الكتاب: خلاصة التأصيل لعلم الجرح والتعديل المؤلف: حاتم بن عارف بن ناصر الشريف العوني الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع الطبعة: الأولى، 1421 هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- خلاصة التأصيل لعلم الجرح والتعديل حاتم العوني الكتاب: خلاصة التأصيل لعلم الجرح والتعديل المؤلف: حاتم بن عارف بن ناصر الشريف العوني الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع الطبعة: الأولى، 1421 هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] خُلاَصَةُ التَأصِيْلِ لِعِلْمِ الجَرْحِ وَالتَعْدِيْلِ تأليف الشريف حاتم بن عارف العوني المقدمة الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هَدْيَه واتقى حدّه. أما بعد: فهذه محاضرات مختصرة في علم الجرح والتعديل، ألقيت في إحدى الدورات العلمية في مسجد من مساجد البلد الحرام: مكة (زادها الله تشريفاً وتعظيماً) . ثم إني عدت إليها تحريراً واستيفاءً لأهم مسائل العلم؛ لتكون كالمتون العلمية من هذا الوجه. ولحاجة كثير من طلبة العلم إلى مثل هذا المختصر، رأيت الخير في طبعها أرجى، والنفع في نشرها أجدى. وهي أوراق مختصرة جداً، تيسر وتعين، ولا تكفي وحدها ولا تغني. ولكنها خرجت على المثل السائر: خير الكلام ما قل ودل. ومصادري في هذه الأوراق هي المصنفات القديمة والحديثة في علم الجرح والتعديل، وعلى رأسها: (ضوابط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 الجرح والتعديل) للدكتور عبد العزيز العبد اللطيف. مع ما عرفته عن قواعد هذا العلم ومسائله من خلال الممارسة. وأسأله تعالى أن ينفع بهذه الورقات، وأن يجعلها في موازين الحسنات؛ إنه سميع مجيب الدعوات. التعريف بالعلم - تعريف الجرح والتعديل: ـ تعريف الجرح لغة: هو التأثير في البدن بشق أو قطع، واستعير في المعنويات بمعنى التأثير في الخُلُق والدين بوصف يناقضهما. ـ واصطلاحاً: وصف الراوي بما يقتضي رد روايته. ـ وتعريف التعديل لغة: هو التقويم والتسوية، واستعير في المعنويات بمعنى الثناء على الشخص بما يدل على دينه القويم وخلقة السوي. ـ واصطلاحاً: وصف الراوي بما يقتضي قبول روايته. ـ فعلم الجرح والتعديل النظري هو: القواعد التي تنبني عليها معرفة الرواة الذين تقبل رواياتهم أو ترد ومراتبهم في ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 ـ وعلم الجرح والتعديل التطبيقي هو: إنزال كل راوٍ منزلته التي يستحقها من القبول وعدمه. الكلام عن العدالة - تعريف العدالة (على الإطلاق) : ملكة تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة. ـ شرح التعريف: الملكة: السجية، والتقوى: هي فعل ما يحبه الله تعالى وترك ما يكرهه. والمروءة هنا (بمعنها الخاص) : هي فعل ما هو من صفات أهل القل الراجح ومن سمات أهل الفضل والخيل بحسب عرف البلد والزمن. وتعريف العدالة بتلك الملكة ليس عليه انتقاد في نظري؛ لأن تعريف العدالة بذلك ليس هو تعريف العدل، فمن كانت له تلك الملكة لا يلزم من اتصافه بها أن يكون معصوماً، فقد يخالف صاحب الملكة ملكته أحياناً، وقد يتجاوز ذو السجية سجيته، وكما قيل في بيان ذلك: ((لكل جواد كبوة، ولكل سيفٍ نبوة)) وعليه: فإن لا أرى أن هناك فرقاً بين تعريف العدل بصاحب تلك الملكة وتعريفه بأنه: من كان الغالب عليه فعل الطاعات وترك المعاصي، أو بأنه: من غلب خيره شره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 ثم إن الملكات (والسجايا) تتفاوت في القوة والتمكن، فليس كل من كان الجود سجيته بلغ مبلغ حاتم الطائي، ولا كل من كانت التقوى والمروءة ملكةً له بلغ مبلغ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وهذا هو مقتضى اعتقاد أهل السنة والجماعة بأن الإيمان يزيد وينقص ن وأن أصحابه فيه متفاوتون. أما المروءة فاشتراطها مهم، لإخراج الصغير غير المكلف والمجنون كذلك، اللذين لا يوصفان بالتقوى ولا بنقيضها (الفسق) ، فهما ليسا من أهل العدالة. ولإخراج من يغلب على الظن أنه ليس بعدل، وإن لم يثبت عليه يقيناً أنه فاسق؛ وذلك لإتيانه بما الغالب على من يأتيه (عرفاً) بأنه من أهل الفسق أو السفه (نقص العقل) . وعليه يتبين أن الأمر قد يكون في أصله مباحاً، لكنه مما يخرم المروءة، لأنه من سمات أهل الفسق أوالسفه. فلو رايت في الشارع رجلاً يصيح ويقفز رافعاً شعاراً لأحد الأندية الرياضية، أو رأيت مسئولاً يدخل محل عمله بإزارٍ فقط لا يستر إلا ما بين السرة والركبة = فإنه سيغلب على ظني أن فاعل ذلك ليس من أهل المروءة، مع أنه لم يفعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 محرماً أصلياً؛ لأن ذلك هو عرف بلدنا وزمننا في الفساق والسفهاء. فالمروءة (بمعناها العام) أعم من التقوى، وخوارم المروءة أعم من أسابب الفسق؛ فكل مفسقٍ خارم للمروءة، وليس كل خارمٍ للمروءة مفسقاً. ويظهر من كل ذلك: أن اشتراط المروءة إنما هو في الحقيقة للتثبيت من سلامة العقل والدين، من خلال التنزه عن قوادح يقينية أو ظنية فيهما. فاليقينية: كصغر السن بما دون البلوغ، أو ذهاب العقل كالجنون، أو ارتكاب الكبائر والموبقات وهوا لفسق. وأما الظنية: فكفعل مباحٍ لكنه من سمات أهل الفسق أو السفه، فيغلب على الظن أن فاعله منهم. فإذا علمن ذلك، تبين أن من أتى قادحاً ظنياً مما يقدح في المروءة غالباً لكني أعلم يقيناً أنه سالم العقل والدين = فإني أقدم حينها اليقين على الظن، وحقيقة الأمر على العلامات والسمات، فلا أخرجه بذلك عن أهل العدالة. *تعريف العدل: من كانت له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة، وهو: المسلم العاقل البالغ السالم من أسباب الفسق وخوارم المروءة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 والفسق نعني به هنا: رقة الدين وضعف الخوف من الله تعالى، الذي يظهر من خلال ارتكاب الكبائر، أو الاستخفاف والانهماك في جملة من الصغائر ن من غير جهل أو تأول، قبل أن تعقبها توبة تعلم وتتضح. وخوارم المروءة: هي (هنا) ما يكون بحسب العرف (البلدي والزمني) علامة من علامات أهل الفسق أو السفه. *سبب اشتراط العدالة: الاطمئنان إلى أن الراوي (أو الشاهد) فيه من التقوى والورع ما يمنعه عن تعمد الكذب. إذ بغير مراقة الله تعالى، واستحضار علمه سبحانه بكل شيء، مع خشية عقابه = لا يردع الإنسان عن الكذب شيء، إذا كان له في الكذب مصلحة، واطمأن إلى عدم افتضاحه به عند الناس. وهؤلاء العرب في الجاهلية كانوا من أترك الأمم للكذب أنفةً وتكرماً؛ مع ذلك فهذا أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه، لما سأله هرقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل رفاقاً لأبي سفيان خلف ظهره شهوداً على ما يجيب به، ليصدقوه أو يكذبوه فيما يقول ن وأبو سفيان حينها على دين قومه (لم يسلم بعد) = فيقول أبو سفيان (كما في الصحيح) : ((فوالله لولا الحياء من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 أن يأثروا علي كذباً لكذبت)) . فهذا دليل على أن ترك الكذب لغيد الديانة لا يؤمن دوامه عند تعارض الصدق مع المصلحة، وعند الاطمئنان من عدم حصول الضيحة بالكذب. ولما كان كذلك هو سبب اشتراط العدالة استثنينا من الفساق فساق التأويل: كالمبتدع (غير المكفر ببدعته) المأول (غير المعاند) . وكمن يشرب النبيذ على مذهب الكوفيين؛ لأن هؤلاء ـ وإن كنا نغلظ عليهم هذا الاعتقاد او الفعل، لخطورته ومخالفته الصريحة للنصوص الشرعية، ونحذر الناس منهم ومن الاغترار بهم ـ قد لا يكون وقوعهم فيما وقعوا فيه بسبب ضعف الواءع الديني في قلوبهم، ذلك الضعف الذي لا يمنع صاحبه من تعمد الكذب. بل وقعوا في ذلك السق جهلاً أو تأولاً (وأحدهما مصاحب للآخر) ، مع تعظيمهم لحرمات الدين ن وقوة مراقبة الله تعالى في قلوبهم، مما يطمأن معه إلى أنهم لن يتعمدوا الكذب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 - قسما العدالة: ـ تعريف العدالة الظاهرة: الإسلام وعدم العلم بالمفسق. وتعرف من خلال الخبرة القصيرة أو السطحية. ـ تعريف العدالة الباطنة: الإسلام والعلم بعدم المفسق. وتعرف من خلال الخبرة الطويلة أو القوية. وليس المقصود بالعدالة الباطنة خفايا القلوب والنوايا، فهذه لا يعلمها إلا عالم ما في الصدور سبحانه وتعالى. *اقسام الرواة من جهة تحقق العدالة (بقسميها) فيهم. 1ـ من عرفت عدالته الباطنة (والظاهرة باللزوم) : وهوالعدل. 2ـ من عرفت عدالته الظاهرة (دون الباطنة) : وهو المستور (باصطلاح المتأخرين) ن وحكمه القبول في الرواة الذين تعذرت الخبرة الباطنة بأخوالهم، وخاصة طبقة التابعين ن وكبارهم بالأخص ن وطبقة المتأخرين من رواة النسخ. 3ـ من جهلت عدالته (الظاهرة والباطنة) لكن عرفت عينه (في النسب أو الأدب أو الشعر أو أي علم آخر أو في قيادة جيش أو إمارة أو غير ذلك مما يذكر في التواريخ) : فهو مجهول الحال وحكمه التوقف عن قبول حديثه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 ولا يحكم لحديثه بخفة ضعفٍ أو بدة ضعف بإطلاق، ولكن ينظر في حديثه (إسناده ومتنه) : فإن كان فيه نكارة، أو علامات الوضع = حكم عليه بما يقتضيه ذلك، وإلا فلا يحم عليه بدة الضعف، ويبقى حينها في حيز الاعتبار 4ـ من جهلت عدالته (الظاهرة والباطنة) ن وجهلت عينه أيضاً: فهو مجهول العين. وهو كالمبهم 0 وهو الراوي الذي لم يسم) . وحمه حكم سابه، وقد يكون أبعد عن القبول من سابقه. 5ـ من عرف بعدم العدالة: وهو الفاسق، بل والكافر. وهو مردود بالإجماع. وحديث الفاسق غير المتأول شديد الضعف لا يعتبر به، كحديث الكذاب والمتهم بالكذب. - كيفية إلحاق الرواة بواحدٍ من هذه الأقسام الخمسة: 1ـ (العدل) : أـ بالشهرة والاستفاضة، مثل أئمة السنة. ب ـ بالتنصيص من مقبولٍ قوله في الجرح والتعديل. ج ـ بالتعديل الضمني (كالتصحيح والتحسين للراوي، ورواية من لا يروي إلا عن مقبول عنه) . وتزداد دلالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 التعديل الضمني على العدالة عند عدم وجود جرح صريح في ذلك الراوي. ومن التعديل الضمني: الاحتجاج بخبره، إذا غلب على الظن أن العالم إنما اعتمد في حكمه بمقتضى ذلك الخبر على رواية ذلك الراوي. 2ـ (المستور) : برواية عدلين عنه، ويكتفى بعدل واحد إذا كان من الأئمة والحفاظ. 3ـ (مجهول الحال) : برواية راوٍ واحد (عدلاً كا أو ليس بعدل، فإن كان الراوي عنه ليس بعدل فهو أضعف لحاله ولحديثه) . 4ـ (مجهول العين) : كسابقه، وإنما فارق بينهما العلم بعين الراوي والجهل بها. 5ـ (الفاسق والكافر) : أـ باشهرة والاستفاضة: كمحمد بن سعيد المصلوب بالزندقة ن والكلبي ن وبشر المرسي، وحفص الفرد. يقول النسائي: ((الكذابون المعروفون بوضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة: ابن ابي يحي بالمدينة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 والواقدي ببغداد، ومقاتل بن سليمان بخراسان ن ومحمد بن سعيد بالشام)) . ب ـ بالتنصيص من مقبولٍ قوله في الجرح. د ت بالتضعيف الضمني (كتضعيف الحديث الذي ليس فيه ما يقتضي التضعيف إلا ذلك الراوي، وكترك العمل بمقتضى حديثه مع غلبة الظن أن ترك العمل به لم يكن لسبب آخر إلا أنه من رواية ذلك الراوي) . هـ بروايته للمنكرات والموضوعات بالأسانيد النظيفة التي تكون سبب افتضاحه بأنه هو الذي جاءت من قبله تلك النكارة أو هو الذي وضع ذلك الإسناد أو المتن. الكلام عن الضبط - هذا هو العدل في الشهادة، أما العدل في الرواية فيشترط فيه مع العدالة الدينية أن يكون ضابطاً. - تعريف الضبط: نقل المروي كما تلقاه الراوي (لفظاً أو معنى) . - تعريف الضابط: هو من كان نقله للمروي مطابقاً لما تلقاه عن شيخه (لفظاً أو معنى) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 - قسما الضبط: 1ـ ضبط صدر ك هو القدرة على استحضار المروي من الصدر كما تلقاه الراوي دون الرجوع إلى الكتاب، مع شرط عدم إحالة المعنى فيما إذا ما روى بالمعنى. (والرواية بالمعنى تحتاج إلى ثلاثة أمور مجملة ن اثنين منها مكتسبة: وهما: العلم بالفقه وأصوله، والعلم باللغة، وواحدٍ منها فطري ك وهو حسن الفهم ودقة الإدراك للمعاني) . مع العلم بأن من الأحاديث النبوية مالا تصح فيها الرواية بالمعنى ن كالأدعية والأذكار التي يتعبد بألفاظها، وكجوامع كلمه صلى الله عليه وسلم. 2ـ ضبط كتاب: وهو أن يكون المروي مكتوباً مصححاً، محفوظاً من التغيير أو التلف أوالفقدان، وأن لا يحدث صاحب هذا الضبط (إذا لم يكن لديه ضبط الصدر) إلا من كتابه هذا أو من نسخةٍ مطابقة ٍ له. - كيفية معرفة العلماء المتقدمين لضبط الروة: يتم ذلك منهم منخلال عملية شاقة تستلزم حفظاً واسعاً وفهماً ثاقباً وإدراكاً كبيراً لعلوم الحديث بجميع فونها، هذه العملية هي عملية سبر مرويات ذلك الراوي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وهي باختصار بالغ: تقسيم حديث ذلك الراوي إلى قسمين: الأحاديث التي تفرد بها ن والأحاديث التي شورك في أصل روايتها. ـ فإن غلبت عليه المفاريد كان ذلك دليل ضعفه، بل ربما كانت دليل وضعه للحديث. ـ فإن لم تغلب عليه المفاريد لكنها لم تزل في حيز الكثرة، نظر إليها نكارة وعدم نكارة، مع مراعاة طبقة الراوي حيث إن التابعين يقبل التفرد منهم مالا يقبل مثله من أتباعهم، ثم لا يكاد يقبل تفرد أتباع التابعين؛ على ما نص عليه الذهبي في الموقظة. ـ فإن كانت المفاريد قليلة أو لا وجود لها، نظر إلى القسم الثاني من حديث الراوي، وهو ما شورك في أصل روايته. هل الغالب عليه موافقة الثقات، وما هي نسبة مخالفته (فحشاً وعدداً) بالنسبة لموافقته لهم. فإن ظهر لنا بعد ذلك أنه ضابط في الجملة، عدنا مرة أخرى إلى مفاريده (إن وجدت) ، فنظرنا فيها: هل في ضبطه ما يقع جابراً لما تفرد به؟ هل يحتمل ضبطه التفرد بما تفرد به؟ فإن كان فيها مالا يحتمله ضبطه، نظرنا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 هل فيها منكرات شديدة، فإن كان فيها شيء من ذلك ربما أسقطنا حديثه (فرب حديثٍ واحد اسقط مائة ألف حديث، كما قال الدارقطني) . ـ ولا يعني ذلك أنه لا ينظر إلى هذا القسم (قسم ما شورك فيه الراوي) إلا بعد قسم ما تفر به من حديثه، بل ربما كان الابتداء بقسم ما شورك فيه أصح، لأن الحكم على الراوي من خلاله قد يكون أسهل. وهو أقل عمقاً من سبر المفاريد (مع عمقه أيضاً) . ت وهذا كله فيما إذا كان الراوي مكثراً من الرواية، أما إذا كان مقلاً ن بل ليس له إلا حديث الواحد أو الحديثان نحوها. فإن لحكم عليه بالضبط وعدمه قد يكون في غاية السهولة على النقاد، وقد يكون في غاية الصعوبة عليهم‍ فإن كان جميع حديث ذلك الراوي المقل مما شورك في نقله سهل الحكم عليه من خلال ذلك وإن كان جميع حديثه مفاريد، او فيها مفاريد مع ما شورك فيه منها، بل ربما لم يكن له إلا حديث واحد تفرد به؛ وفي هذه الحالة يصعب الحكم عليه جداً على أئمة النقاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 وجهابذة الحفاظ؛ لأنه وإن وافق الثقات فيما شاركهم في روايته، إلا أن قلة حديثه الذي شاركهم فيه أصلاً لا تكفي للحكم عليه بالضط أو بعدمه. ولا بد حينها من النظر في مفاريده أيضاً. والحكم على الراوي من خلال مفاريده القليلة (التي قد تكون حديثاً واحداً) في غاية الصعوبة، خاصة عند عدم وجود نكارة ظاهرة ي ذلك الحديث الفرد، وعند احتمال طبقة ذلك الراوي للتفرد (كالتابعين ثم أتباعهم) . ـ ومن ظن أن الراوي الذي ليس له إلا حديث واحد لا يمكن الحكم عليه؛ لستحالة ذلك في ظنه، ولوجود عبارات لابن عدي تدل على ذلك في فهمه = فقد أخطأ ظنه: - فلا ذلك بمستحيل، بدليل وقوعه. يقول أبو حاتم ـ كما في الجرح والتعديل (4/58) ـ عن سعيد بن محمد الزهري: ((ليس بمشهور، وحديثه مستقيم، إنما روى حديثاً واحداً)) . مع أن الحديث قد استنكره غيره، كما ف ي سؤالات الآجري لأبي داود (رقم 1085) . - ولوجود عبارات أخرى لابن عدي تدل على إمكان ذلك أحياناً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 - وقد نص الخطيب على إمكان ذلك في الكفاية (117تحت فصلٍ تابع لباب: ذكر ما يعرفه عامة الناس من صفات المحدث الجائز الحديث وما ينفرد بمعرفته أهل العلم) . - كيفية معرفة المتأخرين والباحثين المعاصرين للضبط: ـ من خلال طرائق معرفة العدالة نفسها (الاستفاضة، والتنصيص، والتوثيق الضمني) . وذلك لأن أحكام أئمة الجرح والتعديل جاءت لبيان ما إذا كان الرواة محتجاً بما رووه أو غير محتج به، وذلك لا يحصل إلا بالحكم عليهم من خلال عدالتهم وضبطهم جميعاً؛ ولهذا جاءت أحكام أئمة الجرح والتعديل متناولةً الرواة من هاتين الجهتين جميعاً: العدالة، والضبط. ـ أما طريقة السبر التي سار عليها المتقدمون علا يمكن للمتأخرين الاعتماد عليها لمعرفة ضبط الرواة استقلالاً (أي دون أن يكونوا مسبوقين بنحو حكمهم من إمام متقدم) ، إلا في حالتين خاصتين بمن لم نجد فيه جرحاً أو تعديلاً (كالمجهولين وشبه المجهولين) : الحالة الأولى: أن نجد لهذا الراوي المجهول حديثاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 ظاهر النكارة أو واضح البطلان، فأحكم على الراوي بالذي يليق بمقدار تلك النكارة من الضعف أو شدة الضعف أو الاتهام بالكذب. وذلك بشرط أن يكون الإسناد الذي فيه ذلك المجهول، والذي فيه تلك النكارة =مقبول الرواة نظيفاً، إلا من ذلك المجهول. (وهذه الطريقة سار عليها الذهبي في الميزان فيمن استقل بتضعيفهم، والحافظ في اللسان، والعبد الفقير في ذيل اللسان) . الحالة الثانية: وهي التي تكون نتيجتها الحكم بقبول حديث الراوي، وهي أشق من الأولى وأصعب. ولا يمكن ذلك إلا في حالة ما إذا كان الراوي مقلاً، وينص على ذلك، أو أجد ما يشهد لإقلاله من الحديث، بل قد ينص العلماء على عدد ما روى؛ ثم أقف على أحاديثه، وأستقصي في البحث؛ فيمكن حينها للعالم المتأخر صاحب الفهم الدقيق والممارسة الطويلة أن يحكم بالقبول إذا ظهرت له علاماته. خاصة إن وجد قرائن تؤيد نتيجة سبره هذا، من مثل كون الراوي من التابعين، أو روى عنه جمع، أو وجد قرائن تشهد لقبول المتقدمين له، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 مثل أن يوجد حديثه في بعض أمهات السنة (دون أن يصحح له، لأن التصحيح توثيق ضمني، لا يحتاج معه الراوي إلى هذا السبر غالباً) . أما الرواة المكثرون: فلو قدرنا عدم وجود جرح أو تعديل فيهم، فلا يمكن ـ مع كثرة حدثهم وانتشاره ـ أن يحكم عليهم بالقبول؛ إذ يحتمل ـ احتمالاً قوياً ـ أن يكون فيما سيفوت المتأخر (حتماً) من حديثهم ما يسقط به حديثهم (ورب حديثٍ واحد أسقط مائة ألف حديث) . ـ ولا يعني ذلك أن سبر المتأخرين من المتأهلين لذلك عديم الفائدة إلا في هاتين الحالتين، بل هو مفيد حتى في غير هاتين الحالتين. فالراوي الذي اشتد فيه الاختلاف جرحاً وتعديلاً، يمكن الاستفادة من سبر حديثه ت سواء أكان مكثراً أو مقلاً، وسواء أكانت نتيجة سبر حديثه القبول أو الرد ـ في الترجيح بين تلك الأقوال المختلفة. فيكون السبر حينها للوصول إلى مرجح فقط، لا إلى حكم استقلالي. *الضبط هو (غالباً) سبب تباين مراتب الرواة في مراتب الجرح والتعديل، أما القدح في العدالة (غير فسق المتأول فيه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 فهو مرتبة واحدة إجمالاً، هي مرتبة شدة الضعف ممن لا يعتبر بحديثهم من الرواة. أئمة الجرح والتعديل *شروط المعدل والجارح: يقول الذهبي في الموقظة: ((الكلام في الرواة يحتاج إلى ورع تام، وبراءة من الهوى والميل، وخبرة كاملة بالحديث وعلله ورجاله)) . - كيف نعرف من وجدت فيه هذه الشروط: 1ـ من خلال الكتب المصنفة في ذلك: أـ (ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل) : للذهبي. ب ـ (المتكلمون في الرجال) : للسخاوي. ج ـ (المزكون لرواة الأخبار عند ابن أبي حاتم) : لهشام ابن عبد العزيز الحلاف. 2ـ من خلال ترجمته وما تتضمنه الترجمة من وصف بالحفظ والإمامة والنقد. تفسير الجرح والتعديل وإبهامها - إذا لم يكن الراوي مختلفاً فيه جرحاً وتعديلاً، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 هل يشترط بيان سبب الجرح أو التعديل؟ الصحيح أن الجرح والتعديل ـ في هذه الحالة ـ يقبلان مطلقاً، سواء أكانا مبهمين (غير مبين سببهما) أو مفسرين (مبيناً سببهما) . وليس لقبولهما شرط إلا أن يكونا صادرين ممن يقبل قوله في الجرح والتعديل، والذي من شروطه أن يكون عارفاً بأسباب الجرح والتعديل. تعارض الجرح والتعديل - عند تعارض الجرح والتعديل: أسير على الخطوات التالية: الخطوة: التثبت من أن التعارض حقيقي، ليس وهمياً. ويتم ذلك من خلال النقاط التالية: أولاً: التثبت من صحة القول المعارض (جرحاً أو تعديلاً) ، فقد لا يثبت ذلك القول، فلا يكون هناك تعارض أصلاً. ومن أسباب عدم ثبوت القول في الجرح والتعديل: أـ أن يكون صادراً ممن لا يقبل قوله في الجرح والتعديل (كالأ زدي أبي الفتح) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 ب ـ أن يكون إسناد ذلك القول المعارض لا يثبت إلى ذلك الإمام. قال أبو عبيد ألآجري في سؤالاته (رقم 956) : ((قلت لأبي داود: حكى رجل عن شيبان الأبلي أنه سمع شعبة يقول: اكتبوا عن الحسن بن دينار فإنه صدوق؛ فكذب (أبو داود) الذي حكى هذا)) . ثم قال أبو عبيد: ((غلام خليل حكى هذا عن شيبان، فقال أبو داود: كذب الذي حكى هذا)) . وقال حمزة السهمي في سؤالاته (رقم 166) : ((سألت أبا بكر ابن عبدان عن ابن عقدة، إذا حكى حكاية عن غيره من الشيوخ في الجرح والتعديل: هل يقبل قوله؟ قال: لا يقبل)) . ولذلك بنى المزى كتابه (تهذيب الكمال) على التثبت من أسانيد أقوال الجرح والتعديل التي ينقلها فيه، كما في مقدمته. ج ـ أن يكون من نقل القول المعارض قد أخطأ في ننقله لتلك العبارة في حق ذلك الراوي. في مثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 مالو كانت أسماء الرواة متشابهة، فيضع ذلك الناقل قول ذلك الإمام في ترجمةٍ لغير من قيلت فيه تلك العبارة على الحقيقة. وفي مثل مالو انتقل بصر ناقل تلك العبارة من الترجمة التي ينقل ما قيل فيها من الجرح والتعديل إلى ترجمة لراوٍ آخر، فيذكر ما قيل في الثاني في ترجمة الأول خطأ. وفي مثل لو اقتصر الناقل على بعض عبارة الإمام، فتدل على خلاف ما تدل عليه عبارته الكاملة.. وغير ذلك. ولجميع ذلك أمثلة واقعية. د ـ أن يكون الإمام الجارح أو المعدل نفسه قد أخطأ فجمع راويين متفرقين، أو فرق وأحداً فاختل حكمه على الراوي بسبب ذلك. هـ ـ أن يكون الجرح أو التعديل مفسراً بما لا يصح معه الجرح أو التعديل. كمن جرح بركوب البرذون، ومن عدل بحسن الهيئة واللحية. وكمن جرح بحديث ظنه خطأ وهوصحيح، أو بحديث في إسناده من هو سبب الخطأ أو النكارة غير الذي جرح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 ثانياً: أن يكون الجمع بين الأقوال المتعارضة ممكناً بغير تعسفٍ. ـ وهذا الجمع يحتاج إلى علم عميق بألفاظ الجرح والتعديل ومراتبها وطرائق استخدام الأئمة لها. يقول المعلمي في مقدمة تحقيقه للفوائد المجموعة: ((صيغ الجرح والتعديل كثيراً ما تطلق على معانٍ مغايرة لمعانيها المقررة في كتب المصطلح. ومعرفة ذلك تتوقف على طول الممارسة واستقصاء النظر)) . ـ ومن أمثلة هذه الألفاظ: لفظ (ضعيف) ، الذي قد يطلق على من كان حسن الحديث، كما بينته في (المرسل الخفي) . ـ ومن الأمور التي يجب مراعاتها عند هذا الجمع، مايلي: 1ـ مراعاة سياق الكلام الذي ذكرت فيه تلك العبارة، إذ قد يكون الجرح أو التعديل نسبياً: - كمن ضعف في بلد دون بلد: كمعمر بن راشد. - ومن ضعف إذا حدث عن إقليم دون إقليم: كإسماعيل بن عياش وفرج بن فضالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 - ومن ضعف إذا روى عنه أهل إقليم دون إقليم: كزهير ابن محمد التميمي - من ضعف أو وثق في شيوخ معينين: كسفيان بن حسين وجعف بن برقان في الزهري. - من ضعف عقب حديث أخطأ فيه، أو وثق عقب حديث وافق الثقات فيه. - من ضعف لبدعته (لا لأمر آخر) ممن كان مذهبه التشديد في حكم رواية المبتدع. - من ضعف في وقت دون وقت كالمختلط. - من ضعف إذا حدث من حفظه، ووثق إذا حدث من كتابه. - من ضعف عندما قرن بمن هو أوثق منه، أو وثق عندما قرن بمن هو أضعف منه. 2ـ مراعاة شمول عبارات الجرح والتعديل عند الأئمة المتقدمين لمعانٍ ومراتب متعددة، خلافاً للمتأخرين. وإلى ذلك أشار المعلمي في عبارته الشابقة، وفي ذلك يقول الذهبي في الموقظة: ((ثم نحن نفتقر إلى تحرير عبارات الجرح والتعديل، وما بين ذلك من العبارات المتجاذبة)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 3ـ مراعاة الاصطلاحات الخاصة لبعض الأئمة. يقول الذهبي عقب عبارته السابقة مباشرة: ((ثم أهم من ذلك: أن تعلم بالاستقراء التام عرف ذلك الإمام الجهبذ واصطلاحه ومقاصده بعباراته الكثيرة)) . ومما ذكر من هذه الاصطلاحات الخاصة: عند الباخاري ك سكتوا عنه، فيه نظر وابن معين: ليس به بأس، ليس بشيء. وأبي حاتم: ليس بالقوي، لا يحتج به، يكتب حديثه. أحمد بن حنبل: كذا وكذا. 4ـ مراعاة الدلالة اللغوية وسمعتها واحتمالها لأكثر من مرتبة، إذ قد تستخدم اللفظة بمعناها اللغوي، أو بأسلوب عربي مجازي. مثل استخدم: كذاب في أخطأ ن ومنكر أو شيطان بمعنى أنه عجيب الحفظ شديد الإتقان. وقد دل الذهبي إلى هذه الدلالة اللغوي في مقدمة الميزان، عندما قاتل عقب ذكره لبعض الألفاظ ومراتبها، قال: ((ونحو ذلك من العبارات التي تدل بوضعها على اطراح الراوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 بالأصالة، أو على ضعفه، أو على التوقف فيه، أو على جواز أن يحتج به مع لينٍ ما فيه)) . فيجب أن لا نبالغ في إعطاء بعض الألفاظ معاني اصطلاحية، نضيف فيها دلالتها اللغوية. ثالثاً: التثبيت من أن الجرح أو التعديل خرج من قائله بإنصاف، وأنه لم يكن بسبب اعتداء في البغض او غلو في المحبة. إذ أن أئمة الجرح والتعديل وإن كانوا أئمة الورع والنزاهة وأعظم الناس إنصافاً؛ إلا أنهم ليسوا معصومين. فالنظر إلى إنصافهم لأهل البدع مثلاً، بمثل قولهم: ثقة قدري، ثقة رافضي، ((حدثني المتهم في دينه الصدوق في حديثه)) ، ونحو ذلك. وانظر إلى تضعيف بعضهم لأبيه أو ابنه أو صديقه الذي يحبه لكن لا يحابيه ‍ ـ ونقطع بحصول ذلك من الناقد إذا ما كان جرح فيمن استفاضت ثقته واشتهرت وثبتت، وإذا ما كان تعديله فيمن استفاض تضعيفه واشتهر وثبت. ـ وتذكر أن قاعدة (كلام الأقران يطوى ولا يروى) مقيدة فيمن حاله التي سبق شرحها، أما كلام وجرح القرين لقرينه الذي لم تثبت عدالته أو ضبطه فهذا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 أقوى الجرح ثبوتاً، لأن القرين بقرينه أكثر معرفة من غيره وأولى. ـ وقد يغلب على الظن وقوع الناقد في عدم الانصاف، إذا لاحت بينهما عداوة، أو اختلاف مذهب. وهذه أيضاً ليست على إطلاقها، وإنما يلجأ إليها إذ ما كان الأكثر على خلاف قول ذلك الناقد، أو عرف من ذلك الناقد شدته على مخالفيه (كالجوزجاني في كلامه عن الشيعه) . الخطوة الثانية: الترجيح: ـ يعدم الجرح إذا فسر بجارح (أما إذا فسر بغير جارح فيرد كما سبق) ؛ إلا في حالات قليلة يظهر فيها خطأ الجارح، من خلال توارد قرائن متتابعة تدل على خطئه. ـ أما إذا كان الجرح مبهماً غير مفسر، فإن الأصل تقديمه على التعديل؛ لأنه إذا صدر من عارف بأسباب الجرح والعديل، فالغالب والأصل أنه لم يجرح إلا بجارح ن ومادام أنه كذلك لزم تقديمه على التعديل؛ لأن مع الجارح زيادة علم، ((فمن عمل بقول الجارح لم يتهم المزكي، ولم يخرجه بذلك عن كون عدلاً. ومتى لم نعمل بقول الجارح كان ذلك تكذيباً له ونقضاً لعدالته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 (ولعلمه بأسباب الجرح والتعديل) ، وقد علم أن حاله في الأمانه (والعلم) مخالفة لذلك)) ـ من الكفاية للخطيب (134) ، إلا ما بين قوسين فمني زيادة في الحجة. ـ لكن يمكن أن نقدم التعديل على الجرح المبهم إذا لاحت قرائن تدل على قوة التعديل على الجرح المبهم. ومن هذه القرائن: 1ـ كثرة عدد المعدلين. 2ـ جلالة المعدل وزيادة علمه على علم الجارح. 3ـ إنصاف المعدل في مقابل تشديد الجارح. ومن أمثلة هؤلاء العلماء في كل طبعة من طبقاتهم: المنصفون ... < ............ > ... المتشددون الثوري ... < ............ > ... شعبة ابن مهدي ... < ............. > ... القطان أحمد ... < ............. > ... ابن معين أبو زرعه ... < ............. > ... أبو حاتم البخاري ... < .............. > ... النسائي ابن عدي ... < ............. > ... ابن حبان (أحياناً) تنبيه: يقول المعلمي في مقدمة الفوائد المجموعة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 ((ما اشتهر من أن فلاناً من الأئمة مسهل وفلاناً متشدد ليس على إطلاقه، فإن منهم من يسهل تارة ويشدد تارة، بحسب أحوال مختلفة. ومعرفة هذا وغيره من صفات الأئمة التي لها أثر في أحكامهم = لا تحصل إلا باسقراء بالغ لأحكامهم، مع التدبر التام)) . وعليه: فلا يعني وصف الإمام بالتشديد إهدار تضعيفه، ولا وصفه بالتساهل إهدار توثيقه، ولا وصفه بالإنصاف اعتماد حكمه مطلقاً. وإنما فائدة هذه الأوصاف اعتبارها قرينة من قرائن الترجيح عند التعارض. 4ـ أن يكون المعدل معاصراً للمتكلم فيه، خلافاً للجارح. 5ـ أن يكون المعدل بلدياً للمتكلم فيه، وليس كذلك الجارح. 6ـ قوة عبارة التعديل ووضوحها (مثل: حافظ، أو: من أوثق الناس، أو: صدوق لا يرد حديثه، أو: محله الصدق يحول من كتاب الضعفاء) ، في مقابل لينه عبارة الجرح (مثل: يخطىء، أو: يخطىء كثيراً، أو فيه ضعف، أو: فيه لين، أو: لين) . الخطوة الثالثة: التوقف: عن عدم وجود مرجح وعند تكافؤ الأقوال، بعد العجز عن جميع المراحل السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 - تنبيه: ما سبق كله في تعارض أقوال في الجرح والتعديل صادرة من أكثر من إمام. أما إذا كان الجرح والتعديل صادرين من إمام واحد، فأسير على الخطوات التالية: أولاً: التثبت من صحة النقل (على ماسبق شرحه) . ثانياً: إذا نص على اختلاف اجتهاد الإمام أخذت بآخر الاجتهادين، كما تفعل في النسخ: من الأخذ بالناسخ دون المنسوخ. ثالثاً: طلب الجمع، مع جواز التوسع في الجمع في هذه الصور؛ لكون الأقوال صادرة من إمام واحد، الأصل فيه أنه على الصواب في جميع أقواله،، وعليه فتكون أقواله المتعارضة في الظاهر، الأصل فيها أنها غير متعارضة في الظاهر، الأصل فيها أنها غير متعارضه في الباطن والحقيقة. ولا يعني ذلك أن الجمع في هذه الصورة يصح بلا حدود، لكن المقصود أننا نقبل فيه من التجوز والتأويل مالا نقبله فيما إذا ما كانت الأقوال المتعارضه صادرة ن عدد من الأئمة؛ لأن اختلاف الاجتهاد بين الأئمة المتعددين أقوى حصولاً وأكثر وقوعاً من اختلاف اجتهاد الإمام الواحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 رابعاً: الترجيح: ويتم من خلال مرجحاتٍ كثيرة، منها: 1ـ كثرة عدد الناقلين عن ذلك الإمام أحد قوليه في الراوي. 2ـ ترجيح ما نقله أو ثق تلامذة ذلك الإمام عنه وأعرفهم به وبأقواله وأحكامه. 3ـ ترجيح ما نقله آخر تلامذته أخذاً عنه. 4ـ ترجيح ما يوافق من قوليه بقية الأئمة، خاصة إذا كانوا من أقرانه في العلم والطبقة. خامساً: التوقف: عند العجز عما سبق. مراتب ألفاظ الجرح والتعديل مراتب القبول 1ـ مراتب التصحيح ـ ما دل على مبالغة في التوثيق: كأمير المؤمنين في الحديث، لا يسأل عن مثله، أو ثق الناس، ثقة ثقة (مكررة) .. ونحوها. ـ ثقة، ثبت، مأمون، حجة، حافظ، ضابط، متقن (بشرط أن لا يعارض الثلاثة الأخيرة جرح في العدالة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 2ـ مراتب التحسين ـ صدوق، لا بأس به، وسط، جيد الحديث. ـ صالح، مقارب، أرجو أنه لا بأس به ن صدوق إن شاء الله. ـ صويلح، شيخ، محله الصدق. ألفاظ متجاذبة بين القبول والرد ـ رووا عنه، روى الناس عنه، احتمله الناس، يكتب حديثه، يجمع حديثه، يعتبر به، ينظر في حديثه، اختلف فيه. مراتب الرد مراتب الضعف الخفيف (التي يعبر بحديث أصحابها) ـ لين الحديث، فيه نظر فيه ضعف، كذا وكذا، تعرف وتنكر، فيه أدنى مقال، فيه مقال. ـ ليس بالقوي، ليس بذاك، ليس بحجة، ليس بعمدة، ليس بالمرضي. ـ ضعيف، سيء الحظ، مضطرب الحديث، مردود الحديث. مراتب الضعف الشديد (التي لا يعبر بحديث أصحابها) ـ متروك، ذاهب الحديث مطرح، ارم به، لا يعتبر بحديثه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 لا يتابع على حديثه، مطروح الحديث، ساقط، هالك، ضعيف جداً، تالف، واهٍ بمرة، منكر الحديث، سكتوا عنه، ليس بشيء، لا يساوي شيئاً، فاسق، لا يكتب حديثه. ـ متهم بالكذب، متهم بالوضع، يسرق الحديث ن مجمع على تركه، خبيث ـ كذاب، دجال، وضاع. ـ أكذب الناس، دجال الدجالة، ركن من أركان الكذب. الخاتمة هذه الأوراق غير مستغنية (في الغالب) عن الشرح أو التمثيل، وإنما هي تذكرة لمن فهم، تعين ولا تغني. والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. والله أعلم. وكتب الشريف حاتم بن عارف العوني بمكة (زادها الله تشريفاً وتعظيماً) في 23/3/1421 هـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37