هو: مالك بن نويرة اليربوعي، ومحصل قصة قتله أن خالد بن الوليد سار إليه وكان بالبُطحاء، فلما وصل خالد البطحاء بث السرايا، فأسروا مالكا في جملة من أصحابه، وكانت ليلة شديدة البرد، فنادى منادي خالد: أن أدفئوا أسراكم، فظن القوم أنه أراد قتلهم فقتلوهم، وقتل ضرار بن الأزور مالك بن نويرة. وقيل: إن خالدا استدعى مالك بن نويرة فأنبه على ما صدر منه من متابعة سجاح، وعلى منعه الزكاة، وقال له: ألم تعلم أن الزكاة قرينة الصلاة؟ فقال مالك: إن صاحبكم - يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يزعم ذلك. فقال خالد: أهو صاحبنا وليس بصاحبك؟. يا ضرار اضرب عنقه، فضرب ضرار عنقه، واصطفى خالد امرأته أم تميم بنت المنهال. (ابن كثير: البداية والنهاية 6/322) . 3 رهقا: بالتحريك: أي عجلة (ابن الأثير: النهاية 2/283) . (ابن كثير: البداية والنهاية 4/314) . وفي مسند أحمد 3/475- 476 أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، خطب الناس بالجابية ووزع عليهم الأعطيات حسب سبقهم في الإسلام الحديث مطول وفيه "فقال له أبو عمرو بن حفص بن المغيرة يعاتبه في عزل خالد ابن الوليد: لقد نزعت عاملا استعمله رسول الله، وغمدت سيفا سله رسول الله، ووضعت لواء نصبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 المذكورين، ثم قال: وقال الخطابي1: الحكمة في تبرئه - صلى الله عليه وسلم - من فعل خالد مع كونه لم يعاقبه على ذلك، لكونه مجتهدا أن يعرف أنه لم يأذن له في ذلك خشية أن يعتقد أحد أنه كان بإذنه، لينْزَجر غير خالد بعد ذلك عن مثل فعله. وقال أيضا: إنما أنكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خالد حيث لم يتثبت في أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم صبأنا. ا.? كلام الخطابي2. وقال العامري: إنما أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على خالد حيث لم يتثبت في أمرهم، ثم عذره في إسقاط القصاص، لأن هذا ليس تصريحا في قبولهم الدين3. وقال القسطلاني: إنما نقم على خالد استعجاله في شأنهم، وترك التثبت في أمرهم إلى أن سيرى المراد من قولهم صبأنا4، ولم يرى عليه قودا لأنه تأول أنه كان مأمورا بقتالهم إلى أن يسلموا5. وقد تبين ممّا سبق من أقوال العلماء أن هذه المسألة بين خالد قائد السرية وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر مسألة اجتهادية أخطأ فيها خالد حينما تسرع في قتل القائلين "صبأنا"، ورأى عبد الرحمن وابن عمر أن مراد القوم بهذه الكلمة الإسلام.   1 هو الإمام العلامة المفيد المحدث الرحال أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي، صاحب التصانيف، وكان ثقة متثبتا من أوعية العلم، من تصانيفه الكثيرة: "أعلام السنن"، شرح به صحيح البخاري، و"معالم السنن" شرح به سنن أبي داود، توفي الخطابي رحمه الله سنة (388هـ) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/1018-1020، والمباركفوري: مقدمة تحفة الأحوذي1/126،253-254) . 2 ابن حجر: (فتح الباري 6/274، 8/57- 58، 13/182، والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/3-4) . 3 بهجة المحافل 1/444. 4 قال الزرقاني: وهذا إنما هو على رواية الصحيح، وأما ما ذكره ابن سعد من أن بني جذيمة عندما جاءهم خالد فقال لهم: ما أنتم؟ قالوا: مسلمون قد صلينا وصدقنا بمحمد وبنينا المساجد في ساحتنا وأذّنا فيها. فيحمل على أن خالدا تأول أن هذا القول منهم تقية، كما تأول أسامة بن زيد في الرجل الذي قتله بعد أن قال لا إله إلا الله، ظنا منه أنه قالها خوفا من السيف. (شرح المواهب اللدنية 3/4) . وانظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 2/147 فقد ساق قصة خالد مع بني جذيمة بدون إسناد. وساقها الواقدي في مغازيه 3/875 من مرسل أبي جعفر محمد بن علي بن حسين الباقر. 5 إرشاد الساري 6/416- 417. وقال ابن إسحاق: وقد قال بعض من يعذر خالدا أنه قال: ما قاتلت حتى أمرني بذلك عبد الله بن حذافة السهمي، وقال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم عن الإسلام. (سيرة ابن هشام2/430) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 ولم يفهم ذلك خالد، ولذلك وقع النزاع، وبما أن خالدا هو أمير السرية فقد أنفذ القتل فيهم، إذ فهم أن القوم يسخرون من الإسلام بقولهم "صبأنا" لأن قريشا كانت تنبز الذي يدخل في الإسلام بأنه صابئ، تعييرا له، وكان هذا مشهورا وقد وقع لخالد نفسه حين أسلم، فقال له عكرمة بن أبي جهل صبأت يا خالد، قال بل أسلمت، وكذلك وقع مثله لثمامة بن أثال، وعمر بن الخطاب1 وغيرهم من الصحابة، فعذر خالد في إسراعه بقتل أولئك القوم قائم، وهو أنه لم يفهم منهم إلا رفض الإسلام، لأنهم لم يصرحوا به، ولكنه لم يستفسرهم عن مرادهم ولم يأخذ برأي عبد الرحمن بن عوف وابن عمر فكان ذلك خطأ منه تبرأ من صنيعه فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وودى أولئك القتلى وأقر خالدا على إمرته، لأنه مجتهد ولم يكن يقصد إلا نصرة الإسلام بما فعل2.   1 انظر: (أسد الغابة لابن الأثير 1/294. والإصابة لابن حجر: 1/203، 244) . 2 انظر: (صادق العرجون في كتابه: خالد بن الوليد ص81، 83، 89، 90، 91) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 الباب الأول: في الحديث عن غزوة حنين الفصل الأول: في مقدمات الغزوة المبحث الأول: سبب الغزوة ... المبحث الأول: سبب الغزوة بعد فتح مكة والقضاء على أعظم قوة للشرك في الجزيرة العربية لم يبق أمام المسلمين إلا قبائل هوازن وثقيف المتاخمة لمكة المكرمة، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصمما على مطاردة فلول الوثنية والإجهاز على معاقل الشرك في جزيرة العرب التي لا يجتمع فيها دينان، وقد ترامت أنباء فتح مكة في أنحاء الجزيرة العربية وخاصة في ديار هوازن وثقيف القريبة من مكة، وما أن سمعت قبائل هوازن بهذا الفتح الإسلامي الكبير حتى تداعت فيما بينها تتدارس هذا الحدث الجلل وترصد تحركاته نحوها، فكانت النتيجة أنها عزمت أن تهاجم المسلمين قبل أن يهاجموها، فأعدت عدتها وحشدت قواها المادية والبشرية، وقد جاء التصريح بحقيقة ما كانوا يبيتون للمسلمين من كيد في الروايات الآتية: 23- ما رواه الحاكم قال: حدثنا أبوالعباس1محمد بن يعقوب، ثنا أحمد2 بن   1 هو محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان الأموي مولاهم النيسابوري المعروف بالأصم، الإمام المفيد الثقة المحدث المشرق. قال الحاكم: كان محدث عصره بلا مدافعة. وقال أيضا: حدث (76) سنة، ولم يختلف في صدقه وسماعه (ت 346) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/860- 864) . 2 أحمد بن عبد الجبار بن محمد العطاردي - بضم العين المهملة والطاء الخفيفة - أبو عمرو الكوفي، ضعيف، وسماعه للسيرة صحيح، من العاشرة، لم يثبت أن أبا داود أخرج له (ت 272) /د (التقريب 1/19، وتهذيب التهذيب 1/51- 52) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 عبد الجبار، ثنا يونس1 بن بكير، عن ابن2 إسحاق قال: حدثني عاصم3 بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن4 بن جابر، عن أبيه جابر ابن عبد الله - رضي الله عنهما -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سار إلى حنين لما فرغ من فتح مكة، جمع مالك بن عوف النصري من بني نصر وجشم ومن سعد بن بكر وأوزاع من بني هلال وناسا من بني عمرو5 بن عامر بن عوف بن عامر وأوزعت معهم الأحلاف من ثقيف وبنو مالك ثم سار بهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسار مع الأموال والنساء والأبناء، فلما سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عبد الله6 بن أبي حدرد الأسلمي فقال: اذهب فادخل في القوم حتى تعلم لنا من علمهم فدخل فمكث فيهم يوماً أو يومين ثم أقبل فأخبره الخبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب: ألا تسمع ما يقول ابن أبي الحدرد؟ فقال عمر: كذب ابن أبي الحدرد، فقال ابن أبي الحدرد: إنّ كذبتني فربما كذبت من هو خير مني، فقال عمر يا رسول الله ألا تسمع ما يقول ابن أبي الحدرد؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد كنت يا عمر ضالا فهداك الله - عز وجل –"، ثم بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم   1 يونس بن بكير بن واصل الشيباني، أبو بكر الجمال الكوفي، صدوق يخطئ، من التاسعة (ت 199) /خت م د ت ز ق. (ابن حجر: التقريب 2/384) . وفي (تهذيب التهذيب 11/434- 436) ، وصفه بقوله: يونس بن بكير بن واصل الشيباني الجمال الكوفي الحافظ، ثم ساق كلام العلماء فيه والذين وثقوه أكثر ممن ضعفه. وقال الذهبي في (تذكرة الحفاظ 1/326) ،:يونس بن بكير بن واصل الحافظ العالم المؤرخ أبو بكر الشيباني الكوفي الجمال صاحب المغازي، ثم ذكر جماعة ممن روى عنهم ورووا عنه، ثم قال: قال ابن معين: كان صدوقا، وقال أبو حاتم: محله الصدق، وسئل عنه أبو زرعة: أي شيء ينكر عليه؟ فقال: أما الحديث فلا أعلمه، ثم نقل تضعيفه عن أبي داود، وذكر أن ابن عدي ساق له عدة أحاديث غرائب، ثم قال في ختام ترجمته: روى له مسلم متابعة واستشهد به البخاري. (انظر: ميزان الاعتدال 4/477- 478، وتذكرة الحفاظ 1/326، وسير أعلام النبلاء 9/245- 248) . 2 محمد بن إسحاق بن يسار، أبو بكر المطلبي، صدوق يدلس. تقدم في حديث (1) . 3 عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأوسي الأنصاري، أبو عمر المدني، ثقة، عالم بالمغازي، من الرابعة (ت بعد 120) /ع (التقريب 1/385) . 4 عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله الأنصاري، أبو عتيق المدني، ثقة، لم يصب ابن سعد في تضعيفه، من الثالثة /ع (التقريب 1/475) . 5 وقع هنا عند الحاكم: (وناسا من بني عمرو بن عاصم بن عوف بن عامر) وهو خطأ مطبعي، والصواب ما أثبتناه. 6 وقع كذلك هنا: (عبد الرحمن بن أبي الحدرد) وهو خطأ أيضا وقد وقع على الصواب عند الحاكم نفسه في 3/572. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 إلى صفوان بن أمية فسأله أدرعا مائة وما يصلحها من عدتها، فقال: أغصبا يا محمد؟ قال بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك، ثم خرج رسول الله سائراً. ثم قال الحاكم: صحيح1 الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي2. والحديث من هذه الطريق أورده البيهقي في السنن الكبرى مختصرا، وأورده في الدلائل مطولا3. وأورد ابن إسحاق القصة بدون إسناد كما قال ابن كثير4. وكان هذا هو السبب الرئيسي لخروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين لغزو هذه القبائل المحتشدة قبل أن يداهموا المسلمين في مكة المكرمة، ولقد سارع الرسول - صلى الله عليه وسلم في رسم - الخطة اللازمة لملاقاة هذا العدو، بعد دراسة حال العدو العسكرية، ومعرفة عدته المادية.   1 اعترض الألباني على تصحيح الحاكم لهذا لحديث، وموافقة الذهبي له، وقال: هو حسن فقط للكلام المعروف في ابن إسحاق، والمتقرر أنه حسن الحديث إذا صرح بالتحديث كما في هذا الحديث. (سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/209 تحت حديث رقم (631) . ودفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على البوطي ص82، وانظر: فتح الباري 4/32) . 2 الحاكم: المستدرك 3/48- 49. (السنن الكبرى 6/89، دلائل النبوة 2/42 ب-أ) . (البداية والنهاية4/324، وانظر: سيرة ابن هشام 2/439-440، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/72- 73) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 المبحث الثاني: الاستعداد للمعركة إن الاستعداد والتأهب لملاقاة العدو والأخذ بالأسباب المادية أمر لازم، وسبب من أسباب النصر، وهو لا ينافي التوكل، إذ إن المسلم يؤمن إيمانا جازما بأن النصر من عند الله - عز وجل -، وهو في نفس الوقت يؤمن بأنه مأمور بالأخذ بالأسباب، وأخذ الحيطة، والتدابير اللازمة ضد عدوه، وقد أمر الله عز وجل بذلك في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} .1 ومن هذا المنطلق فقد روى الترمذي من حديث الزبير بن العوام. 24- قال: كان على النبى - صلى الله عليه وسلم - درعان يوم أحد، فنهض إلى الصخرة2 فلم يستطع، فأقعد طلحة تحته، فصعد النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى استوى على الصخرة فقال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أوجب طلحة". ثم قال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد ابن إسحاق. وفي الباب عن صفوان بن أمية، والسائب بن يزيد3. وأعاد الحديث في كتاب المناقب بسنده ومتنه وقال: حسن صحيح غريب4. قلت: الحديث عنعنه ابن إسحاق وهو مدلس ولكنه قد صرح بالتحديث عند الحاكم، ومن طريقه رواه البيهقي، ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي5.   1 سورة الأنفال _ آية: 60. 2 إلى الصخرة: أي صخرة كانت هناك يستوي عليها وينظر إلى الكفار، ويشرف على المؤمنين. (تحفة الأحوذي 5/341) . 3 السنن 3/119 أبواب الجهاد (باب ما جاء في الدرع) . 4 5/307 باب مناقب طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه. 5 الحاكم: المستدرك 3/25، والبيهقي: السنن الكبرى 9/46. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 25- وحديث السائب1 بن يزيد أخرجه أبو داود عن يزيد2 أن خصيفة عن السائب، عن رجل3 قد سماه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظاهر يوم أحد بين درعين، أو لبس درعين4. وأخرجه الترمذي في الشمائل5. والحديث سكت عنه المنذري6، وفيه إبهام وهو قوله عن رجل. وأخرجه ابن ماجه: فقال: عن السائب بن يزيد إن شاء الله تعالى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد خذ درعين، كأنه ظاهر بينهما7. وهو عند أحمد أيضا فحدث به يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد، مرة بالاستثناء، ومرة بدون استثناء8. قال المباركفوري في أثناء شرحه للحديث: قوله: كان على النبي - صلى الله عليه وسلم - درعان "أي مبالغة في قوله تعالى: {خُذُوا حِذْرَكُمْ} ، [سورة النساء، من الآية:71] .وقوله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [سورة الأنفال، من الآية:60] . فإنها تشمل الدرع، وإن فسرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأقوى أفرادها حيث قال: ألا إن القوة الرمي، ثم قال: قال القاري9: وفيه إشارة إلى جواز المبالغة في أسباب المجاهدة وأنه لا ينافي التوكل والتسليم بالأمور الواقعة المقدرة"10.   1 السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي، وقيل في نسبه غير ذلك. يعرف بابن أخت النمر - بفتح فكسر - صحابي صغير، له أحاديث قليلة، وحج به في حجة الوداع، وهو ابن سبع سنين، وولاه عمر سوق المدينة (ت 91) وقيل قبل ذلك، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة. /ع. (ابن حجر: التقريب 1/283) . 2 يزيد بن عبد الله بن خصيفة - بمعجمة وصاد مهملة وفاء مصغرا - ابن عبد الله ابن يزيد الكندي، المدني، وقد ينسب لجده، ثقة من الخامس. /ع. (المصدر السابق 2/367) . 3 قوله: عن رجل (عند البيهقي: عن رجل من بني تيم، عن طلحة بن عبيد الله) . (السنن الكبرى 9/46) . 4 أبو داود: (السنن 2/30) ، كتاب الجهاد (باب في لبس الدروع) . 5 انظر: (الأطراف للمزي 3/263) ، حديث (3805) ، والإتحافات الربانية بشرح الشمائل المحمدية لأحمد عبد الجواد الدومي ص150. 6 محمد شمس الحق العظيم آبادي: (عون المعبود 7/253) . 7 ابن ماجه: (السنن 2/938) ، وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح على شرط البخاري، وقع هذا الحديث في سنن ابن ماجه من طريق هشام بن سوار، والصواب هشام بن عمار، فإن هشام بن سوار ليس من رجال التقريب. 8 أحمد: (المسند 3/449) . 9 هو الشيخ ملا علي القاري بن سلطان بن محمد الهروي الحنفي، الجامع للعلوم النقلية والعقلية، والمتضلع من السنة النبوية، أحد جماهير الأعلام ومشاهير أولي الحفظ والأفهام، توفي سنة (1014هـ) . (الشوكاني: البدر الطالع 1/445- 446، وكحالة: معجم المؤلفين 7/100- 101) . 10 (تحفة الأحوذي 5/341، وانظر: زاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/480، وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/10) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 ومن هنا فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما أراد الخروج إلى حنين لملاقاة جموع هوازن أرسل إلى صفوان بن أمية يطلب منه دروعا ليلقى فيها عدوه، كما تقدم ذلك من حديث جابر بن عبد الله1. وقد جاء أيضا من حديث صفوان بن أمية نفسه عند أبي داود وغيره وهذا سياقه عند أبي داود: 26- قال: حدثنا الحسن2 بن محمَّد، وسلمة3 بن شبيب، قالا: أخبرنا يزيد4 بن هارون، أخبرنا شريك5، عن عبد العزيز6 بن رفيع، عن أمية7 ابن صفوان بن أمية، عن أبيه8: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعار منه أدرعا يوم حنين، فقال: أغصبا يا محمد؟ فقال: "لا، بل عارية مضمونة". قال أبو داود: هذه رواية يزيد ببغداد، وفي روايته بواسط تغير على غير هذا9.   1 تقدم الحديث برقم (23) وهو حديث حسن. 2 الحسن بن محمد بن الصباح - بفتح المهملة وتشديد الموحدة - الزعفراني - بفتح الزاي وسكون العين المهملة - أبو علي البغدادي صاحب الشافعي، ثقة من العاشرة (ت260) أو قبلها بسنة./خ عم. (ابن حجر: التقريب1/170، وتهذيب التهذيب 2/318) . 3 سلمة بن شبيب المسمعي - بكسر الميم الأولى وفتح الميم الثانية - النيسابوري، نزيل مكة، ثقة من كبار الحادية عشرة (ت بضع وأربعين بعد المائتين) /م عم. (التقريب 1/316، وتهذيب التهذيب 4/146) . 4 يزيد بن هارون بن زاذان السلمي، مولاهم، أبو خالد الواسطي، ثقة متقن عابد، من التاسعة (ت206) /ع. (التقريب2/372،وتهذيب التهذيب11/366) 5 شريك بن عبد الله النخعي الكوفي، القاضي بواسط، ثم الكوفة، أبو عبد الله، صدوق يخطئ كثيرا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلا فاضلا، عابدا شديدا على أهل البدع، من الثامنة (ت 177 أو 178) /خت م عم. (التقريب 1/351، وتهذيب التهذيب4/333- 337) . وقال الذهبي في (تذكرة الحفاظ1/232) :وحديث شريك من أقسام الحسن. 6 عبد العزيز بن رفيع - بفاء مصغرا - الأسدي، أبو عبد الملك، المكي نزيل الكوفة، ثقة من الرابعة (ت 103) وقيل بعدها. /ع. (التقريب 1/509، تهذيب التهذيب 6/337) . 7 أمية بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي، المكي، مقبول من الرابعة. /بخ د ت س. (التقريب 1/83، وتهذيب التهذيب 1/371) . 8 صفوان بن أمية بن خلف الجمحي القرشي المكي، صحابي من المؤلفة، مات أيام قتل عثمان بن عفان، وقيل: سنة 41، وقيل: 42 في أوائل خلافة معاوية. /خت م عم. (التقريب 1/367، وتهذيب التهذيب 3/424- 425) . 9 أبو داود: السنن 2/265 كتاب البيوع (باب في تضمين العارية) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 والحديث أخرجه النسائي، وأحمد، والدارقطني، والحاكم، ومن طريقه أخرجه البيهقي، الجميع من طريق يزيد بن هارون، عن شريك بن عبد الله، عن عبد العزيز بن رفيع به1. ثم قال الحاكم: وله شاهد من حديث عبد الله بن عباس: 27- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعار من صفوان بن أمية أدرعا وسنانا في غزوة حنين، فقال: يا رسول الله: "أعارية مؤداة"؟ ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه2. وسكت عنه الذهبي. والحديث فيه شريك بن عبد الله القاضي، وقد وصف بأنه صدوق يخطئ كثيرا، وقد خالفه: 1- جرير3 بن عبد الحميد بن قرط، فرواه عن عبد العزيز بن رفيع بلفظ:"عن أناس من آل عبد الله بن صفوان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا صفوان هل عندك من سلاح؟ قال: عارية أم غصبا؟ " قال: "لا، بل عارية"، فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين4 درعا" 5.   1 النسائي: السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف للمزي 4/190 حديث (4945) . وأحمد: (المسند 3/400- 401، 6/465) . و (الدارقطني: السنن 3/39) . و (الحاكم: المستدرك 2/47) . و (البيهقي: السنن الكبرى 6/88) . (المستدرك 2/47، من طريق الحاكم أخرجه البيهقي 6/88. وأخرجه أيضا الدارقطني في سننه 3/38. وفيه: إسحاق بن عبد الواحد القرشي، قال الذهبي في ميزان الاعتدال 1/194- 195: واه) . 3 جرير بن عبد الحميد بن قرط - بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة - الضبي الكوفي نزيل الري وقاضيها، ثقة صحيح الكتاب. قيل: كان في آخر عمره يهم من حفظه (ت 188) . /ع. (ابن حجر: التقريب 1/127، وتهذيب التهذيب 2/75) . 4 قال المنذري: فيه جهالة وإرسال. (انظر: عون المعبود 9/477) . (أبو داود: السنن2/265 كتاب البيوع، باب في تضمين العارية. والدارقطني: السنن 3/40، والبيهقي: السنن الكبرى 6/89) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 2- أبو الأحوص1، عن عبد العزيز بن رفيع، عن عطاء2، عن ناس من آل صفوان بن أمية نحوه3. 3- ورواه قيس4 بن الربيع، عن عبد العزيز بن الرفيع، عن ابن أبي مليكة5، عن امية بن صفوان عن أبيه6. فأدخل (ابن أبي مليكة) بين عبد العزيز وأمية بن صفوان. قال الألباني والحديث مضطرب الإسناد، لكن له شاهدان: الأول: عن جابر بن عبد الله "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى صفوان بن أمية فسأله أدراعا مائة درع وما يصلحها". الحديث7. الثاني: من رواية جعفر8 بن محمد، عن أبيه9: أن صفوان بن أمية أعار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلاحا هي ثمانون درعا، فقال له: أعارية مضمونة أم غصبا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بل عارية مضمونة". أخرجه البيهقي10 وقال: وبعض هذه الأخبار، وإن كان مرسلا، فإنه يقوى بشواهده مع ما تقدم من الموصول.   1 هو سلام بن سليم الحنفي مولاهم أبو الأحوص الكوفي/ ثقة متقن، من السابعة (ت179) ./ع. (التقريب 1/342، وتهذيب التهذيب 4/282) . 2 عطاء بن أبي رباح - بفتح الراء الموحدة - واسم أبي رباح: أسلم القرشي مولاهم، المكي، ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الإرسال، من الثالثة (ت114) على المشهور، وقيل: إنه تغير بآخره، ولم يكن ذلك منه./ع. (التقريب 2/22، وتهذيب التهذيب 7/199) . 3 أبو داود: السنن 2/266 كتاب البيوع، باب في تضمين العارية. والدارقطني: السنن 3/40، والبيهقي: السنن الكبرى 6/89. 4 قيس بن الربيع الأسدي، أبو محمد الكوفي، صدوق، تغير لما كبر، أدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به، من السابعة (ت سنة بضع وستين بعد المائة) . /د ت ق. (التقريب 2/128، وتهذيب التهذيب 8/391) . 5 هو: عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة - بالتصغير- التيمي، المدني، أدرك ثلاثين من الصحابة، ثقة فقيه، من الثالثة (ت 117) ./ع. (التقريب 1/431، وتهذيب التهذيب 5/306- 307) . (الدارقطني: السنن 3/40، والبيهقي: السنن الكبرى 6/89) . 7 تقدم برقم (23) وهو حديث حسن. 8 جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد الله المعروف بالصادق، صدوق فقيه، إمام، من السادسة (ت 148) ./بخ م عم. (التقريب 1/132، وتهذيب التهذيب 2/103) 9 أبوه هو: أبو جعفر الباقر، ثقة فاضل. تقدم في حديث (19) . 10 (السنن الكبرى6/89-90،وأخرجه الطبري في تاريخ الرسل والملوك3/73) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 ثم قال الألباني: وبالجملة فالحديث صحيح بمجموع هذه الطرق الثلاث1. قلت: 28- وروى البيهقي من مرسل الزهري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى صفوان بن أمية في أداة ذكرت له عنده فسأله إياها فقال صفوان: أين الأمان، أتأخذها غصبا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن شئت أن تمسك أداتك فامسكها وإن أعرتنيها فهي ضامنة علي حتى نؤديه إليك". والحديث مطول في قصة حرب حنين2. وجاء في هذا المعنى ما رواه ابن ماجه، وأحمد، والنسائي، والبخاري في التاريخ من حديث عبد الله بن أبي ربيعة، وهذا سياقه عند ابن ماجه: 29- قال: حدثنا أبو بكر3 بن أبي شيبة، ثنا وكيع4، ثنا إسماعيل5 بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، عن أبيه6 عن جده7: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استلف منه حين غزا حنينا ثلاثين أو أربعين ألفا8، فلما قدم قضاها إياه9، ثم قال   (إرواء الغليل 5/344- 346) . ويعني بالطرق الثلاث: طريق شريك، وطريق جابر، وطريق جعفر بن محمد عن أبيه. (السنن لكبرى 7/19) . 3 هو: عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الواسطي الأصل، أبو بكر الكوفي، ثقة حافظ، صاحب تصانيف، من العاشرة (ت235) /خ م د س ق. (التقريب 1/245، وتهذيب التهذيب 6/2- 4) . 4 وكيع بن الجراح بن مليح - بفتح الميم، وكسر اللام وحاء مهملة - الرؤاسي - بضم الراء وهمزة ثم مهملة - أبو سفيان الكوفي، ثقة حافظ عابد، من كبار التاسعة (ت196) /ع. (التقريب 2/33، وتهذيب التهذيب 11/123، والمغني لابن طاهر الهندي ص74) . 5 إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، (مقبول) من السادسة/س ق. (التقريب1/65وانظر تهذيب التهذيب1/272وتعجيل المنفعة ص14) . 6 هو إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة المخزومي، (مقبول) من الثالثة/خ س ق. (المصدر السابق 1/38) . 7 هو جد إبراهيم، وهو عبد الرحمن بن أبي ربيعة، واسم أبي ربيعة: عمرو بن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو عبد الرحمن المكي، صحابي، مات ليالي قتل عثمان بن عفان، وهو والد عمر بن أبي ربيعة الشاعر/ س ق. (المصدر السابق 1/414، وتهذيب التهذيب 5/208) . 8 عند النسائي:"أربعين ألفا"بدون شك. وعند البخاري: استلفه مالا بضعة عشر ألفا. 9 عند النسائي: فجاءه مال فدفعه إليّ وقال: "بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الحمد والأداء"، وعند البخاري: "إنما جزاء السلف الحمد والوفاء". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الوفاء والحمد" 12. والحديث أورده النسائي من طريق سفيان الثوري، عن إسماعيل بن إبراهيم ولم يذكر فيه (حين غزا حنينا) . والحديث فيه: أ - إسماعيل بن إبراهيم وقد وصفه ابن حجر بقوله: (مقبول) . و (المقبول) عنده هو من ليس له من الحديث إلاَّ القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله3. وإسماعيل قد وثقه أبو داود، وابن حبان، وعلى خذا فيكون ثقة ولعل ابن حجر نظر على قول أبي حاتم فيه (شيخ) ب - إبراهيم بن عبد الرحمن (قد وصفه ابن حجر أيضا بقوله "مقبول" وفي تهذيب التهذيب ذكر بأن ابن حبان وثقه، وابن قطان الفاسي قال فيه: "لا يعرف"، وإبراهيم قد أخرج له البخاري في الصحيح، ولذا فقد مال ابن حجر في هدي الساري5 إلى رد قول ابن قطان، فقال: روى عنه جماعة ووثقه ابن حبان، وله في الصحيح حديث واحد في كتاب الأطعمة في دعائه - صلى الله عليه وسلم - في تمر جابر بن عبد الله بالبركة6. وقد كان الشيخ أبو الحسن7 المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في   1 والحديث يدل أيضا على حسن المعاملة في القضاء وهو من الآداب السامية التي حث الدين الإسلامي عليها، لحديث "إن خيركم أو من خيركم أحاسنكم قضاء". رواه ابن ماجة في سننه 2/809 كتاب الصدقات. 2 ابن ماجة: السنن 2/809 كتاب الصدقات، باب حسن القضاء. وأحمد: في المسند 4/36، والنسائي: السنن - المجتبى - 7/276 كتاب البيوع، باب الاستقراض، والبخاري: في التاريخ الكبير 5/9- 10. 3 انظر: (التقريب 1/5) . 4 انظر: (تهذيب التهذيب 1/272) . (هدي الساري ص388، وانظر: تهذيب التهذيب 1/138- 139) . 6 البخاري: (الصحيح 7/69) ، كتاب الأطعمة، باب الرطب والتمر. 7 هو علي بن الفضل بن علي بن حاتم بن حسن بن جعفر الحافظ العلامة المفتي، شرف الدين أبو الحسن، ابن القاضي الأنجب أبي المكارم المقدسي ثم المالكي، سمع صحيح البخاري من القاضي أبي عبيد نعمة بن زيادة الله الغفاري، عن عيسى بن أبي ذر الهروي، وسمع من الحافظ السلفي فأكثر عنه، وانقطع إليه وتخرج به، ولد سنة (544) توفي سنة (611) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 4/1390- 1392) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 الصحيح: هذا اجتاز القنطرة، يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه. قال أبو الفتح1 القشيري في مختصره: وهكذا نعتقد، وبه نقول، ولا نخرج عنه إلا بحجة ظاهرة، وبيان شاف يزيد في غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيحين، ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما. وقد ردَّ ابن حجر أيضا بنحو هذا2. وابن قطان الفاسي قد قال عن الجماعة لا يعرفون مع أنهم معروفون عند غيره، وقد ردَّ الذهبي في صنيعه هذا، وذكر أمثلة لذلك3. ?- الانقطاع: فقد قال البخاري: إبراهيم لا أدري سمع من أبيه أم لا. وقال ابن عبد البر: يقولون لم يرو عن عبد الله بن أبي ربيعة غير إبراهيم – يعني ابن ابنه -4. والذي ظهر لي ان الحديث فيه انقطاع بين "إبراهيم بن عبد الرحمن" وبين جده "عبد الله بن ربيعة" وأنّ "عبد الرحمن" والد إبراهيم ليس من رجال السند، إذ لو كان من رجال السند لوجدت ترجمته في "التقريب" و"تهذيب التهذيب" ولم أجد ترجمته أيضا في التاريخ الكبير للبخاري، ولا في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم. كما أنني لم أجد في ترجمة "عبد الله بن أبي ربيعة" أن ابنه عبد الرحمن ممّن روى عنه. ولا في ترجمة "إبراهيم" أنه روى عن أبيه "عبد الرحمن".   1 هو: محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن دقيق العيد القشيري، المنفلوطي الصعيدي، المالكي ثم الشافعي، الإمام الفقيه المجتهد المحدث الحافظ العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبو الفتح، صاحب التصانيف منها: العدة شرح العمدة، وكتاب (الإلمام) وله كتاب في علوم الحديث، ولد سنة (625) بقرب ينبع من الحجاز، وتوفي سنة (702) هـ. (الذهبي: تذكرة الحفاظ 4/1481- 1483) . (ابن حجر: هدي الساري ص384) . (الذهبي: ميزان الاعتدال 1/556 و3/426) . (ابن حجر: الإصابة 2/305، وتهذيب التهذيب 5/208، والتاريخ الكبير للبخاري 5/9- 10، والاستيعاب 2/299) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وبهذا يكون الراوي عن "عبد الله بن أبي ربيعة" هو "إبراهيم بن ابنه"، وهو لم يدرك جده، وذلك أن عبد الله بن أبي ربيعة مات ليالي قتل عثمان بن عفان، وأن أم إبراهيم1 تزوجت بأبيه "عبد الرحمن" بعد يوم الجمل، فتكون ولادة إبراهيم بعد وفاة جده بمدة، فيكون الحديث منقطعا. وهذه الأحاديث تدل دلالة واضحة على أنه يجب على المسلم أن يأخذ حذره، وأن يتأهب لملاقاة عدوه ويؤيدها قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} . [سورة الأنفال، من الآية: 60] . وقد ذكر بن عبد البر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استقرض من حويطب بن عبد العزى أربعين ألف درهم، وأن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم أعان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين بثلاثة آلاف رمح فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كأني أنظر إلى رماحك يا أبا الحارث تقصف أصلاب المشركين" 2.   1 هي أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وكانت قبل عبد الرحمن تحت طلحة بن عبيد الله فقتل يوم الجمل. (الطبقات الكبرى لابن سعد8/462) . وفي موطأ مالك 2/752 كتاب الأقضية، باب ما لا يجوز من النحل "ومات أبو بكر وأم كلثوم حمل في بطن أمها". (الاستيعاب 1/385، 3/537، وأسد الغابة 2/75، 5/369، والإصابة 1/364، والسيرة الحلبية لبرهان الدين الحلبي 3/63) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الفصل الثاني: في المسير إلى حنين المبحث الأول: تاريخ الغزوة ... المبحث الأول: تاريخ غزوة حنين: تاريخ وقت هذه الغزوة مرتبط بوقت فتح مكة المكرمة، ذلك أن غزوة حنين ناشئة عنه ومتممة له، ومن هنا أطلقت بعض الروايات الخروج إلى حنين في شهر رمضان، والمعروف أن هذا إنما كان في غزوة الفتح. ولما كانت غزوة حنين من تتمة هذا الفتح العظيم الذي أيد الله به عباده المؤمنين، وأن هذا النصر بصورته الكاملة لم يتحقق إلا بعد الانتهاء من غزوة حنين. جاء إطلاق الخروج شاملا لهما كما جاء كثير مما تم في غزوة حنين من قسم الغنائم وغيره مذكور في فتح مكة، من ذلك: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 30- ما رواه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك قال: "لما كان1 يوم فتح مكة قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائم بين قريش". الحديث2. 31- وما رواه البخاري من حديث عبد الله بن عباس قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان إلى حنين3 والناس مختلفون، فصائم ومفطر، فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن أو ماء فوضعه على راحلته - أو على راحته - ثم نظر إلى الناس، فقال المفطرون للصوام: أفطرو ا4. ومن خلال هذا الاتصال بين الغزوتين فإن تاريخ غزوة حنين يتوقف على معرفة فتح مكة ومدة الإقامة فيها بعد الفتح، لأن المؤرخين عولوا على هذا التاريخ في هذه الغزوة، على أنه قد اختلفت الروايات في فتح مكة ومدة الإقامة فيها بعد الفتح،   1 قوله: "لما كان يوم فتح مكة قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائم بين قريش" قال ابن حجر: ولأبي ذر عن شيخه "قسم غنائم في قريش". وله في رواية الكشميهني "بين قريش" وهي رواية الأصيلي. ووقع عند القابسي "غنائم قريش" ولبعضهم "غنائم من قريش" وهو خطأ، لأنه يوهم أن مكة لما فتحت قسمت غنائم قريش، وليس كذلك بل المراد بقوله "يوم فتح مكة" زمان فتح مكة وهو يشمل السنة كلها، ولما كانت غزوة حنين ناشئة عن غزوة مكة أضيفت إليها كما تقدم عكسه. وقد قرر ذلك الإسماعيلي فقال: قوله "لما فتحت مكة قسم الغنائم" يريد غنائم هوازن، فإنه لم يكن عند فتح مكة غنيمة تقسم، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - غزا حنينا بعد فتح مكة في تلك الأيام القريبة، وكان السبب في هوازن فتح مكة لأن الخلوص إلى محاربتهم كان بفتح مكة. (فتح الباري8/54، وانظر: حديث (31) مع التعليق عليه) . 2 البخاري: (الصحيح 5/130 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف) . ومسلم: (الصحيح 3/735 كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه) . 3 قال ابن حجر: هذا الحديث استشكله الإسماعيلي بأن حنينا كانت بعد الفتح، فيحتاج إلى تأمل، فإنه ذكر قبل ذلك أنه خرج من المدينة إلى مكة. وكذا حكى ابن التين عن الداودي أنه قال: الصواب أنه خرج إلى مكة. أو كانت "خيبر" فتصحفت. قال ابن حجر: وحمله على خيبر مردود، فإن الخروج إليها لم يكن في رمضان، وتأويله ظاهر، فإن المراد بقوله "إلى حنين" أي التي وقعت عقب الفتح لأنها لما وقعت إثرها أطلق الخروج إليها، وقد وقع نظير ذلك في حديث أبي هريرة. وبهذا جمع المحب الطبري. (فتح الباري 8/5) . قلت: وحديث أبي هريرة المشار إليه أخرجه البخاري في صحيحه 5/121 كتاب المغازي، باب أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح بلفظ "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد حنينا: منزلنا غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر". (صحيح البخاري 5/120 كتاب المغازي، باب غزوة الفتح في رمضان) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وسأعرض أقوال العلماء في ذلك ووجهة كل منهم، ثم أحاول الترجيح بعد ذلك ما وجدت إليه سبيلا. والأقوال التي يمكن الاعتماد عليها في تاريخ غزوة حنين، قولان1: الأول: أن غزوة حنين كانت في اليوم الخامس من شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة. روي ذلك عن ابن مسعود2، وإلى هذا ذهب عروة ابن الزبير وابن إسحاق وأحمد وابن جرير الطبري3. 32- ودليل هذا القول ما رواه ابن إسحاق قال: حدثني ابن شهاب4 الزهري، عن عبيد5 الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: "أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة". قال ابن اسحاق: وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان6. والحديث مرسل لأن عبيد الله لم يدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد وصله أبو داود، وابن ماجة من طريق محمد7 بن سلمة، عن ابن   1 هناك قول ثالث وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى حنين لليلتين بقيتا من رمضان. (فتح الباري 8/27) . 2 عبد الله بن مسعود بن غافل - بمعجمة وفاء - ابن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن، من السابقين الأولين، ومن كبار العلماء من الصحابة، مناقبه جمة، وأمّره عمر على الكوفة (ت 32) أو في التي بعدها في المدينة./ع. (ابن حجر: التقريب 1/450) . 3 ابن كثير: (البداية والنهاية 4/322، والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/6) . 4 محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة ابن كلاب القرشي الزهري، أبو بكر الفقيه الحافظ، متفق على جلالته وإتقانه، وهو من رؤوس الطبقة الرابعة (ت125) وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين./ع. (ابن حجر: التقريب 2/207) . 5 عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، أبو عبد الله المدني، ثقة فقيه ثبت، من الثالثة (ت94) وقيل: 98، وقيل غير ذلك./ع. (المصدر السابق 1/535) . (سيرة ابن هشام2/437، وتاريخ الرسل والملوك للطبري3/69- 70، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/143، والمعارف لابن قتيبة ص17، وفتح الباري لابن حجر 8/27) . 7 محمد بن سلمة بن عبد الله الباهلي، مولاهم، الحراني، ثقة، من الحادية عشرة (ت 191) على الصحيح./ز م عم. (التقريب 2/166، وتهذيب التهذيب 9/193- 194) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 إسحاق عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما1. ثم قال أبو داود: روى هذا الحديث عبدة2 بن سليمان، وأحمد3 بن خالد الوهبي، وسلمة4 بن الفضل، عن ابن إسحاق، لم يذكروا فيه ابن عباس. والحديث اختلف فيه على ابن إسحاق كما ترى. فرواه عنه محمد بن سلمة موصولا. وخالفه عبدة بن سليمان، وأحمد بن خالد الوهبي، وسلمة بن الفضل، وابن إدريس5 فأرسلوه. قال البيهقي: وهو الصحيح6. قلت: ومحمد بن سلمة7 ثقة إمام مفت، وقد تفرد بزيادة الوصل، والزيادة من الثقة مقبولة. وهو مذهب الجمهور من الفقهاء، وأصحاب الحديث8. وقال ابن حجر: وأما رواية "خمسة عشر" فضعفها النووي في الخلاصة، وليس بجيد، لأن رواتها ثقات، ولم ينفرد بها ابن إسحاق، فقد أخرجها النسائي من رواية عراك9 بن مالك، عن عبيد الله كذلك10.   (سنن أبي داود 1/280 كتاب صلاة المسافر، باب متى يتم المسافر) . وسنن ابن ماجة 1/342 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب كم يقصر المسافر إذا أقام ببلدة. 2 عبدة بن أبي سليمان الكلابي - بكسر الكاف وتخفيف اللام - الكوفي، يقال اسمه عبد الرحمن، ثقة ثبت، من صغار الثامنة (ت 187) وقيل: بعدها. /ع. (التقريب 1/530، وتهذيب التهذيب 6/458، 9/39) . 3 أحمد بن خالد بن موسى، ويقال: ابن محمد الوهبي الكندي، أبو سعيد صدوق من التاسعة، (ت 214) . /ز بخ عم. (التقريب 1/14، وتهذيب التهذيب 1/26) . 4 سلمة بن الفضل الأبرش - بموحدة فراء ثم معجمة - مولى الأنصار، قاضي الري، صدوق كثير الخطأ، من التاسعة (ت 191) . /د ت فق. (التقريب 1/318، وتهذيب التهذيب 3/153) . 5 هو عبد الله بن إدريس الأودي - بمفتوحة فواو ساكنة، فدال مهملة –الزعافري– بفتح المعجمة والعين المهملة وكسر الفاء - أبو محمد الكوفي ثقة فقيه عابد، من الثامنة (ت 192) . /ع. (التقريب 1/401، وتهذيب التهذيب 5/144، والخلاصة للخزرجي 2/39، والمغني لابن طاهر الهندي ص8) . (السنن الكبرى 3/151) . (انظر: تذرة الحفاظ 1/316، وسير أعلام النبلاء 9/49 كلاهما للذهبي) . (انظر الكفاية للخطيب البغدادي ص580- 581، ومقدمة ابنالصلاح ص111- 112 مع التقييد والإيضاح، والتقريب والتيسير للنووي ص138 مع تدريب الراوي، والتبصرة والتذكرة للعراقي 1/174- 175) . 9 عراك بن مالك الغفاري، الكناني، المدني، ثقة فاضل، من الثالثة، مات في خلافة يزيد بن عبد الملك، بعد المائة./ع. (التقريب 2/17، وتهذيب التهذيب 7/172) . 10 (فتح الباري 2/562) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 ورواية النسائي المشار إليها هي: 33- أخبرنا عبد الرحمن1 بن الأسود البصري، قال: حدثنا محمد2 بن ربيعة، عن عبد الحميد3 بن جعفر، عن يزيد4 بن أبي حبيب، عن عراك بن مالك، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أقام بمكة خمسة عشر يصلي ركعتين ركعتين" 5. وقال البيهقي: "رواه عراك بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا6. وتعقبه ابن التركماني7 بقوله: قلت: أخرجه النسائي عن عراك مسندا ثم ساق رواية النسائي هذه"8. وبهذا تكون رواية "أقام بمكة بعد الفتح خمسة عشر" صحيحة. القول الثاني: أن غزوة حنين كانت يوم السبت لست ليال خلون من شهر شوال، ووصل إلى حنين مساء الثلاثاء لعشر ليال خلون من الشهر المذكور. وبهذا قال الواقدي. ودليله: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتح مكة يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان، وأقام   1 عبد الرحمن بن الأسود بن المأمون، الهاشمي، مولاهم البصري، ثقة، من الحادية عشرة (ت بعد سنة240) /ت س. (التقريب1/472، وتهذيب التهذيب 6/140) . 2 محمد بن ربيعة الكلابي - بكسر الكاف وتخفيف اللام-ابن عم وكيع، صدوق من التاسعة (ت بعد 190) /بخ عم. (التقريب 2/160، وتهذيب التهذيب 9/162) . 3 عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع الأنصاري، صدوق رمي بالقدر، وربما وهم، من السادسة (ت 153) /خت م عم (التقريب 1/467، وتهذيب التهذيب6/111- 112) . ورمز له الذهبي بـ: (صح) ، إشارة إلى أنه ثقة. (ميزان الاعتدال 2/539) . 4 يزيد بن أبي حبيب المصري، أبو الرجاء، واسم أبيه سويد، واختلف في ولائه، ثقة فقيه، وكان يرسل، من الخامسة (ت 128) /ع. (التقريب 2/363، وتهذيب التهذيب 11/318) . 5 النسائي: السنن 3/100 كتاب تقصير الصلاة في السفر، باب المقام الذي يقصر بمثله الصلاة. 6 السنن الكبرى 3/151. 7 هو: علي بن عثمان بن إبراهيم بن مصطفى المارديني الحنفي، قاضي القضاة علاء الدين بن التركماني، علق على سنن البيهقي تعليقات نافعة طبعت معها بعنوان "الجوهر النقي" (ت 749) . انظر ترجمته في: (لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ لابن فهد المالكي ص125- 126) . (الجوهر النقي 3/151 مع سنن البيهقي) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 بمكة خمس عشرة، ثم غدا يوم السبت لست ليال خلون من شهر شوال، وانتهى إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر ليال خلون من شوال1. وتابعه ابن سعد2. هذه هي أقوال العلماء في هذا الباب، والذي يظهر لي ما يأتي: أ- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى حنين في شهر شوال من السنة الثامن للهجرة، بغض النظر عن كونه خرج في خامس شوال أوسادسه. ب- يترجح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهما في سادس شهر شوال، لأنه يمكن الجمع بينه وبين القول بأن الخروج إلى حنين كان في الخامس شوال. قال الزرقاني - بعد إن ذكر هذين القولين - وهذا الخلاف: إما أنه للاختلاف في هلال الشهر، أو أن من قال لست ليال عدّ ليلة الخروج، ومن قال لخمس لم يعدها، لأنه خرج في صبيحتها فكأنه خرج فيها. وجمع بعضهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالخروج في أواخر رمضان، وسار سادس شوال، ووصل إليها في عاشره3. إذا أخذنا برواية ابن عباس - رضي الله عنهما - التي أخرجها أحمد وأبو داود بإسنادين أحدهما صحيح "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة عام الفتح سبع عشرة" 4. مع ذكره النووي وابن حجر: من أن المشهور في كتب المغازي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج في غزوة الفتح من المدينة لعشر خلون من رمضان، ودخل مكة لتسع عشرة خلت منه5. كان خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة حنين في اليوم السادس من شهر شوال.   (الواقدي: المغازي 3/889 و892) . (الطبقات الكبرى 2/150، وانظر: ابن كثير: البداية والنهاية 4/322، والقسطلاني: المواهب اللدنية 1/161، والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/6، والسفاريني: شرح ثلاثيات مسند أحمد 2/78، 793) . (الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/6، وابن حجر: فتح الباري 8/27) . (أحمد: المسند 1/315، وأبو داود: السنن 1/280. كتاب صلاة السفر، باب متى يتم المسافر) . (النووي: شرح مسلم 3/176، وابن حجر: فتح الباري 4/181 و8/4) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 وقد وردت روايات أخر في مدة إقامة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكة بعد الفتح، منها ثماني عشرة، وتسع عشرة، ورجح البيهقي وابن حجر رواية "تسع عشرة" لأنها أكثر ما وردت بها الروايات الصحيحة، وهي ثابتة في صحيح البخاري1، ولا منافاة بينها وبين سائر الروايات كما جمع بينها البيهقي نفسه فقال: من روى تسع عشرة عد يوم الدخول ويوم الخروج، ومن قال ثمان عشرة لم يعد أحد اليومين، ومن قال سبع عشرة لم يعدهما. قال ابن حجر: وتحمل رواية "خمسة عشرة" على أن الراوي ظن أن الأصل رواية "سبع عشرة" فحذف منها يومي الدخول والخروج، فذكر أنها خمس عشرة2. وإذا أمكن الجمع بين الروايات تعين المصير إليه، لأن العمل بجميع الروايات أولى من تر ك بعضها، والخلاف في كون الخروج إلى حنين في اليوم الخامس أو السادس، ليس من الخلاف الشديد، بل القولان متقاربان كما هو ظاهر. والله أعلم.   1 2/39 كتاب تقصير الصلاة، باب ما جاء في التقصير، وكم يقيم حتى يقصر. 2 البيهقي: السنن الكبرى 3/151، وابن حجر: فتح الباري 2/562، وشمس الحق العظيم آبادي: عون المعبود 4/98- 99. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 المبحث الثاني: في تعيين الأمير على مكة : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد الخروج إلى غزوة أو غيرها عين أميرا يقوم مقامه مدة غيابه يعلم الناس دينهم ويتفقد أحوالهم ويحل مشكلاتهم، وكانت طاعة الأمير واجبة بطاعة الله عز وجل، وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. لما ورد في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-: 34- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع1 أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني "2.   1 وعند أحمد من رواية الأعرج عن أبي هريرة "ومن أطاع الأمير"، وعند مسلم "ومن يطع الأمير". قال ابن حجر: ويمكن رد اللفظين لمعنى واحد، فإن كل من يأمر بحق وكان عادلاً فهو أمير الشارع لأنه تولى بأمره وبشريعته، ويؤيده: توحيد الجواب في الأمرين. وكأن الحكمة في تخصيص أميره بالذكر أن المراد وقت الخطاب، ولأنه سبب ورود الحديث، وأما الحكم فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. (فتح الباري 13/112) . (البخاري: الصحيح 9/51 كتاب الأحكام، باب قول الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} . ومسلم: الصحيح 3/1466 كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية الله، وتحريمها في المعصية. والنسائي: 7/138 كتاب البيعة، باب الترغيب في طاعة الإمام. وابن ماجة: السنن 2/؟؟؟ كتاب الجهاد، باب طاعة الإمام. وعبد الرزاق: المصنف 11/329. وأحمد: المسند 2/244، 252، 270، 313، 342، 416، 471، 511) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 فحين عزم الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الخروج إلى حنين، استخلف عتاب بن أسيد على من بقي من أهل مكة يرعى مصالحهم ويقضي حوائجهم. وقد جاءت في ذلك الآثار الآتية: 35- ما رواه الطبري قال: حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة1، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر قال: "ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه ألفان من أهل مكة، مع عشرة آلاف من أصحابه الذين فتح الله بهم مكة، فكانوا اثني عشر ألفا، واستعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عتاب2 بن أسيد بن أبي العيص بن أمية ابن عبد شمس على مكة أميرا على من غاب عنه من الناس، ثم مضى على وجهه يريد لقاء هوازن" 3. والحديث فيه ثلاث علل: أ- ضعف ابن حميد4. ب- عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلس.   1 سلمة: هو الأبرش، تقدم في حديث (32) ، وتقدم ابن إسحاق في حديث (1) . 2 عتاب - بتشديد التاء - و (أسيد) مكبرا، و (العيص) - بكسر العين المهملة وسكون المثناة التحتية ثم صاد مهملة - ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة القرشي، الأموي، كان رجلا صالحا فاضلا نبيلا، أسلم يوم الفتح واستعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مكة لما سار إلى حنين، وحج بالناس في تلك السنة، وهي سنة ثمان للهجرة، ولم يزل واليا على مكة مدة حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومدة خلافة أبي بكر الصديق، وكان عمره حين استعمل على مكة نيفا وعشرين سنة، وقيل: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمله على مكة بعد رجوعه من حصار الطائف. ومات عتاب - رضي الله عنه - يوم مات أبو بكر الصديق. (انظر ابن سعد: الطبقات الكبرى 5/446، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/153- 154 مع "الإصابة"، وابن الأثير أسد الغابة 3/556، وابن حجر: الإصابة 2/451، والتقريب 2/3، وتهذيب التهذيب 7/89- 90) . (تاريخ الرسل والملوك 3/77) . 4 قال عنه ابن حجر في التقريب 2/156: محمد بن حميد بن حيان الرازي، حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه. وقال الذهبي في ميزان الاعتدال 3/530: محمد بن حميد من بحور العلم، وهو ضعيف، ونقل عن جماعة من النقاد أنهم رموه بالكذب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 جـ الإرسال1. 36- ما رواه خليفة ابن خياط قال: حدثني علي2 بن محمد، عن حماد3 بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد4 بن المسيب قال: افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة سنة ثمان من مهاجره في شهر رمضان فأقام خمسة عشر يوما، ثم شخص5، واستعمل على مكة عتاب بن أسيد6. والحديث فيه علتان: أ- ضعف علي بن زيد بن جدعان7. ب- الإرسال. 37- ما رواه البخاري في "التاريخ" والحاكم في "المستدرك" عن حرمي8 بن   1 فإن عبد الله بن أبي بكر هو ابن محمد بن عمرو بن حزم، ذكره ابن حجر في تقريبه في الطبقة الخامسة، وهي طبقة صغار التابعين الذين رأوا الواحد والاثنين من الصحابة، ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة. (التقريب 1/5، 405، وتهذيب التهذيب 5/164) . 2 علي بن محمد أبو الحسن المدائني الأخباري صاحب التصانيف، اعتمده خليفة بن خياط فيما يتعلق بالمغازي. قال ابن عدي: ليس بالقوي في الحديث، وهو صاحب الأخبار، قل ما له من الروايات المسندة، ووثقه يحيى بن معين (ت 225) . (انظر: الذهبي: ميزان الاعتدال 3/153، وابن حجر: لسان الميزان 4/253، ومقدمة تاريخ خليفة بن خياط لأكرم العمري ص18- 19) . 3 حماد بن سلمة بن دينار البصري، ثقة عابد، أثبت الناس في ثابت البناني، وتغير حفظه بآخره، من كبار الثامنة (ت 167) . /خت م عم. (التقريب 1/197، وتهذيب التهذيب 3/11- 16) . 4 سعيد بن المسيب بن حزن - بوزن سهل - أحد العلماء الأثبات والفقهاء الكبار، من كبار الثانية، اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل. وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علماً منه. (ت بعد90) وقد ناهزالثمانين./ع. (التقريب1/305-306،وتهذيب التهذيب4/84) . 5 شخص: أي خرج. (النهاية لابن الأثير: 2/450- 451) . 6 تاريخ خليفة بن خياط ص: 87. 7 انظر ترجمته في: التقريب 2/37، وتهذيب التهذيب 7/322. قال عنه في التقريب "ضعيف". 8 حرمي - بحاء وراء مفتوحتين وياء مشددة بلفظ النسب - ابن حفص بن عمر العتكي-بفتح المهملة والمثناة - أبو علي البصري، ثقة من كبار العاشرة (ت223) أو (226) /خ د س. (التقريب1/159،وتهذيب التهذيب2/232،والمغني لابن طاهر الهندي ص21) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 حفص العتكي، ثنا خالد1 بن أبي عثمان، عن أيوب بن عبد الله بن يسار، عن عمرو2 بن أبي عقرب قال: سمعت عتاب بن أسيد وهو مسند ظهره إلى بيت الله يقول:"والله ما أصبت في عملي هذا ممّا ولاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ثوبين معقدين كسوتهما مولاي كيسان" 3. ورواه أبو عبيد، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن خالد بن أبي عثمان الأموي به4. والحديث فيه: أيوب بن عبد الله بن يسار، سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم5. وقال ابن حجر: إسناده حسن6. 38- ما رواه الحاكم من طريق مصعب7 بن عبد الله الزبيري قال: استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عتاباً على مكة، ومات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعتاب عامله على مكة، وتوفي عتاب بن أسيد بمكة في جمادى الأخرى سنة ثلاث عشرة8. والحديث معضل9.   1 خالد بن أبي عثمان القرشي الأموي البصري، وهو أخو عبد الله بن أبي عثمان، وهو خالد مولى سيار الذي روى عنه شعبة، ثقة. (البخاري: التاريخ الكبير3/163-164،وابن أبي حاتم: الجرح والتعديل3/345) . 2 عمرو بن أبي عقرب، تابعي كبير مخضرم، سمع عتاب بن أسيد والي مكة، وعتاب مات بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنتين فيكون لعمرو إدراك. ذكره سعيد بن يعقوب في الصحابة برواية موهومة تقتضي أن له صحبة. (ابن حجر: الإصابة 3/116، 117، وانظر: الطبقات الكبرى لابن سعد5/457، والتاريخ الكبير للبخاري6/356، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم6/252) . (التاريخ الكبير للبخاري 7/54، والمستدرك للحاكم 3/595) . (كتاب الأموال ص382) . (البخاري: التاريخ الكبير1/419، وابن أبي حاتم: الجرح والتعديل2/251) . (الإصابة 2/451) . 7 مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي، أبو عبد الله الزبيري، المدني، نزيل بغداد، صدوق عالم بالنسب، من العاشرة (ت 236) /س ق. (التقريب 2/252، وتهذيب التهذيب 10/162- 164) . (المستدرك 3/594- 595) . 9 الحديث المعضل: هو ما سقط من إسناده راويان فأكثر على التوالي. (انظر تدريب الراوي للسيوطي ص129) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 وفي حديث أبي محذورة في قصة تعليمه الأذان، فقلت: يا رسول الله مرني باتأذين بمكة، فقال: "قد أمرتك به"، فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة، فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم" 1. وحسّنَ الألباني القدر الوارد من الحديث في تولية عتاب بن أسيد على مكة ثم ذكر شواهد لذلك2. والخلاصة: أن هذه الآثار الواردة فيمن استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة عند الخروج إلى حنين على فرض أن كل أثر منها لا يخلو من مقال، لكنها تدل بمجموعها على أن لهذه القصة أصلاً. والمعروف من هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا أراد الخروج إلى غزوة من الغزوات استخلف من يقوم مقامه حتى يرجع، والذي عليه إمام أهل المغازي والسير (ابن إسحاق) أن الذي استخلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مكة هو عتاب بن أسيد. وتابعه في هذا جمهور العلماء من أهل السير والمغازي وغيرهم3. وذهب بعض العلماء إلى أن عتابا كان أميرا على مكة، وكان معاذ بن جبل معلما لأهلها4. ومسألة تولية عتاب بن أسيد أميرا على مكة متفق عليها تاريخيا فيؤخذ فيها بالروايات التاريخية وإن لم تنطبق عليها قواعد نقدة الحديث لأنه لا مناص لنا من الخذ بذلك، لأننا أمام أمرين: إما رد هذه المريّات لضعف أسانيدها. وإما الأخذ بها.   1 انظر تخريجه والحكم عليه برقم (256) . 2 تخريجه لأحاديث فقه السيرة لمحمد الغزالي ص433. 3 انظر: (سيرة ابن هشام 2/440، وتاريخ خليفة بن خياط ص88، 97، وأنساب الأشراف للبلاذري ص529، وتاريخ الرسل والملوك للطبري 3/73، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 7/11، وجوامع السيرة لابن حزم ص238، والكامل لابن الأثير 2/178، وكتاب المعارف لابن قتيبة ص71، 123، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/97، وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/468، والإصابة لابن حجر 2/451، وبهجة المحافل للعامري 1/417، والمواهب اللدنية للقسطلاني 1/161) . (المستدرك للحاكم 3/270، وأسد الغابة لابن الأثير 3/256، وشرح ثلاثيات مسند أحمد للسفلريني 2/78) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 والأخذ بها هو الأولى في مثل هذه الحوادث التاريخية التي لا تتعلق بالعقائد والأحكام الشرعية، على أن مجموع الروايات يقوي بعضها بعضا، ولذلك حسّن الحديث ابن حجر لما له من الشواهد. وحسّن الألباني القدر المتعلق بتولية عتاب أميراً بالشواهد المقوية لذلك. وأما ما عدا ذلك من قصة توليته وما حدث فيها فهو الذي يحسن الأخذ به من الناحية التاريخية وإن لم يقو سنده من الناحية الحديثية، وقد جرى العلماء منذ القديم على هذا المسلك. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 المبحث الثالث: عدد الجيش الإسلامي في هذه الغزوة : الجيش الذي خرج إلى غزوة حنين مكون من: أ- الجيش الإسلامي الذي فتح مكة المكرمة. ب- الذين انضافوا إليهم من مسلمة الفتح. وعدد الجيش الذي فتح مكة عشرة آلاف مقاتل، وهو نص حديث ابن عباس عند البخاري، وهذا سياقه 39- قال: حدثني محمود1، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر قال: أخبرني الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف 2، وذلك على رأس ثمان سنين   1 محمود: هو ابن غيلان، أبو أحمد المروزي. 2 قال ابن حجر: وفي مرسل عروة عند ابن إسحاق وابن عائذ: "ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اثني عشر ألفا من المهاجرين والأنصار، وأسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وسليم". ثم قال: وكذا وقع في "الإكليل"، "وشرف المصطفى" ويجمع بينها أن العشرة آلاف خرج بها من المدينة، ثم تلاحق بها الألفان. (فتح الباري 8/4 ونسبه الهيثمي في مجمع الزوائد 6/170) ، للطبراني وقال: وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف. ونسبه ابن كثير لعروة والزهري وموسى بن عقبة. (البداية والنهاية 4/324- 325) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 ونصف1 من مقدمه المدينة، فسار هو ومن معه من المسلمين إلى مكة، يصوم ويصومون". الحديث2. وعند ابن إسحاق قال: حدثني الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس مطولا فيه: "ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزل مر الظهران3 في عشرة آلاف من المسلمين". الحديث4. ومن طريق ابن إسحاق: أخرجه أحمد مختصرا، والطبري، والطحاوي والحاكم بطوله، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي5. وأورده الهيثمي مختصرا وقال: في الصحيح طرف منه في الصيام، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. ثم أورده مطولا وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح6. والحديث دليل واضح على أن الذين خرجوا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - لفتح مكة المكرمة، كانوا عشرة آلاف مقاتل. وقد خرجوا إلى غزوة حنين مع من انضم إليهم من الطلقاء7. 40- فقد ورد عند البخاري ومسلم من طريق معاذ8 بن معاذ، عن   1 قال ابن حجر: هكذا وقع في رواية معمر وهو وهم، والصواب على رأس سبع سنين ونصف، وإنما وقع الوهم من كون غزوة الفتح كانت في سنة ثمان، ومن أثناء ربيع الأول إلى أثناء رمضان نصف سنة سواء، فالتحرير أنها سبع سنين ونصف، وذكر توجيهات أخرى. (الفتح 8/49) . (صحيح البخاري 5/120 كتاب المغازي، باب غزوة الفتح في رمضان) . 3 مر الظهران: هو وادي فاطمة، يقع شمال مكة المكرمة بنحو 30 كم. (انظر: غزوة بني المصطلق ص54- 55) . (سيرة ابن هشام 2/399- 400) . (أحمد: المسند 1/266، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/49، والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/319- 320، والحاكم: المستدرك 3/43) . (مجمع الزوائد6/164-167،وابن كثير: البداية والنهاية4/285-286، 324) . 7 الطلقاء - بضم الطاء وفتح اللام وبالمد - هم الذين أسلموا يوم فتح مكة، ومفرده طليق، يقال ذلك: لمن أطلق من أسار أو وثاق. قال القاضي عياض في المشارق: قيل لمسلمي الفتح الطلقاء لِمَنِّ النبي - صلى الله عليه وسلم عليهم -. (مشارق الأنوار 1/319، وانظر: النهاية لابن الأثير 3/136، وشرح النووي على صحيح مسلم 3/100 و4/469) . 8 معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري، أبو المثنى البصري، القاضي، ثقة متقن، من كبار التاسعة (ت 196) /ع. (ابن حجر: التقريب 2/257) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 ابن عون1، عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان2 وغيرهم بنعمهم3 وذراريهم، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف4 ومن الطلقاء5 ... الحديث6. والحديث يدل على أن الجيش الخارج إلى حنين عشرة آلاف من غير الطلقاء، وقد جاء عند ابن إسحاق أن الطلقاء كانوا ألفين من أهل مكة. ساق ذلك بدون إسناد7. وأخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر قال: "ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه ألفان من أهل مكة، مع عشرة آلاف منن أصحابه الذين فتح الله بهم مكة، فكانوا اثني عشر ألفا"8.   1 هو عبد الله بن عون بن أرطبان - بفتح فسكون - أبو عون البصري، ثقة ثبت فاضل، من أقران أيوب في العلم والعمل والسن، من السادسة (ت 150) على الصحيح /ع. (المصدر السابق 1/439) . 2 نسبة إلى غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. 3 النعم - بفتح العين وقد تسكن - الإبل والشاء، أو خاص بالإبل. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 4/182) . 4 وقع عند مسلم وأحمد من طريق السميط، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: افتتحنا مكة، ثم إنا غزونا حنينا فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت، قال: فصفت الخيل ثم صفت المقاتلة ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم ثم صفت النعم، قال: ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف. الحديث. قال النووي: الرواية الأولى أصح؛ لأن المشهور في كتب المغازي أن المسلمين كانوا اثني عشر ألفا، عشرة آلاف شهدوا الفتح، وألفان من أهل مكة ومن انضاف إليهم، وهذا معنى قوله: "ومعه عشرة آلاف ومعه الطلقاء". قال القاضي عياض: قوله: "ستة آلاف" وهم من الراوي عن أنس. والله أعلم. (انظر: صحيح مسلم 2/736 كتاب الزكاة، ومسند أحمد 3/157، وشرح صحيح مسلم للنووي 3/101) . 5 وعند مسلم من هذه الطريق (ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف ومعه الطلقاء) . وعند البخاري من طريق أزهر عن بن عون (لما كان يوم حنين التقى هوازن ومع النبي - صلّى الله عليه وسلّم ـ، عشرة آلاف والطلقاء". وعند أحمد من طريق: سليم بن أخضر عن ابن عون: "لما يوم حين وجمعت هوازن وغطفان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمعاً كثيراً، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عشرة آلاف أو أكثر ومعه الطلقاء) . (البخاري: الصحيح 5/130- 131، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، واللفظ له. ومسلم: الصحيح2/735 كتاب الزكاة. وأحمد: المسند 3/190، 279-280. ومنتخب كنز العمال 4/171 مع مسند أحمد. ورمز له بـ (ش) عبارة على أن الحديث عند ابن أبي شيبة) . (سيرة ابن هشام 2/440، والبداية والنهاية لابن كثير 4/324) . (تاريخ الرسل والملوك 3/73، وتقدم برقم (35) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 41- وأخرج الطبري أيضا بسنده عن السدي، وابن زيد1 في قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ2 إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] . قالا: "كانوا اثني عشر ألفا"3. وكلا الإسنادين مقطوع4. 42- ورواه أيضا عن عروة بن الزبير، وعن قتادة5. 43- وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق ابن إسحاق قال: حدثنا الزهري قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين في ألفين من مكة وعشرة آلاف كانوا معه فسار بهم الحديث6. 44- وساق بسنده أيضا عن الحاكم فقال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أبو بكر   1 ومحمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ- بضم القاف والفاء بينهما نون ساكنة - التيمي المدني، ثقة من الخامسة /م عم. (التقريب 2/162) . 2 حنين: قال ياقوت: يجوز أن يكون تصغير الحنان، وهو الرحمة تصغير ترخيم. ويجوز أن يكون تصغير الحن، وهو حي من الجن. قال السهيلي: سمي بحنين بن قانية بن مهلائيل، قال وأظنه من العماليق. وهو يذكر ويؤنث. فإن قصدت به البلد ذكرته وصرفته، كما في قوله تعالى {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} . وإن قصدت به البلدة والبقعة أنثته ولم تصرفه، وهو واد قريب من مكة. (معجم البلدان 2/313) . قلت: تصغير الترخيم عبارة عن تصغير الاسم بعد تجريده من الزوائد التي فيه، فإن كانت أصوله ثلاثة صغر على "فعيل" وإن كانت أربعة صغر على "فعيعل" (انظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 2/487) ووادي حنين يسمى الآن (الشرائع) وهو يبعد عن مكة بنحو عشرين كيلا شرقي مكة. معجم المعالم الجغرافية لعاتق البلادي ص107، وحمد الجاسر: التعليق على كتاب المناسك للحربي ص471، وباشميل: غزوة حنين ص60، وفؤاد حمزة: قلب جزيرة العرب ص268) . (جامع البيان 10/101، 103) . 4 الخبر المقطوع ما أضيف إلى التابعي أو من دونه من قول أو فعل. (تدريب الراوي للسيوطي ص117) . وفي سند السدي: أسباط بن نصر، وهو صدوق كثير الخطأ يغرب. والسدي هو إسماعيل بن عبد الرحمن، صدوق يهم ورمي بالتشيع. (التقريب 1/53 و71- 72) . وفي سند ابن زيد انقطاع بينه وبين عبد الله بن وهب. (جامع البيان 10/99- 100) . (دلائل النبوة 3/40- 41 ب-أ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 القاضي1 قالا: نا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: أنا أحمد بن عبد الجبار، قال: نا يونس بن بكير عن أبي جعفر عيسى الرازي، عن الربيع أن رجلا قال يوم حنين لن نغلب اليوم من قلة، فشق ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله تعالى {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] . قال الربيع: وكانوا اثني عشر ألفا، منهم ألفان من أهل مكة2. والحديث فيه: أ- يونس بن بكير "صدوق يخطئ"3 ب- أبو جعفر الرازي التميمي عيسى بن أبي عيسى "صدوق سيئ الحفظ"4. ج- الربيع بن أنس البكري "صدوق له أوهام، ورمي بالتشيع". قال ابن حبان: والناس يتقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر الرازي عنه، لأن في أحاديثه عنه اضطرابا كثيرا5 د- الإرسال، فإن الربيع لم يدرك هذه الوقعة. 54- وروى ابن سعد قال: أخبرنا الضحاك6 بن مخلد الشيباني، أبو عاصم النبيل، قال: أخبرنا عبد الله7 بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب الثقفي، أخبرني   1 هو أحمد بن الحسن القاضي، هكذا ذكر البيهقي غي "دلائل النبوة" 3/42. وتقدمت تراجم رجال بقية الحديث في حديث رقم (23) . (دلائل النبوة 3/41ب، والنظر المواهب اللدنية للقسطلاني 1/161) . (التقريب 2/384) . (المصدر السابق 2/406، والمجروحين لابن حبان 2/120) . (التقريب 1/243، وتهذيب التهذيب 3/238- 239) . 6 هو الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني، أبو عاصم النبيل، البصري، ثقة ثبت، من التاسعة (ت 212) أو بعدها. /ع. (التقريب 1/373، وتهذيب التهذيب 4/450) . 7 عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب بن يعلى، أبو يعلى الثقفي، عن عمرو ابن شعيب، وعطاء بن أبي رباح وغيرهم، وعنه الثوري، ومعتمر بن سليمان، ومروان بن معاوية، ووكيع، وابن مهدي، وابن المبارك، وأبو عاصم وغيرهم. صدوق يخطيء ويهم، من السابعة /بخ م د تم س ق. قال المزي، وتبعه ابن حجر: وقع عند ابن ماجة في التكبير في صلاة العيد سبع أو خمس "عبد الرحمن بن يعلى" وهو خطأ، والصواب هو عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي، وكذلك سماه أبو داود في روايته. ثم قال المزي: وقد روى ابن ماجة غير هذا الحديث على الصواب. (انظر: تهذيب الكمال للمزي 5/414، والتقريب 1/429، 503، وتهذيب التهذيب 5/298- 299، 6/301) . قلت: والحديث الذي أشار إليه المزي وابن حجر عند ابن ماجة في التكبير في صلاة العيد من طريق أبي كريب، وأنه قال فيه عن عبد الرحمن بن يعلى، فإن الحديث في سنن ابن ماجة الموجودة بين أيدينا "عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى". (انظر سنن ابن ماجة 1/407 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في كم يكبر الإمام في صلاة العيدين، و410 باب ما جاء في الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها، وسنن أبي داود 1/262 كتاب الصلاة، باب التكبير في العيدين) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 عبد الله1 بن عياض، عن أبيه2 أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى هوازن في اثني عشر ألفا، فقتل من أهل الطائف يوم حنين مثل من قتل يوم بدر، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترابا من البطحاء فرمى به وجوهنا فانهزمنا 3 والحديث رواه الطبراني من طريق زيد4 بن الحريش، والعباس5 ابن عبد العظيم العنبري، قالا: ثنا أبو عاصم به6. ورواه الحاكم من طريق أبي قلابة7، ثنا أبو عاصم به8. ثم قال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي9.   1 عبد الله بن عياض روى عن أبيه وعنه أبو يعلى عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى ابن كعب الثقفي الطائفي. (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/129) . ووقع في طبقات ابن سعد "وأخبرني عبد الله بن عباس"، والصواب عبد الله بن عياض. (وإسقاط حرف العطف) . 2 عياض بن عبد الله الثقفي، وقال ابن عبد البر: عياض الثقفي. وقال البخاري: عياض له صحبة. قال ابن حجر: فرق ابن الأثير بين عياض الثقفي، وعياض بن عبد الله الثقفي، وهو وهم. (الإصابة 3/49 و183، وأسد الغابة 4/322 و325، والاستيعاب 3/129، وتاريخ البخاري الكبير 7/19) . (الطبقات الكبرى لابن سعد 2/154- 155) . 4 زيد بن الحريش الأهوازي، نزيل البصرة، روى عن عمران بن عيينة وروى عنه إبراهيم بن يوسف الهسنجاني. (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/561) . 5 العباس بن عبد العظيم بن إسماعيل بن توبة العنبري، أبو الفضل البصري، ثقة حافظ، من كبار الحادية عشرة (ت240) /خت م عم. (التقريب1/397،وتهذيب التهذيب5/121) . (المعجم الكبير 17/368- 369) . 7 عبد الملك بن محمد الرقاشي - بفتح الراء وتخفيف القاف ثم معجمة - أبو قلابة البصري، يكنى أبا محمد، وأبو قلابة لقب، صدوق يخطيء، تغير حفظه لما سكن بغداد، من الحادية عشرة، (ت276) /ق. (التقريب 1/522، وتهذيب التهذيب 6/419، ولسان الميزان 5/49 كلها لابن حجر) . (المستدرك 2/121) . (دلائل النبوة 3/45 أ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وأورده الهيثمي ثم قال: رواه الطبراني وفيه: عبد الله بن عياض، ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه، وبقية رجاله ثقات1. وبهذا فإن تصحيح الحاكم لهذا الحديث، وموافقة الذهبي لهن فيه نظر. والخلاصة في هذا أن الأحاديث الصحيحة نصت على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى غزوة حنين بعشرة آلاف مقاتل، و (الطلقاء) ولفظ "الطلقاء" شيء زائد على العشرة الآلاف، وقد بينت هذه الأحاديث بأن الطلقاء كانوا ألفين من اهل مكة، وهي وإن كان كل حديث منها لا يسلم من مقال، إلاّ أنها بمجموعها يقوي بعضها بعضا، ولها أصل في الأحاديث الصحيحة، وهو لفظ "الطلقاء" الزائد على عشرة الآلاف، وأطبق أهل المغازي وغيرهم على أن الطلقاء كانوا ألفين من مسلمة الفتح انضافوا إلى الجيش الإسلامي القادم من المدينة لفتح مكة، وذهبوا جميعاً إلى غزوة حنين وكان عددهم اثني عشر ألفا2. هذا على ما جاء في الروايات الصحيحة بأن الجيش القادم من المدينة المنورة كان عشرة آلاف. وأما على رأي عروة بن الزبير، وموسى بن عقبة، والزهري، بأن الجيش القادم من المدينة اثني عشر ألفا، فيكون مجموع الجيش الخارج إلى حنين أربعة عشر ألفا، وقد تقدم توجيه ذلك3. وقال عطاء: كان المسلمون يوم حنين ستة عشر ألفا4.   (مجمع الزوائد 6/186) . (انظر: سيرة ابن هشام 2/440، وتاريخ الرسل والملوك للطبري 3/73، وتاريخ خليفة بن خياط ص88، وجوامع السيرة لابن حزم ص238، والكامل لابن الأثير 2/178، وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/468، والبداية والنهاية لابن كثير 4/324، والمواهب اللدنية للقسطلاني 1/161، والسيرة الحلبية لبرهان الدين الحلبي 3/63) . 3 تقدم تحت حديث (39) . (تفسير البغوي 3/72) ، مع "الخازن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 المبحث الرابع: استعداد هوازن العسكري : من المعلوم أن هوازن قبيلة قوية في عددها وعددها، وقد أقامت حولا كاملا تعد العدة لحرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 1. وقد انضم إليها بعض القبائل الأخرى من   (انظر: شرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/7، 10- 11، 20- 22) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 غطفان وغيرهم، فأحكموا خطتهم ووقف الجميع صفا واحدا في وجه المسلمين يريدون القضاء عليهم. فقد جاء في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف ومن الطلقاء. الحديث1. وعند مسلم وأحمد من طريق السميط2، عن انس بن مالك. 46- قال: "افتتحنا مكة، ثم أنّا غزونا حنينا، فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت، قال: فصفت3 الخيل، ثم صفت المقاتلة، ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم، ثم صفت النعم". الحديث4. وأخرج أبو داود الطيالسي وأحمد وغيرهما من طريق حماد5 بن سلمة أنا إسحاق6 بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك: 47- "أن هوازن جاءت يوم حنين بالصبيان والنساء والإبل والنعم فجعلوهم صفوفا يكثرون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الحديث7. وأخرجه ابن حبان والحاكم، كلاهما من طريق حماد بن سلمة به. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه8. وسكت عنه الذهبي. 48- وأخرج أبو داود وأحمد كلاهما من طريق نافع9 أبي غالب الباهلي مطولا   1 تقدم برقم (40) . 2 السميط - بضم أوله - وهو ابن عمير، ويقال: ابن سمير السدوسي، البصري، أبو عبد الله، (ابن حجر: التقريب 1/334، والخلاصة للخزرجي 1/440) . 3 فصفت: بابناء للمفعول. (مسلم: الصحيح 2/736 كتاب الزكاة، باب عطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام. واحمد: المسند 3/157) . 5 ثقة، تقدم في حديث (36) . 6 إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري، المدني، أبو يحيى، ثقة حجة، من الرابعة (ت132) وقيل بعدها. /ع. (التقريب 1/59، وتهذيب التهذيب 1/239-240) . 7 أبو داود الطيالسي: المسند 2/108- 109، بترتيب الساعاتي "منحة المعبود"، وأحمد: المسند 3/190، 279. (ابن حبان: موارد الظمآن ص417، والحاكم: المستدرك 2/130) . 9 أبو غالب الباهلي مولاهم، الخياط البصري، اسمه نافع أو رافع، ثقة من الخامسة /د ت ق. (التقريب 2/297، 460، وتهذيب التهذيب 10/415، 12/196) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 فيه: "قال: يا أبا حمزة هل غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم؟ - قال: نعم. غزوت معه يوم حنين فخرج المشركون بكثرة فحملوا علينا حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا". الحديث1. فهذه الأحاديث على اختلاف ألفاظها تدل على أن هوازن استعدت للمعركة استعدادا كاملا، ولم تدخر شيئا في وسعها. وقد وصف ابن إسحاق جموع هوازن المتكاثرة فقال: لما سمعت هوازن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما فتح الله عليه من مكة، جمعها مالك2 بن عوف النصري، فاجتمع إليه   1 أبو داود: (السنن 2/186) ، كتاب الجنائز، باب أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه. وأحمد: المسند 3/151 واللفظ له وإسناده حسن. وأخرجه الترمذي وابن ماجة كلاهما من طريق نافع بن أبي غالب مختصرا بقصة الصلاة على الجنازة دون قصة حنين، وحسنه الترمذي. (سنن الترمذي 2/249- 250 كتاب الجنائز باب ما جاء أين يقوم الإمام من الرجل والمرأة، وسنن ابن ماجة 1/479 فيه) . 2 مالك بن عوف بن سعد بن ربييعة بن يربوع بن واثلة بن دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن، أبو علي النصري - بالصاد المهملة - نسبة إلى جده الأعلى نصر المذكور. ووقع في بعض الكتب النضري - بالضاد المعجمة - وهو خطأ. قاد مالك جيوش هوازن في غزوة حنين وكان عمره ثلاثين سنة، أسلم في الجعرانة بعد أن هزم هو وجنده وحسن إسلامه، واستعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على من أسلم من قومه فكان يقاتل ثقيفا فلا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه حتى يصيبه. ثم شهد فتح دمشق وشهد القادسية مع سعد بن أبي وقاص. ووقع في المعجم الكبير للطبراني 17/301 عن أبي خليفة الفضل بن الحباب عن محمد بن سلام الجمحي قال: كان مالك بن عوف النصري رئيساً مقداماً، وكان أول ذكره وما شهر من بلائه "يوم الفجار" مع قومه كثر صنيعه يومئذ وهو على هوازن حين لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق مع الناس أموالهم ... الخ. وذكر انهزامه ولحوقه بالطائف. وحصل خطأ في قوله: أول ما شهر من بلائه "يوم الفجار". والصواب "يوم حنين" وذلك لأن "آخر الفجارات" حضره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عمومته وعمره (20) سنة على رأي ابن إسحاق، وكانت غزوة حنين في السنة الثامنة للهجرة وبين آخر حروب الفجار وغزوة حنين (61) سنة، وكان عمر مالك بن عوف عندما قاد جيوش هوازن في حنين (30) سنة، فتكون حرب الفجار وقعت قبل ميلاد مالك بن عوف بـ (31) سنة. وحديث الطبراني هذا أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 6/184- 185 وقال: رواه الطبراني عن خليفة بن خياط محمد بن سلام الجمحي، (وقوله: خليفة بن خياط) خطأ والصواب "أبو خليفة الفضل بن حباب" كما هو في معجم الطبراني. وقال ابن حجر: وانقلب "مالك بن عوف" على خليفة بن خياط فسماه (عوف بن مالك) . (انظر ترجمة مالك في جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص269، والاستيعاب لابن عبد البر 3/380 مع الإصابة، وأسد الغابة لابن الأثير 5/42، وتاريخ ابن خلدون 2/310، والإصابة لابن حجر 3/182، 352، وسيرة ابن هشام 1/184، 186، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/150، وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/5، وتاريخ خليفة بن خياط ص99) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 من هوازن ثقيف كلها، واجتمعت نصر، وجشم كلها، وسعد بن بكر وناس من بني هلال وهم قليل، ولم يشهدها من قيس عيلان إلاّ هؤلاء، وغاب عنها فلم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب، ولم يشهدها منهم أحد له اسم، وفي بني جشم دريد1 بن الصمة شيخ كبير ليس فيه شيء إلا التيمن2 برأيه ومعرفته الحرب، وكان شيخاً3 مجرباً، وفي ثقيف سيدان لهم4، وفي الأحلاف5 قارب6 بن الأسود بن مسعود بن معتب، وفي بني مالك ذو الخمار7 سبيع بن الحارث بن مالك، وأخوه أحمر بن الحارث، وجماع8 أمر الناس إلى مالك بن عوف النصري، فلما أجمع المسير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حط مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم، فلما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس وفيهم دريد بن الصمة في شجار9 له يقاد به، فلما نزل قال: بأي   1 دريد بن الصمة - واسم الصمة - معاوية بن بكر بن علقمة بن خزاعة بن غزية - بوزن عطية - ابن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن، قتل كافرا في هذه الغزوة، وسيأتي الخلاف فيمن قتله في حديث (97) . (جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص270. والروض الأنف للسهيلي 7/200- 201) . 2 التيمن: التبرك. (النهاية لابن الأثير 5/302، والقاموس للفيروز آبادي 4/278) . 3 وعند الواقدي: ونصرها دريد بن الصمة في بني جشم وهو يومئذ ابن ستين ومائة سنة، شيخ كبير ليس فيه شيء إلا التيمن به ومعرفته بالحرب، وكان شيخا مجربا، وقد ذهب بصره يومئذ. (المغازي 3/886) . 4 وعند الطبري: "وعلى ثقيف: عبد ياليل" انظر ص186. 5 الأحلاف: هم أحد قبيلي ثقيف، فإن ثقيفا قسمان: أحدهما: بنو مالك. والثاني: الأحلاف. (ابن الأثير: اللباب في تهذيب الأنساب 1/33، وأسد الغابة 4/375) . 6 هو ابن أخي عروة بن مسعود كانت معه راية الأحلاف في غزوة حنين، فلما انهزم المشركون أسند الراية إلى شجرة وهرب. قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو وأبو مليح بن عروة بن مسعود المدينة قبل وفد ثقيف حين قتلت ثقيف عروة بن مسعود، يريدان مفارقة ثقيف، وأن لا يجامعوهم على شيء أبدا، فأسلما فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ: توليا من شئتما، فقالا: نتولى الله ورسوله. (ابن الأثير: أسد الغابة 4/375- 376) . 7 ذو الخمار: بالخاء والميم قتل كافرا في هذه الغزوة. (سيرة ابن هشام 2/437 و450. والكلاعي: الاكتفاء 2/333) . ووهم المعلقون على سيرة ابن هشام فقالوا: اسمه عوف بن الربيع، وعوف ابن الربيع صحابي من أسد وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو: ذو الخيار - بالخاء والمثناة التحتانية -. (انظر: ابن الأثير: أسد الغابة 4/310، وابن حجر: الإصابة 3/42) . 8 في (المصباح المنير 1/133) : وجماع الناس بالضم والتثقيل أخلاطهم، وكذا في (المعجم الوسيط 1/135) . 9 الشجار: هو مركب مكشوف دون الهودج، ويقال له: مشجر أيضا. (ابن الأثير: النهاية 2/446. والروض الأنف للسهيلي 7/201) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 واد أنتم؟ قالوا: ب أوطاس، قال: نعم مجال الخيل! لا حزن1 ضرس ولا سهل دهس2، ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار3 الشاء؟ قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم. قال: أين مالك؟ قيل: هذا مالك ودعي له، فقال: يا مالك4، إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام، ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاء؟ قال: سقت مع الناس اموالهم، وأبناءهم، ونساءهم، قال: ولِمَ ذاك؟ قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله، ليقاتل عنهم، قال: فأنقض به5، ثم قال: راعي ضأن6 والله! وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك" الحديث7. قال ابن كثير: بعد إيراده لهذا الحديث: هكذا أورده ابن إسحاق من غير إسناد. وقد روى يونس بن بكير عن ابن إسحاق، عن عاصم بم عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه8.   1 الحزن: بفتح الحاء وسكون الزاي، المكان الغليظ الخشن. والضرس: بكسر الضاد وسكون الراء: الأكام الخشنة. (المصدر السابق 1/380، 3/83) . 2 الدهس - بفتح الدال وسكون الهاء - ما سهل ولان من الأرض ولم يبلغ أن يكون رملا. (المصدر السابق 2/145) . 3 وعند الواقدي: "وثغاء الشاء". (المغازي 3/887 - والمراد: صوت الشاء) . 4 وعند الواقدي: "يا مالك إنك تقاتل رجلا كريما وقد اصبحت رئيس قومك ... الخ". (المغازي 3/887) . 5 وعند الواقدي: "فأنقض بيديه". (المغازي 3/888) . قال ابن الأثير: "وفي حديث هوازن "فأنقض به دريد"، أي نقر بلسانه في فيه، كما يزجر الحمار، فعله استجهالا به. قال الخطابي: أنقض به، أي صفق بإحدى يديه على الأخرى، حتى يسمع لهما نقيض، أي صوت. (النهاية 5/107) . وقال السهيلي: الإنقاض بالأصبع الوسطى والإبهام كأنه يدفع بهما شيئا. (الروض الأنف 7/201) . 6 وعند الواقدي: "راعي ضأن ما له وللحرب؟ ". (المغازي 3/888) وانظر: الروض الأنف 7/201. (سيرة ابن هشام 2/437، وانظر: مغازي الواقدي 3/885، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/149) . 8 تقدم الحديث برقم (23) وإسناده حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وعن عمرو بن شعيب، والزهري، وعبد الله بن أبي بكر بن عمرو ابن حزم وغيرهم قصة حنين فذكر نحو ما تقدم1. وأخرج الطبري فقال: حدثنا بشر2 بن معاذ قال: ثنا يزيد3، قال: ثنا سعيد4، عن قتادة5، قوله: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} . [سورة التوبة، من الآية: 25] . حتى بلغ {وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} ، [سورة التوبة، من الآية: 26] 6. قال: وحنين ماء بين مكة والطائف، قاتل عليها نبي الله هوازن وثقيف، وعلى هوازن مالك بن عوف أخو بني نصر، وعلى ثقيف عبد ياليل بن عمرو الثقفي" الحديث7. وهذه الأحاديث المتقدمة تدل على أن هوازن كانت قد جمعت جمعا كثيرا، وإن كانت لم تنص على عدد هوازن ومن معهم صراحة، وقد ورد عند الواقدي ما يدل على أن عدد هوازن ومن معهم عشرون ألفا. قال: ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن أبي حدرد8 الأسلمي فقال له: انطلق فادخل حتى تأتي بخبر منهم، وما يقول مالك، فخرج عبد الله فطاف في عسكرهم، ثم انتهى إلى مالك بن عوف فوجد عنده رؤساء هوازن، فسمعه يقول لأصحابه: إن محمدا لم يقاتل قط قبل هذه المرة، وإنما يلقى قوما أغمارا9 لا علم لهم بالحرب فينصر   1 البداية والنهاية 4/324. 2 بشر بن معاذ العقدي - بفتح المهملة والقاف- أبو سهل البصري، الضرير، صدوق، من العاشرة (ت سنة بضع وأربعين بعد المائتين) /ت س ق. (التقريب 1/101، وتهذيب التهذيب 1/458) . 3 يزيد: هو ابن زريع البصري، أو معاوية "ثقة ثبت" تقدم في حديث (1) . 4 هو سعيد بن أبي عروبة - بفتح مهملة وضم راء خفيفة وبموحدة - واسمه: مهران اليشكري، مولاهم أبو النضر البصري، ثقة حافظ له تصانيف، لكنه كثير التدليس، واختلط، وكان أثبت الناس في قتادة، من السادسة (ت 156، وقيل: 157) . /ع. (التقريب 1/302، وتهذيب التهذيب 4/63، والمغني لابن طاهر الهندي ص54) . 5 قتادة بن دعامة - بكسر مهملة وخفة عين مهملة - بن قتادة السدسي، أبو الخطاب البصري ثقة ثبت، يقال: ولد أكمه وهو رأس الطبقة الرابعة (ت سنة بضع عشرة بعد المائة) /ع. (التقريب 2/123، وتهذيب التهذيب 8/351، والمغني لابن طاهر الهندي ص30) . (الروض الأنف للسهيلي 7/183) . 7 الطبري: جامع البيان 10/100، وتقدم برقم (42) . 8 هو عبد الله بن أبي حدرد، وإرساله إلى هوازن ليعرف وجهتهم، ثابت من حديث جابر بن عبد الله - المتقدم برقم (23) . 9 الأغمار: جمع غمر - بالضم - وهو الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور. (ابن الأثير: النهاية 3/385) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 عليهم فإذا كان في السحر فصفوا مواشيكم ونساءكم وأبناءكم من ورائكم، ثم صفوا صفوفكم، ثم تكون الحملة منكم، واكسروا جفون سيوفكم فتلقونهم بعشرين ألف سيف مكسورة الجفون1، واحملوا حملة رجل واحد واعلموا أن الغلبة لمن حمل أولا". الحديث2. فقوله في هذا الحديث: "فتلقونه بعشرين ألف سيف" يدل على أن القوم كانوا عشرين ألفا. وكون هوازن كانت عشرين ألفا أو أكثر ذلك، وإن لم يرد ذلك في حديث صحيح مصرح به. إلا أن في الأحاديث الصحيحة الثابتة ما يؤيد هذا، فقد تقدم في حديث أنس بن مالك أنه قال: "لما كان يوم حنين وجمعت هوازن وغطفان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جمعا كثيرا". وفيه أيضا:"لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم"3. وفي حديث جابر بن عبد الله قال: "لما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فتح مكة، جمع مالك بن عوف من بني نصر وجشم، ومن سعد بن بكر، وأوزاع من بني هلال، وناسا من بني عمرو ابن عامر، وعوف بن عامر، وأوزعت معهم الأحناف من ثقيف وبنو مالك"4. وفي حديث سهل بن الحنظلية: أنهم ساروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فأطنبوا السير حتى كان عشية، فحضرت صلاة الظهر عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء رجل فارس فقال: "يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشائهم، اجتمعوا إلى حنين" الحديث5. فمن خلال هذه الألفاظ الواردة في الأحاديث الصحيحة يفهم منها أن القوم حشدوا جموعا كثيرة، وقد تقدم في أول هذا المبحث أنهم أقاموا حولا كاملا يعدون العدة لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.   1 جفن السيف: غمده الذي يكون فيه. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 4/209) . (مغازي الواقدي 3/893) . 3 تقدم برقم (40) . 4 تقدم برقم (23) . 5 سيأتي تخريجه برقم (50) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 ولذا فقد قال ابن حجر: والعذر لمن انهزم من غير المؤلفة أن العدو كانوا ضعفهم في العدد وأكثر من ذلك1. وعند القسطلاني: "فاستقبلهم من هوازن ما لم يروا مثله قط من السواد والكثرة"2. وعند الزرقاني: "إنهم كانوا أضعاف المسلمين". ثم قال: "وما وقع في البيضاوي والبغوي ونحوهما أن ثقيفا وهوازن كانوا أربعة آلاف إن صح فلا ينافيه لأنهم انضم إليهم من العرب ما بلغوا به ذلك، فقد مر أنهم أقاموا حولا يجمعون لحربه عليه السلام لا أنهم باعتبار ما معهم من نساء ودواب يرون ضعفا وأضعاف المسلمين، وإن كانوا في نفس الأمر أربعة آلاف، لأن بعده لا يخفى؛ لأن فيه رد كلام الحفاظ الثقات الأثبات بلا دليل، فإن أربعة داخلة في الزائد فلا يصح رد الزائد إليها بهذا الحمل المتعسف الذي يأباه قول مالك بن عوف "تلقونه بعشرين ألف سيف". فإن البهائم لا سيوف معها3. وهذه الجموع الهائلة جمعها مالك بن عوف في وادي أوطاس4، ثم أرسل عيونه إلى المسلمين ليعلم مدى قوتهم واستعدادهم لخوض المعركة. 49- قال ابن إسحاق: وحدثني أمية5 بن عبد الله بن عمرو بن عثمان أنه حدث: أن مالك بن عوف بعث عيونا من رجاله، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم، فقال: ويلكم! فقالوا: رأينا رجالا بيضا على خيل بلق6 فو الله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى، فو الله مارده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد7.   1 فتح الباري 8/29. (المواهب اللدنية 1/162) . (الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/7، 10، 11، 20، 22) . وانظر: (باشميل: غزوة حنين ص 69- 70، 73- 74، 78، 80، 115- 116، 125، 128، 139، 148- 149) . وانظر: (تفسير القرآن الكريم للبيضاوي ص221،وتفسير البغوي3/72مع الخازن) . 4 انظر ص 252 تعليقة (1) . 5 قال فيه ابن أبي حاتم: سئل عنه أبي فقال: ما بحديثه بأس. (الجرح والتعديل 2/301- 302) . 6 البلق - محركة - سواد وبياض كالبلقة - بالضم - وارتفاع التحجيل إلى الفخذين. (ابن منظور: لسان العرب 11/307، والفيروز آبادي: القاموس 3/214) . (ابن هشام: السيرة 2/439) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 ومن هذه الطريق أخرجه الطبري1. والحديث ضعيف، لأن أمية بن عبد الله لم يصرح بمن حدثه. وعند الواقدي: "قال: بعث مالك بن عوف رجالا من هوازن ينظرون إلى محمد وأصحابه –ثلاثة نفر– وأمرهم أن يتفرقوا في المعسكر، فرجعوا إليه وقد تفرقت أوصالهم، فقال: ما شأنكم ويلكم؟ ". قالوا: رأينا رجالا بيضا على خيل بلق، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى! وقالوا له: ما نقاتل أهل الأرض، إن نقاتل إلا أهل السموات - وإن أفئدة عيونه تخفق2- وإن أطعتنا رجعت بقومك فإن الناس إن رأوا مثل ما رأينا أصابهم مثل الذي أصابنا. قال: أف3 لكم! بل أنتم قوم أجبن أهل العسكر، فحبسهم عنده فرقا4 أن يشيع ذلك الرعب في العسكر، وقال: دلوني على رجل شجاع، فأجمعوا له على رجل فخرج ثم رجع إليه وقد أصابه نحو ما أصاب من قبله منهم، فقال: ما رأيت؟ قال: رأيت رجالا بيضا على خيل بلق ما يطاق النظر إليهم، فوالله ما تماسكت أن أصابني ما ترى! فلم يثنه5 ذلك عن وجهه6. والحديث رواه الواقدي عن مشايخه مرسلا، وفيه الواقدي وقد وهنه العلماء، وقد تناقل العلماء هذه المسألة في مؤلفاتهم، وهي وإن لم تثبت من الناحية الحديثية، إلا أن الجواسيس والعيون لرصد المعلومات عن العدو وقدرته القتالية قبل القيام بالهجوم المباشر أمر متعارف عليه لدى القادة والرؤساء، وهو شيء يضعه كل قائد مسؤول في مقدمة خططه وحساباته واستعداداته لمواجهة خصمه7.   (تاريخ الرسل والملوك 3/72، وانظر: ابن كثير: البداية والنهاية 4/323) . 2 تخفق: تتحرك وتضطرب رعبا من هول ما رأت. (ابن الأثير: النهاية 1/56، والفيروز آبادي: القاموس 3/227- 228) . 3 أف لكم: كلمة معناها التضجر، والمراد بها هنا الاحتقار. (ابن الأثير: النهاية 1/55) . 4 فرقا: أي خوفا. 5 فلم يثنه: أي لم يرده ذلك عن عزمه وتصميمه. (المصباح المنير1/105و2/565) . (الواقدي: المغازي 3/892، وانظر: ابن سعد الطبقات الكبرى 2/150، وابن الأثير: الكامل 2/178، وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/467، والقسطلاني: المواهب اللدنية 1/161، والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/7) . (باشميل: غزوة حنين ص111) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 المبحث الخامس: تبشير الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالنصر، وبيان فضل الحراسة في سبيل الله: لما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بان هوازن ومن شايعها من القبائل الأخرى حشدت قواها لضرب المسلمين، اهتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لذلك غاية لاهتمام، وأعد للموقف عدته. فأمر أحد قواده أن يذهب إلى القوم ليعلم له ذلك، وليرصد له وجهتهم وقدراتهم القتالية، زيادة في التثبت في حقيقة الأمر. فذهب ذلك الجندي لمهمته، فدخل في القوم فوجدهم على أتم استعداد لملاقاة المسلمين، قد جمعوا جموعهم بما فيهم النساء والذراري والأموال، فعاد مسرعا، فنقل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبرهم، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله. وهذا هو صريح حديث سهل1 بن الحنظلية عند أبي داود وغيره. 50- وهذا سياقه عند أبي داود قال: حدثنا أبو توبة2، أخبرنا معاوية3 - يعني ابن سلام - عن زيد4 - يعني ابن سلام – أنه سمع أبا سلام5 قال: حدثني   1 سهل ابن الحنظلية، اختلف في اسم أبيه. والمشهور أن اسم أبيه: عمرو بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي. والحنظلية: أمه، وقيل: أم أبيه، وقيل: أم جده. شهد سهل بيعة الرضوان، وأحدا، والخندق والمشاهد كلها ما عدا بدرا، كان فاضلا كثير الصلاة والذكر، وكان عقيما لا يولد له، مات بدمشق في خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. /بخ د س. (ابن حجر: التقريب 1/336، وتهذيب التهذيب 4/250، والإصابة 2/86، وابن الأثير: أسد الغابة 2/469، وابن قدامة: الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار ص239) . 2 هو الربيع بن نافع، أبو توبة الحلبي، نزيل طرطوس، ثقة حجة، عابد، من العاشرة (ت 241) . /خ م د س ق. (ابن حجر: التقريب 1/246) . 3 معاوية بن سلام - بالتشديد - ابن أبي سلام، أبو سلام الدمشقي، وكان يسكن حمص، ثقة، من السابعة (ت في حدود 170) /ع. (المصدر السابق 2/259) . 4 زيد بن سلام - أخو معاوية - ابن أبي سلام ممطور، الحبشي - بالمهملة والموحدة والمعجمة - ثقة من السادسة /بخ م عم. (المصدر السابق 1/275) . 5 أبو سلام هو ممطور الأسود الحبشي، أبو سلام - جد زيد ومعاوية - ثقة، يرسل، من الثالثة /بخ م عم. (المصدر السابق 2/273) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 السلولي1 أبو كبشة أنه حدثه سهل بن الحنظلية أنهم ساروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فأطنبوا2 السير حتى كان عشية3 فحضرت4 صلاة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء رجل5 فارس فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة6 آبائهم بظعنهم7 ونعمهم وشائهم،   1 السلولي - بفتح مهملة وتخفيف اللام - أبو كبشة الشامي، ثقة من الثانية /خ د ت س. (المصدر السابق 2/465) . وقد وقع في التقريب من النسخة المصرية ذكر أبي كبشة السلولي من باب التمييز، والصواب ما أثبته كما في: (تهذيل الكمال9/68، وتهذيب التهذيب 12/210، والتقريب الطبعة الهندية ص423، والكاشف للذهبي3/370، والخلاصة للخزرجي 3/239) . 2 فأطنبوا في السير: أي بالغوا فيه وتبع بعض الإبل بعضا، يقال: أطنب في الكلام إذا بالغ فيه، وأطنبت الإبل إذا تبع بعضها بعضا في السير، وأطنب الريح إذا اشتدت في غبار. (ابن منظور: لسان العرب 2/50، والفيومي: المصباح المنير 2/449، والفيروز آبادي: القاموس المحيط 1/98) . 3 عشية: بالنصب على أنه خبر كان، واسمها محذوف، أي كان الوقت عشية. 4 وعند الطبراني: وحضرت الصلاة. وعند الحاكم والبيهقي: فحضرت الصلاة، وعند البيهقي أيضا في الدلائل: فحضرت صلاة الظهر. 5 قول: "رجل فارس"، أي راكب فرسا. وقال ابن حجر في فتح الباري 8/27: وهذا الرجل قد ورد عند ابن إسحاق من حديث جابر بن عبد الله ما يدل على أنه عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي. وقد تقدم حديث جابر المشار إليه. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. ولفظه: "عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سار إلى حنين لما فرغ من فتح مكة، جمع مالك بن عوف النصري من بني نصر وجشم، ومن سعد بن بكر، وأوزاع من بني هلال" الحديث. وفيه: "فلما سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، فقال: اذهب فأدخل في القوم حتى تعلم لنا من علمهم، فدخل فمكث فيهم يوما أو يومين، ثم أقبل فأخبره الخبر". الحديث. تقدم برقم (23) . وصرح بهذا أيضا الحلبي في سيرته (3/63) . 6 وعند ابن أبي عاصم والطبراني والحاكم والبيهقي "على بكرة أبيهم". قال ابن الأثير: هذه كلمة للعرب يريدون بها الكثرة وتوفر العدد، وأنهم جاءوا جميعا لم يتخلف منهم أحد، وليس هناك بكرة في الحقيقة، وهي التي يستقى عليها الماء، فاستعيرت في هذاالموضع. (النهاية1/149،وابن منظور: لسان العرب5/147) . 7 الظعن: النساء، واحدتها ظعينة، وأصل الظعينة: الراحلة التي يرحل ويظعن عليها، أي يسار عليها. وقيل للمرأة ظعينة، لأنها تظعن مع الزوج إذا ظعن، أو لأنها تحمل على الراحلة إذا ظعنت، وقيل للظعينة: المرأة في الهودج، ثم قيل للهودج بلا امرأة، وللمرأة بلا هودج: ظعينة. وجمع الظعينة: ظعن - بضم الظاء وسكون العين وتحريكها -، وظعائن، وأظعان. والنعم: بفتح العين وقد تسكن: الإبل والبقر والغنم، والنعم: جمع لا واحد له من لفظه. وشائهم: جمع شاة، والشاة الواحدة من الغنم، تقع على الذكر والأنثى، يقال لكل واحد شاة، وقيل: تكون الشاة من الضأن والمعز والظباء والبقر والنعام وحمر الوحش. (النهاية 3/157، ولسان العرب 16/64، 17/141، 404، والمصباح المنير 1/389، 2/456، والقاموس المحيط 4/182، 287، 245) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 اجتمعوا1 إلى حنين فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله. ثم قال: من يحرسنا الليلة؟ 2. قال أنس3 بن أبي مرثد4 الغنوي: أنا يا رسول الله، قال: فاركب، فركب فرسا له، وجاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "استقبل5 هذا الشعب حتى تكون في أعلاه، ولا نغرن6 من قبلك الليلة، فلما أصبحنا"7 خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مصلاه فركع ركعتين، ثم قال: "هل أحسستم8 فارسكم؟ قالوا: يا رسول الله ما أحسسناه، فثُوّب9 بالصلاة، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو   1 وعند البيهقي: متوجهون إلى حنين. وكذا عند الحاكم. 2 وعند الحاكم والبيهقي: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ: ألا رجلا يكلأنا الليلة؟ ". 3 هو: أنس بن أبي مرثد الغنوي، يعود نسبه إلى قيس عيلان. وقيل فيه: "أنيس" بالتصغير، يكنى أبا يزيد. اختلف في اسم أبيه، وفي سياق نسبه. فنسبه بعضهم للأنصار لحلف كان بينهم. قال ابن الأثير: وليس هذا من الأنصار في شيء، وإنما هو غنوي حليف حمزة بن عبد المطلب. (انظر سيرة ابن هشام 1/678، 2/169- 170، والاستيعاب لابن عبد البر 1/61، 3/429 مع الإصابة، وأسد الغابة لابن الأثير1/153، 159، 4/500، 5/137، والإصابة لابن حجر1/73، 3/307، 4/177، والتاريخ الكبير للبخاري 2/30، وتحفة الأشراف للمزي 3/320) . 4 مرثد - بمفتوحة وسكون راء ومثلثة - وزن جعفر. (انظر: الإصابة لابن حجر 3/307، والمغني لابن طاهر الهندي ص70) . 5 وعند البيهقي: "انطلق إلى هذا الشعب حتى تكون في أعلاه، ولا تنزلن إلا مصليا أو قاضي حاجة". 6 قوله: ولا نغرن: بصيغة المتكلم مع الغير على البناء للمفعول، من الغرور، وفي آخره نون ثقيلة، أي لا يجيئنا العدو من قبلك على غفلة منك. وقد وردت هذه الفظة بالتاء والياء والفعل في الجميع مؤكد ومبني للمفعول. (عون المعبود 7/179- 180) . 7 وعند ابن أبي عاصم: "فلما أصبحت". وعند البيهقي:"فلما كان الغد خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي". 8 وعند ابن أبي عاصم والطبراني والبيهقي: "هل حسستم فارسكم؟، فقال رجل: يا رسول الله، ما حسسناه". 9 فثوب بالصلاة: بالبناء للمفعول، وعند أبي داود في كتاب الصلاة من هذا الطريق، ومن طريقه أخرجه البيهقي في كتاب الصلاة عن أبي سلام قال حدثني السلولي عن سهل بن الحنظلية قال: ثوب بالصلاة - يعني صلاة الصبح - والمعنى: أقيمت الصلاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 يتلفت1 إلى الشعب حتى إذا قضى صلاته وسلم فقال: "أبشروا فقد جاءكم فارسكم"2، فجعلنا ننظر إلى خلال3 الشجر في الشعب، فإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب، حيث أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما أصبحت4 اطلعت الشعبين كليهما فلم أر أحدا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل نزلت5 الليلة؟ قال: لا، إلا مصليا أو قاضيا حاجة6، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد أوجبت7 فلا عليك أن لا تعمل بعدها "8.   1 وعند أبي داود في كتاب الصلاة، والبيهقي من طريقه: "فحعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو يلتفت إلى الشعب، وقد كان أرسل فارسا إلى الشعب من الليل يحرس". وعند ابن أبي عاصم: "فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلى يلتفت إلى الشعب". وعند الطبراني: "فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة يلتفت إلى الشعب". والحديث فيه جواز الالتفات في الصلاة ما لم يلو عنقه خلف ظهره. ويدل لذلك أيضا ما أخرجه الحاكم في المستدرك 1/236- 237 عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلتفت في صلاته يمينا وشمالا ولا يلوي عنقه خلف ظهره". ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. ثم قال: قد اتفقا على إخراج حديث أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سألت رسول الله - صلى اله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة، فقال: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد". ثم قال: وهذا الالتفات غير ذاك، فإن الالتفات المباح أن يلحظ بعينه يمينا وشمالا، ثم أورد حديث الباب شاهدا لحديث ابن عباس. وأورد الحازمي: حديث ابن عباس ثم قال: تفرد به الفضل بن موسى عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند متصلا، وأرسله غيره عن عكرمة، ثم قال: وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز الالتفات في الصلاة ما لم يلو عنقه، وإليه ذهب عطاء ومالك وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي وأهل الكوفة، ثم أورد حديث الباب شاهدا لهم، ثم قال: وقال من ذهب إلى حديث ابن عباس هذا الحديث لا يناقض حديث سهل بن الحنظلية، لاحتمال أن الشعب كان في جهة القبلة، وكان صلى الله عليه وسلم يلتفت إلى الشعب ولا يلوي عنقه، ثم ذكر من قال بالمنع مطلقا ومن قال بالكراهة، والمسألة خلافية. (الحازمي: الاعتبار ص66، وعون المعبود 3/184- 185) . 2 عند الحاكم والبيهقي: "إن فارسكم قد أقبل" 3 عند الحاكم: "فجعلنا ننظر إلى ظل الشجرة". 4 وعند البيهقي: "فلما أصبحنا طلعت على الشعبين". 5 عند ابن أبي عاصم: "أنزلت الليلة؟ ". وعند الطبراني والحاكم والبييهقي: "نزلت الليلة؟ "، بإسقاط أداة الاستفهام. وعن الحاكم والبيهقي: "لعلك نزلت". 6 في بعض الألفاظ: "أو قاضي حاجة" بالإضافة. 7 قوله:"قد أوجبت" أي علمت عملا يوجب لك الجنة، فلا ضرر ولا جناح عليك في ترك العمل بعد هذه الحراسة لأنها تكفيك لدخول الجنة. (عون المعبود7/180) . قلت: وهذا كقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أهل بدر: "لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". ولكن الصحابة رضوان الله عليهم قابلوا هذا بالشكر والمواظبة على الأعمال الصالحة ومواصلة الجهاد في سبيل الدعوة إلى الله حتى آخر لحظة من حياتهم، ولم يكن للاتكال سبيل إلى نفوسهم لكمال معرفتهم بدينهم وعظيم خشيتهم من ربهم. 8 أبو داود: (السنن 1/210) ، كتاب الصلاة، باب الرخصة في الالتفات في الصلاة، 2/9 كتاب الجهاد، باب في فضل الحراسة في سبيل الله عز وجل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 والحديث أخرجه النسائي في "السنن الكبرى". والبخاري في "التاريخ". وابن أبي عاصم والطبراني. والحاكم والبيهقي والحازمي مختصرا ومطولا، الجميع من طريق معاوية بن سلام الدمشقي به1. وقال الحاكم: هذا الإسناد من أوله إلى آخره صحيح على شرط الشيخين غير أنهما لم يخرجا مسانيد سهل بن الحنظلية لقلة رواية التابعين عنه وهو من كبار الصحابة. ووافقه الذهبي. وأورده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وقال: أخرجه أبو داود والحاكم من طريق أبي توبة الربيع بن نافع الحلبي، ثنا معاوية بن سلام به. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي، وهو كما قالا2. والحديث يدل على اهتمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - البالغ بمعرفة أعدائه، حيث كان يتابع تحركاتهم ويرقب سيرهم حتى يكون على بصيرة وخبرة بما يدبرون ضده من مؤامرات، وفيه معجزة نبوته حيث أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ما حشدته هوازن من قوة ستكون غنيمة للمسلمين، وقد وقع ما أخبر به عليه الصلاة والسلام. وفيه منقبة عظيمة لأنس بن أبي مرثد الغنوي، وفضل الحراسة في سبيل الله عز وجل. وفيه تسابق الصحابة وحرصهم على ما فيه نفع للمسلمين وخدمة لدينهم وامتثال أمر نبيهم - صلى الله عليه وسلم -. ودقة التزامهم بأوامره - صلى الله عليه وسلم -. فلم يبرح أنس موضعه إلا في حدود   1 انظر: تحفة الأشراف للمزي 4/95 حديث (4650) . والتاريخ الكبير للبخاري 2/30، وكتاب الجهاد لابن أبي عاصم ص50 ضمن مجموعة (27) ورقمه العام (535) . و (المعجم الكبير للطبراني 6/115- 116) . و (المستدرك للحاكم 1/237، 2/83- 84) . (السنن الكبرى للبيهقي 2/7، 13، 348، 9/149) . و (دلائل النبوة 3/43ب) . 2 المجلد الأول، حديث رقم (378) وتحقيق لأحاديث مشكاة المصابيح حاشية 3/1668. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 الرخصة التي أذن له فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهكذا يكون الاتباع والامتثال بالوقوف عند أوامر الشرع ففيها الفلاح والصلاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 المبحث السادس: بقايا من رواسب الجاهلية : في السنة الثامنة من الهجرة النبوية دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة فاتحا وتم الاستيلاء عليها. ثم وجه عنايته إلى حنين لمواجهة هوازن المتجمعة هناك، التي غاظها هذا الفتح العظيم، فخرج - صلى الله عليه وسلم -، وخرج معه بعض الكفار من أهل مكة الذين لم يدخلوا في الإسلام، وأعطاهم رسول الله - صلى الله عليه - وسلم الأمان، وخرج معه أيضا بعض مسلمة الفتح الذين كانوا حديثي عهد بالإسلام، وكان منهم من بقي فيه بقية من أمر الجاهلية لقرب عهدهم بها. فبينما هم يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين مروا بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتكم يتبركون بها، فتنادوا من جنبات الطريق: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. يوضح هذا الموقف حديث أبي واقد الليثي عند الترمذي وغيره، وهذا سياقه عند الترمذي قال: 51- حدثنا سعيد1 بن عبد الرحمن المخزومي، أخبرنا سفيان2، عن الزهري3، عن سنان4 بن أبي سنان، عن أبي واقد الليثي5: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -   1 سعيد بن عبد الرحمن بن حسان، أبو عبد الله المخزومي، ثقة من صغار العاشرة (ت 249) /ت س. (التقريب 1/300) . وفي تهذيب التهذيب 4/55: وهو ثقة في ابن عيينة. وانظر الخلاصة للخزرجي 1/383. 2 سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي، أبو محمد، الكوفي، ثم المكي، ثقة حافظ فقيه إمام حجة، إلا أنه تغير بآخره، وربما دلس، لكن عن الثقات، من رؤوس الطبقة الثامنة، وكان أثبت الناس في عمرو بن دينار (ت 198) /ع. (التقريب 1/312، وتهذيب التهذيب 4/117- 122) 3 هو محمد بن مسلم، تقدم في الحديث (32) . 4 سنان بن أبي سنان الديلي - نسبة في دؤلي - المدني، ثقة من الثالثة (ت 105) /خ م ت س. (التقريب 1/334، وتهذيب التهذيب 4/242) . 5 أبو واقد الليثي الكناني، اختلف في اسمه فقيل: الحارث بن مالك، وقيل: الحارث ابن عوف، وقيل: عوف بن الحارث. كما اختلف أيضاً في وقت ميلاده، وفي وقت إسلامه. قال ابن حجر: وقد نص الزهري على أنه أسلم يوم الفتح وأسند ذلك عن سنان ابن أبي سنان الدؤلي، أخرجه ابن مندة بسند صحيح إلى الزهري، ثم قال ابن حجر: وهذا هو الصحيح. إهـ. قال ابن الأثير: وهو يؤيد هذا القول: "إخباره عن نفسه أنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بحنين قال: ونحن حديثو عهد بكفر". ثم قال ابن الأثير: مات أبو واقد سنة (68) /ع. (الاستيعاب 4/215- 216، وأسد الغابة 1/409، 325، وتهذيب الكمال للمزي 9/828، والكاشف للذهبي 3/387، والإصابة 4/215- 216، وتهذيب التهذيب 12/270، والخلاصة للخزرجي 3/252، ووقع في التقريب 2/482 الطبعة المصرية، والتقريب الطبعة الهندية ص431 (بخ) وهو خطأ. والصواب أنه أخرج له (ع) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 لما خرج1 إلى حنين مرّ بشجرة2 للمشركين يقال لها "ذات أنواط"3 يعلقون عليها أسلحتهم، قالوا4: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله"5 كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والذي نفسي   1 عند أحمد والطبري: "أنهم خرجوا من مكة مع رسول اللهـ صلى الله عليه وسلم - إلى حنين". وعند ابن إسحاق: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين ونحن حديثو عهد بالجاهلية". وعند الطبراني: "ونحن حدثاء عهد بكفر، ونحن حديثو عهد بكفر بجاهلية". 2 وعند الطبري: فمررنا بسدرة، قلت: يا نبي الله اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة يعكفون بها. وعنده أيضا: فمررنا بسدرة خضراء عظيمة، قال: فقلنا يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط. وعند ابن إسحاق والواقدي والطبراني: وكانت لكفار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة خضراء، يقال لها ذات أنوات يأتونها كل سنة، فيعلقون أسلحتهم عليها، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها يوما، قال: فرأينا ونحن نسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سدرة خضراء عظيمة فتنادينا من جنبات الطريق: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. لفظ الواقدي: "فرأينا شجرة عظيمة خضراء فسترتنا من جانب الطريق، فقلنا يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط ... الخ". وعند الطبراني: ونحن حديثو عهد بكفر وكانوا أسلموا يوم الفتح فانتهينا إلى شجرة كان المشركون يعلقون عليها أسلحتهم، يعكفون عندها في السنة، يقال لها ذات أنواط. وعنده أيضا: يأتونها كل عام فيعلقون بها أسلحتهم ويريحون تحتها. 3 ذات أنواط: هي اسم شجرة بعينها كانت للمشركين ينوطون بها سلاحهم، أي يعلقونها بها، ويعكفون حولها، وأنواط جمع نوط وهو مصدر سمي به المنوط. (ابن الأثير: النهاية 5/128) . 4 عند أحمد والطبري والطبراني: فقلنا: يا رسول الله. وعند الطبري: قلت: يا نبي الله. وعند الطبراني: فقلت: أي رسول الله. 5 وعند ابن إسحاق والطبرا"ي: "الله أكبر، قلتم، والذي نفس محمد بيده كما قال قوم موسى ... الخ". وعند الطبري والطبراني: "الله أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى". وعند الواقدي: " الله أكبر الله أكبر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 بيده لتركبن1 سنة من كان قبلكم" 2. والحديث أخرجه: النسائي، وأحمد، وابن أبي حاتم، والطبري، وأبو يعلى، والطبراني، وعبد الرزاق، والبيهقي، والواقدي، وابن إسحاق، كلهم من طريق الزهري، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي به3. والحديث رجاله ثقات. وقال الترمذي بعد إخراجه: هذا حديث حسن صحيح. وفي الباب عن أبي سعيد4، وأبي هريرة.   1 قوله: "لتركبن سنة من كان قبلكم". قال المباركفوري: تركبن - بضم الموحدة - والمعنى: للتتبعن. والسنة: الطريقة حسنة كانت أو سيئة، والمراد هنا طريقة أهل الأهواء والبدع التي ابتدعوها من تلقاء أنفسهم بعد أنبيائهم من تغيير دينهم وتحريف كتابهم، كما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل. (تحفة الحوذي 6/408) . وقال النووي: المراد: الموافقة في المعاصي والمخالفات، لا في الكفر. وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم. (شرح صحيح مسلم 5/525) . وعند أحمد: "إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم سنة سنة". وعند الطبري والطبراني: "إنكم ستركبون سنن الذين من قبلكم". 2 الترمذي: (السنن3/321-322) ،كتاب القدر، باب لتركبن سنن من كان قبلكم. 3 النسائي: في السنن الكبرى (تحفة الأشراف للمزي 11/112 حديث (15516) . وأحمد: (المسند 5/218، وابن أبي حاتم: التفسير 3/356- 357 أ - ب رقم 280، والطبري: جامع البيان 9/45- 46، وأبو يعلى: المسند 2/161 أرقم 302، والطبراني: المعجم الكبير 3/275- 276، والبيهقي: دلائل النبوة 3/43 أ - ب، وعبد الرزاق: المصنف 11/379، والواقدي: المغازي 3/890- 891) . (وسيرة ابن هشام 2/442 إلاّ أن فيها: قال ابن إسحاق: وحدثني ابن شهاب، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي، عن أبي واقد الليثي، أن الحارث بن مالك قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين ... الخ". فقوله: (عن أبي واقد الليثي أن الحارث بن مالك) يوهم أنهما اثنان. والصواب: إسقاط "أن" لأن الحارث بن مالك هو أبو واقد الليثي. كما تقدم ذلك في ترجمته ص130. 4 حديث أبي سعيد أخرجه البخاري في الصحيح 4/135 كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، 9/83 كتاب الاعتصام، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (لتتبعن سنن من كان قبلكم) . ومسلم: الصحيح 4/2054 كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى. وأحمد: المسند 2/327، 3/84، 89، 94. ولفظه عند البخاري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: "فمن". وحديث أبي هريرة أخرجه البخاري في الصحيح 9/83 كتاب الاعتصام باب لتتبعن سنن من كان قبلكم. وابن ماجة: (السنن 2/1322) ، كتاب الفتن، باب افتراق الأمم. وأحمد: (المسند 2/450، 511، 527) ، ولفظه قريب من حديث أبي سعيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وأورده الألباني، ثم قال: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ثم نقل قول الترمذي فيه، وقال: وقواه ابن القيم في "إغاثة اللهفان" وعزاه في مكان آخر للبخاري في "صحيحه"، وهذا وهم منه - رحمه الله - فليس هو في "الصحيح" ولم يعزه النابلسي في "الذخائر" - للترمذي. وأورده ابن كثير في تفسيره من طريق ابن جرير وأحمد فقط، وكأنه ذهل من كونه في "الترمذي" أحد الستة، وإلا لما أبعد النجعة1. أهـ. قلت: وعزاه المزي في "تحفة الأشراف" للترمذي والنسائي في الكبرى دون البخاري2. والحديث يبين: أ- أن المجتمع الجاهلي وصل إلى الدرك الأسفل في فساد الاعتقاد والجهل بحقائق التوحيد والبعد عن المنهج السوي. ب- كما يدل على أن تعليق الأسلحة على ذات أنواط هذه مع أن ظاهره لا شيء فيه تابع للباعث عليه وهو الاعتقاد، ولذلك اعتبر هذا الفعل اتخاذ إله من دون الله كما أنكر عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: قلتم كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إله كما لهم آلهة. جـ- فيه معجزة نبوية حيث أخبر - صلى الله عليه وسلم - بأن أمته ستتبع سنن الأمم الماضية، وقد وقع ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم -، وما يشاهد في حياة المسلمين اليوم من انحراف وتقليد وتبعية في مختلف جوانب الحياة دليل ظاهر على هذه المعجزة.   1 الألباني: حجاب المرأة المسلمة ص103. وانظر: إغاثة اللهفان 1/205، 2/300، وذخائر المواريث 4/156 حديث (10461) ، وتفسير ابن كثير 2/243. (تحفة الأشراف 11/112 حديث (15516) . وفي دليل القارئ إلى مواضع الحديث في صحيح البخاري ص219 ساق مؤلفه عبد الله الغنيمان لأبي واقد الليثي حديثا واحدا عند البخاري، وليس هو حديث "ذات أنواط". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 د- فيه تحذير شديد من اتباع أهل الأهواء والزيغ من الأمم الماضية من اليهود والنصارى وغيرهم. هـ- وفيه أيضا بيان جهالة بني إسرائيل وغباوتهم وشدة تعنتهم فقد من الله عليهم فأخرجهم من تحت سيطرة فرعون وقومه وأغرق عدوهم في البحر وهم يشاهدون بأم أعينهم، وجعل لهم البحر أرضا صلبة فعبروا ولم يغرق منهم أحد، ثم بعد ذلك كان منهم ما قصه الله سبحانه وتعالى علينا فقال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} ، [سورة الأعراف، الآية: 138] . قال ابن كثير: يخبر الله تعالى عمّا قاله جهلة بني إسرائيل لموسى عليه السلام حين جاوزا البحر وقد رأوا من آيات الله وعظيم سلطانه ما رأوا، فمروا على قوم يعكفون على أصنام لهم، قال بعض المفسرين: كانوا من الكنعانيين، وقيل: من لخم، وكانوا يعبدون أصناما على صور البقر، فقالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، قال إنكم قوم تجهلون. أي تجهلون عظمة الله وجلاله وما يجب أن ينزه عنه من الشريك والمثيل1. وقال الشوكاني: وصفهم بالجهل لأنهم قد شاهدوا من آيات الله ما يزجر من له أدنى علم عن طلب عبادة غير الله، ولكن بني إسرائيل أشد خلق الله عنادا وجهلا وتلونا2.   (ابن كثير: التفسير2/242-243وانظر: إغاثة اللهفان لابن قيم الجوزية1/205،211) . (فتح القدير 2/240) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 المبحث السابع: بيان من قال في هذه الغزوة "لن نغلب اليوم من قلة": اختلفت الآثار الواردة في هذا المقام في "القائل" يوم حنين: "لن نغلب اليوم من قلة". أ- فعند الواقدي أن قائل ذلك هو أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وهذا سياقه: 52- قال: حدثني إسماعيل1 بن إبراهيم، عن موسى2 بن عقبة، عن الزهري3، عن سعيد بن المسيب، قال: قال أبو بكر الصديق - رضي الله - عنه: يا رسول الله، لا نغلب اليوم من قلة، فأنزل الله عز وجل في ذلك {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} . [سورة التوبة، من الآية: 25] الآية4. والحديث منقطع، لأن سعيدا لم يدرك أبا بكر، وفيه الواقدي متروك5. ب- وعند البزار6 من طريق علي بن عاصم، ثنا سليمان7 التيمي، عن 53- أنس بن مالك قال: "قال غلام منا من الأنصار يوم حنين: لم نغلب اليوم من قلة، فما هو إلاّ أن لقينا عدونا فانهزم القوم ". الحديث8.   1 إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة الأسدي، مولاهم، أبو إسحاق المدني، ثقة تكلم فيه بلا حجة، من السابعة، مات في خلافة المهدي. /خ تم س. (التقريب 1/65، وتهذيب التهذيب 1/272) . 2 موسى بن عقبة بن أبي عياش - بتحتانية ومعجمة - الأسدي، مولى آل الزبير، ثقة فقيه إمام في المغازي، من الخامسة، لم يصح أن ابن معين لينه، (ت 41) ، وقيل: بعد ذلك./ع. (التقريب2/286، وتهذيب التهذيب10/360) . 3 تقدمت ترجمة الزهري في حديث (32) ،وسعيد بن المسيب في حديث (36) . (مغازي الواقدي 3/890، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/150، والبداية والنهاية لابن كثير 4/322) . (التقريب 2/194) . 6 البزار: هو الحافظ العلامة أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري، صاحب المسند الكبير المعلل (ت 292) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/653- 654) . 7 سليمان بن طرخان التيمي، أبو المعتمر البصري، نزل في تيم فنسب إليهم ولم يكن منهم، ثقة عابد، من الرابعة (ت 143) . /ع. (التقريب 1/326، وتهذيب التهذيب 4/201) . (الهيثمي: كشف الأستار عن زوائد البزار 2/346- 347) . وذكر ابن كثير في البداية والنهاية 4/322 "أن أول من انهزم بنو سليم، ثم أهل مكة، ثم بقية الناس". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 قال البزار: لا نعلم أحداً رواه بهذا اللفظ إلاّ سليمان التيمي عن أنس، ولا عن سليمان إلاّ علي بن عاصم، وعلي صدوق سيء الحفظ1. وقال الهيثمي: فيه علي بن عاصم بن صهيب، وهو ضعيف لكثرة غلطه وتماديه فيه، وقد وثق، وبقية رجاله ثقات2. وقال ابن حجر: وهذا المتن الذي رواه منكر، وفيه مخالفة في مواضع لما رواه الثقات3. وفي الفتح حسن منه القدر المتعلق بقتل دريد بن الصمة فقال: وروى البزار في مسند أنس بإسناد حسن ما يشعر بأن قاتل دريد بن الصمة هو: الزبير بن العوام4. وتبعه الزرقاني5. جـ- وعند البيهقي من طريق يونس بن بكير عن أبي جعفر عيسى الرازي، عن الربيع أن رجلا6 قال يوم حنين: لن نغلب اليوم من قلة، فشق ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله تعالى {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] . الحديث7. د- وعند ابن إسحاق قال: وزعم بعض الناس أن رجلا من بني بكر قال ذلك8. هـ- وعنده أيضا قال: 54- حدثني بعض أهل مكة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال – حين فصل من مكة إلى حنين، ورأى كثرة من معه من جنود الله -: "لن نغلب اليوم من قلة" 9.   1 انظر: ترجمة علي بن عاصم. (التقريب 2/39، وتهذيب التهذيب 7/344-348) . (مجمع الزوائد 6/178- 179) . (مختصر زوائد مسند البزار ص249- 250 رقم 816) . (فتح الباري 8/42) . (شرح المواهب اللدنية 3/23) . 6 قال الزرقاني: هو غلام من الأنصار، كما في حديث أنس عند البزار، وقيل: هو مسلمة بن وقش، وقيل: هو رجل من بني بكر. حكاه ابن إسحاق. (شرح المواهب 3/9) . ولم أجد هذا الاسم في الإصابة، وإنما الموجود سلمة بن سلامة بن وقش الأشهلي الأنصاري، فالله أعلم. (انظر: الإصابة 2/65) . 7 تقدم تخريجه برقم (44) . (سيرة ابن هشام 2/444) . (سيرة ابن هشام 2/444) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وهذا الحديث لولا وجوده في سيرة "ابن هشام" المتداولة بين الناس وخشية أن يغتر به بعض من لا دراية له بعلم الحديث لما أوردته، وذلك أن معرفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بربه وخشيته منه ومقامه الرفيع وتواضعه لله، كل ذلك يجعل المسلم يستبعد صدور هذا القول منه - صلى الله عليه وسلم - 1. مع أن هذا الحديث لم يثبت، فلا ينبغي لمسلم نسبته إليه - صلى الله عليه وسلم. وقد ورد عند الدارمي، وأحمد، والطبري، ما يبطل هذا الحديث ويبين كيف كان موقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، وهذا سياق الحديث عن الدارمي قال: 55- أخبرنا حجاج2 بن منهال، ثنا حماد3، عن ثابت4، عن عبد الرحمن5 بن أبي ليلى، عن صهيب6: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو أيام حنين: "اللهم بك أحاول7، وبك أصاول، وبك أقاتل" 8. ورواه أحمد والطبري والبيهقي كلهم من طريق حماد بن سلمة، ثنا ثابت به ولفظه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أيام حنين يحرك شفتيه بعد صلاة الفجر بشيء لم نكن نراه يفعله، فقلنا يا رسول الله: إنا نراك تفعل شيئا لم تكن تفعله، فما هذا الذي تحرك   1 انظر: (الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/9) . 2 حجاج بن منهال الأنماطي، أبو محمد السلمي، مولاهم، البصري، ثقة فاضل، من التاسعة، (ت216) . /ع. (التقريب1/145، وتهذيب التهذيب2/206-207) . 3 حماد: هو ابن سلمة ثقة عابد، تقدم في حديث (36) . 4 ثابت بن أسلم البناني-بضم الموحدة ونونين مخففين-أبو محمد البصري، ثقة عابد، من الرابعة، مات بضع وعشرين ومائة./ع. (التقريب1/115،وتهذيب التهذيب2/2-4) . 5 عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري المدني، ثم الكوفي، ثقة من الثانية، اختلف في سماعه من عمر، مات بوقعة الجماجم سنة (86) ، وقيل: غرق. /ع. (التقريب 1/496، وتهذيب التهذيب 6/260) . 6 صهيب بن سنان، أبو يحيى الرومي، أصله من النمر بن قاسط، ويقال: كان اسمه عبد الملك، وصهيب لقب. صحابي شهير (ت 38) في خلافة علي، وقيل: قبل ذلك. (التقريب 1/370، وتهذيب التهذيب 4/438) . 7 قوله "اللهم بك أحاول ... الخ" أي بحولك وقوتك وعونك ونصرك، أقاتل أعداءك وأسطو عليهم وأقهرهم، وأنازلهم حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم، مستمدا منك وحدك العون ودفع ضرر العدو وكدهم. (انظر: النهاية لابن الأثير 1/462-463، 3/61، وعون المعبود 7/296 لشمس الحق العظيم آبادي، وتحفة الأحوذي للمباركفوري 10/44) . (سنن الدارمي 2/135) ، كتاب السير، باب في الدعاء عند القتال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 شفتيك؟ قال: إن نبيا فيمن كان قبلكم أعجبته كثرة أمته فقال: لن يروم1 هؤلاء شيء، فأوحى الله إليه أن خير أمتك في إحدى ثلاث: إما أن نسلط عليهم عدوا من غيرهم فيستبيحهم، أو الجوع، وإما أن أرسل عليهم الموت. فشاورهم فقالوا: أما العدو فلا طاقة لنا بهم، وأما الجوع فلا صبر لنا عليه، ولكن الموت، فأرسل عليهم الموت فمات منهم في ثلاثة أيام سبعون ألفا. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فأنا أقول الآن - حيث رأى كثرتهم -: "اللهم بك أحاول، وبك أصاول، وبك أقاتل". ورواه من طريق عفان، وعبد الرحمن2 بن مهدي، ثنا سليمان3 بن المغيرة قال: ثنا ثابت به. وليس فيه لفظ "حنين"4. ورواه الترمذي مطولا من طريق معمر عن ثابت، مشتملا على قصة أصحاب الأخدود دون لفظ "حين"5، ورواه مسلم من طريق ثابت بقصة أصحاب الأخدود فقط6.   1 لن يروم هؤلاء شيء: أي لن يكافئ، أو لن يقوم لهؤلاء شيء. كما هو مصرح به في رواية أحمد الثانية من طريق عفان، وعبد الرحمن بن مهدي. 2 عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري مولاهم، أبو سعيد البصري، ثقة ثبت عارف بالرجال والحديث. قال ابن المديني: ما رأيت أعلم منه، من التاسعة (ت 198) وهو ابن (73) سنة. /ع. (ابن حجر: التقريب 1/499، والتهذيب 6/279) . 3 سليمان بن المغيرة القيسي مولاهم، البصري أبو سعيد، ثقة، من السابعة، (ت 165) . /ع. أخرج له البخاري مقرونا وتعليقا. (التقريب 1/430، والتهذيب 4/220) . 4 أحمد: (المسند 4/332 و333 و6/16- 18) . والسنن الكبرى للبيهقي 9/153، والطبري: تهذيب السنن والآثار، حديث (159 و160) . وعند أحمد أيضا: "من حديث علي - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرا قال: "بك الله أصول وبك أجول وبك أسير" (1/90، 151) . وعنده أيضا، وعند أبي داود، والترمذي من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا غزا قال: "اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أجول وبك أصول وبك أقاتل". لفظ أبي داود. (أحمد: المسند3/184،وأبو داود: السنن2/40 كتاب الجهاد، باب مما يدعى عند اللقاء، والترمذي: السنن5/ 231كتاب الدعوات، باب في فضل لاحول ولا قوة إلا بالله) . (سنن الترمذي 5/107، أبواب التفسير، تفسير سورة البروج) . (صحيح مسلم4/2299 كتاب الزهد والرقاق، باب قصة أصحاب الأخدود. وانظر: الأطراف للمزي 4/199 حديث4969. وتحفة الأحوذي9/260) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 والحديث صحيح، وهو يبين مدى صلة رسول الله - ى الله عليه وسلم - ربه وافتقاره إليه في جميع حركاته وسكناته، وأنه يستبعد منه أن يغتر بكثرة من معه، بل كان دأبه الخضوع والتواضع لله، والتوكل عليه في كل شؤونه، ومقام النبوة أعلى وأرفع من أن يتصور وقوع مثل هذا منه - صلى الله عليه وسلم - واستقراء سيرته - صلى الله عليه وسلم - وغزواته يدل على أن ما أصاب المسلمين من انكسار أمام أعدائهم كان مصدره مخالفة بعض أتباعه - صلى الله عليه وسلم - لأوامره وتوجيهاته العسكرية، كما حصل في غزوة أحد، وكما حصل في غزوة حنين، فإن الروايات صحت أنه صلى الله عليه وسلم وجه النصح والتنبيه للمسلمين أن لا يغتروا بكثرة عددهم كما في حديث أحمد. وكان صلى الله عليه وسلم يخشى أن يغتر المسلمون ويعجبوا بكثرتهم، فأراد أن يذكرهم بما حصل لمن قبلهم من الأمم من عقوبة بسبب الاغترار والإعجاب بالكثرة. وتأمل سياق الآية يرشد إلى أن الإعجاب بالكثرة لم يكن صادرا منه صلى الله عليه وسلم، فإن إسناد الإعجاب إلى المسلمين بصيغة الجمع، كما في قوله تعالى {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] ، ثم ترتيب الفرار والإدبار على هذا الإعجاب، كما في قوله تعالى {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يول مدبراً، بل كان ثابتاً ثبوتاً منقطع النظير، كما هو معروف، يدل على أن هذا الإعجاب صادر من بعض المسلمين، وهذا يشبه قوله تعالى – في شأن غزوة أحد -: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} ، [آل عمران، من الآية: 152] . والخلاصة إن هذه الآثار الواردة في تعيين القائل يوم حنين "لن نغلب اليوم من قلة" كلها ضعيفة مع ما حصل فيها من الاختلاف في تعيين القائل -كما أوضحت ذلك– ولكنها تتفق في شيء واحد وهو حصول هذا القول من أحد أفراد الجند الإسلامي، بغض النظر عن تسمية قائله وهي بمجموعها يؤيد بعضها بعضا ويزيدها قوة قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [سورة التوبة، من الآية: 25] . فقد صرحت الآية بأن هناك إعجابا حصل من بعض المسلمين، وأنه ابتلوا بسبب هذا الإعجاب، وحصل ما نصت عليه الآية الكريمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 56- وقال الزرقاني: وأخرجه الحاكم وصححه، وابن المنذر1، وابن مردويه2 من حديث أنس بن مالك قال: "لما اجتمع يوم حنين أهل مكة وأهل المدينة أعجبتهم كثرتهم، فقال القوم اليوم والله نقاتل حين اجتمعنا فكره - صلى الله عليه وسلم - ما قالوا وما أعجبهم من كثرتهم" 3. قلت: الحديث عند الحاكم وليس فيه "أعجبتهم كثرتهم". وهذا سياقه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "التقى يوم حنين أهل مكة واهل المدينة، فاشتد القتال فولوا مدبرين، فندب4 رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار فقال: يا معشر5 المسلمين أنا رسول الله، فقالوا: إليك والله جئنا، فنكسوا ثم قاتلوا حتى فتح الله عليهم" 6. ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.   1 هو: الحافظ العلامة الفقيه الأوحد أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، شيخ الحرم، وصاحب الكتب التي لم يصنف مثلها ككتاب المبسوط في الفقه، وكتاب الإشراف في اختلاف العلماء، وكتاب الإجماع، وغير ذلك، وكان غاية في معرفة الاختلاف والدليل وكان مجتهدا لا يقلد أحدا (ت 318) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/782، وسير أعلام النبلاء 14/490) . 2 هو: الحافظ الثبت العلامة أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني، صاحب التفسير والتاريخ وغير ذلك (323-410) ، (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/1050) . (شرح المواهب اللدنية 3/9) . 4 فندب: أي دعاهم، فأجابوه. (النهاية لابن الأثير 5/34) . 5 المعشر: كمسكن: الجماعة وأهل الرجل. (القاموس المحيط للفيروز آبادي 2/90) . (المستدرك 3/48) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 الفصل الثالث: في وصف المعركة المبحث الأول: سبب هزيمة المسلمين في بداية المعركة ... المبحث الأول: سبب هزيمة المسلمين في بداية المعركة: إن انكشاف المسلمين وتوليهم أمام عدوّهم له عدة أسباب، منها: ما يعود إلى استعداد العدو العسكري، ودقة ممارسته للحروب والفروسية، وإحكام الخطة واختيار الموقع المناسب لهجومهم المباغت دون أن يشعر بهم المسلمون، مما أدى إلى تفوقهم وتقدمهم مبدئيا، وقد صرحت بذلك الأحاديث الصحيحة كما سنوضح ذلك. ومنها ما يعود إلى المسلمين أنفسهم، فقد صدر من بعض أفراد الجيش الإسلامي في هذه الغزوة أمور أدت إلى انكسار المسلمين وتقهقرهم أمام هوازن، كاغترار بعضهم بكثرتهم، وطلب البعض الآخر منهم ذات أنواط ينوطون بها أسلحتهم مضاهاة منهم للكفار الذين لهم ذات أنواط. وتهور1 البعض الآخر كذلكوخروجهم إلى هوازن دون أن يستكملوا وسائل القتال، وانكباب بعضهم على جمع الغنائم وحيازتها قبل أن يستسلم الكفار استسلاما كاملا. هذا مجمل الأسباب التي رجحت بها كفة العدو على كفة المسلمين في بداية المعركة. وسأحاول تحليل هذه الأسباب وإيضاحها مستنداً إلى الروايات الواردة في ذلك.   1 في (القاموس المحيط 2/162: تهور الرجل وقع في الأمر بقلة مبالاة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 أولا: أسباب نجاح هوازن في بادئ الأمر: أ- كثرتهم الهائلة، فقد جندوا جنودا لم يواجه المسلمين مثلها في غزواتهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، التي سبقت هذه الغزوة، وقد مر ذلك مفصلا1. ب- بث الحماسة والقوة المعنوية في نفوسهم والتزامهم بتوجيهات قائدهم، فعند الواقدي: أن مالك بن عوف قال لأصحابه: إن محمدا لم يقاتل قط قبل هذه المرة، وأنما كان يلقى قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فينصر عليهم، فإذا كان في السحر فصفوا مواشيكم ونساءكم وأبناءكم من ورائكم، ثم صفوا صفوفكم، ثم تكون الحملة منكم، واكسروا جفون سيوفكم فتلقونه بعشرين ألف سيف مكسورة الجفون، واحملوا حملة رجل واحد، واعلموا أن الغلبة لمن حمل أولا2. 57- وأخرج موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فتح الله عليه مكة وأقر بها عينه، خرج إلى هوازن. الحديث. وفيه: "وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبي حدرد عينا، فبات فيهم فسمع مالك بن عوف يقول لأصحابه: إذا أصبحتم فاحملوا عليهم حملة رجل واحد واكسروا أغماد سيوفكم" 3. ج- سبقهم إلى وادي حنين وتحصنهم بين أشجاره ومضايقه وبث الكتائب التي تكمن في جميع نواحيه. وهذا ما صرح به حديث جابر بن عبد الله عند ابن إسحاق وغيره. وهذا سياقه عند ابن إسحاق قال: 58- حدثني عاصم4 بن عمرة بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه جابر بن عبد الله قال: "لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف5   (في مبحث استعداد هوازن العسكري ص116) . (مغازي الواقدي 3/893) . 3 انظر: (البداية والنهاية لابن كثير 4/330) . 4 تقدمت تراجم رواة الحديث في حديث (23) وكلهم ثقات. 5أجوف: متسع، وحطوط - بفتح الحاء المهملة - الأكمة الصعبة الانحدار. (ابن منظور: لسان العرب 9/141، 10/378) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 حطوط، إنما ننحدر فيه انحدارا، قال: وفي عماية من الصبح1، وكان القوم قد سبقونا2 إلى الوادي، فكمنوا لنا في شعابه3 وأحنائه4 ومضايقه، وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا، فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب5، قد شدوا علينا شدة رجل واحد، وانشمر6 الناس راجعين، لا يلوي أحد على أحد". الحديث7. ومن هذه الطريق أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبري وابن حبان والبيهقي8. وأورده الهيثمي، ثم قال: رواه أحمد وأبو يعلى وزاد: وصرخ حين كانت الهزيمة كلدة9 - وكان أخا صفوان بن أمية وصفوان يومئذ مشرك في المدة التي ضرب له   1 عماية - بفتح العين المهملة - بقية ظلمة الليل. (ابن الأثير: النهاية 3/305) . 2وعند البيهقي: "فخرج مالك بن عوف بمن معه إلى حنين فسبق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه فأعدوا وتهيئوا في مضايق الوادي وأجنابه، وأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فينحط بهم الوادي في عماية الصبح، فلما انحط الناس ثارت في وجوههم الخيل فكرت عليهم وانكفأ الناس منهزمين لا يقبل أحد على أحد". 3شعابه - بكسر أوله - جمع شعبة، وهي التي تعدل عن الوادي وتأخذ في طريق غير طريقه. (ابن منظور: لسان العرب 1/481) . 4أحنائه - بالحاء المهملة - منعطفه وجوانبه. وعند أحمد والبيهقي: "أجنابه" - بالجيم - وهي بمعنى "أحنائه" بالحاء. (ابن الأثير: النهاية 1/303، 455) . 5الكتائب: جمع كتيبة، والكتيبة: الجيش أو الجماعة المستحيزة من الخيل، وكتيبة جرارة: ثقيلة السير لكثرتها. (الفيروز آبادي: القاموس 1/121، 389) . 6انشمر الناس: أي مضوا راجعين، وعند أحمد: "وانهزم الناس راجعين"، وهي تبين معنى انشمر. (سيرة ابن هشام 2/442 وهو مطول) . قال القسطلاني: "قال الن جرير الطبري: الانهزام المنهي عنه هو ما وقع على غير نية العود، وأما الاستطراد لكثرة فهو كالمنحاز إلى فئة". (المواهب اللدنية) . وقال الزرقاني: قال صاحب الروض: "لم يجمع العلماء على أن الفرار من الكبائر إلا في يوم بدر، وهو ظاهر قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} ، [سورة لأنفال، من الآية: 16] . ثم أنزل التخفيف في الفارين يوم أحد وهو قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} [سورة آل عمران، من الآية: 155] ، وكذا: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْْ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] ، إلى قوله تعالى: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، [سورة التوبة، من الآية: 27] ". (شرح المواهب اللدنية 3/20، والروض الأنف للسهيلي 7/208) . (أحمد: المسند 3/376، وأبو يعلى: المسند 2/200 رقم (302) ، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/74، وابن حبان: كما ورد في موارد الضمآن ص417، والبيهقي: دلائل النبوة 3/43- 44ب) . 9 كلدة - محركا - ابن حنبل، ويقال: ابن عبد الله بن حنبل الجمحي، المكي، صحابي له حديث، وهو أخو صفوان بن أمية لأمه. /بخ د ت س. (التقريب 2/136، وتهذيب التهذيب 8/444- 445) . وفي الإصابة 3/305 قال: كلدة بن الحسل - بالحاء والسين -. أهـ. وسماه ابن إسحاق: جبلة بن حنبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ألا بطل السحر اليوم، فقال له صفوان: اسكت فض1 الله فاك، فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن. ثم قال الهيثمي: ورواه البزار باختصار، وفيه ابن إسحاق وقد صرح بالسماع في رواية أبي يعلى، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح2. قلت: وقد صرح ابن إسحاق بالسماع أيضا عن ابن هشام وابن حبان والبيهقي. وقد صحح هذا الحديث الألباني3. وعند الواقدي: قال: ولما كان من الليل عمد مالك بن عوف إلى أصحابه فعبأهم في وادي حنين - وهو واد أجوف ذو شعاب ومضايق - وفرق الناس فيه، وأوعز4 إلى الناس أن يحملوا على محمد وأصحابه حملة واحدة. وعبأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه وصفهم صفوفا في السحر، ووضع الألوية والرايات في أهلها. ثم ذكر الألوية في قبائل العرب وحامليها: في المهاجرين والأنصار، وأسلم وبني غفار، وبني ضمرة وبني ليث، وبني كعب بن عمرو بن ربيعة بن خزاعة، وبني مزينة وجهينة وبني أشجع وسليم5. ثم قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قدم سليما من يوم خرج من مكة فجعلهم مقدمة الخيل، واستعمل خالد بن الوليد، فلم يزل على مقدمته حتى ورد الجعرانة، وانحدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه، وقد مضت مقدمته وهو على تعبئة في وادي حنين،   1 الفض - الكسر -، وهو دعاء عليه بأن يكسر الله أسنانه، يقال: لا يفض الله فاك، أي لا يكسر الله أسنانك. (ابن الأثير: النهاية 3/453) . (مجمع الزوائد 6/179- 180) . (تخريج أحاديث فقه السيرة للغزالي ص 422) . 4 أوعز: وعز إليه في كذا أن يفعل أو يترك، وأوعز ووعز: تقدم وأمر. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 2/195) . 5 في المعجم الكبير للطبراني 11/370- 371 من حديث ابن عباس قال: "شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة ألف من بني سليم". وانظر: مجمع الزوائد للهيثمي 6/177، وفي الروض الأنف 7/218 كان بنو سليم يوم حنين تسعمائة، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم الضحاك بن سفيان الكلابي، وكان يعد وحده بمائة فارس، وأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قد تمهم به ألفا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 فانحدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انحدارا - وهو وادي حدور1 - وركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغلته البيضاء دلدل، ولبس درعين2 والمغفر والبيضة، واستقبل الصفوف وطاف عليها بعضها خلف بعض ينحدرون في الوادي، فحضهم على القتال وبشرهم بالفتح إن صدقوا وصبروا، فبينا هم على ذلك ينحدرون في غلس الصبح. فكان أنس بن مالك يحدث يقول: لما انتهينا إلى وادي حنين، وهو واد من أودية تهامة له مضايق وشعاب، فاستقبلنا من هوازن شيء، لا والله ما رأيت مثله في ذلك الزمان من السواد والكثرة! ... فلما تحدرنا في الوادي، فبينا نحن في غلس الصبح، إن شعرنا إلا بالكتائب قد خرجت علينا من مضيق الوادي وشعبه فحملوا حملة واحدة، فانكشف أول الخيل - خيل سليم – مولية فولوا، وتبعهم أهل مكة، وتبعهم الناس منهزمين، ما يلوون على شيء3. ? مهارة هوازن النادرة في إصابة الهدف بحيث لا يكاد يسقط لهم سهم. وقد صرح بذلك حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - عند البخاري ومسلم وغيرهما، وهذا سياقه عند البخاري: 59- حدثنا عمرو4 بن خالد، ثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت البراء وسأله رجل5: أكنتم فررتم يا أبا عمارة6 يوم حنين؟ قال: لا والله ما7 ولى   1 الحدر: من كلّ شيء تحدره من علو إلى أسفل، والحدور والهبوط: المكان ينحدر منه. (ابن منظور: لسان العرب 5/244) . 2 درع الحديد - بالكسر- وقد تذكر جمع أدرع وأدراع ودروع. والمخفر كمنبر وبهاء ككتابة: زرد من الدرع يلبس تحت القلنسوة أو حلق يتقنع به المتسلح. والبيضة: هي التي تلبس في الرأس في الحرب. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 2/103، 3/20، وابن حجر: هدي الساري ص91) . (الواقدي: المغازي 3/895، 897) . 4 عمرو بن خالد: هو الحراني. وزهير: هو ابن معاوية بن خديج. وأبو إسحاق: هو عمرو بن عبد الله السبيعي - بفتح المهملة وكسر الموحدة -. ووقع في منتخب كنز العمال 4/166: "عن ابن إسحاق" قال: رجل للبراء، وهو خطأ، والصواب "عن أبي إسحاق". 5 قال ابن حجر: "لم أقف على تسميته، ووقع في رواية أنه من قيس". (فتح الباري 8/28) . 6 أبو عمارة: كنية البراء - رضي الله عنه -. 7سيأتي توجيه هذا النفي في مبحث (عوامل انتصار المسلمين) تحت حديث (79) وص193- 195. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم1 حسرا ليس2 بسلاح فأتوا قوما رماة جمع هوازن وبني نصر ما يكاد يسقط لهم سهم فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون. الحديث3. وفي لفظ عند مسلم وابن أبي شيبة والطبري وأبي عوانة: "فقال البراء: أشهد على نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ما ولى، ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسر4 إلى هذا الحي من هوازن وهم قوم رماة فرموهم برشق5 من نبل كأنها رجل6 من جراد فانكشفوا". الحديث7. هذه بعض المرجحات التي كانت في جانب المشركين أدت إلى تفوقهم في أول الأمر. وخاصة خطبة مالك بن عوف فيهم، خطبته الحماسية التي كان لها أثرها الفعال ووقعها في نفوسهم، حيث أثار فيهم النخوة والشجاعة والبسالة، في قوله: "إن محمدا   1 قوله: "وأخفاؤهم" قال النووي: جمع خفيف وهم المسارعون المستعجلون ووقع هذا الحرف في رواية إبراهيم الحربي والهروي وغيرهم "جفاة" - بجيم مضمومة وبالمدـ، وفسره: بسرعانهم. قالوا: تشبيهاً بجفاء السيل وهو غثاؤه. قال القاضي - رضي الله عنه -: إن صحت هذه الرواية، فمعناها ما سبق من خروج من خرج معهم من أهل مكة ومن انضاف إليهم ممن لم يستعدوا، وإنما خرج للغنيمة من النساء والصبيان، ومن في قلبه مرض، فشبهه بغثاء السيل. (شرح النووي على صحيح مسلم 4/404، ومشارق الأنوار للقاضي عياض 1/245 إلا أنه قال في غزوة "خيبر" بدل "حنين" وهو خطأ) . 2 وعند مسلم والبيهقي: "ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح". (صحيح البخاري 4/35 كتاب الجهاد، باب من صف أصحابه عند الهزيمة ونزل عن دابته واستنصر. وصحيح مسلم 3/1400-1401 كتاب الجهاد والسير، باب غزوة حنين) . 4 الحسر: جمع حاسر، وهو الذي لا درع عليه ولا مغفر. (النهاية لابن الأثير 1/383) . 5 قوله: "برشق" بكسر الراء وهو اسم للسهام التي ترميها الجماعة دفعة واحدة والرشق: بفتح الراء، مصدر رشقه يرشقه رشقا إذا رماه بالسهام. (ابن الأثير: النهاية 2/225، والنووي: شرح صحيح مسلم 4/405، 407) . 6 رجل من جراد: هو بكسر الراء: الجراد الكثير. (ابن الأثير: النهاية2/203) . وقوله: "فانكشفوا" أي انهزموا وفارقوا مواضعهم وكشفوها. (النووي شرح صحيح مسلم 4/407) . (مسلم: الصحيح 3/1400- 1401 كتاب الجهاد، باب غزوة حنين. وابن أبي شيبة والطبري كما في كنز العمال 10/351، ومنتخب كنز العمال 4/166 من مسند أحمد، كلاهما لعلاء الدين المتقي الهندي. وأبو عوانة: المسند4/210-211.وانظر: البيهقي: السنن الكبرى 9/154-155) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 لم بقاتل قط قبل هذه المرة، وإنما كان يلقى قوما أغمارا لاعلم لهم بالحرب فينصر عليهم". الأمر الذي جعل هوازن يستميتون في ساحة المعركة، يتساقطون واحدا تلو الآخر وهم مصممون على الانتصار. ثانيا: بيان الأسباب الداخلية لاندحار المسلمين في أول الأمر: أ- اغترار بعض المسلمين بكثرتهم، كما تقدم في حديث: "لن نغلب اليوم عن قلة" 1. وعند الواقدي: فلما فصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة، قال رجل من أصحابه: "لو لقينا بني شيبان2 ما بالينا3 ولا يغلبنا اليوم أحد عن قلة"4. فكانت هذه المقالة بادرة سوء تألم منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأن فيها إعجاب بالعدد والكثرة وغفلة عن الله الذي لا يكون النصر للمسلمين إلاّ من عنده. {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} ، [آل عمران، من الآية: 126] . ب- عدم تمكن عقيدة التوحيد في بعض المسلمين كما في حديث أبي واقد الليثي في قول بعضهم: "يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط" 5. وكانت هذه الكلمة مؤلمة لسمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - مما يدل على وجود حفنة من هذا الجيش لم يصلوا بعد إلى المستوى الإيماني المطلوب، لحداثة عهدهم بالإسلام. ?- الخفة والعجلة التي حصلت من بعض القوم وشبانهم، حيث خرجوا إلى هوازن قبل استكمال وسائل الحرب فلم يستطيعوا الوقوف أمام سهام المشركين ونبالهم، وهذا ما صرح به حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه -.   1 تقدم تخريجه برقم (44) ، وانظر حديث رقم (52) ، (53) ، (54) . 2 بنو شيبان: نسبة إلى شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر ابن وائل، قبيل كبير من بكر بن وائل ينسب إليه خلق كثير من الصحابة والتابعين، والأمراء والفرسان والعلماء في كل فن. (ابن الأثير: اللباب في تهذيب الأنساب 2/219) . 3 بالى بالشيء يبالي به إذا اهتم به. (ابن منظور: لسان العرب 18/91) . والمعنى: لو لقينا بني شيبان لم نبالي بهم لكثرتنا. (مغازي الواقدي 3/889) . 5 تقدم تخريجه برقم (51) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 فعند البخاري وغيره عن البراء قال له رجل: يا أبا عمارة ولَّيْتُم يوم حنين؟ قال: لا. والله ما ولى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ولى سرعان1 الناس، فلقيهم هوازن بالنبل. الحديث2. وفي لفظ: فقال البراء: "أما أنا فأشهد على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يول، ولكن عجل سرعان القوم، فرشقتهم هوازن". الحديث3. وفي لفظ قال البراء: "لا. والله، ما ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح، فأتوا قوما رماة جمع هوازن وبني نصر، ما يكاد يسقط لهم سهم، فرشقتهم ما يكادون يخطئون" الحديث4. فهذا الحديث على اختلاف ألفاظه يدل على أن سرعان القوم وأخفاءهم عجلوا في مبارزة العدو قبل استكمال عدة الحرب فلم يستطيعوا الثبات أمام هجمة هوازن عليهم ففروا وفر الناس بعدهم. د- فرار الأعراب وعدم ثبوتهم أمام المشركين مما شجع العدو في مواصلة مطاردة المسلمين.   1 وعند أحمد: "ولكن ولى سرعان الناس فاستقبلتهم هوازن بالنبل". وعند الروياني: "ولكن ولى سرعان من الناس يلتقطهم هوازن بالنبل". وعند أبي عوانة: "فقال البراء: معاذ الله! قال: أما أنا فأشهد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يول، ولكن سرعان من الناس حين رشقهم هوازن بالنبل". وعند مسلم وأبي عوانة: "أشهد على النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ولى، ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسر إلى هذا الحي من هوازن وهم قوم رماة فرموهم برشق من نبل كأنها رِجل من جراد فانكشفوا". (وسَرَعان الناس) بفتح السين والراء، ويجوز تسكين الراء: أوائل الناس الذين يتسارعون إلى الشيء ويقبلون عليه بسرعة. (ابن الأثير: النهاية 2/361) . (البخاري: الصحيح 3/26 كتاب الجهاد، باب بغلة النبي - صلى الله عليه وسلم - البيضاء، وتمام الحديث: "والنبي - صلى الله عليه وسلم - على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: أنا النبي لاكذب أنا ابن عبد المطلب"3 (البخاري: الصحيح 5/126 كتاب المغازي، باب (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا) . و (الترمذي: السنن 3/117 كتاب الجهاد، باب ما جاء في الثبات عند القتال) . و (أحمد: المسند 4/289، 304) . و (الروياني: المسند 1/66، 67 ب رقم575) . و (أبوعوانة: المسند 4/208) . و (البيهقي: السنن الكبرى 9/154) . (البيهقي: السنن الكبرى 9/154. وتقدم برقم (59) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وهذا هو صريح حديث أنس بن مالك قال: "افتتحنا مكة، ثم إنا غزونا حنينا، فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت، قال: فصفت الخيل، ثم صفت المقاتلة، ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم، ثم صفت النعم. قال: ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف1، وعلى مجنبة2 خيلنا خالد ابن الوليد، قال: فجعلت خيلنا تلوي3 خلف ظهورنا، فلم نلبث أن انكشفت خيلنا وفرت الأعراب4 ومن نعلم من الناس" ... الحديث5. ?- انهزام الطلقاء: وهذا هو ما صرح به أنس بن مالك في حديثه عند مسلم وغيره، وهذا سياق مسلم: 60- حدثنا أبو بكر6 بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أن أم سليم7 اتخذت يوم حنين 8   1 قوله: "ونحن كثير قد بلغنا ستة آلاف" تقدم توجيهه في الحديث رقم (40) . ص112 تعليقة (4) . 2 مجنبة - بضم الميم وفتح الجيم والنون المشددة –: هي التي تكون في الميمنة والميسرة، وهما مجنبتان والقلب بينهما. وقيل: هي الكتيبة من الخيل التي تأخذ إحدى ناحيتي الطريق. والأول أصح. والمجنبة - بفتح النون-: المقدمة. (ابن الأثير: النهاية 1/303، والنووي: شرح صحيح مسلم3/102،وابن منظور: لسان العرب1/268،والفيروزآبادي: القاموس المحيط1/48) . 3قوله:"فجعلت خيلنا تلوي خلف ظهورنا".قال النووي: هكذا في أكثر النسخ: تلوي". وفي بعضها"تلوذ"،وكلاهما صحيح. (شرح النووي على صحيح مسلم 3/102) . 4 الأعراب: هم سكان البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار، ولا يدخلونها إلا لحاجة. والعرب: اسم لهذا الجيل المعروف من الناس، ولا واحد له من لفظه. والنسبة إليهما: أعرابي، وعربي. (ابن الأثير: النهاية3/202،وابن منظور: لسان العرب2/75-76، والفيروزآبادي: القاموس المحيط 1/102) . 5 تقدم تخريج الحديث برقم (40) . 6 هو: عبد الله بن محمد أبو بكر بن أبي شيبة الكوفي صاحب التصانيف. 7 أم سليم بنت ملحان بن خالد الأنصارية، والدة أنس بن مالك، وزوج أبي طلحة، يقال: اسمها سهلة، أو رميلة، أو رميثة، أو مليكة، أو أنيثة، وهي: الغميصاء، أو الرميصاء، اشتهرت بكنيتها، وكانت من الصحابيات الفاضلات (ت في خلافة عثمان) /خ م د ت س. (ابن حجر: التقريب 2/622) . 8 يوم حنين: قال النووي: هكذا هو في النسخ المعتمدة (يوم حنين) بضم الحاء المهملة وبالنونين، وفي بعضها (يوم خيبر) بالخاء المعجمة والأول هو الصواب. (شرح مسلم 4/469) . ولفظ (الطلقاء) يعين ما قاله النووي، لأن (في خيبر) لم يكن هناك طلقاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 خنجرا1، فكان معها، فرآها أبو طلحة2 فقال: يا رسول الله! هذه أم سليم معها خنجر3، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ما هذه الخنجر؟ " قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت4 به بطنه، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك، قالت: يا رسول الله! اقتل من بعدنا من الطلقاء5 انهزموا بك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أم سليم إن الله قد كفى وأحسن" 6. والحديث أخرجه ابن سعد، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وعبد بن حميد، وأبو يعلى، وأبو نعيم. الجميع من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت به7.   1 خنجر - كجعفر -: السكين، أو العظيمة منها، ويكسر خاؤه. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 2/24) . وقال النووي: "سكين كبيرة ذات حدين". (شرح مسلم 4/469) . وفي لفظ عند أحمد "أن أبا طلحة أتاها ومعها معول". قال ابن الأثير: المعول - بالكسر - الفأس، والميم زائدة وهي ميم الآلة. (النهاية 4/344) . 2 هو: زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري، النجاري، أبو طلحة المشهور بكنيته، من كبار الصحابة، شهد بدرا وما بعدها (ت 34) ، وقال أبو زرعة الدمشقي: عاش بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين سنة. /ع. (ابن حجر: التقريب 1/275) . 3 وفي لفظ عند أحمد: "جاء أبو طلحة يوم حنين يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سليم، قال: يا رسول الله ألم تر إلى أم سليم متقلدة خنجرا". 4 وعند أبي داود وابن أبي شيبة وأحمد وأبي يعلى: "أبعج به بطنه". وعند إسحاق بن راهويه: "بعجت به بطنه". وعند ابن ابي شيبة وأحمد: "طعنته به". والبقر والبعج: معناهما الشق. والطهن: هو الوخز بحربة ونحوها. (ابن الأثير: النهاية 1/139، 144- 145، 5/163، وابن منظور: لسان العرب 17/135) . 5 قولها: "اقتل من بعدنا من الطلقاء". قال النووي: الطلقاء هم الذين أسلموا من أهل مكة يوم الفتح، سموا بذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - منّ عليهم وأطلقهم، وكان في إسلامهم ضعف، فاعتقدت أم سليم أنهم منافقون، وأنهم استحقوا القتل بانهزامهم وغيره، وقولها: "من بعدنا" أي من سوانا. (شرح النووي على صحيح مسلم 4/469) . وقال الحلبي: يقال إن الطلقاء وهم أهل مكة قال بعضهم لبعض: أي من كان إسلامه مدخولا منهم - اخذلوه هذا وقته فانهزموا، فهم أول من انهزم وتبعهم الناس، وعند ذلك قال أبو قتادة لعمر - رضي الله عنهما -: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله. (السيرة الحلبية 3/65) . (مسلم: الصحيح3/1442 كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء مع الرجال) . (ابن سعد: الطبقات الكبرى 8/425، وإسحاق بن راهويه: المسند ص: 15 برقم (377) ، وعبد بن حميد: المسند ص: 158 برقم (323) ، وأحمد: المسند 3/286، وأبو نعيم: حلية الأولياء 2/60، وأبو يعلى: المسند 3/321 و331 برقم (303) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وأخرجه ابن أبي شيبة، وأحمد، كلاهما من طريق سليمان1 بن المغيرة، عن ثابت به2. وأخرجه مسلم، وأبو داود، وأحمد، وأبو داود الطيالسي، وابن أبي شيبة. الجميع من طريق حماد بن سلمة، أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك3. وأخرجه أحمد من طريق ابن أبي عدي4، عن حميد، عن أنس5. فهذا الحديث رواه هؤلاء الأئمة عن أنس منهم المختصر ومنهم المطول. 61- وأخرجه ابن إسحاق عن عبد الله6 بن أبي بكر مرسلاً بنحوه، وهذا سياقه قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التفت فرأى أم سليم بنت ملحان، وكانت مع زوجها أبي طلحة، وهي حازمة وسطها ببرد لها، وأنها لحامل بعبد الله بن أبي طلحة ومعها جمل أبي طلحة، وقد خشيت أن يعزها7 الجمل، فأدنت رأسه منها، فأدخلت يدها في خزامته8 مع الخطام، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أم سليم؟ .   1 سليمان بن المغيرة القيسي. ثقة. تقدم في ص 137. (ابن أبي شيبة: التاريخ ص 93- 94 ب- أ، وانظر: منتخب كنز العمال لعلاء الدين المتقي الهندي4/171-172 مع مسند أحمد. وأحمد: المسند3/112 و198) . وفي علل الحديث لابن أبي حاتم 1/311 قال: "سألت أبي عن حديث رواه أبو أسامة - هو: حماد بن أسامة - عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أنس قال: قال أبو طلحة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض غزواته: ألا ترى إلى أم سليم في يدها خنجر". الحديث. قال أبي هذا خطأ، وإنما هو سليمان ابن المغيرة عن ثابت عن أنس. (مسلم: الصحيح 3/1443 كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء مع الرجال. ولم يسق لفظه. وأبو داود: السنن 2/65 كتاب الجهاد، باب في السلب يعطى القاتل. وأحمد: المسند 3/190 و279. وأبوداود الطيالسي 2/108- 109 مع "منحة المعبود". وابن أبي شيبة: التاريخ ص93- 94 ب- أ) . 4 هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، أبو عمرو البصري، ثقة (ت 194) على الصحيح. /ع. (التقريب 2/141، وتهذيب التهذيب 9/12- 13) . 5 المسند 3/108. 6 هو: عبد الله بن أبي بكر بن حزم الأنصاري، تقدمت ترجمته في حديث (35) . 7 يعزها: أي يغلبها (المصباح المنير 2/484) . 8 الخزامة: حلقة من شعر تجعل في أحد جانبي منخري البعير، لينقاد بسهولة. (ابن الأثير: النهاية 2/29) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 قالت: نعم، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل الذين يقاتلونك، فإنهم لذلك أهل. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أو يكفي الله يا أم سليم"؟ قال: ومعها خنجر، فقال لها أبو طلحة: ما هذا الخنجر معك يا أم سليم؟ قالت: خنجر أخذته، إن دنا مني أحد من المشركين، بعجته به. قال: يقول أبو طلحة: ألا تسمع يا رسول الله ما تقول أم سليم للغميصاء1. ومن طريقه أخرجه الطبري2. و انكباب المسلمين عل جمع الغنائم واشتغالهم بها، وذلك أن المسلمين حملوا على الكفار فلاذوا بالفرار تاركين أموالهم وعتادهم، فظن المسلمون أن الكفار انهزموا إلى غير رجعة، فأقبلوا على جمع الغنائم وحيازتها، فانتهز المشركون غفلة المسلمين فانهالوا عليهم من كل صوب يضربون ويطعنون، فانكشف المسلمون أمام المشركين لا يلوي أحد منهم على أحد، والكفار في آثارهم يطاردونهم. وهذا ما صرح به البراء بن عازب - رضي الله عنه - في حديثه عند البخاري ومسلم وغيرهما، وهذا سياق البخاري: عن أبي إسحاق سمع البراء وسأله رجل من قيس: "أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟ فقال: لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر، كانت هوازن رماة3، وإنا لما حملنا   (سيرة ابن هشام 2/446. والغميصاء: اسم أم سليم) . (تاريخ الرسل والملوك 3/76) . 3 وفي لفظ عند البخاري: "أن هوازن كانوا قوما رماة، وإنا لما لقيناهم حملنا عليهم فانهزموا، فأقبل المسلمون على الغنائم واستقبلونا بالسهام". وعند مسلم والطبري: "وكانت هوازن يومئذ رماة وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم، فاستقبلونا بالسهام". وعند أبي داود الطيالسي وأبي عوانة: "أن هوازن كانوا قوما رماة فلما لقيناهم وحملنا عليهم انهزموا، فأقبل الناس على الغنائم واستقبلونا بالسهام، فانهزم الناس". وعند أبي عوانة أيضا: "أن هوازن كانوا قوما رماة وإنا لما التقينا انكشفوا، وأقبل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الغنائم، ورموهم بالسهام". قال الحلبي: وسياق هذا الحديث يدل على أنّ المسلمين انهزموا مرتين: الأولى في أول الأمر، والثانية عند انكبابهم على أخذ الغنائم. (السيرة الحلبية 3/65) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 عليهم انكشفوا، فأكببنا على الغنائم فاستقبلنا بالسهام ... " الحديث1. ومن خلال هذه الألفاظ الواردة في حديث البراء نرى كيف وصل الحال بالمسلمين عندما ذهبوا يتسابقون إلى حطام الدنيا الفانية مما جعلهم يفقدون توازنهم، ويتركون مواقعهم عندما هاجمتهم هوازن في حال انشغالهم بجمع الغنائم، فكانت كارثة عظيمة، تخلى المسلمون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلاّ القليل منهم. ز- إن ما حصل للمسلمين في غزوة حنين من انكسار أمام الأعداء، كان مصدره أمر الله وقدره، وذلك ليطأطئ رؤوس أقوام رفعها الإعجاب بكثرتهم وقدرتهم القتالية، فأدبهم الرب عز وجل ليعلمهم أن النصر من عنده سبحانه وتعالى، وأن كثرتهم وجموعهم لا تجدي عنهم شيئا. وهذا ما تضمنه حديث أبي قتادة2 - رضي الله عنه - عند البخاري وغيره. وهذا سياق البخاري: 62- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن يحيى3 بن سعيد، عن ابن أفلح4، عن أبي5 محمد مولى أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -   (البخاري: الصحيح 4/25 كتاب الجهاد، باب من قاد دابة غيره في الحرب. ومسلم: الصحيح 3/1401 كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين. وأحمد: المسند 3/281، وابن أبي عاصم: كتاب الجهاد ص59- 60 ب - أضمن مجموعة (27) ، والطبري: جامع البيان 10/102، وأبو عوانة: المسند 4/207) . وتقدم الحديث برقم (59) . 2 أبو قتادة الأنصاري: اختلف في اسمه فقال بعضهم: الحارث، ويقال عمرو، أو النعمان ابن ربعي - بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة - ابن بُلدمة - بضم الموحدة والمهملة بينهما لام ساكنة - السلمي - بفتحتين - المدني، شهد أحدا وما بعدها، ولم يصح شهوده بدرا (ت 54، وقيل: 38) والأول أصح وأشهر. /ع. (ابن حجر: التقريب 2/463) . 3 هو: ابن قيس الأنصاري، ثقة ثبت، من الخامسة، (ت144 أو بعدها) . /ع. (المصدر السابق 2/348) . 4 عمر بن كثير بن أفلح المدني، مولى أبي أيوب، ثقة من الرابعة. /خ م د ت كن ق. (التقريب 2/629) . وفي الفتح 4/323، 8/38 قال عنه: "عمر بن كثير بن أفلح مدني، مولى أبي أيوب الأنصاري، وثقه النسائي وغيره، وهو تابعي صغير، ولكن ابن حبان ذكره في أتباع التابعين، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث بهذا الإسناد، لكن ذكره في مواضع: فتقدم في البيوع مختصراً، وفي فرض الخمس تاماً، وسيأتي في الأحكام، وقد ذكرت في البيوع أن يحيى بن يحيى الأندلسي حرفه في روايته فقال: "عن عمرو بن كثير "بفتح العين، والصواب "عمر". إهـ. قلت: وقد وقع عند ابن ماجة وأحمد والطحاوي: "عمرو". 5 هو: نافع بن عباس - بموحدة ومهملة - أو تحتانية ومعجمة - أبو محمد الأقرع، المدني، مولى أبي قتادة، قيل له ذلك: للزومه، وكان مولى عقيلة الغفارية، ثقة من الثالثة. /ع. (ابن حجر: التقريب 2/295) . وفي تهذيب التهذيب10/405-406 قال عنه: "أبو محمد مولى أبي قتادة، ويقال: مولى عقيلة الغفارية، ويقال: أنهما اثنان". قال ابن حبان في الثقات: نافع مولى عقيلة بنت طلق الغفارية، وهو الذي يقال له: نافع مولى أبي قتادة، نسب إليه ولم يكن مولاه. ثم قال ابن حجر: ويؤيد قول ابن حبان ما وقع عند أحمد من طريق مغفل بن إبراهيم سمعت رجلا يقال له مولى أبي قتادة ولم يكن مولاه، يحدث عن أبي قتادة، فذكر حديث الحمار الوحشي. وفي رواية ابن إسحاق: عن عبد الله بن أبي سلمة، أنّ نافعاً الأقرع مولى بني غفار حدّثه، أنّ أبا قتادة حدّثه، فذكر هذا الحديث". اهـ. (انظر: حديث أحمد وابن إسحاق المشار إليهما في مسند أحمد5/306 و308، غير ان الحديث عند أحمد من طريق "سعد بن إبراهيم" وهو: ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وأما مغفل بن إبراهيم فلم أجده في التقريب ولا في تعجيل المنفعة، فالظاهر أنه خطأ. وقد ورد عند أحمد وأبي عوانة من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمر بن كثير عن أبي محمد جليس كان لأبي قتادة قال: "ثنا أبو قتادة". وعند ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم من أصحابنا عن نافع مولى بني غفار أبي محمد، عن أبي قتادة. (انظر: مسند أحمد 5/295، وسيرة ابن هشام 2/448، ومسند أبي عوانة 4/116) . وهذه الأحاديث تدل على أن أبا محمد كان جليسا لأبي قتادة فقيل له: مولى أبي قتادة لكثرة ملازمته له ولم يكن مولاه حقيقة. قال النووي وابن حجر: "في حديث الباب ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وهم: يحيى بن سعيد، وعمر بن كثير، وأبو محمد". (انظر شرح النووي على مسلم 4/351، وفتح الباري 4/323) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 يوم حنين1، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة2، فرأيت رجلا من المشركين علا3   1 عند الشافعي: "يوم خيبر" وهو خطأ مطبعي. 2 قوله: "كانت للمسلمين جولة" - بفتح الجيم وسكون الواو -: أي انهزام وخيفة ذهبوا فيها، وهذا إنما كان في بعض المسلمين، وأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطائفة معه فلم يولوا. والأحاديث الصحيحة بذلك مشهورة. (النووي: شرح صحيح مسلم 4/351) . وانظر القول في ذلك تحت حديث رقم (79) وص193- 195. 3 علا رجلا أي ظهر عليه. وعند البخاري من حديث الليث بن سعد: "لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين، وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله، فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني وأضرب يده فقطعتها". وعند أحمد وابن إسحاق: قال أبو قتادة: "رأيت رجلين يقتتلان مسلم ومشرك، وإذا رجل من المشركين يريد أن يعين صاحبه المشرك على المسلم، فأتيته فضربت يده فقطعتها واعتنقني بيده الأخرى، فوالله ما أرسلني حتى وجدت ريح الموت، فلولا أن الدم نزفه لقتلني فسقط فضربته فقتلته". قال ابن حجر: تبين من هذه الروية أن الضمير في الأولى "فضربته" لهذا الثاني الذي كان يريد أن يَخْتِل المسلم. (فتح الباري 8/37) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 رجلا من المسلمين، فاستدرت حتى أتيته من ورائه حتى ضربته بالسيف على حبل1 عاتقه، فأقبل علي فضمني2 ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر3 بن الخطاب فقلت4 ما بال الناس؟ قال: "أمر5 الله". الحديث6. والحديث أخرجه أيضا مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، ومالك، والشافعي، وعبد الرزاق، والحميدي، وأحمد، وابن الجارود، والطحاوي، وأبو عوانة، والبيهقي، والحازمي7. الجميع من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمر بن كثير بن أفلح به.   1 على حبل عاتقه: قال ابن حجر: حبل العاتق: عصبه، والعاتق: موضع الرداء من المنكب، وعرف منه أن قوله في الرواية الثانية - يعني رواية الليث - فأضرب يده فقطعتها "أن المراد باليد الذراع والعضد إلى الكتف". (فتح الباري 8/37) . وفي لفظ عند البخاري:"فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع". وعند الطحاوي:"فضربته بالسيف على حبل عاتقه ضربة حتى قطعت حبل الدرع ". قال ابن حجر: قوله: "فقطعت الدرع" أي التي كان لابسها وخلصت الضربة على يده فقطعتها. (فتح الباري 8/37) . 2 قوله: "فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت". قال النووي: يحتمل أنه أراد شدة كشدة الموت، ويحتمل قاربت الموت. (شرح صحيح مسلم 4/351) . 3 قوله: "فلحقت عمر بن الخطاب" قال ابن حجر: في السياق حذف بينته الرواية الثانية - يعني رواية ليث - حيث قال: ثم أخذني فضمني شديدا حتى تخوفت، ثم ترك فتحلل - أي انحلت قواه - ودفعته ثم قتلته، وانهزم المسلمون وانهزمت معهم، فإذا بعمر بن الخطاب في الناس فقلت له: "ما شأن الناس؟ ". 4وعند مسلم والحازمي:"فلحقت عمر بن الخطاب فقال: ما للناس؟ "فقلت:"أمر الله". 5 وفي لفظ عند البخاري: قال: "أمر الله عز وجل". والمعنى: حكم الله وقضاؤه. (البخاري: الصحيح 3/55 كتاب البيوع، باب بيع السلاح في الفتنة وغيرها. 4/73 كتاب فرض الخمس، باب من لم يخمس الأسلاب ... الخ، و5/129 كتاب المغازي، باب (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم) الخ، 9/57 كتاب الأحكام، باب الشهادة تكون عند الحاكم. انظر سياق الحديث في الأحكام، الحكم رقم (13) ص636) . (مسلم: الصحيح 3/1370- 1371 كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل. وأبو داود: السنن 2/64 كتاب الجهاد، باب في السلب يعطى للقاتل. والترمذي: السنن 3/61 كتاب السير، باب ما جاء فيمن قتل قتيلا فله سلبه. وابن ماجة: السنن 2/946 كتاب الجهاد، باب المبارزة والسلب. ومالك: الموطأ 2/454 كتاب الجهاد، باب ما جاء في السلب في النفل. والشافعي: الأم 4/66 (الأنفال) . وعبد الرزاق: المصنف 5/236. والحميدي: المسند 1/204، وأحمد: المسند 5/295، 296. وابن جارود: المنتقى ص360. والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/226- 227. وأبو عوانة: المسند 4/111- 114، 116. والبيهقي: السنن الكبرى 6/306، 9/50. والحازمي: الاعتبار ص221- 222) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 منهم من ساقه بتمامه ومن هم من اقتصر على جزء منه. وقد اتفقت جميع الطرق على ان أبا قتادة راوي الحديث هو الذي سأل عمر بن الخطاب عن سبب انهزام المسلمين، ماعدا مسلما والحازمي فإن الأمر عندهما بالعكس. والحديث أخرجه كذلك ابن إسحاق من طريقين: قال في الأولى: حدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث عن أبي قتادة. وفي الثانية: حدثني من لا أتهم من أصحابنا عن نافع مولى بني غفار أبي محمد عن أبي قتادة، ثم ساق الحديث1. ومن طريقه أخرجه أحمد2، وسمى المبهم في الطريق الثانية "يحيى بن سعيد" الذي مدار حديث الباب عليه، غير أن كون يحيى بن سعيد يروي عن نافع مباشرة فيه نظر، وذلك لأن جميع طرق الحديث التي وقفت عليها أنه يروي عنه بواسطة "عمر بن كثير بن أفلح" ولم أجد مَنْ نصّ مِن العلماء أن نافعاً من شيوخ يحيى، فالظاهر أن في سند ابن إسحاق انقطاعا، وقد عرف الواسطة من طرق أخرى، وهو: "عمر بن كثير". هذه معظم الأسباب التي عثرت عليها في سبب تخلي المسلمين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منسحبين أمام هوازن إلاّ قلة ممّن ثبت معه - صلى الله عليه وسلم -. وإذا أمعنا النظر نجد أن الذين بدأوا بالفرار هم أحداث الأسنان والأعراب والطلقاء، وهؤلاء ليسوا من كبار الصحابة وأهل القدم الراسخ في الإسلام. ثم صادف ذلك انشغال بعض المسلمين بجمع الغنائم كما في بعض الروايات الصحيحة.   (سيرة ابن هشام 2/448) . (المسند 5/306 وسياقه قال عبد الله بن أحمد حدثني أبي ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني عبد بن أبي بكر أنه حدّث عن أبي قتادة. قال يعقوب بن إبراهيم قال أبي وحدثني ابن إسحاق عن يحيى بن سعيد عن نافع عن الأقرع) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 هذا هو الذي استخلصته في بيان أسباب انكشاف المسلمين في بداية المعركة، معتمدا على المرويات الواردة في ذلك، ولكن الأمر لم يدم طويلا في تلك المعركة لصالح المشركين، بل نصر الله جنده في نهاية الأمر، كما سيتبين ذلك من خلال دراستنا لهذه الغزوة. وفي ختام هذا المبحث أحب أن أشير إلى أن من سنن الله الكونية التي لا تتخلف أن الله سبحانه وتعالى، جعل للنصر والظفر على الأعداء أسبابا، كما جعل للهزيمة والانحدار أسبابا، فمن أخذ بأسباب النصر جاءه النصر بإذن الله، ومن تخلى عنها أو عن بعضها جاءته الهزيمة والانتكاس. والعبرة التي يجب تقريرها والتأكيد عليها في هذا المبحث أيضا أن الجيش الإسلامي الذي يكون قائده رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذا حصل منه تقصير في جنب الله، فإنه يعاقب بالهزيمة ولا يخرج عن سنة الله في ذلك، فلا ينتصر وهو غير مستوجب لشروط النصر وأسبابه. فوقوع مثل هذا في جيوش المسلمين المقصرين في حق الله عليهم، والذين قوادهم من البشر العاديين أولى وأحرى، وإنه لدرس عظيم تقدمه لنا سيرة سلفنا الصالح وحياة ذلك الرعيل الأول، الذين عاش بين ظهرانيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والوحي ينزل عليه، وقد أذاقهم الله حلاوة النصر من عنده إذا صبروا وصدقوا واستكملوا عناصر النصر المادية والمعنوية، ولم يغفلوا عن الله. كما أذاقهم مرارة الهزيمة، إذا هم غفلوا عن الله وتنازعوا وركنوا إلى الدنيا وبيّن لهم أن ذلك الانهزام ما جاءهم إلا من عند أنفسهم إما إعجابا بكثرتهم أو بإقبالهم على حطام الدنيا، أو بغير ذلك من الأسباب. وفي ذلك ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وممّا يحسن الإشارة إليه هنا – أيضا – أن المسلمين في غزوة حنين كانوا اثني عشر ألفا أو يزيدون1، وقد حصل لهم ما بيّناه في هذا المبحث من إدبارهم على رغم هذا العدد الكبير الذي لم يتوافر مثله في غزواتهم السابقة، وقد يتوهم متوهم أن هذا يعارض ما رواه أبو داود وغيره من حديث عبد الله بن عباس الوارد فيه:   1 انظر ص116. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 63- "ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة" 1. وفي لفظ عند أحمد: "لن يغلب قوم عن قلة يبلغون أن يكونوا اثني عشر ألفا". وعند الدارمي: "وما بلغ اثنا عشر ألفا فصبروا وصدقوا فغلبوا من قلة". وعند أبي يعلى: "وما هزم قوم بلغوا اثني عشر ألفا من قلة إذا صدقوا وصبروا". وعند الواقدي: "ولا تغلب اثنا عشر ألفا من قلة كلمتهم واحدة" 2. ذلك أن هذا الحديث مقيد بقيدين وهما: "الصبر، والصدق". فإذا بلغ الجيش هذا العدد لا يغلب من قلة، إذا صبروا وصدقوا، بل ربما يكون عددهم أقل من هذا ويكون النصر حليفهم بالصبر والصدق، وإنما يغلبون لأمر آخر كالإعجاب بالكثرة وبما زين لهم الشيطان من أنفسهم من قدرتهم على الحرب وشجاعتهم وقوتهم ونحو ذلك. والحاصل أن انتصار المسلمين مرتبط بأسباب وموانع، فإذا توفرت الأسباب وانتفت الموانع حصل النصر بإذن الله قل العدد أو كثر، كما قال تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} ،3. على أنه قد يقال بعدم التعارض مطلقا بين ما وقع في حنين، وما يتضمنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة" ذلك أن ما وقع في حنين ليس هزيمة كسر فيها المسلمون ولم يقم لهم بعدها قائمة في هذه المعركة، وإنما الذي حدث هو إدبار في بادئ المعركة، أعقبه بعد ذلك انتصار عظيم على الكفار، وغنيمة لما معهم، فمثل هذه الحال لا يقال فيها إنها هزيمة نهائية، وعليه فلا تعارض، وهذا أظهر واوجه. والله أعلم. وحديث "لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة" أخرجه أبو داود، والترمذي، وأحمد، وعبد بن حميد، وابن خزيمة، والطحاوي، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، كلهم   (أبو داود: السنن 2835 كتاب الجهاد، باب فينا يستحب من الجيوش والرفقاء والسرايا) . ونص الحديث: "عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة". (مغازي الواقدي 3/890) . 3 سورة البقرة: 249. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 من طريق جرير1 بن حازم، عن يونس2 بن يزيد الأيلي، عن الزهري3، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - 4. وأخرجه الترمذي، وأحمد وأبو يعلى، والطحاوي، كلهم من طريق حبان5 بن علي العنزي، عن عقيل6 بن خالد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن النبي-صلى الله عليه وسلم-7. ورواه الدارمي من طريق حبان بن علي العنزي، عن يونس بن يزيد، وعقيل، عن ابن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - 8. والحديث قال فيه أبو داود: والصحيح أنه مرسل9.   1 جرير بن حازم "ثقة"، تقدمت ترجمته في حديث (1) . 2 يونس بن يزيد بن أبي النجاد، الأيلي - بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام - أبو يزيد مولى آل أبي سفيان، ثقة، إلاّ أن في روايته عن الزهري وهما قليلا، وفي غير الزهري خطأ، من كبار السابعة (ت 159) على الصحيح. /ع. (التقريب 2/386، تهذيب التهذيب 11/450) . 3 تقدمت ترجمة الزهري وعبيد الله في حديث (32) . (الترمذي: السنن3/56-57 كتاب السير، باب ما جاء في السرايا. وأحمد: المسند1/294. وعبد بن حميد: المسند 1/91ب رقم (322) ، وابن خزيمة: الصحيح 4/140، والطحاوي: مشكل الآثار 1/238، وابن حبان: كما في موارد الظمآن ص400، والبيهقي: 9/156) . 5 حبان - بالكسر - ابن علي العنزي - بفتح العين والنون ثم زاي - أبو علي الكوفي، ضعيف، من الثامنة، كان له فقه وفضل، (ت 171 أو 172) . /ق. (التقريب 1/147، وتهذيب التهذيب 2/173) . 6 عقيل - بالضم - بن خالد بن عقيل - بالفتح - الأيلي - بفتح الهمزة بعدها تحتانية ساكنة ثم لام - أبو خالد الأموي، مولاهم، ثقة ثبت، سكن المدينة ثم الشام ثم مصر، من السادسة (ت 144) على الصحيح. /ع. (التقريب 2/29، وتهذيب التهذيب 7/255- 256) . (الترمذي: السنن 3/57 كتاب السير، باب ما جاء في السرايا. أحمد: المسند1/299.وأبو يعلى: المسند 3/271أرقم303.والطحاوي: مشكل الآثار1/238. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 5/258 و327: رواه أبو داود والترمذي خلا قوله: "صدقوا وصبروا". (سنن الدارمي2/134-135كتاب السير، باب في خير الأصحاب والسرايا والجيوش) . (سنن أبي داود 2/35 كتاب الجهاد، باب فيما يستحب من الجيوش والرفقاء والسرايا، والمراسيل له ص34. ومصنف عبد الرزاق 5/306) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا يسنده كبير أحد غير جرير بن حازم، وإنما روي هذا الحديث عن الزهري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا. وقد رواه حبان بن علي العنزي، عن عقيل، عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ورواه الليث بن سعد1، عن عقيل، عن الزهري، عن النبي - صلى الله عليه مسلم -2. إهـ وهكذا أعله بالإرسال أيضا أبو حاتم، والطحاوي، والبيهقي3. والخلاصة: أن هذا الحديث تفرد بوصله جرير بن حازم، وهو ثقة. والزيادة من الثقة مقبولة، كما هو مقرر في علم المصطلح4. وقد قال الحاكم: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه لخلاف بين الناقلين عن الزهري5. وسكت عنه الذهبي. وقال ابن القطان6: هذا ليس بعلة، فالأقرب صحته7. وقال البيهقي - بعد سياق الحديث -: "قال أبو داود: أسنده جرير بن حازم وهو خطأ".   1 الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، أبو الحارث، المصري، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، من السابعة (ت 175) . /ع. (التقريب 2/138، وتهذيب التهذيب 8/549) . (سنن الترمذي 3/57 كتاب السير، باب ما جاء في السرايا. وهذه الرواية التي علقها الترمذي، وصلها الطحاوي في مشكل الآثار 1/239 من طريق ابن صالح حدثني الليث عن عقيل ... الخ. قال الألباني: وابن صالح اسمه عبد الله كاتب الليث وفيه ضعف فلا يحتج به عند التفرد، فكيف عند المخالفة؟ (سلسلة الأحاديث الصحيحة2/720 حديث986) . (انظر: علل الحديث لابن أبي حاتم1 /347، ومشكل الآثار للطحاوي 1/238، والسنن الكبرى للبيهقي 9/156) . 4 انظر: حديث (32) . (المستدرك 1/443، 2/101) . 6 هو الحافظ العلامة الناقد قاضي الجماعة أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن إبراهيم الحميري الكتامي الفاسي الشهير بابن القطان، صاحب كتاب الوهم والإيهام كان من أبصر الناس بصناعة الحديث وأحفظم لأسماء رجاله وأشدهم عناية بالرواية، وهو رأس طلبة العلم بمراكش (ت: 628) . (الذهبي/ تذكرة الحفاظ 4/1407) . 7 انظر: (فيض القدير للمناوي 3/474) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 فتعقبه ابن التركماني بقوله: "هذا ممنوع، لأن جريرا ثقة، وقد زاد الإسناد فيقبل قوله"1. وصححه أيضا السيوطي2. وقال الألباني: "جرير بن حازم ثقة احتج به الشيخان، وقد وصله، وهي زيادة يجب قبولها، ولا يضره رواية من قصر به على الزهري"، ولذلك قال ابن القطان: هذا ليس بعلة فالأقرب الصحة. وقد تابعه حبان بن علي العنزي على وصله، كما ذكر الترمذي. ثم ذكر من وصل الحديث من طريق حبان بن علي، ثم قال: ورجال الحديث كلهم ثقات رجال البخاري، غير حبان بن علي وهو ضعيف، لكنه لم يترك كما قال الذهبي3. فمثله يستشهد به4.   (الجوهر النقي 9/156 مع السنن الكبرى للبيهقي) . (الجامع الصغير 3/474 مع فيض القدير) . (انظر: ميزان الاعتدال 1/449) . 4 الألباني: (سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/719 حديث (986) ، وصحيح الجامع الصغير 3/121- 122 حديث (3273) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 المبحث الثاني: مواقف مريبة إثر انكشاف المسلمين في بادئ الأمر : لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين لمنازلة هوازن وجموعها، خرج معه كثير من أهل مكة وهم أوزاع منهم الطلقاء، ومنهم المقيم على كفره1، ومنهم المسلم الذي حسن إسلامه، ومنهم ضعيف الإيمان. وكان خروج الأغلبية منهم يرجون الغنائم وينظرون لمن تكون الغلبة، ولا يكرهون أن تكون الهزيمة للمسلمين.   1 ذكر القسطلاني في المواهب اللدنية 1/162، والزرقاني في شرح المواهب 3/5، وبرهان الدين الحلبي في السيرة الحلبية 3/64: "إنه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانون من أهل مكة وهم على كفرهم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 قال ابن كثير قال ابن لهيعة1، عن أبي الأسود2، عن عروة3. وذكر موسى بن عقبة في "مغازيه" عن الزهري، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فتح الله عليه مكة وأقر بها عينه، خرج إلى هوازن معه أهل مكة لم يغادر منهم أحداً ركباناً ومشاة حتى خرج النساء يمشين على غير دين نظارا ينظرون ويرجون الغنائم ولا يكرهون مع ذلك أن تكون الصدمة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. قالوا: وكان معه أبو سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وكانت امرأته مسلمة وهو مشرك لم يفرق بينهما، قالوا: وكان رئيس المشركين يومئذ مالك بن عوف النصري ومعه دريد بن الصمة يرعش من الكبر، ومعه النساء والذراري والنعم، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبي حدرد عينا فبات فيهم فسمع مالك بن عوف يقول لأصحابه: "إذا أصبحتم فاحملوا عليهم حملة رجل واحد واكسروا أغماد سيوفكم واجعلوا مواشيكم صفا ونساءكم صفا". لما أصبحوا اعتزل أبو سفيان وصفوان وحكيم بن حزام وراءهم ينظرون لمن تكون الدائرة4. قالوا: ومر رجل من قريش بصفوان بن أمية فقال: أبشر بهزيمة محمد وأصحابه، فوالله لا يجتبرونها أبدا، فقال له صفوان: تبشرني بظهور الأعراب، فوالله لرب من قريش أحب إلي من رب من الأعراب5، وغضب صفوان لذلك، قال   1 عبد الله بن لهيعة - بفتح اللام وكسر الهاء - ابن عقبة الحضرمي، أبو عبد الرحمن البصري، القاضي، صدوق من السابعة، خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون (ت 174) . /م د ت ق. (التقريب 1/444، وتهذيب التهذيب 5/373- 379) . وقال الهيثمي: "ابن لهيعة فيه ضعف وحديثه حسن". مجمع الزوائد 6/139، 173، 175، 190، 196) . 2 هو: محد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي، أبو الأسود المدني، يتيم عروة، ثقة من السابعة، مات سنة بضع وثلاثين ومائة. /ع. (التقريب 2/185، وتهذيب التهذيب 9/307) . 3 تقدمت ترجمة عروة في حديث (9) ، وترجمة موسى بن عقبة في حديث (52) . والزهري في حديث (32) . 4 الدائرة: هي الدولة بالغلبة والنصر (ابن الأثير: النهاية 2/140) . 5 سيأتي أن معنى هذا قاله صفوان لما قال كلدة بن الحنبل "ألا بطل السحر".وفي تارخ الخميس2/102 أن هذا القول قاله صفوان لكلدة ولرجل آخر ولأبي سفيان بن حرب وكان أبو سفيان لما انهزم المسلمون في أول القتال استبشر وقال: غلبت هوازن لا يردهم شيء إلاّ البحر، وكان أبو سفيان أسلم يوم الفتح لكن لم يتصلب فيه بعد وكان هو وابنه معاوية يومئذ من المؤلفة قلوبهم وبعد ذلك حسن إسلامهما. وقال: "أراد صفوان: برب من قريش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبرب من هوازن رئيسهم مالك بن عوف"إهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 عروة: وبعث صفوان غلاماً له فقال: اسمع لمن الشعار؟ فجاءه فقال: سمعتهم يقولون: "يا بني عبد الرحمن، يا بني عبد الله، يا بني عبيد الله، فقال: ظهر محمد وكان ذلك شعارهم في الحرب" ... الحديث1. والحديث أخرجه البيهقي في دلائل عن عروة وموسى بن عقبة ولم يذكر الزهري2. وفي السند إلى عروة أبو علاثة محمد بن عمرو بن خالد لم أجد له ترجمة. والحديث في كلا الإسنادين مرسل، لأن عروة بن الزبير من الثانية وموسى بن عقبة من الخامسة3. 64- وعند ابن إسحاق: فلما انهزم الناس، ورأى من كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جفاة أهل مكة الهزيمة، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن4، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وإن الأزلام5 لمعه في كنانته، وصرخ جبلة6 بن الحنبل - وهو مع أخيه صفوان بن أمية مشرك في المدة التي جعل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا بطل السحر اليوم، فقال صفوان: اسكت فض الله فاك، فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن7.   (ابن كثير: البداية والنهاية 4/330، والواقدي: المغازي 3/890، 894- 895. وانظر حديث (64) . وفي سيرة ابن هشام 2/409 كان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وحنين والطائف، شعار المهاجرين: يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بني عبد الله، وشعار الأوس: يا بني عبيد الله. 2 دلائل النبوة 3/45أوتقدم الحديث برقم (57) . 3 انظر: التقريب 2/19 و286. 4 الضغن: الحقد. (المصباح المنير 2/428) . 5 الأزلام: هي القداح التي كانت في الجاهلية عليها مكتوب، الأمر والنهي، افعل ولا تفعل، وكان الرجل منهم يضعها في وعاء له، فإذا أراد سفرا أو زواجا أو أمرا مهما، أدخل يده فأخرج منها زلما، فإن خرج الأمر مضى لشأنه، وإن خرج النهي كف عنه ولم يفعله. (ابن الأثير: النهاية 2/311) . 6 تقدم في حديث (58) . (ابن هشام: السيرة النبوية2/443-444، والطبري: تاريخ الرسل والملوك3/74. وابن كثير: البداية والنهاية 4/327. وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/469- 470. والسهيلي: الروض الأنف 7/168. والكلاعي: الاكتفاء 2/227- 228) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 ذكر هذا ابن إسحاق بدون إسناد، ومن طريقه أخرجه الطبري، لكن الجزء الأخير منه - وهو قول جبلة: "بطل السحر اليوم" - وجواب صفوان له ثابت عند أبي يعلى من حديث جابر بن عبد الله، وهذا نصه: حدثنا جعفر1، ثنا عبد2 الأعلى، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه جابر قال: كان أمام هوازن رجل جسيم3 على جمل أحمر في يده راية4 سوداء إذا أدرك طعن بها وإذا فاته شيء من بين يديه رفعها لمن خلفه، فعمد5 له علي بن أبي طالب ورجل من الأنصار كلاهما يريده، قال: فضربه علي على عرقوبي الجمل فوقع على عجزه، قال: وضرب الأنصاري ساقه، قال: فطرح قدمه بنصف ساقه فوقع، واقتتل الناس. وصرخ - حين كانت الهزيمة - كلدة وكان أخا صفوان6 بن أمية وكان صفوان يومئذ مشركا، في المدة التي ضرب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا بطل السحر اليوم7. فقال له صفوان: اسكت فض الله فاك، فوالله لأن يربني رجل من قريش   1 جعفر بن مهران السباك، أبو النضر البصري، سكت عنه ابن أبي حاتم. وقال الذهبي: "موثق، له ما ينكر". وقال ابن حجر: "وثقه ابن حبان". (انظر: الجرح والتعديل2/491، وميزان الاعتدال1/418، وتعجيل المنفعة ص50-51) . 2 عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري، السامي - بالمهملة - أبو محمد، وكان يغضب إذا قيل له أبو همام، ثقة من الثامنة (ت 189) . (ابن حجر: التقريب 1/465، وفي تهذيب التهذيب 6/96 ذكر بأنه مات سنة (198) ولم يذكر خلافا في ذلك) . 3 وعند ابن حبان: "رجل ضخم". 4 وعند ابن إسحاق وأحمد والطبري والبيهقي: "ورجل من هوازن على جمل له أحمر، بيده راية سوداء، في رأس رمح له طويل، أمام هوازن، وهوازن خلفه، إذا أدرك طعن برمحه، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فتبعوه". 5 وعند ابن حبان: "فرصد له". وعند ابن إسحاق وأحمد والطبري: "بينا ذلك الرجل من هوازن صاحب الراية على جمله ذلك يصنع ما يصنع إذ هوى له على بن أبي طالب ورجل من الأنصار يريدانه، قال: فيأتيه علي من خلفه فضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه، ووثب الأنصاري على الرجل فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه فانجعف عن رجله، قال واجتلد الناس". 6 وعند ابن حبان: "وكان أخا صفوان بن أمية لأمه". 7 وعند الواقدي: فلما كانت الهزيمة حيث كانت الدائرة على المسلمين فتكلموا بما في أنفسهم م الكفر والضغن والغش، قال أبو سفيان ابن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، قال: يقول رجل من أسلم يقال له: "أبو مقيت": أما والله، لولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن قتلك لقتلتك. وقال سهيل بن عمرو: "لا يجتبرها محمد وأصحابه"، قال: يقول له عكرمة: "هذا ليس بقول، وإنما الأمر بيد الله، وليس إلى محمد من الأمر شيء، إن أديل عليه اليوم فإن له العاقبة غدا". قال: يقول سهيل: إن عهدك بخلافه لحديث، قال: يا أبا يزيد، إنا كنا والله نوضع في غير شيء وعقولنا عقولنا، نعبد الحجر لا ينفع ولا يضر. (مغازي الواقدي 3/910- 911) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 أحب إلى من أن يربني رجل من هوازن"1. ومن هذا الطريق أخرجه ابن حبان2. والحديث فيه: جعفر بن مهران السباك، وثقه ابن حبان وهو متساهل في التوثيق، وقال الذهبي: موثق وله ما ينكر. ولكن أصل الحديث ثابت عند أحمد وابن هشام والطبري والبيهقي من غير طريق جعفر بن مهران3. 65- وروى الواقدي عن قتادة قال: مضى سرعان المنهزمين إلى مكة يخبرون أهلها بالهزيمة، فسر بذلك قوم من أهلها وأظهروا الشماتة وقال قائلهم:"ترجع العرب إلى دين آبائها، وقد قتل محمدوتفرق أصحابه". فقال عتاب بن أسيد: إن قتل محمد فإن دين الله قائم، والذي يعبده محمد حي لا يموت، فما أمسوا حتى جاءهم الخبر بنصره صلى الله عليه وسلم، فسر عتاب ومعاذ بن جبل، وكبت الله من كان يسر خلاف ذلك4. 66- وأخرج الطبراني والبيهقي كلاهما من طريق أيوب5 بن جابر، عن صدقة بن سعد، عن مصعب بن شيبة، عن أبيه6 قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، والله ما أخرجني إسلام ولا معرفة به، ولكن أبيت أن تظهر هوازن على   (أبو يعلى: المسند 2/200ب رقم 302) . (موارد الظمآن ص417) . 3 انظر الحديث رقم (58) . (الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/12) . 5 وقع في البداية والنهاية لابن كثير 4/333 "أبو أيوب" وكلمة "أبو" خطأ. 6 هو: شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري، الحجبي، المكي، من مسلمة الفتح، وله صحبة وأحاديث (ت 95) . /خ د ق. كان ممن ثبت يوم حنين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتال هوازن بعد أن كان خرج يريد أن يغتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ. (ابن حجر: التقريب 1/357، وتهذيب التهذيب 4/376، والإصابة 2/161) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 قريش فقلت وأنا واقف معه: يا رسول الله إني أرى خيلا بلقا، فقال: "يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر"1 فضرب بيده في صدري ثم قال: "اللهم اهد شيبة"، ثم ضربها الثانية فقال: "اللهم اهد شيبة"، ثم ضربها الثالثة ثم قال: "اللهم اهد شيبة". قال: فوالله ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله أحب إلي منه:. الحديث2. والحديث ضعيف، لأن فيه: أ - أيوب بن جابر3. ب - صدقة بن سعيد4. ? - مصعب بن شيبة5. وأورده الهيثمي ثم قال: رواه الطبراني وفيه أيوب بن جابر وهو ضعيف6. 67- وروى الطبراني، والبيهقي – أيضا – كلاهما من طريق عبد الله7 بن المبارك، عن أبي بكر الهذلي8، عن عكرمة9 مولى ابن عباس، عن شيبة بن عثمان   1 قال الزرقاني: لعل حكمة عدم رؤية المسلمين للملائكة، لئلا يعتمدوا عليهم، أو يشتغلوا بالنظر إليهم لكون قتالهم خارقا للعادة، فيفوتهم الاجتهاد في الحرب والثواب المترتب عليه. (شرح المواهب اللدنية 3/15) . (الطبراني: المعجم الكبير 7/357) . (والبيهقي: دلائل النبوة 3/45ب) . 3 قال فيه ابن حجر في التقريب 1/89: أيوب بن جابر بن سيار السحيمي - بمهملتين مصغرا - أبو سليمان اليمامي ثم الكوفي "ضعيف". 4 قال فيه ابن حجر في التقريب1/366:صدقة بن سعيد الحنفي، الكوفي، "مقبول". 5 قال عنه ابن حجر في التقريب 2/251: مصعب بن شيبة العبدري "لين الحديث". وانظر: (تهذيب التهذيب 1/399، 4/415، 10/162) . (مجمع الزوائد6/183،وانظر: ابن كثير: البداية والنهاية4/333،والزرقاني شرح المواهب 3/12، 15، 19. والسيوطي: الدر المنثور3/226،والخصائص الكبرى 2/93) . 7 عبد الله بن المبارك المروزي، مولى بني حنظلة ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد، جمعت فيه خصال الخير، من الثامنة (ت181) ./ع. (التقريب1/445، وتهذيب التهذيب 5/382) . 8 أبو بكر الهذلي، وقع في المعجم الكبير للطبراني:"أبو بكر الهدى" وهو خطأ. 9 عكرمة بن عبد الله، مولى ابن عباس أصله بربري، ثقة ثبت عالم بالتفسير، ولم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا يثبت عنه بدعة، من الثالثة (ت 107) وقيل: قبل ذلك. (التقريب 2/30، وتهذيب التهذيب 7/263- 273) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 قال: لما رأيت رسول الله يوم حنين قد عرى1، ذكرت أبي وعمي وقتل علي وحمزة إياهما2، فقلت: اليوم أدرك ثأري من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فذهبت لأجيئه عن يمينه فإذا بالعباس بن عبد المطلب قائم عليه بين درع بيضاء كأنها فضة ينكشف عنها العجاج3، فقلت: عمه ولن يخذله، قال: ثم جئته عن يساره فإذا بأبي سفيان4 بن الحارث بن عبد المطلب، فقلت: ابن عمه ولن يخذله، قال: ثم جئته من خلفه فلم يبق إلا أن أساوره5 سورة بالسيف إذ رفع شواظ6 من نار بيني وبينه كأنه برق فخفت أن يمحشني7، فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى8، فالتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "يا شيبة9 ادن مني، اللهم أذهب عنه الشيطان". قال: فرفعت إليه بصري ولهو أحب إلي من سمعي وبصري، فقال: "يا شيبة قاتل الكفار". الحديث10. والحديث أورده الهيثمي ثم قال: رواه الطبراني وفيه أبو بكر الهذلي وهو ضعيف11. وقال ابن حجر: متروك الحديث12.   1 قد عرى: أي انكشف عنه الناس. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 4/361) . 2 قتل في غزوة أحد كما في سيرة ابن هشام 1/127. (العجاج: الغبار. (الفيروز آبادي: 1/198) . 4 أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخاه من الرضاعة أرضعتهما حليمة بنت ذؤيب السعدية، كان أبو سفيان من الشعراء المطبوعين، وكان سبق له هجاء في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان حسان بن ثابت يرد عليه يدافع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم أسلم وحسن إسلامه وشهد حنينا وأبلى فيها بلاء حسنا، مات سنة عشرين. (ابن الأثير: أسد الغابة 6/144- 147) . 5 أساوره: أي أعلوه بالسيف في رأسه، والسورة - بفتح أوله - الوثبة. (ابن منظور: لسان العرب 6/51- 52) . 6 الشواظ: كغراب وكتاب: لهب لا دخان فيه، أو دخان النار وحرها. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 2/396) . 7 أن يمحشني: أي يحرقني، والمحش: احتراق الجلد وظهور العظم. (ابن الأثير: النهاية 4/302) . 8 القهقرى: هو المشي إلى الخلف من غير أن يعيد وجهه إلى جهة مشيه. (المصدر السابق 4/129) . 9 يا شيب: نداء ترخيم (شيبة) . (أنظر: ابن عقيل: شرح ألفية ابن مالك2/289) . 10 (الطبراني: المعجم الكبير 7/358، والبيهقي: دلائل النبوة 3/45ب) . 11 (مجمع الزوائد 6/184، وانظر: البداية والنهاية 4/333، والتفسير 2/345 كلاهما لابن كثير، والخصائص الكبرى للسيوطي 2/94- 95) . 12 انظر: (التقريب 2/401، وتهذيب التهذيب 12/45) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 وأخرج البلاذري نحوه من طريق الوليد بن مسلم، ثنا يحيى1 بن عبد العزيز. 68- عن عبد الله2 بن نعيم الأردني، عن الضحاك3 بن عبد الرحمن الأشعري قال: لما هزم الله هوازن يوم حنين عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي عامر علي خيل الطلب. الحديث. وفيه: "وكان شيبة بن عثمان العبدري شديدا على المسلمين وكان ممن أومن فسار إلى هوازن طمعا في أن يصيب من النبي - صلى الله عليه وسلم - غرة، قال: فدنوت منه فإذا أهله محيطون به، ورآني فقال: "يا شيب إليّ، فدنوت منه، فمسح صدري، ودعا لي" فأذهب الله كل غل كان فيه وملأه إيمانا وصار أحب الناس إليّ4. والحديث ضعيف لأن فيه يحيى بن عبد العزيز، وعبد الله بن نعيم، وفيه أيضا الإرسال، لأن الضحاك بن عبد الرحمن لم يدرك هذه القصة. وأخرج ابن سعد من طريق الواقدي نحو ما تقدم ولفظه: 69- كان شيبة بن عثمان رجلا صالحا له فضل وكان يحدث الناس عن إسلامه وما أراد الله به من الخير ويقول: "ما رأيت أعجب ممّا كنا فيه من لزوم ما مضى عليه آباؤنا من الضلالات، ثم يقول: لما كان عام الفتح ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة فقلت: أسير مع قريش إلى هوازن بحنين فعسى إن اختلطوا أن أصيب من محمد غرة فأثأر منه فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها، وأقول: لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتبع محمدا ما تبعته أبدا". الحديث وهو مطول5.   1 يحيى بن عبد العزيز أبو عبد العزيز الأردني - بضم الهمزة المهملة بينهما راء ساكنة ثم نون ثقيلة - نزيل اليمامة - مقبول من السابعة، وهو والد أبي عبد الرحمن الشافعي. /بخ د. (ابن حجر 2/353، وتهذيب التهذيب 11/251) . 2 عبد الله بن نعيم بن همام القيني-بفتح القاف ثم تحتانية ساكنة ثم نون-الأردني-كالذي قبله-عابد، لين الحديث، من السابعة./قد. (المصدر السابق1/457،6/56) . (وفي ميزان الاعتدال 2/515) ، سئل عنه ابن معين فقال: مظلم، وقال غيره: صالح الحديث. 3 الضحاك بن عبد الله بن عرزب - بفتح المهملة وسكون الراء وفتح الزاي ثم موحدة - وقد يقال عرزم بالميم - أبو عبد الرحمن ويقال: أبو زرعة الأردني - كالذي قبله - الطبراني، ثقة من الثالثة. (ت 105) /قد ت ق. (ابن حجر: التقريب 1/372- 373، والتهذيب 4/446) . (البلاذري: أنساب الأشراف ص366) . (ابن سيد الناس: عيون الأثر 2/190- 191، وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/470، وابن حجر: الإصابة 2/161) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 والحديث فيه الواقدي، وهو متروك الحديث1. وعند ابن إسحاق بدون إسناد قال: وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة أخو بني عبد الدار، قلت: اليوم أدرك ثأري من محمد - وكان أبوه قتل يوم أحد – اليوم أقتل محمدا، قال: فأدرت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأقتله، فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي، فلم أطق ذاك، وعلمت أنه ممنوع مني2. ومن طريقه أخرجه الطبري والبيهقي3. والخلاصة: أن الأحاديث الواردة في سبب إسلام شيبة بن عثمان كلها ضعيفة، ولذا قال ابن السكن4: في إسناد قصة إسلامه نظر5. ولكن هذه الروايات على ضعف أكثرها تدل على محاولات شيبة للقضاء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذ الثأر منه، كما أن تلك الأقوال الحاقدة التي أطلقها بعض أهل مكة كانت بمثابة التشفي من المسلمين، والرغبة في اندحار الحق. وتلتقي هذه الأقوال وتلك المحاولات من شيبة وغيره في إطار واحد يمثل ضيق نفوس هؤلاء بالإسلام، وحبهم للعهد الجاهلي وبقائه، ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره، وينصر نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ولله الحمد والمنة.   (انظر: ابن حجر: التقريب 2/194) . 2 ابن هشام: (السيرة النبوية 2/443- 444) . (تاريخ الرسل والملوك 3/74- 75، ودلائل النبوة 3/43- 44ب) . 4 هو: الحافظ الحجة أبو علي سعيد بن عثمان، تقدم. (ابن حجر: الإصابة 2/161) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 المبحث الثالث: عدد الثابتين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين : مر بنا أن مالك بن عوف سبق إلى وادي حنين وفرق جيوشه في منعطفاته ومضايقه واستعدوا وتأهبوا وأحكموا خطتهم1. وكان المسلمون لا يعلمون بذلك، وبينما هم ينحدرون في الوادي إذ انهالت عليهم هوازن بوابل من النبال والسهام، فانكشفت مقدمة المسلمين، وتبعها بقية   1 تقدم في مبحث (سبب هزيمة المسلمين ص141) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 الجيش الإسلامي، ولم يبق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قلة من المسلمين، وهذا ما نريد الحديث عنه في هذا المبحث. على أنه قد اختلفت الروايات في عدد الذين ثبتوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهي كالآتي: أ- ورد في حديث أنس بن مالك عند البخاري ومسلم وغيرهما قال: "لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف ومعه الطلقاء، فأدبروا عنه حتى بقي وحده" الحديث1. قال ابن حجر: ويجمع بين قوله "حتى بقي وحده" وبين الأخبار الدالة على أنه بقي جماعة، بأن المراد: بقي وحده متقدما مقبلا على العدو، والذين ثبتوا معه كانوا وراءه، أو وحدة بالنسبة لمباشرة القتال، وأبو سفيان ابن الحارث وغيره كانوا يخدمونه في إمساك البغلة ونحو ذلك2. ب- وأخرج ابن أبي شيبة والبزار من حديث بريدة بن الحصيب أن الناس تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق معه إلا رجل واحد يقال له زيد. وهذا سياق الحديث عند البزار: 70- حدثنا معمر3 بن سهل، وصفوان4 بن المغلس قالا: ثنا عبيد5 بن   1 تقدم الحديث برقم (40) . (فتح الباري 8/29، والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/11) . 3 كذا وقع في السند "معمر"، ولعل الصواب: محمد بن سهل بن عسكر بن عمارة التيمي، مولاهم، أبو بكر البخاري، نزيل بغداد، ثقة من الحادية عشرة (ت 251) /م ت س. فإنه يروي عن عبيد الله بن موسى. انظر: (تهذيب الكمال للمزي5/446و7/603،والتقريب2/167، وتهذيب التهذيب 9/207 كلاهما لابن حجر، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي 5/313) . 4 لم أجد ترجمته. 5 عبيد الله بن موسى بن أبي مختار، باذام - بموحدة وذال معجمة - العبسي الكوفي، أبو محمد ثقة، كان يتشيع، من التاسعة. قال أبو حاتم: "كان أثبت في إسرائيل من أبي نعيم، واستصغر في سفيان الثوري" (ت213) على الصحيح. /ع. (التقريب 1/539-540، وتهذيب التهذيب 7/50-53 كلاهما لابن حجر. والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/334-335) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 موسى، ثنا يوسف1 بن صهيب، عن عبد الله2 بن بريدة، عن أبيه3 قال: "تفرق الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلم يبق إلا رجل يقال له زيد4، وهو آخذ بعنان5 بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشهباء6، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:   1 يوسف بن صهيب الكندي، الكوفي، ثقة من السادسة/ د ت س. (التقريب 2/381، وتهذيب التهذيب 11/415) . 2 عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي، أبو سهل المروزي، قاضيها، ثقة، من الثالثة (ت 105، وقيل: 115) . /ع. (المصدر السابق 1/403- 404، و5/157) . 3 هو: بريدة بن الحصيب - بمهملتين مصغرا - أبو سهل الأسلمي، صحابي، أسلم قبل بدر (ت63) /ع. (التقريب1/96،تهذيب التهذيب1/432- 433) . 4 لعله زيد بن الأرقم الأنصاري الخزرجي، فقد جاء عند الطبراني في معجمه الكبير 5/215 عن زيد بن أرقم قال: انهزم الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فقال: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 6/182: "رواه الطبراني ورجاله ثقات". 5 العنان: ككتاب: سير اللجام الذي تمسك به الدابة، جمعه أعنة وعنن. (القاموس المحيط 4/249) . وثبت في الأحاديث المستفيضة أن الذي كان ملازما لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآخذا بلجام البغلة وركابها هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وكان العباس هو الذي نادى المهاجرين والأنصار، ولعل هؤلاء الثلاثة كانوا يتناوبون ذلك أو أن كل واحد منهم آخذا من جهة. 6 قوله: "على بغلة شهباء"، وكذا جاء في حديث عند الطبراني في الأوسط، وفي حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم، وفي حديث البراء عند أبي يعلى والروياني، وحديث العباس عند ابن سعد وأحمد والطبري والعسكري في الأمثال، وحديث عبد الرحمن مولى أم برثن عند الطبري. قال ابن حجر: وقع عند مسلم من حديث العباس "وكان على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي"، وله من حديث سلمة بن الأكوع "وكان على بغلته الشهباء". ووقع عند ابن سعد وتبعه جماعة ممن صنفوا في السيرة أنه كان على بغلته "دلدل" - بدالين مضمومتين- وفيه نظر، لأن "دلدل" أهداها له المقوقس. وقد ذكر القطب الحلبي: أنه استشكل عند الدمياطي ما ذكره ابن سعد، فقال له: كنت تبعته فذكرت ذلك في السيرة، وكنت حينئذ سيريا محضا، وكان ينبغي لنا أن نذكر الخلاف، ثم قال القطب الحلبي: يحتمل أن يكون يومئذ ركب كلا من البغلتين إن ثبت أنها كانت صحبته، وإلا فما في الصحيح أولى. ثم قال ابن حجر: وقد أغرب النووي فقال: وقع عند مسلم "على بغلته البيضاء"، وفي أخرى "الشهباء" وهي واحدة، ولا نعرف له بغلة غيرها، قال ابن حجر: وتعقب بـ: "دلدل" فقد ذكرها غير واحد، لكن قيل: إن الاسمين لواحدة. وقال في حديث أنس بن مالك الذي فيه "أن ملك أيلة أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء"، قال: ومما ينبه عليه هنا أن البغلة البيضاء التي كان عليها في حنين غير البغلة البيضاء التي أهداها له ملك أيلة، لأن ذلك كان في تبوك، وغزوة حنين كانت قبلها، وقد وقع في مسام من حديث العباس أن البغلة التي كانت تحته في حنين أهداها له فروة بن نفاثة، وهذا هو الصحيح. وذكر أبو الحسين بن عبدوس أن البغلة التي ركبها يوم حنين "دلدل" وكانت شهباء أهداها له المقوقس، وأن التي أهداها له فروة يقال لها: فضة، ذكر ذلك ابن سعد، والصحيح ما في مسلم. إهـ. كلام ابن حجر. وقال الزرقاني: "وقع في رواية لأحمد وأبي داود وغيرهما من حديث أبي عبد الرحمن الفهري أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يومئذ على فرس. قال الشامي: وهي شاذة، والصحيح أنه كان على بغلة". ثم قال الزرقاني: "ويحتمل أنه عبر عنها بالفرس مجازا لشبهها به في الإقدام، بحيث كان العباس يكفها، ونزوله بعد انخفاضها به، وأخذه الحصى ورميهم به، فلا تنافي". (انظر: ابن حجر: فتح الباري 6/75 و8/30، والنووي: شرح صحيح مسلم 4/400-401، وابن سعد: الطبقات الكبرى 2/150، والزرقاني شرح المواهب اللدنية 3/9- 10، 13- 14، والسهيلي: الروض الأنف 7/217) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 "ويحك1 ادع الناس"، فنادى زيد: يا أيها الناس! هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوكم، فلم يجئ أحد، فقال: ويحك خص الأوس والخزرج، فنادى: يا معشر الأوس والخزرج! هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوكم، فلم يجئ أحد، فقال: ويحك خص المهاجرين فإن لي في أعناقهم بيعة، قال: فحدثني بريدة أنه أقبل منهم ألف قد طرحوا الجفون حتى أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمشوا قدما حتى فتح الله عليهم". قال البزار: لا نعلم رواه إلا بريدة، ولا رواه عن عبد الله إلا يوسف بن صهيب، وهو كوفي مشهور. وقال الهيثمي وابن حجر: "رجاله ثقات"2. ونسبه ابن كثير ليونس بن بكير فقال: وروى يونس بن بكير في مغازيه عن يوسف بن صهيب، عن3 عبد الله: أنه لم يبق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين إلا رجل واحد اسمه زيد4. ?- وعند أبي يعلى والطبراني من حديث أنس بن مالك: أنه لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث، وهذا سياقه عند أبي يعلى قال:   1 "ويحك" قال ابن الأثير: ويح كلمة ترحم وتوجع، تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها، وقد يقال بمعنى المدح والتعجب، وهي منصوبة على المصدر، وقد ترفع وتضاف ولا تضاف. (النهاية 5/235) . (الهيثمي: كشف الأستار2/347-348، ومجمع الزوائد6/181، وابن حجر: مختصر زوائد مسند البزار ص250-251،رقم (816) ،والمطالب العالية 4/250) . وعلي المتقي الهندي: منتخب كنْز العمال 4/167 مع "مسند أحمد". 3 وقع في البداية والنهاية: "بن" وهو خطأ، والصواب "عن" كما تقدم في أول هذا الحديث. (البداية والنهاية 4/332) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 71- حدثنا محمد1 بن أبي بكر، ثنا عمرو2 بن عاصم، ثنا أبو العوام، عن معمر3، عن الزهري4، عن أنس قال: "لما كان يوم حنين انهزم الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلاّ العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث". الحديث5. قال الهيثمي: "رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجالهما رجال الصحيح، غير عمران بن دوار6 وهو أبو العوام، وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه ابن معين وغيره". قلت: يشهد له حديث العباس، فقد أخرج الحاكم من طريق ابن أبي عمر7: 72- ثنا سفيان8، عن الزهري، عن كثير9 بن عباس بن عبد المطلب عن أبيه10 قال: "شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلقد رأيته وما معه إلا أنا وأبو   1 محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدّم - بوزن محمد - المقدّمي - بالتشديد - أبو عبد الله الثقفي، مولاهم البصري ثقة من العاشرة (ت 234) /خ م س. (التقريب2/148، وتهذيب التهذيب9/279،والمغني لابن طاهر الهندي ص74) . 2 عمرو بن عاصم بن عبيد الله الكلابي، القيسي أبو عثمان البصري، صدوق، في حفظه شيء، من صغار التاسعة (ت 213) /ع. (التقريب 2/72، وتهذيب التهذيب 8/58) . وفي هدي الساري ص431 قال: وثقه ابن معين والنسائي، وقال أبو داود: لا أنشط لحديثه. ثم عقب ابن حجر بقوله: قد احتج به أبو داود في السنن والباقون. 3 معمر بن راشد الأزدي، مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن ثقة ثبت، إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئا، وكذا فيما حدث به بالبصرة، من كبار السابعة (ت 1549 /ع. (التقريب 2/266، وتهذيب التهذيب 10/243) . 4 تقدمت ترجمة أنس والزهري في رقم (22) و (32) . 5 أبو يعلى: (المسند 3/338ب رقم (303) . والهيثمي (مجمع البحرين 2/243 رقم (77) ، ومجمع الزوائد 6/180- 181) . 6 قال عنه ابن حجر: همران بن دوار - بفتح الواو بعدها راء - أبو العوام القطان البصري، صدوق يهم، ورمي برأي الخوارج، من السابعة (ت 160- 170) /خت عم. (التقريب 2/83، وتهذيب التهذيب8/130) . 7 هو: محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، نزيل مكة، صدوق صنف المسند، وكان لازم ابن عيينة، لكن قال أبو حاتم: "كانت فيه غفلة"، من العاشرة (ت234) /م ت س ق. (التقريب 2/218، وتهذيب التهذيب 9/518) . 8 سفيان: هو ابن عيينة، تقدمت ترجمته في حديث (51) . 9 كثير بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي، أبو تمام، صحابي صغير مات بالمدينة أيام عبد الملك. /خ م د س. (التقريب 2/132، وتهذيب التهذيب 7/420- 421) . 10 عباس بن عبد المطلب بن هاشم، عم النبي صلى الله عليه وسلم، مشهور، (ت 32) أو بعدها. /ع. (التقريب 1/397- 398، وتهذيب التهذيب 5/122) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو آخذ بلجام بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو راكبها وأبو سفيان لا يألو أن يسرع نحو المشركين" 1 ثم قال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وسكت عنه الذهبي. د- وعند ابن ابي شيبة من مرسل الحكم2 بن عتيبة قال: 73- لما فر الناس يوم حنين جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أنا النبي لا كذب ... أنا بن عبد المطلب فلم يبق معه إلا أربعة نفر، ثلاثة من بني هاشم، ورجل من غيرهم، علي، والعباس بين يديه، أبو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان، وابن مسعود من الجانب الأيسر، قال: وليس يقبل نحوه أحد إلا قتل3" 4. ?- وفي حديث جابر بن عبد الله عند ابن إسحاق ما يدل على أنه بقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة، وهذا سياقه: قال: لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف خطوط إنما ننحدر فيه انحدارا – قال: وفي عماية الصبح، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه، وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا، فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدّوا علينا شدة رجل واحد، وانشمر الناس راجعين، لا يلوي أحد على أحد، وانحاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات اليمين، ثم قال: أين أيها5 الناس؟ هلموا إليّ، أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله، قال: فلا شيء، حملت الإبل بعضها على بعض فانطلق الناس، إلا أنه قد بقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفر6 من المهاجرين والأنصار وأهل بيته.   (المستدرك 3/255) . 2 الحكم بن عتيبة - بفوقية ثم موحدة مصغرا - أبو محمد الكندي، الكوفي، ثقة ثبت فقيه، إلا أنه ربما دلس، من الخامسة (ت 113) أو بعدها. /ع. (ابن حجر: التقريب 1/192) . 3 قال الزرقاني: قوله "وليس يقبل نحوه أحد إلاّ قتل": أي بقتل الملائكة على المتبادر من أنه لم يبق إلاّ هؤلاء الأربعة، وبين ما انشغلوا به. وتقدم حديث عبد الرحمن فتلقانا عند صاحب البغلة رجال بيض الوجوه حسان. (شرح المواهب 3/15، 18، وانظر حديث (88) . 4 ابن حجر: (فتح الباري 8/29، والزرقاني: شرح المواهب 3/18) . 5 خطاب للصحابة. 6 النفر: اسم جمع بقع على الجماعة من الرجال خاصة، ما بين الثلاثة إلى العشرة، ولا واحد له من لفظه. (ابن الأثير: النهاية 5/93) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وفيمن ثبت معه من المهاجرين: أبو بكر، وعمر. ومن أهل بيته: علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان بن الحارث وابنه1، والفضل بن العباس، وربيعة بن الحارث، وأسامة بن زيد، وأيمن بن عبيد. الحديث2. والحديث رواه أحمد والطبري والبيهقي: الجميع من طريق ابن إسحاق، ولم يذكروا "ابن أبي سفيان:". و وعند أحمد والبزار والطبراني والحاكم من حديث عبد الله بن مسعود أن الذين ثبتوا يوم حنين كانوا ثمانين، وهذا سياقه عند أحمد قال: 74- ثنا عفان3، ثنا عبد الواحد4 بن زياد، ثنا الحارث5 بن حصيرة، ثنا القاسم6 بن عبد الرحمن، عن أبيه7 قال: قال عبد الله بن مسعود: كنت مع رسول   1 قال ابن هشام: اسم ابن أبي سفيان بن الحارث: "جعفر"، وبعض الناس يعد فيهم قثم بن العباس، ولا يعد ابن أبي سفيان. (السيرة النبوية 2/443) . 2 تقدم تخريج الحديث برقم (58) . 3 عفان بن مسلم بن عبد الله الباهلي، أبو عثمان الصفار، البصري، ثقة ثبت، قال ابن المديني: كان إذا شك في حرف من الحديث تركه، وربما وهم. وقال ابن معين: "أنكرناه في صفر سنة (219) " ومات بعدها بيسير. من كبار العاشرة. /ع. (التقريب 2/25، وتهذيب التهذيب 7/230) . 4 عبد الواحد بن زياد، العبدي، مولاهم، البصري، ثقة، في حديثه عن الأعمش وحده فيه مقال، من الثامنة (ت176) /ع. (التقريب1/526، وتهذيب التهذيب6/434) . 5 الحارث بن حصيرة - بفتح المهملة وكسر المهملة بعدها - الأزدي، أبو نعمان الكوفي، صدوق يخطئ، ورمي بالرفض، من السادسة، وله ذكر في مقدمة مسلم. /بخ س ص. (ابن حجر: التقريب 1/140، وتهذيب التهذيب 2/140) . ووقع في البداية والنهاية لابن كثير4/332:"الحارث بن حصين" بالنون، وهو خطأ. 6 القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود المسعودي، أبو عبد الرحمن الكوفي، القاضي، ثقة عابد، من الرابعة (ت 120) أو بعدها /خ عم. (ابن حجر: التقريب 2/118، وتهذيب التهذيب 8/321) . 7 هو عبدا لرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي، الكوفي، ثقة من صغار الثانية (ت79) وقد سمع من أبيه، لكن شيئاً يسيراً. /ع. (المصدر السابق1/488،6/215) . وقد وقع في التقريب الطبعة المصرية خطأ في الرمز حيث رمز له بـ ق، والصواب "ع" كما في: (تهذيب التهذيب، وميزان الاعتدال 2/573. والخلاصة للخزرجي 2/141) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، قال: فولى1 عنه الناس وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والأنصار فنكصنا2 على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر، وهم الذين أنزل الله عز وجل عليهم السكينة3، قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته يمضي قدما فحادت4 به فمال عن السرج فقلت له: "ارتفع رفعك الله" الحديث5. والحديث رواه البزار والطبراني والحاكم: كلهم من طريق عفان ابن مسلم به6. وأورده الهيثمي ثم قال: رواه أحمد والبزار والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح غير الحارث بن حصيرة وهو ثقة7. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه". وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: الحارث وعبد الواحد ذوا مناكير، وهذا منها، ثم فيه إرسال". والحديث أعله الذهبي بأنه من مناكير عبد الواحد8 والحارث، وبالإرسال. وعبد الواحد الذي يقول فيه الذهبي إنه صاحب مناكير، قد وثقه أئمة هذا الشأن حيث نقل توثيقه عن يحيى بن معين، وأبي زرعة9، وأبي حاتم10، وابن   1 وعند الطبراني والحاكم: "فولى عنه الناس وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار". وعند البزار: "فتفرق الناس وبقيت في ثمانين". 2 فنكصنا: النكوص: الرجوع على وراء وهو القهقرى. (ابن الأثير: النهاية5/116) . وعند الطبراني: "فتنكصنا"، وعند الحاكم: "فكنا". 3 السكينة: الوقار والتاني في الحركة والسير، وقيل: السكون والرحمة، وقيل غير ذلك. (ابن الأثير: النهاية 2/385- 386) . 4 حاد عن شيء والطريق يحيد إذا عدل، إراد أن البغلة نفرت وتركت الجادة. (ابن الأثير: النهاية 1/466) . 5 أحمد: (المسند 1/453، وابن كثير: البداية والنهاية 4/332 وقال: "تفرد به أحمد") . 6 البزار: كما في (كشف الأستار 2/382) . و (الطبراني: المعجم الكبير 10/209، والحاكم: المستدرك 2/117. والبيهقي: دلائل النبوة 3/44- 45. والسيوطي: الدر المنثور 3/224) . (مجمع الزوائد 6/180 وفي 10/403 قال: عن الحارث "وثق". 8 وقع في حاشية المستدرك "عبد الله" وهو خطأ. 9 هو: عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فرّوخ، أبو زرعة الرازي، إمام حافظ ثقة مشهور، من الحادية عشرة (ت 264) /م ت س ق. (التقريب 1/536، وتهذيب التهذيب 7/30) . 10 هو: محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي، أبو حاتم الرازي، أحد الحفاظ، من الحادية عشرة (ت 277) /د س. (التقريب2/143،وتهذيب التهذيب9/31) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 سعد1، والنسائي، وأبي داود، والعجلي2، والدارقطني، وابن حبان. وقال ابن عبد البر: "لا خلاف بينهم أنه ثقة ثبت". وقال ابن القطان الفاسي3: "ثقة لم يعتل عليه بقادح، ولكن أشار يحيى"4 القطان إلى لينه، فروى ابن المديني عنه أنه قال: ما رأيته طلب حديثا قط وكنت أذاكره بحديث الأعمش فلا يعرف منه حرفا. قال ابن حجر: "وهذا غير قادح لأنه كان صاحب كتاب، وقد احتج به الجماعة"5. قلت: والذهبي نفسه أورد قول يحيى بن القطان في "سير أعلام النبلاء" وعقب عليه بقوله: قلت: قد كان عبد الواحد من علماء الحديث، وحديثه مخرج في الصحاح6. وفي "تذكرة الحفاظ" قال عنه: عبد الواحد بن زياد الإمام الفقيه.. وثقه أحمد وغيره، وأما ابن حبان فقال: ليس بشيء، ثم عقب على هذا بقوله: قلت: كان عالما صاحب حديث وله أوهام ولكن حديثه محتج به في الكتب. ا?7. قلت: وأكثر ما نقموا عليه حديثه عن الأعمش، وحديث الباب ليس من حديثه عن الأعمش. فعلى هذا فقول الذهبي بأن عبد الواحد صاحب مناكير وأن هذا الحديث منها فيه نظر.   1 محمد بن سعد بن منيع الهاشمي مولاهم، البصري، نزيل بغداد، كاتب الواقدي، صدوق فاضل، من العاشرة (ت 230) /د. (التقريب 2/163، وتهذيب التهذيب 9/182) . 2 هو: الإمام الحافظ القدوة أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي الكوفي، نزيل طرابلس المغرب، حدّث عنه ولده صالح بمصنفه في الجرح والتعديل، وهو كتاب مفيد يدل على سعة حفظه، كانوا يعدونه مثل أحمد ويحيى بن معين (182-261) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/560- 561) . 3 هو: أبو الحسن علي بن محمد - تقدمت ترجمته في حديث (63) . 4 يحيى بن سعيد بن فرّوخ - بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وسكون الواو ثم معجمة - التميمي، أبو سعيد القطان البصري، ثقة متقن حافظ، إمام قدوة من كبار التاسعة (ت 198) /ع. (التقريب 2/348، وتهذيب التهذيب 11/216) . (ابن حجر: هدي الساري ص422، وتهذيب التهذيب 6/434، وابن ابي حاتم: الجرح والتعديل 6/20) . (سير أعلام النبلاء 9/8، وتذكرة الحفاظ 1/258) . (سير أعلام النبلاء 9/8، وتذكرة الحفاظ 1/258) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وأما الحارث فوثقه قوم وضعفه آخرون ورمي بالتشيع. وحديث الباب ليس فيه ما يدعو على التشيع. وقد توسط فيه ابن حجر فقال: "صدوق يخطئ ورمي بالرفض". وأما الإرسال1: فقد اختلف العلماء في سماع عبد الرحمن من أبيه، فمنهم من نفاه مطلقا، ومنهم من أثبته مطلقا، ومنهم من قال: سمع حديثا، ومنهم من قال: سمع حديثين، وقال ابن حجر: "سمع من أبيه لكن شيئا يسيراً". وذلك لأن عبد الرحمن عند وفاة أبيه كان عمره ست سنوات وهو وقت يمكن أن يسمع فيه بعض الأحاديث، ويصعب الجزم بأن حديث الباب من المسموع لأنهم لم ينصوا على ذلك، وإذا كان الحديث مرسلا فيكون ضعيفا لكن يشهد له حديث حارثة2 بن النعمان وهو ما اورده ابن حجر في ترجمته فقال: 75- وروى ابن شاهين3 من طريق المسعودي4، عن الحكم5، عن القاسم6،: أن حارثة أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يناجي رجلا ولم يسلّم، فقال جبرائيل: "أما   1 المراد بالإرسال هنا: الانقطاع بين عبد الرحمن وأبيه، لأن المرسل يطلق على كل ما لم يتصل إسناده عند بعض علماء الحديث، وهو المشهور عند الفقهاء والأصوليين. (تدريب الراوي للسيوطي ص118) . 2 حارثة بن النعمان بن رافع أو نفيع بن زيد بن عبد بن ثعلبة الأنصاري، أبو عبد الله المدني، شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها ورأى جبريل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - فسلم عليهما وكان من الفضلاء، يقال توفي في خلافة معاوية بن أبي سفيان. وقد ورد عند أحمد بإسناد صحيح، وهو عند الطبراني أيضا أن حارثة سلم على جبريل ورد جبريل - عليه السلام ـ. (ابن حجر: الإصابة 1/298- 299. وأحمد: المسند: 5/433، والطبراني المعجم الكبير 3/257. وأبو نعيم: حلية الأولياء 1/356) . 3 هو: الحافظ الإمام المفيد المكثر محدث العراق، أبو حفص: عمر بن أحمد بن عثمان ابن أحمد البغدادي، الواعظ المعروف بابن شاهين، صاحب التصانيف منها: التفسير الكبير ألف جزء، والمسند ألف وثلاثمائة جزء، والتاريخ مائة وخمسون جزءا وغيرها. (297-385هـ) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/987- 989) . 4 هو: عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي، المسعودي صدوق، اختلط قبل موته، وضابطه: أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط. من السابعة (ت 160 وقيل: 165) /خت عم. (ابن حجر: التقريب 1/487، وتهذيب التهذيب 6/2109. 5 الحكم هو ابن عتيبة. ثقة ثبت، تقدم في حديث (73) . 6 القاسم: الظاهر أنه ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود فإنه شيخ المسعودي، والحكم بن عتيبة شيخ المسعودي، وعلى هذا فيحتمل أن المسعودي تارة رواه عن الحكم بن عتيبة عن القاسم وتارة رواه عن القاسم مباشرة، غير أن الحكم بن عتيبة شيخه القاسم بن مخيمرة، وهو من الثالثة، والقاسم بن عبد الرحمن من الرابعة، وكلاهما ثقة وقد قال ابن المديني: القاسم بن عبد الرحمن لم يلق من الصحابة غير جابر بن سمرة. وقال ابن معين: "القاسم بن مخيمرة لم يصح أنه سمع من أحد من الصحابة، وعلى هذا فإن الحديث منقطع سواء أكان القاسم هو ابن عبد الرحمن أو ابن مخيمرة". (المزي: تهذيب الكمال 4/400، 6/556، 559) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 أنه لو سلم لرددنا عليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجبرائيل: وهل تعرفه؟ فقال نعم، هذا من الثمانين الذين صبروا يوم حنين رزقهم ورزق أولادهم على الجنة" 1. ورواه الحارث2 من وجه آخر عن المسعودي، فقال: عن القاسم3، عن الحارث بن النعمان كذا قال. ورواه الطبراني من طريق ابن أبي ليلى4، عن الحكم5، عن مقسم6، عن ابن عباس، فذكر نحوه7. قلت: الحديث المشار إليه عند الطبراني هذا سياقه: 76- قال: حدثنا محمد8 بن عبد الله الحضرمي، ثنا محمد9 بن عمران بن أبي ليلى، حدثني أبي10، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس   1 ابن حجر: الإصابة1/299وعند الطبراني:"رزقهم ورزق أولادهم على الله في الجنة". 2 الحارث: هو الحارث بن محمد بن أبي أسامة، داهر الإمام أبومحمد التميمي، البغدادي، صاحب المسند (186-282 هـ) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/619-620) . 3 القاسم: هو ابن عبد الرحمن، وهو شيخ المسعودي، فيكون المسعودي تارة روى عنه مباشرة، وتارة عنه بواسطة (الحكم بن عتيبة) .كما تقدم ص:178 تعليقة (6) . 4 هو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي القاضي، أبو عبد الرحمن صدوق، سيء الحفظ جدا، من السابعة (ت248) عم. (ابن حجر: التقريب2/184، والتهذيب 9/301) . 5 الحكم هو: ابن عتيبة. 6 مقسم - بكسر أوله - ابن بجرة - بضم الموحدة وسكون الجيم - ويقال: نجدة - بفتح النون وبدال - أبو القاسم، مولى عبد الله بن الحارث، ويقال له: مولى ابن عباس، للزومه له، صدوق، وكان يرسل، من الرابعة (ت 101) وما له في البخاري سوى حديث واحد. /خ عم. (المصدر السابق 2/273، 10/288) . 7 ابن حجر: الإصابة 1/299. 8 محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، الحافظ الكبير - مطَيَّن، محدث الكوفة، كان من أوعية العلم، حدث عنه الطبراني وأبو بكر الإسماعيلي وغيرهم (202- 297هـ) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/662) . 9 محمد بن عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق، من العاشرة. / بخ ت. (ابن حجر: التقريب 2/197، وتهذيب التهذيب 9/381) . 10 عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، مقبول، من الثامنة /ت ق. (المصدر السابق 2/84، 8/137 وقال: ذكره ابن حبان في الثقات) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 قال: "مرّ حارثة بن النعمان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه جبريل - عليه السلام -، يناجيه، فلن يسلم، فقال جبريل - عليه السلام -: "ما منعه أن يسلم، إنه لو سلم لرددت عليه، ثم قال: أما إنه من الثمانين"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وما الثمانون؟ ". قال: يفر الناس عنك غير ثمانين يصبرون معك، رزقهم ورزق أولادهم على الله في الجنة، فلنا رجع حارثة سلم، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا سلمت حين مررت؟ ". قال: "رأيت معك إنسانا فكرهت أن أقطع حديثك، قال::فرأيته؟ " قال: نعم، قال: "ذاك جبريل - عليه السلام -، وقد قال: فأخبره بما قال جبريل - عليه السلام -" 1. والحديث قال فيه الهيثمي: "رواه الطبراني والبزار بنحوه وإسناده حسن، رجالهم كلهم وثقوا وفي بعضهم خلاف"2. وعند البيهقي بطريق مرسل وفيه راو لم أجد ترجمته3 عن حارثة بن النعمان: حزرت من بقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فقلت: مائة واحدة4. وعند الواقدي: ويقال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما انكشف الناس، قال لحارثة بن النعمان: "يا حارثة كم ترى الذين ثبتوا؟ قال: فلما التفت ورائي تحرجا، فنظرت عن يميني وشمالي فحزرتهم مائة، فقلت يا رسول الله هم مائة! حتى كان يوم مررت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يناجي جبريل عليه السلام عند باب المسجد، فقال جبريل - عليه السلام -: من هذا يا محمد؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حارثة بن النعمان، فقال جبريل - عليه السلام -: هذا أحد المائة الصابرة يوم حنين، لو سلم لرددت - عليه السلام -، فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما كنت أظنه إلا دحية الكلبي واقفا معك 5. ز- وعند الترمذي: من حديث ابن عمر أن الثابتين يوم حنين نحو المائة، وهذا نصه:   1 الطبراني: المعجم الكبير 3/257، والواقدي: المغازي 3/901. 2 مجمع الزوائد 9/314. 3 هو محمد بن عمرو بن خالد أبو علاثة. (البيهقي: دلائل النبوة 3/45، وانظر: البلاذري: أنساب الأشراف ص: 364- 365، وابن سعد: الطبقات الكبرى 3/487- 488) . (الواقدي: المغازي 3/900- 901) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 77 حدثنا محمد1 بن عمر بن علي المقدمي، حدثني أبي2، عن سفيان3 بن حسين، عن عبيد الله4 بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قالك "لقد رأيتنا يوم حنين وإن الفئتين لموليتان وما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة رجل" 5. ثم قال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث عبيد الله، لا نعرفه ألا من هذا الوجه. قال المباركفوري: قوله: "وإن الفئتين لموليتان"، كذا في النسخ الحاضرة، وأورد الحافظ هذا الحديث في الفتح نقلا عن الترمذي وفيه: "وإن الناس لملون"6 مكان "وإن الفئتين لموليتان"7. والحديث فيه عمر بن علي المقدمي وهو مدلس وقد عنعن. وقد وضعه ابن حجر في المرتبة الرابعة من مراتب المدلّسين، وهي المرتبة التي لا يحتج بشيء من حديث من أصحابها إلا بما صرحوا فيه بالسماع، لكثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل8. والحديث حسنه الترمذي وابن حجر وجمع بينه وبين حديث ابن مسعود، وهذا   1 محمد بن عمر بن علي بن عطاء بن مقدم - بوزن محمد - المقدمي - بالتشديد - البصري، صدوق من صغار العاشرة. /عم. (ابن حجر: التقريب 2/194، والتهذيب 9/361) . 2 هو: عمر بن علي بن عطاء بن مقدم، كان يدلس شديدا، من الثامنة (ت 190) وقيل: بعدها. /ع. (المصدر السابق 2/61، 7/485- 486) . 3 سفيان بن حسين بن حسن، أبو محمد، أو أبو الحسن الواسطي، ثقة، في غير الزهري باتفاقهم، من السابعة (ت بالري مع المهدي، وقيل: في أول خلافة الرشيد) /خت م عم. (المصدر السابق 1/310 و4/107- 108) . 4 عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري، المدني، أبو عثمان، ثقة ثبت، قدمه أحمد بن صالح على مالك في نافع، وقدمه ابن المعين في القاسم عن عائشة، على الزهري عن عروة عنها، من الخامسة (ت بضع وأربعين بعد المائة على الصحيح) /ع. (ابن حجر: التقريب 1/537، والتهذيب 7/38) . (الترمذي: السنن 3/117 كتاب الجهاد، باب ما جاء في الثبات عند القتال. قال ابن حجر: وعند أبي نعيم: "تفصيل المائة: بضعة وثلاثون من المهاجرين، والبقية من الأنصار". (فتح الباري 8/29، الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/11، 18) . وكذا عند الواقدي: (المغازي 3/901) . 6 في الفتح، وتحفة الأحوذي: "وإن الناس لمولين"، وعند الزرقاني في شرح المواهب 3/18: "وإن الناس لمولون"، ثم قال: جملة في موضع نصب مفعول رأى الثاني. (تحفة الأحوذي 5/336) . 8 ص38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 نص كلامه قال: وروى الترمذي من حديث ابن عمر بإسناد حسن قال: "لقد رأيتنا يوم حنين وإن الناس لمولون، وما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة رجل". ثم قال: وهذا أكثر ما وقفت عليه من عدد من ثبت يوم حنين1. ثم قال: وروى أحمد والحاكم من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ثم ساق الحديث وقال في نهايته: "وهذا لا يخالف حديث ابن عمر فإنه نفى أن يكونوا مائة، وابن مسعود أثبت أنهم كانوا ثمانين". ا?2. وعلى هذا الجمع يكون حديث ابن عمر مؤيدا لحديث ابن مسعود. والخلاصة: أن الأحاديث اختلفت في عدد الثابتين يوم حنين كما تقدم إيضاح ذلك، وعلى إثر ذلك اختلفت أقوال العلماء تبعا لهذه الآثار وخلاصة ما ورد في الآثار: أ- أن الذين ثبتوا يوم حنين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة3. كما ورد في حديث الحكم بن عتيبة. ب- وفي بعضها: عشرة، كما في حديث جابر بن عبد الله عند ابن إسحاق. ج_ أو اثنا عشر4. د- أو كانوا ثمانين، كما في حديث ابن مسعود وحارثة بن النعمان. ?- أو أنهم نحو مائة وهو الوارد في حديث عبد الله بن عمر، وهو قريب من الوارد في حديث عبد الله بن مسعود وحارثة بن النعمان.   1 وقع في التعليق على جامع الأصول لابن الأثير 8/405 يوم "أحد" وهو خطأ. (فتح الباري 8/29- 30، وانظر: شرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/18- 19) . 3 تقدم في حديث أنس بن مالك أن الصحابة أدبروا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بقي وحده. وفي حديث بريدة بن الحصيب أنه بقي رجل يقال له: زيد. انظر الحديث (40 و70) . 4 قال الزرقاني: وبهذا قال النووي، وكأنه أخذه من قول ابن إسحاق الذي رواه عن جابر قال: ثبت معه: أبو بكر، وعمر، وعلي، والعباس، وابنه الفضل، وأبو سفيان بن الحارث، وابنه، وربيعة بن الحارث، وأسامة بن زيد، وأيمن بن عبيد، فهؤلاء عشرة، وتقدم في مرسل الحكم ذكر ابن مسعود، والثاني عشر يمكن تفسيره بعثمان بن عفان، فقد روى البزار عن أنس أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا ضرب كل منهم بضعة عشر ضربة. (شرح المواهب اللدنية 3/19، وانظر: حديث رقم (53) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 و أو كانوا مائة، ورد ذلك في حديث حارثة بن النعمان أيضا، عند الواقدي والبيهقي1. قال الزرقاني: وجمع شيخنا، بحمل الأربعة على من بقي معه آخذا بركابه، والاثنى عشر والعشرة على المتلاحقين بسرعة، فمن قال اثنا عشر عد من كان معه أولا فيهم، ومن قال عشرة أراد الأربعة وستة ممن أسرع، وحمل الثمانين على الذين نكصوا على أقدامهم ولم يولوا الدبر، والمائة عليهم وعلى من انضم إليهم حين تقدموا إليه عليه السلام. إ?2. وذكر ابن حجر بعض هذه الأقوال ثم قال: ووقع في شعر العباس ابن عبد المطلب: نصرنا رسول الله في الحرب تسعة ... وقد فر من فر عنه فأقشعوا وعاشرنا3 وافي الحمام بنفسه ... لما مسه في الله لا يتوجع ثم قال: ولعل هذا هو الثابت، ومن زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع فعد فيمن لم ينهزم. ا?4. قلت: لعل ما قاله ابن حجر هو الصواب، ويؤيده ما ورد عند ابن إسحاق من حديث العباس بن عبد المطلب بإسناد صحيح قال: إني لمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخذ بحكمة5 بغلته البيضاء قد شجرتها بها، قال: وكنت امرأ جسيما شديد الصوت، قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين رأى ما رأى من الناس: "أين أيها الناس؟ فلم أر الناس يلوون على شيء، فقال العباس، اصرخ، يل معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة، قال: فأجابوا لبيك6 لبيك! قال: فيذهب الرجل ليثني بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه، فيقذفها في عنقه،   1 انظر: شرح المواهب اللدنية 3/19- 20، والسيرة الحلبية 3/65. (شرح المواهب اللدنية 3/1920، والسيرة الحلبية 3/65) . 3 هو: أيمن بن عبيد، وافى الحمام أي قتل شهيدا في المعركة. (ابن حجر: فتح الباري 8/29-30) . 5 الحكمة: حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس وحنكه تمنعه من مخالفة راكبه، وشجرتها بها: أي وضعتها في شجرها، أكفها بها والشجر: مفتح الفم، وقيل الذقن. (ابن الأثير: النهاية 1/420، 2/446) . 6 لبيك: هو من التلبية وهي إجابة المنادي، ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير: أي إجابة بعد إجابة. (المصدر السابق 4/222) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 ويأخذ سيفه وترسه، ويقتحم عن بعيره، ويخلي سبيله، فيؤم الصوت، حتى ينتهي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا". الحديث1. فهذا يدل على ان بعضهم عاد بسرعة إلى المعركة فكأنه لم ينهزم، وممن صرح باسمه لأنه ثبت يوم حنين غير من تقدم2: قثم بن العباس، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب، وعبد الله بن الزبير، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب، وشيبة بن عثمان الحجبي، وأبو دجانة – سماك بن خرشة الأنصاري – وأبو طلحة – زيد بن سهل الأنصاري – وسعد بن عبادة، وأسيد بن حضير، وأبو بشر المازني الأنصاري. ومن النساء: أم سليم - والدة أنس بن مالك -، وأم عمارة - يقال اسمها نسيبة بنت كعب بن عمرو الأنصارية، والدة عبد الله بن زيد -، وأم الحارث - جدة عمارة بن غزية الأنصارية-، وأم سليط - والدة سليط بن أبي سليط بن أبي حارثة. هؤلاء الذين نص على أسمائهم بأنهم ثبتوا يوم حنين، وهم مفرقون في الأحاديث، ومنهم من نص عليه في ترجمته3. وقد تحقق لدي من خلال هذه الروايات الكثيرة المتباينة في ظاهرها حول رصد الذين ثبتوا يوم حنين من المسلمين، أن أولى الأقوال بالقبول هو قول (ابن حجر) ولا تنافي بين العشرة المذكورين في شعر العباس، وبين القول أنهم كانوا اثني عشر لتقارب العدد في ذلك، ولا شك أن هول الموقف وشدة الأزمة أديا إلى هذا الاختلاف في النظر إلى عدد الذين صمدوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لكن المقبول قوله في ذلك هو العباس لأنه أعلم من غيره، حيث كان أبرز الثابتين يوم حنين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي طلب منه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ينادي في الناس، فكان قوله مقدما على غيره، ومن قال بأنهم ثمانون أو مائة يحمل على المسرعين في إجابة نداء العباس، وهذا ما أرجحه في هذه المسألة. والله أعلم.   1 ابن هشام: السيرة النبوية 2/444- 445. 2 في الأحاديث الآنفة الذكر، وانظر: منتخب كنز العمال 4/167 مع مسند أحمد، والمستدرك للحاكم 3/274. 3 الزرقاني: شرح المواهب 3/19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 المبحث الرابع: عوامل انتصار المسلمين في حنين : كانت معركة حنين تجربة عسكرية خطيرة في معارك المسلمين، وكانت أيضا مدرسة تربوية عظيمة إذ ذاق فيها المسلمون مرارة الاندحار، ووطأة الفرار أمام زحف المشركين ونبالهم وعظيم تخطيطهم واشتداد هجمتهم عليهم في بداية المعركة هجمة رجل واحد، كما مضى بيان ذلك1. كما أذاقهم الله في هذه المعركة نفسها حلاوة النصر وبهجة الغلبة على أعدائهم، وتلك إحدى الحسنيين، وهذا من خصائص معركة حنين التي كانت المعركة الفاصلة الأخيرة بين المسلمين والمشركين في الجزيرة كما كانت بدرا المعركة الفاصلة الأولى بين الطائفتين. وفي هذا المبحث نود أن نتلمس من خلال النصوص والمرويات عوامل انتصار المسلمين، ويمكن ان تكون على النحو التالي: أ- ثبات الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ساحة المعركة يناشد ربه النصر والعون، ويعلن لأعداه من هوازن وغيرهم بأنه نبي حقا لا ينبغي له أن يَفِرّ مهما تكاثرت جموعهم، فكان يركض بغلته نحوهم وهو يقول: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب2   1 تقدم ذلك في "مبحث سبب هزيمة المسلمين" ص: (141) . 2 قوله: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب"، فيه إشارة إلى أن صفة النبوة يستحيل معها الكذب، فكأنه يقول أنا النبي، والنبي لا يكذب، فلست بكاذبٍ فيما أقول حتى أنهزم، وأنا متيقن بأن الذي وعدني الله به من النصر، حق فلا يجوز علي الفرار. "وأما نسبته إلى عبد المطلب دون أبيه عبد الله" فكأنها لشهرة عبد المطلب بين الناس لما رزق من نباهة الذكر وطول العمر، بخلاف عبد الله فإنه مات شابا، ولهذا كان كثير من العرب يدعونه ابن عبد المطلب، كما قال ضمام بن ثعلبة لما قدم: "أيكم ابن عبد المطلب" وقيل: لأنه كان اشتهر بين الناس أنه يخرج من ذرية عبد المطلب رجل يدعو إلى الله ويهدي الله الخلق على يديه ويكون خاتم الأنبياء، فانتسب إليه ليتذكر ذلك من كان يعرفه، وقد اشتهر ذلك بينهم، وذكره سيف بن ذي يزن قديما لعبد المطلب قبل أن يتزوج عبد الله آمنة، وأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - تنبيه أصحابه بأنه لابد من ظهوره وأن العاقبة له، لتقوى قلوبهم إذا عرفوا أنه ثابت غير منهزم. (ابن حجر: فتح الباري 8/31- 32، والنووي: شرح صحيح مسلم 4/406، والزرقاني: شرح المواهب 3/17، 20- 21 وزاد: وفي الروض قال الخطابي: إنما خص عبد المطلب بالذكر في هذا المقام تثبيتا لنبوته وإزالة للشك لما اشتهر وعرف من رؤيا عبد المطلب المبشرة به - صلى الله عليه وسلم -، ولما أنبأت به الأحبار والكهان فكأنه يقول: أنا ذاك فلا بد ممّا وعدت به لئلا ينهزموا عنه ويظنوا أنه مغلوب أو مقتول، فالله أعلم أراد ذلك رسوله أم لا. إهـ. ثم قال الزرقاني: "فليس هذا من الافتخار بالآباء في شيء، وبفرض تسليمه فهو جائز في الحرب لإرهاب العدو". وانظر: الروض الأنف للسهيلي 7/206- 207، والمواهب للقسطلاني 1/163، وفيض القدير للمناوي 3/38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 ولما غشيه المشركون نزل عن بغلته واستنصر ودعا، فكان من دعائه وتضرعه ما أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد من حديث أنس بن مالك، وهذا سياقه: 78- حدثنا يزيد بن هارون1، أنا حميد، عن أنس قال: كان من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين: "اللهم إنك إن تشأ لا تعبد بعد اليوم" 2. ورواه الخطيب البغدادي من طريق يزيد بن هارون، حدثنا سفيان3 بن حسين، عن الزهري، عن أنس4. قال الزرقاني: "قوله: "إنك إن تشأ لاتعبد بعد اليوم"؛ لأنه أول يوم لقي فيه المشركين بعد الفتح الأعظم ومعه المشركون والمؤلفة قلوبهم، والعرب في البوادي كانت تنتظر بإسلامها قريشا فلو وقع - والعياذ بالله تعالى - خلاف ذلك لما عبد الله"5. وقال السفاريني: "في قوله: "إنك إن تشأ لا تعبد بعد اليوم"، أي: لأن معظم المسلمين أو كلهم إلا القليل قد كان حاضرا، وأهل مكة يومئذ لم يستحكم الإيمان فيهم، ولم تخالط بشاشته قلوبهم، بل كانوا ما بين مؤلف ومستأمن، ومظهر للإيمان على مضض منه وكره، والعرب أيضا معظمهم في ذلك اليوم حاضر، وقبائل الكفار قد تألبت واجتمعت اجتماعا لا مزيد عليه، فإذا لم ينصر الله دينه ويؤيد عبده ويعز جنده، ويكبت الكفار ويخذلهم، ويجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين، نجم النفاق، وظهر الكفر والشقاق، وتكلمت الألسن بما أكنت الضمائر من العداوة والبغضاء والجحود والشرك الذي لا يرضى"6. والحديث أورده ابن كثير ثم قال: إسناده ثلاثي على شرط الشيخين، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب7 من هذا الوجه8.   1 تقدمت تراجم رجال الإسناد في حديث (22) و (26) . 2 ابن أبي شيبة: التاريخ ص90ب، وأحمد: المسند3/121وهو من ثلاثيات الإمام أحمد. 3 سفيان بن حسين بن حسن، ثقة في غيرالزهري باتفاقهم، تقدم في حديث (77) . (تاريخ بغداد 3/394) . (شرح المواهب اللدنية 3/11) . (السفاريني: شرح ثلاثيات مسند أحمد 2/286) . 7 يريد بأصحاب الكتب: البخاري، ومسلما، وأبا داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة. (البداية والنهاية 4/328) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وقال السفلريني أيضا: "سنده على شرط الصحيحين"1. وقال الزرقاني: "رجاله رجال الصحيح"2. وجاء في هذا المعنى ما رواه أحمد والدارمي من حديث صهيب - رضي الله عنه - بإسناد صحيح، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو أيام حنين: "اللهم بك أحاول، وبك أصاول وبك أقاتل" 3. 79- وعند موسى بن عقبة بن نافع: فرفع - صلى الله عليه وسلم - يديه وهو على البغلة يدعو: "اللهم إني أنشدك ما وعدتني، اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا" 4. وعند البخاري من طريق أبي إسحاق السبيعي قال: "سمعت البراء وسأله رجل: أكنتم فررتم يا أبا عمارة يوم حنين؟ قال: لا والله، ما ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسرا ليس بسلاح، فأتوا قوما رماة، جمع هوازن وبني النصر، ما يكاد يسقط لهم سهم، فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هنالك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على بغلته البيضاء، وابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل واستنصر، ثم قال: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب5   (شرح ثلاثيات مسند أحمد 2/286) . (شرح المواهب اللدنية 3/11) . 3 تقدم هذا الحديث برقم (55) . (الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/11، وانظر: ابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/97- 98) . 5 قوله: "أنا النبي لا كذب". قال النووي: "قال الإمام ابو القاسم علي بن جعفر السعدي الصقلي المعروف "بابن القطاع" في كتابه "الشافي في علم القوافي": قد رأى قوم منهم الأخفش وهو شيخ الصناعة بعد الخليل: أن مشطور الرجز ومنهوكه ليس بشعر، كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الله مولانا ولا مولى لكم"، وقوله عندما كان في غار فنكبت أصبعه: "هل أنتِ إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت"، وقوله: "أنا النبي لاكذب أنا ابن عبد المطلب" وأشباه هذا. ثم قال ابن القطاع: "وهذا الذي زعمه الأخفش وغيره غلط بين، وذلك لأن الشاعر إنما سمي شاعرا لوجوه منها: أنه شعر القول وقصده، وأراده واهتدى إليه، وأتى به كلاما موزونا على طريقة العرب مقفى، فإن خلا من هذه الأوصاف أو بعضها لا يكون شعرا، ولا يكون قائله شاعرا بإجماع العلماء والشعراء، وكذا لو قفاه وقصد به الشعر، ولكن لم يأت به موزونا لم يكن شعرا، وكذا لو أتى به موزونا ةمقفى، ولكن لم يقصد به الشعر لا يكون شعرا. ويدل عليه أن كثيرا من الناس يأتون بكلام موزون مقفى غير أنهم ما قصدوه ولا أرادوه، ولا يسمى شعرا، فدل على أن الكلام الموزون لا يكون شعرا إلا بالشروط المذكورة، وهي القصد وغيره مما سبق. والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقصد بكلامه ذلك الشعر ولا أراده فلا يعد شاعرا وإن كان موزونا". وقد أجاب ابن حجر بأجوبة عن هذا، وارتضى أن ذلك خرج موزونا ولم يقصد به الشعر، قال: "وهذا أعدل الأجوبة". (انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 4/405-406، 5/111، 113، وفتح الباري لابن حجر 7/394، 8/31، 10/538-542، والتفسير لابن كثير 3/578-580، والمواهب اللدنية للقسطلاني 1/164، وأضواء البيان لمحمد الأمين الشنقيطي 6/390. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 ثم صف أصحابه1. وهو عند أبي عوانة من طريق زهير أيضا دون قوله: "ثم صف أصحابه". واقتصر ابن جارود على قوله: "فنزل فاستنصر ثم قال: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ثم صف أصحابه"2. وعند مسلم والبيهقي: (فأقبلوا هناك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل فاستنصر وقال: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ثم صفهم". وعند مسلم والبيهقي أيضا وابن ابي شيبة وأبي عوانة: الجميع من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق قال: جاء رجل إلى البراء فقال: أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة؟ فقال: أشهد على النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ولى، ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسر، إلى هذا الحي من هوازن، وهم قوم رماة فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد، فانكشفوا، فأقبل القوم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو سفيان بن الحارث يقود به، فنزل ودعا واستنصر وهو يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب اللهم نزل نصرك. قال البراء: كنا والله إذا احمر3 البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذى به، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - 4.   1 تقدم الحديث رقم (59) . (المنتقى ص: 356) . 3 قال النووي: احمرار البأس كناية عن شدة الحرب، واستعير ذلك لحمرة الدماء الحاصلة فيها في العادة، أو لاستعار الحرب واشتعالها كاحمرار الجمر، كما في رواية "حمي الوطيس". (شرح النووي على صحيح مسلم 4/407) . 4 تقدم تخريج الحديث برقم (59) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وعند البخاري ومسلم من طريق شعبة بن الحجاج، عن أبي إسحاق، قال رجل للبراء بن عازب - رضي الله عنهما -: أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟ قال: لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر، إن هوازن كانوا قوما رماة، وإنا لما لقيناهم حملنا عليهم فانهزموا1، فأقبل المسلمون على الغنائم، واستقبلونا بالسهام، فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر فلقد رأيته وإنه لعلى بغلته البيضاء، وأن ابا سفيان آخذ2 بلجامها والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب والحديث أخرجه أيضاً أحمد، وابن أبي عاصم، وأبو يعلى، والروياني، والطبري، وأبو عوانة: الجميع من طريق شعبة، عن أبي إسحاق3.   1 هذا حديث صريح في أن المسلمين لم يفروا بمجرد التلاقي، بل قاتلوا المشركين حتى كشفوهم، ثم اشتغلوا بالغنائم، فانهال العدو عليهم بالسهام، وهو يدفع ما يوهمه حديث جابر وغيره من أن المسلمين فروا بمجرد ملاقاة الكفار لهم، وقد تقدم حديث جابر برقم (58) . (انظر: الزرقاني: شرح المواهب 3/11) . 2 قوله: "وأن أبا سفيان آخذ بلجامها" هكذا ورد من حديث البراء أن الذي كان آخذا بلجام البغلة هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ورد ذلك عند البخاري، ومسلم، والترمذي، والطيالسي، وابن سعد، وأحمد، والروياني، والطبري، وأبي عوانة، والبيهقي. وورد في حديث العباس بن عبد المطلب عند مسلم وابن إسحاق وعبد الرزاق وابن سعد وأحمد وأبي يعلى والطبري وأبي عوانة: "أن الذي كان آخذا بلجام البغلة هو العباس، وكان أبو سفيان آخذا بركاب النبي صلى الله عليه وسلم"، وفي لفظ: "كان آخذا بغرز النبي صلى الله عليه وسلم" "والغرز هو الركاب". وقد أجاب ابن حجر: "أن أبا سفيان كان آخذاً أوّلاً بزمامها، فلما ركضها النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهة المشركين خشي العباس فأخذ بلجام البغلة يكفها، وأخذ أبو سفيان بالركاب وترك اللجام للعباس إجلالا له لأنه عمه". (فتح الباري 8/30، والزرقاني: شرح المواهب 3/11) . ووقع في منتخب كنز العمال 4/166: عن ابن إسحاق قال: قال رجل للبراء: هل كنتم وليتم يوم حنين؟ ... الخ، وفي آخره: "وأبو سفيان بن حرب" يقود البغلة، أي بغلة النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقوله: "ابن إسحاق" وقوله "أبو سفيان بن حرب يقود بغلته" خطأ، والصواب: "وإسحاق السبيعي، وأبو سفيان بن الحارث". وعند البزار، وابن أبي شيبة من حديث بريدة بن حصيب قال: تفرق الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلم يبق معه إلا رجل يقال له زيد، وهو آخذ بعنان بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهباء - وعند ابن أبي شيبة - أهداها له النجاشي. ولم ينعرض ابن حجر لهذه الرواية من حيث الجمع، ويمكن أن يقال لعل زيداً أيضا كان ممن أخذ بعنان البغلة. (كشف الأستار 2/347- 348، وتاريخ ابن أبي شيبة ص91أ، والهيثمي: مجمع الزوائد 6/181 وقال: رواه البزار ورجاله ثقات، وعلي المتقي الهندي: كنز العمال 10/352، ومنتخب كنز العمال 4/167 مع مسند أحمد. وانظر ص: 171. 3 أبو يعلى: المسند 2/189 رقم (302) ، والروياني: مسند الصحابة 1/112 رقم (575) ، وتقدم تخريج الحديث برقم (59) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 ورواه أبو داود الطيالسي، وأبو عوانة، والبيهقي: كلهم من طريق شعبة وعمرو بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق1. وفي لفظ عند البخاري من طريق شعبة عن أبي إسحاق: قيل للبراء وأنا أسمع: أوليتم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟ قال: أما النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا، كانوا رماة، فقال: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وفي لفظ عند البخاري أيضا من طريق شعبة عن أبي إسحاق سمع البراء وسأله رجل من قيس: أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟. فقال: "لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر، كانت هوازن رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلنا بالسهام، ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها وهو يقول: أنا النبي لاكذب". قال إسرائيل وزهير: "نزل النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته" 2. والحديث أخرجه أيضا مسلم، وأحمد، والروياني، والطبري: الجميع من طريق شعبة، عن أبي إسحاق3. وفي لفظ عند البخاري، وابن سعد، والطبري، من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: سأل رجل البراء فقال: يا أبا عمارة، أوليتم يوم حنين؟ قال البراء - وأنا أسمع -:أما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يول يومئذ، كان أبو سفيان بن الحارث آخذا بعنان بغلته، فلما غشيه4 المشركون نزل فجعل يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب قال: "فما رؤي من الناس يومئذ أشد منه "5.   1 أبو داود الطيالسي: كما في منحة المعبود2/108، والبيهقي: دلائل النبوة3/43أ. 2 تقدم تخريج الحديث برقم (59) . 3 مسلم: الصحيح3/1401 كتاب الجهاد والسير، وأحمد: المسند4/281، والروياني: مسند الصحابة1/78أ-ب رقم (575) ، والطبري: جامع البيان10/102. 4 غشيه المشركون: أي ازدحموا عليه، قال العلماء: وفي نزوله عن البغلة حين غشوه مبالغة في الشجاعة والثبات والصبر، وقيل: فعله مواساة لمن كان نازلا على الأرض من المسلمين. (الزرقاني: شرح المواهب 3/14) . 5 البخاري: الصحيح 4/53 كتاب الجهاد، باب من قال: خذها وأنا ابن فلان. وابن سعد: الطبقات الكبرى 4/51، والطبري: جامع البيان 10/103، وتقدم الحديث برقم (59) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وعند ابن أبي شيبة والروياني: "من طريق شريك - هو ابن عبد الله النخعي - عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لا والله ما ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين دبره"، قال: والعباس وسفيان آخذان بلجام بغلته وهو يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب لفظ ابن أبي شيبة. ولفظ الروياني: "ولقد كان العباس آخذا بلجام بغلته وأبو سفيان عن يساره فقال: من أنت؟ قال: ابن أمك1 يا رسول الله، قال: وهو يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب 2 وفي لفظ عند ابن أبي عوانة من طريق سفيان الثوري، عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب - ويسأل -: يا أبا عمارة: أولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟ فقال: معاذ الله! قال: أما أنا فأشهد أن النبي لم يول ولكن ولى سرعان من الناس حين رشقهم هوازن بالنبل، وأبو سفيان بن الحارث يقود بغلته، والنبي - صلى الله عليه - وسلم يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب 3 والحديث عند البخاري وابن سعد والبيهقي كلهم من طريق سفيان به بنحوه4.   1 قوله: ابن أمك: إنما هوابن عمك، لكنه أراد أن يتقرب إليه، لأن الأم التي هي الجدة تجمعهما في النسب. (التعليق على سيرة ابن هشام 2/446) . 2 ابن أبي شيبة: التاريخ ص90أ، والروياني: مسند الصحابة 1/67 رقم (575) . وعند ابن إسحاق والطبري: من حديث جابر بن عبد الله: والتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سفيان بن الحارث، وكان مّمن صبر فقال: من هذا؟ قال: أنا ابن أمك يا رسول الله (سيرة ابن هشام2/446، وتاريخ الرسل والملوك 3/76) . 3 أبو عوانة: المسند 4/208 وتقدم الحديث برقم (59) . (ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/24- 25 وتقدم الحديث برقم (59) . وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي عاصم والطبراني والبيهقي كلهم من حديث سيابة - بالسين المهملة المكسورة والمثناة التحتية الخفيفة وبعد الألف الموحدة - ابن عاصم السلمي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم حنين: "أنا ابن العواتك من سليم". انظر ابن أبي عاصم: كتاب الجهاد ص60أرقم (535) ضمن مجموعة (27) . والطبراني: المعجم الكبير7/201. والبيهقي: دلائل النبوة 3/43ب. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد8/218-219،وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. والحديث صححه السيوطي كما في فيض القدير للمناوي 3/38. وقال الألباني: "حسن" كما في صحيح الجامع الصغير 2/13 حديث (1459) . والحديث فيه هشيم بن بشير. قال ابن حجر في الإصابة 2/102: "اختلف عليه فيه". وأورده ابن كثير في البداية والنهاية 4/328 إلا أنه وقع عنده "شبابة عن ابن عاصم السلمي" بالشين المعجمة بعدها موحدة وهو خطأ. والصواب: سيابة بن عاصم. والعواتك ثلاث جدات من سليم كل تسمى عاتكة وهن عاتكة بنت هلال بن فالج ابن ذكوان وهي أم عبد مناف، والثانية: عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان وهي أم هاشم بن عبد مناف، والثالثة: عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال وهي أم وهب أبي آمنة أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (انظر ابن الأثير: النهاية 3/179-180. والمناوي: فيض القدير 3/38) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 وعند أبي عوانة أيضا من طريق عمرو بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن البراء قال: ما كان معنا يوم كذا وكذا - ذكر يوما من أيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارس إلا المقداد1 بن الأسود - رضي الله عنه - فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رجل يمازحه2: فررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فقال البراء: "إني أشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما فر يومئذ، كان والله إذا اشتد القتال واحمر البأس، اتقينا به" 3. وعند أبي داود: "لما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - المشركين يوم حنين فانكشفوا4 نزل عن بغلته فترجل" 5. وحديث البراء بجميع طرقه، يدور على أبي إسحاق السبيعي. قال ابن حجر: "اتفقت الطرق التي أخرجها البخاري لهذا الحديث من سياق هذا الحديث إلى قوله: "أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب" إلاّ رواية زهير6 بن معاوية فزاد في آخرها "ثم صف أصحابه" وزاد مسلم: في حديث البراء من رواية زكريا7 عن أبي إسحاق قال البراء: "كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذيه" يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -." ا?8.   1 المقداد بن عمرو بن ثغلبة بن مالك بن ربيعة البهراني ثم الكندي، ثم الزهري، حالف أبوه كندة، وتبناه الأسود بن عبد يغوث الزهري، فنسب إليه،، صحابي مشهور من السابقين، لم يثبت أنه كان ببدر فارسا غيره، (ت 33) وهو ابن سبعين سنة. /ع. (التقريب 2/272) . 2 الضمير: للبراء. 3 أبو عوانة: المسند 4/209. 4 فانكشفوا: يعني المسلمين، والمراد: انهزموا. 5 أبو داود: السنن 2/46 كتاب الجهاد، باب في الرجل يترجل عند اللقاء، ومعنى ترجل: مشى على رجليه، وفي كتب اللغة: ترجل: نزل عن ركوبته ومشى. (عون المعبود 7/320. والقاموس 2/381- 382) . 6 وزهير بن معاوية تلميذ لأبي إسحاق انظر: من هذا الكتاب ص145 تعليقة (4) . 7 زكريا: هو ابن أبي زائدة أبو يحيى الكوفي الهمداني الوادعي. (ابن حجر: فتح الباري 8/31) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 فهذا الحديث على اختلاف ألفاظه وكذا حديث أنس بن مالك وجابر بن عبد الله والعباس بن عبد المطلب وغيرهم من الصحابة تدل دلالة واضحة على شجاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتناهية، ولقد نفى البراء بن عازب نفيل قاطعا كون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرَّ أو خطر بباله الفرار، فقال: "كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذى به". وفي حديث العباس عند مسلم وغيره ... قال: فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قبل الكفار. وقد أوضح ابن حجر سبب نفي البراء الفرار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإثباته لبعض الصحابة. فقال: قول السائل: "يا أبا عمارة أتوليت يوم حنين". وفي رواية: "أوليتم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين" وفي رواية: "أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ - " وكلها بمعنى. وقوله: "أما انا فأشهد على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يول"1. تضمن جواب البراء إثبات الفرار لهم، لكن لا على طريق التعميم، وأراد أن إطلاق السائل يشمل الجميع حتى النبي صلى الله عليه وسلم لظاهر رواية "أوليتم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - " ويمكن الجمع بين هذه الرواية، ورواية "أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " بحمل المعية ما قبل الهزيمة فبادر إلى استثنائه، ثم أوضح ذلك، وختم حديثه بأنه لم يكن أحد يومئذ أشد منه - صلى الله عليه وسلم -. ثم قال: قال النووي: هذا الجواب الذي أجاب به البراء من بديع الأدب؛ لأن تقدير الكلام: "فررتم كلكم"، فيدخل فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال البراء: لا والله ما فر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن جرى كيت وكيت، فأوضح ان فرار من فر لم يكن على نية الاستمرار في الفرار، وإنما انكشفوا من وقع السهام. ثم قال ابن حجر: "وكأنه يستحضر رواية "أوليتم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - "، وقد ظهر من الأحاديث الواردة في هذه القصة أن الجميع لم يفروا، ويحتمل أن البراء فهم من   1 تقدم الحديث برقم (59) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 السائل أنه اشتبه عليه حديث سلمة بن الأكوع1، الذي خرجه مسلم بلفظ "مررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهزماً"، فلذلك حلف أن النبي - صلى الله عليه وسلم لم يول. ودل ذلك على أن "منهزماً"حال من سلمة، ولهذا وقع في طريق أخرى "ومررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهزما وهو على بغلته، فقال لقد رأى ابن الأكوع فزعا". ويحتمل أن يكون السائل أخذ التعميم من قوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] ، فبين له أنه من العموم الذي أريد به الخصوص. ا?2. وقال النووي حول حديث سلمة بن الأكوع: "قال العلماء: قوله (منهزماً) حال من ابن الأكوع، كما صرح أولا بانهزامه، ولم يرد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انهزم، وقد قالت الصحابة كلهم: أنه - صلى الله عليه وسلم - ما انهزم، ولم ينقل أحد أنه انهزم - صلى الله عليه وسلم - في موطن من المواطن، وقد نقلوا إجماع المسلمين على أنه لا يجوز أن يعتقد انهزامه - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز ذلك عليه، بل كان العباس وأبو سفيان بن الحارث آخذين بلجام بغلته يكفانها عن إسراع التقدم نحو العدو". ا?3. ونقل الزرقاني: "نحو قول النووي ثم قال: وقوله "قالت الصحابة كلهم أنه - صلى الله عليه وسلم - ما انهزم، فلا يجوز أن ينقل عن سلمة ما يخالفهم بمجرد لفظ محتمل دفعته الرواية الأخرى عنه، فهذا من جملة ما استند إليه العلماء في أنه (حال من ابن الأكوع) ". ا?4. وقد عقد القاضي عياض فصلا في شجاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونجدته فقال: "وأما الشجاعة والنجدة: فالشجاعة فضيلة قوة الغضب وانقيادها للعقل، والنجدة ثقة النفس عند استرسالها إلى الموت حيث يحمد فعلها دون خوف، وكان - صلى الله عليه وسلم - منهما بالمكان الذي لا يجهل قد حضر المواقف الصعبة وفر الكماة5 والأبطال عنه غير مرة، وهو ثابت   1 سيأتي برقم (82) . (ابن حجر: فتح الباري8/28-29، والنووي شرح صحيح مسلم 4/404) . (النووي: شرح صحيبح مسلم 4/408، والقسطلاني: المواهب اللدنية 1/163) . (الزرقاني: شرح المواهب 3/17) . 5 الكماة: جمع كمي وهو الشجاع المتكمي في سلاحه، أي المتغطي المتستر بالدرع والبيضة. (مختار الصحاح ص579) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 لا يبرح ومقبل لا يدبر ولا يتزحزح وما شجاع إلا وقد أحصيت له فرة وحفظت عنه جولة سواه - صلى الله عليه وسلم -، وأن الصحابة كانوا إذا اشتد البأس والتحم القتال يتقون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". ا?1. قال ابن الحجر: "وفي حديث البراء بن العازب من الفوائد: حسن الأدب في الخطاب، والإرشاد إلى حسن السؤال بحسن الجواب، وذم الإعجاب، وفيه: جواز الانتساب إلى الآباء ولو ماتوا في الجاهلية، والنهي عن ذلك محمول على ما هو خارج الحرب، ومثله الرخصة في الخيلاء في الحرب دون غيرها، وفيه: جواز التعرض إلى الهلاك في سبيل الله، ولا يقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - متيقناً بالنصر لوعد الله تعالى بذلك وهو حق لأن أبا سفيان بن الحارث - وقد ثبت معه - آخذا بلجام بغلته وليس هو في اليقين مثل النبي - صلى الله عليه وسلم –". وقد استشهد في تلك الحال أيمن بن أم أيمن، وفيه: ركوب البغلة إشارة إلى كزيد الثبات، لأن ركوب الفحولة مظنة الاستعداد للفرار والتولي، وإذا كان رأس الجيش قد وطن نفسه على عدم الفرار وأخذ بأسباب ذلك كان ذلك أدعى لأتباعه على الثبات، وفيه شهرة الرئيس نفسه في الحرب مبالغة في الشجاعة وعدم المبالاة بالعدو. ا?2. وقال النووي: "قال العلماء: ركوبه - صلى الله عليه وسلم - البغلة في مواطن الحرب وعند اشتداد البأس هو النهاية في الشجاعة والثبات، ولأنه أيضا يكون معتمدا يرجع المسلمون إليه، وتطمئن قلوبهم به، وبمكانه، وإنما فعل هذا عمدا وإلا فقد كانت له أفراس معروفة، ومما ذكره في الحديث - يعني حديث العباس - من شجاعته صلى الله عليه وسلم تقدمه يركض بغلته إلى جمع المشركين، وقد فر الناس عنه، وفي الرواية الأخرى - يعني حديث سلمة بن الأكوع - أنه نزل إلى الأرض حين غشوه، وهذه مبالغة في الثبات والشجاعة والصبر، وقيل فعل ذلك مواساة لمن كان نازلا على الأرض من المسلمين وقد أخبرت الصحابة - رضي الله عنهم - بشجاعته - صلى الله عليه وسلم - في جميع المواطن".   (القاضي عياض: الشفاء 1/114- 118) . (فتح الباري: 8/32، والزرقاني: شرح المواهب 3/17) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وفي صحيح مسلم - يعني حديث البراء - قال: "إن الشجاع منا للذي يحاذي به، وأنهم كانوا يتقون به". ا?1. وقال القسطلاني: "وقد ركب عليه الصلاة والسلام البغلة في هذا المحل الذي هو موضع الحرب والطعن والضرب تحقيقا لنبوته لما كان الله تعالى خصه به من مزيد الشجاعة وتمام القوة، وإلا فالبغال عادة من مراكب الطمأنينة ولا تصلح لمواطن الحرب في العادة إلا الخيل، فبين عليه الصلاة والسلام أن الحرب عنده كالسلم قوة قلب وشجاعة نفس وثقة وتوكلا على الله تعالى". ا?2. ومما سبق من الروايات التي ذكرناها يتجلى لنا عاملان هامان من عوامل النصر وهما الثبات في المعركة حين لقاء العدو وذكر الله عز وجل بحضور قلب وإلحاح في الدعاء، وقد ذكر الله في هذين العاملين في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 3. ولا ينتصر المسلمون على عدوهم إلا إذا حققوا في أنفسهم التحلي بهذين العاملين وغيرهما من عوامل النصر التي ذكرها الله مادية ومعنوية. ب- رجوع المسلمين إلى المعركة: لقد عاد المسلمون إلى المعركة مسرعين حين رأوا ثبات نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وحين سمعوا النداء بالرجوع كما تبينه الرواية الآتية: 80- فعند مسلم وغيره من حديث كثير بن العباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلزمت أنا وسفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نفارقه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له بيضاء أهداها له فروة4 بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولى المسلمون   (النووي: شرح صحيح مسلم 4/401- 402) . (المواهب اللدنية 1/163 وانظر ابن كثير: التفسير 2/345) . 3 سةرة الأنفال: الآية 45. 4 فروة بن نفاثة - بنون مضمومة ثم فاء ثم ثاء مثله - اختلف في اسم أبيه، فقيل: فروة بن نفاثة، وقيل: ابن نباتة، وقيل: ابن عامر، أو ابن عمرو، قال ابن حجر: "وهو أشهر، أسلم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعث إليه بإسلامه، ولم ينقل انه اجتمع به، وسمي أبو عمر: جده النافرة" قال ابن إسحاق: "وبعث فروة ابن عمرو ابن النافرة النفاثي الجذامي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسولا بإسلامه وأهدى له بغلة بيضاء وكان فروة عاملا للروم على من يليهم من العرب وكان منزله معان وما حوله من أرض الشام، فبلغ الروم إسلامه فطلبوه فحبسوه ثم قتلوه فقال في ذلك أبياتا منها قوله: أبلغ سراة المسلمين بأنني سلم لربي أعظمي وبناني" وأخرج ابن شاهين وابن مندة قصته من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس بسند ضعيف إلى الزهري. (الإصابة 3/213، وسيرة ابن هشام 2/591) . وقال النووي: "فروة بن نفاثة وفي الرواية التي بعدها رواية إسحاق بن إبراهيم قال: (فروة بن نعامة) بالعين والميم، والصحيح المعروف الأول (نفاثة) . قال القاضي عياض: واختلفوا في إسلامه فقال الطبري: أسلم وعمّر عمرا طويلا، وقال غيرهم: لم يسلم، وفي صحيح البخاري أن الذي أهدى له بغلة هو ملك أيلة، واسم ملك أيلة فيما ذكره ابن إسحاق (يحنة بن رؤبة) ". (شرح صحيح مسلم 4/401، وأبو عوانة: المسند 4/403. وابن عبد البر الاستيعاب 3/199 مع الإصابة. وابن الأثير: أسد الغابة 4/356- 357. وابن هشام: السيرة النبوية 2/525 و591. وابن سعد: الطبقات الكبرى 1/262- 281) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 مدبرين فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض1 بغلته قبل الكفار، قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أكفها إرادة ألا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أي عباس ناد أصحاب السمرة"2 فقال عباس: - وكان رجلا صيتا3- فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فوالله! لكأن4 عطفتهم، حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك! قال: فاقتتلوا والكفار5، والدعوة6 في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار!   1 يركض بغلته: أي يضربها برجله الشريفة على كبدها لتسرع. (النووي: شرح صحيح مسلم 4/401) . 2 قوله: "ناد أصحاب السمرة"، هي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان ومعناه: ناد أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية. (النووي: شرح صحيح مسلم 4/402) . 3 رجلاً صيتاً: أي قوي الصوت. قال النووي: ذكر الحازمي في المؤتلف أن العباس - رضي الله عنه - كان يقف على سلع فينادي غلمانه في آخر الليلة وهم في الغابة فيسمعهم، قال: وبين سلع والغابة ثمانية أميال. (المصدر السابق 4/402) . 4 قوله: "لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها: أي عودهم إلى أماكنهم وإقبالهم إليه - صلى الله عليه وسلم - عطفة البقرة على أولادها، أي كان فيها انجذاب مثل ما في الأمهات حين حنت على أولادها". قال النووي: "قال العلماء: في هذا الحديث دليل على أن فرارهم لم يكن بعيدا، وأنه لم يحصل الفرار من جميعهم، وإنما فتح عليهم من في قلبه مرض من مسلمة أهل مكة المؤلفة، ومشركيها الذين لم يكونوا أسلموا، وإنما كانت هزيمتهم فجأة للانصبابهم عليهم دفعة واحدة ورشقهم بالسهام، ولاختلاط أهل مكة معهم ممن لم يستقر الإيمان في قلبه، وممن يتربص بالمسلمين الدوائر، وفيهم نساء وصبيان خرجوا للغنيمة فتقدم أخفاؤهم فلما رشقوهم بالنبل ولوا، فانقلبت أولاهم على أخراهم إلى أن أنزل الله السكينة على المؤمنين كما ذكر الله تعالى في القرآن". (المصدر السابق 4/402) . قلت: "وفي هذا رد على من يقول بأن منهزميهم وصلوا مكة وهو الواقدي" (انظر مغازيه 3/903) . 5 هكذا هو في النسخ وهو ينصب الكفار أي مع الكفار. (شرح النووي على صحيح مسلم 4/403) . 6 والدعوة في الأنصار: هي بفتح الدال يعني الاستغاثة والمناداة إليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج! يا بني الحارث بن الخزرج! فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على بغلته كالمتطاول عليها، إلى قتالهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا حين حمي الوطيس" 1، الحديث2. وعند ابن إسحاق والطبري: قال العباس: إني لمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخذ بحكمة بغلته البيضاء قد شجرتها بها، قال: وكنت امرأ جسيما شديد الصوت قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين رأى ما رأى من الناس: أين أيها الناس؟ فلم أر الناس يلوون على شيء، فقال: يا عباس اصرخ يا معشر الأنصار، يا معشر أهل السمرة فأجابوا: لبيك لبيك! قال: فيذهب الرجل ليثني بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ويأخذ سيفه وترسه3، ويقتحم عن بعيره ويخلي سبيله حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا، وكانت الدعوى أول ما كانت: يا للأنصار، ثم خلصت أخيرا: يا للخزرج، وكانوا صبرا عند الحرب، فأشرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بركائبه، فنظر إلى مجتلد القوم وهم يجتلدون فقال: "الآن حمي الوطيس". وعند ابن سعد والطبري عن العباس قال: لما كان يوم حنين التقى المسلمون والمشركون فولى المسلمون يومئذ فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما معه أحد إلا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بفرز النبي - صلى الله عليه وسلم -، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ما يألو ما أسرع نحو المشركين قال: فأتيته حتى أخذت بلجامه وهو على بغلة له شهباء فقال: يا عباس   1 الوطيس: بفتح الواو وكسر الطاء المهملة وبالسين المهملة. قال النووي: قال الأكثرون: هو شبه التنور يسجر فيه، ويضرب مثلا لشدة الحرب التي يشبه حرها حره، قال آخرون: الوطيس هو التنور نفسه. وقال الأصمعي: "هي حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد يطأ عليها فيقال: الآن حمي الوطيس، وقيل هو الضرب في الحرب، وقيل: هي الحرب الذي يطيس الناس أي يدقهم، قالوا: هذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذي لم يسمع من أحد قبل النبي - صلى الله عليه وسلم -". (شرح صحيح مسلم 4/403. والروض الأنف للسهيلي 7/199- 200) . 2 مسلم: الصحيح 3/1398- 1400 كتاب الجهاد والسير، وتمام الحديث: قال: ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: "انهزموا ورب محمد"، قال: "فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيأته فيما أرى، قال: فوالله! ماهو إلا أن رماهم بحصيات، فما زلت أرى أحدهم كليلا وأمرهم مدبرا". (سيرة ابن هشام2/444-445.والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/75. وعبد الرزاق: المصنف5/3801-381.وابن سعد: الطبقات الكبرى4/18.وأحمد: المسند 1/207. وأبو يعلى: المسند6/604ب رقم 306. وأبو عوانة: المسند4/198 و201 و203. وعلي المتقي الهندي: منتخب كنز العمال4/169، وكنز العمال10/355- 356) . 3 الترس: بضم أوله يصنع من جلود يضعه المقاتل في يده يتقي به النبال وغيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 ناد يا أصحاب السمرة، قال: وكنت رجلا صيتا فناديت بصوتي الأعلى: أين أصحاب السمرة؟ فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت إلى أولادها، يا لبيك، يا لبيك، يا لبيك وأقبل المشركون فالتقوا هم والمسلمون ونادت الأنصار: يا معشر الأنصار مرتين، ثم قصرت الدعوى في بني الحارث بن الخزرج، فنادوا: يا بني الحارث بن الخزرج! فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قتالهم فقال: "هذا حين حمي الوطيس" الحديث1. وعند الحميدي: عن عباس قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته التي أهداها له الجذامي فلما ولى المسلمون، قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عباس ناد، قلت يا أصحاب سورة البقرة2، وكنت رجلا صيتا فقلت: يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة، فرجعوا عطفة كعطفة البقرة على أولادها، وارتفعت الأصوات وهم يقولون: معشر الأنصار، يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن خزرج، يا بني الخزرج، قال: وتطاول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته فقال: "هذا حين حمي الوطيس" الحديث3.   (ابن سعد: الطبقات الكبرى2/155واللفظ له. والطبري: جامع البيان10/101- 102) . 2 قوله: (يا أصحاب سورة البقرة) . قال الزرقاني: "خصت هذه السورة بالذكر حين الفرار لتضمنها {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} [سورة البقرة، من الآية: 249] ، أو لتضمنها {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} ، [سورة البقرة، من الآية: 40] ، أو {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [سورة البقرة، من الآية: 207] . ثم قال: "وليس النداء بهذه السورة اجتهاد من العباس، بل بأمره - صلى الله عليه وسلم - ففي مسلم وغيره، قال العباس: فقال - صلى الله عليه وسلم -: يا عباس ناد يا معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة". (شرح المواهب اللدنية 3/12) . قلت: "ليس في مسلم لفظة: أصحاب سورة البقرة، وإنما فيه "أصحاب السمرة" فقط وقد تتبعت حديث العباس في صحيح مسلم فلم أجد هذه اللفظة، وقد ورد الأمر للعباس بأن ينادي بـ يا أصحاب سورة البقرة"، عند أحمد في مسنده 1/207 عن سفيان بن عيينة قال: سمعت الزهري مرة أو مرتين فلم أحفظه عن كثير بن عباس قال كان عباس وأبو عباس معه يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فخطبهم وقال: "الآن حمي الوطيس" وقال: "ناد يا أصحاب سورة البقرة" وإسناده صحيح. وعند أبي عوانة في مسنده4/204-206 من طريق سفيان بن عيينة ولفظه: يا عباس ناد في الناس: "يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة! قال سفيان بن عيينة: يذكرهم البيعة التي بايعوه تحت الشجرة والشجرة سمرة بايعوه تحتها على أن لا يفروا". وعند الفسوي في المعرفة والتاريخ 2/732 من طريق سفيان بن عيينة أيضا ولفظه: "يا عباس ناد يا أصحاب الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة" وإسناده صحيح. وجاء عند أبي يعلى والطبراني في الأوسط من طريق الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر العباس أن ينادي: يا أصحاب سورة البقرة، قال الهيثمي: "رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجالهما رجال الصحيح غير عمران بن دوار وهو أبو العوام وثقه ابن حبان وغيره وضعفه ابن معين وغيره". (مجمع الزوائد 6/180-181. وانظر مجمع البحرين 2/243 رقم (77) ومسند أبي يعلى 3/338ب رقم (303) والمطالب العالية 4/251) . (الحميدي: المسند 1/218- 219) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 والحديث رواه الفسوي من طريق الحميدي1. ورواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه2. وتعقبه الذهبي بقوله: قلت أخرجه مسلم3. 81- ونعد الحاكم من حديث جابر بن عبد الله قال: ندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين الأنصار فقال: "معشر الأنصار فأجابوه: لبيك، بأبينا أنت وأمنا يا رسول الله، قال: أقبلوا بوجوههم إلى الله وإلى رسوله يدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار، فأقبلوا ولهم حنين4 حتى أحدقوا5 به كبكبة تحاك مناكبهم يقاتلون حتى هزم الله المشركين" 6. ثم قال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرج الحاكم أيضا من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: التقى يوم حنين أهل مكة وأهل المدينة واشتد القتال فولوا مدبرين، فندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار فقال: يا معشر المسلمين أنا رسول الله. فقالوا: "إليك والله جئنا فنكسوا ثم قاتلوا حتى فتح الله عليهم" 7. ثم قال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي". وفي حديث أنس بن مالك قال: لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف ومن الطلقاء فأدبروا عنه حتى   (المعرفة والتاريخ 2/732- 733) . (المستدرك 3/327- 328) . (تلخيص الذهبي على المستدرك 3/328 وانظر الحديث رقم (80) . 4 أصل الحنين: هو ترجيع الناقة صوتها لولدها. (ابن الأثير: النهاية 1/452ن وابن حجر: هدي الساري ص109) . 5 أحدقوا به: أي طافوا به. والكبكبة: بالضم والفتح: هي الجماعة المتضامة من الناس وغيرهم والدفعة في القتال والجري والحملة في الحرب والزحام، وأكب عليه أقبل ولزم. وتحاك بتشديد الكاف: أي اصطكت مناكبهم فحك كل منكب الآخر. (ابن الأثير: النهاية1/345، 418و4/144.والفيروزآبادي: القاموس المحيط 1/121، 3/219، 299) . (المستدرك: 3/48) . 7 تقدم تخريج الحديث برقم (59) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 بقي وحده، "فنادى1 يومئذ نداءين لم يخلط بينهما، التفت عن يمينه فقال: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك، ثم التفت عن يساره فقال: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك، وهو على بغلة بيضاء، فنزل فقال: أنا عبد الله ورسوله، فانهزم المشركون" الحديث2. ?- المعجزة النبوية التي حصلت في هذه المعركة وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى اجتلاد المسلمين واشتباكهم مع المشركين فقال "هذا حين حمي الوطيس" ثم أخذ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار فامتلأت أعينهم ترابا من تلك الرمية فهزمهم الله عز وجل. توضح ذلك الأحاديث الآتية: فعند مسلم وغيره من حديث العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه -، قال: "شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلزمت أنا وسفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نفارقه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له بيضاء، أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قبل الكفار" الحديث وفيه: فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على بغلته كالنتطاول عليها إلى قتالهم، فقال: "هذا حين حمي الوطيس" قال: ثم أخذ3 رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: "انهزموا4 ورب محمد" قال: "فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيئته فيما أرى،   1 قال الحلبي: يجوز أن يكون هذا النداء بعد نداء العباس وقربهم منه - صلى الله عليه وسلم -. (للسيرة الحلبية 3/66) . قلت: وتقدم في حديث (70) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر زيدا أن ينادي في الناس وفيه أيضا أن زيدا كان آخذا بعنان بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمشهور من الأحاديث الكثيرة الصحيحة أن المأمور بالنداء هو العباس بن عبد المطلب، ولا يبعد أن الرسول-صلى الله عليه وسلم - أمر كل واحد منهما بالنداء لأن كل واحد منهما كان قريبا منه آخذا بناحية من نواحي البغلة. 2 تقدم برقم (40) . 3 وعند ابن سعد: "ثم أخذ بيده من الحصى فرماهم بها". وعند الطبري: "ثم أخذ بيده من الحصيات فرماهم بها". والحصى والحصيات صغار الحجارة الواحدة حصاة. (ابن الأثير: النهاية 1/393، والفيروز آبادي: القاموس 4/318) . 4 انهزموا: بلفظ الخبر، قال النووي: هذا فيه معجزتان ظاهرتان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحداهما فعلية، والأخرى خبرية، فإنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر بهزيمتهم، ورماهم بالحصيات، فولوا مدبرين، وذكر مسلم في الرواية الأخرى (يعني حديث سلمة بن الأكوع) أنه - صلى الله عليه وسلم - قبض قبضة من تراب الأرض، ثم استقبل لها وجوههم فقال: "شاهت الوجوه" فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا من تلك القبضة، وهذا أيضا فيه معجزتان خبرية وفعلية ثم قال: ويحتمل أنه أخذ قبضة من حصى وقبضة من تراب، فرمى بذا مرة، وبذا مرة، ويحتمل أنه اخذ قبضة واحدة مخلوطة من حصى وتراب. (شرح صحيح مسلم 4/403، وابن حجر: فتح الباري 8/32. وانظر ص205 تعليقة (1) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 قال: فوالله! ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدهم1 كليلا وأمرهم مدبرا" 2. ثم قال مسلم: وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد جميعا عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد نحوه غير أنه قال: "فروة بن نعامة الجذامي، وقال: "انهزموا ورب الكعبة انهزموا ورب الكعبة" 3. وزاد في الحديث حتى هزمهم الله، قال: وكأني أنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يركض خلفهم على بغلته. 82- وعند مسلم أيضا من حديث سلمة بن الأكوع قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينا فلما واجهنا العدو تقدمت فأعلو ثنية فاستقبلني رجل من العدو فأرميه بسهم فتوارى عني فما دريت ما صنع ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى فالتقوا هم وصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - فولى صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأرجع منهزما وعلي بردتان متزرا بإحداهما مرتديا بالأخرى فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعا ومررت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهزماً وهو على بغلته الشهباء فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد رأى ابن الأكوع فزعا فلما غشوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الأرض ثم استقبل به وجوههم فقال: "شاهت4 الوجوه" فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم الله عز وجل وقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائمهم بين المسلمين5. 83- وعند ابي يعلى والطبراني: من حديث أنس بن مالك بإسناد حسن قال: لما كان يوم حنين: انهزم الناس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلاّ العباس بن عبد المطلب وأبا   1 قوله: "فما زلت أرى حدهم كليلا "هو بفتح الحاء المهملة أي ما زلت أرى قوتهم ضعيفة". (شرح النووي على صحيح مسلم 4/403) . 2 تقدم برقم (80) . 3 تقدم برقم (80) . 4 شاهت الوجوه: قبحت. (المصباح المنير 1/389. الروض الأنف 7/2179. (مسلم: الصحيح 3/1402 كتاب الزكاة. والبيهقي: دلائل النبوة 3/44أ- ب) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 سفيان بن الحارث وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينادي يا أصحاب سورة البقرة يا معشر الأنصار ثم استحر النداء في بني الحارث بن خزرج فلما سمعوا النداء أقبلوا فوالله ما شبهتهم إلا بالإبل تجري إلى أولادها، ولما التقوا التحم القتال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الآن حمي الوطيس" وأخذ كفا من حصى فرمى به، وقال: "هزموا ورب الكعبة وكان علي بن ابي طالب من أشد الناس قتالا يومئذ"1. والحديث أورده الهيثمي2 في مجمع الزوائد وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجالهما رجال الصحيح غير عمران بن دوار وهو أبو العوام وثقه ابن حبان وغيره وضعفه ابن معين وغيره. 84- وأخرج الطبراني عن أنس قال: لنا انهزم المسلمون يوم حنين مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته الشهباء - وكان اسمها دلدل - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: دلدل اشتدي3 فألزقت بطنها بالأرض حتى أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة من تراب فرمى بها في وجوههم وقال: "حم لا ينصرون"4 فانهزم القوم وما رميناهم بسهم ولا طعناهم برمح ولا ضربنا بسيف 5. لم يروه عن ثابت6 إلا عمارة، تفرد به مؤمل.   1 أبو يعلى: (المسند 3/338ب رقم303. والطبراني: كما في مجمع البحرين 2/243 رقم77) . (مجمع الزوائد 6/180- 181) . 3 كذا في الأصل "اشتدي" وفي مجمع الزوائد (اسدي) بالسين المهملة والشدة القوة، واشتداد الشيء قوته وصلابته، والشد: العدو، واشتد عدا. (ابن الأثير: النهاية 2/451. والفيروز آبادي: القاموس 1/305) . وسدى تسدية وسدا بيده مدها، وأسدت الناقة: اتسع خطوها. (الفيروز آبادي: القاموس 1/341) . 4 قوله: (حم لا ينصرون) في النهاية لابن الأثير 1/446: معناه اللهم لا ينصرون، ويريد به الخبر، لا الدعاء، لأنه لو كان دعاء لكان مجزوما، فيقول: (حم لا ينصروا) فكأنه قال: "والله لا ينصرون". إهـ.. وفي سنن أبي داود 2/31 كتاب الجهاد، باب في الرجل ينادي بالشعار، "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إن بُيتم فليكن شعاركم حم لا ينصرون". قال صاحب عون المعبود 7/258: وقد روي عن ابن عباس أنه قال: "حم من أسماء الله". فكأنه حلف بالله إنهم لاينصرون. (مجمع البحرين 2/244 رقم 77) . 6 ثابت هو البناني، ثقة عابد، وعمارة: هو ابن زاذان الصيدلاني أبو سلمة البصري، صدوق كثير الخطأ. ومؤمل-بوزن محمد-هو ابن إسماعيل البصري، أبو عبد الرحمن نزيل مكة، صدوق سيئ الحفظ. (ابن حجر: التقريب 1/115 و2/49، 290) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 والحديث أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه: أحمد1 بن محمد بن القاسم وهو ضعيف2. قلت: "والجزء الأخير من الحديث وهو قوله: فانهزم القوم الخ ثابت معناه عند ابن حبان والحاكم من حديث أنس أيضا" وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وسكت عنه الذهبي3. 58- وأخرج الطبراني أيضا عن يزيد بن عامر السوائي وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم، قال: عند انكشافة انكشفها المسلمون يوم حنين، فتبعتهم الكفار فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصبة من الأرض فرمى بها وجوههم وقال: "ارجعوا شاهت الوجوه" فما منا من أحد يلقى أخاه إلا وهو يشكوا القذى أو يمسح عينيه4. قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. 86- وقال البزار: حدثنا إسماعيل5 بن سيف القطعي، ثنا يونس6 ابن أرقم ثنا الأعمش7، عن سماك8 بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس أن علي بن أبي   1 هو ابن أبي بزة مؤذن المسجد الحرام، قال ابن أبي حاتم قلت لأبي: ابن أبي بزة ضعيف الحديث؟ قال: نعم، ولست أحدث عنه فإنه روى عن عبيد الله بن موسى عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا منكرا. (الجرح والتعديل2/71) . (مجمع الزوائد 6/183) . 3 ابن حبان: كما في موارد الضمآن ص417، والحاكم: المستدرك 2/130. (مجمع الزوائد 6/182- 183) . 5 بصري كانوا يضعفونه، وقال ابن عدي: كان القطعي يسرق الحديث روى عن الثقات أحاديث غير محفوظة. (الذهبي: ميزان الاعتدال 1/233) . 6 يونس بن أرقم لينه عبد الرحمن بن حراش. (المصدر السابق 4/477) . ونقل ابن حجر قول الذهبي هذا وزاد: ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان يتشيع. (لسان الميزان 6/331) . 7 هو سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي أبو محمدالكوفي، ثقة حافظ عارف بالقراءة، ورع لكنه يدلس، من الخامسة (ت147أ,148) /ع. (ابن حجر: التقريب331) . 8 هو ابن أوس بن خالد الذهلي البكري الكوفي، أبو المغيرة، صدوق وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بآخره، فكان ربما يلقن، من الرابعة (ت123) /خت م عم. (المصدر السابق 1/332) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 طالب ناول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب1 فرمى به وجوه المشركين يوم حنين2. قال البرزار: "لا نعلمه بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد". وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: "رواه البزار عن إسماعيل بن سيف وهو ضعيف"3. قال ابن حجر: قلت: "وشيخه يونس"4. والخلاصة: أن أخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين ترابا ورميه في وجوه الكفار، جاء في أحاديث كثيرة منها الصحيح والحسن والضعيف. فقد ورد من حديث العباس بن عبد المطلب عند مسلم وغيره5. ومن حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم والبيهقي6. ومن حديث أبي عبد الرحمن الفهري عند أحمد وأبي داود وغيرهم7. ومن حديث عبد الله بن مسعود عند أحمد والحاكم والبيهقي وغيرهم8.   1 قال ابن حجر: ولمسلم من حديث العباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، وله من حديث سلمة بن الأكوع، قال: لما غشوا النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب ثم استقبل بها وجوههم فقال: "شاهت الوجوه"، ولأحمد وألبي داود من حديث أبي عبد الرحمن الفهري في قصة حنين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقتحم عن فرسه فأخذ كفا من تراب، ولأحمد والحاكم من حديث ابن مسعود قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة يمضي قدما فحادت عن فرسه فمال عن السرج فقلت له: "ارتفع رفعك الله، فقال: ناولني كفا من تراب فضرب به وجوههم". وللبزار من حديث ابن عباس أن عليا ناول رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب، فرمى به وجوه المشركين يوم حنين ثم قال: ويجمع بين هذه الأحاديث بأنه - صلى الله عليه وسلم - أوّلاً، قال لصاحبه ناولني فناوله فرماهم، ثم نزل عن البغلة فأخذ بيده فرماهم أيضا، فيحتمل أن الحصى في إحدى المرتين، وفي الأخرى التراب. (فتح الباري8/31-32) و (الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/13) وانظر ص201. (كشف الأستار 2/349) . (مجمع الزوائد 7/183) . (مختصر زوائد مسند البزار ص251 رقم816) . 5 تقدم الحديث برقم (80) . 6 تقدم الحديث برقم (82) . 7 سيأتي تخريجه برقم (91) . 8 تقدم تخريجه برقم (74) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 ومن حديث شيبة بن عثمان العبدري عند الطبراني وغيره1. ومن حديث عبد الرحمن بن أزهر عند أحمد وأبي عوانة2. ومن حديث يزيد بن عامرالسوائي عند عبد بن حميد والطبري3. ومن حديث أنس بن مالك عند أبي يعلى والطبراني4 وهذه الأحاديث التي أوردتها في بيان هذا العامل من عوامل النصر، يؤخذ منها نصر الله للمسلمين بمعجزات يؤيد الله بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - ليزيد المؤمنين إيمانا ولتقوم الحجة على المكذبين برسالته - صلى الله عليه وسلم -، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة. والمسلمون إذا قوي إيمانهم بالله سبحانه فإن الله يؤيدهم وينصرهم على أعدائهم بأسباب كونية قدرية لاقبل لعدوهم بها، ولهذا شواهد لا تحصى في التاريخ الإسلامي. د- تأييد الله للمسلمين بجند من عنده: كان هذا التأييد السماوي بعد أن أدب الله المؤمنين الذين اغتروا وأعجبوا بكثرتهم وبعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وذلك بسبب ما حل بهم من الخوف عندما ركب الأعداء ظهورهم يسوقونهم، فركبت إبل المسلمين بعضها بعضا وولوا مدبرين، إلاّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطائفة يسيرة معه، وفي هذه الحال الحرجة أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا من عنده تقوية لقلوب المؤمنين وتثبيتاً   1 تقدم تخريجه برقم (67) . (أحمد: المسند 4/351. وأبو عوانة: المسند 4/204. والهيثمي: مجمع الزوائد 6/185 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح) . 3 عبد بن حميد: المسند 1/66أرقم (332) . والطبري: جامع البيان10/103. وتقدم برقم (85) . 4 تقدم تخريجه برقم (83) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 لهم، ولقد صوّر القرآن الكريم هذا أتم تصوير فقال: جل ذكره: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} ، [سورة التوبة، الآية: 25] . قال الشوكاني عند تفسير هذه الآيات قوله: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ، [سورة التوبة، من الآية: 26] ، أي: أنزل ما يسكنهم فيذهب خوفهم حتى وقع منهم الاجتراء على قتال المشركين، بعد أن ولوا مدبرين، والمراد بالمؤمنين1: هم الذين لم ينهزموا، وقيل الذين انهزموا، والظاهر جميع من حضر منهم لأنهم ثبتوا بعد ذلك وقاتلوا وانتصروا، {وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوهَا} قال: هم الملائكة، {وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بما وقع عليهم من القتل والأسر وأخذ الأموال وسبي الذرية، والإشارة بقوله {وذلك} إلى التعذيب المفهوم من عذب وسمى ما حل بهم من العذاب في هذا اليوم جزاء مع أنه غير كاف بل لا بدّ من عذاب الآخرة مبالغة في وصف ما وقع عليهم، وتعظيما له، وقوله {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} أي من بعد هذا التعذيب على من يشاء ممن هداه منهم إلى الإسلام، {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يغفر لمن أذنب فتاب، {الرَحِيمٌ} بعباده يتفضل عليهم بالمغفرة لما اقترفوه2. وقد وردت بعض الآثار تبين أن المراد (بالجنود) في الآية هم الملائكة. فقد أخرج ابن أبي حاتم قال: أخبرنا أحمد3 بن عثمان بن حكيم فيما كتب إلي   1 قوله: والمراد بالمؤمنين هم الذين لم ينهزموا فقد ورد في حديث ابن مسعود قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فولى عنه الناس وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار، فنكصنا على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر، وهم الذين أنزل الله - عز وجل - عليهم السكينة. تقدم الحديث برقم (74) . والظاهر جميع من حضر من المؤمنين كما قال الشوكاني، يؤيد هذا ما قاله الطبري: "الانهزام المنهي عنه هو ما وقع على غير نية العود وأما الاستطراد للكثرة فهو كالتحيز إلى فئة". (ابن حجر: فتح الباري 8/30، والزرقاني: شرح المواهب 3/20) . 2 الشوكاني: فتح القدير 2/348. 3 أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي، أبو عبد الله الكوفي، ثقة من الحادية عشرة (ت 261) /خ م س ق. (ابن حجر: التقريب 1/21، وتهذيب التهذيب 1/61. وابن أبي حاتم: الجرح والتعديل 2/63) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 ثنا أحمد1 بن مفضل، ثنا أسباط2 عن السدي3،في قوله: {وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} قال: هم الملائكة4. وأخرج الطبري نحوه: من طريق أحمد بن المفضل به5، والحديث ضعيف كما علم من خلال تراجم رجاله، وهو مقطوع، لأن السدي من التابعين، وقد قيل إن تفسيره هذا قد جعل له إسنادا واستكلفه6. 88- وعند الطبري قال: حدثنا القاسم7، قال: ثنا الحسن بن عرفة8، قال: ثني المعتمر9 بن سليمان، عن عوف10 قال: سمعت عبد الرحمن11 مولى أم برثن أو أم مريم، قال: ثني جل كان من المشركين يوم حنين، قال: "لما التقينا نحن   1 أحمد بن المفضل الحفري - بفتح المهملة والفاء - أبو علي الكوفي، صدوق شيعي، في حفظه شيء (ت215) /م د س. (ابن حجر: التقريب 1/26) . وفي تهذيب التهذيب 1/81 قال: قال أبو حاتم: كان صدوقا وأثنى عليه بن أبي شيبة خيرا، وذكره ابن حبان في الثقات. قال الأزدي: منكر الحديث. 2 أسباط بن نصر الهمداني-بسكون الميم- أبو يوسف، ويقال: أبو نصر صدوق كثير الخطأ، يغرب من الثامنة/خت م عم. (المصدر السابق1/53و1/211-212) . 3 إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي - بضم المهملة وتشديد الدال - وهو السدي الكبير، أبو محمد الكوفي، صدوق يهم، ورمي بالتشيع من الرابعة (ت 127) /م عم. (المصدر السابق 1/71- 72 و1/313- 314) . (تفسير ابن أبي حاتم 4/70أ) . (جامع البيان 10/101 وتقدم برقم (41) . (ابن حجر: تهذيب التهذيب 1/314) . 7 القاسم: هو ابن زكرياء بن يحيى أبو بكر المقرئ المعروف: بالمطرز - بزنة اسم الفاعل -. ذكر الخطيب مشايخه وتلاميذه وقال: كان ثقة ثبتا. (تاريخ بغداد 12/441 و7/394) . وذكره الحافظ ابن حجر تمييزا وقال: حافظ ثقة. (التقريب 2/126 وتهذيب التهذيب 8/314) . 8 الحسن بن عرفة بن يزيد العبدي أبو علي البغدادي، صدوق من العاشرة (ت 257) /ت س ق. (ابن حجر: التقريب1/168 وتهذيب التهذيب 3/293) . 9 المعتمر بن سليمان بن طرخان - بفتح طاء مهملة وقيل بكسرها وبخاء وراء ونون - التيمي، أبو محمد البصري: يلقب بالطفيل، ثقة من كبار التاسعة (ت 117) وقد جاوز الثمانين /ع. (المصدر السابق 2/263، 10/227) . 10 عوف بن أبي جميلة - بفتح الجيم - الأعرابي، العبدي، البصري، ثقة رمي بالقدر، وبالتشيع، من السادسة (ت146 أو147) /ع. (المصدر السابق2/89، 8/166) . 11 عبد الرحمن بن آدم البصري المعروف بصاحب السقاية، مولى أم برثن-بضم الموحدة وسكون الراء بعدها مثلثة مضمومة ثم نون-وقد تبدل النون ميما فيقال: (برثم) صدوق من الثالثة/م د. (المصدر السابق1/472 و6/134) . والظاهر (أن قوله في مسند ابن جرير "مولى مريم" خطأ. والصواب "مولى أم برثم" أو "برثن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين لم يقوموا لنا حلب1 شاة، قال: فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم في أدبارهم، حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء، فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فتلقانا عنده رجال بيض، حسان الوجوه، فقالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا، قال فانهزمنا وركبوا أكتافنا، فكانت إياها" 2 والحديث حسن لذاته وجهالة الرجل لا تضر لأن الظاهر أنه أسلم وحدث عبد الرحمن بهذه القصة، جهالة الصحابي لا تضر لأنهم كلهم عدول، وقد قال ابن حجر: "بأن عبد الرحمن روى عن رجل من الصحابة ولم يسمه3 فالظاهر أنه هذا". والله أعلم. وتقدم في حديث عثمان بن شيبة العبدري أنه قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين والله مال أخرجني إسلام ولا معرفة به، ولكن أبيت أن تظهر هوازن على قريش، فقلت وأنا واقف معه: يا رسول الله إني أرى خيلا بلقا، فقال: "يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر" الحديث4. 89- وقال ابن إسحاق: حدثني أبي إسحاق5 بن يسار أنه حدث عن جبير6 بن مطعم قال: لقد رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد7 الأسود أقبل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد   1 قوله: لم يقوموا لنا حلب شاة: أي مقدار حلبها بل ولوا من رشق النبل ونيتهم العود. (شرح المواهب 3/15) . (الطبري: جامع البيان 10/103- 104) . (تهذيب التهذيب 6/134) . 4 تقدم الحديث برقم (66) . 5 إسحاق بن يسار المدني والد ابن إسحاق، ثقة من الثالثة /مد. (ابن حجر: التقريب 1/62 وتهذيب التهذيب 1/257) . 6 جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي، صحابي عارف بالأنساب (ت58 أو 59) /ع. (المصدر السابق 1/126 و2/63- 64) . 7 أورد ابن الأثير في النهاية1/96 هذا الحديث وقال: "البجاد الكساء وجمعه بجد، أراد الملائكة التي أيدهم الله بهم" وقال الزرقاني: البجاد بالموحدة المكسورة والجيم الخفيفة آخره دال مهملة: الكساء. ثم نقل قول ابن الأثير وقال: لأنه لكثرتهم واختلاط بعضهم ببعض صاروا كالبجاد المتصل أجزاؤه بنسجه، وروى الواقدي عن شيوخ من الأنصار قالوا: رأينا يومئذ كالبجد السود هوت من السماء ركاما فنظرنا فإذا نمل مبثوث فإن كنا ننفضه عن ثيابنا فكان نصر الله أيدنا به. وانظر الروض الأنف للسهيلي 7/212. ثم قال الزرقاني: قال شيخنا: "ولعل نزول الملائكة في صورة النمل ليظهر للمسلمين فيسألوا عنه، ويتوصلوا بذلك للعلم بهم، فيعلموا من ذلك من معجزاته فيقوى بذلك إيمانهم" (شرح المواهب3/16) . وانظر مغازي الواقدي3/905. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 ملأ الوادي، لم يشك أحد أنها الملائكة ثم لم يكن إلا هزيمة القوم1. والحديث أخرجه الطبري عن ابن إسحاق عن أبيه أنه: حدث عن جبير بن مطعم2. وأخرجه الطبراني من طريق ابن إسحاق أيضا وصرح بسماع إسحاق من جبير بن مطعم. وهذا سياقه: قال: "حدثنا أبو مسلم3 ثنا عبيد الله4 بن محمد بن عائشة ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبيه قال: سمعت جبير بن مطعم يقول رأيت يوم حنين شيئا أسود مثل البجاد". الحديث5. ثم قال الطبراني: "لا يروى هذا عن جبير إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن إسحاق". ثم ساق سندا آخر فقال حديثنا محمد6 بن أبان ثنا محمد7 بن عباد بن آدم ثنا أبي8 ثنا حماد بن سلمة فذكر نحوه9. وأورده الهيثمي ثم قال: "رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين في أحدهما عباد بن آدم لم يوثقه أحد ولم يجرحه"10.   (سيرة ابن هشام 2/449) . (تاريخ الرسل والملوك 3/77، والروض الأنف 7/173) . 3 أبو مسلم الكجي الحافظ المسند، إبراهيم بن عبد الله بن مسلم بن ماعز البصري صاحب كتاب السنن، سمع أبا عاصم النبيل والأصمعي، وعنه أبو بكر القطيعي وأبو قاسم الطبراني، كان من أهل الفضل والعلم والأمانة، وكان سريا نبيلا عالما بالحديث وثقه الدارقطني وغيره (200- 292هـ) (الخطيب: تاريخ بغداد 6/120- 124. الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/620- 621) . 4 عبيد الله بن محمد بن عائشة، اسم جده حفص بن عمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر التيمي، وقيل له: ابن عائشة، والعائشي والعيشي، نسبة إلى عائشة بنت طلحة، لأنه من ذريتها، ثقة جواد، رمي بالقدر ولم يثبت، من كبار العاشرة، (ت 228) /د ت س. (ابن حجر: التقريب 1/538 وتهذيب التهذيب 7/45) . (مجمع البحرين 2/343 رقم (77) . 6 محمد بن أبان الأصبهاني، كذا في ترجمة شيخه محمد بن عباد ولم أجد ترجمته. 7 محمد بن عباد بن آدم الهذلي البصري، مقبول، من العاشرة (ت268) /سق. (التقريب 2/174، وتهذيب التهذيب 9/343) . 8 عباد بن آدم الهذلي البصري، مجهول، من التاسعة /ق. (التقريب 1/391، وتهذيب التهذيب 5/90) . (مجمع البحرين 2/343 رقم (77) . 10 (مجمع الزوائد 6/183) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 وأورده ابن كثير عن ابن إسحاق فقال: وقال محمد بن إسحاق: "حدثني والدي إسحاق بن يسار عمن حدثه عن جبير بن مطعم". ثم ساق الحديث. ثم قال: رواه البيهقي1 عن الحاكم عن الأصم2 عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق به3. والظاهر أن في الحديث انقطاعا بين إسحاق بن يسار وبين جبير ابن مطعم وأن رواية الطبراني الواردة فيها التصريح بسماع إسحاق من جبير بن مطعم "خطأ". ولعلها تحرفت من حدث عن جبير بن مطعم إلى حدثني فرواها بعض الرواة بالمعنى "سمعت". وذلك لأن المزي وابن حجر لم يذكرا في شيوخ إسحاق، جبير بن مطعم كما لم يذكرا أيضا إسحاق في تلاميذ جبير بن مطعم4. وعلى كل فإن الحديث يتقوى بالأحاديث السابقة والآتية وهي: ما رواه عبد بن حميد قال: حدثني موسى5 بن مسعود ثنا سعيد6 بن السائب الطائفي حدثني أبي السائب7 بن يسار، قال: سمعت يزيد8 بن عامر السوائي وكان شهد   1 رواه في الدلائل 3/45ب. 2 هو محمد بن يعقوب أبو العباس الأصم تقدمت ترجمته في حديث (23) . (تفسير ابن كثير 2/345 والبداية والنهاية له 4/334. وانظر فتح القدير للشوكاني 2/349، وشرح المواهب للزرقاني 3/15- 16) . (تهذيب الكمال 2/495 وتهذيب التهذيب 1/257، 2/63- 64) . 5 موسى بن مسعود النهدي - بفتح النون - أبو حذيفة البصري، صدوق سيئ الحفظ، وكان يصحف، من صغار التاسعة (ت220) أو بعدها، وحديثه عند البخاري في المتابعات. /خ د ت ق. (التقريب 2/288، وتهذيب التهذيب 10/370 وسرد أقوال العلماء فيه في هدي الساري ص446) . 6 سعيد بن السائب بن يسار الثقفي الطائفي وهو ابن يسار، ثقة عابد، من السابعة (ت 171) . /د س ق. (التقريب 1/296، وتهذيب التهذيب 4/35- 36) . 7 قال ابن أبي حاتم: "السائب الطائفي عن يزيد بن عامر السوائي، روى عنه ابنه سعيد بن السائب سمعت أبي يقول ذلك". (الجرح والتعديل 4/245، وانظر التاريخ الكبير للبخاري 4/155) . 8 يزيد بن عامر بن الأسود العامري ثم السوائي - بضم المهملة - أبو حاجز، صحابي له حديث عند أبي داود في الصلاة، شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم. /د. (التقريب 2/366 وتهذيب التهذيب 11/339، والإصابة 3/659، وانظر حديثه عند أبي داود في سننه 1/136 كتاب الصلاة، باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 حنينا مع المشركين ثم أسلم فنحن نسأله عن الرعب الذي ألقاه الله في قلوب المشركين يوم حنين كيف كان؟ قال: "كان يأخذ لنا الحصاة فيرمي بها الطست فيطن، قال: كنا نجد في أجوافنا مثل هذا 1. والحديث أورده ابن حجر في المطالب العالية ونسبه لعبد بن حميد2. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: "رواه الطبراني ورجاله ثقات"3. وأخرجه الطبري فقال: حدثنا محمد4 بن يزيد الآدمي، قال ثنا معن5 بن عيسى عن سعيد بن السائب الطائفي عن أبيه عن يزيد بن عامر6. والحديث فيه السائب الطائفي ولم يذكر فيه جرح ولا تعديل، وقد قال الهيثمي: بأن رجاله ثقات. 91- وعند أحمد وغيره من حديث أبي7 عبد الرحمن الفهري وهذا سياقه عند أحمد قال: ثنا بهز8 ثنا حماد9 بن سلمة أخبرني يعلى10 بن عطاء عن أبي همام11 - قال أبو الأسود هو: عبد الله بن يسار - عن أبي عبد الرحمن الفهري قال: "كنت مع   1 عبد بن حميد: المسند 1/65- 66 ب- أرقم322 وتقدم برقم (85) . 2 4/251. 3 6/183. 4 محمد بن يزيد الآدمي، أبو جعفر الخراز، - بمعجمة ثم مهملة وآخره زاي - البغدادي، ثقة عابد، من صغار العاشرة (ت 245) /س. (ابن حجر: التقريب 2/220 والتهذيب 9/530) . 5 معن بن عيسى بن يحيى، الأشجعي مولاهم أبو يحيى المدني القزاز، ثقة ثبت. قال أبو حاتم: هو أثبت أصحاب مالك، من كبار العاشرة (ت 198) /ع. (المصدر السابق 2/267، 10/252) . 6 جامع البيان 10/103، وانظر البيهقي: دلائل النبوة 3/45. 7 أبو عبد الرحمن الفهري، صحابي، وقيل اسمه يزيد بن إياس، وقيل الحارث بن هشام، وقيل عبيد، وقيل كرز بن ثعلبة، شهد حنينا ثم فتح مصر، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنه أبو همام عبد الله بن يسار. /د. (ابن حجر: التقريب 2/446 وتهذيب التهذيب 12/154) . 8 بهز بن أسد العمي - بفتح العين وتشديد الميم - أبو الأسود البصري، ثقة ثبت، من التاسعة (ت بعد المائتين وقيل قبلها) /ع. (ابن حجر: التقريب 1/109، وتهذيب التهذيب 1/497) . 9 ثقة عابد، تقدمت ترجمته في حديث (36) . 10 يعلى بن عطاء العامري، ويقال: الليثي الطائفي ثقة، من الرابعة (ت 120) أو بعدها. /ز م عم. (المصدر السابق 2/378، 11/403) . 11 عبد الله بن يسار أبو همام الكوفي ويقال: عبد الله بن نافع، مجهول من الثالثة. /د عس. (ابن حجر: التقريب 1/462، وفي تهذيب التهذيب 6/85) . قال: روى عن علي وعمرو بن حريث وأبي عبد الرحمن الفهري في غزوة حنين وعنه يعلى بن عطاء العامري، ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن المديني: هو شيخ مجهول وكذا قال أبو جعفر الطبري وقد سماه غير يعلى بن عطاء: عبد الله بن نافع، وكذا قال هشيم عن يعلى بن عطاء. إهـ. ولم يذكر فيه ابن أبي حاتم جرحا ولا تعديلا. (الجرح والتعديل 5/202) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة حنين فسرنا في يوم قائظ شديد الحر فنزلنا تحت ظلال الشجر فلما زالت الشمس لبست لأمتي1 وركبت فرسي فانطلقت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في فسطاطه2، فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله، حان الرواح؟ فقال: أجل، فقال: يا بلال فثار من تحت سمرة كأن ظله ظل طائر، فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك، فقال: اسرج لي فرسي، فأخرج سرجا دفتاه من ليف3 ليس فيهما أشر ولا بطر، قال: فأسرج قال: فركب وركبنا فصاففناهم عشيتنا وليلتنا، فتشامت4 الخيلان، فولى المسلمون مدبرين كما قال الله - عز وجل -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله، ثم قال: يا معشر المهاجرين: أنا عبد الله ورسوله"، قال: "ثم اقتحم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن فرسه فأخذ كفا من تراب، فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني أنه ضرب به وجوههم وقال: شاهت الوجوه، فهزمهم الله - عز وجل -، قال يعلى بن عطاء: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: لم يبق منا أحد إلا امتلأت عينه وفمه ترابا وسمعنا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست5 الحديد6.   1 اللأمة مهموزة: الدرع، وقيل: السلاح، ولأمة الحرب: أداته وقد يترك الهمز تخفيفا. (ابن الأثير: النهاية 4/220) . (الفسطاط: بيت من شعر (ابن منظور: لسان العرب 9/246) . 3 الليف: هو ما يخرج من أصول سعف النخل يحشى بها الوسائد، ويفتل منها الحبال، ودفتاه: جانباه. (هدي الساري لابن حجر ص185) . 4 فتشامت الخيلان: بتخفيف الشين المعجمة وتشديد الميم أي تقاربت والتقت. وورد فتسامت بالسين المهملة. وعند الطبري: "فلما التقى الخيلان". وعند أبي داود الطيالسي: "فلقينا العدو وتشامت الخيلان، فقاتلناهم فولى المسلمون مدبرين"، وهذا الحديث وما ورد في معناه من الأحاديث لا يؤخذ منها بأن المسلمين ولوا الأدبار بمجرد التلاقي للأعداء كما يفهم أيضا من حديث جابر بن عبد الله، وإنما قاتلوا الأعداء حتى كشفوهم، ثم اشتغلوا بجمع الغنائم ظانين أن العدو ولى إلى غير رجعة، ولكن العدو انتهز فرصة انشغالهم بجمع الغنائم فانهال عليهم بالسهام من كل ناحية. فولى المسلمون عندئذ وهذا هو صريح حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه -. (انظر: الزرقاني: شرح المواهب 3/11، والمعجم الوسيط 1/447) . 5 على الطست الحديد: ورد الحديد: بالحاء المهملة، وورد (الجديد) بالجيم. قاال الزرقاني: الجديد: بالجيم تنبيها على قوة الصوت الذي سمعوه فإن صوت الجديد أقوى من العتيق (شرح المواهب 3/14) . 6 أحمد: (المسند 5/286) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 ثم ساق سندا آخر فقال: ثنا عفان1 ثنا حماد بن سلمة أنا يعلى ابن عطاء عن عبد الله بن يسار أبي همام عن أبي عبد الرحمن الفهري، قال: "كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة حنين فسرنا في يوم قائظ، فذكر مثله" 2. والحديث أخرجه أبو داود عن موسى3 بن إسماعيل أخبرنا حماد ابن سلمة به وساق منه إلى "فأخرج سرجا دفتاه من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر، فركب وركبنا" ثم قال: قال أبو داود: أبو عبد الرحمن الفهري ليس له إلا هذا الحديث. وهو حديث نبيل4 جاء به حماد بن سلمة5. وأخرجه ابن سعد وابن أبي شيبة عن عفان بن مسلم أخبرنا حماد به بتمامه6. وأخرجه الطيالسي عن حماد بن سلمة به وساقه تاما ومن طريقه أخرجه البيهقي7. وأخرجه الدارمي عن حجاج8 بن منهال وعفان قالا: ثنا حماد بن سلمة به9. وأخرجه الطبري عن علي10 بن سهل قال: ثنا مؤمل11 قال: ثنا حماد بن سلمة به12.   1 عفان بن مسلم تقدمت ترجمته في حديث (74) . 2 أحمد: (المسند 5/286) . 3 موسى بن إسماعيل المنقري - بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف - أبو سلمة التبوذكي-بفتح المثناة وضم الموحدة وسكون الواو وفتح المعجمة-مشهور بكنيته وباسمه، ثقة ثبت، من صغار التاسعة، ولا التفات إلى قول ابن خراش: تكلم الناس فيه (ت 223) /ع. (ابن حجر: التقريب2/280 وتهذيب التهذيب10/333) . 4 قال شمس الحق العظيم آبادي: "حديث نبيل: النبيل على وزن الأمير هو الماهر في الأمور"، وهذا ثناء من المؤلف ليعلى بن عطاء شيخ لحماد بن سلمة. (عون المعبود: 14/148) . (السنن: 2/649 كتاب الأدب، باب الرجل ينادي الرجل فيقول لبيك) . (ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/156. وابن أبي شيبة: التاريخ ص92أ- ب) . (منحة المعبود 2/107. والبيهقي: دلائل النبوة 3/44ب) . 8 حجاج بن منهال الأنماطي، ثقة فاضل تقدمت ترجمته في حديث (55) . (السنن2/139 كتاب السير، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم شاهت الوجوه) . 10 علي بن سهل بن قادم الرملي، نسائي الأصل، صدوق من كبار الحادية عشرة، (ت 261) /د س. (ابن حجر: التقريب 2/38 وتهذيب التهذيب 7/329) . 11 مؤمل - بهمزة بوزن محمد - بن إسماعيل البصري، أبو عبد الرحمن، نزيل مكة، صدوق سيئ الحفظ، من صغار التاسعة (ت 206) /خت قد ت س ق. (المصدر السابق 2/290، 10/380) . 12 (جامع البيان 10/102) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وساق كل من الدارمي والطبري إلى "فحدثني أبناؤهم عن آبائهم قالوا: ما بقي منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه ترابا". وأخرجه البزار عن عبد الواحد1 بن غياث، ثنا حماد بن سلمة به، بتمامه2. وفي آخره قال: قال البزار: "ما روى الفهري إلا هذا، وما رواه إلا حماد". وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: روى أبو داود منه إلى قوله "ليس فيه أشر ولا بطر" ورواه البزار والطبراني ورجالهما ثقات3. وأورده ابن حجر وقال: "أصله في سنن أبي داود ورجاله ثقات"4. وساقه ابن كثير في تفسيره عن أحمد وفي آخره قال: وهكذا رواه الحافظ البيهقي في دلائل النبوة من حديث أبي داود الطيالسي عن حماد بن سلمة به5. وفي البداية والنهاية ساق الحديث عن أبي داود الطيالسي وفي آخره قال: ورواه أبو داود السجستاني في سننه عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة به نحوه6. وأورده الزرقاني وقال: رواه أحمد وأبو داود والدارمي وابن سعد وابن أبي شيبة والطبراني وابن مردويه7 والبيهقي، ورجاله ثقات، كلهم من حديث أبي عبد الرحمن الفهري8.   1 عبد الواحد بن غياث - بمعجمة مكسورة ومثلثة - البصري أبو البحر الصيرفي، صدوق، من صغار التاسعة (ت 240) وقيل قبل ذلك. /د. (ابن حجر: التقريب 1/526 و6/438) . (كشف الأستار 2/350) . 3 6/181- 182 . (مختصر زوائد مسند البزار ص251 رقم (816) . 5 2/334. 6 4/331- 332 7 أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني تقدم في حديث (56) . 8 شرح المواهب 3/13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وأورده ابن الأثير في ترجمة أبي عبد الرحمن الفهري وقال: رواه حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن أبي همام عبد الله بن يسار عن أبي عبد الرحمن1 الفهري2. وقال ابن حجر في الإصابة: "أخرج حديثه أبو داود والبغوي ووقع لنا بعلو في مسند الدارمي من طريق يعلى بن عطاء عن أبي همام عبد الله بن يسار عنه أنه شهد حنينا"3. والحديث بجميع طرقه يدور على أبي همام عبد الله بن يسار، ووصف بأنه مجهول. ولم يوثقه أحد سوى ابن حبان، وهو متساهل في التوثيق، واعتمد ابن حجر فيه قول ابن المديني "شيخ مجهول". وقد قال ابن حجر أيضا والهيثمي والزرقاني عن هذا الحديث بأن رجاله ثقات4 وقال أبو داود: هو حديث نبيل5، مع أنه يدور على أبي همام المذكور والحديث مع الأحاديث المتقدمة يشد بعضها بعضا. 92- وعند الطبري قال: حدثنا ابن حميد6 قال: ثنا جرير7 عن يعقوب8 عن   1 قال ابن عبد البر: "أبو عبد الرحمن الفهري القرشي هو الذي وصف الحرب يوم حنين، وهو الذي سأله ابن عباس عن مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الكعبة، وكذا قال المنذري. وقال ابن حجر: وقد فرق بينهما ابن مندة وأن الذي وصف صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو القرشي لا الفهري وهو الذي يظهر رجحانه فقد صرح غير واحد بأن عبد الله بن يسار تفرد بالرواية عن أبي عبد الرحمن الفهري، وكأن أبا عمر لما رأى أن الفهري والقرشي نسبة واحدة ظنهما واحدا". (ابن عبد البر: الاستيعاب 4/137- 138 مع الإصابة، وابن حجر: الإصابة 4/128 وتهذيب التهذيب 12/154) . وعون المعبود 14/147. 2 أسد الغابة 6/199. 3 4/128، وقد عزا ابن حجر في فتح الباري 8/32 حديث أبي عبد الرحمن الفهري إلى الترمذي وتبعه في هذا الزرقاني في شرح المواهب 3/13، ونسبة هذا الحديث للترمذي (وهم) فقد عزاه ابن حجر نفسه في الإصابة والتقريب لأبي داود فقط وسقطت علامة أبي داود من تهذيب التهذيب، وكذا عزاه المزي في تحفة الأشراف 9/232 حديث (12067) والنابلسي في ذخائر المواريث 3/206 حدث (8047) لأبي داود فقط. وأيضا المباركفوري لم يذكر أبا عبد الرحمن الفهري في رجال الترمذي. (انظر مقدمة تحفة الأحوذي 2/145) . 4 انظر: (مختصر مسند البزار لابن حجر ص251 رقم (816) ومجمع الزوائد للهيثمي 6/181- 182 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/13) . (سنن أبي داود 2/649 كتاب الأدب، باب الرجل ينادي الرجل فيقول لبيك) . 6 محمد بن حميد بن حيان الرازي، حافظ ضعيف وكان ابن معين حسن الرأي فيه، من العاشرة (ت 230) /د ت ق. (التقريب 2/156 وتهذيب التهذيب 9/127) . 7 جرير: هو ابن عبد الحميد بن قرط، ثقة، تقدم في حديث (26) . 8 يعقوب بن عبد الله بن سعد الأشعري، أبو الحسن القمي - بضم القاف وتشديد الميم - صدوق يهم، من الثامنة (ت 174) /خت عم. (التقريب 2/376 وتهذيب التهذيب 11/390- 391) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 جعفر1 عن سعيد2 قال: أمد الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين بخمسة آلاف من الملائكة مسومين3، وقال: ويومئذ سمى الله الأنصار مؤمنين قال: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} ، [سورة التوبة، من الآية:40] . 4. والحديث أورده الزرقاني والشوكاني: ونسباه لابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، ثم ساقا مثل ألفاظ حديث الطبري5 والحديث فيه محمد بن حميد وهو ضعيف وفيه جعفر بن أبي المغيرة، قال ابن مندة6 ليس بالقوي في سعيد بن جبير7، ثم الحديث مقطوع. وهذا الحديث لا تقوم به حجة في كون الملائكة الذين حضورا غزوة حنين كانوا خمسة آلاف. قال الشوكاني: "وقد اختلف في عدد الملائكة الذين اشتركوا في حنين على أقوال: قيل خمسة آلاف، وقيل ثمانية آلاف، وقيل ستة عشر ألفا، وقيل غير ذلك وهذا لايعرف إلا من طريق النبوة8.إهـ هذا وقد اختلف أيضا في قتال الملائكة مع المسلمين. قال القسطلاني: "قاتلت الملائكة مع المسلمين في غزوة بدر وحنين"9.   1 جعفر بن أبي المغيرة الخزاعي، القمي، صدوق يهم، من الخامسة. /بخ د ت س فق. (التقريب 1/133 وتهذيب التهذيب 2/108) . 2 سعيد بن جبير الأسدي مولاهم، الكوفي، ثقة ثبت، من الثالثة، قتل بين يدي الحجاج سنة (59) ولم يكمل الخمسين./ع. (التقريب1/ 292 وتهذيب التهذيب4/11) . 3 مسومين: أي لهم علامات يعرفون بها. (النهاية لابن الأثير: 2/425) . (جامع البيان 10/103) . (الشوكاني: فتح القدير 2/349. والزرقاني شرح المواهب 3/16) . 6 هو الحافظ الإمام الرحال أبو عبد الله محمد بن يحيى بن مندة واسم مندة: إبراهيم ابن الوليد الأصبهاني، سمع محمد بن العلاء أبا كريب ومحمد بن سليمان لوين وعنه أبو القاسم الطبراني وأبو الشيخ مات في رجب سنة (301هـ) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/741) . (الذهبي: ميزان الاعتدال 1/417، وابن حجر: تهذيب التهذيب 2/108) . (الشوكاني: فتح القدير 2/348) . (المواهب اللدنية 1/164) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 قال الزرقاني: "والجمهور على أنها لم تقاتل يوم حنين كما قدمه المصنف في (بدر) 1 لأن الله تعالى قال: {وَأَنْزَلَ جُنُوداً لمَ تَرَوهَا} ولا دلالة فيه على قتال، وفي تفسير ابن كثير: المعروف من قتال الملائكة إنما كان يوم بدر"2. قال ابن مرزوق3: "وهو المختار من الأقوال، ثم قال الزرقاني: وثالث الأقوال: أنها لم تقاتل في بدر ولا في غيرها، وإنما كانوا يكثرون السواد ويثبتون المؤمنين، وإلا فملك واحد يكفي في إهلاك الدنيا، وهذه شبهة دفعها الإمام السبكي4 بقوله: سئلت عن الحكمة في قتال الملائكة معه - صلى الله عليه وسلم - مع قدرة جبريل على دفع الكفار بريشة من جناحه، فقلت: ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيوش رعاية لصورة الأسباب وسننها التي أجراها الله في عباده، والله فاعل الجميع"5. إهـ. والخلاصة في هذا أن الآية ذكرت بأن هناك جنودا أنزلها الله في غزوة حنين لتثبيت المؤمنين وتقويتهم، ووردت هذه الآثار تدل على اشتراك الملائكة في هذه الغزوة وهذه الآثار تشد بعضها بعضاً وفيها ما نص العلماء على أن رجالها ثقات وبمجموعها تكون على أقل تقدير من قبيبل الحسن لغيره وجرت عادة المفسرين أنهم يذكرون حول تفسير هذه الآية هذه الآثار وأن المراد بالجنود في الآية هم الملائكة على أن الآية لم تتعرض لعدد الملائكة الذين نزلوا لتأييد المؤمنين، كما أنها لم تتعرض أيضا لبيان أن الملائكة باشرت القتال مع المسلمين.   1 انظر: (المواهب اللدنية 1/82) . (تفسير ابن كثير 1/401) . 3 ابن مرزوق: ذكر كحالة في معجم المؤلفين أربعة كل واحد منهم يقال له ابن مرزوق وكلهم مؤلفون وكلهم فبل الزرقاني، ولم أستطع تمييز واحد من بينهم. (انظر: معجم المؤلفين لكحالة6/270، 8/317 و9/16و11/187) . 4 هو علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام، تقي الدين السبكي، الخزرجي الأنصاري، أبو الحسن الدمشقي الشافعي صاحب كتاب "شفاء السقام في زيارة خير الأنام" في الرد على ابن تيمية، وكمل على شرح المهذب للنووي في خمس مجلدات وهو والد تاج الدين أبي نصر عبد الوهاب صاحب كتاب "طبقات الشافعية الكبرى" (683- 756هـ) أبو المحاسن محمد بن علي تلميذ. الذهبي: تذكرة الحفاظ ص39- 40، تلميذ الذهبي: ذيل تذكرة الحفاظ ص39- 40. (الزرقاني: شرح المواهب 3/23. وابن حجر: فتح الباري 7/313) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 93- وقد روى الطبري من حديث ابن عباس قال: "لم تقاتل الملائكة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلاّ يوم بدر، وكانت فيما سوى ذلك إمداد1". قال الهيثمي: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه عبد العزيز2 بن عمران، ضعيف"3. 94- وأخرج أيضا من حديث ابن عباس قال: "كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها إلى ظهورهم، ويوم حنين عمائم حمر، ولم تقاتل الملائكة في يوم إلا يوم بدر، إنما كانوا يكونون عددا ومددا لا يضربون"4. قال الهيثمي: "رواه الطبراني وفيه عمار5 بن أبي مالك الجنبي، ضعفه الأزدي". وقال الشوكاني: "وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر"6. ويتبن من الروايات السابقة أن الله سبحانه أيد عباده المؤمنين بجنود من عنده لينصر بهم أولياءه ويخذل بهم أعداءه لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وسواء قاتلت الملائكة فعلا في معركة حنين أو لم تقاتل فإن فائدة نزو لهم تحقق ولاشك سواء كان ذلك عن طريق القتال الفعلي أو عن طريق أمر آخر يريده الله من إنزالهم لنصرة الحق ودحض الباطل وأما اختصاص قتال الملائكة (ببدر الكبرى) دون غيرها من الغزوات فهذا قول فيه نظر وذلك لما ثبت في صحيح البخاري ومسلم ومسند أبي داود الطيالسي من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: 95- "لقد رأيت يوم أحد، عن يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن يساره، رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد".   (مجمع الزوائد 6/82- 83. والمعجم الكبير للطبراني 11/165- 166، 389) . 2 قال ابن حجر في التقريب 1/511: "متروك احترقت كتبه فحدث من حفظه فاشتد غلطه". (مجمع الزوائد 6/82- 83) . (مجمع الزوائد 6/82- 83. والمعجم الكبير للطبراني 11/165- 166، 389) . 5 انظر: (الذهبي: ميزان الاعتدال 3/167. وابن حجر: لسان الميزان 4/274) . (فتح القدير 2/293) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وفي لفظ لمسلم: "ما رأيتهما قبل ولا بعد يعني جبريل وميكائيل - عليهما السلام - " 1. ولفظ الطيالسي: "ما رأيتهما قبل ذلك اليوم ولا بعده". قال النووي - رحمه الله -: "في الحديث بيان كرامة النبي صلى الله عليه وسلم على الله تعالى، وإكرامه إياه بإنزال الملائكة تقاتل معه، وبيان أن الملائكة تقاتل، وأن قتالهم لم يختص بيوم بدر، وهذا هو الصواب، خلافا لمن زعم اختصاصه، فهذا صريح في الرد عليه. وفيه: فضيلة الثياب البيض، وأن رؤية الملائكة لا تختص بالأنبياء، بل يراهم الصحابة والأولياء". وفيه: منقبة لسعد بن أبي وقاص الذي رأى الملائكة". والله أعلم2.   (البخاري: الصحيح 5/81 كتاب المغازي - باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا، 7/128 كتاب اللباس، باب الثياب البيض. ومسلم: الصحيح 4/1802 كتاب الفضائل، باب في قتال جبريل وميكائيل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واللفظ له. وأبو داود الطيالسي: كما في منحة المعبود 2/100) . 2 شرح صحيح مسلم 5/163. وتقدم ص 180 رؤية حارثة بن النعمان لجبريل، وقد ثبتت رؤية الصحابة لجبريل في غزوة بني قريظة في صورة دحية الكلبي. وهذه الأحاديث ترد ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لشيبة: "يا شيب إنه لا يراها إلا كافر" أي الملائكة. انظر ص 262. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 الفصل الرابع: ما أسفرت عنه معركة حنين من ضحايا وغنائم المبحث الأول: خسائر المشركين في هذه الغزوة ... المبحث الأول: خسائر المشركين في هذه المعركة تنحصر خسائر المشركين في هذه المعركة في شيئين: أ- خسائر في الأرواح. ب- خسائر في الأولاد والأموال والعتاد. أ- أما خسائر المشركين في الأرواح فقد فقد المشركون في هذه المعركة من رجالهم وأبطالهم وأهل النجدة فيهم ما يزيد على مئات القتلى. ذلك أن معركة حنين من المعارك الفاصلة التي لم ير المسلمون مثلها ضراوة وشدة في عهدهم الأول. لقد استمات فيها المشركون وقاتلوا ببسالة نادرة فقتل من بني مالك وحدهم سبعون1 رجلا يتساقطون في ساحة المعركة واحدا تلو الآخر، وهم مصممون على الانتصار يوضح ذلك الآثار الآتية: 96- قال ابن إسحاق: "فلما انهزمت هوازن استحر2 القتل من ثقيف في بني   1 وعند الواقدي في مغازيه 3/907 أن عدد القتلى منهم قريب من مائة رجل. 2 استحر: بالحاء المهملة: اشتد وكثر، وهواستفعل من الحر والمراد به الشدة (ابن الأثير: النهاية 1/364) . ووقع عند الزرقاني "استجر" بالجيم، وفسره باشتداد الحرب أيضا. (شرح المواهب اللدنية 3/24) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 مالك، فقتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم فيهم عثمان ابن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب1، وكانت رايتهم مع ذي الخمار، فلما قتل أخذها عثمان بن عبد الله فقاتل بها حتى قتل"2. هكذا ساق ابن إسحاق بدون إسناد. ومن طريقه أخرجه الطبري3. 97- قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب4 بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه قتل مع عثمان بن عبد الله غلام له نصراني أغرل5 قال: فبينا رجل من الأنصار يسلب قتلى ثقيف، إذ كشف العبد يسلبه، فوجده أغرل، قال: "فصاح بأعلى صوته: يا معشر العرب: يعلم الله أن ثقيفا غرل، قال المغيرة6 بن شعبة فأخذت بيده وخشيت أن تذهب عنا في العرب، فقلت: لا تقل ذاك، فداك أبي وأمي، إنما هو غلام لنا نصراني، قال: ثم جعلت أكشف له عن القتلى وأقول له: ألا تراهم مختنين كما ترى". قال ابن إسحاق: "وكانت راية الأحلاف مع قارب بن الأسود، فلما انهزم الناس أسند رايته إلى شجرة، وهرب هو وبنو عمه وقومه من الأحلاف، فلم يقتل من   1 زاد الطبري: وهو جد ابن أم الحكم بنت أبي سفيان. قلت: وابن أم الحكم هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عقيل الثقفي ثم المالكي نسب لأمه وهي أم حكم بنت أبي سفيان بن حرب. (انظر الإصابة لابن حجر: 3/70- 71) . 2 عند ابن إسحاق والطبري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بلغه قتل عثمان بن عبد الله، قال: "أبعده الله فإنه كان يبغض قريشا". وعند الواقدي: "أن الذي قتل عثمان بن عبد الله، وهو عبد الله بن أبي أمية فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يرحم الله عبد الله بن أبي أمية، وأبعد الله عثمان بن عبد الله بن ربيعة، فإنه كان يبغض قريشا". ثم قال الواقدي: "وكان دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله برحمة الله فبلغه فقال: إني لأرجو أن يرزقني الله الشهادة في وجهي هذا‍! فقتل في حصار الطائف". (مغازي الواقدي 3/911- 912) . 3 تاريخ الرسل والملوك 3/77. 4 يعقوب: ثقة من السادسة (ت 128) /د س ق. التقريب 2/376 وتهذيب التهذيب 11/392) . 5 الأغرل: هو غير المختتن، والغرلة: هي الجلدة التي يقطعها الخاتن وتسمى القلفة. (ابن الأثير: النهاية 3/362. وابن حجر: هدي الساري ص162) . 6 المغيرة بن شعبة بن مسعود بن متعب، الثقفي، صحابي مشهور أسلم قبل الحديبية، وولي إمرة البصرة، ثم الكوفة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، مات سنة خمسين على الصحيح. /ع. (التقريب 2/269 وتهذيب التهذيب 10/262) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 الأحلاف غير رجلين: رجل من غيرة1 يقال له وهب، وآخر من بني كبة2 يقال له: "الجلاح3 فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بلغه قتل الجلاح: قتل اليوم سيد شباب ثقيف، إلا من كان من ابن هنيدة، يعني الحارث بن أويس"4 ومن طريق ابن إسحاق أخرجه الطبري5. والحديث معضل6. والحاصل: أن ابن إسحاق ذكر أنه قتل من بني مالك وحدهم سبعون رجلا تحت رايتهم. وذكر الواقدي: "أنه قتل منهم ما يقارب المائة". وقال القسطلاني: "قتل من المشركين أكثر من سبعين قتيلاً"7. ولم يقيده ببني مالك أو غيرهم. وجمع الزرقاني بين الروايات فقال: قوله: "قتل من المشركين أكثر من سبعين" أي وقت الحرب فلا ينافي حديث أنس عند البزار أن الزبير ومن معه قتلوا ثلاثمائة لأنه بعد انهزام الكفار ولا يخالف قوله: "أكثر من سبعين" قول ابن إسحاق وغيره واستحر القتل من بني مالك من ثقيف فقتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم. وما رواه البيهقي عن عبد الله8 بن الحارث عن أبيه قال: قتل من أهل   1 غيرة: بوزن عنبة. (اللباب في تهذيب الأنساب 2/397- 398) . 2 كبة: بضم الكاف وتشديد الباء الموحدة، كذا هو عند ابن هشام وابن كثير نقلا عن إسحاق، قال أبو ذر: وهو الصواب. وعند الطبري عن ابن إسحاق "كنة" بالنون المشددة، وكذا عند الواقدي فقد قال: كنة امرأة من غامد يمانية. وقال ابن منظور في لسان العرب17/243: وبنو كنة: بطن من العرب نسبوا إلى أمهم. 3 الجلاح: بضم الجيم وتخفيف اللام آخره حاء مهملة، كذا عند ابن إسحاق ومن تبعه. وعند الواقدي: "اللجلاج" بجيمين بينهما لام خفيفة. قال: وكان اللجلاج رجل من بني كنة وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأخي بني كنة: هذا سيد شبان كنة إلاّ هنيدة الحارث بن عبد الله بن يعمر بن إياس ابن أوس بن ربيعة بن الحارث وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك، وكانت كنة امرأة من غامد يمانية قد ولدت في قبائل العرب وكانت أمة، فأعتق الحارث كل مملوك من بني كنة. (مغازي الواقدي 3/907) . (سيرة ابن هشام 2/450. والسهيلي: الروض الأنف 7/174) . 5 تاريخ الرسل والملوك 3/78 إلا أن عنده "الحارث بن أوس". وانظر البداية والنهاية 4/335. 6 لأن يعقوب بن عتبة من صغار التابعين. 7 المواهب اللدنية 1/165. 8 صوابه: عبد الله بن عياض كما تقدم في الحديث برقم (45) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 الطائف يوم حنين مثل ما قتل يوم بدر، لأن الزائد على السبعين ممن اجتمع معهم من الأخلاط1. ا?. قلت: حديث البيهقي المشار إليه رواه أيضا الحاكم، ومن طريقه أخرجه البيهقي2. وحديث البزار هو: حدثنا علي3بن شعيب وعبد الله4 بن أيوب المخرمي ثنا علي5 بن عاصم، ثنا سليمان6 التيمي عن أنس قال: قال غلام منا من الأنصار يوم حنين: لم نغلب اليوم من قلة، فما هو إلا أن لقينا عدونا فانهزم القوم7، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها، والعباس عمه آخذ بغرزها، وكنا في واد دهس، فارتفع النقع، فما منا أحد يبصر كفه، إذا شخص قد أقبل فقال8: إليك من أنت؟ قال أنا أبو بكر فداك أبي وأمي، وبه بضعة9 عشر ضربة، ثم إذا شخص قد أقبل فقال: إليك من أنت؟ فقال: أنا عمر بن الخطاب فداك أبي وأمي، وبه بضعة عشر ضربة، وإذا شخص قد أقبل وبه بضعة عشر ضربة فقال: إليك من أنت؟ فقال: أنا عثمان بن عفان فداك أبي وأمي، ثم إذا شخص قد أقبل، وبه بضعة عشر ضربة فقال: إليك من أنت؟ فقال: أنا علي بن أبي طالب فداك أبي   1 الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/24. 2 تقدم الحديث برقم (45) مع الحكم عليه. 3 علي بن شعيب بن عدي السمسار البزاز، البغدادي فارسي الأصل ثقة من كبار الحادية عشرة (ت 273) /س. وفي تهذيب التهذيب 7/331 "البزار" آخره راء، بدل (البزاز) و (طوسي الأصل) بدل (فارسي الأصل) وطوس من مدن فارس. وكذا في تاريخ الخطيب البغدادي 11/435- 436. 4 عبد الله بن محمد بن أيوب بن صبيح، أبو محمد المخرمي - بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وكسر الراء المشددة - قال ابن أبي حاتم سمعت منه مع أبي وهو صدوق (ت 265) وقد حصل خطأ في تهذيب التهذيب 7/344، حيث ذكر عبد الله بن أيوب في تلاميذ علي بن عاصم وقال: "المخزومي" والصواب "المخرمي". (تاريخ بغداد 10/81 والجرح والتعديل لابن أبي حاتم5/11وتذكرة الحفاظ للذهبي 2/565. 5 علي بن عاصم صدوق يخطئ ويصر، تقدم في حديث (53) . 6 سليمان بن طرخان التيمي ثقة عابد تقدم في حديث (53) . 7 أي المسلمين. 8 القائل: هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإليك بمعنى تنح وابتعد عني. 9 البضع: من ثلاثة إلى تسعة والمعنى هنا من ثلاث عشرة إلى تسع عشرة. المصباح المنير 1/64. وفيه: "تثبت الهاء في بضع مع المذكر، وتحذف مع المؤنث". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وأمي، ثم أقبل الناس، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "ألا رجل صَيّت1 ينطلق فينادي في القوم"، فانطلق رجل2 فصاح، فما هو إلا أن وقع صوته في أسماعهم، فأقبلوا راجعين فحمل النبي - صلى الله عليه وسلم - وحمل المسلمون معه، فانهزم المشركون وانحاز دريد بن الصمة على جبيل. أو قال: على أكمة في زهاء ستمائة، فقال له بعض أصحابه: أرى والله كتيبة قد أقبلت، فقال: "حلوهم3 لي، فقالوا: سيماهم كذا حليتهم كذا، قال لا بأس عليكم، قُضاعة4. منطلقة في آثار القوم، قالوا: نرى والله كتيبة خشناء قد أقبلت، قال: حلوهم لي: قالوا: سيماهم كذا من هيئتهم كذا، قال: لا بأس عليكم هذه سليم5، قالوا: نرى فارسا قد أقبل، فقال: ويلكم وحده، فقالوا: وحده، قال: حلوه لي، قالوا: معتجر بعمامة سوداء قال دريد: ذاك -والله-الزبير6 بن العوام وهو - والله - قاتلكم ومخرجكم من مكانكم هذا، قال فالتفت إليهم، فقال: علام، هؤلاء ها هنا؟ فمضى ومن أتبعه، فقتل بها ثلاثمائة وجز رأس دريد7   1 صيت: بفتح المهملة، وتشديد المثناة التحتية: أي مرتفع الصوت. (المعجم الوسيط1/528) . 2 وقع في صحيح مسلم وغيره أن الذي أمر بذلك هو العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الصوت. 3 حلوهم لي: اذكروا لي حليتهم وصفوهم لي، وقد وقع في فتح الباري 8/42 وشرح المواهب اللدنية 3/23: خلوهم لي فخلوهم: بالخاء المعجمة وهو خطأ. 4 قضاعة: شعب عظيم يشتمل على قبائل كثيرة، منهم: كلب وبلى وجهينة وغيرها، وقد اختلف في قضاعة فقيل إنه من معد وقيل: من اليمن. (ابن الأثير: تهذيب الأنساب3/43، قلت: فعلى أنها من معد فهم: قضاعة بن معد بن عدنان، وعلى أنها من اليمن: فهم قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير قال القلقشندي: وهو المشهور فيه وعليه جرى الكلبي وابن إسحاق وغيرهما وقال السهيلي: أكثر النسابين على أن قضاعة هو ابن معد، وهو مذهب الزبيريين وابن هشام. معجم قبائل العرب: 3/957) . 5 يعني بني سليم وسليم هوابن منصور. 6 الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب أبو عبد الله القرشي، الأسدي، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة قتل سنة (36) بعد منصرفه من وقعة الجمل. /ع. (ابن حجر التقريب 1/259 وتهذيب الهذيب 3/318) . 7 قال ابن حجر: "واختلف في قاتل دريد فجزم محمد بن إسحاق بأنه ربيعة بن رفيع-بالفاء مصغرا-ابن وهبان بن ثعلبة بن ربيعة السلمي، وكان يقال له ابن الدغنة". وفي حديث البزار هذا ما يشعر بأن قاتل دريد بن الصمة هو الزبير بن العوام. ثم قال ابن حجر: "ويحتمل أن يكون ابن الدغنة كان في جماعة الزبير فباشر قتله فنسب إلى الزبير مجازا". وفي الصحيحين من حديث البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري قال: لما فرغ النبي - صلى الله عليه وسلم من - حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه قال ابن حجر: كذا رويناه على البناء للمجهول. (فتح الباري 8/42) . وفي الإصابة: قال: وفي حديث أبي موسى الأشعري، عند مسلم، أنه الذي قتل دريد بن الصمة بعد أن قتل دريد عمه أبا عامر الأشعري لكن ذكر ابن إسحاق أن الذي قتله أبو موسى هو سلمة بن دريد بن الصمة وهذا أسبه، فإن دريد بن الصمة إذ ذاك لم يكن ممن قاتل لكبر سنه. (الإصابة: 1/507) . قلت: لم أجد هذا اللفظ في مسلم في النسخ الموجودة بين أيدينا مع شروحها، والذي فيها هو البناء للمجهول. وسيأتي حديث الصحيحين برقم (118) ووقع ذلك عند الطبري بإسناد صحيح عن أبي بردة عن أبيه قال: "ولما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريدا، وهزم الله أصحابه" أهـ. وما قدمه ابن حجر من الجمع في قاتل دريد هو الأظهر. (انظر: سيرة ابن هشام 2/453-454. والروض الأنف للسهيلي 7/177 و178-179. وتاريخ الرسل والملوك للطبري 3/79. وأسد الغابة لابن الأثير 2/211. وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/23. وانظر حديث (116) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 ابن الصمة، فجعله بين يديه" 1. قال البزار: "لا نعلم رواه بهذا اللفظ إلا سليمان التيمي عن أنس ولا عن سليمان إلا علي"2. وحسن إسناده ابن حجر. وهذا أكثر ما وقفت عليه في عدد القتلى من المشركين يوم حنين. وقد صرح الزرقاني بأن هؤلاء القتلى الواردون في حديث البزار إنما كان بعد انسحاب المشركين من المعركة3. وتقدم قول ابن إسحاق بأنه قتل من بني مالك وحدهم سبعون رجلا وعند الواقدي نحو مائة4. هذا ما رواه ابن إسحاق أيضا بقوله: 98- واستحر القتل من بني نصر في بني رئاب، فزعموا أن عبد الله5 بن قيس وهو الذي يقال له ابن العواء، وهو أحد بني وهب بن رئاب قال: يا رسول الله،   (كشف الأستار 2/346 وتقدم بعضه برقم (53) مع الحكم عليه) . 2 علي بن عاصم بن صهيب الواسطي، التميمي مولاهم وقد وثقه قوم وضعفه آخرون. وضعفه آت من قبل كثرة غلطه وتماديه فيه، ولم يكن متهما بالكذب ومن وسمه بذلك فقوله مردود بقول الأئمة الآخرين الذين وصفوه بالصدق والصلاح، ولقد ختم الذهبي ترجمته بقوله: صدوق له صولة كبيرة في زمانه. وقد ساق له ابن عدي جملة أحاديث بواطيل، ورد ذلك الذهبي وقال: المتهم بها غيره. لا (انظر: الذهبي: تذكرة الحفاظ1/316-317، وسير أعلام النبلاء 9/249-262 وميزان الاعتدال 3/135-138، وابن حجر: تهذيب التهذيب 7/344-348) . قلت: ولذا فقد حكم ابن حجر على هذا الحديث بأنه بإسناد حسن. 3 انظر قول الزرقاني ص (223) . 4 انظر الحديث رقم (96) . 5 انظر ترجمته في الإصابة لابن حجر 2/391. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 هلكت بنو رئاب فزعموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: اللهم اجبر مصيبتهم 1. وهكذا ذكر ابن سعد إلا أنه قال: "واستحر القتل في بني نصر بن معاوية ثم في بني رئاب"2. وبنو رئاب غير بني مالك، ومعلوم أن قبيلة بني نصر من أهم أجنحة هوازن، فهي تعد بالمئات، ومعنى تصريح أحد أفرادها بأن القتل كاد يفنيها أن قتلها بلغوا المئات، وهاتان فقط قبيلتان من قبائل هوازن الكثيرة يظهر من حديث المؤرخين عن ضحاياها أنها بلغت المئات، فكم تكون الضحايا بين العشائر الأخرى من سائر قبائل هوازن وغيرها التي اشتركت في المعركة لاشك أنها تعد بالمئات كذلك، وقد نظر الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى هذه المعركة، فقال عنها: "الآن حمي الوطيس". وهذا القول لم يصدر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وصف أية معركة من المعارك التي خاضها طيلة حياته، مما يدل على عظم خطرها وكثرة ضحاياها، وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمطاردة المشركين وقتل من قدر عليه منهم. فقد روى البزار من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: 99- حدثنا الوليد3 بن عمرو بن سَكَيْن ثنا محمد4 بن عبد الله بن المثنى عن أبيه5 عن ثمامة6 عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم حنين: "جزوهم7 جزا وأومأ بيده إلى الحلق".   1 سيرة ابن هشام 2/455. 2 الطبقات الكبرى 2/152. ومغازي الواقدي 3/916. 3 الوليد بن عمرو بن السكين - بضم أوله وفتح ثانيه وسكون ثالثه - البصري، أبو العباس، صدوق من الحادية عشرة. /ق. (التقريب 2/334 وتهذيب التهذيب 11/144- 145 و9/274 كلاهما لابن حجر. والخلاصة للخزرجي 3/133) . وقد وقع في كشف الأستار "الوليد بن عمر" بضم العين. 4 محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري القاضي، ثقة، من التاسعة (ت215) /ع. (التقريب2/180، وتهذيب التهذيب9/274) . 5 هو عبد الله بن االمثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري، أبو المثنى البصري، صدوق كثير الغلط، من السادسة./خ ت ق. (المصدر السابق1/445 و5/387-388. وفي ميزان الاعتدال 2/499 رمز له الذهبي بـ (صح) إشارة إلى أنه ثقة) . 6 ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري، قاضيها، صدوق من الرابعة. /ع. (التقريب1/120وتهذيب التهذيب2/28. وميزان الاعتدال1/372 للذهبي ورمز له بـ (صح) إشارة إلى توثيقه) . 7 الجز القطع والقص. (النهاية 1/268 والقاموس المحيط 2/169) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 قال البزار: "لا نعلم رواه إلا أنس، ولا له عنه إلا هذا الطريق1، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد ثم قال: "رواه البزار ورجاله ثقات"2. وكذا قال ابن حجر والزرقاني3. 100- وعند الواقدي: عن شيوخ من ثقيف - أسلموا بعد وكانوا حضروا ذلك اليوم - قالوا: ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبنا فيما نرى ونحن مولون حتى إن الرجل منا ليدخل حصن الطائف وإنه ليظن أنه على أثره من رعب الهزيمة4. 101- وعنده أيضا أن سعد بن عبادة كان يصيح يومئذ بالخزرج: يا للخزرج، وأسيد بن حضير: يا للأوس ثلاثا، فثابوا والله من كل ناحية كأنهم النحل إلى يعسوبها، قال: فحنق المسلمون عليهم حتى أسرع المسلمون في قتل الذرية فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما بال أقوام ذهب بهم القتل حتى بلغ الذرية، ألا لا تُقتل الذرية ثلاثا". قال أسيد بن حضير: "يا رسول الله، أليس إنما هم أولاد المشركين؟ " فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أوليس خياركم أولاد المشركين؟ كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب5 عنها لسانها، فأبواها يهودانها أو ينصرانها" 6. وعند أحمد من حديث الأسود بن سريع أن "رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية يوم حنين فقاتلوا المشركين فأفضى بهم القتل إلى الذرية، فلما جاءوا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما حملكم على قتل الذرية؟ " قالوا: "يا رسول الله إنما كانوا أولاد المشركين؟ " قال: "أو هل خياركم إلاّ أولاد المشركين؟،   1 كشف الأستار 2/349. 2 6/181. 3 ابن حجر: مختصر زوائد مسند البزار ص251 رقم 816. والزرقاني شرح المواهب 3/21 إلا أنه قال: "اجزروهم جزرا" بدل: "جزوهم جزاً". 4 مغازي الواقدي 3/908. 5 يعرب عنها لسانها: أي حتى ينطق ويتكلم. (ابن الأثير: النهاية 3/200- 201) . 6 مغازي الواقدي 3/904. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 والذي نفس محمّد بيده ما من نسمة تولد إلاّ على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها" 1. وفي حديث أنس بن مالك عند أبي داود وغيره أن أبا طلحة2 وحده قتل عشرين رجلا وأخذ أسلابهم وهذا سياقه عند أبي داود قال: حدثنا موسى3 بن إسماعيل حدثنا حماد4 عن إسحاق5 بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يومئذ - يعني يوم حنين6- "من قتل كافراً فله سلبه"، فقتل أبو طلحة يومئذٍ عشرين رجلاً، وأخذ أسلابهم. ولقي أبو طلحة أم سليم7 ومعها خنجر، فقال: يا أم سليم ما هذا معك؟ قالت: أردت والله إن دنا مني بعضهم أبعج به بطنه، فأخبر بذلك أبو طلحة رسول الله - صلى الله عليه وسلّم -". قال أبو داود: "هذا حديث حسن"8. ورواه الدارمي وابن أبي شيبة والطحاوي كلهم من طريق حماد بن سلمة دون "قصة أم سليم"9. وأخرجه ابن حبان من طريق حماد بن سلمة "بقصة أبي طلحة" وزاد: قال أبو قتادة10: "يا رسول الله ضربت رجلا على حبل العاتق عليه درع فأجهضت، فقال رجل: أنا أخذتها فارضه منها وأعطنيها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يسأل   1 أحمد: المسند 3/435 وهو حديث صحيح وقد سقت طرقه في رقم (247) . 2 هو زيد بن سهيل الأنصاري النجاري. تقدم في حديث (60) . 3 هو المنقري التبوذكي تقدم في حديث (91) . 4 حماد: هو ابن سلمة ثقة، تقدم في حديث (36) . 5 إسحاق ثقة حجة، تقدم في حديث (47) . 6 قال محمد شمس الحق العظيم آبادي: يعني يوم حنين تفسير من بعض الرواة ثم قال المنذري: وأخرج مسلم قصة أم سليم في الخنجر بنحوه. (عون المعبود 7/388) وانظر حديث رقم (60) . 7 أم سليم تقدمت ترجمتها في حديث (60) . 8 أبو داود: السنن 2/65 كتاب الجهاد، باب في السلب يعطى القاتل. 9 الدارمي: السنن 2/147 كتاب السير، باب من قتل قتيلا فله سلبه. وابن أبي شيبة: التاريخ ص 91أ. والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/227. 10 أبو قتادة الأنصاري السلمي - بفتحتين - المدني، اختلف في اسمه، شهد أحدا وما بعدها، ولم يصح شهوده بدرا، مات سنة (54) على الأصح. /ع. (التقريب 2/463 وتهذيب التهذيب 12/204) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 شيئا إلا أعطاه أو سكت، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم" فقال عمر1 رضي الله عنه: "والله لا ينعمها الله على أسد من أسده ويعطيكها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: صدق عمر". قال الهيثمي: "قصة أبي قتادة في الصحيح2 من حديث أبي قتادة، وهذا الحديث كله من حديث أنس". وله طرق تأتي في غزوة حنين3. وأخرجه أبو داود الطيالسي وأحمد والحاكم والبيهقي الجميع من طريق حماد بن سلمة به. ولفظه: عن أنس بن مالك أن هوازن جاءت يوم حنين بالنساء والصبيان والإبل والغنم فجعلوها صفوفا وكثرن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما التقوا ولى المسلمون مدبرين كما قال الله عز وجل:4، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله ثم قال: يا معشر الأنصار أنا عبد الله ورسوله"، فهزم الله المشركين، ولم يضربوا بسيف ولم يطعنوا برمح قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: "من قتل كافرا فله سلبه". قال: فقتل أبو طلحة5 يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم، وقال قتادة: "يا رسول الله إني ضربت رجلا على حبل العاتق وعليه درع له وأجهضت عنه". وقد قال حماد: "أيضا فأجهضت عنه - فانظر من أخذها قال رجل فقال: أنا أخذتها، فارضه منها، وأعطينها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو   1 وقد ورد أيضا أن صاحب هذا القول أبو بكر الصديق، وسيأتي التوفيق بين القولين في الأحكام في ص 639 تعليقة (2) . 2 انظر الحديث رقم (62) . 3 موارد الظمآن ص 402 ووقع في الأصل في غزوة خيبر وهو خطأ، وذلك: أ- أن ابن حبان ساق الحديث في غزوة حنين. ب- قال الهيثمي عقب الحديث: وله طرق تأتي في غزوة (خيبر) ولم تأت هذه الطرق إلا في غزوة حنين. ج- وكذا أخرج الحديث أحمد والدارمي وأبو داود والحاكم وغيرهم بلفظ غزوة حنين. 4 يشير إلى قوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] . 5 عند الحاكم "فقتل أبو قتادة" وهو خطأ فإن قاتل العشرين هو أبو طلحة كما هو مصرح به عند غير الحاكم، وإن أبا قتادة هو قاتل صاحب الدرع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 سكت، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال عمر: والله لا يفيئها الله على أسد من أسده ويعطيكها، قال: فقال رسول الله: "صدق عمر" فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "صدق عمر" ولقى أبو طلحة أم سليم ومعها خنجر فقال أبو طلحة: ما هذا معك: قالت: أردت إن دنا مني بعض المشركين أن أبعج به بطنه. فقال أبو طلحة: ألا تسمع ما تقول أم سليم؟ قالت: يا رسول الله اقتل من بعدنا من الطلقاء انهزموا بك، فقال: "إن الله قد كفى وأحسن يا أم سليم" 1 لفظ أحمد. قال الحاكم بعد إخراجه صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي. وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن علي بن أبي طالب ورجلا من الأنصار رضي الله عنهما قتلا صاحب راية هوازن2. 102- وفي حديث سلمة ابن الأكوع - رضي الله عنه - قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن، فبينا نحن نتضحى3 مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه، ثم انتزع طلقا من حقبه فقيد به الجمل، ثم تقدم يتغذى مع القوم، وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورقة في الظهر، وبعضنا مشاة، إذ خرج يشتد فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه وقعد عليه فأثاره، فاشتد بالجمل، فاتبعه رجل على ناقة ورقاء، قال   1 أبو داود الطيالسي 2/ 108-109 (منحة المعبود) . وأحمد: (المسند 3/279. وابن حبان: كما في موارد الظمآن ص 417. والحاكم: المستدرك 2/130. والبيهقي: السنن الكبرى 6/306، ودلائل النبوة 3/46) . 2 تقدم الحديث برقم (58) . (نتضحى) أي نتغذى. (طلقا) الطلق: قيد يتخذ من الجلود. (من حقبه) الحقب: محركا: حبل يشد على بطن البعير مما يلي مؤخره. (ورقة في الظهر) ، الظهر: المركوب، والرقة في حال الضعف. (ورقاء) ذات لون أسمر، والورقة: السمرة. (فندر) ندر رأسه أي: طار عن بدنه. (ابن الأثير: جامع الأصول 8/398-399) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 سلمة: وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي فضربت رأس الجمل فندر ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقال: "من قتل الرجل؟ ". قالوا: ابن الأكوع، قال: "له سلبه أجمع" 1. 103- وأخرج عبد الرزاق عن الثوري2 عن أبي فزارة3 عن عبد الرحمن4 بن أبي عمرة قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين بامرأة مقتولة فقال: ألم أنه عن هذا؟ فقال رجل: "أردفتها، فأرادت أن تقتلني، فقتلتها، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفنها" 5. هذا الذي توصلت إليه من قتلى هوازن في هذه المعركة ولم تذكر المصادر أسماء القتلى سوى: 1- دريد بن الصمة. 2- عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن حبيب كان ممن حمل راية هوازن في حنين. 3- غلام نصراني لعثمان بن عبد الله. 4- الجلاح، أو اللجلاج. 5- رجل يقال له وهب. 6- ذو الخمار سبيع بن الحارث بن مالك وكان حاملا لراية بني مالك من ثقيف6.   1 مسلم: الصحيح 3/1374-1377 كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل. وأبو داود: السنن 2/45-46 كتاب الجهاد، باب في الجاسوس المستأمن. وانظر ص 1001-1004. 2 سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ فقيه، عابد إمام حجة، من رءوس الطبقة السابعة، وكان ربما دلس (ت161) / ع. (التقريب 1/311 وتهذيب التهذيب 4/111-115) . 3 هو راشد بن كيسان العبسي- بالموحدة - أبو فزارة الكوفي، ثقة من الخامسة / بخ م ت ق. (التقريب 1/240 وتهذيب التهذيب 3/227) . 4 عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري النجاري، يقال ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن أبي حاتم: ليست له صحبة /ع. (التقريب 1/493 وتهذيب التهذيب 6/242 وعلى هذا فالحديث مرسل، ورجاله ثقات وله شواهد تقويه. انظر حديث 245، 246، 247، 248، 249،. وانظر الإصابة 3/72. 5 المصنف: 5/201-202. 6 انظر: ابن هشام: السيرة النبوية 2/437 و449-450 و453. والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/77 و78 و79. والسهيلي: الروض الأنف7/174-175 و177. وابن كثير: البداية والنهاية4/335. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 هكذا كانت ضحايا هوازن في هذه المعركة تعد بالمئات من القتلى. ب- أما عن خسارتهم في الأهل والأولاد والأموال والعتاد، فقد فقدوا أفلاذ أكبادهم وأغلى أموالهم، ذلك أن مالك بن عوف ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وأولادهم، وكان يهدف من رواء ذلك أن يكثر على المسلمين من ناحية وأن يحرض قومه على القتال والصمود في المعركة للدفاع عن أطفالهم ونسائهم من ناحية، وأن لا يفكر واحد منهم في الفرار. فصارت جميع تلك الأموال والنساء والنعم بأنواعها رزقا ساقه اله للمسلمين على يد هؤلاء الكفار الذين قذف الله في قلوبهم إخراج أموالهم ونعمهم وشائهم وذراريهم معهم. فعند أبي داود وغيره من حديث سهل بن الحنظلية إنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فأطنبوا السير حتى كان عشية فحضرت صلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشائهم، اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله" الحديث1. وفي حديث انس بن مالك قال: "لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بذراريهم ونعمهم"2. وفي حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سار إلى حنين لما فرغ من فتح مكة، جمع مالك بن عوف النصرى من بني نصر وجشم ومن سعد بن بكر وأوزاع من بني هلال، وناسا من بني عمرو بن عامر وعوف بن عامر، وأوزعت معهم الأحلاف من ثقيف وبني مالك، ثم سار بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسار مع الأموال والنساء والأطفال" الحديث3. وفي حديث أنس بن مالك أن هوازن جاءت يوم حنين بالصبيان والإبل والنساء والنعم فجعلوهم صفوفا يكثرون على رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث4. وعند ابن إسحاق وغيره أن هوازن لما اجتمعت على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت   1 تقدم الحديث برقم (50) . 2 تقدم الحديث برقم (40) . 3 تقدم الحديث برقم (23) . 4 تقدم الحديث برقم (47) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 دريد بن الصمة الرياسة عليها فقال: "وما ذاك، وقد عمي بصري وما أستمسك على ظهر الفرس، ولكن أحضر معكم لأشير عليكم رأيي بشرط أن لا أخالف فإن ظننتم أني مخالف أقمت ولم أخرج، فقالوا: لا نخالفك، وجاءه مالك، وكان جماع مرهم إليه، فقال له: لا نخالفك فيما تراه، فقال: تريد أنك تقاتل رجلا كريما قد أوطأ العرب وخافته العجم ومن بالشام وأجلى يهود الحجاز إما قتلا وإما خروجا عن ذل وصغار، ويومك هذا الذي تلقى فيه محمدا ما بعده يوم". قال مالك: "إني لأطمع أن ترى ما يسرك، قال دريد: منزلي حيث ترى فإذا جمعت الناس سرت إليك، فلما خرج مالك بالظعن والأموال وأقبل دريد قال لمالك أسمع بكاء الصغير ورغاء البعير ونهاق الحمير وخوار البقر؟ قال مالك: أردت أن أجعل خلف كل إنسان أهله وماله يقاتل عنهم. فانتقص به دريد وقال: راعي ضأن والله ما له وللحرب، وصفق بإحدى يديه على الأخرى تعجبا، وقال: هل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك، إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل فارفع الأموال والنساء والذراري إلى ممتنع بلادهم ثم ألق القوم على متون الخيل والرجال بين أصناف الخيل، فإن كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك، فقال مالك: والله لا أفعل ولا أغير أمرا فعلته، إنك قد كبرت وكبر عقلك، فغضب دريد وقال: يا معشر هوازن ما هذا برأي إن هذا فاضحكم في عوراتكم وممكن منكم عدوكم ولا حق بحصن ثقيف وتارككم، فانصرفوا وتركوه، فسل مالك سيفه وقال: إن لم تطيعوني لأقتلن نفسي، وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي، فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا: لئن عصيناه ليقتلن نفسه وهو شاب ونبقى مع دريد وهو شيخ كبير لا قتال معه فأجمعوا رأيكم مع مالك، فلما رأى دريد أنهم خالفوه قال: يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع أقود وطفاء الزمع ... كأنها شاة صدع1   1 انظر: ابن هشام: السيرة النبوية 2/437-439 وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/465-467. والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/8 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وهذه الأحاديث وغيرها يؤخذ منها كثرة ما خرجت به هوازن من الجموع والأموال والنساء والأطفال، وأما عن إحصاء هذه الغنائم فقد ذكر ابن إسحاق: 104- أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء ومن الإبل ما لا يدري ما عدته1. ومن طريق ابن إسحاق أخرجه الطبري إلا أنه قال: "وكان معه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبي هوازن من النساء والذراري عدد كثير، ومن الإبل ستة آلاف بعير، ومن الشاء ما لا يحصى" 2. وعنده ابن سعد قال: "وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبي والغنائم تجمع، فجمع ذلك كله وحدروه إلى الجعرانة، فوقف إلى أن انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الطائف وهم في حظائرهم3 يستظلون بها من الشمس، وكان السبي ستة آلاف رأس4، والإبل أربعة وعشرين ألف بعير والغنم أكثر من أربعين ألف شاة، وأربعة آلاف أوقية فضة" 5. 105- وقال غروة وموسى بن عقبة عن الزهري: ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وترك السبي بالجعرانة وملئت عرش6 مكة منهم"7.   1 سيرة ابن شام: 2/488 والروض الأنف للسهيلي 7/241، 282 والبداية والنهاية لابن كثير 2/279 و4/352 وجوامع السيرة لابن حزم ص 245. 2 تاريخ الرسل والملوك 3/86. 3 الحظائر: جمع حظيرة وهي الموضع الذي يحاط عليه لتأوى إليه الغنم والإبل يقيهما البرد والريح. (ابن الأثير: النهاية 1/404) . 4 قال الزرقاني: "وإطلاق السبي على الإبل والغنم والفضة تغليب، ولم يذكر عدة البقر والحمير مع أنهما كانا معهم كما ذكره ابن إسحاق وغيره أن دريد بن الصمة قال لمالك بن عوف: ما لي أسمع بكاء الصغير ورغاء البعير ونهاق الحمير ويعار الشاء وخوار البقر". ثم قال: "ولعله لم يذكرهما لقلتها بالنسبة لما ذكر، أو أنه لم يتحرر عدتهما". (شرح المواهب اللدنية 3/36) . 5 الطبقات الكبرى لابن سعد: 2/52والوفا بأحوال المصطفى لابن الجوزي ص 706 وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/472-473، وفتح الباري لابن حجر: 8/48) . 6 عرش: جمع عريش، وهي البيوت تتخذ من عيدان تنصب ويظلل عليها. (ابن الأثير: النهاية 3/207-208، ومحمد بن أبي بكر الرازي: مختار الصحاح ص 424) . 7 ابن كثير: البداية والنهاية 4/347. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 هكذا ذكر أهل المغازي هذه الأعداد بدون إسناد، وقد ورد في الأحاديث الآتية: 106- ما رواه الطبري من مرسل عروة بن الزبير قال: "سار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين من فوره ذلك - يعني منصرفه من حنين - حتى نزل الطائف، فأقام نصف شهر يقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقاتلتهم ثقيف من وراء الحصن، ولم يخرج إليه في ذلك أحد منهم" الحديث. وفيه: "ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحاصرهم إلا نصف شهر حتى نزل الجعرانة، ويزعمون أن ذلك السبي الذي أصاب يومئذ من هوازن كان عدته ستة آلاف من نسائهم وأبنائهم" الحديث1. 107- وعنده أيضا قال: حدثنا ابن عبد الأعلى2، قال ثنا محمد3 بن ثور عن معمر عن قتادة عن الزهري عن سعيد بن المسيب: "أنهم أصابوا يومئذ ستة آلف سبي، ثم جاء قومهم مسلمين بعد ذلك فقالوا: يا رسول الله أنت خير الناس وأبر الناس، وقد أخذت أبناءنا ونساءنا وأموالنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عندي من ترون، وإن خير القول أصدقه اختاروا إما ذراريكم ونساءكم، وإما أموالكم، قالوا: ما كنا نعدل بالأحساب شيئا" الحديث4. ورواه عبد الرزاق وابن سعد كلاهما من طريق الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب به5. وأصل هذا الحديث في صحيح البخاري من حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة "دون ذكر عدد السبي".   1 تاريخ الرسل والملوك 3/82 وتقدمت تراجم رجال السند في حديث (9) وهم من رجال الحسن. 2 هو محمد بن عبد الأعلى الصناعني، القيسى، أبو عبد الله البصري، ثقة من العاشرة (ت 245) / م قد ت س ق. (التقريب 2/182 وتهذيب التهذيب 9/289) . 3 محمد بن ثور الصنعاني، أبو عبد الله العابد، ثقة من اتاسعة (ت 190) تقريبا، د س. (التقريب 2/149 وتهذيب التهذيب 9/87) . وتقدمت تراجم بقية الرواية في حديث (32) و (36) و (48) (71) وهم ثقات. 4 الطبري: جامع البيان 10/102. 5 عبد الرزاق: المصنف 5/ 381 وابن سعد: الطبقات الكبرى 2/155. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 108 - ولفظه عن ابن شهاب عن عروة أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم: معي من ترون، وأحب الحديث إلي أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السبي وإما المال، الحديث وفيه "فلما تبين لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا أحدى الطائفتين، قالوا: فانا نختار سبينا" 1.قال ابن حجر: "تقدم ذكر الحديث من وجهين عن الزهري، وقد تقدم في أول الشروط في قصة صلح الحديبية2 أن الزهري رواه عن عروة عن المسور ومروان عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه في بقية المواضع حيث لا يذكر عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يرسله، فإن المسور يصغر في عن إدراك القصة، ومروان أصغر منه، نعم كان المسور في قصة3 حنين مميزا فقد ضبط في ذلك الأوان قصة خطبة علي بن أبي طالب لابنة أبي جهل، والله أعلم4 إهـ. 109 - وأخرج الحاكم قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد5 بن يعقوب ثنا الحسين6 بن علي القباني ثنا المنذر7 بن الوليد الجارودي ثنا عبد الأعلى8 بن   1 البخاري: الصحيح 3/87 كتاب الوكالة، باب إذا وهب شيئا لوكيل أو شفيع قوم جاز. و129 كتاب العتق، باب من ملك من العرب رقيقا الخ. و137 "كتاب الهبة" باب من رأى الهبة الغابة جائزة. و141 باب إذا وهب جماعة لقوم. 4/70 كتاب فرض الخمس، باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين. و5/126 كتب المغازي، باب ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم. و9/59 كتاب الحاكم، باب العرفاء للناس. 2انظر: صحيح البخاري3/165كتاب الشروط، باب ما يجوز من الشروط في الإسلام. 3 يريد قصة وفد هوازن يوم حنين. 4 فتح الباري 5/313 و8/33. 5 محمد بن يعقوب بن يوسف الشيباني النيسابوري ابن الأخرزم، ويعرف أبوه بابن الكرماني (250-344) (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/864) . 6 في الأصل "الحسن" ولعله الحسين بن محمد بن زياد العبدي النيسابوري أبوعلي الحافظ المعروف بالقباني، فإنه من شيوخ ابن الأخرم، وهوثقة حافظ مصنف (انظر تذكرة الحفاظ للذهبي 2/680-682 وتهذيب التهذيب 2/368-369 والتقريب 1/179 كلاهما لابن حجر) . 7 المنذر بن الوليد بن عبد الرحمن بن حبيب العبدي الجارودي البصري ثقة، من صغار العاشرة / خ د. (التقريب 2/275 وتهذيب التهذيب 10/304) . 8 هو السامي ثقة تقدمت ترجمته في حديث (64) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 عبد الأعلى ثنا يحيى1 بن سعيد الأنصاري حدثني أبو الزبير2 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف في غزوة حنين فلما بلغ الجعرانة قسم فضة بين الناس" 3. ثم قال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه". وسكت عنه الذهبي. والأحاديث الواردة في هذا الباب فيما غنمه المسلمون من هوازن كثيرة جدا تقدم بعضها في مبحث "استعداد هوازن العسكري"4. وسيأتي بعضها أيضا في الباب الثاني عند التعرض لقسم الغنائم وهذه الغنائم تتمثل في الإبل والغنم والبقر والسبي وهي غنائم كثيرة لم تحصل للمسلمين في غزواتهم والأموال، فآلت هذه كلها إلى المسلمين غنيمة ساقها الله عليهم. وكانت هذه الغنائم التي حازها المسلمون في غزوة حنين قد سيقت إلى الجعرانة وحفظت هناك حتى عاد الرسول صلى الله عليه وسلم من حصار الطائف. وقد اختلفت الروايات الواردة فيمن استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفظ الغنائم وهي على النحو الآتي: 110 أ- قال ابن إسحاق: ثم جمعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا حنين وأموالها، وكان على المغانم مسعود5 بن عمرو القاري، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم   1 يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني، ثقة ثبت من الخامسة (ت144) أو بعدها. /ع. (التقريب 2/348 وتهذيب التهذيب 11/221 وقد سقط الحكم عليه من التقريب الطبعة المصرية وهو ثابت في التقريب الطبعة الهندية ص 376) . 2 هو محمد بن مسلم بن تدرس - بفتح المثناة وسكون الدال المهملة وضم الراء - الأسدي مولاهم، أبو الزبير المكي، صدوق، إلا أنه يدلس من الرابعة (ت 126) / ع. (التقريب 2/207 وتهذيب التهذيب 9/440) . 3 المستدرك 2/121. 4 ص 166. 5 مسعود بن عمرو القاري - بالتشديد بغير همز، من القارة، كان على المغانم يوم حنين، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحبس السبايا والأموال بالجعرانة. (انظر: الاستيعاب لابن عبد البر3/452 مع الإصابة، وأسد الغابة لابن الأثير 5/164 والإصابة لابن حجر3/412 ووقع في سيرة ابن هشام والروض الأنف والبداية والنهاية وشرح المواهب اللدنية (الغفاري) بدل "القاري" وهو خطأ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 بالسبايا والأموال إلى الجعرانة فحبست1 بها". ب- وفي مرسل سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى يوم حنين ستة آلاف بين غلام وامرأة فجعل عليهم أبا سفيان بن حرب2. 111- ج- وأخرج البخاري في التاريخ قال: حدثني سعيد3بن يحيى قال حدثني أبي4عن ابن إسحاق5 فحدثني ابن أبي عبلة6 عن ابن بديل7 بن ورقاء عن أبيه8 أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بديلا أن يحبس السبايا والأموال بالجعرانة حتى يقدم عليه فحبسه" 9. والحديث رواه البزار والطبراني كلاهما من طريق إبراهيم10 بن سعيد الجوهري ثنا يحيى بن سعيد الأموي به11.   (سيرة ابن هشام 2/459، وتاريخ الرسل الملوك للطبري 3/8 والروض الأنف للسهيلي 7/184 والبداية والنهاية لابن كثير 4/337 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/29) . 2 عبد الرزاق: المصنف 5/380-381 وتقدم الحديث برقم (107) . 3 سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي، أبو عثمان البغدادي، ثقة ربما أخطأ من العاشرة (ت 249) / خ م د س ت. (التقريب 1/308 وتهذيب التهذيب 4/97-98) . 4 هو يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي، أبو أيوب الكوفي نزيل بغداد، لقبه الجمل، صدوق يغرب، من كبار التاسعة (ت 194) / ع. (التقريب 2/348 وتهذيب التهذيب 11/213) وهدي الساري ص: 451. 5 هو محمد بن إسحاق بن يسار، صدوق يدلس، وقد صرح بالتحديث، تقدم ترجمته في حديث رقم (1) ووقع في الاستيعاب "عن أبي إسحاق" وهو خطأ. 6 هو إبراهيم بن أبي عبلة - بفتح المهملة وسكون الموحدة - واسمه شمر - بكسر المعجمة وسكون الميم - ابن يقظان الشامي، يكنى أبا إسماعيل ثقة من الخامسة (ت 152) / خ م د س ق. (التقريب 1/39 وتهذيب التهذيب 1/142 والخلاصة للخزرجي 1/50) . 7 بديل بن ورقاء له ابنان عبد الله وعبد الرحمن وهما صحابيان ولعل الوارد في الحديث أحدهما وقد ورد أن بديلا وابنه عبد الله شهدا حنينا والطائف. (انظر الاستيعاب لابن عبد البر 1/165، 2/268 مع الإصابة، وأسد الغابة لابن الأثير 1/203-204، 3/184، 429، والإصابة لابن حجر 2/280) . 8 هو بديل بن ورقتاء بن عمرو بن ربيعة بن عبد العزى الخزاعي، وكان من مسلمة الفتح، وقال بعضهم أسلم هو وابنه عبد الله وحكيم بن حزام يوم فتح مكة بمر الظهران. (الاستيعاب لابن عبد البر1/165وأسدالغابة1/203) والإصابة1/141) . 9 البخاري: التاريخ الكبير 2/141. 10 إبراهيم بن سعيد الجوهري أبو إسحاق الطبري: نزيل بغداد، ثقة حافظ تكلم فيه بلا حجة، من العاشرة، (ت في حدود 250) م عم، (التقريب 1/35 وتهذيب التهذيب 1/123-124) وتاريخ الخطيب البغدادي 6/93-95، وتذكرة الحفاظ للذهبي 2/515-516 ولم يذكروا إبراهيم بن سعيد في تلاميذ يحيى - ولا في شيوخ البزار فالله أعلم. كما أنه وقع عند الطبراني في الكبير، ومنتخب كنز العمال (إبراهيم بن سعد الجوهري) . 11 البزار كما في كشف الأستار 2/353 والطبراني في المعجم الكبير 2/16 والأوسط كما في مجمع البحرين 2/244 رقم (77) وقال: لم يروه عن إبراهيم بن أبي عبلة إلا ابن إسحاق، تفرد به يحيى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 وأورده الهيثمي ثم قال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبزار عن ابن بديل عن أبيه ولم يسم ابن بديل، وبقية رجاله ثقات1. وأورده ابن حجر ثم قال: رواه البخاري في تاريخه والبغوي وإسناده حسن2. د- قال ابن حجر: قال الزبير3 بن بكار: حدثني محمد4 بن سلام حدثني يزيد5 بن عياض قال: 112- استعمل النبي صلى الله عليه وسلم على النفل يوم حنين أبا الجهم6 بن حذيفة العدوي، فجاء خالد7 بن البرصاء فتناول زماما من شعر فمنعه أبو جهم فقال: "إن نصيبي فيه أكثر، فتدافعا فعلاه أبو جهم فشجه8 منقلة، فقضى فيها النبي صلى الله عليه وسلم بخمس عشرة فريضة، ورواه الزبير من وجه آخر موصولا ولم يسم خالدا، وأخرجه أبو داود والنسائي من طريق معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث   1 مجمع الزوائد 6/186 وانظر كنز العمال 10/351 ومنتخب كنز العمال 4/166 مع (مسند أحمد) كلاهما لعلاء الدين المتقي الهندي. 2 الإصابة 1/141. 3 الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير الأسدي المدني أبو عبد الله بن أبي بكر، قاضي المدينة، ثقة، أخطأ أحمد بن علي السليماني في تضعيفه، من صغار العاشرة (ت 256) / ق. (القريب 1/257 وتهذيب التهذيب 3/312) إلا أنه رمز لمن أخرج له (ت) وهو خطأ وانظر الخلاصة للخزرجي 1/333 وتذكرة الحفاظ للذهبي 2/528. 4 محمد بن سلام بن فرج، السلمي مولاهم، البيكندي - بكسر الموحدة وسكون التحتانية وفتح الكاف وسكون النون - أبو جعفر، مختلف في لام أبيه، والراجح التخفيف، ثقة ثبت، من العاشرة (ت 227) / خ. (التقريب 1/257 وتهذيب التهذيب 9/212) . 5 يزيد بن عياض بن جعدية - بضم الجيم والمهملة ساكنة - الليثي أبو الحكم المدني، نزيل البصرة، وقد ينسب لجده كذبه مالك وغيره، من السادسة/ ت ق. (التقريب 2/369 وتهذيب التهذيب11/352 وميزان الاعتدال للذهبي4/436-438) . 6 أبو جهم بن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبد الله القرشي العدوي، كان من مسلمة الفتح كان عالما بالنسب وكان أحد من تولى دفن عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثبت ذكره في الصحيحين من طريق عروة عن عائشة قالت: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام فقال: اذهبوا بخمصيتي هذه إلى أبي جهم وأئتوني بأنبجانية أبي جهم. (الإصابة لابن حجر 4/35-36) . 7 خالد بن البرصاء، هو ابن مالك بن قيس بن عوف الكناني الليثي والبرصاء أمه وقيل أم أبيه. (المصدر السابق 1/274و289و402) . 8 الشج في الرأس خاصة في الأصل، ثم استعمل في غيره من الأعضاء. والمنقلة: هي التي تخرج منها صغار العظام، وتنتقل عن أماكنها، وقيل: التي تنقل العظم: أي تكسره. (ابن الأثير: النهاية 2/445و5/110) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 أبا جهم بن حذيفة مصدقا، فلاجه1 رجل فضربه أبو جهم فشجه فذكر الحديث بمعناه ولم يسم خالدا أيضا.2اهـ. قلت: والحديث أخرجه أيضا ابن ماجة3. والخلاصة: أن الأحاديث الواردة فيمن ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الغنائم يوم حنين أمثلها حديث بديل بن ورقاء، وأما حديث ابن إسحاق فإنه ذكر ذلك بدون إسناد. وأما ما رواة عبد الرزاق من توليه أبي سفيان، فقال الزرقاني: هذا فيه نظر فإن أبا سفيان شهد الطائف، فإن صح فكأنه جعله عليها أولا ثم بداله فجعل غيره وسار هو معه. وحديث الزبير بن بكار معضل. وما ذكر من الموصول، فإنه وارد في جباية الصدقات لا في الغنائم. وأيضا فإن خالد بن البرصاء الذي هو صاحب القصة غير موجود في الحديث الموصول. على أنه يمكن التوفيق بين هذه الآثار بجواز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم ولاهم جميعا على حفظ الغنائم بجعل كل واحد منهم على نوع من الغنائم، وهذا غير بعيد لأن الغنائم كانت كثيرة جدا ومتنوعة من السبايا والبقر والإبل والغنم والحمير، وهذه الأنواع الكثيرة تحتاج في حفظها إلى تعدد الولاة المسئولين عنها، نظرا لكثرتها فلا يقوم بها إلا عدد من الولاة. والله أعلم.   1 فلاجه: نازعه وخاصمه من اللجاج، وفي نسخة للخطابي: فلاحاه: بالحاء المهملة منقوصا وهما بمعنى. (محمد شمس الحق العظيم آبادي: عون المعبود 12/266) . 2 الإصابة 1/402 وانظر الروض الأنف للسهيلي 7/482. 3 وانظر الحديث عند أبي داود في سننه 2/489 كتاب الديات، باب العامل يصاب على يديه خطأ. والنسائي: السنن 8/31 كتاب القسامة، باب السلطان يصاب على يديه. وابن ماجه: السنن 2/881 كتاب الديات، باب الجارح يفتدي بالقود. ولكن الحديث عن أصحاب السنن إنما هو في جباية الصدقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 المبحث الثاني: إصابات المسلمين في هذه الغزوة كانت إصابات المسلمين في هذه الغزوة طفيفة رغم خطورة المعركة وشدة وطأتها وضخامتها، وهذه الإصابات تتمثل في جراحات لحقت بعضهم واستشهاد أربعة منهم كما تدل على ذلك الأحاديث الآتية: 113- ما رواه البخاري قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا إسماعيل1 رأيت بيد بن أبي أوفى ضربة قال: "ضربتها مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين". قلت: "شهدت حنينا؟ " قال: "قبل2 ذلك3. والحديث رواه الحميدي وابن أبي شيبة وأحمد وابن سعد كلهم من طريق إسماعيل بن أبي خالد. ولفظه عند الحميدي: سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول: "اعتمرن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنا نستره حين طاف من صبيان أهل مكة لا يؤذونه". قال سفيان4: "أراه في عمرة القضاء".   1 إسماعيل: هو ابن أبي خالد الأحمسي مولاهم. وابن أبي أوفى: هو عبد الله بن أبي أوفى. 2 قوله: (قبل ذلك) قال ابن حجر: مراده بما قبل ذلك من قبل حنين من المشاهد، وأول مشاهده الحديبية فيما ذكره من صنف في الرجال، ووقفت في كتاب الجهاد من البخاري مايدل على أنه شهد الخندق (فتح الباري8/28وتهذيب التهذيب6/152) وحديث البخاري المشار إليه أخرجه البخاري في 4/35 كتاب الجهاد، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة ولفظه عن إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت عبد الله ابن أبي أوفى يقول: "دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب على المشركين فقال: "اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اللهم أهزم الأحزاب اللهم أهزمهم وزلزلهم". 3 الصحيح 5/126 كتاب المغازي، باب ويم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم. 4 هو ابن عيينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 قال إسماعيل: "وأرانا ابن أبي أوفى ضربة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين" 1. ورواه أحمد وفيه زيادة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم على الأحزاب وفيه قال إسماعيل: "ورأيت بيده ضربة على ساعده فقلت: ما هذه؟ " قال: "ضربتها يوم حنين، فقلت له أشهدت معه حنينا؟ " قال: "نعم وقبل ذلك" 2. 114- ما رواه الحميدي قال: حدثنا سفيان قال: ثنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن3 بن أزهر قال: جرح خالد4 بن الوليد يوم حنين فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام وهو يقول: "من يدل على رحل خالد بن الوليد؟ " فخرجت أسعى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: من يدل على رحل خالد بن الوليد؟ حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستند إلى رحل قد أصابته جراحة فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده، ودعا له، وأرى5 فيه: نفث عليه 6.   1 الحميدي: المسند 2/314 وابن أبي شيبة: التاريخ ص 91 ب وابن سعد: الطبقات الكبرى 4/301. 2 المسند 4/355. ولفظ الحديث عند أحمد: عن إسماعيل عن عبد الله بن أبي أوفى قال: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم فطاف باليت وطفنا معه وصلى خلف المقام وصلينا معه، ثم خرج فطاف بين الصفا والمروة ونحن معه نستره من أهل مكة لا يرميه أحد أو يصيبه أحد بشيء، قال: فدعا على الأحزاب فقال: "اللهم منزل الكتاب سريع الحساب هازم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم". قال: ورأيت بيده ضربة على ساعده. الحديث. 3 عبد الرحمن بن أزهر الزهري، أبو جبير، المدني، ابن عم عبد الرحمن بن عوف، وقيل غير ذلك، صحابي صغير، شهد حنينا. قال ابن سعد: "وهو نحو ابن عباس في السن"، مات قبل الحرة / د س. (التقريب 1/472، تهذيب التهذيب 6/135-136) . 4 خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي، سيف الله، يكنى أبا سليمان، من كبار الصحابة وكان إسلامه بين الحديبية والفتح، وكان أميرا على قتال أهل الردة وغيرها من الفتوح، إلى أن مات سنة 21أو22 / خ م د س ت. (التقريب 1/219 وتهذيب التهذيب 3/124) . 5 أرى: بضم الهمزة أي أظن. 6 والنفث: شبيه بالنفخنه وهو أقل من النفل، لأن التفل لا يكون إلا معه شيء من الريق. (ابن الأثير: النهاية 5/88) . مسند الحميدي 2/398. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 والحديث صحيح وقد رواه أيضا عبد الرزاق وأحمد وأبو عوانة كلهم من طريق الزهري انه سمع عبد الرحمن بن أزهر يسأل عن رحل خالد بن الوليد. الحديث1. وفي حديث أنس بن مالك عند البزار في وصف المعركة وفيه: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها، والعباس عمه آخذ بغَرْزها2، وكنا في واد دهس، فارتفع النقع، فما منا أحد يبصر كفه، إذ شخص قد أقبل، فقال: إليك من أنت؟ " قال: "أنا أبو بكر فداك أبي وأمي وبه بضعة عشر ضربة، ثم إذا شخص أقبل وبه بضعة عشر ضربة، فقال: إليك من أنت؟ " فقال علي بن أبي طالب: "فداك أبي وأمي". الحديث3. هذا ما توصلت إليه من الإصابات التي لحقت بالمسلمين وأما الذين استشهدوا في حنين فقد ذكر ابن إسحاق إمام أهل المغازي والسير أربعة4. 115- حيث قال: "وهذه تسمية من استشهد يوم حنين من المسلمين، من قريش ثم من بني هاشم": 1- أيمن5 بن عبيد.   1 مسند أحمد 4/88 و350 - 351، ومصنف عبد الرزاق 5/380-381 ومسند أبي عوانة 4/203. 2 الغرز: بفتح أوله وسكون ثانية ثم زاي، هو ركاب البعير. (ابن حجر: هدي الساري ص 162) . 3 تقدم الحديث مع الحكم برقم (53) وسياقه بتمامه في مبحث "خسائر المشركين في هذه المعركة" ص 224. 4 وزاد ابن حجر في الإصابة 1/13 آبي اللحم الغفاري بأنه شهد حنينا وقتل بها بلا خلاف. 5 أيمن بن عبيد عمرو بن بلال بن أبي الجرباء بن قيس بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج، وهو ابن أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم. قال الزرقاني: كذا نسبه إلى الخزرج ابن سعد وابن مندة، وأما أبو عمر بن عبد البر، فقال: الحبشي، وقد فرق ابن أبي خيثمة بين الحبشي وبين ابن أم أيمن وهو الصواب. فإن أيمن بن عبيد الحبشي أحد من جاء مع جعفر بن أبي طالب، قاله في الإصابة، والخزرجي أحد الثابتين في حنين (انظر: الطبقات الكبرى: لابن سعد2/152 والاستيعاب لابن عبد البر 1/88 مع الإصابة وأسد الغابة لابن الأثير 1/189 والإصابة لابن حجر 1/92 و4/432 وشرح المواهب للزرقاني 3/24) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 ومن بنى أسد بن عبد العزى: 2- يزيد1 بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد. جمح به فرس يقال له الجناح2 فقتل. ومن الأنصار: 3- سراقة بن الحارث بن عدي من بني العجلان3. ومن الأشعريين: 4- أبو عامر4 الأشعري5. هكذا ذكر ابن إسحاق بدون إسناد، ومن طريقة أخرجه الطبري6، وخليفة بن الخياط7 إلا أنه قال: سراقة بن "الحباب"، بدل سراقة بن "الحارث"8. وذكر الواقدي ما ذكره ابن إسحاق إلا أنه جعل الثاني "رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان".   1 وانظز: الاستيعاب لابن عبد البر 3/647-648 مع الإصابة. وأسد الغابة لابن الأثير 5/488 والإصابة لابن حجر: 3/655-656. 2 الجناح: بلفظ جناح الطائر. (الزرقاني: شرح المواهب 3/24) . 3 انظر: الاستيعاب لابن عبد البر 2/119 مع الإصابة وأسد الغابة لابن الأثير 2/329، والإصابة لابن حجر 2/18. 4 اسمه عبيد بن سليم بن حضار، وهو عم أبي موسى الأشعري، وقيل عبيد بن وهب. (انظر: الاستيعاب2/371-و4/135 مع الإصابة، وأسد الغابة 3/367 و541 و6/186-188 واللباب 1/64 كلاهما لابن الأثير، والإصابة لابن حجر 2/359 و4/123 والطبقات الكبرى لابن سعد 4/105و357) وانظر حديث (118) ، (119) . 5 سيرة ابن هشام 2/459 والروض الأنف للسهيلي 7/183 وجوامع السيرة لابن حزم ص 241، مجمع الزوائد للهيثمي 6/189-190. 6 تاريخ الرسل والملوك 3/81. 7 تاريخ خليفة بن خياط ص 88-89. 8 قال ابن الأثير: جعل أبو عمر بن عبد البر سراقة بن الحارث، وسراقة بن الحباب ترجمتين وجعلهما قتلا يوم حنين. وأما ابن مندة وأبو نعيم فلم يذكرا إلا سراقة بن الحباب، والحق معهما فإنهما واحد. وإنما عبد الملك بن هشام روى عن زياد بن عبد الله البكائي عن ابن إسحاق فيمن قتل بحنين، فقال: سراقة بن الحارث، وروى يونس بن بكير عن إسحاق فقال: "سراقة بن الحباب، فالحق مع ابن مندة وأبي نعيم، هما واحد، فلوقالا: - يعني ابن مندة وأبا نعيم - وقيل: سراقة بن الحارث لكان حسنا وأما بأن يكونا اثنين فلا". قال ابن حجر: "وكذا نبه عليه ابن فرحون". (انظر الاستيعاب لابن عبد البر 2/119 مع الإصابة إلا أن عنده سراقة بن أبي الحباب، وأسد الغابة لابن الأثير 2/329 والإصابة لابن حجر 2/18) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وذكر يزيد بن زمعة فيمن استشهد بالطائف1. هذا ما وقفت عليه في عدد شهداء المسلمين في غزوة حنين. وبعض2 الباحثين المعاصرين يستبعد ذلك ويرى أن قتلى المسلمين في هذه الغزوة يبلغون المئات، مستدلا بشدة المعركة وضراوتها وانهزام المسلمين في بداية المعركة أمام نبال قبائل هوازن التي صبت عليهم وادعي أن المؤرخين سجلوا ما نقله الرواة بأمانة لكن واقع المعركة وجودها يقتضي مزيدا من الضحايا، وأخذ يذكر أنه لا يوجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم قسم إداري يهتم بإحصاء عدد القتلى ويقدم بهم قوائم وفق النظام المتبع في الجيوش العصرية، ولا يوجد ديوان إحصاء للجند يسجل فيه المنخرطون في سلك الجيش الإسلامي، بحيث يمكن الرجوع إلى هذا السجل لمعرفة عدد الشهداء المفقودين، وأضاف أن الجيش الإسلامي مؤلف من قبائل متفرقة فلما انتهت المعركة عادوا إلى أماكنهم كل قبيلة تعرف شهداءها، وفات تسجيل ذلك على المؤرخين لأن الاهتمام بتدوين أخبار المغازي والحروب الإسلامية لم يكن إلا في أواسط القرن الثاني الهجري، فلا يتمكن العلماء في هذا الزمن المتأخر من الاتصال بأولئك البدو المتفرقين في جنبات الجزيرة. هذه خلاصة أدلة هذا الباحث في استبعاد أن يكون شهداء المسلمين في هذه الغزوة أربعة فقط كما ذكر ذلك المؤرخون المختصون بذلك. والظاهر أن ما ذكره من الأدلة غير مسلم به في جملته لأن فرار المسلمين أمام نبال هوازن لا يلزم منه كثرة القتل في المسلمين وإنما يلزم منه كثرة الإصابات من جراحات وغير ذلك، ولأن عدم وجود قسم إداري يهتم بالإحصاء وعدم وجود سجل يدون فيه عدد الجيش الإسلامي لا يلزم منه هذه المفارقات الكبيرة في تسجيل الأحداث، ذلك أنّ المؤرخين المختصين قالوا: إن عدد القتلى أربعة فقط وصاحب هذه   (مغازي الواقدي 3/922، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/152، وهكذا ذكر الزبير بن بكار: يزيد بن زمعة في شهداء الطائف. انظر: أسد الغابة لابن الأثير 5/488) 2 هو: محمّد أحمد باشميل. انظر: (كتابه: غزوة حنين، ص: 355-358) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 الدعوى يقول عنهم يبلغون المئات والتوفيق في مثل هذه الحال بين هذين القولين محال، ولا يمكن أن يفوت على المسلمين مئات القتلى منهم دون أن يشيروا إلى ذلك، وهذا مخالف لما عرف عن المسلمين من الاهتمام بالشهداء، ومخالف لما هو معلوم مطرد في المعارك الأخرى من ذكر المسلمين لعدد شهدائهم، وهذا يبعد القول بأن الشهداء كانوا مئات لا أربعة فقط، وتأخر تدوين التاريخ لا يلزم منه أيضاً ما أراده الباحث من فوات ذكر الشهداء، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يهتمون بشهداء كانوا مئات لا أربعة فقط، وتأخر تدوين التاريخ لا يلزم منه أيضا ما أراده الباحث من فوات ذكر الشهداء، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يهتمون بشهداء المعركة، ولأن القبائل على تفرقها تفتخر بشهيد المعركة وتسجيل له ذلك الموقف شعرا ونثرا، وأيضا فقد أحصى المسلمون عدد السبي والإبل والشاء مما غمنوه في هذه الموقعة، أفلا يحصون عدد شهدائهم؟ فعلينا أن ننتهي إلى ما انتهى إليه علماؤنا ولا نتعدى ذلك إلا بأدلة واضحة لا بمجرد الاستنتاج والتلمسات البعيدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 الباب الثاني: ملاحقة فلول المشركين والأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك الفصل الأول: تعقب الفارين نحو نخلة وأوطاس المبحث الأول: التوجه نحو نخلة ... المبحث الأول: التوجه إلى النخلة لما انهزم المشركون في موقعة حنين وباءوا بالفشل انسحبوا على إثر ذلك وتفرقوا في الجبال والأودية يجرون ذيل الخزي والندامة، تاركين وراءهم كثيرا من أطفالهم ونسائهم وأموالهم، وعند ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمطاردتهم وتعقبهم تأديبا لهم حتى لا تسول لهم أنفسهم أن يتكتلوا أو ينقضوا على المسلمين مرة أخرى. 116- قال ابن إسحاق: ولما انهزم المشركون، أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف وعسكر بعضهم بأوطاس1 وتوجه بعضهم نحو نخلة2، ولم يكن فيمن توجه نحو النخلة إلا بنو غيرة3 من ثقيف، وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك في نخلة   1 أوطاس: بفتح الهمزة وسكون الواو وطاء وسين مهملتين. قال أبو عبيد: "هو واد في ديار هوازن، وهناك عسكروا هم وثقيف ثم التقوا بحنين". وقال الديار بكري: "أوطاس واد معروف في ديار هوازن بين حنين والطائف". وقال القاضي عياض: "هو واد في دار هوازن وهو موضع خرب حنين. قال ابن حجر: وهذا الذي قاله ذهب إليه بعض أهل السير". والراجح: أن وادي أوطاس غير وادي حنين، ويوضح ذلك ما ذكر ابن إسحاق أن الوقعة كانت في وادي حنين، وأن هوازن لما انهزموا صارت طائفة منهم إلى الطائف، طائفة إلى نخلة، وطائفة إلى أوطاس، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عسكرا مقدمهم أبوعامر الأشعري إلى من مضى إلى أوطاس كما يدل عليه حديث الباب: يعني بحديث الباب، حديث البخاري لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على الجيش إلى أوطاس وسيأتي الحديث برقم (118) . (فتح الباري8/42 وتاريخ الخميس 2/107 وشرح المواهب اللدنية3/25 والقاموس المحيط 2/257، ومعجم ما استعجم لأبي عبيد 1/212 قلت: ويدل على الفرق بين حنين وأوطاس: الآن يسمى (أم خرمان) وحنين يسمى (الشرائع) انظر التعليق على كتاب المناسك للحربي ص 346و471و654) وقد حصل في فتح الباري خطأ مطبعي فقال (أبو عبيدة) والصواب أبو عبيد، وقال: (بجيلة) والصواب نخلة. 2 هي نخلة يمانية، وهو واد يصب فيه يدعان، وبه مسجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه عسكرت هوازن يوم حنين (معجم البلدان لياقوت 5/277) ويدعان: يسمى الآن (جدعان) وهو بين سبوحة والشرائع، وسبوحة: بفتح السين المهملة وضم الموحدة – واد لهذيل يصب في نخلة اليمانية من الجنوب بطرف الزيمة من مغيب الشمس، يأتي سيله من جبلي كنثيل والأشعر، تبعد عن مكة (43) كيلا على طريق البمانية حيث يطؤها الطريق هنالك، وعن الزيمة كيلين فقط (المجازيين اليمامة والحجاز لابن خميس ص 268) . والتعليق على كتاب مناسك الحج للحربي لحمد الجاسر ص 353، ومعالم مكة المكرمة التاريخية لعاتق بن غيث البلادي ص 129. 3 في مغازي الواقدي بنو (عنزة) وهو خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 من الناس، ولم تتبع من سلك الثنايا1، فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة بن يربوع بن سمال بن عوف بن امرئ القيس - وكان يقال له ابن الدغنة2 وهي أمه، فأناخ به، فإذا شيخ كبير3، وإذا هو دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام، فقال له دريد: ماذا تريد؟ قال: أقتلك. قال: ومن أنت؟ قال: أنا ربيعة بن رفيع السلمي، ثم ضربه فلم يغن شيئا فقال: بئس ما أسلحتك أمك!. خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل، وكان الرحل في الشجار، ثم اضرب به، وارفع عن العظام 4، واخفض عن الدماغ، فإني كنت كذلك أضرب الرجال ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة، فرب - والله - يوم قد منعت فيه نساءك. فزعم بنو سليم أن ربيعة لما ضربه تكشف، فإذا عجانه 5 وبطون فخذيه مثل القرطاس6 من ركوب الخيل أعراء 7، فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه.   1 الثنايا: العقاب، والعقاب: جبال طوال بعرض الطريق، فالطريق تأخذ فيها، وكل عقبة مسلوكة ثنية وجمعها ثنايا (لسان العرب 18/134) وقال البلادي: هذه الثنايا: تخرج أولاها من رأس حنين على قرابة (50) كيلا شرق مكة ثم تقابلها أخرى قرب الخليصة، ثم أخرى تخرجك على وادي قرن المنازل قرب دحنا، ثم يأتي طريقها الطائف من الشمال من جهة المليساء، (معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية ص 71-72) . 2 الدغنة: بفتح الدال المهملة، وكسر الغين المعجمة ونون خفيفة، ويقال بضم الدال والغين. ويقال: الذعنة: بالذال المعجمة، وفتح عين مهملة وسكونها، وهي أمه، وليس هوابن الدغنة المذكور في قصة أبي بكر في الهجرة (فتح الباري:8/42 وكتاب المغني لابن طاهر الهندي ص 30، وقال ابن هشام: ويقال اسم الذي قتل دريد: عبد الله بن قنيع ابن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة، ويقال له: (ابن لذعة) (سيرة ابن هشام 2/253، وأسد الغابة لابن الأثير 2/11 ابن لدغة) . 3 وعند الواقدي في المغازي 3/915: وهو شيخ كبير ابن ستين ومائة. ويروى هذا أيضا عن ابن إسحاق (انظر الروض الأنف 7/201) . 4 عند الواقدي 3/915:وارفع عن ((الطعام)) . 5 عجانة: ما بين فرجيه (ابن منظور: لسان العرب 17/149) 6 عند الواقدي: مثل القراطيس. 7 أعراء: جمع عرى بوزن (قفل) وهو الفرس الذي لا سرج له، (لسان العرب لابن منظور 19/226) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 فقالت: أما والله لقد أعتق أمهات1 لك ثلاثا2. هكذا ذكر ابن إسحاق بدون إسناد. والحديث أخرجه الطبري من طريق سلمة3 بن الفضل الأبرش، والطحاوي من طريق عبد الله4 بن إدريس، والبيهقي من طريق يونس5 ابن بكير الجميع من طريق ابن إسحاق6. والحديث يدل على أن قاتل دريد بن الصمة هوربيعة بن رفيع 7، وقد أخذ الشافعي - رحمه الله - من هذا جواز قتل الشيخ الكبير الذي لا يستطيع القتال، فقد جاء في الأم للشافعي ما نصه: 117- قال الربيع 8 بن سليمان قال: قال الشافعي قتل يوم حنين دريد بن الصمة ابن خمسين ومائة سنة في شجار لا يستطيع الجلوس فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر قتله. ثم قال الشافعي: "وقتل أعمى من بني قريظة بعد الإسار وهذا يدل على قتل من لا يقاتل من الرجال البالغين إذا أبى الإسلام والجزية".   1 وعند الواقدي: "في غداة واحدة، وجز ناصية أبيك قال الفتى: لم أشعر وفي الإصابة:2/507 فقالت له أمه: ألا تكرمت عن قتله لما أخبرك بمنه علينا، فقال: "ما كنت لأتكرم عن رضا الله ورسوله". 2 سيرة ابن هشام 2/453-454. 3 صدوق كثير الخطأ تقدم في حديث (32) . 4 ثقة فقيه عابد تقدم في حديث (32) . 5 صدوق يخطئ تقدم في حديث (23) . 6 الطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/78-79. والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/224. والبيهقي: دلائل النبوة 3/47أ. وانظر مغازي الواقدي 3/914-915، وجوامع السيرة لابن حزم 240 والروض الأنف للسهيلي 7/177 وأسد الغابة 2/211. والكامل في التاريخ 2/179 كلاهما لابن الأثير. والبداية والنهاية لابن كثير 4/337 وفتح الباري 8/42. والإصابة 2/507 كلاهما لابن حجر. 7 تقدم الخلاف في قاتل دريد تحت حديث (97) . 8 الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي، أبو محمد المصري المؤذن صاحب الشافعي ثقة من الحادية عشرة (ت 270) / د س ق (التقريب 1/245، تهذيب التهذيب 3/245-246 والخلاصة للخزرجي 1/319 ورمز له في تهذيب التهذيب / 4 د س ق والصواب أخرج له الأربعة كما في تهذيب التهذيب 3/246 وتذكرة الحفاظ للذهبي 2/586 ومقدمة تحفة الأحوذي 2/53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 قال البيهقي: "الأعمى هو الزَّبِيْر بن باطا القرظي"1. وأورد الطحاوي حديث أبي موسى الأشعري في بعث أبي عامر إلى أوطاس وفيه "فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه". ثم قال: قال أبو جعفر: "فذهب قوم إلى هذا، فقالوا: لا بأس بقتل الشيخ الكبير في الحرب، فاستدلوا على ذلك بحديث ابن إسحاق في قتل ربيعة بن رفيع دريدا، ثم قال: قالوا: فلما قتل دريد، وهو شيخ كبير فانٍ لا يدافع عن نفسه، فلم يعب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، دل ذلك أن الشيخ الفاني يقتل في دار الحرب، وأن حكمه في ذلك حكم الشبان لا حكم النسوان. ثم قال: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: لا ينبغي قتل الشيوخ في دار الحرب، وهم في ذلك، كالنساء والذرية، ثم أورد ما استدلوا به من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الشيوخ والنساء، ثم قال: فدل ذلك أن من أبيح قتله هو الذي يقاتل، ولكن لما روى حديث دريدا هذا، وهذه الأحاديث الأخر، وجب أن تصحح، ولا يدفع بعضها ببعض". فالنهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل الشيوخ في دار الحرب ثابت في الشيوخ الذين لا معونة لهم على شيء من أمر الحرب، من قتال ولا رأي. وحديث دريد على الشيوخ الذين لهم معونة في الحرب، كما كان لدريد فلا بأس بقتلهم وإن لم يكونوا يقاتلون لأن تلك المعونة التي تكون منهم أشد من كثير من القتال، ولعل القتال لا يلتئم لمن يقاتل إلا بها، فإذا كان ذلك كذلك قتلوا. ثم أورد حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة فقال: "ما كانت هذه تقاتل" 2. أي فلا تقتل، فإنها لا تقاتل، فإذا قاتلت قتلت، وارتفعت العلة التي لها منع من قتلها.   1 السنن الكبرى للبيهقي 9/92 وانظر قصة الزبير بن باطا مفصلة في سيرة ابن هشام 2/242-243. 2 انظر: الحديث في أبي داود 2/49و50 كتاب الجهاد باب في قتل النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وفي قتلهم دريد بن الصمة للعلة التي ذكرنا، دليل على أنه لا بأس بقتل المرأة، إذا كانت أيضا ذات تدبير في الحرب، كالشيخ الكبير ذي الرأي في أمور الحرب. ثم قال: فهذا الذي ذكرنا هو الذي يوجبه تصحيح معاني هذه الآثار1. قلت: وما قال الطحاوي هو الصواب جمعا بين الأدلة وإذا أمكن الجمع تعين المصير إليه إذ إن العمل بجميع الأدلة أولى من ترك بعضها. وقد ذكر أهل المغازي أن هوازن خرجت بدريد بن الصمة معها للتيمن برأيه ومعرفته بالحرب فدل على أن قتله كان لما له رأي في الحرب والمشورة.   1 الطحاوي: شرح معاني الآثار 3/224-225. وانظر: ابن التركماني: الجوهر النقي 9/92-93 مع سنن البيهقي وعون المعبود 7/329-330. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 المبحث الثاني: سرية أوطاس كانت هذه السرية في شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة، وكانت بقيادة أبي عامر الأشعري رضي الله عنه. وسببها أن هوازن لما انهزمت في حنين، ذهبت فرقة منهم، فيهم رئيس هوازن مالك بن عوف فلجأوا إلى الطائف فتحصنوا بها1. وسارت فرقة فعسكرت بأوطاس فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم أبا عامر الأشعري، وأمره على جمع من الصحابة فيهم أبو موسى الأشعري وسلمة بن الأكوع، والزبير بن العوام. توضح هذا الموقف الأحاديث الآتية: ما رواه ابن إسحاق قال: ولما انهزم المشركون أتوا الطائف، ومعهم مالك بن عوف، وعسكر بعضهم بأوطاس، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه قِبل أوطاس أبا عامر الأشعري، فأدرك من الناس بعض من انهزم فناوشوه 2 القتال، فرمي   1 البداية والنهاية لابن كثير 4/337 وتاريخ الخميس للديار بكري 2/107. 2 تناوش القوم في القتال إذا تناول بعضهم بعضا بالرماح ولم يتدانوا كل التداني (لسان العرب لابن منظور 8/254) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 أبو عامر بسهم فقتل، فأخذ الراية أبو موسى الأشعري، وهو ابن عمه1 فقاتلهم ففتح الله على يديه وهزمهم، فيزعمون أن سلمة بن دريد هوالذي رمى أبا عامر الأشعري بسهم، فأصاب ركبته فقتله، فقال: إن تسألوا عني فإني سلمة ... ابن سماد ير لمن توسمه2 أضرب بالسيف رؤوس المسلمة ... وسماد ير أمه 3. قال الألباني: "هكذا ذكره ابن إسحاق بدون إسناد وهو صحيح، ومعناه في البخاري وابن جرير من حديث أبي موسى الأشعري"4. قلت: "والحديث أخرجه أيضا مسلم وغيره وهذا سياقه عند البخاري": 118- حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة5 عن بريد6 ابن عبد الله عن أبي بردة 7 عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: "لما فرغ8 النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة فقتل9 دريد وهزم الله أصحابه، قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر فرمي أبو عامر في ركبته رماه جشمي10 بسهم فأثبته في ركبته، فانتهيت إليه، فقلت: يا عم11 من رماك؟ فأشار   1 قال ابن حجر: كذا قال ابن إسحاق، والأشهر أن أبا عامر عم أبي موسى الأشعري (فتح الباري 8/42 و11/137و141) . 2 توسمه: أي تفرس فيه (لسان العرب 16/123) . 3 سيرة ابن هشام2/454 وانظر حديث رقم (116) والطبري: تاريخ الرسل والملوك3/80 والواقدي: المغازي 3/915 وابن سعد: الطبقات الكبرى: 2/151-152 وابن حزم: جوامع السيرة ص 241، والسهيلي: الروض الأنف 7/178 وابن الأثير: الكامل 2/180 وابن كثير: البداية والنهاية 4/337 و338. وابن حجر فتح الباري 8/42 والديار بكري: تاريخ الخميس 2/107، والزرقاني: شرح المواهب 3/ 24. 4 تخريج أحاديث فقه السيرة للغزالي ص: 425. 5 هو حماد بن أسامة بن زيد القرشي مولاهم أبو أسامة الكوفي. 6 بريد: بالموحدة والراء، ووقع في معاني الآثار 3/224: (يزيد) بالمثناة التحتية والزاي وكذا في الاستيعاب 4/135 مع الإصابة وهو خطأ. 7 قيل: اسمه عامر، وقيل الحارث، وقيل: اسمه كنيته. 8 عند الطبري: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر الخ. 9 تقدم الخلاف في قاتله نحن حديث رقم (97) . 10 جشمي: بضم الجيم وفتح المعجمة، أي رجل من بني جشم. وعند مسلم وأبي يعلى والطبري: "رماه رجل من بني جشم". 11 عند أبي يعلى: "فقلت: يا أبا عامر من رماك؟ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 إلى أبي موسى فقال: ذاك1 قاتلي الذي رماني، فقصدت له2 فلحقته فلما رآني ولى3 فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي، ألا تثبت، فكف4، فاختلفنا5 ضربتين بالسيف فقتلته، ثم قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك، قال: فانزع هذا السهم، فانتزعته فنزا منه6 الماء، قال: يا ابن أخي اقرئ 7 النبي صلى الله عليه وسلم السلام، وقل له استغفر لي، واستخلفني أبو عامر على الناس، فمكث يسيرا ثم مات، فرجعت فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته8 على سرير مرمل9 وعليه فراش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبه،   1 عند مسلم وأبي يعلى والطبري: "إن ذاك قاتلي، تراه ذلك الذي رماني". 2 عند مسلم وأبي يعلى والطبري: "قال أبو موسى: فقصدت له فاعتمدته فلحقته". 3 في المصادر السابقة: فلما رآني ولى عني ذاهبا، فاتبعه "وجعلت أقول له: ألا تستحي؟ ألست عربيا؟ ". 4 عند الطبري: "فكر". 5 وعند مسلم وأبي يعلى والطبري: فالتقيت أنا وهو فاختلفنا أنا وهو ضربتين، فضربته بالسيف فقتلته. 6 نزامنه الماء: هوبالنون والزاي، يقال نزف دمه، ونزِي إذا جرى ولم ينقطع، النهاية 5/43، قال ابن حجر قال المهلب: فيه جواز نزع السهم من البدن وإن كان في غبه الموت، وليس ذلك من الالتقاء إلى التهلكة إذا كان يرجو الانتفاع بذلك، ومثله البط والكي وغير ذلك من الأمور التي يتداوى بها. وقال ابن المنير: "لعل البخاري ترجم (بنزع السهم من البدن) لئلا يتخيل أن الشهيد لا ينزع منه السهم بل يبقى فيه، كما أمر بدفنه بدمائه حتى يبعث كذلك، فبين هذه الترجمة أن هذا مما شرع" إهـ. ثم قال ابن حجر: "والذي قاله ابن المهلب أولى لأن حديث الباب يتعلق بمن أصابه ذلك وهو في الحياة بعد. والذي أبداه ابن المنير يتعلق بنزعه بعد الوفاة" (فتح الباري 6/81) وانظر صحيح البخاري 4/28 كتاب الجهاد، باب "نزع السهم من البدن". 7 وعند مسلم وأبي يعلى والطبري:يا ابن أخي انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك أبو عامر: استغفر لي. 8 في المصادر السابقة "دخلت عليه وهو في بيت". 9 مرمل: براء مهملة ثم ميم مثقلة، أي معمول بالرمال، وهي حبال الحصر التي تظفر بها الأسرة. قال النووي: "قوله (وعليه فراش) كذا وقع في صحيح البخاري ومسلم" فقال القابسي: "الذي أحفظه في غير هذا السند (عليه فراش) قال: وأظن لفظة: (ما) سقطت لبعض الرواة، وتابعه القاضي عياض وغيره على لفظة: (ما) ساقطة وأن الصواب إثباتها، قالوا: وقد جاء في حديث عمر بن الخطاب في تخيير النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه" إهـ. ونقل ابن حجر هذا الاعتراض ثم قال: "هو إنكار عجيب، فلا يلزم من كونه رقد على غير فراش كما في قصة عمر أنّ لا يكون على سريره دائما فراش إهـ. ونقل الزرقاني كلام ابن حجر ثم قال: لكن قال الشامي: يؤيد أبا الحسن – هو القابسي – قول أبي موسى قد أثر رمال السرير بظهره وجنبه"إهـ. ثم قال الزرقاني: "وقد لا يؤيده لرقة الفراش فلا يمنع تأثير الرمال فالحاصل على هذا دفع دعوى الخطأ عن الرواية". (شرح مسلم 5/368، وفتح الباري 8/43 وشرح المواهب 3/26-27) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر، وقال: قل له استغفر لي، فدعا بماء فتوضأ 1 ثم رفع يديه فقال: "اللهم اغفر لعبيد2 أبي عامر ورأيت بياض إبطه، ثم قال: اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من3 الناس، فقلت: ولي فاستغفر، فقال: اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا4 كريما، قال أبو بردة5: إحداهما6 لأبي عامر، والأخرى لأبي موسى7. والحديث أخرجه مسلم والنسائي والطبري وأبو يعلى والطحاوي، والبيهقي وابن عبد البر كلهم من طريق أبي أسامة به8.   1 وعند الواقدي: "فصل ركعتين ثم قال: "اللهم اغفر لأبي عامر واجعله من أعلى أمتي في الجنة! وأمر بتركة أبي عامر فدفعت إلى ابنه، قال: فقال أبو موسى: يا رسول الله إني أعلم أن الله قد غفر لأبي عامر، قتل شهيدا، فادع الله لي، فقال: "اللهم اغفر لأبي موسى واجعله في أعلى أمتي"، فيرون أن ذلك وقع يوم الحكمين (المغازي 3/915) . قال النووي: "فيه استحباب الدعاء واستحباب رفع اليدين فيه، وأن الحديث الذي رواه أنس أنه لم يرفع يديه إلا في ثلاث مواطن، محمول على أنه لم يره، وإلاّ فقد ثبت الرفع في مواطن كثيرة فوق ثلاثين موطنا" شرح مسلم 5/368. وقال ابن حجر: "يستفاد منه استحباب التطهر لإرادة الدعاء، ورفع اليدين في الدعاء خلافا لمن خصه بالاستسقاء" (فتح الباري 8/43) ونقل السهيلي الخلاف في رفع اليدين في الدعاء وذكر حجة كل فريق ثم قال: ولكل شيء وجه، فمن كره، فإنما كره الإفراط في الرفع، كما كره رفع الصوت بالدعاء جدا، قال صلى الله عليه وسلم: "أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا" (الروض الأنف 7/216) . 2 قوله: (لعبيد أبي عامر) قال الزّرقاني: "أبو عامر: بدل من عبيد، جمع بين اسمه وكنيته، وفي نسخ: لعبيدك: بزيادة كاف من تحريف الجهّال فالثابت في البخاري، بدون كاف وهو اسمه كما مر" (شرح المواهب 3/27) قلت: والحديث عند أحمد بلفظ "عبيدك" بإسناد ضعيف، وهو كذلك عند البلاذري وأبي يعلى، انظر ص 260. 3 عند مسلم: "فوق كثير من خلقك أومن النّاس". 4 مدخلا: بضم الميم ويجوز فتحها وكلاهما بمعنى المكان والمصدر (شرح المواهب 3/27) . 5 قال ابن حجر: "هو موصول بالإسناد المذكور" (فتح الباري 8/43) . 6 أي: إحدى الدعوتين. 7 البخاري: الصحيح 5/128 كتاب المغازي، باب غزوة أوطاس، 4/28 كتاب الجهاد، باب نزع السهم من البدن، باختصار و8/69 كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الوضوء، باختصار أيضا. وعلقه مختصرا جدا في 8/61 باب قول الله وصل عليهم، و8/63 باب رفع الأيدي في الدعاء، من كتاب الدعوات. 8 مسلم: الصحيح 4/1943 كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي موسى أبي عامر الأشعريين ـ رضي الله عنهما ـ. والنسائي: السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف للمزي6/439 حديث (9046) . والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/79، وأبو يعلى: المسند 6/672ب رقم 306، والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/224، وابن عبد البر الاستيعاب 4/135 (مع الإصابة) . والبيهقي: السنن الكبرى 6/335، 9/51 و91 ودلائل النبوة 3/46-47. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 وروى الإمام أحمد والبلاذري وأبو يعلى الجميع من طريق الوليد1 ابن مسلم ثنا يحيى2 بن عبد العزيز الأردني عن عبد الله3 بن نعيم القيني قال: حدثني الضحاك4 بن عبد الرحمن بن عزرب الأشعري أن أبا موسى حدثهم قال: لما هزم الله عز وجل هوازن بحنين عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي عامر الأشعري على خيل الطلب فطلبهم فكنت فيمن طلبهم فأسرع به فرسه فأدرك ابن دريد بن الصمة فقتل أبا عامر وأخذ اللواء، وشددت على ابن دريد فقتلته وأخذت اللواء وانصرفت بالناس فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم أحمل اللواء، قال: يا أبا موسى قتل أبو عامر؟. قال: قلت نعم يا رسول الله، قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه يدعو يقول: "اللهم عُبَيْدَك عُبَيْدَ أبا عامر اجعله من الأكثرين يوم القيامة" لفظ أحمد 5. والحديث فيه يحيى بن عبد العزيز الأردني، وقد قال فيه ابن حجر: مقبول، وعبد الله بن نعيم قال فيه: لين الحديث، وقد عرفت أن الذي ضعف عبد الله هو ابن معين، وقد فسر قوله بأنه ليس بمشهور، والطعن فيهما إنما هو لعدم شهرتهما ومثل هذين ونحوهما يرتفع حديثهم بالمتابعة ويشهد لهذا الحديث حديث الصحيحين. 119 - وروى ابن سعد والروياني من طريق حماد بن سلمة عن عاصم6 بن بهدلة عن أبي7 وائل عن أبي موسى الأشعري أن النبيصلى الله عليه وسلم قال: "اللهم اجعل عبيدا أبا عامر فوق أكثر الناس يوم القيامة"، فقتل يوم أوطاس فقتل أبو موسى قاتله.   1 الوليد بن مسلم القرشي مولاهم، أبو العباس الدمشقي، ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية من الثامنة /ع (التقريب 2/336، تهذيب التهذيب 11/151-155) . 2 يحيى بن عبد العزيز "مقبول" تقدمت ترجمته في حديث (68) . 3 عبد الله بن نعيم لين الحديث تقدمت ترجمته في حديث (68) . 4 الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب ثقة تقدم في حديث (68) وفي الاستيعاب 4/135 مع الإصابة (الضحاك بن عبد الله بن عريب) وهو خطأ (انظر التقريب 1/372-373) . 5 أحمد: المسند 4/399 والبلاذري: أنساب الأشراف ص 366 وأبو يعلى: المسند 6/662-663 ب- أرقم 306 وانظر حديث (68) . 6 عاصم بن بهدلة – بمفتوحة وسكون هاء وإهمال دال مفتوحة – وهو ابن أبي النجود - بنون وجيم -، الأسدي - مولاهم الكوفي، أبو بكر المقرئ، صدوق له أوهام، حجة في القراءة وحديثه في الصحيحين مقرون من السادسة (ت 128) / ع، (التقريب 1/383 وتهذيب التهذيب 5/38) . وساق الذهبي ترجمته ثم قال: هو حسن الحديث، وقال أحمد وأبو زرعة: ثقة (ميزان الاعتدال 2/357) . 7 هو شقيق بن سلمة الأسدي: أبو وائل الكوفي، ثقة مخضرم، (ت في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مائة سنة) / ع (التقريب 1/354، وتهذيب التهذيب 4/361) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 قال أبو وائل: "إني لأرجو أن لا يجتمع أبو موسى وقاتل عبيد في النار"1. والحديث حسن لذاته وأصله في الصحيح. وبهذا نكون قد انتهينا من هذه السرية التي خاضها الجيش الإسلامي بقيادة أبي عامر الأشعري رضي الله عنه وقد قتل شهيدا فيها، وقد حصل خلاف في قاتله، ففي صحيح البخاري أنه رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته، وعند مسلم: "رماه رجل من بني جشم بسهم"، وقال ابن حجر: "واختلف في اسم هذا الجشمي فقال ابن إسحاق: زعموا أن سلمة ابن دريد بن الصمة هو الذي رمى أبا عامر بسهم فأصاب ركبته فقتله، وأخذ الراية أبو موسى الأشعري فقاتلهم ففتح الله عليه". وقال ابن هشام: حدثني من أثق به أن الذي رمى أبا عامر أخوان من بني جشم وهما أوفى2 والعلاء ابنا الحارث، فأصاب أحدهما قلبه والآخر ركبته، وقتلهما أبو موسى الأشعري وعند ابن عائذ3 والطبراني4 في "الأوسط" من وجه آخر عن أبي موسى الأشعري بإسناد حسن "لما هزم الله المشركين يوم حنين بعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخيل الطلب أبا عامر الأشعري وأنا معه فقتل ابن دريد أبا عامر، فعدلت إليه فقتلته، وأخذت اللواء" الحديث. فهذا يؤيد ما ذكره ابن إسحاق5. إهـ. كلام ابن حجر. قلت: "ونحوه عند أحمد والبلاذري وأبي يعلى من طريق الوليد بن مسلم كما تقدم"6. وساق ابن عبد البر حديث الوليد بن مسلم المشار إليه ثم قال: وقد قيل إن أبا   1 ابن سعد: الطبقات الكبرى 4/115 والروياني مسند الصحابة 1/112أرقم 575. 2 قال ابن حجر: وفي نسخة "وافى" بدل "أوفى". 3 هو محمد بن عائذ: بتحتانية وإعجام ذال - الدمشقي، أبو أحمد صاحب المغازي، صدوق، رمي بالقدر، من العاشرة (ت233) / د س (التقريب 2/173 وتهذيب التهذيب 9/241-242 وميزان الاعتدال 3/589) . 4 هو الحافظ الإمام العلامة الحجة بقية الحفاظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب ابن مطير اللخمي الشامي الطبراني، مسند الدنيا وصاحب المعاجم الثلاثة. (260-360-هـ) (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/912-917) . 5 فتح الباري 8/42-43 أي من أن قاتل أبي عامر هو ابن دريد. 6 ص (260) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 عامر قتل يومئذ تسعة مبارزة وأن العاشر ضربه فأثبته فحمل وبه رمق ثم قاتلهم أبو موسى فقتل قاتله، ورواية الوليد بن مسلم عندي أثبت. وقد قيل أيضا في هذا الخبر أن دريد بن الصمة قتل أبا عامر وقتله أبو موسى الأشعري وذلك غلط وإنما كان ابن دريد، لا دريد، فقد ذكرنا قاتل دريد يوم حنين في غير هذا الموضع1. إهـ. وقد قال ابن حجر: "ذكر ابن إسحاق أن الذي قتله أبو موسى الأشعري هو سلمة بن دريد بن الصمة وهذا أشبه فإن دريد بن الصمة، إذا ذاك لم يكن ممن قاتل لكبر سنه"2. وأثر هشام الذي أشار إليه ابن حجر3 هذا نصه: 120- قال ابن هشام: وحدثني من أثق به من أهل العلم بالشعر وحديثه أن أبا عامر الأشعري لقي يوم أوطاس عشرة أخوة من المشركين، فحمل عليه أحدهم، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول: اللهم اشهد عليه، فقتله أبو عامر، ثم حمل عليه آخر، فحمل عليه أبو عامر، وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول: "اللهم أشهد عليه" فقتله أبو عامر، ثم جعلوا يحملون عليه رجلا رجلا، ويحمل أبو عامر وهو يقول ذلك، حتى قتل تسعة4 وبقي العاشر، فحمل على أبي عامر، وحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول: "اللهم أشهد عليه"، فقال الرجل: "اللهم لا تشهد علي"، فكف عنه أبو عامر، فأفلت، ثم أسلم بعد فحسن إسلامه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه قال: "هذا شريد أبي عامر"، ورمى أبا عامر أخوان: العلاء وأوفى ابنا الحارث، وبني جشم بن معاوية فأصاب أحدهما قلبه والآخر ركبته   1 ابن عبد البر: الاستيعاب2/507-508 و4/135-136مع الإصابة وابن الأثير: أسد الغابة 6/187. 2 الإصابة 1/507. 3 انظر ص (261) . 4 وعند ابن سعد: "فقتل أبو عامر منهم تسعة مبارزة ثم برز له العاشرة معلما بعمامة صفراء فضرب أبا عامر فقتله، واستخلف أبا عامر أبا موسى الأشعري فقاتلهم حتى فتح الله عليه وقتل قاتل أبي عامر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر لأبي عامر واجعله من أعلى أمتي في الجنة"، ودعا لأبي موسى أيضا. (الطبقات الكبرى 2/151-152 ومغازي الواقدي 3/914-915) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 فقتلاه، وولي الناس1 أبو موسى الأشعري فحمل عليهما فقتلهما، فقال رجل من بني جشم بن معاوية يرثيهما: إن الرزية قتل العلاء ... وأوفى جميعا ولم يسندا 2 هما القاتلان أبا عامر ... وقد كان ذا هبة 3 أربدا4 هما تركاه لدى معرك ... كأن على عطفه مجسدا 5 فلم تر في الناس مثليهما ... أقل عثارا وأرمى يدا 6 وقد نسب ابن حجر لابن إسحاق نحو هذا. فقال: ذكر ابن إسحاق في المغازي أن أبا عامر لقي يوم أوطاس عشرة من المشركين أخوة فقتلهم واحدا بعد واحد، حتى كان العاشر فحمل عليه وهو يدعوه إلى الإسلام وهو يقول: "اللهم اشهد عليه", فقال الرجل: "اللهم لا تشهد علي", فكف عنه أبو عامر ظنا منه أنه أسلم فقتله العاشر, ثم أسلم بعد فحسن إسلامه, فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسميه شريد7 أبي عامر8. ثم عقب ابن حجر على هذا فقال: "وهذا يخالف الحديث الصحيح في أن أبا موسى قتل قاتل أبى عامر, وما في الصحيح أولى بالقبول, ولعل الذي ذكره ابن إسحاق شارك في قتله"9.   1 قوله: "وولي الناس أبو موسى الأشعري" أي: أقروا ولايته على استخلافه عمه, كما في الصحيح أن أبا عامر استخلف أبا موسى, انظر ص 258 والزرقاني: شرح المواهب 3/25. 2 لم يسندا: أي لم يدركا وبهما رمق فينسدا إلى ما يمسكهما. 3 ذاهبة: يعني سيفا ذاهبة, وهبة السيف: اهتزازة. 4 أربدا: الأربد: الذي فيه ربد, أي طرائق من جوهر. 5 المعرك: موضع الحرب، والمجسد: الثوب المسبوغ بالجساد. وهو الزعفران. (القاموس المحيط 1/138 و293 و303 و3/313) . 6 سيرة ابن هشام 2/457 والروض الأ نف للسهيلي، 7/181 وقد نسب ابن كثير هذا لابن إسحاق، وهو خلاف ما في سيرة ابن هشام والروض الأنف (انظر البداية والنهاية 4/338) . 7 شريد: بالراء، وفي فتح الباري (شهيد) قال الزرقاني: وقع في خط الحافظ ابن حجر بالهاء بدل (الراء) وهو سبق قلم، فالذي في سيرة ابن إسحاق التي هو ناقل عنها (بالراء) وهو الوجيه، وبالهاء لا وجه له (شرح المواهب 3/25) . 8 وعلى هذا يكون لابن إسحاق في قاتل أبي عامر قولان: الأول أنه سلمة بن دريد وقد قتله أبو موسى، والثاني: أنه عاشر الإخوة، وقد أسلم بعد وحسن إسلامه. 9 فتح الباري 8/43 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 قال الزرقاني: "وما ذكره ابن حجر عن ابن إسحاق انتقده الشامي1 وقال: بأن هذا ليس في رواية البكائي2، وإنما زاده ابن هشام عن بعض من يثق به، ولم يذكر أن العاشر قتل أبا عامر أصلاً بل قال رماه أخوان، والحافظ قلد القطب3 الحلبي دون مراجعة السيرة". قال الزرقاني: "وفيه أن اتفاق مثل هذين الحافظين4 على نقله لا يتجه رده بما قال فإن رواة سيرة ابن هشام متعددون فهو قطعاً في رواية يونس الشيباني وإبراهيم بن سعد أو غيرهما عنه"5. إهـ. وبعد ذكر أقوال علماء المغازي والسير في قاتل أبي عامر، وهل أسلم أولم يسلم؛ لا يخلو الأمر من إشكال وتعارض؛ لأن بعض الروايات تقول: القاتل أخوان، وبعضها تذكر أن القاتل عاشر الإخوة الذين هاجموا أبا عامر، وبعضها - كما في الصحيح - تقول: إنه جشمي أو رجل من بني جشم، والذي ينبغي اعتماده في القاتل أنه هذا الجشمي الثابت ذكره في الصحيح، وقد ذكر اسمه في كتب السيرة أنه سلمة بن دريد، وهو جشمي. والصحيح أن القاتل لم يسلم، لأن أبا موسى قد قتله كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث، ولا شك أنّ ترجيح وتقديم ما ثبت في الصحاح وغيرها من كتب الحديث على ما تذكره كتب السير والتاريخ هو المنهج الأقوم، خاصة، إذا كان ما في الصحاح نصاً في محل النزاع كما هنا، فلا يعارض بأقوال محذوفة الأسانيد في كتب السيرة، وبذلك يزول الإشكال ونخلص من تلك الانتقادات والمناقشات التي أثارها الشامي والزرقاني وغيرهما. والله أعلم.   1 هو محمد بن يوسف الصالحي (ت: 942) له كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد. (انظر معجم المؤلفين لكحالة 10/63) . 2 هو: زياد بن عبد الله بن الطفيل العامري، البكائي – بفتح الموحدة وتشديد الكاف، أبو محمد الكوفي، صدوق، ثبت في المغازي وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين، من الثامنة ولم يثبت أن وكيعا كذبه، وله في البخاري موضع واحد متابعة (ت 183) خ م ت ق (التقريب 1/268 وتهذيب التهذيب 3/375) . 3 القطب الحلبي: هو عبد الكريم بن عبد النور بن منبر الحلبي، الحافظ المتقن المقرئ أبوعلي الحلبي ثم المصري، مفتي الديار المصرية، صنف وخرج وأفاد وشرح أكثر صحيح البخاري في عدة مجلدات ولد سنة 664 وتوفي سنة 735) (أبو المحاسن الدمشقي ذيل تذكرة الحفاظ ص 13-15) . 4 هما القطب الحلبي وابن حجر. 5 شرح المواهب 3/25 و26 و27 وانظر: الديار بكري: تاريخ الخميس 2/107 و108. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 المبحث الثالث: موقف الشيماء وبجاد كان بجاد رجلا من بني سعد من هوازن قد أحدث حدثا عظيما، وذلك أنه أتاه رجل مسلم، فأخذه بجاد فقطعه عضوا عضوا، ثم حرقه بالنار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين: إن قدرتم على بجاد فلا يفلتنكم فظفر به المسلمون فساقوه وأهله، وساقوا معه الشيماء أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، وحاضنته وعنفوا عليها في السير، فقالت لهم: "إني أخت صاحبكم من الرضاعة، فلم يصدقوها، ولما وصلوا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عرفته بنفسها وأنها أخته من الرضاعة فأكرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسن مقامها". وإليك ما ذكره ابن إسحاق وغيره في هذا الصدد. 121- قال ابن إسحاق: حدثني بعض1 بني سعد بن بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ إن قدرتم على بجاد2، رجل من بني سعد بن بكر فلا يفلتنكم، وكان قد أحدث حدثا3، فلما ظفر به المسلمون ساقوه وأهله وساقوا معه الشيماء4 بنت الحارث بن عبد العزى أخت النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة5، فعنفوا عليها في   1 يحتمل أن يكون هذا البعض هو أبو وجزة يزيد بن عبيد السعدي. كما في ص 266 وترجع الاسنادان إلى سند واحد. 2 بجاد – بمكسورة، وخفة جيم. 3 عند الواقدي: وكان قد عرف جرمه فهرب، فأخذته الخيل فضموه إلى الشيماء وكانت الشيماء في السبي الذي أصابته سرية أبي عامر الأشعري. (انظر شرح المواهب اللدنية 3/25) . 4 الشيماء: بفتح المعجمة وسكون التحتية، ويقال فيها: الشماء بلا ياء، وهو لقب غلب على اسمها فلا تعرف في قومها إلا به. واختلف في اسمها: فجزم ابن سعد وابن قتيبة بان اسمها: جدامة – بالجيم المضمومة والدال المهملة، والميم: وجزم ابن عبد البر: بأن اسمها: حذافة – بالحاء المهملة المضمومة، والذال المعجمة المفتوحة فألف ففاء، وصوبه الخشني وذكر السهيلي في ذلك وجهين: الأول ما ذكره ابن عبد البر، والثاني خذامة – بكسر الخاء وبالذال المعجمتين، والميم. (انظر: ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/110 وابن قتيبة: المعارف ص 58) ، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/157، وابن عبد البر: الاستيعاب4/277 و344 مع الإصابة، والسهيلي: الروض الأنف 2/145 و162 وابن الأثير: أسد الغابة 7/63 و166، وابن كثير: البداية والنهاية 2/273 و4/364، وابن حجر: الإصابة 4/272 و344، والزرقاني: شرح المواهب 1/146 و2/25-26. 5 من جهة أنه عليه السلام رضع أمها حليمة السعدية بلبن أخيها بن الحارث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 السياق، فقالت للمسلمين تعلموا1 والله أني لأخت لصاحبكم من الرضاعة، فلم يصدقوها2، حتى أتوا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 3. ومن هذه الطريق أخرجه الطبري4. والحديث معضل لأن ابن إسحاق من صغار التابعين، وهم الذين رأوا الواحد والاثنين من الصحابة ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة5 وعلى هذا فرواية ابن إسحاق عن التابعين فيكون الحديث معضلا. ثم ساق ابن إسحاق حديثا آخر فقال: 122- حدثني يزيد6 بن عبيد السعدي قال: فلما انتهى7 بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: "يا رسول الله إني أختك من الرضاعة، قال: وما علامة ذلك؟ قالت: عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك8، قال: فعرف رسول الله العلامة، فبسط لها رداءه، فأجلسها عليه، وخيرها وقال: إن أحببت فعندي محببة مكرمة، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فعلت، فقالت: بل تمتعني وتردني إلى قومي، فمتعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وردها إلى قومها، فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما له يقال له مكحول9 وجارية فزوجت أحدهما الأخرى فلم   1 تعلموا: فعل جامد من أخوات ظن بمعنى اعلموا. شرح ابن عقيل 1/420. 2 عند الواقدي: وأخذها طائفة من الأنصار، وكانوا أشد الناس على هوازن. 3 سيرة ابن هشام 2/458، والسهيلي: الروض الأنف 7/182 والكلاعي: الاكتفاء 2/337. 4 تاريخ الرسل والملوك3/80وانظر: مغازي الواقدي3/913وابن كثير: البداية والنهاية 4/363،والدياربكري: تاريخ الخميس2/108والزرقاني: شرح المواهب3/25-26. 5 ابن حجر: التقريب 1/5. 6 يزيد بن عبيد أبووجزة - بفتح الواو وسكون الجيم بعدها زاي- السعدي المدني الشاعر، ثقة من الخامسة (ت130) /دس. (التقريب 2/368، تهذيب التهذيب 11/349) . 7 أي بالشيماء. 8 متوركتك: حاملتك على وركي، والورك: ما فوق الفخذ ابن الأثير: النهاية5/176. 9 قال ابن حجر: "مكحول مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكره ابن إسحاق في السيرة وقال: وهب النبي صلى الله عليه وسلم لأخته الشيماء - يعني من الرضاعة - غلاما يقال له مكحول، وجارية فزوجت الغلام للجارية، فلم يزل فيهم من نسلهم بقية والله أعلم" (الإصابة 3/456) . وقال ابن الأثير: "مكحول مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أورده جعفر في الصحابة، فروى بإسناده عن سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبي وجزة يزيد بن عبيد السعدي ثم أورد هذا الحديث" (أسد الغابة 5/257) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 يزل فيهم من نسلهما بقية1. ومن هذه الطريق أخرجه الطبري2. 123- ورواه البيهقي من حديث الحكم3 بن عبد الملك عن قتادة قال: "لما كان يوم فتح هوازن جاءت جارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أنا أختك أنا الشيماء بنت الحارث، فقال لها: "إن تكوني صادقة فإن بك مني أثرا لا يبلى". قال: فكشفت عن عضدها فقالت: نعم يا رسول الله (حملتك) 4 وأنت صغير فعضضتني هذه العضة، قال: "فبسط لها رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه، ثم قال: "سلي تعطي واشفعي تشفعي" 5. الخلاصة: أن هذا الحديث ورد من ثلاث طرق معضلة: الأولى: والثانية: عند ابن إسحاق، وفي الأولى قال ابن إسحاق: حدثني بعض بني سعد، وهذا البعض من التابعين لأن ابن إسحاق من صغار التابعين على رأي ابن حجر وقد ثبتت رؤيته لأنس بن مالك، والجهالة الموجودة في هذا السند تغتفر عند أهل العلم بهذا الشأن خاصة إذا كان المراد بهذا البعض جماعة6. والطريق الثالثة: عند البيهقي وفيها الحكم بن عبد الملك، ضعفه العلماء7. وهذه الآثار كلها ضعيفة ونحن في صدد قصة تاريخية فيكتفي فيها بمثل هذه الآثار، وقد أطبق العلماء الذين ألفوا في الصحابة وغيرهم على ذكر الشيماء في الصحابة   1 سيرة ابن هشام 2/458، والسهيلي: الروض الأنف 7/183. 2 تاريخ الرسل الملوك 3/81 وانظر: البلاذري: أنساب الأشراف ص 93 وابن حزم: جوامع السيرة ص 245 وابن الأثير: الكامل 2/180 والواقدي: المغازي 3/913 وابن كثير: البداية والنهاية 4/363، والديار بكري: تاريخ الخميس 2/108 والزرقاني: شرح المواهب 3/26. 3 الحكم بن عبد الملك القرشي البصري، نزيل الكوفة، ضعيف من السابعة / ب خ ت س ق هكذا في التقريب 1/191 وفي تهذيب التهذيب 2/431 علم له / ب خ ت ص ق. وكذا في الخلاصة للخزرجي 1/245 وفي ميزان الاعتدال 1/576 ت ق وكذا في الكاشف 1/183 والظاهر أنه أخرج له (ت ق) فقط. وقد ذكره المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي 2/47 في رجال جامع الترمذي. 4 هذه الجملة سقطت من البداية والنهاية لابن كثير وهي ثابتة في الدلائل للبيهقي الذي هو ناقل عنها. 5 دلائل النبوة للبيهقي 3/56 وانظر البداية والنهاية 4/64. 6 انظر: دفاع عن الحديث النبوي والسيرة للألباني ص 81. 7 وخاصة في قتادة انظر كتاب المجروحين لابن حبان 1/248-249. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 وعلى أنها قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجعرانة فرحب بها وأكرمها1. وقد وردت أحاديث أخر تدل على أن أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخاه من الرضاعة جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مقيم بالجعرانة فبسط لهم ثوبه وأجلسهم عليه، وأن أمه سألته من سبايا حنين فأعطاها نصيبه ولما رأى الناس ذلك أعطوها أنصباءهم، وفيما يلي سياق ما ورد من الآثار: 124- ما أخرجه الطبري قال: حدثنا بشر2 قال: ثنا يزيد3 قال: ثنا سعيد عن قتادة قال: "ذكر لنا أن أم4 رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته أو ظئره من بني سعد بن بكر أتته فسألته سبايا يوم حنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لا أملكهم وإنما لي منهم نصيبي، ولكن ائتيني غدا فسليني والناس عندي، فإني إذا أعطيتك نصيبي أعطاك الناس"، فجاءت الغد فبسط لها ثوبا، فقعدت عليه، ثم سألته، فأعطاها نصيبه، فلما رأى ذلك الناس أعطوها أنصباءهم 5. 125- قال ابن عبد البر: روى زيد 6 بن أسلم عن عطاء 7 بن يسار قال: "جاءت حليمة بنت عبد الله أم النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقام إليها وبسط لها رداء فجلست عليه" 8.   1 انظر الشفا للقاضي عياض1/128 وشرحه مزيل الخفاء: عن ألفاظ الشفاء لأحمد بن محمد الشمني 1/128، وانظر المصادر المتقدمة في ترجمة الشيماء تحت حديث (121) . 2 بشر: هو ابن معاذ العقدي، صدوق. وسعيد: هو ابن أبي عروبة اليشكري، ثقة حافظ. وقتادة: هو ابن دعامة ثقة ثبت تقدمت تراجمهم في حديث (48) . 3 يزيد: هو ابن زريع، ثقة ثبت تقدم في حديث (1) . 4 هي حليمة السعدية. 5 جامع البيان 10/101. 6 زيد بن أسلم العدوي مولى عمر بن الخطاب، أبو عبد الله أو أبو أسامة، المدني، ثقة عالم، وكان يرسل، من الثالثة (ت136) /ع (التقريب 1/272، تهذيب التهذيب3/395) . 7 عطاء بن يسار الهلالي أبو محمد المدني، مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ثقة فاضل، صاحب مواعظ وعبادة، من صغار الثالثة، (ت 94، وقيل بعد ذلك) /ع (التقريب 2/23 وتهذيب التهذيب 7/217) . 8 الاستيعاب4/270مع الإصابة، وانظر الحديث أيضا عند ابن حجر: الإصابة4/274 والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 1/141 وشمس الحق العظيم آبادي: عون المعبود 14/53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 126- ما رواه البخاري في الأدب المفرد وأبوداود وغيرهما من حديث أبي الطفيل1 وهذا سياق أبي داود قال: حدثنا ابن المثنى2، أخبرنا أبوعاصم3، أخبرنا جعفر4 بن يحيى بن عمارة بن ثوبان أنبأنا5 عمارة6 بن ثوبان أن أبا الطفيل أخبره قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لحما بالجعرانة، قال أبو الطفيل: "وأنا يومئذ غلام أحمل عظم الجزور7 إذ أقبلت امرأة8 حتى دنت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبسط9 لها رداءه فجلست عليه، فقلت10: من هي؟ فقالوا11: هذه أمه التي أرضعته12". والحديث قال في عون المعبود: "سكت عنه المنذري"13إهـ.   1 هو عامر بن واثلة. 2 محمد بن المثنى بن عبيد، العنزي - بفتح النون والزاي - أبو موسى البصري المعروف بالزمن، مشهور بكنيته وباسمه، ثقة ثبت من العاشرة (ت252/ع (التقريب 2/204 وتهذيب التهذيب 9/425-427) . 3 أبو عاصم هو: الضحاك بن مخلد ثقة ثبت تقدم في حديث (45) . 4 جعفر بن يحيى بن ثوبان وقيل جعفر بن يحيى بن عمارة بن ثوبان، حجازي مقبول من الثامنة، (التقريب 1/133) وفي تهذيب التهذيب 3/109 قال: روى عن عمه عمارة بن ثوبان وعنه أبو عاصم النبيل، وعبيد بن عقيل الهلالي. قال ابن المدني: "مجهول ما روى عنه غير أبي عاصم". ثم قال ابن حجر: قلت: "وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن القطان الفاسي مجهول الحال". وقد حصل في التقريب الطبعة المصرية والهندية وتهذيب التهذيب (علامة) النسائي بدل (ابن ماجه) وهوخطأ. والصواب أنه أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبوداود وابن ماجه انظر تهذيب الكمال للمزي 2/104، والكاشف 1/187 وميزان الاعتدال 1/420،والمغني في الضعفاء 1/135 كلها للذهبي، والخلاصة للخزرجي 1/171، وانظر حديثه عند ابن ماجه في سننه 1/636 كتاب النكاح، باب حسن معاشرة النساء. 5 كذا وقع عند أبي داود والبخاري وأبي يعلى (أنبأنا عمارة بن ثوبان) قال المزي: في الأطراتف 4/235 حديث 5053 ورواه مسلم الكجي عن أبي عاصم قال: أخبرنا جعفر بن ثوبان أخبرني عمي عمارة بن ثوبان وهوالمحفوظ (يعني أن عمارة عم جعفر) وحديث أبي مسلم الكجي عند الطبراني والبيهقي انظر ص 270. 6 عمارة بن ثوبان، حجازي، مستور، من الخامسة / ب خ د ق (التقريب 2/49 وتهذيب التهذيب 7/412) . 7 عند البخاري وأبي يعلى والطبراني والبيهقي "عضو بعير". 8 عند أبي يعلى: "فأقبلت امرأة بدوية فلما دنت من النبي صلى الله عليه وسلم بسط لها رداءه". 9 قوله: فبسط لها رداءه: قال صاحب عون المعبود: أي تعظيما لها وانبساطا بها، فقلت من هي: أي تعجبا من إكرامه إياها وقبولها القعود على ردائه المبارك (عون المعبود 14/53) . 10 عند أبي يعلى: فسألت من هذه. 11 عند البخاري: قيل هذه أمه. 12 أبو داود: السنن 2/630 كتاب الأدب، باب في بر الوالدين. 13 14/54. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وأخرجه البخاري في الأدب المفرد فقال: حدثنا أبو عاصم عن جعفر بن يحيى بن ثوبان به1. وأخرجه أبو يعلى فقال: حدثنا عمرو2 بن الضحاك بن مخلد ثنا جعفر بن يحيى بن ثوبان به"3. وأخرجه الطبراني والبيهقي كلاهما من طريق أبي مسلم4 الكجي قال ثنا أبوعاصم قال: أخبرنا جعفر بن يحيى قال: أخبرني عمي عمارة بن ثوبان به5. وأخرجه الحاكم من طريق أبي عاصم أنبأنا جعفر بن يحيى به. وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"6. وأورده ابن كثير ثم قال: "هذا حديث غريب". ولعله يريد أخته7 وقد كانت تحضنه مع أمها حليمة السعدية، وإن كان محفوظا فقد عمرت حليمة دهرا، فإن من وقت أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وقت   1 الأدب المفرد: ص 440 باب حسن العهد. 2 عمرو بن الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني ولد أبي عاصم النبيل، البصري، ثقة، كان على قضاء الشام، من الحادية عشرة، (ت242) / ق (التقريب 2/72 وتهذيب التهذيب 8/55) . ووقع في التقريب: والد أبي عاصم وهو خطأ، والظاهر أن شيخ عمرو بن الضحاك قد سقط من السند وأنه أبو عاصم، فإن عمراً يروي عن أبيه وأن هذا الحديث بجميع طرقه عن أبي عاصم عن جعفر بن يحيى، ولم أجد في ترجمة عمرو أنه يروي عن جعفر، وكذا لم أجد في ترجمة جعفر أن من تلاميذه عمرو بن الضحاك. 3 مسند أبي يعلى 1/107 رقم 301. 4 أبو مسلم الكجي هو: إبراهيم بن عبد الله، ثقة تقدمت ترجمته في حديث (89) وقع في البداية والنهاية لابن كثير 4/364 ثنا مسلم وهو خطأ والصواب "ثنا أبو مسلم". 5 انظر المزي: تهذيب الكمال 6/501 فقد ساق الحديث في ترجمة عمارة بن ثوبان، بسنده إلى الطبراني. والبيهقي: دلائل النبوة 3/56 وانظر: الشفا للقاضي عياض 1/128، وأسد الغابة لابن الأثير 7/68 والسيرة النبوية للذهبي ص 21، والإصابة لابن حجر 4/274. 6 المستدرك 4/164،3/618. 7 قلت: وقد سبق إلى هذا القول الحافظ الدمياطي فقد ذكر حديث بسط الرداء، ثم قال: هذه أخته الشيماء لا أمها حليمة. (انظر: الشمني: مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء 1/128 مع الشفاء وسيأتي الجواب عن هذا في نهاية هذا المبحث. وتردد ابن قيم في ذلك فقال: واختلف في إسلام أبويه من الرضاعة فالله أعلم (زاد المعاد 1/83) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 الجعرانة أزيد من ستين سنة، وأقل ما كان عمرها حين أرضعته صلى الله عليه وسلم ثلاثين سنة، ثم الله أعلم بما عاشت بعد ذلك. 127- وقد ورد حديث مرسل فيه أن أبويه من الرضاعة قدما عليه والله أعلم بصحته قال أبو داود في المراسيل: ثنا أحمد1 بن سعيد الهمداني، ثنا ابن2 وهب ثنا عمرو3 بن الحارث أن عمر4 بن السائب حدثه أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما فجاءه أبوه5 من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أمه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه، ثم أقبل أخوه 6 من الرضاعة فقام له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه بين يديه" 7. قلت: "والحديث أيضا عند أبي داود في السنن"8. قال صاحب عون المعبود: قال المنذري: "هذا معضل؛ لأن عمر بن السائب يروي عن التابعين"9. وخلاصة القول في هذا أنه قد وردت أربعة أحاديث تصرح بقدوم أم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة إلى الجعرانة، وهي كالتالي: الأول: حديث الطبري وهو مرسل حسن الإسناد10.   1 أحمد بن سعيد بن بشر الهمداني، أبوجعفر المصري، صدوق من الحادية عشرة (ت253) / د (التقريب 1/15 وتهذيب التهذيب 1/31) . 2 هو عبد الله بن وهب. 3 عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري، مولاهم، المصري، أو أيوب، ثقة فقيه حافظ، من السابعة، (ت قبل الخمسين ومائة) /ع (التقريب 2/67 وتهذيب التهذيب 8/14) وقع في تهذيب التهذيب 8/15 عند ذكر تلامذته منهم "عبد الله ابن أبي وهب" وهو خطأ والصواب: عبد الله ابن وهب) . 4 عمر بن السائب بن أبي راشد المصري، مولى بني زهرة، أبو عمر صدوق فقيه، من السادسة (ت 134) التقريب 2/55 وتهذيب التهذيب 7/450 ووقع في تهذيب التهذيب: توفي سنة أربع وثلاثين ومائتين وهو خطأ. 5 أبوه هو الحارث بن عبد العزى. 6 هو عبد الله بن الحارث بن عبد العزى، (انظر سيرة ابن هشام 1/161 وابن الأثير: أسد الغابة 1/404 والطبقات الكبرى لابن سعد 1/111 وابن حجر الإصابة 1/282-283 و3/88) وابن كثير: البداية والنهاية 2/273 وانظر عون المعبود 14/54. 7 ابن كثير: البداية والنهاية 4/364 والسهيلي: الروض الأنف 2/145. 8 2/630 كتاب الأدب، باب بر الوالدين، انظر: الشفا للقاضي عياض 1/128. 9 14/54. 10 تقدم برقم (124) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 الثاني: حديث زيد بن أسلم وهو مرسل صحيح الإسناد1. الثالث: حديث أبي الطفيل 2 وفيه ما يأتي: أ- جعفر بن يحيى بن ثوبان، سكت عنه البخاري 3. وقال ابن أبي حاتم: "روى عن عمه عمارة وعطاء وعبد الله بن عبيد وعنه: أبو عاصم وعبيد بن عقيل، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلاً"4. وقال ابن حجر: في التقريب "مقبول"5. وفي تهذيب التهذيب: "وثقه ابن حبان"، وقال ابن المديني: "مجهول ما روى عنه غير أبي عاصم"، وقال ابن القطان الفاسي: "مجهول الحال"6. ب- عمارة بن ثوبان: سكت عنه البخاري7، وكذا ابن أبي حاتم8. وقال المزي: "روى عن أبي الطفيل وعطاء بن أبي رباح وموسى بن باذان وعنه ابن أخيه جعفر بن يحيى بن ثوبان، ذكره ابن حبان في كتاب الثقات"9. ونقل ابن حجر هذا في تهذيب التهذيب، وزاد: قال ابن المديني: "عمارة بن ثوبان لم يروعنه غير جعفر بن يحيى". وقال عبد الحق10: "ليس بالقوي". وقال ابن القطان الفاسي: "مجهول الحال"11.   1 تقدم برقم (125) . 2 تقدم برقم (126) . 3 التاريخ الكبير2/202. 4 الجرح والتعديل 2/492. 5 1/133. 6 2/109 وانظر ميزان الاعتدال 1/420. 7 التاريخ الكبير 6/503. 8 الجرح والتعديل 6/363. 9 تهذيب الكمال 6/501. 10 عبد الحق بن عبد الرحمن الحافظ العلامة الحجة أبو محمد الأزدي الأشبيلي، ويعرف أيضاً بابن (الخراط) قال أبو عبد الله الأبار: كان فقيها حافظا عالما بالحديث وعلله عارفاً بالرجال موصوفا بالخير والصلاح والزهد والورع ولزوم السنة، من تصانيفه الكثيرة: (الجمع بين الصحيحين) وكتاب (المعتل من الحديث) (ت 581 تذكرة الحفاظ للذهبي 4/1350-1352) . 11 تهذيب التهذيب 7/412. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 وفي التقريب قال عنه: "مستور"1. وقال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال والمغني في الضعفاء: "تفرد عنه ابن أخيه جعفر بن يحيى لكنه وثق". وفي الكاشف قال: "وثق وفيه جهالة"2. والحديث صححه الحاكم كما تقدم3 وصحح حديثا آخر أيضا من طريق جعفر بن يحيى بن ثوبان عن عمه عمارة بن ثوبان ووافقه الذهبي4. وتعقب الألباني الحاكم في تصحيحه والذهبي في موافقته فقال: "هذا غريب من الذهبي، فإنه قال عن عمارة في الضعفاء تابعي صغير مجهول"5إهـ. وعلى هذا فقد اختلف قول الذهبي في عمارة. ومثل عمارة هذا يتقوى بالمتابعة. الرابع: حديث عمر بن السائب، وهومعضل كما قال المنذري6 وفيه زيادة ذكر أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخيه من الرضاعة وهذه الأحاديث تدل بمجموعها على أن لهذه القصة أصلا، وقد عد العلماء حليمة السعدية وزوجها وابنها في الصحابة، فقال ابن عبد البر: حليمة السعدية هي التي أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكملت رضاعه ورأت له برهانا وعلماً جليلاً تركنا ذكره لشهرته. ثم أورد حديث زيد بن أسلم المتقدم7. ثم قال: "روت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنها عبد الله8 بن جعفر"9.   2/49.1 2 ميزان الاعتدال 3/173 والمغني في الضعفاء 2/460، والكاشف 2/310. 3 انظر ص (270) . 4المستدرك4/173من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خيركم، خيركم للنساء. 5 الألباني: سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الأول تحت حديث (285) . 6 انظر حديث (128) . 7 تقدم برقم (125) 8 عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي أحد الأجواد، ولد بأرض الحبشة وله صحبة (ت 80) /ع (التقريب 1/406 وتهذيب التهذيب 5/170) . 9 الاستيعاب 4/270 مع (الإصابة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 ونقل ابن حجر قول ابن عبد البر هذا ثم قال: "حديث عبد الله بن جعفر بقصة إرضاعها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرجه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه"1، وصرح فيه بالتحديث بين عبد الله وحليمة2. ونقل الزرقاني قول ابن حجر ثم قال: وقول ابن كثير لم تدرك البعثة رده الحافظ ابن حجر، بأن عبد الله بن جعفر حدث عنها عند أبي يعلى والطبراني وابن حبان وهو إنما ولد بعد البعثة. وزعم الدمياطي3 وأبو حيان4 النحوي أنها لم تسلم مردود، فقد ألف مغلطاي5 فيها جزء حافلا سماه التحفة الجسيمة في إثبات إسلام حليمة وارتضاه علماء عصره، فأما أبو حيان فليس من فرسان هذا الميدان يذهب إلى زيده وعمره، وأما الدمياطي فحسبنا في الرد عليه قوله: وقد وهل غير واحد فذكروها في الصحابة لأنهم مثبتون لذلك، فمن أين له الحكم عليهم، وقد ذكرها في الصحابة ابن أبي   1 الحديث عند أبي يعلى في مسنده 1/128 وابن حبان في صحيحه كما في موارد الظمآن ص 512 وليس فيه التصريح بالتحديث كما قال ابن حجر رحمه الله، ولذا فقد قال الألباني: "وهم الحافظ ابن حجر في هذا فإن هذا التحديث لا أصل له عند ابن حبان ولا عند غيره ممن ذكرنا. وقد وصف الحديث بالاضطراب أيضا" (دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ص 39) وانظر: الحديث عند أبي نعيم في دلائل النبوة ص 111 والبيهقي: في دلائل النبوة أيضا 1/108 وابن هشام: السيرة النبوية 1/162 والسهيلي: الروض الأنف 2/145 والطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/158، والذهبي: السيرة النبوية 19-21 وقال: "هذا حديث جيد الإسناد"، وابن كثير: البداية والنهاية2/273-275 وقال: هذا الحديث قد روي من طرق أخر وهو من الأحاديث المشهورة المتداولة بين أهل السير والمغازي. والحديث يدور على ابن إسحاق رحمه الله وقد صرح بالتحديث في بعض الطرق. 2 الإصابة 4/274. 3 الدمياطي: الحافظ الإمام العلامة الحجة الفقيه، النسابة، شيخ المحدثين، شرف الدين، أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي الشافعي صاحب التصانيف (613-705هـ) (الذهبي: تذكرة الحفاظ 4/1477-1479، ابن كثير: البداية والنهاية14/40والشوكاني البدر الطالع1/403وكحالة: معجم المؤلفين6/197. 4 هو محمد بن يوسف بن علي الغرناطي أوحيان الأندلسي الإمام الكبير في العربية والتفسير وغيرهما من الفنون (654-745هـ) (الشوكاني: البدر الطالع 2/288-291) . 5 مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكجري، الحنفي التركي علاء الدين صاحب التصانيف (690-762هـ) من تصانيفه الكثيرة، ذيل على "تهذيب الكمال" للمزي، وله شرح على صحيح البخاري في نحو عشرين مجلدا وغير ذلك (ابن حجر: لسان الميزان:6 /72 والشوكاني: البدر الطالع 2/312 وكحالة: معجم المؤلفين 12/313 ولحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ لابن فهد ص 133. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 خيثمة1 في تاريخه وابن عبد البر وابن الجوزي2 في "الحداء" والمنذري في مختصر سنن أبي داود وابن حجر في الإصابة وغيرهم، وحسبك بهم حجة3، ثم قال: وما وقع عند الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل الشيماء عن أبويها فأخبرته أنهما ماتا لا يصح، فقد روى أبو داود وأبو يعلى وغيرهما عن أبي الطفيل أنه صلى الله عليه وسلم كان بالجعرانة يقسم لحما فأقبلت امرأة بدوية فلما دنت منه بسط لها رداءه فجلست عليه فقلت: من هذه قالوا: أمه التي أرضعته. وذكر ابن إسحاق: "أن زوجها الحارث عاش بعده عليه السلام، ثم قال: والواقدي لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف" إهـ. قلت: "وحديث إسلام الحارث أورده السهيلي في رواية يونس بن بكير عن ابن إسحاق وهذا سياقه": قال: "وذكر ابن إسحاق الحارث بن عبد العزى أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، ولم يذكر له إسلاما ولا ذكره كثير ممن ألف في الصحابة". 128- وقد ذكره يونس بن بكير في روايته، فقال: حدثنا ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق4 بن يسار عن رجال من بني سعد ابن بكر، قالوا: قدم الحارث بن عبد العزى أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة حين أنزل عليه القرآن، فقالت له قريش: ألا تسمع يا حار5 ما يقول ابنك هذا؟ فقال: وما يقول؟ قالوا: "يزعم أن الله يبعث بعد الموت، وأن لله دارين يعذب فيهما من عصاه   1 أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب الحافظ الحجة الإمام أبو بكر النسائي البغدادي صاحب التاريخ الكبير (185-279هـ) (الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/162 والذهبي: تذكرة الحفاظ 2/596 وكحالة: معجم المؤلفين 1/227) . 2 هو عبد الرحمن بن علي بن محمد جمال الدين أبو الفرج، المعروف بابن الجوزي الإمام العلامة الحافظ عالم العراق وواعظ الآفاق، صاحب التصانيف في فنون العلم، منها زاد المسير في علم التفسير، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم (510-597هـ) (الذهبي تذكرة الحفاظ 4/1342) وابن كثير البداية والنهاية 13/28 وكحالة: معجم المؤلفين 5/157. 3 الزرقاني: شرح المواهب 1/141 و3/26 وانظر: مغازي الواقدي 2/269، 3/913، ومجمع الزوائد للهيثمي 8/220-221. 4 تقدم في حديث (89) . 5 ترخيم: حارث (شرح قطر الندى لابن هشام ص 214) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 ويكرم فيهما من أطاعه، فقد شتت أمرنا، وفرق جماعتنا، فأتاه فقال: أي بني مالك ولقومك يشكونك، ويزعمون أنك تقول: إن الناس يبعثون بعد الموت ثم يصيرون إلى جنة ونار؟ ". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم أنا أزعم ذلك، ولو قد كان ذلك اليوم يا أبت، لقد أخذت بيدك، حتى أعرفك حديثك اليوم"، فأسلم الحارث بعد ذلك، وحسن إسلامه، وكان يقول حين أسلم: "لو قد أخذ ابني بيدي، فعرفني ما قال، لم يرسلني إن شاء الله حتى يدخلني الجنة" 1. وأورده ابن حجر في ترجمة الحارث ثم قال: "عند ابن سعد حديث آخر مرسل صحيح الإسناد أن هذه القصة وقعت لولد الحارث". 129- فأخرج من طريق يحيى2 بن أبي كثير عن إسحاق3 بن عبد الله قال: "كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخ من الرضاعة فقال للنبي صلى الله عليه وسلم يعني بعد النبوة أترى أنه يكون بعث؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أما والذي نفسي بيده لآخذن بيدك يوم القيامة ولأعرفنك". قال: "فلما آمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس فيبكي ويقول: "أنا أرجو أن يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي يوم القيامة". ثم قال ابن حجر: "ويحتمل أن يكون ذلك وقع للأب والابن، وقد سماه بعضهم عبد الله، وذكره في الصحابة، وكذا سماه ابن سعد لما ذكر أسماء أولاد حليمة"4. ثم أورد حديث عمر بن السائب في قدوم أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخيه إلى   1 السهيلي: الروض الأنف 2/160-161. 2 يحيى بن أبي كثير الطائي، مولاهم، أو نصر اليمامي، ثقة ثبت، لكنه يدلس ويرسل، من الخامسة، (ت 132) وقيل قبل ذلك/ ع (التقريب 2/356 وتهذيب التهذيب 11/ 268 وقد ذكره ابن حجر: في المرتبة الثانية من مراتب طبقات المدلسين، وهي: من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة (طبقات المدلسين ص7، و25) . 3 إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري ثقة حجة، تقدم في حديث (47) . 4 انظر طبقات الكبرى: لابن سعد 1/110. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 الجعرانة ثم قال: وذكر ابن إسحاق أنه بلغه أن الحارث إنما أسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فالله أعلم1. 130- وروى ابن إسحاق قال: حدثني عمرو2 بن شعيب عن أبيه 3 عن جده عبد الله4 أن وفد هوازن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا فقالوا: يا رسول الله إنا أصل وعشيرة" الحديث. وفيه "إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك" الحديث5. وإسناد حسن6. وفي شعر زهير بن صرد أحد وفد هوازن قال: أمنن على نسوة قد كنت ترضعها إذ فوك تملأه من محضها درر7 وفي هذا الشعر التصريح بنسوة منهن من كانت مرضعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث الذي قبله ذكر قرابات الرسول صلى الله عليه وسلم من الرضاع والتصريح بحواضنه اللاتي كفلنه، ويستأنس بهذا الأثر مع ما قبله من الآثار السابقة الواردة في هذا الصدد أن أم الرسول صلى الله عليه وسلم قدمت عليه الجعرانة، والآثار السابقة وإن كانت لا تخلو من مقال لكنها يعمل بها في مثل هذه المسألة التاريخية. إذ لا يوجد معتمد فيها إلا هذه الآثار وليس لها معارض يدفعها.   1 ابن حجر: الإصابة1/282-283و3/88والزرقاني: شرح المواهب اللدنية1/142 و143. 2 عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمروبن العاص، صدوق من الخامسة (ت 118) / ز ع (التقريب 2/72 وتهذيب التهذيب 8/48) . 3 شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، صدوق، ثبت سماعه من جده عبد الله ابن عمرو، من الثالثة/ب خ ز ع (التقريب1/353 وتهذيب التهذيب 4/356، وفي التقريب الطبعة المصرية، قال: عن (شعيب) ،بأنه من الثامنة، وهو خطأ، وسقطت علامة من أخرج له من تهذيب التهذيب. وهي ثابتة في التقريب والخلاصة للخزرجي. 4 عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي أبو محمد، وقيل أبو عبد الرحمن أحد السابقين المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة الفقهاء، مات في ذي الحجة، ليال الحرة على الأصح، بالطائف على الراجح/ ع (التقريب 1/436 وتهذيب التهذيب 5/337) . 5 سيرة ابن هشام 2/488-489. 6 قال الألباني: وهو المتقرر في إسناد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الأول حديث (62) . 7 انظر حديث (210) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 الفصل الثاني: في غزوة الطائف المبحث الأول: حصار الطائف ... المبحث الأول: حصار الطائف لثقيف مواقف عدائية ضد المسلمين منذ ظهور الإسلام، ومن أبرزها موقفهم الآثم من رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إليهم يدعوهم إلى الله عز وجل ويطلب منهم نجدته حتى يؤدي رسالة ربه، فردوه ردا قبيحا وأغروا سفهاءهم وصبيانهم بمطاردة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورميه بالأحجار حتى أدموا قدميه1 ومن تلك المواقف تكتل ثقيف مع قريش في صلح الحديبية2، ونصرهم لها على المسلمين ولما دانت قريش بالإسلام بفتح مكة المكرمة ثارت ثائرة هوازن فأخذت في حشد قواتها للزحف على المسلمين، فكانت ثقيف أول من لبى دعوتها وانحاز إلى جانبها، فخرجت الأحلاف من ثقيف بقيادة قارب بن الأسود الثقفي، وخرجت بنو مالك بقيادة ذي الخمار سبيع بن الحارث وأخيه أحمر بن الحارث، ووقفت مع هوازن كتلة واحدة في وجه المسلمين.   1 انظر سيرة ابن هشام 1/419 والبداية والنهاية 3/135. 2 تقدم بيان ذلك في حديث (5) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 ولما اندحر الفريقان الهوازني والثقفي في موقعة حنين أمام جحافل المسلمين، انسحبوا من ساحة المعركة، فعسكر بعضهم بأوطاس، وبعضهم بنخلة1، وتوجه بعض منهم نحو الطائف ومعه مالك بن عوف النصرى، فدخلوا حصن الطائف وتحصنوا به. ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين أمر بالغنائم فحبست في الجعرانة، ثم قرر صلى الله عليه وسلم السير بنفسه إلى الطائف2. وأمر خالد بن الوليد أن يسير على مقدمته3. وكان ذلك في شهر شوال من السنة الثامنة، كما بوب البخاري بقوله: باب غزوة الطائف في شوال سنة ثمان، قاله موسى بن عقبة4. قال ابن حجر: كذا ذكره موسى بن عقبة في مغازيه، وهو قول جمهور أهل المغازي. وقيل: بل وصل إليها في أول ذي القعدة5. 131- وأخرجه البيهقي عن عروة بن الزبير وموسى بن عقبة عن ابن شهاب فقال: أخبرنا أبو الحسين6 بن الفضل القطان قال ثنا عبد الله7 بن جعفر قال: ثنا   1 تقدم بيان ذلك في حديث (116) . 2 سيرة ابن هشام 2/478، والروض الأنف 7/231، البداية والنهاية 4/345و347 وزاد المعاد 3/472 وفتح الباري 8/33و35. 3 طبقات ابن سعد 2/158، زاد المعاد 3/496. 4 كتاب المغازي 5/128. 5 فتح الباري 8/44 وانظر طبقات ابن سعد 2/158وزاد المعاد 3/495، شرح المواهب 3/29. 6 هو محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان أبو الحسين الأزرق، قال الخطيب: كتبنا عنه وكان ثقة (335-415هـ) (تاريخ بغداد 2/249 وموارد الخطيب للعمري ص 468. 7 عبد الله بن درستويه الفارسي النحوي، أبو محمد صاحب يعقوب بن سفيان الفسوي وراوية كتبه عنه، وقد رد الخطيب على الذين ضعفوه ونقل عن الحسن بن عثمان الشيرازي أنه قال: ابن درستويه: ثقة ثقة، تاريخ بغداد 9/429 وانظر ميزان الاعتدال2/401،ولسان الميزان3/267ومقدمة تاريخ الفسوي للعمري1/20-22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 يعقوب1 بن سفيان قال ثنا عثمان2 بن صالح عن ابن لهيعة3 قال ثنا أبو الأسود4 عن عروة 5. ح - قال6: وثنا يعقوب قال ثنا إبراهيم7 بن المنذر قال ثنا محمد ابن فليح8 عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: "وقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وحاصر الطائف في شوال سنة ثمان" 9. 132- وقال ابن إسحاق: ولما قدم فل10 ثقيف الطائف أغلقوا عليهم أبواب مدينتها، وصنعوا الصنائع للقتال، ولم يشهد حنينا ولا حصار الطائف عروة11 بن   1 يعقوب بن سفيان الفارسي، أبو يوسف الفسوي، ثقة حافظ، من الحادية عشرة (ت277) وقيل بعد ذلك، /ت س (التقريب2/375 وتهذيب التهذيب11/385، وتذكرة الحفاظ 2/582 وسير أعلام النبلاء 13/180 كلاهما للذهبي وتهذيب الكمال: للمزي: 8/775 والخلاصة للخزرجي 3/181 ومقدمة تاريخ الفسوي لمحققّه أكرم العمري 1/13 وقد علم لمن أخرج له التقريب الطبعة المصرية. بعلامة (ابن ماجه) بدل (الترمذي) وهو خطأ والصواب أنه أخرج له الترمذي والنسائي دون (ابن ماجه) وانظر: مقدمة تحفة الأحوذي للمباركفوري 2/131. 2 عثمان بن صالح بن صفوان السهمي مولاهم، أبو يحيى البصري، صدوق من كبار العاشرة (ت 219) /خ س ق (التقريب 25/10 وتهذيب التهذيب 7/122 وميزان الاعتدال للذهبي 3/39) . 3 هو عبد الله بن لهيعة أبو عبد الرحمن المصري، صدوق، تقدمت ترجمته في حديث (64) . 4 هو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي ثقة تقدم في حديث (64) . 5 عروة بن الزبير ثقة فقيه مشهور تقدم في حديث (9) . 6 فاعل قال هو عبد الله بن جعفر درستويه، ويعقوب هو الفسوي. 7 إبراهيم بن المنذر بن عبد الله الأسدي، الحزامي، صدوق، تكلم فيه أحمد بن حنبل لأجل القرآن، من العاشرة (ت236) /خ ت س ق (التقريب1/43 وتهذيب التهذيب 1/166) . وفي ميزان الاعتدال 1/67 رمز له الذهبي (بصح) إشارة إلى أنه ثقة وقال عنه: حافظ من الشيوخ الأئمة وثقه ابن معين، وكتب عنه وهو من أقرانه وفي تذكرة الحفاظ2/470قال عنه: الإمام المحدث الثقة. وفي سير أعلام النبلاء10/689 قال عنه: الإمام الحافظ الثقة. وعلى هذا فإن قول ابن حجر فيه: (صدوق) فيه نظر. 8 محمد بن فليح بن سليمان الأسلمي، أو الخزاعي، صدوق يهم، التاسعة، (ت 197) / خ س ق (التقريب 2/201 وتهذيب التهذيب 9/404 وفي هدي الساري ص 441-442 قال ابن حجر روى له البخاري نسخة توبع على أكثرها، وله نسخة أخرى فيها ثمانية أحاديث توبع عليها أيضا. 9 دلائل النبوة للبيهقي: 3/47 ب، البداية والنهاية لابن كثير 4/345. 10 قوم فل: منهزمون: جمعها فلول وأفلال. (القاموس المحيط للفيروز آبادي 4/32 والمعجم الوسيط 2/701و70211 انظر حديث (214) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 مسعود ولا غيلان1 بن سلمة كانا بجرش2 يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق والضبور3، ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من حنين4، فقال كعب بن مالك حين أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى الطائف: قضينا من تهامة كل ريب وخيبر ثم أجمعنا السيوفا تخيرها ولونطقت لقالت قواطعهن: دوسا أوثقيفا 5 قال ابن إسحاق: "فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على نخلة اليمانية6 ثم على قرن7،   1 غيلان بن سلمة بن معتب بن مالك الثقفي، أسلم بعد فتح الطائف كان أحد وجوه ثقيف، وكان تحته عشرة نسوة في الجاهلية، فلما أسلم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعا ويفارق سائرهن، (أسد الغابة لابن الأثير 4/343) ووقع في سيرة ابن هشام2/478 (غيدن) بدل (غيلان) وهو خطأ وانظر الروض الأنف7/770-771. 2 جرش: كزفر من مخاليف اليمن من جهة مكة، منه الأديم والإبل، (معجم البلدان 2/126 والقاموس المحيط 2/365) . وقال حمد الجاسر: "جرش: المدينة المعروفة قديما، وقد خربت الآن، ولا تزال أطلالها قائمة في أعلى وادي بيشة" (التعليق على كتاب المناسك للحربي ص 285) . 3 الدبابة: مشددة آلة تتخذ للحروب فتدفع في أصل الحصن فينقبون وهم في جوفها. والضبور: جمع ضبر: جلود تغشى خشبا فيها رجال تقرب إلى لحصون للقتال. والمجانيق: جمع منجنيق. آلة ترمى بها الحجارة، كالمنجنوق معريقة. (القاموس المحيط 1/65، و2/74، 3/218، والروض الأنف 7/266-267) . وقال محمود شيت خطاب: "يتألف المنجنيق بصورة عامة من عامود طويل قوي موضوع على عربة ذات عجلتين في رأسها حلقة أو بكرة يمر بها حبل متين، في طرفه الأعلى شبكة في هيئة كيس، توضع حجارة أو مواد محترقة في الشبكة، ثم تحرك بواسطة العامود والحبل، فيندفع ما وضع في الشبكة من القذائف ويسقط على الأسوار، فيقتل أو يحرق ما يسقط عليه". وأما الدبابة: فعبارة عن آلة من الخشب الثخين المغلف بالجلود أو اللبود تركب على عجلات مستديرة، فهي عبارة عن قلعة متحركة يستطيع المشاة الاحتماء بها من نبال الأعداء (الرسول القائد ص 25 وانظر صورتها ص 298. 4 في معجم البلدان 3/465 (خيبر) وهو خطأ. 5 هذه من جملة أبيات قالها كعب بن مالك الخزرجي وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وكان من شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم (أسد الغابة 2/487-488) . 6 تقدم تعريف بها في حديث (116) . 7 قرن: بفتح القاف وسكون الراء المراد به هنا قرن المنازل يعرف الآن بالسيل الكبير، يبعد عن مكة ثمانين كيلا، وعن الطائف (53) كيلا، وهو من مواقيت الحج المكانية، ويقال له أيضا قرن الثعالب، يحرم منه أهل الطائف وأهل نجد - نجد اليمن - ونجد الحجاز، وأهل الكويت، وهذه الطريق هي طريق مكة القديمة إلى الطائف، فأعلاها وادي حنين ثم نخلة اليمانية، وهي معروفة بأسفلها قرية (الزيمة) وبأعلاها (البوباة) (البهيتا) حاليا (انظر معجم البلدان لياقوت 4/332) . والتعليق على كتاب المناسك للحربي للمحقق حمد الجاسر ص 353 والمجاز بين اليمامة والحجاز لابن خميس ص 268. ومعجم المعالم الجغرافية لعاتق البلادي ص 254. وتيسير العلام لعبد الله بن عبد الرحمن آل بسام 1/501. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 ثم على المليح1 ثم على بحرة2 الرغاء من لية3 فابتني بها مسجدا فصلى فيه. 133- قال ابن إسحاق: فحدثني عمرو بن شعيب: أنه أقاد يومئذ ببحرة الرغاء حين نزلها بدم، وهو أول دم أقيد به في الإسلام، رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل، فقتله به، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بلية بحصن مالك بن عوف فهدم4، ثم سلك في طريق يقال لها الضيقة5، فلما توجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن اسمها، فقال: "ما اسم هذه الطريق؟ فقيل له الضيقة، فقال: بل هي اليسرى6 ثم خرج علىنخب7 حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة قريب من مال رجل من ثقيف، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن تخرج وإما أن نخرب عليك حائطك، فأبى أن   1 المليح: تصغير ملح: واد بالطائف مر به النبي صلى الله عليه وسلم عند انصرافه من حنين إلى الطائف. وهو واد يصب في وادي قرن إذا تجاوز السيل الكبير، يصب فيه من ضفتيه اليمنى من الشرق، ما زال معروفا، يسكنه قوم من خزاعة وأعلاه يسمى السيل الصغير، شمال الطائف على (30) كيلا (معجم البلدان لياقوت 5/196 ومعجم المعالم الجغرافية لعاتق البلادي 254. 2 بحرة الرغاء - بفتح الباء على الصواب، وهي معروفة اليوم بطرف ليّة من الجنوب على (15) كيلا جنوب الطائف (معجم البلدان لياقوت 1/346 ومعجم المعالم الجغرافية لعاتق البلادي ص 254) . 3 ليّة: بتشديد الياء وكسر اللام من نواحي الطائف، مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرافه من حنين يريد الطائف وأمر وهو بليّة بهدم حصن مالك بن عوف (معجم البلدان 5/30) وفي المجاز بين اليمامة والحجاز ص 266: ليّة من أودية الطائف ينحدر من قمة جبال السروات، مشهور ببساتينه النضرة وحدائقه المثمرة ومناظره البهيجة، يلتقي بوادي نخب ويكونان واديا واحدا، سكانه بنونصر وثقيف وعتيبة وعدوان وهويسيل من السراة ويمر جنوب الطائف على (15) كيلا (معجم المعالم الجغرافية ص 274) . 4 وعند موسى بن عقبة: وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف إلى الطائف أمر بقصر مالك بن عوف فحرق، وأقاد بها رجلا من رجل قتله فيقال: "إنه أوّل قتيل أقيد في الإسلام" (دلائل النبوة للبيهقي 3/47 ب) . 5 الضيقة: بالفتح والسكون والقاف: طريق بين الطائف وحنين. (معجم البلدان 3/465) . 6 فيه استحباب التفاؤل وفسره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه الكلمة الصالحة كما ورد عند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا طيرة وخيرها الفأل، قالوا: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم" (البخاري 7/117 كتاب الطب، باب الفأل، مسلم 4/1745 كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون من الشؤم. وعند ابن ماجه من حديث أبي هريرة كان النبي صلى الله عليه وسلم: "يعجبه الفأل الحسن ويكره الطيرة" (سنن ابن ماجه 2/1170 كتاب الطب، باب من كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة. وعرف الطيرة المنهي عنها بأنها هي التي ترد المسلم عن حاجته، لحديث عبد الله بن عمرو عند أحمد 2/220 من ردته الطيرة عن حاجة فقد أشرك. 7 نَخِبَ- بالفتح ثم الكسرة ثم الموحدة، يقال: بفتحتين: واد من أودية الطائف مر به النبي صلى الله عليه وسلم من طريق يقال لها الضيقة ثم خرج منها على نخب، وهو يمر جنوب الطائف على قرابة خمسة أكيال، ثم يصب في لِيّة من ضفتها اليسرى، وأهله اليوم وقدان من عتيبة (انظر معجم البلدان لياقوت: 5/275-276 والمجاز بين اليمامة والحجاز لابن خميس ص 265-266 ومعجم المعالم الجغرافية لعاتق البلادي ص 316. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 يخرج، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجه، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريبا من الطائف فضرب به عسكره فقتل به ناس من أصحابه بالنبل، وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف، فكانت النبل تنالهم، ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطهم أغلقوه دونهم، فلما أصيب أولئك النفر من أصحابه بالنبل، وضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم فحاصرهم بضعا1 وعشرين ليلة2، ومعه امرأتان من نسائه، إحداهما أم سلمة3 بنت أبي أمية، فضرب لهما قبتين، ما أقام، فلما أسلمت ثقيف بنى على مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو4 بن أمية بن وهب بن معتب بن مالك مسجدا، وكانت في ذلك المسجد سارية - فيما يزعمون - لا تطلع الشمس عليها يوما من الدهر إلا سمع لها نقيض فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتلهم قتالا شديدا وتراموا بالنبل، حتى إذا كان يوم الشدخة5 عند جدار الطائف، دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الدبابة ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف6 ليخرقوه، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار، فخرجوا من تحتها، فرمتهم ثقيف بالنبل، فقتلوا منهم رجالا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب ثقيف، فوقع الناس فيها يقطعون"7. والحديث مرسل لأن عمروبن شعيب لم يدرك هذه القصة. وأخرجه الطبري من هذه الطريق8.   1 البضع: بالكسر وقد يفتح: مابين الثلاث إلى تسع (النهاية 1/133) . 2 قوله:"فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة" قال الزرقاني: "هذه رواية زياد البكائي عن ابن إسحاق، وفي رواية يونس بن بكير فقال: حدثني عبد الله بن أبي بكر وعبد الله ابن المكرم عمن أدركوا من العلماء أنه حاصرهم ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك" (شرح المواهب3/31) قلت: وقد روى البيهقي من طريق يونس بن بكير (بضعا وعشرين ليلة) . 3 والثانية: زينب بنت جحش، انظر مغازي الواقدي 3/926. 4 انظر ترجمة في الإصابة 2/524 و4/11. 5 في لسان العرب 3/505: الشدخ كسر الشيء الأجوف كالرأس ونحوه. 6 وعند الواقدي: "ودخل المسلمون تحت الدبابة وهي من جلود البقر وذلك يوم يقال له الشدخة، قيل: وما الشدخة؟ قال: ما قتل من المسلمين". (مغازي الواقدي 3/927-928) . 7 سيرة ابن هشام 2/478-483 والروض الأنف 7/231-234. 8 تاريخ الرسل والملوك 3/81و83. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 وأخرج البيهقي نحوه عن ابن إسحاق ولم يذكر عمروبن شعيب، هذا سياقه: أخبرنا أبوعبد الله1 الحافظ قال ثنا أبو العباس2 محمد بن يعقوب قال ثنا أحمد3 بن عبد الجبار قال ثنا يونس4 بن بكير عن ابن إسحاق5 قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبايا والأموال فحبست بالجعرانة، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريباً من الطائف فضرب به عسكره، فقتل أناس من أصحابه بالنبل وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف فكانت النبل تنالهم ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطهم، فلما أصيب أولئك النفر ارتفع فوضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم، فحاصرهم بضعاً وعشرين ليلة، ومعه امرأتان من نسائه إحداهما أم سلمة بنت أبي أمية فلما أسلمت ثقيف بنى على مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن وهب مسجدا وكان في ذلك المسجد سارية لا تطلع عليها الشمس يوما من الدهر فيما يذكرون إلا سمع لها نقيض 6. والحديث يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر الطائف بضعا وعشرين ليلة، وقد روى البيهقي أيضا عن ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر الطائف ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك وهذا سياقه: 134- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال ثنا أحمد بن عبد الجبار قال ثنا يونس عن إسحاق قال ثنا عبد الله بن أبي بكر بن حزم وعبد الله بن المكرم عمن أدركوا من أهل العلم قالوا: "حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريباً من ذلك ثم انصرفوا عنهم ولم يؤذن فيهم فقدم المدينة فجاءه وفدهم في رمضان فأسلموا" 7. والحديث مرسل وهو حسن الإسناد.   1 هو الحاكم صاحب كتاب المستدرك على الصحيحين. 2 أبو العباس هو: المعروف بالأصم. تقدمت ترجمته في حديث (23) . 3 هو العطاردي: تقدمت ترجمته في حديث (23) . 4 نقدمت ترجمته في حديث (23) . 5 تقدمت ترجمته في حديث (1) . 6 دلائل النبوة 3/48. 7 المصدر السابق 3/48 ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وعند أبي داود من مرسل يحيى بن أبي كثير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف شهرا وهذا سياقه: 135- عن أبي صالح1 عن أبي إسحاق2 الفزاري عن الأوزاعي3 عن يحيى4 بن أبي كثير قال: "حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا، قال الأوزاعي فقلت ليحيى: أبلغك أنه رماهم بالمجانيق؟ فأنكر ذلك، وقال: ما يعرف هذا". قال البيهقي: "كذا قال يحيى أنه لم يبلغه، وزعم غيره أنه بلغه"5. والحديث مرسل وهو حسن الإسناد، وهو يدل كسابقه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر الطائف شهرا. وهذا لا يستقيم مع اتفاق العلماء على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من الطائف اعتمر من الجعرانة في ذي القعدة، ومع ما جاء عند البخاري من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي، وإما المال، وقد كنت استأنيت6 بكم"، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف" الحديث7. إذا علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى هوازن في شهر شوال ووصل إلى حنين في اليوم العاشر منه ثم دارت معركة حنين بما فيها من تفاصيل وأعقب ذلك سرية أوطاس ثم بعد ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأموال والسبايا فحبست بالجعرانة ثم توجه إلى الطائف، فإذا فرضنا أن غزوة حنين بما فيها سرية أوطاوس دامت عشرة أيام، مع   1 محبوب بن موسى، أو صالح الأنطاكي الفراء، صدوق من العاشرة لم يصح أن البخاري أخرج له، (ت 231) وله ثمانون سنة /د س. (التقريب 2/231 وتهذيب التهذيب 10/52-54) . 2 هو إبراهيم بن محمد بن الحارث، ثقة حافظ، له تصانيف، من الثامنة (185) /ع (المصدر السابق 1/41و1/151) . 3 هو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي الفقيه، ثقة جليل من السابعة / ع (المصدر السابق 1/493و6/238) . 4 يحيى بن أبي كثير الطائي ثقة ثبت لكن يدلس ويرسل، تقدم في حديث (129) . 5 البيهقي: السنن الكبرى 9/84. وانظر كتاب المراسيل لأبي داود ص 37. 6 استانيت بكم: أي أخرت قسم السبي لتحضروا فأبطأتم (فتح الباري: 8/34) . 7 تقدم برقم (108) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين في اليوم العاشر من شوال، فيبقى عشرة أيام من شهر شوال، فإذا كان حصار الطائف شهرا فيكون قد أخذ عشرين يوما من ذي القعدة، ويكون قد بقى عشرة أيام من ذي القعدة فلا تكفي لرجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة وانتظاره هوازن بضع عشرة ليلة ثم بعد ذلك إحرامه بالعمرة وعوده إلى الجعرانة كل هذا في ذي القعدة ثم خروجه إلى المدينة وقد وصلها لست ليال بقيت من ذي القعدة في قول ابن حزم وابن هشام1. ومثل هذا ما أخرجه مسلم وأحمد من حديث السميط عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى الطائف فحاصرهم أربعين يوما. وهذا سياقه عند مسلم: قال: حدثنا عبيد الله2 بن معاذ وحامد3 بن عمر ومحمد بن عبد الأعلى. قال ابن معاذ: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه4 قال: حدثني السميط عن أنس بن مالك قال: افتتحنا مكة ثم إنا غزونا حنينا فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت. فصفت الخيل ثم صفت المقاتلة" الحديث وفيه "قال فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم "يال5 المهاجرين! يال المهاجرين" ثم قال: "يال الأنصار! يال الأنصار" قال: قال أنس: هذا الحديث عمية6.   1 ابن حزم: جوامع السيرة ص 248 وابن هشام: السيرة النبوية 2/500 وابن كثير: البداية والنهاية 4/368 والزرقاني: شرح المواهب: 3/42 والسهيلي الروض الأنف 7/255. 2 عبيد الله هو: ابن نصر العنبري أو عمرو البصري. 3 حامد بن عمر بضم أوله كذا هو في تهذيب التهذيب 2/169 والخلاصة للخزرجي 1/189 والتاريخ الكبير للبخاري 3/125. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/300 ووقع في التقريب الطبعة المصرية 1/146 (عمرو) بفتح أوله وهو خطأ. 4 هو سليمان بن طرخان التيمي، أبو المعتمر البصري. 5 قوله: "يال المهاجرين! يال المهاجرين! " ثم قال: "يال الأنصار يال الأنصار! " قال النووي: "هكذا في جميع النسخ في المواضع الأربعة (يال) بلام مفصولة مفتوحة، والمعروف وصلها بلام التعريف التي بعدها" (شرح النووي على مسلم 3/102) . قال محمد فؤاد عبد الباقي: "وهي لام الجر، إلا أنها تفتح في المستغاث به، فرقا بينها وبين مستغاث له، فيقال يالزيد لعمرو، بفتح الأولى وكسر في الثانية" (التعليق على صحيح مسلم 2/337. (انظر شرح قطر الندى لابن هشام ص 218) . 6 قوله: "هذا حديث عمية": قال النووي: "هذه اللفظة ضبطوها في صحيح مسلم على أوجه: أحدها: (عمية) بكسر العين والميم وتشديد الميم والياء. قال القاضي: "كذا روينا هذا الحرف عن عامة شيوخنا، وفسر بالشدة". والثاني: (عمية) كذلك إلا أنه بضم العين. والثالث: (عمية) بفتح العين وكسر الميم المشددة، وتخفيف الياء وبعدها هاء السكت، أي حدثني عمي، قال القاضي: على هذا الوجه معناه عندي: جماعتي أي: هذا حديثهم، قال صاحب العين (العم) الجماعة قال القاضي: وهذا أشبه بالحديث. الرابع: كذلك إلا أنه بتشديد الياء وهو الذي ذكره الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين، وفسره بعمومتي أي: هذا حديث فصل أعمامي أو هذا الحديث الذي حدثني به أعمامي كأنه حدث بأوّل الحديث عن مشاهدة، ثم لعله لم يضبط هذا الموضوع لتفرق الناس فحدثه به من شهده من أعمامه أو جماعته الذين شهدوه ولهذا قال بعده: قال قلنا لبيك يا رسول الله. والله أعلم" (شرح النووي على صحيح مسلم 3/102) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 قال: قلنا: لبيك يا رسول الله! قال: فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فأيم الله! ما أتيناهم حتى هزمهم الله". قال: فقبضنا ذلك المال ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة. ثم رجعنا إلى مكة فنزلنا قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الرجل المائة من الإبل. ثم ذكر باقي الحديث، كنحو حديث قتادة1، وأبي التياح2، وهشام3 بن زيد4. 136- وأخرج ابن سعد من مرسل مكحول5: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوما"6. وقد وهم العلماء السميط في هذا الحديث في موضعين: الأول: قوله: (قد بلغنا ستة آلاف) قال القاضي عياض: هذا وهم من الراوي عن أنس، والصحيح ما جاء في الرواية الأولى: عشرة آلاف ومعه الطلقاء، لأن المشهور في كتب المغازي أن المسلمين كانوا يومئذ اثني عشر ألفا: عشرة آلاف شهدوا الفتح، وألفان من أهل مكة ومن انضاف إليهم.   1 هو ابن دعامة السدوسي. 2 أبو التياح - بفتح أوله وتشديد التحتانية، وآخره مهملة- هو: يزيد بن حميد الضبعي- بضم المعجمة وفتح الموحدة. 3 هشام بن زيد بن أنس بن مالك الأنصاري. 4 تقدم تخريجه برقم (46) . 5 مكحول هو أبو عبد الله الشامي، ثقة فقيه، كثير الإرسال، مشهور، من الخامسة (ت بضع عشرة ومائة) / م عم (التقريب 2/273 وتهذيب التهذيب 10/289) . 6 الطبقات الكبرى 2/159 ووقع في شرح المواهب 3/31 رواه ابن مسعود وهو خطأ والصواب ابن سعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 الثاني: قوله: "فحاصرنا الطائف أربعين ليلة". قال ابن كثير بعد إيراده لهذا الحديث عند أحمد: "وهكذا رواه مسلم من حديث معتمر بن سليمان وفيه من الغريب قوله: أنهم كانوا يوم هوازن ستة آلاف، وإنما كانوا اثني عشر ألفا. وقوله: إنهم حاصروا الطائف أربعين ليلة، وإنما حاصروها قريبا من شهر ودون1 العشرين ليلة فالله أعلم". ا. هـ 2. والحديث في الصحيحين من طريق هشام بن زيد عن أنس بن مالك فقال فيه: "وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عشرة آلاف ومعه الطلقاء"3 ولم يتعرض لحصار الطائف. وروى سميط عن أنس فقال: "بأنهم كانوا ستة آلاف، وذكر مدة الحصار أربعين ليلة"4. وقد وهمه العلماء. وقد وردت أحاديث في مدة الحصار الطائف وهي: 138- ما أخرجه البيهقي عن موسى بن عقبة، وعن عروة بن الزبير وهذا سياق حديث موسى بن عقبة قال: ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأكمة عند حصن الطائف بضع عشرة ليلة يقاتلهم، قال: وقطعوا طائفة من أعنابهم ليغيظوهم بها، فقالت ثقيف: لا تفسدوا الأموال فإنها لنا ولكم، قال: واستأذنه المسلمون في مناهضة الحصن فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أرى أنّ نفحته وما أذن فيه الآن" 5.   1 كذا في البداية والنهاية (ودون العشرين ليلة) . ولعل الصواب (أو دون العشرين ليلة) لأن دون العشرين ليلة لا يقال فيها شهر أو قريب من شهر. 2 البداية والنهاية 4/356. 3 تقدم الحديث برقم (40) . 4 تقدم الحديث برقم (46) . 5 البيهقي: السنن الكبرى 9/84 ودلائل النبوة 3/47 ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وحديث موسى بن عقبة معضل، لأنه لم يسمع أحداً من الصحابة سوى أم خالد1 كما حدث هو عن نفسه2. وفيه: محمد بن عبد الله بن عتاب العبدي لم أجد ترجمته. وفي حديث عروة بن الزبير الإرسال لأن عروة ولد في خلافة عمر ابن الخطاب3. وفيه: أبو علاثة محمد بن عمرو بن خالد لم أجد ترجمته. وأخرج الطبري عن عروة بن الزبير أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف نصف شهر وهذا سياقه: حدثنا علي4 بن نصر بن علي، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثنا أبي5 قال أخبرنا أبان العطار قال: حدثنا هشام بن عروة عن عروة قال: "سار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين من فوره ذلك - يعني منصرفه من حنين - حتى نزل الطائف، فأقام نصف شهر يقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقاتلتهم ثقيف من وراء الحصن، ولم يخرج إليه في ذلك أحد منهم، وأسلم من حولهم من الناس كلهم، وجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفودهم. ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحاصرهم إلا نصف شهر حتى نزل الجعرانة، وبها السبي الذي سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين من نسائهم وأبنائهم" الحديث"6. والحديث مرسل وإسناده حسن.   1 أم خالد: هي أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص بن أمية، صحابية بنت صحابي، ولدت بأرض الحبشة وتزوجها الزبير بن العوام وولدت له عمرا وخالدا، وعمرت دهرا طويلا حتى لحقها موسى بن عقبة / خ د س (التقريب 2/590 وتهذيب التهذيب 12/400) . 2 تهذيب التهذيب 10/362. 3 انظر التقريب 2/19. 4 علي بن نصر بن علي بن نصر الجهضمي. 5 هو عبد الصمد بن عبد الوارث تقدمت تراجمهم في حديث (9) . 6 الطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/82 وتقدم الحديث برقم (106) وأنساب الأشراف للبلاذري ص 366. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 138- وأخرج البيهقي من طريق أسلم1 عن أبي عبيدة2 - رضي الله عنه - "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف ونصب عليهم المنجنيق سبعة عشرة يوماً" 3. والحديث فيه عبد الله بن عمرو البصري لم أجد ترجمته وقد وصف في سياق السند بأنه كان حافظا. وأخرج خليفة بن خياط من حديث عبد الرحمن بن عوف أن مدة الحصار كانت سبع عشرة أو تسع عشرة وهذا سياقه: 139- حدثنا عبيد الله4 بن موسى عن طلحة5 بن جبر عن المطلب6 بن عبد الله عن مصعب7 بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه8: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصرهم سبع عشرة، أو تسع عشرة فلم يفتحها" 9.   1 أسلم العدوي، مولى عمر بن الخطاب ثقة مخضرم، (ت 80 وقيل بعد سنة 60) ع (التقريب 1/64 وتهذيب التهذيب 1/266) . 2 هو عامر بن عبد الله بن الجراح أبو عبيدة القرشي الفهري، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، شهد بدرا وما بعدها، ومات شهيدا بطاعون عمواس (سنة 18) /ع (التقريب 1/388 وتهذيب التهذيب 5/73) . (السنن الكبرى 9/84) . 4 عبيد الله بن موسى بن أبي المختار ثقة، تقدم في حديث (70) . 5 طلحة بن جبر ويقال ابن جبير قال ابن أبي حاتم: "روى عن المطلب بن عبد الله، وعنه عبيد الله بن موسى"، قال ابن معين: "طلحة بن جبر لا شيء" (الجرح والتعديل 4/480) ، وقال الذهبي: "وهاه الجوزجاني"، فقال: "غير ثقة" وقال ابن معين: "لا شيء" وقال مرة: "ثقة" (ميزان الاعتدال 2/338) وقال ابن حجر: بعد أن نقل فيه قول الذهبي: قال: "ذكره ابن حبان في الثقات"، وقال جعفر بن جرير الطبري: "طلحة ممن لا تثبت بنقله حجة" (لسان الميزان 3/210) وفي المستدرك (طلحة بن خير) بالخاء المعجمة فلعله خطأ (المستدرك 2/120) . 6 المطلب بن عبد الله بن حنطب بن الحارث المخزومي، صدوق كثير الإرسال والتدليس، من الرابعة أخرج حديثه الأربعة (التقريب 2/254 وتهذيب التهذيب 10/178) ، وقد وقع في التقريب الطبعة المصرية، وفي تهذيب التهذيب التعليم له بعلامة أبي داود والأربعة، وهو خطأ، فإن أبا داود من الأربعة (انظر: ميزان الاعتدال 4/129) . وفي الخلاصة 3/34 وقع فيها علامة الترمذي والأربعة وهو خطأ أيضا. 7 هو القرشي الزهري، قال ابن أبي حاتم: كان مع ابن الزبير، قتل يوم الحرة روى عن أبيه، روى عنه المطلب بن عبد الله بن حنطب سمعت أبي يقول ذلك (الجرح والتعديل 8/303 وتاريخ البخاري الكبير 7/350) . 8 هو عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري أحد العشرة المبشرين بالجنة. 9 تاريخ خليفة ص 89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وأخرج بن أبي شيبة والفسوي والحاكم الجميع من طريق عبيد الله ابن موسى أخبرنا طلحة بن جبر به1. وأخرجه أبو يعلى من طريق ابن أبي شيبة2. إلاّ أن ابن أبي شيبة وأبا يعلى قالا: فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة أو ثمان عشرة ليلة فلم يفتحها". وقال الحاكم في روايته: "فحاصرهم ثمانية أو سبعة"3، والحديث صححه الحاكم. وتعقبه الذهبي فقال: طلحة ليس بعمدة. قلت: وفيه أيضاً: المطلب بن عبد الله، كثير التدليس والإرسال وقد عنعن، وفيه مصعب بن عبد الرحمن لم يذكر فيه ابن أبي حاتم جرحاً ولا تعديلاً، وأخرج ابن أبي شيبة من حديث عبد الله بن سنان أن مدة حصار الطائف كانت خمسة وعشرين يوما وهذا سياقه: 140- حدثنا يزيد4 بن هارون قال أنا قيس عن أبي حصين5 عن عبد الله6 بن سنان "أن النبي صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف خمسة وعشرين يوما يدعو عليهم في دبر كل صلاة" 7.   1 ابن أبي شيبة: التاريخ ص 85-86 أ- ب رقم 665. والفسوي: المعرفة والتاريخ 1/282. والحاكم: المستدرك 2/120-121. 2 أبو يعلى: المسند 1/103رقم 301. 3 لعل قوله ثمانية أو سبعة، ثمانية عشر يوما أو سبعة عشر يوما حتى يوافق بقية الروايات. 4 يزيد بن هارون بن زاذان السلمي، ثقة متقن عابد، تقدم في حديث (26) . 5 هو عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي الكوفي - أبو حصين - بفتح المهملة - ثقة ثبت سني، وربما دلس، من الرابعة (ت127) ويقال: بعدها /ع (المصدر السابق 2/10و7/126) . 6 عبد الله بن سنان كوفي، قال ابن أبي حاتم: روى عن ابن مسعود وسعد ابن مسعود، روى عنه الأعمش وأبو حصين، سمعت أبي يقول ذلك، ثم ساق بسنده إلى يحيى بن معين أنه قال: عبد الله بن سنان ثقة (الجرح والتعديل 5/68 والتاريخ الكبير للبخاري 5/111) . وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من طبقات الكوفيين بعد الصحابة فقال: "عبد الله بن سنان الأسدي بني خزيمة ويكنى أبا سنان، روى عن علي وعبد اله بن مسعود والمغيرة بن شعبة، وتوفي أيام الحجاج قبل الجماجم وكان ثقة وله أحاديث" (الطبقات الكبرى 6/178) . 7 تاريخ ابن أبي شيبة ص 85 و86 ب ورقم 665. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 والحديث ضعيف لأن فيه قيس بن الربيع وصف بأنه صدوق سيء الحفظ وقد تغير لما كبر، فأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به1. وفيه الإرسال والمرسل من قسم الحديث الضعيف. والحديث فيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على ثقيف وهو مخالف لما ورد في الآثار من أن الصحابة طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو على ثقيف فقال: اللهم اهد ثقيفاً" كما سيأتي. وخلاصة القول أن الأحاديث الواردة في مدة حصار الطائف لم تتحد في تعيين المدة كما تقدم بيان ذلك وهذه خلاصتها: أ- كانت مدة الحصار بضعا وعشرين ليلة وهي رواية ابن إسحاق. ب- كانت مدة ثلاثين ليلة أو قريباً من ذلك وهي رواية أخرى عن ابن إسحاق ورواية أبي داود في المراسيل. ج- أن مدة الحصار كانت أربعين يوما وهو حديث أنس عند أحمد ومسلم وقد بينا أن هذا الحديث والذي قبله لا يستقيم مع بقية الأحاديث. د- أن الحصار دام بضع عشرة ليلة وهي رواية البيهقي عن موسى ابن عقبة وعروة بن الزبير. هـ أن مدة الحصار كانت نصف شهر وهي رواية الطبري من مرسل عروة بن الزبير أيضا، ورواية الواقدي2. وكان الحصار سبعة عشر يوماً وهو حديث أبي عبيدة بن الجراح عند البيهقي. ز- كانت مدة الحصار سبع عشرة أو ثمان عشرة أو تسع عشرة كما في حديث عبد الرحمن بن عوف عند خليفة بن خياط وغيره. ح- أن مدة الحصار كانت خمسة وعشرين يوماً كما ورد في حديث عبد الله بن سنان عند ابن أبي شيبة.   1 انظر: التقريب 2/128 وتهذيب التهذيب 8/391 وميزان الاعتدال 3/393. 2 انظر حديث الواقدي برقم (167) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 والظاهر في هذا أن مدة الحصار كانت بضع عشرة ليلة كما رجح ذلك ابن حزم رحمه الله، وقال: هو الصحيح بلا شك1. والبضع من الثلاث إلى التسع، فإذا أخذنا بأول إطلاقاته وهو الثلاث فتكون مدة الحصار ثلاث عشرة ليلة بناء على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل الطائف في عشرين من شهر شوال فيكون الحصار قد أخذ ثلاثة أيام من شهر ذي القعدة، وهو قريب من قول من قال بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد من الطائف إلى الجعرانة فوصلها في اليوم الخامس من ذي القعدة 2. وأقام بها ثلاث عشرة ليلة، ثم اعتمر منها وذهب إلى المدينة فوصلها لست بقين من ذي القعدة، أو في أوّل ذي الحجة. قال ابن سيد الناس: "والمعروف عند أهل السير أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة"3. فأقام بها ثلاث عشرة ليلة فلما أراد الانصراف إلى المدينة خرج ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة ليلا وأحرم بعمرة ودخل مكة فطاف وسعى وحلق ورجع إلى الجعرانة من ليلته فكأنه كان بائتا بها، ثم رجع إلى المدينة فدخلها لست بقين من ذي القعدة، قاله ابن هشام، وقيل لثلاث بقين4. وعند ابن إسحاق: فقدم المدينة في بقية ذي القعدة، أوفي أول ذي الحجة5. وقد نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم منجنيقا في مدة حصاره لثقيف وقد مر بنا حديث أبي عبيدة في ذلك وهو عند البيهقي، ومرسل مكحول عند ابن سعد وهو بإسناد حسن6.   1 جوامع السيرة لابن حزم ص 243-و248. 2 انظر فتح الباري لابن حجر 8/48. 3 وأخرج ابن سعد وأبي شيبة عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف نزل الجعرانة فقسم بها الغنائم ثم اعتمر منها، وذلك لليلتين بقيتا من شوال" (الطبقات الكبرى لابن سعد2/171 وتاريخ ابن أبي شيبة ص 87 أ-ب رقم 665 قال ابن سيد الناس: وهذا ضعيف (شرح المواهب3/41) . 4 الواقدي: المغازي 3/958، والديار بكري: تاريخ الخميس 2/116-117، والزرقاني: شرح المواهب 3/41-42، و4/2-3، وابن كثير: البداية والنهاية 4/368 وابن حجر: فتح الباري 8/48. 5 سيرة ابن هشام 2/500، والسهيلي: الروض الأنف 7/255. 6 انظر حديث (137) وحديث (139) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 وأخرجه أبو داود في مراسيله: عن محمد1 بن بشار عن يحيى2 بن سعيد عن سفيان3 عن ثور4 عن مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف وإسناده5 صحيح6. ورواه الترمذي معضلا فقال: قال قتيبة7: ثنا وكيع8 عن رجل عن ثور9 بن يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف. قال قتيبة: قلت لوكيع: "من هذا الرجل؟ " قال: "صاحبكم عمر10 بن هارون"11. قال الزيلعي: "ورواه أبو داود في المراسيل وابن سعد في "الطبقات" عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم".   1 هو أبوبكر بندار. 2 هو أبو سعيد القطان ص 177. 3 هو الثوري. 4 ثور بن يزيد أبو خالد الحمصي، ثقة ثبت إلا أنه يرى القدر، من السابعة /خ ع (التقريب 1/121 وتهذيب التهذيب2/33) . 5 البيهقي: السنن الكبرى 9/84 وتقدم الحديث برقم (136) . عند ابن سعد وأنه نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوما. 6 نصب الراية للزيلعي 3/382-383. 7 قتيبة بن سعيد بن جميل - بفتح الجيم - ابن طريف الثقفي، أبو رجاء البغلاني- بفتح الموحدة وسكون المعجمة - ثقة ثبت، من العاشرة (ت 240) /ع (التقريب 2/123 وتهذيب التهذيب 8/358) . 8 وكيع بن الجراح تقدمت ترجمته في حديث (29) . 9 وقع في المشكاة المصابيح 2/1157 حديث (3959) عن ثوبان بن يزيد ونسبه للترمذي، وهو خطأ وإنما هو "ثور بن يزيد" وانظر ذخائر المواريث للنابلسي 4/313 حديث (11950) ومقدمة تحفة الأحوذي 2/40. 10 عمر بن هارون بن يزيد الثقفي مولاهم، البلخي، متروك وكان حافظا من كبار التاسعة (ت 194) /ت ق (التقريب 2/64 وتهذيب التهذيب 7/501-505) . 11 الترمذي: السنن 4/186 كتاب الاستئذان والآداب، في ضمن باب ما جاء في الأخذ من اللحية. قال المباركفوري: "فإن قلت: ما وجه ذكر التّرمذي في هذا المقام حديث المنجنيق؟ قلت: لعلّ وجه ذكره ههنا أن يتبين أن الرجل المذكور في حديث المنجنيق هو عمر ابن هارون المذكور في سند حديث الباب". أو وجه ذكره أن يتبين أن وكيعا مع جلالة قدره، قد روى عن عمر بن هارون حديث المنجنيق، والله أعلم (تحفة الأحوذي 8/45) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 ورواه العقيلي1 في "ضعفائه" مسندا من حديث عبد الله2 بن خراش عن العوام3 بن حوشب عن أبي صادق4 عن علي قال: "نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم المنجنيق على أهل الطائف" 5. 141- وأخرج أبو داود وأيضاً من مرسل عكرمة6 أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المجانيق على أهل الطائف7. وقال الشافعي: "نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الطائف منجنيقا أو عرادة" 89. وعند الواقدي وابن سعد: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد السير إلى الطائف بعث الطفيل10 بن عمرو إلى ذي الكفين، صنم عمرو11 بن حممة الدوسي يهدمه وأمره   1 هو الحافظ الإمام أبو جعفر محمد بن عمر بن موسى بن حماد العقيلي صاحب كتاب "الضعفاء الكبير" قال الحافظ أبو الحسن بن سهل القطان أبو جعفر ثقة جليل عالم بالحديث مقدم في الحفظ (ت 322) (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/833-834) . 2 عبد الله بن خراش - بالخاء المعجمة - ابن حوشب الشيباني أبو جعفر الكوفي، ضعيف، وقال محمد بن عمار الموصلي: كذاب / ق (ت بعد 160) (التقريب 1/412 وتهذيب التهذيب 5/197-198، والخلاصة للخزرجي 2/52) . 3 العوام بن حوشب بن يزيد الشيباني، أبو عيسى الواسطي، ثقة ثبت فاضل، من السادسة، (ت 148) / ع (التقريب 2/89 وتهذيب التهذيب 8/163) . 4 أبو صادق الأزدي - الكوفي، صدوق وحديثه عن علي بن أبي طالب مرسل من الرابعة / س ق (التقريب 2/436 وتهذيب التهذيب 12/130) . 5 الزيلعي: نصب الراية 3/382-383. وانظر الحديث في منتخب كنز العمال للمتقي المهندي 4/173 مع مسند أحمد، وقد نسبه للعقيلي أيضا. 6 عكرمة بن عبد الله مولى عبد الله بن عباس، ثقة ثبت عالم، تقدم في حديث (67) . 7 كتاب المراسيل ص 37. 8 عرادة: بالتشديد: شيء أصغر من المنجنيق (القاموس المحيط 1/313) . 9 الأم 4/161 والسنن الكبرى للبيهقي 9/84. 10 الطفيل بن عمرو بن طريف الأزدي الدوسي، يلقب ذا النور، قدم مكة قديما ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها فمشت إليه قريش وقالت له: يا طفيل إنّك قدمت بلادنا وإن هذا الرجل بين أظهرنا قد فرق جماعتنا وإنما قوله كالسحر، تحذره من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الطفيل شريفا في قومه، شاعرا لبيبا فأبى الله إلا أن يسمعه كلام الحق فسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاد إلى قومه داعية وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل له آية تكون له عونا على قومه فدعا له فكان نور في طرف عصاه فجعل القوم يتراءون ذلك النور في طرف سوطه. وبعد فتح مكة، طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعثه إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة (أسد الغابة 3/78-81 والإصابة 2/225 وسيرة ابن هشام 1/382-385. 11 هو عمرو بن حممة - بضم المهملة وفتح الميم الخفيفة بعدها مثلها الدوسي، ذكر أبو بكر بن دريد أنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم والذي ذكره غيره أنه مات في الجاهلية، كان أحد حكام العرب في الجاهلية وأحد المعمرين يقال: إنه عاش ثلاثمائة وتسعين سنة (الإصابة 2/533 و1/249) وانظر كتاب الأصنام لابن الكلبي ص 37 وسيرة ابن هشام 1/382-385. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف، فخرج سريعا إلى قومه فهدم ذا الكفين وجعل يحشوالنار في جوفه ويقول: يا ذا الكفين لست من عبادك ... ميلادنا أقدم من ميلادكا إني حشوت النار في فؤادك قال: "وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعاً فوافوا النبي صلى الله عليه وسلم، بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام، وقدم بدبابة ومنجنيق" 1. وعند الواقدي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور أصحابه فقال له سلمان الفارسي: يا رسول الله، أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم فإنا كنا بأرض فارس ننصب المنجنيقات على الحصون وتنصب علينا، فنصيب من عدونا ويصيب منا بالمنجنيق، وإن لم يكن المنجنيق طال الثواء2 فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمل منجنيقاً بيده، فنصبه على حصن الطائف. ويقال: قدم بالمنجنيق يزيد3 بن زمعة ودبابتين. ويقال: "خالد4 بن سعيد قدم من جرش بالمنجنيق ودبابتين"5.   1 الواقدي: المغازي 3/923 وابن سعد: الطبقات الكبرى 2/157. 2 الثواء: ثوى بالمكان ثواء وأثوى به أطال الإقامة به (القاموس 4/310) . 3 يزيد بن زمعة بن الأسود القرشي الأسدي، قال ابن كلبي، كان من السابقين هاجر إلى أرض الحبشة، وقال ابن سعد: بل هو مسلمة الفتح، كان من أشراف قريش وكانت إليه المشورة في الجاهلية، قتل بالطائف وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ابن الزبير، وقال ابن إسحاق: قتل في حنين، (أسد الغابة 5/488 والإصابة 3/655) . 4 خالد بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي، يكنى أبا سعيد، أسلم قديما هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وأقام بها حتى قدم مع جعفر بن أبي طالب، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء، وفتح مكة وحنينا والطائف وتبوك، استشهد في خلافة أبي بكر (أسد الغابة 2/97) . 5 مغازي الواقدي 3/927 وانظر السنن الكبرى للبيهقي 9/84، ودلائل النبوة له ص 48 ب وشرح المواهب: للزرقاني 3/31 وزاد المعاد: 1/130 و3/99. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 وقال ابن هشام: "حدثني من أثق به، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من رمى في الإسلام بالمنجنيق"1. رمى أهل الطائف 2. وهذه الآثار تتقوى بمجموعها وهي نص في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف وجرى على هذا أصحاب السير والمغازي. وتدل هذه الآثار أيضا على جواز مثل هذا الفعل مع الأعداء إذا تحصنوا داخل حصونهم ولم يتمكن المسلمون منهم إلا بهذا، وعلى جواز إصابة أطفالهم ونسائهم ممن لا شأن له في القتال تبعا للمقاتلين إذ لا يمكن التميز بين المقاتلين وغيرهم من نساء وأطفال في مثل هذا الهجوم. قال الشافعي: "إذا تحصن العدو في جبل أو حصن أو خندق أو بحسك أو بما يتحصن به، فلا بأس أن يرموا بالمجانيق والعرادات والنيران والعقارب والحيات وكل ما يكرهونه، وأن يبثقوا عليهم الماء ليغرقوهم أو يوحلوهم فيه، وسواء كان معهم الأطفال والنساء والرهبان أولم يكونوا؛ لأن الدار غير ممنوعة بإسلام ولا عهد، وكذلك لا بأس أن يحرقوا شجرهم المثمر ويخربوا عامرهم وكل ما لا روح فيه من أموالهم، فإن قال قائل: ما الحجة فيما وصفت وفيهم الولدان والنساء المنهي عن قتلهم؟ قيل الحجة فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب على أهل الطائف منجنيقا أو عرادة، ونحن نعلم أن فيهم النساء والولدان، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع أموال بنى النضير وحرقها"3. ثم ساق في ذلك عدة أدلة تدل على جواز ذلك وهي مبسوطة في محلها.   1 قال الزرقاني: "وأما أول منجنيق رمي به فمنجنيق إبراهيم الخليل عليه السلام، عمله إبليس لما أرادوا رميه في النار. وأما في الجاهلية فيذكر أن جذيمة - بضم الجيم وفتح المعجمة مصغراً - ابن مالك المعروف بالأبرش أوّل من رمى به وهو من ملوك الطوائف"، (شرح المواهب اللدنية 3/31 وانظر: كتاب المعارف لابن قتيبة ص 241، وفي سيرة الحلبية: قال: "تقدم في غزوة خيبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد في أحد حصونها آلة حرب ودبابات ومنجنيقات وأنه نصب المنجنيق على حصن البرئ، وهذا يخالف قول بعضهم لم ينصب المنجنيق إلا في غزوة الطائف، إلا أن يقال بأنه في خيبر نصبه ولم يرم به وفي الطائف نصبه ورمى به فلا مخالف" (السيرة الحلبية 2/742و743و3/80-81) انظر الروض الأنف للسهيلي 7/235و266-267. 2 سيرة ابن هشام 2/483. 3 الشافعي: الأم4/160وانظر زاد المعاد 3/503 لابن قيم الجوزية وانظر ص 546. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 رسم بيان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 رسم بيان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 المبحث الثاني: ما صدر من التعليمات العسكرية للمسلمين في حصار - الطائف مر بنا أن المشركين لما انهزموا في موقعة حنين وباءوا بالفشل، انسحبوا إثر ذلك فتوجه بعضهم نحو نخلة وأوطاس، وتوجهت أكثر ثقيف نحو الطائف ومعهم مالك بن عوف النصرى1، فدخلوا مدينة الطائف وكانت مدينة محصنة قوية ذات أسوار وحصون، ولها أبواب تغلق عليها، وأدخلوا فيها من الأقوات ما يكفيهم لسنة واستعدوا استعداداً كاملاً وتهيأوا للقتال، ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين، سار إلى الطائف حتى نزل قريبا من أسوار المدينة وعسكر هناك، فصوب المشركون نبالهم نحو المسلمين كأنها رجل من جراد فأوقعوا بالمسلمين خسائر في الأرواح، فقرر رسول الله صلى الله عليه وسلم الانسحاب بعيدا عن مرمى النبال وفكر المسلمون في وسيلة يستطيعون بها التغلب على ثقيف وإجبارهم على الاستسلام، ورأوا أن أحسن وسيلة في ذلك هي نصب المنجنيق2 عليهم ودك حصونهم بالدبابات، وغير أن أهل الطائف أحبطوا تلك المحاولات التي قام بها المسلمون، إذ حموا قطعا من حديد بالنار وألقوها على الدبابات الخشبية فحرقتها، فانسحب المسلمون المحتمون بها من تحتها لئلا يحترقوا، فرمتهم ثقيف بالنبل بعد انكشافهم من حماية الدبابات، فكان هذا مما زاد في جرأة ثقيف، وامتناعها عن الاستسلام، حتى أن بعضهم كان يقول: نحن قسي وقسنا أبونا والله لا نسلم ما حيينا. ... وقد بنينا حائطا حصينا. وعند ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعنابهم ونخيلهم وتحريقها إغاظة لهم، فسارع المسلمون إلى ذلك وقطعوا قطعا ذريعا، حتى نادى الثقفيون يا محمد لم تقطع   1 انظر ص 252. 2 انظر حديث (137) و (139) و (141) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 أموالنا؟ إما أن تأخذها إن ظهرت علينا، وإما أن تدعها لله وللرحم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإني أدعها لله وللرحم" 1. ثم حث المسلمين على الرمي في سبيل الله، ورغبهم في ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: "من رمى بسهم في سبيل الله فله به درجة في الجنة" كما ورد ذلك في حديث أبي نجيح2 السلمي عند أبي داود وأحمد وغيرهما وهذا سياقه عند أحمد: 142- قال: حدثنا روح3 قال ثنا هشام4 بن أبي عبد الله عن قتادة5 عن سالم6 بن أبي الجعد عن معدان7 بن أبي طلحة عن أبي نجيح السلمي قال: حاصرنا مع النبي صن الطائف فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من بلغ بسهم فله درجة في الجنة" قال: فبلغت يومئذ ستة عشر سهما، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل فهو عدل محرر" الحديث 8.   1 الأم: للشافعي 7/323 والسيرة النبوية لابن هشام 2/478-483، والروض الأنف للسهيلي 7/231-234 ومغازي الواقدي 3/924-929 والطبقات الكبرى لابن سعد 2/158 وأنساب الأشراف للبلاذري ص 367، والتلخيص الحبير لابن حجر 4/112 والرسول القائد لمحمود شيت خطاب ص 251. 2 هو عمرو بن عبسة - بموحدة ومهملتين مفتوحات - ابن عامر بن خالد السلمي - من سليم بن منصور أبو نجيح - بالنون المفتوحة وكسر الجيم - صحابي مشهور أسلم قديما وهاجر بعد أحد - ثم نزل الشام/م ع (التقريب2/74، تهذيب التهذيب 8/69 والإصابة 3/5 كلها لابن حجر، وأسد الغابة لابن الأثير 4/251-252) . ووقع في الطبقات الكبرى لابن سعد 4/214 في سياق نسب عمرو بن عبسة فقال ابن سليم بن (منظور) بالظاء المعجمة وهو خطأ والصواب ابن (منصور) بالصاد المهملة. 3 روح بن عبادة بن العلاء، ثقة فاضل، التقريب 1/253 وتهذيب التهذيب 3/293 وتذكرة الحفاظ للذهبي 1/349-350) . 4 هشام بن أبي عبد الله الدستوائي - بفتح الدال وسكون السين المهملتين وفتح المثناة - أبو بكر البصري - واسم أبيه - سنبر - بمهملة ثم نون ثم موحدة، وزن جعفر - ثقة ثبت، وقد رمي بالقدر، من كبار السابعة (ت 154) / ع (المصادر السابقة 2/319و11/43و1/164) وقد سقط من تهذيب التهذيب (علامة من أخرج له) . 5 ابن دعامة السدوسي ثقة ثبت، تقدم في حديث (48) . 6 سالم بن أبي الجعد رافع، الغطفاني الأشجعي، مولاهم، الكوفي، ثقة وكان يرسل كثيرا من الثالثة، اختلف في سنة وفاته/ع (التقريب1/279 وتهذيب التهذيب3/432) . 7 معدان بن أبي طلحة ويقال: ابن طلحة، اليعمري - بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة - شامي، ثقة من الثانية / م ع (المصدر السابق 2/263، و10/228) . 8 المسند: 4/113 و384 وتمام الحديث: "ومن شاب شيبة في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة، وأيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلما فإن الله عز وجل جاعل وفاء كل عظم من عظامه عظما من عظام محرره من النار، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله عز وجل جاعل وفاء كل عظم من عظامها من عظام محررها من النار". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 والحديث صحيح، وقد صرح قتادة بالتحديث عند البيهقي، وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وأبو داواد الطيالسي وابن حبان والحاكم والبيهقي كلهم من طريق قتادة به1. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وأبو نجيح هو عمرو بن عبسة السلمي. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين"، فإن أبا نجيح هذا: هو عمرو2 بن عبسة السلمي. ووافقه الذهبي. وأورده ابن كثير عن البيهقي ثم قال: "ورواه أبو داود والترمذي وصححه3 والنسائي من حديث قتادة به"4. وكان من التعليمات العسكرية أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي، أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر، فخرج جماعة فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفع كل واحد منهم إلى رجل من المسلمين يمونه، فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة وزاد من ألمهم5. وكان ذلك من أعظم التدابير العسكرية التي أضعفت من قوة المشركين وفتت في عضدهم ومعنوياتهم وفرقت جمعهم، توضح هذا الأحاديث الآتية:   1 أبو داود: 2/354-355 كتاب العتق، باب أي الرقاب أفضل دون "من شاب شيبة في الإسلام". والترمذي: السنن 3/96 كتاب الجهاد، باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله، بقصة "الرمي" فقط. والنسائي: السنن 6/23 كتاب الجهاد، باب ثواب من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل، بقصة "الرمي" أيضا. وفي السنن الكبرى، بقصة "العتق" انظر تحفة الأشراف8/163 حديث (10768) . وأبو داود الطيالسي كما في منحة المعبود 2/109-110. وابن حبان: كما في موارد الظمآن ص294و396دون"من شاب شيبة في الإسلام". والحاكم: المستدرك 2/95-96و121و 3/49-50. والبيهقي: السنن الكبرى 9/61 و10/272 ودلائل النبوة 3/ 48أ. 2 لعله احتراز من أبي نجيح العرباض بن سارية السلمي فإنه لم يخرج له سوى الأربعة، انظر (التقريب 2/17) . 3 وقع في البداية والنهاية "رواه أبو داود والترمذي وصححه النسائي" والظاهر أن العبارة هكذا: "رواه الترمذي وصححه والنسائي وأن حرف العطف سقط من "النسائي". لأن النسائي أخرج هذا الحديث في سننه ولم يصححه والذي صححه هو الترمذي. 4 البداية والنهاية 4/349. 5 الطبقات الكبرى لابن سعد 2/158-159. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 قال البخاري: حدثنا محمد1 بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عاصم قال: سمعت أبا عثمان2، قال سمعت سعدا3 - وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله - وأبا بكرة4 وكان تسور5 حصن الطائف في أناس فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم" الحديث6. والحديث أخرجه أحمد من طريق خالد الحذاء وعاصم الأحول، والدارمي من طريق عاصم عن أبي عثمان به. ولفظ الدارمي: "هذا أول من رمى بسهم في سبيل الله، وهذا تدلى من حصن الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" الحديث7. 144- قال البخاري: وقال هشام وأخبرنا معمر عن عاصم عن أبي العالية8 أو أبي عثمان النهدي قال: "سمعت سعدا أو أبا بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم"، قال عاصم:   1 محمد بن بشار: هو بندار، وغندر هو محمد بن جعفر، وشعبة هو ابن الحجاج، وعاصم: ابن سليمان الأحول. 2 هو عبد الرحمن بن مل - بلام ثقيلة والميم مثلثة - أبو عثمان النهدي - بفتح النون وسكون الهاء، مشهور بكنيته، مخضرم من كبار الثانية، ثقة ثبت عابد، (ت 95) وقيل بعد ذلك وعاش (130) وقيل أكثر/ع التقريب 1/499) . 3 هو ابن مالك بن أبي وقاص، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة (الإصابة 2/33 وأسد الغابة 2/366 وانظر سيرة ابن هشام 1/591، الطبقات الكبرى لابن سعد 2/7 في كون سعد أول من رمى بسهم في سبيل الله. 4 هو نفيع بن الحارث بن كلدة - بفتحتين - ابن عمرو الثقفي، أبو بكرة صحابي مشهور بكنيته، تدلى من حصن الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم فأعتقه يومئذ (التقريب 2/306وتهذيب التهذيب10/469والإصابة3/571-572 وأسد الغابة 5/354 و6/38) . 5 وعند الدارمي "تدلى من حصن الطائف" قال ابن حجر: "المعنى تسور من أسفله إلى أعلاه ثم تدلى منه (فتح الباري 8/46) . 6 البخاري: الصحيح 5/129 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف و8/131 كتاب الفرائض، باب من ادعى إلى غير أبيه "وتمام الحديث" فقالا: سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام" واقتصر مسلم على هذا الجزء منه من حديث خالد الحذاء وعاصم الأحوال وكذا ابن ماجه من حديث عاصم (انظر: صحيح مسلم 1/80 كتاب الإيمان باب بيان من رغب عن أبيه وهو يعلم، وابن ماجه2/870 كتاب الحدود، باب من ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه. 7 أحمد: المسند 1/169 و174 و179 و5/38 و46، والدارمي: السنن 2/160 كتاب السير، باب في الذي ينتمي إلى غير مواليه و2/248 كتاب الفرائض، باب من ادعى إلى غير أبيه، وعند خليفة بن خياط من طريق شعبة عن عاصم الأحوال عن أبي عثمان قال: "سبق أبو بكرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف" (تاريخ خليفة ص 89) . 8 هو رفيع - بالتصغير - ابن مهران، أبو العالية، الرياحي - بكسر الراء وبالتحتانية (التقريب 1/252 وتهذيب التهذيب 3/284) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 قلت: "لقد شهد عندك1 رجلان حسبك بهما، قال: أجل، أما أحدهما فأول من رمى بسهم في سبيل الله، وأما الآخر فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف"2. قال ابن حجر: "هشام هو ابن يوسف الصنعاني، ولم يقع لي موصولا إليه. وقد أخرجه عبد الرزاق عن معمر لكن عن أبي عثمان وحده، عن أبي بكرة وحده، وبغير شك، وغرض المصنف منه، ما فيه من بيان من أبهم في الرواية الأولى فإن فيها "تسور من حصن الطائف، في أناس" وفي هذا "فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف". ثم قال: "وفيه رد على من زعم أن أبا بكرة لم ينزل من سور الطائف غيره، وهو شيء قاله موسى بن عقبة وتبعه الحاكم، وجمع بعضهم بين القولين، بأن أبا بكرة نزل وحده أولا، ثم نزل الباقون بعده وهو جمع حسن"3. قلت: حديث عبد الرزاق المشار إليه هذا سياقه:   1 الخطاب لأبي عثمان أو لأبي العالية، وعند أبي داود قال عاصم: فقلت: "يا أبا عثمان لقد شهد عندك رجلان أيما رجلين" انظر: ص 305. قال ابن حجر: "وقد وقع في رواية هشيم عن خالد الحذاء عند مسلم في أول هذا الحديث قصة ولفظه: "عن أبي عثمان قال: لما ادعى زياد لقيت أبا بكرة فقلت: ما هذا الذي صنعتم؟ إني سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ادعى إلى غير أبيه وهو ويعلم فالجنة عليه حرام". فقال أبو بكرة: "وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم "والمراد بزياد الذي ادعى: زياد بن سمية وهي أمه كانت أمة للحارث بن كلدة، فزوجها لمولاه عبيد فأتت بزياد على فراشه وهم بالطائف قبل أن يسلم أهل الطائف، فلما كان في خلافة عمر بن الخطاب سمع أبو سفيان بن حرب كلام زياد عند عمر وكان بليغا فأعجبه فقال: إني لأعرف من وضعه في أمه ولو شئت لسميته، ولكن أخاف من عمر، فلما ولي معاوية بن أبي سفيان الخلافة كان زياد على فارس من قبل عليّ بن أبي طالب، وأراد معاوية مداراته، فأطمعه في أنه يلحقه بأبي سفيان فأصغى زياد إلى ذلك فجرت في ذلك خطوب إلى أن ادعاه معاوية وأمَّره على البصرة ثم على الكوفة وأكرمه، وسار زياد سيرته المشهورة، وسياسته المذكورة، فكان كثير من الصحابة والتابعين ينكرون ذلك على معاوية، محتجين بحديث "الولد للفراش" وإنما خص أبو عثمان أبا بكرة بالإنكار لأن زيادا كان أخاه من أمه، وقد نصح أبو بكرة زيادا عن هذا الادعاء فامتنع فحلف أبو بكرة لا يكلم زياداً أبداً، قال السهيلي: وقد غلط ابن قتيبة فجعل سمية هذه المذكورة أم عمار بن ياسر، ثم قال: سمية أم عمار كانت تحت ياسر أبي عمار وقتلها أبو جهل في أوّل المبعث". (ابن حجر: فتح الباري 12/54 والإصابة 1/580 و3/571 وابن عبد البر: الاستيعاب 1/567 و3/567 و4/23 مع الإصابة والروض الأنف: 7/275 وكتاب المعارف لابن قتيبة ص 111-112 و125 و151. 2 البخاري: الصحيح 5/129 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف. 3 ابن حجر: فتح الباري 8/46. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 قال عبد الرزاق: عن معمر عن عاصم بن سليمان قال: حدثنا أبو عثمان النهدي عن أبي بكرة: "أنه خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو محاصر أهل الطائف - بثلاثة وعشرين عبدا فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم الذين يقال لهم العتقاء" 1. وعند أبي داود قال عاصم: قلت: يا أبا عثمان لقد شهد عند رجلان أيما رجلين؟ فقال: أما أحدهما فأوّل من رمى بسهم في سبيل الله أو في الإسلام - يعنى سعد بن مالك - والآخر قدم من الطائف في بضعة2 وعشرين رجلا على أقدامهم"الحديث3. وقد جاء عند ابن إسحاق تسمية بعضهم من مرسل عبد الله بن مكرم الثقفي وهذا سياقه: 145- قال ابن إسحاق حدثني عبد الله 4 بن مكرم الثقفي قال: "لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف خرج إليه رقيق من رقيقهم أبو بكرة عبد الحارث بن كلدة، والمنبعث5 وكان اسمه المضطجع، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم   1 المصنف5/301. وفي مسند أحمد 4/363 عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والمهاجرون والأنصار أولياء بعضهم لبعض، والطلقاء من قريش، والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة" وفيه شريك بن عبد الله القاضي، صدوق يخطئ كثيرا. 2 وعند الواقدي وابن سعد: فخرج منهم بضعة عشر رجلا (مغازي الواقدي: 3/931 وطبقات ابن سعد 2/159) . 3 سنن أبي داود 2/623 كتاب الأدب، باب في الرجل ينتمي إلى غير مواليه. وسياق الحديث: حدثنا النفيل أخبرنا زهير أخبرنا عاصم الأحول حدثني أبو عثمان قال: حدثني سعد بن مالك قال سمعته أذناني ووعاه قلبي من محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام"، قال: فلقيت أبا بكرة فذكرت ذلك له، فقال: سمعته أذاني ووعاه قلبي من محمد صلى الله عليه وسلم، قال عاصم: فقلت: يا أبا عثمان لقد شهد عندك رجلان. إلخ. 4 عبد الله بن مكرم الثقفي روى عن عبد الله بن قارب، وعنه ابن إسحاق قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول ذلك (الجرح والتعديل 5/181) ، البخاري: التاريخ الكبير 5/211، وفي سيرة ابن هشام، الروض الأنف، والسنن الكبرى للبيهقي "عبد الله ابن مكدم" بالدال المهملة بدل (الراء) وعند السهيلي 7/238 قال ابن إسحاق حدثني من لا أتهم عن عبد الله بن مكدم. 5 المنبعث - بمضمومة وسكون نون وفتح موحدة، وكسر عين مهملة، وبمثلثة - كان عبدا لعثمان بن عامر بن معتب، نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان محاصرا الطائف وأسلم (أسد الغابة لابن الأثير 5/262) والإصابة لابن حجر 3/457-358 والمغني لابن طاهر الهندي ص 75 وفي هذا الحديث استحباب تغيير الاسم إلى ما هو أحسن منه، وكان ذلك من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى البخاري من حديث سعيد بن المسيب أن جده حزنا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما اسمك؟ قال: اسمي حزن، قال: بل أنت سهل، قال: ما أنا بمغير اسما سمانيه أبي"، قال: قال ابن المسيب: فما زالت فينا الحزونة بعد. "صحيح البخاري8/37 كتاب الأدب، باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه" وأخرجه أبو داود في سننه 2/586 كتاب الأدب، باب في تغيير الاسم القبيح ولفظه عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "ما اسمك"؟ قال: حزن، قال: أنت سهل، قال: لا، السهل يوطأ ويمتهن، قال سعيد: فظننت أنه سيصيبنا بعده حزونة" وجاء في غزوة حنين أيضا من حديث رائطة بنت مسلم عن أبيها أنه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فقال له: "ما اسمك؟ قال: غراب، قال: لا، بل اسمك مسلم"، (البخاري: الأدب المفرد ص 287 والتاريخ الكبير 7/252 وابن سعد 5/462) . وابن حجر: الإصابة 3/417 وإسناده ضعيف. قال الدميري في حياة الحيوان 2/105: "وإنما غير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه لأن الغراب حيوان خبيث الفعل، خبيث المطعم، ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله في الحل والحرم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 المنبعث ويحنس1 ووردان2 في رهط من رقيقهم فأسلموا فلماقدم وفد أهل الطائف، فأسلموا، قالوا: يا رسول الله رد علينا رقيقنا الذين أتوك؟ قال: "لا، أولئك عتقاء الله" ورد على ذلك الرجل ولاء عبده، فجعله له" 3. والحديث أخرجه البيهقي من طريق ابن إسحاق إلا أنه قال: "فلما قدم وفد أهل الطائف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا، قالوا يا رسول الله: رد علينا رقيقنا الذين أتوك فقال: "لا، أولئك عتقاء الله عز وجل ورد على كلّ رجل ولاء عبده فجعله إليه"4.   1 يحنس - بضم التحتية وفتح المهملة والنون المشددة وسين مهملة - النبال كان عبد اليسار بن مالك. (أسد الغابة 5/469 وشرح المواهب 3/32) . 2 وردان: هو جد الفرات بن زيد بن وردان، وكان وردان عبدا لعبد الله بن ربيعة بن خرشة الثقفي (أسد الغابة 5/445) . وزاد الواقدي: الأزرق بن عقبة أبو عقبة الثقفي كان عبدا لكلدة الثقفي من بني مالك، وقيل كان عبدا للحارث بن كلدة طبيب العرب، إبراهيم بن جابر كان عبدا لخرشة الثقفي، ويسار، كان عبدا لعثمان بن عبد الله ونافع أبو السائب كان عبدا لغيلان بن سلمة الثقفي، فأسلم غيلان بعد فرد النبي صلى الله عليه وسلم إليه ولاءه، ومرزوق غلام لعثمان بن عامر، وزاد ابن حجر: "الأزرق زوج سمية والدة زياد بن عبيد الذي صار يقال له زياد بن أبيه، ونافع مولى الحارث بن كلدة الثقفي طبيب العرب"، قال ابن حجر ويقال: "كان فيهم زياد بن سمية، والصحيح أنه لم يخرج حينئذ لصغره، ثم قال: ولم أعرف أسماء الباقين"، وقال الواقدي: "كل هؤلاء أعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه ويحمله، فكان أبو بكرة إلى عمرو بن سعيد بن العاص والأزرق إلى خالد بن سعيد، ووردان إلى أبان بن سعيد، ويحنس النبال إلى عثمان بن عفان، وكان يسار بن مالك إلى سعد ابن عبادة، وإبراهيم بن جابر إلى أسيد بن الحضير، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرئوهم القرآن ويعلموهم السنن، فلما أسلمت ثقيف تكلمت أشرافهم في هؤلاء المعتقين - فيهم الحارث بن كلدة - يردوهم في الرق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أولئك عتقاء الله، لا سبيل إليهم، وبلغ ذلك من اهل الطائف مشقة شديدة، واغتاظوا على غلمانهم". وعند السهيلي: "وجعل النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء العبيد لساداتهم حين أسلموا" (مغازي الواقدي 3/931-932 وفتح الباري 8/45-46) . 3 الزيلعي: نصب الراية 3/282 وابن كثير: البداية والنهاية 4/348 واللفظ له. 4 السنن الكبرى 9/229 و10/308 ودلائل النبوة 3/48 أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 ثم قال: "هذا منقطع"1. وهكذا قال السهيلي: "بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ولاء هؤلاء العبيد لسادتهم حين أسلموا، وقال: كل هذا ذكره ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام"2. والحديث في سيرة ابن هشام والروض الأنف وليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد على أهل الطائف ولاء عبيدهم، وهذا نصه: قال ابن إسحاق: "وحدثني من لا اتهم عن عبد الله بن مكرم عن رجال من ثقيف، قالوا: لما أسلم أهل الطائف تكلم نفر منهم في أولئك العبيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا، أولئك عتقاء الله، وكان ممن تكلم فيهم الحارث بن كلدة" 3. ثم قال ابن هشام: "وقد سمى ابن إسحاق من نزل من أولئك العبيد، وكذا أورد ابن حجر في ترجمته الحارث بن كلدة"4. ما رواه أحمد وغيره من حديث ابن عباس وهذا سياقه عند أحمد: 146- قال: حدثنا أبو معاوية5 ثنا حجاج6 عن الحكم7 عن مقسم8 عن   1 المراد بالمنقطع هنا المرسل كما صرح بذلك الزيلعي، لأن المنقطع أعم من المرسل فيشمل كل ما لم يتصل إسناده عند العلماء. 2 الروض الأنف 7/274-275. 3 يفهم من هذا أن ابن إسحاق لا يروي عن ابن مكرم مباشرة. 4 سيرة ابن هشام2/485، والروض الانف 7/238،و274-276، والإصابة1/29، 288 و3/458، و633، و649، ومغازي الواقدي3/931، وطبقات ابن سعد 2/159 وأسد الغابة 1/413 و5/262 و445، 469، والزرقاني: شرح المواهب 3/31-32 والديار بكري: تاريخ الحميس 2/111) . 5 هو محمد بن خازم - بمعجمتين - أبو معاوية الضرير الكوفي عمي وهو صغير ثقة، أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في حديث غيره من كبار التاسعة (ت195) /ع (التقريب 1/157 وتهذيب التهذيب 9/137) . 6 حجاج بن أرطأة - بفتح الهمزة - ابن ثور بن هبيرة النخعي أبو أرطأة الكوفي القاضي، أحد الفقهاء، صدوق كثير الخطأ والتدليس من السابعة (ت 145) / بخ م عم (التقريب 1/152 وتهذيب التهذيب 2/196) . وقال الذهبي: "وأكثر مانقم عليه التدليس، وكان فيه تيه لا يليق بأهل العلم، وكان يقول: أهلكني حب الشرف" (ميزان الاعتدال 1/458-460، وتذكرة الحفاظ 1/186) . ووقع في ميزان الاعتدال ذكر علامة النسائي بعد علامة الأربعة وهو خطأ لأن النسائي داخل في الأربعة. 7 الحكم هو ابن عتيبة ثقة، ثبت، فقيه، تقدمت ترجمته في حديث (73) . 8 مقسم هو ابن بجرة أو ابن نجدة، صدوق وكان يرسل، تقدم في حديث (75) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أعتق رسول الله يوم الطائف من خرج من عبيد المشركين" 1. ورواه عن يحيى2 بن زكريا ثنا حجاج به. ولفظه: "لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف أعتق من رقيقهم". ورواه عن يزيد بن هارون ثنا الحجاج به. ولفظه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتق من جاءه من البعيد قبل مواليهم إذا أسلموا3 وقد أعتق يوم الطائف رجلين". رورواه عن عبد القدوس4 بن بكير بن خنيس ثنا الحجاج به. ولفظه: "حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف فخرج إليه عبدان فأعتقها5، أحدهما أبو بكرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتق العبيد إذا خرجوا إليه". ورواه عن نصر6 بن باب عن الحجاج به. ولفظه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف من خرج إلينا من العبيد فهو حر، فخرج عبيد من العبيد فيهم أبو بكرة، فأعتقهم رسول الله 7. والحديث رواه سعيد8 بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وخليفة بن خياط   1 أحمد: المسند1/223-224 و349 و362. 2 يحيى بن زكريا بن أبي زائدة الهمداني - بسكون الميم - أبو سعيد الكوفي، ثقة متقن، من كبار التاسعة (ت183أو184) /ع (التقريب2/347 وتهذيب التهذيب11/208) . 3 وعند سعيد بن منصور "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتق العبيد إذا جاءوا قبل مواليهم" ولم يذكر إسلاما. (زاد المعاد لابن القيم الجوزية 3/503) . 4 عبد القدوس بن بكير بن خنيس - بمعجمة ونون مصغرا - الكوفي أبو الجهم قال أبو حاتم: لا بأس به، من التاسعة / ت ق (التقريب 1/515، وتهذيب التهذيب 6/369 وميزان الاعتدال 2/642. وسقط من مسند أحمد كلمة (عبد) فصار حدثنا القدوس وهو خطأ. 5 وعند البيهقي "أن عبدين خرجا من الطائف فأسلما فأعتقهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما أبو بكرة", (السنن الكبرى 9/230) . 6 نصر بن باب الخراساني أبو السهل المروزي، نزل بغداد تركه جماعة (ت 193) تعجيل المنفعة لابن حجر ص 275، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13/278 وميزان الاعتدال للذهبي 4/250. 7 مسند أحمد 1/236 و243 و248. 8 سعيد بن منصور بن شعبة أبو عثمان الخراساني، نزيل مكة ثقة مصنف وكان لا يرجع عما في كتابه لشدة وثوقه به (ت 227) وقيل بعدها /ع (التقريب 1/306، وتهذيب التهذيب 4/89) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 والدارمي وأبو يعلى والطحاوي والطبراني والبيهقي كلهم من طريق حجاج بن أرطأة عن مقسم به1. بألفاظ مختلفة. ومدار الحديث على الحجاج وهو مدلس، وقد عنعن وبقية رجاله ثقات. وأروده الهيثمي وقال: "رواه أحمد والطبراني باختصار وفيه الحجاج ابن أرطأة وهو ثقة، ولكنه مدلس"2. 147- ما رواه أحمد وابن سعد والطحاوي من حديث عامر الشعبي وهذا سياقه عند أحمد: قال: حدثنا يحيى3 بن آدم ثنا مفضل4 بن مهلهل عن المغيرة5 عن شباك6 عن الشعبي7 عن رجل8 من ثقيف قال: "سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فلم يرخص لنا". الحديث.   1 زاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/503 وابن سعد: الطبقات الكبرى 2/160، وابن أبي شيبة: التاريخ ص 85، 86 ب برقم 665 وكنز العمال 10/362 ومنتخب كنز العمال 4/173 مع المسند أحمد كلاهما لعلاء الدين المتقي الهندي وخليفة بن خياط: تاريخ خليفة ص 89. والدارمي: السنن 2/155 كتاب السير، باب في عبيد المشركين يفرون إلى المسلمين، وأبو يعلى: المسند 3/253 أرقم 303. والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/278. والطبراني: المعجم الكبير11/387و390،والبيهقي: السنن الكبرى9/229-230. 2 مجمع الزوائد 4/245. 3 يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي، مولى بني أمية، ثقة حافظ فاضل، من كبار التاسعة (ت 203) / ع (التقريب 2/341 وتهذيب التهذيب 11/175) . 4 مفضل بن مهلهل، السعدي، أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة ثبت، نبيل عابد، من السابعة (ت 167) / م س ق (التقريب 2/271، وتهذيب التهذيب 10/275) . 5 مغيرة بن مقسم - بكسر الميم - الضبي مولاهم، أبو هشام الكوفي، الأعمى ثقة متقن، إلا أنه كان يدلس، ولا سيما عن إبراهيم النخعي من السابعة (ت 136) على الصحيح / ع (التقريب 2/270 وتهذيب التهذيب 10/275) . 6 شباك - بكسر أوله ثم موحدة خفيفة ثم كاف - الضبي الكوفي، الأعمى ثقة، له ذكر في صحيح مسلم، وكان يدلس، من السادسة، / م د س ق (التقريب 1/345 وتهذيب التهذيب 4/302) . 7 هو عامر بن شراحيل الشعبي - بفتح المعجمة - أبو عمرو، ثقة مشهور فقيه فاضل، من الثالثة، قال مكحول: ما رأيت أفقه منه. (ت بعد 100) / ع التقريب 1/387 وتهذيب التهذيب 5/65) . 8 قوله عن (رجل) هذا الإبهام لا يضر لأنه صحابي كما هو الظاهر من سياق الحديث، والصحابة كلهم عدول وعند ابن سعد: "أن ثقيفا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 وفيه: "وسألناه أن يرد أبا بكرة فأبى وقال: "هو طليق الله وطليق رسوله". وكان أبو بكرة خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حاصر الطائف فأسلم 1. ورواه عن علي2 بن عاصم أخبرنا مغيرة عن شباك عن عامر أخبرني فلان الثقفي قال: "سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث فلم يرخص لنا" الحديث وفيه "سألناه أن يرد إلينا أبا بكرة وكان مملوكا وأسلم قبلنا، فقال: لا، هو طليق الله ثم طليق رسول الله صلى الله عليه وسلم". ورواه عن الوركاني3 ثنا أبو الأحوص4 عن مغيرة بن شباك عن الشعبي عن رجل من ثقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال: "نحوه ولم يسق لفظه"5. والحديث رواه ابن سعد والطحاوي كلاهما من طريق مغيرة عن شباك عن الشعبي به 6. غير أن ابن سعد ساقه بسندين أسقط الشعبي في أحدهما. وأورده الهيثمي وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات 7. 148- حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر الطائف بثلاثة وعشرين عبدا فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الذين يقال لهم عتقاء". قال الهيثمي: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح"8.   1 مسند أحمد 4/168 ونص الحديث "عن الشعبي عن رجل من ثقيف قال: "سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فلم يرخص لنا: فقلنا: إن أرضنا أرض باردة فسألناه أن يرخص لنا في الطهور فلم يرخص لنا، وسألناه أن يرخص لنا في الدياء فلم يرخص لنا فيه ساعة، وسألناه أن يرد إلينا أبا بكرة فأبى، وقال: "هو طليق الله وطليق رسوله". وكان أبو بكرة خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حاصر الطائف فأسلم. 2 علي بن عاصم بن صهيب، صدوق تقدم في حديث (97) . 3 هو محمد بن جعفر بن زياد الوركاني - بفتحتين - أبو عمران الخراساني نزيل بغداد، ثقة من العاشرة (ت 228) /م د س (التقريب 2/150 وتهذيب التهذيب 9/93-94 وتاريخ بغداد2/116-117. 4 أبو الأحوص: هو سلام بن سليم الحنفي ثقة متقن تقدم في حديث (26) . 5 مسند أحمد 4/168 و310. 6 ابن سعد: الطبقات الكبرى 7/15و16. والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/278. 7 مجمع الزوائد 4/245. 8 مجمع الزوائد 4/245. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 149- حديث غيلان بن سلمة الثقفي أن نافعا1 كان عبدا لغيلان ففر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيلان مشرك، فأسلم غيلان فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ولاءه". قال الهيثمي: "رواه الطبراني: وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن، وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات"2. 150- ما واه أبو داود من مرسل عبد ربه3 بن الحكم ولفظه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر أهل الطائف خرج إليه أرقاء من أرقائهم فأسلموا فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أسلم مواليهم بعد ذلك رد رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء - يعني إليهم" 4. 151- حديث ابن عباس رضي الله عنهما من طريق أبي شيبة عن الحكم عن مقسم عنه قال: "لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم الطائف أمر مناديا فنادى "أيما عبد خرج فهو حر". فخرج إليه عبدان فأعتقهما" 5. قال الهيثمي: رواه الطبراني: "وفيه إبراهيم بن عثمان أبو شيبة وهو متروك"6. 152- حديث أبي أمامة7 - رضي الله عنه - قال: "تدلى عبد من حصن الطائف فجاءه مولاه، فقال يا رسول الله رد علي غلامي، فقال: إن العبد إذا أسلم قبل مولاه لم يرد إليه، وإذا أسلم المولى ثم أسلم العبد دفع إليه" 8.   1 هو نافع أبو السائب مولى غيلان بن سلمة أورده ابن الأثير في أسد الغابة: 5/302 وابن حجر في الإصابة 3/548 وساقا هذا الحديث في ترجمته. 2 مجمع الزوائد 4/246 وانظر السنن الكبرى للبيهقي 10/308. 3 عبد ربه بن الحكم بن سفيان بن عبد الله، ويقال: ابن عثمان ابن بشير الثقفي الطائفي مجهول، من الثالثة، وأرسل حديثا/مد (التقريب1/470 وتهذيب التهذيب6/126 وفيه ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن القطان الفاسي: لا يعرف حاله. 4 أبو داود: كتاب المراسيل ص 40 وانظر: الزيلعي: نصب الراية 3/281-282. 5 الطبراني: المعجم الكبير 11/398. 6 مجمع الزوائد 4/245 وانظر التقريب 1/39. 7 هو صدى - بالتصغير - ابن عجلان، أبو أمامة الباهلي، صحابي مشهور سكن الشام، ومات بها، سنة: (86) / ع (التقريب1/366 وتهذيب التهذيب4/420) . 8 مجمع الزوائد 4/245-246 والمعجم الكبير للطبراني 8/298. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 قال الهيثمي: "رواه الطبراني وفيه عمر1 بن موسى بن وجيه وهو متروك". وهذه الأحاديث تدل على أن العبد إذا نزل في حال الحصار وأسلم ولحق بالمسلمين قبل سيده صار حرا، وهل يصير حراً حكماً شرعياً، أو ذلك راجع إلى اشتراط الإمام له، فيه خلاف بين العلماء: قال ابن قيم الجوزية - رحمه الله -: "ومنها2 أن العبد إذا أبق من المشركين ولحق بالمسلمين، صار حراً، ثم أورد حديث سعيد بن منصور المتقدم"3. 153- ثم قال: وروى سعيد بن منصور أيضا قال: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبد وسيده قضيتين، قضى أن العبد إذا خرج من دار الحرب قبل سيده أنه حر، فإن خرج سيده بعده لم يرد عليه، وقضى أن السيد إذا خرج قبل العبد ثم خرج العبد، رد على سيده. ثم أورد حديث الشعبي المتقدم4، ثم قال: قال ابن المنذر: "وهذا قول كل من يحفظ من أهل العلم"5. وأورد ابن كثير: حديث الحجاج بن أرطأة ثم قال: "تفرد به أحمد6 ومداره على الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف، لكن ذهب الإمام أحمد إلى هذا فعنده أن كل عبد جاء من دار الحرب إلى دار الإسلام، عتق حكماً شرعياً مطلقاً عاماً، وقال آخرون: إنما كان هذا شرطا لا حكماً عاماً، ولو صح الحديث7 لكان التشريع العام أظهر، كما في قوله عليه السلام: "من قتل قتيلا فله سلبه8" 9.   1 هو عمر بن موسى بن وجيه الأنصاري الدمشقي، قال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال ابن عدي: هو ممن يضع الحديث متنا وإسنادا (ميزان الاعتدال 3/224) ووقع في مجمع الزوائد: عمر بن إبراهيم بن وجيه وهو خطأ. 2 أي الأحكام المأخوذة من هذه الغزوة. 3 انظر الحديث رقم (146) . 4 انظر: حديث (147) . 5 زاد المعاد 3/115، 503-504. 6 انظر الحديث رقم (146) . 7 يعني: حديث الحجاج بن أرطأة. 8 هذا الحديث متفق عليه من حديث أبي قتادة انظر الحديث رقم (62) . 9 ابن كثير: البداية والنهاية 4/347-348. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 قلت: هذا الحديث مداره على الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف. وضعفه آت من قبل تدليسه وقد عنعن1. قال الذهبي: "وأكثر ما نقم على الحجاج التدليس، وفيه تيه لا يليق بأهل العلم". وقال أيضاً: "كان حجاج يقول: أهلكني حب الشرف"2. إهـ. ومثله يتقوى حديثه بالمتابعات والشواهد، وقد جاء عند عبد الرزاق بإسناد صحيح ما يؤيد هذا الحديث في مسألة عتق عبيد المشركين، والحديث أيضاً عند البخاري وأبي داود ولا تعرض فيه لإسلام أو عدمه وإنما فيه مجرد نزول العبيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 3. وقد وردت أحاديث أخرى بأسانيد فيها الصحيح وغيره وهي دالة على ما دل عليه حديث الحجاج بن أرطأة، وقد تقدم سياق ذلك. وهذه الأحاديث نص في كون العبد إذا أسلم ولحق بالمسلمين قبل سيده صار حرا، ويرى الإمام أحمد ذلك حكما شرعيا بينما يراه الشافعي شرطا حيث قال: وإذا استأمن العبد من المشركين على أن يكون مسلما ويعتق فذلك للإمام، أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حصار ثقيف من نزل إليه من عبيد فأسلموا فشرط لهم أنهم أحرار فنزل إليه خمسة عشر عبدا من عبيد ثقيف فأعتقهم ثم جاء سادتهم بعدهم مسلمين، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردهم إليهم فقال: "هم أحرار لا سبيل عليهم، ولم يردهم" 4. قلت: يؤيد القائلين بأن هذا حكما لا شرطا ما رواه أبو داود والترمذي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهذا سياقه عند أبي داود:   1 وقد وضعه ابن حجر في المرتبة الرابعة من طبقات المدلسين، وهي المرتبة التي اتفق العلماء على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم، إلاّ بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل ص 8 و37. 2 ميزان الاعتدال 1/460. 3 انظر حديث (144) . 4 الشافعي: الأم 4/201. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 154- قال: حدثنا عبد العزيز1 بن يحيى الحراني، قال حدثني محمد2 - يعني ابن سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبان3 بن صالح بن منصور4 بن المعتمر عن ربعي5 بن حراش عن علي بن أبي طالب قال: "خرج عبدان6 إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني يوم الحديبية قبل الصلح فكتب إليه مواليهم، فقالوا: يا محمد والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك، وإنما خرجوا هربا من الرق، فقال ناس: صدقوا يا رسول الله، ردهم إليهم فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا وأبى أن يردهم، وقال: "هم عتقاء الله عز وجل" 7. والحديث فيه محمد بن إسحاق مدلس وقد عنعن. ورواه الترمذي من غير طريق ابن إسحاق لكن فيه سفيان8 بن وكيع ولفظه عن ربعي بن حراش قال أخبرنا علي بن أبي طالب بالرحبة9 قال: لما كان يوم   1 عبد العزيز بن يحيى بن يوسف البكائي - بفتح الباء والكاف المشددة - أبو الأصبغ الحراني، صدوق، ربما وهم من العاشرة (ت235) / د س (التقريب 1/513 وتهذيب التهذيب 6/362) . 2 محمد بن سلمة بن عبد الله الباهلي، ثقة (التقريب 2/166) . 3 أبان بن صالح بن عمير بن عبيد القرشي مولاهم وثقه جماعة، ووهم ابن حزم فجهله، وابن عبد البر فضعفه، من الخامسة (ت بضع عشرة ومائة) خت عم (المصدر السابق 1/30 و1/94) . 4 منصور بن المعتمر بن عبد الله السلمي، أبو عتاب - بمثناة ثقيلة ثم موحدة - الكوفي، ثقة ثبت، وكان لا يدلس، من طبقة الأعمش (ت 132) / ع (التقريب 2/276 الطبعة المصرية، وص 348 الطبعة الهندية، تهذيب التهذيب 10/312-315، وتذكرة الحفاظ: 1/142 وسير أعلام النبلاء 5/402 كلاهما للذهبي، والخلاصة للخزرجي 3/58، والمغني لابن طاهر الهندي ص 53، ووقع في التقريب بطبعتيه "أبو عثاب" بمثلثة ثقيلة، ولعله خطأ. 5 ربعي - بكسر أوله وسكون ثانية - ابن حراش - بكسر المهملة وآخره معجمة - أبو مريم العبسي، الكوفي، ثقة عابد مخضرم من الثانية (ت100) وقيل غير ذلك/ع (التقريب1/243وتهذيب التهذيب3/236-237والخلاصة للخزرجي 1/317) . والمغني لابن طاهر ص 20 و32. 6 عبدان: بكسر العين وضمها وسكون الباء، جمع عبد بمعنى المملوك (عون المعبود 7/368) . 7 أبو داود: السنن 2/59 كتاب الجهاد، باب في عبيد المشركين يلحقون بالمسلمين فيسلمون. 8 قال عنه ابن حجر في التقريب 1/312 كان صدوقا إلا أنه ابتلي بوراقه فادخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح فلم يقبل، فسقط حديثه. 9 الرحبة: أي: رحبة الكوفة والرحب فضاء وفسحة بالكوفة كان علي بن أبي طالب يقعد فيها لفصل الخصومات (المباركفوري: تحفة الأحوذي 10/217) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سهيل1 بن عمرو وأناس من رؤساء المشركين، فقالوا: يا رسول الله: خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا وليس لهم فقه في الدين، وإنما خرجوا فرارا من أموالنا وضياعنا2 فارددهم إلينا فإن لم يكن لهم فقه في الدين سنفقههم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر قريش لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم رقابكم بالسيف على الدين، وقد امتحن الله قلوبهم3 على الإيمان، قالوا: من هو يا رسول الله؟ فقال له أبو بكر: "من هو يا رسول الله، وقال عمر: من هو يا رسول الله؟ قال: "هو خاصف النعل، وكان أعطى عليا نعله يخصفها، قال: ثم التفت4 إلينا علي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار". ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث ربعي عن علي5. والحديث أخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن يحيى الحراني ثنا محمد بن سلمة الحراني عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح به. مثل لفظ أبي داود6.   1 سهيل بن عمرو بن عبد شمس القرشي، أحد أشراف قريش وعقلائهم وخطبائهم وساداتهم وهو الذي أرسلته قريش يوم صلح الحديبية للتفاوض مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. أسلم سهيل يوم الفتح، وروى عنه انه قال: والله لا أدع موقفا وقفته مع المشركين إلا وقفت مع المسلمين مثله، ولا نفقة أنفقتها مع المشركين إلا أنفقت على المسلمين مثلها لعل أمري أن يتلو بعضه بعضا، وموقفه من أهل مكة يوم الردة مشهور. توفي سهيل رضي الله عنه بالشام في طاعون عمواس سنة (18) ، وقيل استشهد باليرموك وقيل بمرج الصغر. (أسد الغابة: لابن الأثير 2/480 والإصابة لابن حجر 2/93-94) ومعجم البلدان 5/101. 2 الضياع: جمع ضيعة وهو ما يكون منه معاش الرجل كالصنعة والتجارة والزراعة وغير ذلك (النهاية لابن الأثير 3/108) . 3 قال المباركفوري: "قد امتحن الله قلوبهم: أي اختبرها، كذا وقع في بعض النسخ بجمع الضمير وهو راجع إلى قوله: ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا ووقع في بعض النسخ (قلبه) بإفراد الضمير وهو الظاهر، والضمير راجع إلى من (يخفصها) أي يخرزها من الخصيف وهو الضم والجمع (تحفة الأحوذي 10/218) . 4 قوله: ثم التفت إلينا علي فقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كذب علي" إلخ مقصود علي رضي الله عنه بالالتفات إليهم وذكر حديث "من كذب" على أنه قد سمع الحديث المذكور من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكذب عليه. (المصدر السابق 10/218) . 5 الترمذي: السنن 5/297-298 كتاب المناقب، باب المناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه. 6 السنن الكبرى 9/229. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 قال صاحب عون المعبود: "وإنما غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم عاضوا حكم الشرع فيهم بالظن والتخمين، وشهدوا لأوليائهم المشركين بما ادعوه أنهم خرجوا هرباً من الرق، لا رغبة في الإسلام وكان حكم الشرع فيهم، أنهم صاروا بخروجهم من ديار الحرب مستعصمين بعروة الإسلام لا يجوز ردهم إليهم، فكان معاونتهم لأوليائهم تعاوناً على العدوان1. 155- وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجة والبيهقي من حديث أبي الزبير2 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء عبد فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة، ولم يشعر أنه عبد، فجاء سيده يريده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "بعنيه" فاشتراه بعبدين أسودين3، ثم لم يبايع أحدا بعد، حتى يسأله: "أعبد هو؟ " 4. واللفظ لمسلم. قال الشافعي - رحمه الله -: "ولو كان الإسلام يعتقه لم يشتر منه حرا، ولكنه أسلم غير خارج من بلاد منصوب عليها الحرب"5. وخلاصة ما تضمنه الرويات السابقة أمور: الأول: أن من التدابير العسكرية الناجحة التي استخدمها المسلمون بتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم: الأمر بقطع أعناب ثقيف ونخيلهم وتحريقها إغاظة لهم وهزا لمعنوياتهم وكان في ذلك نكاية بالغة بهم، حتى طالبوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعها لله وللرحم، فلما بلغته مناشدتهم له بذلك، تركها، ولكن بعد أن أثر بدون شك في نفوس القوم وأضعف عزائمهم.   1 عون المعبود 7/368-369. 2 هو محمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير المكي. 3 والحديث فيه جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلا إذا كان يدا بيد، وهذا مما لا خلاف فيه، والخلاف في بيعه متفاضلا إذا كان نسيئة (تهذيب السنن لابن قيم الجوزية9/208-212 مع عون المعبود، وعون المعبود9/208 وتحفة الاحوذي 4/438. 4 مسلم: الصحيح3/1225 كتاب المساقاة، باب جواز بيع الحيوان من جنسه متفاضلا. والنسائي: السنن 7/135 كتاب البيعة، باب بيعة المماليك و7/257 كتاب البيوع باب بيع الحيوان بالحيوان يدا بيد متفاضلا. وابن ماجه: السنن 2/958 كتاب الجهاد، باب البيعة. البيهقي: السنن الكبرى 9/230. 5 المصدر السابق 9/230. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم حث المسلمين يومئذ على الرمي فقال: "من رمى بسهم في سبيل الله فله درجة في الجنة"، فكان في ذلك حافز قوي للمسلمين على التسابق في الرمي للفوز بدرجات عظيمة في الجنة حتى قال أحدهم: بلغت يومئذ ستة عشر سهما، وكانت تلك السهام الكثيرة، تنهال على ثقيف كالوابل الغزير فزلزل ذلك كفار ثقيف زلزالا شديدا وحصرهم في حصنهم وشل قدرتهم الدفاعية، حتى تركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الأمر، لا لعجز عن مناجزتهم، ولكن رأى أن ثقيفا مآلها الإسلام أو الاستسلام فقد أحيطت بالمسلمين من كل مكان فلماذا يتعرض جيش المسلمين لخسائر كبيرة في حصار مدينة حصينة مآلها إلى السقوط دون أية ضحايا، طال الوقت أم قصر؟ وهل بوسع الطائف أن تقاوم طويلا وحدها بعد أن دخلت مكة في الإسلام ودانت المناطق من حولها للمسلمين؟ وكيف تصرف إنتاجها الزراعي وكيف تقوم بتجاراتها وكل مواصلاتها مقطوعة؟ وقبل ذلك كله فقد جاء في بعض الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لم يأذن لي في فتح الطائف الآن، وأنه صلى الله عليه وسلم لما قال له أحد الصحابة: "ادع الله على ثقيف، فقال: الله اهد ثقيفا وائت بهم، فقد علم صلى الله عليه وسلم أن ثقيفا ستفيق من غفلتها وتستيقظ من سباتها وستأتي بنفسها تعلن ولاءها لرسول الله صلى الله عليه وسلم والانضمام تحت رايته وهذا الذي حصل بالفعل كما سياتي ذلك في مبحث إيفاد ثقيف. الثالث: ذلك النداء الموجه إلى العبيد الذين يعيشون تحت سيطرة سادات ثقيف "أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر"1 فما أن بلغهم هذا النداء الإسلامي حتى تسابقوا إلى المسلمين واحدا بعد آخر طلبا للحرية ورغبة في الخلاص من ظلم جبابرة الجاهلية فكانت مكافأتهم على هذه التضحية من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعتقهم وخلصهم من رق الجاهلية وأغلالها، وأسلموا وحسن إسلامهم وحسن إسلامهم وكان في ذلك إضعاف لشوكة ثقيف وخلخلة لصفوفهم من داخلها، وكان عدد العبيد الذين نزلوا من حصن الطائف ولحقوا بالمسلمين ثلاثة وعشرين عبدا2.   1 انظر حديث (151) والطبقات الكبرى لابن سعد 2/158-159. 2 انظر حديث رقم (144) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 المبحث الثالث: عدد القتلى من الفريقين في غزوة الطائف كان الجيش الإسلامي قد عسكر قريبا من حصن الطائف فأخذت ثقيف تقذف المسلمين بالنبال مما أدى إلى حدوث خسائر في صفوف المسلمين، فاضطر المسلمون إلى الانسحاب بعيدا عن مرمى النبال، ضرب المسلمون حصارهم الشديد على أهل الطائف فترة من الزمن 1، غير أن هذا الحصار لم يفت في عضد ثقيف حتى تستسلم، ذلك أن ثقيفاً قد استعدت قبل ذلك وأدخلت داخل حصنها ما يكفيها من الأقوات لمدة سنة، ولما طال مقام المسلمين في هذا الحصار حاولوا الهجوم على حصن الطائف ودك أسوار المدينة، فدخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة خشبية مغشاة بالجلود وزحفوا بها إلى جدار الطائف ليخرقوه، فأرسلت ثقيف على تلك الدبابة سكك الحديد محماة بالنار، فأحرقتها فانسحب المسلمون المحتمون بها من تحتها لئلا يحترقوا، فرمتهم ثقيف بالنبل بعد انكشافهم من حماية الدبابة، فقتلوا رجالا من المسلمين ممن كتب الله لهم الشهادة في سبيله. وفيما يلي الآثار الواردة في ذلك: 156- روى النسائي أخبرنا إسحاق2 بن إبراهيم قال: أنبأنا وكيع قال: حدثنا سعيد3 بن السائب عن رجل يقال له: عبيد الله4 بن معية قال: "أصيب   1 تقدم ذلك مبينا في مبحث حصار الطائف ص 278. 2 إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه، ووكيع: هو ابن الجراح. 3 سعيد بن السائب بن يسار الثقفي تقدم في حديث (90) ثقة، عابد. 4 عبيد الله بن معية - مصغرا، ويقال: عبد الله مكبرا، ويقال: عبيد بدون إضافة، من الثانية، حديثه مرسل / س (التقريب 1/453 وتهذيب التهذيب 6/41 وقال: قال ابن أبي حاتم عن أبيه: أدرك الجاهلية، وقال غيره ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه إبراهيم بن ميسرة وأثنى عليه أخيرا، وسعيد بن السائب. قال صالح بن أحمد عن أبيه: "عبيد الله بن معية ليس بمشهور بالعلم"، قال ابن أبي حاتم: "فذكرته لأبي فقال: هو كما قال". ثم قال ابن حجر: "وقع اسمه في سنن النسائي عبد الله مكبرا، وكذلك ذكره المؤلف هاهنا، وأما البخاري ويعقوب بن سفيان وغير واحد ممن بعدهم، فذكروا في عبيد الله مصغرا، قلت: في سنن النسائي الموجودة بأيدينا (عبيد الله مصغرا) وفي الإصابة 2/441 قال: عبيد الله بن معية - بفتح أوله وكسر ثانية وتشديد الياء التحتانية السوائي العامري من أهل الطائف، قال ابن السكن له صحبة ورواية، ويقال: إنه أدرك الجاهلية، وقال ابن منده: له صحبة، وقال أبو عمر: يقال: إنه شهد الطائف، وأخرج النسائي والبغوي من طريق وكيع عن سعيد بن السائب سمعت شيخاً من بني عامر أحد بني سواءة يقال له عبيد الله بن معية قال أصيب رجلان من المسلمين "الحديث"" (انظر الجرح والتعديل: لابن أبي حاتم 5/333، وتاريخ الفسوي 3/383 والاستيعاب 2/435، وأسد الغابة 3/398 و533 والبخاري: التاريخ الكبير 5/373 وقال: أردك الجاهلية، عن النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 رجلان من المسلمين يوم الطائف فحملا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أن يدفنا حيث أصيبا، وكان ابن معية ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم 1. ورواه ابن سعد فقال: أخبرنا وكيع بن الجراح وحميد2 بن عبد الرحمن الرواسي عن سعيد بن السائب الطائفي قال: سمعت شيخنا من بني سواءة أحد بني عامر بن صعصعة يقال له: عبيد الله بن معية. قال وكيع في حديثه: "وكان ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو قريبا من ذلك، وقال حميد: وكان قد أدرك الجاهلية، قال: قتل رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند باب بني سالم3 من الطّائف يوم الطّائف، فحملا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغه ذلك فبعث أن يدفنا حيث أصيبا أو حيث لقيا، فدفنا فيما بين مقتلهما وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبرا حيث لقيا" 4. ورواه ابن أبي شيبة فقال: حدثنا وكيع عن سعيد بن السائب به"5. والحديث فيه عبيد الله بن معية وقد ذكره ابن سكن وابن منده في الصحابة، وقال ابن عبد البر: "يقال: إنه شهد الطائف، ثم أورد له هذا الحديث وعلى هذا فيكون الحديث متصلا". لكن ابن حجر: "ذكر التقريب بأن عبيد الله من الثانية وأن حديثه مرسل فالله أعلم"6.   1 السنن 4/65 كتاب الجنائز، باب أين يدفن الشهيد. 2 حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي - بضم الراء بعدها همزة خفيفة - أبو عوف الكوفي، ثقة من الثامنة، (ت 189 أو 190 وقيل بعدها) / ع (التقريب 1/203 وتهذيب التهذيب 3/44) . 3 بنو سالم بطن من ثقيف سكن واد من روافد لية الجنوبية. معجم قبائل الحجاز للبلادي ص 196. 4 الطبقات الكبرى 5/517. 5 تاريخ ابن أبي شيبة ص 86 و87.أرقم 665. 6 الاستيعاب 2/331 و435 و439 وأسد الغابة 3/398و533و548 وتهذيب التهذيب 6/41 والتقريب 1/453 والإصابة2/441) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 ما رواه ابن سعد: أخبرنا عمرو1 بن عاصم الكلابي، أخبرنا أبو الأشهب2 أخبرنا الحسن3 قال: حاصر رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - أهل الطائف، قال فرمى رجل4 من فوق سورها فقتل" 5 والحديث إسناده حسن وهو مرسل. ما رواه البيهقي عن عروة بن الزبير في حصار الطائف، فحاصرهم بضع عشرة ليلة، وقاتلته ثقيف بالنبل والحجارة، وهم في حصن الطائف وكثرت القتلى في المسلمين، وفي ثقيف" الحديث6. والحديث مرسل، وفيه محمد7 بن عمرو بن خالد أبو علاثة. ما أخرجه ابن إسحاق قال: "حدثني عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى الطائف نزل قريبا من حصن الطائف فضرب به عسكره فقتل ناس من أصحابه بالنبل، وذلك أن العسكر اقترب من حصن طائف، فكانت النبل تنالهم" الحديث وفيه أيضا: " حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف ليخرقوه، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديدة محماة بالنار، فخرجوا من تحتها، فرمتهم ثقيف بالنبل فقتلوا منهم رجالا" 8. وقد ورد تسميتهم عند ابن إسحاق فقال:   1 عمرو بن عاصم بن عبيد الله الكلابي، صدوق تقدم في حديث (71) . 2 هو جعفر بن حيان - بمفتوحة وشدة مثناة تحت - السعدي، أبو الأشهب العطاردي - بضم العين وفتح الطاء المهملتين، وبعد الألف راء ودال مهملتان مكسورتان - البصري، مشهور بكنيته، ثقة من السادسة (ت165) /ع (التقريب1/130وتهذيب التهذيب2/88واللباب في تهذيب الأنساب2/345،والمغني لمحمد طاهر الهندي ص 25 و57) . 3 هو الحسن بن أبي الحسن البصري، الأنصاري مولاهم ثقة فقيه فاضل مشهور وكان يرسل كثيرا ويدلس، وهو رأس أهل الطبقة الثالثة (ت110) / ع (التقريب 1/165 وتهذيب التهذيب 2/263) . 4 وعند الواقدي 3/930: أن رجلا من المسلمين من مزينة رمى أبا محجن الثقفي، فلم يصنع شيئا، فرماه أبو محجن فقتله. 5 الطبقات الكبرى لابن سعد2/159 وسيأتي سياق الحديث تاما مع الحكم عليه برقم (167) . 6 السنن الكبرى 9/84. وتقدم برقم (137) . 7 لم أجد ترجمته. 8 سيرة ابن هشام 2/482-483، ودلائل النبوة للبيهقي 3/48أوقد تقدم الحديث بتمامه مع الحكم عليه برقم (133) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 157- وهذه تسمية من استشهد من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف: من قريش، ثم من بني أمية بن عبد شمس: سعيد1 بن سعيد بن العاص بن أمية وعرفطة2بن جناب، حليف لهم، من الأسد3بن الغوث. ومن بني تيم بن مرة: عبد الله4 بن أبي بكر الصديق، رمى بسهم، فمات منه بالمدينة، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. ومن بني مخزوم: عبد الله5 بن أبي أمية بن المغيرة، من رمية رميها يومئذ.   1 هو ابن عبد شمس القرشي أخو أبان وخالد وعمرو أولاد أبي أحيحة، كان إسلامه قل فتح مكة بيسير، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على سوق مكة، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف خرج معه، فاستشهد يومئذ. 2 عرفطة - بضم المهملة وسكون الراء وضم الفاء وطاء مهملة - ابن جناب بجيم ونون خفيفة الأزدي، وعند ابن هشام وموسى بن عقبة ابن (حباب) بضم المهملة وخفة الموحدة - وهو حليف بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. 3 وهو الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ، ويقال فيه: أسد بالسين الساكنة. 4 هو شقيق أسماء بنت أبي بكر، ثبت ذكره في صحيح البخاري في قصة الهجرة عن عائشة قالت: وكان عبد الله بن أبي بكر يأتيهما بأخبار قريش وهو غلام شاب فطن فكان يبيت عندهما ويخرج من السحر فيصبح مع قريش وقال ابن عبد البر: وكان إسلامه قديما ولم يسمع له بمشهد إلا شهوده الفتح وحنينا والطائف فرماه أبو محجن الثقفي بسهم فدمل جرحه حتى انتقض به فمات منه في أول خلافة أبيه وذلك سنة إحدى عشرة فيما ذكر الواقدي (انظر: الاستيعاب 2/8 و2/258 و3/155 وأسد الغابة2/390 و3/188 و299 و4/25 والإصابة:2/47 و283 و475 وشرح المواهب اللدنية 3/30) . 5 عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي القرشي أخو أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم من أبيها وابن عمة رسول الله عاتكة بنت عبد المطلب، كان أبوه من أجواد قريش، وكان عبد الله ابن أبي أمية شديدا على المسلمين، وهو الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً} . [سورة الإسراء، الآيتان: 90-91] . ثم هداه الله للإسلام فهاجر هو وأبو سفيان بن الحارث ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيل الفتح فلقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرف مكة فالتمسا الدخول عليه صلى الله عليه وسلم فمنعهما، فكلمته أم سلمة فيهما، فقالت: يا رسول الله، ابن عمك - تعني أبا سفيان، وابن عمتك وصهرك - تعني عبد الله -، فقال: لا حاجة لي بهما، أما ابن عمي فهتك عرضي، وأما ابن عمتي فقال لي بمكة ما قال، ثم أذن لهما، فدخلا عليه، فأسلما، وحسن إسلامهما، وشهد عبد الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة مسلما وحنينا والطائف ورمي من الطائف بسهم فقتله، ومات يومئذ. له ذكر في الصحيحين من طريق زينب بنت أبي سلمة عن أمها أم سلمة قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وعندي مخنث فسمعه يقول: لعبد الله بن أبي أمية، إن فتح الله عليكم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل هؤلاء عليكن" الحديث انظر رقم (241) (الاستيعاب 2/262، وأسد الغابة 3/177 والإصابة 2/277، وشرح المواهب اللدنية 3/30) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 ومن بني عدي بن كعب: عبد الله1بن عامر بن ربيعة حليف لهم. ومن بنى سهم بن عمرو: السائب2 بن الحارث بن قيس بن عدي، وأخوه عبد الله بن الحارث. ومن بني سعد بن ليث: حجيلة3 بن عبد الله. واستشهد من الأنصار: من بني سلمة: ثابت4 بن الْجَذَع. ومن بني مازن بن النجار: الحرث5 بن سهل بن صعصعة.   1 عبد الله بن عامر بن ربيعة بن مالك بن عامر العنزي - بسكون النون - حليف بني عدي بن كعب، ثم حليف الخطاب والد عمر بن الخطاب، وهو من عنز بن وائل، أخي بكر بن وائل، القبيلة المشهورة من ربيعة ابن نزار. وقيل: هو من مذحج من اليمن، وعبد الله هذا هو الأكبر صحب هو وأبوه رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستشهد يوم الطائف وهو مع رسول الله وله أخ يقال له: عبد الله بن عامر وهو الأصغر له رؤية قيل توفي رسول الله وله أربع سنين، وقيل خمس سنين. 2 السائب بن الحارث بن قيس بن عدي (وقال ابن إسحاق والواقدي: ابن عدي بن سعيد بدل (سعد) بن سهم القرشي السهمي، أحد السابقين إلى الإسلام هاجر إلى الحبشة هو وأخوه عبد الله بن الحارث واستشهد هو وأخوه عبد الله بالطائف فيما ذكره ابن إسحاق والواقدي والزبير بن بكار وجماعة. وذكر موسى بن عقبة ومعمر بن راشد عن الزهري أن السائب جرح يوم الطائف وأنه عاش بعد ذلك إلى أن استشهد بالأردن يوم فحل - بكسر الفاء وسكون الحاء - في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة أول خلافة عمر بن الخطّاب، وقال ابن الكلبي: كانت وقعة فحل سنة أربع عشرة. وأما عبد الله بن الحارث فذكر ابن إسحاق والزبير بن بكار أنه استشهد يوم الطائف وقيل: إنه قتل يوم اليمامة شهيدا هو وأخوه أبو قيس، وقد انقرض بنو الحارث بن قيس بن عدي (الاستيعاب 2/102 و279 و357 وأسد الغابة 2/312 و3/206 و286 والإصابة 2/ 8 و292 و329. 3 جليحة - بضم الجيم وفتح اللام وسكون التحتانية وحاء مهملة - ابن عبد الله بن محارب بن ناشب بن غيرة- بكسر الغين المعجمة، وفتح الياء تحتها نقطتان، ثم راء وهاء - ابن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة، والليثي، ذكره ابن إسحاق والواقدي فيمن استشهد بالطائف وهو مع رسول الله. وقيل: في جده "الحارث" بدل (محارب) . 4 ثابت بن الجذع - بفتح المعجمة وبالمهملة - واسم الجذع: ثعلبة ابن زيد بن الحارث ابن حرام - بفتح الحاء المهملة وبالراء - ابن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة - بكسر اللام، السلمي شهد العقبة وبدراً والمشاهد كلها، وقتل يوم الطائف شهيدا. 5 الحارث بن سهل بن أبي صعصعة الأنصاري من مازن بن النجار استشهد يوم الطائف، لا تعرف له رواية، قال ابن الأثير: "هكذا الحارث بن سهل ذكره يونس ابن بكير، وزياد البكائي، وسلمة الأبرش الجميع عن ابن إسحاق، وقال أبو جعفر النفيلي عبد الله بن محمد عن محمد بن سلمة الباهلي عن ابن إسحاق: حباب بن سهل بدل (الحارث) ". وقال ابن حجر: "ويحتمل أن يكونا أخوين"، (الاستيعاب 1/190و307، وأسد الغابة 1/ 265 و348 و396 والإصابة1/190 و242 و280 وشرح المواهب اللدنية 3/30) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 ومن بني ساعدة: المنذر1 بن عبد الله. ومن الأوس: رُقَيم2 بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان بن معاوية. فجميع من استشهد بالطائف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلا: سبعة3 من قريش، وأربعة4 من الأنصار، ورجل5 من بنيليث6 هكذا ساقه ابن إسحاق بدون إسناد. 158- وممن أصيب في هذه الغزوة أبو سفيان بن حرب فقد فقئت عينه، وذلك فيما رواه ابن الزبير بن بكار عن سعيد7 بن عبيد الثقفي قال: "رميت أبا سفيان يوم الطائف فأصبت عينه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه عيني أصيبت في سبيل الله، فقال: "إن شئت دعوت الله فردت عليك وإن شئت فالجنة، فقال: الجنة" 8.   1 المنذر بن عبد الله بن قوال بن وقش بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة الأنصاري الخزرجي الساعدي، ذكره ابن إسحاق والواقدي، فيمن استشهد يوم الطائف، لكن عند الواقدي المنذر بن عبد بدون إضافة، وسمى ابن عبد البر: أباه عبادا ثم أعاده في المنذر بن عبد الله، ثم قال: هو المنذر بن عباد فيما أظن. 2 رقيم- بضم الراء وفتح القاف، ولوذان: بضم اللام وسكون الواو وذال معجمة- أبو ثابت الأنصاري، الأوسي، كذا نسبه أبو نعيم وابن منده. وقال الكلبي بعد ثعلبة: "ابن أكال بن الحارث بن أمية بن معاوية بن مالك بن عوف، استشهد يوم الطائف في قول ابن إسحاق وعروة وموسى بن عقبة وابن الكلبي وابن شهاب". وذكره الواقدي: فيمن استشهد في حنين (الاستيعاب 2/533 و3/460) وأسد الغابة 2/235 و5/268 والإصابة 2/520 و3/460 وشرح المواهب اللدنية 3/24 و30. وفي مجمع الزوائد 6/190 (رقيب) بالباء الموحدة، والصواب (رقيم) بالميم. 3 هم: سعيد بن سعيد بن العاص، وعرفطة بن جناب، وعبد الله بن أبي بكر وعبد الله ابن أبي أمية، وعبد الله بن عامر، والسائب بن الحارث وأخوه عبد الله بن الحارث بما فيهم حلفاؤهم. 4 هم: الحارث بن سهل، والمنذر بن عبد الله، ورقيم بن ثابت وثابت بن الجذع. 5 هو: جليحة بن عبد الله، وقد تقدم بيان ذلك. 6 سيرة ابن هشام 2/486-487 وتاريخ خليفة ص 90-92 وتاريخ الطبري 3/85 وجوامع السيرة لابن حزم ص 243-244 والروض الأنف 7/239 والبداية والنهاية 4/351 وتاريخ الخميس 2/112 والسيرة الحلبية 3/78 وشرح المواهب 3/30، ومغازي الواقدي 3/922 و938 إلا أنه جعل. (يزيد بن زمعة بن الأسود) بدل (رقيم بن ثابت) أما ابن إسحاق فذكر يزيد من شهداء حنين، وانظر مجمع الزوائد 6/190. 7 سعيد بن عبيد بن أبي أسيد بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العزى بن غيرة بن عوف ابن ثقيف الثقفي جد إسماعيل بن طريح الشاعر، (الإصابة 2/49) . 8 الإصابة 2/179 وشرح المواهب 3/33-34 والسيرة الحلبية 3/77. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 وأخرجه ابن عساكر من طريق سعيد بن عبيد ربه. ولفظه: "قال رأيت أبا سفيان بن حرب يوم الطائف قاعدا في حائط أبي يعلى يأكل فرميته فأصبت عينه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذه عيني أصيبت في سبيل الله" الحديث 1. وأورده السيوطي فقال: أخرج الزبير بن بكار وابن عساكر من طرق عن سعيد بن عبيد الثقفي، ثم ساق هذا الحديث2. قال الزرقاني: "وفي هذا قوة إيمان أبي سفيان وثبات يقينه بعدما كان من المؤلفة"3. وقد جاء عند ابن مندة خلاف هذا، وذلك أنه جعل أبا سفيان بن حرب هو الذي رمى سعيد بن عبيد ففقأ عينه. قال ابن حجر: "روى ابن مندة من طريق إسماعيل بن طريح حدثني أبي عن جدي أن أبا سفيان رمى سعيد بن عبيد جده يوم الطائف بسهم فأصاب عينه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله إن هذه عيني أصيبت في سبيل الله، فقال: إن شئت دعوت الله فرد عليك عينك، وإن شئت فعين في الجنة، قال: عين في الجنة". ثم قال ابن مندة: "وهذا غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه". قال ابن حجر: "قلت: فيه لفظة منكرة، فإن أبا سفيان في حصار الطائف كان مسلما فكيف يرمي سعيدا إن كان سعيدا مسلما، وأظن الصواب: أن أبا سفيان رماه سعيد". ويؤيد ذلك ما أخرجه الزبير بن بكار من هذا الوجه فقال عن سعيد بن عبيد قال: رأيت أبا سفيان يوم الطائف قاعدا في حائط يأكل فرميته فأصبت عينه، فذكر الحديث.   1 كنْز العمال 10/262 ومنتخب كنز العمال 4/172 مع المسند. 2 الخصائص الكبرى 2/92. 3 شرح المواهب اللدنية 3/34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 وروى ابن عائذ1 عن الوليد2 عن سعيد3 بن عبد العزيز أن عين أبي سفيان أصيبت يوم الطائف. 159- وروى أبو الفرج4 الأصبهاني من طريق أسامة5 بن زيد الليثي عن القاسم6 بن محمد قال: لم يزل السهم الذي أصاب عبد الله بن أبي بكر عند أبي بكر حتى قدم وفد الطائف فأراهم إياه فقال سعيد بن عبيد: هذا سهمي أنا بريته وأنا رميت به، فقال أبو بكر: الحمد لله الذي أكرمه بيدك ولم يهنك بيده7. ثم قال ابن حجر: "وله طريق أخرى في ترجمة عبد الله بن أبي بكر، فثبتت بذلك صحبة سعيد بن عبيد، وتحررت الرواية الأولى، ولله الحمد"8. وفي الصحيحين وغيرهما أن المسلمين في حصار الطائف قاتلوا ثقيفا قتالا شديدا حتى كثرت الجراحات في المسلمين 9. فهذا الحديث صريح في أن المسلمين نالهم في هذا الحصار جراحات شديدة، وقد قتل بعضهم كما ورد ذلك في كتب التواريخ وغيرها، وقد تقدم بيان ذلك وهذا ما يتعلق بإصابة المسلمين في هذه الغزوة.   1 هو محمد بن عائذ تقدم في ص 414. 2 الوليد: هو ابن مسلم القرشي الدمشقي ثقة، لكنه كثير التدليس والتسوية تقدم في حديث (118) . 3 سعيد بن عبد العزيز التنوخي - بفتح التاء وضم النون المخففة - الدمشقي ثقة إمام، سواه أحمد بالأوزاعي وقدمه أبو مسهر على الأوزاعي، ولكنه اختلط في آخر عمره، من السابعة (ت 167) وقيل بعدها / خ م ع التقريب 1/301 وتهذيب التهذيب 4/59) . 4 هو علي بن الحسين بن محمد أبو الفرج الأصبهاني الأموي، صاحب كتاب الأغاني، قال الذهبي: شيعي، وهذا نادر في أموي، كان إليه المنتهى في معرفة الأخبار وأيام الناس، والشعر والغناء والمحاضرات يأتي بأعاجيب بحدثنا وأخبرنا، وكان طلبه في حدود الثلاثمائة فكتب ما لا يوصف كثرة حتّى لقد اتهم. والظاهر أنه صدوق (284-356) ميزان الاعتدال 3/123، وانظر تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 11/398 ولسان الميزان لابن حجر 4/221) . 5 أسامة ابن زيد الليثي مولاهم، أبو زيد المدني، صدوق يهم، من السابعة (ت 153) خت م ع (التقريب 1/53 وتهذيب التهذيب 1/208-210) . 6 القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي، ثقة أحد الفقهاء بالمدينة قال أبو أيوب: ما رأيت أفضل منه، من كبار الثالثة (106) على الصحيح / ع (التقريب 2/120 وتهذيب التهذيب 8/333) . 7 عند الواقدي في المغازي 3/930: أن الذي رمى عبد الله بن أبي بكر هو أبو محجن الثقفي، وانظر السنن الكبرى للبيهقي 9/98. 8 ابن حجر: الإصابة 2/49-50 و179، و283، وانظر كنز العمال 10/361 ومنتخب كنز العمال 4/172 مع المسند. 9 سيأتي تخريج الحديث برقم (169) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 وأما ما يتعلق بإصابات المشركين في الأرواح وغيرها، فقد تقدم في حديث عروة بن الزبير قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر الطائف بضع عشرة ليلة، وقاتلته ثقيف بالنبل والحجارة وهم في حصن الطائف، وكثرت القتلى في المسلمين، وفي ثقيف" 1. فهذا الأثر صريح في أن القتل كثر في المشركين أيضا، غير أن المصادر الموجودة بأيدينا لم تنص إلا على ثلاثة فقط وفيما يلي ما ذكره العلماء في هذا الصدد: 160- أخرج أبو داود في كتاب المراسيل عن عكرمة قال: لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف أشرفت امرأة فكشفت قبلها فقالت: هادونكم فارموا فرماها رجل من المسلمين فما أخطأ ذلك منها. وفي رواية "فما أخطأ أن قتلها، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توارى" 2. وعند الواقدي: "أن أهل الطائف أخرجوا امرأة ساحرة، فاستقبلت الجيش بعورتها وذلك حين نزل النبي صلى الله عليه وسلم يدفعون بذلك عن حصنهم"3. فلعل هذه المرأة الساحرة هي الواردة في حديث عكرمة. 161- ما أخرجه الواقدي أن يزيد4 بن زمعة بن الأسود خرج على فرس له فسأل ثقيفا الأمان يريد يكلمهم، فأعطوه الأمان، فلما دنا منهم رموه بالنبل فقتلوه. وخرج هذيل بن أبي الصلت أخو أمية5 بن أبي الصلت من باب الحصن، ولا يرى عنده أحدا، ويقال: إن يعقوب6 بن زمعة كمن له فأسره حتى أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "قاتل أخي يا رسول الله! فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتى به إليه، فأمكنه النبي صلى الله عليه وسلم فضرب عنقه" 7.   1 انظر الحديث رقم (137) . 2 أبو داود: كتاب المراسيل ص 37. 3 مغازي الواقدي 3/926. 4 هذا على قول الواقدي أن يزيد استشهد في الطائف وذكره ابن إسحاق فيمن استشهد في حنين. 5 هو أمية بن أبي الصلت الثقفي الشاعر المشهور، وهو الذي صدقه النبي صلى الله عليه وسلم في شعره حيث قال: قد كاد أمية أن يسلم قال ابن حجر:"لم يختلف أصحاب الأخبار أنه مات كافرا، وصح أنه عاش حتى رثى أهل بدر" (الإصابة 1/129) . 6 يعقوب بن زمعة الأسدي (الإصابة 3/668) . 7 مغازي الواقدي 3/926. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 162- ما أخرجه الواقدي أيضا: "أن رجلا من المشركين كان يقوم على حصن الطائف فيقول: "روحوا رعاء الشاء! روحوا جلابيب محمد! "1. أترون نتباءس على أحبل2 أصبتموها من كرومنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم روح مروحا إلى النار". قال سعيد بن أبي وقاص: "فأهوى له بسهم فوقع في نحره، وهوى من الحصن ميتا، قال: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد سر بذلك" 3. هذا ما ذكرته المصادر عن قتلى المشركين، وقد ظهر من النصوص السابقة أن هذه الغزوة كانت من المواقع الشديدة بين المسلمين والمشركين، وقد أصيب المسلمون فيها بجراحات شديدة واستشهد عدد من الصحابة وقد وقع لثقيف المحاصرة قتل في الأرواح وحرق لثمارهم واشتد بأس المسلمين عليهم، واستمر حصارهم مدة من الزمن غير يسيرة4، وعلى الرغم من ذلك كله لم تلن قناة المشركين من ثقيف ولم يستسلموا حتى تركهم المسلمون على ما هم عليه من عدم استسلامهم للمسلمين كما سنوضح ذلك في المبحث الآتي:   1 جلابيب: لقب من كان أسلم من المهاجرين، لقبهم بذلك المشركون، وأصل الجلابيب الأزر الغلاظ كانوا يلتحفون بها، فلقبوهم بذلك (لسان العرب 1/265-266) . 2 أحبل: جمع حبلة - بفتح الحاء والباء- وهي الأصل أو القضيب من شجر الأعناب، والكروم: العنب (ابن الأثير: النهاية 1/334) . 3 مغازي الواقدي 3/929-930. 4 تقدم الخلاف في مدة الحصار في مبحث (حصار الطائف) (278) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 المبحث الرابع: فك الحصار عن الطائف والعودة إلى الجعرانة كانت مدة حصار الطائف تتراوح ما بين بضعة عشر يوما إلى أربعين يوما كما مر توضيح ذلك1. وفي أثناء هذا الحصار كانت المفاوضة مستمرة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل الطائف. 163- فقد روى ابن عساكر2 عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: لقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف حنظلة3 بن الربيع إلى أهل الطائف فكلمهم فاحتملوه ليدخلوه حصنهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لهؤلاء وله مثل أجر غزاتنا هذه"، فلم يقم إلا العباس بن عبد المطلب حتى أدركه في أيديهم قد كادوا أن يدخلوه الحصن فاحتضنه العباس، وكان رجلاً شديداً، فاختطفه من أيديهم وأمطروا على العباس الحجارة من الحصن، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له حتى انتهى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم 4. وذكر ابن الأثير وابن حجر عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حنظلة بن الربيع إلى أهل الطائف يقول لهم أتريدون الصلح أم لا؟ 5.   1 في مبحث حصار الطائف. (278) . 2 ابن عساكر: هو الإمام الحافظ الكبير محدث الشام فخر الأئمة ثقة الدين أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي الشافعي صاحب التصانيف (التاريخ الكبير) (499-571) (تذكرة الحفاظ للذهبي 4/1328و1333) . 3 حنظلة بن الربيع بن صيفي - بفتح المهملة بعدها تحتانية ساكنة - التميمي الأسيدي - بضم الهمزة وفتح السين المهملة وكسر المثناة التحتنية المشددة - أبو ربعي المعروف بحنظلة الكاتب لأنه ممن كتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أخي أكثم بن صيفي حكيم العرب، وهو القائل لأبي بكر الصديق نافق حنظلة (مات بعد علي معتزلا للفتنة) (أسد الغابة 2/65، واللباب 1/61 كلاهما لابن الأثير وتهذيب التهذيب 3/60 والإصابة 1/359 والتقريب 1/206 كلها لابن حجر) . 4 كنْز العمال 10/361-362 ومنتخب كنز العمال 4/172 مع مسند أحمد كلاهما لعلاء الدين المتقي الهندي. 5 أسد الغابة 2/65 والإصابة 1/359 وتهذيب التهذيب 3/60. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 وعند ابن إسحاق أيضا من حديث عمرو بن شعيب قال: وتقدم أبو سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة إلى الطائف فناديا ثقيفاً: أن أمنونا1 حتى نكلمكم فأمنوهما، فدعوا نساء من نساء قريش وبني كنانة ليخرجن إليهما، وهما2 يخافان عليهن السباء، فأبين، منهن3: أمنة4 بنت أبي سفيان، كانت عند عروة بن مسعود، له منها داود بن عروة، والفراسية بنت سويد بن عمرو بن ثعلبة5، لها عبد الرحمن6 بن قارب. والفقمية7 أميمة بنت الناسئ8 أمية بن قلع، فلما أبين عليهما قال لهما ابن الأسود بن مسعود: "يا أبا سفيان ويا مغيرة، ألا أدلكما على خير مما جئتما له، إن مال بني   1 وعند الوقدي: 3/929 فقالا: أمنوا حتى نتكلم. 2 وعند الواقدي: "وهم يخافون السباء". 3 وعند الواقدي: منهم ابنة أبي سفيان بن حرب". 4 قال ابن هشام: "ويقال إن أم داود ميمونة بنت أبي سفيان، وكانت عند أبي مرة بن عروة بن مسعود فولدت له داود بن أبي مرة"، وكذا سماها ابن سعد وقال ابن حجر: "آمنة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية، ذكرها ابن إسحاق في غزوة الطائف وهي: أميمة بالتصغير، وكانت تحت صفوان بن أمية" (سيرة ابن هشام 2/483 والطبقات الكبرى لابن سعد 8/240، والإصابة لابن حجر 4/225 و241 و358) . 5 عند الواقدي: كانت عند قارب بن الأسود، لها منه عبد الرحمن بن قارب. 6 عبد الرحمن بن قارب بن الأسود الثقفي، تابعي أرسل حديثا فذكره بعضهم في الصحابة. وأخرج من طريق أبي أوبيس عن إسحاق عن عبد الله بن مكرم عن عبد الرحمن بن قارب في قصة وفد ثقيف. قال البخاري وأبو حاتم: "هو مرسل". قال ابن حجر: "قلت: وقد تقدم في الربيع بن قارب أنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فحمله على ناقة وكساه برداء وسماه عبد الرحمن، فإن يكن هو هذا فالحكم على أن حديثه مرسل، وأنه تابعي مردود وإن يكن غيره فلا إشكال، ويريد بالمغايرة أن هذا ثقفي، وهذا عبسي، والله أعلم" (الإصابة 1/505 و2/418 و3/154) . 7 وعند الواقدي: وامرأة أخرى، ولم يسمها. 8 النسيء: التأخير من تأخير الشهور بعضها إلى بعض: قال ابن إسحاق: "وكان أول من نسأ الشهور على العرب، فأحلت منها ما أحل، وحرمت منها ما حرم - القلمس وهو حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بن عامر ابن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة، ثم قام بعده على ذلك ابنه عباد ابن حذيفة، ثم قام بعد عباد: قلع بن عباد، ثم قام بعد قلع أمية بن قلع، ثم قام بعد أمية: عوف بن أمية، ثم قام بعد عوف: أبو ثمامة جنادة بن عوف، وكان آخرهم وعليه قام الإسلام، وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه، فحرم الأشهر الأربعة: رجب وذا القعدة وذا الحجة، والمحرم فإذا أراد أن يحل منها المحرم فأحلوه، وحرم مكانه صفر فحرموه إلخ" (سيرة ابن هشام 1/44) . وأبو ثمامة هذا ذكره ابن حجر في الإصابة ونقل عن السهيلي أنه وجد له خبرا يدل على إسلامه (الإصابة 1/246-247 و4/30 و1/67 بناء على أنه قيل في اسمه أمية ذكره في القسم الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 الأسود بن مسعود حيث علمتما وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين الطائف نازلا بواد يقال له العقيق"1. إنه ليس بالطائف مال أبعد رشاء ولا أشد مؤنة ولا أبعد عمارة من مال بني الأسود، وإن محمدا إن قطعه لم يعمر أبدا، فكلماه فليأخذه لنفسه أو ليدعه لله والرحم، فإن بيننا وبينه من القرابة ما لا يجهل، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه لهم. وأخرج البيهقي من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال: استأذن عيينة2 بن حصن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي أهل الطائف يكلمهم لعل الله أن يهديهم،   1 في القاموس المحيط 3/266: العقيق موضع بالمدينة، وباليمامة وبالطائف وبتهامة وبنجد، وستة مواضع أخر وعند الواقدي: بواد يقال له العمق. قال ياقوت: "عمق - بفتح أوله وسكون ثانيه، وآخره قاف - واد من أودية الطائف نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حاصر الطائف، وفيه بئر ليس بالطائف أطول رشاء منه (معجم البلدان 4/156) . وقال البلادي في معجم المعالم الجغرافية ص 213-214 و216: "إذا كان يقصد نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء حصار الطائف فإنه لم يكن بالعقيق، وإنما كان بين الطائف ووج، والطائف أنذاك كان إلى الجنوب مما يعرف اليوم بباب الربع إلى جنوب غربي مسجد ابن عباس. وقد نصت نصوص كثيرة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نازلا في موضع مسجد عبد الله بن عباس اليوم، أما العقيق فواد إلى الشمال من الطائف، ويعرف بعقيق الطائف، وهو اليوم داخل فيها، ولا يمكن أن ينْزل العقيق من يريد حصار الطائف، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء من الشمال ثم طوق الطائف من الجنوب، وذلك ليحيل بين ثقيف وبين مددهم من بني نصر القانطنين شرق وجنوب الطائف، وبين ثقيف أيضا وبين أموالهم في لية وما حولها. وقد علمنا أن العقيق في شمال الطائف ولو أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيه لما تجشم هذا التطويق الذي استلزم مدة ويومين على الأقل، ولكن يظهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما انسحب عن الطائف نزل العقيق، وكان مال بني الأسود لعله بوادي (لقيم) أو قربه فخافت ثقيف أن يقطع نخلة، وبهذا تستقيم الرواية، إذ أن رسول الله عندما انسحب كان طريقه على دحنا إلى الجعرانة وهذا يقضي أن يكون سلك من الطائف على أسفل العقيق ثم على لقيم ثم على دحنا ثم على الثنايا ثم على حنين ثم على الجعرانة". 2 عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية - بالجيم مصغرا - بن لوذان ابن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بفيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان أبو مالك الفزاري، يقال: كان اسمه حذيفة فلقب عيينة لأنه كانت أصابته شجة فجحضت عيناه قال ابن السكن: له صحبة، وكان من المؤلفة، ولم يصح له رواية أسلم قبل الفتح وشهدها وشهد حنينا والطائف، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني تميم فسبى بعض بني العنبر، ثم كان ممن ارتد في عهد أبي بكر الصديق، ومال إلى طليحة فبايعه ثم عاد إلى الإسلام، وكان فيه جفاء سكان البوادي. دخل مرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون إذن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين الإذن؟ " فقال: ما استأذنت على أحد من مضر". كان عيينة في الجاهلية يقود عشرة آلاف مسلح، وهو عم الحر بن قيس الرجل الصالح، ولعيينة بن حصن مواقف مع عمر بن الخطاب ومع عثمان ومواقفة في الإسلام غير محمودة وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحمق المطاع. (الاستيعاب 3/167، وأسد الغابة 4/331، والإصابة 3/54) . وانظر ترجمة الحر بن قيس في أسد الغابة لابن الأثير وأنه جاء إلى المدينة مع وفد بني فزارة بعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 فأذن له فأتاهم فقال: "تمسكوا بمكانكم والله لنحن أذل من العبيد، وأقسم بالله لو حدث به1 حدث لتملكن العرب عزا ومنعة فتمسكوا بحصنكم وإياكم أن تعطوا بأيديكم، ولا يتكاثرن عليكم قطع هذه الشجر، ثم رجع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا قلت لهم؟ قال: قلت لهم وأمرتهم بالإسلام ودعوتهم إليه وحذرتهم النار ودللتهم على الجنة. قال: "كذبت بل قلت لهم كذا وكذا. فقال: صدقت يا رسول الله أتوب إلى الله وإليك من ذلك" 2.. والحديث أخرجه أبو نعيم وفي كليهما محمد3 بن عمرو بن خالد الحراني أبو علاثة. وأخرجه الواقدي ولفظه: وقال عيينة: "يا رسول الله، ائذن لي حتى آتي حصن الطائف فأكلمهم، فأذن له، فجاءه فقال: أدنو منكم وأنا آمن؟ قالوا: نعم، وعرفه أبو محجن4 فقال: إذن فدنا فقال: ادخل فدخل عليهم الحصن، فقال فداؤكم أبي وأمي! والله لقد سرني ما رأيت منكم والله لو أن في العرب أحدا غيركم! والله ما لاقى محمد مثلكم قط، ولقد مل المقام، فاثبتوا في حصنكم، فإن حصنكم حصين، وسلاحكم كثير، وماءكم واتن5 لا تخافون قطعه! قال: فلما خرج قالت ثقيف لأبي محجن فإنا كرهنا دخوله، وخشينا أن يخبر محمدا بخلل إن رآه في حصننا، وقال أبو محجن: أنا كنت أعرف له، ليس منا أحد أشد على محمد منه وإن كان معه، فلما رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ما قلت لهم؟   1 الضمير في (به) يرجع لرسول الله صلى الله عليه وسلم. 2 البيهقي: دلائل النبوة 3/48 أ- ب وأبو نعيم: دلائل النبوة ص 464 وابن كثير: البداية والنهاية 4/348-349 والسيوطي: الخصائص الكبرى 2/97، وانظر حديث (132) . 3 لم أجد ترجمته وهو من شيوخ الطبراني وانظر المعجم الصغير للطبراني 2/39. 4 أبو محجن الثقفي الشاعر مختلف في اسمه له صحبة، وهو الذي سجنه سعد بن أبي وقاص من أجل شربه الخمر وكان ذلك يوم القادسية، ولما دارت المعركة رحاها استأذن أبو محجن من زوجة سعد بن أبي وقاص أن تفكه من السجن وتعطيه فرس سعد وأعطاها العهد أن يعود من المعركة فقاتل قتال الأبطال وعاد إلى سجنه فعفا عنه سعد وتاب من شرب المسكرات (الإصابة 4/173-176) . 5 الواتن: الشيء الثابت الدائم في مكانه، والماء المعين الدائم (القاموس المحيط4/274) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 قال: "قلت ادخلوا في الإسلام، والله لا يبرح محمد عقر داركم حتى تنزلوا فخذوا لأنفسكم أمانا، قد نزل بساحة أهل الحصون قبلكم قينقاع والنضير وقريظة وخيبر أهل الحلقة والعدة والآطام فخذلتهم ما استطعت ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت عنه، حتى إذا فرغ من حديثه، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذبت! قلت لهم كذا وكذا للذي قال. قال عيينة: "أستغفر الله! " فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، دعني أقدمه فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتحدث الناس أني أقتل أصحابي" ويقال: أن أبا بكر - رضي الله عنه - أغلظ له يومئذ وقال: "ويحك يا عيينة! إنما أنت أبدا توضع في الباطل، كم لنا منك من يوم بني النضير وقريظة وخيبر، تجلب علينا وتقاتلنا بسيفك ثم أسلمت كما زعمت فتحرض علينا عدونا! " قال: "أستغفر الله يا أبا بكر وأتوب إليه، لا أعود أبدا"1! وكان استعصاء ثقيف وعدم استسلامهم في ذلك الوقت هو أن الله - جل وعلا - لم يأذن في فتح الطائف حينئذ وأن ثقيفاً ستأتي معلنة إسلامها وولاءها للمسلمين عما قريب بدون مشقة وقتال، ولذا فقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصحابة بترك حصار الطائف ولما رأى في أصحابه الرغبة في مواصلة القتال والتصميم على الفتح، أذن لهم في ذلك وقال: اغدوا على القتال، فغدوا فأصابتهم جراحات شديدة من وقع نبال ثقيف فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته في ترك الحصار، ففرح الصحابة بذلك وعملوا أن ما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الصواب، وسارعوا إلى الرحيل، طالبين من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو على ثقيف جزاء صنيعهم السيئ ضد المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم "اللهم اهد ثقيفا" وقد ذكر ابن كثير الحكمة في تأخير الفتح عامئذ فقال: وكانت الحكمة الإلهية تقتضي أن يؤخر الفتح عامئذ لئلا يستأصلوا قتلا، لأنه قد تقدم أنه عليه السلام لما كان خرج إلى الطائف فدعاهم إلى الله تعالى وإلى أن يؤووه حتى يبلغ رسالة ربه عز وجل وذلك بعد موت عمه أبي طالب، فردوا عليه قوله وكذبوه، فرجع مهموما فلم يستفق إلا عند قرن الثعالب، فإذا هو بغمامة وإذا فيها جبريل   1 مغازي الواقدي 3/932-933. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 فناداه ملك الجبال، فقال: يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام وقد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، فإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل أستأني بهم، لعل الله أن يخرج من أصلابهم مَنْ يعبده، لا يشرك به شيئاً". فناسب قوله: "بل أستأني أن لا يفتح حصنهم لئلا يقتلوا عن آخرهم وأن يؤخر الفتح ليقدموا بعد ذلك مسلمين في رمضان من العام المقبل"1. إهـ. وفيما يلي الأحاديث الواردة في هذا المقام: 164- أخرج ابن أبي شيبة فقال: حدثنا عبد الوهاب2 الثقفي عن عبد الله3 بن عثمان بن خشيم عن أبي الزبير4 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف فجاءه أصحابه فقالوا: يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم فقال: اللهم اهد ثقيفاً مرتين. قال: وجاءته خولة5 فقالت: إن بنت خزاعى6 ذات حلي فنفلني حليها إن فتح الله عليك الطائف غدا، قال: إن لم يكن أذن لنا في قتالهم، فقال رجل تراه عمر يا رسول الله ما مقامك على قوم لم يؤذن لك في قتالهم، قال: "فأذن في الناس بالرحيل فنزل الجعرانة فقسم بها غنائم حنين، ثم دخل منها بعمرة ثم انصرف إلى المدينة" 7. والحديث مرسل.   1 البداية والنهاية 4/352 والزرقاني: شرح المواهب 3/33 وانظر: حديث رقم (08) . وانظر: ص 339 تعليقة (3) . 2 عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت، الثقفي، أبو محمد البصري، ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين، من الثامنة، (ت 194) /ع (التقريب 1/528 وتهذيب التهذيب 6/449) . ورمز له الذهبي (بصح) إشارة إلى توثيقه وأنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه (ميزان الاعتدال 3/680) . 3 عبد الله بن عثمان بن خثيم - بالمعجمة والمثلثة، مصغراً - القاري المكي أبو عثمان، صدوق، من الخامسة (ت132) / خت م ع (التقريب 1/432 وتهذيب التهذيب 5/314) . 4 أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، صدوق مدلس تقدم في حديث (109) . 5 خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم السلمية، امرأة عثمان بن مظعون، يقال كنيتها أم شريك. ويقال لها خويلة بالتصغير، وكانت صالحة فاضلة وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم في قول بعض العلماء (الاستيعاب 4/289-290 وأسد الغابة 7/93 والتقريب 2/596 وتهذيب التهذيب 12/415 والإصابة 4/291 وطبقات ابن سعد 8/158. 6 في سيرة ابن هشام 2/484 وكذا في الإصابة فقالت خولة: أعطني حلي بادية بنت غيلان بن سلمة أو حلي الفارعة بنت عقيل وكانتا من أحلى نساء ثقيف) وعند الواقدي الفارعة بنت خزاعي 3/935. 7 تاريخ ابن أبي شيبة ص 85 و86 ب رقم (665) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 ورواه البيهقي من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة مرسلا ولفظه: وأقبلت امرأة يقال لها خولة بنت حكيم وكانت ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تحت عثمان بن مظعون فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ما يمنعك أن تنهض إلى أهل الطائف، قال: "لم يؤذن لنا حتى الآن فيهم، وماأظن أن نفتحها الآن"، فأقبل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فلقيها خارجة من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل ذكر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، قالت: أخبرني أنه لم يؤذن له في قتال الطائف بعد، فلما رأى ذلك عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله ألا تدعو الله على أهل الطائف وتنهض لعل الله يفتحها فإن أصحابك كثير وقد شق عليهم الحبس ومنعهم معاشهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يؤذن لنا في قتالهم" فلما رأى ذلك عمر قال: أفلا آمر الناس فلا يسرحوا ظهرهم حتى يرتحلوا بالغداة؟ قال: "بلى فانطلق عمر حتى أذن في الناس بالقفول وأمرهم أن لا يسرحوا ظهرهم، فأصبحوا فارتحل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه". ودعا النبي - صلى الله عليه وسلم - حين ركب قائلا: "اللهم اهدهم واكفنا مؤنتهم" 1. 165- وأخرجه ابن إسحاق بلاغا فقال: ثم إن خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية، وهي امرأة عثمان بن مظعون قالت: يا رسول الله أعطني إن فتح الله عليك الطائف حلي بادية2 بنت غيلان بن سلمة أو حلي الفارعة بنت عقيل، وكانتا من أحلى نساء ثقيف. فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "وإن كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خويلة؟ " فخرجت خويلة فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله ماحديث حدثتنيه خويلة، زعمت أنك قلته؟ قال: قد قلته، قال: أو ما أذن لك فيهم يا رسول الله؟   1 البيهقي: دلائل النبوة 3/49ب وانظر ابن كثير: البداية والنهاية 4/350 والسيوطي: الخصائص الكبرى 2/97-98 وانظر حديث (132) . 2 بادية بنت غيلان بن سلمة الثقفي أسلمت عند إسلام أبيها ولها رواية. قال ابن حجر: "وقد حكى ابن منده: في ضبطها وجهين: (بادية) بالموحدة (ونادية) بالنون، وقال: إنه وهم، وحكى غيره فيها: بالموحدة أوّلها، ثم نون بعد الدال" (بادنة) الإصابة 4/249 وأسد الغابة 7/34. وقال السهيلي في الروض الأنف 7/271 "وأما بادية بنت غيلان فقيل فيها" "بادنة" بالنون والصحيح "بادية بالياء". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 قال: لا، قال: أفلا أؤذن بالرحيل؟ قال: بلى، فأذن عمر بالرحيل"، فلما استقل الناس نادى سعيد1 بن عبيد بن أسيد بن أبي عمر بن علاج ألا إن الحي مقيم، قال: يقول عيينة بن حصن: أجل، والله مجدة كراما، فقال له رجل2 من المسلمين: قاتلك الله يا عيينة، أتمدح المشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جئت تنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال: "إني والله ما جئت لأقاتل ثقيفا معكم، ولكني أردت أن يفتح محمد الطائف، فأصيب من ثقيف جارية أطؤها، لعلها تلد لي رجلا، فإن ثقيفا قوم مناكير"3. 166- وأخرج ابن أبي شيبة قال: حدثنا حسين4 بن علي عن زائدة5 قال: قال عبد الملك6، قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو محاصر ثقيفاً ما رأيت الملك منذ نزلت منزلي هذا، قال: "فانطلقت خولة بنت حكيم السلمية فحدثت ذلك عمر بن الخطاب،   1 هكذا ساق ترجمته ابن إسحاق والطبري والسهيلي وابن كثير والواقدي إلاّ أنه قال "سعد" بدل "سعيد". وقد تقدم في حديث (158) ص 323 في سياق نسبه غير هذا. 2 وعند الواقدي: فقال عمرو بن العاص: قاتلك الله، تمدح قوما مشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جئت تنصره؟ فقال: "إني والله ما جئت معكم أقاتل ثقيفاً، ولكن أردت أن يفتح محمد الطائف فأصيب جارية من ثقيف فأطأها لعلها تلد لي رجلا فإن ثقيف قوم مباركون. فأخبر عمرو النبي صلى الله عليه وسلم بمقالته، فتبسم صلى الله عليه وسلم ثم قال: "هذا الحمق المطاع". 3 سيرة ابن هشام 2/484 والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/85. والسهيلي: الروض الأنف 7/237 وابن الأثير: الكامل 2/181. والواقدي: المغازي 3/935 والديار بكري: تاريخ الخميس 2/111. والحلبي: السيرة الحلبية 3/81 والبداية والنهاية 4/350 لابن كثير. ومناكير: أصحاب دهاء وفطنة (ابن الأثير: النهاية 5/115) . والفيروز آبادي: القاموس المحيط 2/148) . 4 الحسين بن علي بن الوليد الجعفي - بضم الجيم وسكون العين المهملة - المقرئ، ثقة عابد، من التاسعة (ت 203 - أو 204) / ع (التقريب 1/177 وتهذيب التهذيب 2/357) . 5 زائدة بن قدامة الثقفي، أبو الصلت الكوفي، ثقة ثبت، صاحب سنة، من السابعة (ت160) وقيل بعدها / ع (التقريب 1/256 وتهذيب التهذيب 3/306) . 6 عبد الملك بن عمير بن سويد اللخمي، حليف بني عدي الكوفي، ويقال له: الفرسي - بفتح الراء والفاء ثم المهملة - نسبة إلى فرس له سابق، كان يقال له القبطي - بكسر القاف وسكون الموحدة وربما قيل ذلك أيضا لعبد الملك، ثقة فقيه، تغير حفظه وربما دلس من الثالثة (ت 136) / ع (التقريب 1/521 وتهذيب التهذيب 6/411) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له قولها، فقال: صدقت، فأشار عمر على النبي صلى الله عليه وسلم بالرحيل، فارتحل النبي صلى الله عليه وسلم" 1 والحديث مرسل ورجاله ثقات. 167- وأخرج ابن سعد قال: أخبرنا عمرو2 بن عاصم الكلابي، أخبرنا أبو الأشهب3 أخبرنا الحسن4 قال: حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف، قال: فرمى رجل من فوق سورها فقتل، فأتى عمر فقال: "يا نبي الله ادع على ثقيف، قال: إن الله لم يأذن في ثقيف، قال: فكيف نقتل في قوم لم يأذن الله فيهم؟ قال: فارتحلوا، فارتحلوا5. والحديث مرسل، ورجاله ثقات. وعند ابن إسحاق بلاغا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق وهو محاصر ثقيفا: "يا أبا بكر، إني رأيت أني أهديت لي قعبة6 مملوءة زبدا، فنقرها ديك فهراق ما فيها". فقال أبو بكر: "ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا لا أرى ذلك" 7. 168- وروى الواقدي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما مضت خمس عشرة ليلة من حصارهم استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم نوفل8 بن معاوية الديلي، فقال: "يا نوفل ما تقول أو ترى؟ "   1 تاريخ ابن أبي شيبة ص 86 و87 أرقم (665) . 2 عمرو بن عاصم: صدوق تقدمت ترجمته في حديث (71) . 3 أبو الأشهب: هو جعفر بن حيان، ثقة، تقدمت ترجمته في حديث (156) . 4 الحسن: هو البصري، ثقة فقيه، فاضل مشهور تقدمت ترجمته في حديث (156) ومرسله ضعيف عند العلماء (انظر تدريب الراوي للسيوطي ص 123-124) . 5 الطبقات الكبرى 2/159. 6 قعبة: القعب: القدح الضخم الجافي، أو إلى الصغر، أو يروي الرجل، جمع أقعب وقعاب وقعبة. والزبد: بضم الزاي وسكون الموحدة: زبد اللبن القاموس المحيط 1/118و297) . 7 سيرة ابن هشام 2/484 وتاريخ الرسل والملوك 3/84 والروض الأنف 7/236، ومغازي الواقدي 3/936 وتقدم الحديث برقم (164) . 8 نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر الديلي - بكسر المهملة وسكون التحتانية - أبو معاوية شهد بدراً والخندق مع المشركين وكان له ذكر ونكاية. ثم أسلم وشهد الفتح وحنينا والطائف، ونزل المدينة فمات بها في خلافة معاوية وقيل في أول خلافة يزيد، عاش نوفل مائة وعشرين سنة، ستون سنة في الجاهلية وستون سنة في الإسلام (التقريب 2/309 وتهذيب التهذيب 10/492) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 فقال نوفل يا رسول الله، ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك شيئا". قال أبو هريرة: "ولم يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في فتحها"1. وعنده أيضا: "قال: قال أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، وهو على حصن الطائف: يا عبيد محمد، إنكم والله ما لاقيتم أحدا يحسن قتالكم غيرنا، تقيمون ما أقمتم بشر محبس، ثم تنصرفون لم تدركوا شيئا مما تريدون. نحن قسي وقسا أبونا والله لا نسلم ما حيينا2 وقد بنينا طائفا حصينا فناداه عمر: "يا ابن حبيب والله لنقطعن عليك معاشك حتى تخرج من جحرك هذا، إنما أنت ثعلب في جحر يوشك أن يخرج، فقال أبو محجن: إن قطعتم يا ابن الخطاب حبات عنب، فإن في الماء والتراب ما يعيد ذلك". فقال عمر: "لا تقدر أن تخرج إلى ماء ولا تراب، ولن نبرح عن باب جحرك حتى تموت! " قال: يقول أبو بكر: "يا عمر لا تقل هذا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤذن له في فتح الطائف، فقال عمر: وهل قال لك هذا رسول الله؟ " فقال: نعم، فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لم يؤذن لك يا رسول الله في فتحها؟ قال: "لا".قال: أفلا أؤذن في الناس بالرحيل! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بلى" فأذن عمر بالرحيل، فجعل المسلمون يتكلمون، يمشي بعضهم إلى بعض، فقالوا: ننصرف ولا نفتح الطائف!   1 مغازي الواقدي 3/936-937 وطبقات ابن سعد 2/159 وزاد المعاد 3/497 والبداية والنهاية 4/350 والسيرة الحلبية 3/82 وفتح الباري 8/45) . 2 في مغازي الواقدي: "نحن قسي وأبونا قسا" وهذا لا يستقيم مع ما بعده وقد صوبتها من أنساب الأشراف للبلاذري الذي هو تلميذ ابن سعد المعروف، بكاتب الواقدي، وانظر أنساب الأشراف ص 367. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 لا نبرح حتى يفتح الله علينا؟ والله إنهم لأذل وأقل من لاقينا قد لقينا جمع مكة وجمع هوازن، ففرق الله تلك الجموع! وإنما هؤلاء ثعلب في جحر، لو حصرناهم لماتوا في حصنهم هذا! وكثر القول بينهم والاختلاف، فمشوا إلى أبي بكر فتكلموا، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: الله ورسوله أعلم، والأمر ينزل عليه من السماء، فكلموا عمر فأبى وقال: قد رأينا الحديبية ودخلني في الحديبية من الشك ما لا يعلمه إلا الله، وراجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بكلام ليت أني لم أفعل، وأن أهلي ومالي ذهبا ثم كانت الخيرة لنا من الله فيما صنع، فلم يكن فتح كان خيراً للناس من صلح الحديبية – بلا سيف دخل فيه من أهل الإسلام مثل من كان دخل – من يوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم كتب الكتاب، فاتهموا الرأي، والخيرة فيما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن أراجعه في شيء من ذلك الأمر أبدا! والأمر أمر الله وهو يوحي إلى نبيه ما يشاء! 1. وهذه الآثار تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤذن له في فتح الطائف، وقد تقدم ما نقله ابن كثير من الحكمة في ذلك2. ولذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى صعوبة الموقف وتأزم الأمور وكثرة الإصابات في أصحابه، أشار إليهم بترك الحصار والرجوع إلى الجعرانة ولكن لما رأى تحمس أصحابه وتصميمهم على الفتح ورغبتهم في ذلك واصل بهم حتى وافقوا في نهاية المطاف وعلموا أن المصلحة فيما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو صريح حديث الصحيحين وغيرهما، وهذا سياقه عند البخاري: 169- حدثنا علي3 بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن أبي العباس الشاعر الأعمى عن عبد الله4 بن عمرو قال: لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف،   1 مغازي الواقدي 3/935-936. 2 ص 332. 3 علي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان: هو ابن عيينة، وعمرو: هو ابن دينار، وأبو العباس: هو السائب بن فرخ المكي الأعمى. 4 اختلف في هذا الحديث هل هو عن عبد الله بن عمرو بن العاص أو عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ومدار الحديث على سفيان بن عيينة، وقد اختلف فيه عليه، فمنهم من قال عبد الله بن عمر بن الخطاب، ومنهم من رواه عبد الله بن عمرو بن العاص ومنهم من رواه بالشك، وقد رجح كونه عن عبد الله بن عمر بن الخطاب: يحيى بن معين، والدارقطني، وأبو زيد المروزي، وأبو بكر البرقاني قال ابن حجر: واخرج الحديث الطبراني من رواية إبراهيم بن يسار وهو ممن لازم ابن عيينة جدا، والذي قال عن ابن عيينة في هذا الحديث: "عبد الله بن عمر" وهم الذين سمعوا منه متأخراً كما نبه عليه الحاكم، وقد بالغ الحميدي في إيضاح ذلك فقال في مسنده في روايته لهذا الحديث عن سفيان "عبد الله بن عمر بن الخطاب" وأخرجه البيهقي في الدلائل من طريق عثمان الدارمي عن عليّ بن المديني قال: "حدثنا به سفيان غير مرة يقول عبد الله بن عمر بن الخطاب لم يقل عبد الله بن عمرو بن العاص. وعند أبي عوانة: بلغني أن إسحاق بن موسى الأنصاري وغيره قالوا": "عبد الله بن عمرو" ورواه عنه - أي سفيان - من أصحابه ممن يفهم ويضبط فقالوا: "عبد الله ابن عمر". وعند أحمد في هذا الحديث: فقيل لسفيان: ابن عمرو، قال: لا. ابن عمر (شرح النووي لصحيح مسلم 4/409 وفتح الباري 8/44-45 و 10/505) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 فلم ينل منهم شيئا، قال: إنا قافلون إن شاء الله، فثقل1 عليهم وقالوا: نذهب ولا نفتحه2، وقال مرة: نقفل، فقال: اغدوا على القتال، فغدوا، فأصابهم جراح، فقال: إنا قافلون غدا إن شاء الله، فأعجبهم فضحك3 صلى الله عليه وسلم. وقال سفيان مرة: فتبسم. قال: قال الحميدي: حدثنا سفيان بالخبر كله4. ورواه عن قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار به ولفظه لما كان رسول الله بالطائف قال: إنا قافلون غدا إن شاء الله، فقال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نبرح أو نفتحها5، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فاغدوا على القتال، فغدوا   1 وعند أحمد: "فكان المسلمون كرهوا ذلك". 2 وعند مسلم: قال أصحابه "نرجع ولم نفتحه". وعند ابن أبي شيبة: "فقال المسلمون نرجع ولم نفتحه". وعند أبي يعلى فقال أصحابه: "نرجع ولم نفتح". وعند أبي عوانة فقال المسلمون: "نرجع ولم نفتحه". 3 قال النووي::معنى الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قصد الشفقة على أصحابه والرفق بهم بالرحيل عن الطائف لصعوبة أمره، وشدة الكفار الذين فيه، وتقويتهم، مع أنه صلى الله عليه وسلم علم أو رجا أنه سيفتحه بعد هذا بلا مشقة، كما جرى، فلما رأى حرص أصحابه على المقام والجهاد أقام، وجد في القتال، فلما أصابتهم الجراح رجع إلى مكان قصده أولا من الرفق بهم ففرحوا بذلك، لما رأوا من المشقة الظاهرة، ولعلهم نظروا فعلموا أن رأي النبي صلى الله عليه وسلم أبرك وانفع وأحمد عاقبة وأصوب من رأيهم، فوافقوا على الرحيل، وفرحوا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تعجبا من سرعة تغير رأيهم" شرح صحيح مسلم 4/410) وشرح المواهب 3/33. 4 البخاري: الصحيح 5/128 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف. 5 قوله: (لا نبرح أو نفتحها) قال ابن التين: "ضبطناه بالرفع والصواب: النصب، لأن "أو" إذا كانت بمعنى "حتى أو إلى أن نصبت"، وهي هنا كذلك (فتح الباري 10/505) . وانظر: قطر الندى لابن هشام ص:68،وشرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 2/346. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 فقاتلوهم قتالا شديدا، وكثر فيهم الجراحات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا قافلون غدا إن شاء الله، قال فسكتوا1، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم". ورواه عن عبد الله بن محمد2 حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار به، ولفظه قال: "حاصر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الطائف فلم يفتحها، فقال: إنا قافلون إن شاء الله، فقال المسلمون: "نقفل ولم نفتح؟ " قال: فاغدوا على القتال، فغدوا فأصابتهم3 جراحات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا قافلون غدا إن شاء الله، فكأن4 ذلك أعجبهم، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم" 5. ورواه مسلم والحميدي وابن أبي شيبة وأحمد وأبو يعلى وأبو عوانة والبيهقي كلهم من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار به6. وعند الواقدي من حديث أبي هريرة قال: "وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر ابن الخطاب فأذن في الناس بالرحيل فضج الناس من ذلك وقالوا: نرحل ولم يفتح علينا الطائف؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فاغدوا على القتال"، فغدوا فأصابت المسلمين جراحات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا قافلون إن شاء الله، فسروا بذلك وأذعنوا وجعلوا يرحلون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده".   1 وعند أحمد: "فسر المسلمون، وضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم". 2 هو أبو بكر بن أبي شيبة. 3 وعند الحميدي "فأصابتهم جراحة شديدة". 4 وعند الحميدي "فكأنهم اشتهوا ذلك وسكنوا إليه، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم. 5 البخاري: الصحيح 8/20 كتاب الآداب، باب التبسم والضحك و9/113 كتاب التوحيد، باب في قوله الله تعالى: تؤتي الملك من تشاء إلخ. 6 مسلم: الصحيح 3/1402 كتاب الجهاد والسير، باب غزوة الطائف. الحميدي: المسند 2/309، وابن أبي شيبة: التاريخ ص 85و 86 أرقم 665. وأحمد: المسند 2/11، وأبو يعلى: المسند 5/529 أرقم (305) . وأبو عوانة: المسند 4/213 و 214، والبيهقي: دلائل النبوة 3/49 أ - ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 فلما ارتحلوا واستقلوا قال: "قولوا آيبون تائبون لربنا حامدون" 1. وقيل: "يا رسول الله ادع على ثقيف، فقال: اللهم اهد ثقيفا وآت بهم" 2. وحديث الدعاء على ثقيف أخرجه الترمذي وأحمد من حديث أبي الزبير، مسندا، وابن أبي شيبة مرسلا. 170- وهذا سياق الترمذي: حدثنا أبو سلمة3 يحيى بن خلف أخبرنا عبد الوهاب4 الثقفي عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قالوا: "يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم، فقال: "اللهم أهد ثقيفا" 5. ثم قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب". قال الألباني: "هذا الحديث على شرط مسلم ولكنه من رواية أبي الزبير معنعنا وهو مدلس".   1 هكذا ذكر هذا الدعاء الواقدي وابن سعد في هذه الغزوة، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر ما يشهد لهذا ولفظه: قال ابن عمر: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون. صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده". (البخاري 3/7 كتاب العمرة، باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو) . و4/61 كتاب الجهاد، باب ما يقول إذا رجع من الغزو. و5/93 كتاب المغازي، باب غزوة الخندق، و 8/69 كتاب الدعوات، باب الدعاء إذا أراد سفراً أو رجع. ومسلم 2/980 كتاب الحج، باب ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره. ورواه مالك في الموطأ 1/421 كتاب الحج، باب جامع الحج. 2 الواقدي: المغازي 3/936-937، وابن سعد: الطبقات الكبرى 2/159 والزرقاني شرح المواهب 3/34 وانظر الحديث رقم (167) . 3 يحيى بن خلف الباهلي، أبو سلمة البصري، الجوباري - بجيم مضمومة وواو ساكنة ثم موحدة - صدوق من العاشرة (ت 242) /م د ت ق (التقريب 2/346 وتهذيب التهذيب 11/204) . 4 عبد الوهاب ثقة، وعبد الله بن عثمان صدوق، وقد تقدمت ترجمتها في حديث (164) . 5 الترمذي: السنن 5/385-386 كتاب المناقب، باب في ثقيف وبني حنيفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 وقد تابعه عبد الرحمن1 بن سابط عند أحمد، ولكنه لم يسمع من جابر، كما قال ابن معين2. وهذا سياق حديث أحمد المشار إليه قال: حدثنا محمد3 بن الصباح ثنا إسماعيل4 بن زكريا عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن سابط وأبي الزبير عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اهد ثقيفاً". قال عبد الله5: "وسمعته أنا من محمد بن الصباح، فذكر مثله"6. وهذه المتابعة لا تجدي شيئا لأن عبد الرحمن بن سابط لم يسمع من جابر فيكون الحديث منقطعا. وأورد الذهبي هذا الحديث في ترجمة إسماعيل بن زكريا ثم قال: تفرد به عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم7. والحديث رواه ابن أبي شيبة عن عبد الوهاب الثقفي عن عبد الله ابن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير مرسلاً8.   1 عبد الرحمن بن سابط، ويقال عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط وهو الصحيح ثقة كثير الإرسال من الثالثة (ت 118) م د ت س ق (التقريب 1/480 وتهذيب التهذيب 6/180) . 2 حاشية مشكاة المصابيح 3/1690 وحاشية فقه السيرة للغزالي ص 432 ودفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على البوطي 7-8 و34-35 وانظر: تهذيب التهذيب 6/180. 3 محمد بن الصباح الدولابي، أبو جعفر البغدادي، صاحب السنن- ثقة حافظ، من العاشرة (ت 227) /ع (التقريب 2/171 وتهذيب التهذيب 9/229) . 4 إسماعيل بن زكريا بن مرة، الخلقاني - بضم المعجمة وسكون اللام بعدها قاف- أبو زياد الكوفي، لقبه شقوصا- بفتح المعجمة وضم القاف الخفيفة وبالمهملة - صدوق يخطئ قليلا، من الثامنة (ت 174 وقيل قبلها) / ع (المصدر السابق 1/69و1/297 وتاريخ بغداد 6/218 وميزان الاعتدال 1/229) . وقد وقع في التقريب أن وفاة إسماعيل 94 أي بعد المائة وهو خطأ. 5 عبد الله هو ابن أحمد بن حنبل. 6 مسند أحمد 3/343. 7 ميزان الاعتدال 1/228-229. 8 تاريخ ابن أبي شيبة ص 85و86 ب رقم 665 وانظر حديث رقم (164) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 وأخرج البيهقي عن عروة بن الزبير مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا حين ركب فقال: "اللهم أهدهم واكفنا مؤنتهم" 1. والخلاصة أن الدعاء لثقيف رواه ابن سعد من مرسل الحسن البصري2 وساقه مرة أخرى بدون إسناد، ورواه الترمذي وأحمد مسندا من حديث أبي الزبير، ورواه عنه ابن أبي شيبة مرسلاً. وأبو الزبير مدلس وقد عنعن3. وتابعه عبد الرحمن بن سابط عند أحمد، ولكن جزم ابن معين بأن عبد الرحمن لم يسمع من جابر، فيكون الحديث منقطعا. وساقه ابن إسحاق بدون إسناد4. ورواه البيهقي من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة مرسلا. وفيه أيضا أبو علاثة5. فالحديث له ثلاث طرق: طريق أبي الزبير وقد عنعن وهو مدلس. وابن إسحاق ساقه بدون إسناد، وهو من صغار التابعين فيكون الحديث معضلا. وطريق البيهقي، وفيها الإرسال، وراو لم توجد ترجمته. وطريق ابن سعد من مرسل الحسن البصري، ومرسله ضعيف عند العلماء، فالحديث بجميع طرقه ضعيف. وهذه الآثار تدل على رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم وشفقته، حتى مع ألد أعدائه حيث طلب منه الصحابة أن يدعو على ثقيف. فدعا لهم بالهداية وقد استجاب الله دعاءه وجاءوا مسلمين بعد ذلك بدون عناء أو مشقة.   1 دلائل النبوة 3/49 ب وانظر حديث (138) . 2 تقدم الحديث برقم (167) . 3 وقد وضعه ابن حجر في المرتبة الثالثة من مراتب المدلسين وهذه المرتبة لمن أكثر من التدليس ولم يحتج من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من رد حديثهم مطلقا، ومنهم من قبلهم. (انظر: طبقات المدلسين ص 7و 32) . 4 سيرة ابن هشام 2/488 والبداية والنهاية لابن كثير 4/350 و352 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/33و35 و4/6. 5 هو محمد بن عمرو بن خالد الحراني، لم أجد ترجمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وقد ذكر ابن إسحاق أن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من الطائف كانت على دحنا1 حتى نزل الجعرانة فيمن معه من الناس، وكان بها سبي هوازن 2. وعند الواقدي فأخذ على دحنا ثم على قرن المنازل، ثم على نخلة حتى خرج إلى الجعرانة3. 171- وأخرج الطبري من طريق ابن إسحاق عن عبد الله 4 بن أبي بكر أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد معه حنينا قال: والله إني لأسير إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة لي، وفي رجلي نعل غليظة إذا زحمت ناقتي ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقع حرف نعلي على ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوجعه، قال: فقرع قدمي بالسوط، وقال: "أوجعتني فتأخر عني فانصرفت"، فلما كان الغد إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمسني، وقال: قلت: هذا والله لما كنت أصبت من رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمس، قال: فجئته وأنا أتوقع فقال لي: "إنك قد أصبت رجلي بالأمس، فأوجعتني فقرعت قدمك بالسوط، فدعوتك لأعوضك منها، فأعطاني ثمانين نعجة، بالضربة التي ضربني" 5. والحديث فيه عنعنة ابن إسحاق، وفيه انقطاع فإن عبد الله بن أبي بكر لم أجد في ترجمته أنه روى عن أحد من الصحابة سوى أنس بن مالك. وعند الواقدي وابن سعد نحو هذه القصة6 وأن صاحبها هو أبو رهم7 الغفاري، لكن ذكر ابن عبد البر وابن الأثير وابن حجر: "أن أبا رهم الغفاري   1 دحنا - بفتح أوله وسكون ثانية، ونون، يروى مقصورا وممدودا، وهي من مخاليف الطائف (معجم البلدان 2/444) . 2 سيرة ابن هشام 2/488 وتاريخ الرسل والملوك 3/86 والروض الأنف 7/241. 3 مغازي الواقدي 3/939. 4 عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، المدني، ثقة من الخامسة (ت 135) / ع (التقريب 1/405، وتهذيب التهذيب 5/164) . 5 الطبري: تاريخ الرسل ة الملوك 3/93. 6 مغازي الواقدي 3/939 والطبقات الكبرى لابن سعد 4/244. 7 هو كلثوم بن الحصين أبو رهم - بضم الراء - صحابي مشهور من أصحاب الشجرة أسلم قديما وشهد أحد واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة مرتين، مرة في عمرة القضاء، ومرة في غزوة الفتح في خروجه إلى مكة وحنين والطائف فلم يزل أميرا عليها حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف (الاستيعاب 3/316 و4/69 مع الإصابة، وأسد الغابة:4/493و6/117، والإصابة 4/70-71 والتقريب 2/136، وتهذيب التهذيب 8/443) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة عند خروجه إلى غزوة الفتح فلم يزل عليها حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطائف"1. وقد حصلت نحو هذه القصة لأبي رهم ولكن في غزوة تبوك جاء ذلك عند الإمام أحمد في مسنده ولفظه: 172- قال أبو رهم الغفاري: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فلما فصل سرى ليلة فسرت قريبا منه وألقي علي النعاس فطفقت أستيقظ وقد دنت راحلتي من راحلته فيفزعني دنوها خشية أن أصيب رجله في الغرز فأوخر راحلتي حتى غلبتني عيني نصف الليل فركبت راحلتي راحلته ورجل النبي صلى الله عليه وسلم في الغرز فأصابت رجله فلم أستيقظ إلا بقوله حس2، فرفعت رأسي، فقلت: استغفر لي يا رسول الله" الحديث3. والحديث ضعيف لأن فيه ابن أخي أبي رهم4. وعند الواقدي أيضا أن مثل هذا حصل لعبد الله بن أبي حدرد في مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف إلى الجعرانة، فقال: وكان عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي يقول: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسيرة وهو يحادثني، فجعلت ناقتي تلصق بناقته، وكانت ناقتي شهمة 5 فجعلت أريد أن أنحيها فلا تطاوعني، فلصقت بناقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصيبت رجله فقال: "أخ6! أوجعتني! فرفع رجله من الغرز7 كأنها جمارة، ودفع رجلي بمحجن في يده، فمكث ساعة لا يتحدث، فوالله ما نزلت حتى ظننت أن سينْزل في عذاب".   1 انظر المصادر السابقة. 2 حس - بكسر السين والتشديد، وفتح الحاء المهملة - كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما مضة أو أحرقه غفلة، كالجمرة والضربة ونحوهما. (النهاية في غريب الحديث 1/385) . 3 مسند أحمد 4/349-350. 4 قال عنه ابن حجر في التقريب 2/534 ابن أخي أبي رهم "مقبول" من شيوخ الزهري، من السادسة / ع وانظر تهذيب التهذيب 12/318. 5 شهمة: أي جلدة (مختار الصحاح ص 350) . 6 أخ: بفتح الهمزة وسكون الخاء: كلمة تكره وتأوه (القاموس المحيط 1/256) . 7 الغرز: ركاب كور الجمل إذا كان من جلد أو خشب، وقيل: هو الكور مطلقا مثل الركاب للسرج. والجمارة: قلب النخلة وشحمها شبه ساقه صلى الله عليه وسلم ببياضها، والمحجن: عصا معقفة الرأس (النهاية في غريب الحديث 1/294و347، 3/359) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 قال: فلما نزلنا قلت لأصحابي: إني أرعى لكم! ولم يكن ذلك يوم رعيتي، فلما أرحت الظهر عليهم قلت: هل جاء أحد يبغيني؟ فقالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يبغيك، فقلت في نفسي: هي والله هي! قلت: من جاء؟ قالوا رجل من الأنصار، قال: فكان أكره إلي وذلك أن الأنصار كانت فيهم علينا غلظة، قال: ثم جاء بعد رجل من قريش يبتغيني، قال: فخرجت خائفا حتى واجهت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يبتسم في وجهي وقال: أوجعتك بمحجني البارحة، ثم قال: خذ هذه القطة من الغنم، قال: فأخذتها فوجدتها ثمانين شاة ضائنة1. ثم قال الواقدي أيضا: وكان أبو زرعة2 الجهني يقول: "لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يركب من قرن راحلته القصواء وطئت له على يديها، والزمام في يدي مطوى، فركب على الرحل وناولته الزمام، ودرت من خلفه فخلف الناقة بالسوط كل ذلك يصيبني، فالتفت إلي فقال: أصابك السوط؟ قلت: نعم بأبي وأمي! قال: فلما نزل الجعرانة إذا ربضة3 من الغنم ناحية من الغنائم فسأل عنها صاحب الغنائم فخبره عنها بشيء لا أحفظه، ثم صاح: أين أبو زرعة؟ قال: قلت: ها أنا ذا! قال: خذ هذه الغنم بالذي أصابك من السوط أمس، قال: فعددتها فوجدتها عشرين ومائة رأس، قال: فتأثلت4 بها مالاً5. 173- وعند الواقدي أيضا من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: اعترض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أسلم معه غنم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فقال: يا رسول الله، هذه هدية قد أهديتها لك، قال: وممن أنت؟ قال: رجل من أسلم، قال: إني لا أقبل هدية مشرك، قال: يا رسول الله إني مؤمن بالله وبرسوله قد سقت الصدقة إلى بريدة بن الحصيب لما لي بعينه مصدقا،   1 مغازي الواقدي 3/939-940 وقوله: شاة ضائنة: أي من الضأن وهي الشاة من الغنم، وهي خلاف المعز (النهاية لابن الأثير 3/69) . 2 هو: معبد بن خالد الجهني أبو زرعة (انظر الإصابة 3/439) . 3 الربضة - بكسر الراء وسكون الموحدة: الجماعة من الغنم والناس، والأصل للغنم. (لسان العرب9/9) . 4 تأثل مالا: اكتسبه واتخذه وثمره (المصدر السابق13/8) . 5 مغازي الواقدي 3/940. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 قال: وأقبل بريدة فلحق النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: صدق يا رسول الله، هذا من قومي شريف ينزل بالصفاح1، قال: فما أقدمك إلى نخلة؟ قال: هي أمرع2 من الصفاح اليوم، ثم قال: نحن على ظهر كما ترى، فالحقنا بالجعرانة، قال: فخرج يعدو عراض3 ناقة رسول الله وهو يقول: يا رسول الله، فأسوق الغنم معي إلى الجعرانة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسقها، ولكن تقدم علينا الجعرانة فنعطيك غنما أخرى إن شاء الله. قال: يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا في عطن4 الإبل، أفأ صلي فيه؟ قال: لا، قال: فتدركني وأنا في مراح5 الغنم، فأصلي فيه؟ قال: نعم، قال: يا رسول الله، ربما تباعد منا الماء ومع الرجل زوجته فيدنو منها؟   1 الصفاح - بالكسر وآخره حاء مهملة: موضع بين حنين وأنصاب الحرم على يسرة الداخل إلى مكة من مشاش (معجم البلدان 3/412) . وقال عاتق البلادي: "الصفاح: أرض خارج حدود الحرم على طريق العراق، إذا خرجت من أنصاب الحرم متجاوزا ثنية خل سرت فيها، وهي جرد أبيض سيله جنوبا إلى المغمس ثم عرنة، ويشرف عليها من الشمال جبل الستار ويغذيها بقسم كبير من مياهه". (معالم مكة المكرمة التاريخية والأثرية ص 153) . 2 أمرع الوادي: اكلأ، والمريع: الخصيب المكلئ، كالمراع، جمع أمرع وأمراع، ومرع الوادي مثلثة الراء مراعة أكلأ كأمرع (مختار الصحاح ص 622 والقاموس المحيط 3/84 والمعجم الوسيط 2/861) . 3 عراض: بكسر المهملة أي يسير حذاءه معارضا له (النهاية 3/211) . 4 العطن: بالتحريك مبرك الإبل حول الحوض، ومربض الغنم حول الماء لتعاد للشرب مرة ثانية (النهاية 3/258 والقاموس المحيط 4/248) . 5 المراح: بضم الميم: حيث تأوى إليه الماشية بالليل، مختار الصحاح ص 262، والمصباح المنير 1/288-289) . وقد جاء الأمر بالصلاة في مرابض الغنم والنهي عنها في أعطان الإبل، في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل". أخرجه الترمذي في سننه 1/217-218 كتاب الصلاة وقال: حسن صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 ق ال: نعم، ويتيمم1، قال: يا رسول الله، وتكون فينا الحائض، قال: تيمم، قال: فلحق النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فأعطاه مائة شاة2. موقف سراقة وكان ممن اعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى الجعرانة: سراقة بن مالك بن جعشم وكان معه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه له في أثناء هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، توضح ذلك الأحاديث الآتية: 174- قال الواقدي: وقال سراقة3 بن جعشم: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منحدر من الطائف إلى الجعرانة، فتحصلت4، والناس يمضون أمامه أرسالاً5، فوقعت في مقنب6 من خيل الأنصار فجعلوا يقرعوني7 بالرماح ويقولون: إليك! إليك! ما أنت؟ وأنكروني، حتى إذا دنوت وعرفت أنه يسمع صوتي أخذت الكتاب الذي كتبه   1 وقد جاء في حديث أبي ذر الغفاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير". رواه الترمذي 1/81 كتاب الطهارة، باب التيمم للجنب وصححه. 2 مغازي الواقدي 3/941-942. 3 سراقة بن مالك بن جعشم - بضم الجيم والمعجمة بينهما عين مهملة - ابن مالك ابن عمرو بن تيم بن مدلج - بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر اللام آخره جيم - ابن مرة بن مناة بن كنانة الكناني المدلجي يكنى أبا سفيان صحابي مشهور كان ينزل قديدا، كان من مسلمة الفتح كذا ذكره ابن حجر، وعند ابن إسحاق أنه أسلم في الجعرانة. مات سراقة سنة 24 في خلافة عثمان وقيل بعد عثمان. (الطبقات الكبرى لابن سعد 1/188و232 و 5/90 والاستيعاب لابن عبد البر 2/119 مع الإصابة، وأسد الغابة لابن الأثير 2/331) . التقريب 1/284 وتهذيب التهذيب 3/456 والإصابة 2/19 كلها لابن حجر. 4 تحصل: تجمع وثبت. (القاموس المحيط 3/357) . 5 أرسالاً: أفواجا وفرقا متقطعة يتبع بعضهم بعضا، واحدهم رسل: بفتح الراء والسين. (النهاية لابن الأثير 2/222) . 6 مقنب: بكسر أوله: جماعة الخيل والفرسان (المصدر السابق 4/111) . 7 يقرعوني بالرماح: القرع الضرب بالسوط ونحوه (المصدر السابق 4/43) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 أبو بكر، فجعلته بين أصبعين من أصابعي، ثم رفعت يدي وناديت: أنا سراقة بن جعشم، وهذا كتابي! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم وفاء، أدنوه! فأدنيت منه، فكأني أنظر إلى ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرزة كأنها جمارة، فلما انتهيت إليه سلمت، وسقت إليه الصدقة فما ذكرت شيئا أسأله عنه إلا أني قلت: يا رسول الله، أرأيت الضالة من الإبل تغشى حياضى وقد ملأتها لإبلي، هل لي من أجر إن أسقيتها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، في كل ذات كبد حرى1 أجر" 2. وذكر ابن إسحاق هذه القصة في سياق حديث الهجرة، وبين أن مجيء سراقة وإسلامه كان في الجعرانة، وأنه بعد ذلك رجع إلى قومه وساق صدقته لرسول الله صلى الله عليه وسلم. 175- وهذا سياقه: قال: حدثني الزهري أن عبد الرحمن3 بن مالك بن جعشم حدثه عن أبيه4، عن عمه سراقة بن مالك بن جعشم قال: "لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة، جعلت قريش فيه مئة ناقة لمن رده عليهم". قال: "فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا، حتى وقف علينا فقال: والله لقد رأيت ركبة5 ثلاثة مروا آنفا، وأني لأراهم محمدا وأصحابه، قال: فأومأت   1 حرى: بفتح أوله بوزن فعلى. والمعنى: أن في سقي كل ذي كبد حرى أجرا (النهاية 1/364) . 2 مغازي الواقدي: 3/941. 3 عبد الرحمن بن مالك بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمرو بن المدلجى وثقه النسائي وابن حبان، من الثالثة/خ ق (التقريب1/496 وتهذيب التهذيب6/263 وقال ابن هشام: هو عبد الرحمن بن الحارث بن مالك بن جعشم (1/491) . 4 مالك بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمرو المدلجي، وأكثر ما يأتي منسوبا إلى جده، ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وهو أخو سراقة الصحابي، قال ابن حجر: وأبوه مالك بن جعشم لم أر من ذكره في الصحابة، فالظاهر أنه مات في الجاهلية فيكون لمالك بن مالك إدراك، إن لم يكن له صحبة. أخرج له خ ق (التقريب 2/226 وتهذيب التهذيب 10/21 والإصابة 3/485) . 5 ركبة: بالتحريك، أقل من الركب، والركب من أسماء الجمع، كنفر ورهط (النهاية 2/256و257) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 إليه بعيني: أن أسكت، ثم قلت: إنما هم بنو فلان، يبتغون ضالة لهم، قال: لعله، ثم سكت، قال: ثم مكثت قليلا ثم قمت فدخلت بيتي، ثم أمرت بفرسي، فقيد لي إلى بطن الوادي، وأمرت بسلاحي فأخرج لي من دبر حجرتي، ثم أخذت قداحي1 التي استقسم بها، ثم انطلقت فلبست لأمتي2. ثم أخرجت قداحي، فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره "لا يضره"3 قال: وكنت أرجوا لأن أرده4 على قريش، فآخذ المائة الناقة قال: فركبت على أثره، فبينا فرسي يشتد بي عثر بي فسقطت عنه قال: فقلت: ما هذا؟ قال: ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره "لا يضره" قال: فأبيت إلا أن أتبعه، قال: فركبت في أثره فبينا فرسي يشتد بي عثر بي، فسقطت عنه، قال: فقلت: ما هذا؟ قال: ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره "لا يضره" قال: فأبيت إلا أن أتبعه، فركبت في أثره فلما بدا لي القوم ورأيتهم، عثر بي فرسي، فذهبت يداه في الأرض، وسقطت عنه، ثم انتزع يديه من الأرض، وتبعتهما دخان كالإعصار5، قال: فعرفت حين رأيت ذلك أنه ظاهر، قال: فناديت القوم: فقلت: أنا سراقة بن جعشم، انظروني أكلمكم، فوالله لا أريبكم ولا يأتيكم من شيء تكرهونه، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "قل له: وما تبتغي منا؟ "   1 القداح - بكسر أوله: جمع قدح، بكسر أوّله وسكون ثانيه، والاستقسام: طلب الذي قسم له وقدر مما لم يقسم ولم يقدر، وهو استفعال منه، وكانوا في الجاهلية، إذا أراد أحدهم سفرا أو تزويجا، أو نحو ذلك من المهام ضرب بالأزلام وهي القداح، وكان على بعضها مكتوب: أمرني ربي وعلى الآخر: نهاني ربي، وعلى الآخر غفل. فإن خرج "أمرني" مضى لشأنه، وإن خرج "نهاني" أمسك، وإن خرج "الغفل" عاد، وأجالها وضرب بها أخرى إلى أن يخرج الأمر والنهي (المصدر السابق 2/311 و 4/20و63) . 2 اللأمة مهموزة: الدرع، وقيل السلاح، ولأمه الحرب أداته، وقد يترك الهمز تخفيفا (المصدر السابق 4/220) . 3 لا يضره: أي السهم المكتوب فيه هذه الكلمة. 4 في شرح المواهب: تعرض لهم بعد رواحهم من عند أم معبد، وذكر ابن سعد أن ذلك كان في قديد وكان يوم الثلاثاء. (شرح المواهب اللدنية 1/346 والطبقات الكبرى لابن سعد 1/232) . 5 الإعصار: ريح معها غبار شديد. (القاموس المحيط 2/90) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 قال: فقال ذلك أبو بكر1، قال: قلت: تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك، قال: اكتب له يا أبا بكر، قال: فكتب لي كتابا في عظم، أو في رقعة2، أو في خزفة3 ثم ألقاه إليّ، فأخذته، فجعلته في كنانتي4، ثم رجعت، فسكت فلم أذكر شيئا مما كان حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرغ من حنين والطائف، خرجت ومعي الكتاب لألقاه فلقيته، قال: فدخلت في كتيبة من خيل الأنصار، قال: فجعلوا يقرعونني بالرماح، ويقولون إليك! إليك! ماذا تريد؟ قال: فدنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته، والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزه كأنها جمارة، قال: فرفعت يدي بالكتاب، ثم قلت يا رسول الله، هذا كتابك لي، أنا سراقة بن جعشم، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم وفاء وبر، أدنه"، قال: فدنوت منه، فأسلمت. ثم تذكرت شيئا أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فما أذكره، إلا أني قلت: "يا رسول الله، الضالة5 من الإبل تغشى حياضي، وقد ملأتها لإبلي، هل لي من أجر في أن أسقيها؟ قال: "نعم، في كل ذات كبد حرى أجر". ثم رجعت إلى قومي، فسقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتي6. والحديث رواه موسى بن عقبة فقال: حدثنا ابن شهاب قال: حدثني عبد الرحمن بن مالك بن جعشم المدلجي أن أباه مالكا أخبره أن أخاه سراقة بن جعشم   1 عند ابن إسحاق والواقدي: "أن الذي كتب لسراقة هو أبو بكر الصديق". وعند البخاري: "أنه عامر بن فهيرة" قال الزرقاني: "والجمع بين هذا أن عامراً لما كتب طلب سراقة كتابة أبي بكر الصديق لشهرته وعظمته". (شرح المواهب 1/348) . 2 الرقعة: بالضم المراد بها هنا قطعة من أدم كما جاء عند البخاري. 3 الخزف، محركة: كل ما عمل من طين وشوى بالنار حتى تكون فخارا. (القاموس المحيط 3/132) . 4 الكنانة: بالكسر: الجعبة التي يجعل فيها السهام. (النهاية 1/274، القاموس المحيط 4/264) . 5 هذا الجزء من الحديث رواه ابن ماجه من طريق ابن إسحاق، وأحمد من طريق ابن إسحاق أيضا ومن طريق معمر عن الزهري (سنن ابن ماجه: 2/1215 كتاب الأدب، باب فضل صدقة الماء، مسند أحمد: 4/175) . (سيرة ابن هشام 1/489-491) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 أخبره "أنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة جعلت قريش لمن رده عليهم مائة ناقة" الحديث1. وأخرج الحميدي هذا الحديث مختصرا في قدوم سراقة إلى الجعرانة وسؤاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا سياقه: حدثنا سفيان قال: سمعت الزهري يخبر عن ابن سراقة2 أو ابن أخي سراقة عن سراقة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فلم أدر ما أسأله عنه. فقلت: يا رسول الله إني أملأ حوضي أنتظر ظهري يرد علي فتجيء البهمة3 فتشرب فهل لي من أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لك في كل كبد حرى أجر" قال سفيان: "هذا الذي حفظت عن الزهري، واختلط علي من أوله شيء فأخبرني وائل بن داود عن الزهري بعض هذا الكلام لا أخلص ما حفظت من الزهري وما أخبرنيه وائل، قال سراقة: أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة فجعلت لا أمر على مقنب من مقانب الأنصار إلاّ قرعوا رأسي، وقالوا: إليك! إليك! فلما انتهيت إليه، رفعت الكتاب، وقلت: أنا يا رسول الله قال: وقد كان كتب لي أمانا في رقعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم، اليوم يوم وفاء وبر وصدق" 4. وقصة تفاصيل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعرض سراقة له أثناء الهجرة ومحاولته القبض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبه في نهاية الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب أمن، ثابت في صحيح البخاري من حديث عائشة (دون مجيء سراقة إلى الجعرانة) 5.   1 البيهقي: دلائل النبوة 2/219-221 وحصل خطأ مطبعي في الدلائل وهو: حتى إذا فتح الله مكة وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل "خيبر" والصواب: من أهل حنين لأن خيبر فتحت قبل فتح مكة. 2 ابن سراقة: هو محمد بن سراقة (ذكره ابن الأثير وابن حجر في ترجمة والده ولم أجد ترجمته، والحديث رواه ابن إسحاق وموسى بن عقبة كلاهما عن الزهري عن ابن أخي سراقة بن مالك وهو عبد الرحمن بن مالك، ورواه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فقال: عن ابن أخي سراقة، والبخاري عن عقيل عن الزهري، فقد رواه عن الزهري بدون شك ابن إسحاق وموسى بن عقبة ومعمر وعقيل. 3 البهمة: هي ولد الضأن الذكر والأنثى، والجمع بهم (النهاية 1/168) وقال حبيب الرحمن الأعظمي المحقق لمسند الحميدي، وفي نسخة (ظ) بهيمة، قلت: وهذه اللفظة أشمل ولعلها أرجح من لفظ (بهمة) وذلك لأن في حديث ابن إسحاق وموسى بن عقبة فتأتي الضالة من الإبل، والإبل لا تدخل في لفظ بهمة، وتدخل في لفظ بهيمة؛ لأن البهيمة كل ذات أربع قوائم ولو في الماء، أو كل حيى لا يميز جمع بهائم. (القاموس المحيط 4/82 والمصباح المنير 1/81) . 4 الحميدي: المسند 2/401وأحمد: المسند 4/175. 5 البخاري: الصحيح5/49-52 كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 الفصل الثالث: في تقسيم الغنائم المبحث الأول: الفرق بين الغنيمة والفيئ والنفل ... المبحث الأول: الفرق بين الغنيمة والفيء والنفل ذهب جمهور العلماء إلى أن هذه الألفاظ الثلاثة لا فرق بينها في أصل اللغة وأنها تلتقي وتجتمع في مطلق الزيادة والرجوع، وذلك أن الغنيمة في أصل اللغة: زيادة وعطية من الله عز وجل لهذه الأمة على ما هو أصل الأجر والثواب للمجاهد، أو أنها زيادة لهذه الأمة بعد أن كانت الغنائم محرمة على غيرها من الأمم الماضية". ويشهد لهذا ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: 176- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي" الحديث. وفيه: "وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي" 1.   1 البخاري: الصحيح 1/62-63 كتاب التيمم، باب قول الله تعالى (فلم تجدوا ماء، الخ) و79-80 باب وجعلت لي الأرض مسجدا وطهوراً. ومسلم: الصحيح 1/370 كتاب المساجد ومواضع الصلاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 والفيء: مأخوذ من فاء يفيء إذا رجع كأنه في الأصل للمسلمين فرجع إليهم، وهو الغنيمة شيء واحد، فجميع ما أخذ من الكفار على أي وجه كان يسمى غنيمة وفيئا. والنفل: بالتحريك - الغنيمة والهبة والتطوع، وجمعه أنفال، ونفال، والنفل - بالسكون وقد تحرك - معناه الزيادة. وهي زيادة عما فرضه الله تعالى، ومنه قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} ، [سورة الإسراء، الآية: 79] . فسمى سبحانه صلاة التطوع نافلة، لأنها زيادة أجر لهم على ما كتب لهم من ثواب ما فرض عليهم1. والفرق بين هذه الألفاظ الثلاثة إنما هو في الاصطلاح الشرعي ذلك أن الغنيمة في الاصطلاح هي المال المأخوذ من الكفار بايجاف 2 الخيل والركاب. قال القرطبي: "واعلم أن الاتفاق حاصل على أن المراد بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} ، [سورة الأنفال، من الآية:41] . مال الكفار: إذا ظفر المسلمون على وجه الغلبة والقهر، ولا يقتضي اللغة هذا التخصيص، ولكن عرف الشرع قيد بهذا اللفظ النوع". ثم قال: "وقد سمى الشرع الواصل من الكفار إلينا من الأموال باسمين: غنيمة، وفيئا. فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوهم بالسعي وإيجاف الخيل والركاب يسمى غنيمة، لزم هذا الاسم هذا المعنى حتى صار عرفا.   1 كتاب الأموال لأبي عبيد ص 428 و430 والنهاية لابن الأثير 3/389-390 و482 و5/99، ولسان العرب لابن منظور1/119 و121 و122 و14/194-196 و15/342 والقاموس المحيط، للفيروزآبادي1/24 و4/59 و158 والمصباح المنير للفيومي 2/545 و757 ومختار الصحاح لأبي بكر الرازي ص: 482 و516 و674، وفتح الباري: 6/239 و8/47-48، وهدي الساري ص 196 و197 كلاهما لابن حجر. 2 الإيجاف: سرعة السير، والركاب: ككتاب: الإبل التي يسار عليها، واحدها راحلة ولا واحد لها من لفظها، وجمعها: ركب بضم الكاف، ككتب وركا بات وركائب. (لسان العرب لابن منظور1/414 و11/267-368) والقاموس المحيط للفيروز آبادي 1/75 و3/303. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 والفيء: مأخوذ من فاء يفيء إذا رجع، وهو كل مال دخل على المسلمين من غير حرب ولا إيجاف"1. وقال محمد الأمين الشنقيطي: "اعلم أن أكثر العلماء: فرقوا بين الفيء والغنيمة. فقالوا: الفيء ما يسره الله للمسلمين من أموال الكفار من غير انتزاعه منهم بالقهر، كفيء بني النضير. وأما الغنيمة: فهي ما انتزعه المسلمون من الكفار بالغلبة والقهر، وهذا التفريق يفهم من قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} الآية مع قوله: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} ، [سورة الحشر، الآية: 6] . فإن قوله تعالى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ} الآية. ظاهر في أنه يراد به بيان ما أوجفوا عليه، وما لم يوجفوا عليه كما ترى. ثم قال رحمه الله: وعلى هذا القول فلا إشكال في الآيات، لأن آية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} ذكر فيها حكم الغنيمة، وآية {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِه} ذكر فيها حكم الفيء. وأشير لوجه الفرق بين المسألتين بقوله: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} أي فكيف يكون غنيمة لكم، وأنتم لم تتعبوا فيه ولم تنتزعوه بالقوة من مالكيه، ثم قال: وقال بعض العلماء، إن الغنيمة والفيء شيء واحد، فجميع ما أخذ من الكفار على أي وجه كان غنيمة وفيئا، وهذا قول قتادة رحمه الله، وهو المعروف في اللغة والعرب تطلق اسم الفيء على الغنيمة2. ثم قال: ولكن الاصطلاح المشهور عند العلماء هو ما قدمنا من الفرق بينهما وتدل له آية الحشر المتقدمة.   1 الجامع لأحكام القرآن 8/1-2 والفتاوى لابن تيمية 28/269 و562، وتفسير ابن كثير 2/284 و310 وتكملة المجموع 18/136 لمحمد حسين العقبي وأضواء البيان للشنقيطي2/352، وروائع البيان للصابوني1/588 وفتح القدير للشوكاني: 2/309، وجامع البيان للطبري 9/171 و10/2. 2 ومنه قول مهلهل بن ربيعة التغلبي: فلا وأبي جليلة ما أفأنا من النعم المؤبل من بعير ولكنا نهكنا القوم ضربا على الأثباج منهم والنحور يعني أنهم لم يشتغلوا بسوق الغنائم ولكن بقتل الرجال، فقوله: أفأنا يعني غنمنا. (أضواء البيان 2/353) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 وعلى القول قتادة: فآية الحشر مشكلة مع آية الأنفال، ولأجل ذلك الإشكال قال قتادة: إن آية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} ناسخة لآية {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِه} وهذا القول الذي ذهب إليه باطل بلا شكّ، ولم يلجئ قتادة إلى هذا القول إلاّ دعواه اتحاد الفيء والغنيمة، فلو فرق بينهما كما فعل غيره، لعلم أن آية الأنفال في (الغنيمة) وآية الحشر في (الفيء) ولا إشكال. ووجه بطلان قول قتادة المذكور: أن آية: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} نزلت بعد وقعة بدر، قبل قسم غنيمة بدر، بدليل حديث علي - رضي الله عنه - الثابت في صحيح مسلم1 الدال على أن غنائم بدر خمست، وآية التخميس التي شرعه الله بها هذه. وإما آية الحشر فهي نازلة في غزوة بني النضير بإطباق العلماء، وغزوة بني النضير بعد غزوة بدر بإجماع المسلمين. ولا منازعة فيه البتة، فظهر من هذا عدم صحة قول قتادة - رحمه الله - تعالى وقد ظهر لك أنه على القول بالفرق بين الغنيمة والفيء لا إشكال في الآية، وكذلك على قول من يرى أمر الغنائم والفيء راجعا إلى نظر الإمام، فلا منافاة على قوله بين آية الحشر، وآية التخميس إذا رآه الإمام، والله أعلم2. الفيء في الاصطلاح: "هو كل مال أخذ من الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب، كأموال بني النضير فإنها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب". أي: لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة، بل استسلم بنو النضير وصارت أموالهم فيئا أفاءه الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فتصرف فيه كما أمره الله سبحانه فرده على المسلمين في وجوه البر والمصالح العامة التي ذكرها الله في آيات سورة الحشر3.   1 انظر الحديث في صحيح مسلم 3/1568-1570 كتاب الأشربة، باب تحريم الخمر الحديث مطول وفيه "أن عليا قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم، يوم بدر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا أخرى من الخمس يومئذ" والحديث أخرجه البخاري أيضا في 4/62 كتاب فرض الخمس، باب فرض الخمس. 2 أضواء البيان2/345و352-354 وانظر: فتح الباري6/198،وجامع بيان للطبري 10/1 و2. 3 انظر تفسير ابن كثير 4/335 ومجموع الفتاوى لابن تيمية 28/562 وفتح الباري لابن حجر 6/269. وأوجز المسالك إلى موطأ مالك 8/321. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 وقد تقدم أن أكثر العلماء فرقوا بين الفيء والغنيمة، وأن الفيء: هو ما يسره الله للمسلمين من أموال الكفار من غير انتزاعه منهم بالقهر. ومن العلماء من قال: إن الغنيمة والفيء شيء واحد، فجميع ما وصل إلينا من أموال الكفار على أي وجه كان يسمى فيئا وغنيمة. والمشهور عند العلماء الفرق بينهما كما تقدم1. والنفل في الاصطلاح هو: ما يعطيه الإمام لبعض الجيش دون بعض سوى سهامهم، يفعل ذلك بهم على قدر الغناء2 عن الإسلام والنكاية في العدو3. 177- وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى نجد فخرجت فيها، فأصبنا إبلا وغنما، فبلغت سهماننا اثني عشر بعيرا، اثني عشر بعيرا ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيراً بعيراً" 4. وعنه - رضي الله عنهما - "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش". زاد مسلم: والخمس في ذلك واجب كله5. قال أبو عبيد: "وفي هذا النفل الذي ينفله الإمام سنن أربع لكل واحدة منهن موضع غير موضع الأخرى: فإحداهن: في النفل الذي لا خمس فيه.   1 انظر ص 355-357. 2 الغناء: بفتح الغين المعجمة، ممدودا، معناه النفع والكفاية (لسان العرب لابن منظور 19/376 وهدي الساري لابن حجر ص 164. 3 النكاية: هي كثرة القتل والجراح في العدو. (النهاية لابن الأثير 5/117 ولسان العرب لابن منظور 20/215 والقاموس المحيط للفيروز آبادي 4/397) . 4 البخاري: الصحيح 4/71 كتاب فرض الخمس، باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين إلخ. و5/131 كتاب المغازي، باب السرية التي قبل نجد. ومسلم: الصحيح 3/1368-1369 كتاب الجهاد والسير، باب الأنفال. قال النووي: "قوله (والخمس في ذلك واجب كله) . (كله) مجرور تأكيد لقوله (في ذلك) وهذا تصريح بوجوب الخمس في كل الغنائم ورد على من جهل فزعم أنه لا يجب، فاغتر به بعض الناس، وهذا مخالف للإجماع، وقد أوضحت ذلك في جزء جمعته في قسمة الغنائم إهـ.. (شرح النووي لصحيح مسلم 4/350) . 5 انظر: الحاشية السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 والثانية: في النفل الذي يكون من الغنيمة بعد إخراج الخمس. والثالثة: في النفل الذي يكون من الخمس نفسه. والرابعة: في النفل من جملة الغنيمة قبل أن يخمس منها شيء. فأما الذي لا خمس فيه فإنه السلب، وذلك أن ينفرد الرجل بقتل المشرك فيكون له سلبه خالصا من غير أن يخمس أو يشركه فيه أحد من أهل العسكر. وأما الذي يكون من الغنيمة بعد الخمس، فهو أن يوجه الإمام السرايا في أرض الحرب فتأتي بالغنائم، فيكون للسرية مما جاءت به الربع أو الثلث بعد الخمس. وأما الثالث فأن تحاز الغنيمة كلها ثم تخمس، فإذا صار الخمس في يدي الإمام نفل منه على قدر ما يرى. وأما الذي يكون من جملة الغنيمة، فما يعطي الأدلاء على عورة العدو1 ورعاء الماشية والسوق لها، وذلك أن هذا منفعة لأهل العسكر جميعا. ثم قال: وفي كل ذلك أحاديث واختلاف. ثم أورد الأدلة على كل مسألة من هذه المسائل المتقدمة"2. وقال الطبري - بعد أن ذكر اختلاف العلماء في المعنى المراد من الأنفال في قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} ودليل كل - وأولى هذه الأقوال بالصواب في معنى الأنفال من قال: هي زيادات يزيدها الإمام بعض الجيش أو جميعهم، إما من سلبه على حقوقهم من القسمة، وإما مما وصل إليه بالنفل، أو ببعض أسبابه، ترغيبا له، وتحريضا لمن معه من جيشه، على ما فيه صلاحهم وصلاح المسلمين، أو صلاح أحد الفريقين، وقد يدخل في ذلك ما قال ابن عباس أنه الفرس والدرع ونحو ذلك 3.   1 يعني على كشف مواطن الضعف في العدو والأماكن التي يسهل الدخول عليه منها. 2 كتاب الأموال لأبي عبيد ص 430-431 و438 و444 و449. 3 انظر قول ابن عباس عند مالك في الموطأ 2/455 كتاب الجهاد، باب ما جاء في سلب في النفل والطبري في الجامع البيان 9/170 ولفظه عن القاسم بن محمد قال: سمعت رجلا سأل ابن عباس عن الأنفال، فقال ابن عباس: الفرس من النفل، والسلب من النفل، ثم عاد لمسألته، فقال ابن عباس ذلك أيضا، ثم قال الرجل: الأنفال التي قال الله في كتابه ما هي؟ قال القاسم: "فلم يزل يسأله حتى كاد يحرجه فقال ابن عباس: أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب رضي الله عنه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 ويدخل ما قاله عطاء من أن ذلك ما عاد من المشركين إلى المسلمين من عبد أو فرس1. لأن ذلك أمره إلى الإمام إذا لم يكن ما وصلوا إليه لغلبة وقهر، يفعل ما فيه صلاح أهل الإسلام. وقد يدخل فيه ما غلب عليه الجيش بقهر. ثم قال: وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب، لأن النفل في كلام العرب، إنما هو الزيادة على الشيء، يقال منه نفلتك كذا وأنفلتك: إذا زدتك فإذا كان معناه ما ذكرنا، فكل من زيد من مقاتلة الجيش على سهمه من الغنيمة إن كان ذلك لبلاء أبلاه، أو لغناء كان منه عن المسلمين، بتنفيل الوالي ذلك إياه، فيصير حكم ذلك له كالسلب الذي يسلبه القاتل، فهو منفل ما زيد من ذلك لأن الزيادة وإن كانت مستوجبة في بعض الأحوال بحق، فليست من الغنيمة التي تقع فيها القسمة. وكذلك كل ما رضخ لمن لا سهم له في الغنيمة فهو نفل، لأنه وإن كان مغلوبا عليه، فليس مما وقعت عليه القسمة، فالفصل إذا كان الأمر على ما وصفنا بين الغنيمة والنفل: أن الغنيمة هي ما أفاء الله على المسلمين من أموال المشركين بغلبة وقهر نفل منه منفل، أو لم ينفل. والنفل: هو ما أعطيه الرجل على البلاء والغناء عن الجيش على غير قسمة2. وبعد أن ذكرنا الفرق بين الغنيمة والفيء والنفل في الاصطلاح الشرعي يحسن بنا أن نذكر حكم كل من الغنيمة والفيء والنفل تكميلا للغرض المقصود من هذا المبحث. فأقول: الغنائم قسمان: ثابت ومنقول ولكل منهما حكمه الخاص به. فحكم الثابت كالأرض المفتوحة عنوة والعقار راجع إلى الإمام فهو بالخيار بين قسمها بين الغانمين وبين وقفها في مصالح المسلمين، أو قسم بعضها ووقف البعض، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنواع الثلاثة، فقسم قريظة والنضير، ولم يقسم   1 انظر: قول عطاء: في المصدر السابق 9/169-170 ولفظه عن عطاء بن أبي رباح في قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} قال: يسألونك فيما شذ من المشركين إلى المسلمين في غير قتال من دابة أو عبد، فهو نفل للنبي صلى الله عليه وسلم. 2 الطبري: جامع البيان 9/171. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 مكة، وقسم شطر خيبر وترك شطرها الآخر وهذا هو المشهور من أقوال العلماء أن الإمام مخير بين قسم الأراضي وبين وقفها إن رأى المصلحة في ذلك1. وإن كانت منقولة فإن جمهور العلماء على أن للغانمين فيها أربعة أخماس وأنها ملك لهم تقسم بينهم للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم سهم له، وسهمان لفرسه. وأن أصل الغنائم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة بقوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول} وأن هذه الآية منسوخة بآية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} . الآية. قال القرطبي: "لما بين الله تعالى حكم الخمس وسكت عن الباقي، دل ذلك على أنه ملك للغانمين"2. وقال ابن تيمية: "فالواجب في المغنم تخميسه، وصرف الخمس إلى من ذكره الله تعالى، وقسمة الباقي بين الغانمين". قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "الغنيمة لمن شهد الوقعة، وهم الذين شهدوها للقتال، قاتلوا أولم يقاتلوا، ويجب قسمتها بينهم بالعدل، فلا يحابي أحد، لا لرياسته، ولا لنسبه، ولا لفضله، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يقسمونها، وما زالت الغنائم تقسم بين الغانمين في دولة بني أمية، ودولة بني العباس، لما كان المسلمون يغزون الروم والترك والبربر، ولكن يجوز للإمام أن ينفل من ظهر منه زيادة نكاية: كسرية تسرت من الجيش أو رجل صعد حصناً عالياً ففتحه، أو حمل على مقدم العدو فقتله، فهزم العدو ونحو ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه كانوا ينفلون لذلك"3. وقال الشوكاني: "وقد ادعى ابن عبد البر الإجماع على أن آية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} بعد قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} وأن أربعة أخماس الغنيمة مقسومة على الغانمين.   1 انظر الفتاوى لابن تيمية 17/492 وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/328و329 ونيل الأوطار للشوكاني 8/16-17. 2 تفسير أبي السعود 5/23 وفتح الباري 6/198، وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/3. 3 الفتاوى 28/280-271و 29/316. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 وأن قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} نزلت حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر". ثم قال الشوكاني: "وقد حكى الإجماع جماعة من أهل العلم على أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين وممن حكى ذلك ابن المنذر1 وابن عبد البر والداودي2 والمازري3 والقاضي عياض وابن العربي"4. والأحاديث الواردة في قسمة الغنيمة بين الغانمين، وكيفيتها كثيرة جدا وقال القرطبي: ولم يقل أحد فيما أعلم - أن قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} الآية، وناسخ لقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية. بل قال الجمهور: إن قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} ، ناسخ وهم الذين لا يجوز عليهم التحريف ولا تبديل لكتاب الله 5. وقال محمد الأمين الشنقيطي: إعلم أن جماهير علماء المسلمين على أن أربعة أخماس الغنيمة للغزاة الذين غنموها، وليس للإمام أن يجعل تلك الغنيمة لغيرهم. ويدل لهذا قوله تعالى: {غَنِمْتُمْ} فهو يدل على أنها غنيمة لهم، فلما قال: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} علمنا أن الأخماس الأربعة الباقية لهم لا لغيرهم، ونظير ذلك قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} أي: ولأبيه الثلثان الباقيان إجماعا، فكذلك قوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} أي: للغانمين ما بقي، وهذا القول هو الحق الذي لا شك فيه، ثم أشار إلى الإجماع الذي ذكره الشوكاني ثم قال: وخالف في ذلك بعض أهل العلم وهو قول كثير من المالكية، ونقله عنهم المازري أيضا قالوا: للإمام أن يصرف الغنيمة فيما يشاء من مصالح المسلمين ويمنع منها الغزاة الغانمين، واحتجوا   1 ابن المنذر: هو أبو بكر محمد بن إبراهيم تقدمت ترجمته في حديث (56) . 2 هو أبو الحسين عبد الرحمن بن محمد بن مظفر الداودي (374-467) هـ (فتح الباري 1/6 ومعجم المؤلفين لكحالة 5/192. 3 المازري هو أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المازري الفقيه المالكي كان ثقة متقنا، شرح صحيح مسلم بكتاب سماه "المعلم بفوائد كتاب مسلم" (ت 536) (ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/285) . 4 هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد الأشبيلي ابن العربي، العلامة الحافظ القاضي (468-543) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 4/1294-1298) . 5 فتح القدير للشوكاني 2/309 وانظر أوجز المسالك إلى موطأ مالك للكندهلوي 8/308، وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/2 و3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 لذلك بأدلة منها قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول} الآية. قالوا: الأنفال: الغنائم كلها، والآية محكمة لا منسوخة، احتجوا أيضا بما وقع في فتح مكة، وقصة حنين، قالوا: إنه صلى الله عليه وسلم فتح مكة عنوة ومن على أهلها فردها عليهم، ولم يجعلها غنيمة ولم يقسمها على الجيش، فلو كان قسم الأخماس الأربعة على الجيش واجبا لفعله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة. وكذلك غنائم هوازن في غزوة حنين، أعطى منها عطايا عظيمة جدا، ولم يعط الأنصار منها مع أنهم من خيار المجاهدين، الغانمين معه صلى الله عليه وسلم، فلو كان يجب قسم الأخماس الأربعة على الجيش الذي غنمها لما وزعت الغنائم على غير الغانمين، ثم قال: وأجاب الجمهور عن هذه الاحتياجات بأن آية: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} منسوخة بآية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} . وأما الجواب عما وقع في فتح مكة، فإن مكة وإن كانت فتحت عنوة على المشهور، فإنها ليست كغيرها من البلاد التي ليست لها هذه الحرمة. وأما ما وقع في قصة حنين فالجواب عنه ظاهر، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم استطاب نفوس الغزاة عن الغنيمة ليؤلف بها قلوب المؤلفة قلوبهم لأجل المصلحة العامة للإسلام والمسلمين وقد عوضهم نفسه صلى الله عليه وسلم فإن الأنصار لما قالوا يمنعنا ويعطي قريشا وسيوفنا تقطر من دمائهم فجمعهم وكلمهم بقوله: "يا معشر الأنصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم" فرضي القوم وطابت نفوسهم، وقالوا: "رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسما وحظا" 1 قال الشوكاني: "وليس لغيره صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا القول"2. وأجاب ابن تيمية عن هذا أيضا فقال: "ولو فتح الإمام بلدا وغلب على ظنه أن أهله يسلمون ويجاهدون جاز أن يمن عليهم بأنفسهم وأموالهم وأولادهم كما فعل صلى الله عليه وسلم بأهل مكة، فإنهم أسلموا   1 أضواء البيان 2/354، و356، و357، وانظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/3-4. 2 فتح القدير 2/309. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 كلهم بلا خلاف، بخلاف أهل خيبر فإنه لم يسلم أحد، فأولئك قسم أرضهم لنهم كانوا كفارا مصرين على الكفر، وهؤلاء تركها لهم لأنهم كلهم صاروا مسلمين، والمقصود بالجهاد أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم ليتألفهم على الإسلام، فكيف لا يتألفهم بإبقاء ديارهم وأموالهم"1. والخلاصة أن القول الأرجح في هذا أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين الذين شهدوا الوقعة هذا إذا كانت الغنائم منقولة وأما غير المنقول، فيخير الإمام بين قسمها ووقفها، وهذا هو الظاهر من نصوص الشريعة، والله أعلم. وأما الفيء: فقد بين الله عز وجل حكمه ومصارفه في قوله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} . [سورة الحشر، الآيتان: 6و7] . قال ابن كثير في شرح هذه الآيات: "يقول تعالى: مبينا ما الفيء وما صفته وما حكمه، فالفيء كل مال أخذ من الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب، كأموال بني النضير هذه فإنها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، أي لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة، بل نزل أولئك من الرعب الذي ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأفاء هـ الله على رسوله، ولهذا تصرف فيه كما يشاء فرده على المسلمين في وجوه البر والمصالح التي ذكرها الله - عز وجل - في هذه الآيات، فقال تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} أي: من بني النضير، {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} يعني: الإبل {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي: هو قادر لا يغالب ولا يمانع بل هو القاهر لكل شيء ثم قال تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} أي: جميع البلدان التي تفتح هكذا فحكمها حكم أموال بني النضير ولهذا   1 الفتاوى 17/493. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 قال تعالى {فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} إلى آخرها والتي بعدها فهذه مصارف أموال الفيء ووجوهه. 178- ثم قال: روى الإمام أحمد فقال: حدثنا سفيان عن عمرو ومعمر عن الزهري عن مالك1 بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجف المسلمون بخيل أو ركاب، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة، وكان ينفق على أهله منها نفقة سنة، وقال مرة قوت سنة، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل"2. ثم قال: "هكذا أخرجه أحمد ههنا مختصرا، وقد أخرجه الجماعة3 في كتبهم إلا ابن ماجة من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري به"4. وقال ابن حجر: "واختلف العلماء في مصرف الفيء، فقال مالك: الفيء والخمس سواء يجعلان في بيت المال ويعطى الإمام أقارب النبي صلى الله عليه وسلم بحسب اجتهاده". وفرق الجمهور بين خمس الغنيمة وبين الفيء، فقالوا: الخمس موضوع فيما عينه الله فيه من الأصناف المسمين في آية الخمس من سورة الأنفال5، لا يتعدى به إلى غيرهم، وأما الفيء فهو الذي يرجع النظر في مصرفه إلى رأي الغمام بحسب المصلحة. ثم قال: "انفرد الشافعي - كما قال ابن المنذر وغيره - بأن الفيء يخمس وأن أربعة أخماسه للنبي صلى الله عليه وسلم، وله خمس الخمس كما في الغنيمة وأربعة أخماس الخمس لمستحق نظيرها من الغنيمة".   1 مالك بن أوس بن الحدثان - بمهملتين مفتوحتين ومثلثة- النصري- بالنون أبو سعيد المدني، له رؤية، وروى عن عمر، مات سنة 92 وقيل (91) /ع 0 التقريب 2/223) . 2 انظر الحديث في مسند أحمد 1/25و48، والبخاري 4/31 كتاب الجهاد باب المجن ومن تترس بترس صاحبه، ومسلم 3/1376 كتاب الجهاد والسير، باب حكم الفيء، والنسائي 8/119-120 كتاب قسم الفيء وأبو داود 2/125 كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والترمذي 3/81-82 أبواب السير باب ما جاء في تركة النبي صلى الله عليه وسلم. 3 المراد بالجماعة: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 4 تفسير ابن كثير 4/335. 5 هي قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية 41 من سورة الأنفال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 وقال الجمهور: "مصرف الفيء كله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتجوا بقول عمر: "فكانت هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة". وتأول الشافعي قول عمر المذكور بأنه يريد الأخماس الأربعة1. وقال النووي: "وقد أوجب الشافعي الخمس في الفيء، كما أوجبوه كلهم في الغنيمة، وقال جميع العلماء سواه: لا خمس في الفيء ثم قال: يؤيد الجمهور بأنه لا خمس في الفيء قوله في حديث الباب "كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة". وقد ذكرنا أن الشافعي أوجبه، ومذهبه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له من الفيء أربعة أخماس وخمس خمس الباقي2. وقال ابن تيمية في أثناء كلامه على الفيء، ومن الفيء ما ضربه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على الأرض التي فتحها عنوة ولم يقسمها، كأرض مصر وأرض العراق - إلا شيئا يسيرا منها - وبر الشام، وغير ذلك، فهذا الفيء لا خمس فيه عند جماهير الأئمة: كأبي حنيفة، ومالك وأحمد، وإنما يرى تخميسه الشافعي وبعض أصحاب أحمد، وذكر ذلك رواية عنه. قال ابن المنذر: "لا يحفظ عن أحد قبل الشافعي أن في الفيء خمسا كخمس الغنيمة"، ثم قال ابن تيمية: "وهذا الفيء لم يكن ملكا للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته عند أكثر العلماء". وقال الشافعي وبعض أصحاب أحمد: "كان ملكا له"، ثم قال: "وأما مصرفه بعد موته صلى الله عليه وسلم، فقد اتفق العلماء على أن يصرف منه أرزاق الجند المقاتلين، الذين يقاتلون الكفار، فإن تقويتهم تذل الكفار، فيؤخذ منهم الفيء، وتنازعوا هل يصرف في سائر مصالح المسلمين، أم تختص به المقاتلة؟ "   1 فتح الباري 6/208 و269 وعون المعبود 8/186-187. 2 شرح مسلم للنووي 4/361 وفتاوى ابن تيمية 28/564-565 وفتح القدير للشوكاني 5/198، ومعنى قول الشافعي رحمه الله أنّ مال الفيء يقسم خمسة أقسام، فأربعة من هذه الخمسة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والخمس الباقي يقسم أيضا خمسة أقسام فلرسول الله صلى الله عليه وسلم منها خمسا والأربعة الأخماس الباقية تقسم على المذكورين في آية خمس الغنيمة، انظر: الأم، للشافعي: 4/64-66. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 على القولين للشافعي، ووجهين في مذهب الإمام أحمد، لكن المشهور في مذهبه، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك: "أنه لا يختص به المقاتلة، بل يصرف في المصالح كلها. أهـ"1. وأما النفل فقد تقدم حكمه2. والخلاصة في هذا أن الغنيمة والنفل والفيء تلتقي في الأصل اللغوي، وتفترق في المعنى الشرعي. وأن أربعة أخماس الغنيمة لمن شهد الوقعة حق ثابت لهم، وأن الفيء يصرف في مصالح المسلمين، حسب المصلحة الراجحة، وأن النفل يرجع فيه إلى رأي الإمام فيعطي كلا على حسب غنائه وبلائه في مصلحة الإسلام والمسلمين.   1 ابن تيمية: الفتاوى 28/564-565. 2 تحت حديث (177) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 المبحث الثاني: جفاء الأعراب وغلظتهم لقد عرف الأعراب بالجشع والحرص على أتفه متاع الدنيا مع الغلظة وشراسة الطبع والجفاء، لبعدهم عن مواطن الوعي الاجتماعي وتحررهم من قيود النظام وقوانين الحضارة الإنسانية، فالأعراب قوم من العرب يعيشون في البوادي ويتتبعون مواقع القطر وأماكن الخصب، ولا تجمعهم قرية ولا يحكمهم قانون ولا يخضعون لسلطان وقد سجل القرآن على هؤلاء الأعراب أشد الكفر والنفاق وأسوأ الجهل والفظاظة الأمر الذي يؤدي إلى كل تصرف وحشي وكل قول غليظ جاف. قال تعالى: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} . [سورة التوبة: آية 97و98] . وتاريخ الأعراب في الجاهلية حافل بالهمجية والفوضى وما يتبع من تصرفات نادة عن الذوق والوعي والمسئولية. والإسلام جاء ليستنقذ هؤلاء التعساء وغيرهم من الظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان، وقد استمرت الدعوة الإسلامية في طريقها لتخليص هذه النفوس المأفونة من رق الكفر وأغلال الجاهلية فأقبل على هذه الدعوة المحمدية من علم الله فيه الخير فتحرر من تقاليد الجاهلية وانحرافها في الفكر والسلوك في العقيدة والعمل بيد أنّ كثيراً من هؤلاء الجاهليّين ظل شاكاً في حقيقة الدعوة الإسلامية يتربص بها الدوائر يخرج مع المسلمين لا حباً في نصر الدين وإنما للحصول على الغنائم ويبدوا أن فرار الأعراب يوم حنين لا يبعد أن يكون من دوافعه ريب في قلوبهم وشك في إيمانهم، على أنهم ليسوا على درجة واحدة في ذلك. ومن الظواهر العجيبة التي تستحق التنبيه أن هؤلاء الأعراب كانوا أول من فر من ميدان القتال فصاروا سببا مباشرا في انكشاف المسلمين بادئ الأمر أمام جموع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 هوازن كما كانوا في نهاية المعركة أحرص الناس على الغنائم وأشدهم غلظة في القول يوضح ذلك الموقف المشار له في الأحاديث الآتية: ما رواه مسلم وأحمد من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "افتتحنا مكة ثم إنا غزونا حنينا فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت، قال: فصفت الخيل، ثم صفت المقاتلة، ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم، ثم صفت النعم، قال: ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف، وعلى مجنبة خيلنا خالد بن الوليد، قال: فجعلت خيلنا تلوى خلف ظهورنا فلم نلبث أن انكشفت خيلنا، وفرت الأعراب ومن نعلم من الناس" الحديث1. وما رواه البخاري وغيره من حديث جبير بن مطعم وهذا سياقه عند البخاري: 179- قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح2 عن ابن شهاب قال: أخبرني عمر بن محمد ابن جبير بن مطعم أن محمد بن جبير قال: أخبرني جبير بن مطعم أنّه بينا هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناس مقبلاً3 من حنين علقت4 رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأعراب يسألونه حتى اضطروه5 إلى   1 تقدم تخريجه برقم (46) . 2 صالح: هو ابن كيسان. 3 مقبلا: قال ابن حجر: منصوب على الحال، للكشمهيني: "مقفله من حنين" وهو بفتح الميم وسكون القاف وفتح الفاء وباللام يعني: زمن رجوعه (فتح الباري 6/35 و254) . قلت: وهو كذلك عند عبد الرزاق وأحمد وأبي يعلى والطبراني (مقفله من حنين) وعند الطبري "مقبله من حنين". 4 علقت: بفتح العين وكسر اللام الخفيفة بعدها قاف - أي نشبوا وتعلقوا - قال ابن حجر: وفي رواية الكشميهيني: "فطفقت" وهو بوزنه ومعناه (فتح الباري 6/35، و254 ولسان العرب 12/95) . وعند البخاري أيضا "فعلقت الناس يسألونه" وعند عبد الرزاق وأحمد والطبراني "علقه الأعراب" وعند الطبري "عاقت رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراب". 5 اضطروه إلى سمرة: أي ألجؤه، والسمرة: بفتح المهملة وضم الميم، شجرة طويلة متفرقة الرأس قليلة الظل، صغيرة الورق والشوك صلبة لخشب، قاله ابن التين. وقال الخطابي: ورق السمرة أثبت وظلها أكثف، ويقال: هي شجرة الطلح وقال الدوادي: السمرة هي العضاه. (فتح الباري 6/35 و254 ولسان العرب 6/45) . وعند الطبراني: "حتى اضطره بسدرة خطفت رداءه". ذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 سمرة فخطفت1 رداءه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اعطوني ردائي، فلو كان عدد هذه العضاه2 نعما لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا، ولا كذوبا3 ولا جبانا" 4. قال ابن حجر: "في هذا الحديث: ذم الخصال المذكورة وهي البخل والكذب والجبن، وأن إمام المسلمين لا يصلح أن يكون فيه خصلة منها، وفيه ما كان في النبي صلى الله عليه وسلم من الحلم وحسن الخلق وسعة الجود والصبر على جفاة الأعراب، وفيه جواز وصف المرء نفسه بالخصال الحميدة عند الحاجة لخوف ظن أهل الجهل به خلاف ذلك، ولا   1 قوله فخطفت رداءه: وعند عبد الرزاق وهو على راحلته. قال ابن حجر: "وفي مرسل عمرو بن سعيد عند عمر بن شبة (في كتاب مكة) حتى عدلوا بناقته عن طريق، فمرت بسمرات فانتهسن ظهره وانتزعن رداءه، فقال: "ناولني ردائي" فذكر نحو حديث جبير ابن مطعم وفيه "فنَزل ونزل الناس معه فأقبلت هوازن فقالوا: جئنا نستشفع بالمؤمنين إليك، ونستشفع بك إلى المؤمنين" فذكر القصة. (فتح الباري 6/254) . والزرقاني شرح المواهب 3/40 ووقع عنده (عمرو بن شبة) وصوابه (عمر) . 2 والعضاه بكسر المهملة بعدها معجمة خفيفة، وفي آخرها هاء، يقرأ في الوصل وفي الوقف بالهاء. واختلف في واحدها فقيل: عضة - بفتحتين - مثل شفة وشفاه، والأصل عضهة وشهقة فحذفت الهاء، وقيل: واحدها عضاهة. قال القزاز: "العضاه: شجر الشوك كالطلح والعوسج والسدر، ويدخل فيه السمر" (فتح الباري 6/254، ولسان العرب 17/411) . 3 وعند عبد الرزاق وأحمد وأبي يعلى والطبري والطبراني "ولا كذابا" قال الزرقاني: أي إذا جربتموني لا تجدوني ذا بخل ولا ذا كذب ولا ذا جبن، فالمراد نفي الوصف من أصله، لا نفي المبالغة التي تدل عليها الثلاثة، لأن كذوبا من صيغ المبالغة، وجبانا صفة مشبهة، وبخيلا يحتمل الأمرين. قال ابن المنير: "وفي جمعه صلى الله عليه وسلم بين هذه الصفات اللطيفة لأنها متلازمة، وكذا أضدادها الصدق والكرم والشجاعة، وأصل المعنى هنا الشجاعة فإن الشجاع واثق من نفسه بالخلف من كسب سيفه فبالضرورة لا يبخل، وإذا سهل عليه العطاء لا يكذب بالخلف في الوعد، لأن الخلف إنما ينشأ من البخل". وقوله: "فلو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم: تنبيه بطريق الأولى لأنّه إذا سمح بمال نفسه فلأن يسمح بقسم غنائمهم عليهم أولى، واستعمال (ثم) هنا بعدما ما تقدم ذكره ليس مخالفا لمقتضاها، وإن كان الكرم يتقدم العطاء، لكن علم الناس بكرم الكريم إنما يكون بعد العطاء، وليس المراد (بثم) الدالة على تراخي العلم بالكرم عن العطاء، وإنما التراخي هنا لعلو رتبة الوصف، كأنه قال: أعلى من العطاء بما لا يتعارف أن يكون العطاء عن كرم، فقد يكون عطاء بلا كرم، كعطاء البخيل ونحو ذلك". (شرح المواهب اللدنية 3/40-41) والكندهلوي أوجز المسالك إلى موطأ مالك 8/321-322. 4 البخاري: الصحيح 4/19 كتاب الجهاد، باب الشجاعة في الحرب والجبن 4/75 كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم من الخمس ونحوه. وعبد الرزاق: المصنف 5/243. وأحمد: المسند 4/82-84. وأبو يعلى: المسند 6/683 أرقم 306. الطبري: تهذيب الآثار كما في كنز العمال 10/357، ومنتخب كنز العمال 4/170، والمواهب اللدنية 1/167. والطبراني: المعجم الكبير 2/134-136. أبو عبيد: كتاب الأموال ص 354. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 يكون ذلك من الفخر المذموم، وفيه رضاء السائل للحق بالوعد إذا تحقق عن الواعد التنجيز، وفيه أن الإمام مخير في قسم الغنيمة إن شاء بعد فراغ الحرب، وإن شاء بعد ذلك"1. والحديث رواه الطبراني أيضا والطبري من طريق نافع2 بن جبير ابن مطعم عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: وهو عند ثنية الأراكة3 وهو يعطي حين فرغ من حنين، فاضطره الناس إلى سلمة 4 فانتزع غصن من السلمة رداءه، فالتفت إلينا بوجهه مثل شقة القمر، فقال: "أعطوني ردائي فأعطيناه إياه، ثم قال: تخافون علي البخل، فوالذي نفسي بيده لو كان عندي صواحي هذا الجبل لأعطيتكموه". وقال: "صوحا الجبل5 جانبا مقادمه ومآخره"6 وقال الهيثمي: "رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم" 7. 180- وما رواه الطبري أيضا من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين سأله الناس فأعطاهم من البقر والغنم والإبل، حتى لم يبق شيء من ذلك، فقال: "فماذا تريدون أتريدون أن تبخلوني؟ فوالله ما أنا بخيل ولا جبان ولا كذوب، فجذبوا ثوبه حتى بدا منكبه فكأنما انظر حين بدا منكبه إلى شقة قمر من بياضه" 8.   1 ابن حجر: فتح الباري 6/254، والزرقاني: شرح المواهب 3/41. 2 نافع بن جبير بن مطعم النوفلي، أبو محمد، أو أبو عبد الله، المدني، ثقة فاضل، من الثالثة (ت 199) /ع (التقريب 2/295، وتهذيب التهذيب 10/404) . 3 ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان 1/135 قال: أراك بالفتح وآخره كاف: وهو وادي الأراك، قرب مكة ونقل عن الأصمعي أن أراك جبل لهذيل، وقيل هو موضع من نمرة، في موضع من عرفة. 4 السلم: بفتحتين: نوع من العضاه (لسان العرب 15/188) . 5 الصوح: بفتح الصاد وضمها: الجانب من الرأس والجبل، ووجه الجبل القائم كأنه حائط، وصوحا الوادي حائطاه. لسان العرب3/352،والقاموس المحيط1/235) . 6 كنْز العمال 10/358 ومنتخب كنز العمال 4/170 ونسبه للطبري في تهذيبه، وانظر المعجم الكبير للطبراني 2/142. 7 مجمع الزوائد 8/280. 8 منتخب كنز العمال 4/171 مع مسند أحمد ونسبه لابن جرير الطبري وقال: سنده على شرط الشيخين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 وكان سبب هذا الفعل الصادر من الأعراب وغيرهم هو ما صرح به حديث عمرو بن شعيب عند ابن إسحاق وغيره وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رد على هوازن سبيهم خاف الناس أن يرد إليهم الأموال أيضا فطالبوا بقسم الأموال بإلحاح شديد1. وهذا سياق الحديث عن ابن إسحاق: قال: حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص أن وفد هوازن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا، فقالوا يا رسول الله إنا أصل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك، فأمنن علينا من الله عليك، الحديث وفيه: "ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من رد سباياً حنين إلى أهلها، ركب، واتبعه الناس يقولون: يا رسول الله اقسم علينا فيئنا من الإبل والغنم، حتى ألجئوه إلى شجرة، فاختطفت رداءه، فقال: "ردوا علي ردائي أيها الناس فوالله أن لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم، ثم ما ألفيتموني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا" الحديث2. والحديث رواه أبو داود والنسائي وأحمد وابن الجارود والطبري والبيهقي، الجميع من طريق ابن إسحاق منهم المختصر ومنهم المطول، وقد صرح بالتحديث عند ابن الجارود والطبري والبيهقي، وكذا عند ابن هشام3 فالحديث حسن لذاته4. وقد تابع ابن إسحاق على وصل هذا الحديث - يحيى5 بن سعيد الأنصاري   1 انظر البداية والنهاية: لابن كثير 4/355. 2 سيرة ابن هشام 2/488-490 و 492 والروض الأنف 7/241-243 و245 و 279 -280. 3 أبو داود: السنن 2/57 كتاب الجهاد، باب في الفداء الأسير بالمال والنسائي: السنن 6/220 كتاب الهبة7/119كتاب قسم الفيء، وأحمد: المسند2/184 و218 وابن الجارود: المنتقى ص:362، والطبري: تاريخ الرسل والملوك3/86-87و89-90. والبيهقي: السنن الكبرى 6/336-337 و7/17 و9/75 ودلائل النبوة 3/54-55 ب أب. 4 انظر الألباني: تخريج أحاديث فقه السيرة للغزالي ص 426 وصحيح الجامع الصغير 6/280 وإرواء الغليل 5/36-37 و73-74، وتقدم الحديث برقم (130) مع تراجم رواته، وسيأتي تحت رقم (288) . 5 ثقة ثبت تقدم في حديث (109) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 عند ابن أبي شيبة والطبراني، ومحمد1 بن عجلان وعمرو2 بن دينار عند الطبراني والبيهقي الجميع عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده3. ورواه مالك عن عبد الرحمن4 بن سعيد عن عمرو بن شعيب فأرسله ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صدر من حنين، وهو يريد الجعرانة سأله الناس حتى دنت به ناقته من شجرة، فتشبكت5 بردائه، حتى نزعه عن ظهره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ردوا علي ردائي أتخافون أن لا أقسم بينكم ما أفاء الله عليكم، والذي نفسي بيده لو أفاء الله عليكم مثل سمر تهامة نعما لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا" الحديث 6. قال ابن عبد البر: "لا خلاف عن مالك في إرساله".   1 محمد بن عجلان المدني، صدوق، إلا أنه اختلط عليه أحاديث أبي هريرة من الخامسة (ت 148) خت م ع (التقريب 2/190 وتهذيب التهذيب 9/341) وقال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء 6/317-322. محمد بن عجلان: الإمام القدوة الصادق بقية الأعلام، وختم ترجمته بقوله: وقد ذكرت ابن عجلان في الميزان فحديثه إن لم يبلغ رتبة الصحيح فلا ينحط عن رتبة الحسن (انظر ميزان الاعتدال 3/644 وتذكرة الحفاظ 1/165. 2 عمرو بن دينار المكي، أبو محمد الأثرم، الجمحي مولاهم ثقة ثبت من الرابعة (ت 126) / ع (التقريب 2/69 وتهذيب التهذيب 8/28-30) . 3 ابن أبي شيبة: التاريخ ص 87 أرقم 665 والطبراني: كما في مجمع البحرين 2/235 و 244 رقم 77 ومجمع الزوائد 5/338-339 كلاهما للهيثمي. 4 قال الألباني: "عبد الرحمن بن سعيد، هكذا لم أجد من ترجمه، لكن شيوخ مالك كلهم ثقات كما هو معلوم لدى العلماء بالرجال"، (إرواء الغليل 5/74) . وقال الكندهلوي: "إنما هو عبد ربه بن سعيد، هكذا في النسخ الهندية وبعض المصرية، وفي بعضها عبد الرحمن بن سعيد وليس الصحيح، وهو عبد ربه بن سعيد بن قيس الأنصاري، أخو يحيى بن سعيد له في الموطأ مرفوعا ثلاثة أحاديث هذا ثانيها. وفي التقصي: له ثلاثة أحاديث، وذكر من جملتها هذا الحديث ولم يذكر عبد الرحمن بن سعيد في شيوخ مالك في الموطأ إهـ. (أوجز المسالك إلى موطأ مالك 8/320) . قلت: الأحاديث المشار إليها في "التقصي" هي في ص 105-106 من التقصي وهي برقم (328 و329 و330) . وقد قرأت الموطأ بتصحيح محمد فؤاد عبد الباقي من أوله إلى آخره فلم أجد مالكا روى عن عبد الرحمن بن سعيد وإنما وجدته روى عن عبد ربه بن سعيد خمسة أحاديث من جملتها حديث الباب، وهي في الموطأ1/289-290 و2/457 و514، و574، و589، وهي في كتاب الجهاد، باب ما جاء في الفلول، وكتاب الفرائض، باب ميراث الجدة، وكتاب الطلاق، باب ما جاء في طلاق العبد، وباب عدة المتوفى زوجها إذا كانت حاملاً، وكتاب الصيام، باب ما جاء في صيام الذي يصبح جنبا. وأرقامها: (و6، و10 و22 و49 و83) ذكر صاحب التقصي منها رقم (10 و22 و83) فقط وهي عنده رقم 328 و329 و330 ولم يذكر حديث رقم (6/49) وهما في الموطأ 2/514 و2/574 من كتاب الفرائض وكتاب الطلاق وانظر ترجمة عبد ربه بن سعيد في التقريب 1/470 وتهذيب التهذيب 6/126. 5 تشبكت: أي نشبت (القاموس المحيط 3/308) . 6 الموطأ 2/457. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 قال الكاند هلوي: "ووصله النسائي، قال الحافظ بإسناد حسن من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن جده. وأخرجه النسائي أيضاً بإسناد حسن من حديث عبادة، قاله الزرقاني. ثم قال: قلت: ووصله أبو داود أيضاً برواية حماد عن ابن إسحاق بهذا السند"1. وأورد ابن كثير حديث ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثم قال: وهذا السياق يقتضي أنه عليه السلام رد إلى هوازن سبيهم قبل القسمة كما ذهب إليه محمد بن إسحاق بن يسار خلافا لموسى بن عقبة وغيره2. ثم قال: "وفي صحيح البخاري من طريق الليث عن عقيل عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوا أن ترد إليهم أموالهم ونساؤهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "معي من ترون واحب الحديث إليّ أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال. وقد كنت استأنيت بكم" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظهرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، فلما تبيّن لهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلاّ إحدى الطائفتين، قالوا: إنا نختار سبينا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء قد جاءوا تائبين وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول يفيء الله علينا فليفعل". فقال الناس: "قد طيبنا ذلك يا رسول الله، فقال لهم: "إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم". فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بأنهم قد طيبوا وأذنوا" فهذا الذي بلغنا عن سبي هوازن 3 إلى أن قال: والمقصود من هذا   1 أوجز المسالك إلى موطأ مالك 8/320. وسنن النسائي 6/220 كتاب الهبة و 7/119 كتاب قسم الفيء. وسنن أبي داود 2/57 كتاب الجهاد، باب في الفداء الأسير بالمال. 2 انظر قول موسى بن عقبة عند البيهقي في دلائل 3/54 أ. وابن حجر: فتح الباري 8/33 وانظر ص (436) تعليقة (6) من مبحث قدوم وفد هوازن إلى الجعرانة. 3 قال ابن حجر:" القائل: فهذا الذي بلغنا إلخ هو الزهري" (فتح الباري 8/34) وانظر الحديث في صحيح البخاري 5/126 كتاب المغازي باب ويوم حنين وقد تقدم برقم (108) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد إلى هوازن سبيهم بعد القسمة كما دل عليه السياق وغيره، وظاهر سياق حديث عمرو بن شعيب الذي أورده محمد بن إسحاق عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد إلى هوازن سبيهم قبل القسمة، ولهذا لما رد السبي وركب علقت الأعراب برسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون اقسم علينا فيئتنا حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه، فقال: "ردوا علي ردائي أيها الناس، فوالذي نفسي بيده لو كان لكم عدد هذه العضاه نعما لقسمته فيكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا". كما رواه البخاري عن جبير بن مطعم بنحوه. ثم قال: "كأنهم خشوا أن يرد إلى هوازن أموالهم كما رد إليهم نسائهم وأطفالهم فسألوه قسمة ذلك فقسمها - عليه الصلاة والسلام - بالجعرانة كما أمره الله عز وجل1.اهـ. قلت: وقد وردت أحاديث غير هذا تدل على أن قدوم وفد هوازن، كان بعد قسم سبيهم بين المسلمين، كما سيأتي ذلك في قدوم وفد هوازن2. والذي يهمنا هنا هو ما حصل من هؤلاء الأعراب وغيرهم من الطلقاء وغوغاء الناس الذين لم يكن همهم إلا الحصول على الغنيمة سواء أكان قدوم وفد هوازن بعد قسم نسائهم وأطفالهم على المسلمين، أم كان قدومهم قبل ذلك. وهذه الأحاديث تدل على حلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسعة صدره وصبره على عتاة الأعراب وغيرهم من ضعفاء الإيمان، ويزيد ذلك وضوحا ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: 181- كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة3 ومعه بلال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي4 فقال: "ألا تنجز لي ما وعدتني" 5.   1 ابن كثير: البداية والنهاية 4/354، 355 وانظر فتح الباري 8/33، 34. 2 انظر ص 435. 3 قال ابن حجر: أنكر الدوادي: الشارح قوله: أن (الجعرانة) بين مكة والمدينة، وقال: إنما هي بين مكة والطائف، وكذا جزم النووي بان الجعرانة بين الطائف ومكة، وهو قول عياض والفاكهي. (فتح الباري 8/46) . 4 وعند مسلم: "رجل أعرابي". 5 وعند مسلم: "ألا تنجز لي يا محمد! ما وعدتني". قال ابن حجر: "يحتمل أن الوعد كان خاصا به، ويحتمل أن يكون عاما، وكان طلبه أن يعجل نصيبه من الغنيمة فإنه صلى الله عليه وسلم، كان أمر أن تجمع غنائم حنين بالجعرانة، وتوجه هو بالعساكر إلى الطائف، فلما رجع منها قسم الغنائم حينئذ بالجعرانة فلهذا وقع في كثير ممن كان حديث عهد بالإسلام استبطاء الغنيمة واسنتجاز قسمتها 0 فتح الباري8/46. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 فقال له: "أبشر، فقال، قد أكثرت علي من أبشر1. فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: "رد البشرى2، فاقبلا أنتما، قالا: قبلنا، ثم دعا بقدح3 فيه ماء، فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه، ثم قال: اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وابشرا، فأخذ القدح ففعلا 4، فنادت أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما، فأفضلا لها منه طائفة" 5 قال النووي: "في الحديث: فضيلة ظاهرة لأبي موسى وبلال وأم سلمة - رضي الله عنهم -، وفيه استحباب البشارة واستحباب الازدحام فيما يتبرك به وطلبه ممن هو معه، والمشاركة فيه" 6. ومجموع ما مضى من الأحاديث صريح في الدلالة على ضعف إيمان هؤلاء الجشعين على غنائم حنين وعلى سوء أدبهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم في أقوالهم وأفعالهم، ويؤخذ منها أيضا أن هم هؤلاء هو المغنم لأنهم فروا في ميدان القتال وأصابهم الهلع والجشع بعد النهاية المعركة على الغنائم، وفي ذلك دلالة واضحة على أن نفوس هؤلاء الأعراب والطلقاء ونحوهم، ولم تتهذب بأخلاق الإسلام ولم ترسخ في نفوسهم العقيدة الإسلامية ويظهر أن كثيرا من هؤلاء حسن إسلامهم فيما بعد وأصبحوا جنوداً باسلة في صفوف الجيش الإسلامي، وقد كان لحكمة الرسول صلى الله عليه وسلم وحلمه على هؤلاء وقسمه بينهم تلك الغنائم الهائلة أثر كبير في تحسن إسلامهم ورضا نفوسهم وإيقانهم بأن هذا الكرم العظيم الذي لا يقادر قدره لا يصدر إلا من رسول حق لا يخشى الفقر ولا يقيم لحطام الدنيا وزنا. والله أعلم.   1 أبشر: بهمزة قطع، أي بقرب القسمة، أو بالثواب الجزيل على الصبر (المصدر السابق 8/46) . وعند مسلم: "فقال له الأعرابي" 2 عند مسلم: "إن هذا قد رد البشرى". 3 القدح: بفتح القاف والدال- آنية للشرب تروي الرجلين، وقيل هو اسم يجمع صغارها وكبارها، والجمع أقداح. ومتخذها قداح، وصنعته القداحة. (لسان العرب لابن منظور3/388 والقاموس المحيط للفيروزآبادي 1/241، ومختار الصحاح لبي بكر الرازي ص 523) . 4 عند مسلم "ففعلا ما أمرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادتهما أم سلمة من وراء الستر: أفضلا لأمكما مما في إنائكما" قال ابن حجر: "أم سلمة هي: زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي أم المؤمنين ولهذا قالت: لأمكما" (فتح الباري 8/46-47) . 5 البخاري: الصحيح 5/129 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف و 1/42 كتاب الوضوء، باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة، ذكر طرفا منه، انظر فتح الباري 1/295و302و8/46، ومسلم: الصحيح 4/1943 كتاب الفضائل الصحابة، باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين. 6 النووي: شرح صحيح مسلم 5/367. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 المبحث الثالث: اعتراض ذي الخويصرة التميمي على الرسول صلى الله عليه وسلم في قسم الغنائم كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر - وهو لحنين - بالغنائم أن تجتمع وأن تحبس في الجعرانة حتى يعود من الطائف، ثم توجه صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين إلى الطائف فضرب عليها الحصار كما مر ذلك مفصلاً1. ثم قرر صلى الله عليه وسلم العودة إلى الجعرانة فوصلها ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة، وأقام بها ثلاث عشرة ليلة ينتظر هوازن لعلها أن تقدم مسلمة فيرد إليها سبيها وأموالها، ولما لم تقدم في هذه المدة2، شرع صلى الله عليه وسلم في توزيع الغنائم حسب ما تقتضيه المصلحة العامة، فوضعها في موضعها اللائق بها، غير أن بعض أهل الزيغ والنفاق عباد الدينار والدرهم انتقد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صنيعه هذا ونسبه إلى الجور والظلم فخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بلهجة قاسية تنبئ عما انطوت عليه نفسه من الحقد والغل والبعد عن هدي الإسلام وتعاليمه السامية "يا محمد اعدل" فتألم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وغضب غضبا شديدا حتى طلب عمر بن الخطاب الإذن منه في قتل هذا المنافق الخبيث، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم منعه من ذلك وقال: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي". ذلك أن هذا القائل معدود في الصحابة وله شيعة وأتباع، فالحكمة تقتضي عدم قتله وأن يتركه وما تولى، وهذا ما دلت عليه الأحاديث الآتية: أ- فقد جاء في حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - عند البخاري ومسلم وغيرهما وهذا سياقه وهذا سياق مسلم: 182- حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر، أخبرنا الليث3 عن يحيى4 بن سعيد عن أبي الزبير5 عن جابر بن عبد الله قال:   1في مبحث (حصار الطائف) ص (278) . 2 انظر: مبحث (فك الحصار عن الطائف والعودة إلى الجعرانة) ، ص (328) . 3 الليث: هو ابن سعد الفهمي. 4 هو الأنصاري النجاري. 5 أبو الزبير، هو: محمد بن مسلم بن تدرس المكي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 أتى رجل1 رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة منصرفه من حنين وفي ثوب بلال فضة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها يعطي الناس، فقال: يا محمد! اعدل2. قال: "ويلك3! ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ لقد خبت4 وخسرت، إن لم أكن أعدل". فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "دعني5 يا رسول الله فأقتل هذا   1 وعند أحمد "رجل من بني تميم" وفي حديث أبي سعيد الخدري وعبد الله بن عمرو ابن العاص أنه ذو الخويصرة التميمي، انظر حديث (184) وتعليقة (4) من ص 384 وفتح الباري 8/69. 2 وعند البخاري: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنيمة الجعرانة إذ قال له رجل: اعدل، قال: "لقد شقيت إن لم أعدل" وعند الحميدي: قال قال أبو الزبير: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنائم حنين بالجعرانة والتبر في حجر بلال، فجاءه رجل فقال: يا محمد اعدل فإنك لم تعدل، قال: "ويحك، فمن يعدل إذا لم أعدل". وعند ابن ماجة "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وهو يقسم التبر والغنائم وهو في حجر بلال، فقال رجل: اعدل يا محمد، فإنك لم تعدل، فقال: "ويلك ومن يعدل بعدي إذا لم أعدل"؟ وعند أحمد: قال أبو الزبير سمعت جابراً يقول: بصر عيني وسمعت أذني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وفي ثوب بلال فضة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبضها للناس يعطيهم، فقال رجل: اعدل. وعند الطبراني عن جابر، قال: "أبصرت عيناي وسمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبضها للناس فيعطيهم، فقال له رجل: يا رسول الله! اعدل". 3 ويل: كلمة تقال لمن وقع في هلكة يستحقها، والويل: حلول الشر وكلمة عذاب (هدي الساري لابن حجر ص 207 والمعجم الوسيط 2/1061) . 4 عند البخاري وأحمد "لقد شقيت إن لم أعدل". قال النووي: قوله: "خبت وخسرت" روي بفتح التاء فيهما وضمهما ومعنى الضم ظاهر، وتقدير الفتح خبت أنت أيها التابع إذا كنت لا أعدل لكونك تابعا ومقتديا بمن لا يعدل، والفتح أشهر". وقال ابن حجر: في رواية البخاري "لقد شقيت": هو بضم المثناة للأكثر، ومعناه ظاهر ولا محذور فيه والشرط لا يستلزم الوقوع؛ لأنه ليس ممن لا يعدل حتى يحصل له الشقاء، بل هو عادل فلا يشقى، ثم قال: وحكى عياض فتحها ورجحه النووي، وحكاه الإسماعيلي عن رواية شيخه المنيعي من طريق عثمان بن عمر عن قرة والمعنى: "لقد شقيت أي ضللت أنت أيها التابع حيث تقتدي بمن لا يعدل أو حيث تعتقد في نبيك هذا القول الذي لا يصدر عن مؤمن" (انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 3/106 وفتح الباري لابن حجر 6/243) . 5 وعند ابن ماجة: "دعني يا رسول الله حتى أضرب عنق هذا المنافق" وعند أحمد فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله دعني أقتل هذا المنافق الخبيث". وعنده أيضا فقال عمر: يا رسول الله ألا أقوم فأقتل هذا المنافق، قال: "معاذ الله أن تتسامع الأمم أن محمد يقتل أصحابه" وقد جاء في بعض طرق حديث أبي سعيد الخدري في الصحيحين أن خالد بن الوليد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله أيضا، قال ابن حجر: "ولا تنافي في ذلك لاحتمال أن يكون كل منهما سأل في ذلك، ثم رأيت عند مسلم من طريق جرير عن عمارة بن القعقاع بسنده فيه: "فقام عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال: لا، ثم أدبر فقام إليه خالد بن الوليد سيف الله فقال يا رسول الله أضرب عنقه؟ قال: لا.". فهذا نص في أن كليهما سأله.. ثم قال: وقد استشكل سؤال خالد في ذلك لأن بعث علي إلى اليمن كان عقب بعث خالد بن الوليد إليها والذهب المقسوم أرسله علي من اليمن كما في صدر حديث ابن أبي نعم عن أبي سعيد، ويجاب بأن عليّاً لما وصل إلى اليمن رجع خالد منها إلى المدينة فأرسل علي الذهب فحضر خالد قسمته. وأما حديث عبد الله بن عمرو فإنه في قصة قسم وقع بالجعرانة من غنائم حنين والسائل في قتله عمر بن الخطاب جزما، وقد ظهر أن المعترض في الموضعين واحد. فتح الباري 8/69 و12/291 و293) . وانظر تخريج حديث أبي سعيد الخدري تحت (184) تعليقة (4) ص 384 وحديث عبد الله بن عمرو (184) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 المنافق، فقال: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي. إن هذا1 وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم2 يمرقون منه3 كما يمرق السهم من الرمية" 4. حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال: سمعت يحيى ابن سعيد يقول أخبره أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله.   1 عند ابن ماجة "إن هذا في أصحابي أو أصيحاب له". وعند الحميدي وابن الجارود: "فإن هذا مع أصحاب له أو في أصحاب له". 2 وعند ابن ماجة وأحمد: "لا يجاوز تراقيهم". وعند أحمد أيضا "لا يجاوز حناجرهم أو تراقيهم". وعند الطبراني: "لا يجاوز حلوقهم - أو حناجرهم" والحناجر جمع حنجرة وهي الحلقوم وهو العظم الناتيء في وسط الحلق. والتراقي جمع ترقوة - بفتح أوله وسكون الراء وضم القاف وفتح الواو- وهي العظم الذي بين نقرة النحر والعاتق، وهما ترقوتان من الجانبين. والمعنى أن قراءتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها، وقيل لا يعملون بالقرآن فلا يثابون على قراءته فلا يحصل لهم إلا سرده. وقيل: المراد أنهم ليس لهم فيه حظ إلاّ مروره على ألسنتهم لا يصل إلى حلوقهم فضلاً عن أن يصل إلى قلوبهم لأن المطلوب تعقله وتدبره ووقوعه في القلب. (النهاية لابن الأثير 1/187، و449، وشرح صحيح مسلم للنووي 3/107 وفتح الباري 12/293 وهدي الساري ص 92 و108، كلاهما لابن حجر) . 3 وعند ابن ماجة وأحمد والحميدي وابن الجارود: "يمرقون من الدين" وعند أحمد أيضا والطبراني "يمرقون من الدين مرور السهم من الرمية". وعند احمد أيضا "يمرقون من الدين كما يمرق المرماة من الرمية". وفي حديث أبي سعيد الخدري "يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية". قال القاضي عياض: "معناه يخرجون منه خروج السهم إذا نفذ من الصيد من جهة أخرى، ولم يتعلق به شيئ منهم". (شرح النووي على صحيح مسلم 3/107) . 4 الرمية بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتانية، أي الشيء الذي يرمى به ويطلق على الطريدة من الوحش إذا رماها الرامي، وهي فعيلة بمعنى مفعولة (فتح الباري 6/618 و12/288 و289 وهدي الساري ص: 125 وشرح النووي على صحيح مسلم 3/107 والنهاية لابن الأثير 2/268-269) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 ح- وحدثنا أبو بكر1 عن أبي شيبة حدثنا زيد2 بن الحباب، حدثنا قرة3 بن خالد حدثني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم غنائم، وساق الحديث4. والحديث رواه أحمد والطبراني والبيهقي الجميع من طريق يحيى بن السعيد عن أبي الزبير به5. ورواه ابن ماجة والحميدي وابن الجارود كلهم من طريق سفيان ابن عيينة عن أبي الزبير به6. ورواه أيضا أحمد من طريق معان7 ابن رفاعة حدثنا أبو الزبير به8. فقد روى هذا الحديث عن أبي الزبير يحيى بن سعيد الانصاري وعيينة ومعان بن رفاعة وقرة بن خالد كما هو عند مسلم9 من طريق زيد بن الحباب عن قرة بن خالد عن أبي الزبير10. ورواه البخاري عن مسلم بن إبراهيم وأحمد عن أبي عامر11 والعقدي كلاهما عن قرة بن خالد عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله.   1 هو عبد الله بن محمد. 2 زيد بن الحباب - بضم المهملة وموحدتين -. 3 قرة بن خالد - بضم القاف وتشديد الراء ثم هاء- السدوسي. 4 مسلم: الصحيح 2/740 كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم. 5 أحمد المسند 3/353 والطبراني 2/200-201 والبيهقي دلائل النبوة 3/53أ. 6 ابن ماجة: السنن1/61 في المقدمة باب في ذكر الخوارج والحميدي المسند2/534 وابن الجارود: المنتقى ص 363. 7 معان - بضم أوله وتخفيف المهملة أخره نون - ابن رفاعة السلامي بتخفيف اللام الشامي - لين الحديث، كثير الإرسال، من السابعة/ ق (التقريب 2/258 وتهذيب التهذيب 6/369 و10/201 وميزان اعتدال 4/134. والخلاصة للخزرجي 3/82-83 ووقع في المسند (معاذ) بالذال المعجمة وهو خطأ.) 8 المسند 3/354-355 9 الحديث عند مسلم من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري ومن طريق قرة بن خالد كلاهما عن أبي الزبير. 10 تقدم في حديث 182 11 هو عبد الملك بن عمرو القيسي، أبو عامر العقدي - بفتح المهملة والقاف- ثقة من التاسعة (ت 204أو 205) / ع التقريب 1/521 وتهذيب التهذيب 6/409 وتذكرة الحفاظ للذهبي 1/347 والخلاصة للخزرجي 2/178 وقد سقطت من تهذيب التهذيب علامة من أخرج له) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 فقرة في هذا السند يروي عن عمرو بن دينار بدل أبي الزبير. وهذا سياق الحديث عند البخاري: قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا قرة بن خالد حدثنا عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنيمة بالجعرانة إذ قال له رجل: اعدل، فقال له: "شقيت إن لم أعدل" 1. ب- وفي حديث عبد الله بن مسعود عند البخاري ومسلم وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري: 183- قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير2 عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسا3 في القسمة: فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة، قال رجل: "والله إن هذه القسمة ما عدل فيها4 وما أريد بها وجه الله فقلت والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته فأخبرته5، فقال: "فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ "   1 البخاري: الصحيح 4/72 كتاب فرض الخمس، باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين إلخ. وأحمد: المسند 3/332. قال ابن حجر: "وقد خالف زيد بن الحباب مسلم بن إبراهيم فيه فقال: "عن قرة عن أبي الزبير" "بدل" عمرو بن دينار أخرجه مسلم، وسياقه أتم، ورواية البخاري أرجح فقد وافق شيخه على ذلك عن قرة عثمان بن عمر - هو ابن فارس - عند الإسماعيلي، والنضر بن شميل عند أبي نعيم، فاتفاق هؤلاء الحفاظ الثلاثة أرجح من انفراد زيد بن الحباب على ما في رواية هؤلاء كلهم عن قرة عن عمرو (فتح الباري 6/242-243) . قلت: وكون الحديث عند قرة عن شيخين هو الظاهر بمعنى أن قرة روى الحديث عن أبي الزبير وعن "عمرو بن دينار" ويكون قد وافقه في روايته عن "أبي الزبير" ابن عيينة ويحيى بن سعيد ومعان بن رفاعة ووافقه في روايته عن (عمرو بن دينار) عثمان بن عمر والنضر بن شميل وأبو عامر العقدي. 2 جرير: هو ابن عبد الحميد بن قرط. ومنصور: هو ابن معتمر. وأبو وائل: هو شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي. 3 عند مسلم "ناسا". 4 وعند مسلم "إن هذه لقسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله". 5 عند مسلم "فأتيته فأخبرته بما قال، قال: فتغير وجهه حتى كان كالصرف ثم قال: "فمن يعدل" الخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 رحم1 الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر". وأخرجاه من طريق حفص بن غياث حدثنا الأعمش2 قال: سمعت شقيقا يقول: قال عبد الله: "قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسمة - كبعض ما كان يقسم - فقال رجل من الأنصار 3: والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله، قلت: أما4 لأقولن للنبي صلى الله عليه وسلم فأتيته - وهو في بعض أصحابه - فساررته5 فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وتغير وجهه وغضب حتى وددت أني لم أكن أخبرته، ثم قال: "قد أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر" 6.   1 عند مسلم "ثم قال: يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر" قال: قلت: "لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثا". 2 الأعمش هو سليمان بن مهران. 3 قوله: "فقال رجل من الأنصار" قال ابن حجر: "وفي رواية الواقدي: أنه معتب بن قثير من بني عمرو بن عوف وكان من المنافقين، وفيه تعقب على مغلطاي حيث قال: لم أر أحداً قال إنه من الأنصار إلاّ ما وقع هنا، وجزم بأنه حرقوص بن زهير السعدي، وتبعه ابن الملقن وأخطأ في ذلك فإن قصة حرقوص غير هذه كما سيأتي قريبا من حديث أبي سعيد الخدري" اهـ. (فتح الباري 8/56 و69 و10/512 و11/138 و12/292، وانظر: مغازي الواقدي 3/949 والروض الانف 7/289 وانظر الحديث رقم (206) وقد ذكر ابن حجر معتب بن قشير في الإصابة 3/443 فقال قيل إنه كان منافقا، وقيل إنه تاب، وقد ذكره ابن إسحاق فيمن شهد بدرا.) . 4 قوله (أما لأقولن) قال ابن حجر: "قال ابن التين: هي بتخفيف الميم ووقع في رواية (أما) بتشديدها، وليس ببين ثم قال ابن حجر قلت: "وقع للكشميهني "أم" بغير ألف وهو يؤيد التخفيف ويوجه التشديد على أن في الكلام حذفا تقديره أما إذا قلت: ذلك لأقولن" (فتح الباري 10/512) . 5 عند مسلم "فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فساررته فغضب من ذلك غضبا شديدا واحمر وجهه حتى تمنيت أني لم أذكره له". 6 البخاري: الصحيح 4/75 كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس الخ. و5/131 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، و8/22 كتاب الأدب باب الصبر على الأذى، والأدب المفرد ص 141 واللفظ له. ومسلم: الصحيح 2/739 كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوى إيمانه. قال ابن حجر: "وفي الحديث جواز إخبار الإمام وأهل الفضل بما يقال فيهم مما لا يليق بهم ليحذورا القائل، وفيه بيان ما يباح من الغيبة والنميمة لأن صورتها موجودة في صنيع ابن مسعود هذا، ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن قصد ابن مسعود كان نصح النبي صلى الله عليه وسلم وإعلامه بمن يطعن فيه ممن يظهر الإسلام ويبطن النفاق ليحذر منه، وهذا جائز كما يجوز التجسس على الكفار ليؤمن من كيدهم، وقد ارتكب الرجل المذكور بما قال إثما عظيما فلم يكن له حرمة. وفيه أن أهل الفضل قد يغيظهم ما يقال فيهم مما ليس فيهم، ومع ذلك فيتلقون ذلك بالصبر والحلم كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم اقتداء بموسى - عليه السلام -. وأشار بقوله صلى الله عليه وسلم: "قد أوذي أوذي أخي موسى بأكثر من ذلك فصبر" إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} . قد حكي في صفة أذاهم له ثلاث قصص: إحداها: قولهم هو آدر وذلك أن اليهود كانوا يغتسلون عراة يرى أحد بعضهم عورة بعض وكان موسى - عليه السلام - حييا لا يحب أن يرى أحد عورته فاتهموه لأنه آدر. الثانية: إتهامهم له بقتل هارون وذلك أنه توجه معه إلى زيارة فمات هارون فدفنه موسى، فطعن فيه بعض بني إسرائيل وقالوا: أنت قتلته. الثالثة: إتهامهم له بانه زنى بامرأة وذلك بتواطئ قارون مع بني إسرائيل، حتى يقام عليه الحد فيرجم حتى يموت فيستريحوا منه، وقد برأه الله مما قالوا فيه من زور وبهتان". (انظر فتح الباري 6/438ز448 و 8/56 و10/476و512) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 والحديث رواه البخاري أيضا من طريق سفيان الثوري، ومن طريق أبي حمزة السكري محمد بن ميمون، ومن طريق شعبة بن الحجاج الجميع عن الأعمش به1. ورواه أحمد عن أبي معاوية الضرير محمد بن خازم عن الأعمش به. ومن طريق شعبة عن الأعمش به2. كما رواه أيضا من طريق عاصم بن بهدلة عن أبي وائل، ولفظه يخالف ما تقدم بعض المخالفة وهذا سياقه: حدثنا يونس، حدّثنا حماد - يعني ابن زيد عن عاصم3 عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال: لما قسم رسول الله غنائم حنين بالجعرانة، ازدحموا عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عبدا من عباد الله بعثه الله إلى قومه فضربوه وشجوه4، قال: فجعل يمسح الدم عن جبهته ويقول: رب اغفر لقومي إنهم لا يعلمون" قال عبد الله كأني انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الدم عن جبهته يحكي الرجل ويقول: "رب اعفر لقومي إنهم لا يعلمون". حدثنا عفان ثنا حماد بن سلمة قال أنا عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: تكلم رجل من الأنصار كلمة فيها موجدة على النبي صلى الله عليه وسلم فلم تقرني نفسي أن أخبرت بها النبي صلى الله عليه وسلم، فلوددت أني افتديت منها بكل أهل ومال، فقال: "قد آذوا   1 البخاري: الصحيح 4/125 كتاب أحاديث الأنبياء. و5/131كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، و8/16 كتاب الأدب، باب من أخبر صاحبه بما يقال فيه، و8/54-55 كتاب الاستذان، باب إذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمسارة والمناجاة، و8/62 كتاب الدعوات، باب قوله الله تعالى (وصل عليهم) . 2 أحمد المسند: 1/380 و411 و441، ورواه أيضا أبو يعلى في مسنده 5/470-471 ب - أو5/479 أرقم 305، والبيهقي دلائل النبوة 3/52 ب. 3 عاصم بن بهدلة بن أبي النجود الأسدي مولاهم الكوفي، أبو بكر المقرئ، صدوق له أوهام حجة في القراءة وقال الذهبي هو حسن الحديث وقد تقدم في حديث119. 4 الشج مختص من الجراح بالرأس والوجه (هدي الساري ص 137) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 موسى - عليه الصلاة والسلام - أكثر من ذلك فصبر، ثم أخبر أن نبيا كذبه قومه وشجوه حين جاءهم بأمر الله، فقال وهو يمسح الدم عن وجهه "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" 1. ج- ما أخرجه ابن إسحاق من حديث عبد الله بن عمرو وهذا سياقه: 184- قال: حدثني أبو عبيدة 2 بن محمد بن عمار بن يسار عن مقسم3 أبي   1 مسند أحمد 1/453 و 456 وفي الصحيحين من طريق الأعمش حدثني شقيق قال: قال عبد الله: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، فهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: "رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" لفظ البخاري. (صحيح البخاري 9/14 كتاب استتابة المرتدين) باب (5) . وصحيح مسلم 3/1417 كتاب الجهاد والسير باب غزوة أحد. قال النووي: "قوله (يحكى نبيا من الأنبياء الخ) فيه ما كانوا عليه صلوات الله وسلامه عليهم من الحلم والتصبر، والعفو والشفقة على قومهم، ودعائهم لهم بالهداية والغفران وعذرهم في جنايتهم على أنفسهم بأنهم لا يعلمون وهذا النبي المشار إليه من المتقدمين، وقد جرى لنبينا صلى الله عليه وسلم مثل هذا في أحد" (شرح النووي على صحيح مسلم 4/434) وأشار ابن حجر إلى ما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، ثم قال: وعند أحمد من رواية عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال نحو ذلك يوم حنين لما ازدحموا عليه عند قسمة الغنائم". (فتح الباري 12/282) ، وعلى هذا فتكون هذه الحكاية حصلت في غزوة أحد، وفي غزوة حنين. 2 كذا في الحديث: (أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر) والحديث عند أحمد في المسند 2/219 من طريق ابن إسحاق وفي نهاية الحديث قال عبد الله بن أحمد: أبو عبيدة اسمه محمد وهو ثقة، وأخوه سلمة بن محمد ابن عمار لم يرو عنه الأعلى بن زيد، ولا يعلم خبره. ومقسم ليس به بأس ولهذا الحديث طرق في هذا المعنى وطرق أخر في هذا المعنى صحاح قلت: وقد وثق أبا عبيدة ابن معين وقال أبو حاتم: منكر الحديث وعقب الذهبي عليه بقوله: قلت: صدوق إن شاء الله، وختم ترجمته بقوله: وثقه غير واحد. (ميزان الاعتدال 4/549) . أما ابن حجر فقال عنه في التقريب2/448: أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، أخو سلمة، وقيل هما واحد "مقبول" من الرابعة / ع (انظر تهذيب التهذيب 12/160-161) . وعلى كل فإن أبا عبيدة يكون من رجال الحسن على أقل تقدير وقد حسن هذا الحديث ابن حجر نفسه في فتح الباري 12/291. 3 مقسم قال عنه ابن حجر في التقريب 2/273: صدوق وكان يرسل وفي التهذيب التهذيب 10/288-289. وثقه أحمد بن صالح المصري والعجلي ويعقوب بن سفيان والدارقطني. وقال أبو حاتم: صالح الحديث لا بأس به. وضعفه ابن سعد والساجي وابن حزم. ورمز له الذهبي في ميزان الاعتدال 4/176 (بصح) إشارة إلى توثيقه، ثم قال: والعجب من أن البخاري أخرج له في صحيحه، وذكره في كتاب الضعفاء فساق له حديث شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس: "احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم" ثم روى عن شعبة أن الحكم لم يسمع من مقسم حديث الحجامة. وانظر: التاريخ للبخاري ص: 133-134 وقد تقدمت ترجمة مقسم في حديثها (75) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 القاسم، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: خرجت أنا وتليد1 بن كلاب الليثي حتى أتينا عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو يطوف بالبيت معلقا نعله2 بيده، فقلنا له: هل حضرت رسول الله حين كلمه التميمي3 يوم حنين؟ قال: "نعم جاء رجل من بني تميم، يقال له ذو الخويصرة4، فوقف عليه وهو   1 تليد بن كلاب الليثي، ذكره ابن حجر في الإصابة 1/188-189 في القسم الرابع فيمن ذكر في الصحابة على سبيل التصحيف والغلط، وقال: استدركه الذهبي في التجريد، فقال حديثه في مسند أحمد في قول ذي الخويصرة "اعدل". رواه ابن إسحاق عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن مقسم عن رجل عنه، ثم عقب ابن حجر على قول الذهبي هذا بقوله قلت: والحديث المذكور وقع في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص من مسند أحمد، وليس لتليد بن كلاب فيه رواية، بل له فيه مجرد ذكر. ثم ساق حديث الباب عن أحمد من طريق ابن إسحاق، ثم قال: وكذا أخرجه الطبراني في المعجم الكبير في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص وقد تبين أن مقسما أخذ هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص مشافهة، وليس في السياق ما يقتضي أن يكون لتليد بن كلاب صحبة ولا له فيه رواية. 2 عند أحمد والطبري "معلقا نعليه". 3 عند أحمد (حين يكلمه) . 4 جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري: أن علي بن أبي طالب بعث من اليمن بذهبية فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر: بين عيينة والأقرع بن حابس وزيد الخيل، وعلقمة بن علاثة. فقال ذو الخويصرة رجل من بني تميم، يا رسول الله اعدل، قال: "ويلك من يعدل إذا لم أعدل" فقال عمر: ائذن لي فلأضرب عنقه "قال: "لا، إن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية" الحديث. قال ابن حجر: "تنبيه: هذه غير القصة المتقدمة في غزوة حنين وقد وهم من خلطها بها". ثم قال: "ولمسلم من حديث جابر بن عبد الله نحو حديث أبي سعيد وفيه فقال: عمر: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق، فقال: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم"، يمرقون منه، لكن القصة التي في حديث جابر صرح في حديثه بأنها كانت منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة، وكان ذلك في ذي القعدة سنة ثمان، وكان الذي قسمه النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ فضة كانت في ثوب بلال، وكان يعطي كل ما جاء منها". والقصة التي في حديث أبي سعيد صرح في رواية ابن أبي نعيم عنه أنها كانت بعد بعث عليّ إلى اليمن، وكان ذلك في سنة تسع، وكان المقسوم فيها ذهبا وخص به أربع أنفس، فهما قصتان في وقتين اتفق في كل منهما إنكار القائل، وصرح في حديث أبي سعيد أنه ذو الخويصرة التميمي ولم يسم القائل في حديث جابر ووهم من سماه ذا الخويصرة ظانا إتحاد القصتين. ووجدت لحديث جابر شاهدا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل يوم حنين وهو يقسم شيئا، فقال: يا محمد اعدل، ولم يسم الرجل أيضا. وسماه محمد بن إسحاق بسند حسن عن عبد الله بن عمرو بن العاص وأخرجه أحمد والطبري أيضا ولفظه: أتي ذو الخويصرة التميمي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم الغنائم بحنين فقال: يا محمد اعدل، فذكر نحو هذا الحديث المذكور، فيمكن أن يكون تكرر ذلك منه في الموضعين عند قسمة الغنائم حنين وعند قسمة الذهب الذي بعثه علي فظهر أن المعترض في الموضعين واحد إهـ. (فتح الباري 8/68 و12/291 و293 بتصرف، وحديث أبي سعيد في البخاري 4/109 و159-160 و5/134 و6/56 و162 و8/32 و15 و102 و130، ومسلم: الصحيح 2/741-746، كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج. والروايات الواردة في هذا الباب جاء فيها بأن القائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم "لعدل" أنه رجل، وفي بعضها رجل من بني تميم وفي بعضها ذو الخويصرة التميمي، وفي بعضها ابن ذي الخويصرة التميمي وفي بعضها عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي، وقد اتفقت جميعها بأنه تميمي، وجاء عن الثعلبي ومن طريقه أخرجه الواحدي في أسباب النُّزول، فقال: ابن ذي الخويصرة التميمي وهو حرقوص بن زهير أصل الخوارج. وكذا جاء عند أبي يعلى من طريق أفلح بن عبد الله بن المغيرة. قال ابن حجر: "وما أدري من الذي قال هو حرقوص، وقد اعتمد على ذلك ابن الأثير، فترجم لذي الخويصرة في الصحابة، ثم ذكر رواية الثعلبي وقال في نهايتها: فقد جعل في هذه الرواية اسم ذي الخويصرة حرقوها". والله أعلم قال ابن حجر: "وقد زعم بعضهم بأنه ذو الثدية وليس كذلك، وأكثر ما جاء ذكر هذا القائل في الأحاديث مبهما، ووصف بأنه مشرف الوجنتين غائر العينين ناشز الجبهة محلوق الرأس. الخ اهـ. والخلاصة: أن تسمية القائل حرقوصا، جاء في رواية الثعلبي وقد قال ابن تيمية: الثعلبي: في نفسه خير ودين ولكنه حاطب ليل وقال ابن كثير: يوجد في كتبه من الغرائب شيء كثير". وأما رواية أبي يعلى فإن فيها أبا معشر السندي، وهو ضعيف وأيضا فإن أفلح بن عبد الله قد روى هذا الحديث عن الزهري، فقال عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود عن أبي سعيد الخدري، بينما رواه عن الزهري معمر وشعيب فقالا: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري، ورواه الأوزاعي عن الزهري فقال فيه عن أبي سلمة الضحاك المشرقي عن أبي سعيد الخدري، ولذا فقد قال ابن حجر: وقد شذ أفلح بن عبد الله بن المغيرة عن الزهري، فروى هذا الحديث عنه فقال عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة عن أبي سعيد الخدري، أخرجه أبو يعلى. (انظر فتح الباري12/292بتصرف، وأسد الغابة2/172والبداية النهاية لابن كثير 12/40 والتبيان في علوم القرآن للصابوني ص:211 وأسباب النزول للواحدي ص:167 ومسند أبي يعلى1/119 و2/120 رقم 301 ومجمع الزوائد6/234. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 يعطي الناس، فقال: يا محمد، قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أجل1 كيف رأيت؟ فقال: لم أرك عدلت، قال: "فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "ويحك! 2 إذا لم يكن العدل عندي، فعند من يكون! " فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله ألا أقتله؟ فقال: "لا دعه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون3 في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية، ينظر في النصل4، فلا يوجد شيء، ثم في القدح5،   1 أجل: بفتحتين: حرف جواب بمعنى "نعم". 2 ويحك: كلمة زجر لمن أشرف على هلكة. 3 يتعمقون في الدين: التعمق: التنطع والتعمق البعيد الغور الغالي في القصد المتشدد في الأمر الذي يطلب أقصى غايته. 4 النصل: حديدة السهم والرمح. 5 القدح: بالكسر السهم قبل أم يراش وينصل جمعه قداح وأقاديح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 فلا يوجد شيء ثم في الفوق1، فلا يوجد شيء، سبق الفرث2 والدم" 3. والحديث رواه أحمد والطبري والبيهقي الجميع من طريق ابن إسحاق به4. وأورده الهيثمي ثم قال: "رواه أحمد والطبراني باختصار ورجال أحمد ثقات"5. وقال ابن حجر: "بسند حسن"6. ثم قال ابن إسحاق: "وحدثني محمد7 بن علي بن الحسين أبو جعفر بمثل حديث أبي عبيد وسماه ذا الخويصرة". وحدثني عبد الله8 بن أبي نجيح عن أبيه9 بمثل ذلك10. ومما مضى من الأحاديث يتبين لنا جفاء من صدر منه هذا القول السيء وخبث طويته حيث خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم ذلك الخطاب اللاذع المملوء بالحقد والغلظة والشراسة، كما يتضح لنا جليا حلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحمله لملاقاة هذا القول وغيره إقتداء بسلفه   1 الفوق: طرف السهم الذي يباشر الوتر. 2 الفرث: ما يوجد في الكرش (النهاية 1/26 و3/299 و480 و4/20 و5/67 والقاموس المحيط 1/171 و241 و256 و3/268 و278، و327 و4/57 وهدي الساري ص 75 و160 و166 و170 و195 و207. قال ابن حجر: "في معنى الحديث: أي يخرجون من الإسلام بغتة كخروج السهم إذا رماه رام قوي الساعد فأصاب ما رماه فنفذ منه بسرعة بحيث لا يعلق بالسهم ولا بشيء منه من المرمى شيء فإذا التمس الرامي سهمه وجده ولم يجد الذي رماه فينظر في السهم ليعرف هل أصاب أو أخطأ فإذا لم يره علق فيه شيء من الدم ولا غيره ظن أنه لم يصبه والفرض أنه أصابه، وإلى ذلك أشار بقوله "سبق الفرث والدم" أي: جاوزهما ولم يتعلق فيه منهما شيء، بل خرجا بعده" (فتح الباري 6/618 و 12/294) . 3 سيرة ابن هشام 2/496 والروض الأنف 7/251 والبداية والنهاية 4/362. 4 أحمد: المسند 2/219 والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/92. والبيهقي: دلائل النبوة 3/53 أ. 5 مجمع الزوائد 6/227-228. 6 فتح الباري 12/291. 7 هو الباقر ثقة فاضل تقدم في حديث (19) . 8 عبد الله بن أبي نجيح، يسار المكي، أبو يسار الثقفي مولاهم ثقة رمي بالقدر، وربما دلس، من السادسة (ت 131تو بعدها) / ع (التقريب 1/456 وتهذيب التهذيب 6/54) . 9 هو يسار المكي، أبو نجيح مولى ثقيف، مشهور بكنيته، ثقة من الثالثة وهو والد عبد الله بن أبي نجيح (ت109) / م د ت س (التقريب 2/274 وتهذيب التهذيب 11/377) . 10 سيرة ابن هشام 2/497 والروض الأنف 7/251 وتاريخ الرسل الملوك 3/92. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 الصالح من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر" إن صفة الصبر والحلم من أبرز الصفات التي يجب أن تتوافر في المسلم اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ذلك أن طريق الدعوة إلى الإسلام محفوف بالمكاره والمصاعب، فالإيذاء والبطش والاتهام والتعيير والسخرية، كلها من العقبات التي تزدحم في وجه العاملين الدائبين في الدعوة إلى الله عز وجل، كي تثبط هممهم وتشل حركتهم وتصرفهم عن الدعوة إلى الله. ومن هنا فإن مهمة الداعية أن يتحمل ما يقال له من لذعات وسخرية وأن يقابل ذلك بالصبر والحلم، ولهذا كانت التوجيهات القرآنية والنبوية تفيض بالحث على التحلى بالصبر والحلم والأناة، وفي هذه الحادثة بالذات نرى كيف قابل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك القول السيّئ "يا محمد اعدل لم أرك عدلت" كان مقتضى ذلك قتله ولكن رسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، واكتفى بقوله: "ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل". ثم قال: "رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر". ولقد قال بعض الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ائذن لي في قتل هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي". ذلك أن هذا القائل معدود في الصحابة، فلو أمر بقتله لقال الذي لا يعرف حقيقة الأمر إن محمدا يقتل أصحابه فكان في ذلك تنفير الناس عن الدخول في الإسلام، وتشويه سمعته، ولعل هذا وجه الحكمة في عدم معاقبة هذا القائل مع تصريحه بما يوجب قتله وإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن له أصحابا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. وقد بوب البخاري بقوله: "باب من ترك قتال الخوارج للتآلف ولئلا ينفر الناس عنه" ثم ساق حديث أبي سعيد الخدري1. قال ابن حجر: "في أثناء شرحه للحديث، قوله: "فإن له أصحابا" "هذا ظاهره أن ترك الأمر بقتله بسبب أن له أصحابا" بالصفة المذكورة، وهذا لا يقتضي ترك قتله مع ما أظهره من مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم بما واجهه.   1 الصحيح 9/15 كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 فيحتمل أن يكون لمصلحة التألف كما فهمه البخاري، لأنه وصفهم بالمبالغة في العبادة مع إظهار الإسلام، فلو أذن في قتلهم لكان ذلك تنفيرا عن دخول غيرهم في الإسلام1.اهـ. وقال المارزي: "وجه الحكمة في ترك قتل هذا القائل: يحتمل أن يكون لم يفهم منه الطعن في النبوة، وإنما نسبه إلى ترك العدل في القسمة، والمعاصي ضربان: كبائر وصغائر، فهو صلى الله عليه وسلم معصوم من الكبائر بالإجماع، واختلفوا في الصغائر، ومن جوزها منع من إضافتها إلى الأنبياء على طريق التنقيص، وحينئذ فلعله صلى الله عليه وسلم لم يعقب هذا القائل: لأنه لم يثبت عليه ذلك، وإنما نقله عنه واحد، وشهادة الواحد لا يراق بها الدم"2. وقد رد هذا القاضي عياض بقوله: "هذا التأول باطل يدفعه قوله "اعدل يا محمد" "واتق الله يا محمد" وخاطبه خطاب المواجهة بحضرة الملأ حتى استأذن عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد النبي صلى الله عليه وسلم في قتله، فقال: "معاذ الله أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه" فهذه هي العلة، وسلك معه مسلكه مع غيره من المنافقين الذين آذوه، وسمع منهم في غير موطن ما كرهه، لكنه صبر استبقاء لانقيادهم وتأليفاً لغيرهم، لئلا يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه فينفروا، وقد رأى الناس هذا الصنف في جماعتهم وعدوه من جملتهم"3اهـ. والخلاف طويل في تكفير الخوارج وقتالهم، وليس هذا محله وقد ذكرنا ما يتطلبه المقام. وأورد ابن تيمية اعتراض هذا المعترض على قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستئذان عمر بن الخطاب في قتله، وجواب الرسول صلى الله عليه وسلم له بقوله: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي".   1 فتح الباري 12/293. 2 شرح النووي على صحيح مسلم 3/106. 3 شرح النووي على صحيح مسلم 3/106. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 ثم قال: "فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع عمر من قتله إلا لئلا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، ولم يمنعه لكونه في نفسه معصوماً كما قال في حديث حاطب بن أبي بلتعة عندما كتب لأهل مكة: يخبرهم بغزو الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: "إنه شهد بدرا وما يدرك لعل الله اطلع على أهل بدر" فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". فبيّن صلى الله عليه وسلم أنه باق على إيمانه، وأنه صدر منه ما يغفر له الذنوب فعلم أن دمه معصوم، وهنا علل بمفسدة زالت فعلم أن قتل مثل هذا القائل في غزوة حنين إذا أمنت هذه المفسدة جائز. ثم قال: "ومما يشبه هذا أن عبد الله بن أبي لما قال: "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل" استأمر عمر في قتله فقال: "إذن ترعد له أنوف كثيرة بالمدينة" وقال: "لا يتحدث الناس أنّ محمداً يقتل أصحابه". فعلم أن من آذى النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الكلام جاز قتله كذلك مع القدرة، وإنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتله لما خيف في قتله من نفور الناس عن الإسلام لما كان ضعيفاً1.   1 ابن تيمية: الصارم المسلول على شاتم الرسول ص 178-179 بتصرف، وانظر: قصة حاطب وعبد الله بن أبي غزوة بني المصطلق ص 172 و184 و187 و189، وحاشية ص 211 تعليقة (6) من غزوة بني المصطلق أيضاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 المبحث الرابع: في بيان حكمة توزيع الغنائم على قوم دون آخرين في نهاية غزوة حنين وزع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم بطريقة لم تكن مألوفة للصحابة من قبل، فقد خص صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم بالحظ الأوفر من هذه الغنائم. ولقد أحدث ذلك التقسيم في نفوس أجلاء الصحابة تساؤلا فيما بينهم وعجب بعض مشاهير الصحابة من ذلك الأسلوب الذي اتبع في توزيع غنائم حنين وظن بعض الصحابة أن في ذلك حرمانا لهم وهم القاعدة الصلبة التي تحطمت عليها جحافل الشرك في الغزوات كلها ومنها غزوة حنين، ولم يكن أولئك المؤلفة قلوبهم ومن شاكلتهم ليبلغوا معشار ما بلغه مشاهير الصحابة من النجدة والجهاد والصمود في وجوه أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا كان لا بد للباحث أن يبين الحكمة في توزيع غنائم حنين خاصة إذا ظهر أنها قد خفيت على أولئك العظماء من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم تظهر لهم إلا بعد أن بين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الحكمة من ذلك، فاستبانوا الأمر وزال عنهم الإشكال، وسوف نمضي سياق النصوص الواردة في هذا الصدد لندرك من خلال التأمل والتدبر فيها وجه الحكمة في توزيع الغنائم ويزول الإشكال الذي عبر عنه بعض الأنصار بقولهم: "إن هذا لهو العجب إن سيوفنا تقطر من دمائهم وإن غنائمنا ترد عليهم"1. لقد حظي بهذه الغنائم الطلقاء والأعراب والرؤساء الذين يحملون الحقد للإسلام ونبي الإسلام والذين كانوا من جملة الأسباب في هزيمة المسلمين في بداية المعركة فقد جاء في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن أم سليم اتخذت يوم حنين خنجرا فكان معها، فرآها أبو طلحة فقال: يا رسول الله هذه أم سليم معها خنجر! 2، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذا الخنجر"؟ قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، فجعل رسول الله يضحك، قالت: يا رسول الله   1 انظر: 419-420 من مبحث موقف الأنصار من توزيع الغنائم تحت الحديث 203. 2 تقدم تخريجه برقم (47) و (60) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 اقتل من بعدنا من الطلقاء انهزموا بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أم سليم إن الله قد كفى وأحسن" وفي حديثه أيضا قال: "افتتحنا مكة ثم إنا غزونا حنينا" الحديث وفيه: "ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف، وعلى مجنبة خيلنا خالد بن الوليد، وقال: فجعلت خلينا تلوي خلف ظهورنا فلم نلبث أن انكشفت خيلنا وفرت الأعراب ومن نعلم من الناس" 1. وفي حديث صفوان بن أمية - رضي الله عنه - عند مسلم والترمذي وغيرهما وهذا سياق الترمذي: 185- "حدثنا الحسن2 بن علي الخلال أخبرنا يحيى3 بن آدم عن ابن المبارك4 عن يونس5 عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن صفوان بن أمية قال: "أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وإنه لأبغض الخلق إلي، فمازال يعطيني حتى أنه لأحب الخلق إلي". قال أبو عيسى: "حدثني بن علي بهذا أو شبهه". ثم قال: حديث صفوان: "رواه معمر وغيره عن الزهري عن سعيد ابن المسيب أن صفوان بن أمية قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأن هذا الحديث أصح وأشبه، إنما سعيد بن المسيب أن صفوان بن أمية"6. وعند مسلم عن ابن شهاب قال: "غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح فتح مكة، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين فاقتتلوا بحنين، فنصر الله دينه والمسلمين وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صفوان بن أمية مائة من النعم، ثم مائة، ثم مائة" 7.   1 تقدم تخريجه برقم (46) . 2 هو الحرواني ثقة حافظ. 3 هو ابن سليمان الكوفي أبو زكريا مولى بني أمية ثقة حافظ. 4 هو عبد الله بن المبارك، ثقة ثبت. 5 هو ابن يزيد الأيلي ثقة، إلا أنه في روايته عن الزهري وهما قليلا، قاله ابن حجر في التقريب 2/386. 6 الترمذي: السنن 2/88 كتاب الزكاة باب ما جاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم. 7 وعند الواقدي: "ويقال إن صفوان طاف مع النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يتصفح الغنائم إذ مر بشعب مما أفاء الله عليه، وفيه غنم وإبل ورعاؤها مملوء فأعجب صفوان، وجعل ينظر إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعجبك يا أبا وهب هذا الشعب؟ قال: نعم، قال: هو لك وما فيه. فقال صفوان: أشهد ما طابت بهذا نفس أحد قط، إلا نبي وأشهد أنك رسول الله (مغازي الواقدي 3/946) . وانظر: أنساب الأشراف للبلاذري ص 362. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 قال ابن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب أن صفوان قال: "والله! لقد أعطاني1 رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إلي فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي" 2. والحديث عند الترمذي وابن سعد وأحمد والطبراني بلفظ عن سعيد بن المسيب "عن صفوان بن أمية" وظاهره الاتصال وعند مسلم والفسوي وابن عبد البر والبيهقي: "أن صفون بن أمية"3 وظاهره الانقطاع بين "سعيد بن المسيب وصفوان بن أمية". وقد رجح الترمذي الأخير.   1 وعند أحمد: "أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وإنه لأبغض الناس إلي فمازال يعطيني حتى صار وإنه لأحب الناس إلي". وعند ابن سعد: "لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وإنه لمن أبغض الناس إليّ، فما زال يعطيني حتى إنه لمن أحبّ الناس إليّ". 2 مسلم: الصحيح 4/1806كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال: "لا وكثرة عطائه ". والترمذي: السنن 2/88 كتاب الزكاة، باب ماجاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم. وابن سعد: الطبقات الكبرى 5/449 والطبراني المعجم الكبير 8/60 وأحمد: المسند 3/401 و6/465 وقد رواه بسندين: الأول: قال حدثنا زكريا بن عدي عن سعيد بن المسيب عن صفوان بن أمية به. والثاني: حدثنا زكريا بن عدي قال أنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد ابن المسيب عن صفوان بن أمية به. ففي سند أحمد الأوّل زكريا بن عدي عن سعيد بن المسيب مباشرة، وفي السند الثاني بينه وبين سعيد بن المسيب ثلاثة من الرواة، وبهذا يكون قد سقط من السند الأوّل ثلاثة من الرواة. وأيضاً فقد ذكر ابن حجر في تقريبه: سعيد بن المسيب من كبار الطبقة الثانية وزكريا في كبار العاشرة، فبينهما ثمان طبقات (انظر: التقريب 1/261و305) . 3 الفسوي: المعرفة والتاريخ 1/309 وابن عبد البر: الشفا 1/123، والبيهقي: السنن الكبرى 7/19. وحديث صفوان هذا نسبه الزرقاني في شرح المواهب اللدنية 3/37 للبخاري ومسلم ونسبه السفاريني في شرح ثلاثيات مسند أحمد 2/28-29، للبخاري دون مسلم، والظاهر أن نسبته للبخاري خطأ وإنما هو عند مسلم عن أبي الطاهر، وأحمد ابن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب، وقد نسبه ابن الجوزي والمزي والنابلسي لمسلم دون البخاري. انظر: تحفة الأشراف للمزي 4/189، حديث (4944) . وذخائر المواريث للنابلسي 1/270 حديث (2423) وتلقيح فهوم أهل الأثر لابن الجوزي ص 394. والحديث رواه الطبري أيضا في جامع البيان 10/162 من طريق معمر عن الزهري قال: قال صفوان بن أمية الخ بإسقاط "سعيد بن المسيب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 وأيده ابن العربي في عارضة الأحوذي حيث قال: الصحيح من هذا عن سعيد بن المسيب أن صفوان بن أمية؛ لأن سعيدا لم يسمع من صفوان شيئا وإنما يقول الراوي فلان عن فلان إذا سمع شيئا ولو حديثاً واحداً، فيحمل سائر الأحاديث التي سمعها من واسطة عنه على العنعنة، فأما إذا لم يسمع منه شيئا فلا سبيل إلى أن يحدث عنه لا بعنعنة ولا بغيرها1. اهـ. إن هذا العطاء الجزيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤلفة قلوبهم وغيرهم ليدل على علو نفسه وغزارة جوده وعظيم سخائه، ومعرفته الكاملة بالدواء الذي يحسم الداء من أصله. إن الحكمة والسياسة العادلة في هذا العطاء لأقوام دون آخرين هي إنقاذ أناس من النار بحطام زائل من الدنيا، ووكل آخرين إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، والإيمان واليقين، ويدل على هذا حديث عمرو ابن تغلب عند البخاري وأحمد وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري: 186- حدثنا محمد2 بن معمر قال حدثنا أبو عاصم3 عن جرير بن حازم، قال سمعت الحسن4 يقول حدثنا عمرو5 بن تغلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي6 بمال أو سبي7 فقسمه، فأعطى رجالا وترك رجالا فبلغه أن الذين ترك عتبوا8، فحمد9 الله ثم أثنى عليه ثم قال: "أما بعد: فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع   1 انظر: المباركفوري: تحفة الأحوذي 3/335 والألباني: تخريج أحاديث فقه السيرة للغزالي ص 427-428. 2 هو ابن ربعي القيسي البصري البحراني - بالموحدة والمهملة. 3 أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد الشيباني. 4 الحسن: هو البصري. 5 عمرو بن تغلب - بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام ثم الموحدة - النمري - بفتح النون والميم - صحابي تأخر إلى الأربعين / خ س ق (التقريب 2/66 وتهذيب التهذيب 8/8-9) . 6 وفي لفظ عند البخاري والفسوي "قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم مال، فأعطى قوماً ومنع آخرين، فكأنهم عتبوا عليه" وعند أحمد "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه شيء فأعطاه ناسا وترك ناسا فبلغه عن الذين ترك أنهم عتبوا وقالوا". 7 قال ابن حجر: "في رواية الكشميهني "بشيء" وهو أشمل" (فتح الباري 6/254) وفي رواية أحمد "أتاه شيء". 8 عتب عليه يعتب ويعتب عتبا ومعتباً، والاسم المعتبة بفتح التاء وكسرها من الموجدة والغضب (النهاية 3/175) . 9 وعند أحمد "فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: " إني أعطي ناسا وأدع ناساً وأعطي رجالا وأدع رجالاً"، وعنده أيضاً، "إني أعطي أقواماً وأرد آخرين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 أحب إلي من الذي أعطي ولكن أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع1 وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى2 والخير، فيهم عمرو بن تغلب3. "فوالله4 ما أحب أن لي بكلمة5 رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم"6. تابعه يونس7. وفي حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني لأعطي رجالاً حدثاء عهد بكفر أتألفهم أو قال: أستألفهم" 8. 187- وفي حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً، فقلت: يا رسول الله! اعط فلاناً؛ فإنه مؤمن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أو مسلم" أقولها ثلاثاً، ويردها على ثلاثاً "أو مسلم" ثم قال: "إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة9 أن يكبه الله في النار" 10.   1 الجزع - محرك ضد الصبر، والهلع: أشد الجزع والضجر. (النهاية 5/269 ومختار الصحاح ص:103،و697) .وفي لفظ عند البخاري "إني أعطي قوماً أخاف ظلعهم وجزعهم".وعنده وعند الفسوي "أعطي أقواماً لما في قلوبهم من الجزع والهلع". 2 الغني: بالكسر والقصر: ضد الفقر (مختار الصحاح ص: 483) وفي لفظ عند البخاري "من الخير والغنى". 3 وفي لفظ عند البخاري وأحمد والفسوي وأبي نعيم "منهم عمرو بن تغلب". 4 وعند البخاري أيضا "فقال عمرو بن تغلب: ما أحب أن لي بكلمة رسول الله الخ" وعند أحمد "قال: وكنت جالساً تلقاء وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم". 5 قوله: "ما أحب أن لي بكلمة من رسول الله الخ" أي التي قالها في حقه وهي إدخاله إياه في أهل الخير والغنى. وقيل المراد: "الكلمة التي قالها في حق غيره، فالمعنى: لا أحب أن يكون لي حمر النعم بدلا من الكلمة المذكورة التي لي، أو يكون لي ذلك، وتقال تلك الكلمة في حقي" (فتح الباري 6/253) . 6 البخاري: الصحيح 2/10، كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد) 4/74 كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي يعطي المؤلفة وغيرهم من الخمس ونحوه. و9/125-126 كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً} وأحمد: المسند 5/65 والفسوي: المعرفة والتاريخ 1/330 وأبو نعيم: حلية الأولياء 2/11 والبيهقي: السنن الكبرى 7/18) . 7 قال ابن حجر: "يونس هو: ابن عبيد، وقد وصله أبو نعيم في مسند يونس بن عبيد له، بإسناده عنه عن الحسن عن عمر بن تغلب" (فتح الباري 2/405) والمعنى: أن يونس تابع جريراً في شيخه الحسن البصري. 8 انظر مبحث موقف الأنصار من توزيع الغنائم حاشية (4) ص: 418. 9 وفي لفظ "خشية أن يكب في النار على وجهه". 10 البخاري: الصحيح 1/11 كتاب الإيمان، باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة الخ، 2/105-106،كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: {لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} ، ومسلم: الصحيح1/132-133كتاب الإيمان، باب تأليف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه، والنهي عن القطع بالإيمان من غير دليل قاطع، و2/732-733 كتاب الزكاة باب إعطاء من يخاف على إيمانه واللفظ له وأحمد: المسند1/176-182. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 قال ابن حجر: "الرجل المتروك اسمه: جعيل بن سراقة الضمري، سماه الواقدي في المغازي"1. قلت: قول الواقدي المشار إليه هو "قال سعد بن أبي وقاص: يا رسول الله، أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة، وتركت جعيل بن سراقة الضمري!. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما والذي نفسي بيده، لجعيل بن سراقة خير من طلاع2 الأرض كلها مثل عيينة والأقرع، ولكني تألفتهما ليسلما ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه" 3. 188- وأخرج ابن إسحاق قال: حدثني محد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن قائلا قال: لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه: يا رسول الله اعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة ومائة وتركت جعيل بن سراقة الضمري! "4. ثم ساق مثل حديث الواقدي. وأورده ابن حجر في الإصابة ثم قال: هذا مرسل حسن: لكن له شاهد موصول. 189- روى الروياني5 في مسنده وابن عبد الحكم6 في فتوح مصر من طريق بكر7 بن سوادة عن أبي سالم8 الجيشاني عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "كيف ترى جعيلا؟ ".   1 فتح الباري 1/80. 2 طلاع الأرض، أي ما يملؤها حتى يطلع عنها ويسيل (النهاية 3/133) . 3 مغازي الواقدي 3/948. 4 سيرة ابن هشام 2/496 وتاريخ الرسل والملوك 3/91 والروض الأنف 7/250. 5 الروياني، هو: الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن هارون، صاحب المسند المشهور مات سنة سبع وثلاث مائة (تذكرة الحفاظ للذهبي 1/752-758) . 6 هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري، ثقة من الحادية عشرة (ت 257) س / له تاريخ مصر وغيره (التقريب 1/487 وتهذيب التهذيب 6/208، وشجرة النور الزكية في طبقات المالكية ص 67. 7 بكر بن سوادة بن ثمامة الجذامي أبو ثمامة المصري، ثقة فقيه من الثالثة (ت بضع وعشرين ومائة / خت م ع التقريب 1/106 وتهذيب التهذيب 1/483) . 8 هو سفيان بن هانئ المصري، أبو سالم الجيشاني - بفتح الجيم وسكون التحتانية بعدها معجمة - تابعي مخضرم، شهد فتح مصر، ويقال له صحبة، مات بعد ثمانين / م د س (المصدر السابق 1/312و4/123) وفي الإصابة (2/113) قال ابن مندة اختلف في صحبته، ثم قال ابن حجر، قلت: "اتفق البخاري ومسلم وأبو حاتم والعجلي وابن حبان على أنه تابعي، وقال ابن يونس: شهد فتح مصر وله رواية عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وكان قد وفد عليه وصحبه وروى أيضا عن أبي ذر وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم، وروى عنه ابنه سالم وحفيده سعيد بن سالم ويزيد بن أبي حبيب وبكر بن سوادة وآخرون ومات بالإسكندارية في إمرة عبد العزيز بن مروان، وكان عبد العزيز بن مروان أميراً على مصر من قبل أبيه واستمر عشرين سنة من سنة (60) إلى سنة (86) وهو والد عمر بن عبد العزيز (تهذيب التهذيب 6/356) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 قلت: مسكينا كشكله من الناس. قال: "وكيف ترى فلانا؟ " قلت: سيد من السادات قال: "لجعيل خير من ملء الأرض مثل هذا". قال: قلت يا رسول الله، فلان هكذا وتصنع به ما تصنع. قال: "إنه رأس قومه فتألفهم". إسناده صحيح وأخرجه ابن حبان من وجه آخر عن أبي ذر، ولكن لم يسم جعيلا1. 190- وأخرجه البخاري من حديث سهل بن سعد، فأبهم جعيلا وأبا ذر2. وأخرجه أبو نعيم من طريق بكر بن سوادة أيضاً3.   1 الحديث أخرجه ابن حبان مطولا كما في موارد الظمآن ص 635 وفيه "قال أبو ذرّ: سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل من قريش قال: "هل تعرف فلانا؟ " قلت: نعم يا رسول الله. قال: "فكيف تراه أو تره"؟ قلت: إذا سأل أعطي، وإذا حضر أدخل قال: "ثم سألني عن رجل من أهل الصفة" قال: هل تعرف فلانا؟ قلت: لا والله ما أعرفه يا رسول الله، فما زال يحليه وينعته حتى عرفته يا رسول الله فقلت: قد عرفته يا رسول الله، قال: فكيف تراه؟ فقلت: هو رجل مسكين من أهل الصفة فقال: "هو خير من طلاع الأرض من الآخر"، قلت: "يا رسول الله أفلا يعطى من بعض ما يعطى من بعض الآخر؟ فقال: إذا أعطي خيرا فهو أهله، وإذا صرف عنه فقد أعطي حسنة". 2 الإصابة 1/239 والحديث في صحيح البخاري 7/8، كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين 8/80، كتاب الرقاق، باب فضل الفقر، ولفظه: "عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: مرّ رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما تقولون في هذا؟ " قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال: أن يستمع"، قال: ثم سكت،. فمرّ رجل من فقراء المسلمين، فقال: ما تقولون في هذا؟ "، قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال: أن لا يستمع"، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا خير من ملء الأرض مثل هذا". وأخرجه أيضا ابن ماجه في 2/1379 كتاب الزهد، باب فضل الفقراء، قال ابن حجر: في هذا الحديث قوله (مر برجل) لم أقف على اسمه ويؤخذ من رواية ابن إسحاق أنه عيينة بن حصن الفزاري، والأقرع بن حابس ثم ساق حديث ابن إسحاق. وأما المار الثاني: فإني لم أقف على اسمه ويؤخذ مما أخرجه الروياني في مسنده وابن عبد الحكم (في فتوح مصر) أنه جعيل بن سراقة (فتح الباري 9/136 و11/227) . 3 حلية الأولياء 1/353. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 191- وفي حديث رافع بن خديج - رضي الله عنه - عند مسلم وغيره وهذا سياق مسلم: حدثنا محمد1 بن أبي عمر المكي حدثنا سفيان2 عن عمر3 بن سعيد بن مسروق عن أبيه4، عن عباية5 بن رفاعة عن رافع بن خديج قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب وصفوان6 بن أمية وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس كل إنسان منهم مائة من الإبل، وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك، فقال عباس بن مرداس: أتجعل نهبي ونهب العبيد ... بين عيينة والأقرع؟ فما كان بدر ولا حابس ... يفوقان مرداس7 في المجمع وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تخفض اليوم لا يرفع قال: فأتم له رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة. ثم قال مسلم: وحدثنا أحمد بن عبدة الضبي أخبرنا ابن عيينة عن عمر بن سعيد بن مسروق بهذا الإسناد أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنائم حنين فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة من الإبل، وساق الحديث بنحوه. وزاد: وأعطى علقمة بن علاثة8 مائة9. وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما كان يوم حنين آثر رسول   1 هو العدني. 2 هو ابن عيينة. 3 هو أخو سفيان الثوري. 4 هو سعيد بن مسروق الثوري. 5 عباية - بفتح أوله والموحدة الخفيفة وبعد الألف تحتانية - خفيفة ابن رفاعة بن رافع ابن خديج الأنصاري الزرقي، من الثالثة. 6 تقدم في حديث (185) ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه مائة من الغنم، ثم مائة، ثم مائة. 7 قوله (يفوقان مرادس) ، قال النووي: هو كذا في جميع الروايات غير مصروف وهو حجة لمن جوز ترك الصرف بعلة واحدة، وأجاب الجمهور بأنه في ضرورة الشعر (شرح النووي 3/103) . 8 علاثة: بضم العين المهملة وتخفيف اللام وبثاء مثلثة المصدر السابق 3/103. 9 مسلم: الصحيح 2/737 كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه، والحميدي: المسند 1/200، والمعجم الكبير للطبراني 4/325، والبيهقي: دلائل النبوة 3/51 ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 الله صلى الله عليه وسلم أناساً في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى ناساً من أشراف العرب، فآثارهم يومئذ في القسمة" الحديث1. وفي حديث أنس بن مالك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى أبا سفيان وعيينة والأقرع وسهيل بن عمرو في الآخرين يوم حنين" الحديث2. وفي لفظ "لما أفاء الله على رسوله أموال هوازن فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل كل رجل" 3. وفي لفظ: "وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من غنائم كثيرة فقسم في المهاجرين والطلقاء" 4. وفي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه قال: "لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم" الحديث5. 192- وعند الطبراني قال: حدثنا إسحاق6 بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق عن معمر7 عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير، وعن هشام بن عروة عن أبيه، قال أعطى النبي صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام يوم حنين عطاء   1 تقدم تخريجه برقم (183) . 2 انظر حديث (204) . 3 انظر تحت حديث (203) تعلقة (6) ص 417) . 4 انظر تحت حديث (203) ص: (416) . 5 انظر تخريجه برقم: (205) . 6 إسحاق بن إبراهيم بن عباد أبو يعقوب - الدبر - بفتح الدال المهملة والباء الموحدة وبعدها راء - راوي كتب عبد الرزاق عنه. وقد استصغر في عبد الرزاق فسمع منه تصانيفه وهو ابن سبع سنين أو نحوها وقد روى عن عبد الرزاق أحاديث منكرة فوقع التردد فيها، هل هي منه فانفرد بها، أو هي معروفة مما تفرد به عبد الرزاق. وقد احتج بالدبري أبو عوانة في صحيحه وغيره وأكثر عنه الطبراني. قال الدارقطني في رواية الحاكم: "صدوق ما رأيت فيه خلافا، إنما قيل لم يكن من رجال هذا الشأن قلت: ويدخل في الصحيح! قال: إي والله وقد رمز له الذهبي بـ (صح) إشارة إلى أنه ثقة، مات سنة 285 على الأشهر أو 287" (ميزان الاعتدال 1/181-182 ولسان الميزان لابن حجر 1/349-350 واللباب لابن الأثير 1/489) . 7 أي: إن معمراً روى هذا الحديث عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير. ورواه أيضا عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 فاستقبله1 فزاده، فقال: يا رسول الله أي عطيتك خير؟ قال: "الأولى". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا حكيم بن حزام إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذها بسخاوة نفس وحسن أكلة بورك له فيه، ومن أخذه باستشراف نفس وسوء أكلة لم يبارك له، وكان الذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السفلى". قال: ومنك يا رسول الله، قال: "ومني". قال: "فوالذي بعثك بالحق لا أرزأ2 بعدك أحداً شيئاً أبداً". قال: "فلم يقبل ديوانا 3 ولا عطاء حتى مات" 4. فكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: "اللهم إني أشهدك على حكيم بن حزام أني ادعوه لحقه من هذا المال وهو يأبى، فقال: "إني والله لا أرزاك ولا غيرك، فمات حين مات وإنه لمن أكثر قريش مالاً"5. والحديث أخرجه الواقدي من طريق سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير عن حكيم بن حزام قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين، مائة من الإبل فأعطنيها، ثم سألته مائة فأعطنيها، ثم سألته مائة فأعطنيها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا حكيم بن حزام، إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه" الحديث. ثم قال الواقدي أيضا وحدثني ابن أبي الزناد6 قال: "أخذ حكيم المائة الأولى ثم ترك" 7.   1 لعل الصواب: فاستقله. 2 لا أرزأ: أي لا آخذ من أحد شيئا بعدك (النهاية 2/218) . 3 الديوان - ويفتح مجتمع الصحف، والكتاب يكتب فيه أهل الجيش، وأهل العطية، وأول من وضعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، جمعه دواوين ودياوين (القاموس المحيط 4/224) . 4 قال ابن حجر: "وإنما امتنع حكيم من أخذ العطاء مع أنه حقه لأنه خشي أن يقبل من أحد شيئا فيعتاد الأخذ فتتجاوز به نفسه إلى ما لا يريده ففطمها عن ذلك وترك ما يريبه، وإنما أشهد عليه عمر - رضي الله عنه - لأنه أراد أن لا ينسبه أحد لم يعرف باطن الأمر إلى منع حكيم من حقه" (فتح الباري 3/336) . 5 المعجم الكبير للطبراني 3/210. 6 ابن أبي الزناد: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان. 7 مغازي الواقدي 3/945. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 193- والحديث في الصحيحين وغيرهما من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير نحوه1 وليس فيه لفظ "حنين". ومن المعلوم أن حكيم بن حزام من مسلمة الفتح، ومن مؤلفة قلوبهم، وأن هذا تأليف لأهل مكة إنما كان في غزوة حنين. كما صرّح حديث الطبراني والواقدي بذلك، وأن تلك الأموال الكثيرة إنما كانت في غزوة حنين، ولم يقع بعد فتح مكة، غزوة حصلت فيها مثل تلك الغنائم في العهد النبوي سوى غزوة حنين، إن هذه العطايا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وقعت من نفوس القوم موقعها وظهرت الحكمة جلية من وراء ذلك، وهو استئلاف أناس للدخول في الإسلام أو تثبيتهم عليه، ووكل آخرين إلى إيمانهم. قال ابن حجر: "اقتضت حكمة الله أن غنائم الكفار لما حصلت ثم قسمت على من لم يتمكن الإيمان من قلبه لما بقي من الطبع البشرى في محبة المال فقسمه فيهم لتطمئن قلوبهم وتجتمع على محبته، لأنها جلبت على حب من أحسن إليها، ومنع أهل الجهاد من أكابر المهاجرين ورؤساء الأنصار مع ظهور استحقاقهم لجميعها، لأنه لو قسم ذلك فيهم لكان مقصورا عليهم، خلاف قسمته على المؤلفة، لأن فيه   1 البخاري: الصحيح 2/104 كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة، و4/5 كتاب الوصايا، باب تأويل قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} و4/73 كتاب الفرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة وغيرهم من الخمس، و8/79 كتاب الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا المال خضرة حلوة". ومسلم: الصحيح 2/717 كتاب الزكاة، باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، الترمذي: السنن 4/56 كتاب صفة القيامة. والنسائي: السنن 5/45 كتاب الوكالة، باب اليد العليا، 5/75-77 من كتاب الزكاة أيضا، باب مسألة الرجل في أمر لا بد منه. والحميدي: المسند 1/253 والدارمي: السنن 1/326 كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة و2/219 كتاب الرقاق، باب الدنيا خضرة حلوة. واحمد: المسند 3/434 والطبراني: المعجم الكبير 3/210-213 والبيهقي: السنن الكبرى 4/196 وقد نسب المزي في الأطراف وتبعه صاحب ذخائر المواريث - هذا الحديث للترمذي في كتاب الزهد عن سويد بن نصر، ولم أجده في كتاب الزهد بعد مراجعته مراراً في الطبعة التي بين يدي، وقد تحصلت على الحديث في كتاب القيامة، وهو عن سويد بن نصر. (انظر: الأطراف للمزي 3/74 حديث: (3426) ، وذخائر المواريث 1/197، حديث 1788) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 استجلاب قلوب أتباعهم الذين كانوا يرضون إذا رضي رئيسهم فلما كان ذلك العطاء سببا لدخولهم في الإسلام ولتقوية قلب من دخل فيه قبل تبعهم من دونهم في الدخول، فكان في ذلك عظيم المصلحة". إهـ1. 194- "وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه" 2. ومن خلال ما سبق من النصوص التاريخية والأحاديث النبوية تبرز أمامنا حقيقتان: الأولى: دقة نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمق معرفته بدخائل النفوس البشرية وما يقوم اعوجاجها، حيث أعطى تلك العطايا السخية ومنح تلك المنح الهائلة لأناس يعادونه، وكفار لم يدخلوا في دين الله بعد وآخرين يتألف بهم قومهم لعلهم يهتدون ويسلمون، وكانت النتيجة التي توخها صلى الله عليه وسلم من تخصيص هؤلاء الذين تألفهم بهذه العطايا أن أسلموا وحسن إسلامهم وكانوا جنودا صادقين في الدفاع عن الإسلام والانخراط في سلك المهاجرين والأنصار الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه كما دلت على ذلك النصوص السابقة. وعلى وجه الإيجاز كانت تلك الأعطيات بردا وسلاما على نفوس أولئك النفر وشفاء لما في صدورهم من مرض الضلال وحب المادة وقد عبروا أنفسهم عن هذا الإحساس وهذا التحول النفسي الخطير حين قال بعضهم "أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وإنه لأبغض الخلق إلي، فما زال يعطيني حتى إنه لحب الخلق إلي" وكفى بهذه النتيجة العظيمة دليلا على حسن ذلك التقسيم للغنائم، وأنه واقع موقعه، وكيف لا يكون كذلك وهو عمل المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.   1 فتح الباري 8/49. 2 صحيح مسلم 4/1806 كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال: لا، وكثرة عطائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 الحقيقة الثانية: في هذه الغزوة تجلت قوة إيمان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وثباتهم العظيم أمام مغريات المادة وأنهم كانوا كما قيل "يقلون عند الطمع ويكثرون عند الفزع"1. بل إنهم أعظم من هذا بكثير كانت غايتهم - رضي الله عنهم - الدفاع عن دينه ونشر الحق، ولم تكن المادة مسيطرة على نفوسهم ولا باعثة لهم على الجهاد كما يزعم ذلك أعداء اله من المستشرقين وأذنابهم، وهذا الموقف العظيم لهم من أعظم الأدلة على طهارة نفوسهم ووضوح هدفهم ونبل مقاصدهم في جهادهم في سبيل الله، ولقد رباهم الرسول الله صلى الله عليه وسلم التربية الإسلامية الكاملة في معناها، ووثق صلى الله عليه وسلم من إيمانهم ووكلهم إلى هذا الإيمان، وما كان تساؤلهم في مبدأ توزيع الغنائم ولا تعجبهم من ذلك التقسيم لها إلا بسبب خفاء الحكمة عليهم في ذلك حتى بين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم الحكمة من ذلك فرضوا وسلموا له تسليما ولم يبق في نفوسهم حرج ولا ميل عن الحق، بل كانوا مغتبطين بما أوضحه الرسول صلى الله عليه وسلم لهم من أنه وكلهم إلى ما في قلوبهم من الغنى والخير والإيمان واليقين. وما دام الحديث عن المؤلفة قلوبهم والحكمة من إعطائهم فيحسن بنا أن نعرفهم ونسرد أسماءهم كما ذكر ذلك أهل المغازي وغيرهم فنقول:   1 ذكر ذلك الجاحظ في البيان والتبيين 2/45 بلفظ "فمن كلامه صلى الله عليه وسلم حين ذكر الأنصار فقال: "أما والله ما علمتكم إلا لتقلون عند الطمع وتكثرون عند الفزع" ولم أجده في كتاب من كتب الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 المؤلفة قلوبهم أ- المؤلفة: جمع مؤلف، مأخوذ من التأليف، وهو المدارة والإيناس، يقال: تألف فلان فلانا إذا داراه وآنسه وقاربه وواصله حتى يستمليه1 إليه. ب- وفي الاصطلاح: هم السادة المطاعون في عشائرهم ممن يرجى إسلامه أو يخشى شره، أو يرجى بعطيته قوة الإيمان منه، أو إسلام نظيره، أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها، أو الدفع عن المسلمين2. قال ابن حجر: "المراد بالمؤلفة ناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلاما ضعيفا، وقيل كان فيهم من لم يسلم بعد كصفوان بن أمية، وقد اختلف في المراد بالمؤلفة قلوبهم الذين هم أحد المستحقين للزكاة فقيل: كفار يعطون ترغيبا في الإسلام، وقيل مسلمون لهم أتباع كفار ليتألفوهم وقيل مسلمون أوّل ما دخلوا في الإسلام ليتمكن الإسلام من قلوبهم". ثم قال: "وأما المراد بالمؤلفة هنا: فهذا الأخير، لقوله في الحديث "فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم" 3. 195- وقال ابن إسحاق4: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم وكانوا أشرافاً من أشراف الناس، يتألفهم ويتألف بهم قومهم، فأعطى أبا سفيان بن حرب مئة بعير5، وأعطى ابنه معاوية مائة بعير، وأعطى حكيم ابن حزام مئة بعير6، وأعطى   1 القاموس المحيط 3/119 ولسان العرب 10/ 353 والمصباح المنير 1/26) . 2 جامع البيان للطبري 10/161 والإفصاح لابن هبيرة 1/224-225، والمغني لابن قدامة 6/428-429 والعدة شرح العمدة للمقدسي ص 142-143 والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف لعلاء الدين المرداوي 3/227 وتاريخ الخميس للدياربكري 2/114 والسيرة الحلبية لبرهان الحلبي3/85 والفقه على المذاهب الأربعة للجزيري 1/623 و624 و625 ومنهاج المسلم للجزائري ص 256. 3 فتح الباري 8/48. 4 وساق الطبري أسماء المؤلفة قلوبهم من غير طريق ابن إسحاق: فقال: حدثنا عبد الأعلى قال: ثنا محمد بن ثور عن معمر عن يحيى بن أبي كثير: أن المؤلفة قلوبهم الخ (جامع البيان 10/161-162. 5 وأربعين أوقية فضة، وأعطى ابنه معاوية ويزيد كل واحد مثله، فقال أبو سفيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم والله إنك لكريم فداك أبي وأمي، والله لقد حاربتك فلنعم المحارب كنت، ولقد سالمتك فنعم المسالم أنت جزاك الله خيراً (مغازي الواقدي 3/944-945) . 6 وعند الواقدي: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه مائة، ثم مئة ثم مئة، ثم وعظه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ المائة الأولى ثم ترك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 الحارث1 بن الحارث بن كلدة مئة بعير، وأعطى الحارث بن هشام مئة بعير، وأعطى سهيل بن عمرو ومئة بعير2، وأعطى حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس مئة بعير3، وأعطى العلاء4 ابن جارية الثقفي حليف بني زهرة مئة بعير، وأعطى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر مئة بعير، وأعطى صفوان بن أمية مئة بعير5، فهؤلاء أصحاب المئين. وأعطى دون المائة رجالا من قريش منهم: مخرمة بن نوفل الزهري6، وعمير بن وهب الجمحي7. وهشام8 بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي لا أحفظ ما أعطاهم وقد عرفت أنها دون المئة. وأعطى سعيد بن يربوع بن عن كثة بن عامر بن مخزوم خمسين من الإبل9،   1 كان أبوه طبيب العرب وحكيمها، وهو من المؤلفة قلوبهم، وكان من أشراف قومه وأما أبوه الحارث بن كلدة فمات أوّل الإسلام ولم يصح إسلامه. (انظر: أسد الغابة 1/384 و420 و2/45 و3/10 و5/209 و491 و6/148-149) وانظر: ترجمة الحارث بن كلدة في الإصابة 1/288) . 2 زاد الزرقاني: (أخوه سهل) (شرح المواهب 3/37 وأسد الغابة 2/475. 3 انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 5/454. 4 العلاء بن جارية - بجيم وتحتية- كذا في الإصابة 2/497 وشرح المواهب اللدنية 3/37 ووقع في أسد الغابة 4/73 وفتح الباري 8/48. العلاء بن (حارثة) بالحاء المهملة والمثلثة وكذا في جامع البيان للطبري 10/162 وعند الواقدي 3/946 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه خمسين بعيرا. 5 تقدم في حديث (185) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه مائة من النعم ثم مائة، ثم مائة. 6 وعند الواقدي 3/946 وأسد الغابة 5/125 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه خمسين بعيرا. 7 في شرح المواهب قال: أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين من الإبل وذكر ابن عبد البر في المؤلفة: عمير بن ودقة وقال: "لم يبلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل من غنائم حنين وكذا قيس بن مخرمة وعباس بن مرداس وهشام بن عمرو وسعيد بن يربوع وسائر المؤلفة قلوبهم أعطاهم مائة مائة" (الاستيعاب 2/489) . وقال ابن حجر: "لم يذكر ابن إسحاق عمير بن ودقة في المؤلفة وذكر بدله "عمير بن وهب الجمحي" وبدل "قيس بن مخرمة" "مخرمة بن نوفل" الإصابة 3/35) . 8 وعند الواقدي 3/946 أعطاه خمسين من الإبل. 9 انظر الاستيعاب: لابن عبد البر 2/489 مع الإصابة، والإصابة 2/51-52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 وأعطى السهمي خمسين من الإبل1، وأعطى عباس بن مرداس أبا عمر فسخطها، فعاتب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عباس بن مرداس يعاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت نهابا تلافيتها ... بكري على المهر في الأجرع 2 وإيقاظي القوم أن يرقدوا ... إذا هجع الناس لم أهجع فأصبح نهبي ونهب العبيد ... بين عيينة والأقرع3 وقد كنت في الحرب ذا تدرا ... فلم أعط شيئا ولم أمنع إلاّ أفائل4 أعطيتها ... عديد قوامها الأربع وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان شَيْخِيَّ في المجمع5 وما كنت دون امرئ منها ... ومن تضع اليوم لا يرفع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهبوا به، فاقطعوا عني لسانه، فأعطوه حتى رضي6، فكان ذلك قطع لسانه الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم" 7.   1 قال ابن حجر: "قال ابن هشام: اسمه عدي بن قيس السهمي، وروى ابن مردويه من طريق بكر بن بكار عن علي بن المبارك عن يحيى ابن أبي كثير في تسمية المؤلفة عدي بن قيس السهمي". ثم قال ابن حجر: "عند ذكره قيس بن عدي السهمي: قال: ذكره ابن إسحاق في السيرة الكبرى، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم فيمن أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين في المؤلفة دون المائة". وذكره الواقدي فيمن أعطاه مائة، ثم قال: "فلا أدري هل عدي بن قيس، وقيس بن عدي واحد انقلب، أو اثنان". وقال الزرقاني: "قال الشامي: الظاهر أنهما اثنان، لاتفاق ابن إسحاق والواقدي على ذلك". (انظر الإصابة 2/471 و3/35 و255 ومغازي الواقدي 3/946 وشرح المواهب اللدنية 3/37) . 2 الأجرع: الأرض ذات الحزونة متشاكل الرمل. (المعجم الوسيط 1/118) . 3 قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم: أن عباس بن مرداس أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت القائل: فأصبح نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة ، فقال أبو بكر الصديق: بين عيينة والأقرع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هما واحد. فقال أبو بكر: أشهد أنك كما قال الله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} ، [سورة يّس: من الآية: 69] . (سيرة ابن هشام 2/494) . ونسبه ابن كثير: لعروة بن الزبير وموسى بن عقبة عن الزهري (البداية والنهاية 4/360) . 4 في القاموس المحيط 3/329: أفيل: كأمير ابن المخاض فما فوقه، والفصيل، جمعه أفال كجمال، وأفائل. 5 شيخي: يعني أباه مرداسا، ويروى "شَيْخِيَّ" بتشديد الياء يريد أباه وجده، قال ابن هشام: "أنشدني يونس النحوي" فما كان حصن ولا حابس.. يفوقان (مرداس) في المجمع واستشهد بهذا البيت على ترك صرف ما ينصرف لضرورة الشعر. 6 وعند مسلم في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم له مائة انظر حديث (191) . 7 سيرة ابن هشام 2/492-494 والروض الأنف 7/246-248. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 الحديث أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم به، ثم ساق سندا آخر عن عبد الله الأعلى عن محمد بن ثور عن معمر عن يحيى بن أبي كثير ثم ساق جملة من المؤلفة1. وقد سرد ابن هشام تسمية المؤلفة قلوبهم ونسبهم إلى بطونهم فقال: 196- حدثني من أثق به من أهل العلم في إسناد له، عن ابن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: "بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش وغيرهم، فأعطاهم يوم الجعرانة من غنائم حنين: أ- من بني أمية بن عبد شمس: أبو سفيان بن حرب بن أمية، وطليق بن سفيان بن أمية، وخالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية2. ب- ومن بني عبد الدار بن قصي: شيبة3 بن عثمان بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، وأبو السنابل4 بن بعكك ابن الحارث بن عميلة بن السباق بن عبد الدار، وعكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار. ج- ومن بني مخزوم بن يقظة: زهير5 بن أبي أمية بن المغيرة، والحارث بن هشام بن المغيرة، وهشام بن الوليد بن المغيرة، وسفيان بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وخالد بن هشام بن المغيرة، والسائب بن أبي السائب بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.   1 تاريخ الرسل والملوك 3/90 وجامع البيان 10/161-162. 2 وزاد غيره فيهم: معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن أبي سفيان. وانظر حديث (195) وخالد بن أسيد - بفتح الهمزة وكسر السين هو أخو عتاب بن أسيد، وطليق بن سفيان كان هو وابنه حكيم بن طليق من المؤلفة قلوبهم، وعند ابن حزم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى طليقاً وخالد بن أسيد كل واحد دون المائة (جوامع السيرة ص (246) وانظر: أسد الغابة 2/89 و3/96) . 3 هو الذي حاول الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وكان ممن ثبت بعد ذلك وقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر ابن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه دون المائة. 4 أبو السنابل: جمع سنبلة، وبعكك - بموحدة فمهملة، فكافين وزن جعفر - كره ابن حزم فيمن أعطي دون المائة، وكذا عكرمة بن عامر بن هاشم. 5 قيل أنه أخو أم سلمة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزاد بعضهم في بني مخزوم: سعيد بن يربوع انظر حديث (195) . وعبد الرحمن بن يربوع، عثمان بن وهب المخزومي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 د- ومن بني عدي بن كعب: مطيع بن الأسود بن حارثة بن نضلة، وأبو جهم بن حذيفة بن غانم1. هـ- ومن بني جمح بن عمرو: صفوان بن أمية بن خلف، وأحيحة2 بن أمية بن خلف، وعمير بن وهب بن خلف، وعمير بن وهب بن خلف. و ومن بني سهم: عدي بن قيس بن حذافة السهمي3. ز- ومن بني عامر بن لؤي: حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس ابن عبدود، وهشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب. ومن أفناء القبائل: ح- من بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة: نوفل بن معاوية بن عروة ابن صخر بن رزن بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل. ط- ومن بنى قيس، ثم من بني عامر بن صعصعة ثم من بني كلاب ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة: علقمة4 بن علاثة بن عوف بن الأحوص ابن جعفر بن كلاب، ولبيد5 بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب.   1 انظر: أسد الغابة 2/261، و534، و112، و3/501، و4/73، 5/191، و6/57، وجوامع السيرة لابن حزم ص 246) . 2 أحيحة - بمهملتين مصغرا - أخو صفوان بن أمية، كان من المؤلفة قلوبهم (انظر أسد الغابة 1/69، والإصابة 1/23، شرح المواهب 3/37) . 3 تقدم في حديث (195) حاشية ص 405 تعليقة (1) قول ابن حجر: فلا أدري هل عدي بن قيس وقيس بن عدي واحد انقلب أو اثنان. وزاد الزرقاني في شرح المواهب 3/37: الجد بن قيس السهمي وقال: أورده ابن الجوزي في التلقيح. وقد راجعت أسد الغابة والإصابة فلم أجد من اسمه الجد بن قيس السهمي، وإنما الموجود الجد بن قيس الأنصاري السلمي وكان ممن يظن فيه النفاق وفيه نزل قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} ، [سورة التوبة، الآية: 49] . (أسد الغابة: 1/327 والإصابة 1/228) . 4 قال ابن حجر: ثبت ذكره في الصحيح في حديث أبي سعيد الخدري من رواية عبد الرحمن بن أبي نعم عنه قال: بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهبية في تربتها، فقسمها بين (أربعة نفر: عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، وعلقمة بن علاثة / وزيد الخيل) الحديث (الإصابة 2/503) . والحديث في صحيح البخاري 4/109 كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى (وإلى عاد أخاهم هودا) . وصحيح مسلم: 2/741-742 كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام، إلخ. وكذا ثبت ذكره في حديث رافع بن خديج عند مسلم انظر حديث (191) . 5 في أسد الغابة 4/516: وكان لبيد بن ربيعة، وعلقمة بن علاثة العامريان من المؤلفة قلوبهم، وحسن إسلامهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 ي- ومن بني عامر بن ربيعة: خالد بن هوذة بن ربيعة بن عمرو ابن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وحرملة بن هوذة بن ربيعة بن عمرو. ك- ومن بني نصر بن معاوية: مالك بن عوف بن سعيد بن يربوع. ل- ومن بني سليم بن منصور: عباس بن مرداس بن أبي عامر: أخو بني الحارث بن بهثة بن سليم1. م- ومن بني غطفان، ثم من بني فزارة: عيينة بن حصن بن حذيفة ابن بدر. ن- ومن بني تميم ثم من بني حنظلة: الأقرع بن حابس بن عقال، من بني مجاشع بن دارم2. فهؤلاء تسعة وعشرون شخصا ذكرهم ابن هشام. قلت: وزاد غيره: س- في بني أمية بن عبد شمس: معاوية بن أبي سفيان، يزيد بن أبي سفيان، خالد بن أسيد، طليق بن سفيان وابنه حكيم بن طليق3. ع- وفي بني مخزوم بن يقظة: سعيد بن يربوع، وعبد الرحمن بن يربوع، عثمان بن وهب المخزومي، عكرمة بن أبي جهل4. ف- وفي بني سهم: الجد بن قيس السهمي5. ص- وفي بني سليم: عمير بن مرداس اخو عباس بن مرداس. ق- ومن بني هاشم: أبو سفيان الحارث بن عبد المطلب6.   1 وزاد ابن الجوزي: عمير بن مرداس، أخو عباس بن مرداس، ذكر ذلك ابن حجر في الفتح 8/48 والزرقاني في شرح المواهب اللدنية 3/37) . 2 سيرة ابن هشام 2/494 -496 والروض الأنف 7/248-250. 3 انظر حاشية ص 406 تحت حديث (196) والقاموس المحيط 3/118. 4 انظر شرح المواهب اللدنية 3/37. 5انظر: حاشية ص407تعليقة (3) تحت حديث (196) والقاموس المحيط3/118-119. 6 انظر جامع البيان للطبري 10/162، نصب الراية للزيلعي 2/394 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 ر- ومن ثقيف: العلاء بن جارية الثقفي1، وأسيد2 بن جارية الثقفي، والأخنس3 بن شريق، عمير بن الأخنس بن شريف4. ش- ومن بني تميم: عمرو بن الأهتم5. ت- ومن بني أسد بن عبد العزى: حكيم بن حزام6. ث- ومن بني عبد مناف: جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف النوفلي7. خ-ومن بني نبهان: زيد بن مهلهل النبهاني، المعروف بزيد الخيل8. ذ- ومن بني عبد شمس بن عبدود: سهيل بن عمرو العامري، وأخوه سهيل بن عمرو9. ض-كعب بن الأخنس10. فهؤلاء اثنان وخمسون رجلا. قال الزرقاني: "وقد سردهم ابن الجوزي11 في التلقيح وابن طاهر12 في "مبهماته" والحافظ في "الفتح" والبرهان13 في "النور" وهو أحسنهم وعند كل ما ليس   1 انظر حديث (195) . 2 أسيد - بفتح الهمزة - (أسد الغابة 1/109 وشرح المواهب اللدنية 3/37) . 3 شرح المواهب اللدنية 3/37. 4 الإصابة 3/28-29. 5 أسد الغابة 4/196 وفتح الباري 8/48 وشرح المواهب اللدنية 3/37. 6 انظر حديث (195) . 7 انظر القاموس المحيط 3/118. 8 انظر القاموس المحيط 3/118 وتعليقة (4) من حاشية ص 407 9 انظر شرح المواهب الدنية 3/37 وحديث (195) وتعليقة (2) من ص 404. 10 انظر شرح المواهب اللدنية 3/37. 11 هو أبو الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي، وكتابه هذا يسمى "تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التواريخ والسير" وقد راجعته فلم أجده ذكر أسماء المؤلفة قلوبهم على نحو ما أشار الزرقاني. 12 هو أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي المعروف (بابن القيسراني) (ولد سنة 448 وتوفي سنة 507) (تذكرة الحفاظ للذهبي 4/1242-1245 والكتاني: الرسالة المستطرقة ص 102) . 13 هو برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل الطرابلسي الأصل (طرابلس الشام) المعروف (بسبط ابن العجمي) ، ولد سنة: (753هـ) ، وتوفي سنة: (84) ، وله كتاب يسمى: (نور النبراس على سيرة ابن سيد الناس) . (البدر الطالع للشوكاني 1/28-30 ومعجم المؤلفين لكحالة 1/92-93) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 عند الآخر، ثم ساقهم الزرقاني فأوصلهم سبعة وخمسين رجلا ثم قال: فهؤلاء سبع وخمسون نفسا". ثم قال: قال الحافظ: "وفي عد العلاء بن جارية ومالك بن عوف النصرى نظر. وقد قيل إنهما أتيا طائعين من الطائف إلى الجعرانة"1.اهـ. وهؤلاء المؤلفة قلوبهم حسن إسلامهم وصاروا مجاهدين في سبيل الله الناشرين للدين الإسلامي في الآفاق، والذابين عنه. قال ابن حزم: "وقد حسن إسلام جميع المؤلفة قلوبهم، حاشا عيينة ابن حصن فلم يزل مغموزاً". وكان المؤلفة - مع حسن إسلامهم - متفاضلين في الإسلام، منهم الفاضل المجتهد: كالحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، حيكم بن حزام. وفيهم خيار دون هؤلاء: كصفوان بن أمية، وعمرو بن وهب، ومطيع بن الأسود/ ومعاوية بن أبي سفيان. وسائرهم لا نظن بهم إلا الخير. وكان ممن أسلم يوم الفتح وبعده، من الأشارف نظراء من ذكرنا - ووثق رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحة إيمانهم، وقوة نياتهم في الإسلام لله تعالى فلم يدخلهم مدخل من   1 شرح المواهب اللدنية 3/36-37.وانظر: مغازي الواقدي3/944-948 والطبقات الكبرى لابن سعد2/152-153 وتاريخ خليفة بن خياط ص:90، والتفسير لابن أبي حاتم 4/114أرقم 283، وكتاب المنمق في أخبار قريش لمحمد بن حبيب البغدادي ص 532-533 وكتاب المعارف لابن قتيبة ص: 149، وجامع البيان للطبري 10/100 و161-162، وجوامع السيرة لابن حزم ص 245-247، ولسان العرب 10/353 ونصب الراية للزيلعي 2/394 والقاموس المحيط للفيروز آبادي 3/118-119 وفتح الباري لابن حجر 8/48 وتاريخ الخميس للديار بكري 2/114، والسيرة الحلبية لبرهان الدين الحلبي 3/84-85 ونيل الأوطار للشوكاني 7/308، وسيأتي في الأحكام بيان من أين يعطون وهل حكمهم باق أولا انظر ص (684) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 أعطاه - عكرمة بن أبي جهل، وعتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، وجبير1 بن مطعم2. قال ابن الجوزي: "اعلم أن من المؤلّفة أقواماً تؤلفوا في بدء الإسلام ثم تمكن الإسلام في قلوبهم فخرجوا بذلك عن حدّ المؤلّفة". وإنما ذكرهم العلماء في المؤلفة اعتبار ببداية أحوالهم، وفيهم من لم يعلم منه حسن الإسلام، والظاهر بقاؤه على حالة التأليف، ولا يمكن أن يفرق بين من حسن إسلامه، وبين من لم يحسن إسلامه، لجواز أن يكون من ظننا به شرا أنه على خلاف ذلك، إذ الإنسان قد يتغير عن حاله ولا ينقل إلينا أمره، فالواجب أن نظن بكل من نقل عنه الإسلام خيراً. 197- وقد جاء عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كان3 الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم لشيء يعطاه من الدنيا، فلا يمسي حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما فيها"4.   1 قد عد في المؤلفة جبير بن مطعم وعكرمة بن أبي جهل انظر فقرة (ث) و (ع) ص 408-409. 2 جوامع السيرة ص 248. 3 الحديث في صحيح مسلم ولفظه "عن أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنما بين جبلين، فأعطاه إياه، فأتى قومه فقال: أي قوم أسلموا فوالله إن محمدا ليعطي عطاء ما يخاف الفقر". فقال أنس: "إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلاّ الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها" (4/1806 كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط، فقال: لا وكثرة عطائه. 4 السيرة الحلبية 3/85-86. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 المبحث الخامس: موقف الأنصار من توزيع الغنائم وخطبة الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم ... المبحث الخامس: موقف الأنصار من توزيع الغنائم وخطبة الرسول فيهم وجد الأنصار في أنفسهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث لم ينلهم ما نال غيرهم من الغنائم، مع بلائهم الشديد في هذه الغزوة وفي غيرها من معارك الإسلام الفاصلة. ولقد كانوا - لكثرة عددهم وشدة بأسهم في الحرب- أعمدة أساسية للجيش النبوي في أية معركة ضد أعداء الإسلام، فهم الذين ناصروا هذا الدين وقام على كواهلهم، وفتحوا قلوبهم وأبوبهم لكل من جاءهم من إخوانهم المهاجرين الفارين بدينهم، وناضلوا أشد النضال من أجل إقامة هذا الدين وتثبيت دعائمه. ولقد سجل الله لهم ذلك في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ، [سورة الحشر، الآية: 9] . وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ، [سورة الأنفال، الآية: 74] . فهم أنصار الله وأنصار رسوله صلى الله عليه وسلم حقا وصدقاً. 198- وفي صحيح البخاري من طريق غيلان بن جرير قال: "قلت لأنس بن مالك: اسم الأنصار1 كنتم تسمون به. أم سماكم الله؟ قال: بل سمانا الله"2. ولقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم تلك المواقف العظيمة وأثنى عليهم ثناء عطرا وأوصى بهم خيرا، وكان ذلك في آخر رمق من حياته صلى الله عليه وسلم.   1 الأنصار: جمع ناصر، كأصحاب وصاحب، أو جمع نصير كأشراف وشريف واللام فيه للعهد، أي أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد الأوس والخزرج، وكانوا قبل ذلك يعرفون بابني قيلة، اسم امرأة - بقاف مفتوحة وياء تحتانية ساكنة - وهي الأم التي تجمع القبيلتين - فسماهم النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار، فصاروا علما عليهم، وأطلق ذلك على أولادهم، وحلفائهم، ومواليهم وخصوا بهذه المنقبة العظمى لما فازوا به دون غيرهم من القبائل من إيواء النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، والقيام بأمرهم، ومواساتهم بأنفسهم وأموالهم، (شرح ثلاثيات مسند أحمد 1/673) . 2 5/26 كتاب المناقب، باب مناقب الأنصار والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 199- فقد روى البخاري من حديث هشام بن زيد بن أنس بن مالك قال: سمعت أنس بن مالك يقول: "مر أبو بكر والعباس - رضي الله عنهما - بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقال: ما يبكيكم؟ 1، قالوا ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم منا، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عصب على رأسه حاشية برد، قال: فصعد المنبر ولم يصعده بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشي2 وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم" 3. 200- وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ملحفة متعطفا بها على منكبيه، وعليه عصابة دسماء4، حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد أيها الناس إن الناس يكثرون وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام5، فمن ولي منكم أمراً يضر فيه أحداً أو ينفعه فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم" 6.   1 قال ابن حجر: "لم أقف على اسم الذي خاطبهم بذلك هل هو أبو بكر الصديق أو العباس بن عبد المطلب ويظهر لي أنه العباس. (فتح الباري 7/121) . 2 كرشي- الكرش بوزن الكبد، لكل مجتر بمنزلة المعدة للإنسان والكرش أيضا الجماعة من الناس. والعيبة: بفتح المهلمة وسكون المثناة بعدها موحدة أراد أنهم بطانته وموضع سره، والذين يعتمد عليهم في أموره أي أنتم خاصتي وموضع سري، والعرب تكني عن القلوب والصدور بالعياب، لأنها مستودع السرائر كما أن العياب مستودع الثياب (النهاية في غريب الحديث 3/327، و4/163-164، ومختار الصحاح ص: 567 وفتح الباري 7/121. وفي القاموس المحيط 1/109 والعيبة: زنبيل من أدم وما يجعل فيه الثياب ومن الرجل موضع سره، جمعه عيب، وعيبات وعياب. 3 5/29 كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم. 4 دسماء: أي لونها كلون الدسم وهو الدهن، وقيل المراد أنها سوداء لكن ليست خالصة السواد ويحتمل أن تكون اسودت من العرق أو من الطيب كالغالية، وقد تبين من حديث أنس أنها كانت حاشية البرد، والحاشية غالبا تكون من لون غير الأصل. (فتح الباري 7/122) . 5 قوله: "إن الناس يكثرون وتقل الأنصار"، فيه إشارة إلى دخول قبائل العرب والعجم في الإسلام وهم أضعاف أضعاف قبيلة الأنصار، فمهما فرض الأنصار من الكثرة كالتناسل فرض في كل طائفة من أولئك، فهم أبدا بالنسبة إلى غيرهم قليل، ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم اطلع على أنهم يقلون مطلقا فأخبر بذلك فكان كما أخبر؛ لأن الموجودين الآن من ذرية علي بن أبي طالب ممن يتحقق نسبه إليه أضعاف من يوجد من قبيلتي الأوس والخزرج ممن يتحقق نسبه وقس على ذلك ولا التفات إلى كثرة من يدعي أنه منهم بغير برهان. وقوله: "حتى يكونوا كالملح في الطعام"، وفي لفظ "بمنزلة الملح في الطعام" أي في القلة، لأنه جعل غاية قلتهم الانتهاء إلى ذلك والملح بالنسبة إلى جملة الطعام جزء يسير منه والمراد بذلك المعتدل (فتح الباري 7/122) . 6 البخاري: الصحيح 5/29 كتاب المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم و 4/164 كتاب المناقب، باب علامات النبوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 وقد جعل صلى الله عليه وسلم حبهم من علامات الإيمان، وبغضهم من علامات النفاق. 201- فقد ورد في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "آية الإيمان حب الأنصار، آية النفاق بغض الأنصار" 1. 202- وفي حديث البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم - أو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم - "الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله" 2. 203- وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم - أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم 3-، "لو أن الأنصار سلكوا واديا4 أو شعباً، لسلكت في وادي الأنصار، ولولا الهجرة5 لكنت امرأ من الأنصار"، فقال أبو هريرة: "ما ظلم   1 المصدر السابق 5/27، كتاب المناقب، باب حب الأنصار واللفظ له، ومسلم الصحيح 1/85، كتاب الإيمان باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - من الإيمان وعلاماته الخ. 2 البخاري: الصحيح 5/27 كتاب مناقب الأنصار، باب حب الأنصار، ومسلم: الصحيح 1/85 كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار من الإيمان الخ. 3 وعند أحمد: "قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أبو القاسم". 4 واديا: هو المكان المنخفض، وقيل الذي فيه ماء والمراد هنا بلدهم. والشعب: بكسر الشين المعجمة، وهو اسم لما انفرج بين جبلين، وقيل الطريق في الجبل. وأراد صلى الله عليه وسلم بهذا: التنبيه على جزيل ما حصل لهم من ثواب النصرة والقناعة بالله ورسوله عن الدنيا، ومن هذا وصفه فحقه أن يسلك طريقه ويتبع حاله. قال الخطابي:" لما كانت العادة أن المرء يكون في نزوله وارتحاله مع قومه وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب، فإذا تفرقت في السفر الطرق سلك كل قوم منهم واديا وشعبا فأراد أنه مع الأنصار" (فتح الباري 8/51-52) . 5 قوله: "ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار"، قال الخطابي: "أراد بهذا الكلام تألف الأنصار واستطابة نفوسهم والثناء عليهم في دينهم حتى رضي أن يكون واحداً منهم لولا ما يمنعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها وقد اختلف العلماء في تمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الانتساب إلى الأنصار، لولا مانع الهجرة": فقال بعضهم: "لم يرد بذلك الانتقال عن نسب آبائه، لأنه ممتنع قطعا، وإنما أراد النسبة إلى دارهم، ولولا أن النسبة الهجرية لا يسعه تركها ويحتمل أنه لما كان الأنصار أخواله لكون أم عبد المطلب منهم، أراد أن ينتسب إليهم بهذه الولادة لولا مانع الهجرة". وقال بعضهم: "معناه لتسميت باسمكم وانتسبت إليكم كما كانوا ينتسبون بالحلف، لكن خصوصية الهجرة وتربيتها سبقت فمنعت من ذلك، وهي أعلى وأشرف فلا تتبدل بغيرها. وقيل: "التقدير لولا أن ثواب الهجرة أعظم لاخترت أن يكون ثوابي ثواب الأنصار ولم يرد ظاهر النسب أصلا". وقيل: "لولا التزامي بشروط الهجرة ومنها ترك الإقامة بمكة فوق ثلاثة لاخترت أن أكون من الأنصار فيباح لي ذلك، أي الإقامة بمكة" (فتح الباري 8/51 بتصرف) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 - بأبي وأمي- آووه ونصروه، أو كلمة أخرى"1. ومن هنا لم يكن الرسول الله صلى الله عليه وسلم - بحرمانه الأنصار من الغنائم يجهل حقهم أو يحط من قدرهم حاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك، وإنما تركهم ثقة منه بقوة إيمانهم وسخاوة نفوسهم، وأعطى الغنائم أناساً يخاف هلعهم وجزعهم ويتألفهم على الإسلام. ويبدوا أن الأنصار خفي عليهم ما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم من توزيع الغنائم على ذلك النحو، فصدرت منهم هذه المقالة: "إذا كانت الشدة فنحن ندعى، وترد غنائمنا على غيرنا"2. ولما بلغت هذه المقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم في مكان واحد بين لهم وجهة نظره في إيثاره المؤلفة قلوبهم، فزال ما علق بأذهان الأنصار وطابت نفوسهم، وبرهنوا بذلك على صدق إخلاصهم لله في جهادهم وعظيم حبهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم، وأن متاع الدنيا لم يكن غاية لجهادهم. وهذا ما تدل عليه الأحاديث الآتية: 1- حديث أنس بن مالك وقد جاء عنه من أربعة أوجه. أ- من طريق هشام بن زيد بن أنس بن مالك عنه قال: "لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بذراريهم ونعمهم ومع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عشرة آلاف، ومعه الطلقاء، فأدبروا عنه حتى بقي وحده"3.   1 وعند أحمد: "فقال أبو هريرة فما ظلم بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم لآووه ونصروه، قال: وأحسبه قال: "وواسوه". وفي لفظ "لقد آووه ونصروه وكلمة أخرى". وفي لفظ: "قال أبو هريرة: وما ظلم بأبي وأمي لقد آووه ونصروه أو واسوه ونصروه". قال ابن حجر: قوله: " (ما ظلم) ، أي: ما تعدى في القول المذكور ولا أعطاهم فوق حقهم، ثم بين وجه ذلك بقوله "آووه ونصروه". وقوله: "لسلكت في وادي الأنصار" أراد بذلك حسن موافقتهم له لما شاهده من حسن الجوار والوفاء بالعهد وليس المراد أنه يصير تابعاً لهم، بل هو المتبوع المفترض الطاعة على كل مؤمن" (فتح الباري 7/112) . 2 البخاري: الصحيح 5/26 كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار 9/70 كتاب التمني، باب ما يجوز من اللو واللفظ له، وأحمد المسند 2/410، و414 و469 وإسحاق بن راهويه: المسند ص: 22 أ- ب رقم 377. 3 وعند أحمد وابن أبي شيبة: "فلما التقوا ولى الناس". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 قال فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما شيئاً1، قال: فالتفت عن يمنيه فقال: "يا معشر2 الأنصار! " فقالوا: لبيك يا رسول الله! 3 أبشر نحن معك، قال: وهو على بغلة بيضاء4 فنَزل فقال: أنا عبد الله ورسوله5، فانهزم المشركون6 وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم كثيرة، فقسم في المهاجرين والطلقاء7، ولم يعط الأنصار شيئا، فقالت الأنصار: إذا كانت الشدة8 فنحن ندعى، وتعطى الغنائم غيرنا!. فبلغه ذلك، فجمعهم في قبة9 فقال: "يا معشر الأنصار! ما حديث بلغني عنكم" فسكتوا، فقال: "يا معشر الأنصار10! أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون بمحمد صلى الله عليه وسلم تحوزونه إلى بيوتكم" 11. قالوا: بلى يا رسول الله! رضينا قال: فقال: "لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لأخذت12 شعب الأنصار".   1 وعند أحمد وابن أبي شيبة: "ونادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما كلام". 2 المعشر: كمسكن الجماعة وأهل الرجل (القاموس المحيط 2/90) . 3 وعند البخاري: "قالوا: لبيك يا رسول الله وسعديك، لبيك نحن بين يديك". 4 وعند أحمد وابن أبي شيبة: "والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ على بغلة بيضاء". 5 وعند أحمد وابن أبي شيبة: "فنزل وقال: إني عبد الله ورسوله". 6 وعند ابن أبي شيبة: "ثم نزل إلى الأرض فالتقوا فهزموا ". وعند احمد: "ثم نزل بالأرض والتقو فهزموا". 7 وعند البخاري: "فأعطى الطلقاء والمهاجرين". وعند ابن أبي شيبة "وأصابوا من الغنائم، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم الطلقاء وقسم فيها". 8 وعند البخاري: "إذا كانت شديدة فنحن ندعى ويعطى الغنيمة غيرنا". وعند أحمد: "ندعى عند الكرة وتقسم الغنيمة لغيرنا". 9 وعند أحمد وابن أبي شيبة: "فجمعهم وقعد في قبة". وعند البخاري ومسلم في لفظ وأحمد: "فجمعهم وقعد في قبة من أدم". والقبة: من الخيام: بيت صغير مستدير، وهو من بيوت العرب (النهاية (4/3) . 10 وعند أحمد وابن أبي شيبة فقال: "أي: معشر الأنصار". 11 تحوزونه بالحاء المهملة والزاي من الحوز وهو الضم يقال: حزت الشيء أحوزه حوزا وحيازة ضممته وجمعته، وكل من ضم إلى نفسه شيئا فقد حازه (المصباح المنير للفيومي 1/188) . 12 عند البخاري "لاخترت شعب الأنصار". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 قال هشام1: فقلت: يا أبا حمزة! أنت شاهد ذاك؟ 2 قال: وأين أغيب عنه. ب- من طريق الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن أناساً3 من الأنصار قالوا يوم حنين، حين أفاء الله على رسوله4 من أموال هوازن ما أفاء فطفق رسول الله، يعطي رجالاً من قريش5 المائة من الإبل فقالوا: يغفر الله6 لرسول الله، يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم! قال أنس بن مالك: فحدث ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم فأرسل إلى الأنصار، فجمعهم في قبة من أدم7 فلما اجتمعوا8، جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما حديث بلغني عنكم؟ " فقال له فقهاء الأنصار9: أما ذوو رأينا10 يا رسول الله! فلم يقولوا شيئاً،   1 قال ابن حجر: "هو موصول بالإسناد المذكور، أبو حمزة: هو أنس بن مالك". اهـ. قلت: والإسناد المشار إليه هو: حدثنا محمد بن بشار حدثنا معاذ بن معاذ حدثنا ابن عون عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك عن أنس بن مالك (انظر فتح الباري 8/53و55) . 2 عند البخاري: "وأنت شاهد ذلك؟ ". 3 عند البخاري: "قال ناس من الأنصار". وعند أحمد: "أن ناسا من الأنصار". 4 عند البخاري: "حين أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ما أفاء من أموال هوازن". 5 عند البخاري: "يعطي رجالا المائة من الإبل". وعند أحمد: "يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل كل رجل". 6 عند البخاري وأحمد: "فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال الزرقاني: قالوا ذلك توطئة وتمهيدا لما بعده من العتاب، كقوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} ، [سورة التوبة، من الآية: 43] . شرح المواهب 3/38. 7 قوله:"من أدم":بفتح الهمزة المقصورة والدال جلد مدبوغ (شرح المواهب3/39) . 8 وعند أحمد: "ولم يدع أحدا غيرهم". وعند البخاري "ولم يدع معهم غيرهم، فلما اجتمعوا قام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما حديث بلغني عنكم". 9 عند أحمد "فقالت الأنصار". 10 عند البخاري "أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا" وتقدم في ص: 416 في رواية هشام بن زيد عن أنس "فقال: يا معشر الأنصار ما حديث بلغني عنكم" فسكتوا. قال ابن حجر: "يحمل على أن بعضهم سكت وبعضهم أجاب، وفي رواية أبي التياح عن أنس عند الإسماعيلي فجمعهم فقال: "ما الذي بلغني عنكم؟ " قالوا: "هو الذي بلغك، وكانوا لا يكذبون". ولأحمد من طريق ثابت عن أنس بت مالك "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى أبا سفيان وعيينة والأقرع وسهيل بن عمرو في الآخرين يوم حنين، فقالت الأنصار: يا رسول الله سيوفنا تقطر من دمائهم وهم يذهبون بالمغنم" فذكر الحديث وفيه "ثم قال: أقلتم كذا وكذا؟ قالوا نعم، وكذا ذكر ابن إسحاق عن أبي سعيد الخدري أن الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمقالتهم سعد بن عبادة ولفظه: "لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطي من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت منهم القالة، فدخل عليه سعد بن عبادة فذكر له ذلك فقال له: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: ما أنا إلاّ من قومي: قال: فاجمع لي قومك فجمعهم" الحديث. وأخرجه أحمد من هذا الوجه وهذا يعكر على الرواية التي فيها: "أما رؤساؤنا فلم يقولوا شيئا"؛ لأن سعد بن عبادة من رؤساء الأنصار بلا ريب إلا أن يحمل على الأغلب الأكثر، وأن الذي خاطبه بذلك سعد بن عبادة ولم يرد إدخال نفسه في النفي أو أنه لم يقل لفظا وإن كان - رضي الله عنه - رضي بالقول المذكور فقال: ما أنا إلا من قومي وهذا أوجه اهـ. (فتح الباري 8/50) انظر حديث 204و 206. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 وأما أناس1 منا حديثة أسنانهم، قالوا2: يغفر الله لرسوله يعطي قريشاً وتركنا3، وسيوفنا تقطر من دمائهم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإني أعطي4 رجالاً حديثي عهد بكفر أتألفهم، أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وترجعون5 إلى رحالكم6 برسول الله؟ فوالله، لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به". فقالوا: بلى يا رسول الله، قد رضينا، قال: "فإنكم ستجدون7 أثرة8 شديدة، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله، فإني على الحوض9 قالوا: سنصبر10. ج- من طريق شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال: جمع11 رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار، فقال: أفيكم12 أحد من غيركم؟ ".   1 عند البخاري وأحمد: "وأما ناس". 2 وعند أحمد: "فقالوا: كذا وكذا اللذي قالوا". 3 وعند البخاري "من حديث شعبة عن قتادة عن أنس" يعطي قريشاً ويدعنا. 4 عند البخاري البخاري: "إني لأعطي رجالاً حديث عهدهم بكفر". وعند أحمد: "إني لأعطي رجالاً حدثاء عهد بكفر أتألفهم، أو قال أستألفهم ومعنى: أتألفهم، أي: أستميل قلوبهم بالإحسان ليثبتوا على الإسلام، رغبة في المال". 5 عند البخاري "وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم". 6 رحالكم: بالحاء المهملة، أي بيوتكم، وهي رواية قتادة عن أنس. انظر ص (419) (فتح الباري 8/51) . 7 عند البخاري "سترون بعدي أثرة شديدة". (أثرة) قال النووي: فيها لغتان: إحداهما ضم الهمزة وإسكان الثاء، وأصحها وأشهرهما بفتحهما جميعاً. والأثرة: الاستئثار بالمشترك، أي يستأثر عليكم ويفضل عليكم غيركم بغير حق (شرح النووي على صحيح مسلم 3/99) . 9 وعند البخاري: "موعدكم الحوض". وعند أحمد "فإني فرطكم على الحوض". 10 وعند مسلم أيضاً: "قالوا: نصبر" وعند البخاري "قال أنس فلم يصبروا" وعند البخاري أيضا وأحمد: "قال أنس: فلم نصبر". 11 وعند البخاري والترمذي: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من الأنصار" وعند البخاري أيضا "دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار". 12 وعند البخاري وأحمد: "هل فيكم أحد من غيركم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 فقالوا: لا، إلاّ ابن أخت لنا1، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ابن أخت القوم منهم فقال: "إن قريشا حديث2 عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم3 وأتألفهم، أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم؟ " لو سلك الناس واديا4 وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار". د- وفي لفظ من طريق أبي التياح5 قال سمعت أنس بن مالك قال: لما   1 قوله: "إلا ابن أخت لنا"، قال ابن حجر: "هو النعمان بن مقرن المزني كما أخرجه أحمد من طريق شعبة عن معاوية بن قرة في حديث أنس هذا وكانت أم النعمان أنصارية" (فتح الباري 6/552و 12/49) قلت: والحديث في مسند أحمد 3/19 بإسناد صحيح وسياقه: حدثنا وكيع ثنا شعبة قال قلت لمعاوية بن قرة أسمعت أنسا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنعمان بن مقرن ابن أخت القوم منهم قال: نعم، قال النووي: "استدل بحديث الباب من يورث ذوي الأرحام وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وآخرين". ومذهب مالك والشافعي وآخرين أنهم لا يرثون، وأجابوا بأنه ليس في هذا اللفظ ما يقتضي توريثه، وإنما معناه أن بينه وبينهم ارتباطاً وقرابة، ولم يتعرض للإرث، وسياق الحديث يقتضي أن المراد أنه كالواحد منهم في إفشاء سرهم بحضرته ونحو ذلك اهـ. شرح النووي على صحيح مسلم (3/99-100) . قلت: بوب البخاري بقوله: "باب مولى القوم من أنفسهم وابن أخت القوم منهم" ثم ساق حديث: "ابن أخت القوم منهم أو من أنفسهم". قال ابن حجر: وكأن البخاري رمز إلى الجواب بإيراد هذا الحديث، لأنه لو صح الاستدلال بقوله "ابن أخت القوم منهم" على إدارة الميراث لصح الاستدلال به على أن العتيق يرث ممن أعتقه لورود مثله في حقه، فدل على أن المراد بقوله "من أنفسهم" كذا "منهم" في المعاونة أو الانتصار والبر والشفقة ونحو ذلك لا في الميراث. ثم قال ابن حجر: "وقال ابن أبي جمرة: الحكمة في ذكر ذلك إبطال ما كانوا عليه في الجاهلية من عدم الالتفات إلى أولاد البنات فضلاً عن أولاد الأخوات حتى قال قائلهم: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد فأراد بهذا الكلام التحريض على الألفة بين الأقارب. اهـ. (فتح الباري 12/49) . 2 قال ابن حجر: "كذا وقع بالإفراد في الصحيحين، والمعروف حديثو عهد، وكتبها الدمياطي بخطه "حديثو عهد" وفيه نظر. وقد وقع عند الإسماعيلي "إن قريشا كانوا قريب عهد".اهـ. (فتح الباري 8/54) . وقال محمد فؤاد عبد الباقي بعد أن أشار إلى ما ذكره ابن حجر قال: "وفعيل يستوي فيه الإفراد وغيره (تعليقه على صحيح مسلم، وهذا معروف في اللغة انظر: شرح ابن عقيل (1/61) . 3 قوله: (أن أجبرهم) قال ابن حجر: "كذا للأكثر - بفتح أوله وسكون الجيم بعدها موحدة ثم راء مهملة - للسرخسي والمستملي: بضم أوله وكسر الجيم بعدها تحتانية ساكنة ثم زاي - من الجائزة" (فتح الباري 8/54) . 4 وعند الترمذي: "لو سلك الناس واديا أو شعبا، وسلكت الأنصار وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبهم"، وعند البخاري: "لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار شعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار". 5 أبو التياح - بمثناة ثم تحتانية ثقيلة آخره مهملة- هو يزيد بن حميد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 فتحت مكة قسم الغنائم في قريش1 فقالت الأنصار: إن هذا لهو العجب2 إن سيوفنا تقطر من دمائهم3، وإن غنائمنا ترد عليهم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم، فقال: "ما الذي بلغني عنكم؟ ". قالوا: هو الذي بلغك، وكانوا لا يكذبون، قال: "أما ترضون4 أن يرجع الناس بالدنيا إلى بيوتهم، وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لو سلك الأنصار وادياً أو شعبا وسلكت الأنصار وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار" 5. ورواه مسلم وأحمد والبيهقي الجميع عن طريق السميط السدوسي عن أنس بن مالك قال: افتتحنا مكة ثم غزونا حنينا فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت" الحديث.   1 وعند البخاري وأحمد: "فقسم الغنائم في قريش" وفي لفظ عند البخاري أيضا "لما كان يوم فتح مكة قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم بين قريش فغضبت الانصار". قال ابن حجر: "ووقع عند القابسي: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم "غنائم قريش" ولبعضهم "غنائم من قريش" وهو خطأ؛ لأنه يوهم أن مكة لما فتحت قسمت غنائم قريش، وليس كذلك بل المراد بقوله: "يوم فتح مكة" زمن فتح مكة وهو يشمل السنة كلها، ولما كانت غزوة حنين ناشئة عن غزوة فتح مكة أضيفت إليها" (فتح الباري8/54) . 2 وعند البخاري: "والله إن هذا لهو العجب". 3 وعند البخاري وأبي يعلى: "إن سيوفنا تقطر من دماء قريش". 4 عند البخاري "أولا ترضون أن يرجع الناس بالغنائم إلى بيوتهم وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم؟ ". 5 البخاري: الصحيح 4/74 كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطى المؤلفة وغيرهم، الخ و145 كتاب المناقب، باب ابن أخت القوم منهم ومولى القوم منهم 5/26 و28 كتاب فضائل أصحاب النبي، باب مناقب الأنصار والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم الخ. وباب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار اصبروا حتى تلقوني على الحوض و 130و 131 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، و 7/ كتاب اللباس، باب القبة الحمراء من أدم. و8/130 كتاب الفرائض، باب مولى القوم من أنفسهم وابن الأخت منهم و9/106 كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى، وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، ومسلم: الصحيح 2/733-736 كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوى إيمانه واللفظ له، وأحمد: المسند 3/165-166 و169 و176 و222 و249 و275 و276، و277، و279-280. والترمذي: السنن 5/371 كتاب المناقب، باب في فضل الأنصار وقريش، والسنائي: السنن 5/80، كتاب الزكاة، باب ابن أخت القوم منهم، مختصرا جدا، وابن أبي شيبة: التاريخ ص 90. وأبو يعلى: المسند 3/292 و307 و337 ورقم 303. والبيهقي: السنن الكبرى 6/337-338 ودلائل النبوة 3/50-51، هكذا أخرج هؤلاء الأئمة هذا الحديث مطولاً ومختصراً. تقدم برقم (40) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 وفيه: "قال فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا للمهاجرين يا للمهاجرين" ثم قال: "يا للأنصار يا للأنصار". قال أنس: هذا حديث عمية، قال: قلنا لبيك يا رسول الله، قال: فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأيم الله ما أتيناهم حتى هزمهم الله، قال: فقبضنا ذلك المال، ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة ثم رجعنا إلى مكة، قال: فنزلنا فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الرجل المائة ويعطي الرجل المائة1 قال: فتحدث الأنصار بينهم، أما من قاتله فيعطيه، وأما من لم يقاتله فلا يعطيه، قال: فرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أمر بسراة2 المهاجرين والأنصار أن يدخلوا عليه، ثم قال: "لا يدخل على إلاّ أنصاري أو الأنصار" قال: فدخلنا القبة حتى ملأنا القبة، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الأنصار – أو كما قال- ما حديث أتاني؟ " قالوا ما أتاك يا رسول الله؟ قال: "ألا ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تدخلوا بيوتكم؟ ". قالوا: رضينا يا رسول الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أخذ الناس شعبا وأخذت الأنصار شعبا، لأخذت شعب الأنصار" قالوا: يا رسول الله رضينا قال: "فارضوا أو كما قال" 3. 204- ورواه أحمد وابن أبي شيبة عن يزيد4 بن هارون قال: أنبأنا حميد5 عن أنس قال: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وعيينة بن حصن مائة من الإبل، فقال ناس من الأنصار: يعطي6 رسول الله صلى الله عليه وسلم   1 هذا العطاء كان بالجعرانة؛ لأن قسمة الغنائم كانت بها، ولا يفهم من قوله رجعنا إلى مكة أن قسم الغنائم كان بمكة. 2 سراة المهاجرين والأنصار: أي أشرافهم (النهاية 2/363) . 3 أحمد: المسند 3/157 واللفظ له، مسلم: الصحيح 2/736 كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه، والبيهقي دلائل النبوة 3/50 أ، وتقدم برقم (46) . 4 هو ابن زاذان السلمي مولاهم، أبو خالد الواسطي. 5 هو ابن أبي حميد الطويل. 6 وفي لفظ عند أحمد أيضاً: "فقالت الأنصار: أيعطي غنائمنا من تقطر سيوفنا من دمائهم، أو تقطر دماؤهم من سيوفنا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 غنائمنا ناس تقطر سيوفهم من دمائنا أو تقطر سيوفنا من دمائهم، فبلغه ذلك فأرسل إلى الأنصار فقال: "هل فيكم من غيركم؟ ". قالوا: لا، إلا ابن أخت لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ابن الأخت القوم منهم، أقلتم1 كذا وكذا؟ أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون بمحمد إلى دياركم؟ ". قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "والذي نفسي2 بيده، لو أخذ الناس وادياً أو شعباً، أخذت وادي الأنصار أو شعبهم، الأنصار كرشي وعيبتي، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار" 3. ورواه أحمد أيضا من: أ- طريق ثابت البناني عن أنس بن مالك إلا أنه قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان وعيينة والأقرع وسهيل بن عمرو في الأخيرين يوم حنين. فقالت الأنصار: يا رسول الله سيوفنا تقطر من دمائهم، وهم يذهبون بالمغنم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فجمعهم في قبة له حتى فاضت، فقال: "أفيكم أحد من غيركم؟ ". قالوا: لا، إلا ابن اختنا، قال: "ابن الأخت القوم منهم". ثم قال: "أقلتم كذا وكذا؟ " قالوا: نعم، قال: "أنتم الشعار4 والناس دثار، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دياركم" الحديث5. ب- حدثنا عبيدة6 بن حميد عن حميد عن أنس بن مالك قال: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين عيينة والأقرع وغيرهما، فقالت الأنصار: أيعطي غنائمنا من تقطر   1 وعند ابن أبي شيبة فقال: قلتم كذا وكذا؟ ". 2 وفي لفظ عند أحمد: "والذي نفس محمد بيده". 3 أحمد: المسند 3/201 واللفظ له وابن أبي شيبة: التاريخ ص 92 ب. 4 الشعار: بكسر المعجمة بعدها مهملة خفيفة، الثوب الذي يلي الجلد من الجسد، والدثار: بكسر المهملة ومثلثة خفيفة: الذي فوق الشعار، وأرد أنهم بطانته وخاصته وأنهم ألصق به وأقرب إليه من غيرهم (فتح الباري 8/52 والنهاية 2/100 و480 والقاموس المحيط 2/27و 59) . 5 مسند أحمد 3/246. وقال ابن حجر: إسناده على شرط مسلم 8/50. 6 عبيدة - بفتح أوله هو الكوفي أبو عبد الرحمن المعروف بالحذاء صدوق نحوي ربما أخطا (التقريب 1/547) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 سيوفنا من دمائهم، أو تقطر دماؤهم من سيوفنا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدعا الأنصار فقال: "يا معشر الأنصار، أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون بمحمد إلى دياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: والذي نفس محمد بيده لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، الأنصار كرشي وعيبتي، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار" 1. ج- حدثنا بن أبي عدي2 عن حميد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر الأنصار ألم آتكم ضلالا3 فهداكم الله عز وجل بِيَ، ألم آتكم متفرقين فجمعكم الله بي، ألم آتكم أعداء فألف الله بين قلوبكم بي؟ ". قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "أفلا تقولون جئتنا خائفا فأمناك4 وطريداً فآوينك ومخذولاً 5 فنصرناك؟ "6. فقالوا: بل7 لله تبارك وتعالى المن به علينا ولرسوله صلى الله عليه وسلم 8.حمد وابن أبي شيبة عن يزيد   1 مسند أحمد 3/188 وإسناده حسن. 2 هو محمد بن إبراهيم. 3 ضلالاً: بالضم والتشديد جمع ضال والمراد هنا ضلالة الشرك بالهداية الإيمان، وقد رتب صلى الله عليه وسلم ما من الله عليهم على يديه من النعم ترتيبا بالغا فبدأ بنعمة الإيمان التي لا يوازها شيء من أمر الدنيا، وثنى بنعمة الألفة وهي أعظم من نعمة المال، لأن الأموال تبذل في تحصيله وقد لا تحصل، وقد كانت الأنصار قبل الهجرة في غاية التنافر والتقاطع لما وقع بينهم من حرب بعاث وغيرها، فزال ذلك كله بالإسلام، كما قال الله تعالى: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} ، [سورة الأنفال، من الآية: 63] ، (فتح الباري 8/50) . 4 خائفاً فأمناك: بمناصرتنا لك، وقيامنا بنصرتك، وطريداً: من بلدك قد آذاك قومك. 5 مخذولاً: أي غير منصور يقال: خذله خذلا وخذلانا - بالكسر - ترك نصرته. 6 فنصرناك: أي: على من عاداك وآزرناك على من ناوأك. (بل) إضراب عما قال صلى الله عليه وسلم، وعدد من أياديهم ومنهم. (لله) سبحانه وتعالى: (المن علينا ولرسوله) صلى الله عليه وسلم، إذ هدانا الله تعالى به إلى الدين القويم والصراط المستقيم. والمن: بفتح الميم، وتشديد النون - العطاء والإحسان. ومن أسمائه تعالى؟ المنان، هو المنعم المعطي من المن الذي هو العطاء (السفاريني: شرح ثلاثيات مسند أحمد 1/676-677) النهاية لابن الأثير 4/365. 8 أحمد: المسند 3/104-105 و253 قال ابن حجر: وإسناده صحيح (فتح الباري 8/51) . والحديث من ثلاثيات الإمام أحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 وفي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم عند البخاري ومسلم وغيرهما، وهذا سياقه عند البخاري: 205- حدثنا موسى1 بن إسماعيل، حدثنا وهيب2، عن عمرو3 بن يحيى بن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد بن عاصم، قال: لما أفاء4 الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم5، ولم يعط الأنصار شيئا، فكأنهم وجدوا6 إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم فقال: "يا معشر الأنصار! ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، وعالة 7 فأغناكم الله بي؟ ". كلما قال شيئا، قالوا: الله ورسوله أمن 8. قال: "ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " 9. قال: "كلما قال شيئا، قالوا: الله ورسوله أمن.   1 هو المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف. 2 وهيب - مصغراً - هو ابن خالد بن عجلان. 3 هو ابن عمارة بن أبي الحسن المازني، المدني. 4 قوله: "لما أفاء الله على رسوله يوم حنين"، أي: أعطاهم غنائم الذين قاتلهم يوم حنين، وأصل الفيء الرد والرجوع، ومنه سمي الظل بعد الزوال فيئا لأنه رجع من جانب إلى جانب، فكأن أموال الكفار سميت فيئا لأنها كانت في الأصل للمؤمنين إذا الإيمان هو الأصل والكفر طاريء عليه، فإذا غلب الكفار على شيء من المال فهو بطريق التعدي، فإذا غنمه المسلمون منهم فكأنه رجع إليهم ما كان لهم (فتح الباري 8/47-48) . 5 المؤلفة قلوبهم: بدل من الناس وهو بدل بعض من كل (المصدر السابق 8/48) . 6 يقال وجد عليه يجد ويجد جداً وجدة وموجدة إذا غضب، وفي الحب والحزن وجد يجد وجداً فقط. (القاموس المحيط 1/343) . قال ابن حجر: "وفي (مغازي سليمان التيمي) أن سبب حزنهم أنهم خافوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الإقامة بمكة، والأصح ما في الصحيح حيث قال: إذ لم يصبهم ما أصاب الناس" على أنه لا يمتنع الجمع وهذا أولى" (فتح الباري 8/50) . قلت: وفي مرسل قتادة عند الطبري "أن الأنصار قالوا) والله ما قلنا ذلك إلا حرصا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم" (انظر ص 433) . وعليه فيكون الجمع أظهر من غيره فالأنصار قالوا ما قالوا للسببين وهما خوفهم من بقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة كما جاء ذلك صريحا في صحيح مسلم وكما في هذا الأثر عن قتادة، وحينما شاهدوا قسم الغنائم على الأعراب والطلقاء وغيرهم من أهل مكة ولم ينالوا منها شيئا ازداد خوفهم وصدر منهم ما صدر من القول فبين لهم بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الحكمة في قسمة الغنائم وبين لهم أنه معهم في الحياة والممات فقال المحيا محياكم والممات مماتكم". (انظر ص 433 تعليقة (1) . 7 عالة بالمهملة أي فقراء لا مال لكم، العيلة الفقر، جمع عائل وهو الفقير (النهاية لابن الأثير 3/323) وفتح الباري لابن حجر 8/50. 8 أمن بفتح الهمزة والميم والنون المشددة: أفعل تفضيل من المن. (المصدر السابق 8/50) . 9 وعند أحمد: "ما يمنعكم أن تجيبوني" وعند مسلم: "فقال: ألا تجيبوني". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 قال: "لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا 1، ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة2 والبعير، وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها3، الأنصار شعار والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" 4.   1 قوله: "لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا". وعند مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر "أما إنكم لو شئتم أن تقولوا كذا وكذا، وكان من الأمر كذا وكذا" لأشياء عددها زعم عمرو - وهو ابن يحيى المازني المدني راوي الحديث - أنه لا يحفظها. قال ابن حجر: "وهذا رد على من قال أن الراوي كنى عن ذلك عمدا على طريق التأدب، وقد جوز بعضهم أن يكون المراد جئتنا ونحن على ضلالة فهدينا بك "وفيه بعد، فقد فسر ذلك في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عند ابن إسحاق ولفظه: "أما والله لشئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم: أتيتنا مكذباً فصدقناك، مخذولا فنصرناك وطريداً فآويناك وعائلاً فواسيناك" ونحوه في مغازي أبي الأسود عن عروة مرسلا، وابن عائذ من حديث ابن عباس موصولا، وفي مغازي سليمان التيمي أنهم قالوا في جواب ذلك: "رضينا عن الله ورسوله" وكذا ذكر موسى بن عقبة في مغازيه بغير إسناد. وأخرجه أحمد عن ابن عدي عن حميد عن أنس بلفظ "أفلا تقلون جئتنا خائفا فأمناك وطريدا فآويناك، ومخذولاً فنصرناك" فقالوا: "بل لله تبارك وتعالى المن وعلينا ولرسوله صلى الله عليه وسلم". وروى أحمد من وجه آخر عن أبي سعيد قال: "قال رجل من الأنصار لأصحابه: لقد كنت أحدثكم أنه لو قد استقامت الأمور قد آثر عليكم قال: فردوا عليه ردا عنيفا" الحديث وفيه "قال: أفلا تقولون قاتلك قومك فناصرناك وأخرجك قومك فآويناك؟ ". قالوا: "نحن لا نقول ذلك يا رسول الله، أنت تقوله". ثم قال ابن حجر: "وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعا منه وإنصافا وإلا ففي الحقيقة الحجة البالغة والمنة الظاهرة في جميع ذلك له عليهم، فإنه لولا هجرته إليهم وسكناه عندهم لما كان بينهم وبين غيرهم فرق، وقد نبه على ذلك، بقوله صلى الله عليه وسلم "ألا ترضون" الخ، فنبههم على ما غفلوا عنه من عظيم ما اختصوا به منه بالنسبة إلى ما حصل عليه غيرهم من غرض الدنيا الفانية". (فتح الباري 8/51 بتصرف يسير) . 2 الشاة والبعير: اسم جنس فيهما والشاة تقع على الذكر والأنثى وكذا البعير (فتح الباري 8/51) وعند مسلم (بالشاء والإبل) . 3 وعند مسلم وابن أبي شيبة وأحمد "وشعبهم". 4 البخاري: الصحيح 5/129 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف و9/70 كتاب التمني باب ما يجوز من اللو، وفي تحفة الأشراف، للمزي 4/34 حديث (5303) ، قال رواه البخاري في المغازي بتمامه، وفي التمني ببعضه عن موسى بن وهيب والصواب عن موسى عن وهيب، ب (عن) بدل (بن) . 5 مسلم: الصحيح 2/738 كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه، وابن أبي شيبة: التاريخ ص: 94 ب وأحمد: المسند4/42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 والحديث رواه مسلم وابن أبي شيبة وأحمد الجميع من طريق عمرو بن يحيى به1. وروى ابن إسحاق من حديث أبي سعيد الخدري قال: 206- وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود2 بن لبيد عن أبي سعيد3 قال: لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا، في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت منهم القالة4، حتى قال قائلهم: لقد لقي والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه5 فدخل عليه سعد بن عبادة، فقال: يا رسول الله إن هذا الحي6 من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء، قال: "فأين أنت من ذلك يا سعد؟ ". قال: يا رسول الله، ما أنا إلا من قومي، قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة7، قال: فخرج سعد، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة، قال: فجاء رجال   1 مسلم: الصحيح 2/738 كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه، وابن أبي شيبة: التاريخ ص: 94 ب وأحمد: المسند4/42. 2 محمود بن لبيد بن عقبة بن رافع الأوسي الأشهلي، أبو نعيم المدني صحابي صغير، وجل روايته عن الصحابة (ت 96 وقيل 97) / ب خ م ع (التقريب 2/233) وفي تهذيب التهذيب 3/387 والإصابة 3/387 وأسد الغابة 5/117-118 اختلف العلماء في صحبته ورجح البخاري صحبته وأيده ابن عبد البر. انظر: الاستيعاب 3/423-424 مع الإصابة. 3 أبو سعيد: هو سعد بن مالك بن سنان الأنصاري، له ولأبيه صحبة. 4 القالة: الكلام الرديء وفي القاموس 4/42: القال والقيل والقالة في الشر. 5 وعند الواقدي: "أما حين القتال فنحن أصحابه، وأما حين القسم فقومه وعشيرته، ووددنا أنا نعلم ممن كان هذا إن كان هذا من الله صبرنا، وإن كان هذا من رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم استعتبناه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب من ذلك غضبا شديداً فدخل عليه سعد بن عبادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يقول فِيَّ قومك" قال: ما يقولون يا رسول الله؟ قال: يقولون: أما حين القتال فنحن أصحابه، وأمّا حين القسم فقومه وعشيرته، ووددنا أنانعلم من أين هذا إن كان من قبل الله صبرنا وإن كان من رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم استعتبناه، فأين أنت من ذلك يا سعد؟ فقال سعد: يا رسول الله، ما أنا إلا كأحدهم، وإنا لنحب أن نعلم من أين هذا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فاجمع من كان هاهنا من الأنصار في هذه الحظيرة"، الخ (مغازي الواقدي 3/956-957) . 6 الحي: هو اسم لمنْزل القبيلة سميت القبيلة به؛ لأن بعضهم يحيا ببعض (فتح الباري 1/131 وفي القاموس 4/322 والحي: البطن من بطونهم جمعه أحياء. 7 الحظيرة: هي الموضع الذي يحاط عليه لتأوي إليه الغنم والإبل يقيهما البرد والريح. (النهاية لابن الأثير 4/414) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 من المهاجرين فتركهم فدخلوا، وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا له أتاه سعد، فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: "يا معشر الأنصار: ما قَالَةٌ بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم؟ ". ألم آتكم ضلالا فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ قال: بلى، الله ورسوله أمن وأفضل، ثم قال: "ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟ ". قالو: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ولرسوله المن والفضل، قال: صلى الله عليه وسلم: "أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم، ولصدقتم، أتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذولاً1 فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلاً2 فآسيناك، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة3 من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار، أن يذهب النّاس بالشاة والبعير، وترجعون برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار4، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء   1 الخذل والخذلان ترك الإغاثة والنصرة (المصدر السابق 2/16 ولسان العرب لابن منظور 13/214 والقاموس المحيط للفيروز آبادي 3/367) . 2 عائلاً: فقيراً: وآسيناك: أي جعناك كأحدنا، والمواساة: المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق، وأصلها الهمزة فقبلت واو تخفيفا. (النهاية 1/50 والقاموس المحيط 4/299) . 3 اللعاعة: بالضم: نبت ناعم في أول ما ينبت، يعنى أن الدنيا كالنبات الأخضر قليل البقاء (النهاية 4/254 ولسان العرب 10/195 والقاموس المحيط 3/81) . 4 وذكر الواقدي في مغازيه 3/958: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الأنصار ليكتب لهم بالبحرين كتابا من بعده تكون لهم خاصة دون الناس، فهي يومئذ أفضل ما فتح الله عليه من الأرض، فأبو وقالوا: ماحاجتنا بالدنيا بعدك يا رسول الله؟ قال: "أمالا فسترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله، فإن موعدكم الحوض، وهو كما بين صنعاء وعمان، وآنيته أكثر من عدد النجوم". اهـ. قلت: وإشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأنصار أن يكتب لهم كتاباً بالبحرين ثابت في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك وليس فيه أن ذلك كان في غزوة حنين. ولفظه: "دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار ليكتب لهم بالبحرين، فقالوا: لا والله حتى تكتب لإخواننا من قريش بمثلها، فقال: ذاك لهم ما شاء الله على ذلك يقولون له قال: "فإنكم سترون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني". وفي لفظ "دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار إلى أن يقطع لهم البحرين، فقالوا: لا، إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها" وفي لفظ "دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار ليقطع لهم بالبحرين، فقالوا: يا رسول الله إن فعلت فاكتب لإخواننا من قريش بمثلها، فلم يكن ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني". (البخاري: الصحيح 3/100 كتاب المساقاة، باب القطائع و4/78 كتاب الجزية، باب ما أقطع النبي صلى الله عليه وسلم من البحرين الخ و 5/28 كتاب المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار اصبروا حتى تلقوني على الحوض وقال ابن حجر: "وذكر ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم - بعد قسمة الغنائم بالجعرانة - أرسل العلاء ابن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي عامل البحرين يدعوه إلى الإسلام فأسلم وصالح مجوس تلك البلاد على الجزية وكان ذلك في سنة الوفود سنة تسع من الهجرة" (فتح الباري 6/262. وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد 1/263 و4/359-360، فهذا يدل على أن الكتابة للأنصار بالبحرين متأخرة عن غزوة حنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم1، وقالوا: رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسما وحظا. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا 2. والحديث رواه أحمد وابن أبي شيبة والطبري والبيهقي الجميع من طريق ابن إسحاق3. ورواه أحمد أيضا من غير طريق ابن إسحاق وذلك من الأوجه الآتية: 207- أ- حدثنا يحيى4 بن أبي بكير ثنا الفضيل5 بن مرزوق عن عطية العوفي قال: قال أبو سعيد قال رجل من الأنصار لأصحابه أما والله لقد كنت أحدثكم أنه لو قد استقامت الأمور قد آثر عليكم، قالوا: فردوا عليه ردا عنيفا، قال: فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فجاءهم فقال لهم أشياء لا أحفظها، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "فكنتم لا تركبون الخيل، فكلما قال: قال لهم شيئاً، قالوا بلى يا رسول الله، قال: فلما رآهم لا يردون عليه شيئا، قال: "أفلا تقولون: قاتلك قومك فنصرناك وأخرجك قومك فآويناك؟   1 أخضلوا لحاهم - بفتح الهمزة وسكون الخاء وفتح الضاد المعجمتين - أي بلوها بالدموع (النهاية 2/43 وشرح ثلاثيات مسند أحمد 1/679) . 2 سيرة ابن هشام 2/498-500 والروض الأنف 7/252-254 وهو حسن لذاته. 3 أحمد: المسند 3/67و76-77 وابن أبي شيبة: التاريخ ص 92 ب-أ، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/93-94، والبيهقي: دلائل النبوة 3/51 أ, 4 هو: الكرماني، كوفي الأصل نزل بغداد ثقة من التاسعة (ت 208أو 209) / ع (التقريب 2/344، وتهذيب التهذيب 11/190) . 5 هو الأغر - بالمعجمة والراء - الرقاشين الكوفي، أبو عبد الرحمن ووقع في البداية والنهاية لابن كثير 4/359 (يحيى بن بكير) عن (الفضل) بن مرزوق وهو خطا مطبعي، والصواب: يحيى بن أبي بكير (والفضيل) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 قالوا: نحن لا نقول ذلك يا رسول الله أنت تقوله، قال: "يا معشر الأنصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون أنتم برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "يا معشر الأنصار ألا ترضون أن الناس لو سلكوا واديا وسلكتم واديا لسلكت وادي الأنصار؟ " قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، الأنصار كرشي وأهل بيتي وعيبتي التي آوي إليها، فاعفوا عن مسيئهم واقبلوا من محسنهم". قال أبو سعيد: "قلت لمعاوية1 أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أننا سنرى بعده أثرة"، قال معاوية: "فما أمركم، قلت: أمرنا أن نصبر قال: فاصبروا إذا"2. والحديث ضعيف؛ لأن فيه عطية3 العوفي، وفضيل4 بن مرزوق. ب- حدثنا إبراهيم5 بن خالد ثنا رباح 6 عن معمر عن الأعمش عن أبي صالح 7 عن أبي سعيد الخدري قال: اجتمع أناس من الأنصار فقالوا: آثر علينا غيرنا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فجمعهم ثم خطبهم فقال: "يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله؟ قالوا: صدق الله ورسوله، قال: "الم تكونوا ضلالا فهداكم الله؟ " قالوا: صدق الله ورسوله، قال: "ألم تكونوا فقراء فأغناكم الله؟ " قالوا: صدق الله ورسوله.   1 هو معاوية بن أبي سفيان. 2 مسند أحمد 3/89. 3 هو ابن جنادة - بضم الجيم بعدها نون خفيفة - أبو الحسن قال عنه ابن حجر: صدوق يخطئ كثيرا، كان متشيعاً مدلّساً، وقال ابن حبان: سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث فلما مات أبو سعيد جعل يجالس الكلبي ويحضر قصصه فإذا قال الكلبي قال رسول الله بكذا فيحفظه وكناه أبا سعيد ويروي عنه فإذا قيل له: من حدثك بهذا؟. فيقول: "حدثني أبو سعيد فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري وإنما أراد الكلبي، فلا يحل الاحتجاج به ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب. 4 قال عنه ابن حجر: "صدوق يهم ورمي بالتشيع" وقال أحمد: "لا يكاد يحدث عن غير عطية العوفي. وقال ابن حبان: كان يخطئ على الثقات، ويروي عن عطية الموضوعات" (انظر: التقريب 2/113 و344 وتهذيب التهذيب 7/298-300 و11/190 والمجروحين لابن حبان 2/176و 209) . 5 هو ابن عبيد القرشي الصنعاني المؤذن، ثقة (تهذيب التهذيب 1/117 والتقريب 1/35) . 6 رباح: هو ابن زيد القرشي مولاهم الصنعاني، ثقة (تهذيب التهذيب 3/233 والتقريب 1/242) . 7 أبو صالح هو ذكوان السمان الزيات المدني ثقة ثبت (تهذيب التهذيب 3/219) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 ثم قال: "ألا تجيبونني؟ " ألا تقولون: "أتيتنا طريدا فآويناك، وأتيتنا خائفا فآمنك؟ ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبقران - يعني البقر- وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم فتدخلونه بيوتكم؟ لو أن الناس سلكوا واديا أو شعبة1 وسلكتم وادياً أو شعبة سلكت واديكم أو شعبتكم، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، وإنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" 2. ورواه عبد بن حميد من طريق معمر عن الأعمش به3. والحديث من رواية معمر عن الأعمش4. وفيه عنعنة الأعمش وهو مدلس5. ج- من حديث جابر بن عبد الله وهذا سياقه: 208- حدثنا موسى6 حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر ابن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتحت حنين بعث سرايا فأتوا بالإبل والشاء فقسموها في قريش، قال: "فوجدنا أيها الأنصار عليه، فبلغه ذلك فجمعنا فخطبنا   1 في القاموس المحيط 1/82 والشعبة بالضم: المسيل في الرمل وما صغر من التلعة وما عظم من سواقي الأودية وصدع في الجبل يأوي إليه المطر، وتجمع على شعب وشعاب. 2 أحمد: المسند 3/57. 3 المسند: 2/121 ب رقم 323. 4 قال ابن معين: "إذا حدثك معمر عن العراقيين فخالفه إلاّ عن الزهري وابن طاوس فإن حديثه عنهما مستقيم، فأمّا أهل الكوفة وأهل البصرة فلا، وما عمل في حديث الأعمش شيئاً". وفي التقريب: "معمر بن راشد ثقة ثبت فاضل، إلا أن في روايته عن ثابت وهشام بن عروة والأعمش شيئا". (تهذيب التهذيب 10/245 والتقريب 2/266) . 5 تدليس تسوية وهو شر أنواع التدليس وهو مذموم جدا، وهو أن يعمد الراوي إلى ضعيف بين ثقتين لقي أحدهما الآخر فيسقطه ويروي الحديث عن شيخه عن الأعلى لكونه سمع منه أو أدركه فيوهم الآخرين أن الحديث عن الثقة عن الثقة الآخر، وأنه لا يوجد واسطة بينهم والحال أن بينهما رجلا ضعيفا وقد أسقطه قال ابن حجر: فيقبل من الثقة ما صرح فيه بالحديث ويتوقف عما عداه. (انظر: جامع التحصيل للعلائي ص116-117،وطبقات المدلسين لابن حجر ص11،وص23. 6 قال ابن كثير في البداية والنهاية 4/359 بأن موسى هو ابن عقبة صاحب المغازي، لم يدركه الإمام أحمد - رحمه الله -، ذلك أن وفاة موسى كانت سنة (141 أو 142 هـ-) . وكانت ولادة الإمام أحمد سنة (164هـ) فبين ولادة أحمد ووفاة موسى (23أو 22 سنة) ، والظاهر أن موسى هنا هو ابن داود الضبي، فإنه من تلاميذ ابن لهيعة ومن شيوخ أحمد، (انظر: تهذيب الكامل للمزي 7/692 وتهذيب التهذيب لابن حجر 10/342) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 فقال: "ألا ترضون أنكم أعطيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله لو سلكت الناس واديا وسلكتم شعبا لاتبعت شعبكم". قالوا: رضينا يا رسول الله 1. قال الهيثمي: رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وهو حسن الحديث وبقية رجاله رجال الصحيح2. قلت: وفيه أبو الزبير - محمد بن مسلم بن تدرس - وهو مدلس وقد عنعن. وأخرج الطبراني نحوه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما3. قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه محمد بن جابر السحيمي وهو ضعيف وقد وثق4. 209- وأخرجه البزار أيضا من حديث ابن عباس مختصراً5، قال الهيثمي: وفيه حفص بن عمر العدني وهو ضعيف6 وقال ابن الطهراني7: كان ثقة8. وروى الطبري من حديث قتادة، فقال: حدثنا بشر9 بن معاذ، قال ثنا يزيد عن قتادة، قوله: "لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين" قال ... وذكر لنا أنه خرج يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر ألفا، عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وألفان من الطلقاء" الحديث.   1 أحمد: المسند 3/347. 2 مجمع الزوائد 10/30. 3 المعجم الكبير 12/196. 4 مجمع الزوائد 10/31. 5 كشف الأستار 2/353. 6 انظر: التقريب 1/188 وتهذيب التهذيب 2/410 والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/182. 7 لعله محمد بن حماد أبو عبد الله الرازي الطهراني - بكسر المهملة وسكون الهاء - ثقة - حافظ لم يصب من ضعفه من التاسعة (ت 271) فإنه يعرف بابن الطهراني كما في تهذيب التهذيب ووقع في الخلاصة للخزرجي الظهراني - بالظاء المعجمة وهو خطأ فقد قال ابن الأثير بأنه منسوب إلى طهران الري بالطاء المهملة. (انظر: التقريب 2/155 وتهذيب التهذيب 9/124-126) وميزان الاعتدال 3/527 وتذكرة الحفاظ 2/610 وسير أعلام النبلاء 12/628 كلها للذهبي والخلاصة للخزرجي 2/395 واللباب لابن الأثير 2/291. 8 مجمع الزوائد 6/189. 9 بشر: هو العقدي، ويزيد: هو ابن زريع، وقتادة: هو ابن دعامة السدوسي، تقدموا في حديث (1) و (47) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 وفيه: "فلما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم، وأتى الجعرانة فقسم بها مغانم حنين، وتألف أناساً من الناس فيهم أبو سفيان بن حرب والحارث ابن هشام، وسهيل بن عمرو، والأقرع بن حابس، فقالت الأنصار: حن الرجل إلى قومه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبة له من أدم، فقال: يا معشر الأنصار، ما هذا الذي بلغني ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله، وكنتم أذلة فأعزكم الله1 وكنتم وكنتم، قال: فقال: سعد بن عبادة - رضي الله عنه -: ائذن لي فأتكلم، قال: تكلم، قال: أما قولك: كنتم ضلالا فهداكم الله، كنا كذلك، وكنتم أذلة فأعزكم الله، فقد علمت العرب ما كان حي من أحياء العرب أمنع لما وراء ظهورهم منا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا سعد أتدري من تكلم". فقال: نعم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو سلكت الأنصار وادياً والناس وادياً لسلكت وادياً الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار". وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "الأنصار كرشي وعيبتي، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الأنصار أما ترضون أن ينقلب الناس بالإبل والشاء، وتنقلبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم؟ ". فقالت الأنصار: "رضينا عن الله ورسوله، والله ما قلنا ذلك إلا حرصا على   1 قوله: "وكنتم أذلة فأعزكم الله"، هذه الجملة جاءت في حديث أبي سعيد الخدري وكان جواب الأنصار: "صدق الله ورسوله" انظر ص 429 وفي هذا الحديث فقال سعد بن عبادة "فقد علمت العرب ما كان حي من أحياء العرب أمنع لما وراء ظهورهم منا" وكلا الحديثين ضعيف. والأحاديث الصحيحة لم ترد فيها هذه الجلمة "وكنتم أذلة فأعزكم الله" كما أن هذا الجواب من سعد بن عبادة لم يرد في الأحاديث الصحيحة وقد تفرد بها قتادة وسندها ضعيف، ولا شك أن عزة الإسلام أرفع وأمنع من المنعة والحمية التي كان عليها الأنصار قبل الإسلام، وما كان لسعد بن عبادة في يقينه وعظيم إيمانه أن يخفى عليه ذلك، ولا أن يجيب الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الجواب، وبخاصة أن الروايات الصحيحة لم ترد فيها الجملة وقد سلم الأنصار لكل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ورسوله1 يصدقانكم ويعذرانكم" 2. والحديث فيه قتادة من صغار التابعين ولم يصرح بمن حدثه 3. وروى البيهقي نحوه من مرسل عروة بن الزبير وموسى بن عقبة4. وهذه الآثار يشد بعضها بعضا، وتؤيدها الأحاديث الصحيحة الواردة في هذا المبحث وقد تقدمت. وهي تدل على أن الأنصار وجدوا في أنفسهم حيث اختص بالغنائم غيرهم ولم ينلهم منها شيء، حتى حصل منهم ما حصل وتكلم منهم من تكلم، وكان ذلك قبل أن تظهر لهم وجه الحكمة في توزيع الغنائم على سائر القبائل دونهم، ولما تبين لهم الأمر واتضح الحال، وعرفوا الهدف الذي قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم، طابت نفوسهم واغتبطوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ورضوا به قسما وحظا وعلموا يقينا أن الذي حظوا به لا يوازيه ولا يدانيه شيء، وما الدنيا وحطامها أمام رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وتمنيه أن يكون واحدا منهم ووجوده بين أظهرهم حيا وميتا، إنه لشرف عظيم حظيت به الأنصار دون سائر القبائل. وقد أشار ابن حجر إلى وجه الحكمة في قسم غنائم حنين على المؤلفة دون غيرهم ممن قوي إيمانه، فقال: "اقتضت تلك الحكمة أن تقسم تلك الغنائم في المؤلفة قلوبهم ويوكل من قبله ممتلئ بالإيمان إلى إيمانه، ثم كان من تمام التأليف رد من سبي   1 جاءت جملة: "إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم" في صحيح مسلم3/1408 كتاب الجهاد، باب فتح مكة من حديث أبي هريرة مطول وفيه "وجاءت الأنصار فأطلقوا بالصفا، فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، قال أبو سفيان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن". فقالت الأنصار: "أما الرجل فقد أخذته الرأفة بعشيرته ورغبة في قريته ونزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "قلتم: أما الرجل فقد أخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته، ألا فما اسمي إذا (ثلاث مرات) أنا محمد بن عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم والممات مماتكم" قالوا: والله ما قلنا إلا ضنا بالله ورسوله، قال: "فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم". 2 جامع البيان 10/100-101 وتقدم الحديث برقم (42) . 3 فهو من مراسيل قتادة ومراسيله بمنزلة الريح، كما قال: يحيى بن سعيد القطان. انظر فتح المغيث 1/148 وتدريب الراوي للسيوطي ص 125. 4 تقدم الحديث برقم (43) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 من المشركين إليهم، فانشرحت صدورهم للإسلام فدخلوا طائعين راغبين، وجبر ذلك قلوب أهل مكة بما نالهم من النصر والغنيمة، عما حصل لهم من الكسر والرعب فصرف عنهم شر من كان يجاورهم من أشد العرب من هوازن وثقيف بما وقع بهم من الكسرة، وبما قيض لهم من الدخول في الإسلام، ولولا ذلك ما كان أهل مكة يطيقون مقاومة تلك القبائل مع شدتها وكثرتها. وأما قصة الأنصار وقول من قال منهم فقد اعتذر رؤساؤهم بأن ذلك كان من بعض أتباعهم، ولما شرح لهم صلى الله عليه وسلم ما خفي عليهم من الحكمة فيما صنع رجعوا مذعنين ورأوا أن الغنيمة العظمى ما حصل لهم من عود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بلادهم، فسلوا عن الشاة والبعير والسبايا من الأنثى والصغير، بما حازوه من الفوز العظيم، مجاورة النبي الكريم لهم حيا وميتا. وهذا دأب الحكيم يعطي كل أحد ما يناسبه"1. اهـ.   1 فتح الباري 8/49 وانظر: زاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/377 والصارم المسلول لابن تيمية ص 189-194. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف المجلد الثاني (تابع) الباب الثاني: ملاحقة فلول المشركين والأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف بعد المعركة المبحث الأول: في قدوم وفد هوازن إلى الجعرانة مسلمين ... المبحث الأول: في قدوم وفد هوزان إلى الجعرانة مسلمين بعد انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف توجه إلى الجعرانة وكان بها السبايا والغنائم، فأخر قسم الغنائم بضع عشرة ليلة، رجاء أن تقدم هوزان مسلمة، فيرد إليهم ما أخذ منهم، ولما لم تقدم في هذه المدة أخذ صلى الله عليه وسلم في توزيع الغنائم. ثم قدمت وفود هوزان بعد ذلك فأعلنت إسلامها، وطلبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إليها ما فقدته من السبايا وأموال، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السبي وإما المال، وقد كنت استأنيت بكم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، فلما تبين لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين، قالوا فإنا نختار سبينا". يدل على ذلك الأحاديث الآتية: أ- حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم عند البخاري وغيره وهذا سياق البخاري: حدثنا يحيى1 بن بكير حدثنا الليث عن عقيل2 عن ابن شهاب3 عن عروة أن   1 هو يحيى بن بكير المخزومي مولاهم المصري (تهذيب التهذيب 11/237) . 2 عقيل - بالضم - ابن خالد بن عقيل - بالفتح (تهذيب التهذيب 7/255) . 3 هو محمد بن مسلم الزهري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه1 أن النبي صلى الله عليه وسلم حين جاء وفد هوزان2 مسلمين3.   1 وفي لفظ عند البخاري وأحمد والبيهقي "عن ابن شهاب قال: وزعم عروة أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه". وعند البخاري أيضاً: "وعن ابن شهاب ذكره عروة أن مروان والمسور بن مخرمة أخبراه". وعنده عند البيهقي "عن ابن شهاب: حدثني عروة بن الزبير أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه". 2 قال النووي: "الوفد الجماعة المختارة للتقدم للقاء العظماء واحدهم وافد". اهـ قال الزرقاني: "وكأنه استعمال عرفي، وإلا ففي اللغة أن الوفد القادم مطلقاً مختاراً للقاء العظماء أم لا، راكبا أم لا، قال في القاموس: وفد إليه وعليه يفد وفدا ووفودا ووفادة وإفادة قدم، وورد نحوه في الصحاح وغيره". إهـ وقال القسطلاني: "وكان ابتداء الوفود على النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من الجعرانة في آخر سنة ثمان وما بعدها" إهـ. وقال ابن إسحاق: "بعد غزوة تبوك" إهـ. وقال ابن هشام: "كانت سنة تسع تسمى سنة الوفود" إهـ. قال القسطلاني: "وقد سرد محمد بن سعد "في الطبقات" الوفود وتبعه الدمياطي في "السيرة" له وابن سيد الناس ومغلطاي والحافظ زين الدين العراقي ومجموع ما ذكر يزيد على الستين" إهـ. قال الزرقاني: "والمتبادر من مثل هذه العبارة أن الوفود لا يبلغون السبعين عرفا، وقد سردهم الشامي فزادوا على المائة، فلعل الجماعة اقتصروا على المشهورين، أو الآتين لترتيب مصالحهم، وذكر المصنف خمسا وثلاثين روما للإيجاز" إهـ. (انظر المواهب اللدنية للقسطلاني1/243 وشرح المواهب للزرقاني 4/2 والقاموس للفيروز آبادي 1/346 ومختار الصحاح لأبي بكر الرازي ص 729-730 وسيرة ابن هشام 2/559 والطبقات الكبرى لابن سعد 1/299-359 ولم يذكر وفد هوزان كما قال ابن حجر (الفتح: 8/33) . 3 وفي لفظ عند البخاري وأحمد والبيهقي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوزان مسليمين" إلخ. قال ابن حجر: "ساق الزهري هذه القصة من هذا الوجه مختصرة وقد ساقها موسى ابن عقبة في "المغازي" مطولة ولفظه: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف في شوال إلى الجعرانة وبها السبي يعني سبي هوزان، وقدم عليه وفد هوزان مسلمين، فيهم تسعة نفر من أشرافهم فأسلموا، وبايعوا ثم كلموه فقالوا: يا رسول الله إن فيمن أصبتم الأمهات والأخوات والعمات والخالات وهن مخازي الأقوام، فقال: "سأطلب لكم وقد وقعت المقاسم فأي الأمرين أحب إليكم: السبي أم المال؟ قالوا: خيرتنا يا رسول الله بين الحسب والمال فالحسب أحب إلينا، ولا نتكلم في شاة ولا في بعير، فقال: "أما الذي لبني هاشم فهو لكم، وسوف أكلم لكم المسلمين، فكلموهم وأظهروا إسلامكم"، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الهاجرة، قاموا فتكلموا خطباؤهم فأبلغوا ورغبوا إلى المسلمين في رد سبيهم، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغوا فشفع لهم وحض المسلمين عليه وقال: "قد رددت الذي لبني هاشم عليهم". ثم قال ابن حجر: "فاستفيد من هذه القصة عدد الوفد وغير ذلك مما لايخفى، وقد أغفل محمد بن سعد - لما ذكر الوفود - وفد هوزان هؤلاء مع أنه لم يجمع أحد في الوفود أكثر مما جمع. وممن سمي من وفد هوزان زهير بن صرد وأبو مروان - ويقال أبو ثروان أوله مثلثة بدل ميم، ويقال أبو برقان بموحدة وقاف - وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم ذكره ابن سعد". وعند ابن إسحاق من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده تعيين الذي خطب لهم في ذلك … وهو زهير بن صرد (فتح الباري 8/33، ودلائل النبوة للبيهقي3/54 أ. وعند ابن سعد "وقدم وفد هوزان على النبي صلى الله عليه وسلم وهم أربعة عشرة رجلا ورأسهم زهير بن صرد (الطبقات الكبرى 2/153 وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/475) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم1، فقال لهم: معي من ترون2، وأحب الحديث إلي أصدقه3، فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال4، وقد كنت استأنيت5 وكان النبي صلى الله عليه وسلم انتظرهم6 بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، فلما تبين لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين، قالوا: فإنا نختاروا سبينا، فقام في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله7، ثم قال: "أما بعد فإن   1 عند أبي داود "أن يرد إليهم أموالهم" دون ذكر السبي. قال صاحب عون المعبود: "كذا في النسخ الحاضرة، وفي رواية البخاري أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم" (عون المعبود 7/357) . 2 وفي لفظ عند البخاري: "إن معي من ترون". والمعنى: أن معي من ترون من السبايا غير التي قسمت بين الغانمين وبوب البخاري في كتاب الوكالة بقوله: "باب إذا وهب شيئا لوكيل أو شفيع قوم جاز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لوفد هوزان حين سألوه المغانم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "نصيبي لكم". وعند ابن إسحاق من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما ما لكم لي ولبني عبد المطلب فهو لكم" فقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله، والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم أجابهم برد ما عنده صلى الله عليه وسلم في ملكه. عون المعبود 7/357 وانظر ص (443) . 3 قوله: "وأحب الحديث إلي أصدقه"، مبتدأ وخبر، والمعنى: فالكلام الصادق، والوعد الصادق أحب إلي فما قلت لكم هو كلام صادق، وما وعدتكم به فعلي إيفاؤه (المصدر السابق 7/357) . 4 وفي لفظ عند البخاري "إما المال وإما السبي". 5 وفي لفظ عند البخاري والبيهقي "وقد كنت استأنيت بهم". وعند البخاري والبيهقي أيضا وأحمد "وقد استانيت بكم". واستأنيت: بالمثناة قبل الألف المهموزة الساكنة ثم نون مفتوحة وتحتانية ساكنة أي انتظرت وأخرت قسم السبي لتحضروا فأبطأتم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ترك السبي بغير قسمة وتوجه إلى الطائف فحاصرها ثم رجع عنها إلى الجعرانة ثم قسم الغنائم هناك، فجاءه وفد هوزان بعد ذلك فبين لهم أنه أخر القسم بضع عشرة ليلة ليحضروا فأبطأوا. (فتح الباري 5/171 و8/34 وهدي الساري ص: 82 وعون المعبود 7/357-358) . 6 وفي لفظ عند البخاري وأحمد والبيهقي "كان أنظرهم رسول الله بضع عشرة ليلة". وعند البخاري أيضا "وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرهم آخرهم بضع عشرة ليلة". 7 وعند أحمد "فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 إخوانكم هؤلاء جاءونا تائبين1، وإني أردت أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب2 ذلك فليفعل، ومن أحب أن يبقى على حظه حتى نعطيه إياه من أوّل ما يفئ3 الله علينا فليفعل"، فقال الناس: طيبنا4 يا رسول الله لهم5، فقال لهم:   1 وفي لفظ للبخاري وأحمد والبيهقي "فإن إخوانكم قد جاءونا تائبين" قال ابن حجر: "قال ابن بطال: كان الوفد رسلاً من هوزان، وكانوا وكلاء وشفعاء في رد سبيهم، فشفعهم النبي صلى الله عليه وسلم فيهم، فإذا طلب الوكيل أو الشفيع لنفسه ولغيره فأعطي ذلك فحكمه حكمهم، وقال الخطابي: فيه أن إقرار الوكيل على موكله مقبول؛ لأن العرفاء بمنزلة الوكلاء فيما أقيموا له من أمرهم، وبهذا قال أبو يوسف، وقيده أبو حنيفة ومحمد بالحاكم". وقال مالك والشافعي وابن أبي ليلى: لا يصح إقرار الوكيل على الموكل، قال ابن حجر: "وليس في الحديث حجة للجواز لأن العرفاء ليسوا وكلاء وإنما هم كالأمراء عليهم، فقبول قولهم في حقهم بمنزلة قبول قول الحاكم في حق من هو حاكم عليه". (فتح الباري 4/484) . 2 يطيب: بضم أوله وفتح الطاء المهملة، وتشديد التحتانية المكسورة، والمعنى فمن أحب منكم أن يعطيه عن طيب نفس منه من غير عوض فليفعل. (المصدر السابق 8/34 وعون المعبود 7/358 وقال السهيلي: "عوض رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم تطب نفسه بالرد مما كان بيده واستطاب نفوس الباقين، وذلك أن المقاسم كانت قد وقعت فيهم فلا يجوز للإمام أن يمن على الأسرى بعد القسم، ويجوز له ذلك قبل المقاسم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بأهل خيبر حين من عليهم، وتركهم عمالا للمسلمين في أرضهم التي افتتحوها عنوة" (الروض الأنف 7/281) . 3 يفيء: بفتح أوله ثم فاء مكسورة وهمزة بعد التحتانية الساكنة، أي يرجع إلينا من مال الكفار من خراج أو غنيمة أو غير ذلك، ولم يرد الفيء الاصطلاحي وحده (فتح الباري 5/178) . وقال ابن الأثير: "أراد بما يفيئه الله عليه: الخمس الذي جعله الله له من الفيء خاصة دون الناس، فإنه يعطي كل من أخذ منه شيئاً عوضه من ذلك". (جامع الأصول 8/409) . قال ابن حجر: "واستدل بالحديث على القرض إلى أجل مجهول، لقوله "حتى نعطيه من أوّل ما يفيء الله علينا" (فتح الباري 4/484) . 4 طيبنا: بتشديد التحتانية وسكون الباء الموحدة، أي رضينا بذلك. وفي رواية موسى بن عقبة "فأعطى الناس ما بأيديهم، إلا قليلاً من الناس سألوا الفداء" وفي رواية عمرو بن شعيب "فقال المهاجرون: "ما كان لنا فهو لرسول الله، وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله، وقال الأقرع بن حابس: "أما أنا وبنو تميم فلا، وقال عيينة: اما أنا وبنو فزارة فلا". وقال عباس بن مرداس: "أما أنا وبنو سليم فلا، فقالت بنو سليم: بل ما كان لنا فهو لرسول الله". قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول فيء نصيبه". (فتح الباري 8/34 ودلائل النبوة للبيهقي3/54أوانظر: حديث عمرو بن شعيب ص (441) . قال ابن قيم الجوزية: "ولم يتخلف منهم أحد غير عيينة بن حصن فإنه أبى أن يرد عجوزا صارت في يده ثم ردها بعد ذلك" (زاد المعاد 3/476) . 5 وفي لفظ عند البخاري والبيهقي "قد طيبنا ذلك يا رسول الله لهم". وفي لفظ عند البخاري أيضا وأحمد "قد طيبنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 "إنا لا ندري من أذن منكم فيه ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم1 أمركم، فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم طيبوا2 وأذنوا وهذا الذي بلغنا من سبي هوزان. هذا آخر قول الزهري، يعني فهذا الذي بلغنا.   1 عرفاؤكم: بالمهملة والفاء جمع عريف بوزن عظيم، وهو القائم بأمر طائفة من الناس، يلي أمورهم ويتعرف أحوالهم، سمي بذلك لكونه يتعرف أمورهم حتى يعرف بها من فوقه عند الاحتياج. قال ابن حجر: قال ابن بطال: "في الحديث مشروعية إقامة العرفاء؛ لأن الإمام لا يمكنه أن يباشر جميع الأمور بنفسه فيحتاج إلى إقامة من يعاونه ليكفيه ما يقيمه فيه". قال: "والأمر والنهي إذا توجه إلى الجميع يقع التواكل فيه من بعضهم فربما وقع التفريط، فإذا أقام على كل قوم عريفاً لم يسع كل أحد إلا القيام بما أمر به". وقال ابن المنير: "في الحاشية: يستفاد منه جواز الحكم بالإقرار بغير إشهاد، فإن العرفاء ما أشهدوا على كل فرد فرد شاهدين بالرضاء، وإنما أقر الناس عندهم وهم نواب الإمام فاعتبر ذلك، وفيه أن الحاكم يرفع حكمه إلى حاكم آخر مشافهة فينفذه إذا كان كل منهما في محل ولايته. ثم عقب ابن حجر على هذا فقال قلت: وقع في سير الواقدي أن أبارهم الغفاري كان يطوف على القبائل حتى يجمع العرفاء واجتمع الأمناء على قول واحد". ثم قال ابن حجر: "وفي الحديث أن الخبر الوارد في ذم العرفاء لا يمنع إقامة العرفاء، لأنه محمول - إن ثبت - على أن الغالب على العرفاء الاستطالة ومجاوزة الحد وترك الإنصاف المفضي إلى الوقوع في المعصية ثم قال والحديث المذكور: أخرجه أبو داود من طريق المقدام بن معد يكرب رفعه: "العرافة حق ولابد للناس من عريف، والعرفاء في النار". ولأحمد وصحّحه ابن خزيمة من طريق عباد بن أبي علي عن أبي حازم عن أبي هريرة رفعه "ويل للأمراء، وويل للعرفاء". قال الطيبي: "وقوله: "والعرفاء في النار" ظاهر أقيم مقام الضمير يشعر بأن العرافة على خطر، ومن باشرها غير آمن الوقوع في المحذور المفضي إلى العذاب، فهو كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} ، [سورة النساء، الآية:10] ، فينبغي للعاقل أن يكون على حذر منها لئلا يتورط فيما يؤديه إلى النار". قال ابن حجر: "ويؤيد هذا التأويل الحديث الآخر حيث توعد الأمراء بما توعد به العرفاء، فدل على أن المراد بذلك الإشارة إلى أن كل من يدخل في ذلك لا يسلم، وأن الكل على خطر، والاستثناء مقدرا في الجميع. وأما قوله "العرافة حق" فالمراد به أصل نصبهم، فإن المصلحة تقتضيه، لما يحتاج إليه الأمر من المعاونة على ما يتعاطاه بنفسه، ويكفي في الاستدلال لذلك وجودهم في العهد النبوي، كما دل عليه حديث الباب" (فتح الباري 13/169-170) . قلت: حديث أبي داود المشار إليه أخرجه أبو داود في سننه 2/19 كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب في العرافة، بلفظ "إن العرافة حق ولا بد للناس من العرفاء، ولكن العرفاء في النار". قال المنذري: "في إسناده مجاهيل" (عون المعبود 8/153) ، والحديث عند أبي داود باللفظ المذكور ليس من طريق المقدام بن معد يكرب كما قال ابن حجر - رحمه الله -، ويخرج قول الطيبي: أقيم الظاهر مقام الضمير على لفظ أبي داود هذا، وحديث أحمد في المسند 2/352 وعباد بن أبي علي قال فيه ابن حجر في التقريب 1/393 "مقبول". 2 طيبوا: بفتح الطاء المهملة وتشديد التحتانية، أي حملوا أنفسهم على ترك السبايا حتى طابت بذلك، يقال طيبت نفسي بكذا إذا حملتها على السماح به من غير إكراه فطابت بذلك. قال ابن حجر: "وتقدم في غزوة حنين ما يؤخذ منه أن نسبة الإذن وغيره إليهم حقيقة، ولكن سبب ذلك مختلف فالأغلب الأكثر طابت أنفسهم أن يردوا السبي لأهله بغير عوض، وبعضهم رده بشرط التعويض" (فتح الباري 13/169) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 والحديث رواه البخاري أيضا عن سعيد بن عفير قال: حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب به1. ورواه البخاري أيضا وأبو داود كلاهما من طريق سعيد2 بن أبي مريم حدثنا الليث به3. ورواه البخاري أيضا والنسائي والبيهقي الجميع من طريق موسى ابن عقبة عن ابن شهاب عن الزهري به4. ورواه البخاري أيضا وأحمد والبيهقي الجميع من طريق ابن أخي الزهري5 عن عمه به6. رواه البيهقي أيضا من طريق يحيى بن بكير وعبد الله7 بن صالح المصريّين أن الليث بن سعد حدثهما قال: حدثني عقيل ابن شهاب به. ثم قال عقب هذا الحديث في "السنن الكبرى" رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن بكير8. وفي "دلائل النبوة" بعد أن ساقه قال: رواه البخاري في الصحيح عن سعيد بن عفير وعبد الله9 بن يوسف عن الليث10.   1 تقدم الحديث برقم (108) . 2 هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي بالولاء، أبو محمد المصري (تهذيب التهذيب 4/17) . 3 أبو داود: السنن 2/57 كتاب الجهاد، باب في فداء الأسير بالمال. 4 النسائي: في السنن الكبرى مختصرا بقصة العرفاء كما في تحفة الأشراف للمزي 8/373 حديث. (11251) . 5 ابن أخي الزهري هو: محمد بن عبد الله بن مسلم (التقريب 2/180) . 6 أحمد: المسند 4/326، والبيهقي: السنن الكبرى 9/64. 7 عبد الله بن صالح: هو المعروف بكاتب الليث (التقريب 1/423) . 8 6/360. 9 عبد الله بن يوسف التنسي - بمثناة ونون ثقيلة بعدها تحتانية ثم مهملة- أبو محمد (التقريب 1/463 وتهذيب التهذيب 6/86) . 10 3/54أ. قال ابن حجر: في "النكت الظراف" بعد أن ذكر مواضع هذا الحديث في صحيح البخاري. قلت: ذكر البيهقي في "الدلائل" أن البخاري أخرجه عن عبد الله بن يوسف عن الليث، ولم أره أنا فيه أهـ. (انظر النكت على هامش تحفة الأشراف للمزي 8/373) . قلت: وقد تتبعت مواضع هذا الحديث في صحيح البخاري حسبما ذكره المزي في "تحفة الأشراف" والنابلسي "في الذخائر" وعبد الله الغنيمان في "دليل القاري" فلم أجد البخاري روى هذا الحديث عن عبد الله بن يوسف. (انظر تحفة الأشراف 8/373 حديث 11251) وذخائر المواريث 3/95 حديث (6201) ودليل القاري ص 31 حديث (129) الرقم العام والخاص (2) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 ب- ما رواه ابن إسحاق وغيره من حديث عمرو بن شعيب وهذا سياقه: عن ابن إسحاق قال: حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن وفد هوزان أتوا1 رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا، فقالوا: "يا رسول الله إنا أصل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا من الله عليك، قال: وقام رجل2 من هوزان، ثم أحد بني سعد بن أبي بكر، يقال له: زهير3 يكنى أبا صرد فقال: يا رسول الله4 إنما في الحظائر عماتك وخالاتك   1 وعند النسائي: "قال كنا عند رسول اله صلى الله عليه وسلم إذ أتته وفد هوزان، فقالوا: يا محمد إنا أصل وعشيرة، وقد نزل بنا من البلاء ما لا يخفى عليك". وعند أحمد: "قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وجاءته وفود هوزان، فقالوا: يا محمد إنا أصل وعشيرة فمنّ علينا من الله عليك، فإنه قد نزل بنا من البلاء ما لا يخفى عليك". وعند الطبري: "قال أتى وفد هوزان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة، وقد أسلموا فقالوا: يا رسول الله إنا أصل وعشيرة". وعند البيهقي "قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين فلما أصاب من هوزان ما أصاب من أموالهم وسباياهم أدركه وفد هوزان بالجعرانة وقد أسلموا فقالوا يا رسول الله لنا أصل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك". 2 وعند الطبري "فقام رجل من هوزان - أحد بني سعد بن بكر، وكان بنو سعد هم الذين أرضعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقال له: زهير بن صرد وكان يكنى بأبي صرد". 3 زهير - بضم الزاي وفتح الهاء وسكون التحتية- ابن صرد - بضم الصاد وفتح الراء ودال مهملات، مصروف ليس معدولاً - السعدي الجشمي أبو صرد، وقيل: أبو جرول، سكن الشام وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد قومه من هوزان (أسد الغابة لابن الأثير 2/262، وكتاب المغني لابن طاهر الهندي ص 46 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 4/4) وصرف (صرد) ؛ لأنه اسم جنس، وليس علما، قال الخضري في حاشيته على شرح ابن عقيل في الكلام على العلم المعدول، قوله: "العلم المعدول"، أي: عدلا تقديريا فإن طريق العلم بعدل هذا النوع سماعه غير مصروف مع علة العلمية فقط، فيقدر فيه العدل لئلا يترتب المنع على علة واحدة فلو سمع مصروفا لم يحكم بعدله، كأدد، وكذا غير العلم من اسم الجنس كنغر وصرد إلخ (حاشية الخضري 2/107) . 4 وعند البيهقي في "الدلائل " وقام خطيبهم زهير بن صرد فقال: يا رسول الله إنما في الحظائر من السبايا خالاتك وعماتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك "وعند الطبري" فقال رسول الله: "نساؤنا عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كفلنك"، وعند الواقدي في المغازي 3/949-950 "وكان في الوفد عم النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، قال: يومئذ: يا رسول الله إنما في هذه الحظائر من كان يكفلنك من عماتك وخالتك وحواضنك، وقد حضناك في حجورنا وأرضعناك بثدينا، ولقد رأيتك مرضعا فما رأيت مرضعاً خيرا منك، ورأيتك فطيماً فيما رأيت فطيماً خيراً منك، ثم رأيتك شاباً، فما رأيت شاباً خيراً منك، وقد تكاملت فيك خلال الخير، ونحن مع ذلك أهلك وعشيرتك فامنن علينا من الله عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد استأنيت بكم حتى ظننت أنكم لا تقدمون، وقد قسم السبي وجرت فيهم السهمان". الحديث، وعنده أيضا "ويقال: أن أبا الصرد زهير بن صرد قال يومئذ: إنما في هذه الحظائر أخواتك وعماتك وبنات عماتك، وخالاتك وبنات خالاتك وأبعدهن قريب منك يا رسول الله، بأبي أنت وأمي إنهن حضنك في حجورهن وأرضعنك بثديهن، وتوركنك على أوراكهن، وأنت خير المكفولين". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 وحواضنك1 اللاتي كن يكفلنك ولو أنا ملحنا2 للحارث بن أبي شمير، أو النعمان بن المنذر، ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به، رجونا عطفه وعائدته علينا وأنت خير المكفولين، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ "3. فقالوا: "خيرتنا يا رسول الله بين أموالنا وأحسابنا، بل ترد إلينا نسائنا وأبناءنا4 فهو أحب إلينا، فقال لهم: "أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وإذا ما أنا صليت الظهر بالناس5، فقوموا فقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا، فسأعطيكم عند ذلك، وأسأل لكم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر، قاموا فتكلموا6 بالذي أمرهم به، فقال   1 الحواضن: جمع حاضنة وهي التي تقوم بتربية الصبي والحضانة: بالفتح فعلها، والحضن: بالكسر الجنب وهما حضنان. (اللسان 16/178-279 ومختار الصحاح ص 142) . 2 قال ابن هشام: "ويروي ولو أنا ما لحنا الحارث بن أبي شمر أو النعمان ابن المنذر" أهـ. قلت: "وهي رواية البخاري في التاريخ الصغير". والملح: بالفتح والكسر: الرضع والممالحة المراضعة (النهاية لأبن الأثير 4/354، والروض الأنف للسهيلي 7/279) . وعند الطبراني في معجمه الكبير: 5/312 ولو أنا لحقنا الحارث بن أبي شمر والنعمان ابن المنذر، ثم نزل بنا منه إلخ. 3 وعند النسائي: فقال: "اختاروا من أموالكم أو من نسائكم وأبنائكم"، فقالوا: "قد خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا، بل نختار نساءنا وأبناءنا". وعند أحمد:"فقال: اختاروا بين نسائكم وأموالكم وأبنائكم، قالوا: خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا، نختار أبناءنا" وعند البيهقي "نساؤكمو أبناؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ فقالوا: يا رسول الله خيرتنا بين أحبابنا وبين أموالنا أبناؤنا ونساؤنا أحب إلينا". 4 وعند أحمد "بل ترد علينا نساؤنا وأبناؤنا بالبناء للمفعول، وعند الطبري: "بل ترد علينا أموالنا ونساؤنا" ولفظ (أموالنا خطأ) والصواب "أبناءنا ونساءنا" لأنه خيرهم بين الأموال والأحساب دون الجمع بينهما. 5 وعند النسائي "فإذا صليت الظهر فقوموا فقولوا: إنا نستعين برسول الله على المؤمنين، أو المسلمين في نسائنا وأبنائنا" وعند أحمد "فإذا صليت بالناس الظهر" وعند الواقدي "وإذا صليت الظهر بالناس فقولوا: إنا لنستشفع برسول الله إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله". 6 عند النسائي: "قاموا فقالوا ذلك". وعند أحمد: "قال: ففعلوا". وعند الطبراني: "قاموا فكلموه بما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم". وعند البيهقي: "قاموا فقالوا ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم". وعند الواقدي: " قاموا فتكلموا بالذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم". فقالوا: "إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 رسول اله صلى الله عليه وسلم: "وأما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم"، فقال المهاجرون: "وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم1. فقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا. وقال عيينة بن حصن: أما أن وبنو فزازة فلا. وقال عباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا. فقالت بنو سليم: بلى، ما كان لنا فهو لرسول الله2. قال: يقول عباس بن مرداس لبنو سليم: وهنتموني3، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي4، فله بكل إنسان ست فرائض5، من أول سبي أصيبه، فردوا إلى الناس أبنائهم ونسائهم" الحديث. والحديث رواه أبو داود من طريق حماد بن سلمة عن ابن إسحاق مختصرا عقب حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة. ورواه النسائي وأحمد كلاهما من طريق حماد بن سلمة بتمامه. ورواه الطبري من طريق سلمة بن الفضل الأبرش. والبيهقي من طريق يونس بن بكير كلاهما عن ابن إسحاق بتمامه. ورواه أيضا أحمد من طريق إبراهيم بن سعد. والبيهقي من طريق يونس بن بكير.   1 وعند الطبراني: "وقالت الأنصار مثل ذلك". 2 وعند النسائي: "فقامت بنو سليم فقالوا: كذبت ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم". وعند أحمد: "قالت بنو سليم: لا ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ". وعند البيهقي: "فقالت بنو سليم: بل ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم". 3 وهنتموني: أضعفتموني وفي القاموس المحيط 4/276: وهنه وأوهنه ووهنه: أضعفه. 4 وعند النسائي: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس ردوا عليهم نساءهم وأبناءهم فمن تمسك من هذا الفيء بشيء فله علينا ستة فرائض من أوّل شيء يفئه الله عز وجل علينا". وعند أحمد: "فمن تمسك بشيء من الفيء فله علينا ستة فرائض من أول شيء يفيئه الله علينا". وعند الطبراني: "فله ست قلائص من أول فيء نصيبه" وعند الواقدي: "وتمسكت بنو سليم مع الأقرع بالسبي، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الفداء ست فرائض، ثلاث حقاق وثلاث جذاع". 5 الفرائض: جمع فريضة: يريد به: البعير المأخوذة في الزكاة سمي به فريضة، لأنه الواجب على رب المال، ثم سمي البعير فريضة في غير الزكاة. (جامع الأصول 8/409) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 والطبراني من طريق محمد بن سلمة الباهلي ثلاثتهم عن ابن إسحاق إلى قوله "نسائهم وأبنائهم"1. ورواه البخاري في "التاريخ الصغير" من طريق عبد الله بن إدريس عن ابن إسحاق إلى قوله "ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم"2. وأورده الهيثمي، ثم قال: "رواه أبو داود باختصارٍ كثير، ورواه أحمد، ورجال أحد إسناديه ثقات"3. اهـ. والحديث رواه النسائي أيضا تاما كما بينت ذلك. ويشهد له حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم4. ج-ما رواه الطبراني في معاجمه الثلاثة من حديث زهير بن صرد وهذا سياقه من المعجم الصغير قال: 210- حدثنا عبيد الله5 بن رماحس القيسي برمادة الرملة6 سنة أربع وسبعين ومائتين، حدثنا أبو عمر زياد7 بن طارق وكان قد أتت عليه8 عشرون ومائة   1 الطبراني المعجم الكبير 5/312. 2 التاريخ الصغير ص 5 ورواه الواقدي أيضا في مغازيه 3/949-954. وتقدم تخريجه برقم (130) ص 227 وتحت حديث رقم (180) ص 371. 3 مجمع الزوائد 6/187-188. 4 تقدم الحديث في ص 435. 5 عبيد الله بن رماحس - بضم الراء وفتح الميم وكسر الحاء المهملة وفي آخره سين مهملة- الجشمي- بضم الجيم وفتح الشين المعجمة - القيسي الرمادي الرملي. قال الذهبي: روى عن زياد بن طارق، وعنه الأمير بدر الحمامي، وأبو القاسم الطبراني، وأحمد بن إسماعيل بن عاصم، وأبو سعيد بن الأعرابي والحسن بن زيد الجعفري، ومحمد بن إبراهيم بن عيسى المقدسي. ثم قال الذهبي: وكان معمرا، رأيت للمتقدمين فيه جرحا، وما هو بمعتمد عليه (ميزان الاعتدال 2/90و3/6 والاستيعاب لابن عبد البر 1/577مع الإصابة، واللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير 2/35و36 ومعجم البلدان لياقوت 3/66 وتاريخ بغداد 7/105و106 وقد حصل في هذه الترجمة خطأ مطبعي في معاجم الطبراني الثلاثة وغيرها، في كلمة (رماحس) فوقعت في المعجم الصغير (رما حبيب) وفي الكبير (رماحي) وفي الأوسط (رماجس) بالجيم، وكذا في لسان الميزان لابن حجر. وفي شرح المواهب اللدنية (دماحش) والصواب ما أثبتناه. 6 هي رمادة فلسطين كما في معجم البلدان. وفي شرح المواهب الدنية (بزيادة الرملة) الزاي والياء وهو خطأ. 7 زياد بن طارق بن أبي جرول، نكرة لا يعرف، تفرد عنه عبيد الله ابن رماحس (ميزان الإعتدال 2/90) . وقال ابن حجر: "وقد ضبطه الدارقطني في المؤتلف والمختلف بفتح الزاي وتشديد الياء، فكان ينبغي إفراده. ثم قال: وقال أبو منصور البارودي في كتاب "معرفة الصحابة" أنه مجهول" (لسان الميزان 2/495) . 8 في المعجم الكبير: "وكان قد لبث عليه عشرون ومائة سنة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 سنة سمعت أبا جرول زهير1 بن صرد الجشمي يقول: لما أسرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين يوم هوزان وذهب يفرق السبي والشاء2 أتيته وأنشأت أقول هذا الشعر: أمنن علينا رسول الله في كرم ... فإنك المرء نرجوه وننتظر3 أمنن على بيضة قد عاقها قدر ... مملها في دهرها غير4 أبقت لنا الدهر هتافا على حزن ... على قلوبهم الغَمَّاء والغَمَر5 إن لم تداركهم نعماء تنشرها ... يا أرجح الناس حلما حين يختبر6 أمنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك تملأه من مخضها الدرر7 إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها ... وإذ يزينك ما تأتي وما تذر8 لاتجعلنا كمن شالت نعماته ... واستبق منه فإنا معشر زهر9 إنا لنشكر للنعماء إذ كفرت ... وعندنا بعد هذا اليوم مدخر10   1 تقدمت ترجمته ص (441) وعلى أنه يكنى أبا صرد أيضاً. 2 في المعجم الكبير: "وذهب يفرق الشبان والسبي". والظاهر أنه خطأ؛ لأن الشبان من جملة السبي. 3 أمنن: بهمزة مضمومة فميم ساكنة فنون مضمومة فأخرى ساكنة، أي: أحسن إلينا من غير طلب ثواب ولا جزاء. (ورسول الله) منادى بحرف نداء محذوف، (والمرء) بفتح الميم وبالراء والهمزة (وأل) لاستغراق أفراد الجنس أي أنت المرء الجامع للصفات المحمودة المتفرقة في الرجال. (بيضة) أهل العشيرة، و (غير) بكسر المعجمة وفتح الياء: تغير حال وانتقالها من صلاح لفساد. (الدهر) نصب معمول (أبقت) ، (وهتافا) بفتح الهاء وفوقية وفاء أي ذا هتف أي صوت مشتمل على (حزن) بفتحتين. (والغماء) بفتح المعجمة وشد الميم أي الحزن لأنه يغطي السرور. (والغمر) بفتح المعجمة وتكسر وميم مفتوحة وراء: الحقد. (إن لم تداركهم نعماء تنشرها) عليهم هلكوا فجواب إن محذوف أو شرط في (أبقيت) فلا حذف. (ترضعها) بفتح الفوقية: و (مخضها) بفتح الميم وسكون المعجمة: لبنها الخالص، و (الدرر) بكسر المهملة وفتح الراء الأولى: كثرة اللبن وسيلانه جمع درة. (يزينك) بفتح الياء وكسر الزاي، و (تذر) أي تترك. (شرح المواهب اللدنية 4/4-5) (لاتجعلنا) بتشديد النون، و (شالت) ارتفعت، (والنعامة) باطن القدم، ومعنى شالت نعامته أي هلك. (وزهر) بضمتين. والأزهر من الرجال: الأبيض النير الحسن وهو أحسن البياض كأنه له بريقا (اللسان 5/430) . 10 "النعماء" بفتح النون وإسكان العين وميم والمد: النعمة. (إذ كفرت) بالبناء للمجهول، وكفران النعمة: جحدها وسترها وعدم الاعتراف بها لمسديها، و (مدخر) بميم مضمومة فمهملة مشددة فمعجمة مفتوحتين فراء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 فألبس العفو من قد كنت ترضعه ... من أمهاتك إن العفو مشتهر1 يا خير من مرحت كمت الجياد له ... عند الهياج إذا ما استوقد الشرر2 إنا نؤمل عفوا منك تلبسه ... هذى البرية إذ تعفو وتنتصر3 فاعفو عفا الله عما أنت راهبه ... يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر4 قال: فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشعر، قال صلى الله عليه وسلم: "ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم". وقالت قريش: "ما كان لنا فهو لله ولرسوله"، وقالت الأنصار: "ما كان لنا فهو لله ولرسوله". لم يرو عن زهير بن صرد بهذا التمام إلا بهذا الإسناد. تفرد به عبيد الله5. ومن طريقه رواه الخطيب في تاريخه6.   (فألبس) بفتح الهمزة وكسر الموحدة، (إن العفو مشتهر) أي حسنه بين الناس. (مرحت) بفتح الميم والراء والحاء المهملة: نشطت و (كمت) بضم الكاف وسكون الميم وفوقية جمع كميت و (الجياد) بكسر الجيم و (الهياج) بكسر الهاء وخفة التحتية وجيم: القتال، والكميت من الخيل بين الأسود والأحمر. (انظر: المصباح المنير 2/654-655) . (نؤمل) نرجو، و (تلبسه) بضم الفوقية وسكون اللام وكسر الموحدة، (هذى البرية) إشارة للنسوة التي طلب العفو عنهن. ووقع في المعجم الكبير للطبراني: (هادي البرية) بهاء ودال مهملة وهو منادي أي يا هادي البرية، (إذ تعفو وتنتصر) أي فتجمع بين الحسنين النصر والعفو. (فاعفو) بواو الإشباع أو حكي لغة من يجري المعتل مجرى الصحيح. وفي المعجم الكبير للطبراني "فاعف" بحذف الواو و (راهبه) بموحدة أي خائفة، والظفر: الفوز (شرح المواهب اللدنية للزرقاني 4/5) . وقد وردت بعض هذه الأبيات من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عند الطبراني في المعجم الكبير 5/312 من طريق محمد بن سلمة عن ابن إسحاق، والبيهقي في الدلائل 3/54-55 من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق. وساق السهيلي هذه الأبيات في الروض الأنف 7/280. ثم قال: لم يذكر ابن إسحاق شعر زهير في النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين في رواية البكائي، وذكره في رواية إبراهيم بن سعد عنه. قلت: "وهذه الرواية ساقها ابن عبد البر في الاستيعاب 1/575-577 مع الإصابة من رواية إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق". 5 المعجم الصغير: 1/236-237. والكبير: 5/311-312. والأوسط 2/244 رقم 77 "مجمع البحرين". 6 تاريخ بغداد: للخطيب البغدادي7/105-106. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 قال الهيثمي: "رواه الطبراني في ثلاثة، وفيه من لم أعرفهم"1. والحديث أعله الذهبي بالجهالة، والانقطاع، أما الجهالة: فقد قال عن عبيد الله بأنه لم يعرف فيه جرحا ولا تعديلا، وقال عن زياد بأنه نكرة لا يعرف. وأما الانقطاع فقد قال في أثناء ترجمة عبيد الله: ثم رأيت الحديث الذي رواه، له علة قادحة. قال أبو عمر بن عبد البر في شعر زهير: "رواه عبيد الله بن رماحس عن زياد بن طارق، عن زياد بن صرد بن زهير، عن أبيه، عن جده زهير ابن صرد، فعمد عبيد الله إلى الإسناد وأسقط رجلين منه، وما قنع بذلك حتى صرح بأن زياد بن طارق قال حدثني زهير، كذا في معجم الطبراني وغيره بإسقاط اثنين من سنده"2. ورد هذا ابن حجر فقد نقل قول الذهبي هذا، ثم قال: "وهذا الذي قاله المؤلف3 تحكم لا دليل له عليه ولا له فيما حكاه عن ابن عبد البر ترجمة قائمة". وسياقه يقتضي أن هذا كلّه كلام ابن عبد البر، وليس كذلك، بل من قوله، فعمد عبيد الله إلى آخر الترجمة، قاله المؤلف من عند نفسه بانيا على صحة ما حكاه ابن عبد البر. ثم ساق ابن حجر بإسناده إلى كتاب "الاستيعاب" لابن عبد البر أنه قال: "زهير بن صرد الجشمي السعدى من بني سعد بن بكر وقيل يكنى أبا جرول كان رئيس قومه وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد هوزان إذ فزع من حنين فساق أبو عمر القصة، ثم أسندها من طريق ابن إسحاق، ثم قال في آخره إلا أن في الشعر بيتين لم يذكرهما محمد بن إسحاق في حديثه، وذكرهما عبيد الله بن رماحس عن زياد بن طارق عن زياد بن صرد بن زهير بن صرد عن أبيه عن جده زهير بن صرد أبي جرول أنه حدثه هذا الحديث" انتهى كلام ابن عبد البر. ثم قال ابن حجر: "فهذا كما تراه حكاه ابن عبد البر مرسلا ولم يسق إسناده إلى   1 مجمع الزوائد 6/186-187. 2 ميزان الاعتدال 3/6. 3 يريد الذهبي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 عبيد الله بن رماحس حتى يعلم … ثم قال: والحديث رواه عن عبيد الله الستة1 الذين ذكرهم المؤلف2، وأبو بكر محمد ن أحمد بن محمويه العسكرية وأبو الحسين أحمد بن زكريا، وعبيد الله بن علي بن خواص، فهؤلاء عدد من الثقات رووه عن عبيد الله بن رماحس أنه قال: حدثنا زياد قال سمعت أبا جرول زهير بن الصرد، فالظاهر أن قولهم أولى بالصواب، والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد لا سيما وهو لم يسم. ثم أورد ابن حجر عدة طرق لهذا الحديث عن الطبراني وغيره من العلماء كلها تدور على عبيد الله بن رماحس، ثم قال في نهاية تلك الطرق فكملت ذلك عندي عدة من رواه عن عبيد الله بن رماحس غير الطبراني أربعة عشر نفسا". ثم قال: "فالحديث حسن الإسناد، لأن راوييه مستوران لم يتحقق أهليتهما ولم يجرحا، ولحديثهما شاهد قوي3، وصرحا بالسماع، وأما رميا بالتدليس لا سيما تدليس التسوية الذي هو أفحش أنواع التدليس، إلا في القول الذي حكيناه آنفا عن ابن عبد البر، ولا يثبت ذلك إن شاء الله".اهـ. كلام ابن حجر بتصرف4. وخلاصة القول في هذا أن ابن حجر يرى أن الحديث متصل وأنه من ثلاثيات الطبراني5 وهو حسن بالمتابعة، وأن ما قاله ابن عبد البر عن هذا الحديث بأنه منقطع قول بدون برهان. وأن ما بناه الذهبي على قول ابن عبد البر في تضعيف هذا الحديث غير سديد. ما رواه ابن سعد والطبري من مرسل سعيد بن المسيب وهذا سياقه عند الطبري: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال ثنا محمد بن ثور عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب، أنهم أصابوا يومئذ ستة آلاف سبي، ثم جاء قومهم مسلمين بعد ذلك، فقالوا: يا رسول الله، أنت خير الناس وأبر الناس، وقد أخذت أبناءنا ونساءنا   1 انظر حديث (210) تعليقه (5) ص 444. 2 يريد الذهبي. 3 من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند ابن إسحاق انظر ص 441-444. (لسان الميزان 4/99-104 وفتح الباري 8/34 والإصابة 1/553 والاستيعاب 1/575-577 مع الإصابة، والمواهب اللدنية 1/234-235، وشرح المواهب 4/4-6) . 5 أي أن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه ثلاثة أنفس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 وأموالنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عندي من ترون، وإن خير القول أصدقه، اختاروا إما ذَرَارِيَّكم، ونساءكم، وإما أموالكم"، قالوا: ما كان نعدل بالأحساب شيئا. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن هؤلاء قد جاءوني مسلمين وإنا خيرناهم بين الذراري والأموال، فلم يعدلوا بالأحساب شيئا، فمن كان بيده منهم شيء، فطابت نفسه أن يرده فليفعل ذلك، ومن لا، فليعطنا، وليكن قرضا علينا حتى نصيب شيئا فنعطيه مكانه"، فقالوا: يا نبي الله رضينا وسلمنا، فقال: "إني لا أدري، لعل منكم من لا يرضى، فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا" فرفعت إليه العرفاء أن قد رضوا وسلموا 1. والحديث رواه عبد الرزاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير غير أنه فصل قول كل واحد عن الآخر، وهذا سياقه: فقال: قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم سبى يومئذ ستة آلاف سبي من امرأة وغلام، فجعل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبا سفيان بن حرب. ثم قال: قال الزهري: وأخبرني عروة بن الزبير قال لما رجعت هوزان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أنت أبر الناس وأوصلهم، وقد سبي أموالنا ونساؤنا، وأخذت أموالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني كنت استأنيت بكم ومعي من ترون، وأحب القول إلي أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين، إما المال، وإما السبي" فقالوا: "يا رسول الله: أما إذا خيرتنا بين المال وبين الحسب، فإنا نختار الحسب- أو قال: ما كنا نعدل بالحسب شيئا – فاختاروا نسائهم وأبناءهم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطب في المسلمين، "فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء قد جاءوا مسلمين، أو مستسلمين وإنا قد خيرناهم بين الذراري والأموال، فلم يعدلوا بالأحساب، وإني قد رأيت أن تردوا إليهم أبناءهم ونساءهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب أن يكتب علينا حصته من ذلك حتى نعطيه من بعض ما يفيئه الله علينا فليفعل، قال: فقال المسلمون: طيبنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني لا أدري من أذن في ذلك ممن لم يأذن، فأمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا،   1 جامع البيان 10/102، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/155. وتقدم برقم (107) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 فلما رفعت العرفاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الناس قد سلموا ذلك وأذنوا فيه، رد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوزان نساءهم وأبناءهم وخير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كان أعطاهن رجالا من قريش بين أن يلبثن عند من عنده، وبين يرجعن إلى أهلن". قال الزهري: "فبلغني أن امرأة منهم كانت تحت عبد الرحمن بن عوف فخيرت فاختارت أن ترجع إلى أهلها وتركت عبد الرحمن، وكان معجبا بها، وأخرى عند صفوان بن أمية فاختارت أهلها". قال الزهري: "فأخبرني سعيد بن المسيب قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قسم بين المسلمين ثم اعتمر من الجعرانة بعد ما قفل من غزوة حنين، ثم انطلق إلى المدينة، ثم أمر أبا بكر على تلك الحجة1. ما رواه ابن أبي شيبة من مرسل عبد الله بن عبيد وهذا سياقه: 211- حدثنا عبيد الله2 بن موسى قال: أنا موسى3 عن أخيه عبد الله4 بن عبيد أن نفرا من هوزان جاءوا بعد الوقعة، فقالوا: يا رسول الله إنا نرغب في رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: في أي ذلك ترغبون أفي الحسب أم في المال؟ قالوا: بل في الحسب والأمهات والبنات، وأما المال فسيرزقنا الله، قال: أما أنا فأرد ما في يدي وأيدي بني هاشم من عورتكم، وأما الناس فسأشفع لكم إليهم، إذا صليت إن شاء الله، فقوموا وقولوا كذا وكذا، فعلمهم ما يقولون، ففعلوا ما أمرهم به، وشفع لهم ولم يبق أحد من المسلمين إلا رد ما في يده من عورتهم غير الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن، امسكا الأموال التي في أيديهما 5.   1 مصنف عبد الرزاق 5/380-382. المشهور أن الأمير على تلك الحجة كان عتاب بن أسيد. انظر تفسير ابن كثير 2/332 وص (723) . 2 عبيد الله بن موسى بن أبي المختار تقدم في حديث (70) . 3 موسى بن عبيدة - بضم أوله - ابن نشيط - بفتح النون وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة - الربذي - بفتح الراء والموحدة ثم المعجمة، أبو عبد العزيز المدني، ضعيف، ولا سيما في عبد الله بن دينار، وكان عابدا من صغار السادسة (ت153) / ت ق. (التقريب 2/286، وتهذيب التهذيب 10/356-360) . 4 عبد الله بن عبيدة بن نشيط، أخو الذي قبله ثقة من الرابعة قتلته الخوارج بقديد سنة (130) / خ (التقريب 1/431 وتهذيب التهذيب 5/309) . 5 تاريخ ابن أبي شيبة ص 91ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 والحديث مرسل، وفيه موسى بن عبيد وهو ضعيف. وهذه الآثار يقوي بعضها بعضاً وتعتضد بالأحاديث السابقة واللاحقة. ما رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر في إعطاء عمر بن الخطاب جارية من سبي هوزان وهذا سياقه: 212- حدثني أبو طاهر1 أخبرنا عبد الله بن وهب حدثنا جرير ابن حازم أن أيوب2 حدثه أن نافعا حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف فقال رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام فكيف ترى؟ قال: "اذهب فاعتكف يوما" 3. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه جارية من الخمس فلما أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس سمع عمر بن الخطاب أصواتهم يقولون أعتقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ فقالوا: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس. فقال عمر: يا عبد الله! اذهب إلى تلك الجارة فخل سبيلها 4. والحديث رواه البخاري من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله إنه كان علي اعتكاف يوم الجاهلية، الحديث وفيه: "قال: وأصاب عمر جاريتين5 من سبي حنين فوضعهما في بعض بيوت مكة، قال فمن رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبي حنين فجعلوا يسعون في السكك، فقال عمر: يا عبد الله انظر ما هذا؟   1 أبو طاهر: هو أحمد بن عمرو بن السرح - بمهملات - المصري التهذيب 1/64. 2 هو أيوب السختياني (تهذيب التهذيب 1/397 و10/413) . 3 سياتي الكلام على نذر عمر الإعتكاف في الأحكام تحت حديث (271) ص 618. 4 مسلم: الصحيح 3/1277 كتاب الإيمان: باب النذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم ورواه البيهقي في السنن الكبرى 6/338 من طريق الحسن بن سفيان ثنا أبو طاهر ثنا ابن وهب ثنا جرير بن حازم به. ثم قال: "رواه مسلم في الصحيح عن أبي طاهر واستشهد به البخاري". 5 في بعض الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه جارية فقط، قال ابن حجر: "يجمع بين الروايات بأن عمر أعطى إحدى جاريتيه ابنه عبد الله بن عمر، كما هو في رواية ابن إسحاق" (فتح الباري8/36) وانظر رواية ابن إسحاق حديث (213) ص455. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 فقال: "من رسول الله صلى الله عليه وسلم على السبي، قال: اذهب فأرسل الجاريتين". الحديث1. فقد روى الحديث هنا مرسلا بإسقاط ابن عمر، ثم قال: ورواه معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر في النذر. ثم أعاد حديث حماد بن زيد في المغازي مرسلا أيضا ثم اتبعه برواية معمر عن أيوب موصولا، ولكن في قصة النذر فقط. ثم قال: وقال بعضهم: حماد2 عن أيوب عن نافع عن ابن عمر. ورواه جرير بن حازم وحماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم3 اهـ. قال ابن حجر: "كذا رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع مرسلا ليس فيه ابن عمر، وسيأتي في المغازي أن البخاري نقل أن بعضهم4 رواه عن حماد بن زيد موصولا، وهو عند مسلم وابن خزيمة لكن في القصة الثالثة المتعلقة بعمرة الجعرانة، لا في جميع الحديث"5.   1 البخاري: الصحيح 4/74 كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه والحديث اشتمل على ثلاث مسائل: نذر عمر بن الخطاب الاعتكاف في الجاهلية، واعطاه جاريتين من سبي هوزان، وعمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مكن الجعرانة. 2 حماد: هنا هو ابن زيد، فإنه ذكر عقبه رواية حماد بن سلمة وهي مخالفة لسياقه. (فتح الباري 8/35) . 3 البخاري: الصحيح 5/127 كتاب المغازي، باب ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا إلخ. وانظر سياق الحديث تحت رقم (271) . ورواه مسلم في الصحيح 3/1278 كتاب الإيمان، باب نذر الكافر وما فيه إذا سلم عقب رواية جرير بن حازم من طريق عبد الرزاق عن معمر به، وقال: اعتكاف يوم، ثم ذكر بمعنى حديث جرير بن حازم. ورواه أحمد في مسنده 2/35 عن عبد الرزاق عن معمر به ولفظه: "قال: لما قفل النبي صلى الله عليه وسلم من حنين سأل عمر عن نذر كان نذره في الجاهلية، اعتكاف يوم فأمره به، فانطلق عمر بين يديه، قال: وبعث معي بجارية كان أصابها يوم حنين، قال: فجعلتاها في بعض بيوت الأعراب حين نزلت فإذا أنا بسبي حنين قد خرجوا يسعون ويقولون: أعتقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال عمر لعبد الله: اذهب فأرسلها، قال: فذهبت فأرسلتها". 4 هذا البعض المبهم هو أحمد بن عبدة الضبي، انظر ص (454) . 5 رواه مسلم في الصحيح 3/1278 كتاب الأيمان، باب نذر الكافر، وما يفعل فيه إذا أسلم، وابن خزيمة في صحيحه 3/347 كلاهما عن أحمد بن عبدة الضبي حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب عن نافع قال: ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة فقال: لم يعتمر منها، قال: وكان عمر نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية. ثم ذكر نحو حديث جرير بن حازم ومعمر عن أيوب، لفظ مسلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 وذكر هنا1 أن معمرا وصله أيضا عن أيوب، ورواية معمر وصلها في المغازي وهو في قصة النذر فقط2. وذكر في المغازي أيضا أن حماد بن سلمة رواه موصولا3، وهو أيضا في النذر فقط. وقال في المغازي هكذا ذكر البخاري حديث حماد بن زيد عن أيوب مرسلا مختصرا، ثم عقبه برواية معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولا تاما. وقد عاب الإسماعيلي جمعهما4 لأن قوله: "لما قفلنا من حنين" لم يقع في رواية حماد بن زيد أي الرواية الأولى المرسلة. والجواب أن البخاري إنما نظر إلى أصل الحديث لا إلى النقص والزيادة في ألفاظ الرواة. وإنما أورد طريق حماد بن زيد المرسلة للإشارة إلى أن روايته مرجوحة، لأن جماعة من أصحاب شيخه أيوب خالفوه فيه فوصلوه، بل بعض أصحاب حماد بن زيد رواه عنه موصولا5، كما أشار إليه البخاري أيضاً هنا6. على أن رواية حماد بن زيد وإن لم يقع فيها ذكر القفول من حنين صريحا لكنه فيها ضمنا كما سأبينه، وقد وقع في رواية بعضهم، ما ليس عند معمر أيضا مما هو ادخل في المقصود الباب كما سأبينه، فأما بقية اللفظ الرواية الأولى7 فقد ساقها في فرض   1 يريد في كتاب فرض الخمس 4/74. 2 انظر: الرواية في تعليقه (3) من ص 452. 3 وراوية حماد بن سلمة أخرجها أحمد في مسنده 2/153. فقال حدثنا عبد الصمد وعفان قالا: ثنا حماد بن سلمة أنا أيوب عن نافع عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنه: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فقال: "إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام". قال عبد الصمد: "ومعه غلام من سبي هوزان فقال له: اذهب فاعتكف، فذهب فاعتكف فبينما هو يصلي إذ سمع الناس يقولون: أعتق رسول الله سبي هوزان، فدعا الغلام فأعتقه. 4 يعني رواية حماد بن زيد ورواية معمر. 5 هو أحمد بن عبدة الضبي، انظر ص 452 تعليقة (4) . 6 يريد في المغازي. 7 يريد رواية حماد بن زيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 الخمس بلفظ "أن عمر قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان عليَّ اعتكاف ليلة1 في الجاهلية فأمره أن يفي به. قال: "وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين فوضعهما في بعض بيوت مكة". الحديث. وكذا أورده الإسماعيلي2 من طريق سليمان3 بن حرب وأبي ربيع الزهراني وخلف بن هشام كلهم عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع "أن عمر كان عليه اعتكاف ليلة في الجاهلية، فلما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة سأله عنه، فأمره أن يعتكف" لفظ أبي الربيع. ثم قال ابن حجر: قلت: "وكان نزول النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة بعد رجوعه من الطائف بالاتفاق، وكذا سبي حنين إنما قسم بعد الرجوع منها، فاتحدت رواية حماد بن زيد ومعمر معنى، وظهر رد ما اعترض به الإسماعيلي". وأما رواية من رواه عن حماد بن زيد موصولا فأشار إليه البخاري بقوله: "وقال بعضهم عن حماد إلخ" فالمراد بحماد بن زيد، فإنه ذكر عقبه رواية حماد بن سلمة وهي مخالفة لسياقه4. والمراد بالبعض المبهم: أحمد بن عبدة الضبي، كذلك أخرجه الإسماعيلي من طريقه فقال: أخبرني القاسم هو ابن زكريا حدثنا أحمد بن عبدة الضبي حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: "كان عمر نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمره أن يفي به". وكذا أخرجه مسلم وابن خزيمة5 عن أحمد بن عبدة وذكرا فيه إنكار ابن عمر عمرة الجعرانة، ولم يسق مسلم لفظه6.   1 لفظ الحديث "اعتكاف يوم". 2 الإسماعيلي: هو أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل، تقدم 3 سليمان بن حرب الأزدي، الواشحي - بمعجمة ثم مهملة - البصري ثقة إمام حافظ، وأبو ربيع الزهراني هو: سليمان بن داود العتكي ثقة، وخلف بن هشام بن ثعلب البغدادي المقري ثقة (انظر تهذيب التهذيب 3/156 و4/178 و190، والتقريب 1/226 و322 و324) . 4 رواية حماد بن سلمة عند أحمد انظر ص 453 تعليقه (3) . 5 انظر: الرواية في ص 453 تعليقة (1) . 6 فتح الباري 6/252-253 و8/35-36. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 وفي هدي الساري قال: قال الدارقطني حديث حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر أصاب جاريتين من سبي حنين، وفي أوله أن عمر قال: نذرت نذرا هكذا أخرجه مرسلا. ووصل حديث النذر حماد بن سلمة وجرير بن حازم وجماعة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر وهو صحيح. ووصل حديث الجاريتين جرير بن حازم عن أيوب وقول حماد أصح1. ثم عقب ابن حجر على هذا فقال: قلت: "إذا صح أصل الحديث صح قول من وصله وقد بين البخاري الخلاف فيه، وقد قدمناه أنه في مثل هذا يعتمد على القرائن والله الموفق"2.اهـ. ما أخرجه أحمد والطبري من طريق ابن إسحاق وهذا لفظ أحمد: 213- حدثنا يعقوب3 ثنا أبي4 عن ابن إسحاق حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر قال: "أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب جارية من سبي هوزان فوهبها لي فبعثت بها إلى أخوالي من بني جمح5 ليصلحوا لي منها حتى أطوف بالبيت ثم آتيهم، وأنا أريد أن أصيبها6 إذا رجعت إليها، قال: فخرجت من المسجد حين فرغت فإذا الناس يشتدون فقلت: ما شأنكم؟ قالوا: رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءنا ونساءنا، قال: قلت: تلك صاحبتكم في بني جمح فاذهبوا فخذوها، فذهبوا فأخذوها 7. والحديث في سيرة ابن هشام عن ابن إسحاق لكن ذكر قبله مرسل أبي وجزة السعدي ثم ذكر عقبه حديث عبد الله بن عمر، فقال: وحدثني أبو وجزة8 يزيد بن   1 يعني الإرسال. وحماد: يعني ابن زيد. 2 هدي الساري ص364 3 هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري. 4 هو إبراهيم بن سعد. 5 جمح: بضم الجيم وفتح الميم وفي آخره حاء مهملة هو: جمح بن عمرو بن هصيص ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النصر (اللباب في تهذيب الأنساب 1/291) . 6 أن أطأها بملك اليمين. 7 مسند أحمد 2/69 وتاريخ الرسل والملوك 3/88. 8 ثقة تقدم في حديث (122) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 عبيد السعدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى علي بن أبي طالب رضي الله عنه جارية، يقال لها ريطة بنت هلال بن حيان بن عميرة بن هلال بن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر، وأعطى عثمان بن عفان جارية، يقال لها زينب بنت حيان بن عمرو بن حيان، وأعطى عمر بن الخطاب جارية فوهبها لعبد الله بن عمر ابنه. ثم قال ابن إسحاق: "فحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، قال: "بعثت بها إلى أخوالي من بني جمح" الحديث1. قال ابن إسحاق: "وأما عيينة بن حصن، فأخذ عجوزا من عجائز هوزان، وقال حين أخذها: أرى عجوزا إني لأحسب لها في الحي نسبا، وعسى أن يعظم فداؤها. فلما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم السبايا بست فرائض، أبى أن يردها، فقال له زهير أبو صرد: خذها عنك، فوالله ما فوها ببارد ولا ثديها بناهد2، ولا بطنها بوالد، ولا زوجها بواجد3، ولا درها بماكد4، فردها بست فرائض حين قال هل زهير ما قال: "فزعموا أن عيينة لقي الأقرع بن حابس، فشكا إليه ذلك فقال: إنك والله ما أخذتها بيضاء5 غريرة، ولا نصفا وثيرة". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد هوزان، وسألهم عن مالك بن عوف6 ما فعل؟ فقالوا هو في الطائف مع ثقيف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخبروا مالكاً أنه إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله، وأعطيته مائة من الإبل"، فأتى مالكا بذلك، فخرج إليه من   1 سيرة ابن هشام 2/490 وتاريخ الرسل والملوك للطبري 3/87 والروض الأنف للسهيلي7/243 ودلائل النبوة للبيهقي 3/55 ب. (ولا ثديها بناهد) أي مرتفع يقال نهد الثدي، إذا ارتفع عن الصدر وصار له حجم. (بواجد) أي: أن زوجها لا يحزن عليها إذا ذهبت لأنها عجوز لا ولد فيها ومع ذلك فهي سيلطة اللسان فهو لا يحبها. (ولا درها بماكد) أي دائم، والموكد: التي يدوم لبناها ولا ينقطع. (بيضاء غريرة) الغريرة هي الشابة الحديثة التي لم تجرب الأمور (ولا نصفا وثيرة) النصف بالتحريك: المرأة بين الحداثة والمسنة، والوثيرة من النساء السمينة. (النهاية لابن الأثير 3/355 و4/348-349 و5/135 و156، الروض الأنف للسهيلي 7/284 والقاموس المحيط للفيروز آبادي 2/152، و3/200. 6 هو رئيس هوزان في غزوة حنين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 الطائف، وقد كان مالكا خاف ثقيف على نفسه أن يعملوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ما قال، فيحبسوه فأمر براحلته فهيئت له، وأمر بفرس له، فأتى به إلى الطائف، فخرج ليلا، فجلس على فرسه، فركض حتى أتى راحلته حيث أمر بها أن تحبس، فركبها، فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدركه بالجعرانة أو بمكة، فرد عليه أهله وماله، وأعطاه مائة من الإبل، فأسلم فحسن إسلامه. فقال مالك بن عوف حين أسلم: ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... في الناس كلهم بمثل محمد أوفى وأعطى للجزيل إذا اجْتُدِى1 ... ومتى تشأ يخبرك عما في غد وإذا الكتيبة عردت أنيابها ... بالسِّمَهْرِيّ وضرب كل مهند2 فكأنه ليث على أشباله ... وسط الهَباء خادر في مرصد3 فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه، وتلك القبائل: ثمالة، وسلمة4، وفهم، فكان يقاتل بهم ثقيفا لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه، حتى ضيق عليهم.   1 إذا اجتدي: أي إذا طلب منه شيء. 2 عردت أنيابها: قويت واشتدت، والسمهري: الرمح والمهند السيف. 3 الهباءة: الغبار يثور عند اشتداد الحرب، والخادر: الأسد في عرينه، وهو حينئذ أشد ما يكون بأسا على أشباله، يصفه بالقوة، والمرصد: المكان يرقب منه، يصفه باليقظة. (القاموس المحيط 1/294 و313 و349 و2/18 و52 و4/402) . 4 قال السهيلي: "هكذا تقيد في النسخة (سلمة) بكسر اللام، والمعروف من قبائل قيس: سلمة بالفتح إلا أن يكون من الأزد، فإن ثمالة المذكورين معهم حي من الأزد، وفهم من دوس، وهم من الأزد أيضاً". وأمهم: جديلة وهي من غطفان بن قيس بن عيلان، على أنه لا يعرف من الأزد سلمة بكسر اللام في الأنصار، وهم من الأزد، (الروض الأنف 7/285-286) . وثمالة: بضم الثاء المثلثة، اسمه عوف بن أسلم بن أحجن بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث. وفهم: هم فهم بن غنم بن دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد. (اللباب في تهذيب الأنساب 2/448 و 1/241-242 و263) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 فقال أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي: هابت الأعداء جانبنا ... ثم تغزونا بني سلمة وأتانا مالك بهم ... ناقضا للعهد والحرمة وأتونا في منازلنا ... ولقد كنا أولى نقمة1 والحديث رواه الطبري عن ابن إسحاق دون شعر مالك بن عوف. ثم قال في نهاية الحديث: "هذا آخر حديث أبي وجزة"2. فهو يشير إلى أن هذا الحديث رواه ابن إسحاق عن أبي وجزة ولكنه في سيرة ابن هشام وكذا عند الطبري فصل بين حديث أبي وجزة بحديث عبد الله بن عمر، فالقسم الأول من حديث أبي وجزة إلى وأعطى عمر بن الخطاب جارية، فوهبها لعبد الله بن عمر. وتمامه: وأما عيينة بن حصن الخ. وعلى هذا فالحديث مرسل فإن أبا وجزة من صغار التابعين فقد ذكره ابن حجر في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين3. والأحاديث المتقدمة تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر قسم الغنائم بعد انصرافه عن الطائف ووصوله إلى الجعرانة بضع عشرة ليلة ثم وزع الغنائم بعد ذلك، ثم قدمت عليه وفود هوزان بعد أن تم توزيع السبايا والأموال بين المسلمين. فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إليهم سبيهم وأموالهم، فأجابهم رسول صلى الله عليه وسلم إلى أن يرد إليهم إحدى الطائفتين: إما السبي وإما المال، فاختاروا سبيهم، فرده عليهم بعد أن استطاب نفوس المسلمين في ذلك4. كما تدل الأحاديث أيضا على جواز استرقاق العرب كغيرهم من سائر الكفار من الأعاجم من يهود ونصارى وغير ذلك، وهو قول جمهور العلماء. وقد أشرت إلى هذه المسألة في رسالتي غزوة بني المصطلق5 فلا حاجة إلى إعادة القول في هذه المسألة هنا.   1 سيرة ابن هشام 2/490-492. الروض الأنف 7/243-245. 2 تاريخ الرسل والملوك 3/87-89. 3 انظر: التقريب (2/368، و1/5) . 4 انظر: ص: (373) . 5 ص: (359-362) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 المبحث الثاني: في إيفاد ثقيف جماعة منهم إلى المدينة للتفاوض مع الرسول صلى الله عليه وسلم كان من أمر ثقيف أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حاصر الطائف واستعصت عليه انصرف عنها إلى الجعرانة، فطلب منه الصحابة أن يدعوا على ثقيف. فقال: "اللهم اهد ثقيفا". وفي لفظ: "اللهم اهد ثقيفا واكفنا مؤنتهم". وعند الواقدي: "اللهم اهد ثقيفا وأت بهم" 1. وقد سبق إسلام مالك بن عوف النصري الذي كان فيه إضعاف لمعنويات ثقيف حيث صار مالكا جنديا من جنود الإسلام فضايق ثقيفا وشدد عليها، حتى وصف أبو محجن الثقفي هذا الفعل من مالك بأنه نقض للذي كان بينهم وبينه ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم2، واستاءت ثقيف لذلك وصار الأمر يزداد عليها شدة يوما بعد يوم، فكان أول من فكر في خلاص ثقيف من هذه الأزمة التي كانوا هم السبب في إيجادها عروة بن مسعود الثقفي، فقد كان هو وسلمة بن غيلان بجرش يتعلمان صنعة العرادات والمنجنيق والدبابات، ولم يشهد حنينا ولا حاصر الطائف، وإنما قدما وقد انصرف رسول اله صلى الله عليه وسلم عن الطائف، فنصبا المنجنيق والعارادات والدبابات وأعدا للقتال، ثم ألقى الله في قلب عروة الإسلام وغيره عما كان عليه3. وفيما يلي ما نقله ابن إسحاق في هذا الصدد قال: 214- وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك في رمضان، وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف. وكان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم، اتبع أثره عروة بن   1 تقدم الحديث برقم (170) وانظر مغازي الواقدي 3/937. 2 انظر: "ص (457) . (سيرة ابن هشام 2/478 ومغازي الواقدي 3/960 والطبقات الكبرى لابن سعد 1/312 و5/503 ودلائل النبوة لأبي نعيم ص 466-468) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 مسعود الثقفي، حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة، فأسلم وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما يتحدث قومه - إنهم قاتلوك، وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فيهم نخوة1 الامتناع الذي كان منهم، فقال عروة: "يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبكارهم2. -وكان فيهم كذلك محببا مطاعا - فخرج يدعو قومه إلى الإسلام رجاء أن لا يخالفوه، لمنتزلته فيهم، فلما أشرف لهم على علية3 له، وقد دعاهم إلى الإسلام، وأظهر لهم دينه، رموه بالنبل من كل وجه، فأصابه سهم فقتله، فتزعم بنو مالك أنه قتله رجلا منهم، يقال له أوس بن عوف4، أخو بني سالم بن مالك. وتزعم الأحلاف أنه قتله رجل منهم، من بني عتاب بن مالك، يقال له وهب بن جابر5". فقيل لعروة: "ما ترى في دمك؟ " قال: "كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إلي، فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم، فادفنوني معهم، فدفنوه معهم6 فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه:   1 نخوة الامتناع: "أي كبر وعجب، وأنفة وحمية (النهاية 5/34) . 2 قال ابن هشام: "ويقال من أبصارهم". 3 العلية: "بضم العين وكسرها وتشديد التحتية: "الغرفة". وعند الواقدي وابن سعد "حتى إذا طلعت الفجر أوفى على غرفة فأذن بالصلاة". (القاموس المحيط4/366 ومختار الصحاح ص453 وشرح المواهب اللدنية4/7) . 4 أوس بن عوف بن جابر بن سفيان بن عبد ياليل بن سالم بن مالك بن حطيط من جشم بن ثقيف، كذا نسبه ابن حبان في الصحابة، وقال: "كان في وفد ثقيف"، وزعم أبو نعيم: "أنه: "هو أوس بن حذيفة، نسب إلى عوف أحد أجداداه، وليس كذلك لاختلاف النسبين، وعند الدارمي أن قاتله: "أوس بن أبي أوس الثقفي وأوس ابن أبي أوس هو أوس بن حذيفة"، وانظر ترجمة أوس والخلاف في ذلك في حديث (221) ص 472 و (الإصابة 1/86 وأسد الغابة 1/174) . وقال الواقدي: "والأثبت عندنا أن قاتله أوس بن عوف" (المغازي 3/961، وطبقات ابن سعد 5/510. 5 في شرح المواهب 4/7: "وهب بن جارية". 6 وعند ابن سعد "فرماه رجل من بني مالك يقال له أوس بن عوف، فأصاب أكحله فلم يرقأ دمه، وقام غيلان بن سلمة وكنانة بن عبد ياليل والحكم بن عمرو بن وهب ووجوه الأحلاف، فلبسوا السلاح وحشدوا، فلما رأى عروة ذلك"، قال: "قد تصدقت بدمي على صاحبه لأصلح بذلك بينكم، وهي كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله إلي"، وقال: "ادفنوني مع الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم" (الطبقات الكبرى 1/312و5/405) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 "إن مثله في قومه كمثل صاحب ياسين1 في قومه" 2. هكذا ساقه ذلك ابن إسحاق بدون سند، وذكر أن عروة بن مسعود أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل المدينة. قال ابن كثير: "هكذا ذكر موسى بن عقبة قصة عروة بن مسعود ولكن زعم أن ذلك كان بعد حجة أبي بكر الصديق". وتابعه أبو بكر البيهقي في ذلك وهذا بعيد". والصحيح أن ذلك قبل حجة أبي بكر كما ذكره ابن إسحاق3. وذكره ابن حجر والزرقاني عن موسى بن عقبة عن الزهري وأبي الأسود عن عروة بن الزبير4. وأورده الهيثمي في المجمع فقال: 215- وعن عروة بن الزبير قال: "لما أنشأ الناس الحج سنة تسع قدم عروة بن مسعود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى قومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أخاف أن يقتلوك"، قال: "لو وجدوني نائماً ما أيقظوني، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قومه مسلماً فرجع عشاءا فجاء ثقيف يحيونه، فدعاهم إلى الإسلام، فاتهموه وأغضبوه وأسمعوه5، فقتلوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل عروة مثل صاحب ياسين دعا قومه إلى الله فقتلوه". ثم قال الهيثمي: "رواه الطبراني، وروى عن الزهري نحوه، وكلاهما مرسل وإسنادهما حسن"6.   1 قال السهيلي: "قوله: "كمثل صاحب ياسين في قومه". يحتمل أن يريد به المذكور في سورة ياسين، الذي قال لقومه: " (اتبعوا المرسلين) فقتله قومه، واسمه حبيب بن مري، ويحتمل أن يريد صاحب الياس، وهو اليسع، فإن إلياس يقال في اسمه ياسين أيضا". (الروض الأنف 7/371) . (سيرة ابن هشام 2/537-338 والروض الأنف 7/331-332 وتاريخ الرسل والملوك 3/96) . (البداية والنهاية 5/29 ودلائل النبوة للبيهقي 3/74ب) . (الإصابة2/477 وشرح المواهب4/6 والمعجم الكبير للطبراني17/147-148) . 5 في الإصابة: "فدعاهم إلى الإسلام ونصح لهم فعصوه وأسمعوه من الأذى فلما كان من السحر قام على غرفة له فأذن فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله" وبه يظهر المعنى وكذا في المعجم الكبير للطبراني 17/148. 6 مجمع الزوائد 9/386 والمعجم الكبير للطبراني 17/147-148 ودلائل النبوة للبيهقي 3/74، والخصائص الكبرى للسيوطي 2/144-146". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 وذكر ابن سعد أن عروة قدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة تسع من الهجرة، فأسلم فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه، ونزل على أبي بكر الصديق، فلم يدعه المغيرة بن شعبة حتى حوله إليه1". وقال الواقدي: "وهو الأثبت"2. وروى الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: 216- حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبو عبيدة بن فضيل بن عياض ثنا عبد الله3 بن معاذ الصنعاني عن معمر4 عن عثمان5 الجزري عن مقسم6 عن ابن عباس قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عروة بن مسعود إلى الطائف، فرماه رجل بسهم فقتله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أشبه هذا بصاحب ياسين" 7". قال الهيثمي: "رواه الطبراني وفيه أبو عبيدة8 بن الفضيل وهو ضعيف"9. وقد تداول هذه القصة أصحاب المغازي والسير في كتبهم". ثم إن ثقيفا أقامت بعد قتل عروة بن مسعود أشهرا ثم تشاوروا فيما بينهم على نبذ الخلافات التي كانت بينهم، وعلى أن يتحدوا جميعا على أمر يأمنون فيه على   1 الطبقات الكبرى لابن سعد 5/503". 2 مغازي الواقدي 3/961-962". 3 عبد الله بن نشيط - بفتح النون بعدها معجمة - الصنعاني، صاحب معمر، صدوق، تحامل عليه عبد الرزاق، من التاسعة (ت190) /ت ق (التقريب 1/452 وفي تهذيب التهذيب 6/38 قال ابن حجر: "ذكر ابن خلفون أنه مات سنة (181) . 4 معمر: "هو ابن راشد (تهذيب التهذيب 10/243) . 5 عثمان الجزري كذا في مجمع الزوائد وقد استدركه - حمدي عبد المجيد السلفي المحقق لمعجم الطبراني - على الهيثمي، بأنه مجهول". والذي وجدته أنا في شيوخ معمر وتلاميد مقسم هو (عبد الكريم الجزري) . انظر تهذيب التهذيب 6/373-375، فالله أعلم". 6 مقسم هو ابن بجرة ويقال: "ابن نجدة أبو القاسم صدوق يرسل تقدم في حديث (75) . 7 المعجم الكبير للطبراني 11/407-408. 8 قال الذهبي في ميزان الاعتدال 4/549، "فيه لين"، وقال ابن الجوزي: "ضعيف"، وقد وثقه الدارقطني، فلا يلتفت إلى كلام ابن الجوزي". اهـ وساق ابن حجر كلام الذهبي هذا وزاد: "وذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج حديثه في صحيحه وكذلك الحاكم ولم يذكره أحد ممن صنف في الضعفاء". ثم قال ابن حجر: "وسلف ابن الجوزي في تضعيف أبي عبيدة الجوزقاني" لسان الميزان 7/79". 9 مجمع الزوائد9/386. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 أنفسهم وأموالهم وذلك بأن يبعثوا وفدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم للتفاوض معه على الدخول في الإسلام، وذلك أنهم تيقنوا أن لا طاقة لهم بحرب القبائل من حولهم وقد أسلمت وبايعت، وأخذ أمر الإسلام يعلو يوما بعد يوم، وأن دولة الأصنام قد أخذت طريقها في الأفول". قال ابن إسحاق: "ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهرا، ثم إنهم ائتمروا بينهم، ورأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب وقد بايعوا وأسلموا". 217- حدثني يعقوب1 بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس: "أن عمرو2 بن أمية أخا بني علاج، كان مهاجرا لعبد بن عمرو (لشيء كان بينهم) 3 - وكان عمرو بن أمية من أدهى العرب - فمشى إلى عبد ياليل ابن عمرو، حتى دخل داره، ثم أرسل إليه أن عمرو بن أمية يقول لك: "اخرج إلي، قال: "فقال عبد ياليل للرسول ويك! أعمرو أرسلك إلي؟ " قال: "نعم، وها هو واقفا في دارك4، فقال: "إن هذا لشيء ما كنت أظنه، لعمرو كان أمنع في نفسه من ذلك، فخرج إليه، فلما رآه رحب به فقال له عمرو: "إنه قد نزل بنا أمر ليست معه هجرة، إنه كان من أمر هذا الرجل5 ما قد رأيت، قد أسلمت العرب كلها6، وليست لكم بحربهم طاقة، فانظروا في أمركم".   1 انظر ترجمته في التقريب 2/376 وتهذيب التهذيب 11/392 وهو ثقة". 2 قال ابن حجر: "له ذكر في مغازي ابن إسحاق لما أسلمت ثقيف، وأنه بنى عند مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف حيث كان يحاصرها مسجدا". وقد اختلف في اسمه ففي مختصر السيرة هكذا". وعند الأموي في المغازي عن ابن إسحاق أبو أمية بن عمرو بن وهب (الإصابة 2/524 و4/11) . وانظر ص 283". 3 ما بين القوسين من شرح المواهب 4/7 والذي في سيرة ابن هشام "الذي بينهما سيء" ولا يظهر منه المراد". 4 عند الواقدي: "وكان عبد ياليل يحب صلحه ويكره أن يمشي إليه فقال عبد ياليل: "إن هذا شيء ما كنت أظنه بعمرو، وما هو إلا عن أمر قد حدث وكان أمرا سوءا ما لم يكن من ناحية محمد". 5 يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. 6 عند الواقدي: "وقد أسلمت العرب كلها وليست لكم بهم طاقة، وإنما نحن في حصننا هذا، ما بقاؤنا فيه وهذه أطرافنا تصاب! ولا نأمل من أحد منا يخرج شبرا واحدا من حصننا هذا، فانظروا في أمركم! قال عبد ياليل: "قد والله رأيت ما رأيت، فما استطعت أن أتقدم بالذي تقدمت به، وإن الحزم والرأي الذي في يديك" (المغازي 3/962) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 فعند ذلك ائتمرت ثقيف بينهما، وقال بعضهم لبعض: "أفلا ترون أنه لا يأمن لكم سرب1، ولا يخرج منكم أحد إلا اقتطع، فأتمروا بينهم، وأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا، كما أرسلوا عروة2 فكلموا عبد ياليل بن عمرو بن عمير، وكان سن عروة3 بن مسعود، وعرضوا ذلك عليه، فأبى أن يفعل، وخشي أن يصنع به إذا رجع كما صنع بعروة، فقال: "لست فاعلا حتى ترسلوا معي رجالا فأجمعوا أن يبعثوا معه رجلين من الأحلاف، وثلاثة من بني مالك فيكونوا ستة، فبعثوا مع عبد ياليل: "الحكم4 بن عمرو بن وهب بن معتب، وشرحبيل5 بن غيلان بن سلمة ابن معتب6". ومن بني مالك: "عثمان7 بن أبي العاص بن بشر بن عبد دهمان، أخا بني يسار، وأوس8 بن عوف، أخا بني سالم بن عوف ونمير9 بن خرشة بن ربيعة10 أخا بني الحارث فخرج بهم عبد ياليل11 وهو ناب12 القوم وصاحب أمرهم13، ولم يخرج بهم إلا خشية من مثل ما صنع بعروة ابن مسعود، لكي يشغل كل رجل منهم   1 وعند ابن كثير نقلا عن موسى بن عقبة قال: "كان الوفد بضعة عشر رجلا فيهم كنانة بن عبد ياليل - وهو رئيسهم - وفيهم عثمان بن أبي العاص وهو أصغر الوفد (البداية والنهاية 5/30) ، وهو أيضا قول الواقدي، وعد فيهم سفيان ابن عبد الله، وجعل رئيسهم وصاحب أمرهم (عبد ياليل) بدل كنانة ابن عبد ياليل) (المغازي للواقدي 3/963) . وعند ابن سعد أن الوفد السبعون رجلا من الأحلاف وبني مالك، فيهم عبد ياليل وابناه كنانة وربيعة، وشرحبيل بن غيلان بن سلمة، والحكم بن وهب بن معتب، وعثمان بن أبي العاص وأوس بن عوف ونمير بن خرشة بن ربيعة، وهؤلاء الستة رؤساؤهم". ثم قال: "وقال بعضهم: "كانوا جميعا بضعة عشرة رجلا، وهو أثبت (الطبقات الكبرى 1/313 و5/511) . 2 كذا قال ابن إسحاق بأن عبد ياليل ممن وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف وقال موسى بن عقبة وابن الكلبي وأبو عبيدة وغيرهم، إنما الذي وفد ابنه مسعود ابن عبد ياليل". قال ابن عبد البر: "وهو الصحيح" (أسد الغابة 3/512) وقد ذكر ابن حجر عبد يايليل فمن غلط فيه من الصحابة فقال: "ذكره ابن حبان في الصحابة وقال: "كانت له صحبة وكان من الوفد، وقال غيره إنما هذا لولد مسعود". (الإصابة 2/432 و3/158) . وقال الزرقاني: "لكن صاحب الإصابة وغيره ترجموا مسعود بن عمرو وقالوا: "إنه أخو عبد يايليل لابنه، ولم يذكروا لابنه ترجمة". (شرح المواهب 4/7) وانظر ترجمة مسعود بن عمرو (الإصابة 3/412 و1/307 في ترجمة أخيه حبيب". 3 ناب القوم: "سيدهم (القاموس المحيط 1/135) . 4 وعند الواقدي "وهو رأسهم وصاحب أمرهم، لكنه أحب أن يرجعوا أن يسهل كل رجل رهطه". 5 السرب: "المسلك والطريق (النهاية 2/356) . 6 عند الواقدي "كما خرج عروة بن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم". 7 عند الطبري "وكان في سن عروة". وفي النهاية 2/412: "يقال فلان سن فلان، إذا كان مثله في السن". 8 انظر ترجمته في الإصابة 1/347". 9 المصدر السابق 2/145". 10 وعند الواقدي: "وهؤلاء الأحلاف رهط عروة". 11 انظر ترجمته في الإصابة 2/460، وانظر ص 467 تعليقة (2) . 12 المصدر السابق 1/86". 13 المصدر السابق 3/574 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 إذا رجعوا إلى الطائف رهطه، فلما دنوا إلى المدينة، ونزلوا قناة1، ألفوا بها المغيرة بن شعبة، يرعى في نوبته ركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، - وكانت رعيتها نوبا على أصحابه صلى الله عليه وسلم- فلما رآهم ترك الركاب عند الثقفيّين، وضبر2 يشتد يبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم عليه، فلقيه أبو بكر الصديق قبل أن يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره عن ركب ثقيف أن قد قدموا يريدون البيعة والإسلام، بأن يشرط لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شروطا ويكتتبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا في قومهم وبلادهم وأموالهم، فقال أبو بكر للمغيرة: "أقسمت عليك بالله لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أحدثه3، ففعل المغيرة، فدخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بقدومهم عليه، ثم خرج المغيرة إلى أصحابه، فروح الظهر معهم، وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية4، ولما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عليهم قبة في ناحية مسجده5، كما يزعمون".   1 قناة: "بالفتح واد بالمدينة يأتي من الطائف ويمر بالعاقول ثم يمضي شمالا في موازاة الحرة، ثم يمر بقبور الشهداء جنوب جبل أحد". معجم البلدان 4/401 والمدينة بين الماضي والحاضر للعياشي ص 490". وعند الواقدي: "فلما كانوا بوادي قناة مما يلي دار حرض نزلوا فيجدون نشرا من الإبل، فقال قائلهم: "لو سألنا صاحب الإبل لمن الإبل، وخبرنا خبر محمد فبعثوا عثمان بن أبي العاص، فإذا هو المغيرة بن شعبة يرعى في نوبته ركاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" وانظر معالم الجزيرة للبلادي ص 257". وحرض: "بضمتين واد صغير في أرض الزبير بن العوام يسيل من بعض جبال الضليعات الحمر والدقاقات حتى يصب في قناة، والحرض هو الإشنان". معجم البلدان 2/242 والمدينة بين الماضي والحاضر للعياشي ص 491 و493". 2في القاموس المحيط2/74:ضبر الفرس والمقيد يضبر ضبرا وضبرانا جمع قوائمه ووثب". 3 وعند الواقدي "فقال أبو بكر: "أقسمت بالله عليك لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم حتى أكون أنا أخبره - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرهم ببعض الذكر - فأبشره بمقدمهم، فدخل أبو بكر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، والمغيرة على الباب، ثم خرج إلى المغيرة فدخل المغيرة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسرور، فقال يا رسول الله، قدم قومي يريدون الدخول في الإسلام بأن تشرط لهم شروطا، ويكتبون كتابا على من وراءهم من قومهم وبلادهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يسألون شرطا ولا كتابا أعطيته أحدا من الناس إلا أعطيتهم فبشرهم! فخرج المغيرة راجعا فخبرهم ما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشرهم". 4 وعند الواقدي "فكل ما أمرهم المغيرة فعلوا إلا التحية، فإنهم قالوا: "أنعم صباحا ودخلوا المسجد فقال الناس: "يا رسول الله، يدخلون المسجد وهم مشركون؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الأرض لا ينجسها شيء". 5 وفي زاد المعاد نقلا عن موسى بن عقبة فقال المغيرة بن شعبة: "يا رسول الله أنزل قومي علي فأكرمهم، فإني حديث الجرح فيهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أمنعك أن تكرم قومك، ولكن أنزلهم حيث يسمعون القرآن" وكان من جرح المغيرة في قومه أنه كان أجير الثقيف، وأنهم أقبلوا من مصر حتى إذا كانوا ببعض الطريق، عدا عليهم وهم نيام، فقتلهم ثم أقبل بأموالهم حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما الإسلام فنقبل، وأما المال فلا فإنا لا نغدر" وأبى أن يخمس ما معه، وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف في المسجد، وبنى لهم خياما لكي يسمعوا القرآن، ويروا الناس إذا صلوا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب لا يذكر نفسه، فلما سمعه وفد ثقيف، قالوا: "يأمرنا أن نشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يشهد به في خطبته، فلما بلغه قولهم، قال: "فإني أول من شهد أني رسول الله" (زاد المعاد 3/596) وذكر نحو هذا الواقدي وأصل قصة إسلام المغيرة في الصحيح انظر ص 496 تعليقة (2) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 فكان خالد بن سعيد بن العاص، هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اكتتبوا كتابهم، وكان خالد هو الذي كتب كتابهم، وكان خالد هو الذي كتب كتابهم بيده، وكانوا لا يطعمون طعاما يأتيهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأكل منه خالد حتى أسلموا وفرغوا من كتابهم، وقد كان فيما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم الطاغية، وهي اللات1 لا يهدمها ثلاث سنين، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عليهم فما برحوا يسألونه سنة سنة، ويأبى عليهم، حتى سألوا شهرا واحد بعد مقدمهم، فأبى أن يدعها شيء مسمى، وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يتسلموا بتركها من سفائهم ونسائهم وذراريهم ويكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فيهدماها، وقد كانوا سألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة، وأن لا يكسروا أوثانهم بأيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه2، وأما الصلاة فإنه لا خير في دين لا   1 اللات: "قال ابن كثير: "كانت اللات صخرة بيضاء منقوشة عليها بيت بالطائف له أستار وسدنة، وحوله فناء معظم عند أهل الطائف، وهم ثقيف ومن تبعها يفتخرون بها على من عداهم من أحياء العرب بعد قريش". قال ابن جرير: "وكانوا قد اشتقوا اسمها من اسم الله، فقالوا: "اللات يعنون مؤنثة منه تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا". وحكي عن ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس أنهم قرءوا اللات: "بتشديد التاء وفسروه بأنه كان رجلا يلت للحجيج في الجاهلية السويق فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه". ثم قال ابن كثير: "وقد بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة وأبا سفيان صخر ابن حرب، فهدماها وجعلا مكانها مسجدا بالطائف". (تفسير بن كثير 4/ 253و254) إهـ". قلت: "جعل مكان اللات مسجدا: "جاء عند أبي داود وابن ماجه والطبراني والحاكم من حديث محمد بن عبد الله بن عياض عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كانت طاغيتهم" (سنن أبي داود 2/118 كتاب الصلاة باب في بناء المساجد، وسنن ابن ماجه 1/245كتاب المساجد، باب أين يجوز بناء المساجد والمعجم الكبير للطبراني 9/39، والمستدرك للحاكم 3/618، والحديث فيه محمد بن عبد الله بن عياض الطائفي، وقال ابن حجر: "مقبول، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي: "لا يعرف (التقريب 2/179 وتهذيب التهذيب 9/271 وميزان الإعتدال 3/602". 2 وعند ابن قيم الجوزية: "فقال كنانة بن عبد ياليل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل أنت مقاضينا حتى نرجع إلى قومنا؟ " قال: "نعم، أن انتم أقررتم بالإسلام أقاضيكم، وإلا فلا قضية ولا صلح بيني وبينكم"، وأنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص لهم الزنى، والربا والخمر، "فأبى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم". وقال: "هي عليكم حرام وتلا الآيات الواردة في ذلك فارتفع القوم فخلا بعضهم ببعض، فقالوا: "ويحكم إنا نخاف إن خالفناه يوما كيوم مكة، انطلقوا نكاتبه على ما سألناه، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: "نعم لك ما سألت، أرأيت الربة - يعنون اللات- ماذا نصنع فيها؟ قال: "اهدموها" قالوا: "هيهات لو تعلم الربة أنك تريد هدمها لقتلت أهلها، فقال عمر بن الخطاب: "ويحك يا ابن عبد ياليل، ما أجهلك إنما الربة حجر، فقالوا: "إنا لم نأتك يا ابن الخطاب، وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "تول أنت هدمها، فأما نحن فإنا لا نهدمها أبدا، قال: "فسأبعث إليكم من يكفيكم هدمها" فكاتبوه (انظر زاد المعاد 3/596-597) ، ومغازي الواقدي (3/966-967) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 صلاة فيه، فقالوا: "يا محمد، فسنؤتيكها، وإن كانت دناءة1". فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابهم، أمر عليهم عثمان2 بن أبي العاص، وكان من أحدثهم سنا، وذلك كان أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم القرآن3، فقال أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله، إني قد رأيت هذا الغلام منهم من أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم القرآن"4". والحديث رواه الطبري من هذا الطريق5". وقال الألباني: "ضعيف ذكره ابن هشام عن ابن إسحاق معضلا، والجملة الأخيرة وصلها أبو داود وأحمد عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص مرفوعا نحوها،   1 عند الواقدي: "فقالوا: "يا محمد، أما الصلاة فسنصلي، وأما الصيام فسنصوم، وتعلموا فرائض الإسلام وشرائعه". 2 عثمان بن أبي العاص بن بشر بن عبد بن دهمان بن عبد الله بن همام الثقفي أبو عبد الله نزيل البصرة، أسلم في وفد ثقيف، فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف، وأقره أبو بكر زمن خلافته ثم استعمله عمر بن الخطاب على البحرين وعمان سنة خمس عشرة ثم سكن البصرة، حتى مات بها سنة خمسين وقيل سنة إحدى وخمسين، وكان هو الذي منع ثقيفا عن الردة، خطبهم فقال: "كنتم آخر الناس إسلاما فلا تكونوا أولهم ارتداداً". (أسد الغابة 3/579-581 والإصابة2/460 وشرح المواهب4/7-8، والاستيعاب 3/91 ووقع في شرح المواهب "عثمان بن أبي العاص بن بشر بن عبيد ابن درهمان" ولعله خطأ". 3 وذكر موسى بن عقبة "أن وفدهم كانوا إذا أتو رسول الله خلفوا عثمان ابن أبي العاص في رحالهم فإذا رجعوا وسط النهار جاء هو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن العلم فاستقرأه القرآن، فإن وجده نائما، ذهب إلى أبي بكر الصديق فلم يزل دأبه حتى فقه في الإسلام وأحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا شديدا (زاد المعاد 3/596، والبداية والنهاية 5/31) والطبقات الكبرى لابن سعد 5/508) . (السيرة النبوية لابن هشام 2/538-540، الورض الأنف 7/332-335، وزاد المعاد3/595-597، والبداية والنهاية 5/29-31 وتاريخ الخميس2/134-136، وشرح المواهب 4/6-8 والطبقات الكبرى لابن سعد 1/312-314 و5/508 ومغازي الواقدي 3/960-968) . 5 تاريخ الرسل والملوك 3/97-99". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 ورجاله ثقات، لكن الحسن وهو البصري مدلس وقد عنعنه1". قلت: "الحديث المشار إليه عند أبي داود وأحمد وهو أيضا عن أبي داود الطيالسي والطبراني وهذا سياقه عند أبي داود: 218- حدثنا أحمد2 بن علي بن سويد - يعني ابن منجوف - اخبرنا أبو داود3 عن حماد بن سلمة عن حميد4 عن الحسن5 عن عثمان بن أبي العاص أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلهم المسجد6 ليكون أرق لقلوبهم7، فاشترطوا عليه أن لا يحشروا8 ولا يعشروا وألا يجبوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكم أن تحشروا ولا   1 تخريج أحاديث فقه السيرة للغزالي ص 450". 2 أحمد بن عبد الله بن علي بن سويد بن منجوف - بنون ساكنة ثم جيم وآخره فاء - أبو بكر السدوسي، صدوق، من الحادية عشرة (ت 252) /خدس". التقريب 1/18 وتهذيب التهذيب 1/48) . 3 هو سليمان بن داود بن الجارود أبو داود الطيالسي". (تهذيب التهذيب 4/182) . 4 حميد بن أبي حميد الطويل أبو عبيدة تقدم في حديث (22) . 5 الحسن بن أبي الحسن أبو سعيد البصري تقدم في حديث (156) . 6 عند الطيالسي "أنزلهم في قبة في المسجد". 7 قوله: "ليكون أرق لقلوبهم" أرق هاهنا: "اسم تفضيل من أرقه إرقاقا بمعنى ألانه وإِلاَنَةً، وهو عند سيبويه قياس من باب أفعل مع كونه ذا زيادة، ويؤيد كثرة السماع كقولهم هو أعطاهم للدينار وأولاهم، للمعروف، وهو عند غيره سماع مع كثرته، قاله الرضي في شرح الكافية". فالمعنى أي ليكون إنزالهم المسجد أكثر وأشد إلانة وترقيقا لقلوبهم بسبب رؤيتهم حال المسلمين وخشوعهم وخضوعهم واجتماعهم في صلواتهم وفي عباداتهم لربهم (عون المعبود 8/267) . 8 أن لا يحشروا: "أي لا يجمعوا، والمراد به: "جمعهم إلى الجهاد، والنفير إليه، ولا يعشروا: "أي لا يؤخذ عشر أموالهم، وقيل: "أرادوا الصدقة الواجبة، ولا يجبوا: "بالجيم وتشديد الباء الموحدة، وأصل التجبية: "أن يقوم الإنسان قيام الراكع، وقيل: "هو أن يضع يده على ركبتيه وهو قائم، وقيل: "هو أن ينكب على وجهه باركا، وهو السجود". والمراد بقوله (لا يجبوا) أي أنهم لا يصلون، ولفظ الحديث يدل على الركوع، لأنه صلى الله عليه وسلم قال لهم في الجواب "ولا خير في دين ليس فيه ركوع" والأفعال كلها مبنية للمجهول". ويشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما سمح لهم بالجهاد والصدقة لأنهما لم يكونا بعد واجبين في العاجل، لأن الصدقة إنما تجب بحول الحول، والجهاد إنما يجب بحضور العدو، وأما الصلاة فهي واجبة في كل يوم وليلة في أوقاتها المؤقتة فلم يجز أن يشترطوا تركها". وقد سئل جابر بن عبد الله عن اشتراط ثقيف أن لا صدقة عليها ولا جهاد؟ فقال: "علم أنهم سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا انظر الحديث (220) . (جامع الأصول لأبن الأثير 8/413-414 وعون المعبود لشمس الحق العظيم آبادي 8/267-268) وروى الإمام أحمد في المسند 5/224، والطبراني في الكبير 2/32 من حديث بشير بن الخصاصية قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبايعه قال: "فاشترط علي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن أقيم الصلاة وأن أودي الزكاة، وأن أحج حجة الإسلام وأن أصوم شهر رمضان وأن أجاهد في سبيل الله، الحديث وفيه فقلت: "أما الصدقة والجهاد فلا أطيقهما قال: "فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم حرك يده ثم قال: "فلا جهاد ولا صدقة فيم تدخل الجنة" قال: "فبايعته عليهن كلهن". قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/42 رجال أحمد موثقون، قال ابن الأثير في النهاية 3/239-240 فلم، يحتمل لبشير ما احتمل لثقيف، ويشبه أن يكون إنما لم يسمح له لعلمه أنه يقبل إذا قيل له وثقيف كانت لا تقبله في الحال، وهو واحد وهم جماعة فأراد أن يتألفهم ويدرجهم عليه شيئا فشيئا". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 تعشروا، ولا خير في دين ليس فيه ركوع"1. والحديث رواه أحمد وأبو داود الطيالسي والطبراني الجميع من طريق حماد بن سلمة به2". والحديث من رواية الحسن البصري عن عثمان بن أبي العاص، قال المنذري: "وقد قيل إن الحسن البصري لم يسمع من عثمان بن أبي العاص3". وكذا قال ابن حجر". وجزم علي بن المديني بسماع الحسن من عثمان بن أبي العاص4". وما ذكره ابن إسحاق وغيره في شأن وفد ثقيف قد جاء أكثره مفرقا في أحاديث كثيرة فيها الصحيح والحسن والضعيف وهي: ما رواه مسلم وغيره من حديث جابر بن عبد الله وهذا سياقه عند مسلم: 219- حدثنا يحيى بن يحيى5 وإسماعيل بن سالم قالا: "أخبرنا هشيم عن أبي بشر عن سفيان عن جابر بن عبد الله أن وفد ثقيف سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: "إن أرضنا أرض باردة، فكيف بالغسل؟ فقال: "أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثا". قال ابن سالم في روايته: "حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر.   1 سنن أبي داود2/146كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب ما جاء في خبر الطائف". 2 أحمد: "المسند 4/218 وزاد في آخر الحديث "قال عثمان بن أبي العاص يا رسول الله: "علمني القرآن واجعلني إمام قومي". وأبو داود الطيالسي كما في منحة المعبود 1/25 وزاد في آخر الحديث قال أبو داود: "قال ابن فضالة: "سمعت الحسن يزيد في هذا الحديث أن ثقيفا قالت: "سنعطيكها على قماة فيها". والطبراني: "المعجم الكبير 9/45". 3 عون المعبود 8/268 وانظر تهذيب التهذيب لأبن حجر 2/244". 4 العلل لابن المديني ص 54". 5 يحيى بن يحيى هو النيسابوري أبو زكريا، وإسماعيل بن سالم: "هو الصائغ البغدادي، وهشيم: "هو ابن بشير". وأبو بشر: "هو جعفر بن إياس ابن أبي وحشية، وأبو سفيان: "هو طلحة بن نافع الإسكاف". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 وقال: "إن وفد ثقيف، قالوا: "يا رسول الله"1". قال النووي: "قوله قال ابن سالم في روايته حدثنا هشيم قال حدثنا2 أبو بشر هذا فيه فائدة عظيمة من دقائق هذا العلم ولطائفه، وهي مصرحة بغزارة علم مسلم رحمه الله تعالى، ودقة نظره، وهي أن هشيما - رحمه الله تعالى - مدلس، وقد قال في الرواية المتقدمة، عن أبي بشر". والمدلس إذ قال "عن" لا يحتج به إلا إذا أثبت سماعه ذلك الحديث من ذلك الشخص، الذي عنعن عنه، فبين مسلم أنه ثبت سماعه من جهة أخرى". وهي رواية ابن سالم فإنه قال فيها: "أخبرنا أبو بشر3". اهـ". والحديث رواه أبو داود الطيالسي قال: "حدثنا هشيم عن أبي بشر به، ولفظه "أن أهل الطائف قالوا يا رسول الله إن أرضنا أرض باردة، فما يجزئنا من غسل الجنابة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثا" 4. رواه الإمام أحمد من طريق أبي زبير عن جابر، فقال: "حدثنا موسى5 ثنا ابن لهيعة6 عن ابن الزبير7 قال سألت جابر عن الغسل، قال: "أتت ثقيف النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "إن أرضنا باردة، فكيف تأمرنا بالغسل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما أنا فأصب على رأسي ثلاث مرات ولم يقل غير ذلك "8. وأورده الهيثمي عن أنس بن مالك ثم قال: "رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح9". بلفظ: "أن وفد ثقيف قالوا: يا رسول الله إن أرضنا أرض باردة فما يكفينا من غسل الجنابة؟ قال: "أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثا".   1 صحيح مسلم 1/ 159 كتاب الحيض". 2 في المتن "أخبرنا". 3 شرح النووي على صحيح مسلم 1/624". 4 منحة المعبود 1/60". 5 موسى بن داود الضبي، أبو عبد الله الطرسوسي، نزيل بغداد، قاضي طرسوس صدوق فقيه زاهد، له أوهام، من صغار التاسعة (ت 217) م د س ق (التقريب 2/282 وتهذيب التهذيب 10/342) . 6 عبد الله بن لهيعة صدوق تقدم في حديث 0 64) . 7 محمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير المكي، صدوق تقدم في حديث (109) . 8 مسند الإمام أحمد 3/348 والفتح الرباني 2/131". 9 مجمع الزوائد 1/271". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 وأخرج أحمد أيضا من طريق أخرى فقال: "حدثنا يحيى بن آدم ثنا مفضل بن مهلهل عن مغيرة عن شباك عن الشعبي عن رجل من ثقيف قال: "سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فلم يرخص لنا، فقلنا: "إن أرضنا باردة فسألناه أن يرخص لنا في الطهور فلم يرخص لنا وسألناه أن يرخص لنا في الدباء1 فلم يرخص لنا فيه، وسألناه أن يرد إلينا أبا بكرة فأبى وقال: "هو طليق الله وطليق رسوله" الحديث2". قال الهيثمي: "رواه أحمد ورجاله ثقات"3. ما رواه أبو داود وأحمد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وهذا سياقه عند أبي داود قال: 220- حدثنا الحسن4 بن الصباح أخبرنا إسماعيل5 يعني بن عبد الكريم - حدثني إبراهيم6 - يعني بن عقيل بن منبه- عن أبيه7 عن وهب8 قال: "سألت   1 الدباء: "القرع واحدها دباءة، ووزن الدباء: "فعّال، ولامه همزة لأنه لا يعرف انقلاب لامه عن واو أو ياء، قاله الزمخشري وأخرجه الهروي في هذا الباب على أن همزته زائدة". أخرجه الجوهري في المعتل على أن همزته منقلبة، وكأنه أشبه". ونهاهم عن الدباء، أي عن الإنتباذ فيه لأنه تسرع تسرع الشدة فيه فيؤدي إلى السكر (النهاية لابن الأثير 2/96) . 2 تقدم تخريجه برقم (147) . 3 مجمع الزوائد (4/245) . 4 الحسن بن الصباح البزار - آخره راء - أبو علي الواسطي نزيل بغداد، صدوق يهم، وكان عابدا فاضلا، من العاشرة (ت 249) هكذا قال عنه ابن حجر، وفي ميزان الاعتدال رمز له الذهبي بـ (صح) إشارة إلى أنه ثقة". وقد روى عنه (خ د ت س) كما في هدي الساري لابن حجر وتهذيب التهذيب له، وسير أعلام النبلاء للذهبي والخلاصة للخزرجي". وسقطت علامة النسائي من ميزان الاعتدال وتذكرة الحفاظ كلاهما للذهبي وفي تقريب التهذيب الطبعة المصرية بزيادة مسلم". والظاهر أن الذي أخرج له هو البخاري والأربعة سوى ابن ماجه كما قال ابن حجر في هدي الساري (انظر التقريب 1/167 وتهذيب التهذيب 2/289-290 وسير أعلام النبلاء 2/262 وميزان الاعتدال 1/499 وتذكرة الحفاظ 2/476 وهدي الساري ص 397 والخلاصة 1/214) . 5 إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه - بالموحدة - أبو هشام الصنعاني، صدوق من التاسعة / د فق (التقريب 1/72، وتهذيب التهذيب 1/315) . 6 إبراهيم بن عقيل بن معقل الصنعاني، صدوق من الثامنة / د (التقريب 1/40 وتهذيب التهذيب 1/146) . 7 هو عقيل بن معقل بن منبه اليماني، ابن أخي وهب، صدوق، من السابعة/ د (التقريب 2/29 وتهذيب التهذيب 7/255) . 8 وهب بن منبه بن كامل اليماني، أبو عبد الله الأبناوي - بفتح الهمزة وسكون الموحدة بعدها نون- ثقة من الثالثة، (ت سنة بضع عشرة ومائة / خ م د ت س فق (التقريب 2/339 وتهذيب التهذيب 11/166-168) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 جابر عن شأن ثقيف إذ بايعت، قال: "اشترطت على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها ولاجهاد، وأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا" 1. والحديث حسن لذاته". ورواه أحمد قال ثنا حسن2 ثنا ابن لهيعة3 ثنا أبو الزبير قال: "سألت جابرا عن شأن ثقيف إذ بايعت". الحديث4". ما رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد وغيرهم من حديث أوس بن حذيفة وهذا سياقه عند أحمد قال: " 221- حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا عبد الله5 بن عبد الرحمن الطائفي عن عثمان6 بن عبد الله بن أوس7 الثقفي عن جده أوس بن حذيفة قال: "كنت في الوفد   1 أبو داود: "السنن 2/146 كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب ما جاء في خبر الطائف". 2 الحسن بن موسى الأشيب - بمعجمة ثم تحتانية - أبو علي البغدادي قاضي الموصل وغيرها، ثقة من التاسعة (ت 209 أو 210) / ع (التقريب 1/171 وتهذيب التهذيب 2/323، ومسند أحمد 3/337". 3 ابن لهيعة: "هو عبد الله بن لهيعة، وأبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، تقدمت ترجمتهما". 4 المسند 3/341". 5 عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب أبو يعلى الطائفي الثقفي صدوق يخطأ ويهم تقدم في حديث (45) . 6 عثمان بن عبد الله بن أوس الثقفي الطائفي مقبول من الثالثة/ د ق (التقريب 2/11 وقال الذهبي في ميزان الاعتدال 3/43:محله الصدق وثقه ابن حبان وفي تهذيب التهذيب 7/129 ذكره ابن حبان في الثقات له عند أبي داود وابن ماجه حديث في وفد ثقيف". وانظر: " (الخلاصة للخزرجي2/217) وقد سقطت علامة أبي داود من التقريب الطبعة المصرية". 7 أوس بن حذيفة وهو أوس بن أبي أوس، واسم أبي أوس حذيفة، وهو والد عمرو بن أوس الثقفي، روى عن النني صلى الله عليه وسلم وعن علي بن أبي طالب وعنه ابنه عمرو وابن ابنه عثمان بن عبد الله، والنعمان بن سالم وجماعة". وفي مسند أحمد 3/8: "أوس بن أوس الثقفي وهو أوس بن حذيفة". وقال البخاري في (التاريخ الكبير 2/ 15-16) : "أوس بن حذيفة الثقفي والد عمرو ابن أوس، ويقال: "أوس بن أبي أوس، ويقال أوس بن أوس 10 هـ". وكذا قال ابن حبان في الصحابة". وقال أبو نعيم في معرفة الصحابة: "اختلف المتقدمون في أوس هذا: "فمنهم من قال: "أوس بن حذيفة، ومنهم من قال: "أوس بن أبي أوس وكنى أباه، ومنهم من قال أوس ابن أوس". وأما أوس بن أوس الثقفي، وقيل أوس بن أبي أوس، فروى عنه الشاميون، قال: "وتوفي أوس بن حذيفة سنة (49) ، وقال ابن حجر: "أوس بن أبي أوس: "هو أوس ابن حذيفة وأن أوس بن أوس: "غير أوس بن أبي أوس". وإنما قيل في أوس بن أوس هذا: "أوس بن أبي أوس، وقيل في أوس بن أبي أوس: "أوس بن أوس خطأ". والتحقيق أنهما اثنان". تهذيب التهذيب 1/381-382 والإصابة 1/79-82 و1/133 وكذا فرق المزي بينهما في تحفة الأشراف 2/2و4 وأن أوس بن أوس ابن أبي أوس هو أوس بن حذيفة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 الذين أتو النبي صلى الله عليه وسلم أسلموا من ثقيف1، من بني مالك أنزلنا في قبة له، فكان يختلف إلينا بين بيوته وبين المسجد، فإذا صلى العشاء الآخرة2 انصرف إلينا، ولا نبرح3 حتى يحدثنا ويشتكي قريشا ويشتكي أهل مكة ثم يقول: "لا سواء4 كنا بمكة مستذلين ومستضعفين فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال الحرب علينا ولنا5 فمكث عنا ليلة لم يأتينا حتى طال ذلك علينا بعد العشاء6، قال: "قلنا ما أمكثك عنا يا رسول الله؟   1 وعند أبي داود"قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف، قال فنزلت الأحلاف على المغيرة بن شعبة وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بن مالك في قبة له"، وعند ابن ماجه "فنزلوا الأحلاف على المغيرة بن شعبة" وعند أبي داود الطيالسي "قال: "قدمنا وفد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل الأحلافيون على المغيرة وأنزل المالكيين قبته" وكذا عند أبي نعيم "وعند الطبراني" قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفد ثقيف فأنزل عليه في قبة له، فنزل إخواننا من الأحلاف على المغيرة بن شعبة". 2 وعند أبي داود "قال كان كل ليلة يأتينا بعد العشاء يحدثنا قائما على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام" وعند ابن ماجه "فكان يأتينا كل ليلة بعد العشاء فيحدثنا قائما على رجليه، حتى يراوح بين رجليه". وعند أبي نعيم "فكان يأتينا بعد العشاء الآخرة فيحدثنا". وعند أبي داود الطيالسيي"قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا فيحدثنا بعد العشاء الآخرة حتى يراوح بين قدميه من طول القيام" وعند ابن سعد "وكان ينصرف إليهم بعد العشاء الآخرة فيحدثهم قائما على رجليه، يرواح بين قدميه مما قد مل من القيام". 3 وعند أحمد أيضا "فلا يبرح يحدثنا ويشتكي قريشا" وعند أبي داود الطيالسي "فكان أكثر ما يحدثنا اشتكاء قريش" وعند أبي داود وابن ماجه "وأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه من قريش". وعند ابن سعد "وأكثر ما يحدثهم اشتكاء أهل مكة وقريش". وعند الطبراني "وكان أكثر حديثه تشكية قريش" وعند أبي نعيم "فكان أكثر ما اشتكى قريشا". 4 لا سواء: "أي حالنا الآن غير ما كانت عليه قبل الهجرة (عون المعبود 4/271) وعند أبي داود أيضا "لا أنسى" "والمعنى لا أنسى أذيتهم وعداوتهم". 5 وعند أبي داود الطيالسي "فلما قدمنا المدينة انتصفنا من القوم، فكانت سجال الحرب علينا ولنا". وعند أبي داود وابن ماجه "وكانت سجال الحرب بيننا وبينهم ندال عليهم ويدالون علينا". وعند ابن سعد "وكانت الحرب بيننا وبينهم سجالا". وعند الطبراني "فلما أتينا المدينة كانت الحرب سجالا علينا ولنا". والسجال: "مرة لنا ومرة علينا (النهاية 2/344) . 6 وعند أبي داود "فلما كانت ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلنا لقد أبطأت عنا الليلة". وعند ابن ماجه "فلما كان ذات ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه". وعند أبي داود الطيالسي "فاحتبس عنا ليلة عن الوقت الذي كان يأتينا فيه ثم أتانا، فقلنا يا رسول الله احتبست عنا الليلة عن الوقت الذي كنت تأتينا فيه". وعند ابن سعد "فاحتبس عنا ذات ليلة فقلنا: "يا رسول الله ما حبسك عنا الليلة؟ ". وعند الطبراني "فأبطأ علينا ذات ليلة فأطول فقلنا يا رسول الله لقد أبطأت". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 قال: "طرأ1 علي حزب من القرآن فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه". قال فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أصبحنا، قال: "قلنا كيف تحزبون القرآن؟ 2". قالوا: "نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة وحزب مفصل3 من قاف حتى يختم"4. والحديث رواه أبو داود وابن ماجه وأبو داود الطيالسي والطبراني وأبو نعيم كلهم من طريق عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي به5. ورواه ابن سعد عن الضحاك بن مخلد والفضل بن دكين وعبد الملك6 بن   1 طرأ علي حزب من القرآن: "أي ورد وأقبل، يقال طرأ يطرأ مهموزا إذا جاء مفاجأة، كأنه فجأه الوقت الذي كان يؤدي فيه ورده من القراءة (النهاية 3/117، عون المعبود 4/271) . وعند أبي داود وابن ماجه وأبي داود الطيالسي والطبراني "طرأ علي حزبي" وعند ابن سعد "أنه طرأ علي نفر من الجن، وبقي علي من حزبي شيء فكرهت أن أخرج من المسجد حتى أقرأه". 2 وعند أبي داود الطيالسي "قال فلما أصبحنا سألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحزاب القرآن كيف تحزبونه؟ فقالوا: "ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل". وعند ابن سعد: "فلما أصبحنا قلنا: "لأصحابه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حدّثنا أنه طرأ عليه نفر من الجنّ وبقي عليه حزب من القرآن فكيف كنتم تحزبون القرآن؟ ". فقالوا: "نحزبه ثلاث سور، خمس سور، سبع سور، تسع سور، احدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب المفصل ما بين قاف فأسفل". وعند أبي داود "قال أوس: "سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: "ثلاث وخمس إلخ". 3 وعند أبي داود "وحزب المفصل وحده" والمراد بالحزب: "هو ما يجعله الإنسان على نفسه من قراءة أو صلاة، والحزب الطائفة، والمعنى أنهم كانوا يجعلون للقرآن منازل، فالمراد (بالثلاث) البقرة، وآل عمران، والنساء، فهذه السور الثلاث منزل واحد من سبع منازل القرآن، (وخمس) من المائدة إلى براءة، و (سبع) من يونس إلى النحل، و (تسع) من بني إسرائيل إلى الفرقان، و (إحدى عشرة) من الشعراء إلى ياسين و (ثلاث عشرة) من الصفات إلى الحجرات، و (حزب المفصل) من قاف إلى آخر القرآن، فعلم من هذا أن في عصر الصحابة كان ترتيب القرآن مشهور على هذا النمط المعروف الآن". (النهاية 1/376 وجامع الأصول 2/476 وعون المعبود 4/272) . 4 مسند أحمد 4/9 و 343". 5 أبو داود: "السنن 1/321-322 كتاب شهر رمضان باب في تحزيب القرآن وابن ماجه: "السنن 1/427-428 كتاب الإقامة، باب في كم يستحب يختم القرآن، وأبو داود الطيالسي: "كما في منحة المعبود 2/4 والطبراني: "المعجم الكبير 1/190، أبو نعيم: "حلية الأولياء 1/347-348". 6 هو القيسي أبو عامر العقدي (تهذيب التهذيب 6/409) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 عمرو أبي عامر، ومحمد1 بن عبد الله الأسدي، قالوا: "حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الثقفي، قال: "حدثني عثمان بن عبد الله بن أوس". قال الفضل بن دكين ومحمد بن عبد الله وأبو عامر عن جده أوس ابن حذيفة2". وقال الضحاك بن مخلد عن عمه3 عمرو بن أوس عن أبيه، الحديث4". والحديث مدراه على عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن شيخه عثمان بن عبد الله، وقد قال ابن حجر: "عن عبد الله بن عبد الرحمن "صدوق يخطئ ويهم"5". وقال عن عثمان بن عبد الله "مقبول"6". ولكن عبد الله بن عبد الرحمن قد وثقه ابن حبان والعجلي، وابن المديني فيما حكى ابن خلفون78". وعثمان بن عبد الله: "وثقه ابن حبان أيضا، وقال الذهبي: "محله الصدق9". وعلى كل حال فإن قسم الحديث الأول وهو ما يتعلق بوفود ثقيف، ثابت في الأحاديث المتقدمة والأحاديث المتقدمة والأحاديث الآتية وهي:   1 الظاهر أنه محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الأسدي أبو أحمد فإنه يروي عن سفيان الثوري، وقد ذكر ابن سعد أن محمدا هذا يروي عن سفيان بن سعيد". (الطبقات الكبرى 1/488 و5/521 وتهذيب التهذيب 9/254) . 2 تقدم في حديث (221) . 3 والمعنى: "أن عبد الله بن عبد الرحمن الثقفي في رواية الضحاك حدث عن عثمان بن عبد الله عن عمه عمرو بن أوس عن أبيه أوس بن حذيفة وهو جد عثمان". والمعنى أن عثمان لم يرو عن جده مباشرة كما هو عند الباقين، وإنما روى عنه بواسطة عمرو بن أوس". وهذا لا مانع منه فقد يكون أخذ عثمان هذا الحديث عن عمه عمرو وعن جده، فكان تارة يرويه بواسطة وتارة بدون واسطة وقد ذكر ابن حجر أنه يروي عن جده أيضا". 4 الطبقات الكبرى 5/510-511". 5 انظر حديث (221) . 6 انظر حديث (221) . 7 هو: "الحافظ محمد بن إسماعيل بن محمد بن خلفون الإمام المجود أبو بكر الأزدي، الأندلسي نزيل إشبيلية، ولد سنة (555) ومات (636) كان بصيرا بصناعة الحديث حافظا للرجال متقنا، له كتاب سماه (المنتقى) في رجال الحديث في خمسة أسفار، وله كتاب "المفهم في شيوخ البخاري ومسلم) وله غير ذلك (تذكرة الحفاظ للذهبي 4/1400) . 8 تهذيب التهذيب 5/299". 9 تهذيب التهذيب 7/129 وميزان الإعتدال 3/43". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 حديث أوس أيضا عند أحمد والنسائي وابن ماجه وغيرهم وهذا سياق أحمد: 222- ثنا محمد1 بن جعفر قال ثنا شعبة عن النعمان2 بن سالم قال: "سمعت أوسا3 يقول: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف فكنا4 في قبة فقام من كان فيها غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فساره5 فقال: "اذهب6 فاقتله". ثم قال: "أليس7 يشهد أن لا إله إلا الله، قال: "بلى، ولكنه يقولها تعوذا8 فقال: "رده، ثم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها9 حرمت علي دماؤهم وأموالهم إلا بحقها".   1 هو (غندر) . 2 النعمان بن سالم الطائفي، روى عن جدته وعثمان بن أبي العاص وأوس بن أبي أوس، وعمرو بن أوس وغيرهم". وعنه شعبة وسماك بن حرب وحاتم بن أبي صغيرة وغيرهم، ثقة من الرابعة وقيل هما اثنان/م ع (التقريب 2/304، وتهذيب التهذيب 10/453) . 3 هو أوس بن أبي أوس وهو أوس بن حذيفة". انظر حديث (221) . ص 472 تعليقة (7) . 4 وعند النسائي "فكنت معه في قبة فنام من كان في القبة غيري وغيره فجاء رجل فساره إلخ". وعند الدارمي "عن النعمان بن سالم قال: "سمعت أوس بن أبي أوس الثقفي، قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف، قال: "وكنت في أسفل القبة ليس فيها أحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم نائم، إذ أتاه رجل فساره الخ". وعند أبي داود الطيالسي "عن أوس بن أبي أوس الثقفي وكان في الوفد قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في قبة وما من القوم أحد إلا أنا ثم غيري فجاء رجل فساره إلخ" كذا وقع والصواب وما من القوم أحد إلا نائم غيري، وعند أبي نعيم "عن أوس بن أوس الثقفي قال: "دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في فبته في مسجد المدينة، فأتاه رجل فساره بشيء لا ندري ما يقول". 5 ساره مسارة وسرارا بالكسر ناجاه (مختار الصحاح ص 295) . 6 وعند ابن ماجه: "اذهبوا به فاقتلوه" وعند أبي نعيم: "اذهب فقل لهم يقتلوه". 7 وعند أحمد أيضا "أن أوسا قال: "إنا لقعود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفة وهو يقص علينا ويذكرنا إذ جاءه رجل فساره فقال: "اذهبوا فاقتلوه" قال: "فلما ولّى الرجل دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيشهد أن لا إله إلا الله، قال رجل نعم نعم، يا رسول الله فقال: "اذهبوا فخلوا سبيله". وعند ابن ماجه "فلما ولى الرجل دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هل يشهد أن لا إله إلا الله؟ " قال: "نعم، قال: "اذهبوا فخلوا سبيله". وعند النسائي "فقال: "أليس يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ ". قال: "يشهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذره". 8 ولكنه يقولها تعوذا: "أي إنما أقر بالشهادة لا جئا إليها لا معتصما بها ليدفع عنه القتل، وليس بمخلص في إسلامه (النهاية 3/318) . 9 وعند ابن ماجه "فإذا فعلوا ذلك، حرم علي دماؤهم وأموالهم". وعند أبي داود الطيالسي "فإذا شهدوها فقد منعوا دماؤهم واموالهم". أو قال: "قد منعوا إلا بحقها". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 فقلت لشعبة: "أليس في الحديث ثم قال: "أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، قال شعبة: "أظنها معها1 وما أدري2". والحديث صحيح وقد رواه النسائي وأبو داود الطيالسي والدارمي كلهم عن طريق شعبة عن النعمان بن سالم به3". ورواه أبو نعيم من طريق سماك بن حرب عن النعمان بن سالم به4". والحديث في هذه الطرق من رواية النعمان بن سالم قال: "سمعت أوسا بدون واسطة". ورواه النسائي وابن ماجه وأحمد الجميع من طريق حاتم بن أبي صغيرة قال: "حدثني النعمان بن سالم أن عمرو بن أوس أخبره عن أبيه5 أوس، فوسط بين النعمان وأوس (عمرو بن أوس) وحاتم ثقة6. فيخرج على أن النعمان بن سالم حمل هذا الحديث عن عمرو بن أوس عن أبيه أوس. ثم لقي أوسا بعد ذلك فحمله عنه مباشرة، فكان بعد ذلك تارة يروي الحديث عن أوس بواسطة ابنه عمرو بن أوس، وتارة يرويه عن أوس مباشرة، ولا مانع من هذا، خاصة أنّ عمرو بن أوس من شيوخ النعمان بن سالم أيضا7". ما رواه أبو داود الطيالسي من حديث أوس الثقفي قال:   1 وعند الدارمي "قال شعبة وأشك: "أن محمدا رسول الله". 2 مسند أحمد: "4/8-9". 3 النسائي: "السنن 7/74-75 كتاب تحريم الدم، وأبو داود الطيالسي: "كما في منحة المعبود 1/26". والدارمي: "2/137 كتاب السير، باب في القتال على قول النبي صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله". وعنده وعند الطيالسي "عن النعمان بن سالم قال: "سمعت أوس بن أبي أوس". 4 حلية الأولياء1/347-348 وعنده عن النعمان بن سالم عن أوس بن أبي أوس". 5 النسائي: "السنن 7/74-75 كتاب تحريم الدم، وأحمد: "المسند 4/9 وابن ماجه: "السنن 2/1295 كتاب الفتن، باب الكف عمن قال: "لا إله إلا الله قال: "محمد فؤاد عبد الباقي في هذا الحديث إنه من زوائد ابن ماجه وإسناده صحيح، ورجاله ثقات، لكن الحديث في النسائي أيضا موجود، وأشار في الزوائد إلى شيء من ذلك". 6 انظر ترجمته في التقريب 1/137". 7 انظر تهذيب التهذيب 10/453". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 223- حدثنا قيس1 عن عمير2 بن عبد الله بن عبد الملك3 بن المغيرة الطائفي عن أوس الثقفي قال: "قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف فأقمنا عنده نصف شهر، فرأيته ينفتل عن يمينه وعن يساره"4". ورواه الطحاوي من طريق قيس بن الربيع به فقال: "عن أوس بن أوس، أو أوس بن أويس، قال: "أقمت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف شهر فرأيته يصلي ويسلم عن يمينه وعن شماله5". قال ابن حجر: "وعندي أن أوسا هذا هو أوس بن أبي أوس الثقفي المتقدم ذكره في القسم الماضي، وهم في اسم أبيه قيس بن الربيع، وقد رواه شعبة عن النعمان بن سالم سمعت رجلا جده أوس بن أبي أوس، قال: "كان جدي يصلي فيأمرني أن أناوله نعليه ويقول رأيت رسول الله يصلي في نعليه6". ما رواه مسلم والنسائي وابن ماجه وأحمد والطبراني من حديث الشريد بن سويد وهذا سياقه عند مسلم قال: 224- حدثني يحيى7 بن يحيى أخبرنا هشيم - ح - وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا شريك8 بن عبد الله، وهشيم بن   1 قيس بن الربيع الأسدي، أبو محمد الكوفي، صدوق تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به تقدم في حديث (27) . 2 عمير بن عبد الله بن بشر الخثعمي الكوفي، ثقة من السادسة /مد (التقريب 2/86 وتهذيب التهذيب 8/148) . 3 عبد الملك بن المغيرة الطائفي من الرابعة، /مد ت (التقريب 1/523 وفي تهذيب التهذيب 6/426) قال: "ذكره ابن حبان في الثقات". 4 منحة المعبود 1/103-104، وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لا يجعل أحدكم للشيطان شيئا من صلاته يرى أنّ حقاً عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه، لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ينصرف عن يساره" لفظ البخاري ولفظ مسلم "أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله" وبوب البخاري بقوله (باب الانفتال والانصراف عن اليمين والشمال، وساق الحديث (صحيح البخاري 1/140 وصحيح مسلم 1/392 كتاب صلاة المسافرين باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال) . 5 شرح معاني الآثار 1/269". 6 الإصابة 1/133 و1/79". 7 هو ابن بكير أبو زكريا النيسابوري". 8 شريك بن عبد الله القاضي النخعي الكوفي تقدم في حديث (26) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 بشير عن يعلى1 عن عطاء عن عمرو2 بن الشريد، عن أبيه قال: "كان في وفد ثقيف رجل مجذوم3، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم "إنا قد با يعناك فارجع"4. والحديث رواه النسائي وابن ماجه وأحمد كلهم من طريق هشيم عن يعلى بن عطاء به5".   1 يعلى بن عطاء العامري الليثي الطائفي (تهذيب التهذيب 11/403) . 2 عمرو بن الشريد بن سويد الثقفي أبو الوليد الطائفي (تهذيب التهذيب 8/47) وعند النسائي وابن ماجه من طريق هشيم عن يعلى بن عطاء عن رجل من آل الشريد يقال له عمرو عن أبيه الخ". 3 الجذام: "داء تتآكل منه الأعضاء وتتساقط (النهاية لابن الأثير 1/251، والمعجم الوسيط 1/113 والمصباح المنير 1/115) . وعند أحمد: "قدم على النبي صلى الله عليه وسلم رجل مجذوم من ثقيف ليبايعه، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: "ائته فأخبره أنى قد بايعته فليرجع". وعند الطبراني: "ائته فاعلمه أنى قد بايعته فليرجع". 4 صحيح مسلم 4/1752 كتاب السلام، باب بيعة من به عاهة". وفي معنى هذا الحديث قال النووي: "هذا الحديث موافق للحديث الآخر في صحيح البخاري" "وفر من المجذوم فرارك من الأسد" ثم نقل عن القاضي عياض أنه قال: "وقد اختلفت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة المجذوم، فثبت عنه الحديثان المذكوران، وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مع المجذوم وقال له: "كل ثقة بالله وتوكلا عليه". وعن عائشة قالت: "وكان لي مولى مجذوم فكان يأكل في صحافي ويشرب في أقداحي وينام على فراشي". قال: "وقد ذهب عمر - رضي الله عنه - وغيره من السلف إلى الأكل مع المجذوم ورأوا أن الأمر باجتنابه منسوخ، والصحيح الذي قاله الأكثر ون ويتعين المصير إليه أنه لا نسخ، بل يجب الجمع بين الحديثين وحمل الأمر باجتنابه والفرار منه على الاستحباب والاحتياط، لا للوجوب وأما الأكل معه ففعله لبيان الجواز (شرح صحيح مسلم للنووي 5/87) . وزاد ابن حجر وجهاً ثالثاً؛ وهو الترجيح وقد سلكه فريقان: الأول: "رجح الأخبار الدالة على نفي العدوى، ورد الأحاديث الدالة على ثبوت العدوى". الثاني: "سلك في الترجيح عكس الفريق الأول، فرد الأحاديث الدالة على نفي العدوى، ورجح الأحاديث الدالة على ثبوت العدوى". ثم قال ابن حجر: "والجواب عن ذلك أن طريق الترجيح لا يسار إليها إلا مع تعذر الجمع، وهو ممكن فهو أولى". (فتح الباري 10/159-160) .اهـ". وأحسن ما قيل في أوجه الجمع بين هذه الأحاديث أن تحمل أحاديث الفرار من ذوي العاهات وما يفهم منه وجود العدوى على استعمال الأسباب وأن المسلم ينبغي له الابتعاد عما يتوقع أن يكون سببا في وقوع العلل به، وتحمل أحاديث نفي العدوى والأكل مع ذوي العاهات المعدية على أن السبب بذاته غير مؤثر إلا بتقدير الله سبحانه وتعالى". انظر: "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لعبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ص 307-308، وأطيب المنح في علم المصطلح لعبد الكريم مراد وعبد المحسن العباد ص 22-23) . 5 سنن النسائي 7/134 كتاب البيعة، باب بيعة من به عاهة. وسنن ابن ماجه 2/1172 كتاب الطب، باب الجذام". ومسند أحمد 4/390". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 ورواه أحمد أيضا والطبراني كلاهما من طريق شريك بن عبد الله عن يعلى ابن عطاء به1". والحديث مداره على هشيم وشريك وهما مدلسان وقد عنعناه2". ما رواه الطبراني من حديث عثمان ابن أبي العاص وهذا سياقه: 225- حدثنا يحيى3 بن أيوب العلاف المصري، ثنا سعيد4 بن أبي مريم ثنا محمد5 بن جعفر عن سهيل6 بن أبي صالح عن حكيم7 ابن حكيم بن عباد بن حنيف عن عثمان بن أبي العاص قال: "قدمت في وفد ثقيف حين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبسنا حللنا بباب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: "من يمسك لنا رواحلنا، وكل القوم أحب الدخول على النبي صلى الله عليه وسلم وكره التخلف عنه، قال عثمان: "وكنت أصغر القوم، فقلت: "إن شئتم أمسكت لكم على أن عليكم عهد الله لتمسكن لي إذا خرجتم، قالوا: "فذلك لك، فدخلوا عليه ثم خرجوا، فقالوا: "انطلق بنا، قلت: "أين؟ فقالوا: "إلى أهلك فقلت ضربت من أهلي حتى إذا حللت بباب النبي صلى الله عليه وسلم أرجع ولا أدخل عليه وقد أعطيتموني من العهد ما قد علمتم، قالوا: "فاعجل فإنا قد كفيناك المسألة، لم ندع شيئا إلا سألناه عنه، فدخلت فقلت يا رسول الله: "ادعوا الله أن يفقهني في الدين ويعلمني، قال: "ماذا قلت؟ ".   1 مسند أحمد 4/389 والمعجم الكبير للطبراني 7/380". 2 ولكن الحديث في صحيح مسلم وقد قال النووي - رحمه الله - في مقدمة شرح مسلم 1/26: "واعلم أن ما كان في الصحيحين عن المدلسين بعن ونحوها فمحمول على ثبوت السماع من جهة أخرى، وقد جاء كثير منه في الصحيح بالطريقين جميعا فيذكر رواية المدلّس بعن ثم يذكرها بالسماع ويقصد به هذا المعنى الذي ذكرته". 3 يحيى بن أيوب بن بادي - بموحدة وزن وادي - العلاف الخولاني، صدوق من الحادية عشر (ت 289) / س (التقريب2/343 وتهذيب التهذيب11/185) . 4 سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم، ثقة ثبت فقيه". 5 محمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري الزرقي، مولاهم المدني، ثقة من السابعة/ ع (التقريب 2/150 وتهذيب التهذيب 9/94) . 6 سهيل بن أبي صالح، ذكوان السمان أبو يزيد المدني، صدوق، تغير حفظه بآخره، روى له البخاري مقروناً وتعليقاً من السادسة مات في خلافة المنصور / ع (التقريب 1/338 وتهذيب التهذيب 4/263) . وقال عنه الذهبي في تذكرة الحفاظ 1/137: "سهيل بن أبي صالح في عداد الحفاظ، وفي سير أعلام النبلاء 5/458 قال عنه الإمام المحدث الكبير الصادق". 7 صدوق تقدم في حديث (19) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 فأعدت عليه القول، فقال: "لقد سألتني شيئا ما سألني عنه أحد من أصحابك، اذهب فأنت أمير عليهم1 وعلى من تقدم من قومك وأم الناس بأضعفهم" 2. فخرجت حتى قدمت عليه مرة أخرى، فقلت يا رسول الله اشتكيت بعدك، فقال: "ضع يدك اليمنى على المكان الذي تشتكي وقل أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد سبع مرات" 3 ففعلت فشفاني الله عز وجل4".   1 وعنه الطبراني أيضا من طريق محمد بن سعيد بن عبد الملك عن المغيرة بن شعبة قال: "قال عثمان بن أبي العاص- وكان شاباً- وفدنا على النبي صلى الله عليه وسلم فوجدني أفضلهم أخذا للقرآن وقد فضلتهم بسورة البقرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد أمرتك على أصحابك وأنت أصغرهم فإذا أممت فأمهم بأضعفهم فإن وراءك الكبير والصغير والضعيف وذا الحاجة". وأصل جعله أميرا على قومه وعلى أهل الطائف ثابت عند أحمد في مسنده 4/218 وابن ماجه في سننه 1/316 كتاب إقامة الصلاة باب من أم قوما فليخفف، وابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام 2/541 والطبراني في عدة مواضع من معجمه الكبير، وأشار إلى ذلك مسلم والترمذي (صحيح مسلم 1/342 كتاب الصلاة باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام) . وسنن الترمذي 1/135 كتاب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا ولفظه عند مسلم "آخر ما عهد إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أممت قوما فأخف بهم الصلاة". 2 جعله إمام قومه في الصلاة والأمر بتخفيف الصلاة هذا الجزء ثابت في صحيح مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص نفسه". صحيح مسلم 1/341 - 342 كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، وكذا عند أحمد في مسنده 4/21-22 و216-217-218 وابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام 2/541، وأبو داود في سننه 2/234 كتاب الصلاة، باب أخذ الأجر على التأذين". والنسائي في سننه 2/20 كتاب الآذان، باب اتخاذ المؤذن الذي لا يأخذ على أذانه أجرا". ابن ماجه في سننه 1/316 كتاب الإقامة، باب من أم قوما فليخفف". وأبو داود الطيالسي: "كما في منحة المعبود 1/132 والطبراني في معجمه الكبير، وعند أبي داود والترمذي والنسائي وأحمد والطبراني "واتخذ مؤذناً لا يأخذ على آذانه أجراً". وقال الترمذي بعد إخراجه: "حديث عثمان حديث حسن صحيح". والعمل على هذا عند أهل العلم: "كرهوا أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا، واستحب للمؤذن أن يحتسب في أذانه". وقد اختلف العلماء في أخذ المؤذن أجرا، والذي رجحه الشوكاني: "أن الأجرة إنما تحرم إذا كانت مشروطة، لا إذا أعطيها بغير مسألة (نيل الأوطار 2/65-66 وتحفة الأحوذي 1/618-620، وعون المعبود 2/235) . 3 هذا الجزء من الحديث جاء ما يؤيده عند مسلم في صحيحه 4/1728 كتاب السلام، باب استحباب وضع يده على موضع الألم مع الدعاء من طريق نافع بن جبير بن مطعم عن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضع يدك على الذي تألم من جسدك، وقل: "أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر". 4 المعجم الكبير للطبراني 9/33 و34، و37، و38، و39-41، و47، و48، و53". وقد عزا المحقق حمدي عبد المجيد السلفي تخريج حديث رقم (8340) إلى حديث (8338) وهو خطأ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 قال الهيثمي: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، غير حكيم ابن حكيم بن عباد فقد وثق1". حديث عبد الرحمن بن علقمة الثقفي عند النسائي وأبي داود الطيالسي وهذا سياقه عند النسائي: " 226- أخبرنا هناد2 بن السري قال: "حدثنا أبو بكر3 بن عياش عن يحيى4 بن هانئ عن أبي حذيفة5 عن عبد الملك6 بن محمد بن بشير بن عبد الرحمن7 بن علقمة الثقفي، قال: "قدم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم هدية،   1 مجمع الزوائد9/371". 2 هناد بن السري أبو السري الكوفي، ثقة". (التقريب 2/321) . 3 أبو بكر بن عياش - بتحتانية ومعجمة - ابن سالم الأسدي، الكوفي المقرئ، الحناط - بمهملة ونون - مشهور بكنيته، اختلف في اسمه". ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح من السابعة، (ت 194) وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين أخرج له البخاري والأربعة ومسلم في المقدمة، وقد سقطت علامة البخاري من التقريب الطبعة المصرية". (التقريب 2/399 وتهذيب التهذيب 12/34 وهدي الساري ص 455، وميزان الاعتدال (4/499) . 4 يحيى بن هانئ بن عروة بن قعاص المرادي الكوفي أبو داود، ثقة من الخامسة، وروايته عن ابن مسعود مرسلة". د ت س (التقريب 2/359 وتهذيب التهذيب 11/293 والتاريخ الكبير للبخاري 8/309 والمزي في الأطراف 7/204 والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 9/195 والمعرفة والتاريخ للفسوي 3/238 كلهم قالوا: "يحيى بن هانئ وكذا في مسند الطيالسي، ووقع في سنن النسائي يحيى بن أبي هانئ". فلعل لفظة "أبي" مقحمة من النساخ". 5 أبو حذيفة، غير منسوب، شيخ ليحيى بن هانئ بن عروة مجهول من السادسة، ويقال اسمه عبد الله بن محمد الكوفي /س (التقريب 2/410 وفي تهذيب التهذيب 12/69 روى عن عبد الملك بن نسير الكوفي، عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي في قدوم وفد ثقيف، وعنه يحيى بن هانئ بن عروة المرادي". 6 عبد الملك بن محمد بن بشير - ضبط ابن ماكولا بشيرا بالنون والسين المهملة - الكوفي، روى عنه عبد الرحمن بن علقمة الثقفي في وفد ثقيف، وعنه أبو حذيفة مجهول من السادسة وقال البخاري: "لم يتبن لي سماع بعضهم من بعض". روى له النسائي هذا الحديث الواحد وقد اختلف فيه". قال ابن عدي: "ليس له إلا الشيء اليسير (التقريب 1/522 وتهذيب التهذيب 6/419، والتاريخ الكبير 5/431 وميزان الاعتدال 2/663) وقال عبد الملك بن محمد لا يعرف ما روي عنه سوى أبي حذيفة عبد الله". 7 عبد الرحمن بن علقمة ويقال ابن أبي علقمة الثقفي مختلف في صحبته، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن وفد ثقيف قدموا عليه ومعهم هدية، وقيل رواه عن عبد الرحمن بن أبي عقيل عن النبي صلى الله عليه وسلم". وروى أيضا عن عبد الله بن مسعود وعنه أبو صخرة جامع بن شداد المحاربي وعبد الملك بن محمد بن بشير الكوفي، وعون بن أبي جحيفة، وفرق ابن أبي حاتم: "بين عبد الرحمن بن علقمة الرواي حديث وفد ثقيف، وبين عبد الرحمن بن علقمة الراوي عن ابن مسعود". فقال عن الأول روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عن الثاني عبد الرحمن بن علقمة الثقفي ويقال ابن أبي علقمة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وروى عن ابن مسعود وعبد الرحمن بن أبي عقيل وجعل كل واحد منهما يروي عنه جامع بن شداد وعبد الملك ابن محمد بن بشير، فالله أعلم". غير أنه جعل حديث وفد ثقيف من رواية عبد الرحمن بن علقمة، وكذا عمل البخاري". والحاصل أن عبد الرحمن راوي حديث وفد ثقيف اختلف في صحبته، فقال الخطيب ذكره غير واحد في الصحابة". وقال ابن عبد البر: "في سماعه عن النبي صلى الله عليه وسلم نظر، وقد ذكره جماعة في الصحابة ولا يصح له صحبة". (انظر: "التقريب 1/492 وتهذيب التهذيب 6/233 والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/248-273 والاستيعاب لابن عبد البر 2/416- 418 وأسد الغابة 3/476-477 والإصابة 2/412 وتاريخ البخاري 5/250". وقد وقع في منحة المعبود "عن عبد الملك بن علقمة أبي علقمة الثقفي" والصواب "عن عبد الملك عن عبد الرحمن بن علقمة" أو ابن أبي علقمة". ووقع في ميزان الاعتدال 2/663". عن عبد الملك بن محمد بن بشير "عن عبد الرحمن عن علقمة". وفي الإصابة 2/411 أخرج ابن منده من طريق عون بن أبي جحيفة عن عبد الرحمن عن علقمة "والصواب" عن عبد الرحمن بن علقمة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 فقال: "أهدية أم صدقة؟ 1 فإن كانت هدية فإنما يبتغى بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاء الحاجة، وإن كانت صدقة فإنما يبتغى بها وجه الله عز وجل". قالوا: "لا، بل هدية، فقبلها منهم وقعد معهم يسائلهم ويسائلونه2 حتى صلى الظهر مع العصر3". والحديث رواه أبو داود الطيالسي عن أبي بكر بن عياش قال حدثنا يحيى بن هانئ به4". قال ابن حجر: "ورواه أيضا إسحاق بن راهويه ويحيى5 الحِمَّاني في مسنديهما من طريق أبي حذيفة عن عبد الملك6 بن محمد بن بشير عن عبد الرحمن بن علقمة قال: "قدم وفد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم". الحديث. وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده من هذا الوجه. وذكره البخاري من طريق أبي حذيفة المذكور7".اهـ.   1 وعند أبي داود الطيالسي "فقال: "أصدقة أم هدية؟ ". 2 عند أبي داود الطيالسي "فسألوه فما زالوا يسألونه حتى ما صلوا الظهر إلا مع العصر". 3 سنن النسائي 6/236 كتاب العمري". 4 منحة المعبود 1/126-127". 5 يحيى بن عبد الحميد بن بشمين - بفتح الموحدة وسكون المعجمة - الحماني - بكسر المهملة وتشديد الميم، الكوفي، حافظ إلاّ أنهم اتهموه بسرقة الحديث، من صغار التاسعة (ت228) /م ع ويقال: "إنه أول من صنف المسند في الكوفة (التقريب 2/352 وتهذيب التهذيب 11/243 وميزان الاعتدال 4/392) . 6 وقع في الإصابة "من طريق أبي حذيفة عبد الملك بن محمد بن بشير" وهو خطأ". والصواب من طريق أبي حذيفة عن عبد الملك". 7 الإصابة 2/412". وانظر: "التاريخ الكبير للبخاري 5/250-252". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 والحديث ضعيف؛ لما يأتي: أ- جهالة أبي حذيفة وشيخه عبد الملك بن محمد". ب- في سماع عبد الملك بن محمد من عبد الرحمن بن علقمة نظر، فقد قال البخاري: "عبد الملك بن محمّد بن بشير عن عبد الرحمن ابن علقمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديثه في الكوفيين، ولم يتبين سماع بعضهم من بعض"1". ج- الاختلاف في صحبة عبد الرحمن بن علقمة، وإذا لم تثبت صحبته فيكون الحديث منقطعا". قال المزي: "حديث قدوم وفد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم، رواه النسائي في العُمْرَى عن هناد بن السري، عن أبي بكر بن عياش، عن يحيى بن هانئ ابن عروة عن أبي حذيفة عن عبد الملك بن محمد بن بشير، عن عبد الرحمن بن علقمة به". رواه جماعة عن أبي بكر بن عياش هكذا، ولم يسموا "أبا حذيفة" ورواه أحمد بن يونس عن زهير بن معاوية عن يزيد أبي خالد الأسدي، عن عون بن أبي جحيفة، عن عبد الرحمن بن علقمة، عن عبد الرحمن بن أبي عقيل عن النبي صلى الله عليه وسلم2". ما رواه ابن ماجه من حديث عطية بن سفيان وهذا سياقه: 227- حدثنا محمد3 بن يحيى ثنا أحمد4 بن خالد الوهبي، ثنا محمد بن إسحاق عن عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية5 بن سفيان بن عبد الله بن   1 المصدر السابق 5/531". 2 تحفة الأشراف 7/204 حديث (9707) وحديث أحمد بن يونس في المعرفة والتاريخ للفسوي 1/288، وانظر الإصابة 2/411". 3 محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي، النيسابوري ثقة حافظ جليل، من الحادية عشرة (ت 258) على الصحيح /خ ع". (التقريب 2/217 وتهذيب التهذيب 9/511) . 4 أبو سعيد الكندي صدوق، تقدم في حديث (32) . 5 عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعةالثقفي، صدوق، من الثالثة وهم من عده صحابياً /ق (التقريب 2/24 والإصابة 3/167 و2/502) وفي تهذيب التهذيب 7/226 قال: "ذكره الطبراني في الصحابة لأن في روايته عن عطية بن سفيان قال قدم وفد ثقيف، هكذا وقع عنده مرسلاً، لم يقل عن وفد ثقيف فظنه الطبراني صحابيا فذكره في المعجم، وتبعه أبو نعيم وذكره في المعرفة، وقال: "فيه نظر". اهـ". (والحديث في المعجم الكبير للطبراني 17/169 ومجمع الزوائد 2/28) . ووقع في معجم الطبراني "عن عطية بن سفيان عن عبد الله" والصواب "عن عطية ابن سفيان بن عبد الله". فلظفة (ابن) حرفت إلى (عن) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 ربيعة، قال: "ثنا وفدنا الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بإسلام ثقيف، قال: "وقدموا عليه في رمضان، فضرب عليهم قبة في المسجد فلما أسلموا صاموا ما بقي عليهم من الشهر"1". في الزوائد: "في إسناد محمد بن إسحاق، وهو مدلس، وقد رواه بالعنعنة عن عيسى بن عبد الله، قال ابن المديني: "وتفرد بالرواية عنه". وقال: "عيسى ابن عبد لله مجهول2". قلت: "في سيرة ابن هشام والروض الأنف نحو هذا الحديث وقد صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث وهذا سياقه: حدثني عيسى3 بن عبد الله عن عطية بن سفيان بن ربيعة عن بعض وفدهم قال: "كان بلال يأتينا - حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من رمضان - بفطرنا وسحورنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتينا وإنا لنقول: "إنا لنرى الفجر قد طلع، فيقول: "قد تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسحر، لتأخير السحور، ويأتينا بفطرنا4 وإنا لنقول: "ما نرى الشمس كلها ذهبت بعد5، فيقول: "ما جئتكم حتى أكل رسول الله   1 سنن ابن ماجه 1/559 كتاب الصيام، باب فيمن أسلم في شهر رمضان". 2 انظر تهذيب التهذيب 8/217 والتقريب 2/99". وقال عيسى بن عبد الله بن مالك الدار وهو مالك بن عياض العمري مولاهم، وقال بعضهم: "عبد الله بن عيسى بن مالك وهو وهم". التقريب 2/99". 3 وقع في سيرة ابن هشام والروض ألأنف: "حدثني عيسى بن عبد الله بن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي، فقوله: "عيسى بن عبد الله (بن عطية) خطأ والصواب: "عيسى بن عبد الله عن عطية، فحرف (عن) إلى (بن) فصار الاسمان اسما واحدا". 4 قال ابن هشام "بفطورنا وسحورنا". 5 تعجيل الفطر وتأخير السحور، ثابت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر". ومن حديث زيد بن ثابت قال: "تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى لصلاة، قلت، كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: "قدر خمسين آية صحيح البخاري 3/26 كتاب الصيام، باب كم قدر بين السحور وصلاة الفجر و33 باب تعجيل الإفطار". وصحيح مسلم 2/771 كتاب الصيام، باب فضل السحور وتأكيد استحبابه واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 - صلى الله عليه وسلم - 1 ثم يضع يده في الجفنة فيلتقم منها"2". قال ابن حجر: "اختلف في هذا الحديث على ابن إسحاق اختلافا كثيرا فقال يونس بن بكير في زيادات المغازي، حدثني إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري حدثني عبد الكريم حدثني علقمة بن سفيان، قال: "كنت في الوفد من ثقيف فضربت لنا قبة فكان بلال يأتينا بفطرنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم". الحديث، وكذا أخرجه البغوي والطبراني من طريق يونس بن بكير3". وقال الطبراني: "تفرد به إسماعيل، وليس كما قال، فقد رواه البزار من رواية الضحاك بن عثمان عن عبد الكريم فقال: "عن علقمة بن سهيل الثقفي، وقال: "لا نعلم له غيره4". ورواه ابن إسحاق، فقال ابن عبد البر: "اضطربوا فيه". ثم عقب ابن حجر على هذا بقوله: "قلت: "ورواه زياد البكائي عن ابن إسحاق عن عيسى عن عبد الله عن علقمة بن سفيان". ورواه إبراهيم بن مختار عن ابن إسحاق عن عيسى عن سفيان5 ابن عطية فقلبه". وقال أحمد بن خالد الذهبي عن ابن إسحاق عن عيسى عن عطية حدثنا وفدنا، أخرجه ابن ماجه، ورواية أحمد بن خالد أشبه بالصواب، فإن عطية بن سفيان تابعي معروف، ولم أقف في شيء من طرقه على تسمية والد سفيان.   1 وعند الوقدي "وكان بلال يأتيهم بفطرهم، ويخيل إليهم أن الشمس لم تغب، فيقولون: "ما هذا من رسول الله إلا استبار لنا، ينظر كيف إسلامنا، فيقولون: "يا بلال، ما غابت الشمس بعد، فيقول بلال: "ما جئتكم حتى أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم (مغازي الواقدي 3/968) . والاستبار: "الامتحان والاختبار ليعلم حقيقة الشيء (النهاية 2/333) . 2 سيرة ابن هشام 2/540-541 والروض الأنف 7/335 والبداية والنهاية 5/32، وشرح المواهب 4/8". 3 روى هذا الحديث في الأوسط فإني لم أجده في المعجم الكبير والصغير والذي وجدته في المعجم الكبير من غير طريق يونس بن بكير". وقد قال الهيثمي بعد إيراد هذا الحديث رواه الطبراني: "في الأوسط والكبير بنحوه، (وانظر سياق حديث الطبراني في الكبير ص 487 تعليقة (2) . 4 انظر رواية البزار 1/466-467 من كشف الأستار. 5 يعني هو عطية بن سفيان، فجعله سفيان بن عطية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 وقد نسبه ابن مندة وغيره فقالوا: "علقمة بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي، وهذا هو نسب عطية التابعي: "ثم قال ابن حجر قلت: "قول الضحاك بن عثمان: "علقمة بن سهيل، أولى من قول إسماعيل: "علقمة بن سفيان، فإن علقمة في رواية ابن إسحاق محرف من عطية، بخلاف رواية عبد الكريم1". إهـ". والحاصل أن ابن حجر رجح رواية أحمد بن خالد الذهبي وهي رواية ابن ماجه وفيها عيسى بن عبد الله مقبول". والحديث أورده الهيثمي ثم قال: "رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير بنحوه، إلا أنه قال: "علقمة بن سفيان عن عبد الكريم عن علقمة، ولم أجد من اسمه عبد الكريم، وقد سمع من صحابي وبقية رجاله ثقات2". وهذه والأحاديث المتعلقة بقدوم وفد ثقيف وموقفهم من الإسلام، فيها الصحيح والحسن والضعيف كما مر ذلك مفصلا، وقد بقي علينا مما يتعلق بثقيف "هدم اللات" وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم فيما يتعلق بيد "وج" وعضاهه، وفيما يأتي بيان ذلك:   1 الإصابة 2/502 و3/167 وتهذيب التهذيب 7/226 وأسد الغابة 4/43-44. 2 مجمع الزوائد 3/152 والمعجم الكبير للطبراني 17/169". وهذا سياق الحديث في المعجم الكبير: "حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، حدثنا أحمد بن خالد الوهبي حدثنا محمد بن إسحاق عن عيسى بن عبد الله بن مالك عن عطية بن سفيان بن عبد الله قال: "قدم وفد من ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فضرب لهم قبة في المسجد فلما أسلموا صاموا معه". قال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/28 رواه الطبراني في الكبير وفيه محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعنه". وقد وقع في المعجم الكبير للطبراني "عن عطية بن سفيان عن عبد الله" والصواب "عن عطية بن سفيان بن عبد الله"، بإسقاط "عن" بين سفيان وعبد الله، انظر حاشية ص 484 تعليقة (5) ما قاله ابن حجر حول حديث الطبراني هذا". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 (هدم اللات) قال ابن إسحاق: "فلما فرغوا من أمرهم، وتوجهوا إلى بلادهم راجعين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم أبا سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة في هدم الطاغية فخرجا مع القوم1، حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة بن شعبة أن يقدم أبا سفيان، فأبى ذلك أبو سفيان عليه، وقال: "ادخل أنت على قومك، وأقام أبو سفيان بما له بذي الهدم2، فلما دخل المغيرة بن شعبة، علاها يضربها بالمعول3، وقام قومه دونه - بنو متعب - خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب عروة، وخرج نساء ثقيف حسرا4 يبكين عليها ويقلن:   1 قال الزرقاني: "كذا عند ابن إسحاق وغيره أن أبا سفيان والمغيرة ذهبا مع الوفد". وفي رواية أنهم تأخروا عنهم أياما حتى قدموا، وأن الوفد لما قدموا تلقاهم ثقيف فقصدوا اللات ونزلوا عندها فسألوهم ماذا جئتم به، فقالوا: "أتينا رجلاً فظاً غليظاً قد ظهر بالسيف وداخ له العرب قد عرض علينا أمورا شدادا: "هدم اللات، فقالت ثقيف: "والله لا نقبل هذا أبدا، فقال الوفد: "أصلحوا السلاح وتهيئوا للقتال فمكثوا يومين أو ثلاثة، ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب فقالوا: "والله مالنا به من طاقة فارجعوا فأعطوه ما سأل، فقال الوفد: "فإنا قاضيناه وشرطنا ما أردنا، ووجدناه أتقى الناس، وأوفاهم وأرحمهم وأصدقهم، وقد بورك لنا ولكم في مسيرنا إليه، فاقبلوا عافية الله". فقالت ثقيف: "فلم كتمتمونا هذا الحديث؟ ". فقالوا: "أردنا أن ننزع من قلوبكم نخوة الشيطان - أي الكبر والعظمة - فأسلموا مكانهم ومكثوا أياما ثم قدم رسل النبي صلى الله عليه وسلم لهدم اللات". فإن صح هذا فيحتمل أنهم خرجوا من المدينة مصاحبين للوفد، ثم أخروهم في مكان لكي يستألف الوفد قومهم قبل قدومهما حتى لا يكون نزاع (شرح المواهب 4/9) . قلت: "والقول بأن أبا سفيان والمغيرة لم يخرجا مع الوفد هو قول موسى بن عقبة والواقدي". وعند موسى بن عقبة أيضا: "فقال كنانة بن عبد ياليل: "أنا أعلم الناس بثقيف فاكتموهم القضية وخوّفوهم بالحرب والقتال، وأخبروهم أن محمداً سألنا أموراً أبيناها عليه، سألنا أن نهدم اللات" الخ". وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر على الوفد الذي قدم لهدم اللات خالد بن الوليد". وعند الواقدي: "أن الذي قال: "أنا أعلم الناس بثقيف خوفوهم الحرب". هو عبد ياليل". وأن الوفد استأذن من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينالوا من الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يتمكنوا من إسلام قومهم فرخص لهم". (زاد المعاد 3/597 والبداية والنهاية 5/33 ومغازي الواقدي 3/969) . 2 كذا "بذي الهدم". وقال الزرقاني: "بذي الهرم" بالهاء والراء وهو محل بالطائف (شرح المواهب 4/9) وكذا في البداية والنهاية لابن كثير 5/33". 3 المعول: "بكسر الميم وإسكان المهملة وفتح الواو: "الفأس العظيمة يقطع بها الصخر، والجمع معاول (مختار الصحاح ص 463) . 4 حسر: "بضم الحاء وفتح السين المشددة وراء مهملات: "أي متكشفات". وعند موسى ابن عقبة "وقد استكفت ثقيف رجالها ونساءها والصبيان حتى خرج العواتق من الحجال، ولا يرى عامة ثقيف أنها مهدومة، ويظنون أنها ممتنعة، فقام المغيرة بن شعبة فأخذ الكرزين - يعني المعول - وقال لأصحابه: "والله لأضحكنكم من ثقيف، فضرب بالكرزين ثم سقط يركض برجله، فارتج أهل الطائف بصيحة واحدة وفرحوا وقالوا أبعد الله المغيرة قتلته الربة وقالوا لأولئك من شاء منكم فليقترب، فقام المغيرة فقال: "والله يا معشر ثقيف إنما هي لكاع حجارة ومدر، فاقبلوا عافية الله فاعبدوه، ثم إنه ضرب الباب فكسره، ثم علا سورها وعلا الرجال معه فما زالوا يهدمونها حجراً حجرا حتى سووها بالأرض وجعل سادنها يقول: "ليغضبن الأساس فليخسفن بهم، فلما سمع المغيرة قال لخالد: "دعني أحفر أساسها فحفروه حتى أخرجوا ترابها وجمعوا ماءها وبناءها، وبهتت عند ذلك ثقيف، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم أموالها من يومه وحمدوا الله على اعتزاز دينه ونصرة رسوله: " (البداية والنهاية 5/33-34، وشرح المواهب 4/9) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 لتبكين دفاع ... أسلمها الرضاع1 لم يحسنوا المصاع قال ابن إسحاق: "ويقول أبو سفيان - والمغيرة يضربها بالفأس: "وآهالك آهالك2 فلما هدمها المغيرة، وأخذ مالها وحليها3 أرسل إلى أبي سفيان وحليها مجموعة ومالها من الذهب والجزع4، وقد كان أبو مليح بن عروة وقارب بن الأسود قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفد ثقيف، حين قتل عروة، يريدان فراق ثقيف وأن لا يجامعاهم على شيء أبدا فأسلما، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم توليا ما شئتما؟ فقالا: "نتولى الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وخالكما أبا سفيان بن حرب"، فقالا: "وخالنا أبا سفيان بن حرب". فلما أسلم أهل الطائف ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان والمغيرة إلى هدم الطاغية، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو مليح بن عروة أن يقضي عن أبيه عروة دينا كان عليه من مال الطاغية5، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم، فقال له قارب بن الأسود: "وعن الأسود يا رسول الله، فاقضه - وعروة والأسود أخوان لأب وأم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الأسود مات مشركا، فقال قارب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله، لكن تصل   1 سميت "دفاع" لأنها كانت تدفع عنهم، وتنفع وتضر على زعمهم "والرضاع" الئام، و"المصاع": "المضاربة بالسيوف، (القاموس المحيط 3/21 و30 و85) . 2 آهالك: "كلمة تقال في معنى التأسف والتحزن (مختار الصحاح ص 34) . 3 حليها: "بضم الحاء وكسر اللام والياء المشددة، جمع حلى بفتح فسكون، عطف خاص على عام (شرح المواهب 4/9) . 4 الجَزْع والجِزْع: "الخرز اليماني الصيني، فيه سواد وبياض تشبه به الأعين (القاموس المحيط 3/12) . 5 عند ابن سعد فقال أبو مليح: "يا رسول الله إن أبي قتل وعليه دين مائتا مثقال ذهب فإن رأيت أن تقضيه من حلي الربة، يعني اللات، فعلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم" فقال قارب بن الأسود: "يا رسول الله وعن الأسود بن مسعود أبي فإنه ترك دينا مثقال دين عروة، فاقضه عنه من مال الطاغية". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 مسلما ذا قرابة، يعني نفسه، إنما الدين علي، وإنما أن الذي أطلب به، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان أن يقضي دين عروة والأسود من مال الطاغية، فلما جمع المغيرة مالها، قال لأبي سفيان إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك أن تقضي عن عروة والأسود دينهما فقضى عنهما"1".   1 سيرة ابن هشام 2/ 541-542 والروض ألأنف 7/336-337 وتاريخ الطبري 3/99-100 وأسد الغابة 4/375-376 و6/299 والبداية والنهاية 5/32-34 والإصابة 3/219 و4/184 ومغازي الواقدي 3/969-973 والطبقات الكبرى لابن سعد 5/504-505". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 (كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم لثقيف) . قال ابن إسحاق: "وكان كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لهم: 228- بسم الله الرحمن الرحيم: "من محمد النبي، رسول الله، إلى المؤمنين: "عن عضاه1 وج وصيده لا يعضد، من وجد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه، فإن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به إلى النبي محمد، وإن هذا أمر النبي محمّد صلى الله عليه وسلم، وكتب خالد بن سعيد: "بأمر الرسول محمّد بن عبد الله، فلا يتعداه أحد، فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم" 2". هكذا ذكر ابن إسحاق بدون إسناد". وقد جاء في "وج" أيضا حديث عروة بن الزبير عن أبيه عند أبي داود وأحمد والحميدي والبيهقي وهذا سياقه عند أبي داود:   1 عضاه: "بمهملة مكسورة ومعجمة وآخرها هاء، لا تاء - كل شجر ذي شوك "ووج" بفتح الواو وشد الجيم واد بالطائف، وغلط من قال بأنه بلد في الطائف، أي حصن من حصون الطائف". وسميت "وجا" بوج بن عبد الحق من العمالقة وقيل من خزاعة". (معجم البلدان 5/361 والقاموس المحيط 1/211 وشرح المواهب 4/9 و10 وفي المجاز بين اليمامة والحجاز ص: "264، و265 قال: "أما أودية الطائف فمن أبرزها وأنبهها ذكرا وادي "وج" وكانت المدينة تسمى باسمه قديما حتى أطيف حولها بسور فسميت الطائف، على ما جاء في الأخبار من تحصن ثقيف بمدينتهم حينما زاحمهم العرب على بلادهم". إ هـ". وانظر: "معجم المعالم الجغرافية للبلادي ص 331 وفي مسند أحمد 6/409 والحميدي 1/160 من طريق عمر بن عبد العزيز الأموي قال: "زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج محتضنا أحد ابني ابنته وهو يقول: "والله إنكم لتجبنون وتبخلون وأنكم لمن ريحان الله عز وجل وأن آخر وطأة وطئها الله بوج". وقال سفيان - ابن عيينة - مرة "إنكم لتبخلون وإنكم لتجبنون" لفظ أحمد، والحديث أخرجه الترمذي في سننه3/ 212 كتاب البر والصلة باب ما جاء في حب الوالد لولده "دون قوله عليه السلام" وإن آخر وطأة وطئها الله بوج". وقال حديث ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة، لا نعرفه إلا من حديثه، ولا نعرف لعمر بن عبد العزيز سماعا من خولة". قلت: "وفيه أيضا محمد بن أبي سويد "مجهول" كما في التقريب 2/168، وعند أحمد أيضا في مسنده 4/172 من طريق سعيد بن أبي راشد عن يعلى بن مرة العامري الثقفي "أنه جاء حسن وحسين يستبقان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمهما إليه، وقال: "إن الولد مبخلة مجبنة وأن آخر وطأة وطئها الرحمن عز وجل بوج" وفيه سعيد بن راشد "مقبول" كما في التقريب 1/295 وفسر وج بالطائف، والوطأة بالغزاة وكانت غزوة الطائف آخر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم (تحفة الأحوذي 6/36-38 الفتج الرباني 19/44) ورواه ابن ماجه (2/ 1209) ، كتاب الأدب". باب بر الوالد والإحسان إلى البنات من طريق سعيد بن أبي راشد بقصة الولد فقط". (سيرة ابن هشام 2/542-543 والروض الأنف 7/337، وزاد المعاد 3/501 والبداية والنهاية 5/34 وشرح المواهب 4/9-10) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 229- حدثنا حامد1 بن يحيى أخبرنا عبد الله2 بن الحارث عن محمد3 بن عبد الله بن إنسان الطائفي عن أبيه4 عن عروة بن الزبير عن الزبير قال: "لما أقبلنا5 مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من لية6 حتى إذا كنا عند السدرة7 وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في طرق قرن8 الأسود حذوها9، فاستقبل نخبا10 ببصره11 مرة واديه12، ووقف حتى اتقف13 الناس كلهم، ثم قال: "إن صيد وج وعضاهه حرم محرم الله،   1 حامد بن يحيى بن هانئ البلخي، أبو عبد الله، نزيل طرسوس، ثقة حافظ من العاشرة (ت 242) /د (التقريب 1/146 وتهذيب التهذيب 2/169) . 2 عبد الله بن الحارث بن عبد الملك المخزومي، أبو محمد المكي، ثقة، من الثامنة / م ع (التقريب 2/175 وتهذيب التهذيب 9/248) . 3 محمد بن عبد الله بن إنسان الثقفي الطائفي، لين الحديث من السادسة / د (التقريب 2/175 وتهذيب التهذيب 9/248) . 4 عبد الله بن إنسان الثقفي، لين الحديث من السادسة /د (التقريب 1/402 وتهذيب التهذيب 5/149) . 5 وعند أحمد والحميدي والبيهقي: "قال": "أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم". 6 لية: "بتشديد الياء وكسر اللام، من نواحي الطائف، مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرافه من حنين يريد الطائف (معجم البلدان 5/30) انظر ص 282". وفي المجاز بين اليمامة والحجاز ص 243و253و255و266 قال: "لية واد أعلاه لثقيف وأسفله لنصر، وتمتاز منطقة "لية" بجودة الرمان". 7 السدرة: "شجرة النبق، وفي معجم البلدان 5/275-276 قال: "مر رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق يقال لها الضيقة ثم خرج منها على نخب حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة". 8 القرن: "بفتح القاف وسكون الراء جبل صغير في الحجاز بقرب الطائف". 9 حذوها: "أي مقابل السدرة (عون المعبود 6/11) . 10 نخب: "بالفتح ثم الكسر ثم باء موحدة، واد بالطائف". وقال الأخفش: "نخب بفتحتين واد بأرض هذيل، وقيل: "واد بالطائف على ساعة (معجم البلدان 5/275 والقاموس المحيط 1/130) وفي المجاز بين اليمامة والحجاز 265-266 قال: " (نخب) واد من أودية الطائف ينحدر شرقا بميل إلى الشمال جاعلا وادي "لية" وحمى "سيسد" يساره، وأعلاه "خشب" و"أم العراد" ويسيل فيه شعاب السداد الجنوبية، والردف وشعاب الحليفة الشمالية وينتظم قرى ومزارع إلى أن يفضي إلى ركبة". 11 ببصره: "متعلق استقبل النبي صلى الله عليه وسلم نخبا ببصره وعينه". 12 وقال مرة واديه: "أي وقال الراوي مرة أخرى (واديه) أي استقبل وادي الطائف وهو نخب، ووقف النبي صلى الله عليه وسلم (عون المعبود 6/12) . 13 اتقف: "مطاوع وقف، أي حتى وقفوا، يقال: "وقفته فوق واتقف، وأصله أوتقف على وزن افتعل، من الوقوف، فقلبت الواو ياء لسكونها وكسر ما قبلها ثم قلبت الياء تاء وأدغمت في تاء الافتعال، مثل وصفته فاتصف، ووعدته فاتعد". (النهاية 5/ 216 وجامع الأصول 9/354 ولسان العرب 11/279) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 وذلك قبل1 نزوله الطائف وحصاره لثقيف"2". والحديث أخرجه أحمد والحميدي كلاهما عن عبد الله بن الحارث ابن عبد الملك حدثني محمد بن عبد الله بن إنسان الطائفي عن أبيه به3". وأخرجه البيهقي من طريق الحميدي4". والحديث فيه علتان: الأولى: "محمد بن عبد الله بن إنسان وأبوه عبد الله بن إنسان، فقد ساق البخاري هذا الحديث في ترجمة محمد بن إنسان، ثن قال: "ولم يتابع عليه". وقال في ترجمة والده "عبد الله بن إنسان عن عروة بن الزبير عن أبيه"، روى عنه ابنه محمد "لم يصح حديثه"5". وقال أبو حاتم: "محمد بن عبد الله بن إنسان ليس بالقوي، وفي حديثه نظر ولم يذكر في عبد الله جرحا ولا تعديلا6". وقد لينهما ابن حجر كما تقدم7. الثانية: "الانقطاع بين عروة وأبيه، فقد قال ابن قيم الجوزية: "في سماع عروة من أبيه نظر، وإن كان قد رآه"8. وقال الدارقطني: "لا يصح سماعه من أبيه"9.   1 قوله: "وذلك نزوله الطائف".".". الخ" قال في عون المعبود 6/13: "ليس من قول أبي داود المؤلف ولا شيخه حامد بن يحيى، لأن أحمد بن حنبل أخرجه من طريق عبد الله بن الحارث وفيه هذه الجملة أيضا، فيشبه أن يكون هذا القول ما دون الزبير بن العوام الصحابي". قلت: "وكذلك أخرج الحميدي عن عبد الله بن الحارث وفيه الجملة المذكورة". 2 سنن أبي داود 1/468 كتاب المناسك". تحت باب في مال - الكعبة". 3 مسند أحمد 1/165، ومسند الحميدي1/34". 4 السنن الكبرى 5/200 5 التاريخ الكبير 1/140و 5/45". 6 الجرح والتعديل 5/8 و7/294". 7 انظر حديث (229) . 8 زاد المعاد 3/508". 9 تهذيب التهذيب 7/185". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 وهي علة قادحة تمنع صحة الحديث بمفردها، كيف وقد انضم إليها ضعف محمد بن إنسان وأبيه". والخلاصة: "أنه ورد في "وج" حديثان: الأول: "ما ذكره ابن إسحاق وهو بدون إسناد". الثاني: "حديث عروة عن أبيه، وقد سمعت ما فيه". ومن هنا اختلف العلماء في "وج" هل هو حرم أم لا، فذهب جمهور العلماء إلى أنه ليس بحرم، وأن الحديث الوارد فيه ضعيف لا تقوم بمثله حجة، تفرد به عبد الله بن إنسان وهو ضعيف ولا متابع له". قال الخطابي: "ولست أعلم لتحريمه وجها إلا أن يكون ذلك التحريم إنما كان في وقت معلوم وفي مدة محصورة ثم نسخ، ويدل على ذلك قوله "وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره ثقيفا، ثم عاد الأمر إلى الإباحة كسائر بلاد الحل، ومعلوم أن عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزلوا بحضرة الطائف وحصروا أهلها ارتفقوا بما نالته أيديهم من شجر وصيد ومرفق، فدل ذلك على أنها حل مباح، وليس يحضرني في هذا وجه غير ما ذكرته"1.اهـ قال في عون المعبود: "وفي ثبوت هذا القول أي كون تحريم "وج" قبل نزول الطائف نظر، لأن محمد بن إسحاق ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لثقيف كتابا وفيه "تحريم صيد وج وعضاهه وكان ذلك بعد وقعة الطائف وبعد إسلام أهلها"2". اهـ". وقد صحح الشافعي حديث الباب وعمل بمقتضاه". فقد أورد الذهبي الحديث في ترجمة عبد الله بن إنسان، ثم قال: "صحح الشافعي حديثه واعتمده3". قلت: "وصححه الساعاتي4".   1 جامع الأصول 9/353-354 والنهاية 5/154-155". وعون المعبود 6/13". 2 المصدر السابق 6/13-14". 3 ميزان الاعتدال 2/393". 4 الفتح الرباني 23/300". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 وقال ابن حجر: "سكت عليه أبو داود، وحسنه المنذري1". وسكت عليه عبد الحق2، فتعقبه ابن القطان3 بما نقل عن البخاري أنه لم يصح وكذا قال الأزدي4". اهـ5". وقال ابن تيمية - في أثناء كلامه عن الحرم المكي والمدني: "وليس في الدنيا حرم لا بيت المقدس ولا غيره، إلا هذان الحرمان، ولا يسمى غيرهما حرما كما يسمي الجهال، فيقولون: "حرم المقدس، حرم الخليل فإن هذين وغيرهما ليسا بحرم باتفاق المسلمين، والحرم المجمع عليه حرم مكة". وأما المدينة فلها حرم أيضا عند الجمهور، كما استفاضت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتنازع المسلمون في حرم ثالث: "إلا في "وج" وهو واد بالطائف، وهو عند بعضهم حرم، وعند الجمهور ليس بحرم"6". وقال محمد الأمين الشنقيطي: "اعلم أن جماهير العلماء على إباحة صيد "وج" وقطع شجره". وقال الشافعي رحمه الله تعالى: "أكره صيد وج، وحمله المحققون من أصحابه على كراهة التحريم، واختلفوا فيه على قول بحرمته، هل فيه جزاء كحرم المدينة، أو لا شيء فيه؟ ولكن يؤدب قاتله، وعليه أكثر الشافعية، ثم قال: "وحجة من قال بحرمة صيد "وج" ما رواه أبو داود". وأحمد والبخاري في التاريخ، عن الزبير بن العوام - رضي الله عنه -". "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيد وج محرم" الحديث.   1 هو عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد الحافظ الكبير الإمام الثبت شيخ الإسلام زكي الدين أبو محمد المنذري الشافعي ثم المصري، له مختصر صحيح مسلم (581-656) . (الذهبي: "تذكرة الحفاظ 4/1436-1438) . 2 تقدمت ترجمته في حديث (127) . 3 هو أبو الحسن علي بن محمد الفاسي تقدمت ترجمته في حديث (63) . 4 هو الحافظ العلامة أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي الموصلي، نزيل بغداد له مصنف كبير في الضعفاء، وهو قوي النفس في الجرح، وهاه جماعة بلا مستند طائل (ت 374هـ) (الذهبي: "تذكرة الحفاظ 3/976) . 5 التلخيص الحبير 2/280". 6 مجموع فتاوى ابن تيمية 26/117-118". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 ثم ذكر ما قاله البخاري والذهبي وابن حجر في هذا الحديث، ثم قال: "فإذا عرفت هذا ظهر لك أن حجة الجمهور في إباحة صيد وج، وشجره كون الحديث لم يثبت، والأصل براءة الذمة1". وبهذا يكون صيد وج وشجره حلالا، لعدم نهوض الدليل الدال على المنع من ذلك". وخير ما نختم به هذا المبحث أن نذكر بعضا من الأحكام الفقهية التي ذكرها العلامة ابن قيم الجوزية فقال: وفي قصة هذا الوفد من الفقه أن الرجل من أهل الحرب إذا غدر بقومه وأخذ أموالهم، ثم قدم مسلما، لم يتعرض له الإمام، ولا لما أخذه من المال ولا يضمن ما أتلفه قبل مجيئه من نفس ولا مال، كما لم يتعرض النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ المغيرة من أموال الثقفيّين، ولا ضمن أتلفه عليهم، وقال "أما الإسلام فأقبل، أما المال فلست منه في شيء2، ومنها جواز إنزال المشرك في المسجد3، ولا سيما إذا كان يرجو إسلامه، وتمكينه من سماع القرآن، ومشاهدة أهل الإسلام وعبادتهم". ومنها: "حسن سياسة الوفد، وتلطفهم حتى تمكنوا من إبلاغ ثقيف ما قدموا به فتصوروا لهم بصورة المنكر لما يكرهونه الموافق لهم فيما يهوونه حتى ركنوا إليهم واطمانوا فلما علموا أنه ليس لهم بد من الدخول في دعوة الإسلام أذعنوا، فأعلمهم الوفد أنهم بذلك قد جاؤوهم ولو فاجؤوهم به من أول وهلة لما أقروا به، ولا أذعنوا، وهذا من أحسن الدعوة وتمام التبليغ، ولا يتأتي إلا مع ألباء الناس وعقلائهم". ومنها: "أن المستحق لإمرة القوم وإمامتهم أفضلهم وأعلمهم بكتاب الله وأفقههم في دينه".   1 أضواء البيان 2/167 وانظر: "عون المعبود 6/12-15 وشرح المواهب 4/10". 2 أصل القصة المغيرة هذه في صحيح البخاري 3/170 كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، وقد تقدم ص 465 تعليقاته (5) . 3 في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد". الحديث 1/83 كتاب الصلاة باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضا في المسجد". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 ومنها: "هدم مواضع الشرك التي تتخذ بيتا للطواغيت، وهدمها أحب إلى الله ورسوله، وانفع للإسلام والمسلمين من هدم الحانات والمواخير1، وهكذا حال المشاهد المبينة على القبور التي تعبد من دون الله، ويشرك بأربابها مع الله لا يحل إبقاؤها في الإسلام، ويجب هدمها، ولا يصح وقفها، ولا الوقف عليها، وللإمام أن يقطعها وأوقافها لجند الإسلام، ويستعين بها على مصالح المسلمين، وكذلك ما فيها من الآلات، والمتاع والنذور التي تساق إليها". يضاهى بها الهدايا التي تساق إلى البيت الحرام، للإمام أخذها كلها وصرفها في مصالح المسلمين، كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم أموال بيوت هذه الطواغيت، وصرفها في مصالح الإسلام، وكان يفعل عندها ما يفعل عند هذه المشاهد، سواء من النذور لها، والتبرك بها، والتمسح بها، وتقبيلها واستلامها، هذا كان شرك القوم بها، ولم يكونوا يعتقدون أنها خلقت السماوات والأرض، بل كان شركهم بها كشرك أهل الشرك من أرباب المشاهد بعينه". ومنها: "استحباب اتخاذ المساجد مكان بيوت الطواغيت، فيعبد الله وحده، لا يشرك به شيء في الأمكنة التي كان يشرك به فيها2 وهكذا الواجب في مثل هذه المشاهد أن تهدم، وتجعل مساجد إن احتاج إليها المسلمون وإلا أقطعها الإمام هي وأوقافها للمقاتلة وغيرهم". ومنها: "أن العبد إذا تعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وتفل عن يساره، ولم يضره ذلك، ولا يقطع صلاته3، بل هذا من تمامها وكمالها4".   1 الحانوت: "دكان الخمار، ومحل التجارة وجمعه حوانيت، والحانة البيت الذي يباع فيه الخمر وهو الحانوت أيضا ويجمع على حانات". والمواخر والمواخير: "مجمع أهل الفسق والفساد". (المصباح المنير 1/190-191والقاموس المحيط 1/146 والمعجم الوسيط 1/201، و2/857) . 2 تقدم في الحاشية ص 466 تعليقة (1) حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي، في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له أن يجعل مسجد الطائف حيث كانت طاغيتهم". 3 الحديث الوارد في هذا في صحيح مسلم وقد تقدم في حاشية ص 481 تعليقة (3) . 4 زاد المعاد 3/600-602". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 الباب الثالث: في بيان أبرز الأحكام المستنبطة من غزوة حنين عقدت هذا الباب لبيان بعض الأحكام الفقهية التي تضمنتها هذه الغزوة وأحكامها كثيرة متشعبة". وبما أن بحثي خاص بالناحية الحديثية والتاريخية، فقد رأيت أن أجتزئ بذكر الأحكام البارزة مع الإيجاز في تناولها، ولا شك أن بيان تواريخ التشريعات يخدم الناحية الفقهية والأصولية، كما يخدم الناحية التاريخية، فالتاريخ لهذه التشريعات يعرف الناسخ والمنسوخ عند التعارض، كما تتبين الظروف والملابسات التي أحاطت بالتشريع مما يفيد في معرفة علل الأحكام". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 الحكم الأول: جواز وطء المسبية بعد الاستبراء لقد كان وطء السبايا بملك اليمين معلوما لدى الصحابة - رضي الله عنهم - لكثرة حروبهم وأخذ الأسرى من المشركين، وإنما التبس عليهم الأمر في غزوة حنين حيث أن المسبيات ذوات أزواج في قومهن وبعضهم معروف لدى الصحابة - رضوان الله عليهم -، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنَزلت الآية من سورة النساء بإباحة ذلك". وهذا هو ما دل عليه حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم وغيره". وهذا سياقه عند مسلم: 230- حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري حدثنا يزيد ابن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن صالح1 أبي الخليل عن أبي علقمة2 الهاشمي عن أبي سعيد الخدرس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ، يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس3 فلقوا عدوا، فقاتلوهم، فظهروا عليهم4 وأصابوا لهم سبايا5 فكأن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا6 من غشيانهن من أجل أزواجهن   1 هو صالح بن أبي مريم الضبعي - بضم المعجمة وفتح الموحدة - أبو الخليل البصري". 2 أبو علقمة الفارسي المصري مولى بني هاشم، ويقال حليف الأنصار كان على قضاء إفريقية". 3 عند أبي داود "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حنين بعثا إلى أوطاس وعند الطبري "بعث يوم حنين سرية فأصابوا حيا من أحياء العرب يوم أوطاس". وعند البيهقي "بعث سرية يوم حنين فأصابوا جيشا من العرب يوم أوطاس". 4 عند البيهقي "فقاتلوهم وهزموهم". 5 سبايا: "جمع سبية، وهي المرأة تسبى، أي تؤسر، فعلية بمعنى مفعولة". (جامع الأصول 8/120 والنهاية 2/340) . 6 تحرجوا من غشيانهن: "أي خافوا الحرج، وهو الإثم، من غشيانهن أي من وطئهن من أجل أنهن زوجات، والمزوجة لا تحل لغير زوجها، فأنزل الله إباحتهن بقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [سورة النساء، من الآية: "24] ". (شرح النووي على صحيح مسلم 3/637) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 من المشركين1، فأنزل الله عز وجل في ذلك: {وَالْمُحْصَنَاتُ2 مِنَ النِّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [سورة النساء، من الآية: "24] . أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن". وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار3 قالوا: "حدثنا عبد الأعلى4 عن سعيد5 عن قتادة عن أبي الخليل، أن أبا علقمة الهاشمي حدث أن أبا سعيد الخدري حدثهم، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حنين سرية، بمعنى حديث يزيد بن زريع، غير أنه قال: "إلا ما ملكت أيمانكم منهن فحلال لكم، ولم يذكر: "إذا انقضت عدتهن".   1 وعند أحمد "أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابوا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج من أهل الشرك فكان أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كفوا وتأثموا من غشيانهن قال: "فنَزلت هذه الآية: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [سورة النساء، من الآية: "24] ". وعند الترمذي وأبي يعلى "عن أبي سعيد الخدري قال: "أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهن أزواج في قومهن، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنَزلت: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [سورة النساء، من الآية: "24] ، إلى. وعند أبي بعلى "عن أبي سعيد قال: "أصبنا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فنَزلت (المحصنات" الخ". وعند الطبري والواحدي "عن أبي سعيد قال: "لما سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أوطاس قلنا يا رسول الله: "كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهم وأزواجهن؟ قال: "فنَزلت هذه الآية: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [سورة النساء، من الآية: "24] ". 2 قال النووي "والمراد بالمحصنات هنا: "المزوجات، ومعناه: "والمزوجات حرام على غير أزواجهن إلا ما ملكتم بالسبي، فإنه ينفسخ نكاح زوجها الكافر، وتحل لكم إذا انقضى استبراؤها". والمراد بقوله: "إذا انقضت عدتهن أي استبراؤهن، وهي بوضع الحمل عن الحامل، وبحيضة من الحائل، كما جاءت به الأحاديث الصحيحة (شرح النووي على صحيح مسلم 3/637) . وقال المباركفوري "والمحصنات" بفتح الصاد باتفاق القراء، وهو معطوف على "أمهاتكم" أي حرمت عليكم المحصنات، أي ذوات الأزواج لأنهن أحصن فروجهن بالتزويج، "إلا ما ملكت أيمانكم" أي ما أخذتم من أزواج الكفار بالسبي وزوجها في دار الحرب لوقوع الفرقة بتباين الدارين، فتحل للغانم بملك اليمين بعد الاستبراء (تحفة الأحوذي 8/370و4/282 وعون المعبود 6/191) . وهكذا رجح ابن كثير بأن المراد (بالمحصنات) هنا المزوجات وان المزوجة لا تحل بملك اليمين، ثم قال فإن في حديث أبي سعيد الخدري أن الآية نزلت في ذلك (تفسير بن كثير 1/473) . وقال ابن القيم "وهو الصحيح" (زاد المعاد 5/131، وانظر أضواء البيان للشنقيطي 1/280-281) . 3 هو محمد بن بشار بن عثمان العبدي أبو بكر، بندار". 4 هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري السامي (تهذيب التهذيب 6/96) . 5 هو ابن أبي عروبة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 وحدّثنيه يحيى1بن حبيب الحارثي حدثنا خالد2 (يعني ابن الحارث) حدثنا شعبة عن قتادة بهذا الإسناد، نحوه". وحدثنيه يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي سعيد قال: "أصابوا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج فتخوفوا فأنزلت هذه الآية: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [سورة النساء، من الآية: "24] . وحدثني يحيى بن حبيب حدثنا خالد (يعني ابن الحارث) حدثنا سعيد عن قتادة، بهذا الإسناد، نحوه3". والحديث فيه قتادة وهو مدلس وقد عنعن ولكن في الطريق الثانية روى عنه شعبة، ويحمل حديث شعبة عن قتادة على السماع جزما4". وقد تابعه عثمان البتى عند الترمذي وأبي يعلى والطبري والواحدي في شيخه أبي الخليل. والحديث رواه أبو داود والنسائي وأحمد والطبري والبيهقي والواحدي". الجميع من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن صالح أبي خليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري به5. ورواه الترمذي وأبو يعلى كلاهما من طريق هشيم بن بشير أخبرنا عثمان6 البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - به7".   1 هو يحيى بن حبيب بن عربي الحارثي أبو زكريا البصري (تهذيب التهذيب 11/195) . 2 خالد بن الحارث بن عبيد بن سليم الهجيمي أبو عثمان البصري (تهذيب التهذيب 3/82) . (صحيح مسلم 2/1079-1080 كتاب الرضاع، باب جواز وطء المسبية بعد الاستبراء وإن كان لها زوج انفسخ نكاحها بالسبي وتحفة الأشراف للمزي 3/498 حديث 4434) . 4 انظر: "فتح المغيث 1/176-177". 5 أبو داود: " (السنن 1/497 كتاب النكاح، باب في وطء السبايا، والنسائي: "السنن 6/91 كتاب النكاح، باب تأويل قول الله عز وجل {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، وأحمد: "المسند 3/84، والطبري: "جامع البيان 5/2 والبيهقي: "السنن الكبرى 9/124، والواحدي: "أسباب النزول ص 99) . 6 عثمان بن مسلم البتي - بفتح الموحدة، وتشديد المثناة- أبو عمرو البصري، صدوق، عابوا عليه الإفتاء بالرأي، من الخامسة (ت 143) /ع (التقريب 2/14وتهذيب التهذيب 7/153 وميزان الاعتدال 3/59 والخلاصة للخزرجي 2/221) . 7الترمذي: " (السنن 2/300 كتاب النكاح، باب ما جاء في الرجل يسبي الأمة ولها زوج، هل يحل له وطؤها؟، وأبو يعلى: "المسند 2/139أرقم 302) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 فأسقط "أبا علقمة الهاشمي". ثم قال الترمذي: "هذا حديث حسن". وهكذا رواه الثوري عن عثمان البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد". وأبو الخليل اسمه صالح بن أبي مريم". وروى همام1 هذا الحديث عن قتادة عن صالح أبي الخليل، عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، حدثنا بذلك عبد2 بن حميد أخبرنا حبان3 بن هلال أخبرنا همام، هكذا قال الترمذي في كتاب النكاح، وفي كتاب التفسير ساق طريق هشيم بن بشير الخالية من ذكر "أبي علقمة". ثم قال: "وهكذا روى الثوري عن عثمان البتي عن أبي الخليل، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه". وليس في الحديث عن "أبي علقمة" ولا أعلم أن أحداً ذكر أبا علقمة في الحديث إلا ما ذكر "همام عن قتادة"4.اهـ. قلت: "حديث الثوري المشار إليه: أخرجه الطبري وأبو يعلى والواحدي من طريق أبي يعلى5.   1 همام بن يحيى بن دينار العوذي-بفتح المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة البصري، ثقة: "ربما وهم، من السابعة (ت 164أو 165) /ع (التقريب 2/321 وتهذيب التهذيب 11/67-70) . 2 عبد بن حميد بن نصر الكسي-بمهملة - وجاء أيضا بالمعجمة - أبو محمد قيل اسمه عبد الحميد، وبذلك جزم ابن حبان وغير واحد، ثقة، حافظ، من الحادية عشرة (ت249) /خت م ت (التقريب1/259 وتهذيب التهذيب 6/455 والخلاصة للخزرجي 2/188) . 3 حبان - بالفتح ثم موحدة- ابن هلال، أبو حبيب البصري، ثقة ثبت من التاسعة (ت 216) /ع (التقريب 1/146 وتهذيب التهذيب 2/170) . (السنن 4/302 كتاب التفسير، تفسير سورة النساء) . (تفسير الطبري 5/2 ومسند أبي يعلى: "2/131أرقم 302 وأسباب النزول للواحدي ص 98) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 وكذا روى الطبراي والواقدي من طريق أشعث1 بن سوار عن عثمان البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري2". وأخرجه الطبري أيضا من طريق معمر عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري قال: "نزلت في يوم أوطاس، أصاب المسلمون سبايا لهن أزواج في الشرك، فقال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [سورة النساء، من الآية: 24] . يقول: "إلا ما أفاء الله عليكم، قال: "فاستحللنا بها فروجهن". وحديث همام بن يحيى أخرجه الترمذي نفسه في التفسير3، وأبو يعلى في مسنده4". والحاصل أن سفيان الثوري وأشعث بن سوار وهشيم بن بشير رووا هذا الحديث عن عثمان البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري بإسقاط "أبي علقمة". وقد وافق عثمان البتي على هذا قتادة عند مسلم من طريق شعبة وعند الطبري من طريق معمر كلاهما عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري بإسقاط "أبي علقمة" بين الخليل وأبي سعيد". ورواه همام بن يحيى وسعيد بن أبي عروبة وشعبة الجميع عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري". فقد تابع هماما "في ذكر أبي علقمة" سعيد بن أبي عروبة زشعبة كما هو عند مسلم وغيره". وليس كما قال الترمذي - رحمه الله - بأن هماما وحده هو الذي ذكر "أبا علقمة" في هذا الحديث5، بل تابعه عليه اثنان وهما شعبة وسعيد بن أبي عروبة6".   1 أشعث بن سَوّار الكوفي الكندي النجار، الأفرق، الأثرم، صاحب التوابيت، قاضي البصرة، وهو قاضي الأهواز مولى ثقيف، ضعيف من السادسة بخ س ق متابعة (التقريب 1/79 وتهذيب التهذيب 1/532-534، وميزان الاعتدال 1/263-265) وقد تابعه سفيان الثوري عند أبي يعلى والطبري، وهشيم بن بشير عند الترمذي وأبي يعلى". (تفسير الطبري 5/2، وأسباب النزول للواحدي ص 98-99) . (4/301-302 تفسير سورة النساء) . (2/148 ب برقم 302) . 5 انظر: " (تفسير ابن كثير 1/473 وتحفة الأحوذي 8/371) . 6 انظر: " (تفسير ابن كثير 1/473) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 قال النووي في أثناء شرحه للحديث: "قوله: "حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري". وفي الطريق الثاني: "عن عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي علقمة عن أبي سعيد الخدري". وفي الطريق الآخر عن شعبة عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري من غير ذكر أبي علقمة". هكذا هو في جميع نسخ بلادنا، وكذا ذكره أبو علي الغساني1عن رواية الجلودي2 وابن ماهان3". قال: "وكذا ذكره أبو مسعود4 الدمشقي، قال: "ووقع في نسخة ابن الحذاء5 بإثبات "أبي علقمة" بين أبي خليل وأبي سعيد". قال الغساني: "ولا أدري ما صوابه.   1 هو الحافظ الإمام الثبت محدث الأندلس أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد الجياني الأندلسي، الغساني، كان من جهابذة الحفاظ البصراء، بصيرا بالعربية واللغة والشعر والأنساب، صنف في ذلك كله ورحل الناس إليه وعولوا في النقل عليه وتصدر بجامع قرطبة وأخذ عنه الأعلام، جمع كتابا في رجال الصحيحين سماه: "تقيد المهمل وتمييز المشكل" (427-498هـ) . (تذكرة الحفاظ للذهبي 4/1233-1235) . 2 هو أبو أحمد محمد بن عيسى بن محمد بن عبد الرحمن الجلودي - بفتح الجيم - الزاهد النيسابوري، كان زاهدا ورعا، سمع أبا بكر بن خزيمة وإبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه، وهو راوي كتاب صحيح مسلم عن إبراهيم بن محمد بن سفيان، وكل من حدث به عن إبراهيم بن محمد سوى الجلودي فهو غير ثقة، مات سنة 385 هـ (اللباب في تهذيب الأنساب لأبن الأثير 1/287-288 ومقدمة النووي على شرح مسلم 1/4، و6/7 وقال: "الجلودي: "بضم الجيم بلا خلاف". 3 هو أبو العلاء عبد الوهاب عيسى بن عبد الرحمن بن ماهان الفارسي البغدادي، نزيل القاهرة والمتوفى بها سنة (387هـ) (ذيل تاريخ بغداد لابن النجار 1/375-378 رقم الترجمة (223) . 4 هو إبراهيم بن محمد بن عبيد أبو مسعود الدمشقي الحافظ، مصنف كتاب الأطراف على الصحيحين، وأحد من برز في هذا العلم كان صدوقا دينا ورعا فهما له عناية بالصحيحين (مات سنة 401هـ) . (تذكرة الحفاظ للذهبي 3/168-170هـ) . (ومقدمة تحفة الأحوذي للمباركفوري 1/76) . 5 هو القاضي أبو عبد الله محمد بن يحيى بن أحمد بن أحمد بن الحذاء التميمي الإمام الفقيه المحدث الحافظ له كتاب التعريف برجال الموطّأ، وكتاب الخطيب والخطباء وغير ذلك (347-316هـ) (شجرة النور الزكية في طبقات المالكية ص 112) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 وقال القاضي عياض: "قال غير الغساني إثبات أبي علقمة هو الصواب". ثم قال النووي: "قلت ويحتمل أن إثباته وحذفه كلاهما صواب، ويكون أبو الخليل سمع بالوجهين، فرواه تارة كذا، وتارة كذا، وقد سبق في أول الكتاب بيان أمثال هذا1". حديث أبي سعيد الخدري أيضا عند أبي داود وأحمد وغيرهما وهذا سياقه عند أبي داود قال: " 231- حدثنا عمرو2 بن عون أنبأنا شريك3 عن قيس4 بن وهب عن أبي الوداك5 عن أبي سعيد الخدري، ورفعه أنه قال في سبايا أوطاس6: "لا توطأ7 حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" 8.   1 شرح النووي على صحيح مسلم 3/636-637". 2 عمرو بن عون بن أوس الواسطي، أبو عثمان البزارالبصري، ثقة ثبت من العاشرة، (ت225) /ع (التقريب 2/76 وتهذيب التهذيب 8/86) 3 هو ابن عبد الله القاضي، صدوق يخطئ كثيرا تقدم في حديث (26) . 4 قيس بن وهب الهمداني الكوفي، ثقة من الخامسة /م د ق (التقريب 2/130) ، وفي تهذيب التهذيب (8/405) ، م ق د ت وهو الصواب فقد ذكر المباركفوري قيس بن وهب في رجال الترمذي (2/35) . 5 هو جبر بن نوف - بفتح النون وآخره فاء - الهمداني - بسكون الميم - البكالي - بكسر الموحدة وتخفيف الكاف - أبو الوداك - بفتح الواو وتشديد الدال وآخره كاف، كوفي صدوق يهم، من الرابعة / م د ت س ق (التقريب 1/125 وتهذيب التهذيب 2/60) . وقال الذهبي في: " (ميزان الاعتدال 4/584) : "صدوق مشهور ضعفه ابن حزم". 6 عند البيهقي "عن أبي سعيد الخدري قال: "أصبنا سايا يوم أوطاس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا توطأ حامل حتى تضع حملها ولا غير حامل حتى تحيض حيضة". وعند الدارقطني: "لا يطأ رجل حاملا حتى تضع حملها ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة"، وعند أحمد "عن أبي سعيد قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أوطاس لا توطأ الحبلى حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة"، وعنده أيضا "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في سبي أوطاس: "لا يقع على حامل حتى تضع، وغير حامل حتى تحيض حيضة". 7 قوله: "لا توطأ حامل حتى تضع الخ) قال صاحب العون المعبود: "هو خبر بمعنى النهي، أي لا تجامعوا مسبية حاملاً حتى تضع حملها، ولا حائلا ذات أقراء حتى تحيض حيضة كاملة، ولو ملكها وهي حائض لا تعتد بتلك الحيضة حتى تستبرئ بحيضة مستأنفة، وإن كانت لا تحيض لصغرها أو كبرها، فاستبراؤها يحصل بشهر واحد أو بثلاثة أشهر، فيه قولان للعلماء أصحها الأول". وفيه دليل على أن استحداث الملك يوجب الاستبراء، وبظاهره قال الأئمة الأربعة (عون المعبود 6/194) . (سنن أبي داود 1/497 كتاب النكاح، باب في وطئ السبايا". وتحفة الأشراف 3/339 حديث 3990) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 والحديث رواه الدارمي والدارقطني والحاكم والبيهقي الجميع من طريق شريك بن عبد الله به1". وقال الحكام: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي". والحديث مداره على شريك بن عبد الله القاضي، وقد قال فيه ابن حجر: "صدوق يخطئ كثيرا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة"2". وقد صحح هذا الحديث الحاكم وسكت عنه الذهبي". وقال عنه ابن حجر: "إسناده حسن3". وتبعه الشوكاني4. وللحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الصحيح لغيره وهي: "ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" من مرسل الشعبي وهذا سياقه: 232- حدثنا أبو خالد5 الأحمر عن داود6 قال: "قلت للشعبي7 إن أبا موسى8 نهى يوم تستر9 أن لا توطأ الحبلى، ولا يشارك المشركون في أولادهم فإن الماء يزيد في الولد، هو شيء قاله برأيه، أو رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أوطاس أن توطأ حامل حتى تضه أو حائل10 حتى تستبرأ " 11".   1 أحمد: "المسند: " (3/28، و62، و87، والدارمي: "السنن 2/92 كتاب النكاح باب في استبراء الأمة، والدارقطني: "السنن 4/112) . والحاكم: "المستدرك 2/195، البيهقي: "السنن الكبرى 7/449 و 9/124) . (التقريب 1/351) . (التلخيص الحبير 1/171-172) . (نيل الأوطار6/343) . 5 هو سليمان بن حيان الأزدي، أبو خالد الأحمر الكوفي صدوق يخطئ من الثامنة (ت 190) أو قبلها /ع (التقريب 1/323 وتهذيب التهذيب 4/181، ورمز له الذهبي ب (صح) إشارة أنه ثقة (ميزان الاعتدال 2/200) . 6 داود بن أبي هند القشيري، مولاهم، أبو بكر، أو أبو محمد، البصري ثقة متقن، كان يهم بآخره، من الخامسة (ت 140) وقيل قبلها /خت م عم (التقريب 1/235 وتهذيب التهذيب 3/204 و 4/181) . 7 هو عامر بن شراحيل الشعبي ثقة فقيه فاضل مشهور (تقدم في حديث (147) . 8 هو عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري صحابي جليل فاضل". 9 تستر: "بالضم ثم السكون، وفتح التاء الأخرى، وراء، أعظم مدينة بخوزستان، وكان فتحها في عهد عمر بن الخطاب بقيادة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه (ياقوت: "معجم البلدان 2/29، و30 وابن الأثير: "اللباب 1/216) . 10 الحائل: "غير الحامل (النهاية لابن الأثير 1/463) . 11 نصب الراية للزيلعي 4/252". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 ورواه عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن زكريا1 عن الشعبي قال: "أصاب المسلمون نساء يوم أوطاس، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يقعوا على حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة"2. قال الألباني: "إسناده مرسل صحيح، فهو شاهد3 قوي للحديث4". 233- ما رواه عبد الرزاق أيضا عن معمر عن عمرو5 بن مسلم عن طاوس6 قال: "أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا في بعض مغازيه: "لا يقعن رجل على حامل، ولا حائل حتى تحيض" 7". حديث روفيع عند أبي داود وأحمد وغيرهما وهذا سياقه عند أحمد: 234- حدثنا يعقوب8 قال حدثنا أبي9 عن ابن إسحاق10 قال: "حدثني   1 زكريا بن أبي زائدة، أبو يحيى الكوفي ثقة وكان يدلس، من السادسة/ ع (التقريب 1/261، وتهذيب التهذيب 3/329) . 2 المصنف 7/227". 3 الشاهد: "هو الخبر المشارك للفرد لفظا ومعنى أو معنى فقط مع الاختلاف في الصحابي، وقال بعضهم: "الشاهد ما حصل معنى سواء اتحد الصحابي أو اختلف". والمتابعة: "هي الخبر المشارك للفرد لفظا اتحد الصحابي أو اختلف وقد يطلق كل من المتابعة والشاهد على الآخر؟ (تقريب النووي ص 155 مع تدريب الرواي، وتدريب الراوي ص 155 وأطيب المنح لعبد المحسن العباد وعبد الكريم مراد ص 20-21) . 4 إرواء الغليل 1/200". 5 عمرو بن مسلم الجندي - بفتح الجيم والنون - اليماني، صدوق له أوهام، من السادسة / عخ م د ت س (التقريب 2/79 وتهذيب التهذيب 8/104-105 وقال الذهبي في ميزان الاعتدال 3/79 صالح الحديث) . 6 طاوس بن كيسان اليماني، أبو عبد الرحمن الحميري، ثقة فقيه فاضل من الثالثة (ت 106) وقيل بعد ذلك /ع (التقريب 1/377 وتهذيب التهذيب 5/8) . 7 المصنف 7/226-227". 8 يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو يوسف، المدني نزيل بغداد، ثقة فاضل، من صغار التاسعة (ت 208) / ع (التقريب 2/374 وتهذيب التهذيب 11/380) . 9 هو إبراهيم بن سعد أبو إسحاق المدني الزهري، نزيل بغداد ثقة حجة تكلم فيه بلا قادح، من الثامنة (ت 185) /ع (التقريب 1/35 وتهذيب التهذيب 1/121) . 10 هو محمد بن إسحاق بن يسار "صدوق" تقدم في حديث (1) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 يزيد1 بن حبيب عن أبي مرزوق2 مولى تجيب3 عن حنش4 الصنعاني قال: "غزونا مع روفيع5 بن ثابت الأنصاري قرية من قرى المغرب يقال لها "جربة"6 فقام فينا خطيبا7 فقال: "أيها الناس إني لأقول فيكم8 إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فينا يوم حنين، فقال: "لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر يسقي ماءه زرع غيره 9 يعني - إتيان الحبالى من السبايا - وأن يصيب10 امرأة ثيبا من السبي حتى يستبرئها - يعني إذا اشتراها - وأن يبيع مغنماً حتى يقسم 11 وأن يركب دابة من فيء   1 يزيد بن أبي حبيب واسمه سويد الأزدي مولاهم، أبو رجاء ثقة تقدم في حديث (33) . 2 أبو مرزوق التجيبي - بضم المثناة وكسر الجيم - مولاهم المصري بالميم - نزيل برقة، اسمه حبيب بن شهيد على الأشهر، ثقة من الخامسة (ت 159) / د ق (التقريب 2/470-471، تهذيب التهذيب 12/228) . 3 عند أحمد "وتجيب) بطن من كندة". 4 حنش بن عبد الله، يقال بن علي بن عمرو السبائي - بفتح المهملة والموحدة بعدها همزة - أبو رشد بن الصنعاني، نزيل إفريقية، ثقة، من الثالثة (ت 100) م عم (التقريب 1/205، تهذيب التهذيب 3/57-58) ووقع في الإصابة 3/206 "حبيش" وهو خطأ". 5 رويفع - بالفاء - ابن ثابت بن السكن بن عدي بن حارثة الأنصاري المدني، صحابي،) سكن مصر، وولي إمرة برقة ومات بها سنة 56 / بخ د ت س (التقريب 1/254) . (جربة) قال ياقوت: "هي بالفتح ثم السكون والباء الموحدة الخفيفة، وقد روى فيها أيضا بكسر الجيم قرية بالمغرب ثم أورد حديث رويفع هذا (معجم البلدان 2/118) ، وقال ابن الأثير في: " (اللباب 1/269) ، "بفتح الجيم والراء" وقد فتحت في عهد معاوية بن أبي سفيان، بقيادة فضالة بن عبيد بن نافذ الأنصاري سنة (49) (تاريخ الطبري 5/232) . 7 وعند أحمد أيضا: "عن رويفع بن ثابت الأنصاري قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح حنينا فقام فينا خطيبا" الخ، وعند الطبراني "عن حنش قال: "شهدت مع رويفع بن ثابت حين فتح جربة، فلما فتحها قام فينا خطيبا فقال: "لا أقول لكم إلا ما قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين". 8 وعند أبي داود والبيهقي "أما إني لا أقول لكم". 9 قوله: "أن يسقي ماءه زرع غيره) . قال الساعاتي: "هو كناية عن وطأ الحامل، والمراد بالماء هنا "المني" وبالزرع: "ولد الغير (الفتح الرباني 14/105) . وقال الخطابي: "شبه صلى الله عليه وسلم الولد إذا علق بالرحم بالزرع إذا نبت ورسخ في الأرض، وفيه كراهية وطء الحبالى إذا كان الحبل من غير الواطئ". وقال ابن قيم الجوزية: "إذا وطئ الرجل الحامل صار في الحمل جزء منه فإن الوطء يزيد في تخلقه". ثم نقل عن الإمام أحمد أنه قال: "الوطء يزيد في سمع الولد وبصره". ثم قال ابن القيم: "وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى في قوله: "لا يحل لرجل أن يسقي ماءه زرع غيره" ومعلوم أن الماء الذي يسقى به الزرع يزيد فيه، ويتكون الزرع منه، وقد شبه وطء الحامل بساقي الزرع الماء، وقد جعل الله تبارك وتعالى محلّ الوطء حرثاً وشبّه النبيّ صلى الله عليه وسلم الحمل بالزرع ووطء الحامل بسقي الزرق". (تهذيب سنن أبي داود:6/193، مع عون المعبود (والتبيان في أقسام القرآن ص 222-224) . 10 وعند أبي داود والبيهقي "أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها". 11 أن يبيع مغنماً: "أي شيئا من الغنيمة حتى يقسم بين الغانمين ويخرج منه الخمس (عون المعبود 6/195) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 المسلمين حتى إذا أعجفها1 ردها فيه، وأن يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه2 رده فيه"3. والحديث رواه أبو داود عن النفيلي4 عن محمد5 بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب". الخ". ثم قال: "حدثنا سعيد6 بن منصور حدثنا أبو معاوية7 عن ابن إسحاق بهذا الحديث قال: "حتى يستبرئها بحيضة" زاد فيه: "بحيضة" وهو وهم من أبي معاوية8". وهو صحيح في حديث أبي سعيد". ثم قال: "قال أبو داود: "الحيضة ليست بمحفوظة" وهو وهم من أبي معاوية9".   1 أعجفها: "أضعفها وأهزلها (النهاية 3/186) . وفي عون المعبود: "قال في الفتح: "وقد اتفقوا على جواز ركوب دوابهم - يعني أهل الحرب - ولبس ثيابهم، واستعمال سلاحهم حال الحرب، ورد ذلك بعد انقضاء الحرب". وشرط الأوزاعي فيه إذن الإمام، وعليه أن يرد كلما فرغت حاجته ولا يستعمله في غير الحرب، ولا ينتظر برده انقضاء الحرب لئلا يعرضه للهلاك". قال: "وحجته حديث رويفع المذكور". (عون المعبود 7/376) . 2 أخلقه: "بالقاف أي أبلاه". (مختار الصحاح ص 187) (مسند أحمد: "4/108) . 4 هو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل "ثقة حافظ" تقدم". 5 هو الباهلي الحراني ثقة تقدم في حديث (32) . 6 سعيد بن منصور أبو عثمان الخراساني صاحب السنن"ثقة"تقدم في حديث (146) . 7أبو معاوية الضرير محمد بن خازم"ثقة"أحفظ الناس لحديث الأعمش تقدم حديث (146) . 8 المعنى أن لفظ "حيضة" ليست بمحفوظة في حديث رويفع بن ثابت، وإنما فيه مجرد الاستبراء بدون قيد "بحيضة" وزيادتها وهم من أبي معاوية". ولفظ "الحيضة" صحيح في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - "بلفظ: "لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" تقدم في ص 507 (عون المعبود 6/195-196) . (سنن أبي داود 1/497-498 كتاب النكاح باب وطء السبايا و 2/61 كتاب الجهاد، باب في الرجل ينتفع من الغنيمة بشيء) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 ورواه الطبراني من طريق إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب به1". دون ذكر السبايا". ورواه البيهقي من طريق يونس2 بن بكير عن محمد بن إسحاق، ومن طريق أبي داود عن النفيلي عن محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق، ثم ساق حديث محمد بن إسحاق الوارد فيه أن خطبة رويفع كانت يوم "حنين". ثم قال: "وفي رواية ابن بكير قال: "غزونا مع أبي3 رويفع الأنصاري، فذكره وقال: "يوم "خيبر" وزاد أن يصيب امرأة من السبي ثيبة". والصحيح رواية محمد بن سلمة4". والحديث رواه الدارمي والطبراني وأحمد5 بن خالد الوهبي ثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب به6". وابن سعد من طريق عبد الله بن المبارك عن ابن إسحاق عن يزيد ابن أبي حبيب عن فلان7 الجيشاني أو قال عن أبي مرزوق مولى تجيب عن حنش عن رويفع به8". وابن حبان من طريق ربيعة9 بن سليم التجيبي عن حنش بن عبد الله   (المعجم الكبير 5/15) . 2 هو ابن واصل الشيباني "صدوق يخطئ" تقدم". 3 لعل لفظ "أبي" خطأ لأنني لم أجد في ترجمته أن كنيته أبو رويفع". (السنن الكبرى 7/449) . 5 أحمد بن خالد الوهبي "صدوق" تقدم في حديث (32) . (سنن الدارمي 2/145، كتاب السير، باب في استبراء الأمة، والطبراني المعجم الكبير5/14) . 7 هكذا عند ابن سعد "عن فلان الجيشاني أو قال عن أبي مرزوق" وكل الطرق التي وقفت عليها فإن يزيد بن أبي حبيب يروي عن أبي مرزوق مباشرة، ولم أجد ترجمة فلان هذا، إلا إذا كان أبو مرزوق يقال له الجيشاني فالله أعلم". (الطبقات الكبرى 2/114-115) ، وقال: "عن رويفع بن ثابت البلوي وهو خطأ فإن رويفع بن ثابت البلوي ليس له رواية في الكتب الستة ولذا لم يورده ابن حجر في التقريب وهذا الحديث من رواية رويفع بن ثابت الأنصاري، وقد ذكر رويفع البلوي في (4/354) ، من الطبقات) . وفي الإصابة (1/522) : "رويفع بن ثابت البلوي، غير رويفع بن ثابت الأنصاري قاله ابن فتحون". 9 ربيعة بن سليم بن أبي سليم أو ابن سليمان التجيبي مولاهم أبو عبد الرحمن، ويقال أبو مرزوق، المصري، مقبول من السابعة /ت (التقريب 1/246 وفي تهذيب التهذيب 3/255) ذكره ابن حبان في الثقات، له في الترمذي حديث واحد في النهي عن سقي مائه زرع غيره وقد ذكر الألباني في إرواء الغليل (7/213) ، بأن ربيعة بن سليم هو أبو مرزوق التجيبي وهو خطأ فإن أبا مرزوق اسمه جبير بن شهيد كما في (التقريب 2/470-471) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 الشيباني1 عن رويفع به". الجميع بلفظ "يوم خيبر"2 دون ذكر السبايا". ورواه الطبراني من طريق ربيعة بن أبي سليم أنه سمع حنشا الصنعاني يحدث عن رويفع به3". وأحمد من طريق الحارث4 بن يزيد عن حنش الصنعاني عن رويفع به5". وابن الجارود من طريق أبي مرزوق التجيبي عن حنش الصنعاني عن رويفع به6". والترمذي من طريق ربيعة7 عن سليم عن بسر8 بن عبيد الله عن رويفع بن ثابت به". بدون تقييد بغزوة خيبر أو حنين". ثم قال الترمذي: "هذا حديث حسن". وقد روي من غير وجه عن وريفع بن ثابت". والعمل على هذا عند أهل العلم، لا يرون للرجل، إذا اشترى جارية وهي حامل، أن يطأها حتى تضع9". وفي الباب عن ابن عباس10   1 كذا وقع عند ابن حبان "الشيباني" بالشين المعجمة والمثناة التحتانية، والذي في التقريب والتهذيب بالسين المهملة والباء الموحدة". (موارد الظمآن ص 403) . (المعجم الكبير 5/15) . 4 الحارث بن يزيد الحضرمي، أبو عبد الكريم المصري، ثقة ثبت عابد، من الرابعة (ت 130) / م د س ق (التقريب 1/145 وتهذيب التهذيب 2/163) . (المسند 4/108و109) . (المنتقى ص 244) . 7 يقال فيه ربيعة بن سليم، وربيعة بن أبي سليم انظر ترجمته ص (512) . 8 بسر بن عبيد الله الحضرمي الشامي "ثقة حافظ" من الرابعة / ع (التقريب 1/97 وتهذيب التهذيب 1/438) وقد وقع في التقريب بسر "بن عبد الله" وفي تهذيب التهذيب 3/255 والإصابة 1/522 "بشر" بالشين المعجمة والصواب بالسين المهملة كما ذكره ابن حجر في التقريب وتهذيب التهذيب في باب "السين المهملة" وانظر: " (الخلاصة للخزرجي 1/122) . (سنن الترمذي 2/299 كتاب النكاح، باب الرجل يشتري الجارية وهي حامل". 10 حديث ابن عباس أخرجه النسائي في سننه (7/264 كتاب البيوع، باب بيع المغنم قبل أن تقسم من طريق مجاهد عن ابن عباس) . والدارقطني في سننه 3/257 من طريق عكرمة عن ابن عباس، والحاكم في (المستدرك 2/137) ، من طريق مجاهد عن ابن عباس، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وسياقه عنده "عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن بيع المغانم حتى تقسم وعن الحبالى أن يوطأن حتى يضعن ما في بطونهن، وقال: "أتسقي زرع غيرك؟ وعن أكل لحوم الحمر الإنسية وعن لحم كل ذي ناب من السباع". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 وأبي الدرداء1 والعرباض2 بن سارية، وأبي سعيد3". وحديث رويفع قد حسنه الترمذي كما تقدم4". حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الطبراني من طريق: 235- بقية بن الوليد عن إسماعيل بن عياش عن الحجاج بن أرطاة عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى في وقعة أوطاس أن يقع الرجل على الحامل حتى تضع" ثم قال الطبراني: لم يروه عن داود بن أبي هند إلا الحجاج، تفرد به إسماعيل بن عياش ولا رواه عن إسماعيل إلا بقية5". قال الهيثمي: "رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه بقية6 والحجاج7 بن أرطاة وكلاهما مدلس8".   1 أبو الدرداء هو عويمر بن زيد بن قيس الأنصاري وحديثه أخرجه مسلم في صحيحه (2/1065-1066 كتاب النكاح، باب تحريم وطء الحامل المسيبة "وأبو داود في سننه 1/497 كتاب النكاح باب وطء السبايا، وأبو داود الطيالسي منحة المعبود 1/239، وأحمد في مسنده 5/195) . وسياق الحديث عند مسلم عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى بأمرأة مجح على باب فسطاط فقال: "لعله يريد أن يلم بها" فقالوا: "نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل له؟ كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟ " (والمجح هي الحامل التي قربت على ولادتها) . 2 حديث العرباض أخرجه الترمذي في سننه: " (3/18 كتاب الصيد، باب ما جاء في كراهية أكل المصبورة و63 كتاب السير باب ما جاء في كراهية وطء الحبالى من السبايا، وأحمد في مسنده 4/127 والحاكم في المستدرك 2/135) ، الجميع من طريق أم حبيبة بنت العرباض بن سارية عن أبيها". وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي". ومال الألباني إلى قول الترمذي بتضعيف هذا الحديث قال لأن أم حبيبة بنت العرباض "لم يرو عنها غير واحد، ولم يوثقها أحد لكن لا بأس بهذا الطريق في الشواهد" (إرواء الغليل 1/201) . 3 حديث أبي سعيد تقدم برقم (231) . 4 تقدم برقم (234) . (المعجم الصغير 1/95) . 6 بقية بن الوليد قال عنه ابن حجر في التقريب 1/105 "صدوق كثير التدليس عن الضعفاء". 7 قال عنه ابن حجرفي التقريب 1/152: "صدوق كثير الخطأ والتدليس". (مجمع الزوائد 5/4 والتلخيص الحبير لابن حجر 1/172) . وقد جاء في حديث جابر بن عبد الله بإسناد صحيح عند الطيالسي كما في منحة المعبود 1/139 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى أن توطأ الحبالى من السبي". وعن علي رضي الله عنه عند ابن أبي شيبة في مصنفه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توطأ الحامل حتى تضع، أو الحائل حتى تستبرأ بحيضة وقال ابن حجر: في التلخيص الحبير1/172 لكن في إسناده ضعف وانقطاع".وانظر نصب الراية للزيلعي4/252-253". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 وقد ذهب الألباني إلى أن حديث أبي سعيد الخدري صحيح بمجموع هذه الطرق1". وهذه الأحاديث تدل على جواز وطء السبايا بوضع الحمل من ذوات الأحمال وبحيضة من غير ذوات الأحمال، وعلى أنه لا يجوز الوطء قبل الاستبراء، وفي أثناء الحمل". وتدل أيضا على أن النكاح الأول يبطل بوقوع السبي، سواء سبيت المرأة وحدها أم مع زوجها، سواء كانت المسبية كتابية أم غير كتابية، كما هو الظاهر من هذه الأحاديث". ثم إن جمهور العلماء على إباحة وطء الأمة الكتابية بملك يمين، لعموم قوله تعالى: {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} ، [سورة المؤمنون، من الآية: "6] ، ولجواز نكاح حرائرهم فيحل التسري بالإماء منهم، وأما إن كانت الأمة المملوكة مجوسية أو عابدة وثن ممن لا يحل نكاح حرائرهم، فجمهور العلماء على منع وطئها بملك يمين حتى تسلم". قال النووي: "واعلم أن مذهب الشافعي ومن قال بقوله من العلماء أن المسبية من عبدة الأوثان وغيرهم من الكفار الذين لا كتاب لهم، لا يحل وطؤها بملك اليمين حتى تسلم، فما دامت على دينها فهي محرمة". وهؤلاء المسبيات كن من مشركي العرب2 عبد الأوثان، فيؤول هذا الحديث3 وشبهه على أنهن أسلمن، وهذا التأويل لا بد منه والله أعلم"4". أهـ". وأورد الشنقيطي نحو هذا ثم قال: "قال مقيده عفا الله عنه: "الذي يظهر من جهة الدليل - والله تعالى أعلم - جواز وطء الأمة بملك اليمين وإن كانت عابدة وثن أو مجوسية، لأن أكثر السبايا في عصره صلى الله عليه وسلم من كفارالعرب وهم عبدة أوثان، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرم وطأهن بالملك لكفرهن، ولو كان حراما لبينه، بل قال صلى الله عليه وسلم: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" ولم يقل حتى يسلمن ولو كان ذلك شرطا لقاله".   (إرواء الغليل 1/200-201 و7/213 وصحيح الجامع الصغير 1/317) . 2 يريد سبي أوطاس". 3 يريد حديث أبي سعيد الخدري المتقدم برقم (230) . 4 شرح النووي على صحيح مسلم (3/637-638 والروض الأنف للسهيلي 7/281-282 وأضواء البيان للشنقيطي 1/286) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 "وقد اخذ الصحابة السبايا فارس وهم مجوس، ولم ينقل أنهم اجتنبوهن حتى أسلمن"1. وقد رد ابن القيم على القائلين باشتراط الإسلام، فإنه أورد حديث أبي سعيد الخدري الوارد في سبايا أوطاس ثم قال: "ودل هذا القضاء النبوي على جواز وطء الإماء الوثنيات بملك اليمين، فإن سبايا أوطاس لم يكن كتابيات، ولم يشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم في وطئهن إسلامهن، ولم يجعل المانع منه إلا الاستبراء فقط، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع مع أنهم حديثو عهد بالإسلام حتى خفي عليهم حكم هذه المسألة وحصول الإسلام من جميع السبايا وكانوا عدة آلاف بحيث لم يتخلف منهم عن الإسلام جارية واحدة مما يعلم أنه في غاية البعد، فإنهن لم يكرهن على الإسلام، ولم يكن لهن من البصيرة والرغبة والمحبة في لإسلام ما تقتضي مبادرتهن إليه جميعا، فمقتضى السنة، وعمل الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده جواز وطء المملوكات على أي دين كن، وهذا مذهب طاوس وغيره". ومما يدل على عدم اشتراط إسلامهن، ما روى الترمذي في "جامعه" عن عرباض بن سارية، أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهن"2". فجعل للتحريم غاية واحدة وهي وضع الحمل، ولو كان متوقفا على الإسلام لكان بيانه أهم من بيان الاستبراء". وفي (السنن) و (المسند) "لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها" 3". ولم يقل: "حتى تسلم، ولأحمد: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ينكحن شيئا من السبايا حتى تحيض"4". ولم يقل: "تسلم". وفي (السنن) "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة واحدة".   (أضواء البيان 1/286) . 2 تقدم تخريج الحديث في ص 514 تعليقة (2) . 3 انظر حديث (234) . 4 الحديث في مسند أحمد 4/109 من حديث رويفع بلفظ: "ولا ينكح ثيبا من السبي حتى تحيض". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 "ولم يقل: "وتسلم، فلم يجيء عنه اشتراط إسلام المسبية في موضع واحد البتة"1". وقال في أثناء الكلام على سبايا بنى المصطلق في وقوع جويرية أم المؤمنين في سهم ثابت بن قيس وهي من صريح العرب، ولم يكونوا يتوقفون في وطء سبايا العرب على الإسلام، بل كانوا يطؤونهن بعد الاستبراء، وأباح الله لهم ذلك، ولم يشترط الإسلام، بل قال تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [النساء، من الآية: "24] . فأباح وطء ملك اليمين، وإن كانت محصنة إذا انقضت عدتها بالاستبراء". وقال له سلمة بن الأكوع، لما استوهبه الجارية الفزارية من السبي: "والله يا رسول الله: "لقد أعجبتني، وما كشفت لها ثوبا"2 ولو كان وطؤها حراما قبل الإسلام عندهم، لم يكن لهذا القول معنى، ولم تكن قد أسلمت، لأنه قد فدى بها ناسا من المسلمين بمكة، والمسلم لا يفادى به، وبالجملة فلا نعرف في أثر واحد قط اشتراط الإسلام منهم قولا أو فعلا في وطء المسبية، فالصواب الذي كان عليه هديه وهدي أصحابه استرقاق العرب، ووطء إمائهن المسبيات بملك اليمين من غير اشتراط الإسلام"3". إهـ". وهذا الذي ذهب إليه ابن القيم واضح في غاية الوضوح، وقد رجحه الشوكاني أيضا4". ومما اختلفوا فيه، في هذا الباب: 1- هل جواز وطء المسبية وانفساخ نكاحها من زوجها الكافر، مشروط بسبيها وحدها، أو ذلك يحصل ولو سبيت مع زوجها؟ ذهب الشافعي إلى العموم فقد نقل عنه البيهقي قوله: "سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبي أوطاس وسبي بني المصطلق وأسر من رجال هؤلاء وهؤلاء، وقسم السبي فأمر أن لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض ولم يسأل عن ذات زوج ولا غيرها، ولا هل سبي زوج مع امرأته ولا غيره"5.إهـ.   1 زاد المعاد 5/131-133 وانظر حديث (231) . 2 أخرجه مسلم في صحيحه: " (3/1375) ، كتاب الجهاد والسير، باب في التنفيل وفداء المسلمين بالأسارى". (زاد المعاد 3/113-114) . (نيل الأوطار 6/347 وتحفة الأحوذي 8/370) . (السنن الكبرى للبيهقي 9/124 وانظر الأم للشافعي 4/184) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 ورجح هذا ابن القيم ورد على القائلين بخلافه1. وقال الخطابي2 في "المعالم" في الحديث3 بيان أن الزوجين إذا سبيا معا فقد وقعت الفرقة بينهما كما لو سبى أحدهما دون الآخر، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأبو ثور4". واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم السبي وأمر أن لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض، ولم يسأل عن ذات زوج وغيرها، ولا عمن كانت سبيت منهن مع الزوج أو وحدها، فدل على أن الحكم في ذلك واحد". وقال أبو حنيفة: "إذا سبيا جميعا فهما على نكاحهما5". إهـ. وقال ابن قدامة: "وإذا سبي المتزوج من الكفار لم يخل من ثلاثة أحوال: أحدها: "أن يسبي الزوجان معا فلا ينفسخ نكاحهما وبهذا قال أبو حنفية والأوزاعي. وقال مالك والثوري والليث والشافعي وأبو ثور ينفسخ نكاحهما لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [النساء، من الآية: "24] ، والمحصنات المتزوجات "إلا ما ملكت أيمانكم" بالسبي، قال أبو سعيد الخدري: "نزلت هذه الآية في سبي أوطاس، وقال ابن عباس: "إلا ذوات الأزواج من المسبيات، ولأنه استولى على محل حق الكافر فزال ملكه كما لو سباها وحدها". الحال الثاني: "أن تسبي المرأة وحدها فينفسخ النكاح بلا خلاف علمناه، والآية دالة عليه، وقد روى أبو سعيد الخدري، قال: "أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهن أزواج في قومهن فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنَزلت: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [النساء، من الآية: "24] . إلا أن أبا حنيفة قال: "إذا سبيت المرأة وحدها ثم سبى زوجها بعدها بيوم لم ينفسخ النكاح".   (زاد المعاد 5/131، وانظر أضواء البيان للشنقيطي1/283) . 2 هو الإمام العلامة المفيد المحدث الرحال أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم". 3 يريد حديث أبي سعيد الخدري المتقدم برقم (230) . 4 هو إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي، أبو ثور الفقيه، صاحب الشافعي، ثقة (التقريب 1/35) . (عون المعبود 6/191-192) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 الحال الثالث: "سبي الرجل وحده فلا ينفسخ النكاح لأنه لا نص فيه ولا القياس يقتضيه، وقد سبى النبي صلى الله عليه وسلم سبعين من الكفار يوم بدر فمن على بعضهم وفادى بعضا فلم يحكم عليهم بفسخ أنكحتهم1". إهـ". فأنت ترى أن القائلين بعدم فسخ النكاح فيما إذا سبيا معا، هم أبو حنيفة وأحمد والأوزاعي، وقد مال صاحب المغني إلى هذا ودافع عنه". والظاهر في هذا أن الصواب ما ذهب إليه الشافعي ومالك وغيرهما لما سبق بيانه والله أعلم". 2- هل بيع الأمة يكون طلاقا لها من زوجها أخذا بعموم قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [النساء، من الآية: "24] . ذهب جماعة من العلماء إلى الأخذ بعموم الآية ورأوا أن بيع الأمة طلاق لها من زوجها2". قال ابن كثير: "وقد خالفهم الجمهور قديما وحديثا، فرأوا أن بيع الأمة ليس طلاقا لها، لأن المشتري نائب عن البائع، والبائع كان قد أخرج عن ملكه هذه المنفعة3، وباعها مسلوبة عنها، واعتمدوا في ذلك على حديث بريرة4 المخرج في الصحيحين وغيرهما فإن عائشة اشترتها واعتقتها ولم ينفسخ نكاحها من زوجها مغيث، بل خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الفسخ والبقاء، فاختارت الفسخ، فلو كان بيع الأمة طلاقها كما قال هؤلاء، ما خيرها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما خيرها دل على بقاء النكاح وأن المراد من الآية المسبيات فقط"5". وقال الشنقيطي: "وهو التحقيق في هذه المسألة"6. إهـ. قلت: "وهو الظاهر المتبادر من النصوص، والله أعلم".   (المغني 8/427 باختصار وتصرف، والإنصاف 4/135-136) . 2 ممن قال بهذا من الصحابة رضوان الله عليهم: "عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبي بن كعب، وأنس بن مالك ومن التابعين: "إبراهيم النخعي، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب". انظر: " (جامع البيان للطبري 5/2-4، وتفسير ابن كثير: "1/473-474) . 3 حيث زوجها لغيره". 4 حديث بريرة في صحيح البخاري (7/42 كتاب الطلاق، باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة وصحيح مسلم 2/1143 كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق) . (تفسير ابن كثير 1/473-474، والبداية والنهاية له 4/339-340) . (أضواء البيان 1/282) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 الحكم الثاني: وقوع العزل في أوطاس العزل هو نزع الذكر بعد الإيلاج لينْزل خارج الفرج، وكان الصحابة يفعلون ذلك مع الإماء خشية أن تحمل الأمة فيمتنع بيعها لأنها تصير بذلك أم ولد1". وقد جاء في هذا ما رواه الطّحاوي من حديث أبي سعيد الخدري وهذا سياقه: 236- قال: "حدثنا نصر2 بن مرزوق قال ثنا الخصيب3 وقال ثنا وهيب4 عن موسى5 بن عقبة عن محمد6 بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز7 عن أبي سعيد8 الخدري أنهم أصابوا سبايا يوم أوطاس، فأرادوا أن يستمعوا منهن ولا تحملهن، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "لا عليكم أن لا تفعلوا، فإن الله عز وجل قد كتب من هو خالق إلى يوم القيامة" 9".   1 انظر: " (هدي الساري ص: "156، والمصباح المنير للفيومي 2/485) . 2 نصر بن مرزوق أبو الفتح المصري، روى عن الخصيب بن ناصح وغيره". قال ابن أبي حاتم: "كتبنا عنه، وهو "صدوق" (الجرح والتعديل 8/472) . 3 الخصيب - بفتح أوّله وكسر المهملة - ابن ناصح الحارثي البصري، نزيل مصر صدوق يخطئ من التاسعة (ت 208) ، وقيل: " (207هـ) ، / سي (التقريب 1/223) ، وقال: "أبو زرعة: "ما به بأس إن شاء الله، وذكره ابن حبان في الثقات". وقال: "ربما أخطأ (تهذيب التهذيب 3/143، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/397 والخلاصة 1/289-290) . 4 وهيب - بالتصغير - ابن خالد بن عجلان، الباهلي مولاهم أبو بكر البصري، ثقة ثبت، لكنه تغير قليلاً بآخره من السابعة (ت165) وقيل بعدها/ ع (التقريب 2/339 وتهذيب التهذيب 11/169) . 5 موسى بن عقبة بن أبي عياش، ثقة فقيه إمام في المغازي تقدم في حديث 52". 6 محمد بن يحيى بن حبان - بفتح المهملة وتشديد الموحدة - ابن منقذ الأنصاري المدني، ثقة فقيه، من الرابعة (ت 121) /ع (التقريب 1/216، وتهذيب التهذيب 6/507) . 7 هو عبد الله بن محيريز - بالمهملة وراء آخره زاي مصغرا - ابن جنادة بن وهب الجمحي - بضم الجيم وفتح الميم بعدها مهملة المكي، كان يتيماً في حجر أبي محذورة بمكة، ثم نزل بيت المقدس ثقة عابد، من الثالثة (ت 99) وقيل بعدها / ع (التقريب 1/ 449، وتهذيب التهذيب 6/32) . 8 أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان بن عبيد الأنصاري له ولأبيه صحبة، استصغر في أحد، ثم شهد ما بعدها (التقريب 1/289) . (شرح معاني الآثار 3/33) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 وما رواه أحمد وأبو يعلى من حديث أبي سعيد الخدري أيضاً وهذا سياق أحمد قال: 237- ثنا أبو نعيم1 حدثنا يونس2 حدثني أبو الوداك3 جبر بن نوف قال: "حدثني أبو سعيد قال: "أصبنا سباياً يوم حنين، فكنا نعزل عنهن نلتمس أن نفاديهن من أهلهن، فقال بعضنا لبعض: "تفعلون هذا وفيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتوه فسلوه، فأتيناه أو ذكرنا ذلك له، فقال: " ما من كل ماء يكون الولد إذا قضى الله أمراً كان". الحديث4. والحديث روى عن أبي سعيد من طريقين: الأولى: "فيها الخصيب وهو "صدوق يخطئ". والثانية: "فيها أبو الوداك وهو "صدوق يهم"5". والحديث بطريقه يعتضد ويرتقي إلى درجة الحسن لغيره6، وهو يدل على أن السؤال عن العزل وقع في غزوة أوطاس، وفي الصحيحين وغيرهما من طريق ابن محيريز عن أبي سعيد الخدري، أن ذلك كان في غزوة بني المصطلق وهي متقدمة على غزوة حنين". وسياق الحديث: 238- عن أبي سعيد قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من سبي العرب، فاشتهينا النساء، واشتدت علينا العزبة، وأحببنا   1 هو الفضل بن دكين - مصغرا - الكوفي واسم دكين عمر بن حماد بن زهير، التيمي مولاهم، الأحول، أبو نعيم الملائي - بضم الميم - مشهور بكنيته ثقة ثبت، من التاسعة (ت 218) وقيل (219) وهو من كبار شيوخ البخاري / ع (التقريب 2/110 وتهذيب التهذيب 8/270 والمغني لابن طاهر الهندي ص 31) . 2 يونس بن إسحاق السبيعي، أبو إسرائيل الكوفي، صدوق يهم قليلا من الخامسة (ت 152) على الصحيح /ز م ع (التقريب 2/384 وتهذيب التهذيب 11/433) . وختم الذهبي ترجمته بقوله: "صدوق ما به بأس" (ميزان الاعتدال 4/483) . 3 أبو الوداك صدوق يهم تقدم في حديث (231) . 4 أحمد: " (المسند 3/82) . وأبو يعلى: " (المسند 2/132 برقم 302) . 5 انظر: " (التقريب 1/125) . 6 في (أطيب المنح لعبد المحسن العباد وعبد الكريم مراد ص 16) . الحسن لغيره هو الخبر المتوقف عن قبوله كرواية المستور ونحوه إذا توبع بمثله أو أقوى منه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 العزل، فأردنا أن نعزل وقلنا نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا قبل أن نسأله، فسألناه عن ذلك فقال: "ما عليكم أن لا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة" لفظ البخاري1. ولعل السؤال عن هذه المسألة حصل في الغزوتين معا، ولا مانع من ذلك خاصة إذا عرفنا أن كثيراً ممن حضرواً غزوة حنين لم يكونوا موجودين في غزوة بني المصطلق، مما يدل على خفاء مثل هذا الحكم على بعض منهم فلا يستبعد أن يسأل عن هذا الحكم في غزوة أوطاس أيضاً". والحديث يدل على جواز العزل وعلى أنه لا يمنع شيئاً أراده الله وقدره من إيجاد ولد وعدمه". 239- وفي حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن لي جارية هي خادمنا وسانيتنا وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل، فقال: "اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها". فلبث الرجل ثم أتاه فقال: "إن الجارية قد حبلت، فقال: "قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها" 2. والخلاف في حكم العزل بين العلماء مشهور وقد تناولت هذه المسالة في غزوة بني المصطلق بأوسع من هذا3".   (صحيح البخاري 3/129 كتاب العتق، باب من ملك من العرب رقيقا و5/96 كتاب المغازي، باب غزوة بني المصطلق من خزاعة و8/104 كتاب القدر، باب وكان أمر الله قدرا مقدورا، وصحيح مسلم 2/1061-1065) ، كتاب النكاح باب حكم العزل". (صحيح مسلم 2/1064 كتاب النكاح باب حكم العزل، سنن أبي داود 1/501 كتاب النكاح، باب العزل واللفظ لمسلم) . (ص 331) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 الحكم الثالث: في مسئلة المتعة ... الحكم الثالث: في مسألة المتعة المتعة في اللغة الانتفاع1. وفي الاصطلاح: "هي نكاح مؤقت إلى أجل مسمى، لا توارث فيه ولا طلاق، ينفسخ بانتهاء أجله". وكان هذا النكاح مباحا في أوّل الإسلام ثم حرم في فتح مكة تحريما مؤبداً2". وأطلق فتح مكة على أوطاس لاتصال الغزوتين ووقوعهما في سفرة واحدة، لأن عزوة أوطاس ناشئة عن فتح مكة3". وقد جاء في إباحة المتعة عام أوطاس ما رواه مسلم وأحمد والدارقطني والبيهقي وأبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي من طريق الدارقطني الجميع من طريق: 240- أبي العميس4 عن إياس بن سلمة عن أبيه5، قال: "رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا، ثم نهى عنها" لفظ مسلم6". ولفظ أحمد: "وخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها "7". قال النووي: "قوله "رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثم نهى عنها" هذا تصريح بأنها أبيحت يوم فتح مكة، وهو ويوم أوطاس شيء واحد". وقال أيضاً: "والصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالا قبل خيبر، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس، لاتصالهما،   (النهاية لابن الأثير 4/292، هدي الساري لابن حجر ص 185) . (شرح النووي على صحيح مسلم3/554وانظر نكاح المتعة للأهدل ص61-62) . (السنن الكبرى للبيهقي 7/204) . 4 هو عتبة بن عبد الله أبو العميس - بمهملتين مصغرا - الهذلي المسعودي الكوفي (التقريب 2/4، تهذيب التهذيب 7/97) . 5 هو سلمة بن الأكوع أبو مسلم وأبو إياس صحابي جليل". (صحيح مسلم 2/1023 كتاب النكاح، باب نكاح المتعة) . (مسند أحمد 4/55 والدارقطني: "السنن 3/258 والبيهقي: "السنن الكبرى 7/204، وأبو الفتح المقدسي تحريم نكاح المتعة ص 111) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 ثم حرمت بعد ثلاثة أيام مؤبدا إلى يوم القيامة، واستمر التحريم"1.إهـ. ثم نقل عن القاضي عياض قوله: "واتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحا إلى أجل لا ميراث فيها، وفراقها يحصل بانقضاء الأجل من غير طلاق". ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء إلا الروافض". وكان ابن عباس - رضي الله عنه - يقول: "بإباحتها، ورُوِيَ عنه أنه رجع عنه". قال: "وأجمعوا على أنه متى وقع نكاح المتعة الآن حكم ببطلانه سواء كان قبل الدخول أو بعده إلا ما سبق عن زفر! 2". وفي المسألة خلاف طويل في وقت تحريم المتعة وإباحتها، وهل تكررت الإباحة والتحريم أولاً، وهل يوجد من يقول بها سوى الشيعة أو لا، هذا ليس من مقصودنا في هذا المقام وإنما المقصود هنا هو توجيه حديث سلمة بن الأكوع، الوارد فيه أن المتعة أحلت يوم أوطاس، وقد ظهر من أقوال العلماء أن المراد بذلك يوم فتح مكة، وأطلق ذلك على أوطاس لاتصال الغزوتين". وقد تقدم حديث ابن عباس وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى حنين في رمضان والناس مختلفون فصائم ومفطر3 والمعروف عند العلماء أن خروجه صلى الله عليه وسلم إلى غزوة حنين كان في شهر شوال، وأن خروجه في رمضان إنما كان في غزوة الفتح وبهذا القدر أكتفي في توجيه حديث سلمة بن الأكوع وهو أنّ صحيح في ذلك أن المتعة حرمت في فتح مكة بعد إباحتها ثلاثة أيام، وأطلق ذلك على عام أوطاس لوقوعها عقب الفتح مباشرة4".   (شرح النووي على صحيح مسلم 3/553 و556 وفتح الباري 9/169، و170، وانظر السنن الكبرى للبيهقي 7/204 ورسالة الأهدل ص 162-166) . (شرح النووي على صحيح مسلم 3/552و553و554 وفتح الباري 9/173-174 ونيل الأوطار 6/154-156) . وقد نقل ابن قدامة في المغني 6/644 عن زفر "صحة النكاح وبطلان الشرط". ونقل بن حجر: "عن أبي الفتح الأزدي أنه قال: "زفر غير مرضي المذهب والرأي إهـ، وهذا القول من الأزدي فيه نظر وإن كان قول زفر بصحة نكاح المتعة الآن مردود، إلا أن الإطلاق بأن زفر غير مرضي المذهب والرأي فيه نظر وذلك لأن الرجل قد وصف بالعبادة والعلم والصدق، وإن كان قد غلب عليه القول برأي أبي حنيفة ومن ثم ضعف في الحديث (وفيات الأعيان لابن خلكان 2/317-319، وميزان الاعتدال للذهبي 2/71 واللسان لابن حجر 2/476) . 3 تقدم الحديث برقم (31) وتوجيه ابن حجر له". 4 وقد أوجزت القول في حكم المتعة لكثرة الدراسات القديمة والحديثة المتصلة بهذا الموضوع ومن خير من استوعب أحكام المتعة من المعاصرين فضيلة الشيخ محمد عبد الرحمن الأهدل في رسالة الماجستير بعنوتن مرويات نكاح المتعة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 الحكم الرابع: منع المخنثين من الدخول على النساء الأجنبيات جاءت الشريعة الإسلامية بالمحافظة على الأعراض وسدت كل المنافذ التي يخشى منها على أعراض المجتمع الإسلامي، ومن ذلك حماية الأسرة المسلمة من دخول بعض الرجال الذين أطلق عليهم في عرف السلف المخنثون، وهم من خلق متخلقا بأخلاق النساء وزيهن وكلامهن وحركاتهن من غير تكلف، ولا إربة له في النساء أصلا، وهذا الضرب من الرجال شاذ في تكوينه، غير أن هذا الشذوذ خلقي جبلي فيه ولذلك كان بعض هؤلاء يدخلون على النساء بلا إنكار عليهم في ذلك ولكن لما بدر من بعضهم وصف النساء وتحديق النظر في مفاتن المرأة ومحاسنها حظر عليهم الشرع الإسلامي الدخول على النساء منعا للفتنة وسدا للذريعة وفي هذا الحكم وردت الأحاديث الآتية: ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أم سلمة وهذا سياقه عند البخاري: 241- قال: "حدثنا الحميدي1 سمع سفيان حدثنا هشام عن أبيه عن زينب ابنة أبي سلمة عن أمها أم سلمة - رضي الله عنها -: "دخل عليّ2 النبي - صلى الله عليه وسلم - وعندي   1 الحميدي: "هو أبو بكر عبد الله بن الزبير صاحب المسند، سفيان: "هو ابن عيينة وهشام: "هو ابن عروة بن الزبير، وأم سلمة هي: "أم المؤمنين هند بنت أبي أمية". قال ابن حجر: "وفي هذا الإسناد لطيفة: "رجل عن أبيه وهما تابعيان، وامرأة عن أمها وهما صحابيتان". (فتح الباري 8/44) . 2 وعند البخاري أيضاً " عن زينب ابنة أم سلمة عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها وفي البيت مخنث". وعند أيضا وعند مسلم "عن زينب عن أم سلمة أن مخنثا كان عندها ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت". وعند أبي يعلى "عن زينب عن أم سلمة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في بيت أم سلمة وعنده مخنث جالس". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 مخنث1 فسمعته2 يقول لعبد الله3 بن أبي أمية: "يا عبد الله أرأيت إن فتح الله   1 المخنث: "بكسر النون وفتحها هو الذي يشبه النساء في أخلاقه وكلامه وحركاته، ويطلق عليه مخنث سواء فعل الفاحشة أو لم يفعل، قال النووي: "قال العلماء: "المخنث ضربان: أحدهما: "من خلق كذلك ولم يتكلف التخلق بأخلاق النساء وزيهن وكلامهن وحركاتهن، بل هو خلقة خلقه الله عليها، فهذا لا ذم عليه ولا عتب ولا إثم ولا عقوبة؛ لأنه معذور لا صنع له في ذلك، ولهذا لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم أولا دخوله على النساء ولا خلقه الذي هو عليه حين كان من أصل خلقته، وإنما أنكر عليه بعد ذلك معرفته لأوصاف النساء، ولم ينكر صفته وكونه مخنثا". الضرب الثاني: "من المخنث: "هو من لم يكن له ذلك خلقة، بل يتكلف أخلاق النساء وحركاتهن وهيئاتهن وكلامهن، ويتزي بزيهن، فهذا هو المذموم الذي جاء في الأحاديث الصحيحة لعنه، وهو بمعنى الحديث الآخر "لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين بالنساء من الرجال" وأما الضرب الأول فليس بملعون، ولو كان ملعونا لما أقره أولاً". والله أعلم".إهـ (شرح النووي على صحيح مسلم 5/25و26) وانظر تحفة الأحوذي 8/70) . وقال ابن كثير: "المراد بالمخنث في عرف السلف الذي لا همة له في النساء وليس المراد به الذي يؤتى، إذ لو كان كذلك لوجب قتله حتما كما دل عليه الحديث، وكما قتله أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -" (البداية والنهاية 4/349، والروض الأنف 7/274 وفتاوى ابن تيمية 15/308-309) . ونقل ابن حجر نحو قول النووي وقال: وأما ما كان ذلك من أصل خلقته فإنما يؤمر بتكلف تركه والإدمان على ذلك بالتدرج، فإن لم يفعل وتمادى دخله الذم، ولا سيما إذا بدا منه ما يدل على الرضا به، وأخذ هذا واضح من لفظ المتشبهين، وأما إطلاق من أطلق كالنووي وأن المخنث الخلقي لا يتجه إليه اللوم فمحمول على ما إذا لم يقدر على ترك التثني والتكسّر في المشي والكلام بعد تعاطيه المعالجة لترك ذلك، وإلا متى كان ترك ذلك ممكنا ولو بالتدرج فتركه بغير عذر لحقه اللوم". (فتح الباري 9/334-335و 10/332-333) . 2 وعند ابن ماجه "عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فسمع محنثا وهو يقول لعبد الله بن أبي أمية" الخ". وعند الحميدي "عن أم سلمة قالت: "دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي مخنث فسمعه يقول لعبد الله بن أبي أمية" الخ". 3 وعند البخاري أيضا "فقال لعبد الله أخي أم سلمة". هكذا صرح في حديث أم سلمة أن القول الصادر من هذا المخنث كان لعبد الله بن أبي أمية أخي أم سلمة". قال ابن حجر: "وروى المستغفري من مرسل محمد بن المنكدر أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى هيتا في كلمتين تكلم بهما من أمر النساء، قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: "إذا افتتحتم الطائف غدا فعليكم بابنة غيلان"، فذكر نحو حديث الباب وزاد "اشتد غضب الله على قوم رغبوا عن خلق الله وتشبهوا بالنساء"، ثم قال ابن حجر: "فيحمل على تعدد القول منه لكل منهما: "لأخي عائشة ولأخي أم سلمة". والعجب أنه لم يقدر أن المرأة الموصوفة حصلت لواحد منهما؛ لأن الطائف لم يفتح حينئذ، وقتل عبد الله بن أبي أمية في حال الحصار، ولما أسلم غيلان بن سلمة وأسلمت بنته بادية تزوجها عبد الرحمن بن عوف". ثم قال: "وذكر ابن إسحاق في المغازي أن اسم المخنث في حديث الباب ماتع وهو بمثناة وقيل بنون فروى عن محمد بن إبراهيم التيمي قال: "كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الطائف مولى لخالته فاختة بنت عمرو بن عائذ مخنث يقال له ماتع يدخل على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون في بيته لا يرى رسول الله أنه يفطن لشيء من أمر النساء مما يفطن له الرجال ولا أن له إربة في ذلك فسمعه يقول لخالد بن الوليد: "يا خالد إن افتتحتم الطائف، فلا تنفلتن منك بادية بنت غيلان بن سلمة، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان" الحديث … وذكر البارودي في "الصحابة" من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن حفص أن عائشة قالت لمخنث كان بالمدينة يقال له أنة - بفتح الهزة وتشديد النون - ألا تدلنا على امرأة نخطبها على عبد الرحمن بن أبي بكر؟ قال: "بلى، فوصف امرأة تقبل بأربع وتدبر بثمان". قال ابن حجر: "والراجح أن اسم المذكور في حديث الباب هيت، ولا يمتنع أن يتوارد في الوصف المذكور (فتح الباري 9/334-335) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 عليكم الطائف فعليك بابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان1، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخلن عليكن". قال ابن عيينة وقال ابن جريج2: "المخنث هيت3". حدثنا محمود4 حدّثنا أبو سلمة عن هشام بهذا وزاد: "فحاصر الطائف يومئذ".   1 وعند أبي داود وابن ماجه: "عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها مخنث وهو يقول لعبد الله أخيها: "إن يفتح الله الطائف غدا دللتك على امرأة تقبل بأربع وتدبر بثمان، فقال صلى الله عليه وسلم: "أخرجوهم من بيوتكم" ولفظ ابن ماجه "فسمع مخنثا وهو يقول الخ". وعنده أيضاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أخرجوه من بيوتكم" وقوله (تقبل بأربع وتدبر بثمان فسره البخاري في الحديث بقوله: "قال أبو عبد الله: "تقبل بأربع وتدبر بثمان: "يعني أربع عكن بطنها، فهي تقبل بهن، وقوله تدبر بثمان: "يعني أطراف هذه العكن الأربع لأنها محيطة بالجنين حتى لحقت، وإنما قال بثمان ولم يقل بثمانية وواحد الأطراف وهو ذكر، لأنه لم يقل بثمانية أطراف". وقال ابن كثير في (البداية النهاية 4/349) : "ومعنى قوله تقبل بأربع وتدبر بثمان يعني بذلك عكن بطنها فإنها تكون أربعاً إذا أقبلت ثم تصير كل واحد اثنتين إذا أدبرت" وانظر: " (شرح النووي على صحيح مسلم 5/25) . وقال ابن حجر: "قال الخطابي: "يريد أن لها في بطنها أربع عكن، فإذا أقبلت رؤيت مواضعها بارزة متكسراً، بعضها على بعض، وإذا أدبرت كانت أطراف هذه العكن الأربع عند منقطع جنبيها ثمانية". قال ابن حجر: "وحاصله أنه وصفها بأنها مملوءة البدن بحيث يكون لبطنها عكن وذلك لا يكون إلا للسمينة من النساء، وجرت عادة الرجال غالبا في الرغبة فيمن تكون بتلك الصفة، وهذه المرأة هي بادية بنت غيلان". قال ابن حجر: "واختلف في ضبط بادية فالأكثر بموحدة، ثم تحتانية، وقيل: "بنون بدل التحتانية، حكاه أبو نعيم، ولبادية ذكر في المغازي"، ذكر ابن إسحاق أن خولة بنت حكيم قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن فتح الله عليك الطائف أعطني حليّ بادية بنت غيلان". وكانت من أحلى نساء ثقيف، وغيلان هو ابن سلمة وهو الذي أسلم وتحته عشر نسوة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار أربعا، وكان من رؤساء ثقيف وعاش إلى أواخر خلافة عمر - رضي الله عنه ـ". (فتح الباري 9/335 وانظر سيرة هشام 2/484 والورض الأنف 7/271) . 2 قال ابن حجر: "هو موصول بالإسناد الأول (فتح الباري 8/44) . 3 هيت: "بكسر الهاء وسكون التحتانية بعدها مثناة، قال ابن حجر: "وضبطه بعضهم بفتح أوله، وأما درستويه فضبطه بنون ثم موحدة - هنب - وزعم أن الأوّل تصحيف، قال: "والهنب الأحمق". وتقدم في تعليقة (3) ص 526 أن الراجح أن اسم المذكور في حديث الباب "هيت" وقال ابن كثير: "وهذا هو المشهور (البداية والنهاية 4/349) وفتح الباري 8/44 و9/334، وقال النووي في شرح مسلم (5/25) وهو المحفوظ". 4 محمود: "هو ابن آدم المروزي، وأبو أسامة: "هو حماد بن أسامة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 والحديث رواه البخاري أيضا من طريق عبدة1 عن هشام به". ومن طريق زهير2حدثنا هشام بن عروة به3". ورواه مسلم وأبو داود وابن ماجه الجميع من طريق وكيع عن هشام بن عروة به4". ورواه مسلم أيضا وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى كلهم من طريق جرير بن عبد الحميد عن هشام به5". ورواه مسلم أيضاً، وأحمد كلاهما من طريق أبي معاوية محمد بن خازم عن هشام به6". ورواه مسلم أيضا من طريق عبد الله بن نمير حدثنا هشام به7". ورواه الحميدي عن سفيان بن عيينة قال ثنا هشام به8". ومن طريقه أخرجه البيهقي9". ورواه البيهقي أيضا من طريق يونس بن بكير عن هشام به10". ورواه مالك عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلا11". قال الكاندهلوي: "هكذا رواه جمهور الرواة عن مالك مرسلا.   1 عبدة: "هو ابن سليمان الكلابي، أبو محمد الكوفي". 2 زهير: "هو ابن معاوية بن خديج أبو خيثمة الكوفي (تهذيب التهذيب 3/351 و10/3) . (البخاري 5/128 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف 7/33 كتاب النكاح، باب ما ينهى من دخول المتشبهين بالنساء على المرأة، 7/137 كتاب اللباس، باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت) . 4 مسلم: " (الصحيح 4/1715 كتاب السلام، باب منع المخنثين من دخول على النساء الأجانب، أبو داود: "السنن 2/580 كتاب الادب، باب الحكم في المخنثين، وابن ماجه السنن 1/613 كتاب النكاح، باب في المخنثين) . 5 مسلم: " (الصحيح 4/1715 وإسحاق بن راهويه المسند ص 233 أرقم 380، وأبو يعلى: "المسند 6/635 أرقم 306) . (مسلم: "الصحيح 4/1715 وأحمد: "المسند 6/290) . (مسلم: "الصحيح 4/1715) . (المسند: "1/142) . (البيهقي: "السنن الكبرى 8/223-224) . 10 (البيهقي: "السنن الكبرى 8/223-224) . 11 (الموطأ2/767كتاب الوصية، باب ما جاء في المؤنث من الرجال ومن أحق بالولد) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 ورواه سعيد1بن أبي مريم عن مالك عن هشام عن أبيه عن أم سلمة، أخرجه ابن عبد البر وقال: "الصواب ما في الموطأ2". ولم يسمعه عروة عن أم سلمة، وإنما رواه عن بنتها زينب عن أمها أم سلمة". وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من طرق عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أمها أم سلمة، كذلك قال ابن عيينة وأبو معاوية عن هشام". ثم قال الكاندهلوي: "قال الحافظ: "هكذا قال أكثر أصحاب هشام وهو المحفوظ". وأخرج البخاري في اللباس من طريق زهير عن هشام أن عروة أخبره أن زينب بنت أم سلمة أخبرته أن أم سلمة أخبرتها3". وخالفهم حماد بن سلمة عن هشام فقال عن أبيه عن عمر4بن أبي سلمة". وقال معمر عن هشام عن أبيه عن عائشة". وأرسله مالك فلم يذكر فوق عروة أحداً5".إهـ". ما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما من حديث عائشة وهذا سياقه عند مسلم قال: 242- وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: "كان6 يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولى الإربة7، قال: "فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه8، وهو ينعت امرأة   1 هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم المعروف بابن أبي مريم". 2 يعني كونه عن عروة مرسلا". وانظر: "التقصّي، لابن عبد البر ص 197-198 الحديث رقم (668) . 3 انظر: " (تخريج الحديث في ص: "528) . 4 عمر بن أبي سلمة أمه أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ووقع في فتح الباري وأوجز المسالك "عمرو" والصواب ما أثبتناه". 5 أوجز المسالك 12/353 وفتح الباري 9/333-334". 6 وعند أحمد والبيهقي "كان رجل يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة". 7 الإربة: "بكسر أوله وسكون الراء: "الحاجة، والمراد بها هنا: "حاجة النكاح وغير أولي الإربة: "عرفه العلماء بتعاريف خلاصتها: "أنه هو الذي يهمه بطنه دون فرجه ولا هم له ولا حاجة به إلى النساء، ولا تشتهيه النساء، (جامع البيان للطبري 18/121-123، والسنن الكبرى للبيهقي 7/196) . 8 قال ابن حجر: "وعرف من حديث الباب تسمية المرأة وأنها أم سلمة (فتح الباري 9/334) ويعني بحديث الباب حديث أم سلمة المتقدم برقم (241) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 قال: "إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان، فقال: "النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أرى هذا يعرف1 ما هاهنا لا يدخلن عليكن". قالت: "فحجبوه2". والحديث رواه أبو داود وأحمد والبيهقي الجميع من طريق معمر عن زهري عن عروة به3". ورواه أبو داود أيضا من طريق معمر عن الزهري وهشام بن عروة عن عروة به4". ورواه أبو داود أيضا من طريق يونس5 عن الزهري عن عروة عن عائشة بهذا الحديث: "وزاد6: "وأخرجه فكان بالبيداء يدخل كل جمعة يستطعم".   1 وعند أبي داود وأحمد والبيهقي "فقال: "ألا أرى هذا يعلم ما ههنا لا يدخلن عليكن هذا وحجبوه". (صحيح مسلم: "4/1716 كتاب السلام، باب منع المخنث من الدخول على النساء الأجانب) . 3 أبو داود: "السنن 2/383-384 كتاب اللباس، باب في قوله (غير أولي الإربة) ولم يسق لفظه، وأحمد: "المسند 6/152، والبيهقي السنن الكبرى 7/96". 4 أبو داود: "السنن 2/383". 5 هو يونس بن يزيد الأيلي، ثقة تقدم في حديث (63) . 6 زاد: "أي يونس في روايته وأخرجه أي أخرج النبي صلى الله عليه وسلم المخنث، فكان بالبيداء - بالمد القفر وكل صحراء فهي بيداء كأنها تبيد سالكها أي تكاد تهلكه (عون المعبود 11/167-168) . قال النووي: "والمحفوظ أنه هيت، قال العلماء: "وإخراجه كان لثلاثة معان: أحدها: "المعنى المذكور في الحديث أنه كان يظن من غير أولى الإربة وكان من أولى الإربة ويتكتم بذلك". والثاني: "وصفه النساء ومحاسنهن وعوراتهن بحضرة الرجال، وقد نهى أن تصف المرأةُ المرأةَ لزوجها فكيف إذا وصفها الرجل للرجل؟ والثالث: "أنه ظهر له منه أنه كان يطلع من النساء وأجسامهن وعوراتهن على ما لا يطلع عليه كثير من النساء فكيف الرجل، لا سيما على ما جاء في غير مسلم أنه وصفها حتى وصف ما بين رجليها أي فرجها وحواليه، (شرح النووي على صحيح مسلم 5/25) . وقال ابن حجر: "قال المهلب: "إنما حجبه عن الدخول إلى النساء لما سمعه يصف المرأة بهذه الصفة التي تهيج قلوب الرجال فمنعه لئلا يصف الأزواج للناس فيسقط معنى الحجاب" اهـ". وقد ذكر ابن الكلبي: "بعد قوله وتدبر بثمان فقال: "بثغر كالأقحوان، إن قعدت تثنت، وتكلمت تغنت، وبين رجليها مثل الإناء المكفوء". وزاد المديني من طريق يزيد بن رومان عن عروة مرسلا في هذه القصة: "أسفلها كثيب وأعلاها عسيب" ثم قال ابن حجر: "وفي سياق الحديث ما يشعر بأنه حجبه لذاته أيضا لقوله: "ألا أرى هذا يعرف ما ههنا" ولقوله: "وكانوا يعدونه من غير أولى الإربة" فلما ذكر الوصف المذكور دل على أنه من أولى الإربة، فنفاه لذلك (فتح الباري 9/335-336) . والروض الأنف 7/272". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 542 ومن طريق الأوزاعي في هذه القصة "فقيل يا رسول الله إنه إذا يموت من الجوع، فأذن له أن يدخل في كل جمعة مرتين فيسأل ثم يرجع"1 وإسناده صحيح2". والحديث يدل على منع المخنثين من الدخول على النساء، وفيه نفي أهل المعاصي والفساد من البلاد تأديباً لهم وتنكيلاً بهم". قال النووي: "في الحديث منع المخنث من الدخول على النساء، ومنعهن من الظهور عليه، وبيان أن له حكم الرجال الفحول الراغبين في النساء في هذا المعنى". وكذا حكم الخصي والمجبوب ذكره، وأما دخول المخنث أولا على أمهات المؤمنين فقد بين سببه في هذا الحديث، بأنهم كانوا يعتقدونه من غير أولى الإربة وأنه مباح دخوله عليهن، فلما سمع منه هذا الكلام علم أنه من أولي الإربة فمنعه صلى الله عليه وسلم الدخول"3اهـ". وقال ابن حجر: "ويستفاد من الحديث حجب النساء عمن يفطن لمحاسنهن، وهذا الحديث أصل في إبعاد من يستراب به أمر من الأمور … وفيه أيضا تعزير من يتشبه بالنساء بالإخراج من البيوت والنفي إذا تعين ذلك طريقا لردعه". وظاهر الأمر وجوب ذلك، وتشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء من قاصد مختار حرام اتفاقا"4.اهـ. وقد جاء - لعن المخنثين والأمر بإخراجهم من البيوت ونفيهم عن البلاد - في حديث عبد الله بن عباس عند البخاري وأبي داود وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري قال: 243- حدثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام5 عن يحيى عن عكرمة عن ابن عباس قال: "لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات6 من النساء وقال:   (سنن أبي داود2/383-384كتاب اللباس، باب في قوله تعالى: (غير أولي الإربة) . (إرواء الغليل 6/205) . (شرح النووي على صحيح مسلم 5/25) . 4 فتح الباري 9/336 وعون المعبود 11/166-167 و168". 5 هشام: "هو الدستوائي: "ويحيى: "هو ابن أبي كثير (فتح الباري 10/333) . 6 المترجلات من النساء: "أي المتشبهات بهم زيا وهيئة ومشية ورفع صوت ونحوها لا رأيا وعلما، فإن التشبه بهم محمود (عون المعبود13/277 وتحفة الأحوذي8/70) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 "أخرجوهم من بيوتكم، قال: "فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلانا، وأخرج عمر1 فلانا"2. والحديث رواه أبو داود والنسائي وأحمد والدارمي الجميع من طريق هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة به3". ورواه عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير وأيوب4 كلاهما عن عكرمة به". وساق منه إلى قوله: "والمترجلات من النساء"5. ورواه الترمذي من هذه الطريق6". ورواه النسائي أيضا من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة به". ولفظه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج مخنثا وأن عمر أخرج فلانا وفلاناً"7. ورواه عبد الرزاق أيضا عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة به". ولفظه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أخرجوا المخنثين من بيوتكم". قال: "وأخرج النبي صلى الله عليه وسلم مخنثا وأخرج عمر مخنثا"8. ورواه أيضا عن معمر عن أيوب عن عكرمة قال: "أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجل من   1 وعند الدارمي "وأخرج عمر فلانا أو فلانة" قال أبو محمد - هو الدارمي نفسه - فأشك". وفي المتن الذي شرح عليه ابن حجر "فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلانا وأخرج عمر فلانة" بدون شك، ثم قال ابن حجر: "كذا في رواية أبي ذر "فلانة" بالتأنيث، وكذا وقع في "شرح ابن بطال" وللباقين "فلانا" بالتذكير، وكذا عند أحمد (فتح الباري 10/333و334) . 2 البخاري: "الصحيح 7/137 كتاب اللباس، باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت و8/142 كتاب الحدود باب نفي أهل المعاصي والمخنثين". 3 أبو داود: "السنن 2/581 كتاب الأدب، باب الحكم في المخنثين، النسائي: "السنن الكبرى في عشرة النساء من طريق بشر بن المفضل، والنضر بن شميل، وعبد الصمد ابن عبد الوارث، ووهب بن جرير، وأبي داود الطيالسي، خمستهم عن هشام نحوه". (تحفة الأشراف للمزي5/173حديث (6240) ، وأحمد: المسند1/225، و226، و227،والدارمي: السنن2/192كتاب الاستئذان، باب لعن المخنثين والمترجلات) . 4 أيوب: "هو ابن أبي تميمة السختياني". 5 مصنف عبد الرزاق 11/242". (السنن 4/194 كتاب الأدب، باب ما جاء في المتشبهات بالرجال من النساء) . 7 السنن الكبرى في عشرة النساء (تحفة الأشراف للمزي 5/173 حديث 6240". 8 المصنف 11/242". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 المخنثين فأخرج عن المدينة، وأمر أبو بكر برجل منهم فأخرج أيضا"1. قال ابن حجر: "وفي هذه الأحاديث مشروعية إخراج من يحصل به التأذي للناس عن مكانه إلى أن يرجع عن ذلك أو يتوب"2". ثم قال ابن حجر: "وقد أخرج الطبراني وتمام3 الرازي في "فوائده" من حديث واثلة بن الأسقع مثل حديث ابن عباس هذا بتمامه، وقال فيه: "وأخرج النبي صلى الله عليه وسلم أنجشة"4 وهو العبد الأسود الذي كان يحدو5 بالنساء". وذكر في كتاب النكاح عند شرحه لحديث أم سلمة "أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى عن المدينة ثلاثة من المخثنتين وهم: "ماتع" و"هيث" نفاهما إلى الحمى6، و "أنة" نفاه إلى حمراء الأسد7".   1 المصنف 11/243 وهو مرسل". 2 فتح الباري 10/334 والإصابة 1/67". 3 تمام بن محمد بن عبد الله بن جعفر الإمام الحافظ محدث الشام أبو القاسم الرازي ثم الدمشقي، قال أبو علي الأهوازي: "ما رأيت مثله في معناه، كان عالما بالحديث ومعرفة الرجال، وقال أبو بكر الحداد: "ما لقينا مثله في الحفظ والخير، له كتاب (فوائد في الحديث) (330-414هـ) . (تذكرة الحفاظ للذهبي 3/1056 ومعجم المؤلفين لكحالة 3/93) . 4 أنجشة - بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الجيم بعدها شين معجمة ثم هاء تأنيث - ويقال فيه: "أنجش على الترخيم، كان حبشيا يكنى أبا مارية". (فتح الباري 10/334 و 544، والإصابة 1/67-68) وحديثه هذا المشار إليه أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 8/103-104، ولفظه: "عن واثلة قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء، وقال: "أخرجوهم من بيوتكم، فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم أنجشة وأخرج عمر فلانا" ثم قال: "رواه الطبراني وفيه حماد مولى بني أمية". اهـ". وحماد قال فيه الذهبي: "قال الأزدي: "متروك، وأورد الحديث المذكور ابن حجر وقال: "رواه الطبراني بإسناد لين (ميزان الاعتدال 1/602 ولسان الميزان 2/355، والإصابة 1/67-68) . 5 الحداء: "بضم أوله والمد مهموز هو ضرب من الغناء تساق به الإبل (هدي الساري لابن حجر ص 103) . 6 الحمى: "لعله حمى النقيع بالنون وهو الذي حماه رسول لله صلى الله عليه وسلم ثم عمر بن الخطاب من بعده كما سيأتي في حديث رقم (250) ص 544 تعليقة (7) . والنقيع موقع قرب المدينة وهو من ديار مزينة يبعد عن المدينة بعشرين فرسخا". (معجم البلدان لياقوت 5/299و301) . وقال عاتق بن غيث البلادي: "النقيع: "فعيل من النقع وهو واد فحل من أودية الحجاز، يقع جنوب المدينة، يسيل من الحرار التي يسيل منها وادي الفرع ثم يتجه شمالا جاعلا جبال قدس على يساره، ويأخذ كل مياهها الشرقية وهو الذي حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم للخيل، يسمى الوادي النقيع إلى أن يقبل على بئر الماشي (38) كيلا جنوب المدينة، ثم يسمى عقيق الحسا، إلى ذي الحليفة، ثم عقيق المدينة حتى يدفع في إضم في مجمع الأسيال". ثم قال: "فأول النقيع ممّا يلي المدينة يبعد عنها قرابة (40) كيلا جنوبا، على طريق الفرع، وأقصاه على قرابة (120) كيلا قرب الفرع". (معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية ص 319-320) . 7 حمراء الأسد: "قال عاتق البلادي: "حمراء الأسد: "جبل أحمر جنوب المدينة على (20) كيلا، إذا خرجت من ذي الحليفة تؤم مكة رأيت حمراء الأسد جنوبا، ليس بينك وبينها من الأعلام سوى حمراء نمل القريبة من الطريق، وتقع حمراء الأسد على الضفة اليسرى لعقيق الحسا على الطريق إلى المدينة إلى الفرع". (معجم معالم الجغرافية ص 105-106) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 وأما الذين نفاهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -". فذركر ابن حجر أيضا أنه وقف على "كتاب المغربين" لأبي الحسن1المدايني من طريق الوليد بن سعيد قال: "سمع عمر قوما يقولون أبو ذؤيب2 أحسن أهل المدينة، فدعا به، فقال: "أنت لعمري، فأخرج عن المدينة، فقال: "إن كنت تخرجني فإلى البصرة حيث أخرجت يا عمر نصر بن حجاج". وساق قصة جعدة3السلمى وأنه كان يخرج مع النساء إلى البقيع ويتحدث إليهن حتى كتب بعض الغزاة إلى عمر يشكو ذلك فأخرج". وكذا أخرج أمية بن يزيد الأسدي، ومولى مزينة كانا يحتكران الطعام بالمدينة، فأخرجهما عمر". ثم ذكر عدة قصص لمبهم ومعين، فيمكن التفسير في هذه القصة ببعض هؤلاء"4. إهـ. والحديث قال ابن بطال: "استدل به على أن المراد بالمخنثين المتشبهون بالنساء لا من يؤتى، فإن ذلك حده الرجم، ومن وجب رجمه لا ينفى". قال ابن حجر: "وتعقب بأن حده مختلف فيه، والأكثر أن حكمه حكم الزاني فإن ثبت عليه جلد ونفي، لأنه لا يتصور فيه الإحصان، وإن كان يتشبه فقط نفي فقط". وقيل إن في الترجمة5 إشارة إلى ضعف القول الصائر إلى رجم الفاعل والمفعول به وأن هذا الحديث الصحيح لم يأت فيه إلا النفي".   1 هو علي بن محمد أبو الحسن المدايني الأخباري، ثقة تقدم في حديث 0 36) . 2 انظر قصته هو ونصر بن حجاج بن علاط في الطبقات ابن سعد الكبرى 3/285 إلا أنه قال: "أبو ذئب" ولعله صغر فقيل أبو ذؤيب". انظر الإصابة 3/579". 3 انظر قصته في طبقات ابن سعد 3/285-286 والإصابة 1/261، وفتاوى ابن تيمية 15/313 و32/251-252". 4 فتح الباري 9/334 و12/159-160 وانظر حاشية ص 526 تعليقة (3) . 5 يعني ترجمة البخاري بقوله "باب نفي أهل المعاصي والمخنثين" انظر: "ص: "532 تعليقة (2) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 ثم قال: "وفي هذا نظر لأنه لم يثبت عن أحد ممن أخرجهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يؤتى". 244- وقد أخرج أبو داود من طريق أبي هاشم عن أبي هريرة "أن رسول لله صلى الله عليه وسلم أتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه فقال: "ما بال هذا؟ قيل يتشبه بالنساء، فأمر به فنفى إلى النقيع"1 يعني بالنون2. وقال ابن تيمية: "وقد ذكر الشافعي وأحمد أن التغريب جاء في السنة في موضعين: أحدهما: "في الزاني الذي لم يحصن "جلد مائة وتغريب عام". الثاني: "نفى المخنثين". فيما روته أم سلمة ثم ساق الحديث وفيه "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجوهم من بيوتكم" 3". ومجموع ما مضى من الأحاديث يؤخذ منه الحفاظ على أعراض المسلمين وصيانتها وعدم التساهل في ذلك، خاصة فيمن يستراب في أمره وإن كان يظن إنه لا ريبة فيه، لأن الواجب في مثل ذلك الأخذ بالأحوط، وأمر المخنث من هذا الباب". وفي الأحاديث أيضا التشديد على من يتشبه بالنساء من الرجال ومن يتشبه بالنساء بالرجال". ولا يبعد أن يكون المتشبه بالنساء المسمى مخنثا إنما تشبه بهن لغاية في نفسه، إما بوصفهن للأجانب، وإما لأنه يود الاقتراب منهن لغرض آخر، ولهذا منعت الشريعة مثل هذا من الدخول على النساء، ويستفاد من الأحاديث أيضا إخراج من تعم به الفتنة كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنصر بن حجاج وأبي ذؤيب وجعدة السلمى صيانة للمجتمع عن الفتن وانتشار الرذائل".   1 الحديث في سنن أبي داود 2/580 كتاب الأدب، باب الحكم في المخنثين من طريق أبي اليسار القرشي عن أبي هاشم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بال هذا؟ فقيل يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع قالوا: "يا رسول الله، ألا نقتله؟ قال: "إني نهيت عن قتل المصلين". قال أبو أسامة - أحد رواة الحديث -: "والنقيع ناحية عن المدينة وليس بالبقيع". والحديث فيه أبو اليسار القرشي، قال أبو حاتم: "مجهول"، وقال أبو هاشم الدوسي ابن عمّ أبي هريرة". قال ابن القطان: "مجهول الحال" (التقريب 2/483 و490 وتهذيب التهذيب 12/261، و281) . 2 فتح الباري 12/159-160". 3 فتاوى ابن تيمية 5/308". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 الحكم الخامس: في النهي عن قتل النساء والضعفاء ومن في حكمهم من محاسن الإسلام أنه دين الرحمة والعدالة، ومن أبرز ما يؤكد هذه الحقيقة موقفه من الضعفاء والنساء والأطفال في حال النّزال والقتال والتقاء الصفين، لأن هؤلاء المستضعفين ليسوا أهل شوكة ولا مكيدة في الحرب، ولا ذنب لهم في الغالب فيما جره عليهم أهلوهم الكفرة من الصد عن سبيل الله ومحاربة الإسلام، فلا يجوز قتلهم ولا التنكيل بهم، إلا إذا كان الشيخ الهرم محاربا للمسلمين برأيه أو بأي وسيلة تمكنه، أو حاولت المرأة قتل أحد من المسلمين فيجوز قتلها دفاعا عن النفس، وأما الطفل فلا يتصور منه ذلك فهذا النمط من الرحمة والعطف في الحروب والمعارك الشديدة لا مثيل له في أي مبدأ من المبادئ قديما وحديثا، تاريخ الحروب البشرية شاهد صدق بذلك". ولقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ وجعله من أهم التوصيات التي يجب أن يجعلها كل أمير جيش أو سرية نصب عينيه، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: " 245- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: "اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا" الحديث1. والشاهد من الحديث قوله "ولا تقتلوا وليدا" وهو نهي والنهي يقتضي التحريم، فيحرم قتل الصبيان والنساء والشيوخ والرهبان، الذين ليس من شأنهم أن يقاتلوا". وهكذا امتازت الحروب الإسلامية بهذا المبدأ، فلا يقتل إلا من يتأتى منه القتال، أما الذين لا يد لهم في القتال ولا قدرة عليه، فالشريعة الإسلامية تنهى عن   1 صحيح مسلم 3/1357 كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الأمير على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها، وقد ساق البيهقي جملة من النصوص بعدة أسانيد فيها النهي عن قتل الرهبان والشيوخ والمرضى والصبيان والنساء والوصفاء والعسفاء". (السنن الكبرى 9/89-91) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 قتلهم وترويعهم، وقد جاءت جملة صالحة من الأحاديث في هذا الأمر منها: "ما رواه عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي فزارة1 عن عبد الرحمن2 بن أبي عمرة قال: "مر النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين بامرأة مقتولة، فقال: "ألم أنه عن هذا؟ ". فقال رجل: "أردفتها فأرادت أن تقتلني، فقتلتها، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفنها" 3". قال ابن حجر: "ورواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري". وهو مرسل"4". قلت: "رجاله ثقات، رجال الصحيح". 246- ما رواه أبو داود في مراسيله عن موسى5 بن إسماعيل عن وهيب6 عن أيوب7 عن عكرمة8 أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة بالطائف فقال: "ألم أنه عن قتل النساء؟ من صاحب هذه المرأة المقتولة؟ ". فقال رجل من القوم: "أنا يا رسول الله، أردفتها فأرادت أن تصرعني فتقتلني، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توارى" 9. والحديث مرسل ورجاله ثقات رجال الصحيح". قال ابن حجر: "ووصله الطبراني في الكبير من حديث مقسم عن ابن عباس وفيه الحجاج بن أرطأة10". قلت: "ورواه أحمد أيضا".   1 هو راشد بن كيسان العبس، الكوفي، ثقة". 2 عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري". 3 مصنف عبد الرزاق 5/201 وتقدم الحديث برقم (103) مع تراجم رواته". 4 التلخيص الحبير 4/102". 5 هو المنقري أبو سلمة التبوذكي "ثقة ثبت" تقدم في حديث (91) . 6 وهيب: "هو ابن خالد "ثقة ثبت" تقدم في حديث (236) . 7 أيوب: "هو ابن أبي تميمة السختياني - بفتح المهملة بعدها معجمة، ثم مثناة ثم تحتانية وبعد الألف نون - أبو بكر البصري ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء العباد من الخامسة (ت 131) / ع". (التقريب 1/89 وتهذيب التهذيب 1/397) . 8 عكرمة بن عبد الله مولى ابن عباس "ثقة ثبت"، تقدم في حديث (67) 9 كتاب المراسيل لأبي داود ص 36-37 والسنن الكبرى للبيهقي 9/82". 10 التلخيص الحبير 4/102، والحديث في المعجم الكبير للطبراني 11/388 وفيه الحجاج بن أرطأة وهو مدلس وقد عنعن". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 إلا أن لفظ الطبراني "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بامرأة يوم الخندق مقتولة" الحديث1". ما رواه أحمد والبيهقي وغيرهما من حديث الأسود بن سريع وهذا سياقه عند أحمد: 247- ثنا يونس2 ثنا أبان3 عن قتادة4 عن الحسن5 عن الأسود6 بن سريع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية يوم حنين، فقاتلوا المشركين فأفضى بهم القتل إلى الذرية فلما جاؤوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حملكم إلى قتل الذرية؟ قالوا: "يا رسول الله إنما كانوا أولاد المشركين، قال: "أو هل خياركم إلا أولاد المشركين، والذي نفس محمد بيده ما من نسمة تولد إلا على الفطرة7 حتى يعرب عنها لسانها" 8. والحديث رواه الحاكم من طريق يونس بن محمد بن المؤدب ثنا أبان بن يزيد عن قتادة عن الحسن عن الأسود بن سريع، إلا أنه قال: "بعث سرية يوم خيبر، بدل يوم حنين"9".   1 مسند أحمد 1/256 وانظر مجمع الزوائد 5/316". 2 يونس بن محمد بن مسلم البغدادي، أبو محمد المؤدب، ثقة ثبت، من صغار التاسعة (ت 207) /ع (التقريب 2/386 وتهذيب التهذيب11/447) . 3 أبان بن يزيد العطار البصري، أبو يزيد "ثقة له أفراد" تقدم في حديث (9) . 4 قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي، أبو الخطاب البصري، ثقة ثبت، تقدم في حديث (48) ، وقتادة قد وصفه النسائي وغيره بالتدليس كما في طبقات المدلسين لابن حجر ص 31 وقد عنعن، ولكن تابعه يونس بن عبيد والسري بن يحيى ومبارك بن فضالة، الجميع في شيخه الحسن، كما سيأتي ص 539". 5 الحسن هو البصري "ثقة فاضل فقيه" وكان يرسل كثيرا ويدلس، وتقدم في حديث (156) وقد صرح بالتحديث عند النسائي والحاكم كما سيأتي ص 539". وقد وقع عند أحمد في المسند 4/24 عن السري بن يحيى قال ثنا الحسن بن الأسود ابن سريع، ولفظ "ابن" خطأ والصواب "ثنا الحسن عن الأسود بن سريع". 6 الأسود بن سريع - بفتح السين - التميمي السعدي، صحابي نزل البصرة، ومات بها في أيام الجمل، وقيل سنة 42/بخ قد س". (التقريب 1/76 وتهذيب التهذيب 1/338) . 7 قوله: "تولد إلا على الفطرة" المعنى أنها تولد على نوع من الجبلة والطبع المتهيء لقبول الدين، فلوة ترك المولود لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها، وإنما يعدل لآفة من يعدل عن آفات البشر والتقليد، وقوله "حتى يعرب عنها لسانها" يعني يبين ويوضح". (النهاية 3/200و 457) والفتح الرباني 14/65". 8 مسند أحمد 3/435". 9 المستدرك 2/123". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 ورواه البيهقي من طريق الحاكم هذه فقال: "يوم حنين"1 مثل رواية أحمد مما يقوي وقوع تصحيف في المستدرك الحاكم". وقد جاء بدون تقييد عند النسائي وأحمد والدارمي والطبراني والحاكم والبيهقي الجميع من طريق يونس2 بن عبيد عن الحسن عن الأسود بن سريع به3". وكذا عند أحمد والطبراني وابن حبان كلهم كمن طريق السري4 ابن يحيى أبي الهيثم ثنا الحسن عن الأسود بن سريع به5". ورواه الطبراني أيضا من طريق مبارك6 بن فضالة عن الحسن عن الأسود بن سريع به7". وقد صرح الحسن بالتحديث عن الأسود عند النسائي والحاكم8". والخلاصة: "أن الحديث جاء من طريق قتادة عن الحسن عن الأسود بن سريع به عند أحمد والبيهقي بلفظ "يوم حنين". ورواه الحاكم من طريق قتادة هذه فقال "يوم خيبر" وجاء من طريق يونس بن عبيد السري بن يحيى ومبارك بن فضالة كلهم عن الحسن عن الأسود بن سريع به9". بدون "تقيد" قال الساعاتي: "والأظهر في هذه الرواية أن الواقعة وفي غزوة حنين10".   1 السنن الكبرى 9/130". 2 يونس بن عبيد بن دينار العبدي، أبو عبيد البصري، ثقة ثبت فاضل ورع، من الخامسة (ت139) /ع (التقريب 2/385 وتهذيب التهذيب 11/442) . 3 النسائي: "السنن الكبرى، في السير، (تحفة الأشراف 1/70 حديث "146") . وأحمد: "المسند3/435". والدارمي: "السنن 2/141-142كتاب السير، باب النهي عن قتل النساء والصبيان". والطبراني: "المعجم الكبير1/260". والحاكم: "المستدرك 2/123". والبيهقي: "السنن الكبرى 9/77". 4 السري بن يحيى بن إياس بن حرملة الشيباني البصري، ثقة، أخطأ الأزدي في تضعيفه، من السابعة (ت 167) /بخ س". (التقريب 1/285 وتهذيب التهذيب 3/460-461) ، وميزان الاعتدال 2/118) . 5 أحمد: "المسند 4/24". والطبراني: "المعجم الكبير 1/259-260". وابن حبان: "موارد الظمآن ص 399". 6 مبارك بن فضالة - بفتح الفاء وتخفيف المعجمة - أبو فضالة البصري، صدوق يدلس ويسوي، من السادسة (ت 167) على الصحيح". /خت د ت ق". (التقريب 2/227 وتهذيب التهذيب 10/28) . 7 المعجم الكبير 1/259". 8 انظر تحفة الأشراف 1/70 والمستدرك 2/123". 9 الفتح الرباني 14/65". 10 الفتح الرباني 14/65". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 والحديث قال الحاكم صحيح على شرط الشيسخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي1". قال الألباني: "وهو كما قالا فقد صرح الحسن، وهو البصري بالتحديث عند النسائي وهو رواية للحاكم2". وأورده الهيثمي ثم قال: "رواه أحمد بأسانيد، والطبراني في الكبير والأوسط، وبعض أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح3". 248- ما رواه ابن إسحاق قال: "حدثني بعض أصحابنا: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر يومئذ بامرأة وقد قتلها خالد بن الوليد والناس متقصفون4 عليها فقال: "ما هذا؟ " فقالوا: "امرأة قتلها خالد بن الوليد، فقال: "رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض من معه: "أدرك خالدا، فقل له: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاك أن تقتل وليدا أو امرأة أو عسيفا" 5". والحديث فيه إبهام وإرسال". 249- وأورده ابن كثير ثم قال: "هكذا رواه ابن إسحاق منقطعا، وقد قال الإمام أحمد: "ثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو ثنا المغيرة6 بن عبد الرحمن عن أبي الزناد7 حدثني المرقع8 بن صيفي عن جده رباح9 بن ربيع أخي10 حنظلة   1 المستدرك 2/123". 2 إرواء الغليل 5/35 و36". 3 مجمع الزوائد 5/316 وانظر الفتح الرباني 14/65". 4 متقصفون: "أي مزدحمون عليها". (النهاية 4/73) . 5 سيرة ابن هشام 2/457-458 والروض الأنف 7/182". والعسيف: "الأجير، جمعه عسفاء". (النهاية 3/236) . 6 المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام - بمهملة وزاي - المدني لقبه قصي، ثقة له غرائب، من السابعة". /ع". (التقريب 2/269-270 وتهذيب التهذيب 10/266) . 7 عبد الله بن ذكوان القرشي، المدني المعروف بأبي الزناد، ثقة فقيه من الخامسة، (ت130) . وقيل بعدها"./ع". (التقريب 1/413 وتهذيب التهذيب 6/203) . 8 المرقع - بضم أوله وفتح ثانيه وكسر القاف المشددة- ابن صيفي- بمهملة وقيل ابن عبد الله بن صيفي التميمي الحنظلي، صدوق، من الثالثة". /د س ق". (التقريب 2/238 وتهذيب التهذيب 10/88) . 9 رباح - بتخفيف الموحدة - ابن الربيع بن صيفي التميمي، أخو حنظلة التميمي، ويقال فيه "رياح" بالمثناة وهو قول الأكثر". / د س ق". (التقريب 1/242و 245 وتهذيب التهذيب 3/233 والإصابة 1/501) . 10 وقع في البداية والنهاية "أخي بني حنظلة" والظاهر أن لفظ "بنى" خطا فإن الحديث عند أحمد وغيره بلفظ "أخي حنظلة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 الكاتب أنه أخبره أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فمر رباح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة، فقفوا ينظرون إليها ويتعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما كانت هذه لتقاتل" فقال لأحدهم "ألحق خالدا فقل له لا يقتلن ذرية ولا عسيفا" 1". وكذلك رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث المرقع بن صيفي به نحوه2. إهـ. وقال الزرقاني: "روى الواقدي أن سعد بن عبادة جعل يصيح يومئذ3 بالخزرج ثلاثاً وأسيد بن حضير بالأوس ثلاثا فثابوا4من كل ناحية كأنهم النحل تأوي إلى يعسوبها5". قال أهل المغازي فحنق6 المسلمون على المشركين فقتلوهم حتى أسرع القتل في ذراري المشكرين فبلغه ذلك صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بال أقوام بلغ بهم القتل حتى بلغ الذرية ألا لا تقتل الذرية ثلاثا". فقال أسيد: "يا رسول الله أليس إنما هم أولاد المشركين؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أو ليس خياركم أولاد المشركين؟ كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها فأبواها يهودانها أو ينصرانها". ثم أورد حديث رباح بن الربيع وقال: "رواه أحمد وأبو داود7". قلت: "حديث رباح: "رواه النسائي وابن ماجه وأحمد والطحاوي والطبراني وابن حبان والبيهقي الجميع من طريق المغيرة بن عبد الرحمن قال: "حدثنا أبو الزناد عن المرقع بن صيفي عن جده رباح بن الربيع به8".   1 الحديث في مسند أحمد 3/488". 2 البداية والنهاية 4/337". 3 يومئذ يعني يوم حنين". 4 فثابوا: "أي رجعوا وأخذوا في قتل المشركين (النهاية 1/226) . 5 يعسوبها: "قال ابن الأثير: "اليعسوب السيد والرئيسي والمقدم". وأصله فحل النحل". (المصدر السابق3/234) . 6 الحنق: "الحقد والغيظ". (المصدر السابق 1/451) . 7 شرح المواهب اللدنية 3/21 وانظر مغازي الواقدي 3/904-905". 8 النسائي: "السنن الكبرى في السير (تحفة الأشراف 3/166 حديث "3600") وابن ماجه: "السنن 2/948 كتاب الجهاد، باب الغارة والبيات وقتل النساء والصبيان". وأحمد: "المسند 3/488". والطحاوي: شرح معاني الآثار3/221 و122". والطبراني: "المعجم الكبير 5/70". وابن حبان: "موارد الظمآن ص 398". والبيهقي: "السنن الكبرى 9/91". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 ورواه الطبراني من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن المرقع به". ورواه أبو داود والنسائي والطبراني كلهم من طريق عمر1 بن المرقع قال حدثني أبي عن جده رباح بن الربيع به". والبيهقي من طريق أبي داود2". ورواه الحاكم من طريق إسماعيل بن أويس ثنا عبد الرحمن3 بن أبي الزناد عن أبيه قال: "حدّثني المرقع بن صيفي عن جده رباح بن الربيع4 به". ورواه الطبراني أيضاً من طريق موسى بن عقبة، قال: "حدثني المرقع ابن صيفي عن جده رباح بن الربيع به5". ورواه النسائي وابن ماجه وأحمد والطحاوي وابن حبان الجميع من طريق سفيان الثوري عن أبي الزناد فقال فيه عن المرقع بن صيفي عن حنظلة6 الكاتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم7". والحاصل أن المغيرة بن عبد الرحمن روى هذا الحديث عن أبي الزناد فقال: "عن المرقع بن صيفي عن جده رباح بن الربيع". وتابع أبا الزناد في ذلك عمر بن المرقع وموسى بن عقبة وعبد الله ابن وهب". ورواه سفيان الثوري عن أبي الزناد فقال عن المرقع بن صيفي عن حنظلة الكاتب.   1 عمر بن المرقع - بقاف ثقيلة مكسورة - ابن صيفي - بفتح المهملة بعدها تحتانية ساكنة ثم فاء مكسورة ثم تحتانية - التميمي الكوفي، صدوق من السابعة / د س". (التقريب 2/63، وتهذيب التهذيب 7/497) ووقع في عون المعبود 7/329 "عمرو" والصواب عمر بضم أوله، قاله ابن حجر في التقريب 2/78 وتهذيب التهذيب 8/102". 2 أبو داود: "السنن 2/49 كتاب الجهاد، باب في قتل النساء". والنسائي: "السنن الكبرى، في السير (تحفة الأشراف 3/86 حديث "3449") . والطبراني: "المعجم الكبير 5/71". البيهقي: "السنن الكبرى 9/82". 3 عبد الرحمن بن أبي الزناد، عبد الله بن ذكوان، المدني، مولى قريش صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيها، من السابعة، ولى خراج المدينة، فحمد (ت 174) ./خت م عم". (التقريب1/479-480، و486 وتهذيب التهذيب 6/170-173 و207) . 4 الطبراني: "المعجم الكبير 5/70". الحاكام: "المستدرك 2/122". 5 المعجم الكبير 5/71". 6 حنظلة بن الربيع بن صيفي التميمي، يعرف بحنظلة الكاتب، تقدم حديث (163) . 7 النسائي: "السنن الكبرى (تحفة الأشراف 3/86) . وابن ماجه: "السنن 2/948 كتاب الجهاد". أحمد: "المسند 4/178". والطحاوي: "شرح معاني الآثار 3/222، وابن حبان: "موارد الظمآن ص 398". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 وقد خطئ الثوري في ذلك لأن الحديث حديث رباح بن الربيع لا حديث حنظلة". ولذا فقد ساق ابن ماجه حديث سفيان الثوري عن أبي الزناد عن المرقع بن صيفي عن حنظلة الكاتب". ثم أتبعه بحديث المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد عن المرقع عن جده رباح بن الربيع". ثم قال: "قال أبو بكر1 بن أبي شيبة: "يخطئ الثوري فيه". إهـ". والحديث قال فيه الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي2". قال الألباني: "حسبه أن يكون حسنا، فإن المرقع بن صيفي … لم يوثقه غير ابن حبان، لكن روى عنه جماعة من الثقات". وقال الحافظ في "التقريب": "صدوق"3". والحديث ليس نصا صريحا في أن قصة هذه المرأة المقتولة كانت في غزوة حنين، إنما فيه أن رباح بن الربيع كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة وأن مقدمة الجيش أصابت امرأة، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن الوليد يأمره بأن لا يقتل ذرية ولا عسيفا". وفي لفظ: "فبعث إلى خالد بن الوليد ينهاه عن قتل النساء والولدان". وفي لفظ: "ثم اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدا أن لا يقتل امرأة ولا عسيفا" 4. ويمكن أن تفسر هذه الغزوة الواردة في حديث رباح بن الربيع، بغزوة حنين كما جاء ذلك صريحا عند ابن إسحاق والواقدي، بحصول مثل هذه القصة لخالد بن الوليد في غزوة حنين5".   1 أبو بكر بن أبي شيبة: "هو عبد الله بن محمد". 2 المستدرك: "2/122". 3 إرواء الغليل 5/35". انظر التقريب 2/238 وتهذيب التهذيب 10/88". 4 شرح معاني الآثار 3/221و 222". 5 انظر سيرة ابن هشام 2/457-458، ومغازي الواقدي 3/912، وانظر حديث رقم (248) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 وقد يلحظ هذا أيضا من صنيع ابن كثير والزرقاني، حيث أوردا حديث رباح بن الربيع في غزوة حنين عند إيرادهما لحديث ابن إسحاق المصرح فيه بقصة خالد بن الوليد مع المرأة المقتولة في غزوة حنين، فكأنهما يشران إلى أن الغزوة المبهة في حديث رباح هي غزوة حنين كما جاء ذلك عند ابن إسحاق الواقدي". وقد جزم ابن حجر بذلك1". ما رواه ابن حبان من حديث الصعب بن جثامة الليثي وهذا سياقه: 250- أخبرنا جعفر2 بن أحمد بن سنان القطان بواسط حدثنا العباس3 بن محمد بن حاتم حدثنا محمد4 بن عبيد حدثنا محمد5 بن عمرو عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا حمى إلا لله ولرسوله" وسألته عن أولاد المشركين أنقتلهم معهم؟ قال: "نعم فإنهم منهم، ثم نهى عن قتلهم يوم حنين" 6. قال الهيثمي: "قلت: "هو في الصحيح7 غير النهي عن قتل الذرية.   1 انظر ص 545". 2 قال الذهبي: "جعفر بن أحمد بن سنان بن أسد الحافظ الثقة ابن الحافظ أبي جعفر القطان الواسطي (ت سنة 307هـ) . (تذكرة الحفاظ 2/752". انظر مقدمة موارد الظمآن لمحمد عبد الرزاق حمزة ص (9) . 3 العباس بن محمد بن حاتم بن واقد أبو الفضل الدوري البغدادي، خوارزمي الأصل، ثقة، حافظ من الحادية عشرة (ت271) . /عم (التقريب 1/399 وتهذيب التهذيب5/129".تاريخ بغداد12/144-146". تذكرة الحفاظ للذهبي2/579) . 4 محمد بن عبيد بن أبي أمية الطنافسي الكوفي، الأحدب ثقة يحفظ، من الحادية عشرة (ت 204) /ع (التقريب2/188وتهذيب التهذيب9/327 وتاريخ بغداد2/365 وتذكرة الحفاظ للذهبي 1/333". وتهذيب الكمال للمزي 7/619-626) . 5 محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص اللثي المدني، صدوق له أوهام، من السادسة (ت 145) على الصحيح"./ع (التقريب 2/192 وتهذيب التهذيب 9/375 وتهذيب الكمال 7/619-626) . وقال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال 3/673: "شيخ مشهور، حسن الحديث، أخرج له الشيخان متابعة". 6 موارد الظمآن ص 399". 7 الحديث في صحيح البخاري 3/98 كتاب المساقاة، باب لا حمى إلا لله ولرسوله "من طريق ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن الصعب بن جثمامة قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا حمى إلا لله ولرسوله" وتمام الحديث: "وقال: "بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع، وأن عمر حمى الشرف والربذة". قال ابن حجر: "قوله وقال بلغنا"، القائل هو ابن شهاب وهو موصول بالإسناد إليه، وهو مرسل أو معضل". (فتح الباري 5/45) .إهـ". وهذا النقيع غير نقيع الخضمات (انظر معجم البلدان 5/301) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 قال ابن حجر: "هذه الزيادة1 مدرجة في حديث الصعب، وذلك بين في سنن أبي داود فإنه قال في آخره: "قال سفيان2 قال الزهري: "ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عن قتل النساء والصبيان" 3". ويؤكد كون النهي في غزوة حنين حديث رباح بن الربيع وفيه "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحدهم: "الحق خالدا فقل لا تقتل ذرية ولا عسيفا" 4". وخالد بن الوليد أول مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح وفي ذلك العام كانت غزوة حنين". ثم أورد مرسل عكرمة المتقدم عند أبي داود5". فابن حجر رحمه الله يرى أن حديث رباح بن الربيع كان في غزوة حنين كما هو واضح من كلامه". وهذه الأحاديث تدل على النهي عن قتل الشيوخ والأطفال والنساء والأجراء الذين لا قدرة لهم على القتال ولا يد لهم فيه". قال ابن حجر: "واتفق الجميع - كما نقل ابن بطال وغيره - على منع القصد إلى قتل النساء والولدان، أما النساء فلضعفهن، وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفر، ولما في استبقائهم جميعا من الانتفاع بهم، إما بالرق، أو الفداء فيمن يجوز أن يفادى به"6.إهـ. وهذا النهي خاص بما إذا لم يباشر هؤلاء القتال مع الكفار أو كان فيهم ذو رأي، أو تترس بهم العدو بحيث لا يمكن انفصالهم عنه، ففي هذه الحالات يجوز قتلهم وهو قول جمهور العلماء، واستدلوا على ذلك بأدلة منها:   1 يعني زيادة "ثم نهى عن قتلهم يوم حنين". 2 سفيان: "هو ابن عيينة (تهذيب التهذيب 4/118و 1/64) . 3 الحديث في سنن أبي داود 2/50 كتاب الجهاد، باب في قتل النساء". 4 الحديث تقدم برقم (249) . 5 فتح الباري 6/147-148 وانظر مرسل عكرمة حديث (246) . 6 فتح الباري 6/148". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 1- قوله صلى الله عليه وسلم "ما كانت هذه لتقاتل" 1 فإن مفهومه أنها لو قاتلت لجاز قتلها". 2- قوله صلى الله عليه وسلم عندما رأى امراة مقتولة "من صاحب هذه المرأة المقتولة؟ فقال رجل منهم: "أنا يا رسول الله أردفتها فأرادت أن تقتلني فقتلتها" فلم ينكر عليه قتله ا2". 3- حصاره صلى الله عليه وسلم لأهل الطائف ورميهم بالمنجنيق مع علمه صلى الله عليه وسلم أن فيهم الأطفال والنساء وغير ذلك". 4- ما ورد في حديث الصعب بن جثامة الليثي قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذراري من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال: "هم منهم" 3. 5- قتل دريد بن الصمة وهو شيخ فان ولم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قاتله لما كان لدريد من المشورة والرأي في قومه4". وبهذه الأدلة وغيرها أخذ جمهور العلماء". وذهب مالك والأوزاعي إلى أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان بحال من الاحوال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أو تحصنوا بحصن أو سفينة وجعلوا معهم النساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم"5". ودليل هذا المذهب عموم الاحاديث الوارد فيها النهي عن قتل النساء والصبيان6.   1 انظر حديث رقم (249) . قال الباجي: "قوله (ما كانت هذه لتقاتل) إنكار رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أنه علم من حال تلك المرأة أنها لم تقاتل، ويحتمل أن يكون حمل أمرها على المعهود من حال النساء في بعدهن عن القتال". ثم قال: "فيحتمل أن النهي عن قتل النساء والصبيان، لأنهم لا يقاتلون، ويحتمل أنهن من الأمور التي يستعان بها على العدو وينتفع بها دون مخافة منهن، فأما إن قاتلوا، فإنهم يقتلون؛ لأن العلة التي منعت من قتلهن هي عدم القتال منهن، فإذا وجد منهن وجدت علة إباحة قتلهن، لأن الحاجة داعية إلى دفع مضرتهن وإزالة منعهن الموجود في الرجال". (أوجز المسالك إلى موطأ مالك للكندهلوي 8/223 نقلا عن الباجي) . 2 انظر الحديث ص (537) . 3 البخاري: "الصحيح 4/48 كتاب الجهاد، باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري". ومسلم: "الصحيح 3/1364-1365 كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتل النساء والصبيان في البيات من غير تعمد". 4 انظر شرح معاني الآثار للطحاوي 3/224". 5 انظر فتح الباري 6/147-148". 6 ومنها أيضا ما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر قال: "وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان"، وفي لفظ "فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان". (البخاري4/49كتاب الجهاد، باب قتل الصبيان في الحرب، وباب قتل النساء في الحرب".ومسلم:3/1364 كتاب الجهاد والسير، باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 والراجح في هذه المسألة قول الجمهور وذلك للجمع بين الأحاديث ومتى أمكن الجمع فالمصير إليه أولى للعمل بجميع الأحاديث". فقد ساق الطحاوي الروايات الواردة فيها النهي عن قتل النساء والصبيان ثم قال: "قال أبو جعفر: "فذهب قوم إلى أنه لا يجوز قتل النساء والولدان في دار الحرب على أي حال، وأنه لا يحل أن يقصد إلى قتل غيرهم، إذا كان لا يؤمن في ذلك تلفهم، من ذلك أن أهل الحرب إذا تترسوا بصبيانهم، فكان المسلمون لا يستطيعون رميهم إلا بإصابة صبيانهم، فحرام عليهم رميهم في قول هؤلاء". وكذلك إن تحصنوا بحصن وجعلوا فيه الولدان، فحرام علينا رمي ذلك الحصن عليهم إذا كنا نخاف من ذلك إصابة صبيانهم ونسائهم، واحتجوا بالآثار، التي روينها في صدر هذا الباب، ووافقهم آخرون على صحة هذه الآثار، وعلى تواترها، وقالوا: "وقع النهي في ذلك إلى القصد إلى قتل النساء والولدان فأما على طلب قتل غيرهم ممن لا يوصل إلى ذلك منه إلا بتلف صبيانهم ونسائهم، فلا بأس بذلك". ثم ساق حديث الصعب بن جثامة قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل الدار من المشركين يبيتون ليلا، فيصاب من نسائهم وصبيانهم فقال: "هم منهم". ثم قال: "قال أبو جعفر: "فلما لم ينههم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغارة، وقد كانوا يصيبون فيها الولدان والنساء الذين يحرم القصد إلى قتلهم، دل ذلك أن ما أباح في هذه الآثار، لمعنى غير المعنى الذي من أجله حظر ما حظر في الآثار الأول، وأنّ ما حظر في الآثار الأول هو القصد إلى قتل النساء والولدان، والذي أباح هو القصد إلى المشركين، وإن كان في ذلك تلف غيرهم، ممن لا يحل القصد إلى تلفه، حتى تصح هذه الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تتضاد". وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغرة على العدو، وأغار على الآخرين في آثار عدد، قد ذكرناها في (باب الدعاء قبل القتال) 1ولم يمنعه من ذلك ما يحيط به، علمنا أنه   1 انظر شرح معاني الآثار 3/206 وما بعدها". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 قد كان يعلم أنه لا يؤمن من تلف الولدان والنساء في ذلك ولكنه أباح ذلك لهم، لأن قصدهم كان إلى غير تلفهم، ثم قال: فهذا يوافق المعنى الذي ذكرت مما في حديث الصعب، والنظر يدل على ذلك أيضا"1. وقال السهيلي: "قوله صلى الله عليه وسلم "أدرك خالدا، فقل له: "إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليدا أو امرأة أو عسيفا". وهذا منتزع من كتاب الله تعالى". لأنه يقول: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [سورة البقرة: "190] 2، فاقتضى دليل الخطاب ألا تقتل المرأة إلا أن تقاتل". وقد أخطأ من قاس مسألة المرتدة على هذه المسألة، فإن المرتدة لا تسترق ولا تسبى كما تسبى نساء الحرب وذراريهم، فتكون مالا للمسلمين، فنهى عن قتلهن لذلك3". وخلاصة ما تقدم من الأحاديث والآثار وأقوال أهل العلم أن من سمو تعاليم الإسلام ومحاسنه العظيمة رعايته للضعفاء والعجزة والنساء والولدان في المعارك الضارية التي تدور رحاها بين جند الله من المسلمين، وبين أعداء الله من الكافرين، ممل يؤكد لكل منصف عظمة هذا الدين وشمول تعاليمه وعالمية رسالته التي أساسها الرحمة والشفقة والهداية {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ، [سورة الأنبياء الآية: 107] ، وإن قوما يبذلون مهجهم وأرواحهم في سبيل نصرة الحق ورفع رايته وإعلاء كلمته يلزمهم أن يضعوا هذه التعاليم الرحيمة نصب أعينهم خاصة في معترك النزال والتحام القتال، فقد   1 شرح معني الآثار 3/220 و221، و222، و223". انظر: "شرح النووي على صحيح مسلم 4/242-243". والسنن الكبرى للبيهقي 9/78". وفتح الباري 6/147-148". وسبل السلام للصنعاني 4/49-50 ونيل الأوطار، للشوكاني 7/261-262". والفتح الرباني للساعاتي 14/62-63". عون المعبود 7/329-330". وتحفة الأحوذي 5/190-191". وأوجز المسالك 8/223-224". وفتاوى ابن تيمية 28/354". 2 سورة البقرة: "آية 190". وتمامها: {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} . 3 الروض الأنف 7/215-216. والظاهر من قول السهيلي - رحمه الله - إن المرأة إذا قاتلت قتلت وأما إذا لم تباشر القتال فلا يجوز قتلها. بخلاف المرتدة فيجب قتلها مطلقا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 يغفل الجندي المسلم وهو في غمرة المنازلة وشدة المجالدة عن هذه الإرشادات النبوية وهذه الرحمة الخاصة في وقت يفترض فيه الشدة والقسوة والغلظة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} ، [سورة التوبة، الآية: 123] . {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} ، [سورة التوبة، من الآية: 73، وسورة التحريم، الآية: 9] . في هذا الظرف العصيب والموقف الرهيب لا تغيب العدالة الإسلامية التي من مقتضياتها وضع الشدة في موضعها ووضع الرحمة في موضعها اللائق بها، ومن هنا يبادر الرسول صلى الله عليه وسلم بإرسال رسله إلى قواده أن يلتزموا بهذه المبادئ السامية التي شرع الجهاد في أصله لإقرارها وتثبيتها بلا تَشَفّ ولا إجحاف، وأول ما يوجه الجنود المسلمون إليه ويذكرون به هو الغزو باسم الله وفي سبيل الله والتحلي بحلية التقوى التي لا تفارق حس المجاهد المسلم ولا ينبغي أن تفرقه، وإذا كانت هذه هي الصفات الأساسية للغزو الإسلامي الراشد فلا عجب أن نجد التنصيص الصريح على منع قتل من لا شوكة له في الحرب من ضعفاء ونساء وأطفال وشيوخ ونحوهم، ولا يتأتى تطبيق هذه المعاني الرفيعة المفعمة1 بالرحمة والإنسانية في أسمى معانيها إلا للجنود المؤمنين بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، أما من عاداهم من الكفار وضعفاء اليقين فلا أحسبهم أهلا لتطبيق ذلك وما أخالهم يخطر في أذهانهم".   1 المفعمة: "الممتلئة". (القموس المحيط 4/160) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 الحكم السادس: العذر الذي يبيح ترك حضور صلاة الجماعة من أهداف التشريع الإسلامي رفع الحرج والمشقة في الدين، كما قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ، [سورة الحج، من الآية: 78] ، وقال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} ، [سورة البقرة، من الآية: 286] . والصلاة أهم ركن في الإسلام بعد الشهادتين وأداؤها في جماعة هو المطلوب من كل مسلم على وجه الوجوب كما هو ظاهر النصوص، ولكن قد تحول دون أداء الصلاة في جماعة أعذار تبيح ترك حضور الجماعة، وهذا من سماحة الإسلام وتيسيره. ومن هذه الأعذار المطر والدحض والبرد الشديد ونحو ذلك. وفي هذه الغزوة وردت أحاديث في هذا الأمر وسأوردها على النحو الآتي: ما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من حديث أبي المليح عن أبيه وهذا سياقه عند النسائي: 251- قال: "أخبرنا محمد1 بن المثنى قال: "حدثنا محمد2بن جعفر قال: "حدثنا شعبة عن قتادة3 عن أبي المليح4 عن أبيه5: "قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم   1 محمد بن المثنى: "هو العنزي البصري "ثقة ثبت" تقدم في حديث (126) . 2 محمد بن جعفر المدني البصري، غندر-بضم-فسكون ففتح-ثقة صحيح الكتاب، من التاسعة (ت193أو194) ./ع (التقريب2/151،تهذيب التهذيب9/96-98) . 3 قتادة ههنا عنعن وهو مدلس، ولكن الراوي عنه شبة بن الحجاج وحديث شعبة عن قتادة محمول على السماع جزما". (فتح المغيث للسخاوي 1/176-177) وقد صرح بالتحديث أيضا عند أحمد وتابعه عامر بن عبيدة الباهلي عند الطبراني والبيهقي انظر ص (552) . 4 أبو المليح - بفتح الميم - ابن أسامة بن عمير، اختلف في اسمه واسم أبيه- الهذلي، ثقة من الثالثة (ت 98 وقيل 108 وقيل بعد ذلك) . /ع (التقريب 2/476 وتهذيب التهذيب 12/246، والمغني لمحمد بن طاهر الهندي ص 74) . 5 هو أسامة بن عمير بن عامر بن أقيشر - بمضمومة ففتح قاف وسكون تحتية وكسر شين معجمة، وبراء - الهذلي البصري والد أبي المليح، صحابي، تفرد ولده عنه"./عم". (التقريب1/53 وتهذيب التهذيب1/210 وأسد الغابة 1/82، والإصابة 1/31-32، والمغني لمحمد بن طاهر الهندي ص: "6) . وقد وقع في الاستيعاب 1/59-60 مع الإصابة، والتقريب الطبعة المصرية أقيش" بدون راء". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 بحنين1 فأصابنا مطر، فنادى منادي2 رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صلوا3 في رحالكم"4. والحديث رواه أحمد وابن سعد كلاهما من طريق شعبة عن قتادة عن أبي المليح به5. ورواه أبو داود وأحمد كلاهما من طريق همام6 أخبرنا قتادة أن أبا المليح أخبره به7. ورواه أحمد أيضاً من طريق أبان8 ثنا قتادة وأبو المليح به.   1 وعند أبي داود: "أن يوم حنين كان يوم مطر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديه أن الصلاة في الرحال" وعند أحمد: "أن يوم حنين كان مطيراً" وعنده أيضاً: "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين في يوم مطير الصلاة في الرحال" وعند ابن خزيمة: "أصابتنا السماء مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الصلاة في الرحال". 2 جاء عند الطبراني أن هذا المنادي هو بلال ولفظ الحديث "عن أبي المليح عن أبيه قال: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجنا إلى حنين" الحديث وفيه: "فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا فنادى في الناس: "إن الصلاة في الرحال" ووقع عند أبي داود وأحمد والطبراني: "أن ذلك كان يوم جمعة"، وقد ترجم أبو داود بقوله: "باب الجمعة في اليوم المطير"، قال محمد شمس الحق العظيم آبادي: "واعلم أنه في الاستدلال بهذه الرواية على ترجمة الباب نظر، لأن الراوي لم يبين أن النداء المذكور كان لصلاة الجمعة، نعم كانت هذه الواقعة يوم الجمعة فيحتمل أن هذا الأمر كان لصلاة الجمعة، وكذا يحتمل أن يكون لغيرها من الصلاة، وإن تعين احتمال يوم الجمعة فهذه واقعة سفر لا يستدل بها على الحضر". (عون المعبود 3/388) . 3 الأمر هنا أمر إباحة بدليل ما جاء عند الطبراني والبيهقي في بعض ألفاظ هذا الحديث "عن أبي المليح عن أبيه قال: "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فأصابنا بغش - يعني مطراً - فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم "من شاء أن يصلي في رحله فليصل". وبوب على هذا الحديث ابن خزيمة بقوله: "باب إباحة الصلاة في الرحال وترك الجماعة في اليوم المطير في السفر". (صحيح ابن خزيمة 3/80) . وفي حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - عنهما قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمطرنا، فقال: "ليصل من شاء منكم في رحله " (صحيح مسلم 1/484-485 كتاب صلاة المسافرين، باب الصلاة في الرحال في المطر) والرحال: "المنازل والمساكن سواء كنت من حجر ومدر وخشب أو من شعر وصوف ووبر وغيرها، واحدها رحل". (النهاية 2/209 وشرح النووي على صحيح مسلم 2/348) . 4 سنن النسائي 2/86 كتاب الإمامة، باب العذر في ترك الجماعة". 5 مسند أحمد 5/74، 75 وطبقات ابن سعد الكبرى 2/157". 6 همام: "هو ابن يحيى بن دينار الأزدي العوذي "ثقة" تقدم في حديث (230) . 7 سنن أبي داود 1/244 كتاب الصلاة، باب الجمعة في اليوم المطير". ومسند أحمد 5/74، 75". 8 أبان: "هو ابن يزيد العطار "ثقة" له أفراد تقدم في حديث (9) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 ومن طريق سعيد1 عن قتادة عن أبي المليح به2. ورواه ابن خزيمة من طريق شعبة وسعيد بن أبي عروبة، وهمام بن يحيى كلهم عن قتادة عن أبي المليح به3. ورواه الطبراني من طريق هؤلاء الثلاثة و"حماد بن سلمة" كلهم عن قتادة عن أبي المليح به إلا أنه لم يذكر "يوم حنين"4. ورواه ابن سعد والطبراني كلاهما من طريق سعيد5 بن زربي قال حدثنا أبو المليح عن أبيه به6. ورواه الطبراني أيضاً والبيهقي من طريق عامر7 بن عبيدة الباهلي عن أبي المليح به8. والحديث صحيح9. وقد رواه شعبة بن الحجاج وهمام بن يحيى وأبان بن يزيد وسعيد ابن أبي عروبة كلهم عن قتادة عن أبي المليح، بلفظ "يوم حنين". وتابع قتادة في ذلك عامر بن عبيدة الباهلي، وسعيد10 بن زربي كلاهما عن أبي المليح.   1 سعيد: "هو ابن أبي عروبة مهران اليشكري "ثقة حافظ" تقدم في حديث (48) . 2 مسند أحمد 5/74، 75". 3 صحيح ابن خزيمة 3/80-81". 4 المعجم الكبير1/155". 5 سعيد بن زربي - بفتح الزاي وسكون الراء بعدها موحدة مكسورة - الخزاعي البصري العباداني، أبو عبيدة، أو أبو معاوية، منكر الحديث من السابعة". / ت". (التقريب 1/295 وتهذيب التهذيب 4/28، وميزان الاعتدال 2/136) . 6 طبقات بن سعد الكبرى 7/44 والمعجم الكبير للطبراني 1/156". 7 عامر بن عبيدة الباهلي البصري القاضي بها ثقة من الرابعة"./خت". (التقريب 1/389، وتهذيب التهذيب 5/79) . 8 المعجم الكبير 1/156 والبيهقي: "السنن الكبرى 3/71 إلا أنه لم يقل "يوم حنين". 9 انظر فتح الباري 2/113". 10 غير أن سعيد بن زربي منكر الحديث فوجوده كعدمه". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 والحديث رواه أحمد عن وكيع بن الجراح ثنا سفيان1 بن حبيب عن خالد الحذاء2 عنأبي قلابة3 عن أبي المليح عن أبيه4. ورواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم والبيهقي كلهم من طريق نصر5 بن علي الجهضمي ثنا سفيان بن حبيب عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المليح عن أبيه أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في يوم الجمعة وأصابهم مطر لم يبتل أسفل نعالهم6 فأمرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يصلوا في رحالهم7. إلا أن أبا داود قال حدثنا نصر بن علي قال سفيان خبرنا8 عن خالد الحذاء". بالبناء للمجهول".   1 سفيان بن حبيب البصري البزار، أبو محمد، وقيل غير ذلك، ثقة من التاسعة (ت 182، وقيل 186) / بخ عم". (التقريب 1/310 وتهذيب التهذيب 4/107) . 2 خالد بن مهران أبو المنازل - بفتح الميم وقيل بضمها وكسر الزاي- البصري، الحذاء - بفتح المهملة وتشديد الذال المعجمة- قيل له ذلك لأنه كان يجلس عند الحذائين، وقيل لأنه كان يقول احذ على هذا النحو، ثقة يرسل، من الخامسة". وقد عاب عليه بعضهم دخوله في عمل السلطان". وأشار حماد بن زيد إلى أن حفظه تغير لما قدم من الشام (ت 142 أو 141) ./ع". (التقريب 1/219 وتهذيب التهذيب 3/120-122) . 3 أبو قلابة الجرمي البصري عبد الله بن زيد بن عمرو أو عامر، ثقة فاضل كثير الإرسال، قال العجلي: "فيه نصب يسير، من الثالثة مات بالشام هاربا من القضاء (سنة 104وقيل بعدها) /ع (التقريب1/417 وتهذيب التهذيب5/224-226) . (مسند أحمد 5/74) . 5 نصر بن علي بن صهبان الأزدي الجهضمي أبو عمرو البصري الصغير، ثبت، طلب للقضاء فامتنع، من العاشرة (ت 250) أو بعدها". /ع". (التقريب 2/300 وتهذيب التهذيب 10/430) . 6 قال الساعاتي: "هو كناية عن قلة المطر وخفته، فيستفاد منه أن المطر عذر وإن كان خفيفا". (الفتح الرباني 5/187) . 7 أبو داود: "السنن 1/244 كتاب الصلاة، باب الجمعة في اليوم المطير، وصحيح بن خزيمة 3/179، والمستدرك 1/293 وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي". والبيهقي: "السنن الكبرى 3/186". 8 قال محمد شمس الحق: "قال سفيان خبرنا" بصيغة المجهول من التفعيل، والمخبر لسفيان بن حبيب لم يعرف، ثم أورد حديث ابن ماجه". (عون المعبود 3/387) . وقال الدكتور محمد مصطفى الأعظمي: "إسناده صحيح، وأخرجه جماعة، وصححه الحاكم والذهبي من هذا الوجه، وكلّهم قالوا: "ثنا سفيان بن حبيب عن خالد الحذاء، غير أبي داود، فإنه قال: "حدثنا نصر بن علي قال: "سفيان بن حبيب خبرنا عن خالد الحذاء، فمن قرأها "خبرنا" مبنيا للمجهول أعله بالانقطاع، وليس كذلك لرواية الجماعة". وهي مخرجة في "صحيح أبي داود (999) للألباني". (التعليق على صحيح ابن خزيمة 3/179) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 ورواه ابن ماجه وابن خزيمة، والطبراني كلهم من طريق إسماعيل1 ابن إبراهيم ثنا خالد الحذاء عن قلابة عن أبي المليح به2". إلا أن ابن ماجه قال: "عن خالد الحذاء عن أبي المليح" بإسقاط "أبي قلابة". ورواه ابن حبان من طريق خالد3 بن عبد الله الواسطي عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المليح به4". والبيهقي من طريق عبد الوهاب بن عطاء أنبأنا خالد عن أبي المليح به5". قال محمد شمس الحق: "وقد اختلف على أبي المليح في هذا الحديث فقال قتادة عنه إنّ القصة وقعت في حنين". وقال خالد الحذاء عنه: "إنها وقعت زمن الحديبية"6. قلت: "وقد جاء ذلك عن قتادة أيضاً وهو ما رواه ابن حبان بإسناد صحيح من طريق شعبة عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فأصابتنا سماء لم تبل أسافل نعالنا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديه "أن صلوا في رحالكم" 7. ويجمع بينهما بأن القصة تعددت، ولا مانع من وقوع مثل هذا في الحديبية وفي غزوة حنين8 ومما يؤيد وقوعه في حنين: ما رواه أحمد وابن سعد من حديث سمرة بن جندب وهذا سياق أحمد:   1 إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي مولاهم، أبو بشر البصري المعروف بابن علية، "ثقة حافظ" من الثامنة، (ت: "193) ./ع (التقريب 1/65-66 وتهذيب التهذيب 1/275 و6/2 و10/ 384) . 2 سنن ابن ماجه 1/302 كتاب إقامة الصلاة، باب الجامعة في الليلة المطيرة، وصحيح ابن خزيمة 3/80 والمعجم الكبير للطبراني 1/156". 3 خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان الواسطي، المزني مولاهم، ثقة ثبت من الثامنة (ت 182) ./ ع (التقريب1/215، وتهذيب التهذيب3/100) . 4صحيح ابن حبان 3/397ترتيب الأمير علاء الدين الفارسي وموارد الظمآن ص123". 5 السنن الكبرى 3/71". 6 عون المعبود 3/387". 7 صحيح ابن حبان 3/399 وموارد الظمآن ص 123". 8 انظر: "الفتح الرباني 5/188". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 252- قال حدثنا بهز1 ثنا أبان2 ثنا قتادة عن الحسن3 عن سمرة4 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين في يوم مطير: "الصلاة في الرحال". ورواه أيضاً من طريق همام بن يحيى، وهشام الدستوائي كلاهما عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب به5". ورواه ابن سعد من طريق همام بن يحيى أخبرنا قتادة عن الحسن عن سمرة به6". والحديث فيه قتادة والحسن وهما مدلسان وقد عنعناه ولكن يؤيده حديث أبي المليح عن أبيه". والحديثان يدلان على جواز قول "المؤذن" الصلاة في الرحال في الأذان، في حال المطر والليلة الباردة ونحو ذلك". وعلى أن هذا الكلام ونحوه يجوز في الأذان لمن يحتاج إليه". كما يدلان على جواز ترك حضور الجماعة في مثل هذا ونحوه7". ومما تجدر الإشارة إليه هو هل هذا القول الصادر من المؤذن يكون في نفس الأذان أم بعد الانتهاء منه؟ اختلف العلماء نظرا لاختلاف الأحاديث الواردة في ذلك". 253- فقد ورد في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم   1 بهز هو ابن أسد العمي أبو الأسود البصري "ثقة ثبت" تقدم في حديث (91) . 2 أبان: "هو ابن يزيد العطار "ثقة" له أفراد، تقدم في حديث 09) . 3 الحسن: "هو البصري "ثقة فاضل فقيه" يرسل كثيرا ويدلس تقدم في حديث (156) . وفي سماع الحسن من سمرة لغير حديث العقيقة خلاف معلوم". 4 سمرة بن جندب بن هلال الفزاري، حليف الأنصار، صحابي مشهور له أحاديث، (ت بالبصرة سنة 58) . / ع". (التقريب 1/333، تهذيب التهذيب 4/236) . 5 مسند أحمد 5/8، و13، و15، و19، و22، و74". 6 الطبقات الكبرى 2/156". 7 انظر: "فتح الباري 2/99 وكتاب الأم للشافعي 1/76". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 كان يأمر مؤذنا يؤذن ثم يقول على إثره: "ألا صلوا في رحالكم في الليلة الباردة أو1 المطيرة2 في السفر34". وفي لفظ عنه أنه نادى بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ومطر، فقال في آخر ندائه: "ألا صلوا في رحالكم ألا صلوا في رحالكم". ثم قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن، إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في السفر أن يقول: "ألا صلوا في رحالكم"5. 254- وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: "إذا قلت: "أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أنّ محمداً رسول الله، فلا تقل حي على الصلاة، قل: "صلوا في بيوتكم"6.   1 قوله: "في الليلة الباردة أو المطيرة". قال ابن حجر: "أو" للتنويع لا للشك، وفي صحيح أبي عوانة "ليلة باردة أو ذات مطر أو ذات رياح" ثم قال ابن حجر: "ودل ذلك على أن كلا من الثلاثة عذر في التأخير عن الجماعة". ونقل ابن بطال فيه الإجماع". لكن المعروف عند الشافعية أن الريح عذر في الليل فقط، وظاهر الحديث اختصاص الثلاثة بالليل". لكن في السنن من طريق ابن إسحاق عن نافع في هذا الحديث "في الليلة المطيرة والغداة القرة" وفيها بإسناد صحيح من حديث أبي المليح عن أبيه "أنهم مطروا يوما فرخص لهم" ثم قال: "ولم أر في شيء من الأحاديث الترخيص بعذر الريح في النهار صريحة لكن القياس يقتضي الحاقة".وقد نقله ابن الرفعة وجها". (فتح الباري 2/113) . 2 وقوله أيضا: "في الليلة الباردة أو المطيرة". قال الكرماني: "فعلية بمعنى فاعلة وإسناد المطر إليها مجاز، ولا يقال إنها بمعنى مفعولة - أي ممطور فيها - لوجود الهاء في قوله "مطيرة" إذ لا يصح ممطورة فيها". (فتح الباري 2/113) . 3 قوله:"في السفر"قال ابن حجر: ظاهره اختصاص ذلك بالسفر، ورواية مالك عن نافع الآتية مطلقة، وبها أخذ الجمهور، لكن قاعدةحمل المطلق على المقيد تقتضي أن يختص ذلك بالمسافر مطلقاً، ويلحق به من تلحقه مشقة في الحضر دون من لا تلحقه". (فتح الباري2/113) وانظر رواية مالك عن نافع في صحيح البخاري1/112كتاب الأذان، باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله". 4 صحيح البخاري1/107 كتاب الأذان باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة، وقول المؤذن: "الصلاة في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة". 5 صحيح مسلم 1/484 كتاب صلاة المسافرين، باب الصلاة في الرحال في المطر". 6 البخاري: "الصحيح 1/106 كتاب الأذان، باب الكلام في الأذان، 112 فيه باب هل يصلي الإمام بمن حضر، وهل يخطب يوم الجمعة في المطر، و2/6 كتاب الجمعة، باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر". ومسلم: "الصحيح 1/458 كتاب صلاة المسافرين، باب الصلاة في الرحال في المطر واللفظ له". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 فحديث ابن عمر صريح في أن القول المذكور بعد الفراغ من الأذان وحديث ابن عباس صريح في أنه في نفس الأذان". قال النووي: "في حديث ابن عباس أن يقول: "ألا تصلوا في رحالكم" في نفس الأذان". وفي حديث ابن عمر أنه قال في آخر ندائه". والأمران جائزان نص عليهما الشافعي - رحمه الله تعالى - في الأم في كتاب الأذان". وتابعه جمهور أصحابنا في ذلك، فيجوز بعد الأذان وفي أثنائه لثبوت السنة فيهما". لكن قوله بعده أحسن ليبقى نظم الأذان على وضعه، ومن أصحابنا من قال: "لا يقوله إلا بعد الفراغ، وهذا ضعيف مخالف لصريح حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ثم قال: "ولا منافاة بينه وبين حديث ابن عمر رضي الله عنهما لأن هذا جرى في وقت وذلك في وقت وكلاهما صحيح"1". وقال ابن حجر: "وقال القرطبي2: "لما ذكر رواية مسلم بلفظ "يقول في آخر ندائه". قال: "ويحتمل أن يكون المراد في آخره قبيل الفراغ منه، جمعا بينه وبين حديث ابن عباس". ثم قال ابن حجر: "وقد قدمنا في "باب الكلام في الأذان" عن ابن خزيمة أنه حمل حديث ابن عباس على ظاهره وأن ذلك يقال بدلا من الحيعلة3 نظرا إلى المعنى، لأن المعنى "حي على الصلاة" هلموا إليها، ومعنى "الصلاة في الرحال" تأخروا عن المجيء، ولا يناسب إيراد اللفظين معا لأن أحدهما نقيض الآخر".   1 شرح النووي على صحيح مسلم 2/348 وانظر الأم للشافعي 1/76". 2 هو أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي الأنصاري، المحدث العلامة (578-656هـ) وكتابه يسمى "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم". وتذكرة الحفاظ للذهبي 4/1438 وشجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمحمد بن محمد مخلوف ص 194 ومعجم المؤلفين لكحالة2/27) . وقد وقع في مقدمة تحفة الأحوذي للمباركفوري 1/158: "أن وفاة القرطبي (665) وهو خطأ". 3 يعني: "حذف حي على الصلاة الخ وجعل بدلا منها "صلوا في رحالكم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 ثم عقب ابن حجر على هذا بقوله: "ويمكن الجمع بينهما، ولا يلزم منه ما ذكر بأن يكون معنى "الصلاة في الرحال" رخصة لمن أراد أن يترخص، ومعنى هلموا إلى الصلاة ندب لمن أراد أن يستكمل الفضيلة ولو تحمل المشقة". ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمطرنا، فقال: "ليصل من شاء منكم في رحله" 1. ولعل ما ذهب إليه ابن حجر من الجمع بين الأحاديث أولى، للعمل بجميع الأحاديث، لأنه إذا أمكن الجمع بين الأحاديث بحمل كل على محمل صحيح تعين المصير إليه".   1 فتح الباري 2/ 98 و 113، وانظر صحيح ابن خزيمة 3/12 حيث قال: "باب أمر الإمام المؤذن بحذف حي على الصلاة، والأمر بالصلاة في البيوت بدله". وحديث جابر المشار إليه عند مسلم، تقدم في ص 551 تعليقة (3) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 الحكم السابع: تعليم أبي محذورة الأذان الأذان: لغة الإعلام، قال تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} ، [التوبة، من الآية: 3] . وشرعا: "هو الإعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة1". حكمه: "ذهب جمهور العلماء إلى أنّه من السنن المؤكدة، وذهب الأوزاعي2 وداود3 وابن المنذر4 إلى وجوبه مطلقا". وقال ابن حجر: "وهو ظاهر قول مالك في الموطّأ5". وحكي عن محمد بن الحسن". وقيل: "واجب في الجمعة فقط، وقيل فرض كفاية". ثم قال ابن حجر: "ومنشأ الاختلاف أن مبدأ الأذان لما كان عن مشورة أوقعها النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه حتى استقر برؤيا بعضهم فأقره كان ذلك بالمندوبات أشبه، ثم لما واظب على تقريره ولم ينقل أنه تركه ولا أمر بتركه ولا رخص في تركه، كان ذلك بالواجبات أشبه6".   1 النهاية لابن الأثير 1/34 وشرح النووي على صحيح مسلم 2/3 وفتح الباري 2/77 ونيل الأوطار 2/35، والمغني لابن قدامة 1/402". 2 هو عبد الرحمن بن عمرو تقدم في حديث (135) . 3 هو داود بن علي الحافظ الفقيه المجتهد أبو سليمان الاصبهاني، إمام الظاهرية (200-270هـ) . (تذكرة الحفاظ للذهبي 2/572-573) . 4 هو محمد بن إبراهيم بن المنذر". تقدم في حديث (56) . 5 الموطّأ 1/77". 6 فتح الباري 2/79،80 نيل الأوطار 2/36 وكذلك جاء الاختلاف في وجوب الإقامة وعدمه". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 وأما ابتداء مشروعية الأذان فكان في السنة الأولى من الهجرة على ما جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: 255- كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون1 الصلوات وليس ينادي بها أحد فتكلموا يوما في ذلك، فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا2 مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم قرنا3 مثل قرن اليهود". فقال عمر: "أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا بلال قم فناد4 بالصلاة" 5. قال ابن حجر: "وحديث ابن عمر المذكور في هذا الباب ظاهر في أن الأذان إنما شرع بعد الهجرة، فإنه نفى النداء بالصلاة قبل ذلك مطلقا". ثم قال: "وقد جزم ابن المنذر بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث عبد الله بن عمر ثم في حديث عبد الله بن زيد6". وقال ابن خزيمة: "باب ذكر الدليل على أن بدء الأذان إنما كان بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأن صلاته بمكة إنما كانت من غير نداء لها ولا إقامة".   1 فيتحينون: "بحاء مهملة بعدها مثناة تحتانية ثم نون، أي يقدرون أحيانها وليأتوا إليها، والحين الوقت من الزمن". (فتح الباري 2/80) . 2الناقوس: "هو خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها، والنصارى يعلمون بها أوقات صلاتهم". (النهاية 5/106) . 3القرن: "هو البوق الذي ينفخ فيه ويزمر". قال ابن حجر: "والبوق والقرن معروفان: "والمراد أنه ينفخ فيه فيجتمعون عند سماع صوته، وهو من شعار اليهود ويسمى أيضا "الشبور" بالشين المعجمة المفتوحة والموحدة المضمونة الثقيلة". (فتح الباري 2/81 ولسان العرب 6/60 و11/333 والقاموس المحيط 2/55 و3/215) . 4 قال ابن حجر: "كان اللفظ الذي ينادي به بلال للصلاة قوله "الصلاة جامعة" أخرجه ابن سعد في الطبقات من مراسيل سعيد بن المسيب". (فتح الباري 2/82، وطبقات ابن سعد 1/246) . 5 البخاري: "1/104 كتاب الأذان، باب بدء الأذان، ومسلم 1/285 كتاب الصلاة، باب بدء الأذان، واللفظ له". 6 فتح الباري 2/78و79 وانظر تخريج حديث عبد الله بن عمر برقم (255) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 ثم قال: "قال أبو بكر: "في خبر عبد الله بن زيد1: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة إنما يجتمع الناس إليه للصلاة بحين مواقيتها بغير دعوة" 2. وقد رويت أحاديث تدل على أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة قال ابن حجر: "والحق أنه لا يصح شيء من هذه الأحاديث"3". وأما سبب تعليم أبي محذورة الأذان فقد قصه هو بنفسه فيما رواه النسائي وابن ماجه وغيرهما وهذا سياق النسائي: 256- أخبرنا إبراهيم4 بن الحسن ويوسف5 بن سعيد، واللفظ له، قال: "حدثنا حجاج6 عن ابن جريج7 قال: "حدثني عبد العزيز8 بن أبي محذورة أن عبد الله9 بن محيريز أخبره، وكان يتيما في حجر أبي محذورة10 حتى11 جهزه إلى الشام،   1 عبد الله بن زيد بن عبد ربه بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، صاحب الأذان". 2 صحيح ابن خزيمة 1/189-190 و191-193 وانظر سيرة ابن هشام 1/508". 3 فتح الباري 2/77 و78، و79 ونيل الأوطار 2/35". 4 إبراهيم بن الحسن بن الهيثم الخثعمي، أبو إسحاق المصيصي المقسمي - بكسر الميم - ثقة من الحادية عشرة"./ د س فق". (التقريب 1/34 وتهذيب التهذيب 1/114) . 5 يوسف بن سعيد بن مسلم - بفتح اللام المشددة - المصيصي، ثقة حافظ من الحادية عشرة (ت 271 وقيل قبل ذلك) . /س". (التقريب 2/381 وتهذيب التهذيب 11/414) . 6 حجاج بن محمد المصيصي الأعور، أبو محمد الترمذي الأصل، نزل بغداد ثم المصيصة، ثقة ثبت، لكنه اختلط في آخر عمر، لما قدم بغداد قبل موته من التاسعة، (ت206) . /ع". (التقريب 1/154 وتهذيب التهذيب 2/205) . وفي تهذيب التهذيب هو أثبت أصحاب ابن جريج". 7 ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز "ثقة فقيه مدلس" تقدم وقد صرح هنا بالتحديث". 8 عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، الجمحي المكي، المؤذن، مقبول، من السادسة". /عم". (التقريب 1/510 وتهذيب التهذيب 6/347) وقال: "ذكره ابن حبان في الثقات". ولم يذكر فيه البخاري ولا ابن حاتم جرحا ولا تعديلا، غير أن البخاري قال: "سمع عبد الله بن محيريز (تاريخ البخاري 6/18 والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/388 وتاعبه مكحول انظر ص 894". 9 عبد الله بن محيريز تقدم في حديث (236) . 10 أبو محذورة الجمحي المكي مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي مشهور اختلف في اسمه واسم أبيه". / بخ م عم". مات أبو محذورة بمكة سنة 59 وقيل 79". (التقريب 2/469 وتهذيب التهذيب (12/222 والإصابة 4/176 والاستيعاب 4/177 مع الإصابة, وأسد الغابة 1/177 و2/456 و6/278) . 11 عند الشافعي وابن ماجه وابن حبان"حين" وهي أظهر في المعنى". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 قال: "قلت لأبي محذورة1: "إني خارج إلى الشام وأخشى2 أن أسأل عن تأذينك فأخبرني أن أبا محذورة قال له: "خرجت في نفر3 فكنا ببعض طريق حنين مقفل4 رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين5 فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق, فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ,فسمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون6, فظللنا7 نحكيه8 ونهزأ به, فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوت9". فأرسل إلينا10 حتى وقفنا بين يديه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع؟ فأشار القوم11 إلي وصدقوا, فأرسلهم كلهم وحبسني, فقال: قم فأذن بالصلاة, فقمت12 فألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه قال: "قل: "الله أكبر الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر,13 أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن محمدا رسول الله, أشهد أن محمدا رسول الله.   1 وعند ابن ماجة والشافعي والبيهقي"فقلت لأبي محذورة: أي عم"وعند أحمد"يا عم". 2 وعند ابن ماجة وابن حبان: "وإني أسألك عن تأذينك" 3 النفر: "هو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة , ولا واحد له من لفظه". (النهاية 5/93) . 4 وعند أحمد والشافعي والبيهقي: "فقفل". 5 وعند البلاذري قال: "حدثني هدية بن خالد, ثنا همام عن ابن جريج أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أبا محذورة الأذان بالجعرانة ثم قسم غنائم حنين ثم جعله مؤذنا في المسجد الحرام". (أنساب الأشراف ص527) . 6 متنكبون: "أي معرضون". (النهاية 5/112) .ووقع عند الشافعي "متكئون". 7 وعند ابن ماجة "فصرخنا نحكيه ونهزأ به". وعند أحمد والشافعي واليبيهقي: "فصرخنا نحكيه ونستهزئ به". 8 نحكيه: أي نفعل مثل فعله, يقال حكاه وحاكاه, إذا فعل مثل فعله". (النهاية 1/421, ومختار الصحاح ص148) . 9 وعند ابن حبان: "فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوت , فقال: "أيكم يعرف هذا الذي أسمع الصوت؟ قال فجئ بنا فوقفنا بين يديه". 10 وعند ابن ماجة: "فأرسل إلينا قوما فأقعدونا بين يديه". 11 وعند الشافعي وأحمد والبيهقي: "فأشار القوم كلهم إلي". 12 وعند ابن ماجة والشافعي والبيهقي: "فقمت ولا شيء أكره إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مما يأمرني به فقمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين الخ". 13 وعند أحمد في هذا الحديث: "التكبير مرتين فقط". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 ثم قال: "ارجع فامدد صوتك1 ,ثم قال: "قل أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن محمدا رسول الله, أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة, حي على الصلاة, حي على الفلاح, حي على الفلاح, الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا لله". ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة2 فقلت يا رسول الله, مرني3 بالتاذين بمكة, فقال: "قد أمرتك به". فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأذنت معه بالصلاة4 عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم5". والحديث رواه أبو داود وابن ماجة والشافعي وأحمد وابن حبان والطبراني كلهم من طريق ابن جريج به6".   1 وعندأحمد والبيهقي"فامدد من صوتك"وعند ابن ماجة: "ثم قال لي ارفع من صوتك" وهذا ما يسمى بالترجيع وهو العود إلى الشهادتين مرتين برفع الصوت بعد قولهما مرتين بخفض الصوت". وسيأتي خلاف العلماء في ذلك, ص (568) . 2 وعند ابن ماجة: "فأعطاني صرة فيها شيء من فضة, ثم وضع يده على ناصية أبي محذورة ثم أمرها على وجهه, ثم على ثدييه, ثم على كبده, ثم بلغت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم سرة أبي محذورة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بارك الله لك وبارك عليك" ونحو هذا عند أحمد والشافعي وابن حبان والطبراني والبيهقي". 3 وعند ابن ماجة والشافغي وأحمد وابن حبان والبيهقي فقلت: "يا رسول الله أمرتني بالتأذين بمكة؟ قال: "نعم قد أمرتك" فذهب كل شيء كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كراهية, وعاد ذلك كله محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة الخ". 4 وعند ابن حبان: "فكنت أأذن بمكة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم". 5 سنن النسائي 2/5 كتاب الأذان، باب كيف الأذان؟ 6 أبو داود: "السنن 1/118 كتاب الصلاة، باب كيف الأذان، مختصراً". وابن ماجه: "السنن 1/234-235 كتاب الأذان، باب الترجيع في الأذان". والشافعي: "الأم 1/73، وأحمد: "المسند 3/409". والطبراني: "المعجم الكبير 7/204-205". وابن حبان: "صحيح ابن حبان 3/141". والحديث رواه من عدا أبا داود مطولا". وزاد ابن ماجه والشافعي وأحمد وابن حبان والبيهقي في هذا الحديث". قال ابن جريج: "وأخبرني بذلك من أدركت من آل أبي محذورة على نحو ما أخبرني ابن محيريز "لفظ البيهقي والباقون بمعناه". وزاد الشافعي أيضا: "وأدركت إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة يؤذن كما حكى ابن محيريز". وسمعته يحدث عن أبيه عن ابن محيريز عن أبي محذورة عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى ما حكى ابن جريج". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 ورواه الدارقطني والبيهقي والبغوي الجميع من طريق الشافعي1". ورواه الترمذي من طريق إبراهيم بن عبد العزيز مختصرا وهذا سياقه: قال: "حدثنا بشر بن معاذ البصري حدثنا إبراهيم2 بن عبد العزيز ابن عبد الملك بن أبي محذورة قال: "أخبرني أبي3 وجدي4 جميعا عن أبي محذورة5 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقعده وألقى عليه الأذان حرفا حرفا". قال إبراهيم: "مثل أذاننا". قال بشر: "فقلت له: "أعد عليّ فوصف الأذان بالترجيع". قال أبو عيسى: "حديث أبي محذورة في الأذان حديث صحيح، وقد روي عنه من غير وجه". وعليه العمل بمكة، وهو قول الشافعي6". والحديث فيه أن عدد ألفاظ الأذان خمس عشرة كلمة مع تربيع التكبير في أوله، بدون ترجيع، ومع الترجيع تكون ألفاظ الأذان تسع عشرة كلمة. ورواه أبو داود وابن حبان والطبراني والبيهقي الجميع من طريق محمد7 بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال: "قلت: "يا رسول الله علمني سنة الأذان، قال: "فمسح مقدم رأسي وقال: "تقول: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ثم ساق ألفاظ الأذان تسع عشرة كلمة مع الترجيع، ولم يذكر الإقامة.   1 الدارقطني: "السنن 2/233، والبيهقي: "السنن الكبرى 1/393 و419، البغوي: "شرح السنة 2/259-262". 2 قال عنه ابن حجر في التقريب 1/39: "صدوق يخطئ" وفي تهذيب التهذيب 1/141: "وثقه ابن حبان وضعفه آخرون". 3 هو عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة الجمحي "مقبول" تقدم في الحديث (256) . 4 هو عبد الملك بن أبي محذورة الجمحي "مقبول" انظرك التقريب 1/522 وتهذيب التهذيب 6/418". 5 اختلف في اسمه واسم أبيه تقدم في حديث (256) . 6 سنن الترمذي 1/123 كتاب الصلاة، باب ما جاء في الترجيع في الأذان". 7 محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة المكي، الجمحي المؤذن "مقبول" من السابعة". / د". (التقريب 2/186 وتهذيب التهذيب 9/317) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 وزاد في آخره: "فإن كانت صلاة الصبح قلت: "الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله" 1. ومن طريق أبي داود أخرجه البغوي2". ورواه أبو داود أيضاً والطبراني كلاهما من طريق إبراهيم3 بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: "سمعت جدي عبد الملك بن أبي محذورة يذكر أنه سمع أبا محذورة يقول: "ألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان حرفاً حرفاً، ثم ساق ألفاظ الأذان مع الترجيع "تسع عشرة كلمة" ولم يذكر الإقماة أيضا". وفي آخره قال: "وكان يقول في الفجر: "الصلاة خير من النوم"4. ورواه الطبراني والدارقطني والبيهقي الجميع من طريق عبد الرزاق5. وأبو داود من طريق أبي عاصم النبيل6 وعبد الرزاق كلاهما عن ابن جريج قال أخبرني عثمان7 بن السائب أخبرني أبي8 وأم عبد الملك9 ابن أبي محذورة عن أبي محذورة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة، وإبراهيم بن إسماعيل10". ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي11".   1 سنن أبي داود1/119كتاب الصلاة، باب كيف الأذان".وابن حبان: صحيح ابن حبان 3/144، والطبراني: المعجم الكبير 7/207، والبيهقي: "السنن الكبرى1/394". 2 شرح السنة 2/263". 3 إبراهيم بن إسماعيل "مجهول" وضعفه الأزدي من السابعة". /د". (التقريب 1/32 وتهذيب التهذيب 1/105) . 4 سنن أبي داود 1/119 كتاب الصلاة، باب كيف الأذان، واللفظ له، والمعجم الكبير للطبراني 7/205-206". 5 المعجم الكبير للطبراني 7/206 وسنن الدارقطني 1/1235 والسنن الكبرى للبيهقي 1/393-394". 6 هو الضحاك بن مخلد". 7 عثمان بن السائب الجمحي المكي مولى أبي محذورة "مقبول". (التقريب2/9 وتهذيب التهذيب 7/117) . 8 هو السائب الجمحي المكي "مقبول". (التقريب2/622وتهذيب التهذيب3/451) . 9 أم عبد الملك زوج أبي محذورة "مقبولة" (التقريب 2/622 وتهذيب التهذيب 12/483) . 10 سنن أبي داود 1/117". 11 السنن الكبرى 1/422، والحديث في مصنف عبد الرزاق 1/457-459". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 ورواه النسائي والدارقطني كلاهما من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج قال: "أخبرني عثمان بن السائب به". ومن طريق الدارقطني أخرجه البيهقي". ولفظه عند النسائي: "قال: "لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين خرجت عاشر عشرة1 من أهل مكة نطلبهم فسمعناهم يؤذنون بالصلاة فقمنا نؤذن نستهزئ بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت فأرسل إلينا فأذنا رجل رجل، وكنت آخرهم فقال حين أذنت تعال، فأجلسني بين يديه، فمسح على ناصيتي2 وبرك علي ثلاث مرات، ثم قال: "اذهب فأذن عند البيت الحرام" قلت: "كيف يا رسول الله؟ فعلمني كما تؤذنون الآن بها: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنّ محمداً رسول الله، أشهد أنّ محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح". قال: "وعلمني الإقامة مرتين: "ثم ساق ألفاظ الإقامة". وفي آخر الحديث قال: "قال ابن جريج: "أخبرني عثمان هذا الخبر كله عن أبيه وعن أم عبد الملك بن أبي محذورة أنهما سمعا ذلك من أبي محذورة"3". ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد وابن الجارود والدارمي وابن خزيمة وابن حبان والطبراني والدارقطني والبيهقي الجميع من طريق عامر الأحول4".   1 عاشر عشرة: "أي واحد من عشرة". قال ابن هشام في شرح قطر الندى ص 311 عند كلامه على العدد: "الثانية: "أن يضاف العدد إلى ما هو مشتق منه فتقول: "ثاني اثنين، وثالث ثلاثة، ورابع أربعة ومعناه واحد من اثنين، وواحد من ثلاثة، وواحد من أربعة، قال الله تعالى: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ} ، [سورة التوبة، من الآية: "40] ". وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} ، [المائدة، من الآية: "73] ". 2 وعند عبد الرزاق وأبي داود والبيهقي: "قال فكان: "أبو محذورة لا يجز ناصيته ولا يفرقها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح عليها". 3 سنن النسائي 2/7 كتاب الأذان في السفر، وسنن الدارقطني1/234". والسنن الكبرى للبيهقي 1/418". 4هو عامر بن عبد الواحد الأحول البصري". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 حدثني مكحول حدثه أن عبد الله بن محيريز حدثه أن أبا محذورة، حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة"1. ثم ساق ألفاظ الأذان مع الترجيع، والإقامة مثنى مثنى". ورواه مسلم من طريق عامر الأحول به2". فذكر الأذان مثنى مثنى مع الترجيع الشهادتين". فكان عدد ألفاظ الأذان مع الترجيع سبع عشرة كلمة مع تثنية التكبير في أوله وترجيع الشهادتين". والحديث رواه عن أبي محذورة - رضي الله عنه - جماعة من التابعين بصور مختلفة روى إحداها مسلم في صحيحه وقد صحح الحديث الترمذي، وقال ابن خزيمة: "خبر أبي3 محذورة ثابت صحيح من جهة النقل"4. إهـ. وقد اشتمل الحديث على الصور الآتية: أ- ترجيع الشهادتين ن في الأذان". ب- التكبير في أول الأذان أربع مرات، وأن عدد ألفاظ الأذان خمس عشرة كلمة، بدون ترجيع، وتسع عشرة كلمة مع الترجيع. ج- التكبير في أوّل الأذان مرتين فقط مع الترجيع الشهادتين، بحيث يصبح عدد ألفاظ الأذان ثلاث عشرة كلمة بدون ترجيع، وسبع عشرة كلمة مع الترجيع5.   1 أبو داود: "السنن 1/118 كتاب الصلاة، باب كيف الأذان". والترمكذي: "السنن 1/124 كتاب الصلاة، باب ما جاء في الترجيع في الأذان". والنسائي: "السنن 2/5 كتاب الأذان، باب كم الأذان، وباب كيف الأذان". وابن ماجه: "السنن 1/235 كتاب الأذان، باب الترجيع في الأذان". وأحمد: "المسند 6/401". وابن الجارود: "المنتقى ص 64". والدارمي: "1/216 السنن كتاب الصلاة، باب الترجيع في الأذان". وابن خزيمة: "الصحيح 1/195". وابن حبان: "صحيح ابن حبان 3/143 وموارد الظمآن ص 95". والطبراني: "المعجم الكبير 7/204، والدارقطني: "السنن 1/237 و238، والبيهقي: "السنن الكبرى 1/392 و416-417". 2 صحيح مسلم: "1/287 كتاب الصلاة، باب صفة الأذان". 3 في الأصل: "ابن أبي محذورة ولعل كلمة (0 ابن" خطأ". 4 صحيح ابن خزيمة 1/196". 5 صحيح مسلم 1/287 كتاب الصلاة، باب صفة الأذان". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 د- تثنية ألفاظ الإقامة سوى كلمة التوحيد في آخرها، بحيث يصبح عدد ألفاظ الإقامة خمس عشرة كلمة1". هـ- الصورة السابقة مع تربيع التكبير في أولها فتكون ألفاظها سبع عشرة كلمة2". و إفراد الإقامة سوى كلمتي التكبير وقد قامت الصلاة، فيكون عدد ألفاظها إحدى عشرة كلمة3". ز- التثويب في أذان الفجر، وهو قول المؤذن بعد الحيعلة "الصلاة خير من النوم". هكذا وردت هذه الصور في حديث أبي محذورة رضي الله عنه". وسأعطي نبذة عن كل فقرة من هذه الفقرات ناقلا في ذلك بعض ما قاله علماؤنا في هذا باختصار، فأقول: أ- الترجيع: قال النووي: "وفي هذا الحديث حجة بينة ودلالة واضحة لمذهب مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء أن الترجيع4 في الأذان ثابت مشروع، وهو العود إلى الشهادتين مرتين برفع الصوت بعد قولهما مرتين بخفض الصوت، وقال أبو حنيفة والكوفيون: "لا يشرع الترجيع عملا بحديث عبد الله بن زيد فإنه ليس فيه ترجيع، ثم قال النووي: "وحجة الجمهور هذا الحديث الصحيح، والزيادة مقدمة مع أن حديث أبي محذورة هذا متأخرا عن حديث عبد الله بن زيد، فإن حديث أبي محذورة سنة ثمان من الهجرة بعد حنين، وحديث عبد الله بن زيد في أول الأمر".   1 تقدم الحديث الوارد في ذلك ص (566) . 2 سنن أبي داود 1/118 كتاب الصلاة، باب كيف الأذان". وانظر تخريج الحديث ص (567) . 3 الحديث الوارد بذلك عند الدارقطني 1/236-238 والسنن الكبرى للبيهقي 1/114 وقال ابن حجر: "ورى الدارقطني وحسنه في حديث لأبي محذورة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يقيم واحدة واحدة". (فتح الباري 2/84) . 4 قال النووي: "واختلف أصحابنا في الترجيع هل هو ركن لا يصح الأذان إلا به؟ أم هو سنة ليس ركنا حتى لو تركه صح الأذان مع فوات كمال الفضيلة؟ على وجهين والأصح عندهم أنه سنة". (شرح النووي على صحيح مسلم 2/8) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 وانضم إلى هذا كله عمل أهل مكة والمدينة وسائر الأمصار". ثم قال: "وذهب جماعة من المحدثين وغيرهم إلى التخيير بين فعل الترجيع وتركه والصواب إثباته1". إهـ. وبهذا يعلم أن الترجيع زيادة ثابتة في حديث أبي محذورة عند مسلم وغيره وأن القائلين بمشروعيته هم جمهور العلماء ومنهم مالك والشافعي وأحمد". وأن القائلين بعدم مشروعيته هم الأحناف وقد حاول الطحاوي رد هذه الزيادة، فقال: "بعد أن ساق حديث أبي محذورة المشتمل على زيادة الترجيع "فهذا عبد الله بن زيد، لم يذكر في حديثه الترجيع، فقد خالف أبا محذورة في الترجيع في الأذان، فاحتمل أن يكون الترجيع الذي حكاه أبو محذورة إنما كان لأن أبا محذورة لم يمد بذلك صوته، على ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم منه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "ارجع وامدد صوتك" 2 هكذا اللفظ في الحديث فلما احتمل ذلك، وجب النظر، لنستخرج به من القولين قولا صحيحا، فرأينا ما سوى ما اختلف فيه من الشهادتين، أن (لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله) لا ترجيع فيه". فالنظر على ذلك أن يكون ما اختلفوا فيه من ذلك، معطوفاً على ما أجمعوا عليه، ويكون إجماعهم، أن لا ترجيع في سائر الأذان غير الشهادة يقضي على اختلافهم في الترجيع في الشهادة وهذا الذي وصفنا وما بيناه من نفي الترجيع، قول أبي حنيفة، وأبي يوسف ومحمد - رحمهم الله تعالى - "3. إهـ. فقد علل الطحاوي لرد زيادة الترجيع الوارد في حديث أبي محذورة بتعليلين:   1- احتمال أن أبا محذورة لم يكن يمد بذلك صوته على ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بمد صوته". 2- بأن هذا لم يرد في حديث عبد الله بن زيد". وردّ الأوّل: "بأن في سنن أبي داود عن أبي محذورة قال: "قلت: "يا رسول الله علمني سنة الأذان قال: "فمسح مقدم رأسي، قال: "تقول: "الله أكبر، الله أكبر، الله 1 شرح النووي على صحيح مسلم 2/8". 2 انظر ص 563". 3 شرح معاني الآثار 1/130و131و132". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 أكبر، الله أكبر، ترفع بها صوتك، ثم تقول: "أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمد رسول الله، تخفض بها صوتك، ثم ترجع صوتك بالشهادة: "أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله"، الحديث1. وردّ الثاني: "بان الطحاوي نفسه قد قبل زيادة التثويب الواردة في حديث أبي محذورة دون حديث عبد الله بن زيد". فقد قال: "كره قوم أن يقال في أذان الصبح (الصلاة خير من النوم) ". واحتجوا في ذلك بحديث عبد الله بن زيد في الأذان الذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم تعليمه إياه بلالاً". وخالفهم في ذلك آخرون، فاستحبوا أن يقال: "ذلك في التأذين للصبح بعد الفلاح". وكان من الحجة لهم في ذلك أنه وإن لم يكن ذلك في حديث عبد الله بن زيد, فقد علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا محذورة بعد ذلك وأمره أن يجعله في الأذان للصبح". فلما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا محذورة كان ذلك زيادة على ما في حديث عبد الله بن زيد, فوجب استعمالها 2". وقد ردّ عليه المباركفوري - رحمه الله - بقوله: "فكذلك يقال إن الترجيع، وإن لم يكن في حديث عبد الله بن زيد، فقد علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا محذورة بعد ذلك، فلما علمه رسول الله أبا محذورة كان ذلك زيادة على ما في حديث عبد الله بن زيد فوجب استعماله"3". وقال الشوكاني: "وذهب الشافعي ومالك وأحمد وجمهور العلماء - كما قال النووي - إلى الترجيع في الأذان ثابت لحديث أبي محذورة، وهو حديث صحيح مشتمل على زيادة غير منافية فيجب قبولها"4.   1 سنن أبي داود 1/117 كتاب الصلاة، باب كيف الأذان ويؤيد هذا أيضا قوله في الحديث الآخر: "علمني النبي صلى الله عليه وسلم الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة" انظر ص (567) . 2 شرح معاني الآثار 1/136 و137". 3 تحفة الأحوذي 1/475-569". 4 نيل الأوطار 2/42". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 ب وجـ- التكبير في أول الأذان أربع مرات، ومرتين فقط: قال النووي عند شرحه لحديث أبا محذورة "هكذا وقع هذا الحديث في صحيح مسلم في أكثر الأصول" في أوله "الله أكبر مرتين فقط". ووقع في غير مسلم الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أربع مرات، قال القاضي عياض - رحمه الله ـ: "ووقع في بعض طرق الفارسي1 في صحيح مسلم أربع مرات، وكذلك اختلف في حديث عبد الله بن زيد في التثنية والتربيع، والمشهور فيه التربيع، وبالتربيع قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء". وبالتثنية قال مالك: "واحتج بهذا الحديث وبأنه عمل أهل المدينة وهم أعرف بالسنن". واحتج الجمهور بأن الزيادة من الثقة مقبولة، وبأن التربيع عمل أهل مكة وهي مجمع المسلمين في المواسم وغيرها ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة وغيرهم"2".إهـ". وقال الزيلعي: "وقال أبو عمر بن عبد البر: "وقد اختلفت الروايات عن أبي محذورة، إذ علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان بمكة عام حنين، فروي عنه فيه تربيع التكبير في أوله, وروي عنه بتثنيته ,والتربيع فيه من رواية الثقات الحفاظ, وهي زيادة يجب قبولها, والعمل عندهم بمكة في آل أبي محذورة بذلك إلى زماننا, وهو في حديث عبد الله بن زيد في قصة المنام ,وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد"3". وقال الشوكاني: "والحق أن روايات التربيع أرجح لاشتمالها على الزيادة وهي مقبولة لعدم منافاتها وصحة مخرجها"4". وقد عرفت أن عمدة القائلين بتثنية التكبير في أوّل الأذان هو حديث مسلم هذا".   1 هو أبو الحسين عبد الغفار بن محمد الفارسي ,الفسوي ثم النيسابوري التاجر كان سماعه صحيح مسلم من الجلودي سنة (365) وكان الفارسي ثقة صالحا صائنا محفوظا من الدين والدنيا, كان مشهورا برواية صحيح مسلم, سمع من أئمة الدنيا من الغرباء والطارئين وأهل بلده (ت448) (مقدمة النووي على شرح صحيح مسلم 1/6) . 2 شرح النووي على صحيح مسلم 2/8". 3 نصب الراية1/258". 4 نيل الأوطار 2/41-42". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 وقال عياض بأنه وقع في بعض طرق الفارسي في صحيح مسلم الله أكبر في أول الأذان أربع مرات1". وقال ابن حجر: "قال ابن القطان2: "الصحيح في هذا التربيع التكبير وبه يصح كون الأذان تسع عشرة كلمة". وقد يقع في بعض روايات مسلم بتربيع التكبير، وهي التي ينبغي أن تعد في الصحيح". إهـ". ثم قال ابن حجر: "وقد رواه البيهقي من طريق إسحاق بن إبراهيم عن معاذ بن هشام بسنده، وفيه تربيع التكبير، وقال بعده: "رواه مسلم بن الحجاج، في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم عن معاذ بن هشام، وكذلك أخرجه أبو عوانة في "مستخرجه" من طريق علي بن المدني عن معاذ بن هشام3". وأما كون التثنية عمل أهل المدينة وهم أعرف بالسنن، فيرد عليه بكون التربيع عمل أهل مكة وهي محط رحال العلماء والوافدين إليها في المواسم وغيرها من كل قطر بما فيهم أهل المدينة". ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة وغيرهم4". وبهذا يعلم أن تربيع التكبير في أول الأذان هو الراجح". د، هـ- التكبير في أول الإقامة أربع مرات، ومرتين مع تثنية بقية الألفاظ سوى كلمة التوحيد: جاء التكبير في أول الإقامة: "أربع مرات مع تثنية بقية ألفاظ الإقامة في حديث   1 شرح النووي على صحيح مسلم 2/8". 2 هو أبو الحسن علي بن محمد بن القطان الفاسي تقدم في حديث (63) . 3 التلخيص الحبير 1/196-197 والسنن الكبرى للبيهقي 1/392-393، ونيل الأوطار 2/49 وعون المعبود 2/182". 4 شرح النووي على صحيح مسلم 2/8". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 أبي محذورة من طريق عامر الأحول عن مكحول عن عبد الله ابن محيريز عن أبي محذورة وقد تقدم الحديث1". وجاء تثنية ألفاظ الإقامة سوى كلمة التوحيد من طريق ابن جريج أخبرني عثمان بن السائب أخبرني أبي وأم عبد الملك عن أبي محذورة، وقد تقدم أيضا2". و إفراد الإقامة سوى كلمتي التكبير، وقد قامت الصلاة: ورد إفراد الإقامة عند الدارقطني والبيهقي كلاهما من طريق إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: "سمعت أبي وجدي يحدثان عن أبي محذورة أنه كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم فيفرد الإقامة، إلا أنه يقول: "قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة3". ورواه البيهقي - أيضا - من طريق حجاج بن محمد قال: "قال ابن جريج: "أخبرني عثمان بن السائب أخبرني أبي وأم عبد الملك بن أبي محذورة عن أبي محذورة قال: "لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين، فذكر الحديث، وقال في التكبير في صدر الأذان أربعا". قال: "وعلمني الإقامة مرتين: "الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله". ثم قال البيهقي فذكر الإقامة مفردة كما ترى وصار قوله مرتين عائدا إلى كلمة الإقامة، وعلى ذلك تدل أيضا رواية عبد الرزاق4 عن ابن جريج حدثني عثمان بن السائب مولاهم عن أبيه الشيخ مولى أبي محذورة، وعن أم عبد الملك بن أبي محذورة أنهما سمعا ذلك من أبي محذورة فذكر الحديث نحو حديث حجاج وقال في آخره إذا أقمت فقلها مرتين قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة أسمعت؟   1 انظر تخريجه في ص (567) وراجع سنن الدارقطني 1/234-235". 2 انظر تخريجه في ص (566) . 3 سنن الدارقطني1/236 و237 و238والسنن الكبرى للبيهقي1/414 واللفظ له". 4 في المصنف 1/457-459". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 وزاد فكان أبو محذورة لا يجز ناصيته ولا يفرقها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح عليها1". والخلاصة أن المشهور من المذاهب جماهير العلماء هو إفراد الإقامة وأن عدد ألفاظها إحدى عشرة كلمة وبذلك تظاهرت النصوص". قال النووي: "واختلف العلماء في لفظ "الإقامة" فالمشهور من مذهبنا الذي تظاهرت عليه نصوص الشافعي رضي الله عنه، وبه قال أحمد وجمهور العلماء أن الإقامة إحدى عشرة كلمة، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله". وقال الخطابي: "مذهب جمهور العلماء والذي جرى به العمل في الحرمين والحجاز والشام واليمن ومصر والمغرب إلى أقصى بلاد الإسلام أن الإقامة فرادى". ثم قال رحمه الله: "ومذهب عامة العلماء أنه يكرر قوله: "قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، إلا مالكا فإن المشهور عنه أنه لا يكررها2". وقال الشوكاني: "قال ابن سيد الناس3: "وقد ذهب إلى القول بأن الإقامة إحدى عشرة كلمة: "عمر بن الخطاب وابنه، وأنس بن مالك، والحسن البصري، والزهري والأوزاعي4 وأحمد وأبو ثور5 ويحيى بن يحيى6 وداود وابن المنذر7".   1 السنن الكبرى للبيهقي 1/418 وهذا الحديث رواه البيهقي من طريق الدارقطي، بإفراد الإقامة، لكن الحديث عند الدارقطني بهذا السند الذي رواه البيهقي وفيه: "تثنية الإقامة في جميع ألفاظها سوى كلمة التوحيد"، ولذلك فقد رد على البيهقي في ذلك صاحب الجوهر النقي بأن الحديث عند الدارقطني بتثنية الإقامة". (انظر سنن الدارقطني 1/234 والجوهر النقي 1/418-419) . 2 شرح النووي على صحيح مسلم 2/6". 3 هو أبو الفتح محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري الأندلسي الأصل المصري الشيخ العلامة الحافظ الأديب البارع، صاحب التصانيف (681-734هـ) . (تذكرة الحفاظ للذهبي 4/1503 وطبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين أبي نصر عبد الوهاب السبكي 9/268-272 ومعجم المؤلفين لكحالة 11/269) . 4 هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي تقدم في حديث (135) . 5 هو إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي أبو ثور تقدم في حديث (235) . 6 لعله يحيى بن يحيى الليثي مولاهم القرطبي أبو محمد فقيه قليل الحديث". (التقريب 2/360) . 7 هو أبو بكر محمد بن إبراهيم تقدم في حديث 56) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 وقال البيهقي: "ممن قال بإفراد الإقامة أيضا: "سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وابن سرين وعمر بن عبد العزيز". وقال البغوي: "وهو قول أكثر العلماء1". إهـ". قلت: " من أدلة هذا المذهب حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: 257- قال: "أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة2". 258- وحديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه وفيه: "أن عدد الإقامة إحدى عشرة كلمة". رواه أبو داود وأحمد والترمذي مختصراً". وقال الترمذي: "حديث عبد الله بن زيد حديث حسن صحيح3". وقال أبو حنيفة: "الإقامة سبع عشرة كلمة فيثنيها كلها". قال النووي: "وهذا المذهب شاذ4". وقال الشوكاني: "وذهبت الحنفية والهادوية والثوري وابن المبارك وأهل الكوفة إلى أن ألفاظ الإقامة". مثل الأذان عندهم مع زيادة قد قامت الصلاة مرتين، واستدلوا بما في رواية عبد الله بن زيد عند الترمذي، وأبي داود، بلفظ: "كان أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم شفعاً شفعاً في الأذان والإقامة". وروي معنى ذلك عن بلال". وقد أعلها العلماء.   1 نيل الأوطار 2/46 وانظر شرح السنة للبغوي 2/255". 2 البخاري: "الصحيح 1/104 كتاب الأذان، باب الأذان مثنى مثنى". ومسلم: "الصحيح 1/286 كتاب الصلاة، باب الأمر بشفع الأذان وإيتار الإقامة". وأبو داود: "السنن 1/121 كتاب الصلاة، باب في الإقامة". والترمذي: "السنن 1/124 كتاب الصلاة، باب ما جاء في إفراد الإقامة". والنسائي: "السنن 2/4 كتاب الأذان، باب تثنية الأذان". وابن ماجه: "السنن 1/241 كتاب الأذان، باب في إفراد الإقامة". 3 أبو داود: "السنن 1/116 كتاب الصلاة، باب كيف الأذان". وأحمد: "المسند 4/42-43 والترمذي: "السنن 1/122 كتاب الصلاة، باب ما جاء في بدء الأذان". 4 شرح النووي على صحيح مسلم 2/6". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 غير أن الشوكاني: "دافع عنها وأيدها بحديث أبي محذورة الوارد فيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة" 1 قال: "وهو حديث صححه الترمذي وغيره". فيكون ناسخا لحديث "أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" لتأخره عن حديث بلال، لأن أبا محذورة من مسلمة الفتح، وبلالاً أمر بإفراد الإقامة أول ما شرع الأذان". ثم قال: "وإذا عرفت هذا تبين لك أن أحاديث تثنية الإقامة صالحة للاحتجاج كما أسلفناه". وأحاديث إفراد الإقامة وإن كانت أصح منها لكثرة طرقها وكونها في الصحيحين، ولكن أحاديث التثنية مشتملة على الزيادة، فالمصير إليها لازم لا سيما مع تأخر تاريخ بعضها كما عرفناك2". إهـ". فقد تبين من هذا أن أحاديث إفراد الإقامة أصح وأكثر وأن القائلين بها هم جماهير العلماء، وقد قيل للإمام أحمد بن حنبل: أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد، لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة، قال: "أليس قد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأقر بلالاً على أذان عبد الله بن زيد". قال الشوكاني: "ولكن هذا متوقف على نقل صحيح أن بلالاً أذن بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأفرد الإقامة، ومجرد قول أحمد بن حنبل لا يكفي، فإن ثبت ذلك، كان دليلاً لمذهب من قال بجواز الكلّ ويتعين المصير إليهما؛ لأن فعل كل واحد من الأمرين عقب الآخر مشعر بجواز الجميع لا بالنسخ"3". وأقول لعل الأسلم في ذلك هو القول بجواز الكل ما دام أن الجميع قد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جعله ابن خزيمة وابن حبان من الاختلاف المباح4".   1 انظر: "ص 567". 2 نيل الأوطار 2/46". 3 نيل الأوطار 2/48". 4 صحيح ابن خزيمة 1/194 وصحيح ابن حبان 3/143". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 وقال ابن عبد البر: "ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي، ومحمد بن جرير الطبري إلى إجازة القول بكل ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وحملوه على الإباحة والتخيير، قالوا: "كل ذلك جائز لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم جميع ذلك وعمل به أصحابه، فمن شاء قال: الله أكبر أربعا في أول الأذان، ومن شاء ثنى الإقامة, ومن شاء أفرد، إلا قوله:"قد قامت الصلاة"فإن ذلك مرتان على كل حال1".إهـ. وأشار ابن قيم الجوزي أيضا إلى أن هذا ونحوه من الخلاف المباح الذي لا يعنف فيه من فعله , ولا من تركه2. ز- التثويب في أذان الفجر وهو قول المؤذن في أذان الفجر بعد الحيعلتين: "الصلاة خير من النوم, الصلاة خير من النوم"3. وقد ورد التثويب في حديث أبي محذورة من طريق محمد بن عبد المالك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال: "يا رسول الله علِّمني سنة الأذان، قال: "فمسح على رأسي، وقال: "تقول: "الله أكبر، الخ". ثم ساق ألفاظ الأذان". وفي آخر الحديث قال: "فإن كانت صلاة الصبح قلت: "الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر ,الله أكبر, لا إله إلا الله". ومن طريق إبراهيم بن إسماعيل ابن عبد الملك بن أبي محذورة، قال: "سمعت جدي عبد الملك بن أبي محذورة يذكر أنه سمع أبا محذورة به". ومن طريق ابن جريج قال: "أخبرني عثمان بن السائب به4". وقد روي التثويب - أيضاً - من حديث بلال عند الترمذي وابن ماجة وأحمد, بإسناد فيه انقطاع5".   1 نيل الأوطار 2/47". 2 زاد المعاد 1/275, أثناء كلامه على خلاف العلماء في دعاء القنوت". 3 هل هذا القول في الأذان الأول أو في الأذان الثاني خلاف بين العلماء". 4 انظر ص565و566 وسنن الدارقطني 1/237 و238". 5 سنن الترمذي 1/127كتاب الصلاة". باب ما جاء في التثويب في صلاة الفجر وسنن ابن ماجة /237كتاب الأذان, باب السنة في الأذان, ومسند أحمد6/14". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 ومن حديث عبد الله بن عمر عند الدارقطني والبيهقي والطبراني1". قال ابن حجر: "وسنده حسن2". ومن حديث أنس بن مالك3 عند ابن خزيمة والدارقطني والبيهقي، قال: "من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: "حي على الفلاح، قال: "الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، مرتين، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله" 4. قال الشوكاني: "قال ابن سيد الناس اليعمري: "وهذا إسناد صحيح". وفي الباب عائشة عند ابن حبان". وعن نعيم النحام عند البيهقي5". قال الشوكاني: "وقد ذهب إلى القول بشرعية التثويب: "عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن البصري وابن سيرين والزهري ومالك والثوري وأحمد وإسحاق، وأبو ثور وداود وأصحاب الشافعي، وهو رأي الشافعي في القديم". ومكروه عنده في الجديد، وهو مروي عن أبي حنيفة". ثم قال: "واختلفوا في محله فالمشهور أنه في صلاة الصبح فقط". ثم نقل عن بعض العلماء بأنه سنة في جميع الصلوات، وعن بعضهم أنه يستحب في أذان العشاء". ثم قال: "والأحاديث لم ترد بإثباته إلا في صلاة الصبح لا في غيرها، فالواجب الاقتصار على ذلك، والجزم بأن فعله في غيرها بدعة كما صرح بذلك ابن عمر وغيره6". ثم قال: "وذهبت العترة7 والشافعي في أحد قوليه إلى أن التثويب بدعة".   1 سنن الدارقطني 1/243، والسنن الكبرى للبيهقي 1/423". 2 التلخيص الحبير 1/201". 3 قال ابن حجر في التلخيص الحبير 1/201 وصححه ابن السكن". 4 صحيح ابن خزيمة1/202وسنن الدارقطني1/243والسنن الكبرى للبيهقي1/423". 5 نيل الأوطار2/43 والحديث في السنن الكبرى للبيهقي1/423، وانظر: "مجمع الزوائد للهيثمي 1/330". 6 حديث ابن عمر عند أبي داود من طريق مجاهد قال: "كنت مع ابن عمر فثوب رجل في الظهر أو العصر قال: "أخرج بنا فإن هذه بدعة". (سنن أبي داود 2/241 كتاب الصلاة، باب في التثويب) . 7 العترة: "- بكسر أوّله - المراد به هنا قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم (المصباح المنير 2/464) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 قال في البحر1: "أحدثه عمر بن الخطاب، فقال ابنه: "هذه بدعة". وعن عليّ - رضي الله عنه - حين سمعه: "قال: "لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه". ثم قال بعد أن ذكر حديث أبي محذورة وبلال الوارد فيهما لفظ التثويب". قلنا: "لو كان لما أنكره علي وابن عمر، وطاوس، سلمنا فأمرنا به إشعارا في حال لا شرعا جمعا بين الآثار، انتهى قول صاحب البحر". وقد رد عليه الشوكاني: "بقوله: "وأقول قد عرفت مما سلف رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم والأمر به على جهة العموم من دون تخصيص بوقت دون وقت، وابن عمر لم ينكر مطلق التثويب بل أنكره في صلاة الظهر". ورواية الإنكار عن عليّ - رضي الله عنه - بعد صحتها لا تقدح في مروي غيره لأن المثبت أولى ومن علم حجة على من لا يعلم، والتثويب ثابتة فالقول بها لازم"2". وخلاصة القول أن الأمر بالتثويب في صلاة الفجر، ورد في أحاديث كثيرة منها الصحيح والحسن والضعيف" وهي زيادة ثابتة فيتعين قبولها".   1 البحر الزخار الجامع لمذاهب الأمصار، لمؤلفه: الإمام المهدي أحمد بن يحيى بن المرتضى ولد سنة (775) وتوفي سنة: "840) . (البدر الطالع للشوكاني:1/122-126) . 2 نيل الأوطار 2/43 وشرح معاني الآثار للطحاوي 1/136-137، وشرح السنة للبغوي 2/264-267، وتحفة الاوذي للمباركفوري 1/592-595". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 الحكم الثامن: إقامة الحدّ في دار الحرب الحد في اللغة: "المنع والفصل بين الشيئين، فكأن حدود الشرع فصلت بين الحلال والحرام". وفي الشرع: "هي عقوبة مقدرة شرعا في معصية لتمنع من الوقوع في مثلها1". وفي هذه الغزوة التي نحن بصدد الحديث عنها جيء برجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سكر فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان عنده فضربوه بما كان في أيديهم وحَثَا صلى الله عليه وسلم عليه التراب، ردعا له جزاء ما ارتكب وتطهيرا له مما علق به من دنس المعصية". وقد ورد في هذا ما رواه أبو داود والنسائي وأحمد والطحاوي وغيرهم وهذا سياقه عند الطحاوي: 259- حدّثنا عليّ2 بن شيبة قال حدّثناروح3 بن عبادة قال ثنا أسامة4 بن زيد قال: "حدثني ابن شهاب قال: "حدثني عبد الرحمن5 بن أزهر الزهري قال:   1 النهاية1/352 والقاموس المحيط1/286، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف لأبي الحسن المرداوي10/150، وتيسير العلام لعبد الله بن عبد الرحمن آل بسام 2/334 والفقه على المذاهب الأربعة5/7، 8، 48". 2 علي بن شيبة بن الصلت بن عصفور أبو الحسن السدوسي مولاهم، وهو أخو يعقوب بن شيبة، بصري سكن بغداد ثم انتقل إلى مصر فسكنها وحدث بها عن قبيصة بن عقبة ويحيى بن يحيى النيسابوري، والحسن بن موسى الأشيب وغيرهم، ورى عنه عبد العزيز بن أحمد الغافقي وغيره من المصريّين أحاديث مستقيمة (ت 272) . (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي11/436وشرح معاني الآثار1/27و35) . 3 هو ابن العلاء أبو محمد البصري "ثقة فاضل" تقدم في حديث 0 142) . 4 أسامة بن زيد الليثي مولاهم، أو زيد المدني "صدوق يهم". (التقريب 1/53 وتهذيب التهذيب 1/208-210) . 5 عبد الرحمن بن أزهر الزهري صحابي صغير تقدم في حديث (114) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين يتخلل الناس - أي يدخل بينهم - يسأل1 عن منزل خالد بن الوليد، فأتي بسكران فأمر من كان عنده فضربوه بما كان في أيديهم، ثم حثا عليه التراب - أي: "رمى بيده عليه التراب - ثم أتي أبو بكر بسكران فتوخّي2 الذي كان من ضربهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه أربعين" 3. والحديث رواه أبو داود عن الحسن4 بن علي أخبرنا عثمان5. ابن عمر أخبرنا أسامة بن زيد عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة6 الفتح - وأنا غلام شاب - يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد فأتي بشارب فأمرهم فضربوه بما في أيديهم، فمنهم من ضربه بالسوط، ومنهم من ضربه بعصا، ومنهم من ضربه بنعله، وحثا رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب، فلما كان أبو بكر أُتي بشاربٍ فسألهم عن ضرب النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي ضرب فحزروه، فضرب أبو بكر أربعين، فلما كان عمر كتب إليه خالد بن الوليد أن الناس قد انهمكوا في الشرب   1 وسبب السؤال عن منزل خالد بينه ما رواه عبد الرزاق والحميدي وأحمد وأبو عوانة الجميع من طريق معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال: "جرح خالد بن الوليد يوم حنين فمربي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام وهو يقول من يدل على رحل خالد بن الوليد؟ فخرجت أسعى بين يدي رسول الله وأنا أقول: "من يدل على رحل خالد بن الوليد؟ حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستند إلى رحل قد أصابته جراحة فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده، ودعا له". قال: "وأرى فيه: "ونفث عليه" لفظ الحميدي". والقائل: "وأرى فيه: "ونفث عليه" هو الزهري فعند أحمد وأبي عوانة: "قال الزهري: "وحسبت أنه قال: "ونفث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم". (مصنف عبد الرزاق 5/380-381 ومسند الحميدي 2/398 ومسند أحمد 4/88 و350-351 ومسند أبي عوانة 4/203) . 2 "تَوَخَّي": "أي قصد يقال: "توخيت الشيء أتوخاه توخيا، إذا قصدت إليه وتعمدت فعله، وتحريت فيه". (النهاية 5/164-165) . (شرح معاني الآثار 3/156) . 4 هو الحلواني "ثقة حافظ" التقريب 1/168". 5 عثمان بن عمر بن فارس العبدي بصري أصله من بخاري، ثقة، قيل: "كان يحيى بن سعيد لا يرضاه، من التاسعة (ت209) . /ع". (التقريب 2/13 وتهذيب التهذيب 7/142 وقد وقع في التقريب الطبعة المصرية أن وفاته سنة (290) وهو خطأ". 6 قوله: "غداة الفتح"، قال ابن حجر: "وقع عند ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أزهر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام عام الفتح بمكة يسأل عن منزل خالد بن الوليد فأتى بشارب قد سكر فأمرهم أن يضربوه" إهـ". ثم قال: "وقوله: "مكة، وهم منه، والذي في سياق الحديث بحنين وهو المحفوظ". (الإصابة 2/389-390، والجرح والتعديل 5/208) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 وتحاقروا الحدّ والعقوبة قال: "هم عندك فسلهم - وعنده المهاجرون الأولون - فسألهم فأجمعوا على أن يضرب ثمانين". قال وقال علي: "إن الرجل إذا شرب افترى فأرى أن يجعله كحد الفرية"1". ورواه عمر بن شيبة عن عثمان بن عمر به2". ورواه أحمد عن عثمان بن عمر ثنا أسامة بن زيد به إلى قوله: "وحثا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب" 3". ورواه النسائي والحاكم من طريق صفوان4 بن عيسى أنبأنا أسامة ابن زيد عن الزهري قال: "حدثني عبد الرحمن بن أزهر - رضي اله عنه - قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وهو يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد فأتي بسكران فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان عنده أن يضربوه بما كان في أيديهم، قال: "وحثا رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب في وجهه". قال: "ثم أُتِيَ أبو بكر رضي الله عنه بسكران فَتَوَخَّى الذي كان من ضربهم يومئذ فضرب أربعين وضرب عمر - رضي الله عنه - أربعين"5". ورواه البيهقي من طريق روح بن عبادة ثنا أسامة بن زيد عن ابن شهاب، حدثني عبد الرحمن بن أزهر الزهري - رضي الله عنه - قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد وأُتِىَ بسكران، فأمر من كان عنده فضربوه بما كان في أيديهم وحثا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه من التراب" 6.   1 سنن أبي داود 2/475 كتاب الحدود، باب إذا تتابع في شرب الخمر". والفرية المراد بها هنا: "رَمْيُ الغير بالزنى". 2 تاريخ المدينة 2/731". 3 المسند 4/350". 4 صفوان بن عيسى الزهري، أبو محمد البصري القسام، ثقة، من الخامسة (ت 200هـ) وقيل قبلها بقليل أو بعدها". / خت م عم". (التقريب 1/368 وتهذيب التهذيب 4/429-430) . 5 السنن الكبرى للنسائي كما في تحفة الأشراف للمزي 7/191-192 حديث (9685) ، الحاكم: " المستدرك 4/374-375". 6 السنن الكبرى للبيهقي 9/103". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 ورواه أحمد عن زيد1 بن الحباب ثنا أسامة بن زيد عن الزهري به إلى قوله: "بما كان في أيديهم" 2. ورواه أبو داود والطحاوي من طريق ابن وهب قال أخبرني أسامة ابن زيد الليثي عن ابن شهاب حدثه عن عبد الرحمن بن أزهر، قال: "كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن وهو في الرحال يلتمس رحل خالد بن الوليد يوم حنين فبينما هو كذلك، أتي برجل قد شرب الخمر، فقال للناس "اضربوه" فمنهم من ضربه بالنعال، ومنهم من ضربه بالعصا، ومنهم من ضربه بالميتخة 3 - يريد الجريدة الرطبة - ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ترابا من الأرض فرمى به في وجهه" 4. ورواه النسائي من طريق صالح 5 بن كيسان عن الزهري بلفظ "أن عبد الرحمن بن أزهر كان يحدث أنه حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم" الحديث6. ورواه الشافعي عن معمر بن راشد عن الزهري عن عبد الرحمن ابن أزهر قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين سأل عن رحل خالد بن الوليد فجريت بين يديه أسأل عن رحل خالد بن الوليد حتى أتاه جريحاً وأُتي النبي صلى الله عليه وسلم بشارب فقال: "اضربوه" فضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب وحثوا عليه من التراب، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم بكتوه فبكتوه ثم أرسله". قال فلما كان أبو بكر - رضي الله عنه - سأل من حضر ذلك المضروب فقومه أربعين   1 زيد بن الحباب - بضم المهملة وموحدتين - أبو الحسين العكلي - بضم المهملة وسكون الكاف - أصله من خراسان، وكان بالكوفة، ورحل في الحديث فأكثر منه، وهو صدوق يخطئ في حديث الثوري، من التاسعة (ت 2039 / م عم". (التقريب 1/273 وتهذيب التهذيب 3/402-403، وقد رمز له الذهبي في ميزان الاعتدال 2/100 بصح إشارة إلى أنه ثقة". 2 مسند أحمد 4/350". 3 الميتخة: "بكسر الميم وسكون التحتية وبعدها مثناة فوقية ثم خاء معجمة- اختلف في ضبطها على أوجه هذا أحدها، فسرها ابن وهب في الحديث بالجريدة الرطبة". (النهاية 4/291-292 وعون المعبود 12/194-195) . 4 سنن أبي داود 2/474-475 كتاب الحدود، باب إذا تتابع في شرب الخمر، والطحاوي: "شرح معاني الآثار 3/155-156 واللفظ له". 5 صالح بن كيسان المدني، أبو محمد، أو أبو الحارث، مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز ثقة ثبت فقيه، من الرابعة (ت بعد سنة 130 أو بعد الأربعين) . / ع". (التقريب 1/362 وتهذيب التهذيب 4/399) . 6 تحفة الأشراف 7/192 عن سنن النسائي الكبرى في الحدود حديث (9685) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 فضرب أبو بكر في الخمر أربعين حياته ثم عمر - رضي الله عنه - حتّى تتابع الناس في الخمر فاستشار فضربه ثمانين"1". والخلاصة؛ أن أسامة بن زيد اللّيثي روى هذا الحديث عن الزهري بلفظ "حدثني عبد الرحمن بن أزهر" ورواه صالح بن كيسان ومعمر بن راشد ويونس2 بن يزيد الأيلي كلّهم عن الزهري فلم يصرحوا في روايتهم بتحديث عبد الرحمن بن أزهر للزهري". وصرّح بالتحديث من بين أصحاب الزهري أسامة بن زيد اللّيثي، وهو: "صدوق يهم"، وخالفه عقيل3 بن خالد فوسط بين الزهري وبين عبد الرحمن بن أزهر: "عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر". قال ابن حاتم سألت أبي 4 وأبا زرعة5 عن حديث رواه أسامة ابن زيد عن عبد الرحمن بن أزهر قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن خالد بن الوليد وأنا غلام شاب وأُتي بشارب وأمرهم فضربوه فمنهم من ضربه بنعله، وذكرت لهما الحديث". فقالا: "لم يسمع الزهري هذا الحديث من عبد الرحمن بن أزهر، يدخل بينهما عبد الله 6 بن عبد الرحمن بن أزهر". قلت لهما: "من يدخل بينهما ابن عبد الرحمن بن أزهر؟ قالا: "عقيل بن خالد 7". قلت: "رواية عقيل بن خالد المشار إليها أخْرَجَها أبو داود والنسائي والطبراني والدارقطني، الجميع من طريق ابن السرح وهذا سياقه عند أبي داود:   1 مسند الشافعي 6/230-231 مع الأم، وتاريخ البخاري 5/240". 2 رواية يونس عند أبي عوانة في مسنده 4/203". 3 عقيل ثقة ثبت، تقدم في حديث (63) . 4 هو محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي تقدم في حديث (74) . 5 هو عبيد الله بن عبد الكريم تقدم في حديث (74) . 6 عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر الزهري، المدني مقبول من الثالثة"./ د". (التقريب1/427 وتهذيب التهذيب 5/290 وقال: "ذكره ابن حبان في الثقات) . 7 علل الحديث 1/446-447 وانظر التلخيص الحبير 4/75". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 حدثنا ابن السرح1 قال: "وجدت2 في كتاب خالي عبد الرحمن3 ابن عبد الحميد عن عقيل أن ابن شهاب أخبره أن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أزهر أخبره عن أبيه قال: "أُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشارب وهو بحنين4 فحثا في وجهه التراب، ثم أمر أصحابه فضربوه بنعالهم وما كان في أيديهم حتى قال لهم: "ارفعوا فرفعوا". فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم5، ثم جلد أبو بكر في الخمر أربعين ثم جلد عمر أربعين صدراً من إمارته ثم جلد ثمانين في آخر خلافته، ثم جلد عثمان الحدين كليهما ثمانين وأربعين، ثم أثبت معاوية الحد ثمانين"6". إلا أن الطبراني جعل هذا الحديث من مسند أزهر والد عبد الرحمن". قال ابن حجر: "أورد الطبراني في ترجمة أزهر7 هذا عن أحمد بن محمّد بن نافع الطحان عن أحمد بن عمرو بن السرح قال وجدت في كتاب خالي عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن أزهر عن أبيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِىَ بشارب وهو بحنين" الحديث". وهذا وهم من الطبراني أو من شيخه فقد أخرجه أبو داود والنسائي عن ابن   1 أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح - بمهملات - أبو الطاهر المصري المصري، ثقة من العاشرة (ت 255) ./م د س ق". (التقريب 1/23 وتهذيب التهذيب 1/64) . 2 عند الدارقطني "قرأت" والوجادة: "مصدر وجد مولد غير مسموع من العرب وهي أن يقف على أحاديث بخط راويها غير المعاصر له، أو المعاصر ولم يلقه، أو لقيه ولم يسمع منه أو سمع منه ولكن لا يروي الواجد تلك الأحاديث الخاصة عنه بسماع ولا إجازة، فله أن يقول: "وجدت أو قرأت بخط فلان" ... إلخ". وهذا النوع من باب المنقطع وفيه شوب اتصال، بقوله: "وجدت بخط فلان". (تدريب الراوي ص 281-282 وقد قال ابن حجر في تهذيب التهذيب 6/219 بأن ابن السرح روى عن خاله سماعا ووجادة) . 3 عبد الرحمن بن عبد الحميد بن سالم المهري - بفتح الميم وسكون الهاء- أبو رجاء المصري، المكفوف، ثقة من التاسعة (ت192) ./د س". (التقريب 1/489 وتهذيب التهذيب 6/219) . 4 عند الطبراني: "وهو بخيبر" وهو خطأ وقد أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 6/278-279 بلفظ "وهو بحنين" والحديث عند أبي داود والنسائي والدارقطني من طريق ابن السرح بلفظ "وهو بحنين". 5 عند الدارقطني "فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك السنة ثم جلد أبو بكر الخ" وعند الطبراني: "فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك سنته". 6 سنن أبي داود 2/475 كتاب الحدود، باب إذا تتابع في شرب الخمر". وسنن النسائي الكبرى في الحدود كما في تحفة الأشراف للمزي 7/191 حديث: "96858". والمعجم الكبير للطبراني 1/317". وسنن الدارقطني 3/158". 7 هو أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري عم عبد الرحمن بن عوف، ووالد عبد الرحمن بن أزهر". (الإصابة 1/29-30) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 السرح بهذا الإسناد عن الزهري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر عن أبيه، فالحديث من مسند ابن أزهر وهكذا رواه صالح1 بن كيسان عن الزهري، عن عبد الرحمن بن أزهر نفسه لم يقل عن أبيه، وكذا رواه أبو سلمة2 بن عبد الرحمن ومحمد3 بن إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن أزهر نفسه"4".إهـ". قلت: "رواية أبي سلمة ومحمد بن إبراهيم التيمي أخرجها النسائي والدارقطني عنهما عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال: "أتي النبي صلى الله عليه وسلم بشارب يوم حنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس: "قوموا إليه، فقام الناس إليه فضربوه بنعالهم". وأخرجها الدارقطني أيضاً عن الزهري عن عبد الرحمن 5". وقد تبين مما تقدم أن الزهري لم يسمع هذا الحديث من عبد الرحمن بن أزهر وإنما سمعه من عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر عن أبيه، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر". قال عنه ابن حجر في التقريب "مقبول" 6. والحديث رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن إبراهيم التيمي كلاهما عن عبد الرحمن بن أزهر". وقد ذكر ابن أبي حاتم وابن عبد البر وابن الأثير بأنهما رويا عن عبد الرحمن بن أزهر، وروايتهما عند النسائي والدارقطني 7.   1 تقدمت رواية صالح ص (583) . 2أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، المدني قيل اسمه عبد الله، وقيل إسماعيل، ثقة مكثر، من الثالثة (ت 194) وكان مولده سنة بضع وعشرين". /ع". (التقريب 2/430 وتهذيب التهذيب 12/115-118) . 3 محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي، أبو عبد الله، المدني، ثقة له أفراد، من الرابعة (ت120) .على الصحيح"./ ع". (التقريب2/140وتهذيب التهذيب9/5-7". 4 الإصابة 1/29-30، والمعجم الكبير للطبراني 1/317". 5 تحفة الأشراف 7/192 عن سنن النسائي الكبرى في الحدود". وسنن الدارقطني 3/157-158". 6 انظر: "حاشية ص (584) تعليقة (6) . 7 الجرح والتعديل لأبن أبي حاتم 5/208-209 والاستيعاب 2/406 وأسد الغابة 3/424-426". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 فيحتمل أنهما سمعا منه مباشرة، ويحتمل أنهما رويا عنه بواسطة، والواسطة محتملة أن تكون "عبد الله بن عبد الرحمن" ويحتمل أن يكون غيره". وقد ذكر ابن حجر نقلا عن ابن مندة بأن وفاة عبد الرحمن بن أزهر كانت في الحرة، ووقعة الحرة كانت سنة أربع وستين1". كما ذكر بأن ولادة أبي سلمة بن عبد الرحمن كانت سنة بضع وعشرين2 والبضع من ثلاث إلى تسع3، فإذا أخذنا بآخر إطلاقاته فتكون ولادة أبي سلمة سنة تسع وعشرين، فيكون عمره عند وفاة عبد الرحمن بن أزهر خمسا وثلاثين سنة 4". وكلاهما مدنيان فيحتمل احتمالا قويا سماعه من عبد الرحمن بن أزهر ولو ثبت هذا فيكون السند متصلا ورجاله ثقات وعندها يكون الحديث صحيحاً". والحديث جاء في معناه حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم في غزاة إلى بعير من المغنم الحديث وفيه: "وجاهدوا الناس في الله القريب والبعيد، ولا تبالوا في الله لومة لا ئم، وأقيموا حدود الله في الحضر والسفر"5. قال الشوكاني: "وحديث عبادة بن الصامت أخرج أوله الطبراني في الأوسط والكبير". قال في مجمع الزوائد: "وأسانيد أحمد وغيره ثقات". ثم قال الشوكاني: "ويشهد لصحة هذا الحديث عمومات الكتاب والسنة وإطلاقاتهما لعدم الفرق فيها بين القريب والبعيد والمقيم والمسافر"6". اهـ". والحديثان يدلان على إقامة الحدود في دار الحرب، وبذلك قال مالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر". قال الشافعي: "وإذا أصاب الرجل حدا وهو محاصر للعدو أقيم عليه الحد ولا   1 انظر: "البداية والنهاية لابن كثير 8/246". 2 الإصابة: "2/389-390". 3 النهاية: "1/133". 4 بطرح 29 من 64". 5 سياتي تخريجه في بيان تحريم الغلول برقم (289) ص 669". 6 نيل الأوطار 7/145". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 يمنعنا الخوف عليه من اللحوق بالمشركين أن نقيم عليه حد الله عز وجل فلو فعلنا توقيا أن يغضب ما أقمنا الحد عليه أبداً؛ لأنه يمكنه من كل موضع أن يلحق بدار الحرب، والعلة أن يلحق بدار الحرب، فيعطل عنه الحد إبطالا لحكم الله عز وجل ثم حكم رسول اله صلى الله عليه وسلم بعلة جهالة وغيا". قد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد بالمدينة والشرك قريب منها وفيها شرك كثير موادعون وضرب الشارب بحنين والشرك قريب منه 1". وقد قَيَّد الشافعي إقامة الحد من قبل أمير الجيش فيما إذا وَلِيَ ذلك من قبل الإمام، فإن لم يول ذلك فعلى الشهود الذين يشهدون على الحد أنّ يأتوا بالمشهود عليه إلى الإمام والي ذلك ببلاد الحرب أو ببلاد السلام". ثم قال - رحمه الله - تعالى: "ولا فرق بين دار الحرب ودار السلام فيما أوجب الله على خلقه من الحدود لأن الله عز وجل يقول: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ، [سورة المائدة، من الآية:38] . {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} ، [سورة النور، من الآية: 2] . وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزاني الثيب الرجم وحد القاذف ثمانين جلدة لم يستثن من كان في بلاد الإسلام ولا في بلاد الكفر، ولم يضع عن أهله شيئا من فرائضه ولم يبح لهم شيئا مما حرم عليهم ببلاد الكفر ما هو إلا ما قلنا فهو موافق للتنزيل والسنة وهو مما يعقله المسلمون ويجتمعون عليه أن الحلال في دار الإسلام حلال في بلاد الكفر والحرام في بلاد الإسلام حرام في بلاد الكفر فمن أصاب حراما فقد حده الله على ما شاء منه ولا تضع عنه بلاد الكفر شيئاً". أو أن يقول قائل إن الحدود بالأمصار وإلى عمال الأمصار فمن أصاب حدا ببادية من بلاد الإسلام فالحد ساقط عنه، وهذا مما لم أعلم مسلما يقوله، ومن أصاب حدا في المصر ولا والي للمصر يوم يصيب الحد كان للوالي الذي يلي بعد ما أصاب أن يقيم الحد، فكذلك عامل الجيش إن ولى الحد أقامه، وإن لم يول الحد فأول من يليه   1 الأم للشافعي 4/199-200 والسنن الكبرى للبيهقي 9/103، وتكملة المجموع لمحمد حسين العقبي 18/120، والمدونة الكبرى لمالك6/291". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 يقيمه وكذلك هو الحكم والقطع ببلاد الحرب وغير القطع سواء 1". وذهب الإمام أحمد والأوزاعي وإسحاق إلى أن من ارتكب حدا ببلاد الحرب لا يقام عليه الحد من قبل الإمام ولا نائبه حتى يخرج من دار الحرب فيقام عليه". 260- واستدلوا بحديث بسر2 بن أرطأة قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقطع الأيدي في السفر". وفي لفظ: "لا تقطع الأيدي في الغزو" 3. وقد اختلف العلماء في بسر بن أرطأة هل له صحبة أوّلاً، قال ابن عبد البر: "يقال إنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو صغير، هذا قول الواقدي وابن معين وأحمد وغيرهم". وقالوا: "خرف في آخر عمره". وأما أهل الشام: "فيقولون إنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قال: "ولبسر ابن أرطأة حديثان هذا أحدهما والثاني: "في الدعاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة" 4. وكان يحيى بن معين يقول: "لا تصح له صحبة وكان يقول فيه رجل سوء"5 إهـ". وقال المنذري: "وكان يحيى بن معين لا يحسن الثناء عليه، وهذا يدل على أنه عنده لا صحبة له، وغمزه الدارقطني"6".أهـ.   1 الأم 7/322-323". 2 بسر بن أرطأة ويقال ابن أبي أرطأة واسمه عمير بن عويمر بن عمران القرشي العامري، نزيل الشام، من صغار الصحابة (ت 86) . / د ت س". (التقريب 1/96 وتهذيب التهذيب 1/435) . 3 سنن أبي داود 2/453 كتاب الحدود، باب السارق يسرق في الغزو أيقطع؟ ". وسنن الترمذي 3/5 كتاب الحدود، باب ما جاء أن لا يقطع الأيدي في الغزو". وسنن النسائي 8/84 كتاب السارق، باب القطع في السفر". ومسند أحمد 4/181". والدارمي 2/150 كتاب السير، باب في أن لا يقطع الأيدي في الغزو". والطبراني: "المعجم الكبير 2/19". والسنن الكبرى للبيهقي 9/104". 4 الحديث رواه أحمد في المسند 4/181، وابن حبان كما في موارد الظمآن ص 601، والطبراني في المعجم الكبير 2/19". 5 الاستيعاب 1/154 و155 و156 مع الإصابة". 6 عون المعبود 12/83، وتحفة الأحوذي 5/12". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 وقال الزيلعي: "قال البيهقي في "المعرفة" أهل المدينة ينكرون سماع بسر بن أرطأة من النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يحيى بن معين يقول: "بسر بن أرطأة رجل سوء". قال البيهقي: "وذلك لما اشتهر من سوء فعله في قتال أهل الحرة". وقال ابن سعد في "الطبقات"1 قال الواقدي: "بسر بن أرطأة أدرك النبي صلى الله عليه وسلم صغيرا ولم يسمع منه شيئا، وقال غيره إنه سمع منه". ثم قال الزيلعي: "واستدل البيهقي للشافعي في إقامة الحدود بدار الحرب بإطلاق الآيات الواردة في حد الزاني، وقطع السارق، وجلد القاذف، وبما أخرجه أبو داود في "المراسيل2 عن مكحول3 عن عبادة ابن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا حدود الله في السفر والحضر، على القريب والبعيد ولا تبالوا في الله لومة لائم". ورويناه بإسناد موصول في السنن4". وحديث بسر قال فيه الترمذي: "حديث غريب"، ثم قال: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم منهم الأوزاعي، لا يرون أن يقام الحد في الغزو وبحضرة العدو مخافة أن يلحق من يقام عليه الحد بالعدو، فإذا خرج الإمام من أرض الحرب ورجع إلى دار السلام أقام الحد على من أصابه". كذلك قال الأوزاعي5. إهـ. 261- واستدلوا أيضاً بما روى عن الأحوص بن حكيم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى الناس أن لا يجلدن أمير جيش ولا سرية ولا رجلاً من المسلمين حداً، وهو غاز حتى يقطع الدرب قافلا لئلا تلحقه حمية الشيطان فيلحق بالكفار"6". وفيه الأحوص ضعيف الحفظ، وأبوه حكيم بن عمير، صدوق يهم7".   1 انظر: "الطبقات الكبرى لابن سعد 7/409 وانظر تهذيب التهذيب 1/435-436 ونقل عن ابن عدي "أنه قال مشكوك في صحبته ولا أعرف له إلا هذين الحديثين". 2 كتاب المراسيل ص 26". 3 مكحول هو الشامي ولم يسمع من عبادة كما في تهذيب التهذيب 10/292". 4 نصب الراية 3/344". والسنن الكبرى للبيهقي 9/104". 5 سنن الترمذي 3/5 كتاب الحدود، باب ما جاء أن لا يقطع الأيدي في الغزو". 6 المغني لابن قدامة 8/473-474 وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 140". 7 التقريب 1/49 و194". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 وقد تابع الأحوص ثور بن يزيد وهو ثقة عند البيهقي ولكن الحديث فيه إبهام". ورى أيضاً نحو هذا الحديث عن مكحول عن زيد بن ثابت، وفيه إبهام أيضا ومكحول قال الشافعي لم ير زيد بن ثابت 1". وروى البوصيري2 من طريق حسان بن زاهر أن حصين بن حدير أخبره أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: "لا تقطع اليد في الغزو ولا عام سنة"3. وحسان بن زاهر وحصين بن حدير، ذكرهما ابن أبي حاتم والبخاري ولم يذكرا فيهما جرحا ولا تعديلاً4". والخلاصة أن الأحاديث في هذا كلها لا تخلو من ضعف". وقال أبو حنيفة: "لا حد ولا قصاص في دار الحرب ولا إذا رجع إلا إذا غزا من له ولاية الإقامة بنفسه كالخليفة وأمير المصر يقيم الحد على مرتكبيه لأنه تحت يده، بخلاف أمير العسكر والسرية لأنه لم تفوض إليهما الإقامة، ولا تقام الحدود بعد الرجوع إلى بلاد الإسلام؛ لأنه عندما ارتكب الحد في دار الحرب لم يكن للإمام عليه قدرة، فلم تنعقد موجبة، فلا ينقلب موجبة بعد الخروج من دار الحرب". واستدل الأحناف على هذا بما استدل به الحنابلة من أنه لا تقام الحدود في دار الحرب، إلا أن الحنابلة أوجبوا إقامة الحد بعد الرجوع إلى بلاد المسلمين والأحناف عمموا عدم إقامة الحد في السفر والحضر5". والذي يظهر في هذا هو وجوب إقامة الحد على مرتكبيه في أي زمان ومكان لأن النصوص الواردة في ذلك عامة وصحيحة فلا يترك الحد مخافة أن يلحق من أقيم عليه الحد بالمشركين لأن احتمال لحقوقه بالمشركين لا يكون مبررا في إسقاط الحد عمن ارتكبه.   1 الأم للشافعي7/322والسنن الكبرى للبيهقي9/105ونصب الراية3/343-344". 2 البوصيري: "هو أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري الشافعي القاهري شهاب الدين أبو العباس محدث (762-840) . (كحالة؛ معجم المؤلفين 1/175) . 3 إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة مجلد 2/جزء 3ص 144 أرقم 237". 4 الجرح والتعديل لابن أبي حاتم2/192،و236".والتاريخ الكبير للبخاري3/ و33". 5 الهداية للمرغيناني 2/102-103 ونصب الراية للزيلعي 3/343-344". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 قال الشافعي: "فإن لحق بالمشركين من أقيم عليه الحد، فهو أشقى له، ومن ترك الحد خوف أن يلحق المحدود ببلاد المشركين، تركه في سواحل المسلمين ومسالحهم التي تتصل ببلاد الحرب"1". هذا هو الواجب على المسلمين عملا بقوله صلى الله عليه وسلم "أقيموا حدود الله في السفر والحضر على القريب والبعيد ولا تبالوا في الله لومة لائم". لكن يمكن أن يقال إن أمير الجيش في دار الحرب إذا خشي مفسدة كبيرة تترتب على إقامة الحد على ذي شوكة في أفراد الجيش فإن الأمر يرجع حينئذ إلى اجتهاده فلا بأس أن يؤخر عنه الحد إلى الحضر نظرا لهذه المصلحة الراجحة، وَالحَدُّ سيقام على مرتكبيه بكلّ حال وأكثر ما فيه تأخير الحدّ لمصلحة راجحة، إما من حاجة المسلمين إليه أو من خوف ارتداده ولحقوه بالكفار، وتأخير الحد لعارض أمر وردت به الشريعة، كما يؤخر عن الحامل والمرضع، وعن وقت الحر والبرد والمرض، فهذا تأخير لمصلحة المحدود، فتأخيره لمصلحة الإسلام أولى"2". وأما ما قاله الأحناف من سقوط الحد مطلقا في السفر والحضر فهذا غير وجيه لأن فيه تضيعا لحدود الله، بتعليلات واهية".   1الأم للشافعي7/322-323و4/199-200والسنن الكبرى للبيهقي9/104-105". 2 انظر إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية 3/5-8". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 الحكم التاسع: الاستعانة بالمشركين مر بنا حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - وفيه قال: "ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية فسأله أدرعا مائة وما يصلحها من عدتها"، فقال: "أغصبا يا محمد؟ قال: "بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك1". وحديث صفوان بن أمية - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه أدرعا يوم حنين، فقال: "أغصبا يا محمد؟ فقال: "لا، بل عارية مضمونة" 2. وفي حديث الهجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأجر عبد الله3 بن أريقط يدله على الطريق أثناء الهجرة وكان عبد الله مشركا4". وهذه الأحاديث الدالة على جواز الاستعانة بالمشركين جاء ما ظاهره معارضا لها وهو ما رواه مسلم - رحمه الله - من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: 262- خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة 5، أدركه رجل قد كان   1 تقدم برقم (23) . وإسناده حسن". 2 تقدم تخريجه برقم (26) وهو صحيح بمجموع طرقه". 3 عبد الله بن أريقط - بضم الهمزة وفتح الراء وسكون الياء وكسر القاف وطاء مهملة- ويقال: "أريقد - بالدال المهملة بدل الطاء- ويقال: "أريق - بقاف - بصيغة التصغير -، الليثي ثم الدؤلي، دليل النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر لما هاجرا إلى المدينة". قال ابن حجر: "لن أر من ذكره في الصحابة، إلا الذهبي في التجريد وقد جزم عبد الغني المقدسسي في السيرة له بأنه لم يعرف له إسلام وتبعه النووي في تهذيب الأسماء واللغات". (الإصابة 2/274 وكتاب المغني لابن طاهر الهندي ص 4) . 4 رواه ابن إسحاق عمن لا يتهم عن عروة عن عائشة أم المؤمنين". (انظر سيرة ابن هشام 1/484-485، والبداية والنهاية لابن كثير 3/178) . 5 قال ياقوت: "حرة الوبرة: "بثلاث فتحات مضبوطة في كتاب مسلم، وقد سكن بعضهم الباء، وهي على ثلاثة أميال من المدينة". (معجم البلدان 2/250) . وقال النووي: "هكذا ضبطناه بفتح الباء، وكذا نقله القاضي عن جميع رواة مسلم، قال: "وضبطه بعضهم بإسكانها، وهو موضع على نحو أربعة أميال من المدينة". (شرح النووي على صحيح مسلم 4/479) . وعلى تحديد ياقوت لحرة الوبرة، تكون بينها وبين المدينة (5) كيلومتر، لأن الميل يساوي 2/3 1كم". (انظر: تيسير العلام لعبد الله بن عبد الرحمن آل بسام 1/501، وغزوة بني المصطلق ص (56) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 يذكر منه جرأة ونجدة1، ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه، فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم جئت لأتبعك وأصيب معك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تؤمن بالله ورسوله" قال: "لا قال: "فارجع فلن أستعين بمشرك". قالت: "ثُمَّ مضى حتّى إذا كنا2 بالشجرة3 أدركه لرجل فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة، قال: "فارجع فلن أستعين بمشرك"، قال: "ثم رجع فأدركه بالبيداء، فقال له كما قال أول مرة، "تؤمن بالله ورسوله؟ " قال: "نعم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فانطلق" 4. ومن هنا اختلف العلماء في جواز الاستعانة بالمشركين نظرا لاختلاف الأحاديث الواردة في ذلك". قال النووي: "أثناء شرحه لحديث مسلم قوله "فارجع فلن أستعين بمشرك". وقد جاء في الحديث الآخر"أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بصفوان بن أمية". فأخذ طائفة من العلماء بالحديث الأوّل5 على إطلاقه". وقال الشافعي وآخرون: "إن كان الكافر حسن الرأي في المسلمين، ودعت الحاجة إلى الاستعانة به استعان به، وإلا فيكره، وحمل الحديثين على هذين الحالين"6".   1 الجرأة: الإقدام على الشيء والنجدة الشجاعة وشدةالبأس". (النهاية1/253،و5/18) . 2 قوله: "حتى إذا كنا بالشجرة"، قال النووي: "هكذا هو في النسخ: "حتى إذا كنا"، فيحتمل أن عائشة كانت مع المودعين، فرأت ذلك ويحتمل أنها أرادت بقولها: "كنا" كان المسلمون". (شرح النووي على صحيح مسلم 4/479) . 3 الشجرة: "هي شجرة ذي الحليفة لأن مسجدها يسمى مسجد الشجرة بدليل ذكر البيداء بعد ذلك، والبيداء بعد ذي الحليفة مباشرة وفيها الآن معهد المعلمين ومركز التلفون اللاسلكي". (انظر: "المدينة بين الماضي والحاضر للعياشي ص 451، و470، وكتاب المناسك للحربي ص 425) . 4 صحيح مسلم3/1449كتاب الجهاد والسير، باب كراهة الاستعانة في الغزو بكافر". 5 يريد حديث مسلم". 6 شرح النووي على صحيح مسلم 4/479". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 وقال الشافعي: "ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد مشركا أو مشركين في غزاة بدر وأبى أن يستعين إلا بمسلم، ثم استعان بعد بدر1 بسنتين بغزاة خيبر بعدد اليهود بني قينقاع كانوا أشداء واستعان صلى الله عليه وسلم في غزاة حنين سنة ثمان بصفوان بن أمية وهو مشرك، فالرد الأول إن كان لأن له الخيار أن يستعين بمشرك2 أو يرده كما يكون له رد المسلم من معنى يخافه منه أو لشدة به فليس واحد من الحديثين مخالفا للآخر، وإن كان رده لأنه لم ير أن يستعين بمشرك فقد نسخه ما بعده من استعانته بمشركين، فلا بأس أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين إذا خرجوا طوعا ويرضخ3 لهم ولا يسهم لهم"4". وقال البيهقي: "باب ما جاء في الاستعانة بالمشركين". ثم ساق حديث مسلم". ثم قال: "قال الشافعي: "لعله رده رجاء إسلامه وذلك واسع للإمام، وقد غزا بيهود بني قينقاع بعد بدر وشهد صفوان بن أمية حنينا بعد الفتح وصفوان مشرك". ثم قال البيهقي: "أما شهود صفوان بن أمية معه حنينا وصفوان مشرك فإنه معروف بين أهل المغازي". وأما غزوه بيهود قينقاع فإني لم أجد إلا من حديث الحسن5 بن عمارة - وهو ضعيف - عن الحكم6 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهود قينقاع فرضخ لهم ولم يسهم لهم" 7".   1 يريد بدر الموعد فإنها كانت بعد أحد وكانت في شهر شعبان سنة أربع من الهجرة، وبهذا يتجه كون خيبر بعدها بسنتين لأن غزوة خيبر كانت في السنة السادسة على قول بعض العلماء". (انظر: "البداية والنهاية لابن كثير 4/93-4و181". وفتح الباري 5/278 و7/393 و464) . 2 في الأصل "بمسلم"، ولعل ما أثبته هو الصواب بدليل ما بعده". 3 الرضخ: "هو العطية القليلة، بمعنى أنهم يعطون شيئا من الغنيمة ولا يسهم مثل سهام المقاتلين المسلمين". (النهاية 2/228) . 4الأم4/177وانظر: الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي ص218-220) . 5 هو: "الحسن بن عمارة البجلي مولاهم، أبو محمد الكوفي، قاضي بغداد، متروك، من السابعة (ت 153) ./ خت ت ق". (التقريب 1/169 وتهذيب التهذيب 2/304 والسنن الكبرى للبيهقي 9/53) . 6 الحكم: "هو ابن عتيبة". 7 السنن الكبرى 9/37، و53". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 607 وقال ابن قدامة: "فصل: "ـ ولا يستعان بمشرك وبهذا قال ابن المنذر1 والجوزجاني2 وجماعة من أهل العلم". وعن أحمد ما يدل على جواز الاستعانة به وكلام الخرقي3 يدل عليه أيضا عند الحاجة وهو مذهب الشافعي لخبر" … .صفوان بن أمية". ويشترط أن يكون من يستعان به حسن الرأي في المسلمين، فإن كان غير مأمون عليهم لم يجز الاستعانة به". لأننا إذا منعنا الاستعانة بمن لا يؤمن من المسلمين مثل المخذل والمرجف فالكافر أولى". ثم قال: "ووجه الأول ما روت عائشة قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر ثم ساق الحديث المتقدم عند مسلم4". والخلاصة أن مذهب الشافعية والحنابلة والأحناف جواز الاستعانة بالمشركين بشرطين: الأول: "الحاجة إليهم". والثاني: "الوثوق من جهتهم". واستدلوا بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد استعان بعبد الله بن أريقط في الهجرة ليدله على الطريق". كما ستعان بصفوان بن أمية في غزوة حنين وقد مر بيان ذلك5". وردوا على أدلة المانعين بأنها منسوخة بفعله صلى الله عليه وسلم وعمله، أو على أن ذلك محمول على عدم الحاجة إليهم،   1 ابن المنذر: "هو محمد بن إبراهيم، تقدم". 2 الجوزجاني: "هو أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق، مات سنة 256 أو 259". (تذكرة الحفاظ للذهبي 2/549) . 3 هو عمر بن الحسين بن عبد الله أبو القاسم الخرقي صاحب المختصر في الفروع الفقه الحنبلي وله مصنفات عدة أودعها بغداد وسافر فاحترقت كتبه ولم تكن قد انتشرت (مات بدمشق سنة 334هـ) . (تاريخ بغداد 11/234-235، والبداية والنهاية لابن كثير 11/214، معجم المؤلفين لكحالة 7/282-283". 4 المغني 8/414". 5 في حديث 23و26و27". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 608 أو على عدم الوثوق بهم، وبذلك يحصل الجمع بين أدلة المنع وأدلة الجواز". وقال ابن حجر: "والأقرب أن الاستعانة بالمشركين كانت ممنوعة ثم رخص فيها وعليه نص الشافعي"1". وقال القرطبي: "تجوز الاستعانة بالمشرك إذا كان حكم الإسلام هو الغالب وإنما تكره الاستعانة بهم إذا كان حكم الشرك هو الظاهر، وهو قول أحمد والشافعي وأبي حنيفة"2". وقال ابن قيم الجوزية - في أثناء كلامه على الأحكام المستنبطة من غزوة الحديبية - ومنها: "أن الاستعانة بالمشرك المأمون في الجهاد جائز عند الحاجة، لأن عينه الخزاعي3 كان كافرا إذا ذاك، وفيه من المصلحة أنه أقرب إلى اختلاطه بالعدو، وأخذه أخبارهم"4". وهو قول بعض المعاصرين5". وخلاصة المسألة أن الاستعانة بالمشركين جائزة بشروط وقرائن تحتف بها فإذا اختل شرط من الشروط ولم يؤمن جانب المشرك المستعان به لم تجز الاستعانة". وإذا لم تكن هناك حاجة ملحة فلا يجوز الاستعانة، والاستعانة تكون إما بخبرته العسكرية وإما بأخذ معلومات تفيد المسلمين إن دعت الحاجة إلى ذلك، وقاعدة الإسلام في هذا الباب أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها وأن الحرب خدعة، فلا بد من توافر أسباب وانتفاء موانع للاستفادة من الخبرات الكافرة، حتى لا يقع المسلمون في شرك المخادعة ومكايد العدو، والأمر واسع في ذلك، كما أنه راجع إلى اجتهاد الإمام وأهل الحل والعقد في الأمة الإسلامية".   1 التلخيص الحبير 4/100-101 وانظر: "زاد المعاد لابن قيم 3/479 وسبل السلام للصنعاني 4/49-50 وروائع البيان للصابوني 1/402". 2 الجامع لأحكام القرآن 8/99-100 وانظر: "الهداية للمرغيناني 2/147، وأوجز المسالك إلى موطّأ مالك 9/424و425". 3 هو بسر بن سفيان الخزاعي الكعبي". (الإصابة 1/149) . 4 زاد المعاد 3/301و479". وصحيح البخاري 5/104-105 كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية". 5 هما: "الأستاذ محمد أبو زهرة في كتابه خاتم النبيين ص 858". والدكتور محمد سعيد البوطي فقه السيرة ص 234و392". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 609 الحكم العاشر: العارية من حيث الضمان وعدمه العارية: "بتشديد التحتية وتخفيفها، ويقال عارة، وهي مأخذوة من عار الفرس إذا ذهب، لأن العارية تذهب من يد المعير". وهي في الشرع: "عبارة عن تمليك المنافع بغير عوض1". وجاء في هذا: حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - وفيه "ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية فسأله أدراعا مائة درع، وما يصلحها من عدتها، فقال: "أغصبا يا محمد؟ قال: "بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك"2 حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية أدراعاً وسنانا في غزوة حنين". فقال: "يا رسول الله أعارية مؤداة؟ قال: "عارية مؤداة" 3. 263- حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "استعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية سلاحا، فقال صفوان: "أمؤداة يا رسول الله؟ قال: "نعم" 4. وفي بعض ألفاظ حديث صفوان بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه يوم حنين أدراعا فقال: "أغصبا يا محمد؟   1 القاموس المحيط 2/97، وكتاب المغني لابن قدامة 5/220، وكتاب الهداية للمرغيناني 3/220، وفتح الباري 5/241، كفاية الأخيار لتقي الدين الحسيني 1/180، وحاشية الدسوقي 3/433". 2 تقدم برقم (23) . 3 تقدم برقم (27) . 4 سنن الدارقطني 3/38". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 610 قال: "بل عارية مضمونة" قال: "فضاع بعضها فعرض عليه رسول الله أن يضمنها له، قال: "أنا اليوم في الإسلام أرغب". وفي لفظ "إنا قد فقدنا من أدراعك أدراعا فهل نغرم لك؟ قال: "لا يا رسول الله، لأن في قلبي اليوم ما لم يكن يومئذ". قال أبو داود: "وكان أعاره قبل أن يسلم، ثم أسلم"1. ومن خلال هذه النصوص وغيرها اختلف العلماء في ضمان العارية وعدمه". ومنشأ الخلاف من قوله "عارية مضمونة". قال ابن قيم الجوزية: "وفيها2 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرط لصفوان في العارية الضمان، فقال: "عارية مضمونة". فهل هذا إخبار عن شرعه في العارية، ووصف لها بوصف شرعه الله فيها، وأن حكمها الضمان كما يضمن المغصوب، أو إخبار عن ضمانها بالأداء بعينها ومعناه: "أني ضامن لك تأديتها، أنها لا تذهب، بل أردها إليك بعينها؟ هذا مما اختلف فيه الفقهاء". فقال الشافعي وأحمد بالأول: "وأنها مضمونة بالتلف"3. وقال أبو حنيفة ومالك بالثاني: "وأنها مضمونة بالرد على تفصيل في مذهب مالك وهو أن العين إن كانت مما لا يغاب عليه4، كالحيوان والعقار، لم تضمن بالتلف إلا أن يظهر كذبه، وإن كانت مما يغاب عليه كالحلي ونحوه، ضمنت بالتلف". إلا أن يأتي ببينة تشهد على التلف.   1 تقدم تخريج الحديث برقم (26) . 2 أي في غزوة حنين من الأحكام". 3يعني إذا تلف في غير الاستعمال المأذون فيه، ضمنها المستعير وإن لم يفرط". (انظر: كفاية الأخيار1/181والفقه على المذاهب الأربعة لعبد الرحمن الجزيري3/286 و288) . 4 يعني الذي لا يمكن إخفاؤه وستره عن الأعين في العادة كالعقار والحيوان". والذي يغاب عليه: "الذي يمكن اخفاؤه في صندوق أو دولاب، كالثياب، والحلي فهذا يضمنه المستعير دون الأوّل". (الفقه على المذاهب الأربعة 3/285-286 والشرح الكبير لأبي البركات أحمد الدردير 3/436 على هامش حاشية الدسوقي". وقال الشوكاني: "واستدل من فرق بين الحيوان وغيره بحديث صفوان، ولا يخفى أن دلالته على أن غير الحيوان مضمون لا يستفاد منها أن حكم الحيوان بخلافه". (نيل الأوطار 5/334) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 611 وسر مذهبه أن العارية أمانة غير مضمونة - كما قال أبو حنيفة - إلا أنه لا يقبل قوله فيما يخالف الظاهر، فلذلك فرق بين ما يغاب عليه، وما لا يغاب عليه". ومأخذ المسألة أن قوله صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية: "بل عارية مضمونة" هل أراد به أنها مضمونة بالرد أو بالتلف؟ أي أضمنها إن تلفت، أو أضمن لك ردها، وهو يحتمل الأمرين، وهو في ضمان الرد أظهر لثلاثة أوجه: أحدها: "أن في اللفظ الآخر: "بل عارية مؤداة" فهذا يبين أن قوله "مضمونة" المراد به: "المضمونة بالأداء". الثّاني: "إنه لم يسأله عن تلفها، وإنما سأله هل تأخذها مني أخذ غصب تحول بيني وبينها؟ فقال: "لا، بل أخذ عارية أؤديها إليك". ولو كان سأله عن تلفها وقال: "أخاف أن تذهب، لناسب أن يقول: "أنا ضامن لها إن تلفت". الثالث: "أنه جعل الضمان صفة لها نفسها، ولو كان ضمان تلف، لكان الضمان لبدلها، فلما وقع الضمان على ذاتها، دل على أنه ضمان أداء". ثم قال: "فإن قيل: "ففي القصة أن بعض الدروع ضاع، فعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يضمنها، فقال: "أنا اليوم في الإسلام أرغب". قيل: "هل عرض عليه أمرا واجبا أو أمرا جائزا مستحبا الأولى فعله، وهو من مكارم الأخلاق والشيم، ومن محاسن الشريعة؟ وقد يترجح الثاني بأنه عرض عليه الضمان، ولو كان الضمان واجبا، لم يعرضه عليه، بل كان يفي له به". ويقول: "هذا حقك، كما لو كان الذاهب بعينه موجودا فإنه لم يكن ليعرض عليه رده فتأمله"1". إهـ.   1 زاد المعاد 3/481-483 والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 6/112". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 612 فابن القيم رحمه الله تعالى يرى أن العارية مضمونة بذاتها، لقوله: "صلى الله عليه وسلم "بل عارية مضمونة" وأنها إذا تلفت فلا ضمان عندئذ". وذهب الصنعاني: "إلى أن العارية تضمن إذا شرط صاحبها الضمان لقوله: "صلى الله عليه وسلم "عارية مضمونة" 1". وذهب جمهور العلماء ومنهم الشافعي وأحمد إلى أن العارية إذا استعملت في غير المأذون فيه فتلفت وجب ضمانها بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال، وبقيمتها يوم تلفها إن لم تكن من ذوات الأمثال، واستدلوا بالأحاديث المتقدمة وما في معناها". قال الشافعي: "العارية كلها مضمونة الدواب والرقيق والثياب لا فرق بين شيء منها، فمن استعار شيئا فتلف في يده بفعله أو بغير فعله فهو ضامن له، والأشياء لا تخلو أن تكون مضمونة أو غير مضمونة، فما كان منها مضموناً مثل الغصب وما أشبهه فسواء ما ظهر منها هلاكه وما خفي فهو مضمون على الغاصب والمستسلف جنيا فيه أو لم يجينا، أو غير مضمونة مثل الوديعة فسواء ما ظهر هلاكه وما خفي فالقول فيها قول المستودع مع يمينه"2". وقال ابن قدامة: "ويجب رد العارية إن كانت باقية بغير خلاف، ويجب ضمانها إذا كانت تالفة تعدى فيها المستعير أو لم يتعد، روى ذلك ابن عباس وأبو هريرة 3". وإليه ذهب عطاء4 والشافعي وإسحاق". لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صفوان "بل عارية مضمونة".   1 سبل السلام 3/67-69". 2 الأم 3/217-218 ومختصر المزني 3/32 مع الأم، وسنن الترمذي 2/369 وكفاية الأخيار لتقي الدين الحسيني 1/180-182". 3 أثرهما في الأم 3/218". قال الشافعي: "وقد قال أبو هريرة وابن عباس رضي الله عنهما إن العارية مضمونة". وكان قول أبي هريرة في بعير استعير فتلف انه مضمون". 4 عطاء: "هو ابن أبي رباح، وإسحاق: "هو ابن راهويه". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 613 264- وروى الحسن1 عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" 2. ولأنه أخذ ملك غيره لنفع نفسه منفردا بنفعه من غير استحقاق، ولا إذن في الإتلاف فكان مضمونا كالغاصب، والمأخوذ على وجه السوم3". وقال علاء الدين المرداوي: "قال الحارثي4: "نص الإمام أحمد رحمه الله على ضمان العارية، وإن لم يتعد فيها كثير متكرر جداً من جماعات، وقف على رواية اثنين وعشرين رجلاً وذكرها 5". وذهب مالك وأبو حنيفة والحسن البصري والنخعي والشعبي وعمر بن عبد العزيز والثوري الأوزاعي وابن شبرمة6 إلى أن العرية أمانة لا يجب ضمانها إلا بالتعدي". 265- لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس   1 الحسن: "هو البصري، وسمرة: "هو ابن جندب، صحابي جليل". 2 رواه أبو داود في سننه 2/265 كتاب البيوع، باب في تضمين العارية". والنسائي في السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف 4/66 حديث 4584". والترمذي في سننه 2/368 كتاب البيوع، باب ما جاء أن العارية مؤداة". وقال: "هذا حديث حسن صحيح". وابن ماجه في سننه 2/802 كتاب الصدقات، باب العارية". والدارمي 2/178 كتاب البيوع، باب في العارية مؤداة". وأحمد في المسند 5/8و12و13". والحاكم: "المستدرك 2/47". والبيهقي: "السنن الكبرى 6/90و95". الجميع من طريق قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب". قال ابن حجر في التلخيص الحبير 3/53: "والحسن مختلف في سماعه من سمرة، وزاد فيه أكثرهم ثم نسي الحسن فقال: "هو أمينك لا ضمان عليه". قال الشوكاني: "واستدل من قال بالضمان بحديث سمرة، وبقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ، [سورة النساء، من الآية: 58] . ولا يخفى أن الأمر بتأدية الأمانة لا يستلزم ضمانها إذا تلفت". (نيل الأوطار 5/334) . 3 المغني 5/220-224". 4 هو مسعود بن أحمد العراقي المصري الحنبلي (652-711) (تذكرة الحفاظ للذهبي 4/1495) . 5 الإنصاف 6/112، و113 وفتح الباري 5/241 ونيل الأوطار 5/334 وسبل السلام 3/67". 6 هو عبد الله بن شبرمة الكوفي القاضي (ت 144) . (التقريب 1/422) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 614 على المستعير غير المغل1 ضمان ولا على المستودع غير المغل ضمان"2. ولأنه قبضها بإذن مالكها فكانت أمانة كالوديعة". 266- قالوا: وقول النبي صلى الله عليه وسلم "العارية مؤداة"3 يدل على أنها أمانة، لقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ، [سورة النساء، من الآية: 58] 4. وأجيب عن حديث عمرو بن شعيب بأنه ضعيف، وأن الصحيح أنه من قول شريح القاضي. وحديث "العارية مؤداة" صحيح إلا أنه قد ورد في حديث جابر ابن عبد الله وابن عباس وصفون بن أمية "بل عارية مضمونة" 5. وأما الآية فإنها عامة للعارية وغيرها، وحديث التضمين خاص، والخاص مقدم على العام". وأيضا فإن العارية تخالف الوديعة، لأن الوديعة الذي يستفيد منها هو المودع، والعارية ييستفيد منها المستعير، فإذا تلفت وجب ضمانها6". والذي يبدو في هذه المٍسألة هو قول بضمان العارية حفظا لأموال الناس من الضياع، والتساهل في حفظها، لأن الأصل أن من أخذ شيئا من أموال الناس وجب عليه رده بعينه أو بقيمته إذا تلف إلا ما خصه الدليل من ذلك".   1 المغل: "بضم الميم ثم الغين المعجمة، مأخوذ من الإغلال وهو الخيانة، والمعنى: "ليس على المستعير غير المغل ضمان الخ (أي إذا لم يخن في العارية والوديعة فلا ضمان عليه) وقيل: "المغل ها هنا: "المستغل، وأراد به القابض لأنه بالقبض يكون مستغلا والأول الوجه: "يعني أولى". (النهاية 3/381، سبل السلام للصنعاني 3/67) . 2 رواه الدارقطني في سننه 3/41 والبيهقي في السنن الكبرى 6/91". وقالا: "الصحيح وقفه على شريح القاضي". وأما المرفوع ففيه عمرو بن عبد الجبار السنجاري عن عمه عبيدة بن حسان العنبري السنجاوي وهما ضعيفان". وقال أبو حتبان: "عبيدة بن حسان، منكر الحديث". (الجرح والتعديل 6/92) . وقال ابن حبان: "عبيدة يروي الموضوعات عن الثقات". (انظر: "كتاب المجروحين 2/189 وميزان الاعتدال 3/26 و271) . 3 رواه ابن ماجه في سننه 2/802 كتاب الصدقات، باب العارية من حديث أنس بن مالك ولفظه: "العارية مؤداة والمنيحة مردودة" وهو صحيح من زوائد ابن ماجه". 4 الهداية للمرغيناني 3/220، والمغني لابن قدامة 5/221، وفتح الباري 5/241، وسبل السلام 3/67-68، ونيل الأوطار 5/334". 5 تقدم حديث جابر برقم "23"، وحديث ابن عباس برقم (27) وحديث صفوان برقم (26) . 6 بداية المجتهد لابن رشد 2/314". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 615 الحكم الحادي عشر: قضاء الرسول في شأن محلم بن جثامة كان من شأن محلم بن جثامة الليثي أنه خرج مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية مكونة من ثمانية نفر إلى بطن إضم وكان قائد السرية أبو قتادة بن ربعي1، فلما وصلوا إلى بطن إضم2 مر بهم عامر بن الأضبط الأشجعي فسلم عليهم بتحية الإسلام فأمسكوا عن قتله وعدا عليه محلم ابن جثامة فقتله لإحن كانت بينهم في الجاهلية، وأخذ ما معه". ولما كانت غزوة حنين اختصم في شأنهما عيينة بن حصين والأقرع بن حابس فعيينة يطالب بدم عامر بن الأضبط، والأقرع يدافع عن محلم بن جثامة وارتفعت الأصوات أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية3". يوضح هذا ما رواه أبو داود وغيره وهذا سياق أبي داود قال: 267- حدثنا موسى4 بن إسماعيل أخبرنا حماد5 قال: "أخبرنا محمد6 - يعني ابن إسحاق - فحدثني محمد7 بن جعفر بن الزبير قال سمعت زياد8 بن ضميرة الضمري.   1 في سيرة ابن هشام أن قائد هذه السرية هو عبد الله بن أبي حدرد". 2 إضم: "بكسر الهمزة وفتح الضاد المعجمة، وآخره ميم". قال عاتق بن غيث البلادي: "هو وادي المدينة إذا اجتمعت أوديتها الثلاثة - بطحان وقناة والعقيق - بين أحد والشرثاء يسمى الوادي "الخيل" إلى أن يتجاوز كتانة وهي كتانة غيقة، فيسمى الوادي "وادي الحمض" إلى أن يصب في البحر بين الوجه وأم لج، هذه أسماؤه اليوم، أما اسمه قديما، فكان يسمى إضما منذ اجتماع تلك الروافد إلى أن يصب في البحر". (معجم المعالم الجغرافية ص 29) . 3 مغازي الواقدي 2/796-797 وسيرة ابن هشام 2/626". وذكر الواقدي أن هذه السرية كانت عند خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتح مكة ليظن الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد تلك الناحية". (وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد 2/133) . 4 هو المنقري التبوذكي "ثقة ثبت" تقدم في حديث (91) . 5 حماد: "هو ابن سلمة "ثقة عابد" تقدم في حديث (36) . 6 محمد بن إسحاق بن يسار، صاحب السيرة "صدوق" تقدم في حديث (1) . 7 محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام الأسدي، المدني ثقة من السادسة (ت بضع عشرة بعد المائة) . /". (التقريب 2/150 وتهذيب التهذيب 9/39) . 8 زياد بن سعد بن ضميرة، ويقال: "زياد بن ضميرة بن سعد، ويقال: "زياد بن ضمرة، ويقال: "زيد بن ضميرة السلمي ويقال: "الأسلمي الحجازي". رجح المزي: "زياد بن سعد بن ضميرة". روى عن أبيه وجده، ويقال: "عن أبيه وعمه، وكانا شهدا حنينا قصة محلم بن جثامة، وعنه محمد بن جعفر بن الزبير وقيل: "عن محمد بن جعفر عن زياد بن ضميرة عن عروة بن الزبير عن أبيه". ذكره ابن حبان في الثقات في أتباع التابعين فقال: "زياد بن ضميرة بن سعد ويقال ابن ضميرة يروي عن الحجازيين، روى عن أهل بلده". (تهذيب التهذيب 3/369 وتحفة الأشراف للمزي 3/272 وقال في التقريب 1/268: "مقبول" من الرابعة". /د ق". وقال الذهبي: "فيه جهالة". (ميزان الاعتدال 2/89) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 616 ح- وأخبرنا وهب1 بن بيان وأحمد2 بن سعيد الهمداني قالا أخبرنا ابن وهب3 أخبرني عبد الرحمن4 بن أبي الزناد عن عبد الرحمن5 ابن الحارث عن محمد بن جعفر أنه سمع زياد بن ضميرة السلمي". وهذا حديث وهب وهو أتم يحدث عروة بن الزبير عن أبيه6 قال موسى: "وجده7 وكانا شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا8 ثم رجعنا إلى حديث وهب " أن   1 وهب بن بيان الواسطي، أبو عبد الله، نزيل مصر، ثقة عابد، من العاشرة (ت 246) . /د س". (التقريب 2/337 وتهذيب التهذيب 11/160) . 2 هو أبو جعفر المصري صاحب ابن وهب "صدوق" تقدم في حديث (127) . 3 هو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري، الفقيه، ثقة حافظ عابد، من التاسعة (ت 197) . /ع". (التقريب 1/460 وتهذيب التهذيب 6/71-74) . 4 هو ابن عبد الله بن ذكوان "صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد" تقدم". 5 هو ابن عبد الله بن عياش "صدوق له أوهام". (التقريب 1/476) . 6 عن أبيه: "هو سعد بن ضمرة بن سعد بن سفيان بن مالك بن حبيب بن زغب بن مالك بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم السلمي وقيل الأسلمي، وقيل فيه: "سعد بن ضميرة الضمري حجازي شهد حنينا له عند أبي داود حديث في قصة محلم بن جثامة بإسناد حسن". (الإصابة2/29 وأسد الغابة2/355 والاستيعاب 2/53 مع الإصابة) . 7 وجده: "بكسر الدال أي أن زياد بن سعد يحدث عروة عن أبيه سعد وعن جده ضميرة بن سعد السلمي، وقيل ضمرة بن ربيعة، "فعروة" مفعول به "ليحدث". (الإصابة 2/212 وأسد الغابة 3/59-60 وعون المعبود 12/218 ووقع في سيرة ابن هشام". قال ابن إسحاق: "حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال: "سمعت زياد بن ضميرة بن سعد السلمي يحدث عن عروة بن الزبير عن أبيه عن جده وكانا شهدا حنينا". وعند البلاذري من طريق ابن إسحاق: "سمعت زياد بن ضميرة يحدّث عن عروة بن الزبير عن أبيه، وجدّه جميعاً". وهذا يوهم أن الحديث عن العوام، وهو لم يدرك البعثة". والحديث من طريق ابن إسحاق هذه من مسند سعد بن ضميرة عن أبيه ضميرة، كما هو عند أحمد وابن ماجه، وهو كذلك في الأطراف للمزي 3/271، 4/204 حديث 3824 و 4975 وذخائر المواريث 1/227 حديث 2048". 8 وعند ابن إسحاق: "وكانا شهدا حنينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ثم عمد إلى ظل شجرة فجلس تحتها، وهو بحنين". وعند ابن ماجه وأحمد: "قالا: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر الخ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 617 محلم1 بن جثامة الليثي قتل رجلاً2 من أشجع في الإسلام وذلك أول غير3 قضى به4 رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم عيينة5 في قتل الأشجعي؛ لأنه6 من غطفان، وتكلم الأقرع بن حابس دون محلم؛ لأنه7 من خندف، فارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط8، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عيينة ألا تقبل الغير، فقال عيينة: "لا والله حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي"9.   1محلم - بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر اللام المشددة ثم الميم - ابن جثامة- بفتح الجيم وتشديد المثلثة فألف فميم فتاء تأنيث - ابن قيس بن ربيعة بن عبد الله بن يعمر الشداخ بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الكناني الليثي، أخو الصعب بن جثامة". (الاستيعاب 3/496وأسد الغابة 5/76-77 والإصابة 3/369 وشرح المواهب 2/285، ووقع في تاريخ الخميس والسيرة الحلبية "محكم بن جثامة" بالكاف ولعله خطأ مطبعي". 2 جاء تسمية هذا الرجل عند ابن إسحاق وغيره بأنه "عامر بن الأظبط الأشجعي" كما سيأتي في حديث (268) . 3 غير: بكسر الغين المعجمة وفتح المثناة التحتيةوراء: الدية، كما فسرت في آخر الحديث". قال ابن الأثير: "الغير: "جمع الغيرة، وهي الدية، وجمع الغير: "أغيار، وقيل: "الغيرة: "الدية؛ وجمعها أغيار، مثل ضلع وأضلاع، وغيره إذا أعطاه الدية، وأصلها من المغايرة وهي المبادلة، لأنها بدل من القتل". (النهاية3/400وعون المعبود12/218) . ((4 قضى به: "أي بالغير، الذي هو الدية". 5 في زاد المعاد 3/367 "ولما كان عام خيبر، جاء عيينة بن بدر يطلب بدم عامر بن الأضبط الأشجعي"، الخ". فقوله: "عام خيبر" خطأ، والصواب عام حنين". 6 لأنه: "أي الأشجعي وهو عامر بن الأضبط، وذلك أن أشجع هو: "ابن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان، وعيينة هو: "ابن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوبة بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذيبان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن قيس بن عيلان الفزاري، فعيينة وعامر بن الأضبط يجتمعان في ريث بن غطفان". (اللباب في تهذيب الأنساب 1/64 وأسد الغابة 4/331 كلاهما لابن الأثير، وعون المعبود 12/218-219) . 7 لأنه: "أي محلم بن جثامة من خندف، والاقرع بن حابس أيضا من خندف، وخندف، امرأة إلياس بن مضر واسمها ليلى بنت حلوان فغلبت نسبة أولادها من إلياس إليها". فالأقرع بن حابس ينتمي إلى تميم بن مرة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر ومحلم ابن جثامة ينتمي إلى ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، فالأقرع ومحلم "يجتمعان في خندف" زوج إلياس بن مضر، فهما من أولاد إلياس (أسد الغابة 1/128 و5/76-77، واللباب 1/223 و3/112 وعون المعبود 12/219، وغزوة بني المصطلق ص 49 وعند ابن إسحاق: "فقام إليه الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، يختصمان في عامر بن الأضبط الأشجعي، عيينة يطلب بدم عامر، وهو يومئذ رئيس غطفان، والأقرع بن حابس يدفع عن محملم لمكانه من خندف". (سير ة ابن هشام 2/627". انظر: "فتح الباري 13/418) . 8 اللغط: "بفتحتين: "صوت وضجة لا يفهمن معناها". (النهاية 4/257 وعون المعبود 12/219) . 9 وعند ابن إسحاق "فتداولا الخصومة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع، فسمعنا عيينة ابن حصن وهو يقول: "والله يا رسول الله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الخرقة مثل ما أذاق نسائي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا، وخمسين إذا رجعنا وهو يأبى عليه". وعند البلاذري: "والله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحزن ما أذاق نساءنا". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 618 قال: "ثم ارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط، فقال رسول الله: "يا عيينة ألا تقبل الغير؟ فقال: "عيينة مثل ذلك أيضاً". إلى أن قام1 رجل من بني ليث يقال له مكيتل2 عليه شكة3 وفي يده4 درقة فقال: "يا رسول الله إني لم أجد5 لما فعل هذا في غرة6 الإسلام مثلاً إلاّ غنماً7 وردت فرمي أولها فنفر آخرها، أسنناليوم8 وغير غدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمسون في فورنا9   1 وعند أحمد: "إذ قام رجل من بني ليث يقال له مكيتل قصير مجموع". وعند البلاذري: "وهو قصير مجمع". 2 مكتيل: "بمثناة مصغراً، وقيل: "مكيثر بكسر الثاء المثلثة وآخره راء". (الإصابة 3/457 وأسد الغابة 5/259) . ورواية "مكيثر" عند ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام 2/627". قال ابن حجر: "وفي رواية ابن هشام عن زياد البكائي "مكيثر". وذكر ابن الأثير أيضا هذه القصة: "لمطر الليثي"، وقال: "أخرجه أبو موسى". ثم قال: "وقد رواه محمد بن جعفر بن الزبير عن زياد بن ضميرة عن أبيه، وسمى هذا الرجل "مكيتلا". "أسد الغابة 5/186". وقال ابن حجر في الإصابة 3/424: "مطر الليثي" في "مكيتل" فلعل "مكيتلا" لقب واسمه مطر". 3 الشكة: "بكسر الشين المعجمة، السلاح". (النهاية 2/495) . 4 وفي يده درقة أي في يد مكيتل والدرقة: "محركة الحجفة، وهي الترس من جلود بلا خشب ولا عقب". (النهاية1/345، واللسان10/383، والقاموس المحيط 3/126) . 5 وعند ابن إسحاق: "فقال: "والله يا رسول الله ما وجدت لهذا القتيل شبها في غرة الإسلام، إلا كغنم وردت فرميت أولاها فنفر آخرها". 6 غرة الإسلام: "أوله وغرة كل شيء أوله". (النهاية 3/354) . (إلا غنماً وردت) على الماء للشرب، (فرمي) بصيغة المجهول، أي بالنبل أو الحجارة لقتلها أو طردها، (أولها) أي الغنم، (فنفر آخرها) أي بقية الغنم لخوف القتل، فكذلك ينبغي أن تقتل هذا الأوّل حتى تكون قتله عظة وعبرة للآخرين". (عون المعبود 12/220) . (أسنن اليوم) صيغة أمر من سن سنة من باب نصر، (وغير غدا) صيغة أمر من التغير، وهذا مثل ثان ضربه لترك القتل، كما أن الأوّل ضربه للقتل ولذلك ترك العطف". قال ابن الأثير: "اسنن اليوم وغير غدا: "معناه أن مثل محلم في قتله الرجل وطلبه أن لا يقتص منه وتؤخذ منه الدية، والوقت أوّل الإسلام وصدره كمثل هذه الغنم النافرة، يعني إن جرى الأمر مع أولياء القتيل على ما يريد محلم ثبط الناس عن الدخول في الإسلام معرفتهم أن القود يغير بالدية، والعرب خصوصاً وهم الحراص على درك الأوتار وفيهم الأنفة من قبول الديات، ثم حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإقادة منه بقوله: "اسنن اليوم وغير غدا" يريد إن لن تقتص منه غيرت سنتك، ولكنه أخرج الكلام على الوجه الذي يهيج المخاطب ويحثه على الإقدام والجرأة على المطلوب منه". وقال أيضاً: " (اسنن اليوم وغير غداً) أي: "اعمل بسنتك التي سننتها في القصاص ثم بعد ذلك إذا شئت أن تغير فغير: "أي تغير ما سننت وقيل تغير: "من أخذ الغير، وهي الدية". 0 النهاية 2/410و 3/400-401، عون المعبود 12/220-221) . 9 وعند ابن إسحاق وأحمد:"في سفرنا هذا".وعند ابن ماجه والبلاذري:"في سفرنا". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 619 هذا، وخمسون إذا رجعنا إلى المدينة1، وذلك2 في بعض أسفاره". ومحلم رجل طويل آدم3 وهو في طرف الناس، فلم يزالوا4 حتى تخلص فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تدمعان، فقال: "يا رسول الله إني قد فعلت الذي بلغك وإني أتوب إلى الله، فاستغفر الله لي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقتلته بسلاحك في غرة الإسلام5، اللهم لا تغفر لمحلم بصوت عال6". زاد أبو سلمة 7: "فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ردائه".   1 وعند ابن إسحاق وابن ماجه والبلاذري وأحمد: "فقبلوا الدية". وعند أحمد وابن إسحاق والبلاذري: "فقبلوا الدية ثم قالوا: "أين صاحبكم هذا، يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام رجل آدم ضرب طويل، عليه حلة له، قد كان تهيأ للقتل فيها، حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "ما اسمك؟ قال: "أنا محلم بن جثامة". 2 وذلك: "أي القتل والقصة، أما القتل فكان في سرية إضم كما سيأتي في حديث عبد الله بن أبي حدرد، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في ص 604". وأما المطالبة بهذا القتيل فكانت في غزوة حنين كما هو عند ابن هشام وأحمد والبلاذري". 3 الأدمة في الناس: "السمرة الشديدة، وعند ابن إسحاق: "ضرب طويل" والضرب خفيف اللحم". 0 النهاية 1/32و3/78) . 4 فلم يزالوا: "أي معاونون لمحلم (حتى تخلص) بفتح الخاء وشدة اللام بصيغة الماضي، أي: "نجا من القتل، وذلك بقبول الدية". (عون المعبود 12/221) . وقال ابن إسحاق: "وأخبرنا سالم أبو النضر أنه حدث: "أنّ عيينة بن حصن وقيسا حين قال الأقرع بن حابس وخلا بهم، يا معشر قيس، منعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلا يستصلح به الناس، أفأمنتم أن يلعنكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيلعنكم الله بلعنته، أو أن يغضب عليكم بغضبه؟ والله الذي نفس الأقرع بيده، لتسلمنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فليصنعن فيه ما أراد، أو لآتين بخمسين رجلا من بني تميم يشهدون بالله كلهم، لقتل صاحبكم كافرا، ما صلى قط، فلأطلن دمه، فلما سمعوا ذلك قبلوا الدية". (سيرة ابن هشام 2/628، والروض الأنف 7/490) . قال ابن كثير في البداية والنهاية 4/225: "وهذا الحديث منقطع معضل". 5 وعند الزرقاني: "أقتلته بعدما قال أني مسلم، قال: "إنما قالها متعوذاً، قال: "أفلا شققت على قلبه لتعلم أصادق هو أم كاذب؟ قال: "وهل قلبه إلا مضغة من لحم، قال صلى الله عليه وسلم: "إنما كان ينبئ عنه لسانه"، وفي رواية "فقال صلى الله عليه وسلم: "لا ما في قلبه تعلم ولا لسانه صدقت". (شرح المواهب 2/286، والسيرة الحلبية3/207) . 6 وعند ابن إسحاق: "قال: "فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، ثم قال: "اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة ثلاثا". قال: "فقام وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه قال: "فأما نحن فنقول فيما بيننا: "إنا لنرجوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استغفر له، وأمّا ما ظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا". وعند أحمد: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تغفر لمحلم لا تغفر لمحلم ثلاث مرات فقام من بين يديه، وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه، فأما نحن بيننا: "فنقول قد استغفر له، ولكنه أظهر ما أظهر ليدع الناس بعضهم من بعض". والقائل: "أما نحن الخ هو زياد بن ضميرة الضمري عن أبيه عن جده، كما هو عند البلاذري". 7 أبو سلمة: "هو حماد بن سلمة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 620 قال ابن إسحاق: فزعم قومه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر له بعد ذلك". قال أبو داود: "قال النضر1 بن شميل: "الغير الدية2". والحديث رواه أحمد من طريق ابن إسحاق "حدثني محمد بن جعفر قال: "سمعت زياد بن ضميرة بن سعد السلمي يحدث عروة بن الزبير عن أبيه ضمرة وعن جده"3". وروى بعضه ابن ماجه من طريق ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر به إلا أنه قال: "عن زيد4 بن ضمرة حدثني أبي وعمي5". قال ابن كثير: "والصواب كما رواه ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن زياد بن سعد بن ضمرة عن أبيه وعن جده". وهكذا رواه ابو داود من طريق ابن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر عن زياد بن سعد ابن ضميرة عن أبيه وجده بنحوه6".إهـ. والحديث في سيرة ابن هشام عن ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال: "سمعت زياد بن ضميرة بن سعد السلمي يحدث عن عروة بن الزبير عن أبيه وجده7". وكذا رواه عن ابن إسحاق البلاذري8". وكذا رواه الطبراني من طريق ابن الزناد حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر بن الزبير أنه سمع زياد بن سعد بن ضميرة السلمي يحدث عن عروة بن الزبير عن أبيه9".   1 النضر بن شميل المازري النحوي "ثقة ثبت". (التقريب 2/301) . 2 سنن أبي داود 2/479-480 كتاب الديات، باب الإمام يأمر بالعفو في الدم". 3 المسند 5/112و6/10". 4 تقدم في حديث رقم (267) : "أن المزي رجح "زياد بن سعد بن ضميرة". 5 سنن ابن ماجه 2/876 كتاب الديات، باب من قتل عمدا فرضوا بالدية". 6 البداية والنهاية 4/225". 7 سيرة ابن هشام 2/627 والروض الأنف 7/488-489". 8 أنساب الأشراف ص 385". (المعجم الكبير 6/51-52 ووقع عنده: "عن ابن أبي زياد) والصواب: "ابن أبي الزناد". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 621 وقد أشار ابن حجر إلى هذا في ترجمة زياد كما تقدم1". وأورده الزرقاني عن ابن إسحاق فقال عن عروة عن أبيه عن جده2". وقد صوب ابن كثير رواية ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن زياد بن سعد بن ضميرة أنه حدث عروة بن الزبير عن أبيه وعن جده وهي رواية أحمد وأبي داود". والحديث فيه "زياد بن سعد بن ضميرة" وصفه ابن حجر في التقريب بقوله "مقبول". وقال الذهبي: "فيه جهالة". وقد قال ابن حجر عن هذا الحديث: "بأنه بإسناد حسن"3". ولعل ذلك لما له من الشواهد الآتية: 268- ما رواه ابن إسحاق ومن طريقه رواه أحمد وابن شبة والطبري والبلاذري والسياق لابن إسحاق قال: "حدثني يزيد4 بن عبد الله ابن قسيط عن القعقاع5 بن عبد الله بن أبي حدرد عن أبيه عبد الله ابن أبي حدرد، قال: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إضم في نفر من المسلمين، فيهم أبو قتادة6 الحارث بن ربعي ومحلم بن جثامة بن   1 في حديث (267) ص 604-605". (شرح المواهب اللدنية 2/286 و287) . 3 الإصابة 2/29". 4 يزيد بن عبد الله بن قسيط - بقاف ومهملتين مصغرا - ابن أسامة الليثي، أبو عبد الله المدني الأعرج، ثقة من الرابعة (ت 122) . /ع". (التقريب 2/267 وتهذيب التهذيب 11/342) . 5 اختلف في صحبته وقد ذكره ابن حجر في القسم الرابع من الإصابة ومال إلى أنه لا صحبة له، وإنما الصحبة لأبيه". (الإصابة 3/280) . ووقع عند البلاذري: "عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي القعاقاع بن عبد الملك ابن أبي حدرد"، وعند الطبري: "عن أبي القعاقاع بن عبد اللله بن أبي حدرد"، والذي في سيرة ابن هشام والروض الأنف ومسند أحمد والاستيعاب وأسد الغابة والإصابة: "القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد". انظر تعجيل المنفعة لابن حجر ص 227 وهو الأصح وأنه يروي عن أبيه مباشرة". 6 أبو قتادة الأنصاري". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 622 قيس، فخرجنا1 حتى كنا ببطن إضم2، مر بنا عامر3 بن الأضبط الأشجعي علىقعود4 له، ومعه متيع5 له، ووطب من لبن6، قال: "فلما مر بنا سلم علينا بتحية الإسلام، فأمسكنا عنه، وحمل عليه محلم بن جثامة، فقتله لشيء كان بينه وبينه، وأخذ بعيره، وأخذ متيعه". قال: "فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر، نزل فينا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ7 عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} 8 إلى آخر الآية [سورة النساء الآية: 94] .   1 عند أحمد والطبري: "فخرجت في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي ومحلم بن جثامة بن قيس الليثي فخرجنا الخ". وعند ابن سعد أن هذه السرية كانت في أول شهر رمضان سنة ثمان من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قالوا لما هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزو أهل مكة بعث أبا قتادة بن ربعي في ثمانية نفر سرية بطن إضم وهي فيما بين ذي خشب وذي المروة، وبينها وبين المدينة ثلاثة برد". (الطبقات ابن سعد 2/133) . 2 وقال ابن سعد بأنه "بين ذي الخشب وذي المروة" وذو خشب: "بضم المعجمتين وبموحدة واد على ليلة من المدينة، له ذكر كثير في الحديث والمغازي". وذي المروة بلفظ أخت الصفا من أعمال المدينة، على ثمانية برد منها وكانت تقع في مجتمع وادي إضم بوادي الجزل من الغرب، ووادي العيص من القبلة، وقد درست قبل القرن العشر وقامت على أنقاضها أم زرب، قرية تابعة للعلا، (التعليق على كتاب المناسك للحربي ص 413، و656) . 3 قال الزرقاني: "عامر بن الأضبط - بفتح الهمزة وسكون الضاد المعجمة وفتح الموحدة ثم طاء مهملة- الأشجعي المعدودة في الصحابة والذي ينبغي كما قال البرهان: "- عده في التابعين لأنه أسلم ولم يلق النبي مسلما وقد ذكره صاحب الإصابة في القسم الأول تسليما لمن قبله ثم أورده في القسم الثالث وهو فيمن أدرك الجاهلية والإسلام ولم يثبت أنهم اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا رأوه سواء أسلموا في حياته أم لا". (شرح المواهب 2/285 وانظر: "الإصابة 1/5-6 و2/247-248 و3/85 و369، وأسد الغابة 3/117) . 4 قعود له: "قال ابن الأثير: "القعود من الدواب: "ما يقتعده الرجل للركوب والحمل، ولا يكون إلا ذكرا". وقيل القعود: "ذكر والأنثى قعودة، والقعود من الأبل: "ما أمكن أن يركب، وأداناه أن يكون له سنتان، ثم هو قعود إلى أن يثني فيدخل في السنة السادسة ثم هو جمل". (النهاية 4/87) . 5 متيع: "تصغير متاع". 6 وطب من لبن: "الوطب بسكون الطاء المهملة الزق الذي يكون فيه السمن واللبن وهو جلد الجذع فما فوقه، وجمعه أوطاب ووطاب". (المصدر السابق 5/203) . 7 قوله: {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، [سورة النساء، من الآية: 94] . قال الزرقاني: "ولا ينافي قوله: "فقتله لشيء كان بينه وبينه" قوله تعالى: {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، [سورة النساء، من الآية: 94] ؛ لأن الحقد من عرضها المبتغى مع أنه أخذ متاعه وبعيره أيضا". (شرح المواهب 2/286) . 8 وتمامها: {فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} . وقد ساقها أحمد في روايته عن ابن إسحاق كاملة". وساق ابن سعد منها إلى قوله: {مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} ثم قال: "فمضوا ولم يلحقوا جمعا فانصرفوا حتى انتهوا إلى ذي خشب فبلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إلى مكة فلحقوه بالسقيا". (الطبقات الكبرى 2/133) . قال الزرقاني: "وما ذكر من أنهم لحقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بألفي سقيا فأخبروه الخبر وأنه قال لمحلم: "أقتلته بعدما قال آمنت الخ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على محلم بعدم المغفرة وأنه مات بعد سابعة من لقي المصطفى صلى الله عليه وسلم بالسقيا، فإن بين هذا القول، وبين ما ذكره ابن إسحاق من أن الخصومة في شأن محلم والدعا عليه وموته كان في حنين بون بعيد، ثم قال الزرقاني: "لكن يحتمل الجمع بأنه اجتمع به السقيا حين عادوا من السرية ثم ساروا معه في الفتح حتى غزا حنينا ثم اختصم عنده عيينة والأقرع، فلما قبلوا الدية جاءوا بمحلم ليستغفر له فقال: "اللهم لا تغفر له" الخ فمات بعد سبع، فحفظ بعض الرواة مالم يحفظ الآخر ويؤيد ذلك أنه لم يقع في حديث ابن حدرد ولا ابن عمر تعيين المحل الذي أتوا به فيه، ووقع ذلك في حديث عروة بن الزبير عن أبويه بأنه في حنين فوجب قبوله لأنه زيادة ثقة". (شرح المواهب 2/286-287) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 623 قال ابن هشام: "قرأ أبو عمرو1 بن العلاء: {وَلاَ تَقُولُوا لِمَن أُلْقِيَ إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً} 2 لهذاالحديث3". والحديث رواه أحمد والبلاذري كلاهما من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق به4". إلا أن البلاذري قال: "عن أبي القعقاع بن عبد الملك بن أبي حدرد عن أبيه". ورواه ابن شبة من طريق حماد بن سلمة عن ابن إسحاق به5". ورواه الطبري في تفسيره وتاريخه من طريق سلمة بن الفضل الأبرش عن ابن إسحاق به". إلا أنه قال في التاريخ: "عن أبي القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي".   1 أبو عمرو العلاء بن عمار بن العريان التميمي المازني النحوي البصري أحد الأئمة القراء السبعة وأحد علماء العربية، ثقة من الخامسة (ت 154) . / خت قد فق". (التقريب 2/454، وتهذيب التهذيب 12/178-180) . 2 معنى الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمِنُوا إِذَا ضَرَبْتُم فِي سَبِيلِ الله} سافرتم في الجهاد في سبيل الله {فَتَثَبَّتُوا} من التبين وهو التأمل، وفي قراءة {فَتَثَبَّتُوا} بالمثلثة من التثبت، {وَلاَ تَقُولُوا لِمَن أُلْقِيَ إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً} بألف ودونها "السلم" أي التحية أو الانقياد يقول كلمة الشهادة التي هي إمارة على الإسلام {لَسْتَ مُؤْمِناً} وإنما قلت تقية وتعوذا من القتل، {تَبْتَغُونَ} تطلبون بذلك {عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} متاعها من الغنيمة، {فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} تغنيكم عن قتل مثله لما له، {كذلك كنتم من قبل} تعصم دماؤكم وأموالكم بمجرد قولكم الشهادة {مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُم} بالاشتهار بالإيمان والاستقامة {فَتَبَيَّنُوا} أن تقتلوا مؤمنا وافعلوا بالداخل في الإسلام كما فعل بكم {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} فيجازيكم به". (تفسير الجلالين ص 77 وفتح القدير للشوكاني 1/501) . 3 سيرة ابن هشام 2/626-627، والروض الأنف 7/487-488". 4 مسند أحمد 6/11 وأنساب الأشراف للبلاذري 384-385". 5 تاريخ المدينة 2/445-446". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 624 وقال بعضهم: "عن ابن القعاع عن أبيه، عن عبد الله بن أبي حدرد1". والحديث أورده الهيثمي ثم قال: "رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات2". 269- ما رواه الطبري حدثنا ابن وكيع3 قال: "ثنا جرير4 عن محمد بن إسحاق عن نافع5 أن ابن عمر6 قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم محلم بن جثامة مبعثا، فلقيهم عامر بن الأضبط، فحياهم بتحية الإسلام، وكانت بينهم إحنة7 في الجاهلية، فرماه محلم بسهم فقتله، فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم فيه عيينة والأقرع، فقال الأقرع: "يا رسول الله سن اليوم وغير غدا، فقال عيينة: "لا والله حتى تذوق نساؤه من الثكل8 ما ذاق نسائي، فجاء محلم في بردين، فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا غفر الله لك" فقام وهو يتلقى دموعه برديه، فما مضت سابعة حتى مات ودفنوه فلفظته9 الأرض فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال: "إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم ولكن الله عز وجل أراد أن يعظكم".   1 جامع البيان 5/222-223 وتاريخ الرسل والملوك 3/35-36". وقد تقدم في الحديث (268) أن الصواب في هذا أنه القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد، وأنه يروي عن أبيه عبد الله بن أبي حدرد بدون واسطة". (انظر: ص 610) . 2 مجمع الزوائد 7/8 وانظر المعجم الكبير للطبراني 6/52". 3 هو سفيان بن وكيع بن الجرح أبو محمد الرؤاسي الكوفي، كان صدوقا، إلا أنه ابتلي بِوَرّاقه، فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح ولم يقبل فسقط حديثه، من العاشرة (ت247) . /ت ق". (التقريب 1/312 وتهذيب التهذيب 4/123) . 4 جرير: "هو ابن عبد الحميد بن قرط "ثقة" تقدم في حديث (26) . 5 نافع، أبو عبد الله المدني، مولى ابن عمر، ثقة ثبت فقيه، مشهور من الثالثة (ت117) . أو بعد ذلك". /ع". (التقريب 2/296 وتهذيب التهذيب 10/412) . 6 هو عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، أبو عبد الرحمن ولد بعد المبعث بيسير واستصغر يوم أحد، وهو ابن أربع عشرة سنة، وهو أحد المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة، وكان من أشد الناس اتباعا للأثر (ت73) في آخرها أو أوّل التي تليها". /ع". (التقريب 1/435 وتهذيب التهذيب 5/326) . ((7إحنة: "بكسر الهمزة: "الحقد وجمعها إحن وإحنات". (النهاية 1/27) . 8 الثكل: "قال في النهاية (1) /217: "الثكل: "فقد الولد". 9 فلفظته الأرض: "أي ألقته ورمته على وجهها". (النهاية 4/260) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 625 ثم طرحوه بين صدفي1 جبل، وألقوا عليه من الحجارة، ونزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} ، [سورة النساء، من الآية: "94] . الآية2". والحديث فيه سفيان بن وكيع وقد قال عنه ابن حجر بأنه "نصح فلم يقبل فسقط حديثه". وفيه ابن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن. 270- ما رواه الطبراني حدثنا أبو يزيد3 القراطيسي ثنا سعيد4 ابن أبي مريم ثنا ابن أبي الزناد حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن الحسن5 بن أبي الحسن قال: "لما مات6 دفنه قومه فلفظته الأرض ثلاث مرات فألقوه بين ضواحي7 جبل وربوا عليه بالحجارة فأكلته السباع". قال ابن أبي الزناد: "بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبر أن الأرض لفظته قال: "أما إنّ الأرض تقبل من هو شر منه ولكن الله أراد أن يريكم عظم الدم عنده" 8. ورواه الواقدي فقال: "حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن   1 صدفي الجبل: "قال ابن الأثير: "الصدف بفتحتين وضمتين: "كل بناء عظيم مرتفع، تشبيها بصدف الجبل وهو ما قابلك من جانبه (النهاية 3/17) . 2 جامع البيان 5/222 والحديث أورده ابن كثير في تفسيره 1/539 عن ابن جرير فقال عن (أبي إسحاق) والصواب عن ابن إسحاق وقال في الحديث: "سر اليوم وغر غدا" والحديث عند ابن جرير الطبري وغيره "سن اليوم وغير غدا". وروى أيضا في البداية والنهاية4/225 عن ابن جرير الطبري أيضاً فقال: "ابن جرير حدثنا "وكيع" وهو خطأ والصواب ابن وكيع كما هو عند الطبري وأيضا فإن الطبري لم يدرك وكيعا فإن وفاة وكيع سنة (197) وكانت ولادة الطبري سنة (224) . (انظر تذكرة الحفاظ للذهبي 1/309 و2/711) . 3 هو يوسف بن يزيد بن كامل القراطيسي، أبو يزيد، مولى بني أمية، ثقة من الحادية عشرة (ت287) ويقال إنه عاش مائة سنة". /س". (التقريب 2/383 وتهذيب التهذيب 11/429) . 4 سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي بالولاء، أو محمد المصري، ثقة ثبت فقيه، من كبار العاشرة، (ت224) . / ع". (التقريب 1/293 وتهذيب التهذيب 4/17-18) . 5 هو البصري". 6 أي محلم بن جثامة". 7 لعله بالصاد المهملة، وصواحي الجبل جانبه وما يقبل من وجهه القائم". (النهاية 1/58 والقاموس المحيط 1/235) . 8 المعجم الكبير 6/52". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 626 الحارث عن الحسن البصري قال: "لما مات محلم بن جثامة دفنه قومه فلفظته الأرض ثم دفنوه فلفظته الأرض فطرحوه بين صخرتين فأكلته السباع1". وأورده الهيثمي ثم قال: "رواه الطبراني وإسناده منقطع2". والحديث رواه ابن إسحاق فقال: "حدثني من لا أتهم عن الحسن البصري قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس بين يديه: "أمنته بالله ثم قتلته! ثم قال له المقالة التي قال، قال: "والله مامكث محلم بن جثامة إلا سبعا حتى مات فلفظته الأرض –والذي نفس الحسن بيده- الأرض، ثم عادوا له، فلفظته الأرض ثم عادوا فلفظته، فلما غلب قومه عمدوا إلى صدين3 فسطحوه4 بينهما، ثم رضموا5 عليه الحجارة حتى واروه". قال: "فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه، فقال: "والله إن الأرض لتطابق6 على من هو شر منه، ولكن الله أراد أن يعظكم في حرم7 مابينكم بما أراكم منه" 8. والحديث مرسل، والمرسل من قسم الحديث الضعيف عند جماهير المحدثين وكثير من الفقهاء وأصحاب الأصول9". والأحاديث بمجموعها تدل على أن هذه القصة حصلت لمحلم بن جثامة الليثي في قتله عامر بن الأضبط الأشجعي بعد أن ظهر منه ما يدل على أنه مسلم وأنه نزل في ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} ، [سورة النساء، من الآية: 94] . الآية".   1 مغازي الواقدي 3/921". 2 مجمع الزوائد 7/294". 3 صدين: "الصد: "بضم الصاد وفتحها: "الجبل وناحية الوادي". 4 فسطحوه: "أضجعوه بينهما". 5 رضموا عليه: "الرضم ويحرك وكتاب صخور عظام يرضم بعضها فوق بعض في البناء، والمعنى ألقوا عليه عليه من الحجارة حتى ستروه وغطوه". (القاموس المحيط 1/228، 306 و4/120) . 6 لتطابق: "بتشديد الطاء: "أي تضم وتغطي". (المصدر السابق 3/256) . 7 حرم: "أي يريد الله أن يعلمكم حرمة ما بينكم وأن المسلم لا يجوز انتهاك حرمته لأنه معتصم بالإسلام ممتنع بحرمته ممن أراده أو أراد ماله". (النهاية 1/372 والقاموس المحيط 4/95) . 8 سيرة ابن هشام 2/628 والروض الأنف 7/490، وأنساب الأشراف للبلاذري ص 386". 9 انظر تدريب الراوي ص 189". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 627 وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على محلم فمات فدفن فألقته الأرض على ظهرها، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: "إن الأرض لتقبل من هو شر منه ولكن الله أراد أن يعظكم في حرم ما بينكم بما أراكم منه". وقد أورد ابن عبد البر هذه الأحاديث في ترجمة محلم بن جثامة، ثم قال: "وقد قيل إن هذا ليس محلم بن جثامة، فإن محلم بن جثامة نزل حمص بآخره ومات بها في إمارة ابن الزبير1". والاختلاف في المراد بهذه الآية كثير مضطرب فيه جدا. قيل نزلت في المقداد، وقيل نزلت في أسامة بن زيد، وقيل نزلت في محلم بن جثامة. وقال ابن عباس نزلت في سرية ولم يسم أحدا، وقيل نزلت في غالب الليثي وقيل نزلت في رجل من بني ليث يقال له فليت كان على سرية وقيل نزلت في أبي الدرداء، وهذا اضطراب شديد جداً، ومعلوم أن قتله كان خطأ لا عمدا لأن قاتله لم يصدقه في قوله". والله أعلم2. وذكر ابن حجر بعضا ممن قيل إن الآية نزلت بسببه، ومنهم محلم بن جثامة ثم قال: "ولا مانع أن تنزل الآية في الأمرين معا3". وقال الزرقاني: "يحتمل تعدد القصة وتكرير نزول الآية 4". وقال القرطبي: "واختلف في تعين القاتل والمقتول في هذه النازلة فالذي عليه الأكثر وهو في سير ابن إسحاق ومصنف أبي داود والاستيعاب لابن عبد البر أن القاتل محلم بن جثامة، والمقتول عامر بن الأضبط". فدعا عليه السلام على محلم فما عاش بعد ذلك إلا سبعا ثم دفن فلم تقلبه الأرض ثم دفن فلم تقبله ثم دفن ثالثة فلم تقبله، فلما رأوا أن الأرض لا تقبله ألقوه في بعض تلك الشعاب".   1 وقال البلاذري من جعل هذه القصة لمحلم بن جثامة وأنه هو الذي مات في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولفظته الأرض، قال: "إن الذي مات بحمص: "هو الصعب بن جثامة، أخو محلم". 2 الاستيعاب 3/486-498 مع الإصابة، وانظر هذه الأقوال في سبب نزول الآية: "جامع البيان للطبري 5/222-226 وتفسير ابن كثير 1/538-540 والدر المنثور للسيوطي 2/199-201". وفتح القدير للشوكاني 3/502". 3 فتح الباري 8/258-259". 4 شرح المواهب 2/286". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 628 وقال عليه السلام: "إن الأرض لتقبل من هو شر منه". وقال الحسن: "أم إنها تحبس من هو شر منه ولكنه وعظ القوم ألا يعودوا". ثم ذكر بيقة الأقوال فيمن قيل إن الآية نزلت بسببه أيضا ثم قال: "ولا خلاف أن الذي لفظته الأرض حين مات هو محلم الذي ذكرناه، ولعل هذه الأحوال جرت في زمان متقارب فنزلت الآية في الجميع1".إهـ". وقال أحمد مصطفى المراغي: "ولا مانع من تعدد الوقائع قبل نزول الآية وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها على أصحاب كل واقعة فيرون أنهم سبب نزولها2". وقد ذكر أصحاب المغازي والسير أن القاتل في سرية إضم هو محلم بن جثامة وأن المقتول هو عامر بن الأضبط وأنه نزل بسبب ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ، الآية". وأن عيينة بن حصن والأقرع بن حابس اختصما في شأنهما أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين 3". ويستفاد من هذه القصة عظم شأن دماء المسلمين وأن الأصل فيمن أظهر الإسلام أنه مسلم يحرم دمه وماله، وأن قاتله بعد إظهاره إسلامه ارتكب كبيرة عظيمة". ويؤخذ من الأحاديث درء الحدود بالشبهات حيث حكم الرسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية ولم يقتل القاتل". وفي لفظ الأرض له بعد دفنه الزجر والتهديد والعظة ما يجعل دماء المسلمين من أعظم المحرمات التي لا يجوز التساهل فيها كما قال صلى الله عليه وسلم "ولكن الله أراد أن يعظكم ويريكم عظم الدم عنده".   1 الجامع لأحكام القرآن 5/336-338". 2 تفسير المراغي 5/126". 3 سيرة ابن هشام 2/626-629 والروض الأنف 7/487-491، ومغازي الواقدي 2/796-797و3/919-921،والطبقات الكبرى لابن سعد2/123 و4/282، وتاريخ خليفة ص 85، وتاريخ الرسل والملوك للطبري 3/35-36، والكامل لابن الأثير2/158، وأسد الغابة له2/355 و3/59-60 و5/76-77 و186 و259، والشفا للقاضي عياض 1/329، وزاد المعاد 3/366-367، والبداية والنهاية 4/224-226، وتاريخ الخميس للديار بكري 2/76، والمواهب اللدنية للقسطلاني 1/147-148، وشرح المواهب للزرقاني 2/285-287، والسير الحلبية لبرهان الدين الحلبي 3/206-208". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 629 الحكم الثاني عشر: في بيان نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم جاء في هذا الحكم عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه نذر في الجاهلية أن يعتكف في المسجد الحرام". ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة الطائف ونزل الجعرانة وقسم بها غنائم هوزان، سأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نذره في الجاهلية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك". وقد ورد هذا الحديث من مسند عمر بن الخطاب، ومن مسند ابنه عبد الله بن عمر أيضا". أما وروده من مسند عمر بن الخطاب فأخرجه:271 أ- البخاري من رواية إسماعيل1 بن عبد الله عن أخيه2 عن سليمان3 عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه ـ، أنه قال: "يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية4 أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك" فاعتكف5 ليلة6".   1 هو ابن أويس أبو عبد الله بن أبي أويس الأصبحي". 2 هو عبد الحميد بن عبد الله أبو بكر بن أبي أويس". 3 هو ابن بلال التيمي". 4 قوله: "إني نذرت في الجاهلية": قال ابن حجر: "زاد حفص بن غياث عن عبيد الله عند مسلم "فلما أسلمت سألت" وفيه رد على من زعم أن المراد بالجاهلية ما قبل فتح مكة، وأنه إنما نذر في الإسلام، وأصرح من ذلك ما أخرجه الدارقطني من طريق سعيد بن بشير عن عبيد الله بلفظ "نذر عمر أن يعتكف في الشرك" فأوضح ابن حجر: "أن المراد بالجاهلية في الحديث قبل إسلام عمر لأن جاهلية كل أحد بحسبه، وليس ما قبل فتح مكة، ولا زمن فترة النبوة، وهو ما قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك يتوقف على نقل، وقد تقدم أن عمر نذر قبل أن يسلم، وبين البعثة وإسلامه مدة". (انظر فتح الباري 4/274 و11/582، وشرح معاني الآثار للطحاوي 3/133 وسنن الدارقطني 2/201) . 5 عند الدارقطي 2/199 من طريق محمد بن فليح بن سليمان عن عبيد الله بن عمر فاعتكف عمر ليلة" وقال: "إسناد ثابت". 6 صحيح البخاري 3/44-45 كتاب الاعتكاف، باب من لم ير عليه إذا اعتكف صوما". قال ابن حجر: في الحديث رد على من قال: "أقل الاعتكاف عشرة أيام أو أكثر من يوم، وقد تقدم نقله في أول الاعتكاف، وتظهر فائدة الخلاف فيمن نذر اعتكافا مبهما". وقال في أول الاعتكاف: "واتفقوا على أنه لا حد لأكثره واختلفوا في أقله فمن شرط فيه الصيام قال أقله يوم، ومنهم من قال يصح مع شرط الصيام في دون اليوم حكاه ابن قدامة". وعن مالك يشترط عشرة أيام، وعنه يوم أو يومان". ومن لم يشترط الصوم، قالوا أقله ما يطلق عليه اسم لبث ولا يشترط القعود، وقيل يكفي المرور مع النية كوقوف عرفة. وروى عبد الرزاق عن يعلى بن أمية الصحابي قال: "إني لأمكث في المسجد الساعة وما أمكث إلا لأعتكف". (فتح الباري 4/272 و275، ومصنف عبد الرزاق 4/346) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 630 ب - ورواه أحمد وأبو داود والترمذي الجميع من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: "يا رسول الله إني كنت نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية، قال: "أوف بنذرك"1 لفظ الترمذي". وقال الترمذي: "حسن صحيح". ج- ورواه النسائي وابن ماجه كلاهما عن إسحاق2 بن موسى الخطمي ثنا سفيان بن عيينة عن أيوب3 عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه كان عليه نذر ليلة في الجاهلية يعتكفها فسأل النبي صلى الله عليه وسلم "فأمره أن يعتكف" لفظ ابن ماجه4". د- ورواه ابن ماجه والدارمي والطحاوي كلهم من طريق حفص5 بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر ابن الخطاب قال: "نذرت نذراً في الجاهلية، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم بعدما أسلمت، فأمرني أن أُوفي بنذري" 6 لفظ ابن ماجه.   1 مسند أحمد 1/37و2/20 وسنن أبي داود 2/217 كتاب الأيمان والنذور، باب من نذر في الجاهلية ثم أدرك الإسلام، ورواه عن أحمد بن حنبل ثنا يحيى بن سعيد القطان". 2 هو أبو موسى المدني قاضي نيسابور "ثقة متقن" من العاشرة، (ت244) . /م ت س ق". (التقريب 1/61، وتهذيب التهذيب 1/251) . 3 أيوب: "هو السختياني". 4 سنن النسائي 7/20 كتاب الأيمان والنذور، باب إذا نذر ثمّ أسلم قبل أن يفي. وسنن ابن ماجه 1/563 كتاب الصيام، باب في اعتكاف يوم أو ليلة. 5 حفص بن غياث بن طلق. 6 سنن ابن ماجه 1/687 كتاب الكفارات، باب الوفاء بالنذر". وسنن الدارمي 2/104 كتاب النذور والأيمان، باب الوفاء بالنذر". وشرح معاني الآثار للطحاوي 3/133". وانظر ذخائر المواريث 3/60 حديث (5853) وتحفة الأشراف للمزي 8/65-67 حديث (10550) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 631 ولفظ الدارمي "عن عمر قال قلت: "يا رسول الله إني نذرت نذرا في الجاهلية، ثم جاء الإسلام، قال: "أوف بنذرك". ولفظ الطحاوي: "عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أراه1 عن عمر - رضي الله عنه -، قال: "قلت يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية نذرا، وقد جاء الله بالإسلام، فقال: "أوف بنذرك". وأما ورود الحديث من مسند عبد الله بن عمر فأخرجه البخاري: "حدثنا مسدد2 حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: "أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال: "أوف بنذرك". ورواه عن محمد بن مقاتل أبي الحسن، أخبرنا عبد الله3 أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أَنَّ عمر، قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال:"أوف بنذرك". ثُمَّ قال البخاري - أيضاً -: "حدّثنا أبو النعمان4 حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر قال5:يا رسول الله6".   1 أراه بضم الهمزة: "أي أظنه". 2 قوله: "حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد": قال ابن حجر: "وهو القطان، كذا رواه مسدد من مسند ابن عمر، ووافقه المقدمي وغيره عند مسلم وغيره، وخالفهم يعقوب بن إبراهيم عن يحيى فقال "عن ابن عمر عن عمر" أخرجه النسائي، وكذا أخرجه أبو داود عن أحمد لكنه في المسند كما قال مسدد، (يعني من مسند ابن عمر) فاختلف فيه على عبيد الله بن عمر عن نافع وعلى أيوب عن نافع". (فتح الباري 4/274) . ورواية يعقوب بن إبراهيم أخرجها النسائي في السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف 8/65 حديث (10550) والحديث عند أحمد "من مسند عمر" وليس كما قال الحافظ ابن حجر بأنه عند أحمد كما قال مسدد، يعني أنه من مسند ابن عمر، انظر ص (619) ، والحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه 3/351 عن محمد بن بشار حدثنا يحيى مثل رواية مسدد، يعني فجعله من مسند ابن عمر. 3 هو ابن المبارك". 4 أبو النعمان: "هو محمد بن الفضل السدوسي، المعروف "بعارم". 5 قوله: "عن نافع أن عمر قال: "يا رسول الله"، قال ابن حجر: "هكذا ذكره البخاري مرسلا مختصرا، ثم عقبه برواية معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولا تاما". وإنما أورد طريق حماد بن زيد المرسلة للإشارة إلى أن روايته مرجوحة لأن جماعة من أصحاب شيخه أيوب خالفوه فوصلوه بل بعض أصحاب حماد بن زيد رواه عنه موصولا كما أشار إليه البخاري".أيضا هنا-يعني قوله-وقال بعضهم: حماد عن أيوب عن نافع الخ". (فتح الباري8/35-36) .وقد تقدم مزيد لهذا في حديث (212) . 6 تقدم حديث برقم (212) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 632 ح- وحدثني محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر، عن أيوب عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: "لما قفلنا من حنين سأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن نذر كان نذره في الجاهلية اعتكاف، فأمره بوفائه". وقال بعضهم: حماد1 عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبيصلى الله عليه وسلم". ورواه أيضا عن عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة2 عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن عمر - رضي الله عنه - نذر في الجاهلية أن يعتكف في المسجد الحرام - قال: "أراه3 قال ليلة - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك" 4. ورواه مسلم عن محمد بن أبي بكر المقدمي ومحمد بن المثنى وزهير ابن حرب واللفظ لزهير" حدثنا يحيى "وهو ابن سعيد القطان" عن عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن عمر قال: " يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال: "فأوف بنذرك". ورواه من طريق أبي أسامة. ومن طريق عبد الوهاب الثقفي. ومن طريق حفص بن غياث. ومن طريق شعبة كلهم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر. وقال حفص من بينهم عن عمر بهذا الحديث. أما أبو أسامة والثقفي ففي حديثهما اعتكاف ليلة. وأما في حديث شعبة فقال: "جعل عليه يوما يعتكفه". وليس في حديث حفص ذكر يوم ولا ليلة.   1 حماد: "قال ابن حجر: "هو حماد بن زيد ,فإنه ذكر عقبه رواية حماد بن سلمة وهي مخالفة لسياقه". (فتح الباري 8/35) . 2 هو حماد بن أسامة أبو أسامة الكوفي". 3 قوله: "قال أراه" بضم أوله أي أظنه, والقائل ذلك هو عبيد شيخ البخاري أو البخاري نفسه, فقد رواه الإسماعيلي وغيره من طريق أخرى عن أبي أسامة بغير شك". (فتح الباري 4/284) . 4 صحيح البخاري 3/42-43كتاب الاعتكاف, باب الاعتكاف ليلا. و3/44 باب من لم ير عليه صوما إذا اعتكف, و45باب إذا نذر في الجاهلية أن يعتكف ثم أسلم, و4/74 كتاب فرض الخمس ,باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه, و8/120 كتاب الإيمان والنذور, باب إذا نذر أو حلف أن لا يكلم إنسانا في الجاهلية ثم أسلم". وتقدم الحديث برقم (212) وأخرجه البغوي من طريق البخاري عن مسدد عن يحيى القطان". (شرح السنة 6/402) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 633 ورواه من طريق حماد1 بن زيد حدثنا أيوب عن نافع قال ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة فقال: "لم يعتمر منها2, قال: وكان عمر نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية3". ورواه الدارقطني من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: "أن عمر نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أوف بنذرك" هذا إسناد صحيح. ورواه من طريق محمد بن فليح بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، فلما كان الإسلام سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:"أوف بنذرك فاعتكف عمر ليلة".إسناد ثابت4. ورواه النسائي والحميدي وابن خزيمة كلهم من طريق سفيان بن عيينة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: " كان على عمر نذر في اعتكاف ليلة في المسجد الحرام فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فأمره أن يعتكف" 5. وهذه الأحاديث الماضية جاء فيها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه "اعتكف ليلة". وقد جاء أيضا في الأحاديث الآتية أنه اعتكف يوما "وهو: أ- ما رواه البخاري من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر بن   1 وكذا رواه ابن خزيمة من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن نافع وتقدم برقم (212) . 2 سيأتي الجواب عن نفي ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة في مبحث عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة في ص 719". 3 صحيح مسلم 3/1277-1278 كتاب الأيمان، باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم وانظر تحفة الإشراف 6/66-67 و127 و141 و158، و176 حديث (7521 و7828، و7916 و8039 و 8157، وتقدم الحديث برقم (212) . 4 سنن الدارقطني2/198-199) . 5 سنن النسائي 7/20 كتاب الأيمان والنذور، بابا إذا نذر ثم أسلم قبل أن يفي واللفظ له، ومسند الحميدي 2/304، وصحيح ابن خزيمة 3/347 وزاد: "وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد وهب له جارية من سبي حنينا، فبينا هو معتكف في المسجد إذ دخل الناس يكبرون فقال: "ما هذا؟ قالوا: "رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل سبي حنين، قال: "فأرسلوا تلك الجارية". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 634 الخطاب رضي الله عنه قال: "يا رسول الله إنه كان علي اعتكاف يوم في الجاهلية, فأمره أن يفي به1". ب- ما رواه مسلم والطحاوي والبيهقي كلهم من طريق جريج ابن حازم أن أيوب حدثه أن نافعا حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه أن عمر ابن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف, فقال: "يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام ,فكيف ترى؟ قال "اذهب فاعتكف يوما" الحديث2. لفظ مسلم. ج- ورواه أحمد ومسلم كلاهما من طريق معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال:لما قفل النبي صلى الله عليه وسلم من حنين سأل عمر عن نذر كان نذره في الجاهلية اعتكاف يوم, فأمره به 3 لفظ أحمد". د- ورواه مسلم أيضا من طريق حجاج بن المنهال حدثنا حماد عن أيوب ومن طريق عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق كلاهما عن نافع عن ابن عمر بهذا الحديث4 في النذر وفي حديثهما جميعا: اعتكاف يوم5. هـ- ورواه أحمد ومسلم والنسائي كلهم من طريق شعبة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: "أن عمر كان قد جعل عليه يوماً يعتكفه في الجاهلية فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمره أن يعتكف" لفظ أحمد6.   1 صحيح البخاري 4/74، كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه". 2 صحيح مسلم 3/1277 كتاب الأيمان، باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم". وشرح معاني الآثار للطحاوي 3/133". والسنن الكبرى للبيهقي 6/338". 3 مسند أحمد 2/35 وصحيح مسلم 3/1278 كتاب الأيمان، باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم، وتقدم الحديث برقم (212) . 4 يشير إلى حديث حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع قال: "ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة". قوله: "وفي حديثهما": "يريد ابن إسحاق وأيوب". 5 صحيح مسلم 3/1278 كتاب الأيمان باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم. 6 مسند أحمد 2/82 وسنن النسائي 7/20 كتاب الأيمان والنذور، باب إذا نذر ثم أسلم قبل أن يفي، وتقدم حديث مسلم ص (621) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 635 وجاء بدون تقييد بيوم ولا ليلة: 1- عند أحمد من طريق حماد بن سلمة. والبخاري1 من طريق معمر كلاهما عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن عمر - رضي الله عنه - سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فقال: "إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام"2 لفظ أحمد. 2- ورواه مسلم من طريق حفص بن غياث3، والبيقهي من طريق سفيان4 كليهما عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: قال: "قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه نذرت أن أعتكف في المسجد الحرام فلما أسلمت سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: "أوف بنذرك" 5 لفظ البيهقي. وقد جاء أيضاً في الحديث عن عمر قال: "نذرت نذرا في الجاهلية فسألت النبي صلى الله عليه وسلم بعدما أسلمت، فأمرني أن أوفي بنذري" بدون ذكر اعتكاف وقد تقدم6". وقد تبيّن مما تقدم أن الحديث ورد بلفظ "اعتكاف ليلة" وبلفظ "اعتكاف يوم"، وقد أجاب العلماء عن هذا بجوابين: الأوّل: "الجمع بين الحديثين وهو ما أجاب به ابن خزيمة وغيره، فإنه بعد أن ساق الحديث الوارد فيه "لفظ ليلة". قال: وقال بعض الرواة: "في خبر نافع عن ابن عمر عن عمر قال: "إني نذرت أن أعتكف يوماً، فإن ثبتت هذه اللفظة، فهذا من الجنس الذي أعلمت أن العرب   1 انظر: "حديث البخاري في ص (621) . 2 المسند 2/153 والحديث رواه أحمد عن عبد الصمد وعفان كليهما عن حماد بن سلمة وتقدم الحديث برقم (212) . 3 تقدم حديث مسلم في ص: " () . 4 تقدم حديث مسلم ص (621) 5 سفيان: "هنا الظاهر أنه الثوري، لأن البيهقي روى هذا الحديث من طريق يزيد بن أبي حكيم الكناني عن سفيان، وفي ترجمة يزيد ذكر أن شيخه سفيان الثوري". (انظر تهذيب التهذيب 11/319) . 6 في ص (619) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 636 قد تقول يوما1 بليلته، وتقول ليلة تريد بيومها، وقد ثبتت الحجة في كتاب الله عز وجل في هذا2". إهـ. وقال ابن حجر: "وقد جمع ابن حبان وغيره بين الروايتين بأن عمر نذر اعتكاف يوم وليلة، فمن أطلق ليلة أراد بيومها ومن أطلق يوماً أراد بليلته3". إهـ. وأجاب النووي عن ذكر (اليوم) باحتمال أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اعتكاف ليلة، وسأله عن اعتكاف يوم، فأمره بالوفاء بما نذر، فحصل منه صحة اعتكاف الليل وحده4". الثاني: "الترجيح: "وهو ما أجاب به البيهقي وغيره، فقد ساق البيهقي الحديث من طريق عبدان أنبأ عبد الله بن المبارك عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر قال: "يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام". ثم قال: "رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن مقاتل عن عبد الله ابن المبارك". وكذلك رواه سليمان بن بلال ويحيى بن سعيد القطان وأبو أسامة وعبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله، قالوا فيه: "ليلة". وكذلك قاله حماد5 بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر6. وقال جرير بن حازم ومعمر عن أيوب "يوم" بدل "ليلة" وكذلك رواه شعبة عن عبيد الله.   1 نحو قوله تعالى: {قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً} ، [سورة آل عمران، من الآية: 41] ، أي: "بلياليها". ونحو: {قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً} ، [سورة آل عمران، من الآية: 41] ، أي: "بأيامها". (انظر: "تفسير الجلالين ص 46، و254) . 2 صحيح ابن خزيمة 3/347-348. 3 فتح الباري 4/274 وتحفة الأحوذي 5/142 وعون المعبود 9/155. 4 شرح النووي على صحيح مسلم 4/205". 5 ورواه حماد بن زيد عن أيوب أيضاً بلفظ: "اعتكاف يوم"، وكذلك رواه حماد بن سلمة ومحمد بن إسحاق عن أيوب". (انظر: "ص 623) . 6 وكذلك رواه ابن عيينة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر بلفظ "اعتكاف ليلة". (انظر ص 619 و622) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 637 ورواية الجماعة عن عبيد الله أولى، وحماد بن زيد أعرف بأيوب من غيره1".إهـ. وقال ابن حجر: "ورواية من روى "يوما" "شاذة" وقد وقع في رواية سليمان بن بلال "فاعتكف ليلة"2 فدل على أنه لم يزد على نذره شيئا وأن الاعتكاف لا صوم فيه، وأنه لا يشترط له حد معين3". ويؤخذ من قصة عمر بن الخطاب مسألتان: الأولى: "إذا نذر الكافر ثم أسلم هل يجب عليه الوفاء بما نذر، أو أن ذلك من باب الاستحباب". الثانية: " هل الصيام شرط لصحة الاعتكاف أو أن الاعتكاف يصح بدون صوم". خلاف بين العلماء في ذلك". المسألة الأولى: قال النووي: "اختلف العلماء في صحة نذر الكافر، فقال مالك وأبو حنفية وسائر الكوفيين وجمهور أصحابنا: "لا يصح". وقال المغيرة4 المخزومي وأبو ثور والبخاري وابن جرير وبعض أصحابنا: يصح وحجتهم ظاهر حديث عمر". وأجاب الأولون عنه بأنه محمول على الاستحباب، أي يستحب لك أن تفعل الآن مثل ذلك الذي نذرته في الجاهلية5". وساق الطحاوي حديث عمر الوارد فيه "أوف بنذرك" ثم قال: "قال أبو جعفر: "فذهب قوم إلى أن الرجل إذا أوجب على نفسه في حال شركه، من اعتكاف أو صدقة   1 السنن الكبرى للبيهقي 4/318". 2 انظر حديث رقم 271". 3 فتح الباري 4/274". 4 المغيرة بن سلمة المخزومي، أبو هشام البصري، ثقة ثبت، من صغار التاسعة (ت 200) . / خت م د س ق (التقريب 2/269 وتهذيب التهذيب 10/261) . 5 شرح النووي على صحيح مسلم 4/204". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 638 أو شيء مما يوجبه المسلمون لله، ثم أسلم - أن ذلك واجب عليه واحتجوا في ذلك بهذه الآثار". وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: "لا يجب عليه من ذلك شيء واحتجوا في ذلك بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ساق حديث عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: 272- "من نذر أن يعصي الله فلا يعصه" 1. 273- وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "إنما النذر ما ابتغى به وجه الله". ثم قال: "قالوا: "فلما كانت النذور إنما تجب إذا كانت مما يتقرب به إلى الله تعالى، ولا تجب إذا كانت معاصي الله وكان الكافر إذا قال: "لله عليّ صيام"، أو قال: "لله عليّ اعتكاف" فهو لو فعل ذلك، لم يكن به متقربا إلى الله وهو في وقت ما أوجبه، إنما قصد به إلى ربه الذي يعبده من دون الله وذلك معصية". فدخل ذلك في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نذر في معصية". وقد يجوز أيضا أن يكون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر "ف بنذرك" ليس من طريق أن ذلك كان واجبا عليه ولكن أنه قد كان سمح في حال ما نذره أن يفعله، فهو في معصية الله عز وجل، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعله الآن، على أنه طاعة لله عز وجل". فكان ما أمره به، خلاف ما إذا كان أوجبه هو على نفسه". وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف ومحمد - رحمهم الله تعالى -2".إهـ. وقال البغوي عند شرحه لحديث عمر: "في هذا الحديث دليل على أن من نذر في حال كفره بما يجوز نذره في الإسلام، صحّ نذره ويجب عليه الوفاء به بعد الإسلام"3. وقال الصنعاني: "دل الحديث على أنه يجب على الكافر الوفاء بما نذر به إذا أسلم وإليه ذهب البخاري وابن جرير وجماعة من الشافعية لهذا الحديث.   1 هذا الحديث في صحيح البخاري وقد خرجته في ص 635 تعليقة (3) . 2 شرح معاني الآثار 3/133-134". 3 شرح السنة 6/402 كتاب الصوم، باب من نذر اعتكاف ليلة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 639 وذهب الجماهير إلى أنه لا ينعقد النذر من الكافر، قال الطحاوي: "لا يصح منه التقرب بالعبادة، قال: "ولكنه يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم من عمر أنه سمح بفعل ما كان نذر فأمره به لأن فعله طاعة، وليس هو ما كان نذر به في الجاهلية". وذهب بعض المالكية إلى أنه صلى الله عليه وسلم إنما أمر به استحبابا، وإن كان التزمه في حال لا ينعقد فيها. ثم عقب الصنعاني على هذا بقوله: "ولا يخفى أن القول الأوّل1 أوفق بالحديث والتأويل تعسف2". وقال الشوكاني: "وفي حديث عمر دليل على أنه يجب الوفاء بالنذر من الكافر متى أسلم، وقد ذهب إلى هذا بعض أصحاب الشافعي". وعند الجمهور لا ينعقد النذر من الكافر، وحديث عمر حجة عليهم". وقد أجابوا عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف أن عمر قد تبرع بفعل ذلك أذن له به لأن الاعتكاف طاعة". ثم قال: "ولا يخفى ما في هذا الجواب من مخالفة الصواب، وأجاب بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم أمره بالوفاء استحبابا لا وجوبا". ثم قال: "ويرد بأن هذا الجواب لا يصلح لمن ادعى عدم الانعقاد3". وقال ابن حزم: "مسألة ومن نذر في حال كفره طاعة لله عز وجل ثم أسلم لزمه الوفاء به" ... 274- ثم ساق حديث حكيم بن حزم أنه قال: "أي رسول الله أرأيت أمورا كنت اتحنث4 بها في الجاهلية من صدقة، أو عتاقة، أو صلة رحم، أفيها أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسلمت على ما أسلفت من خير" 5.   1 يريد وجوب الوفاء بما نذره الكافر (2) سبل السلام 4/115". 2 سبل السلام (4/115) . 3 نيل الأوطار 8/258، والدراري المضيئة 2/154-157، وتحفة الأحوذي 5/142، عون المعبود 9/155". 4أتحنث بها: "أي أتعبد وأتقرب بها إلى الله". (النهاية 1/449) . 5 الحديث في صحيح البخاري 2/97 كتاب الزكاة، باب من تصدق في الشرك ثم أسلم. وصحيح مسلم 1/113-114 كتاب الأيمان، باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده. وقال النّووي: "وذهب ابن بطال وغيره من المحقّقين إلى أنّّ الحديث على ظاهره، وأنه إذا أسلم الكافر ومات على الإسلام يثاب على ما فعله من الخير في حال الكفر". (شرح النووي على صحيح مسلم 1/327) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 640 ثم ساق حديث عمر بن الخطاب من طريق حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: "نذرت نذرا في الجاهلية ثم أسلمت فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أوفى بنذري". ثم قال: "فهذا حكم لا يسع أحدا الخروج عنه1".إهـ. وأما المسالة الثانية؛ فإن حديث عمر الصحيح ليس فيه ذكر للصوم وإنما فيه أن عمر نذر أن يعتكف ليلة في الجاهلية، والليل ليس محلا للصوم، نعم ورد في بعض ألفاظ هذا الحديث أن عمر بن الخطاب نذر اعتكاف يوم، ولكنه ليس فيه ذكر الصوم، وقد روى الأمر بالصوم في حديث عمر ولكنه ضعيف". قال ابن حجر: "وقد ورد الأمر بالصوم في رواية عمرو بن دينار عن ابن عمر صريحا لكن إسنادها ضعيف". وقد زاد فيها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "اعتكف وصم" أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عبد الله بن بديل2 وهو ضعيف". وذكر ابن عدي والدارقطني أنه تفرد بذلك عن عمرو بن دينار، ورواية من روى "يوماً" شاذة، وقد وقع في رواية سليمان بن بلال "فاَعْتَكَف ليلة" فدل على أنه لم يزد على نذره شيئا وأن الاعتكاف لا صوم فيه وأنه لا يشترط له حد معين3. قلت: "الحديث المشار إليه عند أبي داود والنسائي أخرجه أيضا أبو داود الطيالسي وأبو يعلى والدارقطني والبيهقي كلهم من طريق عبد الله ابن بديل عن عمرو بن دينار". 275- عن ابن عمر أن عمر - رضي الله عنه - جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلة أو يوما عند الكعبة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اعتكف وصم" لفظ أبي داود4".   1 المحلى 8/371-373". 2 قال عنه ابن حجر في التقريب 1/403: "عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ويقال الليثي المكي، صدوق يخطئ". 3 فتح الباري 4/274". 4 سنن أبي داود 1/576 كتاب الصيام، باب المعتكف يعود المريض". وسنن النسائي الكبرى في الاعتكاف (تحفة الأشراف للمزي 6/19 حديث 7354) . ومسند الطيالسي 1/247-248 منحة المعبود". ومسند أبي يعلى 5/516 برقم 305". وسنن الدارقطني 2/200". والسنن الكبرى للبيهقي 4/316-317". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 641 قال الدارقطني: "تفرد به ابن بديل عن عمرو، وهو ضعيف الحديث سمعت أبا بكر النيسابوري1 يقول: "هذا حديث منكر، لأنّ الثقات من أصحاب عمرو بن دينار لم يذكروه، منهم ابن جريج وابن عيينة وحماد ابن سلمة وحماد بن زيد وغيرهم، وابن بديل ضعيف الحديث". 276- ثم ساق الدارقطني أيضاً حديثاً آخر من طريق سعيد2 ابن بشير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنّ عمر نذر أن يعتكف في الشرك ويصوم، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه، قال: "أوف بنذرك"، ثم قال: "وهذا إسناد حسن تفرد بهذا اللفظ سعيد بن بشير عن عبيد الله3". وقال البيهقي: "ذكر نذر الصوم مع الاعتكاف غريب تفرد به سعيد بن بشير عن عبيد الله4". وأرود ابن حجر قول البيهقي هذا ثم قال: "وقال عبد الحق5: "تفرد به سعيد بن بشير وهو مختلف فيه". وضعف ابن الجوزي6 في "التحقيق" هذا الحديث من أجله7". 277- وروى الحاكم من حديث عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه" 8. ثم قال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ولفقهاء الكوفة في ضد هذا   1 أبو بكر النيسابوري هو محمد بن إسحاق بن خزيمة، صاحب الصحيح، قال عنه الذهبي: "الحافظ الكبير، إمام الأئمة، شيخ الإسلام (223-311هـ) . (تذكرة الحفاظ 2/720-731) . 2 قال ابن عنه حجر: "سعيد بن بشير الأزدي مولاهم، أبو عبد الرحمن أو أبو سلمة الشامي، أصله من البصرة، أو واسط، ضعيف من الثامنة". (ت 168أو169) . /عم". (التقريب1/292 وتهذيب التهذيب4/8-10 وميزان الاعتدال2/128-130) . 3 سنن الدارقطني 2/201". 4 السنن الكبرى 4/317". 5 هو عبد الحق بن عبد الرحمن أبو محمد الأزدي الأشبيلي تقدم في ص 272". 6 هو عبد الرحمن بن علي، تقدم". 7 التلخيص الحبير 2/218". 8 هذا الحديث رجح الدارقطني والبيهقي وفقه على ابن عباس". قال البيهقي: "الصحيح موقوف، ورفعه وهم". قلت: "اختلفت الروايات عن ابن عباس فورد عنه القول بوجوب الصوم وورد عنه القول بعدم الصوم". (انظر سنن الدارقطني 2/199، والسنن الكبرى للبيهقي 4/317-319) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 642 حديثان أذكرهما وإن كانا لا يقاومان هذا الخبر في عدالة الرواة ثم ساق الحديث الأول من طريق عبد الله بن بديل عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر نذر في الجاهلية أن يعتكف يوما فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اعتكف وصم". 278- وساق الحديث الثاني من طريق سويد1 بن عبد العزيز ثنا سفيان2 بن حسين عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا اعتكاف إلا بصوم" ثم قال: "لم يحتج الشيخان بسفيان بن حسين وعبد الله3 بن بديل". وسكت عنه الذهبي4". وقال الدارقطني: "تفرد بهذا الحديث سويد عن سفيان بن حسين5". وقال البيهقي: "وهذا وهم من سفيان بن حسين أو من سويد بن عبد العزيز وسويد بن عبد العزيز الدمشقي ضعيف بمرة لا يقبل منه ما تفرد به". ثم ساق بسنده من طريق عطاء عن عائشة رضي الله عنها - موقوفا عليها- قالت: "من اعتكف فعليه الصيام"6. وروى أبو داود من طريق عبد الرحمن7 بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت: "السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع". قال أبو داود: "غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه، قالت: السنة". قال أبو داود: "جعله قول عائشة8".   1 قال عنه ابن حجر في التقريب 1/340: "لين الحديث". وساق الذهبي أقوال العلماء فيه ثم قال: "قلت: "بل هو واه جدا". (ميزان الاعتدال 2/251-252) . 2 سفيان بن حسين بن حسن، أبو محمد، أو الحسن الواسطي، ثقة في غير الزهري باتفاقهم، تقدم". 3 وقع في المستدرك "عبد الله بن يزيد" وهو خطأ". 4 المستدرك 1/439-440". 5 السنن 2/199-200". 6 السنن الكبرى للبيهقي 4/317". 7 عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن كنانة المدني نزيل البصرة، ويقال له: "عباد بن إسحاق، صدوق، رمى بالقدر، من السادسة". /خت بخ م عم". (التقريب 1/472 وتهذيب التهذيب 6/137) . 8 سنن أبي داود 1/575-576 كتاب الصيام، باب المعتكف يعود المريض". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 643 وقال الدارقطني: "يقال: "إن قوله: "وأن السنة للمعتكف إلى آخره"، ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه من كلام الزهري، ومن أدرجه في الحديث فقد وهم1". ورواه البيهقي من طريق عقيل عن ابن شهاب، وفي آخره قال: "قال الشيخ قد ذهب كثير من الحفاظ إلى أن هذا الكلام من قول من دون عائشة وأن من أدرجه في الحديث وهم فيه، فقد رواه سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن عروة قال: "المعتكف لا يشهد جنازة ولا يعود مريضا ولا يجيب دعوة، ولا اعتكاف إلا بصيام ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع2". وقال الشوكاني: "من ادعى أن الصوم شرط لصحة الاعتكاف فالدليل عليه لأنه أثبت شرطا متنازعا فيه". والوقوف في موقف المنع، والقيام في مقام عدم التسليم يكفي من لم يقل بالشرطية ولم يصح في اشتراطه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما قيل إنه مرفوع لم يصح". وما كان موقوفا على بعض الصحابة فلا حجة فيه، فإن تبرع من لم يقل بالشرطية بالدليل فله أن يقول: 279- صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما "أنه اعتكف في غير رمضان"3". وثبت في الصحيحين وغيرهما "أن عمر بن الخطاب قال: "يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك"، ولم   1 السنن 2/201 وانظر فتح الباري 4/273". 2 السنن الكبرى للبيهقي 4/320-321 و315و317". 3 يشير إلى حديث عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعتكف فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف إذا أخبية: "خباء عائشة وخباء حفصة، وخباء زينب، فقال آلبرّ تقولن بهن؟ ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشرا من شوال". أخرجه البخاري 3/43، و44، و45، كتاب الاعتكاف، باب اعتكاف النساء، وباب الأخبية في المسجد، وباب الاعتكاف في شوال، وباب من أراد أن يعتكف ثم بدا له أن يخرج. ورواه مسلم 2/831 كتاب الاعتكاف، باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه. وأبو داود 1/573-574 كتاب الصوم، باب الاعتكاف. والنسائي 2/35 كتاب المساجد، باب ضرب الخباء في المساجد. وابن ماجه1/563 كتاب الصيام، باب ما جاء فيمن يبتدي الاعتكاف وقضاء الاعتكاف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 644 يرو من وجه صحيح يصح العمل به أنه صلى الله عليه وسلم صام أيام اعتكافه في شوال ولا صحّ أنه أمر عمر بالصوم. وأما ما أخرجه أبو داود عن عائشة أنها قالت: "السنة على المعتكف ألا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد له منه، ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع". فقد أخرجه في الموطأ1 والنسائي2 وليست فيه: "قالت: "السنة" وجزم الدارقطني بأن القدر المرفوع من حديث عائشة قولها: "لا يخرج"3 وما عداه ممن دونها". وكذلك قال البيهقي كما ذكره ابن كثير في الإرشاد4". وأما ما أخرجه الحاكم عن ابن عباس مرفوعا وقال: "صحيح على شرط مسلم: "أنه لا اعتكاف إلا بصوم" فقد صحح الدارقطني والبيهقي وابن حجر أنه موقوف على ابن عباس، وأيضا فقد أخرج الحاكم عن ابن عباس مرفوعا وصححه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على المعتكف صيام" ورجح الدارقطني والبيهقي وقفه على ابن عباس، فتعارضت الرواية عن ابن عباس كما ترى ولاحجة في قوله5". وقال في نيل الأوطار: "وقد استدل بعض القائلين6 بأن الصوم شرط في الاعتكاف بقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [سورة البقرة، من الآية: "187] .   1 انظر الحديث في موطّأ مالك 1/312 كتاب الاعتكاف، باب ذكر الاعتكاف". 2 النسائي 1/121 كتاب الطهارة، باب غسل الحائض رأس زوجها". وانظر تحفة الأشراف 12/78و117 (حديث 16602و16746) . 3 يعني "لا يخرج إلا لما بد منه". (انظر فتح الباري 4/273) . 4 انظر: "ص (631) . 5 السيل الجرار 2/134-135". 6 هذا قول بعض المالكية كما صرح بذلك ابن حجر، وقد روى مالك في الموطأ أنه بلغه أن القاسم بن محمد ونافعا مولى عبد الله بن عمر قالا: "لا اعتكاف إلا بصيام، بقول الله تبارك وتعالى في كتابه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} ، [سورة البقرة، من الآية: 187] ، فإنما ذكر الله الاعتكاف مع الصيام". قال مالك: "وعلى ذلك الأمر عندنا، أنه لا اعتكاف إلا بصيام". (الموطّأ1/315 كتاب الاعتكاف، باب ما لا يجوز الاعتكاف إلا به".وانظر فتح الباري4/274-275) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 645 قال: "فذكر الاعتكاف عقب الصوم". وتعقب بأنه ليس فيها ما يدل على تلازمهما، وإلاّ لزم ألا صوم إلا باعتكاف ولا قائل به1". وقال ابن حزم: "مسألة: "وليس الصوم من شروط الاعتكاف، لكن إن شاء المعتكف صام وإن شاء لم يصم". ثم ساق الأدلة على ذلك وعلى أنه ليس على المعتكف صيام إلا أن يوجبه على نفسه". ورد على القائلين بوجوب الصيام على المعتكف2". إذا علم هذا فقد نقل النووي أن القائلين بصحة الاعتكاف بدون صوم هم الشافعي والحسن البصري وأبو ثور وداود وابن المنذر، وهو أصح الروايتين عن أحمد". وقال ابن المنذر: "وهو مروي عن علي وابن مسعود". وقال ابن عمر وابن عباس وعائشة وعروة بن الزبير والزهري ومالك والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وإسحاق وأحمد في رواية عنهما: "لا يصح إلا بصوم، وهو قول أكثر العلماء3". وأقول قد تشعبت أقوال العلماء في اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف أو عدم اشتراطه، وكذلك في حكم الكافر إذا أسلم وقد ألزم نفسه بطاعة لله عز وجل في حال كفره فهل يجب عليه الوفاء بما التزم أوّلاً". اختلفت أنظار العلماء في ذلك وتباينت آراؤهم، وكل قد أدلى بحجته ووجهة نظره، وأقوالهم وأدلتهم مبسوطة في كتب الفروع، وقد لخصت ما قاله العلماء في ذلك وتبين لي من خلال سوق النصوص أن الظاهر في هذا هو جواز الاعتكاف بدون صوم وأن الصوم ليس شرطا لصحة الاعتكاف، كما ظهر لي كذلك كما ظهر لي كذلك وجوب الوفاء بما التزم   1 نيل الأوطار 4/300-301. 2 المحلى 5/167-169. 3 شرح النووي على صحيح مسلم 4/205-206. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 646 به الكافر في حال كفره من طاعة، وهذا هو الذي تؤيّده النصوص وحديث عمر بن الخطاب صريح في هذا1". ومما ينبغي التنبيه عليه قوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام "أسلمت على ما أسلفت من خير". فهذا من محاسن دين الإسلام، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث ليتمم مكارم الأخلاق، وقد قال صلى الله عليه وسلم: 280- "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا" 2. والإسلام لا يهدم الفضائل السابقة عليه وإنما يشجعها وينميها، ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: "أوف بنذرك". ومن قال بأن هذا النذر من عمر نذر معصية فقد أبعد النجعة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يستحيل أن يأمر بالوفاء بنذر معصية، وهو القائل "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه" 3. ومن قال من العلماء بأن الوفاء من الكافر بنذره بعد إسلامه مستحب لا واجب، فهذا قريب، لكنه خلاف ظاهر النص كما سبق. والله أعلم.   1 انظر شرح معاني الآثار للطحاوي3/133-134، وشرح السنة للبغوي6/402-403. والمغني لابن قدامة 3/185-187 و8/677، و9/3". والهداية لبرهان الدين المرغيناني1/132،والمحلى لابن حزم5/268-274و8/371-373". وشرح النووي على صحيح مسلم 4/204-206. وفتح الباري 4/274-275 و284 و11/582-583. وكشاف القناع للبهوتي 2/406. وسبل السلام للصنعاني 2/175، 4/115. ونيل الاوطار للشوكاني 4/300 و8/258. والسيل الجرار 2/134".والدراري المضيئة2/30و154و157 له. وتحفة الأحوذي للمباركفوري 5/141-143. وعون المعبود لشمس الحق العظيم آبادي 7/144 و151-152 و9/154. وأوجز المسالك إلى موطأ مالك للكندهلوي 5/215-218. 2 صحيح البخاري 4/117-118 كتاب أحاديث الأنبياء، باب أم كنتم شهداء إ‘ذ حضر يعقوب الموت الخ. وصحيح مسلم 4/1846-1847 كتاب الفضائل، باب من فضائل يوسف عليه السلام من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. 3 صحيح البخاري 8/119-120 كتاب الأيمان والنذور، باب النذر في الطاعة، و120 باب النذر فيما لا يملك والنذر في معصية من حديث عائشة رضي الله عنها، تقدم برقم (272) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 647 الحكم الثالث عشر: استحقاق القاتل سلب القتيل السلب: "بالتحريك هو ما على القتيل ومعه من سلاح وثياب ودابة وغيرها1". وقد ورد في هذا الحكم الأحاديث الآتية: أ- حديث أبي قتادة عند البخاري ومسلم وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري: قال: "حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن يحيى2 بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين، فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع، وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منا ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر فقلت: "ما بال الناس؟ قال: "أمر الله عز وجل، ثم رجعوا3، وجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من قتل قتيلا   1 انظر ص (659) . 2 يحيى بن سعيد: "هو الأنصاري تقدم التعريف برجال الإسناد في حديث (62) . 3 وعندي البخاري أيضا من طريق الليث: "ثم تراجع الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه، فقمت لألتمس بينة على قتيلي، فلم أر أحداً يشهد لي، فجلست، ثم بدا لي فذكرت أمره لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل من جلسائه: "سلاح هذا القتيل الذي يذكر عندي، فأرضه منه، فقال أبو بكر: "كلا لا يعطيه أصبيغ من قريش، ويدع أسداً من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله". قال: "فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأداه إلي، فاشتريت منه خرافا، فكان أوّل مال تأثلته في الإسلام". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 648 له عليه بينة فله سلبه1، فقلت: "من يشهد لي؟ ثم جلست فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثله". قال: "ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله، فقمت فقلت: "من يشهد لي، ثم جلست، قال ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله، فقمت، فقال: "مالك يا أبا قتادة؟ فأخبرته2، فقال رجل: "صدق، وسلبه عندي، فأرضه مني، فقال أبو بكر: "لا ها الله3 إذا لا يعمد إلى أسد   1 وعند ابن إسحاق: "فلما وضعت الحرب أوزارها وفرغنا من القوم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلا فله سلبه، فقلت: "يا رسول الله، والله لقد قتلت قتيلا ذا سلب، فأجهضني عنه القتال، فما أدري من استلبه؟ فقال رجل من أهل مكة: "صدق يا رسول الله، وسلب ذلك القتيل عندي، فأرضه عني من سلبه، فقال أبو بكر الصديق رضي اله عنه: "لا والله لا يرضيه منه، تعمد إلى أسد من أسد الله، يقاتل عن دين الله تقاسمه سلبه أردد عليه سلبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق أردد عليه سلب قتيله، قال أبو قتادة: "فأخذته منه، فبعته فاشتريت بثمنه مخرفا، فإنه لأول مال اعتقدته". (سيرة ابن هشام 2/448) . 2 وعند أبي عوانة: "فنهضت ثم جلست، فقال: "مالك يا أبا قتادة؟ فحدثته الذي كان من أمري وأنه ليست لي بينة، فقال رجل من القوم: "أنا سلبت هذا الرجل الذي يقول فأرضه يا رسول الله من سلبه". فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: "لا ترضه من سلبه أيعمد أحدكم إلى سلب رجل قتله أسد من آساد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فتأخذه ثم تقول: "أرضه يا رسول الله منه؟ لعمري لا ترضه منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق، فأعطه سلبه فأخذت سلبه فاشتريت به مخرطا - أو مخرفا - فإنه أول مال اتخذته من ذلك السلب". وعند البخاري أيضا ومالك وأبي داود: "فاقتصصت عليه القصة". وعند الواقدي: "فقام عبد الله بن أنيس فشهد لي، ثم لقيت الأسود بن الخزاعي فشهد لي، وإذا صاحبي الذي أخذ السلب لا ينكر أني قتلته - وقد قصصت على النبي صلى الله عليه وسلم القصة- فقال: "يا رسول الله سلب ذلك القتيل عندي فأرضه مني". الخ (مغازي الواقدي 3/908) . 3 قوله: "لا ها الله إذا". قال ابن حجر: "هكذا ضبطناه في الأصول المعتمدة من الصحيحين وغيرهما بهذه الأحرف "لا ها الله إذا" فأما (لا ها الله) فقال الجوهري: " (ها) للتنبيه وقد يقسم بها يقال: "لا ها الله ما فعلت كذا". قال ابن مالك: "فيه شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه، قالك ولا يكون ذلك إلا مع الله أي لم يسمع لا ها الرحمن كما سمع لا والرحمن". وفي النطق بها أربعة أوجه: أحدها: " (ها الله) باللام بعد الهاء بغير إظهار شيء من الألفين". ثانيهما: "مثله لكن بإظهار ألف واحدة بغير همز، كقولهم التقت حلقتا البطان". ثالثها: "ثبوت الألفين بهمزة قطع". رابعها: "بحذف الألف وثبوت همزة القطع، انتهى كلام ابن مالك". ثم قال ابن حجر: "والمشهور في الرواية من هذه الأوجه الثالث ثم الأول". وأما (إذا) فقد أطال ابن حجر أيضاً القول في توجيهها، وذكر أن هذا اللفظ ورد عن عدة من الصحابة ثم قال في نهاية كلامه والذي يظهر من تقدير الكلام بعد أن تقرر أن "إذا" حرف جواب وجزاء أنه كأنه قال: "إذاً والله أقول لك نعم، وكذا في النفي كأنه أجابه بقوله: "إذاً والله لا نعطيك، إذاً والله لا أشترط، إذاً والله لا ألبس، وأخر حرف الجواب في الأمثلة كلها". (فتح الباري 8/37-40) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 649 من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيعطيك سلبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق فأعطه، فأعطانيه1، فابتعت2 به مخرفاً في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام3". وهذا الحديث رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وهشيم بن بشير والليث بن سعد". ووقع في حديث الليث وحده، فقال أبو بكر: "كلا لا يعطه أصبيغ4 من قريش ويدع أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله، فقام رسول الله فأداه إلى،   1 وعند الواقدي: "قال أبو قتادة: "فأعطانيه، فقال لي حاطب بن أبي بلتعة يا أبا قتادة، أتبيع السلاح؟ فبعته منه بسبع أواق، فأتيت المدينة فاشتريت به مخرفاً في بني سلمة يقال له الرّديني، فإنه لأول مال لي نلته في الإسلام، فلم نزل نعيش منه إلى يومنا هذا". (مغازي الواقدي 3/909) . وعند أحمد في مسنده 5/307 عن إسحاق بن عيسى بن نجيح أبي يعقوب بن الطباع، ثنا عبد الله بن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر المصري عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي قتادة الأنصاري أنه قتل رجلا من الكفار فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه ودرعه فباعه بخمس أواق". قال الألباني: "وابن لهيعة سيء الحفظ، فلا يحتج بزيادته، ثم رأيت الحديث عند الطحاوي من طريق عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة، وحديثه عنه صحيح". (إرواء الغليل 5/53 وانظر شرح معاني الآثار 3/227) . 2 قوله: "فابتعت به مخرفاً"، ابتعت اشتريت، والمخرف: "بفتح الميم والراء ويجوز كسر الراء أي بستانا، وسمى بذلك لأنه يخترف منه الثمر أي يجتني". وأما بكسر الميم فهو اسم الآلة التي يخترف بها". وفي رواية "خرافا" وهو بكسر أوله وهو الثمر الذي يخترف أي يجتنى وأطلق على البستان مجازا فكأنه قال بستان خراف". وقوله: "في بني سلمة" بكسر اللام هم بطن من الأنصار وهم قوم أبي قتادة". وقوله: "تأثلته" بمثناة ثم مثلثة أي أصلته، وأثلة كل شيء أصله". وفي رواية ابن إسحاق "أول مال أعتقدته" أي جعلته عقدة، والأصل فيه من العقد لأن من ملك شيئا عقد عليه". (فتح الباري 8/40-41 وانظر سيرة ابن هشام 2/448-449 وشرح النووي على صحيح مسلم 4/353 وجامع الأصول لابن الأثير 8/402-403) . 3 تقدم تخريج الحديث برقم (62) . 4 قوله: "أصبيغ" قال ابن حجر: "هو بمهملة ثم معجمة عند القابسي". وبمعجمة ثم مهملة عند أبي ذر". وقال ابن التين: "وصفه بالضعف والمهانة، والأصبيغ نوع من الطير، أو شبهه بنبات ضعيف، يقال له الصبغاء إذا طلع من الأرض يكون أول ما يلي الشمس منه أصفر، ذكر ذلك الخطابي". وعلى هذه الرواية القابسي". وعلى الثاني تصغير الضبع على غير قياس، كأنه لما عظم أبا قتادة بأنه أسد صغر خصمه وشبهه بالضبع لضعف افتراسه وما يوصف به من العجز". وقال ابن مالك: "أضيبع بمعجمة وعين مهملة تصغير أضبع ويكنى به عن الضعف". (فتح الباري 8/41 وشرح النووي على صحيح مسلم 4/353-354 وجامع الأصول لابن الأثير 8/403) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 650 فاشترت منه خرافا، فكان أوّل مال تأثلته في الإسلام1". ب- حديث أنس بن مالك عند أبي داود الطيالسي وأحمد وأبي داود وغيرهم وهذا سياقه عند أبي داود الطيالسي: قال: "حماد بن سلمة عن إسحاق2 بن عبد الله بن أنس قال: "جاءت هوزان يوم حنين تكثر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء والصبيان والإبل والغنم فانهزم المسلمون يومئذ فجعل يقول: "يا معشر المهاجرين والأنصار إني عبد الله ورسوله، يا معشر المسلمين إليّ أنا عبد الله ورسوله، فهزم المشركون من غير أن يطعن برمح أو يرمي بسهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: "من قتل مسلما فله سلبه، فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم". قال أبو قتادة: "إني حملت على رجل فضربته على حبل العاتق فأجهضت عنه وعليه درع فانظر من أخذها فقال رجل: "أنا أخذتها يا رسول الله، فأعطينيها وأرضه منها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو يسكت، فقال عمر3: "لا والله لا يفيئها الله على أسد من أسده، ثم يعطيكها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق عمر" 4. قال: "ورأى أبو طلحة مع أم سليم خنجرا فقال: "ما تصنعين بهذا؟ قالت: "أريد إن دنا أحد من المشركين أن أبعج بطنه، فذكر ذلك أبو طلحة   1 وانظر ص 636 تعليقة (3) . 2 إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة". 3 قوله: "في هذا الحديث فقال عمر الخ". وقد تقدم في حديث أبي قتادة في الصحيحين: "أن القائل أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -". انظر: "حديث رقم (62) . قال ابن كثير: "وقول عمر في هذا مستغرب والمشهور أن ذلك أبو بكر الصديق". وقال في موضع آخر: "وقع من رواية نافع أبي غالب عن أنس أن القائل لذلك عمر ابن الخطاب فلعله قاله متابعة لأبي بكر الصديق ومساعدة وموافقة له، أو قد اشتبه على الراوي والله أعلم". (البداية والنهاية 4/327 و329) . وقوله: "من رواية نافع أبي غالب" خطأ". والصواب: "من رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس كما هو عند ابن كثير نفسه". وقال ابن حجر تنبيه: "وقع في حديث أنس أن الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عمر أخرجه احمد من طريق حماد بن سلمة عن إسحاق بن أبي طلحة عنه،" ... وهذا الإسناد قد أخرج به مسلم بعض هذا الحديث وكذلك أبو داود، لكن الراجح أن الذي قال ذلك أبو بكر كما رواه أبو قتادة وهو صاحب القصة فهو أتقن لما وقع فيها من غيره، ويحتمل الجمع بأن يكون عمر أيضا قال ذلك تقوية لقول أبي بكر". (فتح الباري 8/40 وأوجز المسالك 8/301) . 4 وعند ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي "فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: "صدق عمر". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 651 لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: " يا أم سليم إن الله قد كفى وأحسن". قالت: "يا رسول الله اقتل من بعدنا من الطلقاء الذين انهزموا بك" 1. جـ حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم وأحمد وأبي داود وغيرهم وهذا سياقه عند مسلم قال: حدثنا زهير بن حرب حدثنا عمر بن يونس الحنفي حدثنا حدثنا عكرمة بن عمار حدثني إياس بن سلمة، حدّثني أبي سلمة بن الأكوع، قال: "غزونا2 مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوزان، فبينا نحن نتضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه، ثم انتزع طلقاً3 من حقبة فقيد به الجمل، ثم تقدم يتغدى مع القوم، وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورقة في الظهر وبعضنا مشاة، إذ خرج4 يشتد فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه وقعد عليه فأثاره، فاشتد به الجمل، فاتبعه رجل على ناقة ورقاء". قال سلمة: "وخرجت5، أشتد فكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت حتى كنت   1 ما بين القوسين من مسند أحمد، وأما في مسند الطيالسي فجاءت هذه الجملة هكذا "فقالت: "يا رسول الله فأقتل هؤلاء ينهزموا بك". قال الساعاتي: "قال مصححو الكتاب هذه الجملة كلها مصحفة فليحرر". ثم قال الساعاتي: "قلت: "جاء هذا الحديث في مسند أحمد وفيه قال: "وكانت أم سليم معها خنجر فقال أبو طلحة: "ما هذا معك؟ قالت: "اتخذته إن دنا مني بعض المشركين أن أبعج به بطنه، فقال أبو طلحة يا رسول الله ألا تسمع ما تقول أم سليم؟ قالت: "يا رسول الله اقتل من بعدنا من الطلقاء الذين انهزموا بك، قال: "إن الله قد كفانا وأحسن يا أم سليم". (مسند أحمد 3/190ومنحة المعبود والتعليق المحمود على منحة المعبود 2/109) . وتقدم الحديث برقم (47) و (60) انظر ص 116-117 و149". 2 وعند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة (قال: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوزان، قال فبينما نحن نتضحى وعامتنا مشاة وفينا ضعفة إذ جاء رجل الخ". 3 وعند أحمد "فانتزع شيئاً من حقب البعير فقيد به البعير، ثم جاء يمشي حتى قعد معنا يتغدى قال: "فنظر في القوم فإذا ظهرهم فيه قلة وأكثرهم مشاة". وعند أحمد أيضاً". "فبينما نحن نتضحى وعامتنا مشاة، فينا ضعفة، إذ جاء رجل على جمل أحمر فانتزع طلقا على حقبه فقيد به جمله رجل شاب ثم جاء يتغدى مع القوم". 4 وعند أبي داود: "فلما رأى ضعفتهم ورقة ظهرهم خرج يعدو إلى جمله فأطلقه ثم أناخه فقعد عليه ثم خرج يركضه واتبعه رجل من أسلم على ناقة ورقاء هي أمثل ظهر القوم". وعند أحمد: "فلما نظر إلى القوم خرج يعدو، قال فأتى بعيره فقعد عليه، قال: "فخرج يركضه، وهو طليعة للكفار فاتبعه رجل منا من أسلم على ناقة له ورقاء، قال إياس: "قال أبى فاتبعته أعدو على رجلي" وعند ابن أبي شيبة وأحمد:"وتبعه رجل من أسلم من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم على ناقة ورقاء". 5 وعند أبي داود: "فخرجت أعدو فأدركته ورأس الناقة عند ورك الجمل، وكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل الخ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 652 عند ورك الجمل ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل1 فأنخته، فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت2 سيفي فضربت رأس الرجل فندر ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه3، فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقال: "من قتل الرجل؟ " قالوا: "ابن الأكوع، قال: "له سلبه 4 أجمع" 5. والحديث أخرجه أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود وأبو عوانة والطبراني والبيهقي الجميع من طريق عكرمة بن عمار به 6". 281- حديث سلمة بن الأكوع أيضا عند البخاري وأبي داود وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري قال: "حدثنا أبو نعيم7 حدثنا أبو العميس8 عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين9 - وهو في سفر -   1 وعند أحمد "حتى أخذت بخطام الجمل فقلت له أخ فلما وضع الجمل ركبته إلى الأرض اخترطت سيفي فضربت رأسه". وعند أبي عوانة "فأخذت بخطام الجمل فقلت: "أخ! أخ فما عدا أن وضع ركبته إلى الأرض فأضرب رأس الطليعة فندر". 2 اخترط سيفه: "أي سله وأخرجه من غمده". وقوله: "فندر" أي طار عن بدنه وسقط على الأرض". (النهاية لابن الاثير 2/23و5/35 وجامع البيان 8/399) . 3 وعند أبي داود: "فجئت براحلته وما عليها أقودها فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس مقبلا فقال: "من قتل الرجل؟ ". وعند أبي عوانة: "ثم جئت بالجمل ورحله وأداته وسيفه أقوده". 4 وعند أبي عوانة: "له السلب كله". وعند البيهقي: "له السلب أجمع". وعند ابن أبي شيبة: "فنفله سلبه" 5 صحيح مسلم 3/1374-1375 كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل. 6 مسند أحمد 4/46، و49، و51، وتاريخ ابن أبي شيبة ص 94 أ، وكنز العمال 10/354-355، ومنتخب كنز العمال 4/168 مع (مسند أحمد) ، وسنن أبي داود 2/45-46، كتاب الجهاد ن باب في الجاسوس المستأمن، ومسند أبي عوانة 4/119، و120، و124، والمعجم الكبير للطبراني 7/17، والسنن الكبرى للبيهقي 6/307". وتقدم هذا الحديث برقم (102) . 7 أبو نعيم هو الفضل بن دكين". 8 أبو العميس: "بمهملتين مصغرا هو عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي المسعودي الكوفي". 9 وعند أحمد: "جاء عين للمشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم". قال ابن حجر: "لم أقف على اسمه ووقع في رواية عكرمة ابن عمار عن إياس، عند مسلم أن ذلك كان في غزوة هوزان، ثم قال: "وسمي الجاسوس عيناً؛ لأن جل عمله بعينه، أو لشدة اهتمامه بالرؤية واستغراقه فيها كأن جميع بدنه صار عينا". (فتح الباري 6/168) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 653 فجلس عند أصحابه يتحدث ثم انفتل1 فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "اطلبوه واقتلوه2، فقتلته، فنفله3 سلبه" 4. والحديث رواه أبو داود عن الحسن بن علي الحلواني حدثنا أو نعيم قال حدثنا أبو العميس به5". ورواه النسائي عن أحمد بن سليمان أبو الحسين الجزري عن جعفر بن عون عن أبي العميس6".   1 وعند النسائي وأحمد وأبي عوانة من طريق جعفر بن عون عن أبي العميس "فلما طعم انسل". وفي رواية عكرمة بن عمار عند مسلم "فقيد الجمل ثم تقدم يتغدى مع القوم وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورقة في الظهر إذ خرج يشتد". (فتح الباري 6/168) . 2 قوله: "اطلبوه واقتلوه"، قال ابن حجر: "زاد أبو نعيم في المستخرج من طريق يحيى الحماني عن أبي العميس "أدركوه فإنه عين". وزاد أبو داود عن الحسن بن علي عن أبي نعيم فيه "فسبقتهم إليه فقتلته". (فتح الباري 6/169) . قلت: "وعند أحمد وأبي عوانة"من طريق جعفر بن عون عن أبي عميس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بالرجل اقتلوه فابتدره القوم وكان أبي يسبق الفرس شداً فسبقهم إليه فأخذ بخطام ناقته ثم قتله". 3 قوله: "فنفله سلبه"، قال ابن حجر: "كذا فيه، وفيه، التفات من ضمير المتكلم إلى الغيبة، وكان السياق يقتضي أن يقول فنفلني، وهي رواية أبي داود وزاد هو ومسلم من طريق عكرمة بن عمار "فاتبعه رجل من أسلم على ناقة ورقاء، فخرجت أعدو حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته فلما وضع ركبته بالأرض اخترطت سيفي، فأضرب رأسه فندر، فجئت براحلته وما عليها أقودها فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من قتل الرجل؟ قالوا: "ابن الأكوع قال: "له أسلبه أجمع". وترجم عليه النسائي "قتل عيون المشركين". وقد ظهر من رواية عكرمة بن عمار الباعث على قتله وأنه اطلع على عورة المسلمين وبادر ليعلم أصحابه فيغتنموا غرتهم، وكان في قتله مصلحة للمسلمين". قال النووي: "فيه قتل الجاسوس الحربي الكافر وهو باتفاق". وأما المعاهد والذمي فقال مالك والأوزاعي: "ينتقض عهده بذلك". وعند الشافعية خلاف أما لو شرط عليه ذلك في عهده فينتقض اتفاقا". (فتح الباري 6/169 وانظر شرح النووي على صحيح مسلم 4/359) . 4 صحيح البخاري4/55 كتاب الجهاد، باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان". 5 سنن أبي داود 2/45، كتاب: "الجهاد، باب في الجاسوس المستأمن". 6 السنن الكبرى، تحفة الاشراف 4/37 (4514) . وهذا الحديث أفرده البيهقي وكذا المزي في الأطراف والنابلسي في الذخائر عن الحديث المروي عن سلمة ابن الأكوع من طريق عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن سلمة ابن الأكوع". (انظر السنن الكبرى 6/307، 9/147، والأطراف للمزي 4/37 (حديث 4514) وذخائر المواريث 2/244 حديث 2195) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 654 ورواه أحمد وأبو عوانة كلاهما من طريق جعفر بن عون قال حدثنا أبو عميس به1". ورواه أبو عوانة والطحاوي والطبراني والبيهقي كلهم من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا أبو العميس به2". هـ- حديث سلمة بن الأكوع أيضا عند ابن ماجة وأحمد وهذا سياقه عند ابن ماجة قال: حدثنا علي3 بن محمد ثنا وكيع ثنا أبو العميس وعكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: "بارزت رجلا فقتلته فنفلني رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه" 4. وفي الزوائد: "إسناده صحيح ورجاله ثقات5". ورواه أحمد عن وكيع ثنا أبو عميس به6". وهذه الأحاديث تدل بظاهرها على أن من قتل كافرا له عليه بينة استحق سلبه, سواء أكان ذلك السلب قليلا أم كثيرا , وسواء أذن الإمام أو لم يأذن, كما تدل على أن السلب من أصل الغنيمة وعلى أنه لا يخمس, هذا هو الظاهر من هذه النصوص7". وقد اختلف العلماء من هذا الحكم في مسائل أقتصر على أهمها: الأولى: "هل القاتل يستحق سلب القتيل سواء أذن أمير الجيش أم لم يأذن وبهذا قال جمهور العلماء.   1 مسند أحمد 4/50 ومسند أبي عوانة 4/123". 2 المصدر السابق 4/122 وشرح معاني الآثار للطحاوي 3/227 والمعجم الكبير للطبراني 7/29 والسنن الكبرى للبيهقي 6/307 و9/147". 3 علي بن محمد يحتمل أن يكون هو الطنافسي, وهو ثقة, ويحتمل أن يكون ابن أبي الخصيب القرشي الكوفي وهو "صدوق ربما أخطأ" فإن كل واحد منهما شيخه وكيع وتلميذه ابن ماجة (انظر تهذيب التهذيب 7/378و379 والتقريب 2/43) وعلى كل حال فإن الحديث صحيح فقد رواه أحمد عن وكيع ثنا أبو عميس الخ". 4 سنن أبن ماجة 2/946 كتاب الجهاد , باب المبارزة والسلب". 5 هذا الحديث أفرده أيضا المزي في الأطراف 4/41 (حديث 4529) فنسبه لابن ماجة وحده". وقال الألباني في إرواء الغليل 5/55 وأورده البوصيري في (زوائد سنن ابن ماجة) وقال:"هذه إسناد صحيح رجاله ثقات" واسم أبي العميس عتبة بن عبد الله"، فخفي عليه أنه على شرط كل من الشيخين, وأنهما أخرجاه بأتم منه, ولولا ذلك لما أورده". 6 مسند أحمد 4/45 7 انظر: "زاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/100و494 و5/72". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 655 قال النووي: "عند شرحه لحديث أبي قتادة: اختلف العلماء في معنى هذا الحديث, فقال الشافعي والأوزاعي والليث والثوري1 وأبو ثور وأحمد وإسحاق وابن جرير وغيرهم: "يستحق القاتل سلب القتيل في جميع الحروب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك: من قتل قتيلا فله سلبه أم لم يقل ذلك قالوا وهذه فتوى من النبي صلى الله عليه وسلم وإخبار عن حكم الشرع فلا يتوقف على أحد2". وبوب البخاري بقوله: "باب من لم يخمس الأسلاب, ومن قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس, وحكم الإمام فيه". ثم ساق تحت هذا الباب حديث أبي قتادة وفيه "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه"3". قال ابن حجر: "وإلى ما تضمنته الترجمة ذهب الجمهور, وهو أن القاتل يستحق السلب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك من قتل قتيلا فله سلبه أو لم يقل ذلك, وهو ظاهر حديث أبي قتادة". وقالوا: "إنه فتوى من النبي صلى الله عليه وسلم وإخبار عن الحكم الشرعي4".اهـ وساق أبو عبيد حديث أبي قتادة ثم قال: "قال أبو عبيد: فقد تبين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم لأبي قتادة بالسلب ,من غير أن يكون نفله إياه قبل ذلك, ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال: "قال بعد قتل أبي قتادة صاحبه, فهذا عندنا بين واضح: أن السلب مقضي به للقاتل بسنة ماضية من رسول الله صلى الله عليه وسلم, جعله له الإمام قبل ذلك أم لم يجعله له5".اهـ.   1 في المغني لابن قدامة 8/392 وأضواء البيان للشنقيطي 2/390 , أن الثوري معدود مع القائلين بأن القاتل لا يستحق السلب إلا أن يقول الإمام ذلك , وهو كذلك عند القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 8/5". 2 شرح النووي على صحيح مسلم 4/351 والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/5 وزاد: "ابن المنذر وأبا عبيد". 3صحيح البخاري 4/73 كتاب فرض الخمس". 4 فتح الباري 6/247 5 كتاب الأموال ص: "437-438". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 656 وقال الخرقي: "ومن قتل منا أحداً منهم مقبلاً1 على القتال فله سلبه غير مخموس، قال ذلك الإمام أو لم يقل". قال ابن قدامة: "في هذه المسألة فصول ستة: أحدها: "أن القاتل يستحق السلب في الجملة ولا نعلم فيه خلافا، والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم "من قتل كافرا فله سلبه". ثم أورد حديث أبي قتادة، حديث أنس بن مالك2، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين: "من قتل قتيلا فله سلبه" قال: "فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا فاخذ أسلابهم". وقال أيضاً الفصل السادس: "أن القاتل يستحق السلب قال ذلك الإمام أو لم يقل، وبه قال الأوزاعي والليث والشافعي وإسحاق وأبو ثور3". وقال محمد الأمين الشنقيطي: "واحتج من قال: "باستحقاق القاتل سلب المقتول مطلقا بعموم الأدلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم، صرح بان من قتل قتيلا فله سلبه، ولم يخصص بشيء، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، كما علم في الأصول4". وقال الصنعاني: "عند شرحه لحديث عوف بن مالك الأشجعي أن النبي صلى الله عليه وسلم "قضى بالسلب للقاتل" 5.   1 قال محمد الأمين الشنقيطي: "والحق أنه لا يشترط في ذاك أن يكون القتل في مبارزة، ولا يكون الكافر المقتول مقبلا". أما الدليل على عدم اشتراط كونه قتله مقبلا إليه: "فحديث سلمة بن الأكوع ثم أورد حديث سلمة في قصة قتل عين المشركين وفيه "قال سلمة: "فاتَّبعه رجل من أسلم على ناقة ورقاء، قال سلمة: "وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة، ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته على الأرض اخترطت سيفي، فضربت به رأس الرجل فندر". الحديث ثم قال: "وهو صريح في عدم اشتراط المبارزة، وعدم اشتراط قتله مقبلا، لا مدبراً كما ترى وكذلك حديث أبي قتادة يدل على عدم اشتراط المبارزة أيضاً". (أضواء البيان 2/388 وانظر سياق حديث أبي قتادة ص 636 وحديث سلمة ص 640-642، وانظر حديث (281) . 2 انظر حديث أبي قتادة ص 636 وحديث أنس ص 639". 3 المغني 8/386-387و 392". 4 أضواء البيان 2/390". 5 الحديث رواه مسلم وأبو داود وأحمد".انظر حديث رقم (283) ،وص653-655". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 657 قال: "فيه دليل على أن السلب الذي يؤخذ من العدو الكافر يستحقه قاتله سواء قال الإمام قبل القتال: "من قتل قتيلا فله سلبه أو لا، وسواء كان القاتل مقبلا أو منهزما، وسواء كان ممن يستحق السهم في المغنم أو لا1، إذ قوله "قضى بالسلب للقاتل" حكم مطلق غير مقيد بشيء من الأشياء". قال الشافعي: "وقد حفظ هذا الحكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة: منها يوم بدر، فإنه صلى الله عليه وسلم حكم بسلب أبي جهل2 لمعاذ بن الجموح لما كان هو المؤثر في قتل أبي جهل وكذا في قتل حاطب بن أبي بلتعة لرجل يوم أحد أعطاه سلبه 3". والأحاديث في هذا الحكم كثيرة: وقوله صلى الله عليه وسلم في يوم حنين "من قتل قتيلا فله سلبه" بعد القتال لا ينافي هذا بل هو مقرر للحكم السابق، فإن هذا كان معلوما عند الصحابة من قبل حنين، ولذا قال عبد الله بن جحش4: "اللهم ارزقني رجلا شديدا إلى قوله: "أقتله وآخذ سلبه"5.إهـ. وقال أبو حنيفة ومالك ومَن تابعهما لا يستحق القاتل سلب القتيل بمجرد القتل، بل هو لجميع الغانمين كسائر الغنيمة إلا أن يقول الإمام من قتل قتيلا فله سلبه".   1 كالمرأة والصبي والعبد". 2 انظر: "الحديث رقم (282) . 3 رواه الحاكم من حديث أنس بن مالك ومن طريقه أخرجه البيهقي، وفيه "أن المقتول عتبة بن أبي وقاص وأن حاطب قتله وأخذ رأسه وسلبه وفرسه وجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه ودعا له". (المستدرك 3/300-301 والسنن الكبرى 6/308) . 4 الحديث رواه البيهقي من طريق إسحاق بن سعد بن أبي وقاص قال: "حدثني أبي أن عبد الله بن جحش قال يوم أحد ألا تأتي ندعو الله فخلوا في ناحية فدعا سعد قال: "يا رب إذا لقينا القوم غدا فلقني رجلاً شديداً بأسه شديداً حرده فأقاتله فيك ويقاتلني ثم ارزقني عليه الظفر حتى أقتله وآخذ سلبه فأمن عبد الله بن جحش ثم قال: "اللهم ارزقني غداً رجلاً شديداً حرده شديداً بأسه أقاتله فيك ويقاتلني ثم يأخذني فيجدع أنفي فإذا لقيتك غداً". قلت: "يا عبد الله فيم جدع أنفك وأذنك؟ ". فأقول فيك وفي رسولك صلى الله عليه وسلم فتقول صدقت".، قال سعد بن أبي وقاص: "يا بني كانت دعوة عبد الله بن جحش خيرا من دعوتي لقد رأيته آخر النهار وإن أذنه وأنفه معلقتان في خيط". (السنن الكبرى 6/307-308) وقال ابن حجر في الفتح 6/248: "روه الحاكم والبيهقي من حديث سعد بن أبي وقاص بإسناد صحيح". 5 سبل السلام 4/52-53". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 658 إلا أنه عند مالك يكون قول الإمام من قتل قتيلا فله سلبه بعد انقضاء الحرب لأنه جعل السلب من جملة الأنفال". ويكره للإمام أن يقول ذلك قبل انقضاء القتال لأنه يؤدي ذلك إلى صرف نيات المجاهدين لقتال الدنيا، ويجوز بعد القدرة على العدو لأنه لا محذور فيه عندئذ 1". واستدل الحنفية والمالكية بأدلة منها: - حديث أبي قتادة الوارد فيه "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه" 2 قالوا: "وقد دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم السلب لأبي قتادة، وغير بينة ولا يمين ولو كان يستحق السلب بمجرد القتل لطولب بالبينة على أنه قتله". 282- حديث عبد الرحمن بن عوف المتفق عليه في قصة قتل معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء الأنصاريين لأبي جهل يوم بدر، فإن فيه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه، فقال: "أيكما قتله؟ ". فقال كل واحد منها: "أنا قتلته، فقال: "هل مسحتما سيفيكما؟ قالا: "لا، فنظر في السيفين، فقال: "كلاكما قتله" وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح" 3. قالوا: "فتصريحه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المتفق عليه، بأن كليهما قتله، ثم تخصيص أحدهما بسلبه، دون الآخر، صريح في أن القاتل لا يستحق السلب، إلا بقول الإمام: "أنه له، إذ لو كان استحقاقه له بمجرد القتل لما كان لمنع معاذ بن العفراء وجه، مع النبي صلى الله عليه وسلم صرح بأنه قتله مع معاذ بن عمرو، ولجعله بينهما بالسوية لاشتراكهما في قتله". - حديث عوف بن مالك الأشجعي عند أحمد ومسلم وأبي داود وهذا سياقه عند مسلم:   1 حاشية الدسوقي 2/190-191 وأوجز المسالك إلى موطأ مالك 8/285، والهداية لبرهان الدين المرغيناني 2/149 وشرح معاني الآثار3/227، والمغني لابن قدامة 8/392 وشرح النووي على صحيح مسلم 4/351، وزاد المعاد 3/489 وفتح الباري 6/247 والمحلى لابن حزم 7/547 وأضواء البيان للشنقيطي 2/390". 2 الحديث تقدم في ص 636". 3 البخاري: "الصحيح 4/73 كتاب فرض الخمس، باب من لم يخمس الأسلاب الخ". ومسلم: الصحيح3/1372كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 659 283- عن عوف بن مالك قال: "قتل رجل من حمير رجلا من العدو فأراد سلبه فمنعه خالد بن الوليد وكان واليا عليهم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال لخالد "ما منعك أن تعطيه سلبه؟ ". قال: "استكثرته يا رسول الله! قال: "ادفعه إليه" فمر خالد بن بعوف فجر بردائه1 ثم قال: "هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغضب2، فقال: "لا تعطه يا خالد لا تعطه يا خالد! هل أنتم تاركون لي أمرائي" الحديث. وفي رواية عند مسلم أيضا عن عوف بن مالك الأشجعي قال: "خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة، في غزوة مؤتة، ورافقني مددي3 من اليمن وساق الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه غير أنه قال في الحديث: "قال عوف: "فقلت: "يا خالد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: "بلى، ولكني استكثرته4". قالوا: "فقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح: "لا تعطه يا خالد" دليل على أنه لم يستحق السلب بمجرد القتل، إذ لو استحقه به، لما منعه منه النبي صلى الله عليه وسلم". 284- ما واه ابن أبي شيبة قال: "حدثنا أبو الأحوص5 عن الأسود6 بن قيس عن شبر7 بن علقمة قال: "بارزت رجلا يوم القادسية، فقتلته، وأخذت سلبه   1 فجر بردائه: "أي جذب عوف برداء خالد وتكلم عليه لمنعه من السلب". 2 فاستغضب: "بالبناء للمجهول: "أي صار رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا". 3 مددى: "يعني رجلا من المدد الذين جاؤا يمدون مؤتة ويساعدونهم". 4 صحيح مسلم 3/1373-1374 كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل، وانظر تخريج الحديث عند أبي داود وأحمد ص 653-655". 5 أبو الأحوص: "هو سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي "ثقة متقن" تقدم في حديث (27) . 6 الأسود بن قيس العبدي، ويقال العجلي الكوفي، يكنى أبا قيس، ثقة من الرابعة". /ع". (التقريب 1/76 وتهذيب التهذيب 1/341) . 7 شبر بن علقمة العبدي الكوفي. ذكره ابن حجر في الإصابة 1/163 في القسم الثالث من حرف الشين وقال: "له إدراك وشهد القادسية له رواية عن ابن مسعود، ثم أورد له هذا الحديث من طريق الأسود بن قيس وقال: "رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة". ووقع في أضواء البيان الشنقيطي 2/392: "بشر بن علقمة" بتقديم الموحدة على المعجمة وهو خطأ، وكذا وقع في المحلى لابن حزم 3/545". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 660 فأتيت به سعداً فخطب سعد أصحابه ثم قال: "هذا سلب شبر بن علقمة فهو خير من أثنى عشر ألف درهم، وإنا قد نفلناه إياه" قالوا: "فلو كان السلب للقاتل قضاء من النبي صلى الله عليه وسلم، لما أضاف الأمراء ذلك التنفيل إلى أنفسهم باجتهادهم ولأخذه القاتل دون أمرهم". 285- ما ذكره مالك في الموطأ قال: "لم يبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل قتيلا فله سلبه" إلا يوم حنين1. هذا أهم ما استدل به المالكية والحنفية على ما ذهبوا إليه من أن القاتل لا يستحق سلب قتيله إلا إذا قال الإمام قبل القتال من قتل قتيلا فله سلبه2. ورد القائلون - باستحقاق السلب للقاتل مطلقا- على هذه الأدلة بما يأتي: أ- حديث أبي قتادة، أجاب عنه ابن قدامة بقوله: "وأما أبو قتادة؛ فإن خصمه اعترف له به وصدقه فجرى مجرى البينة ولأن السلب مأخوذ من الغنيمة بغير تقدير الإمام واجتهاده فلم يفتقر إلى شرطه كالسهم3". وأجاب القرطبي عنه بقوله: "سمعت شيخنا عبد العظيم المنذري يقول: "إنما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة سلب قتيله بشهادة الأسود4 بن خزاعى وعبد الله5 بن أنيس، وعلى هذا يندفع النزاع، ويزول الإشكال ويطرد الحكم6".إهـ.   1 موطّأ مالك 2/455 كتاب الجهاد، باب ما جاء في السلب في النفل". وانظر: "هذه الأدلة في شرح معاني الآثار للطحاوي 3/227 والمغني لابن قدامة 8/393، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/6-7، ونصب الراية للزيلعي 3/431-434، وفتح الباري لابن حجر6/247-248، وأضواء البيان للشنقيطي 2/390-393، والمحلى لابن حزم 3/547-553، والأم 4/67-68". 2 إلا أن هذا القول عند مالك رحمه الله يكون بعد انقضاء الحرب، كما تقدم في ص 647". 3 المغني 8/393و396". 4 الأسود بن خزاعى الأسلمي حليف بني سلمة من الأنصار". قال ابن حجر: "ذكره موسى بن عقبة عن الزهري فيمن قتل ابن أبي الحقيق، وسماه ابن إسحاق: "خزاعي بن الأسود وكذلك معمر عن الزهري، وذكر الواقدي أنه شهد لأبي قتادة بسلب قتيله يوم حنين". (الإصابة 1/42-43) . 5 عبد الله بن أنيس الجهني أبو يحيى المدني حليف بني سلمة من الأنصار بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن نبيح الهذلي فقتله". (الإصابة 1/42-43 و2/278-279 ومغازي الواقدي 3/908) . 6 الجامع لأحكام القرآن 8/9 وقال: "وأما المالكية؛ فيخرج على قولهم أنه لا يحتاج الإمام فيه إلى بينة، لأنه من الإمام ابتداء عطية فإن شرط الشهادة كان له، وإن لم يشترط جاز أن يعطيه من غير شهادة، وانظر: أضواء البيان للشنقيطي2/397". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 661 ب- حديث عبد الرحمن بن عوف في قصة قتل أبي جهل". قال الزيلعي: "أجاب عنه البيهقي في "المعرفة" بقوله: "وهذا حجة لهم فيه، فإن غنيمة بدر كانت للنبي صلى الله عليه وسلم بنص الكتاب يعطي منها من يشاء، وقد قسم لجماعة لم يشهدوا، ثم نزلت الآية في الغنيمة بعد بدر، وقضى - عليه السلام - بالسلب للقاتل، واستقر الأمر على ذلك، ويجوز أن يكون أحدهما أثخنه، والثاني جرحه بعد، فقضى بسلبه للأوّل1".إهـ". وأجاب ابن حزم بقوله: "قال: "أبو محمد: "ولا حجة لهم في هذا كله، وأين يوم بدر من يوم حنين وبينهما أعوام؟ وما نزل حكم الغنائم إلا بعد يوم بدر فكيف يكون السلب للقاتل2". وقال ابن حجر: "أجاب الجمهور عن هذا الحديث بأن في سياق دلالة على أن السلب يستحقه من أثخن في القتل ولو شاركه غيره في الضرب أو الطعن". قال المهلب3: "نظره صلى الله عليه وسلم في السيفين واستلاله لهما هو ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما ومقدار العمق دخولهما في جسم المقتول ليحكم بالسلب لمن كان في ذلك أبلغ، ولذلك سألهما أولا هل مسحتما سيفيكما أم لا؟ لأنهما لو مسحاهما لما تبين المراد من ذلك وإنما قال: "كلاكما قتله" وإن كان أحدهما هو الذي أثخنه ليطيب نفس الآخر". وقال الإسماعيلي 4: "أقول إن الأنصاريين ضرباه فأثخناه5 وبلغا به المبلغ الذي يعلم معه أنه لا يجوز بقاؤه على تلك الحال إلا قدر ما يطفأ، وقد دل قوله: "كلاكما قتله" على أن كلا منهما وصل إلى قطع الحشوة6 إبانتها أو بما يعلم أن عمل كل من سيفيهما كعمل الآخر، غير أن أحدهما سبق بالضرب فصار في حكم المثبت   1 نصب الراية 3/432". 2 المحلى 7/550". 3 هو القاضي أبو القاسم المهلب بن أحمد بن أبي صفرة التميمي الفقيه الحافظ المحدث العالم المتفنن، شرح البخاري واختصره اختصارا مشهورا وله تعليق على البخاري حسن، (مات سنة 435أو 436) . (شجرة النور الزكية في طبقات المالكية ص 114 ومقدمة البخاري 1/127) . 4 هو الإمام الحافظ الثبت شيخ الإسلام أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي الجرجاني، له تخريج على صحيح البخاري، ولد عام 277 ومات سنة 371هـ". (تذكرة الحفاظ للذهبي 3/947-951) . 5 أثخناه: "أي أثقلاه بالجراح". (النهاية 1/208) . 6 الحشوة: "بالضم والكسر: "الأمعاء". (المصدر السابق 1/392) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 662 لجراحه حتى وقعت به ضربة الثاني فاشتركا في االقتل، إلا أن أحدهما قتله وهو ممتنع والآخر قتله وهو مثبت فلذلك قضى بالسلب للسابق إلى إثخانه1". جـ وأما حديث عوف بن مالك الأشجعي في قصته مع خالد بن الوليد، فأجاب الخطابي عنه بقوله: "إنما منع عليه السلام خالدا في الثانية أن يرد على عوف سلبه زجرا لعوف، لئلا يتجرأ الناس على الأئمة، لأن خالدا كان مجتهدا في صنعه، لما رأى فيه من المصلحة، فأمضى عليه السلام اجتهاده، واليسير من الضرر يحتمل الكثير من النفع، قال: "ويشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد عوض المددى من الخمس الذي هو له وترضى خالدا بالنصح له والتسليم الحكم له في السلب 2". وأجاب عنه ابن حزم بقوله: قال أبو محمد: "لا حجة لهم في هذا، بل هو حجة عليهم لوجوه: أوّلها: "أن فيه نصا جليا أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل وهذا قولنا". وثانيها: "أنه عليه السلام أمر خالدا بالرد عليه". وثالثها: "أن في نصه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بأن لا يرد عليه، لأنه علم أن القاتل صاحب السلب أعطاه بطيب نفس ولم يطلب خالدا به، وأن عوفاً يتكلم فيما لا حق له فيه وهذا هو نص الخبر". ورابعها: "أنه لو كان كما يوهمون لما كان لهم فيه حجة، لأن يوم حنين الذي قال فيه عليه السلام "من قتل كافرا فله سلبه" كان بعد يوم مؤتة3 بلا خلاف". ويوم حنين كان بعد فتح مكة" ... فيوم حنين حكمه ناسخ لما تقدم لو كان خلافه4". د- وأما حديث شبر بن علقمة وقول سعد بن أبي وقاص إنا قد نفلناه إياه فأجاب عنه ابن قدامة بقوله: "أما خبر شبر فإنما أنفذ له سعد ما قضى له به رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماه نفلا لأنه في الحقيقة نفل لأنه زيادة على سهمه5".   1 فتح الباري 6/248 وشرح النووي على صحيح مسلم 4/355". 2 الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي ص225 ونصب الراية للزيلعي 3/432". 3 كانت غزوة مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة". (سيرة ابن هشام 2/373) . 4 المحلى 7/549، ومعنى قوله (لو كان خلافه) يعني أنه لو سلم لهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع القاتل سلب قتيله، لكان ما قاله عليه السلام يوم حنين ناسخا لما كان في غزوة مؤتة". 5 المغني 8/393". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 663 هـ- وأما قول مالك: "بم يبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل قتيلا فله سلبه إلا يوم حنين". فأجاب عنه ابن حجر بقوله: "وأجاب الشافعي وغيره بأن ذلك حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن: منها: "يوم بدر, كما في قصة أبي جهل". ومنها: "حديث حاطب بن أبي بلتعة في قتله رجلا يوم أحد فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه". ومنها: "حديث عوف بن مالك في قصة قتل المددي رجلا من العدو". ومنها: "قصة عبد الله بن جحش وسعد بن أبي وقاص في دعائهما يوم أحد وقول سعد: "اللهم ارزقني رجلا شديدا أقتله وآخذ سلبه, وغير ذلك من المواطن التي ورد فيها لفظ السلب قبل غزوة حنين". وأجاب ابن حجر أيضا بقوله: فإن أراد مالك أن ابتداء هذا الحكم كان يوم حنين فهو مردود، لكن على غير مالك ممن منعه فإن مالكا إنما نفى البلاغ, وقد ثبت في سنن أبي داود عن عوف بن مالك أنه قال لخالد بن الوليد في غزوة مؤتة: "إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل" وكانت مؤتة قبل حنين بالاتفاق1.اهـ. وقال بن حزم: "وقال بعضهم: "لم يقل ذلك2 رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ يوم حنين". قال أبو محمد: "فكان هذا عجبا, نعم, فهبك أنه لم يقله - عليه السلام - قط إلا مرة يومئذ، أو قاله قبل وبعد, أترى أنهم يجدون في أنفسهم حرجا مما قضى به مرة أو يرونه باطلا حتى يكرر القضاء به؟..". فلا فرق بين ما قاله مرة, أو ألف ألف مرة, كله دين وكله حق, كله حكم الله تعالى, وكله لا يحل لأحد خلافه"3. المسألة الثانية: "من مسائل هذا الحكم: تخميس السلب, وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال: " القول الأول: "أن السلب لا يخمس قلَّ أم كثر".   1 فتح الباري 6/169 و247-248, والأم للشافعي 4/66/68 وسبل السلام للصنعاني 4/52-53 وانظر ص (646) وحديث (282) و (283) . 2 يعني (من قتل قتيلا فله سلبه) . 3 المحلى 7/547". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 664 قال ابن قدامة: "روي ذلك عن سعد بن أبي وقاص, وبه قال الشافعي وابن المنذر وابن جرير1".اهـ. وقال النووي: "واختلفوا في تخميس السلب, وللشافعي فيه قولان: الصحيح منها عند أصحابه, لا يخمس وهو ظاهر الأحاديث وبه قال: أحمد وابن جرير وابن المنذر وآخرون2".اهـ". وقال أبو عبيد: "وفي النفل3 الذي ينفله الإمام سنن أربع, لكل واحدة منهن موضع غير موضع الأخرى". فإحداهن: "في النفل الذي لا خمس فيه". والثانية: "في النفل الذي يكون من الغنيمة بعد إخراج الخمس". والثالثة: "في النفل الذي يكون من الخمس نفسه". والرابعة: "في النفل من جملة الغنيمة قبل أن يخمس منها شيء". فأما الذي لا خمس فيه فإنه السلب, وذلك أن ينفرد الرجل بقتل المشرك فيكون له سلبه مسلما من غير أن يخمس أو يشركه فيه أحد من أهل العسكر4". وقال ابن حزم: "وكل من قتل قتيلا من المشركين فله سلبه قال ذلك الإمام أو لم يقله, كيف ما قتله صبراً, أو في القتال, ولا يخمس السلب قلّ أو كثر"5. وقال ابن قيم الجوزية: حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالسلب كله للقاتل ولم يخمسه، ولم يحعله من الخمس, بل من أصل الغنيمة, وهذا حكمه وقضاؤه"6".اهـ. وأدلة هذا القول الأحاديث المتقدمة مثل حديث أبي قتادة: "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه". وحديث سلمة بن الأكوع في قتله طليعة المشركين, وقول الرسول صلى الله عليه وسلم من قتل الرجل فقالوا: "سلمة بن الأكوع, فقال صلى الله عليه وسلم: "له سلبه أجمع".   1 المغني لابن قدامة 8/391". 2 شرح النووي على صحيح مسلم 4/352". 3 تقدم بيان النفل في ص 353". 4 كتاب الأموال ص 430". 5 المحلى 7/544 6 زاد المعاد 5/72و3/493-494". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 665 وحديث أنس بن مالك "أن أبا طلحة قتل عشرين رجلا يوم حنين وأخد أسلابهم"1 ". وساق القرطبي في تفسيره حديث عوف بن مالك الذي رواه مسلم, ثم قال: "وأخرجه أبو بكر2 البرقاني بإسناده الذي أخرجه به مسلم, وزاد بيانا أن عوف بن مالك, قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يخمس السلب"3. وروى الإمام أحمد فقال: "حدثنا أبو المغيرة4 قال ثنا صفوان5 بن عمرو قال: "حدثني عبد الرحمن6 بن جبير بن نفير عن أبيه7 عن عوف ابن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب". ورواه من هذه الطريق أيضا مطولا". ورواه أيضا عن الوليد بن مسلم قال حدثني صفوان بن عمرو به مطولا أيضا 8". وأخرجه أبو داود من طريق أحمد الأخيرة".   1 تقدم هذه الأحاديث في ص 636-637 و640-642". 2 هو الإمام الحافظ شيخ الفقهاء والمحدثين أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي البرقاني الشافعي شيخ بغداد, صنف التصانيف وخرج على الصحيحين, حدث عنه البيهقي والخطيب البغدادي وغيرهم". قال الخطيب: "كان ثقة ورعاً ثبتا لم نر في شيوخنا أثبت منه, عارفا بالفقه له حظ من علم العربية كثير, صنف مسندا ضمنه ما اشتمل عليه صحيح البخاري ومسلم, ولد سنة 336 ومات ببغداد سنة425 هـ". (تذكرة الحفاظ للذهبي 3/1074-1076 وتاريخ بغداد 4/373-376) . 3 الجامع لأحكام القرآن 8/7-8, وأضواء البيان للشنقيطي 2/394-395". 4 هو عبد القدوس بن الحجاج الخولاني, أبو المغيرة الحمصي, ثقة, من التاسعة (ت 212) ./ع". (التقريب 1/515 وتهذيب التهذيب 6/369) . 5 صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي, أبو عمرو الحمصي, ثقة من الخامسة (ت155أو بعدها) .بخ م عم (التقريب1/368,وتهذيب التهذيب4/228-229) . 6 عبد الرحمن بن جبير بجيم وموحدة مصغرا ابن نفير بنون وفاء مصغرا الحضرمي الحمصي, ثقة من الرابعة (ت 118) . بخ م عم". (التقريب 1/475 وتهذيب التهذيب 6/154 وقد سقط من تهذيب التهذيب علامة من أخرج له) . 7 هو جبير بن نفير بن مالك بن عامر الحضرمي, الحمصي, ثقة جليل, من الثانية مخضرم, ولأبيه صحبة فكأنه هو ما وفد إلا في عهد عمر (ت80 وقيل بعدها) . بخ م". عم". (التقريب 1/126 وتهذيب التهذيب 2/64-65) . 8 المسند 6/26و27-28". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 666 ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي 1". وأخرجه أبو داود أيضا مختصرا من طريق إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف ن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب" 2. ورواه ابن الجارود من طريق أبي المغيرة قال ثنا صفوان بن عمرو به ولفظه "عن عوف بن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب" 3. رواه الطحاوي من طريق الوليد بن مسلم قال: "ثنا صفوان بن عمرو به ولفظه "عن عوف بن مالك الأشجعي قال: "قلت لخالد بن الوليد يوم مؤتة ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب؟ قال: "بلى" 4. ورواه البيهقي أيضا من طريق الوليد بن مسلم عن صفوان بن عمرو به5". ولمسلم من طريق الوليد بن مسلم حدثنا صفوان بن عمرو به بلفظ "قال عوف: "فقلت: "يا خالد! أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: "بلى، ولكني استكثرته" 6. والحديث صحيح وهو نص في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب". القول الثاني: "أن السلب يخمس مطلقاً". قال ابن قدامة: "وهو قول ابن عباس والأوزاعي ومكحول7". ونسبه النووي أيضا لمالك وقال: "وهو قول ضعيف للشافعي".   1 السنن الكبرى 6/310". 2 سنن أبي داود 2/65و66 كتاب الجهاد، باب في السلب لا يخمس". 3 المنتقى ص 361". 4 شرح معاني الآثار 3/226". 5 السنن الكبرى 6/310 وانظر إرواء الغليل 5/55-57". 6 تقدم الحديث برقم (283) . 7 المغني 8/391. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 667 ثم قال: "وعن مالك رواية اختارها إسماعيل القاضي1 أن الإمام بالخيار إن شاء خمسه وإلا فلا2". واستدل من قال بأن السلب يخمس بعموم قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [سورة الأنفال، من الآية:41] .ولم يستثن شيئا". ورد الجمهور على هذا الدليل بقوله صلى الله عليه وسلم "من قتل قتيلا فله سلبه" وبغير ذلك من الأحاديث القاضية بأن السلب للقاتل، وهي مخصصة لعموم الآية 3". القول الثالث: "أن السلب إن كان كثيرا خمس، وإلا فلا". وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإسحاق بن راهويه ودليل هذا القول هو ما رواه سعيد بن منصور في "سننه". 286- عن ابن سيرين4 أن البراء بن مالك5 بارز مرزبان6 الزارة7   1 هو أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد الأزدي مولاهم البصري، ثم البغدادي المالكي، الحافظ شيخ الإسلام صاحب التصانيف وشيخ مالكية العراق وعالمهم". قال الخطيب: "كان عالما متقنا فقيها شرح مذهب مالك واحتج له، وصنف المسند، وصنف في علوم القرآن، وجمع حديث أيوب وحديث مالك". قال الذهبي: "وصنف الموطأ، وصنف كتابا حافلا نحو مائتي جزء في الرد على محمد تبن الحسن لم يتمه، (ولد سنة 179 ومات سنة 282) . (تذكرة الحفاظ للذهبي 2/625-626 وتاريخ بغداد 6/284) . 2 المغني لابن قدامة 8/390-391 وشرح النووي على صحيح مسلم 4/352 وفتح الباري 6/247 وأضواء البيان للشنقيطي 2/394و395، وزاد المعاد 3/494". 3 المغني لابن قدامة 8/390-391 وشرح النووي على صحيح مسلم 4/352 وفتح الباري 6/247 وأضواء البيان الشنقيطي 2/394و395، وزاد المعاد 3/494". 4 هو محمد بن سيرين الأنصاري، أبو بكر بن أبي عمرة البصري، ثقة ثبت عابد كبير القدر، كان لا يرى الرواية بالمعنى، من الثالثة (ت 110) . /ع". (التقريب 2/169 وتهذيب التهذيب 9/214) . 5 البراء بن مالك بن النضر، الأنصاري، أخو أنس بن مالك لأبيه وأمه، وأمهما أم سليم، قال أبو حاتم: "أخوه لأبيه، كان شجاعا مقداما شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بدرا، وهو الذي فتح حديقة مسيلمة التي تحصن فيها هو وجنده يوم اليمامة، واستشهد البراء يوم حصن تستر في خلافة عمر بن الخطاب سنة عشرين وقيل توفي سنة 23". (أسد الغابة 1/206 والإصابة 1/143 والاستيعاب 1/137 مع الإصابة) . 6 في القاموس المحيط1/73:والمرزبة كمرحلة رياسة الفرس وهو مرزبانهم بضم الزاي". 7 الزارة: "بالزاي وفتح الراء المخففة، وقال أبو منصور: "عين الزارة بالبحرين معروفة، والزارة قرية كبيرة بها، ومنها مرزبان الزارة، وله ذكر في الفتوح، وفتحت الزارة في سنة 12هـ في أيام أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وصولحوا". قال أبو أحمد العسكري: "الخط والزارة والقطيف قرى بالبحرين وهجر". (معجم البلدان لياقوت 3/126) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 668 بالبحرين، فطعنه فدق صلبه، وأخذسواريه1 وسلبه، فلما صلى عمر الظهر، أتى أبا طلحة في داره، فقال: "إنا كنا لا نخمس السلب، وإن سلب البراء قد بلغ مالا وأنا خامسه فكان أوّل سلب خمس في الإسلام، سلب البراء، وبلغ ثلاثين ألفا"2. والحديث نسبه ابن حزم أيضاً لابن أبي شيبة قال: "حدثنا عبد الرحيم3 بن سليمان عن هشام4 بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس ابن مالك قال: "كان السلب لا يخمس وكان أول سلب خمس في الإسلام سلب البراء بن مالك، وكان قتل مرزبان الزارة وقطع منطقته وسواريه، فلما قدمن المدينة صلى عمر الصبح، ثم أتانا فقال: "السلام عليكم أثم أبو طلحة؟ فقالوا: "نعم، فخرج إليه فقال عمر: "إنا كنا لا نخمس السلب وإن سلب البراء مال وغني خامسه، فدعا المقومين فقوموا ثلاثين ألفا، فأخذ منها ستة آلاف5". والحديث أخرجه الطحاوي من طريق سفيان عن أيوب عن ابن سيرين عن أنس بن مالك به6". ورواه البيهقي من طريق عبد الله بن المبارك عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك به". ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس ابن مالك به7".   1 السوار: "بكسر السين وضمها هو ما يتحلى به النساء في أيديهن". (النهاية 2/420 والقاموس 2/53 وهدي الساري مقدمة فتح الباري ص 135) . 2 المغني لابن قدامة 8/391-392 وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/394". 3 عبد الرحيم بن سليمان الكناني، أبو الطائي، أبو علي الأشل، المروزي نزيل الكوفة ثقة له تصانيف، من صغار الثامنة، (ت 187) . /ع". (التقريب 1/504 وتهذيب التهذيب 6/306) . 4 هشام بن حسان الأزدي القردوسي - بضم القاف والدال- أبو عبد الله البصري، ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين، في روايته عن الحسن وعطاء مقال، لأنه قيل كان يرسل عنهما، من السادسة (ت147-148) . /ع". (التقريب2/318 وتهذيب التهذيب 11/34) . 5 المحلى لابن حزم 7/545-546". 6 شرح معاني الآثار 3/229". 7 السنن الكبرى 6/310-311، وانظر إرواء الغليل 5/57-58". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 669 ورد هذا الحديث ابن قدامة بقوله: "ولنا ما روى عوف بن مالك وخالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب". وعموم الأخبار التي ذكرناها، وخبر عمر بن الخطاب حجة لنا فإنه قال: "إنا كنا لا نخمس، وقول الراوي كان أول سلب خمس في الإسلام، يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر صدرا من خلافته لم يخمسوا سلبا واتباع ذلك أولى". قال الجوزجاني1: "لا أظنه يجوز لأحد في شيء سبق فيه من الرسول صلى الله عليه وسلم شيء إلا اتباعه ولا حجة في قول أحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم2". ثم قال ابن قدامة: "وما ذكرناه يصلح أن يخصص به عموم الآية". وإذا ثبت هذا: "فإن السلب من أصل الغنيمة، وقال مالك: "هو من خمس الخمس". ولنا: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل مطلقا ولم ينقل عنه أنه احتسب به من الخمس، ولأنه لو احتسب به من خمس الخمس احتيج إلى معرفة قيمته وقدره ولم ينقل ذلك، ولأن سببه لا يفتقر إلى اجتهاد الإمام فلم يكن من خمس الخمس كسهم الفارس والراجل 3".إهـ. وقال ابن قيم الجوزية: "قوله صلى الله عليه وسلم "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه" دليل على أن له سلبه كله غير مخمس، وقد صرح بهذا في قوله لسلمة بن الأكوع لما قتل قتيلا: "له سلبه أجمع". وفي المسألة ثلاثة مذاهب، هذا أحدها.   1 الجوزجاني: "هو إبراهيم بن يعقوب السعدي "ثقة حافظ". 2 أقول إن ما عمله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من تخميس سلب البراء بن مالك يمكن القول به لأنه راعى فيه المصلحة العامة، وليس فيه مخالفة لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكن خافيا على عمر رضي الله عنه، لأنه قال: "إنا كنا لا نخمس السلب وإن سلب البراء قد بلغ ما لا وأنا خامسه". فعمر - رضي الله عنه - نظر هنا إلى كثرة هذا السلب، ورأى بفهمه الثاقب وفقهه العميق لمقاصد الشريعة أن فيه حقا لبيت مال المسلمين، فلو ذهب إلى هذا النظر إمام من أئمة المسلمين لكان له فيه سند وسلف من عمر - رضي الله عنه ـ". والله أعلم. 3 المغني لابن قدامة 8/391-392 وأضواء البيان للشنقيطي 2/396". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 670 والثاني: "أنه يخمس كالغنيمة، وهذا قول الأوزاعي وأهل الشام، وهو مذهب ابن عباس لدخوله في آية الغنيمة". والثالث: "أن الإمام إن استكثره خمسه، وإن استقله لم يخمسه وهو قول إسحاق وفعله عمر بن الخطاب". ثم أورد حديث ابن سيرين في قصة تخميس عمر بن الخطاب سلب البراء بن مالك". ثم قال: "والأوّل: "أصح، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب وقال: "هو له أجمع، ومضت على ذلك سنته وسنة الصديق بعده، وما رآه عمر اجتهاد منه أداه إليه رأيه، ثم قال: "والحديث يدل على أنه من أصل الغنيمة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به للقاتل، ولم ينظر في قيمته، وقدره، واعتبار خروجه من خمس الخمس1".إهـ. المسألة الثالثة: من مسائل هذا الحكم ما هو سلب؟ قال ابن قدامة: "السلب هو ما كان القتيل لابسا له من ثياب وعمامة وقلنسوة2 ومنطقة3 ودرع ومغفر وبيضة وتاج وأسورةوران4 وخف بما في ذلك من حلية ونحو ذلك؛ لأن المفهوم من السلب اللباس، وكذلك السلاح من السيف والرمح والسكين ونحوه؛ لأنه يستعين به في قتاله فهو أولى بالأخذ من اللباس، وكذلك الدابة لأنه يستعين بها فهي كالسلاح وأبلغ منه، ولذلك استحق بها زيادة السهمان بخلاف السلاح، فأما المال الذي معه في كمراته وخريطته فليس بسلب؛ لأنه ليس من الملبوس ولا مما يستعين به الحرب، وكذلك رحله وأثاثه وما ليست يده عليه من ماله ليس من سلبه، وبهذا قال الأوزاعي ومكحول والشافعي".   1 زاد المعاد 3/493-494 و5/72". 2 قلنسوة: "بفتح أوله وضم السين المفتوحة: "ما يوضع على الرأس". (القاموس المحيط 2/242، وهدي الساري مقدمة فتح الباري ص 175". 3 منطقة: "بكسر أوله ما يشد به الرجل على وسطه". المغفر: "كمنبر: "يلبس في الرأس تحت القلنسوة". والبيضة: "من حديد تلبس في الرأس في الحرب". (القاموس المحيط 2/103و325و3/285 وهدي الساري ص 91) . 4 الران: "كالخف إلا أنه لا قدم له وهو أطول من الخلف". (القاموس 4/230) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 671 إلا أن الشافعي قال: "ما لا يحتاج إليه في الحرب كالتاج والسوار والطوق والهيمان1 الذي للنفقة ليس من السلب في أحد القولين لأنه مما لا يستعان به في الحرب فأشبه المال الذي في خريطته". ثم قال ابن قدامة أيضا: "وإذا ثبت هذا فإن الدابة وما عليها من سرجها ولجامها وتجفيفها2 وحلية إن كانت عليها وجميع آلاتها من السلب لأنه تابع لها ويستعان به في الحرب". وإنما يكون السلب إذا كان راكبا عليها، وإن كانت في منزله أو مع غيره أو منفلتة لم يكن من السلب كالسلاح الذي ليس معه وإن كان راكبا عليها فصرعه عنها أو أشعره عليها ثم قتله بعد نزوله عنها فهي من السلب، وهكذا قول الأوزاعي". وإن كان ممسكا بعنانها غير راكب عليها فعن أحمد فيها روايتان: إحداهما: "من السلب وهو قول الشافعي لأنه متمكن من القتال عليها فأشبهت سيفه أو رمحه في يده". والثانية: "ليست من السلب وهو ظاهر كلام الخرقي3 واختيار الخلال4؛ لأنه ليس براكب عليها فأشبه ما لو كانت مع غلامه5". وقال برهان الدين المرغيناني: "والسلب ما على المقتول من ثيابه وسلاحه ومركبه، وكذا ما كان على مركبه من السرج والآلة، وكذا ما معه على الدابة من ماله في حقيبته أو على وسطه، وما عدا ذلك فليس بسلب6". وقال الدسوقي: "والسلب هو ما اعتيد وجوده مع المقتول حال الحرب كدابته المركوبة له أو الممسوكة بيده أو يد غلامه للقتال وسرجه ودرعه وسلاحه ومنطقته   1 الهيمان: "بكسر شداد السراويل ووعاء الدراهم". (القاموس المحيط 4/404) . 2 التجفاف: "آلة للحرب يلبسه الفرس والإنسان ليقيه في الحرب". (القاموس المحيط 3/124) . 3 هو عمر بن الحسين أبو القاسم الخرقي تقدم في حديث (262) . 4 الخلال: "هو أحمد بن محمد بن هارون، أبو بكر المعروف بالخلال له التصانيف الدائرة، والكتب السائرة، من ذلك الجامع في الفقه الحنبلي والعلل والسنة والطبقات وغير ذلك، مات سنة 311هـ". (طبقات الحنابلة للقاضي أبي يعلى 2/12-15 وتذكرة الحفاظ للذهبي 3/785-786) . 5 المغني لابن قدامة 8/394و395-396 والأم للشافعي 4/67". 6 الهداية 2/149". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 672 وما فيها من حلي وثيابه التي عليه". لا سوار وصليب وعين ذهب أو فضة ودابة غير مركوبة ولا ممسوكة للقتال بل جنيب أمامه بيد غلامه للافتخار فلا يكون للقتال لأنها من غير المعتاد، وله المعتاد1". وقال ابن حزم: "والسلب: "فرس المقتول وسرجه، ولجامه، وكل ما عليه من لباس، وحلية، ومهاميز2، وكل ما معه من سلاح، وكل ما معه من مال في نطاقه أو في يده، أو كيفما كان معه3". وبعد عرض مذاهب العلماء فيما هو المراد بالسلب، فإن الظاهر في هذا هو ما ذهب إليه ابن حزم رحمه الله تعالى، لأن الأحاديث الواردة في ذلك عامة ولم تخصص شيئا دون شيء، ففي حديث أبي قتادة "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه". وفي حديث سلمة بن الأكوع "من قتل الرجل قالوا: "سلمة بن الأكوع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "له سلبه أجمع". وفي لفظ: "فنفلني رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه". وفي حديث أنس بن مالك: "أن أبا طلحة قتل عشرين رجلا يوم حنين وأخذ أسلابهم". وهذه النصوص عامة كما ترى". وفي حديث البراء بن مالك: "أنه بارز مرزبان الزارة بالبحرين، فطعنه فدق صلبه وأخذ سواريه وسلبه" الحديث". وفيه أن عمر بن الخطاب خمسه وكان قد بلغ ثلاثين ألفا دفع بقيته إلى البراء4". وفي حديث عوف بن مالك الأشجعي في قصته قتل المددي لرجل من الروم   1 حاشية الدسوقي 2/191". 2 المهاميز: "عصى، واحدتها مهمزة وهي عصا في رأسها حديدة ينخس بها الحمار، والمهمزة أيضا: "المقرعة". (لسان العرب 7/292، والقاموس المحيط 2/196) . 3 المحلى لابن حزم 7/546". 4 تقدم الحديث برقم (286) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 673 وكان الرومي على فرس له عليه سرج مذهب وسلاح مذهب فجعل الرومي يفري بالمسلمين، فقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرومي فعقرب فرسه فخر وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه، فلما فتح الله عز وجل للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ من السلب". قال عوف فأتيته فقلت: "يا خالد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: "بلى، ولكنني استكثرته" الحديث1. المسألة الرابعة: من مسائل هذا الحكم من هو المقتول الذي يستحق قاتله أخذ سلبه. قال ابن قدامة: "الفصل الرابع: "أنه إنما يستحق السلب بشروط: أحدها: "أن يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتلهم فأما إن قتل امرأة أو صبيا أو شيخا فانيا أو ضعيف مهينا ونحوهم ممن لا يقاتل لم يستحق سلبه لا نعلم فيه خلافا، وإن كان أحد هؤلاء يقاتل استحق قاتله سلبه لأنه يجوز قتله، ومن قتل أسيرا له أو لغيره لم يستحق سلبه لذلك". الثاني: "أن يكون المقتول فيه منفعة غير مثخن بالجراح، فإن كان مثخن بالجراح فليس لقاتله شيء من سلبه..".وإن قطع يدي رجل ورجليه وقتله آخر فالسلب للقاطع دون القاتل لأن القاطع هو الذي كفى المسلمين شره". الثالث: "أن يقتله أو يثخنه بجراح تجعله في حكم المقتول 2". وقال القرطبي: "قال أبو العباس3 بن سريج من أصحاب الشافعي ليس الحديث "من قتل قتيلا فله سلبه" على عمومه لإجماع العلماء على أن من قتل أسيرا أو امرأة أو شيخا أنه ليس له سلب واحد منهم".   1 تقدم الحديث برقم (283) . وانظر ص 653-655".) . 2 المغني 8/389-390 وقد اشترط بعض العلماء أن يكون القتل في مبارزة وأن يكون المقتول مقبلا غير مدبر، وقد تقدم في حاشية ص 645 قول الشنقيطي: "أن الحق في هذا انه لا يشترط شيء من ذلك". 3 هو الإمام العلامة شيخ الإسلام القاضي أبوالعباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي قدوة الشافعية، (مات سنة 303هـ) . (تذكرة الحفاظ للذهبي3/811-813) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 674 وكذلك من ذفف على جريح، ومن قتل من قطعت يداه ورجلاه1.إهـ. وقال الأمين الشنقيطي: "ولا يستحق القاتل سلب المقتول، إلا أن يكون المقتول من المقاتلة الذي يجوز قتالهم، فأما إن قتل امرأة أو صبيا أو شيخا فانيا، أو ضعيفا مهينا، أو مثخنا بالجراح لم تبقى فيه منفعة، فليس له سلبه". ثم قال: "ولا خلاف بين العلماء: "في أن من قتل صبيا أو امرأة أو شيخا فانيا لا يستحق سلبهم، إلا قولاً ضَعِيفاً جدا يروى عن أبي ثور، وابن المنذر، في استحقاق سلب المرأة، ثم قال: "والدليل على أن من قتل مثخن بالجراح لا يستحق سلبه، أن عبد الله بن مسعود، هو الذي ذفف على أبي جهل يوم بدر وحز رأسه2، وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح الذي أثبته، ولم يعط ابن مسعود شيئا ثم قال: "وهذا هو الحق الذي جاء به الحديث المتفق عليه فلا يعارض بما رواه الإمام أحمد، وأبو داود عن ابن مسعود "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفله سيف أبي جهل يوم بدر" 3؛ لأنه من رواية ابنه أبي عبيدة ولم يسمع منه". وكذلك المقدم للقتل صبرا لا يستحق قاتله سلبه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل النضر بن الحارث العبدري، وعقبة بن أبي معيط الأموي صبرا يوم بدر، ولم يعطي من قتلهما شيئا من سلبهما". واختلفوا فيمن أسر أسيرا: "هل يستحق سلبه إلحاقا للأسر بالقتل أو لا؟ والظاهر أنه لا يستحقه، لعدم الدليل فيجب استصحاب عموم: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} ، [سورة الأنفال، من الآية: 41] ، الآية. حتى يرد مخصص من كتاب أو سنة صحيحة، وقد أسر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون، أسارى بدر، وقتل بعضهم صبرا كما ذكرنا، ولم يعطي أحد من الذين أسروهم شيئا من أسلابهم، ولا من فدائهم بل جعل فداءهم غنيمة.   1 الجامع لأحكام القرآن 8/5-6". 2 انظر: "الحديث في سيرة ابن هشام 1/633". 3 انظر: "الحديث سنن أبي داود 2/66 كتاب الجهاد، باب من أجاز على جريح مثخن ينفل من سلبه، ومسند أحمد1/444، قال المنذري: "أبو عبيدة لم يسمع من أبيه (عون المعبود7/393) وقال ابن حجر في التقريب2/448أبو عبيدة بن عبد الله ابن مسعود، مشهور بكنيته والأشهر أن لا اسم له غيرها ويقال اسمه عامر، كوفي ثقة، من كبار الثالثة، والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه (ت بعد سنة80) ./ عم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 675 أما إذا قاتلت المرأة أو الصبي المسلمين: "فالظاهر أن لمن قتل أحدهما سلبه، لأنه حينئذ ممن يجوز قتله، فيدخل في عموم "من قتل قتيلا فله سلبه" الحديث، وبهذا جزم غير واحد". والعلم عند الله تعالى 1 إهـ. وأقول: "اختلف العلماء في مسائل هذا الحكم كعادتهم في كثير من المسائل الفقهية والناظر في مسائل هذا الحكم بالذات يجد أن مسائله متداخلة غير متميز بعضها عن بعض، حتى يكاد الطالب يقف أمامها واجما لا يستطيع أن يخرج بنتيجة مرضية لتشابكها وتداخلها. وقد حاولت إبراز بعض هذه الجوانب وترتيبها ترتيبا متناسبا وذلك بجعل كل مسألة على حدى مع ذكر القائلين بها والمخالفين لها ثم إيراد دليل كل قول مع مناقشة الأدلة، حتى تكون مسائل هذا الحكم قريبة التناول سهلة المأخذ. وقد ظهر لي من خلال ذلك أن الظاهر في هذا القول باستحقاق القاتل سلب قتيله، سواء قال الإمام من قتل قتيلا فله سلبه أم لم يقل ذلك، وأن السلب هو كل ما على القتيل ومعه من ثياب وسلاح وحلية ودابة وغير ذلك، وأن هذا السلب للقاتل قل أو كثر بدون تخميس، وأنه من أصل الغنيمة". وسواء أكان القتل مبارزة أم غير مبارزة، مقبلا أو مدبرا بشرط أن يقيم بنية على أنه قتله أو أثخنه بالجراح حتى جعله في حكم المقتول". وهذا هو الذي تؤيده الأدلة الواردة في هذا الحكم". والله أعلم".   1أضواء البيان 2/389-390". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 676 الحكم الرابع عشر: في بيان تحريم الغلول في الغنيمة الغلول: "هو اعتداء بعض أفراد الجيش على أموال الغنيمة قبل قسمها وهو من كبائر الذنوب، ولا يقدم عليه إلا ضعيف الإيمان ضعيف النفس يحمله جشعه وسوء طبعه على هذه الخيانة العظيمة لإخوانه المجاهدين معه في سبيل الله ولعظيم خطر الغلول جاءت النصوص في الكتاب والسنة تحذر من الوقوع فيه وتبين أنه ذنب عظيم وجريمة أخلاقية فظيعة، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [سورة آل عمران، الآية: 161] . قال الشوكاني: "قوله: {يَأْتِ بِمَا غَلَّ} أي يأت به حاملا له على ظهره كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيفضحه بين الخلائق، وهذه الجملة تتضمن تأكيد تحريم الغلول والتنفير منه بأنه ذنب يختص فاعله بعقوبة على رؤوس الأشهاد يطلع عليها أهل المحشر، وهي مجيئه يوم القيامة بما غله حاملا له قبل أن يحاسب عليه ويعاقب عليه". وقوله: {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ} ، [سورة البقرة، من الآية: 281] ، أي تعطى جزاء ما كسبت وافيا من خير وشر، وهذه الآية تعم كل من كسب خيراً أو شراً، ويدخل تحتها الغال دخولاً أوليا لكون السياق فيه1".إهـ". 287- وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات   1 فتح القدير 1/394". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 677 يوم فذكر الغلول1 فعظمه وعظم أمره2 ثم قال: "لا ألفين3 أحدكم يجيء يوم القيامة، على رقبته بعير له رغاء4، يقول: "يا رسول الله! أغثني فأقول: "لا أملك لك شيئاً5 قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة، على رقبته فرس له حمحمة6، فيقول يا رسول الله! أغثني فأقول: "لا أملك لك شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة، على رقبته شاة لها ثغاء7، يقول: "يا رسول الله! أغثني فأقول: "لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة، على رقبته نفس لها صياح8، فيقول يا رسول الله! أغثني، فأقول: "لا أملك شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع9 تخفق10، فيقول: "يا رسول الله! أغثني، فأقول: "لا أملك شيئا، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة   1 الغلول: "بضم المعجمة واللام، الخيانة في المغنم". قال ابن قتيبة: "سمي بذلك لأن آخذه يغله في متاعه، أي يخفيه فيه". وقال أبو عبيد: "الغلول من المغنم خاصة، ولا نراه من الخيانة ولا من الحقد، ومما يبين ذلك أنه يقال من الخيانة: "أغل يغل، ومن الحقد: "غل يغل بالكسر، ومن الغلول غل يغل بالضم". (لسان العرب لابن منظرو14/13،وفتح الباري لابن حجر6/185) . ((2قوله: "ذكر الغلول فعظمه وعظم أمره"، قال النووي: "هذا تصريح بغلظ تحريم الغلول، وأصل الغلول: "الخيانة مطلقاً، ثم غلب اختصاصه في الاستعمال بالخيانة في الغنيمة قال نفطويه: "سمي بذلك؛ لأن الأيدي مغلولة عنه، أي محبوسة، يقال: "غل غلولاً، وأغل إغلالاً". (شرح النووي على صحيح مسلم 4/495) . 3 قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ألفين أحدكم إلخ"، (ألفين) بضم الهمزة وبالفاء المكسورة أي لا أجدن أحدكم على هذه الصفة، ومعناه لا تعمل عملا أجدكم بسببه على هذه الصفة". قال عياض: "وفي رواية العذري "لا ألفين" بفتح الهمزة والقاف وله وجه كنحو ما سبق لكن المشهور الأوّل". (شرح النووي على صحيح مسلم 4/495) . 4رغاء: "الرغاء صوت الإبل". (النهاية لابن الأثير 2/240) . 5 قوله صلى الله عليه وسلم: "لا أملك لك شيئا"، قال النووي: "قال القاضي: "معناه من المغفرة والشفاعة إلا بإذن الله تعالى، قال: "ويكون ذلك أولاً غضباً عليهم لمخالفته ثم يشفع في جميع الموحدين بعد ذلك، كما سبق في كتاب الإيمان في شفاعات النبي صلى الله عليه وسلم". (شرح النووي على صحيح مسلم 4/495) . 6 حمحمة: "هو صوت الفرس دون الصهيل". (ثغاء) هو صوت الغنم". ((8 (صياح) : "هو صوت الإنسان". (رقاع) جمع رقعة والمراد بها هنا الثياب". 10 (تخفق) : "تضطرب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 678 على رقبته صامت1، فيقول: "يا رسول الله! أغثني فأقول: "لا أملك لك شيئا قد أبلغتك" 2". 288- وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: "كان على ثقل3 النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة4، فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو في النار"5. فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها 6 ". والأحاديث الوردة في النهي عن الغلول وعقوبة فاعله كثيرة جداً، وحسبنا في ذلك أن نقتصر على الأحاديث الواردة في غزوتنا هذه، وهي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الحديث طويل وفيه: " ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من رد سبايا حنين إلى أهلها ركب، واتبعه الناس يقولون: "يا رسول الله أقسم علينا فيئنا من الإبل والغنم حتى ألجئوه إلى شجرة فاختطفت رداءه، فقال: "أدو علي ردائي أيها الناس، فوالله أن لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم، ثم ما ألفيتموني بخيلا ولا جبانا ولا كذاباً ثم قام إلى جنب بعير، فأخذ وبرة7 من سنامه فجعلها بين أصبعيه، ثم رفعها، ثم قال:   1الصامت: "الصامت من المال: "الذهب والفضة". (انظر: "النهاية في غريب الحديث 1/214-436 و2/251و3/52) . 2 البخاري: "الصحيح 4/59 كتاب الجهاد باب الغلول". ومسلم: "الصحيح 3/1461 كتاب الإمارة، باب غلظ تحريم الغلول والرفض له". ((3ثقل: "بمثلثة وقاف مفتوحتين: "العيال وما يثقل حمله من الأمتعة". (فتح الباري 6/187 والمصباح المنير 1/102-103) . 4 كركرة: "ذكر القاضي عياض أنه يقال: "بفتح الكافين وبكسرهما". ونقل البخاري: "الخلاف في كافه هل هي بالفتح أو بالكسر". وقال النووي: "إنما اختلفوا في كافه الأولى، وأما الثانية فمكسورة اتفاقا". وكركرة هذا هو: "مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نوبيا أهداه له هوذة بن علي الحنفي، صاحب اليمامة، فاعتقه وذكر البلاذري: "انه مات في الرق قال ابن مندة: "له صحبة ولا تعرف له رواية، وقال الواقدي: "كان يمسك دابة النبي صلى الله عليه وسلم عند القتال يوم خيبر". (مشارق الأنوار للقاضي عياض 1/352 وفتح الباري 6/187-188 والإصابة 3/293، ومغازي الواقدي 2/681 والمغني لابن طاهر الهندي ص 66) . ((5قوله: "هو في النار"، أي: "يعذب على معصيته أو المراد هو في النار إن لم يعف الله عنه". (فتح الباري 6/188) . 6 البخاري: "الصحيح 4/59 كتاب الجهاد، باب القليل من الغلول". 7 والوبر: "محركة صوف الإبل والأرانب ونحوها وجمعه أوبار". (القاموس المحيط 2/151 والمصباح المنير 2/799) . وعند مالك: "ثم تناول من الأرض وبرة من بعير أو شيئا" وعند عبد الرزاق: "ثم رفع شعرات أو وبرة من بعيره" , وعند بن أبي شيبة: "ثم تناول شعرة من بعير", وعند أحمد وأبي داود: "ثم دنا من بعير فأخذ وبرة من سنامه فجعلها بين أصابعه السبابة والوسطى ثم رفعها" وعند البيهقي "ثم أخذ وبرة من وبر سنام البعير فرفعها". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 679 "أيها الناس, والله ما لي من فيئكم ولا هذه الوبرة1 إلا الخمس2, والخمس مردود عليكم, فأدوا الخياط3 والمخيط, فإن الغلول يكون على أهله عاراً4 وناراً وشناراً يوم القيامة, قال: "فجاء رجل من الأنصار بكبة5 من خيوط شعر, فقال: "يا رسول الله, أخذت هذه الكبة أعمل بها برذعة6 بعير لي دبر7, فقال أما نصيْبِي 8 منها فلك ,   1 وعند أحمد: "يا أيها الناس ليس لي من هذا الفيء هؤلاء هذه إلا الخمس", وعند مالك وعبد الرزاق والطبراني والبيهقي: "ما لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس", وعند النسائي: "إنه ليس لي من الفيء شيء ولا هذه إلا الخمس". 2 الخمس: "بضم الميم وسكونها, وقد ضبط بالرفع والنصب, فالرفع على البدل، وهو الأفصح والنصب على الاستثناء, والمعنى (إلا الخمس) لي أتصرف فيه كيف أشاء أو أملكه أو أقسمه على الاختلاف في معناه". (أوجز المسالك إلى موطأ مالك 8/323) . وقوله: "والخمس مردود عليكم" أي والخمس المذكور مع كونه لي "مردود عليكم" أيضا أي مصروف في مصالحكم". (مصدر السابق 8/322) . 3 قوله: "أدوا الخياط والمخيط". الخياط: "ككتاب الخيط لوروده في حديث عبادة بن الصامت الآتي بلفظ: "أدوا الخيط والمخيط" والمخيط: "بزنة منبر: "الإبرة, وعند عبد الرزاق وأحمد والطبراني واللبيهقي: "ردوا الخياط والمخيط". قال الخطابي: "فيه دليل على أن قليل ما يغنم وكثيره مقسوم بين من شهد الوقعة ليس لأحد أن يستبد منه بشيء وإن قل, إلا الطعام الذي قد وردت فيه الرخصة, وهذا قول الشافعي". (عون المعبود7/360، وانظر أوجز المسالك إلى موطأ مالك 8/322) . 4 قوله: "عارا ونارا وشنارا يوم القيامة" أي: "يلزم منه شين وسبة في الدنيا, (ونار) جهنم يوم القيامة". (وشنارا) بفتح الشين المعجمة والنون الخفيفة فألف فراء, أي أقبح العيب والعار, قال ابن عبد البر: "الشنار لفظة جامعة لمعنى النار والعار, ومعناها الشين والنار, يوم القيامة, وقال أبو عبيدة: "الشنار العيب والعار (يوم القيامة) يريد أن الغلول شين وعار ومنقصة في الدنيا وعذاب ونار في الآخرة". (أوجز المسالك إلى موطأ مالك8/323 والنهاية لابن الأثير 2/504 والمنتقى للباجي 3/199-200) . 5 الكبة: "بضم الكاف وتشديد الموحدة, أي قطعة مكبكبة من غزل شعر". (لسان العرب 2/190 وعون المعبود 7/360) . 6 برذعة: البرذعة الحلس الذي يلقى تحت الرحل, والجمع البراذع, وخص بعضهم به الحمار, وهي بالدال والذال, وفي القاموس: "وإهمال داله أكثر". (لسان العرب 9/355, والقاموس المحيط 3-4) . 7 دبر: "بالتحريك: "الجرح الذي يكون في ظهر البعير, يقال: دبر يدبر دبرا". (النهاية في غريب الحديث 2/97 والقاموس المحيط 1/26) . 8 وعند أبي داود والنسائي وأحمد "أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك", وعند ابن الجارود "أما ما كان لي فهو لك". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 680 قال: أما إذا بلغت1 هذا فلا حاجة لي بها ثم طرحها من يده"2. حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -, وقد ورد من أربع طرق: أ- من طريق يعلى بن شداد عن عبادة عند ابن ماجة والفسوي وهذا سياقه عند ابن ماجة قال: " 289- حدّثنا عليّ3 بن مُحمّد ثناأبو أسامة4 عن أبي سنان عيسى بن سنان عن يعلى5 بن شداد, عن عبادة بن الصامت قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين, إلى جنب بعير من المقاسم, ثم تناول شيئا من البعير, فأخذ منه قردة6 - يعني وبرة - فجعل بين أصبعيه ثم قال: "يا أيها الناس إن هذا من غنائمكم، أدوا الخيط والمخيط, فما فوق ذلك, فما دون ذلك, فإن الغلول عار على أهله يوم القيامة وشنار ونار "7. والحديث من زوائد ابن ماجة.   1 وعند أبي داود والنسائي وأحمد "أما إذا بلغت ما أرى فلا إرب لي فيها ونبذها". 2 الحديث سياقه لابن إسحاق وقد تقدم برقم (130) وتحت رقم (180) . وعند الواقدي: "وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغنائم تجمع, ونادى مناديه: "من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر, فلا يغل,! وجعل الناس غنائمهم في موضع حتى استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها ,وكان عقيل بن أبي طالب دخل على زوجته وسيفه متلطخ دما, فقالت: إني قد علمت أنك قد قاتلت المشركين, فماذا أصبت من غنائمهم؟ قال: "هذه الإبرة تخيطين بها فدفعها إليها, وفيه فسمع منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أصاب شيئا من المغنم فليرده فرجع عقيل فقال: "والله ما أرى إبرتك إلا قد ذهبت فألقاها في الغنائم". (مغازي الواقدي3/917-918وشرح المواهب للزرقاني3/36) . 3 علي بن محمد بن إسحاق الطنافسي - بفتح المهملة وتخفيف النون وبعد الألف فاء ثم مهملة - ثقة عابد، من العاشرة (ت 233 وقيل 235) . /عس ق". (التقريب 2/43 وتهذيب التهذيب 7/378) . 4 هو حماد بن أسامة القرشي مولاهم، الكوفي، أبو أسامة مشهور بكنيته ثقة ثبت، ربما دلس، من كبار التاسعة (ت 201) . / ع". (التقريب 1/195 وتهذيب التهذيب 3/2-3) . 5 يعلى بن شداد بن أوس الأنصاري، أبو ثابت المدني، صدوق، نزيل الشام، من الثالثة". /د ق". (المصدر السابق 2/378، و11/402) . 6 القرد: "محركة ما تمعط من الوبر والصوف أو نفايته والسعف سل خوصها، واحدته بهاء، هو أردأ ما يكون من الوبر والصوف". (النهاية لابن الأثير 4/37 والقاموس المحيط للفيروز آبادي 1/326) . 7 ابن ماجه: "السنن 2/950 كتاب الجهاد، باب الغلول". والفسوي المعرفة والتاريخ 2/360-361". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 681 قال البوصيري: "في إسناده عيسى1 بن سنان، اختلف فيه كلام ابن معين قال: "لين لحديث وليس بالقوي، وقيل: "ضعيف، وقيل: "لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجال الإسناد ثقات".إهـ. ولكن الحديث له طرق أخرى عن عبادة يتقوى بها وهي: ب- طريق أبي أمامة الباهلي عن عبادة عند أحمد وغيره وهذا سياق أحمد قال: "حدثنا معاوية2 بن عمرو ثنا أبو إسحاق3 - يعني الفزاري - عن عبد الرحمن4 ابن الحارث بن عياش عن سليمان5 بن موسى عن مكحول6 عن أبي سلام7 عن أبي أمامة8 الباهلي، عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أدوا الخيط والمخيط وإياكم والغلول فإنه عار على أهله يوم القيامة".   1 هو أبو سنان القسملي - بفتح القاف وسكون المهملة، وفتح الميم وتخفيف اللام - الفلسطيني نزيل البصرة". قال عنه ابن حجر في التقريب: " (لين الحديث) ./بخ قد ت ق". (التقريب 2/98 وتهذيب التهذيب 8/211-212 وتهذيب الكمال للمزي 6/540 وميزان الاعتدال 3/312، والكاشف 2/367 كلاهما للذهبي، والخلاصة للخزرجي 2/317) . ووقع في التقريب الطبعة المصرية (س) بدل (ق) وهو خطأ". 2 معاوية بن عمرو بن المهلب الأزدي، المعنى - بفتح الميم وسكون المهملة وكسر النون- أبو عمرو البغدادي، ويعرف بابن الكرماني، ثقة من صغار التاسعة (ت214) على الصحيح"./ ع". (التقريب 2/240وتهذيب التهذيب 10/215 وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13/197 والخلاصة للخزرجي 3/41) . ووقع عند ابن كثير في التفسير 2/283 في هذا الإسناد عن أحمد حدثنا (أبو معاوية بن عمر) بدل (معاوية بن عمرو) ولعله خطأ". 3 أبو إسحاق الفزاري هو إبراهيم بن محمد، ثقة حافظ، تقدم في حديث (135) . 4صدوق له أوهام، تقدم في حديث (267) . ووقع في إرواء الغليل 5/74 للألباني (عبد الرحمن بن عباس) بالسين المهملة والباء الموحدة، وهو خطأ". 5 سليمان بن موسى الأموي، مولاهم الدمشقي الأشدق، صدوق فقيه، في حديثه بعض لين وخلط قبل موته بقليل، من الخامسة". /م عم". (التقريب 1/331 وتهذيب التهذيب 4/226) . وفي ميزان الاعتدال 2/225-226 قال الذهبي: "كان سليمان مقدما على أصحاب مكحول، ثم ذكر له بعض الأحاديث التي انتقد من أجلها، ثم قال: "قلت: "كان سليمان فقيه أهل الشام في وقته قبل الأوزاعي وهذه الغرائب التي تستنكر له، يجوز أن يكون حفظها". 6 مكحول هو أبو عبد الله الشامي، ثقة فقيه كثير الإرسال تقدم في حديث (136) .وسقط من أحد أسانيد أحمد 5/323 وكذا عند ابن كثير في التفسير 2/283". 7 أبو سلام هو ممطور الأسود، ثقة يرسل، تقدم في حديث (50) ووقع عند ابن كثير في التفسير 2/283 (أبي سلامة) وهو خطأ". 8 أبو أمامة الباهلي تقدم في حديث (152) . هو صدى ابن عجلان صحابي مشهور". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 682 وفي لفظ عن عبادة قال: "أخذ النبي صلى الله عليه وسلم وبرة من جنب بعير فقال: "أيها الناس إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس، والخمس مردود عليكم". وجاء بهذا الإسناد في قصة بدر1. وفيه: "قال عبادة: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أغار في أرض العدو نفل الربع، وإذا أقبل راجعاً وكلَّ الناس نفل الثلث، وكان يكره الأنفال، ويقول: "ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم". هكذا روى الإمام أحمد هذا الحديث عن عبادة مفرقا2. وكذا روى بعضه الدارمي مفرقا أيضاً3. وروى البيهقي منه هذا الجزء الأخير4. ورواه ابن حبان في صحيحه مجموعاً في سياق واحد، مشتملا على قصة بدر. وفيه "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفلهم إذا خرجوا بادئين الربع، وينفلهم إذا قفلوا الثلث". وقال: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وبرة من جنب بعير ثم قال: "يا أيها الناس، إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدوا   1 وسياق الحديث: "قال عبادة: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدرا فالتقى الناس فهزم الله تبارك وتعالى العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون، فأكبت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة، حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم نحن حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدو: "لستم بأحق بها منّا نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: "لستم بأحق بها منّا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وخفنا أن يصيب العدو منه غرة، واشتغلنا به، فنَزلت: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة الأنفال الآية: "1] ، فقسمها رسول اله صلى الله عليه وسلم على فواق بين المسلمين، قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أغار الخ". وروى الحاكم هذا القدر من الحديث من هذا الطريق وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي". (مسند أحمد 5/323-324 ومستدرك الحاكم 2/135-136".) . 2 المسند 5/318-319-323-324) . 3 سنن الدارمي 2/147-148) . كتاب السير، باب ما جاء في أن ينفل في البدأة الربع، وفي الرجعة الثلث، وباب في كراهية الأنفال، وباب ما جاء أنه قال: "أدو الخيط والمخيط". 4 السنن الكبرى 6/315". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 683 الخيط والمخيط، وإياكم والغلول فإنه عار على أهله يوم القيامة، وعليكم بالجهاد في سبيل الله فإنه من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم، قال: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الأنفال ويقول: "ليرد قوي1 المؤمنين على ضعيفهم" 2. ورواه الطحاوي والحاكم كلاهما من طريق عبد الرحمن بن الحارث عن سليمان بن موسى الأشدق به، دون قصة بدر3". ورواه النسائي والبيهقي كلاهما من طريق عبد الرحمن بن الحارث عن سليمان بن موسى به قوله: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وبرة من جنب بعير فقال: "يا أيها الناس إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس، والخمس مردود عليكم" 4". جـ طريق ابن أبي مريم عن أبي سلام عن المقدام بن معد يكرب الكندي عند أحمد وهذا سياق الحديث:   1 قوله: "ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم أي لا يفضل أحد من أقوياء المؤمنين مما أفاء الله عليهم لقوته على ضعيفهم لضعفه، ويستوون في ذلك". شرح معاني الآثار 3/241) . 2 موارد الظمآن ص 410، رواه من طريق إسماعيل بن جعفر حدثني محمد بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة عن سليمان بن موسى به، والظاهر أن قوله (محمد ابن الحارث) الخ خطأ مطبعي وذلك لما يأتي: أولاً: "أن جميع طرق هذا الحديث عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عن سليمان بن موسى". ثانياً: "لم أجد ترجمة (محمد هذا) ولم يذكر في تلاميذ سليمان بن موسى، وإنما المعروف بالرواية لهذا الحديث عن سليمان هو عبد الرحمن بن الحارث". ثالثاً: "أورد ابن كثير هذا الحديث في التفسير 2/283-284 منسوبا لأحمد بن حنبل ثم قال: "ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث عبد الرحمن ابن الحارث، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه". (المستدرك 2/135-136- و3/49) . فظهر من هذا أن ذكر محمد بن الحارث خطأ، وأن الصواب (عبد الرحمن بن الحارث) . 3 الطحاوي: "شرح معاني الآثار 3/241 والحاكم المستدرك 3/49 ووقع في المستدرك عن أبي سلام الباهلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبادة بن الصامت، وصوابه: "عن أبي سلام عن أبي أمامة الباهلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبادة بن الصامت". وقد رواه الحاكم على الصواب في المستدرك 2/135-136". وأيضا فإن أبا سلام ليس صحابياً ولا باهلياً". 4 النسائي: "السنن 7/119 كتاب قسم الفيء". والبيهقي: "السنن الكبرى 6/303 و315". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 684 حدثنا أبو اليمان1 وإسحاق2 بن عيسى قالا ثنا إسماعيل3 بن عياش عن أبي بكر4 بن عبد الله بن أبي مريم عن أبي سلام, قال إسحاق5: "- الأعرج - عن المقدام6 بن معديكرب الكندي أنه جلس مع عبادة بن الصامت وأبي الدرداء7 والحارث8 بن معاوية الكندي فتذاكروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ,فقال أبو الدرداء لعبادة: "يا عبادة كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة كذا وكذا في شأن الأخماس فقال عبادة: قال إسحاق في حديثه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم , صلى بهم في غزوهم إلى بعير من المقسم, فلما سلم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناول وبرة بين أنملته9 فقال: إن هذه من غنائمكم وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم, إلا الخمس, والخمس مردود عليكم, فأدوا الخيط والمخيط وأكبر من ذلك وأصغر ولا تغلوا فإن الغلول نار وعار على أصحابه في الدنيا والآخرة" 10 الحديث. قال الألباني في إرواء الغليل: "هذا إسناد جيد في المتابعات أبو سلام الأعرج هو ممطور الحبشي الدمشقي وهو ثقة من رجال مسلم, وابن أبي مريم ضعيف   1 هو: "الحكم بن نافع البهراني- بفتح الموحدة وسكون الهاء - أبو اليمان الحمصي, مشهور بكنيته, ثقة ثبت, من العاشرة, (ت222) ./ع". (التقريب 1/193 وتهذيب التهذيب2/441) . 2 إسحاق بن عيسى بن نجيح البغدادي, أبو يعقوب بن الطباع سكن أذنة, صدوق من التاسعة (ت114) وقيل بعدها بسنة"./م ت س ق". (المصدر السابق 1/60 و1/245) . 3 إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي _بفتح العين وسكون النون_أبو عتبة الحمصي, صدوق في روايته عن أهل بلده, مخلط في غيرهم, من الثامنة (ت181أو182) . /ي عم". (المصدر السابق 1/73 و1/321-326, وروايته هنا عن أهل بلده) . 4 هو الغسائي الشامي, وقد ينسب إلى جده, ضعيف, وكان قد سرق بيته فاختلط, من السابعة (ت156) ./د ت ق". (المصدر السابق 2/398و12/28-30) . 5 أي: "قال إسحاق بن عيسى أن أبا سلام هو الأعرج". 6 المقدام بن معد يكرب بن عمرو الكندي, صحابي مشهور نزل الشام (ت87) على الصحيح". /خ عم". (المصدر السابق 2/272 و10/287) . 7 أبو الدرداء: "هو عويمر بن عامر الأنصاري الخزرجي صحابي جليل". 8 الحارث بن معاوية: "اختلف في صحبته ورجح ابن حجر أنه مخضرم أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم, ووفد في خلافة عمر بن الخطاب". (الإصابة 1/290-291 وتعجيل المنفعة ص56) . ((9الأنملة: "بفتح الهمزة: "المفصل الأعلى الذي فيه الظفر من الأصبع والجمع أنامل وأنملات وهي رؤوس الأصابع". (لسان العرب 14/203) . 10 أحمد: "المسند 5/316 و326 و330 وتمام الحديث: "وجاهدوا الناس في الله تبارك وتعالى, القريب والبعيد, ولا تبالوا في الله لومة لائم وأقيموا الحدود في الحضر والسفر, وجاهدوا في سبيل الله, فإن الجهاد باب من أبواب الجنة عظيم, ينجي الله - تبارك وتعالى - به من الغم والهم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 685 لاختلاطه, لكن تابعه أبو يزيد غيلان, أخرجه الدولابي في "الكنى"1 ثم قال: وأبو يزيد مقبول كما في "التقريب"2 وساق سند الدولابي3 في سلسلة الأحاديث الصحيحة, ثم قال: "وقع في إسناده في الأصل: "بياض بين كعب ومعد, ولعل الصواب: "المقدام بن معديكرب فقد أورد الحديث الحافظ في الإصابة وقال: "قال أبو نعيم: "رواه أبو سلام عن المقدام الكندي فقال: "الحارث بن معاوية الكندي". والمقدام الكندي هو ابن معد يكرب وهو صحابي مشهور". ثم ذكر الخلاف في صحبة الحارث وأشار إلى ترجيح ابن حجر بأنه مخضرم". ثم قال: "وغيلان هو ابن أنس قال في "التقريب" مقبول"4". وبقية الرجال ثقات غير منصور الخولاني, فلم أجد له ترجمة5".اهـ". قلت: "وهذا الحديث المشارإليه عند الدولابي أَخْرَجَهُ أيضاً الفسوي ومن طريقه أخرجه البيهقي وهذا سياقه عند الفسوي قال: حدثني منصور عن أبي يزيد غيلان مولى كنانة عن أبي سلام الحبشي عن المقدام بن معد كرب عن الحارث بن معاوية قال: حدثنا عبادة بن الصامت وعنده أبو الدرداء أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بعير من المقاسم, فلما فرغ من صلاته أخذ منه قردة بين أصبعيه- وهي وبرة- فقال: "ألا إن هذا من غنائمكم وليس لي منه إلا الخمس والخمس مردود عليكم, فأدوا الخيط والمخيط وأصغر من ذلك وأكبر فإن الغلول عار على أهله في الدنيا والآخرة" الحديث6. د- طريق ربيعة بن ناجد عن عبادة عند عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وهذا سياقه:   1 انظر: كتاب الكنى 2/163 وإسناده: "أخبرني أحمد بن شعيب عن محمد بن وهب قال حدثنا محمد بن سلامة قال حدثني أبو عبد الرحيم قال: حدثني منصور الخولاني عن أبي يزيد غيلان الخ وفي إسناده البياض الذي ذكر الألباني". 2 انظر: "التقريب 2/106 3 الدولابي: "هو أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الأنصاري الرازي الوراق صاحب التصانيف الحافظ (324/310) . (الذهبي: "تذكرة الحفاظ 2/759 ومعجم المؤلفين لكحالة 8/255) . 4 انظر التقريب 2/106". 5 إرواء الغليل 5/114-115 وسلسلة الأحاديث الصحيحة 2/716-817 رقم (985) . 6 الفسوي: المعرفة والتاريخ2/359-360،والبيهقي: السنن الكبرى9/103-104". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 686 حدثني عبد الله 1 بن سالم الكوفي المفلوج، كان ثقة ثنا عبيدة 2 ابن الأسود عن القاسم3 بن الوليد عن أبي صادق4 عن ربيعة5 بن ناجد عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الوبرة من جنب البعير من المغنم، فيقول: "مالي فيه إلا مثل ما لأحدكم منه، وإياكم والغلول، فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة أدو الخيط والمخيط وما فوق ذلك، وجاهدوا في سبيل الله تعالى القريب والبعيد " الحديث6. والخلاصة أن الحديث ورد من أربع طرق: الأولى: "طريق يعلى بن شداد عند ابن ماجة والفسوي، وفيها (عيسى بن سنان) وهو ضعيف كما تقدم7". الثانية: "طريق أبي أمامة الباهلي عن عبادة عند أحمد وغيره وقد حسنها الزرقاني8". وقال الألباني عن هذا الحديث في صحيح الجامع: "صحيح" وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، قال: "إسناده حسن رجاله كلهم ثقات، وفي عبد الرحمن بن الحارث وشيخه سليمان بن موسى الأشدق، كلام لا ينزل حديثهما عن رتبة الحسن، لا سيما وقد جاء الحديث من طرق". وفي إرواء الغليل، قال: "الحديث سكت عليه الحاكم والذهبي، وإسناده   1 عبد الله بن سالم، أو ابن محمد بن سالم الزبيدي- بالضم - أبو محمد الكوفي القزاز المفلوج، ثقة، ربما خالف، من كبار الحادية عشرة (ت 235) ./د عس ق". (التقريب 1/417 وتهذيب التهذيب 5/228) . 2 عبيدة - بضم أوله- ابن الأسود بن سعيد الهمداني الكوفي، صدوق، ربما دلس، من الثامنة"./د ت ق". (المصدر السابق 1/548 و7/86) . 3 القاسم بن الوليد الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي، القاضي، صدوق يغرب، من السابعة (ت141) ./ ق". (التقريب 2/121 وفي تهذيب التهذيب 8/340: "نقل توثيقه عن ابن معين والعجلي وابن سعد، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال يخطئ ويخالف) . 4 أبو صادق الأزدي الكوفي، صدوق، تقدم في حديث (140) . 5 ربيعة بن ناجد - بالنون والجيم ثم مهملة- الأزدي الكوفي، يقال أخو أبي صادق الراوي عنه، ثقة من الثانية"./ص ق". (المصدر السابق 1/248، و3/263-264) . وعلم له في التقريب ط".المصرية (س ق) والصواب (ص ق) كما في تهذيب التهذيب والخلاصة للخزرجي". 1/323) . 6 مسند أحمد 5/330". 7 انظر: "حديث (289) . 8 انظر: "أوجز المسالك إلى موطأ مالك 8/320". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 687 حسن عندي وفي عبد الرحمن وسليمان كلام لا ينزل به حديثهما عن المرتبة التي ذكرنا"1. قلت: "وقد روى الحاكم هذا الحديث في موضع آخر بهذا الإسناد مقتصرا فيه على ما حصل من الصحابة من الاختلاف في غنائم بدر، ثم قال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه2". ووافقه الذهبي". الثالثة: "طريق ابن أبي مريم عند أحمد، وفيها (ابن أبي مريم) وهو ضعيف". وقد تابعه غيلان بن أنس الكلبي أبو يزيد عند الدولابي والفسوي والبيهقي (وغيلان) قال عنه ابن حجر في التقريب "مقبول"3". وفي الإسناد أيضا منصور الخولاني ولم أجد ترجمته". الرابعة: "طريق ربيعة بن ماجد عند عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وإسناده حسن". وخلاصة القول أن النهي عن الغلول في غزوة حنين ورد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وإسناده حسن4". ومن حديث عبادة بن الصامت وإسناده حسن على أقل تقدير". وهذه الأحاديث تدل على تحريم الغلول وعلى عقوبة من يتعاطى ذلك، وأنه من الكبائر التي توبق صاحبها وتعرضه للمقت يوم القيامة". قال النووي: "أجمع المسلمون على تغليظ تحريم الغلول، وأنه من الكبائر وأجمعوا على أن على الغال رد ما غل، فإن تفرق الجيش وتعذر إيصال حق كل واحد إليه، ففه خلاف بين العلماء، قال الشافعي وطائفة: "يجب تسليمه إلى الإمام أو الحاكم كسائر الأموال الضائعة.   1 صحيح الجامع 6/272 وسلسلة الأحاديث الصحيحة 2/716-817 حديث رقم (985) . وإرواء الغليل 5/74". 2 المستدرك 2/135-136". 3 انظر: "التقريب 2/106 4 وقال الألباني عنه (صحيح) . (انظر صحيح الجامع الصغير 6/272-273) . وذلك لكثرة طرقه وشواهده المتعددة". وانظر حديث عمرو بن شعيب ص 667". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 688 وقال ابن مسعود وابن عباس ومعاوية والحسن والزهري والأوزاعي ومالك والثوري والليث وأحمد والجمهور: "يدفع خمسه إلى الإمام ويتصدق بالباقي". واختلفوا في صفة عقوبة الغال، فقال جمهور العلماء وأئمة الأمصار: "يعزر على حسب ما يراه الإمام ولا يحرق متاعه". وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة ومن لا يحصى من الصحابة والتابعين ومن بعدهم". وقال مكحول والحسن والأوزاعي1: "يحرق رحله ومتاعه كله، قال الأوزاعي: "إلا سلاحه وثيابه التي عليه، وقال الحسن: "إلا الحيوان والمصحف 2". 290- واحتجوا بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في تحريق رحله3".   1 مكحول: "هو أبو عبد الله الشامي، والحسن هو البصري، والأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو". 2 انظر أقوالهم في: "مصنف عبد الرزاق 5/246-247، وهو قول إسحاق بن راهويه ورواية عن أحمد ذكر ذلك الترمذي والباجي وابن حجر". 3 الحديث رواه أبو داود في السنن 2/63كتاب الجهاد، باب في عقوبة الغال، والترمذي: "في السنن 3/11 كتاب الحدود، باب ما جاء في الغال ما يصنع به، وأحمد: "المسند 1/22، والدارمي: "السنن 2/149 كتاب السير، باب في عقوبة الغال، والحاكم: "المستدرك 2/127-128 ومن طريقه رواه البيهقي في السنن الكبرى 9/102-103". الجميع من طريق صالح بن محمد بن زائدة قال: "دخلت مع مسلمة بن عبد الملك أرض الروم فأتى برجل قد غل، فسأل سالما عنه فقال: "سمعت أبي يحدث عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه" قال: "فوجدنا في متاعه مصحفا فَسُئِلَ سالم عنه فقال: "بعه وتصدق بثمنه" والحديث رجح أبو داود وقفه على سالم". وقال الترمذي: "بعد إخراجه هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه والعمل عند بعض أهل العلم، وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق". وسألت محمداً - يعني البخاري - عن هذا الحديث فقال: "إنما روى هذا صالح بن محمد بن زائدة وهو أبو واقد الليثي وهو منكر الحديث". قال محمد - يعني البخاري- وقد روي في غير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغال". ولم يأمر فيه بحرق متاعه". وأورد الذهبي وابن حجر هذا الحديث في ترجمة صالح بن محمد ثم قالا: قال البخاري: "هذا الحديث باطل ليس له أصل، وصالح هذا لا يعتمد عيه". (ميزان الاعتدال 2/300 وتهذيب التهذيب 4/402 وفي التقريب 1/262) قال عنه "ضعيف". وقال الدارقطني أنكروا هذا الحديث على صالح بن محمد قال: "وهذا ضعيف لم يتابع عليه ولا أصل لهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (عون المعبود 7/382) . وقد قال الحاكم عن هذا الحديث". صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وبهذا تعلم عدم صحة هذا التصحيح وهذه الموافقة من الذهبي بعد أن عرفت بعض أقوال العلماء في (صالح بن محمد) راوي هذا الحديث، ومنهم الذهبي نفسه كما في ميزان الاعتدال". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 689 قال الجمهور: "وهذا حديث ضعيف لأنه مما انفرد به صالح بن محمد عن سالم وهو ضعيف". قال الطحاوي: "ولو صح يحمل على أنه كان حين كانت العقوبة بالأموال كأخذ شطر المال من مانع الزكاة وضالة الإبل، وسارق التمر وكل ذلك منسوخ 1".إهـ. وبوب البخاري بقوله (باب القليل من الغلول) . ثم قال: "ولم يذكر عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرق متاعه وهذا أصح". ثم ساق حديث عبد الله بن عمرو المتقدم في قصة (كركرة) 2". قال ابن حجر: "قوله ولم يذكر عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرق متاعه يعني في حديثه الذي ساقه في الباب في قصة الذي غل العباءة". وقوله: "وهذا أصح"، أشار إلى تضعيف ما روي عن عبد الله بن عمر في الأمر بحرق رحل الغال". والإشارة بقوله (هذا) إلى الحديث الذي ساقه". ثم قال ابن حجر: "والأمر بحرق رحل الغال، أخرجه أبو داود من طريق صالح بن محمد بن زائدة الليثي المدني أحد الضعفاء، قال: "دخلت مع مسلمة بن عبد الملك أرض الروم فأتى رجل قد غل فسأل سالما أي- ابن عبد الله بن عمر - عنه فقال: "سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه" 3. ثم ساق من وجه آخر عن سالم موقوفا ثم قال أبو داود: "وهذا أصح4".   1 النووي: "شرح صحيح مسلم 4/496 وانظر فتح الباري 6/186-188 وفيض القدير للمناوي 6/451، والمنتقى للباجي 3/204". 2 تقدم تخريج الحديث برقم (288) . 3 تقدم تخريجه برقم (290) . 4 وسياقه عند أبي داود: "حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى الأنطاكي قال أنبأنا أبو إسحاق عن صالح بن محمد قال: "غزونا مع الوليد بن هشام ومعنا سالم بن عبد الله بن عمر، وعمر بن عبد العزيز فغل رجل متاعا فأمر الوليد بمتاعه فأحرق وطيف به ولم يعطه سهمه". قال أبو داود هذا أصح الحديثين (سنن أبي داود 2/63 كتاب الجهاد، باب في عقوبة الغال، قال في عون المعبود 7/383: "المعنى أن هذا الحديث الموقوف أصح من الحديث المرفوع الذي قبله". إهـ، والذي أمر الوليد بن هشام بحرق متاعه هو: "زياد بن سعد الملقب (زياد شعر) كما في سنن أبي داود". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 690 وقال البخاري في (التاريخ) يحتجون بهذا الحديث في إحراق رحل الغال، وهو باطل ليس له أصل وراويه لا يعتمد عليه، ثم قال ابن حجر: "وروى الترمذي عنه أيضاً أنه قال: " (صالح) منكر الحديث". وقد جاء في غير حديث ذكر الغال وليس فيه الأمر بحرق متاعه1، ثم قال ابن حجر: "قلت وقد جاء من غير طريق صالح بن محمد". 291- أخرجه أبو داود أيضا من طريق زهير بن محمد عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده 2". ثم أخرجه من وجه آخر عن زهير عن عمرو بن شعيب موقوفا عليه وهو الراجح3". ثم قال ابن حجر: "وقد أخذ بظاهر هذا الحديث أحمد في رواية، وهو قول مكحول والأوزاعي". وعن الحسن يحرق متاعه إلا الحيوان والمصحف". وقال الطحاوي: "لو صح الحديث لاحتمل أن يكون حين كانت العقوبة بالمال4".إهـ. ورجح ابن قيم الجوزية عدم النسخ وقال: "الصواب أن هذا من باب التعزير والعقوبات المالية الراجعة إلى اجتهاد الأئمة بحسب المصلحة، فإنه صلى الله عليه وسلم حرق وترك، وكذلك خلفاؤه من بعده5".   1انظر سنن الترمذي 3/11 كتاب الحدود، باب ما جاء في الغال ما يصنع به، وانظر: "تاريخ البخاري الكبير 4/291 والتاريخ الصغير ص 171". 2 وسياقه عند أبي داود 2/63: "حدثنا محمد بن عوف حدثنا موسى بن أيوب قال: "حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه". 3 وسياقه قال أبو داود: "وحدثنا به الوليد بن عتبة وعبد الوهاب بن نجدة قالا حدثنا الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب قوله". أهـ. وزهير بن محمد الراوي لهذا الحديث عن عمرو بن شعيب وعنه الوليد بن مسلم هو: "الخراساني نزيل مكة". قال البيهقي: "ويقال إن زهيراً هذا مجهول وليس بالمكي". (السنن الكبرى للبيهقي 9/102، وتهذيب التهذيب لابن حجر 3/350) . 4 فتح الباري 6/186-188". 5 دليله حديث عمرو بن شعيب المتقدم برقم (291) وهو حديث ضعيف". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 691 ونظير هذا قتل شارب الخمر في الثالثة أو الرابعة1. فليس بحد ولا منسوخ، وإنما هو تعزير يتعلق باجتهاد الإمام2.إهـ. ومال محمد الأمين الشنقيطي إلى اختيار ابن قيم الجوزية هذا، وقال: "وإنما قلنا: "إن هذا القول أرجح عندنا لأن الجمع واجب إذا أمكن وهو مقدم على الترجيح بين الأدلة كما علم في الأصول3".إهـ. وهذا الترجيح الذي مال إليه ابن قيم الجوزية وتابعه الشنقيطي في العقوبة بالمال وجيه، غير أن الحديث الوارد في حرق متاع الغال بخصوصه لم يثبت4، وإنما يصار إلى الجمع بين الأدلة على هذا الوجه إذا كانت متكافئة في الصحة، ومادام الحديث في حرق متاع الغال لم يثبت فيكون الراجح في هذا قول جمهور العلماء وهو تعزير الغال بما يراه الإمام دون حرق المتاع، وذلك لأن في حرق المتاع مفسدة للمال الذي يمكن أن يستفيد منه المسلمون، خاصة أن الأحاديث الصحيحة الواردة عنه صلى الله عليه وسلم بعقوبة الغال، ليس فيها الأمر بحرق متاع الغال كما تقدم في حديث عبد الله ابن عمرو في قصة (كركرة) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هو في النار" ولم يأمر بحرق رحله5.   1 أخرجه أو داود والترمذي، وابن ماجة من حديث معاوية بن أبي سفيان. وأبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمر. وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة من حديث أبي هريرة. وأبو داود من حديث قبيصة بن ذؤيب". والترمذي من حديث جابر بن عبد الله. (سنن أبي داود 2/473-474 كتاب الحدود، باب إذا تتابع في شرب الخمر) . والترمذي: السنن 2/449-450 كتاب الحدود، باب ما جاء مَن شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه. والنسائي 8/281 كتاب الأشربة باب ذكر الروايات المغلظات في شرب الخمر. وابن ماجة 2/859 كتاب الحدود، باب في شرب الخمر مرارا، وهو حديث صحيح وقد أخرجه غير هؤلاء. 2 زاد المعاد 3/106 و108 و 109. 3 أضواء البيان 2/407 4 انظر: "السنن الكبرى للبيهقي 9/102-103". 5 انظر: "الحديث رقم (288) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 692 292- وفي حديث زيد1 بن خالد الجهني، بإسناد صحيح، قال: "تفي رجل من أشجع بخيبر2 فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صلوا على صاحبكم" فأنكر الناس ذلك وتغيرت له وجوههم، فلما رأى ذلك قال: "إن صاحبكم غل في سبيل الله" 3. قال زيد: "فالتمسوا في متاعه، فإذا خرزات4 من خرز يهود ما تساوي درهمين 5". ولم يأمر صلى الله عليه وسلم بحرق رحله". قال الكندهلوي: "قوله: "فتغيرت وجوه الناس لذلك". قال الباجي6: "يحتمل أن يريد به وجه المؤمنين لامتناعه من الصلاة على من هو من جملتهم، ولا يعلمون له ذنباً انفرد به، فخافوا أن يكون المانع أمرا يشملهم فيهلكوا بذلك، ويحتمل أن يريد به قبيلة وطائفة تغيرت وجوههم لما يخصهم من أمره، ولما خافوا أن يكون ذلك المعنى شائع فيهم"7".   1 زيد بن خالد الجهني المدني صحابي مشهور مات بالكوفة، سنة 68 أو 70 وله 85 سنة"./ع". (التقريب 1/274) . 2 وقع في الموطأ (يوم حنين) قال العلماء: "وهو وهم". (المنتقى للباجي 3/200) . 3 أخرجه أبو داود: "في السنن 2/62 كتاب الجهاد، باب في تعظيم الغلول". والنسائي: "السنن 4/52 كتاب الجنائز، باب الصلاة على من غل". وابن ماجه: "السنن 2/550كتاب الجهاد باب في الغلول، وموطأ مالك 2/458 كتاب الجهاد، باب ما جاء في الغلول". وأحمد: "المسند4/114 و5/192 والحاكم: "المستدرك 2/127-128". والبيهقي السنن الكبرى 9/101". 4 الخرز بفتحتين الذي ينظم، والواحدة خرزة". (لسان العرب 7/221، ومختار الصحاح ص 172) . 5 قوله: "ما تساوي درهمين"، قال الكاندهلوي: "ليعلم لتفاهة قيمتها وأن أخذ هذا المقدار على تفاهته من جملة الكبائر التي تمنع من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم". (أوجز المسالك 8/333) . 6 الباجي: "هو أبو الوليد سليمان بن خلف التجيبي، القرطبي، الذهبي المالكي، الحافظ العلامة صاحب الفنون، له مصنفات كثيرة من جملتها كتاب المعاني في شرح الموطأ عديم النظير". (وفيات الأعيان لابن خلكان 2/408-409 وتذكرة الحفاظ للذهبي 3/1178-1183 ومعجم المؤلفين لكحالة 4/261-262) . 7 انظر: "المنتقى شرح موطأ الإمام مالك للباجي 3/200". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 693 ثم قال الكاندهلوي: "قلت أو تغيرت وجوههم لأجل هذا الرجل خاصة لأنهم قد علموا من حاله أنه لا يمتنع من الصلاة إلا على لا ترضى حاله، وأنه قد علم أنه أحدث حدثا يمنعه من الصلاة". فقال زيد: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن صاحبكم قد غل في سبيل الله" أي خان في الغنيمة، فبين المعنى الذي امتنع به عن الصلاة عليه". ثم قال: "قال الشيخ1 في البذل: "فلهذا قالت الفقهاء إذا مات الفاسق المصر على الفسق يجوز أن لا يصلي عليه الأئمة الذين يقتدى بهم، بل يأمرون الناس أن يصلوا عليه". ثم قال الكاندهلوي: "قال الباجي: "وهذه سنة في امتناع الأئمة، وأهل الفضل من الصلاة على أهل الكبائر على وجه الردع والزجر على مثل فعلهم، وأمر غيره - عليه الصلاة والسلام - بالصلاة عليه دليل على أن لهم حكم الإيمان لا يخرجون عنه بما أحدثوه من المعصية وقد روى ابن سحنون2 عن أبيه3 عن مالك أنه قال: "لا بأس أن يُصُلَّى على من غل وذلك يحتمل وجهين: أحدهما: "أن يريد به أن يصلي عليه غير الإمام". والثاني: "أن الإمام مخير إن شاء صلى، وإن شاء ترك وإن ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم من الامتناع لم يكن على وجه المنع على الصلاة عليه وإنما كان ذلك لأنه رأى ذلك في ذلك الوقت أفضل، وأن رأى الصلاة في وقت تكون الصلاة أفضل أن يصلي". وقد قال صلى الله عليه وسلم في الصلاة على المنافقين إني خيرت4 فاخترت5". إهـ".   1 هو خليل الدين أحمد السهارنفوري المتوفى سنة (1346هـ) واسم كتابه (بذل المجهود في حل أبي داود) . 2 هو محمد بن عبد السلام بن سحنون بن سعيد التنوخي، القيرواني، المالكي أبو عبد الله، فقيه حافظ (202-256هـ) . (معجم المؤلفين لكحالة 10/169) . 3 هو عبد السلام بن سعيد الملقب سحنون الفقيه المالكي، صاحب المدونة الكبرى في الفقه المالكي، (160-240هـ) . (وفيات الأعيان لابن خلكان 3/180-182 ومعجم المؤلفين لكحالة 5/224) . 4 يشير إلى ما أخرجه البخاري في صحيحه في قصة الصلاة على عبد الله بن أبي ابن سلول، وأن عمر قال: "يا رسول الله أتصلي عليه، وقد قال يوم كذا وكذا كذا وكذا أعدد عليه قوله، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال: "إني خيرت فاخترت". الحديث". (انظر صحيح البخاري 2/84 كتاب الجنائز، باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين) . 5 أوجز المسالك 8/332، والمنتقى شرح موطأ مالك للباجي 3/200". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 694 وفي هذه الأحاديث تظهر عناية الإسلام بالحقوق العامة وتقديمها على المصلحة الخاصة، وذلك أن الغنائم حق مشاع لجميع أفراد الجيش لا يجوز لفرد منهم أن تغلبه مصلحة نفسه فيأخذ من هذا الحق المشاع لنفسه بحجة أن له حقاً فيها، ولذلك جاءت هذه النصوص تنذر بالويل والعذاب الأليم لمن يغل ويخون في الغنائم قبل أن تتميز الحقوق وتظهر بالقسمة العادلة حصة كل فرد من أفراد الجيش الإسلامي، ويتضح ذلك جليا في تشديد الرسول صلى الله عليه وسلم في أخذ الخيط والمخيط وما فوق ذلك وما دون ذلك فهو أعظم حماية للحقوق العامة وأجل صيانة لاحترام المصالح العامة للأمة، وفي نفس الوقت فإن حقوق الفرد لا تضيع فسوف تقسم هذه الغنائم ويأخذ كل فرد حقه كاملا غير منقوص، وهذه خصائص الدين الإسلامي العظيمة التي يجب فهمها وتطبيقها بالعلم والعدل". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 695 الحكم الخامس عشر: المؤلفة قلوبهم مر بنا تعريف المؤلفة قلوبهم وأقسامهم ومقدار ما أخذ كل واحد منهم في غزوة حنين1. ومن المعلوم أن المؤلفة قلوبهم هم أحد الأصناف الثمانية الذين نصت عليه آية مصارف الزكاة وأنهم يأخذون من الزكاة كغيرهم من بقية الأصناف وقصدنا من هذا المبحث أمران: الأمر الأوّل: "هل أعطيات المؤلفة قلوبهم في غزوة حنين كانت من صلب الغنيمة أو من الخمس, أو من خمس الخمس". الأمر الثاني: "هل حكم المؤلفة باقي أو أن ذلك زال بقوة الإسلام وعزة أهله". أما الأمر الأول, فإن ظاهر الأحاديث الواردة في غزوة حنين تدل على أن العطاء المذكور كان من صلب الغنيمة". ومنها: "حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن ناساً من الأنصار قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من أموال هوازن ما أفاء, فطفق يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل, فقالوا: "يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشا ويدعنا, وسيوفنا تقطر من دمائهم" الحديث. وفي لفظ "لما فتحت مكة قسم الغنائم في قريش فقالت الأنصار: "إن هذا لهو العجب إن سيوفنا تقطر من دمائهم وإن غنائمنا ترد عليهم, فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم فقال: ما الذي بلغني عنكم؟ قالوا: "هو الذي بلغك وكانوا لا يكذبون, قال: "أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا إلا بيوتهم وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم؟ " الحديث.   1 انظر ص (403) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 696 وفي لفظ "لما كان يوم حنين أقبلت هوازن, وغطفان وغيرهم بذراريهم ونعمهم ومع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف ومعه من الطلقاء فأدبروا عنه حتى بقي وحده قال: "فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما شيئا قال: "فالتفت عن يمينه فقال: "يا معشر الأنصار, فقالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك قال: ثم التفت عن يساره فقال: "يا معشر الأنصار, قالوا: "لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك, قال: "وهو على بغلة بيضاء فنزل فقال: أنا عبد الله ورسوله فانهزم المشركون وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم كثيرة فقسم في المهجرين والطلقاء ولم يعط الأنصار شيئا فقالت الأنصار: إذا كانت الشدة فنحن ندعى وتعطى الغنائم غيرنا, فبلغه ذلك فجمعهم في قبة فقال: يا معشر الأنصار ما حديث بلغني عنكم؟ فسكتوا, فقال: "يا معشر الأنصار أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون بمحمد تحوزونه إلى بيوتكم؟ قالوا: "بلى يا رسول الله رضينا" الحديث. وفي لفظ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم"1". وفي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه قال: لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا, فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس, فخطبهم فقال: "يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي, الحديث وفيه "ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ " 2". فهذه الأحاديث وغيرها تدل بظاهرها على أن عطاء المؤلفة قلوبهم كان من صلب الغنيمة, إذ لو كان العطاء المذكور من الخمس أو من خمس الخمس, كما قال بعض العلماء3, لما كان يحق للأنصار أن يتكلموا بما تكلموا به, ولما أقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك, ولما ترضاهم بما ترضاهم به, ولناسب أن يقول لهم إنما أعطيت من   1 انظر حديث رقم (30 و40 و46 و204) . 2 انظر حديث (205) . 3 وهذا قول مالك والشافعي كما سيأتي في ص (687-688) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 697 أعطيت مما لا حق لكم فيه, ولأن الخمس مخصوص بأصناف1 وكذا خمس الخمس خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم يدعه حيث شاء لا اعتراض عليه في ذلك. فلما لم يحصل شيء من ذلك, بل الذي حصل هو استطابة نفوس الأنصار بقوله صلى الله عليه وسلم "أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم" دلك ذلك على أن العطاء المذكور كان من صلب الغنيمة التي أحرزها الأنصار بسيوفهم ودمائهم, ولهم الحق فيها وقد أقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك, وعوضهم عنها نفسه صلى الله عليه وسلم تطيبا لنفوسهم. قال ابن حجر: "عند شرحه لحديث عبد الله بن زيد: "قوله: "ولم يعط الأنصار شيئا"، ظاهر في أن العطية المذكورة كانت من جميع الغنيمة". وقال القرطبي2 في "المفهم" الإجراء على أصول الشريعة أن العطاء المذكور كان من الخمس , ومنه كان أكثر عطاياه, وقد قال في هذه الغزوة للأعرابي "ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم". وعلى الأول فيكون ذلك مخصوصا بهذه الواقعة, وقد ذكر السبب في ذلك في رواية قتادة عن أنس في الباب حيث قال: "إن قريشاً حديث عهد بجاهلية ومصيبة, وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم". اهـ. ثم عقب ابن حجر بقوله: "الأوّل هو المعتمد, والذي رجحه القرطبي جزم به الواقدي, ولكنه ليس بحجة إذا انفرد فكيف إذا خالف3". ثم قال ابن حجر: "ويؤكد أن العطاء المذكور كان من صلب الغنيمة ما جاء في رواية هشام بن زيد عن أنس: "إذا كانت شديدة فنحن ندعى, ويعطي الغنيمة غيرنا".   1 هم من سماهم الله في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} ، [سورة الأنفال، من الآية: 41] . الآية 41من سورة الأنفال. 2 هو أبو العباس: "أحمد بن عمر وهذا غير القرطبي المفسر". 3 وهو أيضا قول أبي عبيد". (انظر فتح الباري 8/49) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 698 وهذا ظاهر في أن العطاء كان من صلب الغنيمة بخلاف ما رجحه القرطبي1".اهـ. وقال السهيلي: "وأما إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم من غنائم حنين حتى تكلمت الأنصار في ذلك وكثرت منهم القالة", وقالت: "يعطي صناديد العرب ولا يعطينا, وأسيافنا تقطر من دمائم, فللعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: "أنه أعطاهم من خمس الخمس, وهذا القول مردود لأن خمس الخمس ملك له ولا كلام لأحد فيه". القول الثاني: "أنه أعطاهم من رأس الغنيمة, وأن ذلك خصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم لقوله تبارك وتعالى: {قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} ، [سورة الأنفال، من الآية: "1] . وهذا القول أيضا يرده ما تقدم من نسخ هذه الآية, وقد تقدم الكلام عليها في غزوة بدر2, غير أن بعض العلماء احتج لهذا القول بأن الأنصار لما انهزموا يوم حنين فأيد الله رسوله وأمده بملائكته, فلم يرجعوا حتّى كان الفتح, رد الله تعالى أمر الغنائم إلى رسوله من أجل ذلك فلم يعطهم منها شيئا وقال لهم: "ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير, وترجعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم, فطيب نفوسهم بذلك بعد ما فعل ما أمر به. القول الثالث: "وهو الذي اختاره أبو عبيد أن إعطائهم كان من الخمس حيث يرى أن فيه مصلحة للمسلمين3". وقال ابن قيم الجوزية: "وهذا العطاء الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم لقريش, والمؤلفة قلوبهم, هل هو من أصل الغنيمة أو من الخمس, أو من خمس الخمس؟ فقال الشافعي ومالك: "هو من خمس الخمس, وهو سهمه صلى الله عليه وسلم الذي جعله الله له من الخمس, وهو غير الصفي4 وغير ما يصيبه من المغنم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستأذن الغانمين في تلك العطية, ولو كان العطاء من أصل الغنيمة, لاستأذنهم لأنهم ملكوها   1 فتح الباري 8/48-50 ومغازى الواقدي 3/947-948, كتاب الأموال لأبي عبيد، 444 و447 و451-452 وشرح المواهب اللدنية 3/39". 2 انظر: "الروض الألف 5/227 3 الروض الألف 7/283". 4 الصفي: "ما كان يأخذه ريئس الجيش ويختاره لنفسه من الغنيمة قبل القسمة ويقال له الصفية , والجمع الصفايا". (النهاية لابن الأثير 3/40) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 699 بحوزها والاستيلاء عليها، وليس من أصل الخمس، لأنه مقسوم على خمس، فهو إذا من خمس الخمس". وقد نصّ الإمام أحمد على أن النفل يكون من أربعة أخماس الغنيمة، وهذا العطاء هو من النفل، نفل النبي صلى الله عليه وسلم به رؤوس القبائل والعشائر لتألفهم به وقومهم على الإسلام، فهو أولى من تنفيل الثلث بعد الخمس، والربع بعضه1، لما فيه من تقوية الإسلام وشوكته وأهله، واستجلاب عدوه إليه، هكذا وقع سواء كما قال بعض هؤلاء2 الذين نفلهم: "لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لأبغض الخلق إلي فما زال يعطيني حتى أنه لأحب الخلق إليّ" فما ظنك بعطاء قوى الإسلام وأهله، وأذل الكفر وحزبه، واستجلب به قلوب رؤوس القبائل والعشائر الذين إذا غضبوا، غضب لغضبهم أتباعهم، وإذا رضوا، رضوا لرضاهم، فإذا أسلم هؤلاء، لم يتخلف عنهم أحد من قومهم، فلله ما أعظم هذا العطاء وما أجداه وأنفعه للإسلام وأهله3".أهـ. والحاصل أن للعلماء في إعطاء المؤلفة قلوبهم يوم حنين ثلاثة أقوال: القول الأول: "أنه من الخمس وبهذا قال الواقدي وابن سعد وأبو عبيد وابن حزم والحلبي ومال إلى هذا القول السهيلي، ورجحه القرطبي في (المفهم) 4". وهو اختيار القاضي عياض فقد نقل عنه النووي أثناء شرحه لحديث أنس بن مالك في إعطاء المؤلفة قوله: "ليس في هذا تصريح بأنه صلى الله عليه وسلم أعطاهم قبل إخراج الخمس، وأنه لم يحسب ما أعطاهم من الخمس، قال: "والمعروف في باقي الأحاديث   1 قوله: "فهو أولى بالجواز من تنفيل الثلث بعد الخمس والربع بعده"، معنى ذلكأن الإمام أو نائبه إذا دخل درا الحرب غازيا بعث سرية بين يديه تغير على العدو ويجعل لهم الربع بعد الخمس، فما قدمت به السرية من شيء أخرج خمسه ثم أعطى السرية ما جعل لهم وهو ربع الباقي ثم قسم ما بقي في الجيش والسرية معه، فإذا قفل راجعا بعث سرية تغير وجعل لهم الثلث بعد الخمس فما قدمت به السرية أخرج خمسه، ثم أعطى السيرة ثلث ما بقي ثم قسم باقيه في الجيش والسرية معه". (المغني لابن قدامة 8/379) . 2 هو صفوان بن أمية". انظر: "ص (691) . 3 زاد المعاد 3/484-485". 4انظر مغازي الواقدي 3/947-948". والطبقات الكبرى لابن سعد 2/153 وكتاب الأموال لأبي عبيد ص 444-447 و451-452، وجوامع السيرة لابن حزم ص 245 والسيرة الحلبية للبرهان الدين الحلبي 3/86 والروض الأنف للسهيلي 7/283". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 700 أنه صلى الله عليه وسلم إنما أعطاهم من الخمس ففيه أن للإمام صرف الخمس وتفضيل الناس فيه على ما يراه وأن يعطي الواحد منه الكثير، وأنه يصرفه في مصالح المسلمين وله أن يعطي الغني منه لمصلحة 1".أهـ. وبوب البخاري بقوله: "باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، رواه عبد الله2 بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم". ثم ساق تحت هذا الباب جملة أحاديث من ضمنها الأحاديث الواردة في قسمة الغنائم يوم حنين3". وقال ابن حجر: "قال إسماعيل القاضي: "في إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم للمؤلفة من الخمس دلالة على أن الخمس إلى الإمام يفعل فيه ما يرى من المصلحة". وقال الطبري: "استدل بهذه الأحاديث من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي من أصل الغنيمة لغير المقاتلين، قال: "وهو قول مردود بدليل القرآن والآثار الثابتة". ثم قال ابن حجر: "قيل ليس في الأحاديث الباب شيء صريح بالإعطاء من نفس الخمس4". القول الثاني: "أن العطاء كان من خمس الخمس وهو قول مالك والشافعي وابن خلدون5". القول الثالث: "أن العطاء المذكور كان من صلب الغنيمة وهو اختيار ابن تيمية وابن حجر6".   1 شرح النووي على صحيح مسلم 3/98". 2 قال ابن حجر: "قوله: "رواه عبد الله بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم"، يشير إلى حديثه الطويل في قصة حنين وسيأتي هناك موصولا مع الكلام عليه والغرض منه هنا قوله: " (لما أفاء الله على رسوله يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم) . الحديث (فتح الباري 6/252) . وانظر الحديث برقم (205) . 3 صحيح البخاري 4/73 كتاب فرض الخمس". 4 فتح الباري 6/252 و8/49-50، وانظر: "شرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/39". 5 السنن الكبرى للبيهقي 6/338 وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/484 وتاريخ ابن خلدون 2/48 وأوجز المسالك إلى موطأ مالك لكاندهلوي 8/251". 6 الفتاوى لابن تيمية 17/493-495، وفتح الباري 8/49-50". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 701 وعن الإمام أحمد أن النفل كان من أربعة أخماس الغنيمة1". قال ابن قيم الجوزية: "وهذا العطاء هو من النفل2". وظاهر الأحاديث الواردة في غزوة حنين أن العطاء المذكور كان من صلب الغنيمة وأن الأنصار لما تكلموا في ذلك حيث إنه لم يصبهم من الغنيمة جمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم: "أما ترضون يا معشر الأنصار أن يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم" قالوا: "رضينا، فكان في ذلك تعويضا لهم عن الغنيمة التي لم ينالوا منها شيئاً". قال محمد الأمين الشنقيطي: "اعلم أن جماهير علماء المسلمين على أن أربعة أخماس الغنيمة للغزاة الذين غنموها، وليس للإمام أن يجعل تلك الغنيمة لغيرهم، ويدل لهذا قوله تعالى: {غَنِمْتُمْ} 3 فهو يدل على أنها غنيمة لهم فلما قال: {فَأَنَّ لله خُمْسَهُ} ، علمنا أن الأخماس الأربعة الباقية لهم لا لغيرهم فقوله: {فَأَنَّ لله خُمْسَهُ} ، أي: "وللغانمين ما بقي". وهذا القول هو الحق الذي لا شك فيه، وحكى الإجماع عليه غير واحد من العلماء". ثم قال: "وأما ما وقع في قصة حنين فالجواب عنه ظاهر، هو أن النبي صلى الله عليه وسلم استطاب نفوس الغزاة عن الغنيمة ليؤلف بها قلوب المؤلفة قلوبهم لأجل المصلحة العامة للإسلام والمسلمين، ويدل على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما سمع أن بعض الأنصار قال: "يمنعنا ويعطي قريشا، وسيوفينا تقطر من دمائهم، جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم وكلمهم كلامه المشهور البالغ في الحسن ومن جملته أنه قال لهم: "ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء والبعير وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم". إلى آخر كلامه، فرضي القوم، وطابت نفوسهم، وقالوا: "رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسما وحظا، وهذا ثابت في الصحيح4".إهـ". وأما الأمر الثاني: "وهو هل حكم المؤلفة قلوبهم باق أو أن ذلك منسوخ فقد   1 كتاب المغني لابن قدامة 8/384-386، والإنصاف لعلي بن سليمان المرادي 4/170". 2 زاد المعاد 3/484". 3 يشير إلى قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} ، الآية. 4 أضواء البيان 2/354و356-357 وانظر ص 362". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 702 ساق الترمذي حديث صفوان بن أمية قال: "أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وإنه لأبغض الخلق إلي فما زال يعطيني حتى إنه أحب الخلق إلي" 1. ثم قال: "وقد اختلف أهل العلم في إعطاء المؤلفة قلوبهم، فرأى أكثر أهل العلم أن لا يعطوا وقالوا إنما كانوا قوما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يتألفهم على الإسلام حتى أسلموا، ولم يروا أن يعطوا اليوم من الزكاة على مثل هذا المعنى". وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وغيرهم، وبه يقول أحمد2 وإسحاق". وقال بعضهم: "من كان اليوم على مثل حال هؤلاء ورأى الإمام أن يتألفهم على الإسلام فأعطاهم جاز ذلك وهو قول الشافعي3". وقال النووي في أثناء شرحه لحديث صفوان وما ورد في معناه: "وفي هذا مع ما بعده إعطاء المؤلفة، ولا خلاف في إعطاء مؤلفة المسلمين، لكن هل يعطون من الزكاة؟ فيه خلاف، والأصح عندنا أنهم يعطون من الزكاة ومن بيت المال". والثاني: "لا يعطون من الزكاة، بل من بيت المال خاصة، وأما مؤلفة الكفار فلا يعطون من الزكاة، وفي إعطائهم من غيرها خلاف، الأصح عندنا لا يعطون، لأن الله تعالى قد أعز الإسلام عن التألف، بخلاف أول الأمر، ووقت قلة المسلمين4".إهـ". والظاهر في هذا هو جواز إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة ومن غيرها سواء أكانوا مسلمين أم كافرين، لأن الله تعالى قال: {وَالمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُم} والآية عامة وهي أصل في جواز إعطاء المؤلفة من الزكاة ولم تخصص مسلما من غيره، وهي محكمة غير منسوخة". وأما إعطاء مؤلفة الكفار من بيت المال من خمس الخمس أو نحوه فذلك زيادة لهم على إعطائهم من الزكاة".   1 تقدم تخريجه برقم (185) . 2 هو قول مرجوح لأحمد، انظر ص (692) . 3 سنن الترمذي 2/88-89 كتاب الزكاة، باب ما جاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم وقوله وهو قول الشافعي، يوضح قول الشافعي ما قاله النووي". 4 شرح النووي على صحيح مسلم 5/169 وكفاية الأخيار لتقي الدين أبي بكر الحسيني 1/122-123". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 703 ومن المعلوم أن من أهداف التأليف استمالة القلوب إلى الإسلام أو تثبيتها عليه، أو كسب أنصار له، أو كف شر عن دعوته ودولته، فهو بهذا المعنى يحقق مصلحة عامة للمسلمين، ولا تهدر هذه المصلحة لأن من القواعد المقررة أنه متى وجدت المصلحة فثم شرع الله، وما كان كذلك فإن حكمه باق متى دعت الحاجة إليه. قال ابن هبيرة: "اختلف العلماء في المؤلفة قلوبهم، هل بقي الآن لهم حكم؟ " فقال أحمد: "حكمهم باق لم ينسخ، ومتى وجد الإمام قوماً من المشركين فخاف الضرر بهم، وعلم أن في إسلامهم مصلحة، وجاز أن يتألفهم من مال الزكاة". وعنه رواية أخرى أن حكمهم منسوخ1". إهـ. وقال ابن قدامة: "وأحكام الأصناف الثمانية المنصوص عليهم في آية براءة2،كلها باقية، وبهذا قال الحسن والزهري، وأبو جعفر3 محمد بن عليّ4". وقال علاء الدين المرداوي: "الصحيح من المذهب أن حكم المؤلفة باق وعليه الأصحاب، وهو من المفردات5". وقال أبو عبيد: "الآية محكمة، لا نعلم لها ناسخا من كتاب ولا سنة، فإذا كان قوم هذه حالهم، لا رغبة لهم في الإسلام، لما عندهم من العز والأنفة فرأى الإمام أن يرضخ لهم من الصدقة، فعل ذلك لخلال ثلاث: إحداهن: "الأخذ بالكتاب والسنة". والثانية: "البقيا على المسلمين". والثالثة: "أنه ليس بيائس منهم إن تمادى بهم الإسلام، أن يتفقهوه وتحسن فيه رغبتهم 6".إهـ.   1الإفصاح 1/224". 2 هي قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} ، [سورة التوبة، من الآية: "60] ". 3 أبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين الهاشمي، عده النسائي وغيره في فقهاء التابعين بالمدينة". (تذكرة الحفاظ للذهبي 1/124-125) وقد تقدمت ترجمته في حديث (19) . 4 المغني 2/666". 5 الإنصاف 3/228 وقوله: "من المفردات" يعني أن الإمام أحمد تفرد بالقول ببقاء حكم المؤلفة عن الأئمة الثلاثة". 6 كتاب الأموال ص 797". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 704 قلت: "وهذا هو الهدف الأساسي من التأليف هو ترغيب الناس في الدخول في هذا الدين الحنيف، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي على الإسلام ما لايعطي على غيره، فقد جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: قال: "ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه، قال: "فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: "يا قوم! أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة". وفي لفظ: "أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنما بين جبلين فأعطاه إياه فأتى قومه فقال: "أي قوم! فوالله! إن محمد ليعطي عطاء ما يخاف الفقر". فقال أنس: "إن1 كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنياوما عليها"2". وذهب الحنفية والشعبي ومالك والشافعي إلى أن هذا المصرف "المؤلفة قلوبهم" إنما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال قلة عدد المسلمين وكثرة عدوهم، وأما بعد وفاته عليه الصلاة والسلام فإنهم لا يعطون من الزكاة شيئا لزوال العلة التي من أجلها كان إعطاؤهم وهي الحاجة إليهم، فقد أعز الله الإسلام وأهله، وأغنى عن تألفيهم، فلا يعطى مشرك تأليفا بحال من الأحوال. ورأوا أن حكمهم منسوخ بإجماع الصحابة على ذلك، فإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لم يعطيا المؤلفة قلوبهم شيئا من الصدقات، ولم ينكر عليها أحد من الصحابة فيكون إجماعا منهم 3. ورد هذا ابن قدامة بقوله: ولنا: "كتاب الله وسنة رسوله، فإن الله تعالى سمى المؤلفة في الأصناف الذين   (إن) هي المخففة من الثقيلة وإذا أهملت لزمتها اللام فارقة بينها وبين (إن) النافية وهي هنا مهملة لوجود اللام في جوابها "ليسلم". (شرح ابن عقيل 1/378) . 2 تقدم تخريجه برقم (194) وانظر حديث (197) . 3 كتاب الإفصاح لابن هبيرة 1/224-225، المغني لابن قدامة 2/666، الهداية للمرغيناني1/112،والشرح الكبير لأحمد الدردير مع حاشية الدسوقي1/495، والأم للشافعي2/61،والمنتقى للباجي2/153،والمجموع للنووي6/210، وكفاية الأخيار لتقي الدين أبي بكر الحسيني 1/122، نصب الراية للزيلعي 2/394-395، نيل الأوطار للشوكاني 4/187 وفتح القدير له 2/373". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 705 سمى الصدقة لهم والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى حكم فيها فجزأها ثمانية أجزاء"1. وكان يعطي المؤلفة كثيرا في أخبار مشهورة، ولم يزل كذلك حتى مات، ولا يجوز ترك كتاب الله وسنة رسوله إلا بنسخ والنسخ لا يثبت بالاحتمال، ثم إن النسخ، إنما يكون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لأن النسخ إنما يكون بنص، ولا يكون النسخ بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وانقراض زمن الوحي، ثم إن القرآن لا ينسخ إلا بالقرآن، وليس في القرآن نسخ كذلك ولا في السنة، فكيف يترك الكتاب والسنة بمجرد الآراء والتحكم، أو بقول صحابي أو غيره؟ على أنهم لا يرون قول الصحابي حجة يترك بها قياس، فكيف يتركون به الكتاب والسنة؟ وقال الزهري: "لا أعلم شيئا نسخ حكم المؤلفة على أن ما ذكروه من المعنى لا خلاف بينه وبين الكتاب والسنة، فإن الغنى عنهم لا يوجب رفع حكمهم وإنما يمنع عطيتهم حال الغنى عنهم فمتى دعت الحاجة إلى إعطائهم أعطوا، فكذلك جميع الأصناف إذا عدم منهم صنف في بعض الزمان سقط حكمه في ذلك الزمان خاصة، فإذا وجد عاد حكمه، كذا هنا2". وقال الطبري: "والصواب من القول في ذلك عندي: "أن الله جعل الصدقة في معنيين: "أحدهما سد خلة المسلمين، والآخر معونة الإسلام وتقويته، فما في معونة الإسلام وتقوية أسبابه، فإنه يعطاه الغني والفقير، لأنه لا يعطاه من يعطاه بالحاجة منه إليه، وإنما يعطاه معونة للدين، وذلك كما يعطى الذي يعطاه بالجهاد في سبيل الله، فإنه يعطى ذلك غنياً كان أو فقيرا للغزو لا لسد خلته، وكذلك المؤلفة قلوبهم يعطون ذلك وإن كانوا أغنياء، استصلاحاً بإعطائهم أمر الإسلام، وطلب تقويته   1 هذا الحديث رواه أبو داود من حديث زياد بن الحارث الصدائي قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته، فذكر حديثا طويلا، قال: "فأتاه رجل فقال: "أعطني من الصدقة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك". (سنن أبي داود 1/378-379 كتاب الزكاة، باب من يعطى من الصدقة وحد الغني) وفيه: "عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي" قال ابن حجر في التقريب 1/480: "ضعيف في حفظه، ووقع في ميزان الاعتدال للذهبي2/561 "عبد الله بن زياد". 2 المغني 2/666 وفتح القدير للشوكاني 2/373". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 706 وتأييده، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أعطى من المؤلفة قلوبهم، بعد أن فتح الله عليه الفتوح، وفشا الإسلام وعز أهله، فلا حاجة لمحتج بأن يقول: لا يتألف اليوم على الإسلام أحد لامتناع أهله بكثرة العدد ممن أرادهم وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أعطى منهم في الحال التي وصفت1". وقال الفخر الرازي: "والصحيح أن حكم المؤلفة غير منسوخ، وأن للإمام أن يتألف قوما على هذا الوصف، ويدفع إليهم سهم المؤلفة، لأنه لا دليل على نسخه ألبتة2". وقال ابن العربي المالكي: "والذي عندي أنه إن قوي الإسلام زالوا وإن احتيج إليهم أعطوا سهمهم، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم". وهذا بناء على أن العلة في إعطائهم هي حاجتنا إليهم، أما على القول بأن القصد من إعطائهم ترغيبهم في الإسلام، أو تثبيتهم عليه لإنقاذهم من عذاب الله تعالى فيعطون مطلقا 3". وقال الشوكاني: "والظاهر جواز التأليف عند الحاجة إليه، فإذا كان في زمن الإمام قوم لا يطيعونه إلا للدنيا ولا يقدر على إدخالهم تحت طاعته بالقسر والغلب فله أن يتألفهم ولا يكون لفشو الإسلام تأثير لأنه لم ينفع في خصوص هذه الواقعة 4".إهـ". وبهذا التقرير يعلم بأن حكم المؤلفة باق لم ينسخ فإن التأليف حكم باق في كتاب الله عز وجل، وقد جعلهم الله أحد الأصناف الثمانية الذين تصرف فيهم الزكاة، وجاءت بهذا السنة المتواترة القاطعةن والنسخ لم يثبت كما تقدم تقريره، وليس في منع أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - للمؤلفة ما يفيد النسخ، وغاية ما فيه أن ذلك لأجل عزة الإسلام ومنعته، فإذا دعت الحاجة إلى التأليف فالحكم باق والمصلحة تقتضيه، وهذا ما رجحه المحققون من العلماء كما سبق بيانه".   1 جامع البيان 10/163 2 تفسير الرازي 16/111 3 أحكام القرآن 2/966 وتحفة الأحوذي 3/336". 4 نيل الأوطار 4/187، والسيل الجرار 2/57-58". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 707 الحكم السادس عشر: بعض ما يجتنبه المحرم جاء في هذا الحكم ما رواه يعلى بن أمية أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبة وهو متضمخ بطيب فقال: "يا رسول الله كيف ترى في الرجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بالطيب؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأم الجبة فانزعها عنك، ثم اصنع في عمرتك، كما تصنع في حجك". والحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري: 293- قال: "حدثنا أبو نعيم1 حدثنا همام حدثنا عطاء قال: "حدثني صفوان بن يعلى بن أمية - يعني - عن أبيه2 أن رجلاً3 أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة، وعليه جبة، وعليه أثر الخلوق4 - أو قال صفرة - فقال: "كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ 5".   1 أبو نعيم: "هو الفضل بن دكين، وهمام: "هو ابن يحيى بن دينار الأزدي، وعطاء: "هو ابن أبي رباح". 2 هو يعلى بن أمية بن أبي عبيدة بن همام التميمي، حليف قريش وهو يعلى بن منيه - بضم الميم وسكون النون بعدها تحتانية مفتوحة- وهي أمه، ويقال جدته، صحابي مشهور، مات سنة بضع وأربعين". /ع". (التقريب 2/277، وتهذيب التهذيب 11/399) . 3 وعند البخاري أيضا: "عن يعلى قال: "فبينا النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة - وعليه ثوب قد أظل به معه ناس من أصحابه - إذ جاءه أعرابي عليه جبة متضمخ بطيب". قال ابن حجر: "ولم أقف على اسمه لكن ذكر ابن فتحون في "الذيل" عن "تفسير الطرطوشي" أن اسمه عطاء بن منية، قال ابن فتحون: "إن ثبت ذلك فهو أخو يعلى ابن منية راوي الخبر، قال ابن حجر: "ويجوز أن يكون خطأ من اسم الراوي فإنه من رواية عطاء عن صفوان بن يعلى بن منية عن أبيه ومنهم من لم يذكر بين عطاء ويعلى أحدا". (فتح الباري 3/394، ونيل الاوطار 5/8) . 4 الخلوق: "بفتح الخاء المعجمة: "نوع من الطيب مركب فيه زعفران تغلب عليه الحمرة والصفرة". (النهاية 2/72، وشرح النووي على صحيح مسلم 3/249، وفتح الباري 3/393) . وعند مسلم: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة عليه جبة وعليها خلوق - أو قال- أثر صفرة". 5 وعند البخاري أيضا: "كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه الوحي". وعنده أيضا: "كيف ترى في رجل أحرم في جبة بعدما تضمخ بطيب؟ فنظر النبي صلى الله عليه وسلم ساعة فجاءه الوحي". وعند مسلم: "فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ثم سكت فجاءه الوحي". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 708 فأنزل الله على النبي - صلى الله عليه وسلم - 1، فستر بثوب، وودت2 أني قد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وقد أنزل عليه الوحي، فقال عمر: "تعال، أيسرك3 أن تنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أنزل الله عليه الوحي؟ قلت: "نعم، فرفع طرف الثوب، فنظرت إليه له غطيط4 - وأحسبه قال: "كغطيط البكر5 - فلما سري6 عنه قال: "أين السائل عن العمرة؟ 7".   1 قوله: "فأنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم"، قال ابن حجر: "لم أقف في شيء من الروايات على بيان المنَزل حينئذ من القرآن، وقد استدل به جماعة من العلماء على أن من الوحي ما لا يتلى، ولكن وقع عند الطبراني وابن ماجة وابن أبي حاتم من طريق أخرى أن المنزل عليه حينئذ قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ} ثم قال: "ووجه الدلالة منه على المطلوب عموم الأمر بالإتمام فإنه يتناول الهيئات والصفات". وقال أيضا في مكان آخر: "ويستفاد منه أن المأمور به وهو الإتمام يستدعي وجوب اجتناب ما يقع في العمرة". (فتح الباري 3/394و614) . 2 وعند مسلم: "وكان يعلى يقول: "وددت أني أرى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أنزل عليه الوحي". وعند أحمد: "عن يعلى بن أمية أنه كان مع عمر في سفر وأنه طلب إلى عمر أن يريه النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي، قال: "فبينما النبي صلى الله عليه وسلم في سفر وكان عليه ستر مستور من الشمس إذ أتاه رجل عليه جبة وعليه ردع من زعفران". 3 وعند الحميدي: "عن يعلى بن أمية قال: "قلت لعمر بن الخطاب إني أشتهي أن أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي قال: "فبينا أنا بالجعرانة إذ دعاني عمر فأتيت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى ثوبا فكشف لي عمر وجهه فإذا هو محمر وجهه". وعند مسلم "وكان يعلى يقول: "وددت أني أرى النبي صلى الله عليه وسلم وقد نزل عليه الوحي". وعنده أيضا: "أن يعلى كان يقول لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ليتني أرى نبي الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه". وعنده أيضا: "وكان عمر يستره إذا أنزل عليه الوحي، ويظله فقلت لعمر - رضي الله عنه ـ: "إني أحب إذا أنزل عليه الوحي، أن أدخل رأسي معه في الثوب، فلما أنزل عليه خمره عمر - رضي الله عنه - بالثوب فجئته فأدخلت رأسي معه في الثوب، فنظرت إليه". 4 له غطيط: "الغطيط صوت النفس المتردد من النائم أو المغمى وسبب ذلك شدة ثقل الوحي". (فتح الباري 3/394 والمصباح المنير 2/538) . وعند البخاري ومسلم: "فأشار عمر بيده إلى يعلى بن أمية: "تعال فجاء يعلى فأدخل رأسه فإذا النبي صلى الله عليه وسلم محمر الوجه يغط كذلك ساعة ثم سري عنه". قال ابن حجر: "وكان سبب إدخال يعلى رأسه عليه صلى الله عليه وسلم في تلك الحال أنه كان يحب لو رآه في حالة نزول الوحي". (فتح الباري 3/394) . 5 البكر: "هو بفتح الباء وهو الفتي من الإبل". (شرح النووي على صحيح مسلم 3/250، والمصباح المنير 1/75) . 6 سري عنه: "هو بضم السين وكسر الراء المشددة، أي أزيل ما به وكشف عنه شيئا بعد شيء". (شرح النووي 3/250 وفتح الباري 3/394 والنهاية 2/364) . 7 وعند مسلم: "فقال أين الذي سألني عن العمرة آنفا" فالتمس الرجل فجيء به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما الطيب الذي بك، فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة، فأنزعها، ثم أصنع في عمرتك ما تصنع في حجك". وعند البخاري: "أين الذي يسألني عن العمرة آنفا"؟ وعنده أيضاً: "من رواية أبي عاصم عن ابن جريج" فقال: "أين الذي سأل عن العمرة؟ " فأتى برجل فقال: "أغسل الطيب ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك". قلت لعطاء: "أراد الإنقاء حين أمره أن يغسل ثلاث مرات؟ قال: "نعم". قال ابن حجر: "والقائل لعطاء: "هو ابن جريج وهو دال على أنه فهم من السياق أن قوله: "ثلاث مرات" من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون من كلام الصحابي وأنه صلى الله عليه وسلم أعاد لفظة "اغسله" مرة ثم مرة على عادته أنه كان إذا تكلّم بكلمة اعادها ثلاثا لتفهم عنه، ونبه عليه عياض". (فتح الباري 3/395) . وقال النووي: قوله: "أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات"، إنما أمر بالثلاث مبالغة في إزالة لونه وريحه، والواجب الإزالة، فإن حصلت بمرة كفت، ولم تجب الزيادة، ولعل الطيب الذي كان على هذا الرجل كثير، ويؤيده قوله: "متضمخ". ثم قال: "قال القاضي: "ويحتمل أنه قال ثلاث مرات أغسله، فكرر القول ثلاثاً، والصواب ما يبق، والله أعلم". (شرح النووي على صحيح مسلم 3/252) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 709 اخلع عنك الجبة1، واغسل أثر الخلوق عنك، وأنق2 الصفرة، واصنع3 في عمرتك كما تصنع في حجك"4.   1الجبة: "ضرب من مقطعات الثياب تلبس، وجمعها جبب وجباب". 0 لسان العرب 1/242) وعند أبي داود "أخلع جبتك فخلعها من رأسه". وعنده أيضاً: "فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزعها نزعا ويغتسل مرتين أو ثلاثا". ((2قوله: "وأنق الصفرة"، قال ابن حجر: "بفتح الهمزة وسكون النون، ووقع للمستملي هنا بهمزة وصل ومثناة مشددة من التقوى، قال صاحب المطالع: "وهي أوجه وإن رجعا إلى معنى واحد". ووقع لابن السكن "اغسل أثر الخلوق وأثر الصفرة" والأول هو المشهور". (فتح الباري3/614) . 3 وعند مسلم: "عن يعلى قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل وهو بالجعرانة وأنا عند النبي صلى الله عليه وسلم وعليه مقطعات" (يعني جبة) وهو متضمخ بالخلوق فقال إني أحرمت بعمرة وعلى هذا وأنا متضمخ بالخلوق". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كنت صانعاً في حجّك؟ ". قال: "أنزع عني هذه الثياب، وأغسل عني هذه الخلوق". فقال له النّبي صلى الله عليه وسلم: "ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك". وعنده أيضا: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "انزع عنك جبتك واغسل أثر الخلوق الذي بك، وافعل في عمرتك ما كنت فاعلا في حجك". وعند النسائي: "أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أهل بعمرة وعليه مقطعات وهو متضمخ بخلوق فقال: "أهللت بعمرة فما أصنع؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كنت صانعاً في حجك". قال: "كنت أتقي هذا وأغسله، فقال: "ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك". وعنده وعند مسلم: "أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وه ومصفر لحيته ورأسه وعليه جبة فقال: "يا رسول الله إني أحرمت بعمرة وأنا كما ترى فقال: "أنزع عنك الجبة وأغسل عنك الصفرة، وما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك". وعند أحمد: "قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه جبة وعليه ردع من زعفران فقال يا رسول اله إني أحرمت فيما ترى والناس يسخرون مني وأطرق هنيهة، قال: "ثم دعاه، فقال: "اخلع عنك هذه الجبة واغسل عنك هذا الزعفران واصنع في عمرتك ما تصنع في حجك". 4 صحيح البخاري 3/6 كتاب العمرة، باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 710 والحديث رواه البخاري أيضا في كتاب جزاء الصيد عن أبي الوليد1حدثنا همام حدثناعطاء قال: حدثني صفوان بن يعلى عن أبيه به2. ورواه في كتاب المغازي عن يعقوب3 بن إبراهيم حدثنا إسماعيل حدثنا ابن جريج قال أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى بن أمية أخبره، أن يعلى كان يقول: "ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه4". وعلقه في كتاب الحج عن أبي عاصم فقال: "قال أبو عاصم5 أخبرنا ابن جريج أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى أخبره به6". ورواه في فضائل القرآن عن أبي نعيم حدثنا همام حدثنا عطاء". وعلقه عن مسدد فقال: "وقال مسدد7 حدثنا يحيى عن ابن جريج قال أخبرني عطاء قال أخبرني صفوان بن يعلى بن أمية أن يعلى8 كان يقول: "ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي". الحديث9".   1 أبو الوليد هو الطيالسي هشام بن عبد الملك". 2 صحيح البخاري 3/15-16 باب إذا أحرم جاهلا وعليه قميص". 3 يعقوب بن إبراهيم: "هو ابن كثير بن زيد بن أفلح، وإسماعيل: "هو ابن إبراهيم المعروف "بابن علية". 4 صحيح البخاري 5/129 باب غزوة الطائف". 5 أبو عاصم: "هو النبيل الضحاك بن مخلد". قال ابن حجر:: "قوله: "قال أبو عاصم"، هو من شيوخ البخاري ولم أره عنه إلا بصيغة التعليق، وبذلك جزم الإسماعيلي، فقال: "ذكره عن أبي عاصم بلا خبر". وأبو نعيم: "فقال: "ذكره بلا رواية". وحكى الكرماني أنه وقع في بعض النسخ "حدثنا محمد حدثنا أبو عاصم" ومحمد هو ابن معمر أو ابن بشار، ويحتمل أن يكون البخاري". (فتح الباري 3/393) . 6 صحيح البخاري 2/114-115 باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب". 7 مسدد من شيوخ البخاري، قال ابن حجر: "قوله: "وقال مسدد حدثنا يحيى في رواية أبي ذر "يحيى بن سعيد" وهو القطان، وهذا الحديث وقع لنا موصولا في رواية مسدد من رواية معاذ بن المثنى عنه كما بينته في "تغليق التعليق". (فتح الباري 9/10) . 8 قوله:"أن يعلى كان يقول الخ"، قال ابن حجر: "هذا صورته مرسل؛ لأن صفوان بن يعلى ما حضر القصة، وقد أورده في كتاب العمرة من كتاب الحج بالإسناد الآخر المذكور هنا عن أبي نعيم عن همام فقال فيه: "عن صفوان بن يعلى عن أبيه" فوضح أنه ساقه هنا على لفظ رواية ابن جريج". وقد أخرجه أبو نعيم من طريق محمد بن خلاد عن يحيى بن سعيد بنحو اللفظ الذي ساقه المصنف هنا". (فتح الباري 9/10) . 9 صحيح البخاري 6/150 باب نزل القرآن بلسان قريش والعرب، وقال ابن بطال: "مناسبة الحديث للترجمة أن الوحي كله متلوا كان أو غير متلو إنما نزل بلسان العرب، ولا يرد على هذا كونه صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة عربا وعجما وغيرهم لأن اللسان الذي نزل عليه به الوحي عربي وهو يبلغه إلى طوائف العرب، وهم يترجمونه لغير العرب بألسنتهم". قال ابن حجر: "ولذا قال ابن المنير: "كان إدخال هذا الحديث في الباب الذي قبله أليق، لكن لعله قصد التنبيه على أن الوحي بالقرآن والسنة كان على صفة واحدة ولسان واحد". (فتح الباري 9/10 والباب المشار إليه في كلام بن النير هو: "باب كيف نزل الوحي) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 711 ورواه مسلم وأبو داود والبيهقي الجميع من طريق همام بن يحيى حدثنا عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى به1". ورواه أحمد ومسلم والنسائي والحميدي وابن خزيمة والبيهقي الجميع من طريق ابن جريج قال: "أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى بن أمية أخبره به2". ورواه مسلم وأبو داود والنسائي والطحاوي والحازمي كلهم من طريق قيس بن سعد المكي يحدث عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية به3". رواه مسلم أيضا من طرق رباح بن أبي معروف قال سمعت عطاء قال: "أخبرني صفوان بن يعلى به4". ورواه مسلم أيضاً والحميدي والشافعي وأحمد والترمذي ابن خزيمة الجميع من طريق سفيان بن عيينة قال حدثنا عمرو بن دينار عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية به5". ورواه البيهقي من طريق الشافعي6".   1 صحيح مسلم 2/836و 838 كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه". وسنن أبي داود 1/422-423 كتاب المناسك، باب الرجل يحرم في ثيابه". والسنن الكبرى 5/56، 7/50 ودلائل النبوة 3/56 كلاهما للبيهقي". 2 مسند أحمد 4/222". وصحيح مسلم 2/837 كتبا الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه". سنن النسائي 5/99-100 كتاب المناسك، باب الجبة في الإحرام". ومسند الحميدي 2/347، وصحيح ابن خزيمة 4/191-192". والسنن الكبرى للبيهقي 7/50". 3 صحيح مسلم 2/837-838 كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه". وسنن أبي داود 1/423 كتاب المناسك، باب الرجل يحرم في ثيابه". وسنن النسائي 5/110 كتاب المناسك باب في الخلوق للمحرم". شرح معاني الآثار للطحاوي 2/126، والاعتبار للحازمي ص 148". 4 صحيح مسلم 2/838 كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة الخ". 5 المصدر السابق 2/836-837". مسند الحميدي 2/347، والأم للشافعي 2/130". ومسند أحمد 4/224، وسنن الترمذي 2/165 كتاب الحج، باب ما جاء في الذي يحرم وعليه قميص أو جبة". صحيح ابن خزيمة 4/194". 6 السنن الكبرى 5/56". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 712 ورواه أبو داود من طريق هشيم1 بن الحجاج عن عطاء عن صفوان بن يعلى به". ومن طريق الليث بن سعد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن يعلى ابن منية به 2". وأخرجه البيهقي من طريق أبي داود الثانية 3". ورواه الحازمي من طريق عبيد الله4 بن أبي زياد عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى بن أمية به5. ورواه مالك عن حميد بن قيس عن عطاء بن أبي رباح أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحنين وعلى الأعرابي قميص الحديث6. والحديث رواه همام بن يحيى وعبد الملك بن جريج وقيس بن سعد وعبيد الله بن أبي زياد ورباح بن أبي معروف وعمرو بن دينار والليث بن سعد والحجاج بن أرطأة كلهم عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه يعلى بن أمية. بذكر "صفوان" بين عطاء ويعلى.   1 هشيم: "هو ابن بشير، والحجاج: "هو ابن أرطأة". 2 سنن أبي داود 1/423 كتاب المناسك، باب الرجل يحرم في ثيابه، ويعلى بن منية: "هو يعلى بن أمية انظر ص (696) . 3 السنن الكبرى 5/57". 4 عبيد الله بن أبي زياد القداح، أبو الحصين، المكي ليس بالقوي، من الخامسة (ت 150) . /د ت س". (التقريب1/533 وتهذيب التهذيب7/14 والخلاصة للخزرجي 2/191، وفي ميزان الاعتدال 3/8 رمز لمن أخرج له ب (د ت ق) . وقال ابن حجر: "في التهذيب له عند (ق) حديث في الاسم الأعظم بعد أن علم لمن أخرج له بـ (د ت س) . والحديث عند ابن ماجه في 2/1267 كتاب الدعاء، باب اسم الله الأعظم، لكن وقع هناك "عبد الله" مكبرا، والصواب "عبيد الله" بالتصغير وبهذا يظهر أن الذي أخرج لعبيد الله هو أبو داود والترمذي (انظر مقدمة تحفة الأحوذي 2/88) وابن ماجة دون النسائي". ((5الاعتبار ص 148". 6 الموطأ 1/328 كتاب الحج، باب ما جاء في الطيب للمحرم". قال الكاندهلوي: "هكذا مرسلا في الموطأ ووصله الشيخان وأبو داود والنسائي والترمذي من طرق عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه". (أوجز المسالك 6/204) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 713 ورواه أبو داود من طريق أبي بشر1 عن عطاء عن يعلى بن أمية2. ورواه أحمد من طريق منصور3 وعبد الملك4 عن عطاء عن يعلى ابن أمية5". ورواه الترمذي من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن يعلى بن أمية6. ورواه أبو داود الطيالسي من طريق قتادة عن عطاء عن يعلى بن أمية7. ومن طريق أبي داود الطيالسي أخرجه البيهقي8. فأبو بشر ومنصور وعبد الملك وقتادة رووا هذا الحديث عن عطاء عن يعلى بن أمية، بإسقاط "صفوان بن يعلى" بين عطاء ويعلى. وقد ساق الترمذي الحديث من طريق عبد الملك فقال: "حدثنا قتيبة أخبرنا عبد الله بن إدريس عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن يعلى بن أمية قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابيا قد أحرم وعليه جبة فأمره أن ينزعها". ثم قال: "حدثنا ابن أبي عمر9 أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه بمعناه".   1 هو بيان بن بشر الأحمسي - بمهملتين - أبو بشر الكوفي، ثقة ثبت، من الخامسة". /ع". (التقريب 1/111 وتهذيب التهذيب 1/506) . 2 سنن أبي داود 1/423 كتاب المناسك، باب الرجل يحرم في ثيابه". 3 منصور بن زاذان - بزاي وذال معجمة - الواسطي، أبو المغيرة الثقفي، ثقة ثبت عابد، من السادسة (ت 129) . على الصحيح". /ع". (التقريب 2/275 وتهذيب التهذيب 10/306) . 4 عبد الملك بن أبي سليمان - واسمه ميسرة - العرزمي- بفتح المهملة وسكون الراء، وبالزاي المفتوحة- صدوق، له أوهام من الخامسة (ت 145) . /خت م عم". (التقريب 1/519 وتهذيب التهذيب 6/396) وقد رمز له الذهبي بـ (صح) إشارة إلى أنه ثقة، وقال عنه: "أحد الثقات المشهورين، تكلم فيه شعبة لتفرده عن عطاء بخبر الشفعة للجار". (ميزان الاعتدال 2/656) . 5 المسند 4/224". 6 سنن الترمذي:2/165كتاب الحج، باب ماجاء في الذي يحرم وعليه قميص أو جبة". 7 منحة المعبود 1/212". 8 السنن لكبرى 5/57". 9 هو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، صدوق". قلت: "تابعه الحميدي والشافعي وأحمد في شيخه ابن عيينة". (انظر ص 1088) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 714 قال أبو عيسى: "وهذا أصح1 وفي الحديث قصة". وهكذا روى قتادة الحجاج بن أرطأة وغير واحد عن عطاء عن يعلى بن أمية2". والصحيح ما روى عمرو بن دينار وابن جريج3 عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم 4". والحديث بجميع طرقه فيه أن السائل عن الإحرام غير يعلى بن أمية راوي الحديث وأن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بنزع الجبة وغسل الخلوق ولم يأمره بإحداث إحرام من جديد". إلا ما جاء عند النسائي من حديث نوح بن حبيب وهذا سياقه: أخبرنا نوح5 بن حبيب القومسي قال حدثنا يحيى بن سعيد6 قال: "حدثنا ابن جريج قال: "حدثني عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه أنه قال: "ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينزل عليه". فبينا نحن بالجعرانة والنبي صلى الله عليه وسلم في قبة فأتاه الوحي، فأشار إلى عمر أن تعال. فأدخلت رأسي القبة فأتاه رجل قد أحرم في جبة بعمرة مضمخ بطيب فقال:   1 قال المباركفوري: "قوله: "وهذا أصح" أي رواية ابن أبي عمر بزيادة صفوان بين عطاء ويعلى، أصح من رواية قتيبة بن سعيد". 2 وقوله: "وهكذا روى قتادة والحجاج بن أرطأة وغير واحد عن عطاء عن يعلى بن أمية أي بعدم ذكر "صفوان" بين عطاء ويعلى". (تحفة الأحوذي 3/575) . 3 ورواية عمرو بن دينار عند مسلم والحميدي والشافعي وأحمد والترمذي وابن خزيمة". ورواية ابن جريج في الصحيحين وغيرهما". (انظر ص 699-700) . وقد وافقهما همام بن يحيى، وقيس بن سعد، ورباح بن أبي معروف، والليث بن سعد، وعبيد الله بن أبي زياد، كلّهم رووا هذا الحديث عن عطاء، فذكروا: "صفوان"، بين عطاء ويعلى بن أمية". (انظر ص: "701) . 4 سنن الترمذي 2/165-166 كتاب الحج، باب ما جاء في الذي يحرم وعليه قميص أو جبة". 5 نوح بن حبيب القومسي - بضم القاف وسكون الواو آخره مهملة - البذشي- بفتح الموحدة بعدها المعجمة - أبو محمد، ثقة سني، من العاشرة (ت242) ./ د س". (التقريب2/308 وتهذيب التهذيب10/481 والخلاصة للخزرجي3/101) . ووقع في التقريب الطبعة الهندية والمصرية "نوح بن أبي حبيب". 6 يحيى بن سعيد: "هو القطان". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 715 يا رسول الله، ما تقول في رجل قد أحرم في جبة، إذ أنزل عليه الوحي، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يغط1 لذلك، فسري عنه فقال: "أين الرجل الذي سألني آنفا؟ ". فَأُتِيَ بالرجل فقال: "أما الجبة فاخلعها، وأما الطيب فاغسله ثم أحدث إحراما". ثم قال النسائي: "قال أبو عبد الرحمن: "ثم أحدث إحراما" ما أعلم أحداً قاله غير نوح بن حبيب، ولا أحسبه محفوظاً2". وأورد ابن حجر قول النسائي هذا". ثم قال: "وقال البيهقي: "رواه جماعات غير نوح بن حبيب فلم يذكروها 3، ولم يقبلها أهل العلم بالحديث من نوح بن حبيب4". ووقع عند الطحاوي أن الذي أحرم وعليه جبة هو يعلى بن أمية راوي الحديث وهذا سياقه: حدثنا سليمان5 قال: "ثنا عبد الرحمن6 قال: "ثنا شعبة عن قتادة عن عطاء بن أبي رباح: "أن رجلا يقال له يعلى بن أمية أحرم وعليه جبة، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينْزعها" 7. قلت: "والحديث معضل". والصحيح أن الذي أحرم في جبة غير يعلى بن أمية كما هو صريح الأحاديث المتقدمة عن يعلى في الصحيحين وغيرهما".   1 يغط: "بفتح أوله وكسر المعجمة وتشديد الطاء المهملة أي ينفخ". (فتح الباري 3/394) . 2 سنن النسائي في 5/99-100 كتاب المناسك، باب الجبة في الإحرام". 3 أي زيادة (0 ثم أحدث إحراما". 4 التلخيص الحبير 2/273". 5 سليمان بن شعيب الكسائي المصري، ذكره ابن حجر في لسان الميزان 3/96 في ترجمة سليمان بن شعيب بن الليث بن سعد المصري، فقال: "فأما سليمان بن شعيب الكسائي المصري، فوثقه العقيلي وأصله من نيسابور يروي عن أسد بن موسى وخالد بن نزار ووهب بن جرير وعدة، روى عنه الطحاوي والحضائري وآخرون (ت 278) . 6 عبد الرحمن بن زياد الرصاصي، روى عن شعبة وغيره، وعنه الحميدي ودحيم ويوسف بن عدي وسعيد بن أسيد ويحيى بن سليمان وغيرهم، قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عنه فقال: "صدوق". (الجرح والتعديل 5/235) . 7 شرح معاني الآثار 2/139 وانظر نيل الأوطار للشوكاني 5/8". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 716 وقد أخذ العلماء من هذا الحديث المسائل الآتية: المسألة الأولى: "أن السائل عن أحكام العمرة كان عارفا بأحكام الحج، ولذا قال له صلى الله عليه وسلم: "وما كنت صانعا في حجك فاصنع في عمرتك". قال النووي: "وهذا الحديث ظاهر في أن هذا السائل كان عالماً بصفة الحج دون العمرة، فلهذا قال له صلى الله عليه وسلم: "اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك" 1". وقال ابن حجر: "وهذا الحديث دال على أنه كان يعرف أعمال الحج قبل ذلك". قال ابن العربي: "كأنهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثياب ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا، وكانوا يتساهلون في ذلك في العمرة، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن مجراهما واحد". وقال ابن المنير في "الحاشية" قوله "واصنع" معناه اترك لأن المراد بيان ما يجتنبه المحرم فيؤخذ منه فائدة حسنة وهي أن الترك فعل". وأما قول ابن بطال أراد الأدعية وغيرها مما يشترك فيه الحج والعمرة ففيه نظر، لأن التروك مشتركة، بخلاف الأعمال فإن في الحج أشياء زائدة على العمرة كالوقوف وما بعده". وقال الباجي: "المأمور به غير نزع الثوب وغسل الخلوق، لأنه صرح له بهما فلم يبق إلا الفدية2، قال ابن حجر: "كذا قال ولا وجه لهذا الحصر، بل الذي تبين من طريق أخرى أن المأمور به الغسل والنزع، وذلك عند مسلم والنسائي من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء في هذا الحديث أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أهل بعمرة وعليه مقطعات3 - يعني جبة - وهو متضمخ بخلوق فقال: "أهللت بعمرة فما أصنع؟ ". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كنت صانعا في حجك؟ ".   1 شرح النووي على صحيح مسلم 3/250، والمنتقى للباجي 2/202. 2 انظر: "المنتقى للباجي: "2/202. 3 مقطعات: "هي بفتح الطاء المشددة وهي الثياب المخيطة، وأوضحه في الحديث بقوله "يعني جبة" ومتضمخ: "بالضاد والخاء المعجمتين، أي متلوث به مكثر منه". (شرح النووي على صحيح مسلم 3/251) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 717 قال: "كنت أنزع عني هذه الثياب وأغسل عني هذا الخلوق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك" 1. المسألة الثانية: "أن من تطيب أو ليس جاهلاً ناسياً لإحرامه فلا كفارة عليه". قال البخاري: "باب إذا أحرم جاهلا وعليه قميص". ثم قال: "قال عطاء: "إذا تطيب أو لبس جاهلاً أو ناسياً فلا كفارة عليه". ثم ساق في الباب حديث يعلى بن أمية من طريق عطاء2". قال ابن حجر: "قوله باب إذا أحرم جاهلا وعليه قميص، أي هل يلزمه فدية أولا؟ وإنما لم يجزم بالحكم لأن حديث الباب لا تصريح فيه بإسقاط الفدية، ومن ثم استظهر المصنف للراجح بقول عطاء راوي الحديث كأنه يشير إلى أنه لو كانت الفدية واجبة لما خفيت عن عطاء وهو راوي الحديث". وقال ابن بطال وغيره: "وجه الدلالة منه أنه لو لزمته الفدية لبينها صلى الله عليه وسلم لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز". وفرق مالك - فيمن تطيب أو لبس ناسيا - بين من بادر فنزع وغسل وبين من تمادى". والشافعي أشد موافقة للحديث لأن السائل في حديث الباب كان غير عارف بالحكم وقد تمادى ومع ذلك لم يؤمر بالفدية". وقول مالك فيه احتياط3. وقال النووي: "وفي الحديث أن من أصابه طيب ناسيا أو جاهلا ثم علم وجبت عليه المبادرة إلى إزالته، وفيه أن من أصابه في إحرامه طيب ناسيا أو جاهلا لا كفارة عليه".   1 فتح الباري 3/394-395، وعون المعبود 5/266، ونيل الأوطار 5/8-9 والحديث المشار إليه عند مسلم والنسائي، صحيح مسلم 2/836-837 كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح، بيان تحريم الطيب عليه". سنن النسائي 5/110 كتاب المناسك، باب في الخلوق للمحرم، مسند الحميدي 2/347 وانظر تعليقة (3) ص (698) . 2 صحيح البخاري 3/15-16 كتاب جزاء الصيد". 3 فتح الباري 4/63 والأم للشافعي 2/130-131". وصحيح ابن خزيمة 4/191". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 718 وهذا مذهب الشافعي، وبه قال عطاء والثوري وإسحاق وداود. وقال مالك وأبو حنيفة والمزني وأحمد في أصح الروايتين عنه: "عليه الفدية، لكن الصحيح من مذهب مالك أنه إنما تجب الفدية على المتطيب ناسيا أو جاهلا إذا طال لبثه عليه1". وقال ابن حجر: "واستدل بالحديث على أن من أصابه طيب في إحرامه ناسيا أو جاهلا ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه". وقال مالك: "إن طال ذلك عليه لزمه". وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية يجب مطلقاً2". وأجاب ابن المنير: "في "الحاشية" عن هذا الحديث بأن الوقت الذي أحرم فيه الرجل في الجبة كان قبل نزول الحكم ولهذا انتظر النبي صلى الله عليه وسلم الوحي". قال: "ولا خلاف أن التكاليف لا يتوجه على المكلف قبل نزول الحكم فلهذا لم يؤمر الرجل بفدية عما مضى". بخلاف من لبس الآن جاهلا فإنه جهل حكما استقر وقصر في علم ما كان عليه أن يتعلمه لكونه مكلفا به وقد تمكن من تعلمه3". المسألة الثالثة: "استحباب الطيب لمن أراد الإحرام وجواز استدامة". قال ابن هبيرة: "اتفق العلماء على استحباب الطيب من أراد الإحرام إلا مالكا فإنه قال: "يكره للمحرم أن يتطيب قبل الإحرام بما بقي ريحه بعده4". وقال ابن رشد: "أجمع العلماء على أن الطيب كله يحرم على المحرم بالحج والعمرة في حال إحرامه". واختلفوا في جوازه للمحرم عند الإحرام قبل أن يحرم لما بقي من أثره عليه بعد   1 شرح النووي على صحيح مسلم 3/250". 2 فتح الباري 3/395 ونيل الاوطار للشوكاني 5/9 وعون المعبود 5/268". 3 فتح الباري 4/63". 4 الإفصاح 1/270، والمنتقى للباجي 2/201". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 719 الإحرام، فكرهه قوم وأجازه آخرون، وممن كرهه مالك، ورواه عن عمر بن الخطاب1، وهو قول عثمان وابن عمر وجماعة من التابعين". وممن أجازه أبو حنيفة والشافعي والثوري وأحمد وداود، والحجة لمالك حديث يعلى بن أمية ثم ساق الحديث والشاهد منه "قول الرسول صلى الله عليه وسلم للسائل: "أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبة فانزعها". ثم قال: "وعمدة الفريق الثاني ما رواه مالك عن عائشة أنها قالت: "كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم لحله قبل أن يطوف بالبيت2". وقال ابن حجر: "واستدل بحديث يعلى على منع استدامة الطيب بعد الإحرام للأمر بغسل أثره من الثوب والبدن، وهو قول مالك ومحمد ابن الحسن". وأجاب الجمهور بأن قصة يعلى كانت بالجعرانة كما ثبت في هذا الحديث، وهي سنة ثمان بلا خلاف، وقد ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: 294- "طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف، وبسطت يديها"3. وكان ذلك في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من الأمر، وبأن المأمور بغسله في قصة يعلى إنما هو الخلوق لا مطلق الطيب، فلعل علة الأمر فيه ما خالطه من الزعفران، وقد ثبت النهي عن تزعفر الرجل مطلقا محرما وغير محرم4".   1 الحديث في الموطأ 1/329 كتاب الحج، باب ما جاء في الطيب في الحج ونص الحديث: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجد ريح طيب وهو بالشجرة فقال: "ممن ريح هذا الطيب؟ فقال معاوية بن أبي سفيان: "مني يا أمير المؤمنين، فقال: "منك؟ لعمر الله، فقال معاوية: "إن أم حبيبة طيبتني يا أمير المؤمنين". فقال عمر: "عزمت عليك لترجعن فلتغسلنه". وانظر: "الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة للزركشي ص103-104". 2 بداية المجتهد 1/328 وحديث عائشة في الموطأ 1/328 كتاب الحج، باب ما جاء في الطيب في الحج". ورواه البخاري ومسلم في صحيحيهما كلاهما من طريق مالك انظر صحيح البخاري 2/115 كتاب الحج، باب الطيب عند الإحرام، صحيح مسلم 2/846 كتاب الحج، باب الطيب للمحرم عند الإحرام، وانظر: "أوجز المسالك إلى موطأ مالك للكاندهلوي 6/198". 3 الحديث في صحيح البخاري 2/115 كتاب الحج، باب الطيب عند الإحرام، و2/149 باب الطيب بعد رمي الجمار، و7/140-141 كتاب اللباس، باب تطييب المرأة زوجها بيديها، باب الطيب في الرأس واللحية، وباب الذريرة". وصحيح مسلم 2/846-850 كتاب الحج، باب طيب للمحرم عند الإحرام". 4 الحديث في صحيح البخاري 7/131 كتاب اللباس، باب التزعفر للرجال". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 720 295- وفي حديث ابن عمر: "ولا يلبس - أي المحرم - من الثياب شيئا مسه زعفران"1. 296- وفي حديث ابن عباس2 ولم ينه إلا عن الثياب المزعفرة"3. إهـ. وقد استدل القائلون بكراهية التطيب للمحرم قبل إحرامه بأدلة أخرى، وقد أجاب عنها العلماء وبينوا بأنها لا تقوى على دفع الأحاديث الواردة بجواز التطيب لمن أراد الإحرام قبل إحرامه وذلك لصراحتها وصحتها وتأخرها4. ففي حديث عائشة الثابت في الصحيحين وغيرهما أنها قالت: "كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت". وفي لفظ: قالت: "طيبت رسول الله بيدي بذريرة5 في حجة الوادع للحل والإحرام". وفي لفظ عنها عند النسائي قالت: "لقد رأيت وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث" 6 المسألة الرابعة: "أن المحرم إذا صار عليه مخيط ينزعه ولا يلزمه تمزيقه.   1 الحديث في صحيح البخاري2/115-116كتاب الحج، باب ما يلبس المحرم من الثياب، وصحيح مسلم 2/834-835 كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح، بيان تحريم الطيب عليه". 2 حديث ابن عباس في صحيح البخاري 2/116 كتاب الحج، باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر ولفظه: "فلم ينه عن شيء من الأردية والأزر تلبس إلا المزعفرة التي تردع على الجلد". 3 فتح الباري 3/395و396و398 وشرح معاني الآثار للطحاوي 2/126، والمغني لابن قدامة 3/273-274، وشرح النووي على صحيح مسلم 3/268". 4 أو المنهي عنه في حديث يعلى بن أمية هو الخلوق وهو حرام على الرجال في حال الإحرام وغيره". 5 الذريرة: "بفتح الذال المعجمة وراءين بوزن عظيمة، نوع من الطيب مجموع من أخلاط". وقيل: "وهي فتات القصب طيب: "يجاء به من الهند". (النهاية لابن الأثير 2/157، وشرح النووي على صحيح مسلم 3/270، وهدي الساري لابن حجر ص 118 وفتح الباري 10/381) . 6 سنن النسائي 5/108-109 كتاب المناسك، باب موضع الطيب". وانظر: "الأم للشافعي 2/130-131". وشرح معاني الآثار للطحاوي 2/126-133، والمحلى لابن حزم7/85-99". وصحيح ابن خزيمة 4/192-194، والمغني لابن قدامة 3/273-274". وشرح النووي على صحيح مسلم 3/268". وفتح الباري لابن حجر 3/398-400 و585". نيل الأوطار للشوكاني 4/340-341 والسيل الجرار له 2/180-181". وانظر: "حديث (294) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 721 قال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث "واخلع عنك جبتك" دليل لمالك وأبي حنيفة والشافعي والجمهور أن المحرم إذا صار عليه مخيط ينزعه، ولا يلزمه شقه". وقال الشعبي والنخعي: "لا يجوز نزعه لئلا يصير مغطيا رأسه، بل يلزمه شقة، وهذا مذهب ضعيف1". وقال الخرقي: "ومن أحرم وعليه قميص خلعه ولم يشقه"2. قال ابن قدامة: "هذا قول أكثر أهل العلم، وحكي عن الشعبي3 والنخعي4 وأبي قلابة5 وأبي صالح ذكوان6: "أنه يشق ثيابه لئلا يتغطى رأسه حين ينزع القميص منه". ولنا: "ما روى يعلى بن أمية "أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بطيب؟ فنظر إليه رسول الله ساعة ثم سكت، فجاءه الوحي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا الطيب الذي بك فاغسله، وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك". ثم قال: "قال عطاء: "كنا قبل أن نسمع هذا الحديث نقول فيمن أحرم وعليه قميص أو جبة فليخرقها عنه، فلما بلغنا هذا الحديث أخذنا به، وتركنا ما كنا نفتي به قبل ذلك، لأن في شق الثوب إضاعة ماليته وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال7".أهـ. 297- قلت: "وقد روى أبو داود الطيالسي والطحاوي كلاهما من طريق شعبة عن قتادة عن عطاء عن يعلى بن أمية "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا عليه جبة عليها أثر   1 شرح النووي على صحيح مسلم 3/250". 2 المختصر مع المغني 3/294". 3 الشعبي: "هو عامر بن شراحيل "ثقة فقيه مشهور" تقدم". 4 هو إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي، أبو عمران الكوفي، الفقيه ثقة، إلا أنه يرسل كثيرا، من الخامسة (ت 196) ./ ع". (التقريب 1/46) . 5 أبو قلابة هو عبد الله بن زيد الجرمي، تقدم في حديث (251) . 6 هو: "ذكوان أبو صالح، السمان الزيات". 7 المغني لابن قدامة 3/294، وفتح الباري لابن حجر 3/395". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 722 الخلوق أو صفرة، فقال: "اخلعها عنك واجعل في عمرتك ما تجعل في حجك". قال قتادة: "فقلت لعطاء نسمع أن قال: "شقها، قال: "هذا فساد والله لا يحب الفساد1". 298- وقال الشافعي: "أخبرنا سعيد2 بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يقول: "من أحرم في قميص أو جبة فلينزعها نزعا ولا يشقها". قال الشافعي: "والسنة كما قال عطاء لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر صاحب الجبة أن ينزعها ولم يأمره بشقها3". وروى أبو داود من طريق عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قصة السائل عن العمرة في الجعرانة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "اخلع جبتك، فخلعها من رأسه" 4". قال الخطابي: "في هذا الحديث من الفقه أن من أحرم وعليه ثياب مخيط من قميص وجبة ونحوهما لم يكن عليه تمزيقه وأنه إذا نزعه من رأسه لم يلزمه دم، وقد روى عن إبراهيم النخعي أنه قال: "يشقه". وعن الشعبي قال: "يمزق ثيابه". اهـ. قال صاحب عون المعبود: "وهذا خلاف السنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بخلع الجبة وخلعها الرجل من رأسه فلم يوجب عليه غرمة، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، وتمزيق الثياب تضييع له، فهو غير جائز5".   1 منحة المعبود 1/212 واللفظ له، وشرح معاني الآثار للطحاوي 2/139". 2 سعيد بن سالم القداح، أبو عثمان المكي، أصله من خراسان أو الكوفة، صدوق يهم رمي بالإرجاء، وكان فقيها من كبار التاسعة (ت قبل 200) . /د س". (التقريب 1/296 وتهذيب التهذيب 4/35) . 3 الأم 2/130 وصحيح ابن خزيمة 4/195". 4 سنن أبي داود 1/423 كتاب المناسك، باب الرجل يحرم في ثيابه". 5 عون المعبود 5/266". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 723 الحكم السابع عشر: عمرة الرسول صلى الله عليه وسلم من الجعرانة بعد أن رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصار الطائف نزل الجعرانة وكان بها غنائم هوازن، فمكث بها بضع عشرة ليلة قسم خلالها الغنائم بين المقاتلين ثم أحرم منها بعمرة ثم توجه إلى مكة ولما فرغ من عمرته عاد إلى الجعرانة من ليلته ثم توجه منها إلى المدينة المنورة. قال ابن إسحاق: "ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة1 معتمرا، وأمر ببقايا الفيء فحبس بمجنة بناحية مر الظهران، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرته انصرف راجعا إلى المدينة، واستخلف عتاب بن أسيد على مكة، وخلف معاذ بن جبل، يفقه الناس في الدين، ويعلمهم القرآن، واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقايا الفيء2". ونقل ابن كثير قول ابن إسحاق هذا ثم قال: "الظاهر أنه عليه السلام إنما استبقى بعض المغنم ليتألف به من يلقاه من الأعراب فيما بين مكة والمدينة 3". وقد وردت في عمرة الجعرانة الأحاديث الآتية: "حديث أنس بن مالك عند البخاري ومسلم وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري: 299- قال: "حدثنا هدبة4 بن خالد حدثنا همام عن قتادة أن أنساً - رضي الله عنه - أخبره قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عُمَرٍ، كلهن في ذي القعدة إلا التي كانت مع حجته: "عمرة الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة،   1 قال السهيلي في الروض الأنف 7/279: "وقد ذكر أن المرأة التي نقضت غزلها من بعد قوة كانت تُلقب بالجعرانة، واسمها: "ريطة بنت سعد، وأن الموضع يسمى بها". 2 سيرة ابن هشام 2/500 وتاريخ الطبري 3/94-95". 3 البداية والنهاية 4/368". 4 هدبة - بضم أوّله وسكون الدال، بعدها موحدة - ابن خالد بن الأسود القيسي، أبو خالد البصري- ويقال له: "هداب بالتثقيل وفتح أوله". وهمام: "هو ابن يحيى". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 724 وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة وعمرة مع حجته" 1. والحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي وأحمد وابن سعد والدارمي وأبو يعلى وابن خزيمة والبيهقي الجميع من طريق همام بن يحيى عن قتادة به2. وفي لفظ عند مسلم وأحمد عن قتادة قال: "سألت أنساً كَمْ حج رسول الله صلى الله عليه وسلم قال واحدة 3، واعتمر أربع عمر". حديث ابن عباس عند أبي داود وأحمد وغيرهما وهذا سياقه عند أبي داود:   1 صحيح البخاري3/4كتاب العمرة، باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم، و4/58كتاب الجهاد، باب من قسم الغنيمة في غزوه وسفره،5/101كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية". 2 صحيح مسلم 2/916 كتاب الحج، باب بيان عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن". وسنن أبي داود 1/460 كتاب المناسك، باب العمرة". وسنن الترمذي 2/156 كتاب الحج، باب ما جاء كَمْ حجّ النبي صلى الله عليه وسلم؟ ومسند أحمد 3/134و245، و256، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/171". وسنن الدارمي 1/360". ومسند أبي يعلى 3/283 و 298 أوب رقم (303) . وصحيح ابن خزيمة 4/358". والسنن الكبرى 4/345 و357، و9/56". ودلائل النبوة 3/56 ب كلاهما للبيهقي". 3 وروى مسلم من طريق أبي إسحاق السبيعي قال: "حدثني زيد بن أرقم "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة، وأنه حج بعد ما هاجر حجة واحدة، حجة الوداع". قال أبو إسحاق: "وبمكة أخرى". (صحيح مسلم 2/916 كتاب الحج، باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم) قال النووي: "قوله: "قال أبو إسحاق: "وبمكة أخرى" يعني قبل الهجرة، وقد روي في غير مسلم: "قبل الهجرة حجتان، (شرح النووي على صحيح مسلم 3/391) . قلت: "الحديث الذي أشار إليه النووي عند غير مسلم: "رواه الترمذي وابن خزيمة والدارقطني كلهم من طريق زيد بن الحباب ثنا سفيان الثوري عن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين الهاشمي عن أبيه عن جابر بن عبد الله "أن النبي صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجج: "حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر معها عمرة" الحديث". ثم قال الترمذي: "هذا حديث غريب من حديث سفيان لا نعرفه إلا من حديث زيد ابن الحباب، ورأيت عبد الله بن عبد الرحمن - يعني الدارمي - روى هذا الحديث في كتبه عن عبد الله بن أبي الزياد، وسألت محمدا - يعني البخاري - عن هذا فلم يعرفه من حديث الثوري عن جعفر عن أبيه عن جابر عن النّبي صلى الله عليه وسلم، ورأيته لا يعدّ هذا الحديث محفوظاً". وقال: "إنما يروى عن الثوري عن أبي إسحاق عن مجاهد مرسلاً". (سنن الترمذي 2/155 كتاب الحج، باب ما جاء كَمْ حجّ النبي صلى الله عليه وسلم وصحيح ابن خزيمة 4/352 وسنن الدارقطني 2/278) . قلت: "في التقريب 1/273: "زيد بن الحباب: "صدوق يخطىء في حديث النووي". إهـ". وقد تابعه عبد الله بن داود الخريْبِي في شيخه سفيان الثوري عند ابن ماجة وعبد الله ثقة، وهي متابعة تامة، ورجال ابن ماجة ثقات، ما عدا جعفر بن محمد فقال عنه ابن حجر: "صدوق". (سنن ابن ماجة 2/1027 كتاب المناسك، باب حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 725 300- قال: "حدثنا أبو سلمة1 موسى ثنا حماد عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا2 بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم قد قذفوها على عواتقهم3 اليسرى" 4". والحديث رواه أحمد والطبراني والبيهقي كلهم من طريق حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به". وزادوا بعد قوله "الجعرانة" فاضطبعوا5". ورواه أيضا أبو داود وأحمد والطبراني كلهم من طريق حماد بن سلمة أنبأنا عبد اله بن عثمان بن خيثم عن أبي الطفيل6 عن ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت ثلاثاً ومشوا أربعاً" 7. ورواه البيهقي من طريق يحيى8 بن سليم الطائفي عن عبد الله بن عثمان بن   1 أبو سلمة: "هو التبوذكي، ثقة ثبت تقدم في حديث (91) ، وحماد: "ابن سلمة "ثقة عابد" تقدم في حديث (36) وابن خُثيم "صدوق" تقدم في حديث (164) وسعيد بن جبير "ثقة ثبت فقيه" تقدم في حديث (92) . 2 قوله: "فرملوا"، قال النووي: "الرمل بفتح الراء والميم، وهو إسراع المشي مع تقارب الخطى، ولا يثب وثبا، والرمل مستحب في الطوفات الثلاث الأول من السبع، ولا يسن ذلك إلا في طواف العمرة، وفي طواف واحد في الحج واختلفوا في ذلك الطواف وهما قولان للشافعي ففي أصحهما: "أنه إنما يشرع في طواف يعقبه سعي". ويتصوّر ذلك في طواف القدوم، ويتصوّر في طواف الإفاضة، ولا يتصوّر في طواف الوداع؛ لأن شرط طواف الوداع أن يكون قد طاف للإفاضة، فعلى هذا القول إذا طاف للقدوم وفي نيته أنه يسعى بعده استحب الرمل فيه، وإن لم يكن هذا في نيته لم يرمل فيه، بل يرمل في طواف الإفاضة". والقول الثاني: "أنه يرمل في طواف القدوم سواء أراد السعي بعده أم لا، واتفق العلماء على أن الرمل لا يشرع للنساء كما لا يشرع لهن شدة السعي بين الصفا المروة". (شرح النووي 3/397) . ونقل ابن المنذر الإجماع على ذلك (العدة للمقدسي ص 188) . 3 العاتق: "ما بين المنكب والعنق، والمراد أن يجعل الرداء تحت العاتق الأيمن ويجعل أطرافه على عاتقه الأيسر". (المصباح المنير 2/465، وعون المعبود 5/337) . 4 سنن أبي داود 1/435 كتاب المناسك، باب الاضطباع في الطواف". 5 مسند أحمد 1/306و371 والمعجم الكبير للطبراني 12/62". والسنن الكبرى 5/79 ودلائل النبوة 3/56 ب كلاهما للبيهقي". 6 أبو الطفيل: "هو عامر بن واثلة". 7سنن أبي داود 1/436 كتاب المناسك، باب في الرمل". ومسند أحمد 1/295 و306". والمعجم الكبير للطبراني 10/328". 8 قال فيه ابن حجر في التقريب 2/349: "صدوق سيء الحفظ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 726 خُثيم عن أبي الطُّفيل عن عبد الله بن عباس قال: "اضطبع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه ورملوا ثلاثة أشواط ومشوا أربعا" 1. فهذا الحديث رواه عبد الله بن عثمان بن خُثيم عن شيخين هما سعيد بن جبير وأبو الطفيل، وتابع يحيى بن سليم الطائفي حماد بن سلمة في شيخه عبد الله بن عثمان بن خثيم. وحديث ابن عباس من طريق سعيد بن جبير عنه قال فيه الشوكاني: "وحديث ابن عباس أخرج نحوه الطبراني، وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله رجال الصحيح". وقد صحح حديث الاضطباع النووي في شرح مسلم2. إهـ. وصححه الألباني أيضا3. وحديث ابن عباس الثاني من طريق أبي الطُّفيل عنه. رجاله رجال الصحيح أيضاً. وقال الألباني: "هذا إسناد صحيح4". حديث ابن عباس أيضا عند أبي داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم وهذا سياقه عند أبي داود قال: 301- حدثنا النفيلي5 وقتيبة6 قالا أخبرنا داود7 بن عبد الرحمن العطار عن عمرو8 بن دينار عن عكرمة9 عن ابن عباس قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر:   1 السنن الكبرى 5/79". 2 نيل الأوطار 5/44 وانظر التلخيص الحبير 2/231". 3 إرواء الغليل 4/292-293. 4 المصدر السابق 4/293. 5 النفيلي: "هو عبد الله بن محمد "ثقة حافظ". (التقريب 1/448) . 6 قتيبة بن سعد بن جميل، ثقة ثبت. 7 داود بن عبد الرحمن العطار أبو سليمان المكي، ثقة، لم يثبت أن ابن معين تكلم فيه، من الثامنة، (ت174أو175) ./ع". (التقريب1/233 وتهذيب التهذيب3/192) . 8 عمرو بن دينار المكي، ثقة ثبت". 9 عكرمة بن عبد الله مولى ابن عباس "ثقة ثبت" تقدم في حديث (67) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 727 الأولى: "عمرة الحديبية". والثانية: "حين1 تواطؤوا على عمرة من قابل: والثالثة: "من الجعرانة: والرابعة: "التي قرن مع حجته" 2. والحديث رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد والدارمي وابن سعد وابن حبان، والحاكم الجميع من طريق داود بن عبد الرحمن العطار به3". وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي". وأعله الترمذي بالإرسال، فقد ساق الحديث عن قتيبة عن داود ابن عبد الرحمن العطار عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر" الحديث". ثم قال: "وفي الباب عن أنس4 وعبد الله5 بن عمرو وابن عمر، قال أبو عيسى: "حديث ابن عباس حديث غريب". وروى ابن عيينة هذا الحديث عن عمرو بن دينار عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر، ولم يذكر فيه عن ابن عباس". حدثنا بذلك سعيد6 بن عبد الرحمن المخزومي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه7".إهـ.   1 قوله: "حين تواطؤوا على عمرة من قابل"، أي: "حين توافقوا وصالحوا في الحديبية على أداء العمرة في السنة القابلة". (عون المعبود 5/470) . 2 سنن أبي داود 1/460 كتاب المناسك، باب العمرة. 3 سنن الترمذي 2/156 كتاب الحج باب ما جاءكم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم. وسنن ابن ماجة 2/999 كتاب المناسك، باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم. ومسند أحمد 1/246و 321. وسنن الدارمي 1/379 كتاب المناسك، باب كَمِ اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم. والطبقات الكبرى لابن سعد 2/170، وصحيح ابن حبان كما في موارد الظمآن ص 251، المستدرك للحاكم 3/50. 4 حديث أنس تقدم برقم (299) . 5 وحديث عبد الله بن عمرو، قال المباركفوري: "فلينظر من أخرجه". (تحفة الأحوذي 3/547) . 6 ثقة تقدم في حديث (51) ، وسفيان بن عيينة تقدم في حديث (51) . 7 سنن الترمذي 2/156 كتاب الحج، باب ما جاء كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 728 وحديث ابن عمر أخرجه البخاري ومسلم كلاهما من طريق منصور1 عن مجاهد عنه إلاّ أنه قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر إحداهن في رجب". وهذا سياقه: 302- عن مجاهد قال: "دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما جالس إلى حجرة عائشة وإذا ناس يصلون صلاة الضحى، قال فسألناه عن صلاتهم فقال: "بدعة2، ثم قال له3: "كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "أربعا، إحداهن في رجب، فكرهنا أن نرد عليه، قال: "وسمعنا استنان4 عائشة أم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: "يا أماه يا أم المؤمنين، ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ 5". قالت: "ما يقول؟ قال: "يقول: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر إحداهن في رجب، قالت: "يرحم الله أبو عبد الرحمن، ما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط" 6. وفي لفظ عند مسلم: فقالت: "يغفر الله لأبي عبد الرحمن لعمري ما اعتمر في رجب وما اعتمر من عمرة إلا وإنه لمعه، قال: "وابن عمر يسمع فما قال: "لا، ولا نعم، سكت" 7. قال النووي: "- أثناء شرحه لحديث أنس بن مالك، قوله: "اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم   1 منصور: "هو ابن المعتمر". (فتح الباري 3/600 وتهذيب التهذيب 10/312) . 2 قال النووي: "وأما ما صح عن ابن عمر أنه قال في الضحى: "هي بدعة فمحمول على أن صلاتها في المسجد والتظاهر بها كما كانوا يفعلونه بدعة، لا أنّ أصلاتها في البيوت ونحوها مذموم، أو يقال قوله: "بدعة أي المواظبة عليها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يواظب عليها خشية أن تفرض، وهذا في حقه صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت استحباب المحافظة في حقناً بحديث أبي الدرداء، وأبي ذر، أو يقال: "إن ابن عمر لم يبلغه فعل النبي صلى الله عليه وسلم الضحى وأمره بها، ثم قال: "وكيف كان فجمهور العلماء على استحباب الضحى، وإنما نقل التوقف فيها عن ابن مسعود وابن عمر". (شرح النووي على صحيح مسلم 2/370 و3/392) . 3 عند مسلم: "فقال له عروة يا أبا عبد الرحمن". 4 الاستنان: "استعمال السواك، وهو افتعال من الأسنان: "أي يمره عليها". (النهاية لابن الأثير 2/411) . 5 أبو عبد الرحمن: "كنيتة عبد الله بن عمر". 6 صحيح البخاري 3/3 كتب العمرة، باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم و5/117 كتاب المغازي، باب عمرة القضاء". 7 صحيح مسلم2/916-917 كتاب الحج، باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 729 أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته: عمرة من العام المقبل في ذي القعدة. وعمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة. وعمرة الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة. وعمرة مع حجته. وفي الرواية الأخرى "حج حجة واحدة واعتمر أربع عمر" هذه رواية أنس. وفي رواية ابن عمر "أربع عمر إحداهن في رجب" وأنكرت ذلك عائشة وقالت لم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قط في رجب، فالحاصل من رواية أنس وابن عمر اتفاقهما على أربع عمر، وكانت: إحداهن: "في ذي القعدة عام الحديبية سنة ست من الهجرة وصدوا فيها فتحللوا وحسبت لهم عمرة". والثانية: "في ذي القعدة وهي سنة سبع، وهي عمرة القضاء". والثّالثة: "في ذي القعدة سنة ثمان، وهي عام الفتح". والرابعة: "مع حجته وكان إحرامها في ذي القعدة وأعمالها في ذي الحجة". وأما قول ابن عمر إن إحداهن في رجب، فقد أنكرته عائشة، وسكت ابن عمر حين أنكرته". قال العلماء: "هذا يدل على أنه اشتبه عليه أو نسي أو شك، ولهذا سكت عن الإنكار على عائشة ومراجعتها بالكلام، فهذا الذي ذكرته هو الصواب الذي يتعين المصير إليه"1". وقال ابن قيم الجوزية: "من قال من العلماء بأنه صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب فقد غلط، فإن عمره صلى الله عليه وسلم مضبوطة محفوظة، لم يخرج في رجب إلى شيء البتة". ثم قال: "وعذر من قال بأنه اعتمر في رجب، حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب" وهو متفق عليه". وقد غلطته عائشة وغيرها، كما في الصحيحين". عن مجاهد، قال: "دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله ابن عمر جالس إلى حجرة عائشة" الحديث.   1 شرح النووي على صحيح مسلم 3/390 وفتح الباري 3/602، والإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة للزركشي ص 104-105". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 730 وفيه "ثم قلنا له: "كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "أربعا، إحداهن: "في رجب، فكرهنا أن نرد عليه، قال: "وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: "يا أمه، ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: "ما يقول؟ قال: يقول:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر إحداهن في رجب". قالت: "يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر عمرة قط إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط". وكذلك قال أنس وابن عباس: "إن عمره كلها كانت في ذي القعدة، وهذا هو الصواب1". وقال ابن حجر: "وفي هذا الحديث أن الصحابي الجليل المكثر الشديد الملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم قد يخفى عليه بعض أحواله، وقد يدخله الوهم والنسيان لكونه غير معصوم". وفيه رد بعض العلماء على بعض وحسن الأدب في الرد وحسن التلطف في استكشاف الصواب إذا ظن السامع خطأ المحدث"2". إهـ". وهكذا فقد خفيت على ابن عمر عمرة الجعرانة أيضا فقد روى مسلم وابن خزيمة كلاهما من طريق حماد بن زيد حدثنا أيوب عن نافع قال: "ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة فقال لم يعتمر منها" الحديث3". ورواه البخاري من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن نافع "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "يا رسول الله إنه كان علي اعتكاف يوم في الجاهلية" الحديث وفيه "قال نافع: "ولم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة، ولو اعتمر لم يخف على عبد الله"4".   1 زاد المعاد 2/122و 124". 2 فتح الباري 3/602". 3 تقدم تخريجه برقم (212) وتحت رقم (271) . 4 تقدم تخريجه برقم (212) وتحت رقم (271) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 731 قال النووي: "نفي ابن عمر هذا محمول على نفي علمه، أي أنه لم يعلم ذلك، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجعرانة والإثبات مقدم على النفي لما فيه من زيادة علم". وقد ذكر مسلم في كتاب الحج اعتمار النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة عام حنين من رواية أنس رضي الله عنه1". وقال ابن كثير: "وهذا غريب جدا عن ابن عمر وعن مولاه نافع في إنكارهما عمرة الجعرانة، وقد أطبق النقلة ممن عداهما على رواية ذلك من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد وذكر ذلك أصحاب المغازي والسنن كلهم". إلى أن قال: "والمقصود أن عمرة الجعرانة ثابتة بالنقل الصحيح الذي لا يمكن منعه ولا دفعه ومن نفاها لا حجة معه في مقابلة من أثبتها2". وقال ابن حجر: "وقد خفيت عمرة الجعرانة على ابن عمر كما خفيت على غيره كما ذكر ذلك محرش3 الكعبي فيما أخرجه الترمذي4". قلت: "الحديث أيضاً، أخرجه أبو داود والنسائي والحميدي والدارمي والفسوي والشافعي وأحمد وابن سعد والبيهقي وهذا سياقه عند الترمذي: 303- قال: "حدثنا محمد5 بن بشار أخبرنا يحيى بن سعيد6 عن ابن جريج7   1 شرح النووي على صحيح مسلم 4/206 وانظر حديث أنس ص (712) . 2 البداية والنهاية 4/366". 3 محرش - بضم أوله وفتح المهملة وكسر الراء الثقيلة - وشين معجمة، ويقال: "بسكون الحاء المهملة - وفتح الراء وكسر الميم - وهو ابن سويد بن عبد الله بن مرة الخزاعي الكعبي، عداده في أهل مكة، صحابي له حديث في عمرة الجعرانة". وهكذا قال الحميدي وعمرو بن علي الفلاس، بأنه بالحاء المهملة، وقيل: "إنه مخرش - بالخاء المعجمة"./ د ت س". (التقريب 2/232 وتهذيب التهذيب10/58-59 والإصابة 3/369، والاستيعاب3/504 معالإصابة وأسد الغابة5/104، والخلاصة للخزرجي 3/77) . 4 فتح الباري 3/600و 6/253". 5 محمد بن بشار بن عثمان العبدي، البصري، أبو بكر، بندار - بضم الباء الموحدة وسكون النون - ثقة من العاشرة (ت 252) . / ع". (التقريب 2/147، وتهذيب التهذيب 9/70، والمغني لابن طاهر الهندي ص 11) . 6 يحيى بن سعيد هو القطان "ثقة متقن حافظ" تقدم في حديث (74) . 7 ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز "ثقة فقيه فاضل يدلس" (التقريب1/520) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 732 عن مزاحم1 بن أبي مزاحم عن عبد العزيز2 بن عبد الله عن محرش الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة3 ليلاً معتمراً فدخل مكة ليلا فقضى عمرته ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت، فلما زالت الشمس من الغد خرج في بطن سرف حتى جاء مع الطريق، طريق جمع ببطن سرف فمن أجل ذلك خفيت عمرته على الناس". قال أبو عيسى: "هذا الحديث حسن غريب، ولا نعرف لمحرش الكعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث4". والحديث رواه أحمد والنسائي والدارمي وابن سعد والبيهقي والشافعي الجميع من طريق ابن جريج قال: " أخبرني مزاحم بن أبي مزاحم به5".   1 مزاحم بن أبي مزاحم المكي، مولى عمر بن عبد العزيز، ويقال مولى طلحة، مقبول، من السادسة". / د ت س". (التقريب 2/240 وفي تهذيب التهذيب 10/101, والخلاصة 3/20 وثقة ابن حبان، وقيل هو: "مزاحم بن زفر بن الحارث الضبي ورده ابن حجر، ولم يذكر البخاري وابن أبي حاتم في مزاحم بن أبي مزاحم جرحا ولا تعديلا". (التاريخ الكبير للبخاري 8/23 والجرح والتعديل 8/405) . 2 عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد - بفتح الهمزة- الأموي، ثقة: "من الثالثة، ولي إمرة مكة، لعبد الملك بن مروان، (ت في خلافة هشام بن عبد الملك) ووهم من ذكره في الصحابة"./ د ت س". (التقريب1/501، وتهذيب التهذيب6/342 والإصابة 3/156) . 3 قال ابن قيم الجوزية: "ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعمرة من الجعرانة ودخلها في هذه العمرة ليلا، وخرج ليلا، فلم يخرج من مكة إلى الجعرانة ليعتمر كما يفعل أهل مكة اليوم، وإنما أحرم منها في حال دخوله إلى مكة، ولما قضى عمرته ليلا، رجع من فوره إلى الجعرانة، فبات بها فلما أصبح وزالت الشمس، خرج من بطن سرف حتى جامع الطريق، طريق جمع ببطن سرف، ولهذا خفيت هذه العمرة على كثير من الناس". (زاد المعاد 2/95) . وقال ابن حجر: "وقد نقل أنه عليه الصلاة والسلام اعتمر من الجعرانة مرتين مرة في عمرة القضاء، ومرة في عمرة هوازن، ثم قال: "وهو غلط واضح، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في عمرة القضاء من الجعرانة، وكيف يتصور أن يتوجه صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى جهة الطائف حتى يحرم من الجعرانة، ويتجاوز ميقات المدينة؟ وكيف يلتئم هذا؟ مع قول من نقل هذا القيل إنه صلى الله عليه وسلم لم يحرم إلا من الميقات، بل في الصحيحين من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة". إلا التي مع حجته: "عمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته". ثم قال: "وذكر الواقدي أن إحرامه من الجعرانة كان ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة، بقيت من ذي القعدة". (التلخيص الحبير 2/230-231 ومغازي الواقدي 3/958) . 4 سنن الترمذي 2/207 كتاب الحج، باب ما جاء في العمرة من الجعرانة". 5 مسند أحمد 3/426و 427، وسنن النسائي 5/157 كتاب المناسك، باب دخول مكة ليلا". وسنن الدارمي1/380 كتاب المناسك، باب الميقات في العمرة". والطبقات الكبرى لابن سعد 2/171". والسنن الكبرى للبيهقي 4/357". ومسند الشافعي 5/136 مع الأم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 733 ورواه أبو داود من طريق سعيد1 بن مزاحم بن أبي مزاحم حدثني أبي مزاحم به2". ورواه الشافعي وأحمد والحميدي والنسائي وابن عبد البر كلهم من طريق سفيان بن عيينة قال: "ثنا إسماعيل3 بن أمية عن مزاحم بن أبي مزاحم به". بلفظ "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلا كأنه سبيكة فضة فاعتمر ثم أصبح بها كبائت" لفظ النسائي4. ولفظ الحميدي وأحمد "فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة". ورواه يعقوب بن سفيان الفسوي من طريق الحميدي5". والبيهقي من طريق الشافعي6". ورواه مالك بلاغاً7". والحديث مداره على مزاحم بن أبي مزاحم، وقد قال عنه ابن حجر في التقريب "مقبول"8". وحسن حديثه هذا في الإصابة 9".إهـ". وعمرة الجعرانة ثابتة من حديث أنس بن مالك وعبد الله بن عباس10". ومن حديث أبي هريرة ابن خزيمة، وابن حبان من طريقه، وهذا سياقه عند ابن خزيمة:   1 سعيد بن مزاحم بن أبي مزاحم الأموي مولاهم، مقبول، من الثامنة". /د س". (التقريب 1/305 وتهذيب التهذيب 4/82) . 2 سنن أبي داود 1/461 كتاب المناسك، باب المُهِلَّة بالعمرة تحيض فيدركها الحج". 3 إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، ثقة ثبت، تقدم في حديث (1) . 4 سنن النسائي 5/157-158 كتاب المناسك، باب دخول مكة ليلا". ومسند الشافعي 5/136 مع الأم، ومسند أحمد 3/426و 5/380 ومسند الحميدي 2/380 والاستيعاب 3/504 مع الإصابة 5 المعرفة والتاريخ 3/279 6 السنن الكبرى 4/357 7 الموطأ 1/331 8 2/240". 9 3/369". 10 تقدم حديث أنس برقم 299".وحديث ابن عباس برقم 300، و301". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 734 304- قال حدثنا أحمد1 بن منصور الرمادي، ثنا عبد الرزاق أخبرني معمر عن الزهري عن ابن المسيب2 عن أبي هريرة في قوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، [سورة التوبة، من الآية: "1] . قال: "لما قفل النبي صلى الله عليه وسلم من حنين اعتمر من الجعرانة ثم أمر أبا بكر على تلك الحجة" 3. والحديث أخرجه ابن حبان من هذه الطريق وبهذا المتن دون قوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، [سورة التوبة، من الآية: 1] 4. والحديث رجاله ثقات". وقد عزاه ابن كثير لعبد الرزاق بهذا الإسناد والمتن ثم قال: "وهذا السياق فيه غرابة من جهة أن أمير الحج كان سنة عمرة الجعرانة إنما هو عتاب بن أسيد فأما أبو بكر فإنما كان أميرا سنة تسع5". 305- وأخرج ابن سعد قال: "أخبرنا موسى6 ابن داود أخبرنا ابن لعيهة7 عن عياض8 بن عبد الرحمن عن محمد9 بن جعفر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجعرانة، وقال: "اعتمر منها سبعون نبيا" 10. والحديث معضل". وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى فقال: "وأخرج ابن سعد عن محمد بن جعفر ثم ساق الحديث11".   1 أحمد ابن منصور ابن سيار البغدادي، الرمادي - موضع باليمن - أبو بكر، ثقة حافظ، طعن فيه أبو دواد لمذهبه في الوقف في القرآن، من الحادية عشرة (ت 265) ./ق". (التقريب 1/26 وتهذيب التهذيب 1/83، واللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير 2/36) . 2 هو سعيد بن المسيب". 3 صحيح ابن خزيمة 4/362". ((4موارد الظمآن ص 251". ((5تفسير ابن كثير 2/332". وحديث (107) . ((6موسى ابن داود الضبي "صدوق فقيه زاهد له أوهام" تقدم في حديث (219) . ((7عبد الله بن لهيعة "صدوق" تقدم في حديث 64". 8 عياض بن عبد الله بن عبد الرحمن، الفهري المدني، نزيل مصر، فيه لين، من السابعة". /م د س ق". (التقريب 2/96 وتهذيب التهذيب 8/201 والخلاصة للخزرجي 2/215، وفي ميزان الاعتدال 3/307 رمز له ب (صح) إشارة إلى أنه ثقة ثم قال: "عن ابن المنكدر، وثق، وقال أبو حاتم: "ليس بالقوي، سمع منه ابن وهب، وعلم له بـ (م س ق) ، وأسقط (د) فالله أعلم بالصواب". 9 لعله محمد بن جعفر بن الزبير الأسدي، وهو ثقة من السادسة". 10 الطبقات الكبرى 2/172". 11 الخصائص 2/99، قال محقق الخصائص الدكتور / محمد خليل هراس: "قوله: "اعتمر منها سبعون نبيا" فهي زيادة لم أقف لها على أصل". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 735 ومما تقدم يتّضح لنا أن عمرة الجعرانة ثابتة بالنقل الصحيح، وأن من نفاها فلا حجة معه في مقابلة من أثبتها، وأن الأحاديث الصحيحة دلت أيضا على أن هذه العمرة كانت في ذي القعدة". قال ابن كثير: "والمقصود أن عمرة الجعرانة ثابتة بالنقل الصحيح الذي لا يمكن منعه ولا دفعه ومن نفاها لا حجة معه في مقابلة من أثبتها". وهم كالمجمعين على أنها كانت في ذي القعدة بعد غزوة الطائف وقسم غنائم حنين". وما رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير قائلا: 306- حدثنا الحسن1 بن إسحاق التستري ثنا عثمان2 بن أبي شيبة ثنا محمد3 بن الحسن الأسدي ثنا إبراهيم4 بن طهمان عن أبي الزبير5 عن عمير6 مولى ابن عباس عن ابن عباس، قال: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف نزل الجعرانة فقسم بها الغنائم، اعتمر منها وذلك لليلتين بقيتا من شوال7". فإنه غريب جدا وفي إسناده نظر8".إهـ".   1 كذا هنا "الحسن" وفي المعجم الكبير للطبراني والصغير 1/ 139 "الحسين" ولم أجد ترجمة "الحسن" ولا "الحسين". 2 عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي، أبو الحسن بن أبي شيبة الكوفي، ثقة حافظ شهير، وله أوهام، من العاشرة (ت 239) . / خ م د س ق". (التقريب 2/13-14 وتهذيب التهذيب 7/149) . 3 محمد بن الحسن بن الزبير الأسدي الكوفي، لقبه، التل - بفتح المثناة وتشديد اللام - صدوق فيه لين، من التاسعة (ت 200) / خ س ق". (التقريب 2/154وتهذيب التهذيب 9/117، والخلاصة 2/393، وفي هدي الساري، له في البخاري حديثان وروى له أبو داود والنسائي ورمز لمن أخرج له (خ د س ت) انظر ص 438". وذكر (ت) ، خطأ فإن المباركفوري لم يذكر محمد بن الحسن بن الزبير في رجال الترمذي (مقدمة تحفة الأحوذي 2/108) . 4 إبراهيم بن طهمان الخراساني، أبو سعيد، سكن نيسابور ثم مكة، ثقة يغرب، تكلم فيه، للإرجاء، ويقال رجع عنه، من السابعة (ت 168) ./ع". (التقريب 1/36 وتهذيب التهذيب 1/129) . ورمز له الذهبي بـ (صح) إشارة منه إلى أنه ثقة". (ميزان الاعتدال 1/38) . 5 هو محمد بن مسلم بن تدرس، صدوق، إلا أنه يدلس، تقدم في حديث (109) . 6 عمير بن عبد الله الهلالي، أبو عبد الله المدني، مولى أم الفضل، ثقة، ويقال له مولى ابن عباس (ت 104) / خ م د س". (التقريب 2/86 وتهذيب التهذيب 8/148، الخلاصة للخزرجي 2/304) . 7 الحديث في المعجم الكبير للطبراني 11/431". 8 البداية والنهاية 4/366-367". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 736 قلت: "والحديث رواه ابن سعد عن محمد بن سابق1". وابن أبي شيبة عن محمد بن الحسن الأسدي كلاهما عن إبراهيم ابن طهمان به إلاّ أنهما قالا: "عتبة مولى ابن عباس"2 بدل "عمير". وعزاه الهيثمي لأبي يعلى، وقال: "وفيه عتبة مولى ابن عباس ولم أعرفه ولم ينسبه إلى الطبراني3". والحديث ضعيف لأن أبا الزبير عنعنه وهو مدلس، وقد ذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من طبقات المدلسين، وهذه المرتبة لا يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرّحوا فيه بالسماع4، وعلى فرض صحة هذا الحديث فإنه لا يقوى على دفع حديث الصحيحين المصرح فيه بأن عمرة الجعرانة كانت في ذي القعدة". وأطبق على ذلك أهل المغازي والسير". وقال الواقدي: "وكان الذي حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه العمرة، أبا هند5 عبد بني بياضة، ويقال حلقهخراش6 بن أمية7". وصوب النووي والمحب8 الطبري وابن قيم الجوزية وابن كثير أن الذي قصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه استنباطا مما رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي الجميع من طريق ابن جريج قال:   1 محمد بن سابق التميمي، أبو جعفر، أو أبو سعيد البزار، الكوفي نزيل بغداد، صدوق من كبار العاشرة (ت 213 وقيل 214) . / خ م د ت س". (التقريب 2/163، وتهذيب التهذيب 9/174) . 2 الطبقات الكبرى لابن سعد 2/171 وتاريخ ابن أبي شيبة ص 87أ - برقم 665". 3 مجمع الزوائد 3/279". 4 طبقات المدلسين ص 7، 32". 5 أبو هند الحجام البياضي، مولى بني بياضة، واسمه عبد الله، وقيل يسار تخلف عن بدر، وشهد ما بعدها من المشاهد". (أسد الغابة 6/322، والإصابة 4/211) . 6 خراش بن أمية الكعبي الخزاعي، شهد الحديبية وخيبر وما بعدها، وذكر ابن عبد البر بأن خراشا إنما حلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الحديبية". وقال ابن حجر: "في عمرة الحديبية أو في عمرة القضاء". (الاستيعاب 1/427-428، مع الإصابة، وأسد الغابة 2/125-126، والإصابة 1/421) . 7 مغازي الواقدي 3/959". 8 المحب الطبري: "هو الإمام المحدث المفتي فقيه الحرم وحافظ الحجاز بلا مدافعة محب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الطبري، ثم المكي الشافعي مصنف "الأحكام الكبرى" (615-674 هـ) . (تذكرة الحفاظ للذهبي 4/1474-1475 وطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 8/18-20) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 737 307- حدثني الحسن بن مسلم عن طاووس عن ابن عباس أن معاوية بن أبي سفيان أخبره قال: "قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص1 وهو على المروة" لفظ مسلم، ولفظ البخاري: "عن معاوية قال: "قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص". وعند النسائي: "عن معاوية أنه قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص في عمرة على المروة" 2. والحديث رواه أيضا مسلم والنسائي كلاهما من طريق سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاوس قال: "قال لي معاوية: "أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص؟ فقلت له: "لا أعلم هذا إلا حجة عليك" 3. لفظ مسلم". ولفظ النسائي: "قال معاوية لابن عباس: "أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة؟   1 المشقص: "كمنبر: "نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض، فإذا كان عريضا فهو المعبلة، وقيل: "المراد به المقص، وهو الأشبه في هذا المحل". (النهاية لابن الأثير2/490 ولسان العرب لابن منظور8/315 والقاموسالمحيط2/306، والتعليق على صحيح مسلم لفؤاد عبد الباقي2/913، قال النووي: "في هذا الحديث جواز الاقتصار على التقصير، وإن كان الحلق أفضل، وسواء في ذلك الحاج والمعتمر إلا أنه يستحب للمتمتع أن يقصر في العمرة ويحلق في الحج، ليقع الحلق في أكمل العبادتين، وفيه أنه يستحب أن يكون تقصير المعتمر أو حلقه عند المروة، لأنها موضع تحلله كما يستحب للحاج أن يكون حلقه أو تقصيره بمنى، لأنها موضع تحلله وحيث حلقا أو قصرا من الحرم كله جاز". (شرح النووي على صحيح مسلم 3/387) . 2 مسند أحمد4/96و98وصحيح البخاري2/145كتاب الحج، باب الحلق والتقصير، وصحيح مسلم2/913،كتاب الحج، باب التقصير في العمرة، وسنن أبي داود 1/418 كتاب المناسك، باب الإقران، وسنن النسائي 5/196، كتاب المناسك، باب أين يقصر المعتمر؟ ". 3 أخذ ابن حجر من رواية مسلم هذه ورواية النسائي أن ابن عباس رضي الله عنه حمل حلق معاوية هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على حجة الوداع، لقول ابن عباس: "لا أعلم هذا إلا حجة عليك" إذ لو كان في العمرة لما كان فيه على معاوية حجة". ثم قال: "وأصرح منه ما وقع عند أحمد من طريق قيس بن سعد عن عطاء "أن معاوية حدث أنه أخذ من أطراف شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام العشر بمشقص معي وهو محرم". ثم قال: "وفي كونه في حجة الوداع نظر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله فكيف يقصر عنه على المروة". (فتح الباري 3/365) . قلت: "وتمام الرواية عند أحمد: " "وهي أيضا عند النسائي من طريق قيس عن عطاء" قال قيس: "والناس ينكرون هذا على معاوية". (مسند أحمد 4/92، وسنن النسائي 5/197 كتاب المناسك، باب كيف يقصر) . وردّها ابن قيم الجوزية، فإنه قال: "وأما رواية من روى "في أيام العشر" فليست في الصحيح وهي معلولة، أو وهم من معاوية، قال قيس بن سعد راويها عن عطاء عن ابن عباس عنه "والناس ينكرون هذا على معاوية"ثم قال ابن قيم الجوزية وصدق قيس، فنحن نحلف بالله: "أن هذا ما كان في العشر قط". (زاد المعاد 2/137) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 738 قال: " لا، يقول ابن عباس: "هذا معاوية ينهى الناس عن المتعة، وقد تمتع النبي صلى الله عليه وسلم 1". ورواه أبو داود والنسائي كلاهما من طريق عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ابن طاوس2 عن أبيه عن ابن عباس أن معاوية قال له: "ما علمت أنى قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص أعرابي على المروة" 3". ورواه أحمد من طريق خصيف4 عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس أن معاوية أخبره أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر من شعره بمشقص، فقلنا لابن عباس ما بلغنا هذا الأمر إلا عن معاوية، فقال: "ما كان معاوية على رسول الله صلى الله عليه وسلم متهما5". قال النووي: "وحديث معاوية هذا محمول على أنه قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان قارنا، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم حلق بمنى، وفرق أبو طلحة رضي اله عنه شعره بين الناس، فلا يجوز حمل تقصير معاوية على حجة الوداع، ولا يصح حمله أيضا على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع من الهجرة، لأن معاوية لم يكن يومئذ مسلما، إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان، هذا هو الصحيح   1 مسلم 2/913 كتاب الحج، والنسائي 5/119 كتاب المناسك باب التمتع". 2 هو عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني، أبو محمد، ثقة فاضل عابد، من السادسة (ت 132) . / ع". (التقريب 1/424 وتهذيب التهذيب 5/267) . 3 سنن أبي داود 1/419 كتاب المناسك، باب في الإقران، وسنن النسائي 5/196-197 كتاب المناسك، باب أين يقصر المعتمر؟ 4 خصيف - بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة وسكون المثناة التحتية آخره فاء- ابن عبد الرحمن الجزري، أبو عون الخضرمي - بكسر الخاء وسكون الضاد المعجمتين وكسر الراء بعدها ميم، هذه النسبة إلى خضرمة - صدوق سيء الحفظ، خلط بآخره، ورمى بالإرجاء، من الخامسة (ت137) وقيل غير ذلك"./عم". (التقريب 1/224وتهذيب التهذيب3/143 وميزان الاعتدال1/653 والخلاصة للخزرجي 1/299 واللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير1/450) . وقد وقع في التقريب الطبعة المصرية "الخصيب" بالباء الموحدة ووقع في تهذيب التهذيب "الحضرمي" بالحاء المهملة، والصواب "الخصيف" بالفاء، و"الحضرمي" بالخاء المعجمة". 5 مسند أحمد 4/95و102". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 739 المشهور1، ولا يصح قول من حمله على حجة الوداع، وزعم أنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعا، لأن هذا غلط فاحش، فقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة في مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: "ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت؟ فقال: "إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر الهدي" 2. وأورد ابن كثير حديث معاوية المذكور، ثم قال: "والمقصود أن هذا إنما يتوجه أن يكون في عمرة الجعرانة وذلك أن عمرة الحديبية لم يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة بل صد عنها، وأما عمرة القضاء فلم يكن أبو سفيان أسلم ولم يبق بمكة من أهلها أحد حين دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بل خرجوا منها، وتغيبوا عنها مدة مقامه عليه السلام بها تلك الثلاثة الأيام، وعمرته التي كانت مع حجته لم يتحلل منها بالاتفاق". فتعين أن هذا التقصير الذي تعاطاه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة إنما كان في عمرة الجعرانة كما قلنا3".إهـ. وجمع ابن حجر بين قول من قال بأن الذي حلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة: "أبو هند عبد بني بياضة، وقول من قال الذي حلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه العمرة هو معاوية بن أبي سفيان". فقال: "أخرج الحاكم في "الإكليل" في آخر قصة غزوة حنين أن الذي حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة أبو هند4 عبد بني بياضة، فإن ثبت هذا وثبت أن معاوية كان حينئذ معه، أو كان بمكة فقصر عنه بالمروة أمكن الجمع بأن يكون معاوية   1 قال ابن حجر: "والذي رجحه النووي من كون معاوية إنما أسلم يوم الفتح صحيح من حيث السند، ولكن يمكن الجمع بأنه كان أسلم خفية وكان يكتم إسلامه ولم يتمكن من إظهاره إلا يوم الفتح، وقد أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة معاوية تصريح معاوية بأنه أسلم بين الحديبية والقضية وأنه كان يُخفي إسلامه خوفا من أبويه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة في عمرة القضية خرج أكثر أهلها عنها حتى لا ينظرونه وأصحابه يطوفون بالبيت، فلعل معاوية كان ممن تخلف بمكة لسبب اقتضاءه". (فتح الباري 3/565 وفي الإصابة 3/433 نسب القول بإسلام معاوية بعد الحديبية للواقدي وابن سعد ذكر ذلك بدون إسناد فقال: "وكان يذكر أنه أسلم عام الحديبية وكان يكتم إسلامه، إهـ، فعل عمدة ابن عساكر هو الواقدي". (انظر مغازي الواقدي 3/959 والطبقات الكبرى لابن سعد 7/406) . 2 شرح النووي على صحيح مسلم 3/387". ((3البدايةوالنهاية4/367-368وزادالمعاد2/136-138،وفتح الباري3/565-566". 4 تقدم تحت حديث (306) أن هذا قول الواقدي، ولعل الحاكم رواه عنه". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 740 قصر عنه أولا وكان الحلاق غائبا في بعض حاجته ثم حضر فأمره أن يكمل إزالة الشعر بالحلق لأنه أفضل ففعل". وإن ثبت أن ذلك كان في عمرة القضية وثبت أنه صلى الله عليه وسلم حلق فيها جاء هذا الاحتمال بعينه وحصل التوفيق بين الأخبار كلها". ثم قال: "وهذا مما فتح الله علي به في هذا الفتح ولله الحمد ثم الحمد لله أبدا 1".إهـ. هذه نماذج يسيرة مما تضمنت غزوة حنين من أحكام ولم أرد الاستقصاء خوف الإطالة والخروج إلى مباحث فقهية موسعة تطغى على الغرض الأساسي من دراسة هذه الغزوة وتحقيق مروياتها سندا ومتنا، ومن أراد أن يستقصي أحكام هذه الغزوة تفصيلا فإنه يحتاج إلى مؤلف مستقل، بل إن كل حكم من أحكامها يكفي لرسالة متخصصة". ولعل هذه اللمحات اليسيرة من أحكام هذه الغزوة تكون بمثابة البرهان على غزارة مادتها العلمية وتعدّد معطياتها المتكاثرة وفوائدها العظيمة". وصلى الله على سيدنا ونبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً".   1 فتح الباري 3/566. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 741 الخاتمة بعد تلك الرحلة العلمية الممتعة في دراسة غزوة حنين وتحقيق مروياتها وترتيب أبوابها وفصولها ومباحثها ووضع كل جزئية علمية بازاء ما يشاكلها ويلائمها، وبعد الفراغ من ذلك التطواف الحثيث في غضون المصادر العلمية لرصد كل ما يمت بصلة إلى هذه الغزوة بعد تمحيصه وتحقيقه". بعد ذلك كله أريد أن أنوّه إلى أبرز النتائج العلمية التي يحسن ذكرها ولا يجمل بالباحث إهمالها، وما من شك أن أي باحث يمارس عملا علميا معينا تمر به نتائج كثيرة وقضايا متعددة تستحق الإشادة والبيان. ولكني أجتزئ بذكر أبرز هذه المعركة مشيرا إلى بعض ما توصلت إليه بإيجاز من خلال معايشتي لهذا الموضوع العلمي الخطير. وفي البداية أود أن أقرر أنّ هذا البحث بهذه الصورة التي انتهيت إليها في دراسة هذه لغزوة لم يسبق له نظير - في حدود علمي - لم أطرافها وجمع شتاتها وحقق مروياتها ونظم معلوماتها على هذا النسق العلمي الذي أعانني الله على إنجازه، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. ولا ينبغي أن يغيب عن البال أن هذه المعركة وما تبعها من أحداث تشكل في سلسلة غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم خطورة بالغة، وأهمية قصوى فقد كان ينتظر نتائجها الفريقان: "المؤمنون والمشركون، وقد أدرك حماة الوثنية العربية أن نجاح المسلمين في غزواتهم السابقة وآخرها فتح مكة يعني الإجهاز عليهم والقضاء على معاقل العبادة الوثنية من أصنام وأوثان، ومن هنا رصدوا تحركات المسلمين نحوهم وجمعوا قواهم المادية والمعنوية وقرروا في أنفسهم أن هذه هي آخر تجربة يخوضها الإسلام مع الشرك، وفي الصورة المقابلة كان المسلمون قد اغتبطوا بانتصاراتهم المتلاحقة وكانوا على يقظة تامة بما يبيته المشركون من هوازن وثقيف وسائر القبائل الأخرى الباقية على شركها وضلالها، وعلم المسلمون بعزم المشركين المجاورين لمكة على القتال والنضال فأعدوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 743 العدة وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه تلك الأعداد الغفيرة التي لم يسبق لها مثيل في الكثرة، وكان في هذه الكثرة بعض المغموزين في إسلامهم من الأعراب والطلقاء وذوي الريب في حقيقة الإسلام، ودارت المعركة الخطيرة التي لا تقل خطورة عن معركة بدر الكبرى، فقد كانت معركة بدر الكبرى أول تجربة عسكرية للمسلمين مع المشركين كما كانت معركة حنين آخر تجربة عسكرية مع الوثنية. فالأولى أرهبتهم وكسرت من حدتهم وجعلت للمسلمين هيبة في قلوب أعدائهم. ومعركة حنين استفرغت قواهم واستنفدت سهامهم وأذلت جمعهم، فلم يجدوا بدا من الدخول في دين الله 1. ولذلك لا يبالغ الباحث إذا قال إن معركة حنين هي خاتمة المطاف في مواجهة تحديات الوثنية العربية وتكون هذه النتيجة العظيمة أبرز نتائج هذه المعركة، ولا يعكر على ذلك اندحار المسلمين في بداية الغزوة فقد تبين بما لا يدع مجالا للشك أن ذلك كان تربية من الله لجنده وحزبه لكي لا يغفلوا عن مصدر انتصارهم ولا ينخدعوا بكثرتهم، والعبرة في الانتصارات الحربية إنما هي بالخاتمة التي تنتهي إليها المعارك الإنسانية، والنهاية كانت كما قال الله عز وجل: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} ، [سورة التوبة، الآية: 26] . إنها نهاية العذاب للكافرين ونهاية النصر للمؤمنين، ومن مظاهر تعذيبهم الكافرين هدم أوثانهم وتحطيم معبوداتهم وأسرهم وغنيمة أموالهم وسبي ذراريهم ونسائهم وقتل العديد منهم، كما فصلت ذلك في أمكانه من البحث. ومما ينبغي ملاحظته في هذه الغزوة أن الجيش الإسلامي لم يخل بعض أفراده من رواسب الوثنية لحداثة عهدهم بالجاهلية، فقد حن بعضهم إلى جاهليته حيث طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم ذات أنواط كما للمشركين ذات أنواط، وهذا الصنف من الناس كان من جملة الجيش الذي خرج لحرب المشركين، كما كان في   1 انظر: زاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/479 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 744 الجيش الإسلامي أيضا الطلقاء والأعراب الجفاة وبعض المغموزين في إسلامهم، وقد سمح لهم الرسول صلى الله عليه وسلم جميعا أن يخرجوا معه مجاهدين. والنتيجة التي يخلص منها الباحث إذا تأمل هذا الموقف أنه لا مانع أن يكون في جيوش المسلمين بعض ضعفاء الإيمان مع وجوب العمل على تقوية إيمانهم وتعليمهم بحكمة وصبر، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم واجه جفاء الأعراب وسؤال السائلين له أن يجعل لهم ذات أنواط وبعض الأخبار التي كانت تنقل إليه من بعض المغموزين، واجه كل ذلك بحلم وصبر وحكمة عظيمة، يجب الاقتداء به صلى الله عليه وسلم فيها، كما أنه صلى الله عليه وسلم تحامل بخلقه العظيم وشجاعته النادرة بعض النيات الخبيثة التي كانت تحاول اغتياله كما يتضح ذلك في موقفه من شيبة بن عثمان وما آل إليه أمر شيبة حيث صار جنديا من جنود الإسلام وعد فيمن ثبت يوم حنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن كان الهدف من خروجه إلى غزوة حنين أن يجد من رسول الله صلى الله عليه وسلم غرة فيقتله ثأرا بأبيه كما حدَّث هو عن نفسه. وقد اتهم صلى الله عليه وسلم - وحاشاه من ذلك - بعدم العدالة وصبر على ذلك القول الجائر "اعدل يا محمد فإنك لم تعدل" وقال لقائله "ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل". وهو في ذلك يقتدي بمن سبقه من الأنبياء الذين صبروا على الأذى، فقد قال في هذا الموقف: "رحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر". وقد امتثل صلى الله عليه وسلم قول الله تبارك وتعالى له {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه} . [سورة الأنعام، الآية: 90] . ولقد واجه الرسول صلى الله عليه وسلم كل تلك المواقف الحرجة بما حباه الله به من حكمة وشجاعة وصبر وخلق عظيم، فحري بالدعاة إلى الله أن يتمثلوا بهذه المواقف ويأخذوا منها القدوة الحسنة لهم في حياتهم العملية، وهذا من الدروس العظيمة التي تقدمها لنا سيرته العطرة المليئة بمثل هذه النماذج العالية في حسم المواقف وعلاج أمراض القلوب ومواجهة النفسيات المختلفة. ولا أدل على ذلك من الأسلوب الذي قسم به صلى الله عليه وسلم غنائم هذه الغزوة فقد منح أولئك المتطلعين إلى حطام الدنيا وأعطاهم عطايا عظيمة جعلتهم يطلقون عبارات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 745 الشكر والثناء ويعترفون صراحة أن هذا العطاء الهائل لا يكون إلا من نبي لا يخشى الفقر، وهم على علم بأن كل بشر عادي ولو كان أكرم الناس يخشى الفقر، وقد صرح بعضهم بأن محمدا صلى الله عليه وسلم يعطيه وإنه لأبغض الناس إليه فما يزال يعطيه حتى يصير أحب الناس إليه، وهذه هي النتيجة التي كان يتوخَّاها صلى الله عليه وسلم من قسم الغنائم على أولئك المغموزين ووكل أهل الإيمان واليقين إلى إيمانهم وثباتهم على الحق كما مر تفصيل ذلك في محله، غير أن هذا التقسيم في الأظهر خاص بتلك الغزوة فليس لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرم الجيش الإسلامي المقاتل الغنائم التي غنموها ويعطيها لغيرهم والمسألة خلافية، ولكن هذا هو المذهب الأمثل الذي توصلت إليه في ذلك. ولقد انهال على المدينة المنورة بعد هذه الغزوة الوفود من عرب الجزيرة معلنين إسلامهم، ومن تلك الوفود وفد هوازن ووفد ثقيف وكان ذلك من نتائج هذه المعركة الفاصلة بين الكفر والإيمان، ومن المعلوم أن العرب كانوا ينتظرون نتائج فتح مكة، فلما خضعت قريش للإسلام وهم قوم الرسول صلى الله عليه وسلم وسكان بيت الله الحرام ومصدر التشريع للعرب جميعا كان ذلك مؤذنا بزوال الشرك وتمكن التوحيد في أرض الجزيرة، والذين لم يخضعوا بعد، وغرتهم قوتهم وجموعهم هم قبائل هوازن وثقيف كما سبق، فلما دارت الدائرة عليهم للمسلمين لم يبق أمام العرب جميعا قوة تذكر لمقاومة الإسلام والمسلمين، فما بقي أمام الجاهليّين إلا أن يفدوا على عاصمة الإسلام المدينة المنورة ليعلنوا إسلامهم أو ليتفاوضوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، وتعد سنة الوفود نتيجة طبيعية لهذه الغزوة وقد تعنت وفد ثقيف في شروطهم للدخول في الإسلام فطلبوا أن يبقوا على الكثير من أنماط الجاهلية مثل شرب الخمور والزنا وترك الصلاة لأنها دناءة في نظرهم، والتمسوا أن يدع الرسول صلى الله عليه وسلم صنمهم ثلاثة أعوام أو عاما أو شهراً لا يهدم وأن لا يغتسلوا من الجنابة ولا يزكوا ولا يجاهدوا في سبيل الله، وقد أنزلهم الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد ليشاهدوا عملياً عبادة المسلمين وأحسن استقبالهم وصبر على تعنتهم ولاطفهم كثيراً وتسامح معهم في ترك الزكاة والجهاد وبين عليه الصلاة والسلام أنهم إذا أسلموا فسيجاهدون ويزكون، ولقد أعلن القوم إسلامهم وكانوا جنودا في صفوف المسلمين على رغم ذلك التعنت والتشدد في الشروط التي أرادوا إملاءها على المسلمين، وما ذلك إلا بحكمته صلى الله عليه وسلم وعظيم رحمته بأمته، فقد طلب منه الصحابة في الطائف أن يدعو على ثقيف فقال: "اللهم اهد ثقيفاً وأت بهم" وقد تحقق ذلك فعلا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 746 وفي الختام لا يسعني إلا التأكيد على قضية ذات بال وهي أن من أبرز النتائج التي توصلت إليها من خلال هذه الدراسة لهذه الغزوة أن السيرة النبوية الطاهرة محفوظة بحفظ الله لها وأنها مروية بالأسانيد في كتب العلماء من السلف الصالح وأن الباحث البصير يتمكن في أي وقت شاء أن يقرر الحق في قضايا السيرة النبوية ويدرس أسانيدها وفق طرائق المحدثين ويعرف الصحيح والحسن والضعيف المنجبر والضعيف الذي لا ينجبر ويتمكن الدارس كذلك من نفي الكذب عن السيرة واستبعاد الإضافات التي لا أساس لها من الصّحّة، والتي تنافي مقام النبوّة، أو تلك الإضافات التي تبالغ في مقام النبي صلى الله عليه وسلم واحترامه على حساب الحقائق العلمية الثابتة، ولقد تبين لي من خلال بحثي في السيرة أن المسلمين يجب أن يطمئنوا إلى سيرة نبيهم وأنها هي هي كما رواها الخلف عن السلف وأن المزيد فيها يظهر لكل دارس يبغي الحق ولا يتبع الهوى في بحثه، وإذا كان الخبثاء من المستشرقين وأذنابهم يريدون أن يشككوا المسلمين في سيرة نبيهم وفي غير ذلك من قضايا دينهم، فإن الرد المناسب عليهم هو الاطلاع على التراث ودراسته دراسة علمية واعية وفق أسس علوم الحديث، ولعل هذا البحث المتواضع واحد من الدراسات العلمية الجادة التي تعيد الحق في نصابه وتدمغ الباطل فإذا هو زاهق، ولا شك أن في هذا البحث استدراكات كثيرة وتصويبات عديدة ووقفات علمية لها شأن وهي مبثوثة في ثناياه لمن أراد أن يطلع عليه. ولا أدعي الكمال في ذلك، وإنما هو جهد متواضع ومحاولة جيّدة للوصول إلى الحق وإبراز هذا البحث في صورة واضحة، ولم أدخر شيئا في وسعي، ولكن الكمال المطلق لله وحده، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين". كان الفراغ من تبييض هذا البحث في يوم الجمعة في السادس والعشرين من شهر شوال من عام ثلاث وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 747 مصادر ومراجع ... ثبت المصادر القرآن الكريم. (أ) ابن الأثير: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد الجزري (555-630هـ) . 1- أسد الغابة في معرفة الصحابة - مطبعة الشعب، سنة 1390 هـ. 2- الكامل في التاريخ - دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، ط. الثانية سنة 1387هـ. 3- اللباب في تهذيب الأنساب - مكتبة المثنى بغداد، بدون ذكر سنة الطبع. ابن الأثير: أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري (554-606 هـ) . 4- جامع الأصول في أحاديث الرسول - تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، الناشر: عبد الله الملاح سنة 1389 هـ. 5- النهاية في غريب الحديث والأثر - تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، عيسى البابي الحلبي ط. الأولى، سنة 1383هـ. (ب) الباجي: أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعيد الأندلسي (403-494هـ) . 6- المنتقى شرح موطأ الإمام مالك - دار الكتاب العربي بيروت- لبنان - مصورة عن الطبعة الأولى سنة 1332 هـ. البخاري: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة (194-256هـ) . 7- التاريخ الصغير - إدارة إحياء السنة، كواجر نوالة باكستان، بدون ذكر سنة الطبع. 8- التاريخ الكبير-تحقيق: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني بدون ذكر سنة الطبع. 9- الجامع الصحيح - مطبعة الفجالة الجديدة سنة 1376 هـ. 10- الأدب المفرد - الناشر: قصي محب الدين الخطيب، القاهرة سنة 1379هـ. البغوي: أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء (436-516هـ) . 11- تفسير البغوي المسمى معالم التنزيل مع الخازن- طبعة دار الفكر بيروت سنة 1399هـ. 12- شرح السنة - المكتب الإسلامي، ط. أولى سنة 1390هـ. البكري: أبو عبيد، عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي (432-487هـ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 751 13- معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع - عالم الكتب بيروت، تحقيق: مصطفى السقا. البلاذري: أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي (000-279هـ) . 14- أنساب الأشراف - تحقيق محمد حميد الله، دار المعارف بمصر سنة 1959م. البهوتي: منصور بن يونس بن إدريس (1000-1046هـ) . 15- كشاف القناع عن متن الإقناع، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة سنة1394هـ البوصيري: احمد بن أبي بكر بن إسماعيل (762-840هـ) . 16- إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة- مخطوط، في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (237) . 17- زوائد ابن ماجه على باقي الكتب الخمسة - مطبوع مع سنن ابن ماجه. البيضاوي: ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي ( ... -691هـ) . 18- تفسير القرآن الكريم المسمى أنوار التنزيل وأسرار التأويل - مكتبة دار التعاون، لعباس الباز، مكة المكرمة بدون ذكر سنة الطبع. البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله (384-458هـ) . 19- دلائل النبوة- طبع منها مجلدان، الناشر المكتبة السلفية المدينة المنورة، ط. - الأولى سنة 1389هـ. 20- دلائل النبوة - مخطوط، في مكتبة حماد بن محمد الأنصاري المدينة المنورة برقم (256) . 21- السنن الكبرى- دار صادر عن الطبعة الأولى سنة 1344هـ. (ت) ابن التركماني: علاء الدين علي بن عثمان بن مصطفى المارديني (673-750هـ) . 22- الجوهر النقي في الرد على البيهقي - مطبوع مع السنن الكبرى للبيهقي. الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة (209-279هـ) . 23- السنن- تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة سنة 1384هـ. التهانوي: محمد بن علي الفاروقي الحنفي (المتوفى في القرن الثاني عشر الهجري) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 752 24- كشاف اصطلاحات الفنون- تحقيق الدكتور: لطفي عبد البديع، وترجم النصوص الفارسية الدكتور: عبد المنعم محمد حسنين، راجعه: أمين الخولي. ابن تيمية: تقي الدين أبوالعباس أحمد بن عبد الحليم الحراني الدمشقي (661-728هـ) . 25- الصام المسلول على شاتم الرسول- تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، الناشر مكتبة تاج بطنطا، الطبعة الأولى سنة 1379هـ. 26- مجموع الفتاوى - مطابع الرياض، الطبعة الأولى سنة 1381هـ. (ج) الجاحظ: أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني (150-255هـ) . 27- البيان والتبيين- دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان بدون ذكر سنة الطبع. ابن الجارود: أبو محمد عبد الله بن علي النيسابوري (000-307هـ) . 28- المنتقى من السنن المسندة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - مطبعة الفجالة الجديدة سنة 1382هـ. ابن الجوزي: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي (510-597هـ) . 29- تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التواريخ والسير - مكتبة الآداب لصاحبها علي حسن، القاهرة. 30- الوفاء بأحوال المصطفى- دار الكتب الحديثة، ط. الأولى سنة 1386هـ. (ح) ابن أبي حاتم: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس (240-327هـ) . 31- التفسير- مخطوط في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (280) . 32- الجرح والتعديل - دار الكتب العلمية بيروت لبنان عن الطبعة الأولى سنة 1271هـ. 33- علل الحديث - مكتبة المثنى بغداد سنة 1343هـ. الحازمي: أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن حازم (549-584هـ) . 34- الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار - تحقيق راتب حاكمي، مطبعة الأندلس بحمص ط. الأولى سنة 1386هـ. الحاكم: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري (321-405هـ) . 35- المستدرك على الصحيحين - الناشر مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب لصاحبها محمد أمين دمج، بدون ذكر سنة الطبع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 753 ابن حبان: محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي (270-354هـ) . 36- صحيح ابن حبان - ترتيب الأمير علاء الدين الفارسي، الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، ط. الأولى سنة 1390هـ. 37- المجرزحين - تحقيق محمود إبراهيم زيد، دار المعرفة بيروت لبنان. ابن حجر: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني (773-852هـ) 38- الإصابة في تمييز الصحابة - مطبعة السعادة ط. الأولى سنة 1328هـ. 39- تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة، دار المحاسن، القاهرة سنة 1386هـ. 40- تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس- مراجعة: طه عبد الرؤوف، مكتبة الكليات الأزهرية. 41- تقريب التهذيب - الناشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة. 42- تقريب التهذيب - الطبعة الهندية. 43- التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - الناشر عبد الله هاشم اليماني، المدينة المنورة سنة 1384هـ. 44- تهذيب التهذيب - دار صادر عن الطبعة الأولى سنة 1325هـ. 45- فتح الباري شرح صحيح البخاري - تحقيق عبد العزيز بن باز، المكتبة السلفية سنة 1380هـ. 46- لسان الميزان - مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت لبنان ط. الثانية سنة 1390هـ. 47- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية- تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ط. الأولى سنة 1393هـ. 48- مختصر زوائد مسند البزار - مخطوط في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (816) . 49- نزهة النظر شرح نخبة الفكر- مطبعة الإستقامة، القاهرة ط. الثانية سنة 1368هـ. 50- النكت الظراف على الأطراف مع تحفة الأشراف للمزي. 51- هدي الساري مقدمة فتح الباري. الحربي: أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن بشير (198-285هـ) . 52- كتاب المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة - تحقيق حمد الجاسر، منشورات دار اليمامة، الرياض سنة 1389هـ. ابن حزم: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (384-456هـ) . 53- جمهرة أنساب العرب - تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار المعارف بمصر ط. الثالثة سنة 1391هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 754 54- جوامع السيرة - تحقيق إحسان عباس وناصر الدين الأسد، إدارة إحياء السنة، كواجر نوالة باكستان. 55- المحلى - مكتبة الجمهورية العربية لصاحبها عبد الفتاح عبد الحميد مراد، سنة 1387هـ. الحصيني: أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن الدمشقي تقي الدين (752-829هـ) 56- كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار- مصطفى البابي الحلبي بمصر، سنة 1356هـ. الحلبي: علي بن إبراهيم بن أحمد أبو الحسن نور الدين (975-1044هـ) . 57- إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون (السيرة الحلبية) -دار المعرفة، بيروت لبنان، سنة 1400هـ. الحميدي: أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى المكي (000-219هـ) . 58- المسند - تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، سنة 1381هـ. ابن حنبل: أبو عبد الله أحمد بن محمّد (164-241هـ) . 59- المسند - دار صادرط. الأولى 1389هـ. (خ) الخرقي: أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله البغدادي الحنبلي (000-334هـ) . 60- المختصر في فروع الفقه الحنبلي، مع المغني لابن قدامة. الخزرجي: أحمد بن عبد الله بن أبي الخير صفي الدين الأنصاري (900-923هـ) . 61- خلاصة تهذيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال - تحقيق محمود عبد الوهاب فايد، مطبعة الفجالة الجديدة، بدون ذكر سنة الطبع. ابن خزيمة: أبو كبر محمد بن إسحاق السلمي النيسابوري (223-311هـ) . 62- صحيح ابن خزيمة - تحقيق محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، سنة 1390هـ. الخضري: محمد بن مصطفى الدمياطي الشافعي (1213-1287هـ) . 63- حاشية الخضري على شرح ابن عقيل- مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط الأخيرة سنة 1359هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 755 الخطيب البغدادي: أبو بكر أحمد بن علي (392-463هـ) . 64- تاريخ بغداد - المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، بدون ذكر سنة الطبع. 65- الكفاية في علم الرواية - مطبعة السعادة ط. الأولى، بدون تاريخ. الخطيب التبريزي: محمد بن عبد الله العمري أبو عبد الله (كان حيا - 737هـ) 66- مشكاة المصابيح - تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط. الثانية سنة 1399هـ. ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد ولي الدين أبو زيد (732-808هـ) . 67- العبر ودوان المبتدا والخبر (تاريخ ابن خلدون) - مؤسسة حسان للطباعة والنشر سنة 1399هـ. ابن خلكان: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر (608-681هـ) . 68- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بدون ذكر سنة الطبع. خليفة بن خياط: أبو عمر العصفري- الملقب (بشباب) (160-240هـ) . 69- تاريخ خليفة بن خياط - تحقيق أكرم ضيا عمري، دار القلم دمشق- بيروت ط. الثانية سنة 1397هـ. 70- كتاب الطبقات- تحقيق أكرم ضياء العمري، دار طيبة للنشر والتوزيع ط. الثانية سنة 1402هـ. (د) الدارقطني: أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الدارقطني (306-358هـ) . 71- سنن الدارقطني- الناشر عبد الله هاشم اليماني المدني بالمدينة المنورة سنة 1386هـ. الدارمي: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (181-255هـ) . 72- سنن الدارمي- الناشر عبد الله هاشم اليماني، المدينة المنورة سنة 1386هـ. أبو داود: سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني (202-275هـ) . 73- السنن - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط. الأولى سنة 1371هـ. 74- المراسيل- مطبعة علي صبيح وأولاده، مصر، بدون ذكر سنة الطبع. أبو داود الطيالسي: سليمان بن داود بن الجارود (133-204هـ) . 75- المسند بترتيب الساعاتي (منحة المعبود) - المكتبة الإسلامية بيروت ط. الثانية سنة 1400هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 756 الدردير: أبو البركات أحمد بن محمد العدوي المالكي (1127-1201هـ) . 76- الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي - عيسى البابي الحلبي وشركاه، بدون ذكر سنة الطبع. الدسوقي: محمد بن أحمد بن عرفة المالكي (000-1230هـ) . 77- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير لدردير. الدميري: كمال الدين محمد بن موسى (742-808هـ) . 78- حياة الحيوان الكبرى - مصطفى البابي الحلبي ط. الرابعة سنة 1389هـ. الدولابي: محمد بن أحمد أبو بشر الوراق (224-310هـ) . 79- كتاب الكنى - مطبعة مجلس دائرة المعارف، حيدر آباد الدكن، ط. الأولى سنة 1322هـ. الديار بكري: حسين بن محمد بن الحسن (000-966هـ) . 80- تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس - مؤسسة شعبان للنشر والتوزيع بيروت، بدون ذكر سنة الطبع. (ذ) الذهبي: أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (673-748هـ) . 81- تذكرة الحفاظ - تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، دار إحياء التراث العربي، مكة المكرمة سنة 1374هـ. 82- التلخيص على مستدرك الحاكم حاشية على المستدرك. 83- سير أعلام النبلاء- مؤسسة الرسالة بيروت، ط. الأولى سنة 1401هـ. 84- السيرة النبوية - تحقيق حسام الدين القدسي، دار الكتب العلمية بيروت - لبنان ط. الأولى 1401هـ. 85- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة- دار الكتب الحديثة، القاهرة، ط. الأولى سنة 1392هـ. 86- الكاشف - دار الكتب العلمية، بيروت، ط. الأولى سنة 1403هـ. 87- المغني في الضعفاء - تحقيق نور الدين عتر، الناشر دار المعارف، سورية، حلب ط. الأولى سنة 1382هـ. 88- ميزان الاعتدال في نقد الرجال - تحقيق علي محمد البجاوي، عيسى البابي الحلبي وشركاه، ط. الأولى سنة 1382هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 757 208- المسند - مخطوط في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، برقم (301، و302، و303، و305، و306) . المصادر الحديثة (أ) أحمد إبراهيم شريف. 209- دور الحجاز في الحياة السياسية العامة في القرنين الأول والثاني الهجري - دار الفكر العربي، الأولى سنة 1968م. أكرم ضياء العمري. 210- تعليقاته على تاريخ خليفة بن خياط. 211- مقدمة تاريخ. يعقوب بن سفيان الفسوي. 212- موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد دار القلم، دمشق، لبنان، ط. الأولى سنة 1395هـ. الألباني: محمد ناصر الدين. 213- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل - المكتب الإسلامي، بيروت، ط. الأولى سنة 1399هـ. 214- تحقيق أحاديث مشكاة المصابيح - للخطيب التبريزي، بهامش المشكاة. 215- تحقيق أحاديث فقه السيرة لمحمّد الغزالي، بهامش فقه السيرة. 216- حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة - المكتب الإسلامي، بيروت ط. الخامسة، بدون ذكر سنة الطبع. 217- دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على البوطي - المطبعة العمومية بدمشق، سنة 1397هـ. 218- سلسلة الأحاديث الصحيحة - المكتب الإسلامي، بيروت دمشق سنة 1378هـ. 219- صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) - المكتب الإسلامي، ط. الثاني 1388هـ. 220- ضعيف الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) - المكتب الإسلامي، ط. الثانية 1399هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 758 ابن سعد: محمد بن سعد بن منيع أبو عبد الله (كاتب الواقدي) (168-230هـ) . 98- الطبقات الكبرى - دار صادر بيروت، بدون ذكر سنة الطبع. السفاريني: أبو العون شمس الدين محمد بن أحمد (1114-1188هـ) . 99- شرح ثلاثيات مسند أجمد- المكتب الإسلامي، دمشق ط. الأولى سنة 1380هـ أبو السعود: محمد بن محمد العمادي الحنفي (898-982هـ) . 100- إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم (تفسير أبي السعود) - دار المصحف مكتبة عبد الرحمن محمد، القاهرة. السهيلي: عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الأندلسي المالكي (508-581هـ) . 101- الروض الأنف - تحقيق عبد الرحمن الوكيل، دار الكتب الحديثة، القاهرة سنة 1387هـ. ابن سيد الناس: أبو الفتح محمد بن محمد اليعمري (671-734هـ) . 102- عيون الاثر في فنون المغازي والشمائل والسير - مكتبة القدسي، القاهرة سنة 1356هـ. السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد (849-911هـ) . 103- تاريخ الخلفاء - تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، مطبعة الفجالة الجديدة، ط. الرابعة سنة 1389هـ. 104- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي- تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، المكتبة العلمية للنمنكاني، المدينة المنورة ط. الأولى سنة 1379هـ. 105- تفسير الجلالين - مكتبة الجمهورية العربية بمصر، لصاحبها عبد الفتاح عبد الحميد مراد. 106- الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير مع فيض القدير للمناوي. 107- الخصائص الكبرى - تحقيق محمد خليل هراس، مطبعة المدني سنة 1387هـ. 108- الدر المنثور في التفسير بالمأثور- الناشر محمد أمين دمج، بيروت - لبنان بدون ذكر سنة الطبع. (ش) الشافعي: أبو عبد الله محمد بن إدريس (150-204هـ) . 109- الأم - دار الشعب سنة 1388-هـ. 110- المسند - مطبوع على هامش الأم. ابن شبة: أبو زيد عمر بن شبة النميري البصري (173-262هـ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 759 111- تاريخ المدينة المنورة - الناشر السيد حبيب محمود أحمد، تحقيق فهيم محمد شلتوت. الشمني: أبو العباس أحمد بن محمد تقي الدين (801-872هـ) . 112- مزيل الخفا عن ألفاظ الشفا للقاضي عياض - مطبوع على حاشية الشفا. ابن أبي شيبة: أبو بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم الكوفي (159-235هـ) . 113- التاريخ - مخطوط، في مكتبة الدراسات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة رقم (665) . الشوكاني: أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد (1173-1250هـ) . 114- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - الناشر معروف عبد الله باسندوه، ط. الأولى سنة 1348هـ. 115- الدراري المضية شرح الدرر البهية - مطبعة مصر الحرة بدرب العوالم، ط. الأولى بدون تاريخ. 116- السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار - لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة سنة 1390هـ. 117- فتح القدير - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط. الثانية سنة 1383هـ. 118- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط. الأخيرة دون ذكر سنة الطبع. (ص) ابن الصلاح: أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري (577-643هـ) . 119- المقدمة مع التقيد والإضاح - الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، ط. الأولى سنة 1389هـ. الصنعاني: محمد بن إسماعيل بن صلاح الكحلاني الأمير (1059-1182هـ) . 120- سبل السلام شرح بلوغ المرام - تحقيق محمد عبد العزيز الخولي، دار إحياء التراث العربي، ط. الرابعة سنة 1379هـ. (ط) ابن طاهر: مجد الدين محمد بن طاهر بن علي الحنفي الكجراتي (913-986هـ) . 121- المغني في ضبط أسماء الرجال ومعرفة كنى الرواة وألقابهم وأنسابهم - نشر دار الكتب الإسلامية، كواجر نوالة (باكستان) ط. الأولى سنة 1393هـ. الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد (224-310هـ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 760 122- تاريخ الرسل والملوك (تاريخ الطبري) - تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر دار المعارف مصر، ط. الثانية بدون ذكر سنة الطبع. 123- تهذيب الآثار - مطابع الصفا، مكة المكرمة 1402هـ. 124- جامع البيا عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط. الثالثة سنة 1388هـ. الطحاوي: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الحنفي (229-321هـ) . 125- شرح معاني الآثار - تحقيق محمد سيد جاد الحق، الناشر مكتبة الأنوار المحمدية، القاهرة، بدون ذكر سنة الطبع. 126- مشكل الآثار - دار صادر بيروت عن الطبعة الأولى سنة 1333هـ. الطبراني: أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب (260-360هـ) . 127- المعجم الصغير - تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة سنة 1388هـ. 128- المعجم الكبير - تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، مطبعة الوطن العربي ط. الأولى سنة 1400هـ. (ع) ابن أبي عاصم: أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (206-287هـ) . 129- كتاب الجهاد - مخطوط، في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ضمن مجموعة (27) برقم (535) . العامري: عماد الدين يحيى بن أبي بكر أبو زكريا الحرضي (816-893هـ) . 130- بهجة المحافل وبغية الأماثل في تلخيص السير والمعجزات والشمائل - الناشر: النمنكاني، صاحب المكتبة العلمية بالمدينة المنورة بدون تاريخ. عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني (213-290هـ) . 131- زوائد المسند: عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب (000-1258هـ) . 132- فتح المجيد شرح كتاب التوحيد - تحقيق محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية، ط. السابعة سنة 1377هـ. عبد الرزاق بن همام أبو بكر الصنعاني (126-211هـ) . 133- المصنف - تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المجلس العلمي، كراتشي سنة 1390هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 761 ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري (368-463هـ) . 134- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، على هامش الإصابة لابن حجر. 135- التقصي لحديث الموطأ وشيوخ مالك، أو تجريد التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، بدون ذكر سنة الطبع. عبد بن حميد بن نصر أبو محمد الكسي (000-249هـ) . 136- المسند - مخطوط، في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (322 و323) . أبو عبيد: القاسم بن سلام البغدادي (150-224هـ) . 137- كتاب الأموال - تحقيق محمد خليل هراس، ط. الأولى سنة 1388هـ. العراقي: أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين (725-806هـ) . 138- التبصرة والتذكرة (شرح ألفية العراقي) - المطبعة الجديدة بفاس سنة 1354هـ. ابن العربي: أبو بكر محمد بن عبد الله الأشبيلي (468-543هـ) . 139- أحكام القرآن - دار المعرفة بيروت لبنان. ابن عقيل: بهاء الدين عبد الله بن عبد الرحمن المصري (698-769هـ) . 140- شرح ابن عقيل على ألفية بن مالك - تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة بمصر، ط. الرابعة عشرة سنة 1384هـ. العلائي: أبو سعيد صلاح الدين خليل بن كيكلدي (694-761هـ) . 141- جامع التحصيل في أحكام المراسيل - تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، ط. الأولى سنة 1398هـ. أبو عوانة: يعقوب بن إسحاق السفراييني (230-316هـ) . 142- مسند أبي عوانة - مطبعة مجلس دائرة المعارف، الهند ط. الأولى سنة 1385هـ. عياض بن موسى بن عياض أبو الفضل اليحصبي السبتي (496-544هـ) 143- مشارق الأنوار على صحاح الآثار - المكتبة العتيقة، تونس، بدون ذكر سنة الطبع. 144- الشفا بتعريف حقوق المصطفى - دار الفكر بيروت، بدون ذكر سنة الطبع. (ف) ابن الفراء: محمد بن محمد بن الحسين أبو الحسين القاضي (457-527هـ) . 145- طبقات الحنابلة - الناشر دار المعرفة بيروت، بدون ذكر سنة الطبع. الفسوي: أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفارسي (191-277هـ) . 146- المعرفة والتاريخ - تحقيق أكرم ضياء العمري، مطبعة الإرشاد بغداد سنة 1394هـ. ابن فهد المكي: تقي الدين محمد بن محمد الهاشمي العلوي (787-871هـ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 762 147- لحظ الألحاظ بذيل طبقة الحفاظ للذهبي. الفيروز آبادي: مجد الدين محمد بن يعقوب (729-817هـ) . 148- القاموس المحيط - مؤسسة الحلبي، القاهرة بدون ذكر سنة الطبع. الفيومي: أبو العباس أحمد بن محمد بن علي الحموي (000-770هـ) . 149- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي - دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان سنة 1398هـ. (ق) ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري (213-276هـ) . 150- المعارف - دار إحياء التراث العربي بيروت - لبنان، ط. الثانية سنة 1390هـ. ابن قدامة: أبومحمد موفق الدين عبد الله بن أحمد المقدسي (541-620هـ) 151- الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار - تحقيق علي يوسف نويهض، دار الفكر سنة 1391هـ. 152- المغني في اختصار الخرقي - مكتبة الجمهورية العربية بمصر لصاحبها عبد الفتاح عبد الحميد مراد، بدون ذكر سنة الطبع. القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر الأندلسي (000-671هـ) . 153- الجامع لأحكام القرآن - دار إحياء التراث العربي، بيورت - لبنان سنة 1965م. القسطلاني: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد الخطيب (851-923هـ) . 154- إرشاد الساري، شرح صحيح البخاري - المطبعة المنيرة بولاق، ط. السابعة سنة 1323هـ. 155- المواهب اللدنية بالمنح المحمدية - دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، بدون ذكر سنة الطبع. القلقشندي: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن علي (756-821هـ) . 156- قلائد الجمان في التعريف بقيائل عرب الزمان - تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب الحديثة، ط. الأولى سنة 1383هـ. 157- نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب - تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط. الثانية سنة 1400هـ. ابن قيم الجوزية: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الرازي الدمشقي (691-751هـ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 763 158- أعلام الموقعين عن رب العالمين - تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية سنة 1388هـ. 159- إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان - تحقيق محمد حامد الفقي، دار المعرفة بيروت - لبنان. 160- التبيان في أقسام القرآن - مكتبة الرياض الحديثة، بدون ذكر سنة الطبع. 161- تهذيب سنن أبي داود على حاشية عون المعبود. 162- زاد المعاد في هدي خير العباد - تحقيق شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة ط. الأولى سنة 1399هـ. (ك) ابن كثير: أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي (701-774هـ) 163- البداية والنهاية - مكتبة المعارف، بيروت ط. الثانية سنة 1974م. 164- تفسير القرآن العظيم - عيسى البابي الحلبي، بذون ذكر سنة الطبع. الكلاعي: أبو الربيع سليمان بن موسى الحميري البلنسي (565-634هـ) . 165- الاكتفاء في مغازي المصطفى والثلاثة الخلفاء - تحقيق مصطفى عبد الواحد، مكتبة الخانجي، القاهرة سنة 1387هـ. ابن الكلبي: أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب (000-204هـ) . 166- كتاب الأصنام - تحقيق أحمد زكي، الدار القيمة، القاهرة سنة 1384هـ. (م) ابن ماجه: أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (207-275هـ) . 167- سنن ابن ماجه - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، عيسى البابي الحلبي سنة 1373هـ. مالك بن أنس بن مالك الأصبحي، أبو عبد الله إمام دار الهجرة (93-179هـ) . 168- المدونة الكبرى - دار صادر، بيروت، بدون ذكر سنة الطبع. 169- الموطأ - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان بدون ذكر سنة الطبع. المتقى الهندي: علاء الدين علي بن حسام الدين (885-975هـ) . 170- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال - مجلس دائرة المعارف، الهند ط. الثانية. 171- منتخب كنز العمال، مطبوع مع مسند الإمام أحمد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 764 أبو المحاسن: محمد بن علي الحسني (715-765هـ) . 172- ذيل تذكرة الحفاظ للذهبي. محمد بن حبيب البغدادي الأخباري (000-245هـ) . 173- المنمق في أخبار قريش - مجلس دائرة المعارف، الهند ط. الأولى سنة 1384هـ. محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي (000-665هـ) . 174- مختار الصحاح - مكتبة الغزالي، حماة سنة 1390هـ. ابن المديني: علي بن عبد الله بن جعفر أبو الحسن السعدي (161-234هـ) . 175- العلل - تحقيق محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي سنة 1392هـ. المرداوي: علاء الدين أبوالحسن علي بن سليمان (817-885هـ) . 176- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل - تحقيق محمد حامد الفقي، دار إحياء التراث العربي، ط. الثانية سنة 1400هـ. المرغيناني: أبو الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل (544-593هـ) . 177- الهداية شرح بداية المبتدي - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط. الأخيرة بدون ذكر سنة الطبع. المزني: أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني الشافعي (175-264هـ) . 178- مختصر المزني. مطبوع مع الأم للإمام الشافعي. المزي: جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن (654-742هـ) . 179- تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف- تحقيق عبد الصمد شرف الدين، الدار القيمة، الهند، سنة 1384هـ. 180- تهذيب الكمال في أسماء الرجال - طبع منه ثلاث مجلدات، مؤسسة الرسالة، ط. الأولى سنة 1402هـ. 181- تهذيب الكمال في أسماء الرجال - مخطوط، في مكتبة الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري (206-261هـ) . 182- الصحيح - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، عيسى البابي الحلبي ط. الأولى سنة 1374هـ. المقدسي: بهاء الدين أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم السعدي (556-624هـ) . 183- العدة شرح العمدة في فقه الإمام أحمد بن حنبل - المطبعة السلفية ومكتبتها، ط. الثانية 1382هـ. المقدسي: أبو الفتح نصر بن إبراهيم النابلسي (377-490هـ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 765 184- تحريم نكاح المتعة - حققها وخرج أحاديثها حماد الأنصاري، مطبعة المدني 1396هـ. المناوي: محمد بن عبد الرؤوف القاهري الشافعي (952-1031هـ) . 185- فيض القدير شرح الجامع الصغير للسيوطي - دار المعرفة، بيروت لبنان، ط. الثانية 1391هـ. ابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم الأنصاري (630-711هـ) . 186- لسان العرب - الدار المصرية للتأليف والترجمة، بدون ذكر سنة الطبع. (ن) ابن النجار: أبو عبد الله محمد بن محمود بن حسن البغدادي (578-643هـ) . 187- ذيل تاريخ بغداد، ذيل به على تاريخ الخطيب البغدادي - الناشر: المكتبة الإمدادية، باب العمرة، مكة المكرمة. النابلسي: عبد الغني بن إسماعيل الحنفي الدمشقي (1050-1143هـ) . 188- ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأحاديث - دار المعرفة بيروت- لبنان، بدون ذكر سنة الطبع. النسائي: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن عليّ بن بحر (214-303هـ) . 189- سنن النسائي. (المجتبى) - مصطفى البابي الحلبي، ط. الأولى سنة 1383هـ. أبو نعيم: أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني (336-430هـ) . 190- حلية الأولياء - الناشر مكتبة الخانجي بمصر، بدون ذكر سنة الطبع. 191- دلائل النبوة - دار المعرفة بيروت - لبنان، سنة 1397هـ. النووي: أبو زكريا محيى الدين بن شرف الشافعي (631-676هـ) . 192- التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير (تقريب النووي مع تدريب الراوي للسيوطي) . 193- رياض الصالحين - المكتب الإسلامي، بيروت، الأولى سنة 1399هـ. 194- شرح صحيح مسلم - تحقيق عبد الله أحمد أبو زينة، دار الشعب سنة 1390هـ. 195- المجموع شرح المهذب - الناشر زكريا علي يوسف، مطبعة الإمام، بدون ذكر سنة الطبع. 196- المقدمة على شرح صحيح مسلم. النويري: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الوهاب (677-733هـ) . 197- نهاية الأرب في فنون الأدب - المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 766 (و) الواحدي: أبو الحسن علي بن أحمد النيسابوري (000-468هـ) . 198- أسباب النزول - دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان سنة 1395هـ. الواقدي: أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي (130-207هـ) 199- المغازي - تحقيق مارسدن جونسن، عالم الكتب، بيروت، بدون ذكر سنة الطبع. (هـ) ابن هبيرة: أبوالمظفر عون الدين يحيى بن محمد بن هبيرةالشيباني (499-560هـ) 200- الإفصاح عن معاني الصحاح - المؤسسة السعدية، الرياض، بدون ذكر سنة الطبع. ابن هشام: أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري (000-218هـ) . 201- السيرة النبوية (سيرة ابن هشام) - مصطفى البابي الحلبي، ط. الثانية سنة 1375هـ. ابن هشام: أبو محمد عبد الله بن يوسف جمال الدين الأنصاري (708-761هـ) . 202- شرح قطر الندى وبل الصدى - تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة مصر، ط. العاشرة سنة 1379هـ. الهيثمي: أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان (735-807هـ) . 203- كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة - تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط. الأولى سنة 1399هـ. 204- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد - الناشر دار الكتاب العربي، بيروت لبنان، ط. الثانية سنة 1967م. 205- موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان - تحقيق محمد عبد الرزاق حمزة، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، بدون ذكر سنة الطبع. 206- مجمع البحرين في زوائد المعجمين - مخطوط في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (77) . (ي) ياقوت بن عبد الله شهاب الدين الحموي الرومي البغدادي (000-626هـ) . 207- معجم البلدان - دار صادر بيروت، بدون ذكر سنة الطبع. أبو يعلى الموصلي: أحمد بن علي بن المثنى التميمي (210-307هـ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 767 208- المسند - مخطوط في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، برقم (301، و302، و303، و305، و306) . المصادر الحديثة (أ) أحمد إبراهيم شريف. 209- دور الحجاز في الحياة السياسية العامة في القرنين الأول والثاني الهجري - دار الفكر العربي، الأولى سنة 1968م. أكرم ضياء العمري. 210- تعليقاته على تاريخ خليفة بن خياط. 211- مقدمة تاريخ. يعقوب بن سفيان الفسوي. 212- موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد دار القلم، دمشق، لبنان، ط. الأولى سنة 1395هـ. الألباني: محمد ناصر الدين. 213- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل - المكتب الإسلامي، بيروت، ط. الأولى سنة 1399هـ. 214- تحقيق أحاديث مشكاة المصابيح - للخطيب التبريزي، بهامش المشكاة. 215- تحقيق أحاديث فقه السيرة لمحمّد الغزالي، بهامش فقه السيرة. 216- حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة - المكتب الإسلامي، بيروت ط. الخامسة، بدون ذكر سنة الطبع. 217- دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على البوطي - المطبعة العمومية بدمشق، سنة 1397هـ. 218- سلسلة الأحاديث الصحيحة - المكتب الإسلامي، بيروت دمشق سنة 1378هـ. 219- صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) - المكتب الإسلامي، ط. الثاني 1388هـ. 220- ضعيف الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) - المكتب الإسلامي، ط. الثانية 1399هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 768 الأهدل: محمد عبد الرحمن شميلة. 221- مرويات نكاح المتعة - مطبوع على الآلة الكاتبة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. (ب) باشميل: محمد أحمد. 222- غزوة حنين - دار الفكر، ط. الثانية 1397هـ. البلادي: عاتق بن غيث. 223- معالم مكة التاريخية والأثرية - دار مكة للنشر والتوزيع، ط. الأولى سنة 1400هـ. 224- معجم المعالم الجغرافية في اليسرة النبوية - دار مكة للنشر والتوزيع، ط. الأولى سنة 1402هـ. 225- نسب حرب - مكتبة دار البيان، ط. الأولى سنة 1397هـ. البوطي: محمد سعيد رمضان. 226- فقه السيرة - دارالفكر، دمشق، ط. الثانية سنة 1400هـ. ابن بليهد: محمد بن عبد الله بن عثمان النجدي. 227- صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار - مراجعة وضبط محمد محيى الدين عبد الحميد، ط. الثانية 1392هـ. (ج) الجزائري: أبو بكر جابر الجزائري. 228- منهاج المسلم - مطبعة الدعوة بالمدينة المنورة، ط. الأولى سنة 1385هـ. الجزيري: عبد الرحمن الجزيري. 229- كتاب الفقه على المذاهب الأربعة - المكتبة التجارية الكبرى بمصر سنة 1969م. (ح) حبيب الرحمن الأعظمي. 230- تحقيقاته على مسند الحميدي. حمد إبراهيم بن عبد الله الحقيل. 231- كنز الأنساب ومجمع الآداب - ط. السابعة سنة 1400هـ. حمد الجاسر. 232- تحقيقاته على كتاب المناسك للحربي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 769 233- في سراة غامد وزهران - منشورات دار اليمامة، للبحث والترجمة، الرياض. حمدي عبد المجيد السلفي. 234- تحقيقاته على المعجم الكبير للطبراني. (خ) الخضري: محمد الخضري بك. 235- نور اليقين في سيرة سيد المرسلين - دار التعاون للنشر والتوزيع، لصاحبها عباس أحمد الباز، مكة المكرمة ط. الثالثة والعشرون سنة 1967م. ابن خميس: عبد الله بن محمد. 236- المجاز بين اليمامة والحجاز - منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، الرياض. (د) الدومي: أحمد عبد الجواد. 237- الإتحافات الربانية بشرح الشمائل المحمدية للإمام الترمذي - المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ط. الأولى سنة 1381هـ. (س) الساعاتي: أحمد عبد الرحمن البنا. 238- الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد ابن حنبل الشيباني - دار الشهاب، القاهرة، بدون ذكر سنة الطبع. 240- أسواق العرب في الجاهلية والإسلام - دار الفكر، دمشق، ط. الثانية سنة 1379هـ. (ش) الشنقيطي: محمد الأمين بن محمد المختار الجكني. 241- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - مطبعة المدني، لصاحبها علي صبحي المدني، سنة 1386هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 770 (ص) الصابوني: محمد علي الصابوني. 242- التبيان في علوم القرآن - دار الإرشاد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط. الأولى سنة 1390هـ. 243- روائع البيان تفسير آيات الأحكام من القرآن - دار القرآن الكريم، مكة المكرمة، سنة 1391هـ. صادق إبراهيم عرجون. 244- كتاب خالد بن الوليد - الناشر مكتبة الكليات الأزهرية، ط. الثانية سنة 1378هـ. (ع) عبد الله بن عبد الرحمن آل بسام. 245- تيسير العلام شرح عمدة الأحكام - مطبعة المدني، سنة 1380هـ. عبد الله بن محمد الغنيمان. 246- دليل القارئ إلى مواضع الحديث في صحيح البخاري - دار الأصفهاني للطباعة بجدة. الأرناؤوط: عبد القادر. 247- تحقيقه على جامع الأصول لابن الأثير. عبد القدوس الأنصاري. 248- بين التاريخ والآثار - ط. الأولى سنة 1969م بيروت. عبد المحسن العباد، وعبد الكريم مراد. 249- من أطيب المنح في علم المصطلح - شركة المدينة للطباعة والنشر، جدة سنة 1386هـ. العياشي: إبراهيم بن علي. 250- المدينة بين الماضي والحاضر - المكتبة العلمية، بالمدينة المنورة للنمنكاني. (ف) فؤاد حمزة. 251- قلب جزيرة العرب - المطبعة السلفية ومكتبتها، لمحب الدين الخطيب، سنة 1352هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 771 (ق) قريبي: إبراهيم بن إبراهيم. 252- مرويات غزوة بني المصطلق - الناشر الجامعة الإسلامية، بالمدينة المنورة. (ك) الكاندهلوي: محمد زكريا. 253- أوجز المسالك إلى موطأ مالك - دار الفكر بيروت، ط. الثالثة سنة 1393هـ. الكتاني: محمد جعفر. 254- الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة - الناشر: نور محمد، سنة 1379هـ. كحالة: عمر رضا كحالة. 255- معجم قبائل العرب - مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، ط. الثانية سنة 1398هـ. 256- معجم المؤلفين - الناشر مكتبة المثنى، بيروت، دمشق، سنة 1376هـ. الكشميري: محمد أنور الديوبندي. 257- فيض الباري على صحيح البخاري - دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، بدون ذكر سنة الطبع. (م) المباركفوري: أبو العلى محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم. 258- تحفة الأحوذي، بشرح جامع الترمذي - مطبعة المدني، القاهرة، ط. الثانية سنة 1383هـ. 259- مقدمة تحفة الأحوذي. محمد حسين العقبي. 260- تكملة المجموع للنووي. محمد خليل هراس. 261- تحقيقاته على الخصائص الكبرى للسيوطي بهامش الخصائص. محمد بن سعيد بن حسن كمال. 262- مجلة العرب - السنة الثالثة، الجزء التاسع، شهر ربيع الأول سنة 1389هـ في أثناء بحث له في قبيلة عتيبة. محمد شمس الحق العطيم آبادي. 263- عون المعبود شرح سنن أبي داود - الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، ط. الثانية سنة 1388هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 772 محمد عبد الرزاق حمزة. 264- مقدمة موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان - لنور الدين الهيثمي. محمد فؤاد عبد الباقي. 265- تعليقاته على صحيح مسلم. محمد بن محمد مخلوف. 266- شجرة النور الزكية في طبقات المالكية - دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، سنة 1350هـ. محمد مصطفى الأعظمي. 267- تعليقاته على صحيح بن خزيمة بهامش صحيح ابن خزيمة. محمد أبو زهرة. 268- خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم - طبع على نفقة خليفة بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر. محمود شيت خطاب. 269- الرسول القائد - دار مكتبة الحياة ومكتبة النهضة، بغداد، ط. الثانية سنة 1960م. المراغي: أحمد مصطفى المراغي بك. 270- تفسير المراغي - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر ط. الخامسة سنة 1394هـ. محمد خفاجي ومحمد أبوالفضل إبراهيم ومحمود النواوي. 271 - مقدمة صحيح البخاري. إبراهيم أنيس وعبد الحليم منتصر وعطية الصوالحي ومحمد خلف الله أحمد. 272- المعجم الوسيط - دار إحياء التراث العربي، ط. الثانية 1392هـ. محمود السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شبلي. 273- تعليقاتهم على سيرة ابن هشام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 773