الكتاب: مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة المؤلف: ناصر بن عبد الله بن علي القفاري دار النشر: دار طيبة للنشر والتوزيع الطبعة: الثالثة، 1428 هـ عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة ناصر القفاري الكتاب: مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة المؤلف: ناصر بن عبد الله بن علي القفاري دار النشر: دار طيبة للنشر والتوزيع الطبعة: الثالثة، 1428 هـ عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ـ[مسألةُ التّقريب بين أهْل السُّنة والشّيعَة]ـ المؤلف: د. ناصر بن عبد الله بن علي القفاري الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع عدد الأجزاء: 2 الطبعة: الثالثة، 1428 هـ   [الكتاب موافق للمطبوع، ومذيل بالحواشي] -أعده للشاملة: أسامة بن الزهراء؛ فريق عمل الشاملة - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 هذا الكتاب - في الأصل - رسالة علمية تقدَّم بها المؤلف لنيل درجة الماجستير، وأجيزت بتقدير ممتاز، وقد سجلت بتاريخ 6/7/1398هـ فلا أثر للأحداث التي جرت على الساحة فيما بعد لاختياره. وقد آثر مؤلفه أن ينشره كما كتبه في حينه من غير تعديل، وهذا ليس تنصلاً من الآراء التي يُضمِنها أو تضمنها سطوره ولكنه تقرير لأمر واقع. كما أنه تأخر في نشره حتى لا تكون مادته وسيلة لتأييد الطغاة، ولا يفسر ما جاء فيه بأنه يجري في ركب السلاطين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن قضية التأليف بين فصائل الأمة، والسعي في إصلاح ذات بينها وجمع شملها على الحق والهدى، ورأب صدعها، والتقريب بين فئاتها المتنازعة من أعظم أصول الإسلام العظيمة، ومن أفضل أبواب الخير والجهاد في سبيل الله. والأمة لم تؤت من ثغرة مثل ما أُتيت من جانب فرقتها وتنازعها، والصرع بينها. ولقد كان الأعداء هم الذين يؤججون هذا الصراع، ويحصدون نتائجه، والمسلمون لا يحصدون سوى الخيبة والفشل.. إذْ لم يستطع الأعداء أن يحققوا ما يريدون من تبديد الأمة، وتشتيت شملها؛ إلا بعد أن غرسوا فسائل الفتنة والخلاف بينها، وبعد أن أوجدوا أسباب الصراع والنزاع في صفوفها. ولقد كانت محاولاتهم قديمة بدأت في عهد الدولة الإسلامية الأولى بمحاولة التفريق بين الأوس والخزرج بإثارة النعرات القومية، وبعث الأحقاد التاريخية. ولكن محاولاتهم باءت بالفشل؛ فما كان للأمة أن تختلف وفيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولقد رأى الأعداء أن كيد الإسلام - كما يقول الإمام ابن حزم - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 على الحيلة أنجع؛ لأنهم راموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى، وفي كل ذلك يظهر الله سبحانه وتعالى الحق، فرأوا أن كيده عن طريق التخطيط والاحتيال والتآمر أجدى؛ فأظهر قوم منهم الإسلام، واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستشناع ظلم علي - رضي الله عنه - (في زعمهم) ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى أخرجوهم عن الإسلام (1) . فخرجت كثير من الطوائف التي تتسمى بالإسلام وليس لها من الإسلام نصيب، ونادت بآراء وعقائد غريبة عن الإسلام وبعيدة عن كتاب الله وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. ولقد كان لظهور هذه الأفكار والعقائد والطوائف آثار بعيدة المدى في تفريق الأُمة، وإضعاف شأنها، لأنه (إذا ترك الناس بعض ما أنزل الله، وقعت بينهم العداوة والبغضاء؛ إذ لم يبق هنا حق جامع يشتركون فيه؛ بل (تَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (2)) (3) . وحقق الأعداء ما يريدون، وجنوا ثمرة تآمرهم ضد المسلمين. وكان أنكى صراع وأطول نزاع.. وأخطر اختلاف: ما حصل بين أهل السنّة والشيعة.. فلقد شهد التاريخ أحداثاً دامية تمثلت في الصراع العنيف الذي دار بين الطائفتين، واستمر قائماً ... يزداد أو يخف على اختلاف المراحل التاريخية.. وإلى يومنا هذا، يشتد الصراع ويزداد لهيبه، ويبدو أن الأعداء يريدون أن يستثمروا الخلاف بين أهل السنّة والشيعة، بتوسيع نطاقه، وتأجيج حدته ليحققوا مكاسب أكبر.   (1) انظر «الفصل» : (2/108 - 109) . (2) المؤمنون: آية 53. (3) «مجموع الفتاوى» لشيخ الإسلام ابن تيمية: (13/ 227) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 وقد عرف الأعداء أن فرصتهم لتحقيق مطامعهم وآمالهم الدموية لا تواتيهم إلاّ في جوٍّ تخيم عليه كآبة الفرقة، وتتطاول فيه ألسنة لهيب التصارع، لذلك دأبوا على مواصلة إمداد نيران النزاع بوقود الفتن. وإذا كانت محاولات التأليف بين الفرقاء قد نشطت من قديم فهي الأخرى لم تسلم من كيد الأعداء؛ إذ نجد أن مسألة التقريب والتأليف والوحدة استُغلت لإعطاء الباطل صفة الشرعية.. ومنح الدخيل من الأفكار صفة الأصيل، لتبقى بذور الفتنة وأُسس الخلاف بين الأُمة لتشتعل في أي لحظة يراد لها. ولا شك أن الإسلام قد رسم للأُمة طريق وحدتها، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ... ) (1) ، فهو اعتصام بحبل الله واجتماع على هدى الله ... وما حصلت الفرقة إلا بالبعد عن هذا "المنهج". وقد بيّن القرآن الكريم المنهج الذي يلجأ إليه المسلمون عند التنازع والاختلاف، قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) (2) ، (قال العلماء: إلى كتاب الله وإلى نبيّه - صلى الله عليه وسلم -، فإن قبض فإلى سنّته) (3) . وإن نشب صراع وقامت معارك فالله يقول: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) (4) . لكن هذا "المنهج" خاص بالمسلمين الذين يهتدون بهدى الله، أما من يتسمى بالإسلام وهو ضد الإسلام فإنه يجب كشفه لتعرف الأمة   (1) آل عمران: آية 103. (2) النساء: آية 59. (3) «التمهيد» لابن عبد البر: (4/264) . (4) الحجرات: آية 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 عداوته، ولا يجدي معه سلوك هذا السبيل. وفي هذا العصر قامت محاولات كثيرة للتقريب بين أهل السّنة والشيعة، كمحاولة جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة وغيرها. وهذه المحاولات مبنيّة على: (أنه لا خلاف بين أهل السنّة والشيعة في شيء من أصول الإيمان، أو أركان الإسلام أو ما عُلم من الدين بالضرورة) (1) ؛ وإنما هو خلاف في بعض المسائل الفلسفية والآراء الكلاميّة التي لا صلة لها بأصول العقيدة (2) ، أو لا خلاف بينهم أصلاً إلا في بعض مسائل الفروع (3) ، والصراع والخلاف بينهما إنما صنعته الأوهام نتيجة العزلة الطويلة بين الطائفتين (4) ، وأخذ العدو يؤيد هذا الخلاف ويؤججه، والواقع أنه لا اختلاف بين الطائفتين عند الدراسة والتحقيق: (فمن الممكن أن يتقارب المسلمون فيعلموا أن هناك فرقاً بين العقيدة التي يجب الإيمان بها، وبين المعارف الفكرية التي تختلف فيها الآراء دون أن تمس العقيدة، ويومئذ يهون الأمر فنجتمع على ما نجمع عليه، وإذا اختلفنا لم يكن خلافنا إلا كما يختلف أهل المذاهب الفقهية دون خصام ولا اتهام ودون توجس واسترابة وسوء ظن مما يجعلنا متقاطعين في معاملاتنا ومصاهراتنا وثقافاتنا) (5) ، (والقطيعة بين المسلمين أوجدت   (1) دعوة التقريب من خلال رسالة الإسلام: ص 7. (2) انظر فتوى شلتوت في ملحق الوثائق. (3) محمد حسين آل كاشف الغطاء، «رسالة الإسلام» ، السنة الأولى، العدد الأول: (ص 22 - 23) . (4) مقدمة كتاب «الدعوة الإسلامية إلى وحدة أهل السنّة والإمامية» لمحمد جواد مغنية (والكتاب للخنيزي) . (5) رسالة الإسلام «مجلة دار التقريب» السنة الأولى، العدد الأول، 1368 هـ، مجلد 1 ص 93 (صوت التقريب) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 حجباً كثيفة لا بد لرفعها من دعوة تنظم الجهود، ودعاة مخلصين يبذلون غاية الجهد لتعريف كل طائفة بما عند غيرها..) (1) . وبناء على هذا "الحكم" - بأنه لا خلاف بين الفريقين - طالب الشيعة باعتبار مذهبهم مذهباً خامساً، وأصدر شلتوت "فتواه" بجواز التعبد بالمذهب الجعفري (2) ، ونَشَر الشيعة في ديار السنّة بعض كتبهم الفقهية، ودعا بعض المنتسبين للسنّة برجوع السنّة إلى كتب الشيعة في الحديث كما يرجعون إلى صحيح البخاري وغيره من كتب السنّة، كما قام بعضهم بتحقيق بعض كتب الشيعة في ديار السنّة ونشرها. وقيل وفُعل الكثير في هذا الباب مما يطول وصفه وتسجيله. ولم يحصل شيء من ذلك في ديار الشيعة، وكأن التقصير في مسألة التقريب هو من جانب السنّة. وكان لا بد من دراسة "مسألة التقريب" دراسة علمية موضوعية توضح الرؤية وتبيّن الطريق.. ليكون التقريب - إن أمكن - على بيّنة ومنهج واضح.. وسبيل راشد.. فإن دعوى عدم وجود خلاف إنما هي أمل يرجوه كل مسلم، ويستبشر بحصوله كل مؤمن، وهؤلاء الدعاة للتقريب يزفون لنا البشرى بأنه لا وجود للخلاف الأساسي أصلاً. وما قاله علماء الفرق، وأئمة العقيدة والدين.. هو مجرد وهم من الأوهام. وكما أن الاجتماع والتآلف إنما هو كسب عظيم ونجاح كبير للأمة في حاضرها ومستقبلها، فإن دعوى عدم وجود خلاف أساسي على الرغم من وجوده أمر خطير، لأن هذه "فتوى" وحكم على الضلال   (1) محمد تقي القمي في مقدمته لكتاب «بين السنّة والشيعة» للدكتور سليمان دنيا. (2) انظرها في ملحق الوثائق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 والباطل بالإسلام. وهذا باب من أبواب الصد عن دين الله وشرعه؛ لأن أصحاب ذلك الضلال إذا ظنوا أن ما هم عليه من باطل هو الإسلام، ثم رأوا ذلك فاسداً في العقل، شكوا في الإسلام كله.. وذهبوا يبحثون عن «مذاهب وعقائد» أُخرى.. ومن هنا فلا بد أن يكون هذا الحكم قائماً على بيّنة.. لأن التستر على الخلاف لا يؤدي إلى إزالته، بل يؤدي لاستمراره واستفحاله.. ومحاولة المريض إيهام نفسه بالسلامة تجرُّه إلى مدرجة الهلكة، ودس الرؤوس في الرمال تعامياً عن الحقيقة خير من مواجهتها مهما كانت صعبة مرة.. والدين النصيحة، لذا كان خير الطرق معرفة "واقع الأمر" و"حقيقة المشكلة" والبحث عن الحل لذلك. إنه من الضروري أن تتكاتف جهود الباحثين المخلصين لكشف أسباب الخلاف وأُصوله، وإماطة اللثام عن الباطل الذي حاول المغرضون التلبيس به على الناس، ورفع الستار عن الأعداء.. الذين يزرعون الخلاف ويبغون في الأمة الفرقة والفشل. لهذا سأحاول في هذه "الدراسة": التعرف على أُصول الخلاف وأُسسه، ورأي دعاة التقريب في ذلك. وبعد ذلك سأعرض لمحاولات التقريب، والجهود المبذولة لرفع الخلاف مع التقويم لها، ثم أُبيّن هل هناك طريق ناجح لحل الخلاف. وقد بدأْت الدراسة لـ "مسألة التقريب" بالتعريف بأهل السنّة وبالشيعة، وبيان أُسس الخلاف بينهما ومظاهره، وهذا أمر أساسي في بحث "مسألة التقريب"، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره، وكيف نحكم في مسألة التقريب ما لم نعرف السنّة والشيعة؟ وهل نستطيع أن نصل إلى معرفة حقيقية لإمكانية التقريب أو عدمه قبل دراسة أُصول الخلاف بين الاتجاهين؟ فدراسة ذلك ركن أساسي في بحث "مسألة التقريب"، لهذا جعلت ذلك في بابين: الباب الأول: أهل السنّة ويشمل: التعريف بأهل السنّة ومصادرهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 في تلقي العقيدة، ومجمل عقائدهم التي خالفتها الشيعة؛ أدرس ذلك من خلال كتب أهل السنّة. وقد يقول قائل: إذا كانت الشيعة تحتاج إلى تعريف.. فهل يحتاج أهل السنّة إلى ذلك؟ وهل من المناسب جعل المتمسك بالحق مساوياً للمخالف المنشق، وجعل "السنّة" معادلة للنزعات التي انشقت عنها؟ وأقول: إن مثل هذا القول قد يقوله "شيعي" أيضاً، فالشيعة يزعمون لأنفسهم أن مذهبهم هو الحق.. وقضية التعريف بالطائفتين، وبيان أُصول الخلاف بينهما لا تعني المعادلة والمساواة بحال، فلكلٍّ وجهة ولكلٍّ عقيدة.. والسنّة بحاجة إلى من يعرف بعقيدتها وبنشرها.. ولا سيما في هذا الزمن الذي استحكمت فيه غربة السنّة واستفحل الكيد لها. وقد يكون هذا التعريف ليس لأهل السنّة، بل للشيعة الذين يقرؤون عن صورة لأهل السنّة مغايرة للحقيقة. وقد يكون الحكم بأنه لا خلاف بين السنّة والشيعة بناء على "تصوير خاطئ" لأهل السنّة في كتب الشيعة، فكان لا بد من بيان الحقيقة ولو على سبيل الإيجاز. وفي الباب الثاني: درست الشيعة؛ بالتعريف بهم، وبيان نشأتهم وأصول فرقهم. ثم خصصت أُصول فرقهم المعاصرة "الإسماعيلية، والزيدية، والاثني عشرية" بالدراسة والتقويم، لأن كل طائفة من هذه الطوائف نادى بعض أتباعها بالتقريب. وانتهيت إلى اعتماد "الاثني عشرية الرافضة" بالدراسة التفصيلية لأنها استوعبت بمصادرها الثمانية في الحديث معظم آراء فرق الشيعة. كما سيأتي تفصيل ذلك. فضلاً عن أنها تمثل غالبية الشيعة حتى قيل أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 مصطلح "الشيعة"، إذا أُطلق فلا ينصرف إلا إليهم.. وأنها هي الفئة التي نشطت في الدعوة للتقريب، وبثت دعاتها ونشرت كتبها، وأقامت بعض المراكز لهذا الغرض. فدرست عقيدة "الرافضة" في أصول الإسلام المتفق عليها بين المسلمين: الكتاب، والسنّة، والإجماع. ثم عقائدها الأخرى التي خالفت فيها أهل السنّة، وهي: الإمامة، والعصمة، والتقية، والرجعة، والغيبة، والبداء، واعتقادهم في الصحابة. ثم في نهاية هذين البابين بينت "النتيجة" لدراستنا لأهل السنّة والشيعة وذلك بالحكم على "مسألة التقريب"، ولم أتوقف عند هذه "النتيجة" بل عقدت باباً كاملاً لآراء دعاة التقريب في أصول الخلاف التي عرضت لها فيما يتصل بمذهب الشيعة، وفيما يتصل بمذهب أهل السنّة. وناقشت ذلك كله، وذلك لنرى هل تغير شيء من أصول الخلاف وأُسسه من خلال دعوة التقريب، بحيث أصبح لا يوجد خلاف بين الفريقين إلا في بعض مسائل الفروع؟ أم أن الأمر غير ذلك؟ لهذا اعتمدت في هذا الباب على آراء المعاصرين كما اعتمدت فيما قبل ذلك - في الغالب - على أحاديثهم عن "معصوميهم" وأقوال علمائهم السابقين. وفي الباب الرابع: تحدثت في الفصل الأول عن أهم المحاولات القديمة والمعاصرة للتقريب، وقدمت تقويماً موجزاً عن تلك المحاولات، على ضوء الدراسة السابقة. ثم في الفصل الثاني عقدت مبحثاً بعنوان: "هل من طريق للتقريب؟ " عرضنا وناقشت فيه أهم الأقوال، والطرق المتصورة لتحقيق التقريب وإزالة الخلاف، ثم بينت "الرأي المختار" في ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وفي بداية دراستي تلمست ما أمكنني من وسائل للوصول إلى المصادر الأصيلة للموضوع، والتعرف على حقائقه من أصولها. ولقد لاقيت صعوبات فيما يتصل بالوصول إلى مراجع الشيعة وكتبها المعتبرة، فكان عليَّ أن أسافر لهذا الغرض وغيره. فسافرت إلى مصر حيث "دار التقريب" وتمكنت - بواسطة فضيلة الشيخ عبد العزيز عيسى وزير الأزهر سابقاً، ومدير مجلة دار التقريب "دراسة الإسلام" ـ من دخول دار التقريب التي كانت موصدة الأبواب، ولا أثر لأي نشاط فيها - إبّان زيارتي لها - وقد أفدت من مكتبتها. ولبثت أتردد عليها أياماً. كما أهدى إليَّ فضيلة الشيخ بعض منشورات الدار مثل "قصة التقريب" و"معالم التقريب" و"دعوة التقريب" كما أعارني كافة مجلدات رسالة الإسلام "مجلة دار التقريب" البالغة ستة عشر مجلداً، وقد أفدت من ذلك في الحديث عن محاولة دار التقريب وتقويمها - فجزى الله عني الشيخ خيراً -. كما حاولت أن ألتقي ببعض شيوخ مصر الذين عايشوا حركة التقريب سواء كانوا مؤيدين أو معارضين، فكما التقيت بالشيخ عبد العزيز عيسى مدير مجلة دار التقريب زرت الشيخ محمد حسنين مخلوف - مفتي مصر سابقاً - وهو من المعارضين. وقد أملى عليّ رأيه في ذلك. كما زرت مكتبة الشيخ محب الدين الخطيب الذي كان - رحمه الله - الوجه المعارض بشدة لهذه القضية واطلعت على ما في مكتبته من كتب الشيعة. كما زرت "الأزهر" و"مجمع البحوث الإسلامية" للإفادة منهما فيما يتصل بموضوعي. وسافرت إلى الكويت، وزرت بعض الجمعيات الشيعية هناك، وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 لي جلسة طويلة مع مجموعة كبيرة من أعضائها وأهدوا إليّ بعض نشراتهم في هذا المجال، كما زرت بعض مكتبات المساجد الخاصة بالشيعة في الكويت، وكما حصلت على ما يوزعونه من كتب للدعاية لمذهبهم. ومن الكويت اتجهت إلى العراق، وهناك أفدت كثيراً حيث حصلت واطلعت على طائفة من كتب الشيعة المعتمدة، أمثال كتب: الكليني، والقمي، والحر العاملي، والمجلسي وغيرهم. كما حصلت على صورة من النسخة الخطيّة لكتاب «فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب» ، وتوفر لدي هناك طائفة من كتابات شيوخ الشيعة ومراجعها المعاصرين، أمدتني بمعلومات مهمة فيما يتصل بالباب الثالث وهو "آراء دعاة التقريب في أسس الخلاف"، كما حصلت على مجموعة من النسخ الخطيّة المصورة لعلماء أهل السنّة مثل: «التحفة الاثني عشرية» - الأصل، وهو في أكثر من ألف صفحة - و «السيوف المشرقة» و «نقض عقائد الشيعة» و «كشف غياهب الظلمات» وغيرها. كما زرت أماكن تعبُّد الشيعة في "الكاظمية" و"النجف" وغيرهما. وزرت مكتبة شيخ الشيعة الخالصي الذي يتزعم الدعوة للوحدة الإسلامية والتقيت ببعض أولاده، وأهدوا إليّ نشرات أبيهم في هذا الموضوع. ومن العراق سافرت إلى باكستان والتقيت ببعض علماء السنّة المعنيّين بقضية الشيعة في كراتشي، ولاهور، وفيصل آباد. وأخص منهم بالذكر والشكر العلامة محمد عبد الستار (1) الذي فتح لي مكتبته   (1) المشهور بصاحب تونسوي، وقد ألف مجموعة من الرسائل في الرد على الشيعة من خلال كتبها باللغة الأردية مثل: «رسالة شان صديق أكبر» ، و «شان فاروق أعظم» وغيرهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الخاصة بالشيعة، وأطلعني على الفهرس الخاص الذي وضعه لها والمتضمن لركائز الغلو عند الشيعة - والرد عليها من خلال كتبهم، كما أهدى إليّ رسائله في الرد على الشيعة فجزاه الله خيراً -. هذه لمحة عما قمت به في محاولة استكمال المادة العلمية لهذا الموضوع الخطير. أما الدراسة التحليلية للمصادر فإن ضيق المجال، وتضخم البحث واتساع شعبه، يحول دون استعراضه. وحسبي أن أقول: إنني درست الشيعة من خلال مصادرهم الخاصة بهم والمعتبرة عندهم، وذلك من أجل الوصول إلى تصور سليم عنهم، وفق منهج عادل غير متحامل عليهم ولا متعصب لغيرهم، وهذا هو مقتضى العدل والإنصاف. والمسلم مأمور بالتزام العدل حتى مع طوائف الكفر وإن وجد في نفسه ما وجد (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (1) كما أن هذا هو ما يفرضه "المنهج العلمي" وأداء الأمانة على وجهها.. وقد أخذ سلفنا الصالح بمبدأ العدل مع طوائف البدع وغيرها. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (أهل السنّة يستعملون معهم - يعني الروافض - العدل والإنصاف ولا يظلمونهم، فإن الظلم حرام مطلقاً، بل أهل السنّة لكل طائفة من هؤلاء - يعني طوائف البدع - خير من بعضهم لبعض، بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض. وهذا ما يعترفون هم به، ويقولون: أنتم تنصفوننا ما لا ينصف   (1) المائدة: آية 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 بعضنا بعضاً) (1) ، وهذا ما تعترف به بعض كتب الشيعة المعتمدة عندهم، جاء في «الكافي» أن أحد الشيعة ـ ويسمى عبد الله بن كيسان - قال لإمامهم: (إني.. نشأت في أرض فارس، وإنني أخالط الناس في التجارات وغير ذلك فأُخالط الرجل فأرى له حسن السمت، وحسن الخلق، وكثرة أمانة، ثم أفتشه فأتبينه عن عداوتكم - يعني أنه من أهل السنّة - وأخالط الرجل فأرى منه سوء الخلق، وقلة أمانة، وزعارة (2) ، ثم أفتشه فأتبينه عن ولايتكم..) (3) - يعني من الشيعة -. ولقد قمت بدراسة للشيعة من خلال كتبها الأساسية، ولم أستق من كتاب لهم إلا وقدمت بين يديه توثيقاً له من كتب الشيعة نفسها، كما أنني أذكر - إن وجدت - ما يراه شيوخهم في «الحديث» الذي يروونه عن معصوميهم؛ ما يرون فيه من الصحة أو الضعف بناءً على مقاييسهم الخاصة بهم في ذلك، وإن كان بعض شيوخهم يوثق كل ما ورد في كتبهم الأربعة عن معصوميهم وهم الذين يسمون بالإخباريين، ولكن كثرة الشيعة وهم الأصوليون لا يعتقدون في صحتها كلها. والحقيقة أن مسلك التصحيح والتضعيف في كتب الشيعة غير يسير في الغالب، فأنت إذا أردت أن تصحح حديثاً لهم بناءً على دراسة سنده من خلال كتب الرجال عندهم كرجال الكشي، أو تنقيح المقال للممقاني؛ ترى أن فيها ما هو غير مكتمل السند!، وفيها ما لا سند له   (1) «منهاج السنّة» : (3/39) . (2) الزعارة: سوء الخلق، وفي بعض النسخ: (الدعارة. وهو الفساد والفسوق والخبث) . عن هامش «الكافي» : (2/4) . (3) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 مطلقاً! مثل كتاب «الاحتجاج» ، ومع ذلك هو مقبول وموثق عندهم، وتجد أن منها ما ينقل من كتب لهم معظمها غير موجود ويكتفى بالقول بأن الكتب التي نقل عنها معتبرة عندهم، ومن كتبهم التي سلكت هذا المسلك «البحار» للمجلسي، و «الوسائل» للحر العاملي، وغيرهما. لهذا اتبعت أُسلوب صحة الحديث في نظرهم إِن وجدت ذلك، أو توثيق الكتاب عندهم، أو بيان أن هذه الروايات متواترة عندهم ببيان عدد أحاديثها ورواياتها في كتبهم وما أُلف بصددها. كل هذه الطرق استعملناها لتوثيق ما ننقل عنهم، ولعل في سلوكنا لهذا المنهج استجابة لما يطلبون وتحقيقاً لما يرغبون، يقول أحد أعلامهم المعاصرين ـ ويلقبونه بـ «حجة الإسلام» ـ: و «..نصيحتنا لهم - أي لأهل السنّة - ألاّ يكتبوا عن الشيعة بعد اليوم إلا ما يأخذونه عن الشيعة أنفسهم، وليس لهم أن يستقوا أخبارهم من منابع الأغيار الذين كذبوا على الشيعة جهدهم وألصقوا بها من الشنائع ما الله به عليم» (1) . وإن كان بعض المفكرين قد أخذ بهذه النصيحة وكتب عن الشيعة من خلال كتبهم المعتبرة، ونقد بعض آرائهم نقداً عقليّاً نزيهاً مستنداً إلى نصوصهم المعتمدة، ومع ذلك لم يسلم من غضبهم ونقدهم، وكاد يدفع حياته ثمناً لذلك (2) ، هذا وإنني بسلوكي للمنهج السالف الذكر قد لا أُغفل في عرضي مادة الشيعة "وجهة النظر الأخرى" عنهم، ولكن بعد أن أذكر أولاً ما في كتب الشيعة المعتمدة كما قد أفعل ذلك بالنسبة   (1) من مقدمة كتاب «تحت راية الحق» في الرد على الجزء الأول من «فجر الإسلام» : ص 13، والمقدمة لمرتضي آل يس الكاظمي والكتاب لعبد الله السبيتي، وانظر أيضاً: محمد جواد مغنية «الشيعة في الميزان» : ص 14. (2) وهو أحمد أمين، وقد ذكر ذلك في كتابه «حياتي» : (ص 229 - 230) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 لمادة السنّة، وأظنني بهذا لا أخرج عن المنهج المطلوب. وقضية التقريب لم أر من كتب عنها بمثل هذا المنهج، ولم أجد من درسها دراسة تحليلية تلتمس وجه الصواب فيها من خلال عرض أصول الفريقين وبطريقة موضوعية بعيدة عن التحيز والانفعال.. والكتابات في هذا الموضوع إما كتب تدعو للتقريب بطريقة عاطفية وأُسلوب معتمد على الجهل أو التجاهل للحقائق القائمة، مثل كتاب «بين السنّة والشيعة» للدكتور سليمان دنيا و «الإسلام بين السنّة والشيعة» لهاشم الدفترادار، ومحمد علي الزعبي. وإما كتب تتحدث عما في كتب الشيعة من كفر وضلال مثل «الخطوط العريضة» لمحب الدين الخطيب، و «الوشيعة» للشيخ موسى جار الله، و «السنّة والشيعة» لإحسان إلهي ظهير، و «تبديد الظلام» للأستاذ إبراهيم الجبهان. أما الدراسة العلمية والموضوعية المتكاملة لهذه المسألة فلم أجد في المكتبة الإسلامية شيئاً منها. لذا جاءت كتابتي في هذا الموضوع بداية، وكل بداية لا بد فيها من قصور.. ولا سيما في هذا الموضوع الخطير، الذي يتطلب جهوداً جماعية ومدة زمنية طويلة. ولقد حاولت قدر الإمكان.. أن أسلك المنهج الذي آمل أن يكون منهجاً عادلاً وسليماً.. في نقاش هذه القضية.. ذلك المنهج الذي وضع أيدينا على نقاط مهمة، وكشف لنا عن حقائق خطيرة في مسألة التقريب، لا سيما أن في هذا البحث قضايا جديدة لم تدرس من قبل، مثل: عرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 "آراء دعاة التقريب في مسائل الخلاف ومناقشتها" ذلك الذي أخذ من هذه الرسالة الباب الثالث، وكذلك محاولات التقريب وتقويمها في القديم والحديث، وكذلك دراسة الآراء والطرق المتصورة لحل الخلاف، تلك التي لم تنل العناية قبل ذلك. وكانت الدراسة منصبة في هذه المسألة (الأخيرة) على رد شبه الشيعة واستدلالها من كتب السنّة، وكذلك في مبحث عقائد الشيعة عرضنا لمسائل جديدة مثل تصحيح أحاديثهم حسب مقاييسهم الخاصة بهم، ومحاولة حصر الأحاديث الواردة في كل قضية وعقيدة من عقائدهم وما ألف فيها - ما وجدت إلى ذلك سبيلاً - ثم دراسة مسألة السند عند الشيعة، ومتى وضع، والسبب في وضعه، وكشف ما زيد على بعض كتب الشيعة من أحاديث وأبواب، ودراسة أول كتاب ألفه الشيعة، واحتوى على جملة كبيرة من عقائدهم وهو كتاب «سليم بن قيس الهلالي» إلى غير ذلك من المسائل. ولقد تطلب كل ذلك قراءة طويلة في كتب الشيعة. نسأل الله سبحانه أن يسدد أعمالنا وأقوالنا وأن يهدينا سواء السبيل. وختاماً أشكر الله سبحانه على ما هيأ لي من خير ويسر لي من أُمور. "وإنني" لأشكر كل من مدّ لي يد المساعدة في هذا البحث وأدعو الله عزَّ وجلَّ أن يثيبهم ويجزيهم كل خير. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 الباب الأول: أهل السنة والجماعة الفصل الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة . الفصل الثاني: مصادرهم في تلقي العقيدة (أصولهم في الاعتقاد) . الفصل الثالث: مجمل لأهم عقائدهم التي شذت عنها (الشيعة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 الفصل الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة (أ) التعريف بالسنّة: السُّنَّة بالضم وفتح النون المشددة في اللغة: الطريقة، والسنة: السيرة حميدة كانت أم ذميمة، والجمع سُنن (1) . ومنه قوله (: «من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنَّة سيئة.. الحديث» (2) . وتطلق السنَّة ويراد بها: الطريقة المحمودة، فقد جاء في اللسان: (السنة: الطريقة المحمودة المستقيمة؛ ولذلك قيل فلان من أهل السنة معناه: من أهل الطريقة المستقيمة المحمودة) (3) . والسنة في الشرع تطلق على عدة معان: تطلق على سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، يقول ابن   (1) انظر: «المصباح المنير» مادة سن: (1/312) . (2) رواه مسلم في كتاب العلم، باب (من سن سنّة حسنة أو سيئة) : (8/61) . (3) «لسان العرب» مادة سن: (17/90) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 فارس (1) : (وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيرته) (2) . وتطلق في اصطلاح المحدثين على (ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أقواله وأفعاله وتقريره وما همَّ بفعله) (3) . وللسنّة عند الأصوليين اصطلاح (4) ، وعند الفقهاء اصطلاح ... (5) . ومرد هذا الاختلاف في الاصطلاح إلى اختلاف الأغراض والتخصصات التي تعني بها كل فئة من أهل العلم. ولا يعنينا تتبع جميع تلك الاصطلاحات، إنما يعنينا أن نعرف بمصطلح «السنة» أو «أهل السنة» كدلالة على اتجاه معين في الاعتقاد. يقول ابن رجب (6) - رحمه الله -: (السنة: طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي كان عليها هو وأصحابه السالمة من الشبهات والشهوات،   (1) أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي أبو الحسين، من أئمة اللغة والأدب، له تصانيف، منها: «مقاييس اللغة» ، و «جامع التأويل في تفسير القرآن» ، كان مولده سنة 329هـ، وتوفي سنة 395هـ. انظر «وفيات الأعيان» لابن خلكان: (1/118، 119) . (2) «معجم مقاييس اللغة» مادة سن: (3/61) ، «مختار الصحاح» : ص 317. (3) ابن حجر: «فتح الباري» : (13/245) ، الجزائري: «توجيه النظر» : ص 3. (4) انظر: الفتوحي «مختصر التحرير» : ص 30، الشوكاني: «إرشاد الفحول» : ص 33. (5) انظر: «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي: قسم 2 جـ1 ص 156، «شرح الكوكب المنير» : (ص 125، 126) . (6) هو عبد الرحمن بن أحمد بن رجب السلامي البغدادي ثم الدمشقي أبو الفرج زين الدين، حافظ للحديث من كبار العلماء، ولد في بغداد سنة 706هـ، وتوفي في دمشق سنة 795هـ، ومن آثاره «القواعد الفقهية» و «ذيل طبقات الحنابلة» : انظر: ابن حجر «الدرر الكامنة» : (2/428، 429) ، «الإعلام» : (3/67) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 ثم صار معنى السنة في عرف كثير من العلماء المتأخرين (1) من أهل الحديث وغيرهم: عبارة عما سلم من الشبهات في الاعتقادات خاصة في مسائل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكذلك في مسائل القدر وفضائل الصحابة، وصنفوا في هذا العلم تصانيف وسموها كتب السنة (2) ، وإنما خصوا هذا العلم باسم السنة لأن خطره عظيم، والمخالف فيه على شفا هلكة) (3) . وكذا قال الألوسي (4) - رحمه الله -: (السنة في الأصل تقع على ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما سنه أو أمر به من أصول الدين وفروعه حتى الهَدْي والسمت، ثم خصت في بعض الإطلاقات بما كان عليه أهل السنة من إثبات الأسماء والصفات خلافاً للجهمية المعطلة النفاة، وخصت بإثبات القدر ونفي الجبر خلافاً للقدرية النفاة وللقدرية الجبرية العصاة. وتطلق - أيضاً - على ما كان عليه السلف الصالح في مسائل الإمامة والتفضيل، والكف عما شجر بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.   (1) يلاحظ أن تخصيص مفهوم السنّة في أصول الاعتقاد بدأ في عصر متقدم؛ فالإمام ابن أبي عاصم (المتوفى سنة 287هـ) يعرف السنة بمسائل العقيدة، انظر: «السنة» لابن أبي عاصم: (2/645، 647) . (2) سيأتي - إن شاء الله - ذكره لهذه الكتب في مبحث مصادر أهل السنّة. (3) ابن رجب: «كشف الكربة» : (ص 11، 12) . (4) هو علامة العراق في زمنه، أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن شهاب الدين محمود الألوسي الحسيني، مؤرخ وعالم بالدين والأدب، ومن الدعاة إلى الإصلاح. ولد في رصافة بغداد عام 1273هـ، وتوفي ببغداد عام 1342هـ. له 52 مصنفاً بين كتاب ورسالة، منها: «بلوغ الأرب في أحوال العرب» ، و «المسك الأذفر» ، و «غاية الأماني» وغيرها. انظر: «أعلام العراق» : (ص 86 - 241) ، «الأعلام» : (8/49، 50) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وهذا من إطلاق الاسم على بعض مسمياته؛ لأنهم يريدون بمثل هذا الإطلاق التنبيه على أن المسمى ركن أعظم وشرط أكبر كقوله (: «الحج عرفة» (1) أو لأنه الوصف الفارق بينهم وبين غيرهم، لذلك سمى العلماء كتبهم في هذه الأصول كتب السنة) (2) . وأهل السنة: هم المتبعون للسنة المتمسكون بها، وهم: الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. يقول ابن حزم (3) : (وأهل السنة.. أهل الحق، ومن عداهم فأهل البدعة (4) ؛ فإنهم الصحابة (ومن سلك نهجهم من خيار التابعين - رحمة الله عليهم -، ثم أصحاب الحديث ومن اتبعهم من الفقهاء جيلاً فجيلاً إلى يومنا هذا، ومن اقتدى بهم من العوام في شرق الأرض وغربها - رحمة الله عليهم-) (5) . والسبب في تسميتهم بأهل السنة هو كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (6) : (وإنما سموا أهل السنة لاتباعهم سنته () (7) .   (1) رواه أبو داود في كتاب (رقم 1949) ، والترمذي في كتاب تفسير القرآن (رقم 2979) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ورواه ابن ماجه في المناسك (رقم 3015) . (2) الألوسي: «غاية الأماني» : (1/428) . (3) أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، عالم الأندلس في عصره، فقيه أديب أصولي محدث، حافظ متكلم، ولد بقرطبة سنة 384هـ أو 383هـ، وتوفي في الأندلس سنة 456هـ، ومن جملة مؤلفاته: «المحلى» و «الفصل» وغيرهما. انظر: المقري: «نفح الطيب» : (2/283 - 289) ، وانظر: «الأعلام» : (5/59) . (4) يقول ابن تيمية: البدعة في الدين هي ما لم يشرعه الله ورسوله.. انظر: «الفتاوى» : (4/107، 108) ، وانظر في موضوع البدعة: «الباعث على إنكار البدع والحوادث» لأبي شامة، «الاعتصام» للشاطبي، «البدعة تحديدها وموقف الإسلام» للدكتور عزت عطية. (5) «الفصل» : (2/107) ، وانظر: ابن الجوزي: «تلبيس إبليس» : ص 16. (6) أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله ابن تيمية الحراني ثم الدمشقي، قال الذهبي: كان من بحور العلم ومن الأذكياء المعدودين، اثني عليه الموافق والمخالف، وسارت في تصانيفه الركبان، لعلها ثلاثمائة مجلد، ومن مؤلفاته: «مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية» في 37 مجلد، وغيرها كان مولده بحران سنة 661هـ، وتوفي سنة 728هـ. انظر: الذهبي: «تذكرة الحفاظ» : (4/1496 - 1498) ، ابن كثير: «البداية والنهاية» : (14/132 - 141) . (7) المنتقى ص 189. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وكذلك يرجع أبو المظفر الإسفراييني (1) سبب تسميتهم بأهل السنة إلى: اتباعهم لسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيقول: (وليس في فرق الأمة أكثر متابعة لأخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأكثر تبعاً لسنته من هؤلاء؛ ولهذا سُمّوا بأهل السنة. ثم قال لما سئل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الفرقة الناجية قال: «ما أنا عليه وأصحابي» (2) . وهذه الصفة تقررت لأهل السنة، لأنهم ينقلون الأخبار والآثار عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة (، ولا يدخل في تلك الجملة من يطعن في الصحابة من الخوارج والروافض) (3) .   (1) أبو المظفر شهفور بن طاهر بن محمد الإسفراييني، الإمام الأصولي الفقيه المفسر، له تصانيف، منها: «التفسير الكبير» و «التبصير في الدين» ، توفي عام 471هـ، انظر: «طبقات الشافعية» : (5/11) ، «الأعلام» : (3/260) . (2) هذا جزء من حديث رواه الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص في كتاب الإيمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة: (7/297 رقم 2643) ، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وفي بعض نسخ الترمذي: حديث غريب. قال الصدر المناوي: وفيه عبد الرحمن بن زياد الأفريقي؛ قال الذهبي: ضعفوه. «فيض القدير» : (5/347) . قال المباركفوري: (فتحسين الترمذي له لاعتضاده بأحاديث الباب) . «تحفة الأحوذي» : (7/400) ، ورواه الحاكم في «مستدركه» وذكر أن هذا الحديث روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص بإسناد تفرد به عبد الرحمن بن زياد الأفريقي فلا تقوم به الحجة، ووافقه الذهبي. انظر: «المستدرك» : (1/128، 129) . (3) الإسفراييني: «التبصير في الدين» : ص 167. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 (ب) ويطلق على أهل السنة: الجماعة (1) : فيقال: أهل السنة والجماعة، وقد ورد تفسير الجماعة في بعض الأحاديث بأنها: جماعة المسلمين التي هي على مثل ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؛ ففي حديث حذيفة بن اليمان (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « ... تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ... الحديث» (2) فبيّن أن المراد بالجماعة: جماعة المسلمين (3) . وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما- قال: قال رسول (الله حينما سئل عن الفرقة الناجية من هي؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي» (4) . وقد ورد عن ابن مسعود   (1) الجماعة في اللغة: قال عنها صاحب المحكم: (الجماعة، والجميع والمجمع والمجمعة كالجمع، وقد يستعملون ذلك في غير الناس حتى قالوا: جماعة الشجر وجماعة النبات، والجمع وجمعه جمع: المجتمعون) . «المحكم» لابن سيدة: جـ1 مادة جمع. والجمع كالمنع تأليف: المفرق. «تاج العروس» : جـ5 مادة جمع. والجيم والميم والعين أصل واحد يدل على تضام الشيء. «معجم مقاييس اللغة» : جـ1 مادة جمع، وجامعت الرجل على الأمر مجامعة وجماعاً إذا مالأته عليه، والجمعة مشتقة من اجتماع الناس فيها للصلاة، ونادوا الصلاة جامعة: أي اجتمعوا لها، وفلاة مجمعة: يجتمع فيه القوم، ولا يفترقون خوف الضلال. «جمهرة اللغة» لابن دريد: جـ2 مادة جمع. (2) رواه البخاري: (8/93) ، مسلم: (6/20) . (3) وعلى هذا التعريف للجماعة اقتصرت (دائرة المعارف الإسلامية) ونبهت إلى ملاحظة التفريق بين (الإجماع) الذي يعني اتفاق فقهاء الإسلام في عصر من العصور.. وبين (الجماعة) التي هي جماعة المسلمين المخالفة للمارقين والخارجين. انظر: «دائرة المعارف الإسلامية» : (7/94) . (4) تقدم تخريج هذا الحديث ص 27 من هذه الرسالة. وقد قال الشاطبي عن هذا الحديث: (فأجاب (بأن الفرقة الناجية من اتصف بأوصافه عليه الصلاة والسلام وأوصاف أصحابه، وكان ذلك معلوماً عندهم غير خفي فاكتفوا به، وربما يحتاج إلى تفسيره بالنسبة إلى من بعد تلك الأزمان. وحاصل الأمر أن الصحابة كانوا مقتدين به، مهتدين بهديه، وقد جاء مدحهم في القرآن الكريم، وأثنى عليهم متبوعهم محمد (، وإنما خُلقه (القرآن.. فالقرآن إنما هو المتبوع على الحقيقة، وجاءت السنّة مبينة له، فالمتبع للسنّة متبع للقرآن، والصحابة كانوا أولى الناس بذلك، فكل من اقتدى بهم فهو من الفرقة الناجية.. وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام: «ما أنا عليه وأصحابي» . فالكتاب والسنة هما الطريق المستقيم، وما سواهما من الإجماع وغيره فناشئ عنهما، هذا هو الوصف الذي كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وهو معنى ما جاء في الرواية الأخرى من قوله: «وهي الجماعة» ، لأن الجماعة في وقت الإخبار كانوا على ذلك الوصف) «الاعتصام» : (2/252) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 (موقوفاً تفسير لمفهوم الجماعة حيث قال: « ... الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك» (1) . ويأخذ أبو شامة (2) بهذا التفسير ويؤكده، فيقول: (حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة، فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسك بالحق قليلاً، والمخالف له كثيراً، لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، ولا نظرة إلى كثرة أهل الباطل بعدهم) (3) . فالجماعة - هنا - تعني موافقة الحق. ومن الملاحظ أن (لفظ السنة في كلام السلف يتناول السنة في العبادات وفي الاعتقادات) (4) ، ثم خص بقضايا العقيدة ولا سيما المسائل   (1) رواه اللالكائي بسنده عن ابن مسعود في كتاب السنّة، باب سياق ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحث على اتباع الجماعة والسواد الأعظم. انظر: اللالكائي: «كاشف الغمة في اعتقاد أهل السنّة» : ص 9 (مخطوط) ، وانظر: «الباعث على إنكار البدع والحوادث» لأبي شامة: ص 22، و «إغاثة اللهفان» لابن القيم: (1/70) . (2) عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي أبو القاسم شهاب الدين المعروف بأبي شامة، محدث حافظ مؤرخ مفسر فقيه أصولي متكلم مقرئ نحوي، ولد بدمشق سنة 599هـ، وبها منشأه ووفاته سنة 665هـ، ومن آثاره: كتاب «الروضتين في أخبار الدولتين» ، و «الباعث على إنكار البدع والحوادث» وغيرهما. انظر: ابن كثير: «البداية» : (13/250) ، «شذرات الذهب» : (5/318) ، «الأعلام» : (4/70) . (3) أبو شامة: «الباعث» : ص 22. (4) ابن تيمية: «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» بتحقيق: صلاح الدين المنجد: ص 77. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 التي خالف فيها أهل البدع كما سبق. كذلك نجد لفظ الجماعة يعني: حسب ما جاء عن ابن مسعود - موافقة الحق على وجه العموم، ثم نراه يخصص بمسائل العقيدة التي انحرف عنها المبتدعة؛ فنجد الإمام أبا حنيفة يعرف الجماعة على هذا الوجه؛ فيقول - رحمه الله -: (الجماعة: أن تفضل أبا بكر وعمر، وعليّاً، وعثمان (1) ، ولا تنتقص أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تكفر الناس بالذنوب وتصلي على من يقول لا إله إلا الله وخلف من قال: لا إله إلا الله، وتمسح على الخفين..) (2) . ونجد فيما بين أيدينا من مصادر عدة تعاريف للجماعة تعرف بها من خلال بعض مبادئها وأصولها، فكما عرف أبو حنيفة الجماعة ببعض أصولها نجد شيخ الإسلام ابن تيمية يجعل الالتزام بمصادر أهل السنة في التلقي هو الفيصل بين أهل السنة والجماعة ومن عداهم، فيقول: (فمن قال بالكتاب والسنّة والإجماع كان من أهل السنّة والجماعة) (3) ويقول: (لأن الجماعة هي الاجتماع وضدها الفرقة ... وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال.. مما له تعلق بالدين) (4) .   (1) قال شارح الطحاوية: (روي عن أبي حنيفة تقديم علي على عثمان، ولكن ظاهر مذهبه تقديم عثمان على علي، وعلى هذا عامة أهل السنّة) «شرح الطحاوية» : ص 486، وانظر: الخطابي: «معالم السنن» : (4/302، 303) ، ملا علي القاري: «شرح الفقه الأكبر» : ص 119. وقال ابن تيمية: (وهذه المسألة - مسألة عثمان وعلي - ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها) «الفتاوى» : (3/153) . (2) ابن عبد البر: «الانتقاء» : ص 163، 164. (3) «الفتاوى» : (3/346) . (4) المصدر السابق: (3/157) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 ولما كان من "أصول أهل السنة والجماعة لزوم الجماعة وترك قتال الأئمة.. بخلاف أهل الأهواء الذين يرون القتال للأئمة من أصول دينهم" (1) . نجد من يفسر الجماعة بأنها جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير (2) . وبهذا المعنى روى الطبري بسنده أن عمرو بن حريث سأل سعيد بن زيد قال: «فمتى بويع أبو بكر؟ قال: يوم مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة» (3) . ومن أصول أهل السنّة الاعتصام بحبل الله جميعاً، وعدم التفرق والتنازع، وفي المعنى روى البخاري عن عليٍّ (قال: «اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف حتى يكون الناس جماعة» (4) . قال ابن حجر (5) : قوله «فإني أكره الاختلاف» أي: الذي يؤدي إلى النزاع. قال ابن التين: يعني مخالفة أبي بكر وعمر، وقال غيره: المراد المخالفة التي تؤدي إلى النزاع والفتنة، ويؤيده قوله بعد ذلك «حتى يكون الناس جماعة» (6) . وبهذا المعنى سمي العام الذي تنازل فيه الحسن لمعاوية - رضي الله   (1) ابن تيمية: «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» : ص 20. (2) الشاطبي: «الاعتصام» : (2/264) ، وانظر: الخطابي: «معالم السنن» : (4/311) . (3) «تاريخ الطبري» : (2/447) . (4) «صحيح البخاري» مع «فتح الباري» : (7/71) . (5) أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني، أبو الفضل شهاب الدين، ابن حجر، حافظ الإسلام في عصره.. وتصانيفه كثيرة جليلة منها «فتح الباري في شرح صحيح البخاري» ، و «لسان الميزان» ، و «تهذيب التهذيب» وغيرها. توفي سنة 852هـ وكان مولده سنة 773هـ. انظر «الضوء اللامع» : (2/36) ، «البدر الطالع» : (1/87) ، «الأعلام» : (1/173) . (6) «فتح الباري» : (7/73) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 عنهما - عام "الجماعة"، قال ابن بطال (1) سلم الحسن لمعاوية الأمر وبايعه على إقامة كتاب الله وسنة نبيه ودخل معاوية الكوفة وبايعه الناس، فسميت سنة الجماعة لاجتماع الناس وانقطاع الحرب (2) . أما سبب تسمية أهل السنّة بالجماعة، فيرى عبد القاهر البغدادي (3) - رحمه الله - أن "أهل السنّة لا يكفر بعضهم بعضاً، وليس بينهم خلاف يوجب التبرؤ والتكفير، فهم إذاً أهل الجماعة القائمون بالحق والله تعالى يحفظ الحق وأهله، فلا يقعون في تنابذ وتناقض، وليس فريق من فرق المخالفين إلا وفيهم تكفير بعضهم لبعض وتبرؤ بعضهم من بعض كالخوارج والروافض والقدرية؛ حتى اجتمع سبعة منهم في مجلس واحد فافترقوا عن تكفير بعضهم بعضاً.." (4) . ويقول ابن تيمية - كما مر -: (وسموا أهل الجماعة لأن الجماعة هي الاجتماع، وضدها الفرقة، وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسماً لنفس القوم المجتمعين؛ و"الإجماع" هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين. وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة - يعني الكتاب والسنّة   (1) أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري القرطبي المالكي محدث فقيه، توفي سنة 449هـ، من آثاره: «شرح الجامع الصحيح للبخاري» في عدة أسفار، و «الاعتصام في الحديث» . ابن بشكوال: «الصلة» : ص 414، «معجم المؤلفين» : (7/87) . (2) «فتح الباري» : (13/63) ، وانظر: «تاريخ خليفة بن خياط» : ص 203، الخطابي: «معالم السنن» : (4/311) . (3) عبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله البغدادي التميمي الإسفراييني أبو منصور، كان صدر الإسلام في عصره يدرس في سبعة عشر فنّاً، توفي في إسفرائين سنة 429هـ، ومن آثاره: «أصول الدين» و «الفرق بين الفرق» ، انظر: السبكي: «طبقات الشافعية» : (5/136 - 145) ، القفطي: «إنباه الرواة» : (2/185، 186) ، السيوطي: «بغية الوعاة» : (2/105) . (4) البغدادي: «الفرق بين الفرق» : ص 361. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 والإجماع - جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال ... مما له تعلق بالدين) (1) . فابن تيمية - هنا - يلحظ في التسمية بالجماعة معنى الاجتماع، وعدم الفرقة، وأن الإجماع أصل من أصول أهل السنّة، وأنهم اجتمعوا على كتاب الله وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وما أجمع عليه السلف الصالح، وبهذه الأصول يزنون ما عليه الناس. وملخص القول: أن الجماعة تعني الحق من الاعتقاد أو أصحاب الاعتقاد الحق، وقد يعبر عن معنى الجماعة بأصل من أصولها (2) ؛ - كما رأينا - فهي بهذا توافق السنة، وعلى هذا يمكن أن يقال: أن لفظ السنّة والجماعة إذا افترقا اجتمعا في المعنى، وإذا اجتمعا افترقا؛ فإذا افترقا بأن ذكر أحدهما فقط دخل فيه الآخر، وصار معناهما واحداً، ولهذا كثيراً ما يستخدم لفظ «أهل السنة» فقط ويؤدي الدلالة والتعريف للفظين. أما إذا ذكرا معاً افترقا وصار لكل واحد منهما معنى يخصه، يفسر ذلك   (1) «الفتاوى» : (3/157) . (2) في «الاعتصام» للشاطبي وردت خمسة أقوال في معنى الجماعة الواردة في بعض الأحاديث وهي لا تخرج في الغالب عن عموم ما سبق. يقول: اختلف الناس في معنى الجماعة.. على خمسة أقوال: 1- أنها السواد الأعظم. 2- أنها جماعة العلماء المجتهدين. 3- أن الجماعة هم الصحابة على الخصوص. 4- أن الجماعة هي جماعة أهل الإسلام إذا اجتمعوا على أمر. 5- أن الجماعة جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير. وبيّن بعد كل قول من هذه الأقوال من قال به، وأوضح خروج أهل البدع عن مدلول كل قول من هذه الأقوال. انظر: «الاعتصام» : (2/260 - 265) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 شارح الطحاوية (1) - رحمه الله - بقوله: (السنّة: طريقة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والجماعة: جماعة المسلمين، وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين) (2) . فعلى هذا تأخذ السنّة معنى الاعتقاد الحق - كما هو مصطلح المتأخرين - أو الاتجاه الحق في الاعتقاد وغيره - كما هو مفهوم السنّة عند السلف - وتأخذ الجماعة معنى أصحاب ذلك الاعتقاد أو الاتجاه الصحيح. وعلى العموم فإن لفظ «أهل السنة والجماعة» يعطي المعنى والتعريف لأصحاب ذلك الاتجاه بلا فصل بين اللفظين في المعنى، حتى أصبح كأنه مصطلح واحد، فقد صار مصطلحاً شائعاً يؤدي المعنى بغير بحث تفصيلي عن معنى الكلمتين، كما أنه قد يكتفى بأحد اللفظين فيؤدي المعنى بانفراد (3) ، وإنما حللنا هذين المصطلحين لأن ذلك من متطلبات وضرورات البحث - ولهذا نجد كثيراً من أصحاب المقالات والفرق لا يعرفون به لشيوعه وذيوعه، ولهذا لما سئل الإمام مالك - رحمه الله -   (1) شارح الطحاوية غير معروف الاسم في الطبعة الأولى للكتاب، فلما قام الشيخ أحمد شاكر بتحقيقه استظهر أن شارح الطحاوية هو: علي بن علي بن محمد بن أبي العز الحنفي، وذلك اعتماداً على ما أرشده إليه الشيخ محمد نصيف - رحمه الله - من أن السيد مرتضى الزبيدي نقل من هذا الكتاب قطعة في «شرح الإحياء» : (2/146) . وعزاها إلى ابن أبي العز المذكور. (2) «شرح الطحاوية» : ص 430، وانظر: «الدين الخالص» : (3/44) . (3) وقد جاء في حديث لأبي هريرة عنه (ما يؤخذ منه أن الجماعة ترادف السنّة ونصه: (.. وأما ترك السنة فالخروج عن الجماعة) . رواه أحمد، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح. ورواه الحاكم بنحوه عن أبي هريرة في «المستدرك» : (1/119 - 120) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، انظر «المسند» : (12/98 - 101) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 عن السنّة قال: (هي ما لا اسم له غير السنّة، وتلا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ... الآية) (3)) (4) . ولما سئل - أيضاً - عن أهل السنة قال: (أهل السنّة الذين ليس لهم لقب يعرفون به؛ لا جهمي ولا قدري ولا رافضي) (5) . فأهل السنّة ليس لهم لقب يعرفون به لأنهم الأصل الذي انشق عنه كل المخالفين، والمخالف هو الذي سرعان ما يشتهر ببدعته حينما يتنكب السبيل، والأصل لا يحتاج إلى سمة خاصة تميزه؛ إنما الذي يحتاج لاسم هو الفرع المنشق، وأهل السنّة هم أصحاب الطريق الوسط السائرون على الصراط المستقيم المخالفون لأهل البدع (6) . (ج) نشأة اسم أهل السنة والجماعة : وأعني بالنشأة: بداية التمييز باسم السنّة والجماعة، كدلالة على   (3) الأنعام: آية 153. (4) «الاعتصام» للشاطبي: (1/58) . (5) «الانتقاء» لابن عبد البر: ص 35. (6) مما يجدر التنبيه عليه أنه بعد تعدد الفرق وظهور الاتجاهات الكلامية، أصبح مصطلح أهل السنّة يطلق في بعض الأحيان على فرق لا تمثل الاتجاه السني كل التمثيل، ولكن يطلق عليها (أهل السنة) لأنها قالت بأقوال أهل السنة في بعض مسائل العقيدة، لا لأنها تمثل أهل السنة في كل شيء. فيطلق لفظ (أهل السنة) ويراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة فيدخل في ذلك ... جميع الطوائف إلا الرافضة. وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة، فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى، ويقول: إن القرآن غير مخلوق، وأن الله يُرى في الآخرة، ويثبت القدر، وغير ذلك من الأمور المعروفة عند أهل الحديث والسنّة. انظر: «منهاج السنة» لابن تيمية: (2/163) بتحقيق: رشاد سالم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 اتجاه معين، واعتقاد متميز.. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وطريقتهم - أي أهل السنّة - هي دين الإسلام، لكن لما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة (1) .   (1) انظر: أبو داود في أول كتاب (السنة) . «عون المعبود» : (12/341، 342، رقم 4573) ، والدارمي: (2/241) ، وأحمد: (4/102) ، والحاكم: (1/128) ، والآجري في «الشريعة» : ص 18. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. «المستدرك» : (1/128) ، وقال المقبلي: (حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة رواياته كثيرة يشد بعضها بعضاً بحيث لا يبقى ريبة في حاصل معناها) . «العلم الشامخ» : ص 414، وقال ابن تيمية: (الحديث - يعني حديث افتراق الأمة - صحيح مشهور في السنن والمسانيد..) «الفتاوى» : (3/345) . وقد استشكل بعض الأئمة لفظة «كلها في النار إلا واحدة» قال الشوكاني: (أما زيادة كونها في النار إلا واحدة، فقد ضعفها جماعة من المحدثين؛ بل قال ابن حزم: أنها موضوعة) . وقد ناقش الألباني كلام الشوكاني هذا، فقال: (.. فإني لا أعلم أحداً من المحدثين المتقدمين ضعف هذه الزيادة، بل إن الجماعة قد صححوها.. وأما ابن حزم فلا أدري أين ذكر ذلك؟ وأول ما يتبادر للذهن أنه في كتاب «الفصل» وقد رجعت إليه، وقلبت مظانه فلم أعثر عليه، ثم إن النقل عنه مختلف، فابن الوزير قال عنه: لا يصح والشوكاني قال عنه: أنها موضوعة، وشتان بين النقلين) «سلسلة الأحاديث الصحيحة» : (3/18، 19) . وقد رجعت لكتاب «الفصل» ، فوجدت النص الذي شك فيه الألباني - وفقه الله - في مبحث (الكلام فيمن يكفر ولا يكفر) جـ4 ص 16 حيث قال ابن حزم: (ذكروا حديثاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن «القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة» ، وحديث آخر: «تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين فرقة كلها في النار حاشا واحدة فهي في الجنة» ، قال أبو محمد: هذان حديثان لا يصحان أصلاً من طريق الإسناد، وما كان هكذا فليس حجة عند من يقول بخبر الواحد، فكيف من لا يقول به) ومع أن ابن حزم يحكم بعدم صحة هذا الحديث إلا أنه يحتج في إبطال القياس بحديث «تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشوب هم أهل السنّة والجماعة (1) .. فهذا يدل على أن التميز باسم أهل السنّة والجماعة حصل لما حدث الافتراق الذي أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأنه قبل ذلك الافتراق لم يكن قد ظهر شيء من تلك المصطلحات: التسنن أو التشيع.. كان الإسلام والمسلمون هو الاسم والمسمى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ... الآية) (2) .   = فيحلون الحرام، ويحرمون الحلال» . «ملخص إبطال القياس» لابن حزم: ص 69 بتحقيق: سعيد الأفغاني. وقد قال الألباني في رد كلام ابن حزم: (فإن صح ذلك عن ابن حزم - وهو صحيح كما بينا - فهو مردود من وجهين: الأول: أن النقد العلمي الحديثي قد دل على صحة هذه الزيادة فلا عبرة بقول من ضعفها. الثاني: أن الذين صححوها أكثر وأعلم بالحديث من ابن حزم؛ لا سيما وهو معروف عند أهل العلم بتشدده في النقد، فلا ينبغي أن يحتج به إذا تفرد عند عدم المخالفة، فكيف إذا خالف؟) «سلسلة الأحاديث الصحيحة» : (3/19) . وقد استشكل بعضهم هذه الزيادة من ناحية المعنى حيث إن هذه الأمة خير الأمم وأن المرجو أن يكونوا نصف أهل الجنة؛ مع أنهم في سائر الأمم كالشعرة البيضاء في الشعر الأسود، فكيف يتمشى هذا؟! وقد رفع هذا الإشكال وأجاب عليه العلامة المقبلي في «العلم الشامخ» : ص 414 مما لا مجال لذكره. ومما ينبغي ذكره أن أحاديث افتراق الأمة منها: ما لا نص فيه على الهالك؛ وهذه قد أخرجها أكثر المحدثين، منهم أصحاب السنن إلا النسائي وغيرهم، ومنها: ما فيه بيان أن واحدة منها ناجية، والباقين هلكى؛ وهذه لم يخرجها من أصحاب السنن إلا أبا داود، وقد أخرجها أحمد وغيره - كما سبق -، ومنها: ما تحكم بنجاة كل الفرق سوى واحدة؛ وهي الزنادقة، وقد حكم عليها بالوضع. انظر: «كشف الخفاء» : (1/369) ، «الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة» : ص 161. (1) ابن تيمية: «الفتاوى» : (3/159) . (2) آل عمران: آية 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 أما تحديد بداية هذا التميز، فيرى - بحق - الدكتور مصطفى حلمي أن أصول التاريخ الإسلامي لم تعين السَّنة التي ظهر فيها هذا المصطلح (1) . (كان المسلمون على ما بعث الله به رسوله من الهدى ودين الحق الموافق لصحيح المنقول وصريح المعقول، فلما قتل عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه وأرضاه - ووقعت الفتنة فاقتتل المسلمون بصفين، مرقت المارقة (2) التي قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحق» (3) . وكان مروقها لما حكم الحكمان وافترق الناس على غير اتفاق) (4) . وهذا أول صدع في وحدة العقيدة في الجماعة المسلمة، فقد كانت الجماعة محافظة على وحدتها في العقيدة، فحركة الخوارج تعتبر أقدم انشقاق ديني حدث في صفوفها (5) . ثم حدث بعد بدعة الخوارج بدعة   (1) «نظام الخلافة في الفكر الإسلامي» : ص 284. (2) المارقة: لقب يطلق على الخوارج، والخوارج: هم الذين خرجوا على علي - رضي الله عنه - بعد التحكيم، فقاتلهم علي يوم النهروان، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم في الأحاديث الصحيحة؛ ففي «الصحيحين» عشرة أحاديث فيهم، أخرج البخاري منها ثلاثة، وأخرج مسلم سائرها. «شرح الطحاوية» : ص 530. وساقها جميعها ابن القيم في «تهذيب السنن» : (7/148 - 153) ، وانظر: في عقائدهم وفرقهم «الفرق بين الفرق» : ص 72 وما بعدها، «الملل والنحل» : (1/146) وما بعدها، «الفصل» : (5/29) وما بعدها. (3) انظر: «صحيح مسلم» (بشرح النووي) كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم: (7/168) . (4) ابن تيمية: «منهاج السنّة» : (1/218، 219) . (5) دلت بعض الأحاديث على أن بذرة الخوارج وجدت في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، كما في قصة الرجل الذي قال للرسول (وهو يوزع بعض الغنائم: (اعدل يا محمد..) . انظر: الحديث في ذلك في «صحيح البخاري» (مع فتح الباري) : (12/290) ، و «صحيح مسلم» (بشرح النووي) : (7/165، 166) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 التشيع (1) كالغلاة المدعين الألوهية في علي، والمدعين النص على علي - رضي الله عنه -، السابين لأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - فعاقب أمير المؤمنين علي - رضي الله تعالى عنه - الطائفتين "الخوارج ومبتدعة التشيع"، قاتل المارقين، وأمر بإحراق أولئك الذين ادعوا فيه الألوهية (2) . وأما السبابة الذين يسبون أبا بكر وعمر، فإن عليّاً لما بلغه ذلك طلب ابن السوداء (3) الذي بلغه ذلك عنه، وقيل: إنه أراد قتله فهرب منه.. وأما المفضلة الذين يفضلونه على أبي بكر وعمر، فروي عنه أنه قال: لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا ضربته حد المفتري. وقد تواتر عنه أنه كان يقول على منبر الكوفة: «خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر» وروي هذا عنه من ثمانين وجهاً (4) ، فهاتان البدعتان: بدعة الخوارج والشيعة حدثتا في ذلك الوقت لما وقعت الفتنة (5) . ولا شك أن هذا الابتداع لم يؤثر - في البداية - في الغالبية العظمى والقاعدة العريضة من المسلمين؛ وهم من التزم بسنّة رسول الله - صلى الله عليه   (1) يرى ابن حزم أن فرقة الشيعة منفصلة عن الخوارج. ابن حزم: «رسالة الرد على الكندي الفيلسوف» (ضمن مجموع) : ص 227. (2) بعد أن استتابهم ثلاثة أيام فلم يرجعوا، وقتْل هؤلاء واجب بالاتفاق، لكن في جواز تحريقهم خلاف. فعلي - رضي الله عنه - رأى تحريقهم وخالفه ابن عباس (في ذلك. انظر: ابن تيمية: «منهاج السنة» : (1/219) . (3) يعني: عبد الله بن سبأ، وسيأتي الحديث عنه في مبحث نشأة الشيعة. (4) وانظر من الروايات في هذا المعنى: «صحيح البخاري» (مع فتح الباري) (7/20) ، مسند الإمام أحمد (بتحقيق أحمد شاكر) رقم 833، 834، 835، 836، 837، 871، 878، 879، 880، 1054 جـ2 ص 148، 149، 161، 164، 233. (5) ابن تيمية: «منهاج السنّة» : (1/219، 220) بتحقيق رشاد سالم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 وسلم - ولزم الجماعة.. «أهل السنّة والجماعة» ، فلم يكونوا بحاجة في بادئ الأمر إلى التميز؛ ذلك أنهم الأصل الذي انشق عنه المخالفون، والأصل ليس بحاجة إلى ما يميزه؛ إنما الذي يحتاج لاسم هو الفرع المنشق الذي سرعان ما يشتهر ببدعته حينما يتنكب السبيل، وقد مر بنا قول الإمام مالك - رحمه الله - حينما سئل عن أهل السنة فأجاب: (أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به، لا جهمي، ولا قدري، ولا رافضي) . من هنا نوافق الدكتور مصطفى حلمي في قوله: (إن أهل السنّة والجماعة هم الامتداد الطَبِعيّ للمسلمين الأوائل الذين تركهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض، ولا نستطيع أن نحدد لهم بداية نقف عندها كما نفعل مع باقي الفرق، والسؤال عن نشأة أهل السّنة والجماعة ليس له موضع، كما هو الحال إذا تساءلنا عن منشأ الفرق الأخرى) (1) . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (ومذهب أهل السنّة والجماعة مذهب قديم معروف قبل أن يخلق الله أبا حنيفة ومالكاً والشافعي وأحمد، فإنه مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم، ومن خالف ذلك كان مبتدعاً عند أهل السنّة والجماعة.. وأحمد بن حنبل وإن كان قد اشتهر بإمامة السنّة.. فليس ذلك لأنه انفرد بقول أو ابتدع قولاً؛ بل إن السنّة كانت موجودة معروفة قبله علمها ودعا إليها، وصبر على من امتحنه ليفارقها، وكان الأئمة قبله قد ماتوا قبل المحنة.. وثبت الإمام أحمد بن حنبل على ذلك الأمر (2) فصار إماماً من أئمة السنّة، وعلماً من أعلامها،   (1) «نظام الخلافة في الفكر الإسلامي» : ص 292. (2) «منهاج السنة» : (2/482، 483) ، بتحقيق: الدكتور رشاد سالم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 لقيامه بإعلامها وإظهارها، واطلاعه على نصوصها وآثارها، وبيانه لخفي أسرارها، لا لأنه أحدث مقالة أو ابتدع رأياً) (1) . ولهذا نرى الإمام اللالكائي (2) - رحمه الله - يفتتح كتابه القيّم: «شرح أو حجج أُصول اعتقاد أهل السنّة» (3) بذكر أئمة السنّة الذين ترسموا بالإمامة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيبدأ بذكر أبي بكر والخلفاء الثلاثة بعده، وبقية أئمة العلم والدين من الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى زمنه - رحمه الله -، وقد ذكر كثيراً من أئمة أهل السنّة في معظم الأمصار الإسلامية (4) ، وكذلك نرى البغدادي وهو يشير إلى مواجهة أهل السنّة لطلائع البدع يبتدئ بذكر أئمة السنّة من الصحابة والتابعين لهم ممن واجه الابتداع "لحدوثه في حياته'' (5) فيقول: (فأول متكلميهم من الصحابة عليّ بن أبي طالب - كرّم الله وجهه - حيث   (1) المصدر السابق: (2/486) . (2) هو الإمام أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي الحافظ الفقيه، محدث بغداد، قال الخطيب: كان يفهم ويحفظ وصنف كتاباً في السنّة، وكتاباً في رجال الصحيحين، وكتاباً في السنن، وتوفي في رمضان سنة 418هـ. انظر: الخطيب البغدادي: «تاريخ بغداد» : (14/70، 71) ، «تذكرة الحفاظ» للذهبي: (3/1083) . (3) وهو (مخطوط) يوجد منه نسخة في المكتبة الظاهرية بدمشق، ونسخة في ألمانيا، ونسخة في الهند. انظر: «تاريخ التراث» لفؤاد سزكين: (2/194) ، «فهرس المخطوطات» للألباني: ص 384. (4) انظر: «كاشف الغمة في اعتقاد أهل السنة» : ص1 وما بعدها (مخطوط) . (5) ذكر البغدادي أئمة السنّة من الصحابة الذين حدثت البدعة وظهرت الفرقة وهم أحياء، فواجهوا المبتدعة، وناظروا المبتدعين وحاولوا إرجاعهم إلى السنّة والصراط المستقيم، ولهذا لم يذكر أبا بكر وعمر وعثمان الذين لم يحدث الابتداع والافتراق في حياتهم ومن ماثلهم من الصحابة. من هنا أرى أن د. علي سامي النشار لم يعبر التعبير السليم في قوله: (ويرى أهل السنّة والجماعة أن سند مذهبهم إنما يعود إلى علي بن أبي طالب، ويعتبرونه أول متكلميهم..) «نشأة الفكر الفلسفي» : (1/244) - وذلك = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 ناظر الخوارج في مسائل الوعد والوعيد، وناظر القدرية في المشيئة والاستطاعة والقدر، ثم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حيث تبرأ من معبد الجهني (1) في نفيه القدر، ثم يتدرج البغدادي من عبد الله بن عمر إلى عمر بن عبد العزيز فزيد بن علي وكذلك الشعبي والزهري، ومن بعد هذه الطبقة جعفر بن محمد "الصادق" ويذكر أن له كتاب «الرد على القدرية» ، وكتاب «الرد على الخوارج» و «رسالة في الرد على الغلاة من الروافض» ) (2) . من هنا نقول أن السؤال عن نشأة مذهب أهل السنّة كما يُسأل عن نشأة سائر الفرق لا مكان له، لأن مذهبهم هو مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم، لكن السؤال ينبغي أن يتوجه إلى "بداية التسمي بذلك الاسم". "لا نشأة المسمى" وهو المذهب وأهله، ومن الخطأ الخلط في ذلك. إن الأصل في التسمي بأهل السنّة هو ما ورد من النصوص التي تأمر باتباع السنّة، ولزوم الجماعة، فالتسمية مأثورة في السنّة وواردة في   = اعتماداً على ما قاله البغدادي على الرغم من أن كلام البغدادي لا يوحي بذلك، وما أدري كيف تجرأ النشار على هذا الحكم من غير بينة. وقد تابعه على هذا الخطأ د. جلال محمد موسى، حيث يقول: (ويرى أهل السنّة أن سند مذهبهم إنما يعود إلى علي بن أبي طالب..) انظر: «نشأة الأشعرية» : ص 20 وهو رأي غريب.. ويبدو أنهما أخذا كلام البغدادي على وجه غير سليم. (1) معبد بن عبد الله بن عويم الجهني البصري - قال الذهبي: (صدوق في نفسه ولكنه سنّ سنة سيئة فكان أول من تكلم في القدر. ونهى الحسن الناس عن مجالسته وقال: هو ضال مضل) - قتله الحجاج صبراً لخروجه مع ابن الأشعث سنة 80هـ. انظر: «ميزان الاعتدال» : (4/141) ، البخاري في كتاب «الضعفاء الصغير» : ص 110، الرازي: «الجرح والتعديل» : (8/280) . (2) «الفرق بين الفرق» : ص 363. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 كلام السلف، إنما قصدنا ببداية التسمي هو متى بدأ إطلاق هذه التسمية على الاتجاه المتبع للسنّة والملتزم للجماعة، وهو مبحث ليس ذا أهمية كبيرة وإنما طرقناه لأنه كثيراً ما يخلط بين الحديث عن بداية التسمية ونشأة المسمى "وهو المذهب أو أهله"، وحتى رأينا من يتحدث عن السنّة كأنها فرقة أو طائفة طارئة في الإسلام (1) ، كسائر الفرق الأُخرى التي انشقت عنها. فكان من الضروري بيان هذا الأمر وتوضيحه. وسنرى الآن في عرضنا للآراء في نشأة التسمية شيئاً من قصور في الرؤية وغبش في التصور حيال هذه المسألة. 1- فمن أغرب الآراء في بداية التسمية رأي للدكتور مصطفى الشكعة يزعم فيه أن (تسمية جمهرة المسلمين بأهل السنّة تسمية متأخرة، يرجع تاريخها إلى حوالي القرن السابع الهجري ـ أي بعد الإمام أحمد بأربعة قرون ـ) (2) . وهو يطلق هذا القول ولا يقدم ما يؤيده، وهذا كاف في عدم الاعتداد به، ومعلومات الوثائق والنصوص المأثورة تدل على خلاف هذا   (1) يشير الأستاذ أنور الجندي إلى (الدعاوى الباطلة التي يدعيها بعض الجاهلين أو المتجاهلين من أن السنّة فرقة أو طائفة طارئة ويرد على هذا ويبين أن: السنة ليست مذهباً معيناً بين المذاهب وليس طرفاً من الأطراف ويسميها: «مدرسة الأصالة الإسلامية» التي تجمع خير ما في الفرق وتحكم بينها، ويورد في هذا كلاماً لابن القيم في أن: أهل السنّة ليسوا مع هؤلاء وليسوا مع هؤلاء بل هم مع هؤلاء فيما أصابوا فيه وهم مع هؤلاء فيما أصابوا فيه، فكل حق مع طائفة من الطوائف فهم يوافقونهم فيه وهم براء من باطلهم، فمذهبهم حق جميع الطوائف بعضه إلى بعض) . انظر: «المؤامرة على الإسلام» أنور الجندي: ص 266. (2) «إسلام بلا مذاهب» : ص 281، وقد راق هذا الرأي الذي لا دليل عليه لبعض أهل البدع فنقلوه في كتبهم "كرأي" مسلّم به..!! انظر: علي يحيى معمر (من الأباضية) ، «الأباضية بين الفرق الإسلامية» : ص 243. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 الرأي، وأن نظرة لأسماء الكتب التي كتبها علماء السلف من أهل القرن الثالث والرابع التي سموها باسم "السنة" (1) لكافية في الدلالة على أن التسمية بأهل السنّة كانت مستفيضة في ذلك الزمن المتقدم وقبله كما سنرى. ونجد ما يدل على أن التسمية بأهل السنّة شائعة في العصور الأولى بعد بدء الفتنة واستفحال شأن المبتدعة؛ ومن ذلك قول محمد بن سيرين (2) : لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنّة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم (3) . فهذا يدل على أن الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه كانت بداية التميز بين أهل السنّة وغيرهم. ويصور لنا معنى هذا التميز ما رواه ابن جرير الطبري عن مصعب بن عبد الله الزبير أن أباه عبد الله بن مصعب أخبره أن الرشيد قال له: ما تقول في الذين طعنوا على عثمان؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين طعن عليه ناس وكان معه ناس، فأما الذين طعنوا عليه فتفرقوا عنه وهم أنواع الشيع وأهل البدع وأنواع الخوارج، وأما الذين كانوا معه فهم أهل الجماعة اليوم، فقال لي - أي الرشيد -: ما أحتاج أن أسأل بعد هذا اليوم عن هذا (4) .   (1) سيأتي ذكر لهذه الكتب في مبحث "مصادر أهل السنّة". (2) محمد بن سيرين البصري الأنصاري بالولاء، (أبو بكر) إمام وقته، كان ثقة مأموناً فقيهاً إماماً كثير العلم ولد سنة 33هـ وتوفي بالبصرة سنة 110هـ. انظر: «تهذيب التهذيب» : (9/215، 217) ، «تاريخ بغداد» : (5/331) ، «الوافي بالوفيات» : (3/146) . (3) رواه مسلم في «صحيحه» : (1/11) ، وانظر: الخطيب: «الكفاية» : (/122) . (4) «تاريخ الطبري» : (في حوادث سنة 193 جـ 8 ص 353) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 2- ويقابل رأي "الشكعة" ما يذهب إليه د. محمد عبد الحميد مرسي من القول بأنه (قد أصبح لفظ السنّة والجماعة مصطلحاً فنّياً "هكذا! " شاع، استعماله من عهد الصحابة إلى أن اختص به الأئمة الأربعة؛ أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد) (1) . ولم يذكر ما اعتمد عليه في هذا القول، وأرى أنه إن كان يعني بهذا الرأي "ظهور اسم السنّة والجماعة" فهذا معروف لأنه مأثور في السنّة وفي كلام السلف - كما بينا - وإن كان يعني به بداية التسمي والتميز بهذا الاسم فهذا - فيما أرى - لا يصح على إطلاقه، بل ينبغي أن يقيد بوقت بدء الفتنة وظهور شأن المبتدعة. 3- ويذكر أمير علي (2) : أن (اسم أهل السنّة والجماعة إنما عرف في عهد المنصور العباسي والرشيد) (3) . وكما قلنا فإن الاسم معروف ومشهور، فالأمر بالتمسك بالسنّة وبالجماعة قد وردت به النصوص ولكن بداية إطلاق التسمية على الاتجاه غير المبتدع؛ هذا إنما هو موضع البحث. ولم يذكر أمير علي عمدته فيما ذهب إليه.. وقد بينّا أن بداية التميز كانت قبل ذلك. لكن إذا حمل هذا الرأي على أنه في تلك الفترة كان هناك وضوح التميز واشتهار التسمي لاستفحال البدعة وبروز شأن المبتدعة أكثر من ذي قبل فهذا واقع، لأن (السنة - كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -   (1) «نشأة الأشعرية» : ص 18. (2) شيعي معاصر يوصف بأنه معتدل. (3) «روح الإسلامي» : (2/201) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 كانت قبل دولة بني العباس أظهر منها وأقوى في دولة بني العباس، فإن دولة بني العباس دخل فيها كثير من الشيعة وغيرهم من أهل البدع) (1) . وهكذا فإنه كلما هبت "أعاصير" البدع تجلى "التميز" للسنّة بجهود أئمة السنّة في المنافحة عنها، ومن الأمثلة على ذلك ما وقع في عهد المأمون ولعل الرسالة التي بعث بها المأمون (2) إلى نائبه على بغداد إسحاق بن إبراهيم الخزاعي ابن عم طاهر بن الحسين في مسألة خلق القرآن وامتحان العلماء في ذلك - لعل تلك الرسالة تمثل ما نشير إليه؛ فقد جاء فيها قول المأمون عن الإمام أحمد ومن تبعه: (.. ونسبوا أنفسهم إلى السنّة أهل الحق والجماعة..) وقد جاء في هذه الرسالة ما يفيد أن المنتمين للسنّة يمثلون الجمهور الأعظم والسواد الأكبر وهو قوله: (وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حشو الرعية ... إلخ) (3) . فهذه المرحلة التي استعملت فيها "البدعة" ظهر فيها أمر السنّة للدور العظيم الذي قام به الإمام أحمد، ومن يقرأ تاريخ تلك المرحلة يظن أن بداية التسمي بالسنّة كان من تلك "الحقبة" والأمر خلاف ذلك، حتى ذهب بعضهم إلى القول بأن بداية التسمي بالسنّة كانت على يد أبي الحسن الأشعري (4) وهو خلاف الواقع، ولكن ظهور أثر أبي الحسن الأشعري   (1) «منهاج السنّة» : جـ2 ص 178 (الطبعة الأميرية) . (2) عصر المأمون يقع ما بين 198هـ - 218هـ. (3) انظر الرسالة بتمامها في «تاريخ الطبري» : (8/631 - 632) ، وانظر: «مفتاح السعادة» : (2/169 - 170) . (4) أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق الأشعري من أئمة الإسلام، قيل: بلغت مصنفاته (300) كتاب. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 - في نظره - أعطى هذه الدلالة.. ولا شك أن التأمل العقلي - أيضاً - يرشدنا إلى أن بداية التسمية كانت عند استفحال أمر البدعة وازدياد خطر الفرقة، وحينذاك بدأ أئمة السنّة يواجهون البدعة بالدعوة إلى السنّة ويجابهون الفرقة بالالتزام بالجماعة. وتبيّن من التزم بالسنّة والجماعة ومن ضلت به السبل، وهذا مصداق ما جاء في حديث افتراق الأمة الذي صدّرنا به هذا المبحث (1) .   وقد مر رحمه الله بثلاث مراحل في حياته: 1- مرحلة الاعتزال. 2- مرحلة الأخذ بطريقة الجدل والتأويل مع طريقة السلف. 3- ثم محض طريقته بالرجوع الكامل لمعتقد السلف وكتب بذلك كتابه «الإبانة» الذي نص مترجموه على أنه من آخر كتبه. انظر: «تاريخ بغداد» : (11/346) ، «البداية والنهاية» : (11/187) ، محب الدين الخطيب، حاشية «المنتقى» : ص 41. (1) كتب د. الزغبي كتاباً في التقريب وضع له هذا العنوان «لا سنة ولا شيعة» ولعل فيما كتبناه في هذا المبحث ما يحمل الإجابة على هذا العنوان، ولا شك أن كل مسلم يتمنى أن تختفي البدع وأن تعود الأمة إلى إسلامها وتلفظ تلك العقائد الدخيلة والأفكار الوافدة، وتختفي تلك المصطلحات التي ظهرت في محيط الأمة لظهور البدعة واستفحال الفرقة ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الفصل الثاني: مصادر أهل السنة في تلقي العقيدة سنتناول في هذا المبحث جانبين: الأول: الإشارة إلى مصادر أهل السنة في اعتقادهم (1) . الثاني: كشف المصادر المنسوبة لأهل السنّة وهي ليست كذلك، وتعرية مسالك الروافض في استدلالهم من طريق السنّة (2) .   (1) غرضنا من عقد هذا المبحث مع شهرته وذيوعه فضلاً عن بدهيته ما يلي: أولاً: أننا - كما بينا في المقدمة - نرى ضرورة التعريف بكل اتجاه على حدة ومعرفة أسس الخلاف بينهما، ولا شك أن الاتفاق في أصول التلقي هو الأصل الجامع للأمة، وعكسه في النتيجة الافتراق. (2) ثانياً: أن من يطالع ما يكتبه كثير من الشيعة في القديم والحديث يرى أن كتاباتهم قد تضمنت طائفة كثيرة من الأحاديث والأقوال التي يزعمون أنهم أخذوها من طريق السنّة الصحيح ومن كتب السنّة المعتبرة في زعمهم. وبنوا على ذلك أن في "مصادر أهل السنة" ما يؤيد مذهب الشيعة ويؤكد أحقيته، ومن هنا زعموا أنه لا خلاف بين الاتجاهين، فهل هذه المصادر معتبرة لدى أهل السنّة؟ وهل ما يزعمه الشيعة في هذا الباب صحيح؟ هذا ما سندرسه في هذا "المبحث". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 أولاً: مصادر أهل السنة: قال الإمام البيهقي: (1) (فأما أهل السنّة فمعولهم فيما يعتقدون الكتاب والسنّة) وقدوتهم العملية صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال الإمام أحمد: (أصول السنّة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والاقتداء بهم وترك البدع) (2) . وكثير من طوائف البدع يدعون الرجوع إلى الكتاب والسنّة لكن الادعاء غير الواقع ذلك أنهم اختلقوا كثيراً من الأحاديث فسَّروا في ضوئها كتاب الله.. وتأولوا كثيراً من آيات الله على غير وجهها، فنتج عن تفسيرهم المنحرف وتأويلهم المتعسف قرآن آخر غير الذي في أيدي المسلمين. وبعض أهل البدع يركن في تلقي عقيدته إلى العقل ولا يعول على النصوص أو يلتفت إليها (3) . وتنفرد طائفة الشيعة بأنها تتلقى السنّة من أئمة مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فالسنّة عندهم هي قول "المعصوم"، والمعصوم ليس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحسب - كما هو اعتقاد أهل السنّة - بل ادعوا العصمة لآخرين تختلف أعدادهم وأعيانهم باختلاف الفرق الشيعية.   (1) البيهقي: «مناقب الشافعي» : ص 462. (2) «كاشف الغمة في اعتقاد أهل السنّة» : ص 20 (مخطوط) . انظر: «طبقات الحنابلة» : (1/241، 246) ، «المدخل إلى مذهب الإمام أحمد» : ص 19. (3) وإذا انحرف بعض المنتسبين لأهل السنّة وسلك هذا المسلك فلا يحتج بذلك على أهل السنّة، فليس الانتماء لأهل السنّة بالوراثة والنسب أو الادعاء والتسمي ولكنه ما صدقه الواقع وحققه العمل. والقدوة في ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ورصيد التجربة المثلى في هذا مجتمع الصحابة رضوان الله عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 أما أهل السنّة فالمصدر الأول في التلقي عندهم هو كتاب الله، وقد أجمعوا على حفظ الله له من النقص والزيادة والتحريف على ما هو صريح قول الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (1) - وسيأتي لهذا تفصيل - وسلكوا في تفسير كتاب الله المسلك الشرعي وابتعدوا عن التأويلات البعيدة.. والتكلفات الغريبة على ما لا تسيغه بلاغة القرآن وأسرار الشريعة ولغة العرب. وقالوا: (وأحسن الطرق في التفسير تفسير القرآن بالقرآن، وإلا فبالسنّة، وإلا فبالصحيح من أقوال الصحابة، وإلا فبما أجمع التابعون عليه) (2) . وحذروا من قبول المرويات الضعيفة في التفسير فقالوا: (يجب الحذر من الضعيف والموضوع فإنه كثير) (3) . (والمنقولات التي يحتاج إليها في الدين قد نصب الله الأدلة على بيان ما فيها من صحيح وغيره) (4) . والمصدر الثاني «السنّة» ، وهي المبينة للكتاب؛ إذ هي سنّة المعصوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس لأحد عصمة بعده - صلى الله عليه وسلم -. وقد تلقى الصحابة رضوان الله عليهم ما جاء به - صلى الله عليه وسلم - ونقلوه إلى الأمة. ويتمثل وجود السنّة في دواوين الإسلام المعروفة والمشهورة مثل صحيح البخاري ومسلم وكتب السنن كسنن أبي داود والترمذي   (1) الحجر: آية 9. (2) راجع في هذا الموضوع مقدمة التفسير لابن تيمية في «الفتاوى» : (13/363) وما بعدها. (3) انظر الزركشي، «البرهان» : (2/156) . (4) ابن تيمية «الفتاوى» : (13/346) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 والنسائي وابن ماجه، وسنن الدارمي، وموطأ مالك، ومثل المسانيد المعروفة كمسند الإمام أحمد وغيره، إلى غير ذلك من مدونات الحديث النبوي والتي هي أشهر من أن يعرف بها. وهناك مدونات خاصة بالعقيدة اقتصر جامعوا أحاديثها على مسائل الاعتقاد. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقد جمع طوائف من العلماء الأحاديث والآثار المروية في عقائد أهل السنّة مثل حماد بن سلمة (1) ، وعبد الرحمن بن مهدي (2) ، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (3) ، وعثمان بن سعيد الدارمي (4) وغيرهم في طبقتهم.   (1) الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار البصري، قال الذهبي: هو أول من صنف التصانيف مع ابن أبي عروبة. وقال البيهقي: هو أحد أئمة المسلمين إلا أنه لما كبر ساء حفظه فلذا تركه البخاري، وأما مسلم فاجتهد وأخرج من حديثه عن ثابت ما سمع منه قبل تغيره. توفي سنة سبع وستين ومائة وقد قارب الثمانين. انظر: «تذكرة الحفاظ» : (1/202 - 203) ، و «تهذيب التهذيب» : (3/14) . (2) عبد الرحمن بن مهدي بن حسان بن عبد الرحمن العنبري البصري اللؤلؤي الحافظ الإمام العلم، قال علي بن المديني: أعلم الناس بالحديث عبد الرحمن بن مهدي، وقال الشافعي: لا أعرف له نظيراً في الدنيا، وقال ابن حبان: كان من الحفاظ المتقنين وأهل الورع في الدين ممن حفظ وجمع وتفقه وصنف وحدث وأبى الرواية إلا عن الثقات، ولد سنة 135هـ وتوفي سنة 198هـ. انظر: «تهذيب التهذيب» : (6/279) ، «حلية الأولياء» : ص 379 وما بعدها. (3) الإمام الحافظ شيخ الإسلام بسمرقند أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام التميمي الدارمي السمرقندي صاحب المسند العالي الذي في طبقة مسند عبد بن حميد، حدث عنه مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم، صنف «المسند» و «التفسير» وكتاب «الجامع» ، وتوفي سنة 255هـ وكان مولده سنة 181هـ. انظر: «تذكرة الحفاظ» : (2/354) وما بعدها، «تهذهيب التهذيب» : (5/294 - 296) ، وانظر: فؤاد سيزكين: (1/172) . (4) عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد السجستاني الدارمي، أبو سعيد الحافظ محدث هراة = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 ومثل ما بوب عليه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم في كتبهم مما يتعلق بالعقيدة. ومثل مصنفات الأثرم (1) وعبد الله بن أحمد (2) ، وأبي بكر الخلال (3) وأبي القاسم الطبراني (4) ، وأبي الشيخ الأصبهاني (5) ، وأبي بكر   = وأحد الأعلام الثقات، ومن مصنفاته «كتاب في الرد على الجهمية» و «كتاب في الرد على بشر المريسي» و «مسند كبير» وتوفي سنة 280هـ، وكان مولده سنة 200هـ. وانظر: «طبقات الشافعية» : (2/302) وما بعدها، «مرآة الجنان» : (2/193) ، وانظر: «تاريخ التراث» : (2/370 - 371) . (1) الحافظ الكبير العلامة أبو بكر أحمد بن محمد بن هاني الإسكافي صاحب الإمام أحمد، حدث عنه النسائي في السنن وغيره، قال الذهبي: صنف التصانيف.. له كتاب في العلل وله كتاب نفيس في السنن يدل على إمامته وسعة حفظه، وله كتاب «التاريخ» .. وتوفي بعد الستين ومائتين. انظر: «تذكرة الحفاظ» : (2/570، 571) ، «تاريخ بغداد» : (110 - 112) ، «شذرات الذهب» : (2/141، 142) ، وانظر: «تاريخ التراث» : (2/209) . (2) أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني البغدادي الإمام الحافظ الحجة.. من تصانيفه كتاب «السنة» ، و «فضائل عثمان بن عفان» وغيرهما، توفي سنة 290هـ وكان مولده سنة 213هـ. انظر: «طبقات الحنابلة» : (1/180) وما بعدها، «تهذيب التهذيب» : (5/141 - 143) ، «تاريخ التراث» : (2/200) . (3) الفقيه العلامة المحدث أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون البغدادي الحنبلي المشهور بالخلال، صنف كتاب «السنة» في ثلاثة مجلدات وكتاب «العلل» في عدة مجلدات وكتاب «الجامع» وهو كبير جدّاً.. توفي سنة 311هـ وكانت ولادته سنة 234 أو 235هـ، انظر: «تذكرة الحفاظ» : (3/786) ، «البداية والنهاية» : (11/148) ، «تاريخ بغداد» : (5/312، 313) ، «تاريخ التراث» : (2/212 - 213) . (4) الحافظ الإمام الحجة أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير الطبراني، صنف «المعجم الكبير» ، و «المعجم الأوسط» ، و «المعجم الصغير» ، وله كتاب «السنة» ، وكتاب «دلائل النبوة» ، وكتاب «الرد على الجهمية» وله تفسير كبير وآثار كثيرة. توفي سنة 360هـ، وكان مولده سنة 260هـ. انظر: «تذكرة الحفاظ» : (3/912) وما بعدها، «وفيات الأعيان» : (2/407) ، «النجوم الزاهرة» : (4/59، 60) ، «تاريخ التراث» : (1/218) . (5) حافظ أصبهان الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حبان الأنصاري يعرف بأبي الشيخ كان مفسراً مشهوراً ومحدثاً ثقة.. من مؤلفاته كتاب «العظمة» أو «عظمة الله = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 الآجري (1) ، وأبي الحسن الدارقطني (2) وأبي عبد الله بن منده (3) ، وأبي القاسم اللالكائي (4) ، وأبي عبد الله بن بطه (5) ، وأبي عمر   = ومخلوقاته» ، وكتاب «النوادر والنتف» ، و «أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -» ، و «عوالي حديث أبي الشيخ» ، و «أحاديث أبي الزبير» وغيرها. توفي سنة 369هـ، وكان مولده سنة 274هـ، انظر: «طبقات الحفاظ» : (3/945) ، «النجوم الزاهرة» : (4/136) ، «شذرات الذهب» : (3/68) ، «تاريخ التراث» : (1/326) . (1) الإمام المحدث القدوة أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله البغدادي مصنف كتاب «الشريعة» ، و «التصديق بالنظر إلى الله في الآخرة» وغيرهما، توفي سنة 360هـ. انظر: «تذكرة الحفاظ» : (3/396) ، «تاريخ بغداد» : (2/243) ، «البداية والنهاية» : (11/270) ، «تاريخ التراث» : (1/314) . (2) الإمام شيخ الإسلام أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي الحافظ الشهير صاحب السنن، قال القاضي أبو الطيب الطبري: الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث، ومن آثاره: «كتاب الصفات» أو «أحاديث الصفات» ، و «أحاديث النزول» ، «فضائل الصحابة ومناقبهم» ، «كتاب فيه ما ورد من النصوص المتعلقة برؤية الباري» وغيرها، توفي سنة 385، وكان مولده سنة 306هـ أو 305هـ. «تاريخ بغداد» : (12/34) وما بعدها، وانظر: «تذكرة الحفاظ» : (3/991) ، «غاية النهاية» : ص 558، 559، «تاريخ التراث» : (1/509) . (3) الإمام الحافظ محدث العصر أبو عبد الله محمد بن الشيخ أبي يعقوب إسحاق بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن أبي زكريا يحيى بن منده الأصفهاني، تلقى العلم عن 1700 شيخ في أقطار العالم الإسلامي، ومن آثاره: «الرد على الجهمية» ، و «كتاب التوحيد ومعرف أسماء الله وصفاته» ، و «معرفة الصحابة» وغيرها، ولد سنة 310هـ وقيل غير ذلك، توفي سنة خمس وتسعين وثلاثمائة. انظر: «تذكرة الحفاظ» : (3/1031) ، و «تاريخ التراث» : (1/353) وما بعدها، «الوافي بالوفيات» : (2/190 - 191) ، «لسان الميزان» : (5/70 - 72) . (4) ومضت ترجمته ص 41. (5) عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن عمر بن عيسى بن إبراهيم بن سعد بن عتبة بن فرقد صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو عبد الله العكبري المعروف بابن بطة، ومن آثاره: «الإبانة الكبيرة» ، و «الإبانة الصغيرة» ، «السنن والمناسك» وغيرها، توفي سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وكان مولده سنة 304، انظر: «طبقات الحنابلة» : (2/134 - 153) ، وانظر: «المنهج الأحمد» : ص 69 - 73 (وسماه فيه عبد الله) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 الطلمنكي (1) وأبي نعيم الأصبهاني (2) ، وأبي ذر الهروي (3) ، وأبي بكر البيهقي (4) (5) وغيرهم. وقد سمى كثير منهم "مدوناتهم" في هذا الباب باسم السنّة أي كتاب «السنّة» (6) .   (1) الحافظ الإمام المقرئ أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى المعافري الأندلسي الطلمنكي نسبة إلى "طلمنكة" من ثغر الأندلس الشرقي.. وهو عالم أهل قرطبة، روى عنه أبو عمر بن عبد البر وأبو محمد بن حزم وغيرهما، قال ابن بشكوال:.. وكان سيفاً مجرداً على أهل الأهواء والبدع. ومن آثاره: «الدليل إلى معرفة الأصول» ، و «فضائل مالك» ، و «رجال الموطأ» وغيرها، توفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة وكان مولده سنة 339هـ انظر: «الديباج المذهب» : ص 39 - 40، و «طبقات الحفاظ» : (3/1098) ، و «بغية الملتمس» : ص 151، و «شذرات الذهب» : (3/243 - 244) . (2) الحافظ الكبير محدث العصر أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى الأصبهاني، من آثاره: «حلية الأولياء» ، وكتاب «المعتقد» ، و «فضائل الصحابة» ، وكتاب «دلائل النبوة» وغيرها، توفي 430هـ وكانت ولادته سنة 336هـ أو 334هـ. انظر: «تذكرة الحفاظ» : (3/1092) ، «لسان الميزان» : (1/201 - 202) ، «البداية والنهاية» : (12/45) . (3) الإمام العلامة الحافظ أبو ذر عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الأنصاري الهروي، ومن آثاره: كتاب «السنة والصفات» ، وكتاب «الجامع» ، وكتاب «فضائل القرآن» ، و «دلائل النبوة» وغيرها، توفي في سنة 434هـ، انظر: «تذكرة الحفاظ» : (3/1103) ، «تاريخ التراث» : (1/388) . (4) الإمام الحافظ العلامة شيخ خراسان أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي، قال الذهبي: عمل كتباً لم يسبق إلى تحريرها منها: «الأسماء والصفات» وهو مجلدان، و «السنن الكبير» عشر مجلدات، و «السنن والآثار» ، و «شعب الإيمان» ، و «دلائل النبوة» ، و «السنن الكبير» عشر مجلدات، و «السنن والآثار» ، و «شعب الإيمان» ، و «دلائل النبوة» ، و «السنن الصغيرة» ، و «البعث والمعتقد» .. وغيرها، توفي سنة 458هـ، وكان مولده في سنة 384. انظر: «تذكرة الحفاظ» : (3/1132) ، وانظر: «طبقات الشافعية» : (4/8 - 16) ، «مرآة الجنان» : (3/81 - 82) ، «شذرات الذهب» : (3/304، 305) . (5) ابن تيمية: «عقيدة أهل السنّة» تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي: ص 19 - 20. (6) وممن سمى كتابه باسم السنّة: ابن شيبة أبو بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 ومما تنبغي الإشارة إليه والتنبيه عليه أنه - كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -: (قد يقع في هذه المصنفات من الأحاديث الضعيفة ما يعرفه أهل المعرفة. وقد يروي كثير من الناس في الصفات وسار أبواب الاعتقادات وعامة أبواب الدين أحاديث كثيرة تكون موضوعة مكذوبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (1) . وقد أقام الله سبحانه من يحفظ سنّة نبيه ويعنى بتمييز صحيحها من غيره ويضع المقاييس والضوابط لذلك، وقامت دراسات دقيقة ومحكمة لمتون الأحاديث وأسانيدها حتى أصبحت هناك إمكانية لمعرفة الأحاديث   = عثمان العبسي، توفي سنة 225هـ، وأبو بكر الأثرم (المتقدم ذكره) وأبو داود السجستاني (صاحب السنن) ، وأبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم البصري توفي سنة 275هـ، وأبو بكر أحمد بن علي سعيد المروزي توفي سنة 292هـ، وأبو بكر الخلال (المتقدم ذكره) ، وأبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني العسال توفي سنة 349هـ، وأبو القاسم الطبراني (السابق ذكره) ، وأبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حبان ويقال ابن حبان توفي سنة 434هـ، وأبو ذر الهروي (السابق ذكره) وغيرهم، وقد يسمون تلك المصنفات بأسماء أخرى ... انظر: ابن تيمية، «الفتوى الحموية الكبرى» ، بتحقيق محمد عبد الرزاق حمزة: ص 17 - 20، «منهاج السنّة» ، بتحقيق محمد رشاد سالم: (2/283) ، السفاريني: «لوامع الأنوار البهية» : (1/21، 22) ، «الرسالة المستطرفة» : (ص 29- 30) ، وانظر: علي سامي النشار مقدمة «عقائد السلف» : (ص 5- 7) . وأقول - مع بالغ الأسف - إن هذه المدونات المهمة لم تأخذ العناية من المؤسسات التعليمية والباحثين في مجال العقائد الإسلامية، وأصبح اعتماد كثير من المؤسسات الثقافية في العالم الإسلامي على كتب المتأخرين المشوبة بكثير من الأفكار الغريبة والآراء الدخيلة، مع أن الواجب الشرعي والمنهج العلمي يقتضي أن نرجع إلى الأصول قبل كل شيء، وإنه لمن الضروري العناية بهذه الأصول وإخراج هذه الكنوز وتحقيقها، تلك التي قد ضاع بعضها وبعضها قابع في مراكز المخطوطات في العالم وقليل منها بين أيدي الناس ... (1) ابن تيمية: «عقيدة أهل السنّة» بتعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي: ص 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 الصحيحة من غيرها، واطمأن المسلمون على سنّة نبيهم حتى إن الخليفة هارون الرشيد رد على الزنادقة حين تحداه بقوله: (فأين أنت عن ألف حديث وضعتها ونسبتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما فيها حرف نطق به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟) فكان جواب الرشيد لهذا الزنديق: (فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الغزاري، وعبد الله بن المبارك ينخلانها نخلاً فيخرجانها حرفاً حرفاً) (1) . ولقد كان الأئمة في الحديث يعرفون الأحاديث بطرقها وأسانيدها بحيث لو روي حديث بغير سنده وطريقه لعرفوا أنه قد حرف عن موضعه، كما وقع مثل ذلك للإمام محمد ابن إسماعيل البخاري حين ورد إلى بغداد وقصد المحدثون امتحانه فسألوه عن أحاديث قلبوا أسانيدها فقال: لا أعرف هذه ولكن حدثني فلان، ثم أتى بجميع تلك الأحاديث على الوضع الصحيح وردّ كل متن إلى سنده (2) . ولقد اعترف "الشيعة" بتثبيت أئمة السنّة في رواية الحديث، جاء في كتاب «السرائر» - وهو من كتبهم المعتبرة (قال صاحب البحار: «كتاب السرائر لا يخفي الوثوق عليه وعلى مؤلفه على أصحاب السرائر» (3)) - جاء في هذا الكتاب حديثهم التالي عن بعض أصحابنا   (1) ياقوت الحموي «معجم الأدباء» : (جـ1/ 212 - 213) . (2) انظر ابن حجر: «هدي الساري» : ص 486، ابن خلدون، «المقدمة» : (3/9، 10) قال الصنعاني في «توضيح الأفكار» عن قصة البخاري مع علماء الحديث في بغداد، (وهي مشهورة أخرجها ابن عدي عن مشائخ البخاري، وأخرجها أبو بكر الخطيب في «التاريخ» في غير موضع وساقها الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح بإسناده) . «توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار» (ص 103 - 104) . (3) «البحار» : (جـ1/ص 33) ، ووصفوا مؤلف السرائر بـ "الإمامة العلامة حبر العلماء والفقهاء وفخر الملة والحق والدين شيخ الفقهاء رئيس المذهب الفاضل الكامل عين = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 يرفعه إلى أبي عبد الله - يعنون: جعفر الصادق - وفيه قال - أي راوي الحديث يسأل أبا عبد الله -: «هؤلاء - يعني بهم أئمة السنّة - يأتون بالحديث مستوياً كما يسمعونه، وإنا ربما قدّمنا وأخرنا وزدنا ونقصنا» (1) . فهذا إقرار منهم بخيانتهم في نقل النصوص، وأمانة أهل السنّة ودقتهم في ذلك. وجهود أئمة السنّة لا تحتاج لهذا الاعتراف، ولكن أوردنا هذا الاعتراف لأنه صادر من "المخالف" وإنصاف المخالف أشد وقعاً في النفس من إنصاف الموافق.. ولأن في هذا وأمثاله ما "يلجم" محاربي السنّة من الروافض المعاصرين من "كتبهم". 2- الجانب الثاني: ويتضمن كشف حقيقة ما ينسبه "الروافض" من أحاديث وروايات إلى مصادر أهل السنّة. ذلك بأن المطالع لكتب الشيعة ورسائلهم قديمها وحديثها يرى ذلك "الحشد" الكبير من النصوص التي يزعمون أنهم أخذوها من مصادر أهل السنّة، وهي تؤيد مذهب الشيعة وتطعن في مذهب أهل السنّة، ويحتجون بها لصحة مذهبهم على أهل السنّة ويقنعون بواسطتها المتشككين والحائرين من بني مذهبهم. وقد أشار ابن خلدون (2) إلى هذه الظاهرة بقوله: (إنهم يستدلون   = الأعيان ونادرة الزمان.." انظر: «منتهى المقال» : ص 26، «المقابس» : ص 15، عن مقدمة «البحار» : (جـ1/ص 163) . (1) ابن إدريس: «السرائر» : ص 476. (2) عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن الحضرمي الإشبتلي الأصل المعروف = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 على مذهبهم بنصوص ينقلونها ويؤولونها على مقتضى مذهبهم لا يعرفها جهابذة السنّة ولا نقلة الشريعة، بل أكثرها موضوع أو مطعون في طريقه أو بعيد عن تأويلاتهم الفاسدة) (1) . ولهم في ذلك وسائل وطرق متعددة حتى وصفها صاحب «مختصر التحفة الاثني عشرية» بأنها كثيرة جدّاً لا تدري اليهود بعشرها (2) . ولقد قام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - بكشف كثير من النصوص التي ينسبها الروافض لمصادر أهل السنّة، وأماط اللثام عن صحة تلك النسبة أو خطئها وعن سلامة التأويل لها من فساده، وذلك في كتابه منهاج السنّة ولا سيما في المجلد الأخير منه (3) . أما عملية كشف الوسائل التي يتخذها الروافض في الاحتجاج لمذهبهم من طريق السنّة فقد تولى شرحها علامة الهند شاه عبد العزيز الدهلوي (4) في كتابه «التحفة الاثني عشرية» الذي ألفه بالفارسية، ونقله إلى العربية الشيخ الحافظ غلام محمد بن محيي الدين بن عمر الأسلمي   = بابن خلدون (ولي الدين أبو زيد) ، عالم، أديب، مؤرخ، اجتماعي حكيم، ولد بتونس سنة 732هـ وتوفي بالقاهرة سنة 808 هـ، من مصنفاته «العبر» ، «تاريخ ابن خلدون» ، و «لباب المحصل» وغيرها. انظر: السخاوي: «الضوء اللامع» : (4/145، 149) ، ابن العماد: «شذرات الذهب» : (7/76 - 77) ، وانظر: «معجم المؤلفين» : (5/188 - 189) . (1) ابن خلدون: «المقدمة» : (2/527) بتحقيق د. علي عبد الواحد وافي. (2) «مختصر التحفة الاثني عشرية» : ص 25. (3) من الطبعة الأميرية سنة 1322هـ، ويقوم أستاذنا محمد رشاد سالم بتحقيقه، وخرج منه حتى الآن جزءان. (4) هو: عبد العزيز بن أحمد (ولي الله) بن عبد الرحيم العمري الفاروقي الملقب سراج الهند، توفي عام 1239هـ ومن مؤلفاته، «فتح العزيز» في التفسير ولم يتمه و «بستان المحدثين» و «التحفة الاثني عشرية» ، انظر: «الأعلام» : (جـ4/ ص 138) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 والكتاب المعرب لا يزال مخطوطاً (1) ولكن مختصره للشيخ الألوسي مطبوع ومشهور، وقد حوى جزءاً من تلك الوسائل. وكذلك فعل - شيخ العلماء الأعلام فريد دهره ووحيد عصره - كما يصفه الألوسي (2) الشيخ محمد الشهير بخواجة نصر الله الهندي المكي (3) ، فأماط اللثام عن كثير من تلك الوسائل والمعابر التي يتقنع بها الروافض لتمرير الأفكار الأجنبية تحت ستار الاحتجاج من مصادر أهل السنّة، وذلك في كتابه «الصواقع المحرقة» ، وقد اختصره الشيخ محمود الألوسي وسماه «السيوف المشرقة في مختصر الصواقع المحرقة» ، والشيخ السويدي (4) رحمه الله قد كشف أيضاً مجموعة من تلك المحاولات الرافضية في رسالة له بعنوان «نقض عقائد الشيعة» لا تزال مخطوطة لم تطبع (5) . والموضوع بحاجة إلى دراسة وعناية ولا يكفي هذا الحيز له، وحسبنا أن نشير إلى شيء من وسائلهم ونؤكد في البداية على أهمية الدراسة الواعية المستوفية لهذه المسألة وإبراز هذه الوسائل بالأرقام والوقائع.. وذلك لمواجهة مسيرة الافتراء والتفريق وإثارة الأحقاد والفتن التي كنا نظن أنها قد ولت، فإذا بنا نفاجأ بها مستمرة.. على صورة أشد وأنكى مما كانت..   (1) يوجد منه نسخة في مكتبة "الأوقاف" ببغداد برقم (5035) ، وأخرى برقم (6812) ، انظر فهرس مكتبة الأوقاف ببغداد. (2) مقدمة «السيوف المشرقة» (مخطوط) . (3) لم أجد له ترجمة فيما اطلعت عليه من المصادر العربية. (4) ستأتي ترجمته في محاولات التقريب. (5) يوجد منها نسخة في مكتبة الأوقاف ببغداد برقم (1/13785) مجاميع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ومطابع الروافض تقذف سنوياً مجموعة كبيرة من الكتب والرسائل التي تحوي فيما تحوي ذلك اللون؛ وهو: الاحتجاج لمذهب الشيعة من طريق السنة، وبهذه الوسيلة يضلون قومهم عن سواء السبيل. أما وسائلهم وطرقهم الخفية في الاحتجاج من طريق السنّة وتلك نبه إليها العلماء الأعلام - كما أسلفنا - فهذا ما سنشير إلى بعضه فيما يلي: 1- يقول الشيخ عبد الله السويدي - رحمه الله -: إن بعض علمائهم اشتغلوا بعلم الحديث وسمعوا الأحاديث من ثقات المحدثين من أهل السنّة وحفظوا أسانيد أهل السنّة الصحيحة، وتحلّوا في الظاهر بحلي التقوى والورع، بحيث كانوا يعدون من محدثي أهل السنّة، فكانوا يروون الأحاديث صحاحاً وحساناً، ثم أدرجوا في تلك الأحاديث موضوعات مطابقة لمذهبهم، وقد ضل بذلك كثير من خواص أهل السنّة فضلاً عن العوام، ولكن قيض الله بفضله أئمة أهل الحديث فأدركوا الموضوعات فنصوا على وضعها فتبين حالها حينئذ والحمد لله على ذلك. وقد أقرت طائفة منهم بالوضع بعدما انكشف حالهم.. وتلك الأحاديث الموضوعة موجودة إلى الآن في المعاجم والمصنفات وقد تمسك بها أكثر التفضيلية (1) والمتشيعة (2) . ويذكر الألوسي في حديثه عن هذه الوسيلة في كتابه «السيوف   (1) التفضيلية أو المفضلة هم الذين يفضلون عليّاً على أبي بكر وعمر من الزيدية وغيرهم انظر التسعينية: لابن تيمية: ص 40. (2) عبد الله السويدي «نقض عقائد الشيعة» وهو مخطوط غير مرقم الصفحات وبالعد ينظر ص 25 - 26 وانظر: «مختصر الصواعق» : ص 50 (مخطوط) و «مختصر التحفة» : ص 32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 المشرقة» أن ممن استخدم هذه الوسيلة "جابر الجعفي" (1) ، وأنه قد روى عنه في بعض كتب السنّة كسنن الترمذي وأبي داود والنسائي (2) روايات لم ينفرد هو بها (3) . 2- ويقول الألوسي في «مختصر التحفة الاثني عشرية» : (ومن مكايدهم أنهم ينظرون في أسماء المعتبرين عند أهل السنّة، فمن وجدوه موافقاً لأحد منهم في الاسم واللقب أسندوا رواية حديث ذلك الشيعيّ إليه، فمن لا وقوف له من أهل السنّة يعتقد أنه إمام من أئمتهم فيعتبر قوله ويعتد بروايته، كالسدي: فإنهما رجلان: أحدهما السدي الكبير، والثاني السدي الصغير، فالكبير (4) من ثقات أهل السنّة، والصغير من الوضاعين الكذابين وهو رافضي غال (5) ، وكابن قتيبة   (1) جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي الكوفي أحد علماء الشيعة، توفي سنة سبع وستين ومائة، قال ابن حبان: كان سبئياً من أصحاب عبد الله بن سبأ، كان يقول إن عليّاً يرجع إلى الدنيا، وروى العقيلي بسنده عن زائدة أنه قال: جابر الجعفي رافضي يشتم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال النسائي وغيره: متروك، وقال يحيى: لا يكتب حديثه ولا كرامة. انظر: «ميزان الاعتدال» : (جـ1/ ص 379) وما بعدها. (2) وفي «ميزان الاعتدال» أشار إلى أنه روى له (أبو داود والترمذي وابن ماجه، ولم يذكر النسائي، كما ذكر أن أبا داود لم يخرج له إلا حديثاً واحداً في باب سجود السهو) ، «ميزان الاعتدال» : (جـ1/ص 379، 383) ترجمة جابر الجعفي، الذهبي: «الكاشف» : (1/77) ، ابن حجر: «تقريب التهذيب» : (1/123) . (3) الألوسي: «السيوف المشرقة» : ص 50 (مخطوط) . (4) إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، تابعي، حجازي، سكن الكوفة أخرج له مسلم وأصحاب السنن، توفي سنة 127هـ. انظر: الخلاصة: ص 35، «الكاشف» : (1/127) . (5) محمد بن مروان بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الرحمن الكوفي، وهو كذاب وضاع عند أهل السنّة. انظر: «الجرح والتعديل» : (8/86) ، «تقريب التهذيب» : (2/206) ، الخلاصة: ص 358، وانظر ترجمته في كتب الروافض مثل: «الكنى والألقاب» ، للقمي: (2/284، 285) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 رجلان: أحدهما: عبد الله بن قتيبة رافضي غال، وعبد الله بن مسلم بن قتيبة (1) من ثقات أهل السنّة، وقد صنف كتاباً سماه بـ «المعارف» فصنف ذلك الرافضي كتاباً وسماه بـ «المعارف» أيضاً قصداً للإضلال) (2) . ومن ذلك محمد بن جرير الطبري رجلان أحدهما الإمام السنّي المشهور صاحب التفسير والتاريخ (3) والآخر محمد بن جرير بن رستم الطبري من أئمة الروافض (4) ، وهناك رافضي آخر يسمى بأبي   (1) هو: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، توفي ببغداد عام 276هـ وكان مولده سنة 213هـ، له مؤلفات كثيرة منها، «تأويل مختلف الحديث» و «المعارف» ، و «الرد على الشعوبية» ، و «مشكل القرآن» وغيرها. انظر: «تاريخ بغداد» : (10/170 - 171) ، «إنباه الرواة» : (2/143 - 147) ، «الأعلام» : (4/280) . (2) «مختصر التحفة الاثني عشرية» : ص 32 (بتصرف يسير) ، وانظر: «مختصر الصواقع» : ص 51 (مخطوط) ، والسويدي «نقض عقائد الشيعة» : ص 25 (مخطوط) . (3) محمد بن جرير زيد الطبري أبو جعفر، المؤرخ المفسر الإمام، ولد في آمل طبرستان في 224هـ واستوطن ببغداد وتوفي بها في 310هـ، ومن مؤلفاته «جامع البيان في تفسير القرآن» والمشهور «بتفسير الطبري» ، و «أخبار الرسل والملوك» والمعروف بـ «تاريخ الطبري» ، و «اختلاف الفقهاء» وغيرها، انظر ترجمته في «تاريخ بغداد» : (2/162) ، «البداية والنهاية» : (11/145) ، «الأعلام» : (6/294) . (4) محمد بن جرير بن رستم بن جرير الطبري الآملي - أبو جعفر من علماء الإمامية توفي ببغداد عام 310هـ ومن آثاره: «المسترشد في الإمامة» ، «نور المعجزات في مناقب الأئمة الاثني عشر» وغيرها: «معجم المؤلفين» : (9/146) ، وانظر: مقدمة «البحار» : (جـ1/ص 177) ، «تنقيح المقال» : (2/91) ، «لسان الميزان» : (5/103) ، وانظر في التفرقة بين الرجلين مجلة المجمع العلمي العراقي المجلد التاسع 1381هـ ص 345 مطبعة المجمع. ولقد ألحق هذا التشابه الاسمي بابن جرير - رحمه الله - بعض الإساءة؛ فيذكر ابن كثير أن بعض العوام اتهمه بالرفض وطعن عليه بالإلحاد، وأشار إليه أنه نسب إليه كتاب عن حديث "غدير خم" يقع في مجلدين، ونسب إليه القول = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 جعفر الطبري وهو أبو جعفر محمد بن أبي القاسم بن علي الطبري من علماء الإمامية في القرن السادس (1) . وهناك ابن بطة اثنان: ابن بطة السنّي وينطق بفتح الباء (2) وابن بطة الشيعي وهو بضم الباء (3) .   = بجواز (مسح القدمين في الوضوء) ، ثم قال ابن كثير: (ومن العلماء من يزعم أن ابن جرير، اثنان أحدهما شيعي وإليه ينسب ذلك وينزهون أبا جعفر عن هذه الصفات) «البداية والنهاية» : (جـ1/ص 147) . وهذا الرأي الذي نقله ابن كثير عن بعض العلماء هو الحقيقة عينها كما دلت على ذلك الدراسات في الرجال، وما تبين من خلال كتب الشيعة التي ظهرت في هذا العصر ويكفي ما تركه الإمام السني صاحب التفسير والتاريخ من آثار لتنفي عنه ما نسب إليه. انظر: مثلاً: «جزء في الاعتقاد» لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري: ص 6 - 7. (1) وقد خلط فؤاد سيزكين في «تاريخ التراث» بين هذا الرافضي والذي قبله، فنسب كتاب «بشارة المصطفى» وهو لهذا (ابن أبي القاسم) نسبه للأول (ابن رستم) ، في حين أن بين الرجلين أكثر من قرنين.. «تاريخ التراث» : (2/260) ، وهذا الطبري قد نشرت له جريدة "المدينة" حكاية موضوعة بعنوان (عقد الزهراء) وما كانت هذه القصة لتأخذ طريقها للنشر لولا الاشتباه في الاسم (جريدة المدينة عدد 4621 - الثلاثاء 24 رجب 1399هـ ص 7 - اختيار: محمد سالم محمد نقلاً عن كتاب بشارة المصطفى) ، وقد اطلعت على كتاب «بشارة المصطفى» فوجدته قد جمع من الكذب والضلال فأوعى.. ففيه تأويل الجبت والطاغوت بأبي بكر وعمر ص 238 وأن زيارة علي تعادل ألف ألف حجة.. ص 27، وفيه زعمه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (ولا تفضلوا عليه - أي علي- أحداً فترتدوا) ص 52. ويغلو المؤلف أكثر من هذا فيقول: (من شك في تقديمه وتفضيله ووجوب طاعته وولايته محكوم بكفره وإن أظهر الإسلام وجرت عليه أحكامه) ص 51 ... إلخ. (2) مضت ترجمته ص 46. (3) محسن الأمين، «أعيان الشيعة» : (6/56) ، عباس القمي: «الكنى والألقاب» : (1/22) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 وطَبَعِيٌّ أن تتشابه الأسماء والكنى والألقاب، ولكن من غير الطَّبَعِيِّ أن يستغل هذا التشابه في القيام بدس فكري رخيص.. يفرق الأمة.. ويبعث النزاع.. ويضلل الباحثين المخلصين عن الحق.. وهذا المسلك وما قبله يحاول أن يضع بالسند الصحيح أو بالإسناد الذي يوافق الإسناد الصحيح في أسماء الرجال؛ يحاول أن يضع متناً موضوعاً يخدم به فكرة معينة. ولكن هذا المسلك سرعان ما ينكشف وتتبين حقيقته بظهور القرائن على كذبه، إما لمخالفته لصريح القرآن أو لمناقضته لما جاءت به السنّة الصحيحة مناقضة بيّنة أو لما سوى ذلك من قرائن وبراهين. فإن أئمة الحديث كما اعتنوا بإسناد الحديث اعتنوا بمتنه ووضعوا علامات لمعرفة الحديث الموضوع بدون نظر لإسناده، وعامة كتب علوم الحديث تعرضت لذلك؛ قال ابن الجوزي (1) : (ما أحسن قول القائل إذا رأيت الحديث يباين المعقول، أو يخالف المنقول، أو يناقض الأُصول فاعلم أنه موضوع) (2) . وقال ابن الصلاح (3) : (وإنما يعرف كون الحديث موضوعاً   (1) هو: عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي - رضي الله عنه - أبو الفرج) التيمي البكري البغدادي المعروف بابن الجوزي، محدث، حافظ، مفسر، فقيه، واعظ، أديب، مؤرخ.. ولد ببغداد سنة 510هـ تقريباً وتوفي بها عام 597، من مؤلفاته: «جامع المسانيد» في سبع مجلدات، «المنتظم في تاريخ الأمم» وغيرها. انظر: اليافعي: «مرآة الجنان» : (3/489 - 492) ، ابن العماد: «شذرات الذهب» : (329 - 331) ، «معجم المؤلفين» : (5/157) . (2) ابن الجوزي: «الموضوعات» : (1/106) ، «تدريب الراوي» : (1/277) . (3) عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الموصلي المعروف بابن الصلاح = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 بإقرار واضعه أو ما يتنزل منزلة إقراره، وقد يفهمون الوضع من قرينة حال الراوي أو المروي، فقد وضعت أحاديث طويلة يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها) (1) . وقال ابن دقيق العيد (2) : (وأهل الحديث كثيراً ما يحكمون بالوضع باعتبار أمور ترجع إلى المروي وألفاظ الحديث. وحاصله يرجع إلى أنه حصلت لهم لكثرة محاولة ألفاظ الرسول - صلى الله عليه وسلم - هيأة نفسانية أو ملكة يعرفون بها ما يجوز أن يكون من ألفاظ من النبي - صلى الله عليه وسلم - وما لا يجوز أن يكون من ألفاظه) (3) . وقال أبو الحسن علي بن عروة الحنبلي (4) : (القلب إذا كان تقيّاً نظيفاً زاكياً كان له تمييز بين الحق والباطل، والصدق والكذب،   = (تقي الدين أبو عمرو) ، محدث، مفسر، فقيه، أصولي، ولد في 577هـ - وتوفي بدمشق في 643هـ، من مؤلفاته: «علوم الحديث» ، «معرفة المؤتلف والمختلف» وغيرهما. «شذرات الذهب» : (5/221 - 222) ، «تذكرة الحفاظ» : (4/1430) ، «معجم المؤلفين» : (6/257) . (1) «علوم الحديث» لابن الصلاح: ص 89. (2) محمد بن علي بن وهب بن مطيع أبو الفتح تقي الدين القشيري المعروف بابن دقيق العيد (كأبيه وجده) شيخ الإسلام الحافظ المجتهد.. ولد في ينبع (على ساحل البحر الأحمر) عام 625 وتوفي بالقاهرة سنة 702هـ، ومن آثاره: «أحكام الأحكام» ، و «الاقتراح في بيان الاصطلاح» ، و «الإلمام في أحاديث الأحكام» وغيرها. «طبقات الشافعية» : (9/207 - 249) ، «الدر الكامنة» : (4/210 - 214) . (3) ابن دقيق العيد: «الاقتراح» : ص 11 (مخطوط) . (4) علي بن حسين بن عروة العلاء أبو الحسن المشرقي ثم الدمشقي الحنبلي ويعرف بابن زكنون (بفتح أوله) ، محدث فقيه، ولد قبل سنة 760هـ وتوفي في دمشق سنة 837هـ، ومن تصانيفه، «الكواكب الدراري في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاري» في 120 مجلداً. انظر: السخاوي: «الضوء اللامع» : (5/214 - 215) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 والهدى والضلال، ولا سيما إذا كان قد حصل له إضاءة وذوق من النور النبوي، فإنه حينئذ تظهر له خبايا الأمور، ودسائس الأشياء، والصحيح من السقيم، ولو ركّب على متن ألفاظ موضوعة على الرسول إسناد صحيح أو على متن صحيح إسناد ضعيف لميز ذلك وعرفه.. فإن ألفاظ الرسول لا تخفى على عاقل ذاقها..) (1) . وقال الربيع بن خثيم (2) - التابعي الجليل: (إن من الحديث حديثاً له ضوء كضوء النهار يعرف، وإن من الحديث حديثاً له ظلمة كظلمة الليل ننكره) (3) . وقد سئل الإمام ابن القيم (4) - رحمه الله - هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط من غير أن ينظر في سنده؟ فقال: (هذا سؤال عظيم القدر، وإنما يعلم ذلك من تضلّع في معرفة السنن الصحيحة، واختلطت بلحمه ودمه، وصار له اختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار، ومعرفة سيرة رسول (وهديه،   (1) جمال الدين القاسمي: «قواعد التحديث» : ص 165 (وقد نقل ذلك عن كتاب «الكواكب الدراري» لابن عروة) . (2) الربيع بن خثيم (بضم المعجمة وفتح المثلثة) بن عائذ بن عبد الله الثوري أبو يزيد الكوفي، ثقة عابد، قال ابن مسعود: لو رآك رسول (لأحبك، مات سنة إحدى وقيل ثلاث وستين، أخرج له البخاري ومسلم وغيرهما «تقريب التهذيب» : (1/244) . (3) رواه الخطيب البغدادي في «الكفاية» : ص 605. (4) محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن جرير الزرعي المعروف بابن قيّم الجوزية الإمام العلامة.. من أركان الإصلاح الإسلامي وأحد كبار العلماء، ألف تصانيف كثيرة منها: «أعلام الموقعين» ، «زاد المعاد» ، «هداية الحيارى» وغيرها توفي سنة 751هـ، وكانت ولادته سنة 691هـ. انظر: «الوافي بالوفيات» : (2/270-272) ، «جلاء العينين» : ص 30، «الأعلام» : (280 - 281) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 فيما يأمر به وينهى عنه، ويخبر عنه، ويدعو إليه، ويحبه ويكرهه، ويشرعه للأمة بحيث كأنه مخالط للرسول (كواحد من أصحابه. فمثل هذا يعرف من أحوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهديه وكلامه، وما يجوز أن يخبر به وما لا يجوز، ما لا يعرفه غيره..) (1) . وقد أورد - رحمه الله - عدة قواعد في هذا الشأن بلغت (44) قاعدة، ومثل لها بـ (273) حديثاً وبين وجه وضعها من خلال نقد المتن فقط بغير نظر إلى السند وذلك في كتابه «المنار المنيف» . 3- يذكر شاه عبد العزيز الدهلوي أن من وسائلهم أيضاً: (أنهم ينسبون بعض الكتب لكبار علماء السنّة مشتملة على مطاعن في الصحابة، وبطلان مذهب أهل السنّة، ويمثل لذلك بكتاب «سر العالمين» ويقول: إنهم نسبوه إلى الإمام أبي حامد الغزالي - رحمه الله - وشحنوه بالهذيان، وذكروا في خطبته عن لسان الإمام وصيته بكتمان هذا السر وحفظ هذه الأمانة، ما ذكر في هذا الكتاب فهو عقيدتي وما ذكر في غيره فهو للمداهنة) (2) . وقد رأيتهم في بعض مؤلفاتهم المعاصرة يرجعون لهذا الكتاب ويحتجون ببعض ما فيه على أهل السنّة (3) .   (1) «المنار المنيف» : ص 44. (2) «مختصر التحفة الاثني عشرية» : ص 33، وانظر: السويدي: «نقض عقائد الشيعة» : ص 25 (مخطوط) . (3) انظر مثلاً (مصادر كتاب كشف الاشتباه) للرافضي عبد الحسين الرشتي والمطبوع في المطبعة العسكرية بطهران في 1368هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات في بومباي سنة 1314هـ، القاهرة سنة 1324هـ، وسنة 1327هـ، طهران بغير تاريخ (1) . ويشير د. عبد الرحمن بدوي إلى أن ثلاثة من المستشرقين ذهبوا إلى القول بأن الكتاب منحول: (جولد تسيهر) (بويج) (مكرونالد) (2) ، ويذهب عبد الرحمن بدوي إلى هذا الرأي ويقطع به ويحتج لذلك فيقول: «والأمر الذي يقطع بأن الكتاب ليس للغزالي هو ما ورد في ص 82 من قوله: (أنشدني المعري لنفسه وأنا شاب في صحبته يوسف بن علي شيخ الإسلام) (3) فإن المعري توفي سنة 448 بينما ولد الغزالي سنة 450 فكيف ينشده لنفسه» (4) . وهذا الأسلوب في الوضع له خطورته.. ويذكر السويدي أنه على هذه الطريقة نسبت كتب كثيرة، ولا يعرفها إلا من كان عارفاً بمذاق كلام أهل السنة (5) . وقد عقد الشوكاني (6) في كتابه «الفوائد المجموعة» مبحثاً بعنوان   (1) عبد الرحمن البدوي: «مؤلفات الغزالي» : ص 225. (2) المصدر السابق: ص 271. (3) والغريب أني رأيت الذهبي - رحمه الله - ينسب هذا الكتاب إلى أبي حامد الغزالي «ميزان الاعتدال» : (جـ1/ص 500) ترجمة الحسن بن الصباح الإسماعيلي. فإما أن يكون هذا الأمر قد فات على الإمام الذهبي.. وإما أن يكون للإمام الغزالي كتاب بهذا العنوان قد فُقد، فألف الروافض كتاباً يحمل اسم ذلك الكتاب المفقود ونسبوه للغزالي. (4) «مؤلفات الغزالي» د. عبد الرحمن بدوي: ص 271. (5) «نقض عقائد الشيعة» (مخطوط) : ص 25. (6) محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن الحسن الشوكاني الخولاني ثم الصنعاني، مفسر، محدث، فقيه، أصولي، مؤرخ، من تصانيفه: «فتح القدير» ، «نيل الأوطار» = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 "النسخ الموضوعة" وبعد عرضه إياها ذكر أن أكثرها من وضع الرافضة، وهي موجودة عند أتباعهم (1) . 4- ومن أساليبهم في طريقة احتجاجهم من كتب أهل السنّة: ما ذكره صاحب مختصر الصواقع: من (أنهم ينقلون ما يدل على مطاعن الصحابة وما يستدل به على بطلان مذهب غير الرافضة عن كتاب يعزون تأليفه إلى بعض كبراء أهل السنّة، وذلك الكتاب لا يوجد تحت أديم السماء) (2) .. أو أنهم ينقلون أخباراً دالة على مطاعن الصحابة عن كتب عزيزة الوجود لأهل السنّة ليس في تلك الكتب منها أثر.. والأردبيلي أكثر ما ينقل في «كشف الغمة» من هذا القبيل وكذا الحلي في الألفين وابن طاوس وغيرهم (3) . هذا ما ذكره صاحب «مختصر الصواقع» ولم يتيسر لي الاطلاع على هذه الكتب التي مثل بها، ولكني اطلعت على كتب أخرى تحمل هذا المعنى الذي ذكره، ومن أحقها بهذا الوصف كتاب «غاية المرام في حجة الخصام عن طريق الخاص والعام» لمؤلفه: هاشم بن سليمان بن إسماعيل البحراني (ت 1107 أو 1109) . والكتاب في مجلد ضخم رتبه مؤلفه على مجموعة مقاصد، كل   = وغيرهما، توفي سنة 1250هـ وكانت ولادته سنة 1173هـ: انظر: «البدر الطالع» : (2/214 - 225) ، «نيل الوطر» : ص 297، «معجم المؤلفين» : (11/53) . (1) «الفوائد المجموعة» : ص 425. (2) و (3) «مختصر الصواعق» : ص 51 (مخطوط) . وانظر: السويدي: «نقض عقائد الشيعة» : ص 25 (مخطوط) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 مقصد يضم عدداً كبيراً من الأبواب، وكل باب يحوي طائفة ضخمة من الأحاديث من طريق ما يسميهم بالعامة، ويعني بهم أهل السنّة، ومن طريق ما يسميهم بالخاصة وهم الشيعة - في زعمه - ويعني بهم الإمامية، لأن المؤلف إمامي اثنا عشري كما يظهر من كتابه، والمقصود أن كثيراً من الأحاديث التي ينسبها لأهل السنّة ليس لها وجود ولا أثر في مصادر السنّة المعتبرة. ويرى الأستاذ موسى جار الله (1) - بحق - أن هذا الكتاب يعتبر (عاراً وسبة للشيعة الإمامية) (2) . ولكننا مع الأسف نجد بعض مراجع الشيعة اليوم ترى أن هذا الكتاب موضع الفخر (3) ويأخذون منه ويحتجون به على أهل السنّة (4) على الرغم من أن عنصر الكذب في هذا الكتاب لا يخفى على صغار المتعلمين. وأجدني لست بحاجة إلى النقل من أحاديثه الكاذبة فهي لا حدَّ لها، وأكتفي بأن أشير إلى طائفة من أبوابه الخاصة بالأحاديث التي جاءت عن طريق من يسميهم بالعامة ليرى القارئ إلى أي مدى وصل الكذب والافتراء على السنّة ومصادرها. الباب السادس والأربعون: في أن الأئمة الاثني عشر أركان الإيمان ولا يقبل الله (الأعمال من العباد إلا بولايتهم عليهم السلام، من طريق العامة وفيه ستة عشر حديثاً.   (1) ستأتي ترجمته في (مبحث محاولات التقريب) . (2) «الوشيعة» ص (م ط) . (3) «الشيعة بين الحقائق والأوهام» : محسن الأمين: ص 124. (4) انظر مثلاً: عبد الحسين الموسوي «المراجعات» : ص 67 هامش رقم (1) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 يقول البحراني: الباب الرابع والعشرون: في أن الأئمة بعد رسول الله اثنا عشر بالنص من رسول الله إجمالاً وتفصيلاً، وهم علي وبنوه الأحد عشر وهم الأئمة الاثنا عشر من طريق العامة وفيه ثمانية وخمسون حديثاً. الباب الأول: في أنه لولا الخمسة الأشباح (كذا) محمد رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين ما خلق الله - عز وجل - آدم ولا النار ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجن. وأن رسول الله وعليّاً أمير المؤمنين خلقا من نور واحد، وخل ملائكته من نور وجه علي. من طريق العامة وفيه تسعة عشر حديثاً. الباب الحادي عشر: في أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأئمة الاثني عشر حجج الله تعالى على خلقه. من طريق العامة وفيه تسعة أحاديث (1) . وعلى هذا المنوال تسير قافلة الكذب، وتستمر مؤامرة الافتراء والتزوير في أبواب كثيرة بلغت أكثر من خمسين وأربعمائة بابٍ تعج بالفضائح وتمتلئ بالكذب والبهتان، ولو تفرغ متفرغ لدراسة هذا الكتاب وأمثاله لاستخرج صفحات سوداء تنضح بالخزي والعار وتكشف أولئك "السبأيين" الذين كانوا وراء هدم مبدأ التشيع الحقيقي لآل البيت ومحبتهم لِـ "الرفض" و"الغلو" لإبعاد الشيعة عن حظيرة الجماعة والعمل على تفرقة الأمة وتفتيت وحدتها.   (1) انظر: فهرس الكتاب المذكور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 والذي يتبدَّى لي أن هذا الكتاب وأمثاله إنما هو مؤامرة مدبرة من مشايخ السوء الذين يدعون التشيع لآل البيت وليس لهم منه نصيب والذين استغلوا التشيع لهدم الإسلام، هو مؤامرة الهدف منها حماية أتباعهم من التطلع لمذهب أهل السنّة، والبحث عن الحق فيه، فيتوهم "الأتباع الأغرار" أن ما عند الجميع واحد، وأن هذا هو الإسلام لاتفاق الفريقين عليه، وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله أن هذا الوهم والتصور كان من أسباب إلحاد الزنادقة لأنهم ظنوا أن ما هم عليه من "باطل" هو الإسلام "فشكوا في الإسلام". إن هدف مؤلف الكتاب الآنف الذكر إثبات أن تلك العقائد التي تدعيها الشيعة وتخالف بها جمهور المسلمين متفق عليها في كتب الفريقين، فهو يقول مثلاً في تعليقه على بعض الأحاديث المفتراة على أهل السنّة: (انظر أيها الأخ إلى ما يرويه المخالفون النواصب ما هو عين مذهب الإمامية الاثني عشرية، وهذا يعطيك أن المخالفين العامة على ضلال مبين وخسران عظيم بعد العلم منهم والمعرفة بصحة معتقد الإمامية الاثني عشرية..) (1) . ولا بد لتحقيق هذا الهدف من ركوب "مطايا" الكذب. وإنني أرى أن هذا الكتاب وأمثاله سيعطي من يقرأه بعقل وإنصاف عكس ما يراد منه، فالقارئ حينما يقرأ ذلك الحشد من   (1) «غاية المرام» : ص 36. يقول علماؤهم المعاصرون - كما سيأتي - (أنه ليس بيننا وبين السنّة خلاف إلا في الفروع) يقولون ذلك بناء على هذا "الوهم" الذي بنوه في كتبهم وصدقهم بعض مغفلي السنّة وأخذوا يرددون هذه الكلمة، ولم يعلموا أن وراء الأكمه ما وراءها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 النصوص التي زعم المؤلف أنه جاء بها عن طريق السنّة ويبحث عنها في كتب السنّة المعتبرة فلا يرى لها وجوداً ولا أثراً ـ سيخرج من ذلك بالشك في كل ما يأتي به القوم. ولا أظن أن عاقلاً سينخدع بهذه الوسيلة إلا من أعمى الله قلبه بالتعصب والهوى، وما كنا سنعير هذا الكتاب أي اهتمام لولا أن بعض مجتهدي الشيعة المعاصرين اعتبره موضع الفخر (1) . وقد رأيت من مؤلفاتهم "المعاصرة" كتاباً يسمى «الغدير» ، ويقع في أحد عشر مجلداً لعبد الحسين الأميني النجفي من علمائهم المعاصرين، ويصفونه بـ "الحبر العلم الحجة المجاهد"، والكتاب متوج بالثناء والمديح من عدد من آياتهم المعاصرين (محسن الحكيم (2) عبد الحسين شرف الدين الموسوي (3) ، السيد حسن الموسوي (4)) . وهذا الكتاب يشبه إلى حد بعيد الكتاب الآنف الذكر، فهو يروي أخباراً عن نكرات تفوح منها رائحة الكذب ويجعلها هي الأصل ويخطِّئ على ضوئها علماء الأمة، فابن كثير عنده يحرف الكلم عن مواضعه ويقذف الراوي بالضعف بغير دليل (5) .   (1) وإذا أراد القارئ أن يرى مثالاً للأحاديث التي ينقلها عن طريق السنّة كما يدعي.. فلينظر ذلك في ملحق «الوثائق والنصوص» . (2) انظر تقريظه في جـ7 ص ز. (3) انظر تقريظه في جـ7 ص هـ و. (4) انظر تقريظه في جـ9 ص ب. (5) انظر «الغدير» : (1/209) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 ويقول عن الإمام الطبري: إنه (يروي الأخبار محرفة في تفسيره) (1) . ويقول عن الإمام البخاري: إنه يخرم الحديث (ويعني بذلك حديثاً أورده هذا الرافضي يتضمن الطعن في عمر رضي الله عنه) صوناً لمقام عمر (2) . ويقول عن الإمام البيهقي: (وذكره ـ أي الحديث ـ البيهقي محرفاً) (3) . وعن البغوي يقول: (وأخرجه البغوي في المصابيح.. غير أنه حذف صدر الحديث) (4) . وعن الذهبي يقول: (وذكره الذهبي في تذكرته.. محرفاً) (5) وهكذا.. ثم يحكم على البخاري رحمه الله - لأن صحيحه كشف كذبه ـ بقوله: (وكم وكم في صحيح البخاري من أحاديث لعبت بها يد تحريفه) (6) . هؤلاء أعلام الأمة هذا وزنهم عند هذا المتجني ومن شايعه، لأنهم لم يوافقوا جهلة الروافض على كذبهم، وتحريفهم للأحاديث..   (1) انظر المصدر السابق: (1/ 207) . (2) انظر المصدر السابق: (جـ6/ص 84) . (3) المصدر السابق: (جـ6/ص 84) . (4) المصدر السابق: (جـ6/ص 84) . (5) المصدر السابق: (جـ6/ص 84) . (6) المصدر السابق: (جـ6/ص 101) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 هذا "مثال معاصر" (1) اكتفينا بالإشارة إليه.. ولا مجال للاسترسال. 5- ومن أساليبهم: أنهم يعمدون إلى (نص متداول ومشهور فيزيدون عليه ما لا أصل له، كما زادوا على النص في استخلاف علي على المدينة في غزوة تبوك زيادة موضوعة وهي «ولا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي في المدينة» (2) . وهذه الزيادة علاوة على أنها كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي من كذب الجهال، ووضع من لا يحسن الوضع، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب غير مرة وخليفته على المدينة غير علي، كما اعتمر عمرة الحديبية وعلي معه وخليفته غيره، وغزا بعد ذلك خيبر ومعه علي وخليفته بالمدينة غيره، وغزا غزوة الفتح وعلي معه وخليفته بالمدينة غيره، وغزا حنيناً والطائف وعلي معه وخليفته بالمدينة غيره، وحج حجة الوداع وعلي معه وخليفته بالمدينة غيره   (1) قد (صدر المؤلف) الجزء السابع من كتابه "بتقريظ" من أحد الكفار يؤيد هذا الكافر حملة المؤلف المسعورة ضد الصحابة، ولا سيما الخليفة الراشد عمر - والمؤلف يبادله الثناء والشكر ويتوج كتابه بتقريظه، يقول المؤلف: (أتانا من بحاثة المسيحيين القاضي الحر والشاعر النبيل الأستاذ بولس سلامة.. الخالد الذكر فشكراً له ثم شكراً) ويقول بولس: (وقد شرفتموني بإدراج رسالتي في المقدمة. وقد اطلعت على هذا السفر النفيس فحسبت أن لآلئ البحار قد اجتمعت في غديركم.. ولقد لفت نظري على الأخص ما ذكرتموه بشأن الخليفة الثاني فلله درّكم، ما أقوى حجتكم..) «الغدير» : جـ7 ص ح!!!. (2) «منهاج الكرامة» لابن المطهر الحلي: ص 123، المطبوع مع «منهاج السنّة» : جـ1 تحقيق محمد رشاد سالم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وغزا غزوة بدر ومعه علي وخليفته بالمدينة غيره، وكل هذا معلوم بالأسانيد الصحيحة وباتفاق أهل العلم بالحديث (1) . وأمثلة هذا الأسلوب كثيرة جداً. كما أن من أساليبهم أنهم يوردون الحديث من كتب السنّة بجميع طرقه ورواياته ويذكرون في الأخير من أخرجه من المحدثين بلا تحديد للألفاظ التي وردت عند كل محدث، ليوهموا القارئ أن هذا النص الذي جمّعوه من كتب أهل السنّة قد ورد بهذه الصيغة التي أخرجوها عند كل محدث من محدثي أهل السنّة، وأنه صحيح لاتفاق محدثي أهل السنّة على إخراجه بهذه الألفاظ والروايات. ومن أمثلة هذا الأسلوب كتاب «حديث الثقلين» الذي أصدرته دار التقريب بالقاهرة، وسلكت فيه ذلك المسلك الذي أشرنا إليه (2) ، حيث ذكرت الأحاديث الواردة بكل طرقها وروايتها وفي الأخير ذكرت من أخرجه من المحدثين بلا تحديد للألفاظ الواردة عند كل محدث، وهو لا يصح في كل رواياته (3) .   (1) «منهاج السنة» : (3/908) وانظر من نفس المصدر السابق: (جـ3/ص 16) ، (جـ4/ص 94) . (2) محمد قوام الدين القمي: «حديث الثقلين» ، نشر: دار التقريب بين المذاهب. (3) والذي جاء في صحيح مسلم منه هو قوله (كما رواه زيد بن أرقم: « ... أما بعد، ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم ثقلين؛ أولهما كتاب الله فيه الهدي والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي..» رواه مسلم في فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - باب فضائل علي - رضي الله عنه -: (7/122 - 123) ، هذه رواية مسلم للحديث، وقد أجاب ابن تيمية على احتجاج الرافضة بهذا الحديث وأجاب عما يحتجون به من بعض الروايات الضعيفة التي جاءت من طريق الجمهور، انظر «منهاج السنّة» : (4/104) ، و «المنتقى» : ص 475. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 6- ومن طرقهم ما يذكره صاحب مختصر التحفة: من (أنهم يذكرون أحد علماء المعتزلة أو الزيدية أو نحو ذلك ويقولون أنه من متعصبي أهل السنّة، ثم ينقلون عنه ما يدل على بطلان مذهب أهل السنّة وتأييد مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية ترويجاً لضلالهم، كالزمخشري صاحب «الكشاف» الذي كان معتزليّاً تفضيليّاً (1) ، والأخطب الخوارزمي، فإنه زيدي غال، وابن قتيبة صاحب المعارف الذي هو رافضي عنيد، وابن أبي الحديد شارح «نهج البلاغة» الذي هو من الغلاة، على قول، ومن المعتزلة على قول آخر، وهشام الكلبي الذي هو من الغلاة وكذلك المسعودي صاحب «مروج الذهب» ، وأبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني وغيرهم. وقصدوا بذلك إلزام أهل السنّة بما لهم من الأقوال مع أن حالهم لا تخفى) (2) . وكذا بعض المتصوفة أو غيرهم الذين دخلوا في سلك الروافض في الاعتقاد وإن كانوا يحملون لقب الانتساب لأحد المذاهب الأربعة، فإنه (قد يوجد في بعض المنتسبين إلى مذاهب الأئمة الأربعة من هو في الباطن رافضي) (3) . ومن أمثلة ذلك "سليمان الحنفي النقشبندي" الذي يؤول حديث مسلم أن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر   (1) انظر: ص 61 من هذه الرسالة هامش رقم (1) . (2) «مختصر التحفة» : ص 33. (3) «منهاج السنّة» : (2/179) ، الطبعة الأميرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 خليفة "كلهم من قريش" (1) ، يؤول هذا بالأئمة الاثني عشر. ويستشهد "الشيعي: محمد حسين الزين" في كتابه «الشيعة في التاريخ» بهذا الرأي ليسند عقيدته برأي سنّي حنفي (2) . والواقع أنه كما يعترف الشيعي د. مصطفى كامل الشيبي: (لا دخل لأهل السنّة بهذا التوثيق وإنما هي الصوفية المتشيعة التي ينتمي إليها النقشبندي) (3) . 7- ومن طرقهم كما يذكر صاحب التحفة: أنهم يؤلفون كتاباً في فضائل الخلفاء الأربعة ويضمنونه أحاديث صحاحاً من طرق أهل السنّة تبين فضائلهم ومناقبهم، ويضعون في "فضائل علي" ما يوجب القدح في الخلفاء الثلاثة وضعاً أو نقلاً من كتبهم، فإذا قرأ القارئ فضائل الخلفاء الثلاثة ظن أن مؤلفه سنّي حسن العقيدة ثم إذا وصل إلى فضائل الخليفة الرابع ورأى فيها ما يطعن في الخلفاء الثلاثة ظن أن في تصانيف أهل السنّة ما يوجد من الأحاديث القادحة في الخلفاء الثلاثة (4) . 8- ومن أساليبهم الشائعة: أنهم يستقون مادة احتجاجهم من المصادر التي تحوي الضعيف والموضوع ويدعون أنهم أخذوها من مصادر أهل السنّة المعتبرة، فضلاً عن   (1) «صحيح مسلم» ، كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش جـ6 ص3. (2) «الشيعة في التاريخ» : ص 118. (3) «الصلة بين التصوف والتشيع» : ص 110. (4) انظر: «التحفة الاثني عشرية» : ص 46 (مخطوط) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 أنهم يزعمون في بعض الأحاديث الموضوعة أنها مما اتفقت عليه مصادر السنّة والواقع خلاف ذلك. وأقرب مثال على هذا كتاب «منهاج الكرامة» لابن المطهر الحلي؛ حيث نجده يدعي في كتابه أنه لا يأخذ إلا من المصادر المعتبرة، ومن الصحيح منها. يقول: (ونحن نذكر هنا شيئاً يسيراً مما هو صحيح عندهم ونقلوه في المعتمد من كتبهم) (1) . ومع هذا "الادعاء" فهو يورد كثيراً من الأحاديث الموضوعة ومن مصادر غير معتمدة. فهو يستقي أحاديثه من تفسير الثعلبي (2) والحلية لأبي نعيم (3) ومما رواه أخطب خوارزم (4) وصاحب الفردوس (5) والفقيه المغازلي الشافعي (6) وغيرهم. ويروي أحاديث موضوعة من الحلية لأبي نعيم ونحوه ويدعي أنها مما (أجمع المفسرون عليه) (7) .   (1) «منهاج الكرامة» : ص 119 المطبوع مع كتاب «منهاج السنّة» بتحقيق د. رشاد سالم. (2) انظر: «منهاج الكرامة» : في عدة مواضع ص 149، 158، 161، 162. (3) المصدر السابق: في عدة مواضع ص 150، 155، 156، 157، 160، 161، 163، 164، 165. (4) المصدر السابق في عدة مواضع ص 124، 173. (5) انظر: «منهاج الكرامة» : وفي أكثر من موضع ص 155، 166. (6) انظر: «منهاج الكرامة» : وفي أكثر من موضع ص 154، 155. (7) انظر مثلاً: ص 166 حيث ذكر تفسير (صالح المؤمنين (في قوله سبحانه وتعالى: (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين (ذكر أن المراد به "علي" وقال: (أجمع المفسرون على أن صالح المؤمنين هو علي) ، ثم أورد رواية في تفسيرها بذلك عزاها لأبي نعيم. ورد على ذلك ابن تيمية في (جـ4/ص 79) من «منهاج السنة» وكذبه في دعوى الإجماع، وبيّن أن هذه الرواية موضوعة ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وينسب لبعض السنن والمسانيد أخباراً ضعيفة أو موضوعة ويزعم إجماع الجمهور على صحتها، وقد ينسب إليها ما ليس فيها، وهذه طريقة الروافض (1) . وقد كشف شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك في منهاجه ولا سيما في المجلد الأخير. وأورد تقويم أهل السنة لهذه الكتب التي ينقل منها الرافضي وأمثاله (2) ولا شك أن المرجع في تمحيص وتحقيقه "المنقول" إنما يكون إلى (أُمناء حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما أن المرجع في النحو إلى أربابه، وفي القراءات إلى حذاقها، وفي اللغة إلى أئمتها، وفي الطب إلى علمائه. فلكل فن رجال. وعلماء الحديث أجل وأعظم تحرياً للصدق من كل أحد علم ذلك من علمه، فما اتفقوا على صحته فهو الحق، وما أجمعوا على تزييفه وتوهينه فهو ساقط، وما اختلفوا فيه نُظر فيه بإنصاف وعدل فهم العمدة: كمالك وشعبة والأوزاعي والليث   (1) قال ابن تيمية: (ورأيت كثيراً من ذلك المعزو عزاه أولئك - يعني بهم شيوخ الروافض الذين اطلع على كتبهم - إلى المسند والصحيحين وغيرهما باطلاً لا حقيقة له..) انظر: «منهاج السنّة» : (جـ4/ 27) . (2) من أمثلة ذلك ما يلي: قال ابن تيمية عن الثعلبي: (علماء الجمهور متفقون على أن ما يرويه الثعلبي وأمثاله لا يحتجون به.. إلا أن يعلم ثبوته بطريقة) «منهاج السنة» : (4/ 25) . وقد تكرر الكلام من ابن تيمية عن الثعلبي وتفسيره في عدة مواضع، انظر: «منهاج السنة» : (جـ4/ص 18 و28 و31 و46، 48 و84 و95، 105 و115 وغيرها) وقال ابن تيمية: (وإذا كان الحديث في بعض كتب التفسير التي ينقل فيها الصحيح والضعيف مثل تفسير الثعلبي، والواحدي، والبغوي، بل وابن جرير، وابن أبي حاتم لم يكن مجرد رواية واحد من هؤلاء دليلاً على صحته باتفاق أهل العلم) «منهاج السنة» : (جـ4/ص 80) ، وقال: = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 والسّفيانيْن والحمّادين وابن المبارك ويحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي ووكيع وابن علية والشافعي وعبد الرزاق والفريابي وأبي نعيم والقعنبي والحميدي وأبي عبيد وابن المديني وأحمد وإسحاق وابن معين وأبي بكر بن أبي شيبة والذهلي والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم وأبي   = (وما يرويه أبو نعيم في الحلية أو في فضائل الخلفاء والنقاش والثعلبي والواحدي ونحوهم في التفسير قد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن فيما يروونه كثيراً من الكذب الموضوع) «المصدر السابق» : (4/10) . وقال عن ابن المغازلي الواسطي: (..قد جمع في كتابه من الأحاديث الموضوعة ما لا يخفى أنه كذب على من له أدنى معرفة بالحديث) : (3/4، 5) ، وقال: (كتاب الفردوس للديلمي فيه موضوعات كثيرة..) : (4/ 38) ، وقال عن رزين بن معاوية وكتابه «التجريد للصحاح الستة» : (ورزين قد ذكر في كتابه أشياء ليست في الصحاح) : (4/43) وقال - عن زيادات القطيعي على مسند أحمد -: (زيادات القطيعي التي فيها من الكذب الموضوع ما اتفق أهل العلم على أنه كذب موضوع) : (4/75) . وقال: (وأما رواية ابن خالويه فلا تدل على أن هذا الحديث صحيح باتفاق أهل العلم، وكذلك رواية أخطب خوارزم، فإن في روايته من الأكاذيب المختلفة ما هو أقبح من الموضوعات باتفاق أهل العلم) : (4/106) . وقال: (النسائي في خصائص علي ذر فيها عدة أحاديث ضعيفة.. والترمذي في جامعه روى أحاديث كثيرة في فضائل علي كثير منها ضعيف.. وأصحاب السير كابن إسحاق وغيره يذكرون من فضائله أشياء ضعيفة) : (4/48) . وقال: (ومن الناس من يكون قصده رواية كل ما روى في الباب من غير تمييز بين صحيح وضعيف كما فعله أبو نعيم في فضائل الخلفاء، وكذلك غيره ممن صنف في الفضائل، ومثل ما جمعه أبو الفتح بن أبي الفوارس وأبو علي الأهوازي وغيرهما في فضائل معاوية، ومثل ما جمعه النسائي في فضائل علي وكذلك ما جمعه أبو القاسم بن عساكر في فضائل علي وغيره..) : (4/84) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 داود ومسلم وموسى بن هارون والنسائي وابن خزيمة وأبي أحمد بن عدي وابن حبّان والدارقطني وأمثالهم من أهل العلم بالنقل والرجال والجرح والتعديل) (1) . من هنا نقول أنه لا يمكن الاعتماد على نقل الروافض من كتب أهل السنّة ما لم يكن هذا النقل صحيح النسبة للمنقول منه وموثق من رجاله المختصين به.   (1) «المنتقى» : ص 427. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 الفصل الثالث: مجمل لأهم عقائد أهل السنة التي خالفتها الشيعة نكتفي في هذا الفصل بذكر أهم العقائد لأهل السنّة التي خالفتها الشيعة - كما ذكرت ذلك كتب السنّة -. أما الحديث عن اعتقاد أهل السنّة بكل جوانبه فهذا - في نظري - لا داعي له هنا والحديث المستقصى للاعتقاد ولو على سبيل الإجمال يخرج بنا عن المنهج الطبعي للبحث، وهناك كتب تخصصت في هذا الشأن، ولهذا سنتناول بالحديث المسائل التالية: 1- حفظ الله سبحانه لكتابه العظيم: أجمع أهل السنّة والمسلمون جميعاً على صيانة كتاب الله (من التحريف والزيادة والنقص، فهو محفوظ بحفظ الله له، قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ((1) . ولا يوجد في كتب أهل السنّة المعتمدة رواية واحدة صحيحة تخالف هذا.   (1) الحجر: آية 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وقد ذكر مفسرو أهل السنّة عند قوله سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) أن القرآن محفوظ من أي تغيير أو تبديل أو تحريف (1) . وصرح كبار علمائهم أن من اعتقد أن القرآن غير محفوظ فقد خرج من دين الإسلام. وهذه العقيدة عند أهل السنّة من الشهرة والتواتر بحيث أنها لا تحتاج إلى من يقيم أدلة عليها، بل هذه العقيدة من المتواترات عند المسلمين. يقول القاضي عياض (2) - رحمه الله -: (وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين مما جمعه الدفتان من أول (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) - إلى آخر - (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) أنه كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد (، وأن جميع ما فيه حق وأن من نقص منه حرفاً قاصداً لذلك أو بدله بحرف آخر مكانه أو زاد فيه حرفاً مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع   (1) انظر القرطبي: «جامع أحكام القرآن» : (10/65) ، النسفي: «مدارك التنزيل» : (2/179) ، «تفسير الخازن» : (4/47) ، «تفسير ابن كثير» : (2/592) ، البيضاوي: «أنوار التنزيل» : (1/538) ، الألوسي: «روح المعاني» : (14/16) ، صديق خان: «فتح البيان» : (5/168 - 169) ، الشنقيطي: «أضواء البيان» : (3/120) . (2) عياض بن موسى بن عمرون اليحصبي السبتي أبو الفضل، عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته، من مصنفاته: «الشفاء» ، «مشارق الأنوار» ، «الإلماع» وغيرها. توفي بمراكش سنة 544هـ وكان مولده عام 476هـ، انظر في ترجمته: الضبي: «بغية الملتمس» : ص 437، النباهي: «تاريخ قضاة الأندلس» : ص 101. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 عليه وأجمع على أنه ليس من القرآن عامداً لكل هذا؛ أنه كافر ... ) (1) . وينقل القاضي عياض عن أبي عثمان الحداد أنه قال: (جميع من ينتحل التوحيد متفقون على أن الجحد لحرف من التنزيل كفر) (2) . وقال ابن قدامة (3) : (ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفاً متفقاً عليه أنه كافر) (4) . ويقول البغدادي: (وأكفروا - أي أهل السنّة - من زعم من الرافضة أن لا حجة اليوم في القرآن لدعواه أن الصحابة غيروا بعض القرآن وحرفوا بعضه) (5) . ويقول القاضي أبو يعلى (6) : (والقرآن ما غُيّر ولا بُدِّل ولا نقص منه ولا زيد فيه، خلافاً للرافضة القائلين أن القرآن قد غير وبدل وخولف بين نظمه وترتيبه - ثم قال - إن القرآن جمع بمحضر من   (1) و (2) «الشفاء» : (2/304 - 305) . (3) عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الدمشقي أبو محمد موفق الدين، من كبار أئمة السنّة وفقهاء الأمة، له تصانيف منها: «المغني» ، و «فضائل الصحابة» ، و «القدر» وغيرها. توفي بدمشق سنة 620هـ، وكان مولده في جماعيل (من قرى نابلس بفلسطين) سنة 541. انظر: «مختصر طبقات الحنابلة» : ص 45- 47، وانظر: «الأعلام» : (4/191 - 192) . (4) ابن قدامة: «لمعة الاعتقاد» : ص 20. (5) «الفرق بين الفرق» : ص 327. (6) محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء أبو يعلى، عالم عصره في الأصول والفروع، من تصانيفه: «الأحكام السلطانية» . ولد عام 380 هـ وتوفي عام 458هـ. «طبقات الحنابلة» : (2/193 - 230) ، «الأعلام» : (6/331) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 الصحابة - رضي الله عنهم - (وأجمعوا عليه ولم ينكر منكِر ولا رد أحد من الصحابة ذلك ولا طعن فيه، ولو كان مغيراً مبدلاً لوجب أن ينقل عن أحد من الصحابة أنه طعن فيه، لأن مثل هذا لا يجوز أن ينكتم في مستقر العادة.. ولأنه لو كان مغيراً ومبدلاً لوجب على علي - رضي الله عنه - أن يبينه ويصلحه ويبين للناس بياناً عاماً أنه أصلح ما كان مغيراً، فلما لم يفعل ذلك ـ بل كان يقرأه ويستعمله ـ دل على أنه غير مبدل ولا مغير) (1) . ويقول ابن حزم: (القول بأن بين اللوحين تبديلاً كُفر صريح وتكذيب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (2) . وقال الفخر الرازي عند قوله سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ، وإنا نحفظ ذلك الذكر من التحريف والزيادة والنقصان - إلى أن قال: إن أحداً لو حاول تغيير حرف أو نقطة لقال له أهل الدنيا هذا كذب وتغيير لكلام الله، حتى أن الشيخ المهيب لو اتفق له لحن أو هفوة في حرف من كتاب الله تعالى لقال له الصبيان: أخطأت أيها الشيخ وصوابه كذا وكذا.. واعلم أنه لم يتفق لشيء من الكتب مثل هذا الحفظ، فإنه لا كتاب إلا وقد دخله التصحيف والتحريف والتغيير إما في الكثير منه أو في القليل، وبقاء هذا الكتاب مصوناً من جميع جهات التحريف، مع أن دواعي الملاحدة واليهود والنصارى متوفرة على إبطاله وإفساده من أعظم المعجزات) (3) .   (1) «المعتمد في أصول الدين» : ص 258. (2) «الفصل في الملل والنحل» : (5/22) . (3) «مفاتيح الغيب» : (19/160 - 161) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 ويقول ابن حزم - في الجواب عن احتجاج النصارى بدعوى الروافض تحريف القرآن -: (وأما قولهم في دعوى الروافض تبديل القراءات فإن الروافض ليسوا من المسلمين..) (1) . ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وكذلك - أي في الحكم بتكفيره - من زعم منهم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت، أو زعم أن له تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة ونحو ذلك، وهؤلاء يسمون القرامطة والباطنية ومنهم التناسخية، وهؤلاء لا خلاف في كفرهم) (2) . وبعد: فالشواهد في هذا المجال لا تحصى كثرة وهي موجودة في مواضعها في كتب التفسير وعلوم القرآن والحديث والعقيدة والأصول وغيرها. ولم نكن لنعرض لهذه المسألة إلا بالإشارة العابرة إلى إجماع الأمة عليها، لأنها من القضايا المتواترة ومما علم من الدين بالضرورة، ومن يخالف فيها فإنما يخالف رب العزة جل شأنه في قوله: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (3) . وإنما عرضت لها لأنني رأيت من بعض الروافض المعاصرين من يحاول أن يرمي أهل السنّة بهذه الفرية ويدعي أن في كتب السنّة ما يدل على "التحريف"، في حين أنه يزعم أن مذهبه بريء منها.. وكأنه بهذا يحاول أن يثبت من طريق السنّة فكرة في نفسه يخفيها ويتظاهر بإنكارها.   (1) «الفصل» : (2/80) . (2) «الصارم المسلول» : ص 586. (3) الحجر: آية 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 ولم يجد وسيلة يتذرع بها لإثبات هذه «الفرية» إلا محاولة خداع القارئ بذكر بعض ما ورد في كتب السنّة من أحاديث الناسخ والمنسوخ واختلاف القراءات. وهذا لا مستمسك لهم به، ومسألة النسخ والقراءات مما وقع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وثبت عنه، والروافض أنفسهم يقرون بهذا؛ قال الطبرسي (1) في «مجمع البيان» : (ومنها ما يرتفع اللفظ ويثبت الحكم كآية الرجم) (2) . والقارئ المسلم يعجب لهذا المسلك من بعض الروافض (3) فهم يزعمون أنهم ينكرون التحريف ويحاولون تبرئة مذهبهم من هذه "الدعوى"، ولكن أسلوبهم وطريقتهم في الدفاع توحي بأنهم يحاولون إثبات التحريف - سواء قصدوا ذلك أو لم يقصدوه - ذلك أنهم وهم يحاولون تبرئة مذهبهم من هذا القول؛ في الوقت نفسه يضللون القارئ بشبه وافتراءات يزعمون أنها أدلة من طريق السنّة توحي بالتحريف، وأنها تشاكل ما جاء في كتبهم، وهذا مسلك غريب وهو شاهد على عدم نقاوة أصحاب هذا الأسلوب من لوثة ذلك الاعتقاد.   (1) الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي أبو علي، من علماء الإمامية، هو عندهم ثقة فاضل ديّن عين يلقبونه بـ "أمين الدين"، من مؤلفاته: «مجمع البيان في تفسير القرآن» ، توفي عام 548هـ. انظر: «أمل الآمل» : (2/216) ، «الأعلام» : (5/352-353) . (2) «مجمع البيان» : (1/180) . (3) وممن سلك هذا المسلك: عبد الحسين الرشتي في كتابه «كشف الاشتباه» ، وقال في آخر ما ادعى نقله من طريق السنّة: (فعلى شهادة هذين العظيمين ـ أعني ابن مسعود وأبا الدرداء ـ يستحق هذا القرآن الذي بأيدينا الطبخ أو الحرق لاشتماله الزيادة والنقيصة..) «كشف الاشتباه» : ص 58. ومنهم الخنيزي في كتابه «الدعوة الإسلامية» ، ومحسن أمين في كتابه «الشيعة بين الحقائق والأوهام» ، وعبد الحسين شرف الدين الموسوي في كتابه «أجوبة مسائل جار الله» والأميني النجفي في كتابه «الغدير» وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 2- ومن أصول أهل السنّة: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد بين الدين كله وأعلن ذلك بين المسلمين ولم يُسِر لأحد بشيء من الشريعة ويستكتمه إياه، قال تعالى: (لتبيننه للناس ولا تكتمونه..) (1) وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا ... ) (2) وقال: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ... ) (3) . وقد أكمل الله سبحانه للأمة الدّين قال تعالى: ( ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ... ) (4) ويقول سبحانه: ( ... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ... ) (5) . ولم يخص النبي - صلى الله عليه وسلم - أحداً من الصحابة بعلم من الشريعة من دون الآخرين، قال تعالى: ( ... وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ... ) (6) .   (1) آل عمران: آية 187. (2) البقرة: الآيتان 159، 160. (3) النحل: آية 64. (4) المائدة: آية 3. (5) النحل: آية 89. (6) النحل: آية 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 فالآية تدل على أن البيان للناس وليس لفرد أو طائفة منهم ولو كانوا أهل بيته - رضي الله عنهم -. وقد جاء في البخاري عن أبي جحيفة (قال: «قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟ قال: لا، إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة، قال: قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر» (1) . وتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد ترك أمته على البيضاء كما جاء عنه (: «تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» (2) . قال أبو الدرداء: «صدق الله ورسوله فقد تركنا على مثل البيضاء» (3) .   (1) «صحيح البخاري» كتاب العلم، باب كتابة العلم: (1/ 36) ، وورد الحديث بلفظ آخر عن أبي جحيفة: قال: سألت عليّاً (: هل عندكم شيء مما ليس في القرآن؟ وقال ابن عيينة مرة: ما ليس عند الناس؟ فقال: «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عندنا إلا ما في القرآن، ألا فهماً يعطى رجل في كتابه وما في الصحيفة، قلت وما في الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر» «صحيح البخاري» كتاب الديات، باب لا يقتل المسلم بالكافر: (8/47) . (2) هذا جزء من حديث رواه ابن ماجه في «سننه» ، المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين: (1/16) ، وأحمد في «مسنده» : (4/126) ، والحاكم في «مستدركه» : (1/96) ، وابن أبي عاصم في كتاب «السنة» ، باب ذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «تركتكم على مثل البيضاء ... » : (1/26) . وروي عدة روايات في هذا المعنى صحح الألباني معظمها.. (3) رواه ابن أبي عاصم في كتاب «السنة» : (1/26) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 قال أبو ذر - رضي الله عنه -: «لقد تركنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا أذكرنا منه علماً» (1) . وقال عمر - رضي الله عنه -: «قام فينا النبي - صلى الله عليه وسلم - مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه» (2) . يقول ابن حزم: (قد بلغ الرسول - صلى الله عليه وسلم - الدين كله وبيّن جميعه كما أمره الله تعالى) (3) ، ويقول: (والدين قد تم فلا يزاد فيه ولا ينقص منه ولا يبدل) (4) ويقول: (ولا سر في الدين عند أحد) (5) ، وذكر أدلة ذلك من كتاب الله - وقد مضى ذكر بعضها -. ويقول الشافعي: (فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدي فيها) (6) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فإن هذا الأصل - أي بيان الرسول - صلى الله عليه وسلم - للدين وأصوله وفروعه باطنه وظاهره علمه وعمله - هو أصل أصول العلم والإيمان، وكل من كان أعظم اعتصاماً بهذا الأصل كان أولى بالحق علماً وعملاً) (7) .   (1) روى هذا الأثر الإمام أحمد في «مسنده» : (5/153) . (2) «صحيح البخاري» ، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قوله تعالى: (وهو الذي يبدء الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه (: (4/73) . (3) «المحلى» : (1/26) . (4) المصدر السابق: (1/26) . (5) المصدر السابق: (1/15) . (6) «الرسالة» : ص 20. (7) «معارج الوصول إلى معرفة أن أصول الدين وفروعه قد بينها الرسول - صلى الله عليه وسلم -» : ص 2. وانظر «موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول» : (1/13) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وخالف في هذا الأصل العظيم والخطير "الرافضة" فيما ذهبوا إليه من القول (بإيداع الشريعة أو خزن العلم عند الأئمة) كما سيأتي شرح هذه النظرية عندهم، تلك التي غدت من أهم أسس مذهبهم وضروراته. 3- و من أصول أهل السنّة: محبة أصحاب (1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والترضي عنهم واعتقاد عدالتهم وترك الخوض فيما شجر بينهم. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما وصفهم الله به في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (2) . وطاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» (3) .   (1) قال ابن حجر في «الإصابة» في تعريف الصحابي: (أصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي: من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمناً به ومات على الإسلام.. - ثم قال - وهذا التعريف مبني على الأصل المختار عند المحققين كالبخاري وشيخه أحمد بن حنبل وغيرهما) «الإصابة» : (1/ص 6-7) . (2) الحشر: آية 10. (3) رواه البخاري في فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لو كنت متخذاً خليلاً» بدون لفظة: «والذي نفسي بيده» : (4/195) ، ومسلم في كتاب الفضائل، باب تحريم سب الصحابة (: (7/188) ، ورواه أبو داود في «السنة» باب النهي عن سب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم (4658) ، والترمذي في «المناقب» باب فيمن سب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم (3860) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 ويقبلون ما جاء في الكتاب والسنّة من فضائلهم ومراتبهم.. ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة كالعشرة وكثابت بن قيس بن شماس وغيرهم من الصحابة. ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وعن غيره من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ويثلثون بعثمان ويربعون بعلي - رضي الله عنه - (1) . ويؤمنون بأن الخليفة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي) (2) . وقال الإمام أحمد: (ومن انتقص أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أبغضه.. أو ذكر مساوئه كان مبتدعاً حتى يترحم عليهم جميعاً ويكون قلبه لهم سليماً) (3) .   (1) كان بعض أهل السنّة قد اختلفوا في عثمان وعلي - رضي الله عنهما - بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر - أيهما أفضل؟ فقدم قوم عثمان وسكتوا أو ربعوا بعلي وقدم قوم علياً، وقوم توقفوا، لكن استقر أمر أهل السنّة على تقديم عثمان، وإن كانت المسألة - مسألة عثمان وعلي - ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها، لكن المسألة التي يضلل المخالف فيها هي (مسألة الخلافة) ، ابن تيمية: «الفتاوى» : (3/153) ، «فتح الباري» : (7/34) . (2) «الفتاوى» : (3/153) . (3) «كاشف الغمة في اعتقاد أهل السنّة» (مختصر السنة للإمام اللالكائي) باب سياق ما روي من المأثور عن السلف من جمل اعتقاد أهل السنّة والتمسك بها والوصية بحفظها قرناً بعد قرن: ص 22 (مخطوط) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وقال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: (لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم من أهل الحجاز، ومكة، والمدينة، والبصرة، والكوفة، وواسط، وبغداد، والشام ومصر، لقيتهم كَرَّات.. وكلهم متوافرون في ست وأربعين سنة، فما رأيت أحداً منهم يختلف في هذه الأشياء: "ومنها" ما رأيت فيهم أحداً يتناول أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وكانوا ينهون عن البدع ويحبون ما عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ... ) (1) . وقال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم (2) : سألت أبي وأبا زرعة عن مذهب أهل السنّة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار حجازاً وعراقاً وشاماً ويمناً فكان مذهبهم.. (وذكره في مسائل منها) : (وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وهم الخلفاء الراشدون المهديون ثم العشرة (هكذا والمراد بقية العشرة) الذين شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، والترحم على جميع أصحاب محمد والكف عما شجر بينهم..) (3) . وقال أبو عبد الله محمد بن أبي زمنين (4) : (ومن قول أهل السنّة أن يعتقد المرء المحبة لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -   (1) المصدر السابق: ص 22 - 23. (2) عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي، الحافظ الثبت ابن الحافظ الثبت.. له الكتب النافعة ككتاب «الجرح والتعديل» و «التفسير الكبير» و «كتاب العلل» ، توفي سنة 327هـ، «لسان الميزان» : (3/332 - 333) . (3) «كاشف الغمة» : ص 23. (4) محمد بن عبد الله بن أبي زمنين أبو عبد الله الاليبري، فقيه مقدم.. له مصنفات متداولة مثل «كتاب الشروط على مذهب مالك» وغيره. توفي سنة 399هـ وكانت ولادته سنة 324هـ. «بغية الملتمس» : ص 86، «معجم المؤلفين» : (10/229) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وأن ينشر محاسنهم وفضائلهم ويمسك عن الخوض فيما دار بينهم) (1) . ونصوص أئمة السنّة في هذا الباب كثيرة (2) . وقد ذهب أهل السنّة لهذا المذهب استجابة لأمر الله ورسوله، فقد شهدت نصوص الكتاب على عدالتهم والرضاء عن جملتهم وتواترت السنّة على الثناء على مجموعهم، كما شهدت لكثير من آحادهم - على وجه التخصيص - بالعدالة والفضل. قال تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدَّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم ((3) . وقال سبحانه: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ((4) . وقال عز وجل: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ   (1) «المصدر السابق» : ص 31 (مخطوط) . (2) انظر أيضاً في بيان معتقد أهل السنة في الصحابة: «شرح الطحاوية» : ص 528، «عقيدة السلف» لأبي عثمان إسماعيل الصابوني: ص 283، ضمن مجموع، «المعتقد» لأبي يعلى: ص 260، 261، «لمعة الاعتقاد» لابن قدامة: ص 29، «المواقف للايجي» : ص 413، «غاية المرام» للآمدي: ص 390 ... إلخ. (3) التوبة: آية 100. (4) التوبة: آية 117. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (1) . وقال جل شأنه: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) (2) . ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (والذين بايعوا تحت الشجرة بالحديبية عند جبل التنعيم (3) كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، بايعوه لما صده المشركون عن العمرة.. وقد أخبر سبحانه أنه رضي عنهم وأنه علم ما في قلوبهم، وأنه أثابهم فتحاً قريباً) (4) . وقال تعالى: ( ... لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) (5) وقد حكم الله سبحانه لمن وعد بالحسنى بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ، لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ، لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ((6) إلى غير ذلك من الآيات.   (1) الفتح: آية 29. (2) الفتح: آية 18. (3) "التنعيم": (على ثلاثة أميال أو أربعة من مكة المشرفة) ، سمي به لأن على يمينه جبل نعيم كزبير وعلى يساره جبل ناعم والوادي اسمه نعمان بالفتح. «تاج العروس» مادة: "نعم"، وانظر: «معجم البلدان» لفظ «التنعيم» . (4) «منهاج السنة» : (2/15 - 16) تحقيق د. رشاد سالم. (5) الحديد: آية 10. (6) الأنبياء: الآيات 101، 102، 103. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 قال ابن حزم: (فجاء النص أن من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد وعده الله تعالى الحسنى) وقد قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) ، وصح بالنص كل من سبقت له من الله تعالى الحسنى فإنه مبعد عن النار لا يسمع حسيسها وهو فيما اشتهى خالد لا يحزنه الفزع الأكبر.. وليس المنافقون ولا سائر الكفار من أصحابه ((1) . وأما الأحاديث من طريق السنّة فهي كثيرة (2) ومن ذلك: عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة (3) . وقال (: «النجوم أمنة (4) السماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون» (5) . وقد مضى قوله (: «لا تسبوا أصحابي فلو   (1) «المحلى» : (1/42) . (2) للتوسع في الموضوع راجع «جامع الأصول» جـ 8 الباب الرابع في فضائل الصحابة ومناقبهم، وفيه خمسة فصول: ص 547 وما بعدها. (3) رواه البخاري: (3/151) في كتاب الشهادات باب لا يشهد على شهادة جور إذا شهد، ومسلم: (7/184) ، في فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. (4) الأمنة جمع أمين وهو الحافظ. انظر: «جامع الأصول» : (8/555) . (5) رواه مسلم في فضائل الصحابة باب بيان أن بقاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أمان لأصحابه وبقاء أصحابه أمان للأمة: (7/183) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 أن أحدكم أنفق مثل أُحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» . وعن أبي هريرة (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان على حراء، هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اهدأ، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد» (1) وقال (: «لا يدخل النار - إن شاء الله - من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها..» (2) . والأحاديث في هذا الباب كثيرة في عموم الصحابة وفي كثير من آحادهم ولا مجال للاسترسال في هذا، وشاهدنا هنا أن كتب السنّة مليئة بالثناء على الصحب وبيان فضلهم عن سيد الخلق (. وأئمة السنّة ترسموا سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا وانعقد إجماعهم على محبتهم والترضي عنهم واعتقاد عدالتهم (3) . ونقول - مع الخطيب البغدادي (4) رحمه الله - على أنه لو لم يرد من الله عز وجل فيهم شيء مما ذكرناه، لأوجبت الحال التي كانوا   (1) رواه مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل طلحة والزبير: (7/128) . (2) رواه مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل أصحاب الشجرة أهل بيعة الرضوان (: (7/169) . (3) وقد نقل أئمة السنة الإجماع - ممن يعتد به - على عدالة الصحابة كابن عبد البر «الاستيعاب» : (1/19) وابن الصلاح. انظر مقدمة ابن الصلاح: ص 147، والنووي انظر: «تدريب الراوي شرح تقريب النواوي» : ص 214. وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم واستحالة المعصية منهم، وإنما المراد قبول رواياتهم من غير تكلف في بحث أسباب العدالة وطلب التزكية.. «فتح المغيث» : (3/106) . (4) أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد.. المعروف بالخطيب البغدادي (أبو بكر) توفي = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع على عدالتهم والاعتقاد بنزاهتهم (1) ، لكن كما يرى الإمام أبو زرعة (2) أن للذين ينتقصون أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غاية معينة فيقول: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عندنا حق والقرآن حق وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنّة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة) (3) . 4- اعتقاد أهل السنّة في أهل البيت: وقبل بيان منزلة أهل البيت عند أهل السنة نبين المراد بأهل البيت:   = ببغداد سنة 463هـ، من مؤلفاته: «تاريخ بغداد» ، «الكفاية في معرفة علم الرواية» . انظر ترجمته: ابن العماد: «شذرات الذهب» : (3/311 - 312) ، اليافعي: «مرآة الجنان» : (3/87 - 88) ، «معجم المؤلفين» : (2/3) . (1) «الكفاية» : ص 96، وانظر في مثل هذا المعنى: الايجي: «المواقف» : ص 413. (2) عبد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ المخزومي بالولاء أبو زرعة الرازي، من حفاظ الحديث وكبار الأئمة، جالس أحمد بن حنبل وكان يحفظ مائة ألف حديث، ويقال: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة ليس له أصل، توفي سنة 264هـ وكانت ولادته سنة 200هـ، «تهذيب التهذيب» : (7/30 - 34) ، «الأعلام» : (4/350) . (3) «الكفاية» : ص 97، وانظر في موضوع (حكم من سب الصحابة أو كفّرهم) «الصارم المسلول» لابن تيمية: ص 567 وما بعدها و «فتح الباري» : (7/36) ، (12/300) ، «رسائل ابن عابدين» : (11/314) ، «تفسير ابن كثير» : (1/516) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 روى الإمام مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً خطيباً - وذكر الحديث وفيه: أذكركم الله في أهل بيتي - ثلاثاً - فقال حصين بن سبرة: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: إن نساءه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده (1) قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس، قال: أكُلّ هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم.. (2) . وهذا يدل على دخول "أقاربه وزوجاته" في مفهوم أهل البيت. وروى مسلم من حديث ابن شهاب عن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي أن عبد المطلب بن ربيعة أخبره أن أباه ربيعة بن الحارث قال لعبد المطلب بن ربيعة وللفضل بن العباس رضي الله عنهما: ائتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولا له: استعملنا يا رسول الله على الصدقات - فذكر الحديث - وفيه فقال لنا: (إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد (3)) . وهذا يدل على دخول قرابته في مدلول "الآل". وفي حديث كعب بن عجرة قال: سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟.. قال: «قولوا: اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد» (4) وفي حديث أبي   (1) أي إذا كان أزواجه من أهل بيته فقرابته أحق بهذه التسمية. (2) «صحيح مسلم» : (7/122 - 123) . (3) انظر: الحديث بتمامه في مسلم: (3/118 -119) . (4) «صحيح البخاري» مع شرحه «فتح الباري» : (6/408) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولوا: «اللهم صَلِّ على محمد وأزواجه وذريته..» (1) فهذا الحديث يفسر الذي قبله ويبين أن آل محمد يشمل "أزواجه وذريته" (2) . ومما يدل على دخول أزواجه في "أهل بيته" - عليه السلام - قوله تعالى في خطاب نساء نبيه - صلى الله عليه وسلم - (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (3) فهذه الآية ظاهرة الدلالة على أن زوجاته - صلى الله عليه وسلم - من أهل بيته، ولهذا قال ابن كثير: (الذي لا يشك فيه من تدبر القرآن أن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - داخلات في قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) فإن سياق الكلام معهن، ولهذا قال تعالى بعد هذا كله (4) (واذكرن ما يتلى في بيوتكن منءَايت الله والحكمة) (5) . وقال بدخولهن في ذلك جمع كبير من المفسرين (6)   (1) المصدر السابق: (6/407) . (2) انظر: «جلاء الأفهام» لابن القيم: ص 119 - 120. (3) الأحزاب: آية 33. (4) «تفسير ابن كثير» : (3/506) . (5) الأحزاب: آية 34. (6) انظر: القرطبي: (14/182 - 184) ، «البحر المحيط» لابن حيان: (7/232) وانظر: «الكشاف» للزمخشري: (3/260) ، «تفسير أبي السعود» : (4/417) ، «مفاتيح الغيب» : (25/209) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وغيرهم (1) . وفي صحيح مسلم أن عائشة رضي الله عنها قالت: «خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - غداة وعليه مرط مرحّل (2) من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً (» (3) . قال القرطبي: (فهذه دعوة من النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم بعد نزول الآية، أحب أن يدخلهم في الآية التي خوطب بها الأزواج) (4) . فعلى هذا تشمل الآية الزوجات وأصحاب الكساء (5) (فمن جعل الآية خاصة بأحد الفريقين فقد أعمل بعض ما يجب إعماله، وأهمل ما لا يجوز إهماله) (6) .   (1) انظر: «منهاج السنة» : (4/21) ، «المنتقى» : ص 168 - 169، «الدين الخالص» : (3/395) ، وانظر: د. علي السالوس: «آية التطهير بين أمهات المؤمنين وأصحاب الكساء» . (2) المرط: هو الكساء، والمرحل هو الموشي المنقوش عليه صور رحال الإبل «شرح النووي على صحيح مسلم» : (15/194) . (3) «صحيح مسلم» بشرح النووي: (15/194 - 195) . (4) «تفسير القرطبي» : (14/184) . (5) روى البيهقي بسنده عن أم سلمة قالت: «في بيتي أُنزلت: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت.. (قالت: فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين فقال: هؤلاء أهلي قالت: فقلت: يا رسول الله أما أنا من أهل البيت؟ قال: بلى إن شاء الله» قال البيهقي: هذا حديث صحيح سنده، ثقات رواته. «الاعتقاد» : ص 164، وانظر: البغوي: «معالم التنزيل» : (6/551 - 552) (المطبوع مع تفسير ابن كثير) . (6) «فتح القدير» : (4/280) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 وبهذا قال جماعة من المحققين كالقرطبي (1) ، وابن كثير (2) ، وابن حجر (3) وغيرهم. فعلى هذا يشمل مفهوم أهل البيت ذريته - صلى الله عليه وسلم - وأقاربه (4) ممن تحرم عليهم الصدقة (5) وكذلك أزواجه - صلى الله عليه وسلم -. بهذا المفهوم الواسع الرحب لأهل البيت يأخذ أهل السنّة. ويفترقون عمن يحصر أهل البيت بسبعة "الإسماعيلية" أو اثني عشر "الاثنا عشرية" ويتناول بعض الصلحاء من أهل البيت بالسب والذم واللعن بحجة أنهم تطاولوا على منصب الإمامة.. ويعطي من يسميهم بـ "الأئمة" أوصافاً تتجاوز بهم منزلة البشر إلى منزلة خالق البشر (كما سيأتي) . وأما معتقد أهل السنّة في أهل البيت: فهم (يحبون أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حيث قال: «أذكركم الله في أهل   (1) «تفسير القرطبي» : (14/182 - 184) . (2) «تفسير ابن كثير» : (3/506) . (3) قال ابن حجر عن هذا التفسير لأهل البيت: «فبذلك يجمع بين الأحاديث» (فتح الباري) : (11/160) ، وانظر: «التسهيل» لابن جزي: (3/299) . (4) وقد ذهب بعض أهل العلم بأن المراد.. بآله (هم أتباعه عليه الصلاة والسلام أو الأتقياء من أمته. انظر: أبو يعلى: «المعتمد» : ص 257، ابن القيم: «جلاء الأفهام» : ص 120. وقد رد هذا ابن القيم؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدد أهل البيت بأوصاف كحرمة الصدقة عليهم وغيرها، وهذا لا يجوز أن يراد به عموم الأمة «جلاء الأفهام» : ص 126. (5) اختلف أهل العلم فيمن تحرم عليهم الصدقة. انظر: «جلاء الأفهام» : ص 119. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي» (1) (2) وما صح في هذا من الأحاديث. يقول الصديق - رضي الله عنه -: «والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إليّ أن أصل من قرابتي» (3) ويقول: «ارقبوا محمداً في أهل بيته» (4) . ويشرح الإمام عبد القاهر البغدادي نظرة أهل السنّة إلى آحاد أهل البيت فيقول: (وقالوا - يعني أهل السنّة - بموالاة الحسن والحسين والمشهورين من أسباط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كالحسن بن الحسن وعبد الله بن الحسن وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي بن الحسين المعروف بالباقر.. وجعفر بن محمد المعروف بالصادق، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى الرضا، وكذلك قولهم في سائر أولاد علي من صلبه كالعباس، وعمر، ومحمد بن الحنفية، سائر من درج على سنن آبائه الطاهرين دون من مال منهم إلى الاعتزال أو الرفض ودون من انتسب إليهم وأسرف في عدوانه وظلمه) (5) . ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية مبيناً مذهب أهل السنّة نحو أهل بيته - صلى الله عليه وسلم - فيقول: (آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -   (1) هذا جزء من حديث رواه مسلم عن زيد بن أرقم في فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - باب فضائل علي - رضي الله عنه -: (7/122 - 123) . (2) ابن تيمية: «الفتاوى» : (3/154) ، وانظر «الإنصاف فيما يجب اعتقاده» للباقلاني: ص 68. (3) رواه البخاري في فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، باب مناقب قرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (4/110) . (4) رواه البخاري (في الموضع السابق) . (5) «الفرق بين الفرق» : ص 360. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 لهم من الحقوق ما يجب رعايتها، فإن الله جعل لهم حقاً في الخمس والفيء وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لنا: «قولوا: اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» ) (1) . وأهل السنة يتولون أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويترضون عنهن ويعرفون لهن حقوقهن ويؤمنون بأنهن - رضي الله عنهن - أزواجه في الآخرة، قال ابن قدامة: (ومن السنّة الترضي عن أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين المطهرات المبرّآت من كل سوء، أفضلهن خديجة بنت خويلد وعائشة الصديقة بنت الصديق التي برأها الله في كتابه زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة، فمن قذفها بما برّأها الله منه فقد كفر) (2) . وصلة المحبة والإخاء بين الآل والأصحاب ثابتة في اعتقاد أهل السنّة، وقد نقلوا في دواوينهم الحديثية ثناء بعضهم على بعض ومحبة بعضهم لبعض، وخص بعضهم هذا الموضوع بتأليف خاص كالدارقطني (3) والشوكاني (4) وذلك لمواجهة دسائس التفرقة بين الأمة التي حاولت افتعال فجوة وقطيعة بين الآل والأصحاب من أجل أن تبقى الفرقة والعداوة بين المسلمين.   (1) «مجموعة الرسائل الكبرى» ، الرسالة السابعة «الوصية الكبرى» : (1/297 - 298) . (2) «لمعة الاعتقاد» : ص 29. (3) انظر: الدارقطني: «فضائل الصحابة ومناقبهم وقول بعضهم في بعض» (مخطوط) . (4) انظر: الشوكاني: «إرشاد الغبي لمذهب أهل البيت في صحب النبي» (مخطوط) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 وأهل السنّة في موقفهم السامي من القرابة والصحابة لا يخرجون في وصفهم للآل والصحب عن المشروع، فلا يغالون في أوصافهم، ولا يعتقدون عصمتهم، والأحاديث الصحيحة في دواوين السنّة شاهدة على هذا ذلك بأن الرعيل الأول كانوا بشراً وليسوا ملائكة فهم لم يتخلوا عن طبيعة البشر بما فيها من قوة وضعف وأن منشأ امتيازهم أنهم بلغوا في بشريتهم هذه أعلى قمة مهيأة لبني الإنسان في الاحتفاظ بخصائص البشر في الأرض مع الاستمساك بعروة السماء) (1) . وأهل السنّة وهم يحبون آل البيت ويتولونهم، ويحبون الصحابة ويتولونهم لا يعتقدون أن هذا الحب يسقط عنهم التكاليف الشرعية، أو يكون هو السبب الوحيد المنجي في الآخرة، فالقرآن لم يربط النجاة والهلاك بحب فلان أو بغضه بل بطاعة الله ورسوله، قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) (2) وقال سبحانه: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (3) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة والسنّة زاخرة بما يؤكد هذا ويحتمه. وقد عُلم بالاضطرار من دين الإسلام أن الشرك يضر صاحبه ولو أحب من أحب من أهل البيت أو الصحابة. قال ابن تيمية - في رده للحديث الموضوع «حبُّ عليّ حسنة   (1) سيد قطب: «في ظلال القرآن» : (5/2844) . (2) النساء: آية 69. (3) البقرة: آية 112. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 لا يضر معها سيئة..» -: هذا القول كفر ظاهر يستتاب صاحبه، ولا يجوز أن يقول هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر (1) . 5- لا عصمة لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يعتقد أهل السنّة أن لا معصوم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسائر أنبياء الله ورسله السابقين (2) ولا عصمة بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأحد (3) ولا مشرع بعده. فلا يكون في الدين واجباً إلا ما أوجبه، ولا حراماً إلا ما حرمه، ولا مستحباً إلا ما استحبه، ولا مكروهاً إلا ما كرهه، ولا مباحاً إلا ما أباحه (4) . فالوحي قد انقطع منذ مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والحجة قد قامت على الأمة برسول الله عليه الصلاة والسلام، واتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - يغني عن اتباع ما سواه، يقول سبحانه: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ - إلى   (1) «منهاج السنّة» : (3/17) . (2) قال ابن تيمية: (فإنهم - يعني أهل السنّة - متفقون على أن الأنبياء معصومون فيما يبلغونه عن الله تعالى، وهذا هو مقصود الرسالة فإن الرسول هو الذي يبلغ عن الله أمره ونهيه وغيره.. ومتفقون على أنهم لا يقرون على خطأ في الدين أصلاً.. وعامة الجمهور الذين يجوزون عليهم الصغائر يقولون: إنهم معصومون من الإقرار عليها.. وأما النسيان والسهو في الصلاة فذلك واقع منهم، وفي وقوعه حكمة استنان المسلمين) «منهاج السنة» : (1/174) الطبعة الأميرية. وانظر في الموضوع: «الشفاء» للقاضي عياض: ص 9- 10 وما بعدها. وانظر: «عصمة الأنبياء» للرازي. (3) «المنتقى» : ص 415. (4) «التوسل والوسيلة» : ص 125. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 قوله - لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (1) ولم يقل سبحانه "والأئمة". وهذا يبطل قول من أحوج الخلق إلى غير الرسل كالأئمة (2) ، فلا عصمة ولا طاعة مطلقة ولا تشريع.. لغيره - صلى الله عليه وسلم -، وكلٌّ يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (3) . ولكن يرى أهل السنّة أن الأمة لا يمكن أن تجتمع على ضلالة وأنها معصومة بكتاب ربها وسنّة نبيها عن أن تضل جميعاً، وهذا يخالف تماماً من يوجب عصمة واحد من المسلمين - إذا لم يكن فيهم معصوم - الخطأ (4) ، فالأمة محفوظة من الضلال العام الشامل كما جاءت بذلك النصوص الشرعية. يقول - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون» (5) وفي لفظ: «ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيماً حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله» (6) .   (1) النساء: الآيات 163، 164، 165. (2) انظر «الفتاوى» ابن تيمية: (19/66) . (3) وهذا القول مأثور عن الإمام مالك رحمه الله، انظر «الوصية الكبرى» لابن تيمية: ص 280 ضمن المجموعة. (4) «المنتقى» : ص 410. (5) رواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرني على الحق» (8/ 149) ، والحديث بهذا المعنى أخرجه مسلم في الجهاد وابن ماجه في السنة والترمذي في الفتن وأبو داود في الفتن. (6) جزء من حديث رواه البخاري في الموضع السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 وفي رواية: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون» (1) . والله سبحانه وتعالى قرن "سبيل المؤمنين" بطاعة رسوله في قوله عز وجل: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (2) . وجاءت نصوص تأمر بالجماعة وتحذر من مفارقتها كقوله (: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» (3) وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - عدة روايات في أن هذه الأمة «لا تجتمع على ضلالة» (4) . هذا وهناك مسائل أخرى في (اعتقاد أهل السنة الذي شذت عنه الشيعة) ، نكتفي بالإشارة إليها دون التفصيل لئلا يطول بنا البحث. وهي كالتالي:   (1) هذا لفظ مسلم - كتاب الجهاد، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم» : (6/53) . (2) النساء: آية 115. (3) مضى تخريجه ص 22. (4) قال السخاوي: (حديث مشهور المتن ذو أسانيد كثيرة وشواهد متعددة في المرفوع وغيره) «المقاصد الحسنة» : ص 460. فروى عنه (أنه قال: «إن الله أجاركم من ثلاث خلال - ومنها - وأن لا تجتمعوا على ضلالة» رواه أبو داود في «سننه» : (4/ 452) رقم 4253) ، قال الحافظ في «التلخيص» : (في إسناده انقطاع) وقال في موضع آخر: (سنده حسن) ، «عون المعبود» : (11/326) . وروى الإمام أحمد عن أبي بصرة الغفاري (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «سألت الله عز وجل أن لا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها» = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 6- يقول أهل السنّة: إن أصول أحكام الشريعة الكتاب والسنّة وإجماع السلف (1) ، وقال عبد القاهر البغدادي: إنهم أكفروا من لم ير إجماع الصحابة حجة (2) .   = «المسند» : (6/ 396) ، قال الحافظ في «التلخيص» : (.. رجاله ثقات لكن فيه راو لم يسمَّ) «عون المعبود» : (11/ 326) . وروى الترمذي عن ابن عمر: «أن الله تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار» قال أبو عيسى: حديث غريب من هذا الوجه «سنن الترمذي» : رقم 2168. وقال ابن حجر في تخريج المختصر: (حديث غريب خرجه أبو نعيم في «الحلية» واللالكائي في «السنة» ورجاله رجال الصحيح لكنه معلول؛ فقد قال الحاكم: لو كان محفوظاً حكمت بصحته على شرط الصحيح لكن اختلف فيه على معتمر بن سليمان على سبعة أقوال ـ فذكرها ـ وذلك مقتضي للاضطراب، والمضطرب من أقسام الضعيف) عن «فيض القدير» : (2/271) . ورواه ابن ماجه بلفظ: «إن أمتي لا تجتمع على ضلالة» «سنن ابن ماجه» كتاب الفتن، باب السواد الأعظم: (2/1303) . وأورده السيوطي في «الجامع» ورمز له بالصحة «فيض القدير» : (2/431) لكن قال السندي: (وفي الزوائد في إسناده أبو خلف الأعمى واسمه حازم بن عطاء وهو ضعيف) «حاشية السندي على سنن ابن ماجه» : (2/464) . وقال العراقي في تخريج أحاديث البيضاوي: (جاء الحديث بطرق في كلها نظر) «المصدر السابق» . وقال ابن حجر: (له طرق لا يخلو واحد منها من مقال) عن «فيض القدير» : (2/200) . وقد أورده أصحاب الأصول محتجين به، انظر: «المستصفى» : (1/175) ، و «الأحكام» للآمدي: (1/219) . (1) «الفرق بين الفرق» : ص 346. وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية: ص 157. (2) «الفرق بين الفرق» : ص 346. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 7- ويرى أهل السنة: أن المعجزات (1) لا يأتي بها أحد إلا الأنبياء عليهم السلام (2) خلافاً للروافض الذين جعلوا علامة الإمام عندهم صدور المعجزة منه، لأن الإمامة عندهم كالنبوة.. - كما سيأتي -. 8- ومن اعتقاد أهل السنّة: أنه لا يعلم الغيب إلا الله وحده، قال تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) (3) (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ) (4) . وقال سبحانه: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) (5) . ويؤمنون بعلم الله المطلق، وأنه عالم الغيب والشهادة، ويعلم السر وأخفى، وهو بكل شيء عليم، وضللوا الروافض في نسبتهم إلى الله - عز وجل - "البداء" - كما سيأتي - تعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً.   (1) المعجزات: هي الآيات والبراهين التي لا يقدر عليها إلا الله والتي يجريها الله تعالى على أيدي أنبيائه فتدل على صدقهم. انظر «النبوات» لابن تيمية. يقول ابن تيمية: (.. المعجزة يعم كل خارق للعادة في اللغة وعرف الأئمة المتقدمين كالإمام أحمد بن حنبل وغيره - ويسمونها الآيات، لكن كثير من المتأخرين يفرق في اللفظ بينها؛ فيجعل المعجزة للنبي والكرامة للمولى وجماعهما الأمر الخارق للعادة) . انظر: «قاعدة في المعجزات والكرامات» : ص2، وانظر: «التعريفات» للجرجاني: ص 115. (2) «المحلى» لابن حزم: ص 35. (3) النمل: آية 65. (4) الأنعام: آية 59. (5) الجن: الآيتان 26، 27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 9- ومما يقوله أهل السنة أن ما اختاره المسلمون من الأئمة الذين مضوا وعقدت لهم الإمامة كانوا أئمة خلافاً لمن حصرهم بعدد معين وأبطل إمامة ما سواهم (1) . 10- ومما يعتقده أهل السنّة أن من أصول السنة لزوم الجماعة وترك الشذوذ والفرقة استجابة لأمر الله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (2) . (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (3) ولما جاء من الأحاديث التي تأمر بالتزام الجماعة وتنهى عن الفرقة كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة» (4) وقوله عليه الصلاة والسلام: «من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية» (5) .   (1) انظر «المعتمد» لأبي يعلى: ص 256 - 257 (بتصرف) ، وهذا من مباحث "مسألة الإمامة" التي جعلها الشيعة من أصول دينهم، وقد نبه طائفة من أهل العلم إلى أن مسألة الإمامة ليست من أصول الدين عند أهل السنّة مثل: الآمدي في «غاية المرام» : ص 363، والغزالي في: «الاقتصاد في الاعتقاد» : ص 134، والآيجي في «المواقف» : ص 344 وغيرهم. وإنما بحثها أهل السنّة في مبحث العقائد لأن أهل البدعة جعلوها من أصول دينهم، وخالفوا فيها ما تواتر من النصوص الشرعية كما تجد بحثها في «الإبانة» : ص 92، 96، و «شرح الطحاوية» : ص 533 وما بعدها، و «التمهيد» للباقلاني: ص 64، و «المعتمد» لأبي يعلى: ص 222 وما بعدها وغيرها. (2) آل عمران: آية 103. (3) آل عمران: آية 105. (4) أخرجه الترمذي في الفتن باب ما جاء في لزوم الجماعة رقم (2166) وقال: حديث حسن صحيح غريب. ورواه أحمد في «المسند» : (رقم 114 و177) ، والحاكم في «مستدركه» ، وصححه، ووافقه الذهبي: «المستدرك» : (1/77 - 78) . (5) رواه البخاري في كتاب الفتن باب ما جاء في قوله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 11- ومن أصول أهل السنة أن (الحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين برهم وفاجرهم لا يبطلهما شيء ولا ينقضهما) (1) . 12- ومن أصول أهل السنة والجماعة (أنهم يصلون الأعياد والجماعات ولا يدعون الجمعة والجماعة كما فعل أهل البدع من الرافضة وغيرهم) (2) . 13- ومن اعتقاد أهل السنة أنه (لا يرجع أحد من الأموات قبل يوم البعث. فلا يرجع محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من أصحابه إلا يوم القيامة إذا رَجَعَ الله المؤمنين والكافرين للحساب والجزاء، هذا إجماع جميع أهل الإسلام قبل حدوث الروافض..) (3) . هذه أهم المسائل التي يأخذ بها أهل السنّة، وفي عقائد الشيعة ودواوينها ما يخالفها كما تقوله "مصادر أهل السنّة"، وسنرى مصداق ذلك أو غيره في مبحث الشيعة وعقائدهم. وهذه المسائل منها ما يدخل في أصول الإيمان عند أهل السنّة كما جاءت في حديث جبريل وغيره، ومنها ما يدخل فيما تواترت به السنّة وخالفه أهل البدع من "مسائل الفروع" أو "العمليات"، ذلك (أن الخلاف المذموم ما خولف فيه كتاب أو سنّة صحيحة أو   = الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) : (8/86) ، انظر: في موضوع الاعتصام بالجماعة: «شرح الطحاوية» : ص 577. (1) انظر: «شرح الطحاوية» : ص 437، و «الفرق بين الفرق» : ص 346. (2) «مجموعة الرسائل والمسائل» : (5/198) . (3) «المحلى» لابن حزم: ص 24، وانظر: «المعتمد» لأبي يعلى: ص 255. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 إجماع..) (1) ، ولهذا نرى أهل السنّة يبحثون في كتب العقيدة ما خالف فيه أهل البدع مما جاءت به السنّة الصحيحة وإن كان من قضايا الفروع، وقد نبه بعض الأئمة إلى أن مسألة التفرقة بين الأصول والفروع لم تكن في عصر السلف وأنها غير منضبطة بحد محدود (2) . كما قد نبه بعض أهل السنّة إلى أنه يوجد ما هو من أصول الدين عند الشيعة وليس كذلك عند أهل السنّة كمسألة الإمامة وغيرها. هذا وسنرى - في دراسة "الشيعة" - ما تقوله كتب الشيعة نفسها. وهل هذا الشذوذ موجود فيها أو أكثر منه، أو لا يوجد من ذلك شيء لهم؟ وهل أهل السنّة يظلمونهم أو أن ما قالوه فيهم هو دون ما هم عليه من غلو بعد انتشار كتبهم في هذا العصر.   (1) البيهقي: «الاعتقاد» : ص 115، وانظر: «شرح المشكاة» لملا علي القاري: (1/229) . (2) ابن تيمية: «الفتاوى» : (13/125) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 الباب الثاني: الشيعة الفصل الأول: تعريف الشيعة، ونشأتهم وفرقهم. الفصل الثاني: اعتقادهم في مصادر التلقي (أو في أصول الأحكام) المتفق عليها بين المسلمين. الفصل الثالث: عقائدهم الأخرى التي انفصلوا بها عن أهل السنّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الفصل الأول: تعريف الشيعة ونشأتهم وفرقهم تعريف الشيعة: الشيعة في اللغة: هم الأتباع والأنصار. جاء في «القاموس» : (شيعة الرجل بالكسر أتباعه وأنصاره، والفرقة على حده، ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث، وجمعه أشياع وشيع) (1) . (وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة.. وكل من عاون إنساناً وتحزب له فهو له شيعة) (2) . قال الأزهري (3) : (معنى الشيعة: الذين يتبع بعضهم بعضاً وليس كلهم متفقين) (4) .   (1) «القاموس» : مادة شاع. (2) «تاج العروس» : مادة شاع: (8/405) . (3) محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة بن نوح الأزهري، اللغوي، الأديب، الهروي الشافعي (أبو منصور) ، قال السيوطي: كان رأساً في اللغة وكان عارفاً بالحديث عالي الإسناد، شديد الورع وله من التصانيف: «التهذيب في اللغة» ، و «التقريب في التفسير» وغيرهما توفي سنة 370هـ وكان مولده سنة 282هـ. السيوطي: «بغية الوعاة» : (1/19 - 20) . (4) كذا في «اللسان» : (10/55) مادة شاع. وكذا في بعض النسخ الخطية لكتاب = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 فالتشيع بمعناه اللغوي هنا يعني المناصرة والمتابعة، أو الاجتماع على أمر أو التحزب لشخص، ويضيف الأزهري: معنى عدم وجود الوفاق التام بينهم (1) وهو هنا لا يحدد فرقة بعينها، ولكنه غلب فيما بعد كما يقول صاحب «القاموس» على كل من يتولى علياً وأهل بيته حتى صار اسماً لهم خاصاً (2) ، فإذا قيل فلان من الشيعة عرف أنه منهم، وفي مذهب الشيعة كذا أي عندهم (3) . والشيعة في الاصطلاح: يقول شيخ الشيعة وعالمها في زمنه "المفيد" (4) بأن لفظ الشيعة يطلق على (أتباع أمير المؤمنين على سبيل الولاء والاعتقاد لإمامته بعد الرسول صلوات الله عليه وآله بلا فصل، ونفي الإمامة عمن تقدمه في مقام الخلافة، وجعله في الاعتقاد متبوعاً لهم غير تابع لأحد منهم على وجه الاقتداء) (5) ثم يذكر أنه يدخل في هذا التعريف "الإمامية والجارودية الزيدية"، أما باقي فرق الزيدية فلا تشملهم سمة التشيع وليسوا من الشيعة وكذا الفرق الأخرى (6) .   = الأزهري «تهذيب اللغة» ، وقد ورد في نسخة أخرى من النسخ الخطية للكتاب هذا النص المذكور بصيغة أخرى نصها: (الشيعة: الذي يتبع بعضهم بعضاً، ومعنى الشيع: الفرق التي كل فرقة منهم يتبع بعضهم بعضاً، وليس كلهم متفقين..) انظر: «تهذيب اللغة» مادة شاع: (3/62) بتحقيق عبد السلام هارون. (1) انظر هامش رقم (4) في الصفحة السابقة. (2) «القاموس» : مادة شاع. وهذا التخصيص لمفهوم التشيع بمن يتولى عليّاً وأهل بيته لا يحدد في واقع الأمر فرقة الشيعة بذاتها، لأن أهل السنة يتولون علياً وأهل بيته. (3) «تاج العروس» مادة شاع: (8/405) . (4) أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالمفيد، من كبار مشايخ الشيعة ت 413هـ. انظر: «لؤلؤة البحرين» : (ص 356 - 372) . (5) ، (6) المفيد: «أوائل المقالات» : ص 39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 ومما يلاحظ على تعريف المفيد للشيعة: (1) أنه لم يشر إلى اعتبار الأئمة بعد علي، مع أنهم يقولون بأن من لم يؤمن بـ "الأئمة" بعد علي فليس من الشيعة. (2) أنه لم يذكر في تعريفه مسألة النص على عليٍّ من الله ورسوله - كما يعتقدون - وأن من لم يؤمن بالأئمة وبالنص عليهم فليس من الشيعة عندهم. كما يلاحظ أنه ينص في تعريفه على إخراج معتدلي الزيدية من وصف التشيع، ولا يصدق وصف التشيع - في نظره - إلا على "الجارودية"، في حين أنه فتح المجال في تعريفه لدخول فرق الغالية كلها. أما قوله في التعريف: بالاعتقاد بإمامة علي بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بلا فصل؛ فإننا نجد شرحاً لهذه الجملة في كتاب آخر له حيث قال: (وكانت إمامة أمير المؤمنين بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثون سنة - كذا - منها أربع وعشرون سنة وستة أشهر كان ممنوعاً من التصرف في أحكامها مستعملاً للتقية والمداراة، ومنها خمس سنين وستة أشهر ممتحناً بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين (1) ، ومضطهداً بفتن الضالين كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث عشرة سنة من نبوته ممنوعاً من أحكامها خائفاً ومحبوساً وهارباً ومطروداً لا يتمكن من جهاد الكافرين ولا يستطيع دفعاً عن المؤمنين، ثم هاجر وأقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهداً   (1) ورد في «معاني الأخبار» لشيخهم ابن بابويه القمي أن المراد بالناكثين: الذين بايعوه بالمدينة ونكثوا بيعته بالبصرة هكذا. "وبالقاسطين" معاوية وأصحابه من أهل الشام، "وبالمارقين": أصحاب النهروان. «معاني الأخبار» : ص 204. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 للمشركين ممتحناً بالمنافقين إلى أن قبضه الله - جل اسمه - إليه وأسكنه جنات النعيم) (1) . وإذا كان تعريف «المفيد» للشيعة ليس بجامع لمعنى التشيع لما ذكرنا، فإن كتب المقالات والفرق الشيعية القديمة ككتاب «فرق الشيعة» للنوبختي، و «المقالات والفرق» لسعد القمي لم تسعفنا بتعريف جامع للشيعة، وتكتفي في تعريف الشيعة بالقول بأنهم: (أتباع علي بن أبي طالب) (2) . وفي كلام لشيخهم الطوسي (3) عن النص والوصية نراه يربط التشيع بالاعتقاد بكون علي إماماً للمسلمين بوصية من الرسول، وبإرادة من الله (4) . فالطوسي هنا يجعل الاعتقاد بالنص هو أساس التشيع، ولهذا يخرج الطوسي السليمانية الزيدية من الفرق الشيعية لأنهم لا يقولون بـ "النص" (5) ، بل يقولون: (إن الإمامة شورى، وأنها تصلح بعقد رجلين من خيار المسلمين وأنها قد تصلح في المفضول، ويثبتون إمامة الشيخين أبي بكر وعمر) (6) . وينطبق رأي الطوسي على كل من يقول من فرق الزيدية برأي السليمانية كالصالحية والبترية، فلا ينتظم في   (1) «الإرشاد» : ص 12. (2) «المقالات والفرق» لسعد القمي: ص 3، «فرق الشيعة» النوبختي: ص 2. (3) شيخ الإمامية ورئيس الطائفة، أبو جعفر محمد بن الحسين بن علي الطوسي، وهو مؤلف كتابين من كتبهم الأربعة (التي يعدونها كالكتب الستة عند أهل السنة) وهما: «تهذيب الأحكام» ، و «الاستبصار» ، توفي سنة 460هـ وكانت ولادته سنة 385هـ. الطوسي: «الفهرست» : (ص 188 - 190) ، «لؤلؤة البحرين» : (ص 293 - 304) . (4) «تلخيص الشافي» : الطوسي: (2/56) . (5) المصدر السابق: (2/56) . (6) «مقالات الإسلاميين» : الأشعري: (1/143) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 سلك التشيع - في اعتقاد الروافض - من فرق الزيدية سوى الجارودية من الزيدية (1) ، وخالص القول أن الإيمان بالنص على إمامة علي يعتبر عندهم لباب التشيع، لهذا نجد بعض علمائهم المعاصرين يعرف الشيعة على هذا النحو، فيقول إن لفظ الشيعة: (عَلَم عَلَى من يؤمن بأن عليّاً هو الخليفة بنص النبي) (2) . وتعريف الشيعة على هذا النحو يغفل هو الآخر بعض الجوانب الأساسية في التعريف بالشيعة عندهم، حيث لم يذكر الإيمان بباقي الأئمة بعد علي - رضي الله عنه - (3) . لهذا نرى بعض كتاب الشيعة المعاصرين يولي وجهه تعاريف أهل السنّة للشيعة ويختار تعريف ابن حزم لهم ويعتبره (من أكثر التعاريف شمولاً وأقربها للتدقيق) (4) . يقول ابن حزم: (ومن وافق الشيعة في أن علياً - رضي الله عنه - أفضل الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحقهم بالإمامة وولده من بعده فهو شيعي، وإن خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون، فإن خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعياً) (5) .   (1) انظر التعريف بالزيدية في هذا البحث. (2) محمد جواد مغنية: «الشيعة في الميزان» : ص 15. (3) ولا يقال: إن هذا التعريف ينطبق على الشيعة من حيث المنشأ قبل وجود الأئمة بعد علي، لأن في كتبهم ما يشير إلى وجود النص على الأئمة جميعاً؛ ففي كتاب «غاية المرام» باب في نص رسول الله على علي أمير المؤمنين بأنه الإمام بعده وبنيه الأحد عشر هم الأئمة الاثنا عشر وخلفاؤه وأوصياؤه، وفيه 19 حديثاً من طرق الشيعة. (4) د. عبد الله فياض: «تاريخ الإمامية» : ص 33. (5) «الفصل» : ابن حزم: (2/107) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 ويعلل الرافضي اختياره لتعريف ابن حزم بقوله: (ومما حدانا إلى تفضيل تعريف ابن حزم أن الاعتراف بأفضلية الإمام علي على الناس بعد رسول الله، وأنه الإمام الخليفة بعده وأن الإمامة في ذريته من فاطمة؛ هو أس التشيع وجوهره) (1) . وإن من يقرأ كلام الشيعة عن عقائدهم كالعصمة، والتقية، والرجعة، وغيرها يرى أنهم يغالون في كل عقيدة من عقائدهم بحيث يربطون وصف التشيع بالإيمان بتلك العقيدة، مثل قولهم: (من لم يؤمن بكرَّتنا (2) ويقل بمتعتنا فليس منا) ، وغيره مما سيأتي مما يتضمن نفي صفة التشيع عمن لم يؤمن بتلك العقائد، ولا نرى لهذه العقائد ذكراً في التعريفات مع أنهم يعتبرونها لباً وجوهراً للتشيع. ونجد الإمام الشهرستاني (3) يقدم لنا تعريفاً للشيعة يعتبر من أكثر التعاريف شمولاً لعقائد الشيعة فيقول: (الشيعة هم الذين شايعوا عليّاً - رضي الله عنه - على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً ووصية إما جليّاً، وإما خفيّاً، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقيَّة من عنده وقالوا: "ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة" وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضية أصولية وهي ركن الدين لا يجوز للرسل عليهم الصلاة   (1) د. عبد الله فياض: «تاريخ الإمامية» : ص 34. (2) يعنون بها الرجعة، وسيأتي تخريج حديثهم هذا في مبحث عقيدتهم في الرجعة. (3) محمد بن عبد الكريم بن أحمد أبو الفتح المعروف بالشهرستاني، قال السبكي: كان إماماً مبرزاً، مقدماً في علم الكلام والنظر، برع في الفقه والأصول والكلام، ومن تصانيفه: «الملل والنحلل» ، و «نهاية الأقدام» ، توفي سنة 548هـ وكانت ولادته عام 467هـ وقيل 479هـ. انظر: «طبقات الشافعية» : (6/128 - 130) ، «مرآة الجنان» : (3/284 - 290) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 والسلام إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة وإرساله. ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص، وثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوباً عن الكبائر والصغائر، والقول بالتولي والتبري قولاً وفعلاً وعقداً إلا في حال التقية، ويخالفهم بعض الزيدية في ذلك) (1) . ومن هذا التعريف يتبين أن جميع فرق الشيعة ما عدا بعض الزيدية يتفقون على وجوب اعتقاد الإمامة، والعصمة، والتقية. وسنرى أن الاثني عشرية يقولون بعقائد أخرى كالغيبة، والرجعة والبداء أيضاً. ولكننا نجد الإمام الأشعري - رحمه الله - يكتفي في تعريف الشيعة بقوله: (إنما قيل لهم الشيعة لأنهم شايعوا عليّاً - صلى الله عليه وسلم - ويقدمونه على سائر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (2) . وهو تعريف ينطبق على أول سلم التشيع، وهو تشيع الزيدية (ما عدا طائفة الجارودية) . وبتعبير آخر هو تعريف "للمفضلة" من الشيعة، وهم الذين يفضلون عليّاً على أبي بكر وعمر وسائر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والشيعة الاثنا عشرية لا يعتبرون مجرد تقديم علي على سائر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كافياً في التشيع، بل لا بد من الاعتقاد بأن خلافة علي بالنص واعتقاد أن خلافته بدأت بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى استشهاده - رضي الله عنه -. ويمكن أنه يقال إن الأشعري بتعريفه هذا قد أخرج الروافض   (1) الشهرستاني: «الملل والنحل» : (1/146 - 147) . (2) «مقالات الإسلاميين» : (1/65) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 من دائرة التشيع، لأنه لم يذكر ما يعتبرونه الأساس في التشيع في تعريفه. التعريف المختار للشيعة : ومع كل ما ورد في هذا المساق فقد تكون الرؤية في هذا المقام أكثر دقة إذا نحن نظرنا إلى بعض الملابسات. ولذا فإني أرى أن تعريف الشيعة مرتبط أساساً بأطوار نشأتهم ومراحل التطور العقدي لهم، ولهذا كان في الصدر الأول لا يسمى شيعيّاً إلا من قدّم عليّاً على عثمان، ولذلك قيل شيعي وعثماني، والشيعي من قدّم عليّاً على عثمان، والعثماني من قدّم عثمان على علي - رضي الله عنه - (1) . فعلى هذا يكون تعريف الشيعة في الصدر الأول مقصوراً على الذين يقدمون عليّاً على عثمان فقط. ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية إن: (الشيعة الأولى الذين كانوا على عهد علي كانوا يفضلون أبا بكر وعمر (2) ، ولما سأل سائل شريك بن عبد الله (3) فقال له أيهما أفضل: أبو بكر أو علي؟ فقال له: أبو بكر. قال له السائل: تقول هذا وأنت شيعي؟ فقال له: نعم، ومن لم يقل هذا فليس شيعيّاً، والله لقد رقي عليٌّ هذه الأعواد، فقال: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، فكيف نرد قوله وكيف نكذبه؟ والله ما كان كذاباً) (4) .   (1) نشوان الحميري: «الحور العين» : ص 179، وانظر: ابن المرتضي: «المنية والأمل» : ص 81. (2) «منهاج السنة» : (2/60) تحقيق: رشاد سالم. (3) شريك بن عبد الله بن أبي نمر القرشي أبو عبد الله المدني. توفي سنة 140هـ، وقد أخرج له البخاري ومسلم وغيرهما. انظر: «الخلاصة» : ص 166، «تقريب التهذيب» : (1/351) . (4) «منهاج السنة» : (1/7-8) تحقيق: رشاد سالم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وروى ابن بطة عن شيخه المعروف بأبي العباس بن مسروق: حدثنا محمد بن حميد، حدثنا جرير عن سفيان عن عبد الله بن زياد بن حدير قال: قدم أبو إسحاق السبيعي الكوفة، قال لنا شمر بن عطية: قوموا إليه، فجلسنا إليه، فتحدثوا، فقال أبو إسحاق: خرجت من الكوفة وليس أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما، وقدمت الآن وهم يقولون ويقولون، ولا والله ما أدري ما يقولون (1) . قال محب الدين الخطيب (2) : (هذا نص تاريخي عظيم في تحديد تطور التشيع، فإن أبا إسحاق السبيعي كان شيخ الكوفة وعالمها، ولد في خلافة أمير المؤمنين عثمان قبل شهادته بثلاث سنين، وعمَّر حتى توفي سنة 127هـ، وكان طفلاً في خلافة أمير المؤمنين علي. وهو يقول عن نفسه رفعني أبي حتى رأيت علي بن أبي طالب يخطب، أبيض الرأس واللحية، ولو عرفنا متى فارق الكوفة ثم عاد فزارها لتوصلنا إلى معرفة الزمن الذي كان فيه شيعة الكوفة علويين يرون ما يراه إمامهم من تفضيل أبي بكر وعمر، ومتى أخذوا يفارقون عليّاً ويخالفونه فيما كان يؤمن به ويعلنه على منبر الكوفة من أفضلية أخويه صاحبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووزيريه وخليفتيه على أمته في أنقى وأطهر أزمانها) (3) .   (1) «المنتقى» : ص 360 (مختصر منهاج السنة) . (2) محب الدين بن أبي الفتح محمد بن عبد القادر بن صالح الخطيب، من كبار الكتاب الإسلاميين، تولى تحرير مجلة الأزهر 6 سنوات وأصدر مجلتيه: الزهراء، والفتح، ونشر عدداً كبيراً من كتب التراث، ومن مؤلفاته: «الرعيل الأول» ، «تاريخ مدينة الزهراء» وغيرهما. توفي سنة 1389هـ، وكان مولده سنة 1303هـ. «الأعلام» : (5/282) طبعة دار الملايين. (3) «حاشية المنتقى» : (ص 360 - 361) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 وقال ليث بن أبي سليم (1) : (أدركت الشيعة الأولى وما يفضلون على أبي بكر وعمر أحداً) (2) . وذكر صاحب مختصر التحفة: (أن الذين كانوا في وقت خلافة الأمير ـ كرم الله وجهه ــ من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، كلهم عرفوا له حقه، وأحلوه من الفضل محله، ولم ينتقصوا أحداً من إخوانه أصحاب رسول الله ? فضلاً عن إكفاره وسبه، بيد أن منهم من قاتل معه على تأويل القرآن كما قاتلوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على تنزيله، فقد كان معه - رضي الله عنه - في حرب صفين من أصحاب بيعة الرضوان ثمانمائة صحابي، وقد استشهد منهم تحت رايته هناك ثلاثمائة) (3) . ولكن مبدأ التشيع تغير فأصبحت الشيعة شيعاً، لهذا نرى الإمام زيداً يسمي الطاعنين في الشيخين بالروافض ويجردهم من وصف الشيعة لأنهم لا يستحقونه. ومن عرف التطور العقدي لطائفة الشيعة لا يستغرب وجود طائفة من أعلام المحدثين وغير المحدثين من العلماء الأعلام أطلق عليهم لقب الشيعة، وقد يكونون من أعلام السنّة، لأن للتشيع في زمن السلف   (1) ليث بن أبي سليم القرشي الكوفي: هو أحد العلماء والنساك، أدرك عكرمة وأخذ عنه، وهو من شيوخ معمر وشعبة والثوري، وكان من أعلم أهل الكوفة بالمناسك، توفي سنة 143هـ، وقد أخرج له أصحاب السنن، وأخرج له مسلم مقروناً بغيره. قال ابن حجر: صدوق اختلط أخيراً ولم يتميز حديثه فترك. انظر: «تقريب التهذيب» : (2/138) ، «تهذيب التهذيب» : (8/465 - 468) ، «الكاشف» : (3/14) . (2) «المنتقى» : (ص 360 - 361) . (3) «مختصر التحفة الاثني عشرية» : ص 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 مفهوماً وتعريفاً غير المفهوم والتعريف المتأخر للشيعة، ولهذا قال الإمام الذهبي (1) (ت 748هـ) ، في معرض الحديث عمن رمى ببدعة التشيع من المحدثين قال: (إن البدعة على ضربين فـ"بدعة صغرى" كغلو التشيع أو كالتشيع من غير غلو، فهذا كثير في التابعين وأتباعهم مع الدين والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة، ثم "بدعة كبرى" كالرفض الكامل والغلو فيه والحط على أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة، وأيضاً فما استحضر الآن في هذا الضرب رجلاً صادقاً ولا مأموناً، بل الكذب شعارهم والتقِيَّة والنفاق دثارهم، فكيف يقبل نقل من هذا حاله؟ حاشا وكلاّ. فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليّاً - رضي الله عنه - وتعرض لسبهم. والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفّر هؤلاء السادة ويتبرأ من الشيخين، فهذا ضال مفتر) (2) .   (1) محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله التركماني الأصل الفارقي ثم الدمشقي (أبو عبد الله شمس الدين الذهبي) ، الحافظ الكبير المؤرخ صاحب التصانيف السائرة في الأقطار، قال ابن حجر: (مهر في فن الحديث وجمع فيه المجاميع المفيدة، وجمع تاريخ الإسلام فأربى فيه على ما تقدم) ومن كتبه: «تاريخ الإسلام» ، «ميزان الاعتدال» وغيرهما، توفي سنة 748هـ في دمشق وكان مولده في سنة 673هـ. انظر ابن شاكر الكتبي: «فوات الوفيات» : (3/315 - 317) ، ابن حجر: «الدرر الكامنة» : (3/426 - 427) ، الشوكاني: «البدر الطالع» : (2/110 - 112) . (2) «ميزان الاعتدال» : (1/5 - 6) ، وانظر: «لسان الميزان» لابن حجر: (1/9 - 10) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 أما الشيعة التي أعنيها بالحديث، والطور من التشيع الذي أقصده فهو التشيع الذي يستقي عقيدته ودينه من الأصول الحديثية الأربعة عندهم وهي: (الكافي، والتهذيب، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه) تلك التي يعتبرونها كالكتب الستة عند أهل السنّة، وما أُلحق بها في الاعتبار من المصادر الأربعة المتأخرة عندهم، وهي: (الوافي، والبحار، والوسائل، ومستدرك الوسائل) وما رأى علماء التشيع أنه بدرجة هذه الكتب من مؤلفاتهم (1) . هذا هو التشيع الذي نعنيه، وهو الذي ندرس مسألة التقريب على ضوئه. نشأة الشيعة: وردت عدة أقوال في «بداية التشيع» ووقت ظهور الشيعة، منها ما يحمل "طابع" الدعاية للشيعة وإثبات أصالتها ومحاولة الرد على الأقوال التي تنسب بدايات التشيع إلى مصادر أجنبية، ومنها ما يهدف للوصول إلى الحقيقة.. وما دمنا قد التزمنا أن نعرف الشيعة من مصادرها ثم نفسح المجال بعد ذلك "للرأي الآخر"، فبناء على ذلك نبدأ بذكر الرأي الشيعي، مع ملاحظة أن محور البحث هنا هو الإشارة إلى الآراء في أصل التشيع، ولا يعنينا بحث التطور العقدي للشيعة والفِرق الشيعية، فهذا موضوع يطول استعراضه ودراسته ولا مجال له هنا. أصل الشيعة: أولاً: يزعم بعض الروافض - في القديم والحديث - أن الرسول ? هو الذي بذر بذرة التشيع وأن الشيعة ظهرت   (1) سيأتي تفصيل لهذا في مبحث مصادرهم في التلقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 في عصره، وأن هناك بعض الصحابة الذين يتشيعون لعلي ويوالونه في زمنه - صلى الله عليه وسلم -.. يقول القمي (ت 301) : (فأول الفرق الشيعية وهي فرقة علي بن أبي طالب "ع" المسلمون شيعة علي "ع" في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود وسلمان الفارسي، وأبو ذر، وعمار (1)) وبمثل هذا يقول النوبختي (2) (ت 310) . ويقول محمد حسين آل كاشف الغطاء من مجتهديهم المعاصرين (ت 1373هـ) : (إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام هو نفس صاحب الشريعة الإسلامية - يعني أن بذرة التشيع وضعت مع بذرة الإسلام جنباً إلى جنب، وسواء بسواء، ولم يزل غارسها يتعاهدها بالسقي والرعي حتى نمت وازدهرت في حياته ثم أثمرت بعد وفاته) (3) . ويقول بهذا الرأي طائفة أخرى من الشيعة (4) . ويرى د. محمود صبحي: (أن إرجاع التشيع من الناحية التاريخية إلى عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس إلا محاولة من جانب متكلمي الشيعة لنقض دعوى خصومهم القائمة على رد معتقدات الشيعة إلى أصول أجنبية) (5) . والخطأ الأكبر في هذه المحاولة أو الحيلة هو - كما يقول د. علي   (1) القمي: «المقالات والفرق» : ص 15. (2) النوبختي: «فرق الشيعة» : ص 15، وانظر: الرازي (من الإسماعيلية) : «الزينة» : ص 205 (مخطوط) . (3) «أصل الشيعة وأصولها» : ص 43. (4) انظر: محمد حسن الزين: «الشيعة في التاريخ» : ص 29 - 30. (5) محمود صبحي: «نظرية الإمامة» : ص 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 سامي النشار -: (أنه لم يكن بين يدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - شيعة وسنّة، وقد أعلن الله في القرآن: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) (1) . لا التشيع ولا التسنن) (2) . والجميع شيعة للمصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن للشيعة وجود زمن أبي بكر وعمر وعثمان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (ففي خلافة أبي بكر وعمر وعثمان لم يكن أحد يسمى بالشيعة، ولا تضاف الشيعة إلى أحد) (3) . ويرى الشيخ موسى جار الله أن هذه "المقالة" من الشيعة مغالطة فاحشة خرجت عن حدود كل أدب وأنها افتراء على النبي محمد ? وتحريف للآيات ولعب بالكلمات. ويتعجب من قول آل كاشف الغطاء (أن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام هو نفس صاحب الشريعة) .. فيقول: (أي حبة بذر النبي حتى أنبتت سنابل اللعن والتكفير للصحابة وخيار الأمة وسنابل الاعتقاد بأن القرآن محرف بأيدي منافقي الصحابة، وأن وفاق الأمة ضلال، وأن الرشاد في خلافها حتى توارت العقيدة الحقة في لُجٍّ من ضلال الشيعة جَم) (4) . ثانياً: القول الثاني: أن التشيع ظهر بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث وجد من يرى أحقية علي بالإمامة، ويتشيع له، وهم بعض الصحابة - رضوان الله على الجميع - كسلمان وأبي ذر، والمقداد، وهذا الرأي قال به بعض الشيعة (5) بتفسير خاص له وقال به بعض   (1) آل عمران: آية 19. (2) «نشأة الفكر الفلسفي» : (2/30) . (3) «منهاج السنة» : (2/64) تحقيق: د. رشاد سالم. (4) «الوشيعة» ص: 5 (بتصرف) . (5) محسن الأمين العاملي: «أعيان الشيعة» : (1/34) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 أهل السنّة (1) وغيرهم (2) بتفسير مغاير لغرض الشيعة. فالشيعة يعنون بنشأة التشيع بداية عقائدهم في الإمامة وغيرها وهو تعسف ظاهر، وكيف ينسب لأولئك الصحب رضوان عليهم عقيدة من عقائد الشيعة في الإمامة أو الرجعة أو البداء وغيرها من العقائد.. التي بناها الشيعة فيما بعد، ثم هم لا يملكون لهذا الادعاء سنداً ... أما غير الشيعة فيربط هذا القول بوجود رأي يقول بأحقية قرابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالخلافة بعده. ولا شك أنه إذا وُجد من يرى أحقية علي بالإمامة أو أن الإمامة ينبغي أن تكون في القرابة، فقد وجد رأي يقول باستخلاف سعد بن عبادة من الأنصار، وبأن الإمامة ينبغي أن تكون في الأنصار، وهذا الاختلاف لا دلالة فيه على ميلاد حزب معين، وتعدد الآراء أمر طبعي، وهو من مقتضيات نظام الشورى في الإسلام، فهم في مجلس واحد تعددت آراؤهم وما انفصلوا حتى اتفقوا، ومثل هذا لا يعد نزاعاً (3) . وقد اندرجوا تحت الطاعة على بكرة أبيهم لأبي بكر (، وكان علي - رضي الله عنه - سامعاً لأمره ناهضاً إلى غزوة بني حنيفة.. وبايع أبا بكر على ملأ من الأشهاد (4) . والقول بوجود رأي من سلمان وأبي ذر والمقداد بأحقية علي في الخلافة لم أجد له ذكراً في المصادر الأصيلة، (وقد تواتر عن علي - رضي   (1) ابن خلدون: «العبر» : (3/364) ، وممن يرى هذا أحمد أمين: «ضحى الإسلام» : (3/209) ، وقال علي الخربوطلي: (ونحن نرى أن التشيع بدأ بعد أن آلت الخلافة إلى أبي بكر دون علي بن أبي طالب) «الإسلام والخلافة» : ص 62. (2) انظر: «دائرة المعارف الإسلامية» : (14/58) . (3) ابن تيمية: «منهاج السنة» : (1/36) الطبعة الأميرية. (4) الجويني: «الإرشاد» : ص 428. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 الله عنه - من وجوه كثيرة أنه قال على منبر الكوفة: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر) (1) ، فكيف يرى غيره من الصحابة فيه ما لم يره في نفسه؟. والشيعة ليس لها ذكر أو وجود في عهد أبي بكر أو عمر أو عثمان، فكيف يقال بنشأتها بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟. وقد أقر بعض الشيعة بهذه الحقيقة التاريخية الثابتة، إذ يذكر محمد حسين العاملي: (أن لفظ الشيعة قد أهمل بعد أن تمت الخلافة لأبي بكر وصار المسلمون فرقة واحدة إلى أواخر أيام الخليفة الثالث) (2) ونحن نقول إنه لم يوجد أصلاً ولم يوجد لمسماه ذكر. ثالثاً: أن التشيع لعلي بدأ بمقتل عثمان. يقول ابن حزم: (ثم ولي عثمان وبقي اثنا عشر عاماً، وبموته حصل الاختلاف وابتدأ أمر الروافض) (3) (4) ، والذي تولى غرس بذرة الرفض والتشيع هو عبد الله بن سبأ (5) اليهودي الذي بدأ حركته في أواخر عهد عثمان.   (1) ابن تيمية: «منهاج السنة» : (1/4) . (2) محمد الزين العاملي: «الشيعة في التاريخ» : ص 39 - 40. (3) يعني معتقد الروافض، وإلا فإن ظهور لقب الرافضة ظهر فيما بعد كما سيأتي. (4) ابن حزم: «الفصل» : (2/8) ، وانظر: عثمان بن عبد الله الحنفي: «الفرق المفترقة» : ص 6. (5) عبد الله بن سبأ الذي تنسب إليه الطائفة السبئية، أصله من أهل اليمن كان يهودياً من أمة سوداء، قال ابن حجر: (عبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة ضال مضل، أحسب أن عليّاً حرقه بالنار..) . وقد تواترت أخبار ضلاله وزندقته من طرق السنّة والشيعة، انظر: ابن عساكر: «تهذيب تاريخ دمشق» : (7/431 - 432) . ابن الأثير: «اللباب» : (1/527) . السمعاني: «الأنساب» : (7/46) . = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وأكدت طائفة كبيرة من الباحثين القدماء والمعاصرين أن ابن سبأ أساس المذهب الشيعي والحجر الأول في بنائه (1) . وقد تواتر ذكره في كتب السنّة والشيعة على حد سواء ونبتت نابتة من شيعة العصر الحاضر تحاول أن تنكر وجوده بجرة قلم دون مسوغ واقعي أو دليل قاطع (2) ، فضلاً عن أن بعضهم قد ادعى أن عبد الله بن سبأ هو عمار بن ياسر (3) ، وهذه الدعوى هي محاولة لتبرئة اليهود من فتنة المسلمين، كما أنها محاولة لإضفاء صفة الشرعية على "الرفض"، وقد اتفق القدماء من أهل السنّة والشيعة على السواء على اعتباره حقيقة واقعية وشخصية تاريخية، فكيف ينفي ما أجمع عليه الفريقان؟، أما القول بأن ابن سبأ هو عمار بن ياسر فهو قول يرده التاريخ والسنة الثابتة، وكيف تلصق تلك العقائد التي قال بها ابن سبأ بعمار بن ياسر، وهل   = وانظر: ما أشرنا إليه من مصادر في أثناء الحديث عن عقائد ابن سبأ من كتب الشيعة. (1) انظر مثلاً: ابن تيمية الذي يعتبر ابن سبأ أول من أحدث القول بالعصمة لعلي وبالنص عليه في الخلافة، وأنه أراد إفساد دين الإسلام كما أفسد بولس دين النصارى. «الفتاوى» : (4/518) ، وكذا ابن المرتضي في «طبقات المعتزلة» : ص 6، ومن المعاصرين مثلاً أبو زهرة الذي يذكر أن عبد الله بن سبأ هو الطاغوت الأكبر الذي كان على رأس الطوائف الناقمين على الإسلام الذين يكيدون لأهله، وأنه قال برجعة علي وأنه وصي محمد ودعا إلى ذلك. وذكر أبو زهرة أن فتنة ابن سبأ وزمرته كانت من أعظم الفتن التي نبت في ظلها المذهب الشيعي. انظر: «تاريخ المذاهب الإسلامية» : (1/31 - 33) ، وسعيد الأفغاني الذي يرى أن ابن سبأ أحد أبطال جمعية سرية (تلمودية) غايتها تقويض الدولة الإسلامية، وأنها تعمل لحساب دولة الروم. «عائشة والسياسة» : ص 60، وانظر: القصيمي في «الصراع» : (1/41) . (2) مرتضى العسكري في كتابه «عبد الله بن سبأ» : ص 17. (3) وهو علي الوردي في كتابه «وعاظ السلاطين» : ص 274، وقلده في هذا الشيعي الآخر مصطفى الشيبي في كتابه «الصلة بين التصوف والتشيع» : (ص 40 - 41) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 هذا إلا جزء من التجني على الصحابة والطعن فيهم؟ ولا مجال لدراسة هذه المسألة هنا. وقد كتب فيها بعض الباحثين المعاصرين ورد هذه الادعاءات بالأدلة من الفريقين (1) . وسنكتفي هنا بالرجوع إلى مصادر الشيعة الأصيلة لنرى ما تقول كتب الشيعة نفسها عن ابن سبأ (وذلك لالتزامنا أن لا نكتب عنهم إلا من كتبهم) . فالشيعي سعد بن عبد الله القمي (2) (ت 229 أو 301) في كتابه (المقالات والفرق) يقر بوجوده ويعتبره أول من قال بفرض إمامة علي ورجعته وأظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة (3) . وسعد القمي هذا هو - عندهم - ثقة واسع المعرفة بالأخبار، ومعلوماته - عندهم - مهمة موثوقة نظراً لقدم فترتها الزمنية، ولأن سعداً كما روى شيخ الشيعة الصدوق - كما يلقبونه - قد لقي إمامهم المعصوم الحسن العسكري وسمع منه (4) ، ويتفق   (1) ناقش د. عمار الطالبي إنكار وجود ابن سبأ أو اعتباره عمار بن ياسر، وأثبت بالحقائق زيف ذلك وبطلانه. انظر: «آراء الخوارج» : (ص 75 - 81) ، وللدكتور عزت عطية مناقشة لهذه المسألة في كتابه «البدعة» : ص 64 وما بعدها. وللدكتور سعدي الهاشمي محاضرة قيمة في هذا الموضوع أثبت فيها وجود ابن سبأ بالأدلة من الفريقين. انظر: «محاضرات الجامعة الإسلامية» عام 98/99 هـ «ابن سبأ حقيقة لا خيال» : (ص 201 - 223) . ويعد الزميل سليمان العودة رسالة عن ابن سبأ، وقد توفرت لديه أدلة قاطعة ويقينية على وجود ابن سبأ وسعيه في الفتنة. (2) سعد بن عبد الله الأشعري القمي (أبو القاسم) من شيوخ الروافض، من تصانيفه: «الفرق والمقالات» ، «والضياء في الإمامة» . توفي سنة 301 هـ انظر: الممقاني: «تنقيح المقال» : (2/16 - 20) ، ابن شهراشواب: «معالم العلماء» : ص 54. (3) انظر: «المقالات والفرق» : ص 10 - 21. (4) الصدوق (محمد بن بابويه القمي) «إكمال الدين وتمام النعمة» : (ص 425 - 435) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 النوبختي (1) (ت 310) في الحديث عن ابن سبأ مع القمي حتى في الألفاظ نفسها (2) ، والنوبختي هو أيضاً من ثقاتهم، قال الطوسي: (كان إمامياً حسن الاعتقاد) (3) .. وعالمهم الكشي (4) يقول في كتابه المعروف بـ «رجال الكشي» - وهو أقدم كتب الشيعة المعتمدة في علم الرجال -: (إن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى عليّاً (، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصى موسى بالغلو - كذا - فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في علي مثل ذلك، وكان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي، وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وكفرهم، من هنا قال من خالف الشيعة: إن أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية) (5) . هذا ما جاء عن ابن سبأ في «رجال الكشي» الذي يعتبرونه أحد الأصول الأربعة التي عليها المعول في تراجم الرجال، وقام الطوسي المسمى عندهم بشيخ الطائفة بتهذيب الكتاب فزادت ثقتهم بالكتاب، حيث اجتمع في تأليف الكشي الذي هو عندهم (ثقة عين بصير بالأخبار والرجال، كثير   (1) الحسن بن موسى النوبختي الشيعي (أبو محمد) ، من تصانيفه: «فرق الشيعة» ، «الجامع في الإمامة» . توفي سنة 310هـ. انظر: «أعيان الشيعة» : (23/233 - 239) ، «معالم العلماء» : (ص 32 - 33) . (2) النوبختي: «فرق الشيعة» : (ص 19 - 20) . (3) الطوسي: «الفهرست» : ص 71. (4) الكشي: محمد بن عمر بن عبد العزيز يكنى (أبا عمرو) ، والكشي صاحب كتاب «الرجال» من غلمان العياشي، لا تعرف سنة ولادته ولا وفاته ويقول الروافض أنه من القرن الرابع الهجري: انظر: «لؤلؤة البحرين» : (ص 401 - 404) . (5) الكشي: (ص 108 - 109) وقد أورد الكشي عدة روايات لهم عن ابن سبأ وعقائده، انظر: رقم 170، 171، 172، 173، 174، من ص 106 - 108. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 العلم حسن الاعتقاد ومستقيم المذهب) (1) مع الطوسي شيخ طائفتهم، وصاحب كتابين من صحاحهم الأربعة. وما نقلناه عن رجال الكشي هو من تهذيب الطوسي، لأنهم قالوا (بأن الأصل لا يعرف له أثر) (2) . ونقل الممقاني ـ الذي يعتبرونه من أكبر علمائهم المعاصرين في الرجال ـ ما قاله الكشي عن ابن سبأ (3) . ولعل أقدم مصدر عند الشيعة تحدث عن ابن سبأ والسبئية هو كتاب (مسائل الإمامة) (4) لعبد الله الناشئ الأكبر (5) (ت 293) . وكتب الشيعة التي ذكرت ابن سبأ كثيرة لا مجال لاستعراضها، وما نقلناه يشهد بوجود ابن سبأ وسعيه لبذر العقائد الدخيلة في معتقد الأمة - باعتراف كتب الشيعة نفسها - وأنه أول من قال بالوصية لعلي ورجعته وطعن في الخلفاء الثلاثة والصحابة، وهي آراء وعقائد أصبحت فيما بعد من أسس المذهب الشيعي. رابعاً: ومنهم من يجعل تاريخ ظهور الشيعة يوم الجمل. قال ابن النديم أن عليّاً قصد طلحة والزبير ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر الله جل   (1) الطوسي: «الفهرست» : (ص 167 - 168) ، وانظر: «مقدمة رجال الكشي» لحسن مصطفى: ص 12. (2) «مقدمة رجال الكشي» : (ص 17 - 18) وانظر: يوسف البحراني: «لؤلؤة البحرين» : ص 403. (3) الممقاني: «تنقيح المقال» : (2/84) . (4) انظر: «مسائل الإمامة» : (ص 22 - 23) . (5) عبد الله بن محمد أبو العباس المعروف بابن شرشير الناشئ الأكبر. قال ابن خلكان: كان من الشعراء المجيدين وكان نحويّاً عروضياً متكلماً، أصله من الأنبار وأقام ببغداد مدة طويلة، وله عدة تصانيف جميلة، وتوفي بمصر سنة 293هـ «وفيات الأعيان» : (3/91 - 92) ، «أنباء الرواة» : (2/128 - 129) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 اسمه، وتسمى من اتبعه على ذلك بالشيعة، وكان يقول: شيعتي، وسماهم عليه السلام: الأصفياء، الأولياء، شرطة الخميس، الأصحاب) (1) . هذا هو رأي - ابن النديم - وهو شيعي. ويرى د. مصطفى الشيبي - شيعي معاصر - أنه رأي غريب (2) ، ولكن لا يستغرب مثل هذا الرأي من شيعي متحمس لمذهبه، وقال د. النشار: (أرى في كلام ابن النديم وهو شيعي بعض الغلو) (3) . خامساً: إن تاريخ ظهور الشيعة بعد رجوع علي من صفين. ومن أشهر القائلين بالرأي المذكور الأستاذ وات منتوجمري (4) (Montgomery Watt) حيث يقول: (إن بداية حركة الشيعة هي أحد أيام سنة 658م -37هـ) (5) . ويقول صاحب «مختصر التحفة الإثني عشرية» : (إن ظهور اسم الشيعة كان عام 37هـ) (6) . سادساً: إن مقتل الحسين كان هو زمن ميلاد الشيعة، يقول شتروتمان (7) (Strotnmann، R.) : (إن دم الحسين يعتبر البذرة الأولى   (1) ابن النديم: «الفهرست» : ص 249. (2) مصطفى الشيبي: «الصلة بين التصوف والتشيع» : ص 18. (3) علي سامي النشار: «نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام» : (2/23) . (4) عميد قسم الدراسات العربية في جامعة ادنبرا. آثاره: «عوامل انتشار الإسلام» ، و «محمد في مكة» ، «الإسلام والجماعة الموحدة» ، انظر: نجيب العقيقي: «المستشرقون» : (2/554) . (5) Montgomery Watt، Islam and the Integration of Society، P. 104. (6) «مختصر التحفة» : ص 5. (7) رودلف شتروتمان. من كبار العلماء المتخصصين في الفرق ومذاهبها وله عنها مباحث رصينة. من آثاره: «الزيدية» ، وأربعة كتب إسماعيلية، الشيعة والزيدية. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 للتشيع كعقيدة) (1) . الرأي المختار : هذه معظم الآراء في نشأة الشيعة ... والذي أراه أن الشيعة باعتبارها فكرة وعقيدة لم تولد فجأة، بل إنها أخذت أطواراً زمنية.. ولكن طلائع العقيدة الشيعية، وجذورها الأولى ظهرت على يد السبئية باعتراف كتب الشيعة التي قالت بأن ابن سبأ أول من أشهر القول بفرض إمامة علي - كما مر نقله - وهذه عقيدة «النص على علي بالإمامة» وهي أساس التشيع، وقالت: إن عبد الله بن سبأ أول من أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان أصهار رسول الله ? وأرحامه والصحابة - كما قال النوبختي وغيره - وهذه هي عقيدة الشيعة في الصحابة، وذكرت أنه لما بلغه نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه: (كذبت، لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة، وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض، وهذه عقيدة الرجعة) . وأما عقيدة الشيعة في أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - استودع عليّاً شيئاً غير ما في أيدي الناس، فقد وجدت هذه المقالة أيضاً في عهد علي - رضي الله عنه -، وسئل عن ذلك فنفى هذه الدعوى نفياً قاطعاً كما جاء في صحيح البخاري عن أبي جحيفة ((2) . هذه بعض أصول الشيعة، وقد وجدت إثر مقتل عثمان وفي عهد علي ولم تأخذ مكانها في نفوس فرقة معينة، بل إن السبئية ما كادت   = انظر نجيب العقيقي: «المستشرقون» : (2/788) . (1) «دائرة المعارف الإسلامية» : (14/59) . (2) تقدم ذكر الحديث ص 92. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 تطل برأسها حتى حاربها علي - رضي الله عنه -، ولكن ما تلا ذلك من أحداث هيأ جوّاً صالحاً لظهور هذه العقائد كمعركة صفين، وحادثة التحكيم التي أعقبتها، ومقتل علي ومقتل الحسين، كل هذه الأحداث هيأت جوّاً صالحاً لدخول الفكر الوافد من نافذة التشيع لعلي وآل بيته. ولم يكن استعمال "الشيعة" في عهد علي - رضي الله عنه - إلا بمعنى الموالاة والنصرة، ولا يعني بحال الإيمان بعقيدة من عقائد الشيعة اليوم، ولم يختص إطلاقها بعلي - رضي الله عنه -، ويدل على ذلك ما جاء في صحيفة التحكيم من إطلاق اسم الشيعة على كل من أتباع علي وأتباع معاوية ومما جاء فيها: (هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وشيعتهما ... ) «ومنها» : (وإن عليّاً وشيعته رضوا بعبد الله بن قيس ورضي معاوية وشيعته بعمرو بن العاص ... ) «ومنها» (فإذا توفي أحد الحكمين فلشيعته وأنصاره أن يختاروا مكانه ... ) «ومنها» : (وإن مات أحد الأميرين قبل انقضاء الأجل المحدود في هذه القضية فلشيعته أن يختاروا مكانه رجلاً يرضون عدله) (1) . فاسم الشيعة لم يتحدد بفئة معينة إلى ذلك الوقت. وقد أورد شيخ الإسلام ابن تيمية حديثاً في صحيح مسلم وفيه قول «حكيم بن أفلح» : لأني نهيتها - يعني عائشة - أن تقول في هاتين الشيعتين شيئاً» (2) . وأخذ من هذا دلالة تاريخية على عدم اختصاص علي باسم الشيعة في ذلك الوقت (3) .   (1) الدينوري: «الأخبار الطوال» : (ص 194 - 196) ، «تاريخ الطبري» : (5/53 - 54) ، محمد حميد الله: «مجموعة الوثائق السياسية» : (ص 281 -282) . (2) هذا جزء من حديث طويل في «صحيح مسلم» في باب جامع الصلاة الليل ومن نام عنه أو مرض، (2/168 -170) . (3) انظر: «منهاج السنة» : (2/67) تحقيق د. رشاد سالم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 ويستدل د. علي النشار ببعض النصوص التي تفيد عدم اختصاص علي باسم الشيعة في عهد خلافته ومنها قول معاوية لبسر بن أرطأة حين وجهه إلى اليمن: (أمعن حتى تأتي صنعاء فإن لنا بها شيعة) (1) . لكن بعد مقتل الحسين رأينا بدء التجمع الفعلي لمن يدعون التشيع للأخذ بثأر الحسين.. يقول المسعودي (2) : (وفي سنة خمس وستين تحركت الشيعة في الكوفة) (3) وتكونت حركة "التوابين" ثم حركة المختار "الكيسانية"، وبدأت الشيعة تتكون وتضع أصول مذهبها، وتستدل له.. وبعدما كانت الآراء الشيعية تطارد وجدت بعد هذه الأحداث الجو الذي تنمو فيه تحت ستار التشيع لآل البيت، وملخص القول أن بعض الأصول العقدية للشيعة ظهر على يد ابن سبأ في عهد علي، ولكنها لم تأخذ صفة الجماعة أو اسم التشيع، وبعد توالي الأحداث التي ذكرنا، ولا سيما بعد مقتل الحسين بدأت الشيعة كفرقة، وانطلقت لتأسيس مذهبها على أصول معينة، وبالتالي وجد أن الآراء التي نادى بها ابن سبأ أخذت مكاناً لها في المناخ الفكري للشيعة.   (1) النشار: «نشأة الفكر الفلسفي» : (2/33) . (2) علي بن الحسين بن علي أبو الحسن المسعودي، المؤرخ، قال ابن شاكر الكتبي: (كان إخبارياً علامة، صاحب غرائب وملح ونوادر) ، قال ابن حجر: (وكتبه طافحة بأنه كان شيعياً معتزليّاً) . مات في مصر سنة 436هـ، ومن مصنفاته: «مروج الذهب» ، «التنبيه والإشراف» وغيرهما. انظر: ابن شاكر الكتبي: «فوات الوفيات» : (3/12 -13) ، ابن حجر: «لسان الميزان» : (4/224 -225) . وانظر: عباس القمي: «الكنى والألقاب» : (3/160) . (3) المسعودي: «مروج الذهب» : (3/100) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 فرق الشيعة في كتاب «المقالات والفرق» للشيعي سعد القمي (ت 301 أو 399) وكتاب «فرق الشيعة» للشيعي الحسن النوبختي (310) - وهما من أهم كتب الشيعة الخاصة بالفرق وأقدمها - في هذين الكتابين عشرات وعشرات من الفرق الشيعية، وبعدهما أيضاً حدثت فرق، وولدت طوائف ومقالات تنتمي للتشيع، حتى أن الرافضي مير باقر الداماد (1) زعم أن جميع الفرق المذكورة في الحديث - حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة - هي فرق الشيعة وأن الناجية منهم فرقة الإمامية. وأما أهل السنة والمعتزلة وغيرهم من سائر الفرق فجعلهم من أمة الدعوة: ـ أي ليسوا من أمة الإجابة، فهم في اعتقاده لم يدخلوا في الإسلام (2) . والمسعودي قبله يذكر أن طوائف الشيعة بلغت ثلاثاً وسبعين فرقة (3) .   (1) محمد باقر بن محمد الأستر بادي، المعروف بالمير الداماد، من كبار شيوخ الشيعة. من مؤلفاته: «القبسات» ، «الصراط المستقيم» . توفي سنة 1041هـ بأصبهان. عباس القمي: «الكنى والألقاب» : (2/206 -207) ، المحبي: «خلاصة الأثر» : (ص 301 -302) . (2) انظر: جمال الدين الأفغاني: «التعليقات على شرح الدّوّاني للعقائد العضدية» ضمن كتاب «الأعمال الكاملة» للأفغاني، دراسة وتحقيق محمد عمارة: (1/215) ، وقد نسب رشيد رضا كتاب «التعليقات» لمحمد عبده «تفسير المنار» : (8/221) ، لكن الأستاذ محمد عمارة أثبت أنها لجمال الدين الأفغاني. انظر: محمد عمارة: «الأعمال الكاملة» للأفغاني: (1/155 -166) ، «الأعمال الكاملة» لمحمد عبده: (1/209) . (3) «مروج الذهب» : (3/221) ، وانظر: «الملل والنحل» : (1/165) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وقد ورد في دائرة المعارف أنه (ظهر من فروع الفرق الشيعية ما يزيد كثيراً عن الفرق الاثنتين والسبعين المشهورة (1)) ، وذكر بعض العلماء أن فرق الشيعة بلغت ثلاثمائة فرقة (2) . ولا شك أن (هذا الاختلاف العظيم يدل على عدم النص) (3) على إمام. وتحدثت كتب الفرق والمقالات (غير الشيعية) عن الشيعة وأصول فرقها وفروعها. فالشهرستاني يجعل أصول فرق الشيعة خمساً (4) ، كيسانية، وزيدية، وإمامية، وغلاة، وإسماعيلية (5) ، أما الأشعري فيرجع فرقهم إلى ثلاثة أصول: (1) الغلاة ويقسمها إلى خمس عشرة فرقة.   (1) «دائرة المعارف» : (14/67) . (2) وهو المقريزي في «الخطط» : (2/351) . (3) ابن خلدون: «لباب المحصل» : ص 130. (4) الشهرستاني: «الملل والنحل» : (1/147) . (5) يلاحظ أن الشهرستاني جعل "الغلاة" أصلاً من الأصول الشيعية وجعل الإسماعيلية أصلاً آخر، مع أن الإسماعيلية داخلة في دائرة الغلاة، بل فضلاً عن أن الشهرستاني ذكر في مبحث الغلاة أنهم يلقبون بالمحمرة، وهذا لقب من ألقاب الإسماعيلية كما ذكره الغزالي في فضائح الباطنية. ومن ناحية أخرى فإننا نجده يذكر أيضاً بعض الفرق الغالية تحت الأصول الأخرى، فمثلاً يذكر "البيانية" أتباع بيان بن سمعان ـ وهو كما ذكره الشهرستاني نفسه من الغلاة القائلين بإلهية أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - يذكر فرقته المسماة بالبيانية تحت اسم الكيسانية.. وغرضنا هنا أن ننبه إلى أن هذا التقسيم لا يعني أن الشهرستاني يحكم على تلك الأصول الأربعة غير الغلاة بعدم الغلو، بل فيهم الغالي وغير الغالي. وبعض العلماء يسير في تقسيمه لهم على اصطلاح أشار إليه ابن تيمية وهو أن الإسماعيلية علم على الملاحدة، والغالية علم على القائلين بإلهية البشر. «منهاج السنة» : (2/410) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 (2) الرافضة (1) : ويقسمها إلى أربع وعشرين فرقة. (3) الزيدية: ويقسمها إلى ست فرق (2) . أما أبو الحسين الملطي (3) فلا يفرق بين الغلاة والرافضة ـ الذين يلقبون بالإمامية في الغالب أو الإثني عشرية ـ والزيدية، ويطلق على الجميع "الرافضة"، وكذا أبو المظفر الإسفراييني في «التبصير في الدين» ، والبغدادي في «الفرق بين الفرق» وعثمان بن عبد الله بن الحسن الحنفي (من القرن السابع) في كتابه «الفرق المفترقة بين أهل الزيغ والزندقة» وغيرهم (4) . والذي يلاحظ على إطلاق اسم "الرافضة" على كل فرق الشيعة هو أنه ينبغي استثناء الزيدية، أو بعبارة أدق الزيدية ما عدا فرقة الجارودية منها، وذلك أن الجارودية سلكت مسلك "الروافض"، ولهذا رأينا شيخ الرافضة (المفيد) يدخل في سمة التشيع فرقة الجارودية من   (1) وهو يعني بالرافضة الإمامية، فهو يستخدم اللفظين بمعنى واحد، ولهذا ذكر من فرق الرافضة بعض فرق الإمامية، كالواقفة والقطعية، فإنهما من فرق الإمامية، إلا أنه مع ذلك ذكر فرقة البيانية من فرق الرافضة وهي من الغلاة حسب تقسيمهم. (2) «مقالات الإسلاميين» : (جـ1/ص65، 66، 87، 88، 136) . (3) محمد بن أحمد بن عبد الرحمن أبو الحسين الملطي العسقلاني، فقيه مقرئ متقن ثقة كثير العلم كثير التصنيف من فقهاء الشافعية، من أهل ملطية، نزل بعسقلان وتوفي بها سنة 377هـ من مصنفاته: «التنبيه» ، و «الرد على أهل الأهواء والبدع» . ابن الجزري: «غاية النهاية في طبقات القراء» : (2/67) ، «الأعلام» : (6/202) . (4) وقد درج على هذا بعض الكتاب المعاصرين فقال: (إن معظم الباحثين يقسم الشيعة إلى إمامية وباطنية.. والحق أنه لا وجه لهذه التفرقة، فكلهم إمامية حيث يجمعهم القول بالإمام وكلهم باطنية حيث لا تسلم طائفة منهم من الإيمان بالباطن، وكلهم روافض لأنهم رافضون لما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وما عليه أهل السنة والجماعة) «مجلة التوحيد» عبد الرحمن عبد السلام يعقوب، العدد 6 السنة السابعة 1399هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 الزيدية ويخرج ما عداها من فرق الزيدية من التشيع لأن الجارودية تشاركه في أساس مذهبه، لهذا ينبغي استثناء الزيدية - ما عدا الجارودية - من التسمية بالرافضة (1) . ولن نتطرق لذكر "فروع" الفرق الشيعية لأن منها ما قد انتهى من الوجود، ومنها ما هو داخل في فرقة من الفرق الموجودة اليوم، والذي يعنينا أن نتعرف على الفرق الشيعية المعاصرة، يقول شيخ الشيعة محسن الأمين (2) : (والموجود اليوم من فرق الشيعة هم: الإمامية الاثنا عشرية وهم الأكثر عدداً، والزيدية، والإسماعيلية) (3) . ويقول د. علي سامي النشار: (وتشمل الشيعة في عصرنا الحاضر فرقاً ثلاثاً هي: الاثنا عشرية، والإسماعيلية والزيدية) (4) . وسنتحدث حديثاً موجزاً عن كل من الإسماعيلية والزيدية، ثم يكون حديثنا عن الشيعة الإمامية الإثني عشرية على سبيل التفصيل، لأنها هي التي نشطت في سبيل الدعوة للتقريب، ولأنها في مصادرها الأساسية قد استوعبت آراء معظم فرق الشيعة وعقائدها - كما سيأتي شرح ذلك.   (1) وسيأتي دراسة سريعة وموجزة للزيدية، كما سنبين عند مبحث الإمامية.. معنى الرافضة ولم سموا بهذا الاسم. (2) محسن عبد الكريم بن علي بن محمد الأمين الحسيني العاملي من مجتهدي الشيعة المعاصرين، ولد بشقراء من قرى جبل عامل بلبنان ودرس في النجف، وسكن دمشق. من تأليفه: «أعيان الشيعة» ، و «كشف الارتياب في أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب» . وفي كتابه الأخير أظهر ما تكنه الرافضة من حقد على أهل السنّة، وقد توفي في بيروت سنة 1371هـ «معجم المؤلفين» : (8/183- 184) . (3) «أعيان الشيعة» : (1/22) . وانظر: محمد المهدي شمس الدين (رافضي) : «نظام الحكم والإدارة في الإسلام» : ص 61. (4) «نشأة الفكر الفلسفي» : (2/12) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 الإسماعيلية وهم الذين قالوا: (الإمام بعد جعفر: إسماعيل بن جعفر، وادعوا أن جعفراً أشار إليه في حياته ودل الشيعة عليه، ثم قالوا بإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر من بعده، وأنكروا إمامة سائر ولد جعفر) (1) . ذلك أنه بعد وفاة جعفر بن محمد افترقت الشيعة ـ كعادتها في الافتراق بعد وفاة كل إمام ـ افترقت إلى عدة فرق عدها النوبختي (2) ستاً، فمن قائل إن جعفراً حي لم يمت حتى يظهر ويلي أمر الناس وهو المهدي (3) . ومن قائل إن الإمام بعد جعفر ولده موسى (4) إلى آخر هذه المقالات والفرق، لكن فرقة الإسماعيلية هي التي قالت بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق وابنه محمد. ويذكر البغدادي أن الإسماعيلية افترقت فرقتين بعد وفاة إسماعيل: (1) فرقة منتظرة لإسماعيل بن جعفر، مع اتفاق أصحاب التواريخ على موت إسماعيل في حياة أبيه.   (1) الرازي: «الزينة» : ص 287 ضمن كتاب الغلو والفرق الغالية، والرازي هذا هو أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي وهو من أكبر الدعاة إلى الإسماعيلية، توفي سنة 322هـ. انظر: «أعلام الإسماعيلية» : ص 97 وراجع ابن حجر: «لسان الميزان» : (1/164) . (2) النوبختي: فرق الشيعة ص 148. (3) ويسمون بـ (الناووسية) نسبة لرئيس لهم يقال له الناووس. انظر المصدر السابق: ص 148. (4) فخر الدين الرازي: «اعتقادات فرق المسلمين» : ص 81. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 (2) فرقة قالت: كان الإمام بعد جعفر سبطه محمد بن إسماعيل بن جعفر، حيث إن جعفراً نصب ابنه إسماعيل للإمامة بعده فلما مات إسماعيل (ت 143هـ) في حياة أبيه علمنا أنه إنما نصب ابنه إسماعيل للدلالة على إمامة ابنه محمد بن إسماعيل، وإلى هذا القول مالت الإسماعيلية من الباطنية (1) . ثم ابتدئ من محمد بن إسماعيل بالأئمة المستورين الذين كانوا يسيرون في البلاد سراً ويظهرون الدعاة جهراً (2) ، وأئمة الستر الذين خلفوا محمد بن إسماعيل وترتيبهم أمر مختلف فيه بينهم (3) ، وأول أئمة الظهور عندهم عبيد الله المهدي مؤسس الدولة الفاطمية (4) (5) .   (1) «الفرق بين الفرق» : ص 62، 63. (2) الشهرستاني: «الملل والنحل» : (1/192) ، وانظر: أمين محمد طليع (درزي) «أصل الموحدين الدروز» : ص 180. (3) فالرواية الفاطمية تذكر كما يأتي: عبد الله وأحمد وحسين، والرواية الفارسية النزارية تذكر: أحمد ومحمد وأحمد، والرواية الهندية النزارية: تذكر أحمد ومحمد وعبد الله، والرواية الدرزية تذكر: إسماعيل الثاني، محمد، أحمد، عبد الله، محمد، حسن، وأحمد (أي سبعة بدلاً من ثلاثة) «دائرة المعارف» : (3/384) . (4) حقق كثير من الأئمة كابن كثير وغيره أن الفاطميين أدعياء للنسب الفاطمي، وقد نقل د. لويس في كتابه «أصول الإسماعيلية» عن كتاب إسماعيلي سري اسمه «غاية المواليد» اعترافاً لهم بأن عبيد الله (مؤسس الدولة الفاطمية) لم يكن علوياً. «أصول الإسماعيلية» : ص 74، ثم بين د. برنارد لويس حقيقة استعمالهم لكلمة أب وابن وأنهم يستعملونها في غير معناها الحقيقي بل بمعنى (الأبوة الروحانية) «أصول الإسماعيلية» : ص 117. (5) محمد كامل حسين: «في أدب مصر الفاطمية» : ص 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 ومن الإسماعيلية انبثق، القرامطة، والحشاشون، والفاطميون، والدروز وغيرهم، وللإسماعيلية فرق متعددة، ووجوه مختلفة، وألقاب كثيرة.. يقول الشهرستاني: (وأشهر ألقابهم الباطنية، وإنما لزمهم هذا اللقب لحكمهم بأن لكل ظاهر باطناً) (1) ، ومسألة التأويل الباطني جعلوها رسالة جديدة حملها الأئمة بعد قيام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتبليغ الظاهر. فقد جاء في أحد الرسائل "الإسماعيلية" أنه (لما كان الدين ظاهراً وباطناً قام النبي - صلى الله عليه وسلم - بتبليغ الظاهر وصرف إلى وصيه نصف الدين وهو الباطن) (2) . وعلم التأويل هو معجزة الأئمة كما أن التنزيل - أي القرآن - معجزة الرسول - صلى الله عليه وسلم - (3) ، وهم يحاولون بهذه الوسيلة هدم كل النصوص التي قام عليها كيان الإسلام. ولهم ألقاب كثيرة ذكر منها الشهرستاني ستة هي: الباطنية، والإسماعيلية، والقرامطة، والتعليمية، والملحدة، والمزدكية، وذكر منها الغزالي عشرة ألقاب هي: الباطنية، والقرامطة، والقرمطية، والخرمية، والخرمدينية، والإسماعيلية، والسبعية، والبابكية، والمحمرة والتعليمية (4) . أما ابن الجوزي فيذكر من ألقابهم ثمانية هي ما ذكره الغزالي باستثناء لقبي: القرمطية، والخرمدينية (5) .   (1) «الملل والنحل» : (1/192) . (2) أربع رسائل إسماعيلية: الرسالة الأولى: «مسائل مجموعة من الحقائق والأسرار» : ص 30. (3) انظر «تأويل الدعائم» النعمان بن محمد، تحقيق محمد حسن الأعظمي: ص 61. (4) الغزالي: «فضائح الباطنية» : ص 11. (5) ابن الجوزي: «تلبيس إبليس» : (ص 102 - 106) ، ويقول محمد الصباغ في تعليل ترك ابن الجوزي للقبين: لعله اعتبرهما لهجة في نطق الخرمية والقرامطة. هامش = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 أما الفقيه المؤرخ محمد بن الحسن الديلمي (1) ، فقد ذكر لهم خمسة عشر لقباً هي ما ذكره الغزالي مع زيادة هذه الألقاب: المباركية، والإباحية، والملاحدة، والزنادقة، والمزدكية (2) ، ويذكر الكوثري (3) عدداً من ألقابهم فيقول: إنهم (يدعون في مصر بالعبيدية نسبة إلى عبيد المعروف، وفي الشام بالنصيرية، والدروز، والتيامنة، وفي فلسطين بالبهائية. وفي الهند بالبهرة والإسماعيلية، وفي اليمن باليامية نسبة إلى القبيلة المعروفة. وفي بلاد الأكراد بالعلوية.. حيث يقولون علي هو الله - تعالى الله عما يقولون - وفي بلاد الأتراك بالبكداشية والقزلباشية على اختلاف منازعهم، وفي بلاد العجم بالبابية (4) . ولهم فروع إلى يومنا هذا تلبس لكل قرن لبوسه وتظهر لكل قوم بمظهر تقضي به البيئة. وقدماؤهم كانوا يسمون أنفسهم بالإسماعيلية باعتبار تميزهم عن فرق الشيعة بهذا الإسلام) (5) . لهذا يقول عنهم الشهرستاني إنهم:   = ص 35 من «رسالة القرامطة» لابن الجوزي، تحقيق: محمد الصباغ. (1) محمد بن الحسن الديلمي الفقيه العلامة الحافظ، خرج من الديلم إلى اليمن وصنف فيها «قواعد أهل البيت» وهو من أصول الكتب الزيدية، اشتمل على فضل الآل، وذكر مذهب الإمامية وإبطاله، وتكفير الباطنية وأن مذهب أهل البيت الترضي عن الصحابة. توفي رحمه الله سنة 711 هـ. محمد بن زيادة: «ملحق البدر الطالع» : ص 194. (2) «قواعد عقائد آل محمد» : ص 34. (3) محمد زاهد بن الحسن بن علي الكوثري الجركسي، فقيه، محدث، متكلم، مؤرخ، أديب عارف باللغات العربية والتركية والفارسية والجركسية، من تصانيفه: «المدخل العام لعلوم القرآن» في مجلدين، «قرة النواظر في آداب المناظر» . توفي بالقاهرة سنة 1371هـ وكان مولده في القسطنطينية سنة 1296هـ. «معجم المؤلفين» : (10/4- 5) ، وانظر: أحمد خيري: الإمام الكوثري. (4) في كلام الكوثري خلط بين الفرق، ذلك أن النصيرية، والبابية والبهائية هي فرق منبثقة من الإثني عشرية لا من الإسماعيلية، وكذلك فرقة أو لقب «قزلباش» هو من ألقاب الإثني عشرية كما قرره محسن الأمين في أعيان الشيعة، فهي إذن فرق مختلفة عن الاتجاه الإسماعيلي في اعتقادها في الأئمة وأصول أخرى، فلا يصح القول بأنها من ألقاب الإسماعيلية في بعض البلدان. وكذلك ليس كل يامي إسماعيلياً، كما فهمته من خلال سؤالي للعارفين بهم، ولأن اليامية قبيلة وليست فرقة. (5) «مقدمة كشف أسرار الباطنية» للكوثري. وانظر «التفسير والمفسرون» الذهبي: (جـ2/ ص253) . وفي «دائرة المعارف الإسلامية» : (3/384) أن الإسماعيلية في فارس تسمى «مريدان آغاجان محلاتي» وفي آسية الوسطى ملآئي = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 (يقولون نحن الإسماعيلية لأنا تميزنا عن فرق الشيعة بهذا الاسم وهذا الشخص) (1) . ويلاحظ هنا أن هذه الألقاب للإسماعيلية جعلت مفهوم الإسماعيلية يشمل كل الفرق الشيعية الغالية، بل إن بعض هذه الألقاب لا تندرج تحت وصف التشيع مثل: البابكية نسبة إلى بابك الخرمي، كما أن بعض هذه الألقاب عبارة عن لقب واحد اختلفت ألفاظه، كالقرامطة، والقرمطية، كلاهما نسبة إلى حمدان قرمط. كما أن البعض من هذه الألقاب عبارة عن أسماء لفرقهم المختلفة والتي تشترك فيما بينها في المسلك الباطني وفي الهدف والغاية، وهي تقويض دعائم الإسلام وأُسسه على ما بينها من اختلاف، كما أن بعض الفرق الإسماعيلية إنما هي عبارة عن مراتب للدعوة الإسماعيلية، ذلك أن المدعو لا يعرف إلا المرتبة التي وصل إليها فيصور الفرقة على أساس أنها تلك المرتبة التي وصل إليها، وهكذا قد تفسر المراتب على أساس أنها فرق، ذلك أن سبيل دعوتهم ليس بمتعين في فن واحد، بل يخاطبون كل فريق بما يوافق رأيه بعد أن يظفروا منهم بالانقياد لهم والموالاة لإمامهم فيوافقون اليهود والنصارى والمجوس على جملة معتقداتهم ويقرونهم   = أو مولائي، وفي الهند: الخواجات "النزارية" والبوهر أو البهرة "المستعلية" وفي.. مقدمة.. «تأويل الدعائم» .. للإسماعيلي المعاصر: محمد حسن الأعظمي أنهم اليوم قسمان: المستعلية، وهي التي يطلق عليها اسم البوهرة، وهي لفظ كوجراتي معناه بالعربية التجار، وهم منتشرون في الهند والباكستان واليمن وحضرموت وعدن وغيرها.. والنزارية: وتشتهر باسم الأغاخانية. انظر: «تأويل الدعائم» وانظر: في مجلة الأزهر تقريراً للبعثة الأزهرية إلى الهند عن الإسماعيلية. «مجلة الأزهر» المجلد الثامن: ص 444 عام 1356هـ - مطبعة الأزهر. (1) الشهرستاني: «المل والنحل» : (1/192) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 عليها (1) . ويذكر الشهرستاني أن ألقابهم تختلف أيضاً باختلاف البلدان: فبالعراق يسمون الباطنية، والقرامطة، والمزدكية. وبخراسان التعليمية، والملحدة (2) ، ثم إن لهم دعوة في كل زمان ومقالة جديدة بكل لسان (3) . مجمل اعتقادهم: ذكر الغزالي (4) مجمل مذهبهم فقال: (إنه مذهب ظاهره الرفض وباطنه الكفر المحض، ومفتتحه حصر مدارك العلوم في قول الإمام المعصوم (5) ... ) ثم فصل القول في مذهبهم. وقال ابن الجوزي في تلخيص مذهبهم: (فمحصول قولهم تعطيل الصانع، وإبطال النبوة والعبادات وإنكار البعث، ولكنهم لا يظهرون هذا في أول أمرهم، بل يزعمون أن الله حق وأن محمداً رسول الله والدين الصحيح، لكنهم يقولون لذلك سر غير ظاهر. وقد تلاعب بهم إبليس فبالغ وحسن لهم مذاهب مختلفة) (6) .   (1) «فضائح الباطنية» الغزالي: ص 37. (2) «الملل والنحل» : (1/292) . (3) المصدر السابق: (1/192) . (4) محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي (زين الدين أبو حامد) ولد سنة 450هـ، وتفقه على إمام الحرمين وبرع في علوم كثيرة وصار من الأعيان المشاهير، وله مصنفات كثيرة منها: «إحياء علوم الدين» ، و «المستصفى في أصول الفقه» وغيرها، وتوفي بطوس سنة 505هـ. انظر: «مرآة الجنان» : (3/177- 192) ، «البداية والنهاية» : (12/173- 174) . (5) الغزالي: «فضائح الباطنية» : ص 37. (6) ابن الجوزي: «تلبيس إبليس» : ص 99. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وقال فخر الدين الرازي (1) : (اعلم أن الفساد اللازم من هؤلاء - يعني الباطنية - على الدين الحنيفي أكثر من الفساد اللازم عليه من جميع الكفار وهم عدة فرق، ومقصودهم على الإطلاق إبطال الشريعة، ونفي الصانع، ولا يؤمنون بشيء من الملل، ولا يعترفون بالقيامة، إلا أنهم لا يتظاهرون بهذه الأشياء إلا بالآخرة) (2) . وإذا أردنا أن نتعرف على عقائد هؤلاء من كتبهم ومصادرهم الخاصة بهم، وجدنا في هذا صعوبة، لأنه كما ينقل عنهم أحد الإسماعيليين المعاصرين قد قالوا: (إن لنا كتباً لا يقف على قراءتها غيرنا ولا يطلع على حقائقها سوانا) (3) . وقد نشرت في هذا العصر مجموعة من مخطوطات الإسماعيليين، إلا أن معظمها ليست من كتبهم السرية، ذلك أنها قد صيغت بأسلوب الدفاع عن مذهبهم والدعاية له. ولهذا يقول د. علي النشار ـ عن نشرات محمد كامل حسين (4) لكتب الإسماعيلية ـ: (وقد قدم لنا عدداً كبيراً من مخطوطات الإسماعيلية في نشرات علمية، وقد أجهد نفسه في سبيل توضيح عناصر هذا المذهب، غير   (1) محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي الإمام فخر الدين الرازي القرشي البكري المعروف بالفحر الرازي، مفسر متكلم فقيه أصولي حكيم توفي سنة 606هـ، ومن تصانيفه: «التفسير الكبير» ، و «المحصول في أصول الفقه» وغيرهما. السيوطي: «طبقات المفسرين» : ص 115، «عيون الأنباء» : (ص 414-427) . (2) الرازي: «اعتقادات فرق المسلمين والمشركين» : ص 119. وانظر: «البدء والتاريخ» . المقدسي: (5/133-134) . (3) مصطفى غالب: «الحركات الباطنية في الإسلام» : ص 67. (4) محمد كامل حسين: يدافع عن الإسماعيلية دفاعاً غريباً، لعل سببه اغتراره ببعض كتبهم التي صيغت للدفاع والدعاية، وقد يكون تغريراً مقصوداً والله أعلم - فهو يخطئ = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 أنني ألاحظ أنه فيما خلا كتب الكرماني التي نشرها د. محمد كامل حسين فإن الكتب التي قدمها لنا ليست من الكتب السرية) (1) . ثم إن الباحث وهو يراجع هذه الكتب الباطنية يجد صعوبة في فك أسرارها وحل ألغازها ومعرفة طلاسمها. وقد كشف أبو حامد الغزالي عن حقيقة مذهبهم في الإلهيات والنبوات وفي الإمامة وفي القيامة والمعاد والتكاليف الشرعية وغيرها فيقول عن معتقدهم في الإلهيات: (وقد اتفقت أقاويل نقلة المقالات من غير تردد أنهم قائلون بإلهين قديمين لا أول لوجودهما من حيث الزمان، إلا أن أحدهما علة لوجود الثاني، واسم العلة السابق واسم المعلول التالي، وأن السابق خلق العالم بواسطة التالي لا بنفسه. وقالوا   = القدماء من كتاب المقالات والفرق والتاريخ في حكمهم على هؤلاء بأنهم باطنية. «طائفة الإسماعيلية» : ص 148. ويدافع عنهم فيما نسب إليهم من عقائد فيقول: (والفاطميون لم يعملوا على طرح الأديان وإبطال العبادة كما فهم الكتاب والمؤرخون) «في أدب مصر الفاطمية» : ص 30، وأنهم لم يقولوا بالإباحة المطلقة وبالتناسخ والحلول. «المصدر السابق» : ص 33. ويستدل ببعض النصوص من كتبهم التي كتبت للدفاع كما يبدو من أسلوبها، وطبيعي أن توجد مثل هذه الردود في كتب الإسماعيلية للتعمية والخداع، وهي طائفة تعتمد على السرية وتعمل في الظلام، فهذا أسلوب من أساليب التخفي ولا سيما بعدما انكشف أمرهم عن طريق من دخل في دعوتهم ثم خرج وفضحهم كالحادي اليماني في «كشف أسرار الباطنية» وغيره، وعن طريق ما تسرب من كتبهم مما يوجد شيء منه في كتب المقالات والفرق، وبفضائحهم التاريخية ... إلخ. من الطبيعي أن يوجد هذا الأسلوب في التخفي ولكن من غير الطبيعي أن يستغل هذا الدفاع ويجعل هو الحقيقة للباطنيين وتهدر جميع القرائن والدلائل والوقائع الأخرى والتاريخ ويخطئ الإجماع على حقيقة حالهم. (1) النشار: «نشأة الفكر الفلسفي» : (جـ2/ص394) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 السابق لا يوصف بوجود ولا عدم وليس هو معلوماً ولا مجهولاً) (1) . وقال عن معتقدهم في النبوات: (والمنقول عنهم قريب من مذهب الفلاسفة، وهو أن النبي عبارة عن شخص فاضت عليه من السابق - بواسطة التالي - قوة قدسية، كما قد يحدث لبعض النفوس الزكية في المنام،.. وقالوا إن جبريل عبارة عن العقل الفائض عليه، أما القرآن فهو تعبير محمد عن المعارف التي فاضت عليه من العقل) . ومعتقدهم في الإمامة: (اتفقوا على أنه لا بد في كل عصر من إمام معصوم قائم بالحق يرجع إليه في تأويل الظواهر وحل الإشكالات في القرآن والأخبار والمعقولات ويستظهر الإمام بالحجج والمأذونين والأجنحة، فلا بد للإمام في كل وقت من اثني عشر حجة.. ولا بد لكل حجة من معاونين له على أمره.. واسم المعاون "المأذون"، ولا بد للدعاة من رسل إلى الإمام يرفعون إليه الأحوال، واسم الرسول "الجناح") .. وقالوا: (كل نبي لشريعته مدة فإذا انصرمت مدته بعث الله نبياً آخر ينسخ شريعته، ومدة شريعة كل نبي سبعة أعمار وهو سبعة قرون، فأولهم هو النبي الناطق، ومعنى الناطق أن شريعته ناسخة لما قبله ومعنى الصامت أن يكون قائماً على ما أسسه غيره، ثم أنه يقوم بعد وفاته ستة أئمة، إمام بعد إمام، وصوروا بعثات الأنبياء على هذه الفلسفة إلى أن انتهوا إلى بعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي استتم دوره - كما قالوا - بجعفر بن محمد وصارت شريعته بهذا الدور ناسخة، وهكذا يدور الأمر عندهم إلى أبد الدهر) . أما معتقدهم في القيامة والمعاد: (فقد اتفقوا عن آخرهم على إنكار القيامة والمعاد وتأويلهما إلى غير الحقيقة) .   (1) «فضائح الباطنية» : ص 38، وانظر يحيى بن حمزة العلوي، «مشكاة الأنوار الهادمة لقواعد الباطنية الأشرار» : ص 43 وما بعدها، «الإفحام لأفئدة الباطنية الطغام» : (ص 38 - 52) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وأما اعتقادهم في التكاليف الشرعية: (فالمنقول عنهم الإباحة المطلقة واستباحة المحظورات وإنكار الشرائع إذا نسب، إليهم ويقولون: لا بد من أخذ الشرع عن الإمام المعصوم) (1) . وينقل عبد القاهر البغدادي عن كتاب لهم يسمى «السياسة والبلاغ الأكيد والناموس الأكبر» ينقل مضمون ما قرأه فيه عن مذهبهم من القول بإبطال المعاد والعقاب والتشكيك في الكتب السماوية والدعوة إلى إبطال الشرائع وتأويل أركان الإسلام بقولهم بأن معنى الصلاة موالاة إمامهم، والحج زيارته، والصوم الإمساك عن إفشاء سر الإمام، واستدل بما جاء في هذا الكتاب على أن الباطنية دهرية زنادقة (2) . وللإسماعيليين مراتب في الدعوة.. وحقيقة المذهب لا تعطى إلا لمن وصل إلى المرتبة الأخيرة، يقول ابن النديم (3) : (ولهم - أي للإسماعيلية - البلاغات السبعة وهي: كتاب البلاغ الأول للعامة، كتاب البلاغ الثاني لفوق هؤلاء قليلاً، كتاب البلاغ الثالث لمن دخل في المذهب سنة، كتاب البلاغ الرابع لمن دخل في المذهب سنتين، كتاب البلاغ الخامس لمن دخل في المذهب ثلاث سنين، كتاب   (1) «فضائح الباطنية» باختصار: (ص38- 47) ، وانظر في الرد عليهم: «الإفحام لأفئدة الباطنية الطغام» : ص 53 وما بعدها، و «مشكاة الأنوار» : ص 43 وما بعدها. (2) «الفرق بين الفرق» : ص 294 وما بعدها. (3) ابن النديم: محمد بن إسحاق بن محمد بن إسحاق أبو الفرج بن أبي يعقوب النديم صاحب كتاب «الفهرست» . وكان معتزلياً متشيعاً يدل كتابه على ذلك، فإنه كما يقول ابن حجر يسمي أهل السنّة "الحشوية" ويسمي الأشاعرة "المجبرة" ويسمي كل من لم يكن شيعياً "عامياً"، توفي سنة 438هـ. انظر: «لسان الميزان» : (5/72) ، «الأعلام» : (6/253) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 البلاغ السادس لمن دخل في المذهب أربع سنين، كتاب البلاغ السابع وفيه نتيجة المذهب والكشف الأكبر. قال محمد ابن إسحاق "ابن النديم" قد قرأته - أي السابع - فرأيت فيه أمراً عظيماً من إباحة المحظورات والوضع من الشرائع وأصحابها) (1) . وقد تحدث عن مراتب دعوة الإسماعيليين (البغدادي) وسماها بأسمائها (2) ، (والغزالي) (3) ، ونقل (النويري) في نهاية الأَرب عن الشريف أبي الحسن محمد بن علي نصّاً طويلاً في كيفية الدعوة عند الإسماعيليين (4) ، وقد كشف "الحمادي اليماني" عن تجربة شخصية له مع الباطنيين في كتابه «كشف أسرار الباطنية» ، وليس من موضوعنا التفصيل في هذا، إنما غرضنا إلمامة يسيرة وننبه هنا إلى ناحية مهمة في هذا الباب؛ وهي أن الكتب الإسماعيلية انتشرت في وقتنا هذا ولا ندري عن مرتبة هذه الكتب في الدعوة الإسماعيلية، ولكن هناك فئة من الباحثين اعتبروا هذه الكتب هي المرحلة الأخيرة والكشف الأكبر، وراحوا على ضوئها يخطئون ما كتبه الأسلاف وما نقلوه من وثائق عنهم ويغالطون في وقائع التاريخ اغتراراً أو تغريراً، مع أن القوم لم يبرحوا من عزلتهم ولم يخرجوا عن باطنيتهم وزاد نشاطهم في هذا العصر ولهم جامعات في الهند لتخريج دعاة يبعثونهم إلى شتى البلدان لنشر الدعوة فيها على مراحل مدروسة.   (1) «الفهرست» ابن النديم: (ص 267 - 268) . (2) انظر: «الفرق بين الفرق» : ص 298 وما بعدها. (3) انظر: «فضائح الباطنية» : ص 21 وما بعدها. (4) وهو في القسم المخطوط من «نهاية الأرب» للنويري وقد نقله عبد الرحمن بدوي في «مذاهب الإسلاميين» عن نسخة مخطوطة للكتاب. انظر: «مذاهب الإسلاميين» : (2/176- 177) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 الزيدية وهم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (1) وسموا بالزيدية نسبة إليه (2) ، وقد افترقوا عن "الإمامية" "الرافضة" حينما سئل زيد عن أبي بكر وعمر فترضى عنهما فرفضه قوم، فسموا رافضة لرفضهم إياه، وسمي من لم يرفضه من الشيعة زيدية لانتسابهم إليه، وذلك في آخر خلافة هشام سنة إحدى وعشرين أو اثنتين وعشرين ومائة (3) . والزيدية كما يقول الشهرستاني: (ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة رضي الله عنها ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرهم، إلا أنهم جوزوا أن يكون كل فاطمي عالم شجاع سخي خرج بالإمامة أن يكون إماماً واجب الطاعة، سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين رضي الله عنهما، وجوزوا إمامة المفضول مع وجود الأفضل) (4) . والزيدية «يوافقون المعتزلة في العقائد» (5) لأن زيد بن علي   (1) «الملل والنحل» : (1/154) ، وانظر: «مقدمة البحر الزخار» : ص 40. (2) انظر: «الرسالة الوازعة» يحيى بن حمزة اليمني: ص 28، وانظر: الأشعري: «مقالات الإسلاميين» : (جـ1/ص 136) . وانظر: السمعاني: «الأنساب» : (6/365) ، ابن الأثير: «اللباب» : (1/517) . (3) «منهاج السنّة» : (1/21) ، وانظر: «الرسالة الوازعة» : (ص 17- 18) . (4) «الملل والنحل» : (1/154- 155) . (5) «العلم الشامخ» المقبلي: ص 319. وقال الرازي في «المحصل» أن مذهبهم في الأصول قريب من مذهب المعتزلة. «المحصل» : ص 248. أما الشهرستاني فيقول: أما في الأصول فيرون رأي المعتزلة حذو القذة بالقذة. «الملل والنحل» : (1/162) . = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 تتلمذ في الأصول على واصل بن عطا (1) . ومذهب الزيدية المعتدلة أو الزيدية الحقيقية في الصحابة هو الترضي عنهم كما ينقل ذلك ابن الوزير (2) عن "الإمام الكبير المنصور بالله" (3) ، إذ قال في الرسالة الإمامية في الجواب عن المسائل التهامية: فأما ما ذكره المتكلم عنا من تضعيف آراء الصحابة فعذرنا أنهم أشرف قدراً، وأعلى أمراً، وأرفع ذكراً من أن تكون آراؤهم ضعيفة، أو موازينهم في الشرف والدين خفيفة، فلو كان كذلك لما اتبعوا   = المعتزلة: سموا بذلك لاعتزال واصل بن عطاء وبعض أتباعه مجلس الحسن البصري فقال الحسن: (اعتزل عنا واصل) ، فسمي هو وأصحابه معتزلة. وقال البغدادي: إن أهل السنّة هم الذين دعوهم معتزلة لاعتزالهم قول الأمة بأسرها في مرتكب الكبيرة من المسلمين وتقريرهم أنه لا مؤمن ولا كافر بل هو في منزلة بين منزلتي الإيمان والكفر، وقيل غير ذلك في سبب تسميتهم. وقيل إن واصل بن عطاء هو الذي وضع أصول مذهب المعتزلة وتابعه عمرو بن عبيد، فلما كان زمن هارون الرشيد صنف لهم أبو الهذيل كتابين، وبين مذهبهم، وبنى مذهبهم على الأصول الخمسة التي سموها: العدل، والتوحيد، وإنفاذ الوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولبّسوا فيها الحق بالباطل.. انظر في هذا الموضوع: ابن المرتضي «المنية والأمل» : ص 15، 122، «الفرق بين الفرق» : ص 20، «شرح العقيدة الطحاوية» : (ص 588 - 589) ، زهدي جار الله: «المعتزلة» . (1) «الملل والنحل» : (1/155) . (2) محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضي بن الهادي اليماني المعروف بابن الوزير. ولد تقريباً سنة 765هـ باليمن وتعلم بصنعاء وصعدة ومكة وتوفي بصنعاء سنة 840هـ. ومن مصنفاته: «العواصم من القواصم في الذب عن سنة أبي القاسم» ، وغيره. «السخاوي» : «الضوء اللامع» : (6/272) . (3) عبد الله بن حمزة بن سليمان بن حمزة اليمني (المنصور بالله) ، من أئمة الزيدية باليمن، من تصانيفه: «الشافي في أصول الدين» : في 4 مجلدات، توفي سنة 614هـ. انظر: «الأعلام» : (4/213) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومالوا عن إلف دين الآباء والأتراب والقرباء إلى أمر لم يسبق لهم به أُنس، ولم يسمع له ذكر، شاق على القلوب، ثقيل على النفوس. فهم خير الناس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعده فرضي الله عنهم وجزاهم عن الإسلام خيراً - إلى قوله - فهذا مذهبنا لم نكتم سواه تقية وكيف وموجبها زائل ومن هو دوننا مكاناً وقدوة يسب ويلعن ويذم ويطعن ونحن إلى الله سبحانه من فعله براء، وهذا ما يقضي به علم آبائنا منا إلى علي عليه السلام - إلى قوله - وفي هذه الجهة من يرى محض الولاء بسب الصحابة رضي الله عنهم والبراءة منهم فتبرأ من محمد (من حيث لا يعلم (1) . ويقول.. المقبلي (2) : (إن الزيدية ليسوا من الرافضة بل ولا من غلاة الشيعة في عرف المتأخرين (3) ولا في عرف السلف (4) . فإنهم الآن مستقر مذهبهم الترضي على عثمان وطلحة والزبير وعائشة - رضي الله عنهم - فضلاً عن الشيخين) (5) . ولكن في الزيدية من هو رافضي ومذهبه في الصحابة كمذهب الرافضة كطائفة الجارودية، ولهذا رأينا شيخ الرافضة في القرن الرابع "المفيد" ينظمهم في سلك التشيع (بمعنى الرفض) ويخرج ما عداهم   (1) ابن الوزير: «الروض الباسم» : (ص 49 - 50) . (2) صالح بن مهدي بن علي بن عبد الله بن سليمان.. المقبلي ثم الصنعاني ثم المكي، ولد سنة 1047هـ، وأخذ العلم عن جماعة من كبار علماء اليمن، وبرع في علوم الشريعة وغيرها، توفي بمكة سنة 1108هـ ومن مؤلفاته: «العلم الشامخ» وغيره. انظر: الشوكاني: «البدر الطالع» : (1/288 - 292) . (3) و (4) انظر: ص 129 من هذه الرسالة. (5) المقبلي: «العلم الشامخ» : ص 326. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 من فرق الزيدية من شمول اسم التشيع لهم (1) - كما أشرنا إلى ذلك - ولقد أصبحت فئة الجارودية في فترة من الفترات هي الممثلة للزيدية ولا يوجد غيرها، كما يذكر صاحب «الحور العين» حصول ذلك في زمنه حيث قال: (وليس باليمن من فرق الزيدية غير الجارودية وهم بصنعاء وصعدة وما يليهما) (2) . ويذكر الشهرستاني: (أن أكثر الزيدية طعنت في الصحابة طعن الإمامية) (3) . ويذكر المقبلي: (أن الزيدية ليست لهم قاعدة محددة فإنهم أحياناً يطعنون في بعض خيار الصحابة كأبي هريرة وجرير البجلي وأم المؤمنين حبيبة (لأنهم رووا ما يخالف هواهم، وإذا جاءهم الحديث على ما يوافق هواهم قبلوه من طريق ذلك الصحابي وإن كان أقل فضلاً ورتبة ممن طعنوا فيه) (4) . ويتحدث المقبلي: (أنه قد سرى داء الإمامية في الزيدية في هذه الأعصار حتى تظهر جماعة مح (5) مذهب الإمامية، وهو تكفير الصحابة ومن تولاهم - صانهم الله تعالى - (6) ولعل هذه الظاهرة - اعتناق الزيدية لمذهب الرفض - هي التي جعلت بعضهم يقول: جئني بزيدي صغير أخرج لك منه رافضياً كبيراً) (7) .   (1) المفيد: «أوائل المقالات» : ص 40. (2) نشوان الحميري: «الحور العين» : ص 56. (3) «الملل والنحل» : (1/157) . (4) المقبلي: «الأرواح النوافح» (ذيل العلم الشامخ) : (ص 693 - 694) بتصرف. (5) المح (بالضم) خالص كل شيء. «القاموس» : مادة مح. (6) المقبلي: «العلم الشامخ» : ص 88. (7) المصدر السابق: ص 111. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 ومن عقائد الزيدية قولهم: (بعصمة فاطمة وعلي والحسين) (1) . ويقول يحيى بن حمزة بن علي الهاشمي اليمني (2) : (بأن معظم فرق الزيدية يقولون بالنص على إمامة الثلاثة علي وولديه، واعتقاد ثبوت إمامة من عداهم من أولادهما بالدعوة) (3) . ومسألة "العصمة والنص" هي كالطعن في الصحابة، كلها من أدواء الإمامية التي استشرت في بعض فرق الزيدية، والبعض الآخر يخالفهم في هذا كالسليمانية والصالحية والبترية الذين يقولون: الإمامة شورى ويجوزون إمامة المفضول مع وجود الأفضل (4) ، كما أن القائلين بالنص والعصمة يخالفون من ينتسبون إليه وهو الإمام زيد الذي لم يقل بالنص (5) كما لم يقل بالعصمة (6) .   (1) «البحر الزخار» : ص 96، وانظر: «العلم الشامخ» : ص 386، وفي كتاب «نصرة مذاهب الزيدية» للصاحب بن عباد المتوفى سنة 385هـ ما يشير إلى أن القول بالعصمة هو مذهب لبعض الزيدية. انظر «نصرة المذاهب الزيدية» : (ص 164- 169) ومعنى هذا أن القول بالعصمة قد استشرى بالزيدية مع امتداد الزمن حتى شمل معظمهم. (2) يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم الحسيني العلوي الطالبي من أكابر أئمة الزيدية، من تصانيفه: «الرسالة الوازعة» ، «الإفحام لأفئدة الباطنية الطغام» وغيرها. توفي سنة 745هـ، وكان مولده سنة 669هـ. انظر: «البدر الطالع» : (2/331) ، «الأعلام» : (9/174- 175) . (3) «الرسالة الوازعة» : ص 28. (4) «الملل والنحل» الشهرستاني: (1/159- 161) . (5) انظر كلام زيد في «الملل والنحل» للشهرستاني في أن علياً وإن كان الأفضل، إلا أن المصلحة في تولية أبي بكر، فلو كان ثمة نص لم تراع المصلحة تلك. انظر: «الملل والنحل» : (1/155) . وانظر: «الإمام زيد» لأبي زهرة: (ص 184- 185) . (6) انظر: «الإمام زيد» لأبي زهرة: ص 188. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 فرق الزيدية اختلف أصحاب «المقالات والفرق» في عدد فرق الزيدية، فالقمي لا يذكر سوى فرقتين هما: الضعفاء والأقوياء (1) وكذا النوبختي (2) ، بينما الأشعري يذكر لهم ست فرق هي: الجارودية، والسليمانية، والبترية، والنعيمية، ولا يذكر اسم الفرقة الخامسة ويذكر مذهبها فقط، ثم اليعقوبية (3) ، أما البغدادي فلا يذكر سوى ثلاث فرق منها وهي: الجارودية، والسليمانية والبترية (4) ، وكذلك الحال عند الشهرستاني الذي قال: هم أصناف ثلاثة: جارودية، وسليمانية، وبترية. والصالحية منهم والبترية على مذهب واحد (5) . وكذلك الحال عند الرازي (6) ، ونشوان الحميري (7) ، أما الملطي فيجعلهم أربع فرق ولا يسمي هذه الفرق باستثناء واحدة يطلق عليها اسم "معتزلة بغداد" (8) .   (1) القمي: «المقالات والفرق» : ص 73. (2) النوبختي: «فرقة الشيعة» : ص 50. (3) الأشعري: «مقالات الإسلاميين» : (1/140- 145) . (4) البغدادي: «الفرق بين الفرق» : ص 22. (5) الشهرستاني: «الملل والنحل» : (1/157) . (6) الرازي: «اعتقادات فرق المسلمين والمشركين» : (ص 77- 78) . (7) نشوان الحميري: «الحور العين» : ص 155. (8) الملطي: «التنبيه والرد» : (ص 33- 34) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 بينما البرسي (1) يذكر خمس عشرة فرقة للزيدية بأسمائها (2) ولم أجد من وافقه على هذا التقسيم وهذا العدد من أصحاب الفرق والمقالات، كما أن البرسي غير موثوق لما ينقله من أباطيل وخرافات في كتبه فلا نشتغل بعرض ما ذكر. أما عن مذاهب هذه الفرق فإننا ذكرنا مذهب معظم الزيدية على سبيل الإجمال، أما العرض التفصيلي لمذاهب تلك الفرق فإننا سنكتفي بما كتبه علامة اليمن أبو سعيد نشوان الحميري (ت 573هـ) عن مذاهب الفرق الزيدية على حسب تقسيمه ـ ولا يخفى أصالة هذا المرجع باعتبار أن اليمن من مراكز الزيدية ونشوان من كبار علماء اليمن ـ يقول: (وافترقت الزيدية ثلاث فرق: بترية، وجريدية، وجارودية، فقالت البترية: إن عليّاً عليه السلام كان أفضل الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأولاهم بالإمامة، وأن بيعة أبي بكر وعمر ليست بخطأ لأن علياً (سلم لهما ذلك بمنزلة رجل كان له حق على رجل فتركه له، ووقفت في أمر عثمان، وشهدت بالكفر على من حارب عليّاً. وسموا البترية لأنهم نسبوا إلى كثير النوى وكان كثير يلقب بالأبتر) (3) .   (1) البرسي من "الإمامية" الرافضة فضلاً عن أنه من غلاتهم كما يبدو من كتابه «مشارق أنوار اليقين» ، وهو غير ثقة في معلوماته، ونحكم بهذا بناء على ما أورده في كتابه «مشارق أنوار اليقين» من آراء غريبة وخرافات عجيبة حتى قال عنه محسن الأمين (من مراجع الشيعة المعاصرين) : (إن في طبعه شذوذاً) . «أعيان الشيعة» : (31/196) . (2) البرسي: «مشارق أنوار اليقين» : ص 210. (3) في «المقالات» للأشعري: (1/144) - ذكر أن البترية هم أصحاب الحسن بن صالح بن حي، وأصحاب كثير النوي، ولم يذكر لهم سوى هذا الاسم، بينما الشهرستاني أشار إلى اسم آخر وهو "الصالحية" نسبة للحسن بن صالح بن حي واعتبرهما فرقة واحدة لأن مقالتهما واحدة. «الملل والنحل» : (1/161) . ووقع في الخطط للمقريزي خلط بين الاسمين: كثير، والحسن، ولعل ذلك تصحيف من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وقالت الجريرية: (إن عليّاً كان الإمام بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن بيعة أبي بكر وعمر كانت خطأ لا يستحقان عليه اسم الكفر ولا اسم الفسوق، وأن الأمة قد تركت الأصلح، وبرئت من عثمان - (- بسبب إحداثه، وشهدت عليه وعلى من حارب عليّاً بالكفر) (1) . وقالت الجارودية (2) : (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نص على علي - رضي الله عنه - بالإشارة والوصف دون التسمية والتعيين، وأنه أشار إليه ووصفه بالصفات التي لا توجد إلا فيه، وأن الأمة ضلت وكفرت بصرفها الأمر إلى غيره، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نص على الحسن والحسين عليهما السلام بمثل نصه على علي. ثم الإمام بعد هؤلاء الثلاثة ليس بمنصوص عليه ولكن الإمامة شورى بين الأفاضل من ولد الحسن والحسين ممن شهر منهم سيفه، ودعا إلى سبيل ربه، وباين الظالمين وكان صحيح النسب من هذين البطنين وكان عالماً زاهداً شجاعاً فهو الإمام) .   = النساخ - جاء فيها: ومنهم البترية أصحاب الحسن بن صالح بن كثير الأبتر. «الخطط» : (2/352) وصحتها أصحاب الحسن بن صالح وكثير الأبتر. وانظر في كثير: «ميزان الاعتدال» : (3/402 -411) . وفي «المقالات» للأشعري: (1/144) أن من مذهبهم أيضاً: أنهم ينكرون رجعة الأموات، ولا يرون لعلي إمامة إلا حين بويع. (1) هذه الفرقة التي سماها نشوان بـ "الجريرية" هي التي سماها كثير من أصحاب الفرق والمقالات بالسليمانية كالأشعري، «مقالات الإسلاميين» : (1/143) ، والشهرستاني: «الملل والنحل» : (1/159) وغيرهما، وقد سماها صاحب الخطط كتسمية نشوان بـ "الجريرية"، «الخطط» : (2/352) ، وقد نص صاحب «الفرق بين الفرق» : ص 32 أنها تسمى بالجريرية أو السليمانية، أي كلا الاسمين مستعمل، ذلك أن الفرقة تنسب إلى "سليمان بن جرير الزيدي". (2) وهم أتباع المعروف بأبي الجارود «الفرق بين الفرق» : ص 30، واسمه زياد بن أبي = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 وافترقت الجارودية في نوع آخر ثلاث فرق: (أ) فزعمت أن محمد بن عبد الله بن الحسين المعروف بالنفس الزكية لم يمت ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً، وأنه القائم المهدي المنتظر عندهم، وكان محمد بن عبد الله خرج على المنصور فقتل بالمدينة. (ب) وفرقة زعمت أن محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب حي لم يمت ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً وأنه المهدي المنتظر عندهم. وكان محمد بن القاسم هذا خرج على المعتصم.. فأسره المعتصم فلم يدر بعد ذلك كيف كان خبره. (ج) وفرقة زعمت أن يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب حي لم يمت، وأنه القائم المهدي المنتظر عندهم ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً. وكان يحيى بن عمر هذا خرج على المستعين فقتل بالكوفة (1) . يقول عبد القاهر البغدادي عن هذه الفرق الثلاث إنها: (اجتمعت على القول بأن أصحاب الكبائر من الأمة يكونون مخلدين   = زياد، «تاج العروس» : (2/318) ، وفي «تهذيب التهذيب» : (3/386) اسمه زياد بن المنذر الهماني ويقال: الهندي ويقال: الثقفي، أبو الجارود الأعمى الكوفي، وقال عنه أبو حاتم: (كان رافضياً يضع الحديث في مثالب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و (ويروي في فضائل أهل البيت (أشياء ما لها أصل، لا يحل كتب حديثه.. وهو من المعدودين من أهل الكوفة الغالبين) «المصدر السابق» وكذا ورد اسمه زياد بن المنذر في «فرق الشيعة» : ص 48. (1) أبو سعيد نشوان الحميري: «الحور العين» : (ص 155- 156) .. وقال في نهاية كلامه عن فرق الزيدية بأن هذه رواية أبي القاسم البلخي عن الزيدية، وفي «الرسالة الوازعة» ليحيى بن حمزة اليمني توفي سنة 749هـ أن من أراد التوسع في موضوع الزيدية فليرجع إلى كتاب «المقالات» لأبي القاسم البلخي، أو كتاب «العيون» للحاكم أبي سعيد، «الرسالة الوازعة» : ص 34، وانظر: «مقالات الإسلاميين» : (1/136) وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 في النار، فهم من هذا الوجه كالخوارج (1) ، كما أن هذه الفرق يكفر بعضها بعضاً؛ فالبترية والسليمانية يكفرون الجارودية من الزيدية لإقرار الجارودية على تكفير أبي بكر وعمر، والجاردوية يكفرون السليمانية والبترية لتركهما تكفير أبي بكر وعمر) (2) . لكن ما ذكره أصحاب الفرق والمقالات عن هذه الفرق الثلاث لا يتفق مع ما تقدم نقله عن بعض الزيدية من معتقد حسن في الصحابة، فلعل ما ذكرناه أولاً هو اتجاه لفرقة أخرى من الزيدية، ولعلها هي الأصل وهي الفرقة التي ذكرها الملطلي - وقد ذكر للزيدية أربع فرق - حيث قال: (والفرقة الثالثة من الزيدية: يقولون أن الأمة ولت أبا بكر (اجتهاداً لا عناداً، وقصدوا فأخطأوا في الاجتهاد، وولوا مفضولاً على فاضل فلا شيء عليهم، وإنما أخطأوا في ذلك ولم يتعمدوا) . وهذه الفرقة لم يتبرؤوا ولم يكفروا أحداً، وتولوا وهم أصحاب سمت يظهرون زهداً وعبادة وخيراً، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر (3) ،.. وهم الذين عناهم ابن حزم بقوله: (وأقرب مذاهب الشيعة إلى أهل السنّة المنتمون إلى أصحاب الحسن بن صالح بن حي الهمذاني الفقيه، القائلون بأن الإمامة في ولد علي - رضي الله عنه -، والثابت عن الحسن بن صالح رحمه الله هو قولنا: إنَّ الإمامة في جميع قريش وتولي جميع الصحابة (، إلا أنه كان يفضل عليّاً على جميعهم) (4) . وهؤلاء أحق بالانتساب إلى زيد.   (1) «الفرق بين الفرق» : ص 34. (2) المصدر السابق: ص 34. (3) الملطي: «التنبيه والرد» : ص 34. (4) «الفصل» : (2/106) وانظر: (4/111) من المصدر السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 الرافضة وهم الذين يُسمَّوْن بالجعفرية، وبـ «الإمامية الإثني عشرية» ، كما يسمون بالرافضة. ويرى بعض الباحثين أن مصطلح "الشيعة" إذا أُطلق فلا ينصرف إلا إليهم، وغيرهم إما إسماعيلية أو زيدية. وأقول بهذا الرأي لأن مصادر الشيعة الإثني عشرية في التلقي قد استوعبت كثيراً من الآراء والأصول التي قالت بها الفرق الشيعية الأخرى، فأصبحت بذلك الوجه للشيعة. والعبرة بالمعتقد لا بالاسم، وسيأتي توضيح هذه المسألة (1) . وهم يسمون بالإمامية؛ لأنهم قالوا بوجوب الإمامة ووجودها في كل زمان (2) ، فالإمامية علم على من دان بوجوب الإمامة ووجودها في كل زمان، وأوجب النص الجلي والعصمة والكمال لكل إمام، ثم حصر الإمامة في ولد الحسين بن علي، وساقها إلى الرضا علي بن موسى (3) . ويسمون بالاثني عشرية، لأنهم يقولون بأن الأئمة بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - اثنا عشر إماماً (4) وهم: علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري والمهدي المنتظر (5) .   (1) في موضوع "النتيجة". (2) و (3) «أوائل المقالات» المفيد: ص 44. (4) المصدر السابق: ص 45. (5) «الشيعة في الميزان» محمد جواد مغنية: ص 34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 ويسمون بـ "الجعفرية" نسبة إلى جعفر الصادق - إمامهم السادس كما يقولون - وهو من باب التسمية للعام باسم الخاص. روى الكشي أن شيعة الصادق في الكوفة سموا بالجعفرية (1) . وأما تسميتهم بـ «الرافضة» ، فقد ورد في (البحار) للمجلسي - وهو أحد مراجعهم الحديثية المتأخرة - أربعة أحاديث في مدح التسمية بـ "الرافضة" (2) ، وكأنهم أرادوا تطييب نفوس أتباعهم بتحسين هذا الاسم لهم. ولكن في هذه الأحاديث ما يفيد أن الناس بدأوا يسمونهم بالرافضة من باب الذم لا المدح. ولا تجيب هذه المصادر الشيعية عن سبب تسمية الناس لهم بهذا الاسم على سبيل الذم والسب لهم (3) ، ولكن كتب الفرق غير الشيعية تذكر أن ذلك   (1) «الرجال» : ص 65 طبعة بمببي 1317هـ. (2) وهذه الأحاديث المزعومة موجودة في باب سموه (باب فضل الرافضة ومدح التسمية بها) في كتابهم «البحار» ومنها: عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر (: جعلت فداك، اسم سمينا به استحلت به الولاة دماءنا وأموالنا وعذابنا، قال: وما هو؟ قال: الرافضة، فقال جعفر: (إن سبعين رجلاً من عسكر موسى عليه السلام، لم يكن في قوم موسى أشد اجتهاداً وأشد حباً لهارون منهم فسماهم قوم موسى الرافضة، فأوحى الله إلى موسى أن أثبتُّ لهم هذا الاسم في التوراة فإني نحلتهم، وذلك اسم قد نحلكموه الله) «البحار» المجلسي: (68/96- 97) . (3) هناك رواية شيعية تفيد أن اسم الرافضة أطلقته فرقة شيعية غالية على فرقة شيعية معتدلة، قال سعد القمي: (لما توفي أبو جعفر الباقر افترقت فرقته فرقتين: فرقة منها قالت بإمامة محمد بن عبد الله بن الحسن بن حسين بن علي بن أبي طالب.. وكان المغيرة بن سعيد قال بهذا القول لما توفي أبو جعفر محمد بن علي وأظهر المقالة بذلك، فتبرئت منه الشيعة ـ شيعة جعفر بن محمد ـ ورفضوه ولعنوه، فزعم أنهم رافضة وأنه هو الذي سماهم بهذا الاسم) «المقالات والفرق» : (ص 76- 77) ، وقد قال أحد الشيعة المعاصرين عن هذه الرواية: (إنها ضعيفة لا تصمد للنقد لأن رفض الشيعة المعتدلين للمغيرة أمر طبعي لأنه من الغلاة، فلا موجب لحنق الشيعة من تسمية أطلقها عليهم أحد الغلاة، ولا موجب أيضاً لأن يستحل السلطان دماء الشيعة..) عبد الله فياض: «تاريخ الإمامية» : ص 75. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 لأسباب تتعلق بموقفهم من خلافة الشيخين ورفضهم لها. يقول أبو الحسن الأشعري: وإنما سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر (1) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد نقله لرأي الأشعري هذا: (قلت: الصحيح أنهم سموا رافضة لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما خرج بالكوفة أيام هشام بن عبد الملك) (2) . وهذا الرأي لابن تيمية يعود لرأي الأشعري لأنهم ما رفضوا زيداً إلا لما أظهر مقالته في الشيخين ومذهبه في خلافتهما، فالقول بأنهم سموا رافضة لرفضهم زيداً أو لرفضهم مذهبه ومقالته مؤداه - في نظري - واحد. ولكن شيخ الإسلام راعى في التصويب والتفريق المسألة التاريخية لظهور لقب الرافضة وارتباطه بتلك الحقبة. وهذه الفرقة تسلك مسلك المعتزلة في عقائدها وتنفرد بعقائد وآراء في الإمامة، والصحابة، والقول بالرجعة، والغيبة وغيرها، وبمصادر خاصة بها تتلقى منها عقائدها ودينها - كما سيأتي -. وهذه الطائفة هي الفرقة الشيعية الكبرى في عالمنا اليوم ولها أتباعها وأنصارها في إيران ولهم في الدولة وفي العراق، والقطيف ولبنان والكويت وباكستان والهند (3) وليس في مصر ولا في شمال أفريقية شيعة (4) .   (1) «مقالات الإسلاميين» : (1/89) وانظر في سبب التسمية بالرافضة أيضاً: الشهرستاني «الملل والنحل» : (1/155) ، «اعتقادات فرق المسلمين والمشركين» : ص 77، الإسفراييني: «التبصير في الدين» : ص 34، وهناك رأي يقول: (إنما سموا الروافض لكونهم رفضوا الدين) هامش «مقالات الإسلاميين» : (1/89) . (2) «منهاج السنّة» : (2/130) الطبعة الأميرية. (3) محمد جواد مغنية: «أهل البيت» : ص 101. (4) علي النشار: «نشأة الفكر الفلسفي» : (2/28) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 أما بالنسبة لعددهم فلم أجد إحصائية رسمية لهم، وهناك دعاوى من الشيعة مختلفة حول عددهم فمن قائل: إنهم يقربون من سبعين مليوناً (1) ومن قائل: إنهم مائة مليون (2) ومن زاعم: أنهم يقدرون بمائتي مليون (3) . والواقع أن الشيعة يحاولون المبالغة في أعدادهم كنوع من الدعاية لمذهبهم، كما يحاولون نسبة الشخصيات الإسلامية البارزة إليهم. وهذه الطائفة هي التي نشطت في الدعوة إلى التقريب، وأنشأت بعض المراكز في ديار السنة لهذا الغرض، وأرسلت بعوثها ورسلها إلى ديار السنّة للمناداة بهذه "الفكرة". وهذه هي الفرقة التي ادعى علماؤها أنه لا يفصلهم عن أهل السنّة كبير شيء، وإنما خلافهم معهم في مسائل الفروع. يقول محمد حسين آل كاشف الغطا (4) : (الشيعة ما هم إلا طائفة من طوائف المسلمين ومذهب من مذاهب الإسلام، يتفقون مع سائر المسلمين في الأصول وإن اختلفوا معهم في بعض الفروع) (5) وردد هذا الكلام بعض أهل السنّة (6) ، بناء على كلام الشيعة، وأصدر شلتوت فتواه   (1) محمد جواد مغنية: «أهل البيت» : ص 101. (2) محمد المهدي الشيرازي: «هكذا الشيعة» : ص 4، عبد الواحد الأنصاري: «أضواء على خطوط محب الدين الخطيب» : ص 13. (3) الخميني: «الحكومة الإسلامية» : ص 132. (4) محمد حسين كاشف الغطا، من كبار شيوخ الشيعة ومراجعهم المعاصرين، ولد بالنجف سنة 1294 هـ وتلقى علومه فيها، ومن تصانيفه: «أصل الشيعة وأصولها» ، «الدين والإسلام» وغيرها. توفي سنة 1373هـ. انظر: «معجم المؤلفين» : (9/250) ، ومقدمة كتاب «أصل الشيعة وأصولها» . (5) «رسالة الإسلام» ، السنة الأولى، العدد الأول: (ص 22- 23) . (6) انظر مثلاً: محمد الغزالي في عدة من كتبه: «ظلام من الغرب» : (ص 193- 195) ، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 بجواز التعبد بمذهبهم الجعفري (1) ، لأن الخلاف معهم إنما هو في بعض المسائل الكلامية كما يقول. فهل هذه الدعوى حقيقية؟ إن الإجابة على ذلك هي في الدراسة التالية لمصادر القوم في التلقي وعقائدهم وآرائهم من واقع كتبهم الأصيلة والموثقة عندهم، لنتعرف على أسس الخلاف وأوجهه بينهم وبين أهل السنّة من كتبهم نفسها، وتخصيصنا لهذه الطائفة بالدراسة التفصيلية لا لأنها هي الفرقة التي نشطت في الدعوة للتقريب بينهم وبين أهل السنّة فحسب، ولا لأنها الطائفة الشيعية الكبرى فحسب، بل فضلاً عن ذلك فإن بحث أوجه الخلاف بين الشيعة والسنة، ودراسة فكرة التقريب على ضوء ذلك لا بد وأن يعتمد على دراسة لمصادر التلقي عند كل فريق، وإننا نجد طوائف الشيعة: إما طائفة قد تقنعت واستترت بباطنيتها كالإسماعيلية، والدروز، والنصيرية وغيرها من طوائف الباطنية، وهي وإن تكشَّف للأمة كفرها وإلحادها على مرور الزمن، لكنها لا تزال تعيش في سراديب الكتمان والتخفي، فتلك الفئة لا سبيل إلى معرفة مصادرها وكتبها فكيف يمكن أن ندرس فكرة التقارب معها؟. وأما الزيدية المعتدلة فقد قال الإمام ابن حزم: (إنهم من أقرب فرق الشيعة لأهل السنة) (2) والاعتقادات الخطرة في المذهب الزيدي   = و «ليس من الإسلام» : (ص 76- 87) ، أنور الجندي: «الإسلام وحركة التاريخ» : (ص 430- 431) ، بل ذهب البعض من المنتمين لأهل السنّة إلى أبعد من ذلك ودعا إلى أن يأخذ أهل السنّة بما في كتاب «الكافي» للكليني وغيره من كتب الروافض. انظر: سالم البهنساوي: «السنة المفترى عليها» : (ص 58، 59) . (1) انظر: صورة الفتوى في «ملحق الوثائق» في هذا البحث. (2) انظر: ص 155 من هذا البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 إنما تعزى إلى الجارودية وهم يدخلون في "الروافض"، لأن العبرة بالمسمى لا بالاسم، والزيدية المعتدلة ترجع لمصادر الأمة في التلقي ويمكن أن يحل الخلاف على ضوئها - كما رأينا في مبحث الزيدية - فلم يبق أمامنا سوى الإثني عشرية "الرافضة"، وهي اليوم أصبحت معروفة بكتبها ومصادرها ويمكن التعرف عليها من خلال تلك المصادر. وذهب جمع من العلماء إلى أن مصطلح الشيعة إذا أُطلق اليوم فلا ينصرف إلا إلى هذه الطائفة - كما سبق - أَمثال كاشف الغطا (1) ، وشتروتمان (2) وأمير علي (3) وغيرهم. يقول أمير علي - مثلاً -: (أصبحت الإثني عشرية مرادفة للشيعة) (4) ولهذا يقول د. عرفان عبد الحميد: (إِن البحث في عقائد الشيعة من غير تحديد وحصر للمصطلح لا بد أن يعتمد على كتب الإثني عشرية الإمامية باعتبار أنها تمثل الغالبية من الشيعة) (5) . فلنبدأ دراستنا لهذه الطائفة وعقائدها من مراجعها الأصيلة (6) .   (1) آل كاشف الغطاء: «أصل الشيعة وأصولها» : ص 92 حيث قال: (يختص اسم الشيعة اليوم على إطلاقه بالإمامية) . (2) «دائرة المعارف الإسلامية» : (14/68) . (3) و (4) أمير علي «روح الإسلام» : (2/238) . (5) «مجلة كلية الدراسات الإسلامية» : العدد الأول 1387هـ ص 35. (6) وبناءً على ما سبق ذكره فإنني فيما يأتي من صفحات سأستخدم أحياناً "مصطلح الشيعة" بإطلاق كدلالة على طائفة الإثني عشرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 الفصل الثاني: اعتقادهم في مصادر التلقي أو في أصول الأحكام المتفق عليها بين المسلمين 1- اعتقادهم في كتاب الله: (أ) قولهم بتحريفه . (ب) انحرافهم في تفسيره. (ج) دعواهم تنزل كتب إلهية بعد القرآن. (أ) قولهم بتحريفه: أجمعت الأُمة على حفظ الله لكتابه العظيم، وأَنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وهو حجة الله الخالدة ومعجزة نبيه الكبرى، وقد تكفل الله سبحانه بحفظه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (1) وتحدى به الناس جميعاً، فمن حاول المساس به والنيل من قدسيته فإنه بعيد عن الإِسلام وإِن تسمى به، وإِنه يجب كشفه لتعرف الأُمة عداوته لأنه يحارب الإِسلام في أَصله العظيم وركنه المتين. إن دعوى "تحريف القرآن" هي محاولة يائسة من أعداء المسلمين تستهدف الطعن في دينهم وقرآنهم (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا   (1) الحجر: آية 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (1) ، ذلك أنهم حين لم يستطيعوا أن يحدثوا في كتاب الله أمراً لأنه فرق منالهم، وكانت سهامهم التي تصوب إليه ترتد إلى صدورهم، حينذاك ادّعوا أنّ في كتاب الله نقصاً وتحريفاً، وما أسهل الادّعاء الكاذب من حاقد موتور، وما كان لهذا "الادّعاء" وجود حتى نبتت نابتة الرافضة، وقام دينها على أسس ومبادئ ليس لها في كتاب الله ذكر وبيان، فلم يكن لها من بد إذا أَرادت إقامة مذهبها إِلا الطعن في القرآن ذاته. وكان تدبيرهم هذا من أسباب كشفهم وفضحهم بين المسلمين، فكانت قولتهم هذه في كتاب الله هي اليد التي رفعت "القناع" الذي يرتدونه بين المسلمين وهو التشيع لآل البيت، ليظهر وجههم الحقيقي المعادي للإسلام والمسلمين. وتقوم فريّتهم على القول بأَنّ هذا القرآن ناقص ومحرف، وإِن القرآن الكامل عند علي ابن أَبي طالب، ثم أَورثه (الأئمة من بعده وهو اليوم عند مهديّهم المنتظر) . وهذه المقالة الملحدة ممن يزعمون التشيع لعلي، فوق أَنها طعْنٌ في كتاب الله عزّ وجلّ ودينه، وطعن في صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـ هي مع ذلك أكبر طعن في علي - رضي الله عنه - من قوم يزعمون محبته والتشيع له، إذ كيف لم يخرج علي القرآن الكامل الذي جمعه - كما يزعمون - ويعارض به هذا القرآن المحرف؟، ولماذا لم يتدارك الأمر حين أفضت إليه الخلافة؟، ومن   (1) التوبة: آية 32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 أقر الخائن على خيانته كان كفاعلها.. وقد حارب علي الخوارج على أقل من هذا. لم يجد الروافض ما يجيبون به عن هذا سوى قولهم على لسان عالمهم "نعمة الله الجزائري" (1) : (ولما جلس أمير المؤمنين عليه السلام لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن وإخفاء هذا لما فيه من إظهار الشنعة على من سبقه) (2) . هكذا يعتذرون.. وأي قدح أَبلغ من هذا.. أَنهم يتهمون عليّاً (بأَنّه راعي المجاملة لمن سبقه على هداية الأمة، ولهذا لم يخرج ما عنده من القرآن. سبحانك هذا بهتان عظيم. هذه فحوى "الخرافة" التي وجدت مكانها في دواوين الشيعة ومجاميعهم الحديثية وكتبهم المعتمدة في عشرات من النصوص والروايات، وسنتعرف على هذه "الخرافة" عند القوم على المراحل التالية: 1- كتب الشيعة التي روت أَخبار التحريف. 2- النصوص الواردة في كتبهم حول هذه الفرية. 3- معتقدهم في هذه النصوص والروايات. 4- بداية هذا الافتراء عندهم.   (1) نعمة الله بن عبد الله بن محمد بن حسين الحسيني الجزائري الشيعي الإمامي، قال عنه الخوانساري: (كان من أعاظم علمائنا المتأخرين وأفاخم فضلائنا المتبحرين) ، وقال فيه محدثهم القمي: (كان عالماً محققاً مدققاً جليل القدر) - هذا وزن صاحب هذه المقالة الملحدة عندهم - ومن كتبه: «الأنوار النعمانية» وغيره توفي سنة 1112هـ. انظر: «روضات الجنات» : (4/220-222) ، «الكنى والألقاب» : (3/298) . (2) نعمة الله الجزائري: «الأنوار النعمانية» : (2/362) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 1- كتب الشيعة التي روت أَخبار التحريف: أَول كتاب للشيعة يسجل فيه هذا الافتراء هو "كتاب سليم بن قيس" الذي يعتبرونه "أَول كتاب ظهر للشيعة" (1) وأثنى عليه كثير من علماء الشيعة القدماء والمعاصرين، [وسيكون لنا وقفة مع هذا الكتاب في نهاية حديثنا عن "فرية التحريف" باعتباره أَول كتاب توجد فيه هذه الفرية] ، ومن كتاب سليم بن قيس تسري الفرية وتنتشر في أُمهات كتب الشيعة المعتمدة عندهم، حتى أن حسين النوري الطبرسي - وهو عندهم إِمام أَئمة الحديث والرجال في الأعصار المُتأخرة ومن أَعاظم علماء الشيعة في هذا القرن (ت 1320هـ) - نقل في كتابه "فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب" الذي أَلّفه ليثبت - من كتبهم - أنّ القرآن محرف، نقل فيه مجموعة كبيرة من أخبارهم التي تطعن في القرآن، جمعها كما يقول من (الكتب المُعتبرة التي عليها المعول وإليها المرجع عند الأَصحاب) (2) وقال في موضع آخر: (واعلم أَنّ تلك الأخبار منقولة عن الكتب المعتبرة التي عليها معول أَصحابنا في إِثبات الأَحكام الشرعية والآثار النبوية) (3) . فهذه الكتب التي ذكرت هذه "الأَخبار" الملحدة موثقة عندهم، ويتلقون عنها دينهم، ومنسوبة لكبار علمائهم ومحققيهم. ومن هذه الكتب "صحيحهم الكافي" الذي هو عندهم كصحيح البخاري عند أَهل السنة ويعتبرونه أَصحّ كتبهم (4) ؛ ويلقبون مؤلفه   (1) ابن النديم: «الفهرست» : ص 307، 308. يلاحظ أن هذه الرسالة كتبت عام 1398هـ. (2) «فصل الخطاب» : الورقة 117 (النسخة المخطوطة) . (3) المصدر السابق: الورقة 126. (4) لأنهم قالوا: (إن الكليني معاصر لوكلاء المهدي وسفرائه الأربعة) ، وبناءً على هذا حكموا بأن الأصول التي كانت منابع اطلاعات الكليني قطعية الاعتبار، لأن باب العلم واستعلام حال تلك الكتب بوسيلة سفراء القائم كان مفتوحاً عليه لكونه معهم في بلد واحد بغداد. انظر: «الوحدة الإسلامية» - مقال الشيعي محمد صالح الحائري بعنوان «منهاج عملي للتقريب» : ص 233. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 - محمد بن يعقوب الكليني [ت 328 أو 329]- بـ «ثقة الإسلام» ، وقد روى الكليني من هذه الأساطير الشيء الكثير (1) . مع أنه التزم الصحة فيما يرويه (2) ولهذا قرر الكاتبون عنه من الشيعة (أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن، لأنه روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ولم يتعرض لقدح فيها، مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه يثق بما رواه) (3) ، وقال بعض أَهل السنّة في تعليقه على ذلك: (ولنا أَن نقول إن رأينا فيمن ينقل هذا ويؤمن به أَنه لا يُعدّ من أهل القبلة) (4) ، (وكذلك أُستاذه علي بن إبراهيم القمي (5) فإنّ تفسيره مملوء منه وله غلو فيه) (6) وقد صرح بهذا المعتقد في أوّل   (1) انظر مثلاً من «الكافي» باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية من الجزء الأوّل ص 413، وما بعدها، الأرقام التالية: 8، 23، 25، 26، 27، 28، 31، 32، 45، 47، 58، 59، 60، 64، وانظر الجزء الثاني من «الكافي» باب أنّ القرآن يرفع كما أنزل: ص 619 رقم2، وباب النوادر: ص 627 وما بعدها رقم 2، 3، 4، 16، 23، 28 وهذه الروايات - في «الكافي» - صريحة في الطعن في كتاب الله، ولا يمكن حملها على أنها من قبيل القراءات أو التفسير.. (2) انظر مقدمة «الكافي» ، و «تفسير الصافي» المقدمة السادسة ص 14. (3) الفيض الكاشاني: «تفسير الصافي» المقدمة السادسة: ص 14. (4) وهو الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه «الصادق» : ص 440. (5) علي بن إبراهيم بن هاشم القمي (أبو الحسن) ، من مفسري الشيعة ومحدثيهم وفقهائهم، أخذ عنه الكليني. ومن آثاره: «تفسير القرآن» توفي 324هـ. ابن النديم: «الفهرست» : ص 311، الطوسي: «الفهرست» : ص 115. (6) الفيض الكاشاني: «تفسير الصافي» - المقدمة السادسة - وانظر من روايات القمي في الطعن في كتاب الله المواضع التالية: (1/360) ، (1/389) ، (1/211) ، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 تفسيره وملأ كتابه من أخباره، مع التزامه في أوله ألا يذكر فيه إلا مشايخه وثقاته (1) ، ومع ذلك فإن كبير علماء الشيعة اليوم "الخوئي" يوثق روايات القمي كلها؛ فيقول: (ولذا نحكم بوثاقة جميع مشايخ علي بن إبراهيم الذين روى عنهم في تفسيره مع انتهاء السند إلى أحد المعصومين) (2) . وتشاهد هذه الأساطير عند عالمهم محمد بن الحسن العياشي (3) في تفسيره المسمى "تفسير العياشي" (4) ، وهو من كتبهم المعتمدة (5) . وترى عالِمُهم النوري الطبرسي ينقل بعض النصوص التي تطعن في كتاب الله من كتب أخرى لهم قديمة ومنسوبة لعلمائهم الأوائل،   = (2/217) وغيرها، ومن تفسير القمي وغيره تنقل التفاسير المتأخرة هذه الأباطيل كـ «تفسير البرهان» لهاشم البحراني، و «تفسير الصافي» : للفيض الكاشاني وغيرهما. (1) الطبرسي: «فصل الخطاب» : الورقة 13. (2) أبو القاسم الخوئي: «معجم رجال الحديث» : جـ 1 ص 63. (3) محمد بن سعود العياشي (أبو النضر) ، عاش في أواخر القرن الثالث، قال عنه شيخهم الطوسي: (جليل القدر واسع الأخبار بصير بالروايات) .. - هذه منزلة صاحب هذا المعتقد الباطل عند القوم - انظر: الطوسي: «الفهرست» : (ص 163- 165) ، ومقدمة تفسير العياشي للطباطبائي. (4) ومن ذلك المواضع التالية: (1/13، 206، 168، 169) وغيرها. (5) قال عالمهم المعاصر محمد حسين الطباطبائي في شأنه: (أحسن كتاب أُلّف قديماً في بابه وأوثق ما ورثناه من قدماء مشايخنا من كتب التفسير بالمأثور.. فقد تلقاه علماء هذا الشأن منذ أُلّف إلى يومنا هذا - ما يقرب من أحد عشر قرناً - بالقبول، من غير أن يذكر بقدح أو يغمض فيه بطرف) مقدمة حول الكتاب ومؤلفه ص ج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 مثل "الغيبة" لمحمد بن إبراهيم النعماني (1) وغيره (2) ، بل يزعم الطبرسي أن بعض نصوص التحريف توجد في بعض نسخ نهج البلاغة التي وضعها "الشريف الرضي" و (الشيعة.. متفقون على أن ما في نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين علي اعتماداً على رواية الشريف ودرايته ووثاقته) (3) هكذا يقولون، مع أن براهين الوضع على الكتاب بينة واضحة في متنه وسنده وكما قرر ذلك المحققون (4) . هذه بعض كتبهم المتقدمة - كما يزعمون - والتي روت أخبار التحريف، ولكن عالم الشيعة في القرن الرابع وصاحب أحد صحاحها الأربعة شيخهم الذي يلقبونه بـ "الصدوق" محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الذي يصفونه بـ "رئيس المحدثين" (ت 381هـ) يقول: (اعتقادنا في القرآن أنه ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس وليس بأكثر من ذلك، ومن نسب إلينا أنا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب) (5) .   (1) هو: محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب البغدادي النعماني (أبو عبد الله بن أبي زينب) ، من مفسري الشيعة ومحدثيهم ومتكلميهم، أخذ عنه الكليني من كتبه: «تفسير القرآن» ، «الغيبة» وغيرهما. انظر: «مقدمة الغيبة» ، «تهذيب المقال» : ص 56، «معجم المؤلفين» : (8/195) . (2) انظر: الطبرسي: «فصل الخطاب» : الورقة 119. (3) الهادي كاشف الغطا: «مستدرك نهج البلاغة» : ص 190. (4) انظر في بيان وضع الكتاب على علي - رضي الله عنه -: الذهبي: «ميزان الاعتدال» : (1/124) ، ابن حجر: «لسان الميزان» : (4/223) ، أحمد أمين: «فجر الإسلام» : (ص 148- 149) ، «المقتطف» : (جـ42/ص248-252) سنة 1331هـ، أحمد صفوت: «ترجمة علي بن أبي طالب» : (ص122) وما بعدها. (5) «الاعتقادات للصدوق» : عن كتاب محسن الأمين: «الشيعة» : ص 161. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 فصدوقهم يكذّب إبراهيم القمي والكليني، والعياشي وغيرهم بهذا الكلام الذي يقرره، وقد يؤخذ من "شهادة الصدوق" هذه شيء مهم في هذا؛ وهو أنّ تلك الكتب المنسوبة لأوائل الشيعة والتي حوت تلك الفرية قد زيد فيها وأُضيفت إليها تلك الزندقة وذلك الباطل فيما بعد، ذلك أن صدوقهم لم يقل بوجود هذه الروايات في تلك الكتب وأن هذا الباطل مذهب التقية وكلتا الحالتين شر. والغريب أن هذه "الفرية" لم تسلم منها بعض الكتب المنسوبة للصدوق الذي ينفي التحريف حيث نرى بعض هذه الروايات في كتاب الخصال للصدوق (1) ، فهل هي مدسوسة في كتابه أم أنّ هذه قرينة على أن الإنكار من قبيل التقية (2) ؟!. وهذه الزندقة تسري في كتبهم وتنتشر، فبعض رواياتها موجودة أيضاً في رجال الكشي (3) الذي هو عندهم عمدة في علم الرجال (4) ورجال الكشي الموجود اليوم ليس هو الأصل الذي وضعه الكشي، بل هو من تهذيب الطوسي (مؤلف كتابين من صحاحهم الأربعة توفي 460هـ) الملقب عندهم بشيخ الطائفة، فهذا الافتراء رواه الكشي ولم يحذفه الطوسي وهو يهذب الكتاب، فهل هذا قبول له؟ لكن الطوسي ينكر هذا الضلال في تفسيره "التبيان" (5) ، غير أن عالِمهم النووي الطبرسي يزعم   (1) انظر: «الخصال» : ص 174. (2) وهذا ما يراه بعض علماء الشيعة الذين يجاهرون بهذا المعتقد الخبيث كنعمة الله الجزائري - كما سيأتي-. (3) انظر من «رجال الكشي» - مثلاً -: ص 290 رقم511 (ترجمة أبي الخطاب) . (4) انظر مقدمة «رجال الكشي» . (5) الطوسي: «التبيان» : (1/3) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 أن تفسير التبيان موضوع على غاية الحذر والمداراة للمخالفين (1) ـ أي على أسلوب التقية ـ ويحكم عليه بهذا الحكم لأنه لم يوافق معتقده الباطل في كتاب الله، وينقل من بعض كتب الطوسي ما يمس كتاب الله (2) وذلك ليثبت أن إنكاره تقية، ويعزو إنكاره مرة أُخرى لهذه الفرية إلى قلة تتبعه الناشىء كما يقول من عدم توفر الكتب عنده (3) . والشريف المرتضي (4) - وهو شيعي - ينكر هذه الضلالات التي شملت كتب الشيعة في جواب المسائل الطرابلسيات (5) ، ولهذا استثناه ابن حزم من القائلين بهذه المقالة (6) التي هوت بها الشيعة. وعلى رغم الإنكار من القمي والطوسي والمرتضي، فإن هذا "الإلحاد" يسري في كتب القوم، ففي كتاب «الاحتجاج» لأحمد بن أبي طالب طبرسي (7) - وهو غير الطبرسي صاحب مجمع البيان (8) -   (1) «فصل الخطاب» : الورقة 17. (2) مثل ما نقله عن كتاب «المصباح» للطوسي، الورقة 122. (3) «فصل الخطاب» الطوسي: الورقة 175. (4) علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (الشريف المرتضي أبو القاسم علم الهدى) ، فقيه مفسر أُصولي إمامي معتزلي، من كتبه: «الشافي» وغيره. توفي سنة 436هـ. «البداية والنهاية» : (12/53) ، و «معجم المؤلفين» : (7/81) . (5) انظر" الطبرسي: «مجمع البيان» : (1/15) حيث نقل قول المرتضي من كتابه المذكور. (6) «الفصل» : (5/22) . (7) أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي الشيعي (أبو منصور) من كتبه: «الاحتجاج» ، توفي في حدود 620 هـ، «معجم المؤلفين» : (2/10) . (8) لأن صاحب «مجمع البيان» ينكر هذه المقالة، وفي كتاب «نشأة الشيعة» لنبيلة داود = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 روايات عديدة في تأييد هذا الباطل، وقبل ذلك نرى هذه الأسطورة عند شيخهم المفيد (ت 413) - حيث بذكر بعض رواياتها في كتابه «الإرشاد» ، وهو من كتبهم المعتبرة كما سيأتي، كما يقرر هذا الضلال في كتابه «أوائل المقالات» ، ويعترف باستفاضة "رواياته" من طرقهم، وأوائل المقالات من كتبهم المعتمدة في العقيدة كما يؤكد ذلك بعض شيوخهم المعاصرين (1) ، كما أن الروايات في هذا "الباطل" منتشرة في كثير من كتب التفسير عندهم كتفسير البرهان (2) ، والصافي (3) وغيرهما. وفي دواوين الأخبار عندهم كـ «الوافي» ، وكـ «البحار» (4) - الذي حوى من هذا الضلال فأوعى - وغيرهما. كما تتكرر أخبار التحريف في كثير من كتبهم المعتمدة عندهم، وقد ذكر شيخهم الطبرسي في كتابه «فصل الخطاب» كثيراً من هذه الكتب (5) - غير ما مر - وإن كان هناك من شيوخ الشيعة من ينكر هذا "الإلحاد"، لكن تبقى مع ذلك الكتب التي روت هذه الزندقة، والشيوخ الذين جاهروا بهذا الاعتقاد موضع احترام وتقدير من الشيعة كلهم. ولم تكتف العناصر المجوسية التي لبست ثوب التشيع زوراً وبهتاناً بذلك، بل وضعت هذه الأساطير في كتب مستقلة باسم التغيير   = (شيعية) خلط بين الرجلين: (ص 39-40) . (1) محمد جواد مغنية: «الشيعة في الميزان» : ص 14. (2) انظر من «تفسير البرهان» : (1/22، 277، 279، 325) ، وغيرها. (3) انظر من «تفسير الصافي» : (1/254، 113) ، وانظر المقدمة السادسة من تفسير الصافي نفسه. (4) انظر من «البحار» : (جـ7/377، 46) ، (جـ 21/95) ، (جـ19/30) ، (جـ93/26، 27، 28) وغيرها. (5) «فصل الخطاب» : الورقة 122، 123. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 والتحريف وغيره. وممن وضع هذا الإلحاد في مؤلف شيخهم الثقة ـ عندهم ـ أحمد بن محمد البرقي عند شيخهم الطوسي، من كتبه كتاب التحريف (1) ومنهم والده الثقة - عندهم - محمد بن خالد عد النجاشي من كتبه «التنزيل والتغيير» ، ومنهم شيخهم الثقة الذي لم يعثر له على زلة في الحديث - كما ذكروا - علي بن الحسن بن فضال عد من كتبه كتاب «التنزيل من القرآن والتحريف» ، ومنهم محمد بن الحسن الصيرفي في الفهرست له كتاب «التحريف والتبديل» ، ومنهم أحمد بن محمد بن سيار عد الشيخ (2) والنجاشي من كتبه كتاب «القراءات» ونقل عنه ابن ماهيار الثقة - عندهم - في تفسيره كثيراً، وكذا الشيخ حسن بن سليمان الحلي تلميذ الشهيد في مختصر البصائر وسماه «التنزيل والتحريف» ، ومنهم الثقة الجليل - عندهم - محمد بن العباس بن علي بن مروان الماهيار المعروف بابن الحجام صاحب التفسير المعروف - لهم -.. له كتاب «قراءة أمير المؤمنين» ، وكتاب «قراءة أهل البيت» وقد أكثر من نقل أخبار التحريف في كتابه. ومنهم أبو طاهر عبد الواحد بن عمر القمي، ذكر ابن شهراشوب في معالم العلماء أن له كتاباً في قراءة أمير المؤمنين (3) . وفي هذا العصر ألف الرافضي حسين الطبرسي كتاب «فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب» ، وأبان عن غرضه المجوسي في مقدمة كتابه حيث قال: (فيقول العبد المذنب المسيء حسين بن   (1) «الفهرست» : ص 45. (2) الشيخ إذا أطلق في كتب الشيعة فيعنون به شيخهم (الطوسي) . (3) الطبرسي: «فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب» : الورقة 29، 30، (مخطوط) ، وهذه الكتب - المجوسية - لا يوجد لها اليوم عين ولا أثر كما يعترف بذلك صاحب «فصل الخطاب» نفسه. «المصدر السابق» : الورقة 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 محمد تقي الدين الطبرسي جعله الله من الواقفين ببابه المتمسكين بكتابه! هذا كتاب لطيف وسفر شريف عملته في إثبات تحريف القرآن وفضائح أهل الجور والعدوان وسميته «فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب» . وأودعت فيه من بدائع الحكمة ما تقر به كل عين، وأرجو ممن ينتظر رحمته المسيئون أن ينفعني يوم لا ينفع مال ولا بنون) (1) . انظر كيف تتقنع "المجوسية" بمسوح الرياء والكذب لخداع الأغرار والبسطاء عن الهدف الخبيث الذي تسعى إليه. وقد طبع هذا الكتاب على الحجر في إيران سنة 1298 وعليه خاتم الدولة الإيرانية الرسمي. والمؤلف يحظى بتعظيم الشيعة، حتى اعتبروا كتابه «مستدرك الوسائل» مرجعاً من مراجعهم في الحديث، قالوا: (وأصبح في الاعتبار كسائر المجاميع الحديثية المتأخرة) (2) ، وبعد أن مات هذا الطبرسي وضعوه في أشرف بقعة - عندهم - بين العترة والكتاب، يعني في الإيوان الثالث عن يمين الداخل إلى الصحن الشريف من باب القبلة (3) (في النجف) . ويذكر إحسان إلهي ظهير أنه: (في القارة الهندية) صنف الشيعة كتباً عديدة في إثبات وإظهار هذه العقيدة الباطلة؛ فقد ألف ميرزا سلطان أحمد الدهلوي «تصحيف كاتبين ونقص آيات كتاب مبين» ، ومحمد مجتهد   (1) «فصل الخطاب» : الورقة 1. (2) ولا تعجب أن تصبح مؤلفاتهم المعاصرة مراجع في الروايات عن أئمة في القرن الأول، بعد أن ساد الطعن في القرآن كتبهم التي يعتبرونها مقدسة. (3) أغا بزرك الطهراني: «أعلام الشيعة» القسم الثاني من الجزء الأول: ص 553. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 اللكنوي «ضربة حيدرية» وغيرها (1) . والكيد المجوسي لا ينتهي ولكن سيكفيكهم الله وهو السميع العليم، ولن يضروا الله شيئاً والله يحفظ كتابه ودينه، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، فها هي مؤامراتهم ومكائدهم تندحر وترتد على أعقابها، وتصبح فضيحة كبرى لهم يحاولون التستر عليها الآن بكل وسيلة، ويبقى كتاب الله في حفظ الله وكنفه فوق كيد الكائدين، ويرجع أصحاب الكيد بالخزي والذل والصغار، وفي هذا آيات للمؤمنين. فلا قرآن يوجد إلا هذا القرآن العظيم، وتبقى هذه الدعاوى فضيحة لأصحابها، وعلى مر الزمن واستفحال الكيد تتجدد معجزة الوعد الإلهي في حفظ هذا القرآن العظيم (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (. 2- النصوص الواردة في كتبهم: النصوص المجوسية التي تطعن في كتاب الله عز وجل قد كثرت في كتب "الشيعة" ومصادرها في الحديث كثرة عجيبة، حتى إن عالمهم المجلسي صاحب «بحار الأنوار» جعلها في الكثرة والتواتر تساوي أخبار الإمامة التي هي لب التشيع وجوهره، ورأى أن ترك الاعتماد على أخبار التحريف يستلزم عندهم رفع الاعتماد على أخبارهم - رأساً -. يقول: (وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنىً، وطرْح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة) (2) . وقال شيخهم المفيد:   (1) «الشيعة والسنّة» : ص 150. (2) «مرآة العقول» : (2/536) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 (إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان) (1) ، ويقول عالمهم الطبرسي عن أخبارهم في الطعن في القرآن: (وهي كثيرة جداً حتى قال السيد نعمة الله الجزائري في بعض مؤلفاته كما حكي عنه أن الأخبار الدالة على ذلك تزيد على ألفي حديث) (2) ، وقال ثقتهم محمد صالح المازندراني (ت 1081) : (.. وإسقاط بعض القرآن وتحريفه ثبت من طرقنا بالتواتر معنىً، كما يظهر لمن تأمل في كتب الأحاديث من أولها إلى آخرها) (3) . وقال شيخهم نعمة الله الجزائري: إن القول بصيانة القرآن وحفظه: (يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن.. مع أن أصحابنا - رضوان الله عليهم - قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها) (4) . ويرى عالمهم الطبرسي أنه لا ينبغي عندهم النظر في أسانيدها لتواترها من طرقهم، يقول: (إن ملاحظة السند في تلك الأخبار الكثيرة توجب سد باب التواتر المعنوي فيها، بل هو أشبه بالوسواس الذي ينبغي الاستعاذة منه) (5) . والخوئي مرجع الشيعة في العراق وغيره - اليوم - يقول: (إن كثرة الروايات - على وقوع التحريف في القرآن - تورث القطع   (1) المفيد: «أوائل المقالات» : ص 98. (2) الطبرسي: «فصل الخطاب» : ص 125 (مخطوط) . (3) محمد المازندراني: شرج جامع «الكافي» : (11/76) . (4) نعمة الله الجزائري: «الأنوار النعمانية» : (2/357، 358) . (5) «فصل الخطاب» : الورقة 124 (مخطوط) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 بصدور بعضها عن المعصومين ولا أقل من الاطمئنان بذلك، وفيها ما روي بطريق معتبر..) (1) . ويقول شيخهم محسن الكاشاني: (المستفاد من الروايات من طريق أهل البيت أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أُنزل على محمد، بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة منها: اسم علي في كثير من المواضع ومنها لفظة آل محمد غير مرة، ومنها أسماء المنافقين في مواضعها، ومنها غير ذلك، وأنه ليس أيضاً على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله) (2) . وبعد هذه "الاعترافات" من علمائهم وأساطينهم أجدني غير محتاج إلى الإكثار من الأمثلة والشواهد (3) من كتبهم، ففي هذه الشهادات كفاية وعبرة لتورط القوم. وسنذكر فيما يلي بعض الأمثلة والشواهد التي تصور هذه العقيدة عندهم. روى الكليني في «الكافي» عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ((أن القرآن الذي جاء به جبرائيل (إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية) (4) . وآيات القرآن - كما هو معروف - لا تتجاوز ستة آلاف آية إلا قليلاً.   (1) الخوئي: «البيان» : 226، ولم يستطع الخوئي رد هذه الروايات وحاول تأويلها بما سيأتي ذكره ومناقشته في باب (آراء دعاة التقريب) . (2) محسن الكاشاني: «تفسير الصافي» - المقدمة السادسة. (3) وقد جمعت منها "مادة كبيرة" يعلم الله كم تألمت وأنا أقرأها وأجمعها، وكم أشفقت على قوم اعتمدوا في دينهم على كتب حوت هذا "الغثاء". (4) الكليني: «أصول الكافي» كتاب فضل القرآن، باب النوادر: (2/134) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 وقد حكم علماء الشيعة بصحة هذه "الأسطورة"؛ قال المجلسي: (فالخبر صحيح) (1) وقال صاحب الشافي: (إنه موثق كالصحيح) (2) ، وأماطوا اللثام عن معناه الساقط؛ قال المازندراني: (إن آي القرآن ستة آلاف وخمسمائة.. (3) والزائد على ذلك مما سقط بالتحريف..) (4) وقال المجلسي: (إن هذا الخبر وكثيراً من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره) (5) . وهذه "الأسطورة" رويت بلفظ (عشرة آلاف آية) كما في الوافي (6) ، ثم تطور العدد إلى (سبعة عشر ألف آية) كما في الكافي (7) ، ثم تطور الأمر إلى (ثمانية عشر ألف آية) كما في كتاب سليم بن قيس (8) . وقد وضع صاحب الوافي احتمالاً مقبولاً لتفسير الرواية السالفة بعد ذكره لبعض الاحتمالات الساقطة - حيث ذكر روايته لأسطورته بلفظ (عشرة آلاف آية) ، قال: (أو يكون - أي العدد الزائد عما في القرآن - مما نسخ تلاوته) (9) ، ولكن شيخ الشيعة ومرجعها اليوم   (1) «مرآة العقول شرح الأصول والفروع» : (2/536) . (2) «الشافي شرح أصول الكافي» : (7/227) . (3) هذا العدد الذي ذكره لآيات القرآن لم أجد له ذكراً ضمن الأقوال المأثورة في عدد الآي: انظر «تفسير القرطبي» : (1/64، 65) ، «الإتقان» : (1/89) ، الفيروزآبادي: «بصائر ذوي التمييز» : (1/559، 560) . (4) شرح جامع على «الكافي» : (11/76) . (5) «مرآة العقول» : (2/536) . (6) محسن الكاشاني: «الوافي» المجلد الثاني: (جـ1/ص274) . (7) الكليني: «أصول الكافي» : (2/134) . (8) انظر: المازندراني: «شرح جامع» : (11/76) . (9) «الوافي» المجلد الثاني: (جـ1/ص274) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 «الخوئي» (1) وهو يتظاهر بالدفاع عن القرآن يرى أن القول بنسخ التلاوة هو قول بالتحريف (2) ، وكأنه أراد أن يوصد هذا الباب ويرد هذه القاعدة الثابتة ليثبت عقيدة في نفسه يخفيها.. وهو كيد باطني مستتر. وترد روايات كثيرة عندهم تتحدث عن مصحف لعلي يغاير المصحف الموجود جمعه بنفسه، ويعقد الكليني باباً في هذا يسميه (باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام) ، ويذكر فيه ست روايات من رواياتهم، منها ما يرويه جابر الجعفي أنه سمع أبا جعفر يقول: (ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه، كما نزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده) (3) . وشيخ الشيعة اليوم «الخوئي» - وهو يزعم أنه يدافع عن القرآن - يرى: أن وجود مصحف لعلي يغاير القرآن الموجود في ترتيب السور، وفي اشتماله على زيادات ليست في القرآن مما لا ينبغي الشك فيه (4) . وترد عن الطبرسي في كتابه «الاحتجاج» رواية تتحدث عن جمع علي للقرآن وعرضه هذا المجموع على الصحابة وموقفهم من ذلك وهي أسطورة ـ مضحكة ـ ما كان لنا أن نأتي بها لولا أن الكتاب والمؤلف   (1) هو إمامهم الأكبر زعيم الحوزة العلمية عندهم، سيدهم أبو القاسم الموسوي الخوئي، يعيش حالياً في العراق، من مؤلفاته: «البيان في تفسير القرآن» . (2) الخوئي: «البيان» : ص 201. (3) الكليني: «الكافي» : (1/238) . (4) ثم يحاول أن ينجو بنفسه وشيعته من دخولهم في دائرة هذه العقيدة الملحدة في القرآن فيقول: (إن تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد) «البيان» : ص 223. ولاحظ قوله (من الله) لتدرك أن الرجل لا يريد أن يردَّ هذه الأسطورة، بل يريد إثباتها بطائفته بطرق ملتوية، ذلك أن هذه الزيادات إذا كانت من الله فلا يختلف الأمر بين النص والتأويل، ومن يغير ويبدل في أحدها ويبدل في الآخر، بل يبدل في النص من باب أولى (كبرت كلمة تخرج من أفواههم أو تسطرها أقلامهم إن يقولون إلا كذباً وبهتاناً) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 محل ثقة الشيعة (1) ، حتى قبلوا مراسيله عن الأئمة في القرن الأول ـ مع أنه من القرن السادس ـ يقول المؤلف في مقدمة كتابه: (ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناد إما لوجود الإجماع عليه، أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف) (2) وعلى هذا اعتمدوا على الكتاب، يقول عالمهم المعاصر.. أغابزرك الطهراني (3) : (فهو من الكتب المعتبرة التي اعتمد عليها العلماء الأعلام كالعلامة المجلسي والمحدث الحر وأضرابهما) (4) كما وثقه غيره من علمائهم (5) ، تقول "الأسطورة": (وفي رواية أبي ذر الغفاري أنه قال لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله، جمع علي - رضي الله عنه - القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم، لما قد أوصاه بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم فوثب عمر وقال: يا علي أردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه (وانصرف، ثم أحضروا زيد بن ثابت - وكان قارئاً للقرآن - فقال له عمر: إن علياً جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال: فإن أنا   (1) ولهذا بالغوا في الثناء على المؤلف؛ قال الحر العاملي عنه: (عالم فقيه فاضل محدث ثقة) ، وقال الخوانساري أنه: (من أجلاء أصحابنا المتقدمين) . انظر: مقدمة الكتاب لمحمد بحر العلوم ص. ب. (2) مقدمة المؤلف: ص4. (3) وهو مؤلف «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» ، «وطبقات أعلام الشيعة» وغيرهما، توفي سنة 1389هـ. (4) «الذريعة» : (1/281) . (5) كالخوانساري الذي قال: كتاب الاحتجاج معتبر معروف بين الطائفة. «روضات الجنات» : (1/19) ، ووثقه المجلسي في «البحار» : (1/28) وغيرهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 فرغت من القرآن على ما سألتهم وأظهر عليٌّ القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل ما عملتم؟ قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة، فقال عمر: ما حيلته دون أن نقتله ونستريح منه، فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك، فلما استخلف عمر سأل عليّاً (أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم، فقال: يا أبا الحسن، إن جئت بالقرآن الذي قد كنت جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه، فقال: (هيهات، ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا ما جئتنا به، إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي، قال عمر: فهل لإظهاره وقت معلوم؟ فقال (: نعم، إذا قام القائم من ولدي يظهره، ويحمل الناس عليه فتجرى السنّة به صلوات الله عليه) (1) . وهذه الرواية التي تطعن في كتاب الله ليست هي الرواية الوحيدة في الكتاب، بل هي واحدة من أكثر من عشر روايات، قال عالمهم الطبرسي - وهو يعدد من قال بالتحريف من علمائهم -: (والشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب «الاحتجاج» ، وقد ضمن ألاّ ينقل فيه إلا ما وافق الإجماع واشتهر بين المخالف والمؤالف ودلت عليه العقول، وقد روى فيه - أي في التحريف - أزيد من عشرة أحاديث صريحة في ذلك (2) .   (1) الطبرسي: «الاحتجاج» : (1/225 - 228) ، والمجلسي نقل هذه "الأسطورة" في «بحار الأنوار» من «الاحتجاج» . «البحار» : (8/463) ، وذكر أن "صدوقهم" ابن بابويه القمي رواها باختصار (المصدر السابق) . (2) «فصل الخطاب» : الورقة 32 (المخطوط) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وفي النص السالف الذكر تظهر بعض الدوافع والأسباب وراء وضع هذه النصوص التي تنال من كتاب الله؛ يظهر هذا من قوله: (فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم..) وقوله: (وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار..) . فالحقد الذي أكل قلوب المجوسية إزاء صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين فتحوا بلادهم ونشروا الإسلام بينهم جعلهم ينفثون هذه الأحقاد والضغائن في سب أولئك الصحب والطعن فيهم، ولكن آيات الله التي تتلى على مر الزمن وهي تثني على صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعلي من شأنهم وتنشر فضائلهم قد كشفت كيدهم وردته في نحورهم، فلم يكن أمامهم إلا القول بأن الصحابة قد أسقطوا من الكتاب فضائح المهاجرين والأنصار.. وأرادوا بهذه القولة التستر على مذهبهم فكانت من أسباب انكشافهم وهتك أستارهم ورفع القناع عن وجوههم الحقيقية المعادية للإسلام والمسلمين، فها هم يحاولون التستر عليها بكل وسيلة. كما تدل هذه الرواية على أن القرآن الكامل في اعتقادهم إنما هو عند إمامهم المنتظر، وأن الذي قام بتحريف القرآن الموجود هو أبو بكر، وعمر، وزيد بن ثابت. وعالمهم الطبرسي يزيد آخرين فيقول: (والذين باشروا هذا الأمر الجسيم هم أصحاب الصحيفة: أبو بكر وعمر وعثمان وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف واستعانوا بزيد بن ثابت) (1) .   (1) «فصل الخطاب» : الورقة 73. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 وهذه الأسطورة من وضع من لا يُحسن الوضع، فهي تقول إن الصحابة حين أرادوا تحريف القرآن تخوفوا من أن ينكشف أمرهم بإخراج علي للقرآن الكامل، لهذا دبروا لقتله على يد خالد، ولكن هذه الأسطورة تقول إنه لم يستطع قتله إذن لماذا لم يُخرج علي القرآن ما دامت مؤامرتهم في قتله قد فشلت؟، وإذا كان يخشى منهم لأن السلطة بأيديهم فلماذا لم يخرجه أثناء خلافته؟، هذا ما ينسف كل ما بنوه وشيدوه من "أساطير" (1) . ويروون عن أبي عبد الله (جعفر الصادق) أنه قال: (لو قرئ القرآن كما أُنزل لألفينا مسمين) (2) . وعن ميسرة عن أبي جعفر (قال: (لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص منه ما خفي حقنا على ذي حجي) (3) . ومن هذين النصين ينكشف سبب آخر وراء قولهم بهذه "الفرية"، فالإمامة التي جعلوها صنو النبوة، والأئمة الذين ملئوا الدنيا حديثاً عنهم، وأن الإيمان بهم هو كالإيمان بالصلاة والزكاة وأن من جحد إمامة أحدهم فكأنما جحد نبوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو غيره من الأنبياء - كما سيأتي - هذا الأمر لم يرد له ذكر في كتاب   (1) إن الواقف المتأمل أمام النصوص لتحليلها والكشف عن مرامي الفئات الباطنية والمجوسية من خلالها تتجلى له أهداف الباطنية الملحدة، لأن تلك النصوص ناطقة بنفسها، وفي ظني أن الدراسة المتأملة لنصوص القوم ستميط اللئام عن كثير من أساليبهم ومؤامراتهم في حرب الإسلام والمسلمين. (2) «تفسير العياشي» : (1/13) ، وانظر: هاشم البحراني «البرهان» : (1/22) ، المجلسي: «البحار» : (19/30) ، الخوئي: «البيان» : ص 230. (3) «تفسير العياشي» : (1/13) ، هاشم البحراني: «البرهان» : (1/22) ، المجلسي: «البحار» : (19/30) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 الله. وفي النصين السابقين شهادة من الشيعة نفسها على أنه ليس لأمر أئمتهم ذكر في كتاب الله. وهذه "الظاهرة" تنسف بنيانهم من القواعد، وتهدد جمعهم بالفشل، ومساعيهم بالبوار، فلم يكن أمامهم من مسلك إلا القول بالتحريف، ولهذا شهد إمامهم المجلسي - كما مر - أن أخبار التحريف عندهم لا تقل عن أخبار الإمامة وأنه إذا لم يثبت التحريف فلا تثبت الإمامة وغيرها من عقائد الشيعة. وقد أصاب المجلسي، فالتحريف لم يقع، ومسألة الإمامة لم تثبت، والرجعة كذلك وغيرها مما شذت به الشيعة. وفي سبيل (إثبات دعوى إمامة الأئمة) يدّعون أن هناك كلمات وآيات محذوفة من كتاب الله. روى الكليني في الكافي بإسناده عن أبي جعفر - (- قال: نزل جبرائيل بهذه الآية على محمد ? هكذا: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا - في علي - فأْتوا بسورة من مثله) (1) . وعن جابر الجعفي عن أبي جعفر (قال: هكذا نزلت هذه الآية: (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به - في علي - لكان خيراً لهم) (2) . وعن أبي بصير عن أبي عبد الله في قول الله (: (ومن يطع الله ورسوله - في ولاية علي وولاية الأئمة من بعده - فقد فاز فوزاً عظيماً) هكذا نزلت (3) .   (1) «الكافي» : باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية: (1/417) . (2) المصدر السابق: (1/424) . (3) المصدر السابق: (1/414) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وعن أبي عبد الله (ع) في قوله الله (: (فستعلمون من هو في ضلال مبين أيا معشر المكذبين حيث أنبأتكم رسالة ربي في ولاية علي - رضي الله عنه - والأئمة من بعده من هو في ضلال مبين) هكذا نزلت (1) . ويروي الكليني بإسناده عن أبي الحسن (ع) قال: (ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ولن يبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد صلى الله عليه وآله ووصية علي - رضي الله عنه -) (2) . ويقول عالمهم - الطبرسي -: (روى الشيخ الفقيه شاذان بن جبرائيل القمي في كتاب الروضة والفضائل قال ـ وبالإسناد يرفعه إلى الثقات الذين كتبوا الأخبار ـ أنهم أوضحوا ما وجدوا وبأن لهم من أسماء أمير المؤمنين ثلثمائة اسم "300" في القرآن، منها ما رواه بالإسناد الصحيح عن ابن مسعود في قوله: إن عليّاً جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه، وقوله: إن عليّاً للهدي) (3) . وافتراءاتهم في هذا كثيرة لا مجال للمزيد منها. وفي سبيل تأييد عقيدتهم الفاسدة في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تتحدث أساطيرهم عن كلمات وآيات مزعومة تنال من الصحابة - رضوان الله عليهم. ومن ذلك ما رواه الكليني بإسناده إلى أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: دفع إليّ أبو الحسن (مصحفاً وقال: لا تنظر فيه،   (1) المصدر السابق: (1/421) . (2) المصدر السابق: (1/437) . (3) الطبرسي: «فصل الخطاب» : ص 116. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 ففتحته وقرأت فيه: (لم يكن الذين كفروا) فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، قال: فبعث إليّ: ابعث إليّ بالمصحف (1) . وفي تفسير العياشي في قوله سبحانه: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) يقول العياشي فيما يرويه عن جابر الجعفي عن محمد بن علي - رضي الله عنه -..: (وإنما نزلت: ألم تر إلى فلان وفلان - يعنون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما - لقوا عليّاً وعماراً فقالا إن أبا سفيان وعبد الله بن عامر وأهل مكة قد جمعوا لكم فاخشوهم وزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) (2) . السياق غير منسجم وهذا دليل إفك الشيعة، فالضمائر غير متطابقة مع مراجعها، والصواب يقتضي (لقيا) - (لكما) - (فاخشياهم) - (وزادهما) - (وقالا) . وتمضي افتراءاتهم فتخترع سوراً تزعم أنها محذوفة من كتاب الله، قال شيخهم الطبرسي: (نقصان السورة وهو جائز كسورة الحفد، وسورة الخلع وسورة الولاية) (3) ، ثم في موضع آخر نقل سورة الولاية وقال: (إن الشيخ محمد بن علي بن شهراشوب المازندراني ذكر في كتاب المثالب على ما حكي عنه أنهم أسقطوا من القرآن تمام سورة الولاية، ونقل نصها في كتابه فصل الخطاب عن كتاب دبستان مذاهب وهي كما نقلها:   (1) الكليني: «الكافي» كتاب فضل القرآن، باب النوادر: (2/631) . (2) «تفسير العياشي» : (1/206) ، وانظر: هاشم البحراني «البرهان» : (1/325) ، ومحسن الكاشاني: «الصافي» : (1/313) ، والمجلسي: «البحار» : (21/95) . (3) «فصل الخطاب» : النوري الطبرسي: ص 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 بسم الله الرحمن الرحيم "يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم، نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم. إن الذين يوفون ورسوله في آيات (كذا) لهم جنات نعيم، والذين كفروا من بعدما آمنوا بنقضهم ميثاقهم، وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم، ظلموا أنفسهم وعصوا الوصي الرسول أولئك يسقون من حميم.." (1) . وتمضي "سورتهم" الموضوعة على هذا النمط - كما ستراها بكاملها في ملحق الوثائق - وكلماتها تذكرك بأساطير مسيلمة؛ ركاكة لفظ، وسقوط معنى واضطراب سياق.. ويبدو أن واضعها - هي وغيرها من كثير من تلك الزيادات على آيات الله - أعجمي، فهي لا تستقيم قراءة ومعنى، وفي كلماتها ومعانيها هبوط عن مستوى أداء الإنسان العادي. وتطاول افتراءاتهم على كتاب الله إلى أكثر من دعوى سقوط بعض الآيات والسور، حتى إنهم ليزعمون أن القرآن قد أُسقط منه في موضع واحد من سورة النساء أكثر من ثلثه فيزعم صاحب الاحتجاج أن علياً - برأه الله مما يفترون - قال لأحد الزنادقة - في محاورة طويلة -: (.. وأما ظهورك على تناكر قوله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء (وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ولا كل النساء أيتام فهو مما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن، وبين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن ... ولو شرحت لك ما أُسقط وحرف وبدل مما يجري هذا المجرى لطال وظهر ما تحظر   (1) المصدر السابق: ص 180. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء) (1) . يقول الشيخ موسى جار الله عن هذه المحاورة: (لم أعلم من هو هذا البعض من الزنادقة الذي يناظر عليّاً ويهديه إلى الحق علي، وهل يمكن أن يكون أحد أشد زندقة ممن يقول في القرآن وفي جميع الصحابة مثل هذا القول؟ وهل يجد أشد عدو مساغاً أهدم للقرآن وأهدم للدين من مثل هذا القول الذي يسنده أئمة الشيعة إلى أمير المؤمنين علي؟) (2) . والرواية السالفة تزعم سقوط أكثر من ثلث القرآن، وما تقدم من روايتهم في أن القرآن نزل سبعة عشر ألف آية يقتضي سقوط حوالي الثلثين، وهناك روايات لهم تصف هذا "المحذوف" - الذي يزعمونه - بأنه كثير. روى العياشي بإسناده عن أبي جعفر - يعنون محمد الباقر - أن القرآن قد طرح منه آي كثير ولم يزد فيه إلا حروف أخطأ بها الكتاب وتوهمها الرجال (3) . وتدعو "أساطيرهم" إلى إهمال حفظ القرآن لأنه محرف في زعمهم، ومن حفظه على تحريفه يصعب عليه حفظه إذا جاء به "منتظرهم" غير محرف. روى مفيدهم بإسناده إلى جابر الجعفي عن أبي جعفر أنه قال: (إذا قام قائم آل محمد صلى الله عليه وآله ضرب فساطيط ويعلم الناس القرآن على ما أنزل الله (فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنه يخالف فيه التأليف) (4) وهذه   (1) الطبرسي: «الاحتجاج» : (1/387) . (2) موسى جار الله: «الوشيعة» : ص 46. (3) عن الطبرسي: «فصل الخطاب» : ص 79. (4) المفيد: «الإرشاد» : ص 413. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 الرواية تدعو إلى ترك القرآن وإهمال حفظه، وهي لمفيدهم الذي يقدسونه ويعظمونه، حتى زعموا أنه فوق مستوى البشر لأن إمامهم المنتظر خاطبه بالأخ السديد والمولى الرشيد.. (1) وهذه الرواية وردت في كتابه «الإرشاد» وهو من كتبهم المعتمدة حتى قال عالمهم المجلسي: (وكتاب الإرشاد أشهر من مؤلفه) (2) . وكذلك روى النعماني في «الغيبة» ما يشبه الرواية السالفة، روى بإسناده إلى أمير المؤمنين علي - برأه الله مما يفترون - قال: (كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن كما أُنزل، قلت: يا أمير المؤمنين، أو ليس هو كما أُنزل؟ فقال: لا، محي منه سبعون من قريش، بأسمائهم وأسماء آبائهم، وما ترك أبو لهب إلا إزراء على رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه عمه) (3) . وهذه الدعوة إلى إهمال حفظ القرآن، كان لها آثارها في مجتمعات الشيعة، يقول الشيخ موسى جار الله (4) ـ وقد عاش بين الشيعة فترة من الزمن ـ: (لم أر بين علماء الشيعة ولا بين أولاد الشيعة لا في العراق ولا في إيران من يحفظ القرآن ولا من يقيم القرآن بعض الإقامة بلسانه ولا من يعرف وجوه القرآن الأدائية، ما السبب في ذلك؟ هل هذا أثر من آثار عقيدة الشيعة في القرآن الكريم، إثر انتظار الشيعة مصحف علي الذي غاب بيد قائم آل محمد) (5) .   (1) مقدمة الكتاب التي أحالت نصوص مخاطبة المهدي لمفيدهم للاحتجاج: ص 277. (2) المجلسي: «البحار» : (1/27) . (3) النعماني: «الغيبة» : ص 171، 172، وانظر: «فصل الخطاب» : ص 7. (4) ستأتي ترجمته في محاولات التقريب. (5) موسى جار الله: «الوشيعة» : ص 37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وتلك "الدعاوى" حول وجود آيات محذوفة من القرآن لم تصل إلى (وجود مصحف شيعي متداول) واكتفوا بانتظار ظهوره مع إمامهم المنتظر، مع وجود تلك الآيات والسور المفتراة في كتبهم المتفرقة يخدعون بها الأغرار. وفي عام 398هـ أخرج الشيعة مصحفاً قالوا إنه مصحف ابن مسعود، وهو يخالف المصاحف كلها فحكمت المحكمة الإسلامية التي تألفت من جمع من العلماء والقضاة برئاسة الشيخ أبو حامد الإسفراييني (1) ؛ حكمت بتحريفه، وتم ذلك (2) . وجاءت روايات في كتب الشيعة تأمرهم بالعمل بالمصحف الموجود ريثما يخرج قرآنهم مع إمامهم المنتظر. فيروي الكليني بإسناده إلى محمد بن سليمان عن بعض أصحابه عن أبي الحسن (قال: قلت له: جعلت فداك: إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأْثم؟ فقال: لا، اقرؤوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم (3) . ويعنون بالذي سيأتي ليعلمهم مهديهم المنتظر (4) . قال عالمهم نعمة الله الجزائري: (قد روي في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها،   (1) أحمد بن محمد بن أحمد الإسفراييني أبو حامد، إمام وقته، كان يحضر درسه ستمائة متفقه.. ومن مؤلفاته: «شرح المزني» في خمسين مجلداً وغيره. توفي ببغداد عام 406هـ وكان مولده سنة 334هـ. انظر: «البداية والنهاية» : (12/2، 3) ، «شذرات الذهب» : (3/178) . (2) السبكي: «طبقات الشافعية الكبرى» : (4/63) ، وانظر: ابن الجوزي: «المنتظم» : (7/237) . (3) الكليني: «الكافي» ، كتاب فضائل القرآن، باب أن القرآن يرفع كما أُنزل: (2/619) . (4) هامش «الكافي» : (2/219) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان، فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين فيقرأ ويعمل بأحكامه..) (1) . 3- معتقدهم في هذه الروايات: بعد ذكرنا لثبوت تلك الروايات عندهم وتواترها من طريقهم، تُرى هل جميع الروافض يقولون بهذه الروايات، ويعتقدون بها؟ يقول شيخهم المفيد (ت 413) - الذي يصفونه بركن الإسلام وآية الله الملك العلام - يقول: (واتفقوا - أي الإمامية - على أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنّة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأجمعت المعتزلة والخوارج، والزيدية، والمرجئة، وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية) (2) . وهذا اعتراف من مفيدهم بأن هذه القولة الشنيعة مما شذت به طائفته. ولم يذكر مفيدهم وجود خلاف بين علمائهم في هذا المذهب! مع أن شيخه ابن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق (ت 381) قد تظاهر بمخالفة هذا في رسالته في الاعتقادات وأنكر نسبة الاعتقاد بالتحريف إليهم (3) وتبعه على ذلك المرتضي (4) (ت 436هـ) والطوسي (5) (ت 450هـ) - كما مر - وهما من   (1) «الأنوار النعمانية» : (2/363، 364) . (2) المفيد: «أوائل المقالات» : ص 51. (3) انظر: محسن الأمين: «الشيعة» : ص 161. (4) انظر: الطوسي: «التبيان» : (1/3) . (5) المصدر السابق: (1/3، 4) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 تلامذة المفيد، ورابعهم الطبرسي (1) - من القرن السادس -، لم يشر المفيد إلى خلاف شيخه القمي؟ هل تجاهل المفيد لذلك من قبيل اقتناعه بأن مخالفته بسبب التقية أم ماذا؟ ويعترف شيخ الشيعة النوري أن إجماع الشيعة قائم على هذا الإلحاد إلى أن جاء ابن بابويه القمي فخالف ذلك - يقول: (إن ابن بابويه القمي أول من أحدث هذا القول في الشيعة في عقائدهم) (2) وتبعه الثلاثة الآخرون، ويذكر أنه لا يوجد في القرون المتقدمة من القرن الرابع إلى السادس خامس لهؤلاء أنكر التحريف، وإن جميع الشيعة في هاتيك القرون متسالمون على القول بالتحريف، ويؤكد أنه (لم يعرف الخلاف صريحاً إلا من هؤلاء الأربعة) (3) ، ويرى عالمهم الشيعي "نعمة الله الجزائري" أن إنكار هؤلاء إنما هو من باب التقية، فيقول ـ بعد تأكيده أن أصحابه قد أطبقوا على صحة أخبار التحريف والتصديق بها - يقول: نعم قد خالف فيها المرتضي والصدوق والشيخ الطبرسي وحكموا بأن ما بين دفتي هذا المصحف هو القرآن المنزل لا غير ولم يقع فيه تحريف ولا تبديل.. والظاهر أن هذا القول إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة منها: سد باب الطعن عليها بأنه إذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع جواز لحوق التحريف لها؟.. وكيف وهؤلاء الأعلام رووا في مؤلفاتهم أخباراً كثيرة تشتمل على وقوع تلك الأمور في القرآن وأن الآية هكذا أُنزلت ثم غيرت إلى هذا (4) ؟. هذا ما يقوله عالمهم الجزائري، وقد يكون ما يقوله حقيقياً   (1) الطبرسي: «مجمع البيان» : (1/15) . (2) «فصل الخطاب» : ص 111. (3) «فصل الخطاب» : ص 15. (4) «الأنوار النعمانية» : (2/357، 358) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 بالنسبة لمعتقد أولئك المنكرين، أو لا يكون فالله هو المطلع على القلوب والنوايا، لكن يبقى أن هؤلاء الأربعة باستثناء الطبرسي في حدود علمي قد أثر عنهم ما يمس كتاب الله سبحانه ويطعن فيه، فابن بابويه القمي روى حديثاً في كتابه «الخصال» يطعن في كتاب الله، - كما مر - والطوسي أثر عنه ذلك في بعض كتبه - كما مر - والمرتضي نقل عنه صاحب فصل الخطاب أنه عدَّ في كتابه الشافي من مطاعن عثمان، ومن عظيم ما أقدم عليه؛ جمع الناس على قراءة زيد وإحراقه المصاحف وإبطاله ما شك أنه من القرآن. أما الطبرسي فلم يجد له صاحب فصل الخطاب إلا استدلاله بقراءة أبي وغيره (فما استمعتم به منهن إلى أجل مسمى) (1) في تفسيره (2) ، وهذه قراءة واردة (3) ، لكن صاحب فصل الخطاب يريد أن يجعل الجميع على مذهبه، وقد اغتر صاحب «الشيعة والسنة» (4) بذلك واحتج على أن إنكار الطبرسي من قبيل التقية بإيراده هذه القراءة، والواقع أن هذا لا يدين الرجل. ومن خلال قراءتي لكتاب فصل الخطاب تبين لي أن بعض الشيعة لم يعد يهضم هذا المعتقد، حتى إن أحد علماء الشيعة كفر كل من يعتقد هذا الاعتقاد - كما نقل ذلك صاحب فصل الخطاب نفسه - وغضب من ذلك ـ أي صاحب فصل الخطاب ـ وقال: إنه ليس لذلك دواء إلا كثرة المراجعة ودوام التتبع (5) ، - أي لكتبهم - ولكن مع   (1) (فما استمتعتم به منهن فَأَتوهنّ أجورهن ( [النساء: آية 24] . (2) «فصل الخطاب» : الورقة 17. (3) رويت هذه القراءة عن أُبي بن كعب وابن عباس وسعيد بن جبير. انظر: «فتح القدير» : (1/449) . (4) وهو إحسان إلهي ظهير: «الشيعة والسنة» : ص 130، 131. (5) «فصل الخطاب» : الورقة 48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 ذلك يبقى أن هذا معتقد لكبار علمائهم الذين يعظمونهم ويثقون بمنقولاتهم، وأن مصادرهم المعتمدة حوت من هذا الباطل الشيء الكثير، وأنهم لا يقبلون السنّة لأنها جاءت عن طريق الصحابة، والقرآن العظيم وصلنا من طريق الصحابة أيضاً، وأنه لا يتصور أن يجتمع في عقل واحد صيانة القرآن وخيانة جامعيه - كما سيأتيه بيان موقفهم من الصحابة - لكن هذا الموقف من علماء الشيعة في رد ما ورد في كتبهم مما يمس كتاب الله - سبحانه - وإنكاره لا نقول إنه تقية، فلا سبيل إلى معرفة ذلك على وجه اليقين (1) . وإن كان البعض من السنّة (2) ، والشيعة (3) قد ذهب إلى ذلك. لكن أقول بأن من يتبرأ من هذا الكفر (بعد إيمانه بالله ورسوله) نقبل ذلك منه والله يتولى السرائر.. وهذا الإنكار - إن كان بصدق - خطوة يجب أن تتلوها خطوات، وذلك بأن يعيدوا النظر في سائر ما شذوا به عن جماعة   (1) ولو كان هذا الإنكار تقية - يقيناً - لم يهاجم صاحب فصل الخطاب من أنكر هذه الفرية من أصحابه، فيقول عن الصدوق - صاحب أحد صحاحهم الأربعة -: (هذا الخبر رواه الصدوق عن الكافي وفيه تغييرات عجيبة تورث سوء الظن بالصدوق) «فصل الخطاب» : الورقة 120. ويعتذر أحياناً عن المنكرين من أصحابه لهذا الاعتقاد الذي يؤكد أنه متواتر من طرقهم - الكاذبة - بقوله: (إن أخبار التحريف متفرقة فلهذا لم يعرفها) «المصدر السابق» : الورقة 176، ويقول في الاعتذار عن إنكار الطوسي - صاحب كتابين من صحاحهم الأربعة -: «والطوسي في إنكاره معذور لقلة تتبعه الناشئ من قلة تلك الكتب عنده) [الورقة 175] ، وهذا الاعتذار يؤيد القول بأن هذا الافتراء على كتاب الله يزيد الوضع له في كتب القوم يوماً بعد يوم. (2) مثل: إحسان إلهي ظهير. انظر: «الشيعة والسنة» : ص 124، وغيره. (3) مثل: نعمة الله الجزائري - كما مر -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 المسلمين، وقد أشار شيخهم «المجلسي» - كما مر - إلى أنهم يجب أن يسلكوا هذا المسلك، إذ يترتب - في رأيه - على إنكار أخبار التحريف التي تواترت من طرقهم بالكذب والافتراء؛ يترتب على ذلك رفع الثقة والاعتماد عن سائر أخبارهم.. وهذا حق، فإن تواتر هذا الكذب في كتبهم من أكبر الأدلة على وضعها، وفشّو الكذب فيها. 4- بداية هذا (الافتراء عند الشيعة) : اعترفت كتب الشيعة أن ابن سبأ أول من أحدث القول بـ "الإمامة" (النص على إمامة علي) والقول بالرجعة، وغيرها - كما مر - ولكنها لم تشر إلى أنه قد صدر منه قول بأن الصحابة حرفوا القرآن. فمن هو ابن سبأ الآخر الذي وضع هذه الفرية؟، متى بدأ القول بهذا الافتراء بين الشيعة؟ لم أر من تعرض لهذا، والإجابة المحددة الجازمة ليست ميسرة، لكن نستطيع أن نقول إن بداية هذه الفرية مرتبطة ببدء احتجاج الشيعة على عقائدهم من الكتاب والسنّة. فالشيعة يرون - كما سيأتي - أن الإمامة من أصول الدين كالصلاة والزكاة أو أهم، ومن أنكر الإمامة كمن أنكر النبوة أو أشد.. ومع ذلك لا ذكر لإمامتهم وأئمتهم في كتاب الله وكذا سائر عقائدهم في الصحابة والرجعة والبداء، فلم يكن لهم بُدّ إذا أرادوا أن يقيموا مذهبهم إلا القول بهذه الفرية. ولهذا رأينا أن هذه الفرية قد سجلت في أول كتاب ظهر للشيعة (1) - حسب تقديرهم لأسبقية كتبهم - وهو "كتاب   (1) ابن النديم: «الفهرست» : (ص 307- 308) ، وفي «روضات الجنات» : (4/67) زعم: أنه (أول ما صنف ودون في الإسلام) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 سليم بن قيس" والذي يروون عن أبي عبد الله أنه قال فيه: (من لم يكن عنده من شيعتنا ومحبينا كتاب سليم بن قيس الهلالي فليس عنده من أمرنا شيء ولا يعلم من أسبابنا شيئاً، وهو أبجد الشيعة وهو سر من أسرار آل محمد صلى الله عليه وآله) (1) ، وقال المجلسي: (وهو أصل من أصول الشيعة وأقدم كتاب صنف في الإسلام) (2) ، ثم أورد المجلسي أربع روايات لهم تفيد أن علي بن الحسين - برأه الله مما يفترون - قُرأ عليه الكتاب وقال صدق سليم (3) . (والكليني يعتمد عليه، وأخرج له في عدة أبواب كباب ما جاء في الإثني عشر، وباب دعائم الكفر وغيرها) وكذا الشيخ الصدوق وغيرهما (4) . وهو أيضاً موضع ثناء المعاصرين (5) . وهذا الكتاب الذي خلعوا عليه هذا الثناء والتوثيق لم يصلهم إلا عن طريق رجل واحد فقط، يقول ابن النديم: (كتاب سليم بن قيس رواه عنه أبان بن أبي عياش لم يروه غيره) (6) . والكتاب طرقه مضطربة ولكنهم يقولون: (ما يترائى من   (1) أغابزرك الطهراني: «الذريعة» : (2/152) ، وانظر: هامش «وسائل الشيعة» : (20/42) رقم 40. (2) المجلسي: «البحار» : (1/158) . (3) المجلسي: «البحار» : (1/156- 158) . (4) الخوانساري: «روضات الجنات» : (4/68) ، وانظر: أغابزرك الطهراني: «الذريعة» : (2/154) . (5) حسن الصدر: «الشيعة وفنون الإسلام» : ص 29، وانظر: أغابزرك الطهراني: «الذريعة» : (2/152) وما بعدها. (6) ابن النديم: «الفهرست» : (ص 307- 308) ، وانظر: تعليق محمد صادق بحر العلوم على «رجال الطوسي» : هامش ص 74، وانظر: الخوانساري: «روضات الجنات» : (4/67) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 الاضطراب في الطريق غير قادح وهو واقع في أكثر طرق كتب أصحابنا) (1) . و"سليم بن قيس" الذي ينسبون إليه الكتاب لم أجد له ذكراً في المراجع التي رجعت إليها (2) إلا في المراجع الشيعية، مع أنهم يزعمون أنه مصنِّف أول كتاب في الإسلام، وأنه أدرك علياً والحسن والحسين وعلي بن الحسين والباقر وتوفي أيام علي بن الحسين مستتراً عن الحجاج أيام ولايته (ت 90هـ) (3) ، وهذا لو كان حقاً لكان هذا الرجل شيئاً مذكوراً ولكننا لم نجد له ذكراً. أما أبان بن أبي عياش الذي روى عنه الكتاب فهو عند محدثي السنة (متروك) (4) . وأما نصوص الكتاب فهي تضعه في المقام الأول من كتب الباطنيين التي تحارب الإسلام والمسلمين، فهي تطعن في كتاب الله وتزعم أن عليّاً ألف القرآن كما أُنزل وأنَّ أبا بكر وعمر رداه وقالا: لا حاجة لنا فيه، وأنهما حرفا القرآن (5) .   (1) الخوانساري: «روضت الجنات» : (4/68) . (2) لم أجد في «تاريخ الطبري» كما يظهر ذلك من خلال فهرس الأعلام الذي وضعه أبو الفضل إبراهيم، وكذلك تاريخ ابن الأثير كما يبدو من فهارسه التي وضعها إحسان عباس، وليس له ذكر في «شذرات الذهب» لابن العماد الحنبلي، و «البداية والنهاية» لابن كثير، ولا في كتاب «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم، و «طبقات ابن سعد» ، ولا في «تهذيب التهذيب» ، ولا في «المغني» للذهبي، أو «التاريخ الكبير والصغير» للبخاري ولا في «تهذيب الكمال» للمزي (مخطوط) ... إلخ. (3) أبو جعفر البرقي: «الرجال» : ص 3- 4، الطوسي: «الفهرست» : ص 107. (4) «المغني في الضعفاء» : ص 7، «ديوان الضعفاء والمتروكين» : ص 7، «تقريب التهذيب» : (1/31) . (5) انظر: «كتاب سليم بن قيس» : ص 66، وذكر صاحب «فصل الخطاب» بعض النصوص التي تطعن في كتاب الله عن كتاب سليم هذا. انظر: «فصل الخطاب» (ص 117- 118) (مخطوط) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 وتصف عليّاً بأوصاف الإله (يا أول، يا آخر، يا ظاهر، يا باطن، يا من هو بكل شيء عليم) وتقول إن هذا الوصف صدر من الشمس لعلي وإنه سمعه أبو بكر وعمر والمهاجرون والأنصار (فصعقوا ثم أفاقوا بعد ساعات) (1) إلى أمثال هذه النصوص الباطنية. وكل أمارات الكذب في سنده ومتنه لم تحد من مبالغات الشيعة في مدح الكتاب وتوثيقه، ولكن بعض علماء الشيعة رابهم شيء في الكتاب فرأوا من الواجب كشف حقيقته قبل أن يقوض أساس التشيع نفسه، ولا يظن القارئ أن هذا الأمر الذي رابهم هو الطعن في القرآن أوتأليه علي أو غير ذلك من المطاعن في الإسلام نفسه، إنما الأمر الذي أُشكل عليهم في الكتاب هو أنه جعل الأئمة ثلاثة عشر وأنه تضمن نصّاً يكشف وضعه لمخالفته لحقائق التاريخ؛ وهو النص القائل أن محمد بن أبي بكر وعظ أباه عند الموت لأنه غصب الإمامة من علي، مع أن محمد بن أبي بكر ولد في سنة حجة الوداع فكيف يعظ أباه وعمره ثلاث سنوات (2) . فاختلف علماء الشيعة فمن قائل: (والوجه عندي الحكم بتعديل المشار إليه، والتوقف في الفاسد من كتابه) (3) ومن قائل: إن الكتاب موضوع (4) وضعه أبان بن أبي عياش (5) ، ومنهم من قام بتعديل   (1) «كتاب سليم بن قيس» : (ص 31- 32) . (2) الخوانساري: «روضات الجنات» : (4/67) ، وانظر: ابن داود «الرجال» : (ص 413- 414) . ولم أجد هذا النص في كتاب سليم - المطبوع، وهذا دليل أنهم يغيرون في كتبهم..!! (3) ابن داود: «الرجال» : ص 83. (4) ابن داود: «الرجال» : (ص 413- 414) ، وانظر: الخوانساري: «روضات الجنات» : (4/67) . (5) ابن داود: «الرجال» : (ص 413- 414) ، وأبان بن أبي عياش ضعيف عندهم. «المصدر السابق» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 الكتاب ليتلاءم والمنطق الشيعي، وأشار الخوانساري إلى التغير في الكتاب فقال: (إن ما وصل إلينا من نسخ الكتاب هو أن عبد الله بن عمرو وعظ أباه عند الموت) (1) . وحكم بعض المعاصرين من شيوخهم أنه موضوع في آخر الدولة الأُموية لغرض صحيح (2) - كذا -. هذه الوقفة عند كتاب سليم بن قيس أرى أنها ضرورية لمحاولة اكتشاف الأيدي السبئية، فالآراء التي نقلت منسوبة لابن سبأ في كتب الشيعة لم تذكر أن من آراء ابن سبأ فرية القول بأن الصحابة حرفوا القرآن، لم يتجرأ ابن سبأ على إشاعة هذه الفرية ـ وإن كانت بعض "الوثائق" من كتب السنّة حملت إلينا أن من آرائه زعمه بأن (القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند علي) (3) ـ لكنه لم يقل أن الصحابة حرفوا القرآن، لأنها وسيلة سريعة لانكشافه، فعدل عنها إلى القول بأن هذا القرآن جزء من تسعة أجزاء، وكذلك ورد في رسالة الحسن بن محمد بن الحنفية (4) (ت 95هـ) قوله: (ومن خصومة هذه السبئية التي أدركنا يقولوا - كذا -: هدينا لوحي ضل عنه الناس وعلم خفي، ويزعمون أن نبي الله كتم تسعة أعشار القرآن، ولو كان   (1) «روضات الجنات» : (4/69) . (2) أبو الحسن الشعراني في تعليقه على «الكافي» مع شرحه للمازندراني: (2/373، 374) . (3) الجوزجاني: «الضعفاء» : الورقة 3 (مخطوط) . (4) الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي (أبو محمد المدني) ، وأبوه يعرف بابن الحنفية، له رسالة في الإرجاء، (وهي التي نقلنا منها النص المذكور) قال ابن حجر: (إني وقفت على كتاب الحسن بن محمد، أخرجه ابن أبي عمر العدني في كتاب الإيمان ت 95هـ) «تهذيب التهذيب» : (2/320) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 نبي الله كاتماً شيئاً مما أنزل الله لكتم شأن امرأة زيد (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه.. الآية) (1) . فعقيدة الشيعة في أن الصحابة حرفوا القرآن لم ترد ضمن آراء ابن سبأ وجاءت فيما بعد في أول كتاب ألفه الشيعة، وكشف عالمهم ابن الغضائري أن الكتاب "موضوع" واتهم في وضعه أبان بن أبي عياش وكادت هذه الروايات أن تموت بهذا الحكم، لكن جاء بعد كتاب سليم من تلقف هذه الأساطير وزاد عليها وهو الكليني في كتابه الكافي، ويعتبر الكليني وشيخه علي ابن إبراهيم القمي ممن أرسوا دعائم هذه العقيدة الباطلة. ولا يزال كتاب الكليني «الكافي» وتفسير شيخه القمي من مصادر الشيعة المعتمدة إلى اليوم. وفشت هذه الروايات في كتب الشيعة - كما مر-. (ب) انحرافهم في تأويل القرآن : تضمنت كتب التفسير عند الشيعة - تلك التي يزعمون تلقيها عن آل البيت - تضمنت تأويلات باطنية لآيات القرآن لا تتصل بمدلولات الألفاظ، ولا بمفهومها ولا بالسياق القرآني. ومن العجيب أن تسند هذه "الأكاذيب" الفاضحة إلى آل البيت ويسند معظمها إلى جعفر الصادق!! وهي في حقيقة الأمر طعن مبطن في الآل، كما أنها إلحاد في آيات الله وصد عن سبيله.. ولكنهم أسندوها لآل البيت حتى ينخدع "الأغرار" بها.   (1) محمد بن يحيى بن أبي عمر المكي العدني: «الإيمان» : (ص 249 - 250) (مخطوط) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وهذه التأويلات مدونة في تفاسيرهم المعتبرة عندهم كتفسير القمي وتفسير العياشي، وتفسير البرهان، وتفسير الصافي، كما أن كتبهم المعتمدة في الحديث قد أخذت من تلكم التأويلات بقسط وافر، وعلى رأسها: أصول الكافي للكليني، والبحار للمجلسي وغيرهما. ويرى بعض الباحثين (1) أن أول كتاب وضع الأساس الشيعي في التفسير هو تفسير القرآن الذي وضعه في القرن الثاني للهجرة جابر الجعفي (2) (ت 128) ، فكان هذا نواة لتفسير شيعي سرعان ما اتسع وأغرق في باطنيته.. وفيما يلي أمثلة وشواهد لهذه التأويلات، وقد يكون فيها بعض الإطالة، ولكن الغرض من ذلك أن نتبين هل هذه التأويلات تمثل ظاهرة عامة، وقاعدة مطردة في كتبهم الأصيلة، أم هي روايات شاذة وضعيفة ومندسة في كتبهم، ولا تمثل المسار العام والاتجاه الأساسي في التفسير الشيعي؟، وهذه المعرفة لا تتأتى إلا بأن نمد النفس في العرض، وأن نحتاط أيضاً في نقلنا من كتبهم؛ بحيث لا نأخذ إلا من مصادرهم المعتبرة عندهم، فلنبدأ "رحلتنا" مع تأويلاتهم لآيات القرآن:   (1) جولدسهير: «مذاهب التفسير الإسلامي» : (ص 303 - 304) . وقد ذكرت بعض كتب الشيعة «كتاب التفسير» لجابر الجعفي، انظر: الطوسي: «الفهرست» : ص 70، «أعيان الشيعة» : (1/196) . (2) وهو كذاب عند أهل السنة وقد مضى بيان ذلك في ترجمته، أما عند الشيعة فأخبارهم في شأنه متناقضة، لكنهم يحملون أخبار الطعن فيه على التقية ويرجحون توثيقه كعادتهم في توثيق من على مذهبهم وإن كان كاذباً. انظر: «وسائل الشيعة» : (20/51) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 أولاً: نجد في مصادرهم الأصيلة والمعتبرة في الحديث والتفسير وغيرهما آيات كثيرة تُفسر بـ "الإمامة" وبـ "الولاية" وبالأئمة، ومن ذلك: (أ) ما ورد في كتاب الله من آيات تتحدث عن القرآن يفسرونها بالأئمة، فقوله سبحانه: (فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا ... الآية ((1) يقولون: (النور نور الأئمة) (2) ، وفي رواية أخرى عندهم تقول: «النور الأئمة» (3) ، وقوله سبحانه: (واتبعوا النور الذي أُنزل معه.. ((4) يقولون: النور: علي والأئمة عليهم السلام (5) . والملاحظ أن الدلالة واضحة وجلية على أن المراد بالنور في الآيتين هو القرآن، ولكن نلمس هذا الشطط البالغ في التأويل، ومع ذلك يسند هذا التأويل الذي لا تربطه بالآية أدنى رابطة إلى آل البيت كعلي والحسن أو الحسين أو الباقر أو الصادق، وهم أهل العلم واللغة والعقل والدين!! وبناءً على هذا التأويل الذي أعطوه للآية نفهم أن الأئمة أنزلوا من السماء إنزالاً!! وتمضي تأويلاتهم للآيات التي تتحدث عن القرآن ولو كانت الآية في غاية الدلالة على أن المقصود القرآن، فيروون عن أبي جعفر   (1) التغابن: آية 8. (2) «الكافي» للكليني عن أبي جعفر، كتاب الحجة، باب أن الأئمة عليهم السلام نور الله (: (1/194) . (3) المصدر السابق: ص (1/195) . (4) الأعراف: آية 157. (5) «الكافي» للكليني بإسناده إلى أبي عبد الله (جعفر الصادق) كتاب الحجة، باب أن الأئمة عليهم السلام نور الله (: (1/194) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 (محمد الباقر) - رحمه الله وبرأه الله مما يفتري المفترون - في قول الله: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إليَّ ... الآية) (1) . قالوا (بدل مكان علي أبو بكر وعمر واتبعناه) (2) (كذا) ، وعن أبي السفاتج عن أبي عبد الله (في قوله: (ائت بقرآن غير هذا أو بدله (يعني أمير المؤمنين (3) . ويفسرون قوله سبحانه (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم..) (4) بقولهم "يهدي إلى الإمام" (5) ، وفي رواية يهدي إلى الولاية (6) . (ب) ويفسرون ما ورد في الآيات من لفظ النور ونحوه بالأئمة من غير أي مرتكز من المرتكزات التي تقوم عليها الدلالة، تلك المرتكزات المعروفة في (علم الدلالة) عند علماء اللغة. فيروي الكليني عن محمد بن فضيل عن أبي الحسن (قال: سألته عن قول الله تبارك وتعالى: (يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم..) (7) قال: يريدون ليطفؤا ولاية أمير المؤمنين (بأفواههم، قلت: قوله تعالى: (والله متم نوره) ، قال: يقول: والله متمّ   (1) يونس: آية 15. (2) و (3) «تفسير العياشي» : (2/120) ، وانظر: «أصول الكافي» : (1/419) ، و «تفسير البرهان» : (2/180) ، وفي تفسير «نور الثقلين» : (2/296) ؛ (لو بدل مكان علي أبو بكر أو عمر اتبعناه) . (4) الإسراء: آية 9. (5) «الكافي» كتاب الحجة، باب أن القرآن يهدي للإمام: (1/216) ، وانظر: «تفسير العياشي» : (2/282 -383) ، و «البرهان» : (2/409) ، و «الصافي» : (1/960) . (6) المصادر السابقة ما عدا الكافي. (7) الصف: آية 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 الإمامة، والإمامة هي النور وذلك قول الله (: (فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا.. ((1) (2) قال: النور هو الإمام. ويروي الكليني أيضاً عن أبي عبد الله (جعفر الصادق) (في قوله تعالى: (الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة..) (3) فاطمة عليها السلام (فيها مصباح) الحسن (المصباح في زجاجة) الحسين (الزجاجة كأنها كوكب دري) فاطمة كوكب دري بين نساء أهل الدنيا (يوقد من شجرة مباركة) إبراهيم عليه السلام (لا شرقية ولا غربية) لا يهودية ولا نصرانية (يكاد زيتها يضيء) يكاد العلم ينفجر بها (ولو لم تمسسه نار نور على نور) إمام منها بعد إمام (يهدي الله لنوره من يشاء) يهدي الله للأئمة من يشاء (ويضرب الله الأمثال للناس ... ) ( ... ومن لم يجعل الله له نوراً) (4) إماماً من ولد فاطمة عليها السلام (فما له من نور) (5) إمام يوم القيامة (6) . (ج) وكما أوّلوا ما جاء عن القرآن والنور بالإمامة، يؤولون ما جاء في كتاب الله من النهي عن الشرك والكفر، يؤولونه بالشرك في ولاية علي، أو الكفر بولاية علي، ويؤولون ما جاء في عبادة الله   (1) التغابن: آية 8. (2) «الكافي» كتاب الحجة، باب أن الأئمة عليهم السلام نور الله: (1/196) ، وانظر/ «تفسير نور الثقلين» : (5/316) ، وفي تفسير القمي فسر "النور" بمهديهم المنتظر، عن «تفسير نور الثقلين» : (5/317) . (3) النور: آية 35. (4) و (5) النور: آية 40. (6) «الكافي» كتاب الحجة، باب أن الأئمة عليهم نور الله عز وجل: (1/195) ، وانظر: «تفسير نور الثقلين» : (3/604) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 وحده واجتناب الطاغوت بولاية الأئمة والبراءة من أعدائهم ومن ذلك: 1- عن أبي جعفر عليه السلام: ما بعث الله نبيّاً قط إلا بولايتنا والبراءة من عدونا وذلك قول الله في كتابه: (ولقد بعثنا في كل أُمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت.. ((1) (2) . 2- وعن أبي عبد الله في قوله تعالى (.. لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد..) (3) قال: يعني بذلك لا تتخذوا إمامين إنما هو إمام واحد (4) . 3- وعن الباقر في قوله سبحانه: (.. لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) (5) ، قال: لئن أمرت بولاية أحد مع ولاية علي - رضي الله عنه - ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين (6) . 4- وعن أبي عبد الله في قوله سبحانه: (.. فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) (7) قال: العمل الصالح المعرفة بالأئمة (ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) التسليم لعلي لا يشرك معه في   (1) النحل: آية 36. (2) «تفسير العياشي» : (2/258) ، «البرهان» : (2/368) ، «الصافي» : (1/923) ، «تفسير نور الثقلين» : (3/53) . (3) النحل: آية 51. (4) «تفسير العياشي» : (2/261) ، «تفسير البرهان» : (2/373) ، «تفسير نور الثقلين» : (3/60) . (5) الزمر: آية 65. (6) «تفسير الصافي» : (2/472) ، وقد نقل هذه الرواية عن القمي شيخ الكليني في تفسيره، وانظر: «أصول الكافي» وانظر: «تفسير نور الثقلين» : (40/498) . (7) الكهف: آية 110. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 الخلافة من ليس ذلك له ولا هو من أهله (1) ، وفي رواية أُخرى لهم عن أبي عبد الله (في قوله: (ولا يشرك بعبادة ربه أحداً (قال: لا يتخذ مع ولاية آل محمد صلوات الله عليهم غيرهم (2) . 5- عن جابر الجعفي عن أبي جعفر في قوله سبحانه: (.. ولا تكونوا أول كافر به.. ((3) قال: يعني عليّاً (4) . 6- وعن جابر الجعفي قال: سألت أبا عبد الله (عن قول الله: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله.. ((5) . قال فقال: هم أولياء فلان، وفلان، وفلان - يعنون أبا بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - اتخذوهم أئمة من دون الإمام (6) . 7- وعن أبي عبد الله في قوله سبحانه: (.. إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله.. ((7) قال: يعني أئمة دون أئمة الحق (8) .   (1) «تفسير العياشي» : (2/353) ، «تفسير البرهان» : (2/497) ، «تفسير الصافي» : (2/36) ، «تفسير نور الثقلين» : (3/317- 318) . (2) «الصافي» : (2/361) . (3) البقرة: آية 41، والآية الكاملة (وآمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم ولا تكونوا أول كافر به (فالضمير يعود كما هو واضح من السياق يعود إلى القرآن، وهم أرجعوه إلى "علي" وهو غير مذكور أصلاً، والخطاب في الآية لبني إسرائيل. (4) «تفسير العياشي» : (1/42) . (5) البقرة: آية 165. (6) «تفسير العياشي» : (1/72) ، «البرهان» : (1/172) ، «الصافي» : (1/156) ، «تفسير الثقلين» : (1/151) . (7) الأعراف: آية 30. (8) «تفسير الصافي» : (1/571) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 8- وعن جابر الجعفي عن أبي جعفر (قال: أما قوله: (إن الله لا يغفر أن يشرك به) (1) يعني أنه لا يغفر لمن يكفر بولاية علي، وأما قوله: (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء..) (2) يعني لمن والى عليّاً) (3) ، والروايات في هذا الباب كثيرة، وهي محاولة لهدم الأصل الأول في الإسلام وهو التوحيد، وإعطاء الشرك صفة الشرعية.. ومحاولة خطيرة لتفسير التوحيد والشرك والكفر بغير معانيها الحقيقية. (د) ويؤولون بعض الآيات الواردة في الصلاة بالأئمة والإمامة: 1- عن زرارة عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (في قوله: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) (4) ، قال: الصلاة: رسول الله، وأمير المؤمنين، والحسن والحسين والوسطى: أمير المؤمنين، (وقوموا لله قانتين) طائعين للأئمة (5) . 2- وعن أبي جعفر في قوله سبحانه: (.. ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها..) (6) . قال: تفسيرها: ولا تجهر بولاية علي ولا بما أكرمته بها حتى آمرك بذلك (ولا تخافت بها) يعني   (1) و (2) النساء: آية 48. (3) «تفسير العياشي» : (1/245- 246) ، «الصافي» : (1/361) ، «البرهان» : (1/375) ، «تفسير نور الثقلين» : (1/488) . (4) البقرة: آية 238. (5) «تفسير العياشي» : (1/128) ، وانظر: «تفسير البرهان» : (1/231) ، «البحار» : (7/154) . (6) الإسراء: آية 110. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 ولا تكتمها عليّاً وأعلم ما كرمته به (1) - كذا - وفي رواية لهم عن أبي جعفر في تفسير الآية بمثل ما مضى وزاد: فأما قوله: (وابتغ بين ذلك سبيلاً (يقول: تسألني أن آذن لك أن تجهر بأمر علي بولايته فأذن له بإظهار ذلك يوم غدير خم.. (2) . 3- وعن أبي عبد الله في قوله سبحانه: (.. وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد..) (3) ، قال: يعني الأئمة (4) . هذه بعض تأويلاتهم لآيات الصلاة، وقد مضى تأويلهم لعموم الأعمال الصالحة بالإمامة وذلك في قوله سبحانه: (فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً (حيث قالوا: العمل الصالح المعرفة بالأئمة، وهذا التعميم في تأويل الأعمال الصالحة يغني عن التمثيل لسائرها من مثل قولهم في تأويل بعض آيات الحج وهو قوله سبحانه: (ثم ليقضوا تفثهم.. ((5) قال: التفث: لقاء الإمام (6) ، وغيرها مما لا يتسع المقام   (1) «تفسير العياشي» : (2/319) ، «تفسير الصافي» : (1/999) ، «تفسير البرهان» : (2/452) ، «تفسير الثقلين» : (3/235) . (2) «تفسير العياشي» : (2/320) ، «تفسير الصافي» : (1/99) ، «البرهان» : (2/452) ، «تفسير نور الثقلين» : (3/235- 236) . (3) الأعراف: آية 29. (4) «تفسير العياشي» : (2/12) ، «البرهان» : (2/8) ، «البحار» : (7/69) ، «تفسير نور الثقلين» : (3/17) . (5) الحج: آية 29. (6) رواه شيخهم الطوسي في التهذيب، انظر: «الوافي» ، أبواب الزيارات وشهود المشاهد، المجلد الثاني (ج 2/193) ، وانظر: «تفسير نور الثقلين» : (3/492) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 لاستيعابها، حتى إن المجلسي عقد باباً في البحار بعنوان: (باب أنهم الصلاة والزكاة والحج والصيام وسائر الطاعات وأعداؤهم الفواحش والمعاصي في بطن القرآن) (1) . (هـ) تأويلهم لما ورد في كتاب الله عن المؤمنين، وولاة الأمر، وأهل الذكر، وآيات الله الكونية، ومخلوقاته، وآلائه ونعمه، وغيرها، تأويلهم لذلك بالأئمة الإثني عشر ومن ذلك: 1 - ما ورد في المؤمنين من أوصاف يقصرونها على الأئمة فيقولون: (أ) عن ابن أذينه عن بريد بن معاوية العجلي قال: سألت أبا جعفر عن قول الله: ((..اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ((2) قال: إيانا عني، وعن أبي الحسن الرضا قال: سألته عن قول الله ((.. اتقوا الله وكونوا مع الصادقين (قال الصادقون الأئمة والصديقون بطاعتهم (3) . (ب) عن أبي ولاد قال: سألت أبا عبد الله (عن قول الله (: (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ((4) قال هم الأئمة عليهم السلام (5) .   (1) المجلسي: «البحار» : (جـ24/ص 286- 304) . (2) التوبة: آية 119. (3) «الكافي» ، كتاب الحجة، باب ما فرض الله (ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وآله من الكون مع الأئمة عليهم السلام: (1/208) . (4) البقرة: آية 121. (5) «الكافي» ، كتاب الحجة، باب في أن من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة عليهم السلام: (1/215) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 (ج) عن سالم قال: سألت أبا جعفر (عن قول الله (: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله.. ((1) قال: السابق بالخيرات الإمام، والمقتصد العارف للإمام، والظالم لنفسه الذي لا يعرف الإمام (2) ، وغير ذلك كثير. 2 - والأئمة هم أهل الذكر، والراسخون في العلم، والذين أوتوا العلم: (أ) عن عبد الله بن عجلان عن أبي جعفر في قول الله: (( ... فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ((3) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الذكر أنا والأئمة أهل الذكر، وقوله (: (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون ((4) قال أبو جعفر: (نحن قومه ونحن المسؤولون (5) . (ب) عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: (.. وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم.. ((6) قال: نحن   (1) فاطر: آية 32. (2) «الكافي» ، كتاب الحجة، باب في أن من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة عليهم السلام: (1/214) . (3) النحل: آية 43. (4) الزخرف: آية 44. (5) «الكافي» ، كتاب الحجة، باب أن أهل الذكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الأئمة عليهم السلام: (1/210) . (6) آل عمران: آية 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله - وعنه - الراسخون في العلم أمير المؤمنين والأئمة من بعده (1) . (ج) وعن هارون بن حمزة عن أبي عبد الله (قال: سمعته يقول: (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم.. ((2) قال: هم الأئمة عليهم السلام خاصة (3) . وساق الكليني أربع روايات أخر في تفسير الآية بنحو التأويل السابق (4) . 3 - والأئمة وشيعتهم الذين يعلمون وأولو الألباب. عن جابر (الجعفي) عن أبي جعفر (في قول الله - عز وجل -: (.. هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب) (5) قال أبو جعفر (: (إنما نحن الذين يعلمون والذين لا يعلمون عدونا. وشيعتنا أولو الألباب) (6) . ويورد الكليني رواية أخرى مثل هذه الرواية، ويأخذ من هاتين الروايتين قاعدة على أن من وصفه الله تعالى في كتابه بالعلم هم   (1) «الكافي» ، كتاب الحجة، باب أن الراسخين في العلم هم الأئمة عليهم السلام: (1/213) . (2) العنكبوت: آية 49. (3) «الكافي» ، كتاب الحجة، باب أن الأئمة قد أوتوا العلم وأثبت في صدورهم: (1/214) . (4) «الكافي» ، كتاب الحجة، باب أن الأئمة قد أوتوا العلم وأثبت في صدورهم: (1/213) . (5) الزمر: آية 9. (6) «الكافي» ، كتاب الحجة، باب أن من وصفه الله تعالى في كتابه بالعلم هم الأئمة عليهم السلام: (1/212) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 الأئمة عليهم السلام، كما يفيد ذلك الباب الذي عقده في هذا بعنوان: (باب أن من وصفه الله تعالى في كتابه بالعلم هم الأئمة عليهم السلام) . 4 - والأئمة هم (نعمة الله) التي ذكرها في كتابه: (أ) روى الكليني بإسناده أن أمير المؤمنين (.. تلا هذه الآية: (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار جهنم ((1) ، ثم قال: نحن النعمة التي أنعم الله بها على عباده وبنا يفوز من فاز يوم القيامة (2) . (ب) وعن أبي يوسف البزاز قال: تلا أبو عبد الله (هذه الآية: (.. فاذكروا آلاء الله.. ((3) قال: أتدري ما آلاء الله؟ قلت: لا، قال: هي أعظم نعم الله على خلقه وهي ولايتنا (4) . 5 - والأئمة هم آيات الله: قال الكليني: باب أن الآيات التي ذكرها الله (في كتابه هم الأئمة عليهم السلام وساق عدة روايات لهم في هذا منها:   (1) إبراهيم: الآيتان 28، 29. (2) «الكافي» ، كتاب الحجة، باب أن النعمة التي ذكرها الله (في كتابه الأئمة عليهم السلام: (1/217) . (3) الأعراف: آية 74، وقد وردت في المصدر الشيعي (واذكروا آلاء الله) وهو خطأ. (4) «الكافي» ، كتاب الحجة، باب أن نعمة الله تعالى التي ذكرها في كتابه الأئمة الأعلام: (1/217) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 عن أبي جعفر (في قول الله: ((كذبوا بآياتنا كلها.. ((1) يعني الأوصياء كلهم. 6 - وهم النبأ العظيم: عن أبي حمزة عن أبي جعفر (قال: قلت له: جعلت فداك، إن الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الآية: (عم يتساءلون عن النبأ العظيم ((2) ، قال: ذلك إلي إن شئت أخبرتهم وإن شئت لم أخبرهم، ثم قال: لكن أخبرك بتفسيرها (عم يتساءلون (، قال: فقال: هي في أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه، يقول ما لله (آية هي أكبر مني ولا لله من نبأ أعظم مني (3) . 7 - والآيات المحكمات هي الأئمة: روى العياشي عن أبي عبد الله (في قول الله: (.. هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات.. ((4) قال أمير المؤمنين والأئمة (ع) (وأخر متشابهات: (فلان وفلان وفلان - أي أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم - (فأما الذين في قلوبهم زيغ (أصحابهم وأهل ولايتهم فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله (5) .   (1) القمر: آية 42. (2) «النبأ» : الآيتان 2، 1. (3) «الكافي» ، كتاب الحجة، باب أن الآيات التي ذكرها الله إلخ: (1/207) . (4) آل عمران: آية 7. (5) «تفسير العياشي» : (1/162) ، «البرهان» : (1/271) ، «البحار» : (7/47) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 8 - وهم العلامات التي ذكرها الله في كتابه: عن داود الجصاص قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (وعلامات وبالنجم هم يهتدون ((1) قال: النجم رسول الله والعلامات هم الأئمة عليهم السلام (2) ، وذكر الكليني روايتين لهم بمثل هذا (3) ، وعقد المجلسي في ذلك باباً بعنوان: (باب أنهم النجوم والعلامات..) (4) . 9 - وولايتهم هي الطريقة المذكورة في قوله سبحانه (وألَّوِ استقاموا على الطريقة.. ((5) ، عن يونس بن يعقوب عمن ذكره - كذا- عن أبي جعفر (في قوله تعالى: (وألوَّ استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً (قال: يعني لو استقاموا على ولاية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين والأوصياء من ولده عليهم السلام (6) . وتأويلهم لكثير من آيات القرآن بالإمامة والأئمة يربو على الحصر، وكأن القرآن لم ينزل إلا فيهم، بل تأويلهم للآيات بالإمامة والأئمة تجاوز حدود الشرع والعقل، ونزل درك من العته والبله، لا تفسير له سوى أنه محاولة للهزء   (1) النحل: آية 16. (2) «الكافي» ، كتاب الحجة، باب أن الأئمة عليهم السلام هم العلامات التي ذكرها الله (في كتابه: (1/206) . (3) المصدر السابق: (1/206 - 207) . (4) «البحار» : (24/67 - 82) . (5) الجن: آية 16. (6) «الكافي» ، كتاب الحجة، باب أن الطريقة التي حث على الاستقامة عليها ولاية علي - رضي الله عنه -: (1/220) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 والسخرية بآيات الله، حتى إنهم يقولون: 10 - الأئمة هم النحل (1) في قوله سبحانه (وأوحى ربك إلى النحل.. ((2) ، والمجلسي عقد باباً لذلك بعنوان: (باب نادر في تأويل النحل بهم) (3) . 11 - وهم الحفدة (4) في قوله سبحانه: ( ... وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة.. ((5) . 12 - وعلي هو سبيل الله (6) في قوله سبحانه: (.. ويصدون عن سبيل الله.. ((7) . 13 - وهو الحسرة على الكافرين (8) في قوله: (وإنه لحسرة على الكافرين ((9) . 14 - وهو حق اليقين (10) في قوله سبحانه: (وإنه لحق اليقين ((11) . 15 - وهو الصراط المستقيم (12) في قوله سبحانه: (اهدنا الصراط المستقيم ((13) .   (1) «تفسير العياشي» : (2/264) ، «البرهان» : (2/375) ، «الصافي» : (1/931) . (2) النحل: آية 68. (3) «البحار» : (24/110 - 113) . (4) «تفسير العياشي» : (2/264) ، «البرهان» : (2/376) ، «الصافي» : (1/932) . (5) النحل: آية 72. (6) «تفسير العياشي» : (2/269) ، «البرهان» : (2/383) ، «البحار» : (9/111) . (7) إبراهيم: آية 3، وفي عدة مواضع أخرى من كتاب الله سبحانه. (8) «تفسير العياشي» : (2/269) ، «البرهان» : (2/383) . (9) الحاقة: آية 50. (10) «تفسير العياشي» : (2/269) ، «البرهان» : (2/383) . (11) الحاقة: آية 51. (12) «تفسير العياشي» : (1/24) ، «البرهان» : (1/52) . (13) الفاتحة: آية 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 16 - وهو الهدى (1) في قوله: (.. فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ((2) . 17 - والأئمة هم الأيام والشهور، وعقد شيخهم المجلسي باباً في ذلك بعنوان: (باب تأويل الأيام والشهور بالأئمة عليهم السلام) ضمنه طائفة من رواياتهم (3) . 18 - والأئمة هم بنو إسرائيل (4) في قوله سبحانه: (يا بني إسرائيل ((5) . 19 - وهم الأسماء الحسنى التي يدعى بها: يروون عن الرضا (قال: إذا نزلت بكم شدة فاستعينوا بنا على الله، وهو قول الله: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها.. ((6) قال - راويهم - قال أبو عبد الله: نحن والله الأسماء الحسنى الذي لا يقبل - كذا - من أحد إلا بمعرفتنا، قال: فادعوه بها (7) . 20 - قال شيخهم المجلسي: والأئمة هم الماء المعين والبئر المعطلة والقصر المشيد وتأويل السحاب والمطر والفواكه وسائر المنافع   (1) «تفسير العياشي» : (1/42) ، «البرهان» : (1/89) . (2) البقرة: آية 38. (3) «البحار» : (24/338 - 243) ، وانظر: الطوسي: «الغيبة» : 104، والقمي: «الخصال» : (2/32 - 33) . (4) «تفسير العياشي» : (1/44) ، «البرهان» : (1/95) ، «البحار» : (7/178) . (5) البقرة: آية 40، وفي عدة مواضع من كتاب الله. (6) الأعراف: آية 180. (7) «تفسير العياشي» : (2/42) ، وانظر: «الصافي» : (1/626) ، «البرهان» : (2/51) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 الظاهرة بعلمهم وبركاتهم، ثم أورد طائفة من نصوصهم في ذلك (1) . وهكذا تمضي تأويلاتهم على هذا النحو الذي يكشف عوراتهم ويفضح إلحادهم. ثانياً: تأويلهم للآيات الواردة في الكفار والمنافقين ؛ تأويلهم لها بخيار صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسهم خليفتاه ووزيراه وصهراه وحبيباه أبو بكر وعمر، ويثلثون أحياناً بصاحب الجود والحياء ومن وضع ماله في سبيل الله وجهز جيش العسرة وغيره صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ابنتيه؛ عثمان (، وغيرهم من صحابة رسول الله الأخيار ومن تبعهم بإحسان. ومن ذلك ما يلي: روى الكليني في الكافي عن أبي عبد الله في قوله تعالى: (.. ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين ((2) قال: هما، ثم قال: وكان فلان شيطاناً (3) . قال المجلسي - في شرحه للكافي في بيان مراد صاحب الكافي بـ «هما» - قال: هما أي أبو بكر وعمر، والمراد بفلان عمر، أي الجن المذكور في الآية عمر، وإنما سمي به لأنه كان شيطاناً إما لأنه كان شرك شيطان لكونه ولد زناً أو لأنه في المكر والخديعة كالشيطان، وعلى الأخير يحتمل العكس بأن يكون المراد بفلان أبا بكر (4) .   (1) «البحار» : (24/100 - 110) . (2) فصلت: آية 29. (3) «فروع الكافي» (الذي بهامش «مرآة العقول» ) : المجلد الرابع ص 416. (4) «مرآة العقول» : (4/416) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 وعن حريز عمن ذكره عن أبي جعفر في قول الله: (وقال الشيطان لما قضي الأمر ... ) (1) قال: هو الثاني وليس في القرآن (وقال الشيطان) إلا هو الثاني (2) - يعنون بالثاني عمر - رضي الله عنه - -. وعن زرارة عن أبي جعفر في قوله تعالى: (لتركبن طبقاً عن طبق ((3) قال: يا زرارة، أو لم تركب هذه الأمة بعد نبيها طبقاً عن طبق في أمر فلان وفلان وفلان؟ (4) - يعنون أبا بكر وعمر وعثمان (- قال عالمهم الفيض الكاشاني: (ركوب طبقاتهم كناية عن نصبهم إياهم للخلافة واحداً بعد واحد) (5) . وعند قوله سبحانه: (.. فقاتلوا أئمة الكفر) (6) يروي العياشي عن حنان بن سدير أبي عبد الله (قال: سمعته يقول: دخل علي أناس من البصرة فسألوني عن طلحة وزبير فقلت لهم: كانا إمامين من أئمة الكفر (7) . ويفسرون الجبت والطاغوت الوارد في قوله سبحانه: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ... ((8) ،   (1) إبراهيم: آية 22. (2) «تفسير العياشي» : (2/223) ، «البرهان» : (2/309) ، «الصافي» : (1/885) ، «البحار» : (3/378) ، و «تفسير القمي» (عن الصافي) : (1/885) . (3) الانشقاق: آية 19. (4) و (5) «الوافي» ، كتاب الحجة، باب ما نزل فيهم عليهم السلام وفي أعدائهم: (1/314) . (5) (6) التوبة: آية 12. (7) «تفسير العياشي» : (2/77 - 78) ، «تفسير البرهان» : (2/107) ، «تفسير الصافي» : (1/685) . (8) النساء: آية 51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 يفسرونهما بصاحبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووزيريه وصهريه وخليفتيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما (1) . ويروون عن أبي جعفر - (وبرأه الله مما يفترون - في قوله: (.. وما كنت متخذ المضلين عضداً ((2) . قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل ابن هشام) فأنزل الله وما كنت متخذ المضلين عضداً (3) . وهذا النص يناقض اعتقادهم بعصمة الأنبياء، لأنه يقتضي صدور الدعوة لعمر من الرسول - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الخطأ، أو يثبت عصمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وينسف ما قالوه في سب عمر وتكفيره وأنه غصب الخلافة من علي، وهذا يؤدي إلى هدم مبدأ الإمامة عندهم، وما ندري أي الأمرين يطوح بهم أكثر من الآخر؟. ويروون عن أبي عبد الله أنه قال في قوله: (ولا تتبعوا خطوات الشيطان ((4) قال: (وخطوات الشيطان والله ولاية فلان وفلان) (5) - أبو بكر وعمر -. وعند قوله سبحانه: (لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ((6) روى العياشي عن أبي بصير عن جعفر بن محمد عليه   (1) انظر: «تفسير العياشي» : (1/246) ، و «الصافي» : (1/362) ، «البرهان» : (1/377) . (2) الكهف: آية 51. (3) «تفسير العياشي» : (2/328 - 329) ، «البرهان» : (2/471) ، «البحار» : (8/22) ، «الصافي» : (2/17) . (4) البقرة: الآيتان 168، 208 - الأنعام: آية 142. (5) «تفسير العياشي» : (1/102) ، «البرهان» : (1/208) ، «الصافي» : (1/208) . (6) الحجر: آية 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 السلام قال: (يؤتى بجهنم لها سبعة أبواب، بابها الأول للظالم وهو زريق، وبابها الثاني لحبتر، والباب الثالث للثالث، والرابع لمعاوية، والباب الخامس لعبد الملك، والباب السادس لعسكر بن هوسر، والباب السابع لأبي سلامة، فهم أبواب لمن اتبعهم) (1) . قال المجلسي في تفسير هذا النص: (زريق كناية عن الأول لأن العرب يتشأم بزرقة العين، والحبتر هو الثعلب ولعله إنما كني عنه لحيلته ومكره، وفي غيره من الأخبار وقع بالعكس وهو أظهر؛ إذ الحبتر بالأول أنسب ويمكن أن يكون هنا أيضاً المراد ذلك، وإنما قدم الثاني لأنه أشقى وأفظ وأغلظ، وعسكر بن هوسر كناية عن بعض خلفاء بني أمية أو بني العباس، وكذا أبو سلامة كناية عن أبي جعفر الدوانيقي، ويحتمل أن يكون عسكر كناية عن عائشة وسائر أهل الجمل؛ إذ كان اسم جمل عائشة عسكراً وروي أن كان شيطاناً) (2) . وفي قوله تعالى: (.. إذ يبيتون ما لا يرضى من القول) (3) يفترون على أبي جعفر أنه قال فيها: فلان وفلان - أي أبو بكر وعمر - وأبو عبيدة بن الجراح (4) ، وفي رواية أخرى لهم افتروها على أبي الحسن تقول: هما وأبو عبيدة بن الجراح (5) - هما: أي أبو بكر وعمر - وفي رواية ثالثة: الأول والثاني وأبو عبيدة بن الجراح (6) (الأول والثاني أي أبو بكر وعمر) . وقوله سبحانه: (إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا   (1) «تفسير العياشي» : (2/243) ، «البرهان» : (2/345) . (2) «البحار» : (4/378) ، (8/220) . (3) النساء: آية 108. (4) و (5) و (6) ، «تفسير العياشي» : (1/275) ، «البرهان» : (1/414) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 شيطاناً مريداً ((1) يفسرونها بالرواية التالية: عن محمد بن إسماعيل عن رجل سماه عن أبي عبد الله (قال: دخل رجل على أبي عبد الله فقال: السلام عليكم يا أمير المؤمنين، فقام على قدميه فقال: مه هذا اسم لا يصلح إلا لأمير المؤمنين (سماه به، ولم يُسمّ - بالبناء المفعول - به أحد غيره فرضي به إلا كان منكوحاً وإن لم يكن به ابتلي به وهو قول الله في كتابه: (إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً (قال قلت: فماذا يدعى به قائمكم؟ قال: يقال له السلام عليك يا بقية الله، السلام عليكم يا ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (2) . فهذا قذف شنيع لكل أمراء المؤمنين. ويفترون على أبي عبد الله أنه قال في قول الله: (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً.. ((3) قال: نزلت في فلان وفلان - أبو بكر وعمر - آمنوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله في أول الأمر ثم كفروا حين عرضت عليهم الولاية، حيث قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين (حيث قالوا له بأمر الله وأمر رسوله فبايعوه، ثم كفروا حيث مضى رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يقروا بالبيعة، ثم ازدادوا كفراً بأخذهم من بايعوه بالبيعة لهم، فهؤلاء لم يبق منهم من الإيمان شيء (4) .   (1) النساء: آية 117. (2) «تفسير العياشي» : (1/276) ، «البرهان» : (1/415) ، «البحار» : (9/637) . (3) النساء: آية 137. (4) «تفسير العياشي» : (1/281) ، «الصافي» : (1/404) ، «البرهان» : (1/422) ، «البحار» : (8/218) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وفي قوله سبحانه عن المنافقين: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمّوا بما لم ينالوا.. ((1) . يروي القمي في تفسيره عن الصادق (لما أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم غدير خم كان بحذائه سبعة نفر من المنافقين وهم أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة، قال عمر: ألا ترون عينيه كأنها عينا مجنون - يعني النبي - الساعة يقوم ويقول: قال لي ربي، فلما قام قال: يا أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: الله ورسوله قال: اللهم فاشهد ثم قال: ألا من كنت مولاه فعلي مولاه وسلموا عليه بإمرة المؤمنين فنزل جبرائيل وأعلم رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله (يحلفون بالله ما قالوا ((2) . ويفسرون الفحشاء والمنكر، في قوله: (.. وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي..) (3) بولاية أبي بكر وعمر وعثمان، فيروون عن أبي جعفر (بالإسناد الكاذب أنه قال: وينهى عن الفحشاء: الأول. والمنكر: الثاني. والبغي: الثالث (4) . ثالثاً: وعلى ضوء عقيدتهم في المهدي يتعسفون في تأويل الآيات فيروي شيخهم الصدوق - عندهم - بسنده عن أبي عبد الله في قول الله: ((..هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب.. ((5) .   (1) التوبة: آية 74. (2) عن «الصافي» : (1/715) . (3) النحل: آية 90. (4) «تفسير العياشي» : (4/268) ، «البرهان» : (2/381) ، «البحار» : (7/130) . (5) البقرة: الآيتان 2، 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 قال: (من أقر بقيام القائم (أنه حق) وفي رواية: ((يؤمنون بالغيب (يعني بالقائم (وغيبته) (1) . وعن جابر.. عن أبي جعفر في قول الله: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر.. ((2) قال: خروج القائم وأذان دعوته إلى نفسه (3) . وعن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله سبحانه: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ((4) قال: إذا خرج القائم لم يبق مشرك بالله العظيم ولا كافر إلا كره خروجه (5) . وعن صالح بن سعد عن أبي عبد الله في قول الله: (قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ((6) قال: قوة القائم والركن الشديد الثلثمائة وثلاثة عشر أصحابه (7) (مع أن الآية في لوط (مع قومه فجعلوها في قائمهم المنتظر) . والأمثلة على تعسفهم في تفسير آيات من كتاب الله بمهديهم المنتظر كثيرة، حتى ألفوا في هذا كتباً مستقلة مثل «ما نزل من القرآن   (1) ابن بابويه القمي (الصدوق) : «إكمال الدين» : ص 17. (2) التوبة: آية 3. (3) «تفسير العياشي» : (2/76) ، «تفسير البرهان» : (2/102) . (4) التوبة: آية 33. (5) «تفسير العياشي» : (2/87) ، «الصافي» : (1/697) ، «البرهان» : (2/121) . (6) هود: آية 80. (7) «تفسير العياشي» : (2/157) ، وانظر: «البرهان» : (2/230) ، «البحار» : (5/158) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 في صاحب الزمان» لعبد العزيز الجلودي (1) ، و «المحجة فيما نزل في القائم الحجة» للسيد هاشم البحراني (2) . رابعاً: ويمضي القوم في تأويلهم لآيات الله على ضوء عقائدهم وأصول دينهم ويتعسفون في ذلك أيما تعسف، فيحاولون البحث عن آيات يفسرون على ضوئها معتقدهم في التقية ففي تفسير العياشي عن الصادق في قوله سبحانه: (.. أجعل بينكم وبينهم ردماً ((3) قال: التقية (4) ؛ {فما استطاعوا أن يظهروا وما استطاعوا له نقباً} (5) قال: هو التقية (6) . وعن المفضل عن الصادق: (فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً (قال: ما استطاعوا له نقباً إذا عمل بالتقية لم يقدروا في ذلك على حيلة وهو الحصن، وصار بينك وبين أعداء الله سدّاً لا يستطيعون له نقباً، قال: وسألته عن قوله: (.. فإذا جاء وعد ربي جعله.. ((7) قال: رفع التقية عند الكشف فينتقم من أعداء الله (8) . وعن الحسين عن زيد بن علي بن جعفر بن محمد عن أبيه (قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لا إيمان لمن   (1) أغابزرك الطهراني: «الذريعة» : (19/30) . (2) «فهرس مكتبة آية الله المرعشي» بقم: (3/286) ، إعداد: (أحمد الحسيني) . (3) «الكهف: آية 95. (4) «تفسير العياشي» : (2/351) ، «البرهان» : (2/486) ، «البحار» : (5/168) . (5) الكهف: آية 97. (6) «تفسير العياشي» : (2/351) ، «البرهان» : (2/486) ، «البحار» : (5/168) . (7) الكهف: آية 98. (8) «تفسير العياشي» : (2/351) ، «البرهان» : (2/486) ، «البحار» : (5/168) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 لا تقية له ويقول: قال الله: (.. إلا أن تتقوا منهم تقاة..) (1)) (2) . وعن أبي إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (وتلا هذه الآية: (.. ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ((3) قال: والله ما ضربوهم بأيديهم ولا قتلوهم بأسيافهم، ولكن سمعوا أحاديثهم وأسرارهم فأذاعوها، فأخذوا عليها فقتلوا فصار قتلاً واعتداء ومعصية (4) . وعن يزيد عن أبي جعفر (في قوله: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا.. ((5) اصبروا.. يعني بذلك عن المعاصي، وصابروا يعني التقية، ورابطوا يعني الأئمة (6) . خامساً: ولتأييد اعتقادهم في "الرجعة" يؤولون الآيات ويصرفونها عن معانيها؛ فقوله سبحانه: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً ((7) قالوا: الرجعة (8) ، فالآخرة يفسرونها في هذه الآية بالرجعة، وهذا التفسير وأمثاله هو عين منطق الباطنيين في القول بإبطال المعاد.   (1) آل عمران: آية 28. (2) «تفسير العياشي» : (1/166- 167) ، «البرهان» : (1/275) ، «الصافي» : (1/253) ، «الوسائل» : جـ2 أبواب الأمر بالمعروف باب 23. (3) آل عمران: آية 112. (4) «تفسير العياشي» : (1/196) ، «البرهان» : (1/309) ، «الصافي» : (1/290) . (5) آل عمران: آية 200. (6) «تفسير العياشي» : (1/214) ، «البرهان» : (1/335) ، «البحار» : (7/135) . (7) الإسراء: آية 72. (8) «تفسير العياشي» : (2/306) ، «البحار» للمجلسي: (13/116) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 ويفسرون قوله سبحانه: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت.. ((1) بأن هذه الآية ليست في كفار قريش المنكرين للبعث، إنما هي في أعداء الشيعة المنكرين للرجعة!! وإليك النص: عن بصير عن أبي عبد الله في قوله: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت (قال: ما يقولون فيها؟ - أي ما يقول أئمة السنّة في تفسيرها - قلت: يزعمون أن المشركين كانوا يحلفون لرسول الله أن الله لا يبعث الموتى قال: تبّاً لمن قال هذا، ويلهم هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللات والعزى؟ قلت: جعلت فداك فأوجدنيه أعرفه قال: لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوماً من شيعتنا قبابع (2) سيوفهم على عواتقهم فيبلغ ذلك قوم من شيعتنا لم يموتوا فيقولون: بعث فلان وفلان من قبورهم مع القائم فيبلغ ذلك قوماً من أعدائنا فيقولون: يا معشر الشيعة ما أكذبكم، هذه دولتكم وأنتم تكذبون فيها فحكى الله قولهم (3) فقال: (وأقسموا بالله جهد أيمانكم) . هذه أمثلة لتأويلاتهم للقرآن، وتعسفهم في فهم آياته، وهو كما يرى القارئ تفسير باطني لا تربطه بالآية أدنى صلة، وكأن القرآن لم ينزل بلسان عربي مبين، ولم يجعله الله سبحانه هداية ودستوراً لخلقه أجمعين. وهذه التمحلات والتكلفات ليست من قبيل الأخطاء في الرأي والزلل في فهم الآيات، ولكنها مؤامرة مدبرة ضد الإسلام، وخطة محبوكة لإلغاء هداية القرآن للناس، وكأنها قد جاءت تالية لإخفاق   (1) النحل: الآية 38. (2) قبعة السيف: ما كان على طرف مقبضه من فضة أو حديد، «القاموس» : مادة قبع. (3) «تفسير العياشي» : (2/259) ، «البرهان» : (2/368) ، «البحار» : (13/223) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 مؤامرة التحريف التي ادعوها في كتاب الله ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون. وخطورة هذا الاتجاه الباطني في تفسير القرآن كبيرة، لأنه يقتضي بطلان الثقة بالألفاظ، ويسقط الانتفاع بكلام الله وكلام رسوله، فإن ما يسبق إلى الفهم لا يوثق به، والباطن لا ضابط له، بل تتعارض فيه الخواطر ويمكن تنزيله على وجوه شتى، وبهذا الطريق يحاول "الباطنية" التوصل إلى هدم جميع الشريعة بتأويل ظواهرها وتنزيلها على رأيهم (1) . ولا شك أن تلك التأويلات إلحاد في كتاب الله: قال تعالى: (إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا ((2) قال ابن عباس: «هو أن يوضع الكلام في غير موضعه» (3) ، وذلك بالانحراف في تأويله (4) . قال في الإكليل: (ففيها الرد على من تعاطى تفسير القرآن بما لا يدل عليه جوهر اللفظ كما يفعله الباطنية، والاتحادية والملاحدة..) (5) . وهؤلاء الذين يلحدون في آيات الله ويحرفونها عن معانيها وإن كتموا كفرهم وتستروا بالتأويل الباطل وأرادوا الإخفاء لكنهم لا يخفون على الله (6) . كما قال تعالى: (لا يخفون علينا) .   (1) «إحياء علوم الدين» : (1/37) . (2) فصلت: آية 40. (3) «تفسير الطبري» : (24/123) ، «فتح القدير» الشوكاني: (4/520) . (4) انظر: القاسمي: «محاسن التأويل» : (14/5211) ، الألوسي: «روح المعاني» : (24/126) . (5) «الإكليل» السيوطي: ص 354، على هامش «جامع البيان في تفسير القرآن» . (6) «إكفار الملحدين» محمد أنور شاه الكشميري: ص2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 ولمحاولة تمرير هذه الجريمة، وإنجاح تلك المؤامرة ربطوا هذا التفسير بأهل البيت، فضلاً عن أنهم جعلوا التفسير والتأويل من خصوصيات الأئمة الإثني عشر، وفي هذا عقد شيخهم الحر العاملي في كتابه «الفصول المهمة» باباً بعنوان: (باب أنه لا يعرف تفسير القرآن إلا الأئمة) (1) . ولا اعتبار لأي تفسير لا يرد من طريقهم؛ قال عالمهم محمد رضا النجفي - من علمائهم المعاصرين ويلقبونه بآية الله -: (إن جميع التفاسير الواردة عن غير أهل البيت لا قيمة لها ولا يعتد بها) (2) .. ثم ذكر رواية لهم عن المجلسي في البحار وهي: (قال أبو جعفر لسلمة بن كهيل والحكم بن عنبسة شرقاً وغرباً لن تجد علماً صحيحاً إلا شيئاً يخرج من عندنا أهل البيت) (3) . وقد جاء في أحاديثهم ورواياتهم ما يسوغون به هذا المسلك الغريب، جاء في أحاديثهم أن السياق القرآني غير منسجم مع النظر العقلي فهو أبعد ما يكون عن العقل فأول الآية في شيء وأوسطها في شيء وآخرها في شيء آخر، يقولون: عن جابر قال أبو عبد الله (: (يا جابر إن للقرآن بطناً وللبطن ظهراً، ثم قال: يا جابر وليس شيء أبعد من عقول الرجال منه أن الآية لتنزل أولها في شيء وأوسطها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل يتصرف على وجوه) (4) .   (1) «الفصول المهمة» : ص 57. (2) «الشيعة والرجعة» : ص 19. (3) المصدر السابق: ص 29. (4) انظر: «تفسير العياشي» : (1/11) ، «البحار» : (19/30، 93- 94) ، «البرهان» : (1/20- 21) ، «الصافي» : (1/14- 17) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 وهذا القول يصدق تماماً على التفسير المأثور عندهم للقرآن ولا يتصل من قريب أو بعيد بكتاب الله وتفسيره الصحيح، وإذا كان الأمر في تفسير القرآن كما يصورون فلِمَ نزل للناس كافة؟، وإذا كان الأئمة يفسرون القرآن للناس فأين الأئمة منذ أكثر من ألف عام؟. وبقي أن نشير إلى ملاحظة هامة وهي: أن للتفسير عندهم وجوهاً ظاهرة وباطنة، والجميع معتبر. فمن أمثلة ذلك أنهم فسروا قوله سبحانه: (ثم ليقضوا تفثهم (بأنه لقاء الإمام كما فسروها بأنها أخذ الشارب، وقص الأظافر. ولما استشكل أحد رواتهم هذا التناقض وسأل - كما يزعمون - الإمام جعفر أي التفسيرين أصح؟ وأي الرواة أصدق في النقل عنه؟ قال بصواب التفسيرين، ولكن التفسير الباطني لا يحتمله - كما يزعمون - إلا خُلَّص مؤمنيهم، ولهذا يخاطب كل سائل بما يحتمله من وجوه التفسير (1) .. أي أن التفسير الباطني لا يقال إلا عند ارتفاع التقية مع ثقاتهم. وقد يقول قائل إنك عممت الحكم على كل التفاسير الشيعية، في حين يوجد تفاسير لهم تحمل طابع الاعتدال، والبعد عن الغلو، أفما كان الأولى أن يكون هناك استثناءات في هذا المجال؟، أو يقسم التفسير عندهم إلى قسمين معتدل ومغالي، بدلاً من أن يجعل ما عرض من تأويلات هو الوجه للشيعة "الرافضة"؟ والجواب أنني مع ما في السؤال من أن هناك بعض التفاسير الشيعية كـ «التبيان» للطوسي، و «مجمع البيان» للطبرسي قد نأت عن ذلك الغلو الجانح الذي ركنت إليه تلك التفاسير التي مثلنا بها، وإن كانت قد   (1) انظر: «تفسير نور الثقلين» : (2/492) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 التزمت الدفاع عن أصول العقيدة الشيعية في بعض الآيات ولكنها لا تقارب بحال ما في تفسير العياشي أو البرهان أو الصافي أو أصول الكافي وغيرها. وكنت قد عزمت الإشارة إلى هذا النوع من التفسير، والإشادة بهذه الخطوة نحو "الاعتدال" ولا سيما أن بعض من يدافع عن التشيع قد احتج بهذين التفسيرين على أن الشيعة كلهم (لا بعضهم!) ليس لديهم تأويلات منحرفة (1) وكنا سنأخذ الأمر بحسن الظن. ولكن عالم الشيعة ومحدثها وخبير رجالها وصاحب آخر مجموع من مجاميعهم الحديثية وأُستاذ كثير من علمائهم الأقطاب كمحمد حسين آل كاشف الغطا، وأغابزرك الطهراني وغيرهم عالم الشيعة حسين النوري الطبرسي قد كشف لنا سرّاً عندهم بقي دفيناً، وأماط اللثام عن حقيقة كانت مجهولة لدينا. وهي أن كتاب «التبيان» للطوسي إنما وضع على أسلوب "التقية" والمداراة للخصوم، وإليك نص كلامه: (ثم لا يخفى على المتأمل في كتاب «التبيان» أن طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاة مع المخالفين، فإنك تراه اقتصر في تفسير الآيات على نقل كلام الحسن، وقتادة، والضحاك، والسدي، وابن جريج، والجبائي، والزجاج، وابن زيد، وأمثالهم، ولم ينقل عن أحد من مفسري الإمامية ولم يذكر خبراً عن أحد من الأئمة عليهم السلام إلا قليلاً في بعض المواضع، لعله وافقه في نقله المخالفون، بل عدَّ الأولين في الطبقة الأولى من المفسرين الذين حمدت طرائقهم، ومدحت مذاهبهم، وهو بمكان من الغرابة لو لم يكن على وجه المماشاة فمن المحتمل أن يكون هذا القول منه فيه على نحو   (1) محسن الأمين: «الشيعة» : ص 178. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 ذلك، ومما يؤيد كون وضع الكتاب على التقية ما ذكره السيد الجليل علي بن طاوس في سعد السعود وهذا لفظه: ونحن نذكر ما حكاه جدي أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب «التبيان» وحملته التقية على الاقتصار عليه من تفصيل المكي من المدني والخلاف في أوقاته إلخ - هكذا لم يكمل الطبرسي العبارة - وقال الطبرسي معقباً: وهو أعرف - يعني ابن طاوس - بما قال - أي الطوسي - من وجوه لا يخفى على من اطلع على مقامه فتأمل) (1) . فمن هذا الكلام يتبين أن «التبيان» للطوسي قد وضع على أسلوب التقية كما هو رأي عالم الشيعة المعاصر. أو أن يكون تفسير التبيان قد صدر من الطوسي نتيجة اقتناع فكري بإسفاف ما عليه القوم من تفسير وبتأثير نزعة معتدلة لاختلاطه ببعض علماء السنّة في بغداد، ومعنى هذا أن شيعة اليوم هم أشد غلوّاً وتطرفاً، ولذا تراهم يعتبرون تفسير الطوسي وأمثاله من التفاسير إنما أُلفت للخصوم والتزمت بروح التقية لتبشر بالعقيدة الشيعية بين غير الشيعة. وقد سار على نهج الطوسي عالمهم أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي - من أكابر علمائهم في القرن السادس - وقد أشار الطبرسي في مقدمة تفسيره إلى اتباعه لمنهج الطوسي حيث قال: (.. إلا ما جمعه الشيخ الأجل السعيد أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحه من كتاب «التبيان» ، فإنه الكتاب الذي يقتبس منه ضياء الحق ويلوح عليه رواء الصدق.. وهو القدوة استضيء بأنواره، وأطأ مواقع   (1) «فصل الخطاب» : الورقة 17 (النسخة المخطوطة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 آثاره) (1) فعلى هذا ينطبق ما قلناه في تفسير الطوسي على هذا التفسير. وبعد: فهل بمثل هذه التأويلات والتكلفات يحصل تقريب ولقاء؟. وأنّى بمصادر حَوَت هذا الغثاء أن تنال ثقة العقلاء وتكون محور نقاش وتفاهم؟ وكيف تكون مصدراً لاستمداد العقيدة والسلوك والشريعة؟. (ج) دعواهم تنزل كتب إلهية على الأئمة (2) : تضمنت كتب الشيعة الأصيلة، ومراجعها المعتبرة عندهم دعاوى عريضة، ومزاعم خطيرة ليس لها وجود في عالم الواقع ولا يرى لها عين ولا أثر، وليس لها في كتب الأمة شاهد ولا خبر. تلك المزاعم والدعاوى تتضمن أن هناك كتباً مقدسة نزلت من السماء بوحي من رب العزة جل علاه إلى "الأئمة"، وأحياناً تورد كتب الشيعة الأصيلة نصوصاً وروايات يزعمون أنها مأخوذة من تلك الكتب، وعلى هذه الروايات المدعى أخذها من تلك الكتب تبنى عقائد ومبادئ. وإليك - بكل أمانة - بعض ما وجدناه في كتبهم المعتمدة عندهم من هذه الدعاوى والمزاعم:   (1) «مجمع البيان» : المقدمة ص 10. (2) وهناك كتب مقدسة أُخرى يزعمون أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أودعها الأئمة سنعرض لهذه الكتب في دراستنا (لفكرة خزن العلم وإيداع الشرعة عندهم) ، وهم يعتبرونها كالكتب المنزلة في الحجية والقدسية، ولكنها لا توصف عندهم (بالتنزيل والوحي) لهذا لم نذكرها (هنا) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 1- مصحف فاطمة: تدعي كتب الشيعة نزول مصحف بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يسمونه مصحف فاطمة: روى الكليني في «الكافي» - بسند صحيح كما يقول علماؤهم (1) - عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله (جعفر الصادق) ثم ذكر حديثاً طويلاً في ذكر العلم الذي أودعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند أئمة الشيعة - فيما يزعمون - وفيه قول أبي عبد الله - كما يروون -: (وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام قال "أبو بصير": قلت: وما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات (2) ، ما فيه من قرآنكم حرف واحد) (3) . وهذا النص يفيد - عندهم - أن مصحف فاطمة: الذي أوحاه الله - بزعمهم - إليها هو مثل القرآن الذي أنزله الله على عبده ورسوله ثلاث مرات، وهذا الزعم غاية في التحلل من العقل والجرأة على الكذب.   (1) انظر: «الشافي شرح أصول الكافي» : (3/197) . (2) أخذ بعض من كتب عن الشيعة من هذه الرواية أن الشيعة يعتقدون أن ثلاثة أرباع القرآن قد حذف وأُسقط من الصحف. انظر: القصيمي: «الصراع» : (1/110) ، وإحسان إلهي ظهير: «الشيعة والسنة» : ص 81، وقد رد على ذلك بعض الشيعة بأن (نصهم) يدل على كون مصحف فاطمة غير القرآن. الخنيزي: «الدعوة الإسلامية» : (1/47) ، وأقول: إن الناظر في رواياتهم يلمس منها أنها تتحدث عن مصحف لفاطمة نزل عليها من عند الله غير القرآن، وإن كان هناك حشد من الأساطير في كتبهم تزعم بأن القرآن ناقص لكن هذا النص ليس منها. (3) الكليني: «الكافي» ، كتاب الحجة، باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة: (1/238) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وما الحاجة لنزول مصحف على فاطمة والله جل شأنه يقول: (.. ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ((1) ، (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ((2) . وأين هو اليوم هذا المصحف المزعوم؟! ولكن يبدو أن مهندسي بناء التشيع وضعوا أمثال هذه الروايات خوفاً من أن يفقد المذهب أتباعه لعدم وجود ما يشهد له من كتاب الله. وتمضي أساطيرهم تتحدث عن هذا المصحف فيروي الكليني بسنده عن حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله "ع" يقول: (يظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة وذلك إني نظرت في مصحف فاطمة عليها السلام، قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: إن الله تعالى لما قبض نبيه صلى الله عليه وآله دخل على فاطمة عليها السلام من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله (فأرسل الله إليها ملكاً يسلّي غمها ويحدثها، فشكت ذلك (3) إلى أمير المؤمنين (فقال: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته بذلك فجعل أمير المؤمنين (يكتب كلما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفاً قال: ثم قال: أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون) (4) . وفي حديث آخر من أحاديثهم قال أبو عبد الله - كما يروي   (1) النحل: آية 89. (2) الإسراء: آية 9. (3) قال المعلق على «الكافي» في تعليل هذا: (لعدم حفظها وقيل: لرعبها عليها السلام من الملك حال وحدتها به) . انظر: حاشية «أصول الكافي» لعلي الغفاري: (1/240) . (4) «أصول الكافي» ، كتاب الحجة، باب فيه ذكر الصحيفة إلخ: (1/240) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 الكليني - عن مصحف فاطمة: (ما أزعم أن فيه قرآناً وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد، حتى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش) (1) . ويلاحظ القارئ لهذا النص والذي قبله أن الأول منهما يجعل موضوع المصحف مقصوراً على علم الغيب فقط - علم ما يكون - بينما النص الآخر يجعل من موضوعه علم الحدود والديات ففي حتى أرش الخدش. والمغزى من هذين النصين واضح، فإعطاء "الأئمة" علم ما يكون هو إضفاء لصفة الألوهية عليهم بمنحهم ما هو من خصائص الإله وهو "علم الغيب"، وجعل مصحف فاطمة يحوي علم الحدود والديات هو "اتهام" مبطن بقصور التشريع الإسلامي! وفي كتاب «دلائل الإمامة» وهو من كتبهم المعتمدة عندهم (2) ترد رواية تصف هذا المصحف المزعوم بأن فيه: (خبر ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وفيه خبر سماء سماء، وعدد ما في السموات من الملائكة وغير ذلك، وعدد كل من خلق الله مرسلاً وغير مرسل، وأسماءهم، وأسماء من أُرسل إليهم، وأسماء من كذب ومن أجاب، وأسماء جميع من خلق الله من المؤمنين والكافرين   (1) «الكافي» : الكليني، كتاب الحجة، باب فيه ذكر الصحيفة إلخ: (1/240) . (2) قال عالمهم المجلسي عن الكتاب: «دلائل الإمامة» من الكتب المعتبرة المشهورة. أخذ منه جملة من تأخر عنه كالسيد ابن طاوس وغيره.. ومؤلفه من ثقات رواتنا الإمامية محمد بن جرير بن رستم الطبري وليس هو ابن جرير صاحب «التاريخ» المخالف) . المجلسي: «البحار» : (1/39- 40) . وقالت مقدمة الكتاب: (وهذا الكتاب لم يزل مصدراً من مصادر الشيعة في الإمامة والحديث تركن إليه وتعتمد عليه في أجيالها المتعاقبة منذ تأليفه إلى وقتنا الحاضر) من مقدمة الكتاب ص 5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 وصفة كل من كذب، وصفة القرون الأولى وقصصهم، ومن ولي من الطواغيت ومدة ملكهم وعددهم وأسماء الأئمة وصفتهم وما يملك كل واحد.. فيه أسماء جميع ما خلق الله وآجالهم، وصفة أهل الجنة وعدد من يدخلها، وعدد من يدخل النار، وأسماء هؤلاء وهؤلاء، وفيه علم القرآن كما أُنزل، وعلم التوراة كما أُنزلت، وعلم الإنجيل كما أُنزل، وعلم الزبور، وعدد كل شجرة ومدرة في جميع البلاد) (1) . هذه المواضيع كلها في ورقتين من أوله (2) يقول الراوي: (إن إمامهم قال: وما وصفت لك بعد ما في الورقة الثالثة ولا تكلمت بحرف منه) (3) . وما ندري بأي حجم يكون هذا الورق؟! كما لا ندري لماذا لم يستفد أئمتهم من هذه العلوم في سبيل استرداد الإمامة التي حرموها - كما تزعم الشيعة -. ولماذا لا يخرج منتظرهم من سردابه وكيف يخاف القتل؟ - كما يعللون سر اختفائه - فيظل مختفياً وكل هذه العلوم عنده!! وتصف رواية «دلائل الإمامة» صفة نزول هذا المصحف على خلاف ما جاء في الرواية السالفة عن «الكافي» من أن عليّاً كتب ما سمعه من الملك حتى أثبت بذلك مصحفاً، وتقول رواية «الدلائل» : (أنه نزل جملة واحدة من السماء بواسطة ثلاثة من الملائكة وهم جبرائيل وإسرافيل وميكائيل.. فهبطوا به وهي قائمة تصلي، فما زالوا قياماً حتى قعدت، ولما فرغت من صلاتها سلموا   (1) و (2) و (3) محمد بن جرير بن رستم الطبري: «دلائل الإمامة» : (ص 27- 28) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 عليها وقالوا: السلام يقرئك السلام، ووضعوا المصحف في حجرها (1) . فقالت: لله السلام ومنه السلام وإليه السلام وعليكم يا رسل الله السلام، ثم عرجوا إلى السماء، فما زالت من بعد صلاة الفجر إلى زوال الشمس تقرؤه حتى أتت على آخره، ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجن والإنس والطير والوحش والأنبياء والملائكة. قلت: جعلت فداك فلمن صار ذلك المصحف بعد مضيها؟ قال: دفعته إلى أمير المؤمنين، فلما مضى صار إلى الحسن ثم إلى الحسين ثم عند أهله حتى يدفعوه إلى صاحب هذا الأمر..) (2) . هذا بعض ما جاء في كتبهم عن مصحف فاطمة المزعوم، وهو يبين أن لفاطمة مصحفاً نزل عليها بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيه علم الغيب وعلم الحدود والديات وغيرها مما سلف ذكره وأنه اليوم عند إمامهم الغائب! وهو وحي كالقرآن إلا أنه مثله ثلاث مرات ما فيه من قرآننا حرف واحد، فهل نزل هذا المصحف ليكمل القرآن؟!! 2- لوح فاطمة: وهذا - كما يؤخذ من رواياتهم - غير مصحف فاطمة، لأن مصحف فاطمة نزل بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بواسطة الملك وكتبه علي من فم الملك وسلمه لفاطمة، أو نزل جملة واحدة   (1) المصدر السابق. (2) المصدر السابق (ص 27- 28) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 بواسطة ثلاثة من الملائكة إلى آخر ما بينا من أوصاف القوم لهذا الكتاب، أما لوح فاطمة فله صفات أُخرى؛ منها أنه نزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأهداه لفاطمة إلى غير ذلك من أوصافه، وقد نقلوا عنه بعض النصوص التي تؤيد عقائدهم. ويبدو أن هذا الخبر عن «لوح فاطمة» والنص المنقول منه على درجة عالية من السرية، ففي نهاية النص - كما سيأتي - أمر بكتمانه عن غير أهله فهو سرية من أسرارهم، ولا ندري كيف تسرب ولماذا تسرب؟ متى؟! وإليك النص: وروى صاحب الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله قال: قال أبي لجابر بن عبد الله الأنصاري: إن لي إليك حاجة متى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟ قال له جابر: في أي الأحوال أحببت، فخلا به في بعض الأيام فقال: هل يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أُمي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وما أخبرتك به أُمي أنه في اللوح مكتوب؟، فقال جابر: أشهد بالله أني دخلت على أُمك فاطمة عليها السلام في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله فهنيتها بولادة الحسين، فرأيت في يديها لوحاً أخضراً ظننت أنه من زمرد، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه لون الشمس، فقلت لها: بأمي وأبي أنت يا بنت رسول الله، ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا لوح أهداه الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وآله في اسم أبي واسم بعلي واسم ابني واسم الأوصياء من ولدي وأعطانيه أبي ليبشرني بذلك، قال جابر: فأعطتنيه أمك فاطمة عليها السلام فقرأته واستنسخته فقال أبي: فهل لك يا جابر أن تعرضه علي؟ قال: نعم، فمشى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 معه أبي إلى منزل جابر فأخرج صحيفة من رق، فقال: يا جابر انظر في كتابك لأقرأ عليك، فنظر جابر في نسخته وقرأ أبي فما خالف حرف حرفاً، فقال جابر: أشهد بالله أني هكذا رأيته في اللوح مكتوباً. بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد نبيه ونوره وسفيره وحجابه ودليله، نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين عظم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي.. (1) . 3- دعواهم نزول اثني عشر صحيفة من السماء تتضمن صفات الأئمة: في حديث طويل من أحاديثهم يرويه صدوقهم ابن بابويه القمي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال - كما يفترون -: (إن الله تبارك وتعالى أنزل عليّ اثني عشر خاتماً، واثني عشر صحيفة، اسم كل إمام على خاتمه وصفته في صحيفته) (2) . ومزاعمهم في هذا الباب كثيرة.. وهكذا يحاول القوم أن يسلكوا كل وسيلة لتثبيت معتقدهم في الأئمة ... بعد أن زلزل ذلك خلو كتاب الإسلام العظيم «مما   (1) انظره بتمامه في ملحق (الوثائق) ، وانظر نصه في كتب الشيعة: الكليني: «الكافي» : (1/527، 528) ، الفيض الكاشاني: «الوافي» ، أبواب العهود، بالحجج والنصوص عليهم صلوات الله عليهم، المجلد الأول: (جـ2/72) ، وانظر: الطبرسي: «الاحتجاج» : (1/84- 87) ، ابن بابويه القمي: «إكمال الدين» : (ص 301- 304) . الطبرسي صاحب «مجمع البيان» ، «أعلام الورى» : ص 152، الكراجكي: «الاستنصار» : ص 18. ويلاحظ أن رواة الشيعة لم يتفقوا في نقلهم لألفاظ هذا الكتاب الإلهي المزعوم، قارن مثلاً بين ما جاء في «إكمال الدين» ، وما جاء في «الكافي» . (2) ابن بابويه القمي: «إكمال الدين» : ص 263. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 يثبتها» ، فراحوا يزعمون تنزل كتب إلهية مع القرآن، فكانت هذه الدعوى فضيحة أخرى تضاف لقائمة فضائحهم وأكاذيبهم. (ب) عقيدتهم في السنة: وينحرفون عن الأمة الإسلامية في هذا الباب في الآتي: أولاً: أقوال "أئمتهم الإثني عشر" هي عندهم كأقوال الله ورسوله. ثانياً: قولهم بإيداع الشريعة عند الأئمة الإثني عشر. ثالثاً: ردهم لمرويات الصحابة. رابعاً: تلقيهم «السنة» عن حكايات الرقاع. خامساً: انفصالهم عن جماعة المسلمين بمصادر خاصة لهم في تلقي السنة. أولاً: إن أقوال الأئمة الإثني عشر هي كأقوال الله ورسوله في اعتقادهم، وهذه قاعدة مقررة عندهم وشواهدها كثيرة في كتبهم؛ فمن ذلك ما جاء في الكافي عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيره قالوا: سمعنا أبا عبد الله يقول: حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث الحسين وحديث الحسين حديث الحسن وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحديث رسول الله قول الله ((1) . وبناء على هذا "النص" وغيره اعتبروا كما يقول عالمهم المازاندراني: (إن حديث كل واحد من الأئمة الطاهرين قول الله (، ولا اختلاف في أقوالهم كما لا اختلاف في قوله تعالى) (2)   (1) الكليني: «الكافي» : (2/271- 272) (مع شرح جامع للمازندراني) . (2) المازندراني: شرح جامع على «الكافي» : (2/271- 272) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك فقالوا: يجوز من سمع حديثاً عن أبي عبد الله أن يرويه عن أبيه أو عن أحد من أجداده، بل يجوز أن يقول قال الله تعالى (1) . ويقول أحد علمائهم المعاصرين: (إن الاعتقاد بعصمة الأئمة جعل الأحاديث التي تصدر عنهم صحيحة دون أن يشترطوا إيصال سندها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كما هو الحال عند أهل السنّة) (2) ، ذلك (أن الإمامة استمرار للنبوة) (3) عندهم، فالنص النبوي استمر - في اعتقادهم - حتى آخر أئمتهم، والسنة في اعتبارهم هي (كل ما يصدر عن المعصوم من قول أو فعل أو تقرير) (4) . والمعصوم ليس هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحده كما يتوهم من يجهل مذهب الشيعة، بل يعدون أئمتهم معصومين كعصمة الرسول لا ينطقون - في اعتقادهم - عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى - كما يزعمون - ولهذا نصوا في دستورهم على أن السنة هي سنة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين (5) لا سنة رسول الله المعصوم وحده. ثانياً: إيداع الشريعة عند الأئمة المعصومين - بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا الاعتقاد من ضرورات مذهبهم وأركان دينهم وفحواه   (1) المصدر السابق. (2) عبد الله فياض: «تاريخ الإمامية» : ص 140. (3) محمد رضا المظفر: «عقائد الإمامية» : ص 66. (4) محمد تقي الحكيم: «الأصول العامة للفقه المقارن» : ص 122. (5) «الدستور الإسلامي لجمهورية إيران» : ص 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 - عندهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلغ جزءاً من الشريعة وكتم الباقي وأودعه الإمام عليّاً فأظهر علي منه جزءاً في حياته وعند موته أودعه الحسن وهكذا كل إمام يظهر منه جزءاً - حسب الحاجة - ثم يعهد بالباقي لمن يليه إلى أن صار عند إمامهم المنتظر. يقول عالمهم محمد حسين آل كاشف الغطا: (إن حكمة التدريج اقتضت بيان جملة من الأحكام وكتمان جملة، ولكنه سلام الله عليه أودعها عند أوصيائه كل وصي يعهد بها إلى الآخر لينشرها في الوقت المناسب لها حسب الحكمة من عام مخصص، أو مطلق، أو مقيد، أو مجمل مبين إلى أمثال ذلك، فقد يذكر النبي عاماً ويذكر مخصصه بعد برهة من حياته، وقد لا يذكره أصلاً بل يودعه عند وصيه إلى وقته) (1) . وقال شيخهم - المعاصر - بحر العلوم: (لما كان الكتاب العزيز متكفلاً بالقواعد العامة دون الدخول في تفصيلاتها، احتاجوا إلى سنّة النبي.. والسنّة لم يكمل بها التشريع لأن كثيراً من الحوادث المستجدة لم تكن على عهده (احتاج أن يدخر علمها عند أوصيائه ليؤدوها عنه في أوقاتها) (2) . وشواهد هذا "المعتقد" من كتبهم المعتمدة - عندهم - كثيرة، وقد عقد الكليني في «الكافي» عدة أبواب ضمنها مجموعة من أحاديثهم لتأكيد هذه النظرية وشرحها - عندهم - فمن هذه الأبواب: (باب أن الأئمة عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله (   (1) «أصل الشيعة وأصولها» : ص 77. (2) «مصابيح الأصول» : ص 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها) (1) . (باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة) (2) . (باب أن الله عز وجل لم يعلم نبيه علماً إلا أمره أن يعلمه أمير المؤمنين «ع» وأنه شريكه في العلم) (3) . (باب أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل) (4) . وغيرها من أبواب. ومن الأمثلة على أحاديثهم التي تؤيد هذا "المبدأ" الخطير عندهم ما يروونه عن سدير عن أبي جعفر "ع" قال: (قلت له: جُعلت فداك ما أنتم؟ قال: نحن خُزَّان علم الله، ونحن تراجمة وحي الله، ونحن الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض) (5) . وعن أبي عبد الله "ع" قال: (نحن ولاة أمر الله وخزنة علم الله، وعيبة وحي الله) (6) . وعن خيثمة قال: قال لي أبو عبد الله "ع": (يا خيثمة: نحن شجرة النبوة وبيت الرحمة، ومفاتيح الحكمة، ومعدن العلم، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة وموضع سر الله..) (7) .   (1) «الكافي» : (1/227) . (2) «الكافي» : (1/238) . (3) «الكافي» : (1/263) . (4) «الكافي» : (1/255) . (5) الكليني: «الكافي» ، كتاب الحجة، باب أن الأئمة "ع" ولاة أمر الله وخزنة علمه: (1/192) . (6) المصدر السابق. (7) الكليني: «الكافي» ، كتاب الحجة، باب أن الأئمة معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة: (1/221) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 ويروي الكليني بسند صحيح - كما يقول علماؤهم (1) - رواية تشرح بعض ما عند أئمتهم من ذلك العلم المخزون فيقول: (عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله "ع" فقلت له: جعلت فداك، إني أسألك عن مسألة، ههنا أحد يسمع كلامي؟ قال: فرفع أبو عبد الله "ع" ستراً بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال: سل عما بدا لك، قال: قلت: جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وآله علم عليّاً (باباً يفتح له منه ألف باب؟ قال: يا أبا محمد علّم رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً (ألف باب، يفتح من كل باب ألف باب، قال: قلت هذا والله العلم، قال: فنكت ساعة في الأرض ثم قال: إنه لعلم وما هو بذاك. قال: ثم قال: يا أبا محمد وإن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة؟ قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله صلى الله عليه وآله وإملائه من فلق فيه وخط علي بيمينه فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش، وضرب بيده إليّ فقال: تأذن لي يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك إنما أنا لك فاصنع ما شئت، قال: فغمزني بيده وقال: حتى أرش هذا - كأنه مغضب - قال: قلت: هذا والله العلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك.   (1) انظر: «الشافي في شرح أُصول الكافي» : (3/197) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 ثم سكت ساعة ثم قال: وإن عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر؟ قال: قلت: وما الجفر؟ قال: وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين، وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، قال: قلت: إن هذا هو العلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك. ثم سكت ساعة ثم قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة "ع" وما يدريهم ما مصحف فاطمة "ع"، قال: قلت: وما مصحف فاطمة "ع"؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، قال: قلت هذا والله العلم، قال: إنه لعلم وما هو بذاك. ثم سكت ساعة ثم قال: إنَّ عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة قال: قلت: جعلت فداك هذا والله وهو العلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك. قال: قلت: جعلت فداك، فأيّ شيء العلم؟ قال: ما يحدث بالليل والنهار الأمر من بعد الأمر والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة (1) . هذا نص من نصوصهم السرية - وقت قوة الدولة الإسلامية - كما يدل ذلك ما جاء في أوله، حيث أن أبا بصير لم يسأل عن هذا العلم المزعوم إلا بعد أن خلا بأبي عبد الله (2) وكذلك أبو عبد الله أراد أن يتأكد من خلو المجلس فرفع "الستر" الذي بينه وبين البيت الآخر، على الرغم من أن هذا "الصنيع" من أبي عبد الله يناقض ما جاء في آخر الرواية من أن عنده علم ما كان وما يكون، لأنه ما دام هذا العلم عنده فلا حاجة لرفع "الستر"!! ويكشف هذا النص السري عن دعاوى الروافض حول العلم   (1) «الكافي» : الكليني، كتاب الحجة، باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة إلخ: (1/238- 240) . (2) ونحن نبرئ أبا عبد الله من هذا الافتراء، ولكن نناقش النص كما جاء على سبيل المماشاة لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 المستودع والمخزون عند الأئمة أشياء في غاية الغرابة، وهي كما في النص "السالف": 1- ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب. 2- الجامعة. 3- الجفر. 4- مصحف فاطمة. 5- علم ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة. وهذه "العلوم" المزعومة للأئمة لا تعدو أن تكون وهماً من الأوهام وليس لها وجود في عالم الواقع ولا أثر، ولم يكن لها في حياة الأئمة تأثير ولو كان بعض هذه الدعاوى موجوداً عند أئمتهم لتغير وجه التاريخ ولكنها مجرد خيالات وترهات، و"الخطورة" في مثل هذه الأخبار تكمن في الأثر النفسي الذي يحدثه الصراع بين العقل وهذه الدعاوى، هذا الأثر الذي قد يطوح بمصدق هذه "الأخبار" إلى مهاوي الشك والحيرة والإلحاد. (وما قدمناه هو بعض دعاواهم في هذا المجال ومزاعمهم في هذا الباب يصعب حصرها، ومقتضى هذه النظرية الخطيرة أن كتاب الله (وسنّة نبيه غير وافيين بالبيان ولم يكمل بهما التشريع عند وفاته ?، وهذا مصادم لآيات القرآن كقوله سبحانه: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً (وغيرها من الآيات وما جاء في ذلك من أحاديث - كما سبق - (1) . ومقتضى هذا "الرأي" الطعن في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -   (1) انظر: (ص 91- 94) من هذا البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 وأنه كتم جزءاً من الشريعة وخالف قول الله (: (يا أيها الرسول بلغ ما أُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ((1) . كما أن هذا القول يقتضي أن الصحابة لم يتلقوا إلا جزءاً من الشريعة ومن يعتمد على مرويات الصحابة فهو لم يعمل إلا بجزء من الشريعة، وهذا "القول" طعن في السنّة كبير، وتضليل للأمة خطير. وينص هذا المبدأ الخطير على أن من حق الإمام تخصيص عام الكتاب أو بيان مجمله أو تقييد مطلقه، أي جعلوا له وظيفة المشرّع لأنه معصوم لا ينطق عن الهوى، وهذا في مؤداه ومرجعه إيمان بأنبياء بعد رسول الله خاتم النبيين، وهو محاولة لفتح الباب لتغيير الدين الذي نزل على سيد المرسلين باسم أن هذا من عمل الإمام.. ومن مستودع العلم الذي أودعه له الرسول.. سبحانك هذا بهتان عظيم.. ثالثاً: ردهم لمرويات الصحابة: يقول محمد حسين آل كاشف الغطا ـ في تقرير هذا الأمر عند طائفته ـ إن الشيعة (لا يعتبرون من السنّة - أعني الأحاديث النبوية - إلا ما صح لهم من طرق أهل البيت (2) .. أما ما يرويه مثل أبي هريرة وسمرة بن جندب.. وعمرو بن العاص ونظرائهم فليس له عند الإمامية مقدار بعوضة) (3) .   (1) المائدة: آية 67. (2) تختلف فرق الشيعة في المقصود بآل البيت، من ناحية عددهم ومن ناحية أعيانهم اختلافاً كبيراً (راجع «المقالات والفرق» للشيعي سعد القمي، و «فرق الشيعة» للشيعي النوبختي) . وهم عند الإثني عشرية (الأئمة الاثنا عشر - كما سبق بيان ذلك - ويطعنون في كل من زعم أنه إمام من غيرهم ولو كان من ولد فاطمة) . انظر: «البحار» : (25/112) . (3) «أصل الشيعة وأُصولها» : ص 79. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 وهذا القول في "السنة النبوية" مبني على معتقدهم في صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين من أنهم ارتدوا لصرفهم الخلافة عن علي إلى أبي بكر، ولا يستثنون من هذا الحكم على الصحابة إلا ثلاثة في معظم رواياتهم وكما سيأتي، وهم بهذا «المبدأ» يعزلون أنفسهم عن المسلمين. ثم إن هذا «المبدأ» في رفض مرويات الصحابة يفضي إلى فقدان صفة «التواتر» في نقل شريعة القرآن وسنّة سيد الأنام ما داموا يحكمون على «النقلة» بهذا الحكم، ويحصرون اعتبارهم لصحة المنقول بما جاء عن طريق الآحاد فضلاً عن الواحد وهو علي الذي يجعلونه المصدر الوحيد للتلقي بعد وفاة الرسول ?، وهذا «أساس» وضعه «زنديق» لهدم الدين والطعن في شريعة سيد المرسلين. رابعاً: تلقيهم السنّة عن «حكايات الرقاع» وما يسمونه بالتوقيعات الصادرة عن الإمام: هؤلاء القوم الذين يردون ما جاء عن طريق الصحابة الذين أثنى عليهم الله ورسوله يقبلون، بل يعدون من أوثق طرقهم ما يسمى «بحكايات الرقاع» ، وحقيقتها كما يلي: أنه لما توفي إمامهم - الحادي عشر - الحسن العسكري (ت 260هـ) لم يكن له عقب (1) ، وقد تم استبراء زوجاته وإمائه للتأكد من ذلك (حتى تبين لهم - كما يعترف عالم الشيعة ابن بابويه القمي -   (1) قال سعد القمي: (توفي - يعني الحسن العسكري - ولم ير له خلف ولم يعرف له ولد ظاهر) «المقالات والفرق» : ص 102. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 بطلان الحبل، فقُسم ميراثه بين أُمه وأخيه جعفر وأودعت أمه وصيته وثبت ذلك عند القاضي والسلطان) (1) . ويقول كبار المؤرخين بأن الحسن العسكري مات عقيماً (2) ، ولهذا تحيرت الشيعة بعده (فافترق أصحابه من بعده خمس عشرة فرقة) (3) منهم من قال: (انقطعت الإمامة) (4) ومنهم من قال: (إن الحسن بن علي توفي ولا عقب له والإمام بعده جعفر بن علي أخوه) (5) إلى غير ذلك من اختلافاتهم وحيرتهم. وفي خضم هذه الحيرة والاضطراب قام رجل يدعى (عثمان بن سعيد العمري) ، وادعى دعوى في غاية الغرابة، ادعى أن للحسن العسكري ولداً في الخامسة من عمره مختفياً عن الناس لا يظهر لأحد غيره وهو الإمام بعد أبيه الحسن، وأن هذا "الطفل" الإمام قد اتخذه (وكيلاً عنه في قبض الأموال ونائباً يجيب عنه في المسائل الدينية) (6) ولما مات عثمان سعيد (ت 280هـ) ادعى ابنه محمد بن عثمان نفس دعوى أبيه، وبعد وفاته (ت 305) خلفه الحسين بن روح النوبختي في نفس الدعوى ومن بعده (ت 326) خلفه أبو الحسن علي بن محمد السمري (ت 329) وهو آخرهم عند الشيعة الإمامية، ومن بعده وقعت الغيبة الكبرى وكان هؤلاء النواب (7) عن الإمام يتلقون أسئلة   (1) ابن بابويه القمي: «إكمال الدين» : ص 42. (2) قال في «المنتقى» : (إن الحسن بن علي العسكري لم يعقب كما ذكره محمد بن جرير الطبري وعبد الباقي ابن قانع وغيرهما من النسابين) «المنتقى» : ص 31. (3) القمي: «المقالات والفرق» . (4) المصدر السابق: ص 108. (5) المصدر السابق: ص 110. (6) السيد محمد صالح: «حصائل الفكر» : (ص 36 - 37) . (7) انظر في أخبار هؤلاء: الطوسي: «الغيبة» : ص 214 وما بعدها، وانظر: الطبرسي: «الاحتجاج» : (جـ2/ص 296) ، «تاريخ الغيبة الصغرى» : محمد باقر الصدر: ص 396. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 الناس كما يتلقون أموالهم، ويأتون بأجوبتها وإيصالاتها من الإمام المنتظر ويسمونها "توقيعات" - والتوقيعات هي خطوط الأئمة بزعمهم في جواب مسائل الشيعة وأسئلتهم. وهذه الأجوبة والتوقيعات هي عند الشيعة كقول الله ورسوله!! حتى أنهم رجحوا هذه التوقيعات على ما روي بإسناد صحيح عندهم في حال التعارض. قال ابن بابويه القمي في كتابه «من لا يحضره الفقيه» بعد ما ذكر التوقيعات الواردة من الناحية المقدسة في باب الرجلين يوصي إليهما.. (قال: هذا التوقيع عندي بخط أبي محمد الحسن بن علي ـ ثم ذكر أن في الكافي للكليني رواية بخلاف ذلك التوقيع عن الصادق - ثم قال: لست أفتي بهذا الحديث بل أفتي بما عندي بخط الحسن بن علي..) (1) . قال الحر العاملي في تعقيبه على ذلك: (.. فإن خط المعصوم أقوى من النقل بوسائط..) (2) . فهم يرجحون ما في هذه التوقيعات على ما جاء في أصح كتبهم..! والرقاع والتوقيعات كثيرة ذكر الطوسي في الغية طرفاً منها (3) ، وكذلك أورد صاحب الاحتجاج صوراً من هذه "التوقيعات   (1) انظر: ابن بابويه القمي: «من لا يحضره الفقيه» : (جـ4/ص 151) ، وانظر: الحر العاملي: «الوسائل» : (20/108) . (2) «الوسائل» : (20/108) . (3) الطوسي: «الغيبة» : ص 172 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 المزعومة" (1) ، وكذا وردت في «إكمال الدين» لابن بابويه القمي (2) وكذلك عند المجلسي في «البحار» (3) كما هي موجودة في «الكافي» (4) ، وقد جمع شيخهم: عبد الله بن جعفر الحميري الأخبار المروية عن منتظرهم وسماها: «قرب الإسناد إلى صاحب الأمر» (5) وذكر صاحب "الذريعة.." كتابين لهم في هذا باسم «التوقيعات الخارجة من الناحية المقدسة» (6) . ونجد في تراجم رجالهم إشارة إلى من زعم أنه كاتب - بفتح التاء - "صاحب الأمر" عن طريق أولئك النواب الأربعة، كما في ترجمة محمد بن عبد الله بن جعفر بن الحسين بن جامع بن مالك الحميري حيث قالوا بأنه كاتب - بفتح التاء - صاحب الأمر "ع" (7) ، وفي ترجمة - شيخهم - علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي أبو الحسن قالوا: إنه اجتمع مع أبي القاسم الحسين بن روح - النائب الثالث - وسأله عن مسائل ثم كاتبه بعد ذلك على يد علي بن جعفر بن الأسود يسأله أن يوصل له رقعة إلى الصاحب "ع" (8) ، والذين كاتبوا صاحب الأمر كثيرون عندهم. ومواضع هذه التوقيعات المزعومة كثيرة.   (1) الطبرسي: «الاحتجاج» : (2/277) وما بعدها. (2) ابن بابويه القمي: «إكمال الدين» : الباب التاسع والأربعون، ذكر التوقيعات الواردة عن القائم "ع": ص 450 وما بعدها. (3) المجلسي: «البحار» : باب ما خرج من توقيعاته "ع": (جـ53/ص 150- 246) . (4) الكليني: «الكافي» : باب مولد الصاحب "ع": (جـ1/ص 517) وما بعدها. (5) وقد طبع في المطبعة الإسلامية بطهران. (6) أغابزرك الطهراني: «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» : (4/500، 501) . (7) الحر العاملي: «وسائل الشيعة» : (20/332) . (8) المصدر السابق: (20/262) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 فقد تكون إخباراً بمغيب مثل: (كتب علي بن زياد يسأل كفناً فكتب إليه: إنك تحتاج إليه في سنة ثمانين، فمات في سنة ثمانين وبعث إليه بالكفن قبل موته بأيام) (1) . وقد تكون إجابة على أسئلة مثل ما ذكر صاحب الاحتجاج عن الكليني عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري رحمه الله - النائب الثاني - أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أُشكلت علي، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان "ع": (أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك ووقاك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا. فاعلم أنه ليس بين الله (وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح، وأما سبيل ابن عمي جعفر وولده فسبيل أُخوة يوسف "ع". وأما أموالكم فلا نقبلها إلا لتطهروا، فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع) (2) . (وأما ما سألت عنه من أمر المصلي والنار والصورة بين يديه فهل تجوز صلاته؟ فإن الناس قد اختلفوا في ذلك قبلك، فإنه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام والنيران أن يصلي والنار والسراج بين يديه، ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان) (3) !!!   (1) الكليني: «الكافي» : (1/524) . (2) الطبرسي: «الاحتجاج» : (2/283) . (3) الطبرسي: «الاحتجاج» : (2/299) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 (وعن المرأة يموت زوجها فهل يجوز أن تخرج في جنازته أم لا؟ التوقيع: تخرج في جنازته. وهل يجوز لها في عدتها أن تزور قبر زوجها أم لا؟ التوقيع: تزور قبر زوجها.. (1)) !!! إلخ إلخ. ومواضع هذه التوقيعات "المزعومة" كثيرة لا مجال لاستعراضها. وفترة النيابة عن الإمام بواسطة الوكلاء الأربعة تلك التي استمرت قرابة سبعين سنة (2) هي المناخ الزمني لحكايات الرقاع، وبوفاة آخرهم وقعت الغيبة الكبرى والمحرومية العظمى من الإمام. لكن من مجتهدي الشيعة من زعم أنه التقى بالإمام الغائب وأفتاه ووقّع له بعد الغيبة الكبرى، قالوا - مثلاً - إن ابن المطهر الحلي التقى بالمهدي فنسخ له كتاباً ضخماً في ليلة واحدة (3) ، وقالوا: (إنه "ع" كان يجتمع بجملة من أهل العلم والتقوى الذين كانوا يستحقون المقابلة؛ كالعلامة السيد مهدي بحر العلوم النجفي فيما اشتهر عنه والشيخ ميثم بن علي البحراني فيما ينقل عنه..) (4) وقد ألف - عالم الشيعة المعاصر - ميرزا حسين النوري الطبرسي كتاباً ذكر فيه من اجتمع بصاحب الأمر - بزعمه - سماه (جنة المأوى فيمن رأى صاحب الزمان في الغيبة الكبرى) .   (1) الطبرسي: «الاحتجاج» : (2/302) . (2) وسيأتي في مبحث الغيبة ذكر خلافهم في مدة الغيبة الصغرى. (3) المجلسي: «البحار» : (جـ55/ص 252) ، وانظر: «الخوانساري» : «روضات الجنات» : (2/282، 283) ، وانظر: مصطفى الشيبي: «الفكر الشيعي» : ص 113. (4) السيد محمد صالح: «حصائل الفكر» : ص 123. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 وهذه دعوى تعني استمرار البابية واستمرار حكايات الرقاع.. هذه هي "حكايات الرقاع" والتوقيعات الصادرة عن الإمام. يقول الشيخ محمود الألوسي عن تعبد الروافض بحكايات الرقاع: (إنهم أخذوا دينهم من الرقاع المزورة التي لا يشك عاقل في أنها افتراء على الله تعالى، ولا يصدق بها إلا من أعمى الله بصره وبصيرته.. وهذه الرقاع عند الرافضة من أقوى دلائلهم وأوثق حججهم، فتباً لقوم أثبتوا أحكام دينهم بمثل هذه الترهات، واستنبطوا الحلال والحرام من نظائر هذه الخزعبلات ومع ذلك يقولون نحن أتباع أهل البيت، كلا بل هم أتباع الشياطين وأهل البيت بريئون منهم) (1) . خامساً: لهذه الآراء والعقائد الدخيلة وهذه الدسائس والمؤامرات المغرضة انفصل الشيعة عن جماعة المسلمين بمصادر لهم في السنّة هي عمدتهم وعليها يعوّلون. ف عمدة الروافض في "أحاديثهم" هي أربعة كتب عليها مدار العمل عندهم في جميع الأعصار، وهي عندهم كالكتب الستّة عند أهل السنّة. أولها «الكافي» في الأُصول والفروع لمحمد بن يعقوب الكليني (2) (ت 329 أو 328) الملقب عندهم "بثقة الإسلام" قالوا: (وهو أجل الكتب الأربعة والأصول المعتمدة) (3) ، (وكتبه في الغيبة   (1) محمود شكري الألوسي: «كشف غياهب الجهالات» : الورقة 12 (مخطوط) . (2) محمد بن يعقوب الكليني يكنى أبا جعفر، (هو عندهم) ثقة عارف بالأخبار، له كتب منها كتاب «الكافي» وغيره. الطوسي: «الفهرست» : ص 161. (3) أغابزرك الطهراني: «الذريعة» : (17/245) ، وراجع: النوري الطبرسي: «مستدرك الوسائل» : (3/432) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 الصغرى) (1) و (حياته في زمن وكلاء المهدي (وبواسطتهم يجد طريقاً إلى تحقيق منقولاته) (2) ، قالوا: (وهي قرينة واضحة على صحة كتبه وثبوتها لقدرته على استعلام أحوال الكتب التي نقل منها لو كان عنده شك فيها لروايته عن السفراء والوكلاء المذكورين وغيرهم وكونه معهم في بلد واحد غالباً (3) ، ويشتمل الكافي على أربعة وثلاثين كتاباً، وثلاثمائة وستة وعشرين باباً، وأحاديثه حصرت في ستة عشر ألف حديث (4) وقد طبع الكتاب عدة طبعات منها طبع أصوله وفروعه في إيران في مجلدين، وطبع أيضاً بالهند في ستة مجلدات) (5) . والقارئ لهذه الأحاديث في «الكافي» وفي غيره من دواوين حديثهم يجد أن هناك فرقاً واضحاً وكبيراً بين الروايات التي ترد عن طريق أهل السنّة - ويطلق عليها "الحديث" - وبين الروايات التي ترد عن طريق الشيعة ويطلق عليها نفس المعنى. فكتب السنّة الستة وغيرها، إذا روت حديثاً فهو منسوب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي أحاديثه هو. أما كتاب «الكافي» وغيره من كتب الحديث عند الشيعة الإمامية فهي تأتي بالرواية عن أحد أئمتهم الإثني عشر، ويعتقدون - كما مر - أن لا فرق بين ما يروونه عن النبي ? أو عن أحد أئمتهم - كما يزعمون - كما أن القارئ لكتب الحديث عندهم يجد   (1) «الذريعة» : (17/245) . (2) ابن طاوس: «كشف المحجة» : ص 159. (3) الحر العاملي: «وسائل الشيعة» : (20/71) . (4) أغابزرك الطهراني: «الذريعة» : (17/246) . (5) المصدر السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 معظم رواياتها عن أئمتهم ولا يجد إلا القليل منها هو المسند إلى النبي ?، وأكثر ما يروى في الكافي واقف عند جعفر الصادق وقليل منها ما يعلو إلى أبيه محمد الباقر، وأقل من ذلك ما يعلو إلى أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - ونادر ما يقف عند النبي ?. كما أن الكافي هذا قد أكثر علماء الشيعة من الثناء عليه وعلى مؤلفه (1) مع أن الكتاب قد اشتمل على مجموعة من رواياتهم في الطعن في كتاب الله العظيم، ولهذا قرر بعض شيوخ الشيعة أن هذه الروايات تنبئ عن معتقده في كتاب الله من أنه ناقص ومحرف لأنه أكثر منها مع اشتراطه الصحة فيما يرويه - كما سلف - ومن كان هذا معتقده في كتاب الله فكيف يوثق به وبرواياته لأن هذا من الكفر المتفق عليه؟. وثاني صحاحهم هو كتاب «من لا يحضره الفقيه» (2) لشيخهم المشهور عندهم "بالصدوق" محمد بن بابويه القمي (3) . وهو خاص بمسائل الفقه عندهم، وقد اشتمل على (176) باباً، أولها باب الطهارة وآخرها باب النوادر، أما عدد أحاديثه فقد قال محسن العاملي أنها (9044) .   (1) انظر مثلاً: مقدمة الكافي. (2) وقد اختار هذا الاسم على غرار كتاب «من لا يحضره الطبيب» للرازي. انظر: مقدمة الكتاب للمؤلف: ص 3. (3) محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (أبو جعفر) ، زعموا أن له (300) مصنف، وأنه ولد بدعاء القائم (مهديهم المنتظر) ومن كتبه: «من لا يحضره الفقيه» ، و «التوحيد» ، و «معاني الأخبار» وغيرها. توفي سنة 381هـ. انظر: الطوسي: «الفهرست» : (ص 184- 186) ، «روضات الجنات» : (6/132) ، «وسائل الشيعة» : (20/335) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وقد ذكر في مقدمة كتابه أنه ألف الكتاب بحذف الأسانيد لئلا تكثر طرقه، وأنه استخرجه من كتب مشهورة عندهم وعليها المعول ولم يورد فيه إلا ما يؤمن بصحته، وقد طبع الكتاب مرة في طهران في مجلد ضخم، ومرات في النجف كانت الرابعة منها في عام 1338هـ في أربعة أجزاء (1) . وثالثها: تهذيب الأحكام. لشيخهم المعروف عندهم بـ "شيخ الطائفة" أبي جعفر محمد ابن الحسن الطوسي (ت 360) ، وهو أحد أُصولهم الأربعة المعتبرة منذ تأليفها إلى اليوم - كما يقولون - وهو في الفروع الفقهية عندهم - كسابقه - وقد أحصيت أبوابه فكانت (393) باباً، وبلغت أحاديثه (13590) ، ولكن صرح الشيخ الطوسي في كتابه «عدة الأصول» أن أحاديث التهذيب وأخباره تزيد على (5000) ، ومعنى ذلك أنها لا تصل إلا إلى (6000) في أقصى الأحوال. فهل زيد عليها أكثر من الضعف في العصور المختلفة؟! وأحاديثه مرتبة على أبواب الفقه، وأشار مؤلفه إلى أنه (ترك ما يتعلق بالتوحيد والنبوة والإمامة لأن شرح ذلك يطول) . وذكر أن السبب في تأليفه هو ما آلت إليه أحاديثهم (من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه..) ، واعترف بأن هذا الاختلاف قد فاق ما عند أصحاب المذاهب الأخرى، وأن هذا   (1) انظر: مقدمة «من لا يحضره الفقيه» ، الخوانساري: «روضات الجنات» : (6/230- 237) ، «أعيان الشيعة» : (1/280) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 كان من أعظم الطعون على مذهبهم، وأنه جعل بعض الشيعة يترك التشيع لهذا السبب (1) . ومن يطالع منهج الطوسي لمواجهة هذا الاختلاف يجد أنه قد علق كثيراً من اختلافاتهم على "التقية" بدون دليل، سوى أن هذا الحديث أو ذاك يوافق أهل السنّة. والواقع أنه بصنيعه هذا قد "كرس" الفرقة وأضاع على طائفته كثيراً من سبل الهداية.. وروايات كتابه بعضها بسند وبعضها بلا سند، وقيل إنه استدرك المتروك في آخر الكتاب. وقد طبع الكتاب عدة طبعات (2) . ورابعها: «الاستبصار فيما اختلف من الأخبار» للطوسي السابق ذكره. وهو مجرد اختصار لكتاب «التهذيب» السالف الذكر (3) ومع ذلك جعله الشيعة أحد أُصولهم. والكتاب يقع في ثلاثة أجزاء: جزءان منه في العبادات، والثالث في بقية أبواب الفقه. بلغت أبوابه (393) باباً. وحصر المؤلف أحاديثه بـ (5511) ، وقال: حصرتها لئلا يقع فيها زيادة أو نقصان. وقد طبع في الهند، وفي إيران (4) .   (1) انظر: «تهذيب الأحكام» ، المقدمة: ص 2، 3، النوري الطبرسي: «مستدرك الوسائل» : (3/719) ، «الذريعة» : (4/504) ، وراجع: أبو زهرة: «الإمام الصادق» : ص 458. (2) (3) انظر مقدمة «الاستبصار» للمؤلف: ص 2. (4) انظر: حسن الخرسان في تقديمه للاستبصار، محسن الأمين: «أعيان الشيعة» : (1/280) ، و «الذريعة» : (2/14) ، وقد وقع في «الذريعة» أن أحاديثه (6531) وهو خلاف ما قال المؤلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 هذه هي أُصولهم الأربعة المعتمدة حتى اليوم باتفاقهم. قال الفيض الكاشاني: (إن مدار الأحكام الشرعية اليوم على هذه الأصول الأربعة، وهي المشهود عليها بالصحة من مؤلفيها) (1) وقال أغابزرك الطهراني - من مجتهديهم المعاصرين -: (الكتب الأربعة والمجاميع الحديثية التي عليها استنباط الأحكام الشرعية حتى اليوم) . وقام عالمهم "الفيض الكاشاني" (2) وجمع ما في الكتب الأربعة المتقدمة (3) في كتاب كبير سماه «الوافي» ، ويقع في ثلاثة مجلدات كبار، وطبع في إيران. قال شيخهم محمد بحر العلوم (4) ، وقد أحصيت أبواب الوافي - مع البابين اللذين في خاتمته - في ثلاثة وسبعين ومائتين باباً، ويحتوي على نحو خمسين ألف حديث (5) . وهذا العدد الذي ذكره لأحاديثه يخالف ما يقوله شيخهم محسن الأمين (6) من أن مجموع ما في الكتب الأربعة عندهم (44244)   (1) «الوافي» : (1/11) . (2) محمد بن مرتضي المعروف بملا محسن الفيض الكاشاني، طعن عليه بعض شيوخ الشيعة واتهمه بالمروق والزندقة، وعظمه البعض الآخر، زعموا أن له (200) مصنف منها: «الوافي» ، «المعارف» ، «قرة العيون» ، وغيرها. توفي في كاشان سنة 1091هـ. انظر: «لؤلؤة البحرين» : ص 121 وما بعدها، «روضات الجنات» : (6/79) . (3) انظر: مقدمة كتاب «الوافي» . (4) محمد صادق بحر العلوم من شيوخهم المعاصرين. (5) انظر: هامش «لؤلؤة البحرين» : ص 122. (6) يلاحظ أن أقوال شيوخهم من المتقدمين والمعاصرين حول عدد أحاديث كل أصل من أُصولهم متضاربة ومتفاوتة بشكل غير عادي، بل تجد أحياناً أن العدد الذي وصل إليه (أصلهم) يخالف ما ذكره مؤلفه نفسه في بعض كتبه، مثل كتاب التهذيب، كما أشرنا إلى ذلك، مما يستدعي (الشك) في أن (يد) التحريف والزيادة قد امتدت إلى أُصولهم لتذهب بهم بعيداً عن جماعة المسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 حديثاً (1) . وهذا الكتاب مع أنه مجرد جمع وترتيب.. لأُصولهم الأربعة السالفة إلا أن الشيعة جعلوه أصلاً من أُصولهم في الحديث.. وهو باب من أبواب الدعاية المذهبية، كمسألة تكثير الأحاديث التي هي في معظمها مجرد روايات يروونها عن أئمتهم الإثني عشر ليس فيها ما يسند مباشرة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا النادر.. وفي القرون الأخيرة ألف بعض شيوخ الشيعة مصنفات هي عبارة عن تجميع لكتب زعموا أن متقدمي شيوخهم لم يعرفوها فجمعوها في مؤلفات كبيرة، ومع أن تلك المدونات متأخرة (في القرن الحادي عشر فما بعد) إلا أنهم جعلوها من أُصولهم في الحديث!! وهذه المدونات المتأخرة ثلاثة هي: 1- «بحار الأنوار الجامعة لدر أخبار الأئمة الأطهار» : لشيخهم محمد باقر المجلسي (2) (ت 1110 أو 1111) . قال شيخهم أغابزرك الطهراني عن هذا «البحار» : لم يكتب قبله ولا بعده جامع مثله، لاشتماله مع جمع الأخبار على تحقيقات دقيقة، وبيانات وشروح لها غالباً لا توجد في غيره، وقال: (قد صار «بحار الأنوار» مصدراً لكل من طلب باباً من أبواب علوم آل محمد صلى الله عليه   (1) «أعيان الشيعة» : (1/280) . (2) محمد باقر بن محمد تقي بن المقصود علي الملقب بالمجلسي، وصفوه بـ (شيخ الإسلام والمسلمين خاتمة المجتهدين.. إلى آخر أوصافهم له) مع أن كتبه مليئة بالكفر، والزندقة والإلحاد.. من كتبه: «مرآة العقول» ، «حياة القلوب» وغيرهما. توفي سنة 1110، أو 1111. انظر: «جامع الرواة» : (2/78) ، مقدمة «البحار» ، «لؤلؤة البحرين» : (ص 55- 59) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وآله وسلم، وقد استعان بهذا الكتاب القيم جل من تأخر عن مؤلفه، وذلك لأن أكثر مآخذ البحار من الكتب المعتمدة والأصول المعتبرة القليلة الوجود) (1) ، والملاحظ أن هذا "المصدر" هو عبارة عن تجميع لكتب شيوخهم، قال مؤلفه: (اجتمع عندنا بحمد الله سوى الكتب الأربعة نحو مائتي كتاب، ولقد جمعتها في بحار الأنوار) (2) ونصوص البحار بلا سند، واكتفى مؤلفه عن ذلك بذكر الكتب التي نقل عنها والقول بأنها معتمدة عندهم (3) ، ونصوصه تدور حول عقائدهم وآرائهم في الإمامة، والأئمة، وتاريخ الزهراء، والأئمة الإثني عشر، وأحوالهم، ومناقبهم، وما أُثر عنهم من المواعظ والآداب، وزيارة قبورهم.. إلخ. ولم ينقل فيه من الكتب الأربعة السالفة الذكر إلا قليلاً.. (وعدد مجلدات الكتاب على ما قرره المؤلف 25 مجلداً، ولما كبر المجلد الخامس والعشرون جعل شطراً منه في مجلد آخر فصار المجموع 26 مجلداً) (4) وقد طبع حديثاً وبلغ مع مجلدات الإجازات (110) مجلداً (5) . وقد حوى هذا الكتاب من الطعن في الإسلام، والقرآن والصحابة، والأمة، بل وأهل البيت.. حوى من هذه البلايا وغيرها النصيب الأوفى..   (1) «الذريعة» : (3/26- 27) . (2) «اعتقادات المجلسي» : ص 24، عن كتاب «الفكر الشيعي» : مصطفى الشيبي: ص 61. (3) انظر: الجزء الأول من «البحار» . (4) «الذريعة» : (3/27) . (5) وضموا إليه بعض الكتب الأخرى التي لم يضعها المؤلف مثل «جنة المأوى» و «سفينة البحار» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 2- «وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة» : تأليف شيخهم محمد بن الحسن الحر العاملي (1) (ت 1104) . وهذا الكتاب عبارة عن نقول من "الكتب الأربعة" عندهم، بالإضافة إلى أكثر من سبعين كتاباً موجودة عند مؤلفه كما يقول: (وما ندري لِمَ لَمْ يعرفها أوائلهم وينقلوها في مجاميعهم) ، كما أن هناك (70) كتاباً نقل بالواسطة عن طريق بعض كتبهم مشايخهم. وهذا "الجامع" خاص بأحاديثهم في الأحكام، ويعتبرونه أجمع كتاب لهم في ذلك، وقد رتبه وبوبه مؤلفه على ترتيب كتب الفقه.. وطبع الكتاب في ثلاثة مجلدات ضخام وطبع مرة أُخرى في تسعة مجلدات تضم عشرين جزءاً (2) . 3- «مستدرك الوسائل» : لشيخهم المتأخر حسين النوري الطبرسي (3) (ت 1320هـ)   (1) محمد بن الحسن بن علي العاملي الملقب بالحر، المولود سنة 1033هـ، من فقهاء الشيعة ومؤرخيهم. له تصانيف منها: «أمل الآمل» ، «الفصول المهمة في أُصول الأئمة» وغيرهما. قال الخوانساري بعد ذكره لمؤلفاته: (لا يخفى أنه وإن كثرت تصانيفه، إلا أنها خالية من التحقيق، تحتاج إلى تهذيب وتنقيح وتحرير) «روضات الجنات» : (7/96) . (2) انظر: «الوسائل» : جـ1، "المقدمة" وجـ2 "الخاتمة"، «الذريعة» : (4/352، 353) . (3) حسين بن محمد تقي الدين بن محمد بن علي النوري الطبرسي ولد في طبرستان سنة 1254هـ، وهو عند الروافض: محدث، عارف بالرجال، من كبار شيوخهم.. توفي بالنجف سنة 1320هـ. «أعيان الشيعة» : (27/139- 145) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 وهو مؤلف كتاب «فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب» الذي يعتبر أكبر عار وسبة وفضيحة على الشيعة أبد الدهر. ومع هذا جعلوا كتابه مستدرك الوسائل من كتبهم الأساسية والمعتمدة في الحديث. قالوا: (والدافع لتأليفه عثور المؤلف على بعض الكتب المهمة التي لم تسجل في جوامع الشيعة من قبل) (1) . قال عالمهم المعاصر أغابزرك الطهراني: (فأصبح كتاب المستدرك كسائر المجاميع الحديثية المتأخرة يجب على عامة المجتهدين الفحول أن يطلعوا عليها ويرجعوا إليها في استنباط الأحكام من الأدلة، وقد أذعن بذلك جل علمائنا المعاصرين) (2) . ثم استشهد أغابزرك الطهراني بشهادات من علماء الشيعة المعاصرين باعتماد كتاب المستدرك مصدراً من مصادرهم الأساسية (3) . هذه هي مجاميعهم في الحديث بلغت سبعة ومع الوافي الذي جمع ما في الكتب الأربعة تصبح ثمانية. قال عالمهم المعاصر محمد صالح الحائري: (وأما صحاح الإمامية فهي ثمانية، أربعة منها للمحمدين الثلاثة الأوائل وثلاثة بعدها للمحمدين الثلاثة الأواخر، وثامنها لمحمد الحسين المرحوم المعاصر النوري) (4) .   (1) «الذريعة» : (41/109) ، وانظر: «مستدرك الوسائل» . (2) «الذريعة» : (4/354- 355) . (3) المصدر السابق: (2/111) . (4) منهاج عملي للتقريب: مقال للرافضي محمد الحائري - معاصر - ضمن كتاب «الوحدة الإسلامية» : ص 233. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 والمجال لا يتسع لدراسة هذه المجاميع دراسة وصفية نقدية تكشف ما فيها.. فهذا بحث مستقل بذاته. أسانيد الشيعة في كتبهم : يزعم الشيعة أنهم يروون أحاديثهم عن آل البيت، لكن بأي سند؟ تجيب كتب الشيعة بالاعتراف بانقطاع أسانيدها فتقول: (إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم ولم تُرو عنهم، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا. قال أحد أئمتهم: حدثوا بها فإنها حق) (1) . قال الشيخ موسى جار الله في تعليقه على هذا النص: (نرى أن التقية جعلت وسيلة إلى وضع الكتب) (2) . وقد اعترف بعض علمائهم بأن هناك كتباً كثيرة عندهم هي موضوعة، حيث قال ـ وهو يتحدث عن كتاب "سليم بن قيس" ـ: (والحق أن هذا الكتاب موضوع لغرض صحيح نظير كتاب الحسنية، وطرائف ابن طاووس والرحلة المدرسية للبلاغي وأمثاله) (3) . أما رواتهم ومصنفو كتبهم فيعترف شيخهم الطوسي بفساد أكثرهم حيث يقول: (إن كثيراً من مصنفي أصحابنا ينتحلون المذاهب الفاسدة - ومع هذا يقول - إن كتبهم معتمدة) (4) ، وقد   (1) الكليني: «الكافي» كتاب فضل العلم، باب رواية الكتب والحديث: (1/53) . (2) «الوشيعة» : ص 47. (3) أبو الحسن الشعراني في تعليقه على «الكافي» مع شرحه للمازندراني: (جـ2/ص 373- 374) . (4) «الفهرست» : ص 24، 25، وانظر: «مختصر التحفة» : ص 69. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 عملت الطائفة "الإمامية" بأخبار الفطحية (1) مثل عبد الله بن بكير وغيره وأخبار الواقفية (2) مثل سماعة بن مهران.. وغيره. والواقفية والفطحية في عداد الكفار عند الإمامية الإثني عشرية ولكنهم يعملون برواياتهم!! فمع التشيع لا يضر انتحال أي نحلة. ولم يكن للشيعة أي عناية بدراسة الإسناد والتمييز بين صحيح الحديث وضعيفه، وقد أكد شيخ الإسلام ابن تيمية في «منهاج السنّة» في الرد على ابن المطهر على هذا المعنى وفضح الشيعة في هذا الباب (3) . ثم بدأ الشيعة في عصر ابن المطهر يحاولون وضع مقاييس لنقد الحديث عندهم وتقسيمه إلى صحيح وغيره. وفي ظني أن من أسباب هذا الاتجاه هو النقد الموجه لهم من ابن تيمية وغيره في هذا، ومما يشعر بهذا هو التوافق الزمني بين رد ابن تيمية ووضعهم لهذا الاصطلاح، وهذه مسألة مهمة لم أر من نبه عليها. فالشيعة يعترفون بـ (أن هذا الاصطلاح - وهو تقسيم الحديث عندهم إلى صحيح وموثق وضعيف - مستحدث في زمن   (1) الحر العاملي: «الوسائل» : (20/80) . الفطحية: فرقة من فرق الشيعة قالت بأن الإمام بعد جعفر بن محمد هو ابنه عبد الله، وسموا بالفطحية لأن عبد الله كان أفطح الرأس وقيل نسبة إلى رئيس لهم يقال له عبد الله بن فطيح. القمي: «المقالات والفرق» : ص 87. (2) هم الذين وقفوا على موسى بن جعفر وقالوا أنه حي ينتظر، وربما يطلق الواقفي على من وقف على غير موسى بن جعفر كمن وقف على علي أو الصادق أو الحسن العسكري. القمي: «المقالات والفرق» : ص 93. (3) انظر مثلاً: «منهاج السنّة» : (4/110) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 العلامة) (1) والعلامة إذا أطلق في كتب الشيعة يقصد به ابن المطهر الحلي (2) الذي رد عليه ابن تيمية، بل إن ابن المطهر الحلي هذا هو - كما يقول صاحب الوافي -: (أول من اصطلح على ذلك وسلك هذا المسلك) (3) . إذن ألا يدل هذا على أن لابن تيمية و «منهاج السنّة» أثراً في ذلك، وقد اعترف "الحر العاملي" بأن سبب وضع الشيعة لهذا الاصطلاح واتجاههم للعناية بذكر الإسناد هو نقد أهل السنّة، فقال: (والفائدة في ذكره - أي السند - دفع تعيير العامة - يعني أهل السنّة - الشيعة بأن أحاديثهم غير معنعنة بل منقولة من أصول قدمائهم) (4) . وهذا النص يفيد - أيضاً - أن الإسناد عندهم غير موجود إلا بعد مواجهتهم للنقد من قبل أهل السنّة. كما يكشف الحر العاملي أن دراسة الإسناد عند الشيعة هي محاولة لتقليد أهل السنّة فيقول: (والاصطلاح الجديد موافق لاعتقاد   (1) «الوسائل» : (20/102) ، وانظر: محسن الكاشاني: «الوافي» ، المقدمة الثانية. (2) الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي: (648 - 726) يعرف عند الشيعة بالعلامة، وهو من تلامذة نصير الكفر ووزير الملاحدة النصير الطوسي. وهو الذي رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه «منهاج السنة» . وبالغ الشيعة في الثناء عليه - كعادتهم - حتى قال بعضهم: (لم تكتحل حدقة الزمان له بمثيل ولا نظير..) !! وهذا تفضيل له على الرسل والأئمة!! له مصنفات منها: «قواعد الأحكام» ، و «كشف المراد في تجريد الاعتقاد» وغيرهما. انظر: «لؤلؤة البحرين» : (ص 210- 227) . (3) «الوافي» ، المقدمة الثانية: (1/11) . (4) «وسائل الشيعة» : (20/100) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 العامة واصطلاحهم، بل هو مأخوذ من كتبهم كما هو ظاهر بالتتبع) (1) . وهذا يفيد تأخر دراسة الشيعة واهتمامها بهذه القضية إلى حوالي القرن السابع. وإن كانت كتابة تراجم الرجال بدأت عندهم مع "الكشي" في القرن الرابع لكن كما يقول عالمهم "الحر العالمي": (وأما البحث عن أحوال الرجال فلا يدل على الاصطلاح الجديد) (2) ، وقد يوهم كلام صاحب «مختصر التحفة الإثني عشرية" أن البحث في أحوال الرجال عندهم هو بداية الاصطلاح الجديد، وذلك حين قال: (ثم اعلم أن أكثر علماء الشيعة كانوا يعملون سابقاً بروايات أصحابهم بدون تحقيق وتفتيش، ولم يكن فيهم من يميز رجال الإسناد ولا من ألف كتاباً في الجرح والتعديل حتى صنف الكشي سنة أربعمائة تقريباً كتاباً في أسماء الرجال) (3) . ولكن هذه التراجم لا تدل على بداية تقسيم الحديث عندهم إلى صحيح وغيره كما شهد بذلك صاحب «الوافي» ، وصاحب «الوسائل» - كما مر -. ثم إن الدافع لهذه الدراسة الحديثية - عندهم - ليس هو الوصول إلى صحة الحديث بقدر ما هو توقي نقد المذهب من قبل الخصوم، والدفاع عنه. كما يفيده كلام الحر العاملي. ويقول شيخ الشيعة.. الفيض الكاشاني.. صاحب الوافي عن علم الجرح والتعديل عندهم: (في الجرح والتعديل وشرائطهما   (1) المصدر السابق: نفس الموضع. (2) الحر العاملي: «وسائل الشيعة» : (جـ20/ ص 112) . (3) «مختصر التحفة الإثني عشرية» : ص 49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 اختلافات وتناقضات واشتباهات لا تكاد ترتفع بما تطمئن إليه النفوس، كما لا يخفى على الخبير بها) (1) . ومن يقرأ تراجم رجالهم يجد صورة واضحة لهذا التناقض؛ فلا يوجد راوٍ من رواتهم ـ غالباً ـ في الحديث إلا وفيه قولان: قول يوثقه وقول يضعفه، فضلاً عن أنه يلعنه ويخرجه من الإسلام. فمثلاً محدثهم الشهير "زرارة بن أعين" صاحب أئمتهم الثلاثة - كما يزعمون - "الباقر"، و"الصادق"، و"الكاظم" (2) تجده في تراجمهم يمدح تارة ويذم أُخرى، يجعل من أهل الجنة مرة، ومن أهل النار مرة أُخرى، فيروي الكشي أن أبا عبد الله قال: (يا زرارة إن اسمك في أسامي أهل الجنة) (3) وقال: (رحم الله زرارة بن أعين، لولا زرارة لاندست أحاديث أبي) (4) . ويروي الكشي نفسه عن أبي عبد الله أيضاً أنه قال في هذا "الزرارة": (لعن الله زرارة، لعن الله زرارة، لعن الله زرارة، ثلاث مرات) (5) وقال: (.. هذا زرارة بن أعين هذا من الذين وصفهم الله (في كتابه فقال: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه   (1) «الوافي» ، المقدمة الثانية: (1/11- 12) . (2) «زرارة بن أعين بن سنسن. قال الحر العاملي: (شيخ من أصحابنا. في زمانه كان قارئاً فقيهاً ثقة قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين) «وسائل الشيعة» : (20/196) . تنسب له فرقة من الشيعة تسمى الزرارية «مختصر التحفة» : ص 15. كان حفيد لقسيس نصراني اسمه سنسن. محب الدين الخطيب: «هامش مختصر التحفة» : ص 63. توفي سنة 150هـ. «معجم المؤلفين» : (4/181) . (3) «رجال الكشي» : ص 133. (4) المصدر السابق: ص 136. (5) «رجال الكشي» : (ص 149- 150) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 هباءاً منثوراً (( (1) وقال: (.. زرارة شر من اليهود والنصارى ومن قال إن مع الله ثالث ثلاثة - كذا-) (2) . وهذا "التناقض" هو "دأبهم" في تراجم رواتهم (3) ، كما هو واقع في رواياتهم وأحاديثهم، ولا يجدون مخرجاً لهم من هذا إلا القول بأن أحدها تقية، ثم هم لا يملكون قرينة معقولة على تحديد القول الذي هو تقية والقول الذي ليس بتقية!! وفي كتاب «مرآة العقول» للمجلسي بيان للصحيح من أحاديث الكافي وخلافه في ضوء الاصطلاح الجديد، وإذا تأملت الأحاديث التي يصححها المجلسي وجدتها في الغالب تطعن في كتاب الله ودينه وتصادم الإسلام والقرآن (4) . ويكفي في الحكم على أحاديثهم النظر في متونها، (وكل متن يباين المعقول أو يخالف المنقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع) (5) . (ج) عقيدتهم في «الإجماع» : الإجماع ليس حجة عند الشيعة بدون وجود المعصوم، فمدار حجية الإجماع على قول المعصوم وليس على نفس الإجماع،   (1) المصدر السابق: ص 151. (2) المصدر السابق: ص 160. (3) كجابر الجعفي، ومحمد بن مسلم، وأبي بصير وحمران بن أعين وغيرهم. (4) وسنرى أمثلة لذلك في مواضعها المتفرقة من هذا البحث، وانظر علي السالوس وتجربته في محاولة التمييز بين الصحيح وغيره في أحاديث الشيعة عن طريق كتب رجالهم وانتهاؤه إلى صحة أحاديث - بمقياسهم - تطعن في الإسلام والقرآن. «فقه الشيعة» : (ص 63- 64) . (5) ابن الجوزي: «الموضوعات» : (1/106) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 فهم لم يقولوا بالإجماع وإنما قالوا بحجية قول المعصوم، ودعواهم الاحتجاج بالإجماع تسمية لا مسمى لها. يقول ابن المطهر الحلي: (الإجماع إنما هو حجة عندنا لاشتماله على قول المعصوم، فكل جماعة كثرت أو قلّت كان قول الإمام في جملة أقوالها فإجماعها حجة لأجله لا لأجل الإجماع) (1) . وما أدري ما قيمة الإجماع إذن ما داموا يعتبرون الإمام معصوماً، فقوله وحده كاف. وتؤكد "نصوص الشيعة" على ضرورة مخالفة إجماع أهل السنّة، وإن خلافهم فيه الرشاد. ففي الكافي سؤال لأحد أئمتهم يقول: (إذا وجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة - يعني أهل السنّة - والآخر مخالفاً لهم بأي الخبرين يؤخذ؟ فأجاب إمامهم: ما خالف العامة ففيه الرشاد. قال السائل: جعلت فداك، فإن وافقهما الخبران جميعاً؟ قال - إمامهم -: ينظر إلى ما هم إليه أميل - يعني أهل السنّة - بأحكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر. قال السائل: فإن وافق حكامهم الخبرين جميعاً؟ قال: إذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى إمامك، فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات) (2) .   (1) «تهذيب الوصول» : ص 70، وانظر: «أوائل المقالات» : ص 153، وانظر: حسين معتوق: «المرجعية الدينية العليا» : ص 16. (2) «الكافي» للكليني، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث: (1/68) . وراجع في هذا الباب «وسائل الشيعة» : (جـ 18/ص 75) ، باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 والذي دعا الشيعة لرد "الإجماع" هو ردهم لإجماع الصدر الأول على خلافة الخلفاء الثلاثة. ويظهر الفارق جليّاً بين مذهب أهل السنّة في القول بحجية الإجماع، وبين مذهب الشيعة في ذلك، في أنه لو فرضنا - مثلاً - أن إمامهم محمد بن علي "الجواد" الذي قالوا بإمامته وهو ابن سبع سنوات (1) أو إمامهم المنتظر الذي قال التاريخ إنه لا وجود له - لو فرضنا - أنه قال برأي أو نسب له رأي وخالفته الأمة الإسلامية جميعاً؛ فإن الحجة في رأيه لا في إجماع الأمة. وهذا مذهب في غاية البطلان لا يحتاج لمناقشة!!   (1) سعد القمي: «المقالات» : ص 95. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 الفصل الثالث: عقائدهم الأخرى التي انفصلوا بها عن أهل السنة سبق أن تحدثنا عن معتقد الشيعة في الكتاب، والسنّة، والإجماع، وفي هذا الفصل نتناول عقائدهم الأُخرى التي شذوا بها عن أهل السنّة، وسنتعرف على عقائدهم التالية: 1 - الإمامة. 2 - عصمة الإمام. 3 - التقية. 4 - الرجعة. 5 - البداء. 6 - الغيبة. 7 - معتقدهم في الصحابة. 1 - الإمامة (1) : وسنتناول في قضية الإمامة عند الشيعة المسائل الآتية: (أ) معنى الإمامة عندهم. (ب) فضائل الأئمة وصفاتهم.   (1) الإمامة: في اللغة: التقدم. تقول أمّ القوم وأمّ بهم تقدمهم وهي الإمامة. والإمام كل من ائتم به قوم، كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين، ويطلق الإمام على الخليفة، وعلى العالم المقتدى به، وعلى من يؤتم به في الصلاة. انظر: «اللسان» ، و «القاموس» ، و «المصباح المنير» مادة: أمّ، وراجع تعاريفها عند أهل السنّة في الماوردي: «الأحكام السلطانية» : ص 5، ابن خلدون: المقدمة: (2/516- 518) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 (ج) غلوهم في قبور أئمتهم. (د) غلوهم في مجتهديهم. (هـ) كل حكومة غير حكومة الاثني عشر (أو نوابهم) باطلة. (و) الإمامة ركن من أركان الدين. (ز) تكفيرهم لمنكر إمامة الاثني عشر. (ح) منزلة من آمن بإمامة الاثني عشر عندهم. (أ) معنى الإمامة عند الشيعة : للإمامة عند الشيعة مفهوم خاص ينفردون به عن سائر المسلمين، فيعتقدون (أن الإمامة منصب إلهي كالنبوة، فكما أن الله سبحانه يختار من يشاء من عباده للنبوة والرسالة، ويؤيده بالمعجزة التي هي كنص من الله عليه.. فكذلك يختار للإمامة من يشاء ويأمر نبيه بالنص عليه وأن ينصبه إماماً للناس من بعده..) (1) . أما الفرق بين الرسول والنبي والإمام عندهم فقد روى صاحب الكافي أنه سئل إمامهم الرضا: (ما الفرق بين الرسول والنبي والإمام؟ فكتب أو قال: الفرق بين الرسول والنبي والإمام: أن الرسول الذي ينزل عليه جبرائيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي وربما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم "ع"، والنبي ربما سمع الكلام وربما رأى الشخص ولم يسمع، والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى   (1) محمد حسين آل كاشف الغطا: «أصل الشيعة وأصولها» : ص 58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 الشخص) (1) وهذا النص يفيد أن الوحي الإلهي متحقق حصوله للثلاثة على اختلاف في الطريقة والوسيلة التي يصل بها "الوحي"، لكن كانت رواية الكافي هذه تقول: إن الإمام يسمع الكلام ولا يرى الشخص "أي الملك"، مع أن هناك عدة روايات عندهم تؤكد تحقق رؤية الإمام للملائكة، حتى إن "عالمهم" المجلسي عقد في البحار باباً بعنوان: (باب أن الملائكة تأتيهم وتطأ فرشهم وأنهم يرونهم) (2) ، وذكر فيه ستة وعشرين حديثاً منها ما ذكره عن الصادق قال: (إن الملائكة لتنزل علينا في رحالنا وتتقلب على فرشنا، وتحضر موائدنا وتأتينا في وقت كل صلاة لتصليها معنا، وما من يوم يأتي.. إلا وأخبار أهل الأرض عندنا وما يحدث فيها..) (3) . وعن الصادق: (إن منا لمن ينكت في أُذنه، وإن منا لمن يؤتى في منامه وإن منا لمن يسمع صوت السلسلة تقع على الطشت - كذا - وإن منا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرائيل وميكائيل) (4) . فترى في هذه "الروايات للمجلسي" أن الفرق الذي ذكره الكليني بين الإمام والرسول والنبي - إن كان يعتبر فرقاً - قد تلاشى. حتى قال المجلسي نفسه: (إن استنباط الفرق بين النبي والإمام من تلك الأخبار لا يخلو من إشكال وكذا الجمع بينهما   (1) الكليني: «الكافي» ، كتاب الحجة، باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث: (1/176) ، وقال شارح «الكافي» : (الحديث صحيح إسناده) ، «الشافي شرح أصول الكافي» : (3/29) . فهذا الحديث الباطل صحيح حتى عند من يسلك منهج التصحيح والتضعيف منهم وهم الأصوليون. (2) «البحار» : (26/355) . (3) «البحار» : (26/356) . (4) «البحار» : (6/358) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 مشكل جداً) (1) . ثم قال: (ولا نعرف جهة اتصافهم بالنبوة إلا رعاية خاتم الأنبياء ولا يصل عقولنا فرق بين النبوة والإمامية) (2) . ومنزلة الإمامة والإمام تجاوزت في كتبهم أحياناً منزلة النبوة والنبي إلى منزلة أُخرى تتبين من حديثهم عن فضائل الأئمة وصفاتهم وهو ما سنذكره فيما يلي: (ب) فضائل الأئمة وصفاتهم : حديث الشيعة عن فضائل أئمتهم وصفاتهم حديث كثير وخطير، وسنذكر فيما يلي أهم الأبواب في كل من الكافي والبحار التي حوت أحاديثهم عن فضائل الأئمة. وهذه الأبواب خلاصة موجزة لأحاديثهم تبين حجم الغلو واتساعه، فهي ليست روايات شاذة في كتبهم بل هي أبواب تحمل عناوين أشبه ما يكون بقواعد وأصول أساسية في معتقدهم، وهي أمكن القارئ من أخذ فكرة متكاملة عن منزلة الأئمة عندهم بصورة سريعة حيث تم بعد العرض لهذه الأبواب الإتيان من كل باب بمثال لتتضح الحقيقة في ذهن القارئ وسأذكر عناوين الأبواب أولاً وعدد أحاديث كل باب ثم أمثلة لهذه الأبواب على الترتيب نفسه. فلنستمع للعناوين ثم للأحاديث بعدها. 1- باب (أنهم أعلم من الأنبياء عليهم السلام) وفيه ثلاثة عشر حديثاً (3) . 2- باب (تفضيلهم «ع» على الأنبياء وعلى جميع الخلق وأخذ   (1) ، (2) «البحار» : (26/28) . (2) (3) المجلسي: «البحار» : (26/ 194- 200) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 ميثاقهم عنهم وعن الملائكة وعن سائر الخلق، وأن أُولي العزم إنما صاروا أُولي العزم بحبهم صلوات الله عليهم) وفيه 88 حديثاً (1) . 3- باب (أن دعاء الأنبياء استجيب بالتوسل والاستشفاع بهم "ع") وفيه 16 حديثاً (2) . 4- باب (أنهم يقدرون على إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وجميع معجزات الأنبياء) وفيه 4 أحاديث (3) . 5- باب (أنهم لا يحجب عنهم علم السماء والأرض والجنة والنار، وأنه عرض عليهم ملكوت السموات والأرض ويعلمون علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة) وفيه 22 حديثاً (4) ، وهذا الباب جاء في الكافي بعنوان باب (أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء صلوات الله عليهم) وفيه ستة أحاديث (5) . 6- باب (أنهم يعرفون الناس بحقيقة الإيمان وبحقيقة النفاق، وعندهم كتاب فيه أسماء أهل الجنة وأسماء شيعتهم وأعدائهم، وأنه لا يزيلهم خبر مخبر عما يعلمون من أحوالهم) وفيه أربعون حديثاً (6) . وفي الكافي باب (أن الأئمة لو ستر عليهم لأخبروا كل امرئ بما له وعليه) وفيه حديثان (7) .   (1) المصدر السابق: (26/ 267- 318) . (2) المصدر السابق: (26/ 319 - 332) . (3) المصدر السابق: (27/ 29 - 31) . (4) المصدر السابق: (26/ 109- 117) . (5) الكليني: «الكافي» : (1/260- 363) . (6) «البحار» : (26/117- 132) . (7) «الكافي» : (1/264 - 268) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 7- باب (أن الأئمة إذا شاؤوا أن يعلموا علموا) وفيه ثلاثة أحاديث (1) . 8- باب (أن الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم) وفيه خمسة أحاديث (2) . 9- باب (أنه لا يحجب عنهم شيء من أحوال شيعتهم وما تحتاج إليه الأمة من جميع العلوم، وأنهم يعلمون ما يصيبهم من البلايا ويصبرون عليها ولو دعوا الله في دفعها لأجيبوا، وأنهم يعلمون ما في الضمائر وعلم المنايا والبلايا وفصل الخطاب والمواليد) وفيه ثلاثة وأربعون حديثاً (3) . 10- باب (أن عندهم الاسم الأعظم وبه يظهر منهم الغرائب) وفيه عشرة أحاديث (4) ، وغيرها من أبواب (5) ، وإليك أمثلة لما سبق على الترتيب السالف.   (1) المصدر السابق: (1/258) . (2) المصدر السابق: (1/258- 260) . (3) «البحار» : (26/137- 153) . (4) «البحار» : (27/25- 28) . (5) مثل: باب (أنهم يظهرون بعد موتهم ويظهر منهم الغرائب وتأتيهم أرواح الأنبياء "ع" وتظهر لهم الأموات من أوليائهم وأعدائهم) وفيه 13 حديثاً. «البحار» : (27/302- 308) . باب (أنهم أمان لأهل الأرض من العذاب) وفيه 6 أحاديث. «البحار» : (27/308- 310) . باب (أن الله تعالى يرفع للإمام عموداً ينظر فيه إلى أعمال العباد) وفيه 16 حديثاً. «البحار» : (2/1- 11) . باب (أنهم عليهم السلام يعلمون جميع الألسن واللغات ويتكلمون بها) وفيه 7 أحاديث. «البحار» : (26/190- 193) . باب ( ... أنهم يعلمون منطق الطيور والبهائم) وفيه 26 حديثاً. «البحار» : (27/261- 279) . باب (أن الجن خدامهم ويظهرون لهم ويسألونهم عن معالم دينهم) وفيه 16 حديثاً. «البحار» : (17/13- 24) إلخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 مثال للباب رقم -1-: وهو (أنهم أعلم من الأنبياء) : عن عبد الله التمار قال: كنا مع أبي عبد الله "ع" في الحجر فقال: علينا عين؟ فالتفتنا يمنة ويسرة وقلنا: ليس علينا عين. فقال: ورب الكعبة - ثلاث مرات - أن لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما (1) . مثال للباب رقم -2-: وهو (تفضيلهم على الأنبياء ... ) : في البحار قال أبو عبد الله: (والله ما استوجب آدم أن يخلقه الله بيده وينفخ فيه من روحه إلا بولاية علي "ع"، وما كلم الله موسى تكليماً إلا بولاية علي "ع"، ولا أقام الله عيسى ابن مريم آية للعالمين إلا بالخضوع لعلي، ثم قال: أجُمل الأمر؟: ما استأهل خلق من الله النظر إليه إلا بالعبودية لنا (2) وقال أمير المؤمنين: إن الله عرض ولايتي على أهل السموات وعلى أهل الأرض أقر بها من أقر وأنكرها من أنكر، وأنكرها يونس فحبسه الله في بطن الحوت حتى أقر بها (3) وكذلك أيوب لما شك في ملك علي قال له الله: فوعزتي لأُذيقنك من عذابي أو تتوب إلي بالطاعة لأمير المؤمنين) (4) .   (1) المجلسي: «البحار» : (ص26- 196) ، وانظر: «بصائر الدرجات» : ص 250، وانظر: الكليني: «الكافي» : (1/260- 261) . (2) المجلسي: «البحار» : (26/ 294) ، وانظر: المفيد: «الاختصاص» : ص 250. (3) المجلسي: «البحار» : (26/ 282) ، عن: «بصائر الدرجات» : (ص 25- 26) . (4) «البحار» : (26/ 293) ، عن «كنز الفوائد» : (ص 264- 265) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 وعن سدير قال: سألت أبا عبد الله عن قول أمير المؤمنين «إن أمرنا صعب مستصعب لا يقر به إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان» فقال: إن في الملائكة مقربين وغير مقربين ومن الأنبياء مرسلين وغير مرسلين ومن المؤمنين ممتحنين، وغير ممتحنين فعرض أمركم هذا على الملائكة فلم يقر به إلا المقربون، وعرض على الأنبياء فلم يقر به إلا المرسلون وعرض على المؤمنين فلم يقر به إلا الممتحنون، قال: ثم قال لي: مر في حديثك (1) . مثال للباب رقم -3-: وهو (استشفاع الأنبياء بهم) : عن علي بن الحسن عن فضال عن أبيه عن الرضا "ع" قال: (لما أشرف نوح "ع" على الغرق دعا الله بحقنا فدفع الله عنه الغرق، ولما رمي إبراهيم في النار دعا الله بحقنا فجعل الله النار عليه برداً وسلاماً، وإن موسى لما ضرب طريقاً في البحر دعا الله بحقنا فجعله يبساً، وإن عيسى "ع" لما أراد اليهود قتله دعا الله بحقنا فنجي من القتل فرفعه إليه) (2) . مثال للباب رقم -4-: وهو (أنهم يقدرون على إحياء الموتى) : قال أبو عبد الله: إن أمير المؤمنين كانت له خؤولة في بني مخزوم وإن شاباً منهم أتاه فقال: يا خال، إن أخي وتِرْبي مات وقد حزنت عليه حزناً شديداً فقال له: تشتهي أن تراه؟ قال: نعم. قال: فأرني قبره.. فلما انتهى إلى القبر تكلم - أي علي - بشفتيه ثم ركضه   (1) «البحار» : (26/274) ، انظر: «معاني الأخبار» : ص 115. (2) «البحار» : (26/325) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 برجله فخرج من قبره وهو يقول: "وميكا" بلسان الفرس فقال له علي "ع": ألم تمت وأنت رجل من العرب؟ فقال: بلى ولكنا متنا على سنّة فلان وفلان - أبو بكر وعمر - فانقلبت ألسنتنا) (1) . مثال للباب رقم -5-: وهو (أنهم لا يحجب عنهم علم ... ) : قال أبو عبد الله: (أني لأعلم ما في السموات وأعلم ما في الأرضين وأعلم ما في الجنة وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وما يكون) (2) . مثال للباب رقم -6-: (أنهم يعرفون الناس بحقيقة الإيمان) : قال أبو الحسن الرضا: (إنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وبحقيقة النفاق) (3) . مثال للباب رقم -7-: (أن الأئمة إذا شاؤوا أن يعلموا علموا) : عن أبي عبد الله قال: (إن الإمام إذا شاء أن يعلم علم) (4) . مثال للباب رقم -8-: (أن الأئمة يعلمون متى يموتون) : ويروي الكليني عن الحسن بن الجهم قال: (قلت للرضا "ع"   (1) المجلسي: «البحار» : (27/30- 31) ، عن «مناقب آل أبي طالب» : (2/164) . (2) المجلسي: «البحار» : (26/111) ، عن «بصائر الدرجات» : ص 35، وانظر: الكليني: «الكافي» : (1/261) . (3) المجلسي: «البحار» : (26/118، 127) ، وانظر: «عيون الأخبار» : ص 343، «الاختصاص» : ص 278. (4) الكليني: «الكافي» : (1/ 258) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 أن أمير المؤمنين "ع" قد عرف قاتله والليلة التي يقتل فيها، والموضع الذي يقتل فيه، وقوله: لما سمع صياح الأوز (1) في الدار: صوائح تتبعها نوائح، وقول أُم كلثوم: لو صليت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلي بالناس فأبى عليها وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح، وقد عرف (أن ابن ملجم لعنه الله قاتله بالسيف..) (2) وعن أبي الحسن موسى "ع" "الكاظم" قال: (إن الله (غضب على الشيعة فخيرني نفسي أو هم فوقيتهم والله بنفسي (3) - أي منطق النصارى نفسه بأن عيسى صلب لتخليصهم من ذنوبهم) . مثال للباب رقم -9-: (أنهم لا يحجب عنهم شيء) : في البحار: (أن عليّاً قال على منبر الكوفة: والله إني لديان الناس يوم الدين، قسيم الله بين الجنة والنار لا يدخلها داخل إلا على أحد قسّمي، وأنا الفارق الأكبر، وقرن من حديد وباب الإيمان وصاحب الميسم وصاحب السنين، وأنا صاحب النشر الأول والنشر الآخر وصاحب القضاء وصاحب الكرات ودولة الدول وأنا إمام لمن بعدي والمؤدي من كان قلبي، ما يتقدمني إلا أحمد صلى الله عليه وآله وسلم وإن جميع الملائكة والرسل والروح خلفنا، وإن رسول الله ليدعى فينطق، وأُدعى فأنطق على حد منطقه. ولقد أُعطيت السبع التي لم يسبق إليها أحد قبلي: بصُرت سبل الكتاب، وفُتحت لي الأسباب، وعلمت الأنساب، ومجرى الحساب،   (1) الأوز: البط. (2) الكليني: «الكافي» : (1/259) . (3) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 وعلمت المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب، ونظرت في الملكوت فلم يعزب عني شيء غاب عني، ولم يفتني ما سبقني، ولم يشركني أحد فيما أشهدني يوم شهادة الأشهاد، وأنا الشاهد عليهم، وعلى يدي يتم موعد الله وتكمل كلمته، وبي يكمل الدين، وأنا النعمة التي أنعمها الله على خلقه، وأنا الإسلام الذي ارتضاه لنفسه، كل ذلك منٌّ من الله) (1) . مثال للباب رقم -10-: (عندهم الاسم الأعظم ... ) : عن جابر الجعفي عن أبي جعفر "ع" قال: (إن اسم الله الأعظم علي ثلاثة وسبعين حرفاً، وإنما عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس ثم تناول السرير بيده ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين، وعندنا نحن من الاسم اثنان وسبعون حرفاً، وحرف عند الله استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) (2) . هذه أمثلة لما يصفون به أئمتهم وهي "دعاوى" في غاية الغرابة تخرج الأئمة من "منزلة الإمامة" إلى "منزلة النبوة" أحياناً، وأحياناً أخرى إلى "مرتبة الألوهية". ووجود عشرات الروايات فضلاً عن مئاتها تصف الأئمة بهذه الأوصاف الخيالية هي عملية إفراغ فكري ونفسي لحقيقة الألوهية، وحقيقة النبوة من نفس "الشيعي" الذي يؤمن بهذه الروايات لتحل محلها حقيقة الأئمة.   (1) «البحار» : (26/153- 154) . (2) المجلسي: «البحار» : (27/25) ، عن «بصائر الدرجات» : ص 53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 وإذا وجد من ينفي صفة النبوة والربوبية عن الأئمة، فإن هذا النفي أشبه ما يكون بصرخة في واد إزاء هذا "الزخم" وهذا "الركام" الهائل من الفضائل المزعومة. وهذه الروايات هي في الحقيقة؛ الأرضية، والقاعدة، والمنطلق، للأفكار الباطنية المنتشرة اليوم والتي تؤلّه الأئمة وتلوذ بجحور التقية عند مواجهتها للملأ. ولولا خشية الإطالة لوقفنا عند كل نص نحلله ونرسم أبعاده. إن هذه "الدعاوى" التي امتلأت بها كتب القوم التي يعدونها مصادر أساسية في التلقي والتشريع؛ هي محادة لله ولرسوله. فماذا أبقوا لله - عز وجل - من خصائص الألوهية حين يوردون عشرات من رواياتهم تقول (أن الأئمة يعلمون ما كان وما يكون وأنهم لا يخفى عليهم الشيء) ؟ أي أن الأئمة عندهم علم الله. وكيف يتجرأون على القول بأن الأئمة عندهم 72 حرفاً من الاسم الأعظم والله عنده حرف واحد، أهم أعلم أم الله؟!! سبحانك هذا بهتان عظيم. وهذه "الدعاوى" باب للزندقة والإلحاد.. لم يقلها نبي مرسل، ولا ملك مقرب. هي محاربة لدين الله (، وكتابه. وهذه المزاعم انتقلت بشكل عملي واضح إلى جانبين خطيرين: أحدهما: أنها انتقلت من حديث نظري عن فضائل الأئمة إلى غلو في قبورهم وأضرحتهم، وانتشر الشرك في بلاد الشيعة بلا نكير. وثانيها: ظاهرة غلوهم في مجتهديهم باعتبار أنهم نواب الإمام المعصوم، (وهذان الجانبان يشكلان مفهوم الإمامة بصورة واقعية فلنتحدث عنهما) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 ثالثاً: غلوهم في قبور أئمتهم واتخاذها مزارات ومشاهد: إن للمسلمين كعبة واحدة يتوجهون إليها في صلاتهم ودعائهم ويحجون إليها، أما الشيعة فلهم مزارات ومشاهد وكعبات تنافس بيت الله (ويقام فيها الشرك ويهدم التوحيد. وقد يقال: إن الشرك والمشاهد منتشرة في بلاد السنة؟ والجواب: أن هذا واقع. ولكن الفرق بين الشيعة وأهل السنة أن ما عند أهل السنة هو انحراف في واقعهم تنكره أصولهم، وما عند الشيعة هو ما يتفق مع أصولهم، بل هو ما تدعو إليه وتحث عليه أحاديثهم ورواياتهم، فهو معروف في أصول الشيعة منكر في أصول السنة. ونتيجة هذا الفرق أن ما عند أهل السنة قابل للإصلاح وما عند الشيعة غير قابل حتى تغير أصولهم أولاً. وهذه النتيجة ليست نظرية أو خيالية، بل ظهرت بشكل واقعي في تأثير دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العالم الإسلامي في محاربة الشرك واستعصاء الشيعة على هذا الإصلاح. يقول العالم الإيراني - الشيعي الأصل - أحمد الكسروي (1) : (ومما يرى "من" لجاج الشيعة أنه قد انقضى منذ ظهور الوهابيين أكثر من مائة وخمسين عاماً، وجرت في تلك المدة مباحثات ومجادلات كثيرة بينهم وبين الطوائف الأخرى من المسلمين، وانتشرت رسالات وطبعت كتب وظهر جلياً أن ليست   (1) ستأتي ترجمته في محاولات التقريب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 زيارة القبب والتوسل بالموتى ونذر النذور للقبور وأمثالها إلا الشرك، ولا فرق بين هذه وبين عبادة الأوثان التي كانت جارية بين المشركين من العرب فقام الإسلام يجادلها ويبغ - كذا - قلع جذورها، يبين ذلك آيات كثيرة من القرآن. فأثرت الوهابية في سائر طوائف المسلمين غير الروافض أو الشيعة الإمامية، فإن هؤلاء لم يكترثوا بما كان ولم يعنوا بالكتب المنتشرة والدلائل المذكورة أدنى عناية ولم يكن نصيب الوهابيين منهم إلا اللعن والسب كالآخرين) (1) . إن الشرك قد ألبس في كتب الحديث عند الشيعة ثوب الحق وهذا هو الخطر الأكبر، والداء الأعظم، وقد عقدت أمهات كتبهم "كتباً وأبواباً" في المزارات والمشاهدات، ضمنتها مئات من الروايات تجسد الشرك، وترسي قواعده. ففي «البحار» للمجلسي "كتاب المزار" وقد استغرق ثلاثة مجلدات من «البحار» (2) ، وفي «وسائل الشيعة» ، للحر العاملي "أبواب المزار" وبلغت هذه الأبواب (106) أبواب (3) ، وفي «الوافي» الجامع لأصولهم الأربعة: "أبواب المزارات والمشاهد" وتضمنت (33) باباً (4) .   (1) «التشيع والشيعة» : ص 89، وقد رأيت في فهارس مكتبات الشيعة كمكتبة الكاظمية في بغداد كتباً كثيرة وضعت من قبل الشيعة لمحاربة دعوة التوحيد التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب. (2) هي المجلدات: 100، 101، 102. (3) انظرها في جـ10 ص 251 وما بعدها. (4) انظرها في المجلد الثاني جـ8 ص 193 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 وفي «فقيه من لا يحضره الفقه» وهو أحد أصولهم المعتبرة عدة أبواب حول المشاهد وتعظيمها، كباب "تربة الحسين وحريم قبره" و"أبواب في زيارة الأئمة وفضلها". وغيرها (1) . وفي «تهذيب الأحكام» - أحد الأصول الأربعة المعتبرة - طائفة كثيرة من الأبواب تتعلق بتعظيم المشاهد والقبور، ومناجاة الأئمة بأدعية تتضمن تأليههم.. (2) . وألف في الزيارات ومناسكها كتب مستقلة مثل «مناسك الزيارات للمفيد» (3) وغيره (4) . والموضوع يستحق دراسة خاصة لخطورته وحسبنا في هذا المقام ذكر بعض "الأمثلة" لغلوهم في قبور أئمتهم. لقد اعتبر الشيعة أماكن قبور أئمتهم المزعومة أو الحقيقة "حرماً" مقدساً: فالكوفة حرم، وكربلاء حرم، وقم حرم - عندهم - وغيرها. في «الوافي» (أن الكوفة حرم الله وحرم رسوله - صلى الله عليه وسلم - وحرم أمير المؤمنين، وأن الصلاة فيها بألف صلاة والدرهم بألف درهم) (5) . ويروون عن الصادق: (إن لله حرماً هو مكة ولرسوله حرماً وهو المدينة ولأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة ولنا   (1) ابن بابويه القمي: «من لا يحضره الفقيه» : (2/338) وما بعدها. (2) الطوسي: «تهذيب الأحكام» : (6/3 - 116) . (3) ذكره الحر العاملي في «وسائل الشيعة» : (20/49) ، ونقل عنه. (4) مثل كتاب «المزار» لمحمد بن علي الفضل، و «المزار» لمحمد بن المشهدي و «المزار» لمحمد بن همام، و «المزار» لمحمد بن أحمد بن داود وغيرها. انظر: «وسائل الشيعة» : (20/48 - 49) . (5) «الوافي» ، باب فضل الكوفة ومساجدها. المجلد الثاني جـ8 ص 215. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 حرماً وهو قم (1) ، ستدفن فيه امرأة من ولدي تسمى فاطمة من زارها وجبت له الجنة) (2) . وكربلاء عندهم أفضل من الكعبة، ففي حديث لهم عن أبي عبد الله أنه قال: (..إن الله أوحى إلى الكعبة لولا تربة كربلاء ما فضلتك، ولولا من تضمنه أرض كربلاء ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي به افتخرت، فقرِّي واستقري وكوني ذنباً متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء وإلا سخت بك وهويت بك نار جهنم) (3) . وزيارة قبور الأئمة والدعاء والصلاة عندها والتوسل والاستشفاع بهم ذلك عندهم أفضل من الحج إلى بيت الله. في «الكافي» : أتى رجل أبا عبد الله فقال له: (إني قد حججت تسع عشرة حجة فادع الله أن يرزقني تمام العشرين، قال: هل زرت قبر الحسين «ع» ؟ قال: لا. قال: لزيارته خير من عشرين حجة) (4) . وعن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (والله لو أني حدثتكم بفضل زيارته وبفضل قبره لتركتم الحج رأساً وما حج منكم أحد، ويحك أما علمت أن الله اتخذ كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن   (1) قم: بالضم والتشديد كلمة فارسية، وهي مدينة مقدسة عند الشيعة مشهورة في إيران وأهلها كلهم شيعة إمامية. انظر: «معجم البلدان» : (4/397) . ومن أسباب تقديسهم لقم وجود قبر فاطمة بنت موسى بن جعفر إمامهم السابع فيها. انظر: عبد الرزاق الحسيني: «مشاهد العترة» : ص 162 وما بعدها. (2) «البحار» : جـ102 ص 267. (3) «البحار» : جـ101 ص 107. (4) «الوافي» : المجلد الثاني: جـ 8 ص 219. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 يتخذ مكة حرماً. قال ابن أبي يعفور: فقلت له: قد فرض الله على الناس حج البيت ولم يذكر زيارة قبر الحسين "ع" فقال: إن كان كذلك فإن هذا شيء جعله الله هكذا) (1) . وعن أبي عبد الله: (إن الله يبدأ بالنظر إلى زوار قبر الحسين بن علي "ع" عشية عرفة قبل نظره إلى أهل الموقف، قال "الراوي": وكيف ذلك؟ قال أبو عبد الله - كما يزعمون -: لأن في أولئك أولاد زنا وليس في هؤلاء أولاد زنا) (2) . وفي «الوافي» قال الصادق: (من عرَّف عند قبر الحسين فقد شهد عرفة) (3) . وعن الصادق: (من زار قبر الحسين يوم عرفة كتب الله له ألف ألف حجة مع القائم "ع"، وألف ألف عمرة مع رسول الله صلى الله عليه وآله، وعتق ألف ألف نسمة، وحمل ألف ألف فرس في سبيل   (1) المجلسي «البحار» : جـ 101 ص 33. (2) الفيض الكاشاني: «الوافي» : المجلد جـ8 ص 222. مفهوم أولاد الزنا عند الشيعة: هم غير الشيعة من المسلمين. يدل على ذلك ما جاء في «الكافي» عن أبي جعفر قال: والله إن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا. الكليني: الفروع من الكافي كتاب الروضة: ص 135 طبعة لكنوء 1886م، وانظر: «البحار» : (24/311) . وعن أبي ميثم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمد قال: ما من مولود يولد إلا وإبليس من الأبالسة بحضرته، فإن علم الله أن المولود من شيعتنا حجبه من ذك الشيطان، وإن لم يكن المولود من شيعتنا أثبت الشيطان أصبعه في دبر الغلام فكان مأبوناً وفي فرج الجارية فكانت فاجرة. «تفسير العياشي» : جـ2 ص 218، وانظر: «الوافي» : (13: 17) عن «الوشيعة» : ص 40، وعقد المجلسي في «البحار» باباً لهذا الاعتقاد بعنوان (باب أنه يدعى الناس بأسماء أُمهاتهم إلا الشيعة) وذكر فيه 12 حديثاً. «البحار» : جـ7 ص 237. (3) الفيض الكاشاني: «الوافي» : المجلد الثاني جـ8 ص 222. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 الله، وسماه الله عز وجل عبدي الصديق آمن بوعدي، وقالت الملائكة: فلان الصديق وزكاه الله من فوق عرشه..) (1) . والصلاة عند القبور التي هي وسيلة للشرك بالله تعد عندهم من القربات المضاعفة في «الوافي» يقول حديث لهم: (الصلاة في حرم الحسين: لك بكل ركعة تركعها عنده كثواب من حج ألف حجة، واعتمر ألف عمرة وأعتق ألف رقبة، وكأنما وقف في سبيل الله ألف ألف مرة مع نبي مرسل) (2) . وهذه دعوة إلى الشرك بالله لا شك في ذلك. وليس هذا خاصاً بحرم الحسين بل كل أئمتهم كذلك؛ ففي «البحار» للمجلسي: (من زار الرضا (3) أو واحداً من الأئمة فصلى عنده.. فإنه يكتب له - ثم ذكر ما جاء في النص السابق وزاد - وله بكل خطوة مائة حجة ومائة عمرة وعتق مائة رقبة في سبيل الله وكتب له مائة حسنة وحط عنه مائة سيئة) (4) . ويزور قبور أئمتهم الأنبياء والملائكة، ولم يكتفوا بذلك كعادتهم في الغلو والمبالغة بل قالوا - كبرت كلمة تخرج من أفواههم - إن الله تعالى يزور قبور أئمتهم. تعالى عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً. ففي «البحار» للمجلسي: (أن قبر أمير المؤمنين يزوره المؤمنون) (5) .   (1) المصدر السابق: ص 223. (2) المصر السابق: ص 234. (3) يعد مرقد إمامهم الرضا أهم الأماكن المقدسة في إيران ومن أضخم الأماكن المقدسة لدى الشيعة، ويقع الضريح تحت قبة ضخمة مكسوة بالذهب. عبد الله فياض: «مشاهداتي في إيران» : ص 102. (4) المجلسي: «البحار» : (100/137- 138) . (5) المجلسي: «البحار» : (100/258) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وللزيارة عندهم مناسك معينة، وألفوا في ذلك مؤلفات كـ «مفاتيح الجنان» لشيخهم عباس القمي (1) و «مناسك الزيارات» للمفيد - كما مر (2) - وغيرها، ومن مناسك مشاهدهم يذكر المجلسي: 1- الغسل قبل دخول المشهد. 2- الوقوف على بابه والدعاء والاستئذان بالمأثور. 3- الوقوف على الضريح، فقد نص على الاتكاء على الضريح وتقبيله. 4- استقبال وجه المزور واستدبار القبلة حال الزيارة.. 5- صلاة ركعتين. ورويت رخصة في صلاتها إلى القبر، ولو استدبر القبلة وصلى جاز، وإن كان غير مستحسن إلا مع البعد (3) ، أي مع البعد يستحسن أن يجعل قبر الإمام كعبة يتوجه المصلي إليها. أليست هذه النصوص هي دعوة إلى الشرك بالله عز وجل وتغيير شرع الله ودينه؟، واختيار نحلة المشركين على ملة المرسلين، واستبدال الوثنية بالحنيفية؟.. وجاء في بعض نصوصهم المقدسة أن الحجر الأسود سينزع من مكانه ويوضع في حرمهم الكوفة، ففي «الوافي» أن علي بن أبي طالب قال لأهل الكوفة: (يا أهل الكوفة لقد حباكم الله (بما لم يحبُ أحداً من فضل، مصلاكم بين آدم وبيت نوح وبيت إدريس، ومصلى إبراهيم - إلى أن قال فيما زعموا - ولا تذهب الأيام والليالي حتى ينصب الحجر الأسود فيه..) (4) .   (1) منشورات دار الحياة. (2) انظر: ص 278 من هذا الكتاب. (3) المجلسي: «البحار» كتاب المزار: جـ 100 ص 134- 135. (4) الفيض الكاشاني: «الوافي» : باب فضل الكوفة ومساجدها. المجلد الثاني جـ8 ص 215. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 ألا يكون هذا النص وأمثاله هو من الدوافع للقرامطة في فعلتهم وجريمتهم المشهورة في بيت الله الحرام وانتزاعهم الحجر الأسود من الكعبة المشرفة (1) ، ولكنهم لم يضعوه في الكوفة. وقد توجد حركة تحاول ذلك فمصادر الشيعة مزرعة لأمثال هذه الحركات. هذه منزلة مشاهدهم ومزاراتهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (حدثني الثقات أن فيهم من يرى الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى البيت العتيق، فيرون الإشراك بالله أعظم من عبادة الله، وهذا من أعظم الإيمان بالطاغوت) (2) وأقول كيف لو اطلع ابن تيمية - رحمه الله - على ما في البحار والوسائل والوافي؟! رابعاً: غلوهم في مجتهديهم: بعد اختفاء إمام الشيعة ادعى أربعة منهم على التوالي أنهم نواب الإمام - كما مر - وأعلن آخرهم انتهاء البابية. بمعنى الصلة المباشرة والدائمة بالإمام الغائب. ثم قام مجتهدوهم بعد ذلك وادعوا النيابة عن الإمام الغائب وقالوا: (إن كانت النيابة الخاصة أو البابية قد انتهت فالنيابة العامة لم تنته، فنحن نواب الإمام) . والمهدي يقول: (أما الوقائع الحادثة   (1) انظر خبر ذلك في حوادث سنة 317 في المنتظم لابن الجوزي: (6/222) وما بعدها، و «البداية والنهاية» لابن كثير: (11/160) ، وتاريخ ابن خلدون «العبر» : (3/191) . (2) «منهاج السنّة» : (2/124) الطبعة الأميرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) (1) . ولهذا يقول عالمهم المعاصر محمد رضا المظفر: (عقيدتنا في المجتهد أنه نائب للإمام (في حال غيبته وهو الحاكم والرئيس المطلق.. والراد عليه راد على الإمام والراد على الإمام راد على الله تعالى، وهو على حد الشرك بالله) (2) . فأنت تلاحظ هنا أن الإمام الذي أضفوا عليه تلك الصفات الأسطورية قد ناب عنه المجتهدون وهذا في واقع الأمر ادعاء للمهدية بشكل ذكي وبطريقة مقنعة، إذ لا فرق بين ادعاء المهدية أو ادعاء النيابة عن المهدي في كل شيء، قد يكون هناك فارق واحد وهو أن كل مجتهد من مجتهديهم أعطوه لقب النائب عن الإمام فنحن أمام عدد من الأئمة المهديين لا مهدي واحد يقول الخميني: (إن معظم فقهائنا في هذا العصر تتوفر فيهم الخصائص التي تؤهلهم للنيابة عن الإمامة المعصوم) (3) . وبدعوى النيابة عن الإمام امتصوا عرق الكادحين من الشيعة وأكلوا أموالهم باسم "خمس الإمام"، وبدعوى النيابة جعلوا لفتاويهم صفة القداسة، فالراد على المجتهد راد على الله. وكما يؤكد الشيعة على أن كل إمامة غير إمامة الاثني عشر باطلة، فلا يعترفون بأي حكومة إسلامية غير حكم علي بن أبي طالب   (1) «الكافي» على هامش «مرآة العقول» : (4/55) . وانظر: «الاحتجاج» : (2/283) . وقد استدل الخميني بهذا (التوقيع) المزعوم عن المهدي في دعواه نيابة الفقيه عن المعصوم في كل شيء في كتابه «الحكومة الإسلامية» : ص 77. (2) محمد رضا المظفر: «عقائد الإمامية» : ص 34. (3) «الحكومة الإسلامية» : ص 113. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 - كما سيأتي - فكذلك كل ولاية - أي سلطة - غير ولاية المجتهد الشيعي باطلة لأنه هو نائب الإمام المعصوم. ومن علماء الشيعة من يرى أن ولاية الفقيه الشيعي عن الإمام المعصوم ليست في كل شيء بل هي محدودة في ولاية أمور الفتوى وولاية القضاء والأوقاف العامة وأموال الغائب وارث من لا وارث له وما شابه ذلك (1) ، لكن الخميني وطائفته يرون النيابة المطلقة عن الإمام الغائب ماعدا البدء بالجهاد (2) ، ومن أجل تأييد مذهبه هذا كتب كتابه «ولاية الفقيه» أو «الحكومة الإسلامية» ، وهذا الغلو من الخميني في دعوى النيابة المطلقة أصبح موضع اعتراض بعض الشيعة، يقول محمد جواد مغنية في كتاب صدر له حديثاً بعنوان «الخميني والدولة الإسلامية» : (قول المعصوم وأمره تماماً كالتنزيل من الله العزيز العليم (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى (، ومعنى هذا أن للمعصوم حق الطاعة والولاية على الراشد والقاصر والعالم والجاهل وأن السلطة الروحية والزمنية - مع وجوده - تنحصر به وحده لا شريك له، وإلا كانت الولاية عليه وليست له، علماً بأنه لا أحد فوق المعصوم عن الخطأ والخطيئة إلا من له الخلق والأمر - عز وجل -. أبعد هذا يقال إذا غاب المعصوم انتقلت ولايته بالكامل إلى الفقيه؟.. فما دامت هذه منزلة المعصوم فكيف يدعي النيابة الكاملة عنه؟) (3) .   (1) انظر: «الخميني والدولة الإسلامية» : ص 62 - 64. (2) أي أن الجهاد لا يبدأ به إلا مع الإمام المعصوم بخلاف الدفاع. انظر: «تحرير الوسيلة» : (1/482) . (3) محمد جواد مغنية: «الخميني والدولة الإسلامية» : ص 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 أي كيف يدعي الخميني النيابة المطلقة عن الإمام الغائب، والإمام الغائب بمنزلة النبي أو الإله عندهم؟. وأقول أليس هذا تقمصاً لشخصية الإمام أو ادعاء للمهدية، ولذا فهو يسمى اليوم بالإمام وهو مصطلح له مفهوم الخاص عندهم كما ترى، فدعوى النيابة المطلقة عن الإمام هي بعث للإمامة والمهدية والتشيع من جديد. ولا يرى الخميني من يتولى النيابة عن الإمام إلا الفقيه الشيعي يقول: (والفقيه هو وصي النبي وفي عصر الغيبة يكون إماماً للمسلمين وقائدهم) (1) ، ويريد بالفقيه: الفقيه الرافضي لأن عقيدة الغيبة لا يؤمن بها إلا فقهاء الروافض. ومن مظاهر الغلو في المجتهد ما مر بنا (2) من زعمهم أن مجتهديهم يلتقون بالإمام الغائب الذي هو في الواقع لم يولد، كما أن من مظاهر غلوهم في مجتهديهم أنهم قالوا بأن من لم يصل رتبة الاجتهاد يجب عليه أن يقلد مجتهداً حياً معيناً، وإلا فجميع عباداته باطلة لا تقبل منه (3) وإن صلى وصام وتعبد طول عمره إلا إذا وافق عمله رأي من يقلده بعد ذلك (4) . وهذه المنزلة للمجتهدين عند الشيعة تذكرك بمنزلة الباباوات والقسس عند النصارى.   (1) «الحكومة الإسلامية» : ص 67. (2) انظر: ص 267 من هذا البحث. (3) ومن الطرائف لاعتقادهم هذا (أنه عندما مرض مجتهد في النجف استمر صيام مقلديه على الرغم من إفطار الآخرين من الشيعة من أجل أن مرض ذلك المجتهد حال دون سماع شهادة شهود الرؤية) . جلال الحنفي: «نقاش مع الخالصي» : ص 56. (4) محمد رضا المظفر: «عقائد الإمامية» : ص 55. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 خامساً: كل حكومة غير حكومة الاثني عشر باطلة: هذا من أصول الإيمان بإمام الاثني عشر وبهذا، جاءت رواياتهم، عن أبي جعفر قال: (كل راية ترفع قبل راية القائم (1) "ع" صاحبها طاغوت) (2) ، قال شارح «الكافي» : (وإن كان رافعها يدعو إلى الحق) (3) ، وصحح المجلسي هذه الرواية (4) - عندهم -. ولا تجوز الطاعة لحاكم ليس من عند الله - إلا على سبيل التقية - عن أبي جعفر "ع" قال: (قال الله تبارك وتعالى: لأعذبنَّ كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام جائر ليس من الله وإن كانت الرعية في أعمالها برة تقية، ولأعفونَّ عن كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام عادل من الله وإن كانت الرعية في أنفسها ظالمة مسيئة) (5) . ورواياتهم في هذا المعنى كثيرة، فمن أبواب صحيحهم «الكافي» باب (فيمن دان الله (بغير إمام من الله جل جلاله، وذكر فيه خمسة أحاديث في معصوميهم) (6) و (باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل ومن جحد الأئمة أو بعضهم ومن أثبت الإمامة لمن ليس لها بأهل، وذكر فيه اثني عشر حديثاً) (7) ، وفي البحار للمجلسي   (1) القائم من ألقاب مهديهم المنتظر. (2) «الكافي بشرحه» للمازندراني: (12/371) ، وانظر: «البحار» : (25/113) ، وانظر: النعماني: «الغيبة» : ص 56 - 57. (3) شرح المازاندراني على «الكافي» : (12/371) . (4) «مرآة العقول» : (4/378) . (5) الكليني: «الكافي» : (1/376) ، وانظر: «البحار» : (25/110) . (6) الكليني: «الكافي» : (1/374 - 376) . (7) الكليني: «الكافي» : (1/372 - 374) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 (باب عقاب من ادعى الإمامة بغير حق أو رفع راية جور أو أطاع إماماً جائراً، وذكر فيه ثمانية عشر حديثاً) (1) . والإمام الجائر، والظالم، والذي ليس أهل للإمامة، والإمام الذي ليس من عند الله، وما شابه ذلك من أوصاف، كل ذلك يطلقونه على حكام المسلمين من غير أئمتهم الاثني عشر وعلى رأس هؤلاء الحكام - الخلفاء الثلاثة الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان (- قال عالم الشيعة المجلسي صاحب «بحار الأنوار» عن الخلفاء الثلاثة الراشدين: (إنهم لم يكونوا إلا غاصبين جائرين مرتدين عن الدين، لعنة الله عليهم وعلى من اتبعهم في ظلم أهل البيت من الأولين والآخرين) (2) . هذا ما يقوله إمامهم المجلسي - الذي يعدون كتابه «بحار الأنوار» من مصادرهم الأساسية في الحديث - هذا ما يقوله في أفضل الأمة بعد رسل الله وأنبيائه، فيمن أقاموا دولة الإسلام بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإذا كانت هذه نظرتهم لحكومة الخلفاء الثلاثة فكيف بمن بعدها. وبناءً على اعتقادهم هذا في الحكومات الإسلامية تعمدوا الدس والتشويه للتاريخ الإسلامي، وافتعال الصراع بين الآل والأصحاب ومناصرة الأعداء ضد الدولة الإسلامية، لأنها غير شرعية في زعمهم وحكامها طواغيت في اعتقادهم. وبناءً على مبدئهم في خلفاء المسلمين اعتبروا كل من يتعاون معهم طاغوتاً وجائراً وعلى رأسهم قضاة المسلمين وعلماؤهم، فيروي محدثهم   (1) المجلسي: «البحار» : (25/110) وما بعدها. (2) المجلسي: «البحار» : (4/385) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 الكليني بسنده عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث وتحاكما إلى السلطان وإلى القضاء أيحل ذلك؟؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما له يأخذ سحتاً وإن كان حقّاً ثابتاً له لأنه أخذه بحكم الطاغوت.. (1) . ويقول الخميني - معقباً على حديثهم هذا: (الإمام (نفسه ينهى عن الرجوع إلى السلاطين وقضاتهم، ويعتبر الرجوع إليهم رجوعاً إلى الطاغوت) (2) . سادساً: الإمامة ركن من أركان الدين: الإيمان بإمامة الأئمة الاثني عشر - بالمعنى السالف ذكره - ركن من أركان الدين عندهم وكتبهم مليئة بما يثبت هذا الشذوذ، من ذلك ما يرويه الكليني بسنده عن أبي جعفر قال: (بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه - يعني الولاية -) (3) . فالولاية - أي إمامة الاثني عشر - يعتبرونها الركن الخامس للإسلام، ويزعمون أنها محل الاهتمام والعناية من الشارع كما يدل   (1) الكليني: «الكافي» : (1/67) ، و «التهذيب» : (6/301) ، «من لا يحضره الفقيه» : (3/5) ، «الوسائل» المجلد الثامن عشر، أبواب صفات القاضي الباب 11 ص 98. (2) «الحكومة الإسلامية» : ص 74. (3) الكليني: «الكافي» ، كتاب الإيمان والكفر، باب دعائم الإسلام: (2/18) ، رقم 3 وانظر أيضاً ص 21 رقم 7، 8، قال في شرح الكافي في بيان درجة هذا الحديث عندهم: (موثق كالصحيح) أي هو صحيح عندهم. «الشافي شرح الكافي» : (5/28 رقم 1487) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 على ذلك قوله: (ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية..) ، وما ندري أين هذا الاهتمام المزعوم وكتاب الإسلام العظيم كتاب الله تذكر فيه وتكرر أركان الإسلام من الشهادتين والصلاة والصوم والزكاة والحج ولا ذكر فيه لشأن ولاية أئمتهم الاثني عشر.. وأحياناً يجعلون أركان الإسلام ثلاثة الولاية أحدها. يروي الكليني بسنده عن الصادق "ع" قال: (أثافي الإسلام ثلاثة: الصلاة والزكاة والولاية، ولا تصح واحدة منهن إلا بصاحبتيها) (1) . ويقولون إن الولاية أفضل أركان الإسلام، فعن زرارة عن أبي جعفر قال: (بني الإسلام على خمسة أشياء؛ على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية، قال زرارة: قلت: وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضل..) (2) . ويقولون إن الولاية لا رخصة فيها، فعن أبي عبد الله قال: (إن الله افترض على أمة محمد خمس فرائض: الصلاة والزكاة والصيام والحج وولايتنا، فرخص لهم في أشياء من الفرائض الأربعة (3) ، ولم يرخص لأحد من المسلمين في ترك ولايتنا لا والله ما فيها رخصة) (4) .   (1) «الكافي» ، كتاب الإيمان والكفر، باب دعائم الإسلام: (2/18 رقم 3) . (2) المصدر السابق: (2/18) ، وقد قال في «الشافي» في بيان درجة الحديث عندهم: (صحيح) . «الشافي» : (5/59) ، وقد ورد حديثهم هذا في: «تفسير العياشي» : (1/191) ، «تفسير البرهان» : (1/303) ، «البحار» : (1/394) . (3) قال المجلسي: (قوله: فرخص لهم في أشياء، أي كقصر الصلاة في السفر وترك الصيام في السفر والمرض والحج والزكاة مع عدم الاستطاعة) «مرآة العقول» : (4/369) . (4) «الكافي» على هامش «مرآة العقول» : (4/369) ، وانظر: «الكافي» طبعة طهران: (2/22) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 قال شيخهم المجلسي عن حديثهم هذا: (صحيح) (1) . وكفى في تصحيح أمثال هذه الروايات عار وسبّة. سابعاً: تكفيرهم لمن أنكر إمامة الأئمة الاثني عشر: وردت روايات كثيرة عندهم تكفر من أنكر إمامة الأئمة الاثني عشر، وهذا التكفير يشمل خلفاء المسلمين من أبي بكر (إلى أن تقوم الساعة - ما عدا حكم علي والحسن رضي الله عنهما - لأنهم ادعوا الإمامة بغير حق، كما يشمل الشعوب الإسلامية التي بايعت خلفاء المسلمين من عهد أبي بكر إلى أن تقوم الساعة، لأنها بايعت إماماً ليس من عند الله. ومن رواياتهم في ذلك: عن أبي عبد الله "ع" قال: (من ادعى الإمامة وليس من أهلها فهو كافر) (2) وأهلها هم الأئمة الاثني عشر أو من ينوب عنهم من فقهاء الشيعة. وعن أبي عبد الله قال: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم من ادعى إمامة من الله ليست له، ومن جحد إماماً من الله، ومن زعم أن لهما (3) في الإسلام نصيباً) (4) . فهذا تكفير للأمة شنيع لم يبلغ الخوارج مبلغه تكفير للأحياء   (1) «مرآة العقول» : (4/369) . (2) «الكافي» ، كتاب الحجة، باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل: (1/372) . (3) يعنون بهما اللذين أقاما دولة الإسلام بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ونشرا دينه، الخليفتين الراشدين أبا بكر وعمر. (4) «الكافي» ، كتاب الحجة، باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل إلخ: (1/373) ، وانظر: «تفسير العياشي» : (1/178) ، «تفسير البرهان» : (1/293) ، «البحار» : (8/218) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 والأموات، حقد عظيم على أمة الإسلام وخلفاء المسلمين. والعبادة عندهم لا قبول لها إلا بالإيمان بولاية الاثني عشر، ففي «البحار» للمجلسي: (.. لو أن عبداً عبد الله ألف سنة وجاء بعمل 72 نبيّاً ما تقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت، وإلا أكبه الله على منخريه في نار جهنم) (1) . وعن الصادق - كما يفترون - قال: (الجاحد لولاية علي كعابد الوثن) (2) . وعقد المجلسي في «البحار» عدة أبواب في هذا المعنى منها: (باب أنه لا تقبل الأعمال إلا بالولاية) وذكر فيه واحداً وسبعين حديثاً لهم (3) . (باب ثواب حبهم ونصرهم وولايتهم صلوات الله عليهم وأنهم أمان من النار) وذكر فيه 150 حديثاً (4) . (باب ... أنه يسأل عن ولايتهم في القبر) وفيه 22 حديثاً (5) . (باب ذم مبغضهم وأنه كافر حلال الدم وثواب اللعن على أعدائهم) وذكر فيه 62 حديثاً (6) . (باب أنهم شفعاء الخلق، وأن إياب الخلق إليهم وحسابهم عليهم،   (1) «البحار» : (27/197) . (2) المصدر السابق: (27/181) . (3) «البحار» : (27/166) وما بعدها. (4) «البحار» : (27/73- 144) . (5) «البحار» : (27/157- 165) . (6) «البحار» : جـ 27، ص 218- 239. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 وأنه يسأل عن حبهم وولايتهم في يوم القيامة) وفيه 15 حديثاً (1) . وجاء كلام علمائهم مؤكداً لهذا الضلال. قال ابن بابويه القمي في رسالته في الاعتقادات: (واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من بعده "ع" أنه بمنزلة من جحد نبوة الأنبياء. واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من آمن بجميع الأنبياء ثم أنكر نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -. وقال النبي - صلى الله عليه وآله - كما يفتري هذا القمي - (الأئمة من بعدي اثنا عشر أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم، طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي فمن أنكر واحداً منهم فقد أنكرني) (2) . وقال القمي: (فمن ادعى الإمامة وليس بإمام فهو الظالم الملعون، ومن وضع الإمامة في غير أهلها فهو ظالم ملعون وقال النبي - صلى الله عليه وآله - من جحد عليّاً إمامته من بعدي فإنما جحد نبوتي، ومن جحد نبوتي فقد جحد ربوبيته، وقال الصادق: من شك في كفر أعدائنا والظالمين لنا فهو كافر) (3) . وابن المطهر الحلي يعد من لم يؤمن بأئمتهم أشد شرّاً من اليهود والنصارى؛ يقول: (الإمامة لطف عام (4) والنبوة لطف خاص لإمكان   (1) «البحار» : جـ27، ص 311- 317. (2) و (3) «اعتقادات» ابن بابويه: ص 111 - 114 عن «البحار» ، المجلسي: جـ 27 ص 62. (4) يقولون: (كل ما يقرب المكلفين إلى الطاعة ويبعدهم عن المعاصي يسمى لطفاً اصطلاحاً) «الألفين» : ص5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 خلو الزمان من نبي حي بخلاف الإمام، وإنكار اللطف العام شر من إنكار اللطف الخاص) (1) . وقال عالمهم نعمة الله الجزائري: (لم نجتمع معهم - الأشاعرة ومتابعوهم - على إله ولا على نبي ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون أن ربهم هو الذي كان محمد (نبيه وخليفته بعده أبو بكر ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبي، بل نقول إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا) (2) . وقال مفيدهم: (اتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار) (3) . وقال: (اتفقت الإمامية على أن أصحاب البدع كلهم كفار، وأن على الإمام أن يستتيبهم عند التمكن بعد الدعوة لهم وإقامة البينات عليهم، فإن تابوا من بدعهم وصاروا إلى الصواب وإلا قتلهم لردتهم عن الإيمان، وإن من مات منهم على ذلك فهو من أهل النار) (4) . وقال شيخهم الطوسي: (ودفع الإمامة كفر كما أن دفع النبوة كفر لأن الجهل بهما على حد واحد) (5) . وقال المجلسي: (وقد وردت أخبار متواترة أنه لا يقبل عمل من الأعمال إلا بالولاية) (6) .   (1) ابن المطهر الحلي: «الألفين» : ص3. (2) «الأنوار النعمانية» : (2/279) . (3) «المسائل» عن «البحار» : (8/366) . (4) «أوائل المقالات» : ص 53، وانظر: «البحار» : (8/366) . (5) «تلخيص الشافي» : (4/131) ، وانظر: المجلسي: «البحار» : (8/368) . (6) «البحار» : (8/369) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 هذا تكفير عام لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وضع قواعده أعداؤها ... ومن علماء الشيعة من قال إن منكر الإمامة لا يكفر بل يفسق، ولكن قال إنه إذا مات فهو في النار، ولا يخالف في هذا أحد من الشيعة، ولكن هل يخلد في النار؟ اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال: 1- أنهم مخلدون. 2- أنهم يخرجون من النار إلى الجنة. 3- أنهم يخرجون من النار لعدم الكفر الموجب للخلود ولا يدخلون الجنة لعدم الإيمان المقتضي لاستحقاق الثواب (1) . ورجح شيخهم المجلسي القول بالخلود، ورد على المنكرين من قومه فقال: (القول بعدم خلودهم في النار نشأ من عدم تتبعهم للأخبار، والأحاديث الدالة على خلودهم متواترة أو قريبة منها، نعم الاحتمالان الأخيران - رقم 2 - 3 من الأقوال - آتيان في المستضعفين منهم (2) ، والقول بخروج غير المستضعفين من النار قول مجهول القائل نشأ بين المتأخرين الذين لا معرفة لهم بالأخبار ولا بأقوال القدماء الأخيار) (3) . هذا رأي الشيعة فيمن أنكر إمامة أئمتهم الاثني عشر وهو تكفير شنيع للمسلمين، وجرأة على الله في الحكم على عباده المؤمنين بالنار، وهكذا تجعل الشيعة «الجنة» وقفاً على من يؤمن بأئمتهم، والنار هي مصير من ينكرهم.   (1) انظر ابن المطهر الحلي «كشف المراد شرح تجريد الاعتقاد» : ص423 -424، «البحار» : (8/364، 465) . (2) وهم - كما يقول المجلسي: (الضعفاء العقول مثل النساء العاجزات والبله وأمثالهم ومن لم يتم عليه الحجة ممن يموت في زمان الفترة أو كان في موضع لم يأت إليه خبر الحجة، فهم المرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم، فيرجى لهم النجاة من النار) ، المجلسي: «البحار» : (8/363) . (3) «البحار» : (8/365) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 ثامناً: منزلة من آمن بهؤلاء الأئمة الاثني عشر (وهم الشيعة) : كما يغالي الشيعة في تكفير المسلمين لأنهم لا يؤمنون بأئمتهم يغالون في بيان منزلة الشيعي الذي يؤمن بهؤلاء الأئمة، ورواياتهم في هذا الباب كثيرة جدّاً، فمن أبواب (البحار) في هذا الموضوع: (باب أن الشيعة هم أهل دين الله وهم على دين أنبيائه وهم على الحق ولا يغفر إلا لهم ولا يقبل إلا منهم) (1) . (باب فضل الرافضة ومدح التسمية بها) (2) . (باب الصفح عن الشيعة وشفاعة أئمتهم فيهم) (3) وغيرها من أبواب. ومن رواياتهم في هذا المعنى عن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر يقول: (ما أحد من هذه الأمة يدين بدين إبراهيم إلا نحن وشيعتنا، ولا هدى من هُدِي من هذه الأمة إلا بنا ولا ضلّ من ضل من هذه الأمة إلا بنا) (4) . وقال أبو عبد الله: (شيعتنا أقرب الخلق من عرش الله (يوم القيامة) (5) . وقال - كما يفترون - مخاطباً الشيعة: (أنتم للجنة والجنة لكم، أسماؤكم عندنا الصالحون والمصلحون، وأنتم البرية، دياركم لكم جنة، وقبوركم لكم جنة، للجنة خلقتم، وفي الجنة   (1) المجلسي: «البحار» : (68/83- 96) . (2) المصدر السابق: (68/96- 98) . (3) المصدر السابق: (68/149- 198) . (4) «الكافي» بشرحه للمازندراني: (12/331- 332) . (5) المصدر السابق: (12/305) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 نعيمكم، وإلى الجنة تصيرون) (1) . وعن عبد الله بن ميمون عن أبي جعفر قال: (يا ابن ميمون كم أنتم بمكة؟ قال: نحن أربعة - أي من الشيعة - قال: إنكم نور في ظلمات الأرض) (2) . وقال علي - كما يزعمون -: (لقد مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على أمته ساخط إلا الشيعة، ألا وإن لكل شيء عزّاً وعز الإسلام الشيعة، ألا وإن لكل شيء دعامة ودعامة الإسلام الشيعة، ألا وإن لكل شيء شرفاً وشرف الإسلام الشيعة، ألا وإن لكل شيء سيداً وسيد المجالس مجالس الشيعة، ألا وإن لكل شيء إماماً وإمام الأرض أرض تسلكها الشيعة، والله لولا ما في الأرض منكم ما رأيت بعين (عشباً) أبداً، والله لولا ما في الأرض منكم ما أنعم الله على أهل خلافكم ولا أصابوا الطيبات، ما لهم في الدنيا ولا لهم في الآخرة من نصيب) (3) . وفي «البحار» أن سماعة بن مهران قال لجعفر الصادق: (نحن شر الناس عند الناس لأنهم سمونا كفاراً ورافضة.. قال جعفر: كيف بكم إذا سيق بكم إلى الجنة وسيق بهم إلى النار؟.. إن من أساء منكم إساءة مشينا إلى الله تعالى يوم القيامة بأقدامنا فنشفع له فنشفّع، والله لا يدخل النار منكم ثلاثة رجال، والله لا يدخل النار منكم رجل واحد..) (4) .   (1) «الكافي» بشرحه للمازندراني، كتاب الروضة: (12/305) . (2) المجلسي: «البحار» : جـ 68 ص 39، وانظر: «رجال الكشي» : ص 212. (3) «الكافي» مع شرحه للمازندراني: (12/270- 271) . (4) المجلسي: «البحار» : (68/117) ، وانظر: «أمالي الطوسي» : (1/301) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 وقد مضى ذكر بعض رواياتهم التي تعتبر غير الشيعة أولاد زنا (1) . وجاءت بعض رواياتهم تقول إن غير الشيعة قردة وخنازير (2) . ويسمون أنفسهم الخاصة وغيرهم بالعامة (3) . هذه بعض مزاعمهم في "أنفسهم" وهي تشبه مزاعم اليهود والنصارى الذين قالوا - فيما حكى الله عنهم - (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى) ، وقال سبحانه رداً عليهم: (تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (4) . وتلك المزاعم من مثل زعم اليهود والنصارى، كما قال سبحانه عنهم: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (5) . وهذه الدعاوى في أخبار الشيعة كانت ترتد بواقع الشيعة السّيء بالمقارنة بواقع المسلمين الآخرين حتى شكوا ذلك لأئمتهم. قال عبد الله بن يعفور لأبي عبد الله "ع": (إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ويتلون فلاناً وفلاناً - أي أبو بكر   (1) انظر: ص 303، هامش رقم 2. (2) المجلسي: «البحار» : (68/118) . (3) وهذا شائع في كتبهم القديمة والمعاصرة. (4) البقرة: الآيتان 111، 112. (5) المائدة: آية 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وعمر - لهم أمانة وصدق ووفاء، وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء والصدق..) (1) . وقال عبد الله بن سنان قلت لأبي عبد الله: (جعلت فداك إني لا أرى بعض أصحابنا يعتريه النزق والحدة والطيش فأغتم لذلك غماً شديداً، وأرى من خالفنا فأراه حسن السيما وله وقار فأغتم لذلك..) (2) . ولهذا قال إمامهم موسى الكاظم: (.. لو امتحنتم - أي شيعته - لما وجدتهم إلا مرتدين ولو تمحصتم لما خلص من الألف واحد) (3) . 2 - عصمة الإمام (4) : إن عصمة الإمام عند الشيعة قاعدة أساسية في الإمامة وهي من المبادئ الأولية في كيانهم العقدي (5) ولها أهمية كبرى عندهم (6) .   (1) «الكافي» : (1/375) ، وانظر: «تفسير العياشي» : (1/138) ، «تفسير البرهان» : (1/244) ، «البحار» : (15/129) . (2) «الكافي» : (2/11) . (3) فروع الكافي - كتاب الروضة: ص 107، طبعة لكنوء 1886م. (4) العصمة: في كلام العرب: المنع، وعصمة الله عبده: أن يعصمه مما يوبقه، واعتصم فلان بالله إذا امتنع به. «تهذيب اللغة» : مادة عصم: (2/54) ، وهي في اصطلاح متكلمي الشيعة: لطف يفعله الله تعالى بالمكلف بحيث يمنعه من الوقوع في المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليها. انظر: المفيد: «النكت الاعتقادية» : ص 31، وانظر: علي الجيلاني: «توفيق التطبيق» : ص 16. (5) الرافضي المعاصر: باقر شريف القرشي، «حياة الإمام موسى بن جعفر» : (1/111) . (6) الرافضي المعاصر: عبد الله فياض، «تاريخ الإمامية» : ص 157. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 وقد اتفقوا - كما يقول شيخهم المجلسي -: (على عصمة الأئمة عليهم السلام من الذنوب صغيرها وكبيرها، فلا يقع منهم ذنب أصلاً لا عمداً ولا نسياناً ولا لخطأ في التأويل ولا للإسهاء من الله سبحانه) (1) . وإذا كان أهل السنّة يرون أن الأمة معصومة بكتاب ربها وسنّة نبيها (، فإن الشيعة ترى أن الأمة معصومة من الضلال بالإمام لأنه كالنبي - صلى الله عليه وسلم - (2) ، والإمامة استمرار للنبوة (3) . وهذا المعنى ينافي حكمة الله في ختم النبوة. والله سبحانه يقول: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (4) . فلم يأمر الله سبحانه إلا بالرد إلى الله والرسول ولم يقل سبحانه والإمام، ولكن الشيعة ترى أن الإمام هو العاصم للأمة وتنفي أن يكون الكتاب والسنّة والإجماع هي معتصم الأمة من الضلال (5) .   (1) المجلسي: «البحار» : (25/211) ، وانظر: «أوائل المقالات» : ص 276، و «شرح عقائد الصدوق» : ص 254، (كلاهما للمفيد) وانظر: محمد رضا المظفر: «عقائد الإمامية» : ص 95، وانظر: أحمد الاشتياني: «لوامع الحقائق في أصول العقائد» : (2/3) . (2) محمد رضا المظفر: «عقائد الإمامية» : ص 95. (3) المصدر السابق: ص 94. (4) النساء: آية 59. (5) انظر: حسين بحر العلوم: «هامش تلخيص الشافي» : (1/184) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 وإمام الشيعة قد اختفى منذ عام 260هـ فهل الأمة منذ ذلك التاريخ غير معصومة؟! قالوا أن الأمة تنتفع بالإمام وإن كان غائباً كما تنتفع بالشمس إذا سترها سحاب (1) . وهذا الجواب لا يقتنع به عاقل، ولهذا بحثوا عن أجوبة أخرى فزعموا أن لكبار علمائهم صلة بالمهدي (2) ، وادعوا أن من أرسل لمهديهم كتاباً على طريقة معينة أنه يصل إليه، وعقد المجلسي في «البحار» باباً لهذا بعنوان: (باب كتابة الرقاع للحوائج إلى الأئمة صلوات الله عليهم) وفيه 13 حديثاً (3) . ولكن كل ذلك دعاوى لا سند لها من الشرع، ولا أثر لها في الواقع.. ومن أخطر الآثار العملية لدعوى العصمة اعتبارهم أن ما يصدر عن أئمتهم الاثني عشر هو كقول الله ورسوله، ولذلك فإن مصادرهم في الحديث تنتهي معظم أسانيدها إلى أحد الأئمة ولا تصل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - كما تقدم الإشارة إلى ذلك.   (1) وذلك في حديث لهم رواه شيخهم ابن بابويه القمي: «إكمال الدين» : ص 201. (2) انظر: ص 267 من هذا الحديث. (3) المجلسي: «البحار» : جـ102 ص 231. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 والشيعة زعمت لأئمتها عصمة لم تتحقق لأنبياء الله ورسله كما يدل على ذلك صريح القرآن (1) والسنة (2) وإجماع الأمة (3) .   (1) فالقرآن الكريم يبين أن لا عصمة مطلقة، لبشر فهذا آدم عليه السلام أبو البشر قد عصى ربه فغوى كما يقول القرآن العظيم: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (*) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) [طه: الآيتان: 121- 122] ولو كان آدم معصوماً كالعصمة المزعومة للأئمة ما عصى ربه هو تأويل الشيعة لهذا بقولهم: (إنما عصى حين صرف عنه وجه العصمة) «جوامع الكلم» : (1/26) عن «فقه الشيعة» : ص 29. يمكن أن يقال هذا في أي إنسان يعصي وتصبح النتيجة أن كل إنسان معصوم وإنما يخطئ حين يصرف عنه وجه العصمة، وليس الأمر كذلك، وآدم عليه السلام اعتبر هذا الذنب من الظلم الذي تعتبره الشيعة مضاداً للعصمة (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23] وإذا لم يكن هذا ذنباً فلم حاسبه الله سبحانه وعاقبه بإخراجه من الجنة واعتبر عمله ظلماً؟ (وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (*) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) [البقرة: من الآية 35، والآية 36] فهذه الآيات تنفي عن آدم العصمة المطلقة فكيف يزعمونها لأئمتهم؟ ولكن الشيعة - كما مر - تزعم أن أئمتهم أفضل من الرسل جميعاً ما عدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -!! هذا والله جل شأنه كما بين في أكثر من موضع من القرآن لم يقر الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أخطاء وقع فيها وهو أفضل الخليفة، وهو ما ينفي دعوى العصمة المطلقة، فمن ذلك قوله سبحانه: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم ( [الأنفال: 67] وقال سبحانه: {عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ( [التوبة: 43] وقال: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) [الأحزاب: 37] ويقول جل شأنه: (عَبَسَ وَتَوَلَّى (*) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (*) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (*) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (*) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (*) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (*) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (*) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (*) وَهُوَ يَخْشَى (*) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) [عبس: 1- 10] ويذكر سبحانه في آيات كريمة أن له (ذنوباً قال تعالى: (فَاصْبِرْ [ص: 326] إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) [غافر: 55] وقال سبحانه: (وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (*) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) [الانشراح: 2- 3] هذا في حق أفضل الخلق فكيف أئمة الشيعة؟! (2) في شواهد كثيرة كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما أنا بشر وأنه يأتيني الخصم فلعل بعضهم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها» «صحيح مسلم» ، كتاب الأقضية: (5/129) . (3) فقد (اتفق المسلمون على أنهم معصومون فيما يبلغونه عن الله، فلا يقرون على سهو فيه وبهذا يحصل المقصود من البعثة) «المنتقى» : ص 84- 85، وانظر: «الإحكام في أصول الأحكام» : (1/170) ، وقال فخر الدين الرازي بعد ذكره للأقوال المختلفة حول عصمة الأنبياء: (والذي نقول أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون في زمن النبوة من الكبائر والصغائر بالعمد، أما على سبيل السهو فهو جائز) «عصمة الأنبياء» : ص 40. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 فهي دعوى غريبة على الأصول الإسلامية، ولهذا نتساءل كيف نشأت فكرة "العصمة" عند الشيعة؟ لا شك أنها امتداد لفكرة الإمامة لكن لم نر فكرة العصمة ضمن الآراء السبئية - كما رأينا الإمامة بمفهومها الخاص عند الشيعة (1) - فهي قد ولدت فيما بعد، وأشار بعض الباحثين إلى احتمال أن فكرة العصمة قد بدأت عند الشيعة في عصر جعفر الصادق، أي في النصف الأول من القرن الثاني (2) . أما الذي تولى كبر وضعها فيقول الشيخ محب الدين الخطيب: (وأول من اخترع لهم هذه العقيدة الضالة خبيث يسميه المسلمون «شيطان الطاق» وتسميه الشيعة «مؤمن آل محمد» ، واسمه   (1) وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنها من آراء ابن سبأ. «الفتاوى» : (4/518) . (2) انظر: دونلدسن «عقيدة الشيعة» : ص 329، محمود صبحي: «نظرية الإمامة» : ص 134. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 محمد بن علي بن النعمان الأحول (1)) (2) . ومن المتصور أن مثل فكرة العصمة تنشأ وتشيع في ظل الحالة النفسية التي يعيشها الشيعة.. من حقد مكبوت على الحكم القائم، ومحاولة إلصاق المساوئ به، وبالجانب الآخر غلو في آل البيت وفي الحديث عن فضائلهم وما جرى عليهم من محن وأنهم الأحق بالحكم. في مثل هذا الجو تولد مثل هذه الأفكار في خضم أحاديثهم عن فضائل أهل البيت، ومساوئ الحكم القائم. ويبدو أن فكرة العصمة قد مرت بأطوار مختلفة أو أن الشيعة قد اختلفت عقائدهم في تحديدها - في أول الأمر - فمثلاً في عصر أبي جعفر بن بابويه القمي (3) (ت 381هـ) وشيخه محمد بن الحسن القمي (4) كان رأي جمهور الشيعة أن أول درجة في الغلو   (1) محمد بن علي بن النعمان بن أبي طريفة البجلي بالولاء، أبو جعفر الأحول الكوفي الملقب بشيطان الطاق، من غلاة الشيعة، تنسب له طائفة من الشيعة تسمى "الشيطانية" وسماها الشهرستاني "النعمانية"، وقد صنف للرافضة كتباً كثيرة.. ويزعم الشيعة أنه من أصحاب جعفر الصادق.. توفي في حدود سنة 160هـ وقيل غير ذلك. انظر: الطوسي: «الفهرست» : ص 157، 158، الشهرستاني: «الملل والنحل» : (1/186- 187) ، الصفدي: «الوافي بالوفيات» : (4/104- 105) . (2) مجلة الفتح المجلد 18 ص 277. (3) مرت ترجمته في مصادر الشيعة في الحديث ص 270. (4) محمد الحسن بن الوليد القمي من كبار شيوخ الشيعة، له كتب منها، كتاب «الجامع» وكتاب «التفسير» . توفي سنة 343هـ. انظر: الطوسي: «الفهرست» : ص 184، «جامع الرواة» : (2/96) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 هي نفي السهو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) ، فكانوا يعدون من ينفي السهو عن النبي من الشيعة الغلاة، ولكن تبدلت الحال بعد ذلك وأصبح نفي السهو عن الأئمة من ضرورات مذهبهم، ولا شك أن نفي السهو والنسيان عن الأئمة هو خروج بهم إلى منزلة من لا تأخذه سنة ولا نوم، وقد كانت العصمة - بهذه الصورة الغالية من نفي السهو والنسيان عن الأئمة - معتقد فئة شيعية مجهولة في الكوفة، ففي «البحار» للمجلسي (أنه قيل للرضا - إمام الشيعة الثامن - إن في الكوفة قوماً يزعمون أن النبي صلى الله عليه وآله لم يقع عليه السهو في صلاته، فقال: كذبوا لعنهم، الله إن الذي لا يسهو هو الله لا إله إلا هو) (2) . فهذا يدل على أن عقيدة نفي السهو كانت معتقد قوم غير معينين لشذوذهم في هذا الاعتقاد، وأنهم كانوا ينفون السهو عن النبي الذي هو أفضل الأئمة ولم يقولوا بذلك للأئمة، ثم تطور هذا الاعتقاد ليشمل أئمة الشيعة الاثني عشر وليعم طائفة الشيعة الإمامية كلها كما سنوضح ذلك فيما بعد (3) . وكان معتقد العصمة من أسباب نشوء عقيدة البداء والتقية - كما سيأتي - ذلك أن واقع الأئمة لا يتفق بحال ودعوى عصمتهم، فإذا حصل اختلاف وتناقض في أقوالهم قالوا هذا بداء أو تقية، كما اعترف   (1) انظر: «شرح عقائد الصدوق» للمفيد: ص 160، 261، (ملحق بكتاب أوائل المقالات) . (2) «البحار» : (25/350) . (3) في مبحث آراء دعاة التقريب في العصمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 بهذا بعض الشيعة (1) . وقد نقل الشيعة في دواوينهم في الحديث أخباراً عن أئمتهم تنفي هذه العصمة المطلقة التي يزعمها، فهذا أبو عبد الله جعفر الصادق يقول - لما ذكر له السهو -: (أو ينفلت من ذلك أحد؟ ربما أقعدت الخادم خلفي يحفظ عليّ صلاتي) (2) . وجاء في الصحيفة السجادية أن من دعاء علي بن الحسين: (اللهم لك الحمد على سترك بعد علمك.. فكلنا قد اقترف العائبة فلم تشهره وارتكب الفاحشة فلم تفضحه.. كم نهي لك قد أتيناه، وأمر قد وقفتنا عليه فتعديناه، وسيئة اكتسبناها، وخطيئة ارتكبناها..) (3) . فهو لم يدع لنفسه دعوى الشيعة فيه، بل يعترف بالذنب ويقر بالخطيئة، وهذا تنقله كتب الشيعة نفسها. ومن يتتبع أخبارهم وأحاديثهم يجد مجموعة كبيرة منها تناقض دعواهم في عصمة أئمتهم. وقد أقر عالمهم المجلسي بوجود كثير من الأخبار في كتبهم تناقض دعوى نفي السهو عن الأئمة، ولذا قال: (المسألة في غاية الإشكال لدلالة كثير من الأخبار والآيات على صدور السهو عنهم وإطباق الأصحاب   (1) وهو سليمان بن جرير والذي ترك مذهب الإمامية وتبعه جماعة على ذلك، لأنه رأى أن عقيدة البداء والتقية هي حيلة من الشيعة لتغطية اختلافاتهم وتثبيت مزاعمهم في الأئمة من العصمة وغيرها. وقد اعتنق مذهب الزيدية وإليه تنسب فرقة الجريرية أو السليمانية من الزيدية كما سبق في بحث الزيدية وسيأتي نص كلامه في مبحثي البداء والتقية. (2) «البحار» : (25/351) . (3) «الصحيفة السجادية» : ص 184. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 إلا من شذ منهم على عدم الجواز..) (1) . وهذا اعتراف من المجلسي بأن إجماع الشيعة على عصمة أئمتهم بإطلاق؛ يصادم رواياتهم. وهذا دليل على أنهم يجمعون على ضلاله، وعلى غير دليل حتى من كتبهم ... 3- التقية (2) : يعرف المفيد التقية عندهم بقوله: (التقية كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين أو الدنيا) (3) . وعرفها أحد علمائهم المعاصرين بقوله: (التقية.. أن تقول أو تفعل غير ما تعتقد لتدفع الضرر عن نفسك أو مالك أو لتحتفظ بكرامتك) (4) . وهذا التعريف للتقية لا ينطبق على حالات التقية عندهم، وسنرى أنهم يقولون بالتقية في غير مجال الضرورة والحاجة الشرعية. إن التقية التي هي في الإسلام رخصة عند الضرورة العارضة (5)   (1) «البحار» : (25/351) . (2) اتَّقَيْتُ الشيء وتَقَيْتُه أتَّقيه تُقى وتَقيَّة وتقاء ككساء حَذرْتُه. انظر: «القاموس المحيط» : مادة وقى. (3) المفيد: «شرح عقائد الصدوق» : ص 261 (ملحق بكتاب أوائل المقالات) . (4) محمد جواد مغنية: «الشيعة في الميزان» : ص 48. (5) يدل على ذلك قوله سبحانه: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان.. الآية ( [النحل: 106] ، وقوله سبحانه: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد ( [آل عمران: 28] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 وليست من أصول الدين المتبعة - هي عند الشيعة من أُسس عقائدها وركائز إيمانها.. بل غالوا في قيمتها حتى قالوا - في حديث لهم عن أبي عبد الله - أن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له (1) . فهذا النص يسنده الشيعة إلى أبي عبد الله جعفر الصادق المولود سنة 80 والمتوفى سنة 184، أي الذي عاش في فترة عز الإسلام والمسلمين، فأي حاجة إلى التقية في ذلك الزمن إلا إذا كان الدين المتقي به غير الإسلام؟ (2) . ومن العجيب أن تجعل الشيعة التقية تسعة أعشار الدين فماذا بقي لأركان الدين من قيمة بعد ذلك؟. بل إنهم يجعلون تارك التقية لا دين له وهذا نهاية في الغلو. فعن أبي عبد الله "ع" قال: (اتقوا الله في دينكم فاحجبوه بالتقية، فإنه لا إيمان لمن لا تقية له..) (3) . وكذلك يروي الكليني عن أبي جعفر المولود بالمدينة سنة 57 والمتوفى سنة 114 - أي في العصر الذهبي للإسلام وفي خير القرون وأفضل البقاع - أنه يقول: (التقية من ديني ودين آبائي، ولا إيمان لمن لا تقية له) (4) .   (1) «الكافي» : (2/217) . (2) يرى بعض السلف أنه لا تقية بعد أن أعز الله الإسلام، قال معاذ بن جبل ومجاهد: كانت التقية في جدّة الإسلام قبل قوة المسلمين، أما اليوم فقد أعز الله المسلمين أن يتقوا من عدوهم. انظر: «تفسير القرطبي» : (4/57) ، وانظر: «فتح القدير» : (1/331) فكيف ممن يرى وجوبها في عز الإسلام؟. (3) «الكافي» : (2/218) . (4) المصدر السابق: (2/219) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 ويقول: (خالطوهم بالبرانية وخالفوهم بالجوانية إذا كانت الإمرة صبيانية) (1) . ويهتم الكليني (ت 329 أو 328) بأمر التقية ويعقد لها باباً خاصاً بعنوان: (باب التقية) ، ويضعه ضمن كتاب الإيمان والكفر. وهذا دليل علي أن الكليني يرى أن ترك التقية كفر كما أن فعلها إيمان، وقد ذكر الكليني في باب التقية 23 حديثاً لهم (2) . ثم أردف باب التقية بباب آخر يدخل في معنى التقية وهو (باب الكتمان) ، وذكر فيه 16 حديثاً (3) تأمر الشيعة بكتمان دينهم، ومن هذه الأحاديث: قول أبي عبد الله - كما يفترون - لسليمان بن خالد: (يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله) (4) . وقال أبو جعفر: (لا تبثوا سرنا ولا تذيعوا أمرنا..) (5) . وقال أبو عبد الله: (يا معلي - راوي الخبر - اكتم أمرنا ولا تذعه، فإنه من كتم أمرنا ولم يذعه أعزه الله به في الدنيا وجعله نوراً بين عينيه في الآخرة يقوده إلى الجنة، يا معلي من أذاع أمرنا ولم يكتمه أذله الله به في الدنيا ونزع النور من بين عينيه في الآخرة وجعله ظلمة تقوده إلى النار، يا معلي إن التقية من ديني ودين آبائي   (1) المصدر السابق: (2/220) ، و"البرانية" هي "العلانية"، والجوانية هي السر والباطن. «هامش الكافي» : (2/220- 221) . (2) «الكافي» : (2/217- 221) . (3) المصدر السابق: (2/221- 226) . (4) المصدر السابق: (2/222) . (5) المصدر السابق: (2/222) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 ولا دين لمن لا تقية، يا معلي إن المذيع لأمرنا كالجاحد له) (1) . وفي حديث لهم يقول: (.. وكتمانه لسرنا جهاد في سبيل الله) (2) . ثم يعقد الكليني بعد باب الكتمان بأبواب كثيرة (3) باباً في موضوع التقية أيضاً بعنوان: "باب الإذاعة"، ويذكره ضمن كتاب الكفر والإيمان أيضاً ويضمنه 12 حديثاً (4) تحذر من إذاعة أمرهم وتأمر بكتمانه والتقية فيه، منها قول: أبي عبد الله: (من أذاع علينا حديثنا سلبه الله الإيمان) (5) . وقال: (مذيع السر شاك، وقائله عند غير أهله كافر) (6) . قال شارح «الكافي» في تفسير النص الأخير: (كأن المعنى مذيع السر عند من لا يعتمد عليه من الشيعة شاك.. ويمكن حمله على الأسرار التي لا تقبلها عقول عامة الخلق) (7) . وهذا يدل على أن هناك كتماناً وتقية من علماء الشيعة لعامتهم. وقد ذكرت كتب الشيعة مشروعية التقية والكتمان لكثير من أخبارهم وعقائدهم حتى وإن كان السامع من شيعهم، لعدم تحمل عقول كثير من الناس وقلوبهم لها فيدعوهم هذا لكره المذهب   (1) «الكافي» : (2/224) . (2) «الكافي» : (2/226) . (3) عددها 61 باباً. (4) «الكافي» : (2/369- 372) . (5) «الكافي» : (2/370) . (6) «الكافي» : (2/371- 372) . (7) «هامش الكافي» : (2/372) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 والنفور منه، وهذا من باب التقية عندهم وإن اختلف الدافع له والغرض منه، وأنه قد يستعمل حتى مع نبي قومهم. ففي «الكافي» : (باب فيما جاء أن حديثهم صعب مستصعب) وذكر فيه خمس روايات لهم (1) . وفي «البحار» للمجلسي جاء هذا الباب بعنوان: (باب أن حديثهم عليهم السلام صعب مستصعب وأن كلامهم ذو وجوه كثيرة، وفضيلة التدبر في أخبارهم عليهم السلام والتسليم لهم والنهي عن رد أخبارهم) وفيه (116) حديثاً (2) . ومن هذه الروايات التي يذكرونها في هذا الباب: (إن حديثنا تشمئز منه القلوب، فمن عرف فزيدوهم ومن أنكر فذروهم) (3) . وعن سفيان السمط قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (جعلت فداك إن رجلاً يأتينا من قبلكم يعرف بالكذب فيحدث بالحديث فنستبشعه، فقال أبو عبد الله: يقول لك إني قلت لليل أنه نهار أو للنهار أنه ليل، قال: لا، قال: فإن قال لك هذا إني قلته فلا تكذب به فإنك إنما تكذبني) (4) . وهذا يدل على أن من الشيعة من يستبشع رواياتهم ولكن يلزمون بالإيمان الأعمى بها.   (1) «الكافي» : (1/401- 402) . (2) «البحار» : (2/182- 212) . (3) «البحار» : (2/192) . (4) «البحار» : (2/211- 212) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وعن جابر الجعفي قال: قال أبو جعفر "ع": قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن حديث آل محمد صعب مستصعب لا يؤمن به إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان..) (1) . هذه صورة لعقيدة التقية في أهم كتب الشيعة (2) . ولا شك أن أسرارهم قد انكشفت حتى عقيدة التقية قد انكشف أمرها، والسبب هم الشيعة أنفسهم، ولهذا جاءت بعض نصوصهم تصف الشيعة بـ "النزق وقلة الكتمان" (3) . ولكن الأثر العملي للتقية لا يزال يؤدي دوره الخطير في جوانب عديدة منها: أولاً: أن عقيدة التقية استغلها دعاة التفرقة بين الأمة، والزنادقة المتسترون بالتشيع استغلوها لإبقاء الخلاف بين المسلمين. وذلك برد الأحاديث الصحيحة في معناها التي وردت عن الأئمة ووافقت ما عند الأمة وروتها كتب الشيعة نفسها ردها، بحجة أنها تقية لموافقتها لما عند أهل السنّة، فإذا جاء حديث يثني على الصحابة قالوا: إن هذا تقية، وإقرار أئمتهم بالخلافة القائمة في عصرهم يقولون: إنه تقية، وصلح الحسن هو عندهم تقية وهكذا، فضلاً عن الفروع الفقهية إذْ يردون الأحاديث التي توافق ما عليه أهل السنّة وتخالف شذوذهم ـ يردونها بحجة التقية لأنها وافقت إجماع المسلمين.   (1) «الكافي» : (1/401) . (2) وقد خصها بعض شيوخهم بتأليف مستقل، وفي «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» ذكر 16 كتاباً لهم باسم التقية. «الذريعة» : (4/403- 405) . (3) «الكافي» : (1/222) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 ومن الأمثلة لتأثير التقية العملي عندهم أنهم قالوا عن تزويج علي - رضي الله عنه - ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب (- تلك التي هي من أقوى الدلائل على كمال الحب والولاء بين الصحب والآل - قالوا: إن هذا من باب التقية، فقد عقد عالمهم الحر العاملي في "وسائل الشيعة" باباً في هذا بعنوان: (باب جواز مناكحة الناصب عند الضرورة والتقية) ومما جاء فيه: عن أبي عبد الله (في تزويج أم كلثوم فقال: (إن ذلك فرج غصبناه) (1) . كما أورد في هذا الباب تزويج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنتيه لعثمان (وعده من باب التقية. قال أبو جعفر: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله زوج منافقين: أبا العاص بن الربيع، وسكت عن الآخر (2)) (3) . أي لم يصرح الإمام باسم عثمان تقية وخوفاً. هذا مجرد مثال والأمثلة كثيرة سيأتي بعض منها أيضاً في فصل (هل من طريق للتقريب؟) . وهكذا جعلوا عقيدة التقية منفذاً للغلو والغلاة ووسيلة وضعها أعداء الأمة للنأي بالشيعة عن جماعة المسلمين. ثانياً: إنهم جعلوا عقيدة التقية هي المخرج من الاختلاف   (1) الحر العاملي: «وسائل الشيعة» : (7/433) عن «فروع الكافي» : (2/10) . (2) أي سكت عن ذكر اسم الآخر، وهو عثمان (من باب التقية واكتفى بالإشارة إليه. (3) الحر العاملي: «وسائل الشيعة» : (7/434- 435) ، وانظر: «السرائر» : ص 475. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 والتناقض في أخبارهم وأحاديثهم، فإن ظاهرة التناقض في أحاديثهم كانت من أقوى الدلائل على أنها من عند غير الله (1) ، ولهذا كان ذلك الاختلاف الكثير في أخبارهم من أسباب ترك بعض الشيعة للتشيع كما اعترف بذلك الطوسي (2) . ثالثاً: أنهم قالوا بعصمة الأئمة وأنهم لا ينسون ولا يسهون ولا يخطئون مع أن الناس حفظوا عنهم ما يخالف ذلك وينافي عصمتهم، فقالوا بالتقية للمحافظة على دعوى عصمة الأئمة، تلك العصمة التي بسقوطها تسقط قيمة أقوالهم وبالتالي يسقط مذهب الشيعة، ولهذا قال سليمان بن جرير: (إن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين لا يظهرون معهما من أئمتهم على كذب أبداً وهما: القول بالبداء وإجازة التقية) (3) . رابعاً: جعلت التقية وسيلة للكذب على الأئمة، فيردون - مثلاً - كلام الإمام الباقر أو جعفر الصادق الذي سمعه مجموعة من الناس بحجة أنه قد حضره بعض السنّة فاتقى في كلامه، ويقبلون ما ينقله الكذبة أمثال جابر الجعفي بحجة أنه لم يحضر مجلسه أحد يتقيه، فما ينقله غلاة الروافض والزنادقة عن أئمة أهل البيت مقبول عندهم، وما ينقله العدول من المسلمين مردود بدعوى التقية.   (1) كما يدل على ذلك قوله تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ( [النساء: 82] . (2) الطوسي: «التهذيب» : (1/3) . (3) سعد القمي: «المقالات والفرق» : ص 78، النوبختي: «فرقة الشيعة» : ص 55، الشهرستاني: «الملل والنحل» : (1/160) ، الرازي: «محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين» : ص 249. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 فمثلاً الإمام زيد بن علي وهو من أهل البيت يروي عن علي - رضي الله عنه - - كما تذكره كتب الشيعة نفسها - أنه غسل رجليه في الوضوء، ولكن عالم الشيعة الطوسي يرد هذه الرواية ويزعم أنها من باب التقية. استمع إلى نص الرواية: عن زيد بن علي عن آبائه عن علي - رضي الله عنه - قال: (جلست أتوضأ فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ابتدأت الوضوء فقال لي: تمضمض واستنشق واستن (1) ، ثم غسلت ثلاثاً فقال: قد يجزيك من ذلك المرتان، فغسلت ذراعي ومسحت برأسي مرتين، فقال: قد يجزيك من ذلك المرة، وغسلت قدمي، فقال لي: يا علي خلل بين الأصابع لا تخلل بالنار) (2) . قال الطوسي: (فهذا خبر موافق للعامة - يعني أهل السنّة لأن مذهبهم غسل الرجلين - وقد ورد مورد التقية، لأن المعلوم الذي لا يتخالج منه الشك من مذاهب أئمتنا عليهم السلام القول بالمسح على الرجلين - ثم قال: إن رواة هذا الخبر كلهم عامة ورجال الزيدية وما يختصون بروايته لا يعمل به) (3) . هكذا ترد النصوص التي تتفق مع مذهب أهل السنّة تحت ستار التقية حتى وإن كان الراوي من أئمة أهل البيت. خامساً: انبثق من خلال عقيدة التقية: مبدأ أن ما خالف العامة - أي أهل السنّة - هو الحق، حتى إنهم جعلوا من معالم التعرف على الحق - في نظرهم - عند اختلاف رواياتهم معرفة ما عليه أهل السنّة   (1) الاستنان: استعمال السواك. (2) «الاستبصار» : (1/65- 66) باب وجوب المسح على الرجلين. (3) المصدر السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 وأن يكون مجتهدهم على دراية بذلك ليتسنى له الأخذ بخلافه، فإذا اختلفت أحاديثهم فالحق هو ما فيه خلاف العامة، وإذا أفتى عالم أهل السنّة بفتوى فالحق في خلافها. ففي «البحار» عن علي بن أسباط قال: قلت للرضا "ع": (يحدث الأمر لا أجد بدّاً من معرفته وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك، قال: فقال عليه السلام: ائت فقيه البلد - يعني من أهل السنّة - فاستفته في أمرك، فإن أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه) (1) . وفي «البحار» أيضاً قال أبو عبد الله "ع": (إذا ورد عنكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم) (2) . وهكذا أراد مؤسسو هذا المذهب الانفصال عن جماعة المسلمين والنأي بالشيعة عن حقيقة الإسلام، ولهذا حملوا كل ما في مذهبهم من نصوص توافق الأمة ـ حملوها على التقية وجعلوا علامة إصابة الحق تتمثل في مخالفة العامة - أهل السنّة -. 4- الرجعة (3) : هي عندهم: (رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم   (1) «البحار» : (2/233) عن عيون أخبار الرضا، وعلل الشرائع. (2) «البحار» : (2/233) . (3) الرجعة: في اللغة: بفتح الراء اسم الفعل رجع، تقول رجع رجعة، وتعني الرجوع مرة. انظر: الرازي: «الزينة» : ص 312، «مجمع البحرين» مادة رجع: (4/334) ، «القاموس المحيط» مادة رجع: (3/28) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 القيامة) (1) وعودتهم إلى (الحياة بعد الموت) (2) ، قبل ذلك اليوم الموعود يرجعون (في صورهم التي كانوا عليها) (3) . والراجعون إلى الدنيا - كما يعتقدون -: (فريقان: أحدهما: من علت درجته في الإيمان.. والآخر من بلغ الغاية في الفساد) (4) . وزمن الرجوع هو: (عند قيام مهدي آل محمد عليهم السلام) (5) . والغرض من الرجعة عندهم هو انتقام المهدي ومن معه من أعدائهم (6) ، وعلى رأس الأعداء حسب معتقدهم خليفتا رسول الله وصاحباه وحبيباه وصهراه ومن أقاما دولة الإسلام بعده: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما (7) . وقد جاء في كتبهم روايات وحكايات كثيرة عن المجازر الدموية التي تجري في هذه الرجعة (8) .   (1) المفيد: «أوائل المقالات» : ص 51. (2) الحر العاملي: «الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة» : ص 29. (3) المفيد: «أوائل المقالات» : ص 95. (4) المصدر السابق: ص 95. (5) المصدر السابق: ص 95، وانظر: الحر العاملي: «الإيقاظ من الهجعة» : ص 58. (6) انظر: الحر العاملي: «الإيقاظ من الهجعة» : ص 58. (7) جاء في «مختصر التحفة» : ص 201، قال الشريف المرتضي في «المسائل الناصرية» (أن أبا بكر وعمر يصلبان على شجرة زمن المهدي..) ، وسيأتي إقرار أحد شيوخهم المعاصرين بذلك في مبحث: آراء دعاة التقريب في الرجعة. (8) فمثلاً في «الإرشاد» للمفيد عن أبي عبد الله "ع" قال: (إذا قام القائم من آل محمد صلوات الله عليهم أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثم أقام خمسمائة فضرب أعناقهم، ثم خمسمائة أخرى حتى يفعل ذلك ست مرات، قلت - أي = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 وعقيدة الرجعة من أصول المذهب الشيعي، فمن رواياتهم: (ليس منا من لم يؤمن بكرتنا) (1) وأجمعوا على الاعتقاد بها. يقول المفيد: (واتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات) (2) . ويقول الحر العاملي: أنها موضع (إجماع جميع الشيعة الإمامية) (3) وأنها (من ضروريات مذهب الإمامية) (4) ، ويقول: (إنا مأمورون بالإقرار بالرجعة واعتقادها وتجديد الاعتراف بها في الأدعية والزيارات ويوم الجمعة وكل وقت، كما أننا مأمورون بالإقرار في كثير من الأوقات بالتوحيد والنبوة والإمامة والقيامة) (5) ، واعترافات علمائهم بأن عقيدة الرجعة محل الإجماع والتواتر في مذهبهم كثيرة (6) وخصها بعضهم بمؤلفات (7) ، وأحصى بعضهم رواياتهم فيها بأنها أكثر من مائتي حديث في أكثر من خمسين كتاباً من كتبهم المعتبرة عندهم (8) .   = الراوي -: ويبلغ عدد هؤلاء هذا؟ قال: نعم، منهم ومن مواليهم) «الإرشاد» : ص 411، ومثل ذلك ورد في كتاب «الغيبة» للنعماني: ص 123. (1) ابن بابويه القمي: «من لا يحضره الفقيه» : (2/128) ، الحر العاملي: «الوسائل» : (7/438) ، «تفسير الصافي» : (1/347) . (2) المفيد: «أوائل المقالات» : ص 51. (3) الحر العاملي: «الإيقاظ من الهجعة» : ص 33. (4) المصدر السابق: ص 60. (5) المصدر السابق: ص 64. (6) انظر: عبد الله شبر «حق اليقين» : (2/2) ، وإبراهيم الموسوي الزنجاني: «عقائد الاثني عشرية» : ص 239 وما بعدها، «الشيعة والرجعة» محمد رضا النجفي: ص 14 وما بعدها. (7) ذكر صاحب «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» منها 29 كتاباً، «الذريعة» حرف "الراء". (8) عبد الله شبر: «حق اليقين» : (2/2) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 (وهذه العقيدة مخالفة صريحة للكتاب، فإن - الرجعة - قد أُبطلت في آيات كثيرة منها قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (*) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (1) ، وقوله سبحانه: (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون (صريح في نفي الرجعة مطلقاً) (2) . إذن كيف ومتى دخلت هذه العقيدة إلى الشيعة؟ يرى بعض الباحثين أنها تسربت عن طريق المؤثرات اليهودية والمسيحية (3) ، ودخلت التشيع عن طريق عبد الله بن سبأ اليهودي. وقد يكون الهدف منها إضعاف الإيمان باليوم الآخر (4) . وقد قال ابن سبأ برجعة محمد - صلى الله عليه وسلم - (5) ، ثم تحول إلى القول برجعة علي وقال - لما بلغه نعي علي - للذي نعاه: (كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض) (6) .   (1) المؤمنون: آية 100. (2) انظر: «مختصر التحفة» : ص 201. (3) جولد سيهر: «العقيدة والشريعة» : ص 215. ويقول أحمد أمين: (وفكرة الرجعة هذه أخذها ابن سبأ من اليهودية، فعندهم أن النبي إلياس صعد إلى السماء وسيعود فيعيد الدين والقانون، ووجدت الفكرة في النصرانية أيضاً، وتطورت هذه الفكرة عند الشيعة إلى العقيدة باختفاء الأئمة..) «فجر الإسلام» : ص 270. وانظر: محمد عمارة: «الخلافة» : ص 159. (4) انظر: السكسنكي: «البرهان» ، حيث ذكر أن ابن سبأ قال بالرجعة وإبطال الآخرة، «البرهان» : ص 50. (5) انظر الطبري: (4/340) (حوادث سنة 35هـ) . (6) سعد القمي: «المقالات والفرق» : ص 21، النوبختي: «فرق الشيعة» : ص 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 فابن سبأ جعل الرجعة خاصة بعلي، ومن يراجع كتب الفرق يجد أن كثيراً من فرق الشيعة تزعم أن إمامها سيرجع (1) ، وهناك فرقة من فرق الشيعة اشتهرت بالدعوة لهذا الاعتقاد حتى سميت "بالرجعية" (2) ، ثم تطور مفهوم الرجعة عند الشيعة إلى المعنى العام الذي ذكرناه عنهم في صدر الكلام عن الرجعة. ويذكر الألوسي (3) أن تحول مفهوم الرجعة عند الشيعة من رجعة المهدي فقط إلى ذلك المعنى العام الذي بيناه كان في القرن الثالث (4) . ويذكر أبو الحسين الخياط (5) أن هذه العقيدة كانت سرية عندهم (قد تواصوا بكتمانها وألا يذكروها في مجالسهم ولا في كتبهم إلا فيما قد أسروه من الكتب ولم يظهروه) .   (1) فمثلاً: فرقة من "الكيسانية" ينتظرون محمد بن الحنفية ويزعمون أنه حي محبوس بجبل رضوي إلى أن يؤذن له بالخروج. «البغدادي» : «الفرق بين الفرق» : ص 43. والمحمدية: ينتظرون محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ولا يصدقون بقتله ولا بموته. «المصدر السابق» : ص 56. وهكذا. وانظر: «المقالات والفرق» للقمي: ص 27، 35- 36، 37، 43 إلخ. ويلاحظ أن هذه الفرق القائلة بالرجعة لا تؤمن بحصول الموت لهم أصلاً، أي أنهم يتفقون مع الرافضة في قولهم برجعة مهدّيهم لأنهم يزعمون أنه لم يمت، ولا يتفقون معهم في قولهم بالرجعة بعد الموت. (2) وقد ذكرها كفرقة ابن الجوزي في «تلبيس إبليس» : ص 22. (3) أبو الثناء محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي، مفسر محدث فقيه، من آثاره: «روح المعاني في تفسير القرآن» في تسع مجلدات. ولد في بغداد عام 1217هـ وتوفي بها عام 1270هـ. «معجم المؤلفين» : (12/175) . (4) «روح المعاني» : (20/27) ، أحمد أمين: «ضحى الإسلام» : (3/237) . (5) عبد الرحيم بن محمد بن عثمان أبو الحسين بن الخياط، من شيوخ المعتزلة ببغداد، من كتبه: «الانتصار» . كان حياً قبل 300هـ «معجم المؤلفين» : (5/213) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 ويرى ابن حجر أن الإيمان بالرجعة هو نهاية الغلو في الرفض فيقول: (التشيع محبة علي وتقديمه على الصحابة، فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو غال في تشيعه ويطلق عليه رافضي وإلا فشيعي، فإن انضاف إلى ذلك السب أو التصريح بالبغض فغال في الرفض، وإن اعتقد الرجعة إلى الدنيا فأشد في الغلو) (1) . 5- البداء: في القاموس "بدأ" بَدْواً وبُدُوّاً وبَداءَة: ظهر ... وبدا له في الأمر بَدْواً وبَدَاء وبداة: نشأ له فيه رأي (2) .. فالبدا في اللغة - كما جاء في القاموس - له معنيان: الأول: الظهور والانكشاف. الثاني: نشأة الرأي الجديد. وكلا المعنيين وَرَدَ في القرآن، فمن الأول قوله تعالى: (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ((3) ومن الثاني قوله: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ((4) . والبداء بهذين المعنيين لا تجوز نسبته إلى الله (. والبداء في الأصل عقيدة يهودية ضالة، وقد وردت في التوراة التي حرفها اليهود وفق ما شاءت أهواؤهم نصوص صريحة تتضمن نسبة معنى البداء إلى الله سبحانه (5) .   (1) «هدي الساري مقدمة فتح الباري» : ص 459. (2) «القاموس المحيط» مادة بدو: (4/302) . (3) البقرة: آية 284. (4) يوسف: آية 35. (5) على الرغم من أن المشهور عن اليهود أنهم ينكرون النسخ لأنه يستلزم البداء. انظر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 وانتقل الاعتقاد في البداء - أولاً - إلى فرق السبئية المدعية للتشيع، ففرق السبئية (كلهم يقولون بالبداء؛ إن الله تبدو له البداوات) (1) ، ثم أخذ بفكرة البداء "المختار بن أبي عبيد الثقفي" (2) (لأنه كان يدعي علم الغيب، فكان إذا حدث خلاف ما أخبر به قال: قد بدا لربكم) (3) . وقال سليمان بن جرير - كما مر - (أن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين لا يظهرون معهما من أئمتهم على كذب أبداً، وهما: القول بالبداء وإجازة التقية) (4) . ويشرح كيف يستخدمون عقيدة البداء ستاراً على ادعائهم الكاذب في الغيب فيقول: (فأما البدا: فإن أئمتهم لما أحلوا أنفسهم من شيعتهم محل الأنبياء من رعيتها في العلم فيما كان ويكون والإخبار بما يكون في غد وقالوا لشيعتهم: إنه سيكون في غد.. كذا وكذا، فإن   = «مسائل الإمامة» : ص 75 و «مناهل العرفان» : (2/78) . ومع ذلك فقد جاء في التوراة: (ورأى الرب أن شر الناس قد كثر على الأرض، وأن كل تصور أفكار قلوبهم إنما هو شر في جميع الأيام. فندم الرب أنه عمل الإنسان على الأرض وتأسف في قلبه، فقال الرب: أمحو الإنسان الذي خلقت عن وجه الأرض، الإنسان مع البهائم والدبابات وطير السماء لأني ندمت على خلقي لهم) . «الكتاب المقدس» ، الفصل السادس من تكوين التوراة: ص 12. (1) الملطي: «التنبيه والرد» : ص 19. (2) المختار من أبي عبيد بن مسعود بن عمرو الثقفي، تنسب له طائفة الكيسانية من الشيعة، وهو الذي قام للأخذ بثأر الحسين، وادعى إمامة محمد بن الحنفية، وشاعت في الناس أخبار عنه بأنه ادعى النبوة ونزول الوحي عليه وأنه كان لا يوقف له على مذهب.. قتل عام 67هـ. «البداية والنهاية» : (8/289) وما بعدها، «الفرق بين الفرق» : ص 38، «الأعلام» للزركلي: (8/70) . (3) انظر بعض أخباره في هذا في «الملل والنحل» : (1/149) . (4) انظر سعد القمي: «المقالات والفرق» : ص 78، النوبختي: «فرق الشيعة» : ص 55 - 56. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 جاء ذلك الشيء على ما قالوه قالوا لهم: ألم نعلمكم أن هذا يكون؟ فنحن نعلم من قبل الله (ما علمه الأنبياء وبيننا وبين الله (مثل تلك الأسباب التي علمت بها الأنبياء عن الله ما علمت، وإن لم يكن ذلك الشيء الذي قالوا أنه يكون على ما قالوا؛ قالوا لشيعتهم: بداء لله في ذلك يكونه) (1) . إذن البداء فرية يهودية، حاولت السبئية أن تدخلها في عقائد المسلمين وأخذ بها المختار لتأييد دعواه الكاذبة في علم الغيب، وهي لا تجوز نسبتها إلى الله. ولكن الشيعة الإمامية تلقفتها وجعلتها من أصول عقائدها وقالت: (ما عبد الله بشيء مثل البداء) (2) ، (وما بعث الله نبياً قط إلا بتحريم الخمر وأن يقر لله بالبداء) (3) ، (ولو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه) (4) . وفي صحيحهم «الكافي» باب في هذا بعنوان (باب البداء) جاء ضمن كتاب التوحيد! وفي هذا الباب 16 حديثاً في البداء (5) . وفي «البحار» للمجلسي ذكر أحاديث البداء في باب بعنوان: (البداء والنسخ) وذكر فيه 70 حديثاً (6) .   (1) انظر سعد القمي: «المقالات والفرق» : ص 78، النوبختي: «فرق الشيعة» : ص 55 - 56. (2) «الكافي» ، كتاب التوحيد، باب البداء: (1/146) . (3) المصدر السابق: (1/148) . (4) المصدر السابق: (1/148) . (5) المصدر السابق: (1/146- 149) . (6) «البحار» : (4/92- 129) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 فهل الشيعة الإمامية في عقيدتهم في البداء ينسبون الجهل والنسيان إلى الله؟ تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. قال بهذا بعض مفكري المسلمين (1) ، لأن البداء بهذا المعنى من الكفر البواح. وإن القارئ لأحاديثهم في البداء يجد في بعضها ذلك المعنى الضال في البداء (2) . وهناك روايات أُخرى تقول أنه (ما بدا لله في شيء إلا كان في علمه قبل أن يبدو له) (3) . وقال كثير من علماء الشيعة أنهم لم يريدوا "بالبداء" ما لا يجوز نسبته إلى الله سبحانه، يقول محمد حسين آل كاشف الغطاء: (البداء، وإن في جوهر معناه يتمثل في ظهور الشيء بعد خفائه، ولكن ليس المراد به هنا ظهور الشيء لله جل شأنه، وأي ذي حريجة   (1) موسى جار الله: «الوشيعة» : ص 112- 118، و «مختصر التحفة الاثني عشرية» : ص 315، إحسان إلهي ظهير: «الشيعة والسنة» : ص 63. (2) مثل ما في «الكافي» عن أبي هاشم الجعفري قال: (كنت عند أبي الحسن عليه السلام بعد ما مضى ابنه أبو جعفر، وإني لأفكر في نفسي أريد أن أقول كأنهما - أعني أبا بكر وأبا محمد - في هذا الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر عليه السلام وإن قصتهما كقصتهما، إذ كان أبو محمد المرجي بعد أبي جعفر "ع" فأقبل علي أبو الحسن قبل أن أنطق فقال: نعم يا أبا هاشم بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر "ع" ما لم يكن يعرف له كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله، وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون، وأبو محمد ابني الخلف من بعدي، عنده عِلْمُ ما يحتاج إليه ومعه آله الإمامة) «الكافي» ، كتاب الحجة: (1/327) . (3) «الكافي» ، كتاب التوحيد، باب البداء: (1/148) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 ومسكة يقول بهذه المضلة؟ بل المراد ظهور الشيء من الله لمن يشاء من خلقه بعد إخفائه عنهم وقولنا: "بدا لله" أي بدا حكم الله أو شأن الله) (1) . وهذا التفسير مقبول، ولكن إذا كان الأمر كذلك فلم تلك المغالاة في البداء؟، ولم صار من أصول العقائد، وأصبح مما تشذ به الشيعة عن جمهور المسلمين؟، وما الهدف من جعله بتلك المثابة وهو في الأصل من معتقدات اليهود، ومن دعاوى ابن سبأ، والمختار بن أبي عبيد، وهو في معناه اللغوي الظاهر مما لا يجوز نسبته إلى الله سبحانه؟ فلم لا ترفض عقيدة البداء أصلاً بدلاً من أن يبحث لها عن مسوغ ومخرج؟ إن الجواب عن سبب تعلق الشيعة بعقيدة البداء وعنايتهم بها هو نفس السبب الذي جعل المختار يأخذ بهذه العقيدة؛ وهو غلوهم في أئمتهم وزعمهم أنهم يعلمون الغيب، حتى عقد صاحب «الكافي» باباً يقول فيه: إنّ الأئمة يعلمون ما كان وما يكون وأنهم لا يخفى عليهم الشيء - كما مر - فكان القول بالبداء هو المخرج إذا حدّث الأئمة بشيء وكذبهم الواقع. كما كان هو المخرج للمختار إذا أخبر بشيء وجاء على خلاف ما قال. وعلماء كان موقفهم إزاء هذه العقيدة الغريبة البحث لها عن مسوغ يدافعون به عنها لا نقضها ووأدها (2) .   (1) «الدين والإسلام» : ص 173. (2) في دفاعهم عن عقيدة البداء انظر: ابن بابويه القمي: «التوحيد» : ص 335، المفيد: «أوائل المقالات» : ص 97، هاشم الحسيني: «الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة» : ص 233، الخنيزي: «الدعوة الإسلامية» : (1/35) ، أمير الكاظمي القزويني: «الشيعة في عقائدهم وأحكامهم» : ص 358، الخوئي: «البيان» : ص 388، محمد حسين آل كاشف الغطا، «أصل الشيعة» : ص 190 وغيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 ولو كان لفظ "البداء" ورد في نص من نصوصهم لكان دفاعهم عنه سائغاً (1) ، أما وأنه جعل عقيدة، وغلا فيه القوم غلواً شديداً فهو ما لا يقبل فيه الدفاع، وسيحمل على أنه تقية، وهو الذي يستدعي ذلك التساؤل عن سبب هذا الاهتمام وهو ما أسلفنا الجواب عنه. 6- الغَيْبة: (الغَيْبَة ... من العقائد الأساسية عند الإمامية) (2) ، وذلك أن الشيعة تعتقد (أن الأرض لا تخلو من إمام لحظة واحدة ولو بقيت الأرض بغير إمام لساخت) (3) ، (ولو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله) (4) ، ذلك أنه عندهم (هو الحجة على أهل الأرض) (5) فلا حجة عندهم سواه، لدرجة أن كتاب الله عندهم ليس بحجة بدون الإمام، (لأن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم) (5) ، والقيم هو أحد أئمتهم الاثني عشر كما تقضي توجهاتهم العقدية. ولنا أن نسأل: أين إمام الشيعة اليوم؟ لقد توفي الحسن العسكري - إمامهم الحادي عشر - سنة   (1) وقد ورد نسبة البداء بمعنى ظهور حكم الله للناس في حديث شريف في صحيح البخاري: فقد روى أبو هريرة (أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن ثلاثة في بني إسرائيل، أبرص وأقرع وأعمى بدا لله (أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكاً.. إلخ» «صحيح البخاري» ، كتاب بدء الخلق، باب ما ذكر عن بني إسرائيل: (4/146) . (2) د. عبد الله فياض (من الروافض المعاصرين) «تاريخ الإمامية» : ص 165. (3) من حديث لهم في «الكافي» : (1/179) ، وانظر: «البحار» : (23/29) . (4) من حديث لهم في «الكافي» : (1/179) . (5) من حديث لهم في «الكافي» : (1/188) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 260 هـ (1) بلا عقب كما قاله كبار المؤرخين (2) ، واعترفت كتب الشيعة بأنه (لم ير له خلف ولم يعرف له ولد ظاهر فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر وأمه) (3) ، واضطرب الشيعة بعد وفاة الحسن بلا ولد وتفرقوا - فيمن يخلفه - فرقاً شتى بلغت ـ كما يقول المسعودي ـ عشرين فرقة (4) ، أو خمس عشرة فرقة كما يقول القمي (5) ، حتى إن بعضهم قال: إن الإمامة قد انقطعت (6) ، وكاد أن يكون موت الحسن بلا عقب نهاية للشيعة والتشيع حيث سقط عموده وهو "الإمام". ولكن "فكرة غيبة الإمام" كانت هي القاعدة التي قام عليها كيان الشيعة بعد التصدع، وأمسكت ببنيانه عن الانهيار، لهذا أصبح الإيمان بغيبة ابن للحسن العسكري هو المحور الذي تدور عليه   (1) الطوسي: «الغيبة» : ص 258. (2) نقل هذا ابن تيمية - كما مر - ص 243 (الهامش) من هذا البحث، وقد ذكر الطبري في حوادث سنة 302هـ أن رجلاً ادعى - في زمن الخليفة المقتدر - أنه محمد بن الحسن بن علي بن موسى بن جعفر، فأمر الخليفة بإحضار مشايخ آل أبي طالب وعلى رأسهم نقيب الطالبين أحمد بن عبد الصمد المعروف بابن طومار، فقال له ابن طومار: لم يعقب الحسن، وقد ضج بنو هاشم من دعوى هذا المدعي وقالوا: يجب أن يشهر هذا بين الناس ويعاقب أشد عقوبة. فحمل على جمل وشهر به في الجانبين يوم التروية ويوم عرفة ثم حبس في حبس المصريين بالجانب الغربي. «الطبري» : (13/26- 27) ، المطبعة الحسينية الطبعة الأولى. والشاهد قول نقيب الطالبين أن الحسن العسكري لم يعقب، وأن بني هاشم ضجوا من دعوى ذلك المدعي. (3) القمي: «المقالات والفرق» : ص 102. (4) المسعودي: «مروج الذهب» : (4/190) ، وانظر: «الصواعق المحرقة» : ص 168. (5) «المقالات والفرق» : ص 102. (6) المصدر السابق: ص 108، وانظر: الطوسي: «الغيبة» : ص 135. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 عقائدهم ودان بذلك أكثر الشيعة بعد تخبط واضطراب، فلم يكن لهم من ملجأ إلا ذلك. وإذا كان ابن سبأ هو الذي وضع عقيدة "النص على علي بالإمامة" التي هي أساس التشيع، فإن هناك ابن سبأ آخر هو الذي وضع البديل "لفكرة الإمامة" بعد انتهائها حسياً بانقطاع نسل الحسن، أو أنه واحد من مجموعة وضعت هذه الفكرة لكنه هو الوجه البارز لهذه الدعوى. هذا الرجل يدعى عثمان بن سعيد (1) ، زعم أن للإمام الحسن ولداً قد اختفى وعمره أربع سنوات (2) ، على الرغم من أن هذا الولد - كما تعترف كتب الشيعة ـ لم يظهر في حياة أبيه الحسن ولا عرفه الجمهور بعد وفاته (3) ، ولكن هذا الرجل عثمان بن سعيد هو الذي يزعم أنه يعرفه وأنه وكيله في تسلم أموال الشيعة والإجابة عن أسئلتهم. ومن الغريب أن الشيعة تزعم أنها لا تقبل إلا قول المعصوم وها هي تقبل في أهم عقائدها دعوى رجل غير معصوم، حيث استجابت الشيعة لهذه الدعوى. ورفض عثمان بن سعيد ومن معه البوح باسم هذا الولد المزعوم أو ذكر مكان وجوده - وذلك في بادئ الأمر - ففي «الكافي» عن   (1) أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري الأسدي العسكري، كان يتجر في السمن، ويعتبره الروافض الباب الأول لغائبهم المنتظر ويزعمون له كرامات وصفات كثيرة، توفي عام 280هـ. انظر: «الغيبة» الطوسي: ص 214 وما بعدها. (2) اختلفوا في عمره؛ فالطوسي يرى أن عمره أربع سنوات «الغيبة» : ص 258، ويقول المجلسي: (أكثر الروايات على أنه ابن أقل من خمس سنين بأشهر أو بسنة وأشهر) «البحارة» : (25/123) . (3) المفيد: «الإرشاد» : ص 345. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 أبي عبد الله الصالحي قال: سألت أصحابنا بعد مضي أبي محمد (الحسن العسكري) أسأل عن الاسم والمكان، فخرج الجواب: (إن دللتم على الاسم أَذاعوه، وإن عرفوا المكان دلوا عليه) (1) ، ولكن ورد في كتب الشيعة أن اسمه محمد، وظل بعض علماء الشيعة ينهون عن التصريح باسمه إِلى اليوم ويكتفون بذكر أحد أَلقابه التي وضعوها له وهي: (المهدي، والحجة، والقائم، والخلف والسيد، والناحية المقدسة، والصاحب، وصاحب الزمان، وصاحب العصر (2) ، وصاحب الأَمر) ، وقد ورد عندهم (صاحب هذا الأَمر لا يسميه باسمه إِلا كافر) (3) ، ولما قيل: كيف نذكره؟ قال: قولوا: (الحجة من آل محمد صلوات الله عليه وسلامه) (4) . ويبدو أَن عملية كتمان اسمه ومكانه ما هي إِلا محاولات لستر هذا الكذب؛ إِذ كيف يسوغ كتمانه وهم يقولون: «من لم يعرف الإِمام فإنما يعرف ويعبد غير الله» (5) . وفكرة الغيبة كما نادى بها عثمان نادى بها من بعده ابنه محمد ثم بعده النوبختي وأَخيراً السيمري - كما مر - وتسمى فترة نيابة هؤلاء الأَربعة عن المهدي بـ "الغيبة الصغرى" وقد استمرت أربعاً وسبعين سنة (6) .   (1) أصول الكافي: 1/181. (2) «حصائل الفكر» : ص35. (3) «الكافي» : (1/333) . (4) «الكافي» : (1/333) . (5) المصدر السابق: (1/333) . (6) «كشف الغطا» لآيتهم جعفر النجفي: ص 13، ويبدو أَن هذا التحديد غير متفق عليه بينهم؛ ففي «تنقيح المقال» لشيخهم الممقاني رد لهذا التحديد حيث قال: (وما قيل إِن مدة الغيبة أربع وسبعون سنة اشتباه بلا شبهة إلا أن يحسبها من سنة = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 وآخر هؤلاء النواب الأربعة هو «السيمري» ، وقد طور فكرة الغيبة: فبدلاً من أن تكون بيد واحد من الشيعة يزعم أنه يلتقي بالإِمام مباشرة أَعلن انقطاع الصلة المباشرة بالمهدي وقال: كل مجتهد شيعي هو نائب عن الإمام وأَخرج توقيعاً يقول: (أما الوقائع الحادثة فارجعوا فيها إِلى رواة حديثنا، فإِنهم حجتي عليكم وأَنا حجة الله) (1) . وما ندري على وجه التأكيد لم قام السيمري بإعلان هذا "الانقطاع المباشر" مع الإِمام؟ قد يكون هذا من أَجل المحافظة على كيان فكرة الغيبة من الانهيار، فقد كثر المتنافسون على دعوى النيابة عن المهدي (2) لما في ذلك من مكاسب مادية كبيرة وقام البعض منهم بفضح الآخر، فمثلاً يقول "الشلمغاني" (3) - وهو أَحد مدعي النيابة عن المهدي الذين لا تعترف بهم الاثني عشرية - (ما دخلنا مع أبي القاسم الحسين بن روح "النائب الثالث للمهدي عند الاثني عشرية" إِلا   = الولادة - أي ولادة منتظرهم المزعومة - ثم ذكر أن: مدتها ثمان أو تسع وستون سنة إلا شهراً) «تنقيح المقال» : (1/189) . وفي كتاب «تاريخ الغيبة الصغرى» أَن مدتها سبعون سنة. محمد باقر الصدر: «تاريخ الغيبة» : ص345. (1) «الكافي» بشرحه «مرآة العقول» : (4/55) ، «إكمال الدين» : ص 451. (2) انظر «البحار» ، باب ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية والسفارة كذباًُ وافتراء: (51/267-368) ، الطوسي: «الغيبة» : ص213. (3) محمد بن علي بن أَبي العزاقر الشلمغاني، ممن ادعى النيابة عن مهدي الروافض، ونسبت له مقالات ضالة كالقول بالتناسخ، وقال الطوسي: إِن له حكايات قبيحة وأُمور فظيعة ننزه كتابنا عن ذكرها. وقتل سنة 323. الطوسي: «الغيبة» ، وفي «الكامل» ، و «البداية والنهاية» أَنه قتل سنة 322هـ. انظر: «البداية والنهاية» : (11/179) ، «الكامل» : (8/290) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 ونحن نعلم فيما دخلنا فيه، فلقد كنا نتهارش على هذا الأَمر كما تتهارش الكلاب على الجيف) (1) . يقول - أَحمد الكسروي معقباً على هذا القول -: (ولقد صدق فيما قال؛ فإِن التخاصم لم يكن إِلا لأَجل الأَموال، كان الرجل يجمع المال ويطمع فيه فيدعي البابية لكيلا يسلمه إِلى آخر) (2) . ولقد كانت مسألة "غيبة الإِمام" - وهي من أَركان المذهب الشيعي - من المسائل التي حيرت كثيراً من الشيعة لشكهم في أَمره وطول غيبته، وانقطاع أَخباره. يقول ابن بابويه القمي: (رجعت إلى نيسابور، وأقمت فيها فوجدت أَكثر المختلفين عليَّ من الشيعة قد حيرتهم الغيبة، وقد دخلت عليهم في أَمر القائم عليه السلام الشبهة) (3) . وهذا الشك في أَمر منتظرهم في عصر ابن بابويه (ت 381) ، فكيف يكون الآن بعد مضي هذه القرون الطويلة؟! ذلك أَن الأَسباب التي يذكرها الشيعة علة لغيبته لا يقتنع بها عاقل؛ فالشيعة يعللون سبب غيبته بأَنه "يخاف القتل" (4) ، مع أَنهم يقولون بأَن الأئمة يعلمون متى يموتون ولا يموتون إِلا باختيار منهم (5) ، فكيف يحتجب خوفاً وأمر الموت بيده؟!! ثم لماذا لم يقتل   (1) «الغيبة» الطوسي: ص241. (2) «التشيع والشيعة» : ص 33. (3) «إكمال الدين» : ص 2. (4) الكليني: «الكافي» حيث ذكر عدة أحاديث لهم تفيد ذلك: (1/337، 338، 340) ، وانظر: الطوسي: «الغيبة» : ص 199، وانظر: أَبو طالب التبريزي: «المهدي» : ص 118. (5) هذا من أَبواب «الكافي» : (1/258) - كما مر -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 واحد من هؤلاء النواب الأَربعة الذين يزعمون الاتصال به مباشرة وهم ليسوا كالإِمام لا يموتون إِلا باختيار منهم؟. ثم لم يظهر حين تولى الشيعة الحكم باسمه وأصبحت لهم السلطة؟! يقول الكسروي: (إِذا كان منتظرهم قد اختفى لخوفه على نفسه، فلِمَ لم يظهر عندما استولى آل بويه الشيعيون على بغداد، وصيروا خلفاء بني العباس طوع أمرهم؟ فلم لم يظهر عندما قام الشاه إِسماعيل الصفوي وأجرى من دماء السنيين أَنهاراً؟ فلم لم يظهر عندما كان كريمخان الزندي ـ وهو من أكابر سلاطين إيران ـ يضرب على السكة اسم إِمامكم «صاحب الزمان» ويعد نفسه وكيلاً عنه؟ وبعد فلم لا يظهر اليوم وقد كمل عدد الشيعيين ستين مليوناً وأَكثرهم من منتظريه؟! (1) . ولو كان الكسروي حيّاً لقال - ولم لم يظهر وقد قامت دولة "الخميني" الذي يزعم النيابة عن المعصوم في كل شيء؟!! وقد أَلّف علماء الشيعة مؤلفات كثيرة في موضوع "الغيبة" (2) ، وزعم بعض علمائهم أَنه على صلة مباشرة بالمهدي كما مر، وادعوا أن من كتب رقعة وأَرسلها بطريقة معينة ودعاء معين (3) فإِنها تصل للمهدي، وما كل ذلك إِلا لإقناع قومهم بهذه "العقيدة"، وبدأوا يسمون هذه العقيدة بالمهدية، ويدعون أَنها مسألة مجمع عليها بين السنّة والشيعة لأن الجميع يؤمنون بالمهدي (4) . وعظموا من أمر هذه العقيدة وبالغوا   (1) «التشيع والشيعة» : ص 42. (2) وفي «الذريعة إِلى تصانيف الشيعة» ذكر 54 كتاباً لشيوخهم في الغيبة «الذريعة» : (16/ 74-84) ، وانظر: مقدمة «إِكمال الدين» لمحمد مهدي السيد حسن الموسوي وقد ذكر 36 كتاباً أُلّفت عندهم في موضوع "الغيبة". (3) سيأتي ذكرها في مبحث آراء دعاة التقريب في مسألة الغيبة. (4) يختلف اعتقاد أَهل السنة في المهدي عن اعتقاد الشيعة من وجوه كثيرة، فعقيدة = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 - كعادتهم - فزعموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عن منتظرهم: (من أنكر القائم من ولدي فقد أَنكرني) (1) ، وأَن جعفر الصادق سئل عمن أَقر بالأئمة جميعاً وجحد الآخر - أي الإمام الغائب - فقال: كمن أَقر بعيسى وجحد محمداً أَو أَقر بمحمد وجحد عيسى، نعوذ بالله من جحد حجة من حججه (2) ، وقال ابن بابويه القمي: (ومثل من أنكر القائم عليه السلام في غيبته مثل إبليس في امتناعه عن السجود لآدم) (3) . وأن من انتظر خروج هذا القائم فهو (كالمتشحط في دمه في سبيل الله) (4) وهو كمن استشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (5) . وقال لطف الله الصافي (6) : (والأخبار الواردة في فضيلة الانتظار كثيرة متواترة) (7) .   = المهدي عند الشيعة من أصول دينهم كما رأينا ومن جحد المهدي كمن جحد نبياً من الأنبياء، بينما هي عند السنّة ليست من العقائد الأساسية، وينظرون إِلى المهدي على أَن خبره من الأَخبار الكثيرة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحداث آخر الزمان، وقد أَنكر ثبوته بعضهم كابن خلدون ولم يكفره أحد من السّنّة. ثم إِن الشيعة يؤخرون تطبيق بعض أحكام الشريعة إِلى حين خروجه كتركهم صلاة الجمعة والبدء بالجهاد إِلخ.. بخلاف السنّة. وتزعم الشيعة أَن عنده القرآن الكامل، ومصحف فاطمة إلخ ولا شيء من ذلك عند السنّة، ثم هم يختلفون مع السنّة في اسمه، وفي وصفه خلافاً كثيراً لا مجال لذكره.. (1) «إكمال الدين» : ص 390. (2) محمد إبراهيم النعماني: «الغيبة» : ص55. (3) «إكمال الدين» : ص 13. (4) انظر: «منتخب الأثر» لطف الله الصافي: ص 498. (5) المصدر السابق: ص 498. (6) من علماء الشيعة الإيرانيين - معاصر - مقيم في قم. من كتبه: مع الخطيب في خطوطه العريضة وغيره. (7) «منتخب الأثر» : حاشية: 499. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 وانتظار خروجه من غيبته من أصول الدين عندهم في «الكافي» عن أبي جعفر أنه قال لمن سأله عن دينه الذي يدين الله به: (والله لأعطينك ديني ودين آبائي الذي ندين الله به، شهادة أن لا إله إلا الله، وأَنّ محمداً رسول الله.. وانتظار قائمنا) (1) . ولهذا ظل الشيعة إلى أواخر القرن الرابع عشر الميلادي الذي صنف فيه ابن خلدون تاريخه الكبير يجتمعون في كل ليلة بعد صلاة المغرب بباب سرداب سامراء (2) فيهتفون باسمه ويدعونه للخروج حتى تشتبك النجوم، ثم ينفضون كل منهم إلى بيته بعد طول الانتظار وهم يشعرون بخيبة الأمل والحزن (3) . وكان هذا الانتظار مثار سخرية الساخرين حتى قيل: ما آن للسرداب أن يلد الذي ... كلمتموه بجهلكم ما آنا فعلى عقولكم العفاء فإنكم ... ثلثتم العنقاء والغيلانا (4) ومع ذلك فإن نصوص الشيعة تدعو كل شيعي منذ أكثر من أحد عشر قرناً إلى الآن إلى أن لا يبايع لخليفة من خلفاء المسلمين إلا تقية، وإنما البيعة لهذا المنتظر وعليه أن يجدد البيعة له في اعتقاده وقوله وأدعيته.   (1) «الكافي» عن «منتخب الأثر» : ص499. (2) سامراء - لغة في سر من رأى، مدينة بين بغداد وتكريت على شرقي دجلة. وبها السرداب المعروف في جامعها الذي تزعم الشيعة أن مهديهم يخرج منه.. «معجم البلدان» : (3/173) ، وانظر: في وصف هذا السرداب: مجلة لغة العرب، ماذا يرى في سامراء؟، كاظم الدجيلي المجلد الأول ص 144 وما بعدها. (3) أمير علي - شيعي معاصر - «روح الإسلام» : (1/210) ، وانظر: «مقدمة ابن خلدون» : (2/531-532) . (4) انظر: «الصواعق المحرقة» : ص 168. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 فمن أَدعيتهم اليومية الخاصة بصاحب الأمر دعاء يسمونه "دعاء العهد" وفيه: (اللهم إني أُجدد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من أيامي عهداً أو عقداً أو بيعة له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول أبداً..) (1) . وفي دعاء يومي آخر لصاحب الأمر يقول: (اللهم هذه بيعة له في عنقي إلى يوم القيامة) . قال المجلسي: (..ويصفق بيده اليمنى على اليسرى كتصفيق البيعة) . ومعظم الشيعة لا يقيمون صلاة الجمعة في زمن الغيبة ويقولون: (الجمعة والحكومة لإمام المسلمين) (2) . وإمام المسلمين عندهم من أكثر من أحد عشر قرناً هو هذا "المنتظر"، فهم يعطلون فريضة من فرائض الله بسبب هذه الدعوى الغريبة (3) .   (1) «مفتاح الجنان» : عباس القمي: ص 538- 539. (2) «مفتاح الكرامة» : كتاب الصلاة: (2/69) . (3) ومعظم الشيعة إلى اليوم لا يقيمون صلاة الجمعة، يقول كاظم الكفائي - وهو من علماء الشيعة المعاصرين -: (في العراق الآن الشيعة لا يصلون الجمعة إِلا الشيخ الخالصي في المسجد الصفوي في الصحن الكاظمي) .. حديث لكاظم الكفائي كتبه بخطه ونشره د. علي السالوس في كتابه: «فقه الشيعة» . هامش: ص 203. وحينما سأل أفراد الشيعة كبير مشايخهم وهو محسن الحكيم عن دليلهم في شرطية وجوب الإمام لصلاة الجمعة كان جوابه بأن لا يسأل هذا السؤال. ثم إن بعض علماء الشيعة يقول بوجوب صلاة الجمعة ولا يقيمها. انظر: «نص الكتاب ومتواتر الأخبار على وجوب الجمعة في جميع الأعصار» : محمد عبد الرضا الأسدي: ص 24، 27-28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 ويزعمون أن مهديهم هذا يغير من شريعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ففي «البحار» للمجلسي: (ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية كما قبلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -..) (1) ، (وأنه يحكم بحكم سليمان، وداود، وآل داود لا يسأل الناس بينه) (2) (وأنه يحكم بينهم مرة بحكم آدم ومرة بحكم داود ومرة بقضاء إبراهيم وفي كل واحد منها يعارضه بعض أصحابه.. فيضرب أعناقهم ثم يقضي الرابعة بقضاء محمد فلا ينكر أحد عليه) (3) ، (وأن القائم إذا خرج قتل ذراري قتلة الحسين بفعال آبائهم) (4) ، ويقولون إن منتظرهم: (يسير في العرب بما في الجفر الأحمر - وهو قتلهم) (5) ، (وإنه يقتل المولّي ويجهز على الجريح) (6) . ويعترفون بأن ذلك خلاف سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلي والحسن، ففي «البحار» : (أن عليّاً والحسن يسيران بسيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد بعث رحمة للعالمين، وأن القائم بعث نقمة على الظالمين) (7) ، ومقتضى هذا - عندهم - أنه لا يسير سيرتهم. (وأنه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقه في الدين) (8) . ويذكرون أن "مهديهم" يقوم بعملية هدم وتخريب في الحرمين   (1) «البحار» : (52/349) . (2) «البحار» : (52/319- 320) . (3) «البحار» : (52/389) . (4) «البحار» : (52/313) . (5) «البحار» : (52/313، 318) . (6) «البحار» : (52/353) . (7) المجلسي: «البحار» : (52/314) . (8) الفضل بن الحسن الطبرسي: «أعلام الورى» : ص 431، «البحار» : (52/152) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 الشريفين، ففي الغيبة (أن القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى أساسه، ويرد البيت إلى موضعه وأقامه على أساسه - هكذا -..) (1) . ويعترفون بأن "منتظرهم" يحاول أن يصرف الناس عن هذا القرآن ويخرج لهم قرآناً يزعم أنه هو القرآن الكامل الذي أُنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد مر نقل ذلك عنهم (2) . كما أنهم يدعون أن عند مهديهم مصحف فاطمة، والكتب السماوية السابقة، والجفر، والجامعة وغيرها من العلوم التي يزعمون أن "القائم" ورثها عن الأئمة (3) - كما سلف -. ومن العجب أنهم كانوا يؤقتون خروجه في أول الأمر بوقت معين، ففي «الكافي» : (أن علياً - كما يزعمون - سئل: كم تكون الحيرة والغيبة؟ قال: ستة أيام، أو ستة أشهر أو ست سنين..) (4) . وهذا التوقيت القريب - فيما يبدو - لأجل إقناع شيعتهم بهذه الدعوى في مبدأ نشأتها حتى تشب ويصلب عودها ويكثر مصدقها. ثم أعلنوا - بعد ذلك - أنه لا وقت معيناً لخروجه، وذلك بعد أن طال بهم الانتظار واستبدت بهم الحيرة، جاء في «الكافي» : (كذب الوقاتون، إنا أهل بيت لا نؤقت) (5) .   (1) الطوسي: «الغيبة» : ص 282، وانظر المجلسي: «البحار» : (52/338) . (2) انظر: ص 202 - 203 من هذا البحث. (3) انظر: ص 246 وما بعدها، ص 225 وما بعدها من هذا البحث. (4) «الكافي» : (1/338) ، وانظر: الطوسي: «الغيبة» : ص 263. (5) «الكافي» ، كتاب الحجة، باب كراهة التوقيت: (1/368) ، انظر: الطوسي: «الغيبة» : ص 262، وانظر: «نور الثقلين» : (2/107) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 وقد نقلت لنا كتب الفرق أقوالهم المختلفة، وآراءهم المضطربة في شأن الغيبة، فكل يتبع إماماً ويدعي غيبته، وكل يقول برأي ويزعم أحقيته (1) . وقال الشهرستاني بعد أن نقل خلافهم في ذلك: (ومع اختلافكم هذا كيف يصح لكم دعوى الغيبة؟..) (2) . ولا شك أن هذا "الأمر" لو كان من عند الله لم يكن ليظهر على هذا الاضطراب والاختلاف والحيرة.. وإذا سألتهم عن مدة الغيبة كيف تعقل؟ إذ كيف يمكن أن يحيا إنسان هذه القرون المتطاولة؟! قالوا: أليس الخضر يعيش في الدنيا من آلاف السنين. ومع أن القول الصحيح أن "الخضر" ليس بحي (3) ، فإن حجتهم داحضة فالخضر ليس مكلفاً كما أنه ليس مسؤولاً عن هداية أُمة أو جماعة، وإمامكم هو المسؤول عندكم عن المسلمين جميعاً - على ما تهرفون -!!! 7- معتقدهم في الصحابة: في كتب الشيعة الأساسية سب وطعن ولعن وتكفير للصحابة رضوان الله عليهم إلا قليلاً منهم لا يتجاوز الثلاثة في معظم   (1) راجع: الشهرستاني: «الملل والنحل» : (1/170- 172) ، وانظر: القمي: «المقالات والفرق» : ص 102 وما بعدها. (2) «الملل والنحل» : (1/172) . (3) انظر: «منهاج السنة» : (1/28) الطبعة الأميرية، ابن القيم: «المنار المنيف» : ص 67- 76، ابن كثير: «البداية والنهاية» : (1/325- 337) ، ابن حجر: «فتح الباري» : (6/309- 312) ، «الإصابة» : (2/286- 335) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 الروايات، وتتناول نصوص السب والتكفير كثيراً من آحادهم على سبيل التعيين، ويخصون الخلفاء الثلاثة بالنصيب الأوفى من ذلك. وتتضمن صفحات كتب الشيعة المعتمدة أخبار صراعات وعداوات بين علي وفاطمة من جهة وبين سائر الصحابة من جهة أخرى، وفي مقدمة الصحب الخليفتان الراشدان. ولو أخذنا ننقل ما وجدنا من هذا "الغثاء" لاستغرق مئات الصفحات، وكل هذه الصفحات السوداء تذكي العداوة، وتوري نيران الحقد وتزرع الفرقة، والهدف منها صرف الأمة عن شريعة نبيها بالطعن في الطريق الأول الناقل لها، وإبطال التواتر في نقل دين الإسلام. وفيما يلي أمثلة لهذا من كتبهم المعتمدة. هناك روايات كثيرة في كتبهم المعتمدة تقول، إن الصحابة ارتدوا إلا ثلاثة، وتزيد بعض الروايات آخرين رجعوا عن ردتهم، إلا أن المجموع لا يتجاوز السبعة في كل الروايات، وهذا الحكم بردة الصحابة رضوان الله عليهم الذين أثنى عليهم ورسوله وسجل التاريخ مآثرهم بمداد من نور ولم تشهد الدنيا إلى يومنا مجتمعاً كمجتمعهم - رضوان الله عليهم - هذا الحكم بردتهم إلا ثلاثة ورد في كثير من كتب الشيعة المعتمدة مثل: «الكافي» (1) ، و «البحار» (2) ، و «كتاب سليم بن قيس» (3) و «الاختصاص» (4) ، و «رجال الكشي» (5) ،   (1) انظر: الكليني: «الكافي» : (2/244) ، (2/224) . (2) انظر: المجلسي: «البحار» : (22/345، 351، 352، 440) . (3) انظر: كتاب: «سليم بن قيس» : ص 74- 75. (4) انظر: المفيد: «الاختصاص» : ص 4- 5. (5) «رجال الكشي» : ص 6، 7، 8، 9، 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 وفي «تفسير العياشي» (1) ، و «البرهان» (2) ، و «الصافي» (3) ، و «تفسير نور الثقلين» (4) وغيرها وما في هذه الكتب إنما هو أحاديث عن معصوميهم فيما يزعمون. أما كلام علمائهم في الطعن في ذلك الجيل القرآني الفريد فهو قد سود معظم كتبهم، ونحن لا نحاول أن نستشهد بهم كثيراً فهم يزعمون أنه لا حجة إلا في كلام معصوميهم، وغرضنا هنا التثبت في نقل مذهبهم. روى "ثقتهم" الكليني في «الكافي» عن حمران بن أعين قال: (قلت لأبي جعفر "ع": جعلت فداك، ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها (5) ! فقال: ألا أحدثك بأعجب من ذلك، المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا - وأشار بيده - ثلاثة..) (6) . وفي روايات أخرى لهم تعيين لهؤلاء الثلاثة: فعن أبي جعفر "ع" كان الناس أهل ردة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ثلاثة، فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي رحمة الله وبركاته عليهم، ثم عرف الناس بعد يسير..) (7) .   (1) «تفسير العياشي» : (1/199) . (2) هاشم البحراني: «البرهان» : (1/319) . (3) محسن الكاشاني: «الصافي» : (1/305) وما بعدها. (4) الحويزيني: «نور الثقلين» : (1/396) وما بعدها. (5) يعني أنها قلة شاذة بالنسبة لأهل السنّة. (6) «الكافي» ، كتاب الإيمان والكفر، باب في قلة عدد المؤمنين: (2/244) ، وانظر: «رجال الكشي» : ص 7، وانظر: «البحار» : (22/345) . (7) «الكافي» ، كتاب الروضة: (12/321- 322) (مع شرح جامع للمازندراني) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وهؤلاء الذين عرفوا، عددهم أربعة ليصبح مجموع الذين نجوا من الردة - في كتب الشيعة - سبعة، ففي رجال الكشي عن أبي جعفر قال: (ارتد الناس إلا ثلاثة نفر: سلمان، وأبو ذر، والمقداد، قال: قلت: فعمار؟ قال: جاض جيضة (1) ، ثم رجع، ثم قال: إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شيء فالمقداد. فأما سلمان فإنه عرض في قلبه عارض أن عند أمير المؤمنين اسم الله الأعظم لو تكلم به لأخذتهم الأرض، وهو هكذا فلبب (2) ووجئت (3) عنقه حتى تركت كالسلقة، فمر به أمير المؤمنين "ع" فقال له: يا أبا عبد الله هذا من ذاك فبايِعْ، فبايَع، وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين "ع" بالسكوت - ولم يكن يأخذه في الله لومة لائم ـ فأبى إلا أن يتكلم، فمر به عثمان فأمر به - كذا - ثم أناب الناس بعد فكان أول من أناب أبو ساسان الأنصاري، وأبو عمرة، وشتيرة وكانوا سبعة فلم يكن يعرف حق أمير المؤمنين "ع" إلا هؤلاء السبعة) (4) . حتى هؤلاء الثلاثة الذين نجوا من الردة لم ينجوا من السب والقدح في كتب الشيعة؛ ففي «رجال الكشي» .. قال أمير المؤمنين - علي -: (يا أبا ذر إن سلمان لو حدثك بما يعلم لقلت: رحم الله قاتل سلمان) (5) . وعن جعفر عن أبيه "ع" قال: ذكرت التقيّة يوماً عند علي "ع" فقال: (لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله..) (6) .   (1) جاض عنه يجيض: جاد وعدل. (2) لببه: جمع ثيابه عند نحره في الخصومة ثم جره. (3) وجأ يجأ: ضربه باليد والسكين. (4) «رجال الكشي» : (ص 11- 12) . (5) المصدر السابق: ص 15. (6) المصدر السابق: ص 17. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 وعن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله "ع" يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا سلمان: لو عرض علمك على مقداد لكفر، يا مقداد: لو عرض علمك على سلمان لكفر) (1) . ثم إن هذه الروايات التي تحكم بالردة على ذلك المجتمع المثالي الفريد ولا تستثني منه سوى ثلاثة أو أربعة أو سبعة على الأكثر - هذه الروايات ليس فيها لأهل البيت ذكر، فالحكم بالردة في هذه النصوص شامل للصحابة من قرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزوجاته أمهات المؤمنين ومن غيرهم، فهي تتناول الصحب والآل مع أن واضعها يزعم التشيع لأهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهل هذا إلا دليل على أن التشيع إنما هو ستار لتنفيذ أغراض خبيثة ضد الإسلام وأهله؟. فعلي، والحسن، والحسين، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس وآل علي وزوجاته - صلى الله عليه وسلم - أُمهات المؤمنين ليس لهم ذكر في هذه الروايات، إلا أن هناك رواية عندهم تذكر عليّاً وتنسى الباقين، فعن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر "ع" قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما قُبض صار الناس كلهم أهل جاهلية إلا أربعة: علي والمقداد، وسلمان، وأبو ذر. فقلت: فعمار؟ فقال: إن كنت تريد الذين لم يدخلهم شيء فهؤلاء الثلاثة) (2) . أما نصوصهم التي تتناول كبار الصحابة وخيارهم على وجه التعيين فهي كثيرة، ولخير هذه الأمة بعد نبيها - كما شهد بذلك أخوهم   (1) المصدر السابق: ص 11. (2) انظر: «تفسير العياشي» : (1/199) ، «البرهان» : (1/319) ، «الصافي» : (1/305) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 علي - رضي الله عنه - لهما النصيب الأكبر من هذه الزندقة الحاقدة، ففي «الكافي» : (ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: من ادعى إمامة من الله ليست له، ومن جحد إماماً من الله، ومن زعم أن لهما - يعنون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما - في الإسلام نصيباً) (1) . وفي «روضة الكافي» (أن الشيخين فارقا الدنيا ولم يتوبا ولم يتذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) (2) . وقال شيخهم نعمة الله الجزائري: (قد وردت في روايات الخاصة - يعني شيعته - أن الشيطان يغل بسبعين غلاً من حديد جهنم ويساق إلى المحشر فينظر ويرى رجلاً أمامه يقوده ملائكة العذاب وفي عنقه مائة وعشرون غلاً من أغلال جهنم، فيدنو الشيطان إليه ويقول: ما فعل الشقي حتى زاد علي في العذاب وأنا أغويت الخلق وأوردتهم موارد الهلاك؟، فيقول عمر للشيطان: ما فعلت شيئاً سوى أني غصبت خلافة علي بن أبي طالب) (3) . وقال هذا "النقمة" معقباً على هذه الرواية: (والظاهر أنه - يعني عمر - رضي الله عنه - قد استقل سبب شقاوته ومزيد عذابه ولم يعلم أن كل ما وقع في الدنيا إلى يوم القيامة من الكفر والنفاق واستيلاء أهل الجور والظلم إنما هو من فعلته هذه) (4) .   (1) مضى تخريج هذا "النص" من كتبهم ص 314. (2) «الكافي» ، كتاب الروضة: (12/323) (ضمن كتاب شرح جامع للمازندراني) . (3) (4) «الأنوار النعمانية» : (1/81- 82) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 تلك نظرة من يزعم التشيع لعلي في عمر الذي قال فيه أخوه علي: «ما خلفت أحداً أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك..» (1) . وقال هذا "النقمة" - في أبي بكر (-: (نقل في الأخبار - أخبار شيعته - أن الخليفة الأول قد كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وصنمه الذي كان يعبده زمن الجاهلية معلق بخيط في عنقه ساتره بثيابه وكان يسجد - ويقصد أن سجوده لذلك الصنم - إلى أن مات النبي - صلى الله عليه وسلم - فأظهروا - كذا - ما كان في قلوبهم) (2) . انظر كيف بلغ الحقد والعداء بهؤلاء الذين لبسوا ثوب التشيع لآل البيت زوراً وبهتاناً ضد رواد الإسلام، ومن أقاموا دولة الإسلام وفتحوا ديار هؤلاء المجوس ونشروا الإسلام بينهم، وأطفأوا نار المجوسية والوثنية في بلادهم، وإذا كان هذا مبلغ حقدهم ومقدار سبهم لمن رضي الله عنهم وتواتر الثناء عليهم في كتاب الله وسنّة نبيه وقد واراهم التراب من قرون، فكيف يكون مستوى حقدهم وتآمرهم على المسلمين الآخرين؟! كما قال بعض السلف: «لا يغل قلب أحد على أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا كان قلبه على المسلمين أغل» (3) . كما تطاولوا بالسب والتكفير على كثير من خيار الصحابة غير   (1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر: (7/41) (مع شرحه فتح الباري) . (2) «الأنوار النعمانية» : (2/111) . (3) «الإبانة» لابن بطة: ص 41. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 الشيخين أمثال ذي النورين عثمان بن عفان (1) ، وأنس بن مالك (2) والبراء بن عازب (3) ، ولم يكتف الشيعة بذلك بل طعنوا في آل النبي وأقربائه، في عم النبي العباس (4) وفي ابنه حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس (5) وفي بعض زوجاته (عائشة (6) رضي الله عنها. وظاهرة التكفير والسب عند الشيعة لا تخص جيل الصحابة - كما قدمنا - لكنهم يركزون على صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجه خاص باعتبار أنهم نقلة الشريعة السماوية، وإلا فهم مثلاً يكفرون جميع الناس بعد مقتل الحسين إلا ثلاثة (7) ، تقول كتب الشيعة إن الناس ارتدوا بعد الحسين إلا ثلاثة، ويطعنون في كل من أنكر إمامة "الاثني عشر" ولو كان من أهل البيت وأولاد فاطمة (8) ، هذا مع أن علياً (لم يكفر حتى من حاربه من أهل الشام وغيرهم، فقد قال - كما يرويه إمام الشيعة الشريف الرضي في نهج البلاغة - قال في كتابه إلى أهل الأمصار - يذكر فيه   (1) انظر: «رجال الكشي» : ص 59، 60، «تفسير العياشي» : جـ1 ص 148، 181، جـ2 ص 116، «البرهان» : (1/254، 476) . (2) «رجال الكشي» : ص 45. (3) المصدر السابق: ص 45. (4) «رجال الكشي» : ص 53، 55، 56، «تفسير العياشي» : (2/305، 337) . (5) «رجال الكشي» : ص 60، وفي «الكافي» : (1/247) تكفير لابن عباس (، وأنه سخيف العقل جاهل إلخ. (6) انظر: «رجال الكشي» : ص 57- 60، «الكافي» : (1/300) ، «البحار» : (53/90) . (7) «أصول الكافي» : (2/380) ، «رجال الكشي» : ص 133. (8) الكليني: «الكافي» : (1/372) ، وانظر: المجلسي: «البحار» : (25/112- 114) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 ما جرى بينه وبين أهل صفين -: (وكان بدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله، والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء) (1) . وقد أنكر على من يسب معاوية ومن معه فقال - كما في نهج البلاغة أيضاً ـ: (إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم: اللهم أحقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم..) (2) . فهذا السب والتكفير لم يكن من هدي علي باعتراف الكتاب الأول عند الشيعة. ولقد وضعت أيدينا كتب الشيعة نفسها على مؤسس هذا السب والطعن لأكرم خلق الله بعد النبيين، فقالت: إنه عبد الله بن سبأ لأنه هو (أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وادعى أن علياً (أمره بذلك) (3) . والشيعة - هي تنال من أشرف الخلق بعد الرسل والنبيين - نراها   (1) «نهج البلاغة» : ص 448. (2) المصدر السابق: ص 323. (3) القمي: «المقالات والفرق» : ص 20، وانظر: النوبختي: «فرق الشيعة» : ص 19- 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 تدافع عن المرتدين كأصحاب مسيلمة (1) ، والزنادقة: كالمختار (2) ، والنصير الطوسي (3) ، بل إنهم يلقبون (أبا لؤلؤة المجوسي قاتل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بـ "أبابا شجاع الدين") (4) . هذه كتب الشيعة تثني على أقزام التاريخ وحثالة البشر وأعداء الإسلام، وتسب وتطعن وتكفر خيار الأمة وروادها. ولا شك أن الطعن في صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو طعن في دين الله وشرعه، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (من زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفساً أو أنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب أيضاً في كفره، لأنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنّة كفار أو فسّاق وأن هذه الآية التي هي: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) (5) وخيرها هو القرن   (1) انظر: عبد الله العلايلي، الإمام الحسين، مقدمة الطبعة الثانية: ص3، 4، 19. وراجع «المنتقى» : ص 271- 273. (2) انظر: ابن إدريس: «السرائر» : ص 475، وانظر: حسين البرقي: «تاريخ الكوفة» : ص 62. (3) انظر: الخوانساري: «روضات الجنات» : (6/300، 301) ، وانظر: الخميني: «الحكومة الإسلامية» : ص 128. وقد قال ابن القيم - رحمه الله - عن هذا الطوسي - الذي تثني عليه كتب الشيعة -: نصير الشرك والكفر، الملحد وزير الملاحدة، النصير الطوسي وزير هولاكو. ثم تحدث عن آرائه الملحدة ومؤامراته ضد المسلمين.. انظر: «إغاثة اللهفان» : (2/263) . (4) عباس القمي: «الكنى والألقاب» : (2/55) . (5) من الآية 110 من سورة آل عمران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 الأول، كان عامتهم كفاراً أو فساقاً، ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها، وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام، ولهذا تجد عامة من ظهر عليه شيء من هذه الأقوال فإنه يتبين أنه زنديق..) (1) . وبعد: فهذه هي أهم عقائد القوم التي خالفوا بها جماعة المسلمين، ولهم بالإضافة لذلك شذوذات في "مسائل الفقه" خالفوا بها ما تواتر من النصوص وقد درج أئمة السنّة على ذكر مثل هذه المسائل في مباحث العقيدة، ولضيق المجال حسبنا أن نشير إلى أن صاحب مختصر التحفة الاثني عشرية قد ذكر معظم هذه المسائل في مختلف أبواب الفقه (2) ، وللدكتور علي السالوس دراسة جديدة في بابها لهذه القضايا أثبت فيها شذوذهم، وناقشه بما ورد عن أهل السنّة، وبما ورد في كتب الشيعة من روايات توافق ما عند أهل السنّة، ونقض رد علماء الشيعة لرواياتهم الموافقة لأهل السنّة بدعوى التقية، وهو منهج يستحق الإشادة والتقدير (3) . والذي جعلنا نكتفي بهذه الإشارة ولا ندرس هذه القضايا إيماننا بأن التقريب يبدأ من الأصول أولاً.. ومن العجب أن الشيعة يغالون في قيمة كل مسألة يشذون بها عن أهل السنّة، حتى في المسائل الفقهية والعملية. فمثلاً "مسألة المتعة"   (1) «الصارم المسلول» : ص 586- 587. (2) انظر: «مختصر التحفة الاثني عشرية» : ص 207 وما بعدها. (3) انظر: كتابه في هذا المسمى: «فقه الشيعة الإمامية ومواضع الخلاف بينه وبين المذاهب الأربعة» ، نشر مكتبة ابن تيمية، الكويت 1398هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 لم يكتفوا بإباحتها بل رتبوا على تركها وعيداً شديداً. فمن رواياتهم في ذلك أن (من خرج من الدنيا ولم يتمتع جاء يوم القيامة وهو أجدع (1)) (2) . وجعلوا لفاعلها أجراً عظيماً حتى قالوا: إن من تمتع أربع مرات كان كرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأجر، ونسبوا هذه "القولة الشنيعة" إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. تقول روايتهم: قال النبي ?: (من تمتع مرة كان درجته كدرجة الحسين (ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن ومن تمتع ثلاث مرات كان درجته كدرجة علي ومن تمتع أربع مرات كانت درجته كدرجتي) (3) . وقالوا: من لم يقل بالمتعة فليس بشيعي، فمن رواياتهم: (ليس منا من لم يؤمن بكرتنا ويستحل متعتنا) (4) . وفسروا آيات من كتاب الله "بالمتعة"، فمن ذلك ما رووه عن الباقر "ع" أن عبد الله بن عطا المكي سأله عن قوله تعالى: (وإذ أسر النبي.. الآية ((5) فقال: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج بالحرة متعة فاطلع عليه بعض نسائه فاتهمته بالفاحشة!! فقال: إنه نكاح بأجل فاكتميه فاطلعت، عليه بعض نسائه) (6) .   (1) مقطوع الأنف والأذن. (2) فتح الله كاشاني: «منهج الصادقين» : ص 356 (فارسي) طبعة إيران. (3) «تفسير منهج الصادقين» لملا فتح الله كاشاني: ص 356 (فارسي) . (4) مضى تخريج هذا "النص" من كتبهم ص 341. (5) التحريم: آية 3. (6) الحر العاملي: «وسائل الشيعة» ، كتاب النكاح، أبواب المتعة: (7/440) . وانظر: ابن بابويه القمي: «من لا يحضره الفقيه» : (2/151) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 هذا مجرد مثال لمبالغتهم في تعظيم الشذوذ وإن كانت في الفقه. والمتعة إنما هي جزء من فوضى سلوكية عندهم ما أَنزل الله بها من سلطان (1) . ومن الملاحظ أَنهم يروون روايات في تحريم المتعة ولكن مشايخهم يردونها بحجة التقية بلا دليل وبرهان. ففي كتبهم: (عن زيد بن علي عن آبائه عن علي - رضي الله عنه - قال: حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر لحوم الحمر الأَهلية ونكاح المتعة) (2) . قال شيخهم الحر العاملي: (أقول حمله الشيخ (3) وغيره على التقية - يعني في الرواية - لأَن إِباحة المتعة من ضروريات مذهب الإِمامية) (4) . هذا مثال واحد لشذوذهم في مسائل الفروع، ونكتفي بهذا المثال وبما أَشرنا إِليه من بعض المراجع للسبب الذي ذكرناه آنفاً. وقد لاحظت أَنه لا يوجد لهم شذوذ ومخالفة إِلا وهناك في الغالب بعض الروايات التي تنفي هذا الشذوذ والمخالفة، ولكن شيوخهم يعملون بالشذوذ ويردون ما يوافق أَهل السنّة بحجة التقية. فهل هذا عمل من يريد التقارب؟!   (1) فعندهم يباح وطء الزوجة مع الدبر. انظر: «وسائل الشيعة» : (14/103) وغيرها، وورد في أحاديثهم حديث هو من أصول الباطنيين في الإباحية وهو ما رووه عن الحسن العطار قال: سألت أَبا عبد الله "ع" عن عارية الفرج قال: لا بأس.. «وسائل الشيعة» : (7/540) ، الطوسي: «التهذيب» : (2/185) ، «الاستبصار» : (3/141) ، «فروع الكافي» : (2/48) . (2) انظر: «التهذيب» : (2/184) ، «الاستبصار» : (3/132) ، «وسائل الشيعة» : (7/441) . (3) إِذا أُطلق "الشيخ" في كتب الشيعة فالمراد به "الطوسي". (4) «وسائل الشيعة» : (7/441) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 النتيجة للباب الأول والثاني وبعد هذه الدراسة والتعريف والبيان لما ينفرد به أَهل السنّة حقيقة ومصدراً وعقيدة، وما ينفرد به الشيعة عن المسلمين في ذلك - بعد هذا كله هل نستطيع أَن نحكم على مسأَلة التقريب من خلال ما سبق؟ لقد رأَينا كيف وضع الشيعة مذهبهم على أسس تنأَى بهم عن الجماعة الإِسلامية، وتبتعد عن العودة إِلى المسلمين. ولم يكن هذا البعد وليد يوم وليلة، بل هو مخاض سنين طويلة، كان أُولئك المتسترون بالتشيع يعملون عملهم في البعد بالشيعة عن أُمة الإِسلام كما كانوا دائبين على خلق الفرقة بين المسلمين. فكان من الشيعة، من خرج عن دائرة الإِسلام كفرق الباطنية. وكان منهم من ظل في هذه الدائرة على انحراف كمعتدلة الزيدية. وكانت منهم طائفة في يوم من الأَيام وسطاً ولكنها اليوم استقرت عقائدها على مركب الغلو، وانمحت السدود العازلة بينهم وبين الغلاة، وإِليك البيان لذلك في ضوء ما سبق. إِن الشيعة التي تسمى بالإِثنا عشرية، وبالإِمامية، وبالرافضة، وبالجعفرية، تلك التي تشكل أَكثرية الشيعة اليوم، حتى قالوا: إِن لفظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 الشيعة إِذا أُطلق - اليوم - فلا ينصرف إِلا إليها، وغيرها إِما زيدية وإما إسماعيلية - كما مر - هذه الطائفة قد عزلت نفسها عن جماعة المسلمين بمصادر لها خاصة تأخذ منها دينها وعقائدها. وهذه المصادر والدواوين التي اعتمدتها في التلقي هي - كما مر النقل عنها ومن خلال القراءة الطويلة فيها أثناء هذا البحث - قد استوعبت آراء فرق الشيعة من خلال القرون، ذلك أنه بالمقارنة بين ما في كتب الاثني عشرية وبين آراء فرق الشيعة في كتب الفرق وغيرها؛ نجد أنه ما من رأي أو فكرة نادت بها طائفة من فرق الشيعية في حقب التاريخ المختلفة إلا ونجد لها شاهداً ودليلاً في كتب الاثني عشرية، حتى يكاد القارئ لذلك يحكم بأن ذلك التقسيم الكثير للشيعة وذكر طوائفها المتعددة قد أصبح اليوم لا داعي له، لأن هذه الطائفة الاثني عشرية قد استوعبت تلك الآراء والعقائد. وهذه حقيقة مهمة وكبيرة ولم تكن واضحة قديماً كما هي اليوم بعد انتشار كتب الاثني عشرية. وإن دراسة مقارنة لآراء تلك الفرق، وما جاء في كتب الاثني عشرية لهي دراسة جديدة نافعة تكشف حقائق هامة، والمجال لا يتسع لذلك، فلنأخذ أمثلة على ما نقول لنرى كيف استقر مركب الاثني عشرية على الغلو. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وكذلك - أي في الحكم بالتكفير - من زعم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت..) ثم بيّن أن هذا مذهب القرامطة والباطنية (1) .   (1) «الصارم المسلول» : ص 586. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 هذا القول الذي نسبه ابن تيمية للباطنية نجد في دواوين الشيعة الاثني عشرية ما يشهد له ويؤيده. وقد رأينا اشتمال الكتب الأساسية عند الاثني عشرية على أحاديث تقول بنقص القرآن. وزعم علماء الشيعة كالمفيد في «أوائل المقالات» ، والمجلسي في «مرآة العقول» ، والمازندراني في «شرحه للكافي» وغيرهم أن الأحاديث التي تقول بنقص القرآن وتحريفه متواترة من طرقهم. وشهد عالمهم نعمة الله الجزائري أنها بلغت أكثر من ألفي حديث، وأقر علماء الشيعة بأنه مذهب لكبار علمائهم كالكليني، وشيخه القمي، والطبرسي صاحب «الاحتجاج» ، والمجلسي صاحب «البحار» وغيرهم كما مر بيانه وتفصيله. أفلا يحق لنا القول بأن آراء القرامطة قد تضمنتها كتب الاثني عشرية وأصبح التقسيم بينهما اسمياً لا حقيقياً في هذا؟. والغريب أن كتب الاثني عشرية التي تضمنت القول بنقص القرآن وتحريفه، كان منها ما هو قبل ابن تيمية بقرون مثل «الكافي» للكليني (ت 329) وتفسير إبراهيم القمي شيخ الكليني وغيرهما، فهل كانت هذه الكتب سرية التداول بين الشيعة أو أن تلك الآراء الشاذة أُضيفت إليها فيما بعد؟، أو أن علماء السنّة لم يهتموا بالاطلاع على كتبهم لكذبهم؟!!! على أية حال إن ما ينسبه ابن تيمية للقرامطة هو متواتر في كتب الاثني عشرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 ومثلاً "عقيدة البداء" (اعتبرها أصحاب الفرق من عقائد الغلاة) (1) ونسبوها للمختارية (2) وهي من الغلاة، ومع ذلك - كما مر - قد ورد في صحيحهم «الكافي» ستة عشر حديثاً في البداء، وفي «البحار» في باب البداء، والنسخ أكثر من سبعين حديثاً، وصار البداء من عقائد الاثني عشرية، وإن حاول علماؤهم أن يلتمسوا مخلصاً له لينجوا من تكفير المسلمين لهم لقولهم بهذه العقيدة الضالة. وكذلك "عقيدة الرجعة" (اعتبروها من عقائد الغلاة) (3) ، وقد ذكرت كتب الشيعة (4) والسنّة (5) أنها من أصول عقائد ابن سبأ اليهودي، ومع ذلك فهي من أصول عقائد الإمامية. ومسألة "تفضيل الأئمة على الأنبياء" هي مذهب غلاة الروافض كما قال ذلك الإمام عبد القاهر البغدادي (6) (ت 429هـ) والقاضي عياض (7) (ت 544هـ) وشيخ الإسلام ابن تيمية (8) (ت 728هـ) ، ونقل شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب (إجماع المسلمين على كفر من ذهب إلى هذا القول) (9) .   (1) انظر: الشهرستاني: «الملل والنحل» : (1/173) . (2) المختارية: أتباع المختار بن أبي عبيد الثقفي، ومن مذهبه أنه يقول بالبداء على الله تعالى.. «الملل والنحل» : (1/147- 148) . (3) «الملل والنحل» : (1/173) ، «هدي الساري مقدمة فتح الباري» : ص 459. (4) سعد القمي: ص 20- 21، النوبختي: «فرق الشيعة» : ص 19. (5) البغدادي: «الفرق بين الفرق» : ص 233- 234. (6) «أصول الدين» : ص 298. (7) ورأى أن هذا من أسباب كفرهم فقال: (ونقطع بتكفير غلاة الرافضة في قولهم أن الأئمة أفضل من الأنبياء) «الشفاء» : ص 290. (8) «منهاج السنّة» : (1/177) الطبعة الأولى. (9) «الرد على الرافضة» : ص 29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 ومع ذلك فهي من عقائد الاثني عشرية، وفي كتب حديثهم، وقد عقدوا لها باباً خاصاً - كما سبق - (1) كما ألف شيوخهم في إثباتها مؤلفات مستقلة (2) . والأمثلة على قضية استيعاب مدونات الاثني عشرية لعقائد الفرق الغالية كثيرة وبسط هذا الموضوع يحتاج لبحث مستقل. وقد رأيت بعض علماء الشيعة المعاصرين أشار إلى هذا الرأي فقال: (ولكن يجب أن نشير قبل أن نضع القلم بأن ما مر بنا من أفكار الشيعة مما كان خاصاً بفرقة بعينها لم يلبث أن دخل كله في التشيع الاثني عشري ودعم بالحجج العقلية وبالنصوص. والتشيع الحالي إنما هو زبدة الحركات الشيعية كلها من عمار (3) إلى حجر ابن عدي إلى المختار وكيسان إلى محمد بن الحنفية وأبي هاشم إلى بيان بن سمعان، والغلاة الكوفيين إلى الغلاة من أنصار عبد الله بن الحارث إلى الزيديين   (1) انظر: ص 293 من هذا البحث. (2) مثال كتاب: «تفضيل علي - رضي الله عنه - على أولي العزم من الرسل» لشيخهم هاشم بن إسماعيل البحراني (ت 1107هـ) ، و «تفضيل الأئمة عليهم السلام على الأنبياء عدا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم» للمؤلف السابق ذكره، و «تفضيل أمير المؤمنين على من عدا خاتم النبيين» لشيخهم محمد باقر المجلسي (ت 1111هـ) ، و «تفضيل أمير المؤمنين (على غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم..» لسيدهم محمد النقوي اللكهنوي (ت 1284هـ) وغيرها. انظر: «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» : (4/358- 360) ، «لؤلؤة البحرين» : ص 64، ويقول شيخهم نعمة الله الجزائري (ت 1112هـ) : (هذا مذهب أكثر متأخري الإمامية، وهو الصواب) . انظر: «الأنوار النعمانية» : (1/20- 21) ، وهذا المذهب هو الذي اعتمده شيخ الشيعة المعاصرين: الخميني. انظر: «الحكومة الإسلامية» : ص 52. (3) هذا بناء على اعتقاده أن عماراً وبعض الصحابة كانوا نواة للتشيع، وهذا "رأي" قد أشرنا إلى فساده في مبحث نشأة الشيعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 والاسماعيليين، ثم الإمامية التي صارت اثنا عشرية، وقام بعملية المزج متكلمو الشيعة ومصنفوها) (1) . إذن كتب الاثني عشرية الأساسية هي الدن الذي امتزجت فيه كل التهريفات الشيعية، واستقر بنيان التشيع الاثني عشري على الأصول العامة للتشيع. من هنا رأى البعض أن (أصول مذهب الغلاة والمفوضة والباطنية من الإسماعيلية والإمامية الاثني عشرية مختلطة بعضها ببعض في كثير من المسائل، ولذلك قيل: الإمامية دهليز الباطنية) (2) . ولقد رأينا كيف أن النزعة السبئية التي تضفي صفات الإله على الأئمة قد بدت واضحة من خلال أحاديث الاثني عشرية، فالأئمة يعلمون ما كان وما يكون ولا يخفى عليهم شيء، ولا يسهون ولا ينسون ولا يخطئون مطلقاً، إلى آخر قائمة الأوصاف التي يجعلونها للأئمة التي هي من خصائص الجبار جل علاه.. كما أن النزعة الباطنية واضحة في كتب الاثني عشرية في تأويلهم لآيات القرآن، وأركان الإسلام، ودعواهم نقص القرآن وغيرها. ومن يطالع بعض الكتب الإسماعيلية يرى وفاقاً في كثير من أحاديث الطائفتين حول العقيدة (3) ، ويشير بعض علماء الاثني عشرية إلى   (1) مصطفى الشيبي: «الصلة بين التصوف والتشيع» : ص 235. (2) محمد بن الحسن الديلمي (من علماء القرن الثامن الهجري) «قواعد آل محمد» : ص 11. (3) من الأمثلة لذلك أنه يرد حديثهم: (من لم يؤمن برجعتنا فليس منا) في كتب الإسماعيلية. انظر: ص9 من «مسائل مجموعة» ضمن كتاب «أربعة كتب إسماعيلية» ، كما ورد في كتب الاثني عشرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 وحدة الأصل في التلقي بين الإسماعيلية والاثني عشرية فيقول: (وإذا لم يكن الفاطميون على المذهب الاثني عشري فإن هذا المذهب قد اشتد أزره ووجد منطلقاً في عهدهم، فقد عظم نفوذه ونشط دعاته.. ذلك أن الاثني عشرية والإسماعيلية - وإن اختلفوا من جهات - فإنهم يلتقون في هذه الشعائر، وبخاصة في تدريس علوم آل البيت والتفقه فيها وحمل الناس عليها) (1) . ولهذا نرى بعض كتب الإسماعيلية من المراجع المعتبرة عند الاثني عشرية ويرجع إليها كبار علمائهم العاصرين في بحوثهم (2) ، مثل كتاب (دعائم الإسلام) للقاضي النعمان بن محمد بن منصور بن حيان (ت 363) وهو إسماعيلي، كما تؤكد ذلك بعض مصادر الشيعة الاثني عشرية نفسها (3) . وقد جاء في دائرة المعارف عن انفتاح الاثني عشرية على الغلاة هذا القول: (على أن الحدود لم تقفل تماماً أمام الغلاة، يدل على ذلك التقدير الذي دام طويلاً للكتاب الأكبر للإسماعيلية وهو كتاب «دعائم الإسلام» ) (4) . وغير الإسماعيلية من سائر الفرق التي بقيت أو اندرست؛ دخلت أفكارها في مدونات الاثني عشرية. وقد رأينا فيما سبق أن الطوسي قد ذكر أن معظم رجالهم في الحديث من أصحاب المذاهب الفاسدة، ومع ذلك قال: إن كتبهم   (1) محمد جواد مغنية: «الشيعة في الميزان» : ص 163. (2) مثل الخميني في كتابه «الحكومة الإسلامية» . انظر: ص 67. (3) قال الشيعي الاثنا عشري ابن شهراشوب (ت 588هـ) : (القاضي النعمان بن محمد ليس بإمامي) «معالم العلماء» : ص 139. (4) «دائرة المعارف الإسلامية» : (14/72) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 معتمدة، ولعل هذا من أسباب دخول أفكارهم إلى التشيع الاثني عشري. وقد لاحظنا أن بعض شيوخ الاثني عشرية وآياتها إذا تحدثوا عن طائفتهم ورجالها ودولها ـ نسبوا لها كل الفرق والدول والرجال المنتمين للتشيع، وإن كانوا من الإسماعيلية والباطنية أو من الزنادقة الدهرية أو من المجسمة الغلاة. فهم إذا تحدثوا - مثلاً - عن دول الشيعة ذكروا الدولة الفاطمية في صدر دولهم مع أنها غير اثني عشرية (1) . وإذا جاء ذكر رجالهم رأيت منهم كثيراً من رؤوس الضلال والزندقة ممن تنسب إليهم فرق ليست من الاثني عشرية. ولكن هذه الطائفة تتبنى هذه الفرق ورجالها لأنها احتوت أفكارها وبدعها. لهذا نرى - مثلاً - شيخ الشيعة محسن الأمين يقول عن الهشامية (2) أتباع هشام بن الحكم..، واليونسية أتباع يونس بن عبد الرحمن القمي (3) ، والشيطانية أتباع محمد بن النعمان "شيطان   (1) انظر: «الشيعة في الميزان» مبحث دول الشيعة: ص 127وما بعدها، وانظر: «أعيان الشيعة» : (1/44، 45) ، وانظر: «دول الشيعة» لمحمد جواد مغنية. (2) وهذه الطائفة جمعت بين ضلالها في الإمامة ضلالة التشبيه والتجسيم حتى قال الإسفراييني: (أنهم أفصحوا في التشبيه بما هو كفر محض باتفاق المسلمين) «التبصير» : ص 43- 44. وانظر: الأشعري: «مقالات الإسلاميين» : (1/106- 107) ، عبد القاهر البغدادي: «الفرق بين الفرق» : جـ 65. (3) وكان في الإمامة على مذهب القطعية الذين قطعوا بموت موسى بن جعفر، وكان مفرطاً في باب التشبيه. انظر: الأشعري: «مقالات الإسلاميين» : (1/106) ، البغدادي: «الفرق بين الفرق» : 70. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 الطاق» (1) وغيرهم (أنهم عند الشيعة الإمامية كلهم ثقات صحيحو العقيدة، فكلهم إمامية واثنا عشرية) (2) . ويلاحظ أنه من منطلق استيعاب الاثني عشرية لآراء الفرق الأخرى ـ رأينا بعض علماء الشيعة الاثني عشرية قد أضفى صفة الشرعية على بعض الغلاة الكفرة كالنصيرية (3) . وهذا التطور العقدي عند الاثني عشرية يؤكده بعض علماء الشيعة المعاصرين بصراحة وهو عبد الله الممقاني (4) - الذي يعدونه   (1) والشيعة تسميه مؤمن الطاق وله وطائفته ضلال شنيع في الإمامة، والقدر والتشبيه، وكان في الإمامة على مذهب القطعية، أي ليس باثني عشري. البغدادي: «الفرق بين الفرق» : ص 71، الشهرستاني، «الملل والنحل» : (1/186- 187) ، الإسفراييني: «التبصير» : ص 43. (2) «أعيان الشيعة» : (1/21) . (3) كتب أحد علماء الشيعة الاثني عشرية المعاصرين وهو المدعو "حسن الشيرازي" رسالة سماها: «العلويون شيعة أهل البيت» (والعلويون لقب للنصيرية) وذكر في رسالته هذه أنه التقى بالنصيريين في سوريا ولبنان وذلك بأمر من مرجعهم الديني "محمد الشيرازي" (أخي حسن) ، وقال بأنه وجدهم كما يظن من شيعة أهل البيت الذين يتمتعون بصفاء الإخلاص وبراءة الالتزام بالحق وينتمون إلى علي بن أبي طالب بالولاية وبعضهم ينتمي إليه بالولاية والنسب.. وقال: إن العلويين والشيعة كلمتان مترادفتان مثل كلمتي الإمامية والجعفرية. حسن الشيرازي: «العلويون شيعة أهل البيت» : ص 2- 3. هذا ولم ينكر على هذا الشيرازي أحد من علماء الاثني عشرية مع أنه قد عرف واشتهر عن النصيرية الكفر والزندقة. انظر: ابن تيمية: «الفتاوى» : (35/145) وما بعدها، بل هم يكفرون في كتب الشيعة القديمة نفسها، انظر مثلاً: «البحار» : (25/285، 286) . (4) عبد الله بن محمد الممقاني من كبار شيوخ الشيعة، ولد بالنجف سنة 1290هـ. وتوفي بها سنة 1351هـ ومن كتبه: «تنقيح المقال في علم الرجال» في ثلاث مجلدات. «معجم المؤلفين» : (6/116) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 من كبار علمائهم المعاصرين في علم الرجال - يقول في معرض دفاعه عن المفضل بن عمرو الجعفي فيما رمي به من الغلو من قبل بعض علماء الشيعة القدماء: (إنا قد بينا غير مرة أن رمي القدماء الرجل بالغلو لا يعتمد عليه ولا يركن إليه، لوضوح كون القول بأدنى مراتب فضائلهم - يعني الأئمة - غلوّاً عند القدماء، وكون ما نعده اليوم من ضروريات مذهب التشيع غلوّاً عند هؤلاء، وكفاك في ذلك عد الصدوق نفي السهو عنهم غلوّاً مع أنه اليوم من ضروريات المذهب، وكذلك إثبات قدرتهم على العلم بما يأتي - أي علم الغيب - بتوسط جبرائيل والنبي غلوّاً عندهم ومن ضروريات المذهب اليوم) (1) . فهذا الممقاني يعترف بالتطور العقدي عندهم، ويحكم بأن ما كان يعد غلوّاً في عرف الشيعة المتقدمين ـ مثل أن الأئمة يعلمون الغيب، ولا يسهون ـ هو اليوم من ضروريات مذهب التشيع. ومن هذا المنطلق نرى شيخ الشيعة المعاصر: محمد حسين آل كاشف الغطا يحكم على جميع فرق الشيعة الموجودة اليوم بعدم الغلو ويزعم أن جميع الفرق الغالية قد بادت ولا يوجد منها اليوم نافخ ضرمة (2) (3) . والواقع أن أسماء معظم تلك الفرق قد اختفت وبقيت آراؤها وأفكارها في كتب الاثني عشرية.   (1) «تنقيح المقال» : جـ3 ص 240. (2) انظر: «أصل الشيعة وأصولها» : ص 38، «دعوة التقريب» : ص 75. (3) وقال الدكتور سليمان دنيا - معلقاً على قول آل كاشف الغطا هذا - قال: (فما يكون الأغاخانية؟ أليسوا قائلين بالحلو؟! أوَ ليسوا مع قولهم بالحلول ملاحدة؟! أوَ ليسوا منتسبين إلى الشيعة؟ وأخيراً أو ليسوا على رقعة الأرض اليوم؟) : «بين السنّة والشيعة» : ص 37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وقد تنبه لهذه الحقيقة - وهي تطور معتقدهم نحو الغلو - الشيخ: ملا علي القاري (1) وذلك حينما نقل قول الإمام النووي (2) وهو: إن (المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون والمحققون أن الخوارج لا يكفرون كسائر أهل البدع) (3) فقال القاري معقباً على ذلك (قلت: وهذا في غير حق الرافضة الخارجة في زماننا، فإنهم يعتقدون كفر أكثر الصحابة فضلاً عن سائر أهل السنّة والجماعة، فهم كفرة بالإجماع بلا نزاع) (4) . ولعل هذه الظواهر هي التي دعت محب الدين الخطيب إلى أن يحكم بأن مدلول الدين عند الشيعة يتطور، ثم استدل على ذلك بقول الممقاني السالف الذكر، ثم قال: (هذا تقرير علمي في أكبر كتاب وأحدثه لهم في الجرح والتعديل يعترفون فيه بأن مذهبهم الآن غير مذهبهم قديماً، فما كان يعدونه قديماً من الغلو وينبذونه وينبذون أهله بسبب ذلك، صار الآن - أي الغلو - من ضروريات المذهب. فمذهبهم اليوم غير مذهبهم قبل الصفويين ومذهبهم قبل الصفويين غير مذهبهم قبل ابن المطهر ومذهبهم قبل ابن المطهر غير مذهبهم قبل آل بويه، ومذهبهم   (1) علي بن محمد سلطان الهروي المعروف بالقاري الحنفي، نزيل مكة، وأحد صدور العلم، ألف التآليف الكثيرة النافعة منها شرحه على المشكاة في مجلدات وهو أكبرها، وشرح الشفا، وشرح النخبة وغيرها توفي بمكة سنة 1014هـ. انظر: «خلاصة الأثر» : (3/185، 186) . (2) شيخ الإسلام محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مزي الخزامي، النووي صنف التصانيف النافعة في الحديث والفقه وغيرهما كـ «شرح مسلم» ، و «الروضة» ، و «شرح المهذب» وغيرها. توفي سنة 676هـ. السيوطي: «تذكرة الحفاظ» : ص 510. (3) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم: (2/50) . (4) «مرقاة المفاتيح» : (9/137) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 قبل آل بويه غير مذهبهم قبل شيطان الطاق ومذهبهم قبل شيطان الطاق غير مذهبهم في حياة علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين) (1) . ولعل من أكبر العوامل لاستقرار هذا المذهب على الغلو هو استيعاب مدونات الروافض لآراء تلك الفرق الشاذة، وقبولهم لروايات أصحاب تلك الفرق لأنهم «شيعة» ، فهم مقبولون بغض النظر عن معتقدهم فمع التشيع لا يضر انتحال أي نحلة! ولهذا انبثق من الروافض كثير من الفرق الخارجة عن الإسلام (2) . هذا وقبل أن نرفع القلم عن هذا الموضوع نضيف حقيقة مهمة في هذا المجال وهي أنه يوجد للاتجاه الشيعي المعتدل أثر في مدونات الروافض في أحاديث تثني على الصحابة وترفض التقية، وتوافق المسلمين في معتقدهم، لكن علماء الروافض رفضوا العمل بها بحجة أنها وردت مورد التقية، في حين أنهم لا يملكون دليلاً يؤكدون به ذلك سوى أنها موافقة لجمهور المسلمين، وهذا دليل عليهم لا لهم. وإننا نعتقد أنه بالإمكان استخلاص هذا الأثر الشيعي المعتدل من كتب الشيعة ليكون شمعة ضوء تهدي المخلصين في البحث عن الحق، وعلى ضوئه يمكن التقارب، وسيأتي تفصيل هذا في مبحث "هل من طريق إلى التقريب؟ ".   (1) هامش «المنتقى» : ص 193. (2) فالنصيرية والإسماعيلية والباطنية من بابهم دخلوا. «المتقى» : ص9. وكذلك الشيخية والكشفية والبهائية من صميمهم خرجوا، هامش «المنتقى» : ص 9. وأصبح التشيع مأوى لكل من أراد الكيد للإسلام والمسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 لكن ذلك الغثاء الذي حوته كتب الشيعة هو الذي يمثل القسم الأكبر، وقد وضع الشيعة قاعدة تقديم الأكثر على الأقل (1) فبقي هذا الأكثر يشكل العقبة الكؤود بينهم وبين المسلمين. لقد كان الأحرى بالشيعة - وهم اليوم ينشطون في الدعوة إلى التقارب مع أهل السنّة - أن يبدأوا بإزالة تلك العوائق الكامنة في أصول مذهبهم ما دامت لهم رغبة في الالتقاء مع الأمة. إن مجرد إطلاق القول بأنه لا خلاف بين الطائفتين لا يؤدي الغرض المنشود في التقارب وتحقيق ما يؤمله المسلمون من الألفة والوحدة. ما القيمة العملية - مثلاً - للأصل الذي وضعه الروافض وجعلوه من أسس مذهبهم وهو أن مخالفة العامة - أي أهل السنّة - فيها الرشاد؟ وهل هذا منطق علمي للوصول إلى الحق، أم هو تعصب مذهبي أعمي؟ وهل هذا إلا من وضع زنديق لتفريق الأمة، والخروج عن إجماع المسلمين؟ ولماذا يردُّ علماء الشيعة ما في كتبهم من أحاديث توافق أهل السنّة، ويزعمون أنها تقية لأنها توافق مذهب الأمة؟! وهل هذا صنيع من يريد التقارب واللقاء؟. حتى إن هذه التقية كانت سبباً في ضياع مذهب أهل البيت الحقيقي في كتب الشيعة، وكانت من عوامل تفريق شمل الأمة، والكذب على الأئمة.   (1) وذلك باعتبار أن هذا الأقل ورد مورد التقية، قال المفيد: (وما خرج للتقية لا تكثر روايته عنهم كما تكثر رواية المعمول به) «شرح عقائد الصدوق» : ص 267، ملحق (ب) «أوائل المقالات» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 إن الشيعة اليوم وهي تتنادى بالتقارب، وتزعم أنه لا خلاف بينها وبين المسلمين، وتدعو أن يرجع المسلمون إلى كتبها في الحديث - إن هذه الشيعة إذا كانت جادة بهذه الدعوة فلا بد لها من أن تزيل العقبات التي تحول دون ذلك. فكيف يحتج ويثق المسلمون بكتب تواتر فيها الطعن في كتاب الله، ودعوى أنه ناقص ومحرف؟! وكيف يتلقى المسلمون دينهم من رجال هذه عقيدتهم؟ فهل نتلقى ديننا عمن يسعى لهدمه وتغييره؟! وكيف نجتمع على كتاب الله وهم بتأويلهم المنحرف وتفسيرهم الباطني قد جعلوا منه كتاباً آخر غير ما في أيدي المسلمين؟! ثم كيف يؤمن المسلمون بتلك الدعاوى الغريبة التي تتضمن الزعم بنزول كتب إلهية بعد كتاب الله (؟! هل بهذه المزاعم والمفتريات تستطيع الشيعة أن تقترب من الأمة؟ أما السنّة المطهرة فالبون بيننا وبينهم فيها كبير كما رأينا؛ فهم يزعمون أن أقوال أئمتهم الاثني عشر كأقوال الله ورسوله، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتم جزءاً من الشريعة وأودعه الأئمة، ويؤمنون بحكايات الرقاع ويبنون عليها دينهم ويقبلون مرويات رجال هم عند المسلمين من الكذبة والدجالين، ويطعنون في خيار الخلق بعد النبيين والرسل ويردون أحاديثهم.. فهل نلتقي معهم في "السنة" وهذا معتقدهم فيها؟! وكيف يمكن أن نزيل أسباب النزاع والخلاف بالرجوع إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 الكتاب والسنّة ما دمنا فيهما مختلفين؟! وكيف نطبق قوله سبحانه: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ((1) وذلك برد النزاع إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -؟! ثم هم يرفضون الإجماع ويتعمدون مخالفة المسلمين، لأن خلاف العامة - عندهم - فيه الرشاد. ثم كيف يدعون المسلمين إلى التقارب وهم يكفرونهم في كتبهم الأساسية؟! وهل الطعن والسب والتكفير لصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسلك من يريد التآلف؟! ثم هم يعتقدون أنهم "شعب الله المختار"؛ فاسمهم الخاصة، وهم أهل الأجر والمثوبة في الآخرة.. إلخ. وهم يشذون عن الأمة بعقائدهم في الإمامة، والعصمة والتقية والرجعة والمهدية، والبداء. فكيف السبيل إلى التقريب، مع هذا الشذوذ كله؟! وإننا نعتقد أنه ما دامت كل هاتيك البلايا موجودة في كتب الشيعة فإنها ستبقى في منأى عن جماعة المسلمين. إن أهل السنّة يحبون أهل البيت، بينما الشيعة - وهي تزعم التشيع لهم - تقدح في معظمهم، وترد بعض مروياتهم، فأي الفريقين ضد التقريب ومن هو الأحوج إلى دعوة التقريب؟!   (1) النساء: آية 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 ولا نحكم هنا الحكم النهائي بل نستمع لآراء دعاة التقريب فيما سبق حسبما نجده لهم من آراء ونناقشها على ضوء ما مر، وكذلك نعرض بعض محاولات التقارب ونقيمها، ثم نرسم الطريق الذي نراه للتقريب فيما يلي من صفحات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 دليل الموضوعات «القسم الأول»   [التعليق] انظر النسخة المصورة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 مسألة التّقريب بين أهْل السُّنة والشّيعَة القسم الثاني د. ناصر بن عبد الله بن علي القفاري دار طيبة للنشر والتوزيع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1 القسم الثاني الباب الثالث: آراء دعاة التقريب في قضايا الخلاف ومناقشة ذلك ويشمل: الفصل الأول: فيما يتصل بمذهب الشيعة . ويتضمن: آراء دعاة التقريب: 1- في قول الشيعة بتحريف القرآن. 2- في انحرافهم في تفسير القرآن. 3- في دعواهم تنزل كتب إلهية غير القرآن. 4- في السنّة. 5- في الإجماع. 6- في الإمامة. (أ) في غلوهم بالأئمة. (ب) وفي قبور الأئمة. (ج) في غلوهم في مجتهديهم. (د) في قولهم بعدم شرعية حكومة إسلامية غير حكومة الاثني عشر. (هـ) في قولهم بأن الإمامة ركن من أركان الدين ومنكرها كافر. (و) في غلو الشيعة في نفسها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 7- في العصمة. 8- في الرجعة. 9- في الغيبة. 10- في البَدَاء. 11- في الصحابة. 12- في التَّقِيَّة. الفصل الثاني: فيما يتصل بمذهب أهل السنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 توطئة : سبق أن ذكرنا الأصول العقدية عند الفريقين: السنّة، والشيعة، وهو ما في الباب الأول والثاني، وكانت الدراسة لتلك الأصول من خلال المصادر المعتمدة لهما، ولقد تبين سعة الفجوة بين الفريقين كما جاء بيان ذلك في النتيجة. وفي هذا الباب عرض لآراء دعاة التقارب الذين يرون أنه لا خلاف بين الفريقين إلا في مسائل يسيرة في الفروع.. نعرض آراءهم فيما مضى من أسس الخلاف ونناقشه. ولن تجد في هذا الباب إلا كلام المعاصرين، اللهم إلا ما نأتي به أحياناً لمناقشة آراء المعاصرين، كما أنك تلاحظ أن السمة الغالبة فيما مضى هو النقل من أصولهم المعتمدة في الحديث ومن أقوال علمائهم السابقين. وسنرى في هذا المبحث هل يسير المعاصرون على خطى القدامى، أو أن الصورة تغيرت، كما يقول بعض دعاة التقريب؟ فدعوى عدم وجود خلاف بين السنّة والشيعة هي دعوى نشأت في هذا العصر مع نشاط حركة التقريب. فلنر.. هل تغير شيء مما عرضنا؟ ونقول: إن دعاة التقريب هم من الفريقين: السنّة والشيعة - كما سيأتي في «محاولات التقريب» - وسنعرض ما نجده من آراء لهم حول ما أثرناه فيما مضى من صفحات كما قلنا، والجدير بالذكر أن معظم فئات التقريب من أهل السنّة ليسوا على دراية بكثير مما مضى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 حول الشيعة، فهم لا يعلمون بوجوده فكيف يكون لهم رأي فيه؟ (1) ، ولكن الشيعة هم الذين كان لهم دفاع عن بعض ما مضى - حول مذهبهم - أو إقرار بما فيه، وهم أهل المذهب، وأحرى بأن يستفتوا فيه حتى لا يكون هناك مظلمة لأحد، لذلك ستكون تلك الآراء الآتية فيما يتصل بما شذ فيه الشيعة مأخوذة من كتب الشيعة المعاصرة التي تنادي بالتقريب، وتدافع عن التشيع وتزعم أنها لا تخالف جمهور المسلمين إلا في بعض مسائل الفروع - كما قلنا - نتعرف على آراء تلك الفئة ونناقشها على ضوء ما مر ليتبين مقدار الجدية في التقريب والصدق في محاولة اللقاء مع المسلمين. لقد تبين لنا سعة الفجوة بين الفريقين، وإن كبر الفُرقة يتحملها الشيعة، فلنر ما يقولون في تلك المسائل. ولعل من الضروري أن نشير إلى أن تلك الفئة التي نستطلع آراءها هي من الاثني عشرية "الرافضة"، لأنها - كما بينا - كانت هي المحضن أو المستودع لآراء الشيعة بكافة فرقها وهي التي أصبحت مصادرها في التلقي معروفة معلومة، وبالإمكان دراسة تلك الآراء - على ضوئها كما مر - أما غيرها فهي: (أ) إما باطنية محضة لا تزال تمارس العزلة والتخفي وتعيش في سراديب الكتمان، وقد برهنت الوثائق والوقائع على زندقتهم وإلحادهم، ومع ذلك فإن بعض الأقلام الباطنية في هذا العصر تدعو للتقارب (2) ، مع أن مصادرها في الاعتقاد لا تزال في الغالب   (1) انظر: محاولات التقريب عند أهل السنة. (2) فهذه طائفة الدرزية رفعت شعار التقريب وألقى أحد رجالها ويسمى "رفيق = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 طي الكتمان وما ظهر منها يبرهن على إلحادهم، فكيف يمكن التقارب معهم، وهل دعوة التقارب منهم سوى محاولة لاكتساب صفة الشرعية والعمل على تسهيل مهمة الدعاة الباطنيين في الديار الإسلامية؟. (ب) وإما زيدية، والزيدية إما جارودية فهي - رافضية إمامية - وإن تسمت بالزيدية - تكفر صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترد مروياتهم، وأما الزيدية المعتدلة كالبترية، فهي من أقرب فرقة الشيعة إلى الاعتدال. وهي على ما بينّا ترجع لمصادر الأمة (ولذلك تجد القرب قائماً من غير محاولة تقريب) (1) . ولهذا فإن "الرافضة" تطعن في الزيدية وتخرجهم من التشيع ما عدا فئة الجارودية من الزيدية - كما سبق (2) - وهم لا يحتجون بروايات الزيدية. يقول الطوسي: (ورجال الزيدية وما يختصون بروايته   = وهبة" محاضرة في جمعية الشبان المسلمين بعنوان "محاضرة في الائتلاف تحت لواء الإسلام" أو "الجامعة الإسلامية وموقف الدروز منها" وطبعت عام 1358هـ، وقدم له أحد الروافض "عبد الله العلايلي"، وزعم الدرزي في محاضرته (أن مذهب الدروز مذهب إسلامي له طريقته الخاصة في التفسير، وأن الدروز انبثقوا من الإسلام وبنوا تعاليمهم على القرآن الشريف) إلخ: (ص 49- 50) من المصدر المذكور. وهذه طائفة النصيرية حاولت أن تمسك بدعوى التقارب والوحدة، فأصدر أحد رجالها رسالة بعنوان "إنما المؤمنون إخوة تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله" وطبعت في مطبعة الإرشاد باللاذقية عام 1357هـ، إلى غيرهما من طوائف الباطنية. لقد حاولت هذه الطوائف الباطنية الكافرة أن ترفع شعار الإخوة والتقارب لتخدع المسلمين ولتضفي ستاراً على زندقتها ومؤامراتها ضد الإسلام والمسلمين. راجع (الإسماعيلية) : ص 134 من هذا البحث. (1) أبو زهرة: «الإمام زيد» : ص 4. (2) انظر: ص 155 من هذه الرسالة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 لا يُعمل به على ما بُيّن في غير موضع) (1) . والرافضة تكفر الزيدية (2) ، لهذا لم يبق سوى "الرافضة" وهي التي تنشط في الدعوة للتقريب، فلنر ما يقولونه فيما شذّوا به عن المسلمين. 1- في قول الشيعة بتحريف القرآن: لقد نسبت كتب أهل السنّة إلى مذهب الشيعة تلك المقالة الشنيعة في الزندقة والإلحاد وهي قولهم بتحريف القرآن (3) . ورأينا أن أهل السنّة لم يظلموهم، وأن هذا "الطعن" في كتاب الله متواتر في كتبهم وهو مذهب لطائفة من علمائهم، بل نقل بعضهم.. اتفاقهم على هذه "المقالة" (4) فماذا يرى دعاة التقريب في هذه "المقالة" التي تقطع صلتهم بالإسلام والمسلمين وهم يحاولون اللقاء مع المسلمين؟ وحين نتتبع ما كتبه دعاة التقريب من الشيعة حول هذه "القضية" نجد أنها تدور على المحاور التالية:   (1) «الاستبصار» : (جـ1ص 66) باب: وجوب المسح على الرجلين. (2) انظر: «رجال الكشي» : ص 229، رقم 409، 410، 411، وص 460 رقم 783، 874. (3) انظر مثلاً: الملطي: «التنبيه والرد» : ص 25، ابن حزم: «الفصل» : (5/22) ، البغدادي: «الفرق بين الفرق» : ص 327. محب الدين الخطيب: «الخطوط العريضة» : ص 10 وما بعدها، موسى جار الله: «الوشيعة» : ص 23، «مختصر التحفة الاثني عشرية» : ص 30 وما بعدها، و «الشيعة والسنّة» : إحسان إلهي ظهير: ص 77 وما بعدها. (4) انظر: ص 205 وما بعدها من هذا البحث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 المحور الأول : استعمال التقية، وذلك بإنكار ما ينسب إليهم في هذا الشأن، ونفي أن يكون لهم رأي، أو قول، أو حديث يمس كتاب الله ويشير إلى تحريفه نفياً قاطعاً، وممن سار على هذا "الخط" عبد الحسين الأميني النجفي في كتابه «الغدير» ـ وذلك حينما رد على ابن حزم (1) ما نسبه إلى الشيعة من القول بتلك المقالة ـ فقال هذا النجفي: (ليت هذا المجترئ أشار إلى مصدر فريته من كتاب للشيعة موثوق به، أو حكاية عن عالم من علمائهم تقيم له الجامعة وزناً، بل نتنازل معه إلى قول جاهل من جهالهم أو قروي من بسطائهم، أو ثرثار كمثل هذا الرجل يرمي القول على عواهنه، وهذه فرق الشيعة في مقدمتهم الإمامية مجمعة على أن ما بين الدفتين هو ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه) (2) . مناقشة هذا الرأي: إن القارئ ليعجب من هذه الجرأة على نفي ما هو واقع، ولا شك أن هذا النفي سيؤول من الشيعة ومن المطلعين على ما في   (1) حيث قال ابن حزم: (ومن قول الإمامية كلها قديماً وحديثاً أن القرآن مبدل زيد فيه ما ليس منه ونقص منه كثير وبدل منه كثير، حاشا علي بن الحسن بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان إمامياً يظاهر بالاعتزال، مع ذلك فإنه كان ينكر هذا القول ويكفر من قاله، وكذلك صاحباه أبو يعلى ميلاد الطوسي وأبو القاسم الرازي) «الفصل» : (5/22) ، ونقل هذا الكلام عنه صاحب «الغدير» بحذف بعض كلمات ابن حزم: «الغدير» : (3/94) . (2) «الغدير» (3/94- 95) . ومثله في هذا المسلك لطف الله الصافي في كتابه «مع الخطيب..» : ص 71. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 كتب الشيعة من أهل السنّة سيؤول بأنه تقية فماذا يجدي مثل هذا الدفاع. وإن القارئ ليعجب من جرأة مثل هذا الرجل على هذا الكذب الصريح مع مكانته الكبيرة عند طائفته (1) ، وفي أخبارهم أن الرجل يكبر في أنفسهم كل ما كان أبدع وأقدر في استعمال التقية مع المخالفين، لكن هذا النجفي لم يحسن التقية فهو كمن يريد أن يحجب ضوء الشمس بكفه وأنّى له ذلك؟! فهو ينفي ما هو واقع في كتبهم التي أصبحت في متناول الكثيرين، وليرجع القارئ إلى ما كتبناه عنهم في مبحث قولهم بتحريف القرآن. ومن العجيب أنه وهو ينكر وجود تلك المقالة في كتبهم في الجزء الثالث من كتابه ـ نراه في الجزء التاسع من الكتاب يتورط هو نفسه بهذه المقولة الشنيعة ويناقض نفسه بنفسه؛ فيقول مهاجماً وطاعناً في الخليفة الراشد ـ أفضل الصحابة رضي الله عنهم أبي بكر الصديق (يقول: (سل عنها - أي صفة أبي بكر في زعمه - أمير المؤمنين وهو الصديق الأكبر يوم قادوه كما يقاد الجمل.. إلى بيعة عمت - كذا ـ شؤمها الإسلام، وزرعت في قلوب أهلها الآثام، وعنفت سلمانها، وطردت مقدادها، وفتقت بطن عمارها، وحرقت القرآن، وبدلت الأحكام) (2) كما أورد آية مفتراة في نفس كتابه «الغدير» الذي ينفي فيه وجود تلك المقالة   (1) ويلقبونه بالحبر، العلم، الحجة، المجاهد، وكتابه «الغدير» متوج بثناء وتوثيق آياتهم وعظمائهم مثل محسن الحكيم: (جـ7 ص ز) ، وعبد الحسين شرف الدين الموسوي: (جـ7 ص هـ) ، وحسين الموسوي: (جـ9 ص ب) وغيرهم. (2) «الغدير» : (9/388) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 عندهم، ونص هذه الآية المزعومة هي: (اليوم أكملت لكم دينكم بإمامته فمن لم يأْتم به وبمن كان من ولدي"؟! " من صلبه إلى يوم القيامة فأولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون، إن إبليس أخرج آدم "عليه السلام" من الجنة مع كونه صفوة الله بالحسد، فلا تحسدوا فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم) . وزعم هذا الرافضي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إنها نزلت في علي. وحاول أن يموه ويخدع القراء فينسب هذا الافتراء لمحمد بن جرير الطبري السني، وهو محمد بن جرير الطبري الرافضي، إن صحت النسبة إليه، فالرجل افترى على الله وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين (1) . وهكذا يثبت الرجل ما ينفيه (2) ، والمسألة لا تحتاج لإثباته أو نفيه، فهي قد سودت صفحات كتب الشيعة الأساسية، وأقر كبار علمائهم بأنها مستفيضة ومتواترة فيها، وأصبحت مذهباً لطائفة منهم ... لكن أسلوب هذا الرجل يتفق مع ما ذكروه من أن المسائل التي أجمع المسلمون عليها يجب إظهار الموافقة لهم فيها وتقيتهم بها. وإلى هذا يشير الطوسي - وهو يرد حديثين عندهم وردا بتحريم الجمع بين المرأة وخالتها، والمرأة وعمتها - على أن   (1) «الغدير» : (جـ1/ص 214- 216) . (2) هذا الأسلوب: الإثبات في موضع، والإنكار في موضع آخر، مسلك لهم في أحاديثهم وفي كلام علمائهم. وقد ورد في أحاديثهم بيان للسبب في هذا "النهج"؛ وهو عدم وقوف العامة "أهل السنّة" على حقيقة مذهبهم فلا يتعرضوا لهم بسوء. «البحار» : (2/236) ، وفيه (لو اجتمعتم على أمر واحد لأخذ برقابكم) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 الخبرين يحتملان شيئاً آخر؛ وهو أن نحملهما على ضرب من التقية، لأن جميع العامة "أهل السنة" يخالفوننا في ذلك، (لأن مذهب الشيعة يبيح الجمع بين المرأة وخالتها، والمرأة وعمتها) ويدعون - أي أهل السنّة - أن هذه مسألة إجماع، وما هذا حكمه تجري فيه التقية. فالطوسي هنا يكشف أمراً خطيراً، ومبدأ في غاية الفساد وهو أن مسائل الإجماع عند المسلمين تجري فيها التقية عند الشيعة، فهل نثق بعد هذا في موافقة الشيعة لجمهور المسلمين؟ وهذا كلام إمامهم الطوسي صاحب كتابين من كتبهم الأربعة في الحديث وكتابين من كتبهم الأربعة في الرجال ومن يسمونه بـ "شيخ الطائفة على الإطلاق". وقد مر بنا في مبحث "قول الشيعة بتحريف القرآن" أنهم ألفوا في إثبات هذا الاعتقاد كتباً مستقلة آخرها كتاب «فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب» لحسين النوري الطبرسي (1320هـ) ، وقلنا: إن مؤلف هذا الكتاب يحظى بثقة الشيعة، وهذا الكتاب - كما سبق - يعتبر من أكبر فضائح الشيعة، لأن مؤلفه جمع أحاديثهم وأقوال علمائهم في الطعن في كتاب الله سبحانه إلخ. وكنا ننتظر من دعاة التقريب من الشيعة موقفاً جاداً وحازماً إزاء هذا الكتاب ومؤلفه، لكننا وجدناهم يحاولون خداع الناس والتستر على الباطل، وحماية عرض هذا الرجل الذي يريد هدم الإسلام بالطعن في ركنه وعموده وهو القرآن الكريم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 فهذا "لطف الله الصافي" من علماء الشيعة في إيران، وممن يتظاهر بالحماس لفكرة التقريب، ووحدة المسلمين (1) ، يحاول أن يخدع المسلمين ويغرر بهم ويدافع بالكذب عن ذلك "الرجل" فيقول: إن المحدث النوري - يعني صاحب فصل الخطاب - لم ينكر ما قام عليه الإجماع واتفاق المسلمين من عدم الزيادة ولم يقل: إن القرآن قد زيد فيه، بل صرح في ص 23 بامتناع زيادة السورة أو تبديلها، فقال: (هما منتفيان بالإجماع وليس في الأخبار ما يدل على وقوعهما، بل فيها ما ينفيهما) - كما يأتي - وقد اعترف المحدث المذكور بخطئه في تسمية هذا الكتاب، كما حكى عنه تلميذه الشهير وخريج مدرسته العالم الثقة الثبت الشيخ أغابزرك الطهراني ـ مؤلف «الذريعة» و «أعلام الشيعة» وغيرهما من الكتب القيمة ـ فقال في ذيل ص 550 من الجزء الأول من القسم الثاني من كتابه «أعلام الشيعة» : (ذكرنا في حرف الفاء من «الذريعة» عند ذكرنا لهذا الكتاب مرام شيخنا النوري في تأليفه «فصل الخطاب» ، وذلك حسبما شافهنا به وسمعنا من لسانه في أواخر أيامه فإنه كان يقول: أخطأت في تسمية الكتاب، وكان الأجدر أن يسمى بـ «فصل الخطاب في عدم تحريف الكتاب» ، لأني أثبت فيه أن كتاب الإسلام "القرآن الكريم" الموجود بين الدفتين المنتشر في أقطار العالم وحي إلهي بجميع سوره وآياته وجمله لم يطرأ عليه تغيير أو تبديل ولا زيادة ولا نقصان   (1) ولكنه يناقض ذلك، في كثير من كلماته وآرائه كما في كتابيه: «مع محب الدين في خطوطه العريضة» ، و «صوت الحق» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 من لدن جمعه حتى اليوم) (1) هذا ما يقولونه، وبالرجوع إلى كتاب «فصل الخطاب» (2) لمعرفة "الحقيقة" نجد أن المؤلف كشف عن غرضه الخبيث في مقدمة كتابه حيث يقول فيها: (هذا كتاب.. عملته في إثبات تحريف القرآن وفضائح أهل الجور والعدوان وسميته: «فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب» ) (3) . أما صفحات الكتاب فتشتمل على ثلاث مقدمات وبابين: المقدمة الأولى: في الأخبار الواردة عن الشيعة في جمع القرآن وجامعه وسبب جمعه وكونه - كما يعتقد هذا المجوسي - في معرض النقص بالنظر إلى كيفية الجمع، وبأن تأليفه يخالف تأليف المؤلفين. ص 2- 24. المقدمة الثانية: في أقسام التغيير الممكن حصوله في القرآن والممتنع دخوله فيه. ص 24- 26 - كما يزعم-. المقدمة الثالثة: في ذكر أقوال علماء الشيعة في تغيير القرآن وعدمه. ص 26- 36. الباب الأول: أدلة هذا المجوسي وأهل ملته على وقوع التغيير والنقص في القرآن. ص 36- 360. الباب الثاني: في ذكر أدلة القائلين بعدم تطرق التغيير وجواب هذا المجوسي عنها. ص 360- 398.   (1) انظر: «مع الخطيب في خطوطه العريضة» لطف الله الصافي: (ص 64- 66) . (2) وقد استطعت الحصول على صورة من النسخة الخطية للكتاب من المجمع العلمي بالعراق. (3) «فصل الخطاب» : ص 1. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 وقد طبع الكتاب على الحجر في إيران سنة 1298هـ وعليه خاتم الدولة الإيرانية الرسمي، وقد استبشر به "أعداء الإسلام" فترجمه المبشرون إلى لغاتهم ونشروه كما ذكر ذلك بعض الشيعة (1) . فمادة هذا الكتاب كلها محاولة يائسة للنيل من كتاب الله العظيم، فكيف يقال بعد هذا: إن المؤلف أخطأ فقط في عنوان الكتاب؟ وقوله: إن النوري الطبرسي نفى زيادة السورة أو تبديلها وقال: هما منتفيان بالإجماع، فهذه حقيقة ولكن لماذا لم يكمل "الصافي" ما في الصفحة نفسها والتي تليها؟ فقد قال "النوري الطبرسي" وهو يذكر صور التغيير في القرآن - كما يزعم-: (الأولى: زيادة السورة ولا ريب في امتناعها.. الثانية: تبديل السورة وهي كالأولى.. الثالثة: نقصان السورة وهو جائز كسورة الحفد وسورة الخلع وسورة الولاية) . ثم استمر يعدد صور التغيير بزعمه فقال: (نقصان الآية وهو غير ممتنع ومثاله: والعصر إن الإنسان لفي خسر وأنه فيه إلى آخر الدهر، زيادة الكلمة كزيادة «عن» في قوله تعالى: يسألونك عن الأنفال، ونقصانها كـ "في علي"؟ في مواضع كثيرة، وتبديل الكلمة كتبديل آل محمد بعد قوله: (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم) بآل عمران.. نقصان الحرف كنقصان همزة من قوله تعالى: كنتم خير أمة - يريدها خير أئمة - و «يا» في قوله تعالى: يا ليتني كنت تراباً - يريدها ترابياً حتى تكون إشارة لعلي لأن لقبه أبو تراب) .. إلخ الصور التي ذكرها، وكلها طعن في كتاب الله (2) . وقد اعترف بعض علماء الشيعة بأن هذا   (1) وهو آيتهم محمد مهدي الموسوي الأصفهاني الكاظمي في كتابه «أحسن الوديعة» : (1/73) . (2) «فصل الخطاب» : (ص 23- 24) (مخطوط) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 الطبرسي تجرأ جرأة عظيمة على الإصرار على تحريف كتاب الله (1) . فلماذا هذا التستر على الباطل والدفاع الكاذب من رجال يعدهم الشيعة من كبار علمائهم المعاصرين؟، هل يظنون أن هذا الكذب سيخدعون به جميع الناس؟ وهل يتصورون أنهم بهذا الأسلوب يتمكنون من إخفاء حقيقة كتاب مطبوع؟، فهم بهذا المنهج كالنعامة التي تدفن رأسها بالرمال وتظن أن الناس لا يرونها. أليس في هذا الأسلوب نزع لثقة الناس بما يقولونه بشكل مطلق؟! ومن العجب أن ينال هؤلاء «الرجال» ثقة بني قومهم وهم على هذا المستوى من الكذب. أم أن هذا مفخرة لهم لأنهم فعلوا تسعة أعشار الدين وهو التقية؟ نحمد الله على نعمة العقل والدين. إن لبعض الشيعة «أساليبهم» في المكر والخداع. فهؤلاء الثلاثة بهذا الدفاع إنما يعنون شيئاً آخر لا يفطن له من لم يقرأ في كتب الشيعة، ويتعرف على مكائدهم، إنهم يعنون بهذا الدفاع القرآن المزعوم عند إمامهم المنتظر، والدليل على ذلك في تكملة الكلام السابق - الذي ذكره لطف الله الصافي عن أقابزرك الطهراني، والذي يرويه عن شيخه صاحب فصل الخطاب - وهو قوله بعد ذلك الكلام السابق مباشرة: (وقد وصل إلينا المجموع الأوّلي بالتواتر القطعي ولا شك لأحد من الإمامية فيه.. كما أني أهملت التصريح بمرامي في مواضع متعددة من   (1) وهو عبد الله الممقاني. انظر: «البرهان على عدم تحريف القرآن» ميرزا مهدي بروجردي: ص 132، وصاحب «البرهان على عدم تحريف القرآن» يسمى "الطبرسي" ثقة الإسلام، مع أنه يزعم أنه يدافع عن القرآن ومع ذلك يمدح أعداء القرآن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 الكتاب حتى لا تسدد نحوي سهام العتاب والملامة، بل صرحت غفلة بخلافه، وإنما اكتفيت بالتلميح إلى مرامي ص 22، إذ المهم حصول اليقين بعدم وجود بقية للمجموع بين الدفتين كما نقلنا هذا العنوان عن الشيخ المفيد ص 26) . ففي قوله: (وقد وصل إلينا المجموع الأولي.. ولا شك لأحد من الإمامية فيه) إشارة واضحة إلى قرآنهم المزعوم فهو يقول: (وصل إلينا المجموع الأولي) فهو وصل إليهم خاصة، وهو المجموع الأولي، وحتى يؤكد أن المراد هو ما عند منتظرهم قال: (ولا شك لأحد من الإمامية فيه) .. فمن الثابت أن طائفة من الشيعة: كالكليني، والقمي، والطبرسي، والمجلسي وغيرهم لا يشكون بل يؤكدون تلك المقولة الخبيثة في كتاب الله، ويزعمون أن القرآن الكامل هو عند مهديهم - كما سبق - ولكن الذي لا شك لأحد من الإمامية فيه هو ما عند منتظرهم وانظر إلى قوله: (كما أني أهملت التصريح بمرامي حتى لا تسدد نحوي سهام العتاب والملامة) ، ما هو مرامه الذي أهمل التصريح به؟ إذا كان مرامه إثبات أن القرآن محفوظ فهذا إجماع المسلمين وهذا ينجيه من الملامة فلماذا يهمل التصريح به؟، وقوله: (بل صرحت غفلة بخلافه) كيف نفسر هذه الكلمات البلهاء إذا كان القصد أنه صرح بحفظ كتاب الله على غفلة؟ فلم يكون التصريح بهذا الأمر المجمع عليه عند المسلمين على غفلة؟ وكيف يفطن القارئ لهذه الغفلة إلا إذا كان يخاف من طائفته؟ ولكن واقع كتابه غير ذلك، ولا شك أن هذا كلام ساقط لا يستحق المناقشة ولكن لأنه صادر من كبارهم عرضناه ليقف القارئ عليه. ومن الأمثلة لنفيهم المطلق لما هو واقع في كتبهم: "في مسألة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 تحريف القرآن» أن محب الدين الخطيب ذكر أن الطبرسي في فصل الخطاب في الصفحة 180 ذكر سورة "الولاية" التي تزعم الشيعة أنها سقطت من القرآن (1) فيرد عليه عالم الشيعة الصافي بقوله: (فانظر ما في كلامه من الكذب الفاحش والافتراء البيّن، ليس في فصل الخطاب لا في ص 180 ولا في غيرها من أول الكتاب إلى آخره ذكر من هذه السورة المكذوبة على الله تعالى) (2) . ا. هـ. والواقع أن الكاذب هو "لطف الله الصافي" فسورة الولاية أشار إليها الطبرسي في «فصل الخطاب» ص 23، ونقلها بكمالها في ص 180 وسيرى القارئ صورة لهذه.. السورة المزعومة من كتاب «فصل الخطاب» في "الوثائق"، فهل يجهل هذا لطف الله الصافي وقد رجع إلى الصفحة نفسها التي تضمنت الإشارة إلى السورة المزعومة؟ فماذا يجدي مثل هذا الدفاع الكاذب؟ ومن الأمثلة على نفيهم التحريف عن القرآن - ويعنون به القرآن الذي يزعمون أنه عند منتظرهم - ما يقوله عبد الحسين شرف الدين الموسوي (3) ونصه: (نسب إلى الشيعة القول بالتحريف بإسقاط كلمات وآيات، فأقول نعوذ بالله من هذا القول ونبرأ إلى الله من هذا الجهل وكل من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا أو مفتر علينا، فإن القرآن الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته) (4) تأمل   (1) «الخطوط العريضة» : ص 11. (2) «مع الخطيب في خطوطه العريضة» : ص 72. (3) سيأتي ترجمته في محاولات التقريب. (4) «أجوبة مسائل جار الله» : ص 28، 29. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 قوله: (فإن القرآن الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته) ، ماذا يعني بالقرآن المتواتر من طرقهم؟ هل هو القرآن الذي بين أيدينا؟ أم القرآن الغائب كما يدعون؟!. إن تخصيصه بأنه متواتر من طرقهم إشارة للمعنى الأخير. فالقرآن العظيم كان من أسباب حفظه تلك العناية التي بذلها عظيما الإسلام أبو بكر وعمر وأتمها أخوهما ذو النورين عثمان بن عفان في جمعه وتوحيد رسمه.. تحقيقاً لوعده (: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (ومعتقد الشيعة في هؤلاء الثلاثة معروف. فهذا القرآن إذن غير متواتر من طرقهم. هذه الصور التي نقلناها كلها تندرج تحت محور الإنكار لما هو واقع موجود، ويستحلون ذلك باسم التقية، فأي ثقة بشيوخ هذا مسلكهم؟ وكيف يطمئن مسلم إلى دين قائم على الخداع والكذب؟ وكيف يمكن التفاهم مع شيوخ مردوا على الدجل والتزييف؟ المحور الثاني ومناقشته : المحور الثاني هو الاعتراف بأن هناك بعض الروايات في تحريف القرآن ولكنها عندهم شاذة ومخالفة للإجماع. يقول محمد حسين آل كاشف الغطا - وهو مرجع الشيعة بين سنة 1965 - 1973م -: (وأن الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدي، ولتعليم الأحكام، وتمييز الحلال والحرام، وأنه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة، وعلى هذا إجماعهم.. والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه ضعيفة شاذة وأخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 فإما أن تؤول بنحو من الاعتبار أو يضرب بها الجدار) (1) . مناقشة هذا القول: هذا المعنى قاله قبله.. الطوسي، والطبرسي، والمرتضي وغيرهم من علماء الشيعة السابقين وتابعهم عليه بعض المعاصرين (2) من الشيعة، لكن يرد عليه أن الأمر ليس مجرد روايات ضعيفة شاذة، بل هو مذهب لكبار علماء الشيعة، زعموا تواتره واستفاضته، ومنهم من زعم اتفاقهم عليه كما سبق، فلماذا التستر على هؤلاء، والزعم بأنها روايات ضعيفة مشتركة بين الطائفتين؟ ولماذا يُقَدس أصحاب هذه "المقولة" وتصبح كتبهم مصادر معتمدة في الحديث عندهم كالكليني والمجلسي والطبرسي؟. ومع ذلك نقول: إن هذا الحكم من كبير علماء الشيعة على تلك الروايات بالشذوذ ـ وهي كما سبق (3) قد بلغت بشهادة علمائهم حد الاستفاضة والتواتر من طرقهم ـ هذا الحكم إن كان بصدق ينبغي أن يكون دافعاً للحكم على عقائد الشيعة الأخرى التي انفصلت بها عن المسلمين، كما ينبغي أن تكون منطلقاً لنقد أسانيد رواياتهم؛ فمن روى مثل تلك الروايات لا ينبغي أن يوثق به كالكليني وغيره. هذه هي النتيجة العملية لحكم آل كاشف الغطا إن كان صادقاً، وإلا فإن المسألة تبقى مجرد دفاع عن المذهب مبرقعاً بالتقية.   (1) «أصل الشيعة» : (ص 63- 64) . (2) مثل مرجع الشيعة الآخر محسن الأمين. انظر: «الشيعة» : ص 160. (3) انظر: ص 189 من هذا البحث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 المحور الثالث : وهو الاعتراف بأن هناك روايات في هذا كالروايات التي تزعم حذف أسماء الأئمة ونحو ذلك ولكن هذه من قبيل التفسير وليست من القرآن. يقول محمد حسين الطباطبائي: (المراد في كثير من روايات التحريف من قولهم عليهم السلام كذا نزل هو التفسير بحسب التنزيل في مقابل البطن والتأويل) (1) . المناقشة: هذا الرأي عند تطبيقه على روايات الشيعة نراه لا يتلاءم مع كثير من تلك الروايات، فقد ورد في رواياتهم "المفتراة" أن القرآن العظيم قد شابه تغيير في ألفاظه وكلماته، مثل ما يروونه عن علي - رضي الله عنه - زوراً وبهتاناً أنه قال: (وأما ما حُرّف من كتاب الله فقوله: (كنتم خير "أئمة" أخرجت للناس) .. فخرفت إلى خير أمة، ومنهم الزناة واللاّطة والسراق وقطاع الطريق والظلمة وشراب الخمر والمضيعون لفرائض الله تعالى والعادلون عن حدوده، أفترى الله تعالى مدح من هذه صفته؟) (2) . ومنه قوله تعالى في سورة النحل: (أن تكون أمة هي أربى من أئمة) فجعلوها أمة.. وقوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أئمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) ومعنى وسطاً بين الرسول وبين الناس، فحرفوها وجعلوها أمة.   (1) «الميزان في تفسير القرآن» : (جـ12/ص 108) . (2) «يعنون الصحابة - لأن القرآن العظيم اثني عليهم، ودين الشيعة يقوم على سبهم، فطعنوا في كتاب الله لهذا السبب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 ومثله في سورة عم: (ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابياً) فحرفوها وقالوا: تراباً، وذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر من مخاطبتي بأبي تراب ومثل هذا كثير (1) . فهل هذه الرواية - وأمثالها كثير - تنسجم مع تأويلهم بها بأنها من قبيل التفسير؟ لا شك أن هذا مخرج غير سليم، والموقف الصحيح هو ردها ورد مرويات من اعتقدها.. المحور الرابع : وهو الاعتراف بأن هناك روايات وكتب للشيعة في إثبات تحريف القرآن، ولكن المقصود بالتحريف هنا.. النقص..!!! يقول شيخهم - المعاصر - أغابزرك الطهراني في كتابه «الذريعة» إلى تصانيف الشيعة ـ بعد ذكره لما ألفه الشيعة من مؤلفات لتأييد هذه الفرية ـ يقول: (.. وتحرير هذا البحث على ما ذكره السيد المفيد قدس سره هو أنه هل لهذا القرآن ـ الذي هو كتاب الإسلام وهو الموجود بين الدفتين ـ بقية؟ أم ليست له بقية؟ فالنفي والإثبات متوجهان إلى البقية التي هي غير القرآن الموجود بين الدفتين، أم لم ينزل شيء آخر غير ما بينهما؟ فمحل هذا الخلاف إنزال وحي آخر وعدمه، لكن عبروا قديماً عن الإنزال وعدمه بالتحريف وعدمه من باب التعبير عن الشيء بلوازمه، فإن لازم نزول وحي لم يوجد فيما بين أيدينا أن يكون ذلك المنزل متروكاً ومحذوفاً ومسقطاً ومنقصاً، واللفظ الكاشف بمعناه اللغوي عن جميع تلك اللوازم هو التحريف.. فعدلوا عن دعوى ثبوت الإنزال وعدمه إلى دعوى تحقق التحريف،   (1) «البحار» : (93/ص 26، 27، 28) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 أي الأخذ بالجانب وعدمه، ثم قال: فظهر أن عنوان البحث قديماً بتحريف الكتاب بغير بيان لم يقع في محله، وكان الأولى أن يُعَنْوَن المبحث بتنقيص الوحي، أو يصرح بنزول وحي آخر وعدمه حتى لا يتمكن الكفار من التمويه على ضعفاء العقول بأن في كتاب الإسلام تحريفاً باعتراف طائفة من المسلمين) (1) . المناقشة: هذا هو دفاع عالم الشيعة عن كتاب الله سبحانه وهو تأكيد "التحريف" والطعن في كتاب الله بما يشبه الدفاع. (كبرت كلمة تخرج من أفواههم (، ولا يستغرب الشيء من معدنه فهذا الطهراني: هو تلميذ صاحب «فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب» وهو الذي أراد خداع جمهور المسلمين بزعمه أن مؤلف «فصل الخطاب» شافهه بأنه أراد الدفاع عن القرآن وإنما أخطأ في العنوان، فهو يحاول أن يتستر على معتقد شيخه الباطل بأساليب من المكر والمراوغة، وها هو ذا ينكشف بهذا "الدفاع"، فهو يزعم أن للقرآن بقية، وأن للوحي الإلهي تكملة وأن الأولى أن يعنون بدل التحريف بعنوان "نقص القرآن" أو نزول وحي آخر - ويزعم أن في هذا دفاعاً عن القرآن أمام الأعداء، هذا هو مبلغ دفاعه عن القرآن والإسلام. سبحانك هذا بهتان عظيم، أما مسألة دعواهم نزول وحي آخر فلهم فيها مزاعم كثيرة كما رأينا ذلك في مبحث "دعواهم تنزل كتب إلهية بعد القرآن".   (1) «الذريعة» : (3/313- 314) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 المحور الخامس: وهو أنهم يقولون بأن هذا القرآن محفوظ لكن لدينا قرآناً آخر عند إمامنا المنتظر.. وفي كتاب «البيان» للخوئي أن هذا المعنى متفق عليه بينهم (1) وفي كتاب «الإسلام على ضوء التشيع» لمن يلقبونه بالحجة آية الله العظمى الإمام الخراساني.. نجد هذا القول: (نحن معاشر الشيعة نعتقد بأن هذا القرآن الذي بأيدينا الجامع بين الدفتين - كذا يعني المجموع - هو الذي أنزله الله تعالى على قلب خاتم الأنبياء (من غير أن يدخله شيء بالنقص أو بالزيادة، كيف وقد كفّل - كذا - الشارع بنفسه تعالى من كل شين: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (؟. على أننا معاشر الشيعة "الاثني عشرية" نعترف بأن هناك قرآناً كتبه الإمام علي - رضي الله عنه - بيده الشريفة، بعد أن فرغ من كفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتنفيذ وصاياه، فجاء به إلى المسجد النبوي فنبذه الفاروق عمر بن الخطاب قائلاً للمسلمين: حسبنا كتاب الله وعندكم القرآن، فرده الإمام علي إلى بيته، ولم يزل كل إمام يحتفظ عليه كوديعة إلهية إلى أن ظل محفوظاً عند الإمام المهدي القائم المنتظر، عجل الله تعالى فرجنا بظهوره) (2) .   (1) الخوئي: «البيان» : ص 223. (2) الخراساني: «الإسلام على ضوء التشيع» : ص 204. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 المناقشة : هذه دعوى "وجود" قرآن آخر غير كتاب الله، وهو وديعة إلهية - كما يدعي - وقد رده عمر. ما الحاجة لوجود قرآن والله يقول: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكن الإسلام ديناً ((1) ؟!. ولِمَ تبق هذه الوديعة هذه الآماد من السنين عند منتظرهم والناس في حاجة إليها؟ إن مسألة وجود قرآن آخر، ومسألة الطعن في كتاب الله سبحانه هما في كتب الشيعة الأساسية مسألة واحدة وقضية واحدة لا تنفصل إحداهما عن الأخرى. فهم يطعنون في القرآن ويزعمون أن القرآن الكامل عند مهديهم المنتظر، وذلك بعد أن قام عمر برده وقال: لا حاجة لنا فيه. كما في كتابهم «الاحتجاج» للطبرسي وغيره على ما سبق بيانه. فهذا "الشيعي" ومن على منهجه أراد أن يتدرج بالقارئ المسلم لإقناعه بهذه الفرية بإظهاره على أحد وجوهها، ثم هذه الدعوى لا بقاء لمذهبهم إلا بها، لأن دينهم قام على مسألة إمامة الاثني، عشر وهؤلاء ليس لهم ذكر في كتاب الله فاضطروا إلى الالتجاء لهذه المقولة الشنيعة وتخبطوا في ذلك أيما تخبط. المحور السادس: إنهم يقولون: كنا نقول بالتحريف ثم عدلنا عن ذلك بعد الدراسة والتمحيص، وهذا الرأي لم أجده إلا في كتاب «الشيعة والسنة   (1) المائدة: الآية 3. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 في الميزان» (1) حيث يقول: (الفرق بيننا وبين غيرنا أنا لم نقل بعدم التحريف إلا بعد دراسة وتمحيص، ولذلك وقع بعض علمائنا المتقدمين بالاشتباه فقالوا بالتحريف، ولهم عذرهم كما أن لهم اجتهادهم وإن أخطأوا بالرأي، غير أنا حينما فحصنا ذلك ثبت لنا عدم التحريف فقلنا به وأجمعنا عليه) (2) . المناقشة: هذا رأي انفرد به صاحب الشيعة والسنّة.. وليس له في كتب الشيعة شاهد ولا أثر، ويبدو أنه اضطر إلى القول به لمحاولة الرد على الشواهد الكثيرة التي جاء بها إحسان إلهي ظهير ... وقوله بأنهم رجعوا عن هذا الافتراء بأجمعهم منقوض بصنيع عالمهم المعاصر حسين النوري الطبرسي ـ وهو صاحب أحد مراجعهم في الحديث، وقد ألف كتابه «فصل الخطاب» لإثبات هذه الفرية كما تقدم ـ، وهو منقوض أيضاً بكتاب «تحريف القرآن» لسيدهم راحت حسين المعاصر المولود سنة 1297هـ وقد كتبه بالأردية (3) ، وكذلك «تحريف القرآن» لسيدهم علي نقي ابن السيد أبي الحسن النقوي اللكهنوي - المعاصر - المولود سنة 1323 هـ وهو بالأردية أيضاً (4) ، وهو معارض أيضاً بما قدمناه عن أغابزرك الطهراني والأميني النجفي وغيرهما، ثم لِمَ يقال في "أمر" أجمع عليه   (1) وموضوعه: محاكمة مزعومة لقاضي مجهول بين إحسان إلهي ظهير ولطف الله الصافي. (2) «الشيعة والسنّة في الميزان» محاكمة بقلم س. خ، نشر نادي الخاقاني، ط. دار الزهراء، بيروت: (ص 48- 49) . (3) ، (4) «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» : (3/394) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 المسلمون - وهو حفظ كتاب الله - أن من خالفهم فيه له عذره واجتهاده؟ وهل هي مسألة اجتهادية، وهل فيها عذر وتأويل سائغ؟! وإنه ليسر المسلم أن يرجعوا عن هذا المذهب الفاسد.. ولكن لِمَ هذا التعصب الأعمى والزعم بأن الجميع قد رجعوا عن مقالتهم؟ ولِمَ التأول والاعتذار عمن هذا مذهبه ومقاله؟ وعلام تلك الثقة بفئة هذا معتقدها في كتاب الله سبحانه؟ لم لا يكون هناك صدق في القول، ومصارحة بالحقيقة، وتميز في الاعتقاد والقول والعمل؟ وإلا فإن سحابة من الشك ستلون هذا الموقف. وعسى الله سبحانه أن يبصر المخلصين ويهدي الحائرين، ويبيد المنافقين الذين يسعون في الأرض فساداً ويخادعون عباد الله المؤمنين. إن صدق الموقف في هذه المسألة يقتضي البراءة من معتقديها وكتبهم كالكليني وكتابه «الكافي» ، والمجلسي وكتابه «البحار» ، والقمي وتفسيره، وغيرهم من علمائهم الكبار - عندهم - الذين يأخذون منهم دينهم ويقتدون بهم، ويثقون بكتبهم ويقدسونها. المحور السابع: إن القول بالتحريف هو قول طائفة من الشيعة يسمون بالإخباريين أو أهل الحديث، وهم الذين يقبلون كل ما جاء عن طريق "المعصومين" بلا تمحيص أو تمييز، أما الطائفة الأخرى وهم "الأصوليون"، والذين يميزون بين الأحاديث صحة وضعفاً فهم ينكرون التحريف ويؤولون تلك الأخبار أو يردونها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 يقول شيخهم جعفر النجفي (1) : (وصدرت منهم - يعني من الإخباريين - أحكام غريبة، وأقوال منكرة عجيبة، منها قولهم بنقص القرآن مستندين إلى روايات تقضي البديهة بتأويلها وطرحها، وفي بعضها نقص ثلث القرآن أو ربعه ونقص أربعين اسماً من سورة تبت منها أسماء جماعة من المنافقين، وفي ذلك منافاة لبديهة العقل، لأنه لو كان ذلك.. لقامت الحرب على ساق وكان في ابتداء الإسلام من الفتن ما كان في الختام، ثم لو كان حقّاً لتواتر نقله وعرفه جميع الخلق، لأنهم كانوا يضبطون آياته وحروفه وكلماته تمام الضبط، فكيف يغفلون عن مثل ذلك؟، ولعرف بين الكفار وعَدّوه من أعظم معايب الإسلام والمسلمين..) (2) . هذا قول كبير شيوخ الشيعة المتأخرين، واحتج بقوله هذا بعض شيوخ الشيعة المعاصرين (3) . المناقشة: هذا "الرأي" قال به بعض علماء الشيعة السابقين وهو السيد "المرتضي" حيث قال: (من خالف في ذلك - أي في حفظ كتاب   (1) جعفر بن خضر بن شلال الحلي الجناحي الأصل النجفي المسكن والوفاة، كان شيخ مشايخ الحلة والنجف في زمانه، أشهر تصانيفه: «كشف الغطاء، عن مبهمات الشريعة الغراء» توفي سنة 1227هـ. «الأعلام» : (2/117- 118) . (2) جعفر النجفي: «الحق المبين» عن الطباطبائي: «هامش الأنوار النعمانية» : (2/359) ، وانظر: جعفر النجفي - أيضاً - «كشف الغطا» : (ص 298- 299) . (3) مثل محسن الأمين في كتابه «الشيعة» : (ص 163- 164) ، وعبد الحسين الموسوي، في «أجوبة مسائل جار الله» ، ومحمد جواد مغنية في «الشيعة في الميزان» : ص 314. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 الله - من الإمامية ... لا يعتد بخلافهم، فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث - من الشيعة - نقلوا أخباراً ضعيفة وظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته) (1) . ولما قال ابن حزم: إن من قول الإمامية قديماً وحديثاً أن القرآن مبدل ... استثنى السيد المرتضي من هذا القول (2) . ويلاحظ أن "المرتضي" حكم على تلك الأخبار بالضعف وعدم القبول، لكن عالم الشيعة المعاصر جعفر النجفي.. سلك في تلك الأخبار مسلك التأويل، فقد قال بعد ذلك الكلام السابق الذي نقلناه: (فلا بد من تنزيل تلك الأخبار إما على النقص من الكلمات المخلوقة (3) قبل النزول إلى السماء الدنيا أو بعد النزول إليها قبل النزول إلى الأرض، أو على نقص المعنى في تفسيره، والذي يقوي في نظر القاصر التنزيل على أن النقص بعد النزول إلى الأرض فيكون القرآن قسمين: قسم قرأه النبي صلى الله عليه وآله على الناس وكتبوه وظهر بينهم وقام به الإعجاز، وقسم أخفاه ولم يظهر عليه أحد سوى أمير المؤمنين عليه السلام ثم منه إلى باقي الأئمة الطاهرين، وهو الآن محفوظ عند صاحب الزمان جعلت فداه) (4) .   (1) انظر: «التبيان» الطوسي: (1/3) ط النجف، «مجمع البيان» الطبرسي: (1/15) ط صيدا. (2) انظر: هامش ص 11 من هذا البحث. (3) لأنهم يعتقدون - كالمعتزلة - أن القرآن مخلوق. (4) جعفر النجفي: «حق المبين» عن هامش «الأنوار» : (2/359- 360) ، «كشف الغطا» : ص 299. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 ولا شك أن مسلك المرتضي مسلك سليم إن لم يكن ذلك منه تقية، فقد نقل عنه بعض علماء الشيعة ما يمس كتاب الله - كما مر - والله يتولى السرائر، على أن من الإنصاف أن نقول: إن ذلك الناقل عنه متهم في نقله لأن هدفه إثبات تلك الفرية وهو رافضي لا يعوزه الكذب، أما رأي جعفر النجفي فهو رأي من الخطورة بمكان وهو عين رأي "السبئية" كما نقله عنها "الحسن ابن محمد بن الحنفية" وهو قولهم: (هدينا لوحي ضل عنه الناس، وعلى خفي) ، ويزعمون أن نبي الله كتم تسعة أعشار القرآن (1) ، والخطورة الكبرى في هذا الرأي أنه صادر من مرجع من كبار مراجعهم ومن يأخذ برأيه الملايين. وإذا كان هذا هو رأي أحد كبار علماء الشيعة فكيف يمكن أن نرد مسائل النزاع إلى كتاب الله، وهم يحتجون بنصوص يزعمون أنها من ذلك القرآن المستودع عند علي - رضي الله عنه - والمكتوم عن الأمة؟!! وهذه المقولة من كبير من كبار الروافض طعن في كتاب الله، وفي رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وفي علي - رضي الله عنه -، ذلك أنه يترتب على ذلك الرأي أن كتاب الله ناقص، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المأمور بالبلاغ الكامل لأمته قد كتم عن أمته قسماً من الوحي الإلهي. وهو طعن في علي - رضي الله عنه - بأن عنده علماً كتمه عن الناس، وتكذيب له - رضي الله عنه - في نفيه ذلك قاطعاً (2) .   (1) مضى ذكر هذا النص ص 213. (2) كما في «صحيح البخاري» ، وقد مر ذكره ص 92 من هذا البحث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 المحور الثامن والأخير : هو موقف مرجع الشيعة "الحالي" من هذه القضية: أكبر مرجع للشيعة في العصر الحاضر هو "الخوئي"، خص هذه المسألة بحديث طويل في كتابه «البيان» وخلاصة رأيه في هذه الفرية ما يلي: أن المشهور بين علماء الشيعة ومحققيهم، بل المتسالم عليه بينهم هو القول بعدم التحريف (1) ، لكنه يعترف بوجود روايات التحريف في كتب الشيعة، بل يقطع بصحة بعضها فيقول: (إن كثرة الروايات تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين عليهم السلام، ولا أقل من الاطمئنان بذلك وفيها ما روي بطريق معتبر) (2) !! ثم يقسم روايات الشيعة في هذا الباب إلى أقسام: أولاً: رواياتهم التي تقول بوجود مصحف لعلي غير المصحف الموجود وأنه مشتمل على أبعاض ليست موجودة في القرآن الذي بأيدينا، ويقول إن رواياتهم في هذا كثيرة (3) ، ويذكر أمثلة لذلك، ومما ذكره ما يروونه عن أبي جعفر أنه قال: (ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أُنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما نزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده عليهم السلام) (4) .   (1) «البيان» : ص 226. (2) «البيان» : ص 222. (3) «البيان» : ص 222. (4) «البيان» : ص 223 عن «الكافي» للكليني بإسناده عن جابر الجعفي.. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 وكان موقف مرجع الشيعة من هذا النوع من "أساطيرهم" هو: (الاعتراف بوجود هذا المصحف والتصريح بأنه مختلف عن القرآن الموجود في ترتيب السور وفي اشتماله على زيادات ليست في القرآن الذي بين أيدينا) (1) !! ولكنه يقول: (إنه لا دلالة في ذلك على أن هذه الزيادات كانت من القرآن وقد أُسقطت منه بالتحريف، بل الصحيح أن تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل وما يؤول إليه الكلام، أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد) (2) . ثانياً: رواياتهم التي دلت على التحريف بعنوانه - كما يعبر - وبلغت عندهم - على حسب اعترافه - عشرين رواية، وذكر لذلك عدة أمثلة، منها ما عن الكافي والصدوق بإسنادهما عن علي بن سويد قال: كتبت إلى أبي الحسن موسى (- وهو في الحبس - كتاباً إلى أن ذكر جوابه "ع" بتمامه وفيه قوله "ع": (أؤتمنوا على كتاب الله فحرّفوه وبدّلوه) ويجيب شيخ الشيعة عن أمثال هذه "الأكاذيب" بأن الأمة وعلى رأسهم الصحابة - رضوان الله عليهم - قد حملوا آيات القرآن على غير معانيها الحقيقية، ونص كلامه في هذا هو قوله: (فهي ظاهرة الدلالة على أن المراد بالتحريف حمل الآيات على غير معانيها.. ولولا هذا التحريف لم تزل حقوق العترة محفوظة، وحرمة النبي فيهم مرعية، ولما انتهى الأمر إلى ما انتهى إليه من اهتضام حقوقهم وإيذاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهم) (3) .   (1) ، (2) «البيان» : ص 223. (2) (3) «البيان» : ص 229. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 ثالثاً: رواياتهم التي دلت على أن بعض الآيات المنزلة من القرآن قد ذكرت فيها أسماء الأئمة - عليهم السلام - وهي كثيرة كما يقول (1) وذكر لها أمثلة من كتبهم، ومما ذكره رواية العياشي بإسناده من الصادق "ع": (لو قرئ القرآن كما أنزل لألفينا مُسَمّين) (2) . وأجاب عن هذه الروايات بأنها من قبيل التفسير للقرآن المنزل من عند الله، وليست من القرآن نفسه، ثم قال: (وإذا لم يتم هذا الحمل فلا بد من طرح هذه الروايات) (3) . رابعاً: رواياتهم التي دلت على التحريف في القرآن بالنقيصة فقط.. وجوابه عنها.. أنه لا بد من حملها على ما تقدم في معنى الزيادات في مصحف أمير المؤمنين "ع"، وإن لم يمكن الحمل في جملة منها فلا بد من طرحها، ثم ذكر أن لهذه "الروايات" جواباً آخر ذكر في مجلس بحثه، وضن علينا بذكره واعتذر عن ذلك بالإطالة! وقال بأن كثيراً هذه الروايات بل أكثرها ضعيف السند. ثم نقل عن بعض علمائهم قوله: (إن نقصان الكتاب مما لا أصل له، وإلا لاشتهر وتواتر نظراً إلى العادة في الحوادث العظيمة، وهذا منها لا بل أعظمها) (4) .   (1) المصدر السابق: ص 229. (2) المصدر السابق: ص 230 عن «تفسير العياشي» ، وقد مرت في هذا البحث: ص 197. (3) «البيان» : (ص 230- 231) . (4) «البيان» : ص 233. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 خامساً: أساطيرهم التي دلت على وقوع التحريف في القرآن بالزيادة والنقصان وأن الأمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - غيرت بعض الكلمات وجعلت مكانها كلمات أخرى. وذكر لذلك أمثلة ومما أورده عن العياشي عن هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد الله "ع" عن قوله تعالى: (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران) قال: هو آل إبراهيم وآل محمد على العالمين فوضعوا اسماً مكان اسم. أي أنهم غيروا فجعلوا مكان آل محمد آل عمران. وكان جوابه عن ذلك - أنها مخالفة للكتاب والسنّة، ولإجماع المسلمين على عدم الزيادة في القرآن ولا حرفاً واحداً حتى من القائلين بالتحريف (1) . المناقشة : هذه "المحاولة" هي مجرد غطاء جميل لتحقيق هدف سيء وهو ما نرفضه الرفض كله، لأنها مؤامرة الهدف منها المساس بكتاب الله بطرق خفية ماكرة، ولذا فإنه يكون لزاماً علينا أن نكشف هذه المؤامرة، وأن نبين تلك المنكرات في ذلك الجهد المزعوم. فأول ما ننكره هو ذلك الزعم بأن لعلي قرآناً مشتملاً على زيادات ليست في كتاب الله، وتلك الدعوى الخطيرة التي فسر بها هذه الزيادات وهي أنها تفسير نزل من عند الله سبحانه، هذه دعوى باطلة ويترتب عليها آثار في قمة الخطورة فإذا فقدت المعاني الإلهية للقرآن فما فائدة الألفاظ؟ وإذا تجرأ الصحابة على رد التفسير فكيف   (1) «البيان» : (ص 232 -233) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 يؤمنون على كتاب الله؟ ولماذا يبقى هذا التفسير عند منتظرهم والأمة في حاجة إليه؟. كما ننكر "قولته الشنيعة" بأن الصحابة انحرفوا في تأويل القرآن وفسروه بغير معانيه الحقيقية، وإذا كان تفسير الصحابة هو المنحرف فهل ذلك التفسير الباطني لكتاب الله والمنتشر في كتبهم الأساسية هو المعتدل؟! ثم إن القارئ ليعجب حينما يجد هذا "الخوئي" يناقض نفسه بنفسه، فنراه يذهب إلى توثيق وتصحيح أسانيد وروايات تفسير شيخهم إبراهيم القمي - شيخ الكليني - كما مر (1) ـ وفيها روايات كثيرة في الطعن في كتاب الله سبحانه ـ مع أنه هنا ينكر التحريف ويحكم بطرح ما لا يمكن تأويله من رواياته فكيف نفسر هذا "التناقض"؟. ومرجع الشيعة ـ وهو يزعم أنه يدافع عن القرآن وينكر فرية التحريف ـ له "كلمات" و"دعاوى" غريبة تجعل القارئ يتشكك في صدقه في الدفاع، فمن تلك الدعاوى قوله: (إن القول بنسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف، وعليه فاشتهار القول بوقوع النسخ في التلاوة عند علماء أهل السنّة يستلزم - في زعمه - اشتهار القول بالتحريف) (2) وقال: (إن الالتزام بصحة هذه الروايات - يعني روايات نسخ التلاوة - التزام بوقوع التحريف في القرآن) (3) وقال: (.. فيمكن أن يدعي أن القول بالتحريف هو   (1) انظر: ص 182 من هذه الرسالة. (2) «البيان» : ص 201. (3) الخوئي: «البيان» : ص 201. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 مذهب أكثر علماء أهل السنّة لأنهم يقولون بجواز نسخ التلاوة) (1) . وهذه "الدعوى" من مرجع الشيعة هي إحدى "حجج" الذين يطعنون في كتاب الله (2) ، وهو يزعم أنه يدافع عن القرآن وحجتهم واهية، فالنسخ - كما سبق - ورد وقوعه بروايات صحيحة، والفرق واضح بين النسخ والتحريف، فالتحريف من صنع البشر، وقد ذم الله فاعله، والنسخ من الله (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها.. ((3) وهو لا يستلزم مس كتاب الله سبحانه بأي حال، والشيعة يقرون به كما سبق نقل ذلك عن شيخهم الطبرسي (4) وكذلك أقر به شيخهم "المرتضي"، لكن هذا الرجل فيما يظهر من فلتات قلمه يحاول أن يتدسس بهذه العقيدة "الخبيثة الملحدة" إلى المسلمين تحت غطاء الدفاع عن القرآن، ولهذا يلاحظ أن شيخ الشيعة "المرتضي" لما كان ينكر التحريف - وهو الذي استثناه ابن حزم من جمهور الإمامية القائلين بهذه الفرية - رأيناه يقر بنسخ التلاوة، ففي كتابه «الذريعة» قال: (فصل في جواز نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دونه) (5) ثم تكلم عن ذلك. 2- في انحرافهم في تفسير القرآن: مر بنا في بيان أسس الخلاف بين السنّة والشيعة تصوير لما عليه الشيعة من تعسف ظاهر، وشطط بالغ في تأويل آيات القرآن (6) .   (1) المصدر السابق: ص 206. (2) انظر: الباقلاني: «نكت الانتصار» : ص 103 في رد هذه الشبهة. (3) البقرة: آية 106. (4) انظر: ص 90 من هذا البحث. (5) سيد مرتضي علم الهدى «الذريعة إلى أصول الشريعة» : (1/428، 429) . (6) انظر: ص 214 من هذا البحث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 ولا شك أن ذلك "التأويل" الذي سلكوه في تفسير كتاب الله عقبة في طريق التفاهم والوصول إلى لقاء؛ إذ كيف يمكن أن نرد "النزاع" إلى كتاب الله وهم جعلوا من تأويلهم له كتاباً آخر غير ما في أيدي المسلمين؟!! فماذا يقول دعاة التقارب والمدافعون عن التشيع في ذلك؟ إليك آراء بعض علمائهم المعاصرين في هذا الأمر: (أ) رأي مرجع الشيعة «الخوئي» : يعقد الخوئي في كتابه «البيان في تفسير القرآن» مبحثاً عنوانه: (حجية ظواهر القرآن) (1) يؤكد فيه على أنه لا بد من العمل بظواهر القرآن، فهل معنى هذا أن "الخوئي" يرفض ذلك التفسير الباطني الموجود في أكثر كتب التفسير عندهم؟. إنا نراه وهو يدّعي هذا القول يذهب إلى توثيق أسانيد القمي في تفسيره وصحة أحاديثه (2) ، وتفسير القمي قد بلغ الغاية في التأويلات الباطنية لآيات القرآن، وليس ذلك فحسب بل إنه ذهب إلى حمل ما ورد من "طرقهم" من روايات تقول بأن الصحابة حرفوا كتاب الله على أن المراد بها أن الصحابة قد فسروا آيات القرآن على غير معانيها الحقيقية (3) ، وكان الأحرى به لو كان صادقاً في الدفاع عن "قدسية القرآن" أن يرد تلك الروايات لا أن يحملها هذا المحمل الذي يكرس به ذلك التفسير الباطني في كتبهم، ويلغي به هداية القرآن بين شيعته.   (1) «البيان» : ص 263 وما بعدها. (2) مر نقل ذلك بحروفه عن الخوئي: ص 182 من هذا البحث. (3) مر نقل النص بحروفه ص 34 من هذا البحث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 ولعل القارئ يتساءل كيف يطعن الخوئي في تفسير الصحابة لكتاب الله ويوثق روايات القمي، وهو يزعم أنه يعمل بالظواهر؟ وجواب هذا التساؤل عند أصحاب التقية. ثم إن هذا "الخوئي" وقف من رواياتهم التي تسند علم هذا القرآن إلى أئمتهم الاثني عشر موقف الموافقة في الغالب، وإليك بعض هذه الروايات وموقف الخوئي منها: يزعمون - في حديث لهم - أن أبا عبد الله قال لأبي حنيفة: أنت فقيه أهل العراق؟ قال: نعم، قال: فبأي شيء تفتيهم؟ قال: بكتاب الله وسنّة نبيه، قال "ع": يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته وتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: نعم، قال "ع": يا أبا حنيفة لقد ادعيت علماً - ويلك - ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أُنزل عليهم! ويلك ما هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وما ورثك الله تعالى من كتابه حرفاً (1) . وفي رواية زيد الشحام، قال: دخل قتادة على أبي جعفر "ع" فقال له: أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال: هكذا يزعمون، فقال "ع": بلغني أنك تفسر القرآن، قال: نعم، إلى أن قال: يا قتادة إن كنت قد فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت، وإن كنت قد فسرته من الرجال فقد هلكت وأهلكت، يا قتادة - ويحك - إنما يعرف القرآن من خوطب به (2) .   (1) «البيان» الخوئي: ص 267. (2) المصدر السابق: (ص 267- 268) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 وكان جواب الخوئي عن الرواية الأولى: (أنهم هم المخصصون بعلم القرآن - يعني الأئمة - على واقعه وحقيقته، وليس لغيرهم في ذلك نصيب) (1) !! وقال عن الثانية - رواية زيد الشحام -: (وأما الرواية الثانية فقد تضمنت لفظ التفسير وهو بمعنى كشف القناع، فلا يشمل الأخذ بظاهر اللفظ لأنه غير مستور ليكشف عنه القناع) (2) ، ويتبين واضحاً من توجيه الخوئي للرواية الأخيرة حقيقة مذهبه في حجية الظواهر، فهو يرى أن في القرآن ما يحتاج إلى تفسير وهذا من خصوصيات الأئمة فلا يدخل في قوله: (بالعمل بظواهر القرآن لكل أحد) ، وهناك نوع آخر هو الذي لا يحتاج إلى تفسير، وهو ما يعبر عنه الخوئي بغير المستور فلا يختص به الأئمة، وهذا هو الظاهر عنده الذي لا يحتاج إلى تفسير باطني من عند الأئمة، ولهذا قال "الخوئي" معقباً على روايتهم الأولى: (وإلا فكيف يعقل أن أبا حنيفة لا يعرف شيئاً من كتاب الله حتى مثل قوله تعالى: (قل هو الله أحد (، وأمثال هذه الآية مما يكون صريحاً في معناه؟) (3) . ومعنى هذا أن رأيه في حجية الظواهر لا يخالف موافقته على التفسير الباطني. وما ندري ما هي تلك الآيات الظاهرة التي لا تحتاج إلى تفسير، والآيات غير الظاهرة التي تحتاج إلى تفسير باطني من عند الأئمة؟!   (1) المصدر السابق: ص 268. (2) المصدر السابق: ص 268. (3) «البيان» : ص 268. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 (ب) رأي آيتهم العظمى «عبد الحسين شرف الدين الموسوي» (1) : لما قال موسى جار الله: (في كتب الشيعة أبواب في آيات وسور نزلت في الأئمة والشيعة، وفي آيات وسور نزلت في كفر أبي بكر وعمر وكفر من اتبعهما والآيات تزيد على المئة بل فيها سور مستقلة.. يذكر كل ذلك أكبر إمام للشيعة في أقدس كتبها في أصول الكافي) (2) . أجابه هذا "الموسوي" بقوله: (أما ما نزل في فضل الأئمة من أهل البيت وشيعتهم فمسلم بحكم الضرورة من علم التفسير المأثور من السنن وبحكم ما ثبت في السنّة المقدسة من أسباب النزول، وأما نزول شيء من القرآن في كفر فلان وفلان فإنه مما نبرأ إلى الله منه والبلاء فيه، إنما جاء من بعض غلاة المفوضة (3) . وربما كان في كتبهم فرآه هذا الرجل فرمى البريء بحجر المسيء شأن الجهال بحقائق الأحوال) (4) . المناقشة: يلاحظ القارئ أن عبد الحسين، يعترف بوجود ذلك التأويل   (1) سيأتي التعريف به في (محاولات التقريب) . (2) «الوشيعة» : ص 27، وانظر: ص 65. (3) المفوضة: قال في تعريفهم شيخ الشيعة "المفيد": (والمفوضة صنف من الغلاة، وقولهم الذي فارقوا به من سواهم من الغلاة اعترافهم بحدوث الأئمة وخلقهم، ونفي القدم عنهم وإضافة الخلق والرزق مع ذلك إليهم، ودعواهم أن الله سبحانه وتعالى تفرد بخلقهم خاصة وأنه فوض إليهم خلق العالم بما فيه) «شرح عقائد الصدوق» : (ص 258- 259) ، وهو ملحق بكتاب «أوائل المقالات» . (4) «أجوبة مسائل جار الله» : ص 67. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 المتعسف لكثير من آيات القرآن بالأئمة عندهم، بل يرى أن هذا مسلم عندهم بحكم الضرورة، مع أنه تأويل باطني لا تربطه بالآيات أدنى رابطة كما سبق التمثيل لذلك (1) . وليس غريباً إقراره بذلك، فقد خرج علينا في كتابه «المراجعات» بتأويلات في غاية الغرابة لآيات من القرآن فسرها بالأئمة الاثني عشر، مع أنها لا تحمل أية دلالة على ذلك التأويل الذي فسرها عليه، كما سيأتي بعد قليل، ولكن الغريب أن ينكر هذا الموسوي حقيقة قائمة، وواقعاً ملموساً في كتب الشيعة، يتمثل في عشرات من الروايات تفسر آيات الكفر والكفار بالشيخين رضي الله عنهما كما سلف نقل ذلك من أُمّات كتبهم المعتمدة، ويأتي هذا الموسوي ليخدع الناس، وينكر ما هو واقع، ويلصق ذلك بالمفوضة الذين لم يقل الكاتبون من الشيعة عنهم أن من مذهبهم تفسير آيات الكفار بالشيخين مطلقاً (2) ، ثم إن فرقة المفوضة اندثرت ولا توجد باعتراف شيخ الشيعة محمد حسين آل كاشف الغطا (3) ، فكيف يقول هذا الموسوي أن موسى جار الله ربما رأى ذلك في كتب المفوضة؟. ثم إن «الكافي» ، و «البحار» ، و «تفسير القمي» ، والعياشي، والصافي وغيرها منتشر فيها ذلك التأويل، وهي كتب الاثني عشرية بلا إشكال، بل هي المعتمدة عندهم.   (1) في مبحث (انحرافهم في تأويل القرآن) . (2) انظر: «شرح عقائد الصدوق» : المفيد: ص 258. (3) لأنه يزعم أن كل فرق الغلاة قد اندرست. انظر: «أصل الشيعة» : ص 38. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 ثم إن تفسير آيات الإيمان والمؤمنين.. بالأئمة وتفسير آيات الكفر والكافرين بالشيخين وأتباعهما. قضية واحدة، وكفتا ميزان لا تنفصلان في كتب الاثني عشرية بدليل أحاديثهم وأبوابهم التي ذكروها في هذا الباب، مثل: باب: (في تأويل المؤمنين والمسلمين والإسلام بهم وبولايتهم عليهم الصلاة والسلام، والكفار والمشركين والكفر والشرك والجبت والطاغوت واللات والعزى والأصنام بأعدائهم ومخالفيهم) وفيه مائة حديث (1) . باب: (أنهم الأبرار والمتقون والسابقون والمقربون وشيعتهم أصحاب اليمين وأعداؤهم الفجار والأشرار وأصحاب الشمال) وفيه خمسة وثلاثون حديثاً (2) . باب: (أنهم الصلاة والزكاة والحج والصيام وسائر الطاعات وأعداؤهم الفواحش والمعاصي في بطن القرآن) (3) ، وأعداؤهم هم الشيخان ومن اتبعهم كما يتبين من خلال الأحاديث المذكورة في هذه الأبواب وقد مر ذكر بعضها (4) . أما لماذا فصل بينهما هذا الموسوي؟ فالجواب على ذلك أن الثناء على الشيخين محل إجماع المسلمين وتكفيرهم كفر، وما كان محل إجماع المسلمين تجري فيه التقية عندهم كما قال الطوسي، وأما تأويل آيات القرآن بالأئمة فهذا مسلك يدخله تحت غطاء   (1) «البحار» : المجلسي: (جـ23/ص 354- 390) . (2) «البحار» : المجلسي: (جـ4/ص1- 8) . (3) «البحار» : المجلسي: (24/286- 304) . (4) ص 213 وما بعدها من هذه الرسالة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 "فضل أهل البيت" فلا يلزم استخدام التقية، لأن فضل أهل البيت محل اتفاق المسلمين، ولو قال هذا الموسوي إنني لا أقول بذلك التأويل، أو أن بعض الشيعة يرفض هذه الروايات لكان له وجه، أما أن ينكر واقعاً قائماً في كتبهم فهذا هو عين التقية (1) ، ولنا أن نسأل آيتهم العظمى عبد الحسين هل يعتبر الكليني الذي أخرج روايات كثيرة في تأويل آيات الكفر والكفار بالشيخين رضي الله عنهما - مع أنه التزم الصحة في كل ما يرويه - هل يعتبره من غلاة المفوضة؟، إن كان ذلك كذلك فهذا موقف يستحق الإشادة والتقدير، وكذلك ينسحب هذا الحكم في كل من روى ذلك اللون من التفسير كالقمي، والكاشاني، والبحراني، والملجسي وأضرابهم. ومعنى ذلك أن الشيعة يتلقون دينهم من غلاة المفوضة. (ج) رأي صاحب كتاب «أضواء على خطوط محب الدين الخطيب» (2) : حينما قال محب الدين الخطيب مشيراً إلى انحراف الشيعة عن جمهور المسلمين في مصادر التلقي: (وحتى القرآن الذي كان ينبغي أن يكون المرجع الجامع لنا ولهم على التقارب نحو الوحدة، فإن أصول الدين عندهم قائمة من جذورها على تأويل آياته وصرف   (1) وفي مجلة «رسالة لإسلام» ـ لسان دار التقريب ـ أنكر محمد صادق الصدر ـ رئيس مجلس التمييز الشرعي الجعفري ـ وجود هذا التأويل عندهم، مع أنه موجود بأبوب تضم عشرات الروايات، ولكن للقوم جرأة غريبة على تكذيب الواقع. انظر: «رسالة الإسلام» : السنة الأولى، العدد الرابع، المجلد الأول: ص 363. (2) وهو عبد الواحد الأنصاري من كتّابهم المعاصرين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 معانيها إلى غير ما فهمه منها الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلى غير ما فهمه منها أئمة الإسلام عن الجيل الذي نزل عليه القرآن) (1) ، أجاب صاحب «الأضواء» على ذلك بقوله: (إن الشيعة ترى من الكيد للإسلام أن يأخذوا تفسيرهم للقرآن عمن تقصدهم وتعنيهم بالذات أمثال أبي هريرة وسمرة ابن جندب.. وأنس بن مالك وغيرهم ممن أتقنوا صناعة التلفيق والدس والكذب والافتراء) (2) . التعليق: هذا الجواب ينسبه المؤلف للشيعة جميعاً فيقول: (إن الشيعة.. إلخ) فهو ليس من عنديّاته، فإذا كانت الشيعة تعتقد أن تلقي الدين عن طريق الصحابة هو من الكيد للإسلام، فلهم دينهم ولنا ديننا، لأن هذا القول إبطال لتواتر الشريعة، وطعن في الإسلام، وكيد للمسلمين، وهو لا يحتاج إلى مناقشة. وهناك أقوال وآراء أخرى لا تخرج عما ذكرنا (3) نغض الطرف عن ذكرها.   (1) «الخطوط العريضة» : ص 10. (2) عبد الواحد الأنصاري: «أضواء على خطوط محب الدين» : ص 65. (3) فهذا - مثلاً - محمد جواد مغنية ينكر وجود التفسير الباطني عندهم، ويقول بأن الاثني عشرية أبعد الناس من هذه البدع والضلالات وأن كتبهم تشهد بذلك وهي في متناول كل يد، «الكاشف» : (7/104) . وما أظن أحداً اطلع على كتب التفسير والحديث عندهم يصدق هذا، فالأمر ليس مجرد وجود روايات شاذة كما يزعم، بل تفاسير كاملة تخصصت في التفسير الباطني كتفسير إبراهيم القمي وغيره، وأبواب كاملة في «البحار» للمجلسي ضم عشرات الأحاديث كلها تفسر الآيات تفسيراً باطنياً، فلم هذه الجرأة في إنكار "الحقائق الواضحات"؟ وهل يظنون أنهم يخدمون دينهم بهذه الوسيلة؟. ومحسن الأمين ينكر وجود التفسير الباطني عندهم ويزعم أنها روايات شاذة «الشيعة بين الحقائق والأوهام» : ص 419، 420. والخنيزي ينكر أحياناً ما هو واقع، أو = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 أمثلة من تأويلات علمائهم المعاصرين لكتاب الله: (2) يقول آيتهم العظمى عبد الحسين الموسوي في «مراجعاته» التي حاول بها - كما زعم - إقناع شيخ الأزهر بالتشيع للاثني عشر (1) يقول - مفسراً آيات من كتاب الله بأئمته ومحتجاً بها على لزوم التشيع لهم -: (أليسوا حبل الله الذي قال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (2) والصادقين الذين قال: (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (3) وصراط الله الذي قال: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ) (4) وسبيله الذي قال: (وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (5) وأولي الأمر الذين قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا   = يزعم أنها روايات شاذة.. إلخ. «الدعوة الإسلامية» : (1/178- 202) . وما أظن إنكار ما هو واقع يجدي في الدفاع، بل إنه سيحمل على التقية حتى من الشيعة أنفسهم بدليل أنه حكم بعض علماء الشيعة على تفسير «التبيان» للطوسي بأنه موضوع على أسلوب التقية والمداراة للمخالفين - كما مر - وقد ألف في العصر الحاضر بعض علماء الشيعة مؤلفات على غرار «التبيان» مثل «الكاشف» لمحمد جواد مغنية، حيث اعتمدوا في الغالب على روايات أهل السنّة، وعلى بعض رواياتهم المعتدلة، والاعتماد على روايات أهل السنّة أمارة على "التقية عندهم". ونحن نقول: الله أعلم بذلك، لكن عقيدة التقية عندهم ساهمت في استمرار الغلو فيهم، ورد الحق عندهم. (1) سيأتي كشف لحقيقة كتاب «المراجعات» في تقييم محاولة عبد الحسين هذا للتقريب في مبحث محاولات التقريب - بحول الله. (2) آل عمران: آية 103. (3) التوبة: آية 119. (4) الأنعام: آية 153. (5) الأنعام: آية 153. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (1) وأهل الذكر الذين قال: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (2) والمؤمنين الذين قال: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) (3) . والهداة الذين قال: (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (4) . ألم يجعل المغفرة لمن تاب وآمن وعمل صالحاً مشروطة بالاهتداء إلى ولايتهم إذ يقول: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) (5) أليست هي - يعني ولايتهم - النعيم الذي قال الله تعالى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) ؟ (6) وسيسأل الناس عن ولايتهم يوم يبعثون، كما جاء في تفسير قوله تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) (7) ، ولا غرو فإن ولايتهم لمما بعث الله به الأنبياء وأقام عليه الحجج والأوصياء كما جاء في تفسير قوله تعالى: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا) (8) ، بل هي مما أخذ الله به العهد من عهد ألست بربكم كما جاء في تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي   (1) النساء: آية 59. (2) النحل: آية 43، الأنبياء: آية 7. (3) النساء: آية 115. (4) الرعد: آية 7. (5) طه: آية 82. (6) التكاثر: آية 8. (7) الصافات: آية 24. (8) الزخرف: آية 45. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) (1) . (وتلقى آدم من ربه كلمات) التوسل بهم فتاب عليه (2) .. فهم الناس المحسودون الذين قال الله فيهم: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ (3) وهم الراسخون في العلم الذين قال: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) (4) . وهم رجال الأعراف الذين قال: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم) (5) ورجال الصدق الذين قال: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (6) ورجال التسبيح الذين قال الله تعالى: (يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) (7) .   (1) الأعراف: آية 172. (2) هذا تفسيره لقوله تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) [البقرة: آية 77] . (3) النساء: آية 54. (4) آل عمران: آية 7. (5) الأعراف: آية 46. (6) الأحزاب: آية 23. (7) النور: آية 36. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 وبيوتهم هي التي ذكرها الله (فقال: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ((1) ، وقد جعل الله مشكاتهم في آية النور مثلاً لنوره وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم (2) ، وهم: السابقون السابقون أولئك المقربون (3) ، وهم: الصديقون والشهداء والصالحون (4) . وفي أوليائهم قال الله تعالى: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (5) . وقال في حزبهم وحزب أعدائهم: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) (6) .. وقال فيهم وفي شيعتهم: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (7) ، وفيهم وفيمن فاخرهم بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام أنزل الله تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (8) . وفي جميل بلائهم وجلال عنائهم قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) (9) .. وقد   (1) النور: آية 36. (2) هذا تفسيره لقوله سبحانه: (مثل نوره كمشكاة فيها مصباح.. ( [النور: آية 35] . (3) هذا تفسيره لقوله سبحانه: (والسابقون السابقون أولئك المقربون ( [الواقعة: الآيتان 10، 11] . (4) هذا تفسيره لقوله سبحانه: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم ( [الحديد: آية 19] . (5) الأعراف: آية 181. (6) الحشر: آية 20. (7) البينة: آية 7. (8) التوبة: آية 19. (9) البقرة: آية 207. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 صدقوا بالصدق فشهد لهم الحق تبارك اسمه فقال: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (1) .. وهم أولو الأرحام: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) (2) .. وهم ذوو الحق الذي صدع القرآن بإتيانه: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) (3) ، وذوو الخمس الذي تبرأ الذمة إلا بأدائه: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) (4) .. فهم المصطفون من عباد الله، السابقون بالخيرات بإذن الله، الوارثون كتا4ب الله الذين قال فيهم: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) (5) وهو الذي لا يعرف الأئمة (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) وهو الموالي للأئمة ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله.. وهو الإمام) (6) ثم استدل برواية موضوعة على ابن عباس أنه قال: (نزل في علي وحده ثلاثمائة آية) (7) . التعليق : (1) هذا تفسير لآيات من القرآن من أحد مراجعهم الكبار في العصر الحاضر، وممن يتزعمون الدعوة للتقارب بين السنّة والشيعة وهو موجه "لشيخ سني" للاحتجاج عليه بالقرآن ليقتنع بالتشيع للاثني عشر، فهو تفسير قد بالغ صاحبه في اختياره وانتقائه، ومع ذلك هو   (1) الزمر: آية 33. (2) الأنفال: آية 75. (3) الإسراء: آية 26. (4) الأنفال: آية 41. (5) فاطر: آية 32. (6) «المراجعات» : (ص 62- 73) . (7) انظر: الشوكاني: «المجموعة في الأحاديث الموضوعة» : ص 376. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 كما يرى القارئ قد جعل آيات الإيمان والمؤمنين وصفاتهم مقصورة على أئمته لا يشترك فيها أحد من جمهور المسلمين اللهم إلا شيعته في بعض الآيات، وكأن القرآن لم ينزل إلا فيهم، وكأنهم المسلمون وحدهم. ولا شك أن المسلم يدرك أن هذا التأويل بعيد عن لغة القرآن، وروح الإسلام، عمدته روايات موضوعة، ومزاعم واهية. وهؤلاء الأئمة تختلف فرق الشيعة اختلافاً كبيراً في أعدادهم وفي أعيانهم، وكل فرقة تفسر الآيات بأئمتها خاصة وتزعم أن أئمة الفرق الأخرى بمعزل عن مدلولها، وكل طائفة تضع من الروايات ما يؤيد مذهبها، وتقصر مفهوم أهل البيت على أئمتها خاصة، ولا تسلم فرقة من فرق الشيعة من طعن في بعض أهل البيت من غير أئمتها، (والله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كان فيه يختلفون (فهم ممن فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء، ثم إن هذا التأويل لتلك الآيات كما يصدق عندهم على الإمام علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين وغيرهم من أئمة العلم والدين يصدق على إمامهم المعدوم الذي لم يولد أصلاً، وعلى "الحسن العسكري" - إمامهم الحادي عشر - الذي ضعفه ابن الجوزي في الموضوعات (1) !! وتفسير عبد الحسين الباطني لكتاب الله؛ وهو مثال من أمثلة كثيرة تدل على أن العقلية الشيعية المعاصرة لا تزال في الغالب تعيش أسيرة لتلك التأويلات التي وضعها علماؤهم السابقون والتي عرضنا أمثلة لها فيما مضى. ومن الأمثلة الأخرى أن أحد علمائهم المعاصرين ويدعى "علي محمد دخيل" يتحدث عن غيبة مهديهم - وهو كما   (1) «لسان الميزان» : (2/240) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 يقول بعض كتاب الشيعة من أشهر الكتاب الإمامية الذين عالجوا "الغيبة" (1) -. فيعقد فصلاً بعنوان "المهدي في القرآن الكريم" ويورد في هذا الفصل خمسين آية من القرآن كلها يزعم تأويلها بالمهدي، ويتوصل بذلك إلى أن موضوع المهدي لا يختلف عن ضروريات الإسلام الأخرى، وإنكاره إنكار لضرورة من ضروريات الدين (2) . ونرى شيخهم - المعاصر - محمد رضا الطبيسي النجفي (ت 1365هـ) يفسر 76 آية من كتاب الله بعقيدة الرجعة عندهم (3) ، وهذا شطط لم يبلغ مستواه شيوخهم القدامى الذين فسروا بالرجعة عشرين آية ونيفاً، وفي القرن الثاني عشر تطور الأمر إلى تأويل 64 آية بتلك العقيدة الباطلة على يد شيخهم "الحر العاملي" (4) وغيره، ثم كانت نهاية الشطط على يد هذا "الطبيسي" وغيره من شيوخهم المعاصرين. وهذا محمد حسين آل كاشف الغطا من مراجع الشيعة الكبار في العصر الحاضر ومن دعاة الوحدة والتقارب.. يفسر قوله تعالى: (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان (5) يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ((6) بالتفسير التالي: علي بحر نور الإمامة، وفاطمة بحر نور النبوة والكرامة. يخرج منهما اللؤلؤ الأخضر بخضرة السماء، والمرجان   (1) عبد الله فياض: «تاريخ الإمامية» : ص 162. (2) علي دخيل: «الإمام المهدي» عن المصدر السابق: ص 162. (3) انظر: كتابه «الشيعة والرجعة» مطبعة الآداب، النجف، 1385هـ. (4) جواد تارا: «دائرة المعارف العلوية» : ص 256. (5) الرحمن: الآيتان 19- 20. (6) الرحمن: آية 22. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 الأحمر بحمرة الأرض (1) . فهل هذا سوى تفسير باطني لا تربطه بالآية أدنى رابطة؟، ويفسر د. محمد الصادقي - معاصر - الآية المذكورة بمثل ما فسر به آل كاشف الغطا، حيث يقول: (اتصل بحر النبوة فاطمة الصديقة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - ببحر الإمامة (- يعني عليّاً - بحران ملتئمان متلاقيان بينهما برزخ الرسالة القدسية المحمدية.. والخارج منهما اللؤلؤ والمرجان: الحسنان هما مجمع الولاية روحانياً والنبوة نسبياً) (2) . وفي تفسير «الميزان» لإمامهم الأعظم محمد حسين الطباطبائي كثير من التفسيرات الباطنية التي يختارها من كتب التفسير القديمة عندهم، ويذكرها تحت عنوان "بحث روائي".. ومن النماذج التي نقلها مقراً لها معتقداً إياها ما ذكره تفسير «البرهان» عن قوله تعالى: (ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط ((3) . قال: (الآية مثل ضربه الله لعائشة وحفصة أن تظاهرتا على رسول الله وأفشتا سره) (4) . وعند قوله سبحانه: (ويبقى وجه ربك) (5) قال الصادق: (نحن وجه الله) (6) . وهكذا يستقي الرجل التفسير الباطني من أمهات   (1) محمد حسين آل كاشف الغطا في مقدمته لكتاب «حياة الإمام الحسن بن علي» لمؤلفه باقر شريف القرشي، مطبعة الآداب، النجف، ط. 2، 1384هـ. (2) محمد الصادقي: «الفرقان» : (7/32) الهامش. (3) التحريم: آية 10. (4) الطباطبائي: «الميزان» : (19/346) . (5) الرحمن: آية 27. (6) الطباطبائي: «الميزان» : (19/103) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 كتبهم ويتعمد النقل لبعض الروايات الضعيفة من كتب أهل السنّة ليخدم بها مذهبه. وهناك تفسير «الكاشف» لمحمد جواد مغنية، وهو يعتمد أساساً على روايات أهل السنّة، وهذه أمارة التقية عند بعض علماء الشيعة - كما مر - وهو وإن كان يحتج ببعض الآيات على معتقده الشيعي مثل تفسيره لقوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم (بقوله: (معنى الآية أن الله سبحانه أكمل الدين مع هذا اليوم بالنص على علي بالخلافة) فهو وإن كان كذلك إلا أنه بالنسبة لتفاسيرهم المتضمنة لروايات الشيعة فقط يعتبر معتدلاً. والاعتدال قد جاءه من اعتماده على مرويات أهل السنّة وإقلاله من الاستدلال بمروياتهم. وهذا التفسير يظهر عليه واضحاً الدعاية المذهبية والتبشير بالتشيع، فليس ببعيد أن يكون موضوعاً على "التقية". ونكتفي بهذه الشواهد التي عرضناها من تفسيرات معاصريهم، لأن غرضنا معرفة مدى سير الأواخر على غلو الأوائل، يبدو لي أن الصورة متشابهة تماماً. ففي الأوائل كتب تفسير باطنية محضة مثل تفسير القمي والعياشي، والبحراني، ومحسن الكاشاني وغيرهم وكتب تفسير معتدلة بالنسبة لتلك التفاسير الباطنية مثل تفسير «البيان» للطوسي، و «مجمع البيان» للطبرسي. والفئة الأولى اعتمدت على روايات الشيعة فقط والفئة الثانية اعتمدت على روايات السنة والشيعة، أما كتب التفسير المعاصرة فهي فيما تعتمده من رواياتهم في تفسير الآيات تتلبس بالروح الباطنية، وحينما تحاول أن تبشر بالتشيع وتحتج على أهل السنة ببعض الروايات عندهم فتتخلص إلى حد ما من "الروح الباطنية". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 والخلاصة أنك لا تجد تفسيراً شيعياً اعتمد على رواياتهم فقط يخلو من الطريقة الباطنية في التفسير. ويؤكد عالمهم المجلسي على أن اعتمادهم على روايات أهل السنة إنما هو للاحتجاج عليهم، وإلا فلا يجوز عندهم الأخذ عن المخالفين. وعقد لهذا باباً بعنوان (الباب الثامن والعشرون: ما ترويه العامة - ما عدا الشيعة - من أخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأن الصحيح من ذلك عندهم - يعني شيعته - والنهي عن الرجوع إلى أخبار المخالفين) (1) ثم استثنى من ذلك حالة الاحتجاج عليهم للتبشير بالتشيع (2) . وهكذا يتفق تفسيرهم المعاصر مع القديم على تأويل كتاب الله على غير تأويله، فكانت تلك التأويلات هي سلم الغلو والغلاة في التأويل، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن "تأويلهم": (من هذا دخلت الإسماعيلية والنصيرية في تأويل الواجبات والمحرمات فهم - أي الروافض - أئمة التأويل الذي هو تحريف الكلم عن مواضعه ومن تدبر ما عندهم وجد فيه من الكفر في المنقول والتكذيب بالحق منها والتحريف لمعانيها ما لا يوجد في صنف من المسلمين منهم قطعاً، فهم أدخلوا في الدين ما ليس فيه أكثر من كل أحد، وحرفوا كتابه تحريفاً لم يصل غيرهم إلى قريب منه) (3) . فكيف نتفق ونتقارب وهم على هذا الوضع من التأويل؟، والتأويل مصدر الخلاف والشقاق، وأصل خراب الدين والدنيا إنما هو من   (1) ، (2) «البحار» : (2/214) . (3) «منهاج السنة» : (2/111) مكتبة الرياض الحديثة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 التأويل الذي لم يرده الله ورسوله بكلامه ولا دل عليه أنه مراده. وهل اختلفت الأمم على أنبيائهم إلا بالتأويل؟! وهل دخلت طائفة الإلحاد من أهل الحلول والاتحاد إلا من باب التأويل؟! وهل فتح باب التأويل إلا مضادة لحكم الله في تعليمه عباده البيان الذين امتن في كتابه على الإنسان بتعليمه إياه (1) ؟! 3- في دعواهم تنزل كتب إلهية بعد القرآن: سبق أن تحدثنا عن دعوى الشيعة تنزل كتب إلهية بعد القرآن على الأئمة. ولننظر ما يراه دعاة التقارب في هذا الأمر الخطير. (1) يقول محمد حسين آل كاشف الغطا: (ويعتقد الإمامية أن كل من اعتقد أو ادعى نبوة بعد محمد أو نزول وحي أو كتاب فهو كافر يجب قتله) (2) . هذا ما يقوله "مرجع الشيعة" وهو حق. وثمرة هذا القول أن الحكم بالتفكير ينطبق على كل من قال بنزول كتب إلهية على الأئمة وادعى نزول وحي عليهم، وهم كبار محدثي الإمامية كالكليني، والطوسي، والطبرسي، والمجلسي وغيرهم - كما مر - ومعنى هذا أن الشيعة تتلقى دينها من كفار يجب قتلهم. فهل الشيعة تقبل هذا الحكم أو تحاول أن تخرج من هذا التناقض بالقول بأن كلام كاشف الغطا تقية؟ والقول بالتقية هو الذي جعل الشيعة تعيش في دائرة الغلو وكل ما خرج منهم مصلح يحاول أن ينقض ما قرره الكليني أو غيره من محدثيهم حملوا كلامه على التقية. ولن   (1) انظر: «الإسلام الصحيح» النشاشيبي: ص 115 وما بعدها. (2) «أصل الشيعة» : ص 101 ط الثانية، وانظر: عبد الكريم الزنجاني (من كبار مراجعهم المعاصرين) «الوحدة الإسلامية» : ص 83. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 يتخلص الشيعة من هذا "الأسر" إلا بتحطيم أسطورة التقية، ورفض ما يقوله رؤوس الضلال كالكليني وغيره ممن وضع أصول الغلو أو تلقاها عن الغلاة فأصبحت من مبادئ التشيع، وإذا كان آل كاشف الغطا اكتفى بذلك الكلام العام ولم يقل رأيه صراحة في روايتهم التي تدعي نزول تلك الكتب على الأئمة؛ فإن لشيخهم عبد الحسين الموسوي جواباً على سؤال موجه من شيخ سنّي - كما يدعي هذا الرافضي - وتعرض هذا الموسوي لمصحف فاطمة وقال: (بعد فراغ علي من جمع القرآن - بعد وفاة النبي - ألف لسيدة نساء العالمين كتاباً كان يعرف عند أبنائها الطاهرين بمصحف فاطمة، يتضمن أمثالاً وعبراً وأخباراً ونوادر توجب لها العزاء عند فقد سيد الأنبياء أبيها) (1) . هذا هو تفسير شيخهم "عبد الحسين" لمسألة "مصحف فاطمة"، ولم يشر عبد الحسين إلى ما يدل عليه من كتب الشيعة، وما في كتب الحديث عند الشيعة لا يتفق بحال وهذا التفسير؛ فما جاء في «الوافي» و «الكافي» ، و «دلائل الإمامة» ، و «الاحتجاج» وغيرها من كتب الشيعة نصوص صريحة على أن ما في كتاب مصحف فاطمة هو وحي إلهي نزل به ثلاثة من الملائكة، أو كتبه علي من إملاء الملك على خلاف في الروايات عندهم، والملاحظ أن جواب عبد الحسين عن مصحف فاطمة كان موجهاً لشيخ سني، فيكون عبد الحسين قد كال للشيخ من جراب التقية - كما هي عقيدة الشيعة في هذا الموضوع - إذ لا دليل على جواب هذا الشيعي من كلام معصوميهم، والحجة عندهم في كلام المعصومين، فنحن لا نجد في   (1) عبد الحسين الموسوي: «المراجعات» : ص 336. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 نصوصهم جميعها نصاً يقول بأن مصحف فاطمة ألفه علي من عند نفسه، بل نصوصهم صريحة على أن مصحف فاطمة (إنما هو شيء أملاه الله عليها أو أوحى إليها (1) . ما هو قرآن، ولكنه كلام من كلام الله أنزله عليها، إملاء رسول الله وخط علي - رضي الله عنه -، أو أنه وصل إليها عن طريق جبرائيل) (2) وهكذا على اختلاف أقوالهم، وليس فيها ما يدعيه هذا الموسوي من أنه من عند علي ... ثم إن كتاباً من علي - رضي الله عنه - فيه مواعظ ونصائح لفاطمة يعزيها عن فقد أبيها له قيمة كبيرة من الناحية الأدبية والتاريخية ومن الناحية التربوية ـ فأين هي هذه النصائح؟ ليس لها وجود اليوم مع عدم المسوّغ لكتمانها. إذن جواب عبد الحسين لا يتفق مع ما جاء في كتب الشيعة كما لا يتفق والواقع. ثم كيف يعزي علي فاطمة، وكلاهما معصوم، وهل يحتاج المعصوم إلى معصوم آخر يسدده؟! ونجد في كلام محسن الأمين - وهو من مجتهديهم المعاصرين - كلاماً مغايراً لما يقوله عبد الحسين عن مصحف فاطمة؛ تحدث محسن الأمين عن مصحف فاطمة في كتابه «أعيان الشيعة» (3) وأورد رواياتهم عن أئمتهم من أن مصحف فاطمة مثل القرآن ثلاث مرات، وأنه من كلام الله أنزله عليها بإملاء رسول الله وخط علي.. إلخ. وأورد   (1) ، (2) «بصائر الدرجات» عن «أعيان الشيعة» : (1/188) ، وراجع ما سبق نقله من نصوصهم حول مصحف فاطمة المزعوم. (3) انظر: «أعيان الشيعة» : (1/188- 190) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 روايات أخرى عن هذا المصحف وأنهى إلى القول (أنهما مصحفان: أحدهما من إملاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خط علي «ع» والآخر من حديث جبرائيل) ، وقال: (أنه لا استبعاد ولا استنكار أن يحدث جبرائيل «ع» الزهراء عليها السلام ويسمع ذلك علي ويكتبه في كتاب يطلق عليه «مصحف فاطمة» بعد ما روى ذلك عن أئمة أهل البيت ثقات أصحابهم) (1) . وهكذا كان هذا الرافضي المدعو بالأمين أجرأ من ذلك الموسوي في الحديث عن أسطورتهم تلك. وننتهي من هذه المناقشة إلى أن لعلماء الشيعة جوابين: جواباً من أنفسهم لا دليل عليه من كتبهم وذلك حينما يكون النقاش من سنّي، وهذا ما تفرضه عقيدة التقية عليهم صيانة لمذهبهم من نقد الخصوم. وجواباً آخر حقيقي حينما يكون المجال غير مجال الدفاع والنقاش مع الخصوم. وهذا المسلك لا يخدم الحقيقة في شيء، وهو ترويج للخرافة، فالتقية كانت عاملاً من عوامل استمرار «الخرافة» عندهم ومن أسباب بعدهم عن الجماعة الإسلامية. ويبقى هذا الزعم الخطير بنزول كتب إلهية على الأئمة مسطراً ومؤكداً في كتبهم القديمة والمعاصرة، على الرغم من أن بعض مراجعهم وشيوخهم - كما مر - يفتون بأن اعتقاد هذا كفر، فكانت النتيجة أن بعضهم يكفر بعضاً   (1) المصدر السابق: (1/190) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 ويناقض بعضهم رأي بعض، ويستحلون - باسم التقية - الخداع والكذب. نسأل الله سبحانه أن يهدي المخلصين الباحثين عن الحق منهم ويكشف علماء النفاق وزنادقة الباطنيين على حقيقتهم (1) . 4- في السنة: تحدثنا في مبحث معتقد الشيعة في «السنة» أن الشيعة يرون أن أقوال أئمتهم كأقوال الله ورسوله، وأنهم يعتقدون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتم جزءاً من الشريعة وأودعه علياً، وأنهم يتعبدون بحكايات الرقاع، وأنهم يرفضون مرويات الصحابة، وأنهم لذلك انفصلوا عن المسلمين بكتب وأسانيد ورجال وأحاديث لا يوافقهم عليها المسلمون. وفي هذا المبحث نتعرف على رأي علماء الشيعة في هذه المسائل وهم يحاولون اللقاء مع المسلمين، ويدعون إلى اعتبار مذهبهم أحد المذاهب الإسلامية المعتبرة. وقد بحثت عن إجابات علماء الشيعة حول هذه المسائل فلم   (1) إن الدفاع عن "أساطير الروافض" حول مصحف فاطمة بمثل دفاع الرافضي عبد الحسين لا يغير من واقع الأمر شيئاً، وهو مجرد عملية ستر للباطل بثوب الحق، ويشبه دفاع عبد الحسين هذا دفاع رجل آخر من المنتسبين لأهل السنة ومن المهتمين بالتقريب، فقد زعم في دفاعه أن الأخبار الواردة في كتب الشيعة عن مصحف فاطمة إنما تدل على أن لفاطمة نسخة من القرآن مثل بعض الصحابة كمصحف ابن مسعود ومصحف ابن عباس وغيرهما. انظر: محمد علي الزعبي: «لا سنة ولا شيعة» : (ص 86- 87) . ولا شك أن تفسير الزعبي هذا لا يتفق مع واقع أخبار القوم عن مصحف فاطمة، وأحسب الشيخ الزعبي لم يطلع على "أساطيرهم" في ذلك، وإلا فلا يجوز التستر على الباطل، ولن نخدم الإسلام بإضفاء ثوب الحق على الباطل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 أر سوى التأكيد عليها، والتصريح بها، فمحمد جواد مغنية يقول عن أقوال أئمته: (قول المعصوم وأمره تماماً كالتنزيل من الله العزيز العليم (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ((1)) (2) . ويقول "الخميني": (إن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن يجب تنفيذها واتباعها) (3) . أما دعواهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتم جزءاً من الشريعة فهذه - كما مر - من أركان دينهم لا يكفون عن التصريح بها، ومعاصروهم أصرح في ذلك من متقدميهم، ولذا لم نجد أوضح في هذه المسألة ولا أصرح من كلام مراجعهم المعاصرين ولذا اضطررنا للاستشهاد بها فيما مضى، مع أننا نؤثر فيما أسلفنا من مباحث حول عقائدهم أن نستشهد بكتب حديثهم ومتقدمي شيوخهم. ولما أثار الشيخ موسى جار الله القول بأن الشيعة يؤمنون بكتب وهمية كالجفر والجامعة، أجاب عن ذلك مرجع الشيعة المعاصر (محسن الأمين) - بلا حياء - بقوله: (إن ضاعت صحيفة الفرائض والجفر والجامعة   (1) النجم: الآيتان 3- 4. (2) محمد جواد مغنية: «الخميني والدولة الإسلامية» : ص 59. (3) «الحكومة الإسلامية» : ص 113. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 وما ذكر معها عنده وعند أمثاله - يعني موسى جار الله - فلم تضع عند أهلها) (1) . ونجد من شيوخهم الكبار من يتباهى بذكر تلك الكنوز الوهمية، والأسماء التي لا مسمى لها، ويذهب يعدد هذه "الكتب" بكل خفة عقل، وإذا سئل أين هذه «المزعومات» أجاب بأنها عند المنتظر. ولولا خشية الإطالة لنقلنا كلامهم في ذلك (2) . أما عن تعبدهم بحكايات "الرقاع" فيعترف دعاة التقريب بذلك وأنهم يعتبرونها من السنّة إلا أنهم يقولون إنها نادرة (3) . وقد بينا فيما مضى حجم تلك الروايات.. وأن هناك مؤلفات مستقلة فيها.. وأن تلك التوقيعات استمرت بعد الغيبة الكبرى عندهم على يد بعض علمائهم الذين زعموا أن "مهديهم" قد نسخ لهم بعض الكتب، مثل ابن المطهر الحلي الذي زعم أنه التقى بالمهدي فنسخ له كتاباً ضخماً في ليلة واحدة (4) . ثم إنهم فتحوا الباب للاتصال العام بالمهدي عن طريق كتابة رقعة وبعثها للمهدي ببحر أو نهر، مع دعاء معين (5) ، وزعموا أن «الكافي» كله قد عرض على المهدي وقال: (الكافي كافٍ لشيعتنا) (6) .   (1) محسن الأمين: «الشيعة» : ص 254. (2) انظر ذلك في: «أعيان الشيعة» : (1/154- 184) ، ومحمد آصف المحسني: «صراط الحق» : (3/347) . (3) الخنيزي: «الدعوة الإسلامية» : (2/112) . (4) انظر: ص 267 من هذا البحث. (5) انظر: المجلسي: «البحار» : (25/235) . (6) انظر الخونسباري: «روضات الجنات» : (جـ6/ ص 116) وانظر: «الشافي شرح أصول الكافي» : (1/1) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 فكيف يقال إن الصلة بالمهدي وحكايات الرقاع نادرة وهم يسجلون في كتبهم هذه "المزاعم" كلها؟! أما ردهم لمرويات الصحابة، فقد مر استشهادنا بقول محمد حسن آل كاشف الغطا (1) ، وغيره (2) في ذلك، ولكبار علمائهم حملات مسعورة ضد المكثرين من الرواية من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما صنع آيتهم العظمى عبد الحسين الموسوي في كتابه "أبو هريرة"، وكما فعل "حجتهم" عبد الحسين الأميني النجفي مع كبار الصحابة في كتابه «الغدير» وغيرهما (3) ، وذلك كله بغية رد رواياتهم والطعن في أحاديثهم. ولهم سب وتجريح لكبار محدثي الأمة، ولأمهات كتب المسلمين، ما لا يوجد مثله في كتب طائفة من طوائف الكفر، كما في كتاب «الغدير» لشيخهم الأميني وغيره، والمجال لا يتسع لنقل شواهد من هذا الغثاء وحسبنا الإشارة (4) . وهم لا يحتجون بأسانيد وكتب المسلمين، يقول «السبيتي» - من علمائهم المعاصرين - «أن الشيعة لا تعول على تلك الأسانيد (أي   (1) انظر: ص 261 من هذا البحث. (2) انظر: ص 46 من هذا البحث. (3) وسيأتي إشارة إلى بعض من ذلك أيضاً في مبحث معتقدهم في الصحابة. (4) لا يخلو كتاب من كتبهم المعاصرة من سب للصحابة ولأئمة العلم والدين، ومن تشويه لتاريخ المسلمين وطعن في أمهات كتب الإسلام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 أسانيد أهل السنة) بل لا تعتبرها ولا تعرج في مقام الاستدلال عليها، فلا تبالي بها وافقت مذهبها أو خالفته» (1) ، وقال: «إن لدى الشيعة أحاديث أخرجوها من طرقهم المعتبرة عندهم ودونوها في كتب لهم مخصوصة وهي كافية وافية لفروع الدين وأصوله، عليها مدار علمهم وعملهم، وهي لا سواها الحجة عندهم» (2) . وبعض دعاة التقريب يقول عن عدم احتجاج الشيعة بكتب أهل السنة: (إن عدم أخذ الإمامية بما في كتب أهل السنة - مطلقاً - ممنوع أشد المنع وأجلاه. فهذه كتب الإمامية مشحونة بالأحاديث المنقولة من كتب أهل السنة في فضائل أهل البيت ومآثرهم وكرامتهم - عليهم السلام) (3) . وهذا الجواب قد ينخدع به بعض من لا يعرف أصول الشيعة وأساليبهم في الدفاع عن عقائدهم. ويفهم منه أن الشيعة تحتج بكتب   (1) «تحت راية الحق» : ص 146. (2) «تحت راية الحق» : ص 162. (3) أبو الحسن الخنيزي: «الدعوة الإسلامية» : (2/112) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 أهل السنة، والواقع أنه أراد خداع القارئ، وإلا فإن الشيعة إنما تحتج من كتب أهل السنة لمحاولة الدفاع عن مذهبها، والتبشير به بين صفوف المسلمين، لا أنهم يحتجون بها تديناً وعبادة. ولهذا عقد المجلسي - كما مر - باباً في النهي عن الأخذ من كتب المخالفين من السنة إلا في حالة الاحتجاج عليهم من كتبهم (1) . 5- في الإجماع: مر بنا أنهم لا يحتجون بالإجماع على وجه الحقيقة ويحاول الشيعة التستر على رفضهم للإجماع، ومحاولة خداع المسلمين. فهم أولاً عقدوا في كتبهم الأصولية مبحث "الإجماع" (2) مع أنه لا عبرة ولا وزن للإجماع عندهم مع قول المعصوم، والحجة بالمعصوم لا بالإجماع، فعقد هذا "المبحث" هو لمجرد الخداع في العناوين. وبعض الشيعة المحدثين يحاول أن يتستر على رفضهم لأصل الإجماع - بطريق الحيلة - ويزعم أن الشيعة يوافقون السنة في الاحتجاج به. يقول محمد جواد مغنية: إجماع الصحابة بأن تتفق كلمة الأصحاب جميعاً على حكم شرعي، وقد وأجب السنة والشيعة الأخذ بهذا الإجماع واعتباره أصلاً من أصول الشريعة، ثم يذكر أن   (1) انظر: ص 56 من هذا البحث. (2) انظر: كتب الأصول عندهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 الشيعة قالوا بحجتيه لوجود الإمام مع الصحابة) (1) . انظر إلى هذا التحايل رغم أن مؤدى قوله أن الشيعة ترى أن الحجة في قول المعصوم لا في الإجماع. لكنه استعمل هذا الأسلوب الملتوي للخداع والتغرير، وقد انخدع بذلك البعض (2) . ومن أسس ردهم لإجماع المسلمين ذلك المبدأ الخطير عندهم، وهو أن خلاف العامة - أي أهل السنة - فيه الرشاد. وقد سارت كتبهم المعاصرة في الأصول على الأخذ بهذا المبدأ واعتباره أحد وسائل الترجيح عند تعارض الأحاديث في كتبهم، أي على نفس أسلوب كتبهم القديمة. يقول آيتهم العظمى محمد باقر الصدر في كتاب «تعارض الأدلة الشرعية» : (وقد بلغ الأمر بالأئمة في التقية ـ لا من الحكام فحسب، بل من الأمة بصورة آكد ـ أن جعلوا مخالفة العامة مقياساً لترجيح إحدى الروايتين المتعارضتين على الأخرى) (3) . يذكر "الصدر" هذا المبدأ وهو يتحدث عن وسائل الترجيح   (1) «الشيعة في الميزان» : ص 321. (2) مثل الشيخ محمد الغزالي الذي نقل كلام مغنية هذا وغيره واحتج به في أنه لا فرق من أصول الأحكام بين السنة والشيعة انظر كتابه «ليس من الإسلام» : (ص 79 - 80) . (3) «تعارض الأدلة الشرعية» : تقرير لأبحاث محمد باقر الصدر، نشرها محمود الهاشمي: ص 3. وانظر أيضاً: مجلة «رسالة الإسلام» كلية أصول الدين ببغداد العدد 3، 4، السنة الخامسة شوال 1391هـ، «بحث وظيفة المجتهد عند تعارض الأدلة» : داود العطار، مدرس التفسير وعلوم القرآن في الكلية: ص 133 (والكلية شيعية ومجلتها تعتمد في أبحاثها على كتب الشيعة) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 عند التعارض ويعتبره من الأصول التي وضعها أئمتهم لهم عند اختلاف أحاديثهم. 6- الإمامة: (أ) رأي دعاة التقريب فيما جاء في أمهات كتب الشيعة من غلو في الأئمة : سبق أن عرضنا بعض ما تخلعه كتب الشيعة الأساسية على الأئمة من صفات تخرج بهم إلى درجة النبوة، وأحياناً تبلغ بهم إلى درجة الألوهية، وفي هذا المبحث نستمع إلى رأي دعاة التقريب في ذلك: 1- لقد مر ذكر بعض الأبواب التي عقدها الكليني في كتابه «الكافي» حول الأئمة مثل: (باب أن الأئمة يعلمون ما كان وما يكون وأنهم لا يخفى عليهم الشيء) ونحوها - كما أسلفنا - وقد توجه د. علي السالوس (1) إلى أحد علماء الشيعة المعاصرين "كاظم الكفائي" (2) ، وسأله عن رأيهم في تلك الأبواب والأحاديث فأجاب عن ذلك بقوله: (أما الروايات التي ذكرها شيخنا الكليني في كتابه «الكافي» فهي موثوقة الصدور عندنا.. وما ورد في «الكافي» أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة، والأنبياء، والرسل، وأنهم إذا شاءوا أن يعلموا علموا، ويعلمون متى يموتون ولا يموتون إلا باختيار منهم،   (1) د. علي السالوس مدرس الشريعة بالجامعة المستنصيرية بالعراق (سابقاً) وبمعهد التربية للمعلمين بالكويت (حالياً) 1401هـ، ومن كتبه: «فقه الشيعة الإمامية» . (2) وهو عميد مدرسة الإمام كاشف الغطاء الدينية في النجف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 ويعلمون علم ما كان وما يكون ولا يخفى عليهم الشيء، لا شك أنهم أولياء الله وعباده الذين أخلصوا له في الطاعة) ، ثم ذكر قولاً عن أئمتهم وهو: (قولوا فينا ما شئتم ونزهونا عن الربوبية) (1) يعني أنهم يستحقون هذه الأوصاف وغيرها.. وهكذا يؤكد كاظم الكفائي إيمانهم بهذا الغلو في الأئمة. وللخنيزي جواب من هذه المسائل لا يخالف جواب الكفائي في حقيقته (2) ، وكذلك أجاب "لطف الله الصافي" بأن الأبواب المعنونة في «الكافي» ليست إلا عناوين لبعض ما ورثوا عن جدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (3) وإذا كان هؤلاء يقرون بهذا فإن شيخهم عبد الحسين الأميني النجفي ينكر بعض ما ورد عنهم في ذلك مثل أن موت الأئمة باختيارهم، وينفي وجوده عندهم ويعتبر ذلك تحايلاً ومكابرة بالإفك (4) . رغم أن ذلك من أبواب «الكافي» و «البحار» الحاوية لكثير من أحاديثهم في ذلك، على أن عبد الحسين هذا يعترف في موضع آخر بأوصاف الغلو في أئمته، وذلك في معرض حديثه عن اختلاف المقاييس والموازين بين طائفته وسائر المسلمين فيقول: (لولا أن هناك من يتعامى أو يتصامم عن رؤية هذه وسماع هاتيك - يعني من فضائل أئمته - ... من الذين استأسرهم الهوى وتدهور بهم الجهل إلى هوة التيه   (1) حديث لكاظم الكفائي نشره السالوس بخط الكفائي. انظر «فقه الشيعة» : (ص 65، 265) . (2) أبو الحسن الخنيزي: «الدعوة الإسلامية» : (1/27 - 28) . (3) لطف الله الصافي: «مع محب الدين في خطوطه العريضة» : ص 149. (4) عبد الحسين أحمد الأميني النجفي: «الغدير» : (3/285 - 286) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 والضلال - يعني أهل السنة - فعدوا من الغلو الفاحش: القول بعلم الغيب فيهم أو تكلم الموتى معهم، أو علمهم بمنطق الطير والحيوانات أو إحياء الله الموتى بدعائهم، أو استجابة دعواتهم في برء الأكمه والأبرص بل وكل ذي عاهة، أو القول بالرجعة لهم، أو ظهور كرامة لهم تخرق العادة، أو الشخوص إلى زيارة قبورهم والتوسل بهم والتبرك بتربتهم والدعاء والصلاة عند مراقدهم (1) ، أو التلهف والتأسف على ما انتابهم من المصائب - يشير إلى ما يصنعونه في ذكرى وفيات الأئمة - إلى كثير من أمثال هذه من مبادئ تراها الشيعة في العترة الهادية من فضائلهم المدعومة بالبرهنة الصحيحة والحجج القوية - أي قوية وصحيحة عندهم - ... مما أنكرته ابنا حزم وجوزي وتيمية وقيم وكثير ممن حذا حذوهم) (2) . وعلى الرغم من ادعاء عبد الحسين هذا، وكاظم الكفائي وغيرهما علم الغيب للأئمة، وزعمهم أن ذلك هو معتقد الشيعة، فإن محمد جواد مغنية ينكر علم الأئمة للغيب، بل ينكر نسبة ذلك إلى الشيعة يقول: (وكيف نسب إلى الشيعة الإمامية القول بأن أئمتهم يعلمون الغيب وهم يؤمنون بكتاب الله ويتلون قوله تعالى حكاية عن نبيه: (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ((3) وقوله: (إنما الغيب لله ((4) وقوله: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ((5) لقد ظلم الشيعة الإمامية من نسب إليهم القول   (1) سيأتي في مسألة غلوهم في قبور أئمتهم مزيد من الشواهد. (2) عبد الحسين الأميني النجفي: «الغدير» : (7/70) . (3) الأعراف: آية 188. (4) يونس: آية 20. (5) النمل: آية 95. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 بأن الأئمة يعلمون الغيب) (1) . ثم قال: (وإن من نسب إليهم شيئاً من ذلك فهو جاهل متطفل أو مفترٍ كذاب) (2) . هذا ما يقوله مغنية. فأيهما نصدق في مذهب الشيعة؟ هل نصدق «الكافي» و «البحار» ، ونأخذ بقول كاظم الكفائي، وعبد الحسين النجفي ونقول أن الشيعة يدعون لأئمتهم علم الغيب، أو نأخذ بقول مغنية؟ والعجيب في الأمر أن الكل يزعم أن ما يقوله هو مذهب الشيعة، وعلى رأي مغنية فإن الكليني، والمجلسي، والكفائي، والأميني وغيرهم هم من الجهلة المتطفلين أو المفترين الكذابين. وهذا التناقض في آراء دعاة التقارب له أمثلة كثيرة، فمن ذلك: بخصوص الغلو في الأئمة فقط أن محمد جواد مغنية يقول: إن الشيعة تعتقد أن علم الأئمة كسْبي، ويرمي من يدعي أن علم الأئمة إلهامي بالجهل والدس فيقول: (وبهذا يتبين الجهل أو الدس في قول من قال بأن الشيعة يزعمون أن علم الأئمة إلهامي وليس بكسبي) (3) ، في حين أن داعية التقريب الآخر الخنيزي يقول: (علم الأئمة ليس بكسبي) (4) ، وشيخهم محمد رضا المظفر يقول - وهو يتحدث عن علم الإمام -: (وإذا استجد شيء لا بد أن يعلمه - أي الإمام - من طريق الإلهام بالقوة القدسية التي أودعها الله تعالى فيه) (5) ، فمن نصدق وكلٌّ يزعم أن قوله هو مذهب الشيعة؟ لكن كتبهم الأساسية تثبت   (1) «الشيعة في الميزان» : ص 43. (2) «الشيعة في الميزان» : ص 48. (3) «الشيعة في الميزان» : (ص 44- 45) . (4) «الدعوة الإسلامية» : (1/17) . (5) «عقائد الإمامية» : ص 96. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 الوحي والإلهام للأئمة، فمعنى هذا أن قول مغنية تقية وهو يزعم أنه لا تقية عندهم اليوم - كما سيأتي - كما نرى شيخهم محمد حسين آل كاشف الغطا يكفّر من يقول أن الأئمة يوحى إليهم (1) ، مع أن هذا هو مذهب الكليني حيث روى ذلك في «الكافي» (2) - الذي ضمن فيه أن لا يخرج إلا ما صح عنده ـ (3) ، فهل الكليني عند آل كاشف الغطا كافر؟ وكذلك المجلسي أثبت أحاديث الوحي للأئمة (4) فهل يأخذ نفس الحكم؟. وهكذا يكفر بعضهم بعضاً ويناقض بعضهم بعضاً. كما أننا نرى الغلو في الأئمة عند مراجع الشيعة وعلمائها، فهذا شيخهم محمد حسين كاشف الغطا يقول: (لولا سيف علي.. لما اخضر للإسلام عود ولما قام له عمود) (5) . ولما استنكر الشيخ موسى جار الله هذا الغلو (6) أجابه محسن الأمين - أحد مراجع الشيعة المعاصرين - بقوله: (إنه لم يسمع لسواه.. - يعني علياً (- بقتيل ولا جريح في موقف من المواقف) (7) .   (1) انظر: «أصل الشيعة» : ص 101 ط الثانية. (2) انظر: ص 166 من هذا البحث. (3) انظر مقدمة «الكافي» ، و «الوسائل» للحر العاملي: (20/63- 64) . (4) انظر: ص 267 من هذا البحث. (5) «أصل الشيعة» : ص 25. (6) انظر: «الوشيعة» : ص: ص، ق. (7) «الشيعة» : ص 111. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 ومحمد حسين آل كاشف الغطا هذا هو أيضاً الذي يقول في أئمته: يا كعبة لله إن حجت لها الـ ... أملاك منه فعرشه ميقاتها أنتم مشيئته التي خلقت بها الـ ... أشياء بل ذرئت بها ذراتها أنا في الورى قال لكم إن لم أقل ... ما لم تقله في المسيح غلاتها (1) هذا ما يقوله أحد كبار مراجع الشيعة، وكبار دعاة التقريب منهم، ومن يعتبر عند بعض أهل السنّة من معتدلي الشيعة، ولهذا قدموه إماماً لهم في مؤتمر القدس الأول (2) . لأن له وجهين وقولين، والتقية لا تنتهي كنوزها، وهو يتعهد في "البيت الأخير" أنه سيقول في أئمته ما لم تقله غلاة النصرانية في المسيح، وما أدري أي مرحلة سيصل إليها؟ وهل بعد غلو النصارى الذين جعلوا المسيح إلهاً من دون الله.. هل بعد غلوهم من غلو؟!! ولكنه استطاع تجاوز ما قالته النصارى في المسيح، حيث جعلهم الكعبة التي تحجها الأملاك وميقاتها العرش وخلقت بهم الأشياء.   (1) «ديوان شعراء الحسين» : محمد باقر النجفي: ص 12 ط. طهران 1374هـ. (2) انظر في مؤتمر القدس، مجلة «الأزهر» المجلد: (25/506، 638، 979) ، «المسلمون» المجلد السادس: ص 45. وانظر: تعليق محمد رشيد رضا في «المنار» على تقديم محمد حسين آل كاشف الغطا إماماً لهم في الصلاة في مجلة «المنار» : المجلد: (29/ص 628) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 ولهم شيخ آخر يدعى عبد الحسين ابن الشيخ إبراهيم ابن الشيخ صادق ابن الشيخ يحيى.. العاملي (1) ، قالوا أنه كان آية من آياتهم التي ينسبوها - زوراً - إلى الله سبحانه، يقول هذا "العاملي" مشطراً أبيات السيد حسين القزويني في مدح الأمير "ع". أبا حسن أنت عين الإله ... وعنوان قدرته السامية وأنت المحيط بعلم الغيوب ... فهل عندك تعزب من خافية؟ وأنت مدبر رحى الكائنات ... وعلة إيجادها الباقية لك الأمر إن شئت تنجي غدا ... وإن شئت تسفع بالناصية (2) والشواهد في هذا الباب كثيرة: ونقول إن هذه هي السبئية، خرجت لنا اليوم متلفعة برداء الاثني عشرية، وما كنا نظن أن للسبئية وجوداً حتى بدأنا القراءة في كتب "الروافض" فوجدنا أفكار ابن سبأ قد خلدت في دواوين الاثني عشرية الأساسية، فيولد في أحضان الاثني عشرية، بفضل هذه الدواوين،   (1) ووصفوه بأنه (آية من آيات الله وعلماً من أعلام الدين والإسلام في سوريا والعراق) مع أنه عدو لله ودينه. ولد في النجف عام 1279هـ، وتتلمذ على شيوخ النجف في عصره وكللوه بإجازاتهم وشهاداتهم له برقي منصب الاجتهاد عندهم وتآليفه تنوف على العشرين، منها: «المواهب السنية في فقه الإمامية» مجلدان. محمد باقر النجفي: «ديوان شعراء الحسين» : ص 26. (2) «ديوان الحسين» : الجزء الأول من القسم الثاني الخاص في الأدب العربي، ص 48. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 من أمثال ابن سبأ العشرات، والخلاف في الاسم فقط. ولولا ضيق المجال لأكثرت من الشواهد في ذلك (1) . (ب) رأيهم في الغلو في قبور أئمتهم : سبق أن نقلنا عن شيخهم عبد الحسين أنهم لا يعتبرون هذا من الغلو لأنه مؤيد بالأدلة عندهم. وأكد شيخهم محمد حسين آل كاشف الغطا أن كربلاء عندهم أشرف بقاع الأرض بالضرورة، وذكر أنه قد شهد بذلك الكثير من الأخبار والآثار عندهم، ثم استشهد بالبيت التالي: ومن حديث كربلا والكعبة ... لكربلا بان علو الرتبة ثم ذكر أن شعراءهم قد تفننوا في بيان فضلها وقداستها، واستطالتها على جميع بقاع الأرض (2) !!!! ويؤكد آيتهم ميرزا حسن الحائري هذا المعنى الوثني فيقول: (كربلاء تلك التربة الطيبة الطاهرة، والأرض المقدسة التي قال في حقها رب السموات والأرضين - مخاطباً للكعبة حينما افتخرت على سائر البقاع -: قري واستقري لولا أرض كربلاء وما ضمنته لما   (1) انظر من ذلك: محسن الأمين: «أعيان الشيعة» : (5/219) ، و «ديوان شعراء الحسين» في مواضع كثيرة، لمجموعة من شيوخ الروافض، والبرسي: «مشارق الأنوار» في مواضع كثيرة، وعبد الحسين الأميني النجفي: «الغدير» : (7/34- 67) ، وغيرها. (2) محمد آل كاشف الغطا: «التربة الحسينية» : (ص 55- 56) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 خلقتك) ، ثم يقول هذا الرافضي: وكذلك أصبحت هذه البقعة المباركة بعد ما صارت مدفناً للإمام "ع" مزاراً للمسلمين وكعبة للموحدين ومطافاً للملوك والسلاطين، ومسجداً للمصلين (1) . ويقول د. عبد الجواد آل طعمه في كتاب له يسمى: «تاريخ كربلاء» - وهو موثق من عدد من آياتهم وحججهم (2) - يقول: (أُعطيت كربلاء حسب النصوص الواردة بأكثر مما أُعطى لأي أرض أو بقعة أخرى من المزية والشرف في الإسلام؛ فكانت أرض الله المختارة، وأرض الله المقدسة المباركة، وحرماً آمناً مباركاً، وحرماً من حرم الله وحرم رسوله وقبة الإسلام، ومن المواضع التي يحب الله أن يعبد ويدعى فيها، وأرض الله التي في تربتها الشفا، فإن هذه المزايا وأمثالها التي اجتمعت لكربلاء لم تجتمع لأي بقعة من بقاع الأرض حتى الكعبة) (3) . ويقول محمد الشيرازي وهو من آياتهم عن قبور أئمته: (ونعتقد أن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الطاهرين أحياء عند ربهم يرزقون، ولذا فإننا نزور قبورهم ونتبرك بآثارهم ونقبل أضرحتهم كما نقبل الحجر الأسود وكما نقبل جلد القرآن الكريم) (4) .   (1) الحائري: «أحكام الشريعة» : (1/32) . (2) كمحمد حسن آل كاشف الغطا، وعبد الحسين الأميني النجفي وغيرهما. انظر: مقدمة الكتاب. (3) «تاريخ كربلاء» : (ص 115- 116) . (4) المرجع الديني، محمد الشيرازي: «مقالة الشيعة» : ص 8. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 ويقول آيتهم وحجتهم عبد الله الممقاني: (وعليك بني بالتوسل بالنبي وآله صلى الله عليهم أجمعين، فإني قد استقصيت الأخبار فوجدت أنه ما تاب الله على نبي من أنبيائه من الزلة إلا بالتوسل بهم، وقد ورد - أي من طرقهم - أن الله تعالى لما خلق آدم (نقل أشباح محمد وآله المعصومين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين من ذروة العرش إلى ظهره، وكان أمره الملائكة بالسجود لآدم (؛ إذ كان وعاء تلك الأشباح ... وأنه قال لآدم عليه السلام - لما سأله عنهم - أن هؤلاء خيار خليقتي، وكرام بريتي بهم آخذ، وبهم أُعطي، وبهم أُعاقب، وبهم أُثيب، فتوسل بهم يا آدم، وإذا دهتك داهية فاجعلهم لي شفعاءك، فإني آليت على نفسي قسماً حقاً أن لا أُخيب بهم آملاً، ولا أرد بهم سائلاً، فلذلك حين زلت منه الخطيئة دعا الله (بهم فتاب تعالى عليه وغفر له، وكذلك من بعده يعقوب، ويوسف وغيرهما لم ينج منهم ناج إلا بالتوسل بهؤلاء الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين. وعليك بني بزيارته - يعني الحسين - في كل يوم من البعد مرة والمضي إليه في كل شهر مرة، ولا أقل من زيارته في الوقفات السبع (1) ، وإن كنت في بلدة بعيدة ففي السنة مرة) (2) .   (1) الوقفات السبع عندهم هي: 1- زيارة ليلة عاشوراء ويومها. 2- زيارة الأربعين. 3- زيارة أول يوم من رجب. 4- زيارة النصف من رجب. 5- زيارة النصف من شعبان. 6- زيارة ليلة عيد الفطر. 7- زيارة يوم عرفة. محيي الدين الممقاني: «مرآة الرشاد» : (الحاشية) : (ص 111- 113) . (2) عبد الله الممقاني: «مرآة الرشاد» : (ص 110- 114) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 وعلق على ذلك ابنه شيخهم محي الدين الممقاني بأنه قد ورد من طرقهم (أن من زاره - عارفاً بحقه - كتب الله له ثواب ألف حجة وألف عمرة، وكأنما زار الله. وحق على الله ألا يعذبه بالنار، ألا وإن الإجابة تحت قبته والشفاء في تربته) (1) .. (ومن زار قبر الحسين (ليلة النصف من شعبان، وليلة الفطر، وليلة عرفة في سنة واحدة كتب الله له ألف حجة مبرورة، وألف عمرة متقبلة، وقضيت له ألف حاجة من حوائج الدنيا والآخرة) (2) ، (ومن أتاه يوم عرفة عارفاً بحقه كتب الله له ألف حجة وألف عمرة متقبلات، وألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل) (3) . وهكذا تتفق كتب الشيعة قديمها وجديدها على هذا الاعتقاد الوثني وينسبون هذا لأئمتهم، ولا يعلم المسلمون كلهم بهذا الأمر وينفرد بنقله الشيعة دون غيرهم. والحق أن هذه النصوص والأقوال هي التي أحيت عقيدة المشركين في مزارات الشيعة ومشاهدها وأصبحت المشاهد معمورة والمساجد مهجورة، وعلماؤهم يؤيدون هذا "المنكر" (4) . (ج) غلوهم في مجتهديهم : لا نجد من دعاة التقريب إلا كل تأييد لهذا الغلو بل إن هذا   (1) محيي الدين الممقاني: «مرآة الرشاد» : الحاشية، ص 110 عن «وسائل الشيعة» : (2/395) باب 45. (2) محيي الدين، المصدر السابق: ص 113 عن «وسائل الشيعة» : (2/398) باب 54. (3) محيي الدين، المصدر السابق: ص 113 عن «وسائل الشيعة» : (2/396) باب 49. (4) فأصبحت مزارات الشيعة اليوم من أكبر المظاهر للشرك بالله تعالى، ولا أمل يرتجى في تغيير هذا المنكر بينهم لأنه مؤيد عندهم بالأدلة والأحاديث عكس الأمر عند أهل السنّة، وقد رأى هذا الشرك كل من زار تلك المشاهد. يقول الشيخ موسى = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 الغلو يمتد على أيديهم ويزداد فهذا شيخهم "محمد جواد مغنية" الذي يلهج بالدعوة للتقارب والذي ما زال يؤمن بقوله إن الشيعة مظلومون ومفترى عليهم وأنهم من أبعد الناس عن الغلو، ولكنه يقول في كتابه «الخميني والدولة الإسلامية» في مدح الخميني: (وقال السيد المعلم - يعني الخميني - ص 111 من «الحكومة الإسلامية» لماذا الخوف؟ فليكن حبساً أو نفياً أو قتلاً، فإن أولياء الله يشرون أنفسهم ابتغاء مرضاة الله) (1) . ثم علق على ذلك مغنية بقوله: (وليست هذه الكلمات مجرد سورة من سورات الغضب كما فعل موسى (حين ألقى الألواح - التوراة - وأخذ برأس أخيه يجره إليه، بل تنبني أيضاً على العلم والمنطق الصارم دون أن تلفحه نار العاطفة) (2) .   = جار الله، بعد زيارته لديار الشيعة عدة أشهر، بأنه رأى المشاهد والقبور عندهم معبودة. انظر: «الوشيعة» : ص ط. وقال الشيخ الندوي - بعد زيارة له إلى إيران - عن مشهد علي الرضا: (فإذا دخل غريب في مشهد سيدنا علي الرضا لم يشعر إلا وأنه داخل الحرم، فهو غاص بالحجيج مدوي بالبكاء والضجيج، عامر بالرجال والنساء مزخرف بأفخر الزخارف والزينات، قد تدفقت إليه ثروة الأثرياء وتبرعات الفقراء) . أبو الحسن الندوي: «من نهر كابل إلى نهر اليرموك» : ص 93، «مجلة الاعتصام» : السنة 41، العدد 3. ويقول صاحب «مختصر التحفة الاثني عشرية» : (أنهم يعظمون قبور الأئمة ويطوفون حولها، بل ويصلون إليها مستدبرين القبلة إلى غير ذلك من الأمور التي يستقل لديها فعل المشركين مع أصنامهم، وإن حصل لك ريب من ذلك فاذهب يوم السبت إلى مرقدي موسى الكاظم ومحمد الجواد رضي الله عنهما فانظر ماذا ترى؟. ومع ذلك فهذا معشار ما يصنعون عند قبر الإمام علي - رضي الله عنه - ومرقد الإمام الحسين (عنه مما لا شك ذو عقل في إشراكهم والعياذ بالله) «مختصر التحفة الاثني عشرية» : ص 300. وانظر: «المنتقى» بتعليق: محب الدين الخطيب: ص 12، 51، 158، 159. (1) ، (2) محمد جواد مغنية: «الخميني والدولة الإسلامية» : ص 107. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 هذا نص مغنية بحروفه، وهو يفيد أن الخميني أكمل من نبي الله موسى - عليه الصلاة والسلام - وأن فعل الخميني مبني على العلم والمنطق وموسى على الغضب والعاطفة!! وموسى (أكرم وأعظم أن يقارن بصفوة الصالحين فكيف يفضل عليه الخميني، أو يذكر معه، في مقارنة ولكنه منطق الغلاة الذين قد فرغت قلوبهم من توقير أنبياء الله ورسله لأن غلوهم في أئمتهم ونوابهم قد استل من قلوبهم عظمة الرسالة والرسل. وإلا فما معنى هذه المقولة الشنيعة التي سقط بها هذا الرافضي؟ (1) . (د) رأي دعاة التقارب فيما جاء في أصولهم وكتبهم الأساسية من عدم شرعية أي حكومة إسلامية غير حكومة الاثني عشر : 1- رأي آيتهم "حسين الخراساني (2) . لعل رأيه في هذا الباب يؤخذ من خلال ما ذكر في كتابه «الإسلام على ضوء التشيع» أن كل شيعي على وجه الأرض يتمنى فتح مكة والمدينة وإزالة الحكم الوهابي عنها - كما يزعم - يقول: (إن طوائف الشيعة يترقبون من حين وآخر أن يوماً قريباً آت يفتح الله تعالى لهم تلك الأراضي المقدسة لمرة أخرى - كذا - ليدخلوها آمنين مطمئنين فيطوفوا ببيت ربهم، ويؤدوا مناسكهم ويزوروا قبور ساداتهم ومشايخهم وفي مقدمها قبر صاحب الشريعة الإسلامية ومسجده الشريف وقبور أهل بيته وعترته الطاهرين في البقيع، ولا يكون هناك سلطان جائر يتجاوز عليهم بهتك أعراضهم وذهاب حرمة إسلامهم وسفك دمائهم المحقونة، ونهب أموالهم   (1) وهناك أمثلة أخرى. انظر مثلاً: محسن الأمين: «أعيان الشيعة» : (5/240- 241) . (2) من شيوخهم المعاصرين في إيران يلقبونه بـ "آية الله"، له أكثر من 35 مؤلف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 المحترمة ظلماً وعدواناً. حقق الله تعالى آمالنا) (1) . هكذا يتمنى هذا "الرافضي" فتح الديار المقدسة، وكأنها بيد كفار، ويعلل هذا التمني بأنه يريد الحج والزيارة وكأنه وطائفته قد منعوا من ذلك، والواقع أنه يريد إقامة الشرك وهدم التوحيد في الحرمين الطاهرين، وهذه الأمنية هي التي رددها بعض رجالات ثورة الخميني؛ ففي احتفال رسمي وجماهيري أقيم في عبدان في 17/3/1979م تأييداً لإقامة الجمهورية الإسلامية ألقى د. محمد مهدي صادقي خطبة في هذا الاحتفال سجلت باللغتين العربية والفارسية، ووصفتها الإذاعة بأنها مهمة، ومما جاء في هذه الخطبة: (أصرح يا إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن مكة المكرمة حرم الله الآمن يحتلها شرذمة أشد من اليهود..) ، وذكر قبل ذلك بأنه حين تثبت ثورته على أقدامها سينتقلون إلى القدس وإلى مكة المكرمة، وإلى أفغانستان وإلى مختلف البلاد (2) . وهكذا يعتبر الوضع في مكة كوضع القدس الذي يحتله اليهود ووضع أفغانستان التي يحتلها الشيوعيون (3) ، في حين أننا نراهم يتعاطفون مع الحكم النصيري الكافر في سوريا ولا يمسونهم بنقد..!! 2- رأي آيتهم العظمى عبد الحسين الرشتي (4) : في جواب له على ما قاله الشيخ جار الله من أن الشيعة   (1) «الإسلام على ضوء التشيع» : (ص 132- 133) . (2) أذيعت هذه الخطبة من صوت الثورة الإسلامية من عبادان الساعة 12 ظهراً من يوم 27/3/1979م. وانظر: «وجاء دور المسلمين» : (ص 334- 347) . (3) وقد نقل رشيد رضا أن الرافضي أبو بكر العطاس قال: (أنه بفضل أن يكون الإنكليز حكاماً في الأراضي المقدسة على ابن سعود) «المنار» : (جـ29/ص 605) . (4) وقد ورد له ترجمة في مقدمة كتابه «كشف الاشتباه» عظموه فيها وذكروا أنه من آيتهم وحججهم. انظر: مقدمة الكتاب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 ترى أن حكومات الدولة الإسلامية وقضاتها كلها طواغيت (1) . أجابه هذا الرشتي بجواب حاول فيه إقامة الدليل على شرعية إمامة الاثني عشر وبطلان ما عداها من حكم وإمامة، وزعم أنه يأخذ هذه الأدلة من كتب السنّة المعتمدة، ومما أورده في ذلك قوله: (وروى صدر الأئمة أخطب خوارزم (2) بسنده أن الله (قال لنبيه عن ولاية أئمتهم الاثني عشر: فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ومن جحدها كان عندي من الكافرين، يا محمد لو أن عبداً من عبادي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي ثم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتهم) (3) . والنتيجة من جواب هذا الرشتي أن الشيعة ترى كفر الحكومات الإسلامية، وتحاول أن تقيم على أهل السنّة الحجة والدليل من كتبهم ليأخذوا بهذا المبدأ!!   (1) «الوشيعة» : ص 24. (2) الموفق بن أحمد بن أبي سعيد إسحاق أبو المؤيد، المعروف بـ"أخطب خوارزم" أو "خطيب خوارزم" لأنه كان يخطب بجامع خوارزم سنين كثيرة، ومن كتبه: «مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب» وغيره. قال ابن تيمية عما جمعه خطيب خوارزم من فضائل علي: (فأما من تأمل في جمع هذا الخطيب فإنه يقول سبحانك هذا بهتان عظيم) توفي سنة 568هـ وكان مولده في حدود سنة 484هـ. انظر: السيوطي: «بغية الوعاة» : (2/308) ، «منهاج السنة النبوية» : (4/107) ، حاجي خليفة: «كشف الظنون» : (2/1844) . (3) عبد الحسين الرشتي: «كشف الاشتباه» : (ص 59- 63) وهذه الرواية من أشنع الكذب في دين الله وشرعه، فهي تجعل الإسلام هو في ولاية علي أو عدم ولايته، وهذا معلوم فساده من دين الإسلام بالضرورة، بل إن هذا الحديث وأمثاله هو من مكائد الباطنيين للتوصل إلى إبطال الشرائع وتعطيل العبادات. وانظر ما سبق أن قلناه حول طريقة الروافض في الاستدلال من مصادر السنة: ص 58 وما بعدها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 3- عبد الحسين شرف الدين الموسوي (1) : لما قال الشيخ موسى جار الله إن الشيعة تعتبر الحكومات الإسلامية وقضاتها طواغيت أجابه هذا الموسوي بقوله: (الطواغيت من الحكومات وقضاتها عند الشيعة إنما هم الظالمون الغاشمون المستحلون من آل محمد ما حرم الله ورسوله.. أما غيرهم من حكومات الإسلام فإن من مذهب الشيعة وجوب مؤازرتهم في أمر يتوقف عليه عز الإسلام ومنعته، وحماية ثغوره وحفظ بيضته، ولا يجوز عندهم شق عصا المسلمين وتفريق جماعتهم بمخالفته، بل يجب على الأمة أن تعامل سلطانها القائم بأمورها والحامي لثغورها معاملة الخلفاء بالحق) (2) . مناقشة هذا الرأي : هل يختلف قول عبد الحسين الموسوي عن رأي سابقيه حسين الخراساني وعبد الحسين الرشتي؟ وهل يختلف عما جاء في كتبهم الأساسية عندهم ـ تلك التي تقول إن كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت ـ؟. إذا كان ذلك كذلك فلماذا يتطوع بالرد على موسى جار الله، ولا يرد على كتبهم التي قالت هذا القول، وعلى علمائهم الذين لا يزالون يجاهرون بهذا المبدأ؟!! الحقيقة أن حديث علماء الشيعة إذا كان موجهاً لأهل السنّة فإنه يحمل مواصفات معينة من الحذر والكتمان صيانة لمذهبهم من نقد الخصوم - غالباً - وأنت إذا تأملت كلمات عبد الحسين رأيت الرجل لا يختلف في قوله عن قول سابقيه سوى أنه صاغ كلامه   (1) سيأتي حديث عنه في محاولات التقريب. (2) «أجوبة مسائل جار الله» : (ص 38- 39) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 بأسلوب التورية، وبطريقة تخدع من لا يعرف أساليبهم في التقية، فهو يقول: إن الطواغيت من الحكومات وقضاتها عند الشيعة إنما هم الظالمون لآل محمد، وهو في هذا لم يخرج عن مذهب الشيعة فهم يعتبرون كل من تعدى على سلطان أحد أئمتهم الاثني عشر وادعى الإمامة من دونهم هو ظالم لآل محمد، حتى إنهم يعتبرون أبا بكر أول ظالم لهم. وفي قوله: وأن الشيعة ترى وجوب مؤازرتهم - أي الحكام - في أمر يتوقف عليه عز الإسلام، وهذا هو أيضاً مذهب الشيعة، ومرادهم بـ "عز الإسلام" عز مذهب الشيعة، ولهذا نرى شيخهم الخميني يؤيد ما صنعه نصير الدين الطوسي من دخوله في العمل وزيراً لهولاكو (1) ، بقصد هدم الخلافة الإسلامية وإظهار مذهب الشيعة، ويرى مشروعية هذا اللون من التعاون مع الدول والحكام، فيقول: إن من باب التقية الجائزة دخول الشيعي في ركب السلاطين إذا كان في دخوله الشكلي نصر للإسلام وللمسلمين مثل دخول نصير الدين الطوسي (2) . وقوله: يجب على الأمة أن تعامل سلطانها القائم بأمورها   (1) قال شيخهم الخوانساري عن النصير الطوسي: (ومن جملة أمره المشهور المعروف حكاية استيزاره للسلطان المحتشم في محروسة إيران هلاكو خان بن تولي خان بن جنكيز خان من عظماء سلاطين التتارية وأتراك المغول، ومجيئه في موكب السلطان المؤيد مع كمال الاستعداد إلى دار السلام بغداد لإرشاد العباد! وقطع دابر سلسلة البغي والفساد بإبداء دائرة ملك بني العباس وإيقاع القتل العام من أتباع أولئك الطغام، إلى أن سال من دمائهم الأقذار كأمثال الأنهار، فانهار بها في دماء دجلة إلى نار جهنم دار البوار) . الخوانساري: «روضات الجنات» : (جـ6/ ص 300- 301) . (2) «الحكومة الإسلامية» : ص 142. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 والحامي لثغورها.. إلخ. والسلطان القائم بالأمور والحامي للثغور لا يتحقق في قاموس الروافض إلا للأئمة الاثني عشر أو نوابهم من فقهاء الروافض، أما غيرهم فلا يعتبرونهم من حماة الثغور، ولهذا يتعاونون مع الأعداء ضد الخلافة الإسلامية كما صنعوا في أحقاب التاريخ المختلفة. والذي دعاني أن أبيّن ألغاز كلام هذا الرافضي ومراميه هو أنه لم يشر إلى وجود تلك النصوص في كتبهم والتي تعتبر الحكومات الإسلامية وقضاتها وعلماءها طواغيت، فضلاً عن أن يردها، ثم إنه لم يذهب للرد على علمائهم الذين جاهروا بهذا الرأي بل ذهب يرد على موسى جار الله ويكذبه فيما قاله عن شيء قائم وواقع في كتب الشيعة، وهذا دليل التقية وليس مسلك من هو صادق في دعواه. وقد سلك لطف الله الصافي في رده على محب الدين الخطيب حول هذه القضية مثل مسلك عبد الحسين الموسوي (1) . أما الخنيزي في كتابه «الدعوة الإسلامية» فقد زعم أن الشيعة تُكِنّ كل ولاء للحكومات الإسلامية القائمة. وتجاهل ما في كتب طائفته مما يخالف هذا، وما قاله علماؤهم في ذلك وإنكار الواقع القائم تقية بلا ريب، ومن علامات تقيته أنه في إنكاره رد على من ينتقد بعض الحكومات التي تحكم بعض الشعوب الإسلامية واثني على جميع تلك الحكومات صالحها وطالحها بلا تفريق أو تمييز (2) . (هـ) رأيهم فيما جاء في كتبهم من أن الإمامة ركن من أركان الدين وأن منكر الإمامة كافر:   (1) انظر: «مع محب الدين الخطيب في خطوطه العريضة» : (ص 89- 90) . (2) انظر: «الدعوة الإسلامية» : (1/223- 224) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 ماذا يقول دعاة التقريب في الروايات والتي تعد بالمئات في كتبهم والتي تكفر من أنكر إمامة الأئمة، أو دان بإمامة غيرهم، وما أكده علماؤهم السابقون - كالمفيد وغيره - من إجماعهم على هذا المذهب كما سبق؟ (1) . ذكر مجموعة من مراجع الشيعة وعلمائها المعاصرين أن منكر الإمامة لا يخرج في اعتقادهم عن دائرة الإسلام. فيذكر محمد حسين آل كاشف الغطا أن الشيعة زادوا في أركان الإسلام ركناً آخر وهو الإمامة (2) ، لكنه يقول: (فمن اعتقد بالإمامة.. فهو عندهم مؤمن بالمعنى الأخص) (3) . ومن لم يعتقد بها (فهو مسلم ومؤمن بالمعنى الأعم، تترتب عليه جميع أحكام الإسلام من حرمة دمه وماله وعرضه ووجوب حفظه وحرمة غيبته وغير ذلك، لا أنه بعدم الاعتقاد بالإمامة يخرج عن كونه مسلماً - معاذ الله - نعم يظهر أثر التدين بالإمامة في منازل القرب والكرامة يوم القيامة..) (4) ، ويقول محسن الأمين - في قول الشيخ موسى جار الله: إن كتب الشيعة صرحت أن كل الفرق الإسلامية كافرة وأهلها نواصب (5) - يقول محسن الأمين: (سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم، لا يعتقد أحد من الشيعة بذلك، بل هي متفقة على أن الإسلام هو ما عليه جميع فرق المسلمين من الإقرار بالشهادتين، إلا من أنكر معلوماً   (1) انظر: هذا البحث ص 314. (2) ، (3) ، (4) «أصل الشيعة» : (ص 58- 59) . (3) (4) (5) انظر: «الوشيعة» : ص 24. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة وحرمة الخمر وغير ذلك، وعمدة الخلاف بين المسلمين هو في أمر الخلافة، وهي ليست من ضروريات الدين بالبديهة، لأن ضروري الدين ما يكون ضرورياً عند جميع المسلمين وهي ليست كذلك) (1) . وبمثل هذا الرأي قال آخرون من شيوخ الشيعة المعاصرين (2) . مناقشة هذا الرأي : إذا كان هذا "الرأي" هو القول المعتمد فلماذا لا ينكر ذلك المنكر القائم في كتبهم الذي يكفر الأمة - كما سبق عرضه -؟ لماذا تنشر تلك الكتب التي حوت تكفير المسلمين وتحقق من كبار علمائهم المعاصرين، ولا يعقب على هذا المذهب الخطير بأية كلمة سوى مدح هذه الكتب وتوثيقها والثناء على مؤلفيها وتعظيمهم؟. ومحمد آل كاشف الغطا، ومحسن الأمين وغيرهما من مراجع الشيعة وعلمائها ـ وهم يزعمون أن مذهب الشيعة لا يكفر المسلمين ـ لا نراهم يتعرضون لذلك الضلال المدون في كتبهم والذي يكفر الأمة، بل لا يشيرون إلى وجوده، ويزعمون أن الشيعة مظلومة مفترى عليها، والقارئ لذلك لا ينقضي عجبه من هذا المسلك الذي ينكر   (1) محسن الأمين: «الشيعة» : ص 176، «أعيان الشيعة» : (1/457) . (2) مثل عبد الحسين شرف الدين الموسوي، انظر كتابه «أجوبة مسائل جار الله» : ص 39، ورسالته: «إلى المجمع العلمي العربي بدمشق» ط النجف 1387هـ، وغيرهما من كتبه. وانظر: محمد حسين الزين العاملي: «الشيعة في التاريخ» : ص 32، وأبو الحسن الخنيزي: «الدعوة الإسلامية» : (2/260) ، ولطف الله الصافي: «مع محب الدين الخطيب» : ص 95، ومحمد جواد مغنية في كتابه: «الشيعة في الميزان» : ص 269، وغيرهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 الواقع القائم بحماس شديد وجرأة غريبة، ونقول إذا كان ما يقوله هؤلاء الأعلام المعاصرون من الشيعة هو حقيقة مذهب الشيعة، فإن المنتظر من هؤلاء الأعلام أن يتوجهوا بالرد على الكليني، والقمي، والمفيد، والطوسي، والمجلسي، ونعمة الله الجزائري وغيرهم الذين أثبتوا هذه، تلك المفتريات في كتبهم - كما مر - لا أن يردوا على من يكشف هذا الضلال ويستنكر هذا المنكر - من السنّة - كما فعلوا مع موسى جار الله وغيره. ثم إنه لا يزال بعض علمائهم المعاصرين يهذي بهذا الضلال ويصرح بتكفير المسلمين مثل شيخهم محمد باقر الطباطبائي (1) ، وشيخهم عبد الحسين الرشتي (2) وشيخهم عبد الهادي الفضلي (3) ، وغيرهم (4) ، بل إن من علمائهم المعاصرين الذين ينكرون إيمان الشيعة بهذا المعتقد الضال من يقع في هذا الذي ينكره؛ فيحكم بكفر الأمة، بل يحكم بردة صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.   (1) والذي وصفوه بأنه: حجة الإسلام وملاذ الأنام، والإسلام منه بريء، ومن كتبه «الشهاب الثاقب في رد ما لفظه الناصب» ، فأهل السنة جميعاً في رأيه نواصب. (2) الذي يقول عن الشيخين رضي الله عنهما: (أن أبا بكر وعمر هما السببان لإضلال هذه الأمة إلى يوم القيامة) «كشف الاشتباه» : ص 98، فهو في هذا النص يحكم بضلال الأمة إلى يوم القيامة، وأن سبب ضلالها هما صهرا رسول الله وحبيباه وخليفته، ثم يستثني من هذا الضلال طائفته ويعتبرها الناجية، المصدر السابق: ص 98. (3) وهو رافضي، يعيش في بعض دول الخليج، يقول في كتابه: «التربية الدينية» : ص 63 أن الإمامة ركن من أركان الدين (ولا أركان المذهب الشيعي، أي فمنكرها منكر ركن من أركان الدين، ومنكر ذلك ليس بمسلم) . (4) وسيأتي مزيد من الأمثلة لآراء المعاصرين في مسألة التكفير في مبحث رأيهم في ما قالته أصولهم في الصحابة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 ولا شك أن من يكفر صحابة رسول الله الذين جاهدوا معه ورضي اللهم عنهم ورسوله لا لشيء إلا لأنهم أنكروا الإمامة بزعمه فليس عليه بمستنكر تكفير غيرهم من المسلمين. فمثلاً نرى محمد رضا المظفر - وهو من كبار علمائهم المعاصرين - يشير في كتابه «عقائد الإمامية» إلى أن المسلم عندهم هو من يشهد الشهادتين أياً كان مذهبه (1) . بينما نجده في كتاب السقيفة يحكم بردة المسلمين بأجمعهم بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (مات النبي صلى الله عليه وآله ولا بد أن يكون المسلمون كلهم - لا أدري الآن - قد انقلبوا على أعقابهم) (2) هذا كلامه بحروفه. وبينما نجد كتب الشيعة تستثني من الحكم بالردة ثلاثة أو أربعة أو سبعة، نرى هذا الرجل يشك في وجود واحد من المسلمين لم يرتد على أعقابه بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وكذلك نرى شيخهم عبد الحسين شرف الدين الموسوي - الذي ينفي إيمانهم بهذه الضلالة في أكثر من كتاب من كتبه كما أشرنا إلى ذلك (3) - نراه في كتابه الذي سماه «الفصول المهمة في تأليف الأمة» - والذي زعم فيه أن الشيعة لا تكفر من أتى بالشهادتين - نراه ينكص على عقبه ويقول: إن الأخبار التي وردت بإيمان مطلق الموحدين تخصص بولاية آل البيت - يعني أئمته الاثني عشر - ويزعم أن هؤلاء الاثني عشر   (1) انظر: «عقائد الإمامية» : ص 155. (2) انظر: «السقيفة» : ص 19. (3) انظر: هامش رقم (2) ص 87 من هذه الرسالة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 هم باب حطة لا يغفر إلا لمن دخلها (1) . ويؤكد القول بأن (ولايتهم من أصول الدين) (2) . ويقول: (فقد أجمع المسلمون على معذرة من تأول في غير أصول الدين وإن أخطأ) (3) . والأمثلة على هذا التناقض كثيرة لا مجال هنا لعرضها، لكن نرى من الضروري كشف حقيقة كلام الذين ينكرون إيمانهم بهذه الضلالة، وأنهم لا يختلفون عمن يصرّح بهذه الضلالة، ولكن لإنكارهم تفسير خاص لا يعرفه إلا من اطلع على أصولهم وهم يحاولون خداع المسلمين بما يقولونه، في حين أنهم لا يفارقون مذهبهم القائم على تكفير المسلمين، إلا تقية أو خداعاً. ولقد كنا نحسب أن رأي محسن الأمين ومحمد حسين آل كاشف الغطا رأي عاقل، وصوت معتدل وسط ذلك الغلو الأعمى والتعصب الذميم، حتى اطلعنا على أصولهم فعرفنا "الحقيقة"؛ وهي أنهم يقولون بأننا نحكم بإسلام الناس في ظاهر الأمر فقط، أما في الباطن فهم كافرون، وهم مخلدون في النار، والحكم بإسلام الناس - أي أهل السنّة - رحمة بالشيعة؛ وذلك للاضطرار إلى مخالطة الشيعة لجمهور المسلمين. يقول شيخهم الملقب بـ "الشهيد الثاني" (4) :   (1) «الفصول المهمة» : ص 32. (2) المصدر السابق: ص 32. (3) «الفصول المهمة» : ص 45. (4) زين الدين بن علي العاملي المعروف بالشهيد الثاني، أول من صنف من الإمامية في دراية الحديث على سبيل التفصيل. ت 966هـ «أعيان الشيعة» : (1/297) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 بـ (المنع من المنافاة بين الحكمين - أي الحكم بالإسلام والحكم بالكفر - لأنا نحكم بأن من لم يتحقق له التصديق المذكور - وهو التصديق بإمامة الأئمة - كافر في نفس الأمر والحكم بإسلامه ظاهراً صحة ترتب كثير من الأحكام الشرعية على ذلك) . ثم قال: (أن الشارع جعل الإقرار بالشهادتين علامة على صحة إجراء أكثر الأحكام الشرعية على المقر، كحل مناكحته والحكم بطهارته وحقن دمه وماله وغير ذلك من الأحكام المذكورة في كتب الفروع، وكأن الحكمة في ذلك هو التخفيف عن المؤمنين "الشيعة" لمسيس الحاجة إلى مخالطتهم في أكثر الأزمنة والأمكنة) (1) . ثم قال: (أن القائلين بإسلام أهل الخلاف - يعني بأهل الخلاف أهل السنّة - يريدون ما ذكرناه من الحكم بصحة جريان أكثر أحكام المسلمين عليهم في الظاهر لا أنهم مسلمون في نفس الأمر ولذا نقلوا الإجماع على دخولهم النار، ثم ذكر أيضاً بأن القائلين بكفرهم إن أرادوا بذلك كونهم كافرين ظاهراً وباطناً فهو ممنوع ولا دليل عليه، بل الدليل قائم على إسلامهم ظاهراً) (2) . ويقول "المجلسي": (ويظهر من بعض الأخبار - بل كثير منها - أنهم في الدنيا أيضاً في حكم الكفار، لكن لما علم الله أن أئمة الجور وأتباعهم يستولون على الشيعة وهم يبتلون بمعاشرتهم ولا يمكنهم الاجتناب عنهم وترك معاشرتهم ومخالطتهم ومناكحتهم؛ أجرى الله عليهم حكم الإسلام توسعة، فإذا ظهر القائم "ع" يجري عليهم حكم سائر الكفار في جميع الأمور، وفي الآخرة يدخلون النار ماكثين فيها أبداً مع الكفار، وبه   (1) «البحار» : المجلسي: (8/367- 368) . (2) «البحار» : المجلسي: (8/367- 368) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 يجمع بين الأخبار كما أشار إليه المفيد والشهيد الثاني) (1) . ويذكر آيتهم العظمى - من المعاصرين - شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي أن (أصول دين الإسلام على قسمين: قسم يترتب عليه جريان حكم المسلم وهو الشهادة بالوحدانية، والشهادة بالرسالة وقسم يتوقف عليه النجاة بالآخرة فقط والتخلص من عذاب الله والفوز برضوانه والدخول في الجنة. فيحرم دخولها على من لم يعترف به ويساق إلى النار في زمرة الكفار، ويسمى هذا القسم بأصول الإيمان، ثم ذكر أن من هذا القسم الاعتقاد بالإمامة والاعتراف بالإمام وقال: أن الدليل على ذلك هو ارتداد جماعة من الصحابة بعد ارتحال النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الكفر، ومن المعلوم أنه لم يصدر بعد ارتحال النبي من الصحابة ما يصلح أن يكون موجباً للارتداد إلى الكفر ولم يعدلوا عن الشهادة بالوحدانية والنبوة غير أنهم أنكروا الإمامة) (2) . وهكذا يتبين أن حكم محسن الأمين، ومحمد حسين آل كاشف الغطا وغيرهما بذلك الحكم إنما يعنون به الإسلام الظاهر كما اصطلحوا عليه، ولهذا لم ينكروا ما جاء في كتبهم من تكفير المسلمين لأنهم يعتقدون بكفرهم في الباطن، ولهذا أجمعوا على دخول جميع المسلمين النار ونجاة الشيعة فقط!! وإذا تأملت كلام محمد حسين آل كاشف الغطا تجده أشار إلى هذا المذهب بقوله: (نعم يظهر أثر التدين بالإمامة   (1) المصدر السابق: (8/369- 370) . (2) شهاب الدين النجفي: من تعليقاته على كتاب «إحقاق الحق» للتستري: (جـ2/ص 294- 295) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 في منازل القرب والكرامة يوم القيامة) كما سبق، وكذلك محسن الأمين إذا تدبرت كلامه في هذا الموضوع (1) رأيته يشير إلى أن الحكم بالإسلام هو في الظاهر فقط ولكنه لم يصرح بذلك تقية. فمن إشاراته لهذا المذهب قوله: (الإسلام هو ما عليه جماعة الناس من الفرق كلها وبه حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث) (2) ، ثم أكد مذهبه الباطل في تكفير المسلمين بقوله: (إلا من أنكر ضرورياً من ضروريات الدين كوجوب الصلاة وحرمة الخمر) والإمامة عندهم أعظم من وجوب الصلاة وحرمة الخمر - كما تقدم - بلا إشكال، فنبه بالأدنى على الأعلى تقية، أما قوله: (وعمدة الخلاف بين المسلمين هو في أمر الخلافة وهي ليست من ضروريات الدين ... ) فهذا خداع من الرافضي لا يتنبه له من لم يتعامل مع أساليبهم في التقية، ولهذا فات هذا على بعضهم (3) ، فهو هنا يقصد - بخبث متعمد - الخلافة عند المسلمين لا مسألة الإمامة عندهم، ولذا عبر بالخلافة.. وقبل أن نختم القول في هذا المبحث نتوقف قليلاً لمناقشة إجابة أحد مشايخ الشيعة المعاصرين (4) على حديث لهم ينص على أن من قدم أبا بكر وعمر فهو ناصبي، والناصبي عند الشيعة أشد كفراً من اليهود والنصارى والمشركين. فإن هذا الشيعي أجاب عن حديثهم هذا إجابة مليئة بالكذب، ولا شك أن مثل هذه الإجابة تثبت إيمانهم بهذه الضلالة وأنهم إنما يتسترون عليها بالكذب.   (1) انظر في كتابه «الشيعة» : ص 176. (2) المصدر السابق: ص 176. (3) مثل الزعبي: «لا سنة ولا شيعة» : ص 84. (4) وهو شيخهم لطف الله الصافي في كتابه «مع محب الدين في خطوطه العريضة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 لقد قال هذا الشيعي: (نقل الخطيب - يعني محب الدين في خطوطه - بواسطة بعض الكتب عن كتاب مسائل الرجال مكاتبة محمد بن علي بن عيسى - إلى الإمام أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى "ع" في جملة مسائل محمد بن علي بن عيسى قال: كتبت إليه أسأله عن الناصب - أي الذي ينصب العداوة لأهل البيت - هل أحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت - أي تقدمة الشيخين صاحبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووزيريه أبي بكر وعمر - واعتقاده إمامتهما؟ فرجع الجواب: من كان على هذا فهو ناصب) . ثم أجاب هذا الشيعي بأن (هذه المكاتبة مأخذها كتاب مسائل الرجال، كتاب مجهول لم نظفر بعد الفحص الكثير على اسم جامعه ومؤلفه، ومحمد بن علي بن عيسى أيضاً مجهول) (1) . وجواب هذا الرافضي أراد به أن يخدع المسلمين، فهو أولاً: قال أن محب الدين الخطيب نقل هذا النص بواسطة بعض الكتب ليوهم القارئ أن الكتاب الذي نقل منه الخطيب كتاب مجهول، مع أن الخطيب نقل هذا النص من أوثق كتبهم المعاصرة في علم الرجال وهو «تنقيح المقال» لآيتهم العظمى عبد الله الممقاني. وثانياً: زعم الرافضي أن هذا النص مأخذه كتاب «مسائل الرجال» وهو مجهول عندهم، مع أنه ليس كذلك، فهو من أصولهم المعتمدة القديمة، وقد وصل إليهم جملة من الكتاب بما فيها النص المذكورة عن طريق نقل شيخهم الثقة عندهم "ابن إدريس" - والذي هو عندهم كما يصفه مرجع الشيعة   (1) لطف الله الصافي: «مع الخطيب» : ص 95. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 المعاصر محمد حسين آل كاشف الغطا من أعاظم علمائهم المتقدمين - (1) في كتابه «السرائر» ، وكتابه هذا أحد الأصول التي تستقي منها كتب الحديث عندهم (2) ، وقال عنه آل كاشف الغطا بأنه من جلائل كتب الفقه والحديث عندهم (3) ، فهذا النص موجود في كتاب «السرائر» (4) الموثق عندهم، كما هو موجود في كتاب «تنقيح المقال» المعتمد عندهم (5) ، كما أن شيخهم "الحر العاملي" ذكره بنصه في كتابه، «وسائل الشيعة» (6) وهو أحد أصولهم الثمانية - كما أسلفنا - فهل هذا كتاب مجهول وأمهات كتب الشيعة تنقل عنه؟. أما قوله بأن "محمد بن عيسى" مجهول عندهم فهذا من أكبر الكذب وهو القرينة الثالثة على أن دفاعه مبني على الخداع والتقية لأن محمد بن عيسى هذا من ثقاتهم: قال الحر العاملي: (محمد بن علي بن عيسى القمي كان وجهاً بقم وأميراً عليها..، له مسائل لأبي محمد العسكري قاله النجاشي والعلامة) (7) .   (1) «أصل الشيعة» : ص 104. (2) انظر: «وسائل الشيعة» : (20/46) . (3) «أصل الشيعة» : ص 104. (4) «السرائر» : ص 479. (5) «تنقيح المقال» : (1/207) . (6) «وسائل الشيعة» : (4/341- 342) . (7) «وسائل الشيعة» : (21/336) ، وانظر: النجاشي: «الرجال» : ص 62، الطوسي: «الفهرست» : ص 183، «جامع الرواة» : (2/155) ، وقوله العلامة يريد به ابن المطهر الحلي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 (و) في غلو الشيعة في مدح نفسها : ولقد وجدنا "معاصريهم" يسيرون على خطى سلفهم، ويسمون أنفسهم بـ"الخاصة" (1) وبـ"المؤمنين" (2) وبـ"الفرقة الناجية" (3) و"المحقة" (4) ، ويسمون أهل السنّة بـ"العامة" و"النواصب" (5) ويغلون في مدح كتب الحديث عندهم مع ما حوت من ضلال وجهل وأباطيل، ويقولون عنها: روتها هداة قولهم وحديثهم ... ... روى جدنا عن جبرائيل عن الباري (6) ويكفرون المسلمين وخيار المؤمنين، ويزعمون أنهم الناجون في الآخرة، ويتطاولون على خيار أصحاب رسول الله بالسب ويطعنون في علماء المسلمين، وينسبونهم زوراً بأنهم حجج الله وآياته، وقد اعتبر أحد شيوخهم استنكار المسلمين لغلو الشيعة في مدح نفسها من قبيل الجزع لما للشيعة من مدح (7) !! 7- في العصمة: لم أر في آراء دعاة التقريب ما يشير إلى أنهم خففوا من غلوهم في مسألة «عصمة أئمتهم» ، بل يلاحظ أن طائفة كبيرة من علماء   (1) فلذا نجدهم في استشهادهم بأحاديث يزعمون نقلها عن أهل السنّة يقولون: (وهذا من طريق العامة) ، وقالت العامة. انظر مثلاً: «بحوث في علوم القرآن» : ص 200. (2) ، (3) ، (4) انظر مثلاً: الأنطاكي: «لماذا اخترت مذهب الشيعة؟» . (5) قال شيخهم محمد آصف المحسني: (فالمنكر - أي للإمامة - مسلم غير مؤمن، إلا أنه ينطبق عليه عنوان آخر كالنصب والغلو) «صراط الحق» : (3/201) . (6) «الفصول المهمة» : ص 31، «الشيعة في الميزان» : ص 44. (7) الخنيزي: «الدعوة الإسلامية» : (1/119) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 الشيعة السابقين يمثلهم ابن بابويه القمي وشيخه ابن الوليد - من القرن الرابع - وغيرهما كانوا أخف غلوّاً من علمائهم المعاصرين فلم يقولوا بالعصمة المطلقة للأئمة، بل قالوا بجواز السهو عليهم (1) - مثلاً - واعتبر ابن بابويه القمي أن الذين ينفون السهو عنهم هم المفوضة لعنهم الله تعالى، أي ليسوا من الشيعة في نظره (2) . وجاء لعن من ينفي السهو عن الأئمة على لسان إمامهم الثامن علي الرضا حيث قال: (كذبوا لعنهم الله، إن الذي لا يسهو هو الله لا إله إلا هو) (3) ، وكذلك قرر شيخهم "الطبرسي" - من القرن السادس - (أن مذهبهم أن الأئمة يجوز عليهم السهو والنسيان في غير ما يؤدونه عن الله) (4) . ومع ذلك فإن شيخ الشيعة المعاصر وآيتها العظمى "عبد الله الممقاني" يؤكد أن نفي السهو عن الأئمة أصبح من ضرورات المذهب الشيعي (5) ، وهو لا ينكر أن شيوخهم السابقين كانوا يعدون ذلك غلوّاً لكنه يقول: إن ما يعتبر غلواً في الماضي أصبح اليوم من ضرورات المذهب الشيعي (6) . ويقرر شيخهم المعاصر "محمد رضا المظفر" في كتابه «عقائد الإمامية» أن من عقائد الإمامية أن الإمام (يجب أن يكون معصوماً   (1) انظر: ص 327- 328 من هذا البحث. (2) «من لا يحضره الفقيه» : (1/234) . (3) «البحار» : (25/ 350) . (4) الطبرسي: «مجمع البيان» : (5/205) . (5) الممقاني: «تنقيح المقال» : (3/ 240) . (6) الممقاني: «تنقيح المقال» : (3/240) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 من السهو والخطأ والنسيان) (1) ، ولا يذكر في هذا أدنى خلاف بينهم، كما أن من دعاة التقريب أنفسهم من يؤكد هذا المبدأ ولا يتقي في ذلك (2) . وإذا كانت دعوى عصمة الأئمة تعني مضاهاتهم للرسول (3) ، فإن نفي السهو عنهم هو تأليه لهم كما أشار إلى ذلك إمام الشيعة الثامن علي الرضا، ولذا قرر ابن بابويه القمي وغيره أن هذا الاعتقاد هو الفيصل بين الغلاة وغيرهم (4) . وإذا كان شيخهم المعاصر الممقاني يرى أن نفي السهو عن الأئمة من ضرورات المذهب الشيعي، ومنكر الضروري كافر عندهم كما يؤكده شيخهم المعاصر محسن الأمين (5) ، فمعنى هذا أن متأخريهم يكفرون متقدميهم ومتقدميهم يكفرون متأخريهم. وإذا كان الممقاني يرى أن نفي السهو عن الأئمة من ضرورات المذهب الشيعي، وبعضهم ينقل الإجماع على ذلك (6) ، فإننا نجد في بعض الكتابات الموجهة لديار السنّة (7) القول بأن الاعتقاد بأن الأئمة يسهون هو مذهب جميع الشيعة (8) ، وهكذا يكفر بعضهم بعضاً، ويناقض بعضهم بعضاً، وكل يزعم أن ما يقوله هو مذهب الشيعة.   (1) «عقائد الإمامية» : ص 95. (2) الخنيزي: «الدعوة الإسلامية» : (1/92) . (3) ابن تيمية: «جامع الرسائل» : ص 273. (4) انظر: ص 327- 328 من هذا البحث. (5) «كشف الارتياب» : المقدمة الثانية، و «مهذب الأحكام» : (1/388- 393) . (6) محمد آصف المحسني: «صراط الحق» : (3/121) . (7) يعني أنها قد تحتمل التقية. (8) محمد جواد مغنية: «الشيعة في الميزان» : (ص 272- 273) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 8- في الرجعة: هناك فئة من دعاة التقريب أنكرت إيمانهم بالرجعة وقالت أنهم لا يعتقدون إلا برجعة المهدي، أي لا يؤمنون إلا بعقيدة "المهدية" أو رجعة المهدي من غيبته. ومن هؤلاء أبو الحسن الخنيزي حيث قال: (فالحق الذي عليه المحققون هو أن لا رجعة، سوى ظهور الإمام الثاني عشر) (1) . ومنهم هاشم معروف الحسيني حيث يقول: (إن الرجعة ليست من معتقدات الإمامية ولا من الضروريات عندهم) (2) ، وهذه خطوة تصحيحية لو أعقبها نقض لهذا المعتقد، ورد على القائلين به من الرافضة، وإلا فقد يقول قائل: هذا جحود لما هو موجود في كتبهم وأمارة التقية عليه ظاهرة؛ فهم ينسبون هذا المذهب لجميع الشيعة والواقع خلاف ذلك، بينما نجد بعض دعاة التقارب والمدافعين عن التشيع يجاهرون بأن الرجعة من عقائد الإمامية وأنها ليست هي ظهور المهدي أو رجعته من غيبته، بل يصرحون بأنها تعني (أن الله يعيد قوماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعز فريقاً ويذل فريقاً آخر.. وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام) (3) ، ويقولون: (ولا يرجع إلا من علت درجته في الإيمان، أو من بلغ الغاية من الفساد ثم يصيرون بعد ذلك إلى الموت..) (4) . ولا شك أن هذا إيمان ببعث غير يوم البعث والنشور الذي جاءت به النصوص، ومن دعاة التقريب من يثبت الرجعة بالمعنى العام ولكنه   (1) «الدعوة الإسلامية» : (2/94) . (2) هاشم معروف الحسيني: «الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة» : ص 237. (3) ، (4) محمد رضا المظفر: «عقائد الإمامية» : ص 109، وانظر: محمد حسين آل كاشف الغطاء، «أصل الشيعة» : ص 35. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 يقول بـ (أن الرجعة ليست من الأصول التي يجب الاعتقاد بها والنظر فيها..) (1) ، يقول محمد حسين آل كاشف الغطا: (وليس التدين بالرجعة في مذهب التشيع بلازم ولا إنكارها بضار، وإن كانت ضرورية عندهم) (2) ، وقال: (وليس لها - يعني الرجعة - عندي من الاهتمام قدر صغير أو كبير) (3) . وما ندري كيف تكون ضرورية مع أن اعتقادها ليس بلازم وإنكارها ليس بضار وليس لها اهتمام عنده؟! هذا ما يقوله دعاة التقارب من الشيعة: صنف ينكر الرجعة، وآخر يثبتها، وثالث يهون من شأنها، وكل يزعم أن ما يقوله هو مذهب الشيعة، فمن نصدق منهم وكلهم من كبار شيوخ الشيعة، وفي عصر واحد؟ ومع هذا نرى هذا التباين في أقوالهم، هل هذا أثر من آثار عقيدة التقية؟ ومن العجب أن كتب هؤلاء الذين ينكرون الرجعة أو يهونون من شأنها - كتبهم المعتمدة تقول: تضافرت الأخبار: ليس منا من لم يؤمن برجعتنا (4) ، ويقولون: (إن ثبوت الرجعة مما أجمعت عليه الشيعة الحقة والفرقة المحقة، بل هي من ضروريات مذهبهم) (5) ، (ومنكرها خارج من رتبة المؤمنين) (6) ... إلخ كما سبق (7) .   (1) محمد رضا المظفر: «عقائد الإمامية» : ص 113. (2) «أصل الشيعة» : ص 35. (3) «المصدر السابق» : ص 36. (4) عبد الله شبر: «حق اليقين» : (2/3) ، وانظر: إبراهيم الزنجاني: «عقائد الاثني عشرية» : ص 240. (5) عبد الله شبر: «حق اليقين» : (2/3) ، وانظر: إبراهيم الزنجاني: «عقائد الاثني عشرية» : ص 239. (6) إبراهيم الزنجاني: «عقائد الاثني عشرية» : ص 241. (7) انظر: ص 341 من هذا البحث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 فكيف نفسر هذا التناقض؟، وقد استحل القوم بعقيدة التقية كل شيء. وإذا أخذنا كل شيء على ظاهره نقول بأن كتب الشيعة المعتمدة تكفر منكر الرجعة من الشيعة، لأنها تقول ليس منا من لم يؤمن بكرتنا. وآل كاشف الغطا الذي يقول بأن الرجعة ليس لها عنده اهتمام أو ليس لها عنده قدر قلامة ظفر - كما في طبعة أخرى للكتاب - لماذا لا يطبق عدم الاهتمام هذا في سائر عقائدهم التي شذوا بها عن جمهور المسلمين، لأنها كلها مثل الرجعة يزعمون تواتر أخبارهم فيها وأنها من ضرورات مذهبهم؟ فلم التفريق بين المتماثلات؟! وقبل أن نرفع القلم عن هذا الموضوع لا بد أن نشير إلى إجابة أحد آيات الشيعة حول ما يجري في هذه «الرجعة» المزعومة لأبي بكر وعمر وذلك لطرافة هذه الإجابة، يقول آيتهم العظمى «عبد الحسين الرشتي» : (وأما مسألة نبش قبر صاحبي رسول (وإخراجهما حيَّيْن وهما طريان وصلبهما على خشبة وإحراقهما، لأن جميع ما ارتكبه البشر من المظالم والجنايات والآثام من آدم إلى يوم القيامة منهما فأوزارها عليهما، فمسألة عويصة جداً وليس عندي شيء يرفع هذا الإشكال، وقد صح عن أئمتنا أن أحاديثنا صعب مستصعب) (1) . وهذا الجواب من هذا الرافضي يثبت فيه أن دينهم صعب مستصعب، وهذا يدل على أنه خلاف الفطرة، ومما لا تقبله العقول لشذوذه ومخالفته للأصول. ولكن لا يزال فئام منهم بل من شيوخهم من يعيش أسير هذا الشذوذ، وحليف هذه الخرافات التي عفى عليها الدهر، ولا يعلن نبذها، بل ينشرها ويدعو لها لأن دينهم صعب مستصعب!!   (1) «كشف الاشتباه» : ص 131. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 9- في الغيبة: لا يخالف أحد من الشيعة أن إيمانهم بغيبة المهدي أساس المذهب ومحور التشيع، لأنه لو سقطت فكرة الغيبة لم يعد هناك من يسمى بالإمامية الاثني عشرية. لذلك أجهدوا أنفسهم في إثباتها، ما وسعتهم الحيلة والمحاولة. ودعاة التقريب في هذا الباب يستغلون "أخبار المهدي" الموجودة في كتب السنّة، ويزعمون أن عقيدة "المهدية" مما اتفقت عليه السنّة والشيعة، ولا فرق بين الطائفتين في ذلك سوى أن أهل الشيعة يقولون إنه مولود وحي وسيظهر، وأهل السنّة يقولون إنه سيظهر في المستقبل ولا يؤمنون بوجوده الآن (1) . ولا شك أن هذا من مكائد الشيعة، وإلا فعقيدة الغيبة عند الشيعة تختلف تماماً عن قضية المهدي عند أهل السنّة (2) . والشيعة المعاصرون الذين يدافعون عن التشيع يحاولون تكذيب كل ما ينسب إلى مذهبهم من نقائص، فمثلاً في مسألة الغيبة إذا قيل لهم لم لا يظهر مهديكم، وأنتم تزعمون أنه لا يمنع من ظهوره سوى خوفه على نفسه؟ فلم لم يخرج وقد توفر له الأمن في مناسبات كثيرة أثناء قيام الحكومات الشيعية؟ فيجيب بعض دعاة التقريب على ذلك بقوله: (وأما دعوى أن الإمام المهدي ممتنع من الخروج خوفاً من الأعداء فهي من الخيالات المنامية أو من المخيلات والوهميات المثارة من الحدة حال الجدال) (3)   (1) انظر: الخنيزي: «الدعوة الإسلامية» : (2/350) . (2) انظر: ص 355 هامش (4) . (3) أبو الحسن الخنيزي: «الدعوة الإسلامية» : (2/344) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 هذا ما يقوله شيخهم الكبير عندهم "أبو الحسن الخنيزي" مع أن كتب الشيعة تنص على أن العلة لاحتجاب المهدي هو خوفه. يقول "الطوسي" الملقب عندهم بـ "شيخ الطائفة": (لا علة تمنع من ظهور المهدي إلا خوفه على نفسه من القتل، لأنه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار وكان يتحمل المشاق والأذى، فإن منازل الأئمة وكذلك الأنبياء إنما تعظم لتحملهم المشاق العظيمة في ذات الله) (1) . ويقول "المرتضي" الملقب عندهم بـ"علم الهدى"، أن (السبب في الغيبة هو إخافة الظالمين له.. وإذا خاف على نفسه وجبت غيبته، والتحرز من المضاد واجب عقلاً وسمعاً) (2) . وقد ورد هذا المعنى في "رواياتهم"؛ فمن ذلك أن أبا عبد الله جعفر الصادق قال - كما يزعمون -: للغلام - يعني المهدي - غيبة قبل قيامه، قيل: ولم؟ قال: يخاف على نفسه الذبح (3) . والغريب أنهم يعللون احتجابه بالخوف من القتل مع أن من أصول عقائدهم (أن الأئمة يعلمون متى يموتون ولا يموتون إلا باختيار منهم) (4) فكيف يخرجون من هذا "التناقض"؟. ومن الأمثلة على إنكارهم لما هو واقع "في مسألة الغيبة" أن شيخهم المعاصر محمد حسين آل ياسين ينفي ما ذكره أحمد أمين من أن   (1) الطوسي: «الغيبة» : ص 199 فصل: «ذكر العلة المانعة من ظهور الحجة» . (2) المرتضي: «مسألة الغيبة» (مخطوط) عن نشأة الشيعة: ص 304. (3) ابن بابويه القمي: «إكمال الدين» : ص 449، الكليني: «الكافي» : (1/340) ، محمد علي الموسوي الحائري: «خلفاء الرسول الاثنا عشر» : ص 276 وغيرها. (4) وهذا باب في صحيحهم «الكافي» : (1/258) - وقد مر -. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 الشيعة تزعم أن لمهديها صلة ببعض كبار علمائهم (1) ، ويقول "آل ياسين": (كل كتب الشيعة تصرح بأن المهدي غائب لا يتصل به أحد فأين الصدق في القول؟ وأين الأمانة في النقل؟) (2) . بينما حقيقة الأمر أن هذا اعتقاد مقرر عندهم ولهم فيه مؤلفات مستقلة، مثل ما ألفه شيخهم المعاصر "الطبرسي" في هذا الباب وسماه «جنة المأوى فيمن لقي الإمام في الغيبة الكبرى» ، وقد ذكروا أسماء مجموعة من شيوخهم كانوا على صلة مباشرة بالمهدي بعد الغيبة الكبرى كما مر (3) ، وفي «البحار» للمجلسي بيان لطريقة الاتصال بصاحب الأمر ليس لخواص الشيعة فقط، بل لكل شيعي، يقول المجلسي: (تكتب ما سنذكره في رقعة وتطرحها على قبر من قبور الأئمة «ع» فشدها واختمها واعجن طيناً نظيفاً واجعلها فيه، واطرحها في نهر أو بئر عميقة أو غدير ماء، فإنها تصل إلى صاحب الأمر «ع» وهو يتولى قضاء حاجتك بنفسه. تكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، كتبت يا مولاي صلوات الله عليك مستغيثاً.. إلخ ثم تصعد النهر أو الغدير وتعمد بعض الأبواب، إما عثمان بن سعيد أو ولده محمد بن عثمان أو الحسن بن روح أو علي بن محمد السيمري فهؤلاء كانوا أبواب المهدي، فتنادي بأحدهم يا فلان بن فلان، سلام عليك أشهد أن وفاتك في سبيل الله وأنك حي عند الله مرزوق.. وهذه حاجتي ورقعتي إلى مولاي «ع» فسلمها إليه، فأنت الثقة الأمين. ثم ارمها في النهر أو البئر أو الغدير تقض حاجتك إن شاء الله) (4) !!!   (1) أحمد أمين: «المهدي والمهدوية» : ص 109 - 119. (2) محمد حسين آل ياسين: «المهدي المنتظر» : ص 58. (3) ص 267. (4) «البحار» : (25/235) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 10- في البداء: كما تقرر كتب الشيعة القديمة أن البداء من عقائدهم وتعظم من شأنه، فكذلك كتبهم الحديثة تسير في الغالب على المنوال نفسه وتتحدث عن البداء باعتباره عقيدة من عقائدهم، وتنقل بعض رواياتهم التي تبالغ في مسألة البداء مثل قولهم: (ما أعظم الله وعبد الله بشيء بمثل البداء) ، (ولو يعلم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه) (1) ونحوه، ولا يعلم بهذا الفضل أحد من المسلمين - ما عدا الإمامية - فالقرآن الكريم والسنّة المطهرة ليس لهذه العقيدة فيهما ذكر. وتحاول هذه الكتب أن تجد لمسألة البداء تأويلاً مقبولاً، فتفسره على نحو ما أسلفنا القول فيه وأمثاله (2) . وعلى أية حال فالمعاصرون على خطى القدامى في إثبات هذا المعتقد وتعظيمه، ولا نجد من لديه الشجاعة للقول الصريح الصادق في هذه القضية التي جعلوها من معتقداتهم مع ما تحمله من «معنى» لا يليق أن ينسب إلى الله سبحانه - كما مر - واكتفوا بتأويله صيانة لمذهب الشيعة عن النقد، لكن يبقى البداء من عقائدهم بلا إنكار، وذلك لارتباطه بدعوى علم الغيب عند الأئمة التي يزعمونها - كما أسلفنا ـ فنقض مسألة البداء يضعهم في مناقصة كاملة لاعتقادهم في الأئمة، وإثبات البداء ينزه الأئمة، ولكن ينسب الخلف في الأخبار إلى الله، تعالى عما يقولون علوا كبيراً. وهذا هو الطريق المسدود الذي قادهم اعتقادهم إليه.   (1) انظر: إبراهيم الزنجاني: «عقائد الاثني عشرية» : ص 149، محمد رضا المظفر: «عقائد الإمامية» : (ص69 - 70) . السيد: أمير محمد الكاظمي القزويني: «الشيعة في عقائدهم وأحكامهم» : ص 358 وغيرها. (2) انظر: الرد على تأويلاتهم للبداء في «الوشيعة» لموسى جار الله: (ص 115 - 120) . و «الإمام الصادق» : لمحمد أبو زهرة: (239- 241) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 11- في الصحابة: ما رأى دعاة التأليف والوحدة والتقارب فيما سبق أن عرضنا له من نصوص في كتب الشيعة المعتمدة عندهم التي تتناول صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالطعن واللعن والتكفير، وهم الذين تلقوا هذا الدين ونقلوه لنا، فالطعن فيهم طعن في الدين، وطعن في القرآن والسنّة، فكيف نتقارب مع من يطعن في ديننا وسنّة نبينا، وتواتر شريعتنا؟. إن على المخلصين من الشيعة وهم يريدون التقارب مع المسلمين أن يعلنوا - صراحة - رأيهم في تلك الآراء الشاذة التي تتناول خيار الصحابة بالنقد والتجريح والتكفير، ليبينوا بصدق أنها لا مكان لها في معتقدهم وأنها آراء لبعض المنحرفين من السابقين يبوءون بإثمها وإثم من اتبعهم فيها إلى يوم القيامة، حتى يزيلوا تلك النفرة التي سكنت في قلوب أهل السنّة من أقدم العصور إلى الآن.. وإن أجدى طريق لإزالتها هو بيان أنهم لا يعتقدون بصحة تلك الآراء التي يستوحش منها المؤمنون في كل بقاع الأرض، فأي مؤمن صادق الإيمان يعلم أن فرقة من الفرق تدين بلعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي لم يفر فريه في الإسلام أحد، ثم بعد ذلك يقبل على دراسة مذهبها إلا من أوتي قدرة فكرية خاصة، وأي مؤمن يثق بآراء هذه الطائفة إذا كان يعلم أنها تدين بهذا اللعن؟، إن إزالة هذه الأدران هي من أركان التقارب وأُسسه، وإن عليهم أن يعلنوا على الملأ هذه الإزالة والتغيير (1) ، إذا كانوا صادقين في رغبتهم في التآلف مع المسلمين وليس الأمر مؤامرة لنشر معتقدهم في ديار السنة.   (1) محمد أبو زهرة: «الإمام الصادق» : ص 12. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 فلنر ما يقوله دعاة التقارب في هذا الشأن. هناك "رأي" مصدره الكتب والرسائل التي تنشر في ديار أهل السنّة بأقلام شيعية، والموجهة للدفاع عن معتقد التشيع والدعاية للشيعة. وجوهر هذا الرأي أن الشيعة لا تسب فضلاً عن أن تكفر الخلفاء الثلاثة، وأنها تقدر صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فالخنيزي في كتابه «الدعوة الإسلامية إلى وحدة أهل السنّة والإمامية» يسمي عمر بن الخطاب أمير المؤمنين ويترضى عنه (1) ، ويطلق على عائشة وحفصة أمهات المؤمنين (2) ، وكذلك يسمي أبا بكر أمير المؤمنين (3) ، ويقول أن جعفر الصادق يقول مفتخراً: (ولدني أبو بكر مرتين؛ لأن أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وأمها بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، فهي بكرية أُماً وأباً) ، ويقول: إن من قضاء جعفر الصادق (فسق من سب الخلفاء الثلاثة) (4) . ويقول الخنيزي بأن الإمامية - في هذا العصر - لا تمس كرامة الخلفاء البتة وهذه كتبهم تنفي علناً السب عن الخلفاء وتثني عليهم. وممن صرح بنفي السب محمد باقر أحد مشاهير المجتهدين في كربلاء في منظومته المطبوعة في بمبي قال:   (1) «الدعوة الإسلامية» : (1/8) . (2) المصدر السابق: (1/9) . (3) المصدر السابق: (1/13) . (4) «الدعوة الإسلامية» : (1/74) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 فلا نسب عمراً كلا؟ ولا ... ... عثمان والذي تولّى أولا ومن تولى سبهم ففاسق ... ... حكمٌ به قضى الإمام الصادق ثم قال: وعندنا فلا يحل السب ... ... ونحن - أيم الله - لا نسب (1) وصدر في مصر من جمعية شيعية تسمي نفسها «دار أهل البيت» كتيب يحمل عنوان «تقدير الإمامية للصحابة وموقفهم من الغلاة» (2) من تأليف أحد روافض العراق ويدعى "طالب الحسيني الرفاعي"، ويلقب نفسه بـ"إمام الشيعة في جمهورية مصر العربية" (3) - على الرغم أنه ليس في مصر شيعة - ويمارس نشاطاً غريباً في التبشير بالتشيع بين صفوف المسلمين في مصر (4) في هذا الكتيب نفى أن تكون الشيعة ترمي الشيخين ومن بايعهما بلعن أو تكفير، وذكر أن من ينسب إليهم ذلك فهو إما أن يكون خصماً سيء النية، وإما أنه لم يطلع على مذهب الشيعة ونقل عن كتابات الخصوم ولم يتمكن من الاطلاع على كتب أصحاب المذهب نفسه. ويرى الشيعي أحمد مغنية (أن المفرقين وجدوا في اتفاق الاسمين   (1) «الدعوة الإسلامية» : (1/256- 257) . (2) نشرته دار الخانجي بمصر، وهو بحث قدم لمؤتمر علماء المسلمين السابع على ما قاله مؤلفه. (3) انظر كتيبه: «مع الإمام علي في نهجه» : ص 64. (4) وسيأتي مزيد إيضاح عن هذه الجمعية في محاولات التقريب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 عمر بن الخطاب الخليفة العظيم، عمر بن سعد قاتل الحسين ميداناً واسعاً يتسابقون فيه في تشويه الحقيقة والدس على الشيعة بأحط أنواع الدس.. وكان طبيعياً أن يكون لعنة اللعنات عمر بن سعد، لأنه بطل الجريمة وقائد المجرمين الجبناء، ومَن مِن المسلمين لا يلعن عمر بن سعد قاتل ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إن أولئك الآثمين المفرقين استغلوا كلمة "عمر" وقالوا إن الشيعة تنال من خليفة النبي عمر بن الخطاب (، وإني في الوقت الذي أثور فيه على الدساسين التجار أصحاب الغايات والمصالح الرخيصة لا أنكر وجود أفراد بالأمس من سواد الشيعة وبسطائها لا يفرقون بين هذين الاسمين، بل لا يعرفون أن في دنيا التاريخ الإسلامي عمرين تقيا وشقياً) (1) . وفي تفسير «الكاشف» لمحمد جواد مغنية أورد قول زين العابدين علي بن الحسين في الصحيفة السجادية من دعاء له في الصلاة على أتباع الرسل: (اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره.. وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته..) (2) . ثم قال جواد: هذه المناجاة جاءت في الصحيفة السجادية التي تعظمها الشيعة، وتقدس كل حرف منها (3) ، وهي رد مفحم لمن قال: إن الشيعة ينالون من مقام الصحابة (4) .   (1) أحمد مغنية: «الإمام جعفر الصادق» : (ص 113- 114) . (2) «الصحيفة السجادية» : (ص 43- 44) . (3) قال ابن تيمية عن هذه الصحيفة التي ينسبها الشيعة لعلي بن الحسين ويقدسونها، قال: إن أكثرها كذب على علي بن الحسين. «منهاج السنّة» : (3/209) . (4) محمد جواد مغنية: «التفسير الكاشف» : (10/515) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 المناقشة : نقول للخنيزي، والرفاعي، وأحمد مغنية، ومحمد جواد مغنية وغيرهم ممن يقول إننا نقدر الصحابة، ولا ننقصهم ونترضى عنهم: تلك كلمات طيبة تنزل على قلوبنا برداً وسلاماً، ومرحباً بهذه الروح الكريمة الجامعة الموحدة بين المسلمين وإننا لنفتح صدورنا لكل كلمة توفق ولا تفرق، ونستبشر بكل محاولة صادقة لرفع تلك الأدران والصفحات السوداء التي تمس من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. نرحب ونستبشر بشرط أن لا تكون تلك الكلمات تقية أو مصانعة سياسية، لكن أليس كل قارئ قرأ ما نقلناه عن كتبهم الأساسية حول الصحابة أو اطلع مباشرة على ما في «الكافي» ، أو «الوافي» ، أو «البحار» ، أو «الاحتجاج» ، أو «تفسير القمي» أو «تفسير العياشي» ، أو «البرهان» لهاشم البحراني وغيرها أو بعض ما في كتبهم المعاصرة، وما حملته هذه الكتب من هجوم وطعن وتكفير لصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ أليس كل من اطلع على شيء من ذلك يتعجب لماذا ينكر أمثال طالب الرفاعي، وجواد مغنية وغيرهما وجود هذه الصفحات؟ ألا يمكن أن يفسر هذا الإنكار لما هو قائم وواقع بأنه تقية؟! ألا يعلم هؤلاء أن هناك كتباً ألفها شيوخ الشيعة المعاصرون تلعن وتسب وتكفر؟ والفرق بينها وبين هذه الكتب التي تقول إن الشيعة لا تسب أن تلك الكتب نشرت في ديار تشكل فيها الشيعة الشطر أو الأغلبية أو أن لهم قوة. فأصحابها من روافض العراق وإيران، أو الهند، فهم لا يستعملون التقية بشكل كامل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 فهذا محمد رضا المظفر من روافض العراق المعاصرين، ومن المتحمسين لفكرة التقريب، يقول هذا الرافضي عن صحابة رسول الله: (مات النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا بد أن يكون المسلمون كلهم - لا أدري الآن - قد انقلبوا على أعقابهم) (1) ، ويتطاول هذا "الرجل" على خيار صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويتهمهم بالتآمر فيقول: (لا يستطيع الباحث أن ينكر من عمر بن الخطاب تمالأه على علي بن أبي طالب، وكذلك جماعته الذين شاهدنا منهم التعاضد والتكاتف في أكثر الحوادث، كأبي بكر وأبي عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل وأضرابهم) (2) ، ويعتبر هذا هو سبب الردة، ذلك أنه يزعم أن (كل ضلال وقع ويقع في الأمة هو ناشئ من الخلاف في أمر الخلافة، فهو أس كل ضلالة) (3) !! وهذا آيتهم العظمى محمد الخالصي، من كبار مراجع الروافض في العراق وممن يتزعم الدعوة إلى "الوحدة الإسلامية: بين السنة، والشيعة"، نرى هذا الرافضي يشكك في إيمان أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فيقول: (وإن قالوا: إن أبا بكر وعمر من أهل بيعة الرضوان الذين نص على الرضا عنهم القرآن في قوله: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ((4) قلنا: لو أنه قال: لقد رضي   (1) محمد رضا المظفر: «السقيفة» : ص 19. (2) المصدر السابق: ص 85. (3) محمد رضا المظفر: «السقيفة» : ص 91. (4) الفتح: آية 18. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 عن الذين يبايعونك تحت الشجرة أو عن الذين بايعوك لكان في الآية دلالة على الرضا عن كل من بايع، ولكن لما قال: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ ... ) فلا دلالة فيها إلا على الرضا عمن محض الإيمان) (1) . ومعنى هذا أن أبا بكر وعمر لم يمحضا الإيمان فلم يشملهما رضا الله في زعم هذا الرافضي، وهذا آية من آياتهم التي ينسبونها زوراً إلى الله ويدعى شهاب الدين النجفي يقول عن الخلفاء الثلاثة ومن بعدهم من خلفاء المسلمين: (فما صدر عن الخلفاء من الظلم والفواحش تجاوز عن حد الإحصاء، فما بقي حق إلا وقد أضاعوه ولا موبقة إلا وفعلوها) (2) . وهذا أحد آيات الشيعة ويسمى حسين الخراساني، يقول في كتابه «الإسلام على ضوء التشيع» - والذي أهداه إلى مكتبة دار التقريب بالقاهرة، وكان قد نشر باللغات الثلاث العربية والفارسية والإنكليزية وحاز على رضا وزارة المعارف الإيرانية ـ يقول في هذا الكتاب: (تجويز الشيعة لعن الشيخين أبي بكر وعمر وأتباعهما، فإنما فعلوا ذلك أسوة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واقتفاءً لأثره (3) !! فإنهم ولا شك قد أصبحوا مطرودين من حضرة النبوي - كذا - وملعونين من الله تعالى بواسطة سفيره صلى الله عليه وآله وسلم) (4) .   (1) محمد بن محمد مهدي الكاظمي الخالصي: «إحياء الشريعة في مذهب الشيعة» : (1/63 - 64) . (2) شهاب الدين النجفي: تعليقاته على «إحقاق الحق» للتستري: (2/291) . (3) «الإسلام على ضوء التشيع» : ص 88 (الهامش) . (4) المصدر السابق: ص 88. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 ويقول: (إنا لا نعهد - لهؤلاء الخلفاء الثلاثة أبي بكر بن قحافة، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان أي نبوغ في العلم أو تقدم في جهاد أو تبرز في الأخلاق، أو ثبات على مبدأ، أو تهالك في العبادة، أو تفانٍ في العمل أو إخلاص في سبيل الدعوة الإسلامية) (1) . يقول هذا القول وغيره من "الطامات" (2) وهو يزعم الدعوة إلى الوحدة حيث يقول: (فنحن معاشر الشيعة نرى من الواجب الضروري توطيد الوحدة الإسلامية، وترك ما يثير ثائرة أية فرقة من فرق الإسلام حتى يكون من السهل اليسير أن نقوم قبال صفوف الكفر والشرك بصف واحد) (3) ، (وهو يريد بهذا القول أن يسكت المسلمون عن فضح باطلهم وكشف كفرهم) . وهذا كتاب صدر باللغة الأردية يسمى «تحفة العوام مقبول» وقالوا - حسب النص الأردي - أنه "مطابق فتاوى". آية الله العظمى آقائي حاج سيد محسن حكيم طباطبائي مجتهد أعظم نجف أشرف. آية الله العظمى آقائي حاج سيد أبو القاسم خوئي نجف أشرف. آية الله العظمى آقائي حاج سيد روح الله خميني. آية الله العظمى آقائي حاج سيد محمود الحسيني الشابرودي. آية الله العظمى آقائي حاج سيد محمد كاظم شر يعتمدار.   (1) المصدر السابق: ص 111. (2) انظر من "طاماته" رأيه حول أخبار التحريف عندهم: ص 26 من هذا البحث، حيث زعم وجود قرآن آخر عند مهديهم المنتظر. (3) «الإسلام على ضوء التشيع» : ص 88. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 مصدقة عاليجناب سيد العلماء علامة سيد علي نقي النقوى مجتهد لكهنؤ. في هذا الكتاب الموثق من هؤلاء الآيات ـ المنسوبة كذباً إلى الله تعالى ـ فيه نص بحدود صفحتين يتضمن لعن صنمي قريش وهما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. وهو بـ"العربية"، ومنه: (اللهم العن صنمي قريش وجبتيهما، وطاغوتيهما وإفكيهما وابنتيهما الذين خالفا أمرك وأنكرا وحيك وجحدا إنعامك وعصيا رسولك، وقلّبا دينك، وحرفا كتابك، وأحبّا أعداءك وجحدا آلاءك، وعطلا أحكامك، وألحدا في آياتك ... ) (1) . وليس الأمر مجرد كلمات، بل كتب تخصصت في سب وتجريح وتكفير خير مجتمع ظهر على وجه الأرض، أمثال كتاب «الغدير» الذي بلغ أحد عشر مجلداً لشيخهم - المعاصر - عبد الحسين الأميني النجفي، وقد ملأه بالدس والكذب والطعن فيمن رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكتاب «أبو هريرة» لشيخهم عبد الحسين شرف الدين الموسوي، والذي اتهم فيه أبا هريرة بالوضع للأحاديث والنفاق، وكتاب «السقيفة» لشيخهم محمد رضا المظفر الذي صور فيه الصحابة عصابة لا هدف لها إلا التآمر على الإسلام!! كتاب «النص والاجتهاد» لشيخهم عبد الحسين شرف الدين الموسوي الذي أراد فيه إثبات أن الصحابة يدينون بمبدأ "فصل الدين عن الدولة"، وكتاب «الإمام الصادق والمذاهب الأربعة» لشيخهم أسد حيدر والذي يطعن في السنّة، وفي دواوين الحديث عند الأمة، ويتطاول على صحابة رسول الله، ويحاول أن يشوه تاريخ المسلمين بكل ما يستطيع..   (1) منصور حسين: «تحفة العوام مقبول» : (ص 423 - 424) . وانظره مصوراً في ملحق الوثائق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 وغيرها من كتب تطعن في دين الأمة وتاريخها ورجالها وتسير على منهج المبشرين والمستشرقين، بل تقدم لهؤلاء مادة ضخمة عمادها الكذب والافتراء ليستعينوا بها على طعنهم في إسلامنا وقرآننا وسنّة نبينا وتاريخ أمتنا!! وقد قامت في هذا العصر حركة نشطة لبعث التراث الشيعي القديم وتعريف الناس به وترويجه بينهم، وهذا التراث مليء باللعن والتكفير والتخليد بالنار لرجال الصدر الأول للإسلام، وفي مقدمتهم الخلفاء الثلاثة وبعض أمهات المؤمنين ومن معهم من المهاجرين والأنصار ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه بنص القرآن. وحركة النشر هذه قام بها علماء من أشهر مجتهدي الشيعة في هذا العصر وعلى كثير من هذه الكتب تصحيحاتهم وتعليقاتهم وتقريضاتهم، ومع هذا لم نر اعتراضاً ولا انتقاداً لما في هذه الكتب من أحد منهم، أليس في ذلك إقرارٌ من هؤلاء لما فيها من كفر وضلال؟! وكتبهم الأساسية التي يعتبرونها مصادر في التلقي إلى اليوم تكفر المسلمين، وعلى رأسهم خيار صحابة رسول الله مثل «الكافي» و «البحار» وغيرها. وكتب الأدعية المعتمدة عندهم والتي يدعون بها إلى اليوم تتضمن لعن وتكفير الخلفاء الثلاثة وبعض أمهات المؤمنين وخيار الأصحاب من المهاجرين والأنصار، مثل «مفاتيح الجنان» الذي جمعه من أمهات كتبهم المعتمدة شيخهم "عباس القمي" وكتاب «ضياء الصالحين» والذي جمعه شيخهم "محمد الجوهري"، وفي صفحات «الوافي» ، و «البحار» في أبواب الزيارات أدعية كثيرة تتضمن لعن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 وتكفير خيار صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتدعو بها الشيعة إلى اليوم. ونعود إلى مناقشة الذين يقولون بأن الشيعة لا تسب بشكل مباشر - ونقول: ألا يعلم أحمد مغنية أن عمر بن الخطاب لا عمر بن سعد قد تعرض لأشد أنواع السب والتجريح في كتب الشيعة المعتمدة، أليس في «الكافي» أن المراد بقوله تعالى: (ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا.. (قال: هما، وبيّن شيخهم المجلسي (أن الإشارة في "هما" ترجع إلى الشيخين في اعتقادهم) (1) ، ألم يرد في «الكافي» حديثان في باب واحد يقولان (بأن من زعم للشيخين الإسلام لا يكلمه الله ولا يزكيه وله عذاب أليم) ؟ (2) فهذا تكفير لمن حكم بإسلامهما، فأحمد مغنية في نصوص «الكافي» الكاذبة كافر لأنه حكم لعمر بالتقوى. لم التستر على الباطل؟ إلا إذا كان أحمد مغنية لم يطلع على «الكافي» !. وأما الرفاعي الذي يقول بأن من ينسب إلى الشيعة عدم تقدير الصحابة هو خصم سيء النية، أو لم يطلع على كتبهم. فالذي نسب إلى الشيعة هذا المذهب هو كتبهم وليس خصماً سيء النية أو جاهلاً بما في كتبهم، والرفاعي نفسه رجع إلى «البحار» في كتيبه الذي ينفي فيه هذا القول عن الشيعة (3) ، و «البحار» حوى عشرات الروايات والأقوال التي تكفر أولئك الرواد العظام، فلم هذا التجاهل؟.   (1) انظر: ص 231 من هذه الرسالة. (2) «الكافي» باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل: (جـ1/ص 372- 374) رقم 4، 12، وقد مضى نقل الحديث بنصه ص 289 من هذا البحث. (3) انظر كتيب «تقدير الإمامية للصحابة» ص 15، 17، 19. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 ومن الغريب أن هذا الرفاعي قد سب خيار صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تعليقه على رسالة لـ"محمد باقر الصدر"، فهو في هذا من الذين يقولون ما لا يفعلون كما هو من الذين ينكرون ما يعرفون، فيتهم عمر (بالتآمر وأنه أول من قال بالرجعة من المسلمين (1) ، وقال عن أبي بكر وعمر وأبي عبيدة أنهم بمقتضى هذه الحجج التي حاجوا بها الأنصار قد أدخلوا أنفسهم فيما حكموا به على من ينازع في الحق أهله ويخاصمهم فيه؛ من أنه يكون ظالماً ومدلياً بباطل، ومتجانفاً لإثم ومتورطاً في هلكة (2) . وراح هذا "الرفاعي" ينشر رسالة باقر الصدر التي سماها: «التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية» ، وهذه الرسالة محاولة يائسة وعاجزة لإثبات أصالة الرفض، وأن الصحابة ليسوا أهلاً لحمل الرسالة والشريعة، وإنما الجدير بحملها هو علي وحده، وهذا طعن في الصحابة، وفي السنّة، وفي تواتر هذا الدين. وهذا الرفاعي ينشر هذا الباطل ويتحفه بتفريظه وتأييده، ويقول في كتيب آخر: إن الإمامية يقدرون الصحابة. فأي تقدير هذا إلا إن كان يريد أن تقدير الإمامية للصحابة هو السب واللعن والتكفير..؟! وكذلك الخنيزي يقع في هذا التناقض ويطعن في الصديق ((3) ، بل يزعم أن ما ورد في «الكافي» عندهم من الطعن في الصحابة وتكفيرهم يوجد مثله في «صحيح البخاري» (4) ، وهي   (1) انظر: طالب الرفاعي: تعليقه على كتيب «التشيع» لمحمد باقر الصدر: (ص 30- 31) . (2) المصدر السابق: ص 46. (3) «الدعوة الإسلامية» : (1/12) . (4) «الدعوة الإسلامية» : (1/5- 14) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 دعوى لا حقيقة لها، ولو كان في «صحيح البخاري» مثل ما يوجد في «الكافي» لكان في السنّة من هو كالشيعة يطعن ويكفر، ولكن الرجل يريد إثبات معتقده الباطل بأية وسيلة. وأما محمد جواد مغنية - الذي ينفي أن يكون الشيعة ينتقصون من مقام الصحابة - فهو الذي يقول في كتابه «في ظلال نهج البلاغة» عن الخليفة الثالث ذي النورين - صاحب الجود والحياء، وصهر النبي - صلى الله عليه وسلم - في ابنتيه، ومجهز جيش العسرة وصاحب الهجرتين.. والمبشر بالجنة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـ يقول هذا الرافضي فيه: (إن عثمان انحرف عن سنّة الرسول وخالف شريعة الإسلام، واستأثر هو وذووه بأموال المسلمين فامتلكوا بها القصور والمزارع والرياش والخيول والعبيد والإماء ومن حولهم ملايين الجياع والمعدمين) (1) . ويقول: (كان الزبير وطلحة وعائشة وراء ما حدث لعثمان وعليهم تقع التبعة في دمه..) (2) ويتهم عمر - رضي الله عنه - وأهل الشورى - الذين فوض لهم عمر اختيار خليفة من بعده - يتهم الجميع بالخيانة والتآمر (3) . فأي احترام لمقام الصحابة وهذا الكلام الحاقد يوجه لخيارهم؟، وأي إيذاء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد من هذا الإيذاء الذي يوجه له بسب بعض زوجاته، وأصهاره وخيار أصحابه؟. لماذا هذا التناقض من هؤلاء الروافض؟.   (1) محمد جواد مغنية: «في ظلال نهج البلاغة» : (2/264) . (2) المصدر السابق: (1/292- 293) . (3) المصدر السابق: (2/302) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 هل هذا تقية؟ والتقية عندهم تسعة أعشار الدين. أم هي مؤامرة للدعاية للشيعة والتشيع؟. وقد تكون الكل، لكن نحب قبل أن نرفع القلم عن الحديث في هذا المبحث أن نكشف حقيقة هامة يدين بها الروافض في "معتقدهم في الصحابة" وهي: أن هؤلاء الروافض كما يزعمون أنهم يوالون أهل البيت، ويعنون بهم أئمتهم الاثني عشر فكذلك يزعمون أنهم يوالون الصحابة، ويعنون بهم الثلاثة أو الأربعة أو السبعة الذين لم يرتدوا في عقيدتهم. والذي لا يعرف هذه الحقيقة ينخدع بكلامهم في هذا الباب، ولا يتصور أن للصحابة عندهم تفسيراً خاصاً بهم لا يدخل فيه إلا بضعة منهم. وهناك تفسير آخر لهم في الصحابة جاء بيانه في بعض رواياتهم، تقول روايتهم ـ بعد ثناء على الصحابة وأمر بالرجوع لأقوالهم وإجماعهم - فقيل: يا رسول الله، ومن أصحابك؟ قال: أهل بيتي (1) . فهم يفسرون الصحابة بأهل البيت. ثم هناك مسلك آخر يسلكونه في الثناء على الصحابة أشار إليه شيخهم الطوسي، يقول الطوسي بعد أن سب عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: (فإن قيل: أليس قد روي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر أن سائلاً سأله عن عائشة وعن مسيرها في تلك الحرب، فاستغفر لها، وقال له "الراوي": تستغفر لها وتتولاها؟ فقال: نعم؟: أما علمت ما كانت تقول؟: يا ليتني كنت شجرة، ليتني كنت مدرة) . قال الطوسي: (لا حجة في ذلك على مذاهبنا لأنا نجيز عليه ـ صلوات الله عليه ـ التورية،   (1) سيأتي ذكر هذه الرواية بتمامها في فصل: هل من طريق للتقريب؟. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 ويجوز أن يكون السائل من أهل العداوة واتقاه بهذا القول وروى فيه تورية يخرجه من أن يكون كذباً، وبعد فإنه علق توبتها بتمنيها أن تكون شجرة ومدرة، وقد بينا أن ذلك لا يكون توبة وهو (بهذا أعلم) (1) . إن على الذين يقولون بتقدير الشيعة للصحابة أن يعلنوا خطأ هذه المسالك وعدم صحتها، وأن يعترفوا ببطلان تلك الروايات السوداء، وأن يصدقوا وألا يتناقضوا، حتى يقبل منهم موقفهم، ثم لِمَ يذهبون للرد على أهل السنّة إذا قالوا: إن مذهب الشيعة الطعن في الصحابة وتكفيرهم، ولا يردون على أنفسهم وعلى كتبهم وعلى مشايخهم المعاصرين الذين لا يزالون يهذون في هذا الضلال؟، كما بينا ذلك فيما سبق. فأي فائدة اليوم في اللعن والطعن والتكفير؟ (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (2) ، ولا هدف إلا الطعن في القرآن والسنّة، والدين بعامة، وماذا يبقى من أمجادنا وتاريخنا إذا كان أولئك السادة القادة، الأتقياء الأصفياء الأوفياء الرواد الذين نشروا الدين وأرسوا دعائم الدولة، وفتحوا البلاد، وأرشدوا العباد، إذا كان هؤلاء الرواد الأوائل لكل معالم الخير والعدل والفضائل يستحقون اللعن من أحفادهم، وتشويه تاريخهم، وهم الذين اثني الله عليهم ورسوله وسجل التاريخ الصادق مفاخرهم بمداد من نور؟ فمن الذي يستحق الثناء والمديح، إذا كان أولئك كذلك؟.   (1) الطوسي: «الاستيفاء في الإمامة» : الورقة 288 (النسخة المخطوطة) . (2) البقرة: آية 134، 141. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 12- في التقية: ماذا يقول دعاة التقارب في التقية التي هي من أول موانع التجاوب المخلص بينهم وبين السنة؟ يقول «محمد جواد مغنية» : (إن التقية كانت عند الشيعة حيث كان العهد البائد عهد الضغط والطغيان، أما اليوم حيث لا تعرض للظلم في الجهر بالتشيع، فقد أصبحت التقية في خبر كان) (1) . ويقول: (قال لي بعض أساتذة الفلسفة في مصر.. أنتم الشيعة تقولون بالتقية.. فقلت له: لعن الله من أحوجنا إليها، اذهب الآن إن شئت إلى بلاد الشيعة فلا تجد للتقية عندهم عيناً ولا أثراً، ولو كان ديناً ومذهباً في كل حال لحافظوا عليها محافظتهم على تعاليم الدين ومبادئ الشريعة) (2) . وكذلك يقول مجموعة من أعلام الشيعة ومراجعهم: إن التقية عند الشيعة لا تستعمل إلا في حال الاضطرار الشرعي وذلك عند الخوف على النفس أو المال أو العرض، وإنما تميز الشيعة بهذا الاعتقاد لكثرة وقوع الظلم عليهم (3) .   (1) محمد جواد مغنية: «الشيعة في الميزان» : ص 52، 345، «أهل البيت» : (ص 66- 67) . (2) «الشيعة في الميزان» : ص 52. (3) انظر في ذلك: محمد حسين آل كاشف الغطاء: «أصل الشيعة» : (ص 150، 153) ، عبد الحسين الموسوي: «أجوبة مسائل جار الله» : (ص 68- 70) ، عبد الحسين الرشتي: «كشف الاشتباه» : ص 130، محسن الأمين: «الشيعة» : ص 185 وما بعدها، السيد أمير الكاظمي: «الشيعة في عقائدهم وأحكامهم» : ص 346، هاشم الحسيني: «دراسات في الحديث والمحدثين» : ص 326 وما بعدها، وغيرها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 مناقشة هذا الرأي : سنناقش هذا الرأي في النقاط التالية: أولاً: أن الخطورة الكبرى في اعتقاد الشيعة بالتقية ـ والتي قد لا يفطن لها من ليس على صلة بكتب الشيعة أو له صلة بكتب "الدعاية" للتشيع فقط، ولا يرجع لكتبهم المعتمدة عندهم إن الخطورة تتمثل في أن معتقد التقية عندهم قد عطل تعطيلاً تاماً إمكانية استفادة الشيعة مما في كتبهم الأساسية من نصوص توافق ما عند المسلمين، وتخالف ما شذوا به من عقائد وآراء. ذلك أن من قواعدهم الأصولية والتي قررتها كتبهم القديمة (1) ، وقررتها كتبهم الحديثة أيضاً (2) الأخذ بما خالف العامة - أهل السنّة - عند اختلاف الأحاديث في كتبهم. بحجة أن الأحاديث التي توافق ما عند أهل السنّة محمولة على التقية. وإذا لاحظنا أن أحاديثهم متناقضة ومتضادة ويوجد فيها غالباً في مختلف أبواب العقائد والأحكام ما يوافق ما عند المسلمين أدركنا خطورة معتقد التقية عندهم، وآثاره السيئة في إبقاء الخلاف بينهم وبين المسلمين. وقد اعترف شيخهم "الطوسي" بهذا التناقض فقال: (ذاكرني بعض الأصدقاء.. بأحاديث أصحابنا وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد حتى لا يكاد يوجد خبر إلا وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه، حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا وتطرقوا بذلك إلى   (1) انظر: ص 284 من هذا البحث. (2) انظر: ص 67 - 68 من هذا البحث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 إبطال معتقدنا) ، ثم ذكر (أن هذا الاختلاف كان سبب رجوع الكثير عن التشيع، وقال: إن منهم أبا الحسن الهاروني العلوي كان يدين بالإمامة فرجع عنها لما التبس عليه الأمر في اختلاف الأحاديث وترك المذهب ودان بغيره) (1) . هذا ما يقوله شيخهم "الطوسي"، ولم يجد ما ينقذه وشيعته من هذا "التناقض" إلا القول في كل ما يوافق جمهور المسلمين ويخالف شذوذهم بأن ذلك ورد على سبيل التقية (2) ، كما قام بحمل رواياتهم التي في سندها رجال من أهل السنّة أو الزيدية على التقية، فكانت التقية حيلة لرد السنن الثابتة (3) . وكما عطل معتقد التقية الاستفادة من الأحاديث التي في كتبهم وهي موافقة لما عند المسلمين ومخالفة لشذوذهم، كذلك عطل هذا الاعتقاد استفادة الشيعة أنفسهم من كل صوت معتدل ينشأ بينهم. فمثلاً حينما أنكر شيوخهم "المرتضي، والصدوق، والطبرسي" فرية الطعن في كتاب الله بالقول بتحريفه ونفوا عن مذهب الشيعة هذه المقولة، قال شيخهم نعمة الله الجزائري ـ الموصوف عندهم بـ"السيد السند والركن والمعتمد إلخ" - قال بأن هذا "الإنكار" هو من باب التقية - كما مر - (4) . وقالوا عن تفسير «التبيان» للطوسي: إنه موضوع على أسلوب التقية (5) . فهل يقال بعد هذا إن عهد التقية انتهى، وأثرها السام   (1) «التهذيب» : (1/3) . (2) ، (5) في كتاب «الاستبصار» - وهو أحد أصولهم الأربعة - عشرات الأمثلة لذلك، انظر مثلاً: (1/60، 61، 62، 63، 64، 65، 66) إلخ. (3) انظر: ص 338 من هذا البحث. (4) انظر: ص 206 من هذا البحث. (5) انظر: ص 244. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 لا يزال يسري في نصوص الشيعة المعتدلة ليزهق روحها؟. ثانياً: أن هؤلاء الذين يقولون بأنه لا تقية اليوم عند الشيعة هم الذين تقول كتبهم المعتمدة بأن عهد الخلفاء الثلاثة، وعصر الإسلام الذهبي، هو عهد تقية، فهل هذا العصر أفضل من عصر الخلافة الراشدة؟!! يقول شيخهم المفيد: (وكانت إمامة أمير المؤمنين بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثين سنة منها أربع وعشرون سنة وستة أشهر - أي في عهد الخلفاء الثلاثة قبل أن يلي الخلافة - ممنوعاً من التصرف في أحكامها مستعملاً للتقية والمداراة.. كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث عشرة سنة من نبوته ممنوعاً من أحكامها خائفاً ومحبوساً وهارباً) (1) ، بل إن شيخهم نعمة الله الجزائري يعتبر عهد الخلافة الفعلي لعلي عهد تقية ومدارة. يقول: (ولما جلس أمير المؤمنين عليه السلام - أي على كرسي الخلافة - لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن (2) ، وإخفاء هذا لما فيه من إظهار الشنعة على من سبقه، كما لم يقدر على النهي عن صلاة الضحى، وكما لم يقدر على إجراء متعة النساء، وكما لم يقدر على عزل شريح عن القضاء ومعاوية عن الإمارة) (3) . فكيف يعتبر عهد الخلافة الراشدة عهد تقية، وتصرف الوقائع التي تثبت مذهب علي الحقيقي عن مدلولها بدعوى التقية؟، ويقال بعد   (1) هذا جزء من نص مضى نقله بتمامه ص 121 من هذا البحث. (2) هو «القرآن» الذي يزعمون أنه موجود عند مهديهم المنتظر، راجع ص 202 وما بعدها من هذه الرسالة. (3) نعمة الله الجزائري: «الأنوار النعمانية» : (2/362) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 ذلك إن التقية عندهم تستعمل في حال الضرورة، فأي ضرورة للعمل بالتقية في عز الإسلام والمسلمين؟. ثالثاً: هناك شواهد كثيرة تفيد أن التقية عندهم ليست هي التقية الشرعية المنوطة بالضرورة، بل هي الكذب والخداع، وتحليل الحرام وتحريم الحلال وتغيير شرع الله، فمن ذلك أنهم نسبوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العمل بالتقية بلا ضرورة حيث قالوا عن أبي عبد الله "ع" قال: لما مات عبد الله بن أبي سلول حضر النبي جنازته، فقال عمر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألم ينهك الله أن تقوم على قبره؟ فسكت فقال: يا رسول الله ألم ينهك الله أن تقوم على قبره؟ فقال له: ويلك ما يدريك ما قلت، إني قلت: اللهم احش جوفه ناراً واملأ قبره ناراً وأصله ناراً، قال أبو عبد الله: فبدا من رسول الله ما كان يكره) (1) . فانظر إلى هذا الافتراء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونسبتهم إليه أنه يخادع أصحابه فيدعو على منافق وهم يظنونه يترحم عليه، فيقتدون به، ثم أي ضرورة تضطر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للصلاة على هذا المنافق في قوة الإسلام وسطوته، وما نافق عبد الله بن أبي إلا رهبة من سلطان الإسلام؟. فهل هذا النص يفيد أن العمل بالتقية في حال الضرورة؟!! ومما يدل صراحة على أن التقية ليست إلا الكذب الصريح بلا مسوغ ما رواه شيخهم الكليني عن محمد بن مسلم قال: دخلت على أبي عبد الله ("جعفر الصادق" وعنده أبو حنيفة فقلت له:   (1) الكليني: «فروع الكافي» كتاب الجنائز، باب الصلاة على الناصب: (3/189) ط إيران. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 جعلت فداك، رأيت رؤيا عجيبة، فقال لي: يا ابن مسلم هاتها إن العالم بها جالس وأومأ بيده إلى أبي حنيفة، فعرض الراوي الرؤيا على أبي حنيفة فأجابه أبو حنيفة عليها - كما يزعمون - فقال أبو عبد الله (: أصبت والله يا أبا حنيفة. قال "الراوي": ثم خرج أبو حنيفة من عنده فقلت له: جعلت فداك، إني كرهت تعبير هذا الناصب، فقال: يا ابن مسلم لا يسوءك الله، فما يواطئ تعبيرهم تعبيرنا، ولا تعبيرنا تعبيرهم وليس التعبير كما عبره، قال: فقلت له: جعلت فداك، فقولك: أصبت وتحلف عليه وهو مخطئ؟ قال: نعم، حلفت عليه أنه أصاب الخطأ (1) . فهل استعمال التقية في هذا النص له مسوغ؟ هل أبو حنيفة ذو سلطة وقوة حتى يخشى منه ويتقي؟ وهل من ضرورة لمدحه والقسم على صواب إجابته؟ ثم لما خرج يحكم عليه بالنصب ويخطئ جوابه، هل لهذا تفسير غير أنه الخداع والكذب بلا مسوغ؟ ونحن نبرئ جعفر الصادق من هذا الافتراء ونقول: إن هذا سبٌّ وطعنٌ في جعفر ممن يزعم التشيع له ومحبته.. ثم إنهم هم يجيزون تأويل كتاب الله على غير تأويله باسم التقية بلا موجب. روى الكليني عن موسى بن أشيم قال: كنت عند أبي عبد الله "ع" فسأله رجل عن آية من كتاب الله (فأخبره بها، ثم دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبر به الأول، فدخلني من ذلك ما شاء الله حتى كأن قلبي يشرح بالسكاكين، فقلت في نفسي: تركت أبا قتادة بالشام لا يخطئ في الواو وشبهه وجئت إلى هذا يخطئ هذا الخطأ كله، فبينما أنا كذلك إذ دخل   (1) «روضة الكافي» : (8/292) ط إبران. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 عليه آخر فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبرني وأخبر صاحبي، فسكنت نفسي فعلمت أن ذلك منه تقية (1) . ويزعمون أن التقية تبيح لأئمتهم تحليل الحرام وتحريم الحلال؛ ففي «الكافي» عن أبان من تغلب قال: (سمعت أبا عبد الله يقول: كان أبي "محمد الباقر" (يفتي في زمن بني أمية أن ما قتل البازي والصقر فهو حلال وكان يتقيهم، وأنا لا أتقيهم وهو حرام ما قتل) (2) . وتقول رواياتهم إنهم يمارسون التقية عن حب ورغبة، لا عن خوف ورهبة وضرورة قالوا: (.. قال أبو عبد الله "ع": سمعت أبي يقول: لا والله ما على وجه الأرض شيء أحب إليّ من التقية..) (3) ، وقال: (وأي شيء أقر لعيني من التقية؟) (4) ، ويقولون: (إن التقية هي الطريق الوحيد لعبادة الله (.. أبى الله إلا أن يعبد سراً) (5) وأبى الله (لنا ولكم في دينه إلا التقية. ويقولون: (ما عبد الله بشيء أحب إليه من الخبء والخبء هو التقية) (6) . رابعاً: يلاحظ أن التقية يعمل بها أئمة الشيعة مع الشيعة أنفسهم، أي أنهم يفتونهم بالتقية في مجلس لا يوجد به سنّي يتقونه وليس هناك أدنى مسوغ لها، ومن ذلك ما في «أصول الكافي» عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر "ع" قال: (سألته عن مسألة فأجابني ثم جاءه رجل   (1) «أصول الكافي» : (1/256- 266) . (2) «فروع الكافي» : باب صيد البزاة والصقور وغير ذلك: (6/208) ط إيران. (3) «أصول الكافي» : (2/217) . (4) «أصول الكافي» : (2/220) . (5) المصدر السابق: (2/218) . (6) المصدر السابق: (2/219) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني، ثم جاءه رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني، وأجاب صاحبي، فلما خرج الرجلان قلت: يا ابن رسول الله، رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟ فقال: يا زرارة إن هذا خير لنا، وأبقى لنا ولكن ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ولكان أقل لبقائنا وبقائكم. قال: ثم قلت لأبي عبد الله "ع": شيعتكم لو حملتموهم على الأسنة أو على النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين، قال: فأجابني بمثل جواب أبيه) (1) . خامساً: (أن قول مغنية: انتهى عهد التقية اليوم عند الشيعة إنما هو تقية على التقية) (2) كما يقول الأستاذ محمود الملاح (3) ، ومما يؤكد ما يقوله الملاح أنه ورد في كتبهم المعتمدة (أن التقية واجبة لا يجوز رفضها إلى أن يخرج القائم "مهديهم المنتظر"، فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله تعالى وعن دين الإمامية وخالف الله ورسوله والأئمة) (4) و (أن تارك التقية كتارك الصلاة) (5) . هذه بعض   (1) «أصول الكافي» : (1/65) . (2) «مجموع السنّة» : (1/111) . (3) عالم عراقي معاصر تصدى لمؤتمرات الشيعة في العراق لنشر التشيع باسم الوحدة الإسلامية، وذلك عبر صفحات جريدة السجل وعبر رسائل أصدرها في هذا الشأن من كتبه «الوحدة الإسلامية بين الأخذ والرد» ، و «تشريح شرح نهج البلاغة» وغيرها. (4) ابن بابويه الملقب بالصدوق: «الاعتقادات» ، فصل التقية، ط إيران 1374هـ. وانظر: «الهداية» للصدوق القمي أيضاً: (1/9) عن كتاب نعمان السمرائي: «أحكام المرتد» : ص 82. (5) انظر: ابن إدريس: «السرائر» : ص 479، الحر العاملي: «وسائل الشيعة» : = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 نصوصهم فمن نصدق؟ وفي كتاب «الوافي» ما يشير إلى أن ما يقوله مغنية وغيره من المدافعين عن التشيع حول التقية، إنما هو أمر مطلوب من كل "رافضي" حتى يمكن أن يستفيدوا من عقيدة التقية يقول «الوافي» عن حسان بن أبي علي قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (لا تذكروا سرنا، بخلاف علانيتنا ولا علانيتنا بخلاف سرنا حسبكم أن تقولوا ما نقول وتصمتوا عما نصمت..إلخ) . قال صاحب «الوافي» في شرح هذا "النص": (يعني لا تظهروا للناس ما نكتمه عنهم، ولا تقولوا لهم إن سرنا غير موافق لعلانيتنا وأنا نكتم عنهم غير ما نظهر لهم، ونظهر غير ما نكتم، فإن ذلك مفوت لمصلحة التقية التي بها بقاؤنا وبقاء أمرنا، بل كونوا على ما نحن عليه؛ قائلين ما نقول صامتين عما نصمت موافقين لنا غير مخالفين عن أمرنا) (1) . سادساً: أن من علمائهم من يصرح إلى أن للتقية عندهم مجالات غير مجال الخوف. يقول آيتهم العظمى محمد صادق روحاني - معاصر -: (التقية أربعة أقسام: التقية الخوفية، والتقية الإكراهية، والتقية الكتمانية، والتقية المداراتية (2) ، فهؤلاء الذين يقولون بأن الشيعة لا تعمل بالتقية إلا عند الضرورة، إنما ينطبق كلامهم على تقية الخوف أو الإكراه لا تقية الكتمان والمداراة) .   = (11/466) ، وانظر أيضاً: في أن التقية لا ترفع إلى خروج القائم. «أصول الكافي» : (2/217) . (1) الفيض الكاشاني: «الوافي» : كتاب الحجة، باب النوادر، المجلد الأول: جـ2/ص 60. (2) محمد صادق روحاني: «رسالة في التقية» ضمن كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 سابعاً: قول مغنية - إن التقية ليست بدين لهم - يتنافى مع ما جاء في رواياتهم فيما نسبوه إلى جعفر ـ (التقية ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له.. إلخ) - كما مر- (1) فمن نصدق في هذا: مغينة أم «الكافي» ؟! ثامناً: في كتبهم الحديثة التي يكتبونها في الدفاع عن التشيع أو في الطعن على أهل السنّة عشرات من الأمثلة على أن كثيراً من علمائهم المعاصرين يستعملون التقية بمعنى الكذب والخداع والافتراء، بل هناك كتب أساسها وعمدتها الكذب. وتفصيل هذا القول بالشواهد والقرائن يحتاج لدراسة مستقلة لكثرته، وتنوع أساليب الكذب والخداع فيه، وحسبنا أن نشير إشارة سريعة إلى هذا اللون من الكذب وذلك لإثبات أن القوم لا يزالون يمارسون التقية؛ فهذا شيخهم "مغنية" يقول: إن الشيعة لا يطعنون في الصحابة، وذلك في تفسيره «الكاشف» ثم في كتابه «في ظلال نهج البلاغة» يطعن في كبار الصحابة - كما سلف - (2) وهو يقول بأن الإمامة (ليست أصلاً من أصول دين الإسلام، وإنما هي أصل لمذهب التشيع، فمنكرها مسلم إذا اعتقد بالتوحيد والنبوة والمعاد ولكنه ليس شيعياً) . يقول هذا القول في كتابه «مع الشيعة الإمامية» (3) ، ولكنه يقول في كتابه الآخر «الشيعة والتشيع» عن عيد لهم يسمونه عيد الغدير والذي تنسج الشيعة حوله أساطير كثيرة تدور حول "النص على علي بالخلافة" (4) .   = المنكر له أيضاً. ص 148- 149 ط 1، 1396هـ. (1) انظر: ص 331 وما بعدها. (2) انظر: ص 118. (3) «مع الشيعة الإمامية» : ص 268 ضمن كتاب «الشيعة في الميزان» . (4) انظر في الرد عليهم: «منهاج السنة» : (4/84- 87) ، «المنتقى» : (ص 466- 467) ، = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 يقول: (إن احتفالنا بهذا اليوم هو احتفال بالقرآن الكريم وسنة النبي العظيم بالذات، احتفال بالإسلام ويوم الإسلام، إن النهي عن يوم الغدير تعبير ثان عن النهي بالأخذ بالكتاب والسنّة وتعاليم الإسلام ومبادئه) (1) ثم استشهد بما قاله شيخهم المعاصر عبد الله العلايلي وهو (أن عيد الغدير جزء من الإسلام، فمن أنكره فقد أنكر الإسلام بالذات) (2) . فانظر إلى هذا "الخداع" المسمى عندهم بالتقية من رجل يزعم ارتفاع حكم التقية، فهو يقول في موضع إن من أنكر الإمامة فهو مسلم، وفي موضع آخر يحكم على منكر عيد الغدير ـ الذي جرى فيه حادث هو أحد أدلتهم على الإمامة ـ أن منكر هذا العيد كافر، فكيف نفسر هذا التناقض والكذب؟ وأعتقد أن القارئ لهذا الباب «آراء دعاة التقريب» يلمس آثار عقيدة التقية في بعض إجابات دعاة التقريب ونفيهم لما هو واقع، وقد سجلت عشرات الأمثلة من أمثلة الخداع والكذب والاحتيال من بعض أعلامهم المعاصرين لا يتسع المجال لعرضها وشرحها وكشف ما فيها من زيف وتمويه وخداع. أما الكتب التي وضعوها وأساسها "الكذب" فمن أمثلتها: كتاب «المراجعات» وسيأتي كشف ما فيه، وكتاب «لماذا اخترت مذهب الشيعة؟» ، وهو يتضمن قصة مخترعة أو مؤامرة مصنوعة تتضمن أن عالماً من كبار علماء السنّة يدعى "محمد مرعي الأمين الأنطاكي" قد ترك مذهب السنّة، وأخذ بمذهب الشيعة بعد أن تبين له بطلان   = «مختصر التحفة» : (ص 159- 162) . (1) «الشيعة والتشيع» : ص 258 ضمن كتاب «الشيعة في الميزان» . (2) المصدر السابق: ص 258 (هامش) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 الأول، وهذا الأنطاكي "يزعم أنه نزيل حلب" رغم أنه لا يعرفه من كبار علمائها أحد (1) ، والكتاب مليء بالدس والكذب والافتراء والتجني مما لا يصدر إلا عن جاهل متعصب أو عن زنديق متستر بالتشيع. وقد مر بنا أنهم يضعون كتباً وينسبونها لأهل السنّة كما نسبوا كتاب «سر العالمين» "للغزالي" (2) ، وأنهم اعترفوا بأنهم يضعون الكتب لغرض صحيح (3) ، وقد كذبوا على أعلام الأمة وعلى صحابة رسول الله، بل استحلوا الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته، كل ذلك باسم التقية والتي لا حقيقة لها سوى الكذب، وقد اعترف بعض علمائهم المعاصرين من حيث لا يدري أن التقية عندهم هي: "الغاية تبرر الواسطة" (4) أي هي "الميكافيلية" (5) ، التي اعتمدها الذين لا دين لهم في تحقيق أهدافهم. وأخيراً إن من أعلام الشيعة المعاصرين من يمارس «أسلوب التقية» حتى مع الشيعة أنفسهم فمن الأمثلة على ذلك أن ثلاثة   (1) سألت عنه بعض كبار علماء حلب كالشيخ عبد الفتاح أبو غدة، فأفاد أنه مجهول، مع زعم هذا الباطني بأنه يشغل قاضي القضاة على مذهب أهل السنة في حلب. (2) انظر: ص 68 من هذا البحث. (3) انظر: ص 213 من هذه الرسالة. (4) محمد جواد مغنية: «الشيعة في الميزان» : ص 49. (5) أسلوب في المعاملات يتسم بالخداع والمراوغة والغدر والأنانية مبني على مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، وهو ينسب إلى المفكر الإيطالي "نيكولا ماكيافلي": (1469 -1527) رائد هذا المبدأ، والذي سجله في كتابه «الأمير» وقدمه لأحد ملوك أوربا في القرون الوسطى.. انظر: أحمد عطية: «القاموس السياسي» : (ص 1105- 1106) ، وانظر: «الأمير» ماكيافلي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 من كبار علماء الشيعة أحجموا عن إعلان خطأ مسألة فرعية فقهية في دينهم خوفاً من العوام، وكانوا يفتون بخطئها ويقولون بخلافها سراً ولخواصهم فقط، كما يعترف به أحد أعلام الشيعة المعاصرين. وهذه المسألة هي أن (مذهب الشيعة يقول بنجاسة أهل الكتاب) (1) ومن علماء الشيعة من يفتي بخلاف ذلك سراً ولخاصته فقط ويتقي جمهور الشيعة في ذلك، وقد كشف ذلك شيخهم محمد جواد مغنية فقال: أحدث القول بنجاسة أهل الكتاب مشكلة اجتماعية للشيعة وأوقعهم في ضيق وشدة بخاصة إذا سافروا إلى بلد مسيحي كالغرب أو كان فيه مسيحيون كلبنان.. وقد عاصرت ثلاثة مراجع كبار من أهل الفتيا والتقليد، الأول كان في النجف الأشرف، وهو الشيخ محمد رضا آل يس. والثاني في قم وهو السيد صدر الدين الصدر، والثالث في لبنان وهو السيد محسن الأمين، وقد أفتوا جميعاً بالطهارة وأسروا بذلك إلى من يثقون به، ولم يعلنوا خوفاً من المهوشين، على أن يس كان أجرأ الجميع. وأنا على يقين بأن كثيراً من فقهاء اليوم والأمس يقولون بالطهارة ولكنهم يخشون أهل الجهل والله أحق أن يخشوه (2) . ويذكر "مغنية" في تفسيره «الكاشف» أن شيخهم (السيد الخوئي أسر برأيه لمن يثق به) (3) . وكذلك يقول "الرافضي" كاظم الكفائي بأن (الإمام الغطا أفتى   (1) انظر: الطوسي: «المبسوط» : (1/10) ، الحلي: «شرائع الإسلام» : (1/53) ، زين الدين العاملي: «الروضة الندية» : (1/49) . (2) محمد جواد مغنية: «فقه الإمام جعفر الصادق» : (ص 31- 33) - دار العلم للملايين، ط1، 1365هـ. (3) محمد جواد مغنية: «الكاشف» : (6/18) - دار العلم للملايين، ط1، بيروت 1968م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 بالطهارة لخاصته لأن عقول العامة لا تحتمله) (1) . يقول د. علي السالوس تعليقاً على ذلك: (وهكذا يضيع العلم، ويفترى على الإسلام، لأن أُناساً ائتمنوا على العلم فضيعوه وزيفوه لأنهم يخشون الناس ولا يخشون الله) (2) . ونقول: إن من أسباب مراعاة علماء الشيعة لجهال الشيعة وعوامهم هو أن هؤلاء هم مصدر رزقهم الذي يسلبونه منهم باسم "الخمس". وإذا كان هذا موقف خمسة من كبار مراجع الشيعة في العصر الحاضر إزاء مسألة فرعية يجزمون بخطئها فكيف يرجى أن يستجيبوا لتعديل أصولهم؟!! وإذا ثبت أن الشيعة لا يتركون تقيتهم، فإن استعمال هذه التقية عندهم يخف ويشتد حسب الظروف المحيطة بهم. ويبدو هذا واضحاً في أن الكتب التي صدرت من علماء الشيعة في إبّان الدولة الصفوية (3) - مثلاً - مثل كتابات المجلسي، ونعمة الله الجزائري وغيرهما قد كشفت إلى حد كبير حقيقة التشيع، وأظهرت الكثير مما يكنه الشيعة ضد الإسلام والقرآن والصحابة وأهل البيت والخلافة الإسلامية. بينما يلاحظ من خلال ما سبق - أن كتابات بعض أعلام الشيعة المعاصرين أمثال محمد جواد مغنية، محمد حسين آل كاشف الغطا قد سلكت في دفاعها عن التشيع مسلك التقية بإنكار ما هو واقع، ولكن مطابع النجف ولبنان قد فضحتهم.   (1) نقل ذلك عنه د. علي السالوس، انظر: «فقه الإمامية» : ص 81 (الهامش) . (2) علي السالوس: «فقه الشيعة الإمامية» : ص 81 (الهامش) . (3) استمرت الدولة الصفوية من سنة 905هـ إلى سنة 1148هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 الفصل الثاني: فيما يتصل بمذهب أهل السنّة إن من أصول أهل السنة العظيمة الاعتصام بحبل الله جميعاً وعدم التفرق، ومبادئ أهل السنّة كلها تتجاوب مع هذا الأصل العظيم، فمن الكتاب والسنّة والإجماع تستقي عقيدتها، وتحل خلافها ونزاعها، واعتقادها قائم على الحب لأتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة والقرابة ومن تبعهم بإحسان. ولا يعتقدون بما دسته الشعوبية من عداوة مفتعلة بين الصحب والآل القصد منها تفريق الأمة وزرع العداوة بينها. وقد سلطنا الضوء على الجانب العقدي من مذهب أهل السنّة، فلا حاجة إلى إعادة القول فيه، لكن غرضنا هنا أن نقول: إن أهل السنّة بحمد الله لم يشذوا بعقائد هي من لبان وغذاء الديانات والعقائد الأجنبية من يهودية ونصرانية ومجوسية، بل اتبعوا في اعتقادهم الكتاب والسنّة وما عليه سلف الأمة، وإن وجد في دائرة أهل السنّة بعض الانحرافات فقد تصدى لها أعلامهم بالنقض والرد ولا يجمع أهل السنة على ضلالة (1) ، كشأن أهل البدع والفرق الخارجة عن السنّة. فلهذا لا حاجة لأن نعقد لهم "بحثاً" حول ما خالفتهم فيه الروافض، كما بحثنا آراء دعاة التقريب في شذوذ الروافض. لكن من باب الموضوعية والتوازن في مبحث مسألة التقريب بين الطائفتين نشير إلى وجهة نظر "الشيعة" في هذا   (1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (أهل السنّة يقولون أن الحق لا يخرج عنهم ولا يقولون لا يخطئ أحد منهم) «منهاج السنة» : (2/118) مكتبة الرياض الحديثة، ويقول: (أهل السنّة قد يخطئ بعضهم لكن لا يتفقون على ضلالة) «المصدر السابق» : (2/93) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 الباب وهم على قسمين: 1- فريق يرى أنه لا فرق بين أهل السنة والشيعة في الاعتقاد. وهذا "القول" ردده الذين لا يمعنون النظر من المنتسبين لأهل السنّة ولم يفطنوا لما وراءه وما علموا أن وراء الأكمة ما وراءها. إن هذا الرأي هو نتيجة مؤامرة نفذتها طائفة الرافضة في كتبها الخاصة، وفي كتب نسبتها زوراً لبعض أعلام أهل السنّة، وفي كتب كتبها بعض الروافض المتسترين بمذهب أهل السنّة (1) ، وفي هذه الكتب مادة كبيرة يزعمون أخذها من كتب أهل السنّة ومن أصولها المعتمدة، وهي توافق معظم شذوذ الروافض في العقائد والأحكام. فإذا قال الروافض إن مذهبهم لا يختلف عن مذهب أهل السنّة فإنهم يعنون بذلك ما زعموا نقله عن مذهب أهل السنّة، من عقائد وآراء لا مذهب أهل السنّة على الحقيقة، وهم بهذا القول يحققون هدفين: 1- الهدف الأول: محاولة كسب صفة الشرعية لمذهبهم في الديار الإسلامية بالقول بأنه لا يختلف عن مذهب أهل السنّة، وهم في قولهم أن مذهبهم لا يختلف عن مذهب أهل السنّة يخدمون هذه المؤامرة ولا يغيرون من واقعهم شيئاً. 2- الهدف الثاني: أن هذه المقولة التي رددوها رددها بعض المنتسبين لأهل السنّة كشلتوت وغيره، واعتبر ذلك الروافض "شهادة" بصحة ما يزعمونه في مذهب أهل السنّة، يقنعون بها الحائرين والمتشككين من بني مذهبهم، وتخدمهم في التبشير بالتشيع في ديار أهل السنّة.   (1) انظر: طريقة الروافض في الاحتجاج من كتب أهل السنّة: ص 58 من هذه الرسالة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 الفريق الثاني : ويعبر عن رأيه أحد آيات الشيعة وهو عبد الحسين الموسوي بقوله: (الأمور التي ينفر منها الشيعي ولا يكاد يمتزج بها مع السني أهمها شيئان: الأول: التكفير، والتحقير والشتم والتزوير. الثاني: إعراض أهل السنّة عن مذهب الأئمة من أهل البيت وعدم الاعتناء بأقوالهم في أصل الدين وفروعه) (1) . مناقشة هذا القول: مناقشة السبب الأول: من أعجب العجب أن يشتكي من يكفر صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأعلام الأمة، وخيار المسلمين من حكام ومحكومين، يشتكي من أن المسلمين يكفرونه. فإذا قارنّا بين ما جاء في "صحيح الشيعة" ـ وهو «الكافي» ـ من تكفير لأبي بكر وعمر ومن بايعهما ومن رضي بخلافتهما إلى أن تقوم الساعة، ومن حكم بردة المسلمين بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا ثلاثة، وحكم بردة المسلمين بعد مقتل الحسين إلا ثلاثة وتطاول - بالتخصيص والتعيين - على خيار الأمة وروادها بالسب والطعن والتكفير (2) ، إذا قارنا ذلك بما جاء في «صحيح البخاري» في كتاب «فضائل الصحابة» مثلاً، فمن الذي يكفر أهل السنة أم الشيعة؟!.   (1) عبد الحسين الموسوي: «الفصول المهمة في تأليف الأمة» : ص 180، ط. 7، 1397هـ، دار الزهراء، بيروت. (2) انظر: ص 334 من هذا البحث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 وإذا نظرنا في كتب الاعتقاد عندهم. مثل كتاب «أوائل المقالات» لشيخهم المفيد، وهو من كتبهم المعتمدة في العقيدة باعتراف شيوخهم المعاصرين (1) ، نجده يقول: (واتفقت الإمامية على أن أصحاب البدع كلهم كفار.. وأن من مات منهم على تلك البدعة فهو من أهل النار) (2) . بينما في كتب العقيدة عند أهل السنّة لا يكفرون أهل البدع مطلقاً. قال الطحاوي مثلاً: (ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ما داموا بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - معترفين وله بكل ما قال وأخبر مصدقين) ، قال شارح «الطحاوية» : (والمراد بقوله أهل قبلتنا: من يدعي الإسلام ويستقبل الكعبة وإن كان من أهل الأهواء ومن أهل المعاصي ما لم يكذب بشيء مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -) (3) . هذا ما يقوله أئمة أهل السنّة وذاك ما يقوله أئمة الروافض، وهو قول من عشرات الأقوال في تكفير المسلمين، نقلنا شيئاً منها فيما مضى. فمن هو الذي يكفر؟!! مناقشة السبب الثاني: أما دعوى أن أهل السنّة لا يتلقون عن أهل البيت. فلنر حقيقة ذلك في بعض أئمة أهل البيت: مثلاً "زيد بن علي بن الحسين" وهو من خيار أهل البيت: نجد في كتاب الرجال عند أهل السنّة توثيقه والثناء عليه وقبول   (1) انظر: «الشيعة في الميزان» : ص 14. (2) «أوائل المقالات» : ص 53، وللتعرف على مزيد من الشواهد انظر: ص 314 وما بعدها من هذه الرسالة. (3) «شرح الطحاوية» : (ص 350- 351) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 ما صح عنه، وأخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجه (1) . أما في كتب الشيعة ففي «الاستبصار» للطوسي، (والطوسي شيخ الشيعة على الإطلاق وصاحب كتابين من أصولهم الأربعة، وكتابين من كتب «الرجال» الأربعة عندهم) في كتاب «الاستبصار» يصرح الطوسي برد مرويات زيد بن علي - مراراً - (2) . فمن يتلقى عن آل البيت حقيقة؟ هل هو من إذا روى عن بعض أهل البيت أحاديث لا توافق مذهبه ردها بدعوى التقية (3) ، في حين يقبل روايات الكليني والقمي وغيرهما في الطعن في كتاب الله وصحابة رسوله وأهل بيته، لأنها تتفق مع تعصبه وشذوذه؟! ومن هم أهل البيت عند الشيعة؟ إن لكل طائفة من طوائف الشيعة تفسيراً خاصاً لأهل البيت، يختلف من طائفة لأخرى حول عدد أهل البيت وأعيانهم. والرافضة تخالف أهل البيت في عامة أصولهم، فليس في أئمة أهل البيت مثل علي بن الحسين وأبي جعفر الباقر وابنه جعفر بن محمد الصادق من يقول بالنص على علي، أو بعصمة الأئمة الاثني عشر، أو يسب أبا بكر وعمر، أو ينكر الرؤية، أو يقول بخلق القرآن، أو ينكر القدر، والمنقولات الثابتة المتواترة عن هؤلاء معروفة موجودة وكانت مما يعتمد عليه أهل السنّة (4) . فهم مخالفون لأئمة أهل بيت   (1) انظر مثلاً: «تقريب التهذيب» : (1/276) ، «الخلاصة» الخزرجي: ص 129، «الكاشف» : (1/341) . (2) وقد مر نقل قول الطوسي في ذلك ص 338. (3) راجع ص 338. (4) «منهاج السنة» : (2/288) تحقيق: رشاد سالم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصول دينهم كما هم مخالفون لأصحابه، بل ولكتاب الله وسنّة رسوله (1) . حقيقة أن أهل السنّة لا يقبلون روايات الروافض المشهورين بالكذب عن أهل البيت. وهذا كما هو حفظ للسنة وتوثيق لها هو صون لأهل البيت مما ألصقه بهم أعداء الإسلام. وهذا "الرافضي" يريد بدعوة أهل السنّة إلى الرجوع للأخذ من أهل البيت لأنه لا يقنعه منهج أهل السنّة في تلقي ما صح عن أئمة العلم والدين من أهل البيت، إنه يريد منهم أن يتعبدوا بحكايات الرقاع التي يزعمون أنها صدرت عن إمامهم المنتظر والذي لم يولد أصلاً، يريد منهم أن يستقوا دينهم من «الكافي» للكليني وهو يطعن في كتاب الله ويحرف آياته، ويكفر صحابة رسول الله، أي: يريد أن يتلقوا دينهم عمن يسعى في هدمه وتغييره. وهو يريد منهم أن يرجعوا لما يجمعه الروافض من "نصوص" ينسبونها كذباً لأهل البيت في الإمامة والعصمة والتقية والرجعة والغيبة والبداء، وإلا فإن أهل السنّة عندهم يتحملون كبر الفرقة والتباعد. ولهذا رأينا بعض "آياتهم" وشيوخهم يجعلون من شرط التقارب أن يوافق أهل السنّة على سب صحابة رسول الله صلى الله عليهم وسلم (2) ، أي يوافق أهل السنّة على القدح في صحابته وبالتالي يرجعون لمدونات الروافض.   (1) «منهاج السنة» : (2/180) تحقيق: رشاد سالم. (2) مثل: آيتهم محمد الخالصي، ومثل شيخهم مرتضي الرضوي وسيأتي نص كلامهما في مبحث "هل من طريق التقريب؟ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 وقد لاحظنا أن معظم أئمة أهل البيت - من غير الاثني عشر - يتعرضون في كتب الشيعة للسب والطعن والتكفير - كما مر - الإشارة لذلك (1) . فمن الذي يتولى أهل البيت ومن الذي لا يتولاهم؟، ومن الذي يقبل مروياتهم ومن الذي يعرض عنها؟، ومن الذي يطعن فيهم بقبول مرويات الكذبة عليهم ومن الذي يصونهم ويرد هاتيك المرويات؟، ومن الذي لا يعتبر من أهل البيت غير الاثني عشر ويطعن في غالب أهل البيت؟ من غيرهم؟!! ولا شك أن من تأمل ما نقلناه من نصوص الروافض يدرك أنهم أعداء لأهل البيت والصحابة، وإنما اتخذوا شعار التشيع لأهل البيت لترويج باطلهم.   (1) انظر: (ص 365) من هذه الرسالة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 الباب الرابع ويشمل: الفصل الأول: "محاولات التقريب" عرض وتقويم . الفصل الثاني: هل من طريق للتقريب؟. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 تمهيد : من الطبيعي أن تقوم في المجتمع الإسلامي المحاولات الجادة الصادقة المخلصة لإصلاح كل نزاع أو اختلاف يحدث في المجتمع الإسلامي، لأن من أصول الإسلام العظيمة: الاعتصام بحبل الله جميعاً وعدم التفرق. وهو ما جاء به الكتاب، والسنة، وقام عليه إجماع الأمة. وقد ضرب الصحابة - رضوان الله عليهم - أروع الأمثلة في هذا الباب. لكن مسألة التقريب أو الوحدة لا يمكن أن تتم على حساب العقيدة والدين. قال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (1) . وقد سار الصحابة والتابعون لهم بإحسان يرفضون كل تقريب أو وحدة تهدف إلى المساواة بين الحق والباطل. وكانت هناك "محاولات" لإدخال الأفكار الأجنبية، والعقائد الغريبة باسم الوحدة والتقريب في "العقيدة الإسلامية"، ويرى بعض المفكرين (2) أن الدعوة إلى وحدة العقائد ترتد في أصولها الأولى إلى فرق غلاة الشيعة ممن حاولوا المزج والتوفيق بين العقائد الإسلامية وأنظار وأفكار استمدوها من الأديان والفلسفات الأخرى   (1) سورة الكافرون. (2) وهو الدكتور عرفان عبد الحميد فتاح، أستاذ الفلسفة الإسلامية المساعد بجامعتي بغداد والكويت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 كاليهودية، والمسيحية، والمجوسية، والفلسفات اليونانية. فالتقوا في محاولتهم هذه مع ما عرف في الدوائر الغنوصية (1) من ميل إلى الجمع والتلفيق. ثم تطورت النزعة على أيدي فرقة الباطنية من الإسماعيلية، وجماعات إخوان الصفا، والقرامطة.. (2) . وقد واجه أئمة المسلمين هذه المحاولات، وكشفوا باطلها.. ولا شك أن كل دعوة إلى وحدة أو تقريب إن لم تقم على هدى من كتاب الله وسنة نبيه فإنها وحدة زائفة وتقريب خادع، وكل اجتماع وائتلاف إن لم يكن اجتماعاً على هدى الله واعتصاماً بحبل الله فإن مآله الفشل. قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ... ) (3) ، وقال سبحانه: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) (4) . هذا ومحاولة التقريب بين أهل السنّة والشيعة مسألة قديمة، ولم أر من عني بتسجيل وقائعها ولا دراستها، فهي متفرقة في مواضعها من كتب التاريخ، وفي كتب روادها وأصحابها، وقد أشار المستشرق "جولد تسيهر" إلى بعض المحاولات المعاصرة وأشار إلى أن التاريخ لا يعدم مثل هذه المحاولات ولم يفصل (5) .   (1) أصل معنى الغنوص: المعرفة، والمقصود بها التوصل بنوع الكشف إلى المعارف العلياء، أو هو تذوق تلك المعارف تذوقاً مباشراً. انظر: «نشأة الفكرة الفلسفي» للنشار: (1/186) . ويدخل في الغنوصية كل الفرق الوثنية والمجوسية مثل: الزرادشتية، والمانوية، والمزدكية وغيرها. كما تدخل فيها المذاهب الهندية: كالبراهمة والتناسخية وغيرها. راجع المصدر السابق. (2) «نشأة الفلسفة الصوفية وتطورها» : ص 80. (3) آل عمران: آية 103. (4) النساء: آية 59. (5) جولد تسيهر: «العقيدة والشريعة» : ص 293. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 ونحن في هذا المبحث ليس من منهجنا الدراسة التاريخية البحتة لهذه القضية، ولكننا نعتبر هذه "الوقائع" تجارب حيّة، سنعرض لأمثلة مختارة منها بالعرض والتقويم، وهذا فيما أظن سيكون مفيداً لرواد الإصلاح، وسيكون نافعاً في سلوك منهج أوفق وأكمل في المستقبل، فمن مجموع هذه الأمثلة قد يوجد أسلوب متكامل للتقارب وسيكون هناك رؤية واضحة، وتصور سليم لعناصر الخطأ والصواب في هذه "الوقائع" إذا نظرنا إليها من خلال دراسة أصول الفريقين التي عرضنا لها. وتبقى هذه "الوقائع" محاولات لم تصل حتى الآن إلى مستوى حل القضية، فهل من طريق لحلها؟ هذا ما سنتحدث عنه في الفصل الذي يلي هذا الفصل. وسنتعرض لبعض المحاولات وفق المنهج التالي: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 (1) المحاولات في القديم. (2) المحاولات المعاصرة: (أ) محاولات جماعية: 1- جماعة الأخوة الإسلامية. 2- دار الإنصاف. 3- دار التقريب بين المذاهب الإسلامية. (ب) محاولات فردية: ومن أمثلتها ما يلي: 1 - من السنة: (أ) محمد عبده. (ب) رشيد رضا. (ج) مصطفى السباعي. (د) موسى جار الله. 2 - من الشيعة: (أ) محمد الخالصي. (ب) عبد الحسين شرف الدين الموسوي. (ج) أحمد الكسروي. (ج) الخميني ودولته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 المحاولات في القديم يرى الشيخ محمد أبو زهرة (أن الطوسي (1) كان بشخصه أول من حاول التقريب الفكري والنفسي بين طائفة الاثني عشرية وجمهور المسلمين) (2) ، بينما يرى د. محمود بسيوني فوده أن دعوة التقريب لها جذورها القديمة التي تمتد في نظره إلى القرن السادس الهجري وبالتحديد إلى شخصية الطبرسي (3) ، ويرى أن هذا الرجل أول من وضع اللبنات الأولى للتقريب بين أهل السنّة والشيعة في صورة علمية متسامحة ونفسية هادئة تركز على إزالة الهوة بين المسلمين (4) . ويعني فودة بدعوة التقريب التي ينسبها للطبرسي هو ما سلكه في تفسيره «مجمع البيان» من تفسير لآيات القرآن معتمداً فيه على مصادر الفريقين ومتجنباً بعض "مظاهر الغلو" المعهودة عند الروافض في الاعتقاد والتفسير. وقد سبقه إلى هذا المنهج الطوسي في تفسيره «التبيان» ، وقد اعترف الطبرسي أنه يسير على نفس أسلوب الطوسي في التفسير. فمنهجهما في هذا واحد، ومعنى ذلك أن الطوسي أسبق في هذا المجال، وأن هذا يتفق مع رأي أبي زهرة.   (1) وهو شيخ الشيعة الملقب عندهم بشيخ الطائفة، وصاحب كتابين من أصولهم الأربعة في الحديث، وكتابين من أصولهم الأربعة في الرجال (ومضى التعريف به ص 122) . (2) محمد أبو زهرة: «الإمام الصادق» : ص 464. (3) هو شيخ الشيعة الملقب عندهم بـ "أمين الإسلام"، وصاحب تفسير «مجمع البيان» . أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (مضى التعريف به ص 90. (4) محمود بسيوني محمد فودة: «الطبرسي مفسراً» ص 10 (رسالة دكتوراه لم تنشر) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 وقد اعترف أحد كبار شيوخ الشيعة في القديم "ابن طاوس" وأحد كبار الشيعة في العصور الأخيرة "النوري الطبرسي" (ت 1320هـ) أن تفسير التبيان للطوسي موضوع على أسلوب التقية وعلى غاية المداراة للمخالفين - كما سبق - (1) ، ومن الدليل أنه وضع على التقية أن الطوسي هذا يرفض الاحتجاج بروايات أهل السنّة، بل يرفض روايات زيد بن علي بن الحسين (وهو من كبار أئمة أهل البيت وأجمع أهل السنّة على أنه من ثقات المسلمين، ولكن الطوسي يرفض روايته (2) لأنه ليس بجعفري، فكيف مع هذا يحتج الطوسي بروايات أهل السنّة في تفسيره «التبيان» إلا على أساس التقية ومحاولة نشر التشيع بين أهل السنّة بالاحتجاج على أصوله من روايتهم؟. فكانت حقيقة محاولة "الطوسي" في التقريب هو نشر عقيدة "الرافضة" بين جمهور المسلمين. وفي «البحار» للمجلسي - وهو أحد مصادرهم الثمانية في الحديث - باب مستقل في النهي عن الأخذ بروايات السنّة إلا في حالة الاحتجاج عليهم (3) . وقد سار الطبرسي على منوال الطوسي ومسلكه - كما أسلفنا (4) -. وإذا كان الشيخ أبو زهرة يرى أن الطوسي الرافضي كان أول من دعا للتقريب فهذا صحيح باعتبار أنه قدم منهجاً في هذا السبيل، وإلا فإن التاريخ يشير إلى حصول محاولات للتقارب بين السنّة والشيعة في القرن الخامس الهجري حدثت أثناء الصراع العنيف الذي نشب   (1) ص 244 من هذا البحث. (2) انظر: ص 338 من هذا البحث. (3) انظر هذا البحث: ص 56. (4) انظر هذا البحث: ص 245. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 بين الطائفتين في بغداد، والذي بدأ في سنة 338هـ في ربيع الأول منها وذلك بحدوث فتنة بين أهل السنّة والشيعة (1) لأول مرة في تاريخ بغداد (2) ، ثم توالت الفتن بينهما (3) بعد ذلك. ومحاولات التقريب التي وقعت للقضاء على ذلك الصراع الدموي العنيف لا نعلم عن تفاصيلها شيئاً، فهي مجرد "إشارات" نقلها بعض المؤرخين. فمثلاً قال ابن كثير: في سنة 437 (اتفق أهل السنّة والشيعة على مواجهة اليهود في بغداد وقاموا بنهب دورهم وإحراق الكنيسة العتيقة التي لهم) (4) ولم يفصل أكثر من ذلك، والأقرب أن هذا الاتفاق جرى من عوام الفريقين، ذلك أن صنيعهم مع أهل الكتاب لا يتفق ومبادئ الإسلام في حقوق أهل الذمة. ولكن هذا "الاتفاق" ما لبث أن انتهى سريعاً، ففي سنة 439 (وقعت فتنة بين الروافض والسنّة ببغداد قتل فيها خلق كثير) (5) . لكن بعد ذلك حدث وفاق وتصالح مرة أخرى، فيذكر ابن كثير أنه في سنة 442هـ (اصطلح الروافض والسنة ببغداد وذهبوا كلهم لزيارة مشهد علي ومشهد الحسين، وترضوا - أي الروافض - في الكرخ على الصحابة كلهم وترحموا عليهم، وصلوا في مساجد السنّة،   (1) ابن كثير: «البداية والنهاية» : (11/221) . (2) عبد الرزاق الحصان: «المهدي والمهدوية» : ص 74. (3) انظر مثلاً: حوادث سنة 406، 408، 421، 422، 425، 439، 443، 444، 445، 447، 478، 481، 482، 486، 510. في «البداية والنهاية» وغيرها. (4) ابن كثير: «البداية والنهاية» : (12/54) . (5) المصدر السابق: (12/56) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 وتواد الفريقان وتحابوا (1) . قال ابن كثير: وهذا عجيب جداً إلا أن يكون من باب التقية) (2) . وأقول: إن الدليل على أنه تقية أنه بعد ذلك بسنة واحدة ـ أي في سنة 443 ـ قام الروافض ونصبوا أبراجاً وكتبوا عليها بالذهب: (محمد وعلي خير البشر فمن رضي فقد شكر ومن أبى فقد كفر) (3) . وهذا تكفير لمن قدم الخلفاء الثلاثة على علي وهم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتنزيل لعلي - رضي الله عنه - منزلة أفضل الرسل والأنبياء. فبسبب صنيع الرافضة هذا اشتعلت الفتنة بين الفريقين ووقعت الحرب بينهما (4) . ثم عاد التصالح بين الفريقين مرة ثالثة، وأشار إلى ذلك بعض المؤرخين بقوله: وفي سنة 488هـ (اصطلح أهل الكرخ من الرافضة والسنّة مع بقية المحال، تزاوروا وتواصلوا وتواكلوا وكان هذا من العجائب) (5) . هذا ما ذكرته كتب التاريخ التي اطلعنا عليها من حوادث الوفاق والتآلف، وكانت هذه "المحاولات" في خضم الأحداث الكبيرة العنيفة من الصراع بين الطائفتين أشبه ما تكون بومضة برق في ليل   (1) المصدر السابق: (12/56) ، وراجع: ابن الجوزي: «المنتظم» : (8/145) ، الذهبي: «العبر» : (3/199) . (2) ابن كثير: «البداية والنهاية» : (12/61) ، وقال الذهبي معلقاً على هذا الاتفاق: (وهذا شيء لم يعهد من دهر) . الذهبي: «العبر» : (3/199) . (3) ، (4) انظر ابن الجوزي: «المنتظم» : (8/149) ، ابن كثير: «البداية والنهاية» : (12/62) . (5) ابن الجوزي: «المنتظم» : (9/87) ، ابن كثير: «البداية والنهاية» : (12/149) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 بهيم، ما تلبث أن تنتهي. ونقول - من غير تحيز أو تعصب - بأن أسباب الصراع والفتن - في الغالب - مصدره وسببه الروافض نتيجة لسبهم وتكفيرهم للصحابة في مآتمهم السنوية "عاشوراء"، وهذا واضح لمن يستقرئ التاريخ.. فكان استفزازهم لأهل السنّة و"شنائعهم" تقضي على كل محاولة "وفاق". وإذا كان ما مضى ذكره من محاولات كانت - كما يظهر - تتم عن طريق "القاعدة الشعبية"، فإن هناك بعض المحاولات عن طريق "القمة" أو "القيادة السياسية"، ومن ذلك ما قام به "المأمون" من توليته العهد "لعلي الرضا" (1) ، والذي يزعم التشيع له وأتباعه طوائف من الروافض وغيرهم (2) . وذلك أن المأمون رأى أن علياً الرضا خير أهل البيت - يعني في زمنه - وليس في بني العباس مثله في علمه ودينه (3) ، فقلده ولاية العهد، وقد يكون في صنيع المأمون لو تحققت نتيجته امتصاصاً للنقمة، وتحقيقاً للمودة من قطاع كبير يزعم أحقية "الرضا" للخلافة وتفويتاً للفرصة أمام الأعداء الذين يستغلون دعوى التشيع لأهل البيت من أجل تحقيق أغراض لهم ضد   (1) علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي العلوي الملقب بالرضا، وقد روى الحديث عن أبيه وغيره وعنه جماعة منهم أبو الصلت الهروي وأبو عثمان المازني. قال ابن المسعاني: والخلل في رواياته من رواته، فإنه ما روى عنه إلا متروك. توفي بطوس سنة 203هـ. انظر: السمعاني: «الأنساب» : (6/140) ، ابن تيمية: «منهاج السنّة» : (2/155) وما بعدها ط 1، ابن كثير: «البداية والنهاية» : (10/250) ، الذهبي: «الكاشف» : (2/296) . (2) وكان توليته العهد يوم الإثنين لسبع خلون من شهر رمضان سنة 201هـ. انظر: «تاريخ خليفة بن خياط» : ص 470، «تاريخ اليعقوبي» : (2/448) ، «تاريخ الطبري» : (10/243) ، ابن كثير: «البداية» : (10/247) . (3) ابن كثير: «البداية والنهاية» : (10/247) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 الإسلام والمسلمين، ولكن وفاة الرضا (ت 203هـ) حالت دون ذلك. وقيل إنه مات مسموماً (1) . لكن أكبر محاولة وأهمها للتقريب على أساس اتباع الحق هو ما حدث بين الطائفتين في القرن الثاني عشر في اجتماع بين ممثلي الطائفتين برئاسة علامة العراق "عبد الله السويدي" وإشراف وتدبير "نادر شاه" (2) ، وهو ما سنتحدث عنه فيما يلي: مؤتمر النجف: وصفه محب الدين الخطيب بأنه (أعظم مؤتمر عقد في تاريخ المسلمين للتفاهم بين الشيعة وأهل السنّة المحمدية) (3) ، وقال أنه: (كان الأول من نوعه في المجتمع الإسلامي) . وأحداث هذا المؤتمر تضمنتها مذكرات علامة العراق عبد الله السويدي والتي سماها: «النفحة المسكية في الرحلة المكية» والتي لا تزال مخطوطة (4) ، كما تضمنها كتاب ابنه "عبد الرحمن بن عبد الله   (1) السمعاني: «الأنساب» : (6/139) ، وزعم الروافض أن المأمون دس له السم. انظر: عباس الموسوي: «الموجز من حياة أئمة أهل البيت» : ص 91. (2) نادر شاه: نادر قولي تسمى بنادر طهماسب قولي خان تيمنا، وهو مؤسس أسرة أفغار. عرف بالشجاعة الفائقة، وترقى في رتب الجيش وعلا مقامه بانتصاراته على الأفغانيين والترك. في عهد الأسرة الصفوية جعل نفسه شاه فارس عند وفاة عباس آخر عاهل في هذه الأسرة، وتوفي سنة 1747، وكانت ولادته سنة 1688م. «الموسوعة العربية الميسرة» : ص 1814، بروكلمان: «تاريخ الشعوب الإسلامية» : ص 525. (3) مجلة «الفتح» : المجلد 17، ص 665. (4) يوجد منه نسخة في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة رقم (269) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 السويدي" والمسمى: «حديقة الزوراء في سيرة الوزراء» أو «تاريخ بغداد» في القسم الذي لم يطبع من الكتاب (1) ، وقد أفردت أحداث هذا المؤتمر (من مذكرات السويدي) بكتاب سُمّي: «الحجج القطعية لاتفاق الفرق الإسلامية» ، وطبعته مطبعة السعادة بالقاهرة عام 1323هـ، ثم نشره محب الدين الخطيب باسم «مؤتمر النجف» 1367هـ، وكان قد نشره قبل ذلك على صفحات مجلة «الفتح» بعنوان أعظم مؤتمر في تاريخ المسلمين للتفاهم بين الشيعة وأهل السنة المحمدية (2) . وفيما يلي: تعريف بالشيخ السويدي عماد هذا المؤتمر، وتلخيص وعرض لأهم أحداثه ومقرراته (3) .   (1) يوجد منه نسخة مصورة في معمل التاريخ بكلية اللغة العربية بالرياض، لا تحمل رقماً ولا إشارة لجهة تصويرها. (2) ثم طبع بعد ذلك بمطبعة البصرى ببغداد، ثم طبعته المطبعة السلفية بالقاهرة مع الخطوط العريضة. (3) وكنت قد رأيت إخراجه محققاً ضمن صفحات هذا البحث، إلا أن المشرف اقترح علي العدول عن هذه الفكرة والاكتفاء بتلخيص أحداثه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 ترجمة السويدي : هو أبو البركات عبد الله بن حسين بن مرعي بن ناصر الدين الدوري (1) السويدي (2) ، ولد في بغداد عام أربع ومائة وألف (3) وقد تلقى العلم على طائفة من علماء العراق والحجاز والشام. وقد امتدحه السيد محمود شكري الألوسي بأنه: (شيخ البسيطة على الإطلاق، وزين الشريعة بالإجماع والاتفاق) (4) ، وقال عنه أيضاً: (كان رحمه الله تعالى شيخ المعارف وإمامها والآخذ بيد زمامها..) (5) . وله رحمه الله من المؤلفات: «شرح جليل على صحيح الإمام البخاري» ، وكتاب «المحاكمة بين الدماميني والشمني فيما كتباه على مغني اللبيب» ، و «النفحة المسكية» ، و «الأمثال السائرة» وغيرها. وقد كان له رحمه الله مع بعض علماء الشيعة - في غير هذا المؤتمر - مباحثات ومناظرات فكان ينقطع معه الخصم، ولا يواجه حججه وبراهينه. قد ذكر بعض هذه المناظرات والمباحثات ابنه عبد الرحمن السويدي (6) في «تاريخ بغداد» ، ولولا خشية الخروج   (1) الدوري نسبة إلى "الدور" قرية شرقي دجلة على شاطئها فوق سر من رأى. «النفحة المسكية» مخطوط: ص 3. (2) سمي بالسويدي نسبة إلى عمه (أخو أبيه من الأم) أحمد بن سويد الذي كفله بعد وفاة أبيه. (توفي أبوه وكان عمره خمس سنوات) . انظر «النفحة المسكية» : ص 3، 4. (3) السويدي: «النفحة المسكية» : ص 3. (4) «المسك الأذفر» : ص 61. (5) محمود شكري الألوسي: «المسك الأذفر» : ص 61 وما بعدها. (6) انظر ترجمته في: «سلك الدرر» : (2/330) ، «المسك الأذفر» : ص 65، وانظر «معجم المؤلفين» : (5/149) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 عن المقصود لنقلنا شيئاً من ذلك (1) . وقال العلامة محمود شكري الألوسي أيضاً - عما قام به السويدي في المؤتمر -: (وله مناقب لا تعد ولا تحصى ولا يدرك أدناها ولا يستقصى، منها تشييده للشريعة الأحمدية وتأييده للسنة النبوية، وذلك حين مجيء نادر شاه إلى سواد العراق مع جم غفير من الأعاجم ذوي النفاق والشقاق، فلم تزل الرسل تختلف بينه وبين الوزير أحمد باشا والي بغداد والمراسلات تتوارد بين الطرفين أي إيراد، إلى أن آل الأمر أن طلب الشاه الإقرار بصحة مذهب الاثني عشرية ورفض مذهب أهل السنة بالكلية، فأرسل الوزير المشار إليه الشيخ المترجم - يعني به عبد الله السويدي - إلى مباحثتهم فأخمد الله تعالى على يده نيران ضلالتهم وألبسهم ثوب الخزي بين عامتهم، فلما علموا أنه بحر علم لا يمكن الوصول إلى أصله صاروا له أطوع من شراك نعله فسعى بالصلح بين الدولتين فحاز الفخار والنجح ... ورفع يومئذ سب الصحابة الكرام وحصل له من الشاه المشار إليه غاية التعظيم والاحترام، فصار الشاه سنياً بعد أن كان شيعياً، فأحيا السنة السنية بعد ما كاد يعتريها أفول وحقن دماء الشبان والشيوخ والكهول. ورفع عن أهل السنة أعظم المصائب.. ولعمري إنها لنعمة يجب شكرها على عموم أهل السنّة.   (1) انظر: «تاريخ بغداد» أو «حديقة الزوراء» : عبد الرحمن بن عبد الله بن حسين: (ص 75 - 79) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 وقد توفي رحمه الله يوم السبت حادي عشر شوال سنة أربع وسبعين ومائة وألف (1) . مؤتمر النجف : في يوم الخميس 25 شوال سنة 1156 عقد في النجف، وفي الموضع الذي تحت المسقف الذي وراء الضريح المنسوب إلى الإمام علي - رضي الله عنه - عقد هذا المؤتمر برئاسة علامة العراق عبد الله السويدي وبحضور مجتهدي الشيعة في إيران والنجف وعلماء من أهل السنّة والجماعة في أردلان (2) والأفغان وما وراء النهر (3) ، فمن إيران حضر نحو سبعين عالماً (ما فيهم سني إلا مفتي أردلان (4) ، وعلى رأس شيوخ الروافض عظيمهم الديني الملاباشي علي أكبر وحضر علماء الأفغان وهم سبعة، وعلماء ما وراء النهر وهم سبعة أيضاً. وكان "نادر شاه" وهو أعظم ملوك إيران في العصور الأخيرة (5) يرعى هذا المؤتمر ويراقب أعماله. وقد اجتمع للاستماع "لوقائع المؤتمر" أعداد كبيرة من   (1) انظر: المرادي: «سلك الدرر» : (3/84 - 86) ، وانظر: «المسك الأذفر» محمود شكري الألوسي: ص 62، 63. (2) ولاية من ولايات إيران الغربية. (3) ما وراء النهر: يراد به ما وراء نهر جيحون بخراسان، فما كان في شرقيه يقال له، بلاد الهياطلة وفي الإسلام سموه ما وراء النهر، وما كان في غربيه فهو خراسان وولاية خوارزم. «معجم البلدان» : (5/45) . (4) وهو كما ذكره السويدي: السيد أحمد المفتي الشافعي بأردلان. (5) بايعه الإيرانيون بالملك سنة 1147هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 العجم والعرب والتركستان (1) . قال السويدي: (أنه يبلغ عددهم نحو الستين ألفاً) (2) . وكان انعقاد هذا المؤتمر بعد أحداث دامية جرت على يد "نادر شاه" حيث قام بالاستيلاء على الهند وتركستان وبخارى (3) وبلخ (4) وأصفهان (5) فأطاعته الأفغان والتركستان، كما أن جميع أهل إيران أطاعوه وكان له مع الدولة العثمانية حروب ومواقف وحاصر بغداد والبصرة وكركوك (6) وغيرها (7) فصارت مملكته كما تضم الشيعة تضم سنّة، فكان الصراع الذي يحدث بين السنّة والشيعة في مملكته هو الذي حدا بنادر شاه لعقد هذا المؤتمر للتفاهم بين الطائفتين، وهذا ما صرح به نادر شاه للسويدي في قوله له: أتدري لم أردتك؟ قال السويدي: لا. فقال نادر: إن في مملكتي فرقتين تركستان وأفغان يقولون للإيرانيين: (أنتم كفار) ، فالكفر قبيح ولا يليق أن يكون في مملكتي قوم يكفر بعضهم بعضاً، فالآن أنت وكيل من قبلي ترفع جميع المكفرات وتشهد على الفرقة الثالثة بما يلتزمونه، وكل ما رأيت أو سمعت تخبرني وتنقله لأحمد   (1) تركستان: هو اسم جامع لجميع بلاد الترك. «معجم البلدان» : (2/23) . (2) انظر: «مؤتمر النجف» مع «الخطوط العريضة» : (ص 89 - 90) . (3) بخارى: بالضم من أعظم مدن ما وراء النهر. «معجم البلدان» : (1/353) . (4) بلخ: مدينة مشهورة بخراسان. «معجم البلدان» : (1/19) . (5) أصفهان: بالفاء لغة أهل المشرق، وأصبهان - بالباء لغة أهل المغرب. انظر: «شرح النخبة» للملا علي القاري: ص 10، وهي بكسر أوله مدينة معروفة من بلاد فارس. «معجم ما استعجم» : (1/63) . (6) كركوك: إحدى مدن العراق. (7) «مؤتمر النجف» : (ص 66- 67) بتصرف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 خان (1) ... ويذكر السويدي أنه قيل له قبل شخوصه إلى «نادر شاه» أنه يعني «نادر شاه» - يريد عالماً مع علماء يبحث مع العجم في شأن مذهب الشيعة ويقيم الدلائل على بطلانه، والعجم يقيمون الدلائل على صحته فإن غلب عالمنا يجب أن يقر ويصدق المذهب الخامس (2) . ويذكر السويدي أنه حينما كلف بهذه المهمة كان وقع التكليف عليه شديداً، حتى إنه يقول أنه (وقف شعري وارتعدت فرائصي) (3) ، وسبب ذلك أنه يرى أن الروافض أهل عناد ومكابرة ولا سيما أنهم في عز من أمرهم، وأن السبيل للتفاهم معهم عسير لعدم الالتقاء معهم في مصادر التلقي، (كيف تحصل المباحثة معهم وهم ينكرون كل حديث عندنا فلا يقولون بصحة الكتب الستة ولا غيرها، وكل آية احتج بها يؤولونها ويقولون: الدليل إذا تطرقه الاحتمال يبطل به الاستدلال، كما أنهم يقولون: شرط الدليل أن يتفق عليه الخصمان (4)) لهذا فإنه طلب الإعفاء من هذه المهمة وتكليف عالم آخر بهذا الأمر، فلم يوافق على طلبه (5) فعزم وتوكل على الله.. ويذكر أنه في مسيره كان يفكر كثيراً ويصور المسائل والدلائل من الطرفين ويتخيل أجوبتها حتى قال: (إني صورت أكثر من مائة دليل وعلى كل دليل جعلت جواباً أو جوابين أو ثلاثة على حسب   (1) المصدر السابق: (ص 76- 77) . (2) المصدر السابق: ص 69. (3) ، (4) «مؤتمر النجف» : السويدي: ص 69. (4) (5) «مؤتمر النجف» : ص 70. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 الشبه ومظنتها..) (1) ، وكان يرتب الخطط ويضع "التدابير". وقبل انعقاد هذا الاجتماع وبعده كان للسويدي جلسة مباحثة مع كبير مجتهدي الشيعة "الملاباشي" استطاع السويدي أن يقيم عليه الحجة، وذلك بإثارته لثلاث مسائل لا تملك الشيعة عليها جواباً مقنعاً: وسنوردها "بنص السويدي": الأولى والثانية: (وهذه جلسة ما قبل المؤتمر) قول السويدي لكبير شيوخ الشيعة: (أريد أن أسألك عن مسألتين لا تستطيع أهل الشيعة الجواب عنهما. فقال: وما هما؟ قلت: الأولى: كيف حكم الصحابة عند الشيعة؟ فقال: ارتدوا إلا خمسة: علياً، والمقداد، وأبا ذر، وسلمان الفارسي، وعمار بن ياسر، حيث لم يبايعوا علياً على الخلافة. قلت: إن كان الأمر كذلك فكيف زوّج علي بنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب؟ فقال: إنه مكره (2) . قلت: والله إنكم اعتقدتم في علي منقصة لا يرضى بها أدنى العرب، فضلاً عن بني هاشم الذين هم سادات العرب وأكرمها   (1) المصدر السابق: ص 71. (2) وهذا ما جاء في كتبهم الحديثية المعتبرة وعقدوا له باباً بعنوان (باب مناكحة الناصب عند الضرورة والتقية) ، ومما جاء فيه ... عن أبي عبد الله (في تزويج أم كلثوم فقال: (إن ذلك فرج غصبناه) . انظر: «الوسائل» : (7/433) ، و «فروع الكافي» : (2/10) ، وكيف يتفق هذا «التفسير» مع أحاديثهم الكثيرة في وصف شجاعة علي - رضي الله عنه - وبطولته وأن الإسلام لم يقم إلا بسيفه ... ؟!!!. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 أرومة.. وأعلاها نسباً وأعظمها مروءة وحمية..، وإن أدنى العرب يبذل نفسه دون عرضه، ويقتل دون حرمه، ولا تعز نفسه على حرمه وأهله. فكيف تثبتون لعلي - وهو الشجاع الصنديد، ليث بني غالب، أسد الله في المشارق والمغارب - مثل هذه المنقصة التي لا يرضى بها أجلاف العرب؟ بل كم رأينا من قاتل دون عياله فقتل (1) . قال: يحتمل أن تكون زفت لعمر جنية تصورت بصورة أم كلثوم (2) ؟ قلت: هذا أشنع من الأول فكيف يعقل مثل هذا؟! ولو فتحنا هذا الباب لانسدت جميع أبواب الشريعة، حتى لو أن الرجل جاء إلى زوجته لاحتمل أن تقول: أنت جني تصورت بصورة زوجي فتمنعه من الإتيان إليها، فإن أتى بشاهدين عدلين على أنه فلان، لاحتمل أن يقال فيهما أنهما جنيان تصورا بصورة هذين العدلين وهلمّ جرا.. ويحتمل أن يقتل الإنسان أحداً أو يدعي عليه بحق، فله أن يقول: ليس المطالب أنا في هذه الحادثة، بل يحتمل أن يكون جنياً تصور بصورتي، ويحتمل أن يكون جعفر الصادق الذي تزعمون أن عبادتكم موافقة لمذهبه جنياً تصور بصورته، وألقي إليكم هذه الأحكام الثابتة.   (1) والأئمة في اعتقاد الشيعة لا يموتون إلا باختيار منهم فهم آمنون. وقد عقد الكليني في «أصول الكافي» باباً في هذا هو (باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم) وأورد فيه ثمانية أحاديث من أحاديثهم. «الكافي» : (1/258) . (2) في كتاب «الهفت الشريف» ـ وهو من كتب الباطنية مثل هذا التفسير الخرافي ـ في الباب الثالث والعشرين (في معرفة تزويج أم كلثوم في الباطن) : ص 84 وما بعدها. وكذلك يوجد هذا التفسير الخرافي عند الإمامية الاثني عشرية. انظر: «الأنوار النعمانية» : (1/83- 84) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 المسألة الثانية: ثم قلت له: ما حكم أفعال الخليفة الجائر؟ هل هي نافذة عند الشيعة؟ فقال: لا تصح ولا تنفذ. فقلت: أُنشدك الله من أي عشيرة أم محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب؟ فقال: من بني حنيفة. فقلت: من سبي بني حنيفة؟ قال: لا أدري (وهو كاذب) . قال بعض الحاضرين من علمائهم: سباهم أبو بكر - رضي الله تعالى عنه -. فقلت: كيف ساغ لعلي أن يأخذ جارية من السبي، ويتولدها، والإمام - على زعمكم - لا تنفذ أحكامه لجوره، والاحتياط في الفروج أمر مقرر! فقال: لعله استوهبها من أهلها، يعني زوجوه بها. قلت: يحتاج هذا إلى دليل. فانقطع ... والحمد لله (1) . المسألة الثالثة: (وجرى البحث فيها بعد نهاية المؤتمر) . يقول السويدي: واجتمعت مع الملاباشي عصر يوم الجمعة (2) وتذاكرنا في خصوص مذهب الجعفرية (مذهب جعفر الصادق) . فقلت: إن المذهب الذي تتعبدون عليه باطل، لا يرجع إلى اجتهاد مجتهد.   (1) السويدي: (ص 86- 88) . (2) الموافق 26 شوال من سنة 1156هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 فقال: هذا هو اجتهاد (1) جعفر الصادق. فقلت: ليس لجعفر الصادق فيه شيء، وأنتم لا تعرفون مذهب جعفر الصادق. فإن قلتم: إن في مذهب جعفر الصادق تقية، فلا أنتم ولا غيركم يعرف مذهبه لاحتمال كل مسألة أن تكون تقية، فإنه بلغني عنكم أنه له في البئر إذا وقعت فيها نجاسة ثلاثة أقوال: أحدهما: أنه سئل عنها فقال: هي بحر لا ينجسه شيء. ثانيها: أنها تنزح كلها. ثالثها: ينزح منها سبعة دلاء أو ستة. فقلت لبعض علمائكم: كيف تصنعون بهذه الأقوال الثلاثة؟ فقال: مذهبنا أن الإنسان إذا صارت له أهلية الاجتهاد يجتهد في أقوال جعفر الصادق فيصحح واحداً منها. فقلت: وما يقول في الباقي؟ قال: يقول إنها تقية. فقلت: إذا اجتهد واحد فصحح غير هذا القول فما يقول في القول الذي صححه المجتهد الأول؟ فقال: يقول إنها تقية. فقلت: إذن ضاع مذهب جعفر الصادق؛ إذ كل مسألة تنسب له يحتمل أن تكون تقية، إذ لا علامة تميز بين ما هو للتقية وبين غيره. فانقطع ذلك العالم.. فما جوابك أنت؟ فانقطع هو أيضاً (2) .   (1) هذا التعبير لا يتفق وطبيعة اعتقاد الشيعة في كلام جعفر، ذلك أن جعفر وسائر الأئمة عندهم هم مشروعون لا مجتهدون، وقولهم كقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في اعتقادهم. (2) ولهذا قرر شيخهم صاحب الحدائق بأنهم - بسبب التقية - لا يعلمون من أحكام دينهم إلا القليل، حيث قال: «فلم يعلم من أحكام الدين على اليقين إلا القليل لامتزاج أخباره بأخبار التقية كما قد اعترف بذلك ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني، حتى أنه تخطأ العمل بالترجيحات المروية عند تعارض الأخبار والتجأ إلى مجرد الرد والتسليم للأئمة الأبرار» [الحدائق/ يوسف البواني: 1/5] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 ثم قلت له: فإن قلتم: (ليس في مذهب جعفر الصادق تقية) ، فهو ليس المذهب الذي أنتم عليه لأنكم كلكم تقولون بالتقية (1) . فانقطع الملابشي: ثم ذكرت له دلائل غير هذا تدل على أن الذي في أيديهم ليس بمذهب جعفر الصادق. المؤتمر في يومه الأول: اجتمع العلماء من السنة ومن الشيعة وقد ذكر السويدي معظم أسمائهم، وحضر للاستماع لما يقع حشد كبير من العرب والعجم والتركستان - كما أسلفنا - وكانت "أحداث" الاجتماع تنقل لنادر شاه بواسطة مخبرين كل لا يعلم عن صاحبه، فلا ينقل إليه إلا الواقع. وفي هذا الاجتماع قرر علماء الشيعة ومجتهدوهم جميعاً وعلى رأسهم كبير مجتهديهم الملاباشي أنهم ينزلون على مذهب أَهل السنّة في الصحابة فقالوا على لسان "الملاباشي" - كما يذكر السويدي - الصحابة، كلهم عدول رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأَفضل الخلق بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أَبو بكر بن أَبي قحافة، فعمر بن الخطاب، فعثمان بن عفان، فعلي بن أَبي طالب - رضي الله عنهم - وأَن خلافتهم على هذا الترتيب الذي ذكرناه في تفضيلهم.   (1) انظر: باب التقية في «أصول الكافي» : (2/217) وراجع مبحث التقية فيما سبق، وقد ورد في دواوينهم المعتبرة أَحاديث في مدح الصحابة، وفي مدح علي - رضي الله عنه - لعمر، كما وردت نصوص في تحريم المتعة وفي غسل الرجلين وأَن عليّاً غسل رجليه إِلخ. وهذه كلها تختلف مع أُصولها ولهذا حملوها على التقية بلا دليل، ومن يراجع على سبيل المثال كتاب «التهذيب» أو «الاستبصار» ـ كلاهما للطوسي ـ يرى أحاديثاً كثيرة خالفت أُصولهم ولم يجد الطوسي لها تأويلاً غير حملها على التقية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 وقالوا عن المتعة: هي حرام لا يقبلها إِلا السفهاء منا. ووافقوا على أَن لا يحلوا حراماً معلوماً من الدين بالضرورة وحرمته مجمع عليها، ولا يحرموا حلالاً مجمعاً عليه معلوماً حله بالضرورة.. وبعد هذا الاعتراف والرجوع: قاموا كلهم وتصافحوا، ويقول أَحدهم للآخر: أَهلاً بأَخي، ثم انقضى المجلس قبيل المغرب من يوم الأَربعاء لأَربع وعشرين خلون من شوال من عام 1156هـ. المؤتمر في يومه الثاني (الخميس 25 شوال 1156هـ) (1) : وجرى فيه تلاوة ما صيغ من مقررات المؤتمر في يومه الأَول، ذلك أَن نادر شاه قد أَمرهم أَن يكتبوا جميع ما قرروه والتزموه - في اليوم الأَول - في رقعة وأَن يحضروا في اليوم الثاني وفي نفس المكان لتلاوة ما اتفقوا عليه والتصديق على ذلك من الجميع. وكانت "جريدة المقررات" مكتوبة في اللغة الفارسية، وقد أَمر الملا باشي مفتي الركاب أَقا حسين أَن يقرأَها قائماً على رؤوس الأَشهاد، وكان مضمونها: إِن الله اقتضت حكمته إِرسال الرسل فلم يزل يرسل رسولاً بعد رسول حتى جاءت نبوة نبينا محمد المصطفى - صلى الله عليه وسلم -. ولما توفي - وكان خاتم الأَنبياء والمرسلين - اتفقت الأصحاب رضي الله عنهم على أَفضلهم، وخيرهم، وأَعلمهم: أَبي بكر   (1) السويدي: (ص 91-94) باختصار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 الصديق بن أبي قحافة - رضي الله تعالى عنه - فأَجمعوا واتفقوا على بيعته، فبايعه كلهم حتى الإمام علي بن أَبي طالب بطوعه واختياره من غير جبر ولا إكره، فتمت له البيعة والخلافة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم حجة قطعية، وقد مدحهم الله في كتابه المجيد فقال: (والسابقون الأًَولون من المهاجرين والأَنصار ((1) الآية وقال الله تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إِذ يبايعونك تحت الشجرة ((2) الآية وكانوا إِذ ذاك سبعمائة صحابي وكلهم حضروا بيعة الصديق. ثم عهد أَبو بكر الصديق بالخلافة لعمر بن الخطاب فبايعه الصحابة كلهم حتى الإِمام علي بن أَبي طالب، ثم إِن عمر (جعل الخلافة شورى بين ستة أَحدهم علي بن أَبي طالب فاتّفق رأيهم على عثمان بن عفان، ثم استشهد عثمان في الدار ولم يعهد، فبقيت الخلافة شاغرة، فاجتمع الصحابة في ذلك العصر على علي بن أَبي طالب. وكان هؤلاء الأَربعة في مكان واحد وفي عصر واحد ولم يقع بينهم تشاجر ولا تخاصم ولا نزاع، بل كان كل منهم يحب الآخر ويمدحه ويثني عليه.. فاعلموا أَيها الإِيرانيون أَن فضلهم وخلافتهم على هذا الترتيب فمن سبهم أَو انتقصهم فماله وولده وعياله ودمه حلال للشاه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وكنت (الضمير يعود لنادر شاه) شرطت عليكم حين المبايعة في صحراء مغان عام 1148 رفع السب، فالآن رفعته فمن سب قتلته وأَسرت أَولاده وعياله وأَخذت أَمواله. ولم يكن في نواحي إِيران   (1) التوبة: آية 100. (2) الفتح: آية 18. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 ولا في أَطرافها سب ولا شيء من هذه الأُمور الفظيعة، وإِنما حدثت أَيام الخبيث الشاه إِسماعيل الصفوي (1) ولم يزل أَولاده يقتفون أَثره حتى كثر السب وانتشرت البدع واتسع الخرق، منذ عام ثمانمائة وسبعة وخمسين، فيكون لظهور هذه القبائح قرابة ثلاثمائة سنة. ويلي هذا الكلام الصادر من الشاه والمكتوب في الرقعة ـ يلي ذلك تعهد على لسان الإِيرانيين ومضمونه: (أَنا قد التزمنا رفع السب وأَن الصحابة فضلهم وخلافتهم على هذا الترتيب الذي هو في الرقعة، فمن سب منا أَو قال خلاف ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أَجمعين..) . ويلي ذلك الكلام السابق نفسه موضوع على لسان أَهل النجف، وكربلاء والحلة (2) والخوارزم (3) . ويلي ذلك تعهد من الأَفغانيين (السنّة) ومضمونه: (أَن الإِيرانيين إذا التزموا ما قرروه ولم يصدر منهم خلاف ذلك فهم من الفرق الإِسلامية، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم) ثم يلي ذلك الكلام السابق نفسه موضوع على لسان علماء ما وراء النهر "السنّة". ثم صادق الجميع على ما جاء في الرقعة، كل وضع "خاتمه" تحت   (1) وهو الذي أَعلن - لأول مرة - في سنة 916هـ أَن المذهب الرسمي لإيران هو مذهب الشيعة. (2) تقع مدينة الحلة على بعد 64 ميلاً إِلى الجنوب الغربي من بغداد.. «دائرة المعارف الشيعية» : (3/37) . (3) خوارزم: بضم أَوله، وبالراء المهملة المكسورة من بلاد خراسان. «معجم ما استعجم» : (2/515) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 الكلام الذي يخصه، ثم كتب السويدي شهادته على الجميع ونصها: (شهدت على الفرق الثلاث بما قرروه والتزموه وأَشهدوني عليهم) ثم وضع خاتمه تحت اسمه. يقول السويدي عن هذه النتيجة للمؤتمر: (وكان الوقت وقتاً مشهوداً من عجائب الدنيا، وصار لأَهل السنّة فرح وسرور لم يقع مثله في العصور ولا تشبهه الأَعراس والأَعياد والحمد لله على ذلك) . ويقول "نادر شاه": (كم جهز العثمانيون من عساكر.. ليرفعوا سب الصحابة فلم يوفقوا إِليه وأَنا ولله الحمد رفعته بسهولة) ، ويقول: (وأَنا لي منّة على جميع المسلمين حيث أَني رفعت السب عن الصحابة وأَرجو أَن يشفعوا لي) . وفي نهاية المؤتمر أَصبح ذكر الصحابة ومناقبهم ومفاخرهم في كل خيمة وعلى لسان الأَعاجم كلهم، بحيث يذكرون لأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله تعالى عنهم - مناقب وفضائل يستنبطونها من الآيات والأحاديث مما يعجز عنه فحول أَهل السنّة ومع ذلك يسفهون رأي العجم والشاه إِسماعيل في سبهم. وفي يوم الجمعة (26 شوال 1156هـ) أُقيمت صلاة الجمعة في جامع الكوفة، وفي الخطبة ترضى الخطيب على الخلفاء الأَربعة على الترتيب، وعلى بقية الصحابة والقرابة، ولكنه صلى صلاة خارجة عن المذاهب الأَربعة فأُخبر الشاه بذلك فغضب وأَمر برفع جميع ما شذت به الشيعة حتى السجود على التراب. ثم لم يلبث نادر شاه أَن توفي وحالت وفاته دون استثمار نتائج المؤتمر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 تقويم مؤتمر النجف : (أ) لا شك أن هذا المؤتمر يشكل نصراً لأهل السنّة، وإعلاء لكلمة الحق، وهو برهان عملي على أن الباطل لا يستطيع الوقوف أمام الحق إذا كان القول الفصل للحجة والبرهان لا للتعصب الأعمى أو السلطة الغاشمة. (ب) أن المنهج الذي سلكه السويدي لإقامة الحجة على الشيعة هو منهج فريد، ينبغي أن يُفاد منه في الردود على الروافض وأن يكون نواة لدراسة أكمل وأشمل على نفس النهج. (ج) اكتفى المؤتمر في مقرراته برفع سب الصحابة من الألسن ولم يتعرض لطلب رفع ما تحويه كتب الشيعة من طعن وسب وتكفير. ولا شك أن الأصل أن ترفع تلك الكلمات اللاعنة الطاعنة في خير جيل عرفته الإنسانية من الكتب المعتمدة عند القوم، لأنها هي التي يصدرون عنها في عقائدهم وأقوالهم، وما السب بالألسن إلا ثمرة عملية للتلقي والتربي على هذه المصادر. وهي التي تؤجج نيران الحقد والبغضاء، وتزرع الفرقة والخلاف، وتنأى بهم عن جماعة المسلمين. (د) ثم إن "المؤتمر" لم يتعرض إلى الأثر العملي لترك سب الصحابة والطعن فيهم وهو الاحتجاج بمروياتهم وقبول أحاديثهم. ذلك أن سب الصحابة والنيل منهم ما هو إلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 مؤامرة على "السنّة المطهرة" في أهدافه القريبة، وأما أهدافه البعيدة فهي النيل من كتاب الله (، ومن شريعة الإسلام كلها. (هـ) لقد كان لعقيدة التقية عند الروافض دور كبير في عدم الإفادة من النتيجة التي انتهى إليها المؤتمر، واستثمار ذلك في جمع كلمة المسلمين. ولم يخف على السويدي رحمه الله ألاعيب الروافض في هذا المجال. ومن ملاحظاته الطريفة في ذلك والتي قد تشير إلى حقيقة مسلك بعض علماء الشيعة في هذا المؤتمر قوله عن خطبة صلاة الجمعة التي أُقيمت بعد المؤتمر وصعد الكربلائي فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: (وقال الخليفة الأول من بعده على التحقيق، أبي بكر الصديق، رضي الله عنه وعلى الخليفة الثاني الناطق بالصدق والصواب سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لكنه كسر الراء من "عمر" مع أن الخطيب إمامٌ في العربية لكنه قصد دسيسة لا يفهمها إلا الفحول، وهي أن منع صرف عمر إنما كان للعدل والمعرفة، فصرفه هذا الخبيث إلى أنه لا عدل فيه ولا معرفة قاتله الله من خطيب وأخزاه ... ) (1) .   (1) السويدي: (ص 102- 103) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 المحاولات المعاصرة (أ) محاولات جماعية : قامت عدة محاولات "جماعية" للتقريب من أهل السنة والشيعة في هذا العصر. والذي اطلعت عليه من ذلك ما يلي: 1- محاولة جماعة سمّت نفسها "جماعة الأخوة الإسلامية": والمعلومات عن هذه الجماعة لم تتوفر - حسب علمي - إلا عن طريق أحد الباطنيين الإسماعيليين ويدعى محمد حسن الأعظمي، قال عنه محمود الملاح: (محمد الأعظمي نسبة إلى "أعظم كره" في الهند لا "أعظمية بغداد"، وهو يبطن إسماعيليته، ويتصنع الدعوة للوحدة الإسلامية، وتورط في دعوته كثير من الفضلاء، بحيث أني أخجل من ذكر أسمائهم. فيا لضيعة الحقائق) (1) . يزعم هذا الباطني أنه أنشأ هذه الجماعة عام 1937م، وجعل مركزها "قبة الغوري بمصر" (2) ثم انتقل بعد ذلك إلى كراتشي عام 1948 (3) ، وزعم أنها تضم طائفة من رجال الفكر والعلم في مصر (4) .   (1) محمود الملاح: «النحلة الأحمدية» : ص 4. (2) وقد سألت عنها الشيخ عبد العزيز عيسى مدير مجلة «دار التقريب» في القاهرة ووزير الأزهر (سابقاً) فقال: (لم نسمع بهذا في آبائنا الأولين) . (3) وفي أثناء زيارتي لباكستان سألت عنه في كراتشي فقيل لي أنه قد مات، ولم أجد لجامعته ذكراً. (4) فيزعم أن هذه الجماعة تضم الدكتور عبد الوهاب عزام، [انظر ترجمته في «الأعلام» : (4/186) طبعة دار الملايين] رئيساً وموجهاً، والشيخ طنطاوي جوهري، [ترجمته في «الأعلام» : (3/333) عالماً وباحثاً] ، والفيلسوف مصطفى عبد الرزاق، [ترجمته في «الأعلام» : (8/131) ] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 وادعى أنه يشترط في المشتركين في جماعته أن يكونوا من أتباع المذاهب التي لا تخالف نص الكتاب، أو صحيح السنّة، وإجماع الأمة (1) ، وكان من نشرات هذا الإسماعيلي التي ينشد فيها الوحدة والتقريب - كما يدعي - كتابه «الحقائق الخفية عن الشيعة الفاطمية والاثني عشرية» والذي نشر عام 1970م وتستر فيه على مذهبه الباطني، فقال: (وجوابي لكل من سألني عن المذهب الذي أنتمي إليه أني أقول كلمة واحدة أني مسلم مؤمن) (2) مع أن الرجل يسعى في نشر مذهبه الباطني (3) . وأقول إن مما يشكك في حقيقة هذه الجماعة، والدعاوى الكثيرة التي ينسجها هذا الرجل حولها هو تفرد هذا الباطني بنشرها. ولولا خشية الاغترار بها لما أشرت إليه. 2- دار الإنصاف: تأسست - كما يقول بعض أعضائها - (4) عام 1366هـ من   (1) الأعظمي: «الحقائق الخفية» : ص 197، وراجع للتفصيل: «حقائق عن باكستان» لهذا الأعظمي: ص 8 وما بعدها. (2) «الحقائق الخفية» : ص 16. (3) فقد ساهم في نشر تحقيق عدد من كتب الباطنية في العالم الإسلامي مثل «تأويل الدعائم» للقاضي النعمان قاضي قضاة المعز الفاطمي، و «افتتاح الدعوة» للمؤلف السابق وغيرهما. انظر: «حقيقة باكستان» : ص 29. (4) وهما هاشم الدفتردار، ومحمد الزعبي. راجع ترجمتهما في كتابهما «الإسلام بين السنّة والشيعة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 فريق أهل التقوى والصلاح، وكان من خطتها (فهم المذاهب الإسلامية على منهاج دار تقريب المذاهب الإسلامية في مصر..) (1) . ومن كتبهم التي أصدروها من أجل التقريب كتاب «الإسلام بين السنّة والشيعة» في جزئين. وقد بنوه على أصل خاطئ وهو أن الرافضة فئة اندرست وهم الذين يكرهون الصحابة، أما الشيعة فيحبون الشيخين ويترضون على الصحابة (2) . وأقول أما أن الشيعة يحبون الصحابة فقد سبق جوابه (3) . وأما أن الرافضة غير الشيعة فهذا ما يرده الشيعة أنفسهم، وقد عقد شيخهم المجلسي باباً في تأكيد هذا في كتابه «البحار» بعنوان (باب فضل الرافضة ومدح التسمية بها) (4) ، كما أن عدداً من شيوخ الشيعة المعاصرين يؤكدون أن هذه التسمية خاصة بهم (5) . 3- دار التقريب بين المذاهب الإسلامية: لكن أبرز هذه المحاولات وأهمها وأكبرها والتي تستحق أن   (1) «الإسلام بين السنّة والشيعة» : ص: ح - ط. (2) المصدر السابق: (1/42، 43) . (3) انظر اعتقاد الشيعة في الصحابة في هذا البحث. (4) «البحار» : (جـ48/ص 96) . (5) انظر: محمد الشيخ الساعدي: «مؤيد الدين بن العلقمي» : ص 42، كما أن شيخ شيخ الشيعة "الخميني" يختار اسم الرفض عنواناً لبعض كتبه وهو كتابه «دروس في الجهاد والرفض» ، كما نرى الرافضي طالب الرفاعي يعتبر مصطلح "الرافضة" هو التعبير السليم الذي ينطبق عليهم. انظر تعليقاته على رسالة: «التشيع ظاهرة طبيعية» : ص 78. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 نعرض لها بشيء من التفصيل، وأن نخصها بالدراسة والتقويم هي "محاولة" جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية في مصر. هذه المحاولة دعا إليها شيخ رافضي من قم "بإيران" ويدعى محمد تقي القمي في عام 1364 هـ تقريباً، واستجابت لدعوته ثلة من علماء مصر، ومن زيدية اليمن، وقد اتخذ لها مقراً في القاهرة باسم «دار التقريب بين المذاهب الإسلامية» ، ثم قامت الجماعة بإصدار مجلة باسم «رسالة الإسلام» (1) لخدمة أغراضها. وقد حملت إلينا مجلة الأزهر "وثيقة هامة" لأحد كبار أعضاء جماعة التقريب وأحد المشاركين في نشأة "الجماعة" وهو الشيخ عبد اللطيف محمد السبكي عضو جماعة كبار العلماء، يصف لنا نشأة الجماعة وخط سيرها، والهدف الذي تسعى لتحقيقه. يقول: (.. جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية، نشط في تكوين هذه الجماعة شيخ شيعي.. يقيم في مصر لعهد قريب أو بعيد، وقد استجاب لدعوته ثلة كريمة من رجالات مصر، ولم يكن يسع مسلماً أن يتخلف عن تلبية الدعوة لتجديد وحدة المسلمين التي هتف بها القرآن أول ما هتف: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (2) ، (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (3) .   (1) ويرأس تحريرها محمد محمد المدني (عميد كلية الشريعة بالأزهر) وقد صدر العدد الأول منها في ربيع الأول عام 1368هـ، وتوقفت بصدور آخر عدد منها في 17 رمضان 1392هـ، ولم تكن منتظمة الصدور في آخر عهدها ومجموع ما صدر من أعدادها (60) جمعت في (16) مجلداً. (2) آل عمران: آية 103. (3) الأنعام: آية 159. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 جذبتني هذه الدعوة، فشرفت بالعضوية المتواضعة بين أولئك الأمجاد، فماذا أجدت جماعتنا وقد مضى عليها أربع سنوات تقريباً؟ نشطت في صدر عهدها إلى تعاقب الاجتماعات، فمرة: للتعارف واختيار الرئيس والوكيل والسكرتير إلخ. ومرة ثانية: لاستقبال ضيف شرقي مسلم سيزور دارنا، دار التقريب، وثالثة: لسماع رسائل وردت من جهات إسلامية، ومن بينها رسالة من النجف - مركز الشيعة - يطلب مرسلوها كلمة تلقى هناك في الذكرى الموسمية للإمام الحسين بن علي رضي الله عنها، ثم يقترح علينا في هذه الجلسة أن تطلب الجماعة إلى الأزهر تدريس الفقه الشيعي إلى جانب مذاهب أهل السنة، ويتوارى الاقتراح في سرعة لأنه قبل أوانه كما همس بذلك من همس. وبعد ذلك توقفت الاجتماعات، وانحصرت الجهود في مجلة تصدرها دار التقريب هذه وتسميها «رسالة الإسلام» (1) . وقد اعترف أحد شيوخ الروافض بأن إنشاء دار التقريب كان عن سابق اتفاق من شيوخ الشيعة وقال: (ليس له - أي القمي - ولا لغيره من الناس أن يقوم بمثل هذا العمل من وراء المراجع ومن غير موافقتهم) (2) . إذن هي خطة مبيتة..، والغريب - فيما يبدو - أن هذا الأمر غير واضح عند بعض أعضاء الجماعة حتى خفي عليهم الجهة التي تمول "دار التقريب"، حتى قال أحد كبار أعضائها - بعد مضي أربع سنوات على إنشاء الدار ـ قال: (ورابني ويجب أن يرتاب   (1) «مجلة الأزهر» : المجلد 24 (ص 285 - 286) . (2) الرافضي: أحمد مغنية: «الخميني أقواله وأفعاله» : ص 27. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 معي كل عضو بريء أنها تنفق عن سخاء دون أن نعرف لها مورداً من المال، ودون أن يطلب منا دفع اشتراكات تنفق على دار أنيقة بالزمالك في القاهرة فيها أثاث فاخر، وفيها أدوات قيمة، وتنفق على مجلتها فتكافئ القائمين عليها، وتكافئ الكاتبين فيها وتتأنق في طبع أعدادها، وتغليف ما يطبع، إلى غير ذلك مما يحتاج إلى مورد فياض.. فمن أين ذلك؟؟!! وعلى حساب من يا ترى؟!!) (1) . أما قيام الشيعة بإرسال داعية لها إلى مصر وهو القمي فلم تكن هذه الحادثة أول مرة، بل كان هذا القمي ثالث ثلاثة تعاقبوا في المجيء إلى مصر، ورفعوا شعار التقارب والوحدة (2) - في هذا   (1) عبد اللطيف محمد السبكي: «مجلة الأزهر» : (جـ24/286) . (2) فقد سبق أن أرسلت رافضة إيران في أواخر سنة 1353هـ وأوائل سنة 1354هـ أحد شيوخهم ويدعى "أبو عبد الله الزنجاني"، وبعد فشله أرسلت رسولاً آخر يدعى عبد الكريم الزنجاني. فكان هذا القمي هو ثالث هؤلاء. ويذكر محب الدين الخطيب أنه والشيخ محمد الخضر حسين فاوضا "الزنجاني الأول" في موضوع التعاون بين أهل السنّة والشيعة وضرورة تصحيح نظرة الشيعة إلى الصحابة حتى يتحقق التآلف، فبشرهما هذا الزنجاني بأن في إيران طبقة مستنيرة صارت تعرف للصحابة أقدارهم وتخجل من الأكاذيب التي كتبت عنهم. ويقول الخطيب: (وكنا ننتظر منه إذا عاد إلى إيران أن ينظم العمل بهذا الغرض مع تلك الفئة من الخاصة التي بشرنا بوجودها، وتوقعنا إذا هو قام بذلك أن لعمله رد فعل عظيم الأثر عند أهل السنّة والجماعة، وأن ندخل كلنا في دور جديد من التعاون والتضامن يليق بظروف هذا العصر وبموقفنا جميعاً من أحداثه، إلا أنه - ويا للأسف - لم يفعل شيئاً من ذلك، إما لأن الفئة التي حدثنا عنها ضعيفة أمام تعصب الجماهير الإيرانيين، وإما أن الذي كان يذكره لنا كان مدفوعاً إليه بأحكام التقية التي أصبحت عادة فيهم. وفهمنا بعد سفره أن الحكومة الإيرانية هي التي كانت أوفدته إلى الأقطار العربية لغير المعاني التي كنا نتمنى تفاهم الفريقين عليها وتعاونهما على تحقيقها، فلما فشل فيما جاء له وكادت تتحول مهمته إلى المعاني التي فاوضناه = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 القرن - كما أن هذا الصنيع من "الرافضة" قد سبق ما يشبهه في العصور الغابرة (1) . كما تبين لي أثناء زيارتي إلى مصر - من أجل جمع المادة العلمية للموضوع - أن هذا القمي لم يكن آخر رسول من الروافض - أيضاً - فقد قامت الرافضة - بعد رحيل القمي وتوقف نشاط دار التقريب - بإرسال رسول آخر يدعى "طالب الرفاعي الحسيني" ويلقب نفسه بـ"إمام الشيعة في جمهورية مصر العربية" إلى مصر، ولم يرفع هذا الرفاعي شعار التقريب الذي أثار ثائرة بعض علماء السنّة، بل حاول الدخول إلى قلوب المصريين بمدخل يتقن الروافض اللعب فيه وهو مدخل "آل البيت"، فأنشأ داراً أسماها "دار أهل البيت" تقوم هذه الدار بنشر كتب الروافض، وإحياء مواسم الرافضة والتبشير بـ"الرفض" بأساليب مختلفة بين أهالي مصر (2) .   = فيها اختارت زنجانيّاً آخر غيره وهو الشيخ عبد الكريم الزنجاني، وكان هذا الداعية الثاني صريحاً في أنه يرى التقريب بين أهل السنّة والشيعة بنزول أهل السنة على عقائد الشيعة فكان فشله سريعاً وذريعاً ورجع إلى إيران كما رجع حنين بخفيه) . انظر: محب الدين الخطيب: «نشأة التشيع وتطوره» : (ص 4- 6) ، وانظر: «مجلة الفتح» : (جـ 17/709) ، وانظر: عبد الكريم الزنجاني: «الوحدة الإسلامية» أو «التقريب بين المسلمين» : ص 59. (1) ففي عصر "جلال الدين السيوطي": (ت 911هـ) حضر من إيران إلى مصر داعية من دعاتهم أشار إليه السيوطي في كتابه «الحاوي للفتاوى» : (1/330) طبعة المنيرية، وبسبب ذلك الداعية الإيراني ألف السيوطي رسالته «مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنّة» ، انظر: محب الدين الخطيب: «الخطوط العريضة» : ص 7. (2) وقد أنشأت هذه الجمعية مركزاً لها بمدينة القاهرة - بالمعادي - واستخدمت أساليب متنوعة لنشر عقيدة الروافض بين أهل السنّة، فاهتمت بتلقين النشء الصغير هذا الاعتقاد، ولذلك أنشأت فصولاً للتقوية في بعض المواد للمرحلتين الإعدادية والثانوية، وهي تستخدم ذلك وسيلة لتحقيق غرضها في تربية النشء على عقيدة = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 أما المذاهب التي تسعى للتقريب بينها: فقد أعلنت التقريب بين المذاهب في حين اقتصر نشاطها في التقريب بين دين الشيعة الإمامية وبين مذهب أهل السنّة. أما لون هذا التقريب ومعناه: فقد رفعت شعاراً ومفهوماً للتقريب ونفذت شيئاً آخر. رفعت شعار التقريب بين أصحاب المذاهب مع احتفاظ كل بمذهبه، يقول الرافضي القمي مؤسس الدار: (إن دعوتنا أن يتحد أهل الإسلام على أصول الإسلام التي لا يكون المسلم مسلماً إلا بها، وأن ينظروا فيما وراء ذلك نظرة من لا يبتغي الفلج والغلب، ولكن يبتغي الحق والمعرفة الصحيحة، فإذا استطاعوا أن يصلوا بالإنصاف والحجة البينة إلى الاتفاق في شيء مما اختلفوا فيه فذاك، وإلا فليحتفظ كل منهم بما يراه وليعذر الآخرين، ويحسن الظن بهم، فإن الخلاف على غير أصول الدين لا يضر بالإيمان، ولا يخرج المختلفين عن دائرة الإسلام) (1) .   = "الرفض"، كما استعملت وسائل أُخرى للدخول إلى قلوب الناس والتأثير فيهم فأنشأت مستوصفاً، وقامت بإعطاء مساعدات مادية وعينية، واحتفلت بمناسبات الروافض الدينية، وأقامت ندوات تتحدث عن آل البيت ومحنهم، كما أصدرت نشرات دورية وغير دورية، ويلاحظ في هذه النشرات غلوّاً في آل البيت ففيها أن آل البيت هم السبب الوحيد للنجاة، وهم أفضل الخلق بما فيهم النبيين إلخ. وهذه الجمعية قد أخذت تصريحاً من وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية لمزاولة عملها في شهر أغسطس 1973م. انظر: «جمعية أهل البيت» ، النشرة غير الدورية رقم (1) محرم 1395 هـ، ورقم (2) رجب 1395، ورقم (3) محرم 1396هـ. (1) انظر: «الوحدة الإسلامية» أو «التقريب بين المذاهب» : (ص 64- 65) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 وتقول مقدمة كتاب دعوة التقريب: (ليس من غايتنا أن يترك السنّي مذهبه، أو الشيعة مذهبه، وإنما نريد أن يتحد الجميع حول الأصول المتفق عليها، ويعذر بعضهم بعضاً فيما وراء ذلك، مما ليس شرطاً من شروط الإيمان ولا ركناً من أركان الإسلام، ولا إنكاراً لما هو معلوم من الدين بالضرورة) (1) . هذا الشعار هو الذي رفعته دعوة التقريب، ولكنها نفذت شيئاً آخر سوى ذلك. فها هي تلك مجلة التقريب تنشر بحثاً طويلاً بعنوان "منهاج عملي للتقريب" لأحد كبار روافض إيران (2) يطالب فيه أهل السنّة بأن يرجعوا في دينهم إلى مصادر الشيعة الثمانية، وبأن ينصب كرسي لتدريس فقه الروافض في مصر وآخر لتدريس عقائدهم، وأن يعترفوا ويؤمنوا بمسألة الإمامة عندهم. ولم يقتصر الأمر على مجرد الدعوة، بل قام الروافض بتزيين آرائهم للشيخ شلتوت شيخ الأزهر في هذا الموضوع، فلبى رغبتهم ونفذ بعض مطالبهم، فتولى بنفسه محاولة تنفيذ هذه المهمة في إبّان مشيخته للأزهر فوضع مشروعاً يجعل للروافض - كما تقول مجلة رسالة الإسلام - نصيباً مقسوماً في الفقه وأصوله وتاريخه وفي مصطلح الحديث ورجاله وفي دراسة الكتب الأمهات وأصحابها الثقات (3) في الأزهر. ولكن   (1) «دعوة التقريب» : ص7 (المقدمة لمحمد المدني) وانظر: الشيرازي: «الوحدة الإسلامية» : ص 7، محمد عبد الله المحامي: «معالم التقريب» رقم (1) ص 3. (2) وهو محمد صالح الحائري، انظر: «رسالة الإسلام» : السنة الثالثة (جـ3/ص 403) . (3) «رسالة الإسلام» السنة 11، ص 445. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 وقوف بعض شيوخ الأزهر حال دون تنفيذ المشروع (1) . وبعد ذلك يخرج تقي القمي عن تقيته ويكشف عن هدفه وغرضه ويزيل الستار عن مهمة الدار الخفية، فيدعو المسلمين صراحة دون تورية أو تقية إلى الأخذ بعقيدة الشيعة وآرائها، فيقول ـ بعد أن يزعم أن أهل السنّة في مصر أخذوا ببعض آراء الشيعة الفقهية ـ فيقول: (فماذا عليهم لو استقبلوا ما وراء الفقه، كما استقبلوا الفقه وما الفرق بين الفروع العملية والفروع العلمية؟) (2) . ثم قامت الدار بالدعاية للتشيع عن طريق نشر الكتاب الشيعي وترويجه بين أهل السنّة وراحت تستكتب بعض ذوي الأطماع المادية، والنفوس الضعيفة لوضع مقدمات لكتب الشيعة التي أزمعوا نشرها بين أهل السنّة (3) ، فنشروا عدة كتب من كتب الروافض مثل (4) : 1- «المختصر النافع» : لنجم الدين الحلي (ت 676هـ) . وقد طبع هذا   (1) حدثني بذلك حسين محمد مخلوف. انظر: (ملحق الوثائق والنصوص) . (2) «رسالة الإسلام» : (جـ2/ص 169) ، السنة الثانية، العدد الثاني، جمادى الآخرة، 1369هـ. (3) مثل المدعو "حامد حفني داود" الذي قدم لخمسة من كتب الروافض وانقلب في مقدماته تلك إلى "رافضي". نسأل الله العافية. وكان يعمل أستاذاً في كلية الألسن بمصر. وانتقل إلى التدريس بجامعة الملك عبد العزيز بجدة عام 1985م. وقد انطلت حيلتهم على بعض الأدباء مثل: محمد عبد المنعم خفاجي صاحب المؤلفات الكثيرة، فقد كتب مقدمة لكتاب «الوسائل ومستدركها» وترضى عن صاحب المستدرك، وما علم - في ظنّي - أنه هو بعينه المجوسي صاحب «فصل الخطاب» . (4) انظر: د. مرتضي الشيرازي: «جولة حول الروابط المعنوية بين إيران ومصر» .. ضمن كتاب «جوانب من الصلات الثقافية» : ص 192. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 الكتاب مراراً في مصر (1) . 2- «تذكرة الفقهاء» : للحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي (ت 726هـ) . 3- «وسائل الشيعة ومستدركها» : «الوسائل» لمحمد بن علي بن حسن الحر العاملي (ت 1104هـ) ، و «المستدرك» لشيخهم حسين النوري الطبرسي صاحب كتاب «فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب» . 4- «الحج على المذاهب الخمسة» : (أي الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي والجعفري) . 5- «تفسير مجمع البيان» : للطبرسي (ت 548هـ) (2) . 6- «حديث الثقلين» : محمد قوام الدين القمي - معاصر - (3) . ومن الملاحظ أنهم اهتموا بنشر كتب الفقه بالذات وبدأوا بالفروع قبل الأصول، مع أن الفرقة الكبرى هي في مسائل الأصول والعقيدة، أما قضايا الفقه فهم وإن كان لهم في كل باب من أبواب الفقه شواذ غريبة، إلا أن معظم مسائل أبواب الفقه يشتركون فيها مع أهل السنة، لأنه لا فقه لهم إلا ما أخذوه عن طريق أهل   (1) وقد طبعته وزارة الأوقاف باقتراح دار التقريب بين المذاهب، وقدم له الباقوري وزير الأوقاف، وراجع أصوله الخطية الرافضي القمي مع عدد من المنتسبين لأهل السنة مثل: محمد المدني، محمد الغزالي، السيد سابق وغيرهم. انظر: «المختصر النافع» مقدمات الكتاب، الطبعة الثانية. (2) وقد عمل على مراجعته وتصحيحه وضبطه ستة من الشيوخ المنتسبين لأهل السنة. انظر: «مجمع البيان» : (جـ10/ص 575) (كلمة ختامية) طبعة دار التقريب. (3) وقد أخرج الحديث بصورة سيئة - كما أشرنا ص 77 - ونشرته دار التقريب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 السنة (1) وبالتشابه الفقهي يصطادون بعض المغفلين. ومجلة الدار المسماة «رسالة الإسلام» تتولى الدعاية للتشيع والدفاع عن عقائد الشيعة (2) ، والتعريف والدعاية بكتب الشيعة ونشراتها (3) والثناء والمديح لرجالات الروافض، وتأبين موتاهم (4) ، وتسيطر أخبارهم ونشر مقالاتهم وكلماتهم. كما تتولى الدار إقامة "الحفلات" وإصدار النشرات وكتابة المقالات في مناسبات أئمة الروافض الاثني عشر. ثم استطاع الروافض في ظل دعوة التقريب أن يخدعوا شلتوت شيخ الأزهر بالقول بأن مذهب الشيعة لا يفترق عن مذهب أهل السنة، ويطلبوا منه أن يصدر فتوى في شأن جواز التعبد بالمذهب الجعفري. فاستجاب لهم وأصدر فتواه (5) في سنة 1368هـ بجواز التعبد بالمذهب الجعفري (6) . فطار الروافض بهذا فرحاً، واعتبروا هذه الفتوى هي القطف   (1) وفي «الكافي» - مثلاً - اعتراف بأن الشيعة لم يعرفوا أحكام الحج ومسائل الحلال والحرام قبل أبي جعفر الصادق. يقول «الكافي» : (وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى كان أبو جعفر، ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم..) الكليني: «الكافي» : (2/20) . (2) انظر مثلاً من «رسالة الإسلام» : (1/22) ، (6/379) ، (8/48) ، (10/186) . (3) انظر مثلاً من «رسالة الإسلام» : (9/331) ، (8/217) ، (10/341) إلخ. (4) انظر مثلاً من «رسالة الإسلام» : (10/108) ، (3/446) . (5) انظرها في (ملحق الوثائق) . (6) وقد حدثني الشيخ عبد الرزاق عفيفي أن شلتوت رجل مغفل سهل الخديعة، أما محمد المدني فهو رجل ماكر مخادع وهو الذي تولى مع القمي خديعة شلتوت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 الشهي والثمرة الكبرى.. لدعوة التقريب، لأنها تعطيهم - كما يتصورون - "الشرعية" في التبشير بالرفض في ديار السنة. كل هذه "الأهداف" تنفذ باسم التقريب بين المسلمين، فصار مفهوم التقريب في قانون الجماعة الحقيقي هو نشر التشيع والرفض في ديار السنة. فلهذا خابت آمال المخلصين المشتركين بهذه الجماعة بصمت ومنهم من أعلن عن ذلك. فهذا د. محمد البهي - مثلاً - يستبشر بنشأة الجماعة ويشيد بها ويضع يده في يدها - كما ذكرت ذلك مجلة التقريب (1) ، ولكنه بعد ذلك يخيب أمله ويسجل رأيه في ذلك بقوله: (وفي القاهرة قامت حركة تقريب بين المذاهب الإسلامية لتقريب ما بين السنة والشيعة. وبدلاً من أن تركز نشاطها على الدعوة إلى ما دعا إليه القرآن إذا وصل الخلاف في الرأي إلى نزاع كما جاء في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (2) ركزت نشاطها إلى إحياء ما للشيعة: من فقه.. وأصول.. وتفسير.. ونشر المقالات التي تدعو دعوة عامة إلى عدم التفرقة بين المسلمين) (3) . وهذا الشيخ السبكي ينفض يده عن هذه الجماعة بعد أربع   (1) ووصفته بقولها: (د. محمد البهي.. عالم باحث من المتحررين المؤمنين بفكرة التقريب) . «رسالة الإسلام» : (8/107) . (2) النساء: آية 59. (3) محمد البهي: «الفكر الإسلامي والمجتمعات المعاصرة» : ص 439. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 سنوات من نشأتها وذلك بعد ما تبين له حقيقة أهدافها - كما مر -. وهذا الشيخ محمد عرفة عضو كبار العلماء والشيخ طه محمد الساكت وغيرهما يتركون الجماعة بعدما استبانت لهم أغراضها (1) . ويتابع الأعضاء المخلصون في التخلي عن جماعة أرادت أن تنشر الرفض في ديار المسلمين باسم الوحدة والتقريب، حتى وصف الشيخ محب الدين الخطيب ما آل إليه أمر دار التقريب وجماعة التقريب بقوله: (انفض المسلمون جميعاً من حول دار التخريب التي كانت تسمى دار التقريب ومضى عليها زمن طويل والرياح تصفر في غرفها الخالية تنعي من استأجرها. ثم يذكر أنه لم يبق متعلقاً بعضويتها إلا فئة من المنتفعين مادياً من وراء انتمائهم إلى هذه الدار وأن العلماء المخلصين من أهل السنّة انكشف لهم المستور من حقيقة دين الرافضة ودعوة التقريب التي يريدها الروافض، فانفضوا عن هذه الدار وعن الألاعيب التي كان يراد إشراكهم في تمثيلها) ، ثم يقول الخطيب: (فلم يبق موضع عجب إلا استمرار النشر الخادع في تلك المجلة. ولعل القائمين يضعون لها حداً) (2) . ولكن هذه المجلة «رسالة الإسلام» التي يشير الخطيب إلى استمرار صدورها ما لبثت أن توقفت بصدور آخر عدد في 17 رمضان 1392هـ وهو العدد (60) . وقد زرت الدار أثناء تحضيري لهذه الرسالة - 1399هـ-   (1) انظر: محمد نصيف، في تعليق له في خاتمة كتاب «الخطوط العريضة» لمحب الدين الخطيب، الطبعة الثانية، 1381هـ. (2) «الفتح» : العدد 848، العام السابع عشر شوال 1366هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 فوجدتها مهجورة من أعضائها ومن زوارها، ولا أثر فيها لأي نشاط، وقد لبثت أتردد على مكتبتها أياماً فلا أرى أحداً يؤمها. ولما شعر الروافض بفشلها ويئسوا من نجاحها أنشأوا داراً أخرى لنشر "عقيدة الرافضة" بين أهل السنّة في مصر، ولا تزال إلى هذا الوقت تمارس نشاطها بمختلف الأساليب وهي "جمعية أهل البيت" (1) . التقويم : 1- إن استجابة طائفة من كبار علماء مصر أمثال عبد المجيد سليم وغيره لدعوة التقريب بين المسلمين هي استجابة طبيعية لأن الله سبحانه يقول: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) ، وما كانت دعوة التقريب قد أبانت عن حقيقتها وأهدافها، بل رفعت شعارات إسلامية تتستر بها على ما تهدف إليه، فلا يتوجه اللوم إلى هؤلاء في نظري. 2- جماعة التقريب استهدفت أهل السنّة، وساهمت في نشر الكتاب الشيعي بين أهل السنّة، ولم تقم بنشر الكتاب السنّي في ديار الشيعة، وحاولت تدريس مذهب الشيعة في الأزهر، ولم تحاول تدريس مذهب أهل السنّة في حوزات الشيعة العلمية في النجف أو قم أو عامل أو غيرها من مراكزهم. ولا شك أن هذا لا يؤدي الغرض من التقريب، لأنه من طرف واحد ولا بد من اشتراك أطراف النزاع في موضوع التقريب، ثم هو يدل على نيّة مبيّتة، وهدف مرسوم وراء دعوة التقريب   (1) انظر: ص 177 هامش رقم (2) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 وهو نشر الروافض بين المسلمين، وإلا فلم يخص أهل السنّة وبلاد السنّة بذلك مع أن الروافض هم الذين يتحملون كبر الفرقة؟، ذلك أن أهل السنّة خاصتهم وعامتهم في مشارق الأرض ومغاربها يجلون علي بن أبي طالب (وأهل بيت الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين إجلالاً لا مزيد عليه، ويحبونهم حباً يرضاه الله ورسوله وأهل البيت، ولكن الشيعة هم الذين ينالون من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا سيما صديق الأمة، وفاروقها. فأحرى بدعوى التقريب أن تقام في ديارهم وأجدر بأن تتوجه الجهود المقرّبة إليهم، فأهل السنّة، يحتاجون إلى تقريب. 3- أليس من الأصول أن يقوم هؤلاء العلماء من السنّة (من أعضاء الجماعة) بدراسة مذهب الشيعة من خلال كتبها الأصيلة ليتعرفوا على مدى إمكانية التقريب، وعلى أي وجه يكون التقريب (إذا أمكن) بدل أن يكونوا ضحية تقية الشيعة وخداعهم؟. 4- في كل دعوة للتقارب لا بد من البدء بالأصول قبل الفروع، ومن الغفلة أن يبدأ بدراسة الخلافات الفقهية بين السنّة والشيعة. والشيعة تشذ عن الأمة بكتبها في الحديث ورجالها، وأصولها، في مدلول القرآن ومفهوم السنّة، وفي حجية الإجماع. فأين الأصل الواحد الذي تناقش على ضوئه الخلافات الفقهية؟. 5- فتوى شلتوت التي تعتبرها جماعة التقريب ثمرة التقريب وقطفه الشهي هل كانت مبنية على دراسة لمذهب الشيعة أم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 مبنية على تصديق شلتوت لدعاوى القمي وغيره بأنه لا خلاف بين السنّة والشيعة؟. الذي أرجحه بناء على ما سمعته من بعض معاصري شلتوت ومجالسيه هو الثاني، ومما يؤكد جهل الشيخ شلتوت بالشيعة أنه يرى أن السبيل الوحيد إلى إعادة الصف الإسلامي إلى وحدته وقوته أن لا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، وأن نطرح وراء ظهورنا تلكم التأويلات البعيدة للنصوص الشرعية من كتاب وسنّة صحيحة، وأن نفهمها كما فهمها المعاصرون للتنزيل وأن نجعل أهواءنا تبعاً لديننا ولا نجعل ديننا تبعاً لأهوائنا، وأن نحارب احتكار فرد أو أفراد تعاليم الدين، فما كان الإسلام دين أسرار وأحاج لا يعرفها إلا طائفة خاصة تطلع عليها من تشاء وتمنعها عمن تشاء، فما انتقل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وطلب من أصحابه وأتباعه أن يبلغوا ما علموه ... (1) . فشلتوت بهذا القول كأنه يحكم على الشيعة ـ التي أفتى - جهلاً منه - بجواز التعبد على مذهبها ـ يحكم عليها بأنها لم تسلك سبيل التقريب، لأن الشيعة على خلاف تام لهذه الأركان التي وضعها للتقريب، فاتخاذهم للأئمة أرباباً من دون الله منتشر عندهم وفي كتبهم، وهم أهل التأويلات البعيدة للنصوص الشرعية، ويرون أنه من الكيد للإسلام أن نفهم هذه النصوص كما فهمها المعاصرون للتنزيل من الصحابة، وهم بمزاعمهم في أئمتهم ودعاويهم في مجتهديهم يمثلون في الإسلام ذلك الاحتكار للدين   (1) شلتوت: في مقدمته لكتاب «إسلام بلا مذاهب» : ص 6. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 الذي يعنيه شلتوت، وهم يقولون بأن في دين الله أسراراً وأحاجي لا يعلمها إلا طائفة خاصة ـ بزعمهم هم أهل البيت لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتم قسماً من الشريعة وأودعه إياهم وهم وحدهم عندهم الجفر، والجامعة، ومصحف فاطمة، وعلم ما كان، وما يكون.. إلخ ـ، ولمجتهديهم اتصال بالمنتظر الذي انتهت إليه هذه العلوم بزعمهم.. إلخ. كما شرحنا ذلك بالشواهد والأرقام. فكأن شلتوت بهذا القول ينقض فتواه بنفسه. ومن المفارقات أن أحد شيوخ الشيعة الذين ينادون بالوحدة الإسلامية سئل عن جواز التعبد بالمذاهب الأربعة فأفتى بالمنع من ذلك (1) . 6- وعلى الرغم من قيام الشيعة بتأسيس دار التقريب ومجلتها وجماعتها واستجابة بعض علماء الأزهر لفكرتهم لم نر لهذه الدعوة لهذا التقارب أي أثر بين علماء الشيعة في العراق وإيران وغيرهما، فلا يزال القوم مصرين على ما في كتبهم من ذلك الطعن الجارح والتصوير الكاذب لما كان بين الصحابة من خلاف، ولا تزال مطابع الروافض تقذف سنوياً بعشرات الكتب التي تحمل اللعن والتكفير والتخليد بالنار لخير القرون. وقد بعث أحد القراء المؤمنين بفكرة التقريب برسالة إلى شلتوت بعد إصداره لفتواه يذكر له ما ينشر في بلاد الشيعة من كتب لا تتفق ودعوة التقريب ويدعوهم لأن يجدوا لذلك   (1) وهو شيخهم محمد الخالصي، انظر: كتيبه «التوحيد والوحدة» : (ص 33- 34) . وانظر: النص في ملحق الوثائق والنصوص. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 حلاً (1) ، فأجابه شلتوت: (يمكنكم أن ترجعوا إلى مجلة «رسالة الإسلام» لتروا فيها ما يشفي الغلة ويطمئن القلوب إن شاء الله تعالى) (2) . وهو جواب يشبه فتواه في الشذوذ والغرابة. 7- جاء في القانون الأساسي لجماعة التقريب في المادة الثانية ما يلي: "أغراض الجماعة هي": العمل على جمع كلمة أرباب المذاهب الإسلامية "الطوائف الإسلامية" الذين باعدت بينهم آراء لا تمس العقائد التي يجب الإيمان بها (3) . وفي هذا القانون الذي قامت عليه الجماعة عدة أخطاء - في نظري -:   (1) ومما قاله في رسالته: (هل تعتقدون فضيلتكم بأن فكرة التقريب تنجح من دون أن تساعدها المقامات النافذة مساعدة معنوية حقيقية؟ "كذا" فالذي عندي أنه قلما توجد في بلاد التسنن تأليفات حديثة تضرم ثائرة الاختلاف، ولكن توجد كثيراً في بلاد التشيع تأليفات حديثة تزيد في اضطرام تلك الثائرة ككتاب «الغدير» باللغة العربية في بضعة عشر مجلداً، وكتاب «شبهاي بيشاوى» باللغة الفارسية في مجلد ضخم، وكذلك تطبع وتنشر كتب كثيرة - أُلفت في العصور السالفة بلحن حاد - إما لم تطبع قبل، وإما طبعت ونفدت نسخها، والآن تجدد طبعتها وسيلة الأُفست وتنشر بين الناس، فالأولى ككتاب «النقض» وكتاب «تحفة الأخبار» والثانية ككتاب «إحقاق الحق» ونظائره، ولا شك أن أمثال تلك المطبوعات الحديثة مخلة بمقاصد جمعية التقريب، أفلا يمكن لأركان دار التقريب وللأستاذ القمي السكرتير مع عنايته الخاصة بهذا الأمر أن يجدوا طريقة لتحديد تلك الإذاعات المنافية لروح الوحدة والائتلاف، والمانعة من نيل جمعية التقريب أهدافها الشريفة؟) أبو الوفاء المعتمدي الكريستاني: «رسالة الإسلام» : (12/397) . (2) «رسالة الإسلام» : (12/398) . (3) «رسالة الإسلام» : (14/151) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 أولاً: أنها فسرت المذاهب الإسلامية بالطوائف الإسلامية، ولا شك أن مصطلح "الطوائف" إنما يطلق على مثل المعتزلة والخوارج والشيعة، فهل دار التقريب تعتبر المذاهب الأربعة طوائف، فتكون قد قامت على قانون يفرق بين المسلمين ولا يقربهم؟. فلا شك أن هذا التفسير يخرج المذاهب الأربعة؛ لأنها ليست بطوائف. لكن دار التقريب أشاعت هذا المفهوم الخاطئ وهو اعتبار المذاهب طوائف. كما قالت: المذاهب أو الطوائف الستة - تعني المذاهب الأربعة، وطائفة الزيدية والشيعة - وفي هذا مغالطة تكمن في اعتبار تعدد المذاهب الفقهية لدى أهل السنّة هو من قبيل تعدد الفرق والطوائف، والحق أن يقال مذهب أهل السنّة ومذهب الشيعة. ثانياً: ثم هل مذاهب أهل السنة - المتوارثة عن أئمة الهدى المعروفين رحمهم الله - هل تحتاج إلى من يقرب بينها مثلها في ذلك - على حسب صنيع دار التقريب - مثل مذهب الشيعة مع غيره؟. لا شك أن في هذه التسوية خطأ، والسعي في التقريب بين المذاهب الأربعة سعي في تحصيل الحاصل بالنظر إلى أن أئمة تلك المذاهب أسرة واحدة في خدمة الدين، والرجوع إلى الكتاب والسنّة، والاحتجاج بالإجماع والقياس حتى نضج الفقه الإسلامي على أيديهم. ثالثاً: وقول "قانون الجماعة" أنه أوقع التباعد بين هذه الطوائف آراء لا تمس العقائد: مخالف للواقع؛ إذ كيف يقال هذا والرافضة تكفر من أنكر إمامة أئمتهم الاثني عشر؟، ومعنى هذا أن أهل السنّة في اعتقاد الرافضة مخالفون لهم في أصل الاعتقاد، ثم هل مواقف الشيعة من كتاب الله وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 والإجماع والصحابة إلخ، هل هذه قضايا لا تمس العقائد؟ فهذا القول وهو أنه لا خلاف بين السنّة والشيعة في آراء لا تمس العقائد ـ إنما - كما يرى الشيخ رشيد رضا - يضر أهل السنّة فقط (1) ، لأن ذلك معناه أن أهل السنّة موافقون للشيعة في شذوذهم الذي يهدم الدين والعقيدة ولا يعتبرون ذلك الشذوذ ماسّاً بالعقيدة. ونكتفي بهذا القدر من التقويم. ومن أراد المزيد ففي «مجلة الفتح» (2) ، و «مجلة الأزهر» (3) ، وكتاب «الخطوط العريضة» للشيخ محب الدين الخطيب (4) ، وما كتبه الشيخ محمود الملاح (5) ما يفيد المستزيد. (ب) محاولات فردية : 1- من أهل السنة: فكرة التقريب تعلق بها كثير من العلماء والكتّاب والمفكرين من المنتمين لأهل السنّة وتحدثوا عن ضرورتها، ولا سيما في هذا   (1) مجلة «المنار» : (جـ29/ص 433) . (2) مجلة «الفتح» : انظر المجلد السابع عشر ص 637، 734، 783 إلخ. (3) مجلة «الأزهر» : انظر المجلد 25 ص 694، المجلد 24 ص 283، 329، 533، إلخ. (4) للشيخ محب الدين الخطيب جهود كبيرة في مواجهة محاولة الروافض نشر عقيدتهم عن طريق التقريب، وقد كتب د. محمود فوزي في رسالته للدكتوراه في محب الدين الخطيب عن هذه الجهود وعقد ص 223 مبحثاً لهذا بعنوان: (جهود الخطيب ضد مذاهب الباطنية الشيعة الإمامية الاثني عشرية) ، وانتهى إلى القول: (فإن النتيجة لهذه الجهود أنها آتت ثمرتها المباركة، فلم ينخدع بهم - يعني الروافض - أحد وفشلت مهمة التقريب) محمود فوزي: «محب الدين الخطيب» : ص 247. (5) انظر رسائله في ذلك ضمن «مجموع السنّة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 الظرف العصيب من حياة الأمة. (أ) ويبدو أن الشيخ محمد عبده (1) كان من أوائل من نادى بهذه الفكرة وقد يكون استقاها من أستاذه الرافضي "جمال الدين الأفغاني" (2) ، ولكن مفهوم التقريب عند الشيخ محمد عبده يختلف   (1) محمد عبده بن حسن خير الله من آل التركماني: مفتي الديار المصرية، ولد في مصر سنة 1266هـ، تعلم بالأزهر، وتصوف، وتفلسف وعمل في التعليم وتولى القضاء، ثم جعل مستشاراً في محكمة الاستئناف فمفتياً للديار المصرية (سنة 1317هـ) واستمر إلى أن توفي بالإسكندرية سنة 1323هـ. ومن آثاره: «تفسير القرآن الكريم» لم يتمه و «رسالة التوحيد» وغيرها. «الأعلام» : (7/131) ، وانظر: رشيد رضا: «تاريخ الأستاذ الإمام» وانظر: غازي التوبة: «الفكر الإسلامي المعاصر دراسة وتقويم» : ص 11. (2) جمال الدين الأفغاني: جمال الدين بن صفدر بن علي بن محمد الأفغاني، (وصفدر لفظ فارسي يطلقه الشيعة لقباً على الإمام علي) وهناك حقائق يذكرها بعض الباحثين تدل على أن هذا «المتأفغن» ماسوني، إيراني مازندراني من أجلاف الشيعة، نفذ كثيراً من المؤامرات الخطيرة في العالم الإسلامي - بسرية تامة - وعملت الماسونية واليهودية على تصويره بطلاً وحكيماً من حكماء الإسلام، وهذه الحقائق تدل على أنه يجب أن يعاد النظر في تقويم بعض الرجال في العالم الإسلامي، والموضوع يتطلب دراسة لا يتسع المجال لها هنا، ويراجع في هذا الموضع: المجموعة الوثائقية عن جمال الدين الأفغاني والمنشورة باسم «مجموعة إسناد ومدارك» ومما فيها: صورتان لهذا المتأفغن بعمته النجفية، واحدة له بعد تخرجه من النجف والأخرى خلال إقامته في إيران. انظر: رقم 156، 157. وصورتان لتذكرتي مرور (جواز سفر) باسم جمال الدين الأفغاني من قنصلية إيران تثبت إيرانيته. انظر: صورة رقم 149، 150 من «مجموعة إسناد» . وانظر: خطاب طلبه الانتساب للماسونية، صورة رقم 40 من «مجموعة إسناد» . وراجع كتاب «جمال الدين الأفغاني الأسد أبادي المعروف بالأفغاني» والذي ألفه بالفارسية ابن أخته ميرز لطف الله خان الأسد أبادي وترجمته للعربية، وقدم له د. عبد المنعم محمد حسنين وفيه ما يثبت وجود عائلة جمال الدين في إيران وانعدام أي أثر لهذه الأسرة في أفغانستان = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 عما يراه شيخه، فيذكر الشيخ رشيد رضا أن محمد عبده كان يرى طائفة الشيعة من أحوج الفرق إلى التقريب إلى الحق لأنه كان يحكم عليها ـ كما يقول رشيد ـ بحكم أشد من حكم شيخ الإسلام ابن تيمية عليهم، ولم يفصح رشيد عن ذلك الحكم لأن (محمد عبده) استكتمه إياه (1) ، لكننا لا نجد للشيخ محمد عبده في موضوع التقريب أكثر من هذه الأُمنية والحكم. (ب) ونجد تلميذه الشيخ: محمد رشيد رضا (2) يذهب شوطاً بعيداً في ذلك. ولعل كتابه «السنّة والشيعة» ، أو «الوهابية والرافضة» ، ومجلته المنار هما خير مصدر يصور لنا جهاد الرجل في هذا السبيل. ويذكر رشيد رضا أنه متأثر في نشاطه هذا بأستاذه جمال الدين الأفغاني (3) .   = وانظر: «دائرة المعارف الشيعية» : (6/11- 12) . وأغابزرك الطهراني: «أعلام طبقات الشيعة» : (1/315) . ومحسن الأمين: «جمال الدين الأفغاني» . وراجع: محمد محمد حسين: «الإسلام والحضارة الغربية» : (ص 75- 90) . (1) رشيد رضا: «تاريخ الشيخ محمد عبده» : (1/934) . (2) محمد رشيد بن علي رضا بن محمد بن علي القلموني البغدادي الأصل الحسيني النسب، صاحب مجلة «المنار» وأحد رجال الإصلاح الإسلامي، من الكتاب العلماء بالحديث والأدب والتاريخ والتفسير، ولد ونشأ في القلمون (من أعمال طرابلس الشام سنة 1282هـ) وتعلم فيها وفي طرابلس، ثم رحل إلى مصر سنة 1315هـ فاتصل بالشيخ محمد عبده وتتلمذ له، وأصدر مجلة المنار، وأنشأ مدرسة الدعوة والإرشاد، وقام برحلات إلى الهند والحجاز وأوربا، وانتخب عضواً بالمجمع العلمي العربي بدمشق وتوفي فجأة في القاهرة سنة 1354هـ. ومن آثاره: «تفسير القرآن الكريم» لم يكمل، «الخلافة والإمامة العظمى» ، «الوحي المحمدي» وغيرهما. انظر: «الأعلام» : (6/361- 362) ، «معجم المؤلفين» : (9/310، 311) ، أحمد الشرباصي: «رشيد رضا» وغيرها. (3) رشيد رضا: «السنة والشيعة» أو «الوهابية والرافضة» : ص (14- 15) ، الطبعة = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 ويبين رأيه في كيفية الاتفاق بقوله: (وأما رأيي في الاتفاق فهو قاعدة المنار الذهبية.. وهي أن نتعاون على ما نتفق عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما نختلف فيه (1)) . ويتحدث رشيد عن مساعيه في سبيل التأليف هذا فيقول: (إنني جاهدت في سبيله أكثر من ثلث قرن) (2) ، ويقول: (إنني تكلمت مع كثير من الفريقين في مصر وسورية والهند والعراق..) (3) ، ثم يتحدث عن عدة أعمال ومساعٍ بذلها في هذا السبيل (4) . ولكنه يذكر أن هناك عقبة كبيرة ظهرت له نتيجة اختبار طويل فيقول: (وقد ظهر لي باختباري الطويل وبما اطلعت عليه من اختبار العقلاء وأهل الرأي أن أكثر علماء الشيعة يأبون هذا الاتفاق أشد الإباء، إذ يعتقدون أنه ينافي منافعهم الشخصية من مال وجاه) (5) . ويذكر أن بعض محاولاته كادت أن تفلح ولكن لما تنبه لهذا بعض علماء الشيعة بدأوا بالهجوم على المنار وصاحبه لإفساد المحاولة وإبطالها، كما قام أشهر علمائهم على رشيد واتهمه بالتعصب والتفريق لأنهم - كما يقول - يكرهون الاتفاق (6) . كما يتحدث رشيد عن التيار المضاد للتقريب والذي نشط في هذا العصر على يد بعض علماء الشيعة الذين قاموا بتأليف الكتب والرسائل   = الأولى، مجلة «المنار» : (29/677) . (1) «المنار» : (29/424) ، (31/293) . (2) ، (3) المصدر السابق: (31/290) . (4) انظر: «المنار» : (29/427) ، (31/290، 291) ، (32/115) ، (34/209) . (5) مجلة «المنار» : (31/290) . (6) مجلة «المنار» : (31/293) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 في الطعن في السنّة السنية، والخلفاء الراشدين الذين فتحوا الأمصار ونشروا الإسلام في الأقطار.. وتم بهم وعد الله ((ليظهره على الدين كله (، والطعن في حفاظ السنّة وأئمتها وفي الأمة العربية بجملتها، ويذكر أن الذي بدأ هذا الشقاق وتولى كبره هو شيخهم "محسن الأمين العاملي" الذي كان يتظاهر في أول الأمر بالاعتدال تقية وخداعاً، ثم كشف عن صفحته بما كتبه عن "الوهابية" في كتابه البذيء الجاهلي "كشف الارتياب"، وقام على أثره من علماء شيعة العراق من ألف في الطعن في الصحابة من كبار المهاجرين والأنصار، وفي أئمة حفاظ السنّة كالبخاري ومسلم وكذا الإمام أحمد وغيرهم من أئمة العلم والدين، لا لشيء إلا لعدم موافقتهم لجهلة الروافض على ما يقترفونه من الغلو في مناقب آل البيت.. (1) . ولهذا لم يجد رشيد رضا بدّاً من الرد على مفترياتهم وقال بأنه لم يهاجم الشيعة، وإنما رد بعض عدوانهم، لأن هذا الطعن الموجه للصحابة وأئمة السنّة وحفاظها لا يفيد منه إلا العدو (2) . (ج) مصطفى السباعي (3) : هو من دعاة التقارب والمهتمين بمسألة التقريب، وقد بذل عدة مساعٍ مع بعض علماء الشيعة لتحقيق هذا الأمر، وسعى لعقد مؤتمر إسلامي لدراسة السبل الكفيلة لإرساء دعائم الألفة والمودة والتقارب   (1) مجلة «المنار» : (31/291- 292) . (2) المصدر السابق: (31/292) . (3) هو الشيخ الدكتور مصطفى حسني السباعي من كبار رجالات العلم والدعوة في العالم الإسلامي عمل أستاذاً في كلية الحقوق في جامعة دمشق وكانت مساعيه وجهوده وراء إنشاء كلية الشريعة في دمشق وكان أول عميد لها، واشترك = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 بين الفريقين. وبدأ تطبيق بعض ما يراه من وسائل التقريب بنفسه؛ فأخذ يعرض فقه الشيعة في مؤلفاته ودروسه في كلية الشريعة بجامعة دمشق. وكان يرى من أكبر العوامل في التقريب أن يزور علماء الفريقين بعضهم بعضاً، وأن تصدر الكتب والمؤلفات التي تدعو إلى التقارب (1) ، كما يرى عدم إصدار الكتب التي تثير ثائرة أحد الطرفين (2) . وقام مصطفى السباعي بزيارة أحد مراجع الشيعة الكبار - ومن يعتبر عندهم من أكبر دعاة الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب والدعوة إلى توحيد الصف وجمع الكلمة (3) - وهو شيخهم عبد الحسين شرف الدين الموسوي، فألفاه متحمساً لهذه الفكرة ومؤمناً بها، واتفق معه على عقد مؤتمر إسلامي بين علماء السنّة والشيعة لهذا الغرض، كما قام السباعي بزيارة وجوه الشيعة من   = في المقاومة المسلحة ضد القوات الاستعمارية الفرنسية وكان له نشاط كبير في الدعوة إلى الله وقام بإنشاء الحركة الإسلامية في سوريا وقيادتها، كما شارك في الجهاد ضد اليهود والدفاع عن بيت المقدس. وقد توفي رحمه الله عام 1384/1964م وكانت ولادته عام 1915م وترك آثاراً علمية عديدة مثل: «السنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي» ، «المرأة بين الفقه والقانون» ، «السيرة النبوية» وغيرها. انظر: مجلة «حضارة الإسلام» : عدد خاص عن السباعي، السنة الخامسة 1384هـ عدد: 4، 5، 6، وانظر: فتحي يكن: «الموسوعة الحركية» : (1/141) ، محمد المجذوب: «علماء ومفكرون عرفتهم» : (ص 357- 389) . (1) مصطفى السباعي: «السنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي» : (ص 8- 9) . (2) المصدر السابق: ص 11. (3) أغابزرك: «طبقات أعلام الشيعة» : ص 1082. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 سياسيين وتجار وأدباء للغرض نفسه. وخرج من هذه الاتصالات فرحاً جذلاً لحصوله على تلك النتائج (1) . وما كان يخطر ببال السباعي رحمه الله أو يدور بخلده ما تنطوي عليه النفوس القوم من أهداف، وما يرمون إليه من وراء دعوة التقريب من خطط، حتى فوجئ السباعي - كما يقول - بعد فترة بأن هذا الموسوي المتحمس للتقريب قام بإصدار كتاب "في أبي هريرة" مليء بالسباب والشتائم، بل انتهى فيه إلى القول (بأن أبا هريرة (كان منافقاً كافراً وأن الرسول قد أخبر عنه بأنه من أهل النار) (2) . ثم يقول السباعي: (لقد عجبت من موقف عبد الحسين في كلامه وفي كتابه معاً، ذلك الموقف الذي لا يدل على رغبة صادقة في التقارب ونسيان الماضي) (3) . ويذكر السباعي أن غاية ما قدم شيوخ الشيعة تجاه فكرة التقريب هي جملة من المجاملة في الندوات والمجالس مع استمرار كثير منهم في سب الصحابة وإساءة الظن بهم، واعتقاد كل ما يروى في كتب أسلافهم من تلك الروايات والأخبار (4) . ويذكر أنهم وهم ينادون بالتقريب لا يوجد لروح التقريب أثر لدى علماء الشيعة في العراق وإيران، فلا يزال القوم مصرين على ما في كتبهم من ذلك الطعن الجارح والتصوير المكذوب لما كان بين الصحابة من خلاف، كأن المقصود من دعوة التقريب هي تقريب أهل السنّة إلى مذهب الشيعة (5) .   (1) مصطفى السباعي: مرجع سابق: ص 9. (2) السباعي: مرجع سابق: هامش ص 9. (3) المصدر السابق: ص 10. (4) المصدر السابق: ص 9- 10. (5) المصدر السابق: ص 9- 10. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 ويذكر السباعي: أن كل بحث علمي في تاريخ السنّة أو المذاهب الإسلامية لا يتفق مع وجهة نظر الشيعة يقيم بعض علمائهم النكير على من يبحث في ذلك، ويتسترون وراء التقريب ويتهمون صاحب هذا البحث بأنه متعصب معرقل لجهود المصلحين في التقريب. ولكن كتاباً ككتاب "عبد الحسين شرف الدين" في الطعن بأكبر صحابي موثوق في روايته للأحاديث في نظر أهل السنّة ـ لا يراه أولئك العائبون أو الغاضبون عملاً معرقلاً لجهود الساعين إلى التقريب. ويقول: ولست أحصر المثال بكتاب «أبي هريرة» المذكور، فهنالك كتب تطبع في العراق وفي إيران وفيها من التشنيع على جمهور الصحابة ما لا يحتمل سماعه إنسان ذو وجدان وضمير المواد المستنفدة للأوزونا يؤجج نيران التفرقة من جديد (1) . هذه تجربة الشيخ السباعي رحمه الله ومحاولته أفلست أمام تعصب شيوخ الشيعة وإصرارهم في عدوانهم على خير جيل وجد في خير القرون. وأصبح التقريب في مفهوم الشيعة: أن يتاح لهم المجال لنشر عقائدهم في ديار السنّة، وأن يستمروا في نيلهم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن يسكت أهل السنّة عن بيان الحق، وإن سمع الروافض صوت الحق يعلو هاجوا وماجوا قائلين إن الوحدة في خطر!!!   (1) المصدر السابق: ص 10. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 (د) محاولة الشيخ موسى جار الله : إن المحاولة التي قام بها الشيخ موسى جار الله كانت محاولة تحمل ميزات عظيمة الشأن منها: أولاً: أنها محاولة واعية مدركة قامت بالدراسة المهتمة لطائفة الشيعة من خلال معبرين هامين للتعرف على ما عليه القوم بصدق وجلاء. المعبر الأول: أن الشيخ اطلع على كتب الشيعة وطالعها باهتمام، كما يذكر أنه اطلع على «أصول الكافي وفروعه» ، و «من لا يحضره الفقيه» وجميع كتب «الوافي» ، و «مرآة العقول» ، ومجلدات عديدة من «بحار الأنوار» و «غاية المرام» وكتب كثيرة غير هذه الكتب (1) . المعبر الثاني: أنه عاش في ديار الشيعة أكثر من سبعة أشهر يزور معابدها ومشاهدها ومدارسها، ويحضر محافلها وحفلاتها في العزاء والمآتم، ويحضر حلقات الدروس في البيوت والمساجد وصحونها والمدارس وحجراتها، وأقام بالنجف أيام المحرم ورأى كل ما تأتي به الشيعة أيام العزاء ويوم عاشوراء.. (2) . ثانياً: أن الشيخ موسى رحمه الله عاش بين كتب الشيعة وديارها وهو لا يحمل أية فكرة سابقة أو خلفية عدائية لهم، بل إنه كان محبّاً لهم متعاطفاً معهم، حتى إنه ألف رسالة يدعو فيها العالم الإسلامي إلى اعتبار مذهب الشيعة مذهباً خامساً لأنه لا يرى - حسب ما كان لديه من معلومات قبل زيارته لديار الشيعة وقراءته لكتبها -   (1) «الوشيعة» : ص 19. (2) «الوشيعة» : ص: ز - ح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 خلافاً بين السنّة والشيعة إلا في بعض الفروع كما هو تصور الشيخ محمود شلتوت، ومحمد الغزالي، وسليمان دنيا وغيرهم. والسبب في دعوته للعالم الإسلامي إلى ذلك هو أنه - كما يذكر - لا يعرف عن الشيعة سوى ما قرأه عنها في كتب الفرق والمقالات، وفي كتب الفقه الخاصة بالشيعة. من هذين المصدرين استمد معلوماته عن الشيعة، ولذلك كتب رسالته إلى العالم الإسلامي في التقريب. فهو إذن رجل يعيش فكرة التقريب في نفسه بل هو من دعاتها، ولا يحمل إلا التصور الطيب عن الشيعة. ولهذا وغيره نرى أهمية هذه "المحاولة" وتميزها عن غيرها بالدراسة والمعايشة، لهذا سنقف للتعريف بالشيخ موسى جار الله وبمحاولته على سبيل التفصيل. موسى جار الله: موسى بن جار الله التركستاني القازاني الروسي، شيخ مشايخ روسيا، ولد بمدينة رستون الواقعة على نهر الدون بروسيا عام 1295هـ، وتعلم في المدارس الإسلامية بمدينة قازان ثم في بخارى، وتولى إمامة الجامع الكبير في بتروغراد (ليننغراد) ، كان في العهد القيصري وبداية الحكم السوفيتي في روسيا صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في أمور مسلمي روسيا الذين يزيدون عن ثلاثين مليون نسمة، ثم هبت عليه أعصار الشيوعية فطوحت به بعيداً عن دياره وأهله. قال عنه الأستاذ محمد كرد علي (1) "رئيس المجمع العلمي   (1) محمد بن عبد الرزاق بن محمد كرد علي: مؤرخ، كاتب، صحفي، سياسي. هو = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 العربي": (تشرفت في القاهرة بالتعارف إلى العالم القازاني العظيم شيخ إسلام روسيا موسى جار الله، وكنت أعجب بالقليل الذي طالعته من تآليفه ورسائله ومقالاته، ولما أخرج كتابه «الوشيعة» في الشيعة رأيت فيه الإمام الذي انعقد الإجماع على جلالة علمه وشدة غيرته على النهوض بالمسلمين في المشارق والمغارب. طوف الإمام جار الله في الأقطار وجاء اليابان والهند والحجاز وغيرها، وأخذ العلم عن الشيوخ الذين تفردوا بعلوم يشتهي التعمق فيها والتلقي عن أئمتها. وقد اضطهدته روسيا وإنكلترا واعتقلتاه زمن الحرب العالمية الثانية وسجنته روسيا لأنه لم يقل - فيما قيل - بالتعاليم الشيوعية، ولم يقر حكومتها على إغلاق مساجد المسلمين ومدارسهم وتشتيت علمائهم ولم نعرف وجهاً لاعتقال إنكلترا له في الهند!! صورة من أجمل صور العلماء العالمين.. وهو من الأفراد الذين لا يحسن بهم الدهر - كذا - على العالم إلا في العصر بعد العصر، وحياتهم من أولها إلى آخرها حافلة بالخير والنفع) (1) . ا. هـ. وقال الشيخ موسى جار الله (عن نفسه) : (كان بوسعي أن أغدو كاتب روسيا الأول وأحد زعماء الطليعة فيها لو أنني تخليت عن إيماني، ولكنني آثرت أن أشتري الآخرة بالدنيا..) (2) .   = أول رئيس للمجمع العلمي العربي، وكان مولده في دمشق 1293هـ. وتوفي فيها سنة 1373هـ ومن آثاره: «خطط الشام» في ستة أجزاء، «الإسلام والحضارة العربية» في مجلدين وغيرهما. «معجم المؤلفين» : (10/162- 163) . (1) محمد كرد علي: «المذكرات» : (3/1233) . (2) جريدة السجل العراقية: العدد 650، السنة 18، 10 شوال 1368هـ. مقابلة مع = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 وفي مجلة المجمع العلمي العربي ورد أن موسى جار الله إمام في اللغة العربية له معرفة واسعة بعلوم اللغة وأصولها وصرفها ونحوها وبيانها وقريضها.. فلا تكاد تذكر أمامه مادة من مواد اللغة إلا أجابك على الفور عما إذا كانت قد وردت في القرآن أم لا، وكم مرة وردت وفي أية سورة، لأنه مستظهره أتم الاستظهار (1) . بالإضافة لمعرفته باللغات: الفارسية، والتركية، والتترية، والروسية، ومن آثاره بالعربية: «الوشيعة في نقد عقائد الشيعة» ، «تاريخ القرآن والمصاحف» ، «القواعد الفقهية» ، و «نظام التقويم في الإسلام» . وقد وافاه الأجل في مصر عام 1369هـ (2) . محاولة الشيخ موسى جار الله للتقريب : يرى الشيخ موسى جار الله أن محاولته (هي أول تدبير في تأليف قلوب الأمة: الشيعة، وأهل السنّة والجماعة) (3) . ولا أعتقد أن الشيخ موسى كان يجهل أن هناك محاولات بذلت في هذا السبيل من قلبه، بل إنه قبل هذه المحاولة كانت له جهود في سبيل التقريب وألف رسالة دعا فيها العالم الإسلامي إلى اعتبار مذهب الشيعة مذهباً خامساً مع المذاهب الأربعة - كما سبق - فهو إذن لا يعني أنها أول تدبير.. بإطلاق، ولكنها كانت أول تدبير لأنها مبنية على دراسة واعية، أما المحاولات الأخرى فقد كانت   = موسى جار الله بعنوان (آخر شيخ للإسلام في روسيا يقول ... ) . (1) المعلوف: «مجلة المجمع العلمي العربي» : (4/266) . (2) انظر: «الأعلام» : (8/269- 270) ، «معجم المؤلفين» : (13/136- 137) . (3) عبارة كتبها موسى جار الله على ظهر «الوشيعة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 خطوات متعجلة، وجهوداً مرتجلة - في الغالب - فقدت الركن الأول في التقريب؛ وهو الدراسة الواعية لكتب القوم، ومدى إمكانية التقريب على ضوئها. وقد بدأ الشيخ بالدراسة لكتب الشيعة الأساسية، والحياة "المتأملة" بينهم، وقد تبين للشيخ في النهاية أن كتب الشيعة قد أجمعت على أمور لا تتحملها الأمة، واتفقت على أشياء كثيرة لا يرتضيها الأئمة، ولا تقتضيها مصلحة الإسلام وتناقض أكثر مصالح الأمة، ثم هي جازفت في مسائل منكرة مستبعدة ما كان ينبغي وجودها في كتب الشيعة ولا يظن بالأئمة اعتقادها (1) ، ولا يتحملها العقل والأدب. ودعوى الائتلاف وليست إلا أهوية تنفخ في ضرام العداء، وكلمة التوحيد توجب اليوم على مجتهدي الشيعة نزع تلك العقائد من الكتب لتجتث جذورها من القلوب.. وإلا فإن الكلمات هراء وأثر المؤتمرات عداء (2) . ويرى الشيخ أن (نقد عقائد الشيعة هو أول مرحلة من تأليف قلوب الأمة لا تأليف بدونها) (3) . وقد امتلأ قلب الشيخ حسرة وألماً مما رآه من منكرات في كتب الشيعة وواقعها (4) . وقد كان أول مساعيه في التقريب لقاؤه مع شيخ الشيعة محسن   (1) انظر: «الوشيعة» : ص 20. (2) انظر: «الوشيعة» : ص أ. (3) انظر: «الوشيعة» : ص 17. (4) راجع: «الوشيعة» : ص 231. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 الأمين في طهران وجرى بينهما بعض الحديث، ثم قدم له الشيخ موسى ورقة صغيرة كتب فيها ما يلي: 1- أرى المساجد في بلاد الشيعة متروكة مهملة وصلاة الجماعة فيها غير قائمة، والأوقات غير مرعية، والجمعة متروكة تماماً، وأرى المشاهد والقبور عندكم معبودة.. ما أسباب كل هذه الأمور؟. 2- لم أر فيكم لا بين الأولاد ولا بين الطلبة ولا بين العلماء من يحفظ القرآن ولا من يقيم تلاوته، ولا من يجيد قراءته، أرى القرآن عندكم مهجوراً، ما سبب سقوط البلاد إلى هذا الدرك الأسفل من الهجر والإهمال؟ أليس عليكم أن تهتموا في إقامة القرآن الكريم في مكاتبكم ومدارسكم ومساجدكم؟ 3- أرى ابتذال النساء وحرمات الإسلام في شوارع مدنكم بلغ حداً لا يمكن أن يراه الإنسان في غير بلادكم. قال الشيخ موسى جار الله: (كتبت في الورقة هذه المسائل.. في 26/8/1934 بطهران وسلمتها للسيد المحسن الأمين العاملي. ثم لم أر حضرة السيد. وسمعت خطيباً في حفلة أتى بكلمات دلت على أن تلك الورقة تداولتها الأيدي (1) . ثم قام الشيخ بإرسال رسالة إلى علماء النجف بتاريخ 21/11/1353هـ، ثم أرسل الرسالة نفسها إلى علماء الكاظمية بتاريخ 28/11/1353هـ، وقد كتب الشيخ على وجه الرسالة "الغلاف":   (1) «الوشيعة» : ص ط - ي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 أُقدم هذه المسائل لأساتذة النجف الأشرف بيد الاحترام، بأمل الاستفادة، بقلب سليم صادق، كله رغبة في تأليف قلوب عالمي الإسلام (1) الشيعة الإمامية الطائفة المحقة - يعني على زعمهم - (2) عامة أهل السنّة والجماعة، راجياً إجابة السادة الأساتذة جمعاً أو فرادى: كل ببيانه البليغ، بتوقيع يده، مؤكداً بخاتمه ومهره. وسيكون إن شاء الله جل جلاله لإفادات الأساتذة شأن في عالم الإسلام يذكر. (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) (1) (2) . ثم أورد في الرسالة ما في كتب الشيعة من أمور منكرة مشيراً إلى أرقام الصفحات في كل ما يذكره. فذكر عدة قضايا خطيرة في كتب الشيعة تحول بين الأمة والائتلاف مثل: 1- تكفير الصحابة. 2- اللعنات على العصر الأول. 3- تحريف القرآن الكريم. 4- حكومات الدول الإسلامية وقضاتها وكل علمائها طواغيت في كتب الشيعة. 5- كل الفرق الإسلامية كافرة ملعونة خالدة في النار إلا الشيعة. 6- الجهاد في كتب الشيعة مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل حرمة الميتة وحرمة الخنزير، ولا شهيد إلا الشيعة، والشيعي شهيد ولو مات على فراشه، والذين يقاتلون في سبيل الله من غير الشيعة   (1) الأنفال: آية 72. (2) «الوشيعة» : ص 18. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 فالويل يتعجلون. ثم قال الشيخ - بعد ما نقل شواهد هذه المسائل من كتب الشيعة المعتمدة مخاطباً شيوخ الشيعة -: هذه ست من المسائل، عقيدة الشيعة فيها يقين. فهل يبقى في توحيد كلمة المسلمين في عالم الإسلام من أمل وهذه عقيدة الشيعة؟ وهل يبقى بعد هذه المسائل، بعد هذه العقيدة، لكلمة التوحيد في قلوب أهليها من أثر؟ وهل يمكن أن يكون للأمم الإسلامية، ولهم هذه العقيدة في سبيل غلبة الإسلام في مستقبل الأيام من سعي؟ ثم أردف ذلك بمسائل منكرة أخرى مثل: 7- رد الشيعة لأحاديث الأمة ودعواهم أن كل ما خالف الأمة فيه الرشاد (ويرى أن هذا المبدأ هدم لدين الشيعة قبل أن يهدم دين الإسلام) . 8- وما في كتب الشيعة من أبواب في آيات وسور نزلت في الأئمة والشيعة وفي آيات وسور نزلت في كفر أبي بكر وعمر وكفر من اتبعهما. 9- وغلو الشيعة في التقية. 10- ثم ذكر أباطيل أخرى شنيعة في كتب الشيعة مثل: 1- أن علياً أمير المؤمنين طلق عائشة فخرجت من كونها أم المؤمنين. 2- أن القائم إذا يقوم يقيم الحد على عائشة انتقاماً لأمه ابنة النبي السيدة فاطمة عليها وعلى أبيها وأولاده الصلاة والسلام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 3- أن القائم إذا ظهر يهدم مساجد الإسلام.. 11- ثم ذكر أن دين الشيعة روحه العداء، وأن ما في كتب الشيعة من حكايات العداء بين الصديق والفاروق وبين علي كلها موضوعة. 12- وذكر أن كتب الشيعة تقول على لسان بعض الأئمة: إن الأمة، وإن كانت لها أمانة وصدق ووفاء، لا تكون مؤمنة لإنكارها الولاية. وأن الشيعة وإن لم يكن عندها شيء من الدين لا عتب لها، لأنها تدين بولاية إمام عادل. وذكر مسائل أخرى (1) ثم قال: (فتفضلوا أيها الأساتذة السادة بالإفادة حتى يتحد الإسلام وتجتمع كلمة المسلمين حول كتاب الله المبين) . فماذا كان جواب شيوخ الشيعة؟ يقول الشيخ موسى جار الله: (راجعت مجتهدي الشيعة بهذه المسائل التي نقلتها من أمهات كتب الشيعة عرضاً على سبيل الاستيضاح عملاً بأمر الله في كتابه: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ((2) ثم انتظرت سنة وزيادة ولم أسمع جواباً من أحد، إلا من كبير مجتهدي الشيعة بالبصرة، فقد قام بوظيفته وتفضل علي بكل أجوبته في كتاب تزيد صفحاته على تسعين بكلمات في الطعن في   (1) انظر: «المراجعة» بكمالها في «الوشيعة» : (ص 18 - 38) . (2) النحل: آية 43، الأنبياء: آية 7. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 العصر الأول أشد وأجرح من كلمات كتب الشيعة) . ثم كتب الشيخ موسى كتابه «الوشيعة في نقد عقائد الشيعة» بعد أن لم ير استجابة من شيوخ الشيعة، ويقول إنني أدافع بذلك عن شرف الأمة وحرمة الدين، وأقضي به حقوق العصر الأول علي وعلى كل الأمة (1) . ولما طبع كتاب «الوشيعة» ، كثرت الردود عليه (2) وكلها لا تخرج عما قال موسى جار الله عن جواب مجتهد البصرة إلا تقية، كما يلاحظ القارئ لباب «آراء دعاة التقريب» . وإذا كان الشيخ موسى جار الله يرى في نشره كتاب «الوشيعة» وفي نصحه للشيوخ الشيعة أن ذلك أول تدبير في التأليف والتقريب، فإن شيوخ الشيعة ترى أن ما كشفه الشيخ موسى يجب أن يكون دفيناً ويستفزهم مثل هذا الكشف غاية الاستفزاز، حتى قال آيتهم محسن الأمين إنه (أول تدبير وآخره في تنفير القلوب وأنه يوقد نار العداوة ويجرح عواطف أكثر من مائة وثلاثين مليوناً من الشيعة بغير حق) (3) . والسبب في انزعاج شيوخ الشيعة من أي كشف لما في كتبهم من أباطيل: أن في ذلك فضحاً لأغراضهم ومآربهم، وكشفاً   (1) «الوشيعة» : ص 39. (2) فمن ذلك: محسن الأمين: «الشيعة بين الحقائق والأوهام» ، عبد الحسين شرف الدين الموسوي: «أجوبة مسائل جار الله» ، عبد الحسين الرشتي: «كشف الاشتباه» ، وغيرها. (3) «الشيعة بين الحقائق والأوهام» : (ص 6 - 7) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 لاستغلالهم للجمهورالساذج، من الشيعة، دينياً باسم النيابة عن المعصوم المنتظر، ومالياً باسم خُمس هذا المنتظر. 2- المحاولات الفردية للتقريب من الشيعة: في هذا العهد كثر دعاة التقريب من الروافض، وأصبحت كلمة التقريب أو الوحدة تتردد على ألسنة الكثير منهم. (أ) فهذا آيتهم العظمى محمد الخالصي (1) يرفع شعار الوحدة الإسلامية في العراق، ويرددها في نشراته وخطبه ورحلاته (2) ، ولكنه وهو يدعو للوحدة يصدر منه ما يناقض هذه الدعوة؛ فهو يرى أن (الأئمة الاثني عشر أركان الإيمان ولا يقبل الله تعالى الأعمال من العباد إلا بولايتهم) (3) وفي هذا تكفير للمسلمين الذي يدعو للوحدة معهم، وهو يطعن في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما (4) . مخالفاً   (1) محمد بن محمد مهدي الخالصي من شيوخ الشيعة المعاصرين ودعاة الوحدة الإسلامية في العراق، وهو الشيخ الشيعي الوحيد الذي يقيم مع جماعته "صلاة الجمعة" في العراق. انظر: محمد الخالصي: «الجمعة» ويرى بأن الشهادة الثالثة (أشهد أن عليّاً ولي الله) في آذان الشيعة هي من وضع الغلاة. الخالصي: «الاعتصام بحبل الله» : ص 18. وقد أثار ذلك ردود فعل لدى الشيعة الآخرين. انظر: «الاعتصام بحبل الله» : ص 65، 78، 113، 117 وصدرت عدة كتب في الرد عليه من شيعته، ويقول الملاح عن الخالصي أنه في كل فترة على مذهب، وأنه منذ حل في الكاظمية - حي من أحياء بغداد يسكنه الشيعة - افترق أهلها. الملاح: «حجة الخالصي» : ص 5. وللخالصي أكاذيب مفضوحة وآراء غريبة شاذة لا يتسع المجال لعرضها، وقد توفي الخالصي وخلفه في مركزه أبناؤه. ومن كتبه ورسائله: «الجمعة» ، «إحياء الشريعة في مذهب الشيعة» وغيرهما. (2) انظر مثلاً: الخالصي: «الإسلام فوق كل شيء» : ص 65. (3) محمد الخالصي: «الاعتصام بحبل الله» : ص 43. (4) انظر كلام الخالصي في ذلك ص 111 - 112 من هذا البحث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 بذلك القرآن والسنّة وإجماع المسلمين، ومتعمداً جرح عواطف جميع المسلمين ما عدا الروافض، فهل هو بهذا يخدم دعوة الوحدة أو يهدمها؟! ولقد وقفنا على نص خطير له يكشف حقيقة الوحدة التي يدعو إليها وأنها تقوم على سب الصحابة، فقد صرح بأنه يريد من أهل السنّة أن يتحدوا معه على سب عائشة أم المؤمنين وخيار صحابة رسول الله المؤمنين وإلا يفعلوا فلا وحدة، وسيلوذ الخالصي بالتقية، يقول: (..فإن وافقنا باقي طوائف المسلمين - يعني على لعن الصحابة وسبهم - تمت الكلمة وائتلف الشمل، وإن أبوا رجعنا إلى حكمنا الأول وهو "التقية" حذراً من الفرقة وحرصاً على اتحاد الكلمة وقلنا: لا نسب معاوية لأنه صحابي وخال المؤمنين.. وإن جاء بالسيئات التي لا تغفر! ونذكر عائشة بكل خير وإن قتلت أبناءها وأحدثت الفتن! ولكن الأولى بإخواننا أن يتفقوا معنا) (1) .. - أي على سب الصحابة -. وقد كشف الأستاذ محمود الملاح ألاعيب الخالصي في دعوته للوحدة (2) ، كما أن لعلامة الشام محمد بهجت البيطار مراسلات مع الخالصي في مسألة الصحابة انتهت بيأسه من استجابة الرجل (3) . وبعد ما تبين لنا حقيقة الوحدة التي يدعو إليها الخالصي نتركه ونأخذ نموذجاً آخر. (ب) فهذا أحد آيات الشيعة وهو "عبد الحسين شرف الدين الموسوي" (4) . ينادي بفكرة التقارب والتآلف بين المسلمين،   (1) الخالصي: «الإسلام سبيل السعادة والسلام» : ص 90. (2) انظر: محمود الملاح: «الوحدة الإسلامية بين الأخذ والرد» . (3) انظر: البيطار: «الإسلام والصحابة الكرام بين السنّة والشيعة» . (4) عبد الحسين بن يوسف بن جواد بن إسماعيل بن محمد بن إبراهيم الملقب بشرف = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 ويتحمس لها. ولكنه بينما هو يسعى بحماس للتقريب بين السنّة والشيعة إذ هو يصدر الكتب المليئة بالطعن في حق خيار الصحابة الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، والذين هم موضع حب أهل السنّة، فهل هذا صنيع من يريد التقارب بصدق؟ وللدكتور مصطفى السباعي قصة مع عبد الحسين هذا ذكرها في كتابه «السنّة ومكانتها في التشريع» وأشرنا إليها فيما مضى. تبين للسباعي أن عبد الحسين من دعاة التقريب بلسانه ودعاة الفرقة بقلمه وعمله. وإذا رجعنا إلى ما كتبه عبد الحسين في مسألة التقريب نجد أن من أهم كتبه في هذه القضية كتابين: الأول : «الفصول المهمة في تأليف الأمة» . الثاني: «المراجعات» . وسنتوقف عند كل واحد منهما لنرى مفهوم الرجل للتقريب وهدفه من خلال دعوة التقريب. 1- «الفصول المهمة» : وهو في هذا الكتاب يدعو إلى تأليف الأمة، ولكن على أي أساس؟. إنه يريد من أهل السنّة أن يؤمنوا بأن الصحابة يدينون بمبدأ   = الدين، من كبار شيوخ الشيعة، ولد في الكاظمية سنة 1290 وتوفي في بيروت سنة 1377هـ. من كتبه: «أبو هريرة» ، «المراجعات» . أغابزرك الطهراني: «طبقات أعلام الشيعة» : (3/1080) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 فصل الدين عن الدولة، فهم - كما يدّعى - إنما كانوا يتعبدون بالنصوص إذا كانت متمحضة للدين مختصة بالشؤون الأخروية.. أما ما كان متعلقاً بالسياسة فإنهم لم يكونوا يرون التعبد بها.. ولذلك عدل هؤلاء - يعني جمهور الصحابة - في الخلافة عن وليها المنصوص عليه من نبيها (1) . وهو يزعم أنه بهذا الأسلوب يؤلف بين الأمة، ثم يقوم بعد هذا بتأليف كتاب مستقل في هذا "الافتراء" يسميه «النص والاجتهاد» (طبع في النجف سنة 1375هـ) . وهو في كتابه «الفصول المهمة» يعقد عدة فصول يضمنها أحاديث (من طريق السنّة) تفيد الحكم بإيمان الموحدين (2) ، ثم يورد من طريق الشيعة ثلاثة أحاديث لم يتم واحداً منها (3) تفيد هذا الحكم، ثم يفضح نفسه وحقيقة مذهبه في الفصل الخامس ـ بعد تدرج بالقارئ وخداع له طيلة الفصول التي قبله ـ فيقول: بأن تلك الأخبار بإيمان مطلق الموحدين مخصوصة عندهم بالإيمان بالولاية للاثني عشر، لأنهم في زعمه باب حطة لا يغفر إلا لمن دخلها. والإيمان بهم من أصول الدين (4) ، وقد أجمع المسلمون على معذرة من تأول في غير أصول الدين (5) .   (1) «الفصول المهمة» : ص 96. (2) المصدر السابق: (ص 16- 22) . (3) السابق: (ص 23- 24) . (4) السابق: ص 32. (5) «الفصول المهمة» : ص 45. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 فمفهوم التأليف عند عبد الحسين أن يؤمن المسلمون بأئمته الاثني عشر وأن يدينوا بالطعن في الصحابة والقدح فيهم. أي باختصار أن يؤمن المسلمون بمذهب الشيعة الرافضة. 2- أما كتاب «المراجعات» : فقد استحوذ على اهتمام دعاة التشيع وجعلوه من أكبر وسائلهم التي يخدعون بها الناس. أو بعبارة أدق يخدعون به أتباعهم وشيعتهم، لأن أهل السنّة لا يعلمون عن هذا الكتاب شيئاً ولا غيره من عشرات الكتب التي تخرجها مطابع الروافض.. اللهم إلا من له عناية واهتمام خاص بمذهب الشيعة، وقد طبع هذا الكتاب أكثر من مائة مرة - كما زعم ذلك بعض الروافض - (1) والكتاب في زعم مؤلفه "واقعة" من وقائع التقارب بين أهل السنّة والشيعة، وهو عبارة عن مراسلات بين شيخ الأزهر «سليم البشري» (2) ، وبين عبد الحسين هذا انتهت بإقرار شيخ الأزهر بصحة مذهب الروافض، وبطلان مذهب أهل السنة. والكتاب لا شك موضوع ومكذوب على شيخ الأزهر وبراهين الكذب والوضع له كثيرة نعرض لبعض منها. وقبل ذلك نشير إلى أن الروافض من دأبهم وضع بعض المؤلفات ونسبتها لبعض مشاهير أهل السنّة، كما وضعوا كتاب «سر العالمين» ونسبوه إلى حجة الإسلام «محمد الغزالي» - كما سلف - (3) ، كما أن أول كتاب   (1) أحمد مغنية: «الخميني أقواله وأفعاله» : ص 45. (2) سليم بن أبي فراج البشري، تولى مشيخة الأزهر مرتين وتوفي بالقاهرة 1335هـ. «الأعلام» : (3/180) . (3) انظر: ص 68 من هذه الرسالة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 ألفه الروافض وهو المسمى عندهم "أبجد" الشيعة كتاب «سليم بن قيس» قد تبين أنه موضوع بإقرار بعض أساطين الرفض، ولكنهم يقولون: إنه موضوع لغرض صحيح (1) . فكأنهم يستجيزون لأنفسهم "هذا الوضع" ما دام لهم هدف صحيح عندهم، وهذا "الباب" عند الروافض يستحق دراسة مستقلة لخطورته من جانب، ولأهميته في كشف حقيقة مذهبهم من جانب آخر. وما دام القوم كذبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته وأهل بيته، فهل يستكثر منهم بعد ذلك أن يكذبوا على الآخرين؟! أما مظاهر وأمارات الكذب والوضع في هذا الكتاب فمنها: أولاً: الكتاب عبارة عن مراسلات خطية بين شيخ الأزهر سليم البشري وبين هذا الرافضي ومع ذلك جاء نشر الكتاب من جهة الرافضي، وحده، ولم يصدر عن البشري أي شيء يثبت ذلك. وجاء نشر الرافضي للكتاب خالياً من أي توثيق، فلم يرد فيه ما يثبت صحة نسبة تلك الرسائل إلى سليم البشري بأي وسيلة من وسائل التوثيق، كأن يثبت صوراً لبعض الرسائل الخطية المتبادلة والتي بلغت 112 رسالة نصيب البشري منها 56 رسالة، فهل كلها ذهبت؟!! وهذا ما يطعن في صحة نسبة تلك الرسائل إلى الشيخ سليم أصلاً. ثانياً: أن هذا الكتاب لم ينشره "واضعه" إلا بعد عشرين سنة   (1) انظر: ص 213 من هذه الرسالة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 من وفاة البشري، فالبشري توفي سنة 1335هـ (1) ، وأول طبعة لكتاب المراجعات هي سنة 1355هـ في صيدا (2) . ثالثاً: أن أسلوب هذه الرسائل واحد هو أسلوب الرافضي، ولا تحمل رسالة واحدة أسلوب البشري وهذا ما يفضح الرافضي ويثبت كذبه بلا ريب وقد اضطر الرافضي إلى أن يفضح نفسه في مقدمته؛ لأنه لا سبيل له لأن يصنع رسائل تحاكي أسلوب البشري فأقر بأنه وضع هذه الرسائل بأسلوبه الخاص فقال: (وأنا لا أدعي أن هذه الصحف تقتصر على النصوص التي تألفت يومئذ بيننا، ولا أن شيئاً من ألفاظ هذه المراجعات خطه غير قلمي) (3) ، وأضاف لذلك فضيحة أخرى بقوله: أنه زاد في هذه الرسائل ما يقتضيه المقام والنصح والإرشاد!! (4) . رابعاً: أما نصوص الكتاب فتحمل في طياتها الكثير والكثير من أمارات الوضع والكذب فمن ذلك ما يلي: أن شيخ الأزهر سليم البشري - وهو في ذلك الوقت شيخ الأزهر في العلم والمكانة لا في المنصب والوظيفة - يسلم لهذا الرافضي ذلك التفسير الباطني لكتاب الله (- والذي أسلفنا عرضه في مبحث آراء دعاة التقريب في تأويل القرآن (5) - وهو تأويل ينكره   (1) سبقت ترجمته ص 213. (2) انظر: مقدمة «المراجعات» ، أغابزرك الطهراني: «طبقات أعلام الشيعة» : (3/1086) . (3) انظر: مقدمة «المراجعات» : ص 27 الطبعة السابعة. (4) انظر: مقدمة «المراجعات» : ص 27 الطبعة السابعة. (5) سبق ص 47 وما بعدها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 صغار طلبة العلم فضلاً عن شيوخ الأزهر، ولكن هذا الرافضي يروي أن شيخ الأزهر قال عن رسالته التي حملت تلك التأويلات الباطنية: (..أما مرسومك الأخير فقد جئت فيه بالآيات المحكمات والبينات القيمة، فالراد عليك سيء اللجاج، صلف الحجاج يماري في الباطل) (1) . ثم إن هذا الرافضي ينقل إقرار شيخ الأزهر بصحة وتواتر أحاديث هي عند أهل الحديث ضعيفة أو موضوعة، ولا يجهل ضعفها أو وضعها صغار المتعلمين فضلاً عن شيخ الأزهر، وفي ذلك الوقت بالذات الذي لا يصل إلى منصب المشيخة إلا من ارتوى من معين العلم وتضلع في علوم الإسلام. وليس ذلك فحسب، بل إن هذا الرافضي صور شيخ الأزهر بصورة العاجز حتى عن معرفة أحاديث في كتب أهل السنة لا في كتب الشيعة، فنجد شيخ الأزهر - كما يزعم الرافضي - يرسل رسالة يقول فيها: (تكرر منك ذكر الغدير فاتل حديثه من طريق أهل السنة نتدبره) (2) ، وفي رسالة أخرى يقول البشري - كما يزعم هذا الرافضي -: (حدثنا بحديث الوراثة من طريق أهل السنة والسلام) !! فهل شيخ الأزهر يجهل ذلك؟، وهل يعجز شيخ الأزهر عن البحث ولديه المكتبات؟، وهل يضطر إلى تكليف هذا الرافضي ولديه علماء الأزهر وطلابه؟ ومتى كان الرافضي أميناً في نقل الحديث عند محدثي السنة!!!   (1) «المراجعات» : ص 74. (2) «المراجعات» : ص 204. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 هذا والمجال لا يتسع لمزيد من التفصيل.. والحقيقة المفجعة أن هذا الافتراء يطبع عشرات المرات باسم التقريب، ولا أحد من أهل السنة ينتبه ويهتم بهذا الأمر الخطير، وكأن ثقتهم بما عندهم من حق جعلتهم يهملون الرد على مكائد أهل البدع وضلالهم. ومن أهل السنة من يرى في الرد تفرقة وطائفية في حين أن الشيعة ينشطون في صنع أمثال هذه المؤامرات لنشر الرفض في ديار أهل السنة. وبعد: فمفهوم التقريب عند هذا الموسوي هو أخذ المسلمين بعقيدة الروافض، وهو في سبيل ذلك يضع وقائع وهمية وحوادث لا حقيقة لها ويزعم أنها وقائع تقارب بين السنة والشيعة لتصفية الخلاف، ولكن لم يكن لهذه المؤامرات من أثر إلا عند طائفته.. وأنموذج الموسوي والخالصي - الذي عرضنا له - أنموذج مكرر بين دعاة التقارب من الشيعة، فالاختلاف هو في الأشخاص فقط وجوهر دعوة التقريب واحدة هي التبشير بالرفض ونشره بين أهل السنة، فلا داعي لذكر مزيد من دعاة التقارب من الروافض ومحاولاتهم. (ج) وكاد القلم أن يتوقف عند هذا الحد، لكنا وقفنا على محاولة فذة ومثال حي نادر لتصفية الخلاف وإزالة الشقاق بتمحيص الحق من الباطل، وكشف أسس الخلاف التي ليست من الدين الإلهي في شيء، وإنما هي من صنع أعداء الإسلام بالعقل والحجة والبرهان، وميزة هذه المحاولة: أنها جاءت من رجل شيعي الأصل نشأ في بيت شيعي وعاش بين الشيعة، ووصل إلى منصب رئيس محكمة عندهم، ثم إنها تجربة عاقلة وصادقة لم يسبق لها مثيل فيما أعلم؛ فهي محاولة فريدة ونادرة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 وصاحبها قد قتل في سبيلها وروى بدمه أصولها وعناصرها، وهي محاولة تضمنت حقائق هامة كشفها رجل منهم وبهم، وهي تجربة تثبت أن عقلاء الروافض إذا حكموا عقولهم ورجعوا إلى فطرهم فإنهم ولا بد سينكرون ما هم عليه من الضلال، وهم بين أمرين: إما أن يخرجوا من هذا الضلال إلى الإسلام الصحيح، وإما أن ينخدعوا بما قاله علماء الشيعة، وبما ردده بعض المنتسبين للسنة من أنه لا خلاف بين السنة والشيعة، فلا يجدون ملجأ يلجؤون إليه سوى الإلحاد. والماركسية الملحدة قد وجدت سوقاً رائجة لها في إيران (1) . أما رائد هذه المحاولة فهو الأستاذ "أَحمد الكسروي" الذي قال عنه الأُستاذ محمود الملاح: (لم يظهر في عالم الشيعة (2) أَحد في عياره منذ ظهر اسم شيعي (3) على وجه الأَرض) (4) . وسنتوقف للتعريف به وبمحاولته لأَهمية ذلك. أَحمد الكسروي: هو أَحمد مير قاسم بن مير أَحمد الكسروي، ولد في تبريز عاصمة أَذربيخان أَحد أَقاليم إِيران وتلقى تعليمه في إِيران، وعمل أُستاذاً في جامعة طهران، كما تولى عدة مناصب قضائية، وقد تولى مرات   (1) كما أن التمثيل الكاذب للحكومة الإسلامية اليوم من شيوخ إيران قد يزيد في إقبال الروافض على الاتجاه الإلحادي. (2) ، (3) يعني بالشيعة والشيعي: الرافضة والروافض، لا مطلق شيعي، وإِلا فلا يصح هذا الإِطلاق. (3) (4) محمود الملاح: «مجموع السنّة» : (2/278) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 رئاسة بعض المحاكم في المدن الإِيرانية، وقد أَصبح أَحد أَربعة كبار مفتشي وزارة العدل ثم تولى منصب المدعي العام في طهران. وكان محرراً في جريدة "برجم" الإِيرانية وكان عارفاً باللغة العربية، والتركية والإنجليزية، والأَرمنية والفارسية، والفارسية القديمة "البهلوية" وله كتب كثيرة جداً، ومقالات منتشرة في الصحف الإِيرانية. وقد كانت مقالاته التي يهاجم فيها أُصول المذهب الشيعي، وقد جذبت نظر بعض المثقفين إِليه والجمعيات العاملة في البلاد، وأَقبل عليه فئات من الناس من كل أُمة ونحلة، ولا سيما الشباب من خريجي المدارس فأَحاط به آلاف منهم وقاموا بنصرته وبث آرائه ونشر كتبه. ووصلت آراؤه بعض الأَقطار العربية وهي الكويت، وقد طلب بعض الكويتيين من الكسروي تأليف كتب بالعربية ليفيدوا منها فكتب كتابه «التشيع والشيعة» ، والذي أَوضح فيه بطلان أُصول المذهب الشيعي، وأَن خلاف الشيعة مع المسلمين إِنما سنده التعصب واللجاج لا الحجة والبرهان، وما إِن أَتَم كتابه هذا حتى ضرب بالرصاص من قبل مجموعة من الروافض، أُدخل على أَثرها المستشفى وأُجريت له عملية جراحية وتم شفاؤه. ثم أَخذ خصومه من الروافض يتهمونه بمخالفة الإِسلام ورفعوا شكوى ضده إِلى وزارة العدل ودعي للتحقيق معه، وفي آخر جلسة للتحقيق معه في نهاية سنة 1324هـ ضرب بالرصاص مرة أخرى وبخنجر ومات إِثر ذلك، وكان في جسمه تسعة وعشرون جرحاً، وقد عاش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 سبعاً وخمسين سنة وترك أفكاره وكتبه ومقالاته الكثيرة حيّة مع الأحياء. وأفكاره الأساسية نشرها سنة 1311هـ في كتاب بالفارسية سماه «آبين» - أي دستور أو دين - وأفكاره عن المذاهب نشرها في كتبه: «صوفيكري» و «بهائيكري» و «شيعيكري» وغيرها (1) . محاولة الكسروي : من كتاب «التشيع والشيعة» الذي كتبه أحمد الكسروي لنشر "فكرته" بين العرب يتبين رأيه في أسباب الخلاف وأسلوب إزالتها، ورأيه في أصول الشيعة التي شذت بها عن جمهور المسلمين، وهذه الآراء هي التي دفع الكسروي حياته ثمناً من أجلها، والكتاب اليوم يندر وجوده، ولعل السبب في ذلك محاربة "الروافض" له. وفيما يلي عرض لفكرته حول التقريب. تقوم فكرة الكسروي في سبيل محو الخلاف على فلسفة يجعلها هي الأساس لدراسة خلاف الشيعة مع المسلمين، ويؤكد عليها في دراسته لمسألة "التشيع والشيعة" وهي قوله: (يظن كثيرون أن الناس قد جبلوا على اختلاف العقائد ولا يمكن حسم الاختلاف من بينهم، ولكن هذا من الظنون الباطلة. فمما لا ريب فيه أن الحقائق أوضح وأجلى من أن لا يدركها أحد، فإن ترك الناس التعصب واللجاج واجتمعوا على طلب الحق واتبعوا الدلائل لم يكن   (1) انظر: يحيى ذكاء: في مقدمته لمقالات الكسروي - بالفارسية - واسم الكتاب: «كاروند كسروي» - أي مقالات الكسروي - طهران 1352هـ. وانظر: مقدمة كتاب «التشيع والشيعة» : إدارة جريدة برجم: ص 2- 5. وانظر: محمود الملاح: «المجيز على الوجيز» ضمن كتاب «مجموع السنّة» : ص 278. وانظر: «معجم المؤلفين» : (2/53) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 بينهم اختلاف في الحق أبداً..) (1) . فهو يرى أن سبيل إزالة الخلاف هو بيان الحق من الباطل بالدلائل، فالحق لا يخفى. ومن هذا المنطلق يقوم المؤلف بدراسة التشيع والشيعة ليبين هل خلافها للمسلمين في العقيدة قائم على دليل وحجة أو هو من قبيل التعصب واللجاج - كما يعبر -؟. ثم قام بدراسة مذهب الشيعة، في نشأته، وأصوله وكتبه، وأئمته ورجاله. دراسة جمعت بين التحليل العقلي والبرهان التاريخي، والعرض العلمي، وانتهى بعد عرض مقنع إلى أن مذهب الروافض قد جاء بمجازفات وأمور منكرة كثيرة، وأنهم قد انفصلوا عن جماعة المسلمين بعقائدهم وأحكامهم. وإليك عرضاً سريعاً لآرائه في بطلان مذهب التشيع: يرى أن الروافض انحرفوا بالتشيع إلى (الغلو في حب علي ومعاداة أبي بكر وعمر وعثمان بدعوى أن علياً كان أحق بالخلافة منهم فظلموه حيث سبقوه، وكان هذا الإفراط يشتد بمرور الزمن، وكان التشيع يتطور من جهاد سياسي إلى عقائد مفرطة) (2) . ويشرح هذا التطور العقدي عن الشيعة وينشر صورة لـ "سورة" ادعت الشيعة أنها من القرآن فأخرجها عثمان، وهي سورة الولاية التي نشر صورتها محب الدين الخطيب في كتابه «الخطوط   (1) كلمات مكتوبة بالحرف الكبير على غلاف الكتاب. (2) «التشيع والشيعة» : ص 17. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 العريضة» ، ولكن الكسروي أسبق من محب الدين في ذلك. ويتحدث عن غلو الشيعة في أئمتها ثم يقول: (وأتى هذا التطور بنتائج عظيمة منها: أن الشيعة - أي هذه الفئة الجعفرية - انفصلت عن جماعة المسلمين وصارت لها عقائد وأحكام على حدتها، وتأصلت العداوة بين الفريقين) (1) . ثم يذكر أن شذوذهم هذا دفعهم إلى (وضع أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتأويل آيات من القرآن وتحريف أخبار الوقائع) (2) ويذكر ما استدلوا به في دعاويهم ويردها. ثم بين بالشواهد أن العلويين (3) براء من هذه البدع والآراء (4) . وبعد ذلك يتحدث عن دعوى الشيعة غيبة إمامها الثاني عشر ويبين بالأدلة أن تلك خرافة ويقول: (وكفى دليلاً على ضلال قوم انقيادهم لدعوى كهذه، وحق القول أن التعصب كان قد أعمى قلوب الشيعة..) (5) . ثم يذكر كتبهم المعتمدة والموضوعات التي تهتم بها، وبعد هذا يعقد باباً كاملاً يضمنه ثلاثة فصول: الفصل الأول: بطلان مذهب التشيع من أساسه. الفصل الثاني: فيما اشتمل عليه من الدعاوى الكاذبة. الفصل الثالث: فيما ينتج عنه من الأعمال القبيحة. ويذكر في الفصل الأول: أن من أُسس مذهب التشيع   (1) المصدر السابق: ص 21. (2) السابق: ص 25. (3) إلا أنه يطعن في جعفر الصادق ولا نوافقه على ذلك. (4) «التشيع والشيعة» : (ص 26- 29) . (5) السابق: (ص 31- 47) وانظر: ص 71. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 "الإمامة"، ويقول: (أن الإمامة بالمعنى الذي ادعوه دعوى لا يصحبها دليل، فلسائل أن يسال لِمَ لَمْ يُذكر أمر عظيم كهذا في القرآن وهو كتاب الإسلام؟) (1) . ثم يذكر أهم ما يتعلقون به من أدلة حول النص على إمامة علي، ويبطلها ويقول: (ومما يوضح بطلان دلالتهم هذه ويؤكدها ما كان بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - من اجتماع المهاجرين والأنصار ـ وهم زعماء الإسلام ـ ومبايعتهم لأبي بكر، فلو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على عليٍّ بالولاية لما كان أصحابه ليخالفوه ويقدموا أبا بكر على علي، وأما ما قالوا من ارتداد المسلمين بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ثلاثة أو أربعة منهم فاجتراء منهم على الكذب والبهتان. فلقائل أن يقول: كيف ارتدوا وهم كانوا أصحاب النبي آمنوا به حين كذبه الآخرون ودافعوا عنه واحتملوا الأذى في سبيله ثم ناصروه في حروبه ولم يرغبوا عنه بأنفسهم؟ ثم أي نفع لهم في خلافة أبي بكر ليرتدوا عن دينهم لأجله؟ فأي الأمرين أسهل احتمالاً: أكذب رجل أو رجلين من ذوي الأغراض الفاسدة أو ارتداد بضع مئات من خلّص المسلمين؟ فأجيبونا إن كان لكم جواب) (2) . ثم يذكر شيئاً من أكاذيبهم حول الصراع المزعوم بين علي، وأبي بكر وعمر - رضي الله عنهم -، ويكشف كذبها ويقول: (فترون أن أدلتهم واهية فأرادوا تأكيدها بهذه الأكاذيب) (3) .   (1) السابق: ص 61. (2) المرجع السابق: ص 66. (3) المرجع السابق: ص 68. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 وفي الفصل الثاني: يتحدث عما اشتمل عليه التشيع من الدعاوى الكاذبة مثل: دعوى تفويض الأمور للأئمة (1) ، وأنهم يعلمون الغيب (2) ، وادعاء المعجزات لهم (3) ، ودعوى أن الشيعة من طينة خاصة (4) . ويناقش ذلك فيقول مثلاً: (ومن الأحاديث المعروفة عند الشيعة "حب علي حسنة لا يضر معها سيئة" وأنتم ترون أنها تخالف القرآن حيث يقول: (ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره (مخالفة صريحة. ثم أليس هذا نسخاً للدين؟! إن كان حب علي لا تضر معه سيئة فأي حاجة إذاً لشرع الأحكام؟! (5) . وفي الفصل الثالث: يذكر ما نتج عن التشيع من الأعمال القبيحة ويقول: (مما يوجب الأسف أن التشيع فضلاً عن إضلاله الناس وسوقهم إلى عقائد باطلة ما أنزل الله بها من سلطان؛ قد بعثهم على أعمال منكرة كثيرة، أعمال تخالف الدين والعقل، والتهذيب وتوجب مضاراً من كل نوع، وها أنا ذا أذكر في هذا الفصل بعض تلك الأعمال بالاختصار: فمنها الطعن في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والقدح فيهم) (6) ، ويقول (ولهذه القبيحة تاريخ مؤلم طويل، فإنه مما أصل العداوة بين الفريقين وأنتج حروباً كثيرة أهلكت النفوس وخربت   (1) المرجع السابق: ص 75. (2) المرجع السابق: ص 77. (3) المرجع السابق: ص 81. (4) المرجع السابق: ص 82. (5) المرجع السابق: ص 83. (6) المرجع السابق: ص 84. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 الديار.. وأنه لو أراد أحد أن يبحث عن الأضرار الناجمة عن هذه البدعة المشؤومة لاحتاج إلى تأليف كتاب كبير) (1) . ومنها التقية، ويتحدث عنها وأضرارها. ويقول: (إنها من نوع الكذب والنفاق، وهل يحتاج الكذب والنفاق إلى البحث عن قبحهما؟) (2) . ومنها - يعني من قبائح الشيعة - إقامة المآتم للحسين وما يجري فيها من ضرب الجسد بالسلاسل وجرح الرأس بالسيف وصنع الجنائز، وإقفال البدن وغير ذلك (3) . ونشر صوراً لهذه الأعمال، وذكر أن شيوخ الشيعة يروون في فضلها أحاديث كثيرة، وقال: والحقيقة أنها بدعة في الإسلام وما يروون من الأحاديث افتراء على الله، وأن هذه الروايات تجرئ الناس على المعاصي وتصرفهم عن التقيد بالحلال والحرام والاهتمام بأمر الدين (4) . ومما ذكره من القبائح "عبادة القبب" وقال: (وآخر من منكراتهم ما هو رايج فيهم من عبادة القبب؛ فقد شادوا على قبر كل واحد من أئمتهم قبة من الذهب أو الفضة، وبنوا مباني ونصبوا خداماً، فيقصدها الزائرون من كل فج عميق، فيقفون أمام الباب متواضعين ويستأذنون متضرعين، ثم يدخلون فيقبلون القبر ويطوفون حوله ويبكون ويبتهلون ويسألون حاجات لهم، فهل هذه إلا العبادة؟!) وقال: (نعم أنهم يدافعون ويجيبون قائلين: "إننا لا نعتقد الأئمة آلهة،   (1) المرجع السابق: ص 85. (2) المرجع السابق: ص 87. (3) المرجع السابق: ص 87. (4) المرجع السابق: ص 89. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 ولا نزورهم لنعبدهم، بل نعتقدهم عباداً مقربين عند الله ونزورهم لكي نستشفعهم في حاجاتنا"، ولكن حجتهم داحضة، فإن الله لا حاجة إلى الاستشفاع عنده وليس الله تبارك وتعالى كأحد من ملوك الأرض حتى يستشفع أحد عنده، ثم إن هذا الجواب عين جواب المشركين (1) في قولهم كما حكى الله عنهم: (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ) (2) . وهكذا يوضح الكسروي بطلان مذهب الشيعة، وأن شذوذه عن جماعة المسلمين ليس على أساس من الحق. هذا الذي دعانا لتفصيل آرائه لأنه لم يكتب عن ذلك شيء في العربية فيما أعلم، كذلك ندرة الكتاب وكونه قد صدر عن رافضي - في الأصل - عاش بين الروافض وترك الرفض ونقضه بهذا الكتاب وغيره، كما أن الكتاب تطبيق عملي لمفهوم من مفاهيم التقريب بإزالة الخلاف على ضوء الحق والبرهان، كل ذلك دعانا لهذا العرض التفصيلي (3) . تقويم للمحاولات الفردية : (1) يلاحظ أن محاولات التقريب التي قامت من طرف السنة تقابل بتعنت شيوخ الشيعة وتعصبهم، وأن الروافض ما برحوا يهيجون الفتن، ويبذرون الفرقة بممارساتهم العدوانية في نشراتهم وفي كتبهم ضد صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،   (1) المرجع السابق: ص 89. (2) يونس: آية 18. (3) انظر: صور من الكتاب في ملحق الوثائق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 ولهذا لاحظنا أن رشيد رضا قد اضطر لأن يسلك في آخر الأمر الرد على عدوان الروافض وكشف باطلهم، ورأينا الشيخ مصطفى السباعي، وقد بدأ في محاولته للتقريب، يفاجأ بأن دعاة التقريب من الشيعة ينسفون قواعد التقريب ويعرقلون جهود دعاته.. وينحرفون به إلى غير وجهته الصحيحة. (2) أن الروافض يرون طريق التقريب أن يوافقهم أهل السنّة في اعتقادهم في الصحابة، كما صرح بذلك شيخهم الخالصي، وغير الخالصي، كعبد الحسين الموسوي، وأكد رافضي آخر ذلك بقوله: (لا يمكن التفاهم والاتفاق على شيء قبل أن نضع رجال الصدر الأول في ميزان الحساب، لأنهم خلفوا أموراً خلافية كثيرة لا يمكن التغاضي عنها) (1) . حقاً إن الصدر الأول خلف لنا بنقله الأمين الصادق كتاب الله وسنّة نبيه، وهما شجى في حلوق الروافض. (3) أن دعاة التقريب من أهل السنّة قدموا كل ما في وسعهم للتقريب، وفتحوا قلوبهم، وديارهم، والتزموا تجنب كل ما يعرقل حركة التقريب، ولكن الشيعة ماضون في كيدهم وعدوانهم. ... ذلك أنهم كما - سبق - لا يرون أهل السنّة على الإسلام، ويحكمون بكفرهم لمخالفتهم لجهلة الروافض في دعوى إمامة الاثني عشر، وإنما دعوة التقريب اتخذوها «مظلة»   (1) مرتضي الرضوي: «مع رجال الفكرة في القاهرة» : ص 51. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 يتسترون بظلها لنقل عقائدهم لديار السنّة، وإيقاف أقلام أهل السنّة عن كشف باطلهم. لذا لم نر لفكرة التقريب أثراً عندهم. (4) أعلن رشيد رضا "قاعدته" التي يصفها بالذهبية وهي قوله: (نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه) فهل رشيد يرضى بالاتفاق مع كل مخالف حتى ولو كان خلافه في أصل من أصول الإيمان، أو شرطاً من شروط الإسلام، أو أمراً معلوماً من الدين بالضرورة؟، وماذا يقول في عقائد الشيعة في كتاب الله وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والإجماع، والصحابة.. إلخ؟. وإن رضي رشيد فالروافض لا يرضون، ولا يعذرون "المخالف" في مسألة الإمامة عندهم إلا تقية، لذا لم تجد قاعدة رشيد معهم شيئاً. (5) وقع السباعي - رحمه الله - في الخطأ الذي يقع فيه الكثيرون؛ وهو الدراسة الفقهية المقارنة بين السنّة والشيعة، من أجل تحقيق التقريب، مع الاختلاف بيننا وبينهم في أصول الأدلة فعلى أي أصل يعالج الخلاف؟!! (6) إن كل محاولة لمعالجة شذوذ الروافض أو كشفه يعتبره الروافض ضد التقريب، ولذا كان جوابهم لموسى جار الله هو تأكيد شذوذهم، وللكسروي هو قتله، ولن تجدي المحاولات ما لم يتخلَّ شيوخ الشيعة عن عقائدهم وتعصبهم وتنزع عوامل الفرقة والشذوذ من كتبهم وواقعهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 (ج) الخميني (1) ودولته وفكرة التقريب: بعد قيام الثورة الإيرانية بقيادة الخميني، استبشر بقيامها كثير من شباب أهل السنّة في مختلف بقاع الأرض، وعلقوا عليها آمالاً، وفرضت فكرة التقريب نفسها، فقد هب الكثير من المنتسبين لأهل السنّة لتأييد الخميني في ثورته، ووصفت الحركة الشيعية بقيادة الخميني بأنها حركة إسلامية قد بعدت عن ذلك "الغلو" الشيعي المعهود، ونأت عن الطائفية الضيقة، فهي ترفع شعار "الإسلام"، وتعلن "الجمهورية الإسلامية" وتنص في دستورها على تحكيم الكتاب والسنّة!! وعادت وتكررت تلك "الكلمة" المعهودة بأنه ليس بيننا وبين الشيعة خلاف إلا في بعض الفروع. ولهجت الصحف الإسلامية كـ "الرائد" (2) ، و"الدعوة" (3) ،   (1) يدعى: روح الله ابن مصطفى الموسوي الخميني نسبة إلى بلدته "خمين" التي ولد فيها بتاريخ 20 جمادى الثانية 1320هـ، وقد نشأ يتيماً حيث اغتيل أبوه في 20 ذي الحجة 1320هـ، وقد تلقى تعليمه على شيوخ الشيعة في قم وغيرها، ونفي إلى العراق في عام 1965م فأقام في النجف، وقد قتل في أثناء إقامته في العراق ولده الأكبر في 9/11/1397هـ وهو مصطفى الخميني ويلقبونه بآية الله. وللخميني مؤلفات منها: «تحرير الوسيلة» ، مجلدان، و «الحكومة الإسلامية» وغيرهما. انظر: صاحب حسين الصادق: «الثورة والقائد» : (ص 20- 25) . (2) «الرائد» الألمانية، انظر: العدد 34 ذي الحجة 1398هـ (ص 25- 29) . (3) «الدعوة» المصرية، انظر: العدد 30 في 1/12/1398هـ ص 8. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 و"المعرفة" (1) ، و"الرسالة" (2) ، و"الأمان" (3) ، و"البلاغ" (4) ، و"الاعتصام" (5) بالثناء والتأييد للخميني ودولته وعلى الشيعة عموماً، وصدرت كتب بأقلام بعض المنتسبين للسنّة تتحدث عن ثورة الخميني الإسلامية (6) . وقرن اسم الخميني مع أعلام الإسلام كشيخ الإسلام ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ووصف بأنه من رواد الإسلام وعم التفاؤل الكثيرين، حتى قيل: إن شيعة اليوم غير شيعة الأمس، إنهم تخلوا عن تطرفهم بتغير الزمن وتطور العصر وتصاعد الخطر المحدق بالأمة الإسلامية. وقيل الكثير في هذا الباب. واستغل "الروافض" هذا الجو بالدعاية لمذهبهم، بل نادوا بتصدير مذهبهم بالقوة للعالم الإسلامي، وحرضوا الشعوب على الحكومات القائمة. وكان من الضروري أن نتعرف على صحة وصدق هذه الادعاءات بدراسة فكر الخميني وعقيدته من خلال ما وصلنا من كتبه،   (1) «المعرفة التونسية، انظر: العدد 9 السنة 5 ذي الحجة 1399 هـ وفي هذا العدد رشحت المعرفة الخميني لنيل جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام ص 9. (2) «الرسالة اللبنانية، انظر: العدد 29 جمادى الثانية 1399 هـ. (3) «الأمان» اللبنانية، انظر: العدد 31، 9 شوال 1399 هـ. (4) «البلاغ» الكويتية، انظر: العدد 512، ذي القعدة 1399 هـ. (5) «الاعتصام» المصرية، انظر: العدد 5 السنة 42 ربيع أول 1399هـ. (6) مثل كتاب الخميني: «الحل الإسلامي والبديل» : فتحي عبد العزيز. نشرته دار المختار الإسلامي، و «مع ثورة إيران» وهو البحث الثالث من البحوث التي يصدرها المركز الإسلامي في آخن، د. محمد عنبر: «نحو ثورة إسلامية» ، وغيرها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 وسنبين اعتقاد الخميني وفكره وهل يعتبر من الغلاة أو المعتدلين؟، كما إننا سنبين "حكم" شيعة الخميني السابقين عليه، وفي أي مكان يضعون هذا الخميني بحسب مقاييسهم الخاصة بهم في الغلو والاعتدال، ثم نبين مدى إيمان الخميني بما سبق ذكره من عقائد الروافض وذلك من خلال كتب الخميني نفسها، وهل هو سائر على نهجها أم منكر لها أو لبعضها؟. والذي يدعونا لذلك: أولاً: أن هذا الخميني على الرغم من اختفاء بريق ثورته، إلا أنه ما زال يوجد كثيراً ممن هو معجب بهذه الثورة كَلِفٌ بها، من المنتسبين للسنّة ولا سيما في أوربا. ثانياً: أن الكثير يعتقد أن ثورة الخميني هي المثال الصادق للحكومة الإسلامية، والخطورة في ذلك تكمن في أن ما يصدر من هذه الحكومة من مساوئ تلصق بالإسلام. وهذا باب من أبواب الإلحاد والصد عن دين الله. ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن من أسباب ظهور الملاحدة في الإسلام أنهم ظنوا أن دين الإسلام ليس إلا ما يقوله أولئك المبتدعون، ورأوا ذلك فاسداً في العقل، فكانوا طاعنين في دين الإسلام بالكلية باليد واللسان كالخرمية أتباع بابك الخرمي، وقرامطة البحرين أتباع أبي سعيد الجنابي وغيرهم (1) . ثالثاً: أن ما كتب في هذه الفترة من ثناء ومدح للخميني وشيعته بالصحف والمجلات والكتب، سيحمله التاريخ إلى الأجيال المقبلة. وفي هذا خداع لتلك الأجيال، وسيزيد في الخداع والتغرير السكوت عن بيان الحقيقة لأنه يعني الرضا والموافقة.   (1) «منهاج السنّة» : (1/114) الطبعة الأميرية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 قال بعضهم لأحمد بن حنبل: إنه يثقل علي أن أقول فلان كذا وفلان كذا. فقال: إذا سكتَّ أنت وسكتُّ أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم؟ (1) ، قال ابن تيمية: ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفات للكتاب والسنّة.. فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل. فبيّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته، ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا وجود من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء (2) . هذا وسندرس "مسألة الخميني" في ثلاث نقاط: 1- هوية الخميني المذهبية. 2- عقائده. 3- تقويم دولته من خلال دستورها. 1- هوية الخميني المذهبية: (أ) الخميني من أي فرق الشيعة في حكم أئمة السنّة؟ للإجابة على هذا السؤال نعرض بعض أفكار الخميني والتي   (1) ، (2) ابن تيمية: «مجموعة الرسائل والمسائل» : (5/110) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 يمكن أن يحدد على ضوئها مكانه في سلم التشيع. يقول الخميني: (وأن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل.. وقد ورد عنهم "ع": أن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل) (1) . فالخميني هنا يفضل أئمته الاثني عشر على الأنبياء والرسل، وهذا مذهب غلاة الروافض في حكم كبار أئمة السنّة: يقول الإمام عبد القاهر البغدادي (ت429هـ) : (وزعمت الغلاة من الروافض أن الأئمة أفضل من الأنبياء) (2) . ويقول القاضي عياض (ت 544هـ) : (وكذلك نقطع بتكفير غلاة الروافض في قولهم إنّ الأئمة أفضل من الأنبياء) (3) . ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ) : (والرافضة تجعل الأئمة الاثني عشر أفضل من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وغلاتهم يقولون إنهم أفضل من الأنبياء) (4) . ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب (5) : (ومن اعتقد في غير   (1) الخميني: «الحكومة الإسلامية» : ص 52. (2) «أصول الدين» : ص 298. (3) «الشفاء» : (2/290) . (4) «منهاج السنّة» : (1/177) الطبعة الأميرية. (5) محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن أحمد بن راشد بن يزيد بن محمد بن يزيد بن مشرف التميمي النجدي. زعيم النهضة الدينية الإصلاحية في جزيرة العرب، وكانت دعوته إلى التوحيد الخالص ونبذ البدع وتحطيم ما علق بالإسلام من أوهام؛ هي الشعلة الأولى لليقظة الحديثة في العالم الإسلامي كله، تأثر بها رجال الإصلاح في الهند ومصر والعراق والشام وغيرها، توفي رحمه الله في الدرعية سنة 1206هـ = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 الأنبياء كونه أفضل منهم أو مساوياً لهم فقد كفر، وقد نقل على ذلك الإجماع غير واحد من العلماء) (1) . إذن مذهب الخميني في الأئمة هو مذهب غلاة الروافض وقولته في أئمته من المقالات التي يكفر معتقِدُها. ولم يفضل الخميني الأئمة على الرسل فحسب، بل قال: (فإن للإمام مقاماً محموداً وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون) (2) . ولا شك أن خضوع جميع ذرات الكون لا تكون إلا للجبار جل علاه.. (يسبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ((3) . ومن هنا، ألا يمكن أن يقال إن عقيدة تأليه الأئمة موجودة في «كتابات الخميني» .؟! (ب) عقيدة الخميني في حكم كبار علماء الشيعة في القرن الرابع : يعتقد الخميني أن أئمة الاثني عشر منزهون عن السهو والغفلة، بل قال إن أئمته (لا يتصور فيهم السهو أو الغفلة) (4) . فهو ينفي مجرد تصور سهو الأئمة أو غفلتهم. وهذا خروج بهم   = وكانت ولادته في العيينة سنة 1115هـ، وقد تولت جامعة الإمام محمد بن سعود بالمملكة جمع تراثه ونشره، وصدر في عدة مجلدات «الإعلام» : (7/137- 138) أحمد أمين: «زعماء الإصلاح» : ص 10، مجلة «الزهراء» : (3/82- 98) . (1) «الرد على الرافضة» : ص 29. (2) «الحكومة الإسلامية» : ص 52. (3) الحشر: آية 24. (4) «الحكومة الإسلامية» : ص 91. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 إلى مقام الألوهية، وتنزيل لهم منزلة من لا تأخذه سنة ولا نوم جل علاه. وقد وجد مثل هذا الغلو بين الشيعة في القديم، وندد به بعض كبار شيوخهم في القرن الرابع واستنكروه وجعلوه عَلَماً على الغلاة. يقول ابن بابويه القمي (ت 381هـ) في كتابه «من لا يحضره الفقيه» - وهو أحد الأصول الأربعة المعتبرة عند الشيعة -: (إنَّ الغلاة والمفوضة - لعنهم الله - ينكرون سهو النبي - صلى الله عليه وسلم -، يقولون: لو جاز أن يسهو في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ، لأن الصلاة فريضة، كما أن التبليغ فريضة وليس سهو النبي "ع" كسهونا لأن سهوه من الله (! وإنما أسهاه ليعلم أنه بشر مخلوق فلا يتخذ رباً معبوداً دونه، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو) (1) . هذا رأي ابن بابويه فيمن ينكر سهو النبي، فكيف يكون رأيه فيمن لا يتصور في أئمته السهو؟!! كذلك يقول شيخه محمد بن الحسن بن الوليد: (أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليهم وسلم والإمام) (2) . من هنا يظهر حكم ابن بابويه القمي وشيخه على مذهب الخميني، وهو أنه مذهب الغلاة والمفوضة، وهم في نظر ابن بابويه يستحقون اللعن. وهم - أي المفوضة - خارج الصف الإسلامي.   (1) «من لا يحضره الفقيه» : (1/234) . (2) المصدر السابق: (1/234) ، «شرح عقائد الصدوق» : (ص 260- 261) ملحق بكتاب «أوائل المقالات» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 يقول في كتابه «الاعتقادات» : (اعتقادنا في الغلاة والمفوضة أنهم كفار بالله جل اسمه وأنهم شر من اليهود والنصارى والمجوس..) (1) . 2- عقائد الخميني: هل يختلف الخميني عن الشيعة التي تحدثنا عن عقائدنا؟ لنتعرف على حقيقة الأمر: (أ) في القرآن الكريم : في حدود ما قرأنا لهذا الرجل لا نرى إلا أنه يتلقى عن الأصول التي حوت نصوص الطعن في كتاب الله، ويقدسها، ويعظمها، كـ «الكافي» للكليني (2) و «الاحتجاج» (3) للطبرسي وغيرهما، كما أنه يترحم ويترضى عمن يقول بهذه المقالة الملحدة، ويتلقى "أحاديثه" منه فيقول في "تخريجه" لبعض أحاديثهم: (وقد رواه المرحوم النوري في كتاب «مستدرك الوسائل» ) (4) وهذا الذي يترحم عليه الخميني ويأخذ الأحاديث عنه هو "المجوسي" حسين النوري الطبرسي صاحب كتاب «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب» (5) ، والذي كتبه لمحاربة كتاب الله والصد عن دينه ... كما سلف الحديث في ذلك. كما أننا رأينا هذا الخميني يوثق كتاباً حوى "دعاء على صنمي   (1) «الصلة بين التصوّف والتشيع» : ص 146 نقلاً عن اعتقادات الصدوق. (2) انظر: «الحكومة الإسلامية» : ص 62، 63، 94 وغيرها. (3) المصدر السابق: ص 77. (4) المصدر السابق: ص 77. (5) انظر: ص 187 من هذا البحث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 قريش" - وهما في زعمهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما - وفيه وصف الشيخين - رضي الله عنهما - بقوله: (..اللذين حرفا كتابك) (1) . فهل هذه الظواهر تجعل الخميني في مأمن من التدنس بهذه المقالة؟ كما أن الخميني يفسر بعض الآيات تفسيراً باطنياً فيقول مثلاً في قوله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (2) : (فقد أمر الله الرسول - - صلى الله عليه وسلم - - برد الأمانة - أي الإمامة - إلى أهلها وهو أمير المؤمنين، وعليه هو أن يردها إلى ما يليه وهكذا..) (3) . (ب) في السنة المطهرة : لقد لاحظت أن الخميني يأخذ أحاديثه مما يلي: 1- من بعض كتب الإسماعيلية وهو كتاب «دعائم الإسلام» (4) . وهو من كتب الإسماعيلية بلا ريب كما مر إثبات ذلك من كتب الشيعة الاثني عشرية نفسها (5) . 2- ومن حكايات الرقاع أو ما يسمى بـ "التوقيعات" (6) .   (1) انظر: ص 113 - 114 من هذا البحث، وانظر: (ملحق الوثائق) . (2) النساء: آية 58. (3) «الحكومة الإسلامية» : ص 81. (4) «الحكومة الإسلامية» : ص 67. (5) انظر ما سبق: ص 381. (6) انظر: الحديث عن حكايات الرقاع: ص 262 من هذا البحث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 فقد استدل بذلك على مذهبه في عموم ولاية الفقيه فقال: (الرواية الثالثة: توقيع صدر عن الإمام الثاني عشر القائم المهدي "ع".. عن محمد بن محمد بن عصام عن محمد بن يعقوب عن إسحاق بن يعقوب (1) قال: سألت محمد بن عثمان العمري (2) أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه مسائل أشكلت علي، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (: أما ما سألت عنه ... إلخ) (3) . 3- ويتلقى أحاديثه عن الكتب التي تطعن في كتاب الله، وعمن يدين بهذا الاعتقاد كما سبق. 4- وهو مع ذلك كله يطعن في صحابة رسول الله ويرد مروياتهم ويصرح بنسبة "الكذب" إلى بعضهم، فيرمي بعض الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - بالكذب؛ فيقول مثلاً: (ففي الرواة من يفتري على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث لم يقلها. ولعل راوياً كسمرة بن جندب يفتري أحاديث تمس من كرامة أمير المؤمنين علي "ع") (4) ، في حين يغلو في أقوال أئمته الاثني عشر فيقول: (إنّ تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن) (5) . كما لا تجد في كتب الخميني رجوعاً إلى دواوين السنّة   (1) لاحظ أن هذه الأسماء يهودية الأصل!! (2) هو السفير الثاني المعترف به عند الاثني عشرية والذي يزعم الصلة بالإمام الغائب. (3) «الحكومة الإسلامية» : (ص 76- 77) . (4) المصدر السابق: ص 60. (5) المصدر السابق: ص 113. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 الصحيحة مطلقاً، وهذا بلا شك ناتج عن موقفه من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (ج) الإمامة عند الخميني : يزعم الخميني أن الله أوحى إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بتعيين علي خليفة، يقول: (الرسول الكريم ... قد كلمه الله وحياً أن يبلغ ما أنزل إليه فيمن يخلفه في الناس، وبحكم هذا الأمر فقد اتبع ما أمر به وعين أمير المؤمنين علياً للخلافة) (1) . ويكرر مثل هذا المعنى في أكثر من موضع (2) . ويعتبر الخميني أن تعيين علي للإمامة هو جوهر الرسالة النبوية، يقول: (يعتبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - لولا تعيينه الخليفة من بعده غير مبلغ للرسالة) (3) ، وكأنه بهذا يحكم على من يعتقد بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم ينص على أحد يخلفه وهم جمهور أهل السنّة، أو لم ينص على عليّ بالخلافة وهم أهل السنّة جميعاً ـ كأنه يحكم على اعتقادهم هذا بأنهم يتهمون الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالخيانة وعدم تبليغ الرسالة!! ويعتقد الخميني أن الأئمة يكملون الرسالة النبوية يقول: (وكان تعيين الرسول - صلى الله عليه وسلم - خليفة من بعده عاملاً متمماً أو مكملاً لرسالته) (4) .   (1) «الحكومة الإسلامية» : ص 42. (2) «الحكومة الإسلامية» : ص 25، 39. (3) «الحكومة الإسلامية» : ص 23. (4) «الحكومة الإسلامية» : ص 19. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 وليس كله هذا بغريب على من يعتقد أن أئمته أفضل من الرسل!! ويعتبر هذا الخميني "إمامة الاثني عشر" كالشهادتين يلقن بها "الميت" قبل موته، يقول: (ويستحب تلقينه الشهادتين والإقرار بالأئمة الاثني عشر) (1) ويكتب ذلك على كفنه يقول: (وأن يكتب على حاشية جميع قطن الكفن وعلى الجريدتين أن فلان بن فلان يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن علياً والحسن والحسين - ويعد الأئمة عليهم السلام إلى آخرهم - أئمته وسادته وقادته..) (2) . ويعاد تلقينه بالشهادات الثلاث بعد الدفن (3) . ويغلو في قبور هؤلاء الاثني عشر، فيقول مثلاً - في بيان موضع السجود للمصلي ـ: (والأفضل التربة الحسينية التي تخرق الحجب السبع وتنور إلى الأرضين السبع) (4) . ويقول: (ويستحب الصلاة في مشاهد الأئمة "ع") (5) . ويقول: (ولا بأس بالصلاة خلف قبور الأئمة وعن يمينها   (1) «تحرير الوسيلة» : (1/65) . (2) «تحرير الوسيلة» : (1/75- 76) . (3) «تحرير الوسيلة» : (1/92) . (4) «تحرير الوسيلة» : (1/149) . (5) «تحرير الوسيلة» : (1/152) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 وشمالها، وإن كان الأولى الصلاة عند الرأس على وجه لا يساوي الإمام "ع") (1) . (د) غلوه في مسألة النيابة عن الإمام : كتب الخميني كتابه «الحكومة الإسلامية» أو «ولاية الفقيه» يقرر فيه هذا الغلو، حيث أعلن في هذا الكتاب أن الفقيه الشيعي المجتهد.. له حق النيابة الكاملة عن إمامهم المنتظر، والذي هو في مذهبه أفضل من الأنبياء والرسل، وقد خالف بهذا جمهور الشيعة، واستنكر بعضهم هذا كما مر (2) . والخميني بتقريره مبدأ النيابة المطلقة عن الإمام يخرج لنا مهديهم اليوم متمثلاً في عشرات من شيوخهم وآياتهم، فهو يقول: (إن معظم فقهائنا في هذا العصر تتوفر فيهم الخصائص التي تؤهلهم للنيابة عن الإمام المعصوم) (3) ، فنحن الآن أمام عشرات من "المهديين" لا مهدي واحد. وهؤلاء النواب مفروضة طاعتهم في اعتقادهم، فهو يقول: (هم الحجة على الناس كما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - حجة الله عليهم، وكل من يتخلف عن طاعتهم فإن الله يؤاخذه ويحاسبه على ذلك) (4) !!   (1) «تحرير الوسيلة» : (1/165) . (2) انظر: ص 308 من هذا البحث. (3) «الحكومة الإسلامية» : ص 113. (4) المصدر السابق: ص 80. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 (هـ) منكر الإمامة عند الخميني : كشف لنا أحد شيوخهم المعاصرين أن منكر الإمامة عندهم ينطبق عليه وصف النصب (1) ، وأكدت ذلك روايتهم التي تقول بأن من قدم أبا بكر وعمر على عليٍّ فهو ناصبي والتي وردت في أهم كتبهم المعتمدة كما سلف (2) ، كما أثبت هذا طائفة من شيوخهم (3) . هذا الناصبي - بهذا المفهوم عند الشيعة - ينال من الخميني السخط والعداء والتكفير يقول: (وأما النواصب والخوارج - لعنهم الله تعالى - فهما نجسان من غير توقف ذلك على جحودهما الراجع إلى إنكار الرسالة) (4) ، ويقول: (فتحل ذبيحة جميع فرق الإسلام عدا الناصب وإن أظهر الإسلام) (5) . ويقول: (لا تجوز - أي الصلاة - على الكافر بأقسامه حتى المرتد ومن حكم بكفره ممن انتحل الإسلام كالنواصب والخوارج) (6) . ولهذا يعتبر مال الناصبي حلالاً يحل للشيعي أخذه أينما وجده. يقول: (والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم   (1) محمد أصف المحسني: «صراط الحق» : (3/201) . (2) انظر: ص 94 من هذا البحث. (3) انظر - مثلاً -: هاشم البحراني: «غاية المرام» : ص 351. (4) الخميني: «تحرير الوسيلة» : (1/118) . (5) الخميني: «تحرير الوسيلة» : (2/146) . (6) الخميني: «تحرير الوسيلة» : (1/79) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 منهم وتعلق الخمس به، بل الظاهر جواز أخذ ماله أينما وجد وبأي نحو كان ووجوب إخراج خمسه) (1) . ومع ذلك يقول عن فرق الشيعة من غير الاثني عشرية كالإسماعيلية والنصيرية وغيرهما: غير الاثني عشرية من فرق الشيعة إذا لم يظهر منهم نصب ومعاداة وسب لسائر الأئمة الذين لا يعتقدون بإمامتهم طاهرون (2) . وهذا الاعتقاد قد يفسر لنا التقارب بين نصيرية سوريا وروافض إيران، والكيد والعداء الذي يواجه به الروافض أهل السنّة. وإذا كان يكفر المسلمين فهو يعتبر شيعته الاثني عشرية هم المؤمنون، والخاصة. يقول: (ولو وقف الإمامي على المؤمنين اختص بالاثني عشرية، وكذا لو وقف على الشيعة) (3) ، ويسمي غير الشيعة بالعامة، وطائفته بالخاصة (4) . (و) اعتقاده في الصحابة : يعتقد الشيعة بأنه لا ولاية للاثني عشر إلا بالبراءة من أعدائهم وهم أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين (5) . والخميني يرى مشروعية التبرؤ من هؤلاء الأخيار والتولي   (1) الخميني: «تحرير الوسيلة» : (2/330) . (2) الخميني: «تحرير الوسيلة» : (1/119) . (3) الخميني: «تحرير الوسيلة» : (2/72) . (4) الخميني: «تحرير الوسيلة» : (1/242) . (5) انظر: «البحار» : (27/58، 63) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 للاثني عشر في الصلاة، فيذكر أن المصلي يشرع له أن يقول في سجوده: (الإسلام ديني ومحمد نبي وعلي والحسن والحسين - تعدهم إلى آخرهم - أئمتي، بهم أتولى ومن أعدائهم أتبرأ) (1) . ويطعن في الصحابة لمخالفتهم النص المزعوم على إمامة علي يقول: (وفي غدير خم في حجة الوداع عينه - يعني علياً - النبي - صلى الله عليه وسلم - حاكماً من بعده، ومن حينها بدأ الخلاف يدب إلى نفوس قوم) (2) . (ز) قضاة المسلمين عند الخميني : يرى الخميني أن الرجوع إلى قضاة أهل السنّة هو رجوع إلى الطاغوت، وينقل في ذلك رواية عن شيخهم الكليني يسندها هذا الكليني إلى أبي عبد الله جعفر الصادق المولود سنة 80 والمتوفى سنة 148 - أي الذي عاش في القرون المفضلة - تقول الرواية: ( ... عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله "ع" عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذه سحتاً وإن كان حقاً ثابتاً له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وما أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى: (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ((3) قلت: كيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا   (1) الخميني: «تحرير الوسيلة» : (1/169) . (2) «الحكومة الإسلامية» : ص 131. (3) النساء: آية 60. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليهم حاكماً) (1) . ويؤكد الخميني على صحة هذه الرواية بقوله: (والرواية من الواضحات ولا تشكيك في سندها أو دلالتها) (2) . كما يؤكد على معناها بقوله: (والغرض الحقيقي من هذه الرواية هو أن لا يكون حكام الجور مرجعاً للناس في أمورهم، لأن الله قد نهى عن رجوع الناس إليهم وأمر بتركهم واعتزالهم والكفر بهم وبحكمهم.. ففي الفصل في الدعاوى يرجع إلى من عينه الإمام دون غيره وهذا الحكم يعم المسلمين جميعاً) (3) . هذه هي نظرة الخميني لقضاة القرون المفضلة!! (ح) الغيبة (4) أو المهدية عند الخميني: يؤمن الخميني بـ "خرافة" الغيبة. يقول: (قد مر على الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي أكثر من ألف عام، وقد تمر ألوف السنين (5) قبل أن تقتضي المصلحة قدوم الإمام المنتظر) (6) ،   (1) «الحكومة الإسلامية» : (ص 86- 87) . (2) المصدر السابق: ص 89. (3) «الحكومة الإسلامية» : (ص 87- 88) . (4) انظر: "مبحث الغيبة": ص 349 من هذا البحث. (5) لاحظ هذا النص، ألا تشعر منه أن الخميني يدرك أن الغيبة خرافة وأن هذا المنتظر لم يوجد أصلاً، ولذلك هو مستبعد رجوعه من غيبته. ولكن لولا عقيدة الغيبة المزعومة لم يكن للخميني هذه المكانة باسم النيابة عن الغائب، ولم يحصل على تلك الأموال الطائلة باسم "الخمس"، لذا فلن يصرح بإنكارها وإن اعتقد خرافتها. ولعل استبعاده لرجوعه من أسباب مناداته بالنيابة الكاملة عن المنتظر. (6) «الحكومة الإسلامية» : ص 26. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 ويقول: (واليوم في عهد الغيبة لا يوجد نص على شخص معين يدير شؤون الدولة) (1) . وهو يحتج ويستدل بحكايات الرقاع المزعوم حصولها في زمن الغيبة كما سبق. ويرى تعطيل الجهاد الإسلامي وعدم البدء فيه ما دام هذا المنتظر لم يخرج. يقول: (في عصر غيبة ولي الأمر وسلطان العصر - عجل الله فرجه الشريف - يقوم نوابه وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى والقضاء مقامه في إجراء السياسات وسائر ما للإمام (إلا البدأة بالجهاد) (2) . وهذا الخميني يرى جواز تعطيل صلاة الجمعة في زمن الغيبة. يقول: (تجب صلاة الجمعة في هذه الأعصار مخيراً بينها وبين صلاة الظهر والجمعة أفضل، والظهر أحوط، وأحوط من ذلك الجمع بينهما) (3) . ولذا فهو يجيز البيع وقت صلاة الجمعة فيقول: (لا يحرم البيع يوم الجمعة بعد الأذان في أعصارنا مما لا تجب الجمعة فيه تعييناً) (4) . وقد تحدث الخميني عن المهدي وقال بأنه سيحقق ما عجز الأنبياء عن تحقيقه (5) ، فاستنكر المسلمون ذلك، وأصدرت رابطة العالم   (1) المصدر السابق: ص 48. (2) الخميني: «تحرير الوسيلة» : (1/482) . (3) الخميني: «تحرير الوسيلة» : (1/231) . (4) الخميني: «تحرير الوسيلة» : (1/240) . (5) وذلك في كلمة وجهها الخميني في 15 شعبان 1400هـ وأُذيعت من راديو طهران. انظر: «الرأي العام» الكويتية 17 شعبان 1400 هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 الإسلامي بياناً تستنكر فيه ذلك (1) ، كما فعلت بعض الصحف الإسلامية مثل ذلك. فأصدر الخميني بياناً يجيب فيه على هذا الاستنكار وليس في جوابه إلا التأكيد على ذلك المنكر، فمما قاله: (ونقول بأن الأنبياء لم يوفقوا في تنفيذ مقاصدهم وأن الله سبحانه سيبعث في آخر الزمان شخصاً يقوم بتنفيذ مسائل الأنبياء) ، ثم ينكر على المنكرين بأنهم يسعون لتفريق المسلمين ... إلخ (2) . ويعتقد الخميني أن الحاكم الشرعي للعالم الإسلامي هو هذا المنتظر منذ القرن الثالث حتى اليوم، ولا شرعية لحكم غيره إلا أن يكون أحد نوابه من فقهاء الشيعة أمثاله، (وما قبل هذا المنتظر لا شرعية إلا لحكم آبائه الأحد عشر) . يقول: (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يلي من أمور الناس كل شيء، قد عين من بعده والياً على الناس أمير المؤمنين، واستمر انتقال الإمامة والولاية من إمام إلى أن انتهى الأمر إلى الحجة القائم) (3) . هذا عرض لأهم عقائد الرجل من خلال أقواله تقنع أولئك الذين يرون في "الظاهرة الخمينية" اعتدالاً أو تسامحاً، وإلا فالخميني لا يختلف في اعتقاده عن الرافضة إن لم يكن أشد غلوّاً وشططاً.   (1) انظر: "الاستنكار" في جريدة المدينة المنورة السعودية 4 رمضان 1400 هـ. (2) الخميني: «مسألة المهدي المنتظر مع رسالة أخرى» : ص 22، مركز الإعلام العالمي للثورة الإسلامية في إيران. (3) «الحكومة الإسلامية» : ص 98. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 كما أن لهذا الرجل شذوذات فقهية يشترك فيها مع طائفته، وينفرد بشذوذ خاص له، لا أظن أحداً منهم يوافقه عليه. فمن مفرداته أنه يقول في كتابه «الحكومة الإسلامية» : (الضرائب المالية "الزكاة" التي شرعها الإسلام ليس فيها ما يدل على أنها قد خصصت لسد رمق الفقراء، أو السادة منهم خاصة، وإنما هي تدل على أن تشريعها كان من أجل ضمان نفقات دولة كبرى ذات سيادة) (1) . ولا شك أن آية الزكاة صريحة في تحديد مستحقيها، ثم إن مذهبه نفسه ينكر عليه هذا المسلك، فلم يرد في نصوصهم أن "الدولة" مصرف من مصارف الزكاة أو الأخماس لا بالإشارة ولا بالعبارة، فالرجل لم يلتزم بالإسلام ولم يلتزم بمذهبه (2) . هذه هي هوية الخميني المذهبية، وأصوله العقدية، فهل بينه وبين الإسلام "الحق" وشيجة قربى؟! أما عن رأي الخميني في "الوحدة الإسلامية" فهو يرى أن هذه الوحدة مرهونة بقيام دولته "الجعفرية" وبسط سلطتها على الشعوب الإسلامية، أي أن الوحدة عنده تعني فرض مذهب الشيعة الرافضة على العالم الإسلامي وإلا فلا وحدة. يقول: (ونحن لا نملك الوسيلة إلى توحيد الأمة الإسلامية وتحرير أراضيها   (1) «الحكومة الإسلامية» : ص 29. (2) وقد رأيت بعد ذلك أن أحد الشيعة قد أنكر هذا الاجتهاد من شيخهم واستدل لنقضه بما جاء في كتابهم «الوسائل» وهو: (وأما وجه الصدقات فإنما هي لأقوام ليس لهم في الإمارة نصيب) . محمد جواد مغنية: «الخميني والدولة الإسلامية» : (ص 99 - 100) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 من يد المستعمرين، وإسقاط الحكومات العملية لهم إلا أن نسعى إلى إقامة حكوماتنا الإسلامية، وهذه بدورها سوف تتكلل أعمالها بالنجاح يوم تتمكن من تحطيم رؤوس الخيانة وتدمر الأوثان والأصنام البشرية، والطواغيت التي تنشر الظلم والفساد في الأرض) (1) . وقد بدأ الخميني مشروعه "الدموي" من أجل الوحدة بمجازره الرهيبة من داخل إيران وخارجها!! فماذا قدمت دولة الخميني؟ 3- دولة الخميني والتقريب: نأخذ تقويم دولة الخميني والتقريب من خلال دستورهم المعلن، وما خفي كان أعظم: 1- يقرر دستور الخميني أن ولاية أمر المسلمين الشرعية منوطة بالفقيه الشيعي. تقول: "المادة الخامسة من الدستور": (تكون ولاية الأمر، والأمة في غيبة الإمام المهدي ـ عجل الله تعالى فرجه ـ في جمهورية إيران الإسلامية للفقيه العادل) (2) . ولا ينوب عن الإمام في قاموس الروافض إلا الفقيه "الرافضي"، فلا شرعية عندهم لحكومة إسلامية قامت أو تقوم أو ستقوم على وجه الأرض إلا إذا كانت بقيادة المعصوم أو نائبه من فقهاء الرافضة. فما أشد سذاجة بعض المسلمين الذين يذهبون للخميني   (1) «الحكومة الإسلامية» : ص 35 (2) «الدستور لجمهورية إيران الإسلامية» : ص 22. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 ليستمدوا منه العون، ثم نقول: فهل يمكن أن تحيا في ظل هذا المنهج دعوة للتقريب إلا على أساس فرض مذهب الرافضة باسم التقريب والوحدة؟! 2- ويقول الدستور: ( ... فإن جيش الجمهورية الإسلامية وقوات حرس الثورة الإسلامية.. لا يتحملان فقط مسؤولية حفظ وحراسة الحدود، وإنما يتكفلان أيضاً بحمل رسالة عقائدية، أي: الجهاد في سبيل الله والنضال من أجل توسيع حاكمية قانون الله في كافة أرجاء العالم) (1) . ولكن حقيقة الجهاد ومفهومه عندهم هو ما يفسره خطيبهم ـ في صلاة الجمعة ـ حيث يقول: (بأن الهدف الأول لهم هو "مكة المكرمة" لأنه يحتلها الآن - كما يزعم - شرذمة أشد من اليهود (2) ، فأهل السنّة عندهم أشد من اليهود، وأول مقاصد الجهاد عندهم جهاد أهل السنّة، لذا فلا غرابة أن يتعاونوا مع اليهود ضد المسلمين. وقد نشرت مجلة الشهيد الإيرانية - لسان حال علماء الشيعة في قم - في العدد 46 الصادر بتاريخ 16 شوال 1400هـ صورة تمثل الكعبة المشرفة، وإلى جانبها صورة تمثل المسجد الأقصى المبارك وبينهما "يد قابضة على بندقية" وتحتها تعليق نصه (سنحرر القبلتين) (3) !!   (1) «الدستور لجمهورية إيران الإسلامية» : ص 16. (2) مر نقل هذا النص بحروفه ص 81. (3) انظر: مجلة «الشهيد» ، وجريدة «المدينة المنورة» السعودية 27 ذي القعدة 1400هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 كما تكشفت حقيقة الروافض بقيامهم بمؤازرة الحكم النصيري القائم في سوريا وهو يحارب الإسلام والمسلمين. وبدأت تتساءل بعض الصحف الإسلامية عن (حقيقة العلاقة بين سوريا البعث، والثورة الإسلامية في إيران) (1) ، وتساءل بعض المسلمين (عن الغموض في مواقف الثورة الإيرانية تجاه أعداء الحركة الإسلامية، مع أنها تصرح باستمرار أنها تناصر الحركات الإسلامية، ومتعاطفة مع حركة الإخوان المسلمين العالمية، وفي الوقت نفسه تقيم علاقات قوية مع الحكم النصيري الذي يضطهد الإسلاميين في سوريا) (2) . وبدأ التراجع من بعض أفراد المسلمين، وبعض الصحف الإسلامية. 3- يقرر الدستور في مادته الثانية أن نظامهم يقوم (على أساس الكتاب وسنة المعصومين) (3) . فليس في هذه المادة اعتراف بسنّة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنهم لا يؤمنون بها، بل يؤمنون بسنّة المعصومين الذين يعتبرونهم أفضل من الأنبياء والمرسلين. ثم إن دينهم قائم على أساس سنّة المعصومين والأخذ عن طريقهم، والإيمان بهم ركن في عقيدتهم ومن أنكر ركناً من الأركان   (1) الأخبار (نشرة إخبارية يصدرها الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية) العدد 39، السنة 13، شوال 1399هـ. (2) «المجتمع» : العدد 463، السنة العاشرة محرم 1400هـ ص 16. (3) «الدستور» : ص 20. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 فليس بمسلم؛ فأهل السنّة عندهم ليسوا بمسلمين. 4- وتقول المادة الثانية عشرة: (الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثني عشري، وهذه المادة غير قابلة للتغيير إلى الأبد) (1) . ولم لا تكون هذه المادة غير قابلة للتغيير إلى الأبد؟ أطلعوا الغيب أم اتخذوا عند الله عهداً؟، ولِمَ يعلنونها طائفية في دستورهم وهم يسمون أنفسهم بـ"الجمهورية الإسلامية"؟!!   (1) «الدستور» : ص 23. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 الفصل الثاني: هل من طريق للتقريب؟ وبعد أن تعرفنا على أسس الخلاف وأوجهه بين أهل السنّة والشيعة، ثم آراء دعاة التقريب في ذلك، وتبين لنا أنهم لم يجرؤوا على تغيير الباطل، واكتفوا بالكلام العام عن التقارب، واكتفى بعض دعاة التقريب من الشيعة بالنفي المطلق لما هو واقع موجود في كتبهم، وردد بعض دعاة التقريب من السنّة هذه الآراء. وكانت النتيجة مجرد تستر على الباطل، وذر للرماد في العيون، أو دعوة جاهلة غافلة عن الحقائق الخطيرة في ذلك، ولا شك أن إخفاء الداء، والتستر على المرض لا يعني علاجه وحسمه، بل إنما يعني استمراره واستفحاله. كما أن هناك كثيراً من الروافض يجاهر اليوم بأشد مما هو واقع في كتبهم وأفدح، ولهذا رأينا "محاولات التقريب" لم تصل إلى علاج في هذا الشأن الخطير والأمر العسير. وبقيت عقدة الخلاف أو "اللغز" كما يسميه بعض الروافض (1) وهو الاختلاف في مصادر التلقي، أو بتعبير آخر في أصول العقائد والأحكام، ولهذا بعدت الشُقة بين الفريقين ووصلت محاولات التقريب   (1) محمد رضا المظفر: مجلة «الرسالة» : مجلد 3، ص 1614 بعنوان (السنيون والشيعة وموقفهما اليوم) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 إلى طريق مسدود. فهل من طريق لحل هذه العقدة؟ كيف يمكن أن نحقق التقارب والتآلف، وإيصاد باب الفتن وإرجاع الأُلفة والمحبة بين الطائفتين؟ سنعرض في هذا الفصل ما وجدناه، من آراء العلماء والمفكرين في ذلك، والطرق المتصورة لحل هذا الخلاف والوصول إلى التقارب. 1- القول (أو الطريق) الأول: أنه لا سبيل إلى رفع الخلاف وتحقيق التقارب والروافض مصرون على شذوذهم عن جماعة المسلمين، لا نملك الوصول معهم إلى نتيجة في حوار أو مناظرة، أو مؤتمرات للمباحثة، لاختلافنا معهم في أصول العقائد والأحكام. فعلى هذا لا ينبغي مناظرتهم أو مكالمتهم أو تدارس الخلاف بيننا وبينهم، فهم على دين آخر. يقول الإمام أبو يعلى: ولو ذهب ذاهب إلى ترك مناظرة الروافض ومكالمتهم لكان قد ذهب مذهباً ليس ببعيد؛ وذلك أن المتناظرين إنما يتناظران ويردان إلى أصل قد اتفق عليه، والأصول التي ترجع إليها الأمة فيما اختلفت فيه إنما هو الكتاب والسنّة وإجماع الأمة وحجج العقول. وهذه الأصول الأربعة لا يمكن الرجوع إليها على قول الرافضة، وذلك أن مذهبهم أن الكتاب مغير مبدل، وأنه قد ذهب أكثره، فلا يأمن أن يرد إلى آية فتكون منسوخة بآية من القرآن الغائب عنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 الذي هو عند الإمام. وكذلك لا يجب أن يرجع فيما اختلفنا فيه إلى السنّة لأن النقلة فسقة (1) ، الكذب غير مأمون عليهم وخبر الواحد الذي ظاهره العدالة لا يوجب العمل عندهم، فإذاً ليس في السنّة حجة (2) . وكذلك الرد إلى الإجماع ليس فيه حجة لأن الأمة يجوز عليها أن تجتمع على خطأ وضلال، وأنها معصومة بقول الإمام. فإذن ليست الحجة إلا قول الإمام فقط.. وكذلك حجج العقول لأن الخلق كلهم قد عمهم النقص إلا المعصوم. فإذاً لا يأمن أن يرد إلى أمر من الأمور ولشبه يدخل علينا - كذا - لأن النقص والجهل قد عمنا فيردنا الإمام عن ذلك، فيجب أن نشك في كل ما نعتقده وأن لا نأمن أن نكون على خطأ (3) . وما يقوله الشيخ أبو يعلى هو الواقع كما عرضنا شواهده فيما سبق؛ فالقرآن الكريم حتى عند دعاة التقريب من شيوخ الشيعة ـ الذين (ينكرون) «فرية التحريف» التي وردت في نصوصهم ـ هو عندهم ناقص كما قاله شيخهم وآيتهم أُغابزرك الطهراني. أو أن لديهم قرآناً آخر   (1) بل قالوا أشد من ذلك؛ قالوا بردتهم إلا بضعة منهم كما سبق ص 361. (2) وهم يصرحون - كما سبق - بأن الحجة ليست في السنة المنقولة عن طريق الصحابة، بل ما رواه شيوخهم - المشهورون بالكذب عند أهل السنّة - عن المعصومين الاثني عشر. (3) «المعتمد» : (ص 259- 260) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 كما يقوله شيخهم وآيتهم الخراساني. أو أن له تفسيراً نزل من عند الله وهو اليوم عند منتظرهم كما يقول شيخهم الخوئي، أو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أخفى قسماً من القرآن وأودعه عليّاً، كما يقول شيخهم وآيتهم الملقب عندهم برئيس الإسلام والمسلمين جعفر صاحب كتابهم المعتمد عند شيعة العصر الحاضر «كشف الغطاء» كما سبق أن فصلنا ذلك وناقشناه. فكيف يمكن الرجوع عند النزاع إلى كتاب الله، وهذه مزاعم شيوخهم المعاصرين ودعاة التقريب منهم في كتاب الله؟. وكذلك «السنّة» فهي تختلف عندهم في مفهومها ومدلولها، وفي كتبها، ورجالها وفي أسانيدها، ونصوصها، عما عندنا، فكيف يمكن الرجوع عند النزاع إلى السنّة والحجة عندهم في أقوال المعصومين، ويردون ما نقله الصحابة رضوان الله عليهم عن المعصوم (؟، وشيخ الشيعة وداعية التقريب آل كاشف الغطا يزعم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتم جزاً من الشريعة وأودعه علياً؛ فالصحابة لم يتلقوا إلا جزءاً من الشريعة، وأهل السنّة الذين اعتمدوا روايات الصحابة لم يعملوا طيلة عصورهم إلا بجزء من الشريعة، فكيف يتم الحوار بجزء من الشريعة؟. وكيف نرد النزاع إلى «حكايات الرقاع» ، والعقل والتاريخ فضلاً عن الشرع يحكمان بكذبها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 وهم يكفرون صحابة رسول الله الذين أثنى الله عليهم ورسوله، ويكفرون أعلام الأمة وروادها، ولهذا يردون كتب السنّة عند الأمة ولا يعولون عليها في مقام الاستدلال، ويحتجون بروايات شذاذ الآفاق وأقوالهم ومن يعتقد التحريف في القرآن كالقمي، والكليني، والطبرسي، والمجلسي وغيرهم. وهم يرفضون "إجماع" الأمة، ويعتبرونها بغير إمام حي معصوم ضالة تائهة. فكيف - بعد هذا - نرد نزاعنا إلى الكتاب والسنّة والإجماع وهذا معتقدهم فيها؟، فهم لا يرون حجة إلا كتبهم التي يزعمون روايتها عن الاثني عشر المعصومين، وحتى القرآن العظيم هو تابع في تفسيره لما رسم في كتبهم من روايات. لهذا يرى الشيخ الكوثري أنه لا يمكن الحديث في موضوع التقريب مع أحد من شيوخ الشيعة إلا إذا كان حائزاً للتفويض من الطائفة في الاعتراف بسقوط تلك الكتب الأربعة "صحاحهم الأربعة من مقام الاعتداد" (1) ، وذلك لما حوته من الروايات الباطلة الماسة بكتاب الله، وبالسنّة الواردة بطريق رجال الصدر الأول مما لا يتصور مصادقة أهل السنّة عليه لاستحالة تخليهم عن الكتاب والسنة (2) .   (1) الكوثري: «المقالات» : ص 158. (2) المصدر السابق: ص 156. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 ويرى الشيخ موسى جار الله أنه لن يجدي أي كلام في التقريب وأي مؤتمرات لتحقيق التآلف ما لم يقم مجتهدو الشيعة بنزع تلك العقائد التي تطعن في القرآن والسنّة، والصحابة والأمة.. من كتبهم. مناقشة هذا الرأي: في نظري أن الموقف الذي يرفض مكالمتهم ومحاورتهم.. إنما هو موقف سلبي لا يتفق وقواعد الإسلام في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثم إن التزامك بعدم مناظرتهم أو مكالمتهم لا يعود بالضرر إلا عليك، لأنهم هم ماضون في ردودهم وافتراءاتهم.. فلا بد من اتخاذ موقف إيجابي.. 2- القول (أو الطريق) الثاني: لنتفق جميعاً على أن لكلٍّ دينه ومعتقده ولنتعاون فيما بيننا كما تتعاون الدول المختلفة الأديان والعقائد. وهذا "رأي" قال به الشيخ محمد بهجة البيطار - علامة الشام في زمنه - قال به بعد حوار مع عالم الشيعة، وداعية الوحدة بين السنّة والشيعة في العراق "محمد الخالصي" حول الصحابة رضوان الله عليهم. ولما رأى أن إقناع الخالصي - وهو المتحمس للوحدة - حول الصحابة متعذر وأن الرجل قد لج في تعصبه وتمسك بمعتقده أعلن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 هذا الرأي (1) ، كما نسب هذا الرأي إلى "شيخ الشيعة" محسن الأمين (2) . مناقشة هذا الرأي: هل يستجيب الروافض لهذا الرأي؟ لقد رأينا أن شيوخهم الخالصي والموسوي وغيرهما من أساطين الرفض لا يرون وحدة إلا على أساس سب الصحابة، والرجوع والتلقي عن كتب الروافض المشحونة بالإفك والبهتان (3) . ولما قامت حركة التقريب في مصر وأعلنت أن هدفها هو إعادة الصفاء والود بين الطائفتين والتقريب بين أهالي المذهبين مع تمسك كل بما عنده، رأينا أن هذا مجرد شعار وواجهة، وأن المنهج المرسوم الذي بدأ تنفيذه هو نشر عقيدة الرفض بين أهل السنّة بوسائل وأساليب مختلفة (4) . ثم إنه بعد دعوة التقريب هذه أخرجت مطابع الروافض عشرات الكتب التي تطعن في القرآن والسنّة والصحابة والأمة.. وعلى رأس هذه الكتب كتاب «الغدير» . فهل هذا الطريق للتقريب سوى مجرد "ستار" لنشر الرفض، وأن يهاجمونا ونسكت، وينشروا باطلهم ونتوقف عن نشر الحق   (1) ، (2) انظر: «الإسلام والصحابة الكرام بين السنّة والشيعة» محمد بهجة البيطار: ص 116. (2) (3) انظر: ص 547 وما بعدها من هذا البحث. (4) انظر: ما سبق ص 511 وما بعدها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 الذي معنا. لقد نشر أحد شيوخ الشيعة (1) "رأيهم" صراحة في هذا "المنهج" على صفحة مجلة المنار فقال: (ودع عنك قول بعضهم: دعوا البحث فيما يتعلق بالدين والمذهب وهلم إلى التعاون على توحيد الكلمة وجمع الأمر قبالة المستعمر، فإن ذلك لغو من القول وخطل من الرأي وكأنها مقالة من لا يرى الإسلام ديناً ولا يرى أن هناك حياة أخرى خالدة غير هذه الحياة، وإنما يرى الإسلام رابطة قومية وجامعة سياسية فهو يدعو إليها ويحض عليها) (2) ، ثم ذكر أن الخلاف بين الفريقين هو في أرسى قواعد الإسلام وأقوى دعائمه.. وأنه لا بد من حسم ذلك بالبرهان، وإلا فإن التعاون بأي شكل من الأشكال متعذر، وإن حدث فهو مبني على المجاملة وغير مأمون العاقبة، بمعنى أن الغدر والخيانة هي عاقبته كما يعترف هذا الرافضي (3) . وعقب الشيخ رشيد رضا على رأي الشيعي هذا بأن تاريخ الشيعة مع أهل السنّة يؤيده؛ فهو تاريخ حافل بالغدر والخيانة وممالأة الأعداء ومناصرتهم ضد أهل السنّة (4) .   (1) وهو عبد الحسين نور الدين العاملي. (2) «المنار» : (جـ32/ص 61) . (3) «المنار» : (جـ32/ص61- 62) . (4) المصدر السابق: (32/72) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 وقد اهتم الشيخ محمد رشيد رضا برأي الرافضي "السالف الذكر" والذي لا يرى تقارباً بأي شكل من الأشكال إلا بنزول السنّة على مذهب الشيعة، وطلب من مجتهدي الشيعة أن يعلنوا رأيهم صريحاً في هذا الأمر على صفحات مجلة المنار، أو في مجلتهم العرفان، فلم يجيبوه (1) . وكأن ذلك إقرار منهم بما فيه. ولما التقى بمجتهدهم الأكبر محمد حسين آل كاشف الغطا في مؤتمر القدس كلمه في هذا الموضوع.. فأنكر ذلك بلسانه، ولم يكتب ذلك، وطلب من رشيد أن يطلب منه الكتابة في ذلك على صفحات المنار (2) ، وفعلاً طلب ذلك رشيد وجاء جواب آل كاشف الغطا بعد ذلك مخالفاً لما قاله لرشيد في المؤتمر، فلم يعلن في ما كتبه رأيه صريحاً حاسماً في ذلك (3) . وهذا يدل على أن الروافض لا يقبلون هذا التعاون إلا إذا كان في ذلك نشر لمذهبهم. وأيام التاريخ مليئة بمؤامراتهم وخياناتهم ومؤازرتهم للأعداء، ومن أبرز الأسباب في ذلك أن هؤلاء الروافض لا يؤمنون بشرعية حكومة إسلامية إلا حكومة المنتظر الذي غاب منذ أكثر من أحد عشر قرناً، ولهذا وجد الأعداء مدخلاً إلى قلوبهم من هذا الطريق.   (1) المصدر السابق: (32/232) . (2) المصدر السابق: (32/232) . (3) المصدر السابق: (32/235) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وكثير منهم يواد الكافر من وسط قلبه أكثر من موادته للمسلمين، ولهذا لما خرج الترك الكفار من جهة المشرق وقتلوا المسلمين وسفكوا دماءهم ببلاد خراسان والعراق والشام والجزيرة وغيرها كانت الرافضة معاونة لهم على المسلمين، وكذلك الذين كانوا بالشام وحلب وغيرهما من الرافضة كانوا من أشد الناس معاونة لهم على قتال المسلمين، وكذلك النصارى الذين قاتلوا المسلمين بالشام كانت الرافضة من أعظم المعاونين لهم.. فهم دائماً يوالون الكفار من المشركين والنصارى ويعاونوهم على قتال المسلمين ومعاداتهم) (1) . ويكفي في تأكيد ذلك مؤامرة مؤيد الدين بن العلقمي (2) الرافضي (3) مع التتار لإسقاط الخلافة الإسلامية في   (1) «منهاج السنّة» : (2/104) الطبعة الأميرية. (2) محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن أبي طالب، الوزير مؤيد الدين أبو طالب بن العلقمي وزير المستعصم البغدادي، وصاحب الجريمة النكراء، في ممالئة هولاكو على غزو بغداد. توفي سنة 656، بعد أن أُهين على أيدي التتار فمات غمّاً وكمداً، وكانت ولادته سنة 593. انظر: ابن كثير: «البداية والنهاية» : (13/212- 213) ، «الأعلام» : (6/216) . (3) فقد ورد في كتب السنّة والشيعة ما يؤكد أنه رافضي، قال السبكي: (وكان شيعيّاً رافضيّاً في قلبه غل على الإسلام وأهله) «طبقات الشافعية» : ص 262. وقال ابن كثير: (وكان رافضيّاً خبيثاً رديء الطوية على الإسلام وأهله) «البداية والنهاية» : (13/212) . وقال ابن تغري بردي: (وكان رافضيّاً خبيثاً) «النجوم الزاهرة» : (7/47) . أما كتب الروافض فأثنت عليه وعلى تآمره ضد الخلافة الإسلامية: قال المجلسي: (وكان رحمه الله صحيح الاعتقاد رفيع الهمة) «بحار الأنوار» : (25/16) طبعة إيران كمباني. وقد ورد نفس هذا النص في «مستدرك الوسائل» . النوري الطبرسي: «مستدرك الوسائل» : (3/483) ، وفي الكنى والألقاب ما يشابه ذلك. القمي: «الكنى والألقاب» : (1/356) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 بغداد (1) ، مع أن هذا الرافضي كان وزيراً للمستعصم (2) أربع عشرة   (1) انظر قصة تآمره في ابن شاكر الكتبي: «فوات الوفيات» : (2/313) ، ابن كثير: «البداية والنهاية» : (13/200) ، الذهبي: «العبر» : (5/225) ، السبكي: «طبقات الشافعية» : (8/262، 263) وغيرها. ومن الغريب أنه نبتت نابتة في هذا العصر من الروافض وحاول توهين القصة، وحجته أن الذين ذكروا الحادثة غير معاصرين للواقعة. وحينما جاء على من ذكر الحادثة من معاصريها مثل أبي شامة شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل ت 665هـ كان جوابه عن ذلك بأنه وإن عاصر الحادثة معاصرة زمانية لكنه من دمشق فلم تتوفر فيه المعاصرة المكانية. انظر: محمد الشيخ حسين الساعدي: «مؤيد الدين بن العلقمي وأسرار سقوط الدولة العباسية» وقد ساعدت جامعة بغداد على نشر الكتاب. ثم بحثت ذلك في كتب التاريخ فوجدت شهادة هامة لأحد كبار المؤرخين تتوفر فيه ثلاث صفات: 1- أن الشيعة يعتبرونه من رجالهم. 2- أنه من بغداد. 3- أنه متوفى سنة 674هـ. فهو شيعي بغدادي معاصر للحادثة، ذلك هو الإمام الفقيه علي بن أنجب المعروف بابن الساعي الذي قال: (.. وفي أيامه - يعني المستعصم - استولت التتار على بغداد وقتلوا الخليفة، وبه انقضت الدولة العباسية من أرض العراق، وسببه أن وزير الخليفة مؤيد الدين بن العلقمي كان رافضياً.. إلخ) «مختصر أخبار الخلفاء» : (ص 136 - 137) . وابن الساعي ذكره محسن الأمين في أعيان الشيعة من رجال الشيعة وقال: (علي بن أنجب البغدادي المعروف بابن الساعي له أخبار الخلفاء ت 674هـ) «أعيان الشيعة» : (1/305) . (2) المستعصم: (أمير المؤمنين آخر خلفاء بني العباس في العراق، وهو أبو أحمد عبد الله بن المستنصر بالله أبي جعفر منصور بن الظاهر بأمر الله، كان مولده سنة 609هـ وبويع بالخلافة سنة 640هـ، وقد كان رحمه الله سنيّاً على طريقة السلف واعتقاد الجماعة ولكن كان فيه لين وعدم تيقظ، وقتل رحمه الله سنة 656هـ) ، ابن كثير: «البداية والنهاية» : (13/204- 205) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 سنة، وقد حصل له من التعظيم والوجاهة ما لم يحصل لغيره من الوزراء، فلم يجد هذا التسامح والتقدير له في إزالة الحقد والغل الذي يحمله لأهل السنة. 3- القول (أو الطريق) الثالث: والبعض يرى أن التقريب يتم بأسلوب التفاوض والحوار حول أسس الخلاف، ونتيجة ذلك هي التي تحدد الموقف من قضية التقريب، ولكن لا بد من وضع ضوابط وأصول يرجع إليها عند الخلاف تبدأ من الاتفاق أولاً على الأصول وأولها القرآن الكريم، وذلك قبل الدخول معهم في الحوار حول المسائل التفصيلية في الخلافة ونحوها. فهذا الشيخ عثمان الدمياطي (1) يضع أصولاً للدخول مع الروافض في حوار أو مناظرة ويعلم ذلك تلاميذه (2) . فيذكر: أنه لا بد أولاً أن يتفق على الأصل الأول في الإسلام وهو القرآن العظيم، فيقال للرافضي: (هل تؤمن بأن ما بين دفتي المصحف كلام الله المنزل على سيدنا محمد (المتعبد بتلاوته المتحدى بأقصر سورة منه؟ فإن أنكر ذلك أو شك فيه   (1) عثمان بن محمد سطا الدمياطي البكري الشافعي نزيل مكة (أبو بكر) فقيه صوفي، من تصانيفه: «إعانة الطالبين على حال ألفاظ فتح المعين» في أربعة أجزاء، «الدرر البهية فيما يلزم المكلف من العلوم الشرعية» وغيرها، كان حياً سنة 1300هـ، «معجم المؤلفين» : (6/270) . (2) كما يروي ذلك تلميذه أحمد زيني دحلان - مفتي الشافعية بمكة -. انظر: أحمد زيني دحلان: «كيفية الرد على الروافض» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 فلا يحتاج إلى المناظرة معه، بل تجري عليه أحكام الكافرين. وكذا إن اعتقد أن في القرآن تغييراً أو تبدلاً لأنه مكذب لقول الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (1) . وإذا أقر واعترف بأن ما بين دفتي المصحف كلام الله تعالى المنزل على سيدنا محمد (المتعبد بتلاوته المتحدى بأقصر سورة منه، يتلو عليه أو يكتب له في ورقة بعض الآيات التي أنزلها الله تعالى ثناءً على الصحابة - رضي الله عنهم -: كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (2) . وقوله: (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (*) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (3) . وقوله: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (4) . وكقوله تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ   (1) الحجر: آية 9. (2) الأنفال: آية 64. (3) التوبة: الآيتان 88 - 89. (4) التوبة: آية 100. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) (1) . وكقوله سبحانه: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين ءامنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً ((2) . وكقوله تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى ((3) مع قوله تعالى: (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ((4) . وقوله تعالى: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ((5) . ثم بعد تلاوة هذه الآيات أو كتابتها في صحيفة يقول له السنِّي: هذه الآيات من القرآن العزيز أنزلها الله تعالى مثنياً بها على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وشاهداً لهم بأنهم صادقون ومخبراً   (1) الفتح: آية 18. (2) الفتح: آية 29. (3) الحديد: آية 10. (4) الأنبياء: آية 101. (5) الحشر: آية 8. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 بأن لهم الجنة. وقد أقر بأنها آيات الله فيلزمه ترك الطعن عليهم والقدح فيهم لأنك إن فعلت ذلك كنت مكذباً بما تضمنته هذه الآيات وتكذيب آيات الله كفر، فما تقول في ذلك؟ فإن قال: هذه الآيات لا تشملهم، قلنا: يدفع ذلك قوله تعالى: (وكلاً وعد الله الحسنى () . ثم يواصل الشيخ ذكر أصول المناظرة على هذا النحو فيذكر إنه إن قال بأن الصحابة ارتدوا إلا قليلاً خمسة أو ستة ـ كما هو المشهور عن الرافضة - فهذا تكذيب لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وإنكار للحقائق المتواترة، فلا يجري معه مناظرة، بل ينبغي أن لا يخاطب لأنه غير عاقل بل غير مسلم. وإن اعترف بالآيات والأحاديث التي جاءت في الثناء عليهم فحينذاك يصار للبحث والمناظرة في مسألة استحقاق الخلافة ونحوها، ويكون المرجع عند الخلاف الكتاب والسنّة الصحيحة والإجماع (1) . ولكن كثيراً ما يرفض الروافض الاتفاق على هذه الأصول إلا تقية، وقد حدثني سماحة الشيخ عبد الله بن حميد أن الرافضة في عهد الملك فيصل قد أرسلوا لعلماء السعودية يطلبون فيها جلسة حوار معهم فإن تبين - كما يقولون - أن الحق مع السنّة اتبعه الجميع، وإن كان مع الشيعة اتبعه الجميع وبهذا يرفع الخلاف ويكون التقارب والتآلف. فكان من إجابة علماء السعودية أنه لا مانع لدينا من ذلك، ولكن لا بد من الاتفاق على أصل يرجع إليه عند الخلاف وهو كتاب الله   (1) «كيفية الرد على الروافض» : أحمد زيني دحلان، تلقاها عن شيخه عثمان الدمياطي: ص 100 وما بعدها. ضمن «مجموعة ثلاث رسائل علمية» وهي في المجموعة من ص 98 - 130، الطبعة الأولى 1339هـ، عيسى البابي الحلبي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 - عز وجل -، وصحيح السنة وعلى رأسها صحيح البخاري. وأرسلوا بذلك إليهم وانتظروا منهم الجواب ولم يصل لهم جواب (1) . والسبب في ذلك أن الروافض لا يمكن أن يثبتوا شذوذهم في ضوء كتاب الله والسنة الصحيحة، فجوهر مذهبهم هو الإيمان بالاثني عشر ولا ذكر لهم في كتاب الله وسنة لرسوله - صلى الله عليه وسلم -. مناقشة هذا الرأي: هذا "الطريق" يشبه الطريق الأول، ذلك أن نتيجته تؤدي إلى القول الأول. فهو يرى أنهم إن طعنوا في كتاب الله لا يناظرون لأنهم غير مسلمين، وإن كفروا صحابة رسول الله فكذلك، وهذا عين الموقف الأول، إلا أن الأول يقرر الموقف منهم ابتداء لأن عقائدهم معروفة فلا حاجة إلى التعرف إليها من خلال محاورتهم، وهذا يقرر التعرف إلى عقائدهم من خلال المناظرة والحوار. وهذا الموقف الأخير قد يتخذ الروافض معه أسلوب التقية والخداع. 4- القول (أو الطريق) الرابع: يرى أصحاب هذا الاتجاه أن المسلك للتقارب هو الاحتجاج بالقرآن وما أجمع الفريقان على صحته من السنة: يقول الأستاذ سعيد الأفغاني (2) : (الفريقان الشيعة وأهل السنّة   (1) وقد حدثني بذلك أيضاً فضيلة الشيخ صالح بن غصون. (2) سعيد الأفغاني: أستاذ العربية في كلية الآداب بجامعة دمشق ورئيس قسم اللغة العربية وآدابها. من مؤلفاته: «عائشة والسياسة» ، و «الإسلام والمرأة» ، في أصول النحو وغيرها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 مجمعون على الاحتجاج بالقرآن الكريم ثم يختلفون في الاحتجاج بالروايات والأحاديث؛ فبعض أهل السنة يروون أحاديث وروايات في باب الفضائل وحروب الصحابة لا يأخذ بها الشيعة ولا يرونها صحيحة، وبعض الشيعة يحتجون كذلك بروايات وأحاديث يرى أهل السنة أنها مختلفة، وهناك أحاديث يجمع عليها الفريقان. فإذا اتفقنا على الاحتجاج - في هذا الباب - بالقرآن الكريم وما أجمع الفريقان على صحته من الحديث وأغفلنا ما وراء ذلك ـ إذا كان لا يدخل في أصول العقائد ولا ثمرة عملية له ـ زال كل خلاف بين الطرفين وقضينا على هذه الفرقة غير المجدية التي طال أمدها) (1) . وهذا الرأي قال به أيضاً مرجع الشيعة محسن الأمين ونص قوله هو: ( ... ونأخذ بما اتفق عليه الكل وتوافقت عليه الأخبار من الطرفين وأيده الكتاب العزيز والسنة الثابتة عند الجميع) (2) . كما أن دار التقريب في القاهرة تبنت هذا الرأي وقالت: (رأت دار التقريب بين المذاهب الإسلامية أن تقوم بمشروع علمي إسلامي جليل الشأن، ذلك هو جمع الأحاديث التي اتفق عليها الفريقان في مختلف أبواب الإيمان والعمل والأخبار والأخلاق وغير ذلك من أبواب السنة المطهرة.   (1) «عائشة والسياسة» : ص 339. (2) المصدر السابق: ص 338. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 تجمع الأحاديث المتفق عليها في كل باب ويبين مع كل حديث مصدره من كتب السنة ومن كتب الشيعة ودرجته عند كل من الفريقين. ويمكن إصدار ما يتم من ذلك على سبيل التدرج جزء بعد جزء حتى يكمل المشروع بإذن الله، ويومئذ يجد فيه المسلمون مرجعاً متفقاً عليه صالحاً للاحتجاج به، والاحتكام إليه) (1) . ولكن هذا المشروع الذي أعلنت عنه الدار لم يولد. مناقشة هذا الرأي: 1- هو مبني على سلامة موقف الروافض من كتاب الله (، وهذا خلاف الواقع كما أسلفنا. 2- وهو يفترض أن مفهوم السنّة بين الفريقين واحد وإنما الخلاف حول بعض الأحاديث فقط، وهذا غير صحيح كما بيّنا. 3- وهو مبني على أنه لا خلاف بين أهل السنّة والشيعة في أمور تمس العقيدة والأصول، وهذا - ونقولها بكل مرارة - لا يتفق وحقيقة الأمر. 4- وهو ينطوي على ترك الأخذ بمجموعة من الأحاديث من الجانبين، ولا أحسب أن هذا سيكون محل تسليم من الجميع.   (1) «رسالة الإسلام» : (جـ13/ص 219- 220) . وانظر: مجلة «العرفان» الشيعية: (جـ1/ص 128) ربيع الأول 1386هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 5- ثم هو غير عملي؛ فالروافض أجمعوا على صحة أساطيرهم التي تنال من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترد مروياتهم، وأهل السنّة لا يمكن أن يدعوا ما جاء في كتاب الله وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الثناء عليهم. وقل مثل ذلك في الأصول الأخرى. فعلى أيٍّ يمكن الاتفاق؟! أما هدف الروافض من تبني هذا الرأي فهو الأخذ بالأحاديث الضعيفة أو الموضوعة والأحاديث المؤولة على غير وجهها الصحيح من طريق السنّة لخدمة شذوذهم. كما هو واضح من مسلكهم في كتبهم التي يؤلفونها للدفاع عن مذهبهم أو الدعاية له. 5- القول (أو الطريق) الخامس: وهذا القول يرى أيضاً تصفية الخلاف بأسلوب التفاوض والتفاهم حول الأصول المختلف فيها، وأن يكون الحكم بين الطائفتين كتاب الله (، ومع الرجوع في تفسيره إلى لغة العرب وترك الروايات المتنازع حولها. ذلك أن الشيعة يفسرون القرآن على ضوء رواياتهم، وأهل السنّة يفسرون القرآن في ضوء رواياتهم. ومن هنا ينشأ الاختلاف والنزاع. فليكن القرآن العظيم هو الحكم الفصل عن طريق فهمه من خلال اللغة العربية، فالله سبحانه أنزل القرآن بلسان عربي مبين وقد اتفق الشيعة وأهل السنّة على حدود العربية واتفقوا على ما وضع لمفرداتها من المعاني. ومعنى هذا أن اللغة وحدها هي التي تصلح أن تكون مرجع الحكومة بين أهل السنّة والشيعة في أصول الخلاف، ونتيجة هذه الحكومة أن من يحكم له القرآن فرواياته هي المعتمدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 وليكن الحوار في "مسألة الإمامة" التي انفصلت الشيعة بها عن المسلمين، وكفرت الصحابة، وردت رواياتهم بسببها على زعمهم أنهم رفضوا «الإمامة المنصوصة» . وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية في مناقشته لابن المطهر الحلي إلى هذا المنهج فقال: (فإن تركوا الرواية رأساً أمكن أن نترك الرواية (1) ، ثم طبق هذا المنهج - في الاحتجاج - وقال مناقشاً الروافض في قولهم "إن الإمامة ركن من الأركان الإيمان": وهب أنا لا نحتج بالحديث فقد قال الله تعالى: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ((2) ، فشهد لهؤلاء بالإيمان من غير ذكر للإمامة، وقال تعالى: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ((3) فجعلهم صادقين في الإيمان من غير ذكر للإمامة، وقال تعالى: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من ءامن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم   (1) ابن تيمية: «منهاج السنّة» : (1/32) الطبعة الأميرية. (2) الأنفال: الآيات 2، 3، 4. (3) الحجرات: آية 15. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 المتقون ((1) ولم يذكر الإمامة. وقال تعالى: (آلم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون. أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ((2) فجعلهم مهتدين مفلحين ولم يذكر الإمامة) . وقال: (وأيضاً فنحن نعلم بالاضطرار من دين محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن الناس كانوا إذا أسلموا لم يجعل إيمانهم موقوفاً على معرفة الإمامة ولم يذكر لهم شيء من ذلك، وما كان أحد أركان الإيمان لا بد أن يبينه الرسول لأهل الإيمان ليحصل لهم به الإيمان، فإذا علم بالاضطرار أن هذا ما لم يكن الرسول يشترطه في الإيمان علم أن اشتراطه في الإيمان من أقوال أهل البهتان (3) . مناقشة هذا الرأي: ولا شك أن المنهج الذي أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية هو   (1) البقرة: آية 177. (2) البقرة: الآيات 1- 5. (3) «منهاج السنّة» : (1/33) الطبعة الأميرية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 منهج صالح في مجال الاحتجاج عليهم - فقط - ولكن موقف الروافض من الأصل الأول وهو القرآن تجعل الإفادة من هذا الطريق متعذرة. 6- المباهلة (1) : ولعل من الوسائل لحل الخلاف في أصول الدين وإبطال دعاوى الروافض حول القرآن والسنّة أن يلجأ إلى المباهلة. وهي من السنّة؛ فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أراد مباهلة نصارى نجران (2) قال ابن حجر: (وفي قصة أهل نجران من الفوائد.. مشروعية مباهلة المخالف إذا أصر بعد ظهور الحجة. وقد دعا ابن عباس إلى ذلك ثم الأوزاعي، ووقع ذلك لجماعة من العلماء، ومما عرف بالتجربة أن من باهل وكان مبطلاً لا تمضي عليه سنة من يوم المباهلة، ووقع لي ذلك مع شخص كان يتعصب لبعض الملاحدة فلم يقم بعدها غير   (1) المباهلة: الملاعنة، وهو أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا: لعنة الله على الظالم منا، وتقول: باهلت فلاناً إذا دعوتما باللعن على الظالم منكما، وتباهلا وابتهلا التعنا: (ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين (، ومنه حديث ابن عباس: «من شاء باهلته أن الحق معي» «النهاية في غريب الحديث» : (1/167) ، «أساس البلاغة» : ص 56. (2) انظر: «تفسير الطبري» : (6/473- 475) بتحقيق أحمد شاكر، «تفسير القرطبي» : (4/108) ، «فتح القدير» : (1/346- 347) ، وانظر: «صحيح البخاري» مع شرحه «فتح الباري» كتاب المغازي، باب قصة أهل نجران: (8/93- 94) . «المسند» : (1/414) ، «سيرة ابن هشام» : (2/222- 233) ، «طبقات ابن سعد» : (1/357) ، «زاد المعاد» : (3/629) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 شهرين) (1) . وأن حصول المباهلة في جمع من الناس.. سيكون له تأثير بإذن الله. وقد عزم شيخ الإسلام ابن تيمية على المباهلة لمن ادعى أن لديه أسراراً مخزونة وعلوماً مصونة، لأن ذلك كما يقول الشيخ متعلق بأصول الدين (2) ، والروافض يدعون أن عند أئمتهم علوماً سرية (3) .   (1) ابن حجر: «فتح الباري» : (8/95) . (2) ابن تيمية: «الفتاوى» : (4/82) . (3) وقد طلب الأستاذ "إبراهيم الجبهان" من شيوخ الشيعة المباهلة على ملأ من الناس وأمهلهم سنة ليجيبوه، ولكن لم يتقدم إليه أحد. إبراهيم الجبهان: «تبديد الظلام» : ص 189، 208. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 الطريق المختار لقد تبين لنا من خلال البحث مدى ما عند الروافض من كفر وضلال ومدى الأخطار والأضرار الكبيرة التي احتوت عليها كتبهم التي يسمونها كتب الحديث وعلوم آل محمد.. وأنها تصيب المسلمين في صميم دينهم، وفي أصول اعتقادهم، وأن كثيراً من "نصوصها" ورواياتها هي في الحقيقة - ومن خلال تجربتي معها - باب من أبواب الإلحاد والصد عن دين الله. والواقع أنني لم أذكر في هذا البحث إلا خلاصة موجزة للشر المستطير الذي تحويه. وكل دعوة تقريب تستلزم - ضمناً - الاعتراف بهذه الكتب التي لا يصل الكيد الاستشراقي والتبشيري إلى مستوى ما وصلت إليه من محاولات لتغيير دين الله وشرعه باسم الإسلام، بل إن الاستشراق والتبشير من مَعينها يرتوي وعلى شبهاتها وأساطيرها يعتمد في إفساده وتآمره على الدين وأهله. ولهذا فإن هناك علاقة وثيقة بل تشابهاً تاماً بين شبهات المستشرقين والمبشرين، وآراء الروافض، وشرح ذلك لا مجال له، وليس هذا بجديد؛ فمن قديم كان "الأعداء" يستخدمون "آراء" الروافض تكأة لهم في محاربة الإسلام وأهله، بل كان جنود "الروافض" أمضى سلاح في يد الأعداء، وكان التشيع مأوى لكل من أراد هدم الإسلام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 من ملحد وحاقد وموتور. وكانت كتب الروافض هي "النهر" الذي انسكبت فيه كل جداول الابتداع والانحراف والإلحاد. فكانت دعوة التقريب هي "البدعة الكبرى" التي أرادت أن تعطي الكفر والضلال والإلحاد صفة الشرعية، واسم الإسلام. وقد سببت دعوة التقريب خسارة كبرى لأهل السنّة، وضرراً كبيراً لا يتصوره إلا من وقف على عدد القبائل التي ترفّضت بجملتها، فضلاً عن الأفراد، حتى تحولت العراق - مثلاً - بسبب هذه الدعوة من أكثرية سنّية إلى أكثرية شيعية (1) . وشيوخ الروافض يخططون   (1) قد جاء الحيدري في مصنفه «عنوان المجد» على ذكر معظم القبائل السنّية المعروفة التي ترفضت في العراق، ومنها الخزاعل، ترفضت (منذ 150 سنة) ، وتميم (منذ 60 سنة) ، وزبيد (منذ 60 سنة) ، وكعب (منذ 100 سنة) ، وربيعة (منذ 70 سنة) وهناك قبائل أخرى لا يعرف على وجه التحديد التاريخي متى ترفضت مثل بنو عمير والخزرج، وشمرطوكة، والدوار، الدفامعة، عشائر العمارة، عشائر الهندية، عشيرة بني لام. وعشائر الدوانية وهي خمسة عشائر: آل أقرع وهي 16 قبيلة وكل قبيلة كثيرة العدد، وآل بدير وهي 13 قبيلة، وعفج وهي 8 قبائل، وجليحة 4 قبائل، والجبور 4 قبائل. وغيرهم. انظر: الحيدري: «عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد» : (ص 111 - 118) ، وقد كتب كتابه هذا سنة 1286هـ، وقد عزا المؤرخون هذه الظاهرة إلى نشاط دعاة الرفض في الدعوة لمعتقدهم مع جهل الأعراب وعدم وجود علماء عندهم. انظر: المصدر السابق: ص 113، «مختصر كتاب مطالع السعود» : (ص 169- 170) ، وانظر في هذا الموضوع: «أبو طالب وبنوه» : للرافضي محمد علي خان: ص 168. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 لنشر الرفض بكل وسيلة تحت شعار التقريب. وبعد العراق بدأوا في مصر وغيرها من بلاد العالم الإسلامي، واشتروا الأقلام وغروا ضعاف النفوس والإيمان وخدعوا أصحاب الغفلة والجهل، وجعلوا منهم أبواق دعاية للرفض والروافض. وبسبب دعوة التقريب سكت أهل السنة ـ أو جلهم ـ عن بيان باطل الروافض وإيضاح الحق. وباسم هذه الدعوة وجدت كتب الرافضة ونشراتهم ورسائلهم مكاناً لها في بلاد السنّة. وأصبح رجال الرفض يتحركون وسط بلاد السنّة بيسر وسهولة وينشرون كتبهم ويقيمون ندواتهم ويفتحون مراكز لهم. وتبين من خلال آراء دعاة التقريب من الروافض أنهم لم يغيروا شيئاً من عقائدهم الشاذة، وأنهم إما مجاهرون بها أو مستخفون يخدعون ويتقون.. وأنهم لم يتقدموا خطوة واحدة في مسألة التقريب، فلم يخرسوا ألسنتهم وأقلامهم التي تنهش في أعراض الصحابة ودينهم، والتي تطعن في "القرآن" و"السنة" والأمة، بل إن دينهم قام على أسس مضادة للتقريب أصلاً من تكفير للمسلمين، واعتقاد أن مخالفتهم هي الأصل للرشد والصواب.. ولهذا لم تثمر دعوة التقريب سوى خسارة لأهل السنة كبيرة ونصر لأهل الرفض. فما دعوة التقريب إلا ستار لنشر "الرفض" بين أهل السنّة، بلا شك ولا ريب، ومن اعترض على هذا فليقدم معلوماته الموثقة، لا أفكاره المسبقة.. وأنَّى له ذلك. فهل ينتبه أهل السنّة إلى الأهداف الخطيرة التي يسعى الروافض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 لتحقيقها باسم الوحدة والتقريب والتآلف؟.. وما أكبر وأخطر مسؤولية أولئك الذين لا يمعنون النظر من أهل السنّة والمخدوعين الذين لا يزالون يلهجون بهذه "الأفكار" "الملغمة" ويخدعون بها الناس، ويمارسون الإضلال باسم الإصلاح، ويهدمون بيوتهم بأيديهم. وإنني أوجه نصيحة مخلصة إلى كل دعاة التقريب من أهل السنّة أن يرجعوا إلى قراءة كتب الحديث عن الروافض "الثمانية" ليعلموا إلى أين يذهبون بأمتهم ودينهم باسم التقريب، وسيعيدون النظر - بلا ريب إن كانوا مخلصين - في موقفهم من مسألة التقريب، مثلهم في ذلك مثل الشيخ موسى جار الله وغيره. فمع من نتحد - معشر أهل السنّة؟ مع من يطعن في قرآننا، ويفسره على غير تأويله ويحرف الكلم عن مواضعه، ويزعم تنزيل كتب إلهية على الأئمة.. ويكفّر الصديق والفاروق وأم المؤمنين وأحب نسائه إليه عائشة رضي الله عنها وطلحة والزبير وغيرهم من أجلة الصحابة رضوان الله عليهم، ويرى الشرك توحيداً، والإمامة نبوة، والأئمة رسلاً أو آلهة، ويخادع المسلمين باسم التقية..؟ إن المنهج السليم للتقريب هو: أن يقوم علماء السنّة بجهد كبير لنشر اعتقادهم وبيان صحته وتميزه عن مذاهب أهل البدع، وكشف لمؤامرات الروافض وأكاذيبهم وما يستدلون به من كتب أهل السنّة. وأن يصاحب ذلك كله بيان لانحرافات الروافض وكشف ضلالاتهم وأصولهم الفاسدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 وإذا كان أئمة السنّة قد شاركوا في ذلك، فإنه يجب مضاعفة الجهد وأن يكون جهداً جماعيّاً مخططاً له. أي أن المنهج الأصيل للتقريب هو بيان الحق وكشف الباطل، هو تقريب الشيعة إلى الحق والوقوف في وجه المد التبشيري الرافضي الذي ينشط اليوم بشكل غريب في العالم الإسلامي، وفي أوربا وأمريكا. حتى يجتمع المسلمون على كلمة سواء ويعتصموا بحبل الله جميعاً ولا يتفرقوا. وإذا كان لا يجدي مع الشيعة الاحتجاج عليهم بالقرآن والسنّة والإجماع، وبيان الحق لهم بهذه الأصول لمخالفتهم لأهل السنّة في ذلك، فلا يعني ذلك أن نتوقف عن بيان مذهب أهل السنّة وصحته، وبطلان مذهب الشيعة وضلاله في ضوء تلك الأصول. فذلك سيحد من انتشار "عقيدة الروافض" بين أهل السنّة. أما مع الروافض فإنه من الضروري أن نسلك مع المنهج السالف أو قبله المنهج التالي. والذي سأبينه فيما يلي، فأقول: إن التقريب لا بد وأن يكون على أساس الحق، وإذا كنا لا نستطيع أن نحتج عليهم بالكتاب والسنّة ونحسم الخلاف على ضوئها فلنبحث عما يكشف باطلهم من كتبهم نفسها. وهذا "المنهج" لم يسلكه علماؤنا المتقدمون الذين اهتموا بالرد على الروافض وتفنيد حججهم ودحض دعاواهم، وما ندري هل السبب في ذلك أن علماءنا - يرحمهم الله تعالى - كانوا يحتقرونهم ويرونهم مصدر الكذب ومعين التزوير (1) فأعرضوا عن النظر في   (1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقد اتفق أهل العلم والرواية والإسناد على أن = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 كتبهم، فضلاً عن البحث فيها عن أدلة تكشف كذبهم وباطلهم؟. أم أنّ السبب أن كتب القوم لم يكن لها ذلك الذيوع والانتشار وكانت موضع التداول الخاص بينهم؟. أو أن السبب أن هناك بعض كتبهم الأساسية قد وضعت من المتأخرين ونسبت للمتقدمين أو زيد عليها في العصور المتأخرة (الدولة الصفوية) ؟. أيّاً كان السبب هذا أو ذاك أو جميعاً فإن كتب الروافض اليوم قد انتشرت ودان بقدسيتها وآمن بصحتها ملايين الشيعة، فهم لا يؤمنون إلا بما جاء فيها ولا يحتجون إلا بها، ويردون بها السنّة الصحيحة بل نصوص الكتاب الظاهرة، بل منهم من يصدق أساطيرها التي تمس كتاب الله العظيم وتزعم الوحي للأئمة وعلم الغيب.. فليكن تصحيح وضع الشيعة من كتبهم وكشف ضلالهم من روايتهم،   = الرافضة أكذب الطوائف، والكذب فيهم قديم، ولهذا كان أئمة الإسلام يعلمون امتيازهم بكثرة الكذب. قال أبو حاتم الرازي الحافظ الكبير - ت 237هـ -: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال أشهب بن عبد العزيز: سئل مالك عن الرافضة، فقال: لا تكلمهم ولا ترو عنهم فإنهم يكذبون. وقال أبو حاتم: حدثنا حرملة، قال: سمعت الشافعي يقول: لم أر أحد أشهد بالزور من الرافضة. وقال مؤمل بن إهاب: سمعت يزيد بن هارون يقول: يكتب عن كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية إلا الرافضة، فإنهم يكذبون. وقال محمد بن سعيد الأصفهاني: سمعت شريكاً يقول: أحمل العلم عن كل من لقيت إلا الرافضة، فإنهم يضعون الحديث ويتخذونه ديناً) . «منهاج السنّة» : (1/37- 38) تحقيق د. رشاد سالم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 ومنطلق التقريب الصحيح من مدوناتهم. وفيما يلي نشير إلى بعض الملامح والأمثلة لهذا المنهج: أولاً: كشف ما وضعوه من كتب: للروافض مجموعة من الكتب يرون أنها هي عمدتهم في الحديث، ودراسة مدى صحة نسبة هذه الكتب لمؤلفيها وهل زيد فيها أو نقص.. وعنصر الوضع والدس والمؤامرة فيها.. دراسة هذه المسائل من المهمات، فإنهم كما وضعوا الأحاديث، وضعوا الكتب. وقد رأينا أن أول كتاب للشيعة موضوع مكذوب. وأن صاحب اسم لا مسمى له (1) .. أما مسألة الزيادة على ما وضع المؤلف فهذا كثير عندهم، انظر مثلاً اختلافهم هل «كتاب الروضة» ـ وهو أحد كتب «الكافي» التي تضم مجموعة من الأبواب ـ هل هو من تأليف الكليني أو مزيد فيما بعد على كتابه «الكافي» ؟ (2) ، بل الأمر أخطر من ذلك فإن شيخهم الثقة عندهم حسين ابن السيد حيدر الكركي العاملي (3) (ت 1076هـ) قال إن: (كتاب الوافي خمسون كتاباً بالأسانيد التي فيه لكل حديث متصل بالأئمة «ع» ) (4) ، بينما نرى شيخهم الطوسي (ت 460هـ) يقول: (كتاب «الكافي» مشتمل على   (1) وهو كتاب «سليم بن قيس» انظر: ص 209 وما بعدها من هذا البحث. (2) الخونساري: «روضات الجنات» : (6/118، 176) . (3) أبو عبد الله حسين ابن السيد حيدر بن قمر الحسيني الكركي العاملي المعروف عندهم بالمجتهد أو المفتي، صاحب كتاب «الإجازات والرسائل المتفرقة في مسائل شتى» ، ت 1076هـ. «روضات الجنات» : (2/327) . (4) انظر: «روضات الجنات» : (6/114) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 ثلاثين كتاباً أخبرنا بجميع رواياته الشيخ..) (1) . فانظر كيف زيد على «الكافي» للكليني - الذي هو عمدتهم بين القرن الخامس والحادي عشر - عشرون كتاباً، مع أن كل كتاب يضم عشرات الأبواب. فدراسة كتب القوم التي يزعمون أنها مقدسة، ومن كنوز آل محمد تكشف كثيراً من الزيف والافتراء أمام أولئك الذين يرون فيها - بجهل - تلك القدسية. ومن الأمثلة أيضاً: أن الشيعة اليوم مجمعون على أن من مراجعهم المعتمدة في الحديث «الوسائل» ، و «البحار» ، و «مستدرك الوسائل» ، فصاحب «الوسائل» "الحر العاملي" ت 1104هـ، وصاحب «البحار» "المجلسي" ت 1111هـ، أما صاحب «المستدرك» فهو شيخهم النوري الطبرسي ت 1320 وهو من معاصري الشيخ محمد عبده. ويلاحظ هنا أن تاريخ هذه المصادر المعتمدة عند الشيعة متأخر جداً عن عصور الأئمة!! فإذا كانوا قد جمعوا تلك الأحاديث عن طريق السند والرواية فكيف يثق عاقل برواية لم تسجل طيلة أحد عشر قرناً أو ثلاثة عشر قرناً؟!! وإذا كانت مدونة في كتب فلِمَ لَمْ يعثر على هذه الكتب إلا في القرون المتأخرة، ولِمَ لَمْ يجمع تلك الروايات متقدموهم ولِمَ لَمْ تذكر تلك الكتب وتسجل في كتبهم القديمة؟!! إلخ.   (1) الطوسي: «الفهرست» : ص 161. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 إن نقد أصولهم على هذا النحو، وكشف الدس والافتراء فيها جدير بفتح الأعين والبصائر (1) .. ثانياً: دراسة نصوصهم وأسانيدهم: إن من طبيعة الوضع التناقض والاختلاف (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا ((2) . والناظر في كتب الحديث عن الروافض يدهشه مدى التناقض والحيرة والاضطراب في معظم رواياتهم. حتى اعترف بهذا التناقض شيخهم الطوسي، واعترف أيضاً أن هذا من أسباب ترك بعض الشيعة للتشيع (3) . إن إبراز هذا التناقض وتصويره، لهو من الوسائل المهمة في كشف الباطل. كما أن كشف أسانيدهم وإيضاح حال رجالها الذين اندسوا في التشيع للكيد للإسلام هو من عوامل تعرية حقيقة الرفض ومؤسسيه. وقد رأينا أن شيخهم الطوسي اعترف بأن معظم "رواتهم"   (1) وحبذا لو قامت لجنة علمية متخصصة من أهل السنّة لدراستها سنداً ومتناً والحكم عليها حكماً مؤيداً بالدلائل والبراهين، أو أقيم مؤتمر لهذا الغرض يشكل من ذوي الإيمان والوعي والاختصاص، حتى يكون لهذا أثره في العالم الإسلامي، وتحبط مؤامرات الزنادقة ويتنبه الجاهلون والمخدوعون. (2) النساء: آية 82. (3) انظر: ص 122- 123 من هذا البحث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 ممن ينتحل المذاهب الفاسدة ولكن قال بأن رواياتهم معتمدة (1) . والروافض لم يجدوا إجابة على تناقض نصوصهم إلا القول بأن هذا من قبيل التقية، ولا برهان لهم يحدد أي الأقوال تقية، وأي الأقوال حقيقة، وهذا ما يثبت أن مذهب أهل البيت من خلال نقل الروافض غير معروف بسبب دعوى التقية تلك، وبسبب أن معظم رواتهم من أصحاب النحل الفاسدة كما اعترف بذلك الطوسي (2) ، وبسبب الوضع والافتراء الذي اشتهر عندهم واعترفوا به. ولهذا فإن أقوال شيوخهم قد ضربت رقماً قياسياً في التناقض والاختلاف، حتى اعترف بذلك شيخهم الفيض الكاشاني فقال عن اختلاف طائفته: (.. تراهم يختلفون في المسألة الواحدة على عشرين قولاً أو ثلاثين أو أزيد، بل لو شئت أقول لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها..) (3) . وأخيراً هناك مجموعة من أحاديثهم توافق ما عند أهل السنّة وقد قام علماؤهم بصرفها عن ظاهرها، لا لشيء إلا لأنها توافق ما عند أهل السنّة، ولا عمدة لهم في ردها سوى عقيدة التقية. ونحن نرى أن هذه "الروايات" هي الروايات التي تعبر عن مذهب الأئمة، وإن كانت قليلة ولا يؤمن بها شيوخ الشيعة، وأن الروايات الأخرى هي من وضع أعداء الأمة ودعاة الفرقة وإن قال   (1) انظر: ما سبق ص 278. (2) «الفهرست» : ص 24، 25. (3) «الوافي» : المقدمة ص 9. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 بها شيوخ الشيعة. وإن تقديم تلك النصوص - الموافقة لما عند أهل السنّة - تقديمها لناشئة الشيعة مع آيات القرآن ونصوص السنّة الصحيحة لهو منهج يقطع الطريق على دعاة الفرقة وأعداء الأمة من المتسترين بالتشيع، وهو طريق من طرق التقارب إذا طبق بوعي وإيمان، ومن شأنه أن يفتح الأذهان والعقول إلى الحقيقة التي ران عليها ركام كثيف من الكذب والافتراء في كتب الشيعة (1) . وفيما يلي أمثلة ذلك: 1- عدم النص على عليّ رضي الله عنه: قال الألوسي رحمه الله: (ومما يستدل به على عدم النص ما في «نهج البلاغة» من كلامه رضي (لما أراده الناس على البيعة، فإنه قال: دعوني والتمسوا غيري فإننا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول.. وإن ترتكموني فإني كأحدكم ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه، وأنا لكم وزيراً خير   (1) وقد بدأ بعض علماء الهند وباكستان والعراق من أهل السنّة باستخدام هذا الأسلوب في الرد على الروافض كالشيخ شاه عبد العزيز الدهلوي في كتابه «التحفة الاثني عشرية» ، والشيخ محمد خوجه نصر الله الحسيني الصديقي الهندي في كتابه «الصواعق المحرقة» ، (وهما من علماء الهند) . وكالشيخ محمد عبد الستار صاحب تونسوي، ومحمد صديق في العديد من رسائلهما بالأردية (وهما من باكستان) ، والشيخ محمود شكري الألوسي وذلك لتأثره - فيما يظهر - بكتابات علماء الهند. ويذكر الكوثري أن لكتاب «التحفة الاثني عشرية» - وهو يسير على هذا المنهج - دور كبير في الحد من غلو الروافض في الهند. الكوثري: «المقالات» (ص 154- 155) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 مني لكم أميراً) (1) . وهذا النص يدل على أنه لم يكن منصوصاً عليه بالإمامة من جهة الرسول، وإلا لما جاز أن يقول: (دعوني.. إلخ. ولعلّي.. إلخ. وأنا لكم..إلخ) (2) . فهذا النص في كتاب «نهج البلاغة» الذي يرى الشيعة أنه من الكلام الذي لا ريب فيه ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو كلام المعصوم علي وجه اليقين عندهم، ولا يشك الشيعة في كلمة منه، وهو يهدم كل ما ينوه من دعاوى حول النص على علي والأئمة. وفي «نهج البلاغة» أيضاً يقول علي - رضي الله عنه -: (أنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضي، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى) (3) . وهذا نص صريح في عدم وجود نص، فالشورى - في أمر الإمامة - هي للمهاجرين والأنصار، ومن أجمعوا عليه هو "الإمام" ومن خرج من ذلك وجب قتاله لاتباعه غير سبيل المؤمنين، ولو كان   (1) «نهج البلاغة» : ص 136. (2) محمود شكري الألوسي: «تعليقات على ردود الشيعة» (مخطوط) . (3) «نهج البلاغة» : (ص 366- 367) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 هناك نص في الإمام لم يقل علي - رضي الله عنه - ذلك. وفي نص آخر يعلق استجابته للخلافة لانتخابهم له ودعوتهم إياه لا للنص الإلهي، يقول: (والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ولا في الولاية إربة (1) ، ولكنكم دعوتموني إليها، وحملتموني عليها..) (2) . وهذه النصوص تتفق مع، جاء عن طريق أهل السنّة فتأخذ صفة الإجماع عند الفريقين. فقد روى الإمام أحمد في «مسنده» عن وكيع عن الأعمش عن سالم عن أبي الجعد عن عبد الله بن سبع قال: «سمعت علياً يقول: (وذكر أنه سيقتل) قالوا: فاستخلف علينا، قال: لا، ولكن أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: فما تقول لربك إذا أتيته؟ قال: أقول: اللهم تركتني فيهم ما بدا لك ثم قبضتني إليك وأنت فيهم، فإن شئت أصلحتهم وإن شئت أفسدتهم» (3) . وروى الإمام أحمد مثله عن أسود بن عامر عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن عبد الله بن سبع (4) ، وفي الباب روايات أُخرى (5) .   (1) الإربة: بكسر الهمزة: الغرض والطلبة. (2) «نهج البلاغة» : ص 322. (3) «مسند الإمام أحمد» : (2/242) رقم 1078، وقال أحمد شاكر: وإسناده صحيح. والحديث في «مجمع الزوائد» : (9/137) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله رجال الصحيح، ورواه البزار بإسناد حسن. (4) «المسند» : (2/340) رقم 1339، قال أحمد شاكر: إسناده صحيح. (5) انظر: الدارقطني: «السنن الكبرى» : (8/149) ، وراجع «البداية والنهاية» : (5/250- 251) ، (7/324- 325) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 وكتاب الله - عز وجل - قبل ذلك كله - لا يوجد فيه نص على "إمامة الاثني عشر" مع أنهم يزعمون أن إمامتهم استمرار للنبوة وأن الإيمان بهم من أصول الدين وأركانه ومن ضرورات الإسلام. فأمرٌ بهذه الحيثية والمكانة لماذا لم يذكره الله (في كتابه؟! أليس هذا كله دليلاً على أن كل ما زعموه حول النص على الأئمة، هو من وضع أعداء الإسلام؟! 2- ثناء الأئمة على الصحابة رضوان الله عليهم: في «الخصال» لابن بابويه القمي: (عن أبي عبد الله قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثني عشر ألفاً، ثمانية آلاف من المدينة وألفان من أهل مكة وألفان من الطلقاء، لم ير فيهم قدري، ولا مرجي، ولا حروري، ولا معتزلي ولا صاحب رأي، كانوا يبكون الليل والنهار) (1) . وفي «البحار» للمجلسي: (عن الصادق عن آبائه عن علي "ع" قال: أوصيكم بأصحاب   (1) هذا من وضع الجهال، فعدد الصحابة الذين شهدوا معه (حنيناً اثنا عشر ألفاً سوى الأتباع من النساء وجاء إليه هوازن مسلمين، وترك مكة مملوءة ناساً وكذلك المدينة أيضاً وكل من اجتاز به من قبائل العرب وكانوا مسلمين فهؤلاء كلهم لهم صحابة، وقد شهد معه تبوك من الخلق الكثير ما لا يحصيهم ديوان، وكذلك حجة الوداع وكلهم له صحبة. ابن الأثير: «أسد الغابة» : (1/19) . قال أبو زرعة: قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مائة ألف وأربعة عشر ألفاً من الصحابة ممن روى عنه وسمع منه. «تدريب الراوي» : (1/220) ، «الإصابة» : ص2، الذهبي: «تجريد أسماء الصحابة» : ص: ب. والمعتمد أنه ليس هناك تحديد ثابت لهم. انظر: السخاوي: «فتح المغيث» : (3/111) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 نبيكم لا تسبوهم، الذين لم يحدثوا بعده محدثاً، ولم يؤووا حدثاً فإن رسول الله أوصى بهم الخير) (1) . وفي «البحار» أيضاً: (قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: طوبى لمن رآني وطوبى لمن رأى من رآني وطوبى لمن رأى من رأى من رآني) (2) . وعن موسى بن جعفر "إمامهم السابع" قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنا أمنة لأصحابي، فإذا قُبضت دنا من أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا قُبض أصحابي دنا من أمتي ما يوعدون، ولا يزال هذا الدين ظاهراً على الأديان كلها ما دام فيكم من قد رآني) (3) . وفي «معاني الأخبار» لشيخهم ابن بابويه القمي "الصدوق" عن جعفر بن محمد عن آبائه "ع" قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما وجدتم في كتاب الله - عز وجل - فالعمل لكم به، لا عذر لكم في تركه، وما لم يكن في كتاب الله - عز وجل - وكانت فيه سنة مني فلا عذر لكم في ترك سنتي، وما لم يكن فيه سنة مني فما قال أصحابي فقولوا به، فإنما مثل أصحابي فيكم كمثل النجوم بأيها أخذ اهتدى، وبأي أقاويل أصحابي أخذتم اهتديتم [ثم زاد دعاة التفرقة على هذا النص الزيادة التالية] فقيل: يا رسول الله، ومن   (1) ابن بابويه القمي: «الخصال» : (ص 639- 640) ، وانظر: المجلسي: «البحار» : (22/305) . (2) المجلسي: «البحار» : (22/305) . (3) المصدر السابق: (22/309- 310) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 أصحابك؟ قال: أهل بيتي) (1) . ولا شك أن تفسير الصحابة بأهل البيت فقط بعيد جداً، وقد لاحظ صدوقهم هذا البعد فعقب على النص السالف بقوله: (إن أهل البيت لا يختلفون، ولكن يفتون الشيعة بمر الحق وربما أفتوهم بالتقية، فما يختلف من قولهم فهو للتقية، والتقية رحمة للشيعة) (2) . فهو هنا يحمل "النص الذي يثني على الصحابة" على التقية، والعقل والمنطق يعترض على هذا "التأويل"، فلم يكون الثناء على الصحابة الذين أثنى عليهم الله ورسوله وشهد التاريخ بفضلهم وجهادهم - تقية، ويكون السب لهم هو الحقيقة وهو مذهب الأئمة إنه لا دليل لهم على هذا المذهب سوى أنه يتمشى مع منطق أعداء الأمة. ثم إن النص السابق يرويه "جعفر الصادق" عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهل رسول الله يكذب على الأمة - تقية -؟! أو أن جعفر يكذب على رسول الله من أجل التقية؟، وكلا الأمرين طعن في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته ومخالفة صريحة للنصوص. وفي «نهج البلاغة» يقول علي - رضي الله عنه - عن أبي بكر أو عمر رضي الله عنهما على اختلاف بين شيوخ الشيعة في ذلك (3) :   (1) ابن بابويه: «معاني الأخبار» : (ص 156- 157) ، المجلسي: «البحار» : (22/307) . (2) ابن بابويه: «معاني الأخبار» : (ص 156- 157) ، المجلسي: «البحار» : (22/307) . (3) انظر: ميثم البحراني: «شرح نهج البلاغة» : (4/97) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 (لله بلاء فلان (1) ، فلقد قوّم الأود (2) وداوى العمد (3) وأقام السنة.. وخلف الفتنة (4) ، ذهب نقي الثوب قليل العيب أصاب خيرها وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته واتقاه بحقه) (5) . وهذا نص عظيم يهدم كل ما بنوه وزعموه من عداوة وصراع بين علي والشيخين رضي الله عنهما. وقد اختار "الروافض" بمثل هذا النص، لأنه في «نهج البلاغة» وهو عندهم قطعي الثبوت، وصور شيخهم ميثم البحراني (6) ذلك بقوله: (واعلم أن الشيعة قد أوردوا هنا سؤالاً فقالوا: إن هذه الممادح التي ذكرها في حق أحد رجلين تنافي ما أجمعنا عليه من تخطئتهم وأخذهما لمنصب الخلافة، فإما أن لا يكون هذا الكلام من كلامه "ع" وإما أن يكون إجماعنا خطأ) ، ثم حملوا هذا الكلام على التقية وأنه إنما قال هذا المدح من أجل (استصلاح من يعتقد صحة خلافة الشيخين واستجلاب قلوبهم بمثل هذا الكلام) (7) ، أي أن علياً - في زعمهم - أراد خداع الصحابة، وأظهر لهم خلاف ما يبطن   (1) أي عمله الحسن في سبيل الله، ميثم البحراني: «شرح نهج البلاغة» : (4/97) . (2) وهو كناية عن تقويمه لاعوجاج الخلق عن سبيل الله إلى الاستقامة (المصدر السابق) . (3) العمد بالتحريك العنة. انظر: صبحي صالح: «في تعليقه على نهج البلاغة» : ص 671. (4) تركها خلفاً؛ لا هو أدركها ولا هي أدركته (المصدر السابق) . (5) «نهج البلاغة» : ص 350 (تحقيق صبحي الصالح) . (6) ميثم بن علي البحراني (كمال الدين) من شيوخ الإمامية من أهل البحرين، من كتبه «شرح نهج البلاغة» ت في البحرين سنة 679هـ. «معجم المؤلفين» : (13/55) . (7) ميثم البحراني: «شرح نهج البلاغة» : (4/98) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 وخطب هذه الخطبة العامة أمام الناس وهي مبنية على الكذب. هذا هو جواب من يزعم التشيع لعلي! وما أعتقد أن عاقلاً يرتضي هذا "الجواب"، وإننا نقول بأن إجماع الشيعة ضلال وقول علي هو الحق والصدق، وهو الذي لا يخاف في الله لومة لائم. هذه "نماذج" من ذلك الخيط الأبيض الموجود في كتب الشيعة، (وهناك أمثلة كثيرة تركناها لضيق المجال) (1) ، وهو بحاجة إلى إبراز وإظهار من بين الركام الأسود الذي أحاط به والذي نسجه أعداء الإسلام، حتى أصبحت مثل هذه الروايات وسط ذلك الركام كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، ومن العجب أن يرجح شيوخهم تلك الروايات لا لشيء إلا لكثرتها. قال المفيد في حديث له عن اختلاف أحاديثهم: (وما خرج للتقية لا تكثر روايته كما تكثر رواية المعمول به) (2) ، هذه هي قاعدتهم، وما أوهاها من قاعدة تجعل الكثرة مقياس الصحة وإن خالفت النصوص المتواترة والوقائع الظاهرة. وإننا نرى أن تلك الروايات القليلة في مدح الصحابة وفي إنكار النص هي التي توافق مذهب الأئمة، وإن خلاف ذلك هو من صنع أعداء الإسلام وإن كثر، وتدل رواياتهم ونصوصهم عن الأئمة أن الوضع في كتبهم قد شاع والكذب على الأئمة قد ذاع؛ تقول كتب الشيعة: إن الإمام الصادق قال: (إن لكل رجل منا رجلاً يكذب   (1) كما أن هناك أمثلة تنقض أصولهم في العصمة والتقية والرجعة والبداء. (2) «شرح عقائد الصدوق» : ص 267. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 عليه) (1) ، وقال: (إن المغيرة بن سعيد (2) دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها، فاتقوا الله ولا تقبلوا ما خالف قول ربنا وسنّة نبينا) (3) . والمغيرة هذا قال - فيما حكوا عنه -: (قد دسست في أخباركم أخباراً كثيرة تقرب من مائة ألف حديث) (4) ، وقال جعفر الصادق: (إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا فيسقط صدقنا بكذبه) (5) . وتتفق هذه الشهادات مع اتفاق علماء السنّة على أن الكذب في الرافضة أظهر منه في سائر الطوائف، ومن تأمل كتب الجرح والتعديل المصنفة في أسماء الرواة والنقلة وأحوالهم - عن أهل السنّة -.. رأي المعروف عندهم بالكذب في الشيعة أكثر منهم في جميع الطوائف (6) . ولهذا قال الإمام مالك: (نزلوا أحاديث أهل العراق منزلة أحاديث أهل الكتاب؛ لا تصدقوهم ولا تكذبوهم) (7) . واستغل هؤلاء "الكذبة" عقيدة التقية في إشاعة الكذب على الأئمة. كما أن قواعد قبول الأحاديث عن الرافضة قد يسرت سبل دخول الكذب من أوسع أبوابه، فالكذب لنصرة المذهب مستعمل - وحتى   (1) «تنقيح المقال» : (1/174) (المقام الثالث من المقدمة) . (2) انظر في أخبار المغيرة بن سعيد، «رجال الكشي» : ص 223. (3) «رجال الكشي» : ص 224. (4) «تنقيح المقال» : (1/174) (المقام الثالث من المقدمة) . (5) انظر: «رجال الكشي» : ص 108، المجلسي: «البحار» : (25/363) . (6) ابن تيمية: «منهاج السنّة» : (1/42) (بتحقيق: د. رشاد سالم) . (7) «المنتقى» : ص 88. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 اليوم - بين شيوخهم الكبار. كما أنهم قبلوا روايات بل مراسيل الأفّاكين الذين يطعنون في كتاب الله، حتى ولو كان صاحب هذه المراسيل تفصله قرون عن عصر الأئمة، كما قبلوا مراسيل الطبرسي - في القرن السادس - عن علي بن أبي طالب في القرن الأول. وقالوا - مثلاً -: إنه إذا كان الراوي عن طريق الإجازة ضعيفاً لم يضر ضعفه عندهم (1) . مع أنه يمكن له أن يزيد ويضع من الأحاديث ما يشاء. وقالوا - أيضاً -: لا يشترط في الحسن من الأحاديث عدالة الراوي ما دام إمامياً. وكيف يؤتمن على نقل الشريعة من لا عدالة له؟ إذن كيف يمكن الاعتماد على رواياتهم؟. لكن باتفاق رواياتهم مع القرآن والسنّة تصبح المسألة إجماعية وتنتفي الأحاديث المكذوبة. وهذا مسلك ينبغي أن يدرس بعناية واهتمام، فإن القارئ لكتب الشيعة يتلمس خيوطاً بيضاء وسط ركام هائل من الضلال، ومن الممكن أن ينسج من هذه الخيوط العقيدة الحقة للأئمة، ويكون في ذلك تقريب وإنقاذ لمخلصي الشيعة من الضياع والتيه الذي يعيشونه، وهذه الخيوط كما تشمل الأصول تشمل الفروع، وعلى ذلك يمكن اللقاء والتقارب. هذا وحسبي أن أشير إلى هذا المنهج، أما دراسته وتطبيقه فيحتاج   (1) «تنقيح المقال» : (1/192) (المقدمة - الفائدة الرابعة) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 إلى بحث آخر مستقل، والله من وراء القصد (1) . وإنني أرى أن هذا المنهج للتقريب لن يقوم بجهود فردية، وإنما يجب أن تتبناه مؤسسات متخصصة تهيئ له الوسائل والإمكانيات ليكون وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله وبيان الحق للمضللين والمخدوعين، وأن تصدر كتيبات في هذا الشأن توضح الحقيقة وتجلوها في دراسة مبنية على الأسلوب العلمي والمعالجة الموضوعية والموعظة الحسنة، أو تصدر مجلة متخصصة في هذا الشأن تسير على هذا المنهج. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن شيوخ الرافضة إما جاهل وإما زنديق) (2) ، والأتباع بلا شك جهال، ومن الضروري تعليم هؤلاء الجهلة بكل وسيلة وقطع الطريق على هؤلاء الزنادقة وكشف حقيقتهم، ولا سيما أن ناشئتهم في غفلة عن كثير من انحرافات مذهبهم (3) . والله الهادي إلى سواء السبيل.   (1) «المنتقى» : ص 99. (2) «منهاج السنّة» : (4/77) الطبعة الأولى. (3) محمود الملاح: «في مجموع السنّة» : (2/33) بتصرف، وقد أثبت الشيخ الفاروقي ذلك بمقارنة ما يراه عوام الشيعة مع ما هو مدون في كتب الشيعة. وقد استطاع أن يتعرف على آراء عوام الشيعة بحكم قرابة موجودة له معهم، وثبت له أن شيوخ الشيعة يستعملون مع العوام التقية. الفاروقي: «افسانة تحريف القرآن» : ص 12. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على من أكمل الله به الرسالات وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فقد تبين لنا من خلال هذا البحث مجموعة من القضايا والمسائل الهامة، التي تنير الطريق حول فكرة التقريب بين أهل السنّة والشيعة إن شاء الله تعالى. فمن ذلك: 1- أنه من خلال النقل من كتب الشيعة مثل كتاب «غاية المرام» ـ الذي يعتبره كبير شيوخ الشيعة ومراجعهم المعاصرين "محسن الأمين" موضع افتخارهم - وغيره من كتبهم - تبين أن أهل السنّة قد صورتهم كتب الشيعة على غير حقيقتهم، إذ ذكرت نصوصاً كثيرة تزعم نقلها عن كتب أهل السنّة المعتبرة، وكلها تؤيد شذوذ الشيعة الذي تحدثنا عنه. وبنوا على ذلك أنه لا خلاف بين أهل السنّة والشيعة بناءً على الصورة المرسومة لأهل السنّة في كتبهم، وردد هذه المقالة بعض شيوخ أهل السنّة رغبة في الوحدة الوئام، وجهلاً بحقيقة الحال، ولم يعرف أن وراء هذه الكلمة ما وراءها من تدبير وتخطيط خطير أمضوا في تطبيقه القرون. 2- أن من يعتمد في دراسة مذهب الشيعة على كتب الفرق والمقالات، أو على كتب الفقه عند الشيعة، أو على الكتب التي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 وضعها الشيعة للدعاية لمذهبهم والتبشير به، فإنه لا يخرج من خلال ذلك بمعرفة حقيقية لما عليه الشيعة، وسيشك بما يقال عنهم من شذوذ. وإذا أراد المعرفة الحقيقية للوضع الخطير الذي عليه القوم فليقرأ في ذلك كتب الحديث، والتفسير، وكتب الرجال المعتمدة عندهم إلى يومنا هذا، باعتراف شيوخهم المعاصرين، ليقرأ أمثال: «أصول الكافي» ، و «البحار» في الحديث عندهم، ويقرأ: «تفسير إبراهيم القمي» ، و «تفسير العياشي» ، و «تفسير الصافي» ، و «تفسير البرهان» وغيرها. وليقرأ في «رجال الكشي» وغيره. ليحكم من خلال ذلك عن بينة وعلى بصيرة. 3- أن من النتائج المهمة والخطيرة لهذه الدراسة أني رأيت أن مدونات الشيعة الاثني عشرية في الحديث، والتفسير قد استوعبت وجمعت كل شذوذ وغلو الفرق الماضية التي تحدثت عنها كتب الفرق والمقالات.. ففرية القول بنقص القرآن، ومسألة البداء، وتفضيل الأئمة على الرسل وغيرها، هي من عقائد الغلاة والباطنيين، ومع ذلك هي موجودة في كتب الاثني عشرية المعتبرة، بل بلغت حد التواتر والاستفاضة.. كما فصلنا ذلك بشواهده. 4- أن كتب الحديث عند الشيعة التي يعتبرونها مقدسة عندهم ومن علوم آل محمد، والتي ينبغي أن تكون موضع الدراسة والتقويم قبل الحديث عن فكرة التقريب، هذه الكتب قد امتدت إليها يد التحريف والزيادة والنقص؛ فـ «الكافي» في عصر الطوسي (ت 460هـ) هو ثلاثون كتاباً (كل كتاب يحتوي على طائفة كبيرة من أحاديثهم) بينما هو في عصر شيخهم الكركي (ت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 1076هـ) قد بلغ خمسين كتاباً. وكتاب «تهذيب الأحكام» لشيخهم الطوسي يذكر شيوخهم المعاصرون أن عدد أحاديثه بلغت (13590) ولكن مؤلفه نفسه يصرح في كتابه «عدة الأصول» أن أحاديثه أكثر من (5000) ومعنى ذلك أنها لا تصل إلى (6000) على أكثر تقدير، كما رأينا أن السند قد وضع في كتبهم لمواجهة نقد أهل السنّة، وأن تقسيم الحديث عندهم إلى صحيح وغيره قد توافق مع رد شيخ الإسلام ابن تيمية عليهم في كتابه «منهاج السنّة» ، بل إن الذي وضعه هو ابن المطهر الحلي الذي رد عليه شيخ الإسلام، مما يدل على أنهم يطورون "دينهم" ويغيرون فيه لمواجهة النقد الموجه إليهم، وذلك لئلا يفقدوا أتباعهم. كما أنهم يزيدون في كتب الحديث عندهم على مر الأيام من باب الدعاية المذهبية.. بل وصل بهم الأمر إلى وضع كتب بأكملها ونسبتها إلى علماء قدامى عندهم أو شخصيات لا وجود لها وقد بينا بالشواهد أن أول كتاب ألفته الشيعة ـ والذي يسمى أبجد الشيعة ـ هو «كتاب سليم بن قيس» الذي حوى الطعن في كتاب الله وغيره، أن هذا الكتاب موضوع مكذوب، وأن مؤلفه اسم لا مسمى له، هذا فضلاً عما تحتويه كتبهم في الحديث والتفسير من "نصوص" ظاهرة الوضع واضحة الكذب لطعنها في دين الأمة وكتابها.. 5- التمسنا آراء شيوخهم المعاصرين الذين يدعون للتقريب لنعرف رأيهم فيما احتوت عليه كتب الشيعة من غلو، فلم نجد من آرائهم ما يخالف هذا الغلو، بل كانت آراؤهم إما صريحة في الغلو، وهذا ظاهر في الكتب التي كتبها دعاة التشيع في بلد لهم فيه قوة، وإما نفي وإنكار لما هو واقع في كتبهم، سالكين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 في ذلك وسائل معينة يدرك مراميها من اطلع على أصولهم، وكشفنا ذلك بالحقائق والأرقام بلا تجنٍّ أو ظلم. 6- كانت محاولات التقريب من جانب الشيعة مجرد ستار لنشر التشيع في ديار أهل السنة، وقد أفاد الشيعة من هذه الدعوة في نشر كتبهم وبث دعايتهم وكان لها آثار سلبية كثيرة على أهل السنّة، يدرك ذلك من وقف على ظواهر المد الشيعي في بلاد السنّة.. وفي مؤتمر النجف خضع الشيعة لصوت الحق المؤيد بالحجة والبرهان - تقية - ولكن وفاة نادر شاه عطلت الإفادة من نتائج المؤتمر. 7- كيف يمكن التقريب مع من: يطعن في كتاب الله، ويفسره على غير تأويله، ويزعم تنزل كتب إلهية على أئمته بعد القرآن الكريم، ويرى الإمامة نبوة، والأئمة عنده كالأنبياء أو أفضل، ويفسر عبادة الله وحده والتي هي رسالة الرسل كلهم بغير معناها الحقيقي، ويزعم أنها طاعة الأئمة، وأن الشرك بالله طاعة غيرهم معهم، ويكفر خيار صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويحكم بردة جميع الصحابة إلا ثلاثة أو أربعة أو سبعة - على اختلاف رواياتهم -، ويشذ عن جماعة المسلمين بعقائد في الإمامة، والعصمة، والتقية، ويقول بالرجعة، والغيبة، والبداء. ومعظم هذه الآراء كانت في نظر السلف من عقائد الباطنية والغلاة الكفرة، ولكنها مستفيضة في كتب الاثني عشرية، وقد بينا ذلك بالشواهد. 8- عرضنا آراء علماء المسلمين ومفكريهم في حل "الخلاف" وبيّنا الطريق الذي نختاره في ذلك. والله الهادي إلى سواء السبيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 ملحق الوثائق والنصوص في أثناء دراستي لمسألة التقريب بين أهل السنّة والشيعة وقفت على بعض الوثائق المهمة، [ ................... ] (*) وهذه الوثائق والنصوص منها ما يتعذر اطلاع الكثيرين عليه، إما لكونه في كتاب شيعي غير معروف لغير المهتمين بقضية الشيعة، أو في مطبوع قد نفذ أو نصوص متفرقة في الكتب والدوريات، أو أقوال استقيتها مباشرة من بعض العلماء الذين عاشوا مسألة التقريب، كما أنني قد أحلت القارئ في ثنايا هذا البحث على معظم هذه الوثائق والنصوص، لذلك رأيت إلحاقها بهذا البحث لتتم الفائدة المرجوة. وهذه الوثائق منها ما صدر عن أهل السنّة ومنها ما صدر عن الشيعة. وسيكون ترتيب هذه الوثائق والنصوص على الشكل التالي: 1- فتوى شلتوت بجواز التعبد بالمذهب الجعفري. 2- فتوى شيخ الشيعة "محمد الخالصي" الذي يدعو للوحدة الإسلامية في العراق بمنع التعبد على المذاهب الأربعة!! 3- سورة الولاية المزعومة: أ- سورة الولاية عند الشيعة من كتاب «فصل الخطاب» ، والذي يكذب بوجودها فيه شيخ الشيعة لطف الله الصافي   (*) غير واضح في الأصل ص 303. [التعليق] (*) هذه العبارة غير واضحة في النسخة المصورة الوثائق والملحقات انظرها في النسخة المصورة [أسامة بن الزهراء] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 في كتابيه مع محب الدين في «خطوطه العريضة» ص 72، و «صوت الحق» ص 34، وغيره من شيوخ الشيعة. ب- سورة الولاية - المزعومة - من كتاب «التشيع والشيعة» ، لأحمد الكسروي - الشيعي الأصل - وقد نشرها قبل محب الدين الخطيب. ج- سورة الولاية كما نشرها محب الدين الخطيب. 4- أحد الكتب التي تزعم الشيعة نزولها من عند الله (على الأئمة. 5- دعاء صنمي قريش - ويريدون به الدعاء على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما - والمنشور في كتاب موثق من كبار شيوخهم المعاصرين كالخميني والخوئي والطباطبائي وغيرهم. 6- بعض النصوص في كتاب «غاية المرام» الذي يعتبره الشيعة محسن الأمين موضع فخرهم، مع أنه يوجد فيه أباطيل فاضحة يزعم مؤلفه أنه أخذها من كتب السنّة المعتبرة أو من علماء السنّة المعتبرين، وبناءً على هذه الصورة المكذوبة عن مذهب أهل السنّة يقول شيوخ الشيعة: ليس بيننا وبين مذهب أهل السنّة خلاف إلا في بعض الفروع. 7- صفحات من كتاب ألفه أحد الشيعة (أحمد الكسروي) بعد ما ترك التشيع والذي كشف به عن حقيقة الشيعة. 8- حديث للشيخ حسنين مخلوف عن التقريب أملاه عليّ، وختمه بتوقيعه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 9- رأي لأحد المفكرين العراقيين حول قضية التقريب. 10- وهناك نصوص مهمة حول التقريب كثيرة متفرقة، اكتفينا بالإحالة عليها في مواضعها.. كما سيأتي - وفيما يلي عرض لأهم الوثائق والنصوص على نفس الترتيب المذكور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 رقم (1) فتوى الشيخ محمود شلتوت تنبيه: من هنا يبدأ عرض الوثائق والنصوص بترقيم مستقل عن الرقم التسلسلي للبحث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 رقم (2) فتوى شيخ الروافض محمد الخالصي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 رقم (3) سورة الولاية المزعومة (أ) من كتاب «فصل الخطاب» . (ب) سورة الولاية المزعومة: كما نشرها أحمد الكسروي. (ج) سورة الولاية المزعومة: كما نشرها محب الدين الخطيب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 رقم (3) سورة الولاية المزعونة (أ) من كتاب «فصل الخطاب» . (1) ... يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم. نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم. إن الذين يوفون ورسوله في آيات لهم جنات النعيم. (كذا) والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم. ظلموا أنفسهم وعصوا الوصي الرسول أولئك يسقون من حميم. إن الله الذي نوّر السموات والأرض بما شاء واصطفى من الملائكة وجعل من المؤمنين أولئك في خلقه. يفعل الله ما يشاء لا إلا هو الرحمن الرحيم. قد مكر الذين من قبلهم برسلهم فأخذهم بمكرهم إن أخذي شديد أليم. إن الله قد أهلك عاداً وثمود بما كسبوا وجعلهم لكم تذكرة فلا تتقون. وفرعون بما طغى على موسى وأخيه هارون أغرقته ومن تبعه أجمعين. ليكون لكم آية وإن أكثركم فاسقون. إن الله يجمعهم في يوم الحشر فلا يستطيعون الجواب حين يسألون. إن الجحيم مأواهم وأن الله عليم حكيم. يا أيها الرسول بلغ إنذاري فسوف يعلمون. قد خسر الذين كانوا عن آياتي وحكمي معرضون. مثل الذين يوفون بعهدك أني جزيتهم جنات النعيم. إن الله لذو مغفرة وأجر عظيم. وإنّ عليّاً من المتقين. وإنا لنوفيه حقه يوم الدين. ما نحن عن ظلمه بغافلين وكرّمناه على أهلك أجمعين. فإنه   (1) الورقة 90، الصفحة 180. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 وذريته لصابرون. وإنّ عدوهم إمام المجرمين. قل للذين كفروا بعد ما آمنوا طلبتم زينة الحياة واستعجلتم بها ونسيتم ما وعدكم الله ورسوله ونقضتم العهود من بعد توكيدها، وقد ضربنا لكم الأمثال لعلكم تهتدون. يا أيها الرسول قد أنزلنا إليك آيات بينات فيها من يتوفاه مؤمناً، ومن يتولّيه من بعدك يظهرون. فأعرض عنهم إنهم معرضون. إنا لهم محضرون في يوم لا يغني عنهم شيء ولا هم يرحمون. إنّ لهم جهنم مقاماً عنه لا يعدلون. فسبح باسم ربك وكن من الساجدين. ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا هارون فصبر جميل. فجعلنا منهم القردة والخنازير ولعنّاهم إلى يوم يبعثون. فاصبر فسوف يبصرون. ولقد آتينا بك الحكم كالذين من قبلك من المرسلين. وجعلنا لك منهم وصياً لعلهم يرجعون. ومن يتولى عن أمري فإني مرجعه، فليتمتعوا بكفرهم قليلاً، فلا تسأل عن الناكثين. يا أيها الرسول قد جعلنا لك في أعناق الذين آمنوا عهداً فخذه وكن من الشاكرين. إنّ عليّاً قانتاً بالليل ساجداً يحذر الآخرة ويرجو ثواب ربه. قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون. سنجعل الأغلال في أعناقهم وهم على أعمالهم يندمون. إنا بشرناك بذريته الصالحين. وإنهم لأمرنا لا يخلفون. فعليهم مني صلوات ورحمة أحياء وأمواتاً يوم يبعثون وعلى الذين يبغون عليهم من بعدك غضبي إنهم قوم سوء خاسرين. وعلى الذين سلكوا مسلكهم مني رحمة وهم في الغرفات آمنون. والحمد لله رب العالمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 رقم (4) أحد الكتب التي تزعم الشيعة نزولها من عند الله عز وجل والمسمى (لوح فاطمة) وقد ورد في طائفة من كتب الشيعة وهي: «الكافي» : الكليني: (1/527) . «الوافي» : الفيض الكاشاني: المجلد الأول ج 2/72. «إكمال الدين» : ابن بابويه القمي: ص 301- 304. «أعلام الورى» : أبو علي الطبرسي: ص 152. «الاحتجاج» : أبو منصور الطبرسي: 1/84- 87. «الاستنصار» : الكراجكي: ص 18. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 رقم (5) دعاء صنمي قريش (ويريدون به الدعاء على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما) في كتاب شيعي موثق من عدد من كبار شيوخهم المعاصرين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 رقم (6) بعض النصوص من كتاب (غاية المرام) للرافضي: هاشم البحراني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 رقم (6) بعض النصوص من كتاب (غاية المرام) للرافضي: هاشم البحراني (مسألة النص على عليّ) : عقد صاحب «غاية المرام» (1) في ذلك أبواباً كثيرة، وفي كل باب يورد جملة من الأحاديث التي يزعم نقلها عن أهل السنّة. قال: (الباب الثاني عشر: في نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على علي بن أبي طالب بأنه الإمام بعده، وبنيه الأحد عشر صلوات الله عليهم بأنهم الأئمة الاثني عشر بعد رسول الله وخلفاؤه وأوصياؤه من طريق العامة. وفيه 66 حديثاً) . ومما أورده من ذلك: موفق بن أحمد في كتابه قال: حدثني فخر القضاة نجم الدين بن أبي منصور محمد بن الحسين بن محمد البغدادي فيما كتب إلي من همدان، قال: أنبأنا الإمام الشريف نور الهدى أبو طالب الحسن بن محمد الزينبي قال: أخبرنا إمام الأئمة محمد بن أحمد بن شاذان قال: حدثنا أبو محمد الحسن بن علي العلوي الطبري عن أحمد بن محمد بن عبد الله قال: حدثني جدي أحمد بن محمد عن أبيه عن حماد بن عيسى عن عمر بن أذينة قال: حدثنا أبان بن أبي عياش عن سليم ابن قيس الهلالي بن سلمان المحمدي قال: دخلت على النبي ـ وإذا الحسين على فخذه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه ـ وهو يقول: أنت سيد ابن سيد وأخو سيد أبو السادة، أنت إمام ابن الإمام أخو الإمام   (1) انظر: ص 63 من هذا البحث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 أبو الأئمة، أنت حجة أخو حجة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم) (1) (2) . موفق بن أحمد قال: حدثني فخر القضاة نجم الدين بن أبي منصور محمد بن الحسين ابن محمد البغدادي فيما كتب إلي من همدان، قال: أنبأنا الإمام الشريف نور الهدى أبو طالب الحسين بن محمد الزنيبي قال: أخبرنا إمام الأئمة محمد بن أحمد بن شاذان قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا علي بن سنان الموصلي عن أحمد بن محمد بن صالح عن سليمان بن محمد عن زياد بن مسلم عن عبد الرحمن بن زيد عن زيد بن جابر عن سلامة عن أبي سليمان راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: سمعت رسول الله يقول ليلة أُسري بي إلى السماء: قال لي الجليل جل جلاله..: يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة.. فاخترت منها عليّاً وشققت له اسماً من أسمائي، فأنا الأعلى وهو علي، يا محمد إني خلقتك وخلقت عليّاً وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده من نوري وعرضت ولايتكم على أهل السموات والأرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين. يا محمد لو أن عبداً من عبيدي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن   (1) «غاية المرام» : ص 35. (2) لاحظ هنا أن هذا الحديث المنكر في متنه قد حمل طائفة من المجاهيل في سنده، كما أن أبان بن أبي عياش نص علماء الجرح والتعديل من أهل السنّة على أنه متروك، إضافة إلى ذلك كله فإن السند ينتهي إلى كتاب سليم بن قيس الموضوع، والذي ينسب لرجل لا حقيقة له، (والذي هو عند الشيعة أصل من أصولها) ، ومع ذلك يزعم هذا الرافضي أنه ينقله عن أهل السنّة!!. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 البالي ثم أتاني جاحداً لولايتكم، ما غفرت له حتى يقرب ولايتكم يا محمد تحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب، فقال: التفت عن يمين العرش فالتفت فإذا بعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي والمهدي في صحصاح من نور يصلون وهو في وسطهم ـ يعني المهدي ـ كأنه كوكب دري.. (1) . إبراهيم بن محمد الحمويني من أعيان علماء العامة قال: أنبأني السيد الإمام.. قال: أخبرنا شاذان بن إبراهيم القمي.. قال: أنبأنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه.. عن علي بن موسى الرضا ـ عليه التحية والثناء ـ عن أبيه عن آبائه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أحب أن يتمسك بديني ويركب سفينة النجاة بعدي فليقتد بعلي بن أبي طالب وليعاد عدوه وليوال وليه، فإنه وصيي وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد وفاتي، وهو إمام كل مسلم وأمير كل مؤمن بعدي قوله قولي وأمره أمري ونهيه نهيي وتابعه تابعي وناصره ناصري وخاذله خاذلي، ثم قال (: من فارق علياً بعدي لم يرني ولم أره يوم القيامة، ومن خالف عليّاً حرّم الله عليه الجنة وجعل مأواه النار، ومن خذل عليّاً خذله الله يوم يعرض عليه، ومن نصر عليّاً نصره الله يوم يلقاه ولقنه حجته عند المسألة. ثم قال (: والحسن والحسين إماما أمتي بعد أبيهما وسيدا شباب أهل الجنة وأمهما سيدة نساء العالمين وأبوهما سيد الوصيين، ومن   (1) «غاية المرام» : ص 35. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 ولد الحسين تسعة أئمة تاسعهم القائم من ولدي، طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي، إلى الله أشكو المنكرين لفضلهم.. وكفى بالله وليّاً ناصراً لعترتي وأئمة أمتي ومنتقماً من الجاحدين حقهم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. أقول: انظر أيها الأخ إلى ما ترويه المخالفون النواصب ما هو عين مذهب الإمامية الاثني عشرية، وهذا يعطيك أن المخالفين العامة على ضلال مبين وخسران عظيم بعد العلم منهم والمعرفة بصحة معتقد الإمامية الاثني عشرية، فتأمل هذا الحديث وإضرابه مما ترويه الخاسرون وتحكم بصحته المخالفون (1) . في تكفير الشيعة للشيخين رضي الله عنهما: يخدعون أتباعهم بأن في كتب السنّة أحاديث في هذا. قال شيخهم هاشم البحراني: الباب الثالث والأربعون في قوله تعالى: (وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذَيْن أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين (من طريق العامة وفيه حديثان. الأول: روى صاحب كتاب صراط المستقيم، وأظن أن طريقه من طرق العامة عن القاسم بن جندب عن ابن عباس وعن الباقر عليهما السلام في قوله تعالى: (ربنا أرنا الذَيْنِ أضلانا من الجن والإنس (هما الأول والثاني. الثاني: عكرمة وهو من الخوارج عن ابن عباس قال عليه السلام   (1) «غاية المرام» : ص 36. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 يعني عليّاً: أول من يدخل النار في مظلمتي عتيق وابن الخطاب، وقرأ الآية. ونكتفي بهذه الأمثلة وفيها أكبر الدلالة على مبلغ ما وصل إليه القوم من كذب على السنّة ومصادرها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 رقم (7) صفحات من كتاب (أحمد الكسروي) الشيعي الأصل والذي ترك التشيع بعد ما ثبت له بطلانه قال الأستاذ محمود الملاح: (لم يظهر في عالم الشيعة أحد في عياره منذ ظهر اسم شيعي على وجه الأرض) . انظر: ص 218 من هذه الرسالة. التّشَيُّع وَالشّيعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 رقم (8) حديث للشيخ حسنين مخلوف عن التقريب وأهميته تأتي من وجهين: الأول: أن الكتاب الذي أصدره الرافضي عبد الكريم الشيرازي باسم «الوحدة الإسلامية أو التقريب بين المذاهب السبعة» (والذي جمعه - كما يزعم - من مجلة رسالة الإسلام) مجلة التقريب، قد افتتحه بمقال المخلوف - باعتباره مفتي مصر - يؤيد فيه التقريب ويدعو إليه، في حين أنه في هذا الحديث يؤكد أنه من المعارضين للفكرة من الأصل. والثاني: أنه يحوي تسجيلاً تاريخياً لمعارضة بعض شيوخ الأزهر لمحاولة شلتوت تطبيق دراسة مذهب الشيعة في الأزهر، مثله في ذلك مثل المذاهب الأربعة، والذي يتغنى الشيعة بحصوله إلى الآن على الرغم أنه لم يحصل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 بسم الله الرحمن الرحيم بدأت فكرة التقريب بين أهل السنّة والشيعة حينما كان بمصر رجل شيعي اسمه "محمد القمي"، وسعى في تكوين جماعة سماها (جماعة التقريب) وأصدر «مجلة التقريب» وكتب فيها بعض الناس. وأنا لم أكن موافقاً على التقريب ولا على المجلة؛ ولذلك لم أكتب في المجلة ولم أجتمع مع جماعة التقريب في مجلس ما. وقد سعى القمي لدى الشيخ شلتوت في أن يقرر تدريس الفقه الشيعي الإمامي في الأزهر أسوة بالمذاهب الأربعة التي تدرس فيه. وأنا حين علمت بهذا السعي كتبت كلمة ضد هذه الفكرة، وأنه لا يصح أن يدرس فقه الشيعة في الأزهر؛ ألا ترون أن الشيعة يجيزون نكاح المتعة ونحن في الفقه نقرر بطلان نكاح المتعة، وأنه غير صحيح؟، وقد أبلغت هذا الرأي لأهل الحل والعقد في مصر إذ ذاك وأصدروا الأمر لشيخ الجامع الأزهر بأنه لا يجوز تدريس هذا الفقه فيه ولم ينفذ والحمد لله (1) .   (1) هذا جزء من حديث الشيخ مخلوف، نكتفي بنشره ونرجئ الباقي لعدم صلته الماسة بموضوعنا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 رقم (9) حديث لأحد المفكرين العراقيين عن مسألة التقريب وقد آثر ألا أفصح عن اسمه. وأهميته تأتي في أنه صدر من مفكر مسلم (سنّي) يعيش في بلد يمثل الشيعة فيه الشطر أو أكثر. بسم الله الرحمن الرحيم إن دعوى التقريب لها مجالان: المجال الأول: هو التقريب بين العقيدتين والفقهين، وهذا أمر لا يرد بالنسبة لنا، فإن مؤداه أن يتنازل كل فريق عما عنده من التطرف في نظر الآخر وما يظن الطرف الآخر أنه يسيء إليه، وهذه الحالة من التنازل ممكنة بالنسبة للشيعة باعتبار أن عندهم من البدع الشيء الكثير لا يمنعهم شيء من التنازل عنها، ولكن أهل السنّة ليس عندهم بدع بحمد الله ومستندهم القرآن والسنّة الصحيحة ولا يمكنهم التنازل عن شيء من ذلك، مما قد يجعل الدين عرضة للمساومة، إلا ما يكون قد لحق ببعض العلماء من أهل السنّة من بدع ليس لها دليل شرعي واضح. وهذه نادرة في أهل السنّة وفي مسائل الفروع لا الأصول، وكان علماء أهل السنّة هم السابقون إلى إنكارها دوماً كما فعل الأئمة ابن تيمية وابن القيم وغيرهما. وقد يعترض البعض هنا بأن الشيعة يعدون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 ما نخالفهم به بدعة وإن اعتبرناها سنّة وعقيدة صحيحة، ويبنون على ذلك وجوب موافقتهم في بعض ما يعتقدون، وليس الأمر كما قالوا فإن الاعتداد لمسألتنا إنما يكون بشهادة القرآن ونصوص الحديث الصحيحة لا إلى شهادة الشيعة، وقد ذكر العلماء أن أهل السنّة عليهم إنكار بدع المبتدعة وإن كان المبتدع متعبداً بها معتقداً صوابها، كما صرح بذلك الإمام الغزالي (راجع «إحياء علوم الدين» : جـ2) . ولا بأس أن نقيد إنكارنا على هذه البدع بالقيد المصلحي وفق قاعدة الترجيح بين المفاسد والمصالح المتعارضة، بأن يحتمل المفسدة اليسيرة من أجل درء المفسدة الكبيرة، ونحتمل تفويت المعروف الأصغر حرصاً على جلب المعروف الأكبر. وهذه قاعدة صحيحة عند الفقهاء، ولابن تيمية إسهاب جيد في شرحها - في رسالته المشهورة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وفي عموم كلامه في رسائله الأخرى، والعمل بهذه القاعدة قد يجعلنا نسكت عن إنكار بدعة الشيعة في وقت من الأوقات أو في مكان من الأمكنة سدّاً للذريعة وخروجاً عن أصل الإنكار إذا كان الإنكار يؤدي إلى هياج الفتن وإراقة الدماء والاقتتال بين أهل بلد يتكافأ فيه عدد الشيعة مع عدد أهل السنّة، وأما في الأحوال الاعتيادية التي لا تكون هناك مفسدة تصاحب هذا الإنكار فإنه يكون مستساغاً أو واجباً.. وربما ساغ أن نسكت أيضاً عن صاحب بدعة نرى دلائل الخير فيه وحرصه على الفهم، فيكون من تمام دواعي الرفق معه أن ندعه يكتشف الحق تلقائيّاً وبدراسة ذاتية أو بنصيحة خفيّة منا دون إجفاله بالإنكار العلني عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 المجال الثاني: هو التقريب بين علماء الشيعة وعلماء السنة والدعوة إلى حسن العلاقة بين العامة من أهل العقيدتين، وهذه مسألة مطلوبة وفيها مصالح ظاهرة، وعلى أهل السنّة أن يلتزموا أسلوب البحث العلمي الهادئ في مناقشة بدع المبتدعة وأن يترفقوا معهم، وقد يكون من تمام الترفق زيارتهم ومعاونتهم في الحدود التي لا خلاف فيها أو نجدتهم في الملمات وأيام المصاعب أو نصرهم إذا كانوا في نزاع مع كافر أو ظالم لهم، إلا أن هذا الأصل في التعاون وحسن العلاقة وهدوء البحث لا يمكن أن يطرد دائماً ليشمل من يأتي من الشيعة بغلو يكون في السكوت عنه تحريك الغوغاء والدهماء، بل الواجب أن ننكر على أهل الغلو الشديد والأقوال الشاذة في كل الأحوال، والحد المميز بين الطائفتين: الطائفة الأولى التي نترفق معها في الكلام والطائفة الثانية التي نغلظ لها الكلام إنما يكون كامناً في مدى اعتماد القائل على نص قديم (1) تتكون منه شبهة له، أو على تأويل قد تميل إليه بعض الأذهان، وأما من يتتبع غرائب النقول عن المجاهيل والمتأخرين ومن لا تأويل له فالإنكار منا تجاهه أولى، وربما كان الإغلاظ له أوجب.   (1) الحق أن يقال (على نص شرعي) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 رقم (10) وأخيراً هناك نصوص هامة حول القضية نكتفي بالإحالة عليها في مواضعها. (1) محمد زاهد الكوثري: حديث بعنوان (حول فكرة التقريب بين المذاهب) نشره في كتابه «مقالات الكوثري» ص 148 وما بعدها. (2) علي الطنطاوي: كلمة بعنوان (إلى علماء الشيعة) . نشرها في «مجلة الرسالة» السنة 15، العدد 722، سنة 1947م. (3) نص هام لأحد المشتركين في جماعة التقريب وهو الشيخ عبد اللطيف محمد السبكي، عضو جماعة كبار العلماء بمصر، يكشف أهداف جماعة التقريب في مصر، نشرها في «مجلة الأزهر» : (جـ24/ص 224) . (4) مقالات هامة ومتعددة للشيخ محب الدين الخطيب نشرها في «مجلة الفتح» . المجلد الثامن عشر. (5) نص الرسالة التي بعث بها موسى جار الله إلى شيوخ الشيعة. «الوشيعة» : ص 18. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 دليل المراجع دليل الموضوعات «القسم الثاني»   [التعليق] (*) انظر النسخة المصورة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346