الكتاب: شعر شوقي في ميزان النقد المؤلف: محمد مصطفى المجذوب الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الطبعة: السنة السابعة, العدد الرابع- ربيع الآخر 1395 هـ ابريل 1975 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- شعر شوقي في ميزان النقد محمد المجذوب الكتاب: شعر شوقي في ميزان النقد المؤلف: محمد مصطفى المجذوب الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الطبعة: السنة السابعة, العدد الرابع- ربيع الآخر 1395 هـ ابريل 1975 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] مدخل ... شعر شوقي في ميزان النقد بقلم: فضيلة الشيخ محمد المجذوب المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة ولد أحمد شوقي في مصر عام 1285 هـ وفيها توفي عام 1351 هـ، وتعتبر هذه الفترة مطلع النهضة في حركة الشعر العربي الحديث، ويعد شوقي أكثر شعراء العربية إنتاجاً، وقد أوتي شاعرية فياضة ومخيلة قوية دعمت بالعلم وغذيت بالأسفار، ووراء ذلك طموح شديد إلى بلوغ أعلى ذرى القريض، فهو يحاكي عددا من أكابر شعراء العربية والفرنجة ففي شعره قوة المتنبي وروعة البحتري، وعمق أبي تمام، ورقة ابن زيدون. ويجاري من شعراء الفرنجة فيكتور هيجو في السياسة والتاريخ والأساطير، ولافنتين في الحكايات الخرافية، وكرناي في المآسي التمثيلية هو يريد أن يبلغ شأوهم جميعاً. لذلك تعددت أغراض شعره، ففيه التاريخ والسياسة والاجتماع والدين والوصف والغزل والمدح والرثاء والفخر والحكمة. وفيه الشعر التعليمي والتمثيلي. وهو في كل أغراضه ذو طابع خاص يميزه عن جميع الشعراء، الذين حاول محاكاتهم، وإن كان يشبههم في كثير من الخصائص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 1_ شعره السياسي : تتفاوت نظرة شوقي السياسية تبعاً لظروفه الشخصية وظروف الحياة العامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 ففي المرحلة الأولى من حياته _ حياة القصر _ يدور مع رأي ولي أمره فيعادي خصومه ويصادق مؤيديه. لذلك نراه يحمل على أحمد عرابي ويعده خائناً: صغار في الذهاب وفي الإياب ... أهذا كل شأنك يا عرابي؟ وهو يعبر بذلك عن نظرة البلاط إلى عرابي. وبمثل ذلك يواجه (رياض باشا) رئيس الوزارة لأنه أثنى على اللورد كرومر بكلمة أساءت إلى مصر وإلى الخديوي عباس الذي كان شوقي شاعره: خطبت فكنت خطباً لا خطيباً ... أضيف إلى مصائبنا العظام لهجت بالاحتلال وما أتاه ... وجرحك منه لو أحسست دامي ولنستمع إليه يحمل على الأمير حسين واللورد كرومر والشيخ عبد الكريم سلمان بمناسبة سفر كرومر إلى بلاده، وقد خطب هذا في حفلة أقيمت لوداعه فهاجم الخديوي عباساً والمصريين على مسمع من حسين والشيخ دون أن يحركا ساكناً: لما رحلت عن البلاد تشهدت ... فكأنك الداء العياء رحيلا أوسعتنا يوم الوداع إهانة ... أدب لعمرك لا يصيب مثيلا في ملعب للمضحكات مشيد ... مثلت فيه المبكيات فصولا شهد الحسين عليه لعن أصوله ... وتصدر الأعمى به تطفيلا جبن أقل وحط من قدريهما ... والمرء إن يجبن يعش مرذولا ولكن من العجائب أن ينسى شوقي إساءة الأمير حسين هذا بعد حين، فيمدحه ويمدح معه الإنكليز، الذين خلعوا سيده عباساً وجاءوا بحسين سلطاناً مكانه على مصر. فيعتبر عمل الإنكليز هذا خدمة لمصر وحفظاً للوائها، ويشبههم بالمسلمين الأولين ويسميهم الأحرار العادلين: حلفاؤنا الأحرار ألا إنهم ... أرقى الشعوب عواطفاً وميولا لما خلا وجه البلاد لسيفهم ... ساروا سماحاً في البلاد عدولا وأتوا بكابرها وشيخ ملوكها ... ملكاً عليها صالحاً مأمولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 والأغرب من ذلك أن يتوارد في كلتا القصيدتين على رويّ واحد وبحر واحد دون أن يتذكر تناقضه العجيب! ولكن شوقي لا يفوته أن يعتذر عن هذا التناقض بين أمس واليوم، فالذي يهمه هو أن يظل الحكم في آل محمد علي لا فرق بين واحد وواحد منهم. لذلك يرى من الوفاء أن ينصر كل ذي سلطان يقوم من أبناء إسماعيل: أأخون إسماعيل في أبنائه ... ولقد ولدت بباب إسماعيلا! وهكذا كان موقف شوقي من الأتراك فهو بدافع من عرقه التركي يرى الخلافة لا تصلح إلا لهم، ويؤيد سياسة عبد الحميد فيعتبر عهده عهد الرحمة والعدالة والخير، إلاّ أنه لا يرى بأساً أن تنتقل الخلافة إلى أخيه محمد رشاد بعد ذلك، فيبايع هذا ويمدح الدستوريين الذين خلعوا عبد الحميد!. . لأن المهم في نظره أن يبقى السلطان للأتراك، ولذلك نقم شوقي أول الأمر من الشريف حسين لثورته وتعاونه مع الإنكليز، ولما ألغى مصطفى كمال الخلافة خشي أن توسد إلى الشريف حسين، فأخذ يحذر المسلمين من ذلك، ويصف الشريف حسيناً بالمعجز والإضرار للمسلمين: لا تبذلوا برد النبي لعاجز ... عزل يدافع دونه بالراح بالأمس أوهى المسلمين جراحة ... واليوم مدّ لهم يد الجراح وعلى الرغم من انقطاع علاقة الأتراك بمصر والبلاد العربية ظل شوقي متصل القلب بهم يراقب حوادثهم، وبهذا الحافز اندفع إلى مدح مصطفى كمال عند انتصاره على اليونان، بقصيدة عارض بها (عمورية) أبي تمام، فكانت صورة عن عواطفه نحو الأتراك، وترجماناً عن شعوره العميق بالأخوة الإسلامية التي لا تفرق بين جنس وجنس: الله أكبر كم في الفتح من عجب! ... يا خالد الترك جدد خالد العرب يوم كبدر فخيل الحق راقصة ... على الصعيد وخيل الله في السحب غر تظللها غراء وارفة ... بدرية العود والديباج والعذب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 نشوى من الظفر العالي مرنحة ... من سكرة النصر لا من سكرة النصب حتى تعالى أذان الفتح فاتأدت ... مشي المجلى إذا استولى على القصب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 2_ التطور في أفكاره السياسية : على أن تبدل الأوضاع السياسية في البلاد العربية والإسلامية عقيب الحرب العالمية الأولى أثر في عقلية شوقي تأثيراً كبيراً، فقد عاد شوقي من منفاه في الأندلس بعد الحرب، فوجد كل شيء قد تغيّر، فقل اتصاله بالقصر، ويئس من موقف الأتراك بعد إلغائهم الخلافة، فأتيح له بذلك أن يلتفت إلى الشعب المصري وأن يتأثر بحوادث النضال الوطني في البلاد العربية. وهكذا بدأ مرحلته الجديدة كشاعر 1 للمجتمع، ومذ ذلك العهد أقبل شوقي على الاهتمام بقضايا الشعب المصري والأمة العربية، يسجل آلام العرب وآمالهم وكفاحهم في شعر وجداني رفيع. وقد تفتقت بواكير حنينه إلى وطنه أثناء نفيه عنه، ففي المنفى نظم شوقي طائفة من أروع شعره الوطني الخافق بالعواطف: وسلا مصر: هل سلا القلب عنها ... أو أسا جرحه الزمان المؤسى! وطني لو شُغِلْتُ بالخلد عنه ... نازعني إليه في الخلد نفسي وهكذا اتجه همّ شوقي إلى الدفاع عن مصر وحريتها، فيرسل أشعاره الثائرة هجوماً على الأجنبي وتنديداً بأعماله، وإثارة للأحزاب المصرية إلى التعاون ونبذ التخاصم: إلام الخلف بينكم إلام ... وهذي الضجة الكبرى علام؟ وفيم يكيد بعضكم لبعض ... وتبدون العداوة والخصاما؟ وفي هذا الجو الجديد من حياة شوقي ينسى حملته على الشريف حسين بالأمس، ويرثيه بقصيدة من خير شعره، حتى ليَشغَل بمأتمه السماء والأرض:   1 الكاف زائدة، والاسم المجرور بها محله الحال، وهو من فصيح الكلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 لك في الأرض والسماء مآتم ... قام فيها أبو الملائك هاشم وبديل التهم الجارحة التي وجهها إليه في خروجه على الخلافة يعود الآن ليفرغ على عمله طابع القداسة، فيشبهه بالحق الذي يؤلف بين المؤمنين: أنت كالحق ألف الناس يقظا ... ن وزاد ائتلافهم وهو نائم ويعتبر ثورته إلى جانب الإنجليز موقفاً يستحق أحسن المديح: حبذا موقف غلبت عليه ... لم يقفه للعرب قبلك خادم ولذلك لا يرى كفؤاً لغسله إلا وضوء النبيين، ولا لتكفينه إلا رقعا من مواضع صلواتهم، ولا يصلح لضم جثمانه إلا نعش مؤلف من أعواد المنبر النبوي، ولا لحمله إلا ظهر البراق الذي كان مركب الرسل من قبل: اغسلوه بطيب من وضوء الر ... سل كالورد في رباه البواسم وخذوه من وسادهم في المصلى ... رقعة كفنوا بها فرع هاشم واستعيروا لنعشه من ذرى المنبر ... عوداً ومن شريف القوائم واحملوه على البراق إن اسطعتم ... فقد جل عن ظهور الرواسم على أن أروع ما انطوت عليه تلك القصيدة حديثه عن واقع المسلمين تحت أوزار الاستعمار، وما خبره من مغامرة المرثي في نصرة هؤلاء الأراقم: قم تحدث أبا علي إلينا ... كيف غامرت في جوار الأرقم كلنا وارد السرّاب، وكل ... حمل في وليمة الذئب طاعم قد رجونا من الغنائم حظاً ... ووردنا الوغى فكنا الغنائم وأكثر ما يتجلى هذا التطور في قصائده التي يسجل بها كفاح دمشق وسورية في طلب الحرية، ومن أشهر شعره الجديد قصيدتاه عن دمشق (سلام من صبا بردى..) و (قم ناج جلق. .) وفي كليتيهما يقف شوقي موقف المؤرخ الواصف الناصح المحرض: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 ألست دمشق للإسلام ظئرا. ... ومرضعة الأبوة لا تعق. بني سورية اطّرحوا الأماني. ... وألقوا عنكم الأحلام ألقوا. فمن خدع السياسة أن تغروا. ... بألقاب الإمارة وهي رق. وقفتم بين موت أو حياة. ... فإن رمتم نعيم الدهر فاشقوا. وللحرية الحمراء باب. ... بكل يد مضرجة يدق. وهكذا أصبح شعر شوقي وتراً حساساً يسجل جميع الاهتزازات التي تعتري البلاد العربية فلا تجد حادثة من حوادثها السياسية إلا تركت آثارها في قلبه وشعره, فهو بذلك صاحب فكرة توجيهية تستهدف بعث الحمية بتذكير العرب ماضيهم المجيد، ودفعهم إلى بناء حاضرهم الجديد، وإلى هذا يشير بقوله: كان شعري الغناء في فرح الشر ... ق وكان العزاء في أحزانه وليس الشرق في نظر شوقي إلا وطن العرب والإسلام، تربطه به روابط اللغة والتاريخ ثم الآلام والآمال المشتركة: نصحت ونحن مختلفون داراً ... ولكن كلنا في الهم شرق ويجمعنا _ إذا اختلفت بلاد_ ... بيان غير مختلف ونطق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 3_ شعر شوقي الاجتماعي : والاجتماعيات عند شوقي ممزوجة بشعره السياسي والتاريخي أو مستقلة في قصائد خاصة، وقد أفرد لهذه الأغراض الثلاثة باباً خاصاً في ديوانه. وتتفاوت أساليب شوقي في الاجتماعيات، فبعضها أناشيد للأحداث، وبعضها حكايات خرافية على ألسن الحيوان, وبعضها الآخر يتناول موضوعات عامة ممّا يتصل بحياة المجتمع مباشرة، كالمرأة والتعليم والعمال والأخلاق والعلاقات الدينية وغير ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 أ- المرأة: كان موضوع المرأة:تعليمها وحجابها وسفورها من مشاكل العصر أيام شوقي, لذلك لم يجد مندوحة عن الكلام في هذا الشأن فهو يرى أن تعليم المرأة أمر لابد منه لإنشاء الجيل الصالح: وإذا النساء نشأن في أمية ... رضع الرجال جهالة وخمولا ليس اليتيم من انتهى ابواه ... هم الحياة وخلفاه ذليلا إن اليتيم هو الذي تلقى له ... أماً تخلت أو أباً مشغولا ويا ليته وقف عند مثل هذه الجوانب الهامة من قضية المرأة, فوعظ وأرشد وأصلح, ولكنه لم يستطع فزج بنفسه إلى مواقف لم يحسن التخلص منها, إذ راح أولاً يؤيد ميول البلاط بالدفاع عن الحجاب, ثم لم يلبث أن انساق في التيار الذي ألفه في أوروبة والبوسفور, فانقلب يزين للمرأة سبيل الزيغ, الذي بدأ في مصر منذ الاحتلال الفرنسي, ثم استأنف سيرته على يد السافرة الأولى هدى شعراوي ... ب-الدين في شعر شوقي: ويرى شوقي كيف يستغل الأجنبي الفوارق الدينية بين أبناء وطنه, فيهاجم التعصب ويدعو إلى الأخوة, ويلفت نظر المواطنين إلى الأهداف الإنسانية المستركة بين المسيحية والإسلام, صيانة للمجتمع من التفكك الذي يسهدفه العدو. وكثيراً ما يكرر شوقي هذه المعاني توكيداً لها, كما يفعل في مدح السيد المسيح والإشادة برسالته الإنسانية القائمة على المحبة والرحمة: ولد الرفق يوم مولد عيسى ... والمروءات والهدى والحياء وسرت آية المسيح كما يسري ... من الفجر في الوجود الضياء وكما تعثر شوقي في ميدان المرأة أخذه (الشطح) في ميدان التزلف إلى أصدقائه من النصارى, فأكثر من التعابير النصرانية, وخص الصليب بالكثير من الرعاية في أكثر من قصيدة.. حتى إن المدقق في معانيه هذه لا يكاد يحس فرقاً بين لهجته تلك ولهجة أي نصراني يؤمن بهذه المصطلحات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 ولا غرابة فشوقي مأخوذ بجواذب البيئة التي افتعلها السياسة في مصر وغير مصر من البلاد العربية، التي حاول رجال السياسة المسلمون فيها إحباط المساعي الاستعمارية لاستغلال الأقليات المسيحية، فراحوا يتزلفون إلى هذه الأقليات بكل ما يظنونه محققاً لأهدافهم الوطنية. . . ولو أدى ذلك إلى تقديس ما يعتبر في عقيدتهم الإسلامية من المنكرات بل المكفرات. . . وبمثل هذا الاندفاع غير الواعي استسلم شوقي لبعض الأفكار غير السليمة في مدائحه النبوية، فشوه جمالها بتلك الانحرافات، التي التقطها من ألسنة (الدراويش) وكتبهم. . دون أن يسمح لعقله بالتفكير في محتوياتها الشاردة عن نطاق التوحيد. . وحسبنا أن نشير من ذلك إلى قوله _ في نهج البردة _ مخاطباً رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألقى رجائي _ إذا عز المجير _ على. ... مفرج الكرب ف الدارين والغُمَمِ. وإن تقدم ذو تقوى بصالحة. ... قدمت بين يديه عبرة الندم. وقد نسي شوقي في غمرة التقليد ألا مفرج لكرب إلا الله، وأن عبرة الندم لا تكسب إلا بين يديه سبحانه.. كما علمنا رسوله صلوات الله وسلامه عليه. وأبعد في التقليد من ذلك قوله في همزيته: ما جئت بابك مادحاً بل داعياً ... ومن المديح تضرع ودعاء أدعوك عن قومي الضعاف لازمة. ... في مثلها يلقى عليك رجاء. ومثل شوقي لا يعذر إذا جهل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الدعاء هو العبادة ", و " الدعاء مخ العبادة ", ولكنه التقليد الضرير الذي يحشر العقلاء في زمرة السفهاء. ولعل وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الهمزية بمثل قوله: الاشتراكيون أنت إمامهم. ... لولا دعاوى القوم والغلواء. لا يقل تخبطاً عن زلاته تلك، فهو بهذا النعت يسيء إلى رسول الله صلى الله عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 وسلم من حيث يظن أنه يمدحه، كأولئك {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} . وليت شوقيّا تأخرت به الأيام إلى عهود (الثوريات الاشتراكية) وشاهد ما لقيت أمته على أيدي هؤلاء الاشتراكيين من الذل والعار والضياع. . إذن لعض يديه ندماً على ما فرط. . ولحاول تدارك ما تفلت به لسانه بقصائد تكفر بعض هاتيك السيئات. ومما يلفت النظر ف هنوات شوقي هذه أنها تلاحقه في معظم إسلامياته حتى ليقول للسلطان عبد الحميد عليه رحمة الله: بحمد الله رب العالمينا. ... وحمدك يا أمير المؤمنينا. فيسوي في استحقاق المحمدة بينه وبين الله عز وجل، دون أن يفطن لخطر التعبير، الذي حذر منه رسول الله عليه وسلم أشد التحذير، حين قال للرجل الذي سوى بين مشيئة الله ومشيئة رسوله: "أجعلتني لله ندا؟ . . . قل ما شاء الله ثم شئت". 4_ شوقي والعمال: ويدعو شوقي لإتقان العمل، ويرى أن العمال المتقين هم عمار الأرض، لذلك يحث عمال مصر على الجد والإتقان، ويذكرهم بماضي أجدادهم وما تركوه من آثار عمرانية رائعة، ليستعيدوا بعزائمهم ذلك العهد المجيد: أيها العمال: أفنوا العمر. . . . . كداً واكتساباً واعمروا الأرض فلولا. . . سعيكم أمست يبابا إن للمتقين عند الله والناس ثوابا أرضيتم أن ترى مصر من الفن خرابا بعدما كانت سماء للصناعات وغابا 5_ الأخلاق في نظر شوقي: كان شوقي كثير الدعوة إلى الأخلاق يراها الأساس الأول لقوة الأمة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وقد حرص على تريد هذه الدعوة في كثير من قصائده، ومن مشهور أقواله في ذلك: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هُم ذهبت أخلاقهم ذهبوا وهذا الرأي في قيمة الأخلاق دعاه إلى مخافة القول المألوف (الحق للقوة) إذ راح يذكر القائد الصليبي الجديد، اللورد (اللنبي) بأن للحق لا للقوة الغلبا. . وهناك قصائد عديدة من شعر شوقي الاجتماعي يتغلغل بها إلى صميم القضايا الاجتماعية الوطنية والإنسانية تتفاوت في مقدار حظها من الجمال. ومن أروعها قصيدة (مصاير الأيام) وفيها يتحدث عن حياة الطفولة والمدرسة، و (مملكة النحل) وفيها يضرب المثل للجد وأثر العمل في ميزان الحياة. وبالإجمال فشوقي في شعره الاجتماعي مصلح يريد الأمة قبل الفرد. وقد بلغ من أمره هذا ما جعله شاعر الشعب بل شاعر الشرق الإسلامي كما يقول أحد دارسيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 6_ شعره الوصفي : للوصف في شعر شوقي نصيب كبير وفي وصفه روائع حلق بها إلى آفاق بعيدة، ويعتبر من أبرع الوصافين في عصر النهضة وبخاصة من حيث الصور المادية التي كان بها أكثر توفيقاً منه في الصور المعنوية. ومن وصفه القديم كوصف الخمرة والمرأة والطبيعة، ومنه الحديث كوصف الرقص والطيارة والغواصة وحضارة الغرب، وقد تناول في وصفه بعض الموضوعات المطروقة من قبل فأخرجها في صور جديدة بارعة،، كوصفة آثار الفراعنة والحرب والمدن المنكوبة، وهو غني الصور في وصفه يمتاز بسعة الخيال ووفرة الألوان، ولعل أفضل وصفه ما قصد به إلى العبرة والموعظة، كوصفه نكبة دمشق والمسجد الأموي وقصر الحمراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 ولقد فتن شوقي بجمال دمشق فهو يراها جنة من جنان الله، بل هي بالنسبة للأرض حديقتها التي تسكب عليها الجمال، وبردى في نظره حارس هذه الجنة، يخرج مصفقاً لاستقبال نزلائها، أما غوطتها فهي زمردة خضراء، وليست منتزهاتها إلا ملاعب ومسارح. . . جرى وصفق يلقانا بها بردى ... كما تلقاك دون الخلد رضوان دخلتها وحواشيها زمردة ... والشمس فوق لجين الماء عقيان والحَوْر في دمّر أو حول هامتها ... حُور كواشف عن ساق وولدان وربوة الواد في جلباب راقصة ... الساق كاسية والنحر عريان وقد صفا بردى للريح فابتردت ... لدى ستور حواشيهن أفنان هكذا يمضي شوقي في هذا الوصف المترف لدمشق، فيجمع فيه من الألوان والظلال وصور البهجة واللهو ما يعبر عن طبيعته المشبعة بالترف النزاعة إلى اللذائذ. وإذا وقف شوقي أمام آثار مصر القديمة غَمَره الخشوع، وتفاعلت نفسه بذكريات حزينة على مجد ضائع، فيعرض ما يراه من تلك الآثار ممزوجاً بأحاسيسه النفسية، في صور دقيقة تفرغ الحياة على تلك الجمادات. فلنستمع إليه يصف هيكل أنس الوجود بأسوان وقد غرق بعضه في الماء، وانتصب بعضه في الفضاء: أيها المنتحي بأسوان داراً ... كالثريا تريد أن تنقضا اخلع النعل واخفض الطرف واخشع ... لا تحاول من آية الدهر غضا قف بتلك القصور في اليم غرقى ... ممسكاً بعضها من الذعر بعضا شاب من حولها الزمان وشابت ... وشباب الفنون ما زال غضا وليست أطلال العرب بأقل أثراً في نفس شوقي من أطلال الفراعنة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 ففي كلتيهما ما يوقظ أساه على هذه الأمة، التي خسرت أمجادها، فلم يبق لها منها سوى هذه الأطلال المحركة لعميق الذكريات. هاهو ذا يصف قصر الحمراء في الأندلس، فتكاد تلمح الدموع تجول في مقلتيه، وتسمع الآهات تسيل على شفتيه: مشت الحادثات في غرف الحمرا ... ء مَشْيَ النعِيِّ في دار عرس هتكت عزة الحجاب وفضت ... سدة الباب من سمير وأنس وترى مجلس السباع خلاء ... مقفر القاع من ظباء وخُنس مرمر قامت الأسود عليه ... كلة الظفر لينات المجس وكدأبه في مثل هذا الموقف تتداعى في خياله صور الماضي ممزوجة بعبر الحاضر، فيعرض هذا المشهد التاريخي الرهيب لخروج آخر فوج لمسلمي الأندلس: خرج القوم في كتائب صم ... عن حفاظ كموكب الدفن خُرس ركبوا بالبحار نعشاً وكانت ... تحت آبائهم هي العرش أمس فهذا وصف دقيق عميق، تمتزج فيه المعنويات بالمحسوسات، امتزاجاً حياً مؤثراً يبعث الروح في أطلال الماضي بما فيها من الروعة والرهبة. أما وصفه لمظاهر المدنية الحديثة، فلا نكاد نلمس من خلاله ما ألفناه من ذلك التأثر العميق الذي نحسه في وصفه لآثار العرب والفراعنة, أنظر إليه يصف الغواصة تجده يدقق في وصف خطرها، وتتبع حركاتها، وسرعة عملها، دون أن تحس بحرارة العاطفة: بعث البحر بها كالموج من ... لجج السند وخلجان الخزر ضربتها وهي سر في الدجى ... ليس دون الله تحت الليل سر وجفت قلباً وخارت جوء جؤاً ... ونزت جنباً وناءت من أُخر طُعنت فانبجست فاستصرخت ... فأتاها حَيْنها فهي خبر فهو وصف معركة بين الغواصة والسفينة يروعنا بقوة تعبيره دون تأثيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 ومثل ذلك ما نراه في وصفه للطائرة، فهي لا تخرج عن كونها مركباً عجيباً، أشبه بالجواد، ملجماً مهيأ للركوب في كل لحظة: مركب لو سلف الدهر به ... كان إحدى معجزات القدماء نصفه طير ونصف بشر ... يا لها إحدى أعاجيب القضاء مسرج في كل حين ملجم ... كامل العدة مرموق الرواء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 7_ الرثاء في شعر شوقي : أكثر شوقي من الرثاء حتى عيب عليه ذلك فرد عن نفسه مدافعاً: يقولون: يرثي الراحلين فويحهم ... أأملت عند الراحلين الجوازيا؟ لم يتكسب برثائه ولكنه لم يرث بدافع من الحزن وحده، بل هناك دوافع شتى، كالمجاملة وحب الشهرة, ومرثيوه من طبقات مختلفة, سياسيون وأدباء وأجانب. . ومن خصائص رثائه ضعف العاطفة _ حتى في أبويه _ ثم التفلسف وكثرة الحكم، تقليداً للقدامى. فهو رثاء عقلي واعٍ، يقوم على هذه العناصر مضافاً إليها تعداد المناقب والمآثر, لنستمع إليه يرثي والده فينسى وصف حزنه بهذا التفلسف البارد: أنا من مات ومن مات أنا ... لقي الموت كلانا مرتين نحن كنا مهجة في بدن ... ثم صرنا مهجة في بدنين وتموت أمه وهو منفي فلا يتمالك أن يتخذ من موتها فرصة لمعارضة قصيدة المتنبي في جدلة قافية ووزناً ومعنى، فيصيبه الإخفاق لما يبدو على قصيدته من التقليد الباهت، وبخاصة في الحكمة التي حاول أن يحاكي بها المتنبي، فجاءت فارغة جوفاء أو مسروقة محرفة: إلى الله أشكو من عوادي النوى سهما ... أصاب سويداء الفؤاد وما أصمى ولم أرَ حكماً كالمقادير نافذاً ... ولا كلقاء الموت من بينها حتما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 إلى حيث آباء الفتى يذهب الفتى ... سبيل يدين العالمون به قدما زجرت تصاريف الزمان فما يقع ... لي اليوم منها كان بالأمس لي وهما وهكذا تخون العاطفة شوقياً في رثاء أقرب الناس إليه، فلا ينتظر أن يكون أشد عاطفة في رثاء الآخرين. ولكن هذا لا يمنعه أن يجعل من بعض مراثيه صوراً بارعة، تهز النفوس بما فيها من قوة الحبك وروعة العبرة، كالذي نجده في رثائه لسعد وعمر المختار والحسين وفوزي الغزى، ولقد يبالغ في بعض هذه المراثي كما يصنع في سعد على طريقة أبي تمام: شيعوا الشمس ومالوا بضحاها ... وانحنى الشرق عليها فبكاها ليتني في الركب لما أفلت ... يوشع همت فنادى فثناها ولكنها مبالغات مقبولة في هذا الموقف، إذ تمثل هول الفاجعة بقائد ركزت عليه الدعاية أنظار مصر والبلاد العربية جميعاً. . ثم يأخذ في تعداد مناقب سعد وأثر موته. . . طافت الكأس بساقي أمة ... من رحيق الوطنيات سقاها عطلت آذانها من وتر ... ساحر رن ملياً فشجاها قدر بالمدن ألوى والقرى ... ودها الأجيال منه ما دهاها ومن خصائص شوقي في رثائه أنه يتحدث إلى الأموات فيسألهم ويخبرهم، فهو يخاطب الحسين بن علي فيسأله عن السبب الذي دفعه إلى التعاون مع الإنكليز: قم تحدث أبا علي إلينا ... كيف غامرت في جوار الأراقم ويسأل رياض باشا عن أسرار الموت: رهين الزمن حدثني ملياً ... حديث الموت تبد لي العظات سألتك: ما المنية، أي كأس ... وكيف مذاقها، ومن السقاة! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 ويلاحظ أن شوقياً إنما يلجأ إلى ذلك التهويل وهذه التساؤلات والتأملات ستراً لنقصه العاطفي في مواقف الرثاء, على أن أجمل رثائه ما بكى فيه ممالك المسلمين ومدنهم المنكوبة كالحمراء ودمشق وأدرنة، وما بكى فيه زوال الخلافة على يد أياتورك. ففي هذه المراثي يذوب قلب شوقي حسرة وألماً، فيأتي رثاؤه نابضاً بالحس مائجاً بالحياة. وأنى لشاعر غير شوقي أن يعرض مسجد بني أمية في مثل هذه الصورة الحزينة العميقة الباكية: مررت بالمسجد المحزون أسأله ... هل في المصلىّ أو المحراب مروان؟ تغير المسجد المحزون واختلفت ... على المنابر أحرار وعُبدان فلا الأذان أذان في منارته ... إذا تعالى، ولا الآذان آذان وأنىّ لغير الأعلين من فحول الشعراء أن يرتفعوا بمعانيهم وأخيلتهم وصياغتهم إلى مستوى الكارثة الكبرى المتمثلة بسقوط الخلافة، كما صنع شوقي؟ لقد أنشد في انتصار الطاغية على أوشاب اليونان أحفل قصائده بألَق البهجة والاعتزاز، فلما فوجئ بانقلابه المجرم على خلافة المسلمين، لم يستطع أن يحبس مشاعره الثائرة، فانطلق يندب تلك العروس التي اغتيلت ليلة الزفاف، بأيدي الذين تظاهروا بإنقاذها من أيدي أعدائها، وقد أعماهم الهوى حتى نسوا أن التي بها يفتكون إنما هي وشيجة فخرهم ومرتكز مآثرهم وأمجادهم، فعزهم يهدمون، وشرفهم يثلمون، ووحدة المسلمين يمزقون: يا للَرجال لحرة موءودة ... قتلت بغير جريرة وجناح إن الذين أست جراحك حربهم ... قتلتك سلمهمو بغير جراح هتكوا بأيديهم ملاءة فخرهم ... مَوْشِيةً بمواهب الفتاح وعلاقة فصمت عرى أسبابها ... كانت أبر علائق الأرواح نظمت صفوف المسلمين وخطوهم ... في كل غدوة جمعة ورواح وفي غمار النكبة لا يفوته أن يوجه إلى العالم الإسلامي، وبخاصة الشعب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 التركي، بعض ما يستحقه من التقريع، على ما أحاط به ذلك الغادر من أمواج الحب والإعظام، التي أوهمته أن المسلمين سيصفقون لكل قرار يصدره ولو كان فيه تخريب الكيان الإسلامي بأسره: تركته كالشبح المؤلّهِ أمة ... لم تسلُ بعد عبادة الأشباح هم أطلقوا يده كقيصر فيهمو ... حتى تناول كل غير مباح ويا لها وثبة عبقرية تلك التي تطل بشوقي على ما وراء مصرع الخلافة من فتوق، تفتح على العالم ما لا يمكن حصره من الآفات والكوارث، التي كانت الخلافة الناظمة لوحدة المسلمين هي الحاجز الواقي دونها، فبزوالها سيكون المسلمون فريسة لكل طامع، ونهبة لكل فتنة يثيرها الدجالون من المتقاتلين على تركة الخلافة: مَن قائل للمسلمين مقالة ... لم يوحها غير النصيحة واحي فَلَتَسمعُنّ بكل أرض داعياً ... يدعو إلى (الكذاب) أو لـ (سجاح) وَلَتَشهدُنّ بكل أرض فتنة ... فيها يباع الدين بيع سماح ويأبى القدر إلا أن تتحقق توقعات شوقي فتمتلئ دنيا المسلمين خلال نصف قرن بالعشرات من أمثال (مسيلمة) وصاحبته (سجاح) . . . ولا حول ولا قوة إلا بالله!. . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 8_ شعر شوقي التمثيلي : كان اللبنانيون أسبق الجميع إلى معالجة الفن المسرحي تقليداً للغربيين، وقد سبقوا إلى ترجمة المسرحيات الغربية، وإلى تمثيل بعضها، ثم ما لبثوا أن اتجهوا إلى وضع المسرحيات نثراً وشعراً. ولما جاء شوقي كان الشعر التمثيلي العربي لا يزال يحبو في دور الطفولة، وكان شوقي قد تشبع بهذا الفن بما قرأ من التمثيليات الغربية وبما شهد منها على المسارح الأجنبية، مما أحدث في نفسه ميلاً إلى معالجة هذا الفن، فكانت أولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 محاولاته في فرنسة، إذ وضع أول تمثيلية ولكنه لم ينشرها، وانصرف عن ذلك الاتجاه زمناً حتى أتيح له أن يعود إليه بعد عودته من المنفى، وهنا أخذ شوقي في وضع تمثيلياته الشعرية التي قفزت بشهرته إلى الأوج، وكانت بنفسها حدثاً أدبياً كبيراً في عالم الشعر العربي الحديث، دفعه إلى ما نحسه اليوم في هذا الفن من حيوية تضمن له البقاء. ويمكن حصر هذا التأثير في ثلاثة أشياء: أ _ في الوزن: كان الشعر التمثيلي قبل شوقي مقيداً بوحدة البحر في مجموع التمثيلية، فحطم شوقي هذا القيد، وجعل تمثيليته متعددة الأوزان يتنقل بها بين البحر والبحر، فيكسبها مرانة وحرية. ب _ القافية: وكانت القافية في الشعر التمثيلي قبله واحدة في مجموع المسرحية، مما يبعث الملال في نفس القارئ والناظر، فحطم شوقي هذا القيد الآخر، إذ خرج بأشعار التمثيلية من القافية الواحدة إلى القوافي التعددة، في رشاقة محببة تبعث في التمثيلية القوة والحياة. ج _ الحوار: وكذلك كان الحوار قبل شوقي في جمود يخالف طبيعة الحياة، وذلك أن شخص القصة لا يتم عبارته في أقل من بيت، فأجهز شوقي على هذا القيد الأخير، فإذا هو يتصرف في الحوار تصرفاً بارعاً، فيوزع البيت الواحد أحياناً بين عدة متكلمين من شخصيات القصة. وهكذا نرى لشوقي فضلاً لا يجحد في إخضاع الشعر لفن التمثيل، فقد حرره من ثقل القيود فخالف في أنواعه، وخالف في أوزانه، وخالف في قوافيه، وذلل مطية الحوار، فقربه من طبيعة الواقع، وبذلك اتسع أمامه مجال القول وانطلق له عنان الفكر والخيال، وقد ساعدت شوقياً على مهمته هذه شاعريته المتدفقة، التي حجبت الكثير من نواحي ضعفه في هذا الفن، فقد ينقصه التوفيق الفني في بعض مشاهد تمثيلياته، ولكنه يعوض عن ذلك بوثبات شعرية رائعة تأخذ باب السامع والقارئ. . . ومن خصائصه في تمثيلياته أن شعره يتلاءم مع مواقفه العاطفية فيلين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 موضع اللين، ويشتد موضع الشدة، ويغرق بالصور البدوية عندما يعالج الموضع البدوي _ كمجنون ليلى _ وبالصور المصرية القديمة عندما يعالج الموضوع المصري القديم _ مثل كليوباترة _ وفي جو هذه الألوان المتوافقة المنسجمة يكاد الناقد ينسى مواطن الضعف في النواحي التمثيلية من شعر شوقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 9_ مسرحيات شوقي : بدأ شوقي ينشر مسرحياته منذ عام 1929 م فأخرج منها (كليوباترة، وعلي بك الكبير، ومجنون ليلى، وقمبيز، وأميرة الأندلس) . وقد بنى شوقي مسرحياته كلها على حوادث التاريخ، وأدخل في بعضها الأساطير، وجميعها من نوع المأساة الذي يقوم على الطابع الجدي المحزن. وبعض مآسيه مستمد من التاريخ المصري (كليوباترة. . قمبيز. . علي بك الكبير) وبعضها من التاريخ العربي: مجنون ليلى. . أميرة الأندلس. . عنترة) . ولكن شوقي لا يتقيد في تمثيلياته بحقائق التاريخ، بل يتصرف فيها تصرف المِفنّ، فيغير ويبدل في الوقائع، ويدخل إليها أحداثاً من اختراعه، فيوفق حيناً ويخفق أحياناً، وقد أخذ عليه إدخال حوادث طفيلية على بعض مسرحياته كان من الخير لو تجنبها. وهو في مجموع هذه المسرحيات يستهدف أغراضاً أخلاقية ومبادئ سامية كخير المجتمع، وتغليب الواجب على شهوات النفس. والحب عنصر رئيس في كل مآسيه، ولكن الواجب هو الذي ينتصر دائماً على الحب، كما هو الشأن في مآسي كورني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93