الكتاب: طبقات الشافعيين المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ) تحقيق: د أحمد عمر هاشم، د محمد زينهم محمد عزب الناشر: مكتبة الثقافة الدينية تاريخ النشر: 1413 هـ - 1993 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة التراجم] تنبيه: النص الإلكتروني مأخوذ عن طبعة (دار الوفاء - المنصورة، تحقيق أنور الباز، ط 1، 2004م) وهي أتم من ط د أحمد عمر هاشم ---------- طبقات الشافعيين ابن كثير الكتاب: طبقات الشافعيين المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ) تحقيق: د أحمد عمر هاشم، د محمد زينهم محمد عزب الناشر: مكتبة الثقافة الدينية تاريخ النشر: 1413 هـ - 1993 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة التراجم] تنبيه: النص الإلكتروني مأخوذ عن طبعة (دار الوفاء - المنصورة، تحقيق أنور الباز، ط 1، 2004م) وهي أتم من ط د أحمد عمر هاشم بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ الإمام العالم العامل الأوحد عماد الدين أبو الفدا إسماعيل بن عمر بن كثير الخصلي الشافعي أمتع الله بفوائده آمين. الحمد لله الذي رفع قدر العلماء، وجعلهم بمنزلة النجوم فِي السماء، وخصهم بميراث الأنبياء فيما خلفوه من محكم الأوامر والنواهي وصادق الأنباء، أحمده على ما أسبغ من النعماء، وأجزل من العطاء، وأسبل من الغطاء، وكشف من البلاء وأتاح من السراء، وأزاح من الضراء، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه يملأ أرجاء الأرض والسماء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المنفرد بالعظمة والكبرياء الواحد الأحد، الفرد الصمد، والمنعوت بالصفات الحسنى والأسماء، الأول الآخر، الظاهر الباطن، العالم بجميع الأشياء، المنزه عن الصاحبة، والأولاد، والأضداد، والأنداد، والشركاء، والنظراء، شهادة موقنة خالصة ما لقي الله بها عبد يوم الجزاء إلا أوجب له بها الخلود فِي دار البقاء والسلامة من عذاب دار الشقاء، وأشهد أن محمدا عبده، ورسوله، وحبيبه، وخليله المصطفى من صميم العرب العرباء، المبعوث بالشريعة الكاملة التامة الشاملة العامة الناسخة الخاتمة إلى جميع من يستقل على الغبراء، ويستظل بالخضراء، صلوات الله وسلامه عليه دائما مستمرا ما اختلط الظلام بالضياء، وما انفلق الإصباح عن غرة النهار وأعلن الداعي بالنداء، ورضي الله عن أصحابه أجمعين الذين حازوا قصب السبق إلى أعلى مراتب الشرف والسناء، وفازوا بالقدح المعلى من سهام السعداء. وبعد، فقد تطابقت دلالة الكتاب والسنة على شرف العلم وفضله ومدح حامليه وأهله، والتنبيه على ما خصوا به من التقديم ومعاملتهم بالإكرام والتعظيم كما قال تعالى فِي محكم كتابه الكريم: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18] ، فقرن شهادتهم بشهادته وشهادة الملائكة المقربين، وهذه مزية عظيمة اختصوا بها فِي العالمين. ولما كان الشافعي، رضي الله عنه، من أعظمهم قدرا وأجلهم خطرا، وأغزرهم علما، وأكثرهم حلما، أحببت أن أذكر شيئا من أحواله، وأن أنبه على مكارمه، وصالح أعماله، وأترجم بعد ذلك أصحابه ومتبعيه إلى زماننا هذا، وبالله المستعان. فهو الإمام العالم أحد أئمة الإسلام وفقهاء الأنام أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان القرشي المطلبي، يجتمع مع رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي عبد مناف بن قصي، هكذا نَسَبَهُ الربيع بن سليمان وغيره، قال: وهو ابن عم رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ممن تحرم عليه الصدقة من ذوي القربى الذين لهم سهم مفروض فِي الخمس وهم بنو هاشم وبنو المطلب. قال الحافظ أبو بكر الخطيب: سمعت القاضي أبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري، يقول: شافع بن السائب الذي ينسب إليه الشافعي، رضي الله عنه، قد لقي النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو مترعرع، وأسلم أبوه السائب يوم بدر، فإنه كان صاحب راية بني هاشم، فأسر وفدى نفسه ثُمَّ أسلم، فقيل له: لِمَ لَمْ تسلم قبل أن تؤدي فداك؟ فقال: ما كنت أحرم المؤمنين طعما لهم. قال القاضي أبو الطيب: قال بعض أهل العلم بالنسب: الشافعي ابن عم رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وابن عمته؛ لأن المطلب عم رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والشفا بنت الأرقم بن هاشم بن عبد مناف أم السائب بن يزيد هي أخت عبد المطلب بن هاشم وأم الشافعي، رضي الله عنه، أزدية، وفي الحديث: الأزد جرثومة العرب، وقد روى الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي بسنده، عن ابن عبد الحكم، قال: لما حملت أم الشافعي، رضي الله عنه، به رأت كأن المشترى خرج من فرجها حتى انقض بمصر، ثُمَّ وقع فِي كل بلد منه شظية، فتأول أصحاب الرؤيا أنه يخرج عالم يخص علمه أهل مصر، ثُمَّ يتفرق فِي سائر البلدان. فصل ذكر مولده، ومنشئه وهمته العلية في حال صغره وصباه. قال الحافظ أبو بكر الخطيب: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، ثنا أبو علي الحسن بن محمد بن محمد بن شيظم الفامي قدم للحج، أنا نصر بن مكي ببلخ، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه، ولدت بغزة سنة خمسين، يعني: ومائة، وحملت إلى مكة وأنا ابن سنتين، قال: وأخبرني غيره عن الشافعي، رضي الله عنه، قال: لم يكن لي مال فكنت أطلب العلم في الحداثة، أذهب إلى الديوان أستوهب منهم الظهور، وأكتب فيها، وقال الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في كتاب جمعه في آداب الشافعي، رضي الله عنه، ثنا أبي، قال: سمعت عمرو ابن سواد قال: قال لي الشافعي، رضي الله عنه: ولدت بعسقلان فلما أتى على سنتان حملتني أمي إلى مكة وكانت نهمتي في شيئين، في الرمي وطلب العلم، فنلت من الرمي حتى كنت أصيب من العشرة عشرة وسكت عن العلم، فقلت له: أنت والله في العلم أكثر منك في الرمي. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: أنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ابن أخي عبد الله بن وهب، قال: سمعت محمد بن إدريس، يقول: ولدت باليمن فخافت أمي علي الضيعة، وقالت: الحق بأهلك فتكون مثلهم، فإني أخاف أن يغلب على نسبك، فجهزتني إلى مكة، فقدمتها وأنا ابن عشر، أو شبهها، فصرت إلى نسيب لي، وجعلت أطلب العلم، فيقول لي: لا تعجل بهذا وأقبل على ما ينفعك، فجعلت لذتي في هذا العلم وطلبه حتى رزق الله منه ما رزق. قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: قوله: باليمن غلط إلا أن يريد به القبيلة وهذا محتمل لكن خلاف الظاهر. قلت: فهذه ثلاث روايات في بلد مولده، والمشهور أنه ولد بغزة ويحتمل أنها بعسقلان التي هي قريب من غزة ثم حمل إلى مكة صغيرا، ثم انتقلت به أمه إلى اليمن، فلما ترعرع، وقرأ القرآن بعثت به إلى بلد قبيلته مكة فطلب بها الفقه، والله أعلم. وأما زمان مولده ففي سنة خمسين ومائة بلا نزاع وهو العام الذي توفي فيه الإمام أبو حنيفة، رحمه الله، ثم قيل: ولد في اليوم الذي توفي فيه أبو حنيفة، ولا يكاد يصح هذا ويتعسر ثبوته جدا، وما يذكره بعض الجهلة من المشغبين من أن الشافعي، رضي الله عنه، مكث حملا في بطن أمه أربع سنين حتى توفي أبو حنيفة، رحمه الله، أو أنه يوم وجد الشافعي توفي أبو حنيفة، فكلام سخيف وليس بصحيح، وقد كان الشافعي، رضي الله عنه، من أكثر الناس تعظيما لأبي حنيفة، رضي الله عنهما ورحمهما. قال ابن أبي حاتم: حدثني أبو بشر أحمد بن حماد الدولابي في طريق مصر، حدثني أبو بكر بن إدريس وراق الحميدي، عن الشافعي، رضي الله عنه، قال: كنت يتيما في حجر أمي ولم يكن معها ما تعطي المعلم، وكان المعلم قد رضي من أمي أن أخلفه إذا قام، فلما ختمت القرآن دخلت المسجد، وكنت أجالس العلماء فأحفظ الحديث، أو المسألة، وكان منزلنا بمكة في شعب الخيف فكنت أنظر إلى العظم فأكتب فيه الحديث، أو المسألة، وكانت لنا جرة عظيمة إذا امتلأ العظم طرحته في الجرة، حدثنا محمد بن روح، قال: سمعت الزبير بن سليمان القرشي يذكر عن الشافعي، رضي الله عنه، قال: طلبت هذا الأمر عن خفة ذات اليد كنت أجالس الناس وأتحفظ ثم اشتهيت أن أدون، وكان منزلنا بمكة بقرب شعب الخيف فكنت آخذ العظام والأكتاف فأكتب فيها حتى امتلأ في دارنا من ذلك حباب، قلت: وكان من عادة العرب الكتابة في العظام العسب واللخاف ورقاع الأدم وغير ذلك لقلة القرطاس عندهم، ولهذا لما كتب زيد بن ثابت، رضي الله عنه، القرآن عن أمر الصديق، رضي الله عنه، كتب عامته من هذه الأشياء. وقال أبو بكر الخطيب: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله الطبري، ثنا أحمد بن عبد الله بن الخضر المعدل، ثنا علي بن محمد بن سعيد، ثنا أحمد بن إبراهيم الطائي الأقطع، ثنا إسماعيل بن يحيى المزني، قال: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر سنين، ثم روى الخطيب عن الشافعي، رضي الله عنه، أنه قال: أقمت في بطون العرب عشرين سنة آخذ أشعارها ولغاتها، وحفظت القرآن، فما علمت أنه مر بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه والمراد، ما خلا حرفين أحدهما دساها والآخر نسيه الراوي عنه، قلت: فهذه همة عالية ممن يحفظ الكتاب والسنة وله من العمر عشر سنين، فرضي الله عنه. ويقال: إن القبيلة الذين ضوى إليهم الشافعي، رضي الله عنه، هذيل وهم أفصح العرب، قال الحاكم النيسابوري: ثنا أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه، ثنا إبراهيم بن محمود، حدثني أبو سليمان، يعني: داود الأصبهاني، حدثني مصعب بن عبد الله الزبيري، قال: قرأ علي الشافعي، رضي الله عنه، أشعار هذيل حفظا، ثم قال: لا تخبر بهذا أهل الحديث فإنهم لا يحتملون هذا، قال مصعب: وكان الشافعي، رضي الله عنه، يسمر مع أبي من أول الليل حتى الصباح ولا ينامان، قال: وكان الشافعي، رضي الله عنه، في ابتداء أمره يطلب الشعر، وأيام الناس، والأدب، ثم أخذ في الفقه بعد، قال: وكان سبب أخذه أنه كان يسير يوما على دابة له وخلفه كاتب لأبي، فتمثل الشافعي، رضي الله عنه، بيت شعر فقرعه كاتب أبي بسوطه ثم قال له: مثلك يذهب بمروءته في مثل هذا، أين أنت من الفقه؟ فهزه ذلك فقصد لمجالسة الزنجي بن خالد مفتي مكة، ثم قدم علينا فلزم مالك بن أنس، رحمه الله، وقال ابن أبي حاتم، ثنا الربيع ابن سليمان المرادي، قال: سمعت الحميدي، يقول: سمعت الزنجي بن خالد، يعني: مسلم ابن خالد الزنجي شيخ الشافعي، رضي الله عنه، يقول للشافعي، رضي الله عنهما: أفت يا أبا عبد الله، فقد والله آن لك أن تفتي، وهو ابن خمس عشرة سنة. وقال ابن أبي حاتم: وأخبرني أبو محمد ابن بنت الشافعي فيما كتب إلي، قال: سمعت أبا الوليد، يعني: الجارودي، أو عمى، أو أبي، أو كلهم، عن مسلم بن خالد، أنه قال للشافعي، رضي الله عنه، وهو ابن ثماني عشرة سنة: أفت يا أبا عبد الله فقد آن لك أن تفتي، وهكذا روى الخطيب من وجه آخر عن الربيع: سمعت الحميدي يقول: قال مسلم بن خالد الزنجي للشافعي، رضي الله عنه: يا أبا عبد الله أفت الناس، آن لك والله أن تفتي، وهو ابن دون عشرين سنة، قال الخطيب: وهذا هو الصواب، والأول ليس بمستقيم لأن الحميدي يصغر عن إدراك الشافعي، رضي الله عنه، وله تلك السن خمس عشرة سنة. فصل في رحلته وطلبه العلم وولايته بأرض نجران وظيفة الحكم قال ابن أبي حاتم: ثنا الربيع بن سليمان، سمعت الشافعي، يقول: قدمت على مالك وقد حفظت الموطأ ظاهرا، فقلت: إني أريد أن أسمع الموطأ منك، فقال: اطلب من يقرأ لك، وكررت عليه، فقلت: لا عليك أن تسمع قراءتي فإن سهل عليك قرأت لنفسي، قال: اطلب من يقرأ لك، وكررت عليه، فقال: اقرأ، فلما سمع قراءتي، قال: اقرأ، فقرأت عليه حتى فرغت منه، وحكى الإمام أحمد، عن الشافعي، رضي الله عنهما، أنه قال: أنا قرأت على مالك وكانت تعجبه قراءتي، قال الإمام أحمد: لأنه كان فصيحا، قلت: وكذلك كان حسن الصوت بتلاوة القرآن، كما سنذكره بعد، وقال ابن أبي حاتم: حدثني أبو بشر الدولابي في طريق مصر، قال: ثنا أبو بكر بن إدريس وراق الحميدي، سمعت الحميدي يقول: قال الشافعي، رضي الله عنه: وليت نجران وبها بنو الحارث وموالي ثقيف فجمعتهم فقلت: اختاروا سبعة منكم فمن عدلوه كان عدلا ومن جرحوه كان مجروحا، فجمعوا لي سبعة منهم، فجلست للحكم، فقلت للخصوم: تقدموا فإذا شهد الشاهد عندي التفت إلى السبعة فإن عدلوه كان عدلا وإن جرحوه قلت زدني شهودا، فلما أتيت على ذلك، وجعلت أسجل، وأحكم، فنظروا إلى حكم جار فقالوا: إن هذه الضياع والأموال التي تحكم علينا فيها ليست لنا وإنما هي لمنصور بن المهدي في أيدينا، فقلت للكاتب: اكتب وأقر فلان بن فلان الذي وقع عليه حكمي في هذا الكتاب أن هذه الضيعة، أو المال الذي حكمت عليه ليست له، وإنما هي لمنصور بن المهدي، ومنصور بن المهدي على حجته متى قام، قال: فخرجوا إلى مثله فيم يزالوا يعملون حتى رفعت إلى العراق فقيل لي: الزم الباب، فنظرت فإذا أنا لا بد لي من الاختلاف إلى بعض أولئك، وكان محمد بن الحسن جيد المنزلة عند هارون فاختلفت إليه، وقلت: هذه أشبه بي من طريق العلم، فكتبت كتبه وعرفت قولهم، فكان إذا قام ناظرت أصحابه. قال ابن أبي حاتم: ثنا الربيع، سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: حملت عن محمد بن الحسن حمل بختي ليس عليه إلا سماعي، وثنا أحمد بن سريج: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: أنفقت على كتب محمد بن الحسن ستين دينارا ثم تدبرتها، فوضعت إلى جنب كل مسألة حديثا ردا عليه، قلت: هذا كله كان في قدوم الشافعي، رضي الله عنه، بغداد في القدمة الأولى، وكان ذلك في سنة أربع وثمانين ومائة، بعد موت القاضي أبي يوسف، رحمه الله، بسنتين، فلم يدركه ولا رآه، وما ذكره عبد الله بن محمد البلوي في رحلة الشافعي، رضي الله عنه، في مناظرة الشافعي، رضي الله عنه، أبا يوسف بحضرة الرشيد وتأليب أبي يوسف عليه، فكلام مكذوب باطل، اختلقه هذا البلوي، قبحه الله وأبو يوسف، رحمه الله، كان أجل قدرا وأعلى منزلة مما نسب إليه، وإنما أدرك الشافعي، رضي الله عنه، في هذه القدمة محمد بن الحسن الشيباني، وأنزله في داره، وأجرى عليه نفقة، وأحسن إليه بالكتب، وغير ذلك رحمهم الله، وكانا يتناظران فيما بينهما كما جرت عادة الفقهاء، هذا على مذهب أهل الحجاز، وهذا على مذهب أهل العراق، وكلاهما بحر لا تكدره الدلاء، وقد بعث الشافعي، رضي الله عنه، في وقت يطلب من محمد بن الحسن كتبا عينها، فتأخر إرسالها فكتب إليه: قل للذي لم تر عينا من رآه مثله ... ومن كان من رآه قد رأى من قبله العلم ينهي أهله أن يمنعوه أهله ... لعله يبذله لأهله لعله ويقال: إن هذه الأبيات لمحمد بن الحسن وذلك فيما نقله ابن عساكر بإسناد، عن الشافعي، رضي الله عنه، أنه قال: كنت أنظر في جزء تجاه محمد بن الحسن، فقال: أرني ما تنظر فيه فلم أره، فتناول القلم والقرطاس فكتب هذه الأبيات، قلت: ولم يجتمع الإمام الشافعي، رضي الله عنه، في هذه القدمة بأحمد بن حنبل، ولا بغيره من المحدثين، لأن أحمد، رحمه الله، كان عمره إذ ذاك عشرين سنة، أو نحوها، ولم يكن مشهورا، وإنما اجتمع بهم في القدمتين الأخرتين في سنة خمس وتسعين، وأقام ببغداد سنتين ثم رجع إلى مكة، ثم عاد إلى بغداد في سنة ثمان وتسعين، فأقام أشهرا ثم خرج إلى مصر، فأقام بها حتى مات، رحمه الله ورضي عنه، سنة أربع ومائتين، وكان سبب وروده بغداد في المرة الأولى بظلم أولئك النفر من أهل نجران عليه في أحكامه عليهم، وقد كان فيها بارا راشدا تابعا للحق، رحمه الله، ثم عاد إلى بلده وطلبه، وكان في جميع أحواله يطلب العلم، ولا يصده عن ذلك صاد، ولا يثنيه عنه راد. قال ابن أبي حاتم: ثنا يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي الشافعي، رضي الله عنه: ما اشتد على فوت أحد مثل فوت ابن أبي ذئب، والليث بن سعد، رحمهما الله، وثنا أحمد بن سلمة بن عبد الله النيسابوري، عن أبي بكر بن إدريس وراق الحميدي، سمعت الحميدي، يقول: قال الشافعي، رضي الله عنه: خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها وجمعتها، ثم لما حان انصرافي مررت برجل في طريقي وهو محتبي بفناء داره أزرق العين ناتئ الجبهة سناط، فقلت: هل من منزل؟ قال: نعم، قال الشافعي، رضي الله عنه، وهذا النعت أخبث ما يكون في الفراسة، فأنزلني، فرأيت أكرم رجل بعث إلي بعشاء، وطيب، وعلف لدابتي، وفراش ولحاف، وجعلت أتقلب الليل أجمع ما أصنع بهذه الكتب، إذ رأيت هذا النعت في هذا الحال فلما أصبحت قلت للغلام: اسرج فأسرج، فركبت ومررت عله، وقلت له: إذا قدمت مكة ومررت بذي طوى فسل عن منزل محمد بن إدريس الشافعي، فقال لي الرجل: أمولى لأبيك أنا؟ قلت: لا، قال: فهل كانت لك عندي نعمة؟ قلت: لا، قال: أد ما تكلفت لك البارحة، قلت: وما هو؟ قال: اشتريت لك طعاما بدرهمين، وإداما بكذا، وعطرا بثلاثة دراهم، وعلفا لدابتك بدرهمين، وكرا الفراش واللحاف بدرهمين، قال: قلت: يا غلام أعطه، فهل بقي من شيء؟ قال: كرا المنزل فإني وسعت عليك وضيقت على نفسي، قال الشافعي، رضي الله عنه: فغبطت نفسي بتلك الكتب فقلت له بعد ذلك: هل بقي من شيء، قال: امض أخزاك الله فما رأيت قط أشر منك. قلت الشافعي، رضي الله عنه، نشأ باليمن، كما تقدم، ثم قدم مكة مع أمه، ثم رجع إلى اليمن في حال الشبيبة فولي بها بعض الأعمال، وحمد فيها ثم رجع إلى مكة، فلامه على ذلك بعض العلماء، منهم: إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، وسفيان بن عيينة، وكانت موعظة سفيان أنجع عند الشافعي، رضي الله عنه، ثم بعد ذلك ولي الحكم بنجران، كما تقدم، وكان من أمره ما كان، وروى ابن عساكر بأسانيده، أن نائب اليمن كتب إلى الرشيد يشكو إليه من جماعة من الطالبيين، وكانوا ينسبون إلى التشيع، وأدمج معهم الإمام الشافعي، رضي الله عنه، فبعث الرشيد إلى نائب اليمن في طلبهم وأنهم يبعثون مثقلين بالحديد فلما دخل الشافعي، رضي الله عنه، بغداد، واجتمع بأمير المؤمنين، وجرى بينه وبين محمد بن الحسن مناظرات حسنة، وعرفوا فضل الشافعي، وإمامته، وسيادته، عظموه وأكرموه، وأنزله محمد بن الحسن في بعض منازله وأجرى عليه الإحسان والتفضيل وكانا يتناظران في الخلوة، قال الشافعي، رضي الله عنه: كانت فيه جدة في بحثه، وأطلق للشافعي، رضي الله عنه، قريب من ألفي دينار وكثر ماله لسببها، ويقال: إنه فرقها، إلا أنه قال: لم أملك مالا قبلها أكثر منها، وقيل: بل أطلق له الرشيد خمسة آلاف دينار، والله أعلم، وقد أعطى من هذا المال للقرشيين أكثره، أو عامته. فصل في ذكر مشايخه في القراءة والحديث والفقه قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: أخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قراءة، أنا الشافعي، أنا إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين، يعني: قارئ مكة، قال: قرأت على شبل، يعني: ابن عباد، وأخبره شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير، وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس، وأخبر ابن عباس أنه قرأ على أُبَيِّ بن كعب، وقرأ أُبَيُّ بن كعب على رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال الشافعي، رضي الله عنه: وقرأت على إسماعيل بن قسطنطين، وأما الحديث فرواه عن جماعة ذكرهم شيخنا الإمام الحافظ جمال الدين أبو الحجاج المزي، رحمه الله، في تهذيبه مرتبين على حروف المعجم وكذلك الرواة عنه، وقد زدت في الرواة عنه مما ذكره الدارقطني وغيره، فقال شيخنا: روى عن إبراهيم بن سعد الزهري، وإبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة الجمحي، وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، وإسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين، وإسماعيل بن جعفر المدني، وإسماعيل ابن علية البصري، وأبي ضمرة أنس بن عياض الليثي، وأيوب بن سويد الرملي، وحاتم بن إسماعيل المدني، وأبي أسامة حماد بن سلمة، وداود بن عبد الرحمن العطار، وسعيد بن سالم القداح، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن الحارث المخزومي، وعبد الله بن المؤمل المخزومي، وعبد الله بن نافع الصائغ، ومات قبله، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي، وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وعطاف بن خالد المخزومي، وعمرو بن أبي سلمة التنيسي، ومات قبله، ومالك بن أنس، ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك، ومحمد بن الحسن الشيباني، ومحمد بن خالد الجندي، ومحمد بن عثمان بن صفوان الجمحي , وعمه محمد بن علي بن شافع، ومسلم بن خالد الزنجي، ومطرف بن مازن قاضي صنعاء، وهشام بن يوسف الصنعاني القاضي، ويحيى بن حسان التنيسي، ويحيى بن سليم الطائفي، ويوسف بن خالد السمتي، وروى عنه أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وإبراهيم بن محمد الشافعي، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، وأحمد بن حنبل، وأحمد بن خالد الخلال، وأحمد بن أبي سريج الرازي، وأحمد بن سنان القطان الواسطي، وأحمد بن صالح المصري، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب المصري ابن أخي ابن وهب، وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح، وأحمد بن محمد الأزرقي، وأحمد بن محمد ابن سعيد الصيرفي البغدادي، وأحمد بن يحيى بن عبد العزيز البغدادي، وأبو عبد الرحمن الشافعي المتكلم، وأحمد بن يحيى بن الوزير المصري، وإسحاق بن إبراهيم ابن راهويه، وإسحاق بن بهلول، وأبو إسماعيل بن يحيى المزني، وبحر بن نصر بن سابق الخولاني، والحارث بن سريج النقال، وحامد بن يحيى البلخي، وحرملة بن يحيى التجيبي، والحسن بن عبد العزيز الجروي , والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني البغدادي، والحسن بن علي الكرابيسي، والربيع بن سليمان المرادي المؤذن راوية كتبه، والربيع بن سليمان الجيزي، وسعيد بن عيسى الرعيني، وسليمان بن داود المصري، وأبو أيوب سليمان بن داود الهاشمي، وأبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي , وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص، وعبد العزيز بن يحيى الكناني المكي صاحب الحيدة، وعبد الملك بن قريب الأصمعي , وعلي بن سلمة اللبقي، وعلي بن معبد الرقي، وعمرو ابن سواد بن الأسود العامري، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو حنيفة قحزم بن عبد الله الأسواني، وأبو يحيى محمد بن سعيد بن غالب العطار، ومحمد بن عبد الله بن الحكم، وابنه أبو عثمان محمد بن محمد بن إدريس الشافعي، ومحمد بن يحيى بن حسان التنيسي، ومحمد بن يحيى العدني، ومسعود بن سهل المصري الأسود، وأبو الوليد موسى بن أبي الجارود المكي، وهو راوي كتاب الأمالي وغيره، وهارون بن سعيد الأيلي، ويحيى بن عبد الله الخثعمي، وأبو يعقوب يوسف ابن يحيى البويطي، ويونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري رحمهم الله تعالى. قال أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم الآبري السجستاني، في كتاب مناقب الشافعي، رضي الله عنه: سمعت بعض أهل المعرفة بالحديث، يقولون: إذا قال الشافعي، رضي الله عنه، في كتبه: أنا الثقة عن ابن أبي ذئب فهو ابن أبي فديك، وإذا قال: أنا الثقة، عن الليث بن سعد فهو يحيى بن حسان، وإذا قال: أنا الثقة، عن الوليد بن كثير فهو أبو أسامة، وإذا قال: أنا الثقة عن الأوزاعي فهو عمرو بن أبي سلمة، وإذا قال: أنا الثقة، عن ابن جريج فهو مسلم بن خالد الزنجي، وإذا قال: أنا الثقة، عن صالح مولى التوأمة فهو إبراهيم بن أبي يحيى، أخرج له أصحاب السنن الأربع أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وذكره البخاري في موضعين من صحيحه أحدهما: في الركاز، وقال مالك، وابن إدريس: الركاز دفن الجاهلية في قليله، وكثيره الزكاة، وليس المعدن بركاز، والثاني: في البيوع، وقال ابن إدريس: العرية لا تكون إلا بالكيل من التمر يدا بيد، لا تكون بالجزاف، ومما يقويه قول سهل بن أبي حثمة بالأوسق الموسقة، قلت: وإنما لم يخرج له صاحبا الصحيح لنزول إسناده عندهما وإلا فجلالته وإمامته مجمع عليها. قلت: ووقع لي من مصنفات الشافعي، رضي الله عنه، رواية مسنده المنتخب من كتاب الأم، ورواية الرسالة الكبيرة في أصول الفقه، والسنن من طريق المزني. وأما الفقه فأخذه الشافعي، رضي الله عنه، أولا عن مسلم بن خالد الزنجي بمكة، والزنجي تفقه على ابن جريج، وابن جريج أخذ الفقه عن عطاء بن أبي رباح وتفقه عطاء على ابن عباس، وابن الزبير وغيرهما، وأولئك أخذوا عن رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتفقه ابن عباس على عمر، وعلي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وغيرهم من الصحابة، رضي الله عنهم، وأخذه الشافعي أيضا عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس وابن عمر، رضي الله عنهم، ثم تفقه الشافعي، رضي الله عنه، بمالك بن أنس إمام دار الهجرة في زمانه، ومالك تفقه بشيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أنس بن مالك، ومالك أيضا عن نافع، عن ابن عمر، رضي الله عنهم أجمعين. وأما الذين تفقهوا بالشافعي، رضي الله عنهم، ومن بعدهم من الطبقات إلى زماننا، فسأفرد لهم ديوانا يجمع طبقات أصحاب المذهب من أصحاب الوجوه والمشهورين بحمله من المتقدمين منهم، والمتأخرين، إن شاء الله تعالى، وبه الثقة والمستعان. قلت: ومن أجل من أخذ عنه , واجتمع به، وتفقه بكتبه الإمامان السيدان الكبيران الحبران شيخا السنة أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه المروزيان. قال الحسن بن محمد الزعفراني: كنا نختلف إلى الشافعي عندما قدم إلى بغداد ستة أنفس: أحمد بن حنبل، وأبو ثور، والحارث النقال، وأبو عبد الرحمن الشافعي , وأنا، ورجل آخر سماه، وما عرضنا على الشافعي كتبه إلا وأحمد بن حنبل حاضر لذلك، وقال الخطيب: أنا أبو طالب عمر بن إبراهيم، ثنا محمد بن خلف بن جيان الجلال، حدثني عمر بن الحسن، عن أبي القاسم بن منيع، حدثني صالح بن أحمد بن حنبل، قال: مشى أبي مع بغلة الشافعي، رضي الله عنه، فبعث إليه ابن معين، فقال: يا أبا عبد الله أما رضيت إلا أن تمشي مع بغلته؟ فقال: يا أبا زكريا، لو مشيت من الجانب الآخر كان أنفع لك. وقال البيهقي: أنا الحاكم، أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر العدل، قال: وحدث عن أبي القاسم بن منيع، قال لي صالح بن أحمد: ركب الشافعي، رضي الله عنه، حماره فجعل أبي يسايره يمشي، والشافعي راكب وهو يذاكره، فبلغ ذلك يحيى بن معين فبعث إلى أبي، فبعث إليه، إنك لو كنت في الجانب الآخر من الحمار كان خيرا لك، هذا، أو معناه , وقال: أبو أحمد بن عدي، سمعت موسى بن القاسم بن موسى بن الحسن بن موسى الأشيب، يذكر عن بعض شيوخه، قال: لما قدم الشافعي، رضي الله عنه، بغداد لزمه أحمد بن حنبل يمشي مع بغلة له فأخلى الحلقة التي يقعد فيها أحمد، ويحيى، وأبو خيثمة وغيرهم، فوجه يحيى بن معين: إنك تمشي مع بغلة هذا الرجل، يعني: الشافعي، فوجه أحمد: لو كنت من الجانب الآخر كان أنفع لك، وقال الحافظ أبو نعيم، ثنا أحمد بن إسحاق: ثنا أحمد بن روح، ثنا محمد بن ماجه القزويني، قال: جاء يحيى بن معين يوما لأحمد بن حنبل، فبينما هو عنده إذ مر الشافعي على بغلته، فوثب أحمد فسلم عليه وتبعه فأبطأ، ويحيى جالس، فلما جاء قال يحيى: يا أبا عبد الله لم هذا؟ فقال أحمد: دع هذا عنك إن أردت الفقه فالزم ذنب البغلة، قلت: الإمام أحمد، رحمه الله، عرف قدر الشافعي، رضي الله عنه، لما عنده من الفقه ويحيى بن معين لم يكن عنده من ذلك كما عند الإمام أحمد رحمهم الله، وقال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود، يقول: ما رأيت أحمد بن حنبل يميل إلى أحد ميله إلى الشافعي، وقال ابن أبي حاتم: سمعت محمد بن الفضل القزاز، قال: سمعت أبي يقول: حججت مع أحمد بن حنبل، ونزلت في مكان واحد معه، أو في دار، يعني: بمكة، وخرج أبو عبد الله، يعني: أحمد بن حنبل، باكرا، وخرجت أنا بعده فلما صليت الصبح وردت المسجد فجئت إلى مجلس سفيان بن عيينة فكنت أدور مجلسا مجلسا طلبا لأبي عبد الله أحمد بن حنبل حتى وجدت أحمد بن حنبل عند شاب أعرابي، وعليه ثياب مصبوغة وعلى رأسه جمة فزاحمت حتى قعدت عند أحمد بن حنبل، فقلت: يا أبا عبد الله، تركت ابن عيينة عنده الزهري، وعمرو بن دينار، وزياد بن علاقة، ومن التابعين ما أنت به عليم، فقال لي: اسكت، فإن فاتك حديث بعلو تجده بنزول لا يضرك في دينك ولا في عقلك ولا بفهمك، وإن فاتك عقل هذا الفتى أخاف ألا تجده إلى يوم القيامة، ما رأيت أحدا أفقه في كتاب الله من هذا الفتى القرشي، قلت: من هذا؟ قال: محمد بن إدريس الشافعي. وقال ابن أبي حاتم، سمعت من أبي إسماعيل الترمذي، قال: سمعت إسحاق بن راهويه يقول كنا بمكة، والشافعي بها، وأحمد بن حنبل بها، فقال لي أحمد بن حنبل: يا أبا يعقوب، جالس هذا الرجل يعني الشافعي، قلت: وما أصنع به؟ سنه قريب من سننا، أترك ابن عيينة والمقري؟ فقال: ويحك، إن ذاك لا يفوت وهذا يفوت، فجالسته، قلت: هذا لعله كان في سنة ست، أو سبع وتسعين ومائة، بعد أن قدم الشافعي، رضي الله عنه، بغداد في سنة خمس وتسعين، فعرف أحمد ثم عاد إلى مكة، ورجع إلى بغداد سنة ثمان وتسعين كما سيأتي، وقال زكريا بن يحيى الساجي: حدثني محمد بن خلاد بن خالد البغدادي، حدثني الفضل بن زياد، عن أحمد بن حنبل، قال: هذا الذي ترون كله، أو عامته من الشافعي وما بت منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو الله للشافعي، وأستغفر له. وقال ابن أبي حاتم: أخبرني أبو عثمان الخوارزمي نزيل مكة فيما كتب إلي: ثنا أبو أيوب حميد بن أحمد البصري، قال: كنت عند أحمد بن حنبل نتذاكر في مسألة، فقال رجل لأحمد: يا أبا عبد الله لا يصح فيه حديث، فقال: إن لم يصح فيه حديث ففيه قول الشافعي، رضي الله عنه، وحجته أثبت شيء فيه، ثم قال: قلت للشافعي: وما تقول في مسألة كذا وكذا؟ قال: فأجاب فيها، فقلت: من أين قلتها؟ هل فيه كتاب، أو حديث؟ قال: بلى، فنزع في ذلك حديثا للنبي، صلى الله عليه وسلم، وهو حديث نص، وروى البيهقي عن المروزي أنه سمع أحمد يقول: إذا سئلت عن مسألة لا أعرف فيها خبرا قلت فيها بقول الشافعي، لأنه إمام عالم من قريش ويروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «عالم قريش يملأ الأرض علما» ، وسيأتي هذا مسندا، وقال الخطيب: حدثني الحسن بن أبي طالب، حدثني علي بن عمر التمار، ثنا محمد بن عبد الله الشافعي، حدثوني عن إبراهيم الحربي، أنه قال: قال أستاذ الأستاذين، قالوا: من هو؟ قال: الشافعي، أليس هو أستاذ أحمد بن حنبل، وقال الحاكم النيسابوري: سمعت الفقيه أبا بكر محمد ابن علي الشاشي، يقول: دخلت على ابن خزيمة وأنا غلام، فقال: يا بني، على من درست الفقه؟ فسميت له أبا الليث، فقال: على من درس؟ قلت: على ابن سريج، فقال: وهل أخذ ابن سريج العلم إلا من كتب مستعارة، فقال بعضهم: أبو الليث هذا مهجور بالشاشي فإن البلد للحنابلة، فقال ابن خزيمة: وهل كان ابن حنبل إلا غلاما من غلمان الشافعي. وقال ابن أبي حاتم: ثنا أحمد بن عثمان النحوي، سمعت أبا فديك الكسائي، يقول: سمعت إسحاق بن راهويه، يقول: كتبت إلى أحمد بن حنبل وسألته أن يوجه إليَّ من كتب الشافعي ما يدخل حاجتي فوجه إلي بكتاب الرسالة. قال: وثنا أبو زرعة، قال: بلغني أن إسحاق بن راهويه كتب له كتب الشافعي، فتبين في كلامه أشياء قد أخذه عن الشافعي، وقد جعله لنفسه، قال أبو زرعة: ونظر أحمد بن حنبل في كتب الشافعي. قال ابن أبي حاتم: وثنا أحمد بن سلمة بن عبد الله النيسابوري، قال: تزوج إسحاق بن راهويه بمرو بامرأة رجل كان عنده كتب الشافعي وتوفي، لم يتزوج بها إلا لحال كتب الشافعي، رضي الله عنه، فوضع جامعه الكبير على كتاب الشافعي والجامع الصغير على جامع الثوري الصغير، قال: وأخبرني أبو عثمان الخوارزمي نزيل مكة فيما كتب إلي قال: قال أبو ثور: كنت أنا، وإسحاق بن راهويه، وحسين الكرابيسي، وذكر جماعة من العراقيين، ما تركنا بدعتنا حتى رأينا الشافعي، رضي الله عنه. وحدثنا أبو عبد الله الفسوي، عن أبي ثور، قال: لما ورد الشافعي، رضي الله عنه، العراق جاءني حسين بن علي الكرابيسي، وكان يختلف معي إلى أصحاب الرأي، فقال: قد ورد رجل من أصحاب الحديث يتفقه فقم بنا نسخر به، فقمت وذهبنا حتى دخلنا عليه، فسأله الحسين عن مسألة فلم يزل الشافعي، رضي الله عنه، يقول: قال الله، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى أظلم علنا البيت، وتركنا بدعتنا واتبعناه، وقال داود بن علي الأصبهاني الظاهري، وله كتاب فضائل الشافعي، رضي الله عنه: قال لي إسحاق بن راهويه: ذهبت أنا، وأحمد بن حنبل إلى الشافعي بمكة، فسألته عن أشياء، فرأيته رجلا فصيحا حسن الأدب، فلما فارقناه أعلمني جماعة من أهل الفهم بالقرآن أنه كان أعلم الناس في زمانه بمعاني القرآن، وأنه قد كان أوتي فهما في القرآن لو كنت عرفته للزمته، قال داود: فرأيته يتأسف على ما فاته من الشافعي، رضي الله عنه، قال داود: عبد العزيز المكي، أحد من له فهم بالقرآن، كان أحد أصحاب الشافعي، رضي الله عنه، وممن أخذ عنه، رواه ابن عساكر. وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة، يقول: كتبت كتب الشافعي من الربيع أيام يحيى بن عبد الله بن بكير سنة ثمان وعشرين ومائتين، وعندما عزمت على سماع كتب الشافعي بعت ثوبين رقيقين كنت حملتهما لأقطعهما لنفسي فبعتهما، وأعطيت الوراق، قال: وسمعت أبي، يقول: قال لي أحمد بن صالح: تريد أن تكتب كتب الشافعي؟ قلت: نعم لا بد أن أكتبها فهذه أسانيد جيدة تدل على أن كلا من هؤلاء الأئمة رحمهم الله حذا حذوه، واتبع أثره، وسلك مسالكه في النظر والاستنباط، فإذا عد العاد قول أبي ثور، والحسين بن علي الكرابيسي، والمزني، وابن خزيمة، وابن المنذر، وأضراب هؤلاء وجوها في مذهب الشافعي، رضي الله عنه، جاز أن يقال مذهب الإمام أحمد يعد وجها في مذهب الشافعي، رحمه الله، فإنه قد ذكره جماعة من العلماء معدودا من جملة أصحاب الشافعي، منهم: أبو داود السجستاني، داود بن علي الظاهري، والحربي، وأبو إسحاق الشيرازي في الطبقات، وكذا قول إسحاق بن راهويه، كما ذكروا قول ابن خزيمة، وابن المنذر، وابن سريج وغيرهم من أئمة المذهب وجوها في المذهب يعني أنها معتبرة في مذهب الشافعي، فللحاكم أن يحكم بها، وللمفتي أن يفتي بها، لأنها مؤصلة على تأصيل الشافعي، ومأخوذة من طريقته في الاستنباط، فإنه قد نص في غير موطن على أنه إذا صح الحديث فهو مذهبه، وقال للإمام أحمد: أنتم أعلم بالحديث منا، فإذا صح الحديث أعلمني به أذهب إليه حجازيا كان، أو عراقيا، أو شاميا، أو يمينا، وسيأتي ذكر هذا كله في موضعه، إن شاء الله تعالى، وبه الثقة. وقال البيهقي: أنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت عبد الرحمن بن عبد الله الذبياني، سمعت أبا الهبير سهل بن عبد الصمد الرقي، سمعت داود بن علي هو الأصبهاني، يقول: اجتمع للشافعي، رضي الله عنه، من الفضائل ما لم يجتمع لغيره، فأول ذلك شرف نسبه ومنصبه، وأنه من رهط النبي، صلى الله عليه وسلم، ومنها صحة الدين وسلامة المعتقد من الأهواء والبدع، ومنها سخاوة النفس، ومنها معرفته بصحيح الحديث وسقيمه، ومنها معرفته بناسخ الحديث ومنسوخه، ومنها حفظه لكتاب الله، وحفظه لأخبار رسول الله، ومعرفته بسير النبي، صلى الله عليه وسلم، وبسير خلفائه، رضي الله عنهم، ومنها كشفه لتمويه مخالفيه، ومنها تأليفه الكتب القديمة والجديدة، ومنها ما اتفق له من الأصحاب والتلامذة، مثل أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، في زهده وعلمه وورعه وإقامته على السنة، ومثل سليمان بن داود الهاشمي، وعبد الله بن الزبير الحميدي، والحسين الفلاس، وأبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، وأبي يعقوب يوسف بن يحيى البويطي، وحرملة بن يحيى التجيبي، والربيع بن سليمان المرادي، وأبي الوليد موسى بن أبي الجارود، والحارث بن سريج النقال، وأحمد بن خالد الخلال، والقائم بمذهبه أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني ولم يتفق لأحد من العلماء والفقهاء ما اتفق له. قال البيهقي: إنما عد داود من أصحاب الشافعي، رضي الله عنه، طائفة يسيرة، وقد عد أبو الحسن الدارقطني، من روى عنه من أحاديثه وأخباره وكلامه زيادة على مائة، مع قصور سنه عن سن أمثاله من الأئمة، وإنما يكثر الرواة عن العالم إذا جاوز سنه الستين، أو السبعين، والشافعي، رضي الله عنه، لم يبلغ في السن أكثر من أربع وخمسين سنة. قال: وأنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري، ثنا الفضل بن الفضل الكندي، ثنا زكريا بن يحيى الساجي، قال: قلت لأبي داود السجستاني: من أصحاب الشافعي؟ قال: أولهم عبد الله بن الزبير الحميدي , وأحمد بن حنبل، ويوسف بن يحيى، وأبو يعقوب البويطي، والربيع بن سليمان، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وأبو الوليد بن أبي الجارود المكي، والحسن بن محمد الزعفراني، والحسين بن علي الكرابيسي، وإسماعيل بن يحيى المزني، وحرملة بن يحيى، قال: ورجل ليس بالمحمود أبو عبد الرحمن أحمد بن يحيى الذي يقال له الشافعي، وذلك أنه بدل وقال بالاعتزال، هؤلاء ممن تكلم في العلم وعرفوا به من أصحابه. وأما أنا فأخذت الفقه في مذهب الإمام الشافعي، رضي الله عنه، أولا عن الإمام العالم المحقق محيي الدين أبي زكريا يحيى بن إسحاق بن خليل بن فارس الشيباني الشافعي الحاكم، رحمه الله، وهو أخذ الفقه عن الشيخ الإمام العلامة العابد الزاهد الورع ضابط المذهب محيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف بن مري النواوي، نَوَّرَ الله ضريحه، وقال: أخذت الفقه عن أبي الحسن سلار بن الحسن الإربلي ثم الدمشقي وهو الإمام المجمع على جلالته وإمامته وتقدمه يا رسول الله علم المذهب على أهل عصره بهذه النواحي، وهو أخذه عن جماعة، منهم: أبو بكر الماهاني، عن أبي القاسم بن البزري الجزري، عن أبي الحسن علي بن محمد بن علي الكيا الهراسي. ثم أخذت الفقه أيضا، عن شيخنا الإمام العلامة شيخ المذاهب برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم ابن الشيخ الإمام العلامة تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري، وغير واحد من أصحاب الشيخ تاج الدين المذكور، رحمة الله عليهم كلهم عنه، وهو تفقه بالشيخ الإمام عز الدين أبي محمد عبد العزيز بن عبد السلام، وهو تفقه على الفخر بن عساكر عن الشيخ الإمام قطب الدين النيسابوري عن الإمام أبي سعد عمر بن سهل بن سعد الدامغاني، عن أبي حامد الغزالي الطوسي، والغزالي الكيا الهراسي تفقها على إمام الحرمين واسمه أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني، وهو أخذه عن أبيه الشيخ أبي محمد الجويني، عن أبي بكر عبد الله بن أحمد القفال المروزي الصغير إمام الطريقة الخراسانية، عن أبي زيد محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد المروزي، عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد المروزي، عن أبي العباس أحمد بن عمر بن سريج، عن أبي القاسم عثمان بن بشار الأنماطي، عن أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني، عن الإمام العالم أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله، ورضي عنه. فصل في ذكر فضائله، وثناء الأئمة عليه، رحمهم الله أجمعين أنا شَيْخُنَا الإِمَامُ الْعَالِمُ الْحَافِظُ الْحُجَّةُ جَمَالُ الدِّينِ أَبُو الْحَجَّاجِ يُوسُفُ ابْنُ الزَّكِيِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ الْمِزِّيُّ، أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ ابْنُ الْبُخَارِيِّ الْمَقْدِسِيُّ، أنا أَبُو الْيَمَنِ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ الْكِنْدِيُّ، أنا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الشَّيْبَانِيُّ، أنا الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ الأَصْبَهَانِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ فَارِسٍ، ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، ثنا دَاوُدُ، هُوَ: الطَّيَالِسِيُّ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ مَعْبَدٍ الْكِنْدِيِّ، أَوِ الْعَبْدِيِّ، عَنِ الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَسُبُّوا قُرَيْشًا فَإِنَّ عَالِمَهَا يَمْلأُ الأَرْضَ عِلْمًا، اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَذَقْتَ أَوَّلَهَا عَذَابًا، أَوْ وَبَالا، فَأَذِقْ آخِرَهَا نَوَالا» . هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ، وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَذِّنُ، ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ , هُوَ: أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، ثنا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، ثنا ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ قُرَيْشًا فَإِنَّ عَالِمَهَا يَمْلأُ طِبَاقَ الأَرْضِ عِلْمًا، اللَّهُمَّ كَمَا أَذَقْتَهُمْ عَذَابًا فَأَذِقْهُمْ نَوَالا» . وَدَعَا بِهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، قال عبد الملك بن محمد أبو نعيم: هذه الصفة لا تنطبق إلا على الشافعي، رضي الله عنه، هذا حاصل كلامه وبالإسناد المتقدم إلى الخطيب: أنا أبو نعيم الحافظ، ثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، ثنا إسماعيل بن عبد الله بن مسعود العبدي، ثنا عثمان بن صالح، ثنا ابن وهب، أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن شراحيل بن يزيد، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: لا أعلمه إلا عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني أبو الفضل بن أبي نصر العدل، أخبرنا أبو الحسن، محمد بن أيوب بن يحيى بن حبيب، بمصر: سمعت أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزاز، يقول: سمعت عبد الملك الميموني، يقول: كنت عند أحمد بن حنبل، وجرى ذكر الشافعي، فرأيت أحمد يرفعه، وقال: يروى عن النبي، صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يقرر لها دينها» ، فكان عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه: على رأس المائة، وأرجو أن يكون الشافعي عل رأس المائة الأخرى. قال البيهقي: وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، حدثنا أبو عبد الله، محمد بن العباس العصمي، حدثنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن ياسين الهروي، سمعت إبراهيم بن إسحاق الأنصاري، يقول: سمعت المروروذي، يقول: " قال أحمد بن حنبل: إذا سئلت عن مسألة، لا أعرف فيها خبرا، قلت فيها بقول الشافعي، رضي الله عنه، لأنه إمام عالم من قريش، وقد روى عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «عالم قريش يملأ الأرض علما» ، وذكر في الخبر: «إن الله يقيض في رأس كل مائة سنة رجلا يعلم الناس دينهم» . وروى أحمد بن حنبل ذلك عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال أحمد: فكان في المائة الأولى: عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، وفي المائة الثانية: الشافعي، رضي الله عنه، قال أبو عبد الله: وإني لأدعو للشافعي منذ أربعين سنة في صلاتي، وقال أبو سعيد الفريابي: قال أحمد بن حنبل: «إن الله يقيض للناس في رأس كل مائة سنة من يعلمهم السنن، وينفي عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الكذب» ، فنظرنا، فإذا في رأس المائة: عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين: الشافعي، رضي الله عنهما. وقال عبد الرحمن بن مهدي: سمعت مالكا يقول: ما يأتيني قرشي أفهم من هذا الفتى، يعني: الشافعي. وقال ابن عبدي: سمعت عبدان، يقول: سمعت عمرو بن العباس يقول: قيل لعبد الرحمن بن مهدي: إن الشافعي لا يورث المرتد؟ فقال عبد الرحمن: إن الشافعي شاب مفهم، لأن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «لا يتوارث أهل ملتين» . وقال أبو ثور: كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي، رضي الله عنه، وهو شاب أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار فيه، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ المنسوخ من القرآن والسنة، فوضع له كتاب الرسالة. قال عبد الرحمن: ما أصلي صلاة إلا وأنا أدعو الله للشافعي فيها. وقال ابن أبي الدنيا: سمعت أبا بكر بن خلاد يقول: سمعت ابن مهدي يقول: أنا أدعو الله في دبر صلاتي للشافعي. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، قال: أخبرت عن يحيى بن سعيد القطان، أنه قال: إني لأدعو الله للشافعي، في كل صلاة، أو في كل يوم، يعني: لما فتح الله عليه من العلم، ووفقه للسداد فيه. وقال الحافظ أبو أحمد بن الحسين البيهقي، رحمه الله: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني الزبير بن عبد الواحد، سمعت الحسن بن سفيان، سمعت الحارث بن سريج النقال، قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان، يقول: أنا أدعو الله للشافعي، أخصه بذلك، وبه قال الزبير بن عبد الواحد، سمعت عبدان الأهوازي، يقول، حدثني محمد بن الفضل: حدثنا هارون قال: ذكر يحيى بن سعيد القطان الشافعي، فقال: ما رأيت أعقل، أو أفقه، منه، قال: وعرض عليه كتاب الرسالة له، وروى الحافظ ابن عساكر، عن ابن مهدي أنه، قال: لما نظرت في كتاب الرسالة للشافعي أذهلتني، لأني رأيت كلام رجل عاقل فصيح ناصح، وإني لأكثر الدعاء له. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَوْحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: كُنَّا فِي مَجْلِسِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَالشَّافِعِيُّ حَاضِرٌ، فَحَدَّثَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرَّ بِهِ رَجُلٌ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، وَهُوَ مَعَ امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ، فَقَالَ: «تَعَالَ، هَذِهِ امْرَأَتِي صَفِيَّةُ» . فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ» فقال ابن عيينة للشافعي، رضي الله عنه: ما فقه هذا الحديث يا أبا عبد الله؟ قال: إن كان القوم اتهموا رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كانوا، بتهمتهم إياه، كفارا، لكن رسول الله، أدب من بعده، فقال: إذا كنتم هكذا، فافعلوا هكذا، حتى لا يظن بكم، لا أن النبي، صلى الله عليه وسلم، يتهم، وهو أمين الله في أرضه، فقال ابن عيينة: جزاك الله خيرا يا أبا عبد الله، ما يجيئنا منك إلا كل ما نحبه. وقال زكريا الساجي: حدثني ابن بنت الشافعي، رضي الله عنه، قال: سمعت أبي وعمي يقولان: كنا عند ابن عيينة، وكان إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا يسأل عنها، يلتفت إلى الشافعي فيقول: سلوا هذا. وقال أبو سعيد زياد: حدثنا تميم بن عبد الله أبو محمد: سمعت سويد بن سعيد، يقول: كنا عند سفيان بن عيينة بمكة، فجاء الشافعي، فسلم عليه وجلس، فروى ابن عيينة حديثا رقيقا، فغشى على الشافعي، فقيل: يا أبا محمد! ما ابن إدريس، فقال عيينة: إن كان مات ابن إدريس فقد مات أفضل أهل زمانه. وقال الدارقطني: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن سهل النابلسي الشهيد، حدثنا أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي، سمعت تميم بن عبد الله الرازي، سمعت أبا زرعة، سمعت قتيبة، يقول: مات الثوري، ومات الورع، ومات الشافعي ومات السنن، ويموت أحمد بن حنبل كذا وتظهر البدع. وقال قتيبة بن سعيد: الشافعي إمام. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: ما رأيت رجلا أعقل من الشافعي، وفي رواية: ما رأيت رجلا قط أعقل ولا أورع ولا أفصح من الشافعي، وقال يونس بن عبد الأعلى: ما رأيت أحدا أعقل من الشافعي، لو جمعت أمة فجعلت في عقل الشافعي، لوسعهم عقله. وروى الحافظ أبو القاسم ابن عساكر، عن الربيع، أنه قال: لو وزن عقل الشافعي بنصف عقل أهل الأرض، لرجحهم، ولو كان في بني إسرائيل احتاجوا إليه. وعن معمر بن شبيب قال: سمعت المأمون يقول: قد امتحنت محمد بن إدريس في كل شيء فوجدته كاملا. وقال زكريا بن يحيى الساجي: حدثنا أبو جعفر الترمذي، حدثني أبو الفضل الواشجردي، سمعت أبا عبد الله الصاغاني، قال: سألت يحيى بن أكثم، عن أبي عبيد القاسم بن سلام والشافعي، أيهما أعلم عندك؟ فقال يحيى: كان أبو عبيد يأتينا ههنا، وكان رجلا إذا ساعدته الكتب، كان حسن التصنيف من الكتب، ويرتبها بحسن ألفاظه لاقتداره على العربية. وأما الشافعي فقد كان عند محمد بن الحسن كثيرا في المناظرة، فكان رجلا: قرشي العقل والفهم والذهن، صافي العقل، والفهم والدماغ، سريع الإصابة، أو كلمة نحوها، ولو كان أكثر سماعا للحديث لاستغنى أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، عن غيره من الفقهاء. وقال أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي: سمعت خضر بن داود، سمعت الحسن بن محمد الزعفراني يقول: قال محمد بن الحسن: إن تكلم أصحاب الحديث يوما، فبلسان الشافعي، يعني: لما وضع كتبه، رواه ابن عساكر. وقال ابن أبي حاتم: أخبرني أبو عثمان الخوارزمي نزيل مكة، فيما كتب إلي: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الدينوري، قال: سمعت أحمد بن حنبل، قال: كانت أقفيتنا في أيدي أصحاب أبي حنيفة ما تنزع، حتى رأينا الشافعي، فكان أفقه الناس في كتاب الله، وفي سنة رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما كان يلقنه كان قليل الطلب في الحديث. قلت: معنى قل طلبه للحديث: إنه لم يكثر من السماع على مشايخ الحديث، ولم يمعن في الرحلة فيه، بل قد كان عنده علوم كثيرة وبلاغ عظيم. وقد سئل إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة: هل تعلم سنة لم تبلغ الشافعي؟ فقال: لا، قلت ومعنى هذا أنه ليس ثم سنة معتمد عليها في الأصول والفروع إلا وقد بلغت الشافعي، لكن قد تبلغه من وجه لا يرتضيه، فلذلك يقف في بعضها، أو يعدل عنها، أو يعلق القول على صحتها، والله أعلم. وقال الحافظ أبو أحمد بن عدي: حدثنا زكريا الساجي، حدثني داود الأصبهاني، سمعت إسحاق بن راهويه يقول: لقيني أحمد بن حنبل بمكة، فقال: تعال حتى أريك رجلا لم تر عيناك مثله، قال: فجاء فأقامني على الشافعي، وهذا صحيح، وقد تقدم مع غيره. وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو عمر ابن السماك شفاها، أن عبد الله بن أحمد حدثه، قال: قال لي أبي: كنت أجالس محمد بن إدريس الشافعي، فكنت أذاكره بأسماء الرجال، وكان أبي يصف الشافعي فيطنب في وصفه، وقد كتب أبي عنه حديثا كثيرا، وكتب من كتبه بخطه بعد موته أحاديث عدة، مما سمعه من الشافعي، رضي الله عنه. وقال البيهقي: أخبرنا محمد بن الحسين السلمي، سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان، يقول: سمعت أبا القاسم بن منيع، سمعت أحمد بن حنبل، يقول: كان الفقه قفلا على أهله، حتى فتحه الله بالشافعي. وقال الخطيب: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، حدثنا عبد الله بن جعفر بن شاذان، حدثنا عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: لولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث. وقال الميموني: قال أحمد: خمسة أدعو لهم سحرا: أحدهم الشافعي. وقال الحاكم: حدثني أبو الحسن: أحمد بن محمد السري المقري بأبيورد، حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن الأشقر البغدادي: سمعت الفضل بن زياد العطار، يقول: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: ما أحد مس محبرة وقلما، إلا وللشافعي في عنقه منة. وقال زكريا الساجي: ثنا جعفر بن أحمد، قال: قال أحمد بن حنبل: كلام الشافعي، رضي الله عنه، في اللغة حجة. وقال البيهقي: أخبرنا الحاكم، أخبرنا الزبير بن عبد الواحد، حدثني أبو المؤمل العباس بن الفضل، سمعت محمد بن عوف: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: الشافعي فيلسوف في أربعة أشياء: في اللغة، واختلاف الناس، والمعاني، والفقه. وقال إبراهيم الحربي: سألت أحمد بن حنبل عن الشافعي؟ فقال: حديث صحيح، ورأي صحيح. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الملك بن عبد الحميد بن ميمون بن مهران، قال: قال لي أحمد بن حنبل: ما لك لا تنظر في كتب الشافعي؟ فما من أحد وضع الكتب حتى ظهرت أتبع للسنة من الشافعي. وقال ابن عساكر: أخبرنا أبو محمد بن الأكفاني، قراءة، أخبرنا عبد الدائم بن الحسن، أنبأنا عبد الوهاب بن الحسن الكلابي، إجازة، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يوسف الهروي، حدثني محمد بن يعقوب الفرجي، قال: سمعت علي ابن المديني يقول لعلي بن المبارك، وقد ذكر مسألة، فقال له علي ابن المديني: عليكم بكتب الشافعي. وحدثني محمد بن يعقوب، سمعت محمد بن علي المديني، يقول: قال لي أبي: لا تترك للشافعي حرفا واحدا إلا كتبته، فإن فيه معرفة. وقال ابن أبي حاتم: سمعت دبيسا، قال: كنت مع أحمد بن حنبل في المسجد الجامع، فمر حسين، يعني: الكربيسي، فقال: هذا، يعني: الشافعي، رحمة من الله تعالى لأمة محمد، صلى الله عليه وسلم، ثم جئت إلى حسين، فقلت: ما تقول في الشافعي؟ فقال: ما أقول في رجل ابتدأ في أفواه الكتاب، والسنة، والاتفاق؟ ! وما كنا ندري ما الكتاب والسنة، نحن ولا الأولون، حتى سمعنا من الشافعي، رضي الله عنه: الكتاب، والسنة، والإجماع. قال: وحدثنا علي بن الحسن الهسنجاني، قال: سمعت أبا إسماعيل الترمذي، قال: سمعت إسحاق بن راهويه، يقول: ما تكلم أحد بالرأي، وذكر الثوري والأوزاعي ومالكا، وأبا حنيفة، إلا والشافعي أكثر اتباعا، وأقل خطأ منه، والله أعلم. وقال ابن عدي: سمعت منصور بن إسماعيل الفقيه، ويحيى بن زكريا، يقولان: سمعنا أبا عبد الرحمن النسائي، يقول: سمعت عبيد الله بن فضالة النسائي، الثقة المأمون، يقول: سمعت إسحاق بن راهويه، يقول: الشافعي إمام. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم: سمعت أبا إسحاق الشافعي، يعني: إبراهيم بن محمد، وذكر محمد بن إدريس، فقال هو ابن عمي، وعظمه، وذكر من قدره وجلالته، يعني في العلم. وروى الخطيب عن أبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي، أنه كان إذا ذكر عنده الشافعي، يقول: حدثنا سيد الفقهاء الشافعي. وقال زكريا الساجي: حدثني ابن بنت الشافعي: سمعت أبا الوليد بن أبي الجارود، يقول: ما رأيت أحدا إلا وكتبه أكبر من مشاهدته، إلا الشافعي، فإن لسانه كان أكبر من كتابه. وقال زكريا: حدثني أبو بكر بن سعدان: سمعت هارون بن سعيد الأيلي، يقول: لو أن الشافعي ناظر على هذا العمود الذي من حجارة أنه من خشب لغلب، لاقتداره على المناظرة. وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: محمد بن إدريس: فقيه البدن، صدوق، وقال الزبير بن عبد الواحد: سمعت عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني، بمصر، يقول: سمعت أبا زرعة الرازي، يقول: ما عند الشافعي حديث غلط فيه. ونقل نحوه عن أبي داود، والله أعلم. وقال أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، سمعت إسحاق بن سعد بن الحسن بن سفيان، يقول: سمعت جدي: سمعت أبا ثور، يقول: ما رأينا مثل الشافعي، ولا رأى الشافعي مثل نفسه، قال أبو بكر الخطيب: أخبرنا أبو الحسن أحمد ابن محمد المجهز: سمعت عبد العزيز الحنبلي، صاحب الزجاج، يقول: سمعت أبا الفضل الزجاج، يقول: لما قدم الشافعي إلى بغداد، وكان في المسجد: إما نيف وأربعون، أو خمسون حلقة، فلما دخل بغداد ما زال يقعد في حلقة حلقة، ويقول لهم: قال الله، قال الرسول، وهم يقولون: قال أصحابنا، حتى ما بقي في المسجد حلقة غيره. قلت: ولهذا قال حرملة: سمعت الشافعي، يقول: سميت ببغداد ناصر الحديث. وقال الخطيب: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، أخبرنا أحمد كامل القاضي، حدثني أبو الحسين القواس، حدثني ابن بنت الشافعي، سمعت الزبير بن بكار يقول: قال لي عمي مصعب: كتبت عن فتى من بني شافع، من أشعار هذيل ووقائعها، وقرأ: لم تر عيناني مثله، قال: قلت: يا عم، أنت تقول لم تر عيناني مثله! قال: نعم لم تر عيناني مثله. وقال ابن أبي حاتم: في كتابي عن الربيع بن سليمان، سمعت أيوب بن سويد يقول: ما ظننت أني أعيش حتى أرى مثل هذا الرجل: ما رأيت مثل هذا الرجل قط، وقد رواه ابن عدي: حدثنا يحيى بن زكريا بن حيويه، وإبراهيم بن إسحاق بن عمر، قالا: حدثنا الربيع، سمعت أيوب بن سويد، يقول: ما ظننت أني أعيش حتى أرى مثل الشافعي، وقد رأى الأوزاعي. قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الوليد الفقيه، حدثنا إبراهيم بن محمود، قال: سمعت الزعفراني، يقول: ما رأيت مثل الشافعي: أفضل، ولا أكرم، ولا أسخى، ولا أتقى، ولا أعلم منه، وقال عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم: سمعت أبي ويوسف بن يزيد يقولان: ما رأينا مثل الشافعي. وقال ابن أبي حاتم: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، يقول: ما أحد ممن خالفنا، يعني: خالف مالكا، أحب إلى من الشافعي. وقال أبو بكر الخطيب: أخبرنا محمد بن علي بن أحمد المقري، أخبرنا محمد بن جعفر التميمي، بالكوفة، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن حاتم بن إدريس البلخي، أخبرنا نصر بن المكي، حدثنا ابن عبد الحكم، قال: ما رأينا مثل الشافعي: كان أصحاب الحديث ونقاده يجيئون إليه، فيعرضون عليه , فربما أعل نقد النقاد منهم، ويوقفهم على غوامض من نقد الحديث، لم يقفوا عليها، فيقومون وهم متعجبون، ويأتيه أصحاب الفقه: المخالفون والموافقون، فلا يقومون إلا وهم مذعنون له بالحذق والدراية. ويجيئوه أصحاب الأدب، فيقرئون عليه الشعر، فيفسره، ولقد كان يحفظ عشرة آلاف بيت شعر من أشعار هذيل، بإعرابها وغريبها ومعانيها. وكان من أضبط الناس للتاريخ، وكان يعينه على ذلك شيئان: وفور عقل، وصحة دين، وكان ملاك أمره إخلاص العمل لله. قال ابن عدي: حدثني محمد بن القاسم بن سريج، سمعت محمد بن عبد الله المعمري، سمعت الجاحظ، يقول: نظرت في كتب هؤلاء النبغة الذين نبغوا، فلم أر أحسن تأليفا من المطلبي، كأن كلامه نظم درا إلى در. وقال زكريا الساجي: سمعت هارون بن سعيد الأيلي، يقول: ما رأيت مثل الشافعي، قدم علينا مصر، فقالوا: قدم رجل من قريش، فجئناه وهو يصلي، فما رأيت أحسن صلاة، ولا أحسن وجها منه، فلما تكلم، ما رأينا أحسن كلاما منه، فافتتنا به. وقال زكريا بن يحيى: حدثني الحسن بن محمد الزعفراني، قال: حج بشر، المريسي سنة إلى مكة، ثم قدم، فقال: لقد رأيت بالحجاز رجلا ما رأيت مثله سائلا ولا مجيبا، يعني: الشافعي، رضي الله عنه. قال: فقدم الشافعي علينا، بعد ذلك، بغداد، فاجتمع إليه الناس، وخفوا عن بشر، فجئت إلى بشر يوما، فقلت: هذا الشافعي الذي كنت تزعم، قد قدم علينا، فقال: إنه قد تغير عما كان عليه. قال الزعفراني: فما كان مثله إلا مثل اليهود في أمر عبد الله بن سلام، حيث قالوا: سيدنا وابن سيدنا: فلما أسلم؟ قالوا: شرنا وابن شرنا. فهذه شهادات الموافقين والمخالفين ... والفضل ما شهدت به الأعداء وقال ابن عدي: سمعت يحيى بن زكريا بن حيويه، يقول: سمعت هاشم بن مرثد الطبراني، يقول: سمعت يحيى بن معين، يقول: الشافعي صدوق، لا بأس به. وقال زكريا الساجي: حدثنا أحمد بن روح البغدادي، سمعت الزعفراني، يقول: كنت مع يحيى بن معين في جنازة، فقلت له: يا أبا زكريا! ما تقول في الشافعي؟ فقال: دعنا، لو كان الكذب له مطلقا، لكانت مروءته تمنعه أن يكذب. وقال الحسن بن محمد الزعفراني: كان أصحاب الحديث رقودا، حتى جاء الشافعي، فأيقظهم، فتيقظوا. وقال الربيع: كان أصحاب الحديث لا يعرفون مذاهب الحديث وتفسيره حتى جاء الشافعي. فصل في معرفته بالكتاب والسنة، ومتابعته لهما ووقفه عندهما، رضي الله عنه قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ: أخبرنا أبو الوليد، أنبأنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبيدة، قال: كنا نسمع من يونس بن عبد الأعلى تفسير زيد بن أسلم، فقال لنا يونس: كنت أولا أجالس أصحاب التفسير، وأناظر عليه، فكان الشافعي إذا أخذ في التفسير، كأنه شهد التنزيل، وقال أبو حسان الزيادي: ما رأيت أحدا أقدر على معاني القرآن، والعبارة على المعاني، والاستشهاد على ذلك من قول الشعر واللغة منه، رواه ابن عساكر. وروى البيهقي، عن الحاكم، عن الزبير بن عبد الواحد، عن أبي سعيد: محمد بن عقيل الفاريابي، عن الربيع، أو المزني: إن شيخا سأل الشافعي، رضي الله عنه، عن الحجة في الدين؟ فقال: كتاب الله وسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، واتفاق الأمة، فقال له الشيخ: من أين قلت: اتفاق الأمة، أمن الكتاب، أو السنة؟ فقال: من كتاب الله، فقال: من أين هذا في كتاب الله تعالى؟ قد أجلتك ثلاثة أيام، فإن جئت بحجة، وإلا تبت إلى الله، فلما كان اليوم الثالث، وجاء الشيخ، تلا عليه الشافعي، قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] . قال الشافعي، رضي الله عنه: لا يصليه على خلاف المؤمنين إلا وهو فرض، قال: فقال الشيخ: صدقت، وقام فذهب. وقال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد الماليني، أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي، حدثنا عبد الله بن وهب، يعني: الدينوري، حدثنا عبد الله بن محمد بن هارون الفريابي، سمعت الشافعي محمد بن إدريس بمكة، يقول: سلوني ما شئتم أجبكم من كتاب الله ومن سنة رسول الله، قال: فقلت له: أصلحك الله: ما تقول في المحرم يقتل زنبورا؟ فقال: نعم، بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] ، وحدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر ". وحدثنا سفيان، عن مسعر، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه أمر المحرم بقتل الزنبور، ورواها ابن عساكر من وجه آخر عن عبد الله بن وهب الدينوري بها، وجعل ذلك ببيت المقدس. واستأنس ابن عساكر لذلك في إيراد الشافعي في تاريخ دمشق، لأنه دخل الشام، وقال: لعله سئل عن ذلك مرتين في الموضعين، والله أعلم. وقال البيهقي، عن الحاكم، عن الأصم محمد بن يعقوب، عن الربيع، عن الشافعي، أنه قال: الأصل كتاب الله، أو سنة، أو إجماع الناس، أو قول بعض أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وهذا من أدل الدليل على أن مذهبه: أن قول الصحابي حجة، وهو الذي عول عليه البيهقي وغيره من الأصحاب، وزعم الأكثرون منهم: الشيخ أبو حامد الإسفراييني، أنه رجع عن هذا في الجديد، ورأى فيه أن قول الصحابي ليس بحجة، والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع، قال: سمعت الشافعي، ودخلت عليه وهو مريض، فذكر ما وضع من كتبه فقال: وددت أن الخلق تعلمه ولا ينسب إلى منه شيء أبدا، وحدثنا أبي: حدثني حرملة بن يحيى، قال: سمعت الشافعي، يقول: وددت أن كل علم أعلمه يعلمه الناس أوجر عليه، ولا يحمدوني. وقال البيهقي عن الحاكم: سمعت أبا الحسين محمد بن محمد بن يعقوب الحجاجي، يقول: سمعت يحيى بن منصور القاضي، يقول: سمعت أبا بكر محمد ابن إسحاق بن خزيمة، وقلت له: هل تعرف سنة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الحلال والحرام، لم يودعها الشافعي في كتابه؟ قال: لا. قال: وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: قال أبو الوليد الفقيه، حدثنا أبو بكر بن أبي داود السجستاني، حدثنا هارون بن سعيد الأيلي، يقول: سمعت الشافعي، يقول: لولا أن يطول على الناس لوضعت في كل مسألة جزء حجج وبيان. وقال ابن أبي حاتم أيضا: حدثنا بحر بن نصر الخولاني المصري، قال: قدم الشافعي من الحجاز، فبقى أربع سنين بمصر، ووضع هذه الكتب في أربع سنين، ثم مات. وكان أقدم معه من الحجاز كتب ابن عيينة، وخرج إلى يحيى بن حسان، فكتب عنه، وأخذ كتبا من أشهب بن عبد العزيز، يقال فيه آثار وكلام من كلام أشهب، وكان يضع الكتب بين يديه، ويصنف الكتب، فإذا ارتفع له كتاب: جاءه كاتب يقال له: ابن هرم فيكتب، ويقرأ عليه البويطي، ويجمع من يحضر ليسمع، فيعلم في كتاب ابن هرم ثم ينسخونه بعد، فكان الربيع على حوائج الشافعي، فربما غاب في حاجة، فيعلم له، فإذا رجع، قرأ الربيع عليه ما فاته. وقال البويطي: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: لقد ألفت هذه الكتب، ولم آل فيها، ولا بد أن يوجد فيها الخطأ، لأن الله تعالى يقول: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] ، فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب والسنة، فقد رجعت عنه. وقال البيهقي: عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن الأصم، عن الربيع، سمعت الشافعي، يقول: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقولوا بها، ودعوا ما قلته. وقال البيهقي: عن الحاكم، عن الأصم، عن الربيع: سمعته يقول. وقال له رجل: يا أبا عبد الله تأخذ بهذا الحديث؟ فقال: متى رويت عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حديثا صحيحا، ولم آخذ به، فأشهدكم أن عقلي قد ذهب. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي، يقول: وذكر نحوه، وقال: سمعته، يقول: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إذا رويت عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حديثا ولم أقل به، رواه البيهقي، عن الحاكم، عن أبي عمرو ابن السماك، عن أبي سعيد الجصاص، عن الربيع. وقال الحميدي: روى الشافعي يوما حديثا، فقلت: أتأخذ به؟ فقال: أرأيتني خرجت من كنيسة وعلى زنار؟ حتى إذا سمعت من رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حديثا لا أقول به! . وقال ابن أبي حاتم: عن أبي محمد البستي السجستاني، فيما كتب إليه، قال: قال أبو ثور: سمعت الشافعي، يقول: كل حديث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهو: قولي، وإن لم تسمعوه مني، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي: سمعت حرملة بن يحيى، يقول: قال الشافعي: كل ما قلت فكان عن النبي، صلى الله عليه وسلم، خلاف قولي مما يصح، فحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أولى فلا تقلدوني. وقال القاضي أبو عمر البسطامي: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الجارود: سمعت المزني، يقول: سمعت الشافعي، يقول: إذا وجدتم سنة، فاتبعوها، ولا تلتفتوا إلى قول أحد. وعن البويطي، قال: سئل الشافعي: كم أصول الأحكام؟ قال خمس مائة، فقيل له: كم أصول السنن؟ قال: خمس مائة. وقال عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: قال الشافعي: أنتم أعلم بالأخبار الصحاح منا، فإذا كان خبر صحيح، فأعلمني حتى أذهب إليه، كوفيا كان، أو بصريا، أو شاميا، رواه الخطيب البغدادي، عن الحافظ أبي نعيم الأصبهاني، عن أبي القاسم الطبراني، قال: سمعت عبد الله بن أحمد يذكره عن أبيه. وقال ابن أبي حاتم: أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل، فيما كتب إلي، قال: قال أبي: قال لنا الشافعي: أنتم أعلم بالحديث والرجال مني، فإذا كان الحديث صحيحا، فأعلموني، كوفيا كان، أو بصريا، أو شاميا، حتى أذهب إليه، إذا كان صحيحا، ورواه البيهقي من غير وجه عن عبد الله بن أحمد يذكره، ثم قال: وإنما أراد حديث أهل العراق، لأن المتقدمين من أهل الحجاز كانوا لا يفكرون في رواية أهل العراق، ولا يأخذون بها، لما بلغهم من مساهلة بعضهم في الرواية، فلما قام لعلم حديثهم، ومعرفة رواية حفاظهم، وميزوا صحيح الحديث من سقيمه، أخذ الشافعي بما صح من ذلك. وكان أحمد بن حنبل من أهل العراق، وكان قد عرف من أحوال رواتهم، ما عساه يخفي على علماء الحجاز في ذلك، فرجع الشافعي إليه في معرفة أحوال رواة الحديث من أهل العراق، ثم كان الشافعي أعرف منه بأحوال رواة الحجاز وذلك بين في مذاكرتهما، انتهى كلامه. كلامه في أصول العقائد قال الإمام أحمد بن حنبل: كان الشافعي إذا ثبت عنده الحديث قلده، وخير خصائله لم يكن يشتهي الكلام، إنما همته الفقه. وقال ابن أبي حاتم: سمعت الربيع قال: أخبرني من سمع الشافعي، يقول: لأن يلقى الله المرء بكل ذنب، خلا الشرك بالله تبارك وتعالى، خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء، ورواه غير واحد عن الربيع، أنه سمع الشافعي يقول ذلك. وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: سمعت الشافعي، يقول: لو علم الناس ما في الكلام في الأهواء، لفروا منه، كما يفر من الأسد، وقال أبو ثور وغير واحد عن الشافعي، رحمه الله، أنه قال: حكمي في أصحاب الكلام أن يطاف بهم في القبائل، وينادي عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على الكلام. قال أبو نعيم بن عدي، وغيره: قال داود بن سليمان، عن الحسين بن علي، سمع الشافعي، يقول: حكمي في أهل الكلام: حكم عمر في صبيغ. وقال البويطي: سمعت الشافعي، يقول: عليكم بأصحاب الحديث، فإنهم أكثر الناس صوابا , وعن الشافعي، قال: إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث، فكأنما رأيت رجلا من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، جزاهم الله خيرا، حفظوا لنا الأصل، فلهم علينا الفضل. وقال محمد بن إسماعيل: سمعت الحسين بن علي الكرابيسي، يقول: قال الشافعي: كل متكلم على الكتاب والسنة فهو الجد، وما سواه فهو هذيان. وعن الشافعي، رضي الله عنه، أنه أنشد: كل العلوم سوى القرآن مشغلة ... إلا الحديث وإلا الفقه في الدين العلم ما كان فيه قال حدثنا ... وما سوى ذاك وسواس الشياطين وقال ابن خزيمة: سمعت الربيع، يقول: لما كلم الشافعي حفصا الفرد، فقال حفص: القرآن مخلوق، فقال له الشافعي، رضي الله عنه، كفرت بالله العظيم. ورواه ابن أبي حاتم، عن الربيع: حدثني من أثق به، وكنت حاضرا في المجلس، فقال حفص الفرد: القرآن مخلوق، فقال الشافعي: كفرت بالله العظيم. وقال البيهقي: أخبرنا الحاكم: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر العدل، حدثني حمك بن عمرو العدل، حدثنا محمد بن عبد الله بن فورش، عن علي بن سهل الرملي، أنه قال: سألت الشافعي، رضي الله عنه، عن القرآن، فقال: كلام الله غير مخلوق. قلت: فمن قال بالمخلوق، عما هو عندك؟ قال لي: كافر بالله، وقال الشافعي، ما لقيت أحدا منهم، يعني: من أستاذيه، إلا قال: من قال: القرآن مخلوق، فهو كافر. وقال الربيع: سمعت الشافعي، يقول في قول الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] ، علمنا بذلك أن قوما غير محجوبين ينظرون إليه، لا يضامون في رؤيته، كما جاء عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «ترون ربكم كما ترون الشمس، لا تضامون في رؤيتها» . وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ: سمعت أبا محمد، جعفر بن محمد بن الحارث، يقول سمعت أبا عبد الله الحسين بن محمد بن الضحاك، المعروف بابن بحر، يقول: سمعت أبا إسماعيل بن يحيى المزني، يقول: سمعت ابن هرم، يعني: إبراهيم بن محمد بن هرم، وكان من علية أصحاب الشافعي، يقول: سمعت الشافعي، يقول في قول الله، عز وجل: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] ، فلما حجبهم في السخط كان في هذا دليل على أنهم يرونه في الرضا، فقال له أبو النجم القزويني: يا أبا إبراهيم، به تقول؟ قال: نعم، وبه أدين الله، فقام إليه عصام فقبل رأسه، وقال: يا سيد الشافعيين، اليوم بيضت وجوهنا. وقد روي من غير وجه عن الشافعي نحوه. وقال ابن خزيمة: أنشدنا المزني، قال: أنشدنا الشافعي، لنفسه: ما شئت كان وإن لم أشأ ... وما شئت إن لم تشأ لم يكن خلقت العباد على ما علمت ... ففي العلم يجري الفتى والمسن فمنهم شقي ومنهم سعيد ... ومنهم قبيح ومنهم حسن على ذا مننت وهذا خذلت ... وهذا أعنت وذا لم تعن ورواه البيهقي، عن عبد الرحمن السلمي: سمعت أحمد بن محمد بن مقسم، أخبرني بعض أصحابنا، أخبرني المزني، قال: دخلت على الشافعي في مرضه، الذي مات فيه، فأنشدني لنفسه، فذكر هذه الأبيات. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني الزبير بن عبد الله بن عبد الواحد الحافظ، حدثنا أبو أحمد حامد بن عبد الله المروزي، حدثنا عمران بن فضالة، حدثنا الربيع بن سليمان، قال: سئل الشافعي عن القدر، فأنشأ يقول: وذكرها. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي: سمعت حرملة بن يحيى، قال: اجتمع حفص الفرد، ومصلان الأباضي، عند الشافعي، في دار الجروي، بمصر، فتكلما في الإيمان، فاحتج مصلان في: الزيادة والنقصان، واحتج حفص الفرد في: الإيمان قول، فعلا حفص الفرد على مصلان، وقوي عليه، وضعف مصلان، فحمى الشافعي، وتقلد المسألة على أن الإيمان: قول وعمل، يزيد وينقص، فطحن حفصا الفرد وقطعه. وحدثنا أبي: حدثنا عبد الملك بن عبد الحميد الميموني، حدثني أبو عثمان محمد بن محمد الشافعي، قال: سمعت أبي، يعني: محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه، يقول ليلة للحميدي: ما يحتج عليهم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 يعني: أهل الإرجاء، بآية أحج من قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] . وروى البيهقي بسنده، عن الربيع، أنه قال: سمعت الشافعي، يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص. وقد نقل الطبري عن الإمام الشافعي أنه حكى الإجماع على ذلك، كما حكاه غيره من الأئمة. وقال زكريا الساجي: حدثنا عيسى بن إبراهيم، حدثنا محمد بن نصر الترمذي، سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 أفضل الناس بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، رضي الله عنهم. وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا إدريس بن علي المؤدب، سمعت أبا بكر عبد الله بن محمد بن زياد، سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول في الخلافة: في التفضيل نبدأ بأبي بكر , وعمر، وعثمان، وعلي، رضي الله عنهم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا حرملة بن يحيى، سمعت الشافعي، يقول: الخلفاء خمسة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 أبو بكر، وعمر، وعثمان , وعلي، وعمر بن عبد العزيز، رضي الله عنهم، فهذه أسانيد صحيحة، ونصوص صريحة عن الإمام أبي عبد الله الشافعي، رضي الله عنه، في مذهب أهل السنة والجماعة، سلفا وخلفا. فتبين بهذا خطأ قول أحمد بن عبد الله العجلي في الشافعي: إنه شيعي، وهذا القول من العجلي مجازفة بلا علم، وإنما غره في ذلك، ما قدمنا ذكره من أهل اليمن لما رموه في جملة أولئك النفر القرشيين، وحمل معهم إلى الرشيد، وكان لهم تشيع، اعتقد من لا يعلم أن الشافعي كان إذ ذاك على مذهبهم. وإلا فالإمام الشافعي، رضي الله عنه: أعظم محلا، وأجل قدرا، من أن يرى رأي الشيعة، الفرقة المخذولة، والطائفة المرذلة، وهو ذو الفهم التام، والذكاء الزائد، والحفظ الحاذق، والفكر الصحيح، والعقل الرجيح. وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه، سمعت إبراهيم بن محمود بن حمزة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 حدثنا أبو سليمان، يعني: داود بن علي الأصبهاني، حدثني الحارث بن سريج النقال، سمعت إبراهيم بن عبد الله الحجبي، يقول للشافعي: ما رأيت هاشميا يفضل أبا بكر على علي، فقال له: علي بن أبي طالب ابن عمي، وابن خالي، وأنا رجل من بني عبد مناف، وأنت رجل من بني عبد الدار، ولو كانت هذه مكرمة: لكنت أولى بها منك، ولكن ليس الأمر على ما تحسب. وروى ابن حكمان بسنده عن المزني، قال: أنشدنا الشافعي، من قيله: شهدت بأن الله لا شيء غيره ... وأشهد أن البعث حق وأخلص وأن عرى الإيمان قول مبين ... وفعل زكي قد يزيد وينقص وأن أبا بكر خليفة ربه ... وكان أبو حفص على الخير يحرص وأشهد ربي أن عثمان فاضل ... وأن عليا فضله يتخصص أئمة قوم يهتدي بهداهم ... لحا الله من إياهم يتنقص فما لغواة يشهدون سفاهة ... وما لسفيه لا يحس ويحرص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: أخبرنا أبو الحسن الموازيني، قراءة عليه، عن أبي عبد الله القضاعي، قال: قرأت على أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد، حدثنا الحسين بن علي بن محمد بن إسحاق الحلبي، حدثني جدي محمد وأحمد ابنا إسحاق بن محمد، قالا: سمعنا جعفر بن محمد بن أحمد الرواس، بدمشق، يقول: سمعت الربيع، يقول: خرجنا مع الشافعي، رضي الله عنه، من مكة، نريد منى، فيم ينزل واديا ولم يصعد شعبا إلا وهو يقول: يا راكبا قف بالمحصب من منى ... واهتف بقاعد خيفها والناهض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى ... فيضا كملتطم الفرات الفائض إن كان رفضا حب آل محمد ... فليشهد الثقلان أني رافضي قلت: ليس برفض حب آل محمد، وكل أهل السنة يحبون آل محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، ويجب عليهم ذلك، كما يجب عليهم حب أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أجمعين. ومع حب الآل يقدم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضي الله عنهم، كما نص عليه الشافعي وأئمة الإسلام. وروى هذه الأبيات ابن حمكان، عن الزبير، عن محمد بن محمد بن الأشعث، عن الربيع، عن الشافعي. وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا الحاكم، حدثني الزبير، أخبرني محمد بن عبد الله بن عبيد العطار، ببغداد، أخبرني أحمد بن يوسف بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 تميم، حدثنا الربيع بن سليمان، قال: أنشدني الشافعي، رضي الله عنه: قد نقر الناس حتى أحدثوا بدعا ... في الدين بالرأي لم تبعث بها الرسل حتى استخف بحق الله أكثرهم ... وفي الذي حملوا من حقه شغل قال الحاكم: وحدثنا محمد بن الحسن النقاش، حدثنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد، حدثنا الربيع بن سليمان، قال: ناظر رجل الشافعي في مسألة، فدقق، والشافعي ثابت يحدث ويصيب، فعدل الرجل إلى الكلام في مناظرته، فقال له الشافعي: هذا غير ما نحن فيه، هذا كلام، لست أقول بالكلام واحدة، وأخرى: ليست المسألة متعلقة به، ثم أنشأ الشافعي يقول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 متى ما بعد بالباطل الحق يأبه ... وإن قدت بالحق الرواسي تنقد إذا ما أتيت الأمر من بابه ... ضللت، وإن تقصد إلى الباب تهتد فدنا منه الرجل وقبل يده، فهذه نبذه مختصرة في هذتا الباب كافية، إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 فصل في ذكر أوصافه الجميلة، وشمائله وأخلاقه الفضيلة قد تقدم أنه كان في صغره ذا قريحة وهمة عظيمة، وأنه حفظ القرآن، والموطأ، وله عشر سنين، وأنه عني بالأدب والشعر، واللغة، برهة من عمره، ثم أقبل على الفقه، فبرز فيه على أقرانه، وفاق أهل زمانه. وكان مع ذلك أعلم الناس بالسير والمغازي وأيام العرب، ووقائعها وأيام الإسلام، ومن أحسن الناس رميا بالنشاب، وأنه كان يصيب من العشرة عشرة. وكان من أعلم الناس بالأنساب، وبعلم الفراسة، ومن أسخى الناس كفا، وأعطاهم للجزيل، وكيف لا، وهو من بيت النبوة، الذين هم سادات الناس، في الدنيا والآخرة، والناس عيال عليهم في الدنيا والدين. من القوم الرسول الله منهم ... لهم دانت رقاب بني معد أعطاه الرشيد مالا جزيلا، ففرقه على ذوى الحاجات من قريش، رضي الله عنه. وكان من أورع الناس، وتحريه في روايته يدل على ذلك، كما هو معروف في كلامه، ومن أكمل الناس مروءة، فإنه قال: لو علمت أن شرب الماء البارد ينقص مروءتي ما شربته. وكان من أفصح الناس، وأحلاهم عبارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 قال ابن عدي: حدثنا يحيى بن زكريا بن حيويه، سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: كانت ألفاظ الشافعي كأنها سكر. وقال أبو جعفر الترمذي، عن يونس: ما كان الشافعي إلا ساحرا ما كنا ندري ما يقول إذا قعدنا حوله، قلت: في الصحيح عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «إن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 من البيان سحرا» . قال ابن عدي: وحدثنا يحيى بن زكريا، سمعت أبا سعيد الفريابي، سمعت محمود النحوي، سمعت ابن هاشم النحوي، يقول: طالت مجالستنا للشافعي، فما سمعت منه لحنة قط، ولا كلمة غيرها أحسن منها، قلت: وقد روى عن الأصمعي قريب من هذا، وقال ابن أبي حاتم: عن الربيع، قال ابن هشام: كان الشافعي ممن تؤخذ عنه اللغة، قال: وحدثت عن أبي عبيد القاسم بن سلام، أنه قال: الشافعي ممن تؤخذ عنه اللغة، أو من أهل اللغة، الشك مني يقوله ابن أبي حاتم، وقال ابن أبي حاتم: قال أبي: قال: أحمد بن أبي سريج، ما رأيت أحدا أفوه، ولا أنطق من الشافعي، قال ابن أبي حاتم: وسمعت الربيع، يقول: كان الشافعي عربي النفس، عربي اللسان، وأخبرني عبد الله بن أحمد فيما كتب إلي قال: قال أبي: كان الشافعي من أفصح الناس، وكان مالك يعجبه قراءته، لأنه كان فصيحا. وقال محمد بن يحيى الصولي: قال المبرد: رحم الله الشافعي، كان من أشعر الناس، وآدب الناس، وأعرفهم بالقراءات، وعن المزني: أن رجلا قرأ على الشافعي فلحن، فقال الشافعي: أضرستني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 وقال زكريا الساجي: سمعت جعفر بن محمد الخوارزمي يحدث، عن أبي عثمان المزني، سمعت الأصمعي، يقول: قرأت شعر الشنفري على الشافعي بمكة. وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي. قلت لعمي: على من قرأت شعر هذيل؟ فقال: على رجل من آل المطلب، يقال له: محمد بن إدريس، وقد تقدم عن مصعب، عن الزبيري، أنه سمعها من لفظ الشافعي، رحمه الله. وكان من أحسن الناس صوتا بالقرآن، قال ابن عدي: حدثنا الحسين بن إسماعيل النقار، حدثنا موسى بن سهل، حدثني أحمد بن صالح، قال: قال الشافعي: يا أبا جعفر تعبد من قبل أن ترأس، فإنك إن ترأست لم تقدر أن تتعبد، قال: وكان الشافعي إذا تكلم كأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 صوته صنج، أو جرس، من حسن صوته، رحمه الله، ورضي عنه. وقال زكريا بن يحيى الساجي: سمعت هارون بن سعيد الأيلي، يقول: ما رأيت مثل الشافعي، قدم علينا مصر، فقالوا: قدم رجل من قريش، فجئناه، وهو يصلي، فما رأيت أحسن صلاة منه، ولا أحسن وجها منه، فلما قضى صلاته تكلم، فما رأيت أحسن كلاما منه، فافتتنا به، وقال الحاكم: أخبرنا الزبير بن عبد الواحد، سمعت عباس بن الحسين، يقول: سمعت بحر بن نصر، يقول: كنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 إذا أردنا أن نبكي، قلنا: اذهبوا بنا إلى هذا الفتى المطلبي، يقرأ القرآن، فإذا أتيناه استفتح القرآن، حتى يتساقط الناس بين يديه، ويكثر عجيجهم بالبكاء، فإذا رأى ذلك أمسك عن القرآن من حسن صوته. وروى الحافظ ابن عساكر أن الشافعي قرأ يوما هذه الآية: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ {38} فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ {39} وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ {40} } [المرسلات: 38-40] ، فلم يزل يبكي حتى غشي عليه، رحمه الله. وكان كثير التلاوة للقرآن، ولا سيما في شهر رمضان، كان يقرأ في اليوم والليلة ختمتين، وفيما عداه في كل يوم وليلة ختمة، روى ذلك الخطيب البغدادي عن علي بن المحسن القاضي، عن أبي بكر: محمد بن إسحاق بن إبراهيم الصفار، عن عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني، عن الربيع به، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع بن سليمان المرادي المصري، قال: كان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين مرة، كل ذلك في صلاة، وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت علي بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 عمر الحافظ، سمعت أبا بكر النيسابوري، سمعت الربيع، قال: كان الشافعي يختم في كل شهر ثلاثين ختمة، وفي رمضان ستين ختمة، سوى ما يقرأ في الصلاة. قال: وكان يحدث وطست تحته، فقال يوما: اللهم إن كان لك فيه رضا فزد، قال: فبعث إليه إدريس بن يحيى المعافري: إنك لست من رجال البلاء، فسل الله تعالى العافية. وكان كثير الصلاة بالليل، كان قد قسم الليل ثلاثة أجزاء، فثلثه الأول للأشغال، والثاني للصلاة، والثالث ينامه ليقوم إلى صلاة الفجر نشطا، رحمه الله، وروى البيهقي، عن الحاكم، حدثني أبو بكر محمد بن محمد البغدادي، حدثنا أبو الحسن علي بن قرين، عن الربيع، فذكر، وقال زكريا الساجي عن محمد بن إسماعيل، حدثنا حسين الكرابيسي، قال: بت مع الشافعي، فكان نحو ثلث الليل يصلي، وما رأيته يزيد على خمسين آية، فإذا أكثر فمائة، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله لنفسه وللمؤمنين أجمعين، فكأنما جمع له الرجاء والرهبة. قلت: هكذا يكون تمام العبادة: أن تجمع الرغبة والرهبة، كما صح عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه كان إذا مر بآية رحمة وقف فسأل، وإذا مر بآية عذاب وقف وتعوذ، وقال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: 9] ؛ فلهذا استحب أصحابنا هذا الصنيع في جميع الصلوات للإمام والمأموم والمنفرد. وكان ذا همة علية، وقدرة بليغة، وعبارة وسيعة، في حال المناظرة، قال بعض من وصفه: إنه لو شاء أن يقيم دليلا على هذه السارية التي من حجارة، أنها من خشب لفعل ذلك، وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: لو رأيت الشافعي يناظرك لظننت أنه سبع يأكلك، وفي رواية، قال: كنت إذا رأيت من يناظر الشافعي رحمته. وقال أيضا: الشافعي علم الناس الحجج، وقد صح عنه من غير وجه، أنه قال: ما ناظرت أحدا على الغلبة، وقال أيضا: ما عرضت الحجة على أحد فقبلها إلا عظم في عيني، ولا عرضتها على أحد فردها إلا سقط من عيني. وقال الربيع، فيما رواه ابن عساكر بسند عنه سئل الشافعي عن مسألة، فأعجب بنفسه، فأنشأ يقول: إذا المشكلات تصدينني ... كشفت حقائقها بالنظر ولست بإمعة في الرجال ... أسائل هذا وذا ما الخبر ولكنني مدره الأصغرين ... فتاح خير وفراج شر ورواها أبو علي بن حمكان بسند عن المزني، أن رجلا سأل الشافعي عن رجل في فيه تمرة، فحلف بالطلاق أنه لا يبلعها ولا يرمي بها، فقال له الشافعي: يبلع نصفها، ويرمي نصفها، حتى لا يكون بالعا لها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 كلها، ولا يلفظ بها كلها، ثم أنشأ يقول: إذا المشكلات تصدين لي ... كشفت حقائقها بالنظر وإن برقت في عيون الأمور ... عمياء لا يجتليها الفكر مبرقعة في عيون الأمور ... وضعت عليها حسام النظر لسان كشقشقة الأرحبي ... أو كاليماني الحسام الذكر ولست بإمعة في الأمور ... أسائل هذا وذا ما الخبر ولكنني مدرة الأصغرين أقيس ... بما قد مضى ما غبر وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسحاق بن راهويه: سمعت أبي، يقول: اجتمعت مع الشافعي بمكة، فسمعته: يسأل عن كرى بيوت مكة، فقلت له: أسألك عن هذه المسألة لا أجاوز بك إلى غيرها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 قال: ذاك أقدر لك. قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا إسماعيل الترمذي، بمكة سنة ستين ومائتين، فحدثنا بأحاديث، عن أيوب بن سليمان بن بلال، وقال أبو إسماعيل: سمعت إسحاق بن راهويه، يقول: جالست الشافعي بمكة فأذكرنا في بيوت مكة، وكان يرخص فيه، وكنت لا أرخص فيه، فذكر الشافعي حديثا، وسكت، وأخذت أنا في الباب أسرد. فلما فرغت منه، قلت أنا لصاحب لي، من أهل مرو بالفارسية: مردك ما لا نيست - قرية بمرو - فعلم أني راطنت صاحبي بشيء هجيته فيه، فقال لي: أتناظر؟ فقلت: وللمناظرة جئت، قال: قال الله تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} [الحج: 40] ، أنسب الديار إلى مالكها أم إلى غير مالكها؟ وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: «من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن» ، وقال: «وهل ترك لنا عقيل من رباع» . أنسب الدار: إلى أربابها؟ أو إلى غير أربابها؟ وقال لي: اشترى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، دار السجن بمكة، من مالك؟ أو من غير مالك؟ فلما علمت أن الحجة قد لزمتني قمت، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 قلت: هذه مسألة تناظر فيها الشافعي وإسحاق بن راهويه بمسجد الخيف من منى أيام الموسم، وأظن ذلك في سنة ست وتسعين، أو سبع وتسعين ومائة، وذلك بحضرة أحمد بن حنبل، وهو الرجل الذي راطنه إسحاق بن راهويه به والله أعلم، فذهب الشافعي، رضي الله عنه، إلى أن دور مكة ورباعها تباع وتورث وتؤجر، واحتج على ذلك بما ذكره من الآية والأحاديث، واحتج إسحاق بن راهويه على أنها لا تباع ولا تورث ولا تؤجر بحديث، «إنما كانت تدعى رباع مكة ودورها السوائب، من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن» ، وتوسط الإمام أحمد في المسألة، فعمل بمقتضى الدليلين، فقال: تباع وتورث ولا تؤجر، والله أعلم. وقال الزبير بن عبد الواحد الأسد أبادي: سمعت إبراهيم بن الحسن الصوفي، يقول: سمعت حرملة، يقول: سمعت الشافعي، يقول: ما حلفت بالله صادقا ولا كاذبا. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع، قال: قال الشافعي: ما شبعت منذ ست عشرة سنة، إلا شبعة أطرحها، يعني: فطرحتها، لأن الشبع: يثقل البدن، ويقسي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم , ويضعف صاحبه عن العبادة. قال: وأخبرني أبو محمد البستي السجستاني، نزيل مكة، فيما كتب إلي: حدثني الحارث بن سريج، قال: دخلت مع الشافعي، على خادم الرشيد، وهو في بيت قد فرش بالديباج، فلما وضع الشافعي رجله على العتبة، أبصره، فرجع ولم يدخل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 فقال له الخادم: ادخل: فقال: لا يحل افتراش هذا، فقام الخادم متبسما حتى دخل بيتا قد فرش بالأرمني، فدخل الشافعي، رضي الله عنه، ثم أقبل عليه، فقال: هذا حلال، وذاك حرام، وهذا أحسن من ذاك، وأكثر ثمنا منه فتبسم الخادم، وسكت، قال: وأخبرني السجستاني، فيما كتب إلي، قال: حدثني أبو ثور، قال: أراد الشافعي، رضي الله عنه، الخروج إلى مكة: ومعه مال، فقلت له: وقلما كان يمسك الشيء من سماحته، ينبغي أن تشتري بهذا المال ضيعة، تكون لك ولولدك من بعدك، فخرج ثم قدم علينا، فسألته عن ذلك المال: ما فعل به؟ فقال: ما وجدت بمكة ضيعة: يمكنني أن أشتريها، لمعرفتي بأصلها: أكثرها قد وقفت، ولكن قد بنيت بمنى مضربا يكون لأصحابنا إذا حجوا ينزلون فيه، ورواه أبو عبد الله: محمد بن أحمد بن محمد الحافظ النجاري، المعروف بغنجار، حدثنا خلف بن محمد، حدثنا إبراهيم بن محمود بن حمزة، حدثني داود بن علي بن خلف، حدثني إبراهيم بن خالد الكلبي، يعني: أبا ثور، عن الشافعي، رضي الله عنه، بهذا، وزاد بعد قوله: «ينزلون فيه» ، قال: فكأني اهتممت فأنشد الشافعي، قول ابن ابن حازم: إذا أصبحت عندي قوت يومي ... فخل الهم عني يا سعيد ولم تخطر هموم غد ببالي ... لأن غدا له رزق جديد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 أسلم إن أراد الله أمرا ... وأترك ما أريد، لما يريد وما لإرادتي إذا ما ... أراد الله لي ما لا أريد وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، سمعت عمرو بن سواد السرحي، قال: كان الشافعي، رضي الله عنه، أسخى الناس على الدينار والدرهم والطعام، وقال لي الشافعي، رضي الله عنه: أفلست في دهري ثلاث إفلاسات، فكنت أبيع قليلي وكثيري، حتى حلي ابنتي وزوجتي، ولم أرهن قط، قال: وحدثنا أبي، أخبرني يونس بن عبد الأعلى، قال: قال الشافعي: أفلست من دهري ثلاث مرات، وربما أكلت التمر بالسمك. وعن الربيع، قال: قال عبد الله بن عبد الحكم، للشافعي: إن أردت أن تسكن البلد، يعني: مصر، فليكن لك قوت سنة، ومجلس من السلطان تتعزز به، فقال له الشافعي: يا أبا محمد، من لم تعزه التقوى فلا عز له، وقد ولدت بغزة، وربيت في الحجاز، وما عندنا قوت ليلة، وما بتنا جياعا قط، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 رواه ابن عساكر. وقال محمد بن عبيد الله بن محمد الصرار: أخبرنا أبو عمر: محمد بن الحسين البسطامي، أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود، سمعت المزني، سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: السخاء والكرم يغطيان عيوب الدنيا والآخرة بعد أن لا يلحقهما بدعة، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع، قال: تزوجت، فقال لي الشافعي: كم أصدقتها؟ فقلت: ثلاثين دينارا، قال: كم أعطيتها؟ قلت: سنة دنانير، فصعد داره، وأرسل إلى بصرة فيها أربعة وعشرون دينارا. وقال البيهقي: أخبرنا الحاكم، أخبرنا نصر بن محمد، حدثنا أبو علي الحسن بن حبيب بن عبد الملك بدمشق، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: رأيت الشافعي، رضي الله عنه، راكبا حمارا، فمر على سوق الحذائين، فسقط سوطه من يده، فوثب غلام من الحذائين، فأخذ السوط، ومسحه بكمه، وناوله إياه. فقال الشافعي لغلامه: ادفع تلك الدنانير التي معك إلى هذا الفتى، قال الربي: فلست أدري كانت تسعة دنانير، أو سبعة دنانير. وعن المزني، قال: كنت مع الشافعي، رضي الله عنه، يوما، فخرجا الأكوام فمر بهدف، فإذا رجل يرمي بقوس عربية، فوقف عليه الشافعي ينظر، وكان حسن الرمي، فأصاب بأسهم، فقال له الشافعي، رضي الله عنه: أحسنت وَبَرَّكَ عليه، ثم قال لي: أمعك شيء؟ فقلت: معي ثلاثة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 دنانير، فقال: أعطه إياها، واعذرني عنده، إذ لم يحضرني غيرها. رواه أبو عبد الله القضاعي، عن أبي عبد الله بن شاكر، عن الحسن بن رشيق، عن سعيد بن أحمد اللخمي، عن المزني. وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: قرأت بخط ابن الحسين الرازي، عن الزبير بن عبد الواحد الأسد أبادي، حدثني أحمد بن مروان، حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحنفي، قال: سمعت أبي، يقول: خرجنا من بغداد مع الشافعي، رضي الله عنه، نريد مصر، فدخلنا حران، وكان قد طال شعره، فدعا حجاما، فأخذ من شعره، فوهب له خمسين دينارا. ثم قال ابن عساكر: وهذا يدل على أنه سلك طريق الشام إلى مصر، قلت: فلهذا ترجمه في التاريخ، وليس عنده ما يدل على دخوله دمشق، والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 بن روح، حدثنا الزبير بن سليمان القرشي، عن الشافعي، رضي الله عنه، قال: خرج هرثمة: فأقرأني سلام أمير المؤمنين: هارون، وقال: قد أمر لك بخمسة آلاف دينار، قال: فحمل إليه المال، فدعا بحجام، يأخذ من شعره، فأعطاه خمسين دينارا، ثم أخذ رقاعا، فصر من تلك الدنانير صرارا صررا، ففرقها في القرشيين، الذين هم في الحضرة، ومن هم بمكة، حتى ما رجع إلى بيته إلا بأقل من مائة دينار. وقال ابن عساكر: أخبرنا أبو الحسن الفرضي، حدثنا أبو نصر الخطيب، حدثنا أبو بكر بن أبي الحديد، أخبرنا محمد بن بشر العكبري، سمعت الربيع، يقول: أخبرني الحميدي، قال: قدم علينا الشافعي، رضي الله عنه، من صنعاء فضربت له الخيمة، ومعه عشرة آلاف دينار، فجاء قوم فسألوه، فما قلعت الخيمة ومعه منها شيء، ثم روى من طريق أبي جعفر الترمذي، عن الربيع، عن الحميدي، قال: قدم الشافعي بثلاثة آلاف دينار، فدخل عليه بنو عمه وغيرهم، فجعل يعطيهم حتى قام وليس معه شيء. وقال البيهقي: أخبرنا الحاكم، سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم، سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الحميدي، يقول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 قدم الشافعي، رضي الله عنه، من صنعاء إلى مكة بعشرة آلاف دينار في منديل، فضرب خباءه في موضع خارجا من مكة، وكان الناس يأتونه فيه، فما برحت حتى ذهبت كلها، قال البيهقي: وقال غيره، عن الربيع، في هذه الحكاية، وفرق المال كله في قريش، ثم دخل مكة. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: كان الشافعي، رضي الله عنه، أسخى الناس بما يجد، وكان يمر بنا: فإن وجدني، وإلا قال: قولوا لمحمد، إذا جاء يأتي المنزل، فإني لست أتغدى حتى يجيء، فربما جئته، فإذا قعدت معه على الغداء، قال: يا جارية اضربي لنا فالوذج، فلا تزال المائدة بين يديه حتى يفرغ منه ويتغدى، وقال داود بن علي الظاهري: حدثنا أبو ثور، قال: كان الشافعي، رضي الله عنه، من أجود الناس وأسمحهم كفا، كان يشتري الجارية الصناع، التي تطبخ وتعمل الحلواء، ويشترط عليها هو أن لا يقربها، لأنه كان عليلا لا يمكنه أن يقرب النساء في وقته لباسور كان به، ويقول لنا: تشهوا ما أحببتم، فقد اشتريت جارية تحسن أن تعمل ما تريدون، قال: فيقول لها بعض أصحابنا: اعملي لنا اليوم كذا وكذا، فكنا نحن الذين نأمرها بما نريد، وهو مسرور بذلك. وروى أبو القاسم بن عساكر بإسناده، عن أبي جعفر أحمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الحسن المعدل، قال: أنشدت للشافعي، رضي الله عنه: يا لهف نفسي على مال أجود به ... على المقلين من أهل المروءات إن اعتذاري إلى من جاء يسألني ... ما لست أملك إحدى المصيبات وعنه قال: ما تقرب إلى الله بعد الفرائض، أفضل من طلب العلم، وقال الربيع: قال لنا الشافعي، رضي الله عنه: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة. وقال أبو ثور: قال الشافعي، رضي الله عنه: ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه، وقال: ما أفلح في العلم إلا من طلبه في القلة. وعنه قال: ما كذبت قط، ولا حلفت بالله صادقا ولا كاذبا، ولا تركت غسل الجمعة في حر، ولا برد، ولا سفر، ولا غيره، وقال: طلب فضول الدنيا عقوبة، عاقب الله بها أهل التوحيد، وعنه: أنه كان يستصحب في مشيه العصا، فقيل له في ذلك، فقال: لأذكر أني مسافر من الدنيا، وقال سياسة الناس أشد من سياسة الدواب. وقال: لو علمت أن شرب الماء البارد ينقص مروءتي ما شربته إلا حارا، وقال: أهل المروءة في جهد، وقال، ليس بأخيك من احتجت إلى مدارته، وقال: من صدق في أخوة أخيه، قبل علله، وسد خلله، وغفر زللَه. وقال: من علامة الصدق أن تكون لصديق صديقك صديقا، وقال: ليس سرور يعدل صحبة الإخوان، ولا هم يعدل فراقهم، وقال: لا تقصر في حق أخيك، اعتمادا على مودته، وقال: لا تبذل وجهك إلى من يهون عليه ردك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 وقال: من وعظ أخاه سرا: فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه. وقال: من سام بنفسه فوق ما يساوي، رده الله إلى قيمته، وقال: التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من شيم اللئام. وقال: أرفع الناس قدرا: من لا يرى قدره، وأكثرهم فضلا ما لا يرى فضله. وقال: الشفاعات زكاة المروءات، وقال: إذا كثرت الحوائج فابدأ بأهمها، وقال: من كتم سره كانت الخيرة في يده، وهذه نبذه مختصرة محذوفة الأسانيد، لتخف على الأسماع، والله أعلم. ومن معرفته بالفراسة: ما تقدم من خبر الذي ضيفه لما رجع من اليمن، وما جرى له معه، ووافق ما تفرس فيه الشافعي، رحمه الله. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، عن الربيع بن سليمان، قال: اشتريت للشافعي، رضي الله عنه، طيبا بدينار، فقال: ممن اشتريت؟ فقلت: من ذلك الأشقر الأزرق، قال: أشقر أزرق، رده، رده، ما جاءني خير قط من أشقر. قال: وأخبرني أبي، حدثنا حرملة بن يحيى، قال: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: احذر: الأعور، والأحول , والأحدب , والأشقر، والكوسج، وكل من به عاهة في بدنه، وكل ناقص الخلق، فاحذره: فإنه صاحب التواء ومعاملة عسرة. وقال الشافعي رضي الله عنه: فإنهم أصحاب خبث. قال ابن أبي حاتم: إنما يعني: إذا كانت ولادتهم بهذه الحالة، فأما من حدث فيه هذه العلل، وكان في الأصل صحيح التركيب، لم تضر مخالطته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وقال ابن عساكر: أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم، أخبرنا أبو نصر الخطيب، حدثنا أبو بكر بن أبي الحديد، حدثنا محمد بن بشر الزنبري، سمعت الربيع، يقول: كنت عند الشافعي، رضي الله عنه، أنا، والمزني، وأبو يعقوب البويطي، فنظر إلينا، فقال لي: أنت تموت في الحديث، وقال للمزني: هذا لو ناظره الشيطان قطعه وخذله، وقال للبويطي: أنت تموت في الحديد، قال الربيع: فدخلت على البويطي في أيام المحنة، فرأيته مقيدا إلى أنصاف ساقيه، مغلولة، يعني: يديه، إلى عنقه، قال: وسمعت الربيع، يقول: كنت في الحلقة، إذ جاءه، يعني: الشافعي، رجل سأله عن مسألة، فقال له الشافعي: أنت نساج؟ فقال: عندي أجراء، وقد روى عنه أشياء تدل على تبحره في علم الطب، فعنه أنه قال: عجبت لمن يدخل الحمام، ثم لا يأكل من ساعته، كيف يعيش، وعجبا لمن يحتجم، ثم يأكل من ساعته كيف يعيش؟ وقال: من أكل الأترج ثم نام، لم آمن عليه أن تصيبه ذبحة، وعنه قال: ثلاثة أشياء دواء من لا دواء له، وأعيت الأطباء مداواته: العنب، ولبن اللقاح، وقصب السكر، ولولا قصب السكر ما أقمتم ببلدكم، رواه الربيع المصري عنه، وعنه قال: عجبا لمن تعشى البيض المسلوق، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 ثم نام كيف لا يموت، وعنه قال: الفول يزيد في الدماغ، والدماغ يزيد في العقل، وعنه قال: لم أر للوباء مثل دهن البنفسج، يدهن به ويشرب، وعنه قال: كان غلامي أعشى لا يبصر باب الدار، فأخذت له زيادة الكبد فكحلته بها فأبصر، وقال صالح جزرة: عن الربيع، قال الشافعي، رضي الله عنه: لا أعلم بعد الحلال والحرام أنبل من الطب، إلا أن أهل الكتاب قد غلبونا عليه. وقال حرملة: كان الشافعي، رضي الله عنه، يتلهف على ما ضيع المسلمون من الطب، ويقول: ضيعوا ثلث العلم، ووكلوه إلى اليهود والنصارى. ومن كلامه الحسن ومواعظه وشعره: قال يونس بن عبد الأعلى، قال لي الشافعي، رضي الله عنه: ليس إلى السلامة من الناس سبيل، فعليك بما فيه صلاحك فالزمه. وقال الشافعي أيضا: إن لم يكن العلماء العاملون أولياء الله، فلا أعلم لله وليا. وقال يونس بن عبد الأعلى: قلت للشافعي، رضي الله عنه: إن صاحبنا، يعني: الليث بن سعد، كان يقول: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة، فقال: قصر رحمه الله، بل إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء، ويطير في الهواء، فلا تغتروا به، حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة. وعن الشافعي، رضي الله عنه، أنه قال: أقدر الفقهاء على المناظرة، من عود لسانه على الركض في ميدان الألفاظ، ولم يتلعثم إذا رمقته العيون واللألحاظ، وعنه أنه قال: بئس الزاد إلى المعاد: العدوان على العباد، وعنه قال: العالم يسأل عما يعلم وما لا يعلم، فيستثبت ما يعلم، ويتعلم ما لا يعلم، والجاهل يغضب من التعليم، ويأنف من التعلم. وعنه قال: ضياع الجاهل قلة عقله، وضياع العالم قلة إخوانه، وأضيع منهما من آخى من لا عقل له، وعنه قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 من استغضب فلم يغضب فهو حمار، ومن استرضى فلم يرض فهو شيطان، وعنه قال: إذا خفت على عملك العجب، فاذكر رضا من تطلب، وفي أي نعيم ترغب، ومن أي عقاب ترهب فحينئذ يصغر عندك عملك، وعنه قال: آلات الرسالة خمس: صدق اللهجة، وكتمان السر، والوفاء بالعهد، وإهداء النصيحة، وأداء الأمانة، وعنه قال: من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم. قال الحافظ البيهقي: أخبرنا الحاكم، حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المؤذن، سمعت محمد بن عيسى الزاهد، يقول، فيما بلغنا: إن عبد الرحمن بن مهدي مات له ابن، فجزع عليه جزعا شديدا، حتى امتنع من الطعام والشراب، فبلغ ذلك محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه، فكتب إليه: أما بعد، فعز نفسك بما تعزى به غيرك، واستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل غيرك، واعلم أن أمض المصائب فقد سرور مع حرمان أجر، فكيف إذا اجتمعا على اكتساب وزر؟ فأقول: إني معزيك لا أني على ثقة ... من الخلود ولكن سنة الدين فما المعزى بباق بعد صاحبه ... ولا المعزى ولو عاشا إلى حين قال: فكانوا يتهادونه بينهم بالبصرة. وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحسين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 بن محمد بن فنجويه الدينوري، بالدامغان، حدثنا عبد الله بن محمد بن شيبة، حدثنا محمد بن إبراهيم الفانجاني الأصبهاني، حدثنا عمر بن عبد الله الخبازي، أخبرني محمد بن سهل، حدثني الربيع: سمعت الشافعي، ينشد: إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت، ولكن قل علي رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ولا أن ما تخفي عليه يغيب غفلنا لعمر الله حتى تداركت ... علينا ذنوب بعدهن ذنوب فيا ليت أن الله يغفر ما مضى ... ويأذن في توباتنا فنتوب وروى ابن عساكر بسنده، عن المزني: أنشدنا الشافعي، رحمه الله، لنفسه: لا تأس في الدنيا على فائت ... وعندك الإسلام والعافيه إن فات شيء كنت تدعي له ... ففيهما من فائت كافيه رواه أبو داود منفردا به عن سليمان بن داود المهري عن ابن وهب به. وروى أبو علي الحسن بن الحسين الهمداني، المعروف بابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 حمكان، وهو ضعيف بسنده، عن المزني، قال: أنشدنا الشافعي، رحمه الله: الليل شيب والنهار كلاهما ... رأسي لكثرة ما تدور رحاهما يتناهبان لحومنا ودماءنا ... نهبا علانية ونحن نراهما قال: وأنشدنا الزبير بن عبد الواحد، أنشدنا ابن حوصا، بدمشق، للشافعي، رضي الله عنه: أمت مطامعي فأرحت نفسي ... فإن النفس ما طمعت تهون وأحييت القنوع وكان ميتا ... ففي إحيائه عرض مصون إذا طمع يحل بقلب عبد ... علته مهانة وعلاه هون وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ: سمعت أبا محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب المأموني، سمعت أبا عمرو الزاهد، ينشد للشافعي، رضي الله عنه: وإذا سمعت بأن مجدودا حوى ... عودا فأثمر في يديه فصدق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وإذا سمعت بأن محروما أتى ... ماء ليشربه فغاض فحقق ومن الدليل على القضاء وكونه ... بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق وقد رواه ابن عساكر بإسناده، عن ابن خالويه النحوي، قال: حدثونا عن العباس بن الأزرق، قال: دخلت على أبي عبد الله محمد بن إدريس فذكر مصر، ثم قال: فقال الشافعي، رضي الله عنه: إن الذي رزق اليسار فلم يصب ... حمدا ولا أجرا لغير موفق فالجد يدني كل شيء شاسع ... والجد يفتح كل باب مغلق وإذا سمعت بأن محروما أتى ... ماء ليشربه فغاض فحقق وإذا سمعت بأن مجدودا حوى ... عودا فأثمر في يديه فصدق وأحق خلق الله بالهم امرؤ ... ذو همة يبلي بعيش ضيق ومن الدليل على القضاء وكونه ... بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق وقال الأستاذ أبو منصور التميمي البغدادي: أنشدنا عبد الله بن عمر المالكي، أنشدني أبي، قال: أنشدني يونس بن عبد الأعلى، للشافعي، رضي الله عنه: ما حك جلدك مثل ظفرك ... فتول أنت جميع أمرك وإذا قصدت لحاجة ... فاقصد لمعترف بقدرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وقال البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أنشدنا أبو الحسين علي بن أحمد بن أسد الأديب، أنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن راشد الكوفي، أنشدني علي بن محمد العلوي الحماني، للشافعي، رضي الله عنه، ورحمه: وذي حسد يغتابني حيث لا يرى ... مكاني ويثني صالحا حين أسمع تورعت أن أغتابه من ورائه ... وما هو إذ يغتابني يتورع قال القاضي أبو عمر محمد بن الحسين بن محمد البسطامي: ثنا أحمد بن محمود بن خرزاذ، أنا الكازروني، ثنا أبو إسماعيل إبراهيم بن محمد الأصبهاني، ثنا أبو العباس الأبيوردي، قال: خرج الشافعي، رضي الله عنه، إلى اليمن، إلى ابن عم له، فبره ببر غير طائل، فكتب إليه الشافعي، رضي الله عنه: أتاني بريد منك في غير كنهه ... كأنك عن بري بذاك تحيد لسانك هش بالنوال ولا أرى ... يمينك إذ جاد اللسان تجود إذا كان ذو القربى لديك مبعدا ... ونال الندى من كان منك بعيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 تفرق عنك الأقربون لشأنهم ... وأشفقت أن تبقى وأنت وحيد وأصبحت بين الحمد والذم واقفا ... فيا ليت شعري أي ذاك تريد قال: فكتب إليه ابن عمه أن خذ هذه خمس مائة دينار وخمس مائة درهم فاصرفها في نفقتك، وخمسة أثواب من عصب اليمن فاجعلها في عيبتك ونجيب فاركبه. وقال أبو العباس المبرد: دخل رجل على الشافعي، رضي الله عنه، فقال: إن أصحاب أبي حنيفة، رحمه الله، لفصحاء فأنشأ الشافعي، رضي الله عنه، يقول: فلولا الشعر بالعلماء يزري ... لكنت اليوم أشعر من لبيد وأشجع في الوغي من كل ليث ... وآل مهلب وأبي يزيد ولولا خشية الرحمن ربي ... حسبت الناس كلهم عبيدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 فصل في رحلة الإمام الشافعي، رضي الله عنه، إلى الديار المصرية، ووفاته بها قد تقدم أنه، رحمه الله، قدم العراق ثلاث مرات، الأولى في سنة أربع وثمانين ومائة، وذلك بسبب مرافعة نائب اليمن فيه، وفي أقوام معه، فدخل الشافعي، رضي الله عنه، على الرشيد مقيدا في الحديد، فلم يزل يخاطبه حتى تبين براءته مما نسب إليه من التشيع والخروج مع أهل البيت، وكان قد قذفه بذلك بعض الجهلة لحاله وإمامته، ثم أحسن إليه الرشيد وأطلق له قريبا من خمسة آلاف دينار كما تقدم، ثم رجع إلى الحجاز، ثم عاد إلى بغداد في سنة خمس وتسعين فاجتمع بأحمد بن حنبل، وأضرابه في ذلك الزمان، ثم عاد إلى الحجاز، وقد اشتهر ذكره ببغداد وغيرها، ثم رجع إليها في سنة ثمان وتسعين، ثم حسن في رأيه المصير إلى الديار المصرية فسافر إليها على طريق الشام، ويقال: إنه اجتاز بحران وأنه دخل بيت المقدس، وأما دمشق فلم أر أحدا ذكر أنه وردها، والحافظ أبو القاسم ابن عساكر مع تحريره، وكثرة إطلاعه، ترجم للشافعي، رضي الله عنه، في التاريخ لمروره في الشام إلى الديار المصرية، ولم يقع له أنه دخل دمشق وهذا عجيب، وقد زعم أنه دخل مصر مرتين، المرة الأولى على طريق الشام من العراق أيام محمد بن الحسن، والثانية من مكة صحبه عبد الله بن الزبير الحميدي، وفي هذا نظر، والله أعلم، وإنما حمله على هذا ما رواه أبو محمد عبد الرحمن بن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 حاتم: ثنا أبو بشر بن أحمد بن حماد في طريق مصر، ثنا أبو بكر بن إدريس، سمعت الحميدي، يقول: كان أحمد بن حنبل قد أقام عندنا بمكة على سفيان بن عيينة، فقال لي ذات يوم، أو ذات ليلة: هاهنا رجل من قريش له بيان ومعرفه، فقلت له: فمن هو؟ قال: محمد بن إدريس الشافعي، وكان أحمد بن حنبل قد جالسه بالعراق، فلم يزل بي حتى اجترني إليه، وكان الشافعي، رضي الله عنه، قبالة الميزاب فجلسنا إليه ودارت مسائل، فلما قمنا قال لي أحمد بن حنبل: كيف رأيت؟ فجعلت أتتبع ما كان أخطأ فيه، وكان ذلك مني بالقرشية، يعني: معنى الحسد، وقال أحمد: فأنت لا ترضى أن يكون رجل من قريش تكون له هذه المعرفة، وهذا البيان، أو نحو هذا من القول، تمر مائة مسألة يخطئ خمسا، أو عشرا، اترك ما أخطأ، وخذ ما أصاب، قال: فكأن كلامه وقع في قلبي فجالسته فغلبتهم عليه، فلم يزل يقدم مجلس الشافعي، رضي الله عنه، حتى كان لا يقرب مجلس سفيان، قال: وخرجت مع الشافعي إلى مصر، وكان هو شاركنا في العلو ونحن في الأوسط، فربما خرجت في بعض الليل فأرى المصباح، فأصيح: يا غلام، فيسمع صوتي، فيقول: بحقي عليك ارق، فأرقي، فإذا قرطاس ودواة، فأقول فيه: يا أبا عبد الله، فيقول: تفكرت في معنى حديث، أو مسألة، فخفت أن يذهب علي، فأمرت بالمصباح وكتبته. قلت: صنف كتبه الجديدة كلها بمصر، في مدة نحو خمس سنين، رحمه الله، ورضي عنه. وقال ابن أبي الدنيا: سمعت أبا سعيد أحمد بن عبد الله بن قنبل، قال: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: قلت بيتين من الشعر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 أرى دائما نفسي تتوق إلى مصر ... ومن دونها أرض المفاوز والقفر فوالله ما أدري إلى الخفض والغنى ... أساق إليها أم أساق إلى القبر قال أبو سعيد: فسيق والله إليهما جميعا، رحمه الله، ورضي عنه، وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: أنا أبو نعيم، ثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي، سمعت إبراهيم بن علي بن عبد الرحيم، بالموصل، يحكى عن الربيع، قال: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول في قصة ذكرها: لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر ... ومن دونها أرض المهامة والقفر فوالله ما أدري أللفوز والغنى ... أساق إليها أم أساق إلى قبري قال: فوالله ما كان بعد قليل حتى سيق إليهما جميعا، رحمه الله، ورضي عنه. وقال حرملة بن يحيى: قدم علينا الشافعي سنة تسع وتسعين ومائة ومات سنة تسع وتسعين ومائة ومات سنة أربع ومائتين عندنا بمصر، وقال أبو عبد الله بن منده: حدثت عن الربيع: سمعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 أشهب بن عبد العزيز وهو ساجد يدعو على الشافعي، يقول: اللهم أمت الشافعي ولا تذهب علم مالك، فبلغ الشافعي فتبسم وأنشأ، يقول: تمنى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى ... تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد وقد علموا لو ينفع العلم عندهم ... لئن مت ما الداعي على بمخلد وقد رواها ابن حمكان من غير هذا الوجه، وقد مات الشافعي فلم يتأخر بعده أشهب إلا سبعة عشر يوما، رحمهما الله، وقال أحمد بن خزيمة: سمعت إسماعيل بن يحيى المزني، يقول: دخلت على محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه، في مرضه الذي مات فيه، فقلت: يا أبا عبد الله كيف أصبحت؟ قال: فرفع رأسه، وقال: أصبحت من الدنيا راحلا، ولإخواني مفارقا، ولسوء فعالي ملاقيا، وعلى الله واردا، ما أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أو إلى النار فأعزيها، ثم بكى وأنشأ، يقول: ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا من نحو عفوك سلما تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ... ربي كان عفوك أعظما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل ... تجود وتعفو منة وتكرما فإن تنتقم مني فلست بآيس ... ولو دخلت نفسي بجرمي جهنما فلولاك لم يغو بإبليس عابد ... فكيف وقد أغوى صفيك آدما وإني لآتي الذنب أعلم قدره ... وأعلم أن الله يعفو ترحما وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: أنا أبو الفضل محمد بن حمزة بن إبراهيم الفزاري، أنا والدي الشيخ العالم أبو يعلى حمزة بن إبراهيم، ثنا الشيخ إسماعيل بن موسى النفيلي، ثنا الشيخ أبو بكر محمد بن نصر، ثنا أبو محمد بن أحمد الخطيب، قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن شاكر، يعني: في كتابه مناقب الشافعي، وقال: سمعت المزني، قال: دخلت على الشافعي، رضي الله عنه، عند وفاته، فقلت له: كيف أصبحت يا أستاذ؟ فقال: أصبحت من الدنيا راحلا، ولإخواني مفارقا، وبكأس المنية شاربا، وعلى الله ورادا، ولسوء أعمالي ملاقيا، فلا أدري نفسي إلى الجنة تصير فأهنيها، أو إلى النار فأعزيها، فقلت: عظني، فقال لي: اتق الله، ومثِّل الآخرة في قلبك، واجعل الموت نصب عينيك، ولا تنس موقفك بين يدي الله، وكن من الله على وَجَلٍ، واجتنب محارمه، وأد فرائضه، وكن مع الله حيث كنت، ولا تستصغرن نعم الله عليك، وإن قَلَتِ، وقابلها بالشكر، وليكن صمتك تفكرا، وكلامك ذكرا، ونظرك عبرة، واعف عمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 ظلمك، وصل من قطعك، وأحسن إلى من أساء إليك، واصبر على النائبات، واستعذ بالله من النار بالتقوى، فقلت: زدني، فقال: ليكن الصدق لسانك، والوفاء عمادك، والرحمة ثمرتك، والشكر طهارتك، والحق تجارتك، والتودد زينتك، والكياسة فطنتك، والطاعة معيشتك، والرضا أمانتك، والفهم بصيرتك، والرجاء اصطبارك، والحق جلبابك، والصدقة حرزك، والزكاة حصنك، والحياء أميرك، والحلم وزيرك، والتوكل درعك، والدنيا سجنك، والفقر ضجيعك، والحق قائدك، والحج والجهاد بغيتك، والقرآن محدثك، والله مؤنسك، فمن كانت هذه صفته كانت الجنة منزلته، ثم رمى بطرفه نحو السماء، واستعبر وأنشأ، يقول: إليك إله الحق أرفع رغبتي ... وإن كنت يا ذا المن والجود مجرما فلما قسى قلبي، وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا مني لعفوك سلما تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما وما زلت ذا عفو عن الذنب ... لم تزل تجود وتعفو منة وتكرما فلولاك ما يغوى بإبليس عابد ... فكيف، وقد أغوى صفيك آدما فإن تعف عني تعف عن متمرد ... ظلوم غشوم ما يزايل مأثما وإن تنتقم مني فلست بآيس ... ولو دخلت نفسي بجرمي جهنما وجرمي عظيم من قديم وحادث ... وعفوك يا ذا العفو أعلى، وأجسما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وهذا سياق غريب جدا، وقال ابن أبي حاتم: حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: ما لقيت أحدا لقي من السقم ما لقي الشافعي، فدخلت عليه، فقال لي: يا أبا موسى، اقرأ على ما بعد العشرين والمائة من آل عمران وأخف القراءة، ولا تثقل، فقرأت عليه فلما أردت القيام، قال: لا تغفل عني فإني مكروب، قال يونس: عني الشافعي بقراءتي ما بعد العشرين والمائة، ما لقي النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، رضي الله عنهم، أو نحوه. وقال البيهقي: أنا عبد الله الحافظ، سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب، يقول: سمعت الربيع بن سليمان المرادي، يقول: دخلت على الشافعي، وهو مريض، فسألني عن أصحابنا؟ فقلت له: إنهم يتكلمون، فقال لي الشافعي: رضي الله عنهم، ما ناظرت أحدا قط على الغلبة، وبودي أن جميع الخلق تعلموا هذا الكتاب، يعني: كتبه، على أن لا ينسب إلى منه شيء، قال هذا الكلام يوم الأحد، ومات هو يوم الخميس، وانصرفنا من جنازته ليلة الجمعة، فرأينا هلال شعبان سنة أربع ومائتين، قال: وسئل الربيع عن سن الشافعي، فقال: نيف وخمسون سنة، قال البيهقي: وقيل توفي يوم الجمعة، وقال ابن أبي حاتم، ثنا الربيع بن سليمان المصري، ثنا أبو الليث الخفاف، وكان معدلا عند القضاة، ثنا العزيزي، وكان متعبدا، قال: رأيت ليلة مات الشافعي في المنام كأنه، يقال: مات النبي، صلى الله عليه وسلم، في هذه الليلة , وكأني رأيته يغسل في بيت عبد الرحمن الزهري، في مسجد الجامع، وكان يقال لي: يخرج به العصر، فأصبحت فقيل لي: مات الشافعي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وقيل: نخرج به بعد الجمعة، فقلت الذي رأيت في المنام، قيل لي: يخرج بعد العصر، وكأني رأيت في النوم حين أخرج به كان معه سرير امرأة رثة السرير، فأرسل أمير مصر ألا يخرج به إلا بعد العصر، فحبس إلى بعد العصر، قال العزيزي: فشهدت جنازته فلما صرت إلى الموضع الواسع، رأيت سريرا مثل سرير تلك المرأة رثة السرير مع سريره، قال الربيع: توفي الشافعي ليلة الجمعة بعد العشاء الآخرة بعد ما صلى المغرب، آخر يوم في رجب، ودفناه يوم الجمعة، وانصرفنا، فرأينا هلال شعبان سنة أربع ومائتين، وهكذا قال غير واحد في تاريخ وفاته، أنه سنه أربع ومائتين، وقد تقدم أنه ولد سنة خمسين ومائة فيكون عمره يوم مات أربعا وخمسين سنة، رحمه الله، ورضي عنه، وقال الحافظ أبو أحمد بن عدي، قرأت على قبر محمد بن إدريس الشافعي، بمصر على لوحين من حجارة، أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، نسبته إلى إبراهيم الخليل، صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم، هذا قبر محمد بن إدريس، الشافعي، وهو يشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأن صلاته، ونسكه، ومحياه، ومماته لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمر، وهو من المسلمين، عليه حيّ، وعليه مات، وعليه يبعث حيا، إن شاء الله، وتوفي أبو عبد الله ليوم بقي من رجب سنة أربع ومائتين. قلت: وكان من صفته الظاهرة، رحمه الله، ورضي عنه، أنه كان طويلا، جسيما، نبيلا، خفيف العارضين، وكان يخضب، خلافا للشيعة، وكان مهيبا، رضي الله عنه، قال ابن خزيمة: سمعت الربيع، يقول: والله: ما اجترأت أن أشرب الماء، والشافعي ينظر إلي هيبة له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: قرأت على أبي بكر محمد بن موسى الخوارزمي، عن أبي عبد الله محمد بن المعلا الأزدي، قال: قال أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، يرثي الشافعي، رضي الله عنه: بملتفتيه للمشيب طوالع ... ذوائد عن ورد التصابي روادع تصرفه طوع العنان وربما ... دعاه الصبا فاقتاده فهو طائع ومن لم يزعه لبه وحياؤه ... فليس له من شيب فوديه وازع هل النافر المذعور للحظ راجع ... أم النصح مقبول أم الوعظ نافع أم الهمك المهموم بالجمع عالم ... بأن الذي يوعى من المال ضائع وإن قصاراه على فرط ظنه ... فراق الذي أضحى له وهو جامع ويخمل ذكر المرء ذي المال بعده ... ولكن جمع العلم للمرء رافع ألم تر آثار ابن إدريس بعده ... دلائلها في المشكلات لوامع معالم يفنى الدهر وهي خوالد ... وتنخفض الأعلام وهي فوارع مناهج فيها للهدى متصرف ... موارد فيها للرشاد شرائع ظواهرها حكم ومستنبطاتها ... لما حكم التفريق فيه جوامع لرأي ابن إدريس ابن عم محمد ... ضياء إذا ما أظلم الخطب ساطع إذا المفظعات المشكلات تتابعت ... سما منه نور في دجاهن لامع أبى الله إلا رفعه وعلوه ... وليس لما يعليه ذو العرش واضع توخى الهدى فاستنقذته يد التقى ... من الزيغ إن الزيغ للمرء صارع ولاذ بآثار الرسول فحكمه ... لحكم رسول الله في الناس تابع وعول في أحكامه وقضائه ... على ما قضى في الوحي والحق ناصع بطئ عن الرأي المخوف التباسه ... إليه إذا لم يخش لبسا يسارع جرت لبحور العلم أمداد فكره ... لها مدد في العالمين ينابع وأنشأ له منشيه من خير معدن ... خلائق هن الباهرات البوارع تسربل بالتقوى وليدا وناشئا ... وخص بلب الكهل مذ هو يافع وهذب حتى لم تشر بفضيلة ... إذا التمست إلا إليه الأصابع فمن يك علم الشافعي إمامه ... فمرتعه في باحة العلم واسع سلام على قبر تضمن جسمه ... وجادت عليه المدجنات الهوامع لقد غيبت أثراؤه جسم ماجد ... جليل إذا التفت عليه المجامع لئن فجعتنا الحادثات بشخصه ... لهن لما حكمن فيه فواجع فأحكامه فينا بدور زواهر ... وآثاره فينا نجوم طوالع ولابن دريد فيه قصيدة أخرى، نونية جيدة المطلع، قوية المنزع، روية المشرع، مدحه فيها فأبدع، وجرى في مضمار فضائله فأسرع، والله يغفر له، ويسامحه. وهذه نبذة مختصرة، من فضائل الشافعي، رحمه الله، وشمائله، ولو تقصينا أخباره مبسوطة، لطال الكتاب، ولكنا اقتصرنا على هذا القدر، إذ فيه مقنع لذوي الألباب. وقد جمع الناس ترجمة الشافعي قديما وحديثا، فأول من نعرف جمعها: داود بن علي بن خلف الأصبهاني الظاهري، ثم أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، وزكريا بن يحيى الساجي، والدارقطني، وأبو علي الحسن بن الحسين الهمداني، المعروف بابن حكمان، وهو ضعيف، وفيما ينقله نكارة، ولا يكاد يخلو ما يرويه عن غرابة ونكارة، وأبو الحسين الرازي والد تمام، والحاكم النيسابوري، وأبو الحسين محمد بن الحسين بن إبراهيم الآبري السجستاني، والحافظ أبو بكر البيهقي، والحافظ أبو القاسم ابن عساكر، في تاريخه، ذكر ترجمة بليغة أطنب فيها، وأكثر، وأطيب، وذكر أشياء من ترجمة أبي علي بن حمكان، وأشياء من رحلة الشافعي لعبد الله بن محمد البلوي، وهو كذابٌ وَضَّاعٌ، وقد أعرضت في هذه الترجمة عن كثير من ذلك، وذكرت مقاصد ما ذكره هؤلاء الأئمة، مما هو صحيح، أو قريب منه، ولا يخفي ذلك على أولى العلم. وكذلك جمع ترجمة الإمام الشافعي: أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي، أستاذ المتكلمين في زمانه، في مجلد وأطال العبارة فيها، ولكنه اعتمد على منقولات كثيرة مكذوبة، لا نقد عنده في ذلك، فلهذا كثر فيها الغرائب والمنكرات من حيث النقل. والله تعالي هو الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب، ولا حول ولا قوة إلا بالله، العلي العظيم: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] ، {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] . فصل وقد وقع لي حديث عزيز عظيم، من رواية الإمام الشافعي، رضي الله عنه، فيه بشارة عظيمة، لعموم المؤمنين، ولا سيما للأبرار والمقربين، أحببت أن أسوقه بسندي إلى سيد المرسلين، صلى الله عليه وسلم. وَقَدْ أَخْبَرَنِي بِهِ شَيْخُنَا الإِمَامُ الْحَافِظُ، أَبُو الْحَجَّاجِ يُوسُفُ ابْنُ الزَّكِيِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ الْمِزِّيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبٍ الشَّيْبَانِيُّ، وَالْمُسْلِمُ بْنُ عَلانَ، قَالا: أنا حَنْبَلُ ابْنُ الرُّصَافِيِّ الْمُكَبِّرُ، وَأنا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُصَيْنِ الشَّيْبَانِيُّ، أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُذْهِبِ التَّمِيمِيُّ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَالِكٍ الْقَطِيعِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، ثنا أَبِي، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ» ، وهكذا رواه النسائي، من حديث مالك، والترمذي، وابن ماجه من حديث الزهري به، وقال الترمذي: حسن صحيح، قلت: وهذا فرد من الأفراد اجتمع في سنده ثلاثة من الأئمة الأربعة وهذا عزيز جدا، وقد روى الإمام أحمد في مسنده عن الشافعي أحاديث أخر غير هذا، بل قد روى عن رجل عنه وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيهِ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ، ثنا الشَّافِعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَلَّى صَلاةَ الْكُسُوفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وهذا على شرط الصحيح ولم يخرجوه، ومما استغرب من رواية الشافعي، رضي الله عنه، ما رواه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْجُرَشِيُّ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، ثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا الشَّافِعِيُّ، ثنا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاةِ الْفَذِّ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا» ، ثم قال الخطيب: لا أعلم أحدا رواه عن الشافعي إن لم يكن الربيع وهمَ فيه، لأن هذا الحديث في الموطأ عن مالك، رضي الله عنه، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. قلت: وهكذا أخرجه مسلم في صحيحه عن يحيى، والنسائي عن قتيبة، والترمذي عن إسحاق بن موسى الأنصاري، عن معن بن عيسى القزاز كلهم، عن مالك، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، به. وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: تفرد به كذلك الربيع، عن الشافعي، وقد رواه المزني، والزعفراني، وحرملة، عن الشافعي، عن مالك، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، فقيل: إنه وهمَ فيه الربيع، وقيل: بل هو محفوظ عن مالك فقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو الحسن علي بن عيسى بن إبراهيم الثقة المأمون، ثنا إبراهيم بن أبي طالب، وعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا روح بن عبادة، ثنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «فضل صلاة الرجل في الجماعة على صلاته وحده بخمسة وعشرين جزءا» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 باب ذكر المسائل التي انفرد بها الإمام الشافعي، رضي الله عنه، من دون إخوانه من الأئمة، أبي حنيفة، ومالك، وأحمد بن حنبل، رضي الله عنهم أجمعين، وذلك مرتب على أبواب الفقه. من كتاب الطهارة إلى الصلاة فمن ذلك أنه كره استعمال الماء المشمس، واختلف الأصحاب فيه على وجوه، والمستند حديث: «لا تفعلي يا حميراء» ، وهو ضعيف جدا من جميع طرقه، والأثر عن عمر لم يصح سنده أيضا، والمرجع فيه إلى الطب، وقال في أحج القولين بنجاسة الماء إذا مات فيه ما ليس له نفس سائلة كسائر الميتات، ووافق في الآخر الثلاثة لحديث فامقلوه، وجعل المرجع في ضابط الماء إلى القلتين، لحديث ابن عمر، رضي الله عنهما، ووافقه أحمد في رواية، وقسم الماء إلى طاهر وطهور ونجس، وكذا عند أحمد في رواية، وعنه قول استعمال أواني الذهب والفضة أن النهي عنها محمول على التنزيه، ووافق في القول الآخر الثلاثة على التحريم، وهو الصحيح وفي اتخاذها فقط وجهان: أحدهما: يجوز خلافا للثلاثة، وحكاه ابن أبي موسى الحنبلي قولا عن الشافعي، والأصح في المذهب أنه لا يجوز اتخاذها، لأنه ذريعة إلى استعمالها ووفاقا لهم، وقال: فيمن اشتبه عليه ماء طاهر، وماء نجس، أنه يتحرى ويتوضأ بالماء الطاهر، على ما غلب في ظنه مطلقا، وعن الإمام أحمد: أنه لا يتحرى بل يتيمم، وعن أبي حنيفة: إن كانت الأواني الطاهرة أكثر من النجسة تحرى وإلا فلا، وعن مالك: يتوضأ بكل منها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 ويصلي بعددها، وعنهم روايات أخر غير ما ذكرنا، والغرض أنه عن كل واحد قول. وكره السواك للصائم بعد الزوال لإزالته الخلوف من الفم، ووافقه أحمد في رواية، وحكى الترمذي، عن الشافعي أنه لا يكره، والحالة هذه كقول الثلاثة لعموم أحاديث الترغيب في السواك. وقال: بوجوب الختان على الرجال والنساء وعن أبي حنيفة، ومالك: أنه سنة مطلقا، وقال أحمد بوجوبه على الرجال وسنيته للنساء. وقال: إنه يجزئ في مسح الرأس ما يطلق عليه المسح ولو على شعرة ووافقه أحمد في رواية، وقال مالك، وأحمد في الرواية الأخرى: باشتراط الاستيعاب، وعن أبي حنيفة مقدار ربع الرأس، أو الناصية، أو ثلاثة أصابع، روايات، واستحب الشافعي تكرار مسحه ثلاثا لعموم أحاديث في الصحيح، ونص بعضها في السنن، ووافقه أحمد في رواية، وهكذا في مسح الأذنين، ووافقه في استحباب تكرار مسحهما ثلاثا. وقال الشافعي: يجزئ في مسح الخف ما يقع عليه الاسم، وقال مالك: يجب استيعابه. وقال أحمد: يجب مسح أكثره، وقال أبو حنيفة: يجب مسح مقدار ثلاثة أصابع. وقال: بانتقاض الوضوء من لمس النساء الأجنبيات مطلقا لعموم الآية، وله في ذوات المحارم قولان، وقال مالك: إن لمس بشهوة انتقض وإلا فلا، وقال أبو حنيفة: لا ينتقض إلا أن يمس برأس ذكرة شفرها، وعن أحمد ثلاث روايات كقولي الشافعي ومالك، والثالثة: لا ينتقض مطلقا والله أعلم، وقال في الجديد: بانتقاض الوضوء أيضا من مس حلقة الدبر، وهو رواية أحمد، وله قول آخر أنه لا ينتقض وفاقا للثلاثة، وعنه في لحم الجزور قول حكاه ابن القاص: أنه ينقض الوضوء لحديث في صحيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 مسلم، وهو رواية عن أحمد، والمشهور عن الشافعي أنه لا ينقض كقولهم، وانفرد الشافعي بإيجاب الغسل من انزال المني مطلقا، وإن كان بغير شهوة خلافا لهم، وكذا عنده يجب الغسل على من خرج منه منى بعد الغسل، وقال مالك: لا غسل عليه، وقال أبو حنيفة: إن كان خروجه بعد البول فلا غسل، وإن كان قبله وجب، وعن أحمد ثلاث روايات كالثلاثة. وقال الشافعي فيمن بدنه صحيح وجريح أنه: يغسل الصحيح ويتيمم عن الجريح، وقال مالك: يغسل الصحيح ويمسح الجريح ولا يتيمم، وقال أبو حنيفة: إن كان الأكثر صحيحا غسله ولا يمس ولا يتيمم، وإن كان جريحا يتيمم ولا مسح ولا غسل. ومن كتاب الصلاة إلى الزكاة الجديد في مذهب الشافعي أنه لا وقت للمغرب إلا وقت واحد لحديث جابر، وابن عباس، رضي الله عنهم، وهو رواية عن مالك، والقديم، وعليه الفتوى، والمختار من جهة الدليل أن وقتها موسع إلى غيبوبة الشفق كقول الثلاثة، لثلاثة أحاديث في صحيح مسلم والجديد من مذهبه أن تعجيل العشاء أفضل لعموم الأحاديث الواردة فِي فضيلة أول الوقت، والقول الآخر: أن تأخيرها أفضل، كقول الثلاثة لما ورد في ذلك من الدليل الخاص به، وله قول آخر: أنه إن اجتمع الجماعة عجل وإلا أخر، والله أعلم. وذهب الشافعي، رضي الله عنه، إلى أن الأذان تسع عشرة كلمة، يكبر أربعا في أوله مع الترجيع، وهو أذان أبي محذورة، وقال الإمام مالك: هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 سبع عشرة كلمة، يكبر في أوله مرتين مع الترجيع، وقال أبو حنيفة، وأحمد: وهو خمس عشرة كلمة، يكبر أربعا في أوله من غير ترجيع وهو أذان بلال، واختار الشافعي إقامة بلال رضي الله عنهما، إحدى عشرة كلمة: «الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمد رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله» ، ووافقه الإمام أحمد في رواية، وقال مالك: الإقامة فرادى كهذا إلا أنه يقول: قد قامت الصلاة مرة واحدة فجعلها عشر كلمات، وقال أبو حنيفة: الإقامة هي الأذان مثنى مثنى كما تقدم، وزيادة قد قامت الصلاة مرتين، فجعلها سبع عشرة كلمة، والجديد من مذهب الشافعي، رضي الله عنه، أنه لا تثويب في أذان الصبح، وقال في القديم: هو سنة كقول الثلاثة، وهو المفتى به للحديث وقد اختلفوا في موضعه من الأذان. وقال في الجديد: من صلى باجتهاده إلى القبلة ثم تبين الخطأ لزمه الإعادة , وقال في القديم: لا إعادة عليه، كقول أبي حنيفة، وأحمد، وقال مالك: إن تبين أنه كان منحرفا فلا إعادة عليه، وإن كان مستدبرا، فعنه روايتان. ومن أفراده: الجهر بالبسملة في الصبح والأولين من المغرب والعشاء، وقال أبو حنيفة، وأحمد: يسر بها، وقال مالك: لا يقرؤها بالكلية، ثم هي عند الشافعي، رضي الله عنه، من أول الفاتحة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 آية على الصحيح، وقيل: بعض آية، وكذا من سائر السور على أصح القولين، وقال مالك، وأبو حنيفة: ليست بآية لا من الفاتحة، ولا من غيرها، وقال أحمد: ليست آية من غيرها رواية واحدة، وهل هي من الفاتحة؟ على روايتين، وعنه أنها إنما أُنْزِلَتْ منفصلة عن السُّوَرِ للفصل بينها، وليست منها، والله أعلم، ثُمَّ الجديد من مذهبه أنه يجب على المأموم قراءة الفاتحة فيما أسر فيه الإمام وجهر، لعموم قوله، صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» ، وقوله في القديم: أنها لا تجب في الجهرية، وتجب في السرية، وقالوا في المشهور عنهم: ليس على المأموم قراءة لا في الجهرية ولا في السرية، لما جاء في الحديث: «من كان له إمام فقراءته له قراءة» ، وقال الشافعي: يؤمِّن الإمام على قراءة نفسه، وله في المأموم قولان، وقال مالك: يؤمِّن المأموم، وعنه في الإمام روايتان، وقال أبو حنيفة: لا يؤمن هذا ولا هذا، وقال الإمام أحمد: يؤمن هذا وهذا، للحديث: «إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» ، والجديد من المذهب قراءة ال { [في الأخريين من الرباعية، وقال في القديم: لا يسن وعليه الفتوى، وهو قول الثلاثة، وقال الشافعي بصحة صلاة من قرأ في صلاته من مصحف، وعن الإمام أحمد مثله، وعنه أن ذلك يجوز في النافلة دون الفريضة كمذهب مالك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وقال أبو حنيفة: تبطل صلاة من فعل ذلك مطلقا. وقال الشافعي: لا يجزئ السجود على كور العمامة خلافا للثلاثة، إلا رواية عن أحمد كالشافعي، وقال في الجديد باستحباب الصلاة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، في التشهد الأول ولم يستحبه في القول الآخر كمذهب الثلاثة، وقال الشافعي بوجوب التشهد الأخير، وهو المشهور عن أحمد، وعنه رواية كقول أبي حنيفة، ومالك أنه سنة وليس بفرض، ثم اختلفوا أي التشهدات أفضل، فاختار الشافعي ما رواه ابن عباس، رضي الله عنهما، لأنه أكثر ذكرا وهو في صحيح مسلم، واختار مالك ما رواه في موطئه، عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه قال على المنبر، واختار مالك أبو حنيفة، وأحمد تشهد ابن مسعود، رضي الله عنه، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو في الصحيحين ومذهب الإمام الشافعي، رضي الله عنه، أن الصلاة على النبي، صلى الله عليه وسلم، في التشهد الأخير فرض لا تصح الصلاة بدونه، خلافا لهم، وقد ادعى بعضهم أن الشافعي، رضي الله عنه، تفرد بهذا المذهب دون العلماء ولا سلف له فيه، وليس كما قالوا، بل قد روى هذا عن ابن مسعود، وجابر، وابن عمر، وأبي مجلز، والشعبي، والباقر، وغيرهم، وهو الذي اختاره الإمام أحمد بن حنبل في آخر أمره، وصار إليه، وذهب إليه ابن المواز من المالكية، وقد أفردت في ذلك مصنفا حتى أنه اختلف أصحاب الإمام أحمد في وجوب الصلاة عليهم، كما أرشدهم إلى ذلك في الحديث الصحيح إلى آخره، قال: لأن أحمد اختار ذلك. ومذهب الشافعي أن الإمام والمنفرد يقنت في صلاة الصبح بعد الرفع من الركعة الثانية جهرا هذا هو الصحيح في المذهب، وقال مالك: القنوت قبل الركوع الثاني، وقال أبو حنيفة وأحمد: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 القنوت في الوتر لا في الصبح، ثم اختلفا في محله كاختلاف الشافعي، ومالك في الصبح، فأبو حنيفة قبل الركوع، وأحمد بعده، وجادة المذهب أنه لا يتأكد سجود التلاوة للسامع بخلاف التالي والمستمع، وقال مالك وأحمد: يتأكد في حق الجميع، وإن تفاوتوا، وأوجبه أبو حنيفة على الجميع، واختلفوا في تعداد سجود التلاوة وتعيينه. فقال الشافعي في الجديد: هن أربع عشرة سجدة، في الأعراف، والرعد، والنحل، وسبحان , ومريم، وسجدتان في الحج، والفرقان، والنمل، وآلم تنزيل السجدة، وحم السجدة، والنجم، وإذا السماء انشقت، واقرأ، وأما سجدة ص فسجدة شكر ليست سجدة من عزائم السجود عنده، وذلك من أفراده إلا رواية عن أحمد، وقال أبو حنيفة: هن أربع عشرة ولكن أسقط التي في آخر الحج، وعوض منها سجدة ص، وقال مالك: هن إحدى عشرة، فأسقط التي في آخر الحج، واللواتي في المفصل، وهن التي في النجم، والانشقاق، واقرأ واعتبر سجدة ص، وهو القول القديم للشافعي، وقال أحمد: هن خمس عشرة إلا أربع عشرة التي ذكرها الشافعي مع زيادة سجدة ص، والله أعلم. وقال: إن سجود السهو سنة إن ترك جاز، وقال أحمد: بل هو واجب، وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة، وقال مالك: إن كان عن نقصان فواجب، وإلا استحب، ثم مذهب الشافعي في الجديد، أن محله قبل السلام مطلقا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 إلا أن ينساه فيسجد بعد السلام، وقال أبو حنيفة: محله بعده مطلقا، وقال مالك: إن كان عن نقصان فقبله، وإلا فبعده، فإن اجتمعا سجد قبله، وعن أحمد روايات منها: أنه يتبع ما ورد في الحديث فيسجد، كما جاء وما عداه فقبل السلام، واتفق الأئمة على كراهة حضور المرأة الشابة الجماعة، قال الشافعي: وهكذا حكم العجوز التي يشتهي مثلها، وقال مالك وأحمد: لا يكره وذلك للعجائز. وقال محمد بن الحسن عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة: لا يكره لهن ذلك في الفجر والعشاء ويكره في الباقي، ولنا قول بصحة صلاة القارئ خلف الأمي، والجديد: لا تصح صلاته كقول مالك وأحمد، وعند أبي حنيفة: أنه لا يصح صلاة المأموم ولا الإمام أيضا، وللشافعي قول آخر، وهو أنه تصح صلاته وراءه في السرية دون الجهرية، لأنه في السرية لا يتحمل الإمام عن المأموم القراءة، وهذا القول من أفراده أيضا، وقال الشافعي بصحة صلاة المفترض خلف المتنفل، ومن يصلي فرضا خلف فرض آخر، سواء وافقه في العدد، أو خالفه، خلافا لهم في ذلك، ولنا قول آخر، أنه يجوز الجمع بين الصلاتين في السفر القصير، والقول الآخر كقولهم: إنه لا يجوز إلا في الطويل، ومنع أبو حنيفة من ذلك إلا بعرفة ومزدلفة في جماعة. وقال الشافعي بجواز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بعذر المطر في الجماعة، لحديث ابن عباس، رضي الله عنهما، وقال مالك وأحمد: يجوز ذلك في المغرب والعشاء، ولا يجوز في الظهر والعصر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وأبو حنيفة أشد منعا، لهذا، وهذا مطلقا، والله أعلم. وقال الشافعي بوجوب الجمعة على من سمع النداء سواء، كان بينه وبين البلد قليلا، أو كثيرا، وقال مالك وأحمد: إن كان بينه وبينها فرسخ فما دونه وجب عليه الحضور، وإلا فلا، وقال أبو حنيفة: لا تجب الجمعة إلا على أهل المصر، ولا تجب على الخارجين عنه , ولو سمعوا النداء، وقال الشافعي: لا تنعقد الجمعة إلا بأربعين نفسا أحرارا بالغين عقلاء مقيمين في الموضع لا يظعنون عنه شتاء ولا صيفا إلا ظعن حاجة، وقال مالك: تنعقد بمن يتقرى بهم قرية، ويكون بينهم البيع والشراء من غير حضر، وقال أبو حنيفة: لا تنعقد إلا في مصر جامع عظيم، ومع هذا تصح بثلاثة غير الإمام، وعن أحمد روايات كالجماعة إمام ومأموم واثنان مع الإمام، وكقول الشافعي، وعنه لا بد من خمسين نفسا، وقال الشافعي بوجوب الجلوس بين الخطبتين، وقالوا: هي سنة، قال أبو حنيفة وأحمد: وكذلك القيام فيهما سنة أيضا. وقال الشافعي في الجديد: لا يحرم الكلام حال الخطبة على الخطيب ولا المستمع ولكن يكره، وعن أحمد رواية مثله، والمشهور عنه أنه يحرم على المستمع دون الخطيب، وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي في القديم: يحرم الكلام حينئذ عليهما، قال مالك: لكن للإمام أن يتكلم في الخطبة بما فيه مصلحة، كزجر الداخلين عن الزحام ونحو ذلك وإذا كلم أحدا على التعيين جاز كذلك الرد عليه، لقصة عمر، وعثمان، رضي الله عنهما، وقال الشافعي: فيما إذا صلوا من الجمعة ركعة ثم دخل وقت العصر أنهم يتمونها ظهرا، وقال أحمد ومالك: يتمونها جمعة، وقال أبو حنيفة: تبطل الصلاة بالكلية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 ويستأنفون صلاة الظهر فرادي، وكذا قال مالك فيما إذا لم يدركوا ركعة من وقت الجمعة بل أقل منها، أو لم يدركوا شيئا بالكلية، أنهم يصلون الظهر فرادى، وقال الشافعي في مثل هذا: بل يصلون الظهر جماعة، والله أعلم. ومذهب الشافعي: أنه يستحب أن يكبر في العيدين بعد تكبيرة الافتتاح سبعا في الأولى، وخمسا في الثانية، بعد تكبيرة القيام، وقال مالك وأحمد: بل تكبر في الأولى بعد تكبيرة الافتتاح ستا، وفي الثانية خمسا، وقال أبو حنيفة: ثلاثا في الأولى قبل القراءة، وثلاثا في الثانية بعد القراءة ليوالي بين القراءتين، وهو رواية عن أحمد، وقال الشافعي: الأفضل في التكبير في العيدين أن يقول: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد» ، فيكبر ثلاثا أولا ويشفع التكبير في آخره، وقالوا: بل الأفضل أن يشفع التكبير في أوله وآخره كالأذان. وأما وقت التكبير ففي عيد الفطر من رؤية الهلال إلى أن يخرج الإمام لصلاة العيد، وهو رواية عن أحمد، وفي قول عنه: إلى أن يحرم بصلاة العيد، وفي قول: إلى أن يفرغ منها، وعن أحمد رواية أخرى: إلى أن يفرغ من العيد والخطبتين، وقال مالك: يبتدي من أول يوم العيد دون ليلته إلى أن يخرج الإمام لصلاة العيد، وقال أبو حنيفة: لا يشرع التكبير في عيد الفطر. وأما عيد الأضحى فعن الشافعي في ابتدائه وانتهائه ثلاثة أقوال: أحدها: وهو الجادة في المذهب أن يبتدئ من صلاة الظهر يوم النحر، وتختم بصلاة الصبح من آخر أيام التشريق، وهو قول مالك. والثاني: من ليلة النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق. والثالث: من صلاة الصبح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وعليه عمل الناس اليوم، وهذا القول والذي قبله من أفراد المذهب، وقال أبو حنيفة: يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر ولا فرق عند هؤلاء بين الحلال والمحرم. وقال أحمد بن حنبل: يكبر الحلال من صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر آخر أيام التشريق، كالقول الثالث للشافعي: وإن كان محرما فمن ظهر يوم النحر إلى العصر آخر أيام التشريق، ثم اتفقوا على أن ذلك مشروع من بعد صلاة الفريضة في الجماعة، واختلفوا في المنفرد، هل يكبر أم لا؟ وقال الشافعي في أحد قوليه: يكبر خلف النوافل أيضا، والقول الثاني لا كقوله، وانفرد الشافعي باستحباب صلاة العيد في المساجد إلا أن يضيق عن الناس فيخرجون إلى الصحراء، وقال الثلاثة باستحبابها في الصحراء إلا أن يكون ثَمَّ عذر من مطر، أو نحوه، فيصلون في المساجد. وقال الشافعي بجواز التنقل قبل صلاة العيد للإمام والمأموم في المسجد والمصلى، لكن إذا ظهر الناس لا يصلي قبلها، وقال أحمد: لا يتنفل قبلها، ولا بعدها مطلقا، وقال أبو حنيفة: لا يتنفل قبلها مطلقا، ويجوز التنفل بعدها مطلقا، وقال مالك: إن كان في المصلى، فإنه لا يتنفل لا قبلها ولا بعدها، وإن كان في المسجد فعلى روايتين، إحداهما كالمصلي، والثانية له أن يصلي ركعتين قبل الجلوس، وانفرد الشافعي باستحباب خطبتين بعد صلاة الكسوف، أو الخسوف، ووافقه أحمد في رواية عنه، ولا يختلف مذهبه أنها تفعل في أوقات الكراهة، وهو رواية عن مالك وأحمد، والمشهور عنهم أنه يذكر، ويسبح، ولا يصلي. وقال الشافعي بوجوب كفن المرأة على زوجها، وإن كانت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 ذا مال خلافا لهم، وقال في الجديد: الولي أولى بالصلاة على قريبه من المولى، وقال في القديم: بل الولي أولى، كقول مالك وأبي حنيفة، وقال أحمد: يقدم الوصي ثم الوالي ثم الولي، وقال: إنه يسرح شعر الميت تسريحا خفيفا، وقالوا: لا يسرح، وله قول أنه يختن الميت إذا لم يختتن في حال الحياة، كذلك تقليم الأظافر، وقص الشارب، وهو رواية عن أحمد , ومنع الباقون من ذلك حتى قال مالك: يعزر من فعل ذلك، وقال بجواز تغسيل الرجل المرأة إذا كانت محرما منه، ومنعوا من ذلك، وأجاره مالك عن عدم وجود النساء. وقال الشافعي يُصَلَّى على الميت في قبره ما لم يبل جسده، وإن كان قد صُلِّيَ عليه قبل ذلك، وقال أحمد: إلى شهر وهو وجه في المذهب، وقال أبو حنيفة: لا يُصَلَّى عليه في القبر إلا إذا لم يكن الولي قد صَلَّى عليه فيُصَلِّي عليه إلى ثلاثة أيام، وقال مالك: لا يُصَلَّى عليه إلا إذا لم يكن قد صُلِّيَ عليه، أو صُلِّيَ بغير إذن الإمام، أو الولي، ولنا وجه: أنه يُصَلَّى عليه إلى ثلاثة أيام، ووجه: أنه يُصَلَّى عليه أبدا، ووجه: أنه إنما يُصَلِّي عليه من كان من أهل الصلاة عليه عند موته، فأما من لم يكن أهلا لذلك فلا يشرع له الصلاة عليه، وعلى كل حال فلا تشرع صلاة الجنازة على قبر النبي، صلى الله عليه وسلم، وإن كان جسده لم يبل، صلوات الله عليه وسلامه، لأنه السلف والأئمة، رضوان الله عليهم، ورحمته، لم يفعلوه، وفيه وجه غريب في المذهب أن ذلك مستحب، والله أعلم، وقال الشافعي، رضي الله عنه، باستحباب تسطيح القبر لحديث علي: " لا ترى قبرا مشرفا إلا سويته، واستحبوا تسنيمه، وهو وجه عندنا لأن قبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان متسنما لا مشرفا ولا لاطيا. ومن كتاب الزكاة قال الشافعي، رضي الله عنه، فيمن وجب عليه ابنه مخاض وليست عنده، ولا ابن لبون: أنه مخير بين شراء بنت مخاض، أو ابن لبون، وقال مالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 وأحمد: يتعين عليه شراء ابنه مخاض، وقال أبو حنيفة: تجزئه هي، أو قيمتها، وقال: إنه تجزئ الصغير عن الصغار في الغنم، وقالوا: لا تؤخذ إلا كبيرة بالقسط، كما تؤخذ الصحيحة عن المراض بالقسط، ومذهب الشافعي: أن الذهب لا يضم إلى الفضة في إكمال نصابها خلافا لهم، إلا أن أحمد وافق الشافعي في إحدى الروايتين عنه في ذلك. وقال الشافعي: فيمن أخرج المكسرة عن الصحاح: أنها لا تجزئه مطلقا، وقال أبو حنيفة: تجزئه مع الإساءة، وقال أحمد: لا تجزئه حتى يخرج ما بينهما من التفاوت، وعن مالك نحوه، وله قول آخر: إن زكاة العروض لا تجب، وهو غريب جدا، والمشهور عنه وجوبها كقول الجماعة، ثم إنه يقول بوجوب تقويم العرض بما اشتراه من ذهب، أو فضة، أو غيره , فإن بلغ نصابا زكاة وإلا فلا. وقال أبو حنيفة وأحمد: يقوم بما هو أنفع للمساكين من عين، أو نقد، وعند الشافعي: أنه إذا انقضت قيمة العرض في أثناء الحول عن النصاب فإن ذلك لا يضر، بخلاف نقص بقية النصب فإنه لا تجب الزكاة والحالة هذه، وقال مالك، وأحمد: أيما نصاب نقص في أثناء حوله فلا زكاة فيه، العروض وغيرها سواء. وقال أبو حنيفة: متى كان النصاب كاملا في ابتداء الحول وانتهائه، وجبت الزكاة، وله قولان مطلقان في الدَّيْنِ هل يمنع وجوب الزكاة أم لا؟ والمشهور أنه لا يمنع، وهم يفرقون بين الأموال الباطنة فلا تجب فيها الزكاة مع الدَّيْنِ بخلاف الظاهرة، وعنده أنه لا يضم الحنطة إلى الشعير، ولا إلى شيء من القطاني في إكمال النصاب، وقال مالك: تضم الحنطة إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 الشعير لا إلى القطاني، وعن أحمد، كالشافعي، وكمالك، وعنه أيضا أنه يضاف كل من هذه الأجناس إلى الآخر مطلقا، وأما أبو حنيفة فعنده لا يفتقر شيء من ذلك إلى النصاب بل يخرج من قليلة وكثيره، ولا يفتقر إلى ضم شيء منها إلى الآخر، واعتبر الشافعي الحول في زكاة المعدن في أحد قوليه خلافا لقولهم، وقال: فمن وجد ركازا في داره، إن ادعاه فهو له، وإلا فهو لمالك الدار أولا إن ادعاه، وإلا فهو لقطة إن كان عليه اسم الإمام، وإلا ففي بيت المال مع الأموال الضائعة، وكذلك رواية عن أحمد. وقال أبو حنيفة يخمسه الواجد، والباقي لصاحب الخطة أولا، ولوارثه من بعده، فإن لم يعرفوا فلبيت المال، وقال أصحاب مالك: هو لواجده بعد تخميسه، وهو رواية عن أحمد، وقال بعضهم: إن كانت الأرض فتحت عنوة فهو للجيش، وإلا فلمن صالح عليها، وقال بعضهم: هو لصاحب الأرض الأول، وقال في القديم: فيمن منع زكاة ماله أنها تؤخذ منه قهرا، وشطر ماله تعزيرا لمقتضى حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، وقال في الجديد: يعزر كقول مالك، وعن أحمد يستتاب ثلاثة أيام فإن أداها وإلا قتل، ولم يحكم بكفره، وعنه يكفر. وقال حنيفة: يطالب بها فإن امتنع حبس حتى يؤديها كسائر الحقوق ومذهب الشافعي: إن البر أشرف أجناس صدقة الفطر، وقال مالك وأحمد: التمر ثم الزبيب، وقال أبو حنيفة: أغلاها ثمنا، ومذهبه وجوب استيعاب أصناف الزكاة بالإعطاء خلافا لهم، إلا أحمد في رواية، وله في المؤلفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 تفصيل وأقوال، منها ما هو من أفراده عن إخوانه كما هو مفصل في موضعه، وكذلك له في الغارمين تفصيل آخر، وعند الشافعي: أن ابن السبيل هو المجتاز والمنشئ سفرا أيضا، وهو رواية عن أحمد، والمشهور عنه كقول مالك وأبي حنيفة: أنه المجتاز فقط. وقال الشافعي: أقل ما يدفع إلى ثلاثة من كل صنف، وقالوا: يجوز الصرف إلى واحد من كل صنف، وحد الشافعي: الغنى الذي لا يجوز معه أخذ الزكاة بالكفاية، وهو رواية عن أحمد، وحد أحمد في الرواية الأخرى بملك خمسين درهما، أو قيمتها ذهبا وإن لم تكفه، وهو رواية في مذهب مالك، ولهم، أعني: المالكية، رواية بتحديد ذلك بأربعين درهما، وحد ذلك أبو حنيفة: بملك النصاب من أي مال كان، والله أعلم. ومذهب الشافعي: أنه يجوز للمرأة صرف زكاتها إلى زوجها لحديث زينب امرأة ابن مسعود، رضي الله عنهما، وهو رواية عن أحمد والمشهور عنه، كقول أبي حنيفة: أنه لا يجوز، وقال مالك: إن كان يستعين بالزكاة في نفقتها ومؤنتها لم يجزئ، وإن كان له أولاد من غيرها، أو نحوه، جاز. ومن كتاب الصيام المشهور من مذهب الشافعي، رضي الله عنه: إذا رأى أهل بلد الهلال فإنه يجب عليهم وعلى من وافقهم في ذلك المطلع الصيام، فإن اختلفت المطالع فلا يتعدى وجوب الصيام إلى غيرهم، وعن أبي حنيفة وأحمد: إذا رآه أهل قطر وجب على أهل الأرض الصيام ولا يجب الصيام بالحساب، ولا يرجع في ذلك إلى قول المنجم، وعن ابن سريج وغيره من أصحابنا، بل إذا أخبر بذلك من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 يقبل قوله، لأن ذلك يغلب على الظن وجود الهلال بصحة علم السير غالبا، والله أعلم. ومذهب الشافعي في الأسير إذا اجتهد فصام شهرا فوافق ما قبل رمضان: أنه يجزئه ذلك في أحد قوليه خلافا لهم، ومن طلع عليه الفجر وهو مجامع فإن نزع مع طلوع الفجر صح صومه، وإن استدام بعده لزمه القضاء والكفارة، وقال أحمد: متى طلع الفجر وهو مجامع لزمه القضاء والكفارة سواء نزع، أو استدام. وقال أبو حنيفة: إن نزع معه صح صومه وإن استدام فعليه القضاء بلا كفارة، وقال مالك: إن نزع معه لزمه القضاء وإن استدام فالقضاء والكفارة، وله قول في الموطوءة في نهار رمضان مكرهة، أو نائمة، أنه لا يفسد صيامها خلافا لهم، ومذهب الشافعي أن من أفطر بغير الجماع لا كفارة عليه، ووافقه أحمد في رواية وخالفه الباقون وله قول فيمن عجز عن كفارة الجماع أنها تستقر في ذمته، وقال في الآخر: تسقط عنه كقولهم، ومذهبه أن من قطر في إحليله شيئا أنه يفطر ويقضى خلافا لهم، ومذهبه فيمن مات وعليه صوم من شهر رمضان، أو منذور، أنه يطعم عنه كل يوم مدا من طعام، هذا هو الجديد من قوليه، وقال في القديم: يصام عنه فيهما، أعني: النذر والقضاء، وقال أبو حنيفة ومالك: إذا أوصى بشيء فعل عنه وإلا فلا، وقال أحمد: يطعم عنه في القضاء، ولا يصام عنه في النذر، ولا يطعم، والله أعلم. ومذهبه أن أرجى الليالي لطلب ليلة القدر، ليلة إحدى وعشرين، ثلاث وعشرين من شهر رمضان، وقال أحمد: ليلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 السبع وعشرين أرجاها، وقال مالك: تطلب في الأوتار من العشر الأخير، عن أبي حنيفة: أنها تطلب في جميع السنة، والله أعلم، ومذهب الشافعي: أن الصوم ليس بشرط في صحة الاعتكاف نهارا، ووافقه أحمد في رواية وخالفه في الأخرى، ومالك وأبو حنيفة لم يصححوا الاعتكاف نهارا بدونه، ومذهبه أن من نذر الاعتكاف ليلا لم يلزمه نهارا، أو نهارا لم يلزمه ليلا، ولو نذر اعتكاف يومين متتابعين لزمه اعتكافهما، ولا تلزمه الليلة التي بينهما، نص عليه، وقد اختلف الأصحاب فيها على وجهين وصححوا أنها تلزمه، والغرض من هذا أن مذهب الثلاثة فيمن نذر اعتكاف شهر رمضان، ولم يشترط التتابع أنه يلزمه اعتكافه بلياليه، ونص أحمد فيمن نذر اعتكاف يومين أنه يلزمه الليلة التي بينهما، بل مذهب أبي حنيفة فيمن نذر اعتكاف يومين أنه يلزمه اعتكاف يومين وليلتين، فيدخل في المسجد بعد غروب الشمس حتى يستكمل ذلك، وأبلغ من ذلك مذهب مالك، فمن نذر اعتكاف يوم أنه لا يصح حتى يضيف إليه ليلة، والله أعلم. ومذهب الشافعي فيمن جامع ناسيا وهو معتكف: أنه لا يبطل اعتكافه خلافا لهم، وأوجب أحمد مع ذلك الكفارة في أظهر الروايتين عنه، ومذهبه في المعتكف أنه يخرج إلى الجمعة إن شرط في نذره ذلك وإلا بطل، وقال مالك: يبطل بكل حال. وقال أبو حنيفة، وأحمد: لا يبطل شرط، أو لم يشرط؛ لأنه مستثنى بالشرع، ونقل ابن المنذر، عن الشافعي فيمن نذر الاعتكاف صامتا أنه يتكلم ولا التفات إلى نذره، لحديث أبي إسرائيل وزينب الأحمسية، وما أظن بقية الأئمة يخالفونه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 في هذا، والله أعلم، فإن الصمت مطلقا من البدع في الإسلام، وإنما هو من أمور الجاهلية، كما قال الصديق، فإلزامه بالنذر لا يلزم، والله أعلم. ومن كتاب الحج قال الشافعي، رضي الله عنه: لا يشترط في وجوب الحج على المرأة وجود المحرم، وكذا قال مالك، بشرط أن تحج مع جماعة النسوة، وأما الشافعي، فقال: لها أن تسافر مع امرأة واحدة ووحدها إذا كان الطريق آمنا، على الصحيح من المذهب، وللشافعي في أفضل النسك أربعة أقوال: أحدها: الإفراد ثم التمتع ثم القران وهذا جادة المذهب، وهو قول مالك، والثاني: التمتع ثم القران، وهو قول أبي حنيفة،. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .، والرابع: الإطلاق أفضل ابتداء ثم يصرفه بعد إلى أيها شاء. وقال المروزي عن أحمد: من ساق الهدى فالقران أفضل؛ لأنه، صلى الله عليه وسلم، فعل ذلك، ومن لم يسق الهدى فالتمتع أفضل، كما أمر به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أصحابه، فأفضلية الإطلاق على القول الرابع من أفراد الشافعي، ومذهب الشافعي: أن المعضوب إذا بذل له ولده الطاعة في الحج، أو نحوه، مما لا منة له عليه في ذلك، وكذا المال، في قوله: إنه يلزمه القبول، ويجب عليه الحج بذلك خلافا لهم، وله قول فيمن بينه وبين مكة بحر لا يمكنه الوصول إليها إلا فيه إنه لا يلزمه الحج، والصحيح كقولهم، وذلك في غير أوان اغتلام البحر، أما إذا اغتلم وهاج واضطربت أمواجه فلا يحل سلوكه بلا خوف، والله أعلم، ومذهبه أن من أحرم عن غيره قبل أن يحج عن نفسه لم ينصرف إلى ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 الغير، ويقع عن نفسه خلافا لهم، ومذهب الشافعي: أن وجوب الحج ليس على الفور وإنما يجب على التراخي بشرط سلامة العاقبة، وهو رواية عن أحمد والمشهور عنه، كقول مالك، وأبي حنيفة أنه على الفور، ومذهبه أن أشهر الحج شوال وذي القعدة وعشر ليال من ذي الحجة، ويوم النحر لا يدخل فيها عنده خلافا لأبي حنيفة وأحمد، وقال مالك: شوال وذو القعدة وذو الحجة بكماله، ومذهبه أن الإحرام بالحج في غير أشهره لا ينعقد بل يكون عمرة على الصحيح من مذهبه، وقالوا بصحة الإحرام بالحج في سائر السنة، إلا رواية عن أحمد كالشافعي، ومذهبه أنه يستحب إظهار التلبية في مساجد الأمصار كالصحاري خلافا لهم، وله قول أن من دفع من عرفة قبل أن تغرب الشمس أنه قد صح حجه ولا دم عليه، وإن لم يعد إلى عرفة ليلا، وعنه قول آخر: أن عليه دما، والحال هذه كقول أبي حنيفة وأحمد، وقال مالك: من دفع منها قبل الغروب ولم يعد إليها ليلا لم يصح حجه، وعنده أن الجمع في الوقوف بين الليل والنهار ركن، وقالوا: بل هو واجب، وللشافعي، قول: أنه مستحب كما تقدم والله أعلم. واستحب الشافعي للإمام أن يخطب الناس يوم النحر خلافا لهم، وله قول أن الحلاق استباحة محظور لا نسك، والقول الآخر نسك كقولهم، وقال الشافعي: إن كان مع المتمتع هدى فالأفضل أن يحرم بالحج يوم التروية، وإلا أحرم ليلة السادس من ذي الحجة. وقال أبو حنيفة: يستحب له تقديم الإحرام على يوم التروية مطلقا، وقال مالك وأحمد: يستحب له الإحرام يوم التروية مطلقا، قلت: اليوم السابع من ذي الحجة يسمى يوم الزينة لأنه يزين فيه البدن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 بالحلي والقلائد لأجل الخروج إلى منى، واليوم الثامن يقال له يوم التروية، لأنهم يتروون من الماء للمسير إلى عرفة، واليوم التاسع يوم عرفة , والعاشر يوم النحر، والحادي عشر يوم القر، والثاني عشر يوم النفر الأول، والثالث عشر يوم النفر الثاني، وهذه الأيام الثلاثة بعد النحر هي أيام التشريق، ولكل واحد منهما اسم خاص، وكذا الأيام الثلاثة قبله لكل اسم خاص، كما ذكرنا، والله أعلم. ومذهب الشافعي أن المتمتع إذا فرغ من العمرة فرجع إلى الميقات وأحرم بالحج منه، سقط عنه دم التمتع، وقال مالك وأبو حنيفة: لا يسقط حتى يرجع إلى أهله في بلده، زاد مالك: أو يبلغ مسافة أبعد من بلده، والصحيح من قول الشافعي: أنه يصح الإحرام بالعمرة، وإن لم يخرج إلى أدنى الحل وعليه دم، والقول الثاني: أنه لا يصح إلا من أدنى الحل، كقول الثلاثة، ومذهب الشافعي: أنه يجوز للمحرم الغسل بالسدر والخطم لحديث الذي وقصته راحلته، فقال، عليه السلام: «اغسلوه بماء وسدر» ، الحديث، وقال في آخره: «فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا» ، وقال في أحد القولين: إنه يلزم المحرم إذا تكرر منه فعل محظورات الإحرام تكرار الفدية، وإن لم يكفر عن الأول، وهو الذي صححه الأكثرون من الأصحاب، وقال في القول الآخر: تلزمه فدية واحدة ما لم يكفر عن الأول، وهو قول أحمد. وقال أبو حنيفة: إن تكرر ذلك منه في مجلس واحد ففدية واحدة، وإن كان في مجالس تكررت الفدية، وقال مالك: أما الجماع فتكرر فديته، وغيره لا تكرر إلا أن يكون قد كفر عن الأول، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 والصحيح من قوليه أن من جامع ناسيا لا يفسد إحرامه، والقول الثاني يفسد كقولهم، وعن أحمد رواية كالشافعي، وقال: فيمن وطئ عمدا بعد الوقوف، أنه يفسد حجه، وعليه بدنة. وقال أبو حنيفة: تم حجه وعليه البدنة، وعن مالك أنه تم حجه ولا شيء عليه، وعنده أن من قبل، أو لمس ولم ينزل لا شيء عليه، وقالوا: تلزمه شاة، وعن أحمد رواية ثانية، تلزمه بدنة، وقال في المعتمر إذا فسدت عمرته بالجماع: أنه تلزمه بدنة، قال الثلاثة: تلزمه شاة، والصحيح من قول الشافعي أن للزوج أن يحلل زوجته من حجة الإسلام، والقول الآخر: لا يجوز كقول الثلاثة، وقال الشافعي، في جماعة يقتلون صيدا وهم حرم: أن عليهم جزاء واحدا ووافقه أحمد في رواية، وقال في روايته الأخرى كمالك وأبي حنيفة: إن على كل واحد جزاء كاملا، وله قول في المحرم يجد ميتة وصيدا: إن له أن يأكل الصيد ويفديه، وهو رواية عبد الحكم، عن مالك، وقال في الآخر كأبي حنيفة وأحمد، والمشهور عن مالك: أنه يأكل الميتة ولا يأكل الصيد، وقال الشافعي، فيمن أخذ من صيد المدينة، أو قطع من شجره: أنه يسلب فاعله في أحد قوليه، وهو رواية عن أحمد: وقال في القول الآخر، كمالك وأحمد في الرواية الأخرى: يحرم ولا جزاء فيه، وأما أبو حنيفة، فقال: لا يحرم صيد المدينة، ولا شجرها، وقال الشافعي بتحريم صيد، وج، وهو وضع بالطائف، وقطع عضاهه خلافا لهم، وهل يضمر في مذهب الشافعي على قولين، وقال الشافعي في الغنم تهدي: أنها تقلد ولا تشعر، وعن أحمد تقلد وتشعر، وقال أبو حنيفة ومالك: لا تقلد ولا تشعر، وقال الشافعي: يجوز الأكل من هدى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 التطوع، إذا نحره ولا يأكل من غيره. وقال أبو حنيفة: يأكل من هدي التطوع إذا بلغ محله، ومن هدي التمتع والقرآن، وهو رواية عن أحمد , وقال في الأخرى: لا يأكل من النذر وجزاء الصيد، ويأكل مما سواه، وقال مالك مثله وزاد: ولا يأكل من فدى الأذى ولا من التطوع إذا عطب قبل المحل، وقال الشافعي، فيمن حج ثم ارتد والعياذ بالله ثم عاد إلى الإسلام: أنه لا يلزمه القضاء، وبه قال مالك في رواية عنه، وقال في الأخرى كأبي حنيفة وأحمد: أنه يلزمه القضاء. ومن الأضاحي قال الشافعي: وقت الأضحية يوم النحر وثلاثة أيام التشريق بعده، وقال الثلاثة: يوم النحر ويومان بعده. وقال الشافعي: يستحب لمن دخل عليه عشر ذي الحجة وهو يريد التضحية ألا يمس من شعره، ولا ظفره شيئا، وعن أحمد: يجب ذلك، والمحكي عن مالك، وأبي حنيفة: عدم الكراهة في ذلك. ومن الصيد والذبائح والأطعمة والنذر لو أكل الجارحة من الصيد ففيه ثلاثة أقوال في المذهب، أحدها: تغتفر، والثاني: لا، والثالث: تغتفر في جارحة الطير دون السباع، ولنا قول، أو وجه، حكاه إمام الحرمين: أنه لو انتظر صاحبه حتى طال عليه فأكل منه لا يضر، والحالة هذه فعلى القول باغتفار الأكل مطلقا، أو على التفصيل من مفردات المذهب خلافا لهم، ولو رمى صيدا فأصاب غيره، أو أرسل على صيد فصاد غيره فإن كان في تسميته حل، وإن لم يكن في تسميته فوجهان، وقال مالك: لا يباح مطلقا، وقال أبو حنيفة، وأحمد: يباح مطلقا، وما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 صيد بمنجل، أو سكين، لم يحل عنده، وقال أحمد: يحل، وقال أبو حنيفة، ومالك: إن كان معلقا، أو حياله، لم يحل، وإن رماه به حل، ومتروك التسمية حلال عند الشافعي مطلقا خلافا لهم في العمد، إلا رواية عن مالك، ولو نذر نذرا مطلقا، فأحد قولي الشافعي: لا ينعقد، والثاني: نعم، وتلزمه فيه كفارة يمين، كقولهم، ولو قال: إن شفى الله مريضي فمالي صدقة، لزمه أن يتصدق بجميع ماله عنده، وقال مالك وأحمد في إحدى الروايتين: يلزمه أن يتصدق بثلث ماله، وقال أبو حنيفة: ثلث ماله بعد الزكاة، وعن أحمد رواية: أنه يرجع إلى ما سواه من مال دون مال، ولو نذر ذبح ولده لم يلزمه شيء عند الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في أظهر الروايتين عنه: يلزمه ذبح شاة، وعن أحمد: تكيفه كفارة يمين. ومن كتاب البيوع إلى الإجارة قال الشافعي، رضي الله عنه، باشتراط الإيجاب والقبول، من البائع والمشترى قولا ليدل على تراضيهما، وقال مالك: لا يشترط بل كل ما يعده الناس بيعا بالمعاطاة وغيرها فهو بيع، وهو وجه عندنا، وهو رواية عن أبي حنيفة، وقال في الرواية الأخرى كقول أحمد بن حنبل: أنه يشترط في الأشياء الخطيرة دون الحقيرة، وهو وجه عندنا أيضا، والجديد من مذهبه أنه لا يصح بيع الغائب، وقال في القديم بصحته، كقول الثلاثة، وكذا عنده لا يصح بيع الأعمى، ولاشراؤه في أحد القولين بل يوكل، وفي القول الآخر: يصح للضرورة كقولهم، وقال في الجديد: العلة في تحريم الربا في الأشياء الأربعة، وهي التمر، والملح، والحنطة، والشعير الطعم، فعداه على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 كل مطعوم، وهو رواية عن أحمد، وقال في القديم: العلة الطعم مع تقدير الكيل والوزن، وهو رواية عن أحمد أيضا. وعن أحمد رواية ثالثة، كقول أبي حنيفة، وهي الجنس مع الكيل فيتعدى إلى الجص، والنورة، والأشنان، ونحو ذلك، وقال مالك: العلة فيها كونها مقتاتة، والله أعلم. وقال الشافعي: لا يجوز بيع الدقيق بالدقيق، وإن اتفقا في صفة النعومة، ولا الخبز الطري بمثله وزنا، ولا الرطب بالرطب خلافا للثلاثة فيها، ومذهبه أن بيع الفضولي لا يصح، وهو رواية عن أحمد، والأخرى عن أحمد كقول مالك وأبي حنيفة: أنه يصح ويوقف على إجازة المالك، فإن أجاز نفذ، وإن رد بطل، وهو قول شاذ في المذهب في وقف العقود مطلقا، ومذهبه أن مكة فتحت صلحا فيجوز بيع رباعها وإجارتها، وعنه قول آخر كقولهم: إنها فتحت عنوة، والله أعلم. ومذهبه أنه لا يجوز التفريق بين الوالدين والمولودين في البيع، ولا يصح إذا كان الأولاد دون السبع، ويجوز بعد البلوغ، وفيما بينهما قولان، وقال مالك: يختص ذلك بالأم وولدها قبل بلوغه، وقال أبو حنيفة وأحمد: لا يجوز التفريق بين المحارم إلى البلوغ عند أبي حنيفة، ومطلقا عند أحمد، إلا أن أبا حنيفة يحرم البيع ويصححه , والله أعلم، وعند الشافعي أن السلم الحال يصح وهو رواية عن مالك، والمشهور عنه كقول أبي حنيفة وأحمد: أنه لا يصح، وقال الشافعي: يجوز للمقرض أن يقبل من المقترض منه منفعة، إذا لم يكن ذلك مشروطا في أصل ذلك القرض خلافا لهم، وقال: يجوز انتفاع الراهن بالرهن، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 ما لم يضر بالمرتهن خلافا لهم، وقال في الرهن: إذا أعتق العبد المرهون، أنه لا يصح عتقه، وعنه قول أنه يعتق إذا كان موسرا، وتؤخذ القيمة من السيد، وتجعل رهنا مكانه، وإن كان معسرا لم يعتق كقول مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: يعتق بكل حال، وتؤخذ قيمته من سيده الموسر فإن كان معسرا استسعى العبد في قيمته إن كانت أقل من الدين، ويرجع بها على معتقه، وقال الشافعي: فيمن وجد سلعته في تركة المفلس، أنه أحق بها كما في حال الحياة خلافا لهم، فإنهم قالوا: هو أسوة الغرماء، وقال في أحد الأقوال، في إنبات الشعر الخشن: إنه بلوغ فِي حق المشركين دون المسلمين، وقيل عنه: إنه بلوغ مطلقا كقول مالك وأحمد، وقيل عنه: عدم الاعتبارية مطلقا كقول أبي حنيفة، وقال الشافعي: الرشد هو الإصلاح في الدين والمال بعد البلوغ، وقالوا: هو الإصلاح في المال فقط، وقال: لا يصح الصلح مع الإنكار، ولا مع السكوت، ولا عن المجهول، وعندهم يصح. وقال الشافعي: لا يصح ضمان مال المجهول، ولا ضمان ما لم يجب خلافا لهم، والمذهب أنه لا يصح الضمان بالأعيان كالغصوب، والعواري، والودائع، وفي وجه يصح ذلك كقولهم، وفي أحد القولين: لا تصح الكفالة بالنفس، والقول الآخر: تصح كقولهم، وقال الشافعي: لا تصح الشركة حتى يكون المالان من جنس واحد، وعلى صفة واحدة، إما صحاح، أو مكسرة، وفي وجه يشترط أن يكونا متساويين في القدر، وقال الثلاثة: لا يشترط شيء من ذلك بل يجوز أن يكون من جنس أن جنسين متساويين ومتفاوتين، وعنده أن شركة الأبدان باطلة، وقالوا: بجوازها وحكى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 قول للشافعي، وهو غريب، وقال مالك: فإن اختلفت الصناعتان كالحدادة والنجارة لم تصح الشركة أيضا. وقال الشافعي: في المودع إذا أودع ما استودع عند غيره من غير عذر فتلفت، أنه يضمنها، وقال مالك وأبو حنيفة: إذا أودعها عند من تلزمه نفقته لم يضمن. وقال الشافعي: فيما إذا اختلف العامل في القرض، ورب المال في البيع، فقال العامل: أذنت لي في البيع بنقد ونسيئة، وقال رب المال: لم آذن إلا في النقد، فالقول قوله وعنده مع يمينه، وقال الثلاثة: القول قول العامل مع يمينه، وقال بوجوب الضمان على المستعير إذا تلفت عنده العارية. وقال أبو حنيفة: هي أمانة فلا ضمان عليه إلا أن يتعدى فيها، وقال أحمد: إن شرط عليه الضمان ضمن، وإلا فلا، وقال مالك: إن كانت العارية مما يخفى هلاكها، كالثياب، والأمتعة، ونحو ذلك ضمنها لأنه متهم، وإن كانت مما لا يخفى هلاكها كالحيوان لم يضمن، وقال بوجوب ضمان منافع المغصوب كالركوب، والاستخدام، والإيجار , ونحو ذلك قولا واحدا، ووافقه مالك وأحمد في رواية عنهما. وقال أبو حنيفة: لا يضمن، وهو رواية عن مالك، وعن مالك: أنه لا يضمن ما انتفع به بنفسه كالسكنى والركوب، فإن أجرها ضمن، فأما إن كان المقصود المنفعة فقط، كالذين يسخرون الدواب فعنده يضمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 ذلك , رواية واحدة، وقال في الجديد فيما إذا فتح قفصا عن طائر فطار، وحل عقالا عن بعير فشرد، إن كان ذلك عقيبه ضمن وإلا فلا، وقال في القديم: لا يضمن مطلقا كقول أبي حنيفة. وقال مالك وأحمد: لا يضمن مطلقا، وعن الشافعي: فيما إذا دخل لا يضمن مطلقا كقول أبي حنيفة، وقال مالك وأحمد: يضمن مطلقا عن الشافعي، فيما إذا أدخل ساجا في المركب أنه يلزمه أن يرسى بأقرب السواحل ثم يردها، وقالوا: لا يلزمه ذلك، واختلف قوله في الشفعة هل هي على الفور أم على التراخي فقال في الجديد: هي على الفور، وهو مذهب أبي حنيفة، ورواية عن أحمد، وقال في القديم: هي على التراخي، فله المطالبة بها أبدا حتى تسقط ذلك صريحا، أو ما يدل عليه، وهو رواية عن أحمد، ولنا قول آخر: أنها مؤجلة إلى ثلاثة أيام، وعن مالك: إلى سنة، وعنه: إلى مدة تغلب على الظن إعراضه عنها، هذا كله فيمن علم بها، فأما الغائب، ومن لا يعلم، فله الشفعة متى علم، أو حضر، ولو بعد سنين، وهذا ما لا خلاف فيه، وقال في الجديد: فيما إذا اشترى المشترى الشقص بثمن مؤجل، أن الشفيع بالخيار إن شاء أخذه بثمن حال، أو تصبرهم حتى يحل ثم يأخذه، وهو قول أبي حنيفة، وقال في القديم: يأخذه بثمن مؤجل، وله قول ثالث: أنه يأخذه بسلعة معينة تساوي الثمن المؤجل، وقال مالك وأحمد: إن كان مليئا ثقة أخذه بالمؤجل، وإلا أقام كفيلا عليه وأخذه به، وللشافعي، رضي الله عنه، أنه لا تجوز المساقاة على غير العنب والنخل، والقول الآخر: لا يختص بها كقول مالك وأحمد، وأما أبو حنيفة فيمنع أصل الباب بالكلية، ومذهب الشافعي أن العامل وصاحب الشجرة إذا اختلفا في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 قدر المسمى، أنهما يتخلفان وينفسخ العقد، وقال مالك: القول قول العامل، وقال أحمد: القول قول المالك، والله أعلم. ومن كتاب الإجارة إلى النكاح ولو قال: أجرتك كل شهر بدرهم لم يصح عقد الإيجار عنده في الجميع، وهو رواية عن الإمام أحمد، وفي وجه يصح في الشهر الأول، وهو مذهب الثلاثة، وله قول آخر: أنه لا يجوز عقد الإيجار أكثر من سنة، وله قول آخر: إلى ثلاثين سنة، والمذهب أنه يجوز إلى مدة تبقى المعقود عليه، كقول الثلاثة، وللشافعي، رضي الله عنه، قول: أنه لا يجوز بيع المأجور من غير المستأجر، وقول آخر أنه يجوز كقول مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: لا يجوز بيعها إلا بإذن المستأجر، أو يكون عليه دين فيباع عليه، وله فيما إذا أكل بعض الزاد المستأجر عليه، وقيمته لا تختلف هل له وضع بدله؟ قولان: أحدهما: وهو الأظهر: ليس له ذلك. والثاني: نعم كقول الثلاثة، والمذهب أن من دفع ثوبه إلى غسال، أو قصار، أو صباغ، أو ركب مع ملاح، ونحوه ولم يسم له الأجر، أنه لا يستحق شيئا، خلافا لهم، فإنه يستحق أجر المثل عندهم، وهو وجه لنا، ولنا وجه: إن كان معروفا بذلك استحق، ووجه إن أخذه من صاحبه ابتداء لم يستحق، وإن دفعه إليه صاحبه ابتداء استحق، وقال الوزير ابن هبيرة: اتفقوا على العفو في الإجارة إنما يتعلق بالمنفعة دون الرقبة خلافا لأحد قولي الشافعي، قال ابن هبيرة: واتفقوا على أنه يجوز للإمام أن يحمي الحشيش في أرض الموات لإبل الصدقة، وخيل المجاهدين، ونحوها إذا احتاج إليه، ورأى في ذلك مصلحة، خلافا لأحد قولي الشافعي، قلت: الصحيح من مذهبه أن ذلك يجوز، ومذهب الشافعي أن الحشيش، والكلأ، وغيره النابت في الأرض المملوكة تبع لها، وهو رواية عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 أحمد، وأظهرهما عن أحمد: أنه لا يملك، كقول أبي حنيفة: بل كل من أخذه ملكه، وقال مالك: إن كانت الأرض محوطة ملك تبعا وإلا فلا، وللشافعي، رضي الله عنه، قول: إن الوقف لا ينتقل ملك رقبته عن واقفه، وقول: إنه ينتقل إلى الموقوف عليه كمذهب مالك وأحمد، وقول: إنه ينتقل إلى الله، تعالى، وهو رواية عن أبي حنيفة، وعن أبي حنيفة: إنه ينتقل لا إلى مالك، ومذهبه أن من وقف شيئا، واستثنى نفقة نفسه مدة حياته، أنه لا يصح الوقف. وبه قال محمد بن الحسن، وقال مالك، وأحمد، وأبو يوسف: يصح، وليس عن أبي حنيفة في هذا نص، ومذهبه إن من وقف على عقبه، أو نسله، أو ولده، أو ولد ولده، أو ذريته، أنه يدخل فيهم أولاد البنات، وبه قال أبو يوسف، وقال مالك في المشهور، وأحمد: يدخلون. وقال أبو حنيفة: لا يدخلون في العقب، وهل يدخلون في الأولاد، وأولاد الأولاد، والذرية؟ على روايتين عنه، ولو وقف شيئا وقفا مطلقا، فعن الشافعي: قولان. أظهرهما: لا يصح حتى يبين مصارفه. والثاني: يصح ويصرف في وجوه البر والخير، وهو قول مالك وأحمد، لحديث أبي طلحة لما تصدق ببئرحاء، ومذهب الشافعي، رضي الله عنه: أن من ملك غير الأولاد، ونسلهم، والآباء، والأجداد، لا يعتقون عليه، وقال مالك: يعتق الأبناء، والآباء، والأخوة. وقال أبو حنيفة، وأحمد: من ملك ذا رحم محرم فهو حر، ولو أسلم عبد لكافر أمر بإزالة الملك، فلو كاتبه لم يصح، في قول للإمام الشافعي، رضي الله عنه، وفي القول الآخر يصح كقولهم، وله قول: إن ولد المدبرة لا يتبع أمه بل يكون رقيقا، والقول الآخر: أنه يتبع أمه كقول الثلاثة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 ومذهبه أن الإيتاء في الكتابة واجب من غير تقدير، وقدره أحمد بالربع، ومالك، وأبو حنيفة باستحبابه، وله قول قديم: إنه يجب على السيد إجابة العبد المكتسب، إذا دعاه إلى الكتابة، خلافا لهم، إلا رواية عن أحمد فكالقول القديم، واختلف العلماء في بيع أم الولد على أقوال، فعن الشافعي قول بالوقوف، وقول بأنها تباع مطلقا، وقول أن لسيدها بيعها فإذا مات عتقت، والجديد المشهور كقول الجمهور: أنها لا تباع مطلقا وأما أم الولد المكاتب فيجوز له بيعها عند الشافعي. وقال أحمد: لا يجوز بل هي تابعة لعتقه، فإن عتق استقر حكم الاستيلاد، وإن رق بالتعجيز رقت، وقال مالك: إن كان مستظهرا لم يجز له بيعها، وإن كان عاجزا بيع الولد، ولو استولد جارية أبيه صارت أم ولد له، في قول الشافعي، كقول الثلاثة، وعنه أنها لا تصير عند الشافعي، في قول عنه: أن المعتق لا يورث أصلا، وعنه كقولهم أنه يورث بقسطه. ومن كتاب النكاح إلى الجنايات اشتهر من مذهب الشافعي أن النكاح حقيقة في العقد مجاز في الوطء، وعكسه مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وقال مالك وأحمد: هو حقيقة فيهما، ومذهبه أنه لا يجوز إجبار الثيب، وإن كانت صغيرة، وهو وجه لأصحاب أحمد. وقال أبو حنيفة، ومالك، وجماعة من مذهب الإمام أحمد: يجوز، وللشافعي قول: أن المسلم لا يلي نكاح أمته الكتابية، والقول الآخر: أنه يلي كقول الثلاثة، ومذهب الشافعي: أن الابن لا يلي تزويج أمه البنوة، خلافا للثلاثة، وقدمه مالك على الأب أيضا، وقال أبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 حنيفة، وأحمد: الأب أحق منه. وقال أبو حنيفة: هو أولى من الجد، وعن أحمد فيه: مع الجد أيهما يقدم، على روايتين، أما إذا كان الابن معتقا، أو حاكما، أو عصبة، فإنه يجوز أن يلي عند الشافعي بذلك، ولا تكون البنوة مانعة من ذلك، ومذهبه أن الوالي إذا غاب، أو غفل أن الولاية تنتقل إلى السلطان، وقالوا: تنتقل إلى من بعده من الأولياء، وحد هذه الغيبة عند الشافعي مسافة القصر. وقال أبو حنيفة، وأحمد: ألا تصل القافلة إليه إلا مرة في السنة، وعن أبي حنيفة: حدها أن لا يصبر المكفر حتى يرجع الآذان، ومذهبه أن الوالي إذا كان ممن تحل له بولايته، لا يجوز له أن يلي العقد بنفسه، ولا يوكل، وقال أحمد: يجوز له أن يوكل ولا يلي بنفسه، وقال مالك، وأبو حنيفة: له أن يلي ذلك بنفسه، وأن يوكل، وهذا وجه في المذهب اختاره من أصحابنا أبو يحيى البلخي قاضي دمشق، ولنا وجه آخر: أنه كان الإمام الأعظم أجاز له أن يلي بنفسه دون سائر الأولياء لعموم ولايته، ولو قال الولي: زوجتك، فقال: قبلت، لم يصح حتى يقول: قبلت هذا النكاح في أحد القولين، والقول الآخر: إنه يصح، وإن لم يقل قبلت هذا النكاح، كقول الثلاثة، ولو تزوج امرأة بغيا صح النكاح عنه ولا يشترط توبة ولا استبراء، وله أن يطأها في حال حملها من الزنا؛ لأنه لا حرمة لماء الزاني سواء كان هو المتزوج، أو غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وقال أبو حنيفة: يصح العقد عليها، ولكن لا يطأ حتى يستبرأها، إما بوضع الحمل، أو بحيضة إن كانت حائلا، وثلاث حيض أحب إلي، ويكره تزويجها قبل أن يستبرأها، وقال الإمام أحمد: لا يصح العقد حتى تستبرأ، وتستتاب أيضا، والله أعلم. وعنده في المخلوقة من ماء الزاني هل يحل له تزوجها قولان المشهور: نعم، ويحكي رواية عن مالك، والقول الثاني: لا، وهو المشهور عن مالك , وهو قول أبي حنيفة، وأحمد، قال الوزير ابن هبيرة: أجمعوا على جواز العزل عن الأمة، وأجمعوا على أنه ليس له العزل عن الحرة، إلا بإذنها، قلت: اختيار أصحابنا الخراسانيين أنه يجوز من غير إذنها، وهو الذي صححه الرافعي والنووي وغيرها من المتأخرين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وأما طريقة العراق فلا يجوز إلا بإذنها، قال: فأما الزوجة الأمة تحت الحر، فقال أبو حنيفة، ومالك، وأحمد: ليس لزوجها أن يعزل عنها إلا بإذن مولاها، وقال الشافعي: إن عزل عنها من غير إذن مولاها ولا إذنها جاز، ومذهبه أن الزيادة في الصداق بعد العقد لا يلتحق به بل هي وعد يستحب الوفاء به، وقال أحمد: حكمها حكم الأصل. وقال أبو حنيفة: يلتحق ويلزم إن دخل بها، أو مات عنها، وإن طلقها قبل الدخول استحقت نصف المسمى بلا زيادة، وقال مالك في رواية ابن القاسم: هي ثابتة، سواء دخل، أو لم يدخل، إلا أن يموت قبل الدخول فيبطل، وعنده أن الخلوة لا تقرر المهر في الجديد من مذهبه، وقال في القديم: تقرر كمذهب أبي حنيفة، وأحمد، إذا لم يكن ثم مانع من الوطء، وقال مالك: لا تقرر إلا بطول المدة فإن المهر يستقر، وإن لم يطأ، وقدر ابن القاسم طول هذه المدة بعام، ومذهبه في أظهر القولين عنه: أن الوليمة واجبة، والقول الآخر: أنها مستحبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 كقولهم، فأما المسألة الملقبة بالسريجية، وهي ما إذا قال الرجل لامرأته متى وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا، فقد اختلف أصحابنا فيها على ثلاثة أوجه، ولا يوجد للإمام الشافعي، رضي الله عنه، فيها نص، أحدها: لا يقع عليها طلاق أصلا، وهذا اختيار أبي العباس بن سريج، وهو أول من تكلم فيها، ولهذا نسبت إليه، ورجحها أبو بكر بن الحداد، والقفال، وجماعة من كبار المذهب، والثاني: إذا قال لها بعد ذلك: أنت طالق، فإنه يقع المنجز ولا يقع من المعلق شيء، والثالث: أنه يقع المنجز، ويكمل من المعلق حتى يبلغ الثلاث، وهكذا مذهب أصحاب الثلاثة، مالك، وأبي حنيفة، وأحمد، فهذه المسألة على الوجه الأول، وهو اختيار ابن سريج من مفردات الأصحاب، لا من مفردات الإمام، والله أعلم. واختلف قوله في المبتوتة في مرض الموت هل ترث أم لا؟ على قولين أحدهما: أنها لا ترث، وهو الجديد، والثاني: أنها ترث كقول الثلاثة، وإلى متى ترث؟ فيه ثلاثة أقوال فِي المذهب، أحدها: أنها ترث ما لم تنقض عدتها، وهو قول أبي حنيفة، والثاني: إلى أن تتزوج، وهو رواية عن أحمد، والثالث: ترث أبدا ولو تزوجت، كمذهب مالك، وهو رواية عن أحمد، وله قول: أن الإشهاد شرط في صحة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 الرجعة، كابتداء النكاح، وهو رواية عن أحمد، والقول الآخر: ليس بشرط كقولهم، وله قول آخر: أن الإجلال يحصل بالنكاح الفاسد، والثاني: لا كقولهم، وقال في القديم: لا يلزم المولى إذا أفاء كفارة لقوله تعالى:] فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة البقرة: 226] . وقال في الجديد: تلزمه الكفارة كقولهم، والجديد من مذهبه: أنه لا يحرم على المظاهر القبلة، واللمس بشهوة، والقديم: يحرم ذلك، كقول مالك، وأبي حنيفة، والمشهور عن أحمد، رحمهم الله، وعنده أن الصائم عن كفارة الظهار إذا جامع ناسيا ليلا، أو نهارا، لا يفسد صومه ولا يلزمه الاستئناف بل يبني، وقال الثلاثة: يستأنف واتفقوا على العمد. وقال الشافعي في المتلاعنين في الملاعن: أنه تقع الفرقة بينه وبين زوجته على التأبيد، وإن لم تلاعن المرأة، وقال مالك: لا يقع إلا بلعانهما، وهو رواية عن أحمد، وقال أبو حنيفة، وأحمد في الرواية الأخرى: لا يقع الفرق إلا بلعانهما، وحكم الحاكم، ومذهبه أن الكفارة تجب في اليمين الغموس. وقال مالك، وأبو حنيفة، وأحمد، في المشهور: هي أعظم من أن تكفر، ومذهبه أن من عقد اليمين على أمر بظنه فبان بخلافه أنه يحنث، وقال الثلاثة: لا تنعقد يمينه والحالة هذه، وأدخلوا ذلك في لغو اليمين، ولو حلف لا تسكن هذه الدار وهو فيها، فخرج منها بنفسه، دون رحله، وأهله، فعنده يبر، وعند الثلاثة: لا يبر حتى يخرج أهله، ورحله معه منها، والله أعلم، ولو حلف لا يدخل هذه الدار فدخل بيتا فيها له باب شارع إلى الطريق، أو وقف على سطحها، أو حائطها، لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 يحنث عند الشافعي حتى يدخل عرصتها، وعندهم: يحنث، ولو حلف لا تكلمه حينا ولم يعين وقتا بر عنده بأدنى زمان. وقال مالك، وأحمد: لا بد من مضى ستة أشهر، وعن مالك: سنة، ولو حلف لا يأكل الرءوس رءوس الإبل، والبقر، والغنم، ولا يحنث بما سواها، وقال أبو حنيفة: إنما يحنث برؤوس البقر والغنم فقط، وقال مالك وأحمد: حنث بكل ما يسمى رأسا في حقيقة اللغة وعرفها، ولو حلف لا يشم البنفسج فاشتم دهنه لم يحنث عنده خلافا للثلاثة، ولو حلف لا أستخدم هذا العبد فخدمه العبد وهو ساكت، لا يحنث إن لم يكن العبد ملكه، وإن كان فعلى وجهين في المذهب، وقال أبو حنيفة: إن سبقت له خدمة قبل اليمين حنث، وإلا فلا. وقال مالك، وأحمد: يحنث مطلقا، سواء كان له، أو لغيره، أو تقدمت له خدمة، أم لا، والله أعلم. ولو حنث العبد المملوك فكفر بالصوم، فللسيد منعه إن كان لم يأذن له في اليمين. وقال أصحاب أبو حنيفة: له منعه مطلقا، إلا في كفارة الظهار، وقال مالك: إن أضر به الصوم، فله منعه إلا في الظهار، وقال أحمد: ليس له منعه مطلقا، ولا يحرم من الرضاع إلا خمس عند الشافعي، وهو رواية عن أحمد، وعنه ثلاث، وعنه واحدة، كقول أبي حنيفة، ومالك: ونفقة الصغيرة واجبة على زوجها في قول الشافعي، والقول الآخر: لا كمذهب الثلاثة، وقال الشافعي بوجوب نفقة الآباء، وإن علوا، والأبناء، وإن سفلوا فقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وقال مالك: إنما تجب نفقة الأبوين الأدنيين، وأولاد الصلب فقط، وقال أحمد: تجب نفقة كل من يرثه، ويرث منه بفرض، أو تعصب، وقال أبو حنيفة: إنما تجب نفقة كل ذي رحم محرم، فلا يدخل ابن العم، ونحوه مما ليس بمحرم، ومذهبه أن الأم أحق بحضانة الغلام، والجارية، إلى سبع سنين، ثم يخير كل واحد منهما بين الأب والأم، وقال مالك: الأم أحق بهما حتى يبلغ الغلام، وتزوج الجارية، ويدخل بها الزوج، وعنه رواية أن الغلام يكون عندها حتى يثغر، وقال أبو حنيفة، وأحمد: الأم أحق بالغلام حتى يستقل بنفسه، في مطعمه، ومشربه، وملبسه، ثم الأب أحق به منها، والجارية تكون عند الأم حتى تزوج، وعن أحمد رواية أخرى: أن الغلام والجارية يكونان عند الأم إلى السبع، ثم يخير، وتنتقل الجارية إلى الأب من غير تخيير، والله أعلم. ومن الجنايات إلى الحدود إذا قتل واحد جماعة، فمذهب الشافعي، رضي الله عنه: إن قتلهم واحدا بعد واحد، قتل بالأول، ووجبت الدية للباقين، وإن قتلهم دفعة واحدة، أقرع بين أوليائهم، فأيهم خرجت له القرعة، أقيد له، ووجبت الدية للباقين. وقال أبو حنيفة، ومالك: يجب القود لجماعتهم ولا يجب شيء آخر، وقال الإمام أحمد: إن طلب الأولياء الدية، وجب لكل قتيل دية كاملة، وإن طلبوا القصاص أقيد عن الجميع، ولا يجب شيء آخر، وإن طلب بعضهم القصاص، وبعضهم الدية أقيد لمن طلب القصاص، سواء كان متقدما، أو متأخرا، وتجب الدية للآخرين الذين طلبوا الدية، ولو نذر ولى المقتول فقطع يد القاتل ثم عفا عنه، فإنه لا يجب عليه قصاص، ولا دية عند الشافعي، رضي الله عنه، لأنه يستحق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 كمال دمه فكأنه اقتص ببعضه، وعفا عن الباقي. وقال أبو حنيفة: إن قطع يده ثم عفا عنه، غرم دية يده، وإن لم يعف عنه، حتى قتله لم يلزمه شيء، وقال أحمد بن حنبل: تلزمه دية يده، سواء عفا عنه، أو لم يعف. وقال مالك: يقتص منه عن يده، سواء عفا عنه أم لا، وكان مأخذهما أنه إنما استحق عليه القصاص في النفس، فأما الطرف فلا سبيل له عليه فيه إلا أن يدخل ضمنا، والله أعلم، ومذهب الشافعي: أنه يجوز أن يقتص من الطرف قبل الاندمال، خلافا لهم، ومذهبه أن من ضرب سن رجل فاسودت أنه تجب عليه الحكومة، وقال الثلاثة: تجب دية السن كاملة. قال مالك: فلو سقطت السن بعد ذلك، وجبت دية أخرى، وعن أحمد رواية أخرى: أنه يجب في تسويد ثلث ديته، وقال فيمن وطئ زوجته، ومثلها ممن توطأ فأفضاها أنه تجب عليه الدية، وهو رواية عن مالك، والأشهر عنه أنه تجب الحكومة، وقال أبو حنيفة، وأحمد: لا شيء عليه، فأما إن كانت ممن لا توطأ، فالدية عند الجميع، ودية اليهودي، والنصراني عنده، ثلث دية المسلم في العمد والخطأ. وقال مالك: نصف دية المسلم فيهما، وقال أبو حنيفة: كمال دية المسلم فيهما، وقال أحمد: إن كان عمدا فدية مسلم، وإن كان خطأ، أو قتله من هو مثله، ورضوا بالدية، فثلث دية مسلم، وعنه نصفها، ومذهبه أنه تجب الدية على قاتل من لم تبلغه الدعوة بحسبه خلافا لهم في أنه لا تجب عليه دية، ولو جني عبد رجل على آخر خطأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 فسيده بالخيار بين أن يفديه بمبلغ الجناية، وإن شاء سلمه إلى المجني عليه ليباع فيهما، فما فضل أجره وما بقي دفعه إلى المجني عليه. وقال الثلاثة: سيده بالخيار إن شاء فداه، وإن شاء سلمه إليه، ولا شيء له بعد ذلك، ووافق أحمد الشافعي رواية عنه، وله قول: أنه تجب دية العبد على عاقلة قاتله خطأ، والقول الآخر عنه: أنه تجب في ماله كالثلاثة، وتضرب الدية على العاقلة الغنى نصف دينار، وعلى المتوسط ربع دينار، ولا ينقص عن ذلك ولا حد لأكثره، وذلك رواية عن أحمد، وقال مالك، وأحمد: ليس فيه شيء موقت وإنما هو بحسب ما يمكن ويسهل. وقال أبو حنيفة: يستوي بين جميعهم، فيؤخذ من ثلاثة دراهم إلى أربعة دراهم، ولا يزاد على ذلك، ولا حد لأقله، ومذهبه في الجديد: أن القسامة إنما توجب الدية المغلظة، وقال في القديم: توجب القود كمالك، وأحمد، ولو كان الأولياء جماعة، فعنه قول: أن كل واحد يحلف خمسين يمينا، والقول الآخر: يقسط عليهم ويجبر الكسر، وهو مذهب أحمد، والمشهور عن مالك، وعن مالك رواية ثانية أنه يقسم رجلان من الأولياء. وقال أبو حنيفة: تدار عليهم الأيمان، ويبدأ بأحدهم بالقرعة، ثم الذي بعده، ثم الذي بعده، وتدار عليهم حتى يفرغ من الخمسين، ومذهبه أنه تسمع أيمان النساء في القسامة عمدها وخطئها، وقال مالك: تسمع في الخطأ، لا في العمد، وقال أبو حنيفة، وأحمد: لا تسمع أيمانهن فيها لا في العمد ولا في الخطأ ومذهبه أنه من قبل بسحره، فإنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 يقتل قصاصا، وقال الثلاثة: يقتل حدا، مذهبه أن تقبل توبة الساحر إذا تاب، وقال مالك، وأبو حنيفة، وأحمد، في المشهور عنه: لا تقبل، وعنه في ذراري المرتدين الذين حدثوا بعد ردة آبائهم هل يسترقون، قولان أحدهما: لا يسترقون، والثاني: بلى، وهو قول أحمد، وقال مالك، وأبو حنيفة: لا تسترق ذراريهم بل يجبرون على الإسلام إذا بلغوا، وأما ذراري ذراريهم فيسترقون، وله قول أنه يضمن أهل البغي ما أتلفوا على أهل العدل، من نفس، أو مال، والجديد عنه كقول الثلاثة: أنهم لا يضمنون كما لا يضمن أهل العدل ما أتلفوا على أهل البغي، والله أعلم. ومن كانت معه دابة فأتلفت شيئا بيدها، أو رجلها، أو فمها، أو ذنبها فإنه يضمن ذلك كله، وسواء كان راكبا، أو سائقا، أو كان له في ذلك صنع، أم لا. وقال مالك: لا ضمان عليه في شيء من ذلك، وإلا أن يكون صاحبها سببا في ذلك، بأن كبحها، أو همزها، أو نحو ذلك فيضمن. وقال أحمد: إن كان راكبها فما أتلفته برجلها فلا ضمان عليه، وما أتلفته بيدها، أو فمها فعليه ضمانه، وقال أبو حنيفة: إن كان ذلك الموضع الذي ساقها فيه له فيها لم يضمن، وإلا ضمن، والله أعلم. ومن الجهاد والجزية والهدنة مذهبه أنه يجوز أن يستعان بأهل الذمة إذا كانوا مناصحين للمسلمين، ولهم حسن رأي فيهم، وكان في المسلمين قلة عن عدوهم، وقال أبو حنيفة: يجوز الاستعانة بهم مطلقا، وقال مالك، وأحمد: لا يجوز ذلك مطلقا، وقال مالك: إلا أن يكونوا خدما للمسلمين، والله أعلم. وله قول، في تجار العسكر: أنهم لا يستحقون شيئا من المغنم وإن قاتلوا، وقول إن قاتلوا استحقوا، وهو مذهب مالك، وأبي حنيفة، وقول أنهم يستحقون، وإن لم يقاتلوا، وهو قول أحمد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 ومذهبه أن أموال الفيء تخمس، كأموال الغنائم، خلافا لهم حيث قالوا: لا تخمس بل يصرف كله في مصالح المسلمين، وقال في القديم: لا يخمس من أموال الفيء إلا ما هربوا عنه فزعا من المسلمين فقط. وله قول في المجوس: أنهم أهل كتاب، والقول الآخر أن لهم شبهة كتاب، كقول الثلاثة، وله قول، في الفقير الذي لا كسب له من أهل الذمة: أنه لا يعقد له بل ينفي في دار الإسلام، لئلا يستغل عرض الإسلام مجانا، وقيل: يعقد له الذمة فإذا جاء رأس الحول فإن لم يؤد أخرج من بلاد الإسلام، وقيل: بل يقر ويستقر في ذمته، فيطالب إذا أيسر، وقيل: لا شيء عليه حالا، ولا مآلا، وكقول الثلاثة، ومذهبه أنه: يجوز أن يفرض دينار على الغني والفقير والمتوسط، وقال مالك: أربعة دنانير، أو أربعون درهما، على الغني والفقير جميعا. وقال أبو حنيفة، وأحمد: على الغني ثمانية وأربعون درهما، وعلى المتوسط أربعة وعشرون، وعلى الفقير المعتمل اثنا عشر درهما، ومذهبه أن الذمي إذا أسلم بعد انقضاء الحول، أنه يجب عليه جزية ما مضى، وفي أثنائه قولان، وقال الثلاثة: لا بجب عليه جزية ما مضى، إذا أسلم في أثناء الحول، ولا بعد انقضائه، حتى ولو كان عليه جزية سنين متقدمة سقط أيضا، وله قول في المرأة إذا جاءت مسلمة أنه يرد مهرها، والقول الآخر: لا يرد كقولهم، ومذهبه أنه يؤخذ العشر من أموال أهل الحرب، إذا شرط عليهم عند الأمان. وقال مالك، وأحمد: يؤخذ وإن لم يشترط، وقال أبو حنيفة: إن كانوا يأخذون من تجارنا أخذنا منهم، وإلا فلا، وله قول، فيمن انتقض عهده أهل الذمة: أنه يرد إلى مأمنه، والقول الآخر: أن للإمام فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 الخيار بين القتل، أو السبي، وهو قول أحمد، وقال مالك: يقتلون، وهو المشهور عنه، ومذهبه أنه لا يمكن مشرك من دخول مساجد المسلمين إلا بإذن، وقال أبو حنيفة: يجوز مطلقا، وقال أحمد، ومالك: لا يجوز مطلقا، والله أعلم. كتاب الحدود والأقضية والشهادات والإقرار قال الشافعي، رضي الله عنه، في أحد قوليه: إن اللائط يحد حد الزاني، فيعتبر إحصانه، والقول الآخر: أنه يرجم بكل حال محصنا كان، أو لا، كقول مالك، وأحمد في المشهور عنه، وقال أبو حنيفة: يعذر باللواط أول مرة، فإن تكرر منه قتل، ومذهبه أنه تقبل شهادة الزنا سواء كان المجلس واحدا، أو مجالس متفرقة، خلافا للثلاثة، حيث قالوا: متى تفرقت مجالسهم فهم قذفة، وله قول فيما إذا لم تكتمل بينة الزنا أنهم لا يحدون، ومأخذه أنهم إنما أتوا بما شهدوا به على وجه الشهادة، لا على قصد القذف، والقول الآخر: أنهم يحدون للقذف، كمذهب الثلاثة، لقصة عمر، رضي الله عنه، في جلد أبي بكرة وصاحبيه، رضي الله عنهم، وعنه أن المرأة إن ثبت زناها بالبينة حفر لها، وإن ثبت بإقرارها لم يحفر لها. وقال مالك، وأحمد: يحفر لها بكل حال، وقال أبو حنيفة: ذاك إلى رأى الإمام، ومذهبه أن حد الخمر كما يجزئ بالسوط يجزئ بالأيدي، والنعال، وأطراف الثياب، وقالوا: لا بد من السوط، ومذهبه أن أقل نصاب السرقة ربع دينار، وما قيمته ربع دينار، وقال مالك، وأحمد: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، أو ما يساوي واحدا منهما، وقال أبو حنيفة: عشرة دراهم، أو دينارا وما يساوي أحدهما، وعنده فيما إذا سرق أحد الزوجين من الآخر ثلاثة أقوال: أحدها: لا يقطع واحد منهما مطلقا، كقول أبي حنيفة، وأحمد في رواية. والثاني: أنه إن كانت السرقة من حرز خاص بالمسروق منه، قطع السارق من كل واحد منهما، كقول مالك، وأحمد في رواية. والثالث: يقطع الزوج إذا سرق من مال زوجته، لأن لا شبهة له فيه، ولا تقطع هي إذا سرقت منه لأن لها حقوقا عليه، ومذهبه أن الردء لقطاع الطريق كالناطور، والمكثر سوادهم، والمعين لهم من غير أن يباشر معهم القتل يعزر، وقال مالك، وأبو حنيفة، وأحمد: هو كأحدهم يقتل معهم، وله قول: أن قاطع الطريق، إذا تاب قبل أن يقدر عليه، وكان قد أخذ مالا، أنه لا يسقط قطع يده، والقول الآخر: أنه يسقط الجميع كقولهم , وأما بقية المحارم كالسرقة، وشرب الخمر، والزنا، فمذهبه في أحد القولين عنه: أنه إذا تاب، ومضى عليه سنة، أنها تسقط التوبة حدودها، وهذه رواية مشهورة عن أحمد، إلا أنه لا يشترط مضي سنة، والقول الثاني عن الشافعي، والرواية الأخرى عن أحمد، وقول مالك، وأبي حنيفة: أن التوبة لا تسقط الحدود، والله أعلم، ومذهبه أن من أتى محرما لا حد فيه ففيه التعزير، وذلك إلى رأي الإمام، إن شاء عزره، وإن شاء عفا عنه، وقال أحمد: يجب تعزيره، وقال مالك، وأبو حنيفة: إن غلب على الظن أنه لا يصلحه إلا الضرب وجب، وإلا فلا يجب، وعنده أن من عزره الإمام فتلف: ضمن، وقالوا: لا يجب ضمانه، وهو مفرع على ما تقدم من وجوب التعزير، وعنده أنه لا يزاد في التعزير على تسع عشرة ضربة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وقال أبو حنيفة: لا يزاد على تسع وثلاثين، وقال مالك: ذاك إلى رأي الإمام إن شاء زاد على الحدود. وقال الإمام أحمد: إن كان التعزير يتعلق بالوطء، وطئ جارية امرأته بإذنها له، وهو يعلم تحريمها، والشريك إذا وطئ الجارية المشتركة، والأب إذا وطئ جارية ابنه، أو وطئ جاريته المزوجة، أو وطئ أجنبية فيما دون الفرج، فيجلد في هذا ونحوه مائة سوط، إلا سوطا واحدا، وإن كان فيما عدا هذا من المحارم، كالقبلة، وسرقة ما دون النصاب، وشتم إنسان فعنه، رواية: يعزر بسوط واحد، ورواية بعشرة أسواط، ورواية أخرى: أنه لا يبلغ به أدنى الحدود، كقول الشافعي، وأبي حنيفة ومذهبه أنه: يكره الحكم في المساجد إلا أن يدخل للصلاة فيعرض له حكم فيحكم فيه. وقال أبو حنيفة، ومالك: لا يكره، قال مالك: بل هو السن، وهو للحاكم أن يحكم بعلمه، فيه ثلاثة أقوال في المذهب: أحدها: نعم مطلقا، وهو رواية عن أحمد، والثاني: لا مطلقا، وهو قول مالك ورواية عن أحمد، والثالث له أن يحكم بعلمه فيما عدا الحدود، وقال الحنفية: له أن يحكم بعلمه بعد الولاية فيما عدا الحدود حاشا حد القذف، فله أن يحكم فيه بما علمه بعد الولاية، ولو تداعى الزوجان متاع البيت، ولا بينة فعنده يقسم بينهما جميع ما فيه، وقال أحمد: إن ما اختص بها فلها وما يختص به، وما صلح أن يكون لكل منهما مشترك، وقال مالك: ما اختص بكل واحد منهما فهو له، وما صلح لهما فهو للزوج. وقال أبو حنيفة: ما اختص بكل واحد منهما فهو له، وما صلح لهما فللرجل في الحياة، وفي الموت للباقي منهما، ولو تحاكم رجلان إلى رجل يصلح للقضاء في نفس، أو مال فحكم بينهما، فللشافعي قول: أنه لا يلزم حتى يتراضيا به، بعد الحكم، والقول الآخر: أنه يلزمه بنفس الحكم، وهو قول مالك، وأحمد: وليس لحاكم البلد نقضه، وإن خالف رأيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 إذا كان مما يسوغ فيه الاجتهاد، وقال أبو حنيفة: إذا خالف رأي قاضي البلد، فله نقضه، وإبطاله، ومذهبه أنه يقبل في استهلال الطفل شهادة أربع نسوة، وقال مالك: يكفي اثنتان، وقال أحمد: بل واحدة. وقال أبو حنيفة: أما بالنسبة إلى ثبوت الإرث، فلا بد من رجلين، أو رجل وامرأتين، وبالنسبة إلى تغسيله، والصلاة عليه، فيكفي شهادة امرأة واحدة، وهكذا خلافهم في ثبوت الرضاع سواء، ومذهبه أنه تقبل شهادة كل واحد من الزوجين للآخر، خلافا لهم، وله قول: أنه لا بد أن يشهد على كل من شهود الأصل، كقولهم، ولو شهد شاهدان من شهود الفرع، والثاني: أنه يكفي أن يشهد اثنان على كل من الشهود الأصل، كقولهم: ولو شهد شاهدان بمال فحكم به، ثم رجعا عن الشهادة، ففي قوله القديم: لا غرم عليهما، وقال في الجديد: عليهما الغرامة، كقول الثلاثة، ولو نكل المدعي عليه عن اليمين، لم يحكم عليه حتى يحلف المدعي، ويستحق في سائر الدعاوى، وتسمى اليمين المردودة. وقال أبو حنيفة، وأحمد: يحكم عليه بمجرد نكوله، وقال مالك: ترد اليمين على المدعي فيما يقبل فيه شاهد ويمين، وشاهد وامرأتان، ولا يرد فيما عدا ذلك، ولو أقر المريض لوارث بمال ففي قبوله منه له قولان للشافعي، الجديد: نعم، والقديم: لا، كقول أبي حنيفة، وأحمد، وقال مالك: إن كان متهما فيه لم تقبل، وإلا قبل ومثاله إن يترك بنتا، وابن أخ، فإن أقر لابن أخيه قبل منه، لأنه ليس بمتهم عليه، بخلاف ما لو أقر لابنته، فإنه يخشى أن يكون قد حابى، والله أعلم، ولو أقر أحد الابنين لا يصح ولا يشارك، وقال أبو حنيفة: يصح الإقرار، ويدفع إليه المقر نصف ما في يده، وقال مالك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وأحمد: يدفع إليه المقر ثلث ما في يده، والله أعلم. وهذا ما تيسر جمعه هاهنا على وجه الإيجاز والاختصار، لا على سبيل الإطناب والإسهاب، فأما بسط ذلك وتقريره فله موضع أخر، وبالله الثقة وعليه التكلان، إنه كريم وهاب، والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على أكرم الخلق وخاتم رسله محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. كتاب طبقات الفقهاء الشافعيين، رضي الله عنهم، من جمع الشيخ الفقيه الإمام العلامة الأوحد المتقن جامع الفضائل مرجع الأواخر والأوائل عماد الدين أبي الفدا إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء القرشي الحصبلي البصروي، ثُمَّ الدمشقي الشافعي أجزل الله ثوابه، وأحسن مآبه بمحمد وآله والصحابة آمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر وأعن قال الشيخ الإمام العالم العامل الأوحد عماد الدين أبو الفدا إسماعيل بن عمر بن كثير الحصبلي الشافعي، رضي الله عنه: الحمد لله، والسلام على عباده الذين اصطفى. وبعد: فهذا ذكر تراجم أصحاب الطبقة الأولى من النَّقَلَةِ، عن الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه، مرتبين على حروف المعجم على حسب ما سردناهم أولا فِي ترجمة الإمام، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولاقوة إلا بالله العزيز الحليم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. ثُمَّ ليعلم أن فيهم من هو مشهور بأنه من أهل مذهبه، وفيه من هو دون ذلك فِي الشهرة، وفيهم من هو مشكوك فِي كونه من أهل المذهب، وفيهم من هو معروف بأنه من غير مذهبه، وفيهم جماعة من أئمة الحديث أحببنا أن نترجمهم، لأجل روايتهم عن الشافعي، ولا يخفى عليك من هو من أصحابنا منهم، فإن كان فيه غموض نبهت عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 أبو ثور: إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان، أبو ثور الكلبي البغدادي الفقيه الإمام العلامة أخذ الفقه عن الشافعي، وأحمد بن حنبل، وطقتهما، وروى عن جماعة من مشايخ الإمام أحمد، وروى عنه أبو داود، وابن ماجه، ومسلم في غير كتابه الصحيح، وأبو حاتم الرازي، وخلق، وأثنى عليه غير واحد من الأئمة. قال الإمام أحمد: أعرفه بالسنة منذ خمسين سنة، وهو عندي في مسلاخ سفيان الثوري، وسئل أحمد عن مسألة فقال للسائل: سل عافاك الله غيرنا سل الفقهاء، سل أبا ثور، وقال النسائي: ثقة مأمون أحد الفقهاء. وقال ابن حبان: كان أحد أئمة الدنيا فقها، وعلما، وورعا، وفضلا، وديانة، وخيرا، ممن صنف الكتب وفرع على المسائل، وذب عن حريمها وقمع مخالفيها. وقال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 كان أحد الثقات المأمونين، ومن الأئمة الأعلام في الدين وله كتب مصنفة في الأحكام، جمع فيها بين الحديث والفقه. قال: وكان أبو ثور أولا يتفقه بالرأي، ويذهب إلى قول أهل العراق، حتى قدم الشافعي بغداد، فاختلف إليه أبو ثور، ورجع عن الرأي إلى الحديث، فأما قول أبي حاتم الرازي، عن أبي ثور: إنه رجل يتكلم بالرأي، فيخطئ ويصيب، وليس محله محل المستمعين في الحديث، ففيه مبالغة، فإنه ما من أحد إلا ويؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإن قوله كله مقبول، ولأبي ثور، رحمه الله، إفرادات واختيارات غرائب، منها: إباحة نكاح نساء المجوس، التي قال فيه بسببها، الإمام أحمد: أبو ثور كاسمه، والظاهر أنه هجره لأجلها، فالله أعلم ولهذا لما مات أبو ثور سنة أربعين ومائتين، لم يشهد جنازته الإمام أحمد، قال عبد الله ابن الإمام أحمد: لما رجعت من جنازته، قال أبي: أين كنت؟ قلت: في جنازة أبي ثور، فقال: رحمه الله، لقد كان فقيها. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا أَبِي الْحَجَّاجِ يُوسُفَ ابْنِ الزَّكِيِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمِزِّيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أَخْبَرَك الشَّيْخُ الإِمَامُ أَبُو الْيَمَنِ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ الْكِنْدِيُّ، أنا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، ثنا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الْعَطَشِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ ذَرِيحٍ الْعُكْبَرِيُّ، ثنا أَبُو ثَوْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ، أَوْ أُنْثَى، مِنَ الْمُسْلِمِينَ» ، هذا حديث صحيح متفق على صحته. رواه الجماعة في كتبهم أعني: البخاري، ومسلما، وأبا داود، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، من طرق عن مالك وَقَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا أَيْضًا: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَابْنُ الْبُخَارِيِّ: قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: أنا الْكِنْدِيُّ، وَابْنُ طَبَرْزَدَ، قَالا: أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الأَنْصَارِيُّ، أنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْبَرْمَكِيُّ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ مَاسِيٍّ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْجَوْزِيُّ، ثنا أَبُو ثَوْرٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ الْكَلْبِيُّ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ بَكْرٍ، يَعْنِي: ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَقِيَهُ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَانْسَلَّ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ، فَفَقَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقِيتَنِي وَأَنَا جُنُبٌ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ، قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ» . هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، عَالِي الإِسْنَادِ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ بِهِ ابن عم الشافعي إبراهيم بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع الشافعي المكي ابن عم الإمام الشافعي روى عن أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، وجماعة من أهل العلم، وحدث عنه ابن ماجه في سننه، ومسلم في غير صحيحه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وروى النسائي عن رجل عنه، وروى عنه بقي بن مخلد الأندلسي، ويعقوب بن شيبة السدوسي، وجماعة. قال حرب الكرماني: سمعت أحمد بن حنبل بن حنبل، يحسن الثناء عليه. وقال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي، والدارقطني: ثقة. ومات سنة سبع، ويقال: ثمان وثلاثين ومائتين، رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 ابن هرم إبراهيم بن محمد بن هرم أظنه مصريا، ولكن لم أره في تاريخ ابن يونس، فالله أعلم. روى عن الإمام الشافعي، أنه قال في قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] : فلما حجبهم في السخط كان هذا دليلا على أنهم يرونه في الرضا، رواه البيهقي، عن الحاكم، عن أبي محمد جعفر بن محمد بن الحارث، عن أبي عبد الله الحسين بن محمد بن الضحاك، المعروف: بابن بحر، عن المزني، أنه قال: سمعت ابن هرم، وكان من عليه أصحاب الشافعي، يقول عن الشافعي،. . . . . فذكره. ابن المنذر: إبراهيم بن المنذر بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة بن عبد الله بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 خالد بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي الحزامي المدني إمام ثقة جليل، كبير القدر مشهور، روى عن خلق من الأئمة الكبار، وحدث عنه البخاري في صحيحه، وابن ماجه في سننه، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي في مسنده، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرازيان. قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم الرازي: صدوق، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكر أبو حاتم الرازي: أن الإمام أحمد بن حنبل هجره، لأنه خلط في القرآن، يعني: في القول بخلق القرآن، قالوا: ومات في محرم سنة ست وثلاثين ومائتين في مرجعه من الحج بالمدينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 ابن حنبل: أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني أبو عبد الله المروزي ثم البغدادي أحد أئمة الإسلام، والهداة الأعلام، وأحد الأربعة الذين تدور عليهم الفتاوي والأحكام، في بيان الحلال والحرام، قدم به أبوه وأمه وهو حمل من مرو إلى بغداد، فولد بها، ونشأ، وطلب العلم، وطاف البلاد في سماع الحديث والعلم، فدخل الكوفة، والبصرة، ومكة، والمدينة، واليمن، والشام، والجزيرة، وروى عن الجم الغفير والعدد الكثير من أهل العلم ومشايخ الحديث، وأخذ الفقه عن جماعة من أجلهم: إمامنا أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، كما تقدم في ترجمة الإمام الشافعي أن الإمام أحمد صحبه مدة مقامه ببغداد في الرحلة الثانية، وأنه سلك مسلكه ونهج منهجه، وقال: كل مسألة ليس عندي فيها دليل فأنا أقول فيها بقول الشافعي، وروى عنه أمم لا يحصون كثرة، منهم: الإمام الشافعي، وهو من شيوخه، وكذا يزيد بن هارون أيضا وإسحاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 بن منصور الكوسج، وإسماعيل بن سعيد الشالنجي، وبقي بن مخلد الأندلسي، وحرب الكرماني، وابناه صالح وعبد الله، ومحمد بن يحيى الذهلي، ويحيى بن معين، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرازيان، وله من المصنفات: المسند المشهور، وهو من أجل كتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 الإسلام، وقد وقع لنا روايته بكماله، ولله الحمد والمنة، وكتاب الزهد، ويقال: إنه جمع تفسيرا جمع فيه نحوا من مائة ألف حديث وعشرين، وقد أطبق الأمة على تعظيمه وتوقيره، وإجلاله واحترامه، في علمه وزهده، وورعه وسعة فنونه، وصبره على المحنة، وقيامه لله بالسنة، فهو خير الأمة، وإمام الأئمة في زمانه، والمبرز على سائر أهل عصره وأقرانه. قال حرملة: سمعت الشافعي، يقول: خرجت من بغداد، وما خلفت فيها أفقه، ولا أزهد، ولا أروع، من أحمد بن حنبل. وقال يحيى بن سعيد القطان: أحمد بن حنبل، خير من أخيار هذه الأمة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وإمام الأئمة في زمانه، والمبرز على سائر أهل عصره. وقال إسحاق بن راهويه: أحمد بن حنبل إمامنا، وقال مرة: قال لي أحمد بن حنبل: تعال حتى أريك رجلا لم تر مثله فذهب بي إلى الشافعي، قال إسحاق: وما رأي الشافعي مثل أحمد بن حنبل، قال: ولولا أحمد، وبذل نفسه لما بذلها له لذهب الإسلام. قال الميموني: قال لي علي ابن المديني، لما ضرب أحمد بن حنبل وحبس: يا ميموني، ما قام أحد في الإسلام ما قام به أحمد بن حنبل. قال الميموني: وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: إن أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، لما قام في أهل الردة، وجد أنصارا وأعوانا، وإن أحمد بن حنبل لم يجد ناصرا، وأقبل أبو عبيد يطري أبا عبد الله، ويقول: لست أعلم في الإسلام مثله. وقال أبو جعفر النفيلي: كان أحمد بن حنبل من أعلام الدين. وقال مهنا بن يحيى الشامي: ما رأيت أحد أجمع لكل خير من أحمد بن حنبل، وما رأيت مثله في فقهه وعلمه، وزهده وورعه، وسئل أبو ثور عن مسألة، فقال: قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل، شيخنا وإمامنا، فيها كذا وكذا. وقال حجاج بن الشاعر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 ما رأت عيناي روحا في جسد أفضل من أحمد بن حنبل. وقال أحمد بن سعيد الدارمي: ما رأيت أسود الرأس أحفظ مني لحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا أعلم بفقهه ومعانيه، من أحمد بن حنبل. وقال أبو زرعة الرازي: كان أحمد بن حنبل، يحفظ ألف ألف حديث، فقيل له: وما يدريك؟ فقال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب. وذكر مناقبه، رحمه الله ورضي عنه، يطول شرحه، وقد جمع الناس ذلك في مصنفات مفردة، ومن أحسنها وأبسطها، ما ألفه الشيخ الإمام أبو الفرج بن الجوزي، رحمه الله. ومات الإمام أحمد بن حنبل يوم الجمعة الثاني عشر من ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين، عن سبع وسبعين سنة على المشهور، وشهد جنازته عدد كثير، وجمع غفير، قيل: ثلاث مائة ألف، وقيل: ثمان مائة ألف، وقيل: ألف ألف، وقيل أكثر، وقيل: ألف ألف وسبع مائة ألف، فالله أعلم، وأسلم خلق كثير يومئذ من اليهود والنصارى والمجوس، قيل: عشرون ألفا، فالله أعلم. وذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، في طبقات أصحاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 الشافعي البغداديين، فقال: قال الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني: ما قرأت على الشافعي حرفا، إلا وأحمد حاضر، ولا ذهبت إلى الشافعي مجلسا، إلا وجدت أحمد فيه. وقال إبراهيم الحربي: الشافعي أستاذ الأستاذين أليس هو أستاذ أحمد بن حنبل، وقال صالح بن أحمد: مشى أبي مع بغلة الشافعي، فبعث إليه يحيى بن معين، فقال: أما رضيت إلا أن تمشي مع بغلته، فقال: يا أبا زكريا، لو مشيت إلى جانبها الآخر، لكان أنفع لك. وقد تقدمت هذه الحكايات مع غيرها مسندة في ترجمة الشافعي، رضي الله عنه، ولله الحمد والمنة. وَقَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الإِمَامِ الْحَافِظِ الْجِهْبِذِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قُلْتُ: أَخْبَرَكُمُ الشَّيْخُ الإِمَامُ الْعَلامَةُ شَيْخُ الإِسْلامِ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عُمَرَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أنا حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرُّصَافِيُّ الْمُكَبِّرُ، أنا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُصَيْنِ الشَّيْبَانِيُّ، أنا أَبُو عَلِيٍّ ابْنُ الْمُذْهِبِ التَّمِيمِيُّ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ الْقَطِيعِيُّ، أنا عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ، ثنا مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ» ، وهذا حديث جيد الإسناد قوي عزيز من هذا الوجه، فإنه اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة الأربعة، رضي الله عنهم، وقد رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، من حديث الزهري، وصححه الترمذي، وفيه بشارة عظيمة لعموم المؤمنين من الصالحين، وثبت له في الصحيحين شاهد في شأن الشهداء، ولله الحمد والمنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 أبو جعفر الخلال أحمد بن خالد الخلال أبو جعفر البغدادي الفقيه، قاضي الثغر روى عن الإمام الشافعي، وسفيان بن عيينة، وإسحاق الأزرق، وجماعة، وحدث عنه جماعة منهم: الترمذي، والنسائي، وأحمد بن علي الأبار، وعمر بن محمد بن بجير البجيري. قال أحمد بن عبد الله العجلي: ثقة. وقال أبو حاتم الرازي: كان خيرا فاضلا عدلا ثقة صدوقا رضيا. وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش الحافظ: كان امرأ صالحا. وقال الدارقطني: ثقة نبيل، قديم الوفاة، مات سنة ست، وقيل: سبع وأربعين ومائتين. أبو جعفر النهشلي أحمد بن أبي سريج، واسمه الصباح أبو جعفر النهشلي، مولاهم الرازي، ثم البغدادي المقرئ روى عن الإمام الشافعي، وجماعة، وحدث عنه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرازيان، وجماعة، قال يعقوب بن شيبة: كان أحد أصحاب الحديث، وكان ثقة ثبتا، ومات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 بالري قديما، قال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: ثقة. أبو جعفر الواسطي أحمد بن سنان بن أسد بن حبان القطان أبو جعفر الواسطي الحافظ روى عن الإمام الشافعي وخلق، وروى عنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي في مسند مالك، وقال: ثقة، وابن ماجه، وأبو حاتم الرازي، وقال: صدوق، وابنه عبد الرحمن بن أبي حاتم، وقال: كان إمام أهل زمانه، مات سنة ست، وقيل: ثمان، وقيل: تسع وخمسين ومائتين. أبو جعفر بن صالح، المعروف بابن الطبري أحمد بن صالح المصري أبو جعفر الحافظ، المعروف بابن الطبري لأنه كان أبوه جنديا من آمل طبرستان، وولد هو بمصر، وكان من الحفاظ المبرزين، والأئمة المذكورين، روى عن الشافعي، واجتمع بأحمد بن حنبل، فأفاد واستفاد، وحدث عن جماعة، حدث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 عنه البخاري في صحيحه، وأبو داود في سننه، وأبو زرعة الدمشقي الرازي، ومحمد بن عبد الله بن نمير، ومحمد بن مسلم بن وارة، ومحمد بن يحيى الذهلي. قال أبو زرعة الدمشقي: قدمت بغداد، فسألني أحمد بن حنبل: من خلفت بمصر، قلت: أحمد بن صالح، فسر بذكره، فذكره بخير، ودعا الله له، وقال البخاري: أحمد بن صالح ثقة صدوق، ما رأيت أحدا تكلم فيه بحجة، كان أحمد بن حنبل، وعلي ابن المديني، وابن نمير، يثبتونه. وقال محمد بن مسلم بن وارة: أحمد بن حنبل ببغداد، وأحمد بن صالح بمصر، وابن نمير بالكوفة، والنفيلي بحران، هؤلاء أركان الدين، وقد أثنى عليه غير واحد من الأئمة بما يطول ذكره، وتكلم فيه أبو عبد الرحمن النسائي، ونقل عن محمد بن يحيى الذهلي أنه تركه، وعن ابن معين أنه رماه بالكذب، وهذا لا يعارض ما أثنى عليه الأئمة الكبار، ثم إنه ما من أحد إلا يؤخذ من قوله ويرد، إلا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقوله مقبول. وقال الحافظ أبو سعيد بن يونس، صاحب تاريخ مصر: كان أحمد بن صالح، حافظا للحديث، ولم يكن عندنا، بحمد الله، كما قال النسائي، ولم يكن له آفة غير الكبر. وقال الحافظان ابن عدي، والخطيب نحوا من هذا، وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن سهل الغزال: أحمد بن صالح طبري الأصل، كان من حفاظ الحديث، واعيا راسيا في العلم والحديث وعلله، وكان يصلي بالشافعي، ولم يكن في أصحاب ابن وهب أحد أعلم بالآثار منه، مولده سنة سبعين ومائة، ومات سنة ثمان وأربعين ومائتين , قاله البخاري وغيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 أبو عبيد الله، الملقب بحشل، أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن مسلم القرشي أبو عبيد الله المصري، الملقب بحشل روى عن عمه عبد الله بن وهب، والإمام الشافعي، وجماعة، وحدث عنه مسلم في صحيحه، وأبو حاتم الرازي، وابن خزيمة، وابن جرير، وزكريا الساجي، وجماعة، وهو من الثقات، كما نص عليه غير واحد من الأئمة، إلا أنهم تكلموا فيه من جهة أنه خلط في آخر عمره، وأتي بأحاديث مناكير، ثم روجع فيها فرجع عنها إلا قليلا، وابن حبان البستي يبالغ في أمره بالتضعيف، وابن عدي يقويه، فالله أعلم. قال الحافظ أبو سعيد بن يونس: لا تقوم بحديثه حجة، توفي سنة أربع وستين ومائتين. أبو الطاهر بن السرح المقري أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح القرشي الأموي أبو الطهر المصري روى عن الإمام الشافعي، وجماعة، وحدث عنه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وقال: لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 بأس به. وقال النسائي، وغيره: كان ثقة ثبتا صالحا. وقال ابن يونس: كان من الصالحين الأثبات، ومات سنة خمسين ومائتين. أبو عبد الله الصيرفي أحمد بن محمد بن سعيد بن جبلة أبو عبد الله الصيرفي البغدادي سمع ابن عيينة، ومعن بن عيسى القزاز، والإمام محمد بن إدريس الشافعي، وعدة، وحدث عنه: أبو عبيد ابن المحاملي، وأحمد بن عبد الله الوكيل، ومحمد بن هارون بن المحدر، وهشام بن القاسم الهاشمي. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أنا أَبُو الْعِزِّ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ الْمُجَاوِرِ، أنا أَبُو الْيَمَنِ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ الْكِنْدِيُّ، أنا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زُرَيْقٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: أنا الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ، ثنا الْقَاضِي أَبُو الْعَلاءِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْوَكِيلُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الصَّيْرَفِيُّ، ثنا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، ثنا سَعِيدٌ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ، قَالَ مُحَمَّدٌ: بِالْمَدِينَةِ، فَبَالَ قَائِمًا وَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، قال علي بن عمر الدارقطني: تفرد به أسود بن عامر شاذان، ولا نعلم حدث به عنه غير أحمد بن محمد بن سعيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 البغدادي الصيرفي، قلت: والحديث مخرج في كتب الجماعة من طرق عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة به، ولله الحمد والمنة أبو الوليد المكي الأزرقي أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق بن عمرو بن الحارث بن أبي شمر الغساني أبو الوليد، ويقال: أبو محمد المكي الأزرقي جد أبي الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي صاحب تاريخ مكة، روى عن الشافعي، وجماعة، وروى عنه البخاري في صحيحه، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي، ويعقوب بن سفيان، وأبو حاتم الرازي، وقال هو وأبو عوانة الإسفراييني: كان ثقة، توفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين. أبو عبد الرحمن المتكلم أحمد بن يحيى بن عبد العزيز البغدادي أبو عبد الرحمن الشافعي المتكلم روى عن الشافعي، ولزمه كثيرا، وعن الوليد بن مسلم الدمشقي صاحب الأوزاعي، وروى عنه: أبو علي أحمد بن إبراهيم القوهستاني، وأبو جعفر الحضرمي مطين، قال الدارقطني: أبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 عبد الرحمن الشافعي، المتكلم البغدادي، اسمه: أحمد بن يحيى، كان من كبار أصحاب الشافعي الملازمين له ببغداد ثم صار من أصحاب ابن أبي دؤاد واتبعه على رأيه. وقال زكريا بن يحيى الساجي: سمعت أبا ثور، يقول: كما نختلف إلى الشافعي، فكان يقول لنا: لا تذهبوا إلى أبي عبد الرحمن يعرض لكم، فإنه يخطئ، وكان ضعيف البصر، وقال الشيخ أبي إسحاق في الطبقات: ومنهم: أبو عبد الرحمن أحمد بن يحيى المتكلم، كان من كبار أصحابه ثم صار من أصحاب ابن أبي دؤاد، قلت: إنما صار إلى رأي أبي دؤاد، في القول بخلق القرآن، فأما في الفروع فهو باق على مذهب الإمام الشافعي، وله وجوه تحكي عنه، لم أقف له على وفاة ولا رأيت الخطيب ذكرها في ترجمته. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أنا أَبُو الْعِزِّ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ الْمُجَاوِرِ، أنا أَبُو الْيَمَنِ الْكِنْدِيُّ، أنا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْقَزَّازُ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ زُرَيْقٍ، قَالَ: أنا الْخَطِيبُ: كَتَبَ إِلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَوَالِيقِيُّ، مِنَ الْكُوفَةِ، يَذْكُرُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ حُصَيْنٍ الْهَمْدَانِيَّ أَخْبَرَنِي، ثُمَّ أَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ، قِرَاءَةً، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حُصَيْنٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيُّ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو النَّجَاشِيِّ مَوْلَى رَافِعٍ، عَنْ رَافِعٍ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يُنْحَرُ الْجَزُورُ فَيُجَزَّأُ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، ثُمَّ يُطْبَخُ، فَنَأْكُلُ لَحْمًا نَضِيجًا قَبْلَ أَنْ نُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ، وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيِّ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ بِهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ الْوَلِيدِ، وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَشُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ، ثَلاثَتُهُمْ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ أَبِي النَّجَاشِيِّ، وَاسْمُهُ عَطَاءُ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أحمد بن يحيى الوزير أحمد بن يحيى الوزير بن سليمان بن المهاجر التجيبي أبو عبد الله المصري مولى قيسية بن كلثوم السومي، وسوم بطن من تجيب روى عن الإمام الشافعي، وابن وهب، وغيرهما، وروى عنه النسائي، وأبو بكر بن أبي داود، والحسين بن يعقوب المصري، وعدة، ووثقة النسائي، وقال أبو سعيد بن يونس: كان فقيها من جلساء ابن وهب، وكان عالما بالشعر، والأدب، والأخبار، وأيام الناس، وتوفي سنة خمسين ومائتين عن تسع وسبعين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 ابن راهويه إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن مطر الحنبلي أبو يعقوب المروزي، المعروف بابن راهويه نزيل نيسابور أحد الأئمة الأعلام، وعلماء دين الإسلام، اجتمع له الحديث والفقه والحفظ، والصدق والورع والزهد، ورحل إلى العراق، والحجاز، واليمن، والشام في طلب الحديث، ثم عاد إلى خراسان، واستوطن بنيسابور إلى أن مات بها، وانتشر علمه عند أهلها، روى عن الشافعي، وأمم، واجتمع به وناظره، وانتفع به، وكتب كتبه، ومشى على منوالها كما تقدم في ترجمة الشافعي، روى عنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن يحيى، ويحيى بن معين، وهم من أقرانه، وبقية بن الوليد، وهو من شيوخه، وخلق، وقال الإمام أحمد بن حنبل: لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق، وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم تزل تخالف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 بعضهم بعضا. وقال مرة: إذا حدثك أبو يعقوب أمير المؤمنين فتمسك به، وقال مرة: هو إمام من أئمة المسلمين، وقال محمد بن يحيى الذهلي: اجتمع أعلام أصحاب الحديث بالرصافة، فيهم أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهما، وكان صدر المجلس لإسحاق، وهو الخطيب. وقال النسائي: وهو ثقة مأمون سمعت سعيد بن ذؤيب، يقول: ما أعلم على وجه الأرض، مثل إسحاق بن راهويه، وقال أحمد بن سعيد الرباطي: لو كان الثوري، وابن عيينة، والحمادان، لاحتاجوا إليه في أشياء كثيرة. وقال ابن خزيمة: والله لو كان في التابعين، لأقروا له بعلمه، وحفظه وفقهه، وقال أبو داود الخفاف: سمعت إسحاق بن راهويه، يقول: لكأني أنظر إلى مائة ألف حديث في كتبي، وثلاثين ألف حديث أسردها، قال: وأملى علينا إسحاق أحد عشر ألف حديث من حفظه ثم قرأها علينا، فما زاد حرفا ولا نقص حرفا. مات، رحمه الله، سنة ثمان وثلاثين ومائتين، قال البخاري: عن سبع وسبعين سنة، انتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 أبو يعقوب التنوخي إسحاق بن بهلول بن حسان أبو يعقوب التنوخي الأنباري الحافظ روى عن الإمام الشافعي، وسفيان بن عيينة، ووكيع، ويحيى القطان، وابن مهدي، وجماعة، وروى عنه: إبراهيم الحربي، وأبو بكر بن أبي الدنيا، وحفيد يوسف بن يعقوب الأزرق، وأبو عبد الله المحاملي، وابن صاعد، وجماعة. قال الحافظ أبو بكر الخطيب: صنف كتابا في الفقه، وله مذاهب اختارها، وصنف المسند، وفي القراءات، وكان ثقة، قال ابنه البهلول: استدعى المتوكل أبي إلى سُرَّ مَنْ رَأَى حتى سمع منه ثم أمر فنصب له منبر، وحدث في الجامع وأقطعه إقطاعا مغلة في السنة اثنا عشر ألفا، ووصله بخمسة آلاف درهم في السنة، قال: وحدث ببغداد من حفظه بخمسين ألف حديث لم يخطئ في شيء منها، ولد بالأنبار سنة أربع وستين ومائة، وتوفي بها سنة اثنتين وخمسين ومائتين في ذي الحجة منها. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيِّ، قُلْتُ لَهُ: أَخْبَرَكَ عَبْدُ الْحَافِظِ بْنُ بَدْرَانَ، أَخْبَرَكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مِائَةٍ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أنا عَلِيُّ بْنُ حَمْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيُّ، ثنا أَبُو أَحْمَدَ الْفَرَضِيُّ، ثنا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ بُهْلُولٍ، ثنا جَدِّي، ثنا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 حِزَامٍ، قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ أَبِيعَ مَا لَيْسَ عِنْدِي، وهكذا وقع في رواية النسائي، من حديث مروان بن معاوية الفزاري، عن عوف، وذكر آخر، وهو هشام بن حسان كما نص عليه الترمذي، كلاهما عن محمد بن سيرين، عن حكيم بن حزام به وهو منقطع، وقد رواه الترمذي من حديث يزيد بن إبراهيم، والنسائي من حديث يحيى بن عتق كلاهما، عن محمد بن سيرين، عن أيوب السختياني، عن يوسف بن ماهك، عن حكيم به، وهكذا رواه أهل السنن الأربعة أيضا، من طرق عن أبي بشر، وهو جعفر بن أبي وحشية، عن يوسف بن ماهك، عن حكيم به، وقال الترمذي: حسن، ورواه يحيى بن أبي كثير، عن يعلى بن حكيم، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عصمة، عن حكيم به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 المزني إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق أبو إبراهيم المزني المصري الفقيه الإمام العلامة صاحب التصانيف روى عن الشافعي، ونعيم بن حماد، وعلي بن معبد بن شداد، وعنه: ابن خزيمة، وأبو بكر بن زياد، وزكريا الساجي، وابن حوصا، والطحاوي، وابن أبي حاتم، وقال: هو صدوق. وقال أبو سعيد بن يونس: كانت له عبادة وفضل، ثقة في الحديث، لا يختلف فيه حاذق في الفقه، حدثني أبي، يعني: يونس بن عبد الأعلى، قال: كان المزني يلزم الرباط، قال: وكان إذا قد أرسلني أبي فسلمت عليه، قال: وكان أحد الزهاد في الدنيا، ومن خيار خلق الله، قال: وحدثني إبراهيم بن محمد بن الضحاك، قال: سمعت المزني، يقول: عاينت غسل الموتى ليرق قلبي فصار ذلك لي عادة، قال ابن يونس: وتوفي المزني يوم الأربعاء لأربع وعشرين ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائتين، وصلى عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 الربيع بن سليمان المرادي، وقال عمرو بن عثمان المكي: ما رأيت أحدا من المتعبدين، في كثرة من لقيت منهم، أشد اجتهادا من المزني، ولا أدوم على العبادة منه، ولا رأيت أحدا أشد تعظيما للعلم وأهله منه، وكان من أشد الناس تضييقا على نفسه في الورع، وأوسعه في ذلك على الناس، وكان يقول: أنا خلق من أخلاق الشافعي، وذكره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، أول أصحاب الشافعي، قال: وكان زاهدا، عالما، مجتهدا، مناظرا، محجاجا، غواصا على المعاني الدقيقة، صنف كتبا كثيرة: الجامع الصغير، ومختصر المختصر، والمنثور المسائل المعتبرة، والترغيب في العلم، وكتاب الوثائق. قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي، أرخ وفاته سنة أربع وستين ومائتين، كما تقدم، قلت: وله وجوه غريبة، واختيارات كثيرة، مخالفة للمذهب قد اعتنى بردها الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في المهذب، وكذا غيره من أهل المذهب، والله أعلم، وقد روينا من طريقه عن الإمام الشافعي كتاب السنن الصغير عنه، وهو كتاب حسن فيه علم جم، وذكروا أنه كان مجاب الدعوة، وأنه كان إذا فاتته صلاة الجماعة، صلى خمسا وعشرين مرة. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قُلْتُ لَهُ: أَخْبَرَكَ فَخْرُ الدِّينِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 الْكَرْخِيُّ، أنا الإِمَامُ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ الصَّلاحِ، أنا أَبُو بَكْرٍ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي سَعْدِ بْنِ الصَّفَّارِ، قَالَ شَيْخُنَا: وَأنا تَاجُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ الْمُظَفَّرِ بْنِ أَبِي سَعْدِ بْنِ أَبِي عَصْرُونٍ التَّمِيمِيُّ، وَشَرَفُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ، وَابْنَةُ عَمِّهِ سِتُّ الأُمَنَاءِ بِنْتُ الْقَاضِي أَبِي نَصْرٍ ابْنِ عَسَاكِرَ، قَالُوا ثَلاثَتُهُمْ: أنا أَبُو بَكْرٍ الْقَاسِمُ الصَّفَّارُ، إِجَازَةً، قَالَ: أنا جَدِّي أَبُو أُمِّي الشَّيْخُ الإِمَامُ الزَّكِيُّ ثِقَةُ الدِّينِ أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ زَاهِرِ بْنِ طَاهِرٍ الشَّحَّامِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، أنا الرَّئِيسُ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُخَرِّمِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّفَّارُ: وَأنا أَبُو بَكْرٍ وَجِيهُ بْنُ طَاهِرٍ الشَّحَّامِيُّ، إِجَازَةً، أنا أَبُو الْمَعَالِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُسَيْنٍ ح، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو ابْنُ الصَّلاحِ: وَكَتَبَتْ إِلَيْنَا زُبَيْدَةُ بِنْتُ طبسٍ، قَالَتْ: أنا زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ، أنا أَبُو الْمَعَالِي الْمَحْمِيُّ، قَالا: أنا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الإِسْفَرَايِينِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: أنا خَالُ أَبِي أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الإِسْفَرَايِينِيُّ الْحَافِظُ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، أنا أَبُو إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أنا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُتِيَ بِوَضُوءٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ، فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ، حَتَّى تَوَضَّأَ النَّاسُ مِنْ عِنْدِ آخِرِهِ، هذا حديث صحيح، متفق عليه من رواية مالك بن أنس إمام دار الهجرة في زمانه، أحد نجوم الهدى، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أحد الأئمة الثقات النبلاء، عن أنس بن مالك، خادم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو من أكبر أدلة النبوة، ولله الحمد والمنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وَبِالإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ إِلَى الْمُزَنِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: أَمْلَى عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ، أنا ابْنُ فُدَيْكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا سَبَقَ إِلا فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ» ، وهذا رواه أهل السنن من طرق، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، وهو أصل كبير في باب المسابقة، الذي أول من بسط القول فيه، ووسعه، وتكلم على مسائله، وفروعه إمامنا الشافعي، رحمه الله ورضي عنه، وقرأت بالإسناد المذكور إلى المزني جزء فيه أحاديث المختصر المسندة مجموعة، ولله الحمد والمنة الخولاني بحر بن نصر بن سابق الخولاني مولاهم أبو عبد الله المصري روى عن الشافعي، وأشهب، وابن وهب، وجماعة، وعنه جماعة منهم: أبو جعفر الطحاوي، وأبو عوانة الإسفراييني، وابن خزيمة، وابن أبي حاتم، قال: صدوق ثقة، وقال يونس بن عبد الأعلى: ثقة، وقال أبو سعيد بن يونس: كان من أهل الفضل، وتوفي سنة سبع وستين ومائتين، وذكر غيره أنه قارب التسعين، وقيل: جاوزها، روى له النسائي في مسند مالك حديثا واحدا عن زكريا بن يحيى السجزي عنه، عن خالد بن عبد الرحمن الخراساني، عن مالك، عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن أبيه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 أبو عبد الله المحاسبي الحارث بن أسد أبو عبد الله المحاسبي أحد مشايخ الصوفية، وشيخ الجنيد إمام الطريقة، ويقال: إنه إنما سمي المحاسبي لكثرة محاسبته نفسه، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح، في الطبقات: ذكره الأسناد أبو منصور التميمي في الطبقة الأولى من أصحاب الشافعي وصحبه، وقال: هو إمام المسلمين في الفقه والتصوف، والحديث والكلام، وكتبه في هذه العلوم أصول من يصنف فيها، وإليه ينسب أكثر متكلمي الصفاتية، وقال أيضا: لو لم يكن في أصحاب الشافعي في الفقه، والكلام، والأصول، والقياس، والزهد، والورع، والمعرفة، إلا الحارث بن أسد المحاسبي لكان مغبرا في وجوه مخالفيه، والحمد لله على ذلك، ثم قال ابن الصلاح: وصحبته للشافعي لم أر أحدا ذكرها سواه، وليس أبو منصور من أهل هذا الفن ليعتمد فيما تفرد به، والقرائن شاهدة بانتفائها، قلت: وقد ذكرت ترجمته في كتابي التكميل مبسوطة، وأنه مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين ببغداد، رحمه الله. الحارث النقال الحارث بن سريج النقال، بالنون، أبو عمرو البغدادي أصله من خوارزم، روى عن الشافعي، ومعتمر بن سليمان، وحماد بن سلمة، ويزيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 بن زريع، وسفيان بن عيينة، وابن مهدي، وغيرهم، وعنه: أحمد بن منصور الرمادي، وابن أبي الدنيا، وأحمد بن الحسن الصوفي، وعلي بن الحسن الهسنجاني وغيرهم، وهذا الرجل ضعفه ابن معين، وأبو زرعة، والنسائي، وقال ابن عدي: ضعيف، يسرق الحديث، وقال ابن مهدي: كذاب، وشك أبو الفتح الأزدي، فقال: إنما تكلموا فيه حسدا، وذكره الشيخ أبو إسحاق في طبقة أصحاب الشافعي من البغاددة، فقال: ومنهم: الحارث بن سريج النقال، مات سنة ست وثلاثين ومائتين، وهو الذي حمل كتاب الرسالة إلى عبد الرحمن بن مهدي الإمام، وقال موسى بن هارون الحاف: مات النقال، وكان واقعيا يهم في الحديث، مات سنة ست وثلاثين ومائتين. وَبِالإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ إِلَى الْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ، أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الصَّوَّافُ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمِ بْنِ الْحُسَيْنِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ الضَّرِيرُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَالْحَارِثُ بْنُ سُرَيْجٍ النَّقَّالُ، قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ الْحِنْثَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا أَعْرَابِيٌّ حَجَّ ثُمَّ هَاجَرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى» ، ثم قال الخطيب لم يرفعه إلا يزيد بن زريع، وهو حديث غريب، قلت: وليس هو في شيء من الكتب الستة، وقد رواه الشافعي، والبخاري موقوفا على ابن عباس، والله أعلم، وقد روى عن محمد بن كعب القرظي مرسلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 البلخي حامد بن يحيى بن هانئ البلخي أبو عبد الله نزيل طرسوس، روى عن سفيان ابن عيينة، وأبي عاصم النبيل، وأبي النضر هاشم بن القاسم، والشافعي، وجماعة، وعنه جماعة منهم: أبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وقال: صدوق، وذكر جعفر الفريابي أنه سأل علي ابن المديني عنه، فقال: يا سبحان الله! أبقى حامد إلى زمان يحتاج من يسأل عنه؟ ! وذكره ابن حبان في الثقات، قال: وكان من أعلم أهل زمانه بحديث ابن عيينة، أفنى عمره في مجالسته، قال: وسكن الشام ومات بطرسوس سنة اثنتين وأربعين ومائتين، رحمه الله. التجيبي حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي، مولى بني زميلة، أبو حفص المصري أحد الحفاظ المشاهير، ومن أصحاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 الشافعي، وكبار رواة مذهبه الجديد، روى عنه، وعن ابن وهب، وعبد الغفار ابن داود، وجماعة، وعنه: مسلم في صحيحه، وابن ماجه في سننه، وبقي بن مخلد، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وقال: يكتب حديثه ولا يحتج به، وروى النسائي، عن أحمد بن القاسم بن حفص، عنه. وقال يحيى بن معين: كان أعلم الناس بحديث ابن وهب، ونظر إليه أشهب، فقال: هذا آخر أهل المسجد، وقال الحافظ أبو أحمد بن عدي: وقد تبحرت حديث حرملة وفتشته الكثير، فلم أجد في حديثه ما يجب أن يضعف من أجله، ورجل يوازي ابن وهب عندهم، ويكون حديثه كله عنده، فليس ببعيد أن يغرب على غيره من أصحاب ابن وهب، كتبا، ونسخا، وأفراد ابن وهب، وأما حمل أحمد بن صالح عليه، فإن أحمد سمع في كتبه من ابن وهب، فأعطاه نصف سماعه، ومنعه النصف، فتولد بينهما العداوة من هذا. قلت: وذكروا أن حديث ابن وهب كله، وكان قريبا من مائة ألف حديث، كان عند حرملة إلا حديثين، أحدهما: ما رواه أبو داود عن ابن السرح، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن أبي يونس، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «كلكم سيد فالرجل سيد أهله والمرأة سيدة بيتها» ، والثاني: رواه الترمذي عن قتيبة، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة» ، وقال ابن يونس: كان أعلم الناس بحديث ابن وهب، ومات ليلة الخميس لسبع بقين من شوال سنة ثلاث وأربعين ومائتين، وقال الشيخ أبو إسحاق: كان حافظا للحديث وصنف المبسوط، والمختصر، وولد سنة ست وستين ومائة، ومات بمصر سنة ثلاث وأربعين ومائتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 الجذامي الحسن بن عبد العزيز بن الوزير الجذامي الجروي أبو علي المصري نزيل بغداد، روى عن الإمام الشافعي، وعبد الله بن يحيى البرلسي، ويحيى بن حسان، وغيرهم، وعنه: البخاري في صحيحه، وأبو حاتم الرازي، وابنه عبد الرحمن بن أبي حاتم، وقالا: ثقة، وقال الدارقطني: لم ير مثله فضلا وزهدا. وقال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي: كان من أهل الفضل، مذكورا بالورع والثقة، وموصوفا بالعبادة، وقال بن يونس: حمل إلى العراق بعد قتل أخيه علي، وكان قتل أخيه في ذي الحجة سنة خمس عشرة ومائتين، فلم يزل بالعراق إلى أن توفي به سنة سبع وخمسين ومائتين، وكانت له عبادة، وكان له فضل، وكان من أهل الورع والفقه. الزعفراني الحسن بن محمد بن الصباح أبو علي البغدادي روى عن سفيان بن عيينة، وشبابة، وعفان، ومحمد بن إدريس الشافعي، وهو من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 رواة مذهبه القديم، وغيرهم، وعنه جماعة منهم: البخاري في صحيحه، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة في صحيحه، وأبو عوانة في صحيحه، وأبو حاتم الرازي، وقال: صدوق، وقال النسائي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم: ثقة، وقال ابن حبان في كتاب الثقات: كان راويا للشافعي، وكان يحضر أحمد بن حنبل، وأبو ثور عند الشافعي، وهو الذي يتولى القراءة عليه. قال الزعفراني: لما قرأت كتاب الرسالة على الشافعي، قال لي: من أي العرب أنت؟ فقلت: ما أنا بعربي، وما أنا إلا من قرية يقال لها: الزعفرانية، قال: فأنت سيد هذه القرية، وقال أبو عبد الله ابن المنادي: كان الزعفراني أحد الثقات، ومات بالجانب الغربي من مدينة السلام سنة ستين ومائتين، هكذا أرخ وفاته سنة ستين ومائتين، قال: وهو الذي ينسب إليه درب الزعفراني ببغداد، وفيه مسجد الشافعي، رضي الله عنه، قال: وهو المسجد الذي كنت فيه أدرس، وستأتي ترجمة القاضي أبي العباس بن سريج، حديث من روايته عن الزعفراني هذا، إن شاء الله تعالى وبه الثقة. الأصبهاني الحسن بن محمد بن يزيد أبو سعيد الأصبهاني روى عن أصحاب ابن عيينة، قال الشيخ محيي الدين النووي، فيما استدركه على ابن الصلاح، في الطبقات: هو أول من حمل علم الشافعي، رضي الله عنه، إلى أصبهان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 الكرابيسي الحسين بن علي بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان أبو علي الكرابيسي البغدادي الفقيه المصنف أخذ الفقه عن الشافعي، وكان أولا على مذهب أهل الرأي، كما قدمناه، وروى عنه، وعن إسحاق الأزرق، ومعن بن عيسى، ويعقوب بن إبراهيم، ويزيد بن هارون، وعنه عبيد بن محمد بن خلف البزاز، ومحمد ابن علي فستقة، وكان فقيها، جليلا، فصيحا، ذكيا، له فنون في الحديث، والفقه، والأصول، وغير ذلك، وصنف كتابا في الرد على المدلسين أدخل فيه الأعمش، وجماعة من الكبار، قرأ ذلك على الإمام أحمد فغاظه، ثم تكلم في مسألة اللفظ بالقرآن، فهجره الإمام أحمد، وقال: كلامه يدور على باب جهنم، وأمر بهجره، فهضم ذلك منه عند الناس. قال الحافظ أبو أحمد بن عدي: سمعت محمد بن عبد الله الشافعي، يخاطب المتعلمين لمذهب الشافعي، يقول لهم: اعتبروا بهذين النفسين: حسين الكرابيسي، وأبي ثور الحسين في علمه وحفظه، وأبو ثور لا يعسره، فتكلم أحمد بن حنبل فيه فسقط، وأثنى على أبي ثور فارتفع. قال ابن عدي: وحسين الكرابيسي له كتب مصنف فيها اختلاف الناس في المسائل، وكان حافظا، وذكر في كتبه أخبارا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 كثيرة ولم أجد له منكرا غير ما ذكرت من الحديث والذي حمل أحمد بن حنبل عليه، فإنما هو من جهة اللفظ والقرآن، فأما في الحديث فلم أر به بأسا، قلت: إنما أورد له ابن عدي حديثا واحدا منكرا. قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ، مِنْ كِتَابِهِ، ثنا حُسَيْنٌ الْكَرَابِيسِيُّ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ، ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَهْرِقْهُ، وَلْيَغْسِلْهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ» . ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ إِسْحَاقَ الأَزْرَقِ مَوْقُوفًا، وَهَذَا أَصْلٌ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: حديث الكرابيسي يعز جدا، وذلك أن أحمد بن حنبل كان يتكلم فيه، بسبب مسألة اللفظ، وكان هو أيضا يتكلم في أحمد، فتجنب الناس الأخذ عنه لهذا السبب، قلت: الذي رأيته عنه، أنه قال: كلام الله غير مخلوق من كل الجهات، إلا أن لفظي بالقرآن مخلوق، ومن لم يقل: إن لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر، وهذا هو المنقول عن البخاري، وداود بن علي الظاهري، وكان الإمام أحمد بن حنبل يشدد في هذه كثيرا، لأجل حسم مادة القول بخلق القرآن، فلهذا هجر الكرابيسي، كما هجر داود بسبب ذلك، ولكن الكرابيسي، رحمه الله، بالغ في القول، وقابل الإمام أحمد بكلام غليظ، فغضب له أناس كثير، منهم: يحيى بن معين، وجماعة، ولم يكن الإمام أحمد بن حنبل يجمع بين اسم الحسن الكرابيسي وشخصه، قال أحمد بن أبي يحيى: سمعت أحمد بن حنبل، سئل عن الكرابيسي، فقال: لا أعرفه، فقيل: يا أبا عبد الله، إنه يزعم أنه كان يناظركم عند الشافعي، وكان معكم عند يعقوب بن إبراهيم، فقال: لا أعرفه بالحديث ولا بغيره. وقال الشيخ أبو إسحاق، في الطبقات: مات سنة خمس وأربعين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وقيل: سنة ثمان وأربعين ومائتين، وكان متكلما عارفا بالحديث، له تصانيف كثيرة في أصول الفقه وفروعه. الربيع الجيزي الربيع بن سليمان بن داود الجيزي أبو محمد الأزدي مولاهم المصري الأعرج أحد أصحاب الشافعي، والرواة عنه، وعن إسحاق بن بشر، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن يوسف، وغيرهم، وعنه: أبو داود، والنسائي، وأبو بكر بن أبي داود، وأبو جعفر الطحاوي، والمعمري، والباغندي. قال ابن يونس، والخطيب: ثقة ومات لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ست وخمسين ومائتين، قبل الربيع المرادي بأربع عشرة سنة، وذكره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، في الطبقات، فقال: ومنهم: الربيع بن سليمان الجيزي، ولم يزد على هذا. الربيع المرادي الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادي، مولاهم أبو محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 المصري المؤذن بجامع الفسطاط بمصر، صاحب الشافعي وخادمه، وراوي كتبه الجديدة، روى عنه وعن أسد بن موسى، وابن وهب، وجماعة، وعنه: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه , وروى الترمذي، عن محمد بن إسماعيل السلمي عنه، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والطحاوي، وأبو الفوارس السندي، وهو آخر من أخذ عنه، وعن عبد الرحمن بن أبي حاتم، وقال: صدوق، وقال النسائي، وابن يونس، وابن حبان، والخطيب: ثقة. وقال الشيخ أبو إسحاق: مات بمصر سنة سبعين ومائتين، وهو الذي يروي كتبه، قال الشافعي، رضي الله عنه: الربيع راويتي، قلت: ويروي عن الشافعي، أنه قال للربيع: متى أمكنني أن أطعمك العلم أطعمتك، وعن الربيع، أنه قال: كل محدث بعد ابن وهب كنت مستمليه، وقال علي بن قديد: كان الربيع يقرأ بالألحان، وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر: ذكر محمد بن إسماعيل الترمذي، من أخذ عن الربيع كتب الشافعي، ورحل إليه فيها من الآفاق نحوا من مائتي رجل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 قال ابن عبد البر: وكان الربيع لا يؤذن في منارة جامع مصر أحد قبله، وكانت الرحلة في كتب الشافعي إليه، وكانت فيه سلامة وغفلة، ولم يكلن قائما بالفقه، وقال شيخنا الحافظ الذهبي: كان الربيع أعرف من المزني بالحديث، وكان المزني أعرف بالفقه منه بكثير، حتى كان هذا لا يعرف إلا الحديث، وهذا لا يعرف إلا الفقه، قال: وما ينسب إلى الربيع من الشعر: صبرا جميلا ما أسرع الفرجا ... من صدق الله في الأمور نجا من خشي الله لم ينله أذى ... ومن رجا الله كان حيث رجا ولد سنة ثلاث، أو أربع وسبعين ومائة، وقال الطحاوي: ومات يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء، لإحدى وعشرين ليلة خلت من شوال سنة سبعين ومائتين، وصلى عليه الأمير خمارويه بن أحمد بن طولون. الرعيني سعيد بن عيسى بن تليد الرعيني القتباني، مولاهم أبو عثمان المصري وقد نسب إلى جده، روى عن الشافعي، وابن وهب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وعبد الرحمن بن القاسم العتقي، والمفضل بن فضالة، وعنه: البخاري في صحيحه، وروى النسائي، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، وعلي بن عثمان النفيلي عنه، وروى عنه أيضا: أبو حاتم الرازي، وقال: ثقة لا بأس به، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وقال أبو سعيد بن يونس: توفي سنة تسع عشرة ومائتين. أبو الربيع المصري سليمان بن داود بن حماد بن سعد المهري أبو الربيع المصري روى عن الشافعي، وعبد الله بن نافع الصائغ، وابن وهب، وعبد الملك بن الماجشون، وغيرهم، وعنه: أبو داود، وقال: قَلَّ من رأيت في فضله، والنسائي، وقال: ثقة، وزكريا الساجي، وأبو حاتم الرازي، وغيرهم، وقال ابن يونس: كان زاهدا، وكان فقيها على مذهب مالك، قال: وولد سنة ثمان وسبعين ومائة، وتوفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الهاشمي سليمان بن داود بن داود بن علي بن عبد الله بن عباس القرشي الهاشمي أبو أيوب البغدادي روى عن الشافعي، وإبراهيم بن سعد، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وغيرهم، وعنه الإمام أحمد، والبخاري في كتاب أفعال العباد، ومحمد بن يحيى الذهلي، ومحمد بن مسلم بن وارة، وابن أبي حاتم الرازي، وعباس الدوري، وإبراهيم الحربي. قال الإمام الشافعي: ما رأيت أعقل من رجلين: أحمد بن حنبل، وسليمان بن داود الهاشمي، وقال الإمام أحمد: لو قيل لي: اختر للأمة رجلا استخلف عليهم، استخلفت سليمان بن داود الهاشمي، وقال أحمد بن عبد الله العجلي، ومحمد بن سعيد، ويعقوب بن شيبة، وأبو حاتم، والنسائي، والدارقطني، والحافظ أبو بكر الخطيب: كان ثقة، وقال محمد بن سعد: توفي سنة تسع عشرة ومائتين، وقال غيره: سنة عشرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 أبو بكر الحميدي عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله القرشي الأسدي أبو بكر الحميدي المكي صاحب الشافعي ورفيقه في الرحلة إلى الديار المصرية، ونزيله وتلميذه بعد أن كان منحرفا عليه، فمال إليه واستفاد منه، وروى عنه، وعن سفيان بن عيينة، والدراوردي، ووكيع، والوليد بن مسلم، وجماعة. وروى عنه: البخاري في صحيحه، وذكره مسلم في مقدمة كتابه، ومحمد بن يحيى الذهلي، ويعقوب بن سفيان، وقال: ما رأيت أنصح للإسلام وأهله منه، وأبو زرعة , وأبو حاتم، قال: هو أثبت الناس في سفيان بن عيينة؛ لأنه جالسه تسع عشرة سنة، أو نحوها فهو رئيس أصحابه، وهو ثقة إمام، وقال أحمد بن حنبل: الحميدي عندنا إمام، وقال محمد بن سعد: هو ثقة كثير الحديث، مات بمكة سنة تسع عشرة ومائتين، وكذا قال البخاري في تاريخ وفاته، وقال غيرهما: سنة عشرين، قلت: سمعنا مسنده المشهور، ولله الحمد والمنة. وقال الشيخ أبو إسحاق، في الطبقات في ذكر أصحاب الشافعي: ومن المكيين أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى الحميدي المكي، مات بمكة سنة تسع عشرة ومائتين، وكان قد أخذ عن مسلم بن خالد الزنجي، والدراوردي، وابن عيينة شيوخ الشافعي، ورحل مع الشافعي إلى مصر، ولزمه حتى مات الشافعي، ثم رجع إلى مكة، وقال يعقوب بن سفيان الفسوي: ما رأيت أنصح للإسلام وأهله من الحميدي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 كبد عبد الحميد بن الوليد بن المغيرة أبو زيد المصري النحوي، المعروف بكبد قال الشيخ أبو إسحاق في الطبقات: هو من أصحاب الشافعي المصريين، قديم الوفاة، ذكره الدارقطني في كتابه في ذكر من روى عن الشافعي، قلت: وذكره أبو سعيد بن يونس في تاريخ مصر، فقال: عبد الحميد بن الوليد بن المغيرة بن سليمان مولى الأشجع، يعرف بكبد ويكنى بأبي زيد، كان فقيها، روى عن مالك بن أنس، والليث، وابن لهيعة، وعون بن سليمان، وقد دخل العراق فلقي بها الهيثم بن عدي، والواقدي، والأصمعي، وأبا عبيدة معمر بن المثنى، وابن الكلبي، وحمل عنهم أخبارا كثيرة، وكان عالما بالأخبار، وكان في الأخبار شيئا عجيبا. روى عنه: سعيد بن عفير، وأحمد بن يحيى، وزيد، وغيرهما. توفي فِي يوم السبت لست بقين من شوال سنة إحدى عشرة ومائتين، وذكر أنه سأل بعض مشايخه: لم سمي كبدا؟ فقال: كان يقال: إن فيه ثقلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 عبد الرحمن بن مهدي الإمام الشهير أحد أئمة الجرح والتعديل، أخذ هذا الشأن عن شيخه يحيى بن سعيد القطان، روى عن مالك، والثوري، وغيرهم، وقد مات قبل الشافعي، وذلك في سنة ثمان وتسعين ومائة، وقد ذكره ابن الصلاح في الطبقات، وهذا غريب وتعلق بقول أبي يعلى الخليلي، عن عبد الرحمن بن مهدي، أنه قال: لا أعرف في هذا الشأن مثل الشافعي، وقد ذكر غيره أنه كتب إلى الشافعي يسأله أن يكتب له كتابا فيه العام والخاص، وغير ذلك من قواعد العلم، فكتب له الرسالة المشهورة في أصول الفقه، وهي أول ما صنف فيه. ابن مقلاص عبد العزيز بن عمران بن أيوب بن مقلاص أبو علي الخزاعي، مولاهم المصري ابن ابنة سعيد بن أبي أيوب روى عن الإمام الشافعي، رضي الله عنه، وعبد الله بن وهب , ومحمد بن يوسف الفريابي، وغيرهم، وعنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، وقال: صدوق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 وقال أبو سعيد بن يونس، في تاريخ المصريين: كان فقيها زاهدا فاضلا، وكان من أكبر أصحاب ابن وهب. فلما قدم الشافعي مصر لازمه، وأخذ عنه، وتفقه على ذهبه، وكان مقبولا عند القضاة، لهيعة بن عيسى، وغيره، وتوفي في ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين ومائتين، وقد تفرد بأقوال غريبة عن الشافعي، رضي الله عنه، ثم قال ابن يونس: حدثني عبد الوهاب بن سعيد، ثنا موسى بن زرقون الجيزي، ثنا عبد العزيز بن عمران بن أيوب بن مقلاص، ثنا عبد الله بن وهب، ثنا مالك بن الخير الزيادي، أن أبا قبيل حدثه، عن عبادة بن الصامت، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنة قال: «ليس من أمتي من لم يبجل كبيرها، ويرحم صغيرها، ويعرف لعالمها» . ابن ميمون الكناني عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز بن مسلم بن ميمون الكناني المكي صاحب كتاب الحيدة في مناظرة الجهمية، وكان يلقب بالغول لدمامة خلقه، روى عن الشافعي، وسفيان بن عيينة، ومروان بن معاوية الفزاري، وغيره، وعنه: الحسين بن الفضل البجلي، وأبو العيناء محمد بن القاسم بن خلاد، وأبو بكر يعقوب بن إبراهيم التميمي من ولد أبي بكر الصديق، رضي الله عنه. قال الخطيب البغدادي: قدم عبد العزيز الكناني بغداد في أيام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 المأمون، وجرى بينه وبين بشر المريسي مناظرة في القرآن، وهو صاحب كتاب الحيدة، وكان من أهل العلم والفضل، وله مصنفات عدة، وكان من تفقه بالشافعي، واشتهر بصحبته، وقال داود بن علي الظاهري، في كتابه الذي صنفه في فضائل الشافعي، رضي الله عنه: وقد كان أحد أتباعه، والمقتبسين منه، والمعترفين بفضله، عبد العزيز بن يحيى الكناني المكي، كان قد طالت صحبته للشافعي، واتباعه له، وخرج معه إلى اليمن، وآثار الشافعي في كتب عبد العزيز بينة عند ذكر الخصوص والعموم والبيان، كان ذلك مأخوذ من كتاب المطلبي، رحمه الله. وذكر الخطيب: أن عبد العزيز الكناني دخل على أحمد بن أبي داود، وقد أصابه الفالج، فقال له عبد العزيز: لم آتك عائدا، وإنما جئت لأحمد الله على سنك في جلدك، وهذا يدل على أنه كان موجودا إلى حدود الأربعين ومائتين. وقال الشيخ أبو إسحاق في الطبقات، في ذكر أصحاب الشافعي البغداديين: ومنهم: عبد العزيز بن يحيى الكناني المكي المتكلم، وهو الذي ناظرا بشرا المريسي عند المأمون في نفي خلق القرآن. قال داود بن علي: هو أحد أصحاب الشافعي، أخذ عنه، وطالت صحبته، واتباعه له، وخرج معه إلى اليمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 الأصمعي عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع بن طهر بن رباح بن عمرو بن عبد شمس بن أعيا بن سعد بن عبد غنم بن قتيبة بن معين بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس غيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الباهلي أبو سعيد الأصمعي البصري أحد أئمة اللغة والنحو , والغريب والأخبار، والملح والنوادر، روى عن الشافعي، والحمادين، وشعبة، ومالك، ومعتمر بن سليمان، وغيرهم، وعنه جماعة منهم: الشافعي، وهو أحد شيوخه، ومات قبله، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وعباس العنبري، وأبو حاتم الرازي، ومحمد بن مسلمة بن وارة، ومحمد بن يحيى الذهلي، ويحيى بن معين، وقال: كان ثقة، وسمعته، يقول: سمع مني مالك بن أنس، وقال أيضا: لم يكن ممن يكذب، وكان من أعلم الناس بفنه، وقال الربيع: سمعت الشافعي، يقول: ما عبر أحد عن العرب بأحسن من عبارة الأصمعي. وقال محمد بن زكير الأسواني: سمعت الشافعي، يقول: ما رأيت بذلك العسكر، أصدق لهجة من الأصمعي، وقال أبو عوان الإسفراييني، عن ابن أمية الطرسوسي: سمعت أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، يثنيان على الأصمعي في السنة، قال: وسمعت علي ابن المديني يثني عليه، وقال عمر بن شبة: سمعت الأصمعي، يقول: أحفظ ستة عشر ألف أرجوزة، وقال أبو داود السنجي، يقول: سمعت الأصمعي، يقول: إن أخوف ما أخاف على طالب العلم، إذا لم يعرف النحو، أن يدخل في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 جملة قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار» ؛ لأنه، صلى الله عليه وسلم، لم يكن يلحن فمهما رويت عنه، ولحنت فيه كذبت عليه، وقال أيضا: من لم يحتمل ذل التعليم ساعة، بقي في ذل الجهل أبدا. وقال الأصمعي: رآني أعرابي وأنا أطلب العلم، فقال: يا أخا الحضر، عليك بلزوم ما أنت عليه، فإن العلم زين في المجلس، وصلة في الإخوان، وصاحب في الغربة، ودليل على المروءة، ثم أنشأ يقول: تعلم فليس المرء يخلق عالما ... وليس أخو علم كمن هو جاهل وإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عليه المحافل مات الأصمعي، رحمه الله، سنة ثلاث عشرة، وقيل: خمس عشرة، وقيل: ست عشرة، وقيل: سبع عشرة ومائتين، قال الخطيب: وبلغني أنه عاش ثمانيا وثمانين سنة، روى له البخاري قوله في تفسير الجذر والوكت، وذكره مسلم في المقدمة، وأبو داود في تفسير أسنان الإبل في الزكاة، والترمذي في تفسير حديث أم زرع. أبو الحسن النيسابوري علي بن سلمة بن شقيق بن عقبة القرشي اللبقي أبو الحسن النيسابوري روى عن الشافعي، وإسحاق الأزرق، وزيد بن الحباب، وأبي داود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 الطيالسي، وعدد، وروى عنه: ابن ماجه، وروى البخاري عن علي غير منسوب، فقيل: إنه هو، ومسلم في غير الصحيح، وأبو بكر الجارودي، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبو سليمان داود بن الحسين البيهقي، ومحمد بن علي المذكر، وهو آخر من روى عنه وغيرهم، وَثَّقَهُ البخاري، ومسلم، وانتخب البخاري من كتبه وسمع منه. وقال داود بن الحسين البيهقي: سمعت علي بن سلمة اللبقي، يقول: رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في المنام، فقلت: يا رسول الله، ما تقول في القرآن، فقال: أشهد أنه كلام الله غير مخلوق، مات يوم الجمعة قبل الصلاة، ودفن من يومه لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة اثنتين وخمسين ومائتين. ابن المديني علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي، مولاهم أبو الحسن المديني أحد أئمة أهل الحديث في زمانه، روى عن: حماد بن زيد، وهشيم، ويحيى بن سعيد القطان، وأبي داود الطيالسي، وخلق، وعنه جماعة منهم: الإمام أحمد بن حنبل، ومحمد بن يحيى الذهلي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 والبخاري، وأبو داود، وأبو حاتم الرازي، وقال: كان عالما في الناس في معرفة الحديث والعلل، وقال البخاري: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي ابن المديني، وأورد الخطيب بإسناده، أن أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، كانا يكتبان عنه، وربما كان في بعض الأحيان يكون مستلقيا، وقد أثنى عليه غير واحد، في علمه وحفظه وكثرة سماعاته وعلوها. وقال عبد الغني بن سعيد المصري: أحسن الناس كلاما على حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، علي ابن المديني في وقته، وهارون بن سعيد في وقته، والدارقطني في وقته، وإنما أوردته هاهنا لأن الشيخ أبا إسحاق، رحمه الله، ذكره في الطبقات في أصحاب الشافعي، فقال: ومنهم: علي بن عبد الله بن جعفر المديني، كتب عن الشافعي كتاب الرسالة، وحملها إلى عبد الرحمن بن مهدي فأعجب بها. علي بن معبد بن شداد العبدي الرقي سكن مصر، روى عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 الشافعي، وإسماعيل بن عياش، وبقية بن الوليد، ومروان بن معاوية، ومحمد بن عبيد الطيالسي، والليث بن سعد وغيرهم، وعنه: علي بن معبد الصغير المصري، وإسحاق بن منصور، ويحيى بن يحيى، ويحيى بن معين، وأبو حاتم الرازي، وقال: ثقة وفي طبقته أيضا، علي بن معبد بن نوح أبو الحسن البغدادي نزيل مصر، أحد مشايخ النسائي، وابن خزيمة، والطحاوي، وكان ثقة، ومات سنة سبع وخمسين ومائتين، ذكرته تمييزا بينه وبين الذي قلبه. ابن الأسود القرشي عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو بن محمد بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري السرجي أبو محمد المصري روى عن أشهب، وعبد الله بن كليب المرادي، وابن وهب، والشافعي، ومؤمل بن عبد الرحمن الثقفي، وعنه: مسلم، والنسائي، وابن ماجه، وابن ابنه أبو العيذاق إبراهيم بن عمر، وأبو حاتم الرازي، وقال: صدوق، وذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 ابن حبان في الثقات، وقال الخطيب: كان ثقة، وقال ابن يونس: توفي يوم الجمعة لعشرين بقين من رجب سنة خمس وأربعين ومائتين. أبو حفص الفلاس عمرو بن علي بن بحر بن كثير أبو حفص الفلاس أحد أئمة أهل الحديث، روى عن عبد الرحمن بن مهدي، وعفان، ويحيى بن سعيد القطان، ووكيع بن الجراح، وأبي عاصم، وجماعة، وعنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأبو زرعة، وأبو حاتم الرازي، وقال: كان صدوقا في ذكره، أثنى عليه غير واحد من الأئمة، وشهرته تغني عن الإطناب في ذكره، ومات سنة تسع وأربعين ومائتين، وإنما أوردته هنا؛ لأن الشيخ أبا إسحاق، قال في الطبقات في أصحاب الشافعي: ومنه الفلاس الفقيه البغدادي، وكان من عِلْيَةِ أصحاب الحديث، وحفاظ ومذهب الشافعي، هكذا حكاه داود في كتاب فضائل مذهب الشافعي، عن أبي ثور، وأبي علي الزعفراني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 القاسم بن سلام القاسم بن سلام أبو عبيد البغدادي الفقيه القاضي الإمام العلامة أحد أئمة الإسلام فقها ولغة وأدبا، وفضائله جمة، صاحب التصانيف المشهورة، والعلوم المذكورة، روى عن الشافعي، وإسماعيل ابن علية، وإسماعيل بن عياش، وحجاج بن محمد الأعور، وشريك القاضي، وابن المبارك، وابن مهدي، وعمر بن يونس اليمامي، وغندر، وهشيم، ووكيع، ويحيى القطان، ويزيد بن هارون، وجماعة، وعنه: سعيد بن أبي مريم، وهو من شيوخه، وعباس العنبري، وعباس الدوري، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وابن أبي الدنيا، وعلي بن عبد العزيز، وهو راويته، وقال: ولد أبو عبيد بهراة، وكان أبوه عبدا لبعض أهل هراة، وكان يتولى الأزد، وقال محمد بن سعد: كان مؤدبا صاحب نحو وعربية، وطلب الحديث والفقه، وولى قضاء طرسوس أيام ثابت بن نصر بن مالك، ولم يزل معه ومع ولده، وقدم بغداد ونشر بها غريب الحديث، وصنف كتبا، وسمع الناس منه وحج، وتوفي بمكة سنة أربع وعشرين ومائتين، وكذا قال البخاري، وغير واحد في تاريخ وفاته، وقال إبراهيم بن أبي طالب: سألت أبا قدامة عن الشافعي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبي عبيد، فقال: أما أفهمهم: فالشافعي، وأما أورعهم: فأحمد بن حنبل، وأما أحفظهم: فإسحاق، وأما أعلمهم بلغات العرب: فأبو عبيد. قال إسحاق بن راهويه: الحق يحب لله، أبو عبيد أفقه مني، وأعلم مني، أبو عبيد أوسعنا علما، وأكثرنا أدبا، وأجمعنا جمعا، إنا نحتاج إلى أبي عبيد، وأبو عبيد لا يحتاج إلينا، وقال الإمام أحمد: أبو عبيد ممن يزداد عندنا كل يوم خيرا، وقال أيضا: أبو عبيد أستاذ، وقال يحيى بن معين: ثقة، وقال، وقد سئل عن أبي عبيد: مثلي يسأل عن أبي عبيد! أبو عبيد يسأل عن الناس، وقال أبو داود: ثقة مأمون. وقال الدارقطني: إمام ثقة جبل، وسلام والده رومي، وقال الحاكم: هو الإمام المقبول عند الكل، وقال إبراهيم الحربي: أدركت ثلاثة لمن يرى مثلهم أبدا، تعجز النساء أن يلدن مثلهم، رأيت أبا عبيد القاسم بن سلام ما مثلته إلا بجبل نفخ فيه روح، ورأيت بشر بن الحارث فما شبهته إلا برجل عجن من قرنه إلى قدمه عقلا، ورأيت أحمد بن حنبل فرأيت كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف، يقول ما شاء، ويمسك ما شاء. وقال أحمد بن كامل بن خلف القاضي: كان أبو عبيد فاضلا في دينه، وفي علمه، وربانيا مفتيا في أصناف في علوم الإسلام من القرآن والفقه والأخبار والعربية، حسن الرواية، صحيح النقل، لا أعلم أحدا من الناس طعن عليه في شيء من أمره ودينه. وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: عرضت كتاب الغريب لأبي عبيد على أبي فاستحسنه، وقال: جزاه الله خيرا، قال: وكتبه لي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وقال الحارث بن أبي أسامة: حمل غريب الحديث لأبي عبيد بن أبي طاهر، فلما نظر فيه، قال لي: هذا رجل عاقل دقيق النظر، فكتب إلى إسحاق بن إبراهيم أن يجري عليه في كل شهر خمس مائة درهم. وقال هلال بن العلاء الرقي: مَنَّ الله على هذه الأمة بأربعة في زمانهم، بالشافعي تفقه بحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبأحمد بن حنبل ثبت في المحنة، ولولاه لكفر الناس، وبيحيى بن معين نفي الكذب عن حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبأبي عبيد القاسم بن سلام، فسر الغريب من حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولولا ذلك لاقتحم الناس في الخطأ، وكان أبو عبيد، رحمه الله قد، جزأ الليل ثلاثة أجزاء: ثلثا ينام، وثلثا يصلي، وثلثا يطالع الكتب، وصنف كتبا كثيرة وقع لنا سماع بعضها، فمن ذلك كتاب الغريب، وكتاب الأموال، وكتاب الطهور، ولله الحمد والمنة. وتقدم ذكر وفاته فإنه أخبرنا الشيخ الحافظ أبو الحجاج المزي، رحمه الله، قراءة عليه: ثنا أبو الحسن ابن البخاري في جماعة، قالوا: أنا أبو حفص ابن طبرزد. قَالَ شَيْخُنَا: وَأنا أَبُو الْعِزِّ بْنُ الصَّيْقَلِ الْحَرَّانِيُّ، أنا أَبُو عَلِيِّ بْنُ الْخُرَيْفِ، قَالَ: أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، بِقِرَاءَةِ الْحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ الْخَطِيبِ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 عُبَيْدٍ الْعَسْكَرِيُّ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَرْوَزِيُّ، أنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: رَأَتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» أبو حنيفة الأسواني مخرم بن عبد الله بن مخرم أبو حنيفة الأسواني مولى خولان وكان أصله قبطيا، ذكره الدارقطني في الرواة عن الشافعي، وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر، في كتاب الكنى له: كان مقيما بأسوان، يفتي بها على مذهب الشافعي عدة سنين، ومات بها سنة إحدى وسبعين ومائتين، وهكذا ذكره أبو سعيد بن يونس في تاريخ مصر، وأرخ وفاته كذلك، وذكر الأمير ابن ماكولا في إكماله أيضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 أبو يحيى العطار البغدادي محمد بن سعيد بن غالب أبو يحيى العطار الضرير البغدادي روى عن الشافعي، وسفيان بن عيينة، وإسماعيل ابن علية، وأبي معاوية، وعدة، وعنه: أبو العباس بن سريج الفقيه، ويحيى بن صاعد، وإسماعيل بن العباس الوراق، والقاضي المحاملي، ومحمد بن مخلد، وغيرهم. قال ابن أبي حاتم الرازي: كتبت عنه مع أبي، وهو صدوق ثقة، وقال الخطيب: كان ثقة، وأرخ وفاته في شوال سنة إحدى وستين ومائتين. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قُلْتُ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعِزِّ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُجَاوِرِ الشَّيْبَانِيُّ، أنا الإِمَامُ أَبُو الْيَمَنِ الْكِنْدِيُّ، أنا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ، أنا أَبُو عَمْرٍو عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْعَطَّارُ، ثنا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ غَالِبٍ الْعَطَّارُ، ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيَضْرِبَنَّ النَّاسُ أَكْبَادَ الإِبِلِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَلا يَجِدُونَ عَالِمًا أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ» ، وهكذا رواه الترمذي، عن الحسن بن الصباح، وإسحاق بن موسى، كلاهما عن سفيان، وقال: حسن، ورواه النسائي، عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 علي بن محمد بن علي، عن محمد بن بشير، عن سفيان بن عيينة، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، ذكره، والصواب ابن جريج، عن أبي الزبير كما تقدم، وقد رواه بعضهم فرفعه عن أبي هريرة ابن عبد الحكم المصري محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين أبو عبد الله المصري روى عن الشافعي، والليث بن سعد، وابن وهب، وجماعة، وعنه جماعة منهم: النسائي، وقال: هو أظرف من أن نكذبه، وذكره في الفقهاء من أهل مصر، وأبو حاتم الرازي، وابنه أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، وقال: هو صدوق ثقة، أحد فقهاء مصر، من أصحاب مالك، وقال إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما رأيت في فقهاء الإسلام أعرف بأقاويل الصحابة والتابعين، من محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وقال ابن يونس، في تاريخ مصر: توفي يوم الأربعاء النصف من ذي القعدة سنة ثمان وستين ومائتين، وصلى عليه بكار بن قتيبة، وكان مولده سنة اثنتين وثمانين ومائة، وكان المفتي بمصر في زمانه. وقال الشيخ أبو إسحاق، في الطبقات في ذكر أصحاب الشافعي: ومنهم: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 أعين المصري، سمع من ابن وهب، وأشهب من أصحاب مالك، وصحب الشافعي وتفقه به، وحمل في المحنة إلى بغداد إلى ابن أبي داود، ولم يجب إلى ما طلب منه، ورد إلى مصر، وانتهت إليه الرياسة بمصر، ومات في نيف وستين ومائتين أبو عثمان المصري محمد ابن الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي أبو عثمان المصري الفقيه ذكره الدارقطني فيمن روى عن أبيه، وقال أبو سعيد بن يونس، في تاريخ مصر: محمد بن محمد بن إدريس الشافعي الفقيه، توفي بمصر سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وله أخ أكبر منه، ولد ببحر الجزيرة، يروى عن سفيان بن عيينة، وغيره، وتوفي بالثغر سنة خمس ومائتين. ابن حسان التنيسي محمد بن يحيى بن حسان التنيسي ذكره الدارقطني في الرواة عن الشافعي، ولم أر له ترجمة في تاريخ مصر لأبي سعيد بن يونس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 ابن عمر العدني محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني أبو عبد الله نزيل مكة، وقد نسب إلى جده، وقيل: إن أبا عمر كنية ابنه يحيى، روى عن الشافعي، وسفيان بن عيينة، وعبد الرزاق، والدراوردي ووكيع، وابنه يحيى، ويزيد بن هارون، وجماعة. وعنه جماعة منهم: مسلم، والترمذي، وابن ماجه، وروى النسائي، عن زكريا بن يحيى السجزي، ومحمد بن حاتم أبي نعيم، وهلال بن العلاء الرقي، عنه، وروى عنه: إسحاق بن أحمد بن نافع الخزاعي، روى عنه مسنده، وبقي بن مخلد، وأبو زرعة الرازي، والدمشقي، قال الإمام أحمد: كان رجلا صالحا، وكان به غفلة، وكان صدوقا، وذكره ابن حبان، في كتاب الثقات، وذكروا: أنه حج سبعا وسبعين حجة. قال البخاري: مات بمكة لإحدى عشرة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين ومائتين. المصري مسعود بن سهل الحضرمي أبو سهل المصري التنيسي قال ابن يونس، في تاريخ مصر: يروى عن محمد بن إدريس الشافعي، وبشر بن بكر، وعمر بن أبي سلمة، وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 ابن أبي الجارود موسى بن أبي الجارود أبو الوليد المكي الفقيه الشافعي راوي كتاب الأمالي، وغيره عن الإمام الشافعي، رضي الله عنه، وروى عن يحيى بن معين، وأبي يعقوب يوسف بن يحيى البويطي، وعنه: الترمذي في آخر الجامع أقوال الشافعي، والحسن بن محمد الصباح الزعفراني، والربيع بن سليمان، وأبو حاتم الرازي، وغيرهم، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وقال الدارقطني: روى عن الشافعي حديثا كبيرا، وروى عنه كتاب الأمالي، وغير ذلك من كتب الشافعي، وكان أبو الوليد هذا من فقهاء المكيين المقيمين بمكة بمذهب الشافعي، وقال الشيخ أبو إسحاق، في الطبقات في ذكر أصحاب الشافعي المكيين: ومنهم: أبو الوليد بن موسى بن أبي الجارود المكي روى عنه، يعني الشافعي، الحديث، وكتاب الأمالي، وغيره من الكتب، كان يفتي بمكة على مذهب الشافعي. ابن الفيروز السعدي هارون بن سعيد بن محمد بن الهيثم بن فيروز السعدي أبو جعفر الأيلي مولى عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي، وهم من أيلة، وكانوا من قبل من أهل بلبيس، روى عن الشافعي، وأشهب، وأبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 ضمرة أنس بن عياض، وبشر بن بكر، وخالد بن نزار، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن وهب، ومؤمل بن إسماعيل، وعنه: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وبقي ابن مخلد، وزكريا بن يحيى الساجي، وأبو حاتم الرازي، وقال: شيخ، وقال النسائي: لا بأس به، وقال مرة: ثقة، وذكره ابن جبان في الثقات، وقال أبو عمرو محمد بن يوسف الكندي، في كتاب أشراف الموالي من أهل مصر: ومنهم: هارون بن سعيد الأيلي مولى بني سعد بن بكر، كان فقيها من أصحاب ابن وهب، ولد بعد السبعين ومائة، وتوفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين. وقال ابن يونس: توفي يوم الأحد لست خلون من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين ومائتين، وقال ابن يونس: كان مولده سنة سبعين ومائة، وكان ثقة، وكان سنة قد غلب، وضعف ولزم بيته. البويطي يوسف بن يحيى القرشي أبو يعقوب البويطي الفقيه أحد الأعلام من أصحاب الشافعي، وأئمة الإسلام، روى عن ابن وهب، والشافعي، وعنه جماعة منهم: إبراهيم الحربي، والربيع بن سليمان المرادي، وزكريا الساجي، وأبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وأبو سهل محمود بن النضر بن واصل البخاري الباهلي، وهو أول من حمل كتب الشافعي إلى بخاري، وأبو الوليد بن أبي الجارود، وأبو حاتم الرازي، وقال: صدوق، وقال الخطيب البغدادي: وكان قد حُمِلَ إلى بغداد في أيام المحنة، وأريد على القول بخلق القرآن، فامتنع من الإجابة إلى ذلك فحبس ببغداد، ولم يزل في الحبس إلى حين وفاته، وكان صالحا متعبدا زاهدا. وقال أبو الوليد بن أبي الجارود: كان البويطي جارى، فما كنت أنتبه ساعة من الليل إلا أسمعه يقرأ ويصلي، قال الربيع: وكان أبو يعقوب أبدا يحرك شفتيه بذكر الله، وقال الربيع: سمعته، يقول: إنما خلق الله كل شيء بكن، فإن كانت كن مخلوقة، فمخلوق خلق مخلوقا، وقال الربيع: ما رأيت أحدا أبرع بحجة من كتاب الله منه، وقال الربيع: وكانت له من الشافعي منزلة، وكان الرجل ربما يسأل عن المسألة فيقول: سل أبا يعقوب، فإذا أجاب أخبره، فيقول: هو كما قال، وربما جاء إلى الشافعي رسول صاحب الشرطة فيوجه الشافعي أبا يعقوب البويطي، ويقول هذا لساني. وقال أبو سعيد بن يونس، في تاريخ مصر: كان من أصحاب الشافعي، وكان متقشفا، حمل من مصر أيام المحنة والفتنة بالقرآن إلى العراق، فأرادوه على الفتنة فامتنع، فسجن ببغداد وقيد، وأقام مسجونا إلى أن توفي في السجن والقيد ببغداد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، كذا قال في تاريخ وفاته، والصحيح الذي ذكره موسى بن هارون الحافظ، وغير واحد أنه مات في رجب سنة إحدى وثلاثين ومائتين. قال الشيخ ابن عبد البر: كان من أهل الدين والعلم، والفهم والثقة، صلبا في السنة يرد على أهل البدع، وكان حسن النظر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 رحمه الله، ورضي عنه. قرأت على شيخنا الحافظ المزي: أنا أبو العز بن شيبان، أنا أبو اليمن الكندي، أنا أبو منصور القزاز، أنا الحافظ أبو بكر الخطيب، أنا أبو نصر الحسين بن محمد بن طلاب الخطيب بدمشق، أنا محمد بن أحمد بن عثمان السلمي، ثنا محمد بن بشر الزهري بمصر، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: كنت عند الشافعي، أنا، والمزني، وأبو يعقوب البويطي، فنظر إلينا، فقال: أنت تموت في الحديث، وقال للبويطي: أنت تموت في الحديد، وقال للمزني: هذا لو ناظره الشيطان قطعه، أو جدله. قال الربيع: فدخلت على البويطي أيام المحنة فرأيته مقيدا إلى أنصاف ساقيه، مغلولة يداه إلى عنقه، قلت: هذا من كرامات الشافعي، وأصحابه، ومناقب البويطي، وعن الربيع، رحمه الله، قال: كان البويطي حين مرض الشافعي بمصر، هو، وابن عبد الحكم، والمزني، فاختلفوا في الحلقة أيهم يقعد فيها، فبلغ الشافعي، فقال: الحلقة للبويطي، فلهذا اعتزل ابن عبد الحكم، الشافعي، وأصحابه، وكانت أعظم حلقة في المسجد , والناس إليه في الفتيا والسلطان إليه، وكان أبو يعقوب البويطي يصوم ويقرأ القرآن، لا يكاد يمر يوم وليلة إلا ختمه، مع صنائع المعروف إلى الناس، قال: فسعى به، وكان أبو بكر الأصم، وليس ابن كيسان ممن سعى به، وكان من أصحاب ابن أبي داود، وابن الشافعي ممن سعى به، حتى كتب فيه ابن أبي داود إلى وإلى مصر فامتحنه فلم يجب، وكان الوالي حسن الرأي فيه، فقال: قل فيما بيني وبينك، فقال: إنه يقتدي بي مائة ألف ولا يدرون المعنى فيه، وكان قد أمر أن يحمل إلى بغداد في أربعين رطل حديد، قال الربيع: فرأيته على بغل في عنقه غل، وفي رجليه قيد، وبين الغل والقيد سلسلة حديد، وهو يقول: إنما خلق الخلق بكن، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 فإذا كانت مخلوقة، فكل مخلوق خلق بمخلوق، ولئن أدخلت عليه لأصدقنه، ولأموتن في حديدي هذا، حتى يأتي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم. قال أبو عمر المستملى: حضرنا مجلس محمد بن يحيى الذهلي، يقرأ علينا كتاب البويطي إليه، وإذا فيه: والذي أسألك أن تعرض حالي على إخواننا أهل الحديث، لعل الله يخلصني بدعائهم، فإني في الحديد، وقد عجزت عن أداء الفرائض من الطهارة والصلاة، قال: فضج الناس بالبكاء والدعاء له، قلت: وبلغني أنه كان يغتسل يوم الجمعة، ويتطهر، ويتطيب، ويلبس ثيابه، ثم يخرج إلى باب السجن إذا سمع النداء فيرده السجان، ويقول له: ارجع يرحمك الله، فيقول: اللهم إني أجبت داعيك فمنعوني، وقد حكاها الشيخ أبو إسحاق، في الطبقات، عن نقل الساجي عنه، قال أبو بكر الأثرم: كنا في مجلس البويطي، فقرأ علينا: عن الشافعي، رضي الله عنه، أن التيمم ضربتان، فقلت له: حديث عمار عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إن التيمم ضربة واحدة» ، قال: فحك من كتابه، «ضربتان» ، وصيره ضربة على حديث عمار، قال: قال الشافعي: إذا رأيتم عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الثبت، فاضربوا على قولي، وحدثوا بالحديث، فإنه قولي، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: رواها الحافظ أبو بكر بن مردويه، وهذا القول الذي حكى عن القديم: أن التيمم للوجه والكف فحسب، وقال الربيع: كتب إلى البويطي: أن اصبر نفسك للغرباء، وحسن خلقك لأهل حلقتك، فإني لم أزل أسمع الشافعي، رحمه الله، يتمثل بهذا البيت: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 أهين لهم نفسي لكي يكرموها ... ولن تكرم النفس التي لا تهينها وروى له أبو داود، في كتاب المسائل، قوله: من قال: إن القرآن مخلوق فهو كافر، والترمذي عن الشافعي قوله، وقال الشيخ أبو إسحاق: مات ببغداد في السجن، والقيد في رجله، وكان حمل من مصر في فتنة القرآن، فأبى أن يقول بخلقه، فسجن، وقيد حتى مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين. يونس الصدفي يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة بن حفص بن خباب الصدفي أبو موسى المصري، أحد أصحاب الشافعي روى عن أشهب، وابن وهب، والشافعي، والوليد ابن مسلم، وجماعة، وعنه: مسلم، والنسائي، وابن ماجه، وابنه أحمد بن يونس، وبقي بن مخلد، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وكان يوثقه، ويرفع من شأنه، وقال: سمعت أبا الطاهر بن السرج يحث عليه، ويعظم من شأنه، وابن خزيمة، وأبو عوانة الإسفراييني، وقال النسائي: ثقة، وقال أبو جعفر الطحاوي: كان ذا عقل، ولقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 حدثني علي بن عمرو بن خالد، قال: سمعت أبي، يقول: قال الشافعي، رضي الله عنه: يا أبا الحسن انظر إلى هذا الباب الأول من أبواب المسجد الجامع فنظرت إليه، فقال: ما يدخل من هذا الباب أحد أعقل من يونس بن عبد الأعلى، وذكره ابن حبان، في كتاب الثقات، وقال حفيده أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي، في تاريخ دعوتهم في الصدف، وليس من أنفسهم ولا من مواليهم، توفي غداة يوم الاثنين ليومين مضيا من ربيع الآخر سنة أربع وستين ومائتين، وكان مولده في ذي الحجة سنة سبعين ومائة، فيما حدثني أبي، قال الشيخ أبو إسحاق، في الطبقات في ذكر أصحاب الشافعي: ومنه أبو موسى يونس بن عبد الأعلى الصدفي، مات سنة أربع وستين ومائتين، السنة التي مات فيها المزني، رحمهما الله، ورضي عنهما، بمنه وكرمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 الطبقة الثانية من أصحاب الشافعي، رضي الله عنهم، ممن لم يدركه، ومات إلى سنة ثلاث مائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 أحمد بن سيار بن أيوب أبو الحسن المروزي الحافظ الفقيه أحد الأعلام، سمع إسحاق بن راهويه، وسليمان بن حرب، وصفوان بن صالح الدمشقي، وعثمان بن مسلم، ومحمد بن كبير، ويحيى بن بكير، وغيرهم، وعنه: النسائي ووثقه، ويقال: إن البخاري روى عنه، عن محمد بن أبي بكر المقدمي، وحدث عنه محمد بن نصر المروزي، ومحمد بن خزيمة أبو بكر بن أبي داود، وطائفة. وقال ابن أبي حاتم: رأيت أبي يطنب في مدحه، ويذكره بالعلم والفقه، وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: كان إمام أهل الحديث في بلده، علما، وأدبا، وزهدا، وورعا، وكان يقاس بعبد الله بن المبارك في عصره، وذكره الدارقطني، فقال: رحل إلى الشام، ومصر، وصنف , وله كتاب في أخبار مرو، وهو ثقة في الحديث، وذكره الشيخ أبو عمرو بن الصلاح، رحمه الله، في طبقات الشافعيين، وحكى عنه أنه وجد عن القفال المروزي فيما علق عنه من فتاويه أن أحمد بن سيار، قال: إذا لم يرفع يديه للافتتاح لم تصح صلاته، وهو مخالف لجمهور العلماء، وقال: ويفارق سائر المواضع، لأن تكبيرتها يجوز تركها فجاز ترك رفع اليدين فيها، أما تكبيرة الإحرام فلا يجوز تركها، ولا يجوز ترك رفع اليدين فيها، لأنه من تتمتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 وشرطها، قال الشيخ أبو عمرو: وقد نظرت في خلاف العلماء فلم أجد ذلك محكيا عن أحد، والله أعلم، قلت: وقد نقل عنه أيضا إيجاب الأذان لصلاة الجمعة دون غيرها وهذا غريب أيضا، والله أعلم، وقد أرخ الحاكم النيسابوري وغيره، وفاته بربيع الأول سنة ثمان وستين ومائتين عن سبعين سنة. أحمد بن محمد بن ساكن أبو عبد الله الزنجاني الفقيه من كبار الأئمة، رحل إلى العراق، ومصر، وتفقه على المزني وغيره، وسمع الحديث من إسماعيل ابن بنت السدي، وأبي مصعب، وأبي كليب، والحسن بن علي الحلواني، وغيرهم، وعنه عبد الرحمن بن أبي حاتم، وعلي بن إبراهيم بن سلمة القطان، ويوسف بن القاسم الميانجي، وجماعة آخرون، آخرهم موتا إبراهيم بن أبي حماد الأبهري، قال الحافظ أبو يعلى الخليلي: توفي قبل الثلاث مائة وبقي إلى سنة تسع وتسعين ومائتين، رحمه الله، ورضي عنه. الجنيد بن محمد بن الجنيد أبو القاسم النهاوندي، ثم البغدادي القواريري الخزاز وقيل: كان أبوه قواريريا، يعني: زجاجا، وهو الإمام العالم في طريقة التصوف، وإليه المرجع في السلوك في زمانه وبعده، رحمه الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 تعالى، اشتغل الجنيد، رحمه الله، في الفقه على أبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وأبو ثور: أحد أصحاب الشافعي، كما تقدم، وكان الجنيد يفتي بحلقة أبي ثور، وله من العمر عشرون سنة، وسمع الحديث من الحسن بن عرفة، وغيره، واختص بصحبة سري السقطي، والحارث بن أسد المحاسبي، وأبي حمزة البغدادي. وروى عنه: جعفر الخلدي، وأبو محمد الجريري، وأبو بكر الشبلي، ومحمد بن علي بن حبيش، وعبد الواحد بن علوان، وخلق من الصوفية، وكان ممن برز في العلم والعمل، وجمع بينهما، قال الخلدي: لم نر في شيوخنا من اجتمع له علم وحال غير الجنيد، كانت له حال خطيرة، وعلم غزير، فإذا رأيت حاله رجحته على علمه، وإذا رأيت علمه رجحته على حاله، وقال أحمد بن جعفر المنادي، في تاريخه: سمع الكبراء، وشاهد الصالحين، وأهل المعرفة، ورزق من الذكاء، وصواب الجواب في فنون العلم، ما لم ير في زمانه مثله عند أحد من أقرانه، ولا ممن أرفع سنا منه، ممن كان منهم ينسب إلى العلم الباطن، والعلم الظاهر، في عفاف وعزوف عن الدنيا وأبنائها، لقد قيل لي: إنه قال ذات يوم: كنت أفتي في حلقة أبي ثور ولي عشرون سنة، قال أحمد بن عطاء الروذباري: كان الجنيد يتفقه لأبي ثور ويفتي في حلقته، وعن الجنيد، أنه قال: ما أخرج الله إلى الأرض، وجعل للخلق عليه سبيلا، إلا وقد جعل لي فيه حظا، قال أبو القاسم الكعبي المتكلم المعتزلي، يوما لأصحابه: رأيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 لكم شيخا ببغداد، يقال له: الجنيد، ما رأت عيناي مثله، وكان الكتبة يحضرون لألفاظه، والفلاسفة يحضرونه لدقة معانيه، والمتكلمون يحضرونه لزمام علمه، وكلامه بائن عن فهمهم وعلمهم، وعن ابن سريج: أنه تكلم يوما فأعجب به بعض الحاضرين، فقال ابن سريج: هذا ببركة مجالستي لأبي القاسم الجنيد، رحمه الله، ورضي عنه، وقال الحافظ أبو نعيم: ثنا علي بن هارون، ومحمد بن أحمد بن يعقوب، قالا: سمعنا الجنيد غير مرة، يقول: علمنا مضبوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ الكتاب، ويكتب الحديث، ولم يتفقه، لا يقتدي به، وقال عبد الواحد بن علوان: سمعته، يقول: علمنا هذا، يعني: التصوف، مشبك بحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال الجريري: سمعته، يقول: ما أخذنا التصوف من القال والقيل، لكن عن الجوع، وترك الدنيا، وقطع المألوفات، ويقال: كان نقش خاتمه: إذا كنت تأمله فلا تأمنه، وقال أبو جعفر الفرغاني: سمعته، يقول: أقل ما في الكلام، سقوط هيبة الرب، جل جلاله، من القلب، والقلب إذا عرى من الهيبة، عرى من الإيمان، وقال السلمي: سمعت جدي إسماعيل بن نجيد، يقول: كان الجنيد يجيء فيفتح حانوته، ويدخل فيسبل الستر، ويصلي أربع مائة ركعة، وقال غيره: كان ورده كل يوم في سوقه ثلاث مائة ركعة، وكذا وكذا ألف تسبيحة، قال أبو بكر العطوي: كنت عند الجنيد حين احتضر فختم القرآن، ثم ابتدأ فقرأ من البقرة سبعين آية ثم مات، رحمه الله، قال أبو الحسين ابن المنادي: مات في شوال سنة ثمان وتسعين ومائتين، وشهد جنازته نحوا من ستين ألفا، ودفن إلى جانب قبر سري السقطي، رحمهما الله تعالى، وقال الحافظ أبو نعيم: أنا الخلدي كتابة، قال: رأيت الجنيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 في النوم، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: طاحت تلك الإشارات، وغابت تلك العبارات، وفنيت تلك العلوم، وفقدت تلك الرسوم، وما نفعنا إلا ركعات كنا نركعها في الأسحار. وَبِالإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ إِلَى الْخَطِيبِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْمَالِينِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، أنا أَبُو الْقَاسِمِ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُقْبِلٍ الْبَغْدَادِيُّ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُلْدِيُّ، ثنا الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلائِيِّ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ» . ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} سورة الحجر آية 75 ورواه الترمذي من وجه آخر عن عمرو بن قيس وقال: غريب. إسحاق بن أبي عمران الإسفراييني وهو إسحاق بن موسى بن عمران الفقيه الحافظ، وهو والد الحافظ أبي عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني صاحب الصحيح. تفقه بالمزني، وسمع المبسوط من الربيع، وروى عن قتيبة، وعلي بن حجر، ومحمد بن بكار بن الرمان، وجبارة بن المغلس، وأبي مصعب، وهشام بن عمار، وخلق بالشام، والعراق، ومصر. وعنه: ابنه أبو عوانة في كتابه الصحيح، ومحمد بن الأخرم، ومحمد بن عبدك، ومؤمل بن الحسن، وجماعة، وكان من كبار الأئمة في الفقه، والحديث، توفي بإسفرايين في رمضان سنة أربع وثمانين ومائتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 داود بن علي بن خلف أبو سليمان الأصبهاني ثم البغدادي مولى المهدي، إمام أهل الظاهر، ولد سنة اثنتين ومائتين، وسمع الحديث من سليمان بن حرب، والقعنبي، وعمرو بن مرزوق، ومحمد بن كثير العبدي، ومسدد، وأبي ثور الفقيه، وإسحاق بن راهويه، سمع منه المسند، والتفسير بنيسابور، وجالس الأئمة وصنف الكتب، وسمع منه: ابنه أبو بكر محمد، وزكريا الساجي، ويوسف بن يعقوب الداودي الفقيه، وعباس بن أحمد المذكر، وغيرهم، قال الحافظ أبو بكر الخطيب: كان إماما ورعا ناسكا زاهدا، وفي كتبه حديث كثير، لكن الرواية عنه عزيزة جدا، قال أبو محمد بن حزم: إنما عرف بالأصبهاني، لأن أمه أصبهانية، وكان أبوه حنفي المذهب، قال: وكتب داود ثماني عشرة ألف ورقة. وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، في الطبقات: ولد سنة اثنتين ومائتين، وأخذ العلم عن إسحاق، وأبي ثور، وكان زاهدا متقللا، قال أبو العباس ثعلب: كان داود عقله أكبر من علمه، وقال أبو إسحاق: وقيل: كان في مجلسه أربع مائة صاحب طيلسان أخضر، قال: وكان من المتعصبين للشافعي، صنف كتابين في فضائله والثناء عليه، قال: وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد، وأصله من أصبهان، ومولده بالكوفة، ومنشؤه ببغداد، وقبره بها، وقال أبو عمرو أحمد بن المبارك المستملى: رأيت داود بن علي يرد على إسحاق بن راهويه، وما رأيت أحدا قبله ولا بعده يرد عليه هيبة له، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 وقال عمر بن محمد بن بجير: سمعت داود بن علي، يقول: دخلت على إسحاق بن راهويه، وهو يحتجم، فجلست فأخذت كتاب الشافعي، فأخذت أنظر، فصاح: إيش تنظر؟ فقلت: معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده، فجعل يضحك ويتبسم. وقال أبو بكر الخلال: أنا الحسين بن عبد الله، قال: سألت المروزي عن قصة داود الأصبهاني، وما أنكر عليه أبو عبد الله، فقال: كان داود خرج إلى خراسان إلى ابن راهويه، فتكلم بكلام شهد عليه أبو نصر بن عبد المجيد، وآخر شهدا عليه، أنه قال: القرآن محدث، فقال لي أبو عبد الله بن داود بن علي: لا فرج عنه الله، قلت: هذا من غلمان أبي ثور، قال: جاءني كتاب من محمد بن يحيى النيسابوري، أن داود الأصبهاني، قال ببلدنا: إن القرآن محدث، قال المروزي: حدثني حمد بن إبراهيم النيسابوري، أن إسحاق بن راهويه، لما سمع كلام داود في بيته، وثب عليه إسحاق، فضربه، وأنكر عليه. وقال الخلال: سمعت أحمد بن محمد بن صدقة، يقول: سمعت محمد بن الحسين بن صبيح، يقول: سمعت داود الأصبهاني، يقول: القرآن محدث، ولفظي بالقرآن مخلوق، قلت: وقد اختلف أصحابنا، والعلماء من غيرهم، وأيضا في أنه هل يعتد بخلاف داود، وَوِفَاقُهُ، في نقض الإجماع وإبرامه، على قولين: فذهب الشيخ أبو علي بن أبي هريرة، إلى أنه لا يعتد بخلافه في الفروع دون الأصول. وقال إمام الحرمين: الذي ذهب إليه أهل التحقيق، أن منكري القياس، لا يعدُّون من علماء الأمة، ولا من حملة الشريعة، لأنهم معاندون مباهتون، فيما ثبت استفاضة وتواترا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: الذي اختاره الأستاذ أبو منصور، وذكر أنه الصحيح من المذهب أنه يعتبر خلاف داود، قال ابن الصلاح: وهذا الذي استقر عليه الأمر آخرا كما هو الأغلب، إلا ما عرف من صغار الأئمة المتأخرين الذين أوردوا مذهب داود في مصنفاتهم المشهورة، كالشيخ أبي حامد، والماوردي، وأبي الطيب، فلولا اعتدادهم به لما ذكروا مذهبه في مصنفاتهم، قال: وأرى أن يعتد بقوله إلا فيما خالف فيه القياس الجلي، وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه، أو بناه على أصوله التي قام الدليل القاطع على بطلانها باتفاق من سواه إجماع منعقد. قال ابن كامل: توفي في رمضان سنة سبعين ومائتين، رحمه الله، وقد أورد له الخطيب، في تاريخه، حديثين استنكر إسنادهما، وقد استمعتهما من لفظ شيخنا المزني. عبدان بن محمد بن عيسى الفقيه أبو محمد المروزي الجنوجردي نسبة إلى قرية من قرى مرو، وقال السمعاني: اسمه: عبد الله، ولقبه: عبدان، قال: وهو أحد من أظهر مذهب الشافعي بخراسان، وكان المرجوع إليه في الفتاوى، والمعضلات، بعد أحمد بن سيار، وكان أحمد بن سيار قد حمل كتب الشافعي إلى مرو، وأعجب بها الناس، فأراد عبدان، أن ينسخها فمنعها ابن سيار من ذلك، فباع ضيعة له بجنوجرد، وسافر إلى مصر، ونسخ كتب الشافعي على الوجه، وأكثر ورجع، فدخل عليه أحمد بن سيار مُسَلِّمًا ومهنئا واعتذر من منع الكتب، فقال: لا تعتذر، فإن لك علي منة في ذلك، فلو دفعت الكتب إلي لما دخلت إلى مصر، قلت: رحل إلى مصر، وتفقه بأصحاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 الإمام الشافعي، وبرع في المذهب ونشره، وكان يوصف بالحفظ والزهد، وقد صنف الموطأ وغير ذلك، وروى الحديث عن قتيبة بن سعيد، وعن عبد الله بن منير، وأبي كريب، وإسماعيل بن مسعود الجحدري، وعبد الجبار بن العلاء، وبندار، وعلي بن حجر، وجماعة بخراسان، والعراق، ومصر، والحجاز، وعنه: عمر بن نملك، وأبو العباس الدغولي، وأبو حامد بن الشرقي، وأبو أحمد العسال، وعلي بن حمشاذ، وأبو القاسم الطبراني، وغيرهم. وقال أبو نعيم عبد الرحمن بن محمد الغفاري: سمعته، يقول: ولدت ليلة عرفة سنة عشرين ومائتين، قال أبو نعيم: وتوفي ليلة عرفة سنة ثلاث وتسعين، رحمه الله. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: ثنا عَبْدَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ، بِمَكَّةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا سَحْبَلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى الأَسْلَمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَدْرَدٍ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: كَانَتْ لِيَهُودِيٍّ عَلَيَّ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ، فَطَلَبَ مِنِّي وَرَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُرِيدُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ، فَاسْتَنْظَرْتُهُ إِلَى أَنْ أَقْدَمَ، فَقُلْتُ: لَعَلَّنَا أَنْ نَغْنَمَ شَيْئًا، فَجَاءَ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَعْطِهِ حَقَّهُ» ، مَرَّتَيْنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تُرِيدُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ، وَلَعَلَّ اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَنَا بِهَا غَنَائِمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطِهِ حَقَّهُ» ، وَكَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا قَالَ الشَّيْءَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِرَارًا لَمْ يُرَاجَعْ، وَعَلَيَّ إِزَارٌ وَعَلَى رَأْسِي عِصَابَةٌ، فَلَمَّا خَرَجْتُ قُلْتُ: اشْتَرِ مِنِّي هَذَا الإِزَارَ، فَاشْتَرَاهُ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي لَهُ عَلَيَّ، فَاتَّزَرْتُ بِالْعِصَابَةِ الَّتِي عَلَى رَأْسِي، فَمَرَّتِ امْرَأَةٌ عَلَيْهَا شَمْلَةٌ فَأَلْبَسَتْنِي إِيَّاهَا، قال الطبراني: لا يروي عن أبي حدرد إلا بهذا الإسناد، تفرد به قتيبة، أخبرني بهذا شيخنا الحافظ، أبو الحجاج، رحمه الله، قراءة من لفظه، أنا أبو عبد الله محمد بن عبد المؤمن الصوري، وزينب بنت مكي بن علي بن كامل الحراني، قالا: ثنا أسعد بن سعيد بن روح الصالحاني، وعائشة بنت معمر بن عبد الواحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 بن الفاخر إجازة، قالا: ثنا فاطمة بنت عبد الله الجوردانية: أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن زيد الأصبهاني، قال: أنا الحافظ أبو القاسم الطبراني فذكره، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، والله أعلم عثمان بن سعيد بن بشار أبو القاسم الأنماطي البغدادي الأحول أحد أئمة الشافعية في عصره، أخذ الفقه عن المزني والربيع، وأخذ عنه: أبو العباس بن سريج، وروى عنه: أبو بكر الشافعي، وروى الخطيب البغدادي، عن ابن المنادي، قال: كان للناس فيه منفعة، وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، رحمه الله، في الطبقات: كان هو السبب في نشاط الناس لكتب فقه الشافعي وتحفظه، قال: ومات ببغداد سنة ثمان وثمانين ومائتين، زاد غيره: بشوال منها، وقال أبو سليمان الخطابي في الرسالة الناصحة: أنا أبو عمر غلام ثعلب، قال: سمعت ابن بشار الأنماطي، يقول: سمعت المزني، يقول: قال لي الشافعي، رضي الله عنه: إياك وعلما إذا أخطأت فيه، قيل لك: كفرت، وعليك بعلم إذا أخطأت فيه قيل لك: أخطأت، أو لحنت. قال أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: ورأيت للعبادي خبطا في اسمه، زعم أنه الحكم بن عمرو، وأحسبه مر به ذكر أبي القاسم الحكم بن عمرو الأنماطي، وليس كذلك، ذاك متقدم، روى عنه أبو حاتم الرازي، وغيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد الدارمي السجزي السجستاني محدث هراة، أحد الحفاظ والأعلام، أخذ الفقه عن أبي يعقوب البويطي، والعربية عن ابن العربي، والحديث عن أحمد، وإسحاق، وعلي ابن المديني، ويحيى بن معين، ولقي الكبار وبرع في العلوم وطرق الآفاق، وسمع الحديث بحمص: من أبي اليمان، ويحيى بن الوحاظي، وحيوة بن شريح وغيرهم، وبدمشق: من خطيبها هشام بن عمار، وحماد بن مالك الخرساني وطائفة، وبمصر: من سعيد بن أبي مريم، وعبد الغفار بن داود، ونعيم بن حماد وطائفة، وبالعراق: من سليمان بن حرب، وموسى بن إسماعيل التبوذكي وخلق، وعنه: أحمد بن محمد بن الأزهر، وأبو عمرو أحمد بن محمد الحيري، وأحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي، وأبو النضر محمد بن محمد الطوسي الفقيه، ومحمد بن يوسف الهروي نزيل دمشق وجماعة. قال أبو الفضل يعقوب الهروي القراب: ما رأينا مثل عثمان بن سعيد، ولا رأى هو مثل نفسه، وقال الحافظ أبو حامد الأعمش: ما رأينا في المحدثين مثل محمد بن يحيى، وعثمان بن سعيد، ويعقوب الفسوي , وقال أبو عبد الله بن أبي ذهل: قلت لأبي الفضل بن القراب الهروي: هل رأيت أفضل من عثمان بن سعيد الدارمي، فأطرق ساعة، ثم قال: نعم إبراهيم الحربي، وقال أبو الفضل: ولقد كنا في مجلس عثمان غير مرة، ومر به الأمير عمرو بن الليث فسلم عليه، فقال: عليكم ثنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 مسدد، ولم يزد على هذا، وقال ابن عبدوس الطرائفي: لما أردت الخروج إلى عثمان بن سعيد الدارمي، كتب لي ابن خزيمة إليه، ودخلت هراة في ربيع الأول سنة ثمانين ومائتين، فقرأ الكتاب، ورحب بي، وسأل عن ابن خزيمة، ثم قال: يا فتى، متى قدمت؟ قلت: غدا، قال: يا بني فارجع اليوم، فإنك لم تقدم بعد، أو قال: فإنك بعد في الطريق، وقال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وللدارمي كتاب في الرد على الجهمية سمعناه، وكتاب في الرد على بشر المريسي سمعناه، قلت: ووقع لي سماعهما أيضا، ولله الحمد والمنة. قال الذهبي: وكان جذعا في أعين المبتدعين، وصنف مسندا كبيرا، وهو الذي قام على محمد بن كرام وطرده من هراة فيما قيل. وقال الحاكم: سمعت أبا الطيب محمد بن أحمد الوراق، يقول: سمعت أبا بكر الفسوي، يقول: سمعت عثمان بن سعيد الدارمي، يقول: قال لي رجل ممن يحسدني: ماذا كنت لولا العلم؟ فقلت: أردت شينا فصار زينا، سمعت نعيم بن حماد، يقول: سمعت أبا معاوية، يقول: سمعت الأعمش، يقول: لولا العلم لكنت بقالا، وأنا لولا العلم لكنت بزازا، من بزازي سجستان. وقال عثمان بن سعيد الدارمي، رحمه الله: من لم يجمع حديث شعبة، وسفيان، ومالك، وحماد بن زيد، وابن عيينة فهو مفلس في الحديث. قال أحمد بن محمد بن يونس الهروي , وأبو يعقوب القراب: مات في ذي الحجة سنة ثمانين ومائتين، ووهم من قال: سنة ثنتين ومائتين، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 الفضل بن هارون تلميذ أبي ثور، وروى الحديث عن: داود بن رشيد، ومحمد بن أبي معشر، وجماعة، وعنه: أبو القاسم الطبراني، وأبو نعيم بن عدي. قال الخطيب: توفي سنة نيف وتسعين ومائتين. قاسم بن محمد بن قاسم بن سيار أبو محمد مولى الوليد بن عبد الملك سمع من محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، ولزمه وتفقه عليه، وأخذ عن يونس بن عبد الأعلى، وعن المزني، وكل هؤلاء أخذوا عن الشافعي، رضي الله عنه، وذكر أن والده أوصاه باتباع مذهب الشافعي، رضي الله عنه، وقد أثنى عليه غير واحد من الأئمة، منهم: بقي بن مخلد، وأبو عمر بن عبد البر، وتوفي سنة ست، وقيل: سبع، وقيل: ثمان وسبعين ومائتين، ذكره ابن الصلاح. كنيز الخادم أبو علي أحد الفقهاء من الشافعية، وهو مولى المستنصر بالله بن المتوكل على الله، أخذ الفقه عن حرملة، والربيع، والزعفراني، وروى عنه: أبو القاسم الطبراني، وأبو علي الحسن بن حبيب الحصائري، قال: وسمعته، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 يقول: كنت للمستنصر بالله، فلما مات خرجت إلى مصر، فقلت: أجلس في حلقة بن عبد الحكم وأناظرهم على مذهب الشافعي، وكانوا مالكيين، قلت: أقيم قيامتهم، فلما لم يقووا لي، سعوا بي، إلى أحمد بن طولون، وقالوا: هذا جاسوس للدولة هاهنا، فحبسني سبع سنين، فلما مات أطلقت، فأعدت صلاة سبع سنين، لأن الحبس كان قذرا، قال الحصائري: وكان فقيها فهما يقول بقول الشافعي. وقال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وكان يقرئ الفقه على مذهب الشافعي بجامع دمشق، وكان من أئمة المذهب. أَخْبَرَنِي شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الصُّورِيُّ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيِّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ كَامِلٍ الْحَرَّانِيِّ، أنا أَبُو الْمَفَاخِرِ أَسْعَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ رَوْحٍ الصَّالْحَانِيُّ، وَعَائِشَةُ بِنْتُ بَقِيِّ بْنِ الْفَاخِرِ، إِجَازَةً لَهُمَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، قَالا: حَدَّثَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُوزْدَانِيَّةُ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِيذَةَ الأَصْبَهَانِيُّ، أنا الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي كَنِيزٌ الْخَادِمُ الْعَدْلُ الْفَقِيهُ، مَوْلَى أَحْمَدَ بْنِ طُولُونَ، بِمِصْرَ، ثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ، قال الطبراني: تفرد به الربيع، ولم يروه عن الأوزاعي إلا بشر، قلت: وهو غريب من هذا الوجه، وليس في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه، وإنما رواه ابن ماجه من رواية عطاء، عن ابن عباس، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 ومن غير وجه، عن غير واحد من الصحابة، وقد علل جميع طرقه الإمام أبو حاتم الرازي، والله أعلم محمد بن أحمد بن نصر أبو جعفر الترمذي الإمام الزاهد الورع سكن بغداد، فكان شيخ الشافعية بالعراق قبل ابن سريج، تفقه على أصحاب الشافعي، وله وجه في المذهب مشهور، وسمع الحديث من إبراهيم بن المنذر، وإسحاق بن إبراهيم الضبي، والقواريري، ويحيى بن بكير، ويوسف بن عدي وطبقتهم، وعنه: أحمد بن كامل، وأحمد بن يوسف بن خلاد، وعبد الباقي بن نافع، وأبو القاسم الطبري، وعدة، قال الدارقطني: ثقة مأمون ناسك، وقال أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج: إنه كان يجري عليه في الشهر أربعة دراهم، قال: وكان لا يسأل أحدا شيئا. وقال محمد بن موسى بن حماد: أخبرني أنه يقوت بضعة عشر يوما بخمس حبات، وقال: لم أكن أملك غيرها فاشتريت بها لفتا وكنت آكل منه، وقال أحمد بن كامل: لم يكن للشفاعية بالعراق أرأس منه، ولا أورع، ولا أكثر تقللا، قال الشيخ أبو إسحاق في الطبقات: وذكر أنه ولد في ذي الحجة من سنة مائتين، وتوفي في المحرم سنة خمس وتسعين، ثم ذكر حكاية رجوعه عن مذهب الإمام أبي حنيفة إلى مذهب الإمام الشافعي بالمنام الذي رآه بالمدينة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 والله أعلم، وذكر الإمام أبو عبد الله الذهبي في تاريخه: أن أبا جعفر الترمذي، سئل عن حديث النزول كيف ينزل؟ فقال: كما قال الإمام مالك في الاستواء: النزول معقول، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وذكر الشيخ أبو زكريا النووي، رحمه الله، أن أبا جعفر الترمذي، قطع بطهارة شعر النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: ولا يطرد في ذلك الخلاف في شعر الآدمي، قال: وقد خالف في هذه المسألة جمهور الأصحاب، قال شيخنا الحافظ الذهبي: والواجب القطع بذلك، لحديث أبي طلحة، رضي الله عنه، أنه، صلى الله عليه وسلم، فرق بين أصحابه شعر رأسه لما حلق، فما كان ليفرق عليهم شيئا نجسا، قلت: وهو كما قال، والله أعلم. ومن مفردات أبي جعفر الترمذي: إذا رمى حربيا فأسلم ثم أصابه السهم فمات أنه لا شيء على الرامي. وقال النووي: والأصح الأشهر، وجوب دية مسلم مخففة على العاقلة. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمُزَنِيِّ، أَخْبَرَكَ الشَّيْخُ فَخْرُ الدِّينِ ابْنُ الْبُخَارِيِّ، وَأَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادٍ الْعَسْقَلانِيُّ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيِّ بْنِ عَلِيٍّ الْحَرَّانِيُّ، قَالُوا: أنا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ طَبَرْزَدَ، أنا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُصَيْنِ الشَّيْبَانِيُّ، أنا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ غَيْلانَ الْبَزَّازُ الْغَيْلانِيُّ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ التِّرْمِذِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْخِلافَةُ فِيكُمْ وَالنَّبُوَّةُ» ، هذا حديث غريب من هذا الوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 محمد بن بشر بن عبد الله الزبيري أبو بكر، المعروف بالعكبري المصري حدث عن الربيع بمختصر البويطي وغيره، وهكذا رأيته في الطبقات للشيخ أبي عمرو بن الصلاح، رحمه الله. محمد بن عاصم بن يحيى أبو عبد الله الأصبهاني الفقيه الشافعي كاتب الحكم، رحل إلى مصر، وأخذ الفقه عن أصحاب الشافعي، وسمع ابن وهب، وعلي بن حرب، وسلمة بن شبيب، وعنه: أحمد بن بندار، وأبو أحمد بن العسال، وأبو القاسم الطبراني، قال أبو الشيخ الأصبهاني: صنف كتبا كثيرة، وتوفي سنة تسع وتسعين ومائتين. محمد بن عبد الله بن مخلد أبو الحسين الأصبهاني ويعرف بصاحب الشافعي، وبوراق الربيع بن سليمان، نزل مصر، وحدث عن قتيبة، ومحمد بن أبي بكر المقدسي، وهانئ بن المتوكل، وكثير بن عبيد، وداود بن رشيد، وطائفة، وعنه: أبو الحسن بن حوما، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن مروان والد سفيان، وجماعة، قال الحافظ أبو نعيم: يعرف بوراق الربيع بن سليمان، وتوفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 بمصر قبيل سنة تسعين ومائتين، وقال غيره: توفي في رجب سنة اثنتين وسبعين ومائتين. محمد بن علي بن علويه أبو عبد الله الجرجاني أحد أئمة الشافعية في زمانه، تفقه على المزني، وحدث عن هشام بن عمار خطيب دمشق، وأبي كريب، وجماعة، وعنه: أبو زكريا يحيى العنبري، وأبو عبد الله بن الأخرم، وجماعة توفي سنة ثلاث مائة. محمد بن نصر الإمام أبو عبد الله المروزي أحد الأئمة الأعلام، ولد ببغداد، ونشأ بنيسابور، وسكن سمرقند وغيرها، وكان أبوه مروزيا، وهو زوج أخت القاضي يحيى بن أكثم، تفقه على أصحاب الشافعي بمصر، وعلي إسحاق بن راهويه، ورحل في طلب الحديث والعلم إلى الآفاق، فسمع من إسحاق بن راهويه، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وعمرو بن زرارة، وصدقة بن الفضل، وعلي بن حجر، والقواريري، وحمد بن عبد الله بن نمير، وهشام بن عمار، ويونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان، وخلق، وروى عنه: ابنه إسماعيل، وأبو العباس السراج، ومحمد بن المنذر شكر، وأبو حامد بن الشرقي، وأبو عبد الله بن الأخرم، وأبو النضر محمد بن محمد الفقيه، وخلق، قال الحاكم: هو إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة، وقال الخطيب: كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة، ومن بعدهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وقال أبو بكر الصيرفي: لو لم يصنف المروزي إلا كتاب القسامة، لكان من أفقه الناس، فكيف وقد صنف كتبا سواه، وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: كان محمد بن نصر بمصر إماما، كيف بخراسان، وقال القاضي محمد بن محمد: كان الصدر الأول من مشايخنا، يقولون: رجال خراسان أربعة: ابن المبارك، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن يحيى، ومحمد بن نصر، وقال السليماني: محمد بن نصر المروزي إمام الأئمة الموفق من السماء، له كتاب تعظيم قدر الصلاة وكتاب رفع اليدين، وغيرهما من الكتب المعجزة، قلت: فلهذا ذكروا أنه أحسن أهل زمانه، رحمه الله، وكان له مال يقارض عليه، وينفق من غلته عليه، وكان إسماعيل بن محمد والي خراسان، وأخوه، يصله كل واحد منهما بأربعة آلاف في السنة، ويصله أهل سمرقند بأربعة آلف، فكان ينفقها من السنة إلى السنة، فقيل له: لو ادخرت لنائبة؟ فقال: سبحان الله! إنما بقيت بمصر كذا وكذا سنة، قوتي، وثيابي وكاغدي، وحبري، وجميع ما أنفقه على نفسي، في السنة عشرين درهما أفيسرني إن ذهب ذا لا يبقى ذاك، وقد ذكر له كرامات، فمن ذلك ما قال أبو الفضل محمد بن عبد الله البلعمي: سمعت الأمير إسماعيل بن أحمد، يقول: كنت بسمرقند فجلست يوما للمظالم، وجلس أخي إلى جنبي، إذ دخل أبو عبد الله محمد بن نصر فقمت له إجلالا لعلمه، فلما خرج عاتبني أخي، وقال: أنت أخو والي خراسان تقوم لرجل من الرعية، هذا ذهاب السياسة، فبت تلك الليلة، وأنا منقسم القلب، فرأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، في المنام كأني واقف مع أخي إسحاق، إذ أقبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 النبي، صلى الله عليه وسلم، فأخذ بعضدي، فقال لي: ثبت ملكك، وملك بنيك، بإجلالك لمحمد بن نصر، ثم التفت إلى إسحاق، فقال: ذهب ملك إسحاق، وملك بنيه، باستخفافه بمحمد بن نصر، وقال أبو عبد الله بن منده في مسألة الإيمان: صرح محمد بن نصر في كتاب الإيمان بأن الإيمان مخلوق، وأن الإقرار، والشهادة، وقراءة القرآن بلفظه مخلوقة، وهجره على ذلك علماء وقته وخالفه أئمة خراسان، والعراق، قلت: وهذا الذي صرح به محمد بن نصر، في أن لفظ العبد بالقرآن مخلوق، صرح به البخاري، وغيره من الأئمة محتجين بقوله، صلى الله عليه وسلم: «زينوا القرآن بأصواتكم، فالكلام كلام الباري، والصوت صوت القارئ» ، وإنما كان الإمام أحمد، رحمه الله، يشدد في هذا لحسم مادة القول بخلق القرآن، وتبعه على ذلك جماعة من أئمة الحديث، والله أعلم. وقال أبو محمد بن حزم، في بعض تواليفه: أعلم الناس من كان أجمعهم السنن، وأضبطهم لها، وأذكرهم بمعانيها، وأدراهم بصحتها، ربما اجتمع الناس عليه مما اختلفوا فيه، وما يعلم هذه الصفة بعد الصحابة أتم منها في محمد بن نصر المروزي، فلو قال قائل: ليس لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، حديث ولا لأصحابه إلا وهو عند محمد بن نصر لما بعد عن الصدق، وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، في طبقات الشافعية: ومنهم: أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي، ولد ببغداد، ونشأ بنيسابور، واستوطن سمرقند، وولد في سنة اثنتين ومائتين، ومات بغير سمرقند سنة أربع وتسعين ومائتين، روى عنه، أنه قال: كتبت الحديث بضعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وعشرين سنة، وسمعت قولا ومسائل، ولم يكن لي حسن رأي في الشافعي، ثم ذكر مناما رأى فيه النبي، صلى الله عليه وسلم، يحضه على مذهب الشافعي، رضي الله عنه، قال: فخرجت في أثر هذه الرؤيا إلى مصر، فكتبت كتب الشافعي، قال: وصنف محمد بن نصر كتبا ضمنها الآثار والاختلاف، وكان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام، رحمه الله، ومن اختياراته: أنه يكفي في الوصية أن يشهد على نفسه أن هذا خطه، وأن ما في هذا الكتاب فقد أوصى به، وهكذا نقله إمام الحرمين، والمتولى، وحكى أبو الحسن البغدادي أنه يكفي الكتاب بلا شهادة. محمد بن علي البجلي أبو عبد الله القيرواني من أكابر الشافعية ببلاد المغرب، تفقه على الربيع بن سليمان، وروى عنه، قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر: ذكر أبو عبد الله محمد بن علي البجلي الشافعي القيرواني وكان فاضلا، قال: حدثني الربيع بن سليمان، قال: سمعت ابن هشام صاحب المغازي، يقول: كان الشافعي، رضي الله عنه، حجة في اللغة، قال الكلبي: وقال لي الربيع: كان الشافعي، إذا خلا في بيته، كالسيل يهدر بأيام العرب. موس بن إسحاق بن موسى القاضي أبو بكر الأنصاري الخطمي الشافعي قاضي نيسابور، ولي قضاء الأهواز، قال أحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 بن كامل القاضي: كان فصيحا، كثير السماع، محمودا، يظهر انتحال المذهب الشافعي. وسمعت ابنه أحمد بن موسى، يقول: إني سمعت من أبي كريب ثلاث مائة ألف حديث، قلت: وروى الحديث عن أبيه، وأحمد بن يونس، وعلي بن الجعد، وعلي ابن المديني، ويحيى بن بشر الحريري، وغيرهم، وهو آخر من حدث في الدنيا عن قالون، وأخذ عنه القراءة، فكان يقرئ الناس وهو ابن ثماني عشرة سنة، وروى عنه حبيب القزاز، وعبد الباقي بن قانع، وأبو محمد بن ماس وغيرهم. وقال ابن أبي حاتم: كتبت عنه، وهو ثقة صدوق، وذكروا أنه كان يضرب به المثل في ورعه وصيانته في الحكم، وقد أوصى به، وبإسماعيل القاضي أمير المؤمنين المعتضد لوزيره، وقال: بهما يدفع عن أهل الأرض، وذكروا أنه كان لا يتبسم، فقالت له امرأة: لا يحل لك أن تحكم بين الناس؛ لأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان» ، فتبسم رحمه الله. وقال الحاكم في تاريخه: سمعت محمد بن أحمد بن موسى القاضي، يقول: حضرت مجلس موسى بن إسحاق بالري، سنة ست وثمانين ومائتين، وتقدمت امرأة فادعى وليها على زوجها خمس مائة دينار مهرا، فأنكر، فطلب من يشهد فقالوا لها: قومي، لينظروا إليها، فقال الزوج: تفعلون ماذا؟ قال الوكيل: ينظرون إليها مسفرة، لتصح عندهم معرفتها، فقال الزوج: لها ما ادعت، ولا تسفر عن وجهها، قال: فردت، وأخبرت عن قوله، فقالت: وأنا أشهد القاضي أني قد وهبت له المهر وأبرأته، فقال القاضي: يكتب هذا في مكارم الأخلاق، توفي، رحمه الله، وقد قارب التسعين، سنة ست وتسعين ومائتين بالأهواز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 يعقوب بن يوسف بن يعقوب بن عبد الله أبو يوسف الأخرم الشيباني النيسابوري والد الحافظ الإمام، أحد كبار الشافعية: أبو عبد الله بن الأخرم، سمع قتيبة وإسحاق بن راهويه، وسويد بن سعيد، وهشام بن عمار، وعدة، وعنه: ابنه، وأبو حامد بن الشرقي، وعلي بن حمشاذ، ومحمد بن صالح بن هانئ، وأبو النضر محمد بن حمد الفقيه، وآخرون، كان رئيسا نبيلا فقيها كثير العلم، توفي في شعبان سنة سبع وثمانين ومائتين، رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 الطبقة الثالثة من أصحاب الشافعي المرتبة الأولى منها من أول سنة إحدى وثلاث مائة إلى آخر سنة خمس وعشرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 إبراهيم بن هانئ بن خالد المهلبي أبو عمران الجرجاني إمام الشافعية بها، سمع الحديث بسمرقند: من أبي محمد الدارمي، وببغداد: من أحمد بن منصور الزيادي، وتفقه به جماعة من أهل سمرقند، منهم: أبو بكر الإسماعيلي، وسمع منه الحديث، وإبراهيم بن موسى التميمي، وعبد الله بن عدي وغيرهم، مات سنة إحدى وثلاث مائة، قاله النووي، رحمه الله، في كتاب تهذيب الأسماء واللغات. أحمد بن محمد أبو الحسن الصابوني من أصحابنا أصحاب الوجوه، مذكور في الروضة في أوائل الباب السادس من كتاب النكاح، قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات: ومن غرائب ما حكيته عنه في الروضة، أن أم الزوجة لا تحرم إلا بالدخول بالزوجة كعكسه، وهذا شاذ مردود، والصواب المشهور تحريمها بنفس العقد هكذا لفظه بحروفه، ولم يؤرخ وفاته، ولا ذكر طبقته ولا عمن أخذ، ولم أعرفه بغير ما ذكر. أحمد بن عمر بن سريج القاضي أبو العباس بن سريج البغدادي حامل لواء الشافعية في زمانه، وناشر مذهب الشافعي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 وكان يقال له: الباز الأشهب، تفقه بأبي القاسم الأنماطي، وأخذ عنه الفقه خلق كثير من الأئمة، وصنف في المذهب ولخصه، ويقال: إن فهرست كتبه تشتمل على أربع مائة مصنف، ورد على من خالف السنن، وكان على مذهب السلف، وتولى القضاء بشيراز، وروى الحديث عن الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، وعباس الدوري، وعلي بن إشكاب، وأبي داود السجستاني، وروى عنه: أبو القاسم الطبراني، وأبو أحمد الغطريفي، وأبو الوليد حسان بن محمد الفقيه، قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: كان يفضل على أصحاب الشافعي حتى على المزني، وكان الشيخ أبو حامد الإسفراييني، يقول: نحن نجري مع أبي العباس في ظواهر الفقه دون دقائقه، وقال أبو الوليد الفقيه: سمعت ابن سريج، يقول: قَلَّ ما رأيت من المتفقهة من اشتغل بالكلام فأفلح، يفوته الفقه، ولا يصل إلى معرفة الكلام. وقال الشيخ أبو علي بن خيران: سمعت أبا العباس بن سريج، يقول: رأيت كأنما مُطِرْنَا كبريتا أحمر فملأت أكمامي، وحجري، فعبر لي أن أرزق علما غزيرا لعزة الكبريت الأحمر، وقال الحاكم: سمعت حسان بن محمد الفقيه، يقول: كنا في مجلس ابن سريج سنة كذا وثلاث مائة فقام إليه شيخ من أهل العلم، فقال: أبشر أيها القاضي، فإن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد، يعني: للأمة، أمر دينها، والله، تعالى، بعث على رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وعلى رأس المائتين، أبا عبد الله الشافعي، وبعثك على رأس الثلاث مائة، ثم أنشأ يقول: اثنان قد مضيا فبورك فيهما ... عمر الخليفة ثم حلف السؤدد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 الشافعي الألمعي محمد ... إرث النبوة وابن عم محمد أبشر أبا العباس إنك ثالث ... من بعدهم سقيا لتربة أحمد قال: فصاح أبو العباس سريج وبكى، وقال: نعى إلي نفسي، قال حسان: فمات القاضي أبو العباس تلك السنة، رحمه الله، كذا في هذه الرواية سنة ثلاث وثلاث مائة، والمشهور أنه مات في جمادى الأولى سنة ست وثلاث مائة عن سبع وخمسين سنة وستة أشهر، رحمه الله، ومن أفراده مسألة الدور في الطلاق، وتعرف بالسريجية، لأنه لا يعرف أحد من الأصحاب تكلم فيها قبله، وخَرَّجَهَا على قواعد المذهب وصورته، أن يقول الرجل لامرأته: متى طلقتك، أو متى وقع طلاقي عليك، فأنت طالق قبله ثلاثا، فأفتى أنه لا يقع عليها بعد ذلك طلاق أبدا، ووافقه جماعة من كبار المذهب ممن بعده، واختار آخرون أنه إذا طلقها بعد ذلك يقع عليها الطلاق، واختلفوا هل يقع المنجز، ويكمل من المعلق، أو وحده؟ فيه خلاف بينهم، يفصل بعد، والله أعلم. قال الشيخ أبو إسحاق في الطبقات: كان من عظماء الشافعيين وعلماء المسلمين، وكان يقال له: الباز الأشهب، وولى القضاء بشيراز، وكان يفضل على جميع أصحاب الشافعي حتى على المزني، قال: وسمعت شيخنا أبا الحسن الشيرجي الفرضي صاحب أبي الحسين بن اللبان الفرضي، يقول: إن فهرست كتب العباس تشمل على أربع مائة مصنف، وقام بنصرة هذا المذهب، ورد على المخالفين، وفرع على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 كتب محمد بن الحسن، وقال الشيخ الإمام أبو حامد، يقول: نحن نجري مع أبي العباس في ظواهر الفقه دون الدقائق، وأخذ العلم عن أبي القاسم الأنماطي، وعنه أخذ فقهاء الإسلام، وعنه انتشر فقه الشافعي في الآفاق، وكان يناظر أبا بكر محمد بن داود الظاهري، قال: وحكى عنه، أنه قال له أبو بكر يوما: أبلعني ريقي، فقال له أبو العباس: أبلعتك الدجلة، وقال له يوما: أمهلني ساعة، فقال له: أمهلتك من الساعة إلى أن تقوم الساعة، وقال له يوما: أكلمك من الرجل، وتكلمني من الرأس، فقال له أبو العباس: هكذا البقر، إذا حفيت أظلافها، ذهبت قرونها، هذا لفظه، وأرخ وفاته سنة ست وثلاث مائة كما تقدم، والله أعلم. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الإِمَامِ الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ: أَخْبَرَكَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ قُدَامَةَ، وَفَخْرُ الدِّينِ ابْنُ الْبُخَارِيِّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: أنا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ طَبَرْزَدَ، أنا الشَّيْخَانِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو الْمَوَاهِبِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَلُوكٍ الْوَرَّاقُ، قَالا: أَنْبَأَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ الطَّبَرِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْغِطْرِيفِ، بِجُرْجَانَ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سُرَيْجٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ، ثنا وَكِيعٌ، ثنا الثَّوْرِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ الرَّأْيِ، عَنْ يَزِيدَ، مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: «عَرِّفْهَا سَنَةً؛ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإلا فَاسْتَنْفِقْهَا» . أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ يَزِيدَ، مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 أحمد بن محمد بن الحسن أبو حامد بن الشرقي النيسابوري سمع الحديث من محمد بن يحيى الذهلي، وأبي حاتم الرازي، ومحمد بن إسحاق الصغاني، ورحل كثيرا، وطوف، وكان كثير الحج، وروى عنه الحافظ أبو أحمد بن عقدة، والعسال، وابن عدي، وغيرهم، وتوفي سنة خمس وعشرين وثلاث مائة عن خمس وثمانين سنة، ذكره ابن الصلاح. أحمد بن محمد بن القاسم بن منصور بن شهريار أبو علي الروذباري قال أبو عبد الرحمن السلمي: ويتصل نسبه بكسرى، وكان شيخ الصوفية في وقته، وكان والده من الكتاب، واشتغل هو بعلم الحديث والعربية والتصوف، وله تصانيف كثيرة، وذكر أبو العباس النسوي، عن ابن أخته أبي عبد الله الروذباري، قال: كان خالي يتفقه بالحديث، ويفتي بالمقاطيع، ويقرأ للكسائي، وقال حمزة الخوزي: كان فقيها حافظا للأحاديث، ظريفا عارفا بالطريقة، وكان يفتخر بمشايخه، فيقول: شيخي في التصوف الجنيد، وفي الفقه ابن سريج، وفي الأدب ثعلب، وفي الحديث إبراهيم الحربي، وحكى ابن الصلاح في الطبقات أنه توفي بمصر سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة، رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 إسماعيل بن عبد الواحد بن هشام الربعي المقدسي الشافعي ولي قضاء مصر، سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة، ثم أصابه فالج، وتحول إلى الرملة، فمات بها سنة خمس وعشرين وثلاث مائة، وقال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وكان من كبار الشافعية، وكان جبارا ظلوما، فلم تطل ولايته. أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد أبو بكر المقرئ إمام القراء في زمانه، وسمع الحديث من سعدان بن نصر، وعباس الدوري، وخلق، وعنه: الدارقطني، والجعاني، وابن شاهين، وغيرهم، قال الخطيب البغدادي: كان ثقة مأمونا، يسكن الجانب الشرقي من بغداد، وكان فيه ظرف ودعابة، وكان يقول: من قرأ بقراءة أبي عمرو، وتمذهب بمذهب الشافعي، واتجر بالبز، وروى من شعر ابن المعتز، فقد كمل ظرف، وقال ثعلب: ما في زماننا أعلم بكتاب الله منه، مات في شعبان سنة أربع وعشرين وثلاث مائة ببغداد، ذكره ابن الصلاح، رحمه الله. بشر بن نصر بن منصور أبو القاسم الشافعي المعروف بغلام عرق، أصله من بغداد، ثم ارتحل إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 مصر، فأقام بها، وتفقه على مذهب الإمام الشافعي، قال ابن يونس: وكان متضلعا في الفقه دينا، وأرخ وفاته بمصر في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاث مائة. الحسن بن سفيان بن عامر بن عبد العزيز بن النعمان الشيباني أبو العباس الحافظ المصنف المسند تفقه بأبي ثور، وكان يفتي بمذهبه، وسمع الحديث من أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وقتيبة، ويحيى بن معين، وخلق، وسمع المصنف من ابن أبي شيبة، والترمذي، ومسند إسحاق بن راهويه، وسنن أبي ثور منه، وعنه: محمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبو علي الحافظ، وأبو عمرو بن حمدان، وآخرون. قال أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه: كان الحسن أديبا، أخذ الأدب عن أصحاب النضر بن شميل، والفقه عن أبي ثور. وقال الحاكم: كان محدث خراسان في عصره مقدما في التثبت، والكثرة، والفقه، والأدب. وقال أبو بكر أحمد بن علي الرازي: ليس للحسن بن سفيان في الدنيا نظير، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان ممن رحل، وصنف، وحدث على تيقظ مع صحة الديانة، والصلابة في السنة، مات في قرية بالوز، في شهر رمضان سنة ثلاث وثلاث مائة، رحمه الله. الحسين بن صالح بن خيران أبو علي البغدادي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 أحد أئمة المذهب، وأصحاب الوجوه: قال الشيخ أبو إسحاق: سمعت شيخنا أبا الطيب الطبري، يقول: كان أبو علي بن خيران يعاتب ابن سريج على ولايته القضاء، ويقول: هذا الأمر لم يكن في أصحابنا، إنما كان في أصحاب أبي حنيفة. وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: عرض عليه القضاء فلم يتقلد، وكان بعض وزراء المقتدر قد وكل بداره ليتقلد القضاء فلم يقبل، وخوطب الوزير في ذلك، فقال: إنما قصدنا ليقال: في زماننا من وكل بداره ليتقد القضاء فلم يفعل. وذكر ابن زولاق: أن أبا بكر بن الحداد، لما بعثه القاضي أبو عبيد بن حربويه من مصر في سنة عشر ليُعْفَى أبو عبيد من قضائها، ورد بغداد في شوال من تلك السنة، ورأى باب علي بن خيران الفقيه مسمورا، لامتناعه من القضاء، وقد استتر، قال: فكان الناس يأتون بأولادهم الصغار، فيقولون لهم: انظروا حتى تحدثوا بهذا. قال الخطيب البغدادي: كان من أفاضل الشيوخ، وأماثل الفقهاء، مع حسن المذهب، وقوة الورع، وأراد السلطان أن يوليه القضاء، فغضب عليه ولم يفعل. وقال أبو عبد الله الحسين بن محمد العسكري: امتنع أبو علي بن خيران من القضاء، فوكل الوزير أبو الحسن علي بن عيسى ببابه، وختم عليه بضعة عشر يوما، وشاهدت الموكلين على بابه حتى كلم فأعفاه، وذكر أنه مات لثلاث عشرة بقيت من ذي الحجة سنة عشرين وثلاث مائة، وكذا أرخه الشيخ أبو إسحاق في الطبقات سنة عشرين وثلاث مائة، ورجحه ابن الصلاح، وقال غيره: مات سنة عشر، ومال إليه الدارقطني، والخطيب، وقال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: والأول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 أصح، ولم يبلغنا عمن اشتغل ولا من أخذ عنه، وأظنه مات كهلا، ولم يسمع شيئا فيما أعلم، وذكر ابن الصلاح في الطبقات من الأصحاب متأخرا، يقال: له ابن خيران، واسمه: علي بن أحمد بن خيران أبو الحسن بن خيران البغدادي، قال ابن الصلاح: له كتاب في الفقه سماه اللطيف، يشتمل على ألف ومائتي باب، وتسعة أبواب، واختار فيه اختيارات غريبة كثيرة، منها: أنه استحب للقاضي، إذا دخل بلد ولايته أول ما يدخله يكون لابسا عمامة سوداء، كما دخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مكة وعليه عمامة سوداء، واستحب في دعاء القنوت، أن يقول فيه: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وذكر ابن الصلاح أشياء أخر ولم يؤرخ وفاته. الزبير بن أحمد بن سليمان بن عبد الله بن عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام الأسدي أبو عبد الله الزبيري البصري أحد أئمة الشافعية، وأصحاب الوجوه، قرأ القرآن على روح بن قرة، ورويس، ومحمد بن يحيى القطعي، ولم يختم عليه، وروى الحديث عن محمد بن سنان القزاز، وغيره، وعنه علي بن لؤلؤ، وعمر بن بشران، ومحمد بن بخيت، وغيرهم، وقرأ عليه القرآن أبو بكر النقاش، قال الشيخ أبو إسحاق في الطبقات: وكان أعمى، وله مصنفات كثيرة منها: الكافي، وكتاب النية، وكتاب ستر العورة، وكتاب الهدية، وكتاب الاستشارة والاستخارة، وكتاب رياضة المتعلم، وكتاب الإمارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 قال: ومات قبل العشرين وثلاث مائة، هكذا قال. وقد أرخ وفاته شيخنا أبو عبد الله الذهبي بسنة عشرة وثلاث مائة، وقال الخطيب البغدادي: كان أحد الفقهاء على مذهب الشافعي، وله تصانيف في الفقه، وكان ثقة، وكان ضريرا، وقال الماوردي: قال أبو عبد الله الزبيري، وهو شيخ أصحابنا في عصره: إذا اتخذ الحلي للتجارة، وجبت فيه الزكاة قولا واحدا، قال النواوي: والأصح من القولين أنه لا تجب فيه الزكاة، قلت: وله من الوجوه الغريبة، اشتراط التلفظ بالنية في الصلاة، واستحباب القنوت في الوتر طول السنة. قال النواوي: ومن غرائبه، قوله في الإقرار: لو قال: لي عليك ألف، فقال: خذه، أو زنه، وكان إقرارا، ولو قال: خذ، أو زن، بلا هاء، لم يكن إقرارا، والصحيح الذي عليه الجمهور، أنهما ليسا إقرارا، وبإسنادي المتقدم إلى الخطيب البغدادي، أنا علي بن أحمد بن عمر المقري، ثنا أبو بكر محمد بن الحسن النقاش، حدثني أبو عبد الله الزبير بن أحمد الفقيه، ثنا داود بن سليمان المؤدب البغدادي، قال: ثنا عمرو بن جرير البجلي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم في قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت: 33] قال: الأذان {وَعَمِلَ صَالِحًا} [فصلت: 33] قال: الصلاة بين الأذان والإقامة، قال أبو بكر النقاش: قال لي أبو بكر بن أبي داود: في تفسيري عشرون ومائة ألف حديث، ليس فيه هذا الحديث. زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن بن بحر بن عدي بن عبد الرحمن بن أبيض ابن الديلم بن باسل بن ضبة الضبي أبو يحيى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 الساجي البصري الحافظ أحد الأئمة الثقات، سمع الحديث من عبيد الله بن معاذ العنبري، ومحمد بن بشار، ومحمد بن موسى الحرشي، وهدبة بن خالد، وخلق، وروى عنه جماعة منهم: الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، وأخذ عنه مذهب أهل السنة من المحدثين، والحافظ أبو أحمد بن عدي، والإمام أبو بكر الإسماعيلي، وأبو عمرو بن حمدان. وذكره الشيخ أبو إسحاق في طبقات الشافعية، فقال: أخذ عن الربيع، والمزني، ومات بالبصرة سنة سبع وثلاث مائة، وله كتاب اختلاف الفقهاء، وكتاب علل الحديث. وَبِهِ قَالَ الْخَطِيبُ: أنا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَهْدِيٍّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنا أَبُو يَعْلَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ، ثنا الْحَكَمُ بْنُ مَرْوَانَ، ثنا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مِنْ هَذَا الدِّينِ، كَمَنْزِلَةِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ مِنَ الرَّأْسِ» . إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عامر بن أحمد بن محمد أبو الحسن الشونيزي الشافعي سكن أصبهان، وحدث عن إبراهيم بن المنذر، وأحمد بن عبد الجبار، وعبد الله بن محمد بن النعمان، وعنه: الطبراني، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وأبو الشيخ. عبد الله بن محمد بن جعفر أبو القاسم القزويني الفقيه الشافعي ناب في الحكم بدمشق، ثم انتقل إلى قضاء الرملة، ثم سكن مصر، وحدث عن يونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان المرادي، ومحمد بن عوف الجمحي، وجماعة، وروى عنه: عبد الله بن السقا الحافظ، ومحمد بن المظفر، ويوسف الميانجي، وأبو أحمد بن عدي، وأبو بكر ابن المقرئ، وقال: رأيتهم يضعفونه، وينكرون عليه أشياء، وقال أبو سعيد بن يونس في تاريخ مصر: كان محمودا فيما يتولى، وكانت له حلقة للاشتغال بمصر، وللراوية، وكان يظهر عبادة وورعا، وكان قد ثقل سمعه شديدا، وكان يفهم الحديث، ويحفظ، وكان يجتمع إلى داره الحفاظ ويملي عليهم، ويجتمع في مجلسه جمع عظيم، ثم خلط في آخر عمره، ووضع أحاديث على متون، فافتضح، وحرقت الكتب في وجهه وتركوا مجلسه. وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: قرأت بخط إبراهيم بن عبد الله بن خضر الأندلسي محتسب دمشق، قال: سمعت الدارقطني، يقول: عبد الله محمد بن جعفر القزويني كذاب، ألف سنن الشافعي، بنحو مائتي حديث لم يحدث بها الشافعي، وقال الحاكم: سألت الدارقطني عنه، فقال: كذاب وضع لعمرو بن الحارث، أكثر من مائة حديث، مات سنة أربع عشرة وثلاث مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل بن ميمون الإمام أبو بكر النيسابوري الحافظ الفقيه الشافعي العلامة مولى آل عثمان بن عفان، رضي الله عنه، سمع المزني، والزعفراني، وروى عنهما، وعن أحمد بن الأزهر، وأحمد بن يوسف، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأبي زرعة الرازي، وعلي بن حرب، وخلق، وعنه جماعة منهم: أبو العباس بن عقدة، وأبو علي النيسابوري، وحمزة الكناني، وأبو إسحاق بن حمزة، والدارقطني، وابن المظفر، وهؤلاء حفاظ عصرهم، وأبو علي النيسابوري، وأبو عمرو بن حيويه، وأبو حفص الكناني، وابن شاهين، والمخلص، وخلق، قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: كان إمام عصره من الشافعية بالعراق، ومن أحفظ الناس للفقهيات، واختلاف الصحابة. قال الدارقطني: ما رأيت أحفظ منه، وكان يعرف زيادات الألفاظ في المتون، وقال الدارقطني: كنا في مجلس فيه أبو طالب الحافظ، وأبو بكر الجعابي، وغيرهما، فجاء فقيه، فقال: من روى عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «وجعلت تربتها طهورا» ؟ فلم يجيبوه، ثم ذكروا وقاموا، فسألوا أبا بكر بن زياد، فقال: نعم، ثنا فلان، ثم ساق الحديث من حفظه، وهو في مسلم، وقال يوسف القواس: سمعت أبا بكر النيسابوري، يقول: تعرف من أقام أربعين سنة لم ينم الليل، ويتقوت كل يوم بخمس حبات، يصلي صلاة الضحى الغداة على طهارة العشاء الأخيرة؟ ثم قال: أنا هو، وهذا كله قبل أن أعرف أم عبد الرحمن، إيش لمن زوجني؟ ثم قال: ما أراد إلا الخير، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 قلت: هذا يدل على اختياره الجادة من المذهب، أن التخلي للعبادة أفضل من التزويج، والله أعلم، مولده سنة ثمان وثلاثين ومائتين، قال ابن قانع: وتوفي في رابع ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وثلاث مائة، رحمه الله، وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في الطبقات: سكن بغداد، وكان زاهدا، بقي أربعين سنة لم يكن ينم الليل، يصلي الغداة على طهارة العشاء، وجمع من الفقه والحديث، وله زيادات كتاب المزني، وقال الدارقطني: ما رأيت أحفظ منه، وذكر حكايته في سرده الحديث في التميم، وأرخ وفاته سنة أربع وعشرين وثلاث مائة، كما تقدم. وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ، فِيمَا قَرَأْتُ عَلَيْهِ: أنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا أَبُو الْفَتْحِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أنا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ، أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَلِيٍّ، ثنا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ، إِمْلاءً، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِي الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى أَنْ يَمْشِيَ الرَّجُلُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، وهكذا رواه النسائي، عن إسحاق بن إبراهيم، هو: ابن راهويه، عن محمد بن عبيد الطنافسي به، وأصله في الصحيح من وجوه أخر، والله أعلم عبد الملك بن محمد بن عدي أبو نعيم الجرجاني الإستراباذي الفقيه الإمام الحافظ، الرحال الجوال، سمع الربيع بن سليمان، وسليمان بن يوسف، وعلي بن حرب، وعمر بن شيبة، وأبا حاتم، وأبا زرعة الرازيين، وجماعة بالعراق، ومصر والشام، والجزيرة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 والحجاز، وخراسان، وروى عنه: ابن صاعد، وأبو علي الحافظ، وأبو محمد المخلدي، وأبو إسحاق المزني، وأبو بكر الجوزقي، وخلق. قال الحاكم أبو عبد الله: كان من أئمة المسلمين، سمعت الأستاذ أبا الوليد بن حسان بن محمد الفقيه، يقول: لم يكن في عصرنا من الفقهاء، أحفظ للفقهيات، وأقاويل الصحابة بخراسان منه، ولا بالعراق من أبي بكر بن زياد النيسابوري، قال: وسمعت الحافظ أبا علي، يقول: كان أبو نعيم الجرجاني أحد الأئمة، ما رأيت بخراسان بعد ابن خزيمة مثله، أو أفضل منه، كان يحفظ الموقوفات، والمراسيل كما نحفظ نحن المسانيد، وقال أبو سعيد الإدريسي: ما أعلم نشأ إسترباذ مثله فِي علمه وحفظه، وقال الخطيب: كان أحد الأئمة من الحفاظ لشرائع الدين، مع صدق وتيقظ وورع. وقال حمزة السهمي: كان مقدما في الفقه والحديث، وكانت الرحلة إليه، مولده سنة اثنتين وأربعين ومائتين، ومات سنة ثنتين وعشرين وثلاث مائة. وذكره الشيخ أبو إسحاق في الطبقات، فقال: ومنهم: أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الإستراباذي، صاحب الربيع، وسليمان، روى حديث ابن مسعود، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تسبوا قريشا، فإن عالمها يملأ الأرض علما، اللهم أذقت أولها نكالا، فأذق آخرها نوالا» ، ثم قال: وفي هذا الحديث علامة بينة إذا تأمله الناظر المميز، علم أن المراد به رجل من علماء هذه الأمة، من قريش يظهر علمه، وتلك صفة لا تصلح إلى للشافعي، رحمه الله، فإنه عالم من قريش، قد بين العلم، ومهد الطريق، وشرح الأصول، وبين الفروع، وصنف المصنفات التي سارت بها الركبان. قَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ، فِيمَا قَرَأْتُ عَلَيْهِ: أنا أَحْمَدُ ابْنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 عَسَاكِرَ الْمُؤَيَّدُ الطُّوسِيُّ، أنا أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ الْمَسَاجِدِيُّ، أنا يَعْقُوبُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، أنا أَبُو نُعَيْمِ بْنُ عَدِيٍّ، ثنا عُمَرُ بْنُ شَيْبَةَ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، ثنا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أُمِرَ بِلالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَيُوتِرَ الإِقَامَةَ، هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى إِخْرَاجِهِ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَبِأَسَانِيدِهِمْ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَبَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ أَيْضًا، مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ بِهِ، وَفِي لَفْظِ النَّسَائِيِّ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِلالا أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ، وَيُوتِرَ الإِقَامَةَ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ زِيَادَةٌ: «إِلا الإِقَامَةَ» علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى عبد الله بن عبد الله بن قيس الأشعري أبو الحسن البصري أحد أئمة المتكلمين صاحب التصانيف في الأصول، والملل والنحل كالموجز، ومقالات الإسلاميين، والإبانة، والتفسير الكبير، وغير ذلك من الكتب النفيسة، قال أبو محمد بن حزم: ومصنفات أبي الحسن الأشعري، خمسة وخمسون مصنفا، أخذ علم الكلام أولا عن شيخه أبي علي بن عبد الوهاب الجبائي شيخ المعتزلة، ثم فارقه الأشعري ورجع عن الاعتزال، وأظهر ذلك إظهارا، فصعد منبر البصرة يوم الجمعة، ونادى بأعلى صوته: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنا فلان بن فلان، كنت أقول بخلق القرآن، وأن الله لا يُرَى في الدار الآخرة بالأبصار، وأن العباد يخلقون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 أفعالهم، وها أنا ذا تائب من الاعتزال، معتقد الرد على المعتزلة، مبينا لفضائحهم، ثم شرع في الرد عليهم، والتصنيف على خلافهم، ودخل بغداد، وأخذ من زكريا الساجي أحد أئمة الحديث والفقه، وعن أبي خليفة الجمحي، وسهل بن سريج، ومحمد بن يعقوب، وعبد الرحمن بن خلف الضبي البصريين، وروى عنهم كثيرا في تفسيره، وصنف في حال اعتزاله، بعد رجوعه عن اعتزاله الموجز، وهو ثلاث مجلدات، كتاب مفيد في الرد على الجهمية والمعتزلة، ومقالات الإسلاميين، وكتاب الإبانة. وقال الخطيب البغدادي: أبو الحسن الأشعري المتكلم صاحب الكتب والتصانيف، في الرد على الملحدة، وغيرهم من المعتزلة، والرافضة، والجهمية، والخوارج، وسائر أصناف المبتدعة، وهو بصري سكن بغداد إلى أن توفي بها، وكان يجلس في أيام الجمعات في حلقة أبي إسحاق المروزي الفقيه في جامع المنصور، وقد جمع الحافظ الكبير أبو القاسم ابن عساكر له ترجمة حسنة، ورد على من تعرض لأبي الحسن الأشعري بالطعن، وذكر فضائله، ومصنفاته، وإكبابه على العلم، ومتابعته في كتبه المذكورة للسنة، وانتصاره لها، وذبه عنها، وممن أخذ عن الشيخ أبي الحسن الأشعري: ابن مجاهد، وزاهر بن أحمد، وأبو الحسن الباهلي، وأبو الحسن عبد العزيز بن محمد بن إسحاق الطبري، وأبو الحسن علي بن أحمد بن مهدي الطبري، وأبو جعفر الأشعري النقاش، وبندار بن الحسن الصوفي، وغيرهم. قال بندار، خادم الأشعري: كانت غلة أبي الحسن من ضيعة وسمعته، يقول: كنت أنا فِي جنب أبي الحسن الأشعري. كقطرة فِي جنب بحر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وقال القاضي الباقلاني: أحسن أحوالي أن أفهم كلام أبي الحسن الأشعري، قلت: ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري، رحمه الله، ثلاثة أحوال، أولها: حال الاعتزال، التي رجع عنها لا محالة، والحال الثاني: إثبات الصفات العقلية السبعة، وهي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، وتأويل الجبرية كالوجه، واليدين، والقدم، والساق، ونحو ذلك، والحال الثالثة: إثبات ذلك كله من غير تكييف، ولا تشبيه، جريا على منوال السلف، وهي طريقته في الإبانة التي صنفها آخرا، وشرحه القاضي الباقلاني، ونقلها أبو القاسم ابن عساكر، وهي التي مال إليها الباقلاني، وإمام الحرمين، وغيرهما من أئمة الأصحاب المتقدمين، في أواخر أقوالهم، والله أعلم. قال الأستاذ أبو القاسم القشيري: سمعت أبا علي الدقاق، يقول: سمعت زاهر بن أحمد الفقيه، يقول: مات الأشعري، ورأسه في حجري، وكان يقول شيئا في حال نزعه من داخل حلقه، فأدنيت إليه رأسي، وكان يقول: لعن الله المعتزلة، موهوا وحرفوا. وقال الحافظ أبو حازم العبدوي: سمعت زاهر بن أحمد، يقول: لما حضر أبو الحسن الأشعري في داري ببغداد أتيته، فقال: اشهد علي، أني لا أكفر أحدا من أهل هذه القبلة؛ لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وهذا كله لاختلاف العبارات. قلت: مولد أبي الحسن الأشعري، رحمه الله، سنة ستين ومائتين، وقيل: سنة سبعين ومائتين، والأول أشهر، قال الأستاذ أبو بكر بن فورك، والحافظ أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم القراب، وأبو محمد بن حزم: ومات سنة أربع وعشرين وثلاث مائة. وقال غيرهم: سنة ثلاثين , وقيل: سنة نيف وثلاثين وثلاث مائة، وقيل: سنة عشرين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 وقفها جدهم بلال بن أبي بردة على عقبه، وكانت نفقته في السنة سبعة عشر درهما، وقال أبو بكر الصيرفي، أحد أئمة الشافعية: كانت المعتزلة قد رفعوا رءوسهم، حتى أشهر الله الأشعري فحجرهم في أقماع السمسم، وقال أبو عمر الزردجاهي: سمعت أبا سهل الصعلوكي، يقول: حضرنا مع الأشعري مجلس علوي بالبصرة، فناظر أبو الحسن المعتزلة، وكانوا كثيرا حتى أتى على الكل فهزمهم، كلما انقطع واحد أخذ الآخر حتى انقطعوا، فعدنا في المجلس الثاني فما عاد أحد، فقال بين يدي العلوي: يا غلام اكتب على الباب، فَرُّوا، وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: سمعت أبا عبد الله بن حسناء، يقول: دخلت البصرة وكنت أطلب أبا الحسن، فإذا هو في مجلس يناظر، وثَمَّ جماعة من المعتزلة، فكانوا يتكلمون، فإذا سكتوا وأنهوا كلامهم قال كذا وكذا، قلت: كذا وكذا، والجواب كذا وكذا، إلى أن يجيب الكل فلما قام تبعته، فقلت: كم لسان لك؟ وكم أذن لك؟ وكم عين لك؟ فضحك. وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: قرأت بخط علي بن بقي المصري المحدث، في رسالة كتب فيها أبو محمد بن أبي زيد القيرواني المالكي جوابا، لعلي بن أحمد بن إسماعيل البغدادي المعتزلي، حتى ذكر الأشعري، ونسبه إلى ما هو منه برئ، فقال أبو محمد بن أبي زيد في حق الأشعري: هو رجل مشهور أنه يرد على أهل البدع، وعلى القدرية الجهمية متمسك بالسنن، وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني: كنت في جنب أبي الحسن الباهلي كقطرة في جنب البحر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 والأول أشهر، والله أعلم. وقد أطنب الحافظ الكبير أبو القاسم ابن عساكر، رحمه الله، في ترجمة الأشعري، وبالغ وأفاد فجمع مجلدا في ذلك، وذكر من ينسب إلى مذهبه من العلماء من بعده، فذكر عامتهم من الشافعية، وهذا هو الذي حملني على ذكره في طبقات الشافعية، ليعرف زمانه وفضله ومحله، والله يرحمه آمين، وأيضا فإنه أخذ العلم عن زكريا ابن يحيى الساجي، وقد تقدم ذكره في أصحاب الشافعي، وجالس الشيخ أبا إسحاق المروزي أيام الجمعات، قاله الخطيب البغدادي، وحكى الشيخ أبو محمد الجويني، والد إمام الحرمين، وهو أحد أئمة الشافعية، عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، أنه كان يقرأ على أبي إسحاق الفقه , وهو يقرأ على أبي الحسن الكلام، والله أعلم. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ الْكَبِيرِ بَقِيَّةِ السَّلَفِ جَمَالِ الدِّينِ أَبِي الْحَجَّاجِ يُوسُفَ ابْنِ الزَّكِيِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ الْمِزِّيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَسَبْعِ مِائَةٍ: أنا الإِمَامُ تَاجُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ ابْنُ الْقَاضِي الإِمَامِ الْعَلامَةِ شِهَابِ الدِّينِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلامِ ابْنِ الْقَاضِي شِهَابِ الدِّينِ أَبِي الْفَضَائِلِ الْمُطَهِّرِ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ أَبِي سَعْدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَصْرُونٍ التَّمِيمِيُّ الْمَوْصِلِيُّ الشَّافِعِيُّ، يُقْرِئُنِي عَلَيْهِ: أَخْبَرَتْنَا الشَّيْخَةُ الصَّالِحَةُ أُمُّ الْمُؤَيَّدِ زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّعِيرِيِّ، إِجَازَةً، أنا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ الْفَارِسِيُّ، إِجَازَةً أَيْضًا، أنا الشَّيْخُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ أَسْعَدُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: ذُكِرَ مَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ إِمَامِنَا أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الأَشْعَرِيِّ، أنا الأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورِ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ بْنِ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ، وَلِي عَنْهُ إِجَازَةٌ، ثنا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عُمَرَ الْمَالِكِيُّ قَاضِي إِصْطَخْرَ، قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُولا فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، ثنا الإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الأَشْعَرِيُّ بِبَغْدَادَ، فِي مَسْجِدِ أَبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، ثنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ، ثنا بُنْدَارٌ، وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «السَّبْعُ الْمَثَانِي فَاتِحَةُ الْكِتَابِ» ، ورواه البخاري، عن آدم بن أبي إياس، عن عبد الرحمن بن أبي ذئب بإسناده نحوه وَبِالإِسْنَادِ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: ثنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَاتِحَةُ الْكِتَابِ السَّبْعُ الْمَثَانِي الَّتِي أُعْطِيتُهَا» وبه قال: ثنا زكريا الساجي، ثنا ابن أبي الشوارب، ثنا أبو عوانة، عن إسماعيل السدي، عن عبد خير، على {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الحجر: 87] ، قال: فاتحة الكتاب، وَبِالإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ إِلَى أَبِي إِبْرَاهِيمَ أَسْعَدَ بْنِ مَسْعُودٍ الْعُتْبِيِّ، قَالَ: أنا الإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: ثنا الإِمَامُ أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْعِجْلِيُّ: أنا الإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الأَشْعَرِيُّ، ثنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ، ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ، ثنا سُفْيَانُ، أنا الْعَلاءُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ: " قَسَّمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] ، قَالَ: حَمِدَنِي عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] ، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] ، قَالَ: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] ، قَالَ: «هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» . إِلَى آخِرِهِ، انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري من طريق العلاء به وبه إلى العتبي، قال: أنا الإمام أبو منصور البغدادي، قال: سمعت عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 بن محمود بن طاهر الصوفي، يقول: رأيت أبا الحسن الأشعري في مسجد البصرة، وقد أبهت المعتزلة في المناظرة، فقال له بعض الحاضرين: قد عرفنا تبحرك في علم الكلام، فإني أسألك عن مسألة ظاهرة في الفقه، فقال: سل عما شئت، فقال: ما تقول في الصلاة بغير فاتحة الكتاب؟ فقال: ثنا زكريا بن يحيى الساجي، ثنا عبد الجبار، ثنا سفيان، حدثني الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ثم قال الأشعري: وثنا زكريا، ثنا بندار، ثنا يحيى بن سعيد، عن جعفر بن ميمون، حدثني أبو عثمان، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: أمرني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن أنادي بالمدينة: أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، قال: فسكت السائل، ولم يقل شيئا، أما الحديث الأول من هذين الحديثين، فهو مخرج في الصحيحين، من حديث الزهري، وأما الثاني: فرواه أبو داود من حديث يحيى بن سعيد القطان، بإسناده عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «اخرج فناد في المدينة، أنه لا صلاة إلا بقرآن، ولو بفاتحة الكتاب فما زاد» علي بن الحسين بن حرب بن عيسى البغدادي القاضي أبو عبيد بن حربويه قاضي مصر أحد أصحاب الوجوه المشهورين، سمع الحديث من أحمد بن المقدم العجلي، والحسن بن عرفة، والحسن بن محمد الزعفراني، وزيد بن أخزم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 ويوسف بن موسى، وعنه: وأبو بكر ابن المقري، وأبو عمر بن حيويه، وعمر بن شاهين، وجماعة. وقال ابن يونس في تاريخ مصر: هو قاضي مصر، أقام بها طويلا، وكان شيئا عجيبا ما رأينا مثله، ولا قبله، ولا بعده، وكان تفقه على مذهب أبي ثور، واستعفى من القضاء، فعزل سنة إحدى عشرة وثلاث مائة، فذهب وأقام ببغداد وكان ثقة ثبتا، وقال البرقاني: ذكرته للدارقطني، فذكر من جلالته وفضله، وقال: حدث عنه النسائي في الصحيح، ولم يحصل منه حرف، وقد كتبت الحديث قبل موته بخمس سنين. وقال ابن زولاق في تاريخ القضاة بمصر: إنه كان عالما بالاختلاف، والمعاني، والقياس، عارفا بعلم القرآن والحديث، فصيحا عاقلا عفيفا، قَوَّالا بالحق، سمحا متعصبا، وكان قد ولي قضاء واسط قبل مصر، وذكر أن أمير مصر تكين كان يأتي إلى مجلس القاضي أبي عبيد، فلا يقوم له القاضي عن أمره له في ذلك، وإذا جاء القاضي إلى مجلس الأمير تكين قام له ومشى خطوات، وذكر أنه ولي قضاء مصر ثماني عشرة سنة من ثلاث وتسعين إلى سنة إحدى عشرة، وكان في وجهه جدري، ولم يكن منظره بذلك، ولكن كان من فحول الرجال، وكان رزقه في كل شهر مائة وعشرين دينارا، قال: وهو آخر قاض ركب إليه الأمير، وكان يقول: ما يقلد إلا عصبي، أو غبي، وجميع أحكامه بمصر باختياراته، وكان أولا يذهب إلى قول أبي ثور، وكان يورث ذوى الأرحام، وذكر عنه حكايات تدل على عقل تام، وعفاف وكرم، وقال أبو بكر بن الحداد: سمعت أبا عبيد القاضي، يقول: ما لي وللقضاء لو أقتصر على الوراقة، ما كان حظي بالردي، قال الخطيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 البغدادي: توفي في صفر سنة تسع عشرة وثلاث مائة، وصلى عليه أبو سعيد الإصطخري، وذكره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي مختصرا، قال ومنهم: القاضي أبو عبيد بن حربويه، مات سنة سبع عشرة وثلاث مائة، ولم يزد على هذا، ومن مفرداته: أنه هو، وإبراهيم بن جابر من الأصحاب، أول من حدد القلتين بخمس مائة رطل، وتبعهما جمهور الأصحاب، ومنها: أنه منع من جواز تعجيل الزكاة، حكاه عنه الماوردي، والقاضي أبو الطيب، والمحاملي في المجموع، وهو في الروضة أيضا، ومنها: أنه جوز لمن عليه كفارة الظهار بالصيام، أن يصوم رمضان بنية رمضان وعن الكفارة، ويصوم معه شهرا، وقد أجازه، وهذا غريب جدا، وخلاف الجمهور، ومنها: أنه ألزم من أخرج جناحا إلى الطريق، أن يكون بحيث يمر تحته الفارس ناصبا رمحه، والجمهور يقولون: يكفيه أن يمر تحته المحمل والكثبة. محمد بن إبراهيم بن المنذر أبو بكر النيسابوري الفقيه نزيل مكة، أحد الأئمة الأعلام، وممن يقتدي بنقله في الحلال والحرام، صنف كتبا معتبرة عند أئمة الإسلام، ككتاب الإجماع والإشراف في معرفة الخلاف، وكتاب الأوسط، والتفسير، وغير ذلك من المصنفات، وكان على نهاية في معرفة الحديث وخلاف العلماء، له اختيار برأيه وكان مجتهدا لا يقلد أحدا، وسمع الحديث من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 محمد بن ميمون، ومحمد بن إسماعيل الصائغ، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وغيرهم، وعنه: أبو بكر ابن المقري، ومحمد بن يحيى ابن عساكر الدمياطي، والحسن بن علي بن شعبان، وأخوه الحسين وآخرون، وقد ذكره في طبقات الشافعية: الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وأرخ وفاته سنة تسع، أو عشر وثلاث مائة، قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا ليس بشيء؛ لأن ابن عمار لقيه سنة ستة عشرة وثلاث مائة. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أنا الإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ ابْنُ الْبُخَارِيِّ: أنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْخَضِرُ بْنُ كَامِلِ بْنِ سَالِمٍ السَّرُوجِيُّ الْمُعَبِّرُ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ سُبَيْعٍ، أنا الإِمَامُ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْقَوِيِّ الْمِصِّيصِيُّ، ثنا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَصْرٍ الْمَقْدِسِيُّ، أنا الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الصَّقَلِيُّ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأحرانِيُّ، ثنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَيْرَانَ الصَّيْرَفِيُّ، ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ النَّيْسَابُورِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْبَصْرِيُّ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهُوَيْهِ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ مَضَى عَنْ يَمِينِهِ فَرَمَلَ ثَلاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ أَتَى الْمَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَالْمَقَامُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْحَجَرِ بَعْدَ مَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ قَالَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فَخَرَجَ إِلَى الصَّفَا، هذا قطعة من الحديث الطويل في المناسك، وهو ما تفرد بإخراجه مسلم دون البخاري محمد بن إدريس بن الأسود التجيبي مولاهم أبو عبد الله المصري، ويعرف ببقرة يونس لكثرة صحبته يونس بن عبد الأعلى، وجواره له، روى عنه، وعنه أبو بكر الشافعي في الغيلانيات، قال ابن يونس: توفي في جمادى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 الآخرة سنة تسع وثلاث مائة. محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران الثقفي مولاهم أبو العباس السراج النيسابوري الحافظ محدث خراسان وسيدها، رأى محمد بن يحيى الذهلي، وسمع من إسحاق بن راهويه، وداود بن رشيد، وقتيبة، ومحمد بن عمرو زنيج، وأبي كريب، وخلق، ومن أهل الطبقة التي بعدهم، فروى عنه: البخاري، ومسلم في غير الصحيحين، وأبو حاتم الرازي، وابن أبي الدنيا، وهم من شيوخه، وخلق آخرون، منهم: أبو العباس بن عقيدة، وأبو حاتم بن حبان البستي، وأبو عمر بن حمدان، وأبو سهل الصعلوكي، وأبو إسحاق المزكي، وآخرهم موتا: أبو الحسين الخفاف. قال الغمام أبو سهل الصعلوكي: ثنا أبو العباس محمد بن إسحاق، الأوحد في وقته، الأكمل في ورعه، وقال أيضا: كنا نقول: السراج كالسِّراج، وقال إسحاق للمزكي: سمعته، يقول: ختمت عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اثنتي عشرة ألف ختمة، وضحيت عنه اثنتي عشرة ألف أضحية. وقال محمد بن أحمد الدقاق: رأيته يضحي في كل أسبوع، أو أسبوعين، أضحية عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم يصيح بأصحاب الحديث فيأكلون، وذكر الحاكم أنه كان شديد المناظرة اللحنفية، وكان لا يسمع أحدا من أولاد الكرامية، وينكر على من يقول بخلق القرآن أشد الإنكار، وقال أبو عمرو بن بجيد: رأيت السراج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 يركب حماره، وعباس المستملي بين يديه، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، يقول: يا عباس غير كذا واكسر كذا، وقال أبو عبد الله بن الأخرم: استعان بي السراج في التخريج على صحيح مسلم، فكنت أتخير من كثرة حديثه، وحسن أصوله، وكان إذا وجد حديثا عاليا في الباب، يقول: لا بد من أن نكتب هذا، فأقول: ليس من شرط صاحبنا، فيقول فينفعني في هذا الحديث الواحد، وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح، رحمه الله، في طبقات الشافعية في ترجمة السراج هذا: توفي في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة بنيسابور، احتج في مسنده بالجهر بالبسملة، ولم يذكر سنده، قال الحاكم: سمعت محمد بن عمر ابن قتادة، يقول: رأيت محمد بن إسحاق بن خزيمة، يقبل وجه أبي العباس السراج. محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسابوري الحافظ إمام الأئمة، سمع الحديث من إسحاق بن راهويه، ومحمد بن حميد الرازي، ولم يحدث عنهما لصغره، وتفقه على الربيع، والمزني، وكان جديرا أن يذكر في الطبقة الثانية، ولكن تأخرت وفاته بعد الثلاث مائة، وروى الحديث عن: محمود بن غيلان، ومحمد بن أبان المستملى، وإسحاق بن موسى الخطمي، وعلي بن حجر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وأحمد بن منيع، ويونس بن عبد الأعلى، وخلق، وروى عنه خلق منهم: البخاري، ومسلم في غير الصحيحين، وشيخه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وأبو عمرو أحمد بن المبارك المستملي، وإبراهيم بن أبي طالب، وهؤلاء أكبر منه، وأبو علي النيسابوري، وإسحاق بن سعد النسوي، وأبو عمرو بن حمدان، وحفيده محمد بن المفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة، وقال: سمعت جدي، يقول: استأذنت أبي في الخروج إلى قتيبة، فقال: اقرأ القرآن أولا، حتى آذن لك فاستظهرت القرآن، فقال: امكث حتى تصلي بالختمة، فمكثت، فلما عدنا أذن لي، فخرجت إلى مرو، فسمعت بها من محمد بن هشام، فنعى إلينا قتيبة، قال: وكان جدي لا يدخر شيئا جهده، بل ينفقه على أهل العلم، وكان لا يعرف الوزن ولا يميز بين العشرة والعشرين. وقال أبو أحمد: حسبتك سمعت إمام الأئمة ابن خزيمة، يحكى عن علي بن حشرم، عن إسحاق بن راهوية، أنه قال: أحفظ سبعين ألف حديث، فقلت: لابن خزيمة: فكم يحفظ الشيخ؟ فضربني على رأسي، وقال: ما أكثر فضولك! ثم قال: يا بني ما كتبت سوادا في بياض، إلا وأنا أعرفه، وقال أبو علي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 الحافظ: كان ابن خزيمة يحفظ الفقهيات من حديثه، كما يحفظ القارئ السورة، وقال أبو حاتم بن حبان: ما رأيت على وجه الأرض من يحسن صناعة السنن، ويحفظ ألفاظها الصحاح، وزياداتها حتى كأنها بين عينيه، إلا محمد بن إسحاق بن خزيمة فقط، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: وقد سئل عن ابن خزيمة، فقال: ويحكم هو، يسأل عنا، ولا نسأل عنه، هو إمام يقتدى به. وقال الدارقطني: كان ابن خزيمة إماما ثبتا، معدوم النظير، وقال أبو علي الحسين بن محمد الحافظ: لم أر مثل محمد بن إسحاق بن خزيمة، وقال أبو العباس بن سريج: كان ابن خزيمة، يستخرج النكت من حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالمنقاش، وقال الزاهد أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الحربي: إن الله ليدفع البلاء عن أهل هذه المدينة، بمكان أبي بكر محمد بن إسحاق، قال: وحدثنا ابن خزيمة، قال: كنت إذا أردت أن أصنف الشيء، دخلت الصلاة مستخيرا، حتى يفتح لي فيها ثم أبتدئ التصنيف. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ خُزَيْمَةَ، يَقُولُ: وَسُئِلَ: مِنْ أَيْنَ أُوتِيتَ الْعِلْمَ؟ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» . وَإِنِّي لَمَّا شَرِبْتُ مَاءَ زَمْزَمَ؛ سَأَلْتُ اللَّهَ عِلْمًا نَافِعًا وقال أبو بكر محمد بن سهل الطوسي: سمعت الربيع بن سليمان، وقال لنا: هل تعرفون ابن خزيمة؟ قلنا: نعم، قال: استفدنا منه أكثر مما استفاد منا، وقال محمد بن إسماعيل البكري، سمعت ابن خزيمة يقول: حضرت مجلس المزني يوما، وسئل عن شبه العمد، وقال السائل: إن الله وصف في كتابه القتل صنفين، عمدا، وخطأ، فلم قلتم: إنه على ثلاثة أصناف؟ وتحتج بعلي بن زيد بن جدعان؟ فسكت المزني، فقلت لمناظره: قد روى هذا الحديث أيضا أيوب، وخالد الحذاء، فقال لي: فمن عقبة بن أوس، قلت: بصري روى عنه ابن سيرين مع جلالته، فقلت للمزني: أنت تناظر، أو هذا؟ قال: إذا جاء الحديث فهو مناظر؛ لأنه أعلم بالحديث مني، ثم أتكلم أنا. وقال الحاكم النيسابوري: سمعت أبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 سعيد عبد الرحمن بن أحمد المقرئ، سمعت ابن خزيمة، يقول: القرآن كلام الله، ووحيه، وتنزيله، غير مخلوق، ومن قال: إن شيئا من وحيه، وتنزيله مخلوق، أو يقول: إن أفعاله تعالى مخلوقة، أو يقول: إن القرآن محدث، فهو جهمي، وقال: من نظر في كتبي بأن له أن الكلابية كذبة فيما يحكون عني، فقد عرف الخلق أنه لم يصنف أحد في التوحيد، والقدر، وأصول العلم، مثل تصنيفي، قال الحاكم: وفضائل ابن خزيمة عندي مجموعة في أوراق، ومصنفاته تزيد على مائة وأربعين كتابا سوى المساند، والمسائل أكثر من مائة جزء، وله فقه حديث بريرة في ثلاثة أجزاء. وقال أبو زكريا العنبري: سمعت ابن خزيمة يقول: ليس لأحد مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قول إذا صح الخبر عنه، ومولده في صفر سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وتوفي في ثاني ذي القعدة سنة إحدى عشرة وثلاث مائة، وقال الشيخ أبو إسحاق في الطبقات: مات سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة، قال: وكان يقال له: إمام الأئمة، وجمع بين الفقه، والحديث، وذكر مناظرته مع المزني، ثم قال: وحكى عنه أبو بكر النقاش، أنه قال: ما قلدت أحدا منذ بلغت ست عشرة سنة. محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب أبو جعفر الطبري الإمام العالم، صاحب التصانيف العظيمة، والتفسير الشهير الكبير البحر في علوم القرآن، أصله من أهل طبرستان، وطوف الأقاليم في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 طلب العلم، وقرأ القرآن على سليمان بن عبد الرحمن الطلحي صاحب خلاد، وسمع الحروف من يونس بن عبد الأعلى، وأبي كريب، وجماعة، وصنف كتابا حسنا في القراءات، فأخذ عن: مجاهد، ومحمد بن أحمد الدجواني، وعبد الرحمن بن أبي هاشم، وسمع الحديث من أحمد بن منيع، وإسحاق بن إسرائيل، وإسماعيل بن موسى الفزاري، ومحمد بن حميد، وأبي كريب محمد بن العلاء، وهناد بن السري، ويونس بن عبد الأعلى، وخلق، وحدث عنه: أبو شعيب الحراني، وهو أكبر منه سنا، وأعلى إسنادا، وأبو القاسم الطبراني، وأبو عمرو بن حمدان، وخلق. قال الحافظ أبو بكر الخطيب: كان ابن جرير أحد الأئمة يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه، لمعرفته وفضله، جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، حافظا لكتاب الله بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها، صحيحها، وسقيمها، ناسخها، ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين، بصيرا بأيام الناس، وأخبارهم، له الكتاب المشهور في تاريخ الأمم، وكتاب التفسير الذي لم يصنف مثله، وكتاب تهذيب الآثار لم أر مثله في معناه لكن لم يتمه، وله في الأصول والفروع، كتب كثيرة، واختار من أقاويل الفقهاء، وتفرد بمسائل حفظت عنه، قال الخطيب: وسمعت علي بن عبيد الله اللغوي، يقول: مكث ابن جرير أربعين سنة يكتب كل يوم أربعين ورقة، وقال صاحبه أبو محمد الفرغاني: حَسَبَتْ تلامذته ما صنف، وقسطوه على عمره منذ احتلم إلى أن مات، فصار لكل يوم أربعة عشرة ورقة، قال الفرغاني: وكان ابن جرير ممن لا تأخذه في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 الله لومة لائم، مع عظيم ما يلحقه من الأذى، والشناعات، من جاهل، وحاسد، وملحد، فأما أهل الدين والعلم فغير منكرين علمه، وزهده في الدنيا، ورفضه لها، وقناعته بما كان يرد عليه من حصة خلفها له أبوه، بطبرستان يسيرة، قال الفرغاني: ورحل ابن جرير لما ترعرع من آمل، وسمح له أبوه في السفر، وكان طول حياته يفد إليه بالشيء بعد الشيء، إلى البلدان، فسمعته، يقول: أبطأت عني نفقة والدي، واضطررت إلى أن فتقت كمي القميص فبعتهما. قال الفرغاني: وحدثني هارون بن عبد العزيز، قال: قال لي أبو جعفر الطبري: أظهرت مذهب الشافعي، واقتديت به ببغداد عشر سنين، وتلقاه مني ابن يسار الأحول شيخ ابن سريج، قال الفرغاني: فلما اتسع علمه، أدَّاه بحثه واجتهاده إلى ما اختاره في كتبه، قال: وكتب إلى المراغي، أن الخاقاني لما تولى الوزارة، وجه إلى الطبري بمال كثير، فأبى أن يقبله، وعرض عليه القضاء، فامتنع فعاتبه أصحابه، وقالوا: لك في هذا ثواب، وتحيى سنة قد درست، وطمعوا في أن يقبل ولاية المظالم فانتهرهم , وقال: قد كنت أظن أني لو رغبت في ذلك لنهيتموني عنه، قال: وكتب إلى المراغي يذكر، أن المكتفي قال للحسن بن العباس: إني أريد أن أوقف وقفا، تجتمع أقاويل العلماء على صحته، ويسلم من الخلاف، قال: فأحضر ابن جرير فأملى عليهم كتابا لذلك، فأخرجت له جائزة سنية فأبى أن يقبله، فقيل له: لا بد من جائزة، أو قضاء حاجة، فقال: نعم الحاجة أسأل أمير المؤمنين أن يتقدم إلى الشرط أن يمنعوا السؤال من دخول المقصورة يوم الجمعة فتقدم بذلك، وعظم في نفوسهم، قال الفرغاني: وأرسل إليه العباس بن الحسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 الوزير قد أحببت أن أنظر في الفقه، وسأله أن يعمل له مختصرا، فعمل له كتاب الخفيف، وأنفذه فأرسل ألف دينار فلم يقبلها، فقيل له: تصدق بها، فلم يفعل، وذكر عبيد الله بن أحمد السمسار، وغيره، أن أبا جعفر بن جرير الطبري، قال لأصحابه: هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا، قالوا: كم قدره؟ فذكر نحو ثلاثين ألف ورقة. قالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه، فقال: إنا لله! ماتت الهمم، فأملاه في نحو ثلاثة آلاف ورقة، ولما أراد أن يملى التفسير، قال لهم كذلك، ثم أملاه بنحو من التاريخ، وقال الفرغاني: تم من كتبه كتاب التفسير، وكتاب القراءات، والعدد والتنزيل، وتم له كتاب اختلاف العلماء، وتم له كتاب التاريخ إلى عصره، وتم كتاب تاريخ الرجال من الصحابة والتابعين إلى شيوخه، وتم له كتاب لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام، وهو مذهبه الذي اختاره، وَجَوَّدَهُ، واحتج له، وهو ثلاثة وثمانون كتابا، وكتاب الخفيف وهو مختصر، وكتاب التبصير في أصول الدين، وابتدأ بتصنيف كتاب تهذيب الآثار، وهو من عجائب كتبه، وابتدأ بما رواه أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، مما صح عنه، وتكلم على كل حديث منه بعلله وطرقه، وما فيه من الفقه والسنن، واختلاف العلماء، وحججهم، وما فيه من المعاني والغريب، فتم منه مسند العشرة، وأهل البيت والموالي، رضي الله عنهم، ومن مسند ابن عباس، رضي الله عنهما، قطعة كبيرة فمات قبل تمامه، وابتدأ بكتاب البسيط فخرج منه، كتاب الطهارة في نحو ألف وخمس مائة ورقة، وخرج منه أكثر كتاب الصلاة، وخرج منه آداب الحكام، وكتاب المحاضر، والسجلات، وغير ذلك، ولما بلغه أن أبا بكر بن أبي داود تكلم في حديث غدير خم عمل كتاب الفضائل، فبدأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 بفضل الخلفاء الراشدين، وتكلم على تصحيح حديث غدير خم، واحتج لتصحيحه، وقال محمد بن علي بن سهل الإمام: سمعت محمد بن جرير وهو يكلم ابن صالح الأعلم، فقال: من قال: إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي هدى إيش هو؟ فقال ابن صالح: مبتدع، فقال ابن جرير: مبتدع مبتدع هذا يقتل، وقال حسينك بن علي النيسابوري: أول سألني ابن خزيمة، فقال: كَتَبْتَ عن محمد بن جرير؟ قلت: لا، قال: وَلِمَ؟ قلت: لأنه كان لا يظهر، وكانت الحنابلة تمنع من الدخول عليه، فقال: بئس ما فعلت، ليتك لم تكتب عن كل من كتبت عنهم، وسمعت منه، وقال ابن بالويه، سمعت ابن خزيمة، يقول: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير، ولقد ظلمته الحنابلة، وقال الشيخ أبو حامد شيخ الشافعية: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل تفسير محمد بن جرير، لم يكن كثيرا، قلت: كان قد وقع بينه وبين الحنابلة، أظنه بسبب مسألة اللفظ، واتهم بالتشيع وطلبوا عقد مناظرة بينهم وبينه، فجاء ابن جرير، رحمه الله، لذلك، ولم يجئ منهم أحد، وقد بالغ الحنابلة في هذه المسألة، وتعصبوا لها كثيرا، واعتقدوا أن القول بها يقضي إلى القول بخلق القرآن، وليس كما زعموا، فإن الحق لا يحتاط بالباطل، والله أعلم، قال ابن كامل: توفي ابن جرير رحمه الله عشية الأحد ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلاث مائة عن ست وثمانين سنة، ودفن في داره برحبة يعقوب، ولم يغير شيبه، وكان الغالب عليه السواد في رأسه، ولحيته، وكان أسمر إلى الأدمة، أعين نحيف الجسم، مديد القامة، فصيحا، واجتمع عليه من لا يحصيهم إلا الله تعالى، وَصُلِّيَ على قبره عدة شهور ليلا ونهارا، ورثاه خلق كثير من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 أهل الدين والأدب، فمن ذلك قول أبي سعيد ابن الأعرابي، رحمه الله تعالى: حدث مفظع، وخطب جليل ... دق في مثله اصطبار الصبور قام ناعي العلوم أجمع لما ... قام ناعي محمد بن جرير وذكره الشيخ أبو إسحاق في طبقات الشافعية، فقال: ومنهم: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، مات بمكة سنة تسع، أو عشر وثلاث مائة، وصنف في اختلاف العلماء كتبا لم يصنف أحد مثلها، واحتاج إلى كتبه الموافق، والمخالف، قال الشيخ، رحمه الله: ولا أعلم عمن أخذ الفقه، هذا لفظه. أَخْبَرَنِي شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ، مِنْ لَفْظِهِ، أنا شَيْخُ الإِسْلامِ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عُمَرَ، وَفَخْرُ الدِّينِ ابْنُ الْبُخَارِيِّ، وَأَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ سَمَاعًا، قَالُوا: أنا أَبُو حَفْصٍ ابْنُ طَبَرْزَدَ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، أنا أَبُو حَفْصٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ الْكَاتِبُ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، حَدَّثَنِي بِشْرٌ، هُوَ ابْنُ دِحْيَةَ، ثنا قَزَعَةُ بْنُ سُوَيْدٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ خُتِمَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» . غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ محمد بن جعفر بن خازم أبو جعفر الجرجاني الخازمي الفقيه الشافعي صاحب ابن سريج أحد الأئمة، هكذا ترجمه شيخنا أبو عبد الله الذهبي في تاريخه، ولم يزد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية أبو بكر الأزدي البصري نزيل بغداد، تنقل في جزائر البحر، وفارس، وطلب الأدب واللغة، وكان أبوه من رؤساء زمانه، وكان أبو بكر رأسا في اللغة والشعر، وله الشعر الحسن، والتصانيف المفيدة، كالجمهرة، والأمالي، وغير ذلك، وحدث عن أبي حاتم السجستاني، وأبي الفضل الرقاشي، وابن أخي الأصمعي، وغيرهم، وعنه: أبو سعيد السيرافي، وأبو بكر بن شاذان، وأبو الفرج صاحب الأغاني، وأبو عبيد الله المرزباني، وأبو العباس إسماعيل بن ميكال، وغيرهم، قال أحمد بن يوسف الأزرق: ما رأيت أحفظ من ابن دريد، وما رأيته قرئ عليه ديوان قط، إلا وهو يسابق إلى روايته لحفظه له، قال: وكان ابن دريد واسع الحفظ جدا، وله قصيدة طنانة يمدح بها الشافعي، وعلومه، رضي الله عنه: قلت: قد تقدمت القصيدة في ترجمة الشافعي، ولهذا ذكرناه في الشافعية، وحكى الخطيب البغدادي، عن أبي بكر الأسدي، قال: كان يقال: ابن دريد أعلم الشعراء، أو أشعر العلماء، قالوا: وأول شعر قاله: ثوب الشباب على اليوم بهجته ... فسوف تنزعه عني يد الكبر أنا ابن عشرين لا زادت ولا نقصت ... إن ابن عشرين من شيب على خطر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 وله القصيدة المشهورة المقصورة وسببها؛ أن عبد الله بن ميكال أمير الأهواز للمقتدر، بعث إليه ليؤدب ولده إسماعيل، فعمل في ذلك القصيدة المذكورة، فوصله هو وأخوه أبو العباس بجوائز، من ذلك ثلاث مائة دينار من مال الصبي وحده، فلهذا يقول: إن ابن ميكال الأمير انتاشني ... من بعدما كنت كالشيء اللقا ومد ضبعي أبو العباس من ... بعد انتقاص الذرع والباع الوزى نفسي الفداء لأميري، ومن ... تحت السماء لأميري الفدا وقد عُمِّرَ ابن دريد طويلا، وكان مع ذلك يتناول الخمر، سامحه الله، قال أبو حفص بن شاهين: كنا ندخل على ابن دريد، فنستحيي مما نرى من العيدان المعلقة، والشراب، وقد جاوز التسعين. وقال أبو منصور الأزهري: دخلت عليه فرأيته سكران فلم أعد إليه، وذكره الحافظ أبو الحسن الدارقطني، فقال: تكلموا فيه، مولده سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وتوفي لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شعبان سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة، ودفن هو، وأبو هاشم بن أبي علي الجبائي معا في يوم واحد، بمقبرة الخيزران، فقيل: مات علم الكلام واللغة جمعيا. محمد بن الربيع بن سليمان بن داود الجيزي المصري أبو عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 سمع أباه، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وهارون بن سعيد الأيلي، وعنه: إبراهيم بن علي التمار، ومحمد بن محمد الحلبي، وأبو بكر ابن المقري، وغيرهم، ولد سنة تسع وثلاثين ومائتين، ومات في ربيع الأول سنة أربع وعشرين وثلاث مائة. محمد بن شعيب بن إبراهيم العجلي أبو الحسن البيهقي مفتي الشافعية، أحد المذكورين بالفصاحة، والبراعة، تفقه ببغداد على ابن سريج، وسمع داود بن الحسن البيهقي، ومحمد بن إبراهيم البوشنجي، وأخذ عنه الفقه: أبو الوليد حسان بن محمد، رحمه الله. محمد بن عبد الله بن إبراهيم أبو عبد الله الجرجاني الشافعي قال جعفر المستغفري: كان كبش الشافعية في وقته، وكان فقيها مناظرا. محمد بن عبد الله بن أحمد ابن القاضي أبو عبد الله البيضاوي قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: تفقه على الداركي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 وحضرت مجلسه وعلقت عنه، وكان ورعا حافظا للمذهب، والخلاف موقفا في الفتاوى، قال الخطيب: وحدث شيئا يسيرا عن أبي بكر بن مالك القطيعي، وغيره، وكتبت عنه، وكان ثقة صدوقا، دينا سديدا. قال: ومات فجأة ليلة الجمعة الرابع عشر من رجب سنة أربع وعشرين وأربع مائة، ودفن بمقبرة باب حرب، رحمه الله. ثم حكى عنه قوله، فيمن رأي نجاسة في ثوبه ثم خفيت: عليه أنه يجتهد فيغسل منه ما غلب على ظنه، ولا يجب عليه غسله كله، خلافا للجمهور. محمد بن عبد الرحمن بن محمد أبو العباس الدغولي السرخسي الفقيه الإمام الحافظ شيخ أهل خراسان في زمانه صاحب المسند المشهور، وأحد علماء الشافعية، روى عن: محمد بن يحيى الذهلي، وعبد الرحمن بن بشر، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي، وطبقتهم بنيسابور والعراق، وعنه: أبو علي الحافظ، وأبو بكر الجوزقي، وغيرهم، قال الإمام أبو بكر بن خزيمة: ما رأيت مثله، وكذا قال الحافظ أبو أحمد بن عدي وغيره، وقال محمد بن العباس: قال لي أبو العباس الدغولي: أربع مجلدات لا تفارقني في السفر، والحضر: كتاب المزني، وكتاب العين، والتاريخ للبخاري، وكليلة ودمنة. وقال أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه: قيل لأبي العباس الدغولي: لم لا تقنت في صلاة الفجر؟ فقال: لراحة الجسد، ومداراة الأهل والود، وسنة أهل البلد، مات سنة خمس وعشرين وثلاث مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 محمد بن عثمان بن إبراهيم بن زرعة الثقفي مولاهم الدمشقي أبو زرعة قاضي دمشق , وكان قبل ذلك على قضاء مصر لأحمد بن طولون مدة ثماني سنين، أولها من سنة أربع وثمانين ومائتين، وكان جده يهوديا فأسلم، وجرت له فصول مع أبي أحمد الموفق لما خلعه، وولى أحمد بن طولون، ثم ظفر به أبو أحمد الموفق في جماعة من أصحابه، فسألهم: من الذي ابتدر بالخلع فشرع القاضي أبو زرعة في الاعتذار، وحلف بالطلاق، والعتق، والنذر بصدقة المال، ما كان في هؤلاء القوم أحد قال ذلك، فأطلقهم وصدق، فإنه لم يقل ذلك الكلام أحد غيره، وهذا يدل على فهمه، وعلمه، وتصرفه، رحمه الله. وذكر ابن زولاق في تاريخ قضاة مصر، أنه ولي قضاء مصر في سنة أربع وثمانين، قال: وكان يذهب إلى قول الشافعي، رضي الله عنه، ويوالي عليه، ويصانع، وكان عفيفا شديد التوقف في إنفاذ الأحكام، وله مال كثير، وضياع كبار في الشام، قال: وكان كريما يهب الخصوم الضعفاء، والمساكين، وكان يهب لمن حفظ مختصر المزني مائة دينار، وهو الذي أدخل مذهب الشافعي دمشق، وحكم به القضاة، وكان الغالب عليها: مذهب الأوزاعي، قال: وكان أكولا يأكل سل مشمش، ويأكل سل تين، مات سنة ثلاثين وثلاث مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 محمد بن الفضل بن عبد الله بن مخلد أبو ذر التميمي الجرجاني الفقيه رئيس جرجان في زمانه، كانت داره مجمع الفضلاء، رحل، وسمع أبا إسماعيل الترمذي، وبكر بن سهل الدمياطي، وحفص بن عمر شيخه، والحسن بن جرير الصوري، وغيره، وعنه: إبراهيم بن محمد بن سهل، وأحمد بن أبي عمران، وأسهم عم حمزة السهمي، وغيرهم. محمد بن المفضل بن سلمة بن عاصم أبو الطيب بن سلمة الضبي البغدادي الفقيه الشافعي تفقه على ابن سريج، وكان موصوفا بفرط الذكاء، وله وجه في المذهب، وقد صنف كتبا عدة، ومات شابا، رحمه الله، سنة ثماني وثلاث مائة، ومن مفرداته: تكفير تارك الصلاة، وأن الولي إذا أذن للسفيه في عقد النكاح لم يصح كما لو أذن للصبي، وقال الخطيب البغدادي: كان من كبار الفقهاء ومتقدميهم، وقال: إنه درس على ابن سريج، وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: وكان يعرف النسب في الفضل والأدب، وقالوا: صاحب كتاب ضياء القلوب، وغيره من الكتب، وجده سلمة بن عاصم صاحب الفراء، وشيخ ثعلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 محمد بن يوسف بن محمد أبو ذر البخاري قاضي القضاة بخراسان قال الحاكم: كان ينتحل مذهب أهل الحديث، ويذب عن السنة وأهلها، وسمع من البخاري، وأقرانه، وحدث، وفي مجلسه: ابن خزيمة، وأبو العباس السراج، توفي سنة أربع عشرة وثلاث مائة، وهو والد الشيخ الصالح أبي الحسن بن أبي ذر، رحمهما الله تعالى. منصور بن إسماعيل أبو الحسن التميمي المصري الضرير الفقيه الشافعي الشاعر قال أبو سعيد بن يونس في تاريخ مصر: كان فهما، حاذقا، صنف مختصرات في الفقه في مذهب الشافعي، وكان شعرا، مجودا، خبيث اللسان في الهجو، يظهر في شعره التشيع، وكان جنديا قبل أن يعمى، وقال القضاعي أصله: من رأس عين، وكان فقيها، متصرفا في كل علم، شاعرا مجودا، لم يكن في زمانه مثله، توفي سنة ست وثلاث مائة، لا في سنة ثلاث، وقال القاضي ابن خلكان: له مصنفات مليحة في المذهب، وله شعر سائر وهو القائل: لي حيلة فيمن ينم ... وليس في الكذاب حيله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 من كان يخلق ما يقول ... فحيلتي فيه طويله وذكره ابن زولاق في ترجمة أبي عبيد بن حربويه، وأنه وقع بينهما بسبب مسألة واقع طويل، وقال الشيخ أبو إسحاق: ومنهم: أبو الحسن منصور بن إسماعيل التميمي المصري، مات قبل العشرين وثلاث مائة، وكان أعمى، وأخذ الفقه عن أصحاب الشافعي، وأصحاب أصحابه، وله مصنفات في المذهب مليحة، منها والمستعمل، والمسافر، والهداية، وغيرها من الكتب، وله شعر مليح، وهو القائل: عاب التفقه قوم لا عقول لهم ... وما عليه إذا عابوه من ضرر ما ضر شمس الضحى والشمس طالعة ... ألا يرى ضوءها من ليس ذا بصر يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد أبو عوانة الإسفراييني مصنف الصحيح، أخذ من أصحاب الشافعي، رضي الله عنه، إنما أخرناه إلى الطبقة الثالثة لتأخر وفاته، ويقال: إنه أول من أدخل مذهب الشافعي إلى إسفرايين، وهو تلميذ الربيع، والمزني، وروى الحديث عن: محمد بن يحيى، ومسلم بن الحجاج، ويونس بن عبد الأعلى، وعلي بن حرب، وخلق من أهل العراق، وخراسان، والحجاز، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 واليمن، والشام، والثغور، والجزائر، وفارس، وأصبهان، ومصر، وطوف هذه البلدان كلها، في طلب الحديث، وعلو الإسناد، عنه: ابنه أبو مصعب محمد، وأحمد بن علي الرازي الحافظ، وأبو علي النيسابوري، وأبو القاسم الطبراني، وابن عدي، وأبو بكر الإسماعيلي، وخلق، وآخر من روى عنه: ابن أخته أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني. قال الحاكم: هو من علماء الحديث، وأثباتهم، سمعت ابنه محمدا، يقول: أنه توفي في سنة ست عشرة وثلاث مائة، قال الشيخ أبو إسحاق بعد ذكر طبقة ابن سريج، ونظرائه، ثم انتقل الفقه إلى طبقة أخرى، أكبرهم أصحاب أبي العباس: منهم: أبو الطيب بن سلمة البغدادي، وكان عالما جليلا، ومنهم: أبو حفص بن الوكيل الباشامي مات ببغداد بعد العشرة، ومنهم: أبو بكر أحمد بن عمر الخفاف، وله كتاب الخصال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 المرتبة الثانية من الطبقة الثالثة من أصحاب الشافعي، رضي الله عنه، من أول سنة ست وعشرين وثلاث مائة إلى آخر سنة خمسين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 عبد الله بن أحمد بن يوسف المعروف بأبي القاسم البردعي أسند له الحافظ أبو الحسن الدارقطني قصيدة يمدح فيها الإمام الشافعي، رضي الله عنه، منها: دع ذكر أيام الشباب والنهى ... واذكر إماما نشرت أعلامه في الشرق والغرب وما بينهما ... محكما مقبولة أحكامه حبر قريش وهو في ذروتها ... إذا علا مجد له سنامه يشارك النبي في محتده ... إذا اعتزي موصولة أرحامه وصي به النبي في مقاله ... وحثه فلازم ذمامه محمد صلى عليه ربنا ... معز دين الله بل قوامه أن قريشا قدموها أبدا ... فمن أبى بوده احترامه تعلموا منها العلوم إنه ... يملأ أطباق الثري علامه علما وفقها فاستمع مقاله ... يا ذا الذي يعجبه خصامه يا صاح غير الشافعي هل ترى ... منها عليما قد سمي كلامه ثم ذكر كتب الشافعي، رضي الله عنه، وأصحابه، فذكر منهم: أحمد بن حنبل، إلى أن قال: لله در الشافعي، إنه لما اعتلى علامه خدامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 إبراهيم بن أحمد بن إسحاق أبو إسحاق المروزي أحد أئمة المذهب، أخذ الفقه عن أبي العباس بن سريج، ثم انتهت إليه رئاسة المذهب في زمانه، وصنف كتبا كثيرة، وأقام ببغداد مدة طويلة يفتي ويدرس، وانتفع به أهلها، وصار له تلامذة كبار، كأبي زيد المروزي، وأبي حامد المروزي، ثم انتقل في آخر عمره إلى مصر، فتوفي بها في تاسع رجب، وقيل: في حادي عشرة سنة أربعين وثلاث مائة، ودفن عند ضريح الشافعي، رحمهما الله، قال الشيخ أبو إسحاق في الطبقات: انتهت إليه الرياسة في العلم ببغداد. وشرح المختصر، وصنف الأصول، وأخذ عنه الأئمة، وانتشر الفقه عن أصحابه في البلاد وخرج إلى مصر، ومات بها سنة أربعين وثلاث مائة. وقال الخطيب البغدادي: وهو أحد الأئمة من فقهاء الشافعيين، شرح المهذب ولخصه، وأقام ببغداد دهرا طويلا، يدرس ويفتي، وأنجب من أصحابه خلقا كثيرا، وإليه ينسب درب المروزي الذي في قطيعة الربيع، ثم انتقل في آخره عمره إلى مصر، فأدركه أجله بها، فمات سنة أربعين وثلاث مائة، ودفن إلى جانب ضريح الشافعي، رحمهما الله. أحمد بن أبي أحمد الطبري أبو العباس ابن القاص أحد أئمة المذهب أخذ الفقه عن أبي العباس بن سريج، وتفقه عليه أهل طبرستان، وله كتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 المفتاح، وأدب القاضي، والمواقيت، والتلخيص الذي شرحه أبو عبد الله الحسين الإسماعيلي، ثم القفال، ثم صاحبه أبو علي السنجي، وغيرهم، وله جزء في الكلام على حديث أبي عمير، وشرح حديث أبي خليفة، وكانت وفاته بطرسوس سنة خمس وثلاثين وثلاث مائة، وقد أرخ وفاته الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في الطبقات قال: وكان من أئمة أصحابنا، صنف المصنفات الكثيرة، ثم ذكر ما تقدم، قال: وتمثلت فيه بقول الشاعر: عقم النساء فما يلدن شبيهه ... إن النساء بمثله عقم قلت: تكلم أبو العباس على الخصائص، وفرع فيها، وذكر مسائل وافقه عليها، وتبعه الحافظ أبو بكر البيهقي في السنن الكبير، فذكر ما ورد من الأحاديث في ذلك مرتبا على ترتيب أبي العباس بن القاص، وقد أفرد للخصائص كلاما مفردا في آخر مختصر سيرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونقحت ما ورد في ذلك من الآثار، ولله الحمد والمنة. قال ابن السمعاني: وإنما قيل لأبيه القاص؛ لأنه دخل بلد الديلم فقص على الناس، ورغبهم في الجهاد، وقادهم إلى الغزاة، ودخل بلاد الروم غازيا، فبينما هو يقص لحقه وجد وغشية، فمات رحمه الله. أحمد بن إسحاق بن أيوب بن يزيد أبو بكر النيسابوري، المعروف بالصبغي أحد أئمة الشافعية، رأي أبا حاتم الرازي، وسأله عن مسألة في ميراث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 أبيه، وسمع: إسماعيل بن قتيبة، والفضل بن محمد الشعراني، ومحمد بن أيوب، ويعقوب بن يوسف القزويني، وببغداد: إسماعيل القاضي، والحارث بن أبي أسامة، وبالبصرة: هشام بن علي، وبمكة: علي بن عبد العزيز، وعنه خلق كثير منهم: حمزة بن محمد الترمذي , وأبو علي الحافظ، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو أحمد الحاكم، وأبو عبد الله الحاكم النيسابوري، وقال: وكان يخلف ابن خزيمة في الفتوى، بضع عشرة سنة في الجامع وغيره، قال: وقد أقام يفتي نيفا وخمسين سنة من عمره، لم يؤخذ عليه في فتاويه مسألة وهم فيها، وقد سمعته وهو يخاطب فقيها، فقال: حدثونا عن سليمان بن حرب، فقال: دعنا من حدثنا إلى متى حدثنا وأنبأنا؟ فقال: يا هذا لست أشم من كلامك رائحة الإيمان، فلا يحل لك أن تدخل داري، ثم هجره حتى مات، وله الكتب المطولة، مثل: كتاب المبسوط، وكتاب الأسماء والصفات، وكتاب الإيمان والقدر، وكتاب فضل الخلفاء الأربعة، وكتاب الرؤية، وكتاب الأحكام، وكتاب الإمامة، وقال: وكان يرى أن الرجل إذا أتى، والإمام راكع أنه لا يعتد بتلك الركعة، وروى ذلك عن ابن أبي هريرة، رضي الله عنه، وجماعة من التابعين، وصنف فيه مصنفا، وحكى الحاكم: أنه كان حسن الصلاة، وأنه كان إذا أذن المؤذن يدعو بين الأذان والإقامة ويبكي، وربما ضرب برأسه الحائط حتى يخشى أن يدمي رأسه، وأنه لم يقطع صلاة الليل في سفر، ولا حضر، وكان في صباه يشتغل بعلم الفروسية، ثم اشتغل بالعلم، وكان مولده سنة ثمان وخمسين ومائتين، ومات في شعبان سنة اثنتين وأربعين وثلاث مائة، رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 أَخْبَرَنِي شَيْخُنَا الإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قِرَاءَةً مِنْ لَفْظِهِ، قَالَ: أنا الْمَشَايِخُ الثَّلاثَةُ؛ الإِمَامُ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاسِطِيُّ، وَعِزُّ الدِّينِ أَبُو إِلْيَاسَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْفَارُوقِيُّ الشَّافِعِيُّ، خَطِيبُ دِمَشْقَ، وَشَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ الصُّوفِيُّ، قَالُوا: أنا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ كَرَمِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الدِّينَوَرِيُّ، بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَتْنَا أُمُّ عَطِيَّةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي سَعِيدٍ سَعْدِ اللَّهِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ فَضْلِ اللَّهِ ابْنِ أَبِي الْخَيْرِ الْمِهيَنِيِّ، قِرَاءَةً عَلَيْهَا بِبَغْدَادَ، قَالَتْ: أنا الرَّئِيسُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ الإِسْفَرَايِينِيُّ، بِإِسْفَرَايِينَ، أنا الأُسْتَاذُ أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، بِنَيْسَابُورَ، أنا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الإِمَامُ، هُوَ: الصِّبْغِيُّ، قَالَ: أنا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا، إِلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أَوْ صَيْدٍ، نُقِصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ الْمِزِّيِّ، عَنْ مُحَمَّدٍ ابْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ بِهِ أحمد بن الحسين بن سهل أبو بكر الفارسي أحد أئمة الشافعية، أصحاب الوجوه، والمصنفات الباهرة الأنيقة، تفقه على أبي العباس بن سريج، وله اختيارات غريبة، منها: أن الكلب الأسود، لا يحل ما صاده، كمذهب الإمام أحمد، مات تقريبا في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 حدود سنة خمسين وثلاث مائة. أحمد بن علي بن بيغجور أبو بكر بن الإخشيد المتكلم المعتزلي قال أبو محمد بن حزم: كان أحد أركان المعتزلة، وكان أبوه من أبناء ملوك فرغانة من الأتراك، وقد ولي أبوه الثغور، وكان أبو بكر يتفقه للشافعي، قال: وقد رأيت له في بعض كتبه، يقول: التوبة هي الندم فقط، وإن لم ينو مع ذلك ترك المراجعة لتلك الكبيرة، قال: وهذا أشنع ما يكون من قول المرجئة، لأن كل مسلم نادم على ما يفعله من الكبائر، قلت: الظاهر، والله أعلم، إنما حمل أبا بكر على مقالته هذه ما ورد في بعض الأحاديث: الندم توبة، ولم يصح سنده، والذي عليه الأئمة أن التوبة النصوح فيما بين العبد وبين الله تعالى، أن يقلع عن الذنب وأن يندم على ما مضى، وأن يعزم على ألا يعود فيما يستقبل، وإن كان بين العبد وبين الله العباد فأن يبرأ إليهم، والله أعلم. ذكر الخطيب البغدادي: أنه ارتحل إلى أبي خليفة، وسمع: من أبي مسلم الكجي، وموسى بن إسحاق الأنصاري، وأخذ عنه: القاضي أبو الحسين محمد بن محمد بن عمرو النيسابور المعتزلي، الملقب بالبيضي، قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: ورأيت له كتابا كاملا في نقل القرآن، وقد روى فيه عن جماعة، وبحث بحوثا جيدة، عاش ستا وخمسين سنة، ومات سنة ست وعشرين وثلاث مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 أحمد بن محمد بن سليمان أبو الطيب الحنفي الصعلوكي أحد أئمة الشافعية، وحفاظ الحديث واللغة، وهو عم الأستاذ أبي سهل الصعلوكي، روى الحديث عن محمد بن يحيى الذهلي، وعلي بن الحسن بن أبي عيسى الدارابجردي، ومحمد بن عبد الوهاب، وبالري: علي بن الجنيد، ومحمد بن أيوب، وببغداد عبد الله ابن الإمام أحمد، وعنه: ابن أخيه الأستاذ أبو عبد الله بن الأخرم، ثم أمسك عن الحديث آخر عمره، قال الحاكم: فكنا نراه حسرة، وقد سمعت منه حديثا في المذاكرة، توفي في رجب سنة سبع وثلاثين وثلاث مائة. أحمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن عبدة التميمي أبو الحسن السليطي المزكي قال الحاكم: كان من أهل نيسابور، ومن المتقدمين في الكتابة والأدب، وتفقه على مذهب الشافعي، رضي الله عنه، وقلد التزكية باتفاق من الفريقين، وسمع الحديث من ابن خزيمة، وأبي العباس بن السراج، وأقرانهما، ولم يحدث حتى توفي سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة. أحمد بن منصور بن عيسى أبو حامد الطوسي المزكي الحافظ الفقيه الأديب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 سمع ابن شيرويه وطبقته، وقال الحاكم: قَلَّ ما رأيت في المشايخ أجمع منه، وتوفي سنة خمس وأربعين وثلاث مائة، ذكره ابن الصلاح. حسان بن محمد بن أحمد بن هارون بن حسان بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عنبسة بن عبد الرحمن بن عتبة بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي الأستاذ أبو الوليد الفقيه أحد أئمة الشافعية، درس على ابن سريج، وروى عن أحمد بن الحسن الصوفي، وغيره ببغداد، ومحمد بن إبراهيم البوشنجي، ومحمد بن نعيم بنيسابور، والحسن بن سفيان، بنسا، وخلق سواه، روى عنه: القاضي أبو بكر الحيري، وأبو طاهر بن محمش، وأبو الفضل أحمد بن محمد السهلي الصفار، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري، وقال: كان إمام أهل الحديث بخراسان، وأزهد من رأيت من العلماء، وأعبدهم، وله كتاب على صحيح مسلم، وكتاب على مذهب الشافعي، رضي الله عنه، وله اختيارات غريبة، منها: أن من كرر قراءة الفاتحة في الصلاة، بطلت صلاته، كما لو كرر ركنا فعليا، عزاه إليه إمام الحرمين، ونقله صاحب العدة، عن ابن خيران، وأبي يحيى البلخي أيضا، وهذا غريب، وإن كان قد حكاه الشيخ أبو حامد في تعليقه عن القديم، واختار: أن الحجامة تفطر الحاجم والمحجوم، وادعى أنه المذهب، ويحلف على ذلك، يعني: لصحة الحديث فيه، وذهب إلى أنه كان يقنت في الوتر جميع شهر رمضان، ووافقه أبو عبد الله الزبيري، وأبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 الفضل بن عبدان، وأبو منصور بن مهران، وذهب إلى جواز الصلاة على قبر النبي، صلى الله عليه وسلم، فرادى، نقله ابن المنذر، وقال الحاكم: سمعت أبا الوليد، سمعت الحسن بن سفيان، سمعت حرملة، يقول: سئل الشافعي، رضي الله عنه، عن رجل وضع في فمه تمرة، فقال لامرأته: إن أكلتها فأنت طالق، وإن طرحتها فأنت طالق، فقال الشافعي: يأكل نصفها، ويطرح نصفها، قال أبو الوليد: سمع من أبي العباس بن سريج هذه الحكاية، وبني عليها باقي تفريعات الطلاق، قال الحاكم: أرانا أبو الوليد نقش خاتمه، الله ثقة، حسان بن محمد، وقال: أرانا عبد الملك بن محمد بن عدي نقش خاتمه، الله ثقة، عبد الملك بن محمد، وقال: أرانا الربيع نقش خاتمه، الله ثقة، الربيع بن سليمان، وقال: كان نقش خاتم الشافعي، رضي الله عنه، الله ثقة، محمد بن إدريس، توفي في ربيع الأول سنة تسع وأربعين وثلاث مائة، عن اثنتين وسبعين سنة، رحمه الله، ويقع حديثه في السنن الكبير للبيهقي عن الحاكم عنه كثيرا. الحسن بن أحمد بن يزيد أبو سعيد الإصطخري شيخ الشافعية ببغداد، ومحتسبها، ومن أكابر أصحاب الوجوه في المذهب، روى الحديث عن: أحمد بن منصور الرمادي، وحفص بن عمرو الربالي، وحنبل بن إسحاق، وسعدان بن نصر، وعنه: الدارقطني، وابن المظفر، وابن شاهين، وغيره، وكان ورعا، دينا، زاهدا، قيل: إن قميصه، وعمامته، وطيلسانه، وسراويله، كان كله من شقة واحدة، وقال أبو إسحاق المروزي: لما دخلت بغداد، لم يكن بها من يستحق أن يدرس عليه، إلا ابن سريج، وأبو سعيد الإصطخري، رحمهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 الله، قال القاضي أبو الطيب: حكي عن الداركي، أنه قال: ما كان أبو إسحاق المروزي يفتي بحضرة الإصطخري، إلا بإذنه، وقال الخطيب البغدادي: ولي قضاء قم، وقد ولي حسبة بغداد فأحرق مكان الملاهي، وكان ورعا، زاهدا، متقللا من الدنيا، وله تصانيف مفيدة منها، كتاب أدب القضاء، ليس لأحد مثله. وقال غيره: استقضاه المقتدر على سجستان، واستفتاه في الصابئين، فأفتاه بقتلهم، فبذلوا أموالا جزيلة حتى رد عنهم القتل، مات الإصطخري رحمه الله في ربيع الآخر سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة، وقد جاوز الثمانين. وقال الشيخ أبو إسحاق: كان قاضي قم، ولي حسبة بغداد، وكان ورعا، زاهدا، متقللا، ولد في سنة أربع وأربعين ومائتين، ومات سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة، وقال غيره: كان مولده سنة ثنتين، وصنف كتابا حسنا في أدب القضاء. قلت: ومن مفرداته الغريبة: انتقاض الوضوء بمس الأمرد، والتنفل على الدابة في الحضر، وكان هو يفعله ببغداد. الحسن بن حبيب بن عبد الملك الدمشقي أبو علي الشافعي راوي كتاب الأم عن الربيع بن سليمان، وسمع بمصر مكان ابن قتيبة، وحدث عن إسماعيل الصائغ، وصالح ابن الإمام أحمد، والعباس بن الوليد البيروتي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وغيرهم، وقرأ القرآن على هارون بن موسى الأخفش، روى عنه: عبد المنعم بن غلبون، وأبو بكر ابن المقري، وتمام الرازي، وأبو بكر ابن أبي الحديد، وخلق، قال عبد العزيز الكناني: كان ثقة، نبيلا، تقيا، حافظا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 لمذهب الشافعي، ومات في ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة، وقال غيره: كان مولده سنة ثنتين وأربعين ومائتين، قال الحافظ ابن عساكر: وكان إماما بمسجد باب الجابية. الحسن بن الحسين القاضي أبو علي بن أبي هريرة البغدادي أحد أئمة الشافعية، من أصحاب الوجوه، تفقه بأبي العباس بن سريج، والشيخ أبي إسحاق المروزي، وصنف شرح المزني، وعلق على الشرح أبو علي الطبري، وروى عنه: الحافظ أبو الحسن الدارقطني، وغيره، اختصر الخطيب البغدادي ترجمته في التاريخ جدا، ولم يزد على هذا، مات سنة خمس وأربعين وثلاث مائة. وقال الشيخ أبو إسحاق: ومنهم: القاضي أبو علي بن أبي هريرة البغدادي، درس علي أبي العباس بن سريج، ثم علي أبي إسحاق، وشرح المزني، وعلق على الشرح أبو علي الطبري، ودرس ببغداد، ومات سنة خمس وأربعين وثلاث مائة. الحسين بن علي أبو علي النيسابوري شيخ الحاكم أبي عبد الله، ولقد أطنب في ترجمته في تاريخه، ومدحه بكثرة المصنفات، والحفظ، والمذاكرة، سمع النسائي، وأبا يعلى الموصلي، سمع منه وكتبه عنه، وسمع هو وأبو العباس بن سريج من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 عبدان الأهوازي الحديث الذي يقال: إن عبدان انفرد بروايته، عن محمد بن يحيى القطعي، ثنا محمد بن بكر البرساني، ثنا ابن عون، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، رضي الله عنهما؛ أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان إذا افتتح الصلاة كبر، ورفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، قال أبو علي النيسابوري: فلما من الله علي بسماع هذا لم أبال بغيره، ذكره ابن الصلاح، وأرخ وفاته سنة تسع وأربعين وثلاث مائة في جمادى الأولى، رحمه الله. الحسن بن القاسم أبو علي الطبري صاحب الإفصاح، والمحرر، والعدة في المذهب، وكتب في الأصول، درس ببغداد بعد شيخه أبي علي بن أبي هريرة، وأخذ عنه الفقهاء، وكان أحد الأئمة النبلاء، وهو أول من جرد الخلاف وصنفه، واعتنى بذلك، مات سنة خمسين وثلاث مائة، وكذا أرخ وفاته الشيخ أبو إسحاق في الطبقات، وقال: علق عن أبي علي بن أبي هريرة، وهي التعليقة التي تنسب إلى أبي علي، وهو من مصنفي أصحاب الشافعي، رضي الله عنه، صنف المحرر في النظر، وهو أول كتاب صنف في الخلاف المجرد، وصنف الإفصاح في المذهب، وصنف أصول الفقه، وصنف الجدل ودرس ببغداد بعد أستاذه أبي علي بن أبي هريرة، رحمهما الله تعالى. الحسين بن الحسن أبو عبد الله الطوسي لازم أبا حاتم الرازي، وأخذ عنه كثيرا، وجاور بمكة، وسمع كتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 أبي عبيد من علي بن عبد العزيز البغوي، وسمع مسند أبي يحيى بن أبي مسرة عنه، وروى عنه: أبو علي الحافظ، وأبو إسحاق المزكي، وأبو علي الماسرجسي، وغيرهم، توفي في يوم الأضحى سنة أربعين وثلاث مائة. الحسين ابن القاضي أبي زرعة محمد بن عثمان المتقدم ذكره أبو عبد الله الدمشقي، قاضيها وابن قاضيها، ولي قضاء الديار المصرية مع البلاد الشامية، ثم كثرت نوابه، وكان يأتيه بمصر الإمام أبو بكر بن الحداد , وكان القاضي أبو عبد الله هذا كبير القدر، معظما نفسه، بسيف، ومنطقة، وله سماط كل يوم يغرم عليه في الشهر أربع مائة دينار، وكان عارفا بالقضاء متقدما، وكان كريما جوادا كأبيه، ولم تطل أيامه، ومات كهلا ابن ثلاث وأربعين سنة، قال الحافظ ابن عساكر: توفي يوم عيد الأضحى سنة سبع وعشرين وثلاث مائة. زاهر بن أحمد بن محمد بن عيسى أبو علي السرخسي ذكره هنا، وفي الثانية من الطبقة الرابعة، بعد أبي سليمان الخطابي، فقال: زاهر بن أحمد بن محمد أبو علي السرخسي الفقيه الشافعي المقري المحدث المتكلم، روى الحديث عن أبي القاسم البغوي، وابن صاعد، ومحمد بن المسيب الأرغياني، وجماعة، وروى موطأ الإمام مالك بن أنس، عن إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، عن أبي مصعب عنه، وروى عنه جماعة منهم: أبو عثمان إسماعيل الصابوني، وأبو عثمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 سعيد بن محمد البحيري، وكريمة، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري، وقال: كان شيخ عصره بخراسان، وسمعت مناظرته في مجلس أبي بكر بن إسحاق الصبغي، وكان قرأ على أبي بكر بن مجاهد، وتفقه على أبي إسحاق المروزي، ودرس الأدب على أبي بكر ابن الأنباري، وكان كتبه ترد عليَّ على الدوام، قال: وتوفي سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة، وله ست وتسعون سنة. قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وقد أخذ عن الشيخ أبي الحسن الأشعري علم الكلام، وشهده وهو يقول عند موته: لعن الله المعتزلة موهوا وحرفوا، وقع لنا من طريقه موطأ الإمام مالك، رضي الله عنه، رواية أبي مصعب. قال الحاكم أبو عبد الله: كان فقيها، مقدما، محدثا، قرأ القرآن على أبي بكر بن مجاهد، وتفقه على أبي إسحاق المروزي، ودرس الأدب علي أبي بكر ابن الأنباري، وتوفي في يوم الأربعاء سلخ ربيع الآخرة سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة، وهو ابن ست وتسعين سنة، رحمه الله. وقال الشيخ أبو زكريا النووي في كتابه تهذيب الأسماء واللغات: كان من كبار أئمة أصحابنا، ولكن المنقول عنه في المهذب قليل جدا، من غرائبه ما حكاه عنه في الوسيط من إثبات الخيار للزوجين، بما لو وجد أحدهما الآخر عذيوطا، وهو: الذي يخرج منه الغائط عند جماعه، قال النووي: والمشهور في المذهب، أنه لا خيار بهذا. زكريا بن أحمد بن المحدث يحيى بن موسى، حب القاضي أبو يحيى البلخي ولي قضاء دمشق أيام المقتدر، وكان من كبار الشافعية , الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 وأصحاب الوجوه، وله اختيارات غريبة، وروى الحديث عن عبد الرحمن بن مرزوق المروزي، وعبد الصمد ابن الفضل البلخي، وأبي حاتم محمد بن إدريس الرازي، ومحمد بن سعد العوفي، ومحمد بن الفضل البخاري، ويحيى بن أبي طالب وجماعة، وعنه: أبو بكر ابن المقري، وأبو بكر بن أبي الحديد، وعبد الوهاب الكلابي، وأبو بكر، وأبو زرعة، ابنا أبي دجانة، وأبو الحسين الرازي، وغيرهم، مات سنة ثلاثين وثلاث مائة، ومن أفراده: للقاضي أن يكون طرفي العقد في النكاح، قال الرافعي: ويقال: إنه فعل ذلك لما كان حاكما بدمشق، ومن أفراده مما نقله العبادي في كتابه الرقم عنه: أن العامل في القراض إذا شرط أن يعمل معه رب المال جاز. العباس بن عبد الله بن أحمد بن عصام أبو الفضل المزني البغدادي الفقيه الشافعي روى عن بكر بن سهل، وعباس الدوري، وعبد الكريم الدير عاقولي، وهلال بن العلاء، وخلق، وعنه: أبو زرعة أحمد بن الحسين، وعبد الله بن إبراهيم الأبندوني، وغيرهما. قال الخطيب البغدادي: لم يكن ثقة، وقال عبد الرحمن بن أحمد الأنماطي: كان كذابا، أفاكا، استعدى عليه بقزوين، وقدم علينا همدان سنة خمس وثلاثين وثلاث مائة، ذكره الحافظ الذهبي فيمن توفي في حدود ثلاثين وثلاث مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 عبد الله بن محمد بن الحسين بن الخصيب بن الصقر أبو بكر الأصبهاني الشافعي ولي القضاء بدمشق، سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مائة، ثم ولي قضاء مصر، ثم عاد إلى دمشق، سنة نيف وأربعين من جهة الخليفة المطيع، وكان محمود السيرة، وله كتاب في الفقه سماه المسائل المجالسية، وروى الحديث عن إبراهيم بن أسباط، وأحمد بن الحسين الطيالسي، وبهلول بن إسحاق، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، ومحمد بن يحيى المروزي، ويوسف القاضي، وأبي شعيب الحراني وغيرهم، روى عنه: ابنه أبو الحسن الخطيب بن عبد الله، وعبد الرحمن بن عمر بن نصر، وعبد الرحمن ابن النحاس، والحافظ عبد الغني بن سعيد، ومنير بن أحمد الخلال، وتوفي بمصر في المحرم سنة ثمان وأربعين وثلاث مائة، وولى بعده ولده محمد القضاء، ثم توفي بعده بأشهر، رحمهما الله تعالى. عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس أبو محمد الحنظلي الرازي أحد الأئمة في الحديث، والتفسير، والعبادة، والزهادة، والصلاح، والديانة، حافظ ابن حافظ، أخذ عن أبيه، وأبي زرعة الرازي، وروى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 الكثير، وصنف الكتب المهمة: كالتفسير الجليل (المقدار) ، وكتاب (الجرح والتعديل) ، وكتاب (العلل) المبوب على أبواب الفقه، وغير ذلك، وله كتاب في مناقب الإمام الشافعي، رحمه الله، وقد رأيت في بعض التعاليق: أنه صلى، وصلى وراءه النسائي، فلما سلم، قال له: يا أبا محمد، إنك أطلت السجود، وإني سبحت في سجودي وراءك سبعين مرة، فقال: لكني لم أسبح إلا ثلاثا، وذكروا أنه لما انهدم بعض سور طرسوس احتيج في بنائه إلى ألف دينار، فقال أبو محمد هذا لأهل مجلسه الذين كان يلقي عليهم التفسير: من رجل يبني ما وَهِيَ من هذا السور، وأنا ضامن له عند الله قصرا في الجنة؟ فقام إليه رجل من العجم، فقال: هذه ألف دينار، واكتب لي خطك بالضمان، فكتب له رقعة بذلك، وبنى ذلك السور، وكان مهما في مقابلة العدو، وقدر موت ذلك العجمي، فلما دفن دفنت معه تلك الرقعة، فجاءت ريح فحملتها فوضعتها في حجر ابن أبي حاتم، وقد كتب في ظهرها: قد وفينا ما ضمنته ولا تعد إلى ذلك. وقد ذكره الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في الطبقات، ولم يزد في ترجمته على إيراد حكاية رواها الخطيب البغدادي، وهي: أن ابن أبي حاتم، لما ورد بغداد، روى حديثا فخطأه في إسناده الحافظ أبو العباس بن عقدة، فقام على ابن عقدة بعض من تعصب لابن أبي حاتم وحبسوه، فنظر ابن أبي حاتم فيما قاله ابن عقدة، فرأى الحق معه، فاعترف به ففرج عن ابن عقدة، رحمهم الله، ولم يؤرخ وفاته، وقد توفي سنة سبع وعشرين وثلاث مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 عتبة بن عبد الله بن موسى بن عبيد الله الهمذاني القاضي أبو السائب الشافعي كان أبوه تاجرا يؤم بمسجد همدان، واشتغل هو بالعلم، وغلب عليه في الابتداء الأصل: التصوف والزهد، وسافر فلقي الجنيد والعلماء، وعني بفهم القرآن، وكتب الحديث، وتفقه للشافعي، وسمع في كهولته من عبد الرحمن بن أبي حاتم، وغيره، ثم ولي قضاء مراغة، ثم تقلد قضاء أذربيجان بكمالها، ثم تقلد قضاء بلده همذان، ثم انتقل إلى بغداد فسكنها، واتصل بالدولة، وعظم شأنه، إلى أن ولي قضاء القضاة بالعراق في سنة ثمان وثلاثين وثلاث مائة، فكان أول من ولي قضاء القضاة بالعراق من الشافعية، وهذه ترجمته، توفي عن ست وثمانين سنة في ربيع الآخر سنة خمسين وثلاث مائة، رحمه الله تعالى. علي بن إبراهيم بن معاوية أبو الحسن المعدل النيسابوري سمع أبا زرعة، وأبا حاتم، وابن وارة، وطبقتهم، وعنه: أبو علي الحافظ، وأبو الحسين الحجاجي، وغيرهما من مشايخ نيسابور، وتوفي بها سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة، وصلى عليه ابنه أبو العباس المعدل، وكان فاضلا بارعا، سمع ابن خزيمة، وأقرانه، توفي بعد أبيه بعشرين سنة، وصلى عليه ابنه أبو نصر المعدل، وكان أيضا بارعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 سمع أبا حامد الشرقي، وأقرانه، ثم توفي بعد أبيه بنحو ذلك، وانقطع نسلهم، ذكره الحاكم فيما حكاه ابن الصلاح. علي بن أحمد بن إبراهيم أبو الحسن البوشنجي الصوفي الزاهد الورع العالم، ذو الأجوال، الرحال الجوال، توفي سنة سبع وأربعين وثلاث مائة، ذكره الحاكم، وأورده ابن الصلاح في الطبقات. عمر بن محمد بن مسعود أبو حفص الفقيه الإسفراييني أخذ الفقه عن أبي إسحاق المروزي، وسمع المسند من الحسن بن سفيان النسوي، وسمع أبا القاسم البغدادي، وأقرانه، وروى عنه الحاكم، وذكر أنه توفي سنة خمس وأربعين وثلاث مائة. محمد بن أحمد بن الربيع بن سليمان بن أبي مريم أبو رجاء الأسواني الفقيه الشافعي الأديب الشاعر، قال أبو سعيد بن يونس في تاريخ مصر: سمع الحديث من علي بن عبد العزيز بمكة، وكتب عن غيره أيضا، وكتب عنه، وكان أديبا، فقيها على مذهب الإمام الشافعي، رضي الله عنه، وكان فصيحا وله قصيدة، نظم فيها أخبار العالم، وقصص الأنبياء نبيا نبيا، وبلغني أنه سئل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 قبل موته بنحو سنتين: كم بلغت قصيدتك إلى الآن؟ فقال: ثلاثين ومائة ألف بيت، وقد بقي عَلَيَّ فيها أشياء أحتاج إلى زيادتها، ونظم فيها الفقه، ونظم كتاب المزني فيها، وكتب الطب والفلسفة، وكان عليه سكون، ووقار، يظن من لا يعرفه أنه لا يحسن شيئا من العلم، وكان حسن الصيانة، توفي في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وثلاث مائة، قال ابن يونس: أنا أبو رجاء محمد بن أحمد: ثنا علي بن عبد العزيز بمكة، ثنا مسلم، ثنا إبراهيم، ثنا الحسن ابن أبي جعفر، ثنا أيوب بن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما» ، ثم قال ابن يونس: هذا خطأ، والصحيح عن علي من قوله. محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر أبو بكر بن الحداد الكناني المصري شيخ الديار المصرية في مذهب الشافعي، رضي الله عنه، ولد يوم موت المزني، وأخذ الفقه، عن أبي سعيد محمد بن عقيل الفريابي، وعن بشر بن نصر غلام عرق، وعن منصور بن إسماعيل والد بحر، وجالس الشيخ أبا إسحاق المروزي، لما ورد عليهم مصر، ودخل بغداد سنة عشر وثلاث مائة، فاجتمع بأبي جعفر بن جرير الطبري وأخذ عنه، وأخذ العربية عن محمد بن ولاد، وروى الحديث عن جماعة، قال الدارقطني: وكان ابن الحداد كثير الحديث، ولم يحدث عن غير أبي عبد الرحمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 النسائي، وقال: رضيت به حجة بيني وبين الله عز وجل، وقال أبو سعيد بن يونس: روى عن محمد ابن عقيل الفريابي الفقيه، وأبي يزيد القراطيسي، وعمر بن مقدام، والنسائي، وغيرهم، قال: وكان يحسن النحو والفرائض، ويدخل على السلاطين، وكان حافظا للفقه على مذهب الشافعي، رضي الله عنه، وكان كثير الصلاة متعبدا، ولي القضاء بمصر نيابة. وقال ابن زولاق في تاريخ قضاة مصر: ولما كان في شوال سنة أربع وعشرين وثلاث مائة، سلم محمد بن طغج الإخشيد، قضاء مصر إلى أبي بكر بن الحداد، وكان أيضا ينظر في المظالم ويوقع فيها، فينظر في الحكم خلافة عن الحسين بن محمد بن أبي زرعة، ومحمد بن عثمان الدمشقي، وهو لا ينظر، وكان يجلس في الجامع وفي داره، وربما جلس في دار ابن أبي زرعة، ووقع في الأحكام، وكاتب خلفاء النواحي، قال: ثم بعد ستة أشهر ورد العهد بالقضاء من بغداد من ابن أبي الشوارب لابن أبي زرعة، فركب بالسواد إلى الجامع، وقرئ عهده على المنبر، ولم يزل ابن الحداد يخلفه، إلى آخر أيامه، وكان ابن الحداد فقيها، متعبدا، يحسن علوما كثيرة، منها: علم القرآن، وقول الشافعي، وعلم الحديث، والأسماء والكنى، والنحو، واللغة، واختلاف الفقهاء وأيام الناس، وسير الجاهلية، والشعر والنسب، ويحفظ شعرا كثيرا ويجيد الشعر، ويختم في كل يوم وليلة في صلاته، ويصوم يوما ويفطر يوما، ويختم يوم الجمعة ختمة أخرى في ركعتين في الجامع قبل الصلاة سوى التي يختم بها كل يوم، وكان حسن الثياب رفيعها، حسن المركوب، فصيحا، غير مطعون عليه في لفظه، وله فضل معه، ثقة في اليد، والفرج، واللسان، مجمعا على صيانته وطهارته، وكان من محاسن مصر، حاذقا بعلم القضاء، أخذ ذلك عن القاضي أبي عبيد بن حربويه، إلى أن قال: وكل من وقف على ما ذكرناه، يقول: صدقت، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 قال: وله كتاب أدب القضاء في أربعين جزءا، وكتاب الباهر في الفقه نحو مائة جزء، وكتاب جامع الفقه، وكتاب المسائل المولدات، وفيه يقول الشاعر في جملة قصيدة له طويلة: الشافعي تفقها، والأصمعي ... تفهما، والتابعين تزهدا وقال الشيخ المسبحي: كان ابن الحداد فقيها، عالما، كثير الصلاة والصيام، يصوم يوما، ويفطر يوما، ويختم القرآن في كل يوم وليلة، قائما، مصليا، وكان نسيج وحده في حفظ القرآن، واللغة، والتوسع في علم الفقه، وكانت له حلقة من سنين كثيرة، فغشاها المسلمون فأخذوا عنه، وكان عالما أيضا بالحديث، والأسماء، والرجال، والتاريخ، قال: وحج ومرض في الرجوع، ومات يوم الثلاثاء لأربع بقين من المحرم، سنة أربع وأربعين وثلاث مائة، وهو يوم دخول الحجاج إلى مصر، وعمره سبع وسبعون سنة وشهور، وَصُلِّيَ عليه يوم الأربعاء، ودفن بسفح المقطم عند قبر والدته، وحضر جنازته أبو القاسم بن الإخشيد، وأبو المسك كافور، والأعيان، رحمه الله، فما خلف بعده بمصر مثله، قلت: له كتاب الفروع، وهو صغير الحجم، وقد شرحه من الأئمة الكبار: أبو بكر القفال المروزي الكبير، والقاضي أبو الطيب الطبري، والشيخ أبو علي السنجي، وله اختيارات، ووجوه كثيرة، وكلام دقيق، وفروع مخرجه كثيرة، وقال الشيخ أبو إسحاق في الطبقات: ومنهم: ابن أبي بكر بن الحداد المصري صاحب الفروع، مات سنة خمس وأربعين وثلاث مائة، وكان فقيها مدققا، وفروعه تدل على فضله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 محمد بن إسماعيل بن إسحاق بن بحر أبو عبد الله الفارسي البغدادي الدار أحد الفقهاء على مذهب الشافعي، رضي الله عنه، روى عن إسحاق الديري، وبكر بن سهل الدمياطي، وعثمان بن خرزاذ، وأبي زرعة الدمشقي وغيرهم، وعنه: الدارقطني، وأكثر عنه إبراهيم بن خرشيد قوله، وأبو عمر بن مهدي، وتوفي سنة خمس وثلاثين وثلاث مائة عن ست وثمانين سنة، رحمه الله. محمد بن صالح بن هانئ أبو جعفر الوراق النيسابوري أحد العباد الثقات الأجواد، سمع الحديث بنيسابور، ولم يسمع بغيرها، ومن مشايخه: أبو زكريا يحيى بن محمد بن يحيى الشهيد , ولازمه مدة طويلة , وسمع السري بن خزيمة، والحسين بن الفضل، ومحمد بن إسحاق بن الصباح، وغيرهم، وروى عنه: الشيخ أبو بكر بن إسحاق، وأبو علي الحافظ، وأبو إسحاق المزكي، وغيره من المشايخ، ومصنفات الحافظ أبي أحمد مشحونة بالرواية عنه، وكان صبورا متعففا أثنى عليه الحاكم، وابن الصلاح، ولما مات صلى عليه أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم، وأثنى عليه بعد دفنه، وذكر أنه صحبه مدة طويلة نحوا من سبعين سنة فما رآه أتى شيئا لا يرضاه الله، عز وجل، ولا سمع منه شيئا يسأل عنه، رحمه الله، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 وكانت وفاته في سلخ ربيع الأول سنة أربعين وثلاث مائة. محمد بن طالب بن علي أبو الحسين النسفي إمام الشافعية بتلك البلاد، وكان فقيها، عارفا باختلاف العلماء، وبصيرا بالحديث ينتقي صحيحه من ضعيفه، روى عن علي بن عبد العزيز بمكة، وموسى بن هارون وطائفة، قال جعفر المستغفري: ما كتب إلا عن الثقات، توفي ببلده نسف في رجب سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة، رحمه الله تعالى. محمد بن عبد الله بن أحمد أبو عبد الله الصفار الزاهد المحدث الراوية الأصبهاني نزيل نيسابور، سمع كتب ابن أبي الدنيا منه، وصنف على كثير منها في الزهد، وروى عن علي بن عبد العزيز، سمع المسند من عبد الله بن أحمد وكتبه، وكتب بيده كتب إسماعيل القاضي، وسمعها منه، وكتب عن الحسن بن سفيان مسنده، وكتب عن أبي بكر بن أبي شيبة، وسمع خلقا كثيرا، وجمعا غفيرا، وصحب جماعة من العباد والزهاد، وروى عنه جماعة من المشايخ والأكابر، وكتب عنه في مجلس إمام الأئمة أبي بكر بن خزيمة، رحمهما الله، قال الحاكم النيسابوري: وكان مجاب الدعوة، لم يرفع رأسه إلى السماء، كما بلغنا، نيفا وأربعين سنة، وقد وافق النبي، صلى الله عليه وسلم، في الاسم، واسم الأب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 واسم الأم أيضا، فإن أمه كان اسمها آمنة، توفي في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة، وصلى عليه الأستاذ أبو الوليد، وذلك بدارة، رحمه الله تعالى. محمد بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن الجنيد أبو الحسين الرازي نزيل دمشق، وهو والد تمام بن محمد الرازي، قال الشيخ تقي الدين بن الصلاح: له مصنف في أخبار الشافعي وأحواله، كتاب جليل حفيل، قال عبد العزيز بن أحمد الكتاني: كان ثقة، نبيلا، مصنفا، وحكى عن تمام الرازي: توفي أبي، رحمه الله، سنة سبع وأربعين وثلاث مائة. محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين أبو بكر الصبغي النيسابوري أحد أئمة الشافعية، قال الحاكم أبو عبد الله: كان حانوته مجمع الحفاظ والمحدثين، سمع بخراسان: أبا حامد بن الشرقي، وطبقته، وبالري: أبا محمد ابن أبي حاتم، وببغداد: ابن مخلد، والمحاملي، وجمع كتابا على صحيح مسلم، ومات كهلا في ذي الحجة سنة أربع وأربعين وثلاث مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 محمد بن عبد الله أبو بكر الصيرفي الفقيه الشافعي أحد أصحاب الوجوه في الفروع وأصول الفقه، وتفقه على ابن سريج، ويقال: كان الصيرفي أعلم الناس بأصول الفقه بعد الشافعي، رضي الله عنه، وسمع الحديث من أحمد بن منصور الرمادي، وعنه: علي بن محمد الحلبي، توفي في رجب سنة ثلاثين وثلاث مائة، قال الخطيب: ولم يرو كثير شيء، وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: ومنهم: أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي، مات سنة ثلاثين وثلاث مائة، وله مصنفات في أصول الفقه وغيرها، ومن اختياراته: أن من وطئ في نكاح بلا ولي، وهو يعتقد تحريم ذلك يحد، وخالفه الجمهور، وبه قال الخطيب البغدادي: أنا أبو الحسين محمد بن مكي بن عثمان الأزدي المصري بدمشق، أنا القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق بن يزيد الحلبي بمصر: ثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي الشافعي ببغداد، ثنا الرمادي، ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصمد ابن معقل، عن وهب بن منبه قال: «الدراهم والدنانير خواتيم الله في الأرض، من ذهب بخاتم الله قضيت حاجته» ، سمعته من لفظ شيخنا المزي، رحمه الله، وأخبرنيه أعلى بدرجة، شيخنا الحافظ أبو الحجاج، رحمه الله، أنا فخر الدين ابن البخاري، وجمال الدين أبو حامد الصابوني، وغير واحد، قالوا: أنا القاضي أبو القاسم بن الخرستاني، أنا أبو محمد طاهر بن سهل الإسفراييني، أنا الشيخ أبو الحسين محمد بن مكي به، فذكره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم أبو عمر اللغوي، المعروف بغلام ثعلب روى عن إبراهيم بن الهيثم البلدي، وبشر بن موسى الأسدي، والكديمي وطبقتهم، وعنه أبو الحسين بن بشران، وأبو علي بن شاذان، وابن رزقويه، وغيرهم، وكان فيه زهد، ومعرفة جيدة باللغة، وكان ينصر الشافعي، رضي الله عنه، في تسديد أقواله في اللغة، والاعتذار عما ينتقده عليه بعضهم، ولهذا ذكره الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في فقهاء الشافعية، وقال الحاكم أبو عبد الله: سمعت أبا محمد المأموني، سمعت أبا عمر الزاهد، ينشد للشافعي، رضي الله عنه: وإذا سمعت بأن مجدودا حوى ... عودا فأثمر في يديه، فصدق وإذا سمعت بأن محروما أتى ... ماء ليشربه فغاض، فحقق ومن الدليل على القضاء وكونه ... بؤس اللبيب، وطيب عيش الأحمق توفي ببغداد في ذي القعدة سنة خمس وأربعين وثلاث مائة، عن أربع وثمانين سنة. محمد بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب أبو علي الثقفي الحجاجي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 من سلالة الحجاج بن يوسف الثقفي النيسابوري الفقيه الإمام الزاهد الواعظ، سمع الحديث من أحمد بن ملاعب، ومحمد بن الجهم، ومحمد بن عبد الوهاب الفراء، وموسى بن نصر الرازي، وغيرهم، وعنه: أبو بكر بن إسحاق الصبغي، وأبو الوليد بن حسان محمد الفقيه، وهما من طبقته، وأبو علي الحافظ، وأبو أحمد الحكم، وجماعة، قال الحاكم النيسابوري: سمعت أبا الوليد الفقيه، يقول: دخلت على ابن سريج ببغداد، فسألني: على من درست فقه الشافعي، فقلت: على أبي علي الثقفي، قال: لعلك تعني الحجاجي الأزرق؟ قلت: بلى، قال: ما جاءنا من خراسان أفقه منه، قال الحاكم: وسمعت الصبغي، يقول: ما عرفنا الجدل والنظر، حتى ورد أبو علي الثقفي من العراق، وسمعت أبا العباس الزاهد، يقول: كان أبو علي الثقفي في عصره حجه الله على خلقه، قال: وقال شيخنا أبو بكر أحمد بن إسحاق: شمائل الصحابة، والتابعين، أخذها الإمام مالك عنهم، وأخذها عن مالك، يحيى بن يحيى، وأخذها عن يحيى، محمد بن نصر المروزي، وأخذها عنه أبو علي الثقفي، وقال أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية: لقي أبو علي، أبا حفص النيسابوري، وحمدون القصار، قال: وكان إماما في أكبر علوم الشرع مقدما في كل فن منه، وعطل أكثر علومه، واشتغل بعلم الصوفية، وآفات الأفعال، ومع علمه وكماله، خالف الإمام ابن خزيمة في مسألة التوفيق والخذلان، ومسألة الإيمان، ومسألة اللفظ بالقرآن، فألزمه البيت، ولم يخرج منه إلى أن مات، وأصابه في ذلك الجلوس محن، قال السلمي: وكان يقول: يا من باع كل شيء بلا شيء، واشترى لا شيء بكل شيء، وقال أيضا: أف من استقبال الدنيا إذا أقبلت، وأف من خسرانها إذا أدبرت، فالعاقل لا يركن إلى شيء منها، إن أقبل كان شغلا، وإن أدبر كان حسرة، ولد أبي علي بقهستان، سنة أربع وأربعين ومائتين، ومات في جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 وثلاث مائة، قال الحاكم: شهدت جنازته، فلا أذكر أني رأيت بنيسابور مثل ذلك الجمع، وحضرت مجلس وعظه فسمعته، يقول: إنك أنت الوهاب. محمد بن عبيد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عيسى بن رجاء بن معبد الوزير أبو الفضل التميمي البلعمي نسبة إلى بلدة من بلاد الروم، يقال لها: بلعم، وذكر ابن ماكولا أن جده رجاء كان يملكها أيام مسلمة بن عبد الملك، وأقام بها، ووزر هو لإسماعيل بن أحمد، صاحب خراسان، قال الحاكم أبو عبد الله: كان قد سمع أكثر الكتب على الإمام محمد بن نصر المروزي، وكان ينتحل مذهبه، وكان كثير السماع من مشايخ عصره بمرو، وبخاري، ونيسابور، وسرخس، وسمرقند، وذكر أنه صنف كتبا منها، كتاب: تلقيح البلاغة وهو أحسن ما صنف في ذلك، وكتاب المقالات، وله زوائد وفوائد على كتاب مدينة الحكم للجهاني، فإنه كان كثير النظر فيه والمطالعة له، لا يفارقه، وكانت له مراسلات بليغة جدا، قال الحاكم: وسمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه، يقول غير مرة: كان الشيخ أبو الفضل البلعمي، ينتحل مذهب الحديث، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: إذا أطلقوا هذا هناك انصرف إلى مذهب الشافعي، رضي الله عنه، قال: فحكم ذكرنا له كحكم ذكرنا لشيخه، رحمهما الله، ذكر ابن ماكولا أنه توفي في صفر سنة تسع وعشرين وثلاث مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 محمد بن علي أبو بكر العسكري المصري مفتي عسكر مصر وعينهم، تفقه للشافعي، رضي الله عنه، وروى كتبه عن الربيع، وعن يونس بن عبد الأعلى، وطبقتهما، قال ابن يونس: وتوفي في ربيع الأول سنة سبع وعشرين وثلاث مائة. محمد بن علي بن إسماعيل أبو بكر الشاشي القفال الكبير أحد الأعلام، أرخ الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في الطبقات، وفاته لسنة ست وثلاثين وثلاث مائة، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح، ووهم في ذلك قطعا: وإنما مات كما ذكره الحاكم، في ذي الحجة سنة خمس وستين وثلاث مائة، قلت: وسيأتي ترجمته في الطبقة الثالثة، إن شاء الله تعالى. محمد بن علي بن أحمد أبو العباس الكرجي الأديب نزيل نيسابور، أخذ الفقه عن أبي عبد الله الزبيري بالبصرة، ولقي أبا محمد القتيبي، وسمع من أبي خليفة، وعبدان الأهوازي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 وأقرانهما، وروى عنه: أبو عبد الله الحاكم مختصر أبي عبد الله الزبيري، وكان تأدب به قديما، قال: اختلف إليه أربع سنين، فما رأيته أفطر إلا في يوم العيد، وأيام التشريق، وذكر له أورادا نهارية، وليلية، ومتابعته السنة، رحمه الله، وأرخ وفاته سنة ثلاث وأربعين وثلاث مائة. محمد بن محمد بن يوسف بن الحجاج أبو النضر الطوسي الفقيه الشافعي قد سمع ببلده: إبراهيم بن إسماعيل، وتميم بن محمد، وبنيسابور: أحمد بن سلمة، والحسين بن محمد القباني، ومحمد بن عمرو الحرشي، وبهراة: عثمان ابن سعيد الدارمي، ومعاذ بن نجدة، وببغداد: إسماعيل القاضي، والحارث بن أبي أسامة، وبمكة: علي بن عبد العزيز، وغير ذلك من البلاد، وتفقه على محمد بن نصر المروزي، وسمع منه فأكثر، قال الحاكم: رحلت إليه مرتين، وسمعت كتابه المستخرج على مسلم، وسألته: متى تتفرغ للتصنيف مع هذه الفتاوى؟ فقال: قد جزأت الليل ثلاثة أجزاء، جزء للتصنيف، وجزء لقراءة القرآن، وجزء للنوم، وكان إماما، عابدا، بارع الأدب، ما رأيت في مشايخي أحسن صلاة منه، كان يصوم النهار، ويقوم الليل، ويتصدق بما فضل من قوته، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، قال: وسمعت أحمد بن منصور الحافظ، يقول: أبو النضر يفتي من نحو سبعين سنة، ما أخذ عليه في الفتوى قط. قال الحاكم: ودخلت طوس، وأبو أحمد الحافظ على قضائها، فقال: ما رأيت في بلد من بلاد الإسلام مثل أبي النضر، مات في شعبان سنة أربع وأربعين وثلاث مائة، ويقع حديثه في سنن البيهقي الكبير عن الحاكم عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 محمد بن أبي زكريا يحيى بن النعمان أبو بكر الهمذاني الفقيه الشافعي أحد أصحاب ابن سريج، كان أوحد زمانه، وله كتاب السنن، لم يسبق إلى مثله، سمع: موسى بن إسحاق الأنصاري، وأبا حامد، وجماعة، وعنه: الحاكم، وأبو بكر ابن لال، والقاضي عبد الجبار، توفي في ذي الحجة سنة سبع وأربعين وثلاث مائة، هكذا ترجمه، شيرويه. محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان أبو العباس الأصم مولى بني أمية النيسابوري راوي المذهب، كان إماما، ثقة، حافظا، ضابطا، صدوقا، دينا، حدث في الإسلام ستا وسبعين سنة، ورحل إليه الناس من الأقطار، وألحق الأحفاد بالأجداد، روى الكثير، وطوف في البلاد، ودخل مصر، فسمع من إبراهيم بن منقذ، وبحر ابن نضر، وبكار بن قتيبة، والربيع بن سليمان، سمع منه كتب الشافعي، رضي الله عنه، المبسوط، وغيره، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وسمع من بيروت: من العباس ابن الوليد مسائل الأوزاعي، وسمع ببلدان شتى من خلق وأمم، وروى عنه الناس، ممن روى عنه: الحاكم فأكثر عنه، وأبو عبد الله بن الأخرم، وأبو بكر بن إسحاق الصبغي، وأبو الوليد: حسان بن محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 الفقيه، وأبو علي الحافظ، وأبو عبد الله بن منده، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو بكر الحيري، وابن الفقيه أبو نصر محمد بن علي الفقيه، وإبراهيم بن محمد الطوسي الفقيه، وآخر من روى عنه سماعا: علي بن محمد الطرازي، ومنصور بن الحسين بن محمد النيسابوري، وآخر من حدث عنه بالكتابة: أبو نعيم الأصبهاني، وقد مات سنة ثلاثين وأربع مائة، وبينه وبين وفاة أحمد بن المبارك المستملي أحد الرواة عن الأصم، مائة وستة وأربعين سنة، والله أعلم. قال الحاكم: سمعت محمد بن الفضل، يقول: سمعت جدي أبا بكر بن خزيمة، وسئل عن سماع كتاب المبسوط تأليف الشافعي من الأصم، فقال: اسمعوا منه، فإنه ثقة قد رأيته سمع بمصر، قال: وسمعت أبا أحمد الحاكم، سمعت أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، يقول: ما بقي لكتاب المبسوط راو، غير أبي العباس الوراق، يعني: الأصم، وقد حضرت أبا العباس يوما، وخرج ليؤذن العصر فوقف، وقال بصوت عال: أنا الربيع بن سليمان، أنا الشافعي، ثم ضحك وضحك الناس ثم أذن. قال الحاكم: وقد أذن في مسجده سبعين سنة فيما بلغني، وكان حسن الصوت سخي النفس، ربما كان يحتاج فيورق، ويأكل من أجرته، وكان يكره الأخذ على التحديث، وكان ابنه أبو سعيد ووراقه، يطالبان الناس، ويعلم هو فيكره ذلك، ولا يقدر على مخالفتهم، قال الحاكم: وإنما ظهر فيه الصمم بعد انصرافه من الرحلة، فاستحكم فيه حتى بقي لا يسمع نهيق الحمار، قال: وكان محدث وقته بلا مدافعة، حدث في الإسلام ستا وسبعين سنة، ولم يختلف في صدقة، وصحة سماعه، قال: وخرج علينا في ربيع الأول سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 أربع وأربعين، يعني: وثلاث مائة، فلما نظر إلى كبره الناس، والغرباء، وقد امتلأت السكة بهم، وقد قاموا يطرقون له، ويحملونه على عواتقهم من داره إلى مسجده، فجلس على جدار المسجد، وبكى ثم نظر إلى المستملى، فقال: اكتب: سمعت الصغاني، يقول: سمعت الأشج، يقول: سمعت عبد الله بن إدريس، يقول: أتيت باب الأعمش بعد موته، فدققت الباب فأجابتني امرأة، هاي هاي تبكي تنعي، وقالت: يا عبد الله، ما فعل جماهير العرب التي كانت تأتي هذا الباب؟ ثم بكى الكثير، ثم قال: كأني بهذه السكة ولم يدخلها أحد منكم، فإني لا أسمع، وقد ضعف البصر، وحان الرحيل، وانقضى الأجل، فما كان بعد شهر، أو أقل حتى كف بصره، وانقطعت الرحلة، ورجع أمره إلى أنه يناول قلما، فإذا أخذه بيده على أنهم يطلبون الرواية، فيقول: حدثنا الربيع بن سليمان، ويسرد أحاديث يحفظها، وهي أربعة عشر حديثا، وسبع حكايات، وصار بأسوأ حال، وتوفي في ربيع الآخر سنة ست وأربعين وثلاث مائة، قال: وسمعته، يقول: ولدت سنة سبع وأربعين ومائتين، رحمه الله، قلت: وقع لنا من رواية الأصم كتاب المسند عن الشافعي، يرويه عن الربيع عنه، وليس هذا المسند صنعه الشافعي، وإنما انتخبه الإمام أبو جعفر محمد بن جعفر بن مطر من كتب المبسوط، فكان يسمع على الأصم، قال الحاكم: سمعت الأصم، يقول: رأيت أبي في المنام، فقال لي: عليك بكتاب البويطي، فليس في كتب الشافعي كتاب أقل خطأ منه، وذكره ابن الصلاح في الطبقات، حكاه عن بعضهم أنه امتدحه بقصيدة منها: أتيتك من بساط يا غاية المنى ... لطيب ذكر منك في الناس فائح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 لأسمع ممن ليس يعرف مثله ... بأرض سجستان، ولا بالأباطح علوم الإمام الشافعي فإنها ... نتائج آثار النبي المناطح أفد وامنح الطلاب علما حويته ... ولا تك للطلاب غير مسامح محمد بن يعقوب بن يوسف الشيباني أبو عبد الله بن الأخرم الحافظ النيسابوري، قال الحاكم: كان أبو عبد الله صدر أهل الحديث ببلدنا بعد أبي حامد بن الشرقي، كان يحفظ، ويفهم، وصنف على صحيحي البخاري، ومسلم، وله كتاب المسند الكبير، سمع إبراهيم بن عبد الله السعدي، وخشنام بن صديق , وعلي بن الحسن الهلالي، ومحمد بن عبد الوهاب، وغيره، ثم كتب عن طبقتين بعد هؤلاء، ولم يسمع إلا بنيسابور، وله كلام حسن في العلل والرجال، روى عنه: الحاكم، وأبو بكر بن إسحاق الصبغي، وأبو الوليد الفقيه، ويحيى بن إبراهيم المزكي، وأبو عبد الله بن منده، وآخرون، قال الحاكم: سمعت محمد بن صالح بن هانئ، يقول: كان ابن خزيمة يقدم أبا عبد الله بن يعقوب على كافة أقرانه، ويعتمد على قوله فيما يرد عليه، وإذا شك في شيء عرضه عليه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 وقال الحاكم: وكان من أنحى الناس وآدبهم، ما أخذ عليه لحن قط، توفي عن أربع وتسعين سنة، في جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وثلاث مائة، رحمه الله، يقع حديثه في البيهقي كثيرا، وذكره أبو عمرو بن الصلاح في الطبقات. محمد بن يوسف بن بشر بن النضر بن مرداس أبو عبد الله الهروي الحافظ الفقيه الشافعي أحد الرحالين في العلم، سمع الربيع بن سليمان، وأحمد بن البوني، والحسن بن مكرم، والعباس بن الوليد البيروتي، ومحمد بن عوف الحمصي، وغيرهم، وعنه: أبو القاسم الطبراني، وأبو بكر الأبهري، والزبير بن عبد الواحد الأسداباذي، وجماعة، وآخر من حدث عنه: أبو بكر بن أبي الحديد، وَثَّقَهُ الخطيب، توفي في رمضان سنة ثلاثين وثلاث مائة، وقد جاوز المائة بأشهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 الطبقة الرابعة من أصحاب الإمام الشافعي المرتبة الأولى منها من سنة إحدى وخمسين وثلاث مائة إلى آخر سنة سبعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 إبراهيم بن محمد بن يحيى أبو إسحاق المزكي النيسابوري انتقى عنه الدارقطني خبرين مشهورين به، روى عن: ابن خزيمة، وأبي العباس، وابن أبي حاتم، وطبقتهم، حدث عنه الناس، وقال شيرويه: كان ثقة صدوقا، وقال الحاكم: عقد له مجلس الإملاء سنة ست وثلاثين وثلاث مائة، وهو أسود الرأس واللحية، وفيها ولي أيضا، وتوفي سنة ثنتين وستين وثلاث مائة، عن سبع وستين سنة ودفن بداره بنيسابور، رحمه الله، وذكره ابن الصلاح في الطبقات. أحمد بن بشر بن عامر أبو حاتم المروروذي نسبة إلى مرو الروذ، ويخفف فيقال: المروذي، نزيل البصرة، أحد أئمة الشافعية، أخذ عن الشيخ: أبي إسحاق المروزي، وشرح المزني، وصنف الجامع في المذهب وفي الأصول، وغير ذلك. وكان إماما لا يشق غباره، وعنه أخذ فقهاء البصرة، مات سنة ثنتين وستين وثلاث مائة، هكذا ترجمه الشيخ أبو إسحاق في الطبقات، ولكنه قال: أحمد بن علي بن عامر بن بشر، ووهمه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في ذلك، وقال: إنما هو أحمد بن بشر بن عامر، وكذا صوب عليه شيخنا أبو عبد الله الذهبي في تاريخه، ولله الحمد والمنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 أحمد بن عبد الوهاب بن يونس أبو عمرو القرطبي الفقيه الشافعي تلميذ عبيد الشافعي، الفقيه الداخل الفهم، فصحب هذا، وأخذ عنه مذهب الإمام الشافعي، وكان ذكيا، لسنا، عالما بالاختلاف، مناظرا، نحويا، لغويا، وقد نسب إلى شيء من الاعتزال، فالله أعلم، توفي في سنة تسع وستين وثلاث مائة، وقيل: سنة سبعين. أحمد بن محمد بن أحمد بن القطان البغدادي آخر أصحاب ابن سريج وفاة، قاله الشيخ أبو إسحاق، قال: ودرس ببغداد، وأخذ عنه العلماء، وقال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي: هو من كبراء الشافعيين، وله مصنفات في أصول الفقه وفروعه، قال: وقال القاضي أبو الطيب: مات ابن القطان، في جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وثلاث مائة، رحمه الله. أحمد بن محمد بن حمدون بن بندار أبو الفضل الشرمقاني وشرمقان: قرية من ناحية نسا، قال الحاكم: كان من أعيان مشايخ خراسان في الأدب والفقه، وكثرة الطلب، سمع الحديث من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 أبي القاسم البغوي، والحسن بن سفيان، ومسدد بن قطن، وابن حوصا، وغيرهم، وعنه: أبو سعد الماليني، والحاكم النيسابوري. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ الذَّهَبِيِّ، قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْعِزِّ، بِطَرَابُلُسَ، أنا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رِفَاعَةَ، أنا الْخِلَعِيُّ، أنا أَبُو سَعِيدٍ الْمَالِينِيُّ، أنا أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّرْمَقَانِيُّ النَّسَائِيُّ، ثنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، ثنا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو خَيْثَمٍ، قَالُوا: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ حُمْرَانَ، عَنْ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» أحمد بن محمد بن سعيد أبو سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان الحيري النيسابوري قال ابن الصلاح: كان حافظا، جمع الحديث الكثير، وصنف في الأبواب والشيوخ، وصنف التفسير الكبير، وخرَّج على صحيح مسلم، وسمع الحديث من الحسن بن سفيان، وأبي عمرو الخفاف، والهيثم بن خلف الدوري، وأقرانهم، وكانت له أموال كثيرة، قال الحاكم: سمعته، يقول: أضافنا الإمام أبو بكر بن خزيمة، فقال: أي حلاوة نتخذ لكم، اشتهوا ما شئتم فسكتوا، فقال لي: يا أبا سعيد ما تختار من الحلاوات، الفالوذج، أو الخبيص، أو العصيدة، فقلت: كلها، فقال للطباخ: امتثل ما قاله أبو سعيد، قال الحاكم: توفي بطرسوس سنة ثلاث وخمسين وثلاث مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 أحمد بن محمد بن شارك أبو حامد الهروي أحد أئمة الشافعية بها، ومفتيها، وعالمها، ومفسرها، ومحدثها، وأديبها، سمع الحديث من أحمد بن الحسن الصوفي، والحسن بن سفيان النسوي، وأبي يعلى الموصلي، وغيرهم، وعنه: أبو إبراهيم النصراباذي، وأبو عبيد الله الحاكم، وقال: كان حسن الحديث، توفي بهراة سنة خمس وخمسين وثلاث مائة، وقال غيره: سنة ثمان وخمسين، فالله أعلم. إسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف بن خالد أبو عمرو بن نجيد السلمي صحب الجنيد، وأقرانه، وسمع الحديث من عبد الله بن أحمد بن حنبل، وأقرانه، وكان له تصدق، وإنفاق كبير، على العلم والزهد، فأكرمه الله وتقبل منه، قال الحاكم أبو عبد الله: سمعته، يقول: أنشدوني للشافعي، رحمه الله: كساني ربي إذ عريت، عمامة ... جديدة، وكان الله يخبوها ليا وقيدني ربي بقيد مداخل ... فأعيت يميني حله، وشماليا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 ذكره ابن الصلاح في الطبقات، ولم أدر لأي معنى ذكره، سوى إسناد هذين البيتين، وليس هذا منتفع، والله أعلم. دعلج بن أحمد بن دعلج أبو السجزي الفقيه المعدل الرئيس صاحب الأموال الجزيلة، التي أنفق أكثرها في العلم وأهله، وهو أحد أصحاب ابن خزيمة، سمع بمكة: علي بن عبد العزيز، وبهراة: عثمان بن سعيد الدارمي، وغيره، وبالري: محمد بن أيوب، وعلي بن الحسين بن الجنيد، وبنيسابور: محمد ابن إبراهيم البوشنجي، ومحمد بن عمرو الحرشي قشمرد، وببغداد: الباغندي وتمتام، ومحمد بن ربح البزاز وخلقا، وسمع بغيرها من البلاد، وروى عنه الدارقطني، وخرج له المسند، قال: ولم أر في مشايخنا أثبت منه، وأبو إسحاق الإسفراييني، وأبو علي بن بشران، وأبو علي بن شاذان، والحاكم، وقال: أخذ عن ابن خزيمة المصنفات، وكان يفتي بمذهبه، وكان شيخ أهل الحديث، له صدقات جارية على أهل الحديث بمكة، والعراق، وسجستان، قال: واشترى دار العباسيين بمكة بثلاثين ألف دينار، قال: ويقال: لم يكن في الدنيا من التجار أيسر منه، وقال الخطيب البغدادي: بلغني أنه بعث بمسنده إلى ابن عقدة لينظر فيه، وجعل في الأجزاء بين كل ورقتين دينارا، وروى الخطيب، عن منصور بن محمد بن محمد العكبري، حدثني أحمد بن الحسين الواعظ، قال: أودع أبو عبد الله بن أبي موسى الهاشمي عشرة آلاف دينار ليتيم فأنفقه، فلما كبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 الصبي أمر السلطان بدفع المال إليه، قال ابن أبي موسى: فضاقت عليَّ الدنيا فبكرت على بغلتي إلى الكرخ، فوقفت على باب مسجد دعلج، فصليت خلفه الفجر، فلما انفتل رحب بي، ودخلنا داره فقدم هريسة فأكلنا وقصرت، فقال: أراك منقبضا فأخبرته، فقال: حاجتك مقضية، فلما فرغ وزن لي عشرة آلاف دينار، وقمت أطير فرحا، ثم أعطيت الصبي المال، وعظم ثناء الناس عليَّ فاستدعاني أمير من أولاد الخليفة، فقال: قد رغبت في معاملتك، وتضمينك أملاكي، فضمنت منه، وأربحت ربحا مفرطا، حتى كسبت في ثلاثة أعوام ثلاثين ألف دينار، فحملت إلى دعلج ذهبه، فقال: ما خرجت والله الدنانير عن يدي، ونويت ألا آخذ عوضها فَحَلِّ بها الصبيان، فقال: أيها الشيخ، أي شيء أصل هذا المال، حتى تهب لي منه عشرة آلاف دينار؟ فقال: نشأت، وحفظت القرآن، وطلبت الحديث، وتاجرت فوافاني تاجر، فقال: أنت دعلج، فقلت: نعم، فقال: قد رغبت في تسليم مالي إليك مضاربة، وسلم إلي برنامجا بألف ألف درهم، وقال: ابسط يدك فيه، ولا تعلم موضعا تفقه إلا حملت إليه منه، ولم يزل يتردد إليَّ سنة بعد سنة، تحمل إلي مثل هذا، والمال ينمو، فلما كان في آخر سنة اجتمعنا، قال لي: أنا كثير الأسفار في البحر، فإن قضى الله علي بقضاء، فهذا المال كله لك على أن تتصدق منه، وتبنى المساجد. قال دعلج: فأنا أفعل مثل هذا، وقد نمى الله المال في يدي فاكتم علي ما عشت. وذكر أبو ذر الهروي: أنه بلغه أن دعلج لما مات، ترك ثلاث مائة ألف دينار، أخذها معز الدولة في يومه. وقال غيره: توفي في جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وثلاث مائة، عن تسعين سنة، رحمه الله. وَقَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَأَخْبَرَكَ أَبُو الْفَرَجِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَقْدِسِيُّ، أنا الإِمَامُ الْعَلامَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ قُدَامَةَ، أنا الشَّيْخَانِ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النَّقُّورِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ الْيُوسِفِيُّ، قَالا: أنا الْحَاجِبُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ابْنُ الْعَلافِ، أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ خُزَيْمَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَقِيلٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا، حَمَاهُ الدُّنْيَا، كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ الْمَاءَ» عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد بن مبارك أبو أحمد الجرجاني الحافظ الكبير، ويعرف بابن القطان أحد الأئمة الأعلام، ونقاد الأنام، وأركان الإسلام، طوف البلاد في طلب العلم، وسمع الكبار، فسمع من: النسائي، وأبي يعلى الموصلي، وأبي خليفة، والحسن بن سفيان، وعبدان، وزكريا الساجي، وأمم لا يحصون كثرة، وروى عنه خلق منهم: أبو العباس بن عقدة، وهو من شيوخه، وأبو سعد الماليني، والحسن بن رامين، وحمزة بن يوسف السهمي، وكان مصنفا حافظا، له كتاب الانتصار على مختصر المزني، وله كتاب (الكامل في معرفة الضعفاء والمتروكين) ، وهو كامل في بابه كما سمي، قال حمزة السهمي: سألت الدارقطني أن يصنف كتابا في الضعفاء، فقال: أليس عندك كتاب ابن عدي؟ قلت: نعم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 قال: فيه كفاية لا يزاد عليه، قال حمزة: وكان حافظا متقنا، لم يكن في زمانه مثله تفرد بأحاديث، وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: كان ثقة، على لحن فيه، ولد سنة سبع وسبعين ومائتين، وكتب الحديث ببلده سنة تسعين، وصنف الكامل في الضعفاء في نحو ستين جزءا، وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: لا يعرف العربية مع عجمة فيه، وأما في العلل والرجال فحافظ لا يجارى، قال حمزة: توفي في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وثلاث مائة، وصلى عليه الإسماعيلي، وسيأتي في المرتبة الثانية، في ترجمة إسماعيل بن أحمد أبي سعد الإسماعيلي حديث من روايته، إن شاء الله تعالى، يقع حديثه في البيهقي كثيرا. عبد الله بن علي أبو محمد الطبري، ويعرف بالعراقي وبالمنجنيقي ولي قضاء جرجان، وكان أحد الأئمة الشافعية، إماما فصيحا، بليغا متكلما، على طريقة الشيخ أبي الحسن الأشعري، روى الحديث عن: عمران بن موسى بن مجاشع، ويحيى بن محمد بن صاعد، وعنه: الحاكم أبو عبد الله النيسابوري، وذكر أنه قدم نيسابور سنة تسع وخمسين وثلاث مائة، ومات ببخاري قريبا من هذا، والله أعلم. عبد الله بن عمر بن أحمد بن محمد أبو القاسم القيسي البغدادي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 نزيل قرطبة، ويعرف بعبيدة الفقيه، وكان أحد أئمة الشافعية، وأخذ عن الإصطخري، والمحاملي، قال أبو الوليد الفرضي: قدم الأندلس وكان قد تفقه، وناظر عند أبي سعيد الإصطخري والقاضي أبي عبد الله المحاملي، وقرأ القرآن على ابن مجاهد، وابن شنبوذ، وسمع الحديث من أبي جعفر الطحاوي، وأبي القاسم البغوي، وأبي بكر بن أبي داود بن صاعد، وغيرهم، قال: وكان عالما بالأصول، والفروع، إماما في القراءات، صنف في الفقه، والقراءات، والفرائض، قال: وقد ضعفه بعضهم برواية ما لم يسمع عن بعض الدمشقيين، قال: وسمعت محمد بن أحمد بن يحيى بن مفرح ينسبه إلى الكذب، ووقفت على بعض ذلك، قال: وكان مولده سنة خمس وتسعين ومائتين، وكان المستنصر صاحب الأندلس قد أكرمه، وتوفي بقرطبة في ذي الحجة سنة ستين وثلاث مائة. عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الناصح بن شجاع أبو أحمد المفسر الفقيه الشافعي الدمشقي نزيل مصر، روى عن أحمد بن علي بن سعيد المروزي، وعبد الرحمن بن القاسم الرواس، وعلي بن غالب السكسكي، ومحمد بن إسحاق بن راهويه، وغيرهم، وعنه: الدارقطني، وأثنى عليه، والحافظ عبد الغني بن سعيد المصري، وابن منده، وآخرون، ولد يوم الثلاثاء لخمس خلون من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين ومائتين، وذلك قبل نصف النهار، وتوفي يوم الثلاثاء الأربع عشر بقين من رجب سنة خمس وستين وثلاث مائة، رحمه الله. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ: أَخْبَرَنِي الشَّيْخَانِ الْجَلِيلانِ فَخْرُ الدِّينِ أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ يُوسُفَ الْهَكَّارِيُّ، بِالْقَاهِرَةِ، وَأَبُو الْمَعَالِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ الصَّابُونِيِّ، بِدِمَشْقَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 قَالا: أنا أَبُو الرِّضَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْقَيْسَرَانِيِّ، قَالَ ابْنُ الصَّابُونِيِّ: وَأنا أَيْضًا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ الطُّفَيْلِ، وَأُمُّ الْخَيْرِ كَرِيمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْحَقِّ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ الْقُضَاعِيِّ، قَالُوا: أنا أَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ الزَّيَّاتِ، قَالَ ابْنُ الطُّفَيْلِيِّ: وَأنا أَيْضًا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ الْكَامِلِيُّ، قَالا: أنا أَبُو صَادِقٍ مُرْشِدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ الْمَدِينِيُّ، أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أنا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النَّاصِحِ بْنِ شُجَاعِ بْنِ الْمُفَسِّرِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقَاضِي، بِدِمَشْقَ، ثنا حُبَيْشُ بْنُ مُبَشِّرٍ، ثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا وبالإسناد إلى عبد الله بن محمد بن المفسر، قال: ثنا أبو عبد الله الحسين بن سليمان الميموني، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا روح، ثنا زكريا بن إسحاق، ثنا عمرو بن دينار، أن أول من أرخ الكتب يعلى بن أمية وهو باليمن، وأن النبي، صلى الله عليه وسلم، قدم المدينة في شهر ربيع الأول، وأن الناس أرخوا لأول السنة بقدوم النبي، صلى الله عليه وسلم، إياها، يعني: المدينة، قلت: المشهور أن أول من أرخ بالهجرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، كان ذلك عام ست عشرة من الهجرة، والله أعلم. علي بن أحمد بن المرزبان أبو الحسن البغدادي صاحب أبي الحسين بن القطان، أحد المشهورين بالإمامة في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 المذهب، وأصحاب الوجوه، قال الخطيب البغدادي: كان أحد الشيوخ الأفاضل، قال: ودرس عليه الشيخ أبو حامد الإسفراييني، أول قدومه بغداد، وقال الشيخ أبو إسحاق: كان فقيها ورعا، قال: وحكى عنه، أنه قال: ما أعلم أن لأحد عليَّ مظلمة، وكان فقيها يعلم أن الغيبة من المظالم، توفي في رجب سنة ست وستين وثلاث مائة، قال النووي: المرزبان، بضم الزاي، فارسي معرب، زعيم فلاحي العجم، وجمعه: مرازبة، قاله الجوهري. عمر بن أحمد بن محمد بن الحسن أبو أحمد الإستراباذي الفقيه درس الفقه بمصر على منصور بن إسماعيل الفقيه، روى الحديث عن أبيه، وأبي خليفة، وعبدان، وعبد الله بن مسلم المقدسي، وابن قتيبة العسقلاني، وعبد الله بن ناجية، وعمران بن موسى بن مجاشع، وفيهم ابن هشام، وغيرهم، وعنه: أبو سعد الإدريسي، وتوفي سنة ثنتين وستين وثلاث مائة، قلت: منصور بن إسماعيل هذا أئمة الشافعية، له كتاب في الفقه سماه: الواجب هو عند شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي، وله شعر جيد فيه حكم وآداب. محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة أبو منصور الهروي الأزهري النحوي اللغوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 أحد أئمة الشافعية، سمع ببلده من: الحسن بن إدريس، ومحمد بن عبد الرحمن الشامي، وطائفة، وببغداد: من أبي القاسم البغوي، وأبي بكر بن أبي داود، وإبراهيم بن عرفة، ونفطويه، وغيرهم، ودخل على ابن دريد فوجده سكران فتركه، ولم يأخذ منه تدينا، وأخذ عن الأزهري أبو عبيد الهروي صاحب الغريبين، وحدث عنه أبو يعقوب القراب، وأبو ذر الهروي، وغيرهما، وله مصنفات كثيرة، منها: تهذيب اللغة في عشر مجلدات، والتقريب في التفسير، وتفسير في الأسماء الحسني، وكتاب في تفسير ألفاظ مختصر المزني، والانتصار للشافعي، وكتاب في الروح، وكتاب في اصطلاح المنطق، وقد أسر مرة فأخذته القرامطة، فكان مع قوم من العرب فصحبهم سنة، فاستفاد منهم أشياء حسنة، وكان مولده سنة ثنتين وثمانين ومائتين، وتوفي في ربيع الآخر سنة سبعين وثلاث مائة، رحمه الله، قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: أنا أبو علي ابن الخلال، أنا عبد الله بن عمر، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا أبو إسماعيل عبد الله بن محمد، أنا علي بن أحمد بن حمرويه، ثنا محمد بن أحمد بن الأزهر إملاء، ثنا عبد الله بن عروة، ثنا محمد بن الوليد، عن عبد الله، عن شعبة، عن الحكم، عن علي بن الحسين، عن مروان بن الحكم، قال: شهدت عثمان، وعليا فنهى عثمان عن المتعة وأن يجمع بينهما، فلما رأى ذلك عَلِيٌّ أَهَلَّ بهما، فقال: لبيك بحجة وعمرة، فقال عثمان: تراني أنهى الناس، وأنت تفعله، فقال: لم أكن لأدع سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لقول أحد من الناس، وأخبرني به عاليا شيخنا المسند المعمر أبو العباس أحمد بن محمد الحجازي، أنا أبو المنجي عبد الله بن عمر، هو: ابن اللتي، إجازة إن لم يكن سماعا فذكره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 محمد بن أحمد بن علي بن شاهويه أبو بكر الفارسي إمام الشافعية في زمانه، تولى قضاء بلاد فارس، روى الحديث عن زكريا الساجي، وأبي خليفة، وحدث عنه الحاكم، وأقام ببخاري مدة ثم بنيسابور، إلى أن مات في سنة إحدى، أو اثنتين وستين وثلاث مائة، وله وجوه غريبة في المذهب واختيارات. محمد بن أحمد بن علي بن مخلد أبو عبد الله البغدادي الجوهري المحتسب، المعروف بابن محرم أحد تلامذة أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، وقد تقدم ذكر الشيخ أبي إسحاق له في طبقات الشافعية، روى عن: إبراهيم بن الهيثم البلدي، والحارث بن أبي أسامة , ومحمد بن يوسف ابن الطباع، ومحمد بن يونس الكديمي، وغيرهم، وكان أسند من بقي، وروى عنه: الحافظ أبو نعيم الأصبهاني، وأبو الحسن بن رزقويه، وأبو علي بن شاذان، وغيرهم. وقال ابن أبي الفوارس: لم يكن عنده بذاك، وقال البرقاني: لا بأس به، وقال عبيد الله بن عمر ابن البقال: شيخنا ابن المحرم، قال: فجلست على العادة أكتب، فجاءت أم الزوجة في بعض الأيام، فرمت بالمحبرة فكسرتها، وقالت: هذه شر على بنتي، من ثلاث مائة ضرة، توفي في ربيع الآخر من سنة سبع وخمسين وثلاث مائة، عن ثلاث وتسعين سنة، رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد بن شهد بن هدبة بن مناة بن مرة بن سعد بن يزيد بن مرة بن زيد بن عبد الله بن دارم بن حنظلة بن مالك بن زيد بن تميم أبو حاتم التميمي البستي الحافظ العلامة، صاحب الأنواع والتقاسيم، وغير ذلك من التصانيف في التاريخ، والجرح والتعديل، روى الحديث عن أبي عبد الرحمن النسائي، وأبي يعلى الموصلي، والحسن بن سفيان، وابن قتيبة العسقلاني، وأحمد بن الحسن الصوفي، وابن خزيمة، والسراج، وخلق يزيدون على ألفي شيخ، كما صرح به في كتابه الأنواع، بالشام، والعراق، ومصر، والجزيرة وخراسان، والحجاز، وغيرها، وروى عنه: الحاكم، ومنصور بن عبد الله الخالدي، وأبو معاذ عبد الرحمن بن محمد بن رزق الله السجستاني، وأبو الحسن محمد بن أحمد هارون الزوزني، ومحمد بن أحمد بن منصور النوقاني، قال أبو سعد الإدريسي: كان على قضاء سمرقند زمانا، وكان من فقهاء الدين، وحفاظ الآثار عالما بالطب، والنجوم، وفنون العلم، ألف المسند الصحيح، والتاريخ، والضعفاء، وفقه الناس بسمرقند، وقال الحاكم كان من أوعية العلم في الفقه، واللغة، والحديث، والوعظ، ومن عقلاء الرجال، خرج إلى قضاء نسا، ثم انصرف إلينا سنة سبع وثلاثين، يعني: وثلاث مائة، فأقام بنيسابور، وبنى الخانقاه، وقرئ عليه جملة من مصنفاته، ثم خرج إلى وطنه سنة أربعين، وكانت الرحلة إليه لسماع مصنفاته، وقال الخطيب: كان ثقة، نبيلا، فهما. وذكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في طبقات الشافعية، وقال: غلط الغلط الفاحش في تصرفه، وذكر الحافظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 أبو عبد الله الذهبي في تاريخه عن بعضهم، كلاما فيه من جهة العقائد، والله أعلم. قال الحاكم: سمعت أحمد بن محمد الطبسي، يقول: توفي أبو حاتم، ليلة الجمعة لثمان بقين من شوال سنة أربع وخمسين وثلاث مائة. محمد بن الحسن بن سليمان أبو جعفر الزوزني، المعروف بالبحاث قال الحاكم: كان أديبا، شاعرا، فصيحا، فقيها، نبيلا، أحد أعيان الشافعية في زمانه، له من التصانيف في فنون العلم ما يزيد على المائة تصنيف، تقلد القضاء في أماكن كثيرة بخراسان وما وراء النهر، وكان بينه وبين أبي بكر الأمردي مناظرات كثيرة، وقدم على الصاحب بن عباد فلما سمع كلامه أعجبه، وعرض عليه الصاحب القضاء، بشرط أن ينتحل مذهب الاعتزال فأبى عليه، وقال: لا أبيع الدين بالدنيا، فتمثل له الصاحب بقول القائل: فلا تجعلني للقضاء فريسة ... فإن قضاة العالمين لصوص مجالسهم فينا مجالس شرطة ... وأيديهم دون اللصوص شصوص فأجابه بديهة: سوى عصبة منهم تخص بعفة ... ولله في حكم العموم خصوص خصوصهم زان البلاد وإنما ... يزين خواتيم الملوك فصوص أنبأني الشيخ الصالح ابن عفيف، رحمه الله: أنبأنا الشيخ أبو عمرو بن الصلاح، قال: أنبئت عن أبي سعد ابن السمعاني، أنا أبو حفص عمر بن محمد الشاشي، أنا أبو الفضل محمد بن أحمد التميمي، أنا الفقيه أبو نصر الحفصوي، أنا الحاكم أبو جعفر محمد بن الحسن البحاث، رحمه الله، قال: سمعت أبا بكر أحمد بن الحسن، قال: سمعت أبا عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 الأنصاري، سمعت عمر بن شبة، يقول: سمعت الأصمعي، يقول: لما خرج الرشيد حاجا، رأى يوم خروجه من الكوفة بهلولا المجنون على الطريق يهذي، فقال له الربيع: أمسك فقد أقبل أمير المؤمنين، فأمسك حتى حاذى الهودج فقام على قدميه، فقال: يا أمير المؤمنين، سمعت أيمن بن نابل، يقول: سمعت قدامة بن عبد الله، رضي الله عنه، يقول: رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، على ناقته العضباء ليس هناك طرد، ولا رد، ولا إليك وإليك، وكان خيرا منك، وإن تواضعك في شرفك، أحسن من تكبرك، فقال: عظنا يا بهلول فقال: من آتاه الله مالا، وجمالا، وسلطانا، فواسي من ماله، وعف في جماله، وعدل في سلطانه، كان في ديوان الله من المقربين، قال: قد أمرنا لك بجائزة، قال: لا حاجة لنا في الجائزة، قال إن كان عليك دين قضيناه عنك، قال: إن الدين لا يقضي بالدين، فاقض دين نفسك، قال: فيجرى فليك مجرى، قال: سبحان الله! أنا وأنت عبدان لله، عز وجل، أتراه يذكرك وينساني؟ ثم مر وهو يترنم فبعث خلفه من يسمع ما يترنم به فإذا هو يقول: دع الحرص على الدنيا ... وفي العيش، فلا تطمع ولا تجمع من المال ... فلا تدري لمن تجمع وأمر الرزق مقسوم ... وسوء الظن لا ينفع ولا تدري أفي أرضك ... أم في غيرها تصرع؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 فقير من له حرص ... غني كل من يقنع وذكر الحاكم في تاريخ نيسابور: محمد بن علي بن عبد الله الزوزني، أبا جعفر الأديب، المعروف بالبحاث، ولي الحكم في بلاد كثيرة، وكان أولا يؤدب أولاد أبي إسحاق المزكي، قال: وكان من الفصحاء الشعراء، تفقه على مذهب الشافعي، وسمع الحديث بخراسان بعد الأربعين، وتوفي ببخاري سنة سبعين وثلاث مائة هكذا ترجمه، وروى عنه الحاكم، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: وهذا موضع نظر، يحتمل أن يكون وقع الوهم في نسبه، ويحتمل أن يكون غيره، والله أعلم. محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون بن جعفر بن سند أبو بكر النقاش المقرئ المفسر يقال: أن من سلالة مولى لأبي دجانة الأنصاري، أصله موصلي، نزل بغداد، وهو مصنف التفسير المنسوب إليه المسمى بشفاء الصدور، وله في القراءات، وغير ذلك، وقال الخطيب البغدادي: سافر الكثير شرقا وغربا، وكتب بالكوفة، والبصرة، ومكة، ومصر، والشام، والجزيرة، الموصل، والجبال، وبلاد خراسان، وما وراء النهر، روى عن إسحاق بن سنين الحنبلي، ومحمد بن عبد الله الحضرمي، وأبي مسلم الكجي، والحسن بن سفيان النسوي، وخلق يطول ذكرهم. وروى عنه: أبو بكر بن مجاهد، وجعفر الخلدي، والدارقطني، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 وخلق، قال الخطيب: وفي حديثه مناكير بأسانيد مشهورة، وحدثني عبيد الله بن أبي الفتح، عن طلحة بن محمد بن جعفر أنه ذكر النقاش، فقال: كان يكذب في الحديث، والغالب عليه القصص، قال الخطيب: وسألت البرقاني عن النقاش، فقال: كل حديثه منكر، قال: وحدثني من سمع ذكر تفسير النقاش، فقال: ليس فيه حديث صحيح، وحدثني محمد بن يحيى الكرماني: سمعت هبة الله بن الحسن الطبري، ذكر تفسير النقاش، فقال: ذاك أَشْفَى للصدور، وليس شفاء الصدور، ذكره الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في طبقات الشافعية، ثم شرع ينتصر له، ويرد على طلحة بن محمد حيث نسب إلى النقاش أنه يكذب، فإن طلحة من المعتزلة، وكيف يقبل قوله في النقاش وجلالته، قال: لكن النقاش مغري بالغرائب في تفسيره، فلهذا تكلموا فيه، ثم قال الخطيب: سمعت أبا الحسين بن الفضل القطان، يقول: حضرت أبا بكر النقاش، وهو يجود بنفسه يوم الثلاثاء لثلاث خلون من شوال سنة إحدى وخمسين وثلاث مائة، فجعل يحرك شفتيه بشيء لا أعلم ما هو، ثم نادى بعلو صوته: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61] يرددها ثلاثا، ثم خرجت نفسه، وذكر ابن أبي الفوارس أن مولد النقاش كان في سنة ست وستين ومائتين، وأنه دفن في داره ببغداد. محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم أبو الحسن الآبري نسبة إلى قرية آبر، من قرى سجستان، رحل وطوف، وسمع الكثير، وصنف كتابا كبيرا في مناقب الشافعي، رحمه الله، وروى الحديث عن ابن خزيمة، وأبي العباس السراج، ومحمد بن الربيع الجيزي، وأبي عروبة الحراني، وهذا الطبقة، وعنه علي بن بشرى، ويحيى بن عمار السجستانيان، مات سنة ثلاث وستين وثلاث مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن هارون الإمام أبو سهل الصعلوكي الحنفي، نسبا، ثم العجلي الشافعي، مذهبا، النيسابوري الفقيه المفسر الأديب اللغوي النحوي الشاعر المفتي الصوفي حبر زمانه وبقية أقرانه هذا قول الحاكم فيه، قال: ولد سنة ست وتسعين ومائتين، وأول سماعه سنة خمس وثلاث مائة، واختلف إلى إمام الأئمة ابن خزيمة، ثم إلى أبي على الثقفي، وناظر، وبرع، وأفتى، ودرس بنيسابور نيفا وثلاثين سنة، وسمع الحديث من ابن خزيمة، وأبي العباس السراج، وأبي العباس أحمد بن محمد الماسرجسي، وأبي قريش محمد بن جمعة، وأبي محمد بن أبي حاتم، وجماعة، وكان يمتنع من التحديث إلى سنة خمس وستين، فأجاب للإملاء، قال الحاكم: وسمعت أبا بكر بن إسحاق الصبغي غير مرة يعوذ الأستاذ أبا سهل، ويقول: بارك الله فيك لا أصابك العين، وسمعت أبا منصور الفقيه، يقول: سئل أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه، عن أبي بكر القفال، وأبي سهل الصعلوكي، أيهما أرجح، فقال: ومن يقدر أن يكون مثل أبي سهل، وقال الفقيه أبو بكر الصيرفي: لم ير أهل خراسان مثل أبي سهل، وقال الصاحب إسماعيل بن عباد: ما رأينا مثله، ولا رأى مثل نفسه، وقال الحاكم: هو مفتي أهل بلده، وفقيهها , وأجدل من رأينا من الشافعيين بخراسان، ومع ذلك أديب، شاعر، نحوي، كاتب، عروضي، يحب الفقراء، قال الشيخ أبو إسحاق: أبو سهل الصعلوكي الحنفي، من بني حنيفة، صاحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 أبي إسحاق المروزي، وعنه أخذ ابنه أبو الطيب، وفقهاء نيسابور، وقال العباس النسوي: كان أبو سهل الصعلوكي، مقدما في علم الصوفية، صحب الشبلي، وأبا علي الثقفي والمرتعش، وله كلام حسن في التصوف. وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري: سمعت الأستاذ أبا بكر بن فورك، يقول: سئل الأستاذ أبو سهل عن، جواز رؤية الله تعالى بالعقل، فقال: الدليل عليه شوق المؤمنين إلى لقائه، والشوق إرادة مفرطة، والإرادة لا تتعلق بمحال، وقال أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت أبا سهل، يقول: ما عقدت على شيء قط، وما كان لي قفل، ولا مفتاح، ولا صررت على فضة، ولا ذهب قط، وسمعته يقول: التصوف الإعراض، وقال أيضا: من قال لشيخه: لم؟ لا يفلح أبدا. قال الحاكم: توفي الأستاذ أبو سهل بنيسابور، في ذي القعدة سنة تسع وستين وثلاث مائة، قلت: وله وجوه غريبة في المذهب، منها: وجوب النية في غسل النجاسة، ومنها: من نوى بغسله الجمعة والجنابة معا، لا يصح عن واحد منهما. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيِّ الْحَافِظِ: أنا أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ ابْنُ تَاجِ الأُمَنَاءِ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْحَافِظُ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي الْقَاسِمِ الشِّعْرِيِّ أَخْبَرَتْهُ، قَالَ: وَأنا أَبُو الْفَضْلِ، أَنَّهَا كَتَبَتْ إِلَيْهِ: أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَسْرُورٍ، ثنا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْحَنَفِيُّ، إِمْلاءً، ثنا أَبُو قُرَيْشٍ الْحَافِظُ، ثنا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ نَضْلَةَ، ثنا مَالِكٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةٍ» المتقدم إلى ابن مسرور، قال: أنشدنا أبو سهل لنفسه: أنام على سهو وتبكي الحمائم ... وليس لها جرم ومني الجرائم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 كذبت وبيت الله لو كنت عاقلا ... لما سبقتني بالبكاء الحمائم محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدويه أبو بكر الشافعي البزاز المحدث مولده بجبل في جمادى الأولى، أو الآخرة سنة ستين ومائتين، وسكن بغداد، فسمع من: إسماعيل القاضي، وعبد الله بن روح المدايني، ومحمد بن ربح البزاز، ومحمد ابن شداد المسمعي، وخلق جمع عدتهم، وتكلم عليهم: شيخنا الإمام الحافظ أبو الحجاج المزي. وروى عنه: الدارقطني، وابن شاهين، وأحمد بن عبد الله المحاملي، وأبو علي بن شاذان، وخلق كثير، آخرهم مولى أبي طالب بن غيلان، قال الدارقطني: كان ثقة جبلا، ما كان في ذلك الوقت أوثق منه، وقال أيضا: هو الثقة المأمون، الذي لم يغمز بحال، وقال الخطيب: كان ثقة، ثبتا، حسن التصنيف، جمع أبوابا، وشيوخا، قال ابن رزقويه: توفي في ذي الحجة سنة أربع وخمسين وثلاث مائة، قلت: وقع لنا من طريقه الغيلانيات، قرأنها بكمالها على الحافظ المزي. محمد بن طاهر بن محمد بن الحسن بن الوزير أبو نصر الوزيري الأديب المذكر المفسر كان كثير العلوم فصيحا، بارعا، سمع أبا حامد بن بلال، وابن الشرقي، وأبا علي الثقفي، وغيرهم، قال الحاكم: وكان أولا ينتحل مذهب الرأي، ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 انتقل إلى مذهب أهل الحديث، وتوفي بنيسابور، في رمضان سنة خمس وستين وثلاث مائة، رحمه الله، ذكره ابن الصلاح في طبقات الشافعية. محمد بن عبد الله بن محمد بن بشر أبو عبد الله المزني الهروي أخو الشيخ أبي محمد المزني الإمام، سمع أحمد بن نجدة وغيره، وحدث بالعراق، وهراة، ونيسابور، وتوفي بها سنة ثنتين وخمسين وثلاث مائة، وقد قارب الثمانين، قال الحاكم: وكان صدوقا فيما حدث، ذكره ابن الصلاح في الشافعية. محمد بن عبد العزيز بن حسنون أبو طاهر الإسكندراني الفقيه الشافعي شيخ جليل معمر، حدث بدمشق عن بكر بن سهل الدمياطي، وجعفر الفريابي، وصالح بن شعيب، ومقدام بن داود الرعيني، وغيرهم، وعنه: تمام بن محمد الرازي، وعبد الوهاب الميداني، ومحمد بن عبد الله المتنبي، والهيثم بن أحمد الصباغ، وغيرهم، وتوفي في رجب سنة تسع وخمسين وثلاث مائة. محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه أبو الحسن النيسابوري ثم المصري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 القاضي، أحد أئمة الشافعية في الفرائض، وهو ابن أخي يحيى بن زكريا بن حيويه الحافظ الأعرج، روى عن عمر، وهو الذي رحل به إلى مصر، وعن النسائي، والبزاز، وبكر ابن سهل الدمياطي، وإسحاق بن إبراهيم المنجنيقي، وجماعة، وعنه جماعة منهم: الحافظ عبد الغني بن سعيد، وعلي بن محمد الخراساني، وهارون بن يحيى الطحان، ومحمد بن جعفر بن أبي بكر الذكر، وأحسن من روى عنه: محمد بن الحسين النيسابوري، ثم المصري الطفال، قال الدارقطني: كان، رحمه الله، لا يترك أحدا يتحدث في مجلسه، وقال الأمير أبو نصر بن ماكولا: كان ثقة نبيلا، وقال: مولدي سنة ثلاث وسبعين ومائتين، وتوفي محمد، في رجب سنة ست وستين وثلاث مائة، وقع لنا من حديثه كتاب الجمعة للنسائي، من طريقه عنه. محمد بن علي بن إسماعيل أبو بكر الشاشي القفال الكبير أحد أعلام المذهب، وأئمة الإسلام، سمع من: إمام الأئمة أبي بكر بن خزيمة، ومحمد بن جرير، وأبي القاسم البغوي، وأبي بكر الباغندي، وآخرين. وروى عنه: الحاكم أبو عبد الله النيسابوري، وابن منده، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو عبد الله الحليمي، وأبو نصر بن قتادة، وغيرهم. قال الشيخ أبو إسحاق: درس على أبي العباس بن سريج، ومات سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 ست وثلاثين وثلاث مائة، وكان إماما، وله مصنفات كثيرة ليس لأحد مثلها، وهو أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء، وله كتاب في أصول الفقه، وله شرح الرسالة، وعنه انتشر فقه الشافعي فيما وراء النهر، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: والأظهر عندنا، أنه لم يدرك ابن سريج، وهو الذي ذكره المطوعي في كتابه، قال: وحكى الحاكم، أنه توفي بالشاش، في ذي الحجة سنة خمس وستين وثلاث مائة، قال: وقول الشيخ أبي إسحاق: إنه مات سنة ست وثلاثين وهم قطعا، وقال الحليمي: كان شيخنا القفال أعلم من لقيته من علماء عصرة، وقال الحاكم النيسابوري: كان أعلم أهل ما وراء النهر، يعني: في عصره، بالأصول، وأكثرهم رحلة في طلب الحديث، وقال ابن السمعاني: لأبي بكر القفال، كتاب دلائل النبوة، وكتاب محاسن الشريعة، وقال النووي في تهذيبه: إذا ذكر القفال الشاشي فالمراد هذا، وإذا ورد القفال المروذي فهو القفال الصغير الذي كان بعد الأربع مائة، قال: ثم إن الشاشي يتكرر ذكره في التفسير، والحديث، والأصول، والكلام، والمروذي يتكرر ذكره في الفقهيات، قلت: وله تفسير كبير، سئل عنه أبو سهل الصعلوكي، فقال: قدسه من وجه، ودنسه من وجه، يعني: من جهة نصره لبعض ما يوافق المعتزلة، والله أعلم، ومن غرائب وجوه القفال، جواز الجمع بين الصلاتين للمرض، وأن الكبير يعق عن نفسه وهذا غريب، وقد نص الإمام الشافعي: أنه لا يعق عن كبير، والله أعلم، وقال البيهقي: سمعت أبا نصر بن قتادة، قال أنشدنا القفال: أوسع رحلي على من نزل ... وزادي مباح على من أكل نقدم حاضر ما عندنا ... وإن لم يكن غير خبز وخل فأما الكريم فيرضى به ... وأما اللئيم فمن لم أبل وقال أبو سعد السمعاني: ولد سنة إحدى وتسعين ومائتين، ومات بالشاش في ذي الحجة سنة خمس وستين وثلاث مائة، كما ذكره الحاكم، رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 محمد بن محمد بن حرابة بن مادرة أبو بكر الإبريسمي السمرقندي الفقيه الشافعي روى عن أحمد بن كبير الفضل البكري، ومحمد بن صالح الكرابيسي، ومحمد بن عبد الرحمن الأرزباني، وغيرهم، وعنه: أبو سعد الإدريسي، وأرخ وفاته قبل سنة ستين وثلاث مائة. محمد بن محمد بن عبدان بن محمد بن عبد السلام أبو سهل المسكي النيسابوري كان جده محمد بن عبد السلام الوراق معتمد يحيى بن يحيى، وإسحاق بن راهويه، وأسسهما في أصولهما وفي القراءة عليهما، وأما هو فممن طال اختلافه إلى أبي علي الثقفي، وصحب مشايخ الصوفية، وخدمهم، وسمع الحديث ببلاد كثيرة، وجاور بمكة، ثم البادية وحده، فَوُجِدَ غريقا، في رجب سنة خمس وخمسين وثلاث مائة، ذكره الحاكم. هارون بن محمد بن موسى الجويني الآزاذواري الفقيه الأديب قال الحاكم: سمع بنيسابور أبا عبد الله البوشنجي، وأقرانه، وكتب بالري، وبغداد قبل العشرة وثلاث مائة، وكان إذا ورد البلدان يهتز مشايخها لوروده، وروى عنه: الحاكم، ذكره ابن الصلاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 المرتبة الثانية من الطبقة الرابعة من أصحاب الشافعي فيها من سنة إحدى وسبعين وثلاث مائة إلى سنة أربع مائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 إبراهيم بن محمد الجنزي ذكره الدارقطني في المؤتلف والمختلف، وقال: كهل كان يكتب معنا الحديث، ويتفقه على مذهب الشافعي، وكان سديدا، وخرج إلى بلده منذ سنين، وبلغتني وفاته. أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس أبو بكر الإسماعيلي الجرجاني الفقيه الإمام الحافظ، أحد كبراء الشافعية فقها، وحديثا، وتصنيفا، روى الحديث عن كثير منهم: إبراهيم بن زهير الحلواني، وأحمد بن محمد بن مسروق، وحمزة بن محمد بن عيسى الكاتب، ومحمد بن يحيى بن سليمان المروزي، ويوسف القاضي، وعبد الله بن ناجية، والفريابي، وغيره من البغداديين، وسمع بالكوفة، والبصرة، وبالأهواز: من عبدان، وبالموصل: من أبي يعلى الحافظ، وصنف الصحيح، والمعجم، ومسند عمر بن الخطاب في مجلدات، أجاد فيه، وأفاد، وروى عنه الحديث خلق، منهم: الحاكم، وأبو بكر البرقاني، وحمزة السهمي، وأبو حازم العبدوي، قال حمزة: وسمعت الدارقطني، يقول: كنت قد عزمت غير مرة إلى أن أرحل إلى أبي بكر الإسماعيلي فلم أرزق، وقال القاضي أبو الطيب الطبري: دخلت جرجان قاصدا إليه وهو حي، فمات قبل أن ألقاه، قلت: وأخذ عنه الفقه ابنه أبو سعد، وفقهاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 حرجان، وقال حمزة السهمي: وسمعت أبا محمد الحسن بن علي حافظ البصرة، يقول: كان الواجب للشيخ أبي بكر الإسماعيلي أن يصنف لنفسه سننا، ويختار على حسب اجتهاده، فإنه كان يقدر عليه لكثرة ما كان كتب، ولغزارة علمه، وفهمه وجلالته، وقال الحاكم: كان أبي بكر الإسماعيلي واحد عصره، وشيخ المحدثين والفقهاء، وأجلهم في الرياسة، والمروءة، والسخاء، ولا خلاف عند الفريقين من أهل العلم فيه، قال حمزة: وتوفي في غزة، رجب سنة إحدى وسبعين وثلاث مائة، وله أربع وسبعون سنة، رحمه الله. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ، أَخْبَرَكَ الشَّيْخَانِ الْجَلِيلانِ الرَّئِيسُ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو الْغَنَائِمِ الْمُسْلِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْلِمِ بْنِ غَيْلانَ الْمُفْتِي الدِّمَشْقِيُّ، وَزَيْنُ الدِّينِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَنْمَاطِيِّ، قَالا: أنا الإِمَامُ تَاجُ الدِّينِ أَبُو الْيَمَنِ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ الْكِنْدِيُّ، أنا أَبُو مَنْصُورِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَزَّازُ، أنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ النَّقُّورِ الْبَزَّارُ، أنا أَبُو سَعْدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، أنا أَبِي، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، أنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمِزِّيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَأْمُرُنَا إِذَا سَافَرْنَا، أَلا نَنْزِعَ الْخِفَافَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا، إِلا مِنْ جَنَابَةٍ، وَيَأْمُرُ أَنْ نَمْسَحَ عَلَيْهَا مِنَ الْغَائِطِ، وَالْبَوْلِ، وَالنَّوْمِ، قال الدارقطني: هذا حديث غريب، يعني: من هذا الوجه، تفرد به عثمان بن سعيد بن نمرة النمري إسماعيل بن أحمد بن محمد بن إسماعيل القاضي أبو محمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 أبي حامد الإسماعيلي الطوسي ولي القضاء بخراسان غير مرة، وسمع الحديث، وروى عنه الحاكم النيسابوري، وكان أبوه من كبار أصحاب ابن سريج، رحمه الله، ذكره ابن الصلاح. أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب الإمام أبو سليمان الخطابي البستي ويقال: إنه من سلالة زيد بن الخطاب، ولم يصح ذلك، كان رأسا في علم العربية، والفقه، والأدب، وغير ذلك، أخذ الفقه، عن أبي بكر القفال، وأبي علي بن أبي هريرة، وغيرهما، وأخذ اللغة عن أبي عمر الزاهد، وسمع الحديث عن أبي سعيد ابن الأعرابي بمكة، وبالبصرة: من أبي بكر بن داسة، وببغداد: من إسماعيل، وبنيسابور: من أبي بكر العباس الأصم، وغيرهم، وعنه: الحاكم، والشيخ أبو حامد الإسفراييني، وأبو ذر الهروي، وأبو عبيد الهروي، صاحب الغريبين، وجماعة، وقد سماه أبو منصور الثعالبي، في كتاب اليتيمة، أبا سليمان أحمد بن محمد، والصواب كما قاله الجمهور: حمد، وكأنه وهم في ذلك، والله أعلم، وله من المصنفات: معالم السنن، تكلم فيها على سنن أبي داود، وبسط مذاهب العلماء واختلافهم، وكتاب غريب الحديث وشرح أسماء الله الحسنى، وكتاب الغنية عن الكلام وأهله، وكتاب العزلة، وغير ذلك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 ومن شعره: وما غربة الإنسان في شقة النوى ... ولكنها والله في عدم من الشكل وإني غريب بين بست وأهلها ... وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي وله أيضا: تسامح ولا تستوف حقك كله ... وأبق فلم يستوف قط كريم ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد ... كلا طرفي قصد الأمور سليم وقد أرخ الحافظ أبو يعقوب القراب، وفاته ببست، في ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وثلاث مائة. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ، قُلْتُ لَهُ: أَخْبَرَكَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو بَكْرٍ ابْنُ الْخَلالِ، بِقِرَاءَتِكَ عَلَيْهِ، أنا أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْبَرَكَاتِ الْهَمَذَانِيُّ، سَمَاعًا، أنا الْفَقِيهُ الْقَاضِي الشَّرِيفُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَحْيَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْعُثْمَانِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَالْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، إِجَازَةً، قَالَ: أنا الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ بَرَكَاتِ بْنِ هِلالٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ الْعُثْمَانِيُّ إِجَازَةً، وَقَالَ السِّلَفِيُّ سَمَاعًا، أنا أَبُو الْقَاسِمِ سَعْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الرَّيْحَانِيُّ، بِمَكَّةَ، فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخَرِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الصَّيْدَلانِيُّ الثَّقَفِيُّ، أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْفَقِيهُ السِّجْزِيُّ، أنا أَبُو حُمَيْدِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَطَّابِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبٍ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْرِبُوا الْقُرْآنَ، وَالْتَمِسُوا غَرَائِبَهُ» ، هذا حديث ضعيف من هذا الوجه، وعبد الله بن سعيد المقبري ضعيف، بل متروك الحديث عند جمهور الأئمة، وبه قال الخطابي: ثنا الأصم، حدثني أبو أمية الطرسوسي، حدثني عبد الله بن موسى، حدثني إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 بن جبير، عن ابن عباس، في قوله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16] قال: كان يحرك به لسانه مخافة أن ينفلت منه، وهذا حديث صحيح، متفق على صحته، من حديث سعيد بن جبير، وهو طويل اختصره الحافظ، ولم يورد في كتابه بيان إعجاز القرآن بسنده سوى هذين الحديثين، والله أعلم أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر أبو بكر الأصبهاني القصار الفقيه الشافعي روى عن: أبي علي بن عاصم، وعبد الله بن خالد الزاذاني، وعبد الله بن جعفر بن فارس، وجماعة، وعنه: عبد الرحمن بن منده، وأخوه عبد الوهاب، ومحمد بن أحمد بن على السمسار، وغيره، وكان ثبتا صالحا كبير القدر، توفي سنة تسع وتسعين وثلاث مائة. أحمد بن علي بن أحمد بن لال أبو بكر الهمذاني تفقه على أبي إسحاق، وأبي علي بن أبي هريرة، وذكره الشيخ أبو إسحاق في الطبقات، وقال: ولد سنة سبع وثلاث مائة، وتوفي سنة ثمان وتسعين وثلاث مائة، وقال: حكى لي سبطه أبو سعد، أنه أخذ الفقه عن: أبي إسحاق المروزي، وأبي علي بن أبي هريرة، وكان ورعا، متعبدا، أخذ عنه فقهاء همذان، وقال الشيخ أبو زكريا في تهذيب الأسماء: وكان من أصحاب الوجوه، ومن غرائب ابن لال، أنه حكى قولا للشافعي أن الإخوة من الأبوين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 يسقطون في مسألة الشركة، وبه قال ابن اللبان، وأبو منصور البغدادي، وهما من أئمة أصحابنا، وأئمة الناس في الفرائض، والمشهور أنهم يشاركون أولاد الأم. أحمد بن محمد بن زكريا أبو العباس النسوي الصوفي العالم الزاهد صاحب كتاب تاريخ الصوفية، وهو مفيد في بابه، وذكره الخطيب، وكان من أهل القرآن، والحديث، والعلم، والزهد، ذا حظ من بقي من المشايخ وحديثهم، وكتابه جليل مفيد في بابه، قال: وتوفي بين مكة، ومصر، سنة ست وتسعين وثلاث مائة. أحمد بن محمد بن عبد الله العلامة أبو عمرو الأديب اللغوي الرزدي قال: كان واحد أهل بلاده في عصره، بلاغة، وبراعة، وتقدما، ونال معرفة أصول الأدب، وكان ضعيف البنية مسقاما، يركب حمارا ضعيفا، ثم إذا تكلم تحير العلماء في براعته، سمع الحديث الكثير من: محمد بن المسيب الأنطاكي، وأبي عوانة الإسفراييني، وأقرانهما، وتوفي في شعبان سنة ثلاث وثمانين وثلاث مائة، ذكره ابن الصلاح في الطبقات. أحمد بن محمد بن علي بن الحسن بن يحيى أبو بكر السيبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 ولد بقصر أبي هبيرة، سنة ست وتسعين ومائتين، ورحل إلى بغداد، بعد أن حرق القرمطي قصر ابن هبيرة، ونشر بها مذهب الشافعي، ومات في أول يوم من رجب سنة اثنتين وسبعين وثلاث مائة، هذه ترجمة أبي إسحاق في طبقاته، قال أبو إسحاق: ومنهم: أبو بشر أحمد بن محمد بن جعفر الهروي، المعروف بالعلم، سكن بغداد، ودرس عليه القادر بالله، أمير المؤمنين، رضي الله عنه. أحمد بن محمد الإمام أبو العباس الدبيلي الفقيه الشافعي الزاهد الخياط نزيل مصر، ذكر أبو العباس النسوي، أنه كان جيد المعرفة بالمذهب، كثير النظر في كتاب الربيع، يعني: الأم، كثير التلاوة، وكثير الصيام، سليم القلب، يقتات من الخياطة، يخيط في كل جمعة يوما بدرهم وثلث، ليقتات منه، وكان يكاشف بأشياء كثيرة، وكان مقبولا عند الموافق والمخالف، حتى أن أهل الملك كانوا يتبركون به، وذكر أنه مرض فتولى خدمته، قال: فشاهدت منه أحوالا سنية وسمعته، يقول: كل ما ترى أعطيته ببركة القرآن والفقه، قال: وسمعته، يقول: قيل لي: إنك تموت ليلة الأحد، وكذا كان، وما كان يصلي إلا في جماعة، فكنت أصلي به، فصليت به ليلة الأحد المغرب، فقال لي: تنح فإني أريد أن أجمع العشاء، لا أدري إيش يكون مني، فجمع وأوتر، ثم أخذ في السياق، وهو حاضر معنا إلى نصف الليل، فنمت ساعة ثم قمت، فقال: أي وقت، قلت: قرب الصبح، قال: حولني إلى القبلة، وكان معي أبو سعد الماليني، فحولناه إلى القبلة، فأخذ يقرأ قدر خمسين آية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 ثم قبض الله روحه، رحمه الله، وذلك في رمضان سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة، وكانت جنازته شيئا عجبا، ما بقي بمصر أحد إلا حضرها، وذكره القضاعي، وذكر أنه كانت له كرامات مشهورة، وأن قبره ومسجده مشهوران، وذكره ابن الصلاح في الطبقات فذكر نحو ما تقدم، والله أعلم. إسماعيل بن أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس العلامة أبو سعد الإسماعيلي الجرجاني شيخ الشافعية، بها روى الحديث عن: أبيه، وابن عدي، وأبي العباس الأصم، وجماعة، وعنه خلق منهم: بنوه المفضل، والسري، وسعد، ومسعدة، وأبو القاسم التنوخي، وأبو محمد الخلال، وحمزة بن يوسف السهمي. وقال: كان إمام أهل زمانه، مقدما في الفقه وأصوله، والعربية، والكتابة، والشروط، والكلام، صنف في أصول الفقه كتابا كبيرا، وتخرج على يده جماعة مع الورع الثخين، والمجاهدة، والنصح للإسلام، والسخاء، وحسن الخلق، وقال القاضي أبو الطيب الطبري: ورد الإمام أبو سعد بغداد، فأقام بها سنة ثم حج، وعقد له الفقهاء مجلسين، تولى أحدهما: الشيخ أبو حامد الإسفراييني، والآخر: أبو محمد الشافعي، رحمهما الله تعالى، وهكذا، وَثَّقَهُ الخطيب، وغيره، وكانت وفاته ليلة الجمعة في صلاة المغرب، وهو يقرأ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] ثم فاضت نفسه، رحمه الله، وذلك في النصف من الربيع الآخر سنة ست وتسعين وثلاث مائة، وله ثلاثة وستون سنة. وقال الشيخ أبو إسحاق في الطبقات: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 جمع بين رياسة الدين، والدنيا بجرجان، وكان فقيها، أديبا، جوادا، أخذ العلم عن أبيه أبي بكر الإسماعيلي، وفيه، وفي أخيه أبي نصر، وأبيهما أبي بكر، يقول الصاحب بن عباد في رسالته: وأما الفقيه أبو نصر، فإذا جاءنا، أو أنا فضارع وصادق، وناقد وناطق، وأما أنت أيها الفقيه، أبو سعد، فمن يراك كيف تدرس، وتفتي، وتحاضر، وتروي، وتكتب، وتملي، علم أنك الحبر بن الحبر، والبحر بن البحر، والضياء بن الفجر أبو سعد بن أبي بكر، فرحم الله شيخكم الأكبر، فإن الثناء عليه غن، والنساء بمثله عقم، فليفخر به أهل جرجان، ما سال واديها، وأذن مناديها. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ: أَخْبَرَكَ الشَّيْخَانِ الْجَلِيلانِ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو الْغَنَائِمِ الْمُسْلِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْلِمِ بْنِ غَيْلانَ، بِدِمَشْقَ، وَزَيْنُ الدِّينِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْمَاطِيُّ، بِمِصْرَ، قَالا: أنا الْعَلامَةُ أَبُو الْيَمَنِ الْكِنْدِيُّ، أنا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أنا أَبُو الْحُسَيْنِ ابْنُ النَّقُّورِ، أنا أَبُو سَعْدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أنا الْحَافِظُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُقَاتِلٍ الطَّبَرِيُّ، ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، يَعْنِي: الْمِهْرَقَانِيَّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ قِيرَاطٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ جِسْرٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» ، هذا حديث غريب من هذا الوجه، وهو ثابت من طرق أخر متعددة، بل متواترة، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الصحاح، والمسانيد، والسنن، أنه قال ذلك، ولله الحمد أمة الواحد ابنة القاضي أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 يقال: اسمها: ستيتة وهي أم القاضي أبي الحسين محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي. روت عن: أبيها، وإسماعيل الوراق، وعبد الغافر بن سلامة، وحفظت القرآن، والفقه على مذهب الإمام الشافعي، والفرائض، والدور، والعربية، وغير ذلك من العلوم الإسلامية، قال ابن أختها أحمد بن عبد الله: كانت فاضلة عالمة من أحفظ الناس للفقه. وقال الحافظ أبو بكر: حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، قال: سمعت أبا بكر البرقاني، يقول: كانت ابنة المحاملي تفتي، مع أبي علي بن أبي هريرة، وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: ثنا عبد الكريم بن محمد بن أحمد الضبي، سمعت أبا الحسن الدارقطني، قال: أمة الواحد بنت الحسين بن إسماعيل المحاملي، سمعت: أباها، وإسماعيل ابن العباس الوراق، وعبد الغافر بن سلامة الحمصي، وأبا الحسن المصري، وحمزة الهاشمي الإمام، وغيرهم، وحفظت القرآن، والفقه على مذهب الشافعي، والفرائض، وحسابها، والدور، والنحو، وغير ذلك من العلوم، وكانت فاضلة في نفسها، كثيرة الصدقة، مسارعة في الخيرات، حدثت وكتب عنها الحديث، وتوفيت في شهر رمضان من سنة سبع وسبعين وثلاث مائة، رحمها الله تعالى. الحسين بن علي بن محمد بن يحيى أبو أحمد التميمي النيسابوري يقال له: حسينك ويعرف، أيضا بابن منينة، من بيت حشمة، ورياسة، تربى في حجر الإمام أبي بكر بن خزيمة، واستفاد عليه، وتفقه به، فكان أكبر أصحابه، وكان ابن خزيمة إذا تخلف في آخر أيامه عن مجلس السلطان بعثه نائبا عنه، وكان يقدمه على أولاده. قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 الحاكم: صحبته حضرا، وسفرا، نحوا من ثلاثين سنة، فما رأيته يترك قيام الليل، يقرأ في كل ركعة سبعا، وكانت صدقته دائرة سرا وعلانية، سمع: من ابن خزيمة، وأبي العباس السراج، ورحل فأدرك أبا القاسم البغوي، وأبا عوانة الإسفراييني، وعبد الله بن زيدان، وعمر بن إسماعيل بن أبي غيلان، وعنه: الحاكم، والبرقاني، وأبو سعد الكنجروذي، وجماعة، وقال الخطيب: كان ثقة، حجة، وتوفي في ربيع الآخر سنة خمس وسبعين وثلاث مائة، وخرج السلطان للصلاة عليه، رحمه الله. قَرَأَ عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ الذَّهَبِيِّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ: أَنْبَأَكَ أَبُو رَوْحٍ، أنا زَاهِرٌ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أنا أَبُو أَحْمَدَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، أنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ: ثنا هُدْبَةُ، ثنا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَانَتْ شَجَرَةٌ تَضُرُّ بِالطَّرِيقِ، فَقَطَعَهَا رَجُلٌ فَنَحَّاهَا عَنِ الطَّرِيقِ، فَغُفِرَ لَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ زاهر بن أحمد بن محمد بن عيسى أبو علي السرخسي الفقيه الشافعي المقرئ المحدث المتكلم روى الحديث عن: أبي القاسم البغوي، وابن صاعد، ومحمد بن المسيب الأرغياني، وجماعة، روى موطأ الإمام مالك، عن إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، عن أبي مصعب عنه، وروى عنه جماعة منهم: أبو عثمان إسماعيل الصابوني، وأبو عثمان سعيد بن محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 البحيري، وكريمة الكشميهنية، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري، وقال: كان شيخ عصره بخراسان، سمعت مناظرته في مجلس أبي بكر بن إسحاق الصبغي، وكان قرأ على أبي بكر بن مجاهد، وتفقه عند أبي إسحاق المروزي، ودرس الأدب على أبي بكر ابن الأنباري، وكانت كتبه ترد على الدوام، قال: وتوفي في ربيع الأول سنة تسع وثمانين وثلاث مائة، وله ست وتسعون سنة، قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وقد أخذ عن أبي الحسن الأشعري علم الكلام، وشهده وهو يقول عند الموت: لعن الله المعتزلة، مرقوا وحرفوا، وقع لنا من طريقه موطأ الإمام مالك، رواية عن أبي مصعب، ولله الحمد والمنة. طاهر بن عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله أبو عبد الله البغدادي نزيل نيسابور، قال ابن الصلاح: وهو فيما أحسب: أبو الأستاذ أبي منصور، روى عن: أحمد بن القاسم الفرائض، وأبي حامد الحضرمي، وأقرانهما، وروى عنه: الحاكم أبو عبد الله النيسابوري، وقال: كان أظرف من رأينا من العراقيين، وأفتاهم، وأحسنهم كتابة، وأكثرهم فائدة، توفي في سنة ثلاث وثمانين وثلاث مائة. عبد الله بن أحمد بن محمد بن يعقوب أبو القاسم النسائي الفقيه الشافعي سمع من الحسن بن سفيان مسنده، وهو آخر من روى عنه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 وسمع مسند إسحاق بن راهويه، من عبد الله بن شيرويه عنه، وسمع بالعراق: من الباغندي، وغيره، وحدث ببغداد سنة ثنتين وأربعين وثلاث مائة، فسمع منه: أحمد بن جعفر الحنبلي، وأبو القاسم عبد الله ابن الثلاج، وروى عنه: الحاكم، وقال: كان شيخ العدالة، والعلم بنسا، وعاش نيفا وتسعين سنة، وتوفي بنسا، في شوال سنة اثنتين وثمانين وثلاث مائة. عبد الله بن محمد أبو محمد البخاري نزيل بغداد المعروف بالبافي، أحد أئمة الشافعية، تفقه على أبي علي بن أبي هريرة، وأبي إسحاق المروزي، وبرع في المذهب، وكان ماهرا بالعربية، حاضر البديهة، حلو النظم، وهو من أصحاب الوجوه، وتفقه به جماعة، قال الخطيب البغدادي: كان من أفقه أهل وقته في المذهب، بليغ العبارة، مع عارضته وفصاحته، يعمل الخطب، ويكتب الكتب الطويلة، من غير روية، ومن شعره: كم حضرنا وليس يفضي التلاقي ... نسأل الله خير هذا الفراق إن تغب لم أغب وإن لم تغب ... غبت كأن افتراقنا باتفاق توفي في المحرم سنة ثمان وتسعين وثلاث مائة، رحمه الله، وصلى عليه الشيخ أبو حامد الإسفراييني، وقال الشيخ أبو إسحاق: ومنهم: أبو محمد عبد الله بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 محمد الخوارزمي البافي، صاحب الداركي، مات سنة ثمان وتسعين وثلاث مائة، وكان فقيها، أدبيا، شاعرا، مترسلا، كريما، درس ببغداد بعد الداركي، وذكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في الطبقات في ترجمة البافي، رحمه الله: وجد أن القاضي أبا الطيب، رحمه الله، قال: كتب أبو محمد البافي إلى صديق له يستنجزه موعدا: توسع مطلي والزمان يضيق ... وأنت بتقديم الجميل حقيق فإما نعم يحيى الفؤاد نجاحها ... وإما إياس بالغريب رفيق عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى أبو الحسن بن أبي إسحاق المزكي ذكر الحاكم أنه كان من الصالحين الكبار، والمكثرين من سماع الحديث، وقراء القرآن، سمع الحديث من: إسماعيل الصفار، وأبي حامد بن الشرقي، وغيرهم، وأنه توفي سنة سبع وتسعين وثلاث مائة بنيسابور، وصلى عليه الإمام أبو الطيب سهل الصعلوكي. عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز الإمام أبو القاسم الداركي ودارك من أعمال أصبهان، درس بنيسابور مدة، ثم سكن بغداد، وكانت له حلقة للفتوى، وكان أبوه من محدثي أصبهان، وانتهت إليه رياسة المذهب ببغداد، تفقه على الشيخ أبي إسحاق المروزي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وتفقه عليه الشيخ أبو حامد الإسفراييني، بعد موت شيخه أبي الحسن بن المرزبان، وقال: ما رأيت أفقه منه، وقال الشيخ أبو إسحاق: وأخذ عنه عامة شيوخ بغداد، وغيرهم من أهل الآفاق، وذكر غيره أنه كان يجتهد في المسألة، ويختار فيها ما صح عنده فيه من الحديث، وربما أفتى على خلاف المذهب، ويقول ويحكم، حدث فلان عن فلان عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بكذا وكذا، والآخذ بالحديث أولى، من الآخذ بقول الشافعي، وأبي حنيفة، روى الحديث عن جده لأمه الحسن بن محمد الداركي، وغيره. قال الخطيب: وحدثنا عنه: أبو القاسم الأزهري، وعبد العزيز الأزجي، وأحمد بن محمد العتيقي، وأبو القاسم التنوخي، وكان ثقة، أثنى عليه الدارقطني، وقال: ابن أبي الفوارس، كان ثقة في الحديث، وكان يتهم بالاعتزال، وقال الخطيب: ثنا العتيقي، قال: سنة خمس وسبعين وثلاث مائة، فيها توفي أبو القاسم الداركي شيخ الشافعيين، يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال، وكان ثقة، أمينا، انتهت إليه الرياسة على مذهب الشافعي، ومن مفرداته أنه لا يجوز السلم في الرقيق، والمشهور، الذي عليه الجمهور خلافه. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ: أَخْبَرَكَ أَبُو الْفَتْحِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ الْمُجَاوِرِ، أنا الشَّيْخُ الإِمَامُ أَبُو الْيَمَنِ الْكِنْدِيُّ، أنا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَزَّازُ، أنا الْخَطِيبُ، أنا أَبُو طَالِبٍ عُمَرُ بْنُ أَبِي تَمِيمٍ، ثنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدَّارَكِيُّ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ، إِمْلاءً بِانْتِقَاءِ الدَّارَقُطْنِيِّ، ثنا جَدِّي أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، ثنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُمِرْتُ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 أُقَاتِلَ النَّاسَ، حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَأَكَلُوا ذَبِيحَتَنَا، وَصَلَّوْا صَلاتَنَا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، إِلا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ " قال الشيخ أبو إسحاق: ومنهم: أبو الحسين الجلابي الطبري، تفقه ببلده، وحضر مجلس الداركي، ثم درس في حياته، ومات قبل الداركي بسبعة عشر يوما، وكان فقيها فاضلا عارفا للحديث. عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون أبو الطيب الحلبي المقري نزيل مصر، ذكره الشيخ أبو عمر أحمد بن محمد الطلمنكي، أحد أئمة المغرب في القراءات وغيرها، فقال: أبو الطيب عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون المقرئ الشافعي، أحد أساتذتي في القراءات، قرأت عليه السبعة غير قراءة ورش، وذكر كثيرا من تصانيفه التي قرأها عليه، منها: الإرشاد والمرشد، وتوفي في جمادى الآخرة سنة تسع وثمانين وثلاث مائة. عبد الله بن محمد بن محمد بن عبيد الله أبو أحمد الواعظ بن أبي عبد الله المزكي سمع الأصم، وغيره، وكان يتكلم على الناس ببيان، وحسن، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 وفصاحة، وديانة، مات فجأة سنة ثمانين وثلاث مائة، عن ثلاث وستين سنة، رحمه الله. عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن أسد بن إدريس أبو القاسم الرازي الشافعي نزيل مصر، روى عن ابن أبي حاتم الرازي جزءا في أصول السنة، وعنه: الشيخ أبو عمر الطلمنكي، ذكره ابن الصلاح. علي بن محمد أبو الفتح البستي الشاعر المشهور لازم أبا سليمان الخطابي، وصحبه وأخذ عنه، وله في تفضيل مذهب الشافعي، وتقريظ مختصر المزني، ومدح الكرامية، أشعار كثيرة، فمن ذلك: الشافعي أجل الناس مرتبة ... وأعلم الناس في دين الهدى أثرا العدل سيرته، والصدق شيمته ... والسحر منطقه، والدر إن نثرا وله أيضا: رأي الإمام أبي حنيفة ... رأي مسالكه لطيفه لكن رأي الشافعي ... نتائج السنن الحنيفه جهدا لراحتنا وما ... حذرا من الكلف العنيفه فجزاهما رب العلى ... بالخلد في الدرج المنيفه وله أيضا: من ظن أن الغنى بالمال يجمعه ... فاعلم بأن غناه فقره أبدا فاستغن بالعلم والتقوى وكن رجلا ... لا ترتجي غير رزاق الورى أحدا هذا كله مما ذكره ابن الصلاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 في الطبقات، ولم يؤرخ وفاته. علي بن عبد العزيز بن الحسن بن إسماعيل القاضي أبو الحسن الجرجاني الفقيه الشافعي الشاعر المطبق، وله ديوان مشهور، وتفسير كبير، وغير ذلك، تولى قضاء جرجان، ثم صار إلى قضاء القضاء بالري، وكان جوادا، ممدحا، جامعا لأسباب الفضائل، قال الثعالبي في يتيمة الدهر: هو فرد الزمان، ونادرة الفلك، وإنسان حدقة العلم، وفيه تاج الأدب، وفارس عسكر الشعر، يجمع خط ابن مقلة، إلى نثر الجاحظ، إلى نظم البحتري، ترقى محله إلى قضاء القضاة بالري، فلم يعزله إلا موته، وقال حمزة السلمي: كان قاضي جرجان، وولى قضاء القضاة بالري، وكان من مفاخر جرجان، توفي في الثالث والعشرين من ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين وثلاث مائة، وزاد غيره، وصلى عليه القاضي عبد الجبار بن أحمد، وحمل إلى جرجان فدفن بها، وقال الشيخ أبو إسحاق: ومنهم: القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني، وكان فقيها، أديبا، شاعرا، وله ديوان، وهو القائل في قصيدة له: يقولون لي فيك انقباض وإنما ... رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما أرى الناس من داناهم هان عندهم ... ومن أكرمته عزة النفس أكرما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبد الله أبو الحسن البغدادي الدارقطني الحافظ الكبير الشهير صاحب المصنفات المفيدة، منها: كتاب السنن المشهور، وكتاب العلل الذي لم ير مثله في فنه، روى عن أمم لا يحصون كثرة من أهل الأقاليم والآفاق، وتفقه بأبي سعيد الإصطخري، وروى عنه خلق كثير، وجم غفير، منهم: الشيخ أبو حامد الإسفراييني، والقاضي أبو الطيب الطبري، والحاكم، وأبو نعيم البرقاني، وتمام الرازي، وأبو ذر الهروي، وحمزة السهمي، قال الحاكم: صار الدارقطني أوحد عصره في الحفظ، والفهم، والورع، وإمام في النحو، والقراءة، وأشهد أنه لم يخلق على أديم الأرض مثله، وقال الخطيب البغدادي: كان فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر، والمعرفة بعلل الحديث، وأسماء الرجال، مع الصدق والثقة، وصحة الاعتقاد، والاضطلاع في علوم سوى علم الحديث، منها: القراءات، فإنه له فيها مصنفات ومختصرات، جمع الأصول في أبواب عقدها في أول الكتاب، وسمعت من، يقول: لم يسبق إلى مثل ذلك. ومنها: المعرفة بمذاهب الفقهاء، فإن كتابه السنن يدل على ذلك، وبلغني أنه درس فقه الشافعي على أبي سعيد الإصطخري، وقيل: على غيره، ومنها: المعرفة بالأدب، والشعر، فقيل: إنه كان يحفظ دواوين جماعة، حدثني حمزة بن محمد بن طاهر، إنه كان يحفظ ديوان السيد الحميري، ولهذا نسب إلى التشيع، قال: وحدثني الأزهري، أن الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 الصفار، فجلس ينسخ جزءا، والصفار يملي، فقال رجل: لا يصح سماعك، وأنت تنسخ، فقال الدارقطني: فهمي للإملاء خلاف فهمك، تحفظ كم أملى الشيخ؟ قال: لا، قال: أملى ثمانية عشر حديثا، الحديث الأول عن فلان عن فلان، ومتنه كذا، والحديث الثاني عن فلان، ومتنه كذا، ثم مر في ذلك حتى أتى الأحاديث، فتعجب الناس منه، أو كما قال. وقال رجاء بن محمد: قلت للدارقطني: هل رأيت مثل نفسك؟ فقال: قال الله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] فألححت عليه، فقال: لم أر أحدا جمع ما جمعت، قال الخطيب، عن أبي الوليد الباجي، عن أبي ذر، قلت للحاكم: هل رأيت مثل الدارقطني؟ فقال: هو لم ير مثل نفسه، فكيف أنا؟ ! وقال الخطيب: سمعت القاضي أبا الطيب الطبري، يقول: الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث، وقال أيضا: سألت البرقاني: هل كان الدارقطني يملي عليك العلل من حفظه؟ قال: نعم، وأنا الذي جمعتها، وقرأها الناس من نسختي، وقال الأزهري: رأيت الدارقطني أجاب ابن أبي الفوارس، عن علة حديث، أو اسم، ثم قال: يا أبا الفتح، ليس بين المشرق والمغرب من يعرف هذا غيري، قلت: وفضائله، ومحاسنه كثيرة، وقد ذكرنا نبذة منها، يستدل بها على ما بقي، وله من المصنفات المشهورة السنن، وقد وقع لنا سماعه، ولله الحمد والمنة، وكتاب العلل، وكتاب الأفراد، وغيرها من الكتب الباهرة التي لا يلحق فيها، هذا مع صيانة، وسنة، وحسن اعتقاد، وطوية، وقد سئل مرة: أيما أفضل عثمان، أو علي، فقال: عثمان أفضل، باتفاق جماعة أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هذا قول أهل السنة، وأول عقد يحل من الرفض، توفي، رحمه الله، في ثامن ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاث مائة عن تسع وسبعين سنة، وقال الخطيب: حدثني أبو نصر علي بن هبة الله بن ماكولا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 قال: رأيت في المنام في شهر رمضان، كأني أسأل عن حال الدارقطني في الآخرة، وما آل إليه أمره، فقيل لي: ذاك يدعى في الجنة الإمام. علي بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يزيد القاضي أبو الحسن الحلبي، نزيل مصر، الفقيه الشافعي سمع جده، وعلي بن عبد الحميد الغضائري، ومحمد بن الربيع بن سليمان، ومحمد ابن نوح الجنديسابوري، وجماعة، وعنه: رشأ بن نظيف، وعبد الملك بن أبي عثمان الزاهد، وعبد الملك بن عمر البغدادي الرزاز، وجماعة، قال أبو عمرو الداني: روى عن ابن مجاهد كتاب الشفعة، هو، وشيخنا أبو مسلم، آخر من بقي من أصحاب ابن مجاهد، قال: وَعُمِّرَ أبو الحسن هذا عمرا طويلا، حتى نيف على عشرة ومائة فيما بلغني، وكانت وفاته في سنة ست وتسعين وثلاث مائة. علي بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن بشر أبو الحسن الأنطاكي المقري الفقيه الشافعي كان رأسا في علم القراءات، ودخل الأندلس في سنة ثنتين وخمسين وثلاث مائة، فقال أبو الوليد الفرضي: أدخل إليها علما جما، وكان بصيرا بالعربية، والحساب، وله حظ من الفقه، قرأ الناس عليه، وسمعت أنا منه، قال: وكان مولده بأنطاكية، سنة تسع وتسعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 ومائتين، ومات بقرطبة، في ربيع الأول سنة سبع وسبعين وثلاث مائة، رحمه الله تعالى. علي بن محمد بن عمر بن العباس أبو الحسن الرازي القصار الفقيه الشافعي قال الحافظ أبو يعلى الخليلي: هو أفضل من لقيناه بالري، وكان مفتيها قريبا من ستين سنة، روى عن عبد الرحمن بن أبي حاتم فأكثر عنه، وأبي معاوية الكاغدي، وأحمد بن خلد الحروري، ومحمد بن قارب، ولقي بآخره شيوخ بغداد: ابن السماك، والنجار، وكان عالما له في كل علم حظ، وبلغ قريبا من مائة سنة، سمعت عبد الله بن محمد الحافظ، يقول: لم يعش أحد من الشافعية، ما عاش هذا، وكان عالما بالفتاوى والنظر، وروى عنه: هبة الله اللالكائي، وعبد الجبار بن عبد الله بن برزة الرازي، وجماعة، يقال: إنه توفي في حدود الأربع مائة. عسكر بن الحصين أبو تراب النخشبي أحد أئمة التصوف، قال أبو عبد الرحمن السلمي: صحب حاتم الأصم، وكتب الحديث، ونظر في كتب الشافعي، ثم قال: سمعت عبد الله بن علي، سمعت الرقي، قال: سمعت أبا عبد الله بن الجلاء، يقول: لقيت ست مائة شيخ ما رأيت فيهم مثل أربعة، أولهم: أبو تراب. قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 أبو عمرو بن الصلاح: والآخرون: أبوه يحيى الجلاء، وأبو عبيد البسري، وذو النون المصري، رحمهم الله، ولم يذكر ابن الصلاح وفاته، رحمه الله. فارس بن زكريا بن حبيب أبو أحمد والد الإمام أبي الحسين أحمد بن فارس اللغوي صاحب المجمل كان فارس هذا فقيها، شافعيا، فيما ذكره ابن الصلاح، وأما ابنه فكان كذلك، ثم انتقل إلى مذهب مالك، رحمه الله، وتوفي في صفر سنة خمس وتسعين وثلاث مائة، وذكروا أنه كان يصنف كل ليلة جمعة كتابا، ثم يبيعه قبل الصلاة، ويتصدق بثمنه. محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد أبو زيد المروزي أحد أئمة الشافعية، وأحد الزهاد، حدث بمكة، وبنيسابور، ودمشق، وبغداد، عن: محمد بن يوسف الفربري، وعمر بن علك المروزي، ومحمد بن عبد الله السعدي، وأبي العباس الدغولي، وأحمد بن محمد المنكدري، وغيرهم، وعنه: الهيثم بن أحمد الصباغ، وعبد الواحد بن مشماس، وعبد الوهاب الميداني، وعلي بن السمسار الدمشقيون، والحاكم، والسلمي، وغيرهما من أهل نيسابور، والدارقطني مع تقدمه، وأبو بكر البرقاني، ومحمد بن أحمد المحاملي البغداديون، والفقيه أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي، وآخرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 قال الحاكم: كان أحد أئمة المسلمين، ومن أحفظ الناس لمذهب الشافعي، وأحسنهم نظرا، وأزهدهم في الدنيا، سمعت أبا بكر البزار، يقول: عادلت الفقيه أبا زيد من نيسابور إلى مكة، فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة، وقال الخطيب: حدث ببغداد، ثم جاور بمكة، وحدث هناك بصحيح البخاري من الفربري، وأبو زيد أجل من روى ذلك الكتاب، وقال الأستاذ أبو سهل الصعلوكي: سمعت أبا زيد المروزي، يقول: كنت نائما بين الركن والمقام، فرأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا زيد إلى متى تدرس في كتاب الشافعي، ولا تدرس كتابي؟ فقلت: يا رسول الله، وما كتابك؟ فقال: جامع محمد بن إسماعيل، يعني: البخاري، رحمه الله، أوردها الشيخ أبو زكريا النووي في تهذيبه، أن أبي سعد السمعاني رواها، وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في الطبقات: ومنهم: أبو زيد المروزي، صاحب أبي إسحاق، مات بمرو، في رجب ثالث عشر سنة إحدى وسبعين وثلاث مائة، قال: وكان حافظا للمذهب، حسن النظر، مشهورا بالزهد، وعنه أخذ أبو بكر القفال، وفقهاء مرو. قلت: وروى عنه، أنه ولد سنة إحدى وثلاث مائة، وقال إمام الحرمين في باب التيمم من النهاية: كان أبو زيد من أذكى الأئمة قريحة، رحمه الله. أَخْبَرَنِي شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ، أَثَابَهُ اللَّهُ، قِرَاءَةً مِنْ لَفْظِهِ يَوْمَ عِيدِ الْفِطْرِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاثِينَ وَسَبْعِ مِائَةٍ، بِدَارِ الْحَدِيثِ الأَشْرَفِيَّةِ بِدِمَشْقَ، قَالَ: أنا الشَّيْخُ الإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ ابْنُ الْبُخَارِيِّ الْمَقْدِسِيُّ، أنا أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ السُّلَمِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الزَّنْفِ، أنا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْقَوِيِّ الْمِصِّيصِيُّ، ثنا الْفَقِيهُ نَصْرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَصْرٍ الْمَقْدِسِيُّ، مِنْ لَفْظِهِ، أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الدِّمَشْقِيُّ، بِهَا، أنا أَبُو زَيْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، قَالَ: أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، ثنا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ، وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، قَالَ: أَخْرِجْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فذلك حين يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد، فاشتد ذلك عليهم، فقالوا: يا رسول الله، أينا ذلك الرجل، قال: " أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألف، ومنكم رجل، ثم قال: والذي نفسي بيده، إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة، ومثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو الرقمة في ذراع الحمار " محمد بن الحسن بن إبراهيم أبو عبد الله الإستراباذي، وقيل: الجرجاني أحد أئمة الشافعية، وأصحاب الوجوه، ويعرف بالختن، لأنه كان زوج ابنة أبي بكر الإسماعيلي الحافظ، كان إماما فاضلا، مناظرا، عالما بالقراءات، ومعاني القرآن، أستاذا في الأدب، ورعا، زاهدا، مشهورا، وسمع الحديث من أبي العباس الأصم، بنيسابور فأكثر عنه، وبجرجان من أبي نعيم عبد الملك بن عدي، وجماعة، وبأصبهان من عبد الله بن فارس، وغيره، وله كتاب شرح التلخيص لابن القاضي، توفي يوم عرفة، ودفن في يوم النحر، من سنة ست وثمانين وثلاث مائة، رحمه الله، وذكره أبو إسحاق مختصرا، فقال: ومنهم: أبو عبد الله الختن، ختن أبي بكر الإسماعيلي، وكان فقيها فاضلا، شرح التلخيص لابن القاص، وقال أبو سعد السمعاني في الأنساب: تخرج به جماعة من الفقهاء، وكان له ورع وديانة، وله أربعة أولاد: أبو بشر الفضل، وأبو النضر عبيد الله، وأبو عمرو عبد الرحمن، وأبو الحسن عبد الواسع، وكانت له رحلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 إلى خراسان، والعراق، وأصبهان، وسمع ببلاد كثيرة، وقال الشيخ أبو زكريا النووي: كان أحد أئمة أصحابنا في عصره، مقدما في علم القراءات، ومعاني القرآن، وفي الأدب، والمذهب، وكان مبرزا في علم النظر، والجدل، وله وجوه مشهورة في المذهب، توفي يوم عرفة سنة ست وثمانين وثلاث مائة، وله خمس وسبعون سنة، رحمه الله. أبو الحسن محمد، وأبو علي محمد ابنا السيد الرئيس أبي عبد الله الحسين بن داود بن علي بن عيسى بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي كان أبوهما نقيب الأشراف بنيسابور، وكان من خيار الناس، سني المذهب، حسن الاعتقاد، وأشغل ولديه على مذهب الشافعي، فكانا من سادات الشافعية، وأعيان العلماء، ودرسا الفقه بنيسابور، وعقد لأبي الحسن مجلس الإملاء بها، وانتقى إليه الحاكم أبو عبد الله ألف حديث، فكان يحضر المجلس ألف محبرة، ثم توفي فجأة، ولم يؤرخ وقت ذلك، إلا أنه لما توفي أخوه المدرس أبو علي صلى عليه، وكان ذلك في شعبان سنة ثلاث وتسعين وثلاث مائة، رحمهما الله. محمد بن العباس بن أحمد بن محمد بن عصم بن بلال بن عصم أبو عبد الله بن أبي ذهل الضبي من أنفسهم الهروي، المعروف بالعصمي، كان رئيسا كثير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 المحاسن، صدرا، عالما، كثير العبادة، حسن الصلاة، كثير الدعاء، كثير الصدقة والإحسان إلى المستورين من أهل العلم، وكان ذا ثروة، ومروءة، وأخلاق جميلة، عرض عليه كتابة الرسائل فأبى، ثم عرض عليه القضاء فامتنع أشد الامتناع، وكان يصر الدينار الثقيل في الكاغد، ويدفعه إلى الفقير، ويقول: إني لأسر له إذا ظن أنه ورق، فإذا هو ذهب، ثم إذا هو راجح، رحمه الله، حدث بنيسابور، وبغداد، وغيرهما، وروى عن أبي حامد بن السري، وأبي عمرو الحيرى، ومكي بن عبدان، وابن أبي حاتم، وخلق، وعنه: الدارقطني، والبرقاني، والحاكم، وجماعة. قال الخطيب البغدادي: كان العصمي ثقة، ثبتا، نبيلا، رئيسا، جليلا، من ذوي الأقدار العالية، وله أفضال شتى على الصالحين، والفقهاء، والمستورين، وقال الحاكم: لقد صحبته في الحضر والسفر، فما رأيت أحسن وضوءا، ولا صلاة منه، ولا رأيت في مشايخنا أحسن تضرعا، وابتهالا في دعواته، منه لقد كنت أراه يرفع يديه إلى السماء يمدهما مدا، كأنه يأخذ شيئا من أعلى مصلاه، قال: وسمعت الأستاذ أبا الحسن البوشنجي غير مرة، يقول: من نعم الله على أهل تلك البلاد، بهراة، وبوشنجة، مكان أبي عبد الله بن أبي ذهل، على ما وفقه الله من حسن العقيدة، وحسن الأخلاق، وسخاء النفس، والإحسان إلى الفقراء، والتواضع لهم، مولده سنة أربع وتسعين ومائتين، واستشهد برستاق خواف من نيسابور، لتسع بقين من صفر سنة ثمان وسبعين وثلاث مائة. محمد بن عبد الله بن بصير بن ورقة الإمام أبو بكر الأودني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 بفتح الهمزة كما نص على ذلك ابن ماكولا وغيره، وقيدها ابن السمعاني بضم الهمزة، والأول أصح، وأودنة قرية من قرى بخاري، كان شيخ الشافعية بما وراء النهر، ومن كبار أصحاب الوجوه، وهو الذي اختار أن علة الربا بالجنسية، وروى الحديث عن: عبد المؤمن بن خلف النسفي، ومحمد بن صابر البخاري، والهيثم بن كلب الشاشي، ويعقوب بن يوسف العاصمي البخاري، وعنه: جعفر المستغفري، ومحمد بن أحمد غنجار، وأبو عبد الله الحليمي، وأبو عبد الله الحاكم النيسابوري، وقال: كان من أزهد الفقهاء، وأورعهم، وأعبدهم، وأبكاهم على تقصيره، وأشدهم تواضعا وإنابة، توفي ببخاري في ربيع الآخر سنة خمس وثمانين وثلاث مائة، رحمه الله. محمد بن عبد الله بن حمدون بن الفضل أبو سعيد النيسابوري الزاهد المحدث قال الحاكم: كان من الصالحين المجتهدين في العبادة، وكان أبوه من أعيان المعدلين، وكان ابن أخت الإمام أبي بكر بن أحمد بن إسحاق، سمع: أبا سعيد بن أبي حامد الشرقي، وأبا بكر محمد بن حمدون، وغيرهما، وحدث سنين، وانتفع الناس به، وتوفي سنة تسعين وثلاث مائة بنيسابور، وصلى عليه أبو سعد الزاهد، رحمه الله، ذكره ابن الصلاح في طبقات الشافعيين. محمد بن عبد الله بن حمشاذ أبو منصور بن أبي محمد الحمشادي النيسابوري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 الفقيه الأديب الزاهد، كان ذا فنون كثيرة، وعلوم غزيرة، ومصنفات باهرة، سمع الحديث من: أبي حامد بن بلال، وأبي بكر القطان، وأبي سعيد ابن الأعرابي، وغيرهم، ومولده سنة ست عشرة وثلاث مائة، وتوفي صبح يوم الجمعة الرابع والعشرين من رجب سنة ثمان وثمانين عن ثلاث وسبعين سنة، وغسله أبو سعد الزاهد، وصلى عليه، رحمه الله، قال الحاكم: وحدثني غير واحد، من أصحابه، أنه كان قبل مرضه يتمثل بهذا البيت: وما تنفع الآداب والحكم والحجي ... وصاحبها عند الكمال يموت ذكره ابن الصلاح في طبقات الشافعيين. محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا بن الحسن أبو بكر الجوزقي قرية من قرى نيسابور، الشيباني النيسابوري، رحل، وطوف، وسمع الكثير بالبلاد، والأمصار، والأقاليم، وصنف المسند الصحيح على كتاب مسلم، وله المتفق في نحو ثلاث مائة جزء، وذكروا، أنه أنفق على الحديث مائة ألف درهم، وتوفي في شوال سنة ثمان وثمانين وثلاث مائة، عن ثنتين وثمانين سنة، صلى عليه أبو سهل الصعلوكي، ذكره ابن الصلاح في الطبقات. محمد بن علي بن الحسين أبو علي الإسفراييني الحافظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 الفقيه الشافعي، المعروف بابن السقاء تلميذ أبي عوانة، ورحل، وسمع: أبا عروبة الحراني، ومحمد بن زبان المصري، وعلي بن عبد الله بن مبشر الواسطي، ويحيى بن محمد بن صاعد، وخلقا كثيرا، وروى عنه: الحاكم، وغيره، وتوفي ببلدة إسفرايين، في ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين وثلاث مائة. محمد بن عبد الله بن محمد أبو بكر الفارسي الواعظ المفسر قال الحاكم: كان مقدما في معرفة المعاني والتفسير، وتوفي في سلخ رمضان سنة ثنتين وسبعين وثلاث مائة، وصلى عليه الإمام أبو الحسن الماسرجسي، ذكره ابن الصلاح. محمد بن علي بن سهل بن مصلح الفقيه أبو الحسن الماسرجسي ابن بنت الحسن بن عيسى بن ماسرجس النيسابوري شيخ الشافعية في عصره وأحد أصحاب الوجوه قال الحاكم: كان أعرف الأصحاب بالمذهب، وترتيبه، وصحب أبا إسحاق المروزي إلى مصر، ولزمه، وتفقه به، ثم رجع إلى بغداد، وكان معيد أبي علي بن أبي هريرة، ثم رجع إلى بلده وعقد مجلس النظر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 ومجلس الإملاء، وكان قد سمع الحديث من: خاله موسى بن الحسن، ومكي بن عبدان، وأبي حامد بن الشرقي، وجماعة، ورحل فسمع بمصر من: أصحاب يونس بن عبد الأعلى، والمزني، وبمكة من: ابن الأعرابي، وبدمشق من: ابن خزيمة، وببغداد من: إسماعيل الصفار، وبواسط من: عبد الله بن شوذب، وبالبصرة من: أبي داسة، وروى عنه: الحاكم، وأبو نعيم، وأبو عثمان الصابوني، وأبو سعد الكنحروذي، وتفقه عليه القاضي أبو الطيب الطبري، وجماعة. قاله الشيخ أبو إسحاق: وتوفي في جمادى الآخرة سنة أربع وثمانين وثلاث مائة، عن ست وسبعين سنة، وحكى الرافعي عنه، أنه رأى صيادا يرمي الصيد على فرسخين. قال النووي: ومن غرائبه الصحيحة النفسية، استحباب تطويل قراءة الركعة الأولى على الثانية، والمشهور في المذهب التسوية بينهما، ولكن قول الماسرجسي أصح، وقد ثبت فيه حديث أبي قتادة في الصحيحين. محمد بن علي أبو جعفر البلاذري تفقه على الشيخ أبي إسحاق المروزي ببغداد، فكان من كبار الشافعية، وسمع من الشبلي، والموجودين في تلك الطبقة، ولقيه الحاكم ببخاري، ثم قدم نيسابور، ونزل عند القاضي أبي بكر الحيري، ومات في نصف المحرم من سنة خمس وتسعين وثلاث مائة. محمد بن القاسم بن أحمد بن بادشاة أبو عبد الله الأصبهاني الشافعي المتكلم الأشعري، المعروف بالنتيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 ذكره أبو نعيم الحافظ، فقال: كثير المصنفات في الأصول، والفقه، والأحكام، وكان ينتحل مذهب الأشعري، روى عن: علي بن إسحاق المادراني، ومحمد بن سليمان المالكي، وأبي علي اللؤلئي، قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: ولعله قد أدرك بالبصرة أبا الحسن الأشعري، وتوفي في ربيع الأول سنة إحدى وثمانين وثلاث مائة. محمد بن القاسم أبو بكر المصري الشافعي، ويعرف بوليد روى عن: النسائي، وبيان الجمال الزاهد، وعباس البصري، وعنه: يحيى بن علي الطحان، وقال: توفي في جمادى الآخرة سنة اثنتين وسبعين وثلاث مائة، عن خمس وثمانين سنة. محمد بن محمد بن جعفر أبو بكر البغدادي الدقاق الفقيه الشافعي قال الحاكم: ويلقت بخباط، صنف كتابا في أصول الفقه على قواعد مذهب الشافعي، ومن اختياراته أن مفهوم اللقب حجة. وقال الشيخ أبو إسحاق في طبقات الشافعية: ولد سنة ست وثلاث مائة، ومات سنة اثنتين وتسعين وثلاث مائة، وكان فقيها أصوليا، شرح المختصر، وولى القضاء بكرخ بغداد. وقال الخطيب البغدادي: أنا أحمد بن محمد العتيقي، قال: سنة ثنتين وتسعين وثلاث مائة، فيها توفي القاضي أبو بكر محمد بن محمد بن جعفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 الدقاق الشافعي، يلقب خباط، وكان فاضلا، عالما بعلوم كثيرة، وله كتاب في الأصول على مذهب الشافعي، وكانت فيه دعابة. وذكر الخطيب: أنه ولد لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاث مائة، وأنه توفي يوم الأربعاء الثاني والعشرين من رمضان سنة ثنتين وتسعين وثلاث مائة، رحمه الله. قال الخطيب البغدادي: إنما روى حديثا لم يكن عنده سواه، أخبرناه القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي الصيمري، ثنا أبو بكر محمد بن محمد، المعروف بابن الدقاق القاضي، ثنا أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول، ثنا أبو بكر بن محمد بن العلاء الهمداني، ثنا عبد الله بن إدريس، ثنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: جلد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وغرب، وجلد أبو بكر وغرب، وجلد عمر وغرب، وجلد عثمان وغرب، ثم قال الخطيب: قال لي الصيمري: لم يكن عند ابن الدقاق غير هذا الحديث، وذاك أن كتبه احترقت، وكان يذكر هذا الحديث من حفظه، وبلغني أنه لم يكن عند ابن البهلول عن أبي كريب غير هذا الحديث، أخبرني بذلك جميعه شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي، قراءة عليه من لفظه، أنا أبو العز يوسف بن يعقوب بن المجاور، أنا أبو اليمن الكندي، أنا أبو منصور القزاز، عن الحافظ أبي بكر الخطيب به. محمد بن محمد بن شاذة أبو الحسين الكرابيسي النيسابوري الفقيه الزاهد كان من أصحاب الشيخ أبي بكر بن إسحاق الضبعي، وسمع الحديث من: ابن خزيمة، وأبي العباس السراج، وروى عنه: الحاكم، وأرخ وذكر أنه كان يتجر ثم ترك ذلك، ولزم المجاورة بالجامع، فكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 يصلي طول نهاره، ويصوم، ويفتي، وتوفي سنة ثنتين وسبعين وثلاث مائة. محمد بن محمد الفقيه أبو بكر ابن الفقيه أبي الحسن الماسرجسي درس الفقه على أبيه خمس سنين، وسمع الحديث ببلاد كثيرة، توفي سنة تسع وثمانين وثلاث مائة، عن أربع وثلاثين سنة، وصلى عليه الإمام أبو الطيب سهل الصعلوكي، رحمه الله. المعافى بن زكريا بن يحيى بن حميد القاضي أبو الفرج النهرواني، المعروف بابن طرارا الجريري لأنه كان على مذهب أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، وقد تقدمت ترجمته في الشافعية، روى عن: أبي القاسم البغوي، وأبي بكر بن أبي داود، وابن صاعد، وغيرهم، وعنه: أبو القاسم الأزهري، وأبو الطيب، وجماعة، قال الخطيب البغدادي: كان من أعلم الناس في الفقه، والنحو، واللغة، وأصناف الأدب، وولى القضاء بباب الطاق، وكان على مذهب ابن جرير، قال: وبلغنا عن أبي محمد الباقي الفقيه، أنه كان، يقول: إذا حضر القاضي أبو الفرج فقد حضرت العلوم كلها. قال الخطيب: وحدثني القاضي أبو حامد الدلوي، قال: كان أبو محمد الباقي، يقول: لو أوصى رجل بثلث ماله أن يدفع إلى أعلم الناس، لوجب أن يدفع إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 المعافى بن زكريا، قال الخطيب: وسألت البرقاني عنه، فقال: كان أعلم الناس، وكان ثقة، توفي بالنهروان، في ذي الحجة سنة تسعين وثلاث مائة، عن خمس وثمانين سنة، رحمه الله. يحيى بن أحمد بن محمد أبو عمرو العدل المخلدي كان من مشايخ أهل البيوتات، ومن العباد المجتهدين، ومن قراء القرآن العظيم، وحدث بتاريخ ابن أبي خيثمة، عن شيخ، عنه، وروى عن جماعة، وتوفي سنة ثلاث وثمانين وثلاث مائة، وذكره ابن الصلاح. يوسف بن القاسم بن يوسف بن فارس بن سوار القاضي أبو بكر الميانجي الشافعي نائب الحكم بدمشق، عن قاضي مصر، والشام، وأبي الحسن بن علي بن النعمان، وكان الميانجي سيد الشام في زمانه، سمع الحديث من: أبي خليفة، وزكريا الساجي، وعبدان الأهوازي، ومحمد بن جرير، والقاسم المطرز، والباغندي، وأبو العباس السراج، وخلق، وكان سماعه قبل الثلاث مائة، ورحل، وطوف، ثم استوطن دمشق، وروى عنه: ابن أخيه صالح بن أحمد، وأحمد بن الحسن الطيان، وعلي بن السمسار، وخلق كثير، قال الفقيه أبو الوليد الباجي: هو محدث مشهور، لا بأس به، وقال عبد العزيز بن الكناني: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 حدثنا عنه فوق الأربعين، وكان مولده قبل التسعين ومائتين، وكان ثقة، نبيلا، وقال غيره: توفي في شعبان سنة خمس وسبعين وثلاث مائة. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الإِمَامِ الْعَلامَةِ الْحَافِظِ جَمَالِ الدِّينِ أَبِي الْحَجَّاجِ يُوسُفَ ابْنِ الزَّكِيِّ الْمُزَكِّي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ الْمِزِّيِّ: أَخْبَرَكَ أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ الأَنْصَارِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: أنا أَبُو الْغَنَايِمِ الْمُسْلِمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ النَّصِيبِيُّ، أنا الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ ابْنُ عَسَاكِرَ، أنا الشَّرِيفُ النَّسِيبُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُسَيْنِيُّ، أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ يُوسُفَ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ فَارِسٍ الْمَيَانَجِيِّ، بِمَدِينَةِ دِمَشْقَ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ، قِيلَ لَهُ: أَخْبَرَكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، ثنا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ، وَيَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلانِ، وَأَنَا أَكْثَرُ النَّاسِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وَبِهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوَّلُ شَفِيعٍ فِي الْجَنَّةِ» . صَلَوَاتُ اللَّهِ، وَسَلامُهُ عَلَيْهِ قال الشيخ أبو إسحاق: ومنهم: الحسين الأردبيلي، درس ببغداد، وتوفي سنة إحدى وثمانين وثلاث مائة. قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقة أبي زيد المروزي، ودونه: ومنهم: أبو علي الزجاجي الطبري من أصحاب أبي العباس بن العاص، وله كتاب زيادة المفتاح، وعنه أخذ فقهاء آمل، ودرس عليه شيخنا أبو الطيب الطبري، رحمه الله، ومنهم: الحسن بن خيران البغدادي، صاحب الكتاب اللطيف، درس عليه شيخنا أبو الحسن بن رامين، ومنهم: أبو عبد الله الحناط فقيه فارس، ومنهم: أبو عبد الله الحناطي الطبري من أئمة طبرستان، وقدم بغداد في أيام أبي حامد الإسفراييني. ومنهم: أبو نصر بن أبي عبد الله الحناط الشيرازي، أخذ عن أبيه، وكان فقيها، أصوليا، فصيحا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 صوفيا، شاعرا، مات معتلا في طريق مكة، وله مصنفات كثيرة، في الفقه، وأصول الفقه، وعنه أخذ فقهاء شيراز، وهو الذي يقول في كتاب المزني: هذا الذي لم أزل أطوي وأنشره ... حتى بلغت به ما كنت آمله قدم عليه وجانب من يجانبه ... فالعلم أنفس شيء أنت حامله أحمد بن الحسين بن مهران أبو بكر المقري الزاهد من أهل نيسابور، قال ابن الصلاح في طبقات الشافعية: كان رفيع المنزلة في فنه، مصنفا، مجيدا في أصناف علمه، سمع الحديث من: ابن خزيمة، وأبي العباس السراج، وغيرهما، وحدث بأشياء، وأثنى الحاكم عليه، وذكر عنه أنه كان يختار أن يقال في سجود التلاوة: {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا} [الإسراء: 108] وعزاه بعضهم إلى الشافعي، نقله ابن الصلاح. أحمد بن الحسين أبو الحسين الرازي، المعروف بالفناكي تفقه بالعراق، وخراسان، على غير واحد من الأئمة، قال ابن الصلاح: رأيت له كتاب المناقضات، ومضمونه الحصر والاستثناء، وسمع تلخيص ابن القاص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 الطبقة الخامسة من أصحاب الإمام الشافعي المرتبة الأولى منها من أول سنة إحدى وأربع مائة إلى آخر سنة عشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 أحمد بن إسحاق بن خربان أبو عبد الله النهاوندي ثم البصري تفقه على القاضي أبي حامد المروزي، وسمع الحديث من: محمد بن أحمد الربيعي، وأبي بكر بن داسة، وغيرهم، وقدم بغداد فحدث بها، وروى عنه: أبو بكر البرقاني، وغيره، قال الخطيب: وكان ثقة، وتوفي بالبصرة، في حدود سنة عشر وأربع مائة، ذكره ابن الصلاح. أحمد بن أبي طاهر محمد بن أحمد ابن الشيخ الإمام أبو حامد الإسفراييني، ثم البغدادي شيخ الشافعية بلا مدافعة، ولد سنة أربع وأربعين وثلاث مائة، وقدم بغداد سنة أربع وستين، فتفقه على أبي الحسن بن المرزبان، ثم على أبي القاسم الداركي، وروى الحديث عن: الدارقطني، وأبي بكر الإسماعيلي، وأبي أحمد بن عدي، وجماعة، وأخذ عنه الفقهاء، والأئمة ببغداد، وكان من مشاهيرهم: القاضي أبو الطيب الطبري، والماوردي، والمحاملي، والفقيه سليم بن أيوب الرازي، والشيخ أبو علي السنجي، وشرح المختصر في تعليقته، التي هي في خمسين مجلدا، ذكر فيها خلاف العلماء، وأقوالهم، ومآخذهم، ومناظراتهم، حتى كان يقال له: الشافعي الثاني، قال الشيخ أبو إسحاق في الطبقات: انتهت إليه رياسة الدين، والدنيا ببغداد، وعلق عنه تعاليق في شرح المزني، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 وطبق الأرض بالأصحاب، وجمع مجلسه ثلاث مائة متفقه، واتفق الموافق والمخالف، على تفضيله، وتقديمه، في جودة الفقه، وحسن النظر، ونظامة العلم، رحمه الله. وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: حدثونا عنه، وكان ثقة، وقد رأيته، وحضرت تدريسه في مسجد عبد الله بن المبارك، وسمعت من يذكر أنه: كان يحضر درسه سبع مائة فقيه، وكان الناس، يقولون: لو رآه الشافعي لفرح به، وحدثني الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، أنه قال: سألت القاضي أبا عبد الله الصيمري من أنظر ما رأيت من الفقهاء؟ فقال أبو حامد الإسفراييني، قال الخطيب: ومات في شوال سنة ست وأربع مائة، وكان يوما مشهودا، دفن في داره، ثم نقل سنة عشر إلى باب حرب، ذكر الشيخ سليم: أن الشيخ أبا حامد في أول أمره كان يحرس في درب، فكان يطالع الدرس على زيت الحرس، وأنه أفتى وهو ابن سبع عشرة سنة، قلت: ثم صار بعد ذلك شيخ وقته، وإمام عصره، وفريد دهره، ونسيج وحده، وصارت له الوجاهة الكبيرة عند الملوك، والخلفاء، والمناظرات التي تحيد عنها فصاحة البلغاء، والسيرة التي تقاصر عنها من بادة الأضراب النظراء حتى قال الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح في حديث: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة، من يجدد لهذه الأمة أمر دينها» : كان الشافعي في رأس الثانية، وابن سريج في الثالثة، والشيخ أبو حامد في الرابعة، فرحمه الله وأكرمه، وذكر الشيخ أبو إسحاق، وابن الصلاح: أن الشيخ أبا حامد عاد، أبا الفرج الرازي، فأنشده الدارمي حين جاءه: مرضت فارتحت إلى عائد ... فعادني العالم في واحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 ذاك الإمام ابن أبي طاهر ... أحمد ذو الفضل أبو حامد وحكى ابن الصلاح من شعر الشيخ أبي حامد، رحمه الله تعالى: لا يغلون عليك الحمد في ثمن ... فليس حمد، وإن أثمنت بالغالي الحمد يبقى على الأيام، ما بقيت ... والدهر يذهب بالأحوال، والمال أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى أبو حامد النيسابوري الشافعي، المعروف بأميرك بن ذر قال عبد الغافر الفارسي: نبيل، موثوق به، أصيل، روى عن الأصم، وأقرانه، وأخبرنا عنه أبو صالح المؤذن، ومحمد بن يحيى، وذكره الحافظ الذهبي في المتوفين في حدود سنة عشر وأربع مائة. أحمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو عبيد الهروي ثم الفاشاني وفاشان من قرى هراة، المؤدب اللغوي، مصنف الغريبين في القرآن والحديث، وهو من الكتب النافعة، السائرة المشهورة، وهو تلميذ الأزهري، قال ابن الصلاح في الطبقات: روى الحديث عن: أحمد بن محمد بن ياسين، وأبي إسحاق أحمد بن محمد بن يونس البزار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 الحافظ، وعنه: أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، وأبو عمر عبد الواحد بن أحمد المليجي كتاب الغريبين. وقال القاضي ابن خلكان في الوفيات: قيل: إنه كان يحب البذلة، ويتناول في الخلوة، ويعاشر أهل الأدب في مجالس اللذة والطرب، عفا الله عنه وعنا، وتوفي في رجب سنة إحدى وأربع مائة. أحمد بن علي بن عمرو بن أحمد بن عنبر الحافظ أبو الفضل السليماني البخاري والسليماني: نسبة إلى جده لأمه أحمد بن سليمان بن قرينام بن حازم المؤذن، قال الحاكم: كان يحفظ الحديث، ورحل فيه، وكان من الفقهاء الزهاد، قال: ورأيته ببخاري على رسمه في طلب العلم، ومجالسة الصالحين، ولزوم الجماعة، ذكره ابن الصلاح. أحمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن عوانة القاضي أبو طالب الشافعي ذكره ابن الصلاح، ولم يؤرخ وفاته. أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن جعفر القرشي الهروي، المعروف بالإمام، والد أبي بكر، ومفتي هراة أخذ عن: أبي الوليد النيسابوري، وأبي علي بن أبي هريرة البغدادي، هذا لفظ ابن الصلاح. الحسن بن أحمد بن محمد بن الليث الحافظ أبو علي الكشي، ثم الشيرازي الفقيه المقرئ المجيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 سمع الحديث ببغداد من: إسماعيل الصفار، وعبد الله بن درستويه، وبنيسابور من: الأصم، وابن الأخرم الشيباني، وبأصبهان من: أبي محمد بن فارس، وبفارس من: الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي، ومن أصحابه: زيد بن عمر بن خلف الحافظ، ومحمد بن موسى الحافظ، وأحمد بن عبد الرحمن الحافظ، وروى عنه: الحاكم النيسابوري، وقال: كان مقدما في معرفة القراءات، حافظا للحديث، رحالا، وذكره أبو عمرو بن الصلاح في الطبقات مختصرا، وقال: هو والد الليث، وأبي بكر، توفي لثماني عشرة مضت من شعبان سنة خمس وأربع مائة، وقال الشيخ أبو إسحاق في أهل هذه الطبقة: ومنهم: القاضي أبو محمد الحسن بن أحمد، المعروف بالحداد البصري، أحد فقهاء أصحابنا، لا أعلم على من درس ولا وقت وفاته، ورأيت له كتابا في أدب القضاء دل على فضل كثير. الحسن بن الحسين بن حمكان أبو علي الهمذاني الفقيه الشافعي نزيل بغداد روى عن: جعفر الجلدي، وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب، وعلي بن إبراهيم علان البلدي، وأبي بكر محمد بن الحسن النقاش، وغيرهم، حتى قد روى عنه، أنه قال: كتبت بالبصرة عن أربع مائة وسبعين شيخا، فالله أعلم، وعنه جماعة منهم: أحمد بن علي التوذي، ومحمد بن جعفر الإستراباذي، وأبو القاسم الأزهري، وكان يضعفه، ويقول: ليس بشيء في الحديث، قلت: له كتاب في مناقب الإمام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 الشافعي، ذكر فيه مذاهب كثيرة، وأشياء تفرد بها، وكنت قد كتبت منها شيئا في ترجمة الإمام، فلما قرأتها على شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي، أمرني: أن أضرب على أكثرها لضعف ابن حمكان، والله أعلم، توفي سنة خمس وأربع مائة، وذكره الشيخ أبو إسحاق مختصرا، فقال: ومنهم: أبو علي الحسن بن الحسين بن حمكان الهمذاني، صاحب أبي حامد المروزدي، سكن بغداد، ودرس بها. الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم القاضي أبو عبد الله الحليمي البخاري أوحد الشافعيين بما وراء النهر، وأنظرهم، وآدابهم، بعد أستاذيه أبي بكر القفال، والأوداني، وكان مقدما، فاضلا كبيرا له مصنفات مفيدة، فنقل منها الحافظ البيهقي كثيرا، وسمع: أبا بكر محمد بن أحمد بن حبيب، وبكر بن محمد المروزي، وغيرهما، وعنه: الحاكم مع تقدمه، وأبو سعد الكنجرودي، وأبو زكريا عبد الرحيم البخاري، كان مولده بجرجان، وقيل: ببخاري، سنة ثمان وثلاثين وثلاث مائة، وتوفي في ربيع الأول سنة ثلاث وأربع مائة. الحسن بن أسعد بن محمد بن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بن خالد بن حراز علي القرشي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 الفقيه الشروطي من أهل هراة لذا ذكره ابن الصلاح ولم يرد. سهل بن محمد بن سليمان بن محمد الإمام أبو الطيب ابن الإمام أبي سهل العجلي الحنفي الصعلوكي النيسابوري أحد أئمة الشافعية، ومفتي نيسابور، وابن شيخها ومفتيها، وتفقه على أبيه، وسمع: أبا العباس الأصم، وأبا علي الرفا، وجماعة من أقرانهما، وروى عنه جماعة، منهم: الحاكم، والبيهقي، ومحمد بن سهل، وأبو سعد السادباجي. وقال الحاكم: هو أنظر من رأينا، وكان أبوه يجله، ويقول: سهل والد، قال: وقد تخرج به جماعة، وحدث وأملى، وبلغني أنه كان في مجلسه أكثر من خمس مائة محبرة. وقال الشيخ أبو إسحاق: كان فقيها، أدبيا، جمع رئاسة الدين والدنيا، وأخذ عنه فقهاء نيسابور، ومن بديع كلامه: من تصدى قبل أوانه، فقد تصدى لهوانه، وقوله: إذا كان رضا الخلق معسورا لا يدرك، كان ميسوره لا يترك، وقوله: إنما تحتاج إلى إخوان العشرة لزمان العسرة، توفي في رجب سنة أربع وأربع مائة. عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن سورة بن سعيد أبو سعيد من أهل نيسابور، وفقهائها الشافعية، ذكره الخطيب، وقال: روى عن: ابن عبد، وأبي طاهر حفيد ابن خزيمة، كذا ترجمه ابن الصلاح. عبد الواحد بن الحسين أبو القاسم الصيمري أحد أئمة الشافعية، وأصحاب الوجوه، قال ابن الجوزي: وصيمر نهر من أنهار البصرة، حضر مجلس القاضي أبي حامد المروزي، وتفقه بصاحبه الفقيه أبي الفياض البصري، وأخذ عنه، أقضى القضاة، الماوردي، ورحل الناس للتفقه عليه. قال الشيخ أبو إسحاق: وكان حافظا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 للمذهب، حسن التصانيف، وله كتاب الإيضاح في المذهب وهو كتاب جليل، ومن غرائب وجوهه، أنه لا يجوز لمن يعض يديه نجس مس مصحف، وإنه لا يملك الكلأ النابت في الأرض مالكها. قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي، في تاريخ سنة خمس وأربع مائة بعد إيراد ترجمته: كان موجودا بالبصرة في هذا العصر، ولا أعلم تاريخ موته، وإنما ذكرته هاهنا اتفاقا، وذكره الشيخ تقي الدين بن الصلاح في الطبقات، فقال: كانت وفاته بعد سنة ست وثمانين وثلاث مائة. عبد الواحد بن محمد بن عثمان بن إبراهيم القاضي أبو القاسم بن أبي عمرو البجلي نسبة إلى جرير بن عبد الله البجلي، رضي الله عنه، قال ابن الصلاح: جمع من الفقه وأصوله، وسمع: النجاد، والنقاش، والجلدي، وغيرهم. قال الخطيب البغدادي: كتبنا عنه، وكان ثقة، وتقلد القضاء بدقوقاء، وغيرها، وتوفي في رجب سنة عشر وأربع مائة ببغداد، رحمه الله. عبد الرحمن بن محمد بن سورة بن سعيد أبو سعيد من أهل نيسابور وفقهاء الشافعية ذكره الخطيب وقال روى عن عبد الله وأبي طاهر بن خزيمة كذا ترجمه ابن الصلاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 محمد ابن الإمام أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل أبو نصر الإسماعيلي رحل في صباه، فسمع: أبا العباس، ودعلج بن أحمد، وأبا بكر الشافعي، وغيرهم، وروى عنه: حمزة السهمي، وقال: كان له جاه عظيم، وقبول عند الخاص والعام، في كثير من البلدان، وذكره ابن عساكر في طبقات الأشعرية، توفي في ربيع خمس وأربع مائة. قَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ: أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْعِزِّ، بِطَرَابُلُسَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ حَمْزَةَ، أنا أَبُو رُشَيْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مَنْدَهْ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَلِيلٍ الآمُلِيُّ، ثنا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، ثنا عُمَرُ بْنُ عَوْنٍ، أنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْل أَنْ يَجْلِسَ» محمد بن الحسن بن فورك الأستاذ أبو بكر الأصبهاني الفقيه المتكلم النحوي الأصولي روى الحديث عن: ابن جرير الأهوازي، وسمع مسند أبي داود الطيالسي، من عبد الله بن جعفر الأصبهاني، عن يونس بن حبيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 عنه، وأخذ طريقة الأشعري، عن أبي الحسن الباهلي، وغيره، وذكر أن سبب اشتغاله بعلم الكلام حديث: «الحجر الأسود يمين الله في الأرض» . وروى عنه: الحاكم ومات قبله، والحافظ أبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وآخرون. قال القاضي شمس الدين ابن خلكان في الوفيات: هو الأستاذ أبو بكر المتكلم الأصولي الأديب النحوي الواعظ الأصبهاني، درس بالعراق مدة، ثم توجه إلى الري، فسمعت به المبتدعة، فراسله أهل نيسابور، فورد عليهم، وينوا له بها مدرسة، ودارا، وظهرت بركته على المتفقهة، وبلغت مصنفاته قريبا من مائة مصنف، ودعي إلى مدينة غزنة، وجرت له بها مناظرات، وكان شديد الرد على ابن كرام، ثم عاد إلى نيسابور، فَسُمَّ في الطريق، فمات بقرب بست، ونقل إلى نيسابور، ومشهده بالحيرة ظاهر يزار، ويستجاب الدعاء عنده. قلت: وكذا ذكر أبو محمد ابن حزم، وأبو الوليد الباجي، والشيخ أبو عمرو بن الصلاح، وغيرهم: أن الكرامية وشوا به إلى محمود بن سبكتكين، وناظروه عنده، فأراد قتله ثم تركه، فلما رجع من عنده، بعث من سمه في الطريق، فالله أعلم. وكانت وفاته سنة ست وأربع مائة، رحمه الله. ويقع حديثه في سنن البيهقي كثيرا، فإنه من مشايخه، وقد روى عنه مسند أبي داود الطيالسي بكماله. محمد بن الحسين بن محمد بن القاسم القاضي أبو عمر البساطي الحاكم بنيسابور، وشيخ الشافعية بها، رحل وسمع: بالعراق، والأهواز، وأصبهان، وسجستان، وأملى وأقرأ المذهب، وحدث عن: أبي القاسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 الطبري، وأبي بكر القطيعي، وأحمد بن محمود بن خرزاذ، وجماعة. وروى عنه: الحاكم، ومات قبله، والحافظ أبو بكر البيهقي، وسفيان، ومحمد ابنا الحسين بن منجويه، وكان ابتداء أمره يعقد مجلس الوعظ والتذكير ثم تركه، وأقبل على التدريس، والمناظرة، والفتوى، ثم ولي قضاء نيسابور، سنة ثمان وثمانين وثلاث مائة، فأظهر أهل الحديث من الفرح، والاستبشار، والاستقبال، والثناء، ما يطول شرحه، وكان نظير أبي الطيب سهل بن محمد الصعلوكي، حشمة، وجاها، وعلما، وغيرة، فصاهره أبو الطيب، وجاء من بينهما جماعة سادة وفضلاء، وأعقب اثنين: الموفق، والمؤيد، سيدي عصرهما، وتوفي في ذي القعدة سنة ثمان وأربع مائة، وقيل: سنة سبع وأربع مائة. محمد بن عبد الله بن الحسن العلامة أبو الحسين البصري، المعروف بابن اللبان الفرضي روى عن العباس الأثرم، وسمع سنن أبي داود على محمد بن بكر بن داسة عنه، ورواها عنه القاضي أبو الطيب الطبري، وقد كان أستاذا في الفرائض، وله كتاب مشهور نافع، وله علوم أخر، وبنيت له مدرسة ببغداد، وكان يدرس بها، ويبعه له راتبه خوارزم شاه كل سنة، برفد ونوال، ثم خربت تلك المدرسة بعد. وقال الشيخ أبو إسحاق في الطبقات: كان ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 اللبان إماما في الفقه والفرائض، صنف فيها كتبا كثيرة ليس لأحد مثلها، وأخذ عنه أئمة وعلماء. وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: كان ثقة، وانتهى إليه علم الفرائض، وصنف فيها كتبا، وتوفي في ربيع الأول سنة اثنتين وأربع مائة، رحمه الله. قلت: له اختيارات غريبة، وأقوال عجيبة، فمن ذلك ما حكاه أبو الحسين بن القاضي أبي يعلى بن الفراء الحنبلي، في كتابه رءوس المسائل، عن أبي الحسين بن اللبان من أصحابنا: أنه أوجب الزكاة في المال إذا ملكه، وإن لم يمض عليه حول، وهو مروي عن ابن عباس، وجماعة من السلف، وأنه جوز لأحد الشريكين تزويج نصيب شريكه من الجارية، ويحل له بالملك والتزويج، وأن الحرة إذا ملكت زوجها العبد لا ينفسخ نكاحه، وأن الموطوءة بشبهة لا مهر لها، وأن المطلقة ثلاثا إن كانت ممن تحيض استبرأت بحيضة فقط، ولا عدة عليها سواها، فإن كانت صغيرة، أو آيسة، فلا شيء عليها، وتحل للأزواج في الحال، وكذا المتوفى عنها زوجها قبل الدخول لا عدة عليها "، كما هو محكي عن زيد بن ثابت، وأن الدية في قتل الخطأ في مال الجاني لا على عاقلته، وهو محكى عن الخوارج، هكذا نقلها في كتابه المذكور، وهو مشهور، وهذه اختيارات غريبة جدا، والله أعلم. قال الشيخ أبو إسحاق في الطبقات: وممن أخذ عن أبي الحسين الفرائض: أبو أحمد بن أبي مسلم الفرضي، أستاذ الشيخ أبي حامد في الفرائض، وأبو الحسين محمد بن يحيى بن سراقة الفقيه الفرضي، وأبو الحسين أحمد بن محمد بن يوسف الكازروني، الذي لم يكن في زمانه أفرض منه ولا أحسب، وممن أخذ عنه: شيخنا أبو الحسن السيرجي الفرضي الحاسب، وكان أبو الحسين بن اللبان، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 يقول: ليس في الأرض فرضي، إلا من أصحابي، أو من أصحاب أصحابي، أو لا يحسن شيئا. قال الخطيب البغدادي: حدثني أبو بكر محمد بن علي الدينوري، سمعت أبا الحسين الفرضي، يعني: بن اللبان، سمعت أبا بكر بن داسة، يقول: سمعت أبا داود، يقول: كتبت عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خمس مائة ألف حديث انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب، يعني: كتاب السنن، جمعت منه أربعة آلاف وثمان مائة حديث، ذكرت الصحيح، وما يشبهه، ويقاربه، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث، أحدها، قوله، عليه الصلاة السلام: «الأعمال بالنيات» ، والثاني، قوله: «من حسن إسلام المرء، تركه ما لا يعنيه» ، والثالث، قوله: «لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يحب لأخيه ما يرضى لنفسه» ، والرابع، قوله: «الحلال بين والحرام بين» ، الحديث، والله أعلم، قال ابن اللبان: أنشدنا أشياخنا، عن عبد الله بن كثير، حين سأله أهل مكة، أن يقرئهم القرآن بعد وفاة مجاهد، رحمه الله، فقال: بني كثير كثير الذنوب ... ففي الحل والبل من كان سبه بني كثير دهته اثنتان ... رياء وعجب يخالطن قلبه بني كثير أكول نؤوم ... وليس كذلك من خاف ربه بني كثير يعلم علما ... لقد أعوز الصوف من جز كلبه قال المؤلف، رضي الله عنه، الشيخ الإمام العلامة عماد الدين إسماعيل بن كثير القرشي: ويروي هذه الأبيات محمد بن كثير البغدادي، فالله أعلم. محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم الضبي الطهماني الحافظ أبو عبد الله الحاكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 النيسابوري، المعروف بابن البيع صاحب المستدرك، وغيره من الكتب المشهورة، رحل في طلب الحديث، وسمع الكثير عن شيوخ يزيدون على ألفين، كان مولده سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة، في يوم الاثنين ثالث ربيع الأول منها، وطلب العلم من صغره باعتناء أبيه وخاله، فكان أول سماعه منه سنة ثلاثين، واستملى على أبي حاتم بن حبان سنة أربع وثلاثين، ورحل إلى العراق سنة إحدى وأربعين، وتفقه على الفقيه أبي الوليد حسان بن محمد، وأبي علي بن أبي هريرة، وأبي سهل الصعلوكي، وغيرهم، ومن أعيان مشايخه أبو العباس الأصم، وأبو عبد الله بن الأخرم، وأبو عمرو ابن السماك، وأبو بكر النجار، وأبو علي النيسابوري الحافظ , وعبد الباقي بن قانع، ومحمد بن حاتم بن خزيمة الكيسي صاحب عبد بن حميد، وروى عنه: الحافظ أبو الحسن الدارقطني، أحمد بن أبي عثمان الحيري، وأبو بكر القفال الشاشي، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي، وابن المظفر، وكل هؤلاء من شيوخه، وروى عنه: أبو ذر الهروي، والحافظ أبو بكر البيهقي، فأكثر عنه، وبكتبه تفقه وتخرج، ومن بحره استمد، وعلى منواله مشى، والحافظ أبو يعلى الخليلي بن عبد الله الخليل، والأستاذ أبو القاسم القشيري، وخلق، وآخرهم موتا: أبو بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي، ورحل إليه الناس من الآفاق، وحدثوا عنه في حياته، ومن أغرب ذلك أن الشيخ أبا عمر الطلمنكي الفقيه المالكي، كتب علوم الحديث للحاكم، عن شيخ له سنة تسع وثمانين وثلاث مائة، بسماعه من صاحب الحاكم عن الحاكم، ذكره الحافظ أبي يعلى الخليلي فعظمه، وقال: له رحلتان إلى العراق والحجاز، والرحلة الثانية سنة ثمان وستين، وناظر الدارقطني فريضة، وهو ثقة، واسع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 العلم، بلغت تصانيفه للكتب الطوال، والأبواب، وجمع الشيوخ قريبا من خمس مائة جزء، يستقصى في ذلك، يؤلف الغث والسمين، ثم يتكلم عليه فيبين ذلك، وتوفي في سنة ثلاث وأربع مائة، كذا قال: سنة ثلاث، وقد وهم، وإنما توفي سنة خمس وأربع مائة، كما سيأتي بيانه في آخر الترجمة. وقال الحافظ أبو بكر الخطي: كان ثقة، أول سماعه منه سنه ثلاثين وثلاث مائة، وكان يميل إلى التشيع، فحدثني إبراهيم بن محمد الأموري بنيسابور، وكان صالحا، عالما، قال: جمع أبو عبد الله الحاكم أحاديث، وزعم أنها صحاح على شرط البخاري، ومسلم، منها: حديث الطائر، ومن كنت مولاه فعلي مولاه، فأنكر عليه أصحاب الحديث ذلك، ولم يلتفتوا إلى قوله. وقال أبو عبد الرحمن الشاذياخي: كنا في مجلس السيد أبي الحسن، فسئل الحاكم عن حديث الطير، فقال: لا يصح، ولو صح لما كان أحد أفضل من علي بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، وقال محمد بن طاهر المقدسي: سألت أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري، عن الحاكم، فقال: ثقة في الحديث، رافضي خبيث، قال ابن طاهر: وكان الحاكم شديد التعصب للشيعة، في الباطن، وكان يظهر السنن في التقدم والخلافة، وكان منحرفا، غاليا، عن معاوية، وأهل بيته، يتظاهر به، ولا يعتذر منه، فسمعت أبا الفتح سمكويه بهراة، يقول: سمعت عبد الواحد المليجي، يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي، يقول: دخلت على أبي عبد الله الحاكم، وهو في داره لا يمكنه الخروج إلى المسجد من أصحاب أبي عبد الله بن كرام، وذلك أنهم كسروا منبره، ومنعوه من الخروج، فقلت له: لو خرجت، وأمليت في فضائل هذا الرجل، يعني: معاوية، حديثا لاسترحت من هذه المحنة، فقال: لا يجئ من قلبي، لا يجئ من قلبي، سمعت أبا محمد بن السمرقندي، يقول: بلغني أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 مستدرك الحاكم ذكر بين يدي الدارقطني، فقال: نعم يستدرك عليهما حديث الطير، فبلغ ذلك الحاكم، فأخرج الحديث من الكتاب، قال شيخنا أبو عبد الله الحافظ الذهبي: قلت: لا بل هو في المستدرك، بل وفيه أشياء موضوعة، نعوذ بالله من الخذلان، ثم قال ابن طاهر: ورأيت أن حديث الطير، جمع الحاكم في جزء ضخم بخطه. قال ابن طاهر: وسمعت المظفر بن حمزة بجرجان، يقول: سمعت أبا سعد الماليني، يقول: طالعت كتاب المستدرك على الشيخين الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره، فلم أر فيه حديثا على شرطهما، قال شيخنا الذهبي: وهذا إسراف، وغلو من الماليني، وإلا ففي، هذا المستدرك جملة وافرة على شرطهما، وجملة وافرة على شرط أحدهما، لعل مجموع ذلك نحو نصف الكتاب، وفيه نحو الربع مما صح سنده، وفيه بعض الشيء معلل، وما بقي، وهو نحو الربع مناكير وواهيات لا يصح، وفي بعض ذلك موضوعات قد أعلمت عليها لما اختصرته. قلت: لم يطرد ولا انعكس، فإنه قد أخرج أحاديث مما في الصحيحين، أو أحدهما، وفيه ما ليس على شرطهما ولا أحدهما، وكذا قال الشيخ تقي الدين بن الصلاح: وقد أخطأ الكثير، وتسامح كثيرا، واتسع خطوه، وقال الحافظ أبو حازم عمر بن أحمد العبدوي: سمعت الحاكم أبا عبد الله إمام أهل الحديث في عصره، يقول: شربت ماء زمزم، وسألت الله أن يرزقني حسن التصنيف، قال عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي: أبو عبد الله الحاكم، هو إمام أهل الحديث في عصره، العارف به حق معرفته، وبيته بيت الصلاح، والزهد، والورع، والتأذين في الإسلام، ولد سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة، ولقي عبد الله بن محمد بن السيرفي، وأبا حامد بن بلال، وأبا علي الثقفي، ولم يسمع منهم، وسمع من: أبي طاهر المجد أبادي، وأبي بكر القطان، ولم يظفر بمسموعه منهما، وتصانيفه المشهورة تطيح بذكر شيوخه، وقد قرأ القرآن بخراسان، والعراق، على قراء وقته، وتفقه على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 أبي الوليد حسان، والأستاذ أبي سهل، واقتصر بصحبة إمام وقته أبي بكر أحمد بن إسحاق الضبعي، فكان الإمام يراجعه في السؤال، والجرح، والتعديل، والعلل، وأوصى إليه في أمور مدرسته دار السنة، وفوض إليه تولية أوقافه في ذلك، وذاكر مثل الجعاني، وأبي على الماسرجسي، الذي كان أحفظ أهل زمانه، وقد شرع الحاكم في التصنيف سنة سبع وثلاثين، فاتفق له من التصنيف ما لعله يبلغ قريبا من ألف جزء، من تخريج الصحيحين، والعلل، والتراجم، والأبواب، والشيوخ، ثم المجموعات، مثل معرفة علوم الحديث، ومستدرك الصحيحين، وتاريخ النيسابوريين وكتاب مزكي الأخبار، والمدخل إلى علم الصحيح، وكتاب الإكليل، وفضائل الشافعي، وغير ذلك، ولقد سمعت مشايخنا يذكرون أيامه، ويحكون أن مقدمي عصره، مثل الأستاذ أبي سهل الصعلوكي، وأبي بكر بن فورك، وسائر الأئمة، يقدمونه على أنفسهم، ويراعون حق فضله، ويعرفون له الحرمة الأكيدة، ثم أطنب عبد الغافر في مدحه، وذكر فضائله، وفوائده، ومحاسنه، إلى أن قال: مضى إلى رحمة الله، ولم يخلف بعده مثله، في ثامن صفر سنة خمس وأربع مائة، وقد ترجمه الحافظ بن موسى المديني في مصنف مفرد، وذكر أنه دخل الحمام، واغتسل وخرج، فقال: آه، وقبض روحه، وهو متزر، ولم يلبس القميص بعد، وصلى عليه القاضي أبو بكر الحيري، رحمه الله. محمد بن محمد بن محمش بن علي بن داود بن أيوب بن محمد الفقيه أبو طاهر الزيادي الأديب الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 كان إمام أصحاب الحديث، وفقيههم، ومفتيهم بلا مدافعة بنيسابور، وكان إماما في علم الشروط، وصنف فيه كتابا، وله معرفة جيدة قوية بالعربية، روى عن: أبي العباس الأصم، وأبي حامد بن بلال، ومحمد بن الحسين القطان، وجماعة، وعنه: الحاكم، وأثنى عليه، ومات قبله، والبيهقي، والقشيري، وخلق، ولد سنة سبع عشرة وثلاث مائة، ومات في شعبان سنة عشر وأربع مائة، ومن مفرداته، أنه يجوز للذمي إحياء الموات في دار الإسلام بإذن الإمام، قال النواوي: وقال الجمهور: لا يجوز كما لا يجوز بغير إذنه بالاتفاق. محمد بن يحيى بن سراقة أبو الحسن العامري البصري الفقيه الشافعي الفرضي المحدث صاحب التصانيف في الفقه، والفرائض، وأسماء الضعفاء، والمتروكين، أقام بآمد مدة، روى عن: ابن داسة، وابن عباد، والهجيمي، ورحل إلى فارس، وأصبهان، والدينور، وله تصنيف حسن في الشهادات، وأخذ كتاب الضعفاء عن أبي الفتح الأزدي، ثم نقحه، وراجع فيه الدارقطني، ذكره الذهبي في المتوفين في حدود سنة عشر وأربع مائة، وذكره ابن الصلاح في الطبقات، وقال: كان حيا في سنة أربع مائة، وذكر أنه: كانت له رحلة في الحديث، وعناية به، ومعرفة بعلم الفرائض، والضعفاء من الرجال. علي بن الحسين بن أبي بكر أحمد بن الحسن الحافظ أبو الفضل الهمداني، المعروف بابن الفلكي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 نسبة إلى معرفة هيئة الفلك وحسابه، رحل، وصنف الأشياء المفيدة، فمنها: كتاب الألقاب، ومنها: منتهى الكمال في معرفة الرجال، في ألف جزء، وكان حافظا، متقنا، قال شيخ الإسلام الأنصاري: ما رأت عيناي في البشر أحدا أحفظ منه، وذكره ابن الصلاح في الطبقات، ولم يؤرخ وفاته. علي بن الحسين القاضي أبو الحسن الجوري قال ابن الصلاح: كان أحد الجلة الشافعية، لقي أبا بكر النيسابوري، وروى عنه، وصنف، فمن تصانيفه: (الرشد) في عشر، و (الموجز) على ترتيب المختصر، واختار فيه أن الزاني لا ينكح إلا مثله، وأنه من زنى بعد العقد قبل الدخول انفسخ، قال: واحتج بالآية: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: 3] ، وأنكر أن تكون منسوخة، بقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] ، وقال أتى بكلام فيه روح، قال: وأختار أني لا أخرج إلا الطالبين، وحكى فيه عن أبي عبيد بن حربويه، أنه إذا حرم دارا، أو ثوبا، أو شيئا يلزمه الكفارة، كما في تحريم الزوج، وحكى قولين في نفقه الوالد على الابن الكافر، ولم يؤرخ وفاته. يوسف بن أحمد بن كج القاضي أبو القاسم الدينوري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 أحد المشاهير في المذهب، وحفاظه، وأصحاب الوجوه فيه، تفقه بأبي الحسين بن القطان، وحضر مجلس الداركي أيضا، انتهت إليه الرياسة ببلاده في المذهب، رحل الناس إليه رغبة فِي علمه، وجوده، حتى أنه فضل على الشيخ أبي حامد الإسفراييني ببغداد، قال رجل لابن كج: يا أستاذ، الاسم لأبي حامد، والعلم لك، فقال: ذاك رفعته بغداد، وحطتني الدينور. قلت: ومع هذا له وجوه غريبة فِي المذهب، قتلته العيارون ليلة السابع والعشرين من رمضان سنة خمس وأربع مائة، رحمه الله، وهكذا ترجمه الشيخ أبو إسحاق في الطبقات، قال الشيخ أبو إسحاق في أهل هذه الطبقة: ومنهم القاضي أبو محمد الإصطخري، تفقه على القاضي أبي حامد المروزي، وكان قاضي نسا، وفقيه فارس، وكان فقيها، مجودا. ميمون بن سهل أبو الطاهر الواسطي من أكابر أصحاب أبي القاسم الداركي، ذكره العبادي، وله ذكر في يتيمة الدهر، وفي محاسن أهل العصر، ذكره ابن الصلاح هكذا مختصرا، ولم يؤرخ وفاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 المرتبة الثانية من الطبقة الخامسة من أصحاب الشافعي فيها من أول سنة إحدى عشرة وأربع مائة إلى آخر سنة عشرين ولله الحمد والمنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 إبراهيم بن محمد بن مهران الأستاذ ركن الدين أبو إسحاق الإسفراييني المتكلم الأصولي الفقيه الشافعي، شيخ أهل خراسان، يقال: إنه بلغ رتبة الاجتهاد، وله المصنفات الكبيرة الكثيرة منها (جامع الحلي) في أصول الدين، و (الرد على الملحدين) في خمس مجلدات، وتعليقة في أصول، وغير ذلك، روى الحديث عن: دعلج بن أحمد، وأبي بكر الشافعي، وأبي بكر الإسماعيلي، وجماعة، وأملى مجالس. وروى عنه: الحافظ البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وأبو السنابل هبة الله بن أبي الصهباء، وجماعة، وَخَرَّجَ له الحاكم أبو عبد الله النيسابوري عشرة أجزاء، وذكره في تاريخه لجلالته، وقد مات الحاكم قبله، فقال أبو إسحاق الإسفراييني: الفقيه الأصولي، المتكلم، المتقدم في هذه العلوم، انصرف من العراق، وقد أقر له العلماء بالتقدم، قال: وبنيَ له بنيسابور مدرسة، لم يكن مثلها، فدرس فيها، وقال عبد الغافر الفارسي: أبو إسحاق، اتجه ناحية المشرق، فضلا عن نيسابور وناحيته، وكان من المجتهدين في العبادة، المبالغين في الورع، خَرَّجَ له الحاكم عشرة أجزاء، وخرَّج له أحمد بن علي الحافظ الرازي ألف حديث، وعقد له مجلس الإملاء بعد ابن محمش، وكان ثقة، ثبتا في الحديث. وقال الشيخ أبو إسحاق في الطبقات: درس عليه شيخنا أبو الطيب، يعني: الطبري، وعنه أخذ علم الكلام، والأصول عامة شيوخ نيسابور، وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: حكى لي من أثق، أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 الصاحب بن عباد، كان إذا انتهى إلى ذكر الباقلاني، وابن فورك، والإسفراييني، وكانوا متعاصرين، من أصحاب أبي الحسن الأشعري، قال لأصحابه: ابن الباقلاني بحر مغرق، وابن فورك جبل مطرق، والإسفراييني نار محرق، توفي يوم عاشوراء من سنة ثماني عشرة وأربع مائة، ونقل إلى إسفرايين ودفن بمشهده بها، ونقل عنه أبو القاسم القشيري، أنه كان ينكر كرامات الأولياء، وهذا غريب، ومن مفردات الشيخ أبي إسحاق الإسفراييني، أن الصائم إذا ظن غروب الشمس باجتهاده، لم يجز له الإفطار حتى يتيقن ذلك، وخالفه الجمهور، وقال ابن الصلاح: وهي زلة كبيرة، ونقل عنه الأصوليون، أنه كان ينكر المجاز في اللغة، وأنه كان يقول: القول بأن كل مجتهد مصيب، أوله سفسطة، وآخره زندقة. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ الذَّهَبِيِّ: أنا مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ غَسَّانَ، ثنا سَعِيدُ بْنُ سَهْلٍ الْخُوَارِزْمِيُّ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ، ثنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمُؤَذِّنُ، إِمْلاءً بِنَيْسَابُورَ، سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، ثنا الإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، إِمْلاءً، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مَسْعُودٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، ثنا أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَزَّانُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ، ثنا عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ، سَمِعَ الْقَاسِمَ يُحَدِّثُ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَوْسَعَ رِزْقِكَ عَلَيَّ عِنْدَ كِبَرِ سِنِّي، وَانْقِضَاءِ عُمْرِي» . لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، إِنَّمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ الأَدْعِيَةِ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن يوسف أبو إسحاق الطوسي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 الفقيه الشافعي، المناظر، صاحب الثروة، والوجاهة الوافرة، أخذ عن: أبي الوليد حسان بن محمد الفقيه، وروى عنه، وعن: الأصم، وأبي الحسن الكازروني، وجماعة، وعنه: الحافظ أبو بكر البيهقي، ومحمد بن يحيى، مات سنة إحدى عشر وأربع مائة. أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الضبي أبو الحسن المحاملي البغدادي أحد أئمة الشافعية، درس الفقه على الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وكان غاية في الذكاء والفهم، وبرع في المذهب، وصنف كتبا، منها: المجموع وهو كبير، والمقنع في مجلد، واللباب، والأوسط، وغير ذلك، وسمع من: الحافظ محمد بن المظفر، وطبقته، ورحل به أبوه إلى الكوفة، فسمع من: ابن أبي السري البكائي، وروى عنه: الحافظ أبو بكر الخطيب، وحضر دروسه، وقال الشريف أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المرتضى: دخل عليَ أبو الحسن المحاملي، مع الشيخ أبي حامد، ولم أكن أعرفه، فقال لي الشيخ أبو حامد: هذا أبو الحسن، يعني: ابن المحاملي، وهو اليوم أحفظ للفقه مني، وقال الشيخ أبو إسحاق في الطبقات: تفقه على الشيخ أبي حامد، وله عنه تعليقة تنسب إليه، وله مصنفات كثيرة في الخلاف والمذهب، ولد سنة ثمان وستين وثلاث مائة، وتوفي في ربيع الآخر سنة خمس عشرة وأربع مائة، رحمه الله، وحكى الشيخ تقي الدين ابن الصلاح، عن الفقيه سليم، أن المحاملي لما صنف كتبه المقنع، والمجرد، وغيره من كتب أستاذه أبي حامد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 ووقف عليها، قال: بتر كتبي، بتر الله عمره، فما عاش إلا يسيرا حتى مات، ونفذت فيه دعوة الشيخ أبي حامد، رحمهم الله. إسماعيل بن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن السرخسي الهروي أبو محمد القراب المقرئ العابد أخو الحافظ أبي يعقوب القراب، وكان إماما في علوم كثيرة، وله المصنفات الكثيرة المفيدة، وأخذ الفقه عن الداركي ببغداد، وذكر أنه لقي جماعة من أصحاب ابن سريج، وله كتاب في مناقب الشافعي، رحمه الله. وروى عن: أبي بكر الإسماعيلي، وأبي عمرو بن حمدان، وأبي أحمد بن الغطريفي، وخلق، وعنه: شيخ الإسلام، وأهل هراة، وجماعة، وله كتاب الجمع بين الصحيحين، وكتاب درجات التائبين، وغير ذلك. قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: رأيت له كتابا في القراءات في عدة مجلدات، وذكر أنه صنف في مناقب الشافعي، وأنه قال فيه: لقيت عدة من أصحاب ابن سريج، وكان زاهدا، متقللا، ذا فنون كثيرة، رحمه الله، مات في شعبان سنة أربع عشرة وأربع مائة. أحمد بن الفتح بن عبد الله أبو الحسن الموصلي، يعرف بابن فرغان وهو من أصحاب الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وروى الحديث عن: أبي أسعد الماليني، وأبي الفتح بن زيدة الأزدي، ذكره ابن الصلاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 جعفر بن باي بن مسلم الجيلي أحد أصحاب الشيخ أبي حامد، هو، وابنه بابي أبو جعفر، قال الخطيب: سمعنا منه، وكان ثقة، فاضلا، دينا، عالما , وسمع الحديث من: أبي بكر ابن المقري، وابن بطة العكبري، ومات سنة سبع عشرة وأربع مائة. الحسن بن الحسين بن رامين القاضي أبو محمد الإستراباذي نزيل بغداد، أحد أئمة الشافعية، رحل في الصبا إلى خراسان، والعراق، والشام، وسمع الحديث من: إسماعيل بن نجيد، وبشر بن أحمد الإسفراييني، وخلف بن محمد الخيام، والقاضي يوسف بن القاسم الميانجي، وأبي أحمد بن عدي الحافظ، وأبي بكر القطيعي، وغيرهم، وعنه: طاهر بن أحمد الفارسي نزيل دمشق، وعبد الواحد بن علوان بن عقيل، والحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي، وقال: كان صدوقا، فاضلا، صالحا، وكان يفهم الكلام على مذهب الأشعري، والفقه على مذهب الشافعي، مات سنة ثنتي عشرة وأربع مائة. عبد الله بن أحمد بن عبد الله الإمام أبو بكر القفال المروزي، لا الشاشي ذاك الأقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 وهذا أشهر وأذكر، كان شيخ الشافعية بخراسان، وإنما قيل له القفال، لأنه كان يعمل الأقفال في ابتداء أمره، وبرع في صناعتها حتى صنع قفلا بآلاته، ومفتاحه، وزن أربع حبات حديد، قاله الشيخ أبو محمد الجويني، فلما كان ابن ثلاثين سنة أحس من نفسه ذكاء، فأقبل على الفقه، فاشتغل به، وبرع فيه، وصار إماما يقتدي به فيه، وفي الزهد، وهو شيخ الطريقة الخراسانية في المذهب، تفقه أولا على أبي زيد القاشاني، وسمع الحديث منه، ومن الخليل بن أحمد القاضي، وجماعة، وحدث، وأملى، وتفقه عليه: أبو عبد الله بن عبد الملك المسعودي، وأبو علي الحسين بن شعيب السنجي، وأبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن فوران الفوراني، والقاضي حسن، والشيخ أبو محمد الجويني، وهؤلاء أئمة طريقة المراوزة. قال الفقيه ناصر العمري: لم يكن في زمان أبي بكر القفال، أفقه منه، ولا يكون بعده مثله، وكنا نقول: بأنه ملك في صورة إنسان. وقال الحافظ أبو بكر السمعاني، في أماليه: أبو بكر القفال، وحيد زمانه، فقها، وحفظا، وورعا، وزهدا، وله في المذهب من الآثار، ما ليس لغيره من أهل عصره، وطريقته المهذبة في مذهب الشافعي التي حملها عنه أصحابه أمتن طريقة، وأكثرها تحقيقا، رحل إليه الفقهاء من البلاد، وتخرج به أئمة، وذكر القاضي حسين، أن أبا بكر القفال في كثير من الأوقات يقع عليه البكاء في الدرس، ثم يرفع رأسه، فيقول: ما أغفلنا عما يراد بنا؟ ! قلت: ذكر إمام الحرمين، وغيره، أن على يدي الإمام أبي بكر القفال، كان رجوع الملك محمود بن سبكتكين إلى مذهب الشافعي، رحمه الله، وذلك ضمن حكاية ذكرها، سنوردها كما أوردها في ترجمة الملك محمود، إن شاء الله تعالى، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 توفي القفال المروزي فِي جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وأربع مائة، عن تسعين سنة، وقبره هناك يزار، رحمه الله، وسيأتي له في ترجمة أبي القاسم الفوراني حديث من طريقه، إن شاء الله تعالى. عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن الخليل القاضي أبو الحسن الهمداني الأسداباذي قاضي الري وأعمالها، وكان شافعي المذهب، وهو مع ذلك شيخ الاعتزال، وله المصنفات الكثيرة في طريقتهم، وفي أصول الفقه، ومن أجل مصنفاته، وأعظمها: كتاب دلائل النبوة في مجلدين، أبان فيه عن علم، وبصيرة جيدة، سمع الحديث من: الزبير بن عبد الواحد الأسداباذي، وعبد الله بن جعفر بن فارس، وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب، وأبي الحسن بن سلمة القطان، وروى عنه: الحسن بن علي الصيمري الفقيه، وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، وأبو يوسف عبد السلام بن محمد القزويني المفسر المعتزلي، وآخرون، وقد طال عمر القاضي عبد الجبار، ورحل الناس إليه من الأقطار واستفادوا به، مات في ذي القعدة سنة خمس عشرة وأربع مائة. عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الفقيه الإمام الرئيس أبو أحمد الشيرنخشيري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 تفقه علي أبي زيد الفاشاني، وسمع الحديث من: أبي العباس النضري، بالنون والضاد المعجمة، وأبي محمد بن حليم، وسمع الكثير بالعراق، وهراة، وغزنة، وقرأ عليه الحديث بحضرة أبي الحسن الدارقطني، وكان له مجلس الإملاء بمرو، وانتهت إليه رياسة أصحاب الحديث، يعني: الشافعية، في زمانه بتلك البلاد، توفي في سنة عشرين وأربع مائة. عبد الرحمن بن علي بن محمد بن إبراهيم بن حمدان أبو القاسم النيسابوري أحد الشافعية، وأحد الثقات المتصوفين، أخذ عن الفقيه أبي الوليد حسان بن محمد، وروى عنه، وعن أبي نجيد، وعنه: محمد المزكي، ذكره شيخنا الحافظ الذهبي في المتوفين في حدود عشرين وأربع مائة. عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن سورة أبو سعيد بن أبي سورة النيسابوري الزراد الفقيه الشافعي، المتكلم الأشعري، ذكره عبد الغافر الفارسي، فقال: سمع الكثير بخارسان، وما وراء النهر، وحدث عن: أبي الحسن السراج، وأبي عمرو بن نجيد، وأبي حامد الصايغ، وطبقتهم، وعنه: أحمد بن أبي سعد الصوفي، ذكره الذهبي في المتوفين في حدود سنة عشرين وأربع مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 عبيد الله بن عمر بن علي بن محمد بن إسماعيل أبو القاسم المقرئ الفقيه، يعرف بابن البقال سمع من: أبي بكر الشافعي، والنجاد، وأبي على الصواف، وطبقتهم، وحدث عنه: البيهقي، والخطيب، وقال: كان ثقة، وأنه مات في صفر سنة خمس عشرة وأربع مائة. علي بن محمد بن خلف بن موسى أبو الحسن البغدادي النيسابوري أحد علماء الشافعية المناظرين، روى عن: أبي بكر الشافعي، وأبي بكر بن السني، وأبي بكر بن خلاد النصيبي، وآخرين، وعنه: الرئيس في الفقهيات، ذكره شيخنا الذهبي في المتوفين في حدود عشرين وأربع مائة. عمر بن أحمد بن إبراهيم بن عبدويه بن سدوس بن علي بن عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أبو حازم العبدوي الهذلي النيسابوري أحد حفاظ الحديث، ونقاده، وذكره أبو الفضل الفلكي، في ألقابه وكناه بأبي حفص، وجعل أبا حازم لقبا، قال الخطيب البغدادي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 كتبت عنه الكثير، وكان ثقة، صادقا، عارفا، حافظا، فسمع الناس بإفادته، ويكتبون بانتخابه، سمع: أبا عمرو إسماعيل بن نجيد. . . . . بن مطر، وأبو بكر الإمامين الإسماعيلي، والشاشي القفال، وخلقا، وذكره الحاكم في تاريخه، وأثنى عليه بكثرة السماع، واتساع الرحلة، وقد مات الحاكم قبله، فإن أبا حازم هذا مات يوم عيد الفطر سنة سبع عشرة وأربع مائة، رحمه الله، ذكره ابن الصلاح في الطبقات. عمر بن أحمد بن عمر أبو سهل الصفار الأصبهاني الفقيه الشافعي روى عن: أحمد بن معبد السمسار، وعبد الله بن فارس، وعنه: جماعة، آخرهم موتا أبو الفتح الحداد، توفي في ذي القعدة سنة خمس عشرة وأربع مائة. القاسم بن جعفر بن عبد الواحد بن العباس بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب القاضي أبو عمر الهاشمي البصري روى الحديث عن جماعة منهم: أبو علي اللؤلئي، حدث عنه سنن أبي داود، ورواه عنه الخطيب البغدادي، ورويناه نحن من طريقه، رحمه الله، توفي سنة أربع عشرة وأربع مائة، عن ثلاث وتسعين سنة، وذكره ابن الصلاح في الطبقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق بن عبد الله بن يزيد أبو الحسن ابن رزقويه البغدادي البزار المحدث الفقيه الشافعي، سمع: إسماعيل بن محمد الصفار، وعبد الله بن عبد الرحمن العسكري، وعلي بن محمد المصري، ومحمد بن البحري، ومحمد بن يحيى الطائي، وطبقته، ومن بعدهم، وروى عنه: أبو الحسين بن المبتدئ بالله، ومحمد بن علي الحنداقوقي الشاعر، وعبد العزيز بن طاهر الزاهد، ومحمد بن إسحاق الباقرحي، وعلي، ونصر ابنا أحمد بن البطر، وعبد الله بن عبد الصمد بن المأمون، وغيرهم، قال الخطيب: كان ثقة، صدوقا، كثير السماع، والكتاب، حسن الاعتقاد، مديما لتلاوة القرآن، بقي يملى في جامع المدينة مدة، وهو أول شيخ كتبت عنه، وذلك في سنة ثلاث وأربع مائة، وذلك بعد ما كف بصره، وقال الأزهري: أرسل إليه بعض الوزراء بمال، فرده تورعا، وكان يذكر أنه درس الفقه على مذهب الشافعي، قال الخطيب: وسمعته، يقول: والله ما أحب الحياة للكسب، ولا لتجارة، ولكن لذكر الله، وللتحديث، قال: وسمعت البرقاني يوثقه، ولد سنة خمس وعشرين وثلاث مائة، وأول سماعه: سنة سبع وثلاثين، وتوفي سنة ثنتي عشرة وأربع مائة. محمد بن بكر الطوسي أبو بكر النوقاني إمام الشافعية بنيسابور، وفقيههم، ومدرسهم بها في عصره، مع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 الديانة، والصيانة، والورع، والتقشف، وترك الاختلاط بالجاه، وترك السلاطين، وقبول الوصايا، والأوقاف، وكان من أحسن الناس خلقا، وسيرة، وظهرت بركته على أصحابه بنفسه في شبيبته على الشيخ أبي القاسم القشيري، والأستاذ أبي الحسن الماسرجسي، وببغداد عند الشيخ أبي محمد البافي، وغيرهم، وسمع الحديث الكثير، وتوفي ببلده سنة عشرين وأربع مائة. محمد بن زهير بن أخطل أبو بكر النسائي خطيبها، وشيخ الشافعية بها، سمع الحديث من: أبي العباس الأصم، وأبي الوليد حسان بن محمد الفقيه، وأبي بكر الشافعي، وأبي سهل بن زياد القطان، وغيره، وعنه: أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن، وطال عمره، ورحل الناس إليه، توفي ليلة عيد الفطر سنة ثماني عشرة وأربع مائة. هبة الله بن الحسن بن منصور الحافظ أبو القاسم اللالكائي الطبري الرازي الفقيه الشافعي، تفقه على الشيخ أبي حامد الإسفراييني ببغداد، وسمع بها من: أبي القاسم الوزير، وأبي طاهر المخلص، وبالري من: جعفر بن قباني، وعلي بن محمد القصار، والعلاء بن محمد، وجماعة آخرين، قال الخطيب البغدادي: كان يفهم، ويحفظ، وصنف كتابا في السنة، وكتاب رجال الصحيحين، وكتابا في السنن، وعاجلته المنية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 فخرج إلى الدينور، فمات بها في رمضان سنة ثماني عشرة وأربع مائة، رحمه الله، قال: فحدثني علي بن الحسين بن حد العكبري، قال: رأيت هبة الله الطبري في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قلت: بماذا؟ قال: كلمة خفية بالسنة. قال شجاع الذهلي: لم يرو عنه شيء من الحديث سوى كتاب السنة، قلت: وقد روينا هذا الكتاب سماعا، على الحجاب بإجازته من جعفر الهمذاني، عن السلفي، عن أبي بكر أحمد بن علي الطريثيتي عن أبي القاسم اللالكائي به. يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى أبو زكريا بن المزكي أبي إسحاق مسند نيسابور، وأحد فقهاء الشافعية، تفقه على الأستاذ أبي الوليد حسان بن محمد الفقيه، روى عن: الأصم، وأبي عبد الله بن الأخرم، وأبي بكر الصبغي، والنجاد، وجماعة، وانتقى عليه الحافظ أبو بكر أحمد بن على الأصبهاني، وروى عنه: ابنه أبو بكر، والحافظ أبو بكر البيهقي في جميع كتبه، وجماعة، مات في ذي الحجة سنة أربع عشرة وأربع مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 المرتبة الثالثة من الطبقة الخامسة من أصحاب الشافعي فيها من أول سنة إحدى وعشرين وأربع مائة إلى آخر سنة أربعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 أحمد بن إبراهيم بن أحمد أبو الحسن الأصبهاني النيسابوري الشافعي النجار روى عن: أبي القاسم الطبراني، وسمع من: بشر بن أحمد، وعنه: أحمد بن عبد الملك الإسكاف، ومسعود بن ناصر، وكان شيخا ثقة، نبيلا، عالي الإسناد، توفي في حدود سنة ثلاثين وأربع مائة. أحمد بن أحمد بن محمد بن علي أبو عبد الله القصري السيبي الفقيه الشافعي الفرضي أحد أصحاب ابن اللبان، روى عن: أبي محمد بن ماسي، وعبد الله بن إبراهيم الزينبي، وعلي بن أبي السري البكائي، والدارقطني، وغيرهم، قال الخطيب البغدادي: كتبت عنه، وكان فاضلا، من أهل العلم والقرآن، كثير التلاوة، قيل: إنه كان يختم كل يوم ختمة، وسمعته، يقول: قدمت أنا، وأخي من القصر، والقطيعي حي، ومقصودنا الفقه والفرائض، فقال لنا ابن اللبان: لا تسمعوا من القطيعي، فإنه قد ضعف، واختل، وقد منعت ابني من السماع منه، توفي في رجب سنة تسع وثلاثين وأربع مائة عن ثلاث وتسعين سنة، رحمه الله تعالى. أحمد بن أحمد بن إسحاق بن جعفر المقتدر بن أحمد المعتضد بن أحمد بن طلحة بن جعفر المتوكل على الله بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن عبد الله أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 جعفر المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي العباسي الخليفة أبو العباس القادر بالله أمير المؤمنين مولده سنة ست وثلاثين وثلاث مائة، وبويع بالخلافة عند القبض على الطايع لله، في حادي عشر رمضان سنة إحدى وثمانين، وكان أبيض، كث اللحية طويلها، وكان من أهل السير، والصيانة، وإدامة التهجد، تفقه على العلامة أبي بشر أحمد بن محمد الهروي الشافعي، ولهذا ذكره الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في الطبقات الشافعية، قال الخطيب البغدادي: كان من الديانة، وإدامة التهجد، وكثرة الصدقات على صفة اشتهرت عنه، وصنف كتابا في الأصول، ذكر فيه فضل الصحابة، وإكفار المعتزلة، والقائلين بخلق القرآن، وكان ذلك الكتاب يقرأ في كل جمعة، في حلقة أصحاب الحديث بجامع المهدي، وبحضرة الناس مدة خلافته، وهي: إحدى وأربعون سنة، إلى أن توفي ليلة الاثنين الحادي عشر من ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربع مائة ودفن بدار الخلافة، ثم نقل بعد عشرة أشهر إلى الرصافة، وعاش سبعا وثمانين سنة إلا شهرا وثمانية أيام، رحمه الله أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص بن مسلم بن يزيد القاضي أبو بكر الحيري النيسابوري قاضيها وشيخها في العدالة والثورة، وكان إماما، عالما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 بمذهب الشافعي، درس الفقه علي أبي الوليد حسان بن محمد الفقيه، والكلام على أصحاب أبي الحسن الأشعري، وقرأ القراءات على أحمد بن العباس صاحب الأثناني، وروى الحديث عن: أبي العباس الأصم، وأبي علي الميداني، وحاجب بن أحمد، وجماعة بنيسابور، وبمكة من: أبي بكر الفاكهي، وبكر بن أحمد الحداد، وببغداد من: أبي سهل بن زياد، وبالكوفة من: أبي بكر بن أبي دارم، وبجرجان من: أبي أحمد بن عدي، وانتقى عليه الحاكم النيسابوري فوائد، وروى هو عنه، وهو أكبر منه، والحافظ البيهقي، والخطيب، وأبو صالح المؤذن، وخلق، آخرهم موتا عبد الغفار بن محمد الشيروبي، وأصابه في آخر عمره في سمعه وَقْرٌ، وقال الحافظ أبو بكر محمد بن منصور السمعاني: كان ثقة في الحديث، ولد سنة خمس وعشرين وثلاث مائة، وتوفي في شهر رمضان سنة إحدى وعشرين وأربع مائة. أحمد بن الحسين بن أحمد بن إسحاق بن حمل بن حامد النيسابوري الفقيه الشافعي الواعظ إمام، ثقة، جليل، روى عن: أبي عمرو بن حمدان، وطبقته، وعنه: أحمد بن عبد الملك الهذلي، توفي في صفر سنة ثلاث وثلاثين وأربع مائة. أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب أبو بكر البرقاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 الخوارزمي، نزيد بغداد، الحافظ الشافعي، رحل، وطوف، وسمع ببلاد شتى ببغداد، ودمشق، ومصر، وهراة، وخوارزم، وجرجان، وغيرها من البلاد، عن جماعة كثيرين منهم: أبو بكر الإسماعيلي، وأبو عمرو بن حمدان، وأبو علي الصواف، وأبو بكر القطيعي، وعبد الغني بن سعيد، وحتى كتب عن تلميذه الحافظ أبي بكر الخطيب، وروى عنه جماعة منهم: أبو عبد الله الصوري الحافظ، والإمام أبو بكر البيهقي، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، والخطيب البغدادي، وقال: كان ثقة، ورعا، ثبتا، لم ير في شيوخنا أثبت منه، عارفا بالفقه، له حظ في علم العربية، كثير الخطب، صنف مسندا ضمنه ما اشتمل عليه صحيح البخاري، ومسلم، ولم يترك التصنيف حتى مات، قال: وسمعت الأزهري يقول: البرقاني إمام، إذا مات ذهب هذا الشأن، وسألته: هل رأيت شيخا أتقن منه؟ قال: لا، وسمعت محمد بن يحيى الكرماني الفقيه، يقول: ما رأيت في أصحاب الحديث أكثر عبادة منه، وسمعت أبا محمد الخلال، يقول: كان نسيج وحده، وذكره الشيخ أبو إسحاق في طبقات الشافعية، فقال: تفقه في حداثته، وصنف فِي الفقه، ثم اشتغل بعلم الحديث، فصار فيه إماما، وقال القاضي أبو الوليد الباجي: البرقاني ثقة، حافظ. وذكر الخطيب، أنه كان عنده من الكتب ثلاثة وستون سمطا، وصندوقان، قال الشيخ أبو إسحاق: ولد سنة ست وثلاثين وثلاث مائة، وسكن بغداد، ومات بها في أول يوم من رجب سنة خمس وعشرين وأربع مائة، رحمه الله، قلت: وقع لنا من حديثه كتاب المصافحة له بكماله، ولله الحمد والمنة. أحمد بن محمد بن الحسين أبو نصر البخاري الشافعي حمو القاضي الصيمري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 تفقه علي الشيخ أبي حامد الإسفراييني ببغداد، وسمع الحديث من نصر بن أحمد المرجى، وعنه: الحافظ أبو بكر الخطيب، ووثقه ثم نزل الكوفة، ومات بها في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وأربع مائة. أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن سعيد أبو العباس الأبيوردي القاضي الشافعي، صاحب الشيخ أبي حامد الإسفراييني، برع في الفقه، وسكن بغداد، وولى القضاء بها، على الجانب الشرقي ومدينة المنصور، وكانت له حلقة للتدريس، والفتوى بجامع المنصور، وكان عنده شيء عن علي بن القاسم بن شاذان القاضي، وغيره، وكتب بالري وهمدان، قال الخطيب البغدادي: وكان حسن الاعتقاد، جميل الطريقة، يصوم الدهر، وكان فصيحا، له شعر جيد، وكان فقيرا يتحمل، فقال: إنه مكث شتوة، لا يقدر على جبة يلبسها، ويقول لأصحابه: بي علة، تمنعني عن لبس المحشو، توفي عن ثمان وستين سنة، في جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وأربع مائة، رحمه الله. إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الحافظ أبو يعقوب القراب أحد الأئمة، والحفاظ، في الفقه، والمذهب، وله التصانيف الكثيرة المفيدة، قال ابن الصلاح في الطبقات: مولده سنة ثنتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 وخمسين وثلاث مائة، وتوفي سنة تسع وعشرين وأربع مائة، والله أعلم. إسماعيل بن أحمد بن عبد الله أبو عبد الرحمن الضرير الحيري والحيرة محلة من نيسابور، وهو مصنف كتاب الكفاية في التفسير، سمع الحديث من: أبي طاهر حفيد ابن خزيمة، وأبي بكر الخوارزمي، وزاهر السرخسي، وغيرهم، وسمع جميع صحيح البخاري، من أبي الهيثم الكشميهني، عن الفربري، عن البخاري، وسمعه عليه الخطيب البغدادي في ثلاثة أيام، وقال الخطيب: كتبنا عنه، ونعم الشيخ، كان فضلا، وعلما، ومعرفة، وفهما، وأمانة، وصدقا، وديانة، وخلقا، قال ابن خيرون: توفي سنة ثلاثين وأربع مائة، وقال غيره: بعدها، ذكره ابن الصلاح في الطبقات. الحسن بن عبيد الله ابن الشيخ أبو علي البندنيجي أحد الأئمة من أصحاب الوجوه، درس الفقه ببغداد على الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وله عنه تعليقة كبيرة مشهورة، وكان دينا، صالحا، ورعا، وعاد إلى بلده البندنيجين، وكتابه الجامع، قال النواوي: قل في كتب الأصحاب مثله، وهو مستوعب الأقسام محذوف الأدلة، توفي سنة خمس وعشرين وأربع مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 الحسين بن شعيب أبو علي السنجي المروزي عالم تلك البلاد في زمانه، تفقه بأبي بكر القفال، وبالشيخ أبي حامد الإسفراييني ببغداد، فبرع في المذهب جدا، وله تعليقة جمع فيها بين مذهبي العراقيين والخراسانيين، وهو أول من فعل ذلك، وله وجه في المذهب، واختيارات، وسمع الحديث من السيد أبي الحسن العلوي، وأصحاب المحاملي، توفي سنة ثلاثين وأربع مائة، قال النووي: وله شرح فروع ابن الحداد، والتلخيص لأبي العباس بن القاص، فأتى في شرحهما بما هو لائق بتحقيقه، وإتقانه، وعلو منصبه، وعظم شأنه، وله كتاب طويل جزيل الفوائد عظيم الفوائد، ذكر الرافعي في الترتيب عن إمام الحرمين، أنه لقب هذا الكتاب الكبير بالمذهب الكبير. روح بن محمد بن أحمد بن محمد بن إسحاق القاضي أبو زرعة الرازي حفيد الإمام أبي بكر بن السني سمع الحديث من: أبي زرعة أحمد بن الحسن الرازي، وجعفر الفناكي، وابن فارس اللغوي، وحدث عنه الخطيب البغدادي , وقال: كان صدوقا، فهما، أديبا، يتفقه على مذهب الشافعي، وبلغني أنه مات بالكرج، سنة ثلاث وعشرين وأربع مائة، وقال الشيخ تقي الدين بن الصلاح: عندي مجموع بخطه، ألفه في الأخبار، والأشعار، وغيرها، جم الفوائد. السري بن إسماعيل ابن الإمام أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي أبو العلاء الجرجاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 عالم تلك البلاد في زمانه في الفقه والأدب، ومفتيها بعد والده، رحمه الله، رحل، وسمع بالري، وهمدان، والكوفة، وبغداد، وروى عن: جده أبي بكر، وتفرد عنه بكتب، وعن أبي أحمد الغطريفي، وأبي الحسن الدارقطني، وأبي حفص ابن شاهين، وكان متواضعا، دينا، محبا للعلماء والفقراء، توفي، رحمه الله، عن سبعين سنة، في ذي الحجة سنة ثلاثين وأربع مائة. ظفر بن مظفر بن عبد الله بن كتنة أبو الحسن الحلبي الناصري الفقيه الشافعي سمع: عبد الرحمن بن عمر بن نصر، وعبيد الله الوراق، وعنه: عبد العزيز الكتاني، ومحمد بن أحمد بن أبي الصقر الأنباري، وغيرهما، مات في الكهولة، سنة تسع وعشرين وأربع مائة. عبد الله بن عبدان بن محمد بن عبدان أبو الفضل شيخ همذان، وعالمها، ومفتيها، ذكره الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في طبقات الشافعية، وذكر أنه صنف كتابا في شرائط الأحكام، اختار فيه: جواز دفع نفقة الزوجة إليها خبزا، وأن نفقتها تقدر بالكفاية، كما هو مذهب أبي حنيفة، وقول عن الشافعي حكاه الشيخ أبو محمد، واختار: أن من شرط صحة القياس حدوث حادثة تؤدي الضرورة إلى معرفة حكمها، وألا يوجد نص يفي بإثبات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 حكمها، وغير ذلك من الغرائب، ثم قال: مات في صفر سنة ثلاث وثلاثين وأربع مائة، رحمه الله. عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الشيخ أبو محمد الجويني وأصله من سنبس قبيلة من العرب، كان إماما بارعا في المذهب، مفسرا، نحويا، أديبا، تفقه بنيسابور على أبي الطيب الصعلوكي، ثم خرج إلى مرو على أبي بكر القفال، وعاد إلى نيسابور سنة سبع وأربع مائة، وقعد للتدريس والفتوى، وكان مجتهدا في العبادة، مهيبا بين التلامذة، صاحب جد ووقار، صنف التبصرة في الفقه، والتذكرة، والتفسير الكبير، والتعليق، روى الحديث عن: أبي بكر القفال، وعدنان بن محمد الضبي، وأبي نعيم عبد الملك بن محمش، وببغداد من: أبي الحسين بن بشران، وجماعة، وعنه: ابنه إمام الحرمين، وبه تفقه، وبعده بالقاضي حسين، وروى عنه أيضا: سهل بن إبراهيم المسجدي، وعلي بن أحمد المديني، قال أبو عثمان الصابوني: لو كان الشيخ أبو محمد في بني إسرائيل، لنقل إلينا شمائله، وافتخروا به، توفي بنيسابور في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وأربع مائة. قال الحافظ أبو صالح المؤذن: لما غسلته، ولففته في الأكفان، رأيت يده اليمنى إلى الإبط زاهرة منيرة كلون القمر، فتحيرت، وقلت: هذا بركات فتاويه، وذكر الشيخ تقي الدين بن الصلاح، أن الشيخ أبا محمد أخرج الزكاة مرتين في السنة، حذرا من نسيان النية، أو دفع الزكاة إلى غير مستحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وذكر الشيخ محيي الدين النووي، أنه كان له تفسير كبير، يشتمل على عشرة أنواع في كل آية، حُكِيَ عن أبي سعيد عبد الواحد بن عبد الكريم القشيري، أنه قال: كان أئمتنا في عصره، والمحققون من أصحابنا، يعتقدون فيه من الكمال، والفضل، والخصال الحميدة، أنه لو جاز أن يبعث الله نبيا في عصره، لما كان إلا هو، من حسن طريقته، وورعه، وزهده، وديانته في كمال فضله. أَخْبَرَنَا شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ، قِرَاءَةً مِنْ لَفْظِهِ، أنا الشَّيْخُ الْجَلِيلُ الشَّرِيفُ فَخْرُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مَنَاقِبَ الْحُسَيْنِيُّ السَّعْدِيُّ، أنا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَرَبْشَاهُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَلَوِيُّ الْحَكَمُ، بِنَهَاوَنْدَ إِجَازَةً، أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْخُوَارِزْمِيُّ الْبَيْهَقِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، أنا إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، قَالَ: أنا وَالِدِي الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أنا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الأَزْهَرِيُّ، أنا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ، ثنا عُمَرُ بْنُ شَيْبَةَ النُّمَيْرِيُّ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا؛ أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» ، هذا حديث صحيح، متفق على صحته، رواه الجماعة من أصحاب المسانيد، والصحاح، والسنن، وغيرهم من طرق متعددة، بل متواترة غاية التواتر، إلى يحيى بن سعيد الأنصاري، ثم هو فمن بعده فرد من الأفراد الصحاح، المتلقي بالقبول بإجماع العلماء، وقد أوسعنا الكلام على سنده، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 ومفردات ألفاظه، ومركباتها في أول شرح البخاري، ولله الحمد والمنة عبد القاهر بن طاهر الأستاذ أبو منصور البغدادي أحد الأئمة، يقال: إنه كان يحسن سبعة عشر علما، اشتغل على الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، وروى الحديث عن: أبي عمرو بن نجيد، وأبي عمرو محمد بن جعفر بن مطر، وعنه: الحافظ أبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وعبد الغفار بن محمد بن شيرويه، وتفقه عليه: إمام الحرمين في الفرائض، وكانت له حشمة، ومال، وجاه، قال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني: كان الأستاذ أبو منصور، من أئمة الأصول، وصدور الإسلام بإجماع، صاحب الفضل والتحصيل، بديع الترتيب، غريب التأليف والتهذيب، يراه الجلة مقدما، ويدعوه الأئمة إماما مفخما، قال: ومن خراب نيسابور، أن اضطر مثله إلى مفارقتها، وقيل: إنه لما حصل بإسفرايين، ابتهجوا بمقدمه إلى الغاية، ودفن إلى جانب الأستاذ أبي إسحاق، وذلك في سنة سبع وعشرين وأربع مائة، ووقع حديثه في البيهقي. وحكى عنه ابن الصلاح: أنه كان يرى عدم الشريك في الشركة في الفرائض، وأن أول الواجبات: النظر، ثم ذكر الشيخ أبو عمرو، رحمه الله تعالى، بعد هذه الترجمة، عبد القاهر بن طاهر أبو المعالي البلخي إمام تلك البلاد، وهو أخو عبد الله بن طاهر، كانت له يد في فنون العلم كلها، ومن شعره: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 جمع الخيام، وردت الإبل ... وكأنني بهم وقد رحلوا قد كنت أشكو خلف موعدها ... وأقول ذنب ليس يحتمل يا ليتها والدار جامعة ... فقد المواعد ثم تصل عبد الغفار بن عبيد الله بن محمد بن زيرك بن محمد بن كثير بن عبد الله أبو سعد التميمي شيخ همدان، قال الحافظ أبو شجاع شيرويه: كان ثقة، صدوقا، فقيها، عالما، له يد في الأدب، وكان يعظ الناس، ويتكلم في علوم القوم، وله مصنفات في أنواع العلوم، ولم يحمل عنه إلا القليل لقصر عمره، روى عن: أبيه، وأبي بكر بن لال، وغيرهما، وعنه: ابن أخته أبو محمد الفضل محمد بن عثمان القومساني، وغيره، وتوفي سنة ست وثلاثين وأربع مائة. عبد الوهاب بن علي بن الحسن بن محمد أبو تغلب المؤدب قال الخطيب: ويعرف بأبي حنيفة، روى عن: المعافى بن زكريا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 الجريري، وكتبنا عنه، وكان صدوقا، وكان أحد حفاظ القرآن، عالما بالفرائض، عارفا بظاهر مذهب الشافعي، مات سنة تسع وثلاثين وأربع مائة. عبيد الله بن أبي الفتح أحمد بن عثمان بن الفرج أبو القاسم الأزهري أحد مشايخ الحافظ أبي بكر الخطيب، وكان أحد المكثرين لرواية الحديث، والجامعين له، مع صدق، وأمانة، واستقامة، وسلامة معتقد، ولد سنة خمس وخمسين وثلاث مائة، ومات سنة خمس وثلاثين وأربع مائة، عن ثمانين سنة، ذكره ابن الصلاح في الطبقات، ولم أر له سببا، فالله أعلم. علي بن أحمد بن الحسن بن محمد بن نعيم أبو الحسن البصري، المعروف بالنعيمي قال الخطيب: كان حافظا، عارفا، متكلما، شاعرا، وسمعت محمد بن علي الصوري، يقول: لم أر ببغداد أحدا أكمل من النعيمي، قال الصوري: وكان أبو بكر البرقاني، يقول: هو كامل في كل شيء، لولا بأو فيه، وقال البرقاني: كان شديد التعصب للسنة، وكان يعرف من كل علم شيئا، وقال الشيخ أبو إسحاق: درس بالأهواز، وكان فقيها، عالما بالحديث، متأدبا، متكلما، ثم ذكر شيئا من شعره، وذكر الخطيب أنه توفي في مستهل ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وأربع مائة. عمر بن إبراهيم بن سعيد بن إبراهيم بن محمد بن بجاد بن موسى بن سعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 بن أبي وقاص أبو طالب الزهري، ويعرف بابن حمامة أحد أئمة الشافعية ببغداد، سمع: أبا بكر بن القطيعي، وابن ماسي، وعيسى بن محمد الرجحي، وجماعة، وأخذ عن: أبي القاسم الداركي، قال الخطيب: كتبتا عنه، وكان ثقة، ولد سنة سبع وأربعين وثلاث مائة، ومات سنة أربع وثلاثين وأربع مائة. علي بن أحمد بن محمد بن الحسن بن أبي الحسن الحاكم الإستراباذي كان من أكبر أئمة الشافعية بسمرقند، كان يكتب عامة نهاره، وهو مع ذلك يقرأ القرآن ظاهرا، لا يشغله هذا عن هذا، وكان يقرأ كل يوم ختمة، وكان قد سأل الله في جوف الكعبة القوة على القراءة، وعلى إتيان النساء، فاستجيب له في ذلك. العنبر بن الطيب بن محمد بن عبد الله بن العنبر بن عطاء أبو صالح النيسابوري العنبري الشافعي من بيت العلم، والفضيلة، والحديث، والرياسة، سمع: أمالي جده لأمه يحيى بن منصور القاضي، ومات سنة عشرين وأربع مائة. المفضل بن إسماعيل بن أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإمام أبو معمر الإسماعيلي الجرجاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 مفتيها، وعالمها، وفاضلها، وابن فاضلها، كان من أذكياء العالم، قرأ القرآن، وطرفا من الفقه، وهو ابن سبع سنين، وسمع من: جده الكبير، ورحل به والده فأسمعه من: الدارقطني، وأبي حفص بن شاهين ببغداد، ومن: يوسف بن الرحيل، وأبي زرعة محمد بن يوسف بمكة، وحدث وأملى بعد موت عمه أبي نصر، إلى أن توفي في ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين وأربع مائة. محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسين أبو عمرو الرزجاهي ورزجاه، بضم الراء المهملة أولها، وقيل: بفتحها، قرية من قرى بسطام، وبسطام: من أعمال قومس. البسطامي الفقيه الشافعي الأديب المحدث. تفقه على الأستاذ أبي سهل الصعلوكي مدة، وكتب الكثير عن: ابن عدي، وأبي بكر الإسماعيلي، وأبي أحمد الغطريفي، وطبقتهم، وعنه: البيهقي، وأبو عبد الله الثقفي، وأبو سعيد بن أبي صادق، وآخرون، وكانت له حلقة بنيسابور، ومجلس لإملاء الحديث، والأدب، ثم انتقل إلى بلده بسطام، ومات بها في الربيع الأول سنة ست وعشرين وأربع مائة، عن خمس وثمانين سنة، رحمه الله. محمد بن عبد العزيز بن عبد الله بن محمد أبو عبد الرحمن النيلي الفقيه أحد أئمة الشافعية بخراسان، مع زهد، وصلاح، وكبر قدر، وله شعر جيد، وله ديوان شعر، وروى الحديث عن: أبي عمرو بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 حمدان، وأبي أحمد الحاكم، وغيرهما: وأملى مدة، وطال عمره، وحدث عنه: أحمد بن عبد الملك المقري، وإسماعيل بن عبد الغافر، مات سنة ست وثلاثين وأربع مائة، عن ثمانين سنة. محمد بن عبد الملك بن مسعود بن أحمد الإمام أبو عبد الله المسعودي المروزي الشافعي صاحب أبي بكر القفال المروزي، أحد أصحاب الوجوه، شرح مختصر المزني، وكان إماما مبرزا، زاهد، ورعا، توفي سنة نيف وعشرين وأربع مائة. قال أبو سعد السمعاني: كان إماما فاضلا، مبرزا، زاهد، ورعا، حسن السيرة، شرح مختصر المزني، فأحسن فيه، وسمع الحديث من أستاذه القفال، توفي سنة نيف وعشرين وأربع مائة، ومن غرائبه، ما حكاه الفوراني في الإبانة، أن المصلي في العيد، يقول بين كل تكبيرتين: سبحانك اللهم، وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك. وقال الشيخ محيي الدين النواوي، رحمه الله: وقع في البيان نسبة كتاب الإبانة إلى المسعودي، وهو غلط فاحش فاعرفه واجتنبه. قال النواوي: ومن طرق المسعودي، ما حكاه في الوسيط عنه في مسألة من حلف على البيض، وقد ذكره الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في الطبقات، وسماه محمد بن عبد الله، والمعروف ما ذكرناه من أنه: محمد بن عبد الملك، ونبه ابن الصلاح على ما نبه عليه الشيخ محيي الدين النواوي، من نسبة صاحب البيان كتاب الإبانة إلى المسعودي وهو وهم، وإنما الإبانة لأبي القاسم الفوراني، تلميذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 المسعودي المذكور، لكن وقعت الإبانة إلى أهل اليمن منسوبة إلى المسعودي، فذلك الذي حمل أبا الخير اليمني صاحب البيان على ذلك. وذكر الشيخ أبو عمرو، أن المسعودي كان يختار أن يقول المصلي صلاة العيد بين كل تكبيرتين: سبحانك اللهم، وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك، قال: وحكى إمام الحرمين، عن القاضي حسين، قال: سئل القفال، وهو يتكلم على العوام، عن رجل حلف بطلاق زوجته، لا يأكل البيض، فلقيه إنسان وفي كُمِّهِ شيء، فقال: إن لم آكل ما في كُمِّ فلان، فامرأتي طالق، فكان في كُمِّهِ بيض، فما الحية في ألا يقع طلاقه، فتفكر ولم يحضره الجواب، فلما نزل قال المسعودي، من تلامذته: الوجه جعل ذلك البيض في القبيطاء، يعني: الحلاوة الناطف، ثم يأكله ولا يقع طلاقه. محمود بن الحسن بن محمد بن يوسف بن الحسن بن محمد بن عكرمة بن أنس بن مالك الأنصاري أبو حاتم القزويني وأصله من آمل طبرستان المناظر، من ساكني آمل طبرستان، قدم جرجان، وسمع من: أبي نصر الإسماعيلي، وتفقه ببغداد على الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وسمع بالري من: حمد بن عبد الله، وأحمد بن محمد البصير، ثم رجع إلى وطنه، وصار شيخ تلك البلاد في العلم والفقه، وتوفي بها سنة أربعين وأربع مائة، قال الشيخ أبو إسحاق في الطبقات: هو شيخنا أبو حاتم محمود بن الحسن الطبري، المعروف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 بالقزويني، تفقه بآمل على شيوخ البلد، ثم قدم بغداد، وحضر مجلس الشيخ أبي حامد، ودرس الفرائض على ابن اللبان، وأصول الفقه على القاضي أبي بكر الأشعري، المعروف بابن الباقلاني، وكان حافظا للمذهب، والخلاف، صنف كتبا كثيرة في المذهب، والخلاف، والأصول، والجدل، ودرس ببغداد، وآمل، ولم أنتفع بأحد في الرحلة كما انتفعت به، وبالقاضي أبي الطيب، رحمهما الله. محمود بن سبكتكين السلطان الكبير أبو القاسم عين الدولة ابن الأمير ناصر الدولة أبي منصور كان ملك غزنة، وما والاها من بلادها من الناحية الشرقية، وغزا الهند، ودخل منه إلى السومنات، وكسر طاغوتهم الأعظم، وأخذ منه أموالا، وجواهر، وذهبا كثيرا، لا يحد ولا يوصف، وكانت فيه شهامة، وقوة، وجلد، وفي كل سنة كان له غزوة وفتوح، وامتدت مماليكه، وطالت أيامه، وكانت فيه محبة للسنة، وأهلها، واتباع للخبر، والأثر، وإنما ذكرته في الشافعية، وإن كان ملكا، للحكاية التي ذكرها إمام الحرمين، من أن محمود بن سبكتكين كان حنفي المذهب، محبا للحديث، يسأل عنه، وعن معانيه، ثم اجتمع بأبي بكر القفال، وجماعة من فقهاء مرو، وتناظروا في أي المذهبين أرجح، فوقع الاتفاق على أن يصلوا صلاتين على المذهبين، فصلى القفال بطهارة، وستارة، على ما لا يجوز الشافعي غيره، قال: ثم صلى على ما يجوز لأبي حنيفة، رحمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 الله، فلبس جلد كلب مدبوغا، قد لطخ ربعه بالنجاسة، وتوضأ بنبيذ التمر، وكان في الحر فاجتمع عليه البعوض والذباب، وتوضأ منكسا، ثم أحرم، وكبر بالفارسية، وقرأ بالفارسية: دوير كك ستر، ثم نقر نقرتين كنقرات الغراب، من غير فصل ولا ركوع، وتشهد، ثم ضرط في آخرها، من غير نية السلام، فقال محمود: إن لم يكن هذا مما يجوزه أبو حنيفة قتلتك، فأحضروا كتب أصحاب أبي حنيفة، فوجدوا ذلك شائعا فيها، فرجع الملك إلى مذهب الشافعي، أورد هذه الحكاية: إمام الحرمين في عبارة طويلة، وفي صحة هذا نظر، لأن القفال، رحمه الله، أجل قدرا أن يصدر عنه مثل هذا، أو قريب منه، والله أعلم. قال عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي: كان السلطان محمود بن سبكتكين، صادق النية في إعلاء كلمة الله، مظفرا في الغزوات، وكان ذكيا، بعيد الغور، موفق الرأي، وكان مجلسه مورد العلماء، وقبره بغزنة، توفي سنة إحدى وعشرين وأربع مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 المرتبة الرابعة من الطبقة الخامسة من أصحاب الشافعي فيها من أول سنة إحدى وأربعين إلى آخر سنة خمسين وأربع مائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 أحمد بن عبد الله بن أحمد بن ثابت الإمام أبو نصر الثابتي البخاري الشافعي تفقه على الشيخ أبي حامد ببغداد، وأفتى، وكانت له حلقة بجامع المدينة، وروى عن: طاهر المخلص، وأبي القاسم بن حبابة، وغيرهما، قال الخطيب: وكتبت عنه، إلا أنه كان لينا في الرواية، وذكره الأمير أبو نصر بن ماكولا في كتابه، توفي في رجب سنة سبع وأربعين وأربع مائة، وصلى عليه القاضي الماوردي، ودفن بباب حرب، إلى جانب الشيخ أبي حامد، رحمهما الله، وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: رأيت له كتابا في الفرائض سماه بالمهذب والمقرب، وفيه مع حساب الفرائض شيء من الحساب العام. أحمد بن علي بن عبد الله أبو بكر الزجاجي، بضم الزاي، البغدادي المؤذن الشافعي سمع: أبا حبابة، وأبا حفص الكتاني، قال الخطيب: كتبت عنه، وكان دينا، فقيها، شافعيا، وذكر لي أنه سمع من زاهر بن أحمد السرخسي، إلا أن كتابه ببلده بطبرستان، وقال ابن خيرون: كان صالحا، وتوفي في ذي الحجة سنة سبع وأربعين وأربع مائة. أحمد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن محمد بن عمر بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن المنكدر أبو بكر القرشي التيمي المنكدري من أهل مروروذ، وقال الخطيب: ورد بغداد في حداثته، فتفقه على الشيخ أبي حامد الإسفراييني , وسمع الحديث من جماعة، وكتبت عنه، وكان فاضلا، أديبا، شاعرا، وسألته عن مولده، فقال: سنة أربع وسبعين وثلاث مائة، وبلغنا أنه توفي ببلده، سنة ثلاث وأربعين وأربع مائة، رحمه الله. أحمد بن محمد بن علي بن نمير العلامة أبو سعيد الخوارزمي الضرير الفقيه الشافعي تلميذ الشيخ أبي حامد الإسفراييني، قال الخطيب: درس، وأفتى، وكان يقدم على أبي القاسم الكرخي، وعلى أبي نصر الثابتي، ولم يكن بعد القاضي أبي الطيب الطبري أحد أفقه منه، كتبت عنه عن، عبيد الله بن أحمد الصيدلاني، وتوفي في صفر سنة ثمان وأربعين وأربع مائة. أحمد بن منصور بن أبي الفضل أبو الفضل الضبعي السرخسي قال أبو سعد السمعاني: قدم بغداد، وتفقه على الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وتخرج عليه، وكان إماما، فاضلا، مناظرا، واعظا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 وقال أبو الفتح العياض في رسالته: في الصدر ما أنوره! وفي مجلس النظر ما أفطنه! وفي الفقه ما أثبته وأفصحه! وفي الوعظ على المنبر ما أتقنه وأنصحه! وقال السمعاني: كان مولده في حدود سنة سبعين وثلاث مائة، وحدث في سنن أبي داود، عن القاضي أبي عمر الهاشمي، وذكره ابن الصلاح في الطبقات، ولم يذكر وفاته. إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عابد بن عامر شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني النيسابوري الواعظ المفسر المتفنن كان مولده سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة، وكان أبوه أبو نصر من أئمة الوعظ بنيسابور، فقتل ولولده هذا تسع سنين، فأجلس مكانه في سنة ثنتين وثمانين وثلاث مائة، وحضر أول مجلس أئمة الوقت في بلده، كالشيخ أبي الطيب الصعلوكي، وكان في كفالته، وتحت نظره، وفي كنفه، وهو معلمه، ومهذبه، وكالأستاذ أبي بكر بن فورك، والأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، ثم كانوا يلازمون مجلسه، ويتعجبون من فصاحته، وكمال ذكائه، وحسن إيراده، حتى صار إلى ما صار إليه، وكان مشتغلا بكثرة الطاعات، والعبادات، حتى كان يضرب به المثل، وروى الحديث عن: الحسن بن أحمد المجلدي، وزاهر بن أحمد السرخسي، وأبي سعيد عبد الله بن محمد الرازي، وعبد الرحمن بن أبي سريج، وطبقتهم. وعنه: البيهقي، وعبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 العزيز الكناني، وعلي بن الحسين بن صصري، ونجا بن أحمد، ونصر الله الخشنامي، وأبو القاسم المصيصي، وخلق كثير، آخرهم موتا أبو عبد الله الفراوي. قال عبد الغافر الفارسي في تاريخ نيسابور: كان أوحد وقته في طريقته، وعظ المسلمين سبعين سنة، وخطب وصلى في الجامع نحوا من عشرين سنة، وكان حافظا كثير السماع والتصنيف، حريصا على العلم، سمع بنيسابور، وهراة، وسرخس، والشام، والحجاز، والجبال، وحدث: بخراسان، والهند، وجرجان، والشام، والثغور، والقدس، والحجاز، ورزق العزة والجاه، في الدين والدنيا، وكان حمالا للبلد، مقبولا عند الموافق المخالف، مجمعا على أنه: عديم النظير، وكان سيف السنة، ودامغ أهل البدعة. وقال الشيخ الحافظ أبو بكر البيهقي: أنا شيخ الإسلام صدقا، وإمام المسلمين حقا، أبو عثمان الصابوني، ثم ذكر حكاية، وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: سمعت معمر بن الفاخر، يقول: سمعت عبد الرشيد بن ناصر الواعظ بمكة، يقول: سمعت إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي، يقول: سمعت الإمام أبا المعالي الجويني، يقول: كنت بمكة أتردد في المذاهب، فرأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: عليك باعتقاد ابن الصابوني، وروى نحو هذا من وجه آخر، وقال عبد العزيز بن أحمد الكناني: ما رأيت شيخا في معنى أبي عثمان الصابوني، زهدا، وعلما، كان يحفظ من كل فن، لا يقعد به شيء، وكان يحفظ التفسير من كتب كثيرة، وكان من حفاظ الحديث. وقال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: ولأبي عثمان، مصنف في السنة، واعتقاد السلف، أفصح فيه بالحق، فرحمه الله، ورضي عنه، وذكر عبد الغافر ترجمة الإمام مطولة جدا، وذكر سبب موته، أنه ورد عليه كتاب من بخاري، يذكرون أن عندهم وباء عظيما، فقرأه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 على الناس على المنبر، وأنه وعظ ذلك اليوم، وتغير حاله، ومكث يجيء عليه وجع البطن من ساعته، ولم يزل كذلك سبعة أيام حتى مات، رحمه الله، وَصُلِّيَ عليه يوم الجمعة بعد العصر، الرابع من المحرم سنة تسع وأربعين وأربع مائة، وصلى عليه: ابنه أبو بكر، ثم أخوه أبو يعلى إسحاق، رحمه الله، قال: وقد قال فيه البارع الزوزني: ماذا اختلاف الناس في متفنن ... لم يبصروا للقدح فيه سبيلا والله ما رقى المنابر خاطب ... أو واعظ كالحبر إسماعيلا جعفر بن محمد بن عثمان الفقيه أبو الخير المروزي الشافعي نزيل معرة النعمان صنف في المذهب كتاب الذخيرة، وكان قدومه المعرة، سنة ثماني عشرة وأربع مائة فدرس بها، واشتغل، وتفقه عليه أهلها، ومات سنة سبع وأربعين وأربع مائة. الحسن بن الحسين أبو علي الخلعي الفقيه الشافعي والد القاضي أبي الحسن الخلعي وبإفادته لولده أدرك ولده سماعا عاليا، توفي بمصر، في شوال سنة ثمان وأربعين وأربع مائة. الحسين بن علي بن جعفر بن علكان ابن الأمير أبي دلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 العجلي أبو عبد الله الجرباذقاني، المعروف بابن ماكولا وهو عم الأمير أبي نصر مصنف الإكمال، قاضي القضاة ببغداد الشافعي، وَلِيَهَا سنة عشرين وأربع مائة، قال الخطيب: ولم نر قاضيا أعظم نزاهة منه، وكان عارفا بمذهب الشافعي، سمعته يقول: سمعت من أبي عبد الله بن منده بأصبهان، ولد سنة ثمان وستين وثلاث مائة، ومات في شوال سنة سبع وأربعين وأربع مائة وهو قاضي بغداد، رحمه الله. رافع بن نصر أبو الحسن البغدادي الحمال الشافعي الفقيه المفتي الزاهد تفقه على الشيخ أبي حامد، وأخذ الأصول على الباقلاني، وروى عن أبي عمر بن مهدي الفارسي، وروى عنه: جعفر السراج، وسهل بن بشر الإسفراييني، وعبد العزيز الكناني، وكان موصوفا بالزهد، والعبادة، والمعرفة، وله شعر حسن، قال محمد بن طاهر: سمعت هياج بن عبيد، يقول: كان لرافع الحمال قدم في الزهد، وإنما تفقه أبو إسحاق الشيرازي، والقاضي أبو يعلى بن الفراء، بمعاونة رافع لهما، وكان يحمل وينفق عليهما، ومن شعره، رحمه الله تعالى: كد كد العبد إن ... أحببت أن تحتسب حرا واقطع الآمال عن فضل ... بني آدم طرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 أنت ما استغنيت عن مثلك ... أعلى الناس قدرا أقام بمكة يفتي بها مدة، إلى أن توفي بها سنة سبع وأربعين وأربع مائة. سالم بن عبد الله أبو معمر الهروي، يعرف بغدلجة أي: تصغير غدل، ذكره أبو عاصم العبادي في طبقة الشيخ أبي محمد الجويني، وناصر، وشبههما، وذكره غيره، أنه كان يقال: إنه ما عبر جسر بغداد مثله، يعني: في زمانه، له كتاب اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع، توفي سنة ثلاث وثلاثين وأربع مائة، ذكره ابن الصلاح. سليم بن أيوب بن سليم الفقيه أبو الفتح الرازي الشافعي الأديب المفسر نزيل الشام، تفقه بالشيخ أبي حامد الإسفراييني ببغداد، وعلق عنه تعليقة، وروى عنه، وعن: أحمد بن محمد البصير، وأحمد بن محمد بن المحبر، وأحمد بن فارس اللغوي، وحمد بن عبد الله، ومحمد بن جعفر التميمي، ومحمد بن عبد الله الجعفي، وجماعة، وعنه جماعة منهم: الحافظ أبو بكر الخطيب، والفقيه نصر بن إبراهيم الفقيه، وبه تفقه: أبو نصر الطريثيثي، وسهل بن بشر الإسفراييني، وأبو القاسم بن علي بن إبراهيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 النسيب، وقال: هو ثقة، فقيه، مقرئ، محدث، وقال سهل بن بشر الإسفراييني: حدثني سليم الرازي، أنه كان في صغره بالري، وله نحو عشر سنين، فحضر بعض الشيوخ وهو يلقن، فقال لي: تقدم فاقرأ، فجهدت أن أقرأ الفاتحة، فلم أقدر على ذلك لانغلاق لساني، فقال لي: لك والدة؟ قلت: نعم، قال: قل لها تدعو لك أن يرزقك الله قراءة القرآن والعلم، قلت: نعم، فرجعت فسألتها الدعاء، فدعت لي، ثم إني كبرت، ودخلت بغداد، وقرأت بها العربية والفقه، وعدت إلى الري، فبينا أنا في الجامع، أقابل مختصر المزني، وإذا الشيخ قد حضر، وسلم علينا وهو لا يعرفني، فسمع مقابلتنا وهو لا يعلم ما نقول، ثم قال: متى يتعلم مثل هذا، فأردت أن أقول: إن كانت لك والدة قل لها تدعو لك فاستحييت منه، أو كما قال. وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: بلغني أن سليما تفقه بعد أن جاوز الأربعين، قال: وقرأت بخط غيث الأمنازي، غرق سليم الفقيه في بحر القلزم، عند ساحل جدة بعد الحج، في صفر سنة سبع وأربعين وأربع مائة، وقد نيف على الثمانين، وكان فقيها مشارا إليه، صنف الكثير في الفقه، وغيره ودرس، وهو أول من نشر هذا العلم بصور، وانتفع به جماعة، منهم: الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي، وحدث عنه أنه كان يحاسب نفسه، على الأنفاس، لا يدع وقتا يمضي بغير فائدة، رحمه الله. طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر القاضي العلامة أبو الطيب الطبري من آمل طبرستان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 أحد أئمة المذهب، وشيوخه المشاهير الكبار، سمع بجرجان من: أبي أحمد الغطريفي، وَفَاتَهُ أبو بكر الإسماعيلي، فإنه قدمها والإسماعيلي مريض، فبقى أياما ثم مات، قبل أن يسمع منه شيئا، وبنيسابور من: الفقيه أبي الحسن الماسرخسي، وتفقه عليه بها، وببغداد من: الحافظ أبي الحسن الدارقطني، وموسى بن عرفة، والمعافى بن زكريا، وعلي بن عمر الحربي، وغيرهم، وعنه: الحافظ أبو بكر الخطيب، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وأبو محمد بن الأبنوسي، وخلق كثير، آخرهم موتا: القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري، رحمه الله. قال الشيخ أبو إسحاق في الطبقات: ومنهم: شيخنا، وأستاذنا أبو الطيب الطبري، توفي عن مائة وسنتين، لم يختل عقله، ولا تغير فهمه، يفتي مع الفقهاء، ويستدرك عليهم الخطأ، ويقضي، ويشهد، ويحضر المواكب إلى أن مات، تفقه بآمل على أبي علي الزجاجي صاحب ابن القاضي، وقرأ على أبي سعد الإسماعيلي، وعلى القاضي أبي القاسم بن كج بجرجان، ثم ارتحل إلى نيسابور، وأدرك أبا الحسن الماسرخسي، وصحبه أربع سنين، ثم ارتحل إلى بغداد، وعلق عن أبي محمد البافي الخوارزمي صاحب الداركي، وحضر مجلس الشيخ أبي حامد، ولم أر ممن رأيت أكمل اجتهادا، وأشد تحقيقا، وأجود نظرا منه، شرح المزني، وصنف في الخلاف، والمذهب، والأصول، والجدل كتبا كثيرة ليس لأحد مثلها، ولازمت مجلسه بضعة عشر سنة، وَدَرَّسْتُ أصحابه في مجلسه سنين بإذنه، ورتبني في حلقته، وسألني أن أجلس في مجلسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 للتدريس، ففعلت في سنة ثلاثين وأربع مائة، أحسن الله عني جزاءه، ورضي عنه، وقال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي: كان أبو الطيب ورعا، عارفا بالأصول والفروع، محققا، حسن الخلق، صحيح المذهب، اختلفت إليه، وعلقت عنه الفقه سنين، وقال: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد المؤدب، سمعت أبا محمد البافي، يقول: أبو الطيب الطبري، أفقه من أبي حامد الإسفراييني، وسمعت أبا محمد، يقول: أبو الطيب، أفقه من أبي محمد البافي، وقال القاضي أبو بكر بن بكر الشامي: قلت للقاضي أبي الطيب شيخنا، وقد عمر: لقد متعت بجوارحك أيها الشيخ، فقال: ولم لا، وما عصيت الله بواحدة منها قط، أو كما قال، وقال غير واحد: سمعنا أبا الطيب الطبري، يقول: رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، في النوم، فقلت: يا رسول الله، أرأيت من روى عنك أنك، قلت: «نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها» ، الحديث، أحق هو؟ قال: نعم، قلت: كان مولده ببلده آمل طبرستان، سنة ثمان وأربعين وثلاث مائة، ثم رحل في طلب العلم إلى بلدان شتى، حتى استقر به المنزل ببغداد، فتفقه بها، وبرع، وساد، وأفتى، وصنف، وولي قضاء ربع الكرخ، بعد موت القاضي الصيمري، ولم يزل حاكما إلى أن مات بها، في ربيع الأول سنة خمسين وأربع مائة، رحمه الله وأكرمه. ومن مفرداته: أن خروج المني ينقض الوضوء، ومنها: أن صلاة الكافر في دار الحرب، يكون إسلاما، ومنها: لو فرقت صيعان صبرة، فباع واحدا منها مبهما، صح لانتفاء الغرر، قال النووي: والصحيح خلافه في الثلاثة. قَرَأْتُ عَلَى الْحَافِظِ الْكَبِيرِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ، فَسَّحَ اللَّهُ فِي أَجَلِهِ، قُلْتُ لَهُ: أَخْبَرَكَ الإِمَامُ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ قُدَامَةَ، وَالشَّيْخُ السَّيِّدُ فَخْرُ الدِّينِ ابْنُ الْبُخَارِيِّ الْمقدسيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: أنا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ طَبَرْزَدَ، أنا الشَّيْخَانِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو الْمَوَاهِبِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَلُوكٍ الْوَرَّاقُ، قَالا: أنا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ الطَّبَرِيُّ، أنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ غِطْرِيفٍ، بِجُرْجَانَ، ثنا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ خِرَاشٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى، إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن النعمان بن عبد السلام القاضي، أبو محمد الأصبهاني ويعرف بابن اللبان، أحد العلماء العباد من الشافعية، اشتغل في الفروع على الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وفي الأصول والكلام على القاضي أبي بكر الباقلاني، وسمع الحديث من: أبي بكر المقرئ، وإبراهيم بن خرشيد قوله، وأبي طاهر المخلص، وأحمد بن فراس العبقسي، وغيرهم، وقرأ بالروايات، وروى عنه: الخطيب، وأبو علي الحداد، وقرأ عليه بالروايات جماعة، وأخذ عنه علم الكلام آخرون منهم: القاضي أبو يعلى بن الفراء، وأبو محمد التميمي، الحنبليان. قال الحافظ أبو بكر الخطيب: كان ثقة، ولي قضاء إيذج، وله مصنفات كثيرة، وكان من أحسن الناس تلاوة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 للقرآن، وحسن العبارة في المناظرة، مع تدين، وعبادة، وورع بين، وحسن خلق، وتقشف ظاهر، سمعته، يقول: حفظت القرآن، وأنا ابن خمس سنين، وأحضرت مجلس ابن المقرئ ولي أربع سنين، فتحدثوا في سماعي، فقال ابن المقرئ: اقرأ: والمرسلات فقرأتها، ولم أغلط فيها، فقال: اسمعوا له، والعهدة على، قال الخطيب: ولم أر أجود، ولا أحسن قراءة منه، مات بأصبهان، في جمادى الآخرة سنة ست وأربعين وأربع مائة. عبد الملك بن عبد الله بن محمود بن صهيب بن مسكين أبو الحسن المصري الفقيه الشافعي ويعرف أيضا بالزجاج، روى عن: أبيض بن محمد الفهري صاحب النسائي، وعبيد الله بن محمد بن أبي غالب البزار، وعلي بن الحسين الأنطاكي قاضي أذنة، وأبي بكر بن المهندس، وغيرهم، وروى عنه: الرازي في مشيخته المشهورة، مات في سنة سبع وأربعين وأربع مائة. عبد الله بن عبد الأعلى بن محمد بن هارون أبو القاسم الرقي، المعروف بابن الحراني أخذ الفقه عن الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وروى الحديث عن: ابن حبابة، والمخلص، وأبي حفص الكناني، وغيرهم، وكتب عنه الخطيب البغدادي، وقال: كان ثقة، قال: وسألته عن مولده، فقال: سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 أربع وستين وثلاث مائة، قال: وكان دخولي بغداد سنة ست وثمانين. قال الخطيب: وبلغني أنه مات سنة ثلاث وأربعين وأربع مائة، بالرحبة وكان قد سكنها. عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد أبو القاسم البزار، المعروف بالمنيري روى عنه الخطيب، وقال: كان صدوقا، فاضلا، فقيها، على مذهب الشافعي، رحمه الله، ذكره ابن الصلاح، وساق في ترجمته بسنده إلى الأوزاعي، حدثني عبد الله بن عامر، قال: أعطى داود، عليه السلام، من حسن الصوت ما لم يعط أحد قط، حتى إن كان الطير الوحش لتعكف حوله حتى يموت عطشا وجوعا وإن الأنهار لتقف. عبد الجبار بن علي الأستاذ أبو القاسم الإسفراييني تلميذ الشيخ أبي إسحاق الإسفراييني، وشيخ إمام الحرمين في الكلام، له المصنفات في الأصلين، وفي الجدل، وهو الذي حكى عن شيخه الأستاذ أبي إسحاق، أنه قال: لو أن رجلا وطئ زوجته معتقدا أنها أجنبية، فعليه الحد، ذكره ابن الصلاح، ولم يؤرخ وفاته. علي بن الحسن بن أحمد بن محمد بن عمر أبو القاسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 المعروف بابن المسلمة، الملقب برئيس الرؤساء، شرف الوزراء، جمال الورى، وزير القائم بأمر الله. قال الخطيب البغدادي: كان قد اجتمع فيه من الأصالة، ووفر العقل، وسداد المذهب، وحسن الاعتقاد، وذكر أنه كان قد اجتمع فيه فنون من الفقه، والقراءة، والعروض، وغير ذلك. صلبه البساسيري في ذي الحجة سنة خمسين وأربع مائة، وله من العمر ثلاث وخمسون سنة، رحمه الله، ذكره ابن الصلاح في الطبقات. علي بن محمد بن حبيب القاضي أبو الحسن الماوردي البصري أحد أصحاب الوجوه في المذهب، مؤلف الحاوي الكبير، الذي هو في المصنفات عديم النظير في بابه، وله التفسير، والأحكام السلطانية، وأدب الدين والدنيا، وغير ذلك من المصنفات النافعة، روى الحديث عن: الحسن بن علي الجبلي، صاحب أبي خليفة الجمحي، وعن خضر بن محمد بن الفضل، ومحمد بن عدي المنقري، ومحمد بن المعلى، وعنه جماعة منهم: الحافظ أبو بكر الخطيب، وقال: كان من وجوه الفقهاء الشافعيين، وله تصانيف عدة في أصول الفقه وفروعه، وغير ذلك، وكان ثقة، ولي القضاء ببلدان شتى، ثم سكن بغداد، وآخرهم موتا أبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 العز بن كادش. وقال الشيخ أبو إسحاق في الطبقات: ومنهم أقضي القضاة أبو الحسن الماورردي البصري، تفقه على أبي القاسم الصيمري بالبصرة، وارتحل إلى الشيخ أبي حامد الإسفراييني، ودرس بالبصرة، وبغداد سنين كثيرة، وله مصنفات كثيرة في الفقه، والتفسير، وأصول الفقه، والأدب، وكان حافظا للمذهب، وقال ابن خيرون: وكان رجلا عظيم القدر، مقدما عند السلطان، أحد الأئمة، له التصانيف الحسان في كل فن من العلم، وذكره الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في الطبقات، واتهمه بالاعتزال في بعض المسائل، بحسب ما فهمه عنه في تفسيره، في موافقة المعتزلة فيها، فالله أعلم، ثم روى عنه حديث: «هل أنت إلا أصبع دميت» ، وأثنى عليه القاضي ابن خلكان في الوفيات، وعلى مصنفاته، وذكر أنه لم يكن أبرز شيئا من مصنفاته في حياته، وإنما أوصى رجلا من أصحابه إذا حضره الموت أن يضع يده في يده، فإن رآه قبض على يده فلا يخرج من مصنفاته شيئا، وإن رآه بسط يده، أي علامة قبولها، فليخرجها، فبسطها، ولله الحمد والمنة، قال الخطيب، وغير واحد: توفي ببغداد، بعد موت القاضي أبي الطيب بأحد عشر يوما، في ربيع الأول سنة خمسين وأربع مائة، عن ست وثمانين سنة، رحمه الله، قلت: لما قدم السلطان طغرلبك قربه، وأدناه، وحظي عنده، وأكرمه، ولما كتب في تقليد الملك شاهنشاه بتاريخ الفقهاء في جواز ذلك، فسوغه القاضي أبو الطيب، ومنع ذلك الماوردي، وما زاده ذلك من الملك إلا قربا وحظوة، وله اختيارات غريبة، ووجوه منقولة عنه، في الأصول، والفروع، وعلوم الحديث. محمد بن أحمد بن عيسى بن عبد الله القاضي أبو الفضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 السعدي البغدادي الفقيه الشافعي أحد تلامذة الشيخ أبي حامد الإسفراييني ببغداد، ثم سكن مصر، وأملى، وأفاد، وسمع الحديث من: أبي بكر بن شاذان، وأبي طاهر المخلص، وابن جميع بصيدا، وجماعة. وسمع معجم الصحابة للبغوي من ابن بطة العكبري، وروى عنه: سهل بن بشر الإسفراييني، وعلي بن مكي الأزدي، ومحمد بن أحمد الرازي، وآخرون، وحدث عنه: الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري، ومات قبله بنيف وثلاثين سنة، وتوفي في شعبان، وقيل: في شوال، سنة إحدى وأربعين وأربع مائة. محمد بن عبد الواحد بن محمد بن عمر بن ميمون الإمام أبو الفرج الدارمي البغدادي نزيل دمشق، بعد ما أقام بالرحبة مدة، مصنف كتاب الاستذكار في المذهب، تفقه على أبي الحسين الأردبيلي، وعلى الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وكان إماما، بارعا، له وجه في المذهب، وسمع الحديث من: أبي عمرو بن حيويه، وأبي الحسين بن المظفر، وأبي بكر بن شاذان، وأبي الحسن الدارقطني، وجماعة، وعنه: أبو علي الأهوازي، وهو من أقرانه، وأبو طاهر محمد بن الحسين الجبائي، وعبد العزيز بن أحمد الكناني، والحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي، سمع منه بدمشق، وقال: هو أحد الفقهاء، موصوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 بالذكاء، وحسن الفقه، والحساب، والكلام في دقائق المسائل، وله شعر حسن. وقال الخطيب: حدثني أبو الفرج الدارمي: سمعت أبا عمرو بن حيويه، سمعت ابن سريج، وقد سئل عن القرد، فقال: هو طاهر هو طاهر، وقال الشيخ أبو إسحاق في الطبقات: كان فقيها، حاسبا، شاعرا، متصرفا، ما رأيت أفصح منه لهجة، قال لي: مرضت فعادني الشيخ أبو حامد الإسفراييني، فقلت: مرضت فارتحت إلى عائد ... فعادني العالم في واحد ذاك الإمام ابن أبي طاهر ... أحمد ذو الفضل أبو حامد مولده: سنة ثمان وخمسين وثلاث مائة في شوال، وتوفي بدمشق ليلة الجمعة مستهل ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وأربع مائة، وشهده خلق كثير، ودفن بمقبرة باب الفراديس، رحمه الله، وقد ذكر الشيخ الإمام تقي الدين بن الصلاح، أنه وقف على كتاب الاستذكار، فأثنى عليه ثناء بليغا، لما فيه من الفرائد، والفوائد، والغرائب، والعجائب، مع الإيجاز، والاختصار. محمد بن عبد الواحد بن محمد أبو طاهر البغدادي البيع، المعروف بابن الصباغ وهو والد العلامة أبي نصر عبد السيد، صاحب الشامل، قال الخطيب: كان ثقة، درس الفقه على الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وكانت له حلقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 الفتوى، وسمع الحديث من: ابن شاهين، وعلي بن العزيز بن مدرك، وأبي القاسم بن حبابة، وغيرهم، وكتبنا عنه، وكان ثقة، توفي في ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وأربع مائة. منصور بن عمر بن علي الإمام أبو القاسم البغدادي الكرخي أحد فقهاء الشافعية، تفقه بالشيخ أبي حامد، وروى عن: أبي طاهر المخلص، وأبي القاسم الصيدلاني، وعنه: الخطيب البغدادي، وقال: هو من أهل كرخ جدان، وقال الشيخ أبو إسحاق الرازي في طبقات الشافعية: ومنهم شيخنا أبو القاسم منصور الكرخي، تفقه على أبي حامد الإسفراييني، وله عنه تعليقة، وله في المذهب كتاب الغنية، ودرس ببغداد، ومات في جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وأربع مائة. ناصر بن الحسين بن محمد بن علي القرشي العمري أبو الفتح المروزي الفقيه الشافعي أحد أصحاب القفال، تفقه عليه بمرو، وبنيسابور على: أبي طاهر بن محمش، وأبي الطيب الصعلوكي، ودرس في حياتهما، وتفقه به خلق كثير منهم: البيهقي، وأبو إسحاق الجيلي، وكان عليه مدار الفتوى، والمناظرة، وكان فقيرا، قانعا باليسير، متواضعا، خيرا، وكان من أفراد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 الأئمة، وقد جلس للتحديث، وأملى، وروى عن: أبي العباس السرخسي، وأبي محمد المخلدي، وأبي سعيد بن عبد الوهاب الرازي، وأبي محمد بن عبد الوهاب بن أبي سريج الأنصاري، وغيرهم، وروى عنه: إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي، ومسعود بن ناصر السجزي، وأبو صالح المؤذن، وغيرهم، توفي بنيسابور، في ذي القعدة سنة أربع وأربعين وأربع مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 إبراهيم بن علي بن يوسف بن عبد الله الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الشيخ الإمام العلامة جمال الدين أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف بن عبد الله الفيروزابادي، نسبة إلى بلد تسمى فيروزاباد، من بلاد شيراز، ولد سنة سبعين، وقيل: سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة، وسمع الحديث من الحافظ أبي بكر البرقاني، وأبي علي بن شاذان، وأبي عبد الله الصوري الحافظ، وأبي الفرج محمد بن عبيد الله الخرجوشي الشيرازي وغيرهم، وروى عنه خلق منهم الحافظ أبو بكر الخطيب ومات قبله، والفقيه أبو الوليد الباجي، والإمام أبو عبد الله الحميدي، وأبو القاسم السمرقندي، وأبو البدر إبراهيم بن محمد الكرخي، ويوسف بن أيوب الهمداني، وأبو نصر أحمد بن محمد الطوسي، وأبو الحسن عبد السلام، وحدث ببغداد وهمدان ونيسابور وغيرها من البلاد، ودرس أصول الكلام على أبي حاتم القزويني صاحب القاضي أبي بكر الباقلاني، وتفقه بفارس على أبي عبد الله بن البيضاوي، وأبي أحمد عبد الوهاب بن رامين، وبالبصرة على الخرزي، وقرأ على أبي القاسم الداركي، ثم دخل بغداد سنة خمس عشرة وأربع مائة في شوالها، وقيل: سنة ثمانية عشر، فتفقه على الإمام أبي الطيب الطبري ولازمه، واشتهر به وأعاد عنده، ودرس بمسجد باب المراتب، قال رحمه الله: فكنت أعيد الدرس مائة مرة، وأعيد القياس ألف مرة، وإذا كان في المسألة شاهد من شعر العرب حفظت تلك القصيدة بكمالها، فلهذا برز رحمه الله على أهل زمانه، وتقدم على ضربائه وأقرانه، وانتهت إليه رئاسة المذهب، إذ اختصر التنبيه وبسط المهذب مع الزهد والديانة والعفة والأمانة والبلاغة والفصاحة والرياضة والسماحة، وقد ذكر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، فقال له: يا شيخ، فكان يفرح، ويقول: سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم شيخًا. قال الحافظ أبو سعد السمعاني: كان الشيخ أبو إسحاق إمام الشافعية المدرس ببغداد في النظامية، شيخ الدهر وإمام العصر، رحل إليه الناس من الأمصار، وقصدوه من كل الجوانب والأقطار، وكان يجرى مجرى أبي العباس بن سريج، قال: وكان زاهدًا ورعًا متواضعًا ظريفًا كريمًا جوادًا سخيًا طلق الوجه دائم البشر، حسن المجالسة مليح المحاورة، وكان يحكي الحكايات الحسنة والأشعار المبتدعة المليحة، ويحفظ منها شيئًا كثيرًا، وكان يضرب به المثل في الفصاحة. وقال الإمام أبو سعد السمعاني: تفرد الإمام أبو إسحاق الشيرازي بالعلم الوافر كالبحر الزاخر، مع السيرة الجميلة والطريقة المرضية، جاءته الدنيا صاغرة، فأباها واطرحها وقلاها، قال: وكان عامة المدرسين بالعراق والجبال تلاميذه وأشياعه، صنف في الأصول والفروع والخلاف والمذهب، كسا أصحاب الدين والإسلام أنجمًا وشهبًا. قلت: وممن أخذ عنه العلم الإمام العلامة أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي، ذو الفنون، وقال: شهدت شيخنا أبا إسحاق لا يخرج شيئًا إلى فقير إلا أحضر إليه، ولا يتكلم في مسألة إلا قدم الاستعانة بالله عز وجل، وأخلص القصد في نصرة الحق، ولا صنف مسألة إلا بعد أن يصلي ركعتين، فلا حرم سماع اسمه، وانتشرت تصانيفه شرقًا وغربًا، لبركة إخلاصه. وحكى الحافظ أبو عبد الله بن النجار في تاريخه عن أبي بكر محمد بن أحمد بن الخاضبة، قال: سمعت بعض أصحاب الشيخ أبي إسحاق، قال: رأيت الشيخ يركع ركعتين عند فراغ كل فصل من المهذب، وقال أبو سعد السمعاني: سمعت الرئيس أبا الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب مذاكرة، يقول: كان عميد الدولة بن جهير الوزير كثيرًا ما يقول: الشيخ الإمام أبو إسحاق وحيد عصره فريد دهره مستجاب الدعوة، وكان الوزير أبو علي نظام الملك يثني عليه، ويقول: كيف حالي مع رجل لا يفرق بيني وبين نهروز الفراش في المخاطبة؟ قال لي: بارك الله فيك، وقال له لما صب عليه كذلك. وحكى السمعاني أن الشيخ رحمه الله دخل إلى بعض المساجد، فأكل شيئًا ثم انصرف، وقد نسي فيه دينارًا، فلما رجع وجده، فأبى أن يأخذه، وقال: لعل هذا سقط من غيري، والذي نسيته أخذه آخذ، وحكى أنه ربما دخل هو وأصحابه إلى بعض المساجد ليأكلوا طعامًا، فيتركون منه مقدرًا جيدًا لمن يريده من الفقراء والمحاويج، وأنه بعث رجلًا يشتري له بقرصة شيئًا على قرصة أخرى، فلما جاء قال: لعله أشبه عليك القرصة التي وكلتك في الشراء بها بالأخرى، وأبى أن يأكله. وقال أبو سعد السمعاني: كان يتوسوس في الطهارة، سمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: كان الشيخ أبو إسحاق يتوضأ في الشط فيغسل وجهه مرات، فقال له رجل: يا شيخ، أما تستحيي تغسل وجهك كذا وكذا مرة، فقال له: لو صح لي الثلاث ما زدت عليها، ونقل الشيخ أبو زكريا النواوي في أول شرح المهذب أنه كان يومًا يمشي ومعه بعض أصحابه، فعرض في الطريق كلب، فزجره صاحبه، فنهاه الشيخ، وقال: أما علمت أن الطريق بيني وبينه مشتركة. وقال أبو سعد السمعاني: سمعت القاضي أبا بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري، يقول: حملت فتوى إلى ذلك الشط لأستفتي الشيخ أبا إسحاق، فرأيته في الطريق وهو يمشي، فمضى إلى دكان الخباز أو بقال، فأخذ قلمه ودواته وكتب جوابه ومسح القلم في ثوبه وأعطاني الفتوى. وقال السمعاني: سمعت القاضي أبا بكر محمد بن القاسم الشهرزوري بالموصل يقول: كان شيخنا أبو إسحاق إذا خطأ أحد بين يديه، وقال: أي سكتة فاتتك، قال: وسمعت محمد بن علي الخطيب، سمعت محمد بن محمد بن يوسف القاشاني بمرو، سمعت محمد بن عمر بن هانئ القاضي، يقول: إمامان ما اتفق لهما الحج أبو إسحاق والقاضي أبو عبد الله الدامغاني، أما أبو إسحاق فكان فقيرًا، ولكن لو أراد لحملوه على الأعناق، والدامغاني لو أراد الحج على السندس والإستبرق لأمكنه. قلت: أما فقر الشيخ فعذر واضح له في ترك الحج، فإنه كان متقللًا من الدنيا من مبتدئه إلى آخر عمره رحمه الله، فقد حكي عنه، أنه قال: كنت أشتهي ثريدًا بماء الباقلاء أيام اشتغالي، فما صح لي أكله لاشتغالي بالدرس وأخذي النوبة، وذكر السمعاني أنه قال: قال أصحابنا ببغداد: كان الشيخ أبو إسحاق إذا بقي مدة لا يأكل شيئًا صعد إلى النصرية وله فيها صديق، فكان يثرد له رغيفًا ويشربه بماء الباقلاء، فربما صعد إليه وقد فرغ، فيقول الشيخ أبو إسحاق: {تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} [النازعات: 12] . وقال الفقيه أبو بكر الطرطوشي المالكي: أخبرني أبو العباس الجرجاني القاضي بالبصرة، قال: كان الشيخ أبو إسحاق لا يملك شيئًا من الدنيا، فبلغ به الفقر حتى لا يجد قوتًا ولا ملبسًا، ولقد كنا نأتيه وهو ساكن في القطيعة، فيقوم لنا نصف قومة، كي لا يظهر منه شيء من العري، وكنت أمشي معه، فتعلق به باقلاني، فقال: يا شيخ أفقرتني وكسرتني وأكلت رأس مالي، ادفع إلي ما عندك، فقلنا: وكم لك عنده؟ فقال: أظنه حبتين ذهبًا، أو حبتين ونصف، وذكر الحافظ أبو عبد الله الذهبي أنه قرئ بخط ابن الأنماطي، أنه وجد بخط أبي علي الحسن بن أحمد الكرماني الصوفي الذي غسل الشيخ أبا إسحاق، أنه سمعه، يقول: ولدت سنة تسعين وثلاث مائة، ودخلت بغداد سنة ثماني عشرة وأربع مائة، ومات ولم يترك درهما ولا عليه درهم، وكذلك كان يقضي عمره. قلت: هذا، وقد نال من رئاسة العلم مبلغًا كبيرًا، وعظم تعظيمًا زائدًا، وهو أول من درس في المدرسة النظامية ببغداد، بعد أن درس بها ابن الصباغ نحوًا من عشرين يومًا، وذلك أنه لما كملت وقد رسم أن يدرس بها الشيخ أبو إسحاق، واجتمع الناس بها خرج للدرس، فلقيه شهاب الدين، فقال: يا شيخ كيف يحل لك أن تدرس بمدرسة مغصوبة؟ فذهب وبقيت، فلما تعذر حصوله أحضر الإمام أبو نصر ابن الصباغ فدرس بها، فلما وصل الخبر إلى نظام الملك أبى ذلك، وأمر أن يدرس الشيخ أبو إسحاق، فقال: ما بنيناها إلا على اسمه، وتنصل مما نسب إلى المدرسة من الغصب، فدرس بها الشيخ إلى أن توفي. ولما ندبه الإمام المقتدر بأمر الله أمير المؤمنين للرسالة إلى البلاد الشرقية، وذلك في ذي الحجة من سنة خمس وسبعين وأربع مائة، ذكر أنه لما شاقه أمير المؤمنين بالرسالة، قال: وما ندري أنا بك أمير المؤمنين وأنا لم أرك قبل هذا قط؟ فتبسم وأعجبه ذلك وأحضر له من عرفه به، فلما خرج الشيخ في الرسالة خرج معه جماعة من أعيان أصحابه، قال السمعاني: لما خرج الشيخ أبو إسحاق إلى نيسابور خرج في صحبة جماعة من تلامذته كانوا أئمة الدنيا، كأبي بكر الشاشي، وأبي عبد الله الطبري، وأبي معاذ الأندلسي، والقاضي علي الميانجي، وأبي الفضل بن فتيان قاضي البصرة، وأبي الحسن الآمدي، وأبي القاسم الزنجاني، وأبي علي البارقي، وأبي العباس ابن الرطبي. قال السمعاني: وسمعت جماعة يقولون: لما قدم أبو إسحاق رسولًا إلى نيسابور تلقاه الناس لما قدم، وحمل الإمام أبو المعالي الجويني غاشية فرسه ومشى بين يديه، وقال: أنا أفتخر بهذا. قال السمعاني: وكان عامة المدرسين بالعراق والجبال تلاميذه وأشياعه وأتباعه، وكفاهم بذلك فخرا. وحكي عن الشيخ أبي إسحاق، أنه قال: خرجت إلى خراسان فما دخلت بلدة ولا قرية إلا كان قاضيها أو خطيبها أو مفتيها تلميذي أو من أصحابي. وذكر الحافظ ابن النجار أن الشيخ لما ورد بلاد العجم كان يخرج إليه أهلها بنسائهم وأولادهم، فيمسحون أردانهم، ويأخذون تراب نعليه يستشفون به، ولما وصل إلى ساوة خرج صوفياتها وفقهاؤها وشهودها، وكلهم أصحاب الشيخ يخدمونه، وكان كل واحد يسأله أن يحضر في بيته ويتبرك بدخوله وأكله، قال: وخرج جميع من كان في البلد من أهل الصناعات، ومعهم من الذين يتبعونه طرفا ينشرونه على محفته، وخرج الخبازون ينثرون الخبز وهو ينهاهم ويدفعهم من حواليه ولا ينتهون، وخرج من بعدهم أصحاب الفاكهة والحلوى وغيرهم، وفعلوا كفعلهم، ولما بلغت النوبة إلى الأساكفة خرجوا وقد عملوا مداسات لطيفة للصغار ونثروها، فجعلت تقع على رءوس الناس، والشيخ أبو إسحاق يتعجب، فلما انتهوا بدأ يداعبنا ويقول: رأيتم النثار ما أحسنهم، أي شيء وصل إليكم منه، فنقول لعلمنا أن ذلك يعجبه: يا سيدي، وأنت أي شيء كان حظك منه، فيقول: أنا غطيت رأسي بالمحفة، قال: وخرج إلينا المتعبدات ومعهن السبح، فجعلن يلقين سبحهن إلى محفته ليلمسهن بيده، ليحصل لهن البركة، فجعل يمرهن على يديه، ويتبرك بهن ويقصد في حقهن ما قصدن في حقه، وقال شيرويه الديلمي في تاريخ همدان: أبو إسحاق الشيرازي إمام عصره، وقدم علينا رسولًا من أمير المؤمنين إلى السلطان ملك شاه، سمعت منه ببغداد وهمدان وكان ثقة فقيهًا زاهدًا في الدنيا على التحقيق أوحد زمانه. قلت: وقد اجتمع في رحلته هذه بإمام الحرمين لما ورد نيسابور كما تقدم، وحمل الغاشية بين يدي الشيخ، وقال: أنا أفتخر بهذا، ويقال: إنهما تناظرا، فعلاه الشيخ أبو إسحاق بالحجة لاقتداره على طريقة الجدل والبحث، هذا مع اتساع إمام الحرمين في العلم والفصاحة والخطابة والتحصيل، وكان الفقيه أبو الحسن محمد بن عبد الملك الهمداني حكى أبي قال: حضرت مع قاضي القضاة أبي الحسن الماوردي عزاء، وكان قبل سنة أربعين يعني وأربع مائة، فتكلم الشيخ أبو إسحاق فأجاد، فلما خرجنا قال الماوردي: ما رأيت كأبي إسحاق، لو رآه الشافعي لتجمل به. وقال الإمام أبو بكر الشاشي مصنف المستظهري، وهو تلميذ الشيخ أبي إسحاق: شيخنا أبو إسحاق حجة الله على أئمة العصر، وقال الموفق الحنفي: الشيخ أبو إسحاق أمير المؤمنين فيما بين الفقهاء. وقال الحافظ أبو طاهر السلفي: سألت شجاعًا الذهلي عن أبي إسحاق، فقال: إمام أصحاب الشافعي، والمقدم عليهم في وقته ببغداد، وكان ثقة ورعًا صالحًا عالمًا بمعرفة الخلاف علمًا لا يشاركه فيه أحد. وقال الحافظ أبو سعد السمعاني: أنا أبو القاسم حيدر بن محمود الشيرازي بمرو، قال: سمعت الشيخ أبا إسحاق، قال: كنت نائمًا ببغداد، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر، فقلت: يا رسول الله، بلغني عنك أحاديث كثيرة عن ناقلي الأخبار، فأريد أن أسمع منك خبرًا أشرف به في الدنيا، وأجعله ذخرة للآخرة، فقال: يا شيخ، وسماني شيخا، وخاطبني به، وكان يفرح بهذا، ثم قال: قل عني: من أراد السلامة فليطلبها في سلامة غيره، وهذا المنام عليه لوائح الصدق، فإن الفقهاء لهجوا بتسمية الشيخ أبي إسحاق، ولما رواه في المنام شاهد في الصحيح، وهو قوله عليه السلام: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» ، أي: من أراد أن يسلم، فليسلم الناس منه، فإن الجزاء من جنس العمل. وقال السمعاني: رأيت بخط الشيخ أبي إسحاق رقعة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم نسخة ما رآه الشيخ السيد أبو محمد عبد الله بن الحسن بن نصر المؤيدي رحمه الله تعالى رأيت في النوم سنة ثمان وستين وأربع مائة ليلة الجمعة أن أبا إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادي طول الله عمره في منامي يطير مع أصحابه في السماء الثالثة أو الرابعة، فتحيرت، وقلت في نفسي: هذا هو الشيخ الإمام مع أصحابه يطير، وأنا معهم استعظامًا لتلك الحال والرؤية. قلت: في هذه الفكرة إذ تلقى الشيخ ملك وسلم عليه من الرب تبارك وتعالى، وقال له: إن الله يقرأ عليك السلام، ويقول: ما الذي تدرس لأصحابك؟ فقال له الشيخ: أدرس ما نقل عن صاحب الشرع، فقال له الملك: فاقرأ علي شيئًا لأسمعه، فقرأ عليه الشيخ مسألة لا أذكرها، فاستمع إليه الملك وانصرف، وأخذ الشيخ يطير هو وأصحابه معه، فرجع ذلك الملك بعد ساعة، وقال للشيخ: إن الله يقول: الحق ما أنت عليه وأصحابك، فادخل الجنة معهم. وقال السمعاني: صنف الشيخ أبو إسحاق المهذب في المذهب والتنبيه، واللمع وشرحه، والمعونة في الجدل، والملخص وغير ذلك. قلت: صنف المهذب من تعليق الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وابتدأ في تصنيفه من سنة خمس وخمسين، وفرغه يوم الأحد سلخ رجب من سنة تسع وستين، فمكث في تصنيفه أربع عشرة سنة، وأما التنبيه فاختصر من طريقة الشيخ أبي الطيب الطبري شيخه، وله أيضًا النكت، والتبصرة، وطبقات الفقهاء، ومن كلامه الحسن: العلم لا ينتفع به صاحبه أن يكون الرجل عالمًا ولا يكون عاملًا، ثم أنشد لنفسه رحمه الله: علمت ما حلل المولى وحرمه ... فاعمل بعلمك إن العلم للعمل وقال أيضًا: الجاهل بالعالم لم يقتد، فإذا كان العالم لا يعمل، فالجاهل ما يرجو من نفسه، فالله الله يا أولادي، نعوذ بالله من علم يصير حجة علينا، ومن شعره: أحب الكأس من غير المدام ... وألهو بالحسان بلا حرام وما حبي لفاحشة ولكن ... رأيت الحب أخلاق الكرام وله أيضًا: سألت الناس عن خل وفي ... فقالوا ما إلى هذا سبيل وله أيضًا: تمسك إن ظفرت بود حر ... فإن الحر في الدنيا قليل وله أيضًا: حكيم رأى النجوم حقيقة ... ويذهب في أحجامها كل مذهب يخبر عن أفلاكها وبروجها ... وما عنده علم بما في المغيب يشير رحمه الله إلى أن علم التفسير صحيح، وهكذا هو عند المحققين من علماء الهيئة، فأما علم الأحجام وهو المشهور بعلم التنجيم، فباطل والاشتغال به غير طائل. وذكر الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح أن الشيخ أبا إسحاق كان يقول من الشعر على البديهة ما يسنح له، وأنه قال يومًا لمرتب المدرسة النظامية يعني بعينها وكان رجلا حسنا، فقال على وجه البسط به: وشيخنا الشيخ أبو طاهر ... جمالنا في الشرف الظاهر ثم حكي أن أبا طاهر هذا طال عمره، وتأخرت مدته في المدرسة النظامية إلى سنة ثلاثين وخمس مائة، فعمر بعد الشيخ أبي إسحاق بضعا وخمسين سنة، وقد امتدح بشعر من أحسنه ما حكاه السمعاني عن الرئيس أبي الخطاب علي بن عبد الرحمن بن هارون بن الجراح رحمه الله: سقيًا لمن صنف التنبيه مختصرًا ... ألفاظه الغر واستقصى معانيه إن الإمام أبا إسحاق صنفه ... لله والدين لا للكبر والتيه رأى علومًا عن الأفهام شاردة ... فجازها ابن علي كلها فيه نصب الشرع إبراهيم منتصرًا ... يذود عنه أعاديه ويحميه وقال أبو الحسن علي بن فضال القيرواني: كتاب التنبيه ذا أم رياض ... أم لآلئ قلوبهن البياض جمع الحسن والمسائل طرا ... دخلت تحت كله الأبعاض قل طولًا وضاق عرضًا مداه ... وهو بعدد الطوال العراض وقال السلار العقيلي: كفاني إذا عن الحوادث صارم ... ينيلني المأمول بالإثر والأثر يقد ويفري في اللقاء كأنه ... لسان أبي إسحاق في مجلس النظر وقال عاصم بن الحسن في الشيخ أبي إسحاق رحمه الله ورضي عنه: تراه من الذكاء نحيف جسم ... عليه من توقده دليل إذا كان الفتى ضخم المعالي ... فليس يضيره الجسم النحيل. توفي رحمه الله ليلة الأحد، وقيل: يوم الأحد الحادي والعشرين من جمادى الأولى، وقيل: الآخرة، سنة ست وسبعين وأربع مائة ببغداد، فاجتمع بجنازته خلق عظيم، ويقال: إنه أول من صلى عليه أمير المؤمنين المقتدي بأمر الله، ثم صلى عليه صاحبه أبو عبد الله الطبري، ودفن بباب أبرز رحمه الله، وقد رثاه الأستاذ القاسم عبد الله بن ناقياء بأبيات، منها: أجرى المدامع بالدم المهراق ... خطب أقام إقامة الآفاق خطب شجا منا القلوب بلوعة ... بين التراقي ما لها من راق ما للليالي لا يألف شملنا ... بعد ابن بجرتها أبي إسحاق إن قيل مات فلم يمت من ذكره ... حي على مر الليالي باق. قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: وجلس أصحابه لعزائه بالمدرسة النظامية، فلما انقضى العزاء رتب مؤيد الملك من نظام الملك أبا سعد المتولي مدرسًا، فلما وصل إلى نظام الملك باني المدرسة، كتب بإنكار ذلك، وقال: كان من الواجب أن تغلق المدرسة سنة من أجل الشيخ، وعاب على من تولى مكانه، وأمر أن يدرس الشيخ أبو نصر عبد السيد بن محمد ابن الصباغ مكانه. قلت: قد تقدم أن الشيخ أبا نصر درس فيها قبله، ثم صارت إليه بعده، إلى أن توفي سنة ثمان وسبعين، وكل من ابن الصباغ، والمتولي له وجه في المذهب، وليس للشيخ أبي إسحاق وجه في المذهب، وإنما له احتمال ولد إمام الحرمين والغزالي، وذكره الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في طبقات أصحاب الأشعري، في آخر كتابه: تبيين كذب المفترى على أبي الحسن الأشعري، فقال: رأيت بخط بعض الثقات: ما قول السادة الفقهاء في قوم اجتمعوا على لعن الأشعرية وتكفيرهم؟ وما الذي يجب عليهم؟ أفتونا، فأجاب جماعة فمن ذلك: الأشعرية أعيان السنة، انتصبوا للرد على المبتدعة من القدرية والرافضية وغيرهم، فمن طعن فيهم، فقد طعن على أهل السنة، ويجب على الناظر في أمر المسلمين تأديبه بما يرتدع به كل أحد، وكتب إبراهيم بن علي الفيروزابادي. قلت: أما طريقة الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري في الصفات بعد أن رجع عن الاعتزال، بل وبعد أن قدم بغداد، وأخذ عن أصحاب الحديث كزكريا الساجي وغيره، فإنها من أصح الطرق وللمذهب، فإنه يثبت الصفات العقلية والخبرية، ولا ينكر منها شيئًا، ولا يكيف منها شيئًا، وهذه طريقة السلف والأئمة من أهل السنة والجماعة، حشرنا الله في زمرتهم وأماتنا على اتباعهم ومحبتهم، إنه سميع الدعاء جواد كريم. وعلى هذا المنوال جرى الأئمة من أصحاب الأشعري، كأبي عبد الله بن مجاهد والقاضي أبي بكر الباقلاني وأضرابهم رحمهم الله، ولنذكر شيئًا من روايتنا من طريقه رحمه الله. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الإِمَامِ الْحَافِظِ الْحُجَّةِ، أَبِي الْحَجَّاجِ يُوسُفَ ابْنِ الزَّكِيِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ الْمِزِّيُّ، أنا الشَّيْخُ الإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْبُخَارِيُّ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهَا، ثنا زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَسَنِ الأَشْعَرِيَّةُ، إِجَازَةً مِنْ نَيْسَابُورَ، أنا أَبُو سَعْدٍ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ الأُسْتَاذِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ إِلَى الشَّيْخِ الْفَقِيهِ أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ الْفِيرُوزَابَاذِيِّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ الْبَرَّازُ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ الْعَبَّادَانِيُّ، فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلاةِ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، ثنا عَلِيُّ بْنُ حَرْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَازِنٍ الْغضُوبَةُ الطَّائِيُّ سَائِرًا سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهُ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» . هذا حديث صحيح متفق على صحته رواه البخاري في كتاب العلم، عن إسماعيل بن أوس عن مالك، عن هشام به، وأخرجه مسلم من حديث وكيع به، ومن طرق أخر عن اثني عشر رجلًا عن هشام به، ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق أخر عنه به، فالحديث يجزم تواتره إلى هشام بن عروة، وهو أحد الأئمة الأثبات عن أبيه، وهو من سادات التابعين، وأحد الفقهاء السبعة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أحد عباد الصحابة ورابع العبادلة، وهم: ابن عباس وابن الزبير وعبد الله بن عمر وهو رضي الله عنهم أجمعين وَبِالإِسْنَادِ الْمُتَقَدَّمِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الطَّائِيِّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، ثنا عُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ، فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ» . هذا حديث حسن من هذا الوجه، رواه أبو داود في كتاب العلم عن موسى بن إسماعيل التبوذكي، عن حماد بن سلمة، عن علي بن الحكم به، ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث عمارة بن زاذان الصيدلاني، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، قال: وفي الباب عن جابر وعبد الله بن عمرو. قلت: ورواه من وجوه أخر متعددة، والله أعلم وَقَرَأْتُ أيضًا عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ، قَالَ: أنا الشَّيْخُ الإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ الْوَاسِطِيُّ، خَطِيبُ كَفَرْسُوسِيَّةَ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَثَمَانِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، قَالَ: أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَاسوَيْهِ الْوَاسِطِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، قَالَ: أنا أَبُو الْخَيْرِ مَسْعُودُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ صَدَقَةَ بْنِ مُطَرِّزٍ الْخَبَّازُ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الْكَرَمِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْحَوْزِيُّ، إِمْلاءً بِالْجَامِعِ بِوَاسِطَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلْخَ شَوَّالٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِ مِائَةٍ، قَالَ: أنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، بِبَغْدَادَ، ثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْبَرْقَانِيُّ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ النَّيْسَابُورِيُّ الْحَافِظُ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفَجْأَةِ نِقْمَتِكَ، وَمِنْ جَمِيعِ سَخَطِكَ وَغَضَبِكَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلا، وَلَمْ يُخَرِّجْ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِهِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وقرأت أيضًا على شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزني، أنا أبو الحسن ابن البخاري، وأحمد بن شيبان، قالا: أنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد البغدادي، أنا الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن عمر بن أحمد السمرقندي، أنا إبراهيم بن علي الفيروزابادي الفقيه، ثنا القاضي أبو الطيب، وهو طاهر بن عبد الله الفقيه، ثنا القاضي أبو الفرج بن طرار، ثنا أبي، ثنا أبو أحمد الختلي، أنا عمر بن محمد بن الحكم النسائي، حدثني إبراهيم بن زيد النيسابوري، أن ليلى الأخيلية بعد موت توبة يعني ابن الحمير، وهو مجنونها تزوجت، ثم إن زوجها بعد ذلك مر بقبر توبة وليلى معه، فقال لها: يا ليلى، تعرفين هذا القبر؟ فقالت: لا، فقال: هذا قبرة توبة، فسلمي عليه، فقالت: امض لشأنك فما تريد من توبة وقد بليت عظامه، قال: أريد تكذيبه، أليس هو الذي يقول: ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... علي ودوني تربة وصفائح لسلمت تسليم البشاشة أو زقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح فوالله، لا برحت حتى تسلمي عليه، فقالت: السلام عليك يا توبة ورحمك الله وبارك لك فيما صرت إليه، فإذا طائر قد خرج من القبر حتى ضرب صدرها، فشهقت شهقة، فماتت فدفنت إلى جانب قبره، ونبتت على قبره شجرة، وعلى قبرها شجرة، فطالتا فالتقتا، هذه حكاية مشهورة، ولم أرها بإسناد إلا بهذا، والله أعلم. الحسن بن عبد الرحمن بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن العباس بن جعفر بن أبي جعفر المنصور العباسي أبو علي المكي الشافعي الحناط لأنه كان يبيع الحنطة، وكان آخر من بقي ببلاد الحجاز، وكان ثقة مأمونًا، روى عن أحمد بن إبراهيم بن فراس، وعبد الله بن أحمد السقطي وغيرهما، وعنه أبو المظفر السمعاني، وعبد المنعم القشيري، ومحمد بن طاهر، وطائفة من حجاج المغاربة، وثقه السمعاني في الأنساب، ومات سنة اثنتين وسبعين وأربع مائة. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الإِمَامِ الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْقُضَاعِيِّ الْمِزِّيِّ، قُلْتُ لَهُ: أَخْبَرَكَ الشَّيْخُ الإِمَامُ بَقِيَّةُ الْمَشَايِخِ فَخْرِ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ ابْنُ الْبُخَارِيِّ الْمَقْدِسِيُّ، بِقِرَاءَتِكَ عَلَيْهِ، قَالَ: أنا الْقَاضِي الإِمَامُ أَبُو الْمَعَالِي أَسْعَدُ بْنُ أَبِي الْمُنَجَّا بْنِ بَرَكَاتٍ التَّنُوخِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مِائَةٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَبَّاسِيُّ الْمَكِّيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 الطبقة السادسة من أصحاب الشافعي رحمهم الله ورضي عنه المرتبة الأولى منها من سنة إحدى وخمسين وأربع مائة إلى سنة ستين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 ولكن يوزن للرجل في ذلك، لكنه سمع مصنفات عديدة، ومع هذا فاته أشياء، منها مسند الإمام، وسنن النسائي، وابن ماجه، وجامع الترمذي كل هذه ليست عنده إلا ما قل منها، وأعلى مشايخه إسنادًا أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي، وأعلمهم وأعلاهم منزلة الحاكم، وله مشايخ من الكبار كأبي طاهر بن محمش، وأبي بكر بن فورك، وأبي عبد الرحمن السلمي، وأبي بكر الحيري، وأبي علي الروذباري، وأبي زكريا المزكي، وغيرهم من أصحاب محمد بن يعقوب أبي العباس الأصم، وأخذ عنه جماعة كثيرون منهم: ابنه إسماعيل، وحفيده أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن أبي بكر، وزاهر الشحامي، وأبو عبد الله الفراوي، وعبد الجبار بن محمد الخواري وغيرهم. وأخذ الفقه في مذهب الشافعي عن أبي الفتح ناصر بن محمد العمري المروزي وغيره، وبرع في المذهب وانتصر له، وصنف الكتب الفقهية، والحديثية المليحة المفيدة فمن ذلك: (نصوص الشافعي) ، وهو أول من جمعها، واحتج لها، و (مناقب الشافعي) ، و (مناقب أحمد بن حنبل) ، وكتاب (السنن الكبير) ، و (السنن الصغير) ، و (السنن والآثار) ، وهو على جادة المذهب والخلافات، وهو من الكتب الباهرة، و (دلائل النبوة) ، وهو من النافعات الشافيات، و (الأسماء والصفات) ، و (البعث والنشور) ، وكتاب (الاعتقاد) ، وكتاب (الدعوات الكبير) ، و (الصغير) ، وكتاب (الزهد) ، وكتاب (المدخل) ، وكتاب (الآداب) ، وكتاب (الترغيب والترهيب) ، وكتاب (الأسرى) ، وغير ذلك من المؤلفات الجامعة المفيدة، وقال إمام الحرمين: ما من شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا البيهقي، فإن له على الشافعي منة لتصانيفه في نصرة مذهبه، وقال عبد الغافر الفارسي: كان على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 سيرة العلماء قانعا باليسير من الدنيا، مجملا في زهده وورعه، وذكر غيره أنه سرد الصوم ثلاثين سنة، كان مولده في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاث مائة، فسمع الذي سمع، ثم أقام في بلده بيهق لتصنيف كتبه، ثم إنه طلب إلى نيسابور لنشر العلم، فأجاب، وذلك في سنة إحدى وأربعين وأربع مائة، فاجتمع العلماء لقراءة تصانيفه، وسماع فوائده، فلم يزل كذلك حتى مات في عاشر جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين وأربع مائة بنيسابور، ونقل تابوته إلى بلده بيهق رحمه الله. وحكى الشيخ أبو عمرو في الطبقات عن البيهقي أنه قال: التكبيرة الأولى من صلاة الجنازة، وقراءة الفاتحة من واجباتها، وأما التكبيرات الثلاث، والدعاء للميت، فيحتمل وجهين، ثم قال ابن الصلاح: وهذا غريب جدا، ولم أجده في كتبه ولعله نقل عنه يعني لفظا. الحسن بن علي بن مكي بن إسرافيل بن حماد الإمام أبو علي الحمادي النسفي أحد الأعلام، كان على مذهب الإمام أبي حنيفة، ثم انتقل إلى مذهب الإمام الشافعي، رحل في طلب الحديث، وسمع بنيسابور من أبي نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني، وإسماعيل بن محمد بن حاجب الكسائي، قال ابن السمعاني: وحدثنا عنه الحسين بن الخليل، مات سنة ستين وأربع مائة، وقد عمر دهرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 باي بن جعفر بن باي أبو منصور الجيلي وعن أبي الفضل بن خيرون أنه ضبطه بياءين متتاليتين من تحت، وقال أبو سعد السمعاني: باي حكاهما ابن الصلاح، والمشهور ما ذكرناه، سكن بغداد وأخذ عن الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وكان أحد مدرسي تلامذته بعده، وولي القضاء بباب الطاق، وحريم الخلافة، وكانت له حلقة بجامع المدينة، قال الخطيب البغدادي: روى عن أبي الحسن ابن الجندي، وأبي القاسم الصيدلاني، وعبد الرحمن بن عمر الخلال وغيرهم، وكتبنا عنه، وكان ثقة، ومات في أول المحرم سنة اثنتين وخمسين وأربع مائة. علي بن حميد بن علي بن محمد بن حميد بن خالد أبو الحسن الذهلي إمام جامع همذان، وشيخ السنة بها، والمشار إليه في الورع والديانة، وأخذ عن القاضي يوسف بن أحمد ابن كج، وروى عنه الحديث، وعن خلق كثير منهم أبو بكر بن لال، وأبو عمر بن مهدي، وابن تركان، وعبد الرحمن بن أبي الليث، فقال شيرويه: حدثني عنه يوسف الخطيب، وعامة كهولنا، وكان صدوقًا ثقة أمينًا ورعًا جليل القدر محتشمًا عني بهذا الشأن، ولد سنة سبع وسبعين وثلاث مائة، ومات في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 ثاني عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وخمسين وأربع مائة بها، وقبره يزار رحمه الله تعالى. محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن عباد القاضي أبو عاصم العبادي الهروي الفقيه الشافعي أحد أعيان الأصحاب، روى الحديث عن أحمد بن محمد بن سهل القراب وغيره، وحدث عنه إسماعيل بن أبي صالح المؤذن، وأخذ الفقه عن القاضي أبي منصور محمد بن محمد الأزدي بهراة، وعن القاضي أبي عمر البسطامي بنيسابور، ثم صار إمامًا دقيق النظر تنقل في النواحي، وصنف كتاب (المبسوط) ، وكتاب (الهادي) ، وكتاب (القاضي) ، وكتاب (المياه) ، وكتاب (الأطعمة) ، وكتاب (الزيادات) ، و (زيادات الزيادات) ، وله كتاب (طبقات الفقهاء) ، وأخذ عنه أبو سعد الهروي وغيره، ومات في شوال سنة ثمان وخمسين وأربع مائة عن ثلاث وثمانين سنة، قال أبو سعد السمعاني: كان إمامًا متثبتًا مناظرًا دقيق النظر سمع الكثير، وتفقه وصنف كتبًا في الفقه رحمه الله. محمد بن أحمد أبو عبد الله المروزي المعروف بالخضري نسبة إلى بعض أجداده، أحد أصحاب الوجوه من كبار تلامذة القفال، كان يضرب به المثل في قوة الحفظ، وقلة النسيان، وكانت له معرفة بالحديث، وكان ثقة في نقله، وله في المذهب وجوه غريبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 يحكيها الخراسانيون، وقد نقل الخضري، عن الشافعي رحمه الله أنه صحح دلالة الصبي في القبلة، ذكره شيخنا أبو عبد الله الذهبي، فيمن مات في حدود سنة ستين وأربع مائة، قال: ومات وهو في عشر الثمانين. محمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن أحمد بن عمرو بن أحمد القاضي أبو علي بن أبي عمرو الطوسي المعروف بالعراقي لطول مقامه ببغداد تفقه على الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وسمع منه الحديث، ومن القاضي أبي القاسم يوسف بن كج الدينوري، وأبي حاتم أحمد بن محمد الحاتمي، وأبي زكريا عبد الله بن أحمد البلاذري وغيرهم، وسمع منه جماعة منهم: الإمام أبو محمد عبد الله بن يوسف الجرجاني، وذكره في كتابه في الفقهاء، وقال: سمعته يقول: أقمت ببغداد إحدى عشرة سنة، كنت أختلف إلى أبي محمد البافي، ثم اختلفت عشر سنين إلى أبي حامد، فلما رجعت قصدت جرجان، فحضرت مجلس الإمام أبي سعد الإسماعيلي، وناظرت بين يديه، ثم دخلت نيسابور، وحضرت مجلس الإمام أبي الطيب الصعلوكي، وناظرت فيه ثم رجعت إلى وطني، قال الجرجاني: ودرس الفقه وولي القضاء إلى أن توفي، وكان حسن السيرة والعشرة، معظمًا عند كافة الناس، وله صيت بين العلماء، كتبت عنه بين يدي أبي عثمان الصابوني، أملى علينا بحضرته، وبنى مدرسته على باب جامع طابران، وله آثار بها، قال الجرجاني: وتوفي سنة تسع وخمسين وأربع مائة. محمد بن بيان بن محمد الكازروني الآمدي الفقيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 الشافعي سكن آمد وتفقه به جماعة، وروى عن أحمد بن الحسين بن سهل بن خليفة، والقاضي أبي عمر الهاشمي، وأبي الفتح بن أبي الفوارس، وابن رزقويه وغيرهم، ورحل إليه الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي، فتفقه عليه، وروى عنه أيضًا، وإبراهيم بن فارس الأزدي، وأبو غانم بن عبد الرزاق المغربي، وعبد الله بن الحسن بن النحاس، قال ابن عساكر: وحدثني ضبة بن أحمد أنه لقيه وسمع منه، وكان قد قدم دمشق حاجًا، فحدث به وذكر ابن النجار، أن أبا علي الفارقي قرأ عليه القرآن، وأنه توفي سنة خمس وخمسين وأربع مائة. محمد بن سلامة بن جعفر بن علي القاضي أبو عبد الله القضاعي الحاكم بالديار المصرية الشافعي، من أعيان الفقهاء والمحدثين والمصنفين، له كتاب (الشهاب) ، وهو مشهور، (تاريخ وأخبار الشافعي) ، ومعجم شيوخه، وقد روى عن جماعة كثيرين من الحفاظ وغيرهم، وحدث عنه الحافظ أبو بكر الخطيب، والحميدي مصنف الجمع بين الصحيحين، والأمير أبو نصر ابن ماكولا، وقال: كان متفننا في عدة علوم، ولم أر بمصر من يجري مجراه، وقال غيث الأرمنازي: وكان ينوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 في الحكم بمصر، وله تصانيف، وقال الحافظ أبو طاهر السلفي: كان من الثقات الأثبات شافعي المذهب والاعتقاد. محمد بن هبة الله بن محمد بن الحسين الإمام أبو سهل بن جمال الإسلام أبي محمد الموفق ابن القاضي العلامة أبي عمر البسطامي ثم النيسابوري ذكره عبد الغافر الفارسي، فقال: سلالة الإمامة، وقرة عين أصحاب الحديث، انتهت إليه رئاسة الشافعية بعد أبيه، فأجراها في أحسن مجرى، ووقعت في أيامه وقائع ومحن للأصحاب، وكان يقيم رسم التدريس، لكنه كان رئيسًا صيتًا ذكيًا قليل الكلام، ولد سنة ثلاث وعشرين وأربع مائة، وسمع من مشايخ وقته بخراسان، والعراق مثل: البصروي، وأبي حسان المزكي، وأبي حفص بن مسرور، وكان بيتهم مجمع العلماء، وملتقى الأئمة، وذكر أنه وقع في حق الأشعرية في ذلك الزمان ما وقع بسبب تعنت المعتزلة بهم عند الدولة، رسم بالقبض على الرئيس الفراتي، وأبي القاسم القشيري، وأبي المعالي الجويني يعني إمام الحرمين، وأبي سهل بن الموفق، ومنعهم من المحافل، وكان أبو سهل غائبًا ببعض النواحي، فلما حضر استعان بأعوانه وحشدته، وناهض نائب البلد، وقوي عليه وهزم أصحابة، وأخرج الفراتي، والقشيري من سجنه ثم سار إلى السلطان طغرلبك، فرسم بسجنه، فسجنه شهرًا وأخذت ضياعه، وأملاكه ثم بعد ذلك أفرج عنه، وعوض عما أخذ منه، ثم حظي عند السلطان، وحسن حاله، وأذن له في الرجوع على خراسان، فلما مات طغرلبك، وقام بعده ولده ألب رسلان كانت له عنده منزلة ووجاهة زائدة، وحرمة وافرة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 وهم أن يستوزره، فسعى في إهلاكه، فقتل، فحمل تابوته إلى نيسابور، وناحوا عليه مدة بعد مدة، وأظهر الناس عليه الجزع والأسف سرًا، وكانت مراثيه تقال في الأسواق، وذلك سنة ست وخمسين وأربع مائة. محمود بن الحسن العلامة أبو حاتم القزويني الطبري الفقيه المتكلم أحد أعيان الشافعية، قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: ومنهم شيخنا أبو حاتم المعروف بالقزويني، تفقه بآمل على شيوخ البلد، ثم قدم بغداد، وحضر مجلس الشيخ أبي حامد، ودرس الفرائض على ابن اللبان، وأصول الفقه على القاضي أبي بكر الأشعري، وكان حافظًا للمذهب والخلاف، وصنف كتبًا كثيرة في الخلاف والأصول والمذهب، ودرس ببغداد وآمل، ومات بها، ولم أنتفع بأحد في الرحلة كما انتفعت به، وبأبي الطيب الطبري ذكره شيخنا الذهبي، فيمن مات تقريبًا في حدود سنة ستين وأربع مائة، قال السلفي: ثنا أَبُو الْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ الْقَزْوِينيُّ، إِمْلاءً بِمَكَّة، أنا أَبِي، بِآمُلَ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ النَّابُلُسِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، أنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلا بَوْلٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 المرتبة الثانية من الطبقة السادسة من أصحاب الشافعي رضي الله عنه فيها من سنة ستين وأربع مائة إلى سنة سبعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي أحد حفاظ الحديث، وضابطيه المتقنين المتفننين، ومن المتعصبين لمذهب الشافعي الذابين عنه المصنفين في نصرته، تفقه على القاضي أبي الطيب الطبري، وأبي الحسن ابن المحاملي، واستفاد من الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وأبي نصر ابن الصباغ، وغيرهما رحمهم الله. وشهرته في الحديث مغنية عن الإطناب في ذكر مشايخه فيه، وتعداد البلدان التي رحل إليها وسمع فيها، وذكر مصنفاته في ذلك، فإنها ستة وخمسون مصنفًا منها الجهر بالبسملة، على قاعدة المذهب، وقد أثنى عليه الأئمة والعلماء، فقال الأمير أبو نصر ابن ماكولا: كان آخر الأعيان، ممن شاهدناه معرفة وحفظًا وإتقانًا وضبطًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفننًا في علله وأسانيده، وعلمًا بصحيحه وغريبه، وفرده ومنكره، ومطروحه، قال: ولم يكن للبغداديين بعد الدارقطني مثله، وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: كان أبو بكر الخطيب يشبه بالدارقطني، ونظرائه في معرفة الحديث وحفظه، وقال ابن السمعاني: كان مهيبًا وقورًا ثقة متحريًا حجة، حسن الخط، كثير الضبط فصيحًا، ختم به الحفاظ، قال أبو القاسم ابن عساكر: أنا أبو منصور بن خيرون، ثنا أبو بكر الخطيب، قال: ولدت في جمادى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلاث مائة، وأول ما سمعت في المحرم سنة ثلاث وأربع مائة. قلت: وقد سمع منه شيخه أبو القاسم الأزهري، وكتب عنه سنة اثنتي عشرة وأربع مائة، وكتب عنه أبو بكر البرقاني سنة تسع عشرة وأربع مائة، وقد قدم دمشق للحج سنة خمس وأربعين، ثم ورد في فتنة البساسري سنة إحدى وخمسين، وأقام بها إلى سنة سبع وخمسين، وصنف بها كثيرًا من كتبه، وأسمع كثيرًا بالجامع الأموي، وكانت قراءته حسنة جهوري الصوت، وذلك في أيام الدولة العبدية، والأذان بدمشق بحي على خير العمل، فضاقوا منه، وتكلموا في عرضه بما ليس فيه، وتعصب عليه متولي البلد، وأراد قتله، ثم اتفق الحال على نفيه، فذهب إلى صور، فأقام بها، وفي كل وقت يذهب لزيارة بيت المقدس ويعود إلى سنة اثنتين وستين، فرجع إلى بلده على طرابلس وحلب، فأسمع بهما، فرجع إلى بغداد، فتلقوه، ورحبوا به وأكرموه، وأسمع وأملى بجامع المنصور بإذن الخليفة، ومات سنة ثلاث وستين، قال عبد العزيز بن أحمد الكناني الدمشقي: ورد كتاب جماعة أن الحافظ أبا بكر توفي في سابع ذي الحجة، وكان أحد من حمل جنازته الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وكان ثقة حافظًا متقنًا متحريًا مصنفًا، قلت: شهد جنازته خلق كثير وجم غفير، وصلي عليه بجامع المنصور بإذن الخليفة، ودفن بجانب بشر الحافي، وكان سأل الله تعالى ذلك أن يحدث بتاريخ بغداد بها، وأن يملي بجامع المنصور، فقضى حاجته فيها، وختم على قبره ختمات، ورؤيت له منامات صالحة، وكان فيه زهد وورع وعبادة على طريقة السلف في إيراد الأخبار، وإمرارها كما جاءت، وكان سريع القراءة، قرأ البخاري على كريمة المروزية في خمسة أيام، وكان يتلو في اليوم والليلة ختمة رحمه الله وإيانا، وقد نفع الله بكتبه ومصنفاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 الحسين بن عبد الله بن الحسين بن الشويخ أبو عبد الله الأرموي الفقيه الشافعي سمع أبا محمد عبد الله بن عبيد الله بن البيع، وعبد الواحد بن محمد بن سبيك ببغداد، ومحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر الهمذاني بالبصرة، وعنه عمر الرواسي، وحدث عنه الرازي في مشيخته المشهورة، قال السمعاني: مات بعد الستين وأربع مائة بمصر. حسين بن محمد بن أحمد أبو علي المروزي صاحب التعليقة المشهورة في المذهب والفتاوى، تفقه على القفال يعني المروزي، وكان يقال له حبر الأمة، وتفقه عليه أبو سعد المتولي، ومحيي السنة البغوي، وإمام الحرمين أيضًا كما قيل، فالله أعلم. وروى الحديث عن أبي نعيم الإسفراييني وغيره، وعنه عبد الرزاق المنيعي، والبغوي وله غرائب في تعليقته هذه التي حقق فيها طريقة المراوزة، من ذلك أنه حكى للشافعي قولا أن الماء لا يسلبه الطهورية تغيره بالطاهرات، ونقل عن البيهقي أن الشافعي، قال: إذا ترك الترجيع في أذانه لا يصح أذانه، واختار أنه إذا صلى، وهو يدافع الأخبثين بحيث ذهب خشوعه لا تصح صلاته، وقال قبله أبو زيد المروزي رحمهما الله، مات في المحرم من سنة اثنتين وستين وأربع مائة، وحكى الرافعي أن رجلا قال له: أحلف بالطلاق أنه ليس أحد في الفقه والعلم مثلك، فأطرق رأسه ساعة وبكى، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 ثم قال: هكذا يفعل موت الرجال، لا يقع طلاقك، قال الشيخ أبو زكريا النووي: إذا أطلق القاضي في كتب متأخري الخراسانيين كالنهاية، والتتمة، والتهذيب، وكتب الغزالي ونحوها، فالمراد القاضي حسين، ومتى أطلق في كتب متوسطي العراقيين، فالمراد القاضي أبو حامد المروزي، ومتى أطلق في كتب الأصول لأصحابنا، فالمراد القاضي أبو بكر بن الباقلاني الإمام المالكي في الفروع، ومتى أطلق في كتب المعتزلة، فالمراد القاضي الجبائي، كذا قاله، ولعله أراد القاضي عبد الجبار. طاهر بن أحمد بن علي بن محمود أبو الحسين القايني الفقيه الشافعي نزيل دمشق حدث عن أبي الحسن بن رزقويه، وأبي الحسن الحمامي الورادي، وأبي طالب بن يحيى الأسدي وغيرهم، وعنه الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي، وأبو طاهر الجبائي، وأبو الحسين بن الموازيني، وهبة الله الأكفاني ووثقه. طاهر بن عبد الله أبو الربيع الإيلاقي التركي وإيلاق هي قصبة الشاش، كان من كبار الشافعية له وجه في المذهب، رحل وتفقه بمرو على أبي بكر القفال، وببخارى على أبي عبد الله الحليمي وحدث عنهما، وعن أبي نعيم الأزهري وغيرهم، وأخذ أصول الفقه عن الأستاذ أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 إسحاق الإسفراييني، وتفقه عليه أهل الشاش، وكان إمام بلاده مات سنة خمس وستين وأربع مائة عن ست وتسعين سنة، قال النواوي في تهذيبه: ومن مسائله المستفادة ما حكيته عنه في الروضة، ووافقه عليه رفيقه القاضي حسين وغيره، أنه لو غلت الخمر، وارتفعت إلى أعلى الدن، ثم نزل ثم تخللت، طهر الموضع الذي ارتفعت إليه كما طهر ما يلاقيها. عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد الكروني الأصبهاني أحد أئمة الشافعية، تفقه على أبي الطيب الطبري ببغداد، وسمع من أبي الحسين بن بشران، وهبة الله بن اللالكائي، وجماعة كثيرة، وعنه محمد بن عبد الواحد الدقاق، وغانم بن جلة، ومحمود بن أحمد الجبائي، قال السمعاني: توفي سنة نيف وستين وأربع مائة. عبد الله بن محمود أبو علي البرزي الفقيه الشافعي أحد العلماء بدمشق على مذهب الشافعي، كان يحفظ مختصر المزني، سمع عبد الرحمن بن أبي نصر، وعنه ابن الأكفاني. عبد الرحمن بن الحسين بن أحمد أبو حنيفة الزوزني الفقيه الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 نزيل نيسابور، كان شيخا بها رئيسًا كثير التلاوة حسن الخط، وكان يكتب المصاحف، ويتأنق في كتابتها حتى نفق سوقه في ذلك، سمع أبا بكر الحيري، ومنصور بن راس، وتوفي سنة نيف وستين وأربع مائة. عبد الرحمن بن محمد بن فوزان الفوزاني أبو القاسم المروزي مصنف الإبانة وغيرها في المذهب، وهو من أصحاب أبي بكر القفال، وكان مقدم أصحاب الحديث بمرو، وسمع على عبد الله بن الطيسفوني، وشيخه أبا بكر القفال، وروى عنه عبد المنعم بن أبي القاسم القشيري وزاهر الشحامي، وعبد الرحمن بن عمر المروزي ومحيي السنة البغوي، وتلميذه أبو سعد المتولي صاحب التتمة على الإبانة، وأثنى عليه في أولها ومدحه وأطنب، وأما إمام الحرمين فكان يحط من الفوزاني حتى قال في باب الأذان: وكان الفوزاني غير موثوق بنقله، وهذا غريب من إمام الحرمين رحمهما الله، ولكن الفوزاني رحمه الله يغرب في الإبانة من الأقوال والحكايات عن الشافعي رضي الله عنه، حتى أنه حكى عنه قولا في: أن الماء لا ينجس إلا بالتغير سوى الجاري، والراكد، كمذهب مالك في ذلك، والله أعلم. وَقَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الإِمَامِ الْحَافِظِ الْجِهْبِذِ النَّاقِدِ جَمَالِ الدِّينِ أَبِي الْحَجَّاجِ يُوسُفَ الْوَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ الْمِزِّيِّ، أَخْبَرَكَ الشَّيْخَانِ الْجَلِيلانِ السَّيِّدَانِ؛ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 إِبْرَاهِيمَ بْنِ الدَّرَجِيِّ، وَشَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ أَبِي الْفَتْحِ الصُّورِيُّ، قَالا: أنا أَبُو مُسْلِمٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَّمَدِ بْنِ الأُخوةِ، فِي كِتَابِهِ إِلَيْنَا مِنْ أَصْبَهَانَ، أنا أَبُو الْقَاسِمِ زَاهِرُ بْنُ طَاهِر بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّحَّامِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ بِأَصْبَهَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاثِينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ، أنا الْقَاسِمُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فُورَانَ الْفُورَانِيُّ الْمَرْوَزِيُّ، قَدِمَ عَلَيْنَا نَيْسَابُورَ، وَنَزَلَ مَدْرَسَةَ الشَّاطِبِيِّ بِقِرَاءَةِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيِّ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتِّينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، قَالَ: أنا الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْقَفَّالُ، أنا الْحَاكِمُ أَبُو سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ الْحَافِظُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مِهْرَانَ السَّرَّاجُ النَّيْسَابُورِيُّ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ضَرَبَ خَادِمًا، وَلا امْرَأَةً قَطُّ، وَلا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ إِلا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَلا انْتَقَمَ مِنْ أَحَدٍ قَطُّ لِنَفْسِهِ إِلا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ، فَإِذَا انْتُهِكَتْ حُرُمَاتُ اللَّهِ انْتَقَمَ مِنْهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ رَاهُوَيْهِ وبهذا السند إلى الفوراني، أنشدني أبو علي الحسن بن أحمد الأحنفي الفقيه الشيخ أبي الأزهر المتوكل: سأجعل بعد المصطفى ثم صحبه ... إمام العلوم الشافعي محمدا به أقتدي في كل خير جعلته ... لذي العرش فيه طاعة وتعبدا ومالكنا بالفضل والعلم والتقى ... ومنقبة الأنصار صار مسودا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 تقر عيوني عند ذكر ابن حنبل ... لنصرته للدين حين تجردا يصبر على وقع السياط بظهره ... لنصرته بالجلد لا بل تجلدا. عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن محمد بن داود بن أحمد بن معاذ بن سهل بن الحكم بن شيرزاد أبو الحسن بن أبي طلحة الداودي البوشنجي راوي البخاري وغيره، كان أحد مشايخ الحديث والفقه في مذهب الشافعي، ويلقب بكمال الإسلام، أخذ الفقه عن شيخي الطريقتين الخراسانية والعراقية، أبي بكر القفال، وأبي حامد الإسفراييني، وعن أبي سهل الصعلوكي، وأبي طاهر بن محمش، وأبي الحسن الطبسي، وأبي سعيد يحيى بن منصور الفقيه البوشنجي، وصحب أبا علي الدقاق، وأبا عبد الرحمن السلمي، وغيرهما من مشايخ التصوف، وسمع الحديث من جماعة في بلدان شتى لعبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي ببوشنج، والحاكم وغيره، جميع صحيح البخاري، وهو آخر من أخذ عنه، وبهراة أبا محمد بن أبي شريح، والحاكم وغيره بنيسابور، وببغداد أبا الحسن بن الصلت، وأبا عمر بن مهدي، وعلي بن عمر التمار، وروى عنه أبو الوقت عبد الأول الشحري لجميع صحيح البخاري، ومسافر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 وأحمد ابنا محمد، وأبو المحاسن أسعد بن زياد الماليني، وعائشة بنت عبد الله البوشنجية، وكان شيخًا حسنًا عابدًا زاهدًا كثير الذكر، مبالغا في التحرز من أكل الحرام، مكث أربعين سنة لا يأكل اللحم لما وقع بين الناس من النهب، فكان يأكل السمك من نهر هناك، حتى أخبر أن أميرًا من الظلمة يقضي سفرته فيه، فترك أكل سمك، وكان يصنف ويفتي ويدرس ويعظ، وله حظ من النظم والنثر، فمن شعره: رب تقبل عملي ولا تخيب أملي ... وأصلح أموري كلها قبل حلول أجلي وله: يا شارب الخمر اغتنم توبة ... قبل التفاف الساق بالساق الموت سلطان له سطوة ... يأتي على المسقي والساقي ولد في ربيع الأول سنة أربع وسبعين وثلاث مائة، وتوفي في شوال سنة سبع وستين وأربع مائة ببلده بوشنج، وهي بليدة على سبعة فراسخ من هراة رحمه الله. عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن علي بن سليمان أبو محمد التميمي الكتاني محدث دمشق في زمانه الصوفي سمع كثيرًا، وكتب ورحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 واستفاد من بلاد شتى، وله معرفة جيدة، وخرج أشياء كثيرة، وسمع الحديث من صدقة بن محمد الدلم، وتمام الرازي، وأبي نصر بن هارون، وابن أبي نصر وخلق، وسمع أقرانه، وحدث عنه الخطيب، والنسيب والحميدي وابن الأكفاني، وإسماعيل بن أحمد السمرقندي وشيخه أبو القاسم الأزهري، وقال ابن ماكولا: كتب عني وكتبت عنه وهو مكثر مبين. وقال الخطيب: هو ثقة أمين، ووصفه ابن الأكفاني بالصدق والاستقامة، وسلامة المذهب ودوام الدرس للقرآن، مولده سنة تسع وثمانين وثلاث مائة، وابتدأ سماع الحديث سنة سبع وأربع مائة، قال القاضي الفقيه: ورحل إلى بغداد سنة سبع عشرة، وتوفي في العشرين من جمادى الآخرة سنة ست وستين وأربع مائة، قال القاضي الفقيه أبو بكر بن المغري المالكي، قال: أنا أبو محمد بن الأكفاني: دخلنا على الشيخ أبي محمد عبد العزيز الكتاني في مرض موته، فقال: أنا أشهدكم أني قد أجزت لكل من هو مولود الآن في الإسلام يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، قال الشيخ الإمام أبو عبد الله الذهبي: فيما سمعته منه، لا أعرف أحدًا صنع هذا قبله، وقد روى عنه بهذه الإجازة غير واحد، منهم محفوظ بن صصرى الثعلبي. عبد الكريم بن أحمد بن طاهر أبو سعد التميمي الطبري المعروف بالوزان قاضي همذان الفقيه الشافعي أحد أصحاب أبي بكر القفال في الفقه، وروى عنه الحديث، وعن منصور السمرقندي الكاغدي، وأبي بكر الحيري، وعنه زاهر الشحامي، وأبو علي أحمد بن سعد العجلي، وشيرويه الديلمي، وقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 كان صدوقًا، واسع العلم، سمعت منه واستمليت عليه، وقال السمعاني: نزل الري وسكنها، وكان من كبار عصره فضلا وحشمة وجاهًا، له القدم الراسخ في المناظرة، وإفحام الخصوم، تفقه على القفال، وبرع في الفقه، قال: وولد في سنة إحدى وتسعين وثلاث مائة، ومات سنة ثمان وستين، وقيل: سنة تسع وستين وأربع مائة، وذكر غيره أنه ولي القضاء بهمذان سنة ست وتسعين. قال الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح: وهو أحد الفقهاء الشافعية الذين يعرفون بالوزانين، وهم رؤساء الشافعية بالري في زمانهم. وقد ذكر له الشيخ تقي الدين ابن الصلاح في ترجمته في الطبقات من الشعر: جنباني المدام يا صاحبيا ... واتركا حديث سلما وريا وأنحنا لموجب الشرع بشرا ... وفتحنا لموجب اللهو طيا ووجدنا في القناعة بابا ... فوضعنا على المطامع كيا أن من مات نفسه عن هواها ... أصبح القلب منه نادية حيا قلت روح الحياة بعد زمان ... قد نعيت باللتي واللتيا كنت في خروجي لاختياري ... فتعرضت بالرضا منه فيا وتحررت بعد رق وذل ... حين لم أدخر لنفسي شيئًا سمح الوقت بالذي رمت منه ... بعد ما قد أطال سطلا وليا فالذي يهتدي لقطع هواه ... فهو في العز حاز حد الثريا والذين ارتووا بكأس مناهم ... فعله العبد سوف يلقون غيا. عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة بن محمد الأستاذ أبو القاسم القشيري النيسابوري أحد العلماء بالشريعة، والحقيقة، والفروسية، والوعظ، والكلام، والتصوف، والمعاملات، وأحوال القلوب، أخذ طريقة الوعظ عن الشيخ أبي علي الدقاق، وتزوج بابنته فاطمة، وأخذ أبو علي الدقاق علم الطريقة عن أبي القاسم النصراباذي، عن الشبلي، عن الجنيد، عن السري، عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 معروف الكرخي، عن داود الطائي، عن التابعين، ودرس الفقه على أبي بكر الطوسي، والكلام على أبي بكر بن فورك، وأبي إسحاق الإسفراييني، وبرع في ذلك، وصحب أبا عبد الرحمن السلمي، وحج مع البيهقي، وأبي محمد الجويني، وروى الحديث عن أبي الحسين الخفاف، وأبي نعيم الإسفراييني، وأبي بكر بن عبدوس، وأبي نعيم المهرجاني، وأبي عبد الرحمن السلمي، وابن بالويه وجماعة، وعنه جماعة منهم ابنه عبد المنعم، وابن ابنه أبو الأسعد هبة الرحمن، وزاهر الشحامي، وأبو عبد الله الفراوي، والحافظ أبو بكر الخطيب، ومات قبله، وقال: كتبنا عنه، وكان ثقة وكان يقضي، وكان حسن الموعظة، مليح الإشارة، وكان يعرف الأصول على مذهب الأشعري، والفروع على مذهب الشافعي، وقال أبو سعد السمعاني: لم ير أبو القاسم مثل نفسه في كماله وبراعته، جمع بين الشريعة والحقيقة. قال القاضي ابن خلكان: صنف أبو القاسم الكبير، وهو من أجود التفاسير، وصنف الرسالة في رجال الطريقة، وحج مع البيهقي، وأبي محمد الجويني، وكان له في الفروسية واستعمال السلاح اليد البيضاء، قلت: وله مصنفات أخر كثيرة منها كتاب (نجوى القلوب) ، وكتاب (لطائف الإشارات) ، وكتاب (الجواهر) ، وكتاب (أحكام السماع) ، وكتاب (آداب الصوفية) ، وكتاب (المنتهى في نكت أولي النهى) ، وغير ذلك، وكان له عدة بنين فضلا: عبد الله، وعبد الواحد، وعبد الرحيم، وعبد المنعم، وكانت له محن ومجاهدات في الانتصار لمذهب الأشعري، حكى عنه الخطيب أنه ولد في ربيع الأول سنة ست وسبعين وثلاث مائة، وقال عبد الغافر الفارسي: توفي صبيحة يوم الأحد السادس عشر من ربيع الآخر، سنة خمس وستين وأربع مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 عقيل بن محمد بن علي أبو الفضل الفارسي ثم البعلبكي الفقيه الشافعي كان يحفظ مختصر المزني سمع أبا بكر محمد بن عبد الرحمن القطان، وعبد الرحمن بن أبي نصر، وعنه عمر الرواسي، وهبة الله بن الأكفاني، وابنه أحمد بن عقيل، مات في حدود سنة سبعين وأربع مائة. علي بن حسن بن علي بن أبي الطيب الزينبي الأديب أبو الحسن الباخرزي الشاعر تفقه بالشيخ أبي محمد الجويني في المذهب، ثم لزم الأدب والإنشاء والنظم، واختلف إلى ديوان الرسائل، وتنقلت به الأحوال، ورأى العجائب في الأسفار، وسمع الحديث، وله كتاب (دمية القصر) ، وهو كالذيل على (يتيمة الدهر) للثعالبي في ذكر الشعراء، وله ديوان فمنه: يا فالق الصبح من لألاء غرته ... وجاعل الليل من أصداغه سكنا بصورة الوثن استعبدتني وبها ... فتنتني وقديما هجت لي شجنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 لا غرو أن أحرقت نار الهوى كبدي ... فالنار حق على من يعبد الوثنا قتل بباخرز، وهي من نواحي نيسابور في ذي القعدة سنة سبع وستين وأربع مائة، وهدر دمه. علي بن يوسف بن عبد الله بن يوسف أبو الحسن عم إمام الحرمين ويعرف بشيخ الحجاز، كانت له الرحلة في الحديث، وسمع الكثير، وعقد له مجلس الإملاء بخراسان، وسمع من أبي نعيم عبد الملك بن الحسن بخراسان، وابن أبي نصر بدمشق، وعبد الرحمن بن النحاس بمصر، ورأى عمر الهاشمي بالبصرة، وعبد الله بن يوسف بن مامويه بنيسابور، وعنه أبو سعد بن أبي صالح المؤذن، وأبو عبد الله الفراوي، وعبد الجبار الخوارزمي وزاهر ووجيه ابنا الشحامي، ومات في ذي القعدة سنة ثلاث وستين وأربع مائة. عمر بن عبد العزيز بن أحمد أبو طاهر الفاشاني المروزي الفقيه الشافعي رحل في صباه إلى بغداد، فتفقه على الشيخ أبي حامد، وأخذ علم الكلام من أبي جعفر السمناني قاضي الموصل تلميذ الباقلاني، وبرع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 فيه، وسمع سنن أبي داود من أبي عمر الهاشمي بالبصرة، وروى عنه محيي السنة البغوي وغيره. محمد بن أحمد الفقيه أبو المظفر التميمي المروزودي الشافعي الواعظ روى عن عبد الرحمن بن أبي نصر التميمي الدمشقي وجماعة، وعنه عبد العزيز ابن أحمد الكناني، وعلي بن الخضر، وأبو محمد البغوي، مات في حدود سنة سبعين وأربع مائة. محمد بن الحسن بن علي أبو نصر الجلفري قرية على فرسخين من مرو القرار، كان فقيهًا شهمًا من دهاة مرو، رحل إلى الشام، وسمع من عبد الرحمن بن أبي نصر التميمي، وغيره، وعنه محيي السنة البغوي، ومحمد بن أحمد بن أبي العباس. محمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد بن بشر الفقيه أبو سعيد الهمذاني الصفار مفتي بلد همذان روى الحديث عن شيخه أبي حامد الإسفراييني، وأبي بكر بن لال، وابن تركان، وأبي القاسم الصرصري، وأبي أحمد الفرضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 وخلق، قال شيرويه: أدركته، ولم يقض لي في السماع منه، وكان ثقة، ويقال: كان قد جن في آخر عمره، وكان يعرف الحديث، ولد سنة خمس وسبعين وثلاث مائة، ومات سنة إحدى وستين وأربع مائة. محمد بن القاسم بن حبيب بن عبدوس أبو بكر بن أبي علي النيسابوري الصفار وهو أحد الفقهاء الصفارين، أخذ عن الشيخ أبي محمد الجويني، واستخلفه في حلقته الشيخ أبو محمد لما حج، وسمع الحديث من أبي نعيم الإسفراييني، وأبي الحسن العلوي، وأبي عبد الله الحاكم وغيرهم، وعنه حفيده أبو نصر أحمد بن أبي سعد الصفار، وزاهر ووجيه الشحاميان، قال السمعاني: سمعت أبا عاصم العبادي يقول: ما رأيت أحسن فتيا منه ولا أصوب، توفي في ربيع الآخر سنة ثمان وستين وأربع مائة، قال الشيخ تقي الدين ابن الصلاح في ترجمته في كتاب (الطبقات) : أحررنا في الأدب عن زاهر الشحامي، قال: أنشدنا محمد بن القاسم الصفار إملاء، قال: أنشدنا محمد بن الحسين السلمي، قال: أنشدنا أبو علي البيهقي أنشدنا الصولي لابن طباطبا: حسود مريض القلب يخفي أنينه ... ويضحي كئيب البال عني حزينه يلوم على أن رحت في العلم راغبًا ... أجمع من عند الرواة فنونه ويزعم أن العلم لا يجمع الغنى ... ويحسن بالجهل اللئيم ظنونه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 فيا لائمي دعني أغالي بقيمتي ... فقيمة كل الناس ما يحسنونه. أَخْبَرَنَا شَيْخُنَا الإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ، فِيمَا قَرَأْتُ عَلَيْهِ، قَالَ: أنا الشَّيْخُ الإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ ابْنُ الْبُخَارِيِّ الْمَقْدِسِيُّ، فِيمَا قَرَأْتُ عَلَيْهِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ، قَالَ: أنا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْمُفْتِي أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سَعْدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ عَبْدُوسِ بْنِ الصَّفَّارِ النَّيْسَابُورِيُّ، فِي كِتَابِهِ إِلَيْنَا مِنْ نَيْسَابُورَ، قَالَ: أنا جَدِّي أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، بِقِرَاءَةِ وَالِدِي فِي شَوَّالٍ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مِائَةٍ، قَالَ: أنا جَدِّي الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْقَاسِمِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدُوسٍ الصَّفَّارُ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، قَالَ: أنا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، قَالَ: أنا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْخُلْدِيُّ، بِبَغْدَادَ، ثنا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الأَزْرَقُ، ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «أَوْصَانِي خَلِيلِي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِثَلاثٍ؛ صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْل أَنْ أَرْقُدَ» . قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ: مُتَّفَقٌ عَلَى إِخْرَاجِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَلَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ طُرُقٌ يُجْتَمَعُ وَيُذَاكَرُ بِهَا محمد بن محمد بن عبد الله بن أحمد القاضي أبو الحسن البيضاوي البغدادي قاضي الكرخ تلميذ القاضي أبي الطيب الطبري وختنه، كان من كبار الأئمة خيرًا صالحًا، سليم المعتقد، سمع من أبي الحسن ابن الجندي، وإسماعيل بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 حسن الصرصري، وعنه أبو محمد بن الطراج، وأبو عبد الله السلال وقاضي المرستان، وقال الخطيب: كتبت عنه، وكان صدوقًا، توفي في شعبان سنة ثمان وستين وأربع مائة، عن ست وسبعين سنة رحمه الله. يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم الإمام الحافظ الكبير البحر العلم أبو عمر بن عبد البر النمري من نمر بن قاسط القرطبي، محدثها، وشيخ تلك البلاد في زمانه، سمع الكثير وتبحر في علوم شتى، وصنف الكتب المفيدة النافعة (كالاستيعاب) و (الاستذكار) و (التمهيد) وكتاب (العلم) ، و (الكافي) في الفقه، وغير ذلك من الفوائد الكثيرة والعلوم الغزيرة، وقد سرد كتبه القاضي عياض رحمه الله، وقد روى الشيخ عن عمر، عن الحافظ خلف بن القاسم، وعبد الوارث، وابن سفيان، وأبي الوليد عبد الله بن محمد بن الفرضي، وأبي عمر بن الجسور، ويحيى بن مسعود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 بن وجه الجنة، وأبو عمر الطلمنكي، ويونس بن عبد الله القاضي وجماعة. وعنه أبو العباس الدلائي، وأبو محمد بن أبي قحافة، وأبو الحسن بن مفوز، وأبو عبد الله الحميدي، وأبو علي الغساني وغيرهم، وقد أثنى عليه في إمامته وجلالته المشايخ والأئمة والعلماء، ولم يزل العلماء بعده عيلة على كتبه في مصنفاتهم ومباحثهم في مناظراتهم يعني المصنفات. قال أبو محمد بن حزم في رسالته في فضائل الأندلس ومنها يعني المصنفات: كتاب (التمهيد) لصاحبنا أبي عمر يوسف بن عبد البر، وهو الآن في الحياة لم يبلغ سن الشيخوخة، قال: وهو كتاب لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله، فكيف أحسن منه، ومنها كتاب (الاستذكار) وهو اختصار التمهيد المذكور، ولصاحبنا أبي عمر تآليف لا مثيل لها في جميع معانيها، منها كتابه المسمى بالكافي في الفقه على مذهب مالك خمسة عشر كتابًا، يغني عن المصنفات الطوال في معناه، ومنها كتابه في الصحابة يعني (الاستيعاب) ليس لأحد من المتقدمين قبله مثله على كثرة ما صنفوا في ذلك، ومنها كتاب (الاكتفاء) في قراءة نافع وأبي عمرو، ومنها كتاب (بهجة المجالس) ، و (أنس المجالس) نوادر وأبيات، ومنها كتاب (جامع بيان العلم وفضله) ، وقال القاضي أبو الوليد الباجي: لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 عبد البر في الحديث، وقال أيضًا: هو أحفظ أهل المغرب، وقال الحافظ أبو علي الغساني: كان أبو عمر النمري طلب وتفقه، ولزم أبا عمر أحمد بن عبد الملك الإشبيلي الفقيه، وكتب بين يديه، ولزم ابن الفرضي، وعنه أخذ كثيرًا من علم الحديث، ودأب أبو عمر في الحديث، وافتن به، وبرع براعة فاق بها من تقدمه من رجال الأندلس، وكان مع تقدمه في علم الأثر وتبصره في الفقه والمعاني، له بسطة كبيرة في علم النسب والخبر، قلت: آذوه وأخرجوه من بلده، فتحول من بلد إلى بلد، إلى أن مات بشاطبة ليلة الجمعة، سلخ ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وأربع مائة، عن خمس وتسعين سنة وخمسة أيام، ويقال: إنه ولي القضاء ببلد هناك يقال له: أشبونة مدة، رحمه الله وإيانا، ولا يشك اثنان من أهل العلم أنه كان مالكي المذهب فرع عليه وأصل، وشرح الموطأ بالتمهيد واختصره، وإنما حملنا على إيراده مع الشافعية قول أبي عبد الله الحميدي: كان أبو عمر حافظًا مكثرًا عالمًا بالقراءات، وبالخلاف وبعلوم الحديث، والرجال، قديم السماع، لم يخرج من الأندلس مثله، وكان يميل في الفقه إلى أقوال الشافعي، قلت: من جملة ميله إلى مذهب الشافعي تصنيفه في الجهر بالبسملة، وانتصاره لذلك، وهي من المسائل المشهورة في المذهب، بل من أفراده، وهي كالشعار على أصحابنا من دون سائر الفقهاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 المرتبة الثالثة من الطبقة السادسة من أصحاب الشافعي رحمهم الله فيها من سنة سبعين وأربع مائة إلى سنة ثمانين وأربع مائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 إبراهيم بن علي بن يوسف بن عبد الله الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الشيخ الإمام العلامة جمال الدين أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف بن عبد الله الفيروزابادي، نسبة إلى بلد تسمى فيروزاباد، من بلاد شيراز، ولد سنة سبعين، وقيل: سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة، وسمع الحديث من الحافظ أبي بكر البرقاني، وأبي علي بن شاذان، وأبي عبد الله الصوري الحافظ، وأبي الفرج محمد بن عبيد الله الخرجوشي الشيرازي وغيرهم، وروى عنه خلق منهم الحافظ أبو بكر الخطيب ومات قبله، والفقيه أبو الوليد الباجي، والإمام أبو عبد الله الحميدي، وأبو القاسم السمرقندي، وأبو البدر إبراهيم بن محمد الكرخي، ويوسف بن أيوب الهمداني، وأبو نصر أحمد بن محمد الطوسي، وأبو الحسن عبد السلام، وحدث ببغداد وهمدان ونيسابور وغيرها من البلاد، ودرس أصول الكلام على أبي حاتم القزويني صاحب القاضي أبي بكر الباقلاني، وتفقه بفارس على أبي عبد الله بن البيضاوي، وأبي أحمد عبد الوهاب بن رامين، وبالبصرة على الخرزي، وقرأ على أبي القاسم الداركي، ثم دخل بغداد سنة خمس عشرة وأربع مائة في شوالها، وقيل: سنة ثمانية عشر، فتفقه على الإمام أبي الطيب الطبري ولازمه، واشتهر به وأعاد عنده، ودرس بمسجد باب المراتب، قال رحمه الله: فكنت أعيد الدرس مائة مرة، وأعيد القياس ألف مرة، وإذا كان في المسألة شاهد من شعر العرب حفظت تلك القصيدة بكمالها، فلهذا برز رحمه الله على أهل زمانه، وتقدم على ضربائه وأقرانه، وانتهت إليه رئاسة المذهب، إذ اختصر التنبيه وبسط المهذب مع الزهد والديانة والعفة والأمانة والبلاغة والفصاحة والرياضة والسماحة، وقد ذكر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، فقال له: يا شيخ، فكان يفرح، ويقول: سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم شيخًا. قال الحافظ أبو سعد السمعاني: كان الشيخ أبو إسحاق إمام الشافعية المدرس ببغداد في النظامية، شيخ الدهر وإمام العصر، رحل إليه الناس من الأمصار، وقصدوه من كل الجوانب والأقطار، وكان يجرى مجرى أبي العباس بن سريج، قال: وكان زاهدًا ورعًا متواضعًا ظريفًا كريمًا جوادًا سخيًا طلق الوجه دائم البشر، حسن المجالسة مليح المحاورة، وكان يحكي الحكايات الحسنة والأشعار المبتدعة المليحة، ويحفظ منها شيئًا كثيرًا، وكان يضرب به المثل في الفصاحة. وقال الإمام أبو سعد السمعاني: تفرد الإمام أبو إسحاق الشيرازي بالعلم الوافر كالبحر الزاخر، مع السيرة الجميلة والطريقة المرضية، جاءته الدنيا صاغرة، فأباها واطرحها وقلاها، قال: وكان عامة المدرسين بالعراق والجبال تلاميذه وأشياعه، صنف في الأصول والفروع والخلاف والمذهب، كسا أصحاب الدين والإسلام أنجمًا وشهبًا. قلت: وممن أخذ عنه العلم الإمام العلامة أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي، ذو الفنون، وقال: شهدت شيخنا أبا إسحاق لا يخرج شيئًا إلى فقير إلا أحضر إليه، ولا يتكلم في مسألة إلا قدم الاستعانة بالله عز وجل، وأخلص القصد في نصرة الحق، ولا صنف مسألة إلا بعد أن يصلي ركعتين، فلا حرم سماع اسمه، وانتشرت تصانيفه شرقًا وغربًا، لبركة إخلاصه. وحكى الحافظ أبو عبد الله بن النجار في تاريخه عن أبي بكر محمد بن أحمد بن الخاضبة، قال: سمعت بعض أصحاب الشيخ أبي إسحاق، قال: رأيت الشيخ يركع ركعتين عند فراغ كل فصل من المهذب، وقال أبو سعد السمعاني: سمعت الرئيس أبا الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب مذاكرة، يقول: كان عميد الدولة بن جهير الوزير كثيرًا ما يقول: الشيخ الإمام أبو إسحاق وحيد عصره فريد دهره مستجاب الدعوة، وكان الوزير أبو علي نظام الملك يثني عليه، ويقول: كيف حالي مع رجل لا يفرق بيني وبين نهروز الفراش في المخاطبة؟ قال لي: بارك الله فيك، وقال له لما صب عليه كذلك. وحكى السمعاني أن الشيخ رحمه الله دخل إلى بعض المساجد، فأكل شيئًا ثم انصرف، وقد نسي فيه دينارًا، فلما رجع وجده، فأبى أن يأخذه، وقال: لعل هذا سقط من غيري، والذي نسيته أخذه آخذ، وحكى أنه ربما دخل هو وأصحابه إلى بعض المساجد ليأكلوا طعامًا، فيتركون منه مقدرًا جيدًا لمن يريده من الفقراء والمحاويج، وأنه بعث رجلًا يشتري له بقرصة شيئًا على قرصة أخرى، فلما جاء قال: لعله أشبه عليك القرصة التي وكلتك في الشراء بها بالأخرى، وأبى أن يأكله. وقال أبو سعد السمعاني: كان يتوسوس في الطهارة، سمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: كان الشيخ أبو إسحاق يتوضأ في الشط فيغسل وجهه مرات، فقال له رجل: يا شيخ، أما تستحيي تغسل وجهك كذا وكذا مرة، فقال له: لو صح لي الثلاث ما زدت عليها، ونقل الشيخ أبو زكريا النواوي في أول شرح المهذب أنه كان يومًا يمشي ومعه بعض أصحابه، فعرض في الطريق كلب، فزجره صاحبه، فنهاه الشيخ، وقال: أما علمت أن الطريق بيني وبينه مشتركة. وقال أبو سعد السمعاني: سمعت القاضي أبا بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري، يقول: حملت فتوى إلى ذلك الشط لأستفتي الشيخ أبا إسحاق، فرأيته في الطريق وهو يمشي، فمضى إلى دكان الخباز أو بقال، فأخذ قلمه ودواته وكتب جوابه ومسح القلم في ثوبه وأعطاني الفتوى. وقال السمعاني: سمعت القاضي أبا بكر محمد بن القاسم الشهرزوري بالموصل يقول: كان شيخنا أبو إسحاق إذا خطأ أحد بين يديه، وقال: أي سكتة فاتتك، قال: وسمعت محمد بن علي الخطيب، سمعت محمد بن محمد بن يوسف القاشاني بمرو، سمعت محمد بن عمر بن هانئ القاضي، يقول: إمامان ما اتفق لهما الحج أبو إسحاق والقاضي أبو عبد الله الدامغاني، أما أبو إسحاق فكان فقيرًا، ولكن لو أراد لحملوه على الأعناق، والدامغاني لو أراد الحج على السندس والإستبرق لأمكنه. قلت: أما فقر الشيخ فعذر واضح له في ترك الحج، فإنه كان متقللًا من الدنيا من مبتدئه إلى آخر عمره رحمه الله، فقد حكي عنه، أنه قال: كنت أشتهي ثريدًا بماء الباقلاء أيام اشتغالي، فما صح لي أكله لاشتغالي بالدرس وأخذي النوبة، وذكر السمعاني أنه قال: قال أصحابنا ببغداد: كان الشيخ أبو إسحاق إذا بقي مدة لا يأكل شيئًا صعد إلى النصرية وله فيها صديق، فكان يثرد له رغيفًا ويشربه بماء الباقلاء، فربما صعد إليه وقد فرغ، فيقول الشيخ أبو إسحاق: {تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} [النازعات: 12] . وقال الفقيه أبو بكر الطرطوشي المالكي: أخبرني أبو العباس الجرجاني القاضي بالبصرة، قال: كان الشيخ أبو إسحاق لا يملك شيئًا من الدنيا، فبلغ به الفقر حتى لا يجد قوتًا ولا ملبسًا، ولقد كنا نأتيه وهو ساكن في القطيعة، فيقوم لنا نصف قومة، كي لا يظهر منه شيء من العري، وكنت أمشي معه، فتعلق به باقلاني، فقال: يا شيخ أفقرتني وكسرتني وأكلت رأس مالي، ادفع إلي ما عندك، فقلنا: وكم لك عنده؟ فقال: أظنه حبتين ذهبًا، أو حبتين ونصف، وذكر الحافظ أبو عبد الله الذهبي أنه قرئ بخط ابن الأنماطي، أنه وجد بخط أبي علي الحسن بن أحمد الكرماني الصوفي الذي غسل الشيخ أبا إسحاق، أنه سمعه، يقول: ولدت سنة تسعين وثلاث مائة، ودخلت بغداد سنة ثماني عشرة وأربع مائة، ومات ولم يترك درهما ولا عليه درهم، وكذلك كان يقضي عمره. قلت: هذا، وقد نال من رئاسة العلم مبلغًا كبيرًا، وعظم تعظيمًا زائدًا، وهو أول من درس في المدرسة النظامية ببغداد، بعد أن درس بها ابن الصباغ نحوًا من عشرين يومًا، وذلك أنه لما كملت وقد رسم أن يدرس بها الشيخ أبو إسحاق، واجتمع الناس بها خرج للدرس، فلقيه شهاب الدين، فقال: يا شيخ كيف يحل لك أن تدرس بمدرسة مغصوبة؟ فذهب وبقيت، فلما تعذر حصوله أحضر الإمام أبو نصر ابن الصباغ فدرس بها، فلما وصل الخبر إلى نظام الملك أبى ذلك، وأمر أن يدرس الشيخ أبو إسحاق، فقال: ما بنيناها إلا على اسمه، وتنصل مما نسب إلى المدرسة من الغصب، فدرس بها الشيخ إلى أن توفي. ولما ندبه الإمام المقتدر بأمر الله أمير المؤمنين للرسالة إلى البلاد الشرقية، وذلك في ذي الحجة من سنة خمس وسبعين وأربع مائة، ذكر أنه لما شاقه أمير المؤمنين بالرسالة، قال: وما ندري أنا بك أمير المؤمنين وأنا لم أرك قبل هذا قط؟ فتبسم وأعجبه ذلك وأحضر له من عرفه به، فلما خرج الشيخ في الرسالة خرج معه جماعة من أعيان أصحابه، قال السمعاني: لما خرج الشيخ أبو إسحاق إلى نيسابور خرج في صحبة جماعة من تلامذته كانوا أئمة الدنيا، كأبي بكر الشاشي، وأبي عبد الله الطبري، وأبي معاذ الأندلسي، والقاضي علي الميانجي، وأبي الفضل بن فتيان قاضي البصرة، وأبي الحسن الآمدي، وأبي القاسم الزنجاني، وأبي علي البارقي، وأبي العباس ابن الرطبي. قال السمعاني: وسمعت جماعة يقولون: لما قدم أبو إسحاق رسولًا إلى نيسابور تلقاه الناس لما قدم، وحمل الإمام أبو المعالي الجويني غاشية فرسه ومشى بين يديه، وقال: أنا أفتخر بهذا. قال السمعاني: وكان عامة المدرسين بالعراق والجبال تلاميذه وأشياعه وأتباعه، وكفاهم بذلك فخرا. وحكي عن الشيخ أبي إسحاق، أنه قال: خرجت إلى خراسان فما دخلت بلدة ولا قرية إلا كان قاضيها أو خطيبها أو مفتيها تلميذي أو من أصحابي. وذكر الحافظ ابن النجار أن الشيخ لما ورد بلاد العجم كان يخرج إليه أهلها بنسائهم وأولادهم، فيمسحون أردانهم، ويأخذون تراب نعليه يستشفون به، ولما وصل إلى ساوة خرج صوفياتها وفقهاؤها وشهودها، وكلهم أصحاب الشيخ يخدمونه، وكان كل واحد يسأله أن يحضر في بيته ويتبرك بدخوله وأكله، قال: وخرج جميع من كان في البلد من أهل الصناعات، ومعهم من الذين يتبعونه طرفا ينشرونه على محفته، وخرج الخبازون ينثرون الخبز وهو ينهاهم ويدفعهم من حواليه ولا ينتهون، وخرج من بعدهم أصحاب الفاكهة والحلوى وغيرهم، وفعلوا كفعلهم، ولما بلغت النوبة إلى الأساكفة خرجوا وقد عملوا مداسات لطيفة للصغار ونثروها، فجعلت تقع على رءوس الناس، والشيخ أبو إسحاق يتعجب، فلما انتهوا بدأ يداعبنا ويقول: رأيتم النثار ما أحسنهم، أي شيء وصل إليكم منه، فنقول لعلمنا أن ذلك يعجبه: يا سيدي، وأنت أي شيء كان حظك منه، فيقول: أنا غطيت رأسي بالمحفة، قال: وخرج إلينا المتعبدات ومعهن السبح، فجعلن يلقين سبحهن إلى محفته ليلمسهن بيده، ليحصل لهن البركة، فجعل يمرهن على يديه، ويتبرك بهن ويقصد في حقهن ما قصدن في حقه، وقال شيرويه الديلمي في تاريخ همدان: أبو إسحاق الشيرازي إمام عصره، وقدم علينا رسولًا من أمير المؤمنين إلى السلطان ملك شاه، سمعت منه ببغداد وهمدان وكان ثقة فقيهًا زاهدًا في الدنيا على التحقيق أوحد زمانه. قلت: وقد اجتمع في رحلته هذه بإمام الحرمين لما ورد نيسابور كما تقدم، وحمل الغاشية بين يدي الشيخ، وقال: أنا أفتخر بهذا، ويقال: إنهما تناظرا، فعلاه الشيخ أبو إسحاق بالحجة لاقتداره على طريقة الجدل والبحث، هذا مع اتساع إمام الحرمين في العلم والفصاحة والخطابة والتحصيل، وكان الفقيه أبو الحسن محمد بن عبد الملك الهمداني حكى أبي قال: حضرت مع قاضي القضاة أبي الحسن الماوردي عزاء، وكان قبل سنة أربعين يعني وأربع مائة، فتكلم الشيخ أبو إسحاق فأجاد، فلما خرجنا قال الماوردي: ما رأيت كأبي إسحاق، لو رآه الشافعي لتجمل به. وقال الإمام أبو بكر الشاشي مصنف المستظهري، وهو تلميذ الشيخ أبي إسحاق: شيخنا أبو إسحاق حجة الله على أئمة العصر، وقال الموفق الحنفي: الشيخ أبو إسحاق أمير المؤمنين فيما بين الفقهاء. وقال الحافظ أبو طاهر السلفي: سألت شجاعًا الذهلي عن أبي إسحاق، فقال: إمام أصحاب الشافعي، والمقدم عليهم في وقته ببغداد، وكان ثقة ورعًا صالحًا عالمًا بمعرفة الخلاف علمًا لا يشاركه فيه أحد. وقال الحافظ أبو سعد السمعاني: أنا أبو القاسم حيدر بن محمود الشيرازي بمرو، قال: سمعت الشيخ أبا إسحاق، قال: كنت نائمًا ببغداد، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر، فقلت: يا رسول الله، بلغني عنك أحاديث كثيرة عن ناقلي الأخبار، فأريد أن أسمع منك خبرًا أشرف به في الدنيا، وأجعله ذخرة للآخرة، فقال: يا شيخ، وسماني شيخا، وخاطبني به، وكان يفرح بهذا، ثم قال: قل عني: من أراد السلامة فليطلبها في سلامة غيره، وهذا المنام عليه لوائح الصدق، فإن الفقهاء لهجوا بتسمية الشيخ أبي إسحاق، ولما رواه في المنام شاهد في الصحيح، وهو قوله عليه السلام: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» ، أي: من أراد أن يسلم، فليسلم الناس منه، فإن الجزاء من جنس العمل. وقال السمعاني: رأيت بخط الشيخ أبي إسحاق رقعة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم نسخة ما رآه الشيخ السيد أبو محمد عبد الله بن الحسن بن نصر المؤيدي رحمه الله تعالى رأيت في النوم سنة ثمان وستين وأربع مائة ليلة الجمعة أن أبا إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادي طول الله عمره في منامي يطير مع أصحابه في السماء الثالثة أو الرابعة، فتحيرت، وقلت في نفسي: هذا هو الشيخ الإمام مع أصحابه يطير، وأنا معهم استعظامًا لتلك الحال والرؤية. قلت: في هذه الفكرة إذ تلقى الشيخ ملك وسلم عليه من الرب تبارك وتعالى، وقال له: إن الله يقرأ عليك السلام، ويقول: ما الذي تدرس لأصحابك؟ فقال له الشيخ: أدرس ما نقل عن صاحب الشرع، فقال له الملك: فاقرأ علي شيئًا لأسمعه، فقرأ عليه الشيخ مسألة لا أذكرها، فاستمع إليه الملك وانصرف، وأخذ الشيخ يطير هو وأصحابه معه، فرجع ذلك الملك بعد ساعة، وقال للشيخ: إن الله يقول: الحق ما أنت عليه وأصحابك، فادخل الجنة معهم. وقال السمعاني: صنف الشيخ أبو إسحاق المهذب في المذهب والتنبيه، واللمع وشرحه، والمعونة في الجدل، والملخص وغير ذلك. قلت: صنف المهذب من تعليق الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وابتدأ في تصنيفه من سنة خمس وخمسين، وفرغه يوم الأحد سلخ رجب من سنة تسع وستين، فمكث في تصنيفه أربع عشرة سنة، وأما التنبيه فاختصر من طريقة الشيخ أبي الطيب الطبري شيخه، وله أيضًا النكت، والتبصرة، وطبقات الفقهاء، ومن كلامه الحسن: العلم لا ينتفع به صاحبه أن يكون الرجل عالمًا ولا يكون عاملًا، ثم أنشد لنفسه رحمه الله: علمت ما حلل المولى وحرمه ... فاعمل بعلمك إن العلم للعمل وقال أيضًا: الجاهل بالعالم لم يقتد، فإذا كان العالم لا يعمل، فالجاهل ما يرجو من نفسه، فالله الله يا أولادي، نعوذ بالله من علم يصير حجة علينا، ومن شعره: أحب الكأس من غير المدام ... وألهو بالحسان بلا حرام وما حبي لفاحشة ولكن ... رأيت الحب أخلاق الكرام وله أيضًا: سألت الناس عن خل وفي ... فقالوا ما إلى هذا سبيل وله أيضًا: تمسك إن ظفرت بود حر ... فإن الحر في الدنيا قليل وله أيضًا: حكيم رأى النجوم حقيقة ... ويذهب في أحجامها كل مذهب يخبر عن أفلاكها وبروجها ... وما عنده علم بما في المغيب يشير رحمه الله إلى أن علم التفسير صحيح، وهكذا هو عند المحققين من علماء الهيئة، فأما علم الأحجام وهو المشهور بعلم التنجيم، فباطل والاشتغال به غير طائل. وذكر الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح أن الشيخ أبا إسحاق كان يقول من الشعر على البديهة ما يسنح له، وأنه قال يومًا لمرتب المدرسة النظامية يعني بعينها وكان رجلا حسنا، فقال على وجه البسط به: وشيخنا الشيخ أبو طاهر ... جمالنا في الشرف الظاهر ثم حكي أن أبا طاهر هذا طال عمره، وتأخرت مدته في المدرسة النظامية إلى سنة ثلاثين وخمس مائة، فعمر بعد الشيخ أبي إسحاق بضعا وخمسين سنة، وقد امتدح بشعر من أحسنه ما حكاه السمعاني عن الرئيس أبي الخطاب علي بن عبد الرحمن بن هارون بن الجراح رحمه الله: سقيًا لمن صنف التنبيه مختصرًا ... ألفاظه الغر واستقصى معانيه إن الإمام أبا إسحاق صنفه ... لله والدين لا للكبر والتيه رأى علومًا عن الأفهام شاردة ... فجازها ابن علي كلها فيه نصب الشرع إبراهيم منتصرًا ... يذود عنه أعاديه ويحميه وقال أبو الحسن علي بن فضال القيرواني: كتاب التنبيه ذا أم رياض ... أم لآلئ قلوبهن البياض جمع الحسن والمسائل طرا ... دخلت تحت كله الأبعاض قل طولًا وضاق عرضًا مداه ... وهو بعدد الطوال العراض وقال السلار العقيلي: كفاني إذا عن الحوادث صارم ... ينيلني المأمول بالإثر والأثر يقد ويفري في اللقاء كأنه ... لسان أبي إسحاق في مجلس النظر وقال عاصم بن الحسن في الشيخ أبي إسحاق رحمه الله ورضي عنه: تراه من الذكاء نحيف جسم ... عليه من توقده دليل إذا كان الفتى ضخم المعالي ... فليس يضيره الجسم النحيل. توفي رحمه الله ليلة الأحد، وقيل: يوم الأحد الحادي والعشرين من جمادى الأولى، وقيل: الآخرة، سنة ست وسبعين وأربع مائة ببغداد، فاجتمع بجنازته خلق عظيم، ويقال: إنه أول من صلى عليه أمير المؤمنين المقتدي بأمر الله، ثم صلى عليه صاحبه أبو عبد الله الطبري، ودفن بباب أبرز رحمه الله، وقد رثاه الأستاذ القاسم عبد الله بن ناقياء بأبيات، منها: أجرى المدامع بالدم المهراق ... خطب أقام إقامة الآفاق خطب شجا منا القلوب بلوعة ... بين التراقي ما لها من راق ما للليالي لا يألف شملنا ... بعد ابن بجرتها أبي إسحاق إن قيل مات فلم يمت من ذكره ... حي على مر الليالي باق. قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: وجلس أصحابه لعزائه بالمدرسة النظامية، فلما انقضى العزاء رتب مؤيد الملك من نظام الملك أبا سعد المتولي مدرسًا، فلما وصل إلى نظام الملك باني المدرسة، كتب بإنكار ذلك، وقال: كان من الواجب أن تغلق المدرسة سنة من أجل الشيخ، وعاب على من تولى مكانه، وأمر أن يدرس الشيخ أبو نصر عبد السيد بن محمد ابن الصباغ مكانه. قلت: قد تقدم أن الشيخ أبا نصر درس فيها قبله، ثم صارت إليه بعده، إلى أن توفي سنة ثمان وسبعين، وكل من ابن الصباغ، والمتولي له وجه في المذهب، وليس للشيخ أبي إسحاق وجه في المذهب، وإنما له احتمال ولد إمام الحرمين والغزالي، وذكره الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في طبقات أصحاب الأشعري، في آخر كتابه: تبيين كذب المفترى على أبي الحسن الأشعري، فقال: رأيت بخط بعض الثقات: ما قول السادة الفقهاء في قوم اجتمعوا على لعن الأشعرية وتكفيرهم؟ وما الذي يجب عليهم؟ أفتونا، فأجاب جماعة فمن ذلك: الأشعرية أعيان السنة، انتصبوا للرد على المبتدعة من القدرية والرافضية وغيرهم، فمن طعن فيهم، فقد طعن على أهل السنة، ويجب على الناظر في أمر المسلمين تأديبه بما يرتدع به كل أحد، وكتب إبراهيم بن علي الفيروزابادي. قلت: أما طريقة الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري في الصفات بعد أن رجع عن الاعتزال، بل وبعد أن قدم بغداد، وأخذ عن أصحاب الحديث كزكريا الساجي وغيره، فإنها من أصح الطرق وللمذهب، فإنه يثبت الصفات العقلية والخبرية، ولا ينكر منها شيئًا، ولا يكيف منها شيئًا، وهذه طريقة السلف والأئمة من أهل السنة والجماعة، حشرنا الله في زمرتهم وأماتنا على اتباعهم ومحبتهم، إنه سميع الدعاء جواد كريم. وعلى هذا المنوال جرى الأئمة من أصحاب الأشعري، كأبي عبد الله بن مجاهد والقاضي أبي بكر الباقلاني وأضرابهم رحمهم الله، ولنذكر شيئًا من روايتنا من طريقه رحمه الله. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الإِمَامِ الْحَافِظِ الْحُجَّةِ، أَبِي الْحَجَّاجِ يُوسُفَ ابْنِ الزَّكِيِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ الْمِزِّيُّ، أنا الشَّيْخُ الإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْبُخَارِيُّ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهَا، ثنا زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَسَنِ الأَشْعَرِيَّةُ، إِجَازَةً مِنْ نَيْسَابُورَ، أنا أَبُو سَعْدٍ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ الأُسْتَاذِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ إِلَى الشَّيْخِ الْفَقِيهِ أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ الْفِيرُوزَابَاذِيِّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ الْبَرَّازُ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ الْعَبَّادَانِيُّ، فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلاةِ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، ثنا عَلِيُّ بْنُ حَرْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَازِنٍ الْغضُوبَةُ الطَّائِيُّ سَائِرًا سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهُ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» . هذا حديث صحيح متفق على صحته رواه البخاري في كتاب العلم، عن إسماعيل بن أوس عن مالك، عن هشام به، وأخرجه مسلم من حديث وكيع به، ومن طرق أخر عن اثني عشر رجلًا عن هشام به، ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق أخر عنه به، فالحديث يجزم تواتره إلى هشام بن عروة، وهو أحد الأئمة الأثبات عن أبيه، وهو من سادات التابعين، وأحد الفقهاء السبعة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أحد عباد الصحابة ورابع العبادلة، وهم: ابن عباس وابن الزبير وعبد الله بن عمر وهو رضي الله عنهم أجمعين وَبِالإِسْنَادِ الْمُتَقَدَّمِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الطَّائِيِّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، ثنا عُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ، فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ» . هذا حديث حسن من هذا الوجه، رواه أبو داود في كتاب العلم عن موسى بن إسماعيل التبوذكي، عن حماد بن سلمة، عن علي بن الحكم به، ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث عمارة بن زاذان الصيدلاني، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، قال: وفي الباب عن جابر وعبد الله بن عمرو. قلت: ورواه من وجوه أخر متعددة، والله أعلم وَقَرَأْتُ أيضًا عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ، قَالَ: أنا الشَّيْخُ الإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ الْوَاسِطِيُّ، خَطِيبُ كَفَرْسُوسِيَّةَ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَثَمَانِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، قَالَ: أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَاسوَيْهِ الْوَاسِطِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، قَالَ: أنا أَبُو الْخَيْرِ مَسْعُودُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ صَدَقَةَ بْنِ مُطَرِّزٍ الْخَبَّازُ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الْكَرَمِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْحَوْزِيُّ، إِمْلاءً بِالْجَامِعِ بِوَاسِطَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلْخَ شَوَّالٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِ مِائَةٍ، قَالَ: أنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، بِبَغْدَادَ، ثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْبَرْقَانِيُّ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ النَّيْسَابُورِيُّ الْحَافِظُ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفَجْأَةِ نِقْمَتِكَ، وَمِنْ جَمِيعِ سَخَطِكَ وَغَضَبِكَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلا، وَلَمْ يُخَرِّجْ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِهِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وقرأت أيضًا على شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزني، أنا أبو الحسن ابن البخاري، وأحمد بن شيبان، قالا: أنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد البغدادي، أنا الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن عمر بن أحمد السمرقندي، أنا إبراهيم بن علي الفيروزابادي الفقيه، ثنا القاضي أبو الطيب، وهو طاهر بن عبد الله الفقيه، ثنا القاضي أبو الفرج بن طرار، ثنا أبي، ثنا أبو أحمد الختلي، أنا عمر بن محمد بن الحكم النسائي، حدثني إبراهيم بن زيد النيسابوري، أن ليلى الأخيلية بعد موت توبة يعني ابن الحمير، وهو مجنونها تزوجت، ثم إن زوجها بعد ذلك مر بقبر توبة وليلى معه، فقال لها: يا ليلى، تعرفين هذا القبر؟ فقالت: لا، فقال: هذا قبرة توبة، فسلمي عليه، فقالت: امض لشأنك فما تريد من توبة وقد بليت عظامه، قال: أريد تكذيبه، أليس هو الذي يقول: ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... علي ودوني تربة وصفائح لسلمت تسليم البشاشة أو زقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح فوالله، لا برحت حتى تسلمي عليه، فقالت: السلام عليك يا توبة ورحمك الله وبارك لك فيما صرت إليه، فإذا طائر قد خرج من القبر حتى ضرب صدرها، فشهقت شهقة، فماتت فدفنت إلى جانب قبره، ونبتت على قبره شجرة، وعلى قبرها شجرة، فطالتا فالتقتا، هذه حكاية مشهورة، ولم أرها بإسناد إلا بهذا، والله أعلم. الحسن بن عبد الرحمن بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن العباس بن جعفر بن أبي جعفر المنصور العباسي أبو علي المكي الشافعي الحناط لأنه كان يبيع الحنطة، وكان آخر من بقي ببلاد الحجاز، وكان ثقة مأمونًا، روى عن أحمد بن إبراهيم بن فراس، وعبد الله بن أحمد السقطي وغيرهما، وعنه أبو المظفر السمعاني، وعبد المنعم القشيري، ومحمد بن طاهر، وطائفة من حجاج المغاربة، وثقه السمعاني في الأنساب، ومات سنة اثنتين وسبعين وأربع مائة. قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الإِمَامِ الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْقُضَاعِيِّ الْمِزِّيِّ، قُلْتُ لَهُ: أَخْبَرَكَ الشَّيْخُ الإِمَامُ بَقِيَّةُ الْمَشَايِخِ فَخْرِ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ ابْنُ الْبُخَارِيِّ الْمَقْدِسِيُّ، بِقِرَاءَتِكَ عَلَيْهِ، قَالَ: أنا الْقَاضِي الإِمَامُ أَبُو الْمَعَالِي أَسْعَدُ بْنُ أَبِي الْمُنَجَّا بْنِ بَرَكَاتٍ التَّنُوخِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مِائَةٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَبَّاسِيُّ الْمَكِّيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ بِدَارِ الْخِلافَةِ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أنا الشَّيْخُ الثِّقَةُ الْعَدْلُ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّافِعِيُّ الْمَكِّيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَمَّرَهُ اللَّهُ خَلْفَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلامُ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، قَالَ: أنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ الْمَكِّيُّ، بِهَا، قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَالَ: أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: ثنا الثَّوْرِيُّ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ الدِّيلِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الْحَجُّ عَرَفَاتٌ ثَلاثًا، فَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ؛ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَأَيَّامُ مِنًى ثَلاثَةٌ، فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» عبد الله ابن الأستاذ أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري أبو سعد النيسابوري أكبر أولاد أبيه سنا وقدرًا وعلمًا في الأصول، والفروع، والتصوف، والتفسير، أخذ مع أبيه من الشيخ أبي الطيب الطبري، وبرع في فنون كثيرة مع عبادة وحذق وتنسك، توفي سنة سبع وسبعين وأربع مائة، قال السمعاني: وكان يتبع أباه في الطريقة، فخر ذويه وأهله على الحقيقة، ثم بالغ في تعظيمه، وإجلاله، واحترامه رحمه الله تعالى. عبد الرحمن بن مأمون الإمام أبو سعد المتولي النيسابوري الفقيه الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 أحد أصحاب الوجوه في المذهب، أخذ الفقه عن القاضي حسين بمرو الروذ، وعن أبي سهل أحمد بن علي الأبيوردي ببخارى، وعن أبي القاسم الفوراني، وله كتاب (التتمة) على كتاب شيخه الفوراني (الإبانة) ، ولم يتمه أيضًا بلغ إلى الحدود، وله كتاب في الخلاف، ومختصر في الفرائض، ومصنف في الأصول، وكان فقيهًا محققًا، وحبرا مدققا، ولي تدريس النظامية بعد الشيخ أبي إسحاق، فعزل بابن الصباغ بعد أقل من شهر، ثم أعيد إليها سنة سبع وسبعين إلى أن توفي سنة ثمان وسبعين وأربع مائة ببغداد، وكان مولده سنة ست وعشرين وأربع مائة. عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر أبو نصر ابن الصباغ البغدادي قاضي المذهب، وفقيه العراق، كان من أكابر أصحاب الوجوه، وصنف الشامل وغيره، وكان قد أخذ عن الشيخ أبي الطيب الطبري، وكان أدرى بالمذهب من الشيخ أبي إسحاق الشيرازي رحمهما الله، روى جزء ابن عرفة، عن محمد بن الحسين القطان، وسمع أبا علي بن شاذان، وروى عنه ابنه أبو القاسم علي، وإسماعيل بن السمرقندي وأبو نصر الغازي، وإسماعيل بن محمد بن الفضل، وغيرهم، قال السمعاني: كان أبو نصر ثبتًا حجة دينًا خيرًا، ولي النظامية بعد أبي إسحاق، وكف بصره في آخر عمره، وقال ابن خلكان: كان تقيا صالحًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 له كتاب الشامل، وهو من أصح كتب أصحابنا، وأثبتها أدلة، درس بالنظامية ببغداد بعد أبي إسحاق أول ما فتحت سنة تسع وخمسين وأربع مائة، ثم عزل بعد عشرين يوما بالشيخ أبي إسحاق، فلما مات الشيخ أبو إسحاق رد إليها أبو نصر فدرس بها سنة، ثم إنه عمي فعزل عنها، ومات يوم الثلاثاء عشر من جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وأربع مائة رحمه الله تعالى، وكان مولده سنة أربع مائة. عبد القاهر بن عبد الرحمن أبو بكر الجرجاني النحوي كان شافعي المذهب متكلما على طريقة أبي الحسن الأشعري، وفيه دين، وله فضيلة تامة بالنحو، وصنف كتبا كثيرة، فمن أشهرها كتاب (الجمل) وشرحه بكتاب (التلخيص) ، وكتاب (العمد في التصريف) ، وكتاب (العوامل) ، وكتاب (المفتاح) في مجلد، و (شرح الفاتحة) في مجلد، وكتاب (المغني في شرح الإيضاح) في نحو ثلاثين مجلدا وغير ذلك. أخذ النحو بجرجان عن أبي الحسين محمد بن الحسن الفارسي ابن أخت الشيخ أبي علي الفارسي، وأخذ عنه علي بن أبي يزيد الفصيحي، وذكره السلفي في معجمه، فقال: دخل عليه لص، وهو في الصلاة، فأخذ جميع ما وجد، والجرجاني ينظر إليه، ولم يقطع صلاته وله نظم فمنه: كبر على العقل لا ترمه ... ومل إلى الجهل ميل هائم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 وعش حمارا تعش سعيدا ... فالسعد في طالع البهائم ، توفي سنة إحدى، وقيل: سنة أربع وسبعين وأربع مائة، فالله أعلم. عبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد بن علي بن محمد القطان أبو معشر الطبري الإمام في القراءات وغيرها من التفسير، واللغة والتاريخ، وروى تفسير الثعلبي عنه، وعن الشريف الزيدي الحراني، عن القطيعي: مسند أحمد، وسمع ببغداد من أبي الطيب الطبري وغيره، وسمع بمصر وحران وحلب وغيرها، وروى عنه أبو نصر الغازي، والقاضي أبو بكر الأنصاري وغيرهما، وتوفي بمكة بعد سنة سبعين وأربع مائة. عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه العلامة إمام الحرمين ضياء الدين أبو المعالي ابن الشيخ أبي محمد الجويني رئيس الشافعية بنيسابور، ومصنف نهاية المطلب في دراية المذهب، وكتاب (الإرشاد) في الأصول، وكذا كتاب (الشامل) ، وكتاب (البرهان) في أصول الفقه، و (مدارك العقول) لم يتمه، وكتاب (الرسالة النظامية) لم يتمه، و (الأحكام الإسلامية) ، وكتاب (غياث الأمم في التياث الظلم) ، وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 بديع في براعته وفصاحته، ومقصوده فيه إثبات الإمام، وكتاب (مغيث الخلق في اختيار الأحق) ، وكتاب (غنية المسترشدين) في الخلاف، وقال أبو سعد السمعاني: كان إمام الأئمة في زمانه على الإطلاق، المجمع على إمامته شرقًا وغربًا الذي لم تر العيون مثله، مولده في محرم سنة تسع عشرة وأربع مائة، وتفقه على والده، فأتى على جميع مصنفاته، وتوفي أبوه وله عشرون سنة، فأقعد مكانه للتدريس، فكان يدرس ويخرج إلى مدرسة البيهقي، وأحكم علم الأصول على أبي القاسم الإسفراييني الإسكاف أحد تلامذة أبي إسحاق الإسفراييني، وكان ينفق من ميراثه ومما يدخله من معلومه إلى أن ظهر التعصب بين الفريقين، واضطربت الأحوال، فاحتاج إلى السفر إلى نيسابور، فذهب إلى المعسكر ثم إلى بغداد، وصحب أبا نصر الكندري الوزير مدة يطوف معه، ويلتقي في حضرته بالأكابر من العلماء ويناظرهم، فتحنك بهم حتى تهذب في النظر، وشاع ذكره، ثم خرج إلى الحجاز، وجاور بمكة أربع سنين يدرس ويفتي ويجمع طرق المذهب إلى أن رجع إلى بلدة نيسابور بعد مضي نوبة التعصب، فأقعد للتدريس بنظامية نيسابور، واستقامت أمور الطلبة، وبقي على ذلك قريبًا من ثلاثين سنة غير مزاحم ولا مدافع، فسلم له المحراب والمنبر والخطابة والتدريس ومجلس الوعظ يوم الجمعة، وظهرت تصانيفه، وحضر درسه الأكابر، والجمع العظيم من الطلبة، وكان يقعد بين يديه كل يوم نحو من ثلاث مائة رجل، وتفقه به جماعة من الأئمة، وسمع الحديث من أبيه ومن أبي حسان محمد بن أحمد المزكي وأبي سعد النصروي، ومنصور بن رامش وآخرين، قال: وثنا عنه أبو عبد الله الفراوي، وأبو القاسم الشحامي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 وأحمد بن سهل المسجدي وغيرهم، قلت: وقد أجاز له الحافظ أبو نعيم الأصبهاني، قال السمعاني: وقرأت بخط أبي جعفر محمد بن أبي علي الهمذاني، سمعت الشيخ أبا إسحاق الفيروزابادي، يقول: تمتعوا بهذا الإمام فإنه نزهة هذا الزمان، يعني أبا المعالي الجويني رحمه الله، قال: وقرأت بخط أبي جعفر أيضًا، سمعت أبا المعالي، يقول: قرأت ألفا في خمسين ألفا، ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضم وغصت في الذي نهى أهل الإسلام منها، كل ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن قد رجعت من الكل إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطيف بره، فأموت على دين العجائز، ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على نزهة أهل الحق، وكلمة الإخلاص لا إله إلا الله، وقال الفقيه أبو الفتح الطبري دخلنا مجلس أبي المعالي في مرضه فقال: اشهدوا علي أني قد رجعت عن كل مقالة تخالف السلف، وأني أموت على ما تموت عليه عجائز نيسابور. وقال الفقيه غانم الموشيلي: سمعت الإمام أبا المعالي الجويني يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اشتغلت بالكلام، وقال إمام الحرمين رحمه الله في كتاب الرسالة النظامية: اختلف مسالك العلماء في الظواهر التي وردت في الكتاب والسنة، وامتنع على أهل الحق اعتقاد فحواها، فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في آي الكتاب، وما يصح من اعتقاد السنن، قال: وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب تبارك وتعالى، قال: والذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقدا اتباع سلف الأمة، فالأولى الاتباع وترك الابتداع. والدليل السمعي القاطع في ذلك، أن إجماع الأمة حجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 متبعة وهو مستند معظم الشريعة، وقد درج صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ترك التعرض لمعانيها، وكانوا لا يألون جهدًا في ضبط قواعد الملة، والتواصي لحفظها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها، فلو كان تأويل هذه الظواهر مشروعًا أو محتومًا لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، فإذا تصرم عصرهم وعصر التابعين على الإضراب عن التأويل، كان ذلك قاطعًا بأنه الوجه المتبع، فحق على ذي الدين أن يعتقد تنزه الباري عن صفات المحدثين، ولا يخوض في تأويل المشكلات، ويكل معناها إلى الرب، فليجر آية الاستواء والمجيء، وقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] ، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] ، و {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14] ، وما صح من أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم كخبر النزول وغيره، على ما ذكرناه، هذا كلامه رحمه الله في الرسائل النظامية، توفي إمام الحرمين رحمه الله في الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وأربع مائة بنيسابور، وكان يومًا مشهودًا أغلق الباب وكسر منبره بالجامع، ورثاه الناس بقصائد، ودفن بداره أولا، ثم نقل بعد سنين، فدفن إلى جانب والده، ويقال: إنه كان له أربع مائة تلميذ، فكسروا محابرهم وأقلامهم وأقاموا حولا كذلك، فالله أعلم. أَخْبَرَنِي شَيْخُنَا الإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ لَفْظِهِ فِي حِفْظِهِ، ثنا قَاضِي الْقُضَاةِ عِزُّ الدِّينِ أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الأَنْصَارِيُّ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الصَّايِغِ، مِنْ لَفْظِهِ وَحِفْظِهِ، أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ ابْنُ الْحُمَيْدِيِّ، أنا الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا إِلْكِيَا الْهَرَّاسِيُّ، أنا إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: أنا وَالِدِي، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْقَاضِي، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، ثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا الشَّافِعِيُّ، ثنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» . هَذَا صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَمَحْفُوظٌ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ مُسَلْسَلٌ مِنِّي إِلَى الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ بِالْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وأخبرني به شيخنا أيضًا من لفظه، أنا الشيخ شرف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الخالق بن طرخان، أنا الحافظ شرف الدين أبو الحسن علي بن الفضل المقدسي، أنا الحافظ أبو طاهر السلفي فذكره بسنده، ثم قال علي: قال لنا السلفي: هذا حديث مستحسن بسبب ما اجتمع فيه من الفقهاء الأئمة بعضهم عن بعض، قال السلفي: وقد يقع غالبا في حديث الأصم إلا أن هذه الرواية من راويها أجود لما ذكرت، قال السلفي: وقد وقع عاليا في حديث الأصم، وقد أجاز لي لاحق بن محمد التميمي، وغيره عن أبي بكر الجيزي شيخ الإمام أبي المعالي، والله أعلم محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم أبو الفضل ابن العلامة أبي الحسن المحاملي الفقيه الشافعي سمع أبا الحسين بن بشران، وأبا علي بن شاذان وجماعة، وأخذ عنه مكي الرميلي وغيره، وكان من الأذكياء الأعيان، مات سنة سبع وسبعين وأربع مائة، قال الشيخ تقي الدين ابن الصلاح في طبقاته عن أبي نصر السمعاني أنه قال عنه: اشتغل في حداثة سنة على أبيه أبي الحسن، ثم ترك الفقه واشتغل بالدنيا، وكانت له حلقة أيام الجمع بجامع القصر يقرأ عليه فيها الحديث والتفسير، وكان فهمًا عالمًا ذكيًا سمع الكثير، ولم ينقل عنه إلا اليسير، ثم أرخ وفاته كما تقدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 محمد بن الحسن بن الحسين أبو عبد الله المروزي المهربندقشابي بندقشاي نسبة إلى قرية على بريد من مرو، كان إمامًا ورعًا عابدًا فقيهًا محدثًا مفتيًا، تفقه على أبي بكر القفال، وروى عنه الحديث وعن مسلم بن الحسن الكاتب، ومحمد بن محمود الناشجردي، ورحل إلى هراة، فسمع أبا الفضل محمد بن إبراهيم بن أبي سعد، وأبا أحمد بن محمد بن محمد المعلم، وأحمد بن محمد بن الخليل، وعنه محمد بن أبي ناصر المسعودي، ومحمد بن أبي النجم البزار، ومصعب بن عبد الرزاق، وعبد الواحد بن أبي علي الفارمدي وآخرون، توفي سنة ثلاث وقيل: أربع وسبعين وأربع مائة. محمد بن هبة الله بن الحسن بن منصور أبو بكر اللالكائي الحافظ ابن الحافظ أبي القاسم الطبري اللالكائي سمع كثيرًا، وطاف البلاد، سمع هلال الحفار، وأبا الحسين بن بشران، وأبا الحسين بن الفضل القطان، وغيره، وسمع منه جماعة من الحفاظ منهم أبو القاسم الرميلي، قال ابن الصلاح: وكان صدوقًا مأمونًا، وذكر أنه مات سنة اثنين وسبعين وأربع مائة، وذكر أنه روى عن علي بن محمد السكري عن الحسين بن صفوان البرذعي عن أبي بكر بن أبي الدنيا، قال: أنشدني محمود الوراق: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 يا ناظرًا يرنو بعيني راقد ... ومشاهدًا للأمر غير مشاهد منيت نفسك حكمة وأبحتها ... طرق الردى وهن غير قواصد تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي ... درك الجنان لهما وفوز العابد وعلمت أن الله أخرج آدمًا ... منها إلى الدنيا بذنب واحد. يوسف بن الحسن بن محمد بن الحسن أبو القاسم التفكري الزنجاني أحد أصحاب الشيخ أبي إسحاق الشيرازي الذين تفقهوا عليه، وكان عمره قريبًا من عمر الشيخ، لأنه ولد سنة خمس وتسعين وثلاث مائة، ورحل في طلب الحديث، وسمع وقرأ معاجم الطبراني على الحافظ أبي نعيم الأصبهاني، وسمع ببلده من أبي عبد الله الحسين الفلاكي، وأبي علي بن بندار، وببغداد من أبي عبد الله الصوري وجماعة، وعنه أبو القاسم السمرقندي، وعبد الخالق بن أحمد اليوسفي، وشيرويه الديلمي وغيرهم، وكان إمامًا زاهدًا ورعا متنسكا خاشعا كبير القدر، مات في الحادي عشر من ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وأربع مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 المرتبة الرابعة من الطبقة السادسة من أصحاب الشافعي رضي الله عنه فيها من سنة إحدى وثمانين وأربع مائة إلى آخر سنة تسعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 أحمد بن علي بن أحمد بن الحسين أبو حامد البيهقي أحد الصدور والأعيان، ومن له محل عند الخاصة والعامة، ذكر أبو سعد السمعاني: أنه سمع الحديث من أبي عبد الرحمن السلمي، وأبي منصور عبد القاهر، والقاضيين أبي الطيب الطبري، وأبي منصور بن جعفر الجيلي وغيرهم، قال: وتوفي سنة ثلاث وثمانين وأربع مائة. أحمد بن محمد بن أحمد أبو العباس الجرجاني قاضي البصرة، وشيخ الشافعية بها، وهو مصنف كتاب (المعاياة) ، و (التحرير) و (الشافي) ، تفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وكان من أعيان الأدباء، له النظم والنثر والتصانيف المفيدة، وسمع الحديث من أبي طالب بن غيلان، وأبي الحسن القزويني، وأبي عبد الله الصوري، وعنه أبو علي بن سكرة الحافظ وأثنى عليه، وإسماعيل بن السمرقندي، والحسين بن عبد الملك الأديب، ومات سنة اثنين وثمانين وأربع مائة، قال ابن الصلاح: وله شذوذات منها: لو جمع من يحل له نكاح الأمة بين حرة وأمة في نكاح واحد صح النكاحان، وفي الوسيط وغيره القطع ببطلان نكاح الأمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 أحمد بن محمد بن إسماعيل بن علي أبو الحسن الشجاعي النيسابوري كان من الشافعية المتعصبين للمذهب، وكان أمين مجلس القضاء بنيسابور، ومن ذوي الرأي الكامل، وولي أوقافًا وأنظارًا لكن قيل: لم يحمد فيها، وكانت له رياسة وحشمة ومروءة، وقد أملى الحديث سنين، وسمع من أبي بكر الحيري، وغيره من أصحاب الأصم، وعنه عبد الغافر بن إسماعيل، ومحمد بن جامع خياط الصوف، وعمر بن أحمد الصفار، ومحمد بن أحمد بن الجنيد الخطيب، وعبد الخالق بن زاهر، وعبد الله بن الفراوي، وهبة الرحمة القشيري، توفي في ثامن عشر المحرم سنة تسعين وأربع مائة عن ثمانين سنة. أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن الشجاع الأستاذ أبو حامد الشجاعي السرخسي ثم البلخي. تفقه على الشيخ أبي علي السنجي ودرس مدة، وكان إمامًا مبرزًا كبير القدر، وكانت له تلامذة وأصحاب، وسمع الحديث من الليث بن محمد الليثي وغيره، وعنه ابن أخيه محمد بن محمود السره مرد بسرخس، وأبو جعفر عمر بن محمد المروزي، ومحمد بن أبي الحسين القوسي، وعمر البسطامي الحافظ، وأبو بكر محمد بن القاسم القاضي الشهرزوري، وغيرهم من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 شيوخ أبي سعد السمعاني، وله مجلس من إملائه مروي، وتوفي ببلخ سنة اثنين وثمانين وأربع مائة. إسماعيل بن عبد الملك أبو القاسم الطوسي المعروف بالحاكمي قدم دمشق معادلًا للغزالي، وسمع من الفقيه نصر المقدسي سنة تسع وثمانين وأربع مائة، قال أبو الفضل يحيى بن علي القرشي القاضي: كان أعلم بالأصول من الغزالي، وكان شافعيًا، قال شيخنا الحافظ الذهبي: لا أعلم وفاته متى هي. إسماعيل بن الفضل أبو محمد الفضيلي الهروي والد الإمام أبي عاصم الصغير، قال أبو النصر عبد الرحمن الهروي في تاريخ هراة: هو الفحل المقرم، الإمام المقدم في فنون الفضل وأنواع العلم، توفي سنة ثمان وثمانين وأربع مائة، ثم خلفه ولده الإمام أبو الفضل محمد أحسن الخلافة، وذكر الشيخ تقي الدين ابن الصلاح في الطبقات من شعره: تعود أيها المسكين صمتا ... فنعم جواب من آذاك ذاكا وإن عوفيت مما عبت فافتح ... بحمد للذي عافاك فاكا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 الوزير نظام الملك أول من بنى المدارس الشافعية الحسن بن علي بن إسحاق بن العباس الوزير أبو علي نظام الملك قوام الدين الطوسي استقل في وزارة السلجوقية قريبًا من ثلاثين سنة، وكان له بر كثير وصلات لأهل العلم والفقراء والضعفاء والمساكين، وهو باني نظامية بغداد، ونيسابور، وأصبهان، وطوس، وهراة، وبنى الرباطات وغير ذلك، وكان ابتداء أمره أن أباه كان من الدهاقين بناحية بيهق، وماتت أمه وهو رضيع، فكان أبوه يطوف به على المراضع فترضعه حسنة، ثم نشأ بتلك البلاد وتوصل بخدم السلطان، وترقى في المنزلة حتى صار منه وزيرًا كبير جليل القدر مع الديانة والكفاية والأمانة والعدل والصيانة، سمع الحديث من أبي مسلم محمد بن علي بن مهربزد الأديب بأصبهان، ومن أبي القاسم القشيري، وأبي حامد الأزهري وهذه الطبقة، وعنه أبو محمد الحسن بن منصور السمعاني، ومصعب بن عبد الرزاق المصعبي، وعلي بن طراد بن محمد الزينبي، ونصر بن نصر العكبري، وكان يعظم القشيري وإمام الحرمين كثيرًا ويكرمهما، وإليه كتب إمام الحرمين بالرسالة النظامية. وذكر القاضي ابن خلكان: أن نظام الملك دخل على الإمام المقتدي بالله، فأذن له في الجلوس، وقال: يا حسن، رضي الله عنك كرضا أمير المؤمنين عنك، قال: وكان نظام الملك إذا سمع المؤذن أمسك عما هو فيه حتى يفرغ، وقد طول ترجمته البخاري في تاريخه، والشيخ شهاب الدين أبو شامة في الروضتين واتفقوا على أنه قتلته الباطنية، أتاه شاب في زي صوفي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 فناوله ورقة فتناولها منه، فضربه بسكين في فؤاده. وقال شيرويه في تاريخ همدان: قتل ليلة الجمعة الحادي وعشرين من رمضان سنة خمس وثمانين وأربع مائة رحمه الله، ومن شعره بعد الثمانين. بعد الثمانين ليس قوة ... قد ذهبت سن الصبوة كأنني والعصا تلقى ... موسى ولكن بلا نبوة. وَقَرَأْتُ عَلَى الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ، أنا أَبُو الْحَسَنِ ابْنُ الْبُخَارِيِّ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ هِبَةُ اللَّهِ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ، أنا طَاوُسٌ الْمُقْرِي، أنا شَمْسُ الأَئِمَّةُ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْقَوِيِّ الْمِصِّيصِيُّ، أنا الصَّاحِبُ الأَجَلُّ نِظَامُ الْمُلْكِ قِوَامُ الدِّينِ صَدْرُ الإِسْلامِ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْحَاقَ الطُّوسِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْبَلْخِيُّ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْبَرَّازُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُسْتَمْلِي، ثنا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ النَّسَوِيُّ، بِهَا، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ الْمُسْتَمْلِي، أنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ عِمْرَانَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشَّيْطَانُ ذِئْبُ ابْنِ آدَمَ، كَذِئْبِ الْغَنَمِ، يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ الْمُنْفَرِدَةَ، فَالْزَمُوا الْمَسَاجِدَ وَالْجَمَاعَاتِ» وَبِهِ قَالَ: ثنا الشَّيْخُ الإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدُوسٍ الْمُزَكِّي، أنا أَبُو حَاتِمٍ مَكِّيُّ بْنُ عَبْدَانَ، ثنا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنِي عِيسَى بْنِ أَبِي عِيسَى الْحَنَّاطُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَالصَّلاةُ نُورٌ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ» وَقَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدُونِ بْنِ خَالِدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، ثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: قَرِّبُوا أَهْلَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ إِلَى عَرْشِي، فَإِنِّي أُحِبُّهُمْ " وبه قال: أنا أبو عدنان القرشي، أنشدنا القاضي أبو أحمد منصور بن محمد الأزدى لنفسه: لما عدمت وسيلة ألقى بها ربي ... تقي نفسي شديد عذابها صيرت رحمته لدي وسيلتي ... وكفى بها وكفى بها وكفى بها. الحسن بن محمد بن الحسن أبو علي الساوي كان فقيهًا متكلما على طريقة الشيخ أبي الحسن الأشعري، حدث بدمشق عن أبي طالب بن غيلان، وأبي ذر الهروي، وأبي الحسن بن صخر وغيرهم، وروى عنه الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي، وهبة الله بن طاوس، توفي في ذي القعدة سنة ثمان وثمانين وأربع مائة، عن ست وسبعين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 عبد الله بن طاهر بن محمد بن شهفور أبو القاسم التميمي الإسفراييني نزيل بلخ ودرس بالنظامية بها، قاله السمعاني، قال: وكان إماما فاضلا نبيلا في الفقه والأصول، حسن الأخلاق، ظهرت له الحشمة التامة حتى سار من أهل الثروة، وكان له مروءة وإحسان، ويقعد للفقراء، وسعي جميل، سمع بنيسابور علي بن محمد الطرازي، وعبد الرحمن النصروي، وجده أبا منصور عبد القاهر البغدادي، قال: وروى لنا عنه أبو القاسم بن السمرقندي، وعبد الوهاب بن الأنماطي، والمبارك بن خيرون الوزان سمعوا منه لما حج، وثنا عنه بهراة أبو شجاع البسطامي، وببلخ أخوه أبو الفتح محمد البسطامي، مات سنة ثمان وثمانين وأربع مائة. عبد الرحمن بن أحمد بن شاة أبو أحمد السقيدنجي قرية على ثلاثة فراسخ من مرو، ويعرف بفقيه الشاه، وهو أحد أصحاب أبي بكر عبد الله بن أحمد القفال، وروى عنه الحديث، وعن عبد الرحمن بن أحمد السريجسي وغيرهما، قال السمعاني في الأنساب، وروى عنه محمد بن أبي بكر السنجي، وأبو حنيفة محمد بن النعمان، ومحمد بن أبي سعيد وغيرهم، قال: وتوفي بعد سنة خمس وثمانين وأربع مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 عبد الرحمن بن نصر بن مالك الإمام أبو طاهر الساوي الشافعي قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: ولد بأصبهان ثم رحل إلى سمرقند وسمع بها، وكان فقيهًا إمامًا في وقته، سمع بالعراق والحجاز، وكان أبوه أمير الحاج، قدم أصبهان في سنة اثنين وثمانين وأربع مائة، وكتب عنه جماعة، قال يحيى بن منده: لم ير فقيهًا في وقته أنصف منه. علي بن محمد بن علي بن أحمد بن أبي العلاء أبو القاسم المصيصي الأصل الدمشقي قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: كان فقيهًا فرضيًا من أصحاب القاضي أبي الطيب الطبري، وروى الحديث عن محمد بن عبد الرحمن القطان، وأبي محمد بن أبي نصر، وعبد الوهاب بن جعفر الميداني، وأبي نصر بن هارون، وعبد الوهاب المزي، وطائفة بدمشق، ومن أبي الحسن بن الحمامي، وأبي علي بن شاذان، وأحمد بن علي البادي، وهبة الله اللالكائي، وطلحة الكتاني وجماعة ببغداد، وبعكبرا من أبي نصر ابن البقال، وببلده من أحمد ومحمد ابني الحسين بن سهل بن خليفة، وبمصر من أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 عبد الله بن نظيف، وأبي النعمان تراب بن عمر وجماعة، وحدث عنه الحافظ أبو بكر الخطيب، وهو أكبر منه، والفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي، والخضر بن عبدان، وأبو الحسن جمال الإسلام، وهبة الله بن الأكفاني، وأبو المعالي محمد بن يحيى قاضي دمشق وجماعة آخرون، وآخر من حدث عنه كريمة، قيل: إنه ولد بمصر سنة أربع مائة في شهر رجب، ومات بدمشق في حادي عشر جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وأربع مائة، ودفن بمقابر باب الفراديس رحمه الله. علي بن أبي يعلى بن زيد بن حمزة أبو القاسم الشريف الحسين الدبوسي ودبوسية من أعمال سمرقند، بالقرب منها، وهو من ذرية الحسين الأصغر بن زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنه، كان من كبار مشايخ الشافعية، إمامًا في الفقه والأصول والنحو والمناظرة، ودرس بالنظامية ببغداد، وتفقه عليه جماعة، وكان حسن الخلق والخلق، جوادًا سمحا كثير المحاسن رحمه الله، سمع الحديث من أبي عمرو بن محمد بن عبد العزيز القنطري، وأبي سهل أحمد بن علي الأبيوردي، وأبي مسعود أحمد بن محمد البجلي، وأملى مجالس ببغداد وسمع منه عبد الوهاب الأنماطي، وأبو عاصم مظفر الدين، ومحمد بن أبي نصر المسعودي المروزي وآخرون، وكانت وفاته ببغداد في شعبان سنة ثنتين وثمانين وأربع مائة رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 محمد بن أحمد بن علي بن شكرويه القاضي أبو منصور الأصبهاني كان فقيهًا شافيعًا أشعريًا عالمًا، وكان على قضاء قرية سنين، وسمع الحديث بالبصرة من القاضي أبي عمر الهاشمي سنن أبي داود، ومنهم من يتكلم في ذلك ويتهمه بكشط شيء في السماع، ومن أبي الحسن النجاد، وأبي طاهر بن أبي مسلم، وأبي علي ابن البغدادي، قال يحيى بن منده: وهو آخر من روى عنه، وروى عنه إسماعيل بن محمد الحافظ، ومحمد بن طاهر المقدسي، ونصر الله بن محمد المصيصي، والخطيب هبة الله بن طاوس الدمشقيان، وطائفة، توفي في العشرين من شعبان سنة ثنتين وثمانين وأربع مائة، عن تسع وثمانين سنة رحمه الله. محمد بن علي بن حامد الإمام أبو بكر الشاشي. صاحب الطريقة المشهورة، تفقه ببلاده على الإمام أبي بكر السنجي، وكان من أنظر أهل زمانه، ثم ارتحل إلى حضرة السلطان بغزنة، فأقبلوا عليه وأكرموه، واستفاد به أهل تلك الناحية، وتأهل وولد له الأولاد، ثم في آخر عمره بعد ما زاع صيته، وظهرت مصنفاته استدعاه نظام الملك إلى هراة، وولاه تدريس النظامية بها، فدرس بها مدة، ثم قصدوا نيسابور زائرًا، فاجتمع به علماؤها، فلم يقع منهم موقعا كبيرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 كما في نفوسهم، ثم عاد إلى هراة، وحدث عنه منصور الكاغدي عن الهيثم بن كليب، قاله عبد الغافر الفارسي، قال: وحدثنا عنه والدي، وكان مولده سنة سبع وتسعين وثلاث مائة، وتوفي في شوال سنة خمس وتسعين وأربع مائة، هكذا قال، وقد قال أبو سعد السمعاني: إنه مات سنة خمس وثمانين وأربع مائة، وهذا هو الصحيح الذي ذكر غير واحد، قال: وحدثنا عنه محمد بن محمد السنجي الخطيب، وأبو بكر محمد بن سليمان المروزيان. محمد بن إبراهيم بن علي النسائي ثم الدمشقي أبو عبد الله الشافعي ويعرف بالبويطي، كان مقدمًا سمع أبا محمد بن عبد الرحمن بن أبي نصر وغيره، وعنه غيث الأرمنازي، وجمال الدين أبو الحسن هبة الله بن طاوس، مولده بنسا سنة أربع وتسعين وثلاث مائة، وتوفي بدمشق في ثامن المحرم سنة تسعين وأربع مائة. محمد بن محمد بن المظفر بن بكران بن عبد الصمد قاضي القضاة أبو بكر الشامي الحموي ولد بها سنة أربع مائة، ورحل إلى بغداد شابا سنة نيف وعشرين وأربع مائة، فسمع بها الحديث من عثمان بن ذؤيب العلاف والجوهري، وروى عنه إسماعيل ابن السمرقندي، وعبد الوهاب بن الأنماطي ببغداد، والحسين بن نصر بن خميس بالموصل، وغيرهم وأبي القاسم بن بشران، وأبي طالب بن غيلان، وأبي محمد الخلال، وأبي الحسن العتيقي وجماعة، وتفقه على القاضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 أبي الطيب الطبري، وبرع في المذهب حتى صار علامة فيه، وذكر غير واحد أنه كان يحفظ تعليقة القاضي أبي الطيب حتى كأنها بين عينيه، قال السمعاني: هو أحد المتقنين لمذهب الشافعي، وله اطلاع على أسرار الفقه، وكان ورعًا زاهدًا متقنًا جرت أحكامه على السداد، وذكر غير واحد أنه لما شغر منصب القضاء ببغداد بموت أبي عبد الله الدامغاني الحنفي رحمه الله سنة ثمان وسبعين وأربع مائة، طلب من صاحبنا هذا أن يتولى المنصب فامتنع، فألحوا عليه، فاشترط عليهم ألا يأخذ عليه معلومًا، وألا يقبل من أحد شفاعة، وألا يغير ملبسه، فأجابوه إلى ذلك، وكان يقول: ما دخلت في القضاء إلا وقد وجب علي، فباشر الحكم مباشرة جيدة عفيفة بصيانة وديانة ووفاء، وكان ينكر عليه تعبيسه في مجلس الحكم، وبعضهم يعد ذلك من محاسنه بحيث قيل: إنه لم يبتسم قط في المجلس، وقال السمعاني: سمعت الفقيه أحمد بن عبد الله بن الأبنوسي، يقول: جاء أمير إلى قاضي القضاة الشامي فادعى شيئًا، وقال: بينتي فلان والمشطب الفرغاني الفقيه، فقال: لا أقبل شهادة المشطب لأنه يلبس الحرير، فقال: السلطان ملكشاه ووزير نظام الملك يلبسانه، فقال: وإن شهدا عندي ما قبلت شهادتهما أيضًا، وذكر السمعاني أن أمير المؤمنين المقتدي بالله تغير عليه ومنع الشهود من حضور مجلسه مدة، فكان يقول: ما أنعزل ما لم يتحققوا على الفسق، ثم إن الخليفة خلع عليه واستقام أمره، وذكر ابن النجار أنه كان يسوي بين الشريف والوضيع في الحكم، ويقيم جاه الشرع، فكان هذا سبب انقلاب الأكابر عنه، فألصقوا به ما كان مدبرا من أحاديث ملفقة، ومعايب مزورة قال: وصنف كتاب البيان عن أصول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 الدين، وكان على طريقة السلف ورعًا نزهًا، وقال أبو علي بن سكرة: وكان ورعًا زاهدًا وإمامًا في العلم، فكان يقال: لو رفع مذهب الشافعي لأمكنه أن يمليه من صدره، وممن أخذ عنه القاضي أبو الوليد الباجي المالكي، وروى عنه الحديث أبو القاسم بن السمرقندي، وإسماعيل بن محمد الحافظ، وهبة الله بن طاوس المقرئ، قال السمعاني: توفي في عاشر شعبان سنة ثمان وثمانين وأربع مائة، ودفن قريبًا من ابن سريج وكان مولده سنة أربع مائة. محمد بن منصور بن عمر بن علي الكرخي أبو عمر البغدادي أحد أصحاب الشيخ أبي حامد الإسفراييني وكان صالحًا دينًا، وهو والد الإمام أبي القاسم منصور الكرخي، وأبي البدر إبراهيم الكرخي أحد الرواة، وسمع الأحاديث من أبي علي بن شاذان وغيره، وروى عنه أبو القاسم بن السمرقندي، وغيره، وتوفي يوم الجمعة ثاني من جمادى الأولى سنة اثنين وثمانين وأربع مائة، ودفن بمقبرة باب حرب. محمود بن القاسم ابن القاضي أبي منصور محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد بن مقاتل بن صبيح بن ربيع بن عبد الملك بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة القاضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 أبو عامر الأزدى المهلبي الهروي قال أبو جعفر بن أبي علي: كان شيخنا أبو عامر من أركان مذهب الشافعي بهراة، وكان شيخنا شيخ الإسلام يزوره، ويعوده في مرضه، ويتبرك بدعائه، وكان نظام الملك يقول: لولا هذا الإمام في هذه البلد لكان لي ولهم شأن يهدده به، وكان يعتقد فيه اعتقادا عظيما لكونه لم يقبل منه شيئًا قط، ولما سمعت منه مسند الترمذي هنأني شيخ الإسلام، وقال: كم تخسر في رحلتك؟ قلت: كان يحدث بجامع الترمذي عن عبد الجبار الجراحي، وروى أيضًا عن جده محمد بن محمد الأزدي، والقاضي أبي عمر محمد بن الحسين البسطامي، وأبي معاذ أحمد بن محمد الصيرفي وجماعة، وعنه المؤتمن الساجي، والحافظ محمد بن طاهر المقدسي، وأبو نصر اليونارتي، وزاهر الشحامي، وأبو عبد الله الفراوي وجماعة آخرهم موتًا أبو الفتح نصر بن سيار، قال السمعاني: هو جليل القدر كبير المحل عالم فاضل، وقال أبو نصر الفامي: كان عديم النظير زهدا وصلاحا وعفة، ولم يزل على ذلك من ابتداء عمره إلى انتهائه، وكانت إليه الرحلة في الأقطار والتقصد لأسانيده، ولد سنة أربع مائة، وتوفي في جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وأربع مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد بن محمد بن جعفر بن أحمد بن عبد الجبار بن الفضل بن الربيع بن مسلم بن عبد الله الإمام أبو المظفر السمعاني التميمي المروزي الحنفي ثم الشافعي، تفقه على والده حتى برع في مذهب أبي حنيفة رحمه الله وصار من فحول النظر، ومكث كذلك ثلاثين سنة ثم صار إلى مذهب الشافعي رحمه الله، وأظهر ذلك في سنة ثمان وستين وأربع مائة، فاضطرب أهل مرو لذلك وتشوش العوام إلى أن وردت الكتب من جهة بالكابل من بلخ في شأنه، والتشديد عليه، فخرج من مرو في أول رمضان، ورافقه من الحدثين ذو المجدين أبو القاسم الدينوري وطائفة من الفقهاء والأصحاب وصار إلى طوس، وقصد نيسابور، فاستقبله الأصحاب استقبالًا عظيمًا وكان في نوبة نظام الملك، وعميد الحضرة أبي سعد محمد بن منصور، فأكرموا مورده، وأنزلوه في عز وحشمة، وعقد له مجلس التذكير في مدرسة الشافعية، وكان بحرًا في الوعظ حافظًا لكثير من الحكايات والنكت والأشعار، فظهر له القبول عند الخاص والعام، واستحكم أمره في مذهب الشافعي ثم صار إلى مرو ودرس بها في مدرسة أصحاب الشافعي، وقدمه نظام الملك على أقرانه، وعلا أمره وظهر له الأصحاب، قال حفيده أبو سعد السمعاني: صنف في التفسير، والفقه، والحديث، والأصول، فالتفسير في ثلاث مجلدات، وكتاب (البرهان) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 و (الاصطلام) الذي شاع في الأقطار، وكتاب (القواطع) في أصول الفقه، وكتاب (الانتصار) في الرد على المخالفين، وكتاب (المنهاج لأهل السنة) ، وكتاب (القدر) وأملى قريبًا من تسعين مجلسًا، وقال إمام الحرمين: لو كان الفقه ثوبًا طاويًا لكان أبو المظفر السمعاني طرازه، وعن أبي المظفر رحمه الله، أنه قال: ما حفظت شيئًا قط، فنسيته، وسئل عن أحاديث الصفات، فقال: عليكم بدين العجائز، ثم قال: غصت في كل بحر، وانقطعت في كل بادية، فوضعت رأسي على كل عتبة، ودخلت من كل باب، ولله وصف خاص لا يعرفه غيره، وقد سمع الحديث من والده، ومن أبي غانم أحمد بن علي الكراعي، وهو أكبر شيوخه، وأبي بكر الترابي، وبنيسابور من أبي صالح المؤذن، وجماعة، وبجرجان من أبي القاسم سعد بن علي الزنجاني الخلال، وببغداد من عبد الصمد بن المأمون، وأبو الحسن بن المهتدي بالله، وبالحجاز من أبي القاسم، وأبي علي الشافعي وغيرهم، قال حفيده أبو سعد: حدثنا عنه عمي الأكبر، وعمر بن محمد السرخسي، وأبو نصر محمد بن محمد بن يوسف الغشاني، ومحمد بن أبي بكر السنجي، وإسماعيل بن محمد التيمي الحافظ وجماعة، ودخل بغداد في سنة إحدى وستين وأربع مائة، وسمع الكثير منها، واجتمع بالشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وناظر ابن الصباغ في مسألة، وسار إلى الحجاز في البرية، وأخذه العرب، فاستعملوه في رعية الإبل، ثم احتاجوا إلى مسألة في عقد امرأة، فسألوه عنها، فوجدوا عنده علمًا، فاحترموه وعظموه وحملوه إلى مكة ببركة العلم، كان مولده في ذي الحجة سنة ست وعشرين وأربع مائة، ومات يوم الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربع مائة رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 نصر بن إبراهيم بن نصر إبراهيم بن داود الفقيه الشيخ أبو الفتح المقدسي ويعرف بابن أبي الحافظ النابلسي الشافعي: شيخ المذهب بالشام، وصاحب التصانيف مع الزهادة والعبادة، وتفقه على الفقيه سليم بن أيوب الرازي، وصحبه بصور أربع سنين، وكتب عنه تعليقة في ثلاث مائة جزء، وروى عنه الحديث، وعن عبد الرحمن بن الطبيز، وعلي بن السمسار، ومحمد بن عوف المزي وابن سلوان، وأبي علي الأهوازي وجماعة بغزة وآمد وصور، وسمع من هو دونه وأملى المجالس، وروى عنه من شيوخه الحافظ أبو بكر الخطيب، وأبو القاسم النسيب، وأبو الفضل يحيى بن علي وجمال الإسلام أبو الحسن السلمي، وأبو الفتح نصر الله المصيصي، وأبو يعلى حمزة بن الجيزي وجماعة، أقام بالقدس الشريف مدة طويلة، ثم قدم دمشق سنة ثمانين أربع مائة فسكنها، وعظم شأنه مع العبادة والزهد الصادق والورع، والعلم والعمل. قال الحافظ ابن عساكر: لم يقبل من أحد صلة بدمشق بل كان يقتات من غلة تحمل إليه من أرض بنابلس ملكه، فيخبز له كل ليلة قرصة في جانب الكانون، وحكى لنا ناصر النجار، وكان يجد منه أشياء عجيبة من زهده وتركه الشهوات، قال: وحكى بعض أهل العلم، قال: صحبت إمام الحرمين ثم صحبت الشيخ أبا إسحاق، فرأيت طريقته أحسن، ثم صحبت الشيخ نصر، فرأيت طريقته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 أحسن منهما، قلت: وقد كان ملك دمشق في زمانه، وهو السلطان تتش، زار الشيخ نصر، فلم يقم له ولم يلتفت إليه، وكذا ولده دقاق بعده، وبعث له من الجزية فلم يقبل، ومن تصانيفه: كتاب (الحجة على تارك المحجة) ، وكتاب (الانتخاب الدمشقي) في بضعة عشر مجلدا، وكتاب (التهذيب في المذهب) في عشر مجلدات، وكتاب (الكافي) في مجلد، ليس فيه قولين ولا وجهين، وعاش أكثر من ثمانين سنة، ولما قدم الغزالي دمشق اجتمع به، واستفاد منه، وتفقه به جماعة من دمشق وغيرها، وتوفي في يوم عاشوراء من محرم سنة تسعين وأربع مائة، ودفن بمقابر باب الصغير، وقبره ظاهر يزار، وكانت له جنازة عظيمة رحمه الله ورضي عنه. يعقوب بن سليمان بن داود أبو يوسف الإسفراييني نزيل بغداد، خازن الكتب بالمدرسة النظامية، كان ممن تفقه على القاضي أبي الطيب، وروى عنه، وعن عبد العزيز الأزجي، وحدث بسنن النسائي عن أبي نصر الكسار، وقرأ النحو واللغة والأصول، وكان حسن الشعر والخط، وتوفي في العشرين من ذي القعدة سنة ثمان وثمانين وأربع مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 المرتبة الخامسة من الطبقة السادسة من أصحاب الشافعي رضي الله عنه فيها من سنة إحدى وتسعين وأربع مائة إلى رأس الخمس مائة ولله الحمد والمنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 إبراهيم ابن الفقيه سليم بن أيوب الرازي أبو سعد سمع من والده، ومن أبي الحسن بن الطفال بمصر، ومن عبد الوهاب بن برهان الغزال بصور، ومن كريمة بمكة، ومن الجوهري ببغداد، وعنه غيث الأرمنازي، وأبو محمد بن صابر، وتوفي بدمشق في ذي الحجة سنة إحدى وتسعين وأربع مائة. إبراهيم بن محمد بن عقيل بن زيد أبو إسحاق الشهرزوري الدمشقي الفقيه الفرضي الشافعي الواعظ خال جمال الإسلام أبي الحسن بن المسلم، وسمع الحديث من أبي عبد الله بن سلوان، وعبد الوهاب بن برهان، وأبي القاسم الجنائي وجماعة، وعنه علي بن نجاد، والخضر بن عبدان، ومات سنة أربع وثمانين وأربع مائة عن قريب من سبعين سنة. إبراهيم بن منصور بن مسلم أبو إسحاق المصري ثم العراقي الشافعي أحد الفقهاء المشهورين، تفقه بمصر على القاضي أبي المعالي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 مجلي بن جميع، ثم رحل إلى بغداد، فأخذ عن غير واحد من مشايخها من أصحاب الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وغيرهم، وكان يقال له ببغداد: المصري، فلما رجع إلى مصر اشتهر بالعراقي، واشتغل بالتدريس والفتوى والإفادة والخطابة بجامع مصر إلى أن مات سنة ست وتسعين وأربع مائة، قال النووي: وكان أحد الفقهاء المتقنين، والصلحاء الورعين، وتفقه عليه خلق كثير، وانتفع الناس به، وصنف كتابا في شرح المهذب في عشر مجلدات رأيته، وكان مولده في سنة عشرة وأربع مائة. أحمد بن إبراهيم بن أحمد أبو العباس الرازي ثم المصري ويعرف بابن الحطاب كان شافعي المذهب، قرأ بالروايات على أبي عبد الله الكارزيني بمكة، ورحل إلى اليمن، والشام، ومصر، وسمع الحديث من أبي الحسن السمسار بدمشق، وشعيب بن المنهال، وإسماعيل بن عمرو الحداد وعلي بن منير الخلال بمصر، وجماعة كثيرة، وروى عنه ابنه أبو عبد الله الرازي صاحب المشيخة، والسداسيات، وغيث بن علي الأرمنازي، وكتب عنه من القدماء أبو زكريا عبد الرحمن البخاري، ومكي الرميلي، مات سنة إحدى وتسعين وأربع مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 أحمد بن الحسن بن أحمد بن علي بن الخطيب الفقيه أبو سعد الجرباذقاني الحاساري روى عنه السلفي جزءا من حديثه مشهورا. أحمد بن الحسين بن أحمد بن جعفر أبو حامد من فقهاء همذان، وهو ابن أبي عبد الله بن الثوري الهمذاني، كان أحد المفتين بهمذان ومن مشايخها، وروى الحديث عن أبيه وغيره، سمع منه شيرويه، كان صدوقًا، توفي في صفر سنة إحدى وتسعين وأربع مائة، يعنى بهمذان، كذا ذكره الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح في الطبقات. أحمد بن عبد الله بن علي بن طاوس أبو البركات البغدادي ثم الدمشقي المقرئ قال أبو سعد السمعاني: كان ثقة دينًا خيرًا مقرئا فاضلًا، كثير التلاوة للقرآن حسن الأخذ له، سمع أبا طالب بن غيلان وغيره، وروى عنه ابنه أبو محمد هبة الله المقرئ إمام جامع دمشق، وأبو القاسم هبة الله الشيرازي الحافظ وغيرهما، وكان الفقيه نصر الله أبو الفتح المصيصي يحسن الثناء عليه، ذكره الشيخ تقي الدين ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 الصلاح في الطبقات، وأرخ وفاته في جمادى الآخرة سنة اثنين وتسعين وأربع مائة. أحمد بن عبد الوهاب بن موسى بن منصور الشيرازي الواعظ الفقيه الشافعي نزيل بغداد، أخذ الفقه عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، ووعظ فرقق القلوب بالقبول من العامة، وروى الحديث عن أبي الحسن أحمد بن محمد الزعفراني، وأبي محمد الجوهري وغيرهما، وعنه محمد بن طاهر المقدسي، سمع منه بذات عرق وغيره، وذكر محمد بن ناصر أنه كان يغسل الموتى، فلما كان سنة ثلاث وتسعين وأربع مائة أصاب الناس وباء، فتأذى بريح الموتى، فمات رحمه الله، ذكره ابن الصلاح. أحمد بن محمد بن أحمد بن زنجويه أبو بكر الزنجاني أحد من تفقه على القاضي أبي عبد الله الحسين بن محمد الفلاكي سنة نيف وعشرين وأربع مائة عن القطيعي، وجميع مسند الحافظ أبي يعلى علي بن علي المعروف صاحب المقري، وجميع كتاب الغريب لأبي عبيد على أبي هارون التغلبي، وقرأ بحرف أبي عمرو على الحسن بن علي بن الصفار وسمع جماعة آخرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 وروى عنه شعبة بن أبي شكر بأصبهان، والحافظ محمد بن طاهر، والحافظ أبو طاهر السلفي، قال: وكانت الرحلة إليه لفضله وعلو إسناده، سمعته يقول لي: أفتى من سنة تسع وعشرين، قال: وقيل لي عنه: إنه لم يفت خطأ قط، قال: وأهل بلده يبالغون في الثناء عليه، الخواص والعوام، ويذكرون ورعه وقلة طمعه، وقال شيرويه الديلمي: رحلت إليه، وكان فقيهًا مفتيًا، وسمعت أنا وولدي شهردار عليه بزنجان، قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: لم أعلم متى توفي لكنه حدث في سنة خمس مائة. أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الواحد القاضي أبو منصور ابن الصباغ البغدادي وهو ابن أخت الإمام أبي نصر ابن الصباغ رحمهما الله، قال أبو سعد السمعاني: تفقه على القاضي أبي الطيب الطبري، وسمع منه الحديث ومن غيره، وكتب عنه القاضي أبو بكر بن العربي الفقيه المالكي، وقال: كان ثقة، فقيهًا حافظا ذاكرا، وذكر ابن الصلاح في الطبقات: أنه توفي سنة أربع وتسعين وأربع مائة. أحمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو العباس الأنصاري الشارقي وهي بلدة في الأندلس كان واعظًا دينًا بكاء كثير الذكر، تفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وطوف في العراق وفارس، ثم سكن سبتة وفارس، قال ابن بشكوال: توفي ببلده في حدود الخمس مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 أحمد بن محمد بن مظفر الإمام أبو المظفر الخوافي وخواف قرية من أعمال نيسابور، تفقه أولا على أبي إبراهيم الضرير، ثم اشتغل على إمام الحرمين، ولزمه وحظي عنده، وكان من كبار أصحابه، ومنادميه في الليل وسماره، وكان إمام الحرمين معجبًا بفصاحته، وحسن كلامه، ثم درس في حياة الإمام، وولي قضاء طوس ونواحيها، ثم صرف لا عن تقصير من جهته، وكان حسن العقيدة ورع النفس لم يعهد منه هنات قط، وقد سمع الحديث من أبي صالح المؤذن وغيره، وكما رزق الغزالي السعادة في حسن التصنيف، رزق هذا السعادة في المناظرة، والعبارة الحسنة المهذبة، والتضييق على الخصم، وإفحامه إلى الانقطاع، توفي بطوس سنة خمس مائة رحمه الله. أحمد بن علي بن الحسين بن زكريا الطريثيثي أبو بكر الصوفي السيد روى عنه الحافظ السلفي في أول معجمه، وأثنى عليه خيرا، وذكر أنه سأل عن مولده، فقال: سنة اثنتي عشرة وأربع مائة، ذكره ابن الصلاح في الطبقات، ولم أره تعرض لذكر وفاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 جعفر بن أحمد بن الحسين بن أحمد أبو محمد البغدادي السراج المقرئ الفقيه الشافعي الأديب له كتاب نظم فيه التنبيه للشيخ أبي إسحاق، وكتاب المناسك منظوم أيضًا، وكتاب مصارع العشاق، وكتاب مناسك السودان، وكتاب حكم الصبيان، وسمع الحديث من أبي علي بن شاذان، وهو أكبر مشايخه، ومن أبي محمد الخلال، وعلي بن عمر القزويني، وكان قديمًا يستملي عليهما، ومن محمد بن إسماعيل بن عمر بن سنبك، وابن غيلان البرمكي وغيرهم ببغداد، ومن الحافظ أبي نصر السنجري، وأبي بكر محمد بن إبراهيم الأردستاني بمكة، ومن أبي القاسم الجبائي، وأبي بكر الخطيب بدمشق، وخرج له الخطيب خمسة أجزاء مشهورة مروية، وروى عنه خلق كثير، منهم ابنه تغلب، وإسماعيل بن السمرقندي، ومحمد بن ناصر، وشهدة الكاتبة، وخطيب الموصل، والحافظ بن طاهر السلفي، وانتخب من كتبه أجزاء عديدة، وقال: كان ممن يفتخر برؤيته ورواياته لديانته ودرايته، وله تآليف مفيدة، وفي شيوخه كثرة. وقال أيضًا كان عالمًا بالقراءات والنحو واللغة، وله تصانيف وأشعار كثيرة، وكان ثقة ثبتًا، وقال الفقيه أبو بكر بن العربي الفقيه المالكي: هو ثقة عالم مقرئ، له أدب ظاهر، واختصاص بالخطب، وقال محمد بن ناصر: كان ثقة مأمونًا عالمًا فهمًا صالحًا نظم كتبًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 كثيرة منها المبتدأ لوهب بن منبه، وقال شجاع الذهلي: كان صدوقًا، ألف في فنون شتى، وقال الحافظ أبو علي بن سكرة: هو شيخ فاضل جميل، وشيمته مشهورة يفهم لغة وقراءات، وكان الغالب عليه الشعر، نظم التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي، ونظم مناسك الحج، مولده سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة وأربع مائة، وتوفي سنة خمس مائة. الحسين بن الحسن أبو عبد الله الشهرستاني قاضي دمشق على مذهب الإمام الشافعي، سمع الحديث بنيسابور من أبي القاسم القشيري، وبجرجان من إسماعيل بن مسعدة، وبالعراق من ابن هزارمرد الصريفيني، قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: وحدثنا عنه هبة الله بن طاوس، وكان حسن السيرة في الأحكام، ولي قضاء دمشق في سنة سبع وسبعين في أيام تتش، وكان شديدًا على من خالف الحق، واستشهد بظاهر إنطاكية في المصاف بيد الفرنج سنة إحدى وتسعين وأربع مائة. الحسين بن عبد العزيز بن محمد أبو عبد الله البروجردي الخبازي أحد تلاميذ الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وسمع الحديث من أبي جعفر ابن المسلمة، أثنى عليه شيرويه، فقال: كان فقيهًا عالمًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 مراعيًا للفقراء آمرًا بالمعروف صدوقًا، وأرخ وفاته سنة سبع وتسعين وأربع مائة تحت الهدم، قال ابن الصلاح: وحكى السمعاني عن غيره سنة ست وتسعين وأربع مائة. الحسين بن علي بن الحسين أبو عبد الله الطبري نزيل مكة ومحدثها وفقيهها في زمانه، وكان يدعى إمام الحرمين، وأصله من آمل طبرستان، ورحل فسمع بنيسابور صحيح مسلم من عبد الغافر الفارسي سنة تسع وثلاثين وأربع مائة، وسمع من عمر بن مسرور، وأبا عثمان الصابوني، وسمع بمكة صحيح البخاري من كريمة المروزية، وروى عنه إسماعيل بن محمد التيمي الحافظ، وأبو طاهر السلفي الحافظ، ورزين بن معاوية العبدري مصنف جامع الأصول، وأبو بكر محمد بن العربي القاضي، وأبو علي بن سكرة، وقال في المشيخة التي خرجها له القاضي عياض: هو شافعي أشعري جليل، قال: ويدعى إمام الحرمين، لأنه لازم التدريس لمذهب الشافعي، والتسميع بمكة نحوًا من ثلاثين سنة، وكان أسند من بقي في صحيح مسلم يعني بمكة سمعه منه عالم عظيم، وكان من أهل العلم والعبادة، قال: وجرت بينه وبين القائلين بالحرف والصوت خطوب، وقال السمعاني: كان حسن الفتاوى، تفقه على ناصر بن الحسين العمري المروزي، وصار له بمكة أولاد وأعقاب، قال: وسمعت أنه انتقل إلى أصبهان، فمات بها، وقال هبة الله بن الأكفاني: توفي بمكة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 في العشر الأخير من شعبان سنة ثمان وتسعين وأربع مائة رحمه الله. سعد بن علي بن الحسن أبو منصور العجلي الأسداباذي نزيل همذان، قال السمعاني: كان ثقة مفتيًا حسن المناظرة، كثير العلم والعمل، سمع القاضي أبا الطيب الطبري، وأبا إسحاق البرمكي، وبمكة كريمة المروزية، وعبد العزيز بن بندار، وعنه الحافظ إسماعيل بن محمد التيمي، والسلفي إجازة، وقال شيرويه: قرأت عليه شيئًا من الفقه، وكان حسن المناظرة كثير العبادة هيوبا، مات في ذي القعدة سنة أربع وتسعين وأربع مائة. سهل بن أحمد بن علي الحاكم أبو الفتح الأرغياني أحد الأئمة في المذهب، وله فتاوى معروفة، وتفقه على القاضي حسين، وأخذ الأصول والتفسير عن شهفور الإسفراييني بطوس، واشتغل على إمام الحرمين في علم الكلام، وسمع الحديث من أبي حفص بن سرور، وأبي عثمان الصابوني وهذه الطبقة، وروى عنه أبو طاهر السنجي وغيره، وولي القضاء بناحية أرغيان، وهي قرية كبيرة من أعمال نيسابور، ثم تعبد وترك القضاء، وأقبل على العبادة والزهادة، وآوى إلى خانقاة هناك، ووقف عليها شيئًا، وصحب الزاهد حسينا السمعاني إلى أن توفي يوم عيد النحر من سنة تسع وتسعين وأربع مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 عبد الله بن يوسف الحافظ أبو محمد الجرجاني صنف فضائل الشافعي، وفضائل أحمد بن حنبل، وغير ذلك، وسمع الكثير، توفي بعد التسعين وأربع مائة. عبد الباقي بن يوسف بن صالح بن عبد الملك بن هارون أبو تراب المراغي الترمذي نزيل نيسابور، تفقه على القاضي أبي الطيب الطبري، وبرع في المذهب، وأفتى على المذهب سنين عديدة، وجاءه التقليد بقضاء همذان، فأبى أن يقبله، وقال: أنا في انتظار المنشور من الله على يدي عبده ملك الموت، وقدومي على الآخرة، أنا بهذا المنشور أليق من منشور القضاء، ثم قال: قعودي في هذا المسجد ساعة على فراغ القلب أحب إلي من أن ألي ملك العراقين، ومسألة في العلم يستفيدها مني طالب أحب إلي من عمل الثقلين، وقال أبو سعد السمعاني: هو الإمام العديم النظير في فنه، بهي المنظر، سليم النفس، عامل بعلمه، حسن الخلق، نفاع للخلق، فقيه النفس، قوي الحفظ، تفقه على القاضي أبي الطيب الطبري، وسمع أبا القاسم بن بشران، وأبا علي بن شاذان، وجماعة بأصبهان، أبا طاهر بن عبد الرحيم، وعنه عمر بن علي بن سهل الدامغاني، وأبو عثمان العصايدي وزاهر الشحامي، وابنه عبد الخالق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 بن زاهر، وآخرون. قال السمعاني: وسألت عنه إسماعيل بن محمد التيمي الحافظ، فقال: كان يفتي بنيسابور سنينًا على مذهب الشافعي، وكان حسن الهيئة بهيًا عالمًا، توفي في رابع عشر ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة، وقد جاوز التسعين. عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن زاز بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن زاز بن حميد بن أبي عبد الله النويزي الأستاذ أبو الفرج السرخسي فقيه مرو المعروف بالزاز، وكان أحد من يضرب به المثل في حفظ مذهب الشافعي، وكان رئيس الأصحاب بمرو، ورحل إليه الأئمة وسارت تصانيفه، وكان ورعًا دينا تفقه على القاضي، وصنف كتابًا سماه الإملاء اشتهر عنه كثيرًا، وكان عديم النظير في الفتوى والورع والزهد، وسمع الحديث من الحسن بن علي المطوعي، وأبي المظفر محمد بن أحمد التميمي، وأبي القاسم القشيري وجماعة، وعنه أحمد بن محمد بن إسماعيل النيسابوري، وأبو طاهر السنجي، وعمر بن أبي مطيع وآخرون، وتوفي في ربيع الآخر سنة أربع وتسعين وأربع مائة عن نيف وستين سنة. عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل بن أبي الطيب أبو الحسن المديني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 من مدينة الداخل ثم النيسابوري الصيدلي المؤذن الزاهد، قال عبد الغافر الفارسي: كان شيخًا عابدًا جليلًا فاضلًا من تلامذة الشيخ أبي محمد الجويني، وروى عن أبي زكريا المزكي، وأبي عبد الرحمن السلمي، وأبي بكر السراج، وأبي بكر الجيزي، وأبي سعيد الصيرفي وخلق، وعنه خلق كثير منهم أبو البركات الفراوي، والعباس العصايدي، وعمر ابن الصفار، والفلكي، وعبد الخالق بن الشحامي، وعقد له مجلس الإملاء، وحضره الأعيان، مولده في رجب سنة خمس وأربع مائة، وتوفي في ثامن المحرم سنة أربع وتسعين وأربع مائة. عبد الرزاق بن حسان بن سعيد بن حسان بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن منيع بن خالد بن عبد الرحمن بن سيف الله خالد بن الوليد المخزومي المنيعي أبو الفتح بن أبي علي المروروذي الحاجي الخطيب محتشم خراسان كوالده من قبله وكان عابدا زاهدا عالمًا متبتلا ورعًا فقيهًا قدوة، واشتغل على القاضي حسين، وعلق عنه المذهب، وكان خطيب جامع والده، وصار رئيس نيسابور، وقعد للتدريس بالجامع، واجتمع عليه الفقهاء، وعقد مجلس الإملاء، وحج فسمع ببغداد، وروى عن أبي الحسن بن النقور، وأبي بكر البيهقي، وسعد الزنجاني، وأبي مسعود أحمد بن محمد البجلي، وعنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 أبو طاهر السنجي، وأبو شحمة محمد بن علي المعلم المروزي، وإسماعيل بن عبد الرحمن العصايدي وآخرون، وتوفي يوم الأحد ثامن عشر ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وأربع مائة، وله ثمانون سنة. عبد الواحد بن عبد الرحمن بن القاسم بن إسماعيل أبو محمد الزبيري الوركي نسبة إلى وركة على فرسخين من بخارى، قال أبو سعد السمعاني: كان فقيهًا إمامًا زاهدًا، عمر مائة وثلاثين سنة، بين سماعه من أبي ذر عثمان بن محمد وبين موته مائة وعشر سنين، وروى أيضًا عن إبراهيم بن محمد بن بزادد الرازي، وإسماعيل بن الحسين البخاري وجماعة، وقد رحل إليه الناس من الأقطار، وسمع منه خلق منهم جماعة من شيوخ السمعاني، وقال: مات سنة خمس وتسعين وأربع مائة رحمه الله، ينظر في أمره هل هو شافعي أم لا؟ قال المصنف رضي الله عنه: وضع في مدته أنا شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ الْحَافِظُ، أنا أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ التَّيْمِيُّ، أنا عُثْمَانُ بْنُ عَلِيٍّ الْبِيكَنْدِيُّ، أنا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، بِقَرْيَةِ وَرْكَةَ، فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، ثنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْفَارِسِيُّ، إِمْلاءً سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، ثنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْقُرَشِيُّ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ الْحَمِقِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَّلَهُ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَسَّلَهُ؟ قَالَ: فَتَحَ لَهُ عَمَلا صَالِحًا بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ مَنْ حَوْلَهُ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن أبو سعد ابن الأستاذ أبو القاسم القشيري وهذا ثاني إخوته الستة، وكان فاضلًا بارعًا عالمًا خطيبًا واعظًا متقنا، وانتهت إليه الرياسة في بلاده إلى أن توفي سنة أربع وتسعين وأربع مائة، ودفن في مدرسته عند أبويه وأهله رحمه الله تعالى. عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد الفارسي الفامي أبو محمد الفقيه المفتي صنف سبعين مصنفًا، وله تفسير ضمنه مائة ألف بيت شعر عن قوله لابن سكرة الحافظ، وكان بارعًا في معرفة مذهب الشافعي، ولما قدم بغداد على تدريس النظامية خرج لتلقيه العلماء كافة والقضاة، وكان يوم قراءة منشوره يومًا مشهودًا، وكان المدرس بها يومئذ الحسين بن محمد الطبري، فتقرر أن يدرس بها كل منهما يومًا، فبقيا على ذلك سنة، وقد أملى بجامع القصر، وحفظت عليه غلطات في الحديث، وإسقاط رجال، وتصحيف فاحش، أورد منه السمعاني أشياء كثيرة، منه أنه روى حديث: صلاة في إثر صلاة كتاب في عليين، ثم فسر ذلك بأنها تكون أشد إضاءة، وكان يرد عليه فلا يقبل، حدث عن عبد الواحد بن يوسف الحدار، وأبي زرعة أحمد بن يحيى الخطيب، والحسن بن محمد بن عثمان بن كدامة، وجماعة من الفارسيين، قال السمعاني: روى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 لنا عنه عبد الوهاب الأنماطي، والحسين بن عبد الملك الخلال، ومحمود بن شاده، ثم إنه صرف عن تدريس النظامية هو وصاحبه بعد سنة، لأنه رمي بالاعتزال ففر بنفسه، قال يحيى بن منده: هو أحفظ من رأيناه لمذهب الشافعي، صنف تاريخ الفقهاء، وقال فيه: مات حسين بن أبي الفرج عبد الوهاب سنة أربع عشرة وأربع مائة، وقال غيره: توفي بشيراز في الرابع والعشرين من رمضان سنة خمس مائة. عزيز بن عبد الملك بن منصور القاضي أبو المعالي الجيلي الأشعري الشافعي الملقب شيذلة ورد بغداد وسكنها، وولي قضاء باب الأزج مدة، وكان متطوعًا فصيحًا كثير الحفظ حلو النادرة، جمع كتابا في مصارع العشاق ومصابيهم، وسمع الحديث من أبي عبد الله الصوري، والحسين بن علي الولي الفرضي وجماعة، وحدث بيسير، وروت عنه شهدة بنت علي الأموية، وأبو علي بن سكرة، وقال: كان زاهدًا متقللًا من الدنيا، وكان شيخ الوعاظ يعلمهم الوعظ بتصانيفه وتدريبه، مات في سابع عشر صفر سنة أربع وتسعين وأربع مائة. علي بن الحسن بن الحسن بن الحسين بن محمد القاضي أبو الحسن الموصلي المصري الخلعي نسبة إلى بيع الخلع، ولد بها سنة خمس وأربع مائة، وسمع أبا محمد عبد الرحمن بن عمر بن النحاس، وأبا العباس أحمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 محمد بن الحاج الإشبيلي، وأبا الحسن الحصيب بن عبد الله بن محمد بن محمد القاضي، وأبو سعد الماليني، والحسن بن جعفر الكلبي وجماعة، وعمر وطالبت مدته، وصار مسند الديار المصرية، وروى عنه الحميدي في تاريخه، وأبو علي بن سكرة، ومحمد بن طاهر، وأبو الفتح سلطان بن إبراهيم الفقيه، وعبد الكريم بن سوار الفلكى وخلق، وآخر من روى عنه خادمه عبد الله بن رفاعة السعدي، قال فيه الحافظ أبو علي بن سكرة: فقيه له تصانيف، ولي القضاء، وحكم يومًا واحدًا واستعفى وانزوى بالقرافة، وكان مسند مصر بعد الحبال، وقال الفقيه أبو بكر بن العربي المالكي: شيخ معتزل بالقرافة، له علو في الرواية، وعنده فوائد، قال ابن الأنماطي: سمعت أبا صادق عبد الحق بن هبة الله القضاعي المحدث بمصر يقول: سمعت العالم الزاهد أبا الحسن علي بن إبراهيم ابن بنت أبي سعد يقول: كان القاضي أبو الحسن الخلعي يحكم بين الجن، وإنهم أبطئوا عليه قدر جمعة، ثم أتوه وقالوا: كان في بيتك شيء من هذا الأترج، ونحن لا ندخل مكانًا يكون فيه، وهذا غريب، وذكروا له كرامات وفضائل، وأنه كان لا يتأثر بالحر ولا البرد بسبب منام رآه رحمه الله، وكانت وفاته بمصر في السادس والعشرين من ذي الحجة سنة اثنين وتسعين وأربع مائة. علي بن عبد الرحمن بن هارون بن عيسى بن هارون بن الجراح الرئيس أبو الخطاب الشافعي إمام أمير المؤمنين المستظهر بالله في التراويح، وكان مقرئًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 نحويًا حسن الكتابة عالمًا باللغة، ختم عليه جماعة، وصنف منظومة في القراءات، وسمع الحديث من أبي القاسم بن بشران، ومحمد بن عمر بن بكر النجار وجماعة، وعنه عبد الوهاب الأنماطي، وعمر المغازلي، والحافظ السلفي، وأثنى عليه خيرًا في فضائله وعلمه، ولد سنة تسع وقيل: عشر وأربع مائة، وتوفي في ذي الحجة سنة سبع وتسعين وأربع مائة. علي بن محمد بن إسماعيل أبو الحسن العراقي يلقب بقاضي القضاة، لأنه ولي القضاء بطوس، وتفقه على الشيخ أبي محمد الجويني، وسمع أبا حفص بن مسرور، وأبا عثمان الصابوني، وابن المهتدي بالله وغيرهم، وعنه أبو طاهر حمد بن محمد السنجي، توفي بطوس في أول رمضان سنة ثمان تسعين وأربع مائة عن أربع وثمانين سنة. فارس بن الحسين بن فارس بن الحسين بن غريب بن بشير السدوسي أبو شجاع الذهلي الشهروردي ثم البغدادي، قال أبو سعد السمعاني: كان شيخًا فاضلًا صالحًا ثقة عارفًا باللغة والأدب، يقول الشعر ويحفظ اللغة، سمع الحديث من أبي علي بن شاذان، وأبي القاسم بن بشران وغيرهما، وكتب عن جماعة من أهل العلم واللغة، روى عنه القاضي أبو بكر الأنصاري، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 وعبد الوهاب الأنماطي، وأبو ناصر وآخرون، وتوفي في ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين وأربع مائة وقد جاوز التسعين رحمه الله. المبارك بن محمد بن عبيد الله أبو الحسين بن السوادي الواسطي نزيل نيسابور، قال: أبو سعد السمعاني: كان شيخًا كبيرًا فاضلًا من أركان الفقهاء المكثرين الحافظين للمذهب والخلاف، تفقه بواسط ثم قدم بغداد، فتفقه على القاضي أبي الطيب الطبري، وكان قوي المناظرة ينقل طريقة العراقيين، ودرس بالمدرسة المشطبية بنيسابور، وكان متجملًا قانعًا، وقد سمع الحديث بواسط والبصرة وبغداد ومصر، وأضر في آخر عمره وسرقت أمواله، وحدث عن أبي علي بن شذان، وأبو عبد الله بن نظيف، وعنه طاهر بن مهدى بمرو، وإسماعيل بن محمد التيمي الحافظ بأصبهان، وشافع بن علي بنيسابور، قال: وحدثنا عنه عبد الخالق بن زاهر، وعمر بن الصفار وجماعة، وكان إمامًا فاضلًا، مفتيًا مصيبًا، عديم النظير، ورعًا حسن السيرة متجملًا، قانعًا بقليل من التجارة، توفي فجأة في ربيع الآخر سنة اثنين وتسعين وأربع مائة وله سبع وثمانون سنة رحمه الله. محمد بن أحمد بن عبد الباقي بن طوق أبو الفضائل الربعي الموصلي تفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، والقاضي الماوردي، وسمع القاضي أبا الطيب، وأبا إسحاق البرمكي، وأبا طالب بن غيلان، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 وأبا القاسم التنوخي، والجوهري وغيرهم، وروى عنه كثير بن سماليق، وأبو نصر الحديثي الشاهد والحافظان، أبو القاسم هبة الله الشيرازي، وأبو الفتيان الرواسي وغيرهم، توفي في مستهل صفر سنة أربع وتسعين وأربع مائة ببغداد، قال أبو سعد السمعاني: كتب الكثير بخطه، وكان أحد فقهاء الشافعية، وسألت عنه عبد الله الأنماطي، فقال: كان فقيهًا صالحًا فيه خير. محمد بن عبد ربه بن الحسن أبو عبد الله التميمي العدني الشافعي قال السمعاني: كان فقيهًا متدينًا فاضلًا زاهدًا حسن السيرة، ورد بغداد وتفقه بها على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وسمع أبا نصر الزينبي وغيره، وحدث بعدن، ولم يذكر له وفاة، وقد ذكر هذا الرجل صاحب البيان أبو الخير التميمي في أول كتابه في الاحترازات، قاله ابن الصلاح. محمد بن عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن أبي البقاء أبو الفرج البصري قاضي القضاة بالبصرة، وقد بنى بها دارًا للعلم في غاية الحسن والزخرفة، وكان عالمًا فهمًا فصيحًا كثير المحفوظ مهيبًا تام المروءة متدينًا، قدم بغداد وسمع القاضي أبا الطيب الطبري، وأبا الحسن الماوردي وغيرهما، وسمع بالكوفة من محمد بن عبد الرحمن العلوي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 وبالبصرة من الفضل بن محمد القصباني، وعيسى بن محمد بن موسى الأندلسي، وبواسط من أبي غالب محمد بن أحمد بن بشران، وأملى مجالس بجامع البصرة، وروى عنه أبو القاسم بن السمرقندي، والحافظ أبو علي بن سكرة الصيرفي، وقال: كان من أعلم الناس بالعربية واللغة، وله تصانيف، ما رأيت أوفر من مجلسه، وقال الحافظ أبو طاهر السلفي: كان من أجل القضاة، توفي في المحرم سنة تسع وتسعين وأربع مائة، قال السلفي: كتب إلي أبو الفرج يعني محمد بن عبد الله هذا: أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بِشْرٍ الْبَصْرِيُّ، أنا أَبُو طَاهِرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أنا أَبُو خَلِيفَةَ، ثنا مُسَدَّدٌ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ فَلَهُ وَلاؤُهُ» محمد بن علي بن الحسن بن أبي الصقر أبو الحسن الواسطي الفقيه الشاعر تفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وله ديوان شعر في مجلد، وحدث عن عبيد الله بن القطان، وعنه كثير بن سماليق، ومحمد بن ناصر، والحافظ أبو طاهر السلفي، ومن شعره: من عارض الله في مشيئة ... فما من الدين عنده خبر لا يقدر الناس باجتهادهم ... إلا على ما جرى به القدر ، مات سنة ثمان وتسعين وأربع مائة عن بضع وثمانين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 محمد بن هبة الله بن ثابت الإمام أبو نصر البندنيجي نزيل مكة، ويعرف بفقيه الحرم لأنه جاور بمكة أربعين سنة، وكان من كبار أصحاب الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وقد سمع الحديث من أبي إسحاق البرمكي، وأبي محمد الجوهري وجماعة، وحدث عنه إسماعيل بن محمد الحافظ، ورفيقه أبو سعد أحمد بن محمد البغدادي، وعبد الخالق بن يوسف، قال الحافظ السلفي: سمعت حمد بن أبي الفتح الأصبهاني الشيخ الصالح بمكة يقول: كان الفقيه أبو نصر البندنيجي يقرأ في كل أسبوع ستة آلاف مرة قل هو الله أحد، ويعتمر في رمضان ثلاثين عمرة، وهو ضرير يؤخذ بيده، توفي رحمه الله سنة خمس وتسعين وأربع مائة، وقد نيف على الثمانين رحمه الله. المظفر بن الحسين بن إبراهيم بن هرثمة أبو منصور الفارسي الإرجاني ثم العرنوي قال السمعاني: هو شيخ إمام فقيه عارف بالحديث وطرقه، صنف تصانيف في الحديث، وسمع ببغداد أبا الطيب الطبري، وأبا القاسم التنوخي، وبالهند أبا الحسن محمد بن الحسن البصري، وبعرنة حنبل بن أحمد بن حنبل البيع، وبمصر أبا الحسن الطفال، وعبد الملك بن مسكين، وقدم بلخ فحدث بها، وروى عنه أبو شجاع عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 البسطامي، وأبو حفص عمر بن عمر الأشهبي وغيرهما، وتوفي ببغداد بعد التسعين وأربع مائة. مكي بن عبد السلام بن الحسين بن القاسم أبو القاسم الأنصاري الرميلي المقدسي الحافظ قال ابن النجار: كان الحافظ رحل وحصل، وكان مفتيا على مذهب الشافعي، كانت الفتاوى تأتيه من مصر والساحل ودمشق، وقال السمعاني: كان أحد الجوالين في الآفاق، وكان كثير التصنيف والسهر والتعب، تغرب وطلب وجمع، وكان ثقة متحريا ورعا ضابطا، شرع في تاريخ بيت المقدس وفضائله، وجمع فيه شيئًا، وحدث باليسير، لأنه قتل قبل الشيخوخة، سمع بالقدس محمد بن يحيى بن سلوان، وأبا عثمان بن ورقاء، وعبد العزيز بن أحمد النصيبي، وبمصر عبد الباقي بن فارس المقرئ، وعبد العزيز بن الحسن الضراب، وبدمشق أبا القاسم إبراهيم بن محمد الجبائي، وعلي بن الخضر، وبعسقلان أحمد بن الحسين الشماع، وبصور أبا بكر الخطيب، وعبد الرحمن بن علي الكامل، وبطرابلس الحسين بن أحمد، وببغداد أبا جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون وطبقتهما، وسمع بالبصرة، والكوفة، وواسط، وتكريت، والموصل، وميافارقين، وحدث عنه حمد بن علي بن محمد المهرجاني بمرو، وأبو سعد عمار بن طاهر التاجر بهمذان، وإسماعيل بن السمرقندي بمدينة السلام، وجمال الإسلام السلمي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 وحمزة بن كروس، وغالب بن أحمد بدمشق، ولد يوم عاشوراء من محرم سنة اثنين وثلاثين وأربع مائة، ولما أخذ الفرنج - لعنهم الله - القدس في سنة اثنين وتسعين أخذوه أسيرًا وبعثوه إلى البلاد، ينادى في فكاكه بألف دينار لما علموا أنه من علماء المسلمين، فلم يستفكه أحد، فرموه بالحجارة على باب إنطاكية حتى قتلوه رحمه الله ولعنهم، آمين. نصر بن إبراهيم بن نصر السلطان شمس الملك صاحب ما وراء النهر، قال السمعاني: كان من أفاضل الملوك علمًا ودينًا وسياسة، وكان حسن الخط كتب مصحفًا، ودرس الفقه في دار الجرجانية، وخطب على منبر سمرقند وبخارى، وتعجب الناس من فصاحته، وأملى الحديث على الشريف حمد بن محمد الزبيري، وكتب الناس عنه، ونجر بيده بابا لمقصورة الخطابة، توفي في شهر ذي القعدة سنة اثنين وتسعين وأربع مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 الطبقة السابعة من أصحاب الشافعي رحمهم الله المرتبة الأولى منها من سنة إحدى وخمس مائة إلى آخر سنة عشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 الحسن بن الفتح بن حمزة الهمذاني المتكلم المفسر الأديب اللغوي، أحد مشايخ السلفي، أثنى عليه السلفي في معجمه، وذكر أنه كان من أولاد الوزراء، استوطن بغداد، وله اليد البيضاء في الكلام والتفسير، قال ابن الصلاح: رأيت تفسيره سماه البديع، وهو قوي في اللغة العربية، ضعيف في الفقه، وربما اختار خلاف مذهب الشافعي بلا دليل قوي. أحمد بن علي بن أحمد القاضي أبو العباس الطيبي قاضيها تفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وروى الحديث عن ابن المهتدي وابن المأمون، وعنه أبو الحسن اليزدي وغيره، قال ابن الصلاح: ولد سنة أربع وأربعين وأربع مائة، وتوفي بعد الخمس مائة. إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي أبو القاسم قال ابن الصلاح: ذكره السلفي في معجمه، وقال: ثقة، وله أنس بمعرفة الرجال دون معرفة أخيه الحافظ أبي محمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 إسماعيل بن أحمد الروياني والد مصنف كتاب البحر يحكى عنه ولده في البحر كثيرًا منه أن المتيمم إذا رأى الماء في أثناء الصلاة يسلم تسليمة واحدة، لأنه عاد إلى حكم الحدث، نقله ابن الصلاح رحمه الله. إسماعيل ابن الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن موسى البيهقي روى عن أبيه حفص بن مسرور، وأبي عثمان الصابوني، وعبد الغافر الفارسي، وعنه أبو القاسم السمرقندي، وإسماعيل بن أبي سعيد الصوفي، وأجازه ابن سعد السمعاني، وكان إمامًا فقيهًا فاضلًا مدرسًا، يقال له: شيخ القضاة، ولد ببيهق سنة ثمان وعشرين وأربع مائة، وخرج عنها نحوًا من ثلاثين سنة، ثم عاد إليها قبل وفاته بأيام، ومات في جمادى الآخرة سنة سبع وخمس مائة رحمه الله. إسماعيل بن عمرو بن محمد بن أحمد أبو سعيد بن أبي عبد الرحمن البحيري النيسابوري الفقيه الشافعي أحد الثقات من بيت الحديث، قال السمعاني: تفقه على ناصر العمري، وسمع بإفادته خلق، وكان يقرأ دائمًا صحيح مسلم للغرباء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 والرحالة على أبي الحسين عبد الغافر الفارسي، وكف بصره بآخره، وسمع من أبي بكر أحمد بن علي بن منجويه الحافظ، وأبي حسان المزكي، وأبي العلاء صاعد بن محمد، وعبد الرحمن بن حمدان النصروي، قال: وروى لنا عنه إسماعيل بن جامع بمرو، وأحمد بن محمد بن العالم سمنان وأبو شجاع البسطامي ببخارى، وأبو القاسم الطلحي بأصبهان، وقال ابن النجار في تاريخه الذي ذيل به على الخطيب: كان نظيفًا عفيفًا، اشتغل بالتجارة وبورك له فيها، وحصل جملة، مولده سنة عشر وأربع مائة، وتوفي في أواخر سنة إحدى وخمس مائة. شيرويه بن شهردار بن شيرويه بن فناخسرو بن خسركان رفع ابنه نسبة إلى الضحاك بن فيروز الصحابي أبي شجاع الديلمي الهمذاني، مصنف كتاب الفردوس وغيره، وقد اعتنى ابنه شهردار بهذا الكتاب فيما ذكره ابن الصلاح، فجمع طرقه، وأسند ما فيه من الغرائب وغيرها، ثم أرخ وفاته سنة تسع وخمس مائة. صاعد بن علي بن منصور بن إسماعيل بن صاعد أبو العلاء النيسابوري الخطيب المدرس قاضي القضاة بتلك البلاد، وكان حسن الأخلاق محببًا مقبولًا، وكان إمام الحرمين يثني عليه، خلف أباه في الخطابة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 والتدريس والوعظ، ثم ولي قضاء همذان، وأقام ببغداد مدة ثم عاد إلى نيسابور، وعقد مجلس الوعظ، سمع أباه، وعمه أبا علي، وجده أبا الحسن، وعمر بن مسرور، وأبا عثمان الصابوني وجماعة، وعنه أبو عثمان إسماعيل العصايدي، وأبو شجاع عمر البسطامي وغيرهما، توفي في رمضان سنة ست وخمس مائة. طاهر بن سعيد بن فضل الله أبو الفتح بن أبي طاهر ابن الشيخ أبي سعيد بن أبي الخير الميهني سمع الحديث من جده أبي سعيد بن أبي الخير الميهني وجماعة، وحدث عنه أبو الفتيان الرؤاسي الحافظ، وغيره. قال ابن الصلاح: كان من أهل الخير والصلاح ومن بيت التصوف ذا قدم ثابت فيه، وكان مقدم بيته في عصره، حسن السيرة عارفًا بالمقامات والأحوال، ملازمًا لاستعمالها، لقي الشيوخ وسافر الكثير، وأقام ببغداد مدة يطلب الحديث ثم عاد إلى خراسان، ولازم المحافظة على وظائف العبادات، وكان أكثر مقامه بنيسابور، وضعف بصره في آخر عمره، وتوفي سنة ثنتين وخمس مائة رحمه الله. عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد أبو المحاسن الروياني الطبري فخر الإسلام القاضي أحد أئمة الإسلام، ومن أصحاب الوجوه في المذهب، ورويان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 بلدة من نواحي طبرستان، كانت له الوجاهة والرياسة والقبول التام بتلك البلاد، وتفقه على جده أبي العباس أحمد بن محمد الروياني، وروى عنه، وعن أبي منصور محمد بن عبد الرحمن الطبري، وأبي محمد عبد الله بن جعفر الخبازي، وأبي حفص بن مسرور، وأبي عبد الله محمد بن بيان الفقيه وجماعة، وروى عنه إسماعيل بن محمد التميمي الحافظ، وزاهر الشحامي، وأبو الفتوح الطائي، وأبو طاهر السلفي وغيرهم، تفقه ببخارى مدة، وبرع في المذهب جدًا حتى كان يقول: لو أحرقت كتب الشافعي لأمليتها من حفظي، ولهذا كان يقال له: شافعي زمانه، صنف الكتب الكثيرة منها: بحر المذهب من المطولات الكبار، ومناصيص الشافعي، والكافي، وحلية المؤمن، وصنف في الأصول والخلاف، مولده في ذي الحجة سنة خمس عشرة وأربع مائة. قال معمر ابن الفاخر: وقتل بجامع آمل يوم الجمعة حادي عشر المحرم سنة اثنين وخمس مائة، قتلته الملاحدة، قال السلفي: بعد فراغه من الإملاء رحمه الله، ومن غرائب اختياراته من الوجوه: أن الماء لا ينجس إلا بالتغيير، وإن كان راكدًا دون القلتين، وقد حكاه الفوراني في الإبانة قولًا عن الشافعي، ومنها: جواز صرف زكاة الفطر إلى فقير واحد، وإخراج القيمة عنها كمذهب أبي حنيفة، قرأت على الشيخة الصالحة أم عبد الله زينب بنت الكمال أحمد بن عبد الرحيم المقدسي، أخبرك أبو القاسم عبد الرحمن بن مكي بن عبد الرحمن سبط السلفي إجازة، أنا جدي الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي سماعًا عليه، أنا الإمام قاضي القضاة أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني، قال: ثنا أبو غانم وهو أحمد بن علي بن الحسين بن علي بن مهدي بن الفضل الكراعي بمرو، ثنا أبو العباس هو عبد الله بن الحسين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 بن الحسن البصري، ثنا الحارث هو أبو بكر أسامة، أنا أبو عبد الرحمن المقري، ثنا حيوة وابن لهيعة، عن أبي هانئ الخولاني، قال: سمعت أبا عبد الرحمن، يقول: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «قدر الله المقادير قبل أن يخلق الله السموات والأرض بخمسين ألف سنة» عبد الواحد بن محمد بن عمر بن هارون الفقيه أبو عمر الولاشجردي نسبة إلى ولاشجرد، قرية من قرى كنكور من معاملة همذان، كان فقيهًا دينًا خيرًا، سمع في رحلته ببغداد من الخطيب البغدادي، وأبي الحسين ابن المهتدي بالله والصريفيني، وتوفي بكنكور في سنة ثنتين وخمس مائة. عبيد الله بن علي بن عبيد الله أبو إسماعيل بن الخطباني الفقيه قاضي قضاة أصبهان روى عن عبد الرزاق بن شهبة وعنه السلفي، وقال: قتل بهمذان شهيدًا وأنا بها في صفر سنة ثنتين وخمس مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 عبد الله بن يحيى بن محمد بن بهلول الأندلسي أبو محمد السرقسطي قال أبو سعد السمعاني: كان فقيهًا فاضلًا بارعًا لطيف الطبع مليح الشعر، ورد بغداد، فأقام بالنظامية مدة، وكان بينه وبين والدي رحمه الله صداقة ومعرفة أكيدة وأنس، وتوفي بمرو الروذ في حدود سنة عشر وخمس مائة، قال السمعاني: أنشدنا سالم بن عبد الله، قال: أنشدنا أبو محمد بن بهلول لنفسه يخاطب ممدوحه: أبا شمس إني إن أتتك مدائحي ... وهن لآل نظمت وقلائد فلست بمن يبغي على الشعر رشوة ... أبى ذاك لي جد كبير ووالد وأني من قوم قديمًا ومحدثًا ... تباع عليهم بالألوف القصائد. عثمان بن المسدد بن أحمد الدربندي أبو عمرو بن أبي القاسم المعروف بفقيه بغداد، لأنه أقام بها مدة يتفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وسمع أبا الحسين بن المهتدي وابن النقور وغيرهما، قال أبو سعد السمعاني: كانت وفاته بعد الخمس مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 علي بن الحسين بن عبد الله بن عربية أبو القاسم الربعي البغدادي تفقه على الماوردي والقاضي أبي الطيب الطبري، ولم يبرع في المذهب، ثم صحب أبا علي بن الوليد وغيره من شيوخ المعتزلة فأزاغوه، وقد سمع من أبي القاسم بن بشران، وأبي الحسن بن مخلد البراز، وعنه أبو منصور إسماعيل، ومحمد بن ناصر، والسلفي، وأبو محمد ابن الخشاب وغيرهم، قال شجاع الذهلي: كان قد ذهب إلى الاعتزال، وقال أبو سعد السمعاني: سمعت أبا المعمر الأنصاري إن شاء الله أو غيره يذكر أنه رجع عن ذلك، وأشهد المؤتمن الساجي وغيره على نفسه بالرجوع عن رأيهم والله أعلم، ولد سنة أربع عشرة وأربع مائة وتوفي في الثالث والعشرين من رجب سنة اثنتين وخمس مائة. علي بن محمد بن علي عماد الدين أبو الحسن الهراسي المعروف بإلكيا والفرس يقولون للكبير إلكيا بكسر الهمزة، وهي من أصل الكلمة لا للتعريف، تفقه على إمام الحرمين بنيسابور مدة، وكان ذكيًا فصيحًا مليح الوجه مطبوع الحركات جهوري الصوت، وكان يستعمل الاستدلال في مناظراته بالحديث، وكان بارعًا قوى البحث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 دقيق الفكر له مصنفات، منها كتاب انتصب فيه للرد على الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في مفرداته، يشتمل على بحوث ومناظرات جيدة، ومعارضات جدلية، وصناعة جيدة أجاد في بعضها وتساهل في بعضها، روى شيئًا يسيرًا عن إمام الحرمين، وقد قدمنا من طريقة حديث البيعان بالخيار في ترجمة الإمام، وروى عنه السلفي، وسعد الخير الأنصاري، وعبد الله بن محمد بن غالب الأنباري وقد ولي إلكيا تدريس النظامية ببغداد، وكانت له حشمة وتجمل ووجاهة، وتخرج به جماعة من الأصحاب، ولم يزل بها إلى أن توفي في أول المحرم سنة أربع وخمس مائة عن أربع وخمسين سنة، ومولده سنة خمسين وأربع مائة رحمه الله، ويشاركه في اسمه واسم أبيه وجده القاضي أبو الحسن الطبري علي بن محمد بن علي الآملي أحد أعيان الشافعية، ذكره ابن الصلاح، وحكى عن أبي سعد السمعاني أنه قال: كان إمامًا فاضلًا سمع أبا الغنائم ابن المأمون، وأبا جعفر ابن المسلمة، وابن النقور، وعبد الله بن جعفر الحباري الحافظ، وأبا يعلى الخليل الحافظ، وحدث عنه ابن أخته أبو جعفر محمد بن الحسين بن أميركا القاضي بطبرستان، ولم يؤرخ وفاته رحمه الله تعالى. علي بن محمد بن علي القاضي أبو الحسن الطبرستاني الآملي سمع من الحافظ عبد الله بن جعفر الطبرستاني بآمل سنة ثنتين وثلاثين وأربع مائة، ومن أبي يعلى الخليل، وأبي جعفر بن المسلمة، وابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 المأمون، وعنه ابن أخيه قاضي آمل أبو جعفر محمد بن الحسين بن أميركا، وكان فاضلًا شاعرًا رثى إمام الحرمين بقصيدة مطولة، وذكره الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح في طبقات الشافعية، ولم يذكر وقت وفاته، قال شيخنا الحافظ الذهبي: وكأنه مات قبل هذا الزمان، والله أعلم، وإنما ذكر هاهنا تمييزًا بينه وبين إلكيا الهراسي، لأنهما اشتركا في النسب والبلدة. المبارك بن الحسين بن أحمد بن الغسال أبو الخير البغدادي الشافعي كان ثقة فردا في علم القراءات، وكان رجلًا صالحًا، وضعفه محمد بن ناصر البغدادي في الرواية والله أعلم، توفي في جمادى الأولى سنة عشر وخمس مائة. محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر الإمام أبو بكر الشاشي الشافعي مصنف المستظهري ولد بميافارقين سنة تسع وعشرين وأربع مائة، وتفقه على الإمام أبي عبد الله بن بيان الكازروني، وتفقه على قاضي ميافارقين أبي منصور الطوسي تلميذ الشيخ أبي محمد الجويني ثم دخل بغداد، واشتغل على الشيخ أبي إسحاق ولازمه وعرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 به، وخرج معه إلى نيسابور في الرسلية، وبحث مع إمام الحرمين، وكان معيد الدرس عند الشيخ أبي إسحاق، وتردد إلى الشيخ أبي نصر ابن الصباغ، وقرأ عليه الشامل، وانتهت إليه رياسة المذهب بعد الشيخ أبي إسحاق، وسمع الحديث من الكازروني شيخه عن ثابت بن أبي القاسم الخياط، وبمكة من أبي محمد هياج الحطيني، وببغداد من الخطيب أبي بكر الحافظ، وعنه السلفي، وأبو المعمر الأزجي، وأبو الحسن علي بن أحمد اليزدي، وأبو بكر بن النقور، وشهدة، وتفقه به جماعة. قال القاضي ابن خلكان: ولي تدريس النظامية بعد شيخه، وبعد ابن الصباغ والغزالي، ثم وليها بعد موت إلكيا الهراسي سنة أربع وخمس مائة في المحرم، ودرس بمدرسة تاج الملك وزير ملكشاه، وتوفي في خامس وعشرين شوال سنة أربع وخمس مائة، ودفن مع شيخه أبي إسحاق في قبر واحد، وقيل إلى جانبه رحمهما الله، قال الشيخ أبو الحسن بن الخل: كان الإمام فخر الإسلام أبو بكر الشاشي مبرزًا في علم الشرع، عارفًا بالمذهب حسن الفتيا، جيد النظر، محققا مع الخصوم، يلزم المسائل الحكمية حتى يقطع خصمه، مع حسن إيراد، وكان يُعْنَى بسؤال الكبير، ويمشيه مع الكبار من الأئمة، ويفتي بمسألة ابن سريج وينصرها، وله فيها مصنف، ومن مصنفاته المستظهري وهو مشهور، والمعتمد كالشرح له وهو غريب، والعمدة وهي مختصر لطيف، والشافي في شرح الشامل في عشرين مجلدًا، والترغيب في المذهب، وشرح المختصر للمزني، ومن تلاميذه القاضي أبو العباس ابن الرطبي، ومن شعره ما أنشده أبو سعد السمعاني، عن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 الحسن علي بن أحمد الفقيه، قال: أنشدنا أبو بكر الشاشي في الاعتذار عن الإقلال من الزيارة: إني وإن بعدت داري مقترب ... منكم بمحض موالاة وإخلاص ورب دان وإن دامت مودته ... أدنى إلى القلب منه النازح القاصي ، وذكره الحافظ أبو القاسم ابن عساكر، وقال: انتهت إليه الرياسة لأصحاب الشافعي ببغداد وأرخ، وفاته كما تقدم. وخلف ولدين إمامين مبرزين في المذهب والنظر: أبو المظفر أحمد توفي في شهر رجب سنة سبع وعشرين وخمس مائة، وأبو محمد عبد الله توفي ثاني شهر الله المحرم سنة ثمان وعشرين وخمس مائة، مولده سنة إحدى وثمانين وأربع مائة، وله ولد فاضل مبرز أيضًا يكنى أبا نصر واسمه أحمد، درس بالنظامية أيضًا، وكان من الفضلاء، وذكر ذلك كله الحافظ أبو الفرج الجوزي في كتابة المنتظم رحمهم الله وإيانا بكرمه آمين. محمد بن الحسين أبو جعفر السمنجاني إمام مسجد راغوم، تفقه ببخارى على أبي سهل الأبيوردي وبمرو الروذ على القاضي حسين، وأملى ببلخ، قال السمعاني: حدثنا عنه جماعة بما وراء النهر وخراسان، ومات ببلخ سنة أربع وخمس مائة. محمد بن كمار بن حسن بن علي الفقيه أبو سعيد الدينوري ثم البغدادي الشافعي ذكر أنه ولد سنة إحدى وثلاثين وأربع مائة، وأنه أرضعته زوجة الخطيب البغدادي، وأسمعه من ابن غيلان، وأبي محمد الخلال، وأبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 إسحاق البرمكي، وأبي الحسن العادلي وغيرهم، وسمع المسند من ابن المذهب، قال: ووزنا عشرة دنانير، وسمع عمل يوم وليلة للعمري من عبد العزيز الأرجي، وقرأ القراءات، قال: وقرأت على القاضي أبي الطيب الطبري كتاب المقنع، ثم علقت تعليقة كاملة في الخلاف عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وقرأت الفرائض على أبي عبد الله الرقي، قال: إلا أن كتبي ذهبت ولم يبق إلا ما بأيدي الناس، وروى عنه السلفي وغيره، وتوفي بواسط في جمادى الآخرة سنة تسع وخمس مائة. محمد بن محمد بن محمد بن أحمد أبو حامد الغزالي الطوسي ويلقب بزين الدين وبحجة الإسلام أحد أئمة الشافعية في التصنيف والترتيب والتقريب والتعبير والتحقيق والتحرير، وسافر وله ترجمة مجموعة من كلام الحافظ أبي القاسم ابن عساكر وابن النجار وابن الصلاح، وشيخنا الذهبي في تاريخه وغيرهم، ولد رحمه الله بطوس سنة خمسين وأربع مائة، السنة التي توفي فيها الماوردي، وأبو الطيب الطبري، وكان والده يغزل الصوف، ويبيعه في دكانه بطوس، فلما احتضر أوصى بولديه محمد وأحمد إلى صديق له صوفي صالح يعلمهما الخط وفني، ما خلف لهما أبوهما وتعذر عليهما القوت، فقال: أرى لكما أن تلجآ إلى المدرسة كأنكما طالبا علم، قال الغزالي: فصرنا إلى المدرسة نطلب الفقه ليس المراد إلا تحصيل القوت، فأبى أن يكون إلا لله، فاشتغل الغزالي ببلده طوس، وقطع قطعة كبيرة من الفقه على أحمد الراذكاني، ثم ارتحل إلى جرجان إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 أبي نصر الإسماعيلي، فأقام عنده حتى كتب عنه التعليقة، ثم ارتحل إلى إمام الحرمين بنيسابور، فاشتغل عليه ولزمه وحظي عنده، فتخرج في مدة قريبة وصار أنظر أهل زمانه، وأوحد أقرانه، وأعاد للطلبة وأفاد وأخذ في التصنيف والتعليق، وكان إمام الحرمين يفتخر به ويتبجح، ويقال: إنه كان مع ذلك يتحصر من تصانيف الغزالي وأنه لما صنف كتاب (المنخول) عرضه على الإمام، فقال: دفنتني وأنا حي، فهلا صبرت حتى أموت، لأن كتابك غطى على كتابي، وقيل غير ذلك، والله أعلم. ولما مات إمام الحرمين خرج الغزالي إلى العسكر، فأقبل عليه نظام الملك، وناظر الأئمة بحضرته، فظهر اسمه وشاع أمره، فولاه النظام تدريس النظامية ببغداد، فقدمها سنة أربع وثمانين في محمل كبير، وتلقاه الناس وأعجبوا بمناظرته وفضائله، وأقبل على التصنيف في الأصول والفروع والخلاف، وعظمت حشمته ببغداد حتى كانت تغلب حشمة الأمراء والأكابر، ثم انسلخ من ذلك كله وترك الوظائف والتدريس، وأقبل على العبادة والزهادة وتصفية الخاطر، وخرج إلى الحجاز الشريف سنة ثمان وثمانين، فحج ورجع إلى دمشق، فاستوطنها عشر سنين بجامعها بالمنارة الغربية منه، واجتمع بالفقيه نصر المقدسي في زاويته التي تعرف اليوم بالغزالية، وأخذ في العبادة والتصنيف، ويقال: إنه صنف إحياء علوم الدين وعدة من كتبه بدمشق، ثم انتقل إلى القدس، ثم صار إلى مصر والإسكندرية، وعزم على الذهاب إلى ملك المغرب يوسف بن تاشفين بمراكش، فبلغه نعيه فترك ذلك ثم عاد إلى وطنه طوس وقد تهذبت الأخلاق، وارتاضت النفس، وسكنت، وتبحرت في علوم كثيرة من الأصول والفروع والشرعيات وغيرها من علوم الأوائل، وجمع من كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 فن وصنف فيه إلا النحو، فإنه لم يكن فيه بذلك ولا الحديث، فإنه كان يقول: أنا مزجي البضاعة في الحديث، فأقام ببلده مدة مديدة مقبلا على التصنيف والعبادة وملازمة التلاوة وعدم مخالطة الناس، ثم إن الوزير فخر الملك ابن نظام الملك خطبه إلى تدريس النظامية بنيسابور لئلا تبقى فوائده عقيمة، فأجاب إلى ذلك محتسبا فيه الخير والإفادة ونشر العلم، وعاد الليث إلى عرينه، وسلم الشجاع عصبته بيمينه، فأقام مدة على ذلك ثم تركه أيضًا، وأقبل على لزوم داره وابتنى خانقاه إلى جواره، ولزم تلاوة القرآن والاشتغال بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري، ولو طالت مدته لبرز في فن الحديث، ولكن عاجلته المنية فمات يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة سنة خمس وخمس مائة، عن خمس وخمسين سنة، ودفن بمقبرة الطابران وهي قصبة بلاد طوس رحمه الله، وسمع الغزالي صحيح البخاري من أبي سهل محمد بن عبيد الله الحفصي، ويقال: سمع أيضًا بعض سنن أبي داود من القاضي أبي الفتح الحاكمي الطوسي، وسمع أبا عبد الله محمد بن أحمد الخواري، مع ابنيه الشيخين عبد الجبار وعبد الحميد كتاب المولد لابن أبي عاصم، عن أبي بكر أحمد بن محمد بن الحارث عن أبي الشيخ عنه. قال القاضي شمس الدين ابن خلكان: وله من التصانيف (البسيط) ، و (الوسيط) ، و (الوجيز) ، و (الخلاصة) في الفقه، و (إحياء علوم الدين) ، و (المستصفى) في أصول الفقه، و (المنخول) ، و (اللباب) ، و (بداية الهداية) ، و (كيمياء السعادة) ، و (المآخذ والتحصين) ، و (المعتقد) ، و (إلجام العوام) ، و (الرد على الباطنية) ، و (مقاصد الفلاسفة) ، و (تهافت الفلاسفة) ، و (جواهر القرآن) ، و (الغاية القصوى) ، و (فضائح الإباحية وعوز الدور) ، و (محك النظر) ، و (معيار العلم) ، و (المنتحل في الجدل) ، و (شرح الأسماء الحسنى) ، و (مشكاة الأنوار) ، و (المنقذ من الضلال) ، و (حقيقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 القولين) ، و (المضنون به على غير أهله) ، وكذا ذكره غير واحد في مصنفاته، وأنكره بعضهم، قال الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح: وأما (المضنون به على غير أهله) ، فمعاذ الله أن يكون له، شاهدت على نسخة به بخط القاضي كمال الدين بن محمد بن عبد الله الشهرزوري أنه موضوع على الغزالي، وأنه مخترع من كتاب (مقاصد الفلاسفة) ، وقد نقضه بكتاب التهافت. فصل ولما كان الغزالي رحمه الله قد أوغل في علوم كثيرة، وصنف في كثير منها واشتهرت، فصار من نظر في شيء منها يعتقد أنه كان يقول بذلك، وإنما قاله والله أعلم أثرا لا معتقدا، وقد رجع عن ذلك كله في آخر عمره إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم والاشتغال بصحيح البخاري، حتى يقال: إنه مات وهو على صدره، وقد كثر القيل والقال في بعض مصنفاته والاستدراك عليه في الفروع وذلك سهل، والأصول وهو أشده، واشتد إنكار جماعة من علماء المغرب لبعضها، حتى أنهم أحرقوا كثيرًا منها ببلادهم، وتكلموا على ما اعتمده في إحياء علوم الدين من إيراد أحاديث كثيرة منكرة، ولا شك في عذر من أنكر المنكر، وتكلم على هذا الكتاب القاضي أبو بكر بن العربي، وأبو عبد الله محمد بن علي المازري، وأبو بكر محمد بن الوليد الطرطوسي وغيرهم، وأفردوا في ذلك ردودا ومؤاخذات كل بحسب ما رأى، وقد ذكر الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح في ترجمته في الطبقات طرفا من ذلك، وعقد في ذلك فصلا، وأنكر هو عليه إدخاله مقدمة المنطق في أول المستصفى، وخلطه المنطق بأصول الفقه، قال: وذلك بدعة عظيمة شؤمها على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 المتفقهة، حتى كثر فيهم بعد ذلك المتفلسفة، والله المستعان. وأنكر قوله في المقدمة هذه مقدمة العلوم كلها، ومن لا يحيط بها فلا ثقة له بمعلومة أصلا، قال: وقد سمعت الشيخ العماد بن يونس يحكي عن يوسف الدمشقي بمدرسة نظامية بغداد، وكان من النظار المعروفين: أنه كان ينكر هذا الكلام، ويقول: فأبو بكر وعمر وفلان وفلان وفلان يعدد أولئك السادة عظمت حظوظهم من البلج واليقين، ولم يحيطوا بهذه المقدمة وأشباهها، قال الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله: ومن مفرداته في الفقه أنه ذكر في (بداية الهداية) في سنة الجمعة بعدها أن له أن يصليها ركعتين وأربعا وستا، فأبعد في الست وشذ، قال النووي معتذرا عن الغزالي: وقد روى الشافعي بإسناده عن علي أنه قال: من كان منكم مصليًا بعد الجمعة، فليصل بعدها ست ركعات. قلت: وقد حكي نحو هذا عن أبي موسى، وعطاء، ومجاهد، وحميد بن عبد الرحمن والثوري وهو رواية عن الإمام أحمد، وروى أبو داود في سننه عن ابن عمر أنه كان إذا كان بمكة فصلى الجمعة، تقدم فصلى ركعتين، ثم تقدم فصلى أربعا، وإذا كان بالمدينة صلى الجمعة، ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ولم يصل في المسجد، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن. . .، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم الجمعة، فليصل بعدها أربعا» ، هذا لفظه، وفي الصحيح عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته. ومما وقع لي من رواية الغزالي رحمه الله: قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 الإِمَامِ الْحَافِظِ الْعَالِمِ الْحُجَّةِ الْمُجْتَهِدِ جَمَالِ الدِّينِ أَبِي الْحَجَّاجِ يُوسُفَ ابْنِ الزَّكِيِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ الْمِزِّيِّ، قُلْتُ لَهُ: أَخْبَرَكَ الإِمَامُ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْدِسِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْمُظَّفِر السَّمْعَانِيُّ عَبْدُ الرَّحِيمُ بْنُ أَبِي سَعْدٍ إِذْنًا، أنا السَّيِّدُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْكُوفِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، أنا أَبُو عَلِيٍّ الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارَمَذِيُّ، ثنا الإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْغَزَالِيُّ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَطَّانُ، ثنا أَبُو سَعِيدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْخَلالُ الْجُرْجَانِيُّ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ اللَّيْثُ الْعَسْقَلانِيُّ، ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ثنا النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ. الْحَدِيثَ، هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا وَهُوَ حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ فِي كُتُبِهِمُ السِّتَّةِ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: " إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ، فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَوَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا بَاعٌ أَوْ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا بَاعٌ أَوْ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ " وَبِالإِسْنَادِ الْمُتَقَدَّمِ إِلَى الْغَزَالِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْخَفَّافُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو الْوَلِيدِ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ هِلالٍ الْوَزَّانِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 مِنْهُ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» . قَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْلا ذَلِكَ لأَبْرَزَ قَبْرَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَتَّخِذَ مَسْجِدًا قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي: كذا وقع في سماعنا ليس بين أبي حامد وبين الخفاف أحد، وهو خطأ قد سقط منه شيء. محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار الإمام أبو بكر بن العلامة أبي المظفر التميمي المروزي الحافظ الفقيه الشافعي قال ولده الحافظ أبو سعد: نشأ في عبادة وتحصيل وحظي من الأدب، وتبحر به نظما ونثرا بأعلى المراتب، وكان متصرفا في الفنون بما يشاء، وبرع في الفقه والخلاف، وزاد على أقرانه بعلم الحديث، ومعرفة الرجال، والأنساب، والتواريخ، وطرز فضله بمجالس تذكيره التي تصدع صمم الصخور عند تحذيره، ونفق سوق تقواه عند الملوك والأكابر، وكان يروي الحديث بإسناده في وعظه، وقد أملى بجامع مرو مائة وأربعين مجلسا اعترف له أنه لم يسبق إليها، قال: وسمعت الحافظ إسماعيل بن محمد يقول: لو صرف والدك همته في هدم هذا الجدار لسقط، وذكر أنه رحل في طلب الحديث إلى الآفاق، وسمع تاريخ بغداد بها من أبي محمد بن الأبنوسي عن الخطيب، وكان يعظ بالنظامية، وسمع الحديث من جماعة يطول ذكرهم، وتوفي في صفر سنة عشر وخمس مائة عن ثلاث وأربعين سنة رحمه الله، وأنشد السلفي لبعضهم فيه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 يا سائلي عن علم الزمان ... وعالم العصر لدى الأعيان لست ترى في عالم العيان ... كابن أبي المظفر السمعاني ، ولبعضهم أيضًا: هو الذي كان أبا الفتاوى ... وفي علم الحديث الترمذي وجاحظ وقته في النثر صدقا ... وفي وقت التشاعر بحتري وفي النحو الخليل بلا خلاف ... وفي حفظ اللغات الأصمعي ، وقد ذكره الشيخ تقي الدين ابن الصلاح في الطبقات، وأثنى عليه وعلى مصنفاته وما فيها من الفوائد والفرائد، ولم أره أرخ وفاته، وقد توفي سنة عشر وخمس مائة. محمد بن يوسف بن حسين أبو القاسم التفليسي الشافعي قدم بغداد، وتفقه بها على الشيخ أبي إسحاق، وسمع الحديث من القاضي أبي يعلى ابن الفراء الحنبلي، وعبد الصمد بن المأمون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 وجماعة، ثم رجع إلى بلده، وروى عنه أبو الطيب بن محمد العصايدي، توفي سنة ست وخمس مائة أو بعدها. ناصر بن أحمد بن بكران القاضي أبو القاسم الجويني قدم بغداد، فتفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وقرأ العربية وبرع فيها، وسمع أبا الحسين ابن النقور، وروى عنه الحافظ أبو طاهر السلفي، وقال: كتبنا عنه نحوي، وكان شيخ الأدب ببلاد أذربيجان بلا مدافعة، وله ديوان شعر ومصنفات، ولي القضاء مدة كأبيه، ومات في ربيع الآخر سنة سبع وخمس مائة. يحيى بن الفرج أبو الحسين اللخمي المقدسي الفقيه الشافعي قاضي إسكندرية، تفقه على الشيخ نصر بن إبراهيم المقدسي، وحدث عنه. عبد العزيز بن علي بن عبد العزيز بن الحسين أبو الفضل الأشنهي من بلاد أذربيجان قال ابن الصلاح: أكثر ظني أنه صاحب الفرائض المشهورة، قال أبو سعد السمعاني: ورد بغداد وتفقه بها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وسمع الحديث من أبي جعفر ابن المسلمة وغيره، وعنه أبو الفضل بن محمد البرقاني. وقال غيره فيما حكاه ابن الصلاح: إنه كان زاهدًا عارفا بالمذهب والحديث، صنف في المذهب والفرائض، وحكي أنه رجع إلى بغداد لرد قلم استعاره، ثم رجع إلى بلده فمات بها، ولم يذكر ابن الصلاح تاريخ وفاته. عبد الوهاب بن هبة الله بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن علي السيبي القاضي أبو الفرج أحد مشايخ السلفي أثنى عليه، وذكر أنه كان قاضيًا بالجانب الشرقي من بغداد، وأنه كان شافعي المذهب ذكره ابن الصلاح ولم يؤرخ وفاته. عمر بن محمد بن عمويه السهروردي روى عنه السلفي أنه قدم إلى الشيخ فرج المعروف بابن الزنجاني فألبسه الخرقة، وكان عمره أربع سنين وذلك في سنة أربع وخمس مائة، وذكر أن والده توفي سنة ثمان وستين وأربع مائة عن مائة وعشرين سنة ذكره ابن الصلاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 المرتبة الثانية من الطبقة السابعة من أصحاب الشافعي فيها من أول سنة إحدى عشرة وخمس مائة إلى آخر سنة عشرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 أمير المؤمنين المستظهر بالله أبو العباس أحمد بن أمير المؤمنين المقتدي بالله أبي القاسم عبد الله بن الأمير محمد الذخيرة بن القائم بأمر الله أبي جعفر عبد الله بن القادر بالله أحمد العباسي بويع بالخلافة بعد موت أبيه المقتدي بالله في ثامن عشر المحرم سنة سبع وثمانين وعمره إذ ذاك ستة عشرة سنة وشهران، فصلى بالناس الظهر ثم صلى على أبيه، وصنف له الإمام أبو بكر الشاشي كتاب حلية العلماء، وهو الذي يقال له: المستظهري، فقبله منه الخليفة قبولًا حسنا، فلهذا ذكرناه في طبقات الشافعية، فأقام في الخلافة خمسًا وعشرين سنة وثلاثة أشهر وأياما، وكانت أيامه مكدرة، لم تصف له، وكان مع ذلك ميمون اليقين سديد الرأي حميد الإمامة كريم الأخلاق مسارعًا في أعمال البر حافظا لكتاب الله محبًا للعلماء والصالحين منكرًا للمظالم رحمه الله، وكن فصيحًا مفوها وله شعر حسن فمنه: أذاب حر الهوى في اللب ما جمدا ... لما مددت إلى رسم الوادع يدا وكيف أسلك نهج الاصطبار وقد ... أرى طرائق في مهوى الهوى قددا إن كنت أنقض عهد الحب يسألني ... من بعد حبي فلا عاينتكم أبدا ، مات رحمه الله بعله الخوانيق وصلى عليه أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 وصلى عليه ابنه أمير المؤمنين المسترشد، وذلك سنة إحدى عشرة وخمس مائة. أحمد بن علي بن برهان أبو الفتح الحماس البغدادي تفقه أولًا بمذهب أحمد بن حنبل رحمه الله على أبي الوفاء بن عقيل ثم تحول شافعيًا، فاشتغل على أبي حامد الغزالي، وإلكيا، وأبي بكر الشاشي وبرع في المذهب، وكان ذكيا حاذقًا فطنا خارقا، لا يكاد يسمع شيئًا إلا حفظه، يضرب به المثل في المشكلات في الأصول والفروع، وصار عالما يقتدى به، ورحل إليه الطلبة من البلدان، واستغرق عامة ليله ونهاره في الاشتغال ورقت به الحال حتى درس في النظامية شهرًا، وسمع الحديث من النعالي، ونصر بن النظر وجماعة، وقرأ صحيح البخاري على أبي طالب الزينبي وسمعه ابن كليب بقراءته، ومات في ثامن عشر جمادى الأولى سنة ثماني عشرة وخمس مائة. أحمد بن محمد بن محمد أبو الفتوح الغزالي الطوسي أخو أبي حامد الغزالي كان واعظًا بليغًا له في ذلك مصنفات كثيرة، وكان له حظ وافر، وحصل من ذلك دنيا كثيرة، وكان عنده فقه أيضًا، فإنه لما ترك أخوه الإمام أبو حامد تدريس النظامية، درس قليلًا بها بعده حتى ولي فيها شيخ، ولكن كان جل فنه الوعظ، وحلاوة الكلام، والقبول في ذلك، وله شعر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 جيد، ولكن ذكروا أنه كان يوجد في وعظه من كلام القصاص ومجازفاتهم وشطحهم ما هو العادة، وقد تكلم فيه محمد بن طاهر المقدسي، ورماه بالكذب، ونبذه الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي بأشياء أخر، وذكر الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح في طبقات الشافعية، فقال: كان يلقب بلقب أخيه حجة الإسلام، زين الدين، وكان أحد فرسان المذكرين، رأيت من وعظه أربع مجلدات وهي مشتملة على شقاشق الوعاظ وخرقهم وجسارات متأخري الصوفية وعسفهم، وكان عنده مخاشنة في كلامه، ولا سيما في أجوبته، وكان يقول: الفقهاء أعداء أرباب المعاني، ثم ذكر أشياء مما أنكر من كلامه. وطول شيخنا أبو عبد الله الذهبي ترجمته في تاريخ، قال: وحكى عنه القاضي أبو يعلى بن الفراء الصغير أنه صعد يومًا، فقال: يا معشر المسلمين كنت دائمًا أدعو إلى الله، وأنا اليوم أحذركم منه، والله ما شدت الزنانير إلا من حبه، ولا رأيت الحرية إلا في عشقه. وقال محمد بن طاهر المقدسي: كان أحمد الغزالي آية في الكذب يتوصل إلى الدنيا بالوعظ سمعته بهمدان، يقول: رأيت إبليس في وسط هذا الرباط يسجد لي، قال ابن طاهر: فقلت: ويحك إن الله أمره بالسجود لآدم، فأبى، فقال: والله لقد سجد لي أكثر من سبعين مرة، فقلت: إنه لا يرجع إلى دين، قال: وكان يزعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليقظة، ويذكر على المنبر أنه كلما أشكل عليه شيء سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيدله على الصواب، قال: سمعته يقول: لا أحتاج إلى الحديث مهما قلت سمع مني، والله أعلم. وقال أبو سعد السمعاني: كان مليح الوعظ حلو الكلام حسن المنظر قادرًا على التصرف، اجتهد في شبيبته بطوس غاية الاجتهاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 واختار الخلوة ثم خدم الصوفية بنفسه وذكروا من شعره: أنا صب مستهام وهموم لي عظام ... طال ليلي دون صمتي سهرت عيني وناموا بي غليل وعليل وغريم وغرام ... فؤادي يحيني ودمي ليس حرام ثم عرض بعدو لي أمه العشق كرام قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي، والقاضي شمس الدين ابن خلكان: مات بقزوين سنة عشرون وخمس مائة. الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين بن عساكر أبو محمد الدمشقي المعدل والد الحافظ أبي القاسم مؤرخ الشام، تفقه على الشيخ نصر المقدسي، وسمع منه صحيح البخاري وأجاز له أبو الفضل بن خيرون، وروى عنه ابنه الحافظ أبو القاسم، وقال: كان مولده سنة ستين وأربع مائة، ومات في رمضان سنة تسع عشرة وخمس مائة. الحسين بن مسعود بن محمد العلامة محيي السنة أبو محمد البغوي ويعرف بابن الفراء الفقيه الشافعي أحد أئمة المذهب في التفسير والحديث والفقه صاحب معالم التنزيل وشرح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 السنة، والتهذيب، والجمع بين الصحيحين، والمصابيح وغير ذلك من المصنفات المفيدة المشهورة، تفقه على القاضي حسين بن محمد صاحب التعليقة، وروى عنه الحديث، وعن أبي عمر عبد الواحد المليحي، وأبي الحسن محمد بن محمد الشيرزي، وأبي الحسن علي بن يوسف الجويني، وأحمد بن أبي نصر الكوفاني، وحسان المنيعي، وأبي بكر محمد بن أبي الهيثم الترابي وجماعة. وعنه أبو الفتوح محمد بن محمد بن علي الطائي، وأبو منصور محمد بن أسد العطاري المعروف بحفدة، وأهل مرو وغيرهم، وكان قانعًا باليسير ورعًا، يأكل الخبز وحده، فعدل في ذلك، فصار يأكله بالزيت، وكان دينًا عالمًا عاملًا على طريقة السلف ومنهجهم، وكان لا يلقي الدرس إلا على طهارة، توفي بمرو الروذ في شوال سنة ست عشرة وخمس مائة، ودفن عند شيخه القاضي حسين رحمهما الله. سلمان بن ناصر بن عمران بن محمد بن إسماعيل بن إسحاق بن يزيد بن زياد بن مروان أبو القاسم الأنصاري النيسابوري الفقيه صاحب إمام الحرمين، وشارح كتابه الإرشاد، وكان بارعا في علم الكلام، وفي التفسير، وكان صالحا زاهدا عارفا، خدم أبا القاسم القشيري، وسمع الحديث بدمشق وبمكة، وغيرهما من البلاد، وحدث عن عبد الغافر بن محمد الفارسي، وفضل الله بن أحمد الميهني، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 وأبي الحسين بن مكي وجماعة، وروى عنه السمعاني بالإجازة، وتوفي في جمادى الآخرة سنة اثنتي عشرة وخمس مائة، ذكر ابن الصلاح أنه كان ذا نظر دقيق في التصوف، وكان عفيفا في مطعمه يكتسب بالوراقة ولا يخالط أحدا، وأنه جعل على خزانة الكتب بنظامية بغداد، ثم أصابه في آخر عمره ضعف بصر وسمع، وذكر حكاية تدل على أنه كان يكلم الجان ويسألونه رحمه الله. عبد الجليل بن أبي بكر أبو سعد الطبري تفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وسمع الحديث من أبي نصر الزينبي، وعنه أبو عامر سعد بن العصاري، وذكره ابن الصلاح، وقال: كان حيا في سنة خمس وعشرين وخمس مائة. عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدان أبو نصر بن أبي بكر السراج الفقيه ابن الفقيه الشافعي تلميذ إمام الحرمين كان من بيت العلم والرياسة، بارعًا في المذهب، قانعًا باليسير، صالحا نبيلًا، سمع أباه، وأبا عثمان سعيد بن محمد البحيري، وأبا سعد الكنجروذي، وأبا القاسم القشيري، قال أبو سعد السمعاني: أحضرني والدي عنده، وقرأ لي عليه جزءًا، وحدثنا عنه ببغداد عبد الوهاب الأنماطي، والمبارك بن أحمد الأنصاري قدم عليهم حاجًا، وتوفي في جمادى الآخرة سنة ثماني عشرة وخمس مائة. عبد الرحيم ابن الأستاذ أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري أبو نصر النيسابوري وهو الرابع من أولاد أبي القاسم، رباه والده واعتنى به حتى برع في النظم والنثر والكتابة الحسنة السريعة، لزم إمام الحرمين ليلًا ونهارًا، فأتقن عليه علمي الأصول والفروع، والخلاف، وغير ذلك من العلوم، وكان إمام الحرمين يعتد به، وحج ودخل بغداد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 ووعظ ودرس، وأعجب به الناس، وحضر مجلسه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، ولما وقعت الفتنة بين الأشاعرة والحنابلة، كان هو من أقطاب الأشاعرة، ثم شرع نظام الملك في تسكين الفتنة، فسكنت وحمل عبد الرحيم هذا، وضعف في يده، واعتقل لسانه إلا عن الذكر، وقد سمع الحديث من أبيه وأبي عثمان الصابوني وأبي القاسم الزنجاني وغيرهم، وحدث عنه جماعة منهم: سبطة أبو سعد عبد الله بن عمر الصفار، وأبو الفتوح الطائي، وخطيب الموصل. وروى عنه بالإجازة الحافظان أبو القاسم ابن عساكر، وابن السمعاني، وتوفي في الثامن والعشرين من جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وخمس مائة وهو في عشر الثمانين رحمه الله، وذكر الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح في الطبقات أنه كان يحفظ خمسين ألف نصف بيت، وذكر له شعرًا، وأنه كان يقول في دعائه: ها قد مددت يدي إليك فردها ... بالفضل لا بشماتة الأعداء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 عبد الرزاق بن عبد الله بن علي بن إسحاق الوزير أبو المحاسن وهو ابن أخي الوزير الكبير نظام الملك الشهير تفقه على إمام الحرمين، وأفتى وناظر، ثم وزر السلطان سنجر فاشتغل قليلًا بالوزارة، سمع الحديث من محمد بن إسماعيل التفليسي، ويعقوب بن أحمد الصيرفي، وسمع منه السمعاني، وقال: كان إمام نيسابور في عصره، وكان فصيحًا جريئًا مناظرًا، ومولده سنة تسع وخمسين وأربع مائة، مات بسرخس في محرم سنة خمس عشرة وخمس مائة. علي بن حسكويه بن إبراهيم أبو الحسن المراغي الأديب الشاعر تفقه ببغداد على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وقرأ عليه اللمع في أصول الفقه وسمع منه الحديث، ومن الخطيب وجماعة، ومات فجأة سنة ست عشرة وخمس مائة. القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الأديب أبو محمد البصري الحرامي نسبة إلى محلة بني حرام من البصرة، الحريري مصنف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 المقامات وملحة الأعراب، وشرحها، ودرة الغواص في أوهام الخواص، وله ديوان شعر وترسل، أحد الأئمة في النظم والنثر والبلاغة والفصاحة، مولده سنة ست وأربعين وأربع مائة، وقرأ الأدب بالبصرة على أبي القاسم بن الفضل القصباني، وسمع الحديث من أبي تمام محمد بن الحسن بن موسى المقري، وعنه ابنه القاسم عبد الله، وأبو العباس الميداني الواسطي، وأبو الكرم الكرابيسي، والوزير علي بن طراد، وقوام الدين علي بن صدقة الوزير، ومحمد بن ناصر الحافظ وجماعة، آخرهم بركات بن إبراهيم الخشوعي، روى عنه بالإجازة، ذكره الشيخ أبو عمرو في طبقات الشافعية، فقال: كان شافعي المذهب، وذلك بين من مقاماته في فتاويه التي ضمنها المقامة الثانية والثلاثين ناسبا لها إلى فقيه العرب، وقال: أيجوز بيع الخل بلحم الجمل؟ قال: لا، ولا بلحم الجمل، قال الحريري: الخل ابن المخاض، ولا يحل بيع اللحم بالحيوان سواء كان من جنسه أو غير جنسه. وقال أيضًا: ما يجب على المحتفي في الشرع؟ قال: القطع لإقامة الردع، والمحتفي: يباشر القيود، وقال: أينعقد نكاح لم يشهده القواري؟ قال: لا والخالق الباري. والقواري: الشهود لأنهم يقرون الأشياء أي يتبعونها، قال ابن الصلاح: فهذه أجوبة شافعي ليس غير، لمخالفة الأول لمذهب أبي حنيفة، والثالث لمذهب مالك، وقد قال في خاتمتها: فقلت له خفض الأحزان ولا تلم الزمان، واشكر لمن نقلك من مذهب إبليس إلى مذهب ابن إدريس، وذكر ابنه أبو القاسم عبد الله أن سبب وضع أبيه المقامات أنه كان جالسا في مسجده ببني حرام، فدخل شيخ ذو ظهرين عليه أهبة السفر، فصيح الكلام، حسن العبارة، فسأله الجماعة: من أين الشيخ؟ فقال: من سروج، فاستخبروه عن كنيته، فقال: أبو زيد، فعمل أبي المقامة المعروفة بالحرامية، وهي الثانية والأربعون وعزاها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 إلى أبي زيد المذكور، واشتهرت فبلغ خبرها الوزير شرف الدين أنوشروان ابن خالد القاشاني وزير المسترشد فأعجبته، وأشار إلى أبي أن يضم إليها غيرها فأتمها خمسين مقامة، وإلى الوزير أشار الحريري بقوله: فأشار من إشارته حكم وطاعته غنم. وأما تسمية الراوي الحارث بن همام، فإنما عنى به نفسه، أخذه من قوله عليه الصلاة والسلام: «كلكم حارث وكلكم همام» ، فالحارث الكاسب والهمام الكثير الاهتمام، لأن كل أحد كاسب ومهتم بأموره، وذكر التاج المسعودي عن أبي بكر بن النقور أنه سمع أبا القاسم الحريري يقول: لما سمعت مقالة الشيخ الذي وقف علينا بمسجد بني حرام، ورأيت فصاحته وبلاغته وحسن إيراده، أسر الروم بعض أولاده، أمسيت تلك الليلة، فذكرت ما سمعت منه لبعض أصحابي، فذكروا أنه يأتي إلى المساجد متنكرا في هيئات شتى، ويذكر أحوالا وقصصا متنوعة، وتعجبوا من جريانه في ميدانه، وتصرفه في تلونه وإحسانه، فأنشأت المقامة الحرامية ثم بنيت عليها سائر المقامات، وقال القاضي شمس الدين ابن خلكان: وجدت في عدة تواريخ أن الحريري صنف المقامات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 بإشارة أنوشروان، إلى إن رأيت بالقاهرة سنة ست وسبعين يعني وست مائة نسخة مقامات كلها بخط مصنفها، وقد كتب بخطه أيضًا أنه صنفها للوزير جلال الدين عميد الدولة أبي الحسن علي بن صدقة وزير المسترشد، قال: ولا شك في أن هذا أصح، لأنه يخط المصنف، وتوفي الوزير المذكور في سنة اثنين وعشرين وخمس مائة، قال: وذكر الوزير كمال الدين علي بن يوسف الشيباني القفطي في تاريخ النحاة، أن أبا زيد السروجي اسمه المطهر بن سلام، وكان بصريا لغويا صحب الحريري وتخرج به، وقال القاضي ابن خلكان: ورأيت في بعض المجاميع أن الحريري صنف المقامات أربعين مقامة، وحملها إلى بغداد فاتهمه جماعة من فضلاء بغداد، وقالوا: هي لرجل مغربي مات بالبصرة ووقعت أوراقه إلى الحريري فظفر بها فادعاها، فسأله الوزير عن صناعته، فقال: أنا رجل منشئ، فاقترح عليه إنشاء رسالة في واقعة عينها، فانفرد في ناحية من الدار، وأخذ الدواة والورقة، ومكث زمانا فلم يفتح عليه بشيء يثبته، فقام خجلا، وقد كان ممن أنكر عليه دعواه علي بن أفلح الشاعر، فعمل في ذلك: شيخ لنا من ربيعة الفرس ... ينتف عثنونه من الهوس أنطقه الله بالمشان كما ... رماه وسط الديوان بالخرس ، وكان الحريري يذكر أنه من ربيعة الفرس، وكان يولع بنتف لحيته عند الفكرة، وكان يسكن في مسان البصرة، فلما رجع إلى بلده أكملها خمسين مقامة وسير العشر، واعتذر عن عيه بالهبية، وقيل: بل كره المقام ببغداد فتجاهل، قال: ويحكى أنه كان دميما قبيح المنظر، فأتاه رجل يزوره ويأخذ عنه، فلما رآه استزرى شكله ولبسه، قصيرا دميما نحيلا مولعًا بنتف لحيته، فنهاه الأمير عن ذلك وتوعده عليه، وكان كثير المجالسة له، فبقي مقيدا محصورا، فتكلم في بعض الأيام بكلام أعجب الأمير، فقال له: ثمنه تقطعن لحيتي، فضحك وقال: قد فعلت، مات الحريري بالبصرة في سادس رجب سنة ست عشرة وخمس مائة عن سبعين سنة رحمه لله، وخلف ولدين، نجم الدين أبو القاسم عبد الله، وكان أديبًا كأبيه، وقاضي البصرة ضياء الإسلام عبيد الله، وقال الشيخ أبو عمرو ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 الصلاح: أنا أبو هاشم، أنا أبو سعد السمعاني، قال: أنشدني أبو القاسم عبد الله بن القاسم البصري، قال: أنشدني والدي لنفسه: لا تخطون إلى خط ولا خطأ ... من بعد ما الشيب في فوديك قد وخطا فأي عذر لمن شابت مفارقه ... إذا جرى في ميادين الصبا وخطا كتايب بن علي أبو علي الفارقي الفقيه الشافعي التاجر نزيل الإسكندرية، وكان من أعيان التجار وخيار الناس، سمع الحديث وهو أكبر من أبي طاهر محمد بن الحسين بن سعدون الموصلي بمصر سنة سبع وأربعين وأربع مائة، وعنه الحافظ أبو طاهر السلفي، وعبد الله العثماني، وعلي بن مهران القرميسيني، توفي في جمادى الآخرة سنة ست عشرة وخمس مائة. محمد بن حاتم بن محمد بن عبد الرحمن الطائي أبو الحسن الطائي الطوسي الشافعي صحب إمام الحرمين، وسافر معه إلى الحجاز والشام والثغور، وسمع الحديث من الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي، وإسماعيل ابن التوقاني، ورزق الله التميمي وغيرهم، وروى عنه أبو بكر السمعاني، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 وأجاز لابنه أبي سعد في سنة ثنتي عشرة وخمس مائة، قال الذهبي: ولم يبلغنا تاريخ وفاته. محمد بن علي بن محمد بن شهفيروز الفقيه أبو جعفر اللارزي الطبري الشافعي سمع ببلدة آمل طبرستان من أبي المحاسن الروياني، وبنيسابور من علي بن أبي صادق الحيري والشيروي، وبأصبهان من أبي علي الحداد، وسمع ببغداد ومكة، وسمع الكثير، وحدث عنه جماعة منهم يحيى بن بوش، ووقف كتبه بالمدرسة النظامية، وتوفي في محرم سنة ثماني عشرة وخمس مائة. محمد بن محمد بن عبد القاهر بن هشام أبو البركات ابن الطوسي عم خطيب الموصل ولد ببغداد ونشأ بها، وتفقه على الشيخ أبي إسحاق ثم سكن الموصل، وكان يتردد إلى بغداد وكان فقيهًا فاضلًا أديبًا كاملا، وسمع الحديث من أبي الحسين بن النقور، وأبي بكر محمد بن عبد الله الناصحي النيسابوري، وعنه إبراهيم بن علي الفراء، والمبارك بن أحمد الأنصاري، ويحيى بن يونس، توفي في ربيع الأول سنة ثماني عشرة وخمس مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 محمد بن محمد بن علي الخزيمي أبو الفتح الفراوي نزيل الري قال أبو سعد السمعاني: كان حسن الوعظ، مليح الإيراد، حلو المنطق، خفيف الروح، لطيف العبارة، حسن الإشارة، دخل بغداد سنة تسع وخمس مائة، وعقد له مجلس الحديث والوعظ وأملى عدة مجالس، وحدث عن أبي القاسم القشيري وجماعات، وروى عنه جماعة من البغداديين وغيرهم، وأنشد له: إذا كنت ترضى من التمني بالتقى ... فإن التمني بابه غير مغلق وما ينفع التحقيق بالقول في التقى ... إذا كان بالأفعال غير محقق ، قال: وتوفي بالري سنة أربع عشرة وخمس مائة، وقبره عند قبر إبراهيم الخواص. محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق بن محمد أبو الحسن الزعفراني البغدادي الجلاب التاجر تفقه على مذهب الشافعي، وبرع في المذهب ببغداد على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وصنف كتبا عدة، وسمع الحديث فأكثر، وكان ثقة دينا، كتب الكثير وجمع، وعنى بالحديث أيضًا، وكان متقنا جيد الضبط، ورحل إلى أصبهان، والشام، ومصر، والبصرة، وأكثر عن الخطيب، وأبي جعفر ابن المسلمة، وابن المأمون، وأبي الحسين بن المهتدى بالله وطبقتهم، وعنه السلفي، ويوسف بن مكي، وعبد الحق اليوسفي وجماعة، توفي ببغداد في صفر سنة سبع عشرة وخمس مائة عن خمس وسبعين سنة. محمد بن هبة الله بن محمد بن يحيى بن مميل أبو نصر الشيرازي من رؤسائها، قدم بغداد شابا وتفقه بها على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وبرع في المذهب، وأعاد بالمدرسة النظامية، وسمع الكثير من ابن هزارمرد الصريفيني، وابن النقور، وعبد العزيز الأنماطي، وأبي القاسم بن السري وجماعة، وعنه ابن هبة الله والد القاضي شمس الدين محمد بن بكرة الصلحي ويحيى بن بوش، وكان رئيسًا صالحا ثقة جاور بمكة مدة، وكان يتردد إلى بغداد، مات عن أربع وسبعين سنة في ربيع الأول سنة ست عشرة وخمس مائة رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 المرتبة الثالثة من الطبقة السابعة من أصحاب الشافعي رضي الله عنه فيها من أول سنة إحدى وعشرين وخمس مائة إلى آخر سنة ثلاثين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 إبراهيم بن علي بن الحسين الإمام أبو إسحاق الشيباني الطبري الفقيه إمام في المذهب والفرائض والتفسير له تصانيف مفيدة وولى قضاء مكة وحدث عن أبي علي الحداد وعنه الصبا ابن عساكر وشيخ الشيوخ عبد الرحيم بن أبي البركات، مات في رجب سنة ثلاث وعشرين وخمس مائة، عن إحدى وسبعين سنة. أحمد بن سعد بن علي بن الحسن بن القاسم بن عنان العجلي أبو علي ابن الإمام أبي منصور الهمذاني يعرف بالبديع وببديع الزمان، قال أبو سعد السمعاني: كان فاضلًا عالمًا ثقة كبيرًا، جليل القدر، واسع الرواية، حسن المعاشرة، طيب الأخلاق، مليح المحاورة، كثير الحفظ، مكثرًا من الحديث، سمعه أبوه من جماعة الهمذانين ثم رحل بنفسه إلى أصبهان وبغداد والري وحدث ببغداد وغيرها، وكتب عنه بهمذان وتوفي سنة خمس وثلاثين وخمس مائة. أحمد بن سلامة بن عبيد الله بن مخلد العلامة أبو العباس ابن الرطبي الكرخي الفقيه الشافعي تلميذ الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وتفقه أيضًا على الإمام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 أبي نصر ابن الصباغ ثم خرج إلى أصبهان، فأخذ عن محمد بن ثابت الحجدي، وبرع في المذهب والخلاف جدًا حتى صار يضرب به المثل في ذلك وفي المناظرة والتدقيق، وتولى قضاء الحريم الظاهري والحسبة، وانقطع إلى الخليفة يؤدب أولاده وهو مؤدب الراشد بالله أمير المؤمنين، وكان ذا سمت حسن، وعقل تام، ورأى صحيح وتدبير، سمع الحديث من أبي القاسم بن البسري، وأبي نصر الزينبي، وابن ماجه الأبهري، وعنه عن علي بن أحمد البردي، ويحيى بن بوش، ويحيى بن ثابت البقال، توفي في رجب سنة سبع وعشرين وخمس مائة. أحمد بن عبد العزيز بن محمد بن حبيب الفقيه أبو الطيب المقدسي الواعظ إمام جامع الرابعة أخذ عن الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي وسمع منه، ومن الحسن بن علي الطبري، وعنه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر وله ديوان شرع فمنه: يا ناظري ناظري وقف على السهر ... ويا فؤادي فؤادي منك في ضرر ويا حياتي حياتي غير طيبة ... وهل تطيب بغير السمع والبصر ويا سروري سروري قد ذهبت به ... وإن تبقى قليل فهو في الأثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 والعين بعدك يا عيني مدامعها ... تسقي مغانيك ما يغني عن المطر ، مات تقريبًا في سنة تسع وعشرين وخمس مائة رحمه الله وإيانا. أحمد بن محمد بن عبد القاهر أبو نصر الطوسي ثم الموصلي ومن ذريته خطباؤها، تفقه ببغداد على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وسمع من الحافظ أبي بكر الخطيب، وابن النقور، وأبي جعفر ابن المسلمة وغيرهم، وعنه ابنه أبو الفضل عبد الله، والشيخ أبو الفرج ابن الجوزي، وقال: كان لطيفًا عليه نور أنشدني: على كل حال فاجعل الحزم عدة ... تقدمه بين الوائب والدهر فإن نلت خيرًا نلته بعزيمته ... وإن قصرت منك الخطوب فعن عذر ، توفي بالموصل في ربيع الأول سنة خمس وعشرين وخمس مائة رحمه الله تعالى. إسماعيل بن عبد الملك بن علي أبو القاسم الطوسي الحاكمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 تلميذ إمام الحرمين ورفيق الغزالي في رحلته إلى الشام والحجاز، وسمع الحديث من أحمد بن الحسن الأزهري وأبي صالح المؤذن، مات سنة تسع وعشرين وخمس مائة، ودفن إلى جانب رفيقه الغزالي. أسعد بن أبي نصر بن الفضل أبو الفتح وأبو سعيد العمري فخر الدين الميهني أحد أئمة الشافعية في الفقه والخلاف وله تعليقة مشهورة به منسوبة إليه قليلة النظير، تفقه بمرو ورحل إلى غزنة، واشتهر بتلك البلاد، وشاع فضله، وتخرج به جماعة، ودرس بالنظامية ببغداد مرتين سنة سبع وخمس مائة، ثم عزل سنة ثلاث عشرة ثم عاد سنة سبع عشرة إليها، وانتفع به الطلبة والفضلاء بطريقته وحدة قريحته وجودة ذكائة وفطنته، ذكره أبو القاسم ابن عساكر الحافظ في طبقات الأشعرية، وقال: تفقه على أبي المظفر السمعاني، وأخذ الأصول من شيخنا أبي عبد الله الفراوي، وذكر غيره أنه كان ذا أموال وثروة وحشمة، وأنه وجه رسولا من جهة السلطان إلى مرو، ثم توجه إلى بغداد، ثم إلى همذان فتوفي بها في سنة سبع وعشرين وخمس مائة عن سبع وستين سنة، وذكر الشيخ تقي الدين في الطبقات أنه لما حضرته الوفاة قال لمن عنده: اخرجوا عني، قال بعضهم: فوقفت أسمع ما يقول، فإذا هو يلطم وجهه، ويقول: واحسرتا على ما فرطت في جنب الله، فلم يزل يكرر ذلك حتى مات رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 الحسن بن إبراهيم بن علي بن برهون أبو علي الفارقي الشافعي العلامة ولد بميافارقين سنة ثلاث وثلاثين وأربع مائة، وتفقه بها على أبي عبد الله محمد بن بيان الكازروني تلميذ المحاملي، ثم رحل إلى بغداد، فأخذ عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي ولازمه وانتفع به، وكان من الأذكياء المعدودين، فسمع كتابه المهذب، ثم لازم ابن الصباغ لحفظ كتابه الشامل أيضًا وكان يكرر عليهما دائمًا، ويقرأ من الماضي كل ليلة ربع أحد الكتابين ذكره أبو سعد ابن السمعاني، قال: وكان إمامًا زاهدا ورعًا قائما بالحق ولي قضاء واسط وسكنها إلى حين وفاته ومتعه الله بحواسه، وقد سمع الحديث من أبي جعفر ابن المسلمة، وأبي الغنائم ابن المأمون، وأبي إسحاق الشيرازي، وروى عنه تلميذ أبو سعد بن أبي عصرون والصائن ابن عساكر، وتوفي بواسط في محرم سنة ثمان وعشرين وخمس مائة، عن خمس وتسعين سنة رحمه الله تعالى. الحسن بن مسعود بن الفراء أبو علي البغوي أخو محيي السنة أبي محمد البغوي، تفقه على أخيه، وسمع الحديث من أبي بكر أحمد بن خلف الشيرازي ومظفر بن منصور الرازي، توفي بمرو الروذ في تاسع عشر صفر سنة ثمان وعشرين وخمس مائة، عن سبعين سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 رحمه الله وكان الناس يمشون في جنازته حفاة على الثلج احتفالا بأمره، وذكر ابن الصلاح في طبقاته، أن بعضهم أنشد بين يدي أبي علي هذا: ويوم تولت الأظعان عنا ... وفوض حاضري أرن حادي مددت إلى الوداع يدًا وأخرى ... حبست بها الحياة على فؤادي ، فتواجد رحمه الله، وخلع شيئًا من ثيابه على قائلها. وأنشده آخر: أيا حمامة بطن الواديين قفى ... على الأراكة بين الظل والشجر قفى أطارحك أنواع الشجى سحرًا ... فإن أحبابنا ساروا مع السحر ، فتواجد أيضًا وجرى وقت كأحسن ما يكون. الحسين بن عبد الرزاق أبو علي الأبهري الفقيه المعروف بالقاضي الوجيه قاضي همذان تفقه ببغداد وسمع علي بن محمد بن محمد الخطيب الأنباري وجماعة، وكان صدوقًا محمودًا في تحمله ذا همة، له غور وفهم، ولد سنة ست وأربعين وأربع مائة، وتوفي في سنة ثلاثين وخمس مائة أو في التي بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 الحسين بن محمد بن أحمد بن جعفر أبو عبد الله النهرواني ثم الدمشقي المقري الفقيه الشافعي سمع أبا الحسين بن النقور، ويحيى بن أحمد الشيبي وغيرهما، قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: وكتبت عنه، وكان ثقة خيرًا يؤم الناس بمسجد سوق الغزل المعلق، ويسكن المدرسة الأمينية ويقرئ القرآن، وتوفي بقرية الحديبية بالغوطة عند أخيه أحمد الفلاح سنة ثلاثين وخمس مائة. سلطان بن يحيى بن علي بن عبد العزيز بن علي الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن الوليد بن القاسم بن الوليد أبو المكارم القرشي الدمشقي نائب الحكم بها ويعرف بزين القضاة، وسمع من الفقيه نصر بن إبراهيم الدمشقي وأبي القاسم بن أبي العلاء، وببغداد من بيان الوزان، وبأصبهان من أبي علي بن الحداد. وروى عنه ابن أخته الحافظ أبو القاسم ابن عساكر، وقال: وقرأ على بالروايات وكان واعظًا فصيحًا، وعظ بالنظامية ببغداد وخلع عليه الخليفة، وصلى بها التراويح قال: ووعظ بالجامع في مكان السبع الكبير، وكان يومًا مشهودًا، وناب في الحكم عن أبيه بدمشق، وتوفي في آخر يوم من سنة ثلاثين وخمس مائة ودفن بتربة لهم عند مسجد القدم رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 طاهر بن محمد بن طاهر بن سعيد أبو المظفر البروجردي تفقه ببغداد على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وسمع ابن هزارمرد، وابن النقور ثم جاور بمكة وولي القضاء بها، وحدث عنه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر، ومات نيف وعشرين وخمس مائة، وحكى ابن الصلاح في الطبقات عن أبي سعد السمعاني: أنه كان خيرًا دينًا صالحًا حسن الخط جيده رحمه الله تعالى. عبد الله بن أحمد بن حسن بن طاهر البغدادي العلاف الشافعي الفرضي سمع من هناد النسفي، وابن هزارمرد الصريفيني وجماعة، وعنه جماعة منهم أبو المعمر الأنصاري، ويحيى بن يونس، مات في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وخمس مائة. عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن نصير أبو سعد البروجردي الفقيه الشافعي تفقه بالشيخ أبي إسحاق الشيرازي ببغداد وسمع بها من أبي الحسن بن المهتدى بالله وعبد الصمد بن المأمون، قال ابن السمعاني: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 حدثنا عنه أحمد بن حامد الثقفي، وعبد الغفار بن يحيى الهمذاني، توفي سنة إحدى وعشرين وخمس مائة. عبد الغافر بن إسماعيل بن أبي الحسين عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الحافظ العالم الفقيه البارع أبو الحسن الفارسي النيسابوري ذو الفنون والمصنفات، تلميذ إمام الحرمين، ولزمه أربع سنين ورحل إلى خوارزم، وغزنة والهند، ولقي العلماء ثم رجع إلى نيسابور، وولي خطابتها وسمع الحديث من جده لأمه أبي القاسم القشيري، وأحمد بن منصور المغربي، وأحمد بن الحسن الأزهري، وأبي بكر بن خلف، وخلق كثير، وأجاز له أبو سعد الكنجروذي وأبو محمد الجوهري وجماعة آخرون، وحدث عنه بالإجازة الحافظ أبو القاسم ابن عساكر، وبالسماع جماعة منهم أبو سعد عبد الله بن عمر الصفار، توفي سنة تسع وعشرين وخمس مائة عن ثمان وسبعين سنة. عبد الكريم بن علي بن أبي طالب الأستاذ أبو القاسم الرازي تلميذ أبي حامد الغزالي، قال ابن السمعاني: هو إمام ظريف عفيف حسن الطريقة، تفقه كثيرًا وحصل المذهب والخلاف، وكان رشيق العبارة في النظر، صحب الغزالي، وحصل كتبه، وأقام بهراة بين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 الصوفية مدة، وسمع ببغداد من أبي بكر بن الخاضبة، وأبي بكر ابن سيرين، روى لنا عنه علي بن أحمد الهروي، وأبو النصر الفارس بهراة، توفي ظنا بفارس في سنة ثنتين وعشرين وخمس مائة. عبد الواحد بن محمد بن نصر بن غانم أبو القاسم القرميسيني بليدة من طوان وهمذان، الشافعي، تفقه على أبي المظفر السمعاني، وكان إمامًا فقيهًا بارعًا، وسمع ببغداد من مالك البانياسي، وعلي بن محمد بن محمد الأنباري، وسمع منه جماعة وتوفي بكرمانشاه في سنة ثلاثين وخمس مائة. عبيد الله بن عبد الكريم بن هوازن القشيري أبو الفتح ابن الأستاذ أبي القاسم القشيري وهو أحد الأخوة الستة، وكان فاضلًا بارعًا، سمع مصنفات والده، وسمع من غيره، توفي سنة إحدى وعشرين وخمس مائة عن سبع وسبعين سنة ذكره ابن الصلاح. الفضل بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد الإمام أمير المؤمنين الخليفة المسترشد بالله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 وهو الذي صنف أبو بكر الشاشي كتابه العمدة من أجله، وباسمه اشتهر الكتاب، فإنه كان يلقب قبل الخلافة وبعدها بعمدة الدين والدنيا وعدة الإسلام والمسلمين، بويع بالخلافة سنة ثنتي عشرة وخمس مائة وهو ابن سبع وعشرين سنة، وكان ذا رأي وفض وهيبة وشجاعة، وجرت له فصول وخطوب إلى أن أسر في آخر عمره وحمل إلى أذربيجان، فقتله الملاحدة في سنة تسع وعشرين وخمس مائة رحمه الله تعالى ذكره ابن الصلاح. عثمان بن علي بن شراف أبو سعد العجلي بالتحريك البنجديهي الفقيه الشافعي أحد تلامذة القاضي حسين قال أبو سعد السمعاني: وسمع من شيخه وأبي مسعود محمد بن أحمد بن عبد الله البجلي الحافظ، وأبي عثمان العيار وأجاز للسمعاني، قال: وكان إمامًا ورعًا زاهدًا لا يمكن أحدًا أن يغتاب أحدًا في مجلسه، توفي ببلده بينج دية في شعبان سنة ست وعشرين وخمس مائة، وكان مولده سنة خمس وثلاثين وأربع مائة. علي بن سعادة أبو الحسن الجهني الموصلي السراج أحد علماء الموصل من الشافعية قال ابن السمعاني: هو إمام ورع عامل بعلمه، تفقه على أبي حفص الناعوساني إمام الجزيرة، وارتحل إلى بغداد وسمع من أبي نصر الزينبي، وعلق التعليقة عن أبي حامد الغزالي، وحدثنا عنه عبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 الكريم بن أحمد، ومافند بن فناخسرو الأصبهاني، وتوفي بالموصل سنة تسع وعشرين وخمس مائة، ودفن بجانب المعافى ابن عمران. عمر بن محمد بن علي الإمام أبو حفص الشيرزي السرخسي قال أبو سعد السمعاني: هو أستاذنا وشيخنا، كان على سيرة السلف من التواضع وترك التكلف، وكان إمامًا محققًا كثير التصانيف في الخلاف والنظر، كثير التلاوة، وتفقه على جدي أبي المظفر السمعاني، وكان من أعيان أصحابه وعلى أبي حامد الشجاعي، وسمع الحديث من أبي علي السرخسي، وأبي الحسن محمد بن محمد بن زيد العلوي، ومحمد بن الملك المظفري، ومحمد بن أحمد بن ماجه الأبهري، وسمعت منه سنن أبي داود، وعلقت عنه من الفقه، توفي في أول رمضان سنة تسع وعشرين وخمس مائة. غانم بن حسين الموشيلي أبو الغنائم الأرموي الأذربيجاني الفقيه الشافعي تخرج بالشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وبرع حتى عاد له ثم رحل إلى نيسابور، فجلس إلى إمام الحرمين، وسأله أن يقرأ عليه شيئًا من علم الكلام، قال: فنهاني عن ذلك، وقال: لو استقبلت من أمري ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 استدبرت ما قرأته. وروى ذلك ابن السمعاني: وسمع الحديث من أبي الصريفيني، وروى لنا عنه أبو بكر القضايري والفرج بن أبي بكر الأرموي، قال: وسمعت الفرج يقول: توفي بأرمينية في حدود سنة خمس وعشرين وخمس مائة وقد بلغ التسعين. الفضل أبو منصور أمير المؤمنين المسترشد بالله ابن أمير المؤمنين المستظهر بالله أحمد ابن أمير المؤمنين المقتدي بالله العباسي استخلف بعد موت أبيه في العشرين من ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وعمره سبع وعشرون سنة، فأقام في الخلافة سبع عشرة سنة وثمانية أشهر وأيامًا، فمجموع عمره خمس وأربعون سنة وأشهرا، أحيا ما كان مات من حرمة الخلفاء العباسيين، وأقام العدل ووهى الباطل وشيد أركان الشريعة وغزا بنفسه الكريمة، وكان يحب العلماء، وهو معدود من الشافعية لأنه اشتغل على الإمام أبي بكر الشاشي، وصنف له الشاشي العمدة في الفقه وبه اشتهر اسمها لأنه إذ ذاك يقال له: عمدة الدنيا والدين، ذكره الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح في طبقات الشافعية، قلت: وكان جليسه وسميره ومؤدب ولده الراشد الإمام أبو العباس أحمد بن الرطبي أحد أعيان الشافعية وأئمتهم كما تقدم، وقد سمع الحديث من أبي القاسم بن بيان، وعبد الوهاب بن هبة الله السيبي، وقرأ عليه محمد بن عمر بن مكي الأهوازي أحاديث في مركبه، وهو يسير من المدائن إلى الحلة والأهواز يقرأ ماشيا وسمعها جماعة، قال ابن السمعاني: وروى لنا عنه وزيره علي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 بن طراد، وإسماعيل بن طاهر، وكان له شعر جيد فمنه: أنا الأشقر المدعو بي في الملاحم ... ومن يملك الدنيا بغير مزاحم ستبلغ أقصى الروم خيلي وتنتضي ... بأقصى بلاد الصين بيض صوارم ، هجمت عليه الباطنية وهو بخيمة يظاهر مراغة، فقتلوه في سابع عشر ذي القعدة سنة تسع وعشرين وخمس مائة، ولما وصل خبره إلى بغداد كان يومًا مشهودًا لم يسمع قبله بمثله في البكاء والنوح، وغسل وكفن ونقل إلى بغداد رحمه الله تعالى وأكرمه. محمد بن أحمد بن أبي الفضل الإمام أبو الفضل الماهياني الشافعي تفقه بمرو على أبي الفضل التميمي بنيسابور، على إمام الحرمين، وببغداد على أبي سعد المتولي، وبرع في المذهب، ودرس وناظر، وكان ورعًا خيرًا كثير المحفوظ، سمع الحديث من أبي الحسن الواحدي وأبي صالح المؤذن، وأبي بكر بن خلف وغيرهم، وتوفي ببلده ماهيان من معاملة مرو في رجب سنة خمس وعشرين وخمس مائة، وقد ناطح التسعين رحمه الله، قال أبو سعد السمعاني: كان إمامًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 فاضلًا ورعًا، حسن السيرة، جميل الأخلاق، مليح المحاورة، كثير المحفوظ، تام المعرفة بالفقه، سافر الكثير وتغرب مدة، وذكر أنه اشتغل على إمام الحرمين والمتولي، سمع منهما الحديث ومن جماعة وأرخ وفاته كما تقدم. محمد بن أحمد بن يحيى أبو عبد الله الأموي العثماني الديباجي المقدسي النابلسي نزيل بغداد، تفقه على الشيخ نصر بن إبراهيم المقدسي، قال ابن الجزري: وكان عالمًا في مذهب الأشعري، وروى عن الحسين بن علي الطبري وعنه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر وقال: كان يعظ ويفتي على مذهب الشافعي، وله حرمة عند الناس وحج مرات. قال المبارك بن كامل: وهو ممن روى، إمام لم أر في زمانه مثله، جمع الورع والزهد والعلم والمروءة وحسن الخلق، وكان يوم جنازته يومًا مشهودًا، توفي في صفر سنة سبع وعشرين وخمس مائة عن خمس وستين سنة رحمه الله تعالى. محمد بن عبد الله بن أحمد الإمام أبو نصر الأرغياني الفقيه الشافعي أحد أصحاب إمام الحرمين، تفقه عليه وسمع منه الحديث أبو بكر بن خلف، وأبو الحسن الواحدي، وأبو سهل الحفصي، صنف ودرس، وكان إماما مشهورا بالعبادة والنسك، توفي بنيسابور في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وخمس مائة. محمد بن عبد الكريم بن أحمد بن طاهر أبو عبد الله بن أبي سعد الرازي الوزان الفقيه الشافعي تفقه على والده ثم على أبي بكر الخجندي، ثم جالس الشيخ أبا إسحاق الشيرازي وانتفع به، قال أبو سعد السمعاني: قد علينا مرو وناظر الحنيفة وظهر كلامه، وكان محققًا مدققًا قادرًا على التقدير، سمع ببغداد أبا الحسن ابن النقور، وبأصبهان المستظهري بن عبد الواحد المراني، وحدث وتوفي بالري في حدود سنة خمس وعشرين وخمس مائة رحمه الله. محمد بن علي بن محمد العرقي أبو سعيد السمناني سمع أبا القاسم القشيري، وكان من مريديه، قال ابن السمعاني: كان أحد المشهورين بالفضل والعلم والزهد، وكان متحليا بالأخلاق الزكية رأيت الناس مجمعين بالثناء عليه، وتوفي قبل سنة ثلاثين وخمس مائة. محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد بن أبي العباس أبو عبد الله الصاعدي الفراوي النيسابوري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 ويعرف بفقيه الحرم لأنه أقام بالحرمين مدة ثلاثين سنة ينشر العلم ويسمع الحديث ويعظ الناس ويذكرهم، تفقه على زين الإسلام القشيري في الأصول والتفسير، ثم اختلف إلى مجلس إمام الحرمين ولازم درسه ما عاش، وتفقه عليه وعلق عنه الأصول، وصار من جملة المذكورين من أصحابة أجاز له شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني في سن إحدى وأربعين وأربع مائة، وسمع منه بعد قليل وسمع صحيح مسلم من عبد الغافر الفارسي، وسمع جزء ابن نجيد من عمر بن مسرور، وسمع أيضًا من أبي سعد الكنجروذي، وأبي بكر البيهقي والشيخ أبي إسحاق الشيرازي لما قدم رسولا إلى نيسابور وخلق وتفرد بصحيح مسلم، ودلائل النبوة، والأسماء والصفات، والدعوات الكبير، والبعث والنشور للبيهقي، قاله السمعاني، وروى عنه أبو سعد السمعاني، والحافظ أبو القاسم ابن عساكر، وأبو الحسن المرادي، ومحمد بن علي بن صدقة الحراني، وخلق آخرهم المؤيد الطوسي، قال السمعاني: هو إمام مفتي مناظر واعظ، حسن الأخلاق والمعاشرة، كثير التبسم، جواد مكرم للغرباء، وما رأيت في شيوخنا مثله، وقال عبد الغافر الفارسي: هو فقيه الحرم البارع في الفقه والأصول الحافظ للقواعد نشأ بين الصوفية، ووصل إليه بركات أنفاسهم. وقال أبو سعد السمعاني: سمعت عبد الرشيد بن علي الطبري بمرو، يقول: الفراوي ألف راو، قلت: إنه أملى ألف جزء، وقرئ عليه صحيح مسلم شيئًا كثيرًا، وتوفي في الحادي والعشرين من رمضان سنة ثلاثين وخمس مائة بنيسابور، ودفن إلى جانب إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة، وكان يومًا مشهودًا رحمه الله تعالى، فقال: قلت: وقع لنا صحيح مسلم بكماله من طريقة ولله الحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 محمد بن محمد بن يوسف أبو نصر الفاشاني قرية من قرى مرو وتفقه على الإمام أبي الفضل محمد بن عبد الرازق الماخواني، قال ابن السمعاني: هو إمام ثبت أديب غزير الفضل، حسن السيرة، عفيف ورع، حسن الأخلاق، كانت له يد واسعة في اللغة والأخبار، سمع جدي أبا المظفر السمعاني، وأبا الفضل الماخواني، وسمعت منه الكثير، وتوفي في سابع عشر المحرم سنة تسع وعشرين وخمس مائة، وله خمسة وسبعون سنة رحمه الله. مروان بن علي بن سلامة أبو عبد الله الطنزي مدينة بديار بكر، الفقيه الشافعي، قدم فتفقه بها على الغزالي وأبي بكر الشاشي، وسمع الحديث بها من مالك البانياسي، وعاصم بن الحسن، ثم اتصل بقاسم الدولة زنكي بن أقسنفر صاحب الموصل، ووزر له، وكان له شعر وفضائل، وروى عنه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر، وسعد الله بن محمد الدقاق، ومات في حدود سنة ثلاثين وخمس مائة. منصور بن محمد بن علي أبو المظفر الطالقاني نزيل مرو، تفقه على الإمام أبو المظفر السمعاني، قال أبو سعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 السمعاني: كان منبسطا في شبيبته داخلا في الأمور، ثم حسنت طريقته، وترك ما لا يعنيه، واشتغل بالعبادة، وأقبل على المطالعة، وحج، وحدث ببغداد، وكان لسنا فصيحا، سمع جدي، والفضل بن أحمد بن منويه، وإسماعيل بن الحسين العلوي، قال: وكتبت عنه، وكذا سمع منه الحافظ ابن عساكر ببغداد، وتوفي بنواحي أبيورد في رمضان سنة تسع وعشرين وخمس مائة رحمه الله. منصور بن محمد بن محمد بن محمد بن الطيب بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب الهاشمي العلوي الفاطمي العمري أبو القاسم الهروي قال أبو سعد السمعاني: كان جليل القدر عظيم المنزلة، فقيهًا مناظرا أحد الزهاد الأذكياء، حسن الكلام مليح المحاورة عارفا بالأمور الجليلة والدقيقة، من رجال الزمان وأجلهم، وكلماته سائرة بين الناس يتداولونها في المذاكرة، مات سنة سبع وعشرين وخمس مائة ذكره ابن الصلاح رحمه الله. هاشم بن علي بن إسحاق أبو القاسم الأبيوردي الفقيه الشافعي أحد تلامذة إمام الحرمين سمع نيسابور من أبي بكر بن خلف، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 وطاهر بن محمد الشحامي، وببغداد من أبي الخطاب بن البطر، وعنه ابنه أبو حامد، مات عن سبعين سنة في ربيع الآخر سنة اثنين وعشرين وخمس مائة رحمه الله. هبة الله بن أحمد بن محمد بن هبة الله بن علي بن فارس بن الأكفاني الأمين أبو محمد بن أبي الحسين الأنصاري الدمشقي المعدل محدث دمشق، قال أبو القاسم ابن عساكر: تفقه على القاضي المروزي مدة لكنه لم يحكم الفقه، وكان ينظر في الوقوف، وترك الشهود، وسمع أباه، وأبا القاسم الجبائي، وأبا بكر الخطيب وجماعة، وعنه جماعة منهم السلفي والخشوعي، وأبو بكر بن العربي الفقيه المالكي، والحافظ ابن عساكر، وقال: سمع منه الكثير، وكان ثقة ثبتا متيقظا معنيًا بالحديث وجمعه، غير أنه كان عسيرا بالتحديث، وقال السلفي: كان حافظًا مكثرًا ثقة، كتب ما لم يكتبه أحد، وكتب تاريخ الشام، قال ابن عساكر: توفي في سادس المحرم سنة أربع وعشرين وخمس مائة عن ثمانين سنة رحمه الله. يحيى بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل بن طاهر الضبي المحاملي البغدادي الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 كان بارعا في المذهب له مصنف في الفقه، وكان يجاور بمكة ويتردد إلى بغداد، وكان كثير العبادة، سمع ابن النقور، وابن المسلمة، وعنه أبو القاسم الدمشقي، وأبو المعمر الأنصاري، توفي بمكة في جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وخمس مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 المرتبة الرابعة من الطبقة السابعة من أصحاب الشافعي رضي الله عنه فيها من أول سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة إلى آخر سنة أربعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 إبراهيم بن أحمد بن محمد الإمام العلامة أبو إسحاق المروروذي الفقيه الشافعي تفقه على أبي المظفر السمعاني، وسمع الكثير ثم صارت إليه الرحلة في طلب العلم، قال أبو سعد السمعاني: وأوصى بنا أبي إليه، فكان يقوم بأمورنا أتم قيام، وكان من العلماء العاملين، وحدث بالكتب الكبار، وقتل في ربيع الأول سنة ست وثلاثين وخمس مائة عن ثلاث وثمانين سنة رحمه الله. إبراهيم بن محمد بن منصور بن عمر أبو الوليد الكرخي من كرخ همدان الفقيه الشافعي أحد أصحاب الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، قرأ عليه شيئًا من الفقه، وتفرد برواية أمالي ابن شمعون عن خديجة بنت محمد الشاهجانية، وسمع أيضًا من ابن النقور، والحافظ أبي بكر الخطيب وغيرهم، وعنه ابن عساكر، وأبو سعد السمعاني، وابن طبرزد، وعبد العزيز بن معالى بن منينا وجماعة، وآخر من حدث عنه ترك بن محمد العطار، وكان شيخًا صالحًا معمرًا، وكان مقيمًا ببغداد يسكن في دار الشيخ أبي حامد الإسفراييني، مولده تقريبًا في سنة خمسين وأربع مائة، وتوفي في التاسع والعشرين من ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وخمس مائة رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 أحمد بن سعد بن علي بن الحسن بن القاسم بن عنان أبو علي العجلي الهمذاني المعروف بالبديع سمعه أبوه ورحل بنفسه إلى أصبهان وبغداد والكوفة. وروى عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وبكر بن حميد، ويوسف بن محمد الهمذاني الخطيب، وسليمان بن إبراهيم الحافظ، وابن النظر وجماعة، وعنه جماعة منهم: الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي، وأبو القاسم ابن عساكر، والحافظ، وأبي سعد السمعاني، وقال: هو شيخ إمام فاضل ثقة كبير، جليل القدر، واسع الرواية، وله نظم جيد، وقد ذكره شيرويه في الطبقات فقال: صدوق فاضل يرجع إلى نصيب من كل العلوم أدبا وفقها وحديثا وتذكيرا، وكان يراعي الناس ويداريهم ويقوم بحقوقهم مفضولا بين الخاص والعام، مولده سنة ثمان وخمسين وأربع مائة، ومات في رجب سنة خمس وثلاثين وخمس مائة، وقبره يزار رحمه الله. أحمد بن محمد بن ثابت بن حسن بن علي أبو سعد الأصبهاني الشافعي تفقه على والده الإمام أبي بكر الخجندي وبرع في المذهب، وولى تدريس النظامية غيره ولزم بيته، قال أبو سعد السمعاني: سمع من الحسين بن عمر بن يونس الحافظ، وعلي بن عبد الرحمن بن عليك النيسابوري، وقرأت عليه جزءًا، ومات في شعبان سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة عن ثمان وثمانين سنة رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 إسماعيل ابن الحافظ أبي صالح المؤذن أحمد بن عبد الملك بن النيسابوري أبو سعد الفقيه أحد الأئمة الشافعية تفقه على إمام الحرمين، وقرأ عليه الإرشاد وعلى أبي المظفر السمعاني، وسمعه أبوه منه، ومن أبي حامد أحمد بن الحسن الأزهري، والحاكم أحمد بن عبد الرحيم الإسماعيلي، وشبيب بن أحمد البستيغي، وعبد الكريم القشيري، والفقيه أبي الحسن بن يوسف الجويني، وأبي سهل الحفصي وخلق، وأجاز له أبو سعد الكنجروذي، وروى عنه الحافظ محمد بن طاهر القدسي مع تقدمه في معجم البلدان، وابن عساكر، وأبو موسى المدين، وأبو الفرج ابن الجوزي، والقاضي أبو سعد بن أبي عصرون وجماعة آخرون، وقال أبو سعد السمعاني: كان ذا رأي، وعقل وتدبير، وفضل وافر، وعلم غزير، ظهر له العلم والجاه والثروة وبقي مكرما بكرمان، وقال الحافظ أبو موسى المديني: قدم علينا مرارًا رسولًا من السلطان كرمان وكان واعظًا، وذكره الحافظ ابن عساكر في تبيين كذب المفترى، وفي طبقات الأشعرية، فقال: كان إمامًا في الأصول والفقه، حسن النظر مقدمًا في التذكير، وكان وجيهًا عند سلطان كرمان، معظمًا في أهلها محترمًا بين العلماء في سائر البلاد قرأ الإرشاد على إمام الحرمين، وتوفي بكرمان، قال ابن الجوزي: ليلة عيد الفطر، وقال ابن موسى المديني: في أواخر شوال سنة اثنين وثلاثين وخمس مائة رحمه الله. أنا شيخنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 الحافظ الذهبي: أنبأنا أحمد بن سلامة، عن محمد بن إسماعيل، أن محمد بن طاهر أجاز لهم قال: سمعت أبا سعد إسماعيل بن أحمد النيسابوري ببرد ستردار مملكة كرمان يقول: سمعت يعقوب بن أحمد الصيرفي، سمعت أبا عمرو، والبحتري الحافظ، سمعت محمد بن موسى الفقيه، سمعت إبراهيم بن محمد المروزي، سمعت أحمد بن سعيد الرباطي، سمعت أحمد بن حنبل، يقول: طلبنا هذا العلم بالذل فلا نعطي إلا بالذل. إسماعيل بن عبد الواحد بن إسماعيل بن محمد أبو سعيد البوشنجي الفقيه الشافعي نزيل هراة كان عالمًا بالمذهب درس وأفتى وصنف قال ابن السمعاني: وكان كثير العبادة خشن العيش قانعًا باليسير، سمع أبا صالح المؤذن وأبا بكر بن خلف، ومحمد بن أحمد، وقدم بغداد بعد الخمس مائة، فسمع أبا علي بن بيان وغيره، وتفقه وبرع في المذهب، وعاش خمسا وسبعين سنة، وروى عنه أبو سعد السمعاني وأبو القاسم ابن عساكر، وقال أبو القاسم الرافعي: هو إمام غواص متأخر فقيه من لقيناه، وقال عبد الغافر: شاب نشأ في عبادة الله، مرضي السيرة على منوال أبيه، وهو فقيه مناظر مدرس زاهد، مات بهراة سنة ست وثلاثين وخمس مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي بن أحمد بن طاهر الإمام الحافظ الفقيه الكبير أبو القاسم التميمي الطلحي الأصبهاني الجوزي الملقب بقوام السنة، أحد أئمة الشافعية وجهابذة الحديث ونقادهم، ولد في تاسع شوال سنة سبع وخمسين وأربع مائة، فسمع الحديث صغيرا ببلده، ورحل وطوف وجال وصنف وتكلم في الجرح والتعديل وأسماء الرجال، وجاور بمكة سنة، وروى عن إبراهيم بن محمد الطيان، وأبي عمرو بن منده، وأبي منصور بن سكرويه، وابن ماجه الأبهري، وابن أبي نصر الذهبي البغدادي، وهو أكبر شيخ له، وبنيسابور من أبي نصر محمد بن سهل السراج، وعثمان بن محمد الملحمي، وأبي بكر بن خلف وجماعة. وروى عنه جماعة منهم أبو سعد السمعاني، وأبو القاسم ابن عساكر، وأبو موسى المديني وأفراد، له ترجمة ضخمة وزعم أنه القائم على رأس المائة الخامسة المبشر به في الحديث المشهور، وقال فيه: هو الحافظ، إمام أئمة وقته، وأستاذ علماء عصره، وقدوة أهل السنة في زمانه، قال: ولا أعلم أحدا عاب عليه قولا ولا فعلا ولا عانده أصلا في شيء إلا وقد نصره الله، وكان نزه النفس عن المطالع لا يرحل على السلاطين، ولا على المتصلين بهم، قد أخلى دارًا من ملكه لأهل العلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 مع خفة ذات يده، ولو أعطاه الرجل الدنيا بأسرها لم يرتفع عنده بذلك يشهد بجميع ذلك الموافقون والمخالفون، بلغ عدد أماليه نحوًا من ثلاثة آلاف وخمس مائة مجلس، وكان يحضره المسندون والأئمة والحفاظ، قال: وله التفسير في ثلاثين مجلدًا كبارًا وسماه الجامع، وله كتب الإيضاح في التفسير في أربع مجلدات، والمعتمد بخمس مجلدات، والموضح في ثلاث مجلدات، وكتاب التفسير عدة مجلدات، وكتاب السنة مجلد، والترغيب والترهيب، وكتاب سير السلف مجلد ضخم، وشرح صحيح البخاري، وشرح صحيح مسلم، وكان قد صنفهما ابنه فأتمهما، وكتاب دلائل النبوة مجلد، وكتاب المغازي مجلد، وكتاب صغير في السنة، وكتاب الحكايات مجلدة ضخمة، وكتاب الخلفاء في جزء، وتفسير كتاب الشهاب باللسان الأصبهاني، وكتاب التذكرة نحو ثلاثين جزءًا، ثم قال أبو موسى: أنا أبو زكريا يحيى بن منده الحافظ إذنا في كتاب الطبقات: إسماعيل بن محمد الحافظ أبو القاسم حسن الاعتقاد جميل الطريقة مقبول القول، قليل الكلام ليس في وقته مثله، وقال أبو مسعود عبد الجليل بن محمد كوتاه: سمعت أئمة بغداد يقولون: ما رحل إلى بغداد بعد أحمد بن حنبل رجل أفضل وأحفظ من الشيخ الإمام إسماعيل. قال أبو موسى: وأما علم الفقه فقد شهد فتاويه في البلدان والرساتيق بحيث لم ينكر أحد شيئًا من فتاويه في المذهب وأصول الدين والسنة، وكان يجيد النحو وصنف إعراب القرآن، ثم أخذ يطنب في مدحه ونعته بالسنة المثلى وطريقة السلف، والقول بما ورد من غير تكييف ولا تشبيه، قال: وكان ولده أبو عبد الله محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 قد ولد في حدود سنة خمس مائة، ونشأ فصار إمامًا في العلوم كلها حتى ما كان يتقدمه كبيرًا جدلي، وفيه في الفصاحة والبيان والفهم والذكاء، وكان أبوه يفضله على نفسه في اللغة وجريان اللسان، وقد شرح الصحيحين فأملى من كل واحد منهما صدرًا صالحًا، وله تصانيف كثيرة مع صغر سنة، ثم اخترمته المنية بهمذان سنة ست وعشرين، فكان والده يروي عنه وجادة، وكان شديد الفجعة عليه، قال: وسمعت من يحكي عنه في اليوم الذي قدم بولده ميتًا، وجلس للتعزية، جدد الوضوء في تلك اليوم مرات قريبًا من ثلاثين مرة كل ذلك يصلي ركعتين، قال: وسمعت غير واحد من أصحابه أنه كان يملي شرح مسلم عند قبر ولده أبي عبد الله، فلما كان يوم ختم الكتاب عمل مأدبة، وحلاوة كثيرة، وحملت إلى المقبرة رحمهما الله، وقال أبو سعد السمعاني: هو أستاذي في الحديث، وعنه أخذت هذا القدر، وهو إمام في التفسير والحديث واللغة والأدب، عارفًا بالمتون والأسانيد، وكنت إذا سألت عن الغوامض والمشكلات أجاب في الحال بجواب شاف، جمع الكثير وكتب وذهب إلى أصوله في آخر عمره، وأملى بجامع أصبهان قريبًا من ثلاثة آلاف مجلس وسمعته يقول: والدك ما كان يترك مجلس إملائي، قال ابن السمعاني: وكان والدي يقول: ما رأيت بالعراق من يعرف الحديث ويفهم غير اثنين إسماعيل الجوزي بأصبهان، والمؤتمن الساجي ببغداد. قال ابن السمعاني: وسمعت أبا القاسم الحافظ بدمشق يثني عليه، وقال: رأيته قد ضعف وساء حفظه، وكذا أثنى عليه غير واحد من الحفاظ. وقال السلفي: كان فاضلا في العربية ومعرفة الرجال، سمعت أبا عامر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 العبدري، يقول: ما رأيت شخيًا ولا شابًا قط مثله، ذاكرته فرأيته حافظًا للحديث عارفًا بكل علم متفننا. وقال الحافظ أبو موسى: حدثنا عنه غير واحد من مشايخنا في حال صبايته بمكة وبغداد وأصبهان وأصمت في صفر سنة أربع وثلاثين، ثم فلج بعد مدة، وتوفي بكرة يوم الأضحى سنة خمس وثلاثين وخمس مائة، وصلى عليه أخو أبي المرجى، واجتمع في جنازته خلق لم أر مثلهم رحمه الله. وقال الحافظ محمد بن ناصر: حدثني أبو جعفر محمد بن الحسن بن محمد ابن أخي الحافظ إسماعيل، حدثني أحمد الأسواري الذي تولى غسل عمي، وكان ثقة: أنه أراد أن ينحي عن سوأته الخرقة لأجل الغسل، فجذبها إسماعيل من يده وغطى بها فرجه، فقال الغاسل: أحياة بعد موت! أكز الأمير الكبير أسد الدين الحاجب بدمشق واقف المدرسة الأكزية بدمشق وكانت له أموال وحدة وحواصل، فلما كان جمادى الآخرة من سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة قبض عليه، وسملت عيناه وأحيط على أمواله، وسجن وتفرق عنه أصحابه، وكان آخر العهد به أثابه الله. الحسن بن سعيد بن أحمد بن عمرو بن المأمون بن عمرو أبو علي قاضي الجزيرة جزيرة ابن عمر، قدم في صباه بغداد، فتفقه بها على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 مذهب الإمام الشافعي، وسمع الحديث من أبي القاسم ابن الأنماطي، وابن البسري، وعنه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر وغيره، قال ابن السمعاني: توفي في حدود سنة أربعين وخمس مائة. الحسين بن أحمد بن علي بن الحسن بن فطيمة أبو عبد الله بن أبي حامد البيهقي قاضيها ولد قبل سنة خمسين وأربع مائة، فسمع من الحافظ أبي بكر البيهقي كتاب السنن والآثار، وأبي القاسم القشيري، وأبي بكر محمد بن القاسم الصفار وطائفة، وعنه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر والسمعاني، وقال: تفقه بمرو على جدي أبي المظفر السمعاني، وهو شيخ مسن كثير السماع، حسن السيرة مليح المجالسة، كيس ما رأيت أخف روحًا منه مع السخاء والبذل، سمعت منه كثيرًا، وكتب لي أجزاء بخطه، قال: ومن أعجب ما رأيت منه أنه ما كان له أصابع العشر، فكان يأخذ القلم بكفيه ويترك الورق تحت رجليه ويكتب بكفيه خطا مليحًا من أسرع ما يكون، وكان يكتب كل يوم خمس طاقات خطًا واسعًا مقروءًا، وحج بعد العشرين وخمس مائة، وتوفي بخسروجرد في ثالث عشر رمضان سنة ست وثلاثين وخمس مائة رحمه الله تعالى. الحسين بن حمد بن محمد بن عمرويه بن عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 شيخ الشافعية بأصبهان سمع أبا بكر ابن ماجه، وأبا عيسى بن زياد، وعنه أبو سعد السمعاني، ومات في عشر المائة في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة. الحسين بن مفرج بن حاتم الواعظ أبو علي المقدسي أحد فقهاء الشافعية بالثغور، وهو عم والد الحافظ علي بن فضل، وقد ذكره في الوفيات، فقال: روى عن القاضي الرشيد المقدسي، وعنه أبي، وابنه أبو عبد الله بن الحسين، والسلفي، وأبو محمد العثماني، وتوفي في شعبان سنة خمس وثلاثين وخمس مائة. حكيم بن إبراهيم بن حكيم الدربندي تلميذ الغزالي، اشتغل عليه ببغداد، وسمع الحديث بمرو من عبد الكريم الهروي، وتوفي ببخارى في شوال سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة. حيدر بن محمود بن حيدر أبو القاسم الشيرازي الخالدي من سلالة خالد بن الوليد رضي الله عنه، قدم بغداد وتفقه على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 الشيخ أبي إسحاق الشيرازي مدة مديدة، ثم خرج إلى الشام، فكان بها أميرًا على بعض نواحيها، قال ابن السمعاني: علقت عنه شعرًا وذكر أنه سمع تفسير الثعلبي، عن جده حيدر، عن المصنف، وتوفي في شعبان سنة أربعين وخمس مائة. سعيد بن محمد بن عمر الإمام أبو منصور بن الرزاز أحد أئمة الشافعية ببغداد، تفقه على أبي سعيد المتولي، وأبي بكر الشاشي، وأبي حامد الغزالي، وإلكيا الهراسي، وأسعد الميهني، وبرع وساد، وصارت إليه رياسة المذهب، ودرس بالنظامية مدة ثم عزل، وسمع الحديث من رزق الله التميمي، ونصر بن النظر، وعنه عبد الخالق بن أسد، وأبو سعد السمعاني، مولده سنة اثنين وستين وأربع مائة، وتولى في حادي عشر ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وخمس مائة، وصلى عليه ولده أبو سعد، وشيعه الأعيان والدولة. سلطان بن إبراهيم بن مسلم الإمام أبو الفتح المقدسي الشافعي ويعرف بابن رشا، تفقه على الشيخ نصر بن إبراهيم المقدسي، فبرع في المذهب، ثم انتقل إلى الديار المصرية بعد سنة سبعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 وأربع مائة، وسمع الكثير بقراءته على أبي إسحاق الحبال، والخلعي، وعنه عبد الرحمن بن محمد بن الحسين السيبي، ثم المصري، ومحمد بن إبراهيم الكيزاني، وأبو القاسم البوصيري، والحافظ أبو طاهر السلفي، وقال: كان من أفقه الفقهاء بمصر وعليه قرأ أكثرهم، ذكره ابن الصلاح، ولم يؤرخ وفاته، وأرخ ابن نقطة وفاته سنة خمس وثلاثين وخمس مائة رحمه الله. سليمان بن محمد بن حسين بن محمد أبو سعد البلدي الكرخي ويعرف بالكافي الفقيه الشافعي المتكلم تفقه بأصبهان على أبي بكر محمد بن ثابت الخجندي، وبرع في المذهب في الفقه والأصول والخلاف، واشتهر بحسن الإيراد، وقوة المناظرة والتحقيق، وسمع الحديث من ابن ماجه الأبهري، وأبي سهل غانم بن محمد الحافظ، وقدم بغداد بعد العشرين وخمس مائة، وبحث مع أسعد الميهني في مسائل، وأخذ عنه أبو سعد السمعاني، وقال: كان له سمت ووقار، مولده سنة ستين وأربع مائة وتوفي سنة سبع أو ثمان وثلاثين وخمس مائة. سهل بن علي بن عثمان أبو نصر النيسابوري التاجر السفار حضر درس إمام الحرمين، وسمع الحديث من أبي بكر بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 خلف الشيرازي، وأبي الفتح نصر بن الحسن السكتي، ودخل الأندلس وحدث بالإسكندرية، قال القاضي عياض: حدثني بحكايات، وروى عنه أبو محمد العثماني، ومات غريقًا منصرفه من المدينة في سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة رحمه الله. شبيب بن الحسين بن عبيد الله بن الحسين بن شباب القاضي أبو المظفر البروجردي الحاكم بها الشافعي مولده في سنة إحدى وخمسين وأربع مائة، وورد بغداد بعد السبعين، فتفقه بالشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وسمع الحديث منه، ومن إسماعيل بن سعدة الإسماعيلي، وأبي نصر الذهبي، وبأصبهان أبي بكر محمد بن أحمد بن ماجه، وببلده بروجرد من يوسف بن محمد الهمذاني الخطيب صاحب ابن لال، قال أبو سعد السمعاني: وقرأت عليه أجزاء كثيرة ببروجرد وهو قاض بها، وكان من مفاخر العراق، كان إمامًا مفتيًا مناظرًا أديبًا شاعرًا، مليح المعاشرة، حلو المنطق متواضعًا، توفي بعد رجوعه من حجته الثالثة ببغداد لأربع خلون من ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وخمس مائة، ودفن إلى جانب شيخه أبي إسحاق رحمهما الله تعالى. عبد الجبار بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار بن توبة أبو منصور الأسدي العكبري ثم البغدادي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 تلميذ الشيخ أبي إسحاق الشيرازي صحبه وخدمه، وكان رقيق القلب كثير البكاء حضر عند ابن المأمون، وسمع أبا محمد الصرمضي، وابن النقور وغيرهم، وعنه جماعة منهم، أبو سعد السمعاني، وقال: كتبت عنه الكثير، وقال: كان شيخًا صالحًا ثقة قيما بكتاب الله، ويوسف بن المبارك، وعبد العزيز بن الأخضر، وأبو اليمن الكندي، وهو آخر من حدث عنه، توفي سنة خمس وثلاثين وخمس مائة رحمه الله. عبد الجبار بن محمد بن أحمد أبو محمد الخواري بليدة من أعمال الري، كان إمام الجامع المنيعي بنيسابور، وكان مفتيًا عالمًا بمذهب الشافعي، تفقه بإمام الحرمين، وسمع الحديث من الحافظ أبي بكر البيهقي، وقيل: إنه فاته من السنن جزأين، وقيل: بل وجد سماعه بذلك بعد، فالله أعلم، وسمع من أبي الحسن الواحدي، وأبي القاسم القشيري وغيرهم، وعنه الحافظ ابن عساكر وأبو سعد السمعاني، والمؤيد الطوسي وآخرون، توفي في تاسع عشر شعبان ست وثلاثين وخمس مائة رحمه الله تعالى. عبد الرحمن بن الحسين بن محمد الإمام أبو محمد بن العلامة أبي عبد الله الطبري الشافعي ولد ببغداد سنة ثلاث وستين وأربع مائة، وكان والده من أعيان أصحاب الشيخ أبي إسحاق، وقرأ هو أيضًا على الشيخ أبي إسحاق، وتفقه ثم سمت نفسه إلى تدريس النظامية، فأنفق أموالًا جزيلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 في ذلك، قال أبو سعد السمعاني: خرج عنه في الرشوة إلى الأكابر لو أراد أن يبني به مدرسة كاملة لفعل، قدم علينا مرو، وكان شيخًا بهي المنظر، حسن الكلام في المسائل، حدثنا عن أبي علي الحداد، وتوفي بخوارزم سنة إحدى وثلاثين أو سنة ثلاثين وخمس مائة رحمه الله. عبد السلام بن الفضل أبو القاسم الجيلي الشافعي أقام بالنظامية ببغداد مدة يتفقه على أبي الحسن إلكيا الهراسي، وسمع صحيح مسلم من الحسين بن علي الطبري، ثم ولي قضاء البصرة، قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي: فخرجت أحكامه على السداد وكان بارعًا في الفقه والأصول وكان وقورًا له هيبة، وكان أبو العباس المصري الواعظ يقول: ليس في البصرة شيء يستحسن سوى القاضي والجامع، توفي في خامس جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وخمس مائة رحمه الله تعالى. عبد الكريم بن شريح الفقيه أبو معمر الروياني قاضي آمل طبرستان كان إمامًا مناظرًا، وسمع الحديث في بلاد شتى، وأخذ عنه ابن السمعاني، ومات في رمضان سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 عبد المنعم بن عبد الكريم بن هوازن أبو المظفر القشيري أصغر أولاد الأستاذ أبي القاسم وأذكرهم لرواية الحديث، توفي سنة اثنين وثلاثين وخمس مائة. علي بن أحمد بن عبد الله أبو الحسن الربعي المقدسي التاجر الشافعي اشتغل على الشيخ أبي إسحاق، وسمع الحديث من نصر المقدسي والحافظ أبي بكر الخطيب، ثم دخل المغرب وسكن الرملة، وروى عنه القاضي عياض بن موسى السبتي، ومات سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة. علي بن القاسم بن مظفر بن علي أبو الحسن الشهرزوري الموصلي الشافعي قال ابن عساكر: تولى قضاء واسط، ثم قضاء الرحبة، ثم قضاء الموصل، وقد قدم مع قيم الدولة زنكي حسين حاضر دمشق، وكان حسن الاعتقاد شهمًا رجلًا من الرجال، توفي بحلب في رمضان سنة اثنين وثلاثين وخمس مائة، وحمل تابوته إلى الرقة، وهو أحد الأخوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 علي بن محمد بن علي بن الحسن بن أبي المضاء الفقيه أبو الحسن البعلبكي الشافعي سمع أباه، ومن شيخه الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي، وصحبه مدة وغيرهما، وعنه الحافظ ابن عساكر، وقال: توفي ببعلبك في ربيع الآخر سنة خمس وثلاثين وخمس مائة. علي بن المسلم بن محمد بن علي بن الفتح أبو الحسن السلمي الدمشقي الفقيه الشافعي الفرضي جمال الإسلام تفقه على القاضي أبي المظفر عبد الجليل بن عبد الجبار المروزي، ثم على الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي، ولزم الغزالي مدة مقامه بدمشق، وهو الذي أمره بالتصدر بعد موت الشيخ نصر رحمه الله، وكان يثني على علمه وفهمه، وبرع في المذهب حتى أعاد للشيخ نصر، وخلفه في حلقته بعده في زاوية الغزالي، ثم درس في الأمينية سنة أربع عشرة وخمس مائة، وأظنه أول من درس بها وسمع الحديث من الشيخ نصر، وعبد العزيز بن أحمد الكتاني، وأبي نصر بن طلاب، وأبي الحسن بن أبي الحديد، ونجا العطار، وغنائم بن أحمد، وعلي بن محمد المصيصي وجماعة، وعنه جماعة منهم الحافظ ابن عساكر، والسلفي، والخشوعي، وأحسن من روى عنه القاضي أبو القاسم ابن الحرستاني، وقد أملى عدة مجالس، وقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 الحافظ ابن عساكر: بلغني أن الغزالي، قال: خلفت بالشام شابا إن عاش كان له شأن، قال: فكان كما تفرس فيه سمعنا منه الكثير، وكان ثقة ثبتا عالمًا بالمذهب والفرائض، وكان يحفظ كتاب تجريد لأبى حاتم القزويني، وكان حسن الخط موفقًا في الفتاوى، وكان يكثر من عيادة المرضى وشهود الجنائز ملازما للتدريس والإفادة، حسن الأخلاق له مصنفات في الفقه والتفسير، وكان يعقد مجلس التذكير، ويظهر السنة، ويرد على المخالفين، ولم يخلف بعده مثله، وذكره في طبقات الأشعرية، فقال: كان عالما بالتفسير والأصول، والفقه والتذكير والفرائض والحساب وتعبير المنامات، توفي في ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة وهو ساجد في صلاة الفجر رحمه الله تعالى. علي بن المطهر بن مكي بن مقلاص أبو الحسن الدينوري الشافعي الفقيه أحد تلامذة الغزالي، وكان فقيهًا صالحًا، سمع الحديث من نصر بن البطر ونحوه، وتوفي ليلة السابع والعشرين من رمضان سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة. عمر بن عبد الله بن أحمد بن محمد أبو العباس الأرغياني الأحدب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 تفقه بإمام الحرمين، وسمع أبا القاسم القشيري، وأبا حامد الأزهري وجماعة، وعنه أبو سعد السمعاني، ومات عن نحو سبعين سنة في رمضان سنة أربع وثلاثين وخمس مائة. محمد بن أحمد الحسين بن أبي بشر الإمام أبو بكر المروزي الخرقي تفقه بنيسابور، وأخذ علم الكلام، وسمع الحديث من أبي بكر بن خلف وجماعة، ثم سكن بلدة قرية خرق، وهي كبيرة فيها سوق وجامع على ثلاث فراسخ من مرو، وأقام على الإفتاء والوعظ إلى أن مات في عشر الثمانين في شهر شوال سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة، وروى عنه أبو سعد السمعاني. محمد بن الحسين بن عمر أبو بكر الأرموي الأذربيجاني الفقيه الشافعي دخل بغداد سنة خمس وستين وأربع مائة، وتفقه على الشيخ أبي إسحاق وتأخر وطال عمره، وكان عارفًا بالمذهب وسمع الحديث من أبي الحسين ابن النقور وطبقته، وقال ابن السمعاني: وكان جميل السيرة، مرضي الطريقة، وكان ببغداد فقيه آخر يقال له: محمد بن الحسين الأرموي، فتحرج صاحبنا هذا عن الرواية لأجل اشتباه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 اسمهما، وتوفي في عشر المائة في سابع محرم سنة سبع وثلاثين وخمس مائة رحمه الله تعالى. محمد بن عبد الرحمن بن محمد الهلالي الخلوقي المروزي إمام مفت عارف بالمذهب، سمع أبا الخير الصفار، ومحمد بن الحسن المهربندقشاي وجماعة، ومات في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة عن ثمان وسبعين سنة. محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر الإمام أبو الحسن الكرجي الفقيه الشافعي تلميذ الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وسمع جده أبا منصور الكرجي، ومكي بن منصور السلار، وسمع بهمذان أبا بكر بن منجويه الدينوري وغيره، وبأصبهان أحمد بن عبد الرحمن الذكواني، وببغداد أبا الحسن بن العلاف، وابن بيان، وروى عنه جماعة منهم الحافظ أبو موسى المديني، وأبو سعد ابن السمعاني، وقال: رأيته بالكرج، وهو إمام ورع فقيه مفت محدث خير أديب شاعر، أفنى عمره في جمع العلم ونشره، وكان لا يقنت في الفجر، ويقول: قال الشافعي: إذا صح الحديث، فاتركوا قولي وخذوا بالحديث، وقد صح عندي أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك القنوت في صلاة الصبح، قال: وله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 القصيدة المشهورة في السنة نحو مائتي بيت شرح فيها عقيدة السلف، وله تصانيف في المذهب والتفسير كتبت عنه الكثير، وتوفي في شعبان سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة، قلت: وله كتاب الفصول في اعتقاد الأئمة الفحول، حكى فيه عن أئمة عشرة من السلف مالك، وأبي حنيفة، والليث، والأوزاعي وسفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه أقوالهم في أصول العقائد، ويحكي فيه عن أئمة أصحابنا بالأسانيد أشياء مليحة وطرفا وغرائب رحمه الله، ومن شعره: والعلم ما كان فيه قال حدثنا ... وما سواه أغاليط وأظلام دعائم الدين آيات مبينة ... وبينات من الأخبار أعلام قول الإله وقول المصطفى ... وهما لكل مبتدع قهر وإرغام وله أيضًا: كل العلوم سوى القرآن مشغلة ... إلا الحديث وإلا الفقه في الدين العلم ما كان فيه قال حدثنا ... وما سوى ذاك وسواس الشياطين ، وهذا شبيه بقول الشافعي رضي الله عنه، ومن شعر أبي الحسن الكرجي رحمه الله تعالى: ألا إن في غسلي لطيفة حكمة ... أغشى بنور يوم ألقى إلهيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 وفي فرض أعضاء الوضوء لطائف ... سيحظى بها من كان للطف راجيا فغسلي لوجهي كي أراه معاينا ... كفا حار كي ألقاه في الخلد خاليا وغسلي يدي كي ما أخذت كتابيا ... بيمنى يدي دون الشمال ورائيا ومسحي جميع الرأس تاج كرامة ... من الرب يعطيني بقالب غاليا وفي غسل رجلي القيام لسيدي ... وأرجوه أن يرضى وينعم باليا ومن شعره أيضا رحمه الله: بيان ذكره عني ولكن خيال ... جماله في القلب ساكن إذا امتلأ الفؤاد به فماذا ... يضر إذا خلت من المساكن. محمد بن الفضل بن عبد الواحد القاضي أبو الوفاء الباينجي من الباين القاضي بها الأصبهاني ويعرف بابن جلة، قال ابن السمعاني: شيخ كيس سمع الكثير وحصل الكثير، سمع إبراهيم بن محمد القفال، وأبا بكر محمد بن أحمد بن ماجه وطائفة، ورحل إلى بغداد، فسمع طرادا الزينبي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 وابن البطر، وخرج له أبو نصر اليونارتي، وتوفي بأصبهان سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة. محمد بن القاسم بن المظفر بن علي الفقيه أبو بكر الشهرزوري ثم الموصلي تلميذ الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وسمع منه الحديث، وأبي القاسم الأنماطي، وأبي نصر الزينبي، وبنيسابور من أبي بكر بن خلف وغيره، وطاف البلاد في شبيبته، وأكثر الترحال والاجتماع بالأئمة، وحدث بعده بلدان، وولي القضاء بأماكن شتى، وروى عنه جماعة منهم أبو سعد السمعاني، والحافظ ابن عساكر، وقال: قدم دمشق مرارا آخرها رسولا من المسترشد لأخذ البيعة، ولد بإربل سنة ثلاث وخمس وأربع مائة، ومات في جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة ببغداد رحمه الله، وروى الشهرزوري بها عن الأستاذ أبي إسماعيل المنشئ فيما أنشد لنفسه: لا تجزعن إذا ما الهم ضقت به ... ذرعا نم وتورع فارغ البال فبين غفوة عين وانتباهتها ... ينقل الدهر من حال إلى حال وما اهتمامك بالمجرى عليك وقد ... جرى القضاء بأرزاق وآجال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 محمد بن محمود بن محمد بن علي بن شجاع أبو نصر الشجاعي السرخسي الفقيه الشافعي المعروف بالسرة مرد تفقه ببغداد على السيد علي بن أبي يعلى الديوسي، وسمع أبا القاسم الفوراني، وعمه أبا حامد أحمد بن محمد الشجاعي الفقيه، وأبا علي نظام الملك، وأبا نصر محمد بن عبد الرحمن القرشي آخر أصحاب زاهر بن أحمد وجماعة آخرين، وعنه جماعة منهم الحافظ أبو القاسم ابن عساكر، وأبو سعد السمعاني، وقال: كان شيخا مسنا كبير القدر فاضلا ورعا كثير التهجد والصيام والذكر، وكان يفتي ويناظر ويذب عن مذهب الشافعي، وكان مولده سنة اثنتين وخمسين وأربع مائة، وتوفي في تاسع عشر ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وخمس مائة ودفن بمدرسته بسرخس رحمه الله. محمد بن المنتصر بن حفص النوقاني الفقيه الشافعي كان عارفا بالمذهب مفتيا زاهدا سمّع محمد بن سعيد الفرخراذي تفسير الثعلبي وبهراة محمد بن علي العمري، قال ابن السمعاني: سمعت منه تفسير الثعلبي مات في رجب خمس وثلاثين وخمس مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز بن علي بن حسين بن محمد بن عبد الرحمن بن الوليد بن القاسم بن الوليد القاضي أبو المعالي ابن القاضي أبي الفضل القرشي الدمشقي قاضيها الشافعي ويعرف بابن الصايغ، وهو خال الحافظ ابن عساكر، وكان يلقب بالقاضي المنتخب والد القاضي الزكي، تفقه على أبي الفتح المقدسي، وناب عن والده لما حج سنة عشر وخمس مائة، ثم استقل بالحكم لما كبر والده وبعد موته أيضًا، وكان نزهًا عفيفًا صلبا في الحكم، روى الحديث عن أبي القاسم المصيصي، وأبي عبد الله بن أبي الحديد، وشيخه أبي الفتح، وأبي محمد بن البري، وجماعة بدمشق ومصر، وحدث عنه جماعة منهم: ابن أخته الحافظ أبو القاسم ابن عساكر، والفقيه طرخن بن ماضي التميمي الشاعوري، وأبو سعد السمعاني، وقال: كان حسن السيرة شفوقا على المسلمين وقورا حسن المنظر متوددا، وآخر من روى عنه أبو المحاسن محمد بن أبي لقمة قال ابن عساكر: ولد سنة سبع وستين وأربع مائة، ومات في ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وخمس مائة، ودفن عند والده بمسجد القدم رحمهما الله تعالى. محمود بن أحمد بن عبد المنعم بن أحمد بن محمود ماشادة أبو منصور الأصبهاني الواعظ الفقيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 وتفقه على أبي بكر الخجندي، ونبل أمره، وارتفع وصار له صيت ووجاهة، وكن فصيحا مفوها وعظ ببغداد وغيرها من البلاد، وسمع الحديث من أبي المظفر السمعاني، وأحمد وشجاع ابني الصقلي، وعائشة الركابية وغيرهم، وروى عنه الحافظ أبو موسى المديني وأبو سعد السمعاني، وقال: هو إمام مفسر واعظ حلو الكلام مليح الإشارة، وصار أحد وقته والمرجوع إليه في بلده، وطعن بالسكين غير مرة فليس يؤثر فيه، وحماه الله تعالى ثم توفي في حادي عشر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وخمس مائة بأصبهان رحمه الله. معدان بن كثير بن الحسن أبو المجد البالسي الفقيه الشافعي قدم بغداد وتفقه على الإمام أبي بكر الشاشي، وبرع وصار من أئمة المذهب وأعيانه وصار طرفا صالحا من اللغة والأدب، وسمع الحديث من أبي نصر الزينبي، وأخيه الكامل أبي الفوارس، وأبي بكر الطريثيثي، رجع إلى بلده بالس، فأقام بها حتى توفي تقريبًا سنة أربعين وخمس مائة. منصور أبو حفص الراشد بالله أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين أبي جعفر المسترشد بن المستظهر بالله وقد تقدم ذكر أبيه وجده رضي الله عنهما في طبقات الشافعية، وأما الراشد بالله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 فإنه اشتغل على مؤدبه الإمام أبي العباس أحمد بن الرطبي أحد أعيان الشافعية وتلاميذه الشيخ أبي إسحاق كما تقدم في المرتبة التي قبل هذه، ولد سنة اثنتين وخمس مائة، وبلغ تسع سنين وخطب له بولاية العهد في سنة ثلاث عشرة، وبويع بالخلافة في ذي القعدة سنة تسع وعشرين، وكان أبيض جميلًا تام الخلق شديد البطش حسن السيرة حميد الطوية يؤثر العدل ويكره الشر، وكان فصيحا أديبًا شاعرًا سمحا جوادا خليفة جيدا صالحا لها ولكن لم تطل أيامه أكثر من سنة حتى خلع وبويع لعمه المقتفي بالله أبي عبد الله محمد ابن المستظهر، وقيل: إنه كتب عليه محضر بسفك الدماء وشرب المنكر وظلم وأخذ الأموال واستفتى عليه وخلع فالله أعلم، ثم إنه خرج إلى بلاد أذربيجان ثم إلى نواحي أصبهان فمرض هنالك مرضا شديدا، ثم دخل عليه في السادس، وقيل: السابع والعشرين من شهر رمضان سنة ثنتين وثلاثين وخمس مائة جماعة من فراشيه، وقيل: من الملاحدة الباغية، فقتلوه بالسكاكين، وقيل: سموه وهو صائم رحمه الله، ودفن بمدينة حي، وله هناك تربة وعقد له العزاء ببغداد، فكان عمره ثلاثين سنة. قال العماد الكاتب: كان له الحسن اليوسفي، والكرم الحاتمي بل الهاشمي، استدعى والدي صفي الدين لتولية الوزارة، فتعلل عليه وخلف ببغداد نيفا وعشرين ولدا ذكرا، سامحه الله وغفر له أمين، وقال أبو بكر محمد بن يحيى الصولي: الناس يقولون: إن كل سادس يقوم للناس يخلع، فتأملت ذلك، فرأيته عجبا أعتقد الأمر لنبينا صلى الله عليه وسلم، ثم قام بعده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ثم الحسن، فخلع، ومعاوية ويزيد ومعاوية بن يزيد ومروان وعبد الملك ثم ابن الزبير فخلع، وقتل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 والوليد وسليمان وعمر بن عبد العزيز ويزيد وهشام ثم الوليد بن يزيد فخلع، وقتل: ثم لم ينتظم لبني أمية أمر بعد ذلك لا في أيام يزيد ولا إبراهيم ولا مروان الحمار الذي ذهبت الدولة على يديه، تولى السفاح العباسي والمنصور والمهدي والهادي والرشيد ثم الأمين فخلع وقتل، والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين فخلع، وقتل، والمعتز والمهتدي والمعتمد والمعتضد والمكتفي والمقتدر فخلع مرتين، والقاهر والراضي والمتقي والمستكفي والمطيع ثم الطائع فخلع، والقادر والقائم والمقتدي والمستظهر والمسترشد ثم الراشد فخلع، وهذا الذي قاله إنما يتمشى على أنه في كل سنة لا بد من واحد يخلع، ولا شك أن هذا فكر جيد وغالبه صحيح وهو كان في أيام المقتدي، ثم ما بعده قد جرى على هذا النمط والله أعلم وأحكم. الموفق بن علي بن محمد بن ثابت أبو محمد الخرقي المروزي الثابتي الفقيه الشافعي تلميذ محيي السنة البغوي، قال أبو سعد السمعاني: وقرأ أيضًا على والدي، وقرأ الخلاف ببخارى على أبي بكر الطبري وتلمذ له، وكان يحفظ المذهب ويتكلم بفقه، وكان ورعا متواضعا زاهدا لم أر في أهل العلم مثله سيرة وخلقا، وكان يصوم أكثر أيامه، وتوفي بخرق في رمضان سنة أربعين وخمس مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 هبة الله بن سهل بن عمر بن أبي عمر محمد بن الحسين بن محمد بن أبي الهيثم أبو محمد البسطامي النيسابوري المعروف بالسيدي الفقيه الشافعي زوج بنت إمام الحرمين، مولده في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وأربع مائة، وسمع الحديث من أبي حفص بن مسرور، وعبد الغافر الفارسي، وأبي عثمان البحتري، وأبي سعد الكنجرودي، وأبي بكر البيهقي وجماعة، وعنه جماعة منهم: الحافظ ابن عساكر، والمؤيد الطوسي، وأجاز لأبي القاسم ابن الحرستاني وغيره، وذكره أبو سعد السمعاني في مشايخه، فقال: عالم حبر كثير العبادة والتهجد، لكنه كان عسر الخلق، بشر الوجه لا يشتهي الرواية ولا يحب أصحاب الحديث، وما كنا نقرأ عليه إلا بجهد جهيد وبالشفاعات، وتوفي في الخامس والعشرين من صفر سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة عن تسعين سنة. يحيى بن علي بن عبد العزيز بن علي بن الحسين أبو الفضل الدمشقي قاضيها جد الحافظ أبي القاسم ابن عساكر لأمه، ويعرف بابن الصباغ، سمع الحديث من الحسن بن علي بن البري، وحيدة بن علي، وعبد الرزاق بن الفضيل، وعبد العزيز بن أحمد الكتاني وغيرهم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 ورحل إلى بغداد فتفقه على أبي بكر الشاشي، وتفقه بدمشق على القاضي المروزي، وصحب الشيخ نصر المقدسي، وقرأ العربية على أبي علي الفارسي، وولي القضاء بدمشق، نيابة عن أبي عبد الله محمد بن موسى البلاشاغوني، ثم عن أبي سعد محمد بن نصر الهروي، وقد روى عنه جماعة منهم: عبد الخالق بن أسد، وسبطة أبو القاسم ابن عساكر، قال: وكان ثقة عالما بالعربية فصيحا ثقة حلو المحاضرة. وقال أبو سعد السمعاني: كان جميل الأمر مرضي السيرة كان الناس يحمدونه في قضاياه وأحكامه، وهو أبو شيخنا محمد بن يحيى ابن قاضي دمشق، وجد رفيقنا أبي القاسم، وكان مثلا في الحديث أجاز لي، وقد أورد عنه ابن عساكر حديثا، وقال: مولده سنة ثلاث وأربعين وأربع مائة، وتوفي في الخامس والعشرين من ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وخمس مائة ودفن بتربتهم بمسجد القدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 المرتبة الخامسة من الطبقة السابعة من أصحاب الشافعي رضي الله عنه فيها من أول سنة إحدى وأربعين وخمس مائة إلى آخر سنة خمسين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 617 إبراهيم بن محمد بن نبهان بن محرز أبو إسحاق الغنوي الرقي الفقيه الشافعي المتصوف، تفقه على أبي بكر الشاشي، وعلى الغزالي، وكتب عنه في مصنفاته كثيرًا وقرأها عليه وصحبه مدة، وسمع الحديث من أبي محمد رزق الله التميمي، وأبي بكر الشاشي، وأبي محمد بن السراج وغيرهم، وعنه ابن طبرزد، وأبو سعد السمعاني، وإبراهيم الكندي، قال محمد بن ناصر البغدادي: وكان قدوم أبي إسحاق بن نبهان بغداد سنة إحدى وثمانين وأربع مائة، ولما قدم الخطيب أبو القاسم يحيى بن طاهر بن محمد بن عبد الرحيم بن محمد بن نباتة إلى بغداد إلى نظام الملك زعم أن الخطب النباتية سماعه من أبيه عن جده، ولم يكن معه كتاب ولا أصل فعمد أبو إسحاق بن نبهان فور ما في نسخة جديدة غير مقروءة ولا تمكنها سماع لأحد ثم أتى ابن ناصر على أبي إسحاق بن نبهان ووصفه بالصدق والدين. وقال أبو الفرج ابن الجوزي: رأيته وله سمت وصمت وعليه وقار وخشوع، توفي في رابع عشر ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة، وله خمس وثمانون سنة إلا أشهرًا. أحمد بن عبد الله بن علي بن عبد الله أبو الحسن بن أبي محمد بن الأبنوسي البغدادي الفقيه الشافعي الوكيل تفقه على القاضي محمد بن المظفر الشامي، وعلى أبي الفضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 الهمذاني، وتكلم في علم الكلام والاعتزال ثم فتح الله عليه بالخلاص من ذلك فرجع إلى مذهب أهل السنة والجماعة، قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي: وكان رجوعه على يد شيخنا أبي الحسن بن الزاغوني، سمع الحديث من أبي القاسم بن البسري، وأبي نصر الزينبي، وإسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي، ورزق الله وجماعة، وعنه جماعة منهم: أبو الشمس الكندي، وأبو القاسم ابن عساكر، وأبو سعد السمعاني، قال: كان فقيهًا مفتيًا زاهدًا يعرف المذهب والفرائض واعتزل الناس وأثر الخمول وترك الشهرة، وكان كثير الذكر خشن العيش، قال ابن الجوزي: كانت له اليد الحسنة في المذهب والخلاف والفرائض والحساب والشروط، وكان ثقة على سنن السلف وسبيل أهل السنة في الاعتقاد، وكان ينابز من يخالف ذلك، وكان يلزم بيته ولا يخرج أصلًا، وما رأيناه في مسجد، وشاع أنه لا يصلي الجمعة، وما عرفنا عذره في ذلك، وتوفي في ثامن ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة. أحمد بن محمد بن أحمد أبو نصر الحديثي أحد تلامذة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وأحد المعدلين ببغداد، قال أبو سعد السمعاني: ثنا عن أبي الفضل بن طوق، وكان مولده سنة سبع وخمسين وأربع مائة، وتوفي في جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين وخمس مائة، وصلى عليه ابنه أبو طالب، وحضره القضاة والكبار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن بشار الإمام أبو بكر البوشنجي المعروف بالخرجردي نزيل نيسابور، تفقه بمرو على أبي المظفر ابن السمعاني، وكتب تصانيفه كلها، وبهراة على أبي بكر الشاشي، وبرع في الفقه، وسمع الكثير، وحدث وتفرغ للعبادة، وتوفي بنيسابور في رمضان سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة. أحمد بن محمد بن الحسين القاضي أبو بكر الأرجاني وأصله من برار الأرجان بتشديد الراء، كذا ضبطها صاحب الصحاح، واستعملها المتنبي في شعره، وهي بليدة من قرى الأهواز، ناصح الدين قاضي تستر، اشتغل في أول أمره بالمدرسة النظامية بأصبهان، وسمع حديثًا كثيرًا من أبي بكر بن ماجه، وعنه جماعة منهم أبو بكر محمد بن القاسم بن المظفر بن الشهرزوري، وأبو محمد بن الخشاب، وعلي بن زيادة الكاتب، وناب في القضاء بتستر وبعسكر مكرم، ثم اشتغل بالأدب، فبلغ فيه مبلغًا كبيرًا، وكتب عنه شعر كثير، وله ديوان كبير فمنه: أنا أشعر الفقهاء غير مدافع ... في العصر أو أنا أفقه الشعراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 شعري إذا ما قلت دونه الورى ... بالطبع لا بتكلف الإلقاء ، وله أيضًا: شاور سواك إذا نابتك نائبة ... يومًا وإن كنت من أهل المشورات فالعين تنظر منها ما دنا ونأى ... ولا ترى نفسها إلا بمرآت ، وقال لما استنابه القاضي ناصر الدين عبد القاهر بن محمد على تستر وعسكر مكرم: ومن العجائب أنني في ... مثل هذا الشغل نائب ومن العجائب أن لي صبرا ... على هذي العجائب ، وله أشعار كثيرة معلقة جيدة قوية لطيفة بديعة، وقد ذكره العماد الكاتب في كتابه الجريدة وأثنى عليه، فقال: وهو وإن كان في العجم مولده، فمن العرب مجده، وسلفه القديم من الأنصار، لم يسمع بنظيره سالف الأعصار، أوسي الأوس خرزجيه، قيسي النطق أياديه، فارسي العلم وفارس ميدانه، وسلمان برهانه، من أنباء فارس الذين نالوا العلم المعلق بالثريا، جمع بين العذوبة والطيب في الري والريا، توفي بتستر في ربيع الأول سنة أربع وأربعين وخمس مائة رحمه الله تعالى. أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان أبو العباس الحويزي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 وحويزة بليدة من معاملة خوزستان، قدم بغداد فتفقه بالنظامية وتأدب، وقال الشعر، وخدم الديوان، ورقت حاله، وارتفعت منزلته على نهر الملك، فلم تحمد سيرته، وظلم وعسف الرعايا بالضرب وغير ذلك، مع أنه لم يكن يتناول من مال الديوان شيئًا غير جعله، وكان مع ذلك كثير التلاوة والعبادة والتهجد والصلاة والأوراد فناله العجب، وهجم عليه ثلاثة نفر من الشراة، فضربوه بالسيوف، فمات في شعبان سنة خمسين وخمس مائة، يقال: إنه خسف بقبره أذرعا فالله أعلم. أمين الدولة كستكين بن عبد الله الأتابك واقف المدرسة الأمينية بدمشق، وأظنها أول مدرسة وقفت على الشافعية بدمشق، وذلك في سنة أربع عشرة وخمس مائة، وكان يقال لها: النظامية بالشام، وأول من درس بها جمال الإسلام كما تقدم، وهو أيضًا واقف المدرسة الأمينية على الشافعية والحنفية التي ببصرى أيضًا، كان نائبًا على قلعتي صرخد وبصرى للأتابك طغتكين، فامتدت أيامه إلى أن توفي سنة إحدى وأربعين وخمس مائة رحمه الله، فترتب مملوكه على البلدين، فاستفحل أمره واستجاش بالعرب وبالفتح الفرنج أيضًا، ليأخذ دمشق، فنهض لحربه نائب دمشق معين الدين آثر، واستغاث بالملك نور الدين محمود بن زنكي صاحب حلب إذ ذاك، فردوا كيده واسترجعوا البلدين، وتفرق عنه أصحابه أخذوا آل بنو شاس، وكحلوه وتركوه ملقى، ثم رجع الملك نور الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 إلى بلده حلب، وذلك بعد ما خرج إليه ملك دمشق إذ ذاك فخير الدين آبق، فأكرمه نور الدين مع من جاء معه من رؤساء دمشق، وهو السبب الذي حذا أهل دمشق إلى خطبة الملك نور الدين إلى بلدهم دمشق كما هو مبسوط في موضعه. ثابت بن مفرج بن يوسف أبو الزهد النخعي الشاعر البلنسي نزيل مصر، تفقه بها على مذهب الإمام الشافعي، أرخ السلفي موته في رجب سنة خمس وأربعين وخمس مائة. الجنيد بن محمد بن علي أبو القاسم القايني وقد شارك في هذا الاسم أكبر إمام الطائفة الجنيد بن محمد، وقد تقدم وهذا غريب جدا، وأبو القاسم هذا نزيل هراة إمام كبير زاهد صالح ورع عامل كيس، تفقه على الإمام أبي المظفر السمعاني، وعبد الرحمن الزاز، وسمع بطبس أبا الفضل محمد بن أحمد بن أبي جعفر، وبأصبهان أبا منصور بن شكرويه، وأبا بكر بن ماجه، وبهراة أبا عطاء المليجي، وعنه عبد الرحيم ابن السمعاني، وأبوه، وأبو روح الهروي وغيره، وتوفي في شوال سنة سبع وأربعين وخمس مائة، ذكره ابن الصلاح، وحكى عن أبي سعد السمعاني في الذيل أنه قال: كان زاهدًا ورعًا كيسًا ثقة صدوقًا، حسن الأخلاق، كثير التهجد والعبادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 الحسن بن محمد بن أبي جعفر القاضي أبو المعالي البلخي الشافعي تلميذ البغوي، روى عنه أبو سعد السمعاني، وأثنى عليه في سيرته وأحكامه، وذكر أنه توفي في رمضان سنة ثمان وأربعين وخمس مائة. سعد بن الحسين بن محمد بن سهل بن سعد أبو الحسن الأنصاري البلنسي الفقيه الشافعي المحدث الرحال في العلوم حتى بلغ بلاد الصين، تفقه أولًا على الغزالي، وأقام ببغداد مدة فسمع الكثير وأسمع، فروى عن أبي عبد الله البقال، وابن البطر، وطراد بن محمد وجماعة، وعنه ابنته فاطمة، والحافظ ابن عساكر وابن السمعاني، وأبو موسى المديني، والشيخ أبو الفرج ابن الجوزي، وقال: سافر وركب البحار، وقاسى الشدائد، وتفقه ببغداد على أبي حامد الغزالي وسمع الحديث وقرأ الأدب على أبي زكريا التبريزي، وحصل كتبًا نفيسة، وقرأت عليه الكثير وكان ثقة، توفي ببغداد في عاشر المحرم سنة إحدى وأربعين وخمس مائة، قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: أخر من حدث عنه بالإجازة أبو منصور بن عفجة. سهل بن عبد الرحمن بن أحمد بن سهل بن محمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد أبو القاسم النيسابوري نزيل طوس السراج الزاهد الفقيه البارع الشافعي تفقه على أبي نصر ابن القشيري، وبرع في المذهب وعلم الكلام، ثم انقطع إلى العبادة ولزم العزلة، وسمع الحديث من أبي الحسن علي بن أحمد المؤذن، ونصر الله الحسباني، وأبي علي بن نبهان وابن بيان، قال ابن السمعاني: وكتبت عنه واغترفت من بحره، ومات وقد قارب الستين في ذي القعدة سنة سبع وأربعين وخمس مائة. شافع بن عبد الرشيد بن القاسم أبو عبد الله الجيلي أحد أئمة المذهب، سكن الكرخ، وتفقه على إلكيا الهراسي، ورحل إلى الغزالي فتفقه عليه، وكانت له حلقة بجامع البصرة للمناظرة كل جمعة ويحضرها الفقهاء، قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي: وكنت أحضر حلقته وأنا صبي وألقى المسائل، وسمع الحديث بالبصرة من أبي عمر النهاوندي القاضي، وبطبس من فضل الله بن أبي الفضل الطبسي، وعنه أبو سعد السمعاني، وقال: سألته عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 مولده، فقال: دخلت بغداد سنة تسعين وأربع مائة ولي نيف وعشرين سنة، قال: وتوفي في العشرين من المحرم سنة إحدى وأربعين وخمس مائة. هبة الله بن سعد بن طاهر أبو الفوارس الطبري رئيس أهل أمل طبرستان، ومدرس النظامية بها للشافعية، وكان عالمًا بالمذهب بارعًا، وهو سبط الإمام أبي المحاسن الروياني، سمع من جده، وأبي علي الحداد، وأبي سعد المطرز وغيرهم، وعنه أبو سعد السمعاني، وقال: له معرفة بالمذهب حافظ لكتاب الله كثير التلاوة دائم الذكر سريع الدمعة، سمعته يقول: سمعت جدي أبا المحاسن عبد الواحد الروياني، يقول: الشهرة آفة، وكل يتحراها، والخمول راحة، وكل يتوقاها، ولد سنة سبعين وأربع مائة، ومات في سنة سبع وأربعين وخمس مائة. عبد الله بن علي بن سعيد أبو محمد القصري الفقيه الشافعي قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: أدرك أبا بكر الشاشي، وأبا الحسين الهراسي، وعلق المذهب والأصول على أسعد الميهني، وسمع الحديث من أبي القاسم بن بيان وجماعة، وقدم دمشق، وسمعت درسه، وسمعت منه الحديث، ثم انتقل إلى حلب، وبها توفي سنة اثنين وأربعين وخمس مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 عبد الله بن علي بن سعيد أبو محمد القيسراني القصري نسبة إلى بليدة قريبة من عكا بالساحل، الفقيه الشافعي، تفقه ببغداد بالمدرسة النظامية، ثم انتقل إلى حلب، وبنى له ابن العجمي بها مدرسة فدرس بها، وقد سمع جزء ابن عرفة من أبي القاسم بن بيان، وكتب عنه أبو سعد ابن السمعاني، قال: ومات بحلب سنة ثلاث أو أربع وأربعين وخمس مائة. نصر الله بن محمد بن عبد القوي أبو الفتح المصيصي ثم اللاذقي ثم الدمشقي الفقيه الإمام الشافعي الأصولي الأشعري نسبًا ومذهبًا، كذا قاله الحافظ ابن عساكر، ولد باللاذقية سنة ثمان وأربعين وأربع مائة، ونشأ بصور، فتفقه بها على الشيخ نصر المقدسي، وسمع منه الحديث ومن أبي بكر الخطيب البغدادي بصور، وهو آخر من روى عنه بالشام، وسمع بدمشق أبا القاسم بن أبي العلاء وغيره، وببغداد رزق الله بن عبد الوهاب، وعاصم بن الحسن، وبأصبهان أبا منصور محمد بن علي بن شكرويه، ونظام الملك الوزير، وبالأنبار أبا الحسن علي بن محمد بن محمد بن الأخضر، وقرأ علم الكلام بصور على أبي بكر محمد عتيق القيرواني، ثم سكن دمشق ودرس بالغزالية بعد شيخه نصر، وله أوقاف على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 وجوه البر، وكان متدينًا متكفيا أبواب السلطان، وقال ابن السمعاني في الذيل: كان إمامًا مفتيًا أصوليًا متكلمًا دينًا خيرًا بقية مشايخ الشام، متيقظًا حسن الإصغاء كتبت عنه، وكذا روى عنه جماعة منهم: الحافظ أبو القاسم ابن عساكر، وابنه القاسم، والخطيب أبو القاسم بن ياسين الدولعي، وقاضي القضاة أبو القاسم ابن الحرستاني، وآخر من حدث عنه أبو المحاسن بن أبي لقمة، قال ابن عساكر: توفي ليلة الجمعة ثاني ربيع الأول سنة اثنين وأربعين وخمس مائة، ودفن يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة بباب الصغير رحمه الله. عبد الله بن نصر بن عبد العزيز بن نصر أبو محمد المرندي الفقيه الشافعي أخذ المذهب عن أسعدت الميهني، ورحل وطاف وأخذ عن الأئمة ثم سكن مرو، وكان بارعًا في الأدب أخذ عن الأبيوري وله شعر جيد، قال ابن السمعاني: وتوفي يوم عاشوراء سنة إحدى وأربعين وخمس مائة. عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن العلامة أبو محمد النيهي المروروذي شيخ الشافعية بتلك البلاد، تفقه على أبي محمد البغوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 وسمع منه الحديث ومن عبد الله بن الحسن الطبسي، وعبد الرازق بن حسان المنيعي وجماعة، وروى عنه أبو سعد السمعاني، وقال: مات في شعبان سنة ثمان وأربعين وخمس مائة. عبد الرحمن بن علي بن الموفق الفقيه أبو محمد النعيمي المروزي أحد أئمة الشافعية بمرو، تفقه على الإمام أبي المظفر السمعاني وسمع منه الحديث، ومن أبي سعد عبد العزيز القبامي، وعنه أبو سعد السمعاني، وقال: مات في ربيع الأول سنة اثنين وأربعين وخمس مائة. عبد الواحد بن محمد بن عبد الجبار بن عبد الواحد الإمام أبو محمد التوثي وتوث من قرى مرو الشافعي، تفقه على أبي المظفر السمعاني وصحبه مدة، وسمع منه الحديث، ومن محمد بن الحسن المهربندقشاي، وأبي الفضل محمد بن أحمد العارف، قال عبد الرحيم ابن السمعاني: مولده في حدود سنة خمسين وأربع مائة وتوفي سنة ثمان وأربعين وخمس مائة. علي بن السلار أبو الحسن الكردي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 630 وزير الديار المصرية للخليفة الظافر الفاطمي بل العبيدي، كان في صغره مقيمًا بالقصر بدار الخلافة، ثم تنقلت به الأحوال في الولايات إلى أن وزر للخليفة، ولقب بالملك العادل سيف الدين أمير الجيوش، وكان فيه شهامة وشجاعة وميل إلى العلماء والفقهاء، وكان شافعي المذهب سنيًا، ولما كان مباشرًا نيابة الثغر بالإسكندرية احتفل بأمر الحافظ أبي طاهر السلفي وأكرمه وبنى له مدرسة على مذهب الإمام الشافعي، وجعله مدرسها، وليس بالثغر سواها على المذهب، وذكر القاضي ابن خلكان في ترجمته في وفيات الأعيان: أنه كان فيه ظلم وتجبر، وأنه قتل سنة ثمان وأربعين وخمس مائة. علي بن محمد بن عبد العزيز ابن الحافظ أبي حامد أحمد بن محمد بن جعفر أبو الحسن المروزي الشاواني تفقه على أبي المظفر السمعاني، وسمع منه، ومن إسماعيل بن محمد الزاهري وجماعة، وعنه أبو سعد السمعاني، ومات في ربيع الأول سنة تسع وأربعين وخمس مائة عن بضع وثمانين سنة. علي بن ناصر بن محمد أبو الحسن النوقاني الفقيه الشافعي روى عن علي بن حمزة النوقاني جزءًا، قال أبو سعد: كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 مصيبًا في الفتاوى كثير العبادة، تفقه على جماعة، ومات في رمضان سنة تسع وأربعين وخمس مائة عن ثلاث وتسعين سنة. عمر بن علي بن سهل أبو سعد الدامغاني المعروف بالسلطان تلميذ أبي حامد الغزالي، وقد وقع لي أستاذنا الفقيه إلى الإمام الشافعي كما تقدم، قال أبو سعد السمعاني: كان إمامًا مناظرًا نجلًا واعظًا حسن الظاهر والباطن، رقيق القلب، سريع الدمعة، سمع أبا بكر بن خلف الشيرازي، وأبا تراب عبد الباقي الداعي، والحسن بن أحمد السمرقندي الواعظ، وأحمد بن محمد الشجاعي، وعنه عبد الرحيم السمعاني، لقيه بمرو ومات سنة سبع وأربعين وخمس مائة. مثاور بن فزكوه عماد الدين أبو مقاتل الديلمي اليزدي أحد تلامذة الشيخ أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي، كان فقيهًا عالمًا عارفًا بالأدب، وله زهادة، وفيه عبادة، ومات سنة ست وأربعين وخمس مائة، ذكره ابن الصلاح. مجلي صحاب الذخائر بن جميع نجا أبو المعالي القرشي المخزومي الأرسوفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 الأصل ثم المصري قاضي القضاة بها بولاية السلطان الملك العادل ابن السلار وزير مصر، له في سنة سبع وأربعين وخمس مائة، ثم عزل قبل موته، وتوفي في ذي القعدة سنة خمسين وخمس مائة، وهو مصنف كتاب الذخائر في المذهب، وهو كتاب جليل نفيس فيه أشياء غريبة ترجمه ابن خلكان وغيره. محمد بن أحمد بن علي بن مجاهد أبو سعد الخسروشاهي المروزي الفقيه الشافعي أخذ الفقه عن أبي المظفر السمعاني، والفقيه محمد بن عبد الرازق الماخواني، وكان شيخًا صالحًا سليم الجانب، روى عنه عبد الرحيم ابن السمعاني، وقال: مات في رجب سنة ثمان وأربعين وخمس مائة، رحمه الله تعالى. محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسي أخو خطيب الموصل كان فقيها شافيعًا مناظرًا سمع الحديث من ابن البطر والثعالبي، وعنه ابن أخيه أحمد، مات في محرم سنة إحدى وأربعين وخمس مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 محمد بن سليمان بن الحسن بن عمرو الإمام أبو عبد الله المروزي الفنديني وفندين من قرى مرو، وقال ابن السمعاني: كان فقيهًا زاهدًا ورعًا متهجدًا تاركًا للتكلف، تفقه على الإمام عبد الرحمن الزاز، وسمع منه، ومن أبي المظفر السمعاني وغيره، وعنه عبد الرحيم ابن السمعاني، وتوفي في العشرين من محرم سنة أربع وأربعين وخمس مائة عن اثنين وثمانين سنة. محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي صالح البساطي أبو علي الفقيه المعروف بإمام بغداد، تفقه على إلكيا الهراسي، وسمع من أبي الحسن ابن العلاف، قال ابن السمعاني: وكان فقيهًا مناظرًا شاعرًا مجودًا، توفي ببلخ سنة ثمان وأربعين وخمس مائة ولم يحدث. محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الإمام أبو الفتح المروزي تفقه على أبي بكر محمد ابن السمعاني، وسمع الحديث من القاضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 634 أبي سعيد محمد بن علي أبي صالح البغوي، وإسماعيل بن أحمد البيهقي، وهبة الله بن عبد الوارث الحافظ وغيرهم، قال عبد الرحيم ابن السمعاني: سمعت منه جميع الترمذي، وكان فقيهًا زاهدًا نظيفًا حسن السمت، مولده سنة سبع وستين وأربع مائة، ومات تقريبًا في حدود سنة خمسين وخمس مائة رحمه الله. محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن أبي توبة أبو الفتح الكشميهني الخطيب المروزي شيخ الصوفية بها، تفقه على الإمام أبي المظفر السمعاني، وصاهره على ابنة أخيه، وسمع منه الحديث، ومن أبي الفضل محمد بن أحمد ابن العارف الميهني، وهبة الله بن عبد الوارث، وهو أحسن من روى عن محمد بن أبي عمران سمع منه جميع صحيح البخاري سنة إحدى وسبعين وأربع مائة بقراءة الحافظ أبي جعفر الهمذاني وعمره إذ ذاك تسع سنين، وروى عنه ابنه أبو عبد الرحمن محمد بن محمد ومسعود بن محمد المنيعي، وشريفة بنت أحمد بن علي المغازي، وعبد الرحيم بن أبي سعد السمعاني، وأبوه أبو سعد السمعاني، وقال: كان عالما حسن السيرة، جميل الأمر، سخيا مكرما للغرباء، ولم أر في شيوخ الصوفية بمرو مثله، قال عبد الرحيم: وتوفي في الثالث والعشرين من جمادى الأول سنة ثمان وأربعين وخمس مائة رحمه الله تعالى. محمد بن عبد الكريم بن أحمد أبو الفتح بن أبي القاسم الشهرستاني فضل الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 أحد علماء الكلام مصنف الملل والنحل، ونهاية الأقدام وغير ذلك من الكتب المشهورة بين الأنام، تفقه لمذهب الإمام الشافعي على أحمد بن محمد الخوافي، وبرع في الفقه، وأخذ علم الكلام والأصول وطريقة الشيخ أبي الحسن الأشعري عن أبي نصر القشيري، والأستاذ أبي القاسم الأنصاري تلميذ إمام الحرمين، وصنف وبرع في هذه العلوم ووعظ ببغداد مدة نحوا من ثلاث سنين، وظهر له قبول عظيم عند العوام وكان كثير المحفوظ، وقد سمع الحديث بنيسابور من أبي الحسن علي بن أحمد المديني وغيره. قال أبو سعد السمعاني: كتبت عنه بمرو، وقال لي: ولدت بشهرستان سنة سبع وستين وأربع مائة، وبها توفي في أواخر شعبان سنة ثمان وأربعين وخمس مائة، غير أنه كان متهما بالميل إلى أهل القلاع يعني الإسماعيلية، وذكر نحو هذا في كتابه التحبير، وأنه كان غاليا في التشيع والله أعلم. محمد بن عشير أبو بكر الدريندي الشرواني تفقه على إلكيا الهراسي، وأقام بالمدرسة النظامية مدة، وسمع من أبي الحسن بن أبي الخير المبارك بن الحسين الغسال وغيره، وسمع منه أبو سعد السمعاني، وقال: كان فقيهًا صالحًا متدينًا. محمد بن محمد بن عبد الله بن أبي سهل بن أبي طلحة الحافظ أبو طاهر بن أبي بكر المروزي السنجي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 الخطيب بالجامع الأقدم بمرو، ورحل وطوف وسمع الكثير، وتفقه أولًا على الإمام أبي المظفر السمعاني، وصحبه مدة، وعلى عبد الرحمن الزاز، وروى عن الإمام أبي بكر الشاشي، وثابت بن بندار، وعلي بن أحمد المديني، وجعفر السراج، وأبي سعد المطرز وخلق، وسمع من عبد الرحيم ابن السمعاني صحيح مسلم، وسنن النسائي، والرقاق لابن المبارك، وحلية الأولياء لأبى نعيم، والأحاديث الألف لشيخه أبي المظفر السمعاني وغير ذلك، قال أبو سعد ابن السمعاني: وكان إمامًا ورعًا متهجدًا متواضعًا سريع الدمعة، سمع الكثير ونسخ لنفسه ولغيره، وله معرفة بالحديث، وهو ثقة دين قانع بما هو فيه، كثير التلاوة، حج مع والدي، وكان يتولى أموري بعده، وسمعت من لفظه الكثير، وتوفي في التاسع والعشرين من شوال سنة ثمان وأربعين وخمس مائة رحمه الله. محمد بن عمر بن يوسف بن محمد القاضي أبو الفضل الأرموي من أرمية، الفقيه الشافعي، ولد ببغداد سنة تسع وخمسين وأربع مائة، وتفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وسمعه من أبي جعفر بن المسلمة، وأبي الحسن بن المهتدى بالله، وعبد الصمد بن المأمون، وأبي بكر محمد بن علي الخياط، وجابر بن ياسين، وتفرد بالرواية عنهم سماعًا، وسمع أيضًا من جماعة أخرى. وروى عنه جماعة: ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 عساكر، والسلفي، وأبو سعد السمعاني، وابن طبرزد، والكندي، وآخر من روى عنه بالسماع الفتح بن عبد السلام، قال أبو سعد السمعاني: هو فقيه إمام متدين ثقة صالح حسن الكلام في المسائل كثير التلاوة للقرآن، تفقه على الشيخ أبي إسحاق، وذكر غيره أنه ولي في. . . قضاء دير العاقول، وقال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي: سمعت منه بقراءة شيخنا ابن ناصر، وقرأت عليه كثيرًا من حديثه، وكان فقيهًا تفقه على الشيخ أبي إسحاق، وكان ثقة دينًا كثير التلاوة، وكان شاهدًا فعزل وتوفي في رجب سنة سبع وأربعين وخمس مائة، فقلت: عن ثمان وثمانين سنة رحمه الله. محمد بن يحيى بن منصور العلامة أبو سعد النيسابوري شيخها ومدرس النظامية بها، تفقه على أبي حامد الغزالي وأبي المظفر، وأحمد بن محمد الخوافي، وبرع في الفقه وساد أهل تلك البلاد، وشرح الوسيط في كتابه المحيط، وله كتاب الانتصاف في مسائل الخلاف، وسمع الحديث من نصر الله الخشنامي وجماعة، وكتب عنه أبو سعد السمعاني، وقال: كان والده من أهل جنوه، فقدم نيسابور لأجل القشيري، وصحبه مدة وجاور وتعبد وأما ابنه، فكان أنظر الخراسانيين في زمانه قال: وقتلته الغزاة في الجامع في حادي عشر شوال سنة تسع وأربعين وخمس مائة، قال: ورأيته في المنام، فسألته عن حاله، فقال: غفر لي، وذكر غيره أنهم كانوا يدسون التراب في فيه حتى مات رحمه الله، وقال غيره: سنة ثمان وأربعين، وقال القاضي ابن خلكان: وهو أستاذ المتأخرين وأوحدهم علمًا وزهدًا، سمع الحديث سنة ست وتسعين وأربع مائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 من أبي حامد أحمد بن علي بن عبدوس، وكان مولده سنة ست وتسعين بطرثيث، قال: وينسب إليه من الشعر بيتان وهما هذان: وقالوا يصير الشعر في الماء حية ... إذا الشمس لاقته فما خلته حقا فلما التوى صدغاه في ماء وجهه ... وقد لسعا قلبي تيقنته صدقا وقال الشيخ أبو زكريا النواوي في تهذيب الأسماء واللغات: كان إمامًا بارعًا في الفقه والزهد والورع، وتفقه عليه خلائق من الأئمة، ورحل إليه الناس من الأقطار، وتخرج به خلائق، فصاروا أئمة، قتلته الغزاة لما استولوا على نيسابور شهيدًا في رمضان سنة ثمان وأربعين وخمس مائة، قلت: ومن غرائب اختياراته في المذهب ما حكاه عنه الإمام أبو القاسم الرافعي أنه يقول في الماء الدائم: إذا وقعت فيه نجاسة بنحو من مذهب أبي حنيفة في اعتبار العدد. منصور بن محمد بن منصور أبو نصر الهلالي الباخرزي الفقيه الشافعي، كان يسكن مدرسة البيهقي بنيسابور، قال أبو سعد السمعاني: كان فقيهًا صالحًا ورعًا كثير العبادة، مكثرًا من الحديث، سمع أبا بكر بن خلف، وموسى بن عمران الأنصاري، وأبا تراب المراغي، وعنه عبد الرحيم ابن السمعاني، والمؤيد الطوسي، ولد سنة ست وستين وأربع مائة، ومات سنة تسع وأربعين وخمس مائة رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 نصر الله بن منصور بن سهل أبو الفتوح الدويني ودوين من آخر أعمال أذربيجان مما يلي الروم الحيري الفقيه الشافعي قدم ببغداد، فتفقه بالنظامية على أبي حامد الغزالي، وسمع بنيسابور من أبي الحسن المديني، وأبي بكر أحمد بن سهل السراج، وعبد الواحد ابن القشيري، وتفقه عليه القاضي كمال الدين الشهرزوري، وروى عنه أبو سعد السمعاني وانتخب عليه جزأين، وقال: كان فقيهًا صالحًا مستورًا، وقال: مات ببلخ في أواخر رمضان سنة ست وأربعين وخمس مائة. وهب بن سليمان بن أحمد بن الزنف أبو القاسم السلمي الدمشقي الشافعي تلميذ جمال الإسلام ومعيده في الأمينية، وسمع الحديث منه ومن أبي الفضل بن الموازيني، وهبة الله ابن الأكفاني، وقرأ بالروايات على محمد بن إبراهيم النسائي، وروى عنه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر وجماعة، ومات في رمضان سنة تسع وأربعين وخمس مائة رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 ذكر أقوام ذكرهم ابن الصلاح لم يؤرخ وفاتهم فينبغي ذكرهم في هذه الطبقة محمد بن عبد الملك بن محمد أبو حامد الإسفراييني ثم الجوسقاني وجوسقان محلة من إسفرايين، تفقه على أبي حامد الإسفراييني ببغداد، وسمع الحديث من أبي عبد الله الحميدي الحافظ، قال فيه أبو سعد السمعاني: هذا هو إمام فاضل متدين حسن السيرة قليل الاختلاط بالناس، ثم روى عنه بيتين لغيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 الطبقة الثامنة من أصحاب الشافعي رضي الله عنه المرتبة الأولى منها من أول سنة إحدى وخمسين وخمس مائة إلى آخر سنة ستين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 643 الحسين بن الحسن بن محمد أبو القاسم بن البن الأسدي الدمشقي الشافعي تفقه على الشيخ نصر بن إبراهيم المقدسي وسمع منه، ومن أبي عبد الله الحسن بن أحمد بن أبي الحديد، وأبي البركات بن طاوس، وعنه جماعة منهم حفيده أبو محمد الحسن بن علي، والحافظ ابن عساكر، وابنه القاسم، وأبو القاسم ابن الحرستاني، وأبو المواهب بن صصرى، وأخوه أبو القاسم، وهو آخر من حدث عنه، ذكر الحافظ ابن عساكر أنه خلط على نفسه، ثم تاب توبة نصوحًا، وكان حسن الظن بالله وإن مولده سنة ست وستين وأربع مائة، ومات في نصف ربيع الآخر سنة إحدى وخمسين وخمس مائة، ودفن بمقبرة باب الفراديس. عبد الجبار بن عبد الجبار بن عبد الجبار بن محمد بن ثابت بن أحمد أبو محمد الثابتى الخرقي وخرق قرية من قرى مرو، تفقه على تاج الإسلام أبي بكر ابن السمعاني، وعلى الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد المروروذي، وبرع في الفقه، وساد وتقدم ثم اشتغل في الحساب والفلك وعلم الأوائل، وهو مع ذلك حسن الطريقة، صحيح الصلاة، وصنف تاريخًا لبلدة مرو، وسمع الحديث من شيخه أبي بكر ابن السمعاني، وإسماعيل بن أحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 645 البيقهي، وعنه أبو سعد السمعاني وعبد الرحيم ابن السمعاني، ولد في سنة سبع وسبعين وأربع مائة، وتوفي يوم عيد الفطر سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة. عمر بن أحمد بن منصور بن أبي بكر بن محمد بن القاسم بن حبيب العلامة أبو حفص عصام الدين النيسابوري أحد أئمة الشافعية، ويعرف بابن الصفار، وهو ختن أبي نصر القشيري على ابنته، وهو من أحفاد الأستاذ أبي بكر بن فورك، ولد سنة سبع وسبعين وأربع مائة، وسمع بقراءة جده إسماعيل بن عبد الغافر من أبي بكر بن خلف، وأبي المظفر موسى بن عمران، وأبي القاسم عبد الرحمن بن أحمد الواحدي، وأبي الحسين المديني وجماعة، وعنه جماعة منهم: ابنه أبو سعد عبد الله، وابن ابنه القاسم بن عبد الله، وأبو سعد السمعاني، وابنه عبد الرحيم، والمؤيد الطوسي، وأبو الفضل محمد بن عبد الكريم الرافعي الشارح، قال عبد الغافر الفارسي: هو شاب فاضل دين ورع أصيل إمام أحد وجوه الفقهاء، وقال حفيده القاسم بن عبد الله: كان جدي نظيرًا لمحمد بن يحيى، وكان يزيد على ابن يحيى بعلم الأصلين، وقال أبو سعد السمعاني: هو إمام بارع مبرز جامع لأنواع الفضل من العلوم الشرعية، وكان سديد السيرة مكثرًا من الحديث، توفي يوم عيد الأضحى سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 عمر بن محمد بن أحمد بن عكرمة أبو القاسم زين الدين جمال الإسلام بن البزري نسبة إلى عمل البزر، وهو الدهن من حب الكتان، والشافعي، العلامة بالجزيرة، رحل إلى بغداد واشتغل على إلكيا والغزالي وجماعة، وبرع في المذهب ودقائقه، وصنف كتابًا في حل إشكالات المهذب، وكان من الدين بمحل رفيع، قال القاضي ابن خلكان: كان أحفظ من بقي في الدنيا على ما يقال لمذهب الشافعي، انتفع به خلق كثير ولم يخلف بالجزيرة مثله، مولده سنة إحدى وسبعين وأربع مائة، وتوفي في أحد الربيعين سنة ستين وخمس مائة، وحكى ابن الصلاح، عن ابن نقطة أنه توفي في ربيع الآخر سنة ستين وخمس مائة رحمه الله. عمر بن محمد بن الحسن بن عبد الله أبو حفص الهمذاني المعروف بالزاهد ورد بغداد بعد سنة خمس مائة، وتفقه على أسعد الميهني، وصحب الشيخ جمال الدباسي بها، قال أبو سعد السمعاني: وكان ورعًا صالحًا متدينًا، ثم ورد خراسان، وسكن مرو مدة وصحب يوسف الهمذاني الزاهد، وكان يروض نفسه ويداوم على التهجد والصوم وأكل الحلال وكان لا يخاف في الله لومة لائم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسمع صحيح البخاري من أبي طالب الحسين بن محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 الزينبي، وعنه أبو سعد السمعاني، وقال: توفي في أحد الربيعين أو الجمادين سنة أربع وخمسين وخمس مائة عن أربع وستين سنة رحمه الله. محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم بن عبد الله بن يعقوب الحافظ العلامة أبو عبد الله البنجديهي الزاغوالي قال أبو سعد السمعاني: ولد سنة اثنتين وسبعين وأربع مائة ببنجدية، وسكن مرو، وتفقه على والدي وعلى الموفق بن عبد الكريم الهروي، وسمع أبا محمد البغوي وغيرهم، وكان فقيهًا صالحًا حسن السيرة حسن العيش تاركا للتكلف قانعا باليسير عارفا بالحديث وطرقه اشتغل طول عمره، وله كتاب مطول أكثر من أربع مائة مجلدة مشتملة على التفسير والحديث والفقه واللغة سماه قيد الأوابد، وسمع جماعة كثيرة وسمعت بإفادته، وكانت وفاته بقرية قوس كاربغان في ثاني عشر جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وخمس مائة. محمد بن علي بن عبد الله بن أحمد بن حمدان أبو سعد وأبو عبد الله الجاواني الحلوي العراقي وجاوان قبيلة من الأكراد قدم في الصبا وتفقه بها على الغزالي وإلكيا الهراسي حتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 برع وتميز وقرأ المقامات على مؤلفها الحريري وشرحها وسمع من الحميدي، وأبي سعد عبد الواحد بن القشيري، وأبي بكر محمد أبي الشامي القاضي وجماعة، ثم سكن البوازيج، وحدث ببغداد بالجام العوام بالموصل وغيرهما من البلاد، وله كتاب: غريب الشعر، وكتاب الفرق بين العين والراء، ومن شعره رحمه الله تعالى: دعاني من ملامكما دعاني ... فداعي الحب للبلوى دعاني أجاب له الفؤاد ونوم عيني ... وسارا في الرفاق وودعاني فطرفي ساهر في طول ليلي ... وقلبي في يد الأشواق عاني فكيف يصيح للعذال سمعي ... ولا عقل لدي ولا جناني ، عاش ثنتين وسبعين سنة، ومات في حدود سنة ستين وخمس مائة رحمه الله تعالى. محمد بن علي بن عمر الخطيب أبو بكر البروجردي ويعرف بالموفق قدم بغداد، وتفقه على أسعد الميهني، وسمع من قاضي المرستان جماعة، وقرأ بنفسه الكثير، وتفقه بمرو حتى برع في المذهب وصار من أئمة الشافعية ثم انقطع إلى صحبة يوسف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 بن أيوب الزاهد ولزم العبادة، وسمع منه أبو سعد السمعاني وأثنى عليه، ومات في ربيع الأول سنة خمس وخمسين وخمس مائة عن إحدى وستين سنة. محمد بن عمر بن محمد بن محمد أبو عبد الله الشاشي فقيه عابد، أخذ الفقه في المذهب عن البغوي، وروى عنه الأربعين الصغرى له، رواها عنه عبد الرحيم ابن السمعاني، قال: توفي في شعبان سنة ست وخمسين وخمس مائة عن بضع وسبعين سنة. محمد بن المبارك بن محمد بن عبد الله بن محمد بن الخل الإمام أبو الحسن بن أبي البقاء البغدادي الفقيه الشافعي تلميذ أبي بكر الشاشي شارح التنبيه بكتابه التوجيه، وهو أول من تكلم عليها، وله كتاب في أصول الفقه، ودرس وأفتى وناظر، وكانت تدور الفتوى عليه ببغداد لا سيما بمسألة ابن سريج في الطلاق وكان حسن الخط بحيث كان الناس يجيئون إليه بالفتاوى لكتابته لا لحاجتهم، وروى الحديث من جماعة من الكبار، وحدث عن أبي عبد الله النعالي، ونصر بن أبي الخطاب بن البطر، وثابت بن بندار، وجعفر السراج وجماعة، وعنه أبو سعد ابن السمعاني، وأحمد بن طارق، والفتح بن عبد السلام، وعبد الخالق بن أسد وجماعة آخرهم وفاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 650 أبو الحسن القطيعي، قال أبو سعد السمعاني: هو أحد الأئمة الشافعية ببغداد، برع في العلم، وهو مصيب في فتاويه، وله السيرة الحسنة والطريقة الجميلة حسن العيش تارك التكليف، على طريقة السلف، جلس بمسجده الذي بالرحبة لا يخرج منه إلا قدر الحاجة، مولده سنة خمس وسبعين وأربع مائة، ومات في المحرم سنة اثنين وخمسين وخمس مائة، وقد روى عن أبي محمد جعفر بن أحمد بن الحسين الباري لنفسه: لاح شيب بمفرقي يتلألأ ... وتولى عني الشباب فزالا لاذ في الفكر في القيامة قلبي ... فتذكرت النار والأغلال لا ورب العباد لا حلت عن طاعة ربي ... ولو بقيت خيالا لا تلم هاربًا إلى الله خوفًا ... من ذنوب قد أورثته خبالا لا تظنن ما حييت بخالقك ... سوء سبحانه وتعالى. محمد بن محمد بن علي بن محمد أبو الفتوح الطائي الهمذاني الفقيه الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 651 تلميذ أبي محمد البغوي، وصاحب الأربعين الطائية، أبان فيها عن فوائد وطرق ومسائل غريبة اختارها منها: اشتراط التسمية على الذبيحة، وقد قرأت هذه الأربعين في مجلس واحد على الشيخ المعمر أبي العباس ابن السحنة عن ابن اللتي عنه ولله الحمد، وقد روى عن جماعة منهم إسماعيل بن الحسن الفرائض، وعبد الغفار الشيروي، وفخر الإسلام عبد الواحد بن إسماعيل الرويانى، وأبو بكر ابن السمعاني، وشيرويه الديلمي، ومحمد بن طاهر المقدسي، وعنه جماعة منهم: محمد بن عبد الله ابن البناء، والحسين بن الزبيدي وهو آخر من روى عنه، قال أبو سعد السمعاني: يرجع إلى نصيب من العلوم فقه وحديث وأدب ووعظ، حضرت مجلس وعظه بهمذان فاستحسنه، توفي سنة خمس وخمسين وخمس مائة. نبأ بن محمد بن محفوظ القرشي الدمشقي الفقيه الشافعي ويعرف بابن الحوراني سمع أبا الحسن علي بن الموازيني، وأبا الحسن علي بن أحمد بن قبيس المالكي، وعنه الفقيه أحمد العراقي، والقاضي أسعد بن المنجا، وعبد الرحيم بن الحسين بن عبدان، ويوسف بن عبد الواحد بن وفاء السلمي وغيرهم، قال السيف بن المجد: كان حسن الطريقة قد نشأ صبيا إلى أن قضى متدينًا تقيًا عفيفًا محبًا للعلم والأدب والمطالعة للغة العرب، قلت: وله تعاليق وفوائد وطرف وأذكار تؤثر عنه وأشعار ربانية، وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 هو والشيخ رسلان أولًا مجاورين في المسجد الذي في رأس درب الحجر في أواخر السوق الكبير قريبًا من الباب الشرقي، ويقال: إنه كان يحفظ التنبيه للشيخ أبي إسحاق الشيرازي، توفي رحمه الله يوم الثلاثاء وقت الظهر الثاني من ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وخمس مائة، ودفن من الغد وشيعه خلق عظيم، وقبره معروف يزار بمقبرة باب الصغير، والعجب أن الحافظ ابن عساكر لم يترجمه في تاريخه ولم يذكره أيضًا ابن خلكان، وبعد وفاته بأربع سنين اجتمع أصحابه ليتجامعوا من بينهم شيئًا ليبنوا لهم مكانًا يجتمعون فيه للذكر، فبعث إليهم نور الدين الشهيد من يمنعهم، فقال له شيخهم نصر تلميذ أبي البيان: ارجع إليه، وقل له: بعلامة ما قمت البارحة في الليل، وسألت الله في باطنك ولدا ذكرا، وقمت أنت زوجتك بهذه النية لا تمنع الفقراء، فرجع، فأعلم الملك نور الدين بذلك، فاعترف بصحته وبعث إليهم بعشرة آلاف درهم ومائة حمل خشب ووقف عليهم الرباط ووقف عليهم مزرعة بحرين رحمه الله. نصر بن نصر بن علي بن يونس أبو القاسم العكبري الواعظ الشافعي سمع الحديث من أبي القاسم بن البسري ونظام الملك وأبي الليث نصر بن الحسن السبكي وجماعة، وعنه ابن ابنه محمد بن علي، وأبو سعد السمعاني وعبد السلام الداهري، وعمر بن كريم، وأبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 أحمد بن سكينة، وابن الأخضر، وجماعة أخرهم أبو الحسن القطيعي، وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الحسن ابن المقير قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي: كان ظاهر الكياسة، يعظ وعظ المشايخ، ويتخيره الناس لعمل الأعزية، ولد سنة ست وستين وأربع مائة، وتوفي في ذي الحجة سنة ثنتين وخمسين وخمس مائة. يحيى بن أبي الخير سالم بن أسعد بن يحيى أبي الخير اليمني العمراني صاحب البيان وزوائد المهذب، كان إمامًا بارعًا، كتابه يدل على فضائله الجمة، وفوائده المهمة، وعلومه الغزيرة، وفنونه الكثيرة، توفي سنة ثمان وخمسين وخمس مائة رحمه الله تعالى. عبد الملك الطبري الزاهد العابد المجاور بمكة أربعين سنة، كانت له كرامات ومعاملات وعبادات وتوجه، ذكره ابن الصلاح في الطبقات ولم يؤرخ وفاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 المرتبة الثانية من الطبقة الثامنة من أصحاب الشافعي رضي الله عنه فيها من أول سنة إحدى وستين وخمس مائة إلى آخر سنة سبعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 إبراهيم بن الحسن بن طاهر الفقيه أبو طاهر الحموي ثم الدمشقي الشافعي روى عن أبي علي بن نبهان، ومحمد بن محمد بن مهدي، وأبي طالب الزينبي، وأبي طالب اليوسفي، وأبي طاهر الجبائي، وابن الموازيني، وعنه ابن السمعاني، وابن عساكر، وأبو القاسم بن صصرى، وأبو نصر بن الشيرازي وغيرهم، وتوفي بدمشق في صفر سنة إحدى وستين وخمس مائة عن سبع وسبعين سنة، وقال أبو سعد السمعاني: كان فقيهًا فاضلًا حسن السيرة دينًا، سكن دمشق وتفقه ببغداد وكان يتكلم بكلام حسن، وكان جميل الطريقة حافظًا كتاب الله شافعي المذهب، وكان أبو القاسم الدمشقي يحسن الثناء عليه، وذكره الشيخ تقي الدين ابن الصلاح في الطبقات، وحكى عنه حكاية حسنة، وهي أنه حضر يومًا مجلس الملك العادل نور الدين، فأمر الكاتب أن يكتب إلى نائبه النعمان بالاحتياط على أملاك الرافضة لأنهم يعارضون الشهادة بينهم، قال: فقلت: أيها الملك ببغداد أتى أهل بلده فيمالئون على ذلك، قال: فكم تكتب؟ وسكت وأمر الكاتب، فكتب، فلما أخذها ليعلم علمها إذا صبي راكب بهيمة، وهو يخوض نهر بردي، وهو يقول: اعدلوا ما دام أمركم ... نافذًا في النفع والضرر واحفظوا أيام دولتكم ... إنكم منها على خطر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 إنما الدنيا وزينتها حسن ... ما يبقى من الخطر ، قال: استدار إلى القبلة وسجد ثم رفع رأسه واستغفر الله مما كان عزم عليه، ثم مزق الكتاب وتلا قوله تعالى {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] . أحمد بن يحيى بن عبد الباقي بن عبد الواحد أبو الفضل الزهري البغدادي معيد النظامية بها، ويعرف بابن شقران، كان إماما في الفقه والوعظ والتصوف، سمع أبا الحسن بن العلاف، وأبا الغنايم بن المقتدي بالله، وعنه إبراهيم الشعار، وأحمد بن منصور الكازروني، توفي في محرم سنة إحدى وستين وخمس مائة. الحسن بن العباس بن علي بن الحسن بن علي بن الحسن بن محمد بن الحسن بن علي بن رستم العلامة أبو عبد الله بن أبي الطيب الرستمي الأصبهاني الفقيه الشافعي سمع الحديث من أبي بكر بن محمد بن أحمد السمسار، وسليمان بن إبراهيم الحافظ، وأبي الخير محمد بن أحمد بن درا، ورزق الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 التميمي، وطراد الزينبي وطائفة، وعنه جماعة منهم: الحافظ أبو سعد السمعاني، وأبو القاسم ابن عساكر، وأبو موسى المديني، وصنف جزءا في ترجمته وفضائله، وهو شيخه الذي أخذ عنه المذهب، وقال: اقرأ المذهب كذا وكذا سنة، وكان من الشداد في السنة، وأثنى عليه خيرا، وقال عبد القاهر الرهاوي: كان فقيهًا زاهدا ورعا بكاء عاش نيفا وتسعين سنة وكان عامة أهل أصبهان تلاميذه حتى شيخنا أبو موسى المديني عليه تفقه، وكان أهل أصبهان لا يثقون إلا بفتواه، قال: وسألني شيخنا السلفي عن شيوخ أصبهان فذكرته له، فقال: أعرفه فقيها متنسكا، وقال أبو سعد السمعاني: إمام متدين ورع، يزجي أكثر أوقاته في نشر العلم والفتيا، وهو متواضع على طريقة السلف، وكان مفتي الشافعية، وقال عبد القادر الحافظ أيضًا: كنا نسمع عليه وهو في رثاثة من الملبس والمفرش لا يساوي طائلا، وكذلك الدار التي كان فيها، وكانت الفرق مجتمعة على محبته، قال: وسمعت بعض أصحابنا الأصبهانيين، يحكي عنه أنه كان في كل جمعة ينفرد في موضع يبكي فيه قيل: حتى ذهبت عيناه، وذكر عنه أبو الفرج ابن الجوزي في المنتظم أنه قال: وقفت على ابن ماسادة وهو يتكلم على الناس، فلما كان الليل رأيت رب العزة عز وجل في المنام وهو يقول لي: يا حسن وقفت على مبتدع، ونظرت إليه وسمعت كلامه، لأحرمنك النظر في الدنيا، قال: فاستيقظت كما ترى لمخاطبتي أعمى، وتوفي رحمه الله في سنة ستين وقيل: إحدى وستين وخمس مائة وقد جاوز التسعين. الخضر بن شبل بن الحسين بن علي بن عبد الواحد أبي البركات الحارثي الدمشقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 خطيبها ومدرس الغزالية والمجاهدية، زين له الملك نور الدين المدرسة إلى داخل باب الفرج التي يقال لها العمادية، فهو أول من درس بها، ثم اشتهرت بمدرسها بعده العماد الكاتب الأصبهاني كما سيأتي، تفقه على الشيخ نصر المقدسي وجمال الإسلام، وبرع في المذهب وساد، وبعد صيته وسمع الحديث من الشريف النسيب، وأبي طاهر، وابن الموازيني وأبي الوحش، سمع المقري، وقرأ عليه القراءات وجماعة، وكتب كثيرًا من الفقه، والحديث ودرس سنة ثماني عشرة وخمس مائة، قال ابن عساكر: وكان سديد الفتوى واسع المحفوظ ثبتًا في الرواية ذا مروءة ظاهرة، لزمت درسه مدة علقت عنه في مسائل الخلاف، وكان عالمًا بالمذهب يتكلم في الأصول والخلاف، وقد حدث عنه ابن عساكر، وابنه القاسم، وابن أخيه زين الأمناء الشيرازي وآخرون. قال ابن عساكر: وكان مولده في شعبان سنة ست وثمانين وأربع مائة، وتوفي في ذي القعدة سنة ثنتين وستين وخمس مائة، ودفن بمقابر باب الفراديس رحمه الله. عبد الله بن رفاعة بن غدير بن علي بن أبي عمر بن الذيال بن ثابت بن نعيم أبو محمد السعدي المصري الشافعي قاضي الجيزة، تفقه على القاضي الخلعي، ولزمه وسمع منه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 660 السيرة وسنن أبي داود والأجزاء العشرين، وغير ذلك من الفوائد وهو آخر من حدث عنه، وعنه محمد بن عبد الرحمن المسعودي، والقاضي عبد الله بن محمد بن علي، وعبد القوي بن الجباب، وابن صباح وجماعة، مولده سنة سبع وستين وأربع مائة، وتوفي في ذي القعدة سنة إحدى وستين وخمس مائة، قال: رحمه الله وقع لنا من طريقه رواية السيرة لمحمد بن إسحاق رحمه الله ولله الحمد والمنة. عبد الرحمن بن الحسن بن عبد الرحمن بن طاهر بن محمد أبو طالب ابن العجمي الحلبي الشافعي أحد الرؤساء، رحل إلى بغداد، فتفقه بها على أبي بكر الشاشي، وأسعد الميهني، وسمع من أبي القاسم بن بيان، ثم عاد إلى بلده، فتقدم وساد وبنى للشافعية مدرسة مليحة، وكانت له همة، وفيه عصبية، ومحبة للعلماء، وقد تولى عمارة المسجد الجامع ببعلبك الأتابك زنكي بن أقسنفر صاحب حلب ثم حج، وولي عمارة المسجد الحرام لصاحب الموصل، وعنه أبو سعد السمعاني والأستاذ أبو محمد بن علوان، وأبو القاسم بن صصرى وآخرون، مولده سنة ثمان وأربع مائة، وتوفي في نصف شعبان سنة إحدى وستين وخمس مائة. عبد الرحيم بن رستم أبو الفضائل الزنجاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 661 تفقه ببغداد على أبي منصور سعيد بن الزاز، وقدم دمشق، فدرس بالمجاهدية ثم بالغزالية، ثم ولي قضاء بعلبك، فلم يزل بها حتى قتل شهيدًا في ربيع الأول سنة ثلاث وستين وخمس مائة وحمل إلى دمشق، فدفن بها، قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: وكان عالمًا بالمذهب والأصول وعلوم القرآن شديدًا على المخالفين وله شعر جيد. عبد القاهر بن عبد الله بن محمد بن عمويه الشهرزوري بن النضر بن معاذ ابن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقال ابن الدبيثي: القاسم بن النضر بن عبد الرحمن بن القاسم، فزاد ونقص الشيخ أبو النجيب البكري السهروردي، أحد الشافعية، ومشايخ الصوفية، دخل بغداد، فأقام بها مدة يتقوت من أجرة سقي الماء بالقربة، ويأتي إلى خربة جانب دجلة، ويصحبه أقوام ينتفعون به ثم أقبل بالمدرسة على الاشتغال، فتفقه على أسعد الميهني وعلق عنه التعليق، وأقام بالمدرسة النظامية وحرر المذهب، وأتقن وأفتى وناظر ثم مال إلى المجاهدة والمعاملة، فصحب الشيخ حماد الدباس من وزارة الناس والأكابر والسلطان، ثم بنى مكانه ذاك رابط وبنى إلى جانبه مدرسة، كلاهما تحت تصريفه وفي حوزته، وصار ملاذًا يعتصم به الخائف من الخليفة والسلطان، ثم درس بالنظامية ببغداد سنة خمس وأربعين وخمس مائة ثم عزل بعد سنتين، وكانت له محافيظ جيدة في الفقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 وأصوله، وأصول الدين منها: الوسيط في التفسير للواحدي، ووعظ فأجاد من غير تكلف ولا تسجيع، وسمع كتبًا كثيرة في الحديث منها: كتاب غريب الحديث لأبي عبيد ببغداد على ابن نبهان، وتأدب على الفصيحي، قال عمر بن علي القرشي: هو إمام من أئمة الشافعية وعلم من أعلام الصوفية أفلح بسببه أمة صاروا سرجًا في البلاد، وأئمة هدى وبنى مدرسة ورباطين ودرس وأفتى وولي تدريس النظامية وحدث. وقال الحافظ ابن عساكر: ذكر إلي أبو النجيب أنه سمع بأصبهان من أبي علي الحداد واشتغل بالزهد والمجاهدة مدة واستقى الماء بالأجرة، ثم اشتغل بالتذكير، وحصل له قبول، وولي تدريس النظامية، وأملى الحديث، وقدم دمشق سنة ثمان وخمسين عازمًا على زيارة بيت المقدس، فلم يستطع الانفساح للهدنة بين المسلمين والفرنج، تحدث بدمشق، ووعظ بها، وروى عنه ابن عساكر، وأبو سعد السمعاني، وأثنى عليه خيرًا، وابن أخته الشيخ شهاب الدين السهروردي وجماعة، مولده سنة تسعين وأربع مائة، قال ابن الجوزي: وتوفي في جمادى الآخرة سنة ثلاث وستين وخمس مائة ودفن بمدرسته رحمه الله. عبد الكريم بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد بن محمد بن جعفر الحافظ الإمام الشهير أحد الأعلام الشافعية المحدثين أبو سعد والملقب بتاج الإسلام ابن الإمام تاج الإسلام معين الدين أبي بكر ابن الإمام المجتهد أبي المظفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 التميمي السمعاني المروزي صاحب التصانيف الكثيرة والفوائد الغزيرة، ولد في الحادي والعشرين من شعبان سنة ست وخمس مائة، فسمعه أبوه بنيسابور ومرو، وذلك سنة عشر، وله من العمر أربع سنين، فنشأ بين بني عمه وأهله، فلما راهق قرأ القرآن والفقه ودرس بالمدرسة العميدية، ورحل قبل الثلاثين للعلم إلى أصبهان والعراق والحجاز والشام وطبرستان وما وراء النهر، فسمع بنفسه من الفراوي، وزاهر الشحامي، وهبة الله السدلي، وتميم الجرجاني، وعبد الجبار الخواري، وإسماعيل بن محمد الحافظ، وخلق لا يحصون كثرة بمدائن شتى، وصنف كذلك معجم البلدان، وكتب عمن دب ودرج وعمل معجمًا في عشر مجلدات، قال ابن النجار: سمعت من يذكر أن عدد شيوخه سبعة آلاف شيخ، وهذا شيء لم يبلغه أحد قال: وكان ظريفًا حافظًا واسع الراحلة ثقة صدوقًا دينا جميل السيرة مليح التصانيف كثير السرار والأسانيد لطيف المزاج، قال: وروى عنه مشايخه وأقرانه، وحدثنا عنه جماعة من أهل خراسان وبغداد، وقد روى عنه أيضًا ابنه أبو المظفر عبد الرحيم ابن السمعاني الحافظ، وأبو القاسم ابن عساكر، وابنه القاسم، وأبو أحمد ابن سكينة، وعبد العزيز بن منينا، وأبو روح الهروي، وأبو الضوء شهاب الشذياني، وخلق كثير وجم غفير، هذا مع أنه لم يعمر بل مات قبل الستين سنة، قال ابنه عبد الرحيم: توفي يوم عشرة من ربيع الأول سنة ثنتين وستين وخمس مائة رحمه الله. ذكر مصنفاته التي سردها ابن النجار، وذكر أنه وجدها بخط الذيل على: تاريخ الخطيب أربع مائة طاقة، طراز الذهب في أدب الطلب مائة وخمسون طاقة، الإسفار عن الأسفار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 عشرون طاقة، الإملاء والاستملاء خمس عشرة طاقة، معجم البلدان خمسون طاقة، معجم الشيوخ ثماني طاقات، تحفة المسافر مائة وخمسون طاقة، التحف والهدايا خمس وعشرون طاقة، عز العزلة سبعون طاقة، الأدب في استعمال الحسبة خمس طاقات، المناسك ستون طاقة، الدعوات أربعون طاقة، الدعوات النبوية خمس عشرة طاقة، الحث على غسل اليدين خمس طاقات، أفانين البساتين خمسة عشرة طاقة، دخول الحمام خمس عشرة طاقة، فضل صلاة التسبيح عشر طاقات، صلاة الضحى عشر طاقات، تحفة العيدين ثلاثون طاقة، فضل الديك خمس طاقات، فضل الهر ثلاث طاقات، الرسائل والوسائل خمس عشرة طاقة، صوم الأيام البيض خمس عشرة طاقة، سلوة الأحباب والأصحاب خمس طاقات، التحبير في المعجم الكبير ثلاث مائة طاقة، فرط الغرام إلى ساكني الشام خمس عشرة طاقة، مقام العلماء بين يدي الأمراء إحدى عشرة طاقة، المساواة والمصافحة ثلاث عشرة طاقة، ذكرى حبيب رحل وبشرى مشيب نزل عشرون طاقة، الأمالي الخمس مائة طاقة، فوائد المزيد مائة طاقة، الأخطار في ركوب البحار سبع طاقات، الهريسة ثلاثة طاقات، تاريخ الوفاة للمتأخرين من الرواة خمس عشرة طاقة، تقديم الجفان إلى الضيفان سبعون طاقة، الصدق في الصداقة، الربح في التجارة، دفع الارتياب عن كتابة الكتاب، النزوع إلى الأوطان خمس وثلاثون طاقة، حث الإمام على تخفيف الصلاة مع الإتمام، لفتة المشتاق إلى ساكني العراق ثلاثون طاقة، فضائل الشام في طاقتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 علي بن الحسن بن الحسن بن أحمد أبو القاسم بن أبي الفضائل الكلابي الدمشقي الفقيه الشافعي مفتي أهل دمشق وفرضيم ونحويهم وقارئهم، تفقه على جمال الإسلام وغيره، وأعاد عنده بالأمينية، ودرس بالمجاهدية، وكانت له حلقة بالجامع يقرئ فيها القرآن والفقه والنحو، وقرأ القرآن على أبي الوحش بن قيراط وسمع الحديث منه ومن ابنه الحسن بن الحسن، ومن أبي تراب حيدرة، وعبد المنعم بن العمر وغيرهم، وعنه أبو المواهب، وأبو القاسم ابنا صصرى وجماعة، توفي في ذي الحجة سنة ثنتين وخمس مائة رحمه الله. علي بن عبد الرحمن بن مبادر أبو الحسن أحد كبار الشافعية في زمانه ولي قضاء واسط، ثم ولي قضاء ربع الكرخ، ثم عزل وسجن إلى أن مات في ربيع سنة ثلاث وستين وخمس مائة. علي بن محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز القاضي زكي الدين أبو الحسن ابن القاضي المنتخب أبي المعالي القرشي الدمشقي قاضيها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 سمع من جمال الإسلام علي بن المسلم السلمي، وعبد الرحمن بن أبي عقيل، وعبد الكريم بن حمزة، وعنه أبو محمد بن الخشاب مع تقدمه، وأبو بكر الباقداري، وعمر بن علي القرشي، وأبو محمد بن الأخضر وغيرهم، قال علي بن أحمد الزيدي كان نزهًا عالما ذا وقار وتدين. وقال الحافظ الذهبي: كان فقيهًا خيرًا، محمود السيرة، استعفى من القضاء فأعفي، وذهب إلى العراق، فحج منها ثم عاد إلى بغداد، فأقام بها سنة وأدركته منيته بها، فمات يوم الجمعة الثامن والعشرين من شوال سنة أربع وستين وخمس مائة، ودفن بالقرب من قبر الإمام أحمد بن حنبل رحمهما الله. علي بن هبة الله بن أحمد بن محمد البخاري أبو الحسن بن أبي البركات البغدادي والد قاضي القضاة أبي طالب، شيخ فقيه بارع، تفقه على أسعد الميهني وسمع أبا القاسم بن بيان ودخل الروم وتولى قضاء قونية، توفي سنة خمس وستين وخمس مائة في شعبان. عمارة بن علي بن زيدان الفقيه نجم الدين أبو محمد المذحجي اليمني الشافعي الفرضي الشاعر المشهور تفقه بزبيد بمدرستها أربع سنين ثم بالأدب والفرائض وامتدح الملوك، وكان له ميل إليهم وصنف مجلدًا في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 أخبارهم وتاريخًا لليمن، قال القاضي ابن خلكان: كان شافعيًا شديد التعصب للسنة أديبًا ماهرًا، ولم يزل يماشي الحال في دولة المصريين إلى أن ملك صلاح الدين، فامتدحه وامتدح جماعة ثم إنه شرع في أمور، وأخذ في اتفاق مع رؤساء البلد في التعصب للعبيديين، وإعادة أمرهم، وكانوا ثمانية من الأعيان، فأمر صلاح الدين بشنقهم في رمضان سنة تسع وستين وخمس مائة وكفى الله شرهم. وذكر الشيخ شهاب الدين أبو شامة وغيره: أن مولده سنة خمس عشرة، وأنه حج من اليمن في سنة تسع وأربعين وخمس مائة، فسيره صاحب مكة قاسم بن هاشم رسولًا إلى الفائز العبيدي خليفة مصر، فامتدحه بقصيدته الميمية التي فيها: فهل درى البيت أني بعد فرقته ... ما سرت من حرم إلا إلى حرم حيث الخلافة مضروب سرادقها ... بين النقيضين من عفو ومن نقم وللإمامة أنوار مقدسة تجلو ... البغيضين من ظلم ومن ظلم وللنبوة آيات تنص لنا على ... الخفيين من حكم ومن حكم وللمكارم أعلام تعلمنا مدح ... الجزيلين من بأس ومن كرم وللعلى ألسن تثني محامدها ... على الحميدين من فعل ومن شيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 ، فوصلوه بجائزة ثم رجع إلى مكة، ثم إلى اليمن، ثم حج وعاد إلى مصر، فاستوطنها إلى أن جرى له ما جرى. محمد بن حمزة ابن الشيخ أبي الحسن على أبو المعالي السلمي الدمشقي تفقه على جمال الإسلام وسمع ببغداد من أبي القاسم بن بيان وبدمشق من هبة الله ابن الأكفاني، وعنه زين الأمناء وأبو القاسم بن صصرى، قال القاسم ابن عساكر: كان متجملًا حسن الاعتقاد، باع أملاكه وأنفقها على نفسه، توفي في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وخمس مائة. محمد بن علي الوزير أبي نصر أحمد ابن الوزير نظام الملك أبي علي الطوسي صدر إمام معظم تفقه على أسعد الميهني، ودرس بمدرسة جدهم ببغداد النظامية أعوامًا، ثم صرف ثم أعيد سنة أربع وأربعين، وفوض إليه نظر أوقافها، وكان ذا جاه عريض وحرمة تامة، ثم عزل سنة سبع وخمسين واعتقل مدة مديدة، ثم أطلق فحج سنة سبع وخمسين، ثم سافر إلى دمشق، فأكرم مورده، وولي تدريس الغزالية إلى أن توفي في أوائل صفر سنة إحدى وستين وخمس مائة، وقد سمع من أبي الوقت، وأبي منصور بن جرون، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 ولم يرو شيئًا لأنه مات شابًا. محمد بن علي بن المسلم بن محمد بن علي بن الفتح أبو بكر بن جمال الإسلام السلمي الدمشقي خطيبها ومدرس الأمينية بعد أبيه، تفقه على أبيه وسمع منه الحديث، ومن هبة الله بن الأكفاني، وابن الموازيني، وكتب وحصل ودرس ووعظ في حياة أبيه، ولما مات أبوه ولي تدريس الأمينية، ثم ولي خطابة البلد، وناب في القضاء عن الكمال السهروردي، وكان حسن الأخلاق قليل التصنع، روى عنه الحسين بن صصرى، والقاسم ابن عساكر وغيرهما. وتوفي في شوال سنة أربع وستين وخمس مائة رحمه الله. محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد أبو حامد وقيل: أبو منصور وقيل: أبو المظفر الطوسي البروي الشافعي صاحب التعليقة المشهورة في الخلاف، وكان من أكبر أصحاب محمد بن يحيى تلميذ الغزالي، قال ابن خلكان: وله جدل مليح مشهور أكثر اشتغال الفقهاء به، قال: ودخل بغداد، فصادف قبولًا وافرًا، وتوفي بعد شهر، وقال غيره: دخل دمشق سنة خمس وستين ونزل في السميساطية وكان واعظًا فاضلًا مناظرًا، ووعظ واشتغل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 ودرس وأفاد وظهر له قبول، ثم دخل بغداد، فوعظ بالنظامية، وكان فيها شديدًا في الاعتقاد، والتحامل على الحنابلة، حيث كان يقول: لو أن لي أمرًا لوضعت عليهم الجزية، ولم يزل حتى ناله منهم أذى فيما ذكر ابن الأمير وصاحب المرآة وبعض جهلتهم دس إليه من أهدى إليه حلوى فيها سم، والله أعلم، وقال ابن الذهبي: كان أحد علماء عصره والمشار إليه في التقدم في معرفة الفقه والكلام والنظر وحسن العبارة والبلاغة، قدم من دمشق فرزق قبولًا ببغداد ودرس بها الأصول والجدل بالمدرسة البهائية وكان يحضر درسه خلق ووعظ بالنظامية، ثم عاجله الموت وقد حدث بشيء يسير، قلت: سمع الحديث من محمد بن إسماعيل الفارسي وعبد الوهاب بن الشاذياخيي، توفي وله من العمر خمسون سنة، سنة سبع وستين وخمس مائة. محمد بن محمود بن أبي علي الحسن بن يوسف بن عمرو العلامة أبو الرضا الأسدي الطرازي ثم البخاري قال عبد الرحيم ابن السمعاني: كان إمامًا فاضلًا مبرزًا تقيًا ورعًا كثير الذكر والتهجد والتلاوة، تفقه على أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي بمرو الروذ، وعلى الإمام عبد العزيز بن عمر ببخارى، وسمع أبا الفضل بكر بن محمد الزرنجري، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق، ومحمد بن علي بن حفص قال: وهو أول أستاذ لي في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 الفقه، ولد ببخارى سنة تسع وتسعين وأربع مائة، ومات في حدود سنة سبعين وخمس مائة. محمود بن إسماعيل بن عمرو بن علي الإمام العلامة أبو القاسم الطريثيثي النيسابوري تخرج بأبي بكر محمد بن منصور السمعاني في الفقه، وبرع في المذهب وأصول الفقه، وكان حسن السيرة، وسمع منه عبد الرحيم ابن السمعاني وغيره، ومات في حدود السبعين وخمس مائة. محمود بن محمد بن العباس بن أبي محمد الخوارزمي الشافعي المعروف بالعباسي فقيه تلك البلاد ومفيدهم، تفقه على محيي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي، وسمع الحديث من أبيه، وجده، وإسماعيل بن أحمد البيهقي، وجماعة بمرو وبغداد وغيرهما من البلاد، ووعظ بالنظامية، وسمع منه أحمد بن طارق، ويوسف بن مقلد، قال أبو سعد السمعاني: كان فقيهًا عارفًا بالمتفق والمختلف صوفيًا حسن الظاهر والباطن، سمع الكثير على كبر السن، وعلق المذهب عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 البغوي، وأفاد الناس بخوارزم، وصنف تاريخًا، مات سنة ثمان وستين وخمس مائة. هبة الله بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله ابن عساكر صائن الدين أبو الحسن الدمشقي أخو الحافظ أبي القاسم، قال أخوه: ولد سنة ثمان وثمانين وأربع مائة، وقرأ بالروايات على أبي الحسن سبيع بن قيراط وغيره، وتفقه على جمال الإسلام ونصر الله بن محمد، وسمع من أبي القاسم النسيب، وأبي طاهر الحنائي الحسن بن الموازيني وغيرهم، ورحل إلى بغداد، فتفقه أيضًا على أسعد الميهني، وعلق عنه الخلاف، وقرأ على أبي عبد الله بن كنديد المتكلم شيئًا من الأصول، وعلى أبي الفتح بن برهان شيئًا من أصول الفقه، وجمع شيئًا كثيرًا هناك، وحج سنة إحدى عشرة ورجع إلى بغداد، ثم خرج منها سنة أربع عشرة ثم جاء إلى دمشق وأعاد بالأمينية على شيخه أبي الحسن السلمي جمال الإسلام ودرس بالزاوية العربية يعني الغزلية، وأفتى وكتب الحديث الكثير وكان معتنيًا بعلوم القرآن والنحو واللغة، وحدث بطبقات ابن سعد وسنن الدارقطني، وعرضت عليه الخطابة وغيرها، فامتنع وكان خاله أبو المعالي يجتهد أن ينوب عنه في القضاء، فلم يفعل وكان ثقة ثبتا متيقظًا له شعر كثير، حدث عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 673 أخوه الحافظ أبو القاسم، وابنه القاسم، وأبو سعد السمعاني، وبنو أخيه وهم زين الأمناء الحسن، وفخر الدين عبد الرحمن شيخ الشافعية، وتاج الأمناء أحمد، وأبوه نصر عبد الرحيم وغيرهم، وقيل: إنه وقع في حمام ببلخ، فبقي أيامًا ثم مات في شعبان سنة ثلاث وستين وخمس مائة رحمه الله تعالى. هبة الله بن محفوظ بن الحسن بن صصرى أبو الغنائم التغلبي الدمشقي المعدل قال الحافظ ابن عساكر: ولد سنة إحدى عشرة وخمس مائة وسمع من الفقيه نصر المصيصي وابن طاوس، وتفقه على جمال الإسلام أبي الحسن السلمي وغيره، وحفظ القرآن، وتأدب وكتب الحديث ورواه، وكان كثير الصلاة والتلاوة والصدقة وأوصى بصدقات في عدة أشياء من وجوه البر، وتوفي في جمادى الآخرة سنة ثلاث وستين وخمس مائة، ودفن بباب توما عند أبيه وجده. يوسف بن عبد الله بن بندر الإمام أبو المحاسن الدمشقي ثم البغدادي تفقه ببغداد على أسعد الميهني، وبرع في الفقه وأصوله والخلاف، وصار أنظر أهل عصره، ودرس بالنظامية وحدث عن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 674 صالح المؤذن، وأبي البركات بن البخاري، عنه أبو الخير الجلاد بعث رسولًا إلى خراسان، فمات في شوال سنة ثلاث وستين وخمس مائة. يوسف بن مكي بن يوسف بن علي أبو الحجاج الحارثي الدمشقي إمام الجامع بها الشافعي قال الحافظ ابن عساكر: كان أبوه حائكًا، فنشأ يوسف وقرأ بالروايات، وتفقه عند أبي الحسن بن مسلم يعني جمال الإسلام، ورحل وسمع من أبي طالب نور الهدى، وأبي علي ابن المهتدي، وأبي سعد ابن الطيوري، وكان يسمع مع أخيه، ثم حج وعاد مع حجاج الشام، ولزم الفقيه نصر الله وأعاد له، وقد أوصى له بتدريس الزاوية يعني الغزالية، فلم يصح له وحدث وكان ثقة، ونصب لإمامة الجامع وكتب كثيرًا، وتوفي في صفر سنة خمس وستين وخمس مائة رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 المرتبة الثالثة من الطبقة الثامنة من أصحاب الشافعي رضي الله عنه فيها من أول سنة سبعين وخمس مائة إلى آخر سنة ثمانين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 677 إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الإمام رضي الدين أبو إسحاق الجزري الفقيه الشافعي، تفقه على شيخه أبي القاسم بن البزري، وساد أهل بلده بعده، وقد تفقه ببغداد بالنظامية، ومات في المحرم سنة سبع وسبعين وخمس مائة عن أربع وستين سنة. أحمد بن أبي الحسن علي بن أحمد بن يحيى بن خازم بن علي بن رفاعة الزاهد الكبير المشهور أبو العباس الرفاعي البطائحي المغربي أصلًا قدم أبوه من بلاد المغرب، فسكن من البطائح بقرية يقال لها: أم عبيدة، وتزوج بأخت الشيخ منصور الزاهد، ورزق منها أولادًا منهم الشيخ أحمد المذكور، ومات والده وأمه حامل به، فنشأ في كفالة خاله، وكان ميلاده في محرم سنة خمس مائة، قال القاضي شمس الدين ابن خلكان: كان رجلًا صالحًا شافعيًا فقيهًا انضم إليه خلق من الفقراء وأحسنوا فيه الاعتقاد، وهم الطائفة الرفاعية، ويقال لهم الأحمدية والبطائحية، ولهم أحوال عجيبة من أكل الحيات حية والنزول إلى التنانير، وهي تتضرم نارًا والدخول إلى الأفرنة، وينام واحد منهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 في جانب الفرن، والخباز يخبز في الجانب الآخر، وتوقد لهم النار العظيمة وتقام السماع، فيرقضون عليها إلى أن تنطفئ، ويقال: إنهم في بلادهم يركبون الأسود ونحو ذلك وأشباهه، ولهم أوقات معلومة يجتمع عندهم من الفقراء بالبطائح عالم لا يحصون ويقومون بكتابة الجميع، والبطائح عدة قرى مجتمعة في وسط الماء بين واسط والبصرة، وقد صنف الناس في مناقب الشيخ يعقوب بن كراز: قال سيدي الشيخ أحمد: سلكت الطرق الموصلة فما رأيت أقرب ولا أصلح ولا أسهل من الافتقار والذل والانكسار، فقيل له: يا سيدي فكيف يكون؟ قال: تعظم أمر الله، وتشفق على خلق الله، وتقتدي بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنه أنه قال: لو أن عن يميني خمس مائة يروحوني بمراوح، وهم من أقرب الناس إلي عن يميني وعن يساري مثلهم من أبغض الناس إلى معهم مقاريض يقرضون بها لحمي، ما زاد هؤلاء عندي ولا نقص هؤلاء بما فعلوه ثم قرأ {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 23] قال: وكان سيدي الشيخ أحمد إذا حضر بين يديه تمر ورطب ينفي البسط الحسف لنفسه، فيأكله ويقول: أنا أحق بالدون من غيري، فإني مثله، قال: وكان لا يجمع بين قميصين في شتاء ولا صيف، وكان ورده أنه يصلي أربع ركعات كل ركعة بألف قل هو الله أحد، ويستغفر كل يوم ألف مرة، واستغفاره أن يقول: لا إله إلا أنت سبحانك إني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 كنت من الظالمين عملت سوءًا وظلمت نفسي وأسرفت في أمري، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت. قال: وتوضأ يومًا في برد شديد ومد يده فبقي زمانًا، فتقدمت لأقبلها، فقال: شوشت على هذه الضعيفة، قلت: من هذه؟ قال: بعوضة كانت تأكل رزقها من يدي فهربت منك، قال: ورأيته مرة يتكلم ويقول: يا مباركة فأعلمت بك العديل عن وطنك، فنظرت فإذا جرادة قد تعلقت بثوبه وهو يتعذر إليها رحمة لها. وذكر أن هرة نامت على كمه فجاءت وقت الصلاة، فقص كمه ولم يزعجها وعاد من الصلاة، فوجدها قد قامت، فوصل كمه وخيطه، قال يعقوب: ومر سيدي على دار الطعام، فوجد الكلاب يأكلون التمر من القوصرة وهم يتحاربون، فوقف على الباب لئلا يدخل عليهم أحد يؤذيهم وهو يقول: أي مباركين، اصطلحوا وكلوا لا يدروا بكم يمنعوكم، كذا قال، وكان سيد أحمد إذا قدم من سفر شمر وجمع الحطب ثم يحمله إلى بيوت الأرامل والمساكين، وكان الفقراء يوافقونه، وربما كان يملأ الماء للأرامل المساكين ويؤثرهم، قال: وكان يتمثل بهذا البيت: إن كان لي عند سليمى قبول ... فلا أبالي بما يقول العذول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 أغار عليها من أبيه وأمها ... ومن كل من يرنو إليها فينظر وأحد من حد المرآة بكفها ... إذا نظرت مثل الذي أنا أنظر ، قال الشيخ يعقوب بن كراز: كان سيدي أحمد والفقراء في مكان فقال: لا إله إلا الله قد حان أوان هذا المجلس، فليخبر الحاضر الغائب أن أحمد يقول وأنتم تسمعون: من خلا بامرأة أجنبية فأنا منه بريء، وسيدي الشيخ منصور منه بريء، وسيدي المصطفى صلى الله عليه وسلم منه بريء، وربنا سبحانه منه بريء، ومن خلا بأمرد كذلك، ومن نكث البيعة فإنما ينكث على نفسه، ثم قام من مجلسه، ومات بعد شهر، وذكروا أنه كان يحضر للحاوي في أول أمره ثم في نهايته، مكث كذلك نحو من سبع سنين، وذكر أبو الفرج ابن الجوزي أن سبب مرضه الذي مات فيه أنه سمع القوال ينشد أبياتًا، فتواجد منها، وكان المنشد لها عبد الغني بن نقطة حين زاره أنشده إياها فاضطرب وانزعج وهي هذه الأبيات: إذا جن ليلي هام قلبي بذكركم ... أنوح كما ناح الحمام المطوق وفوقي سحاب يمطر الهم والأسى ... وتحتي بحار بالأسى تتدفق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 682 سلوا أم عمرو كيف بات أسيرها ... تفك الأسارى دونه وهو موثق فلا هو مقتول ففي القتل راحة ... ولا هو ممنون عليه فيعتق ، وقال الشيخ عبد الرحمن: سمعت الشيخ يقول: لما حضرت الوفاة سيدي أحمد قبلها بأيام، قلت: يا سيدي ما نقول بعدك وما تورثنا، فقال: أي علي، قل عني إنه: ما نام ليلة إلا وكل الخلق أفضل منه، ولا جرد قط ولا رأى لنفسه قيمة، وأما ما أورثه فيا ولدي تشهد أن لي مالا حتى أورثكم، وإنما أورثكم قلوب الخلق لك ولذريتك إلى يوم القيامة، البيعة عامة، والنعمة تامة، والضمين ثقة هي اليوم مشيخة، وإلى يوم القيامة مشيخة بمملكة، وكذا قال. توفي إلى رحمة الله تعالى يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وخمس مائة ودفن في قبة الشيخ يحيى النجار ولم يعقب وإنما المشيخة في بني أخيه، والله أعلم. أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الحافظ الكبير الشهير أبو طالب بن أحمد بن سلفة الأصبهاني الجرواني وجروان محله بأصبهان، السلفي، وسلفة لجده أحمد، قال الحافظ عبد الغني المقدسي: سمعته يقول: أنا أذكر قتل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 683 نظام الملك سنة خمس وثمانين وأربع مائة، وكان عمري نحو عشر سنين، وقد كتبوا عني في أول سنة ثنتين وتسعين، وأنا ابن سبع عشرة سنة، وكان أول سماعه من سنة ثمان وثمانين، فسمع ببلده أصبهان من جماعة، خرج لهم معجما، ثم ارتحل إلى بغداد فسمع من جماعة آخرين خرج لهم معجمًا أيضًا، وأقبل على الفقه والعربية حتى برع فيهما، وأتقن مذهب الشافعي على إلكيا الهراسي، وأبي بكر الشاشي، وأبي القاسم يوسف بن علي الزنجاني، والأدب عن ابن زكريا التبريزي وغيره، وحج فسمع وحصل وقدم دمشق سنة تسع وخمسين وخمس مائة، وسمع بها ثم ذهب إلى صور، وركب البحر فصار إلى الإسكندرية فاستوطنها، ودرس بها بمدرسة ابن السلار، فكانت أول مدرسة بالثغر، وكان أول مدرس به، وخرج إلى البلدان ما عدا بغداد وأصبهان وعمل معجمًا آخر، وكان إماما مقرئًا مجودًا محدثا حافظًا جهبذًا وفقيهًا مفتيًا ونحويًا ماهرًا ولغويًا محققا فيما ينقله حجة ثبتا، انتهى إليه علو الإسناد في البلاد، وقد روى عنه محمد بن طاهر المقدسي أحد مشايخه وسبطه أبو القاسم عبد الرحمن بن مكي، وهي وفاتيهما مائة وأربع وأربعون سنة، وروى عنه القاضي عياض بالإجازة ومات قبله، وحدث عنه من الحفاظ عبد الغني المقدسي وعبد القادر الرهاوي وعلي بن الفضل، وخلق لا يحصون كثرة لطول مدة حياته وتحديثه فإنه مكث نيفا وثمانين سنة يسمع عليه. قال شيخنا الحافظ الذهبي: ولا أعلم أحدًا مثله، وكان يحسن الشعر، ويحب من يمدحه، قال أبو سعد السمعاني في الذيل: هو ثقة ورع متقن مثبت حافظ فهم، له حظ من العربية كثير الحديث حسن الفهم والبصيرة فيه، وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: سمع السلفي ممن لا يحصى، وحدث بدمشق، فسمع منه أصحابنا، ولم أظفر بالسماع منه، وسمعت بقراءته من شيوخ عدة، ثم خرج إلى مصر واستوطن بالإسكندرية، واستوطن بها امرأة ذات يسار وحصلت له ثروة بعد فقر وتصوف، فصارت له بالإسكندرية وجاهة، وبنى له العادل علي بن إسحاق بن السلار أمير مصر مدرسة بالإسكندرية، وقال الحافظ عبد القادر الرهاوي: سمعت من يحكي عن الحافظ أبي ناصر أنه قال عن السلفي: كان ببغداد كأنه شعله نار في تحصيل الحديث، قال عبد القادر: وكان له عند ملوك مصر الجاه والكلمة النافذة مع مخالفته لهم في المذهب وكان لا تبدو منه جفوة لأحد، ويجلس للحديث فلا يشرب ماء ولا يبصق ولا يتورك ولا يبدو له قدم، وقد جاوز المائة، بلغني أن سلطان مصر حضر عنده السماع، فجعل يتحدث مع أخيه، فزجرهما، وقال: إيش هذا؟ نحن نقرأ الحديث وأنتما تتحدثان، قال: وبلغني أنه في مدة مقامه وهي أربع وستون سنة ما خرج إلى بستان ولا فرجة غير مرة واحدة بل كان عامة دهره ملازما مدرسته، ولا نكاد ندخل عليه إلا نراه مطلعًا في شيء وكان حليما متحملًا محبًا للغرباء، وقد سمعت بعض الفضلاء بهمذان يقول: السلفي أحفظ الحفاظ، قال عبد القادر: وكان آمرًا بالمعروف ناهيا عن المنكر، قد أزال من جواره منكرات كثيرة، ورأيته يومًا وقد جاءه قوم يقرءون بالألحان فمنعهم، وقال: هذه بدعة بل اقرءوا ترتيلا، وقال ابن نقطة: كان حافظًا ثقة جوالًا في الآفاق، سائلا عن أحوال الرجال سماعا الذهلي والمؤتمن الساجي وأبا علي البرداني وأبا الغنائم الزينبي قال: قال لي عبد العظيم المنذري: إن أبا الحسن المقدسي، قال: حفظت أسماء وكنى وجئت إلى السلفي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 684 فذاكرته بها فجعل يذكرها من حفظه، وما قال لي: أحسنت، وقال: ما هذا شيء مليح أنا شيخ كبير في هذه البلدة هذه السنين لا يذاكرن أحد وحفظي هكذا، مات السلفي رحمه الله يوم الجمعة، وقد صلى الغداة، وقد بات تلك الليلة يقرأ عليه الحديث حتى غربت الشمس، وهو يرد على القارئ اللحن الخفي، فلما صلى الصبح من يوم الجمعة في أول وقتها، مات فجأة الخامس من ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمس مائة بالإسكندرية رحمه الله. ومن شعره ما رواه عنه الحافظ عبد الغني: ضل المقيم والمعطل مثله ... عن منهج الحق المبين ضلالا وأتى أماليهم بنكر لا رعوا ... من معشر قد حاولوا الإشكالا وغدوا يقيسون الأمور برأيهم ... ويدلسون على الورى الأقوالا والأولون تعدوا الحد الذي ... قد حد في وصف الإله تعالى وتصوروه صورة من جنسنا ... جسمًا وليس الله عز مثالًا والآخرون فعطلوا ما جاء في القرآن ... أقبح بالمقال مقالا وأبوا حديث المصطفى أن يقبلوا ... ورأوه حشوا لا يفيد منالا وهذه من قصيدة فيها بضعة وعشرون بيتا، وله مثلها في السنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 685 وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: قرأت على أبي بكر محمد بن موسى الخوارزمي، عن أبي عبد الله محمد بن المعلا الأزدي، قال: قال أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، يرثي الشافعي، رضي الله عنه: بملتفتيه للمشيب طوالع ... ذوائد عن ورد التصابي روادع تصرفه طوع العنان وربما ... دعاه الصبا فاقتاده فهو طائع ومن لم يزعه لبه وحياؤه ... فليس له من شيب فوديه وازع هل النافر المذعور للحظ راجع ... أم النصح مقبول أم الوعظ نافع أم الهمك المهموم بالجمع عالم ... بأن الذي يوعى من المال ضائع وإن قصاراه على فرط ظنه ... فراق الذي أضحى له وهو جامع ويخمل ذكر المرء ذي المال بعده ... ولكن جمع العلم للمرء رافع ألم تر آثار ابن إدريس بعده ... دلائلها في المشكلات لوامع معالم يفنى الدهر وهي خوالد ... وتنخفض الأعلام وهي فوارع مناهج فيها للهدى متصرف ... موارد فيها للرشاد شرائع ظواهرها حكم ومستنبطاتها ... لما حكم التفريق فيه جوامع لرأي ابن إدريس ابن عم محمد ... ضياء إذا ما أظلم الخطب ساطع إذا المفظعات المشكلات تتابعت ... سما منه نور في دجاهن لامع أبى الله إلا رفعه وعلوه ... وليس لما يعليه ذو العرش واضع توخى الهدى فاستنقذته يد التقى ... من الزيغ إن الزيغ للمرء صارع ولاذ بآثار الرسول فحكمه ... لحكم رسول الله في الناس تابع وعول في أحكامه وقضائه ... على ما قضى في الوحي والحق ناصع بطئ عن الرأي المخوف التباسه ... إليه إذا لم يخش لبسا يسارع جرت لبحور العلم أمداد فكره ... لها مدد في العالمين ينابع وأنشأ له منشيه من خير معدن ... خلائق هن الباهرات البوارع تسربل بالتقوى وليدا وناشئا ... وخص بلب الكهل مذ هو يافع وهذب حتى لم تشر بفضيلة ... إذا التمست إلا إليه الأصابع فمن يك علم الشافعي إمامه ... فمرتعه في باحة العلم واسع سلام على قبر تضمن جسمه ... وجادت عليه المدجنات الهوامع لقد غيبت أثراؤه جسم ماجد ... جليل إذا التفت عليه المجامع لئن فجعتنا الحادثات بشخصه ... لهن لما حكمن فيه فواجع فأحكامه فينا بدور زواهر ... وآثاره فينا نجوم طوالع ولابن دريد فيه قصيدة أخرى، نونية جيدة المطلع، قوية المنزع، روية المشرع، مدحه فيها فأبدع، وجرى في مضمار فضائله فأسرع، والله يغفر له، ويسامحه. وهذه نبذة مختصرة، من فضائل الشافعي، رحمه الله، وشمائله، ولو تقصينا أخباره مبسوطة، لطال الكتاب، ولكنا اقتصرنا على هذا القدر، إذ فيه مقنع لذوي الألباب. وقد جمع الناس ترجمة الشافعي قديما وحديثا، فأول من نعرف جمعها: داود بن علي بن خلف الأصبهاني الظاهري، ثم أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، وزكريا بن يحيى الساجي، والدارقطني، وأبو علي الحسن بن الحسين الهمداني، المعروف بابن حكمان، وهو ضعيف، وفيما ينقله نكارة، ولا يكاد يخلو ما يرويه عن غرابة ونكارة، وأبو الحسين الرازي والد تمام، والحاكم النيسابوري، وأبو الحسين محمد بن الحسين بن إبراهيم الآبري السجستاني، والحافظ أبو بكر البيهقي، والحافظ أبو القاسم ابن عساكر، في تاريخه، ذكر ترجمة بليغة أطنب فيها، وأكثر، وأطيب، وذكر أشياء من ترجمة أبي علي بن حمكان، وأشياء من رحلة الشافعي لعبد الله بن محمد البلوي، وهو كذابٌ وَضَّاعٌ، وقد أعرضت في هذه الترجمة عن كثير من ذلك، وذكرت مقاصد ما ذكره هؤلاء الأئمة، مما هو صحيح، أو قريب منه، ولا يخفي ذلك على أولى العلم. وكذلك جمع ترجمة الإمام الشافعي: أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي، أستاذ المتكلمين في زمانه، في مجلد وأطال العبارة فيها، ولكنه اعتمد على منقولات كثيرة مكذوبة، لا نقد عنده في ذلك، فلهذا كثر فيها الغرائب والمنكرات من حيث النقل. والله تعالي هو الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب، ولا حول ولا قوة إلا بالله، العلي العظيم: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] ، {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] . فصل وقد وقع لي حديث عزيز عظيم، من رواية الإمام الشافعي، رضي الله عنه، فيه بشارة عظيمة، لعموم المؤمنين، ولا سيما للأبرار والمقربين، أحببت أن أسوقه بسندي إلى سيد المرسلين، صلى الله عليه وسلم. وَقَدْ أَخْبَرَنِي بِهِ شَيْخُنَا الإِمَامُ الْحَافِظُ، أَبُو الْحَجَّاجِ يُوسُفُ ابْنُ الزَّكِيِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ الْمِزِّيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبٍ الشَّيْبَانِيُّ، وَالْمُسْلِمُ بْنُ عَلانَ، قَالا: أنا حَنْبَلُ ابْنُ الرُّصَافِيِّ الْمُكَبِّرُ، وَأنا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُصَيْنِ الشَّيْبَانِيُّ، أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُذْهِبِ التَّمِيمِيُّ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَالِكٍ الْقَطِيعِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، ثنا أَبِي، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ» ، وهكذا رواه النسائي، من حديث مالك، والترمذي، وابن ماجه من حديث الزهري به، وقال الترمذي: حسن صحيح، قلت: وهذا فرد من الأفراد اجتمع في سنده ثلاثة من الأئمة الأربعة وهذا عزيز جدا، وقد روى الإمام أحمد في مسنده عن الشافعي أحاديث أخر غير هذا، بل قد روى عن رجل عنه وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيهِ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ، ثنا الشَّافِعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَلَّى صَلاةَ الْكُسُوفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وهذا على شرط الصحيح ولم يخرجوه، ومما استغرب من رواية الشافعي، رضي الله عنه، ما رواه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْجُرَشِيُّ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، ثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا الشَّافِعِيُّ، ثنا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاةِ الْفَذِّ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا» ، ثم قال الخطيب: لا أعلم أحدا رواه عن الشافعي إن لم يكن الربيع وهمَ فيه، لأن هذا الحديث في الموطأ عن مالك، رضي الله عنه، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. قلت: وهكذا أخرجه مسلم في صحيحه عن يحيى، والنسائي عن قتيبة، والترمذي عن إسحاق بن موسى الأنصاري، عن معن بن عيسى القزاز كلهم، عن مالك، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، به. وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: تفرد به كذلك الربيع، عن الشافعي، وقد رواه المزني، والزعفراني، وحرملة، عن الشافعي، عن مالك، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، فقيل: إنه وهمَ فيه الربيع، وقيل: بل هو محفوظ عن مالك فقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو الحسن علي بن عيسى بن إبراهيم الثقة المأمون، ثنا إبراهيم بن أبي طالب، وعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا روح بن عبادة، ثنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «فضل صلاة الرجل في الجماعة على صلاته وحده بخمسة وعشرين جزءا» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 686 ببغداد وسمع بها من أبي القاسم بن بيان، وبمرو من أبي منصور محمد بن علي بن محمود الكراعي، وقدم دمشق رسولًا، فحدث بها ثم سكن الموصل، وحدث بصحيح البخاري إلا أنه سقط عليه وعليهم من الإسناد رجل واستمر الوهم، روى عنه أبو القاسم بن صصرى، وأبو نصر ابن الشيرازي، وأجاز للبهاء عبد الرحيم، توفي بالموصل يوم النحر سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة. زيد بن نصر بن تميم ويقال أحمد بن نصر بن تميم أبو القاسم الحموي الفقيه الشافعي المتكلم الأشعري، تفقه على جمال الإسلام، وروى عنه وعن عبد الكريم بن حمزة، وكان شديد التعصب لمذهب الأشعري، وقد ولي حسبة دمشق وحسبة مصر أيضًا، وعنه أبو القاسم بن صصرى، وقال أبو المواهب بن صصرى: توفي في شعبان سنة أربع وسبعين وخمس مائة وقد جاوز السبعين. سعد بن محمد بن سعد بن صفي شهاب الدين أبو الفوارس التميمي الشاعر الملقب بالحيص بيص قيل: إنه رأى الناس في شدة واختلاط فقال: ما لهم في حيص بيص، فعرف بذلك، وكان من فضلائهم وأذكيائهم، تفقه على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 688 مذهب الإمام الشافعي بالري على القاضي محمد بن عبد الكريم الوزان، وتكلم في مسائل الخلاف، وامتدح الملوك والخلفاء والوزراء، واكتسب مالًا جزيلًا ومجدا أثيلا، ذكره ابن السمعاني في ذيله فقال: كان فصيحا حسن الشعر، وقال الذهبي: سمع من أبي طالب الحسين بن محمد الذهبي، وبواسط من أبي المجد محمد بن جهور، وله ديوان مشهور وترسل، وكان بارعًا في الشعر محسنًا بديع المعاني وبليغ الرسائل ذا خبرة تامة باللغة، وقال ابن أبي الطيب الثقفي: كان شاعرًا فاضلًا وافر العقل والأدب عظيم المنزلة في الدولتين العباسية والسلجوقية، وكان ذا معرفة تامة للأدب وحفظ كثير للشعر، إمامًا في الرأي حسن العقيدة، حدثني عبد الباقي بن رزيق الحلبي الزاهد، قال: رأيته واجتمعت به فكان صدرًا في كل علم، عظيم النفس حسن الشارة، يركب الخيل العربية الأصليلة ويتقلد بسيفين، ويحمل خلفه الرمح ويأخذ نفسه بما يأخذ به الأمراء، ويتبارى في لفظه، ويعقد القاف، وكان أفصح من رأيت، وكان يناظر على مذهب الجمهور يعنى أهل السنة، ولهذا قال فيه أبو القاسم بن الفضل: كم تبادى وكم يطول طرطورك ... ما فيك شعره من تميم فكل الضب واقرط الحنظل اليابس ... واشرب إن شئت بول الظليم فليس ذا وجه من يضيف ولا يقري ... ولا يدفع الأذى عن حريم ، قال القاضي شهاب الدين شداد، فأجابه الحيص بيص بما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 689 سمعناه من لفظه: لا تضع من عظيم قدر وإن ... كنت مشارًا إليه بالتعظيم فالشريف الكريم يصغر قدرًا ... بالتعدي على الشريف الكريم ولع الخمر بالعقول رمي الخمر ... بتنجيسها وبالتحريم ، وقد روى عنه أيضًا محمد بن أبي البدر ابن المتنبي وغيره، وتوفي في سادس شعبان سنة أربع وسبعين وخمس مائة رحمه الله. عبد الله بن حمزة بن محمد بن سماوة أبو الفرج الكرماني ثم الحرفتي ثم الدمشقي خطيب دوما، تفقه على جمال الإسلام، وروى عنه وعن أبي القاسم بن صصرى، وأخيه أبي المواهب بن صصرى، وقال: كان ثقة صالحًا، توفي في ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين وخمس مائة، وهو في عشر الثمانين. عبد الله بن الخضر بن الحسين أبو البركات الموصلي الفقيه الشافعي المعروف بابن الشيرجي، حصل المذهب وناظر، وسمع أبا بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 690 الأنصاري، وأبا منصور الشيباني وجماعة، وانتفع به جماعة من أهل الموصل، وكان إمامًا مثبتًا، وروى عنه غير واحد منهم: محمد بن علوان، والفقيه بهاء الدين بن شداد، توفي سنة أربع وسبعين وخمس مائة رحمه الله. عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن أبي سعيد كمال الدين أبو البركات الأنباري النحوي صاحب كتاب أسرار العربية وغيره من التصانيف المفيدة التي تزيد على مائة مصنف، تفقه ببغداد بالمدرسة النظامية مدة على أبي منصور بن الرزاز، وأخذ علم العربية عن أبي السعادات الشجري، واللغة عن أبي منصور الجواليقي، وبرع حتى صار شيخ العراق، وقرأ النحو بالنظامية ثم انقطع إلى منزله في العلم، والعبادة، وإفادة الناس، والفراغ من الدنيا، والصبر على خشن العيش، وحاصل أمره الزهد في الدنيا والتوكل على الله عز وجل، روى الحديث عن أبيه، وخليفة ابن الأنباري، ومحمد بن محمد بن عطاف، وأحمد بن نظام الملك، وعنه الحافظ أبو بكر الحازمي، وابن الذهبي وجماعة، وتوفي في شعبان سنة سبع وسبعين وخمس مائة عن أربع وستين سنة، ومن شعره: دع الفؤاد بما فيه من الحرق ... ليس التصوف بالتلبيس والخرق بل التصوف صفو القلب من كدر ... ورؤية الصوفية أعظم الحرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 691 وصبر نفسي على أدنى مطامعها ... وعن مطامعها في الخلق بالخلق وترك دعوى بمعنى فيه حفنة ... فكيف دعوى بلا معنى ولا خلق. علي بن أحمد بن محمد بن عمر بن حسن أبو الحسن العلوي الحسيني الزيدي البغدادي الفقيه الشافعي المحدث العابد القدوة سمع ابن ناصر، وابن الزاغوني، ونصر بن نصر العكبري، وانتخب لنفسه أجزاء، وحدث بها وسمع منه شيوخه وأقرانه تبركًا به، منهم: عمر القرشي، وعمر العليمي، وأبو المواهب بن صصرى، وقال ابن الدبيثي: كان ثقة صدوقًا أحد الأعيان، والزهاد والنساك، وحفظ القرآن وكتب الكثير من الحديث، وجمعه وحصل الفقه، وكان نبيلًا جامعًا لصفات الخير، سمعت شيخنا ابن ناصر يعظم شأنه يثني عليه ويصف زهده ودينه، وذكر شيخنا أبو عبد الله الذهبي: أن الوزير عضد الدين ابن رئيس الرؤساء كان قد نذر إن عاد إلى الوزارة أن يعطيه ألف دينار، فعاد فبعث إليه بألف دينار، فبلغ ذلك الخليفة، فبعث إليه بمثلها، وبعثت إليه أم الخليفة بمثلها أيضًا، فلم يتصرف فيها، بل بنى بها مسجدا واشترى بها كتبا ووقفها فيه، وانتفع بها الناس، وكان مولده سنة تسع وعشرين وخمس مائة، وتوفي في حياة أبويه في شوال سنة خمس وسبعين وخمس مائة ودفن بداره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 692 علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين الحافظ الكبير ثقة الدين أبو القاسم ابن عساكر فخر الشافعية، وإمام أهل الحديث في زمانه، وحامل لوائهم صاحب تاريخ دمشق، وغير ذلك من المصنفات المفيدة المشهورة، مولده في مستهل سنة تسع وسبعين وأربع مائة، وسمعه أخوه أيضًا ابن هبة الله في سنة خمس وخمس مائة، وبعدها من الشريف أبي القاسم النسيب، وأبي القاسم قوام بن زيد، وأبي الحسن سبيع بن قيراط، وأبي طاهر ابن الحباني، وأبي الحسن بن الموازيني، ثم سمع بنفسه بدمشق من جماعة، ثم رحل إلى بغداد سنة عشرين، وحج منها سنة إحدى وعشرين، وسمع بمكة، وعاد إليها فأقام بها خمس سنين يشتغل ويحصل ويسمع ويتفقه بالنظامية ويعلق مسائل الخلاف على أبي سعد إسماعيل بن أبي صالح المؤذن، ثم رجع بعلم جم، وسماعات كثيرة، ثم عاد إلى الرحلة في سنة تسع وعشرين إلى خراسان وأصبهان وغيرهما من البلدان، وبقي نحو أربع سنين، ورجع بكتب عظيمة ومسندات وسنن وأجزاء كثيرة، وبعد تلك السنين رجع وقد سمع من مشايخ كبار وصغار نحوا من ألف وثلاث مائة شيخ وثمانين امرأة ونيف. وقد حدث بأصبهان وخراسان وبغداد وغيرها من البلاد، وسمع منه جماعة من كبار الحفاظ كأبي يعلى الهمذاني، وأبي سعد السمعاني، وروى عنه ابنه القاسم، وبنو أخيه فخر الدين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 693 وأبو منصور، وزين الأمناء، وعبد الرحيم، وعز الدين النسابة محمد ابن تاج الأمناء الحافظ، وأبو المواهب بن صصرى، وأخوه أبو القاسم بن صصرى، والحافظ عبد القادر الرهاوي، والقاضي أبو القاسم ابن الحرستاني، والقاضي أبو نصر بن الشيرازي، ومحمد ابن أخي الشيخ أبي البيان، والبهاء علي بن الحرني، وخلق كثير وجم غفير. قال الحافظ أبو سعد السمعاني في تاريخه: كثير العلم، غزير الفضل، حافظ ثقة متقن دين خير، حسن السمت، جمع بين معرفة المتون والأسانيد، صحيح القراءة، مثبت خير، ورحل وتعبد وبالغ في الطلب إلى أن جمع ما لم يجمع غيره، وأربى على أقرانه وصنف التصانيف، وخرج التخاريج، وشرع في تاريخ لدمشق، وقال ابنه الحافظ أبو القاسم: كان أبي رحمه الله مواظبًا على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم في كل جمعة ويختم في رمضان في كل يوم، ويعتكف في المنارة الشرقية، ويحيي ليلة النصف والعيدين بالصلاة والذكر، وكان كثير النوافل والأذكار، يحاسب نفسه على لحظة تذهب في غير طاعة، وقال لي: لما حملت بي أمي رأت في منامها قائلًا يقول لها: تلدين غلاما يكون به شأن، قال: وحدثني أن أباه رأى رؤيا معناها يولد لك ولد يحيي الله به السنة، قلت: تصديق هذه الرؤيا ما جلب إلى الشام من كتب الإسلام المشهورة كمسند الإمام أحمد، ومسند أبي يعلى الموصلي وغير ذلك من المسانيد الكبار والصغار، قال: وحدثني أبي قال: كنت يومًا أقرأ على أبي الفتح المختار بن عبد الحميد وهو يتحدث مع الجماعة، فقال: قدم علينا أبو علي بن الوزير، فقلنا: ما رأينا مثله، ثم قدم علينا أبو سعد السمعاني فقلنا: ما رأينا مثله، حتى قدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 694 علينا هذا فلم نر مثله، وقال الحافظ الرئيس أبو المواهب بن صصرى: أما أنا فكنت أذاكره في خلواته عن الحفاظ الذين لقيهم، فقال: أما ببغداد، فأبو عامر البغدادي، وأما بأصبهان فأبو نصر اليونارتي، لكن إسماعيل الحافظ كان أشهر منه، فقلت له: فعلى هذا ما رأى سيدنا مثله فقال: لا تقل هذا، قال الله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] ، قلت: وقد قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] قال: نعم لو قال قائل: إن عيني لم تر مثلي لصدق، قال أبو المواهب: وأنا أقول: لم أر مثله ولا من اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنة من لزوم الصلوات في الصف الأول إلا من عذر، والاعتكاف في رمضان، وعشر ذي الحجة، وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك، وبناء الدور قد أسقط ذلك عن نفسه، وأعرض عن طلب المناصب من الإمامة والخطابة وإياها بعد ما عرضت عليه، وقلة التفاته إلى الأمراء، وأخذ نفسه بالأمر والنهي عن المنكر، لا يأخذه في الله لومة لائم، ثم قال لي: لما عزمت على التحديث، الله مطلع أنه ما حملني على ذلك حب الرياسة والتقدم بل قلت: متى أروي ما جمعت ويأتي بفائدة أخلفه بعدي صحائف، فاستخرت الله، واستأذنت أعيان شيوخي، ورؤساء البلد، وطفت عليهم فكل قال: ومن أحق بهذا منك؟ ، فشرعت في ذلك ثلاث وثلاثين، وذكره ابن النجار في تاريخه فقال: هو إمام المحدثين في وقته، ومن انتهت إليه الرياسة في الحفظ والإتقان والمعرفة التامة بعلوم الحديث والثقة والنبل، وحسن التصنيف والتجويد والثقة، وبه ختم هذا الشأن. روى عنه جماعة في حياته سماعًا وإجازة، قال: وقرأت بخط الحافظ معمر بن الفاخر في معجمه، أخبرني أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي الحافظ من لفظه بمنى إملاء يوم النحر الأول، وكان أحفظ من رأيت من طلبة الحديث والشأن، وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 695 شيخنا الإمام إسماعيل بن محمد يفضله على جميع من لقيناهم من أهل أصبهان وغيرها، وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: سمعت أبا الخير البستي، يقول: سمعت أبا محمد المنذري الحافظ، يقول: سألت شيخنا علي بن المفضل الحافظ عن أربعة تعاصروا أيهم أحفظ. فقال: من؟ قلت: ابن ناصر وابن عساكر، فقال: ابن عساكر، فقلت: الحافظ أبو موسى المديني، وابن عساكر؟ فقال: ابن عساكر، فقلت: الحافظ أبو طاهر السلفي، وابن عساكر؟ فقال: السلفي شيخنا، السلفي شيخنا. قال الذهبي: معناه أنه وقر شيخه أن يصرح بابن عساكر أحفظ منه وإلا فهو أحفظ منه، وما رأى ابن عساكر مثل أبي حازم بذلك، قال: وكذلك رأيت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يميل إلى ذلك، قال: وقرأت بخط عمر بن الحاجب قال: حكى لي من أثق به أن الحافظ عبد الغني، قال: الحافظ ابن عساكر برجال الشام أعرف من البخاري بهم، وندم على ذلك السماع منه ندامة كلية رحمهما الله وأكرم مثواهما، وقال الحافظ أبو محمد عبد القادر الرهاوي: رأيت الحافظ السلفي، والحافظ أبا يعلى الهمذاني، والحافظ أبا موسى المديني ما رأيت فيهم مثل ابن عساكر، قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: ومع جلالته وحفظه يروي الأحاديث الواهية، والموضوعة ولا يبينها، وكذا كان عامة الحفاظ الذين بعد القرون الثلاثة إلا ابن ساريك، أبعده الله عن ذلك، وأي فائدة في معرفة الرجال، ولمصنفات التاريخ والجرح والتعديل إلا كشف الحديث المكذوب وهتكه، وتبين أمره لئلا يروج على من لا يعلم، قلت: لقد صدق أثابه الله في هذا وبر ورشد وأنزل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 696 من هذا بدرجات من يحتج بذلك مع علمه أو بجاهله فيدخل فاعل ذلك في قول القائل: فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم قال: وله شعر جيد عقيب مجالسه فمنه: أيا نفس ويحك جاء المشيب ... فماذا التصابي وماذا الغزل تولى شبابي كأن لم يكن ... وجاء مشيبي كأن لم يزل فيا ليت شعري ممن أكون ... وما قدر الله لي في الأزل قال ابن الحافظ أبو محمد القاسم: توفي رحمه الله في حادي عشر رجب سنة إحدى وسبعين وخمس مائة، وحضر الصلاة عليه السلطان صلاح الدين، وصليت عليه في الجامع، والشيخ قطب الدين في الميدان الذي يقابل المصلى، ودفن بمقبرة باب الصغير، ورأى له جماعة منامات حسنة، ورثي بقصائد رحمه الله وأكرمه. ومن مصنفاته المشهورة: التاريخ الكبير ثمان مائة جزء في ثمانين مجلدا، الموافقات اثنان وسبعون جزءا، الأطراف للسنن الأربعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 697 ثمانية وأربعون، عوالي مالك أحد وثلاثون، الثاني لحديث مالك العالي وغرائب مالك عوالي سبعة مجلدات، وعوالي الثوري مجلدان، معجم شيوخه اثنا عشر مجلدا، مناقب الشبان خمسون مجلدا، فضل أصحاب الحديث أحد عشر، والسباعيات سبعة، تبيين كذب المفترى على الشيخ أبي الحسن الأشعري مجلد، ذكر ترجمة حسنة للأشعري وطبقات أصحابه إلى زمانه، وذكر اعتقاده من كتابه الإبانة وغيرها من الكتب التي صار إليها الأشعري بعد رجوعه عن الاعتزال، ونزوعه طريقة أهل السنة والاعتدال، ورد فيه على من رماه بالعظائم، ومن مناقبه وما يريه على الفضائل والعزائم. وبالجملة فهو كتاب نافع يحتاج إلى الوقوف عليه كل فاضل بارع، وكتاب الزهادة في ترك الشهادة مجلد، فضل المحمد مجلد، فضل عاشوراء ثلاثة أجزاء، الأربعون الطوال، الأربعون الجهادية، الأربعون البلدية، الأربعون الأبدان، كتاب الزلازل ثلاثة أجزاء كبيرة متفرقة في فضائل البلدان ومن أحاديث أهلها، وله أربع مائة مجلس، وثماني مجالس في فنون شتى وفوائد كثيرة، وخرج لشيخه جمال الإسلام مشيخة، ولجماعة من مشايخه وأصحابه تاريخ كبير، وخرج في آخر عمره لنفسه كتاب الأبدال، ولم يتمه ولو تم لجاء في نحو مائتي جزء. وقد تولي مشيخة دار الحديث النورية، وأملى على كرسي الحديث الذي بها، وله فيه مجلس مفيد ونظم نضيد في العربية وبرع فيها، إذ كان ما يمليه في خالص العنبر وتعينه وتبدله، فكان أولى من وضعت له دار الحديث، وأفضل من جلس في زمانه للإملاء والتحديث، فرحمه الله وأكرم مثواه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 698 علي بن أبي المكارم بن فتيان أبو القاسم الدمشقي الشافعي أحد الأعيان بمصر، قال الشيخ محيي الدين فيما ألحقه من التراجم على طبقات ابن الصلاح: تفقه على الإمام أبي المحاسن يوسف بن عبد الله الدمشقي مدرس النظامية ببغداد، وأعاد عنده وله معرفة بفنون، وتوفي في سنة تسع وسبعين وخمس مائة. محمد بن أسعد بن محمد بن الحسين الإمام مجد الدين أبو منصور الطوسي العطاري المعروف بحفدة أحد أئمة الشافعية فقهًا وأصولًا ووعظًا، تفقه أولًا بمرو على أبي بكر محمد بن منصور السمعاني، ثم انتقل إلى مرو الروذ فلازم محيي السنة وغيرهما، ثم رحل إلى بخارى واشتغل بها على بعض مشايخ الحنفية وعاد إلى أذربيجان وأجمع عليه لوعظه، وحسن كلامه، وفصاحته، وسمع أيضًا من عبد الغفار الشيروي، وأبي الفتيان الدهستاني الحافظ، وناصر بن أحمد العياضي، وعنه أبو المواهب بن صصرى، وأبو أحمد بن سكر، وعبد العزيز الأخضر وآخرون. وقال السمعاني: كتبت عنه بمرو نيسابور، وكان فقيهًا واعظًا مناظرًا جلدًا، مولده سنة ست وثمانين وأربع مائة، قال ابن خلكان: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 699 ثلاث وسبعين وخمس مائة، والله أعلم. قال الذهبي: الثاني أصح. قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ، فِيمَا قَرَأْتُ عَلَيْهِ، أنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا يُوسُفُ بْنُ رَافِعٍ الأَسَدِيُّ، قَدِمَ عَلَيْنَا مِصْرَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ أَسْعَدَ، أنا مُحْيِي السُّنَّةِ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، ثنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النُّجُودِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مُعَاذٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ قَالَ: مَنَاخِرِهِمْ، إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ " محمد بن عبد الله بن القاسم بن المظفر بن علي قاضي القضاة كمال الدين أبو الفضل بن أبي محمد بن الشهرزوري ثم الموصلي الشافعي ولد سنة إحدى وتسعين وأربع مائة، وتفقه ببغداد على أسعد الميهني، وسمع الحديث من جده لأمه علي بن أحمد بن طوق، وأبي البركات بن خميس، وغيرهم، ونور الهدى أبي طالب الزينبي، وتولى قضاء بلدة الموصل، وكان يتردد إلى الرسلية إلى بغداد وخراسان من الأتابك زنكي، ثم قدم الشام وافدًا على الملك نور الدين، فأكرمه وأوفده رسولا من حلب إلى الديوان العزيز ببغداد ثم ولي قضاء دمشق في سنة خمس وخمسين وخمس مائة، ونظر الأوقاف، والأموال السلطانية، وغير ذلك، وتقدم عنده وهو حقيق بذلك فأحسن السيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 700 في الظاهر والسريرة، وبنى المساجد، وعمر الجامع وحدد معالم وفتح مشاهد واستحدث الشباك الكمالي الذي يصلي فيه نواب السلطنة اليوم ويجلس فيه الحاكم الشافعي بعد الخلوة للنظر في المظالم، وصرف الصدقة جريا على عادة هذا المكان، وقد بنى القاضي كمال الدين أثابه الله مدرسة بالموصل ومدرسة بنصيبين ورباطًا بالمدينة النبوية، ووقف الهامة على الحنابلة، وله غير ذلك من المعروف والبر والقرب. قال أبو محمد القاسم ابن عساكر: ولي قضاء دمشق سنة خمس وخمسين، وكان يتكلم في الأصول كلامًا حسنًا، وكان أديبًا شاعرًا ظريفًا فكه المجلس، ووقف وقوفًا كثيرة، وكان خبيرًا بالسياسة وتدبير الملك، وقال القاضي ابن خلكان: ولي قضاء دمشق وترقى إلى درجة الوزارة، وحكم في البلاد الشامية واستناب ولده محيي الدين في الحكم بحلب، وتمكن في الأيام النورية تمكينًا بالغًا، فلما تملك السلطان صلاح الدين أقره على ما كان عليه، وله أوقاف كثيرة بالموصل ونصيبين ودمشق، وعظمت رياسته ونال ما لم ينله أحد من التقدم، وذكر سبط ابن الجوزي: أن الصلاح، صلاح الدين، لما دخل دمشق سنة سبعين وتلقاه العامة ونثروا عليه الذهب والدراهم، فرح بذلك ونزل في دار أبيه بدار العشر، وتأخر عنه فتح القلعة أيامًا فمشى بنفسه إلى دار القاضي كمال الدين، فأبرع له القاضي وخرج لتلقيه بالرحب والإجلال وقال: يا سيدنا، طب نفسا، وقر عينا، فالأمر أمرك، والبلد بلدك، فكان هذا مما رفع منزلة القاضي عند الناس، وأحسن الملك بتواضعه إليهم أيضًا، وقد ذكره الشيخ أبو الفرج في منتظمه، وأثنى عليه وقال: كان رئيس أهل بيته، ولاه نور الدين القضاء ثم استوزره وأورده رسولًا إلى بغداد، فذكرته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 701 أنه كتب قصة إلى المقتفي وكتب في أعلاها: محمد بن عبد الله الرسول، فكتب المقتفى: صلى الله عليه وسلم قلت: وقد روى عنه أبو المواهب بن صصرى، وأخوه القاسم بن صصرى، والشيخ موفق الدين بن قدامة، والبهاء عبد الرحمن، وأبو محمد بن الأخضر، وآخرون، وكانت وفاته في يوم الخميس سادس المحرم سنة ثنتين وسبعين وخمس مائة، ودفن بقاسيون، وقد رثاه ولده القاضي محيي الدين قاضي حلب بقصيدته التي أولها: ألموا بسفحي قاسيون وسلموا على ... جدث بادي السنا وترحموا وأدوا إليه عن كئيب تحية ... مكلفكم أهداها القلب والفم. ومما يؤثر من شعر القاضي كمال الدين رحمه الله: وجاءوا عشاء يهرعون وقد بدا ... بجسمي من داء الصبابة ألوان فقالوا وكل معظم بعض ما رأى ... أصابتك عين قلت إن وأجفان. قوله: إن في لغة نعم أو بمعناها، كما روي عن عبد الله بن الزبير أن رجلا قال له: لعن الله ناقة حملتني إليك فقال له: إن وصاحبها. محمد بن عبد العزيز ابن الفقيه أبو عبد الله الإربلي الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 702 معيد النظامية، كان بارعًا في المذهب، قال ابن النجار: بلغني أنه أتى الشام فمات بها في حدود سنة ثمان وخمس مائة، ومن شعره: رويدك فالدنيا الدنية ... كم دنت مكروهها من أهلها وصحابها لقد فاق في الآفاق كل موفق ... أفاق بها من سكره وصحا بها فسل جامع الأموال فيها بحرصه ... أخلفها من بعده أم سرى بها هي الآل فاحذرها وذرها لأهلها ... وما الآل إلا لمعة من سرابها وكم أسد ساد البرايا ببره ولو ... نابها خطب إذا ما ونى بها فأصبح فيها عبرة لأولي النهى ... بمخلبها قد مزقته ونابها. محمد بن عبد الكريم بن الفضل أبو الفضل القزويني الرافعي والد الشارح المشهور، تفقه ببلده على ملكداد ابن العربي، وأبي علي بن شافعي، وأبي سليمان الزهري، وسمع منهم الحديث، ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 703 قدم بغداد، فتفقه على أبي منصور سعد ابن الرزاز بالنظامية، وسمع منه، ومن سعد الخير ومحمد بن طراد الزينبي وغيرهم، ثم رحل إلى نيسابور، فتفقه على محمد بن يحيى تلميذ الغزالي فبرع عليه وحصل المذهب، وسمع بها من أبي عبد الله الفراوي، وعبد الخالق ابن الشحامي، ثم عاد إلى وطنه ودرس الفقه، وروى الحديث، وأخذ عنه ولده الإمام أبو الفضل الرافعي رحمه الله، توفي في رمضان سنة ثمانين وخمس مائة وهو في عشر السبعين. محمد بن الحسن بن الحسين بن أبي الضياء الخطيب أبو عبد الله البعلبكي ثم المصري نشأ بمصر وقرأ بها الأدب، وسمع بدمشق من ابن عساكر وغيره، ودخل بغداد فاشتغل بها، وسمع بها من أبي زرعة، وابن البطي، ثم عاد إلى مصر فاتصل بالسلطان صلاح الدين، وولاه خطابة مصر، وهو أول من خطب بها لبني العباس، وبعثه بذلك السلطان صلاح الدين رسولا إلى بغداد، وأثنى عليه القاضي الفاضل في رسالته بذلك، وكانت وفاته بدمشق في سنة ثنتين وسبعين وخمس مائة، ولم يكمل الأربعين رحمه الله. محمد بن هبة الله بن عبد الله السديد الدين السلماسي الفقيه الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 704 قال ابن خلكان: هو الذي شهر طريقة الشريف بالعراق، وقصده الناس واشتغلوا عليه، وخرج من تلامذته علماء ومدرسون منهم العماد محمد، والكمال موسى ابنا يونس الموصليان، والشريف محمد بن علوان بن مهاجر، وكان مسددًا في الفتوى، وأعاد في نظامية بغداد وأتقن عدة فنون، وتوفي في شعبان سنة أربع وسبعين وخمس مائة. مسعود بن محمد بن مسعود قطب الدين النيسابوري أبو المعالي الطريثيثي الفقيه الشافعي نزيل دمشق مولده سنة مات الغزالي سنة خمس وخمس مائة، أخذ عن والده علم الأدب، ثم رحل إلى مرو، فتفقه على أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن المروزي، وتفقه بنيسابور على ابن يحيى، وبرع في المذهب ودرس في نظامية نيسابور نيابة، وورد بغداد، فوعظ بها، فحصل له قبول تام، ثم ورد دمشق سنة أربعين فأقبل عليه أهلها لدينه وعلمه وتفننه، درس بالمجاهدية وبالزاوية الغزالية بعد نصر الله المصيصي، ثم رحل إلى حلب فدرس بالمدرستين النورية والأسدية، ثم مضى إلى همذان وولي بها التدريس مدة ثم عاد إلى دمشق، وعاد إلى تدريس الغزالية والخاروخية وتفرد برئاسة المذهب، وحصل على قبول جيد في الوعظ، وكان متوددًا حسن الأخلاق جيد النظر فصيحا بلغيا كثير التودد فقيهًا نحريرًا، فانتفع به الناس، وحضر بعض مجالسه الملك نور الدين، فجعل يتكلم ويناديه في كلامه: يا محمود كما كان يخاطبه البرهان البلخي، فأنفذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 705 إليه الحاجب يقول: لا تخاطب الملك، وقيل لنور الدين بعد ذلك فقال: كان البلخي إذا قال: يا محمود تقشعر كل شعرة في جسدي، وهذا إذا قال هذا يقسو قلبي، حكاه البسط الجوزي، وقد سمع الحديث من هبة الله السيدي وعبد الجبار البيهقي، وحدث عنه ابن حمويه وجماعة، وأجاز للبهاء والضياء المقدسيين، مات سنة ثمان وسبعين وخمس مائة ودفن بمقبرة له أنشأها عند مقابر الصوفية، وبنى مسجدًا على الصخرات التي بمقبرة طاحون الميدان، ووقف كتبه رحمه الله. هبة الله بن أبي نصر محمد بن هبة الله بن محمد بن البخاري أبو المظفر ابن عمر القاضي أبي طالب كان بارعًا في علم مذهب الشافعي وفي الكلام، ولاه الخليفة الناصر لدين الله نيابة الوزارة، فمكث فيها أقل من سنة، ومات في محرم سنة ثمانين وخمس مائة. هبة الله بن محمد بن هبة الله بن مميل أبو محمد بن أبي نصر الشيرازي ثم البغدادي ولد بها، ثم الدمشقي استوطنها، كان مولده ببغداد سنة خمس مائة وقدم دمشق سنة ثلاثين، وولي إمامة مشهد علي بالجامع، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 706 وفوض إليه عقد الأنكحة، وكان دينًا حسن الطريقة عدلًا فاضلًا صوفيا واعظًا، وسمع ببغداد أبا علي بن نبهان، ومحمد بن الحسن بن باكر الفارسي، وجماعة، وعنه ابنه القاضي أبو نصر الذي بعده، وابن ابنه أبو المعالي أحمد بن محمد، وأبو المواهب بن صصرى وآخرون، توفي سنة ثمان وسبعين وخمس مائة. هبة الله بن يحيى بن الحسن أبو جعفر بن البوقي الواسطي العطار الفقيه الشافعي كان عارفًا بالمذهب والخلاف والفرائض، تفقه على الشيخ أبي علي الفارقي، وبرع في المذهب، وناظر واستنفد به الوزير عون الدين بن هبيرة إلى بغداد، فحدث بها وسمع بها أبا بكر الأنصاري، وسمع أيضًا من أبي نعيم الحمادي وأبي نعيم بن زيرب وخميس الجوزي، وعنه ابن الأخضر وأبو إسحاق الكاشفردي وجماعة، ومات ببلده واسط في ذي القعدة سنة إحدى وسبعين وخمس مائة وله ثلاث وثمانون سنة. يوسف بن محمد بن علي بن أبي سعد الموصلي ثم البغدادي أخو سليمان وعلي، ووالد الموفق عبد اللطيف، صحب الشيخ نجيب الدين السهروردي، وتفقه عليه وسمع أبا القاسم بن السمرقندي، وأبا منصور بن خيرون، وخلقا وسمع منه ابنه، وتوفي في محرم سنة ست وسبعين وخمس مائة عن إحدى وستين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 707 يونس بن محمد بن منعة بن مالك بن محمد الإمام رضي الدين أبو الفضل الموصلي الشافعي والد بني يونس المواصلة الشافعية، وابناه لصلبه كمال الدين موسى، وعماد الدين محمد مشهوران كبيران، مولده بإربل سنة إحدى عشرة وخمس مائة، وتفقه بها على الحسين بن نصر بن خميس الجهني، وسمع منه كثيرا من حديثه، ثم انحدر إلى بغداد، فتفقه على أبي منصور بن سعيد بن محمد الرزاز، ثم رجع إلى الموصل وسكنها، وأقبل عليه متوليها، ودرس وأفتى وناظر وانتفع به جماعة من الفقهاء، وتوفي في محرم سنة تسع وسبعين وخمس مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 708 المرتبة الرابعة من الطبقة الثامنة من أصحاب الشافعي رضي الله عنه فيها من أول سنة إحدى وثمانين وخمس مائة إلى آخر سنة تسعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 709 إسماعيل بن علي بن إبراهيم بن أبي القاسم أبو الفضل الجنزوي الأصل من مدن إيران وجنزة بني أذربيجان وأرمينية، ثم الدمشقي الدار والمولد، الفقيه الشافعي الشروطي، كان يشهد على باب الجامع بدمشق بصيرًا بكتابة الشروط، وله عناية بعلم الفقه والحديث، تفقه على جمال الإسلام، ونصر الله الميهني، وسمع الحديث منهما، ومن هبة الله ابن الأكفاني، وعلي بن منيس، ويحيى بن بطريق وجماعة. ورحل إلى بغداد مرات، فسمع بها من جماعة آخرين بالأنبار وغيرهما، وعنه عمر بن علي القرشي، وأبو المواهب بن صصرى، والحافظ عبد القادر الرهاوي، والشيخ موفق الدين، والبهاء عبد الرحمن، ويوسف بن خليل، والعماد بن عبد الهادي، والزين بن عبد الدايم وجماعة، توفي في سلخ جمادى الأولى سنة سبع وثمانين وخمس مائة عن تسعين سنة. أحمد بن إسماعيل بن يوسف رضي الدين أبو الخير الطلقاني القزويني الفقيه العلامة في مذهب الشافعي، وفي الوعظ، مولده سنة ثنتي عشرة وخمس مائة بقزوين، وتفقه على أبي بكر ملكداد بن علي العربي، ثم ارتحل إلى نيسابور، فتفقه بها على محمد بن يحيى حتى برع في المذهب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 711 وساد وتقدم وصار رئيس الأصحاب، وقدم بغداد بها وحصل له قبول تام في العامة والخاصة، وكان يتكلم يومًا وابن الجوزي يومًا، ويحضر مجالسهما أمير المؤمنين المستضيء بأمر الله من وراء الأستار، وتحضر الخلائق والأمم، وكان فصيحًا بليغًا مفوها حلو المنطق حسن السمت كثير العبادة والصيام والتلاوة كثير الذكر قليل المأكل، وقد ولي تدريس النظامية ببغداد سنة تسع وستين إلى سنة ثمانين ثم عاد إلى بلده. قال ابن النجار: وكان رئيس أصحاب الشافعي إمامًا في المذهب والخلاف والأصول والتفسير والوعظ وحدث بالكتب الكبار بصحيح البخاري ومسلم، ومسند إسحاق بن راهويه، وتاريخ نيسابور، والسنن الكبرى للبيقهى، ودلائل النبوة، والبعث والنشور له أيضًا، وأملى مجالس كثيرة، وسمع الكثير من أبيه، ومن أبي عبد الله الفراوي، وزاهر الشحامي، وعبد الغافر بن إسماعيل الفارسي، وجماعة ببغداد والطايران وغير ذلك من البلاد، وحدث عنه ابن الدبيثي وأثنى عليه، والموفق عبد اللطيف، وبالغ في وصفه ومدحه أبو البقاء إسماعيل بن محمد المؤدب البغدادي حدث عنه بمسند إسحاق وغيرهم، قال ابن الدبيثي: وزكي الدين المنذري، توفي سنة تسعين وخمس مائة، وقال ابن النجار عن ولده أبي المناقب محمد بن أحمد بن إسماعيل: إن أباه توفي في محرم سنة تسع وثمانين وخمس مائة، فالله أعلم. أحمد بن عبد الله فخر الدين أبو العباس بن النويرة الفقيه الشافعي الواعظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 712 قدم دمشق، فوعظ بها وبمصر، وحصل له قبول تام لحلاوة إيراده، توفي في شوال سنة تسعين وخمس مائة. الحسن ابن الإمام أبي جعفر هبة الله بن يحيى بن إبراهيم بن الحسن بن أحمد الفقيه أبو علي الواسطي الشافعي المعدل المعروف بابن البوقي ولد سنة ثلاث وعشرين وخمس مائة، وتفقه على أبيه، وبرع في المذهب، وتقدم وسمع من أبي الكرم نصر الله بن محمد بن مجلد، وأبي عبد الله محمد بن علي الجلاني، وسعد بن عبد الكريم الغندجاني، وببغداد من الوزير أبي الظفر بن هبيرة، وأبي الفتح بن البطي وجماعة. وعنه أبو عبد الله المديني كان إليه الفتاوى بواسط، وتوفي في سادس شعبان سنة ثمان وثمانين وخمس مائة. الحسن بن حمزة بن الحسين بن حبيش البهراني الحبيشي القضاعي الحموي قاضيها أمين الدين أبو القاسم الشافعي أحد الكرماء الأجواد، وكان الملك صلاح الدين يكرمه ويجله ويحترمه، وكان هذا الرجل يضيف الخاص والعام ولا يقبل من أحد برًا ولا شيئًا، مات سنة سبع وثمانين وخمس مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 713 الحسين بن عبد الله بن رواحة بن إبراهيم بن عبد الله بن رواحة الأنصاري الخزرجي الحموي ابن خطيبها الفقيه الشافعي ولد سنة خمس عشرة وخمس مائة، وسمع بدمشق من أبي المظفر الفلكي وأبي الحسن علي بن سليمان المرادي والضياء بن هبة الله وجماعة، وكان قد عزم على الدخول إلى المغرب، فركب البحر، فوقع في أسر الفرنج، فمكث عندهم مدة، وولد له هنالك ثم سلمه الله، فخرج ومعه ابنه عز الدين عبد الله، فدخل إسكندرية، وأسمعه من السلفي الكبير، وله شعر جيد رائق، ثم كانت وفاته شهادة على عكا مع الملك صلاح الدين في سنة خمس وثمانين وخمس مائة رحمه الله تعالى. عبد الله بن أسعد بن علي بن عيسى مهذب الدين أبو الفرج ابن الدهان الموصلي الفقيه الشافعي الشاعر له ديوان، ويعرف أيضًا بابن الحمصي، وكان مجموع الفضائل متفننا، وقد ورد على الملك صلاح الدين، فأكرمه وأحسن إليه، وقال جمال الدين القفطي قدم الشام، وصحب أبا سعد بن أبي عصرون، وكان يكرم درسه، ثم إنه ولي التدريس بحمص وتوفي بها في شعبان سنة إحدى وثمانين وخمس مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 714 عبد الله بن بري بن عبد الجبار العلامة أبو محمد بن أبي الوحش المقدسي الأصل المصري النحوي الشافعي قرأ النحو على أبي بكر محمد بن عبد الملك النحوي، وسمع الحديث من أبي صادق المديني، وأبي عبد الله محمد بن أحمد الرازي، وأبي العباس ابن الخطيئة وغيرهم، وتصدر بجامع مصر للاشتغال بالعربية، ورحل إليه الطلبة، وتخرج به جماعة، وانفرد بهذا الشأن، وقد تصدر جماعة من تلامذته في حياته، ومن أشهرهم أبو موسى عيسى بن ملاحم الحرولي صاحب القانون، وقال القفطي: كان عالمًا بكتاب سيبويه وعلله وفيما فيه من الشواهد، وكان لا يرسل كتاب إلى ملك للآفاق حتى يعرض عليه ليتصحفه، وكان ينسب إليه تغف مع هذا، وروى عنه الحافظ علي بن المفضل، والشيخ أبو عمر المقدسي، والفقيه نجم الدين عبد الله بن نجم بن ماس صاحب ديوان الجواهر والبراهين الحميري، قال الموفق عبد اللطيف: كان أبو موسى شيخًا محققًا صحفيًا ساذج الطباع، أبله في أمور الدنيا، فيه تغفل عجيب، يستبعد من سمعه أن يجتمع في رجل متقن للعلم، فمن ذلك أنه كان يلبس الثياب الفاخرة، ويأخذ في كمه العنب والبيض والحطب، وربما وجد منزله مغلقا، فرمى بالبيض من الطاقة إلى الداخل، ويمطر من العنب على قدمه، فيرفع رأسه إلى السماء ويقول: العجيب إنما تمطر من الصحو، وكان يتكلم ملحونًا، ولا يتكلف ويلتزم من يخالطه بإعراب، مولده سنة تسع وتسعين وأربع مائة، وتوفي سنة اثنتين وثمانين وخمس مائة، ذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 715 ابن الصلاح أنه رأى مولده هذا بخطه، وأرخ وفاته أيضًا بهذا، وذكر أن له تعليقًا على صحاح الجوهري مجلدات مفيدة رحمه الله. عبد الله بن أبي الفتوح بن عمران الإمام أبو حامد القزويني الفقيه الشافعي رحل إلى نيسابور، فتفقه على الإمام محمد بن يحيى، وتفقه ببغداد على الإمام أبي المحاسن يوسف بن بندار الدمشقي، وسمع الحديث من محمد بن ناصر الحافظ، وأبي الفضل الأرموي وجماعة وحدث بقزوين، وتوفي سنة خمس وثمانين وخمس مائة. عبد الله بن محمد بن هبة الله بن المطهر بن أبي عصرون بن أبي السري قاضي القضاة شرف الدين التميمي، ثم الموصلي، ثم الدمشقي أحد الشافعية في زمانه وقضاتهم الأخيار، مولده سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة، تفقه أولًا على القاضي المرتضى بن الشهرزوري، وأبي عبد الله الحسين بن خميس الموصلي، وتوجه إلى واسط، فتفقه أيضًا على الشيخ أبي علي الفارقي، وبرع عنده وعلق ببغداد عن أسعد الميهني، وأخذ الأصول عن أبي الفتح أحمد بن علي بن برهان، ودرس النحو على أبي الحسن بن دبيس، وأبي دلف، وقرأ ببغداد بالسبع على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 716 أبي عبد الله الحسين بن محمد البارع، والعشرة على أبي بكر المزرفي، ودعوان، وسبط الخياط، وسمع الحديث من أبي القاسم بن الحصين، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن، وأبي البركات بن البخاري وغيرهم، ثم عاد إلى بلده بالموصل، فدرس بها في سنة ثلاث وعشرين وخمس مائة، ثم أقام بسنجار مدة، ودخل حلب في سنة خمس وأربعين ودرس بها، وأقبل عليها ملكها نور الدين، فلما انتقل نور الدين إلى دمشق في سنة تسع وأربعين، واستصحبه معه، وولاه تدريس الغزالية، وولي نظر الأوقاف، ثم ارتحل إلى حلب، وولى قضاء سنجار وحران وديار ربيعة، وتفقه عليه هناك جماعة، ثم عاد إلى دمشق في سنة سبعين أيام الملك صلاح الدين، فمال إلى ولاية القضاء عوضا عن الضياء بن الكمال الشهرزوري وعزل الضياء، ووليها القاضي شرف الدين، واستنيب له الأوجد داود، والقاضي محيي الدين بن الزكي بمرسوم سلطاني، فصارا كبيرين كالمعلمين، ولما كان في سنة سبع وسبعين أضر القاضي شرف الدين، وصنف جزءا في جواز ولاية القضاء للأعمى ونصر ذلك، وهو أحد الوجهين في المذهب، فبادر السلطان صلاح الدين أيده الله تعالى، فولى القضاء ولده القاضي ابن أبي عصرون، ولم يزل الواحد خيرًا وإحسانا جزاه الله خيرًا. قال الشيخ الإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي رحمه الله: كان ابن أبي عصرون إمام أصحاب الشافعي في عصره، وكان يذكر التدريس في زاوية الدولني، ويصلي صلاة حسنة الركوع والسجود وذكر من نسبه، وأنه طريقة السلف رحمه الله، قال: وقد سمعت أنا وأخي الشيخ أبو عمر منه، قلت: وروى عنه أيضًا أبو القاسم بن صصرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 717 وأبو نصر الشيرازي، وخلق كثير، آخرهم موتا العماد أبو بكر بن عبد الله بن النحاس، ومن أكبر تلاميذه في الفقه الفخر أبو منصور ابن عساكر، ومن تصانيفه (الانتصار) في أربع مجلدات، (صفوة المذاهب في نهاية المطلب) في سبع مجلدات، (فوائد المهذب) في مجلدين، (التنبيه في معرفة الأحكام) مجلد، (المرشد) مجلدان، (الذريعة في معرفة الشريعة) ، (التيسير في الخلاف) ، (مآخذ النظر) ، (مختصر الفرائض) ، (الإرشاد) في نصر المذاهب، ولم يكمله وقد بنى له نور الدين مدرسة بحلب، وأخرى بدمشق وبها قبره، وهو مشهور، وكانت وفاته في الحادي عشر من شهر رمضان سنة خمس وثمانين وخمس مائة رحمه الله. ومن شعره: كل ما جمع إلى الشتات يصير ... أي صفو ما شانه تكدير أنت في اللهو والأماني مقيم ... والمنايا في كل وقت تسير والذي غره بلوغ الأمان ... بسراب وخلب مغرور ويك يا نفس أخلصي إن ربي ... بالذي أخفت الصدور بصير ، وله أيضًا: أؤمل أن أحيا وفي كل ساعة ... تمر بي الموتى تهز نعوشها وما أنا إلا منهم غير أن لي ... بقايا ليال في الزمان أعيشها. عبد الرحمن بن علي بن المسلم بن الحسين الفقيه أبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 718 محمد اللخمي الدمشقي الخرقي الشافعي معيد الأمينية جمال الإسلام، وروى عنه، وعن نصر الله المصيصي، وطاهر بن سهل الفقيه، وعبد الرحمن بن حمزة، وعلي بن أحمد بن قيس، والحسين بن حمزة الشعري وغيرهم، وروى عن ابن الموازيني لشيخه أي بمجرد قوله ابن الأنماطي: وعنه الشيخ الموفق، والبهاء عبد الرحمن، والحافظ الضياء، ويوسف بن خليل، وخطيب مردى وجماعة، قال عمر بن الحاجب: كان فقيهًا عدلًا صالحًا يقرأ كل يوم وليلة ختمة وذكر غيره، وأنه أضر في آخر عمره وأقعد أيضًا، وحكى أنه احتاج مرة إلى الوضوء، وكان ليلًا وليس عنده أحد، قال: فبينما أنا أفكر في هذا إذا بنور من السماء قد دخل البيت، فبصرت بالماء، فتوضأت لبعض أصحابه، واستكتمه ذلك فلم يحدث به إلا بعد وفاته، وكانت وفاته رحمه الله في ذي القعدة في سنة سبع وثمانين وخمس مائة رحمه الله. عبد المحمود بن أحمد بن علي الفقيه أبو محمد الواسطي الشافعي تفقه ببلده على أبي جعفر هبة الله بن البوقي، وسمع بالكوفة من أبي العباس بن ناقة، وبالبصرة من المبارك بن محمد المواقيتي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 719 وبمكة من المبارك بن علي الطباخ، ودرس وأفتى، ومات كهلًا في ربيع الأول سنة ست وثمانين وخمس مائة بواسط رحمه الله. عبد الواحد بن علي ابن القدوة أبي عبد الله محمد بن حمويه وأبي الجويني الحيراباذي الفقيه الشافعي الصوفي سمع من وجيه الشحامي، وببغداد من أبي الوقت، وبهمذان من شهردار بن شيرويه وغيرهم، وعنه الحافظ علي بن المفضل، والتاج بن أبي جعفر وآخرون، مات سنة ثمان وقيل: تسع وثمانين وخمس مائة عن نحو ستين سنة. الملك المظفر تقي الدين عمر ابن الأمير نور الدين شاهنشاه بن نجم الدين أيوب صاحب حماة، ووالد ملوكها، كان بطلا شجاعًا فارسًا مقدامًا وسيفًا مسلطا على الأعداء، وركنا من أركان البيت الأيوبي، وكان من أكبر أنصار عمه الملك صلاح الدين وأعيان أعوانه، استنابه عمه صلاح الدين على مملكة الديار المصرية، فلما مرض الملك صلاح الدين بالشام، وثقل في المرض، طمعت نفس الملك المظفر بملك الديار المصرية، فلما عوفي السلطان بعث طلبه من مصر، فتمنع ووقعت وحشة بينهما ثم سعى في الصلح الفقيه عيسى المكاري أحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 720 الأمراء الصلاحية حتى انتظم الحال، وآل إلى الاعتدال، فتفرج الملك المظفر في ملك حماة، وأعطاه مع ذلك المعرة، وسليمة، وميافارقين، وحران، والرها، وكان محبًا للعلماء، وله فضيلة، وعنده أدب جيد وشعر حسن، وبنى للشافعية بدمشق مدرسة مشهورة بهم، وقد روى الحديث عن الحافظ السلفي، والفقيه إسماعيل بن عوف، وروى عنه شيئًا من شعره، وتوفي وهو محاصر مناز كرد من أعمال أرمينية في تاسع عشر رمضان سنة سبع وثمانين وخمس مائة، ونقل إلى حماة فدفن بها رحمه الله، ففجع به الملك صلاح الدين، لأنه كان شجاعًا عظيمًا وقرر ولده الملك المنصور ناصر الدين محمد على مملكة حماة والمعرة وسليمة فقط، واستمر لولده من بعده مملكة حماة إلى زماننا هذا. عيسى بن محمد بن عيسى الأمير العالم الفقيه أبو محمد الهكاري الشافعي أحد أمراء الدولة الصلاحية اشتغل قديمًا على الإمام أبي القاسم بن البزري شيخ الشافعية بها، واشتغل بحلب بالمدرسة الرحاحية ثم اتصل بخدمة الأمير أسد الدين شيركوه، وصار إمامه في الصلوات وتوجه معه إلى مصر، وكان من أكبر الأعوان على تمليك صلاح الدين الديار المصرية هو والطواشي بهاء الدين قراقوش، وقد سمع الحافظ السلفي، وأبا القاسم ابن عساكر، وحدث بقيسارية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 721 فسمع منه القاضي محمد بن علي الأنصاري وغيره وكان له دلال على الملك صلاح الدين كثيرًا، يدخل عليه ومعه القصص الكثيرة، فيقضيها له، وقد حصل له في وقت أنه أسرته الفرنج، وفدي بستين ألف دينار، وكانت وفاته في المحرم على علة سنة ثمان وثمانين وخمس مائة رحمه الله. قاسم بن إبراهيم المقدسي ثم المقري الشافعي الشيخ الصالح، وسمع من علي بن إبراهيم بن صولة، وعبد الغني بن طاهر الزعفراني، والفرضي، وعنه علي بن المفضل وغيره، وتوفي في ثالث المحرم سنة ثمان وثمانين وخمس مائة. قاسم بن فيرة بن أبي القاسم خلف بن أحمد الإمام الحافظ العلامة الضرير أبو القاسم الرعيني الأندلسي الشاطبي المقرئ الشهير صاحب القصيدة الموسومة بحرز الأماني، ولم يلحق فيها ولا سبق إلى مثلها، وكان مقيما بالديار المصرية، وقرأ عليه الأعيان والأكابر، وتوفي بها في جمادى الآخرة سنة تسعين وخمس مائة، وقد جاوز الخمسين سنة بيسير، ألحقه النواوي فيما استدركه على ابن الصلاح. المبارك بن المبارك أبو طالب الكرخي الفقيه الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 722 أحد المبرزين تفقه بابن الخل وصحبه مدة وعرف به، وسمع الحديث من أبي القاسم بن الحصين، وأبي بكر الأنصاري، وبرع في المذهب، وساد وكتب الخط المنسوب، وأدب ولدي أمير المؤمنين الناصر لدين الله، فصار له وجاهة عظيمة ببغداد إلى أن ولي تدريس النظامية في سنة إحدى وثمانين بعد أبي الخير القزويني، وتفقه به جماعة، وكتب عنه أبو بكر الحازمي وغيره، وقال الموفق عبد اللطيف: كان ذا علم وعمل وعفاف ونسك وورع، وكان ناعم العيش يقوم على نفسه وبدنه قياما حكيما، رأيته يلقي الدروس، فسمعت منه فصاحة رائعة، فقلت: ما أفصح هذا الرجل، فقال شيخنا ابن عبيد النحوي: كان أبوه عوادًا، وكان هو معي في المكتب، وضرب بالعود، وأجاد وتحذق فيه حتى شهدوا له أنه في طبقة معبد، ثم أنف واشتغل بالخط حتى شهدوا له أنه أكتب من ابن البواب ولا سيما في الطومار والثلث، ثم أنف منه واشتغل بالفقه فصار كما ترى، وعلم ولدي الناصر لدين الله فأصلح مراتبه، وتوفي في ثامن ذي القعدة سنة خمس وثمانين وخمس مائة وله اثنان وثمانون سنة رحمه الله. محمد بن إسماعيل بن عبيدة بن ودعة البغدادي الفقيه أبو عبد الله ابن البقال الشافعي معيد النظامية، كان بارعًا في المذهب والخلاف، اخترمته المنية شابًا سنة ثمان وثمانين وخمس مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 723 محمد بن الحسن بن محمد بن زرقان الفقيه أبو عبد الله الشافعي تلميذ أبي الحسن محمد بن الخل، وقد أعاد لأبي طالب محمد بن محمد الكرخي، وشهد على قاضي القضاة أبي طالب بن البخاري، وناب عنه أيضًا في القضاء، وسمع من أبي الوقت، ومات بنواحي هراة سنة تسعين وخمس مائة. محمد بن عبد الله ابن الفقيه مجلى بن الحسين بن علي بن الحارث الأرملي الأصل المصري القاضي أبو عبد الله الشافعي ويعرف بحسنون، ناب في الحكم بالديار المصرية نحوًا من عشرين سنة، وهو والد القاضي أبي عبد الله، وجده مجلى ولي عقد الأنكحة بالرملة، سمع من أبي الفتح سلطان بن إبراهيم الفقيه، وأبي صادق، وابن رفاعة، مات سنة تسع وثمانين وخمس مائة. محمد بن عبد الواحد بن العدل أبي غالب محمد بن علي الفقيه ابن جعفر ابن الصباغ البغدادي الشافعي تفقه على سعيد ابن الرزاز، وولي قضاء حريم دار الخلافة، فلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 724 تحمد سيرته، فعزل وناب في التدريس بالنظامية، وقد سمع الحديث من أبي السعادات بن المتوكل، وأبي القاسم بن الحصبي، وأجاز له ابن بيان الرزاز، وعنه سعيد بن هبة الله، وعمر بن علي القرشي وغيرهما، توفي سنة خمس وثمانين وخمس مائة عن سبع وسبعين سنة. محمد بن أبي بكر عمر بن أبي عيسى أحمد بن عمر بن محمد الحافظ الكبير أبو موسى المديني الأصبهاني أحد الأعلام، ولد في ذي القعدة سنة إحدى وخمس مائة، وتخرج بالإمام إسماعيل بن محمد التيمي، وأخذ عنه المذهب وعلوم الحديث، وقد عرض عليه علومه للحاكم من حفظه، وسمع منه، ومن غانم النرحي وأبي علي الحداد، ومحمد بن أحمد العدياني، وتميم بن علي الواعظ، وعبد الكريم بن علي بن فوروجة، وعبد الواحد بن محمد الدشنج، وعثمان بن عبد الرحيم الليبكي النيسابوري، وعلي بن عبد الله النيسابوري الواعظ، عن ابن مسرور، وسمع من جماعة أخرى كثيرين ببلده وببغداد وبهمذان، وصنف التصانيف المليحة المفيدة المشهورة منها المطولات في مجلدين، وتتمة معرف الصحابة ذيل به على كتاب أبي نعيم الحافظ، وله كتاب اسمه الغريبين، وكتاب عوالي التابعين وغير ذلك من الكتب النافعة، وكان حافظا واسع الدائرة جم العلوم، قال أبو سعد السمعاني: كتبت عنه، وسمعت منه، وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 725 ثقة صدوق، وقال ابن الذهبي: عاش حتى صار أوحد وقته وشيخ زمانه إسنادًا وحفظًا، وروى عنه جماعة كثيرون منهم الحفاظ الأربعة، أبو بكر محمد بن موسى الحازمي، وعبد الغني المقدسي وبه تخرج، وانتفع، وعبد القادر الرهاوي، ومحمد بن مكي، والناصح بن الحنبلي، وأبو نجيح محمد بن معاوية مقرئ أصبهان. وقال الحافظ عبد القادر الرهاوي: حصل له من المسموعات بأصبهان حاجته ما لم يحصل لأحد في زمانه فيما أعلم، وانضم إلى كثرة مسموعاته الحفظ والإتقان، وله التصانيف التي أربى فيها على تصانيف بعض من تقدمه مع الثقة فيما يقول، وتعففه الذي لم نره لأحد من حفاظ الحديث في زماننا، له شيء يستمد به، ولا يقبل من أحد شيئًا قط، ثم ذكر حكايات تدل على هذا الورع والزهد التام، والفراغ المطلق عما في أيدي الناس والتواضع، والقرب من الناس بحيث كان يعلم الصبيان القرآن في الألواح، ويرسل المبتدئين، ولا يدع أحدًا يمشي معه، توفي رحمه الله في تاسع جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وخمس مائة، وقد رأى بعض الصالحين ليلة مات الحافظ أبو موسى المديني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، ومثل هذا إنما يرمي لكبار العلماء. محمد بن أبي منصور المبارك بن محمد بن محمد بن الخطيب أبو المعالي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 726 قاضي المدائن، وابن قاضيها، روى عن أبي الوقت وله شعر، وتوفي سنة ثنتين وثمانين وخمس مائة. محمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن المظفر بن علي قاضي القضاة محيي الدين أبو حامد ابن قاضي القضاة كمال الدين الشهرزوري قاضي حلب تفقه عن أبي سعيد بن الرزاز ببغداد، ثم ناب في الحكم عن أبيه بدمشق، ثم ولي قضاء حلب، ثم ولي قضاء الموصل، ودرس بها بمدرسة أبيه، وبالنظامية بها، وتمكن عند ملكها عز الدين مسعود بن زنكي واستولى على أموره، وكان جوادًا سريًا، وقد سمع الحديث من عم أبيه أبي بكر محمد بن القاسم، وكتب عنه القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الأنصاري، قال القاضي شمس الدين ابن خلكان: قيل: إنه أطلق في بعض رسائله إلى بغداد على الفقهاء والأدباء والشعراء عشرة آلاف دينار أميرية، ويقال: إنه في مدة حكمه بالموصل لم يعتقل غريمًا على دينارين فما دونهما بل يوفيهما عنه، ولما ولي الملك الصالح إسماعيل ابن نور الدين غاية التمكين، وفوض إليه تدبير مملكة حلب، ثم فارق حلب سنة ثلاث وسبعين، وتوجه رسولا إلى الخليفة غير مرة، ويحكى عنه رياسة ضخمة ومكارم كبيرة، قال: وأنشدني له بعض الأصحاب في جرادة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 727 لها فخذا بكر وساقا نعامة ... وقادمتا نسر وجؤجؤ ضيغم حبيتها أفاعي الرمل بطنا وأنعمت ... عليها جياد الخيل بالرأس والفم ، وله أيضًا: قامت بإثبات الصفات أدلة ... قصمت ظهور أئمة التعطيل وطلائع التنزيه لما أقبلت ... هزمت ذوي التشبيه والتمثيل فالحق ما صرنا إليه جميعنا ... بأدلة الأخبار والتنزيل من لم يكن بالشرع مقتديا فقد ... ألقاه فرط الجهل في التضليل ، توفي رحمه الله في رابع عشر جمادى الأولى سنة ست وثمانين وخمس مائة بالموصل، عن ثنتين وستين سنة. محمد بن منجح بن عبد الله أبو شجاع الفقيه الشافعي الصوفي الواعظ تفقه على الأستاذ أبي القاسم البزري بالجزيرة، وببغداد على عبد الله بن أبي بكر الشاشي، وسمع من قاضي المرستان، وأجاز له محمد بن طاهر، ثم قدم دمشق، وتولى قضاء بعلبك، ثم عاد إلى بغداد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 728 وتوفي بها في ثامن عشر ربيع الأول سنة إحدى وثمانين وخمس مائة عن ست وسبعين سنة، ومن شعره: سلام على وادي الغضا ما تناوحت ... على ضفتيه شمأل وجنوب أحمل أنفاس الخزامى تحية ... إذا آن منها بالعشي هبوب لعمري إن شطت بنا غربة النوى ... وحالت صروف دوننا وخطوب وما كل رمل جئته رمل عالج ... وما كل ما قد عمت فيه سروب رعى الله هذا الدهر كل محاسني ... لديه وإن أكثرتهن ذنوب ، وذكروا أنه في دعابة وظروف، قيل: إنه لما ورد واسط وطاب لهم وعظه، وسألوه أن يذكر لهم يومين في الأسبوع فأجابهم إلى ذلك، وجعل كل ما غير لهم يوما يعتذرون بشغل الغذاء إلى أن انتهت الجمعة فقال: لو علمت هذا كنت جئت معي بيوم آخر من بغداد. محمد بن الموفق بن سعيد بن علي بن الحسن الشيخ نجم الدين أبو البركات الخبوشاني وخبوشان قرية من قرى نيسابور، الفقيه الصوفي الزاهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 729 الورع المتقشف أحد الآمرين بالمعروف القائمين به الصادعين بالحق، قال ابن خلكان: كان فقيهًا ورعًا تفقه بنيسابور على محمد بن يحيى، وكان يستحضر كتابه المحيط حتى قيل: إنه عدم الكتاب، فأملاه من خاطره، وله كتاب تحقيق المحيط في ستة عشر مجلدًا، قال: وكان السلطان صلاح الدين يقربه ويعتقد في علمه ودينه، وعمل له المدرسة المجاورة لضريح الشافعي، قال: ورأيت جماعة من أصحابه وكانوا يصفون فضله ودينه وأنه كان سليم الباطن، وقال المنذري: كان مولده في رجب سنة عشر وخمس مائة، وحدث عن أبي الأسعد هبة الرحمن بن القشيري، وقدم مصر سنة خمس وستين، فأم بالمسجد المعروف به بالقاهرة على باب الجوانية مدة ثم تحول إلى تربة الشافعي، وشغل بعمارتها وعمارة المدرسة إلى جانبها، فأقام بها مدة طويلة، وأفتى ووضع في المذهب كتابًا مشهورًا، وقال الموفق عبد اللطيف: كان فقيهًا صوفيًا سكن خانقاه السميساطي بدمشق، وكانت له معرفة بنجم الدين أيوب، وأخيه أسد الدين، وكان قشفا في العيش بائسا في الدين، وكان يقول: أصعد إلى مصر وأزيل مالك بن عبيد اليهودي، فلما صعد أسد الدين منعه، ونزل بمسجد وصرح بثلث أهل القصر وجعل لشيخه منهم، فحاروا فيه، وأرسلوا إليه بمال عظيم نحوا من أربعة آلاف دينار فرده إليه الذي جاءوا به ولم يأخذه صرفه، وما ازداد إلا شدة وغلظة، وهو الذي جرأ صلاح الدين على الخطبة لبني العباس، فانتظم ذلك ولله الحمد، وذكروا أن الملك صلاح الدين كان شديد التعظيم له، وأنه كان يأمره وينهاه بعنف ولا يباليه، حتى أنه كان يزوره ويعظمه، وقد زار القاضي الفاضل الشافعي مرة، فوجد الخبوشاني في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 730 الدرس، فجلس معه على سرير التدريس، وكان حييًا فاستدبر القاضي الفاضل ببعض بدنه فصاح به قم استدبرت الإمام، فقال القاضي: أنا وإن استدبرته بقالبي فإني مستقبله بقلبي، قال: قم قم ما تعبدنا بهذا، فقام خجلا وهو لا يعقل. وذكر أن الملك العزيز بن الناصر صلاح الدين زاره، فصافحه ثم استدعى بماء ليغسل يده من مصافحته، وقال: لعل علمًا بك لا تحترزون من صيانة اللجام من البول والنجاسة، فقال له الملك: فاغسل وجهك أيضًا فإنك مسسته بيدك ففعل أيضًا، فغسل يديه ووجهه، ولهذا كان إذا ركب حماره، يوطئ تحته بألبسة حتى لا يناله عرق ولا شيء، وكان إذا مر به أي راكب ضربه حتى نزل، فكانوا يتحامونه، حتى إنه مر به الطبيب المعروف بابن سوعة فتحامق الطبيب أن ينزل فضربه بالمقرعة، فأبدر عينيه وذهبت هذرًا، وكان مع هذه الشدة والقوة في غاية الصلابة والتقشف والزهد والتورع، لم يأكل من مال الملوك لقمة، ولا أخذ من ريع المدرسة، فلسًا ولا جامكية ولا شيئًا، ولكن كان له من أهل بلده تاجر بمصر، فكان يأكل من ماله، وكان قليل الرزق، ولما توفي في ذي القعدة سنة سبع وثمانين وخمس مائة كفن في كسائه الذي جاء معه من خبوشان. محمد بن موسى بن عثمان بن موسى بن حازم الحافظ أبو بكر الحازمي الهمذاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 731 مؤلف الناسخ والمنسوخ وغيره، مولده سنة ثمان أو تسع وأربعين وخمس مائة، فسمع بهمذان من أبي الوقت حضورًا ومن شهردار بن شيرويه، وأبي زرعة محمد بن طاهر، ومعمر بن الفاخر وخلق. ورحل وجال وسمع ببلاد شتى: بخارى، والشام، وحران، وبغداد، والكوفة، والبصرة، وواسط، والموصل وغيرها من البلدان، وتخرج بالحافظ أبي موسى المديني، وكان أبو موسى يقول: هو أحفظ من عبد الغني المقدسي، وما رأيت شابًا أحفظ منه، قال ابن المديني: وقدم بغداد واستوطنها، وتفقه بها على مذهب الشافعي، وجالس علماءها، وتميز وفهم وصار من أحفظ الناس للحديث، وأسانيده ورجاله مع زهد وتعبد ورياضة، وذكر أنه صنف في علم الحديث عدة مصنفات، وأملى في عدة مجالس، وسمعت منه ومعه، وكان كثير المحفوظ حلو المذاكرة تغلب عليه معرفة أحاديث الأحكام، وأملى طرق الأحاديث التي في كتاب المهذب لأبي إسحاق وأسندها، ولم يتمه، قلت: قد سلك بعده في هذا الحافظ أبو الفضل محمد بن عسكر بن اللحية، وأتم الكتاب، وهو مفيد جدًا وسنذكره في ترجمته إن شاء الله تعالى. وقال أبو بكر النجار: كان أبو بكر الحازمي من الأئمة الحفاظ العالمين بفقه الحديث، ومعانيه ورجاله، وكتب الناسخ والمنسوخ، وكتاب عجالة المبتدى في الأنساب، والمؤتلف والمختلف في أسماء البلدان , وأسند الأحاديث التي في المذهب، وأملى بواسط مجالس، وكان ثقة حجة نبيلًا زاهدًا عابدًا ورعًا ملازمًا للخلوة والتصنيف ونشر العلم، أدركه أجله وهو شاب، فتوفي في الثامن والعشرين من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 732 جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وخمس مائة عن خمس وثلاثين رحمه الله، وذكره ابن الصلاح مختصرًا ولم يؤرخ وفاته. محمود بن علي بن أبي طالب بن عبد الله بن أبي الرجاء الأستاذ أبو طالب التميمي الأصبهاني المعروف بالقاضي صاحب الطريقة في الخلاف كان من كبار الأئمة من تلامذة محمد بن يحيى تلميذ الغزالي، وكان له في الوعظ اليد البيضاء، وكان ذا فنون كثيرة وعلوم غزيرة، تفقه به جماعة من أهل أصبهان، وتوفي في شوال سنة خمس وثمانين وخمس مائة. مشرف بن المؤيد بن علي أثير الدين أبو المحاسن الهمذاني الأرنوي أخذ من جد شرف الدين الأبرقوي الشافعي البزاز، ويعرف بابن الحاجب، سمع من هبة الله بن الفرج ابن أخت الطويل، وأبو الفتوح الطائي، وبدمشق من ابن المظفر الفلكي، ودخل مصر فاستوطنها وسمع بها من أبي الحسن ابن بنت أبي سعد وغيرهم، وحدث بمصر، وتوفي بها في ثامن جمادى الأولى سنة خمس وثمانين وخمس مائة. موسى بن عبد الله بن هلوات أبو عمران الجذامي البابلي المصري الفقيه الشافعي المقري الضرير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 733 تفقه على القاضي المجلي بن جميع المخزومي، وقرأ على أبي محمد بن إبراهيم الكراني، وعلي بن عبد الرحمن بن نفطويه، وسمع الحديث من منجب المرشي، وعنه ابنه حرمي، وجماعة، توفي في ذي القعدة سنة إحدى وثمانين وخمس مائة. يحيى بن حبش بن الشهاب السهروردي هكذا نسبه القاضي شمس الدين ابن خلكان، وقال: كان شافعي المذهب، وقرأ الحكمة والأصول على حجة الدين الجيلي شيخ الفخر الشيرازي بمراغة، وله في النظم والنثر أشياء، وكان يتهم بانحلال العقيدة، والتعطيل، ويعتد بمذهب الحكماء المتقدمين، اشتهر ذلك عنه، وأفتى علماء حلب بإباحة دمه، وكان أشدهم عليه شمس الدين، وزين الدين ابنا جهبل، قال: وكان أصحابه يلقبونه بالمؤيد، قال ابن خلكان: قال السيف الآمدي: اجتمعت بالسهروردي بحلب، فرأيته كثير العلم قليل العقل، قال لي: لا بد أن أملك الأرض، رأيت كأني قد شربت ماء البحر، فقلت: هذا يكون اشتهار العلم، وما يناسب هذا فرأيته لا يرجع، ولما أن تحقق هلاك نفسه، قال: أرى قدمي أراق دمي وهان دمي فهان دمي. قال ابن خلكان: حبسه الملك الظاهر ثم خنقه في خامس رجب سنة سبع وثمانين وخمس مائة. وقال بهاء الدين ابن شداد: قتل ثم صلب أياما، قال: وأخرج من الحبس ميتا في سلخ سنة سبع وثمانين وخمس مائة، وقال بهاء الدين: فتفرق عنه أصحابه، وكان اسمه عمر، وكان أوحد في العلوم الحكمية جامعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 734 لفنون الفلسفة بارعا في أصول الفقه، مفرط الذكاء فصيح الركان، كأنه لم يناظر أحدًا إلا أربى عليه، وكان علمه من أكثر عقله، قال فخر الدين المارديني: ما أدل هذا الشاب وأفصحه إلا أني أخشى عليه لكثرة نهوله، وانبهاره هلاكه، وذكر أن الفقهاء لما قربه الملك الظاهر غازي صاحب حلب قاموا عليه، وكتبوا إلى الملك الناصر صلاح الدين أنه يخشى أن يفسد عقيدة ولده غازي، فكتب صلاح الدين إلى ولده الظاهر غازي بخط القاضي الفاضل أنه لا بد من قتله، ولا سبيل إلى أن يطلق ولا ينفى بوجه، فلما لم يبق إلا قتله، اختار هو أن يترك في بيته حتى يموت جوعا، ففعل به ذلك في أواخر سنة ست وثمانين، وعاش ستا وثلاثين سنة، قلت: إنما ذكرته في الطبقات ليعرف حاله، وليفرق بينه وبين الشيخ شهاب الدين السهروردي شيخ الصوفية، وأحد الصالحين الآتي ذكره في الطبقة التاسعة، وله من المصنفات التلويحات اللوحية والعرشية، وكتاب هياكل النور، وكتاب المعارج، وكتاب حكمة الإشراق، وكتاب المطارحات، وكتاب اللمحة وغير ذلك من الكتب المشتملة على الفلسفة، وعلم الأوائل التي ساقها، قدر الله بسببها إلى قتله، وجعله مثلة بين الناس يرتدع به من كان على طريقته، ومنهجه، ولو أنه اقتفى بالآثار النبوية والأخبار المصطفوية المنقولة بالسند الصحيح عن خير البرية لأحسن من هذه البلية ولرفع يوم القيامة إلى الجنة العلية، ولكن كان ما وقع به مقدورًا، وكان على جبينه مسطورا. الملك الناصر صلاح الدين يوسف فاتح بيت المقدس، وباني الآثار الحسنة، وناصر الدين أسكنه الله تعالى الجنة بمنه وكرمه يوسف بن الأمير نجم الدين أبي المظفر أيوب بن شادي بن مروان بن يعقوب الديلي. الملك الناصر صلاح الدين الذي فتح بيت المقدس من أيدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735 الكفرة اللئام، ومن عبدة الصلبان والأوثان، بيض الله وجهه وأعلى درجته في منازل الجنان، كان مولده بتكريت وأبوه متولي قلعتها سنة ثنتين وثلاثين وخمس مائة، ثم قدموا حلب، فكانوا تحت كنف الأتابكي زنكي ملكها والد نور الدين الشهيد، وتربى صلاح الدين يوسف في خدمة عمه أسد الدين شيركوه وباشر والده نجم الدين أيوب نيابة بعلبك، ثم لما تملك نور الدين بعد أبيه سنة إحدى وأربعين، وترعرع صلاح الدين في أتابكية دمشق، وكان فيه إذ ذاك لعب وشرب، فلما دخل مع عمه إلى الديار المصرية لنجدة العاضد بسفارة شاور الوزير، وكان من أمورهم ما هو مبسوط في غير هذا الموضع وقيل شاور المذكور، استوزر العاضد أسد الدين شيركوه، فلم يلبث فيها إلا قريبًا من شهرين حتى مات، فتولى صلاح الدين يوسف الوزارة بمصر للعاضد، وعاهد الله وتاب مما كان فيه وأناب، وسعى في الإصلاح وسداد الأمور، وأمر الخطباء بذكر الخليفة العباسي أمير المؤمنين المستضيء بأمر الله، ففعل ذلك بعد العاضد، ثم قدمه عليه في الذكر، ثم أمر بترك ذكر العاضد ففهم العاضد إيلافه وذهابه، فعاجل نفسه وتحسى سُمًّا حتى مات، وزال بموته ملك الفاطميين عن الديار المصرية وغيرها من البلاد ولله الحمد، قال الشاعر: توفي العاضد المدعى ... فما يفتح دريدعه فما وعصر فرعونها انقضى ... وإلى يوسفها في الأمور محتكما فلما كان ذلك مكن الله تعالى وله الحمد الملك صلاح الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 736 يوسف في البلاد، وتسلم الحواصل العاضدية بل الفاطمية بدمها، وما فيها من الأموال، والتحف، والكتب العظيمة التي لم تجد في الأقاليم مثلها، على ما ذكره الشيخ شهاب الدين أبو شامة في الروضتين، قلت كتب الملك صلاح الدين إلى نور الدين الشهيد بما وقع، وبعث بالهدايا العظيمة، والتحف العزيزة، وذلك في سنة سبع وستين، وجرت أمور يطول ذكرها، وابتنى صلاح الدين سور القاهرة ومصر، وبيتا بمباشرة الأمير قراقوش الخادم، ثم لما توفي الملك نور الدين سنة سبع وستين، وترك بعده في المملكة ولده الصالح إسماعيل، وهو صغير ابن إحدى عشرة سنة، ففسد نظام الدولة بسبب صغر الملك، ودخل في الأمور الأمراء، وأطمعت الفرنج في الأطراف، وركب صلاح الدين إلى دمشق سنة سبعين فأخذها، وأقر حلب بيد ابن نور الدين مع مشارفة الأمور، وأمر ببناء قلعة على جبل المقطم بمصر سنة ست وسبعين، وفي سنة ثمان وسبعين عبر الفرات، وفتح حران، وسروج، والرها، والرقة، والبيرة، وسنجار، ونصيبين، وآمد، وحاصر الموصل، وملك حلب، وتسلم التواريخ، وسهروز، وفي سنة ثلاث وثمانين فتح طبرية، ونازل عسقلان، وكسر فيها الفرنج كسرة عظيمة على حطين، وأخذ صليبهم الأعظم عندهم، وكان الفرنج أربعين ألفا فقتل من نجا منهم، وقتل الرئيس صاحب الكرك، ولاحق ما سبق منه من السب للجناب النبوي وأوقعه الله في أسر صلاح الدين، وكان قد نذر قتله فأمنكه الله منه وسار، فأخذ بيروت وعكا وقلعة لولب والسواحل. وسار فأخذ القدس يوم الجمعة، فكان يوما مشهودا عظيما جدًا عمري المعنى، وكان أخذه إياها صلحا بعد قتال ليس بشديد، وكان هذا الفتح من أكبر سعاداته الدنيوية والأخروية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 737 وصار علما عليه لا يعرف ولا يميز إلا به، ويا حبذا صلاح الدين الذي فتح القدس، ومن فتوحاته أيضًا الكرك، ونابلس، وصيدا، وحصون كثيرة يطول ذكرها، ثم غالب ملة الفرنج على صلاح الدين انتصارا لصليبهم الأصغر، وجاءوا وحاصروا عكا، وجاء صلاح الدين لاستنفاذهم لحصرهم وحصروا، وفر المسلمون وجرت لهم حروب وخطوب يطول ذكرها، وقد أحسن إيرادها الشيخ شهاب الدين في الروضتين، فمكث لذلك قريبًا من ثلاث سنين إلى أن حبل صبره رحمه الله، ثم استمرت يد الفرنج عليها، ففتحوها في يوم الجمعة، فإنا الله وإنا إليه راجعون. فرجع صلاح الدين إلى دمشق كئيبا ومرض فقصده من لا خبرة له فلم يستمر في مرضه سوى أربعة أيام حتى مات رحمه الله بعد صلاة الصبح من يوم الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة تسع وثمانين وخمس مائة بقلعة الجبل، وكان يوما عظيما على المسلمين كثر فيه البكاء والعويل والضجيج، وبكى أهل الأقاليم والآفاق حتى بكته الفرنج لحسن وفائه، وصدق عهوده رحمه الله فغسله الدولعي، وأخرج في تابوت، وصلى عليه القاضي فخر الدين ابن المزكي، وأعيد إلى الدار التي في البستان التي كان متمرضا فيها، ودفن في الصفة الغربية منها، ثم ولده الملك الأفضل على صاحب دمشق له قبة شمالي جامع دمشق، ونقله إليها يوم عاشوراء من سنة ثنتين وتسعين، ومشى بين يدي تابوته، وأراد العلماء حمله، فقال: بل نريد منكم الدعاء، فصلى عليه عند باب السر القاضي فخر الدين أيضًا بإذن ولده السلطان الملك الأفضل، ودخل ولده لحده، وجلس هناك للعزاء ثلاثة أيام. وكان رحمه الله حسن الخلق كريما شجاعا معظما حسنا عفيفا، توفي وليس في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 738 خزنته سوى سبعة وأربعون درهما ودينارا صوري، وكان يحفظ الحماسة، وسمع الحديث من السلفي، والقطب النيسابور، وعبد الله بن بري وجماعة، وحدث وأسمع بين الصفين في مكان لم يسمع أحد فيه، وكان كثير الهيبة والمحبة للعلماء لا يخالف في رعيته، وكان الجيش يتشبهون بأخلاقه، وشمائله، وظرفه، وعلو سمته، وهديه، وحصل له من الملك ما لم يحصل لأحد ممن بعده من هؤلاء الأتراك من ملك الديار المصرية واليمن وأطراف المغرب، ودمشق، وحلب، والجزيرة، وكثيرا من الأقاليم والحصون والقلاع، وترك أولادا كثيرة منهم العزيز عثمان صاحب مصر، والأفضل علي بدمشق، والظاهر غازي بحلب، فلما مات العزيز تملك الديار المصرية عمه الملك العادل أبو بكر بن أيوب، ثم جاء فأخذ دمشق من الأفضل علي، وأعطاه صرخد، وأقر الظاهر بحلب، لأجل أنه كان زوج ابنته غازية، ثم صار الملك في ذرية العادل إلا بحلب على ذرية صلاح الدين، أي كان آخرهم الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن العزيز بن الظاهر فتملك دمشق آخرا وبنى بها الناصر بيتين البرانية والجوانية، ثم تغير حال بني أيوب، وزال عنهم الملك، وصدق فيهم قول القاضي الفاضل: أنفق من مالك قبل البلاء، فملكوا، وحاصل القضية أنه افتتح ملك بني أيوب صلاح الدين يوسف، وختم ملكهم لصلاح الدين يوسف ولله الأمر من قبل ومن بعد {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 739 المرتبة الخامسة من الطبقة الثامنة من أصحاب الشافعي رضي الله عنه فيها من أول سنة إحدى وتسعين وخمس مائة إلى آخر سنة ست مائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 741 إبراهيم بن زيل بن نصر الفقيه أبو إسحاق المخزومي المصري الضرير الشافعي مدرس المدرسة المعروفة بمصر، وقد انتفع به جماعة، وسمع الحديث من أبي عمرو بن عثمان بن إسماعيل الشارعي وأجاز له عبد الله بن محمد بن فتحون رواية الموطأ، توفي يوم عرفة سبع وتسعين وخمس مائة عن ثمانين سنة وشهرين. إبراهيم بن منصور بن المسلم الفقيه العلامة أبو إسحاق المصري خطيبها المعروف بالعراقي، ولد بمصر سنة عشر وخمس مائة، وتفقه بها على القاضي أبي المعالي مجلى بن جميع، ثم رحل إلى بغداد، فتفقه بها على أبي بكر محمد بن الحسين الأرموي تلميذ الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، ثم تفقه على أبي الحسن محمد بن الحل، وأقام بالعراق مدة حتى برع في المذهب، ثم عاد إلى بلده مصر، فلهذا قالوا له العراقي، وتولى خطابة الجامع العتيق، وتصدر شرح المهذب، وانتفع به الناس، وخرجت من تحت يده جماعة من الفضلاء، وتوفي في الحادي والعشرين من جمادى الأولى سنة ست وتسعين وخمس مائة، عن خمس وثمانين سنة رحمه الله. أحمد بن أبي عتيق بن إسماعيل الإمام أبو جعفر القرطبي السبكي ثم الدمشقي الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 743 إمام الكلابية، ولد بقرطبة سنة ثمان وعشرين وخمس مائة، وسمع ببلده الحديث، ثم دخل الشام، فقرأ القراءات، وسمع الحديث الكثير من الحافظ أبي القاسم ابن عساكر، وغيره، وكتب كتبا كثيرة بخطه المغربي الحلو، وكان صالحًا عابدًا خيرًا دينا قانتا ثقة، روى عنه ولده تاج الدين محمد، وإسماعيل، والشهاب الفرضي، وابن مجلى وجماعة، وأجاز لابن أبي الخير وتوفي سابع عشر رمضان سنة ست وتسعين وخمس مائة. أحمد بن عمر الفقيه أبو العباس الكردي الشافعي المعيد بالنظامية ببغداد كان من كبار الفقهاء ببغداد، توفي في ذي الحجة سنة إحدى وتسعين وخمس مائة. أحمد بن مدرك بن الحسين بن حمزة بن الحسين بن أحمد أبو الرضا القضاعي الحموي قاضيها وخطيبها تفقه بحلب على أبي سعد بن عصرون، وبدمشق على القطب النيسابوري، وسمع بها من الفقيه نصر بن محمد المصيصي، وكان فقيهًا جليلًا فاضلًا، توفي في سنة إحدى وتسعين وخمس مائة. أحمد بن المظفر بن الحسين الفقيه أبو العباس الدمشقي الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 744 المعروف بابن زين التجار، مدرس الناصرية الصلاحية بمصر، فعرفت به لطول مدة تدريسه بها، وكان من أعيان الشافعية، توفي في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وخمس مائة. طاهر بن نصر الله بن جهبل الشيخ مجد الدين الحلبي الفقيه الشافعي أول من درس بالصلاحية بالقدس الشريف، كان أحد الفضلاء المبرزين، روى عنه الشهاب الفرضي شيئًا من الشعر، وهو والد الفقهاء المذكورين الذين كانوا بدمشق، شهاب الدين نصر الله، وتاج الدين إسماعيل، وقطب الدين، قال الفرضي: ومات عن أربع وستين سنة في سنة ست وتسعين وخمس مائة رحمه الله. طرخان بن ماضي بن جوشن بن علي الفقيه تقي الدين أبو عبد الله التميمي ثم الدمشقي الشاغوري الضرير نور الدين الشهيد، وسمع الحديث من أبي المعالي محمد بن يحيى القرشي، وأبي القاسم بن مقاتل، ومحمد بن كامل بن قسم وغيرهم، وعنه ابن خليل، والشهاب القوصي وغيرهما، ولد بالشاغور سنة ثمان عشرة وخمس مائة، وتوفي في ثالث ذي الحجة سنة خمس وتسعين وخمس مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 745 عبد الله بن علي بن عثمان بن يوسف القاضي أبو محمد القرشي المخزومي من بيت الرياسة، وله بر وإيثار، وقرأ الكثير على أبي محمد بن بري، وله شعر حسن، ولد سنة تسع وأربعين وخمس مائة، ومات سنة اثنين وتسعين وخمس مائة. عبد الله بن عمر بن أحمد بن منصور ابن الإمام محمد بن القاسم بن حبيب العلامة مجد الدين الإمام أبو سعد ابن الإمام أبي حفص الصفار النيسابوري من بيت العلم والحديث والرياسة، ولد سنة ثمان وخمس مائة، وسمع جده لأمه أبا نصر ابن القشيري، وهو آخر من حدث عنه، ومن زاهر الشحامي سنن البيهقي الكبرى، ومن أبي عبد الله الفراوي صحيح مسلم، ومن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي، وعبد الجبار بن محمد الخواري وغيرهم، وعنه ابنه أبو بكر القاسم بن عبد الله، وإسماعيل بن ظفر النابلسي، وأبو رشيد الغزال وغيرهم، وأجاز للشيخ شمس الدين، والفخر بن البخاري، وحدث عنه بالصحيح وبالسنن الكبير، وقال أبو العلاء الفرضي: كان إماما عالمًا بالأصول فقيهًا من بيت العلم والرواية، توفي في شعبان وقيل: في رمضان سنة ست مائة رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 746 عبد الله بن محمد بن الحسن بن هبة الله أبو المظفر ابن عساكر الدمشقي الشافعي مدرس التقوية أخو زين الأمناء، تفقه على أبي الفتح بن علي الأستري، والقطب النيسابوري، وقرأ الأدب على محمود بن نعمة بن رسلان الشيرازي النحوي وسمع الحديث من ابن الصائن، وأبي القاسم وخرج لنفسه أربعين حديثًا، وحدث بدمشق وحماة وشيراز، والقدس، ومصر، والإسكندرية وكان مجمع الفضائل وقتل بظاهر القاهرة في ثامن من ربيع الأول إحدى وسبعين وخمس مائة وله اثنان وأربعون سنة رحمه الله. عبد الله بن أبي منصور محمد بن علي بن روح أبو المعالي البغدادي يعرف بابن الغالي الفقيه الشافعي كان يحج كل عام عن الخليفة المستضيء، ولم يصح له سماع من قاضي المرستان، وقد روى عنه ابن البخاري من أمالي الجوهري، وقال: لم يكن مرضي السيرة، ومات في جمادى الآخرة سنة ست مائة. عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى بن علي بن عبد العزيز بن علي بن زين القضاة أبو بكر القرشي الشافعي الفقيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 747 سمع من جده أبي الفضل يحيى ونصر الله المصيصي، وكان رئيسًا فاضلًا إماما فقيهًا متعبدا، قال الضياء المقدسي: نعم الشيخ كان، توفي في ذي الحجة سنة ثمان وتسعين وخمس مائة، ودفن بمسجد الدقن. عبد الرحمن علي بن الحسن بن الفرج بن أحمد القاضي الفاضل محيي الدين أبو علي ابن القاضي الأشرف أبي الحسن اللخمي البيساني العسقلاني المولد المصري المنشأ صاحب العبادة والبلاغة والفصاحة والبراعة، ولد في جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وخمس مائة بعسقلان، وكان أبوه قاضيا بها وإنما نسب إلى بيسان لولاية أبيه قضاءها أيضًا، وأقام بالإسكندرية مدة وتعلم هذه الصناعة التي فاق فيها على أقرانه وتقدم على سائر أهل زمانه على الموفق يوسف ابن الخلال شيخ الإنشاء للفاطميين، وانتقل إلى ديوان الإنشاء في الدولة الفاطمية، بإشارة الملك العادل بن الصايح بن زريك، فباشر جماعته مدة ثم لما قدم أسد الدين شيركوه، وأقام وزيرا في الديار المصرية قدمه على الديوان وحظي عنده لما تفرس فيه، ثم لما استقل الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بمملكة الديار المصرية جعله كاتبا ووزيرا ومشاركا ومشيرا، وحصل له منه الحظ الوافر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 748 بحيث إنه كان يعطيه في كل سنة خمسين ألف دينار، مع ما له من المتاجر وغير ذلك وهو حقيق بذلك وجدير، وهو مع بضاعته وعليها قدر مع الديانة والأمانة والرياسة وكثرة العبادة والتلاوة آناء الليل وأطراف النهار، وله في صناعته اليد العليا التي لم يدركها أحد بعده، لأنه حاز قصب السبق فيما وجده، وذكر القاضي ابن خلكان: أنه بلغت مصنفاته وتعليقاته في هذا الفن نحوًا من مائة مجلد، وقال غيره: وجد بخطه في أثناء مكاتباته من الأشعار المفردة من بيت وبيتين نحو من مائة ألف وعشرين ألفًا، وأنه اقتنى من الكتب ما يزيد على مائة ألف مجلد، مع ما له من السواد والبلاغة، والجواب السريع، والنظم البديع ما تضيق عنه هذه الأوراق فيما يسر الأسماع والأحداق، وقد أثنى غير واحد من الأئمة، وذكروا أنه كان أحد أفراد هذه الأمة، وأنه شارك السلطان صلاح الدين في فتح الأقاليم، فذاك بحسبانه وشيامه، وهذا بعلمه وبيانه، وكان قليل التلذذ بالدنيا مقبلًا على شأنه من صلاة وصيام وتلاوة، يختم كل يوم وليلة القرآن العظيم، كثير المطالعة للكتب كثير الصدقات والبر والصلات، له مدرسة موقوفة على الشافعية والمالكية، ومكتب للأيتام وأوقاف الأسرى، وكان ضعيف البنية دقيق الصورة له خدمة يغطيها الطيلسان، وكان في سوء خلق يكمد في نفسه، ولا يضر أحدًا به رحمه الله، ولهذا لما مرض كان كثير التعنت على أهل بيته، فقالت له جارية من جواريه: يا مولانا، والذي يمن علينا بمعافاتك ما لنا طاقة بمرضاتك في مرضاتك، ومات بالسكتة بعد ما تولى الإقبال وأقبل الإدبار، وكان ذلك في سابع عشر ربيع الآخر سنة ست وتسعين وخمس مائة، ودفن إلى جانب مدرسته بمصر، وقد سمع الحديث من أبي طاهر السلفي وأبي القاسم ابن عساكر وأبي الطاهر بن عوف وأبي محمد العثمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 749 وجماعة، ومن نوادره أن العماد الكاتب تلقاه يومًا، وقد روى كلامًا ينعكس لنفسه، فقال له: سر فلا كبا بك الفرس، فقال له القاضي الفاضل على البديهة: دام على العماد، وذهب مرة في الرسلية إلى سنجار، فجلس عند الملك، فأحضر في جملة ما جيء به خيار حسن، وهو من أحسن ما عندهم، فقال الوزير مفتخرًا بخيارهم مازحًا للقاضي الفاضل وكان فيه حدب كما تقدم: خيارنا حسن وخياركم أحدب، فقال القاضي الفاضل: فخيارنا خير من خياركم، واتفق أن الملك العزيز عثمان ابن الملك صلاح الدين الذي بعثت إليه بعض خطاياه يوما وكان قد رسم له والده لا يجتمع بها، فبعثت إليه برز ذهب في وسط عنبرة سوداء، فجعل يقلبه ولا يفهم معناه، فأخذه القاضي، وجاء إلى القاضي الفاضل فذكر له صورة ما جرى وأنه لم يفهم هذه الأشياء فقال القاضي الفاضل: أهدت لك العنبر في وسط برز ... من التبر دقيق اللجام فالنور في العنبر معناهما ... زر هكذا مسترًا في الظلام ، هذا نوع من حل المترجم وكم له من فائدة ونادرة، ورأي سديد وحال حميد، وحض على الخيرات، ومبادرة إلى المكرمات، فرحمه الله وأكرمه آمين. عبد الملك بن زيد بن ياسين بن زيد بن فايد بن جميل الإمام ضياء الدين الثعلبي الأرقمي الدولعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 750 ودولع من قرى الموصل، خطيب دمشق، ولد سنة سبع وخمس مائة، وقدم دمشق في شبيبته، فتفقه بها على نصر الله المصيصي، وسمع منه الحديث، وتفقه ببغداد أيضًا، وسمع بها جامع الترمذي على عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي، وسنن النسائي من علي بن أحمد بن نحويه النولاني، وعنه إسماعيل بن الأنماطي الحافظ، وابن خليل، والشهاب القوصي، والتقي بن أبي اليسر، وجماعة، وبالإجازة من ابن أبي الخير، وابن علان، وكان فقيهًا مفتيًا عالمًا بالمذهب، وولي خطابة دمشق مدة طويلة، ودرس بالغزالية، وكان على طريقة حميدة إلى أن توفي في ثاني عشر ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وخمس مائة، وقد جاوز التسعين سنة بأشهر، وتولى بعده الخطابة ابن أخيه جمال الدين محمد بن أبي الفضل، فبقي فيها إلى سنة خمس وثلاثين وست مائة، ذكره الشيخ محيي الدين النووي فيما استدركه على تقي الدين ابن الصلاح في الطبقات، وقال: كان شيخ شيوخنا، وكان أحد الفقهاء المشهورين والصلحاء الورعين، استوطن دمشق وتولى الخطابة والتدريس بجامعها ثم أرخ وفاته بنحو ما تقدم رحمه الله. عثمان بن أبي بكر بن إبراهيم بن خلدك أبو عمرو القلانسي الموصلي الشافعي تفقه ببغداد على أبي القاسم يحيى بن فضلان، وسمع من ذاكر بن كامل، وأبي يونس وجماعة، ورحل إلى أصبهان، فسمع من أبي موسى المديني، وطائفة، وبدمشق من العلامة أبي سعد بن أبي عصرون وجماعة، وحدث ببغداد ومصر، وله شعر حسن، وتوفي في أواخر سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة. عثمان ابن الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاذي السلطان الملك العزيز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 751 صاحب الديار المصرية بعد أبيه الملك الناصر فاتح القدس وقدم دمشق، فأخذها وخطب بها، وبنى بها المدرسة العزيزية الشافعية، وكان مولده في جمادى الأولى سنة سبع وستين وخمس مائة، وسمع الحديث من أبي طاهر السلفي، وأبي طاهر بن عوف، وعبد الله بن بري بثغر الإسكندرية، قال زكي الدين المنذري: توفي في العشرين من محرم سنة خمس وتسعين وخمس مائة، قال الموفق عبد اللطيف: وكان شابا حسن الصورة، طريف الشمائل قويًا ذا بطش وأيد وخفة حركة حبيبا كريمًا عفيفًا عن الأموال والفروج. وذكر الحافظ الضياء المقدسي: أن الملك العزيز خرج إلى الصيد، فجاءته كتب من دمشق في أدمة أصحابنا الحنابلة قوله: إذا رجعنا كل من كان يقول بمقالتهم أخرجنا من بلدنا، فرماه فرسه، ووقع عليه فخسف صدره، كذا حدثني يوسف الطفيل وعز الدين غسله، نقل هذه الحكاية شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي من خط الضياء رحمه الله. علي بن جابر بن زهير بن علي القاضي أبو الحسن البطائحي الشافعي تفقه ببغداد مدة ثم بالرحبة، وسمع الحديث من محمد بن ناصر، وعلي بن عبد العزيز ابن السماك، وتولى القضاء ببعض سواد العراق، ومات في رمضان سنة أربع وتسعين وخمس مائة. علي بن علي بن أبي البركات هبة الله بن محمد بن علي بن أحمد البغدادي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 752 قاضي القضاة بها، أبو طالب النجاري، تفقه على العلامة أبي القاسم يحيى بن فضلان، وسمع الحديث من أبي الوقت السجزي وغيره، خرج مع أبيه إلى بلاد الروم، وقد تولى أبوه قضاء بعض تلك النواحي، فلما مات تولى مكانه ثم عاد إلى بغداد بعد نحو عشرين سنة، فأكرم مورده، وولى قضاء القضاة، ونيابة الوزارات وذلك سنة ثنتين وثمانين وخمس مائة، ثم عزل عنهما، ثم أعيد إلى القضاء وحده سنة تسع وثمانين، وتوفي في جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين وخمس مائة عن خمس وخمسين سنة رحمه الله. فضل الله ابن الحافظ أبي سعد محمد بن أحمد الإمام أبو المكارم النوقاني ونوقان هي مدينة طوس، الفقيه الشافعي، تفقه بمحمد بن يحيى النيسابوري حتى برع في المذهب، وأفتى ودرس، وأجاز له البغوي، وسمع من أبيه مسند الشافعي ومن عبد الجبار بن محمد الخواري عن البيهقي الأربعين الصغرى له، وسمع منه أبو رشيد الغزالي، وأجاز للشيخ شمس الدين بن أبي عمرو الفخر البخاري، مولده سنة ثلاث عشرة وخمس مائة ومات بلده سنة ست مائة. القاسم ابن الحافظ الكبير ثقة الدين أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر الحافظ المفيد المسند المصنف المخرج بهاء الدين أبو محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 753 الدمشقي ولد سنة سبع وعشرين وخمس مائة، وسمع من أبيه وعمه الصائن، وجمال الإسلام السلمي، ونصر الله المصيصي، وأبي سعد السمعاني وخلق، وأجاز له شيوخ خراسان الذين اجتمع بهم أبوه سنة ثلاثين، منهم أبو عبد الله الفراوي، وزاهر الشحامي، والقاضي أبو بكر الأنصاري وجماعة، وعنه جماعة منهم الحافظ علي بن المفضل المقدسي ووصفه بالحفظ، وعبد القاهر الرهاوي الحافظ وأبو المواهب بن صصرى، ويوسف بن خليل، والبلداني، والزين خالد، وأجاز لابن أبي الخير، وابن علان، وكان ثقة كثير المزاح ظريفًا كتب الكثير، وصنف، وخرج، وهو مصنف المستقصى في فضائل المسجد الأقصى، وكتاب الجهاد، وله مجالس، قال ابن نقطة: كان ثقة إلا أن خطه لا يشبه خط أهل الضبط، وقد ولي مشيخة دار الحديث النورية بعد والده، فلم يتناول من علومها شيئًا بل كان يرصده للواردين من الطلبة، حتى قيل: لم يشرب من مائها ولا توضأ أيضًا، وكان يتعصب لمذهب الأشعري كثيرا من غير تحقيق له، توفي في تاسع صفر سنة ست مائة بدمشق. القاسم بن يحيى بن عبد الله بن القاسم قاضي القضاة ضياء الدين أبو الفضائل ابن الشهروردي ابن أخي قاضي القضاة كمال الدين ولد سنة أربع وثلاثين وخمس مائة، وتفقه ببغداد بالنظامية مدة ثم عاد إلى الموصل، وقدم الشام فلما مات عمه كمال الدين تولى القضاء بعده مدة مديدة، فلما رأى ميل الملك صلاح الدين إلى القاضي محيي الدين بن المزكي إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 754 استقال منه فأقاله، ورتبه للرسل إلى الديوان العزيز، وقدم بغداد رسولًا عن الملك الأفضل، فلما تملك الملك العادل دمشق أخرجه منها، فسار إلى بغداد، فأكرم مورده وخلع عليه وولاه الخليفة قضاء القضاة، والمدارس والأوقاف والحكم في المذاهب الأربعة، وحصلت له منزلة رفيعة عند الخليفة الناصر لدين الله ثم خاف العواقب، فسأل الإقالة فأجيب، فسافر إلى حماة، وباشر القضاء بها، فعيب عليه ذلك، وكان مع ذلك سمحًا جوادا له شعر جيد وفضيلة، وقد سمع من السلفي، وحدث عنه، وتوفي بحماة في المنتصف من رجب سنة تسع وتسعين وخمس مائة رحمه الله. محمد بن جعفر بن أحمد بن محمد بن عبد العزيز قاضي القضاة أبو الحسن الهاشمي العباسي المكي ثم البغدادي الشافعي تفقه على ابن المفضل، وسمع الحديث من جده، وأبي الوقت، وأجاز له ابن الحصين، وأبو العز بن كادس وغيرهما، وعنه ابنه الحافظ جعفر بن خليل، والبلداني، مولده سنة أربع وثمانين، وعزل عنها سنة ثمان وثمانين بسبب أنه حكم في قضية اتهم فيها بخمسين دينارًا، فالله أعلم، ولزم بيته إلى أن مات سنة خمس وتسعين وخمس مائة. محمد بن عبد اللطيف بن أبي بكر محمد بن ثابت بن الحسن الرئيس الكبير صدر الدين أبو بكر الأزدي الخجندي مدينة على طرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 755 سيحون ثم الأصبهاني، من بيت الرياسة والسيادة والفقه والعلم، والمناصب، تفقه في المذهب وبرع، وقتله متولي أصبهان فلك الدين سنقر الطويل في سنة ثنتين وتسعين وخمس مائة. محمد بن الطاهر بن عبد الوارث ابن قاضي قضاة الديار المصرية أبو الفضائل هبة الله بن عبد الله بن الحسين الرئيس أبو الفخر الأنصاري الأوسي المصري الشافعي المعروف بابن الأزرق ولد سنة ست وثلاثين وخمس مائة، وتوفي سنة ثنتين وتسعين وخمس مائة. محمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمد أبو البركات الأنصاري الموصلي قاضي حماة لنور الدين ثمان سنين، ثم قاضي أسيوط عشرين سنة فيما ذكره المنذري، قال: وله كتاب عنوان الأخبار وغرر الحكايات والأشعار، قال: وله فيه وهم ظاهر، وله أربعون حديثا روى فيها عن ابن عساكر، ومحمد بن ناصر، وأبي العلاء الهمذاني، وابن أبي عصرون وغيرهم، مولده سنة ثلاثين وخمس مائة، وتوفي بأسيوط في ثاني ربيع الأول سنة ست مائة، ودفن عند مصلى العيد رحمه الله وإيانا. محمد بن علي بن محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 756 بن علي قاضي القضاة أبو المعالي ابن قاضي القضاة زكى الدين أبو الحسن ابن قاضي القضاة أبي المعالي المنتجب ابن قاضي القضاة أبي الفضل الزكي القرشي الدمشقي الشافعي ولد سنة خمسين وخمس مائة، وقرأ المذهب على جماعة وسمع من والده، وعبد الرحمن بن أبي الحسن ابن قاضي القضاة الداراني، وسعيد بن سهل الفلكي، والضياء بن هبة الله ابن عساكر، وجماعة، وعنه الشهاب القوصي في معجمه، والمجد ابن عساكر وغيرهما، وبالإجازة أحمد بن أبي الخير، وكان أديبًا بليغًا فصيحًا مفوها، قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: كان عالمًا صارمًا حسن الخط واللفظ، شهد فتح بيت المقدس، فكان أول من خطب به، بخطبة فائقة أنشأها، وكانت بيده أوقاف الجامع الأموي، ثم عزل عنه بابن البتي لما ضم أوقاف الجامع، وذكر أنه عزل نفسه عند نيابة القاضي كمال الدين الشهرزوري إمام الدولة الصلاحية، ثم لما مات القاضي كمال الدين استقل القاضي محيي الدين بقضاء دمشق، وعظمت منزلته عند صلاح الدين، وسار إلى مصر رسولًا، من الملك العادل إلى العزيز يحثه على قتال الفرنج، وكان ينهى الناس عن الاشتغال بكتب المنطق والجدل، وقطع من ذلك كتبًا في مجلسه، توفي في سابع شعبان سنة ثمان وثمانين وخمس مائة. محمد بن علي بن أبي نصر فخر الدين أبو عبد الله النوقاني الفقيه الشافعي الأصولي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 757 تفقه بخراسان على محمد بن يحيى النيسابوري، وبرع في المذهب، ودرس ببغداد، وترددت إليه الطلبة، ورام تدريس النظامية، فبنت والدة الإمام الناصر لدين الله مدرسة، وجعلته مدرسها، وخلعوا عليه وحضر عنده الأعيان، وألقى أربعة دروس وأعطاه ولده، وكان شيخا مهيبًا له يد طولى في التفسير، والفقه، والجدل مع ما هو فيه من العبادة والصلاح، وحج فعاد فمات بالكوفة في ثالث صفر سنة ست وتسعين وخمس مائة. محمد بن محمد بن حامد بن محمد بن عبد الله بن علي بن محمود بن هبة الله بن أله بفتح الهمزة وضم اللام وتسكين الهاء، ومعناه بالعربية العقاب، الإمام البليغ عماد الدين أبو عبد الله الكاتب الأصبهاني ثم الدمشقي ويعرف قديما بابن أخي العزيز ولد بأصبهان سنة سبع عشرة وخمس مائة، وقدم بغداد فتفقه بالمدرسة النظامية على مذهب الشافعي، فتفقه على أسعد الميهني، وأبي منصور الرزاز، وسمع منه الحديث، وأبي منصور بن خيرون، والمبارك بن علي السمدلي وجماعة، وأجاز له ابن الختمين، والفراوي، وأتقن علم الأدب والعربية ثم عاد إلى أصبهان سنة ثلاث وأربعين، وقد برع في العلوم وسمع بها، وقرأ الخلاف على أبي المعالي الوركاني، وأبي محمد بن عبد اللطيف الجندي، ثم عاد إلى بغداد، وتعافى الكتابة، قال ابن خلكان: كان شافعيًا تفقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 758 بالنظامية، وأتقن الخلاف وفنون الأدب وله من الشعر والرسائل ما هو مشهور، ولما مهر تعلق بالوزير عون الدين بن هبيرة ببغداد فولاه نظر البصرة ثم نظر واسط، فلما توفي الوزير انتقل إلى دمشق، فقدمها سنة اثنتين وستين، فتعرف بقاضي القضاة كمال الدين الشهرزوري فاستخدمه عند الملك نور الدين في كتابة الإنشاء، وعلت منزلته عند نور الدين، وأطلعه على سره، وبعثه في الرسلية إلى بغداد في أيام المستنجد، وفوض إليه تدريس المدرسة المعمدية بدمشق سنة سبع وستين ثم رتبه في إشراف الديوان سنة ثمان وستين، فلما توفي نور الدين خاف من حول ولده فترك ما هو فيه، وسافر إلى العراق، فلما وصل الموصل خرج صلاح الدين من مصر إلى دمشق فرجع وامتدحه، واجتمع به بحلب فحظي عنده، واستخدمه فيما كان فيه من الأعمال وصار هو والقاضي في مفاوضات، ويتناوبان في خدمة السلطان صلاح الدين، ونعم العاملان، ثم لما مات صلاح الدين سعد عماد الدين عن الأعمال وتوفر على التدريس، وكان فاضلا بارعًا في درسه يتزاحم الفضلاء فيه لفوائده وفرائده، ولما تولى الملك العادل واستوزر ابن شكر عاد العماد الكاتب، ولزم بيته، وأقبل على مصنفاته، فجمع مصنفات كثيرة منها كتاب الرد الشافي، وكتاب السيل والذيل، وكتاب خريدة القصر وخريدة العصر التي ذيل بها على زين الدهر لأبي المعالي سعد بن علي الخطري، وهي ذيل على زينة القصر وعصره أهل العصر للبخاري، وهي ذيل على يتيمة الدهر للثعالبي، واليتيمة ذيل على كتاب البارع لهارون بن علي المنجم وللعماد، الكتاب الفتح المقدسي وغير ذلك من الكتب الأدبية المفيدة الجمة والفنون، قال زكى الدين المنذري: كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 759 جامعًا للفضائل والفقه والأدب والشعر الجيد وله اليد البيضاء في النثر والنظم، وصنف تصانيف مفيدة وللسلطان الناصر معه من الأعضاء، والتجاوز والبسط، وحسن الخلق ما يتعلق من مثله لمثله، توفي في مستهل رمضان سنة سبع وتسعين وخمس مائة. قَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ الْحَافِظُ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلامَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَاتِبِ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ السَّيِّدِ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ الصَّرِيفِينِيُّ، أنا أَبُو جَنَابَةَ، ثنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي ذُبْيَانَ خَلِيفَةَ بْنِ كَعْبٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ» محمد بن محمود بن محمد شهاب الدين أبو الفتح الطوسي نزيل مصر أحد مشاهير الشافعية ولد سنة ثنتين وعشرين وخمس مائة، وسمع الحديث من أبي الوقت وغيره، تفقه بنيسابور على محمد بن يحيى صاحب الغزالي، ودخل بغداد فوعظ بها وصاهر قاضي القضاة أبا البركات ابن الثقفي، وحج ورجع على طريق مصر فنزل بخانقاه سعيد السعداء، وتردد إليه الطلبة الفقهاء، وبنى له الملك تقي الدين عمر بن شاهنشاه المدرسة المعروفة بمنازل العز، وانتفع به جماعة كثيرة، وكان جامعا لفنون كثيرة معظما للعلم وأهله غير محتفل بأبناء الدنيا، ووعظ بجامع مصر مدة، وذكر الشيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 760 شهاب الدين أبو شامة أنه قدم بغداد وكان يركب بسنجق، والسيوف مسللة والغاشية والطوق في عنق بغلته، فمنع من ذلك، وذهب إلى مصر ووعظ وأظهر مذهب الأشعري ووقع بينه وبين الحنابلة، وقال الموفق بن عبد اللطيف: كان رجلا طويلا مهيبا مقداما ساد الجواب في المحافل، وكان يلقي الدرس من كتاب وكان يرتاعه كل أحد، وهو كان يرتاع من الحبوسالي وكان يحمق نظراءه وبنيه، ويدخل على الملوك بلباقة، ويخاطب الفقهاء بصرامة. قال: وركب يوم العيد وبين يديه مناديا ينادي: هذا ملك العلماء الغاشية على الأصابع، وكان أهل مصر إذا رأوا الغاشية قرءوا {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] وجاء إلى السلطان فتفرق له الجمع وتفرق له الأمراء غيظا منه، قال: لما تعرض الملك العادل ووزيره ابن شكر للأوقاف قام قياما صلبا ومنعهما من التعرض لذلك، وقال ابن النجار: توفي بمصر في الحادي والشعرين من ذي القعدة سنة ست وتسعين وخمس مائة، وحمله أولاد السلطان على رقابهم، وذكره النووي فيما استدركه على ابن الصلاح فقال: كان شيخ الفقهاء وصدر العلماء في عصره ووعظ وذكر وانتفع به جماعة من أصحاب الغزالي، وقدم مصر فنشر العلم بها، وتفقه عليه جماعة كثيرة، ووعظ وذكر، وكان معظما عند الخاصة والعامة، وعليه مدار الفتوى في مذهب الشافعي، وجرت له حكاية عجيبة في بيعة الخليفة الناصر. محمد بن محمود العلامة وحيد الدين المروزي أحد كبار الشافعية ومدرسيهم، وعلى يديه كان انتقال السلطان غياث الدين محمد بن سام الغوري إلى مذهب الشافعي، وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 761 حنفي المذهب قبل ذلك، وكلا الإمامين، أعني أبا حنيفة والشافعي رحمهما الله، كانا إمامي هدى يستضاء بهما في الدين، وكذلك سائر أئمة الإسلام رحمهم الله، توفي في رجب سنة تسع وتسعين وخمس مائة. محمود بن المبارك بن أبي القاسم علي بن المبارك الإمام أبو القاسم الواسطي ثم البغدادي الشافعي، أحد الأذكياء والعلماء المحررين في المذهب، ويعرف بالمجير، تفقه بالنظامية على أبي منصور الرزاز، وأبي نصر المبارك بن روما، وأخذ علم الكلام من أبي الفتوح محمد بن الفضل الإسفراييني، وأبي جعفر عبد السيد بن علي ابن الزيتوني، وسمع الحديث من أبي القاسم بن الحصين، وأبي بكر الأنصاري، وأبي القاسم السمرقندي وجماعة، وروى عنه يوسف بن خليل، وكان ذكيا فصيحا بليغا أعاد في شبيبته للإمام أبي النجيب الشهرزوري في مدرسته، ثم سار إلى دمشق فدرس بالمدرسة التي بنيت له، وهي الجاروخية، واتصل بروحة بنت بيان الملوك وأخذ منها جوهرا كثيرا فسمع عليه، فارتحل إلى شيراز، وبنى له ملكها مدرسة فدرس بها، فلما جاءت دولة ابن القصاب أحضره إلى بغداد، وولاه تدريس النظامية، وخلع عليه خلعة سوداء بطرحة، وحضر درسه الأعيان والعلماء، وكان يوما مشهودا، قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي رحمه الله تعالى: برع في المذهب حتى صار أوحد زمانه، وتفرد بمعرفة الأصول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 762 والكلام، قرأت عليه بواسط علم الكلام، وما رأينا أجمع لفنون العلم منه مع حسن العبارة، قال: وخرج رسولا إلى الملك خوارزم شاه إلى أصبهان فمات في طريقه بهمذان في ذي القعدة سنة اثنين وتسعين وخمس مائة، وذكر الموفق عبد اللطيف، أنه كان ضئيلا طوالا ذكيا، دقيق الفهم، غواصا على المعاني، غير متقعد عند المناظرة، يعد لها كل سلاح، ويستعمله أحسن استعمال، وذكر أنه كان يشتغل على أبي البركات صاحب المعتبر في علوم الأوائل خفية. مكي بن علي بن الحسن أبو الحرم العراقي الحريري نسبة إلى حرنا من عمل دحيل، الفقيه الشافعي الضرير، تفقه ببغداد على أبي منصور الرزاز، ورحل إلى دمشق وهو شاب فسكنها، وتفقه بها على جمال الإسلام وسمع منه، ومن نصر الله المصيصي، وعنه الحافظ الضياء بن خليل وجماعة، مولده سنة ثماني عشرة وخمس مائة. منصور بن الحسن الإمام أبو المكارم الزنجاني الشافعي معيد النظامية ببغداد، ومدرس المدرسة الثقفية، كان إمامًا مناظرا، له معرفة بمذهب الشافعي، وله حلقة بجامع القصر، توفي في رمضان سنة سبع وتسعين وخمس مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 763 منصور بن علي بن إسماعيل بن جعفر شهاب الدين أبو الفضل المخزومي الطبري الفقيه الشافعي الصوفي الواعظ ولد بآمل طبرستان سنة خمس عشرة وخمس مائة، ونشأ بمرو وتفقه على الإمام أبي الحسن علي بن محمد المروزي بنيسابور على العلامة محمد بن يحيى، ثم اشتغل بالوعظ، وسمع الحديث من زاهر بن طاهر، وعبد الجبار الخواري وعلي بن محمد المروزي، وعنه أبو بكر الحازمي ومات قبله، ويوسف وإبراهيم ابنا خليل، والضياء المقدسي، والشهاب القوصي. قال ابن النجار: حدث ببغداد ثم سكن الموصل يحدث ويدرس ثم انتقل إلى دمشق، فادعى أنه سمع صحيح مسلم من الفراوي، ومعه ثبت مزور، فأراد الناس سماعه منه سنة ثنتين وتسعين، فتوقف لها الزين القاسم ابن عساكر الحافظ الأجل الطعن في الثبت وتوقف الناس، وغضب له شيخ الشيوخ ابن حمويه فسمعوه عليه، وتوفي بدمشق في ثاني عشر ربيع الآخر سنة خمس وتسعين وخمس مائة. نصر بن محمد بن مقلد الإمام أبو الفتح القضاعي الشيرازي ثم المصري أحد علماء الشافعية بها، تفقه بدمشق على القاضي أبي سعد بن أبي عصرون وغيره، وسمع من الحافظ ابن عساكر ثم سكن مصر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 764 ودرس بمدرسة الشافعي وحدث، ومات في سنة ثمان وتسعين وخمس مائة. يحيى بن علي بن الفضل بن هبة الله بن بركة العلامة جمال الدين أبو القاسم البغدادي نسبة إلى شيخ الشافعية بها، ويعرف بابن فضلان، ولد سنة خمس عشر وخمس مائة، وكان اسمه في الأصل واثق فغير اسمه إلى يحيى، تفقه على أبي منصور الرزاز ببغداد، وسمع بها من أبي غالب بن البنا، وأبي القاسم بن السمرقندي، وأبي الفضل الأرموي وغيرهم، وارتحل إلى محمد بن يحيى صاحب الغزالي بنيسابور مرتين فعلق عنه، وسمع منه، ومن عمر بن أحمد الصفار الفقيه وغيرهما، وعنه ابن خليل في معجمه في حرف الواو، وابن الذهبي وجماعة، وكان حسن الأخلاق وسهل الانقياد، انتفع به جماعة واشتهر اسمه، له رياسة ووجاهة ولب جيد ونباهة، درس ببغداد بمدرسة دار الذهب، وأعاد له الدرس الإمام أبو علي يحيى بن الربيع. وذكر الموفق عبد اللطيف: أنه لما خرج إلى نيسابور سقط عن دابته فانكسرت يده فقطعها، وكتب مخصرا بأنه لم يقطعها في ريب، فلما تناظر هو والمجير، شنع عليه المجير بقطعها، فأخرج ذلك المحضر وقرأ على الناس، وشنع هو على المجير بالفلسفة، وكان بينهما مناظرات، قال: وكان المجير لا يقطع في المناظر، له نغمات موزونة يشير بيده مع مخارج حروفه بوزن مطرب، ويقف على أواخر الكلمات خوفا من اللحن، قال: ثم رمي آخر عمره بالفالج، وتوفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 765 في تاسع عشر شعبان سنة خمس وتسعين وخمس مائة. يعيش بن صدقة بن علي أبو القاسم العوالي الفقيه الشافعي الضرير تفقه على أبي الحسن محمد بن المبارك، ابن الخل، وقرأ القراءات بالكوفة على الشريف عمر بن إبراهيم بن حمزة العلوي، وسمع الحديث من أبي القاسم السمرقندي وأبي محمد الطراح، وجماعة، وعنه ابن الزينبي، وابن خليل، والبلداني وجماعة، وآخر من روى عنه إجازة أحمد بن أبي الخير، وكان أجل من بقي ببغداد من الشافعية، تخرج به جماعة ودرس بالكمالية وبمدرسة ثقة الدولة، وكان سديد الفتاوى حسن الكلام في المناظرة، توفي ببغداد في الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين وخمس مائة رحمه الله. يمان بن أحمد بن محمد بن خميس الفقيه أبو الخير الرصافي الواسطي الشافعي تفقه ببغداد على أبي المحاسن يوسف بن بندار، وسمع ببلده من أحمد بن المبارك المرقعاني، واشتغل ببلده وأفتى، ومات تقريبًا في سنة إحدى وتسعين وخمس مائة، ودفن ببلدة الرصافة وهي بلدة كبيرة قريبة من واسط ولهم رصافة البصرة، ورصافة الكوفة، ورصافة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 766 نيسابور، ورصافة الأنبار، ومحلة ببغداد، وبلدة بالشام بناها هشام بن عبد الملك، وموضع بقرطبة، وأخرى ببلنسية، وأخرى بقرب إفريقية ذكر العشر زكي الدين المنذري رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 767 الطبقة التاسعة من أصحاب الشافعي رضي الله عنه المرتبة الأولى منها أول سنة إحدى وست مائة إلى آخر سنة عشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 769 السلطان أرسلان بن السلطان عز الدين مسعود بن مودود بن أتابك زنكي بن أقسنقر الملك العادل نور الدين أبو الحاث صاحب الموصل وابن صاحبها قال القاضي ابن خلكان: كان ملكًا شهمًا عارفًا بالأمور، وانتقل إلى مذهب الشافعي، فلم يكن في البيت الأتابكي شافعي سواه، وبنى المدرسة المعروفة بالموصل للشافعية فلم يوجد مدرسة في حسنها، وذكروا أنه كان له حرمة وهمة عالية وانفعال في فعل الخيرات. قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: وفي سنة سبع وست مائة أرسل صاحب الموصل نور الدين أرسلان شاه يخطب ابنة السلطان الملك العادل بقلعة دمشق على صداق ثلاثين ألف دينار، وكان العقد مع وكيله، ثم انكشف الأمر أنه قد مات من أيام بالموصل، وقال ابن خلكان: توفي في التاسع والعشرين من رجب سنة سبع وست مائة. إلياس بن جامع بن علي أبو الفضل الإربلي الفقيه الشافعي الشاهد ارتحل إلى بغداد فتفقه بنظاميتها وسمع الحديث وله تخاريج وتعاليق مفيدة، كان بصيرًا بصناعة الشروط، توفي ببلده في ربيع الأول سنة إحدى وست مائة وله خمسون سنة. التقي الأعمى مدرس الأمينية بدمشق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 771 كان فقيهًا بارعًا عارفًا بالمذهب نبيلًا مفتيًا جليلًا إمامًا، أثنى عليه الشيخ شهاب الدين أبو شامة، وقال: توفي في ذي القعدة سنة إحدى وست مائة، وجد التقي الأعمى مشنوقًا بالمئذنة الغربية، قيل: إنه هو الذي فعل بنفسه، ودرس بعده الجمال المصري وكيل بيت المال. ربيعة بن الحسن بن علي الفقيه الأجل مجد الدين أبو المجد الأنصاري الدمشقي الشافعي المعروف بابن النحاس، وإليه ينسب الحمام بطريق الصالحية، تفقه على أبي سعد بن أبي عصرون، وسمع السلفي، وابن عساكر، وغيرهما، وعنه الشهاب القوصي، توفي في جمادى الآخرة سنة إحدى وست مائة. ربيعة بن الحسن بن علي بن عبد الله بن يحيى أبو نزار الحضرمي التميمي الصنعاني الذماري الفقيه الشافعي المذهب، الشاعر الماهر، تفقه بظفار على الفقيه محمد بن عبد الله ابن حماد وغيره، وركب البحر، ودخل بغداد، وهمذان وغيرهما من البلاد، وأقام بأصبهان مدة طويلة، وتفقه بها على الإمام أبي الفرات الشافعي، وسمع جماعة من المشايخ ببلاد شتى كالسلفي، ومعمر بن الفاخر، وأبي موسى المديني، وروى عنه الزكيان المنذري، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 772 والبرزالي، والضياء، وابن خليل، والشهاب القوصي، والبلداني، قال المنذري: هو أحد من لقيته يفهم هذا اللسان، وكان عرافًا باللغة معرفة حسنة كثير التلاوة والتعبد والانفراد. وقال عمر بن الحاجب: كان إمامًا عارفًا حافظًا ثقة أديبًا شاعرا حسن الخط ذا دين وورع، توفي في ثاني عشر جمادى الآخر سنة تسع وست مائة رحمه الله تعالى، ومن شعره ما رواه عنه الحافظ الشهاب القوصي: ببيت لهيا بساتين مزخرفة ... كأنها سرقت من دار رضوان أجرت جداوله ذوب اللجين على ... حصى من الدر مخلوط بعقيان والطير تهتف في الأغصان صادحة ... كضاربات مزامير وعيدان وبعد هذا لسان الحال قائلة ... ما أطيب العيش في أمن وإيمان ، ومنهم من يقول: هذا هو العيش إلا أنه فاني. عبد الملك بن عيسى بن درباس بن فير بن جهم بن عبدوس قاضي القضاة بالديار المصرية صدر الدين أبو القاسم الماراني الفقيه الشافعي ولد بنواحي الموصل في حدود سنة عشر وخمس مائة، وتفقه بحلب على أبي الحسن علي بن سليمان المرادي، وسمع بدمشق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 773 على الحافظ أبي القاسم ابن عساكر، وقدم مصر في سنة بضع وستين، فاستوطنها، وسمع بها الحديث، وخرج له علي بن المفضل الحافظ أربعين حديثًا، وكان مشهورًا بالصلاح والغزو، وطلب العلم يتبرك بآثاره للمرضى، وروى عنه الحافظ المنذري، توفي في خامس رجب سنة خمس وست مائة. عبد الوهاب ابن الأمير أبي منصور علي بن علي بن عبد الله الإمام العالم المحدث الفقيه البارع مسند العراق وشيخها ضياء الدين أبو أحمد البغدادي الصوفي الشافعي المعروف بابن سكينة، وهي جدته أم أبيه، ولد سنة تسع عشرة وخمس مائة في شعبان، وقرأ القرآن، واشتغل بعلمه كالقراءات، والعربية ونحوها، وسمع الحديث، وقرأ الفقه على مذهب الشافعي، وعلم الخلاف على أبي منصور سعيد بن الرزاز شيخ بغداد، وكان كثير الاشتغال بالتنبيه، والمهذب، والوسيط وإذا دخل عليه الطلبة يقول: لا تزيدوا على سلام عليكم، مسألة من حرصه على المباحثة وتحرير الأحكام، وأخذ علم الحديث عن محمد بن ناصر، وصحبه ولزمه وأخذ عنه الكثير من الفوائد والعربية والغريب وغير ذلك، وطال عمر حتى رحل إليه، وقد ذكره ابن النجار، فأطنب في شكره، والثناء عليه بالجميل من متابعة السنة، والعمل الكثير، وحفظ الأوقات أن يذهب شيء منها، إلا في عمل صالح إلى أن قال: ولقد طفت شرقًا وغربًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 774 ورأيت الأئمة والزهاد فما رأيت أكمل منه ولا أكثر عبادة، ولا أحسن سمتًا، وكان ثقة نبيلا علمًا من أعلام الدين روى عن أبيه، وعن أبي القاسم بن الحصين، وزاهر الشحامي، وخلق ولبس من جده أبي البركات خرقة التصوف سمع منه الحافظ علي بن أحمد الزيدي، والقاضي عمر بن علي، وأبو بكر الحازمي وخلق، وروى عنه بالإجازة الفخر، وأحمد بن شيبان، وآخر من روى عنه بها المسند كمال الدين عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن الرقام شيخ المستنصرية، عاش بعده تسعين سنة، توفي ابن سكينة رحمه الله في تاسع عشر ربيع الآخر سنة سبع وست مائة، وقال الشيخ أبو شامة، وكان يومًا مشهودًا وكان من الأبدال. عثمان بن عيسى بن درباس القاضي العلامة ضياء الدين أبو عمر الهمداني الفارابي ثم المصري الشافعي أخو قاضي القضاة صدر الدين عبد الملك، تفقه في صباه بإربل على أبي العباس الخضر بن عقيل، ثم تفقه بدمشق على القاضي أبي سعد بن أبي عصرون، وأبي البركات الخضر بن شبل الحازمي، وساد وتقدم وبرع في المذهب، وشرح المذهب للشيخ أبي إسحاق الشيرازي في عشرين مجلدًا إلى كتاب الشهادات، وشرح اللمع له في مجلدين، وكان من أعلم الشافعية، قال الحافظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 775 المنذري: توفي في ذي القعدة سنة اثنين وست مائة رحمه الله. علي بن سعادة بن الجنيس الفقيه الإمام أبو الحسن الفارقي الشافعي تفقه بتبريز، وارتحل إلى بغداد فسمع بها الحديث، وعلق الخلاف على الإمام أبي المحاسن بن بندار، وتفقه وبرع، وتقدم وأعاد بالمدرسة النظامية وولي تدريس أم الناصر وناب في القضاء، وفي تدريس النظامية، وكان من كبار الشافعية، ومات سنة ثنين وست مائة. علي بن محمد بن جمال الإسلام أبي الحسن علي بن المسلم الفقيه شرف الدين أبو الحسن الدمشقي الشافعي المعروف جده بابن بنت الشهرزوري، اشتغل وسمع الحديث من جماعة، منهم خالاه الصائن هبة الله، والحافظ أبو القاسم ابن عساكر، وحدث ببغداد ومصر، وكانت له اليد الطولى في الخلاف، ومعرفة المذهب، قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: درس بالأمينية، وبالزاوية، وكان عالمًا بالمذهب، والخلاف ماهرًا ثم أخرج من دمشق، ومات بحمص بعد ما أقام بها مدة وكانت وفاته في تاسع جمادى الآخرة سنة اثنين وست مائة، روى عنه الحافظ الضياء، ويوسف بن خليل، والشهاب القوصي، وقال: كان من الشام. المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني العلامة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 776 مجد الدين أبو السعادات بن الأثير الجزري ثم الموصلي كاتب الإنشاء بها الفقيه البارع العلم الشافعي له كتاب جامع الأصول وكتاب النهاية في غريب الحديث وكتاب في شرح مسند الإمام الشافعي، وكتاب الإنصاف في الجمع بين الكاشف والكشاف، وتفسير الثعلبي والزمخشري، وكتاب البديع في شرح الفصول في النحو لابن الدهان، وله ديوان رسائل، وكتاب لطيف في صناعة الكتابة، وكتاب المصطفى المختار في الأدعية والأذكار، وكتاب المختار في مناقب الأخيار وغير ذلك، وكان عليمًا بالحساب، وصناعة الكتاب، وله حرمة وافرة وأبهة، وحرمة زائدة ببلده، مولده سنة أربع وأربعين وخمس مائة بجزيرة ابن عمر، ونشأ بها، ثم انتقل إلى الموصل فسمع بها من خطيبها يحيى بن سعدون القرطبي، ولما حج سمع ببغداد من ابن كليب وغيره، وحدث، وانتفع الناس به، وقرأ الحديث، والفقه، والأدب، والنحو ثم اتصل بخدمة السلطان، وترقت به المنازل حتى باشر كتابة السر، وصار رئيسًا مشارًا، وكان ورعًا مهيبًا عاقلًا مهابا ذا بر وإحسان، ثم إنه حصل به نقرس أبطل حركة يديه ورجليه، وصار يحمل في محفة، فأقام بداره، وأنشأ رباطًا بقرية من قرى الموصل، ووقف أملاكه عليه، وكانت وفاته في آخر يوم من سنة ست وست مائة رحمه الله وأكرمه، وأخواه ضياء الدين مصنف المثل السائر، والآخر عز الدين صاحب التاريخ، وروى عنه ولده، والشهاب القوصي، وغير واحد، وآخر من روى عنه بالإجازة الفخر بن البخاري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 777 محمد بن إبراهيم بن أبي بكر ابن خلكان الفقيه بهاء الدين أبو عبد الله الإربلي الشافعي أخو ركن الدين حسين، ونجم الدين عمر والد قاضي قضاة الشام شمس الدين ابن خلكان، تفقه بالموصل، وسمع بها الحديث من يحيى الثقفي، وتفقه ببغداد علي بن فضلان، وسمع من يحيى بن يونس، وابن كليب، وطائفة، وحدث، وأملى، ودرس بها بالمدرسة المظفرية، توفي سنة عشر وست مائة رحمه الله. محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي العلامة سلطان المتكلمين في زمانه فخر الدين أبو عبد الله القرشي البكري التيمي الطبرستاني الأصل ثم الرازي ابن خطيبها الشافعي المفسر المتكلم، صاحب المصنفات المشهورة والفضائل الغزيرة المذكورة، اشتغل أولا على والده الإمام ضياء الدين عمرو، وهو من تلامذة محيي السنة البغوي، ثم لما مات والده قصد الكمال السمناني، فاشتغل عليه مدة، ثم عاد إلى الري، فاشتغل على المجد الحنبلي صاحب محمد بن يحيى الفقيه أحد تلامذة الغزالي، وأتقن علوما كثيرة، وبرز فيها، وتقدم وساد، وقصده الطلبة من سائر البلاد، وصنف في فنون كثيرة، فمن ذلك: تفسيره المشهور، وله تفسير الفاتحة في مجلد مفرد، وله شرح الأسماء الحسنى، وله مناقب الشافعي الذي فيه من الحكايات الغرائب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 778 وقد شرح الوجيز أو أكثره، وله شرح سقط الزند، وشرح المفصل والمحصول في أصول الفقه والمنتخب، وله الأربعون في علم الكلام، ونهاية العقول والمطالب العالية، وتأسيس التقديس، وكتاب الملخص، وشرح الإشارات في الأصول وغير ذلك من المصنفات المبتدعة، ومنها ما ذكره القاضي شمس الدين ابن خلكان، وهو كتاب السر المكتوم في مخاطبة الشمس والنجوم، وقد قيل: إنه إنما صنفه لأم الملك خوارزم، وأنها أعطته على ذلك جعلا، فعمله صناعة لتمكنه في العلوم، ومنهم من أنكر أن يكون من مصنفاته، والله أعلم. وكان له مجلس كبير للوعظ، وكان يتكلم كلامًا جيدًا، وله تمكن من الوعظ باللسانين العربي، والتركي، وكان يحضره الناس على اختلاف أصنافهم، ومذاهبهم ويجيء إلى مجلسه الأمراء والأكابر والملوك، ويحصل له مكان مجلسه رقة، ويظهر خشوعًا مات بسببه أناس كثير، جرت بينه وبين جماعة من الساسة مخاصمات، وفتن وأوذي بسببهم وأذاهم، وكان ينال منهم في مجلسه، وينالون منه، وأخرج من بعض البلدان بسببهم فيما ذكره القاضي ابن خلكان، قال: ثم عاد إلى بلده، وكان بها رجل طيب له أموال كثيرة، فحضره الموت فأوصى إلى الإمام فخر الدين، وكانت له ابنتان، ولفخر الدين ابنان فزوجهما بهما، واتسعت الأموال على فخر الدين كثيرا، وأقبل عليه الملوك، فصارت له أرزاق دائرة، وأنعام كثيرة وصارت له جاهة وخدم وحشم، ثم أثنى عليه كثيرا، وبالغ في وصفه ومدحه، وأما الشيخ تقي الدين ابن الصلاح فلم يكن مقبلًا عليه، وربما غض من شأنه، وتوسط فيه الشيخ أبو شامة وذكر أنه خلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 779 ثمانين ألف دينار، والله أعلم. قلت: جالت أقلام فخر الدين رحمه الله في فنون كثيرة من العلوم، واتسعت دائرته وتسلطن في فن الكلام خاصة حتى قيل: إنه كان يحفظ الشامل لإمام الحرمين في ذلك، وله اختيارات كثيرة في كتب متعددة يرد بعضها بعضًا، ولكن الذي صنفه على طريقة أهل الكلام نهاية العقول، وهو من أجود كتبه، وكذا كتاب الأربعين، وأما المباحث الشرقية فأكثرها على طريق الحكمة، ومذهب الفلاسفة، وكتابه المطالب العالية أجمع في ذلك كله، وهي آخر ما صنف في ذلك، وبهذا لم يتمها، وبقي عليه منها بقية، ثم قيل: إنه ندم على دخوله في هذا الفن كما قال الشيخ تقي الدين ابن الصلاح رحمه الله: أخبرني القطب الطوغاني مرتين أنه سمع الفخر الرازي يقول: ليتني لم أشتغل بعلم الكلام وبكى، ومن شعره وكلامه: نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا وكم قد رأينا من رجال ودولة ... فبادوا جميعا مسرعين وزالوا وكم من جبال قد علت شرفاتها ... رجال فبادوا والجبال جبال ، ثم يقول: لقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 780 أجدها تروي غليلا ولا تشفي عليلا، ورأيت أصح الطرق طريقة القرآن، اقرأ في التنزيل {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد: 38] ، وقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] واقرأ في الآيات {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50] ، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] ، واقرأ أن الكل من الله قوله تعالى {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء: 78] ، ثم يقول: وأقول من صميم القلب من داخل الروح أني مقر بأن كل ما هو الأكمل الأفضل الأعظم الأجل فهو لك وكل ما هو عيب ونقص فأنت منزه عنه، وهذه وصيته عند موته رحمه الله تعالى، أخبرني الشيخ الإمام كمال الدين عمر بن إلياس بن يونس المراغي، قدم علينا دمشق وكان أحد تلامذة النصير الطوسي، بقراءتي عليه بدار الحديث الأشرفية، أنا الثقفي يوسف بن أبي بكر النسائي بمصر، أنا الكمال محمود بن عمر الرازي، قال: سمعت الإمام فخر الدين يوصي تلميذه إبراهيم بن أبي بكر الأصبهاني، يقول العبد الراجي رحمة ربه الواثق بكرم مولاه محمد بن عمر بن الحسين الرازي، وهو أول عهده بالآخرة وآخر عهده بالدنيا، وهو الوقت الذي يلين فيه كل قاس ويتوجه إلى مولاه كل آبق: أحمد الله تعالى بالمحامد التي ذكرها أعظم ملائكته في أشرف أوقات معارجهم، ونطق بها أعظم أنبيائه في أكمل أوقات شهاداتهم، وأحمده بالمحامد التي يستحقها عرفتها أو لم أعرفها، لأنه لا مناسبة للتراب مع رب الأرباب، وصلاته على الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين، وجميع عباد الله الصالحين، ثم اعلموا إخواني في الدين، وأخلائي في طلب اليقين أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 781 الناس يقولون: إن الإنسان إذا مات انقطع عمله وتعلقه عن الخلق، وهذا مخصص من وجهين: الأول: أنه إن بقي منه عمل صالح صار سببًا للدعاء، والدعاء له عند الله أثر. الثاني: ما يتعلق بالأولاد وأداء الجنايات، أما الأول: فاعلموا أني كنت رجلًا محبًا للعلم، فكنت أكتب في كل شيء شيئًا، وأقف على كميته وكيفيته سواء كان حقا أو باطلًا إلا أن الذي نظرته في الكتب المعتبرة أن العالم المخصوص تحت تدبير مدبر منزه عن مماثلة المتحيزات موصوف بكمال القدرة والعلم والرحمة، ولقد اختبرت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن، لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلالة لله، ويمنع عن التعمق في إيراد المعارضات والمناقصات، وما ذلك إلا للعلم بأن العقول البشرية تتلاشى في تلك المضايق العميقة، والمناهج الخفية، فلهذا أقول: كل ما ثبت بالدلائل الظاهرة من وجوب وجوده ووحدته وبراءته عن الشركاء في القدم، والأزلية، والتدبير، والفعالية، فذلك هو الذي أقول به وألقى الله به، وأما ما انتهى الأمر فيه إلى الدقة والغموض، وكل ما ورد في القرآن، والصحاح المتعين للمعنى الواحد، هو كما هو، والذي لم يكن كذلك أقول: يا إله العالمين إني أرى الخلق مطبقين على أنك أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، فلك ما مد به قلمي أو خطر ببالي، فأستشهد وأقول: إن علمت مني أني أردت به تحقيق باطل أو إبطال حق فافعل في ما أنا أهله، وإن علمت عني أني ما سعيت إلا في تفريد أعتقد أنه الحق، وتصورت أنه الصدق، فلتكن رحمتك مع قصدي لا مع حاصلي فذاك جهد المقل، وأنت أكرم من أن تضايق الضعيف الواقع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 782 في زلة فأغثني وارحمني واستر ذلتي وامح حوبتي، يا من لا يزيد ملكه عرفان العارفين، ولا ينقص ملكه بخطأ المجرمين، وأقول: ديني متابعة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكتابي القرآن العظيم، وتعويلي في طلب الدين عليهما، اللهم يا سامع الأصوات، ويا مجيب الدعوات، ويا مقيل العثرات أنا كنت عند حسن الظن بك عظيم الرجاء في رحمتك، وأنت قلت: وأنا عند ظن عبدي بي، وأنت قلت: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62] ، فهب أني ما جئت بشيء، فأنت الغني الكريم، وأنا المحتاج اللئيم فلا تخيب رجائي ولا ترد دعائي واجعلني آمنا من عذابك قبل الموت، وبعد الموت وسهل علي سكرات الموت، فإنك أرحم الراحمين. وأما الكتب التي صنفتها واستكثرت فيها من إيراد السؤالات فليذكرني من نظر فيها بصالح دعائه على سبيل التفضل والإنعام، وإلا فليحذف القول السيئ فإني ما أردت إلا تكثير البحث، وشحذ الخاطر، والاعتماد في الكل على الله عز وجل، ثم ذكر فصلًا في الوصية بأولاده، وأطفاله إلى أن قال: وأمرت تلامذتي ومن لي عليه حق إذا أنا مت يبالغون في إخفاء موتي، ويدفنوني على شرط الشرع فإذا دفنوني قرءوا على ما قدروا عليه من القرآن، ثم يقولون: يا كريم جاءك الفقير المحتاج فأحسن إليه، وكانت وفاته بهراة يوم عيد الفطر سنة ست وست مائة، قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: وبلغني أنه خلف من الذهب ثمانين ألف دينار سوى الدواب والعقار، وغير ذلك وترك ولدين الأكبر منهما قد تحيد في حياة أبيه، وخدم السلطان خوارزم شاه، وقال الموفق بن أبي أصيبعة: كان ربع القامة ضخم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 783 البدن كبير اللحية في صوته فخامة، وذكروا أنه كان يلحقه حالة الوعظ حال ووجد، حتى أنه قال يومًا للسلطان شهاب الدين وهو تحت منبره: يا سلطان العالم، لا سلطانك يبقى ولا تلبيس الرازي يبقى وأن مردنا إلى الله فأبكى السلطان، رحمهما الله، ومن تلامذته المشهورين مصنف الحاصل تاج الدين محمد بن الحسين الأرموي، وشمس الدين عبد الحميد بن عيسى الخسروشاهي، والقاضي شمس الدين الجوي ومحيي الدين قاضي مزيد. محمد بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك العلامة عماد الدين أبو حامد ابن يونس الإربلي الموصلي الفقيه الشافعي أحد المشهورين، تفقه أولًا على والده بالموصل ثم ارتحل إلى بغداد، فاشتغل بالنظامية على السديد محمد السلماسي، وأبي المحاسن يوسف بن بندار الدمشقي، وسمع الحديث من أبي حامد محمد بن أبي الربيع الغرناطي، وعبد الرحمن بن محمد الكشميهني، ثم عاد إلى الموصل، فاتصل بخدمة السلطان نور الدين أرسلان صاحبها، فحظي عنده، ونال بسبب ذلك تدريس أماكن بها، ثم ولي القضاء مدة أشهر وعزل، وكان من أصحاب مجلس الملك، وعلى يديه انتقل الملك من مذهب أبي حنيفة إلى مذهب الشافعي رحمهما الله، وله من المصنفات كتاب المحيط جمع بين المهذب والوسيط، وشرح الوجيز، وصنف جدلا وعقيدة، قال ابن خلكان: وكان يعمل الأدوات غير أنه لم يرزق سعادة في مصنفاته، فإنها ليست على قدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 784 فضائله، قال: وكن موسوسا لا يمس القلم إلا ويغسل يده، وكان لطيف الخلوة دمث الأخلاق، توفي بالموصل في سلخ جمادى الآخرة سنة ثمان وست مائة عن ثلاث وسبعين سنة. نصر الله بن يوسف بن مكي بن علي الفقيه الإمام أبو الفتح ابن الفقيه الجليل أبي الحجاج الحارثي الدمشقي الشافعي المعدل المعروف بابن الإمام تفقه على والده وعلى أبي البركات الخضر بن شبل، وسمع من نصر الله المصيصي، وهبة الله بن طاوس، ورحل إلى بغداد، فسمع أبا الوقت وغيره، وأجاز له الفراوي، وزاهر الشحامي وغيرهما، وسمع منه يوسف بن خليل، والد خالد وأجاز للزكي عبد العظيم وغيره، ومات بدمشق في المنتصف من جمادى الآخرة سنة إحدى وست مائة. يحيى بن الربيع بن سليمان بن حراز العلامة مجد الدين أبو علي العمري من سلالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الواسطي الشافعي، أحد أئمة المذهب، ولد بواسط في سنة ثمان وعشرين وخمس مائة، وقرأ القراءات العشر، وأتقنها، وتفقه أولا على والده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 785 الإمام أبي الفضل الربيع بن سليمان، وعلى أبي جعفر هبة الله بن البرقي، وسمع بها من أبي الكرم نصر الله بن مخلد بن الجلخت وغيره، ثم ارتحل إلى بغداد، فتفقه بالنظامية على مدرسها أبي النجيب السهروردي، وسمع بها جماعة من المحدثين كمحمد بن ناصر، وأبي الوقت، وعبد الخالق اليوسفي، ثم ارتحل بنيسابور فتفقه على الإمام محمد بن يحيى صاحب الغزالي، وبقي عنده سنتين ونصفا، وسمع منه الحديث، ومن جماعة من مشايخ نيسابور ثم عاد إلى بغداد، فأعاد بالمدرسة النظامية على ابن فضلان. قال الموفق عبد اللطيف: وكان أبرع من ابن فضلان، وأقوم بالمذهب وأعلم بالقرآن منه، وكان بينهما صحبة جميلة دائمة لم أر مثلها من اثنين قط، وكانت الفتيا إذا جاءت ابن فضلان لا يضع خطه عليها حتى يشاور ابن الربيع، ثم إن ابن الربيع ذهب في رسالة الديوان العزيز في سنة ثمان وتسعين إلى غزنة ثم عاد فولي تدريس النظامية، وحصل له الجاه العريض والحشمة الوافرة، وقد أسمع الكثير ببغداد وهراة وغزنة. قال ابن الدبيثي: وكان ثقة صحيح السماع عالمًا بمذهب الشافعي وبالخلاف والحديث والتفسير كثير الفنون وقرأ بالعشرة على ابن بركات، وكان أبوه من الصالحين، ويقال: إنهم من ولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: كان عالمًا بالأصلين والمذهب والخلاف، عالما عارفا بالتفسير دينا صدوقًا، وروى عنه الزينبي، والحافظ الضياء، وابن خليل وآخرون، وأجاز للشيخ شمس الدين ابن أبي عمر، والفخر علي، وتوفي بطريق خراسان في رسالة في ذي القعدة سنة ست وست مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 786 المرتبة الثانية من الطبقة التاسعة من أصحاب الشافعي رضي الله عنه فيها من أول سنة إحدى عشرة وست مائة إلى آخر سنة عشرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 787 إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن بن أبي بكر بن هبة الله بن الحسن المحدث الحافظ البارع الفقيه المفيد تقي الدين أبو الطاهر ابن الأنماطي المصري الشافعي، سمع شيئًا كثيرًا وحصل أجزاء عديدة، وكان سهل العارية، سمع القاضي أبا عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحضرمي، وأبا القاسم هبة الله بن البوصيري، وشجاع بن محمد المدلجي، وأبا عبد الله الأرماني وجماعة، وعنه ابنه أبو بكر، والزكيان المنذري، والبرزالي وغيرهم، قال ابن البخاري: اشتغل في صباه وتفقه وقرأ الأدب وسمع الكثير، ولد سنة سبعين وخمس مائة، وقدم دمشق سنة ثلاث وتسعين، ثم حج سنة إحدى وست مائة، وقدم مع الركب وكانت له همة وافرة، وحرص وجد واجتهاد مع معرفة كاملة، وحفظ وثقة وفصاحة وسرعة قلم، واقتدار على النظم والنثر، ولقد كان بعيد الشبيه معدوم النظير في وقته كتب عني وكتبت عنه، وقال عمر بن الحاجب: كان إماما ثقة حافظًا مبرزًا فصيحًا واسع الرواية، وعنده فقه وأدب ومعرفة بالشعر، وأخبار الناس، وكاتب السر، سألت الحافظ الضياء عنه، فقال: حافظ ثقة مفيد إلا أنه كان كثير الدعابة مع المرد، قال الضياء: بات صحيحًا فأصبح لا يقدر على الكلام أياما واتصل به حتى مات في رجب سنة تسع عشرة وست مائة. أبو بكر ابن الأمير الكبير نجم الدين أيوب بن شاذي بن يعقوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 789 بن مروان الدويني ثم التكريني ثم الدمشقي المولى السلطان الملك العادل سيف الدنيا والدين، والد الملوك أحد ركني البيت الأيوبي بعد أخيه السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف فاتح بيت المقدس نور الله ضريحه، ولد الملك العادل أبو بكر ببعلبك، وأبوه نائب بها في سنة أربع وثلاثين وخمس مائة، وقيل: سنة ثمان وثلاثين، وقيل: سنة أربعين ونشأ بها، فلما آل الملك إلى أخيه الناصر، صحبه وشهد معه جميع، فتوحاته، وكانت له اليد البيضاء في تلك المشاهد، وكان أخوه يعتمد عليه لسداد رأيه، واستنابه في مصر مدة ثم أعطاه حلب ثم أخذها منه لولده الظاهر غازي، وعوضه عنها الكرك وحران، ثم لما توفي الناصر جعل من بعده أولاده الثلاثة العزيز عثمان بمصر، والأفضل علي بدمشق، والظاهر غازي بحلب، ثم لم يزل العادل يداري الوقت، ويتلطف حتى أخذ دمشق من الأفضل بمساعدة العزيز له، ثم توفي العزيز فحصل على مصر، ورام أخذ حلب من الظاهر، فبادره الظاهر بخطبة ابنته فزوجها منه، وكاسر عنه بسبب ذلك، واستوت له الممالك المصرية والشامية والشرقية، وامتدت أيامه، وفتح اليمن، فطالت أزيال رياسته وسعادته وأولاده وجواريه من نسائه وسراريه، وكان يأكل أكلا كثيرا جدا بحيث كان له دور متعدد يطبخ في كل دار مطبخ كامل، ويدور عليها، ويأكل منه، ولم يطبخ خاص لنفسه أيضًا، وكان يأكل كل ليلة بعد العشاء عند النوم رضيعا، ورطلا من الحلو كان يعمل له كهيئة الحوارش مع ديانة متينة، وعفة عظيمة لا يعرف أنه تخطى مكروها إلى غير حلائله، وله صدقات وإيثار، ويصوم كل يوم خميس، وكان قد قسم الممالك بين بنيه وهو متفرغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 790 لنفسه في سعادته يصيف في الشام، ويشتو بمصر، مع رأي سديد وطريق حميد. وكان شحيحا بالمال إلا في الشدائد فلا شيء عنده أهون من المال في المصارف النافعة، ويتصدق حينئذ كثيرا، وكان مؤيدا من السماء فإنه عقد له مكائد كثيرة، ويصرفها الله عنه بحوله وقوته، ومات في سابع عشر جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وست مائة ظاهر دمشق المحروسة، وكان ابنه المعظم بنابلس فسار في ليلة فجاءه فصبره وأوهم أنه نائم وأمر خادما يروح عليه وحمله في محفة وأدخله القلعة، والناس يأتون المحفة يقبلون أذيالها ودفن بالقلعة وأظهر موته وعمل العزاء ثم نقل إلى تربته بمدرسته سنة تسع عشرة رحمه الله. وكان له من الولد تسعة عشر ولدا وهم شمس الدين مودود والد الملك الجواد، ومات قبله، والملك الكامل محمد صاحب مصر، والمعظم عيسى صاحب الشام، والأشرف موسى صاحب حران وجلاد، وملك البلاد قبل الأشرف، والملك القاهر إبراهيم، والملك شهاب الدين غازي، والملك العزيز عثمان، والملك الأمجد حسن، ومات في حياة أبيه، والملك الحافظ رسلان، والملك الصالح إسماعيل صاحب بعلبك وبصرى، ثم تملك دمشق بعد إخوته وجرت له خطوب ثم أخذت منه بعد، والملك المغيث، ومات في حياة أبيه أيضًا والملك القاهر إسحاق، ومجد الدين يعقوب، وقطب الدين أحمد، وخليل، وتقي الدين عباس وكان أصغر الأولاد ولد سنة ثلاث وست مائة وآخرهم وفاة في سنة تسع وستين وست مائة، وكان له بنات عدة زوج غالبهن لملوك الأطراف لحسنهن، ورياسة أبيهن، وسيادته بين الملوك ورتبته عند الخليفة الناصر لدين الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 791 وتعظيمه له رحمهم الله أجمعين. وقد حدث الملك العادل عن الحافظ أبي طاهر السلفي، وروى عنه ابنه الملك الصالح إسماعيل والشهاب القوصي وأبو بكر بن السني. ست الشام بنت الأمير نجم الدين أيوب أخت السلطان الناصر والعادل وشقيقة المعظم تورانشاه كانت امرأة عظيمة القدر من بيت المال والرياسة التامة، والسيادة العامة مع ديانة عظيمة وصدقات جسيمة وصلات متصلة، وصلوات متقبلة كانت يفرق في السنة في دارها من الأكحال، والعقاقير، والأدوية على المرضى، والمحاويج بمبلغ كبير ومال كثير، ووقفت على الشافعية مدرسة بناحية الغربية ظاهر دمشق، ولها بها تربة ولزوجها، وأخيها، ووقفت عليهم دارها بدمشق، ولها بدمشق مدرسة أخرى، وأرصدت عليهما أوقافًا جزيلة الريع تقبل الله منها وأكثر أموالها ميراث من زوجها الأمير، فإنه توفي وترك قريبًا من ألف ألف دينار، وكانت وفاتها إلى رحمه الله ورضوانه في سادس عشر ذي القعدة سنة ست عشرة وست مائة. الطاهر زكي الدين أبو العباس قاضي القضاة ابن قاضي القضاة محيي الدين أبي المعالي ابن قاضي القضاة زكي الدين أبي الحسن علي ابن قاضي القضاة المنتخب أبي المعالي محمد بن يحيى القرشي الدمشقي الشافعي ولي القضاء بدمشق مرتين، مرة قبل ابن الحرستاني، ومرة بعده، وكان معرفًا في الرياسة، ومن بيت القضاء بدمشق عالمًا محتشمًا ماضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 792 الأحكام، ونوابه في القضاء شمس الدين الشيرازي، والقاضي شمس الدين بن سني الدولة، والقاضي شرف الدين ابن الموصلي الحنفي، يحكم بالطرحانية بجيرون، وكان القاضي زكي الدين يحب أهل الخير ويزور الصالحين، وكان الملك المعظم صاحب دمشق يبغضه، ولكن كان يحترمه لأجل والده السلطان الملك العادل، فلما توفي السلطان أقدم عليه وكان في نفسه منه أشياء، ولما مرضت الخاتون ست الشام عمة المعظم بعثت إلى القاضي ابن الزكي وشهوده، وأوصيت إليه وأشهد عليها أن دارها مدرسة، فبلغ ذلك المعظم فعز عليه، وقال: تحضر إلى دار عمتي بغير إذنى وتسمع كلامها ثم أغرى عليه السلطان في قضية فلما استقر بين يديه ضربه بالمقارع، وبعث إليه بخلعة صفراء وكلومة، وبعث يقول له: إن الخليفة إذا أحب أحدًا بعث إليه من ملابسه، ونحن قد بعثنا إليك من ملابسنا، وألزمه أن يلبسها في مجلس الحكم، فبادر فلبسها، وحكم بين اثنين، ودخل منزله فمرض ومات، ويقال: إنه رمى قطعًا من كبده، وتأسف الناس لما جرى عليه ويقال: إن المعظم ندم على ما كان منه إليه، واتفق أن الشرف بن عنين حدث له بزهد وتوبة، ولزم مكانًا ينقطع فيه فبعث إليه المعظم خمرًا ونردًا وقال: شيخ بهذا، فكتب إليه ابن عنين: يأيها الملك المعظم سنة ... أحدثتها تبقى على الأباد تجرى الملوك على طريقك بعدها ... خلع القضاء وتحقر الزهاد ، وكانت وفاة القاضي زكي الدين في الثالث والعشرين من صفر سنة سبع عشرة وست مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 793 عبد الله بن عمر بن عبد الله جمال الدين أبو محمد الدمشقي الشافعي قاضي اليمن ولد بدمشق في حدود سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة، وسمع بالإسكندرية من السلفي وغيره، وتوجه إلى اليمن صحبة شمس الدولة تورانشاه يؤم به، وحظي عنده، وتقدم حتى ولاه قضاء اليمن، وحصل أموالًا ثم عاد إلى دمشق، فمات في ربيع الأول سنة عشرين وست مائة، وقد روى عنه الشهاب القوصي، والزين خالد، وغير واحد. عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين الإمام مفتي المسلمين، فخر الدين أبو منصور ابن عساكر الدمشقي الشافعي، شيخ المذهب في زمانه، تفقه بالشيخ قطب الدين النيسابوري، وتزوج بابنته وسمع الحديث من عميه الحافظ الكبير أبي القاسم، والصائن، ومن حسان ابن تميم الزيات، وداود بن محمد الخالدي ومحمد بن أسعد العراقي وجماعة، وجمع بين معرفة الفقه والحديث وتقدم وساد ودرس بالجاروفية وجمع له بينها وبين تدريس الصلاحية بالقدس الشريف، والتقوية بدمشق فكان يقيم هاهنا أشهرًا وهاك أشهرًا، وكان عنده بالتقوية جماعة الفضلاء حتى كان يقال لها: نظامية الشام، وكان أول من درس بالعذراوية في بيته أول ما وقفت، وكان يجلس للحديث مكان عمه تحت النسر، ويقيم في بيته إلى جانب محراب الصحابة للتعبد والفتيا، وإفادة الطلبة، وعرض عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 794 الملك المعظم قضاء دمشق، فامتنع وأصر على الامتناع، وألح عليه فتجهز بأهله إلى حلب، فلما بلغ الملك العادل بعث إليه، فترضاه وأجابه إلى الترك، وأشار عليهم بابن الحرستاني، فولوه ثم وقع بينه وبين العادل، لما أنكر عليه تضمين الخمور والمكوس، فلهذا لم يوله تدريس العادلية، ولم يكفه هذا حتى أخذ منه تدريس الصلاحية، والتقوية، ولم يبق معه سوى الجاروخية وقد كان رحمه الله فقيه زمانه، وفارس ميدانه وسابق أقرانه، حسن السمت كثير العبادة، والذكر لا يمل الشخص من النظر لحسن وجهه، ولطافة خلقه وأدبه وعقله، أثنى عليه غير واحد من العلماء، واجتمع على تقديمه وتفضيله غير واحد من الفقهاء، وقال الشيخ أبو المظفر: كان زاهدًا عابدًا ورعًا منقطعًا إلى العلم والعبادة حسن الأخلاق قليل الرغبة في الدنيا، توفي في عاشر رجب سنة عشرين وست مائة، وشهد جنازته خلق كثير، وجم غفير، ودفن عند قبر شيخه القطب النيسابوري قريبًا من مقبرة الصوفية، وله من العمر سبعون سنة، وذكر الشيخ شهاب الدين أبو شامة أنه لما حضره الموت توضأ وجعل يذكر الله تعالى، فلما أزف الرحيل تشهد وقال: رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا، لقنني الله حجتي وأقالني عثرتي ورحم غربتي، وقد تفقه جماعة منهم الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمهم الله تعالى. عبد الرحيم ابن الحافظ أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور بن عبد الجبار الإمام فخر الدين أبو المظفر ابن السمعاني المروزي الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 795 ولد في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وخمس مائة، واعتنى به أبوه وسمعه ورحل به، وسمعه الكثير، وأدرك الإسناد أبا المعالي، وسمع غالب البخاري، وسنن أبو داود، والترمذي، والنسائي، وصحيح أبي عوانة، وتاريخ يعقوب بن سفيان القشيري، وسمع من خلق كثير وجم غفير، وروى عنه جماعة من الأئمة منهم أبو بكر الحازمي، ومات قبله، والشيخ أبو عمرو ابن الصلاح، والحافظ الضياء، والزكي البرزالي، والمحب بن النجار، وكان فقيهًا مفتيا عارفًا بالمذهب له أنس بالحديث، وخرج لنفسه أربعين حديثًا، عدم في دخول التتار إلى مرو في أواخر سنة سبع عشرة وست مائة وأوائل التي تليها. عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل بن علي بن عبد الواحد قاضي القضاة بدمشق جمال الدين أبو القاسم ابن الحرستاني الأنصاري الخزرجي العبادي السعدي الدمشقي الفقيه العلامة الشافعي ولد سنة عشرين وخمس مائة في أحد الربيعين، وسمع الحديث من جمال الإسلام أبي الحسن علي بن المسلم أحد أئمة الشافعية، ونصر الله المصيصي، وهبة الله بن طاوس خطيب دمشق، ومعالي بن هبة الله بن الحبولي، وأبي القاسم بن البن، وعلى بن أحمد بن منصور بن قيس، وجماعة كثيرين، وتفرد بالرواية عن أكثر شيوخه لطول عمره، وروى بالإجازة عن عبد الله الفراوي، وزاهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 796 الشحامي، وهبة الله السيدي، وغيرهم من مشايخ العراق استجازهم له الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد الميمي، وحدث بصحيح مسلم، ودلائل النبوة للبيهقي، وقد سمعنا ذلك من طريقة ولله الحمد. وروى عنه الحافظ البرزالي، والضياء، وابن خليل، وابن عبد الدايم، والزكي عبد العظيم، والزين خالد، والفخر بن البخاري، وخلق كثير، ورحل في حال شبيبته إلى حلب، فتفقه بها على المحدث الفقيه أبي الحسن المرادي، وبرع في المذهب وساد فيه أقرانه، وولي القضاء نيابة بدمشق عن الإمام أبي سعد بن أبي عصرون ثم استقل بالقضاء قبل وفاته بسنتين وسبعة أشهر، وذلك بعد ما امتنع وألحوا عليه في الولاية، وكان يحكم بالمدرسة المجاهدية، وناب عنه ولده عماد الدين، ثم ابن الشيرازي، وشمس الدين ابن سني الدولة، فكان محمود السيرة عادلا ورعًا عالمًا حسن الإنصات صحيح السماع، وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: دخل أبوه من حرستان، فنزل بباب يوما وأم بمسجد الزينبي، ثم أم فيه بعده جمال الدين ابنه، ثم انتقل إلى داره بالحويرة وكان يلازم الجماعة بمقصورة الخضر، ويحدث هناك ويجتمع خلق كثير من حسن سمته وسكونه وهيبته. حدثني الفقيه عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام: أنه لم ير أفقه منه، وعليه كان ابتداء اشتغاله، ثم صحب فخر الدين ابن عساكر، فسألته عنهما فرجح ابن الحرستاني، وقال: إنه كان يحفظ كتاب الوسيط للغزالي، قال: وكان في حال ولايته صارمًا عادلًا على طريقة السلف في لباسه وعفته، قال: وقد بلغني أنه ثبت عنده حق لامرأة على بيت المال، فحضر وكيل بيت المال الكمال المصري، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 797 وأمره أن يسلم إليها هذا الحق، فاعتذر بأنه ليل ووعد إلى الغد، فقال: ما يؤمنني أن أموت الليلة، ويفوت حق هذه وألزمه بالتسليم، فسلمها، وكتب لها محضرًا بذلك، وقال أبو المظفر ابن الجوزي: كان زاهدًا عفيفًا ورعًا نزيها لا تأخذه في الله لومة لائم، اتفق أهل دمشق على أنه ما فاتته صلاة في جامع دمشق في جماعة إلا إذا كان مريضا، ثم ذكر حكايات كثيرة في صرامته وإقدامه على تنفيذ الحق على رغم الملك الذي ولاه وتعذر إليه، وهو العادل بأنه ما طلب القضاء، فإن كره منه ها فليعزله، ويولي غيره فكان ذلك مما يزيد الملك فيه رغبة رحمهم الله، وقال الحافظ زكي الدين المنذري: سمعت منه وكان مهيبًا حسن السمت مجلسه مجلس وقار وهيبة يبالغ في الإنصات إلى من يقرأ عليه، توفي في رابع ذي الحجة سنة أربع عشرة وست مائة وهو في خمس وتسعين سنة رحمه الله. عبد اللطيف بن أحمد بن القاسم بن القاسم الشهرزوري القاضي أبو الحسين الموصلي القاضي بها الشافعي من بيت العلم والقضاء والرياسة، تفقه على عمه أبي الرضا سعيد بن عبد الله، وأبي الفتح عبد الرحمن بن خداش، وسمع الحديث من أبيه، ومن محمد بن أسعد العطاردي وجماعة، وولي قضاء الموصل مرات، توفي في جمادى الأولى سنة أربع عشرة وست مائة عن ثنتين وسبعين سنة. عبد الواحد بن إسماعيل بن ظافر الإمام صائن الدين أبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 798 محمد الدمياطي الفقيه الشافعي المتكلم، مدرس الأمينية بدمشق، كان فاضلًا بارعًا، أفاد الطلبة، وسمع الحديث من السلفي وجماعة، وحدث عنه جماعة منهم الزكيان المنذري والبرزالي، وآخرهم الفخر بن البخاري، وتوفي ربيع الأول سنة ثلاث عشرة وست مائة، وقد قارب الستين رحمه الله تعالى. المبارك بن المبارك بن أبي الأزهر سعيد بن الدهان أبو بكر بن أبي طالب وجيه الدين الضرير الواسطي النحوي شيخ النظامية في العربية والقراءة والأدب، كان بارعًا في النحو، صنف فيه وساد وتقدم، واشتغل فيه مدة، وتخرج به جماعة ببغداد، قرأ النحو على ابن الخشاب، ولزم الكمال عبد الرحمن الأنباري، وسمع الحديث من أبي زرعة بن محمد بن طاهر، ومن شعره: زارني والليل داج بسحر ... وبلطف اللطف للقلب سحر رام يستخفي من الواشي به ... فأتى ليلا وهل يخفى القمر جسمه ماء ولكن قلبه ... عند شكواي إليه من حجر ، وقد ذكره ابن النجار، فأطنب في شكره ومدحه، وذكر أنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 799 كان يحفظ كل يوم كراسًا، وأما ابن الدبيثي، فقال: كان يقول الشعر، وكان هذرة، وروى عنه الزكي البرزالي، وأجاز لأحمد بن أبي الخير، وتوفي في السادس والعشرين من شعبان سنة اثنتي عشرة وست مائة، وذكروا أنه كان حنبليًا، ثم انتقل إلى مذهب الإمام أبي حنيفة، ثم إلى مذهب الإمام الشافعي ولهذا هجاه بعضهم، فقال: من مبلغ عني الوجيه رسالة ... وإن كان لا تجدي إليه الرسائل تمذهبت للنعمان بعد ابن حنبل ... وذلك لما أعوذتك المآكل وما اخترت رأي الشافعي ديانة ... ولكنما تهوى الذي هو حاصل وعما قليل أنت لا شك صائر ... إلى مالك فافطن لما أنا قائل. محمد بن إبراهيم بن أبي الفضل الإمام معين الدين أبو حامد السهلي الجاجرمي الشافعي مصنف الكفاية وإيضاح الوجيز، وله طريقة في الخلاف والقواعد مشهوران به، أقام بنيسابور مدة يدرس بها، وجاجرم بليدة من نيسابور وجرجان، وقد سمع الحديث من عبد المنعم بن عبد الله الفراوي، وحدث عنه الزكي البرزالي الحافظ، وتوفي وهو كهل في حادي عشر رجب سنة ثلاث عشرة وست مائة. محمد بن إبراهيم الخطيب شهاب الدين أبو عبد الله الغساني الحموي ويعرف بابن الجاموس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 800 تفقه بحماة، وتقدم وساد، وأفاد، وقدم بيت المقدس، فحدث بالمقامات عن أبي بكر بن النقور، عن الحريري، ودخل الديار المصرية، فخطب بالجامع العتيق، وولي تدريس مشهد الحسين مدة، وكان من أكابر الشافعية بها، وتوفي في العشر الأوسط من ربيع الأول سنة خمس عشرة وست مائة. محمد بن علوان بن مهاجر بن علي بن مهاجر الإمام شرف الدين أبو المظفر الموصلي الشافعي تفقه ببلده على أبي البركات عبد الله بن التنوخي، وبنظامية بغداد على العلامة أبي المحاسن يوسف بن بندار حتى تقدم في المذهب، وساد وعلق تعاليق وأفاد ودرس بالمدرسة التي أنشأها أبوه، وبمدارس أخرى من بيت حشمة ورياسة، وروى عن الحسين بن محمد بن سليم الموصلي، وروى عنه الزكي البرزالي، والتقي البلداني وغيرهم، وتوفي بالموصل في ثالث المحرم سنة خمس عشرة وست مائة. محمد بن القاسم بن محمد الأمير بدر الدين الهكاري أحد أمراء الملك المعظم، ومن رءوس المشهورة عنده، وكان سمحًا خيرًا دينًا لطيف الشمائل فيه صلاح ودين وبر بأهله وبالفقراء، بنى بالمقدس مدرسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 801 للشافعية، وكان يتمنى أن يستشهد فرزقه الله الشهادة بالطور في سنة أربع عشرة وست مائة، وحمل إلى تربته بالقدس الشريف رحمه الله. المظفر بن عبد الله بن علي الحسين الإمام الفقيه تقي الدين المصري المعروف المقترح مدرس المدرسة السلفية بالإسكندرية، له التصانيف في الفنون المتنوعة في الفقه والأصول والخلاف وتخرج به جماعة. قال الحافظ المنذري: سمع بالإسكندرية من أبي الطاهر بن عوف، وسمعت منه، وحدث بمكة ومصر وكان كثير الإفادة منتصبًا لمن يقرأ عليه، كثير التواضع حسن الأخلاق جميل العشرة دينا متورعًا، توجه إلى الحج، فأشيع موته، فأخذت المدرسة، ثم اتفق عوده ولم ترجع إليه، فأقام بجامع مصر يقرئ واجتمع عليه جماعة، ودرس بمدرسة الشريف ثعلب، وتوفي في شعبان سنة اثنتي عشرة وست مائة. مكي بن أبي محمد بن محمد ابن أبيه الدمشقي، ويعرف بابن الزجاجية كان فقيهًا فاضلا بارعًا أديبًا محصلًا، نظم كتاب المهذب للشيخ أبي إسحاق في قصيدة رائية سماها البديعة في أحكام الشريعة، وامتدح الملك العادل ووزيره ابن شكر، وروى عنه شعره الشهاب القوصي، وأثنى عليه، وذكر أنه توفي كهلًا في آخر سنة خمس عشر وست مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 802 يحيى بن إبراهيم بن أبي تراب محمد أبو تراب الكرخي اللوزي نسبة إلى محلة ببغداد يقال لها: اللوزية - الفقيه، تفقه على الإمام أبي الحسن محمد بن الخل، وروى عن أبي الفتح الكروخي جميع جامع الترمذي، وعن أبي الوقت جميع مسند الدارمي وحدث بهما، وروى جماعة من المشايخ وأقام بدمشق مدة، وأعاد عند العماد الكاتب، وروى عنه ابن الدبيثي، وابن خليل، والشهاب القوصي وابن نقطة، وذكر أنه أصاب اختلال في آخر عمره، وذكروا حكايات تدل على أنه أصابه خرف، وضعف عقل نوع من الماخوليا، فإنه توفي في شعبان سنة أربع عشرة وست مائة عن ثمان وثمانين سنة. يحيى بن القاسم بن مفرج بن درع بن خضر الفقيه تاج الدين أبو زكريا الثعلبي التكريتي الشافعي تفقه على أبيه وسمع منه الحديث، ومن أبي الفتح بن البطي، وأبي النجيب السهروردي، وتفقه عليه ببغداد، وعلى أبي المحاسن بن بندار، وقرأ العربية على ابن الخشاب، وتقدم في العلم وساد وولي قضاء تكريت، ثم ولي تدريس النظامية ببغداد، وكان من كبار الشافعية في زمانه مع الصلاح والديانة والمراقبة، وتوفي عن خمس وثمانين سنة، سنة ست عشر وست مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 803 المرتبة الثالثة من الطبقة التاسعة من أصحاب الشافعي رضي الله عنه فيها من أول سنة إحدى وعشرين وست مائة إلى آخر سنة ثلاثين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 805 إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن سليمان القاضي الجليل بهاء الدين أبو إسحاق التنوخي المعري ثم الدمشقي الشافعي الخطيب تفقه على الخطيب ضياء الدين الدولعي، فبرع ودرس وحدث، وروى عن أبيه، وابن صدقة الحراني والخشوعي، وله إجازة من شهدة، وكان صدوقًا فاضلًا محتشمًا أديبًا كاتبًا مترسلًا شاعرًا كثير المحفوظ مليح الإنشاء مداخلًا للدولة، وروى عنه الحافظ الزكي البرزالي، والمجد ابن الصاحب العديمي، والشهاب القوصي، وقال: كان فاضلًا مكملا وصدرا مجملا ترسل عن الملك العادل، وحصل العلوم واجتهد في طلبها، وحصل الفقه في صدر عمره مع ما تحلى به من حسن الكتابة والبلاغة، أنشدني لنفسه، وكان قد ولي قضاء المعرة وهو ابن خمس وعشرين سنة فأقام بها خمس سنين: وليت الحكم خمس هن خمس ... لعمري والصبا في العنفوان فلم يضع الأعادي قدر شأني ... ولا قالوا فلان قد رشاني هذا، وقد تكلم فيه عمر بن الحاجب، وقال: كان فيه بذاذة وفحش، وكان قد ترك الفقه، واشتغل بغيره ولم يكن محمود السيرة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 807 كذا قال: ومات في منتصف محرم سنة ثلاثين وست مائة. إبراهيم بن عثمان بن عيسى بن درباس الماراني الفقيه الشافعي المحدث جلال الدين أبو إسحاق المصري سمع الكثير، وكتب الكثير، ورحل في الآفاق، وكان له شعر حسن، وتوفي وهو يطلب بين الهند واليمن في سنة ثنتين وعشرين وست مائة، وكان أبوه من كبار الشافعية، وعمه قاضي قضاة الديار المصرية. أحمد ابن الشيخ كمال الدين أبي الفتح موسى ابن الشيخ رضي الدين أبي الفضل يونس بن محمد بن منعة بن مالك بن محمد بن سعد بن سعيد بن عاصم الإمام شرف الدين أبو الفضل بن يونس الإربلي الأصل، ثم الموصلي، شارح كتاب التنبيه للشيخ أبي إسحاق الشيرازي بالشرح المشهور، واختصر إحياء علوم الدين للغزالي، وكان يلقي الإحياء دروسًا من حفظه، قال القاضي ابن خلكان: كان إمامًا كثير المحفوظات غزير المادة من بيت الرياسة والفضل، نسج على منوال والده في التفنن في العلوم، تخرج على جماعة كثيرة، وولي التدريس بمدرسة الملك المعظم مظفر الدين صاحب إربل بإربل بعد والده في سنة عشر وست مائة، وكنت أحضر دروسه وأنا صغير، وما سمعت أحدًا يلقي الدروس مثله، ثم حج وقدم وأقام قليلًا، وانتقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 808 إلى الموصل سنة سبع عشرة وفوضت إليه المدرسة القاهرية، وأقام بها يلازم الاشتغال والإفادة، إلى أن توفي يوم الاثنين الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة ثنتين وعشرين وست مائة عن سبع وأربعين سنة، ولقد كان من محاسن الوجوه، وما أذكره إلا وتصغر الدنيا في عيني، هذا كله كلام ابن خلكان، رحمه الله. إسحاق بن محمد بن المؤيد بن علي بن إسماعيل القاضي المحدث رفيع الدين الهمذاني الأصل ثم المصري الوتري الشافعي والد المسند شهاب الدين الأبرقوهي، ولد بمصر تقريبًا سنة اثنتين وثمانين وخمس مائة ورحل وجال وسمع بدمشق وبغداد، وأقام بالبلاد الشرقية، وتزوج وولي قضاء أبرقوة مدة ثم فارقها، ورحل بولديه محمد وأحمد يسمعهما بأبرقوة، وشيراز، وبغداد، والموصل، وحران، ودمشق إلى أن استقر بمصر، فأقام بها حتى مات، قال عمر بن الحاجب: وهو أحد الرحالين، عارف بما سمع، إمام مقري حسن السيرة، وله سمت ووقار على مذهب السلف، كريم النفس حسن القراءة، قال المنذري: توفي في السابع عشر من جمادى الأول سنة ثلاث وعشرين وست مائة، رحمه الله. أسعد بن يحيى بن موسى ابن الشيخ بهاء الدين أبو السعادات السلمي السنجاري الفقيه الشافعي الشاعري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 809 له ديوان كبير امتدح فيه الملك صلاح الدين، وخدم تقي الدين عمر صاحب حماه وأخذ جوائز كثيرة، وتفقه ببغداد على المجير وابن فضلان، ومن شعره: وهواك ما خطر السلوك بباليه ... ولأنت أدرى في الغرام بحاله ومتى وشى شخص إليك بأنه ... سال هواك فذاك من عذاله أو ليس للكلف المعنى شاهد ... من حاله يغنيك عن تساله جددت ثوب سقامه وهتكت ... ستر غرامه وصرمت حبل وصاله يا للعجائب من أسير دأبه ... يفدى الطليق بنفسه وبماله ريان من ماء الشبيبة والصبا ... سرقت معاطفه نظيف زلاله. توفي آخر يوم من سنة ثلاث وعشرين وست مائة، ودفن في أول سنة أربع وعشرين رحمه الله وسامحه. إسفنديار بن الموفق بن محمد بن يحيى الأستاذ أبو الفضل البوشنجي الأصل الواسطي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 810 المولد البغدادي الدار الواعظ الأديب، الفقيه المقري، المحدث الكاتب، وهو الواعظ المشهور نجم الدين علي بن علي بن إسفنديار، قرأ القرآن، وأتقن العربية، وسمع الحديث وتفقه على مذهب الإمام الشافعي، واجتهد في معرفة الكتابة وحسن الخط، فساد فيه أقرانه، وكان جيد النظم والنثر والإنشاء، وقد ولي ديوان الرسائل سنة أربع وثمانين وخمس مائة بعد أشهر، ثم ولي مشيخة رباط ثم عزل، وكان ينسب إلى شيء من التشيع. قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي: وكان يلبس أيام ولايته الذهب والحرير، وذكر عنه ما يدل على غلو في الرفض والسب، وعلى إساءة أدب وجهل، فإنه قال: حكى عنه بعض عدول بغداد أنه حضر مجلسه بالكوفة فقال: لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كنت مولاه فعلي مولاه» ، تغير وجه أبي بكر وعمر، فنزلت هذه الآية {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الملك: 27] توفي ببغداد في تاسع ربيع الأول سنة خمس وعشرين وست مائة عن سبع وثمانين سنة. بهرام شاة بن فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب بن شاذي السلطان الأمجد مجد الدين أبو المظفر صاحب بعلبك، حكم بها خمسين سنة، وكان فاضلًا أديبًا شاعرًا مطنبًا محسنا، له ديوان مشهور وكان كريمًا ممدحًا الملك الأشرف ببعلبك حتى أخذها منه في سنة سبع وعشرين وست مائة، وأعطاها لأخيه الملك الصالح إسماعيل بن العادل، وانتقل الأمجد إلى دمشق، وابتنى له تربة إلى جانب والده بالسرف الشمالي، ووقف مدرسة على الشافعية، وانتقل إلى الله تعالى، بسبب مملوك من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 811 مماليكه قتله في الليل كان مسجونا بالدار فتخلص ووصل إلى أستاذه فقتله، وقتلته الخواص، وذلك في الليلة الثانية عشر من شوال سنة ثمان وعشرين وست مائة، وذكروا أنه رآه بعض أصحابه في النوم، فقال له: ما فعل الله بك فقال: كنت من ذنبي على وجل ... زال عني ذلك الوجل أمنت نفسي بوائقها ... عشت لما مت يا رجل الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن عساكر بن زين الأمناء ويكنى بأبي البركات الدمشقي ولد في سلخ ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وخمس مائة، وسمع من عميه: الحافظ أبي القاسم والضياء بن هبة الله وجماعة، وعنه جماعة منهم الزكيان المنذري، والبرزالي، والكمال بن العديم، والزين خالد، وكان شيخا جليلا نبيلا صالحا خيرا متعبدا حسن الهدي والسمت، مليح الوضع كيس المحاضرة من ثروات البلد، تفقه على جمال الأئمة أبي القاسم علي بن حسن بن الماسح، وقرأ برواية ابن عامر على ابن القاسم العمري، وتأدب على علي بن عثمان السلمي، وولي نظر الخزانة ونظر الأوقاف ثم ترك ذلك وأقبل على شأنه وعبادته، وكان كثير الصلاة حتى إنه لقب بالسجاد، وقد أطنب في وصفه عمر بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 812 الحاجب وغيره، وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: كان شيخا كاملا صالحًا كثير الصلاة والذكر أقعد في آخر عمره وكان يحمل في محفة إلى الجامع وإلى دار الحديث النورية ليسمع عليه، توفي في سحر يوم الجمعة سادس عشر صفر سنة سبع وعشرين وست مائة عن ثلاث وثمانين سنة وحضره خلق كثير، ودفن إلى جانب أخيه الفخر عبد الرحمن، رحمهما الله تعالى. الحسين بن إبراهيم بن أبي بكر خلكان الفقيه الإمام العلامة ركن الدين أبو يحيى الإربلي درس بعدة مدارس، وكان عارفًا بالمذهب صالحًا كثير التلاوة، وسمع الحديث من يحيى الثقفي، ومات ببلده في ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وست مائة. عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن علي الفقيه الصالح أبو محمد الهمذاني الخطيب ولد سنة خمس وأربعين، وتفقه بالنظامية على أبي الخير القزويني، وأعاد بالنظامية للشيخ أبي طالب صاحب ابن الخل، وسمع الحديث من أبي الوقت وغيره وكان فقيهًا ورعًا إماما عارفًا بالمذهب والأصول والخلاف على مذهب السلف، روى عنه ابن النجار، وعلي بن الأخضر، والجمال يحيى ابن الصيرفي، توفي في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 813 حادي عشر شعبان سنة اثنين وعشرين وست مائة. عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان بن عبد الله أبو محمد الأسدي الحلبي الزاهد المعروف بابن الأستاذ، أحد الفقهاء الشافعية والمحدثين، وهو والد قاضي القضاة زين الدين عبد الله ابن الأستاذ، وقاضي القضاة جمال الدين محمد، سمع الحديث ببلده وببغداد، وغيرهما من البلاد، وكان فيه خير وصلاح وديانة وعناية بالحديث، وروى عنه الحافظ ضياء المقدسي، والزكي البرزالي، والصاحب كمال الدين ابن العديم وجماعة، توفي في عاشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وعشرين وست مائة عن تسعين سنة رحمه الله. عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسين بن الحسن العلامة إمام الدين أبو القاسم القزويني الرافعي نسبة إلى رافعان بلدة من أعمال قزوين، قاله النووي، وقيل: نسبة إلى رافع بن خديج، وقيل: إلى أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم فالله أعلم، وهو صاحب الشرح المشهور كالعلم المنشور، الذي هو خزانة علم أئمة مذهب الشافعي المبرزين للنظار، وإليه يرجع عامة الفقهاء من أصحابنا في هذه الأعصار في غالب الأقاليم والأمصار، ولقد برز فيه على كثير ممن تقدمه وحاز قصب السبق، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 814 فلا يدرك شأوه إلا من وضع يديه حيث وضع قدمه، ولا يكشف عجاج غباره إلا من سار معه في مساره، ولا ينال تحقيقه إلا من سلك طريقه، فرحمة الله عليه، الذي أجاد وأفاد، ودقق وحقق، وحرر وقرر وزين، وصنف وألف، وجمع وحشد، وأسس وأكد، ومهد وأطنب، وبين المشهور والغريب والبعيد والقريب والصحيح والمستقيم والضعيف والسقيم وما عليه الأكثرون، وما ندر بالمذهب به الأقلون، والمنصوص والمخرج، والخالص من الحسن والمهرج، هذا وله غيره من المصنفات المهمة والفوائد الجمة مثل: اختصار هذا بل الفتح العزيز، وشرح مسند الشافعي، أحد أئمة التبريز مع الرياسة، والصيانة، والسيادة والأمانة، والاعتناء بالتفسير، والفقه، والحديث، والإملاء، والإفادة، والتحديث، وقد أجاز له أبو زرعة المقدسي، وسمع منه الحافظ زكي الدين المنذري بالمدينة النبوية. وقال الشيخ أبو زكريا النووي: كان من الصالحين المتمكين، وكانت له كرامات كثيرة ظاهرة، وقال الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح: توفي في أواخر سنة ثلاث، أو أواخر سنة أربع وعشرين وست مائة بقزوين، رحمه الله تعالى. وقال القاضي شمس الدين ابن خلكان: توفي في ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وست مائة، سمع الرافعي الحديث من أبيه حضورا إلى سنة ثمان وخمسين وخمس مائة، وكانت لأبيه رحلة وقرأ بنفسه عليه سنة تسع وستين، وعلى أبي بكر عبد الله بن إبراهيم بن عبد الملك، وروى في أماليه عن أحمد بن إسماعيل بن يوسف بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 815 محمد الطالقاني، وأبي سليمان أحمد بن حسنويه، وأبي نصر حامد بن محمود بن علي الماوراء النهري الخطيب، وأبي العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن الهمذاني الحافظ، وأبي بكر عبد الله بن إبراهيم بن عبد الملك المذكور، وأبي حامد عبد الله بن أبي الفتوح بن عثمان العمراني القزويني الفقيه، وعبد العزيز بن الخليل بن أحمد الخليلي، وأبي الحسن علي بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن مامونة الرازي، وأبي بكر محمد بن أبي طالب الضرير المقرئ، وأبي الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي، وبإجازته من أبي زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي، وروى عنه ابنه الإمام عزيز الدين محمد، والحافظ زكي الدين المنذري في معجمه، وأبو الثناء محمود الطاوسي. قَرَأْتُ عَلَى الشَّيْخِ الْجَلِيلِ الْمُعَمَّرِ الدَّاعِي إِلَى اللَّهِ رَئِيسِ الْمُؤَذِّنِينَ بِجَامِعِ دِمَشْقَ بُرْهَانِ الدِّينِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْعِرَاقِيِّ، أنا أَبُو الثَّنَاءِ مَحْمُودُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ النَّاصِحِ الْقَزْوِينِيُّ الصُّوفِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، أنا إِمَامُ الدِّينِ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّافِعِيُّ، إِجَازَةً، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْكَرَمِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، أَخْبَرَكُمْ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّاهِدُ، ثنا الْفَضْلُ الْكِنْدِيُّ، ثنا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، ثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلائِكَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ. وَالتِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 816 وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ زُرَيْقٍ، ثَلاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ عبد اللطيف ابن الفقيه أبي العز يوسف بن محمد بن علي بن أبي سعد العلامة موفق الدين أبو محمد الموصلي الأصل البغدادي المنشأ الفقيه الشافعي النحوي اللغوي المتكلم الطبيب المؤرخ المحدث الأديب البارع، وكان يعرف قديما بابن اللبان ويلقب بالمطجن، لقبه بذلك التاج الكندي لدمامة خلقه ونحافة جسمه وصغر وجهه، تفقه ببغداد على أبي القاسم بن فضلان، وسمع الحديث من جماعة من المشايخ فمن ذلك مسند الشافعي، وابن ماجه من أبي زرعة المقدسي، وصحيح الإسماعيلي، والمدخل إليه من يحيى بن ثابت، وسمع الكثير من ابن البطي، وابن النقور وجماعة، وعنه خلق منهم الزكيان المنذري والبرزالي، وابن النجار، والشهاب القوصي، وحدث بالشام، ومصر، والعراق، وبلدان شتى، وحفظ كتبًا جم، وصنف مصنفات عديدة فمن محفوظاته الفصيح، والمقامات واللمع، وأدب الكاتب لابن قتيبة ومشكل القرآن وغريبه، والإيضاح والتكملة لأبي علي الفارسي وغير ذلك، ومن مصنفاته شرح مقدمة ابن باب شاد، وشرح بانت سعاد، وشرح المقامات، وكتاب الجامع الكبير في المنطق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 817 والطبيعي والإلهي في عشر مجلدات، والرد على الفخر الرازي في تفسير قل هو الله أحد، وغير ذلك من المصنفات الكبيرة المتعددة في الفنون المتنوعة، وكان يبغض الشهاب السهروردي، ويزعم أن ما له من القواعد والتعاليق التي لا يعتد بها ما هو خير من كلام السهرودي، وله كتاب في الرد على اليهود والنصارى. ومن كلامه قال: ينبغي أن تكون سيرتك سيرة الصدر الأول اقتداء بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتتبع أفعاله وأحواله اقتفاء آثاره، وتشبه به ما أمكنك، وإذا وقفت على سيرته في مطمعه، ومشربه، وملبسه، ومنامه، ويقظته، وتمرضه، وتطببه، وتمتعه، وتطيبه، ومعاملته مع ربه ومع أزواجه وأصحابه وأعدائه، وفعلت اليسير من ذلك، فأنت السعيد كل السعيد، قال: ومن لم يتحمل ألم التعليم، لم يذق لذة العلم، ومن لم يكدح لم يفلح، وإذا خلوت من التعليم والتفكير، فحرك لسانك بذكر الله وتسبيحه وخاص عند النوم، وإذا حدث لك فرح بالدنيا، فاذكر الموت وسرعة الزوال وأصناف المبغضات، وإذا أحزنك أمر فاسترجع وإذا اعترتك غفلة فاستغفر، واجعل الموت نصب عينيك، والعلم والتقى زادك إلى الآخرة، وإذا أردت أن تعصى الله فاطلب مكانًا لا يراك فيه، وعليك أن تجعل باطنك خيرًا من ظاهرك، فإن الناس عيون الله على العبد يريهم خيره وشره إن ستره فباطنه مكشوف لله، والله مكشفه لعباده، واعلم أن للدين عقبة وعزمًا ينادي على صاحبه، ونورا وضيا يشرف عليه، ويدل عليه، فحامل المسك لا يخفى مكانه، قال أيضًا: ينبغي أن تحاسب نفسك كل ليلة إذا أويت إلى منامك، وتنظر ما اكتسبت في يومك من حسنة، فتشكر الله عليها، وما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 818 اكتسبت من سيئة تستغفر منها، وتقلع عنها وترتب في نفسك ما تعمله في غدك من الحسنات وتسأل الله الإعانة على ذلك. وهذا كلام حسن جيد يدل على فصاحة قائله وفضائله وسيادته وسعادته وديانته وأمانته واطلاعه، ولهذا أثنى عليه غير واحد من الحفاظ والأئمة من المتأخرين، وحط منه القاضي جمال الدين السيوطي في تاريخ النحاة، والظاهر أن في كلامه تحاملًا والله أعلم، ولد الموفق لطف الله به في أحد الربيعين سنة سبع وخمسين وخمس مائة، وتوفي ببغداد في ثاني المحرم سنة ثمان وعشرين وست مائة وصلى عليه الشيخ شهاب الدين السهروردي، رحمه الله. علي بن الخطاب بن مقلد الفقيه المقري أبو الحسن الواسطي المحدثي والمحدث من قرى واسط الشافعي الضرير تفقه على أبي القاسم يحيى بن فضلان شيخ بغداد وبرع في المذهب والخلاف ودرس، وأعاد وأفاد وأفتى، وكان قيما يعلم العربية والقراءات، وأقبلت عليه الدنيا حتى صار من جلساء الإمام المستنصر بالله، وسمع الحديث من أبي الفتح بن شاتيل وجماعة، وتوفي في سنة ثمان وعشرين وست مائة عن سبع وستين سنة. علي بن منصور بن عبد الله أبو الحسن اللغوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 819 كان يحفظ المجمل لابن فارس، وكتاب إصلاح المنطق وأشياء كثيرة، وكان سريع الحفظ، وكان مقيما بالنظامية إلى أن توفي ولم يتأهل قط، توفي سنة ثنتين وعشرين وست مائة عن بضع وسبعين سنة. علي بن يوسف بن عبد الله بن بندار زين الدين أبو الحسن المصري قاضي القضاة بها، وقد أقام قبل ذلك بدمشق، وأصلهم من بغداد، وكان أبوه أحد الأعلام ببغداد، تفقه على أبيه ثم سافر وقد برع في المذهب، وكان محتشما رئيسا، فقيها متواضعا خيرًا حسن الأخلاق محبًا لأهل العلم، سمع مسند الإمام الشافعي من أبي زرعة المقدسي، وعنه ابنه أبو العباس أحمد، والحافظ زكي الدين البرزالي، والأبرقوهي وغيرهم، توفي بالقاهرة في ثالث عشر جمادى الآخرة سنة اثنين وعشرين وست مائة عن سبع وستين سنة، رحمه الله. محمد بن إبراهيم بن أحمد بن طاهر فخر الدين أبو عبد الله الفارسي الشيرازي الخبري الفيروزابادي نزيل مصر الشافعي الصوفي المحقق في الطريقة سمع الحديث من السلفي، وابن عساكر وغيرهما، وسمع منه الزكيان المنذري والبرزالي، وشهاب الدين الأبرقوهي، وجماعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 820 وآخرهم علي بن القيم، وكان فاضلًا له مصنفات كثيرة منها كتاب مطية النقل وعطية العقل في الأصول والكلام، وغير ذلك من المصنفات، وكان فاضلًا بارعًا فصيحًا بليغًا متكلمًا، قال عمر بن الحاجب: كانت له معاملات ورياضات ومقامات، إلا أنه كان بذيء اللسان كثير الوقيعة في الناس لمن عرف ومن لا يعرف كثير الجرأة لا يفكر فيما يقول، وعنده دعابة في غالب الوقت، وكذا قال ابن نقطة أيضًا، وذكر أنه بنى زاوية بالقرافة بمعبد ذي النون، وتوفي بها في ذي القعدة سنة ثنتين وعشرين وست مائة ودفن بزاويته. محمد بن عمر بن يوسف بن محمد بن بهروز الفقيه أبو بكر ابن الشيخ أبي حفص البغدادي الشافعي المقري الخياط سبط محمد بن نصر الشعار المحدث، سمع حضورًا من جده ومن صالح بن الرحلة وشهده وجماعة، وروى ابن النجار في تاريخه تفقه بحماة وقال: كان مدرسا بها وخطيبا بليغا قال: وهو صدوق متدين ذكر لي أنه تفقه على أبي طالب غلام ابن الخل، وحفظ عنه تعليقه، وقرأ عليه المهذب، وتعليقة الشريف ثم تفقه على علي بن علي الفارقي شيخنا، وخرج من بغداد سنة ثنتين وسبعين وخمس مائة فوصل إلى حمص، ثم عاد إلى المعرة، فأقام بها عشرين سنة يدرس ثم تحول إلى حماة ودرس بها، ذكره شيخنا الذهبي فيمن توفي في حدود سنة ثلاثين وست مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 821 محمد ابن الفقيه أبي منصور فتح بن محمد بن خلف السعدي الفقيه زين الدين أبو عبد الله الدمياطي الشافعي الكاتب في ديوان الإنشاء للملك الكامل، سمعه أبوه من الحافظ السلفي وعدة، وكتب الخط المنسوب على فخر الكتاب حتى فضل عليه في حسن الكتابة، وحدث بدمشق، وكان حسن الأخلاق، فيه دين وخير، وعنه الزكي المنذري وابن البرزالي، وابن الأنماطي، مات في رابع صفر سنة إحدى وعشرين وست مائة رحمه الله. محمد بن أبي الفرج بن أبي المعالي الشيخ فخر الدين أبو المعالي الموصلي البغدادي المقرئ الشافعي معيد النظامية، قدم بغداد سنة ثنتين وسبعين وخمس مائة، فتفقه بها معيد النظامية، قدم بغداد سن ثنتين وسبعين وخمس مائة، فتفقه بها على يحيى بن سعدون القرطي، وسمع الحديث منه ومن خطيب الموصل، وقرأ العربية على الكمال عبد الرحمن الأنباري، قال ابن النجار: كانت له معرفة تامة بوجوه القراءات وعللها وطرقها وله في ذلك مصنفات، وكان فقيهًا فاضلًا حسن الكلام في مسائل الخلاف، ويعرف النحو معرفة حسنة، وكان كيسًا متوددًا. محمد بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل أبو الفضائل الرافعي القزويني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 822 نزيل بغداد، أخو العلامة أبي القاسم الرافعي الشارح، تفقه على أبي القاسم بن فضلان، سمع الحديث من أبيه وأجاز له ابن البطي ورحل إلى أصبهان والري وأذربيجان والعراق، وسمع من أبي السعادات نصر الله الغزار، ومحمد بن يونس، وابن الجوزي، واستوطن بغداد، وولي مشارفة أوقاف النظامية، وكان فيه ديانة وأمانة وتواضع وتودد وحسن خلق، كتب الكثير مع ضعف خطه من التفسير والحديث والفقه، وكان له معرفة جيدة في الحديث، قال ابن النجار: كان يذاكرني بأشياء، وله فهم حسن ومعرفة، توفي في الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وست مائة، وقد قارب التسعين رحمه الله. مظفر بن عبد القاهر بن الحسن بن علي بن القاسم القاضي حجة الدين أبو منصور ابن القاضي أبو علي الشهرزوري الموصلي الحاكم بها الشافعي كان رئيسًا سريا محتشما، تولى الحكم بالموصل مدة، وركب في الرسلية إلى بغداد وإلى الشام، وكان الثناء عليه جميلا، سمع الحديث من أبي أحمد بن سكينة وابن الأخضر، وتوفي ببلده في رجب سنة ثلاث وعشرين وست مائة عن خمس وستين سنة، وقد أضر في آخر عمره. المعافى بن إسماعيل بن أبي الحسين بن أبي السنان الفقيه أبو محمد بن أبي الحدوس الموصلي الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 823 كان فاضلا بارعا، درس وأفتى وناظر، وكان مليح الشكل والبزة، وله كتاب أنس المنقطعين، وكتاب الموجز في الذكر، وسمع الحديث من سليمان بن خميس، ومسلم بن علي السنجي، وعنه الزكي البرزالي، المحبب العديم، والخضر بن عبدان الكاتب، وهو آخر من حدث عنه، توفي بالموصل في شعبان أو في رمضان سنة ثلاثين وست مائة عن تسع وسبعين سنة، رحمه الله. هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن رواحة الأنصاري الحموي المعدل زكي الدين أحد التجار الكثيرين الأموال، وإنما عرف بابن رواحة، لأنه ابن أخت الشيخ أبي عبد الله الحسين بن عبد الله بن رواحة المتقدم ذكره، بنى مدرسة بدمشق ومثلها بحلب على الفقهاء الشافعية، وكان أوصى أن يدفن بمدرسته التي بدمشق إذا مات في البيت الذي في الإيوان، فلما مات أراد أهله ذلك، فمنعهم الشيخ تقي الدين ابن الصلاح، رحمه الله تعالى، وكان إذ ذاك مدرسها، لأنه لم يشرطه في أصل الوقف، والله أعلم، وقد حدث عن أبي الفرج بن كليب، وتوفي في رجب سنة ثنتين وعشرين وست مائة. همام بن راجي بن سرايا بن ناصر بن داود جلال الدين أبو العزائم المصري الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 824 خطيب جامع الصالح هو وأولاده، قرأ العربية على ابن بري، وارتحل إلى العراق، فتفقه على الشيخين ببغداد المجير وابن فضلان، وسمع الحديث من عبد المنعم بن كليب، وعبد الواحد بن علي بن حمويه، وقرأ الأصول بمصر على أبي منصور ظافر بن الحسين، ودرس وأفتى وصنف في الأصول والخلاف والمذهب، وروى عنه الزكي المنذري والأبرقوهي، ومات في ربيع الأول سنة ثلاثين وست مائة عن سبع وسبعين سنة. يحيى بن عبد الله بن يحيى الإمام أبو الحسين الأنصاري الشافعي المصري النحوي تلميذ العلامة عبد الله بن بري لزمه مدة طويلة، وبرع في اللغة والنحو وتصدر بالجامع العتيق، وكان مشهورا بحسن التعليم، وتخرج به جماعة، وروى عنه الزكي عبد العظيم المنذري، وأرخ وفاته بذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وست مائة. يونس بن بدران بن فيروز بن صاعد بن عالي بن محمد بن علي قاضي القضاة جمال الدين المصري الشافعي كان ينتسب إلى قريش، وكان يكنى بأبي محمد، وأبي الوليد، وأبي الفضائل، أبي الفرج، ولد تقريبًا في سنة خمسين وخمس مائة، سمع السلفي وغيره، وعنه الحافظ الزكي البرزالي، والشهاب القوصي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 825 وعمر بن الحاجب، وقال: كان يشارك في علوم كثيرة، وكان وكيلا لبيت المال، فلم يحسن السيرة قبل القضاء، قلت: قبل شأنه إمام الملك العادل واعتنى به الصاحب ابن شكر وبعثوه رسولا إلى الخلافة غير مرة، فعظم ودرس في الأمينية بعد التقي الضرير، وباشر وكالة بيت المال، ثم ولي القضاء بالشام وولي تدريس العادلية أيام المعظم، وألقى بها التفسير كاملًا دروسًا واختصر كتاب الإمام الشافعي، وصنف فرائض. وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: كان في ولايته عفيفا في نفسه نزيها مهيبا ملازما لمجلس الحكم بالجامع وغيره. وكان ينقم عليه أنه إذا ثبت عنده دراية أمر بالمصلحة مع بيت المال، ونقم عليه ولايته ولده التاج محمد نيابة الحكم مع السيرة غير المستقيمة، قال: وتكلموا في انتسابه إلى قريش، قال: وولي القضاء بعده والتدريس بالعاملية القاضي شمس الدين بن الحولي، وتوفي في أواخر ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وست مائة، ودفن بمجلس بقاعته قبلي الخضروات إلى جانب المدرسة الصدرية الحنبلية من المشرق، قال الحافظ الضياء: وقليل من الخلق كان يترحم عليه، قلت: ليس في ترجمته ما يغير خواطر الناس عليه إلا ما ذكر من أمره بالمصالحة لبيت المال، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 826 المرتبة الرابعة من الطبقة التاسعة من أصحاب الشافعي رضي الله عنه فيها من أول سنة إحدى وثلاثين وست مائة إلى آخر سنة أربعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 827 أحمد بن خليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس الخويي الشافعي. ولد ببلدة خوى، وهي من مدن أذربيجان سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة ودخل خراسان، وقرأ بها الأصول على الفخر الرازي، وقبل: بل عن صاحبه القطب المصري، وقرأ الجدل على علاء الدين الطوسي، وسمع الحديث من المؤيد الطوسي، وبدمشق من ابن الزبيدي وابن صباح، وتولى قضاء القضاة بالشام، فحدث بسيبويه، وكان فقيهًا إمامًا فاضلًا مناظرًا متكلمًا بصيرًا بالطب والحكم مع دين وصلاح وصلاة وصيام، وسمع منه ابنه قاضي القضاة شهاب الدين بن محمد الخويي وتاج الدين بن أبي جعفر، وعمر بن الحاجب، والجمال بن الصابوني وغيرهم، وله كتاب في الأصول وكتاب فيه رموز حكمية، وكتاب في النحو، وكتاب في العروض، وفيه يقول الشيخ شهاب الدين أبو شامة: أحمد بن الخليل أرشده الله ... كما أرشد الخليل بن أحمد ذاك مستخرج العروض وهذا ... مظهر السر منه والعود أحمد ، توفي رحمه الله بحمى الدق في سابع شعبان سنة سبع وثلاثين وست مائة، ودفن بقاسيون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 829 أحمد بن علي بن ثابت الإمام أبو العباس الواسطي الشافعي الفرضي تلميذ أبي طالب المبارك صاحب الخل، كان أستاذًا في الفرائض، له فيه المصنفات والتلامذة، وتوفي في رجب سنة إحدى وثلاثين وست مائة عن ست وسبعين سنة. أحمد ابن الشهاب محمد بن خلف بن راجح بن بلال بن هلال بن عيسى القاضي العلامة نجم الدين أبو العباس المقدسي الحنبلي ثم الشافعي ولد ليلة النصف من شعبان سنة ثمان وسبعين وخمس مائة، واشتغل في مذهب الإمام أحمد بن حنبل على الشمس أحمد بن عبد الواحد البخاري والد الشيخ الفخر، وقرأ المقنع على الشيخ موفق الدين سنة ثلاث عشرة، وكتب له كتابة حسنة بليغة لم يكتبها لغيره، ودرس بمدرسة الشيخ أبي عمر، رحمه الله، وسافر إلى بغداد وله سبع عشرة سنة، صحبه الشيخ الضياء فسمع من ابن الجوزي وغيره، ورحل إلى همذان فأخذ عن الركن الطاوسي الأصول، ولازمه مدة حتى صار معيده، وسمع بها من أبي العز عبد الباقي بن عثمان الهمذاني وغيره، ثم سافر هو وأخوه إبراهيم إلى بخارى، واشتغلا بها مدة وبرع هو في علم الخلاف، وصار له صيت بتلك البلاد ومنزلة رفيعة، ثم اشتغل في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 830 مذهب الإمام الشافعي بالفقه ثم عاد إلى دمشق، وله جلاله ومكانه، وكان يحفظ الجمع بين الصحيحين للحميدي، قاله الحافظ الضياء والمنذري، وكان يقوم الليل ويداوم على صلاة الضحى صلاة حسنة، وكان لا يترك الاشتغال ليلا ونهارًا ويطالع كثيرا ويشتغل، قال العز بن الحاجب: كان إماما ورعا معظما لفضله ودينه، عديم النظير في فنه، بالغ في طلب العلم وكان وافر الحظ من الخلاف، وكان سليم الباطن ذا سمت ووقار وتعبد. قلت: وله كتاب ظريف في الخلاف مجلدا، وكتاب الفصول والفروق وكتاب الدلائل الأنيقة في غير ذلك من الفوائد الجمة، قال الحافظ الضياء: لما تولى المدرسة العذراوية رآه القاضي صدر الدين ابن سليمان الحنفي رحمه الله، في النوم، كان الإمام أحمد يدرس فيها فيسر به، قال: ودرس بالصارمية التي إلى جانبها، ودرس بأم الصالح إسماعيل، وبالشامية البرانية، ومات وهو مدرس العذراوية، وقال شيخنا الحافظ شمس الدين الذهبي: ناب في القضاء عن الكمال المصري، وعن القاضي شمس الدين ابن سني الدولة، والقاضي شمس الدين الخويي، والقاضي عماد الدين الحرستاني الخطيب، وعن القاضي الرفيع حتى مات، وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: كان يعرف بالحنبلي، وكان فاضلًا دينًا وكان بارعًا في علم الخلاف وفقه الطريقة، حافظًا للجمع بين الصحيحين للحميدي، وقرأت وفاته بخط الحافظ الضياء يوم الجمعة خامس شوال سنة ثمان وثلاثين وست مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 831 سليمان بن مظفر بن غانم الإمام رضي الدين أبو داود الجيلي الشافعي تفقه بنظامية بغداد، وأفتى ودرس وناظر وبرع في المذهب، وصارت له تلامذة وأصحاب، وفيه ديانة وتعفف، وعرض عليه القضاء ببغداد فامتنع، وكذا عرض عليه مشيخة الرباط الكبيرة فامتنع، وقال القاضي ابن خلكان: وكان من أكابر فضلاء عصره، صنف كتابًا في الفقه يدخل في خمسة عشر مجلدًا، وعرضت عليه المناصب فلم يفعل، وكان دينا ملازمًا لبيته محافظًا على وقته، توفي وقد نيف على الستين، في ثاني ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وست مائة. عبد الحميد بن عبد الرشيد بن علي بن بنيمان القاضي أبو بكر الهمذاني الشافعي وأمه عاتكة بنت الحافظ أبي العلاء الهمذاني، ولد سنة أربع وستين وخمس مائة، وسمع جده لأمه المذكور وشهده، وابن شاتيل وغيرهم، وتفقه ببغداد، وأعاد بالنظامية وناب في القضاء بالجانب الغربي عن أخيه أبي الحسن علي بن عبد الرشيد، وكان صالحًا ورعًا دينًا زاهدًا على طريقة السلف كثير المحفوظ، وقدم دمشق، وحدث بها في سنة إحدى وعشرين وست مائة، ونزل بالغزالية من الجامع، ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 832 عاد إلى بغداد وولي قضاء الجانب الشرقي، وكان محمود السيرة، وروى عنه جماعة منهم الخطيب عز الدين الفارومي، والكمال بن الشربيني، والخطيب عبد الحق بن عبد الله بن إسماعيل، وغيرهم، وأجاز جماعة منهم شيخنا أبو نصر محمد بن محمد بن الشيرازي، وشيختنا ست الفقهاء بنت الواسطي، توفي في سابع شوال سنة سبع وثلاثين وست مائة. عبد الرحمن بن مقبل بن الحسين بن علي بن مقبل العلامة قاضي القضاة عماد الدين أبو المعالي الواسطي الشافعي قرأ القرآن والقراءات وتفقه على ابن البوقي، والمجير بن فضلان، وابن الربيع، وبرع في المذهب، وأفتى ودرس وناب في القضاء عن أبي صالح الجميل، ثم اشتغل بقضاء القضاة في سنة أربع وعشرين وست مائة، ودرس بالمستنصرية، ثم عزل عن ذلك كله، ولزم بيته يتعبد ويتنسك، ثم باشر مشيخة رباط المرزبانية في سنة خمس وثلاثين إلى أن مات في الحادي والعشرين من ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وست مائة عن سبعين سنة. علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي سيف الدين الآمدي شيخ المتكلمين في زمانه، ومصنف الأحكام، ولد بآمد بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 833 الخمسين وخمس مائة، وقرأ بها القراءات على الشيخ محمد الصفار، ثم ارتحل إلى بغداد وقرأ الهداية أولًا على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، واشتغل عليه في الخلاف، وبرع فيه وحفظ طريقة الشريف، ثم تحول شافعيًا، وصحب أبا القاسم بن فضلان، واشتغل عليه في الخلاف ونظر في طريقة أسعد الميهني، وتفنن في علم النظر والكلام والحكمة، وصنف في ذلك كتبًا مشهورة، دخل مصر وتصدر بالجامع الظاهري للاشتغال في العقليات وغير ذلك وأعاد بمدرسة الشافعي، ثم قاموا عليه ونسبوه إلى سوء العقيدة. قال القاضي ابن خلكان: وضعوا خطوطهم بما يستباح الدم، فخرج مستخفيًا إلى الشام، ونزل حماة مدة وصنف في الأصلين، والحكمة والمنطق والخلاف، وكل ذلك من تصانيفه المشهورة الإحكام في أصول الأحكام، وإنكار الأفكار، ودقائق الحقائق، ومنتهى السؤال في علم الأصول، وطريقة في الخلاف، وغير ذلك، ثم قدم دمشق في اثنتين وثمانين وخمس مائة، وأقام بها مدة ثم ولاه الملك المعظم ابن العادل تدريس العزيزية، فلما ولي أخوه الملك الأشرف موسى عزله عنها، ونادى في المدارس من ذكر غير التفسير والحديث والفقه أو تعرض لكلام الفلاسفة نفيته، فأقام السيف الآمدي خاملًا في بيته إلى أن توفي في صفر سنة إحدى وثلاثين وست مائة، ودفن بتربته بقاسيون. قال أبو المظفر ابن الجوزي: وكان يظهر منه رقة قلب وسرعة دمعة، ولم يكن في زمانه من يجاريه في الأصلين، وعلم الكلام، قلت: وقد حدث بغريب الحديث عن ابن شاتيل، ومن تلاميذه: القاضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 834 صدر الدين ابن سني الدولة، والقاضي محيي الدين ابن الزكي. عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عمويه الشيخ شهاب الدين أبو حفص وأبو نصر وأبو القاسم وأبو عبد الله القرشي التيمي البكري السهروردي شيخ شيوخ العارفين بالعراق في زمانه، وصاحب عوارف المعارف في بيان طرائق القوم، ولد في رجب سنة تسع وثلاثين وخمس مائة ببلده سهرورد، فلما كان عمره ستة أشهر قتل أبوه رحمه الله، ونشأ الشيخ شهاب الدين في حجر عمه أبي النجيب عبد القاهر، وأخذ عنه التصوف والوعظ وعلم الحديث والفقه، وصحب أيضًا الشيخ عبد القادر والشيخ أبا محمد بن عبد البصري، وسمع الحديث أيضًا من أبي زرعة المقدسي، ومعمر بن الفاخر، ويحيى بن ثابت وغيرهم، وله مشيخة في جزء لطيف، وروى عنه جماعة منهم: ابن الدبيثي، وابن نقطة، والضياء، والزكي البرزالي، وابن النجار، والقوصي، والعز الفاروقي، والشهاب الأبرقوهي. قال ابن الدبيثي: كان له في الطريقة قدم ثابت ولسان ناطق، وولي عدة ربط الصوفية، ونفذ رسولًا إلى عدة جهات. وقال ابن نقطة: كان شيخ العراق في وقته، صاحب مجاهدة وإيثار وطريقة حميدة ومروءة تامة، وأوراد على كبر سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 835 وقال ابن النجار: كان شيخ وقته في علم الحقيقة، وانتهت إليه الرياسة في تربية المريدين، ودعاء الخلق إلى الله تعالى، قرأ الفقه والخلاف والعربية، وسمع الحديث ثم انقطع ولازم بيته وداوم الصوم والذكر والعبادة إلى أن خطر له عند علو سنه أن يظهر للناس ويتكلم عليهم، فعقد مجلس الوعظ بمدرسة عمه على دجلة، وحضر عنده خلق عظيم، وأظهر له قبول من الخاص والعام واشتهر اسمه وقصد من الأقطار، وظهرت بركات أنفاسه في توبة العصاة، ورأى من الجاه والحرمة عند الملوك ما لم يره أحد، ونفذ رسولًا إلى ملوك البلدان، قلت: وحصل له أموال فلم يتملك منها شيئًا ومات ولم يترك كفنًا، رحمه الله، وكانت وفاته في أول ليلة من محرم سنة ثنتين وثلاثين وست مائة ببغداد، ومن حسن الكلام ما جرى بينه وبين الملك الأشرف موسى بن العادل رحمهما الله فيما حكاه الأحرف، قال الشيخ شهاب الدين السهروردي: يا مولانا تتبعت جميع النسخ بكتاب الشفاء لابن سينا من الخزائن فحرقتها، ثم ذكر في أثناء كلامه أنه حصل لأهل بغداد في هذه السنة مرض شديد كثير، فقلت: وكيف لا وقد أذهبت عنهم الشفاء وهذا يدل على لطافة طبع السلطان وذكائه وقدرته على التعبير وديانة الشيخ، رحمهما الله. عمر بن محمد بن عمر بن علي بن محمد بن حمويه العلامة الرئيس عماد الدين شيخ الشيوخ أبو الفتح ابن شيخ الشيوخ صدر الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 836 الحسن ابن شيخ الشيوخ عماد الدين أبي الفتح المشهور بابن حمويه الحموي الجويني الأصل، الدمشقي المولد والوفاة، ولد في شعبان سنة إحدى وثمانين وخمس مائة بمصر، واشتغل بها، وسمع الحديث من عدة مشايخ وأسمع بدمشق والقاهرة، وتولى مناصب والده بعد وفاته التدريس بالشافعي، ومشهد الحسين، ومشيخة سعيد السعداء، وكان صدرًا كبيرًا رئيسًا نبيلًا معظمًا في الدولة له نفوذ وكلمة ورأى متبع، وهو الذي قام في قضية الملك الجواد في تملك دمشق بعد الكامل، فانتظم أمر الجواد بمساعدته، ثم شرع في نقض ما أبرمه عن ممالأة العادل ابن الكامل صاحب مصر، وبعثه إليه العادل إلى دمشق ليعزله عنها ففطن الجواد لذلك، وتنبه له ولم يزل حتى قتله، بأن سلط عليه فداوية فقتلوه، قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: وفي السادس والعشرين من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وست مائة نفر ثلاثة على عماد الدين عمر ابن شيخ الشيوخ داخل قلعة دمشق، فقتله أحدهم، وكان من بيت التصوف والإمرة من أعيان المتعصبين لمذهب الأشعري، قلت: حضر جنازته بشر كثير، ودفن في تربة سعد الدين بن حمويه بقاسيون رحمه الله، ومن شعره: ولما حضرنا والنفوس كأنها ... لفرط اتحاد بيننا جوهر فرد وقام لنا ساق يدير مع الرحا ... كئوس اقتراب ما لشاربها خد فيا رب لا تجعل حراما لحلالها ... فيصبح حدا من تناولها البعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 837 محمد ابن السلطان الملك الكامل ابن السلطان الملك العادل بن أبي بكر بن أيوب بن شاذي أبو المظفر وأبو المعالي صاحب مصر مولده سنة خمس أو ست وسبعين وخمس مائة، ولما أخذ أبوه الديار المصرية بعد الملك العزيز أعطاها له فحكم فيها في حياة أبيه وبعد وفاته بأربعين سنة، وكان شهمًا عاقلًا لبيبا محبًا للعلماء، بنى دار الحديث الكاملية بمصر، وعقد قبة عظيمة على ضريح الشافعي رحمه الله، ووقف أشياء كثيرة على البر والصلات وكان عادلًا في أحكامه وقضاياه مع عسف وجبروت، اشتكى عليه مهتار أن أستاذه استخدمه ستة أشهر ولم يعطه أجره، فأنزل أستاذه عن فرسه وألبسه أثواب المهتار، وأمر المهتار فلبس ثياب الجندي ورسم أن يخدمه الجندي ستة أشهر كما خدمه المهتار، وكان مع ذلك قد ضيق على الفرنج وأذلهم برا وبحرًا، وأقام بدمياط مرابطًا نحوًا من ثلاث سنين وفي ذلك يقول البهاء زهير: بك اهتز عطف الدين في حلل النصر ... وردت على أعقابها بلد الكفر وأقسم أن ذاقت بني الأصفر الكرى ... لما حكمت إلا بأعلامك الصفر ثلاثة أعوام أقمت وأشهر ... تجاهد فيهم لا بزيد ولا عمرو وليلة نفر العدو رأيتها ... بكثرة من أديته ليلة النحر فيا ليلة قد شرف الله قدرها ... فلا غزو أن سميتها ليلة النحر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 838 ، ولما بلغة موت أخيه السلطان الملك الأشرف موسى صاحب دمشق ركب وجاء فأخذها فنزل قلعتها فأصابه زكام، وتولد منه داء وبقي بعد أن دخلها سنتين، ومات إلى رحمة الله تعالى في الحادي والعشرين من رجب سنة خمس وثلاثين وست مائة، ودفن بالقلعة في تابوت ثم حول إلى تربته سنة سبع وثلاثين، وتربته مشهورة شمالي جامع دمشق شرقي خانقاه السمسطانية لها شباك كبير، وباب إلى الحائط الشمالي من الجامع. محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي القاسم بن صدقة بن حفص قاضي القضاة بالديار المصرية شرف الدين أبو المكارم ابن القاضي الرشيد أبي الحسن ابن القاضي أبي الحديق الصفراوي الإسكندراني ثم المصري الشافعي ويعرف بابن عين الدولة من بيت علم وقضاء، وحكم بالإسكندرية بين أعمامه وأقربائه ثمانية أنفس، ولد بالإسكندرية في سنة إحدى وخمسين وخمس مائة، وقدم القاهرة في سنة ثلاث وسبعين، فكتب لقاضي القضاة صدر الدين بن درباس ثم ناب عنه في القضاء سنة أربع وثمانين، وناب أيضًا عن قاضي القضاة ابن أبي عصرون، وعن غيرهما أيضًا ثم استقل بقضاء الديار المصرية وبعض الشامية سنة سبع عشرة وست مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 839 قال المنذري: وكان عالمًا بالأحكام الشرعية مطلعًا على غوامضها، وكتب الخط الجيد وله نظم ونثر، وكان يحفظ من شعر المتقدمين والمتأخرين جملة، وتوفي في تاسع عشر ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وست مائة ومن شعره: وُلِّيتُ القضاء وَلَيْتَ القضاء ... لم يك شيئًا توليته فأوقعني في القضاء والقضاة ... وما كنت قديما تمنيته. محمد بن أبي الفضل بن زيد بن ياسين بن زيد جمال الدين أبو عبد الله التغلبي الأرقمي الدولعي ثم الدمشقي خطيبها الشافعي ولد سنة خمس وخمسين وخمس مائة، وورد دمشق شابا، فتفقه على عمه ضياء الدين الدولعي، خطيب دمشق، وسمع منه، ومن محمد بن علي بن صدقة الحريمي وغيره، وولي الخطابة بعد عمه، وطالت مدته في المنصب، وولي تدريس الغزالية مدة، وكان له ناموس وسمت حسن، مفخم كلامه، روى عنه الجلال ابن الصابوني، والمجد ابن الحلوانية وغيرهما، ومات رحمه الله، في رابع عشر جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وست مائة، ودفن في المدرسة التي أنشأها بجيرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 840 محمد بن أبي المعالي سعيد بن يحيى بن علي بن الحجاج بن محمد الحافظ الكبير أبو عبد الله الدبيثي ثم الواسطي الشافعي المعدل ببغداد ولد في رجب سنة ثمان وخمسين وخمس مائة، سمع بواسط وبغداد وغيرهما من البلاد على جماعة من علماء الحديث النقاد، وقرأ القرآن والعربية والفقه، وتقدم وساد، وعلق الأصول والخلاف، وعني بالحديث ورجاله، وصنف كتابًا في تاريخ واسط، وذيل على مذيل السمعاني وأسمعهما، وله معرفة بالأدب والشعر، وقد أثنى على حفظه وذهنه واستحضاره الحافظ الضياء المقدسي، وابن نقطة وابن النجار، ورووا عنه، وكذا روى عنه الزكي البرزالي، والجمال الشرفي وعز الدين الفاروقي، وغيرهم، من شعره: إذا اختار كل الناس في الدين مذهبا ... وصوبه رأيا وحققه فعلًا فإني أرى علم الحديث وأهله ... أحق اتباعًا بل أسدهم نبلا لتركهمو فيه القياس وكونهم ... يرضون ما قال الرسول وما أملا قال ابن النجار: أضر في آخر عمره، وتوفي ببغداد في ثامن ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين وست مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 841 محمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن محمد بن بندار بن مميل القاضي شمس الدين الدمشقي أبو نصر الشيرازي الدمشقي الشافعي تفقه على قطب الشيرازي، وأبي سعد بن أبي عصرون، وسمع الحافظ أبا القاسم ابن عساكر، فروى عنه وعن أخيه الضياء ابن عساكر، ومن أبي يعلى بن الحبولي، والخطيب أبي البركات، والخضر بن سهل الحارثي وخلق، وأجاز له أبو الوقت السجزي، ونصر بن سيار الهروي وجماعة، وتفرد بمشايخ ومرويات، وعنه جماعة منهم الجمال ابن الصابوني، وأبو الحسين بن الشولي ومحمد بن أبي الزكي الصقلي، تفرد عنه حضورًا، سنجابي حفيده أبو نصر محمد بن محمد، والبهاء أبو القاسم محمد بن مظفر ابن عساكر، رحمهما الله، وكان ساكنًا وقورًا مليح الشكل يصرف عامة أوقاته في نشر العلم، وقد ولي بالقدس الشريف، ثم ولي تدريس العمادية بدمشق، وتركها ودرس بالشامية البرانية، ثم ولي قضاء دمشق بعد عزل العماد ابن الحرستاني سنة إحدى وثلاثين، وكان عادلًا في حكمة منصفًا، ومات في ثاني جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين وست مائة. محمد بن يحيى بن علي بن الفضل بن هبة الله قاضي القضاة محيي الدين أبو عبد الله بن فضلان تفقه على والده العلامة أبي القاسم بن فضلان، وبرع في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 842 المذهب وساد وناظر، ورحل إلى خراسان، وناظر علماءها وتقدم، وكان رئيسًا كريمًا جوادًا حسن الأخلاق، باشر تدريس النظامية ببغداد، وفي سنة تسع عشرة وست مائة ولاه الخليفة الناصر لدين الله قضاء القضاة ببغداد، فلما ولي ولده الظاهر سنة اثنتين وعشرين عزله بعد شهر، فلزم بيته ثمانية أشهر في فقر وفاقة، لأنه لم يكن يدخل شيئًا، ثم ولي نظر البيمارستان، وعزل بعد ستة أشهر، ثم ولي ديوان الجوالي، ثم ولي مدرسة أم الخليفة الناصر لدين الله، وذهب رسولًا إلى الروم، وولي تدريس المستنصرية في رجب، فباشرها إلى شوال من عام إذ توفي، وذلك سنة إحدى وثلاثين وست مائة عن ثلاث وستين سنة، فاجتمع الناس لجنازته وكان أمرًا عظيمًا، وحملوه وازدحموا على نعشه، رحمه الله، سمع الحديث من أصحاب ابن بيان، وأبي طالب الزينبي. محمد بن يحيى بن مظفر بن علي بن نعيم القاضي العالم أبو بكر البغدادي المعروف بابن الحبير الشافعي تفقه أولًا على مذهب الإمام أحمد علي بن المثنى، ثم انتقل إلى مذهب الإمام الشافعي على المجير وغيره، فبرع فيه ونال منه منالًا كبيرًا، وصار بصيرًا بدقائقه دينا خيرًا كثير التلاوة والحج صاحب ليل وتهجد، وكانت له يد طولى في الجدل والمناظرة، وناب في القضاء عن أبي عبد الله بن فضلان، ثم ولي تدريس النظامية في سنة ست وعشرين وست مائة، وقد سمع الحديث من شهدة، وعبد الله بن عبد الصمد السلمي، ومحمد بن نسيم العيسوني، وشيخه أبي الفتح بن المثنى وغيره، توفي في سابع شوال سنة تسع وثلاثين وست مائة. أَنْبَأَنِي شَيْخُنَا الْمُعَمَّرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 843 بَهَاءُ الدِّينِ الْقَاسِمُ بْنُ عَسَاكِرَ، أنا ابْنُ الْحُبَيْرِ الْبَغْدَادِيُّ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ، أنا طِرَادٌ، أنا هِلالٌ، أنا ابْنُ عَبَّاسٍ الْقَطَّانُ، أنا أَبُو الأَشْعَثِ، أنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَجُلا أَتَى الْمَسْجِدَ وَالنَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ لَهُ: " أَصَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَقُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ " موسى السلطان الملك الأشرف مظفر الدين أبو الفتح موسى الملقب بشاهرين ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب بن شاذي ولد بالقصر سنة ست وسبعين وخمس مائة، ونشأ بها، فلما آل الملك إلى أبيه أعطاه أول شيء القدس، ثم أعطاه حران والرها، وتملك خلاط، وهي قصبة أرمينية، ولقد لقب شاهرين، وهو علم لكل من تملكها، ثم تملك دمشق وصار إليها في سنة عشرين وست مائة، وأخذها من ابن أخيه الناصر داود ابن المعظم، فأحسن إلى أهلها، ووقف الأوقاف الكثيرة، من ذلك جامع التوبة بالعقبية، وكان حانة وخمارة ودار قمار، فهدها وبناها جامعا حسنا يذكر فيه اسم الله تعالى ويعبد ويوحد فيه، وجعل خطابته للشافعية، وبنى جامع جراح وجعله للشافعية، وجامع المرء جدده، وكذا مسجد أبي الدرداء بالقلعة بالمنصورة، وكذا مسجد باب النصر، وجامع بيت الأبار، وبنى دار الحديث الأشرفية المشهورة وجعل تدريسها للشافعية، وكان أول من وليها الشيخ الإمام العلامة أبو عمرو ابن الصلاح، رحمه الله تعالى، وبنى للحنابلة دار حديث بالسفح، ووقف على الصيانة شرقي الجامع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 844 المظفري وكان فيه بر ووقار وإحسان إلى العلماء وحسن ظن بالفقراء، وكريما عفيفا سعيدا مليح الشكل، لم تكسر له راية قط، حر الذيل ظاهر بلا خلاف شهما شجاعا معطى، لكنه كان يكثر من شرب الخمر سامحه الله، وكان سوق الشعراء أيضًا عنده في نفاق، وكان باب القلعة لا يغلق في شهر رمضان ويخرج منها صحون الحلوى إلى أماكن الفقراء، وكان ذكيا فطنا يشارك في أشياء بذهنه وكانت له دار السعادة داخل باب النصر والدهشة بالنيرب، وصفه بقراط، وقد سمع صحيح البخاري عنده داخل القلعة على الزبيدي، وهو الذي استدعاه من بغداد إلى دمشق وأحسن إليه وأكرم مورده ومصدره، وحكايته وترجمته يطول استقصاؤها، مرض سامحه الله تعالى في رجب مرضين مختلفين دمامل في رأسه، وبواسير في مقعده وتزايد به ذاك حتى كانت الجراح تخرج بعض عظام في رأسه، وهو يحمد الله ويسبحه، فطالت علته إلى المحرم، وتصدق في مرضه بأشياء كثيرة وأعتق مائتي مملوك ومائتي جارية، ولما يئس من نفسه قال لوزيره ابن جرير: في أي شيء تكفنوني، فما بقي لي قوة تحملني أكثر من غد، فقال: عندنا في الخزانة تصافي، فقال: حاش لله أن أكفن من الخزانة، ثم نظر إلى ابن موسك الوزير وقال: قم فأحضر كفني فقام، وعاد وعلى رأسه مئزر صوف ففتحه وإذا فيه خرق من آثار الفقراء طاقيات قوم صالحين، وفي ذلك إزار عتيق يساوي نصف درهم أو نحوه فقال: هذا يكون على جسدي ألقى به حر جهنم، فإن صاحبه كان من الأبدال، وتوفي رحمه الله تعالى يوم الخميس سنة خمس وثلاثين وست مائة، وكان آخر كلامه، لا إله إلا الله، وكان ذلك اليوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 845 يوما مشهودا وحزنا شديدا على أهل البلد، وأغلقت فيه الأسواق، ولبس غلمانه البلاسات، وجاء نساؤهم يندبن على باب القلعة، وكان موته أمرا هائلا، ودفن بالقلعة حتى فرغ من تربته التي بالكلاسة بعد أربعة أشهر، ثم نقل إليها، رحمه الله تعالى، وذكر بعض الصالحين أنه رآه بعد موته وعليه ثياب خضر، وهو يطير مع الأولياء، فقلت: إيش تعمل مع هؤلاء وأنت كنت تفعل وتصنع؟ فتبسم وقال: الجسد الذي كان يفعل تلك الأفاعيل عندكم، والروح التي كانت تحب هؤلاء صارت معهم، قلت: مصداقه في الحديث الصحيح: «المرء مع من أحب» . موسى بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك العلامة كمال الدين أبو الفتح الموصلي الشافعي أحد المتبحرين في العلوم المتنوعة، قيل: إنه كان يتقن أربعة عشر علما، تفقه بالنظامية على معيدها السديد السلماسي في الخلاف والأصول والعربية، وبالموصل على يحيى بن سعدون، وببغداد على الكمال عبد الرحمن الأنباري، وتميز وبرع في العلم ورجع إلى الموصل، فأقبل على الدرس والاشتغال حتى اشتهر اسمه وبعد صيته، ورحل إليه الطلبة وتزاحموا عليه، قال القاضي ابن خلكان: كان يقرأ عليه الحنفيون كتبهم، وكان يحل الجامع الكبير حلا حسنا، قال: وكان يقرأ عليه أهل الكتاب التوراة والإنجيل، فيقرون أنهم لم يسمعوا بمثل تفسيره لهما، قال: وكان إذا خاض معه ذو فن توهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 846 أنه لا يحسن غير ذلك الفن، وبالغ في ترجمته والثناء عليه وعلى تحصيله وجودة فهمه واتساع علمه. وحكي عن بعضهم: أنه كان يفضله على الغزالي في تفننه، قال: وكان شيخنا تقي الدين ابن الصلاح يبالغ في الثناء عليه ويعظمه، فقيل له يوما: من شيخه؟ فقال: هذا الرجل، خلقه الله عالما لا يقال: على من اشتغل، فإنه أكبر من هذا إلى أن قال ابن خلكان: وكان، سامحه الله، يتهم في دينه بكون العلوم العقلية غالبة عليه، وقال الموفق أحمد بن أبي أصيبعة في تاريخ الأطباء: هو علامة زمانه وواحد أوانه قدوة العلماء وأوحد الحكماء، أتقن الحكمة، أعنى الفلسفة، وتميز في سائر العلوم، وكان يقري العلوم بأسرها، وله مصنفات في نهاية الجودة، ولم يزل مقيما بالموصل، وقيل: إنه كان يعرف علم الكيمياء، وله كتاب تفسير القرآن، وشرح التنبيه، ومفردات ألفاظ القانون، وكتاب في الأصول، وكتاب عيون المنطق، وكتاب لغز في الحكمة، وكتاب في النجوم، قال ابن خلكان: توفي بالموصل في أربع عشر من شعبان سنة تسع وثلاثين وست مائة، وكان مولده سنة إحدى وخمسين وخمس مائة، وسمى القاضي ابن خلكان ولده بكمال الدين موسى على اسمه، قال: وكان بين مولديهما مائة سنة محررا رحمهما الله. يحيى بن هبة الله بن الحسن بن يحيى بن محمد بن علي بن صدقة قاضي القضاة شمس الدين أبو البركات ابن سني الدولة الدمشقي الشافعي والد قاضي القضاة صدر الدين أحمد، وتعرف بنيهم بأولاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 847 الخياط الشاعر المشهور، ولد سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة، وتفقه على ابن سعدان، والقطب النيسابوري، والشرف بن الشهرزوري وغيرهم، وسمع معه ولده من الخشوعي، وكان إماما بارعا فاضلا جليلا مهيبا، ولي القضاء بالشام، فحمدت سيرته وحدث بالقدس وغيره، وروى عنه الشرف والفخر ابنا عساكر، والمجد بن الحلوانية وغيرهم، وتوفي، خامس ذي القعدة سنة خمس وثلاثين وست مائة رحمه الله تعالى. يوسف بن رافع بن تميم بن عتبة بن شداد بن محمد بن عتاب قاضي القضاة بهاء الدين بن شداد أبو العريم أبو المحاسن الأسدي الحلبي الموصلي المولد والمنشأ، ثم الحاكم بحلب وأعمالها وناظر أوقافها، ولد في ليلة العاشر في رمضان سنة تسع وثلاثين وخمس مائة، وحفظ القرآن، واشتغل بالعربية والقراءات على أبي بكر بن يحيى بن سعدون القرطبي، ولازمه مدة كبيرة، وأخذ عنه شيئا كثيرا، وسمع صحيح مسلم والوسيط للواحدي على سراج الدين محمد بن علي الجبائي، وسمع مسند الشافعي وسنن أبي داود والترمذي وصحيح أبي عوانة ومسند أبي يعلى على فخر الدين أبي الرضي أسعد بن الشهرزوري، وسمع من شهدة وجماعة كثيرين ببغداد وغيرها من البلاد، وتفقه وتفنن، وأفاد وأعاد بالنظامية ببغداد، وحدث بمصر ودمشق وحلب، وروى عنه ابنه المجد والكمال العديمي، والزكي المنذري، والشهاب القوصي، والأبرقوهي وبالإجازة قاضي القضاة تقي الدين سليمان الحنبلي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 848 وشيخنا أبو نصر محمد بن محمد بن الشيرازي وجماعة. قال عمر بن الحاجب: كان ثقة حجة عارفا بأمور الدين، اشتهر اسمه وسار ذكره، وكان ذا صلاح وعبادة، وكان في زمانه كالقاضي أبي يوسف في زمانه، دبر أمور الملك بحلب، واجتمعت الألسن على مدحه، قلت: أعاده في النظامية في حدود سنة سبعين وخمس مائة، ثم انحدر إلى الموصل، ودرس بمدرسة الكمال الشهرزوري ثم حج سنة ثلاث وثمانين وعاد على طريق الشام لزيارة بيت المقدس، وبعث إليه الملك صلاح الدين فحضر عنده فاشتد إكرام صلاح الدين له، وقرأ عليه شيئًا من الحديث بنفسه، وصنف له القاضي بهاء الدين كتابا في فضيلة الجهاد، فحظي عند الملك، وولاه قضاء العسكر مع قضاء بيت المقدس، ولم يزل ملازما للسلطان إلى أن توفي، وهو عنده وصار الملك إلى ولده الظاهر بحلب فاستدعاه إليها وولاه قضاءها، ونظر أوقافها، وأجزل له رزقه وأعطاه وأقطعه أرضا تفل شيئًا جزيلا، ولم يكن له نسل ولا قرابة فكان ما يحصل له موفر عنده، فبنى به مدرسة وإلى جانبها دار حديث بينهما تربة له، وقصده الطلبة للدين والدنيا، وعظم شأن الفقهاء في زمانه لعظم قدره، وارتفاع منزلته. وصنف من الكتب دلائل الأحكام في مجلدين، والموجز الباهر في الفقه، وكتاب ملجأ الحكام في الأقضية مجلدين، وكتاب سيرة صلاح الدين أجاد فيه وأفاد، وممن أخذ عنه واشتغل عليه ولازمه قاضي القضاة شمس الدين ابن خلكان رحمه الله وقد طول ترجمته في وفيات الأعيان، وذكر أن صاحب إربل كتب إلى ابن شداد كتابا بالوصاة به، وما ضنه، فأكرمها حسب الإمكان وحكى عنه القاضي ابن خلكان قال: لما كنا بالنظامية اجتمع أربعة من الفقهاء أو خمسة على شوب حب البلادر، فاستعملوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 849 منه قدرا وصفه لهم الطبيب، فجنوا وتمزقوا وخرجوا على وجوههم، فلما كان بعد أيام إذا أحدهم قد جاء وهو عريان مكشوف العورة وعليه بقيار كبير، وعذبة طويلة تضرب إلى كعبه، فاجتمع عليه الفقهاء يسألونه كيف الحال؟ فقال: لا شيء إلا أن أصحابي شربوا البلادر فجنوا، وأما أنا فلم يصبني شيء، وهو مصم وهم يضحكون منه، قال القاضي ابن خلكان: ولم يزل أمره منتظما في ولايته ونفوذ تصرفاته إلى أن راح في الرسلية إلى مصر لإحضار ابنه الكمال لزوجها العزيز، فرجع وقد انتقضت الأمور واشتغل السلطان عنه بغيره فلزم بيته على ولاية القضاء، وظهر عليه أثر الهرم وخرف فكان ينشد: من يتمن العمر فليدرع ... صبرا على فقد أحبائه ومن يعمر يلق في نفسه ... ما يتمناه لأعدائه قال: ومرض أياما قلائل، ومات يوم الأربعاء رابع عشر صفر سنة اثنتين وثلاثين وست مائة بحلب رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 850 المرتبة الخامس من الطبقة التاسعة من أصحاب الشافعي رضي الله عنه فيها من أول سنة إحدى وأربعين وست مائة إلى آخر سنة خمسين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 851 أحمد بن عبد الرحيم بن علي القاضي الأشرف ابن القاضي الفاضل كان صدرًا رئيسا محتشمًا معظمًا وزير الملك العادل أبي بكر، فلما مات عرضت عليه الوزارة فلم يقبل، وأقبل على طلب الحديث، سماعه والتفقه والتدريس بمدرسة أبيه، وكان مجموع الفضائل كثير الإحسان إلى المحدثين، وقف عليه وظيفة بالكلاسة شيخًا وقارئًا وعشرة محدثين، وشرط أن يكونوا من الشافعية، ووقف خزانة عظيمة فيها كتب نفيسة، وذكر هذا الكندي أنه سمع القاضي الصاحب شرف الدين بن فضل الله أن الكامل بعثه رسولًا إلى بغداد وظهرت من حشمته وصدقاته ما بهرهم، وجمع ما تصدق به وأحسن به إلى أهلها مع جوائز الخليفة له، فبلغ سنة عشرين ألف دينار، مات سنة ثلاث وأربعين وست مائة عن سبعين سنة، رحمه الله. أحمد بن كشاسب بن علي بن أحمد الإمام كمال الدين أبو العباس الذماري الفقيه الشافعي الصوفي صاحب المصنفات، روى الزبيدي، وأخذ عنه الشيخ شهاب الدين أبو شامة، وقال: هو آخر من أخذت عنه المذهب في صباي، وكان فقيهًا صالحًا متضلعًا من نقل وجوه المذهب وفهم معانيه، وكان كثير الحج والخير، ووقف كتبه، توفي في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وست مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 853 إسحاق بن أحمد الشيخ كمال الدين المغربي أحد مشايخ الشافعية وأعيانهم، كان إمامًا عالمًا فاضلًا مقيمًا بالرواحية أعاد بها على الشيخ تقي الدين ابن الصلاح عشرين سنة، وأفاد الطلبة، وقد أخذ عنه جماعة كثيرون من الكبار، وممن قرأ عليه الشيخ محيي الدين النووي، وكان في إيثار وبر وصدقة وزهد وتصنيف، قيل: إنه كان يتصدق بثلث جامكيته، وينسخ في كل رمضان ختمة ويوقفها، مرض بالإسهال مدة أربعين، يومًا ثم انتقل إلى رحمة الله تعالى في ثامن عشر ذي القعدة سنة خمسين وست مائة بالرواحية، ودفن إلى جانب الشيخ تقي الدين ابن الصلاح بالصوفية، قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: وكان زاهدًا متواضعًا مؤثرًا رحمه الله تعالى. عبد العزيز بن عبد الواحد بن إسماعيل القاضي رفيع الدين أبو حامد الجيلي الشافعي كان فقيهًا بارعًا متكلمًا مناظرًا عارفًا بالفلسفة، وأقوال الأوائل، وشرح الإشارات لابن سينا شرحًا جيدًا، اشتغل بالمدرسة العذراوية مدة، وكان فقيهًا في عدة مدارس الشافعية والعذراوية والفلكية، وكان بينه وبين أمين الدين أبي الحسن علي ابن غزال المشرف بالإسلام عن السامرية الكاتب الصالح إسماعيل صحبة أكيدة، وصحبة وعشرة، وأمين الدين هذا هو الذي بنى المدرسة الأمينية ببعلبك أيام كان الصالح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 854 إسماعيل صاحبها، فسعى للقاضي الرفيع في قضاء بعلبك، فكان عندهم بها مدة، فلما انتقل الصالح إسماعيل إلى ملك دمشق، واستوزر أمين الدين هذا المذكور نقل القاضي الرفيع إلى قضاء دمشق بعد موت قاضي القضاة شمس الدين الخويي المتقدم ذكره فسار هذا القاضي ابن الرفيع سيرة فاسدة، حمله عليها قلة دينه وسوء عقيدته من إثبات المحاضر الفاسدة، وقبول شهود الزور المستعملين عنده والدعاوى الباطلة على أرباب الأموال، وأكل أموال الأوقاف واليتامى والرشا، وغير ذلك من الوجوه الباطلة، وذلك عما لاقاه من الوزير الأمين بل الخئون هذا مع أن القاضي كثير استعمال الشرب المحرم المجمع عليه، وحضوره إلى صلاة الجمعة وهو سكران وداره كلها خمارة أو حانة، فلما عمت به المصيبة وتفاخم الأمر، واشتهر الخطب أزاح الله الكربة وأراح البلد بأن أوقع بينه وبين الوزير، وأراد كل منهما هلاك الآخر ودماره، فبادر الوزير فشعث عليه عند الصالح فقال له: هذا أنت جئت به وأنت تفضل، به فعند ذلك طلبه طلبا عنيفا وسلمه إلى المقدمين من بني صبيح وغيرهم من أهل البقاع وأمرهم أن يذهبوا به، فهلكوه فيقال: إنهم ألقوه من شاهق في تلك البلاد، وقيل: إنه صلى ركعتين قبل ذلك، والله أعلم. وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: وفي ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وست مائة قبض على أعوان الرفيع الجيلي الظلمة الأرجاس، وكبيرهم الموفق حسين الواسطي بن الرواس وسجنوهم وعذبوهم بالضرب والعصر والمصادرة، ولم يزل ابن الرواسي في العذاب والحبس إلى أن توفي جمادى الأولى سنة اثنين وأربعين وست مائة، قال: وفي ثاني عشر ذي الحجة، أخرج الرفيع من داره وحبس بالمقدمية، قال: ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 855 أخرج ليلا وذهب به فسجن بمغارة من نواحي البقاع، ثم انقطع خبره، وذكروا أنه توفي، ومنهم من يقول: ألقي من شاهق، وقيل: خذق، وولي بعده القاضي محيي الدين ابن الزكي، قلت: وأعطوا ابن الزكي مع القضاء من مدارس الرفيع تدريس العذراوية، وأعطوا الشامية البرانية لتقي الدين صهر ابن الخولي، والأمينية لابن عبد الكافي، قلت: ومن أوابد الرفيع أن رجلًا مات وترك مائة ألف وله من الورثة ابنة فلم يعطها فلسًا، ومنها أنه استعار من الناس أربعين طبقًا ليبعث فيها هدية لصاحب حمص، فلم يرد منا واحدًا ومنها أنه كان يستدعي ذا المال الجزيل فيدعي عليه مدع مسهل بألف دينار مثلًا أو أكثر من ذلك فيهب الرجل من ذلك وينكر، فيقول المدعي: لي بينة، فيقول: أحضر بينتك فيحضر مستعملين، فيشهدون بالمبلغ المدعى به، فيحكم الحاكم على المدعي عليه بذلك، ثم ينفصل عليه، ويقول: صالح غريمك ويرسم عليه، فيأخذ الشهود نصيبهم، والباقي للحاكم، فيرسل إلى الوزير قسطه من ذلك، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وبركة هذه الأحكام نقصت الأنهار حتى كان نهر بورا إذا كان عليه سياق، لا يصل إلى طاحون تغرى، وحكر القاضي الرفيع النساء من دخول الجامع، وقال ما هو أعظم من الحرمين، فكثر النساء بالجامع، واتفق ليلة نصف، فعظم الخطب وكثرت المفاسد بينهن، وأما صاحبه الشيخ الأمين وزير العادل، فإنه كان سامريا باطنيًا أولًا فأظهر الإسلام وصار وزير الملك، فإنه بقي إلى سنة ثمان وأربعين، فأخرج من السجن وشنق بالديار المصرية، وأخذت حواصله، فبلغت ثلاثة آلاف ألف دينار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 856 عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى بن أبي نصر الإمام العلامة مفتي الإسلام تقي الدين أبو عمر ابن الإمام البارع أبي القاسم صلاح الدين النصري الكردي الشهرزوري الشافعي تفقه على والده، وكان والده شيخ تلك الناحية، وجمع بين طرفي المذهب قبل أن يخضر شاربه، وساد وتفقه ثم ارتحل إلى الموصل، فتفقه على العماد بن يونس ولازمه حتى أعاد له ودخل إلى بغداد وطاف البلاد، وسمع من خلق كثير، وجم غفير ببغداد والموصل وهمذان ونيسابور ومرو وحران وغير ذلك، ودخل الشام مرتين، فالمرة الثانية سنة ثلاثين، وولي تدريس دار الحديث، وهو أول من درس بها ثم ولي تدريس الشامية الجوانية، وكان إمامًا بارعًا حجة متبحرًا في العلوم الدينية، بصيرًا بالمذهب وأصوله وفروعه، له يد طولى في العربية والحديث والتفسير مع عبادة وتهجد وورع ونسك وتعبد وملازمة للخير على طريق السلف في الاعتقاد، يكره طرائق الفلسفة والمنطق يغض منها ولا يمكن من قراءتها بالبلد، والملوك تطيعه في ذلك، له فتاوى سديدة، وآراء رشيدة ما عدا فتياه الثانية في استحباب صلاة الرغائب، وله إشكالات على الوسيط ومؤاخذات حسنة، وفوائد جمة وتعاليق حسنة وعلوم الحديث الذي اقتبسه من علوم الحديث للحاكم وزاد عليه، وله كتاب في طبقات الشافعية اختصره الشيخ محيي الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 857 النووي رحمهما الله، واستدرك عليه من جماعة وليس ما جمعناه وافيًا بالمقصود، لأنه فاته جماعة لم يذكرهم فذلك الذي جرأني على جمع هذه التعليقة في ذلك وبالله الثقة وعليه التكلان، فمن مشاهير شيوخه ابن طبرزد، والمؤيد الطوسي، وابن سكينة، وزينب الشعرية، ومنصور الفراوي، والشيخ الموفق زين الأمناء والفخر ابنا عساكر، وممن تفقه عليه وروى عنه الشيخ شهاب الدين أبو شامة، والإمام تقي الدين بن رزين قاضي الديار المصرية، والعلامة شمس الدين ابن خلكان قاضي البلاد الشامية، والكمال سلار والكمال إسحاق وشيخنا النووي، وروى عنه من النبلاء ابنه محمد وصهره فخر الدين عمر بن يحيى الكرخي، والشيخ الإمام تاج الدين الفروي، وأخوه الخطيب شرف الدين، والشيخ زين الدين الفارقي، وآخر من حدث عنه القاضي أحمد بن علي الجيلي، وشيخنا الشهاب أحمد بن العفيف، رحمهم الله، وانتقل إلى رحمة الله تعالى في سحر يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وست مائة، والبلد محاصر بالخوارزمية، فشهد جنازته جم غفير، وعدد كبير في الجامع وحمل على الرءوس، وصلى عليه ثانيًا داخل باب الفرج، ثم خرج به نفر يسير نحو العشرة، ورجع الناس بسب الحصار، ودفن غربي مقبرة الصوفية، وقبره مشهور هناك يزار رحمه الله تعالى، وعاش ستًا وستين سنة. علي بن محمد بن عبد الصمد الشيخ علم الدين أبو الحسن الهمداني السخاوي المصري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 858 شيخ العربية والقراء والفقهاء في زمانه بدمشق، سمع بالثغر من السلفي وجماعة، وبدمشق من أبي طبرزد، وحنبل، والكندي، وأخذ عنه علم العربية، وأكثر عن الإمام أبي القاسم الشاطبي، وقرأ عليه وانتفع به حتى فاق أهل زمانه في القراءات والعربية والتفسير، وكان يفتتح على مذهب الإمام الشافعي، وله حلقة للأمراء بجامع دمشق عند قبر زكريا، وهو يفتتح القراءة بتربة أم الصالح، وله تفسير في أربع مجلدات، وله غير ذلك في فنون القراءة وانتفع به جماعة كثير من الطلبة وغيرهم، وأثنى عليه أئمة كالعماد الكاتب، والقاضي شمس الدين ابن خلكان، والشيخ شهاب الدين أبي شامة فإنه قال: وفي ثاني عشر جمادى الآخرة توفي شيخنا علم الدين علامة زمانه، وشيخ أوانه بمنزله بالتربة الصالحية، ودفن بقاسيون وكان على جنازته هيبة وجلالة وأصاب منه علوما جمة كالقراءات، والتفسير وفنون العربية، صحبته من شعبان سنة أربع عشرة وست مائة إلى أن مات، وهو عني راض، ومن شعره رحمه الله تعالى: قالوا غدا نأتي ديار الحمى ... ونترك الركب بمغناهم وكل من كان مطيعا لهم ... أصبح مسرورا بلقياهم قلت فلي ذنب فما حيلتي ... بأي وجه أتلقاهم قيل أليس العفو من شأنهم ... لا سيما عمن ترجاهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 859 علي بن هبة الله بن سلامة بن المسلم بن أحمد بن علي الإمام العلامة بهاء الدين أبو الحسن اللخمي المصري الشافعي الخطيب ابن بنت أبي الفوارس الحميري، ولد يوم عيد الأضحى سنة تسع وخمسين وخمس مائة بمصر، حفظ القرآن وهو ابن عشر سنين، ورحل به أبوه إلى دمشق، فسمعه من الحافظ ابن عساكر صحيح البخاري وفاته اليسير، ورحل معه إلى بغداد فقرأ بها القراءات العشر، واشتغل بمذهب الشافعي على قاضي القضاة أبي سعد بن أبي عصرون، وقرأ عليه القراءات العشر أيضًا، وسمع عليه المهذب، وقد سمعه ابن أبي عصرون من الشيخ أبي علي الفارقي عن المصنف، وسمع عليه الوسيط للواحدي رحمه الله تعالى، والوجيز أيضًا، والوقف والابتداء لابن الأنباري، ومعالم السنن للخطابي وغير ذلك، وقد عظمه ابن أبي عصرون وألبسه طيلسانا ليميزه بذلك، وكتب له: لما ثبت عندي علم الولد الفقيه الإمام بهاء الدين أبي الحسن علي بن أبي الفضائل وفقه الله لدينه وعدالته رأيت تمييزه من بين أبناء جنسه وتشريفه بالطيلسان، والله يرزقه القيام بحقه، وكتب عبد الله بن محمد بن أبي عصرون، وقد تفقه أيضًا بمصر على أبي إسحاق إبراهيم بن منصور العراقي، والشهاب محمد بن محمود الطوسي، وقرأ بالقراءات أيضًا على أبي القاسم الشاطبي، وسمع منه الموطأ، وسمع أيضًا على السلفي، وشهدة، وجماعة، وروى عنه: الزكيان البرزالي، والمنذري، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 860 وابن النجار، وشرف الدين الدمياطي، وابن دقيق العيد، والقاضي تقي الدين سليمان المقدسي، وأجاز لغير واحد من مشايخي ولله الحمد، وتوفي عن تسعين سنة في الرابع والعشرين من ذي الحجة سنة تسع وأربعين وست مائة، رحمه الله. عمر بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن بن عبد الرحمن الفقيه الإمام كمال الدين أبو هاشم بن العجمي الحلبي من بيت حشمة ورئاسة، تفقه على طاهر بن جميل، وسمع الحديث من يحيى الثقفي ودرس وأفتى، ويقال: إنه درس المهذب من حفظه خمسًا وعشرين مرة، وكان شديد الوسواس في الطهارة، ولم يزل كذلك حتى كان سبب هلاكه، وهو أنه دخل الحمام فدخل الجرارة ليستحم فيها فضاق نفسه وضعفت قواه، ومات رحمه الله في حادي عشر رجب سنة اثنتين وأربعين وست مائة، وقد جاوز الثمانين. محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن ظفر القاضي شمس الدين أبو عبد الله العلوي الحسيني الأرموي ثم المصري نقيب الأشراف بها، وأحد أئمة الشافعية ويعرف بقاضي العسكر، تفقه على شيخ الشيوخ صدر الدين أبي الحسن بن حمويه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 861 وصحبه مدة وبرع في المذهب وساد وتقدم بعلمه وشرفه، ودرس بمدرسة ابن مدين النجار بمصر، وولي نقابة الأشراف وكان له يد طولى في الأصول، والنظر، وسمع الحديث من فاطمة بنت سعد الخير، وحدث عن الدمياطي وغيره، وتوفي في ثالث عشر شوال سنة خمسين وست مائة. محمد بن عبد الكافي بن علي بن موسى القاضي شمس الدين أبو عبد الله وأبو بكر الربعي الصقلي ثم الدمشقي أحد أعيان أصحاب الشافعي في زمانه، أخو النجم علي والرضي عبد الملك، اشتغل وحصل وسمع الحديث ودرس بالأمينية، وقد ولي في وقت قضاء حمص، وناب القضاء بدمشق، وتوفي رحمه الله، في تاسع عشر ذي الحجة سنة تسع وأربعين وست مائة عن تسع وستين سنة، سمع الأمير أسامة بن منقذ، وغيره، وروى عنه ابن الحلوانية، والمجد بن العديم والحافظ شرف الدين الدمياطي، وغيرهم. محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن الحافظ الكبير محب الدين أبو عبد الله بن النجار صاحب التاريخ الشهير الذي ذيل به على تاريخ بغداد للخطيب، واستدرك عليه فجاء في نحو ثلاثين مجلدًا، وكان شافعي المذهب له مناقب الشافعي، وفوائد كثيرة جمة منها كتاب القمر المنير في المسند الكبير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 862 جمع كل صحابي وما رواه، وكتاب كنزل الأنام في السنن والأحكام، وكتاب الكمال في معرفة الرجال، وكتاب المتفق والمفترق، وكتاب المؤتلف والمختلف، وكتاب فيه معجم له اشتمل على نحو من ثلاثة آلاف شيخ، وغير ذلك من الفوائد الجمة والمقاصد المهمة، ولد سنة ثمان وسبعين وخمس مائة، وأول سماعه وهو ابن عشر، وطلب بنفسه وهو ابن خمس عشرة، فقرأ على ابن الجوزي، والمبارك بن المعطوس، وعبد المنعم بن كليب، ومحمد ابن يونس، وذاكر ابن كامل، ورحل رحلة عظيمة إلى الشام ومصر والحجاز وأصبهان وحران ومرو وهراة ونيسابور، ولقي أبا روح الهروي، وعن الشمس الفقيه، وزينب الشعرية، والمؤيد الطوسي، وداود بن معمر، والكندي، وأبي القاسم ابن الحرستاني، ثم المبارك، وكتب عمن دب ودرج، وعمن نزل وعرج، وعني بهذا الشأن عناية بالغة، وكتب الكثير وجمع، وروى عنه الكمال الصابوني، والعز الفاروثي، وابن بليان، وبالإجازة التقى سليمان، وغيرهم، قَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ: أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْعَلَوِيُّ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَافِظُ سَنَةَ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ، أنا عَبْدُ الْمُعِزِّ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّارِحُ، قَالَ شَيْخُنَا: وَأنا أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْمُعِزِّ، أنا يُوسُفُ بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ، أنا أَبُو نَصْرٍ النَّجَّارُ، أنا حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَتَمَ عِلْمًا عَلَّمَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ؛ أَلْجَمَهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 863 محمد بن ثاماور بن عبد الملك قاضي القضاة بالديار المصرية أفضل الدين أبو عبد الله الخونجي الشافعي ولد سنة سبعين وخمس مائة، وطلب وحصل وبالغ في علوم الأوائل حتى تفرد برياسة ذلك في زمانه، واتفق له ولاية القضاء بالديار المصرية، والتدريس بالصالحية، وأفتى وناظر وصنف الموجز في المنطق، والجمل، وكشف الأسرار، وغير ذلك في المنطق والطب. قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: كان حكيما منطقيا، وكان قاضي قضاة مصر، ومات في خامس رمضان سنة ست وأربعين وست مائة، وقد رثاه تلميذه العز حسن محمد الضرير الفيلسوف فقال: مضى أفضل الدنيا فلم يبق فاضل ... ومات بموت الخونجي الفضائل فيأيها الحبر الذي جاء آخرا ... فحل لنا ما لم تحل الأوائل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 864 الطبقة العاشرة من أصحاب الشافعي رضي الله عنه المرتبة الأولى منها من أول سنة إحدى وخمسين وست مائة إلى آخر سنة ستين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 865 أحمد بن يحيى بن هبة الله بن سني الدولة الحسن بن يحيى بن محمد بن علي بن صدقة ابن الخياط قاضي القضاة صدر الدين ابن قاضي القضاة شمس الدين ابن أبي البركات التغلبي الدمشقي الشافعي ابن سني الدولة كان جده الحسن بن يحيى بن سني الدولة، أحد كتاب الإنشاء لملك دمشق، قبل نور الدين الشهيد، وكان ذا مال وثروة، وولد قاضي القضاة صدر الدين سنة سبعين وخمس مائة، وسمع الحديث من ابن طبرزد، والكندي، والخطيب الدولعي، ونشأ في صيانة وديانة ورياسة، ودرس في سنة خمس عشرة وست مائة، وأفتى بعد ذلك وناب في القضاء عن أبيه سنة ست وعشرين، ثم ولي وكالة بيت المال، ثم اشتغل بمنصب القضاء مدة ثم عزل، واستمر على تدريس الإقبالية والجاروخية، وكان محمود الأيام جميل السيرة، ووقف أوقافًا كثيرة على ذريته، ولما قدم هولاكو البلاد الحلبية سافر سني الدولة، والقاضي محيي الدين بن الزكي إليه، فخدعه ابن الزكي، لأنه كان أدرى منه فولوه القضاء، ورجع ابن سني الدولة بلا شيء، فتمرض في الطريق ودخل بعلبك في محفة، فبقي بها يومين، ومات في عاشر جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وست مائة عن ثمان وستين سنة، وقد روى عنه جماعة منهم: القاضي تقي الدين سليمان، والخطيب شرف الدين الفراوي، وابن النجار، وشيخنا ابن الزراد، والحافظ شرف الدين الدمياطي، وقال: خرجت له معجمًا فأجازني بملبوس نفيس، وكان يتفقدني ويحسن إلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 867 إسماعيل بن حامد بن أبي القاسم عبد الرحمن بن أبي المرجا بن الموصلي بن محمد بن علي بن إبراهيم بن نفيس الصدر المحترم شهاب الدين أبو المحامد وأبو الطاهر وأبو العرب الأنصاري الخزرجي القوصي ثم الدمشقي الشافعي ولد بقوص سنة أربع وسبعين وخمس مائة، وسمع ببلده، وقرأ القراءات، ثم قدم مصر سنة تسعين، وسمع بها أيضًا، واجتمع بالقاضي الفاضل، وسمع منه بيتين فقط، ثم ارتحل إلى دمشق فسمع بها من الخشوعي، والقاسم ابن عساكر، والعماد الكاتب، وابن طبرزد وجماعة، وخرج لنفسه معجمًا ضخمًا فيه فوائد وعجائب وغرائب وغلط أيضًا، واتصل بالوزير ابن شكر فحظي عنده ونفذه رسولًا إلى البلدان ثم ولاه وكالة بيت المال بالشام، وصارت له وجاهة وحشمة وتقدم عند الملوك، وكان ذا هيئة حسنة وسيادة وبزة مرتفعة وبغلة وطيلسان محبك لا يفارقه ودرس بمدرسته التي وقفها بجامع دمشق، وكان ذا فضل وفضيلة مفوها فصيحًا حافظًا للأشعار، وقد امتدحه جماعة وأخذوا جوائزه، وروى عنه الواسطي وابن الحلوانية وجماعة، وتوفي في سابع عشر ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وست مائة. إسماعيل بن أبي البركات هبة الله بن أبي الرضا بن سعيد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 868 هبة الله بن محمد عماد الدين أبو المجد بن باطيش الموصلي أحد علماء الشافعية بتلك البلاد، ودخل بغداد فتفقه بها وسمع الحديث من ابن الجوزي، وابن سكينة وجماعة، وسمع بحلب ودمشق، وصنف كتابًا في طبقات الشافعية، وكتاب المغني في شرح ألفاظ المهذب، وكتاب مشتبه النسبة وله تعاليق ومجاميع في أسماء الرجال، وصناعة الحديث مع براعة في الفقه جيدة، والأصول، وتقدم، وقد درس بالنورية التي بحلب وتخرج به جماعة، وروى عنه الدمياطي، وابن الظاهري وجماعة، وتوفي في الرابع عشر من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وست مائة، وقد جاوز الثمانين. داود بن عمر بن يوسف بن يحيى بن عمر بن كامل الخطيب عماد الدين أبو المعالي أبو سليمان الزبيدي المقدسي ثم الدمشقي الشافعي خطيب بيت الآبار وابن خطيبها، سمع الخشوعي، وابن طبرزد، وحنبل، وجماعة وعنه: الدمياطي، والشيخ زين الدين الفاروقي، والفخر ابن عساكر، وجماعة، وكان دينا فصيحا مهيبًا فقيهًا ولي خطابة دمشق، وتدريس الغزالية بعد انفصال الشيخ عز الدين بن عبد السلام دمشق، ثم عزل بعد ست سنين ورجع خطابة بلده، ومات في حادي عشر شعبان سنة ست وخمسين وست مائة، وله ستون سنة، وتأسف الناس عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 869 صقر بن يحيى بن سالم بن عيسى بن صقر الإمام المفتي المعمر ضياء الدين أبو المظفر وأبو محمد الكلبي الحلبي شيخها ومفيدها ومفتيها الشافعي، كان بارعًا إمامًا في مذهب الشافعي، وسمع الحديث من يحيى بن محمود الثقفي، والخشوعي، وحنبل، وابن طبرزد، وعنه: أخوه أبو إسحاق إبراهيم، والدمياطي، وابن الظاهري، والكمال إسحاق وجماعة، وكان موصوفًا بالديانة والعلم، توفي وقد أضر في آخر عمره في سابع صفر سنة ثلاث وخمسين وست مائة بحلب، رحمه الله. عبد الله بن أبي الوفا محمد بن الحسن بن عبد الله بن عثمان الإمام نجم الدين أبو محمد البادرائي أحد رؤساء الشافعية وعلمائهم، ولد سنة أربع وتسعين وخمس مائة، واشتغل حتى برع في المذهب، وتقدم وساد حتى ولي تدريس النظامية ببغداد، وصارت له وجاهة ورياسة عند الخلفاء، وبعثوه رسولا إلى الآفاق، وقد سمع الحديث من أبي منصور، وسعيد بن محمد الرزاز، وعبد العزيز بن رامين، وسعيد بن هبة الله الصباغ وجماعة، وحدث بدمشق وبحلب وبمصر وبغداد وغيرها من البلاد، وبنى بدمشق مدرسة كبيرة للشافعية من أحسن المدارس وكانت قبل ذلك دارًا تعرف بدار أسامة، اشتراها البادرائي من الملك الناصر داود بن المعظم، فبناها مدرسة وشرط على فقهائها العربية، وألا يكون الفقيه في غيرها من المدارس، وما ذاك والله أعلم إلا لتوفير همة الفقيه على الطلب والاشتغال، وإلا فلو استشعر أن الطالب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 870 لا يصده ولا يرده راد، لما ألجأهم إلى ذلك، سامحه الله وغفر له، وقد كان رحمه الله فقيهًا عالمًا متواضعًا حسن الأخلاق، ولم يمت حتى أجبروه على ولاية القضاء، فقبله عن كره فباشر خمسة عشر يومًا، ثم جاءته المنية في أول ذي القعدة سنة أربع وخمسين وست مائة، ولما وصل الخبر إلى دمشق عمل عزاؤه بمدرسته في ثامن عشر ذي الحجة من السنة، وحضره الشيخ شهاب الدين أبو شامة. عبد الحميد بن عيسى بن عمويه بن يوسف بن خليل العلامة شمس الدين أبو محمد الخسروشاهي قرية بقرب تبريز، الفقيه المتكلم الشافعي، أخذ علم الكلام عن فخر الدين أبي عبد الله محمد بن عمر الرازي بن خطيب الري، فبرع وتفنن في علوم متعددة، ودرس وناظر وقد اختصر المهذب في الفقه، والشفاء لابن سينا، وله غير ذلك، وله تشكيكيات وإيرادات وأسئلة استجاز بعضها، وقد سمع الحديث من المؤيد الطوسي، واشتغل عليه الخطيب زين الدين بن المرحل الشافعي، وروى عنه أبو محمد الدمياطي، وقد أقام مدة بمدينة الكرك عند صاحبها الملك الناصر داود المعظم، ثم انتقل إلى دمشق، ومات في الخامس والعشرين من شوال سنة اثنتين وخمسين وست مائة، ودفن بقاسيون، ومولده سنة ثمان وخمس مائة، رحمه الله. عبد الرحمن بن نوح بن محمد ابن الإمام شمس الدين التركماني الفقيه الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 871 تلميذ الشيخ تقي الدين ابن الصلاح، وكان بصيرا بالمذهب عارفا به، ولي تدريس الرواحية ونظرها مدة ثم نزل عن ذلك لولده ناصر الدين المقدسي، قالوا: ولم يكن أهلا لذلك، وهو الذي صار إلى ما صار، وجرى له ما جرى من الشنق والشهرة وغير ذلك، وهو أخو الشيخ بهاء الدين المقدسي، توفي والدهما عبد الرحمن بن نوح في ربيع الأول سنة أربع وخمسين وست مائة عن تسعين سنة، رحمه الله. عبد الرحيم بن نصر بن يوسف الإمام الزاهد المحدث القاضي صدر الدين أبو محمد البعلبكي القاضي بها قال الشيخ قطب الدين: كان فقيهًا عالمًا زاهدًا جوادا كثير البر مقتصدا في ملبسه ولم يفنى دأبه، وكان يقوم الليل ويكثر الصوم، ويحمل العجين إلى الفرن، ويشتري حاجته، وله حرمة وافرة، وكان يخلع عليه بطيلسان دون من تقدم من القضاة، تفقه على الشيخ تقي الدين ابن الصلاح، وسمع التاج الكندي، والشيخ الموفق، وصحب الشيخ عبد الله اليونيني وغيرهم، توفي رحمه الله في الركعة الثالثة من صلاة الظهر تاسع ذي القعدة سنة ست وخمسين وست مائة، وكانت له أحوال، ومكاشفات، وقد رثاه شرف الدين بقوله: لفقدك صدر الدين أضحت صدورنا ... تضيق وجاز الوجد غاية قدره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 872 ومن كان ذا قلب على الدين منطو ... تفتت أشجانا على فقد صدره. عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن الشيخ الإمام العلامة وحيد عصره عز الدين أبو محمد السلمي الدمشقي ثم المغربي شيخ الشافعية، ولد سنة سبع أو ثمان وسبعين وخمس مائة، وتفقه على الفخر ابن عساكر، وبرع في المذهب، وفاق فيه الأقران والأضراب، وجمع من فنون العلوم العجب العجاب من التفسير والحديث والفقه والعربية والأصول، واختلاف المذاهب والعلماء، وأقوال الناس ومآخذهم حتى قيل: إنه بلغ رتبة الاجتهاد، ورحل إليه الطلبة من سائر البلاد، وصنف المصنفات المفيدة، واختار وأفتى بالأقوال السديدة، وقد سمع الحديث من ابن طبرزد، والقاسم ابن عساكر، وحنبل، وأبي القاسم ابن الحرستاني وغيرهم، وعنه الشيخ شرف الدين الدمياطي، وخرج له أربعين حديثا عوالي، والقاضي تقي الدين بن دقيق العيد، ورحل إلى بغداد سنة سبع وسبعين وخمس مائة، فأقام بها أشهرًا، وكان آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، وقد ولي الخطابة بدمشق بعد الذيلعي، فأزال أشياء كثيرة من بدع الخطباء، ولم يلبس سودًا ولا سجع خطبة بل كان يقولها مسترسلًا، واجتنب الثناء على الملوك، بل كان يدعو لهم، وأبطل صلاة الرغائب والنصف، فوقع بينه وبين شيخ دار الحديث الإمام أبي عمرو ابن الصلاح بسبب ذلك، وبرز الشيخ عز الدين في إصابة الحق، ولم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 873 يكن يؤذن بين يديه يوم الجمعة إلا مؤذن واحد، وكان المؤذنون يقولون بعد المكتوبة الآية في الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فأرشدهم أن يقولوا: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، الحديث في صحيح مسلم عن عبد الله بن الزبير، ولحديث المغيرة في الصحيح. ولما سلم الملك الصالح إسماعيل بن العادل قلعة السقيف صدف للفرنج، فساء ذلك المسلمين، فنال منه الشيخ عز الدين على المنبر، ولم يدع له، فغضب الملك من ذلك وعزله وسجنه، ثم أطلقه فبرح إلى الديار المصرية هو والشيخ كمال الدين بن الحاجب، فتلقاه الملك الصالح نجم الدين أيوب صاحب مصر، وأكرمه واحترمه، واتفق موت قاضي القضاة شرف الدين عين الدولة، فولى السلطان مكانه القاضي بدر الدين السخاوي، وفوض قضاء مصر والوجه القبلي إلى الشيخ عز الدين مع خطابة جامع مصر، فقام بالمنصب أتم قيام، وتمكن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى اتفق أن بعض الأمراء بنى مكانًا للطبلخاناه على سطح مسجد، فأنكر ذلك الشيخ عز الدين، وذهب بنفسه فأضربه وعلم أن هذا يشق على الوزير، فحكم بفسق الوزير، وعزل نفسه عن القضاء، فلما بلغ ذلك حاشية الملك شق عليهم، وأشاروا على الملك أن يعزله عن الخطابة لئلا يتعرض لسب الملك على المنبر، فعزله ولزم بيته يشغل الناس ويدرس، وذكروا أنه لما مرض مرض الموت بعث إليه الملك الظاهر يقول له: من في أولادك يصلح لوظائفك؟ فأرسل: ليس فيهم من يصلح لشيء منها فأعجب السلطان ذلك، ولهذا لما مات حضر جنازته بنفسه والعالم من الخاصة والعامة، وكان يومًا مشهودًا، وكان ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 874 في العاشر من جمادى الأولى سنة ستين رحمه الله تعالى، قلت: له تفسير حسن في مجلدين، واختصار النهاية وليس هو كإمامته، والقواعد الكبرى تدل على فضيلة تامة، والكلام على الأسماء الحسنى مفيد، وكتاب الصلاة فيه اختيارات كثيرة اتباعًا للحديث، والقواعد الصغرى، وفتاوى كبيرة وغير ذلك، ورأيت بخط قاضي القضاة علاء الدين القونوي أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله سئل عن الرجل بماذا يستحق الجامكية في مذهب الشافعي، أعلى اعتقاده المذهب أم على معرفته له؟ فأفتى أنه يستحق ذلك على معرفته له، ونشره إياه، وإن كان لا يعتقد بعض المسائل، أو كما قال، وقال الشيخ قطب الدين القوسني: كان رحمه الله تعالى مع شدته فيه حسن مناظرة بالنوادر، والأشعار، وكان يحضر السماع، ويرفض، ويتواجد، هكذا قال. عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد بن سعيد الحافظ زكي الدين أبو محمد المنذري الشامي ثم المصري الشافعي ولد في سنة إحدى وثمانين وخمس مائة بمصر، وقرأ القرآن، وأتقن القراءات، وبرع في العربية والفقه، والفقه على أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد القرشي، سمع الحديث من محمد بن سعيد المأموني، وربيعة اليمني الحافظ، والحافظ علي بن المفضل، وبه تخرج وسمع بمكة ودمشق وحران والرها والإسكندرية، وخرج لنفسه معجمًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 875 مفيدًا، وعنه: الحافظ الدمياطي، والقاضي تقي الدين بن دقيق العيد، والعلم الدويداري وخلق، ودرس بالجامع الظاهري، ثم ولي مشيخة دار الحديث الكاملية، وانقطع بها عشرين سنة يصنف ويفيد، وتخرج به العلماء في فنون من العلم، وكان عديم النظير في زمانه في معرفة الحديث على اختلافه وفنونه، عالمًا بصحيحه، وسقيمه، ومعلوله، وطرقه، متبحرًا في أحكامه، ومعانيه، ومشكله، واختلاف ألفاظه وغريبه وإعرابه، وكان إمامًا حجة ثقة ثبتًا ورعا مُتَحَرٍّ فيما يرويه. قال الحافظ الدمياطي: توفي في رابع ذي القعدة سنة ست وخمسين وست مائة، وشيعه خلق كثير، ورثاه جماعة بقصائد رحمه الله تعالى. عبد الواحد بن عبد الكريم بن خلف العلامة كمال الدين أبو المكارم بن خطيب زملكا الأنصاري السماكي من سلالة أبي دجانة سماك بن خرشة، كان أحد الفضلاء في زمانه، والمبرزين في علم المعاني، والبيان، والنظم الحسن، والمشاركين في فنون كثيرة، وولي قضاء صرخد، والتدريس ببعلبك، ذكره الشيخ شهاب الدين أبو شامة، وأثنى عليه فقال: كان خيرًا متميزًا في علوم متعددة، قلت: وهو جد شيخنا العلامة كمال الدين محمد بن علي عبد الواحد الزملكاني، توفي بدمشق في محرم سنة إحدى وخمسين وست مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 876 محمد بن الحسين تاج الدين الأرموي مدرس الشرفية ببغداد أحد تلاميذ الفخر الرازي، كان بارعًا في العقليات وغيرها، وكان له مماليك ترك بخوائص وسراري، وله حشمة، وثروة، ووجاهة وفيه تواضع ورياسة، توفي سنة ثلاث وخمسين وست مائة. محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن الشيخ كمال الدين أبو سالم القرشي العدوي النصيبي الشافعي أحد الصدور، والرؤساء المعظمين، وكان فقيهًا بارعًا عارفًا بالمذهب، والأصول، والخلاف، ترسل عن الملوك وساد وتقدم وأقام بدمشق بالمدرسة الأمينية، وفي سنة ثمان وأربعين وست مائة عينه الملك الناصر للوزارة، وكتب تقليده بذلك، فبعث يعتذر إلى السلطان، ويتنصل من ذلك، فلم يقبل منه، فتولاها يومين، ثم انسل خفية وترك الأموال والموجود، ولبس ثوبا قطنا، وذهب فلم يدر أين ذهب، وقد سمع الحديث بنيسابور من المؤيد الطوسي وزينب الشعرية، وحدث ببلاد كثيرة، وروى عنه: الشيخ شرف الدين الدمياطي، والمجد العديمي، وابن الحلوانية، وجمال الدين ابن الخوجي، وشهاب الدين المقرئ الحنفي وجماعة، وقد نسب إلى الاشتغال بعلم الحروف والأوقاف، وأنه يستخرج من ذلك أشياء من المغيبات، وقيل: إنه رجع عنه، فالله أعلم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 877 توفي بحلب في السابع والعشرين من رجب سنة اثنتين وخمسين وست مائة. محمود بن أحمد بن محمد بن بختيان العلامة قاضي القضاة أبو الثناء الزنجاني الشافعي درس وأفتى وناظر، وكان من بحور العلم، وولي قضاء القضاة بالعراق مدة، ثم عزل، وهو والد قاضي القضاة عز الدين أحمد، وقد سمع الحديث من عبيد الله بن محمد الشاذلي، واستشهد بسيف التتار سنة ست وخمسين وست مائة، عن تسع وسبعين سنة. مظفر بن أبي بكر محمد بن إلياس بن عبد الرحمن بن علي بن أحمد الرئيس الصدر نجم الدين أبو غالب بن الشيرجي الأنصاري الشافعي ناظم الجامع، ومحتسب البلد كابنه شرف الدين عيسى، وابن ابنه شرف الدين، وكان وكيل بيت المال، أيضا ومدرس العصرونية مع ديانة وأمانة وعلم، سمع الحديث من ابن طبرزد، والخشوعي، وحنبل، وجماعة، وعنه: الدمياطي، والزين الفارقي، وشيخنا شمس الدين بن الدراد الصالحي الحنبلي وجماعة، توفي آخر يوم من سنة سبع وخمسين وست مائة عن سبعين سنة، رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 878 يوسف ابن السلطان الملك الصالح صلاح الدين ابن الملك العزيز محمد ابن الملك الظاهر غازي ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذي صاحب حلب ولد بقلعتها سنة سبع وعشرين وست مائة، وبويع بالملك بها بعد موت أبيه سنة أربع وثلاثين، وهو ابن سبع سنين، وقام بتدبير الممالك الأتابكية بعد مشاورته جدته الخاتون صفية بنت الملك العادل، فلما مات سنة أربعين، وقد ترعرع استبد، ولما كان في سنة ثمان وأربعين واختلف بما قيل للسلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب صاحب القاهرة ودمشق بعد موته ساق إلى دمشق، فأخذها منهم لاشتغالهم عنها، ثم صار إلى مصر ليأخذها، فمانعوه وقاتلوه وكسروه، فرجع إلى دمشق واقتصر عليها، وعلى الممالك الحلبية، وكان محببا إلى الرعايا جوادا كريما ممدحا يحب العلماء والصالحين ويحاضرهم، ويحفظ شعرا كثيرا وملحا ونوادر، وكان يذبح في مطبخه كل يوم أربع مائة رأس غنم سوى الدجاج والطيور، ونفقته على سماطه كل يوم عشرون ألفا، وكانت الرعية مغتبطين به، لكرمه وجوده، وسماحة مع لعب فيه، وإقبال منه على الملاهي والعشيرات، ووقف على الشافعية مدرسة حسنة داخل باب الفراديس بدمشق، وحضر بها الدرس وخلع يومئذ خلعا كثيرة، وذلك في سنة أربع وخمسين وست مائة، ثم بنى بالجبل رباطا وتأنق في بنائه إلى الغاية، ووقف عليها أوقافا جيدة، وبنى دار الطعم إلى جوار الرتحلبية بالشعبة، وكان حسن الشكل مليح القدر، طري الشباب أحول، عليه أبهة المملكة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 من بيت عريق في السلطنة، ولما استحوذ هولاكو - لعنه الله - على بغداد، وملك البلاد ساق إلى البلاد الحلبية، فأخذها وقتل أهلها يوهم الملك الناصر كثيرا، وركب في جيشه وهرب إلى الديار المصرية، فتمزق جيشه وتراجعوا، ولم يبق إلا في نفر يسير فرجع هو أيضا بعد أن بلغ قطب على وادي موسى، وجاءت رسل التتار بالفرمان، والأمان لأهل دمشق، فاستحوذوا عليها، واستنابوا بها كتبغالوبن، وكان كافرا فاجرا يميل إلى دين النصرانية، وبعثوا وراء الناصر، فاقتبضوه في تلك البلاد بعد أن سافروا وراءه أياما في البراري فرجعوا، وهو معهم كالأسير فمروا به على دمشق، ونزل بظاهر البلد، تحت الرسيم والهوان، وذهبوا به ومروا به على حلب، وقد تغيرت معالمها ورسومها وخرب سورها ومتعلقها، وقد أمكنوا بها، فاستعبر عند ذلك باكيا، وقال: يعز علينا أن نرى ريعكم يبلى ... وكانت به آيات حسنكم تتلى. لما قدموا به على هولاكو أكرمه واحترمه، وقد كان هولاكو يتوهم من جيوش الشام ومصر، وكان قد جمع رعبا من الناصر، فلما هرب أمامه استهان به وحقره، وبقي عنده الناصر كالأسير إلا أنه يعامله معاملة الملوك الأسراء، فلما التقى الجمعان الجيش المصري المؤيد المظفري مع الفريق المخزول التتري عند عين جالوت فأعز الله الإسلام وأهله وكسر جيش الكفر ورجاله، وقتل اللعين كتبغالوبن استشاط الطاغية هولاكو غضبا حين علم أن جيشه لن يعجز الله في الأرض هربا استحضر الملك الناصر وأظهر حدته فيه، ورماه بسهام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 880 فلم يخطئه، ويقال: بل أمر بشجرتين من جور فجمع أعاليها وربط كل منهما إليه شق منه، ثم أرسلهما فتفسخ رحمه الله وسامحه، وذلك في سنة تسع وخمسين وست مائة، فمات عن إحدى وثلاثين سنة وشيء، عوضه الله الجنة آمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 881 المرتبة الثانية من الطبقة العاشرة من أصحاب الشافعي رضي الله عنه فيها من أول سنة إحدى وستين وست مائة إلى آخر سنة سبعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 883 إبراهيم بن عيسى ضياء الدين أبو إسحاق المرادي الأندلسي ثم المصري الفقيه الإمام، الحافظ المتقن المحقق الضابط، الزاهد الورع. قال الشيخ محيي الدين النووي: ولم تر عيني في وقته مثله، وكان رحمه الله بارعًا في معرفة الحديث وعلومه وتحقيق ألفاظه، لا سيما الصحيحان، ذا عناية باللغة والنحو والفقه ومعارف الصوفية، حسن المذاكرة فيها، وكان عندي من كبار السالكين في طرائق الحقائق، حسن التسليم، صحبته نحو عشر سنين لم أر منه شيئًا يكره، وكان من السماحة بمحل عال على قدر وجده، وأما الشفقة على المسلمين ونصحهم فقل نظيره فيهما، توفي بمصر في أوائل سنة ثمان وستين وست مائة، جزاه الله عني خيرًا، وجمعني وإياه مع سائر أصحابنا في دار كرامته بفضله ومنه، وهذا مما ألحقه النووي في طبقات ابن الصلاح رحمهما الله تعالى. أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان بن رافع قاضي القضاة كمال الدين أبو العباس، وأبو بكر ابن قاضي القضاة زين الدين ابن المحدث الإمام الزاهد أبي محمد ابن الأستاذ الأسدي الحلبي الشافعي، ولد سنة إحدى عشرة وست مائة، وسمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 حضورًا من جده أبي محمد بن علوان، والافتخار الهاشمي، وثابت بن مشرف، وابن روزبة وغيرهم، واشتغل في المذهب، وبرع في العلوم والحديث، وأفتى ودرس، وتولى قضاء القضاة بحلب بعد أبيه في الدولة الناصرية، وكان ذا وجاهة، ومكانة عند الملك الناصر صاحبها، فلما خربت حلب أيام الطاغية هولاكو لعنه الله كان من جملة من أصيب بماله وأهله، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ارتحل إلى الديار المصرية، وفوض إليه تدريس المعزية بمصر، والهكاوية بالقاهرة، وكان صدرًا معظمًا وافر الحرمة، مجموع الفضائل، صاحب رئاسة وأفضال وسؤدد، وتواضع، وسمعوا عليه بالديار المصرية، واستفادوا به وأحسن إليهم، وكان الحافظ الدمياطي يدعو له كثيرًا لما أسدى إليه من الإحسان، فلما رجعت الممالك الحلبية، وطابت البلاد واستقرت الدولة في أول السلطنة الظاهرية رسم للقاضي كمال الدين بقضاء البلاد الحلبية على ما كان الإمام عليه، فعاد إليها وحكم بها إلى أن توفي في منتصف شوال سنة ثنتين وستين وست مائة. الأمير الكبير ناصر الدين أبو المعالي حسين بن عزيز بن أبي الفوارس القيمري كان ذا جلالة ومهابة وحرمة ظاهرة، وإقطاعات كبيرة وافرة، وكان بطلا شجاعًا كريمًا عادلًا حازمًا رئيسًا كثير البر، وهو الذي سعى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 886 في تملك الناصر صاحب حلب لدمشق المحروسة، وكان أبوه شمس الدين من أجل الأمراء وابن عمه، هو واقف المارستاني الصالحي، وأما هو فوقف المدرسة القيمرية الكبيرة بسوق الختمين على الشافعية، وهي من أحسن المدارس وأكبرهن، وهي مطروقة ومصلى للناس، فرحمه الله وأكرمه، توفي وهو مرابط بالساحل قبالة الفرنج في ربيع الأول سنة خمس وستين وست مائة رحمه الله تعالى. خالد بن يوسف بن سعد بن الحسين بن مفرج بن بكار الحافظ المفيد زين الدين أبو البقاء النابلسي ثم الدمشقي، ولد بنابلس سنة خمس وثمانين وخمس مائة، وقدم دمشق فنشأ بها واشتغل في الحديث والفقه والأغلب عليه الحديث، وسمع من البهاء ابن عساكر، وحنبل، وابن طبرزد وعدة، ورحل إلى بغداد، فسمع بها من الحسين بن يوسف، وأبي محمد بن الأخضر، وابن مينا وطبقتهم، وأقام في النظامية، وكان يشتغل هو والبادرائي واقف المدرسة، ثم رجع الزين خالد إلى دمشق فاستوطنها، وكتب وحصل الأجزاء، وكان دينًا فاضلًا ذكيًا عارفًا باللغة العربية وأسماء الرجال، وكان يحب المزاح حسن النادرة، وكان الملك الناصر صاحب دمشق يحبه ويجله ويحسن إليه ويستحلي نادرته، سمع منه الشيخ محيي الدين النووي، والشيخ تاج الدين الفراوي، وأخوه الخطيب شرف الدين الفراوي، وقاضي القضاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 887 تقي الدين ابن دقيق العيد وخلق، وباشر مشيخة الحديث بدار الحديث النووية، وبالمدرسة العزية البرانية، ومن حسن كلامه أن رجلًا من الشيعة قال له: أنت تقول: إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ما هو معصوم، فقال له: ما أخفيك شيئًا، أبو بكر الصديق عندنا أفضل من علي، ولم يكن معصوما. وحضر مرة عند الملك الناصر فقام ساعة يمتدح السلطان فأطنب، فقام الزين خالد فخلع عليه سراويله فضحك السلطان، وقال: ما حملك على هذا؟ فقال: ما وجدت معي ما لا أحتاج إليه إلا اللباس، فأعجب السلطان منه ذلك، ووصله بجائزة رحمهم الله، توفي سلخ جمادى الأول سنة اثنتين وستين وست مائة. سلار بن الحسن بن عمر بن سعيد الإمام العلامة مفتي الشام ومعيده كمال الدين أبو الفضائل الإربلي الشافعي، شيخ الأصحاب ومفيد الطلاب، تفقه بالإمام أبي عمرو ابن الصلاح حتى برع في المذهب، وتقدم وساد واحتاج الناس إليه، وكان عليه مدار الفتوى بدمشق مدة طويلة، وكان معيدًا بالبادرائية، عينه بها واقفها نجم الدين البادرائي رحمه الله، فباشرها منذ درس فيها إلى أن توفي يفيد ويعيد ويصنف ويعلق ويؤلف ويجمع، وينشر المذهب، وقد اختصر البحر للروياني في مجلدات عنده هي بخط يده، وهو تعليق حسن، وجمع في هذا المختصر شيئًا كثيرًا وبحرًا غزيرًا وانتفع به جماعة من الأصحاب منهم الشيخ الإمام العلامة محيي الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 النووي رحمه الله، وأثنى عليه ثناء حسنًا، توفي وقد نيف على السبعين بالبادرائية في الليلة الخامسة من جمادى الآخرة سنة سبعين وست مائة، ودفن بمقابر باب الصغير رحمه الله تعالى. عبد الله بن أبي طالب بن مهنى المفتي تاج الدين أبو بكر الإسكندراني ثم الدمشقي الشافعي تفقه على الفخر ابن عساكر حتى برع في المذهب وساد وأفتى ودرس، وسمع الحديث من حنبل بن علي الرصافي وأبي الفضل سعد بن طاهر المردفاني، وروى عنه الشيخ تاج الدين، وأخوه الخطيب شرف الدين الفراويان، وغيرهما، وتوفي بدمشق في سابع ذي الحجة سنة ثلاث وستين وست مائة. عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان الشيخ الإمام العلامة ذو الفنون المتنوعة شهاب الدين أبو القاسم المقدسي الشافعي المقرئ النحوي، المحدث المعروف بأبي شامة لشامة كبيرة فوق حاجبه الأيسر، ولد بدمشق سنة تسع وتسعين وخمس مائة، وختم القرآن، وله دون عشر سنين، ثم أتقن القراءة على البخاري، وله ست عشرة سنة، وسمع صحيح البخاري من داود بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 889 ملاعب، وأحمد بن عبد الله العطار، وسمع مسند الشافعي، والدعاء للمحاملي من الشيخ موفق الدين ابن قدامة، ورحل إلى ديار مصر فسمع بها، ثم عزم وهم في سماع الحديث، وله بضع وثلاثون سنة، فقرأ بنفسه وسمع أولاده وكتب الكثير من العلوم، وله خط جيد متقن، وكان قد أتقن الفقه، وبرع فيه وفي النحو والقراءات، وصنف كتبًا جمة فمن ذلك كتاب البسملة في مجلد كبير نصر فيه المذهب وجمع وحشد، وكتاب المحقق من علم الأصول فيما يتعلق بأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، ومجلد في حديث المبعث، ومجلد في حديث الإسراء، وكتاب ضوء الساري إلى معرفة رؤية الباري، والباعث على إنكار البدع والحوادث، وكتاب كشف حال بني عبيد، وكتاب الروضتين في الدولتين النورية، والصلاحية وذيل عليها تذييلا حسنًا إلى زمانه، واختصر تاريخ دمشق لابن عساكر في خمسة عشر مجلدًا ضخمة ثم اختصره في خمسة مجلدات، وكتاب الأصول في الأصول، وكتاب السواك، وشرح الشاطبية وهو في غاية الجودة، ومفردات القراء، ونظم مفضل الزمخشري، وله مقدمة في العربية، وشرح القصائد النبوية للسخاوي في مجلد، وكتاب الرد إلى الأمر الأول وغير ذلك من الفوائد الكثيرة والفرائد الغزيرة التي هي لكنوز العلم منيرة، وكان فيه مع هذه الفضائل والفنون تواضع وأطراح بالكلية حتى إنه ذكر أنه كان ربما ضمن البساتين، وركب من أحمال الفاكهة، وكان معه من الوظائف مشيخة الإقراء بأم الصالح، ثم ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية بعد ابن الحرستاني سنة اثنتين وستين، وذكر أنه وخطه الشيب ابن خمس وعشرين سنة، وقد قرأ عليه شرح الشاطبية الخطيب شرف الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 890 الفراوي، والشيخ برهان الدين الإسكندري، وأخذ عنه علم القراءة الشيخ شهاب الدين الكفري، والشهاب أحمد بن اللبان، وشيخنا زين الدين أبو بكر بن يوسف المزي، وجماعة ذكر رحمه الله تعالى أنه جرت له محنة في سابع جمادى الآخرة سنة خمس وستين وست مائة بداره بطواحين الأشنان، وهو أنه دخل عليه رجلان جليلان في صورة مستفتيين فحصلا عنده في المنزل، ثم تناولاه ضربًا إلى أن عيل صبره، ولم يغثه أحد، ولكن ألهمه الله الصبر واللطف، وقيل له: اجتمع بولاة الأمر، فقلت: أنا قد فوضت أمري إلى الله وهو يكفينا، وقلت في ذلك: قلت لمن قال ألا تشتكي ... ما قد جرى فهو عظيم جليل يقيض الله تعالى لنا ... من يأخذ الحق ويشفي الغليل إذا توكلنا عليه كفى ... فحسبنا الله ونعم الوكيل ، ثم توفي رحمه الله في تاسع رمضان من عامه، ودفن بمقابر باب الفراديس، رحمه الله تعالى. عبد الرحيم ابن الإمام رضي الدين محمد العلامة عماد الدين محمد بن يونس ابن منعة الفقيه المحقق العلامة تاج الدين أبو القاسم الموصلي الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 891 مصنف التعجيز في اختصار الوجيز، كان من بيت الفقه والعلم بالموصل، وتولى قضاء الجانب الغربي ببغداد، قال ابن خلكان: وتوفي ببغداد سنة سبعين وست مائة، وقال غيره: سنة إحدى وسبعين وست مائة، وقد جاوز السبعين، رحمه الله تعالى. عبد العزيز ابن القاضي أبي عبد الله محمد بن عبد المحسن بن محمد بن منصور بن خلف الإمام العلامة شيخ الشيوخ شرف الدين أبو محمد الأنصاري الأوسي الدمشقي ثم الحموي الشافعي الأديب الصاحب ابن قاضي حماة ويعرف بابن الرفا، ولد بدمشق سنة ست وثمانين وخمس مائة، وسمع الحديث من أبيه ورحل به، فسمعه جزء ابن عرفة ابن أبي كليب، ومسند الإمام أحمد من عبد الله بن أبي المجد الحربي، وسمع من أبي اليمن الكندي، وقرأ عليه كتبًا كثيرة من الأدب، وتخرج به واشتغل في الفقه، فبرع فيه وفي علوم الحديث، وأقام مدة ببعلبك ثم بدمشق ثم بحماة، وكان صدرًا كبيرًا معظما نبيلًا وافر الحرمة كبير القدر، حدث بحران عرفة قريبًا من ستين سنة، وببلاد شتى، وقرئ عليه المسند مرات، من جملة من قرأه عليه الخطيب شرف الدين الفراوي، وسمع عليه أيضا الحافظ الدمياطي، والقاضي بدر الدين بن جماعة، وأبو العباس بن الظاهري، وأبو الحسن اليونيني، وشيخنا أبو عبد الله بن الرزاز، وتوفي في ثامن رمضان سنة اثنتين وستين وست مائة، ومن شعره وفيه مجازفة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 892 شرحت لوجدي في محبتكم صدرا ... وصبرني صحبي فلم استطع صبرا وقلت لعزالي ألم تعرفوا الهوا ... لقد جيتموا شيئًا بعد لكم شكرا لعمري لقد طاوعت زيدا لوعتي ... عليكم وما طاوعت زيدا ولا عمرا خليلي ها سقط اللوى قد بدا لنا ... فلا تقطعاه بل قفا نبك من ذكرا فيا يوسف الحسن الذي من عقله ... من بكرتي قلت يا بشرا بدا فاسترق العالمين جماله ... فمن أجل هذا حل بالنحس أن بشرا لقد حل من فكري بواد مقدس ... ليقتبس من قلبي الكليم به جمرا راجح كربي قبره من لحاظه ... فأرسلت دمعا حرم النور والصبرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 893 عبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد الحرستاني ابن أبي الفضل بن علي الإمام العالم القاضي خطيب الشام، وشيخ دار الحديث عماد الدين أبو الفضائل الخزرجي الدمشقي الشافع ابن الحرستاني، ولد في سابع رجب سنة سبع وسبعين وخمس مائة بدمشق، وسمع من والده قاضي القضاة كمال الدين، ومن ابن الخشوعي، والبهاء ابن عساكر، وابن طبرزد، وحنبل، وغيرهم، روى عنه الحافظ الدمياطي، والبرهان الإسكندري، وابن الخباز، وشيخنا ابن الرواز وجماعة كثيرون، واشتغل على أبيه في المذهب، وبرع وتقدم وأفتى وناظر ودرس وناب عن أبيه في الحكم مدة ثم عزل، ودرس بالغزالية مدة وباشر الخطابة مدة، وكان من كبار الأئمة وشيوخ العلم مع التواضع والديانة وحسن السمت، ولما توفي الشيخ تقي الدين ابن الصلاح رحمه الله تعالى سنة ثلاث وأربعين وست مائة كما تقدم، ولي الخطيب عماد الدين الحرستاني مشيخة دار الحديث الأشرفية، فباشرها إلى أن توفي سنة خمس وستين، كما سيأتي، فوليها الشيخ محيي الدين النووي إلى أن مات سنة ست وسبعين وست مائة، كما سيأتي، فوليها الشيخ زين الدين الفارقي، وبعده الشيخ صدر الدين بن الوكيل، ومن بعده الشيخ كمال الدين السركشي إلى أن توفي سنة ثماني عشرة وسبع مائة، وقد وليها في أثناء مدته شيخنا الإمام كمال الدين ابن الزملكاني مدة يسيرة، ثم رجعت إلى ابن السركشي، ثم وليها كفؤها شيخنا الإمام الحافظ الحجة المجتهد شيخ المحدثين، وبحر الفوائد أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 894 الرحمن بن يوسف المزي فسح الله في أجله، وختم له بصالح عمله آمين. عبد الوهاب بن خلف بن بدر العلامي قاضي القضاة تاج الدين أبو محمد ابن بنت الأعز الشافعي أحد القضاة الأجواد القائمين بحدود الله، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يراعي أحدًا ولا يقبل شاهدًا مربيًا، ولا يراعي جاهلًا، وحصل له رئاسة عظيمة في الدولة الظاهرية بحيث إنه باشر القضاء مع الوزارة مع نظر الدواوين، وتدريس الشافعي وغير ذلك من المناصب، وما ذاك إلا بحسن ظنهم بأمانته وديانته، وكان ينبه على الصاحب بهاء الدين ابن الحنا، ويعمل عليه ويحضر بحثه ابن الحنا، فلا يمكنه ذلك لتمكنه من الملك، وكان ابن الجني يود لو دخل القاضي تاج الدين إلى منزله، فلم يتفق له ذلك فمرض فعاده الناس وجاءه عائدًا، فلما رآه ابن الجني وثب من الفراش ونزل من الإيوان، فلما رآه القاضي قال: إنما جئنا لنعودك، لأنه بلغني أنه في مرض شديد، وأنت قائم سلام عليكم، ثم رد ولم يزد على ذلك، توفي القاضي ابن بنت الأعز رحمه الله تعالى في السابع والعشرين من رجب سنة خمس وستين وست مائة. وكان مولده سنة أربع وست مائة، وقيل: سنة أربع عشرة وست مائة، وكانت له جنازة مشهورة، وهو والد قاضي القضاة صدر الدين عمر، وقاضي القضاة تقي الدين عبد الرحمن وبرز أيضًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 895 الفتح بن موسى بن حماد بن عبد الله بن علي الفقيه نجم الدين أبو نصر الجزيري الأصل القصري الشافعي ولد بالجزيرة الخضراء من بلاد المغرب سنة ثمان وثمانين وخمس مائة، ونشأ بقصر كنانة واشتغل هناك بالنحو، وسمع الجزولية على مصنفها، وورد دمشق سنة عشر وست مائة وأخذ عن الكندي، واشتغل بمذهب الشافعي، ودرس علم الكلام على الآمدي بحماة، ونظم المفصل في النحو للزمخشري، وكتاب السيرة لابن هشام في اثني عشر ألف بيت، رأيته، ونظم الإشارات لابن سينا وله عدة مصنفات، وكان من فضلاء زمانه، ودرس مدة برأس العين بمدرسة ابن المشطوب، ثم ارتحل إلى مصر، فدرس بالفائزية بأسيوط ثم ولي قضاءها، وبها توفي في رابع جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وست مائة رحمه الله. يحيى بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز بن علي بن الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن الوليد بن القاسم بن الوليد وقد رفع الحافظ شرف الدين الدمياطي في معجمه في نسبه فقال: بعد القاسم بن الوليد بن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 896 بن عفان، والله أعلم بصحة ذلك، وقد أنكر شيخنا الحافظ الذهبي صحة هذا، وقال: لم يذكره ابن عساكر مع أنهم أجداده لأمه، ولا رأينا في شيء من التواريخ، ولا الأوقات المقدمة، فالله أعلم، قاضي القضاة محيي الدين أبو الفضل ابن قاضي القضاة محيي الدين أبي المعالي ابن القاضي أبي الفضل القرشي ومنهم من يقولون: الأموي أيضًا، الدمشقي الشافعي، ولد في الخامس والعشرين في شعبان سنة ست وتسعين وخمس مائة، وسمع من حنبل، وابن طبرزد، والكندي، وابن الحرستاني وجماعة، واشتغل في المذهب على الشيخ فخر الدين ابن عساكر، وبرع في المذهب، وساد وتقدم لرئاسة بيته في دمشق، ونسبه العريق، وقد ولي القضاء بدمشق، وخلع عليه خلعة سوداء مذهبة، وقرئ تقليده تحت السر وهي عليه وإلى جانبه نائب هلاوو، ابنان وامرأته الخاتون حاضرة جالسة بين زوجها، وبين القاضي المذكور، ذكر ذلك الشيخ شهاب الدين أبو شامة، ونثر الذهب على الناس لما قرئ اسم الملك الأصغر هلاوو، ندب منه هفوات في أفعاله وأقواله مع شدة تعظيمه لمحيي الدين عربي وكتبه، محافظة على الحركات بمقتضى السير في صناعة التنجيم بحيث إنه دخل على بنت سناء الملك صلاة الظهر بمقتضى الطالع، فقدر الله أنها ماتت بعد أيام، لأنها أسقيت ما يغيب عقلها ليتمكن العريس من الدخول بها فماتت فجأة، والله غالب على أمره. قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: ثم برع ابن الزكي في جر الأشياء إليه وإلى أولاده مع عدم الأهلية، فأضاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 897 إلى نفسه وأقاربه العذراوية والناصرية والفلكية والركنية والقيمرية والكلاسة، وانتزع الصالحية، وسلمها إلى العماد بن العربي، وانتزع الأمينية من علم الدين القاسم وسلمها إلى ولده عيسى، وانتزع السونائية من الفخر النقشوالي، وسلمها إلى الكمال بن النجار، وانتزع الربوة من محمد اليمن، وسلمها إلى الشهاب محمود بن زين القضاة، وولى ابنه عيسى مشيخة الشيوخ، ونيابته أخيه لأمه شهاب الدين إسماعيل بن حنش تدريس الرواحية والشامية البرانية، وعمل هذا كله في مدة مقام التتار بدمشق، فلما جاء الإسلام، ورجع الأمر إلى نصابه بذل الأموال الجزيلة في إبقائه على المنصب والتدريس، فاستمر على ذلك شهرًا ثم عزل وألزم بالمسير إلى الديار المصرية صحبة السلطان المملك المظفر قطز، فلما استأمر الملك الظاهر أمر بعزله، وولى القضاء نجم الدين أبا بكر ابن القاضي صدر الدين سني الدولة قضاء الشام، وألزم ابن الزكي بالمقام بالديار المصرية بعد ذلك، فلم يزل بها إلى أن توفي في رابع عشر رجب سنة ثمان وستين وست مائة، ودفن بسفح المقطم، وترك أحد عشر ولدًا، ومنهم: علاء الدين أبو العباس أحمد، وقاضي القضاة بهاء الدين يوسف، وزكي الدين حسين، وشرف الدين إبراهيم، وعز الدين عبد العزيز، وتقي الدين عبد الكريم، وكمال الدين عبد الرحمن، وزينب، وست الحسن، وعائشة، وفاطمة، وقد ذكر الشيخ قطب الدين اليونيني في تاريخه أنه نسب إلى تفضيل علي على عثمان، وهذا غريب جدًا، وإنما اقتدى في ذلك بشيخه ابن عربي، ومن شعره في ذلك بقوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 898 أدين بما دان الرضي ولا أرى ... سواه وإن كانت أمية محتدي ولو شهدت صفين خليلي حيا لا عذرت ... ساء بني حرب هنالك مشهدي. يوسف بن الحسين بن علي ابن قاضي القضاة بدر الدين أبو المحاسن السنجاري الشافعي الزرزاري كان صدرًا محتشمًا وجوادًا ممدحًا مقدمًا في العلماء بتلك البلاد، إمام الملك الأشرف موسى، وهو مباشر مملكته بتلك الناحية، وكان خطيبًا عنده مقربًا لديه، فلما انتقل الأشراف إلى مملكة دمشق نقله إلى قضاء بعلبك والبقاع والزبداني، وكان له نواب في بعضها، يكتب في استخلافه قاضي القضاة، وكان له عمل عظيم وخيل ومماليك كالوزراء والأكابر، ثم عاد إلى بلاده سنجار، فخدم الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الكامل ابن العادل خدمة كبيرة، فلما صار الملك الصالح إلى مملكة الديار المصرية وفد عليه القاضي بدر الدين، فأكرمه إكرامًا زائدًا، وولاه قضاء القضاة بالديار المصرية، وكان من جملة نوابه بالقاهرة شمس الدين ابن خلكان، ودرس بالصالحية، وزر في وقت بمصر مدة، ولم يزل في ازدياد، مع ما ينسب إليه من أكل الرشا من النواب المتحاكمين وغيرهم، إلى أول الدولة الظاهرية، فعزله ولزم بيته محترما مكرمًا معظمًا ذا ثروة ظاهرة كثيرة، قاله الشيخ شهاب الدين أبو شامة حتى توفي في رجب سنة ثلاث وستين وست مائة عن خمس وثمانين سنة، سامحه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 899 المرتبة الثالثة من الطبقة العاشرة من أصحاب الشافعي رضي الله عنه فيها من أول سنة إحدى وسبعين وست مائة إلى آخر سنة ثمانين وست مائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 901 آقوش بن عبد الله الأمير الكبير جمال الدين النجيبي الصالحي النجمي نائب السلطنة المعظمة بدمشق وأعمالها، مولده في حدود سنة عشر وست مائة، وأول تأميره في الدولة الصلاحية النجمية، أعتقه مولاه الملك الصالح نجم الدين أيوب، وأمره، وولاه الاستاذارية، وكان يعتمد عليه لعقله وجزالة رأيه، ولما تسلطن الظاهر ولاه أولا استاذارتيه، ثم استنابه بدمشق تسع وستين ووقف في عيونها المدرسة النجيبية على الشافعية، وكانت دار الوزير صفي الدين ابن مرزوق، فاشتراها منه في المصادرة، وجعلها مدرسة أثابه الله، ثم عزله عن دمشق بعز الدين إيدمر، فانتقل إلى القاهرة المحروسة، وأقام بها معززًا مكرمًا موقرا معظمًا، ثم أصابه الفالج قريبًا من أربع سنين، ولما اشتد مرضه عاده السلطان الملك السعيد، وكان كبير الصدقة والبر محبا للعلماء والفقراء شافعي المذهب، حسن الاعتقاد، قليل الأدب، يكره الشكاوى والمرافعات، حسن الشكل، جهوري الصوت ممتعًا بكثرة الأكل، ولم يرزق ولدا قط وله أوقاف على الحرمين وخانقاه في دمشق، ووقف على عتقائه وغيرهم، وكانت وفاته رحمه الله في ربيع الآخر سنة سبع وسبعين وست مائة، ودفن بمصر نور الله ضريحه، ولما توفي وقعت الحوطة على تركته، والأوقاف التي وقعها، فلما فصل هذا من هذا في الدريس النحيبية في ذي القعدة من السنة المذكورة، فكان أول من درس بها قاضي القضاة شمس الدين ابن خلكان، وذلك بعد عوده إلى القضاء في المرة الثانية كما سيأتي في ترجمته، إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 903 طه بن إبراهيم بن أبي بكر ابن الشيخ كمال الدين أبو محمد الإربلي الفقيه الشافعي الأديب ولد بإربل وانتقل إلى مصر شابا، وسمع من محمد بن عماد، وروى عنه الحافظ شرف الدين الدمياطي وجماعة، وانتفع به خلق، ورووا عنه من شعره، وتوفي وقد نيف على الثمانين في جمادى الأول سنة سبع وسبعين وست مائة بمصر، وهو من الأفراد. عبد الله بن الحسين بن علي ابن الشيخ الإمام مجد الدين أبو محمد الكردي الوزرائي الإربلي الشافعي كان بارعا عارفا بالمذهب خبيرا، بصيرا بعلم القراءات، وهو والد شيخنا الإمام قاضي القضاة شهاب الدين أبي المجد أيده الله تعالى وسدده، أم بالتربة الظاهرية وبالمدرسة القميرية ودرس بالكلاسة، وكان حسن الأخلاق جيد الديانة ذا زهد وتعبد وحسن سمت، سمع الحديث من الحافظ يوسف بن خليل، وتوفي في ذي القعدة سنة سبع وبعين وست مائة. علي بن محمود بن علي القاضي العلامة شمس الدين أبو الحسن الشهرزوري الكردي الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 904 أول من درس بالقميرية حين بناها الأمير ناصر الدين القميري، وجعل تدريسها له ولأولاده من بعده ممن له أهلية، فدرس بها بعده ولده الصلاح، وقد ناب الشيخ شمس الدين في الحكم عن القاضي ابن خلكان، وكان بارعا فاضلا دينا جيد النقل عارفا بالمذهب، له مشاركة في علوم، وقد تكلم في مجلس الملك الظاهر حين عقد بسبب الغوطة، فقال: الماء والكلأ والمرعى لله لا تملك، وكل من بيده ملك فهو له، فبهت السلطان بكلامه وانفصل الحال على ذلك، توفي رحمه الله بالقميرية في شوال سنة خمس وسبعين. عمر بن بندار بن عمر قاضي القضاة كمال الدين أبو حفص التفليسي الشافعي ولد ببلده سنة ثنتين وست مائة تقريبًا وبرع في المذهب، وساد وتقدم، وورد دمشق، فلزم الشيخ أبا عمرو ابن الصلاح، وسمع من ابن اللتي، وولي نيابة الحكم، فأحسن إلى الناس ثم لما قدم هلاوو ولاه قضاء الشام والجزيرة والموصل، وكان معظمًا عندهم لا يخالفونه في شيء، فأحسن أيضًا إلى الناس، ولم يظهر عنه مظلمة ظلم ولا شيء أخذه، بل يسعى في حقن الدماء، ثم ذهب القاضي محيي الدين ابن الزكي، فتولى الحكم بدمشق، وعزله وأخذوا منه تدريس العادلية وولوه قضاء حلب، ثم عزلوه وألزموه بالسير إلى الديار المصرية، فأقام بها يفيد الناس إلى أن توفي سنة ثنتين وسبعين وست مائة في ربيع الأول منها رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 905 عمر بن عبد الوهاب بن خلف قاضي القضاة صدر الدين ابن قاضي القضاة تاج الدين العلامي المصري الشافعي ابن بنت الأعز، كان فقيهًا عارفًا بالمذهب يسلك طريقة والده في التحري والصلابة، وله معرفة بالعربية وفيه دين وتعبد، سمع الحديث من الزكي المنذري، وغيره، وولي قضاء الديار المصرية، ودرس بأماكن، وكان وافر الحرمة له مهابة وجلالة، عديم المزاح بارًا بالفقهاء كثير الصدقة والبر، وتوفي يوم عاشوراء من محرم سنة ثمانين وست مائة عن خمس وخمسين سنة، رحمه الله. محمد بن أحمد بن هبة الله بن الحسن قاضي القضاة شمس الدين أبو بكر ابن قاضي القضاة صدر الدين أبي العباس ابن قاضي القضاة شمس الدين أبي البركات الدمشقي الشافعي ناب عن والده، ثم ولي القضاء بدمشق عند كسرة التتار عند عين جالوت فبقي سنة ثم عزل بابن خلكان، ونقل إلى مصر وصودر، ثم أعيد إلى قضاء دمشق، فمكث أيامًا عقب زوال دولة سنقر الأشقر ولم تتم ولايته، وقد ولي قضاء حلب قبل ذلك، ودرس بأماكن كثيرة وكان موصوفًا بكثرة النقل وجودته وصحته عالي الهمة مشكور الأحكام، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 906 كثير الهيبة، وحدث عن ابن القاسم بن صصرى، وابن ماسوية وغيرهما، توفي في ثامن المحرم سنة ثمانين وست مائة عن سبعين سنة، ودفن بسفح قاسيون، رحمه الله تعالى. محمد بن رزين بن الحسين بن رزين بن موسى بن عيسى بن موسى بن نصر الله قاضي القضاة مفتي الإسلام تقي الدين أبو عبد الله العامري الحموي الشافعي ولد بحماة، وحفظ من التنبيه، ثم انتقل بحفظ الوسيط كله، وحفظ المفصل أيضًا، ورحل إلى حلب ثم عاد إلى بلده، فتصدر للإقراء والاشتغال، وله ثماني عشرة سنة ثم حفظ المستصفى للغزالي رحمه الله، وكتابي عمرو بن الحاجب في الأصول والنحو، ونظر في التفسير وبرع فيه، وشارك في الحديث والمعاني والبيان والمنطق والخلاف، وقدم دمشق فلازم ابن الصلاح وأم بدار الحديث، وقرأ على السخاوي، وسمع الحديث منهما ومن جماعة، وأفتى بدمشق هذه الأيام، ثم ولي وكالة بيت المال في الدولة الناصرية وتدريس الشامية البرانية، ثم انتقل إلى الديار المصرية، فظهرت فضائله واشتغل عليه الطلبة في أيام الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وأعاد بالشافعية، ثم ولي تدريس الظاهرية، ثم ولي القضاء وتدريس الشافعي، وعدة جهات، وامتنع من أخذ الجامكية على القضاء دينا ورعًا، وكان يقصد بالفتاوى من النواحي، وتخرج به جماعة منهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 907 تلميذه قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة، وحدث عنه أيضًا، والحافظ شرف الدين الدمياطي، وجماعة من المصريين، وكن حميد السيرة جميل الذكر رحمه الله توفي في ثالث رجب سنة ثمانين وست مائة. محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك العلامة الأوحد شيخ النحاة جمال الدين أبو عبد الله الطائي الجياني نزيل دمشق الشافعي، ولد سنة ست مائة، وسمع بدمشق من مكرم، وأبي صادق الحسن بن الصباح وأبي الحسن السخاوي وغيرهم، وأخذ العربية عن غير واحد، وجالس ابن عمرون بحلب، وتصدر للإقرار بها، وتقدم وساد في فني النحو والقراءات وحصل منهما شيئًا كبيرًا، وأربى على كثير ممن تقدمه في هذا الشأن مع الدين والصدق وحسن السمت وكثرة النوافل وكمال العقل والوقار والتودد، وأقام بدمشق مدة شيخا بالتربة، العادلية وبجامع دمشق وانتفع به الطلبة وأكابر الفضلاء، وتوفي في ثامن عشر شعبان سنة اثنتين وسبعين وست مائة، وله من المصنفات تسهيل الفوائد، والكافية الشافية وشرحها، والألفية وأشياء كثيرة، وممن روى عنه ولده الإمام بدر الدين، والنعمان بن جعران، وابن أبي الفتح، والشيخ علاء الدين بن العطار وجماعة، رحمهم الله. محمد بن عبد القادر بن ناصر بن الخضر بن علي القاضي شهاب الدين الأنصاري الشافعي ويعرف بابن العالمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 908 كان من الفضلاء الأدباء والفقهاء، رحل في طلب العلم، وولي قضاء بلد الخليل عليه السلام، وكانت أمه عالمة كبيرة القدر تحفظ القرآن، وتعرف شيئًا من الفقه والخطب، وتعرف بدهن اللوز، وقد قامت في عزاء الملك العادل، فقالت، فأحسنت، ولولدها أشعار مليحة، روى عنه ولده قاضي القضاة زين الدين قاضي حلب، ولد سنة ست مائة وتوفي في سنة اثنتين وسبعين وست مائة رحمه الله. نصور بن سليم بن منصور بن فتوح الإمام المحدث الفقيه وجيه الدين أبو المظفر الهمداني الإسكندراني الشافعي محتسب الثغر مدرس الإسكندرية، له مصنفات في فنون من الحديث والتاريخ وأسماء الرجال والفقه، وخرج لنفسه أربعين حديثا عن أربعين شيخا في أربعين بلدا، وتوفي في الحادي والعشرين من شوال سنة ثلاث وسبعين وست مائة. يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين محمد بن جمعة بن حرام الشيخ الإمام العلامة محيي الدين أبو زكريا الحزامي النووي الحافظ الفقيه الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 909 النبيل، محرر المذهب ومهذبه وضابطه ومرتبه، أحد العباد والعلماء الزهاد، ولد في العشر الأواسط من المحرم سنة إحدى وثلاثين وست مائة، ونشأ ببلده نوى، وكان يتوسم فيه النجابة من صغره، وقرأ بها القرآن، وقدم دمشق في سنة تسع وأربعين، وقرأ التنبيه في أربعة أشهر ونصف، وحفظ ربع المهذب في بقية السنة، ولزم شيخه الكمال إسحاق بن أحمد المغربي، وأعاد عنده الجماعة، ومكث قريبًا من سنتين لا يضع جنبه إلى الأرض، وإنما يتقوت بجراية الرواحية التي هو مقيم بها، وحج مع والده في سنة إحدى وخمسين وست مائة من شهر رجب، وحم من أول ليلة خرجوا من نوى إلى يوم عرفة، قال والده: وما تأوه ولا تضجر، ثم عاد إلى دمشق، ولازم شيخه الكمال إسحاق بن أحمد، وكان يقرأ في اليوم اثني عشر درسًا على المشايخ شرحًا وتصحيحًا درسين في الوسيط، ودرسا في المهذب، ودرسا في الجمع بين الصحيحين، ودرسا في أسماء الرجال، ودرسا في صحيح مسلم، ودرسًا في أصول الفقه، تارة في اللمع لأبي إسحاق وتارة في المنتخب للرازي، ودرسًا في أصول الدين. قال: وكنت أعلق ما يتعلق بذلك من الفوائد، قال: وعزمت مرة على الاشتغال بالطب، فاشتريت القانون لأقرأه فأظلم على قلبي وبقيت أيامًا لا أشتغل بشيء، ففكرت فإذا من القانون فبعته في الحال، وأخذ العلم عن جماعة من الشيوخ، وبورك له في وقته رحمه الله وتقبل منه وقد سمع الحديث من جماعة أيضًا منهم الرضي بن برهان الدين سمع عليه جميع صحيح مسلم، والشيخ شمس الدين ابن أبي عمرو ابن الشيخ عماد الدين ابن الحرستاني، وإسماعيل بن أبي اليسر، وسمع صحيح البخاري، ومسلم، وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني، وشرح السنة ومسند الإمام الشافعي، والإمام أحمد، وأشياء كثيرة، ومصنفات عديدة كبيرة. وأخذ علم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 910 الحديث من الزين خالد، وكان يقرأ عليه الكمال الحافظ عبد الغني، وشرح صحيح مسلم، وأكثر صحيح البخاري على الشيخ أبي إسحاق بن عيسى المرادي وعلمه أصول الفقه على القاضي أبي الفتح التفليسي، وتفقه على الكمالين إسحاق المغربي وسلار الأيلي، والإمام شمس الدين عبد الرحمن بن نوح، وعز الدين عمر بن أسعد الإربلي، وقد تفقه به وروى عنه جماعة من أئمة الفقهاء والحفاظ منهم القاضي صدر الدين الداراني، وشيخنا الإمام العلامة علاء الدين بن العطار، وجمع له سيرة، وشيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي، وشيخنا القاضي محيي الدين الزرعي، وشيخنا شهاب الدين الأرندي وشيخنا أمين الدين سالم بن أبي الدرو، وآخر من بقي من أعيان الفقهاء من أصحاب شيخنا القاضي الإمام شمس الدين ابن النسيب قاضي القضاة بحلب أيده الله تعالى، وخلق سواهم كثيرة وجم غفير. وقد انتفع بتصانيفه وتعاليقه أهل المذهب، منها: كتاب الروضة اختصر فيها شرح الرافعي وزاد فيها تصحيحات واختيارات حسان، وشرح ربع المهذب بكتابه المجموع سلك فيه طريقة وسطة حسنة مهذبة سهلة جامعة لأشتات الفضائل، وعيون المسائل، ومجامع الدلائل، ومذاهب العلماء، ومفردات الفقهاء وتحرير الألفاظ، ومسالك الأئمة الحفاظ، وبيان صحة الحديث من سقمه، ومشهوره من مكتمله. وبالجملة فهو كتاب ما رأيت على منواله لأحد من المتأخرين ولا حذا على مثاله متأخر من المصنفين، ومن ذلك: شرح مسلم، جمع فيه مشروحات من تقدم من المغاربة وغيرهم، وزاد فيه ونقص، وكتاب تهذيب الأسماء واللغات، وكتاب المنهاج في الفقه اختصر فيه المحرر وزاد فيه ونقص، وكتاب الإرشاد، وكتاب التقريب والتيسير، وكتاب البيان في آداب حملة القرآن، وكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 911 المناسك، وكتاب الرياض، وكتاب الأذكار، وكتاب الأربعين، وقد سمعناه على شيخنا المزي، وغير ذلك من الفوائد، وله كتاب طبقات الشافعية اختصر فيه كتاب ابن الصلاح، وزاد عليه أسماء نبه على ذيل في كتابه مع أنهما لم يستوعبا أسماء الأصحاب، ولا النصف من ذلك، وهذا هو الذي جرأني على جمع هذا الديوان، وبالله المستعان. وقد كان رحمه الله على جانب كبير من العلم والزهد والتقشف والاقتصاد في العيش والصبر على خشونته، والورع الذي لم يبلغنا عن أحد في زمانه، ولا قبله بدهر طويل، فكان لا يدخل الحمام، ولا يأكل من فواكه دمشق لما في بساتينها من الشبه في ضمانها والحيلة فيه، صرح بذلك، وكان لا يأكل إلا أكلة واحدة في اليوم والليلة بعد عشاء الأخيرة ولا يشرب إلا شربة واحدة عند السحر، ولا يشرب المبرد، ولم يتزوج قط، وكان قليل النوم، كثير السهر في العبادة والتلاوة والذكر والتصنيف، وكان أمارًا بالمعروف نهاء عن المنكر يواجه الأمراء والكبار والملوك بذلك ويصدع بالحق، وقام على الملك الظاهر في دار العدل في قضية الغوطة لما أرادوا وضع الأملاك على بستانها فرد عليهم ذلك، ووقى الله شرها بعد أن غضب السلطان، وأراد البطش به، ثم بعد ذلك أحبه وعظمه حتى كان يقول: أنا أفزع منه. وقد ولي الشيخ محيي الدين مشيخة دار الحديث الأشرفية بعد الشيخ شهاب الدين أبي شامة سنة خمس وستين إلى أن توفي، ولم يتناول من معلومها فلسًا، ولم يقبل لأحد هدية إلا نادرًا وإنما كان يتقوت مما يأتيه من أبيه من نوى كعك وفطير، وكان يلبس ثوبًا حرانيا وعمامة سنجانية، وكان لا يؤبه له بين الناس وعليه سكينة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 912 ووقار، رحمه الله، قال الشيخ علاء الدين بن العطار: سافر الشيخ إلى نوى وزار القدس والخليل وعاد إلى نوى وتمرض عند أبيه إلى أن توفي ليلة أربع وعشرين من رجب سنة ست وسبعين وست مائة، ودفن بنوى، وصلوا عليه بدمشق يوم الجمعة رحمه الله وإيانا، ورثاه غير واحد من الشعراء بِمَرَاثٍ جَمَّةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 913 المرتبة الرابعة من الطبقة العاشرة من أصحاب الشافعي رضي الله عنه فيها من أول سنة إحدى وثمانين وست مائة إلى آخر سنة تسعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 915 أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الجبار بن طلحة بن عمر الفقيه الإمام أمين الدين أبو العباس ابن الأشتري الحلبي ثم الدمشقي الشافعي كان ممن جمع من العلم والعمل والإمامة والإنابة والديانة التامة بحيث إن الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله كان إذا جاء شاب يقرأ عليه يرشده إلى القراءة على أمين الدين الأشتري لعلمه بدينه وعفته، روى الحديث عن أبي محمد بن علوان، والموفق عبد اللطيف، والقاضي أبي المحاسن بن شداد بن روزبة وجماعة، وروى عنه ابن عبد الجبار، والشيخ علاء الدين بن العطار، والحافظ أبو الحجاج المزي، وقال: كان ممن جمع من العلم والعمل، إمامًا عارفًا بالمذهب ورعًا كثير التلاوة بارز العدالة كبير القدر مقبلًا على شأنه، وكان يقرئ الفقه، وله اعتناء بالحديث، وتوفي بدمشق فجأة في ربيع الأول سنة إحدى وثمانين وست مائة، رحمه الله. أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر ابن خلكان قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس البرمكي الإربلي الشافعي ولد بإربل سنة ثمان وست مائة، وسمع بها صحيح البخاري من أبي جعفر بن هبة الله بن مكرم الصوف، وأجاز له المؤيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 917 الطوسي، وعبد العزيز، وزينب الشعرية، وغيرهم، وارتحل إلى الموصل، فاشتغل بها على الكمال بن يونس، ثم قدم حلب، فأخذ عن القاضي بهاء الدين بن شداد، ثم قدم دمشق، ثم صار إلى الديار المصرية، فتأهل بها وناب في الحكم عن القاضي بدر الدين بن السنجاري، ثم قدم الشام على قضائها مستقلًا بالأمور، وذلك في سنة تسع وخمسين، ثم أضيف إليه من المذاهب الثلاثة من كل قاضي، وذلك في سنة أربع وستين، واستمر في الحكم إلى سنة تسع وستين، فعزل بالقاضي عز الدين ابن الصائغ فصار إلى الديار المصرية، واستمر معزولًا سبع سنين، ثم أعيد إلى قضاء دمشق وعزله ابن الصائغ، ودخل ابن خلكان دمشق في أول سنة سبع وسبعين، وتلقاه نائب السلطنة، وأعيان البلد، وكان يومًا مشهودًا، قل أن رئي قاض مثله، وأنشأ ابن مصعب في ذلك: رأيت أهل الشام طرا ... ما فيهم قط غير راض نالهم الخير بعد شر ... فالوقت بسط بلا انقباض وعوضوا فرحة بحزن ... مذ أنصف الدهر في التقاضي فسرهم بعد طول غم ... قدوم قاض وعزل قاضي فكلهم شاكر وشاك ... بحال مستقبل وماض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 918 ، وهذا وإنما قاله الشاعر بحسب حاله، وإلا فكل من القاضيين من خيار عباد الله الصلحاء، وكان ابن خلكان، رحمه الله، عالمًا بارعًا عارفًا بالمذهب وفنونه سديد الفتاوى، جيد القريحة كريمًا وقورًا رئيسًا عارفًا بأيام الناس حسن الذاكرة، حلو المجالسة بصيرًا بالشعر، جميل الأخلاق، له كتاب وفيات الأعيان من أحسن ما صنف في ذلك، ولما سلطن سنقر الأشقر بدمشق في أول الدولة المنصورة، وتلقب بالملك الكامل، وبايعه القضاة والأعيان ثم جاء الأمير علم الدين الحلبي وحاصر دمشق وأخرج منها سنقر الأشقر واسترجع البلد، عزل خلقًا من أرباب المناصب ورسم على القاضي ابن خلكان في الخنانقاه النجيبية وعزله، وولى القاضي نجم الدين ابن سني الدولة، ولزمه بالانتقال من المدرسة العادلية، وألح عليه فأكرى جمالًا لينتقل إلى الصالحية، فورد المرسوم السلطاني بالعفو عمن بايع سنقر الأشقر، واستقرارهم على مناصبهم، ومعاملة القاضي بالإكرام، والاحترام ثم عزل بعد ذلك بالقاضي ابن الصائغ المرة الثانية، واستمر معزولًا وبيده الأمينية والنجيبية إلى أن توفي يوم السبت عشية السادس والعشرين من رجب سنة إحدى وثمانين وست مائة بالمدرسة النجيبية بإيوانها وشيعه خلق كثير، وقد روى عنه قاضي القضاة نجم الدين ابن صصرى وبه تخرج، وشيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي، ومؤرخ الشام الحافظ علم الدين البرزالي وخلق، ومن شعر القاضي شمس الدين ابن خلكان، رحمه الله تعالى: أي ليل على المحب أطاله ... سائق الظعن يوم زم جماله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 919 يزجر العيس طارقا يقطع ... المهمة عسفا سهوله ورماله يسأل الربع عن ظباء المصلى ... ما على الربع لو أجاب سؤاله هذه سنة المحبين تتلى ... على كل منزل لا محاله يا خليلي إذا أتيت إلى الجزع ... وعاينت روضة وتلاله قف به ناشدا فؤادي فلي ... ثم فؤاد أخشى عليه ضلاله رنا علي الكثيب بيت أغض ... الطرف عنه ومهابه وجلاله حوله فتية تهز من الخوف ... عليه ذوابلا عساله كل من جئته لا سأل عنه ... أظهر الغي غيرة وتباله منزل حقه على قديم في ... زمان الصبا وعصر البطالة يا عريب الحمى أعذروني ... فإني ما تجنبت أرضكم عن ملاله لي مذ غبتمو عن العين نار ... ليس تخبوا وأدمع هطالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 920 فصلونا إن شئتم أو فصدوا ... لا عدمناكم على كل حاله. عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع بن ضياء العلامة شيخ المذهب على الإطلاق في زمانه، مفتي الفرق، أحد المجتهدين، فقيه الشام تاج الدين أبو محمد الفزاري البدري المصري الأصل الدمشقي الشافعي، ويلقب بالفركاح، نحيف في رجليه، ولد في ربيع الأول من سنة أربع وعشرين وست مائة، وسمع صحيح البخاري من الزبيدي، وسمع من أبانا وغيره، وسمع أيضًا من مكرم بن أبي الصفر، وابن الصلاح والسنجاري وخلق، وقد خرج له الحافظ علم الدين البرزالي مشيخة عن مائة شيخ في عشرة أجزاء، فسمعها عليه جماعة من الأعيان منهم ابنه شيخنا الإمام العلامة برهان الدين، والشيخ الإمام العلامة أبو العباس تقي الدين ابن تيمية، والحافظ الجهبذ أبو الحجاج المزي، وقاضي القضاة نجم الدين ابن صصرى، والشيخ علاء الدين بن العطار، وعلاء الدين المقدسي، وزكي الدين زكي وآخرون، وتخرج في الفقه أولًا على الشيخ تقي الدين ابن الصلاح، والشيخ عز الدين ابن عبد السلام، فبرع في المذهب سريعًا، وتقدم وساد وتصدر للاشتغال، وهو ابن بضع وعشرين سنة، ودرس في سنة ثمان وأربعين، وأفتى وهو ابن ثلاثين سنة، وأعاد في المدرسة الناصرية الجوانية أول ما بنيت، ودرس في المجاهدية ثم تركها، وولي البادرانية في سنة ست وسبعين، واقتصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 921 عليها وعلى مرتب له في الجامع. وكان فيه كرم زائد، ومواساة وأخلاق جميلة، وعشرة صديقة، فقير النفس رحيب الصدر، له عبارة حسنة جزيلة فصيحة وخطابة بليغة الفوائد الجمة والفنون المهمة، والمصنفات البديعة عالي الهمة كثير الاشتغال والمطالعة، مداوما على الاشتغال في جميع حالاته، وكان محببا إلى النفوس موقرا عندهم لديانته وعفته وفوائده وكرمه وعلمه ورياسته وعقله وفضله وتواضعه ونصحه للمسلمين، ومن جملة مصنفاته كتاب الإقليد علقه على أبواب التنبيه من نظر فيه علم محل الرجل من العلم وأين وصل إليه من مراتبه في تصويره وتعبيره وشهومته وعلو قدره، وكان رحمه الله، لطيف الطبع يميل إلى السماع، ويحضره ويرخص فيه، ورأيت في ذلك شيئًا قد تكلم عليه أباحه بشروط الشأن في حصول تلك الشروط في زماننا اليوم، وله اختيارات في المذهب كثيرة، مشى على أكثرها ولده من بعده، رحمهما الله، وللشيخ رحمه الله فضائل كثيرة ومحاسن غزيرة، وله شعر جيد فمنه: يا كريم الآباء والأجداد ... وسعيد الإصدار والإيراد كنت سعدا لنا بوعد كريم ... لا تكن في وفائه كسعاد ، وقد تخرج به جماعة كثيرون، وأمم لا يحصون من قضاة، وقضاة قضاة، وعلماء، وفقهاء، وسادة، وقادة رءوس، ورؤساء، وأئمة وكبراء، وكان له فنون في الشرعيات من فقه وحديث وتفسير وعلوم الإسلام الشافعية، فرحمه الله، ونور ضريحه، توفي ضحى يوم الاثنين خامس جمادى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 922 الآخرة سنة تسعين وست مائة عن ست وستين سنة، ودفن بمقبرة باب الصغير، وشيعه خلق كثير، وجم غفير، وتأسف الناس عليه وحزنوا حزنا كبير، فإنا لله وإنا إليه راجعون. عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة الله بن المسلم بن هبة الله بن حسان القاضي نجم الدين الجهني بن البارزي الحموي الشافعي قاضي القضاة بحماة ووالد قاضيها المعمر شرف الدين، فسح الله في أجله وختم له بصالح عمله، كان فقيهًا أصوليًا فاضلًا بارعًا إمامًا شاعرًا مطبعا مطيعًا، له معرفة جيدة بالمعقول ومشاركة في الفنون، وسمع الحديث من ابن رواحة، وموسى بن الشيخ عبد القدر الجيلي، وعنه ابنه العلامة شرف الدين، والحافظ أبو العباس بن الظاهري، وولده أبو عمر، وعثمان وجماعة، وكان مشكور السيرة، محبا للفقراء، وافر الديانة، ظاهر الصيانة، درس وأفتى وأفاد وتخرج به جماعة، وصار له تلامذة في المذهب، وعزل عن القضاء قبل موته بسنوات، وتوفي وهو آم بيت الله العتيق بتبوك في ذي القعدة سنة ثلاث ثمانين وست مائة، ونقل إلى المدينة المنورة النبوية، ومن شعره رحمه الله تعالى. إذا شمت من تلقاء أرضكم برقا ... فلا أضلعي تهدأ ولا أدمعي ترقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 923 وإن ناح فوق البان ورقاء حمائم ... سحيرا فنوحي في الدجى علم الورقا فرقوا القلب في ضرام غرامه ... حريق وأجفان بأدمعها غرقا سميري من سعد خذا نحو أرضهم ... ولا تستبعدا نحوها الطرقا وعوجا على أفق توشح شيحه ... بطيب الشذا المسكي أكرم به أفقا فإن به المعنى الذي بترابه ... وذكراه يستشفى لقلبي ويسترقا ومن دونه عرب يرون نفوس من ... يلوذ بمغناهم حلالا لهم طلقا بأيديهم بيض بها الموت أحمر ... وسم لدى هيجانهم تحمل الذرقا وقولا محب بالشآم غدا لقي ... لفرقة قلب بالحجاز غدا ملقى تعلقكم في عنفوان شبابه ... ولم يسل عن ذاك الغرام وقد أنقى وكان يمني النفس بالقول فاغتدى ... بلا أمل إذ لا يؤمل أن يبقى عليكم سلام الله أما ودادكم ... فباق وأما البعد عنكم فما أبقى ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 924 ثم امتدح النبي صلى الله عليه وسلم وذكر جنابه الشريف ووصفه، وذكر فضل الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وله في القلم: ومثقف الحظ يحكي فعل سم ... الخط إلا أن هذا أصغر في رأسه المسود أن أجروه ... في المبيض للأعداء موت أحمر. عبد الكافي بن عبد الملك بن عبد الكافي بن علي القاضي الخطيب المفتي جمال الدين أبو محمد الربعي الدمشقي الشافعي كان بارعًا فاضلًا عارفًا بالمذهب، خطب بدمشق، وناب في القضاء ثم ترك النيابة، واقتصر على الخطابة، وكان للناس فيه اعتقد لدينه وسكونه، سمع من ابن صباح، وابن الزبيدي وابن اللتي وجماعة، وقد خرج له الحافظ الرباني مشيخة سمعها منه الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية، وقاضي القضاة شمس الدين ابن مسلم الحنبلي، مات في سلخ جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وست مائة عن سبع وسبعين سنة، وازدحم الناس على نعشه، رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 925 علي بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن خلف بن نبهان الإمام علاء الدين أبو الحسن ابن الإمام كمال الدين أبي المكارم ابن خطيب زملكان الأنصاري السماكي والد العلامة كمال الدين ابن الزملكاني كان إمامًا جليلًا نبيلًا، حسن الشكل، وافر الحرمة، درس بالأمينية، وتوفي وقد نيف على الخمسين في ربيع الأول سنة تسعين وست مائة. عمر بن إسماعيل بن مسعود بن سعد بن أبي الكاتب العلامة رشيد الدين أبو حفص الربعي الفارقي الشافعي مدرس الظاهرية، كانت له اليد الطولى في التفسير والمعاني والبيان والبديع واللغة والنحو، وانتهت إليه رياسة الأدب في زمانه، ومن قبل ذلك، وامتدح السخاوي ومدحه السخاوي، وله مشاركات جيدة في فنون كثيرة، وباع في الفقه والأصول والطب، خدم في ديوان الإنشاء مدة، ووزر في بعض الدول، وأفتى وناظر ودرس في الناصرية مدة، ثم انتقل إلى تدريس الظاهرية، وألف مقدمتين في النحو كبرى وصغرى، وكان حسن الخط حلو المذاكرة ظريف النادرة كيسًا فطنًا سمع الحديث، وروى عنه من شعره الحافظ الدمياطي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 926 والمزي والبرزالي وجماعة، وجد مخنوقًا ببيت مدرسته في رابع المحرم من سنة تسع وثمانين وست مائة، وقد أخذ ذهبه رحمه الله، وقد كان له شعر رائق فمنه: مر النسيم على الروض البسيم فما ... شككت أن سليمى حلت السلما ولاح برق على أعلى الثنية لي ... فخلت برق الثنايا لاح وابتسما مفتي الحبيبة رواد السحاب فكم ... ظمئت فيك وكم رويت فيك ظما به عهدت الهوى حلوا ومن لنا ... للهو حلوا وذاك الشمل ملتئما والدار دانية والدهر في غسل ... عما يزيد وفي طرف الرقيب عما والشمس تطلع من ثغر وتغرب في ... شعر ويجلو سنا إشراقها الظلما وظبية من ظباء الإنس ما اقتنصت ... ولا استباح لها حرف الرماد حما وطفاء حاجبها قوس وناظرها ... سهم إذا ما دنا طرف إليه رما وجفنها فيه خمر وهو منكسر ... والخمر في القدح المكسور ما علما وقدها ناضر لكنه نضر ... حلو الخبا ثمر التفاح والفما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 927 ولفظها فيه ترخيم فلو نطقت ... يوما لا عصم وافاها وما اعتصما وثغرها يجعل المنظوم منتثرا ... من اللآلي والمنثور منتظما تبسمت فيك عيني وساعدها ... قلبي ولوا ثغر البسيم لما فصار مربعها قلبي ومرتعها ... لي وموردها ومعي الذي انسجما ولم أكن راضيا منها بطيف كرى ... فاليوم من لي به والنوم قد عدما عمر بن يحيى بن عمر بن حمد الشيخ فخر الدين الكرجي نزيل دمشق، صحب الشيخ تقي الدين ابن صلاح، وخدمه وتفقه به وتزوج بابنته، وسمع الحديث من ابن الزبيدي، وابن اللتي، والبهاء عبد الرحمن وجماعة، وحدث ببخارى وكرمان من مسموعاته، وروى عنه: الشيخ علاء الدين بن العطار صحيح البخاري، وسمع منه جماعة، وقد تكلم فيه بعضهم من جهة أنه كان يلحق اسمه في بعض طبقات السماع إلى الاستحالات على القضاة، وذكر أبو عمرو القابل أنه رآه قد ألحق اسم الشيخ زين دين الفارقي في الغيلانيات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 928 على ابن الصلاح، والله أعلم، وكان شيخ الحديث بالمدرسة الظاهرية وبالقلنجية، توفي إلى رحمة الله تعالى يوم توفي الشيخ فخر الدين ابن البخاري المقدسي ثاني ربيع الآخر سنة تسعين وست مائة عن إحدى وتسعين سنة، رحمه الله تعالى. محمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد شمس الدين المقدسي أخو الإمام شرف الدين المقدسي، تفقه وبرع في المذهب ودرس في الشامية البرانية نيابة عن الشيخ تقي الدين ابن رزين، ثم اشترك هو والقاضي عز الدين ابن الصائغ فيها، ثم استقل بها بعده إلى أن مات، وناب في الحكم عن الصائغ، وكان مشكور السيرة متين الديانة ممن جمع بين العلم والعمل، وروى عن السخاوي وغيره، وعنه الحافظ البرزالي، وابن العطار وغيرهما، توفي في ذي القعدة سنة اثنتين وثمانين وست مائة، وقد جاوز الخمسين، رحمه الله. محمود بن عبد الله بن عبد الرحمن العلامة برهان الدين المراغي الشافعي أحد العلماء العباد، والأئمة الزهاد، درس مدة بالفلكية، وأفتى واشتغل بالجامع الأموي مدة طويلة، واستفاد به الطلبة والفضلاء، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 929 وكان له معرفة جيدة بالأصلين والفقه، وعرضت عليه وكالة بيت المال فأباها، ومشيخة الشيوخ فما قبلها، وقضاء القضاة فامتنع لزهده وورعه، سمع الحديث بمدينة حلب من أبي القاسم بن رواحة، وزين الدين ابن الأستاذ، وحدث عنه: الحافظ المزي، والعالم البرزالي، والشيخ علاء الدين بن العطار، قال الشيخ قطب الدين اليونيني رحمه الله: كان لطيف الأخلاق كريم الشمائل، عارفًا بالمذهب والأصول مكمل الأدوات توفي في الثالث والعشرين من ربيع الآخر سنة إحدى وثمانين وست مائة، ودفن بمقابر الصوفية، وله ست وسبعون سنة، رحمه الله تعالى آمين. محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل بن مقلد قاضي القضاة عز الدين أبو المفاخر الأنصاري الدمشقي الشافعي المعروف بابن الصائغ ولد سنة ثمان وعشرين وست مائة، وسمع ابن اللتي، وابن الحميري، ويوسف ابن خليل وجماعة وتفقه على جماعة، ولازم القاضي كمال الدين التفليسي، وصار من أعيان أصحابه، ودرس بالشامية البرانية، مشاركًا للقاضي شمس الدين بن المقدسي، ثم استقل بها ابن المقدسي، وعوض ابن الصائغ بوكالة بيت المال، وذلك بسفارة الصاحب بهاء الدين بن الحسي، وحظي ابن الصائغ عند الصاحب ابن الجني ورفع من قدره، ونوه بذكره حتى آل من أمره أن عزل القاضي شمس الدين ابن خلكان، وولى ابن الصائغ القضاء، وذلك سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 930 تسع وستين، فباشر القضاء، وظهرت منه نهضة وصرامة وقام في الحق وإبطال الباطل، فتربى له بسبب ذلك مبغضون تعصبوا عليه وألهوا وشنعوا وتعاونوا وكذبوا، ثم أعيد ابن خلكان إلى القضاء في أول سنة سبع وسبعين، ففرح كثير من الناس بذلك، وبقي ابن الصائغ على تدريس العذراوية فقط. فلما قدم الملك المنصور دمشق لغزوه حمص سنة ثمانين، أعاد ابن الصائغ إلى القضاء، وعزل ابن خلكان، وبقي بتدريس النجيبية فقط، فعاد القاضي عز الدين إلى عادته فيما كان عليه من إقامة الشرع، وإسقاط الشهود المطعون فيهم، والتنقيب والكشف عن أمور مستورة، فتعاونوا وتساعدوا فيه، ورتبوا أمورًا كبيرة متعددة، وعقدوا له مجالس يطول ذكرها، وكاد الرجل أن يعطب بأكملية، ثم وقى الله شر تلك الناس، وخمد تلك النفوس الثائرة، وكاتب فيه ملك الأمراء حسام الدين لاجين نائب الشام إلى طلب حسام الدين طرنطاي نائب الديار المصرية وتساعدا في الإنهاء إلى السلطان براءة القاضي المذكر، وأنه لم يثبت في قلبه حق، وأنه متعصب عليه، فجاء المرسوم السلطاني بإطلاقه من اعتقاله، ومعاملته بالإكرام والاحترام، فأخرج من القلعة المنصورة بعد ما مكث فيها أيامًا وأحيط على حواصله وأملاكه، ففرج الله عنه هذه الكربة بسبب سؤاله الله ربه، وذهب إلى ملك الأمراء فسلم عليه، وإلى قاضي القضاة بهاء الدين ابن الزكي، ونزل بداره بمدرسة النخاسة، ثم انتقل إلى بستانه بحمص إلى أن توفي في تاسع ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وست مائة، وقد جمع أهله عند احتضاره، وتوضأ وصلى بهم، وقال: هللوا معي وبقي يهلل معهم ساعة حتى توفي وذكروا أن آخر كلامه لا إله إلا الله، فرحمه الله آمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 931 محمد بن عبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الخطيب محيي الدين أبو حامد ابن الخطيب عماد الدين ابن قاضي القضاة ابن الحرستاني الشافعي الدمشقي خطيبها، ومدرس الغزالية والمجاهدية، كان صينا فقيهًا نبيها فاضلًا شاعرًا مجيدًا بارعا ملازمًا منزله فيها عبادة وتنسك وانقطاع، طيب الصوت في الخطبة، عليه روح بسبب تقواه، أجاز له جده والمؤيد الطوسي، وزينب السعدية، وأبو روح الهروي، وسمع من زين الأمناء، وابن صباح، وابن الزبيدي، وابن ماسويه وجماعة، وعنه: ابن العطار والبرزالي وجماعة، توفي في ثامن عشر جمادى الآخرة سنة ثنتين وثمانين وست مائة ودفن بقاسيون، رحمه الله. محمد بن محمود بن محمد بن عبد الكافي العلامة شمس الدين أبو عبد الله الأصبهاني شارح المحصول في أصول الفقه، قدم الشام بعد سنة خمسين وست مائة، وناظر، واشتهرت فضائله في الأصلين والمنطق والخلاف، وله كتاب القواعد في هذه الفنون الأربعة، وله معرفة جيدة بالنحو، والأدب، والشعر، ودراية بالمعقولات، وورد ديار مصر، فتولى قضاء قوص، ثم قضاء الكرك، ثم عاد إلى مصر، فأعاد وأفاد، وولي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 932 تدريس الصالحية، ثم المشهد الحسيني، ثم تدريس الشافعي وتخرج به الطلبة، وكتب عنه الحافظ علم الدين البرزالي وغيره، وتوفي بالقاهرة في العشرين من رجب سنة ثمان وثمانين وست مائة عن ثنتين وسبعين سنة، رحمه الله. يوسف بن يحيى بن محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز بن علي بن الحسن بن محمد عبد الرحمن بن الوليد بن القاسم الفقيه الإمام قاضي القضاة بهاء الدين أبو الفضل ابن قاضي القضاة محيي الدين أبي الفضل القرشي الدمشقي الشافعي الركوي ومولده في ذي القعدة سنة أربعين وست مائة، وكان جليلًا نبيلًا وسيمًا جسيمًا ذكيا سريا كامل الرئاسة، وافر العلم بارعًا في أصول الفقه، بصيرًا بالفقه فصيحًا بليغًا مفوهًا، حسن الشكل، تام القامة، له حظ في المناظرات، وحل المشكلات، سريع الحفظ يدرس الدرس الجيد المفنن من نظرة واحدة، وله مع ذلك دروس متعددة، وله معرفة بالأخبار والأدب، كريمًا حسن المذاكرة والمعاشرة، وكان أفضل أهل بيته، سمع ابن رواج، وابن الحري وغيرهما، وسمع منه: الحافظ علم الدين البرزالي، واشتغل بالمعقول على القاضي كمال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 933 الدين التفليسي، وكانت ولايته للقضاء بعد ابن الصائغ في سنة ثنتين وثمانين، وتوفي في حادي عشر ذي الحجة سنة خمس وثمانين وست مائة، وولي بعده ابن الحري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 934 المرتبة الخامسة من الطبقة العاشرة من أصحاب الشافعي رضي الله عنه فيها من أول سنة إحدى وتسعين وست مائة إلى آخر سنة سبع مائة ولله الحمد والمنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 935 أحمد بن إبراهيم بن عمر بن الفرج بن أحمد بن سابور بن علي بن غنيمة الإمام المقرئ الواعظ المفسر الخطيب شيخ المشايخ عز الدين أبو العباس الفاروقي الواسطي الشافعي الصوفي ولد بواسط سنة أربع عشرة وست مائة، قرأ القراءات على والده وغيره، وقدم بغداد سنة تسع وعشرين، فسمع بها من ابن الزبيدي، وابن اللتي، وعمر ابن كرم وجماعة، ومن الشيخ شهاب الدين السهروردي ولبس منه خرقة التصوف، وسمع بواسط وأماكن أخر، واستمع الكثير بالحرمين، والعراق، ودمشق، وكان قدومه إلى دمشق سنة تسعين من الحجاز الشريف فولي بها مشيخة دار الحديث الظاهرية، وإعادة الناصرية، وتدريس النجيبية، ثم ولي خطابة البلد بعد زين الدين بن المرجل، وكان خطيبًا بليغًا، فإذا نزل وصلى ربما خرج بالخلعة السوداء، وشيع الجنائز وزار بعض أصحابه من الأكابر وهو لابسها، وكان إمامًا بارعًا فاضلًا فقيهًا مقربًا حسن الاعتقاد، جيد الديانة ظريفًا حلو المجالسة لطيف الشكل صغير العمامة، يرتديها على ظهره، وكان كثير الاشتغال والعبادة، عنده كتب كثيرة جدًا نحو من ألفي مجلدا أو أكثر، ذا مال جزيل وكرم وسعة صدر، ووجاهة عند الأكابر والأمراء سيما عند نائب السلطنة الشجاعي، فاتفق أنه عزل عن الخطابة بموفق الدين بن حبيش الحموي فتألم لذلك، وترك الجهات، وأودع بعض كتبه، وسار مع ركب الشامي إلى الحجاز، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 937 ورجع من ركب العراق إلى واسط، فمات بها في بكرة يوم الأربعاء مستهل ذي الحجة سنة أربع وتسعين وست مائة، وَصُلِّيَ عليه بدمشق صلاة الغائب بعد سبعة أشهر، رحمه الله تعالى. أحمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد ابن الإمام العلامة أقضى القضاة خطيب الخطباء شرف الدين أبي العباس النابلسي المقدسي الشافعي بقية الأعلام ولد سنة اثنتين وعشرين وست مائة تقريبا بالقدس الشريف إذ أبوه خطيبها، وسمع الحديث من ابن الصلاح، والسخاوي وجماعة، وأجاز له الشيخ شهاب الدين السهروردي، والشيخ ابن عبد السلام، وأبو علي ابن الجواليقي، وتفقه على الشيخ عز الدين بن عبد السلام بالقاهرة، وجالس أمير المؤمنين الحاكم، واشتغل عليه الخليفة في العلم والأدب مدة، وكان إمامًا في الفقه، وأصول الفقه، والعربية، والنظر، حاد الذهن، سريع الفهم، قوي الكتابة، متواضعًا متنسكًا كيسًا، حسن الأخلاق، لطيف الشمائل، طويل الروح على الاشتغال، متين الديانة، حسن الاعتقاد، سلفي الطريقة انتهت رياسة المذهب إليه بعد الشيخ تاج الدين، وتخرج به جماعة، وأذن لجماعة في الفتوى، وعندي بخطه مصنف له في أصول الفقه جيد جدا، سمعت شيخنا العلامة برهان الدين الغزاوي يثني على هذا الكتاب كثيرًا مرارًا، وكان يقرأ عليه فيه بعض الطلبة، وأنا أسمع فيستحسنه، وكان الشيخ شرف الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 938 المقدسي له حلقة عند باب الغزالية يشتغل فيها، ودرس بالشامية الكبرى، وولي مشيخة دار الحديث النورية، وناب في الحكم عن ابن الخويي، وكان نظيره في الفضائل، وخطب بجامع دمشق مدة من إنشائه، ثم مات حميدًا سعيدًا في رمضان سنة أربع وتسعين وست مائة، وقد نيف على السبعين، رحمه الله. أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم محب الدين أبو العباس الطبري المكي الشافعي مصنف الأحكام المبسوطة أجاد فيها، وأكثر وأطنب، وجمع الصحيح والحسن، ولكن ربما أورد الأحاديث الضعيفة، ولا ينبه على ضعفها، وكان فقيهًا بارعًا محدثًا حافظًا، درس وأفتى، وكان شيخ الشافعية هناك، ومحدث الحجاز في زمانه، وهو والد قاضي القضاة كمال الدين محمد، وجد القاضي نجم الدين الحاكم بها، وكان مولده سنة خمس عشرة وست مائة، وسمع الحديث من ابن المقير، وشعيب الزعفراني، وابن الجميزي، والمرسي وغيرهم، عنه: الحافظ شرف الدين الدمياطي، والبرزالي، وابن العطار وغيرهم، وتوفي في جمادى الآخرة سنة أربع وتسعين وست مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 939 أحمد بن فرح بن أحمد بن محمد الفقيه الإمام المحدث الحافظ شهاب الدين أبو العباس اللخمي الإشبيلي الشافعي ولد ببلده سنة خمس وعشرين وست مائة، وأسره الفرنج سنة ست وأربعين، وتخلص منهم، فورد الديار المصرية سنة بضع وخمسين، فتفقه بها على الشيخ عز الدين بن عبد السلام قليلًا، ثم صار إلى دمشق، فنزل بالشامية البرانية فقيهًا مقيمًا، وسمع الحديث من جماعة، وعني بالحديث وأتقن ألفاظه ومعانيه وفقهه حتى صار من أئمة هذا الفن مع الديانة والورع وحسن السمت والعبادة والصدق والأمانة وملازمة الاشتغال، وكانت له حلقة يشتغل بها بجامع دمشق أول النهار، وقد عرضت عليه مشيخة دار الحديث النورية فامتنع، وكان رجلًا مهيبًا تام القامة في زي الصوفية، وله كتابة صحيحة لكتب كثيرة كبار وصغار، وله شعر جيد، من ذلك قصيدة نحو عشرين بيتًا في أنواع الحديث، سمعناها من بعض أصحابه أولها: غرامي صحيح والرجاء فيك مفضل ... وحزني ودمعي مرسل ومسلسل ، وقد سمعها منه: الحافظ شرف الدين الدمياطي والبونيبي سنة بضع وستين، وممن سمع منه: الحافظ علم الدين البرزالي، والمقاتلي، وأبو محمد بن أبي الوليد، وكان من أكبرهم له، توفي بتربة أم الصالح ليلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 940 الأربعاء تاسع جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وست مائة، ودفن بمقابر الصوفية، وشيعه خلق كثير، رحمه الله تعالى. أحمد بن محسن بن مكي بن حسن بن عتيق بن ملي البارع المتفنن نجم الدين بن ملي الأنصاري البعلبكي الشافعي المتكلم ولد ببلده سنة سبع عشرة وست مائة، وسمع الحديث من البهاء عبد الرحمن، وأبي المجد القزويني، ولد ببلده، واشتغل بدمشق في العربية على أبي عمرو بن الحاجب، وأخذ الفقه عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وأخذ علم الحديث عن الحافظ زكي الدين المنذري، وكان من أذكياء الناس، وفضلائهم، وتقدم في علوم كثيرة وناظر، وكان ذا عبارة وقدرة على المجادلة إلا أنه كان متهمًا في دينه بترك بعض الصلوات، والمحافظة على تكرار علوم الأوائل ومباطنة الروافض، والكلام في الصحابة رضي الله عنهم، حكى ذلك عنه شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي، فسح الله في مدته، قال: وبلغني عنه عظائم، ومات في جمادى الأولى سنة تسع وتسعين وسبع مائة بقرية نخعون من جبل الطين، فنسأل الله حسن العافية إنه كريم وهاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 941 جعفر بن محمد بن عبد الرحيم بن أحمد بن مجون بن محمد بن حمزة العلامة ضياء الدين أبو الفضل الصعيدي الشافعي أحد الأعيان، كان بارعا في المذهب مناظرا، درس بمشهد الحسين وبمدرسة ابن النجار، وأفتى بصنعاء أربعين سنة على السداد، ومات في ثاني عشر ربيع الأول سنة ست وتسعين وست مائة بمصر، رحمه الله تعالى. عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن خلف بن بدر العلامي قاضي القضاة تقي الدين أبو القاسم ابن بنت الأعز بالديار المصرية تفقه على والده، وعلى الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وسمع الحديث من الرشيد العطار وغيره، وكان فقيها إماما بارعا سديد الأحكام رئيسا متواضعا، ولي الوزارة في وقت، فاستعفى من ذلك، ودرس بأماكن كثيرة، وولي مشيخة سعيد السعداء، وقضاء القضاة، وكان فصيحا بليغا شاعرا ماهرا، روى عنه الشيخ شرف الدين الدمياطي شيئًا من شعره، وتوفي كهلا في سادس عشر جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وست مائة، وولي بعده العلامة تقي الدين ابن دقيق العيد، إنما يقال: ابن بنت الأعز نسبة إلى جدهم الأعز وزير الكامل ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 942 العادل، وهو جد القاضي تاج الدين عبد الوهاب لأمه، وعلامة بالتخفيف قبيلة من لخم، والله علم. عبد الرحيم بن عمر بن عثمان جمال الدين أبو محمد الباجربقي الموصلي الشافعي أحد الفقهاء النقالين والمبرزين المحققين، كان ملازمًا لشأنه حافظًا للسانه، وورد دمشق فتصدر للاشتغال بالجامع الأموي، واستنابه خطيبها في الخطابة ودرس في الغزالية أيضًا على وجه النيابة، ودرس بالفتحية من نواحي باب نوما، وقد نظم كتاب التعجيز وجعله مرموزا، وحدث بجامع الأصول من الكتاب عن مصنفه، وكان يحافظ على الصلاة في الجامع، كثير التلاوة والذكر منقبضًا عن الناس على طريقة واحدة، وهو والد الشمس محمد الباجربقي حتى رمي بالعظائم، ويحكى عنه ما لا يجوز نقله، فنسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة، توفي جمال الدين الباجربقي في خامس شوال سنة تسع وتسعين وست مائة، وصلي عليه عقب الجمعة بالجامع الأموي، رحمه الله تعالى. عبد اللطيف ابن الشيخ عز الدين بن عبد المعز بن عبد السلام السلمي الدمشقي الشافعي ولد سنة ثمان وعشرين وست مائة، وسمع علي بن اللتي، وطلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 943 الحديث بنفسه، وتفقه وقرأ على الشيوخ، وكان أفضل إخوته، وكان يعرف تصانيف والده معرفة حسنة، وتوفي بالقاهرة في ربيع الآخر سنة خمس وتسعين وست مائة. عمر ابن القاضي سعد الدين بن عبد الرحمن ابن إمام الدين عمر بن أحمد بن محمد قاضي القضاة إمام الدين التميمي العجلي القزويني الشافعي ولد بتبريز سنة ثلاث وخمسين وست مائة، واشتغل ببلاد العجم والروم، وورد دمشق في الدولة الأشرفية، وفي صحبته قاضي القضاة جلال الدين، فأكرم مورده وعومل بالإكرام والاحترام، ودرس في عدة مدارس بالشام، ثم تولى القضاء في سنة ست وتسعين، وعزل ابن جماعة، فشكرت سيرته، وحمدت أيامه لعقله وعلمه وديانته وفضائله ورياسته، ثم لما وقعت كاينة العدو المخزول في سنة تسع وتسعين، ارتحل مع الناس إلى الديار المصرية، فلم يقم بها إلا جمعة حتى توفي في الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة تسع وتسعين، وست مائة، وشيعه الناس، رحمه الله تعالى. عمر بن مكي بن عبد الصمد الشيخ الإمام زين الدين بن المرحل الشافعي خطيب دمشق ووكيل بيت المال بها، تفقه على الشيخ عز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 944 الدين بن عبد السلام، وقرأ علم الكلام وأصول الفقه على الشمس الخسروشاهي وغيره، وكان مع ذلك يتمسك بطريقة السلف الصالح ودرس وأفتى، وكانت له فنون يتقنها، وهو من أعيان فضلاء وقته وعلمائهم، وهو والد العلامة صدر الدين ابن الوكيل، توفي إلى رحمة الله تعالى ليلة السبت الثالث والعشرين من ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وست مائة، وصلى عليه الشيخ عز الدين الفاروقي الذي ولي الخطابة بعده، ودفن بمقبرة الباب الصغير، رحمه الله تعالى. فضل الله ابن إمام الدين محمد بن أحمد بن محمد القاضي بدر الدين التميمي العجلي القزويني مفيد الطلبة ببلاده بربر وغيرها، كان محفوظه الوجيز يكرر فيه إلى زمن الشيخوخة، وولي قضاء نيسابور من بلاد الروم، وقدم دمشق للحج، فنزل بتربة أم الصالح عند ابني أخيه القاضيين إمام الدين، وجلال الدين، فلم يمكنه الذهاب للضعف والمرض، واتصل به إلى أن مات في ربيع الآخرة سنة ست وتسعين وست مائة، وشيعه الخلق من الأكابر والرؤساء، رحمه الله تعالى. محمد بن أحمد بن خليل بن سعادة بن جعفر قاضي القضاة صدر العلماء شهاب الدين أبو عبد الله ابن قاضي القضاة شمس الدين الخويي الشافعي قاضي دمشق وابن قاضيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 945 مولده سنة ست وعشرين وست مائة، فإن والده مات وهو ابن إحدى عشرة سنة، فأقام بالعادلية ولزم الدرس والاشتغال حتى حفظ كتبًا كثيرة وعرضها وتثبت وتميز على أقرانه وسمع الحديث من ابن اللتي، وابن الصلاح، والسخاوي وجماعة، وأجاز له خلق، وخرج له الحافظ تقي الدين عنه معجمًا من الحفاظ والفقهاء، وقد درس في شبيبته في المدرسة الدماغية، وحدث بمصر ودرس وروى عنه جماعة من الحفاظ، ثم ولي قضاء القدس قبل وقعة هلاوو، ثم حمل إلى القاهرة وتدرس، ثم ولي قضاء المحلة والبهنسا، ثم قلد قضاء حلب، ثم عاد إلى قضاء المحلة، ثم ولي قضاء القاهرة، والوجه البحري، ثم ولي قضاء القضاة بالشام بعد القاضي بهاء الدين ابن الزكي فاجتمع الفضلاء عليه، ولاذوا به لفضائله المتعددة، وفواضله المزيدة وذهنه الثاقب، وثمر فكره المتراكب، وقد صنف في فنون كثيرة، فمنها كتاب ضمنه عشرين علمًا، وكان له نظر جيد في المعقولات، ومع هذا له اعتقاد سليم على طريقة السلف، وله شرح الفصول لابن معطرة، ونظم علوم الحديث لابن الصلاح، والفصيح لثعلب، وشرح خمسة عشر حديثًا من أول كتاب الملخص للقابسي فلو أتمه لكان غاية مرجحا على التمهيد لأبي عمر بن عبد البر، وكان رحمه الله حسن الأخلاق، حلو المجالسة دينا متصوفًا، حسن الهيئة، ربعة من الرجال، أسمر مهيبًا كبير الوجه، فصيح العبارة، مستدير اللحية قليل الشيب، توفي في بستان صيف بالشام يوم الخميس الخامس والعشرين من رمضان سنة ثلاث وتسعين وست مائة، وصلى عليه بالجامع المظفري بين الصلاتين، ودفن عند والده بالجبل رحمهما الله، قال الحافظ أبو الحجاج المزي: كان أحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 946 الأئمة الفضلاء في عدة علوم، وكان حسن الخلق، كثير التواضع، شديد المحبة لأهل العلم، رحمه الله تعالى. محمد بن سالم بن نصر الله بن سالم بن واصل الحاكم بحماة أحد الأعلام وأذكياء العالم، وممن حصل علومًا جمة متعددة، وصنف وأفتى ودرس وناظر دهرًا، واشتهر اسمه وبعد صيته، وداوم على الاشتغال إلى آخر تاريخ حتى غلب عليه الفكر بحيث كان يذهل عمن يجالسه وعن أحوال نفسه، وتوفي يوم الجمعة الثاني والعشرين من شوال سنة سبع وتسعين وست مائة، رحمه الله تعالى. محمد بن عبد السلام ابن المطهر ابن العلامة أبي سعد بن أبي عصرون الشيخ الإمام المسند تاج الدين أبو عبد الله التميمي الشافعي ولد في المحرم سنة عشر وست مائة، وبها نشأ واشتغل وحصل، وسمع الحديث من والده وابن رورنه، ومكرم بن أبي الصفر، والعز بن رواحة وجماعة، وأجاز له المؤيد الطوسي وخلق، وقدم دمشق فدرس بالشامية الجوانية، وكان يدرس درسًا مفيدًا ويورده إيرادًا حسنًا، وكان فيه جودة وتواضع ورياسة، وحدث بكتب كثيرة بصحيح مسلم والموطأ وغيرهما، وتوفي في سلخ ربيع الأول سنة خمس وتسعين وست مائة، ودفن بتربتهم عند حمام النحاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 947 من سفح قاسيون رحمه الله تعالى. الشيخ الإمام العلامة حامل لواء الشافعية في عصره نجم الدين أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع بن حازم بن إبراهيم بن العباس الأنصاري البخاري المصري المشهور بالفقيه ابن الرفعة أحد أئمة الشافعية علما، وفقها، ورياسة، شرح التنبيه شرحا حافلا لم يعلق على التنبيه نظيره، وكذلك شرح الوسيط وأودعه علومًا جمة ونقلا كثيرا ومناقشات حسنة بديعة، وهو شرح بسيط جدا، ولم يكمل سماع الحديث من أبي الحسن علي بن نصر الله ابن الصواف، والمقري محيي الدين عبد الرحيم بن عبد المنعم بن الدميري، وحدث بشيء من تصنيفه في أمر الكنائس وتخريبها، وولي حسبة الديار المصرية ودرس بالمعزية بها، وكان مولده في سنة خمس وأربعين وست مائة، وتوفي في الثاني عشر من رجب سنة عشر وسبع مائة، رحمه الله تعالى. عبد الله بن مروان بن عبد الله بن مسر بن الحسن الفارقي هو الشيخ الإمام العالم خطيب الشام مفتي المسلمين أبو عبد الله محمد الفارقي شيخ دار الحديث الأشرفية بعد النووي، وكان مولده بدمشق سنة ثلاث وثلاثين وست مائة، وسمع الحديث من علم الدين السخاوي، والشيخ تقي الدين ابن الصلاح، وابن رواحة، وابن خليل، وكريمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 948 القرشية، وشيخ الشيوخ ابن حمويه، والضياء المقدسي وجماعة، واشتغل بالفقه على مذهب الشافعي عند جماعة من المشايخ، وأفتى ودرس بالناصرية الجوانية، وبالشامية البرانية، وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية بدمشق بعد النووي، واستمر فيها سبعا وعشرين سنة، وولي الخطابة قبل وفاته بتسعة أشهر، وكان ذا وقار وهمة عالية وتصميم، وكان يلازم الصلوات في الجامع، ولا يتردد إلى أحد، وكان حسن المفاكهة والمحاضرة، توفي بدار الخطابة من جامع دمشق في عصر يوم الجمعة الحادي والعشرين من صفر سنة ثلاث وسبع مائة، وصلى على باب دار الخطابة في الجامع، ودفن بفسح قاسيون، وهو الذي جدد عمارة دار الحديث بعد خرابها في سنة قازان، أثابه الله ورحمه آمين. عبد الله بن عمر بن أبي الرضا الشيخ الإمام العلامة نصير الدين أبو بكر الفاروثي وفاروث من عمل شيراز، ثم البغدادي شيخ المنتصرة وغيرها من المدارس الكبار، قال الحافظ البرزالي: قدم علينا دمشق في رمضان سنة سبع وسبعين وست مائة، وكان يعرف الفقه والأصلين والعربية والأدب، وكان جيد المناظرة، وأرخ وفاته سنة ست وسبع مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 949 عبد العزيز بن محمد بن علي ابن الشيخ الإمام العالم ضياء الدين أبو محمد الطوسي قال البرزالي: كان شيخا فاضلًا شرح الحاوي في الفقه، والمختصر في الأصول وأعاده مدة في الباذرائية وبالناصرية، ودرس بالنجيبية، ومات بها في أول نهار الأربعاء التاسع والعشرين من جمادى الأولى سنة ست وسبع مائة عقيب خروجه من الحمام، ودفن من الغد بمقابر الصوفية، رحمه الله تعالى. عبد الكريم بن علي بن عمر الأنصاري الإمام العلامة أحد مشايخ الشافعية فقها وتفسيرا ونحوًا وأصولا وعلم الدين، ويعرف بالعراقي، نسبة إلى جده لأمه فخر الدين العراقي لإقامته بالعراق، ليتفقه بها مدة، ثم عاد إلى مصر، توفي علم الدين هذا بمصر في سابع صفر سنة ثلاث وسبع مائة، قال الحافظ علم الدين البرزالي: وكان شيخًا فاضلًا مدرسًا يعرف التفسير وغيره من العلوم، وأقرأ الناس مدة، وجاوز الثمانين، وكان والده من أهل الأندلس من بلدة بقرب غرناطة، وذكر لي قاضي القضاة تقي الدين السبكي: أنه كان بارعًا في علم التفسير جدا، وله فنون أخر، وأثنى عليه ثناء حسنًا ومدحه بالفضائل الجمة، وذكر أنه أخذ عنه العلم، وقال غيره: كانت فيه دعابة كثيرة، وله مصنفات في التفسير والأصول وغير ذلك، رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 950 عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف بن الخضر بن موسى الحافظ أبو محمد الدمياطي شيخ المحدثين وإمام اللغويين في زمانه ولد في أواخر سنة ثلاث عشرة وست مائة بتونة بليدة في بحيرة تنيس من عمل دمياط، واشتغل بدمياط، وتفقه وقرأ الفرائض، ثم طلب الحديث بنفسه، فكان أول سماعه سنة ست وثلاثين وست مائة بالإسكندرية، سمع من نحو عشرين شيخًا من أصحاب السلف، ثم رحل إلى دمشق سنة خمس وأربعين، فسمع على أصحاب ابن عساكر، ثم رحل إلى العراق، فأدرك أصحاب شهدة وابن شاتيل، ثم رجع إلى الديار المصرية وقد حصل سماعًا كثيرًا فصنف وجمع، وألف المؤلفات الكبيرة الفائقة، ورحل الطلبة إليه من الأقطار، وتصدى لفن الحديث واللغة، وكان غاية فيهما، لا سيما في اللغة والأنساب، وولي المناصب الحديثية، قال الحافظ البرزالي: وكان آخر من بقي من الحفاظ وأهل الحديث أصحاب الرواية العالية والدراية الوافرة، ومات رحمه الله فجأة لم يحصل له مرض، بل حضر الميعاد وأصابه عقب ذلك غشي، فحمل إلى منزله، فمات ساعته بالقاهرة يوم الأحد خامس عشر ذي القعدة سنة خمس وسبع مائة، ودفن في الغد بمقابر باب النصر، رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 951 ابن دقيق العيد هو الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام قاضي القضاة تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري الشافعي أحد علماء وقته، بل أجلهم وأكبرهم علمًا ودينًا وورعًا تقشفًا ومداومة على العلم في ليلة ونهاره مع كبر السن والشغل بالحكم، وله التصانيف المشهورة، والعلوم المذكورة، ولد بمدينة ينبع من أرض الحجاز في يوم السبت الخامس والعشرين من شعبان سنة خمس وعشرين وست مائة، ونشأ بديار مصر، واشتغل أولا بمذهب الإمام مالك، ودرس فيه بمدينة قوص، ثم تمذهب للشافعي رحمه الله، حصل فيه الغاية دراية ونقلا وتوجيها، وبرع في علوم كثيرة لا سيما في علم الحديث، فاق فيه أقرانه، وبرز على أهل زمانه، ورحل إليه الطلبة من الآفاق، ووقع على علمه وورعه وزهده الاتفاق، وكانت وفاته يوم الجمعة الحادي عشر من شهر صفر سنة ثلاث وسبع مائة بالقاهرة، ودفن بالقرافة الصغرى. الشيخ الإمام العالم عز الدين الحسن بن الحارث بن الحسن بن خليفة بن نجا بن الحسن بن محمد بن مسكين القرشي الزهري وكان من أعيان الشافعية بالديار المصرية، وكان مدرسًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 952 بالمدرسة المجاورة لضريح الإمام الشافعي، وروى شيئًا عن الرشيد العطار، وكان عين لقضاء دمشق، فامتنع لمفارقة الوطن، توفي في ليلة السبت ثامن جمادى الأولى سنة عشر وسبع مائة. الإمام العلامة بدر الدين أبو البركات عبد اللطيف ابن قاضي القضاة تقي الدين محمد بن الحسين بن رزين الحموي الشافعي كان من صدور الفقهاء، وأعيان الرؤساء، وسادات الفقهاء وأحد المذكورين في الفضلاء، أعاد عند والده وهو ابن عشرين سنة، وأفتى وناب في الحكم عن والده بالقاهرة، وولي قضاء العسكر المصري في حياة والده، ودرس بالظاهرية والسيفية والأشرفية، وخطب بالجامع الأزهر، وكان له اعتناء جيد بالحديث، ويلقي الدروس منه ومن التفسير والفقه وأصوله، وله اعتناء بالسماع والرواية، سمع بدمشق والقاهرة عن جماعة، وروى عن عثمان ابن خطيب القرافة، مولده سنة تسع وأربعين وست مائة، وتوفي يوم الأحد الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة عشر وسبع مائة، رحمه الله تعالى. الإمام عز الدين عبد العزيز بن عبد الجليل النمراوي المصري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 953 أحد الفضلاء المناظرين من الشافعية، أفتى ودرس وناظر بين يدي العلامة ابن دقيق العيد، والعلامة صدر الدين ابن الوكيل، فاستجاد ابن دقيق العيد بحثه، ورجحه في ذلك البحث على ابن الوكيل، فارتفع قدره من يومئذ، وصحب نائب السلطنة الأمير سيف الدين سلار، فازداد وجاهة في الدنيا بذلك، وكانت وفاته ليلة الأربعاء تاسع ذي القعدة سنة عشر وسبع مائة بالديار المصرية. أحمد بن إبراهيم بن سباع ضياء العلامة شرف الدين أبو العباس الفزاري خطيب دمشق ومحدثها وأحد أئمتها وعلمائها في فنون من العلوم من القراءات، والحديث، والفقه، والنحو، والعربية، وأحد الفصحاء البلغاء والسادة الخطباء، كان مولده في عاشر رمضان سنة ثلاثين وست مائة، فطلب الحديث بنفسه، وقرأ الكثير من الكتب والأجزاء، وسمع من السخاوي، وابن الصلاح، وإبراهيم الخشوعي، وابن خالد، وابن عبد الدائم وجماعة، وكان شيخ النحو بالناصرية، وشيخ القراءة بالتربة العادلية وإمامها أيضًا، ودرس بالمدرسة الطيبية، وناب عن أخيه العلامة تاج الدين الفزاري، وابن أخيه شيخنا برهان الدين، وكان شيخ الرباط الناصري مدة، ثم ولي خطابة جامع جراح، ثم انتقل إلى خطابة دمشق، قال الحافظ البرزالي: وكان من أعيان الفضلاء، حسن الخلق، لطيف السلام، كثير التودد، لا تمل مجالسته، عديم المثل في فنونه، ولم يزل محببا إلى الناس قريبا إلى قلوبهم، وتوفي عشية يوم الأربعاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 954 التاسع عشر من شوال سنة خمس وسبع مائة، رحمه الله، وصلي عليه صبيحة يوم الخميس بجامع دمشق، وسوق الجبل، ودفن بمقابر باب الصغير، عند أبيه وأخيه. صالح بن ثافر بن حامد بن علي القاضي الإمام تاج الدين أبو محمد الجعبري الشافعي له فضائل وعلوم متنوعة، وله يد طولى في الفرائض، وله فيها نظم حسن، وولي الحكم في أماكن متعددة، ومكث قريبا من خمسين سنة حاكما، وكان آخر أمره في نيابة الحكم العزيز بدمشق، وناب عن الخطيب أيضا، وأعاد في المدارس، وكانت له ديانة ظاهرة وسلوك، وكان مشكور السيرة دربا في الأحكام، حسن الشكل، وسمع الحديث من الحافظ يوسف بن خليل، وأخيه وجماعة، وخرجت له مشيخة، وعاش في خير ديانة وعفة وسكينة وحرمة ونزاهة، وتوفي بدمشق في يوم الاثنين سادس عشر ربيع الأول سنة ست وسبع مائة، ودفن بسفح قاسيون، وكان مولده تقريبا سنة ثلاثين وست مائة، رحمه الله تعالى. تم الكتاب بحمد الله وعونه وحسن توفيقه في اليوم الثاني عشر من جمادى الآخرة سنة ثلاثة وسبع مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 955