الكتاب: فتوح البلدان المؤلف: أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلَاذُري (المتوفى: 279هـ) الناشر: دار ومكتبة الهلال- بيروت عام النشر: 1988 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- فتوح البلدان البلاذري الكتاب: فتوح البلدان المؤلف: أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلَاذُري (المتوفى: 279هـ) الناشر: دار ومكتبة الهلال- بيروت عام النشر: 1988 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] المؤلف: أبو الحسن (أبو بكر أو أبو جعفر) أحمد بن يحيى بن جابر بن داود، كاتب، أديب، راو شاعر ومن أبرز المؤرخين الإسلاميين في القرن الثالث. لا توجد معلومات دقيقة عن تاريخ ولادته ووفاته وأرباب التراجم في عصره لم يقدموا صورة واضحة عن حياته. وإن أقدم مصدر يتحدث عنه هو تاريخ بغداد لابن أبي طاهر طيفور (ت 280) ولكن وللأسف لم يبق من هذا الكتاب المهم سوى الفصل السادس الذي يحوي وقائع سنة 204 إلى 218 ولا يضم ترجمته. إلا أن ياقوت الحموي أعد عبر هذا الكتاب وكتب أخرى تقريرا عن حياته في معجم الأدباء. يبدو أن البلاذري ولد في بغداد ما بين سنتي 170 و 180 وقضى معظم حياته في العراق ولذا يمكن اعتباره عربيا ولكن البعض اعتبره أنه من أصل فارسي. تلقى العلوم في حمص وأنطاكية وأفاد في العراق من كبار العلماء أمثال محمد بن سعد كاتب الواقدي (ت 230) وعلي بن محمد المدائني (ت 224) ومصعب الزبيري (ت 233) وأبي عبيد قاسم بن سلام (ت 224) . كما وتتلمذ على يديه العديد أمثال وكيع القاضي وجعفر بن قدامة وابن النديم على قول وغيرهم. دخل البلاذري إبان شبابه في بلاط المأمون ونظم في مديحه أشعارا ثم اعتزل بعد وفاة المأمون وفي عهد خلافة المعتصم والواثق ولكنه حظي باهتمام المتوكل ودخل في بلاطه ثانية وبقي على هذا الحال في عهد المنتصر (247- 248) والمستعين (248- 252) والمعتز (252- 255) أيضا. ولكنه بعد وفاة المعتز ومجيء المتعمد ترك البلاط وأصابه الضيق والضنك حتى وافاه الأجل في أواخر عهد المتعمد أو أوائل خلافة المعتضد (279- 281) نحو 279. آثاره وصل بأيدينا أثران تاريخيان للبلاذري وهما: 1- أنساب الأشراف. 2- فتوح البلدان أو كتاب البلدان الصغير وهو من أهم الكتب التي وصلتنا في فتوحات المسلمين منذ زمن هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. الكتاب والمؤلف بسم الله الرحمن الرحيم هذا الكتاب: كتاب فتوح البلدان، لمؤلفه المؤرخ، الرحالة، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري [1] ويظهر أنه مختصر عن كتاب أطول منه، سماه «كتاب البلدان الكبير» ولم يكمله. ويتحدث هذا الكتاب عن أخبار الفتوح الإسلامية بلدا بلدا من أيام النبي صلّى الله عليه وسلّم. كما يضم فضلا عن الفتوح أبحاثا عمرانية وسياسية لم يتطرق إليها أي من كتب التاريخ: كأحكام الخراج، والعطاء، وأمر الخاتم، والنقود، وغيرها ... ويعتبر هذا الكتاب من أجمع كتب الفتوح وأصحها، وقد طبع عدة طبعات منها: طبعة ليدن عام 1870 م بعناية المستشرق «دي غويه» . والطبعة العربية عام 1901 م طبع مصر. المؤلف: هو المؤرخ، النسابة، الرحالة، الرواية الثقة، المحدث، الأديب،   [1] نسبة إلى بلاذر (بضم الذال) وهو نبات كان يتعاطاه المؤلف ثمره شبيه بنوى التمر. قيل يقوي الحفظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 الشاعر أبو الحسن [2] أحمد بن يحيى بن جابر بن داود المعروف بالبلاذري. مولده وتحصيله: ولد البلاذري في أواخر القرن الثاني للهجرة، نشأ في بغداد، ووقف حياته على العلم والأدب والمعرفة، وجاب البلدان وطوّف في أنحاء المعمورة باحثا ومنقبا ودارسا. مشايخه: نشأ البلاذري في بغداد، وتقرب من المتوكل، والمستعين، والمعتز وكانت بغداد في هذا العصر منهلا دفقا من مناهل العلم والمعرفة، يرتادها طلبة العلم من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، ويستقر في كنفها العلماء والشعراء والأدباء والفقهاء، ينشرون المعرفة والفقه والأدب. وقد تلقى البلاذري العلم على جمهرة من علماء هذا العصر ذكرهم ياقوت في المعجم نقلا عن ابن عساكر في تاريخ دمشق فقال: «سمع بدمشق هشام بن عمار، وأبا حفص بن عمر بن سعيد، وبحمص محمد بن مصفى، وبأنطاكية محمد بن عبد الرحمن بن سهم، وأحمد بن برد الأنطاكي، وبالعراق عفان بن مسلم، وعبد الأعلى بن حماد، وعلي بن المديني، وعبد الله بن صالح العجلي، ومصعبا الزبيري، وأبا عبد القاسم بن سلام، وعثمان بن أبي شيبة، وأبا الحسن علي بن محمد المدائني، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي. وجماعة ... » . كما درس على شيبان بن فروخ، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، ومحمد بن الصباح الدولابي، ومحمد بن حاتم السمين، وعباس بن الوليد النرسي، وعبد الواحد بن غياث، وأبي الربيع الزهراني، وإسحاق بن إسرائيل، وعمرو الناقد، والحسن بن علي بن الأسود العجلي، وخلف البزار، وغيرهم ...   [2] وقيل أبو بكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 تلاميذه ورواته: افتتح البلاذري ندوة علمية ارتادها طلاب العلم والمعرفة وتخرج منها علماء وفقهاء وأدباء منهم: عبد الله ابن الخليفة المعتز الشاعر والكاتب والمترجم (عن الفارسية) ، ومحمد بن إسحاق النديم مصنف كتاب الفهرست الذي جود فيه مما يدل على اطلاعه وتبحره في فنون من العلم، وجعفر بن قدامة صاحب كتاب الخراج، ويعقوب بن نعيم، وعبد الله بن سعد الوراق، ومحمد بن خلف، ووكيع القاضي. كما روى عنه يحيى بن النديم، وأحمد بن عبد الله بن عمار، وأبو يوسف، يعقوب بن نعيم قرقارة الأزني. رحلته: بعد أن شبّ البلاذري عن الطوق، وغرف بشغف من رحيق العلم، وتضلع من معين العلم والعلماء في بغداد، تاقت نفسه للقيام برحلة إلى الشرق لزيادة علمه ومعارفه وثقافته. فكانت رحلته الميمونة التي انطلق بها مغادرا بغداد بإيمان عميق فاتجه إلى حلب، ودمشق، وحمص، والعراق، ومنبج، وأنطاكيه والثغور. وزار جميع المدن الواقعة شمال الشام، ثم تحوّل منها إلى بلاد ما بين النهرين وساح تكريب، فكان يجمع خلال رحلته هذه الروايات التي حفظها الخلف عن السلف ويقارنها بما حفظه عن علماء بغداد. وتعتبر رحلة البلاذري الإنجاز الكبير في حياته الأدبية والعلمية الحافلة وهي من أسباب نبوغه في العلم. كتبه ومصنفاته: اهتم البلاذري اهتماما كبيرا بالكتابة والتصنيف وانصرف بعقل نابغ وجهد مجد بلا كلل ولا خمول، وورد من مناهل العلوم فسطر ببراعة ما خلد ذكره ووضعه في مصاف الخالدين برغمه خاتمة المؤرخين. وقد وضع عدة مؤلفات منها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 1- فتوح البلدان الكبير أو «كتاب البلدان الكبير» وهو لم يتم. 2- فتوح البلدان أو «كتاب البلدان الصغير» وهو كتابنا هذا الذي قال فيه المستشرق «دي غويه» : «اشتغل البلاذري منذ نعومة أظفاره بتأليف كتاب جامع لتاريخ الدول الإسلامية، أتى فيه على الحقائق التاريخية دون أن يغضب خليفة وقته ... » . 3- أنساب الأشراف. ويسمى أيضا الأخبار والأنساب وهو كتاب مطول في عشرين مجلدا لم يتمه وكان ضائعا. وقد عثر المستشرق الألماني «أهلوارد» في. مكتبة «شيفر» على الجزء الحادي عشر من كتاب في التاريخ ليس عليه اسم، فرجح أنه أحد أجزاء كتاب أنساب الأشراف فطبعه في «غريز ولد» عام 1883 م. ويقع في أربعمائة وخمسين صفحة، وفيه كثير من أخبار بني أمية وأخبار الخوارج. 4- عهد أردشير: الذي ترجمه عن اللغة الفارسية دون الاكتفاء بالترجمة بل صاغه شعرا رقيقا. 5- كتاب الأخبار. 6- قال بعض المؤرخين أن البلاذري قد جمع قبيل وفاته مواد كثيرة ومفيدة بقصد وضع كتاب جامع يقع في أربعين مجلدا. مكانة البلاذري العلمية: الرحلة التي قام بها البلاذري حيث تجول في الأقطار والأمصار جعلته بعد عودته إلى بغداد مزودا بالعلوم والمعارف، يفضل الاستقرار والاعتكاف في خلوته ليلقي دروسه ومحاضراته على الطلاب، الذين كانوا يرتادون مجلسه ليرتشفوا من علمه وأدبه، ورغم انشغاله بالتدريس فقد خصص الكثير من وقته للتأليف والتصنيف، حتى جاءت مؤلفاته آية في الدقة والروعة والسلاسة، مما جعله محط أنظار الأمراء والعلماء والحكام. ومما قاله عنه صاحب كتاب «إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب» : «كان أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري عالما فاضلا، شاعرا، راوية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 نسابة متقنا» . وقال ابن النديم في تاريخ حلب: «كاتب، شاعر مجيد، راوية الأخبار والآداب» . وقال عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر: «كاتب، شاعر، راوية، أحد البلغاء» . ووصفه المستشرق «دي غويه» فقال: «وكما أن البلاذري قد عرف له قدره معاصروه ومواطنوه، فنحن كذلك لا يسعنا إلا الإقرار له بالجميل، إذ يؤخذ من كثير من رواياته في مؤلفه أنه لم يقصر قط في جعل هذه الروايات مكانا للثقة، جديرة بالتصديق، فإنه لم يكتف بسماعه إياها من أوثق علماء بغداد، بل كان يتكبد الأسفار، ويجوب البحار، بحثا عن الحقيقة التي هي ضالته المنشودة» . ووصفه أحد المستشرقين الألمان فقال: «إن البلاذري من المؤرخين الذين يمتازون بسلامة الذوق في انتقاء ما يستحق الرواية من بين ما يجمعونه من المواد» . ومما يلفت النظر في كتاب البلاذري الحقائق التاريخية الهامة الدقيقة التي أوردها، والتي يتعذر العثور عليها في كتاب آخر، خاصة ما يتعلق منها بوصف المدن القديمة التي اندثرت، ولم يبق من معالمها إلا الأطلال البالية، ورغم ذلك فقد اتصل بمن عاصر تلك المدن أثناء مجدها وحضارتها وأخذ عنهم كل ما يعرفونه عن تلك الأطلال. أما معلوماته الدقيقة التي أوردها عن تاريخ الأقاليم والأمصار والدساكر التي فتحها العرب فقد جاءت موجزة مفيدة صادقة، باعتبار كتابه موجزا عن الكتاب الكبير الذي كان ينوي تأليفه قبل أن يتوفاه الله. وهنا لا بد لنا من الاشارة إلى أن البلاذري رغم أنه نشأ في كنف خلفاء الدولة العباسية، واستفاد من خيراتهم، واختص به بعض الخلفاء، كالمتوكل، والمستعين، اللذين كانت لهما عليه الأيادي البيضاء لما يقدماه له من مساعدات مادية، ومعنوية، فقد حرص في مؤلفه على إيراد الحقائق المجردة دون أن يعمد كغيره من المؤرخين إلى النفاق والمدح، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وأخبرني داود بْن حبال الأسدي عن أشياخ من قومه: أن عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه قَالَ لطليحة: أنت الكذاب عَلَى اللَّه حين زعمت أنه أنزل عليك إن اللَّه لا يصنع بتعفير وجوهكم وقبح أدباركم شيئا فاذكروا اللَّه أعفة قياما فإن الرغوة فوق الصريح، فقال يا أمير الْمُؤْمِنِين: ذلك من فتن الكفر الَّذِي هدمه الإِسْلام كله، فلا تعنيف عَلي ببعضه فأسكت عُمَر، قَالُوا: وأتى خَالِد بن الوليد رمان وأبانين وهناك فل بزاخة فلم يقاتلوه وبايعوه لأبي بكر، وبعث خَالِد بْن الوليد هِشَام بْن العاصي بْن وائل السهمي وأخا عَمْرو بْن العاصي، وكان قديم الإسلام وهو من مهاجرة الحبشة إِلَى بني عَامِر بْن صعصعة فلم يقاتلوه وأظهروا الإِسْلام والأذان فانصرف عنهم، وكان قرة بْن هبيرة القشيري امتنع من أداء الصدقة وأمد طليحة فأخذه هِشَام بْن العاصي وأتى به خالدا فحمله إِلَى أَبِي بكر، فقال: والله ما كفرت مذ آمنت ولقد مر بي عَمْرو بْن العاصي منصرفا من عمان فأكرمته وبررته فسأل أَبُو بكر عمرا رضي اللَّه عنهما عن ذلك فصدقه فحقن أَبُو بكر دمه، ويقال: إن خالدا كان سار إِلَى بلاد بني عَامِر فأخذ قرة وبعث به إِلَى أَبِي بكر. قَالَ: ثُمَّ سار خَالِد بْن الوليد إِلَى الغمر وهناك جماعة من بني أسد وغطفان وغيرهم وعليهم خارجة بْن حصن بْن حذيفة، ويقال إنهم كانوا متسايدين قَدْ جعل كل قوم عليهم رئيسا منهم قالوا خالدا والمسلمين فقتلوا منهم جماعة وانهزم الباقون، وفي يوم الغمر يقول الحطيئة العبسي: ألا كل أرماح قصار أذلة فداء لارماح الفوارس بالغمر ثم أتى خالد جو قراقر، ويقال أتى النقرة وكان هناك جمع لبني سليم عليهم أَبُو شجرة عَمْرو بْن عَبْد العزى السلمي وأمه الخنساء فقاتلوه فاستشهد رجل منَ المسلمين ثُمَّ فض اللَّه جمع المشركين، وجعل خَالِد يومئذ يحرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 تتعرض لأحد ليبقى بها وجهك عليك، ولك عليّ ألا تحتاج ما عشت إلى شيء من أمر دنياك، كبير ولا صغير، على حسب حكمك وشهوتك. قال: ثم أجرى لي الجرايات والأرزاق السنية، وتابع جوائزه فما احتجت منذ ذلك وإلى الآن إلى غير جوائزه والسبعة آلاف، فأنا أنفق من جميع ذلك ولا أخلق نفسي بالتعرض، وأترحم عليه. أدب البلاذري وشعره: كان البلاذري في طليعة العلماء والأدباء، ينظم الشعر الحسن، ويصوغ البيان الدقيق، يتصف بالشجاعة والزهد والصفاء، وصفه التاريخ بالأديب الزاهد المنقطع النظير، قال عنه الشافعي في تاريخ دمشق: قال أحمد بن جابر البلاذري قال لي محمود الوراق: قل من الشعر ما يبقى ذلك ذكره، ويزول عنك إثمه، فقلت: استعدي يا نفسي للموت واسعي ... لنجاة فالحازم المستعد قد تثبت أنه ليس للحي خلود ... ولا من الموت بد إنما أنت مستعيره ما سو ... ف تردين، والعواري ترد أنت تسهين والحوادث لا تسهو ... وتلهين، والمنايا تجد لا ترجى البقاء في معدن المو ... ت، ودار حقوقها لك ورد أي ملك في الأرض أم أي حظ ... لامرئ حظه من الأرض لحد كيف تهوى امرؤ لداره رأيا ... ما عليه الأنفاس فيها تعد ومن شعره: لما رأيتك زاهيا ... ورأيتني أجفى ببابك عديت رأس مصليتي ... وحجبت نفسي عن حجابك انتقاله إلى دار البقاء: ظل البلاذري في عطاء مستمر، وإنتاج ضخم، حتى توفاه الله سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 279 هجرية، مخلفا العديد من المؤلفات التاريخية القيمة التي احتلت فيما بعد مكانا مرموقا في كافة الأوساط العلمية والأدبية، فخلدته شامخا إلى أبد الآبدين. لجنة تحقيق التراث في دار ومكتبة الهلال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 بسم الله الرّحمن الرّحيم هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم من مكة إلى المدينة المنورة - قَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى بْن جابر: أَخْبَرَنِي جماعة من أهل العلم بالحديث والسيرة وفتوح البلدان- سقت حديثهم واختصرته ورددت من بعضه عَلَى بعض- أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما هاجر إِلَى المدينة من مكة نزل على كلثوم ابن الهدم بْن امرئ القيس بْن الحارث بْن زيد بن عبيد بن أمية ابن زيد بْن مَالِك بْن عوف بْن عَمْرو بْن عوف بْن مَالِك بْن الأوس بقباء، وكان يتحدث عنده سَعْد بْن خَيْثَمَة بْن الحارث بْن مَالِك أحد بني السلم بْن امرئ القيس بْن مَالِك بْن الأوس حَتَّى ظن قوم أنه نزل عنده. وكان المتقدمون في الهجرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن نزلوا عَلَيْهِ منَ الأنصار بنوا بقباء مسجدا يصلون فيه، والصلاة يومئذ إِلَى بيت المقدس، فلما ورد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قباء صلى بهم فيه، فأهل قباء يقولون إنه المسجد الَّذِي يقول اللَّه تعالى فيه لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ 9: 108 [1] ، وروى أن المسجد الذي أسس على التقوى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. حدثنا عفان بن مسلم الصفار، قال حدثنا حماد بن سلمة، قال أخبرني هشام بن عروة عن عروة أنه قال في هذه الآية وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ من قَبْلُ 9: 107 [2] قال كان سعد بن خيثمة بنى مسجد قباء، وكان موضعه للبة تربط فيه حمارها، فقال أهل الشقاق أنحن نسجد في موضع كان يربط فيه حمار لبة لا ولكنا نتخذ مسجدا نصلي فيه حتى يجيئنا أبو عامر   [1] سورة التوبة: الآية 108. [2] سورة التوبة: الآية 107. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 فيصلي بنا فيه، وكان أبو عامر قد فر من الله ورسوله إلى أهل مكة ثم لحق بالشام فتنصر فأنزل الله تعالى وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ 9: 107 [1] يعني أبا عامر. وَحَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِي، قَالَ حَدَّثَنِي بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ابْتَنَوْا مَسْجِدًا فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، فَحَسَدَهُمْ إِخْوَتُهُمْ بَنُو غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالُوا لَوْ بَنَيْنَا أَيْضًا مَسْجِدًا وَبَعَثْنَا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيه كَمَا صَلَّى فِي مَسْجِدِ أَصْحَابِنَا، وَلَعَلَّ أَبَا عَامِرٍ أَنْ يَمُرَّ بِنَا إِذَا أَتَى مِنَ الشَّامِ فَيُصَلِّيَ بِنَا فِيهِ، فَبَنَوْا مَسْجِدًا وَبَعَثُوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَيُصَلِّيَ فِيهِ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَنْطَلِقَ إِلَيْهِمْ أَتَاهُ الْوَحْيُ فَنَزَلَ عَلَيْهِ فِيهِمْ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ الله وَرَسُولَهُ 9: 107 قَالَ هُوَ أَبُو عَامِرٍ لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَالله يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ 9: 108- 109 [2] قَالَ هَذَا مَسْجِدُ قُبَاءَ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هِشَامٍ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا 9: 108 أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَسْجِدِ قُبَاءَ، فَقَالَ: مَا هَذَا الطُّهُورُ الَّذِي ذُكِّرْتُمْ بِهِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَغْسِلُ أَثْرَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ ابن أبى الليل عَنْ عَامِرٍ، قَالَ كَانَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ قُبَاءَ يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ (فِيهِ رِجَالٌ يحبون أن يتطهروا) الآية. حدثني عمرو بن محمد الناقد وأحمد بْنُ هِشَامِ بْنِ بِهْرَامٍ، قَالا حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، قَالَ أَخْبَرَنَا رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ عن عمران بن   [1] سورة التوبة: الآية 107. [2] سورة التوبة: الآية 108. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 أَبِي أَنَسٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: اخْتَلَفَ رَجُلانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ مَسْجِدُ الرَّسُولِ، وَقَالَ الآخَرُ هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءَ، فَأَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلاهُ فَقَالَ هُوَ مَسْجِدِي هَذَا. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، قَالا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مَسْجِدُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ هُوَ مَسْجِدِي هَذَا. قَالَ حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ. قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي قَوْلِهِ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى 9: 108 [1] قَالَ هُوَ مَسْجِدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَعْظَمُ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ المديني، قال حدثنا سفيان بن عيينة عن أبى الزناد عن خارجة ابن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مَسْجِدُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مَسْجِدُ المدينة الأعظم حدثنا محمد بن حاتم ابن مَيْمُونٍ السَّمِينُ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: هُوَ مَسْجِدُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي الَّذِي أسس على التقوى قالوا وقد وسع مَسْجِد قباء بعد وزيد فيه وكان عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر إذا دخله صلى إِلَى الأسطوانة المخلقة وكان ذلك مصلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا وأقام رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقباء يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وركب منها يوم الجمعة يريد المدينة فجمع في مسجد كان بنو سالم بن عوف   [1] سورة التوبة: الآية 107. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 ابن عَمْرو بْن عوف بْن الخزرج بنوه، وكانت تلك أول جمعة جمع فيها ثُمَّ مر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنازل الأنصار منزلا منزلا وكلهم يسأله النزول عَلَيْهِ حَتَّى إذا انتهى إِلَى موضع مسجده بالمدينة بركت ناقته فنزل عنها وجاء أَبُو أيوب، خَالِد بْن زيد بْن كليب بْن ثعلبة بن عبد ابن عوف بْن غنم بْن مَالِك بْن النجار بْن ثعلبة بْن عَمْرو بْن الخزرج فأخذ رحله فنزل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند أَبِي أيوب وأراده قوم منَ الخزرج عَلَى النزول عندهم فقال: المرء مع رحله فكان مقامه في منزل أَبِي أيوب سبعة أشهر ونزل عَلَيْهِ تمام الصلاة بعد مقدمه بشهر ووهبت الأنصار لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل فضل كان في خططها وقالوا يا نبي اللَّه إن شئت فخذ منازلنا فقال لهم خيرا، قَالُوا: وكان أَبُو أمامة أسعد بن زرارة ابن عدس بْن عُبَيْد بْن ثعلبة بْن غنم بْن مَالِك بْن النجار نقيب النقباء يجمع يمن يليه منَ المسلمين في مَسْجِد له فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيه ثُمَّ أنه سأل أسعد أن يبيعه أرضا متصلة بذلك المسجد كانت في يده ليتيمين في حجره يقال لهما سَهْل وسهيل، ابنا رافع ابن أبى عمرو بن عابدين ثعلبة بْن غنم، فعرض عَلَيْهِ أن يأخذها ويغرم عنه اليتيمين ثمنها، فأبى رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، وابتاعها منه بعشرة دنانير أداها من مال أَبِي بكر الصديق رضي اللَّه عنه، ثُمَّ إن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر باتخاذ اللبن، فاتخذ وبني به المسجد ورفع أساسه بالحجارة وسقف بالجريد وجعلت عمده جذوعا، فلما استخلف أَبُو بكر رضي اللَّه عنه لم يحدث فيه شيئا، واستخلف عُمَر رضي اللَّه عنه فوسعه وكلم العَبَّاس بْن عَبْد المطلب رضي اللَّه عنه في بيع داره ليزيدها فيه فوهبها العَبَّاس لله والمسلمين فزادها عُمَر رضي اللَّه عنه في المسجد، ثُمَّ إن عُثْمَان بْن عَفَّان رضي اللَّه عنه بناه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 في خلافته بالحجارة والقصة وجعل عمده حجارة وسقفه بالساج وزاد فيه ونقل إليه الحصباء منَ العقيق، وكان أول منَ اتخذ فيه المقصورة مروان بن الحكم ابن العاص بْن أمية، بناها بحجارة منقوشة ثُمَّ لم يحدث فيه شيء إِلَى أن ولي الوليد بْن عَبْد الملك بْن مروان بعد أبيه فكتب إِلَى عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ وهو عامله عَلَى المدينة يأمره بهدم المسجد وبنائه، وبعث إليه بمال وفسيفساء ورخام وثمانين صانعا منَ الروم والقبط من أهل الشام ومصر فبناه وزاد فيه وولى القيام بأمره والنفقة عَلَيْهِ صالح بْن كيسان مولى سعدى مولاة آل معيقيب ابن أَبِي فاطمة الدوسي وذلك في سنة سبع وثمانين، ويقال في سنة ثمان وثمانين ثُمَّ لم يحدث فيه أحد منَ الخلفاء شيئا حَتَّى استخلف المهدي أمير الْمُؤْمِنِين صلاة اللَّه عَلَيْهِ، قَالَ الواقدي بعث المهدي عَبْد الملك بْن شبيب الغساني ورجلا من ولد عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى المدينة لبناء مسجدها والزيادة فيه وعليها يومئذ جَعْفَر بْن سُلَيْمَان بْن علي، فمكثا في عمله سنة وزادا فى مؤخره مائة ذراع فصار طوله ثلاثمائة ذراع وعرضه مائتي ذراع، وقال علي بْن مُحَمَّد المدائني ولي المهدي أمير الْمُؤْمِنِين جَعْفَر بْن سُلَيْمَان مكة والمدينة واليمامة فزاد في مَسْجِد مكة ومسجد المدينة، فتم بناء مَسْجِد المدينة في سنة اثنين وستين ومائة، وكان المهدي أتى المدينة في سنة ستين قبل الحج فأمر بقلع المقصورة وتسويتها مع المسجد، ولما كانت سنة سبع وأربعين ومائتين أمر أمير الْمُؤْمِنِين جَعْفَر المتوكل عَلَى اللَّه رحمه اللَّه بمرمة مَسْجِد المدينة، فحمل إليه فسيفساء كثير وفرغ منه في سنة سبع وأربعين ومائتين. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ حماد بن أبي حنيفة قال حدثنا مالك بْنُ أَنَسٍ، قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا يُفْتَحُ مِنْ مِصْرٍ أَوْ مَدِينَةٍ عَنْوَةً فَإِنَّ الْمَدِينَةَ فُتِحَتْ بِالْقُرْآنِ» . حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الابلى قالت: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ أَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إِنَّ لِكَلِّ نَبِيٍّ حَرَمًا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ مَكَّةَ مَا بَيْنَ حَرَّتَيْهَا لا يُخْتَلَى خَلاهَا وَلا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلا يُحْمَلُ فِيهَا السِّلاحُ لِقِتَالٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ» وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ المؤمن البصري المقري، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ «عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَأَنَا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَإِنِّي قَدْ حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَجِدُ الظِّبَاءَ بِبُطْحَانٍ مَا عَانَيْتُهَا» وحدثنا سيبان بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ جَدِّهِ، وَكَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَكَانَتْ فِي يَدِهِ أَرْضٌ لآلِ مَظْعُونٍ بِالْحَرَّةِ، قَالَ. كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رُبَمَّا أَتَانِي نِصْفَ النَّهَارِ وَاضِعًا ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَيْجَلِسُ إِلَيَّ وَيَتَحَدَّثُ عِنْدِي فَأَجِيئُهُ مِنَ الْقِثَّاءِ وَالْبَقْلِ، فَقَالَ لِي يَوْمًا لا تَبْرَحْ فَقَدِ اسْتَعْمَلْتُكَ عَلَى ما ههنا وَلا تَدَعَنَّ أَحَدًا يَخْبِطُ شَجَرَةً وَلا يعضدهَا يَعْنِي مِنْ شَجِرِ الْمَدِينَةِ، فَإِنْ وَجَدْتَ أَحَدًا يَفْعَلُ ذَلِكَ فَخُذْ حَبْلَهُ وَفَأْسَهُ، قَالَ قُلْتُ آخُذُ ثَوْبَهُ قَالَ لا. وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودِ بْنُ الْقَتَّاتِ، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي يَحْيَى الْمَدَنِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ مِنَ الشَّجَرِ مَا بَيْنَ أُحُدٍ إِلَى عير «وأذن لصاحب الناضح فى الغضا وَمَا يُصْلِحُ بِهِ مَحَارِثَهُ وَعَرَبَهُ. وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بن الهيثم، قال حدثنا عبد الله بن صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عنه يقول لرجل استعمله عن حِمَى الرَّبَذَةِ نَسِيَ بَكْرٌ اسْمَهُ اضْمُمْ جَنَاحَكَ عَنْ كُلِّ مُسْلِمٍ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا مُجَابَةٌ، وَأَدْخِلْ رَبَّ الصَّرِيمَةِ وَالْغَنِيمَةِ، وَدَعْنِي مِنْ نَعَمِ ابْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَوْفٍ فَإِنَّهُمَا إِنْ تهلك ماشيتهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 ترجعا إِلَى زَرْعٍ، وَإِنَّ هَذَا الْبَائِسَ إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُ يَجِيءُ فَيَصْرُخُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَالْكِلاءُ أَهْوَنُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَرْمِ الْمَالِ ذَهَبِهِ وَوَرِقِهِ، وَاللَّهِ إِنَّهَا لأَرْضُهُمْ قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الإسلام وانهم ليرون أنى أظلمهم، ولولاء النعم التي تحمل عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْتُ عَنِ النَّاسِ مِنْ بِلادِهِمْ شَيْئًا أَبَدًا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بن سلام أبو عبيد، قال حدثني ابن أبى مريم، على الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ حَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيعَ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ لِي أَبُو عُبَيْدٍ بالنون وقال النقيع فيه قاع زرق وهو الخندقون. وَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَن أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّهُ وَجَدَ غُلامًا يَقْطَعُ الْحِمَى فَضَرَبَهُ وَسَلَبَهُ فَأْسَهُ، فَدَخَلَتْ مَوْلاتُهُ أَوِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِهِ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَشَكَتْ إِلَيْهِ سَعْدًا، فَقَالَ عُمَرُ رُدَّ الْفَأْسَ والثياب، أبا إسحاق رحاك، فَأَبَى وَقَالَ لا أُعْطِي غَنِيمَةً غَنَّمَنِيهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَقْطَعُ الْحِمَى فَاضْرِبُوهُ وَاسْلُبُوهُ، فَاتَّخَذَ مِنَ الْفَأْسِ مِسْحَاةً فَلَمْ يَزَلْ يَعْمَلُ بِهَا فِي أَرْضِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ. وَحَدَّثَنَا أبو الحسن المطائنى، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ وَأَبِي مَعْشَرٍ، قَالَ لَمَّا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظُرَيْبِ التعاويل مَقْدِمَهُ مِنْ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ قَالَتْ لَهُ بَنُو حَارِثَةَ مِنَ الأنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ههنا مَسَارِحُ إِبِلِنَا، وَمَرْعَى غَنَمِنَا، وَمَخْرَجُ نِسَائِنَا، يَعْنُونَ مَوْضِعَ الْغَابَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَطَعَ شَجَرَةً فَلْيَغْرِسْ مَكَانَهَا وَدِيَّةً، فَغُرِسَتِ الْغَابَةُ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حماد النرسي، قال حدثنا حماد بن سلمة، قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي وَادِي مَهْزُورٍ أَن يُحْبَسَ الْمَاءُ فِي الأَرْضِ الى الكعبين، فإذا بلغ الكبعبين أُرْسِلَ إِلَى الأُخْرَى، لا يَمْنَعُ الأَعْلَى الأَسْفَلَ. وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 أَبِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فى سبيل مَهْزُورٍ أَنَّ الأَعْلَى يُمْسِكُ عَلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُرْسِلُهُ عَلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ حَمَّادِ بن أبي حنيفة. قال حدثنا مالك بن أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَيْلِ مَهْزُورٍ وَمُذَيْنِيبٍ أَنْ يُحْبَسَ الْمَاءُ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يُرْسَلَ الأَعْلَى عَلَى الأَسْفَلِ، قَالَ مَالِكٌ وَقَضَى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَيْلِ بُطْحَانَ بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأسود العجلي، قال حدثنا يحيى بن آدم، قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ اخْتَصَمَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَهْزُورٍ وَادِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَضَى أَنَّ الْمَاءَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ لا يَحْبِسْهُ الأَعْلَى عَلَى الأَسْفَلِ، وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ حَدَّثَنَا يحيى بن آدم قال حدثنا حفص ابن غياث، عن جعفر بن محمد عن أبيه قَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَيْلِ مَهْزُورٍ أَنَّ لأَهْلِ النَّخْلِ إِلَى الْعَقِبَيْنِ، وَلأَهْلِ الزَّرْعِ إِلَى الشِّرَاكَيْنِ. ثُمَّ يُرْسِلُونَ الْمَاءَ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُمْ. وَحَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الدُّورِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بطحان على ترع مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ. وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ أَبُو الْحَسَنِ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ وَغَيْرِهِ، قَالُوا أَشْرَفَتِ الْمَدِينَةُ عَلَى الْغَرَقِ في خلافة عُثْمَان من سيل مهزور حَتَّى اتخذ له عُثْمَان ردما قَالَ أَبُو الْحَسَن وجاء أيضا بماء مخوف عظيم في سنة ست وخمسين ومائة فبعث إليه عَبْد الصمد بْن علي بْن عَبْد اللَّهِ بْن العَبَّاس، وهو الأمير يومئذ، عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي سلمة العمري، فخرج وخرج الناس بعد صلاة العصر، وقد ملأ السيل صدقات رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدلتهم عجوز من أهل العالية عَلَى موضع كانت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 تسمع الناس يذكرونه، فحفروه فوجد الماء منسربا، فغاص منه إِلَى وادي بطحان، قَالَ ومن مهزور إِلَى مذينيب شعبة يصب فيها. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: «دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَديِنَةِ وَأَهْلِهَا وَسَمَّاهَا طَيْبَةَ» ، وَحَدَّثَنِي أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الدُّورِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عباد عن هشام ابن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قالت لما هاجر رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ مَرِضَ الْمُسْلِمُونَ بِهَا، فَكَانَ مِمَّنِ اشْتَدَّ بِهِ مَرَضُهُ أَبُو بَكْرٍ، وَبِلالٌ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ: كَلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلالٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِفَخٍّ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ ... وَهَلْ تَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطُفَيْلُ وَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَقُولُ: لَقَدْ وَجَدْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ ... إِنَّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ (كُلُّ امْرِئٍ مُجَاهِدٌ بِطَوْقِهِ) ... كَالثَّوْرِ يَحْمِي جِلْدَهُ بِرَوْقِهِ قَالَ فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَقَالَ «اللَّهُمَّ طَيِّبْ لَنَا الْمَدِينَةَ كَمَا طَيَّبْتَ لَنَا مَكَّةَ وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّهَا وَصَاعِهَا» . حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ رَجُلا مِنَ الأنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ بْنَ العوام فى اشراج الْحَرَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جارك» وأخبرنى على الأثرم، عن أبى عبيدة، قال الاشراج مسايل الماء في الحرار، والحرة أرض مفروشة بصخر، قال وقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 الأصمعي، مسايل منَ الحرار إِلَى السهولة. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ علي بن الأسود العجلي، قال حدثنا يحيى بْنُ آدَمَ، قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ العزيز، حدثنا هشام ابن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَقْطَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَقِيقَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَرْضٍ فَقَالَ مَا أَقْطَعْتُ مِثْلَهَا، قَالَ خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ أَقْطِعْنِيهَا فَأَقْطَعَهُ إِيَّاهَا، وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَقْطَعَ عُمَرُ الْعَقِيقَ مَا بَيْنَ أَعْلاهُ إِلَى أَسْفَلِهِ، وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ خَرَجَ عُمَرُ يُقْطِعُ النَّاسَ وَخَرَجَ مَعَهُ الزُّبَيْرُ فجعل عُمَر يقطع حَتَّى مر بالعقيق، فقال أين المستقطعون مذ اليوم ما مررت بقطعة أجود منها، فقال الزبير أقطعنيها فاقطعه إياها. وحدثني الْحُسَيْن، قَالَ حدثني يَحْيَى بْن آدم، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو معاوية الضرير، عن هشام بن عروة عن أبيه، قال أقطع عُمَر العقيق كله حَتَّى انتهى إِلَى قطيعة خوات بْن جبير الأنصاري، فقال أين المستقطعون، ما أقطعت اليوم أجود من هَذِهِ وَحَدَّثَنَا خلف بْن هِشَام البزار، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بكر ابن عياش، قَالَ حَدَّثَنَا هِشَام بْن عُرْوَة عن أبيه، قَالَ أقطع عُمَر بْن الخطاب خوات بْن جبير الأنصاري أرضا مواتا فاشتريناها منه، حدثني الحسين بن الأسود، قال حدثنا يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش، عن هِشَام عن أبيه بمثله. وحدثني الْحُسَيْن، قَالَ حدثني يَحْيَى بْن آدم، حَدَّثَنَا أَبُو معاوية، عن هِشَام بْن عُرْوَة عن عُرْوَة، قَالَ أقطع أَبُو بكر الزبير ما بَيْنَ الجرف إِلَى قناة، وأخبرني أَبُو الْحَسَن المدائني، قَالَ قناة واد يأتي منَ الطائف ويصب إِلَى الأرحضية، وقرقرة الكدر، ثُمَّ يأتي سد معاوية ثُمَّ يمر عَلَى طرف القدوم ويصب في أصل قبور الشهداء بأحد. وَحَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ قَوْمٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ بِلالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 ابن الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ مَعَادِنَ بِنَاحِيَةِ الْفَرْعِ. وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ سَهْمٍ الأنْطَاكِيُّ، قَالا حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ الأَنْطَاكِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي مَكِينٍ، عَنْ أَبِي عِكْرِمَةَ، مَوْلَى بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ، قَالَ أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالا أَرْضًا فِيهَا جَبَلٌ وَمَعْدِنٌ، فَبَاعَ بَنُو بِلالٍ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَرْضًا مِنْهَا فَظَهَرَ فِيهَا مَعْدِنٌ أَوْ قَالَ مَعْدِنَانِ، فَقَالُوا إِنَّمَا بِعْنَاكَ أَرْضَ حَرْثٍ وَلَمْ نَبِعْكَ الْمَعَادِنَ، وَجَاءُوا بِكِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ فِي جَرِيدَةٍ فَقَبَّلَهَا عُمَرُ وَمَسَحَ بِهَا عَيْنَهُ وَقَالَ لِقَيِّمِهِ: انْظُرْ مَا خَرَجَ مِنْهَا وَمَا أَنْفَقْتُ وَقَاصِّهِمْ بالنَّفَقَةِ وَرُدَّ عَلَيْهِمُ الْفَضْلَ. وَحَدَّثَنَا أبو عبيد، قال حدثنا نعيم ابن حَمَّادٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَارِثِ ابن بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَهُ الْعَقِيقَ أَجْمَعَ وَحَدَّثَنِي مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالَ بْنَ الْحَارِثِ مَعَادِنَ بِنَاحِيَةِ الْفَرْعِ لا اخْتِلافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ عُلَمَائِنَا، وَلا أَعْلَمُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا خِلافًا أَنَّ فِي الْمَعْدِنِ الزَّكَاةَ رُبُعُ الْعُشْرِ، قَالَ مُصْعَبٌ: وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي الْمَعَادِنِ الزَّكَاةُ، وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا قَالَ، فِيهَا الْخُمُسُ مِثْلُ قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَهُمْ يَأْخُذُونَ الْيَوْمَ مِنْ مَعَادِنِ الْفَرْعِ، وَنَجْرَانَ وَذِي الْمَرْوَةِ، وَوَادِي الْقُرَى، وَغَيْرِهَا الْخُمُسَ، عَلَى قَوْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأسود، قال حدثنا وكيع بن الجراح، قال حدثنا الحسن ابن صَالِحِ بْنِ حَيٍّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْبعَ أَرْضِينَ الْفَقِيرَيْنِ، وَبِئْرَ قَيْسٍ، وَالشَّجَرَةَ. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ عَنْ يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلَهُ. وحدثني عَمْرو بْن مُحَمَّد الناقد، قَالَ: حَدَّثَنَا حفَص بْن غياث، عن جعفر بن محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 عن أبيه، أنه قَالَ: أقطع عُمَر بْن الخطاب عليا رضي اللَّه عنهما ينبع فأضاف إليها غيرها. وحدثني الْحُسَيْن، عن يَحْيَى بْن آدم، عن حفص بْن غياث، عن جَعْفَر بْن مُحَمَّد عن أبيه بمثله، وحدثني من أثق به، عن مصعب بْن عَبْد اللَّهِ الزبيري، أنه قَالَ: نسبت بئر عُرْوَة بْن الزبير إِلَى عُرْوَة بْن الزبير، ونسب حوض عَمْرو إِلَى عَمْرو بْن الزبير، ونسب خليج بنات نائلة إِلَى ولد نائلة بنت الفرافصة الكلبية امرأة عُثْمَان بْن عَفَّان، وكان عُثْمَان بْن عَفَّان رضي اللَّه عنه اتخذ هَذَا الخليج، وساقه إلى ارض استخرجها واعتملها بالعرضة، وأرض أَبِي هُرَيْرَةَ نسبت إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ الدوسي، والصهوة صدقة عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس رضي اللَّه عنهما في جبل جهينة وقصر نفيس ينسب فيما يقال إِلَى نفيس التاجر ابْن مُحَمَّد بْن زيد بْن عُبَيْد بْن المعلى بْن لوذان بْن حارثة بْن زيد منَ الخزرج وهم حلفاء بني ذريق بْن عَبْد حارثة منَ الخزرج وهذا القصر بحرة واقم بالمدينة واستشهد عُبَيْد بْن المعلى يوم أحد قَالَ ويقال إنه نفيس بْن مُحَمَّد بْن زيد بْن عُبَيْد بْن مرة مولى المعلى فإن عُبَيْدا هَذَا وأباه من سبى عين التمر ومات عُبَيْد بْن مرة أيام الحرة وكان يكنى أَبَا عَبْد اللَّهِ قَالَ: وبئر عائشة نسبت إِلَى عائشة بْن نمير بْن واقف. وعائشة رجل وهو منَ الأوس، وبئر المطلب عَلَى طريق العراق، نسبت إِلَى المطلب بْن عَبْد اللَّهِ بْن حنطب بْن الحارث بْن عُبَيْد بْن عُمَر بْن مخزوم، وبئر ابن المرتفع نسبت إِلَى مُحَمَّد بْن المرتفع بْن النضير العبدري. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شريك ابن عبد الله عن أَبِي نَمِرٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مولى ميمونة بنت الحارث ابن حَزْنِ بْنِ بَحِيرٍ الْهِلالِيَّةِ قَالَ لَمَّا أَرَادَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَتَّخِذَ السُّوقَ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: هَذَا سُوقُكُمْ لا خَرَاجَ عَلَيْكُمْ فِيهِ، وحدثني العَبَّاس بْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 هِشَام الكلبي، عن أبيه عن جده، مُحَمَّد بْن السائب، وشرقي بْن القطامي الكلبي، قالا لما هدم بختنصر بيت المقدس، وأجلى من أجلى وسبى من سبى من بني إسرائيل لحق قوم منهم بناحية الحجاز فنزلوا وادي القرى، وتيماء ويثرب، وكان بيثرب قوم من جرهم، وبقية منَ العماليق قَدِ اتخذوا النخل والزرع، فأقاموا معهم وخالطوهم فلم يزالوا يكثرون وتقل جرهم والعماليق، حَتَّى نفوهم عن يثرب واستولوا عليها، وصارت عمارتها ومراعيها لهم فمكثوا عَلَى ذلك ما شاء اللَّه، ثُمَّ إن من كان باليمن من ولد سبأ ابن يشجب بْن يعرب بْن قحطان بغوا وطغوا وكفروا نعمة ربهم فيما آتاهم منَ الخصب ورفاهة العيش، فخلق اللَّه جرذانا جعلت تنقب سدا كان لهم بَيْنَ جبلين فيه أنابيب يفتحونها إذا شاءوا فيأتيهم الماء منها عَلَى قدر حاجتهم وإرادتهم، والسد العرم، فلم تزل تلك الجرذان تعمل في ذلك العرم حَتَّى خرقته، فأغرق اللَّه تعالى جنانهم، وذهب بأشجارهم وأبدلهم خمطا وأثلا وشيئا من سدر قليلا، فلما رأى ذلك مزيقيا، وهو عُمَر بْن عَامِر بْن حارثة بْن ثعلبة بْن امرئ القيس ابن مازن بْن الأزد بْن غوث بْن نبت بْن مَالِك بْن زيد بْن كهلان بْن سبأ ابن يشجب بْن يعرب بْن قحطان، باع كل شيء له من عقار وماشية وغير ذلك ودعا الأزد متى صاروا معه إلى بلادعك فأقاموا بها. وقال عَمْرو: الانتجاع قبل العلم عجز، فلما رأت عك غلبة الأزد عَلَى أجود مواضعهم غمها ذلك، فقالت للأزد انتقلوا عنا، فقام رجل منَ الأزد أعور أصم يقال له جذع، فوثب بطائفة منهم فقتلهم ونشبت الحرب بَيْنَ الأزد وعك، فانهزمت الأزد ثُمَّ كرت فقال جذع في ذلك: نحن بنو مازن غير شك ... غسان غسان وعك عك سيعلمون أينا أرك وكانت الأزد نزلت بماء يقال له غسان، فسموا بذلك، ثُمَّ إن الأزد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 سارت حَتَّى انتهت إِلَى بلاد حكم بْن سَعْد العشيرة بْن مَالِك بْن أدد بْن زيد ابن يشجب بْن عريب بْن زيد بْن كهلان بْن سبأ بْن يشجب بْن يعرب بْن قحطان، فقاتلوهم فظهرت الأزد عَلَى حكم. ثُمَّ إنه بدا لهم الانتقال عن بلادهم فانتقلوا وبقيت طائفة منهم معهم، ثُمَّ أتوا نجران فحاربهم أهلها فنصروا عليهم فأقاموا بنجران ثُمَّ رحلوا عنها إلا قوم منهم تخلفوا بها لأسباب دعتهم إِلَى ذلك فأتوا مكة وأهلها جرهم فنزلوا بطن مر، وسأل ثعلبة بْن عَمْرو مزيقيا جرهم أن يعطوهم سَهْل مكة فأبوا، فقاتلهم حَتَّى غلب عَلَى السهل، ثُمَّ أنه والأزد استؤبوا مكانهم ورأوا شدة العيش به فتفرقوا. فأنت طائفة منهم عمان، وطائفة السراة وطائفة الأنبار والحيرة، وطائفة الشام، وأقامت طائفة منهم بمكة، فقال جذع! كلما صرتم يا معاشر الأزد إِلَى ناحية انخزعت منكم جماعة يوشك أن تكونوا أذنابا في العرب، فسمى من أقام بمكة خزاعة، وأتى ثعلبة بْن عَمْرو، مزيقيا وولده ومن تبعه يثرب، وسكانها اليهود فأقاموا بها خارج المدينة، ثُمَّ إنهم عفوا وكثروا وعزوا حَتَّى أخرجوا اليهود منها ودخلوها فنزلت اليهود خارجها، فالأوس والخزرج ابنا حارثة ابن ثعلبة بْن عَمْرو مزيقيا بْن عَامِر وأمهما قيلة بنت الأرقم بْن عَمْرو، ويقال أنها غسانية منَ الأزد ويقال أنها عذرية، وكانت للأوس والخزرج قبل الإِسْلام وقائع وأيام تدربوا فيها بالحروب واعتادوا اللقاء، حَتَّى شهر بأسهم، وعرفت نجدتهم، وذكرت شجاعتهم، وجل في قلوب العرب أمرهم، وهابوا حدهم فامتنعت حوزتهم وعز جارهم، وذلك لما أراد اللَّه من إعزاز نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإكرامهم بنصرته، قَالُوا ولما قدم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة كتب بينه وبين يهود يثرب كتابا، وعاهدهم عهدا، وكان أول من نقض ونكس منهم، يهود بني قينقاع، فأجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المدينة، وكان أول أرض افتتحها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرض بني النضير . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 أموال بني النضير قَالَ: أتي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني النضير من يهود ومعه أَبُو بكر، وعمر، وأسيد بْن حضير، فاستعانهم في دية رجلين من بني كلاب ابن ربيعة موادعين له كان عَمْرو بْن أمية الضمري قتلهما فهموا بأن يلقوا عَلَيْهِ رحا فانصرف عنهم وبعث إليهم يأمرهم بالجلاء عن بلده إذ كان منهم ما كان منَ الغدر والنكث، فأبوا ذلك وأذنوا بالمحاربة، فزحف إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمس عشرة ليلة، ثُمَّ صالحوه عَلَى أن يخرجوا من بلده، ولهم ما حملت الإبل إلا الحلقة والآلة ولرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرضهم ونخلهم والحلقة وسائر السلاح (والحلقة الدروع) فكانت أموال بني النضير خالصة لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يزرع تحت النخل في أرضهم فيدخل من ذلك قوت أهله وأزواجه سنة، وما فضل جعله في الكراع والسلاح وأقطع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أرض بني النضير، أَبَا بكر، وعبد الرَّحْمَنِ بْن عوف، وأبا دجانة سماك ابن خرشة الساعدي وغيرهم، وكان أمر بني النضير في سنة أربعة منَ الهجرة، قَالَ الواقدي وكان مخيريق أحد بني النضير حبرا عالما، فآمن برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجعل ماله له وهو سبعة حوائط، فجعلها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقة، وهي الميثب والصافية والدلال، وحسنى، وبرقة، والأعوف، ومشربة أم إِبْرَاهِيم بْن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي مارية القبطية. حَدَّثَنَا القاسم بن سلام، قال حدثنا عبد الله بن صالح، قال أخبرنا الليث ابن سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ وَقِيعَةَ بَنِي النَّضِيرِ مِنْ يَهُودَ كَانَتْ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 عَلَى الْجَلاءِ وَعَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا أَقَلَّتِ الإِبِلُ مِنَ الأَمْتِعَةِ إِلا الْحَلَقَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فيهم (سَبَّحَ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) 59: 1- 2 إلى قوله (وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) 59: 5 وحدثنا الحسين بن الأسود قال حدثنا يحيى بْن آدم، عَنِ ابْن أَبِي زائدة، عن محمد بن اسحق فى قوله (ما أَفاءَ الله عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) 59: 6، قَالَ من بني النضير (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى من يَشاءُ) 59: 6، قَالَ أعلمهم أنها لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالصة دون الناس، فقسمها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين إلا أن سَهْل بْن حنيف، وأبا دجانة ذكرا فقرا فأعطاهما، قَالَ وأما قوله (مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) 59: 7 إِلَى آخر الآية، قَالَ: هَذَا قسم آخر بَيْنَ المسلمين عَلَى ما وصفه اللَّه. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ السَّمِينُ، قَالَ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بن محمد عن ابن جريح، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ أَحْرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ وفى ذلك يقول حسان ابن ثَابِتٍ: لَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بالبويرة مستطير قال ابن جريح وَفِي ذَلِكَ نَزَلَتْ (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) 59: 5 «اللِّينَةُ النَّخْلَةُ» . وَحَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد قَالَ حَدَّثَنَا حجاج، عن ابن جريح، عن موسى عن نافع، عَنِ ابْن عُمَر بمثله وقال أبو عمر الشيبانى، الراوية وغيره من الرواة أن هذا الشعر لأبى سفيان ابن الحارث بْن عَبْد المطلب وإنما هُوَ. لعز على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير ويروى بالبويلة. فأجابه حسان بْن ثابت فقال: أدام اللَّه ذلكم حريقا ... وضرم في طوائفها السعير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 هم أوتوا الكتاب فضيعوه ... فهم عمى عَنِ التوراة بور وحدثني عَمْرو بْن مُحَمَّد الناقد، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عيينة، عن معمر، عَنِ الزهري، عن مَالِك بْن أوس بْن الحدثان قَالَ: قَالَ عُمَر بْن الخطاب كانت أموال بني النضير مما أفاء اللَّه عَلَى رسوله ولم يوجف المسلمون عَلَيْهِ بخيل ولا ركاب فكانت له خالصة فكان ينفق منها عَلَى أهله نفقة سنة، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل اللَّه. حدثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثُ صَفَايَا، مَالُ بَنِي النَّضِيرِ وَخَيْبَرَ، وَفَدَكَ، فَأَمَّا أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ فَكَانَتَ حَبْسًا لِنَوَائِبِهِ، وَأَمَّا فَدَكُ فَكَانَتْ لأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَأَمَّا خَيْبَرُ فَجَزَّأَهَا ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَقَسَّمَ جُزْأَيْنِ منها بين المسلمين وحبسر جُزْءًا لِنَفْسِهِ وَنَفَقَةِ أَهْلِهِ، فَمَا فَضَلَ مِنْ نَفَقَتِهِمْ رَدَّهُ إِلَى فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْن بن الأسود، قال حدثنا يحيى بن آدم، قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنِ الزهري قَالَ. كانت أموال بني النضير مما أفاء اللَّه عَلَى رسوله ولم يوجف المسلمون عَلَيْهِ بخيل ولا ركاب فكانت لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالصة فقسمها بَيْنَ المهاجرين ولم يعط أحدا منَ الأنصار منها شيئا إلا رجلين كانا فقيرين، سماك بْن خرشة أَبَا دجانة، وسهل بْن حنيف. وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن عياش، أبى الْكَلْبِيِّ، قَالَ لَمَّا ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ، وَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ أُجْلِيَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ من دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) 59: 2 وَالْحَشْرُ الْجَلاءُ، فَكَانَتْ مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلا رِكَابٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلأَنْصَارِ لَيْسَتْ لإخوانكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَمْوَالٌ، فَإِنْ شِئْتُمْ قُسِّمَتْ هَذِهِ وأموالكم بينكم وبينهم جميعا، وإن شئتم أمسكتم أَمْوَالَكُمْ وَقُسِّمَتْ هَذِهِ فِيهِمْ خَاصَّةً، فَقَالُوا. بَلْ قَسِّمْ هَذِهِ فِيهِمْ وَاقْسِمْ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْتَ فَنَزَلَتْ (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) 59: 9 فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: جَزَاكُمُ اللَّهُ يَا مَعْشَرَ الأنصار خيرا، فو الله مَا مِثْلُنَا وَمِثْلُكُمْ إِلا كَمَا قَالَ الْغَنَوِيُّ جَزَى اللَّهُ عَنَّا جَعْفَرًا حِينَ أُزْلِقَتْ ... بِنَا نَعْلُنَا فِي الْوَطْأَتَيْنِ فَزَلَّتْ أَبَوْا أَنْ يَمَلُّونَا وَلَوْ أَنْ أُمَّنَا ... تُلاقِي الَّذِي يَلْقَوْنَ مِنَّا لَمَلَّتْ فَذُو الْمَالِ مَوْفُورٌ وَكُلٌّ مُعَصَّب ... إِلَى حُجُرَاتٍ أَدْفَأَتْ وَأَظَلَّتْ وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ أَخْبَرَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ بَنِي النَّضِيرِ ذَاتَ نَخْلٍ. وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ. وَأَقْطَعَ الزُّبَيْرَ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ. كَاتِبُ الْوَاقِدِيِّ. قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالا حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنِ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ فِيهَا نَخْلٌ. وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ الْجَرْفَ. قَالَ أَنَسٌ فِي حَدِيثِهِ أَرْضًا مَوَاتًا. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ فِي حَدِيثِهِ. وَإِنَّ عُمَرَ أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ الْعَقِيقَ أَجْمَعَ. أموال بني قريظة قَالُوا حاصر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني قريظة لليال من ذي القعدة وليال من ذي الحجة سنة خمس. فكان حصارهم خمس عشرة ليلة وكانوا ممن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 أعان عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة الخندق، وهي غزوة الأحزاب ثُمَّ إنهم نزلوا عَلَى حكمه، فحكم فيهم سَعْد بْن معاذ الأوسي، فحكم بقتل من جرت عَلَيْهِ المواسي، وبسبي النساء والذرية، وأن يقسم ما لهم بَيْنَ المسلمين، فأجاز رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، وقال: لقد حكمت بحكم اللَّه ورسوله. حَدَّثَنِي عَبْدُ الواحد بن غياث، قال حدثنا حماد بن سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الأحْزَابِ دَخَلَ مُغْتَسَلا لِيَغْتَسِلَ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ وَضَعْتُمْ أَسْلِحَتَكُمْ وَمَا وَضَعْنَا أَسْلِحَتَنَا بَعْدُ، انْهَدْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ مِنْ خَلَلِ الْبَابِ، وَقَدْ عَصَبَ التُّرَابُ رَأْسَهُ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بن غياث، قال حدثنا حماد بن سلمة عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ السَّائِبِ أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ عَرَضُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُحْتَلِمًا أَوْ قَدْ نَبَتَتْ عَانَتُهُ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنِ احْتَلَمَ وَلا نَبَتَتْ عَانَتُهُ تُرِكَ. وَحَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هِشَامٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: عَاهَدَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لا يُظَاهِرَ عَلَيْهِ أَحَدًا وَجَعَلَ اللَّهَ عَلَيْهِ كَفِيلا، فَلَمَّا أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ وَبِابْنِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: لقد أوفى الكفل، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ وَعُنُقُ ابْنِهِ، حدثني بكر بن الهيثم، قال حدثنا عبد الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ، هَلْ كانت لبنى قريظة أرض، فقال سديد أَقْسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى السِّهَامِ. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْوَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَخَيْبَرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَدَّثَنَا أَبُو عبيد القاسم بن سلام، قال: حدثنا عبد اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 كَاتِبُ اللَّيْثِ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصَرَ بَنِي قُرْيَظَةَ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَضَى بأن تقتل رجالهم، وسبى ذَرَارِيُّهُمْ، وَتُقَسَّمَ أَمْوَالُهُمْ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ كَذَا وكذا رجلا. غزوة خيبر قَالُوا غزا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر في سنة سبع، فطاوله أهلها وماكثوه وقاتلوا المسلمين، فحاصرهم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريبا من شهر، ثُمَّ إنهم صالحوه عَلَى حقن دمائهم، وترك الذرية عَلَى أن يجلوا ويخلوا بَيْنَ المسلمين وبين الأرض والصفراء والبيضاء والبزة، إلا ما كان منها عَلَى الأجساد وأن لا يكتموه شيئا، ثُمَّ قَالُوا لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن لنا بالعمارة والقيام عَلَى النخل علما فأقرنا، فأقرهم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعاملهم عَلَى الشطر منَ الثمر والحب، وقال: أقركم ما أقركم اللَّه، فلما كانت خلافة عمر ابن الخطاب رضى الله عنه ظهر فيهم الوباء، وتعبثوا بالمسلمين، فأجلاهم عُمَر، وقسم خيبر بَيْنَ من كان له فيها سهم منَ المسلمين. حدثني الحسين بن الأسود، قال: حدثنا يحيى بْنُ آدَمَ، قَالَ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طُفَيْلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قال سألت بن شِهَابٍ عَنْ خَيْبَرَ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَهَا عَنْوَةً بَعْدَ الْقِتَالِ، وَكَانَتْ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَمَسَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَزَلَ مَنْ تَرَكَ مِنْ أَهْلِهَا عَلَى الْجَلاءِ، فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُعَامَلَةِ فَفَعَلُوا. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الأعلى بن حماد النرسي، قال حدثنا حماد بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَتَى رسول الله صلى الله عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى أَلْجَأَهُمْ إِلَى قَصْرِهِمْ وَغَلَبَهُمْ عَلَى الأَرْضِ وَالنَّخْلِ وَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ وَيُجْلُوا وَلَهُمْ مَا حَمَلَتْ رِكَابُهُمْ، وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّفْرَاءُ وَالْبَيْضَاءُ وَالْحَلَقَةُ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لا يَكْتُمُوا، وَلا يُغَيِّبُوا شَيْئًا فَإِنْ فَعَلُوا فَلا ذِمَّةَ لَهُمْ وَلا عَهْدَ، فَغَيَّبُوا مَسْكًا فِيهِ مال وحلى لحيي ابن أَخْطَبَ، وَكَانَ احْتَمَلَهُ مَعَهُ إِلَى خَيْبَرَ حِينَ أجليت بنو النضير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِسَعْيَةَ بْنِ عَمْرٍو مَا فَعَلَ مَسْكُ حُيَيٍّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ قِبَلِ بَنِي النَّضِيرِ قَالَ أَذْهَبَتْهُ الْحُرُوبُ وَالنَّفَقَاتُ، قَالَ: الْعَهْدُ قَرِيبٌ، وَالْمَالُ كَثِيرٌ، وَقَدْ كَانَ حُيَيٌّ قُتِلَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْيَةَ إِلَى الزُّبَيْرِ فَمَسَّهُ بِعَذَابٍ، فَقَالَ رأيت حييا يطوف فى خربة ههنا، فَذَهَبُوا إِلَى الْخَرِبَةِ فَفَتَّشُوهَا فَوَجَدُوا الْمَسْكَ، فَقَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَيَّ أَبِي الْحَقِيقِ، وَأَحَدُهُمَا زَوْجُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَسَبَى نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ، وَقَسَّمَ أَمْوَالَهُمْ للنَّكْثِ الَّذِي نَكَثُوا فَأَرَادَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ عَنْهَا، فَقَالُوا دَعْنَا نَكُنْ فِي هَذِهِ الأَرْضِ نُصْلِحُهَا وَنَقُومُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ غِلْمَانٌ يَقُومُونَ بِهَا، وَكَانُوا لا يَفْرُغُونَ لِلْقِيَامِ عَلَيْهَا بِأَنْفُسِهِمْ، فَأَعْطَاهُمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر عَلَى أَنَّ لَهُمُ الشَّطْرَ مِنْ كُلِّ زَرْعٍ وَنَخْلٍ وَشَيْءٍ مَا بَدَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَأَتِيهُمْ فِي كُلِّ عَامٍ فَيَخْرُصُهَا عَلَيْهِمْ ثُمَّ يُضْمِنُهُمُ الشَّطْرَ، فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِدَّةَ خَرْصِهِ وَأَرَادُوا أن يرشوه فقال با أَعْدَاءَ اللَّهِ أَتُطْعِمُونَنِي السُّحْتَ وَاللَّهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَأَنَّكُمْ لأَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ عِدَّتِكُمْ مِنَ الْقُرُودِ وَالْخَنَازِيرِ. وَلَنْ يَحْمِلَنِي بُغْضِي لَكُمْ وَحُبِّي إِيَّاهُ عَلَى أَنْ لا أَعْدِلَ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ. قَالَ وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنِ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ خُضْرَةً فَقَالَ يَا صَفِيَةُ مَا هَذِهِ الْخُضْرَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 فقالت كان رأسى فى حجر ابن أَبِي الْحَقِيقِ وَأَنَا نَائِمَةٌ، فَرَأَيْتُ كَأَنَّ قَمَرًا وَقَعَ فِي حِجْرِي، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَلَطَمَنِي، وَقَال أَتَمَنِّينَ مَلِكَ يَثْرِبَ، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَيَّ قَتْلَ زَوْجِي وَأَبِي وَأَخِي، فَمَا زَالَ يَعْتَذِرُ وَيَقُولُ إِنَّ أَبَاكِ أَلَبَّ عَلَى الْعَرَبِ وَفَعَلَ وَفَعَلَ حَتَّى ذَهَبَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِي، قَالَ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعْطِي كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ ثَمَانِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ كُلَّ عَامٍ، وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ مِنْ خَيْبَرَ، قَالَ نَافِعٌ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَاثُوا فِي الْمُسْلِمِينَ وَغَشُّوهُمْ وَأَلْقَوُا ابْنَ عُمَرَ مِنْ فَوْقِ بَيْتٍ وَفَدَغُوا يَدَيْهِ، فَقَسَّمَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ كَانَ شَهِدَ خَيْبَرَ مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ. وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الأسْوَدِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن آدم، عن زياد البكائي، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قَالَ حَصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ فِي حِصْنَيْهِمُ الوَطِيحِ وَسَلالِمَ، فَلَمَّا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ سَأَلُوهُ أَنْ يُسَيِّرَهُمْ وَيَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ فَفَعَلَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَازَ الأمْوَالَ كُلَّهَا الشِّقَّ وَالنَّطَاةَ وَالْكُتَيْبَةَ وَجَمِيعَ حُصُونِهِمْ إِلا مَا كَانَ فِي هَذَيْنِ الْحِصْنَيْنِ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الأسود قال حدثنا يحيى بن آدم، قال حدثنا عَبْد السلام بْن حرب، عن شعبة، عَنِ الحكم، عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي ليلى فى قوله تعالى: (وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً 48: 18) ، قال خيبر (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) 48: 21 فارس والروم. حدثنا عمر والنقد، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ خَيْبَرَ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلاثِينَ سَهْمًا وَجَعَلَ كُلَّ سَهْمٍ مِائَةَ سَهْمٍ فَعَزَلَ نِصْفَهَا لِنَوَائِبِهِ وَمَا يَنْزِلُ بِهِ وَقَسَّمَ النِّصْفَ الْبَاقِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ سَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قسم الشق والنطاة وما حيز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 معهما، وَكَانَ فِيمَا وَقَفَ الْكُتَيْبَةَ وَسَلالِمَ، فَلَمَّا صَارَتِ الأمْوَالُ فِي يَدَيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْعُمَّالِ مَنْ يَكْفِيهِ عَمَلُ الأَرْضِ فَدَفَعَهَا إِلَى الْيَهُودِ ويعملونها عَلَى نِصْفِ مَا خَرَجَ مِنْهَا فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وأبى بكر، فلما كان عمرو كثر الْمَالُ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ وَقَوُوا عَلَى عِمَارَةِ الأَرْضِ أَجْلَى الْيَهُودُ إِلَى الشَّامِ وَقَسَّمَ الأمْوَالَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا فَتَحَ خَيْبَرَ كَانَ سَهْمُ الْخُمُسِ مِنْهَا الكتيبة، وَكَانَ الشِّقُّ وَالنَّطَاةُ وَسَلالِمُ وَالْوَطِيحُ لِلْمُسْلِمينَ، فَأَقَرَّهَا فِي يَدِ يَهُودَ عَلَى الشَّطْرِ فَكَانَ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا لِلْمُسْلِمِينَ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ، حَتَّى كَانَ عُمَرُ فَقَسَّمَ رَقَبَةَ الأَرْضِ بَيْنَهُمْ عَلَى سِهَامِهِمْ. وَحَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: حَصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ مَا بَيْنَ عِشْرِينَ لَيْلَةً إِلَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً. حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن الأسود، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قَالَ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بن سعيد عن بشير بن يسار. أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ خَيْبَرَ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلاثِينَ سَهْمًا، لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، لِمَا يَنُوبُهُ مِنَ الْحُقُوقِ، وَأَمَرَ النَّاسَ، وَالْوُفُودَ، وقسم ثمانية عشره سَهْمًا كُلَّ سَهْمٍ لِمِائَةِ رَجُلٍ. وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قال حدثنا يحيى بن آدم. عن عبد السلام ابن حَرْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ سَمِعْتُ بَشِيرَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ قُسِّمَتْ سَهْمَانِ خَيْبَرَ على ستة وثلاثين سَهْمًا جَمَعَ كُلَّ سَهْمٍ مِائَةِ سَهْمٍ، فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ ثَمَانِيَةَ عَشَرِ سَهْمًا اقْتَسَمُوهَا بَيْنَهُمْ وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ سَهْمِ أَحَدِهِمْ. وَثَمَانِيَةَ عَشَرِ سَهْمًا لِمَنْ نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّاسِ. وَالْوُفُودِ. وَمَا نَابَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. وَالْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، قَالا حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، قَالَ حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ. عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بَعَثَ ابْنَ رَوَاحَةَ إِلَى خَيْبَرَ، فَخَرَصَ عَلَيْهِمُ النَّخْلَ، ثُمَّ خَيَّرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا أَوْ يَرُدُّوا، فَقَالُوا هَذَا الْحَقُّ وَبِهِ قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ. وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ محمد، عن ابن جريح، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ بَنِي أَبِي الْحَقِيقِ عَلَى أَنْ لا يَكْتُمُوا كَنْزًا، فَكَتَمُوهُ، فَاسْتَحَلَّ دِمَاءَهُمْ. حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّ أَهْلَ خَيْبَرَ أَخَذُوا الأَمَانَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَذَرَارِيِّهِمْ. عَلَى أَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْحِصْنِ، قَالَ: وَكَانَ فِي الْحِصْنِ أَهْلُ بَيْتٍ فِيهِمْ شِدَّةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُ عَدَاوَتَكُمْ لِلَّهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلَنْ يَمْنَعَنِي ذَلِكَ مِنْ أَنْ أُعْطِيَكُمْ مَا أَعْطَيْتُ أَصْحَابَكُمْ، وَقَدْ أَعْطَيْتُمُونِي أَنَّكُمْ إِنْ كَتَمْتُمْ شَيْئًا حَلَّتْ لِي دِمَاؤُكُمْ، مَا فَعَلَتْ آنَيِتُكُمْ، قَالُوا اسْتَهْلَكْنَاهَا فِي حَرْبِنَا، قَالَ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَتَوُا الْمَكَانَ الَّذِي هِيَ فيه فاستثناؤها ثُمَّ ضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ. حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالا: حَدَّثَنَا هَشِيمٌ، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ دَفَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بِأَرْضِهَا وَنَخْلِهَا إِلَى أَهْلِهَا مُقَاسَمَةً عَلَى النِّصْفِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَشِيمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَعْبِيِّ، قَالَ: دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ إِلَى أَهْلِهَا بِالنِّصْفِ، وَبَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ لِخَرْصِ التمر- أو قال النخل- فحرص عَلَيْهِمْ وَجَعَلَ ذَلِكَ نِصْفَيْنِ. فَخَيَّرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا أيهما شاءوا. فقالوا بهذا قامت السماوات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وَالأَرْضُ، وَحَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي يُوسُفَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ، عَنْ مُسْلِمٍ الأَعْوَرِ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ قَالَ لأَهْلِ خَيْبَرَ، إِنْ شِئْتُمْ خَرَصْتُ وَخَيَّرْتُكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ خَرَصْتُمْ وَخَيَّرْتُمُونِي فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ والأرض وحدثنا القسم بن سلام، قال: حدثنا عبد الله بن صالح المصري، عن ليث ابن سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَحَ خَيْبَرَ عَنْوَةً بَعْدَ قِتَالٍ، فَخَمَسَهَا، وَقَسَّمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ، قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَفَحَصَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى أَتَاهُ الثَّلْجُ وَالْيَقِينُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَأَجْلَى يَهُودَ خَيْبَرَ. حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أَشْيَاخِهِ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَطْعَمَ مِنْ سَهْمِهِ بِخَيْبَرَ طعْمًا فَجَعَلَ لِكَلِّ امرأة من نسائه ثمانين وسقا من تمر، وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ، وَأَطْعَمَ عَمَّهُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِائَتَيْ وَسْقٍ، وَأَطْعَمَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَغَيْرَهُمْ وَأَطْعَمَ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ أَوْسَاقًا مَعْلُومَةً، وَكَتَبَ لَهُمْ بِذَلِكَ كِتَابًا ثَابِتًا وحدثني الوليد، عَنِ الوافدي عن أفلح بْن حميد. عن أبيه. قال: ولاني عمر ابن عَبْد الْعَزِيزِ الكتيبة فكنا نعطي ورثة المطعمين. وكانوا محصين عندنا وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ السَّمِينُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ لَيْثٍ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ أَهْلَهَا بِالشَّطْرِ فَكَانَتْ فِي أَيْدِيهِمْ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَصَدْرًا مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ ثُمَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَتَاهُمْ فِي حَاجَةٍ فَبَيَّتُوهُ فَأَخْرَجَهُمْ مِنْهَا وَقَسَّمَهَا بَيْنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 مَنْ حَضَرَهَا مِنَ الْمُسْلِمينَ وَجَعَلَ لأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا نَصِيبًا وَقَالَ أَيَّتُكُنَّ شَاءَتْ أَخَذَتِ الثَّمَرَةَ وَأَيَّتُكُنَّ شَاءَتْ أَخَذَتِ الضَّيْعَةَ فَكَانَتْ لَهَا وَلِوَرَثَتِهَا. وحدثني الْحُسَيْن بْن الأسود. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر بْن عياش عن الكلبي، عن أبي صالح عن ابن عَبَّاس قَالَ: قسمت خيبر عَلَى ألف وخمسمائة سهم وثمانين سهما. وكانوا ألفا وخمسمائة وثمانين رجلا. الَّذِينَ شهدوا الحديبية منهم ألف وخمسمائة وأربعون. والَّذِينَ كانوا مع جَعْفَر بْن أبي طالب بأرض الحبشة أربعون رجلا. حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن الأسود. قال حدثني يحيى بن آدم قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فيها نخل وشجر. فتح فدك قَالُوا: بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أهل فدك منصرفه من خيبر محيصة بْن مَسْعُود الأنصاري يدعوهم إِلَى الإسلام. ورئيسهم رجل منهم، يقال له يوشع بْن نون اليهودي، فصالحوا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نصف الأرض بتربتها فقيل ذلك منهم، فكان نصف فدك خالصا لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وكان يصرف ما يأتيه منها إِلَى أبناء السبيل. ولم يزل أهلها بها إِلَى أن استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وأجلى يهود الحجاز فوجه أَبَا الهيثم مَالِك بْن التيهان- ويقال النيهان- وسهل بْن أَبِي حثمة، وزيد بْن ثابت الأنصاريين. فقوموا بصف تربتها بقيمة عدل. فدفعها إِلَى اليهودي وأجلاهم إلى الشام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ. عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَهْلَ فَدَكَ صَالَحُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِصْفِ أَرْضِهِمْ وَنَخْلِهِمْ. فَلَمَّا أَجْلاهُمْ عُمَرُ بَعَثَ مَنْ أَقَامَ لَهُمْ حَظَّهُمْ مِنَ النَّخْلِ وَالأَرْضِ فَأَدَّاهُ إِلَيْهِمْ. حدثني بكر بْن الهيثم،: حدثنا عبد الرزاق، عن معمرى عَنِ الزهري أن عُمَر بْن الخطاب أعطى أهل فدك قيمة نصف أرضهم وتخلهم. حدثنا الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بْنُ آدَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ. عَنِ الزُّهْرِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. وبعض ولد محمد بن مسلمة قَالُوا: بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ تَحَصَّنُوا وَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ وَيُسَيِّرَهُمْ فَسَمِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ فَدَكَ فَنَزَلُوا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَكَانَتْ فَدَكُ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً لأَنَّهُ لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلا رِكَابٍ. وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْن عن يَحْيَى بن آدم عن زياد البكائي عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر بنحوه وزاد فيه، وكان فيمن مشى بينهم محيصة ابن مَسْعُود. حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أسامة بن زيد عن ابن شهاب عن مالك بن أوسى بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثُ صَفَايَا فَكَانَتْ أَرْضُ بَنِي النَّضِيرِ حَبْسًا، وَكَانَتْ لِنَوَائِبِهِ، وَجَزَّأَ خَيْبَرَ عَلَى ثَلاثَةِ أَجْزَاءٍ وَكَانَتْ فَدَكُ لأَبْنَاءِ السَّبِيلِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بن عيسى عن أسامة ابن زَيْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلْنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مَوَارِيثَهُنَّ مِنْ سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ وَفَدَكَ، فَقَالَتْ لَهُنَّ عَائِشَةُ أَمَا تَتَّقِينَ اللَّهَ، أَمَا سَمِعْتُنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لا نُوَرَّثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إِنَّمَا هَذَا الْمَالُ لآلِ مُحَمَّدٍ، لِنَائِبَتِهِمْ وَضَيْفِهِمْ، فَإِذَا مِتُّ فَهُوَ إِلَى وَالِي الأَمْرِ بَعْدِي، قَالَ: فَأَمْسَكْنَ» حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدورقي، حَدَّثَنَا صفوان بْن عِيسَى الزهري عن أسامة عَنِ ابْن شهاب عن عُرْوَة بمثله. حدثني إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد عن عرعرة عن عَبْد الرزاق عن معمر عَنِ الكلبي، أن بني أمية اصطفوا فدك وغيروا سنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها، فلما ولي عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ رضي اللَّه عنه ردها إِلَى ما كانت عَلَيْهِ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْمُونٍ الْمُكْتِبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ عَيَّاضٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ جَعْوَنَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ فَاطِمَةُ لأَبِي بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لِي فَدَكَ فأعطنى إياها وَشَهِدَ لَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَسَأَلَهَا شَاهِدًا آخَرَ فَشَهِدَتْ لَهَا أُمُّ أَيْمَنَ، فَقَالَ قَدْ عَلِمْتِ يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ لا تَجُوزُ إِلا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وامرأتين فانصرفت. وو حدثني رَوْحٌ الْكَرَابِيسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ رَجُلٍ حَسِبَهُ رَوْحٌ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَعْطِنِي فَدَكَ فَقَدْ جَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِي فَسَأَلَهَا الْبَيِّنَةَ فَجَاءَتْ بِأُمِّ أَيْمَنَ وَرَبَاحٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَهِدَا لَهَا بِذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لا تَجُوزُ فِيهِ إِلا شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَائِشَةَ التَّيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ بَاذَامٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ فَاطِمَةَ بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أَتَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَتْ لَهُ مَنْ يَرِثُكَ إِذَا مِتُّ قَالَ وَلَدِي وَأَهْلِي، قَالَتْ فَمَا بَالُكَ وَرَثْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَنَا، فَقَالَ يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا وَرَثْتُ أَبَاكِ ذَهَبًا وَلا فِضَّةً وَلا كَذَا وَلا كذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 فَقَالَتْ سَهْمُنَا بِخَيْبَرَ وَصَدَقَتُنَا فَدَكُ، فَقَالَ يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أطعمنها اللَّهُ حَيَاتِي فَإِذَا مِتُّ فَهِيَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» . حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مُغِيرَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ جَمَعَ بَنِي أُمَيَّةَ فَقَالَ: إِنَّ فَدَكَ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يُنْفِقُ مِنْهَا، وَيَأْكُلُ، وَيَعُودُ عَلَى فُقَرَاءِ بَنِي هَاشِمٍ، وَيُزَوِّجُ أَيِّمَهُمْ وَأَنَّ فاطمة سألته أن يهبها لها فلب، فَلَمَّا قُبِضَ عَمِلَ أَبُو بَكْرٍ فِيهَا كَعَمَلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وَلِيَ عُمَرُ فَعَمِلَ فِيهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ رَدَدْتُهَا إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا سريج بْن يونس، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم عن أيوب عَنِ الزهري في قول اللَّه تعالى (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خَيْلٍ وَلا رِكابٍ 59: 6) ، قَالَ هَذِهِ قرى عربية لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدك وكذا وكذا. حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لا أَدْرِي ذَكَرَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَمْ لا، قَالَ أَجْلَى عُمَرُ يَهُودَ خَيْبَرَ فَخَرَجُوا مِنْهَا، فَأَمَّا يَهُودُ فَدَكَ فَكَانَ لَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرَةِ وَنِصْفُ الأَرْضِ لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَأَقَامَ لَهُمْ عُمَرُ نِصْفَ الثَّمَرَةِ وَنِصْفَ الأَرْضِ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ وَأَقْتَابٍ ثُمَّ أَجْلاهُمْ. وَحَدَّثَنِي عَمْرُو النَّاقِدُ، قال حدثني الحجاج بن أبي منيع الرصافي، عن أبيه عن أَبِي برقان، أن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ لما ولي الخلافة خطب، فقال: إن فدك كانت مما أفاء اللَّه عَلَى رسوله، ولم يوجف المسلمون عَلَيْهِ بخيل ولا ركاب، فسألته إياها فاطمة رحمها اللَّه تعالى، فقال: ما كان لك أن تسأليني وما كان لي أن أعطيك فكان يضع ما يأتيه منها في أبناء السبيل، ثُمَّ ولى أبو بكر وعمرو عثمان وعلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 رضي اللَّه عنهم فوضعوا ذلك بحيث وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ولي معاوية فأقطعها مروان بْن الحكم فوهبها مروان لأبي ولعبد الملك فصارت لي وللوليد وسليمان، فلما ولي الوليد سألته حصته منها فوهبها لي وسألت سُلَيْمَان حصته منها فوهبها لي فاستجمعتها وما كان لي من مال أحب إلي منها، فاشهدوا أني قَدْ رددتها إِلَى ما كانت عَلَيْهِ، ولما كانت سنة عشر ومائتين أمر أمير الْمُؤْمِنِين المأمون، عَبْد اللَّهِ بْن هارون الرشيد فدفعها إِلَى ولد فاطمة وكتب بذلك إِلَى قثم بْن جَعْفَر عامله عَلَى المدينة، أما بعد، فإن أمير الْمُؤْمِنِين بمكانه من دين اللَّه. وخلافة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والقرابة به أولى منَ استن سنته، ونفذ أمره وسلم لمن منحه منحة وتصدق عَلَيْهِ بصدقة منحته وصدقته، وبالله توفيق أمير المؤمنين وعصمته، وإليه في العمل بما يقربه إليه رغبته، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى فاطمة بنت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدك وتصدق بها عليها، وكان ذلك أمرا ظاهرا معروفا لاختلاف فيه بَيْنَ آل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه، ولم تزل تدعي منه ما هُوَ أولى به من صدق عَلَيْهِ فرأى أمير الْمُؤْمِنِين أن يردها إِلَى ورثتها ويسلمها إليهم تقربا إِلَى اللَّه تعالى بإقامة حقه وعدله وإلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتنفيذ أمره وصدقته، فأمر بإثبات ذلك في دواوينه والكتاب به إِلَى عماله، فلأن كان ينادى في كل موسم بعد أن قبض اللَّه نبيه صلى اللَّه عَلَيْهِ أن يذكر كل من كانت له صدقة أو وهبة أو عدة ذلك فيقبل قوله وينفذ عدته، أن فاطمة رضي اللَّه عنها لأولى بأن يصدق قولها فيما جعل رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها، وقد كتب أمير الْمُؤْمِنِين إِلَى المبارك الطبري مولى أمير الْمُؤْمِنِين يأمره برد فدك عَلَى ورثة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها وما فيها من الرقيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 والغلات وغير ذلك وتسليمها إِلَى مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن الْحُسَيْن بْن زيد بْن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وَمُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن الْحَسَن بْن على بن الحسين ابن علي بْن أَبِي طالب لتولية أمير الْمُؤْمِنِين إياهما القيام بها لأهلها فاعلم ذلك من رأى أمير الْمُؤْمِنِين وما ألهمه اللَّه من طاعته ووفقه له منَ التقرب إليه وإلى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واعلمه من قبلك، وعامل محمد بن يحيى ومحمد ابن عَبْد اللَّهِ بما كنت تعامل به المبارك الطبري، وأعنهما عَلَى ما فيه عمارتها ومصلحتها ووفور غلاتها إن شاء اللَّه والسلام» وكتب يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة عشر ومائتين، فلما استخلف المتوكل عَلَى اللَّه رحمه اللَّه أمر بردها إِلَى ما كانت عَلَيْهِ قبل المأمون رحمه اللَّه. أمر وادي القرى وتيماء قَالُوا: أتى رَسُول اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منصرفه من خيبر وادي القرى فدعى أهلها إِلَى الإسلام فامتنعوا من ذلك وقاتلوا، ففتحها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنوة وغنمه اللَّه أموال أهلها وأصاب المسلمون منهم أثاثا ومتاعا فخمس رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك وترك النخل والأرض في أيدي اليهود وعاملهم عَلَى نحو ما عامل عَلَيْهِ أهل خيبر، فقيل أن عُمَر أجلى يهودها وقسمها بَيْنَ من قاتل عليها، وقيل: أنه لم يجلهم لأنها خارجة منَ الحجاز، وهي اليوم مضافة إِلَى عمل المدينة وأعراضها. وأخبرني عدة من أهل العلم: أن رفاعة بْن زيد الجذامي كان أهدى لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلاما يقال له مدعم، فلما كانت غزاة وادي القرى أصابه سهم غرب وهو يحط رحل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقيل: يا رَسُول اللَّهِ هنيئا لغلامك أصابه سهم فاستشهد فقال: كلا ان الشعلة التي أخذها من المغانم يوم خيبر لتشتمل عليه نارا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 حدثنا شيبان بن فروخ، قال: حدثنا أبو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتُشْهِدَ فَتَاكَ فُلانٌ، فَقَالَ: إِنَّهُ يُجَرُّ إِلَى النَّارِ فِي عَبَاءَةٍ غَلَّهَا. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَنِيئًا لَكَ اسْتُشْهِدَ فَتَاكَ فُلانٌ فَقَالَ بَلْ هُوَ يُجَرُّ إِلَى النَّارِ فِي عَبَاءَةٍ غَلَّهَا. قالوا: ولما بلغ أهل تيماء ما وطئ به رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل وادي القرى صالحوه عَلَى الجزية فأقاموا ببلادهم وأرضهم في أيديهم وولى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عمرو بن سعيد بن العاصي بْن أمية وادي القرى، وولى يزيد بْن أَبِي سُفْيَان بعد الفتح، وكان إسلامه يوم فتح تيماء وحدثني عَبْد الأعلى بْن حَمَّاد النرسي، قال: حدثنا حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن حكيم عن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ أن عُمَر بْن الخطاب أجلى أهل فدك وتيماء وخيبر، قَالَ وكان قتال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل وادي القرى في جمادى الآخر سنة سبع. حَدَّثَنِي العَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةَ بْنَ النُّعْمَانِ بْنِ هَوْذَةَ الْعُذْرِيَّ رَمْيَةَ سَوْطِهِ مِنْ وَادِي الْقُرَى، وَكَانَ سَيِّدَ بَنِي عُذْرَةَ، وَهُوَ أَوَّلُ أَهْلِ الْحِجَازِ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ بَنِي عُذْرَةَ وحدثني عَلي بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ مولى قريش عَنِ العَبَّاس بْن عَامِر عن عمه، قَالَ أتى عَبْد الملك بْن مروان يزيد بْن معاوية فقال يا أمير الْمُؤْمِنِين إن أمير الْمُؤْمِنِين معاوية كان ابتاع من بعض اليهود أرضا وادي القرى، وأحيا إليها أرضا. وليست لك بذلك المال عناية. فقد ضاع وقلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 غلته فاقطعنيه فإنه لا خطر له، فقال يزيد: إنا لا نبخل بكبير ولا نخدع عن صغير فقال يا أمير المؤمنين: غلته كذا، قَالَ: هُوَ لك، فلما ولى قَالَ يزيد: هذا الذي يقال انه بلى بعدنا فان بكن ذلك حقا فقد صانعناه وإن يكن باطلا فقد وصلناه فتح مكة المكرمة قَالُوا: لما قاضى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريشا عام الحديبية وكتب القضية عَلَى الهدنة، وأنه من أحب أن يدخل في عهد مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل ومن أحب أن يدخل في عهد قريش دخل وأنه من أتى قريشا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردوه ومن أتاه منهم ومن حلفائهم رده قام من كان من كنانة فقالوا ندخل في عهد قريش ومدتها وقامت خزاعة فقالت ندخل في عهد مُحَمَّد وعقده وقد كان بَيْنَ عَبْد المطلب وخزاعة حلف قديم فلذلك قَالَ عَمْرو بْن سالم بْن حصيرة الخزاعي. لاهم اني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا ثم ان رجلا من خذاعة سمع رجلا من كنانة ينشد هجاء في رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوثب عَلَيْهِ فشجه فهاج ذلك بينهم الشر والقتال، وأعانت قريش بنى كنانة، وخرج منهم رجال معهم فبيتوا خزاعة فكان ذلك مما نقضوا العهد والقضية، وقدم عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرو بْن سالم بْن حصيرة الخزاعي يستنصر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدعاه ذلك إِلَى غزو مكة. وَحَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، قَالَ: حدثنا عثمان بن صالح، عن بْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، قَالَ: فَهَادَنَتْ قُرَيْشٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يَأْمَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى الأَغْلالِ وَالأَسْلالِ- أَوْ قَالَ أَرْسَالِ- فَمَنْ قَدِمَ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ مُجْتَازًا إِلَى الْيَمَنِ وَالطَّائِفِ فَهُوَ آمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وَمَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَامِدًا إِلَى الشَّامِ وَالْمَشْرِقِ فَهُوَ آمِنٌ، قَالَ: فَأَدْخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَهْدِهِ بنى كعب، وأدخلت قُرَيْشٌ فِي عَهْدِهَا حُلَفَاءَهَا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ بَنِي بَكْرٍ مِنْ كِنَانَةَ كَانُوا فِي صُلْحِ قُرَيْشٍ وَكَانَتْ خُزَاعَةُ فِي صُلْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاقْتَتَلَتْ بَنُو بَكْرٍ وَخُزَاعَةُ بِعَرَفَةَ، فَأَمَدَّتْ قُرَيْشٌ بَنِي بكر بالسلاح وسقوهم الماء وظللوهم، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: نَكَثْتُمُ الْعَهْدَ فَقَالُوا مَا نَكَثْنَا وَاللَّهِ مَا قَاتَلْنَا إِنَّمَا مَدَدْنَاهُمْ وَسَقَيْنَاهُمْ وَظَلَلْنَاهُمْ، فَقَالُوا لأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ: انْطَلِقْ فَأجد الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ فَقَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ الْمَدِينَةَ فَلَقِيَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَجِدَّ الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ عُمَرُ: قَطَعَ اللَّهُ مِنْهُ مَا كَانَ مُتَّصِلا، وَأَبْلَى مَا كَانَ جَدِيدًا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ تَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ شَاهِدَ عَشِيرَةٍ شَرًّا مِنْكَ، فَانْطَلَقَ إِلَى فَاطِمَةَ فَقَالَتْ: الْقَ عَلِيًّا فَلَقِيَهُ فَذَكَرَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنْتَ شَيْخُ قُرْيَشٍ وَسِيِّدُهَا فَأَجِدَّ الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ، فَضَرَبَ أَبُو سُفْيَانَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ، وَقَالَ: قَدْ جَدَّدْتُ الْحِلْفَ وَأَصْلَحْتُ بَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَدْ أَقْبَلَ وَسَيَرْجِعُ رَاضِيًا بِغَيْرِ قَضَاءِ حَاجَةٍ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، فَقَالُوا تَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا أَحْمَقَ مِنْكَ مَا جِئْتَنَا بِحَرْبٍ فنحذر ولا بسلم فتأمن، وَجَاءَتْ خُزَاعَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَوْا مَا أَصَابَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي قَدْ أَمَرْتُ بِإِحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ مَكَّةَ أَوِ الطَّائِفِ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَسِيرِ فَخَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ وَقَالَ «اللَّهُمَّ اضْرِبْ عَلَى آذَانِهِمْ فَلا يَسْمَعُوا حَتَّى نَبْغِتَهُمْ بَغْتَةً» وَأَغْذِ الْمَسِيرَ حَتَّى نَزَلَ مَرَّ الظَّهْرَانِ، وَقَدْ كَانَتْ قُرَيْشٌ قَالَتْ لأَبي سُفْيَانَ: ارْجِعْ، فَلَمَّا بَلَغَ مر الظَّهْرَانِ وَرَأَى النِّيرَانَ وَالأَخْبِيَةَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 قَالَ: مَا شَأْنُ النَّاسِ، كَأَنَّهُمْ أَهْلُ عَشِيَّةِ عَرَفَةَ، وَغَشِيَتْهُ خُيُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذُوهُ أَسِيرًا فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَاءَ عُمَرُ فَأَرَادَ قَتْلَهُ فَمَنَعَهُ العَبَّاسُ وَأَسْلَمَ، فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ تَحَشْحَشَ النَّاسُ وُضُوءًا لِلصَّلاةِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ: مَا شَأْنُهُمْ يُرِيدُونَ قَتْلِي. قَالَ: لا وَلَكِنَّهُمْ قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ، فَلَمَّا دَخَلُوا فِي صَلاتِهِمْ رَآهُمْ إذا ركع رسول اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ سَجَدُوا فَقَالَ: تَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ طَوَاعِيَةً قَوْمٌ جاءوا من ههنا وههنا وَلا فَارِسَ الْكِرَامَ وَلا الرُّومَ ذَاتَ الْقُرُونِ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْعَثْنِي إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَدْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَلَمَّا بَعَثَهُ أَرْسَلَ فِي أَثَرِهِ وَقَالَ: رُدُّوا عَلَى عَمِّي لا يَقْتُلُهُ الْمُشْرِكُونَ، فَأَبَى أَنْ يَرْجِعَ حَتَّى أتى مكة، فقال أى قوم اسلموا تسلموا أتيتم أتيتم وَاسْتَبْطَنْتُمُ بَأَشْهُبِ بَازِلٍ، هَذَا خَالِدٌ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ، وَهَذَا الزُّبَيْرُ بِأَعْلَى مَكَّةَ، وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وخزاعة، فقال قُرَيْشٌ: وَمَا خُزَاعَةٌ الْمُجَدَّعَةُ الأَنُوفُ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الواحد بن غياث، قال: حدثنا حماد بن سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ قَائِلَ خُزَاعَةَ، قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: لاهم اني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا فَانْصُرْ هَدَاكَ اللَّهُ نَصْرًا أَيِّدَا ... وَادْعُ عِبَادَ اللَّهِ يَأَتُوا مَدَدَا قَالَ حَمَّادٌ: فَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ خُزَاعَةَ نَادَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ لَبَّيْكُمْ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ، تَسَلَّحَ قَوْمٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَقَالُوا: لا يَدْخُلُهَا مُحَمَّدٌ إِلا عَنْوَةً، فَقَاتَلَهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَمَرَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدُّخَولِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 فَقَتَلَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ رَجُلا مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَرْبَعَةَ نفرا مِنْ هُذَيْلٍ، وَيُقَالُ: قَتَلَ يَوْمَئِذٍ ثَلاثَةً وَعِشْرِينَ رجلا من قريش، وانهزم الباقون فاعتصموا برؤوس الْجِبَالِ وَتَوَغَّلُوا فِيهَا وَاسْتُشْهِدَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ كَرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ، وَخَالِدٌ الأَشْعَرُ الْكَعْبِيُّ، وَقَالَ هشام ابن الكلبي: هو حبيشّ الأشعر ابن خالد الكعبي مِنْ خُزَاعَةَ. وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الأُبَلِّيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، قَالَ، وَفَدْتُ إِلَى وُفُودِ مُعَاوِيَةَ وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَانَ بَعْضُنَا يَصْنَعُ لِبَعْضٍ الطَّعَامَ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَدْعُوَنَا إِلَى رَحْلِهِ، قَالَ: فَصَنَعْتُ لَهُمْ طَعَامًا وَدَعَوْتُهُمْ، فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ أَلا أُعْلِلُّكُمْ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِكُمْ مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ثُمَّ ذَكَرَ فَتْحَ مَكَّةَ، فَقَالَ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَبَعَثَ الزُّبَيْرُ عَلَى إِحْدَى الْمُجَنَّبَتَيْنِ، وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الأُخْرَى، وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدةَ بْنَ الْجَرَّاحِ عَلَى الحصر، فَأَخَذُوا بَطْنَ الْوَادِي وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَتِيبَتِهِ فَرَآنِي، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: نَادِ الأَنْصَارَ فَلا يَأْتِ إِلا أَنْصَارِيٌّ، قَالَ: فَنَادَيْتُهُمْ فَأَطَافُوا بِهِ وَجَمَعَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشَهَا وَأَتْبَاعَهَا، وَقَالُوا نُقَدِّمُ هَؤُلاءِ، فَإِنْ أَصَابُوا ظُفْرًا كُنَّا مَعَهُمْ وَإِنْ أُصِيبُوا أَعْطَيْنَا الَّذِي يَسْأَلُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. أَتَرَوْنَا أَوْبَاشَ قُرْيَشٍ قَالُوا نَعَمْ فَقَالَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى يُشِيرُ. أَنِ اقْتِلُوهُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَافُونِي بِالصَّفَا، قَالَ فَانْطَلَقْنَا فَمَا يَشَاءُ أَحَدٌ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا إِلا يَقْتُلُهُ، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ لا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلاحَ فَهُوَ آمِنٌ، فَقَالَ بَعْضُ الأَنْصَارِ لِبَعْضٍ، أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرَابَتِهِ وَرَأَفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، وَجَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ، وَكَانَ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 فَقَالَ. يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا قَالُوا قَدْ كَانَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ،. كَلا إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ هَاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ، فَجَعَلُوا يَبْكُونَ وَيَقُولُونَ، وَاللَّهِ مَا قُلْنَا الَّذِي قلنا إلا للضن بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ، وَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَى دَارِ أَبِي سُفْيَانَ وَأَغْلَقُوا أَبْوَابَهَا وَوَضَعُوا سِلاحَهُمْ: وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَأَتَى عَلَى صَنَمٍ كَانَ إِلَى جَنْبِ الْكَعْبَةِ وَفِي يَدِهِ قَوْسٌ قَدْ أَخَذَ بِسِيَتِهَا فَجَعَلَ يَطْعَنُ فِي عَيْنِ الصَّنَمِ وَيَقُولُ (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) 17: 81 قَالَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا فَعَلاهُ حَتَّى نَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيَدْعُو. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ. أَخْبَرَنَا هَشِيمٌ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عن عبيد الله ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لا تُجْهِزَنَّ عَلَى جَرِيحٍ، وَلا يُتْبَعَنَّ مُدْبِرٌ. وَلا يُقْتَلَنَّ أَسِيرٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ. كَانَتْ غَزْوَةُ الْفَتْحِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ إِلَى الْفِطْرِ. ثُمَّ تَوَجَّهَ لِغَزْوَةِ حُنَيْنٍ. وَوَلَّى مَكَّةَ عتاب ابن أُسَيْدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَأَمَر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَدْمِ الأَصْنَامِ وَمَحْوِ الصُّوَرِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْكَعْبَةِ وقال: اقتلوا بن خطل ولو كان متعلقا بأستار الْكَعْبَةِ، فَقَتَلَهُ أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ. قَالَ أَبُو اليقظان. واسم ابْن خطل قيس، وقتله أَبُو شرياب الأنصاري، وكان لابن خطل قينتان تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت احداهما وبقيت الأخرى حَتَّى كسرت لها ضلع أيام عُثْمَان فماتت، وقتل نميلة بْن عبد الله الكناني مقيس بن صبابة الكبانى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أمر من وجده أن يقتله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وذلك لأن أخاه هاشم بْن صبابة بْن حزن أسلم وشهد غزوة المريسيع مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقتله رجل منَ الأنصار خطأ وهو يظنه مشركا فقدم مقيس عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقضى له بالدية عَلَى عاقلة القاتل، فأخذها وأسلم، ثُمَّ عدا عَلَى قاتل أخيه فقتله وهرب مرتدا، وقال: شفى النفس أن قَدْ بات بالقاع مسندا ... يضرج ثوبيه دماء الأخادع ثأرت به قهرا وحملت عقله ... سراة بني النجار أرباب فارع حالت به وترى وأدركت ثورتي ... وكنت عَنِ الإسلام أول راجع وقتل علي بْن أَبِي طالب رضي اللَّه عنه الحويرث بْن نقيذ بْن بجير بْن عَبْد بْن قصي، وكان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أن يقتله من وجده وحدثني بكر بن الهثيم، عن عبد الرزاق، عن مغمر، عَنِ الْكَلْبِيِّ، قَالَ: جَاءَتْ قَيْنَةٌ لِهِلالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ ابْنُ خَطَلٍ الأَرْدَمِيُّ مِنْ بَنِي تَيْمٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَنَكِّرَةٌ فَأَسْلَمَتْ وَبَايَعَتْ وَهُوَ لا يَعْرِفُهَا فَلَمْ يَعْرِضْ لَهَا وَقُتِلَتْ قَيْنَةٌ لَهُ أُخْرَى، وَكَانَتَا تُغَنِيَّانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَأَسْلَمَ ابْنُ الزَّعْبَرِيُّ السَّهْمِيُّ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ، وَمَدَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قَدْ أَبَاحَ دَمَهُ يَوْمَ الْفَتْحِ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ البَّزَّارُ،، قَالَ: حَدَّثَنَا هَشِيمٌ، قَالَ أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمَ مَكَّةَ فَقَالَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ جُنْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ أَلا إِنَّ كُلَّ مَأْثَرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكُلَّ دَمٍ وَدَعْوَى مَوْضُوعَةٌ تَحْتَ قَدَمِي إِلا سِدَانَةَ الْبَيْتِ، وَسِقَايَةَ الْحَاجِّ» . وَحَدَّثَنَا خَلَفٌ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَشْيَاخِهِ، قَالُوا: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 وَسَلَّمَ لِقُرَيْشٍ مَا تَظُنُّونَ، قَالُوا: نَظُنُّ خَيْرًا وَنَقُولُ خَيْرًا أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ وَقَدْ قَدَرْتَ قَالَ: فَإِنِّي أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِي يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) 12: 92 أَلا كُلُّ دَيْنٍ وَمَالٍ وَمَأْثَرَةٍ كَانَتْ فِي الجاهلية فهي تحت قدمي الاسدانة الْبَيْتِ وَسِقَايَةَ الْحَاجِّ» . حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن عبيد ابن عُمَيْرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ «أَلا إِنَّ مَكَّةَ حَرَامٌ مَا بَيْنَ أَخْشَبَيْهَا لَمْ يَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي وَلا يَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وَلَمْ تَحِلَّ لِي إلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لا يُخْتَلَى خلاها ولا تعضد عضاهها وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلا أَنْ يُعَرَّفَ- أَوْ يُعَرِّفُ- فَقَالَ الْعَبَّاسُ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلا الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِصَاغَتِنَا وَقُيُونِنَا وَطُهُورِ بُيُوتِنَا، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا الإِذْخِرَ» . حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لا يُخْتَلَى خَلا مَكَّةَ وَلا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: الا الإذخر فإنه القيون وَطُهُورِ الْبُيُوتِ فَرُخِّصَ فِي ذَلِكَ» . حَدَّثَنَا شيبان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هلال الراسبي عَنِ الْحَسَن، قَالَ. أراد عُمَر أن يأخذ كنز الكعبة فينفقه في سبيل اللَّه، فقال له أُبَيُّ بْن كعب الأنصاري، يا أمير الْمُؤْمِنِين قَدْ سبقك صاحباك، ولو كان هَذَا فضلا لفعلاه وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَكَّةُ حَرَامٌ لا يَحِلُّ بَيْعُ رِبَاعِهَا وَلا أُجُورُ بُيُوتِهَا» . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنِ إسْرَائِيلَ عَنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. ابْنِ لَكَ بِنَاءً يُظِلُّكَ مِنَ الشَّمْسِ بِمَكَّةَ، فَقَالَ، «إِنَّمَا هِيَ مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ» . حَدَّثَنَا خلف بْن هِشَام البزار، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل عَنِ ابْن جريح، قَالَ قرأت كتاب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ ينهى عن كراء بيوت مكة. حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر عَنِ إسرائيل عن ثوير عن مجاهد عَنِ ابْن عُمَر، قَالَ الحرم كله مَسْجِد. حَدَّثَنَا عَمْرو الناقد، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاق الأزرق عن عَبْد الملك بْن أَبِي سُلَيْمَان، قَالَ. كتب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى أمير مكة أن لا تدع أهل مكة يأخذون عَلَى بيوت مكة أجرا فإنه لا يحل لهم. حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن أَبِي شيبة، قَالَ. حَدَّثَنَا جرير عن يزيد بْن أَبِي زياد عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سابط في قوله (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) 22: 25، قَالَ البادي من يخرج منَ الحجاج والمعتمرين، هم سواء في المنازل، ينزلون حيث شاءوا، غير ألا يخرج أحد من بيته. حَدَّثَنَا عُثْمَان، قَالَ حَدَّثَنَا جرير، عن مَنْصُور عن مجاهد في هَذِهِ الآية، قَالَ أهل مكة وغيرهم في المنازل سواء. وَحَدَّثَنَا عُثْمَان وعمرو، قالا. حَدَّثَنَا وَكِيع عن سُفْيَان، عن مَنْصُور، عن مجاهد أن عُمَر بْن الخطاب، قَالَ لأهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابا لينزل البادي حيث شاء. وَحَدَّثَنَا عُثْمَان بْن أَبِي شيبة، وبكر بْن الهيثم، قالا. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن ضريس الرازي عن سُفْيَان، عن أَبِي حصين قَالَ قلت لسعيد بْن جبير وهو بمكة إني أريد أن أعتكف، فقال: أنت عاكف ثُمّ قرأ (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) 22: 25. حَدَّثَنَا عُثْمَان، قَالَ: حَدَّثَنَا حفص بْن غياث عن عَبْد اللَّهِ بْن مُسْلِم عن سَعِيد بْن جبير في قوله (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) 22: 25 قَالَ: خلق اللَّه فيه سواء أهل مكة وغيرها، وحدثني مُحَمَّد بْن سَعِيد عَنِ الواقدي، قال. كان يتخاصم إلى أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حزم في أجور الدور بمكة فيقضي بها على من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 اكتراها وهو قول مَالِك وابن أَبِي ذئب، قَالَ وقال ربيعة، وأبو الزناد، لا بأس بأكل كراء بيوت مكة وبيع رباعها، وقال الواقدي، رأيت ابْن أَبِي ذئب يأتيه كراء داره بمكة بَيْنَ الصفا والمروة، وقال الليث بْن سَعِيد ما كان من دار فأجرها طيب لصاحبها، فأما القاعات، والسكك، والأفنية والخرابات، فمن سبق نزل ذلك بغير كراء وأخبرني عَبْد الرَّحْمَنِ الأودي، عَنِ الشافعي بمثل ذلك، وقال سفيان ابن سَعِيد الثوري، كراء بيوت مكة حرام، وكان يشدد في ذلك. وقال الأوزاعي وابن أَبِي ليلى. وأبو حنيفة إن كراها في ليالي الحج فالكراء باطل، وإن كان في غير ليالي الحج، وكان المكتري مجاورا أو غير ذلك فلا بأس، وقال بعض أصحاب أَبِي يوسف كراؤها حل طلق، وإنما يستوي العاكف والبادي في الطواف بالبيت. حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن عَلي بْن الأسود، قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن موسى، عَنِ الْحَسَن بْن صالح عَنِ العلاء بْن المسيب، عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الأسود، أنه كان لا يرى ببقل مكة ولا بالزرع الَّذِي يزرع فيها ولا بشيء مما أنبته الناس بها من شجر أو نخل بأسا أن تقطعه وتأكله وتصنع فيه ما شئت، قَالَ وإنما كره ما أنبتت الأرض بمكة من شجر وغيره مما لم يعمله الناس إلا الأذخر، قَالَ الْحَسَن بْن صالح. وقد رخص في الشجر البالي الَّذِي قَدْ يبس وتكسر. وقال مُحَمَّد بْن عُمَر الواقدي. قَالَ مَالِك. وابن أَبِي ذئب في محرم أو حلال قطع شجرا منَ الحرم أنه قَدْ أساء. فإن كان جاهلا علم ولا شيء عَلَيْهِ. وإن كان عالما خالعا عوقب ولا قيمة عَلَيْهِ. ومن قطع من ذلك شيئا فلا بأس أن ينتفع انه قَالَ وقال سُفْيَان الثوري وأبو يوسف. عَلَيْهِ في الشجرة لقطعها قيمة ولا ينتفع بذلك. وهو قول أَبِي حنيفة. وقال مَالِك بْن أَنَس. وابن أَبِي ذئب. لا بأس بالضغابيس. وأطراف السنا. تؤخذ منَ الحرم للدواء والسواك. وقال سُفْيَان بْن سَعِيد. وأبو حنيفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وأبو يوسف: كل شيء أنبته الناس في الحرم أو كان مما ينبتون فلا شيء عَلَى قاطعه وكل شيء مما لا ينبته الناس فعلى قاطعه قيمته، وقال الواقدي سألت الثوري، وأبا يوسف عن رجل أنبت في الحرم ما لا ينبته الناس، فقام عَلَيْهِ حَتَّى نبت له أله أن يقطعه، قالا نعم، قلت فان نبتت في بستانه شجرة مما لا ينبت الناس من غير أن يكون أنبتها، قالا يصنع بها ما شاء. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد، عَنِ الواقدي، قَالَ: روى لنا أن ابْن عُمَر كان يأكل بمكة بقلا زرع في الحرم، وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد، قَالَ حدثني الواقدي، عن معاذ بْن مُحَمَّد، قَالَ رأيت عَلَى مائدة الزهري بقلا منَ الحرم، قَالَ أَبُو حنيفة لا يرعى الرجل المحرم بعيره في الحرم ولا يحتش له، وهو قول زفر، وقال مَالِك وابن أَبِي ذئب، وسُفْيَان، وأبو يوسف، وابن أَبِي سبرة. لا بأس بالرعي ولا يحتش، وقال ابْن أَبِي ليلى لا بأس بأن يحتش. وحدثني عَفَّان، والعَبَّاس بْن الوليد النرسي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الواحد بْن زياد، قَالَ: حَدَّثَنَا ليث، قَالَ كان عطاء لا يرى بأسا ببقل الحرم وما زرع فيه وبالقضيب والسواك، قَالَ وكان مجاهد يكرهه، قَالَ: ولم يكن للمسجد الحرام عَلَى عهد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر جدار يحيط به، فلما استخلف عُمَر بْن الخطاب وكثر الناس وسع المسجد واشترى دورا فهدمها وزادها فيه وهدم عَلَى قوم من جيران المسجد أبوا أن يبيعوا ووضع لهم الأثمان حَتَّى أخذوها بعد، واتخذ للمسجد جدارا قصيرا دون القامة. فكانت المصابيح توضع عَلَيْهِ. فلما استخلف عُثْمَان بْن عَفَّان ابتاع منازل وسع المسجد بها وأخذ منازل أقوام ووضع لهم الأثمان فضجوا به عند البيت فقال إنما جرأكم علي حلمي عنكم وليني لكم لقد فعل بكم عُمَر مثل هَذَا فأقررتم ورضيتم، ثُمَّ أمر بهم إِلَى الحبس حَتَّى كلمه فيهم عبد الله ابن خَالِد بْن أسيد بْن أَبِي العيص فخلى سبيلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 ويقال: إن عُثْمَان أول منَ اتخذ للمسجد الأروقة، واتخذها حين وسعه قَالُوا: وكان باب الكعبة عَلَى عهد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السلام وجرهم والعماليق بالأرض حَتَّى بنته قريش، فقال أبو حذيفة ابن المغيرة يا قوم ارفعوا باب الكعبة حَتَّى لا يدخل إلا بسلم فإنه لا يدخلها حينئذ إلا من أردتم، فإن جاء أحد ممن تكرهون رميتم به فسقط فكان نكالا لمن وراءه، فعملت قريش بذلك. قَالَ: ولما تحصن عَبْد اللَّهِ بْن الزبير بْن العوام في المسجد الحرام واستعاذ به- والحصين بْن نمير السكوني إذ ذاك يقاتله في أهل الشام- أخذ ذات يوم رجل من أصحابه نارا عَلَى ليفة في رأس رمح، وكانت الريح عاصفا، فطارت شرارة فتعلقت بأستار الكعبة فأحرقتها، فتصدعت حيطانها واسودت، وذلك في سنة أربع وستين حَتَّى إذا مات يزيد بْن معاوية، وانصرف الحصين بْن نمير إِلَى الشام أمر ابْن الزبير بما في المسجد منَ الحجارة الَّتِي رمى بها فأخرج، ثُمَّ هدم الكعبة وبناها عَلَى أساسها وأدخل الحجر فيها وجعل لها بابين موضوعين بالأرض شرقيا وغربيا يدخل من واحد ويخرج منَ الآخر، وكان قَدْ وجد أساس الكعبة متصلا بالحجر، وإنما التمس إعادتها إِلَى بناء إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السلام عَلَى ما كانت عائشة أم الْمُؤْمِنِين أَخْبَرَته عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعل عَلَى بابها صفائح الذهب وجعل مفاتيحها من ذهب، فلما حاربه الحجاج بْن يوسف من قبل عبد الملك ابن مروان وقتله كتب إليه عَبْد الملك يأمره ببناء الكعبة والمسجد الحرام، وقد كانت الحجارة حلحلت الكعبة فهدمها الحجاج وبناها فردها إِلَى بناء قريش وأخرج الحجر، فكان عَبْد الملك يقول بعد ذلك: وددت أني كنت حملت ابْن الزبير أمر الكعبة وبناءها ما تحمل. قَالُوا: وَكَانَتْ كِسْوَةُ الْكَعْبَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الأَنْطَاعَ وَالْمَغَافِرَ فَكَسَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثِّيَابَ الْيَمَانِيَّةَ، ثُمَّ كَسَاهَا عُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 الْقُبَاطِيَّ، ثُمَّ كَسَاهَا يَزْيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدِّيبَاجَ الْخِسْرُوَانِيُّ، وَكَسَاهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ وَالْحَجَّاجُ بَعْدَهُ الدِّيبَاجَ، وَكَسَاهَا بَنُو أُمَيَّةَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِمُ الْحُلَلَ الَّتِي كَانَ أَهْلُ نَجْرَانَ يُؤَدُّونَهَا وَأَخَذُوهُمْ بِتَجْرِيدِهَا وَفَوْقَهَا الدِّيبَاجُ، ثُمَّ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ وَسَّعَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَحَمَلَ إِلَيْهِ عُمُدِ الحجارة والرخام والفيسفساء، قَالَ الواقدي فلما كانت خلافة أمير الْمُؤْمِنِين المَنْصُور رحمه اللَّه زاد في المسجد وبناه وذلك في سنة تسع وثلاثين ومائة. وقال على بن محمد ابن عَبْد اللَّهِ المدائني، ولى المهدي جَعْفَر بْن سُلَيْمَان بْن علي بْن عَبْد اللَّهِ بْن العَبَّاس مكة والمدينة واليمامة فوسع مسجدي مكة والمدينة وبناهما، وقد جدد أمير الْمُؤْمِنِين المتوكل عَلَى اللَّه جَعْفَر بْن أَبِي إِسْحَاق المعتصم بالله ابن الرشيد هارون بْن المهدي رضوان اللَّه عليهم رخام الكعبة وأزرها بفضة، وألبس سائر حيطانها وسقفها الذهب. ولم يفعل ذلك أحد قبله وكسا أساطينها الديباج. ذكر حفائر مكة قَالُوا: كانت قريش قبل جمع قصي إياها وقبل دخولها مكة تشرب من حياض ومصانع عَلَى رؤوس الجبال، ومن بئر حفرها لؤي بْن غالب خارج الحرم تدعى اليسيرة، ومن بئر حفرها مرة بْن كعب تدعى الروى، وهي مما يلي عرفة ثُمَّ حفر كلاب بْن مرة خم ورم، والجفر بظاهر مكة، ثُمَّ أن قصي بْن كلاب حفر بئرا سماها العجول واتخذ سقاية، وفيها يقول بعد رجاز الحاج. نروي عَلَى العجول ثُمَّ ننطلق ... قبل صدور الحاج من كل أفق إن قصيا قَدْ وفى وقد صدق ... بالشبع للناس ورى مغتبق ثُمَّ إنه سقط في العجول بعد ممات قصي رجل من بني نَصْر بْن معاوية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 فعطلت، وحفر هاشم بْن عَبْد مناف بذر، وهي عند الخندمة عَلَى فم شعب أَبِي طالب، وحفر هاشم أيضا سجلة فوهبها أسد بْن هاشم لعدي بْن نوفل بْن عَبْد مناف بْن المطعم، ويقال: بل ابتاعها منه، ويقال أن عَبْد المطلب وهبها له حين حفر زمزم وكثر الماء بمكة، فقالت خالدة بنت هاشم: نحن وهبنا لعدي سجلة ... في تربة ذات عذاة سهلة تروى الحجيج زعلة فزعلة وقد دخلت سجلة في المسجد، وحفر عَبْد شمس بْن عَبْد مناف الطوى وهي بأعلى مكة، وحفر أيضا لنفسه الجفر، وحفر ميمون بْن الحضرمي حليف بني عَبْد شمس بْن عَبْد مناف بئره وهي آخر بئر حفرت في الجاهلية بمكة، وعندها قبر أمير الْمُؤْمِنِين المَنْصُور رحمه اللَّه، واسم الحضرمي عَبْد الله ابن عماد، واحتفر عَبْد شمس أيضا بئرين وسماهما خم ورم، عَلَى ما سمى كلاب بْن مرة بئريه، فأما خم فهي عند الردم، وأما رم فعند دار خديجة بنت خويلد، وقال عَبْد شمس: حفرت خما وحفرت رما ... حَتَّى أرى المجد لنا قَدْ تما وقالت سبيعة بنت عَبْد شمس في الطوى: إن الطوى إذا شربتم ماءها ... صوب الغمام عذوبة وصفاء وحفرت بنو أسد بْن عَبْد العزى بْن قصي شفية بئر بنى أسد، وقال الحويرث بْن أسد: ماء شفية كماء المزن ... وليس ماؤها بطرق أجن وحفر بنو عَبْد الدار بْن قصي أم أحراد، فقالت أميمة بنت عميلة بْن السباق بْن عَبْد الدار: نحر حفرنا البحرام أحراد ... ليست كبذر النذر والجماد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 فأجابتها صفية بنت عَبْد المطلب: نحن حفرنا بذر تروى ال ... حجيج الأكبر من مقبل ومدبر وأم أحراد بشر فيها ال ... جراد والذر وقذر لا يذكر وحفر بنو جمح السنبلة وهي بئر خلف بْن وهب الجمحي فقال قائلهم: نحن حفرنا للحجيج سنبلة ... صوب سحاب ذو الجلال أنزله وحفر بنو سهم الغمر وهي بئر العاصي بْن وائل فقال بعضهم: نحن حفرنا الغمر للحجيج ... تثج ماء أيما ثجيج قَالَ ابْن الكلبي قالها ابْن الربعي، وحفرت بنو عدي الحفير فقال شاعرهم: نحن حفرنا بئرنا الحفيرا ... بحرا يجيش ماؤه غزيرا وحفرت بنو مخزوم السقيا بئر هِشَام بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، وحفرت بنو تيم الثريا، وهي بئر عَبْد اللَّهِ بْن جدعان بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم، وحفرت بنو عَامِر بْن لؤي النقع، قَالُوا وكانت لجبير بْن مطعم بئر وهي بئر بني نوفل فأدخلت حديثا في دار القوارير الَّتِي بناها حَمَّاد البربري في خلافة أمير الْمُؤْمِنِين هارون الرشيد، وكان عقيل بْن أَبِي طالب حفر في الجاهلية بئرا وهي في دار ابن يوسف، فكانت للأسود ابن أبى البختري ابن هاشم بْن الحارث بْن أسد بْن عَبْد العزى بئر عَلَى باب الأسود عند الحناطين فدخلت في المسجد، بئر عكرمة، نسبت إِلَى عكرمة ابْن خَالِد بْن العاصي بْن هاشم بْن المغيرة، بئر عَمْرو، نسبت إِلَى عَمْرو بْن عَبْد اللَّهِ بْن صفوان بْن أمية بْن خلف الجمحي، وكذلك شعب عَمْرو الطلوب أسفل مكة كانت لعبد اللَّه بْن صفوان، بئر حويطب نسبت إِلَى حويطب بْن عَبْد العزى بْن أبي قيس من بني عَامِر بْن لؤي، وهي بفناء داره ببطن الوادي، بئر أَبِي موسى كانت لأبي موسى الأشعري بالمعلاة، بئر شوذب نسبت إِلَى شوذب مولى معاوية، وقد دخلت في المسجد، ويقال: إن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 شوذبا كان مولى طارق بْن علقمة بْن عريج بْن جذيمة الكناني، ويقال كان مولى لنافع بْن علقمة بْن صفوان بْن أمية بْن محرث بْن خمل بْن شق الكناني، خال مروان بْن الحكم بْن أَبِي العاصي بْن أمية، وبئر بكار نسبت إِلَى رجل سكن مكة من أهل العراق، وهي بذي طوى، وبئر وردان نسبت إِلَى وردان مولى السائب بْن أَبِي وداعة بْن ضبيرة السهمي، وسقاية سراج بفخ، كانت لسراج مولى بني هاشم، وبئر الأسود نسبت إِلَى الأسود بْن سُفْيَان بْن عَبْد الأسد بْن هلال بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، وهي بقرب بئر خالصة مولاة أمير الْمُؤْمِنِين المهدي، والبرود بفخ لمخترش الكعبي من خزاعة، وقال ابْن الكلبي صاحب دار ابْن علقمة بمكة طارق بْن علقمة بْن عريج بْن خزيمة الكناني، وقال أَبُو عُبَيْدة معمر بْن المثنى، وعبد الملك بن قريب الأصمعى وغيرهما، بستان ابن عَامِر لعمر بْن عَبْد اللَّهِ بْن معمر بن عثمان ابن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم بن مرة ابن كعب بْن لؤي، ولكن الناس غلطوا فيها فقالوا بستان ابن عَامِر وبستان بنى عَامِر، وإنما هُوَ بستان ابن معمر، وقوم يقولون نسب إِلَى ابْن عَامِر الحضرمي، وآخرون يقولون نسب إِلَى ابْن عَامِر ابن كريز وذلك ظن وترجيم. حدثني مصعب بْن عبد الله الزبير، قَالَ كانت في الجاهلية مكة تدعى صلاح، قَالَ أَبُو سُفْيَان بْن حرب الحضرمي: أَبَا مطر هلم إِلَى صلاح ... لكفيك الندامى من قريش وتنزل بلدة عزت قديما ... وتأمن أن ينالك رب جيش وحدثني العَبَّاس بْن هِشَام الكلبي، قَالَ كتب بعض الكنديين إِلَى أَبِي يسأله عن سجن ابْن سباع بالمدينة إِلَى من نسب، وعن قصة دار الندوة ودار العجلة ودار القوارير بمكة، فكتب إليه: أما سجن ابْن سباع فإنه كان دارا لعبد اللَّه بْن سباع بْن عَبْد العزى بْن نضلة بْن عَمْرو بْن غبشان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 الخزاعي، وكان سباع يكنى أَبَا نيار، وكانت أمه قابلة بمكة فبارزه حَمْزَة بْن عَبْد المطلب يوم أحد فقال له هلم إلي يا ابن مقطعة البظور ثُمَّ قتله وأكب عَلَيْهِ ليأخذ درعه فزرقه وحشى وأم طريح بْن إِسْمَاعِيل الثقفي الشاعر بنت عَبْد اللَّهِ بْن سباع وهو حليف بني زهرة. وأما دار الندوة فبناها قصي بْن كلاب. فكانوا يجتمعون إليه فتقضى فيها الأمور، ثُمَّ كانت قريش بعده تجتمع فيها فتتشاور في حروبها وأمورها وتعقد الألوية وتزوج من أراد التزويج، وكانت أول دار بنيت بمكة من دور قريش ثُمَّ دار العجلة، وهي دار سَعِيد بْن سَعْد بْن سهم، وبنو سهم يدعون أنها بنيت قبل دار الندوة وذلك باطل، فلم تزل دار الندوة لبنى عبد الدار ابن قصي حَتَّى باعها عكرمة بْن عَامِر بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار بْن قصي من معاوية بْن أَبِي سُفْيَان فجعلها دارا للإمارة، وأما دار القوارير فكانت لعتبة بنت ربيعة بْن عَبْد شمس بْن عبد مناف ثم صارت للعباس ابن عتبة بْن أَبِي لهب بْن عَبْد المطلب، وقد صارت بعد لأم جَعْفَر زبيدة بنت أَبِي الْفَضْل بْن المَنْصُور أمير الْمُؤْمِنِين، واستعمل في بعض فرشها وحيطانها شيء من قوارير فقيل دار القوارير وكان حَمَّاد البربري بناها في خلافة الرشيد أمير الْمُؤْمِنِين رحمه اللَّه، وقال هشام ابن مُحَمَّد الكلبي، كان عَمْرو بْن مضاض الجرهمي حارب رجلا من جرهم يقال له السميدع فخرج عَمْرو في السلاح يتقعقع فسمى الموضع الَّذِي خرج منه قعيقعان وخرج السميدع مقلدا خيله الأجراس في أجيادها فسمى الموضع الَّذِي خرج منه أجياد وقال ابْن الكلبي. ويقال، إنه خرج بالجياد المسومة فسمى الموضع أجياد وعامة أهل مكة يقولون جياد الصغير وجياد الكبير. حدثنا الوليد ابن صالح، عن مُحَمَّد بْن عُمَر الأسلمي، عن كثير بْن عَبْد اللَّهِ عن أبيه عن جده، قَالَ قدمنا مع عُمَر بْن الخطاب في عمرته سنة سبع عشرة فكلمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 أهل المياه في الطريق أن يبتنوا منازل فيما بَيْنَ مكة والمدينة ولم تكن قبل ذلك فأذن لهم واشترط عليهم أن ابْن السبيل أحق بالماء والظل. أمر السيول بمكة حَدَّثَنَا العَبَّاس بْن هِشَام عن أبيه هِشَام بن محمد عن ابن خربوز المكي وغيره، قَالُوا كانت السيول بمكة أربعة، منها سيل أم نهشل وكان في زمن عمر ابن الخطاب أقبل السيل حَتَّى دخل المسجد من أعلى مكة فعمل عُمَر الردمين جميعا إلا على بين دارببة، وهو عَبْد اللَّهِ بْن الحارث بْن نوفل بْن الحارث بْن عَبْد المطلب بْن عَبْد مناف الَّذِي ولي البصرة في فتنة ابْن الزبير اصطلح أهلها عَلَيْهِ، ودار أبان بْن عُثْمَان بْن عَفَّان، والأسفل عند الحمارين، وهو الَّذِي يعرف بردم آل أسيد فتراد السيل عَنِ المسجد الحرام. قَالَ وأم نهشل بنت عُبَيْدة بْن سَعِيد بْن العاصي بْن امية ذهب بها السيل من أعلى مكة فنسب إليها، ومنها سيل الجحاف والجراف في سنة ثمانين فى زمن عبد الملك ابن مروان صبح الحاج يوم اثنين فذهب بهم وبأمتعتهم وأحاط بالكعبة فقال الشاعر. لم تر غسان كيوم الاثنين ... أكثر محزونا وأبكى للعين إذ ذهب السيل بأهل المصرين ... وخرج المخبآت يسعين شواردا في الجبلين يرقين فكتب عَبْد الملك إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن سُفْيَان المخزومي عامله عَلَى مكة، ويقال بل كان عامله يومئذ الحارث بْن خَالِد المخزومي الشاعر يأمره بعمل ضفائر الدور الشارعة عَلَى الوادي، وضفائر المسجد، وعمل الردم عَلَى أفواه السكك لتحصن دور الناس، وبعث لعمل ذلك رجلا نصرانيا فاتخذ الضفائر وردم الردم الَّذِي يعرف بردم بنى قراد، وهو يعرف ببني جمح، واتخذت ردوم بأسفل مكة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 قال الشاعر. سأملك عبرة وأفيض أخرى ... إذا جاوزت ردم بني قراد ومنها السيل الَّذِي يدعى المخبل أصاب الناس في أيامه مرض في أجسادهم وخبل في ألسنتهم فسمي المخبل، ومنها سيل أتى بعد ذلك في خلافة هشام ابن عَبْد الملك في سنة عشرين ومائة يعرف بسيل أَبِي شاكر وهو مسلمة بْن هِشَام وكان عَلَى الموسم ذلك العام فنسب إليه، قَالَ وسيل وادي مكة يأتي من موضع يعرف بسدرة عتاب بْن أسيد بْن أَبِي العيص. قَالَ عَبَّاس بْن هِشَام، وقد كان في خلافة المأمون عَبْد اللَّهِ بْن الرشيد رحمه اللَّه سيل عظيم بلغ ماؤه قريبا منَ الحجر، فحدثني العَبَّاس، قَالَ: حدثني أَبِي عن أبيه مُحَمَّد بْن السائب الكلبي، عن أَبِي صالح عن عكرمة، قَالَ درس شيء من معالم الحرم عَلَى عهد معاوية بْن أبى سفيان، فكتب إلى مروان ابن الحكم- وهو عامله عَلَى المدينة- يأمره إن كان كرز بْن علقمة الخزاعي حيا أن يكلفه إقامة معالم الحرام لمعرفته بها، وكان معمرا فأقامها عَلَيْهِ فهي مواضع الأنصاب اليوم. قَالَ الكلبي، هَذَا كرز بْن علقمة بْن هلال بن جربية بن عبدنهم بن حليل ابن حبشية الخزاعي، وهو الَّذِي قفا أثر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين انتهى إِلَى الغاز الَّذِي استخفى فيه وأبو بكر الصديق معه حين أراد الهجرة إِلَى المدينة فرأى عَلَيْهِ نسج العنكبوت ورأى دونه قدم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعرفها، فقال، هَذِهِ قدم محمد صلى الله عليه وسلم وههنا انقطع الأثر. فتح الطائف قَالَ لَمَّا هُزِمَتْ هَوَازِنُ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَقُتِلَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ أَتَى فَلَهُمْ أَوْطاسٌ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا عَامِرٍ الأَشْعَرِيَّ فَقُتِلَ، فَقَامَ بِأَمْرِ النَّاسِ أَبُو مُوسَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ الأَشْعَرِيُّ، وَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى أَوْطَاسٍ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مَالِكُ بْنُ عَوْفِ بْنِ سَعْدٍ أَحَدُ بَنِي دَهْمَانَ بْنِ نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ، وَكَانَ رَئِيسُ هَوَازِنَ يَوْمَئِذٍ، هَرَبَ إِلَى الطَّائِفِ فَوَجَدَ أَهْلَهَا مُسْتَعِدِّينَ لِلْحِصَارِ، قَدْ رَمَوْا حِصْنَهُمْ وَجَمَعُوا فِيهِ الْمِيرَةَ، فَأَقَامَ بِهَا، وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُسْلِمِينَ حَتَّى نَزَلَ الطَّائِفَ فَرَمَتْهُمْ ثَقِيفُ بِالْحِجَارَةِ وَالنَّبْلِ، وَنَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْجَنِيقًا عَلَى حِصْنِهِمْ، وَكَانَتْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ دَبَّابَةٌ مِنْ جُلُودِ الْبَقَرِ فَأَلْقَتْ عَلَيْهَا ثَقِيفُ سَكَكَ الْحَدِيدِ الْمُحَمَّاةَ فَأَحْرَقَتْهَا فَأُصِيبَ مَنْ تَحْتَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ حِصَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّائِفَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَكَانَ غَزْوُهُ إِيَّاهَا فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ قَالُوا: وَنَزَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقِيقٌ مِنْ رَقِيقِ أَهْلِ الطَّائِفِ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَسْرُوحٍ مَوْلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه نُفَيْعٌ، وَمِنْهُمُ الأَزْرَقُ الَّذِي نُسِبَتِ الأَزَارِقَةُ إِلَيْهِ. كَانَ عَبْدًا رُومِيًّا حَدَّادًا وَهُوَ أَبُو نَافِعِ بْنُ الأَزْرَقِ الْخَارِجِيُّ فَأَعْتَقُوا بِتْرُولِهِمْ، وَيُقَالُ إِنَّ نَافِعَ بْنَ الأَزْرَقِ الْخَارِجِيَّ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ. وَإِنَّ الأَزْرَقَ الَّذِي نَزَلَ مِنَ الطَّائِفِ غَيْرُهُ. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ انْصَرَفَ إِلَى الْجِعْرَانَةِ لِيُقَسِّمَ سَبْيَ أَهْلِ حُنَيْنٍ وَغَنَائِمَهُمْ فَخَافَتْ ثَقِيفُ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِمْ فَبَعَثُوا إِلَيْهِ وَفْدَهُمْ فَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا وَيُقِرَّهُمْ عَلَى مَا فِي أَيِدِيهِم مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَرِكَازِهِمْ. وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لا يُرَابُوا. وَلا يَشْرَبُوا الْخَمْرَ. وَكَانُوا أَصْحَابَ رِبًا وَكَتَبَ لَهُمْ كتابا قال. وكانت الطائف تسمى وج فَلَمَّا حُصِّنَتْ وَبُنِيَ سُورُهَا سُمِّيَتِ الطَّائِفَ. حدثني المدائني، عن أَبِي إِسْمَاعِيل الطائفي، عن أبيه. عن أشياخ من أهل الطائف. قَالَ كان بمخلاف الطائف قوم منَ اليهود طردوا منَ اليمن ويثرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 فأقاموا بها للتجارة فوضعت عليهم الجزية ومن بعضهم ابتاع معاوية أمواله بالطائف. قَالُوا وكانت للعَبَّاس بْن عَبْد المطلب رحمه اللَّه أرض بالطائف. وكان الزبيب يحمل منها فينبذ في السقاية للحاج، وكانت لعامة قريش أموال بالطائف يأتونها من مكة فيصلحونها فلما فتحت مكة وأسلم أهلها طمعت ثقيف فيها حَتَّى إذا فتحت الطائف أقرت في أيدي المكيين، وصارت أرض الطائف مخلافا من مخاليف مكة. قَالُوا وفي يوم الطائف أصيبت عين أَبِي سُفْيَان بْن حرب. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ. قَالَ حَدَّثَنَا الواقدي، عن محمد بن عبد الله، عن الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ تُخْرَصَ أَعْنَابُ ثَقِيفَ كَخَرْصِ النَّخْلِ ثُمَّ يَأْخُذَ زَكَاتَهُمْ زَبِيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لا يُخْرَصُ وَلَكِنَّهُ إِذَا وُضِعَ بِالأَرْضِ أُخِذَتِ الصَّدَقَةُ مِنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَقَالَ يَعْقُوبُ إِذَا وُضِعَ بِالأَرْضِ فَبَلَغَتْ مَكِيلَتُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ. وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا. وقال مالك بن أنس. وابن أبي ذئب: السُّنَّةُ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةُ عَلَى الْخَرْصِ كَمَا يُؤْخَذُ التَّمْرُ مِنَ النَّخْلِ. حَدَّثَنَا شيبان بْن أَبِي شيبة. قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سلمة قال: حدثنا يحيى ابن سَعِيد. عن عَمْرو بْن شعيب أن عاملا لعمر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه عَلَى الطائف كتب إليه أن أصحاب العسل لا يرفعون إلينا ما كانوا يرفعون إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو من كل عشرة زقاق زق، فكتب إليه عُمَر إن فعلوا فأحموا لهم أوديتهم وإلا فلا تحموها. حَدَّثَنَا عَمْرو بْن مُحَمَّد الناقد، قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم، عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن إِسْحَاق، عن أبيه، عن جده، عن عُمَر أنه جعل في العسل العشر. حَدَّثَنَا داود بْن عَبْد الحميد قاضي الرقة عن مروان بْن شجاع عن خصيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 عن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ أنه كتب إِلَى عماله عَلَى مكة والطائف: أن في الخلايا صدقة فخذوها منها قَالَ: والخلايا الكواثر وقال الواقدي وروى عَنِ ابْن عُمَر أنه قَالَ ليس في الخلايا صدقة، وقال مَالِك والثوري: لا زكاة في العسل وإن كثر، وهو قول الشافعي، وقال أَبُو حنيفة في قليل العسل وكثيره إذا كان في أرض العشر، العشر، وإذا كان في أرض الخراج فلا شيء عليه، لأنه لا يجتمع الزكاة والخراج عَلَى رجل، وقال الواقدي: أَخْبَرَنِي القاسم بن معن، ويعقوب، عن أبى حنفية أنه قَالَ في العسل يكون في أرض ذمي وهي من أرض العشر أنه لا عشر عَلَيْهِ فيه وعلى أرضه الخراج، وإذا كان في أرض تغلبي أخذ منه الخمس، وقول زفر مثل قول أبي حنيفة، وقال أَبُو يوسف: إذا كان العسل في أرض الخراج فلا شيء فيه وإذا كان في أرض العشر ففي كل عشرة أرطال رطل، وقال مُحَمَّد بْن الْحَسَن ليس فيما دون خمسة أفراق صدقة، وهو قول ابْن أَبِي ذئب. وروى خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ الطحان عَنِ ابْن أَبِي ليلى أنه قَالَ إذا كان في أرض الخراج أو العشر ففي كل عشرة أرطال رطل، وهو قول الْحَسَن بن صالح ابن حي. وحدثني أَبُو عُبَيْد، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن كثير عَنِ الأوزاعي، عَنِ الزهري، قَالَ: في كل عشرة زقاق زق، وَحَدَّثَنَا. الْحُسَيْن بْن علي بْن الأسود قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن آدم، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن حميد الرقاشي، عن جَعْفَر بْن نجيح المديني، عن بشر بْن عاصم، وعُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ بْن أوس، أن سُفْيَان بْن عَبْد اللَّهِ الثقفي كتب إِلَى عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه، وكان عاملا له عَلَى الطائف يذكر أن قبله حيطانا فيها كروم وفيها منَ الفرسك والرمان، وما هُوَ أكثر غلة منَ الكروم أضافا واستأمره في العشر، فقال فكتب إليه عُمَر: ليس عليها عشر. قال يَحْيَى بْن آدم، وهو قول سُفْيَان بْن سَعِيد، سمعته يقول ليس فيما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 أخرجت الأرض صدقة إلا أربعة أشياء الحنطة، والشعير، والتمر والزبيب إذا بلغ كل واحد من ذلك خمسة أوسق، قَالَ وقال أَبُو حنيفة فيما أخرجت أرض العشر العشر ولو دستجة بقل، وهو قول زفر، وقال مَالِك، وابن أَبِي ذئب ويعقوب. ليس فى القبول وما أشبهها صدقة، وقالوا ليس فيما دون خمسة أوسق من الحنطة والشعير، والذرة، والسلت، والزوان، والتمر والزبيب، والأرز، والسمسم، والجلبان، وأنواع الحبوب التي تكال وتدخر مع العدس، واللوبيا، والحمص، والماش، والدخن، صدقة، فإذا بلغت خمسة أوسق ففيها صدقة، قَالَ الواقدي، وهذا قول ربيعة بْن أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ وقال الزهري. التوابل والقطاني كلها تزكى، وقال مَالِك. لا شيء في الكمثرى والفرسك. وهو الخوخ. ولا في الرمان وسائر أصناف الفواكه الرطبة من صدقة. وهو قول ابْن أَبِي ليلى. قَالَ أَبُو يوسف ليس الصدقة إلا فيما وقع عَلَيْهِ القفيز. وجرى عَلَيْهِ الكيل. وقال أَبُو الزناد. وابن أَبِي ذئب. وابن أبي سبرة لا شيء في الخضر والفواكه من صدقة ولكن الصدقة في أثمانها ساعة تباع وَحَدَّثَنِي عباس بن هشام. عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِي الثَّقَفِيَّ عَلَى الطائف. فتح تبالة وجرش حدثني بكر بن القيثم، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَسْلَمَ أَهْلُ تَبَالَةَ وَجُرَشَ مِنْ غَيْرِ قتال، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ وَجَعَلَ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ مِمَّنْ بِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ دِينَارًا. وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ الْمُسْلِمِينَ. وَوَلَّى أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حرب جرش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 غزوة تبوك وأيلة وذرح ومقنا والجرباء قَالُوا: لما توجه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تبوك من أرض الشام لغزو منَ انتهى إليه أن قَدْ تجمع له منَ الروم وعاملة ولخم وجذام وغيرهم وذلك في سنة تسع منَ الهجرة لم يلق كيدا، فأقام بتبوك أياما فصالحه أهلها عَلَى الجزية وأتاه وهو بها يحنة بْن رؤبة صاحب أيلة فصالحه عَلَى أن جعل له عَلَى كل حالم بأرضه في السنة دينارا فبلغ ذلك ثلاثمائة دينار، واشترط عليهم قرى من مر بهم منَ المسلمين، وكتب لهم كتابا بأن يحفظوا ويمنعوا. فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، عن خالد بن ربيعة، عن طلحة الأبلى أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ لا يَزْدَادُ مِنْ أَهْلِ أَيْلَةَ عَلَى ثَلاثِمِائَةِ دِينَارٍ شَيْئًا، وَصَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ أَذْرُحَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فِي كُلِّ رَجَبٍ، وَصَالَحَ أَهْلَ الْجَرْبَاءِ عَلَى الْجِزْيَةِ وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا، وَصَالَحَ أَهْلَ مَقْنَا عَلَى رُبُعِ عُرُوكِهِمْ وَغُزُولِهِمْ وَالْعُرُوكُ خَشَبٌ يُصْطَادُ عَلَيْهِ وَرُبُعُ كُرَاعِهِمْ وَحَلَقَتِهِمْ وَعَلَى رُبُعِ ثِمَارِهِمْ، وَكَانُوا يهودا وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ مِصْرَ أَنَّهُ رَأَى كِتَابَهُمْ بِعَيْنِهِ فِي جِلْدٍ أَحْمَرَ دَارِسِ الْخَطِّ فَنَسَخَهُ وَأَمْلَى نُسْخَتَهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى بَنِي حَبِيبَةَ، وَأَهْلِ مَقْنَا، سَلْمٌ أَنْتُمْ فَإِنَّهُ أنْزلَ عَلَى أَنَّكُمْ رَاجِعُونَ إِلَى قَرْيَتِكُمْ، فَإِذَا جَاءَكُمْ كِتَابِي هَذَا فَإِنَّكُمْ آمِنُونَ وَلَكُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ. وَكُلُّ دَمٍ اتَّبَعْتُمْ بِهِ لا شَرِيكَ لَكُمْ فِي قَرْيَتِكُمْ إِلا رَسُولَ اللَّهِ. أَوْ رَسُولَ رَسُولِ اللَّه. وَأَنَّهُ لا ظُلْمَ عَلَيْهِ وَلا عُدْوَانَ. وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجِيرُكُمْ مِمَّا يُجِيرُ مِنْهُ نَفْسَهُ فَإِنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ بَزَّتَكُمْ وَرَقِيقَكُمْ وَالْكُرَاعَ وَالْحَلقَةَ إِلا مَا عَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ، أَوْ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ، وَإِنَّ عَلَيْكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ رُبُعَ مَا أَخْرَجَتْ نَخِيلُكُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وَرُبُعَ مَا صَادَتْ عَرْكُكُمْ، وَرُبُعَ مَا اغْتَزَلَتْ نِسَاؤُكُمْ. وَإِنَّكُمْ قَدْ ثُرِيتُمْ بَعْدَ ذَلِكُمْ وَرَفَعَكُمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كُلِّ جِزْيَةٍ وَسُخْرَةٍ. فَإِنْ سَمِعْتُمْ وَأَطَعْتُمْ فَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ أَنْ يُكْرِمَ كَرِيمَكُمْ وَيَعْفُوَ عَنْ مُسِيئِكُمْ، وَمَنِ ائْتَمَرَ فِي بَنِي حَبِيبَةَ، وَأَهْلِ مَقْنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ. [1] وَمَنْ أَطْلَعَهُمْ بِشَرٍّ فَهُوَ شَرٌّ لَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ أَمِيرٌ إِلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وكتب على بن أبو طالب فى سنة تسع فتح دومة الجندل قَالَ. بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي إِلَى أكيدر بْن عَبْد الملك الكندي ثُمَّ السكوني بدومة الجندل فأخذه أسيرا وقتل أخاه وسلبه قباء ديباج منسوجا بالذهب. قدم بأكيدر عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم وكتب له ولأهل دومة كتابا نسخته هَذَا كتاب من مُحَمَّد رَسُول اللَّهِ لأكيدر. حين أجاب إِلَى الإسلام، وخلع   [1] نشك بصحة الرواية القائلة أن هذه الرسائل بخط الإمام علي بن أبي طالب (ع) ، ونرجح أنها من «الإسرائيليات» التي غزت الكتب والتاريخ الإسلامي لتملأها سموما ومزاعم تحاول تزوير التاريخ والنيل من الإسلام ورجاله. وحجتنا في ذلك أن هذه الرسائل لا يمكن أن تكون بخط الإمام علي بن أبي طالب (ع) نظرا لاختلاف أسلوبها عن أسلوب الإمام (ع) وهو الذي أوجد الكلام في علم النحو من جهة، ولكون الإمام علي بن أبي طالب (ع) لم يكن بصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم إبان غزوة تبوك التي تمّ فيها صُلْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهل مقنا. ولهذه الأسباب يمكننا أن نشك بصحة هذه الرسائل المنحولة والمدسوسة. المحققون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 الأنداد والأصنام، ولأهل دومة أن لنا الضاحية منَ الضحل، والبور والمعامي. [1] وأغفال [2] الأرض والحلقة [3] والسلاح والحافر [4] والحصن، ولكم الضامنة [5] منَ النخل، والمعين [6] منَ المعمور، لا تعدل سارحتكم [7] ولا تعد فاردتكم [8] ، ولا يحظر عليكم النبات [9] ، تقيمون الصلاة لوقتها، وتؤتون الزكاة بحقها، عليكم بذلك عهد اللَّه والميثاق، ولكم به الصدق والوفاء، شهد اللَّه ومن حضر منَ المسلمين. وَحَدَّثَنِي العباس بن هشام الكلبي، عن أبيه عن جَدِّهِ، قَالَ: وَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أُكَيْدِرَ، فَقَدِمَ بِهِ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا، فلما قبض النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَعَ الصَّدَقَةَ وَنَقَضَ الْعَهْدَ وَخَرَجَ مِنْ دُومَةِ الْجَنْدَلِ فَلَحِقَ بِالْحِيرَةِ، وَابْتَنَى بِهَا بِنَاءً سَمَّاهُ دُومَةَ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ، وَأَسْلَمَ حُرْيَثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَخُوهُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ، فَسَلَّمَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ سُوَيْدُ بْنُ شَبِيبٍ الْكَلْبِيُّ: لا يَأْمَنَنَّ قَوْمَ عِثَارٍ جُدُودُهُمْ ... كَمَا زَالَ مِنْ خَبَتِ ظَعَائِنِ أَكْدَرَا قال: وتزوج يزيد بْن معاوية ابنة حريث أخى أكيدر، قال العباس   [1] المعالي: الأرض الغير معروفة. [2] الاغفال: التي لا أثر فيها. [3] الجلقة: الدروع. [4] الحافر: الخيول. [5] الضامنة: النخل. [6] المعين: الماء. [7] سارحتكم: ماشيتكم. [8] فاردتكم: الزائدة على ما تجب فيه الزكاة. [9] لا يحظر عليكم النبات: لا تمنعون من الزراعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وأخبرني أَبِي عن عوانة بْن الحكم أن أَبَا بكر كتب إِلَى خَالِد بْن الوليد وهو بعين التمر يأمره أن يسير إِلَى أكيدر، فسار إليه فقتله، وفتح دومة، وكان قَدْ خرج منها بعد وفاة رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثم عاد إليها، فلما قتله خَالِد مضى إِلَى الشام، وقال الواقدي. لما شخص خَالِد منَ العراق يريد الشام مر بدومة الجندل ففتحها وأصاب سبايا، فكان فيمن سبا منها ليلى بنت الجودي الغساني ويقال أنها أصيبت في حاضر من غسان أصابتها خيل له، وابنة الجودى هي الَّتِي كان عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكر الصديق هويها وقال فيها: تذكرت ليلى والسماوة بيننا ... وما لابنة الجودي ليلى وماليا فصارت له فتزوجها وغلبت عَلَيْهِ حَتَّى أعرض عمن سواها من نسائه ثُمَّ إنها اشتكت شكوى شديدة فتغيرت فقلاها، فقيل له متعها وردها إِلَى أهلها ففعل، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا دُومَةَ الْجَنْدَلِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ فَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا وَوَجَّهَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أُكَيْدِرَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ تِسْعٍ بَعْدَ إِسْلامِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بِعِشْرِينَ شَهْرًا، وَسَمِعَتْ بَعْضُ أَهْلِ الْحِيرَةِ يَذْكُرُ أَنَّ أُكَيْدِرَ وَإِخْوَتُهُ كَانُوا يَنْزِلُونَ دُومَةَ الْحِيرَةِ، وَكَانُوا يَزُورُونَ أَخْوَالِهِمْ مِنْ كَلْبٍ فَيَتْغَرَّبُونَ عِنْدَهُمْ، فَإِنَّهُمْ لَمَعَهُمْ وَقَدْ خَرَجُوا لِلصَّيْدِ إِذْ رُفِعَتْ لَهُمْ مَدِينَةٌ مُتَهَدِّمَةٌ لَمْ يَبْقَ إِلا بَعْضُ حِيطَانِهَا، وَكَانْتَ مَبْنِيَّةً بِالْجَنْدَلِ فَأَعَادُوا بِنَاءَهَا وَغَرَسُوا فِيهَا الزَّيْتُونَ وَغَيْرَهُ وَسَمَّوْهَا دُومَةَ الْجَنْدَلِ، تَفْرِقَةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ دُومَةِ الْحِيرَةِ. وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ الْمِصْرِيِّ، عَنْ يُونُسَ الأَيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد ابن الوليد ابن الْمُغِيرَةِ إِلَى أَهْلِ دُومَةِ الْجَنْدَلِ، وَكَانُوا مِنْ عِبَادِ الْكُوفَةِ فَأَسَرَ أُكَيدِرَ رَأْسَهُمْ فَقَاضَاهُ عَلَى الجزية . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 صلح تجران حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن صالح، عن الليث بن سعد عن يونس بن يزيد الابلى، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّيِّدُ وَالْعَاقِبُ وَفْدُ أَهْلِ نَجْرَانِ الْيَمَنِ فَسَأَلاهُ الصُّلْحَ، فَصَالَحَهُمَا عَنْ أَهْلِ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ فِي صَفَرٍ وَأَلْفِ حُلَّةٍ فِي رَجَبٍ، ثَمَنُ كُلِّ حُلَّةٍ أُوقِيَّةٌ وَالأُوقِيَّةُ وَزْنُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، فَإِنْ أَدَّوْا حُلَّةً بِمَا فَوْقَ الأُوقِيَّةِ حُسِبَ لَهُمْ فَضْلُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَدَّوْهَا بِمَا دُونَ الأُوقِيَّةِ أُخِذَ مِنْهُمُ النُّقْصَانُ، وَعَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ مَا أُعْطُوا مِنْ سِلاحٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ أَوْ عَرْضٍ مِنَ الْعُرُوضِ بِقِيمَتِهِ قِصَاصًا مِنَ الْحُلَلِ، وَعَلَى أَنْ يُضَيِّفُوا رُسُلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا فَمَا دُونَهُ، وَلا يحبسوهم فوق أن شهر، وعلى عَلَيْهِمْ عَارِيَةَ ثَلاثِينَ دِرْعًا وَثَلاثِينَ فَرَسًا، وَثَلاثِينَ بَعِيرًا إِنْ كَانَ بِالْيَمَنِ كَيْدٌ، وَأَنَّ مَا هلك من تلك العارية فأرسل ضَامِنُونَ لَهُ حَتَّى يَرُدُّوهُ، وَجَعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَعَهْدَهُ، وَأَنْ لا يُفْتَنُوا عَنْ دِينِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ فِيهِ وَلا يُحْشَرُوا وَلا يُعْشَرُوا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لا يَأْكُلُوا الرِّبَا وَلا يَتَعَامَلُوا به. حدثني الحسين ابن الأَسْوَدِ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ جَاءَ رَاهِبَا نَجْرَانَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَ عَلَيْهِمَا الإِسْلامَ، فَقَالا إِنَّا قَدْ أَسْلَمْنَا قَبْلَكَ، فَقَالَ: كَذَبْتُمَا يَمْنَعُكُمَا مِنَ الإِسْلامِ ثَلاثٌ، أَكْلُكُمَا الخنزير وعبادتكما الصليب، وقولكما الله وَلَدٌ قَالا فَمَنْ أَبُو عِيسَى، قَالَ الْحَسَنُ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَعْجَلُ حَتَّى يَأْمُرَهُ رَبُّهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) 3: 58- 59 إلى قوله (الْكاذِبِينَ) 3: 61 فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا ثُمَّ دَعَاهُمَا إِلَى الْمُبَاهَلَةِ وَأَخَذَ بِيَدِ فَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 اصْعَدِ الْجَبَلَ وَلا تُبَاهِلْهُ فَإِنَّكَ إِنْ بَاهَلْتَهُ بُؤْتَ بِاللَّعْنَةِ، قَالَ فَمَا تَرَى، قَالَ: أَرَى أَنْ نُعْطِيَهُ الْخَرَاجَ وَلا نُبَاهِلُهُ. حدثني الْحُسَيْن، قَالَ. حدثني يَحْيَى بْن آدم، قَالَ أخذت نسخة كتاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهل نجران من كتاب رجل، عَنِ الْحَسَن بْن صالح رحمه اللَّه، وهي. بسم اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم، هَذَا ما كتب النَّبِيّ رَسُول اللَّهِ مُحَمَّد لنجران إذ كان له عليهم حكمة في كل ثمرة وصفراء وبيضاء وسوداء رقيق فافضل عليهم وترك ذلك ألفي حلة حلل الأواقي، في كل رجب ألف حلة، وفي كل صفر ألف حلة كل حلة أوقية، وما زادت حلل الخراج أو نقصت عَنِ الأواقي فبالحساب، وما نقصوا من درع أو خيل أو ركاب أو عرض أخذ منهم بالحساب وعلى نحران مثواة رسلي شهرا فدونه، ولا يحبس رسلي فوق شهر وعليهم عارية ثلاثين درعا، وثلاثين فرسا، وثلاثين بعيرا، إذا كان كيد باليمن ذو مغدرة أي إذا كان كيد بغدر منهم، وما هلك مما أعاروا رسلي من خيل أو ركاب فهم ضمن حَتَّى يردوه إليهم، ولنجران وحاشيتها جوار اللَّه وذمة مُحَمَّد النَّبِيّ رَسُول اللَّهِ عَلَى أنفسهم، وملتهم، وأرضهم، وأموالهم. وغائبهم وشاهدهم وعيرهم وبعثهم. وأمثلتهم لا يغير ما كانوا عَلَيْهِ ولا يغير حق من حقوقهم. وأمثلتهم لا يفتن أسقف من أسقفيته. ولا راهب من رهبانيته. ولا واقه من وقاهيته عَلَى ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، وليس عليهم رهق ولا دم جاهلية، ولا يحشرون ولا يعشرون ولا يطأ أرضهم جيش. من سأل منهم حقا فبينهم النصف. غير ظالمين ولا مظلومين بنجران. ومن أكل منهم ربا من ذي قبل فذمتي منه بريئة. ولا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر ولهم عَلَى ما في هَذِهِ الصحيفة جوار اللَّه. وذمة مُحَمَّد النَّبِيّ أبدا حَتَّى يأتي أمر اللَّه ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مكلفين شيئا بظلم شهد أَبُو سُفْيَان بْن حرب وغيلان بْن عَمْرو ومالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 ابن عوف من بني نَصْر، والأقرع بْن حابس الحنظلي، والمغيرة وكتب. وقال يَحْيَى بْن آدم، وقد رأيت كتابا في أيدي النجرانيين كانت نسخته شبيهه بهذه النسخة وفي أسفله، وكتب عَلي بْن أَبِي طالب، ولا أدري ما أقول فيه، قَالُوا ولما استخلف أَبُو بكر الصديق رضي اللَّه عنه حملهم عَلَى ذلك فكتب لهم كتابا عَلَى نحو كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصابوا الربا وكثر فخافهم عَلَى الإِسْلام فأجلاهم وكتب لهم. «أما بعد» فمن وقعوا به من أهل الشام والعراق فليوسعهم من حرث الأرض، وما اعتملوا من شيء فهو لهم مكان أرضهم باليمن، فتفرقوا فنزل بعضهم الشام ونزل بعضهم النجرانية بناحية الكوفة، وبهم سميت ودخل يهود نجران مع النصارى في الصلح، وكانوا كالأتباع لهم، فلما استخلف عُثْمَان بْن عَفَّان كتب إِلَى الوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط وهو عامله عَلَى الكوفة. «أما بعد» فإن العاقب، والأسقف، وسراة نجران، أتوني بكتاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأروني شرط عُمَر، وقد سألت عُثْمَان بْن حنيف عن ذلك فأنبأني أنه كان بحث عن أمرهم فوجده ضارا للدهاقين، لردعهم عن أرضهم، وإني قَدْ وضعت عنهم من جزيتهم مائتي حلة لوجه اللَّه، وعقبى لهم من أرضهم، وإني أوصيك بهم، فإنهم قوم لهم ذمة، وسمعت بعض العلماء يذكر أن عُمَر كتب لهم. «أما بعد» فمن وقعوا به من أهل الشام والعراق فليوسعهم من حرث الأرض، وسمعت بعضهم يقول من خريب الأرض، وحدثني عبد الأعلى ابن حماد النرسي، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد، عن إسماعيل ابن حكيم، عن عمر بن عبد العزيز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فِي مَرَضِهِ: لا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجْلَى أَهْلَ نَجْرَانَ إِلَى النَّجْرَانِيَّةِ، وَاشْتَرَى عَقَارَاتِهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ. وحدثني العَبَّاس بْن هشام الكلبي عن أبيه عن جده، قال: سميت نجران اليمن بنجران بْن زيد بْن سبأ بْن يشجب بْن يعرب بْن قحطان. وحدثني الحسين بن الأسود، قال حدثنا وكيع بْن الجراح، قَالَ حَدَّثَنَا الأعمش عن سالم بْن أَبِي الجعد. قَالَ: كان أهل نجران قَدْ بلغوا أربعين ألفا فتحاسدوا بينهم: فأتوا عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه فقالوا: أجلنا، وكان عُمَر قَدْ خافهم عَلَى المسلمين فاغتنمها فأجلاهم فندموا بعد ذلك وأتوه فقالوا: أقلنا فأبى ذلك، فلما قام عَلي بْن أَبِي طالب رضي اللَّه عنه أتوه فقالوا: ننشدك خطك بيمينك وشفاعتك لنا عند نبيك إلا أقلتنا، فقال إن عُمَر كان رشيد الأمر، وأنا أكره خلافه. وحدثني أَبُو مَسْعُود الكوفي، قَالَ حدثني مُحَمَّد بْن مروان، والهيثم بْن عدي، عَنِ الكلبي، أن صاحب النجرانية بالكوفة كان يبعث رسله إِلَى جميع من بالشام والنواحي، من أهل نجران، فيجبونهم مالا يقسمه عليهم لإقامة الحلل، فلما ولى معاوية أو يزيد بْن معاوية، شكوا إليه تفرقهم وموت من مات وإسلام من أسلم منهم وأحضروه كتاب عُثْمَان بْن عَفَّان بما حطهم منَ الحلل وقالوا إنما ازددنا نقصانا وضعفا، فوضع عنهم مائتي حلة يتمة أربعمائة حلة، فلما ولي الحجاج بْن يوسف العراق، وخرج ابْن الأشعث عَلَيْهِ اتهم الدهاقين بموالاته واتهمهم معهم فردهم إلى ألف وثمانمائة حلة وأخذهم بحلل وشى فلما ولي عُمَر بْن عَبْد العزيز شكوا إليه فناءهم ونقصانهم وإلحاح الأعراب بالغارة عليهم وتحميلهم إياهم المؤمن المجحفة بهم وظلم الحجاج إياهم، فأمر فأحصوا فوجدوا عَلَى العشر من عدتهم الأولى، فقال أرى هذا الصلح جزية على رؤسهم وليس هُوَ بصلح عن أرضهم وجزية الميت والمسلم ساقطة فألزمهم مائتي حلة قيمتها ثمانية ألف درهم، فلما ولي يوسف بْن عُمَر العراق، في أيام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 الوليد بْن يزيد ردهم إِلَى أمرهم الأول عصبية للحجاج، فلما استخلف أمير الْمُؤْمِنِين أَبُو العَبَّاس رحمه اللَّه عمدوا إِلَى طريقه يوم ظهر بالكوفة فألقوا فيه الريحان ونثروا عَلَيْهِ وهو منصرف إِلَى منزله منَ المسجد، فأعجبه ذلك من فعلهم، ثُمَّ أنهم رفعوا إليه في أمرهم وأعلموه قلتهم وما كان من عُمَر بْن عَبْد العزيز ويوسف بْن عُمَر وقالوا: إن لنا نسبا في أخوالك بني الحارث بْن كعب، وتكلم فيهم عَبْد اللَّهِ بْن الربيع الحارثي، وصدقهم الحجاج بْن أرطاة فيما ادعوا، فردهم أَبُو العَبَّاس صلوات اللَّه عَلَيْهِ إِلَى مائتي حلة قيمتها ثمانية ألف درهم. قَالَ أَبُو مَسْعُود: فلما استخلف الرشيد هارون أمير الْمُؤْمِنِين، وشخص إِلَى الكوفة يريد الحج رفعوا إليه في أمرهم، وشكوا تعنت العمال إياهم، فأمر فكتب لهم كتاب بالمائتي حلة قَدْ رأيته، وأمر أن يعفوا من معاملة العمال وأن يكون مؤداهم بيت المال بالحضرة. حَدَّثَنَا عَمْرو الناقد، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الله بن وهب المصري، عن يونس ابن يزيد، عَنِ ابْن شهاب الزهري. قَالَ: أنزلت في كفار قريش والعرب «وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ» 2: 193 وأنزلت في أهل الكتاب (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ) 9: 29 إلى قوله (صاغِرُونَ) 9: 29. فكان أول من أعطى الجزية من أهل الكتاب أهل نجران فيما علمنا. وكانوا نصارى. ثُمَّ أعطى أهل أيلة. وأذرح. وأهل أذرعات الجزية فى غزوة تبوك. وفود أهل اليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإسلامهم قَالُوا: لما بلغ أهل اليمن ظهور رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعلو حقه أتته وفودهم. فكتب لهم كتابا بإقرارهم عَلَى ما أسلموا عَلَيْهِ من أموالهم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وأرضيهم، وركازهم، فأسلموا ووجه إليهم رسله وعماله، لتعريفهم شرائع الإسلام وسننه. وقبض صدقاتهم. وجز رءوس من أقام عَلَى النصرانية واليهودية والمجوسية منهم. حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا وكيع بن الجراح، قال: حدثنا يزيد ابن إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الْيَمَنِ، مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا. وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا. فَذَلِكُمُ الْمُسْلِمُ لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ أَبَى فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وحدثني هدبة، قَالَ: حَدَّثَنَا يزيد بْن إِبْرَاهِيم، عَنِ الْحَسَن بمثله، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن سعيد ابن الْعَاصِ أَمِيرًا إِلَى صَنْعَاءَ وَأَرْضِهَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم المهاجرين أبى أمية ابن الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّ صَنْعَاءَ فَقُبِضَ وَهُوَ عَلَيْهَا، قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا وَلَّى الْمُهَاجِرَ صَنْعَاءَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَوَلَّى خَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ مَخَالِيفَ أَعْلَى الْيَمَنِ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ، وَالْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ: وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرَ كِنْدَةَ وَالصَّدَفَ. فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ الْبَيَاضِيِّ مِنَ الأَنْصَارِ بِوِلايَةِ كِنْدَةَ وَالصَّدَفِ إِلَى مَا كَانَ يَتَوَلَّى مِنْ حَضْرَمَوْتَ. وَوَلَّى الْمُهَاجِرَ صَنْعَاءَ ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ بِإِنْجَادِ زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ. وَلَمْ يَعْزِلْهُ عَنْ صَنْعَاءَ. وَأَجْمَعُوا جَمِيعًا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَّى زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ حَضْرَمَوْتَ. قَالُوا وَوَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ زَبِيدَ. وَرِمَعَ وَعَدَنَ وَالسَّاحِلَ: وَوَلَّى مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ الجَنَدَ وَصَيَّرَ إِلَيْهِ الْقَضَاءَ وَقبض جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ بِالْيَمَنِ: وَوَلَّى نَجْرَانَ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ الأَنْصَارِيَّ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ وَلَّى أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ نَجْرَانَ بَعْدَ عَمْرِو بن حزم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنِي الثِّقَةُ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى ذُرْعَةَ بْنِ ذِي يَزَنَ. «أَمَّا بَعْدُ» فَإِذَا أَتَاكُمْ رَسُولِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَصْحَابُهُ فَاجْمَعُوا مَا عِنْدَكُمْ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْجِزْيَةِ فَأَبْلِغُوهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ أَمِيرَ رُسُلِي مُعَاذٌ وَهُوَ مِنْ صَالِحِي مَنْ قَبْلِي، وَأَنَّ مَالِكَ بْنَ مُرَارَةَ الرَّهَاوِيَّ حَدَّثَنِي أَنَّكَ قَدِ اسْتَلَمْتَ أَوَّلَ حِمْيَرَ، وَفَارَقْتَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَبْشِرْ بِخَيْرٍ، وَأَنَا آمُرُكُمْ يَا مَعْشَرَ حِمْيَرَ أَلا تَخُونُوا، وَلا تَحَادُّوا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ مَوْلَى غَنِيِّكُمْ وَفَقِيرِكُمْ، وَأَنَّ الصَّدَقَةَ لا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلا لآلِهِ، إِنَّمَا هِيَ زَكَاةٌ تُزَكُّونَ بِهَا: هِيَ لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ مَالِكًا قَدْ بَلَّغَ الْخَبَرَ وَحَفِظَ الْغَيْبَ وَأَنَّ مُعَاذًا مِنْ صَالِحِي أَهْلِي وَذَوِي دِينِهِمْ، فَآمُرُكُمْ بِهِ خَيْرًا فَإِنَّهُ مَنْظُورٌ إِلَيْهِ وَالسَّلامُ. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بن الأسود، قال حدثني يحيى بن آدم، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ عَلَى صَدَقَاتِ الْيَمَنِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ النَّخْلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعِنَبِ أَوْ قَالَ الزَّبِيبِ الْعُشْرَ وَنِصْفَ الْعُشْرِ. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم: هذا بيان من الله ورسوله (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) : عَهْدٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ، لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي أَمْرِهِ كُلِّهِ، وَأَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللَّهِ، وَمَا كُتِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الصَّدَقَةِ مِنَ الْعَقَارِ عُشْرَ مَا سَقَى الْبَعْلَ وَسَقَتِ السَّمَاءُ وَنِصْفَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 الْعُشْرِ مِمَّا سَقَى الْغَرْبُ. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ: حدثني يحيى بن آدم، قال: حدثنا زياد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُلُوكِ حِمْيَرَ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ، إِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ، وَنُعَيْمِ بْنِ عبد كلال، وشرح بن كُلالٍ، وَإِلَى النُّعْمَانِ قِيلَ ذِي رُعَيْنٍ، وَمُعَافِرَ وَهَمْدَانَ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ هَدَاكُمْ بِهِدَايَتِهِ، أَنْ أَصْلَحْتُمْ وَأَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَقَمْتُمُ الصَّلاةَ، وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ، وَأَعْطَيْتُمْ مِنَ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللَّهِ، وَسَهْمَ النَّبِيِّ وَصَفَيِّهِ وَمَا كَتَبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الصَّدَقَةِ مِنَ الْعَقَارِ عُشْرَ مَا سَقَتِ الْعَيْنُ وَسَقَتِ السَّمَاءُ وَمَا سُقِيَ بِالْغَرْبِ نِصْفَ الْعُشْرِ. وقال هِشَام بْن مُحَمَّد الكلبي، كان كتاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عريب، والحارث ابني عَبْد كلال بْن عريب بْن ليشرح. وَحَدَّثَنَا يُوسُفُ ابن مُوسَى الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَهُوَ بِالْيَمَنِ أَنَّ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ أَوْ سُقِيَ غَيْلا الْعُشْرَ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالْغَرْبِ وَالدَّالِيَةِ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَأَنَّ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَافِرِ، وَأَنْ لا يُفْتَنَ يَهُودِيٌّ عَنْ يَهُودِيَّتِهِ، قَالُوا الْغَيْلُ السَّيْحُ: وَالْغَرْبُ الدَّلْوُ يَعْنِي مَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي، وَالدَّوَالِي. وَالدَّوَالِيبِ، وَالْغَرَّافَاتِ، وَالْبَعْلِ السَّيْحُ أَيْضًا: وَالْمَعَافِرُ ثِيَابٌ لَهُمْ. حَدَّثَنَا أَبُو عبيد قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ إِلَى الْيَمَنِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخَذَ مِنْ كُلِّ ثَلاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَافِرِ. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْبَانُ الْبُرْجُمِيُّ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجِوسِ هَجَرَ، وَمَجُوسِ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَفَرَضَ عَلَى كُلِّ مَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ مِنْ مَجُوسِ الْيَمَنِ مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ دِينَارًا أَوْ قِيمَتَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ. حَدَّثَنَا عمرو الناقد، عن عبد الله بن وهب، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ الْجِزْيَةَ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارًا. حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الأُبَلِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَزَعَةُ بْنُ سُوَيْدٍ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ زَكَرِيَّا بْنَ إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ صَيْفِيٍّ، أَوْ أَبِي مَعْبَدٍ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ ابن جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: أَمَا إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقُلْ لَهُمْ. إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، فَإِنْ أَطَاعُوكَ فَقُلْ: إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ فِي السَّنَةِ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنْ أَطَاعُوكَ فَقُلْ: إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا، فَإِنْ أَطَاعُوكَ فَقُلْ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ فِي أَمْوَالِكُمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنَيَائِكُمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِكُمْ، فَإِنْ أَطَاعُوكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ. وَإِيَّاكَ وَدَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ وَلا سِتْرٌ» . حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْلَمَةَ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأَةَ. عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ الْحَجَّاجُ صَدِّقُوا كُلَّ خَضْرَاءَ. فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى: صَدَقَ. فَقَالَ مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ لأَبِي بُرْدَةَ: هَذَا الآنَ يَزْعُمُ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ مِنَ التَّمْرِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ. وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ. قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ. عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ. قَالَ: قَرَأْتُ كِتَابَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ فَكَانَ فِيهِ، أَنْ تُؤْخَذَ الصَّدَقَةُ مِنَ الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالذُّرَةِ. حَدَّثَنَا علي بْن عَبْد اللَّهِ المديني، قال: حدثنا سفيان بن عبينة عَنِ ابْن أَبِي نجيح، قَالَ: سألت مجاهدا لم وضع عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه عَلَى أهل الشام منَ الجزية أكثر مما وضع عَلَى أهل اليمن، فقال لليسار. حدثنا الحسين بن علي بن الأسود، قال حَدَّثَنَا وَكِيع عن سُفْيَان عَنِ إِبْرَاهِيم بْن ميسرة عن طاوس، قَالَ: لما أتى معاذ اليمن أتى بأوقاص البقر، والعسل، فقال لم أومر في هَذَا بشيء. وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الأسود، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ قَيْسٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ رَجُلٍ عن أبيض ابن حَمَّالٍ أَنَّهُ اسْتَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم الملح الذي بما رب، فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّهُ كَالْمَاءِ الْعِدِّ، فَأَبَى أَنْ يُقْطِعَهُ إِيَّاهُ. وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ وَغَيْرُهُ عَنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ قَيْسٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ بِمِثْلِهِ. وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَهُ أَرْضًا بِحَضْرَمَوْتَ. وحدثني عَلي بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي سيف، مولى قريش، عن مسلمة ابن محارب، قَالَ: لما ولي مُحَمَّد بْن يوسف أخو الحجاج بْن يوسف اليمن، أساء السيرة، وظلم الرعية، وأخذ أراضي الناس بغير حقها، فكان مما اغتصبه الحرجة، قَالَ: وضرب عَلَى أهل اليمن خراجا جعله وظيفة عليهم، فلما ولى عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ كتب إِلَى عامله يأمره بإلغاء تلك الوظيفة والاقتصار عَلَى العشر، وقال: والله لأن لا تأتيني منَ اليمين حفنة كتم أحب إِلَى منَ إقرار هَذِهِ الوظيفة، فلما ولي يزيد بْن عَبْد الملك أمر بردها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 حدثني الْحَسَن بْن مُحَمَّد الزعفراني عَنِ الشافعي عن أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ هِشَام بْن يوسف قاضي صنعاء، أن أهل خفاش أخرجوا كتابا من أَبِي بكر الصديق رضي اللَّه عنه في قطعة أديم يأمرهم فيه أن يؤدوا صدقة الورس، وقال مَالِك، وابن أَبِي ذئب، وجميع أهل الحجاز منَ الفقهاء، وسُفْيَان الثوري، وأبو يوسف: لا زكاة في الورس، والوسمة، والقرط، والكتم، والحناء، والورد، وقال أَبُو حنيفة: في قليل ذلك وكثيرة الزكاة، وقال مَالِك في الزعفران. إذا بلغ ثمنه مائتي درهم وبيع خمسة دراهم، وهو قول أَبِي الزناد، وروى عنه أيضا أنه قَالَ: لا شيء في الزعفران، وقال أَبُو حنيفة وزفر في قليله وكثيره الزكاة، وقال أَبُو يوسف وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن. إذا بلغ ثمنه أدنى ثمن خمسة أوسق تمر أو حنطة أو شعير أو ذرة أو صنف من أصناف الحبوب ففيه الصدقة، وقال ابْن أَبِي ليلى ليس في الخضر شيء، وهو قول الشعبي، وقال عطاء، وإِبْرَاهِيم النخعي: فيما أخرجت أرض العشر من قليل وكثير العشر أو نصف العشر. وحدثني الْحُسَيْن بْن الأسود، قال: حدثنا يحيى بن آدم عن سَعِيد بْن سالم، عَنِ الصلت بْن دينار، عَنِ ابْن أبي رجاء العطاردي، قَالَ: كان ابْن عَبَّاس بالبصرة يأخذ صدقاتنا حَتَّى دساتج الكراث. وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْن، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن آدم قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن المبارك. عن معمر، عن طاوس، وعكرمة أنهما قالا: ليس في الورس والعطب- وهو القطن- زكاة، وقال أَبُو حنيفة وبشر في الذمة يملكون الأرضين من الأراضى العشر مثل اليمن التي اسلم عليها أهلها والبصرة التي أحياها المسلمون وما أقطعته الخلفاء من القطائع التي لا حق فيها لمسلم ولا معاهد أنهم يلزمون الجزية في رقابهم، ويوضع الخراج عَلَى أرضهم بقدر احتمالها، ويكون مجرى ما يجتبى منهم مجرى مال الخراج، فإن أسلم منهم مُسْلِم وضعت عنه الجزية، والزم الخراج في أرضه أبدا عَلَى قياس السواد، وهو قول ابْن أَبِي ليلى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وقال ابْن شبرمة، وأبو يوسف: توضع عليهم الجزية في رقابهم وعليهم الضعف مما عَلَى المسلمين في أرضهم. وهو الخمس أو العشر، وقاسا ذلك عَلَى أمر نصارى بني تغلب، وقال أَبُو يوسف: ما أخذ منهم فسبيله الخراج، فإن أسلم الذمي أو خرجت أرضه إِلَى مُسْلِم صارت عشرية، وقد روى ذلك عن عطاء، والحسن، وقال ابْن أَبِي ذئب، وابن أَبِي سبرة، وشريك بْن عَبْد اللَّهِ النخعي، والشافعي: عليهم الجزية في رقابهم ولا خراج ولا عشر في أرضهم، لأنهم ليسوا ممن تجب عَلَيْهِ الزكاة وليست أرضهم بأرض خراج، وهو قول الْحَسَن بْن صالح بْن حي الهمدانى، وقال سُفْيَان الثوري، وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن: عليهم العشر غير مضعف، لأن الحكم حكم الأرض ولا ينظر إِلَى مالكها. وقال الأوزاعي، وشريك بْن عَبْد اللَّهِ، إن كانوا ذمة مثل يهود اليمن التي أسلم أهلها وهم بها: لم تؤخذ منهم شيئا غير الجزية ولا تدع الذمي يبتاع أرضا من أراضي العشر ولا يدخل فيها- يعنى يملكها به- وقال الواقدي: سألت مالكا عَنِ اليهودي من يهود الحجاز يبتاع أرضا بالجرف فيزرعها، قَالَ: يؤخذ منه العشر، قلت أو لست تزعم إنه لا عشر عَلَى أرض ذمي إذا ملك أرض عشر، فقال: ذاك إذا أقاموا ببلادهم فأما إذا خرجوا من بلادهم فإنها تجارة، وقال أَبُو الزناد، ومالك بْن أَنَس، وابن أَبِي ذئب، والثوري، وأبو حنيفة ويعقوب، في التغلبي يزرع أرضا من أرض العشر إنه يؤخذ منه ضعف العشر وإذا اكترى رجل مزرعة عشرية فإن مالكا. والثوري وابن أبي ذئب، ويعقوب، قَالُوا: العشر عَلَى صاحب الزرع، وقال أَبُو حنيفة: هُوَ عَلَى رب الأرض، وهو قول زفر، وقال أبو حنيفة إذا لم يؤد رجل عشر ارضه سنتين فإن السلطان يأخذ منه العشر لما يستأنف، وكذلك ارض الخراج، وقال أَبُو شمر: يأخذ ذلك منه لما مضى لأنه حق وجب فى ماله . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 فتح عمان قَالُوا: كان الأغلبين عَلَى عمان الأزد وكان بها من غيرهم بشر كثير في البوادي فلما كانت سنة ثمان بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا زيد الأنصاري أحد الخزرج، وهو أحد من جمع القرآن عَلَى عهد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واسمه فيما ذكر الكلبي: قيس بْن سكن بْن زيد بْن حرام، وقال بعض البصريين اسمه عَمْرو بْن أخطب، جد عروة بن ثابت بن عمرو ابن أخطب، وقال سَعِيد بْن أوس الأنصاري: اسمه ثابت بْن زيد، وبعث عَمْرو بْن العاصي السهمي إِلَى عُبَيْد، وجيفر ابني الجلندي بكتاب منه يدعوهما فيه إِلَى الإِسْلام، وقال: إن أجاب القوم إِلَى شهادة الحق، وأطاعوا اللَّه ورسوله فعمرو الأمير وأبو زيد عَلَى الصلاة، وأخذ الإِسْلام عَلَى الناس وتعليمهم القرآن والسنن، فلما قدم أَبُو زيد، وعمرو عمان وجدا عُبَيْدا، وجيفرا بصحار عَلَى ساحل البحر، فأوصلا كتاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهما فأسلما ودعوا العرب هناك إِلَى الإِسْلام فأجابوا إليه ورغبوا فيه، فلم يزل عَمْرو وأبو زيد بعمان حَتَّى قبض النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقال: إن أبا زيد قدم المدينة قبل ذلك. قَالُوا: ولما قبض رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ارتدت الأزد وعليها لقيط بْن مَالِك ذو التاج وانحازت إِلَى دبا وبعضهم يقول دما في دبا فوجه أَبُو بكر رضي اللَّه عنه إليهم حذيفة بْن محصن البارقي منَ الأزد، وعكرمة ابْن أَبِي جهل ابن هِشَام المخزومي، فواقعا لقيطا ومن معه فقتلاه وسبيا من أهل دبا سبيا بعثا به إِلَى أَبِي بكر رحمه اللَّه، ثُمَّ أن الأزد راجعت الإِسْلام وارتدت طوائف من أهل عمان ولحقوا بالشحر فسار إليهم عكرمة فظفر بهم وأصاب منهم مغنما وقتل بشرا، وجمع قوم من مهرة بْن حيدان بْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 عَمْرو بْن الحاف بْن قضاعة جمعا فأتاهم عكرمة فلم يقاتلوه وأدوا الصدقة، وولى أَبُو بكر رضي اللَّه عنه حذيفة بْن محصن عمان، فمات أَبُو بكر وهو عليها، وصرف عكرمة ووجه إِلَى اليمن. ولم تزل عمان مستقيمة الأمر يؤدى أهلها صدقات أموالها، ويؤخذ ممن بها منَ الذمة جزية رؤسهم حَتَّى كانت خلافة الرشيد صلوات اللَّه عَلَيْهِ فولاها عِيسَى بْن جَعْفَر بْن سُلَيْمَان بْن علي بْن عَبْد اللَّهِ بْن العَبَّاس، فخرج إليها بأهل البصرة فجعلوا يفجرون بالنساء ويسلبونهم ويظهرون المعازف فبلغ ذلك أهل عمان وجلهم شراة، فحاربوه ومنعوه من دخولها، ثُمَّ قدروا عَلَيْهِ فقتلوه وصلبوه وامتنعوا عَلَى السلطان فلم يعطوه طاعة، وولوا أمرهم رجلا منهم، وقد قَالَ قوم أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان وجه أَبَا زيد بكتابه إِلَى عُبَيْد، وجيفر ابني الجلندي الأزديين في سنة ست ووجه عمرا في سنة ثمان بعد إسلامه بقليل، وكان إسلامه، وإسلام خَالِد بْن الوليد، وعُثْمَان بْن طلحة العبدي في صفر سنة ثمان أقبل منَ الحبشة حَتَّى أتى إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي زيد: خذ الصدقة منَ المسلمين والجزية منَ المجوسِ حدثني أَبُو الْحَسَن المدائني عَنِ المبارك بن فضالة، قال: كتب عمر ابن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى عدي بْن أرطأة الفزاري عامله عَلَى البصرة. «أما بعد» فإني كنت كتبت إِلَى عَمْرو بْن عَبْد اللَّهِ أن يقسم ما وجد بعمان من عشور التمر والحب في فقراء أهلها، ومن سقط إليها من أهل البادية، ومن إضافته إليها الحاجة والمسكنة وانقطاع السبيل، فكتب إِلَى أنه سأل عاملك قبله عن ذلك الطعام والتمر فذكر أنه قَدْ باعه وحمل إليك ثمنه، فأردد إِلَى عَمْرو ما كان حمل إليك عاملك عَلَى عمان من ثمن التمر والحب ليضعه في المواضع الَّتِي أمرته بها ويصرفه فيها إن شاء الله والسلام . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 غزوة البحرين قَالُوا: وكانت أرض البحرين من مملكة الفرس، وكان بها خلق كثير منَ العرب من عَبْد القيس، وبكر بْن وائل وتميم مقيمين فى باديتها وكان على العرب بها من قبل الفرس عَلَى عهد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المنذر بْن ساوَى أحد بني عَبْد اللَّهِ بْن زيد بْن عَبْد اللَّهِ بْن دارم بْن مَالِك بْن حنظلة، وعبد اللَّه بْن زيد هَذَا هُوَ الأسبذي نسب إِلَى قرية بهجر يقال لها الأسبذ، ويقال: أنه نسب إِلَى الأسبذيين وهم قوم كانوا يعبدون الخيل بالبحرين فلما كانت سنة ثمان وجه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العلاء بْن عَبْد اللَّهِ بْن عماد الحضرمي حليف بنى عبد الشمس إِلَى البحرين ليدعو أهلها إِلَى الإِسْلام أو الجزية، وكتب معه إِلَى المنذر بْن ساوى وإلى سيبخت مرزبان هجر يدعوهما إِلَى الإِسْلام أو الجزية فأسلما وأسلم معهما جميع العرب هناك وبعض العجم. فأما أهل الأرض منَ المجوس واليهود والنصارى فإنهم صالحوا العلاء وكتب بينه وبينهم كتابا نسخته. بسم اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم: هَذَا ما صالح عَلَيْهِ العلاء بْن الحضرمي أهل البحرين صالحهم عَلَى أن يكفونا العمل ويقاسمونا التمر، فمن لم يف فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين. وأما جزية الرؤوس فإنه أخذ لها من كل حالم دينارا. حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَحْرَيْنِ. «أَمَّا بَعْدُ» فَإِنَّكُمْ إِذَا أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَنَصَحْتُمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَآتَيْتُمْ عُشْرَ النَّخْلِ وَنِصْفَ عُشْرِ الْحَبِّ وَلَمْ تُمَجِّسُوا أَوْلادَكُمْ فَلَكُمْ مَا أَسْلَمْتُمْ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ بَيْتَ النَّارِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وإِنْ أَبَيْتُمْ فعليكم الجزية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 فكره المجوس واليهود الإِسْلام وأحبوا أداء الجزية، فقال منافقو العرب: زعم مُحَمَّد أنه لا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب وقد قبلها من مجوس هجر وهم غير أهل كتاب فنزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) 5: 105، وقد قيل أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجه العلاء حين وجه رسله إِلَى الملوك في سنة ست. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى الْحِمْصِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَتَّابُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ مُغِيرَةَ الأَزْدِيِّ عن محمد بن زيد بن حَيَّانَ الأَعْرَجِ عَنِ الْعَلاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَحْرَيْنِ- أَوْ قَالَ هَجَرَ- وَكُنْتُ آتِي الْحَائِطَ بَيْنَ الإِخْوَةِ قَدْ أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ فَآخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِ الْعُشْرَ وَمِنِ الْمُشْرِكِ الْخَرَاجَ. وَحَدَّثَنَا القاسم ابن سلام، قال: حدثنا عثمان ابن صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إِلَى أَهْلِ هَجَرَ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ إِلَى أَهْلِ هَجَرَ سَلْمٌ أَنْتُمْ فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بالله وبأنفسكم ألا تضلوا بعد إذا هديتم ولا تنووا بَعْدَ إِذْ رَشَدْتُمْ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ أَتَانِي الَّذِي صَنَعْتُمْ وَأَنَّهُ مَنْ يُحْسِنْ مِنْكُمْ لا يُحْمَلْ عَلَيْهِ ذَنْبُ الْمُسِيءِ، فَإِذَا جَاءَكُمْ أُمَرَائِي فَأَطِيعُوهُمْ وَانْصُرُوهُمْ وَأَعِينُوهُمْ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعْمَلْ مِنْكُمْ عَمَلا صَالِحًا فَلَنْ يُضَلَّ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدِي، وَأَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَاءَنِي وَفْدُكُمْ فَلَمْ آتِ إِلَيْهِمْ إِلا مَا سَرَّهُمْ وَإِنِّي لَوْ جَهِدْتُ حَقِّي فِيكُمْ كُلَّهُ أَخْرَجْتُكُمْ مِنْ هَجَرَ فَشَفَّعْتُ غائبكم وأفصلت على شاهدكم «ف اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ» 3: 103. حَدثني الْحُسَيْن بْن الأسود، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن موسى، عن شيبان النحوي عن قتادة، قَالَ: لم يكن بالبحرين في أيام رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 قتال، ولكن بعضهم أسلم وبعضهم صالح العلاء عَلَى انصاف الحب والتمر، وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ: حدثني يحيى بن آدم، قال: حدثنا الحسن بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَجُوسِ هَجَرَ يدعوهم إلى الإسلام، فان أسلموا فلهم مالنا وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا، وَمَنْ أَبَى فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ فِي غَيْرِ أَكْلٍ لِذَبَائِحِهِمْ وَلا نِكَاحٍ لِنِسَائِهِمْ. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عن ابن المبارك عن يونس بن يزيد الأَيْلِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ، وَأَخَذَهَا عُمَرُ مِنْ مَجُوسِ فَارِسَ، وَأَخَذَهَا عُثْمَانُ مِنْ بَرْبَرَ. وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن إدريس عن مَالِك بْن أَنَس عَنِ الزهري بمثله. وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الله ابن سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى مُنْذِرِ بْنِ سَاوِيٍّ. مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ إِلَى مُنْذِرِ بْنِ سَاوِيٍّ سَلْمٌ أَنْتَ فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لا إله إلا هو، أما بعد فإن كِتَابَكَ جَاءَنِي وَسَمِعْتُ مَا فِيهِ، فَمَنْ صَلَّى صَلاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ، وَمَنْ أَبَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ. وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوِيٍّ فَأَسْلَمَ وَدَعَا أَهْلَ هَجَرَ فَكَانُوا بَيْنَ رَاضٍ وَكَارِهٍ، أَمَّا الْعَرَبُ فَأَسْلَمُوا، وَأَمَّا الْمَجُوسُ وَالْيَهُودُ فَرَضُوا بِالْجِزْيَةِ فَأُخِذَتْ منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وَحَدَّثَنَا شيبان بْن فروخ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن المغيرة، قَالَ: حَدَّثَنَا حميد بْن هلال قَالَ: بعث العلاء بْن الحضرمي إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مالا منَ البحرين يكون ثمانين ألفا أتاه أكثر منه قبله ولا بعده فأعطى منه العَبَّاس عمه. حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى وَضَائِعِ كِسْرَى بِهَجَرَ فَلَمْ يُسْلِمُوا فَوَضَعَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ دِينَارًا عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ. قَالُوا: وَعَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَلاءَ ثُمَّ وَلَّى الْبَحْرَيْنَ أَبَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي بْنِ أُمَيَّةَ، وَقَوْمٌ يَقُولُونَ: إِنَّ الْعَلاءَ كَانَ عَلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ منها القطيف وإن أبان كَانَ عَلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى فِيهَا الْخَطُّ: وَالأَوَّلُ أَثْبَتُ. قالوا: ولما تُوُفِّيَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج أبان منَ البحرين فأتى المدينة، فسأل أهل البحرين أَبَا بكر رضي اللَّه عنه أن يرد العلاء عليهم ففعل، فيقال: إن العلاء لم يزل واليا حَتَّى تُوُفِّيَ بها سنة عشرين، فولى عُمَر مكانه أَبَا هُرَيْرَةَ الدوسي، ويقال أيضا: إن عُمَر رضي اللَّه عنه ولى أَبَا هُرَيْرَةَ قبل موت العلاء فأتى العلاء توج من أرض فارس وعزم عَلَى المقام بها، قَالَ: ثُمَّ رجع إِلَى البحرين فمات هناك وكان أَبُو هُرَيْرَةَ يقول: دفنا العلاء ثُمَّ احتجنا إِلَى رفع لبنة فرفعناها فلم نجده في اللحد. وقال أَبُو مخنف: كتب عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه إِلَى العلاء بْن الحضرمي وهو عامله عَلَى البحرين يأمره بالقدوم عَلَيْهِ، وولى عُثْمَان بْن أَبِي العاصي الثقفي البحرين وعمان فلما قدم العلاء المدينة ولاه البصرة مكان عتبة بْن غزوان، فلم يصل إليها حَتَّى مات وذلك في سنة أربعة عشر أو في أول سنة خمسة عشر ثُمَّ أن عُمَر ولى قدامة بْن مظعون الجمحي جباية البحرين، وولى أَبَا هُرَيْرَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 الأحداث والصلاة، ثُمَّ عزل قدامة وحده عَلَى شرب الخمر، وولى أَبَا هُرَيْرَةَ الصلاة والأحداث، ثُمَّ عزله وقاسمه ماله، ثُمَّ ولى عُثْمَان بْن أَبِي العاصي البحرين وعمان. حدثني العمري عن الهيثم، قال: كان قدامة بْن مظعون عَلَى الجباية والأحداث، وأبو هُرَيْرَةَ عَلَى الصلاة والقضاء، فشهد عَلَى قدامة بما شهد به ثُمَّ ولاه عُمَر البحرين بعد قدامة ثُمَّ عزله وقاسمه وأمره بالرجوع فأبى فولاها عُثْمَان بْن أَبِي العاص فمات عُمَر وهو واليه عليها، وكان خليفته عَلَى عمان والبحرين وهو بفارس أخوه مغيرة بْن أَبِي العاصي، ويقال: حفص بْن أَبِي العاصي حَدَّثَنَا شيبان بْن فروخ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هلال الراسبي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سيرين عن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ استعملني عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه عَلَى البحرين فاجتمعت لي اثنا عشر ألفا فلما قدمت عَلَى عُمَر قَالَ لي يا عدو اللَّه وعدو المسلمين- أو قَالَ وعدو كتابه- سرقت مال اللَّه، قَالَ: قلت لست بعدو لله ولا للمسلمين- أو قَالَ لكتابه- ولكني عدو من عاداهما ولكن خيلا تناتجت وسهامها اجتمعت، قَالَ فأخذ منى اثنا عشر ألفا فلما صليت الغداة قلت. اللهم اغفر لعمر، قَالَ. فكان يأخذ منهم ويعطيهم أفضل من ذلك حَتَّى إذا كان بعد ذلك، قَالَ: ألا تعمل يا أَبَا هُرَيْرَةَ، قلت. لا قَالَ ولم قَدْ عمل من هُوَ خير منك يوسف «قَالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ» 12: 55 فقلت يوسف نبي ابْن نبي وأنا أَبُو هُرَيْرَةَ بْن أمية وأخاف منكم ثلاثا واثنتين، قَالَ فهلا قلت خمسا، قلت. أخشى أن تضربوا ظهري وتشتموا عرضي وتأخذوا مالي وأكره أن أقول بغير حلم وأحكم بغير علم. حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن سلام وروح بْن عَبْد المؤمن، قَالَ حَدَّثَنَا يعقوب بْن إِسْحَاق الحضرمي عن يزيد بْن إِبْرَاهِيم التستري عَنِ ابْن سيرين عن أَبِي هُرَيْرَةَ أنه لما قدم منَ البحرين، قَالَ له عُمَر يا عدو اللَّه وعدو كتابه أسرقت مال الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 قال لست عدو اللَّه ولا عدو كتابه ولكني عدو من عاداهما ولم أسرق مال اللَّه قَالَ فمن أين اجتمعت لك عشرة ألف درهم. قَالَ خيل تناسلت وعطاء تلاحق وسهام اجتمعت فقبضها منه وذكر من باقي الحديث نحو الَّذِي روى أَبُو هلال. قالوا. ولما مات المنذر بْن ساوى بعد وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقليل ارتد منَ البحرين من ولد قيس بْن ثعلبة بْن عكابة مع الحطم وهو شريح بْن ضبيعة بْن عُمَر بْن مرثد أحد بني قيس بْن ثعلبة وإنما سمي الحطم بقوله: قد لفها الليل بسواق حطم وارتد سائر من بالبحرين من ربيعة خلا الجارودي وهو بشر بْن عَمْرو العبدي ومن تابعه من قومه. وأمروا عليهم ابنا للنعمان بْن المنذر يقال له المنذر فصار الحطم حَتَّى لحق بربيعة فانضم إليها بمعن معه. وبلغ العلاء بْن الحضرمي الخبر فسار بالمسلمين حَتَّى نزل جواثا. وهو حصن البحرين فدلفت إليه ربيعة فخرج إليها بمن معه منَ العرب والعجم فقاتلها قتالا شديدا. ثُمَّ إن المسلمين لجأوا إِلَى الحصن فحصرهم فيه عدوهم. ففي ذلك يقول عبد الله ابن حذف الكلابي؟ ألا أبلغ أَبَا بكر ألوكا ... وفتيان المدينة أجمعينا فهل لك في شباب منك أمسوا ... أسارى في جواثا محصرينا ثُمَّ إن العلاء خرج بالمسلمين ذات ليلة فبيت ربيعة فقاتلوا قتالا شديدا وقتل الحطم. وقال غير هِشَام بْن الكلبي: أتى الحطم ربيعة وهو بجواثا وقد كفر أهلها جميعا وأمروا عليهم المنذر بْن النعمان فأقام معهم فحصرهم العلاء حَتَّى فتح جواثا وفض ذلك الجمع وقتل الحطم: والخبر الأول أثبت. وفي قتل الحطم يقول مَالِك بْن ثعلبة العبدري تركنا شريحا قَدْ علته بصيرة ... كحاشية البرد اليماني المحبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 «البصيرة منَ الدم ما وقع في الأرض» ونحن فجعنا أم غضبان بابنها ... ونحن كسرنا الرمح في عين حبتر ونحن تركنا مسمعا متجدلا ... رهينة ضبع تعتريه وأنسر قَالُوا: وكان المنذر بْن النعمان يسمى الغرور فلما ظهر المسلمون، قَالَ: لست بالغرور ولكني المغرور ولحق هو وفل ربيعة بالخط فأتاها العلاء ففتحها وقتل المنذر ومن معه، ويقال: إن المنذر نجا فدخل إلى المشقر وأرسل الماء حوله فلم يوصل إليه حتى صالح الغرور على أن يخلي المدينة فخلاها ولحق بمسيلمة فقتل معه، وقال قوم: قتل المنذر يوم جواثا، وقوم يقولون: أنه استأمن ثُمَّ هرب فلحق فقتل، وكان العلاء كتب إِلَى أَبِي بكر يستمده فكتب إِلَى خَالِد بْن الوليد يأمره بالنهوض إليه من اليمامة وانجاده مقدم عَلَيْهِ وقد قتل الحطم فحصر معه الخط، ثُمَّ أتاه كتاب أَبِي بكر بالشخوص إِلَى العراق فشخص إليه منَ البحرين وذلك في سنة اثني عشر، وقال الواقدي يقول أصحابنا: إن خالدا قدم المدينة ثُمَّ توجه منها إلى العراق. واستشهد بحواثا عَبْد اللَّهِ بْن سهيل بْن عَمْرو أحد بني عَامِر بْن لؤي ويكنى أَبَا سهيل وأمه فاختة بنت عَامِر بْن نوفل بْن عَبْد مناف، وكان عَبْد اللَّهِ أقبل مع المشركين يوم بدر ثُمَّ إِلَى المسلمين مسلما وشهد بدرا مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما بلغ أباه سهيل بْن عَمْرو خبره، قَالَ: عند اللَّه أحتسبه، ولقيه أَبُو بكر وكان بمكة حاجا فعزاه به، فقال سهيل: إنه بلغني أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يشفع الشهيد في سبعين من أهله وإني لأرجو أن لا يبدأ ابني بأحد قبلي، وكان يوم استشهد ابْن ثمان وثلاثين سنة. واستشهد عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي يوم جواثا، وقال غير الواقدي. استشهد يوم اليمامة، قَالُوا: وتحصن المكعبر الفارسي صاحب كسرى الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 كان وجهه لقتل بنى تميم حين عرضوا لعيره واسمه فيروز بْن جشيش بالزارة وانضم إليه مجوس كانوا تجمعوا بالقطيف وامتنعوا من أداء الجزية فأقام العلاء عَلَى الزارة فلم يفتحها في خلافة أَبِي بكر وفتحها في أول خلافة عُمَر، وفتح العلاء السابون ودارين في خلافة عُمَر عنوة وهناك موضع يعرف بخندق العلاء. وقال معمر بْن المثنى. غزا العلاء بعبد القيسر قرى منَ السابون في خلافة عُمَر بْن الخطاب ففتحها، ثُمَّ غزا مدينة الغابة فقتل من بها منَ العجم، ثُمَّ أتى الزارة وبها المكعبر فحصره، ثُمَّ أن مرزبان الزارة دعا إِلَى البراز فبارزه البراء بْن مَالِك فقتله وأخذ سلبه فبلغ أربعين ألفا، ثُمَّ خرج رجل منَ الزارة مستأمنا عَلَى أن يدل عَلَى شرب القوم فدله عَلَى العين الخارجة منَ الزارة فسدها العلاء فلما رأوا ذلك صالحوه عَلَى أن له ثلث المدينة وثلث ما فيها من ذهب وفضة وعلى أن يأخذ النصف مما كان لهم خارجها، وأتى الأخنس العامري العلاء، فقال له. إنهم لم يصالحوك عَلَى ذراريهم وهم بدارين ودله كراز النكرى عَلَى المخاضة إليهم فتقحم العلاء في جماعة منَ المسلمين البحر فلم يشعر أهل دارين إلا بالتكبير فخرجوا فقاتلوهم من ثلاثة أوجه فقتلوا مقاتلهم وحووا الذراري والسبي، ولما رأى المكعبر ذلك أسلم وقال كراز. هاب العلاء حياض البحر مقتحما ... فخضت قدما إِلَى كفار دارينا حَدَّثَنَا خلف البزار وعَفَّان، قالا. حَدَّثَنَا هشيم، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن عون ويونس، عن مُحَمَّد بْن سيرين، قَالَ بارز البراء بْن مَالِك مرزبان الزارة فطعنه فوق صلبه وصرعه ثُمَّ نزل فقطع يديه وأخذ سواريه ويلمقا كان عَلَيْهِ ومنطقة فخمسه عُمَر لكثرته، وكان أول سلب خمس فى الإسلام . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أهل اليمامة إلى الإسلام قَالُوا: وكانت اليمامة تدعى جو فصلبت امرأة من جديس يقال لها اليمامة بنت مر عَلَى بابها فسميت باسمها والله أعلم، وقالوا. ولما كتب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ملوك الآفاق في أول سنة سبع ويقال في سنة ست كتب إِلَى هوزة بْن علي الحنفي وأهل اليمامة يدعوهم إِلَى الإِسْلام وأنفذ كتابه بذلك مع سليط بْن قيس بْن عَمْرو الأنصاري ثُمَّ الخزرجي فبعثوا إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفدهم وكان في الوفد مجاعة بْن مرارة فأقطعه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرضا مواتا سأله إياها وكان فيها أيضا الرجال بْن عنفوة فأسلم وقرأ سورة البقرة وسورا منَ القرآن إلا أنه ارتد بعد، وكان فيهم مسيلمة الكذاب ثمامة بْن كبير بْن حبيب، فقال مسيلمة لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إن شئت خلينا لك الأمر وبايعناك عَلَى أنه لنا بعدك، فقال له رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لا ولا نعمة عين ولكن اللَّه قاتلك. وكان هوزة بْن علي الحنفي قَدْ كتب إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأله أن يجعل الأمر له من بعده عَلَى أن يسلم ويصير إليه فينصره، فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لا ولا كرامة اللهم اكفنيه فمات بعد قليل، فلما انصرف وفد بني حنيفة إِلَى اليمامة ادعى مسيلمة الكذاب النبوة وشهد له الرجال بْن عنفوة بأن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشركه في الأمر معه فاتبعه بنو حيفة وغيرهم ممن باليمامة وكتب إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع عبادة بْن الحارث أحد بني عَامِر بْن حنيفة وهو ابْن النواحة الَّذِي قتله عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود بالكوفة وبلغه أنه وجماعة معه يؤمنون بكذب مسيلمة، من مسيلمة رَسُول اللَّهِ إِلَى مُحَمَّد رَسُول اللَّهِ، أما بعد فإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريشًا لا ينصفون والسلام عليك، وكتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 عَمْرو بْن الجارود الحنفي فكتب إليه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بسم اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم. من مُحَمَّد النَّبِيّ إِلَى مسيلمة الكذاب، أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين والسلام عَلَى منَ اتبع الهدى، وكتب أَبِي بْن كعب. فلما تُوُفِّيَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستخلف أَبُو بكر فأوقع بأهل الردة من أهل نجد وما والاه في أشهر يسيرة بعث خَالِد بْن الوليد بْن المغيرة المخزومي إِلَى اليمامة وأمره بمحاربة الكذاب مسيلمة فلما شارفها ظفر بقوم من بني حنيفة فيهم مجاعة بْن مرارة بْن سلمى فقتلهم واستبقى مجاعة وحمله معه موثقا، وعسكر خَالِد عَلَى ميل منَ اليمامة فخرج إليه بنو حنيفة وفيهم الرجال ومحكم بْن الطفيل بْن سبيع الَّذِي يقال له محكم اليمامة فرأى خَالِد البارقة فيهم، فقال، يا معشر المسلمين قَدْ كفاكم اللَّه مؤنة عدوكم ألا ترونهم وقد شهر بعضهم السيوف عَلَى بعض وأحسبهم قَدِ اختلفوا ووقع بأسهم بينهم، فقال مجاعة وهو في حديدة. كلا ولكنها الهندوانية خشوا تحطمها فأبرزوها للشمس لتلين متونها ثم التقى الناس فكان أو من لقيهم الرجال بْن عنفوة فقتله اللَّه، واستشهد وجوه الناس وقراء القرآن، ثُمَّ إن المسلمين فاءوا وثابوا فأنزل اللَّه عليهم نصره وهزم أهل اليمامة فاتبعوهم يقتلونهم قتلا ذريعًا، ورمى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكر الصديق أخو عائشة لأبيها محكما بسهم فقتله وألجئوا والكفرة إِلَى الحديقة فسميت يومئذ حديقة الموت، وقتل اللَّه مسيلمة في الحديقة، فبنو عَامِر بْن لؤي بْن غالب يقولون قتله خداش بن بشير بن الأصم أحمد بني معيص بْن عَامِر بْن لؤي، وبعض الأنصار يقولون. قتله عَبْد اللَّهِ بْن زيد بْن ثعلبة أحد بني الحارث بْن الخزرج وهو الَّذِي أرى الأذان، وبعضهم يقول. قتله أَبُو دجانة سماك بْن خرشة ثُمَّ استشهد، وقال بعضهم. بل قتله عَبْد اللَّهِ بْن زيد بن عاصم أخو حبيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 ابن زيد من بني مبذول من بني النجار، وقد كان مسيلمة قطع يدي حبيب ورجليه، وكان وحشي بْن حرب الحبشي قاتل حَمْزَة رضي اللَّه عنه يدعي قتله ويقول: قتلت خير الناس وشر الناس، وقال قوم: إن هؤلاء جميعا شركوا في قتله وكان معاوية بْن أَبِي سُفْيَان يدعي أنه قتله ويدعي ذلك له بنو أمية. حدثني أَبُو حفص الدمشقي، قَالَ: حَدَّثَنَا الوليد بْن مُسْلِم عن خَالِد بْن دهقان عن رجل حضر عَبْد الملك بْن مروان سأل رجلا من بني حنيفة ممن شهد وقعة اليمامة عن قاتل مسيلمة فقال: قتله رجل من صفته كذا وكذا، فقال عَبْد الملك: قضيت والله لمعاوية بقتله، قال: وجعل الكذاب يقول حين أخذ منه بالمخنق يا بني حنيفة: قاتلوا عن أحسابكم فلم يزل يعيدها حَتَّى قتله اللَّه. وحدثني عبد الواحد بن غياث، قال: حدثنا حَمَّاد بْن سلمة عن هِشَام عن عُرْوَة عن أبيه، قَالَ: كفرت العرب فبعث أَبُو بكر خَالِد بْن الوليد فلقيهم ثُمّ قَالَ والله لا أنتهي حَتَّى أناطح مسيلمة فقالت الأنصار: هَذَا رأي تفردت به لم يأمرك به أَبُو بكر ارجع إِلَى المدينة حَتَّى نريح كراعنا، فقال: والله لا أنتهي حَتَّى أناطحه فرجعت عنه الأنصار، ثُمَّ قَالُوا. إذا صنعنا لئن ظهر أصحابنا لقد خسسنا ولئن هربوا لقد خذلناهم، فرجعوا ومضوا معه فالتقى المسلمون والمشركون، فولى المسلمون مدبرين حَتَّى بلغوا الرحال، فقام السائب بْن العوام، فقال: أيها الناس قَدْ بلغتم الرحال فليس لامرئ مفر بعد رحله فهزم اللَّه المشركين وقتل مسيلمة، وكان شعارهم يومئذ يا أصحاب سورة البقرة. وحدثني بعض أهل اليمامة أن رجلا كان مجاورا في بني حنيفة فلما قتل محكم أنشأ يقول: فإن أنج منها أنج منها عظيمة ... وإلا فإني شارب كأس محكم قَالُوا: وكانت الحرب قَدْ نهكت المسلمين وبلغت منهم، فقال مجاعة لخالد إن أكثر أهل اليمامة لم يخرجوا لقتالكم وإنما قتلتم منهم القليل وقد بلغوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 منكم ما أرى وأنا مصالحك عنهم فصالحه عَلَى نصف السبي ونصف الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع، ثُمّ أن خالدا توثق منه وبعثه إليهم فلما دخل اليمامة أمر الصبيان والنساء ومن باليمامة من المشايخ أن يلبسوا السلاح ويقوموا عَلَى الحصون ففعلوا ذلك، فلم يشك خَالِد والمسلمون حين نظروا إليهم أنهم مقاتلة، فقالوا: لقد صدقنا مجاعة ثم أن مجاعة خرج حَتَّى أتى عسكر المسلمين فقال: إن القوم لم يقبلوا مصالحتك عَلَيْهِ عنهم واستعدوا لحربك وهذه حصون العرض مملوءة رجالا ولم أزل بهم حَتَّى رضوا بأن يصالحوا عَلَى ربع السبي ونصف الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع فاستقر الصلح عَلَى ذلك ورضي خَالِد به وأمضاه وأدخل مجاعة خالدا اليمامة، فلما رأى من بقي بها قَالَ خدعتني يا مجاع وأسلم أهل اليمامة فأخذت منهم الصدقة، وأتى خالدًا كتاب أَبِي بكر رضي اللَّه عنه بإنجاد العلاء بْن الحضرمي، فسار إلى البحرين واستخلف على اليمامة سمرة ابن عَمْرو العنبري، وكان فتح اليمامة سنة اثني عشرة. حدثني أَبُو رياح اليمامي، قَالَ. حدثني أشياخ من أهل اليمامة أن مسيلمة الكذاب كان قصيرًا شديد الصفرة أخنس الأنف أفطس، يكنى أَبَا ثمامة وقال غيره: كان يكنى أَبَا ثمالة وكان له مؤذن يسمى حجيرًا فكان إذا أذن يقول أشهد أن مسيلمة يزعم أنه رَسُول اللَّهِ، فقال، أفصح حجير فمضت مثلا، وكان ممن استشهد باليمامة أَبُو حذيفة بْن عتبة بْن ربيعة بْن عَبْد شمس واسمه هشيم ويقال مهشم، وسالم مولى أَبِي حذيفة ويكنى أَبَا عَبْد اللَّهِ وهو مولى ثبيتة بنت يعار الأنصارية، وبعض الرواة يقول نبيثة وهي امرأة، وخالد بْن أسيد ابن أَبِي العيص بْن أمية، وعبد اللَّه وهو الحكم بْن سَعِيد بْن العاصي بْن أمية ويقال. أنه قتل يوم موته، وشجاع بْن وهب الأسدي حليف بني أمية، يكنى أَبَا وهب، والطفيل بْن عَمْرو الدوسي منَ الأزد، ويزيد بْن رقيش الأسدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 حليف بني أمية، ومخرمة بْن شريح الحضرمي حليف بني أمية، والسائب بْن العوام أخو الزبير بْن العوام، والوليد بْن عَبْد شمس بْن المغيرة المخزومي، والسائب بْن عُثْمَان بْن مظعون الجمحي، وزيد بْن الخطاب بْن نفيل أخو عمر ابن الخطاب يقال قتله أَبُو مريم الحنفي واسمه صبيح بْن محرش، وقال ابْن الكلبي قتله لبيد بْن برغث العجلي فقدم بعد ذلك عَلَى عُمَر رضي اللَّه عنه فقال: أنت الجوالق «واللبيد» : هُوَ الجوالق، وكان زيد يكنى أَبَا عَبْد الرَّحْمَنِ وكان أسن من عُمَر. وقال بعضهم اسم أَبِي مريم إياس بْن صبيح وهو أول من قضى بالبصرة زمن عُمَر وتُوُفِّيَ بسنبيل منَ الأهواز وأبو قيس بْن الحارث بْن عدي بْن سهم، وعبد اللَّه بْن الحارث بْن قيس، وسليط بْن عَمْرو أخو سهيل بْن عَمْرو أحد بني عَامِر بْن لؤي، وإياس بْن البكير الكناني، ومن الأنصار عباد بْن الحارث بْن عدي أحد بنى جحجبى منَ الأوس، وعباد بْن بشر بْن وقش الأشهلى من الأوس وبكنى أَبَا الربيع ويقال أنه كان يكنى أَبَا بشر، ومالك بْن أوس بْن عتيك الأشهلي، وأبو عقيل بْن عَبْد اللَّهِ بْن ثعلبة بْن بيحان البلوى حليف بني جحجبي كان اسمه عَبْد العزى فسماه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الرَّحْمَنِ عدو الأوثان وسراقة بْن كعب بْن عَبْد العزى النجاري منَ الخزرج، وعمارة بْن حزم بْن زيد بْن لوذان النجاري، ويقال أنه مات زمن معاوية، وحبيب بْن عَمْرو بْن محصن النجاري، ومعن بْن عدي بْن الجد بْن العجلان البلوى من قضاعة حليف الأنصار، وثابت بْن قيس بْن شماس بْن أَبِي زهير خطيب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحد بني الحارث بْن الخزرج ويكنى أَبَا مُحَمَّد وكان عَلَى الأنصار يومئذ وأبو حنة بْن غزية بْن عَمْرو أحد بني مازن بْن النجار والعاصي بن ثعلبة الدروسى منَ الأزد حليف الأنصار، وأبو دجانة سماك بْن أوس بْن خرشة بْن لوذان الساعدي من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 الخزرج، وأبو أسيد مَالِك بْن ربيعة الساعدي، ويقال إنه مات سنة ستين بالمدينة، وعبد اللَّه بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي بْن مَالِك وكان اسمه الحباب فسماه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باسم أبيه، وكان أبوه منافقًا: وهو الَّذِي يقال له ابْن أَبِي بْن سلول، وسلول أم أَبِي وهي خزاعية نسب إليها، وأبوه مَالِك بْن الحارث أحد بني الخزرج، ويقال أنه استشهد يوم جواثا منَ البحرين، وعقبة بْن عَامِر نابي من بني سلمة منَ الخزرج، والحارث بْن كعب بْن عَمْرو أحد بني النجار. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حبيب بْن زيد بْن عاصم أحد بني مبذول بْن عَمْرو بْن غنم بْن مازن بْن النجار، وعبد اللَّه بْن وهب الأسلمي إِلَى مسيلمة فلم يعرض لعبد اللَّه وقطع يدي حبيب ورجليه، وأم حبيب نسيبة بنت كعب. وقال الواقدي: إنما أقبل مع عَمْرو بْن العاصي من عمان فكفتهما مسيلمة فنجا عَمْرو ومن معه غير هذين فاخذا وقاتلت نسيبة يوم اليمامة فانصرفت وبها جراحات وهي أم حبيب، وعبد الله البنى زيد، وقد قاتلت يوم أحد أيضًا وهي إحدى المرأتين المبايعتين يوم العقبة، واستشد يوم اليمامة عائذ بن ما عص الزرقي منَ الخزرج، ويزيد بْن ثابت الخزرجي أخو زيد بْن ثابت صاحب الفرائض، وقد اختلفوا في عدة منَ استشهد باليمامة فأقل ما ذكروا من مبلغها سبعمائة، وأكثر ذلك ألف وسبعمائة، وقال بعضهم: إن عدتهم ألف ومائتان. وَحَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُرَّةَ الْحَنَفِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ. أَنَّ مُجَّاعَةَ الْيَمَامِيَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: هَذَا كِتَابٌ كَتَبَهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لِمُجَّاعَةَ بْنِ مُرَارَةَ بْنِ سُلْمَى أَنِّي أَقْطَعْتُكَ الْغَوْرَةَ وَغُرَابَةَ وَالْحَبْلَ فَمَنْ حَاجَّكَ فَإِلَى «الْغَوْرَةِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 قرية الغرابات تلت قارات، قَالَ: ثُمَّ وفد بعد ما قبض النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي بكر فأقطعه الخضرمة، ثُمَّ قدم عَلَى عُمَر فأقطعه الرياء، ثُمَّ قدم عَلَى عُثْمَان فأقطعه قطيعة، قَالَ الحارث: لا احفظ اسمها. وَحَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، قَالَ: حدثنا أبو أيوب الدمشقي عن سعدان ابن يَحْيَى عَنْ صَدَقَةَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ «عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَ فُرَاتَ بْنَ حَيَّانَ الْعِجْلِيَّ أَرْضًا بِالْيَمَامَةِ» حَدثني مُحَمَّد بْن ثمال اليمامي عن أشياخهم، قَالَ: سميت الحديقة حديقة الموت لكثرة من قتل بها، قال: وقد بنى إِسْحَاق بْن أَبِي خميصة مولى قيس فيها أيام المأمون مسجدا جامعا، وكانت الحديقة تسمى أباض، وقال مُحَمَّد بْن ثمال: قصر الورد نسب إِلَى الورد بْن السمين بْن عُبَيْد الحنفي، وقال غيره سمى الحصن معتقا لحصانته يريدون أن من لجأ إليه عتق من عدوه، وقال الريا عين منها شرب الصعفوقة وهي ضيعة نسبت إِلَى وكيل كان عليها يقال له صعفوق وشرب الخييبة والخضرمة منها. خبر ردة العرب في خلافة أَبِي بكر الصديق رضي اللَّه عنه قَالُوا: لما استخلف أَبُو بكر رحمه اللَّه ارتدت طوائف منَ العرب ومنعت الصدقة، وقال قوم منهم: نقيم الصلاة ولا نؤدي الزكاة، فقال أَبُو بكر رضي اللَّه عنه: لو منعوني عقالا لقاتلتهم، وبعض الرواة يقول: لو منعوني عناقا. «والعقال» صدقة السنة. وحدثني عَبْد اللَّهِ بْن صالح العجلي عن يحيى بن آدم عن عوانة ابن الحكم عن جرير بْن يزيد عَنِ الشعبي، قال: قال عبد الله ابن مَسْعُود: لقد قمنا بعد رَسُول اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم مقاما كدنا نهلل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 فيه لولا إن اللَّه من علينا بأبي بكر اجتمع رأينا جميعا عن أن لا نقاتل عَلَى بنت مخاض وابن لبون وأن نأكل قرى عربية ونعبد اللَّه حَتَّى يأتينا اليقين، وعزم اللَّه لأبي بكر رضي اللَّه عنه على قتالهم فو الله ما رضي منهم إلا بالخطة المخزية أو الحرب المجلية: فأما الخطة المخزية فإن أقروا بأن من قتل منهم في النار وإن ما أخذوا من أموالنا مردود علينا، وأما الحرب المجلية فأن يخرجوا من ديارهم. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد عن عرعرة، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مهدي، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَان الثوري عن قيس بْن مُسْلِم عن طارق بْن شهاب، قَالَ: قدم وفد بزاخة عَلَى أَبِي بكر فخيرهم بَيْنَ الحرب المجلية والسلم المخزية، فقالوا قَدْ عرفنا الحرب المجلية فما السلم المخزية، قَالَ: إن ننزع منكم الحلقة والكراع ونغنم ما أصبنا منكم وتردوا إلينا ما أصبتم منا وتدوا قتلانا ويكون قتلاكم في النار. حَدَّثَنَا شجاع بْن مخلد الفلاس، قَالَ. حَدَّثَنَا بشر بْن المفضل مولى بنى رقاش قَالَ. حَدَّثَنَا عَبْد الْعَزِيزِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي سلمة الماجشوش عن عَبْد الواحد عَنِ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد بْن أبي بكر عن عمته عائشة أم الْمُؤْمِنِين رضي اللَّه عنها أنها قالت. تُوُفِّيَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنزل بأبي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها اشرأب النفاق بالمدينة وارتدت العرب فو الله ما اختلفوا فى واحدة الإطار أَبِي بحظها وغنائها عَنِ الإِسْلام، قالوا. فخرج أَبُو بكر رضي اللَّه عنه إِلَى القصة من أرض محارب لتوجيه الزحوف إِلَى أهل الردة ومعه المسلمون فصار إليهم خارجة بْن حصن بْن حذيفة بْن بدر الفزاري ومنظور بن زبان ابن سيار الفزاري أحد بني العشراء في غطفان فقاتلوهم قتالا شديدا فانهزم المشركون واتبعهم طلحة بْن عُبَيْد اللَّه التيمي فلحقهم بأسفل ثنايا عوسجة فقتل منهم رجلا وفاته الباقون فأعجزوه هربا فجعل خارجة بْن حصن يقول: ويل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 للعرب منَ ابْن أَبِي قحافة، ثُمَّ عقد أَبُو بكر وهو بالقصة لخالد بْن الوليد بْن المغيرة المخزومي عَلَى الناس، وجعل عَلَى الأنصار ثابت بْن قيس بْن شماس الأنصاري، وهو أحد منَ استشهد يوم اليمامة إلا أنه كان من تحت يد خَالِد وأمر خالدا أن يصمد لطليحة بْن خويلد الأسدي، وكان قَدِ ادعى النبوة وهو يومئذ ببزاخة وبزاخة ماء لبني أسد بْن خزيمة فسار إليه خَالِد، وقدم أمامه عكاشة بْن محصن الأسدي حليف بني عَبْد شمس، وثابت بْن أقرم البلوى حليف الأنصار فلقيهما حبال بْن خويلد فقتلاه، وخرج طليحة وسلمة أخوه وقد بلغهما الخبر فلقيا عكاشة وثابتا فقتلاهما فقال طليحة: ذكرت أخي لما عرفت وجوههم ... وأيقنت أني ثائر بحبال عشية غادرت ابْن أقرم ثاويا ... وعكاشة الغنمي عند مجال ثُمَّ التقى المسلمون وعدوهم واقتتلوا قتالا شديدًا، وكان عيينة بن حصن ابن حذيفة بْن بدر مع طلحة في سبعمائة من بني فزارة، فلما رأى سيوف المسلمين قَدِ استحملت المشركين أتاه فقال له: أما ترى ما يصنع جيش أَبِي الفصيل فهل جاءك جبريل بشيء قَالَ: نعم جاءني فقال: إن لك رحا كرحاه ويومًا لا تنساه، فقال عيينة: أرى والله أن لك يوما لا تنساه يا بنى فزارة هَذَا كذاب وولى عن عسكره، من فانهزم الناس وظهر المسلمون وأسر عيينة بْن حصن فقدم به المدينة فحقن أَبُو بكر دمه وخلى سبيله، وهرب طليحة بْن خويلد فدخل خباء له فاغتسل وخرج فركب فرسه وأهل بعمرة ثُمَّ مضى إِلَى مكة ثُمَّ أتى المدينة مسلما، وقيل بل أتى الشام فأخذه المسلمون ممن كان غازيا، وبعثوا به إِلَى أَبِي بكر بالمدينة فأسلم وأبلى بعد في فتح العراق ونهاوند، وقال له عُمَر: أقتلت العبد الصالح عكاشة بْن محصن، فقال: أن عكاشة بْن محصن سَعْد بي وشقيت به وأنا استغفر اللَّه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وأخبرني داود بْن حبال الأسدي عن أشياخ من قومه: أن عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه قَالَ لطليحة: أنت الكذاب عَلَى اللَّه حين زعمت أنه أنزل عليك إن اللَّه لا يصنع بتعفير وجوهكم وقبح أدباركم شيئا فاذكروا اللَّه أعفة قياما فإن الرغوة فوق الصريح، فقال يا أمير الْمُؤْمِنِين: ذلك من فتن الكفر الَّذِي هدمه الإِسْلام كله، فلا تعنيف عَلي ببعضه فأسكت عُمَر، قَالُوا: وأتى خَالِد بن الوليد رمان وأبانين وهناك فل بزاخة فلم يقاتلوه وبايعوه لأبي بكر، وبعث خَالِد بْن الوليد هِشَام بْن العاصي بْن وائل السهمي وأخا عَمْرو بْن العاصي، وكان قديم الإسلام وهو من مهاجرة الحبشة إِلَى بني عَامِر بْن صعصعة فلم يقاتلوه وأظهروا الإِسْلام والأذان فانصرف عنهم، وكان قرة بْن هبيرة القشيري امتنع من أداء الصدقة وأمد طليحة فأخذه هِشَام بْن العاصي وأتى به خالدا فحمله إِلَى أَبِي بكر، فقال: والله ما كفرت مذ آمنت ولقد مربى عَمْرو بْن العاصي منصرفا من عمان فأكرمته وبررته فسأل أَبُو بكر عمرا رضي اللَّه عنهما عن ذلك فصدقه فحقن أَبُو بكر دمه، ويقال: إن خالدا كان سار إِلَى بلاد بني عَامِر فأخذ قرة وبعث به إِلَى أَبِي بكر. قَالَ: ثُمَّ سار خَالِد بْن الوليد إِلَى الغمر وهناك جماعة من بني أسد وغطفان وغيرهم وعليهم خارجة بْن حصن بْن حذيفة، ويقال إنهم كانوا متسايدين قَدْ جعل كل قوم عليهم رئيسًا منهم قالوا خالدا والمسلمين فقتلوا منهم جماعة وانهزم الباقون، وفي يوم الغمر يقول الحطيئة العبسي: ألا كل أرماح قصار أذلة ... فداء لارماح الفوارس بالغمر ثم أتى خالد جو قراقر، ويقال أتى النقرة وكان هناك جمع لبني سليم عليهم أَبُو شجرة عَمْرو بْن عَبْد العزى السلمي وأمه الخنساء فقاتلوه فاستشهد رجل منَ المسلمين ثُمَّ فض اللَّه جمع المشركين، وجعل خَالِد يومئذ يحرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 المرتدين فقيل لأبي بكر في ذلك فقال لا أشيم سيفًا سله اللَّه عَلَى الكفار، وأسلم أَبُو شجرة فقدم عَلَى عُمَر وهو يعطي المساكين فاستعطاه فقال له ألست القائل: ورويت رمحي من كتيبة خَالِد ... وإني لأرجو بعدها أن أعمرا وعلاه بالدرة فقال: قَدْ محا الإسلام ذلك يا أمير الْمُؤْمِنِين قَالُوا: وأتى الفجاءة وهو بجير بْن إياس بْن عَبْد اللَّهِ السلمي أَبَا بكر فقال: احملني وقوني أقاتل المرتدين فحمله وأعطاه سلاحًا. فخرج يعترض الناس فيقتل المسلمين والمرتدين. وجمع جمعا. فكتب أَبُو بكر إِلَى طريفة بْن حاجزة أخي معن بْن حاجزة يأمره بقتاله فقاتله وأسره ابْن حاجزة فبعث به إِلَى أَبِي بكر فأمر أَبُو بكر بإحراقه في ناحية المصلى. ويقال: إن أَبَا بكر كتب إِلَى معن في أمر الفجاءة فوجه معن إليه طريفة أخاه فأسره، ثُمَّ سار خَالِد إِلَى سن بالبطاح والبعوضة من بني تميم فقاتلوه ففض جمعهم وقتل مَالِك بْن نويرة أخا متمم بْن نويرة وكان مَالِك عاملا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صدقات بني حنظلة، فلما قبض صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلى ما كان في يده منَ الفرائض وقال: شأنكم بأموالكم يا بني حنظلة وقد قيل: إن خالدًا لم يلق بالبطاح والبعوضة أحدًا ولكنه بث السرايا في بني تميم وكان منها سرية عليها ضرار ابن الأزور الأسدي فلقي ضرار مالكًا فاقتتلوا وأسره وجماعة معه فأتى بهم خالدا فأمر بهم فضربت أعناقهم وتولى ضرار ضرب عنق مَالِك. ويقال: إن مالكا قَالَ لخالد: إني والله ما ارتددت وشهد أَبُو قتادة الأنصاري أن بني حنظلة وضعوا السلاح وأذنوا فقال عُمَر بْن الخطاب لأبي بكر رضي اللَّه عنهما: بعثت رجلا يقتل المسلمين ويعذب بالنار. وقد روى أن متمم بْن نويرة دخل عَلَى عُمَر بْن الخطاب فقال له: ما بلغ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وجدك عَلَى أخيك مَالِك قَالَ: بكيته حولا حَتَّى أسعدت عيني الذاهبة عيني الصحيحة وما رأيت نارًا إلا كدت أنقطع لها أسفا عَلَيْهِ لأنه كان يوقد ناره إِلَى الصبح مخافة أن يأتيه ضيف فلا يعرف مكانه. قَالَ: فصفه لي قَالَ كان يركب الفرس الجرور ويقود الجمل الثفال وهو بَيْنَ المزادتين النضوحين في الليلة القرة وعليه شملة فلوت معتقلا رمحا خطلا فيسري ليلته ثُمَّ يصبح وكان وجهه فلقة قمر، قَالَ فأنشدني بعض ما قلت فيه فأنشده مرثيته الَّتِي يقول فيها: وكنا كندماني جذيمة حقبة ... منَ الدهر حَتَّى قيل: لن يتصدعا فقال عُمَر: لو كنت أحسن قول الشعر لرثيت أخي زيدًا، فقال متمم: ولا سواء يا أمير الْمُؤْمِنِين: لو كان أخي صرع مصرع أخيك ما بكيته فقال عُمَر ما عزاني أحد بأحسن مما عزيتني. قَالُوا: وتنبأت أم صادر سجاح بنت أوس بْن أسامة بْن العنبر بْن يربوع ابن حنظلة بْن مَالِك بْن زيد مناة بْن تميم، ويقال: هي سجاح بنت الحارث ابن عقفان بْن سويد بْن خَالِد بْن أسامة وتكهنت فأتبعها قوم من بني تميم وقوم من أخوالها بني تغلب ثُمَّ إنها سجعت ذات يوم فقالت: إن رب السحاب، يأمركم أن تغزوا الرباب، فغزتهم فهزموها ولم يقاتلها أحد غيرهم فأتت مسيلمة الكذاب وهو بحجر فتزوجته وجعلت دينها ودينه واحدا، فلما قتل صارت إِلَى أخوالها فماتت عندهم، وقال ابْن الكلبي: أسلمت سجاح وهاجرت إِلَى البصرة وحسن إسلامها، وقال عَبْد الأعلى بْن حَمَّاد النرسي، سمعت مشايخ منَ البصريين إن سمرة بْن جندب الفزاري صلى عليها وهو يلي البصرة من قبل معاوية قبل قدوم عُبَيْد اللَّه بْن زياد من خراسان وولايته البصرة، وقال ابْن الكلبي كان مؤذن سجاح الجنبة بْن طارق بْن عَمْرو بْن حوط الرياحي، وقوم يقولون: إن شبث بْن ربعي الرياحي كان يؤذن لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 قالوا: وارتدت خولان باليمن فوجه أَبُو بكر إليهم يعلى بْن منية وهي أمه وهي من بني مازن بْن مَنْصُور بْن عكرمة بْن حصفة بْن قيس بْن عيلان بْن مضر وأبوه أمية بْن أَبِي عُبَيْدة من ولد مَالِك بْن حنظلة بْن مَالِك حليف بنى نوفل بن عبد مناف نظفر بهم وأصاب منهم غنيمة وسبابا، ويقال: لم يلق حربا فرجع القوم إِلَى الإِسْلام. ردة بني وليعة والأشعث بْن قيس ابن معدى كرب بْن معاوية الكندي قَالُوا: ولى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زياد بْن لبيد البياضي منَ الأنصار حضرموت، ثُمَّ ضم إليه كندة، ويقال، إن الَّذِي ضم إليه كندة أَبُو بكر الصديق رَضِي اللَّه عنه، وكان زياد بْن لبيد رجلا حازمًا صليبًا فأخذ في الصدقة من بعض كندة قلوصا فسأله الكندي ردها عَلَيْهِ وأخذ غيرها وكان قَدْ وسمها بميسم الصدقة فأبى ذلك، وكلمه الأشعث بْن قيس فيه فلم يجبه، وقال: لست براد شيئا قَدْ وقع الميسم عَلَيْهِ فانتقضت عَلَيْهِ كندة كلها إلا السكون فإنهم كانوا معه فقال شاعرهم: ونحن نصرنا الدين إذ ضل قومنا ... شقاء، وشايعنا ابْن أم زياد ولم نبغ عن حق البياضي مزحلا ... وكان تقى الرَّحْمَنِ أفضل زاد وجمع له بنو عَمْرو بْن معاوية بْن الحارث الكندي فبيتهم فيمن معه منَ المسلمين فقتل منهم بشرا فيهم مخوس ومشرح وجمد وأبضعة بنو معدى كرب بْن وليعة بْن شرحبيل بْن معاوية بْن حجر القرد «والقرد» الجواد في كلامهم بْن الحارث بْن الولادة بْن عَمْرو بْن معاوية بْن الحارث، وكانت لها ولاء الأخوة أودية يملكونها فسموا الملوك الأربعة، وكانوا وفدوا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ارتدوا، وقتلت أخت لهم يقال لها العمردة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وقاتلها يحسبها رجلا، ثُمَّ أن زيادا أقبل بالسبي والأموال فمر على الأشعث ابن قيس وقومه فصرخ النساء والصبيان وبكوا فحمى الأشعث أنفا وخرج في جماعة من قومه فعرض لزياد ومعه فأصيب ناس منَ المسلمين ثُمَّ هزموهم فاجتمعت عظماء كندة إِلَى الأشعث بْن قيس، فلما رأى زياد ذلك كتب إِلَى أَبِي بكر يستمده. وكتب أَبُو بكر إِلَى المهاجر بْن أَبِي أمية يأمره بإنجاده فلقيا الأشعث بْن قيس فيمن معهما منَ المسلمين ففضا جمعه وأوقعا بأصحابه فقتلا منهم مقتلة عظيمة ثُمَّ أنهم لجأوا إِلَى النجير- وهو حصن لهم- فحصرهم المسلمون حَتَّى جهدوا فطلب الأشعث الأمان لعدة منهم وأخرج نفسه منَ العدة وذلك أن الجفشيش الكندي واسمه معدان بْن الأسود بْن معدى كرب أخذ بحقوه، وقال: اجعلني منَ العدة فأدخله وأخرج نفسه ونزل إِلَى زياد بْن لبيد والمهاجر فبعثا به إِلَى أَبِي بكر الصديق فمنَّ عَلَيْهِ وزوجه أخته أم فروة بنت أَبِي قحافة فولدت له محمدا واسحق وقريبة وحبابة وجعدة، وبعضهم يقول: زوجه أخته قريبة، ولما تزوجها أتى السوق فلم يربها جزورا إلا كشف عرقوبيها وأعطى ثمنها وأطعمها الناس وأقام بالمدينة ثُمَّ سار إِلَى الشام والعراق غازيًا، ومات بالكوفة وصلى عَلَيْهِ الْحَسَن بْن أَبِي طالب بعد صلحه معاوية، وكان الأشعث يكنى أبا محمد ويلقب عرف النار. وقال بعض الرواة: ارتد بنو وليعة قبل وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما بلغت زياد بْن لبيد وفاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا الناس إِلَى بيعة أَبِي بكر فبايعوه خلابنى وليعة فبيتهم وارتد الأشعث وتحصن في النجير فحاصره زياد بْن لبيد والمهاجر اجتمعا عَلَيْهِ وأمدهما أَبُو بكر رضي اللَّه عنه بعكرمة ابن أَبِي جهل بعد انصرافه من عمان فقدم عليهما وقد فتح النجير فسأل أَبُو بكر المسلمين أن يشركوه في الغنيمة ففعلوا، قَالُوا: وكان بالنجيرة نسوة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 شمتن بوفاة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكتب أَبُو بكر رضي اللَّه عنه في قطع أيديهن وأرجلهن منهن الثبجاء الحضرمية، وهند بنت يامين اليهودية. وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الْيَمَانِيُّ عَنْ مَشَايِخَ حَدَّثُوهُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَلَّى خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي صَنْعَاءَ فَأَخْرَجَهُ الْعَنْسِيُّ الْكَذَّابُ عَنْهَا، وَأَنَّهُ وَلَّى الْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ عَلَى كِنْدَةَ وَزِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ الأَنْصَارِيَّ عَلَى حَضْرَمَوْتَ وَالصَّدَفِ وَهُمْ وَلَدُ مَالِكِ بْنِ مُرْتِعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ كِنْدَةَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ صَدَفًا لأَنَ مَرْتَعًا تَزَوَّجَ حَضْرَمِيَّةَ وَشَرَطَ لَهَا أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ فَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدًا لَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ دَارِ قَوْمِهَا فَوَلَدَتْ له مالكا فقضى الحاكم عليه بأن يُخْرِجَهَا إِلَى أَهْلِهَا، فَلَمَّا خَرَجَ مَالِكٌ عَنْهُ مَعَهَا قَالَ: صَدَفَ عَنِّي مَالِكٌ فَسُمِّيَ الصَّدَفَ، وقال عَبْد الرزاق فاخبرني مشايخ من أهل اليمن، قَالُوا: كتب أَبُو بكر إِلَى زياد بن لبيد والمهاجر ابن أَبِي أمية المخزومي وهو يومئذ عَلَى كندة يأمرهما أن يجتمعا فتكون أيديهما يدا وأمرهما واحدا فيأخذ له البيعة ويقاتلا منَ امتنع من أداء الصدقة وأن يستعينا بالْمُؤْمِنِين عَلَى الكافرين وبالمطيعين عَلَى العاصين والمخالفين فأخذا من رجل من كندة في الصدقة بكرة منَ الإبل فسألهما أخذ غيرها فسامحه المهاجر وأبي زياد إلا أخذها وقال: ما كنت لأردها بعد أن وقع عليها ميسم الصدقة، فجمع بنو عَمْرو بْن معاوية جمعا فقال زياد بْن لبيد للمهاجر: قَدْ ترى هَذَا الجمع وليس الرأي أن نزول جميعا عن مكاننا ولكن انفصل عَنِ العسكر في جماعة فيكون ذلك أخفى للأمر وأستر ثُمَّ أبيت هؤلاء الكفرة، وكان زياد حازما صليبا فصار إِلَى بني عَمْرو وألفاهم في الليل فبيتهم فأتى عَلَى أكثرهم وجعل بعضهم يقتل بعضا ثُمَّ اجتمع والمهاجر ومعهما السبي والأسارى فعرض لهما الأشعث بْن قيس ووجوه كندة فقاتلاهم قتالا شديدا، ثُمَّ إن الكنديين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 تحصنوا بالنجير فحاصراهم حَتَّى جهدهم الحصار وأضربهم ونزل الأشعث عَلَى الحكم قَالُوا: وكانت حضرموت أتت كندة منجدة لها فواقعهم زياد والمهاجر فظفرا بهم وارتدت خولان فوجه إليهم أَبُو بكر يعلى بْن منية فقاتلهم حَتَّى أذعنوا وأقروا بالصدقة، ثُمَّ أتى المهاجر كتاب أَبِي بكر بتوليته صنعاء ومخاليفها وجمع عمله لزياد إِلَى ما كان في يده فكانت اليمن بَيْنَ ثلاثة المهاجر، وزياد، ويعلى وولى أَبُو سُفْيَان بْن حرب ما بَيْنَ آخر حد الحجاز وآخر حد بحران. وحدثني أَبُو التمار، قَالَ: حدثني شريك قَالَ أنبأنا إِبْرَاهِيم بْن مهاجر عَنِ إِبْرَاهِيم النخعي، قَالَ: ارتد الأشعث بْن قيس الكندي في ناس من كندة فحوصرا فأخذ الأمان لسبعين منهم ولم يأخذه لنفسه فأتى به أَبُو بكر فقال: أنا قاتلوك لأنه لا أمان لك إذ أخرجت نفسك منَ العدة، فقال: بل تمن علي يا خليفة رَسُول اللَّهِ وتزوجني فعل وزوجه أخته. وحدثني الْقَاسِم بْن سلام أَبُو عبيد، قال: حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث بْن سَعْد عن علوان بْن صالح عن صالح بْن كيسان عن حميد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف عن أَبِي بكر الصديق أنه قَالَ: ثلاث تركتهن وودت أني لم أفعل، وددت أني يوم أتيت بالأشعث بْن قيس ضربت عنقه فإنه تخيل إِلَى أنه لا يرى شرًّا إلا سعى فيه وأعان عَلَيْهِ، ووددت أني يوم أتيت بالفجاءة قتلته ولم أحرقه، ووددت أني حيث وجهت خالدًا إِلَى الشام وجهت عُمَر بْن الخطاب إِلَى العراق فأكون قَدْ بسطت يميني وشمالي جميعا في سبيل اللَّه. أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّهِ بْن صالح العجلي، عن يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن فراس أو بنان، عَنِ الشعبي أن أَبَا بكر رد سبايا النجير بالفداء لكل رأس أربعمائة درهم، وأن الأشعث بْن قيس استسلف من تجار المدينة فداءهم ففداهم ثُمَّ رده لهم، وقال الأشعث بْن قيس يرثي بشير بْن الأودح، وكان ممن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 وفد عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ارتد ويزيد بْن أماناة ومن قتل يوم النجير. لعمري وما عمري عَلَى بهين ... لقد كنت بالقتلى أحق ضنين فلا غرو إلا يوم يقسم سبيهم ... وما الدهر عندي بعدهم بأمين وكنت كذات البوريعت فأقبلت ... عَلَى بوها إذ طربت بحنين عَنِ ابْن أماناة الكريم وبعده ... بشير الندى فليجر دمع عيون أمر الأسود العنسي ومن ارتد معه باليمن قَالُوا: كان الأسود بْن كعب بْن عوف العنسي قَدْ تكهن وادعى النبوة فاتبعه عنس، واسم عنس زيد بْن مَالِك بْن أدد بْن يشجب بْن غريب بْن زيد ابن كهلان بْن سبأ، وعنس أخو مراد بْن مالك، وخالد بن مالك وسعد العشيرة ابن مَالِك، واتبعه أيضا قوم من غير عنس، وسمى نفسه رحمان اليمن كما تسمى مسيلمة رحمان اليمامة، وكان له حمار معلم يقول له اسجد لربك فيسجد ويقول له ابرك فيبرك فسمي ذا الحمار، وقال بعضهم: هُوَ ذو الخمار لأنه كان متخمرا معتما أبدا. وأخبرني بعض أهل اليمن أنه كان أسود الوجه فسمى الأسود للونه وإن اسمه عهلة. قَالُوا: فبعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جرير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي في السنة الَّتِي تُوُفِّيَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها، وفيها كان إرسال جرير إِلَى الأسود يدعوه إِلَى الإِسْلام فلم يجبه، وبعض الرواة ينكر بعثة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جريرًا إِلَى اليمن، قَالُوا، وأتى الأسود صنعاء فغلب عليها وأخرج خَالِد بْن سَعِيد بْن العاصي عنها، ويقال، أنه إنما أخرج المهاجرين أَبِي أمية وانحاز إِلَى ناحية زياد بْن لبيد البياضي، وكان عنده حَتَّى أتاه كتاب أبى بكر يأمره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 بمعاوية زياد، فلما فرغ من أمرهما ولاه صنعاء وأعمالها، وكان الأسود متجبرا فاستذل الأبناء، وهم أولاد أهل فارس الَّذِينَ وجههم. كسرى إِلَى اليمن مع ابْن ذي يزن وعليهم وهرز واستخدمهم فأضر بهم، وتزوج المرزبانة امرأة باذام ملكهم وعامل أبرويز عليهم فوجه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيس بْن هبيرة المكشوح المرادي لقتاله، وإنما سمى المكشوح لأنه كوى عَلَى كشحه من داء كان به، وأمره باستمالة الأبناء وبعث معه فروة بْن مسيك المرادي، فلما صار إِلَى اليمن بلغتهما وفاة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأظهر قيس للأسود أنه عَلَى رأيه حَتَّى خلى بينه وبين دخول صنعاء فدخلها في جماعة من مذحج وهمدان وغيرهم ثُمَّ استمال فيروز بْن الديلمي أحد الأبناء، وكان فيروز قَدْ أسلم ثُمَّ أتيا باذام رأس الأبناء، ويقال: أن باذام قَدْ كان مات ورأس الأبناء بعده خليفة له يسمى داذويه، وذلك أثبت فأسلم داذويه ولقي قيس ثات بْن ذى الحرة الحميري فاستماله وبث داذويه دعاته في الأبناء فأسلموا، فتطابق هؤلاء جميعًا عَلَى قتل الأسود واغتياله ودسوا إِلَى المرزبانة امرأته من أعلمها الَّذِي هم عَلَيْهِ وكانت شانئة له فدلتهم عَلَى جدول يدخل إليه منه فدخلوا سحرا ويقال: بل نقبوا جدار بيته بالخل نقبا ثُمَّ دخلوا عَلَيْهِ في السحر وهو سكران نائم فذبحه قيس ذبحا فجعل يخور خوار الثور حَتَّى أفزع ذلك حرسه، فقالوا: ما شأن رحمان اليمن فبدرت امرأته فقالت: إن الوحي ينزل عَلَيْهِ فسكنوا وأمسكوا واحتز قيس رأسه ثُمَّ علا سور المدينة حين أصبح فقال: اللَّه أكبر اللَّه أكبر أشهد أن لا إلا اللَّه وأشهد أن محمدا رَسُول اللَّهِ وأن الأسود كذاب عدو اللَّه، فاجتمع أصحاب الأسود فألقى إليهم رأسه فتفرقوا إلا قليلا، وخرج أصحاب قيس ففتحوا الباب ووضعوا في بقية أصحاب العنسي السيف فلم ينجح إلا من أسلم منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 وذكر بعض الرواة أن الَّذِي قتل الأسود العنسي فيروز بْن الديلمي وأن قيسا أجهز عَلَيْهِ واحتز رأسه. وذكر بعض أهل العلم إن قتل الأسود كان قبل وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخمسة أيام فقال في مرضه. قَدْ قتل اللَّه الأسود العنسي قتله الرجل الصالح فيروز بْن الديلمي، وأن الفتح ورد عَلَى أَبِي بكر بعد ما استخلف بعشر ليال. وأخبرني بكر بْن الهيثم. قَالَ. حدثني ابْن أَنَس اليماني، عمن أَخْبَرَه عن النعمان ابن برزج أحد الأبناء أن عامل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أخرجه الأسود عن صنعاء أبان بْن العاصي، وأن الَّذِي قتل الأسود العنسي فيروز بْن الديلمي وأن قيسا وفيروزا ادعيا قتله وهما بالمدينة فقال عُمَر. قتله هَذَا الأسد يعني فيروز. قالوا: ثُمَّ أن قيسًا اتهم بقتل داذويه وبلغ أَبَا بكر أنه على اجلاء الأبناء عن صنعاه فأغضبه ذلك، وكتب إِلَى المهاجر بْن أَبِي أمية حين دخل صنعاء وهو عامله عليها يأمره بحمل قيس إِلَى ما قبله فلما قدم به عَلَيْهِ أحلفه خمسين يمينا عند منبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه ما قتل داذويه فحلف فخلى سبيله ووجه إلى الشام مع من انتدب لغز الروم منَ المسلمين. فتوح الشام قَالُوا: لما فرغ أَبُو بكر رضي اللَّه عنه من أمر أهل الردة رأى توجيه الجيوش إِلَى الشام فكتب إِلَى أهل مكة، والطائف، واليمن، وجميع العرب بنجد والحجاز يستنفرهم للجهاد ويرغبهم فيه وفي غنائم الروم، فسارع الناس إليه من بَيْنَ محتسب وطامع وأتو المدينة من كل أوب فعقد ثلاثة ألوية لثلاثة رجال خالد ابن سَعِيد بْن العاصي بْن أمية، وشرحبيل بْن حسنة حليف بني جمح، وشرحبيل فيما ذكر الواقدي ابن عَبْد اللَّهِ بْن المطاع الكندي. وحسنة أمه وهي مولاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 معمر بْن حبيب بْن وهب بْن حذافة بن جمح. وقال الكلبي: هو شرحبيل ابن ربيعة بْن المطاع من ولد صوفة وهم الغوث بن مر بن اد بن طابخة، وعمرو بْن العاصي بْن وائل السهمي، وكان عقده هَذِهِ الألوية يوم الخميس المستهل صفر سنة ثلاث عشرة وذلك بعد مقام الجيوش معسكرين بالجرف المحرم كله، وأبو عُبَيْدة بْن الجراح يصلي بهم. وكان أَبُو بكر أراد أَبَا عُبَيْدة أن يعقد له فاستعفاه من ذلك، وقد روى قوم أنه عقد له وليس ذلك بثبت ولكن عُمَر ولاه الشام كله حين استخلف. وذكر أَبُو مخنف أن أبا بكر قَالَ للأمراء: إن اجتمعتم عَلَى قتال فأميركم أَبُو عُبَيْدة عَامِر بْن عَبْد اللَّهِ بْن الجراح الفهري وإلا فيزيد بْن أبي سُفْيَان وذكر أن عَمْرو بن العاصي إنما كان مددا للمسلمين وأميرا عَلَى من ضم إليه. قَالَ: ولما عقد أَبُو بكر لخالد بْن سَعِيد كره عُمَر ذلك فكلم أبا بكر في عزله، وقال: إنه رجل فخور يحمل أمره عَلَى المغالبة والتعصب فعزله أَبُو بكر ووجه أَبَا أروى الدوسي لأخذ لوائه فلقيه بذي المروة فأخذ اللواء منه وورد به عَلَى أَبِي بكر فدفعه أَبُو بكر رضي اللَّه عنه إِلَى يزيد بْن أَبِي سُفْيَان فسار به ومعاوية أخوه يحمله بَيْنَ يديه، ويقال: بل سلم إليه اللواء بذي المروة فمضى عَلَى جيش خَالِد وسار خَالِد بْن سَعِيد محتسبا في جيش شرحبيل. وأمر أَبُو بكر رضي اللَّه عنه عَمْرو بْن العاصي أن يسلك طريق أيلة عامدا لفلسطين، وأمر يزيد أن يسلك طريق تبوك، وكتب إِلَى شرحبيل أن يسلك أيضًا طريق تبوك، وكان العقد لكل أمير في بدء الأمر عَلَى ثلاثة آلاف رجل فلم يزل أَبُو بكر يتبعهم الأمداد حَتَّى صار مع كل أمير سبعة آلاف وخمسمائة ثُمَّ تتام جمعهم بعد ذلك أربعة وعشرين ألفا. وروى عَنِ الواقدي أن أَبَا بكر ولى عمرا فلسطين، وشرحبيل الأردن، ويزيد دمشق، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وقال إذا كان بكم قتال فأميركم الَّذِي تكونون في عمله. وروى أيضا إنه أمر عمرا مشافهة أن يصلي بالناس إذا اجتمعوا، وإذا تفرقوا صلى كل أمير بأصحابه وأمر الأمراء أن يعقدوا لكل قبيلة لواء يكون فيهم، قالوا: فلما صار عمرو بن العاصي إِلَى أول عمل فلسطين كتب إِلَى أَبِي بكر يعلمه كثرة عدد العدو وعدتهم وسعة أرضهم ونجدة مقاتلتهم، فكتب أَبُو بكر إِلَى خالد ابن الوليد بْن المغيرة المخزومي وهو بالعراق يأمره بالمسير إِلَى الشام فيقال: أنه جعله أميرًا عَلَى الأمراء في الحرب، وقال قوم: كان خَالِد أميرا عَلَى أصحابه الَّذِينَ شخصوا معه، وكان المسلمون إذا اجتمعوا لحرب أمره الأمراء فيها لبأسه وكيده ويمن نقيبته. قَالُوا: فأول وقعة كانت بَيْنَ المسلمين وعدوهم بقرية من قرى غزة يقال لها داثن كانت بينهم وبين بطريق غزة فاقتتلوا فيها قتالا شديدا ثُمَّ إن اللَّه تعالى أظهر أولياءه وهزم أعداءه وفض جمعهم وذلك قبل قدوم خَالِد بْن الوليد الشام، وتوجه يزيد بْن أَبِي سُفْيَان في طلب ذلك البطريق فبلغه أن بالعربة من أرض فلسطين جمعا للروم فوجه إليهم أَبَا أمامة الصدى بْن عجلان الباهلي فأوقع بهم وقتل عظيمهم ثُمَّ انصرف. وروى أَبُو مخنف في يوم العربة أن ستة قواد من قواد الروم نزلوا العربة في ثلاثة آلاف فسار إليهم أَبُو أمامة في كثف منَ المسلمين فهزمهم وقتل أحد القواد ثُمَّ اتبعهم فصاروا إِلَى الدبية- وهي الدابية- فهزموهم وغنم المسلمون غنما حسنا. وحدثني أَبُو حفص الشامي عن مشايخ من أهل الشام قَالُوا: كانت أول وقائع المسلمين وقعة العربة ولم يقاتلوا قبل ذلك مذ فصلوا منَ الحجاز، ولم يمروا بشيء منَ الأرض فيما بَيْنَ الحجاز وموضع هَذِهِ الوقعة إلا غلبوا عليه بغير حرب وصار فى أيديهم . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 شخوص خَالِد بْن الوليد إِلَى الشام وما فتح في طريقه قَالُوا: لما أتى خَالِد بْن الوليد كتاب أَبِي بكر وهو بالحيرة خلف المثنى ابن حارثة الشيباني عَلَى ناحية الكوفة، وسار في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة في ثمانمائة، ويقال في ستمائة، ويقال في خمسمائة، فأتى عين التمر ففتحها عنوة، ويقال. إن كتاب أَبِي بكر وافاه وهو بعين التمر وقد فتحها، فسار خَالِد من عين التمر فأتى صندوداء وبها قوم من كندة وإباد والعجم، فقاتله أهلها وخلف بها سَعْد بْن عَمْرو بْن حرام الأنصاري فولده اليوم بها، وبلغ خالدا أن جمعا لبني تغلب بْن وائل بالمضيح والحصيد مرتدين عليهم ربيعة بْن بجير فأتاهم فقاتلوه فهزمهم وسبى وغنم وبعث بالسبي إِلَى أَبِي بكر، فكانت منهم أم حبيب الصهباء بنت حبيب بْن بجير، وهي أم عُمَر بن على ابن أَبِي طالب، ثُمَّ أغار خَالِد عَلَى قراقر وهو ماء لكلب ثُمَّ فوز منه إِلَى سوى وهو ماء لكلب أيضًا ومعهم فيه قوم من بهراء فقتل حرقوص بْن النعمان البهراني من قضاعة واكتسح أموالهم وكان خَالِد لما ركب المفازة عمد إِلَى الرواحل فأرواها منَ الماء ثُمَّ قطع مشافرها وأجرها لئلا تجتر فتعطش ثُمَّ استكثر منَ الماء وحمله معه فنفد في طريقه فجعل ينحر تلك الرواحل راحلة راحلة ويشرب وأصحابه الماء من أكراشها، وكان له دليل يقال له. رافع بْن عمير الطائي ففيه يقول الشاعر. لله در نافع إنى اهتدى ... فوز من قراقر إِلَى سوى ماء إذا ما رامه الجيش انثنى ... ما جازها قبلك من أَنَس يرى وكان المسلمون لما انتهوا إِلَى سوى وجدوا حرقوصا وجماعة معه يشربون ويتغنون وحرقوص يقول: ألا عللاني قبل جيش أَبِي بكر ... لعل منايانا قريب ولا ندري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 فلما قتله المسلمون جعل دمه يسيل في الجفنة الَّتِي كان فيها شرابه ويقال إن رأسه سقط فيها أيضا. وقال بعض الرواة أن المغنى بهذا البيت رجل ممن كان أغار خَالِد عَلَيْهِ من بني تغلب مع ربيعة بْن بجير. وقال الواقدي: خرج خَالِد من سوى إِلَى الكواثل ثُمَّ أتى قرقيسيا فخرج إليه صاحبها في خلق فتركه وانحاز إِلَى البر ومضى لوجهه وأتى خَالِد أركة- وهي أرك- فأغار عَلَى أهلها وحاصرهم ففتحها صلحا عَلَى شيء أخذه منهم للمسلمين، وأتى دومة الجندل ففتحها، ثُمَّ أتى قصم فصالحه بنو مشجعة ابن التيم بْن النمر بْن وبرة بْن تغلب بْن حلوان بْن عِمْرَان بْن الحاف بْن قضاعة وكتب لهم أمانا، ثُمَّ أتى تدمر فامتنع أهلها وتحصنوا ثُمَّ طلبوا الأمان فأمنهم عَلَى أن يكونوا ذمة وعلى أن قروا المسلمين ورضخوا لهم، ثُمَّ أتى القريتين فقاتله أهلها فظفر وغنم، ثُمَّ أتى حوارين من سنير فأغار عَلَى مواشي أهلها فقاتلوه وقد جاءهم مدد أهل بعلبك وأهل بصرى وهي مدينة حوران فظفر بهم فسبى وقتل، ثُمَّ أتى مرج راهط فأغار عَلَى غسان في يوم فصحهم وهم نصارى فسبى وقتل، ووجه خَالِد بسر بْن أبي أرطاة العامري من قريش وحبيب بْن مسلمة الفهري إِلَى غوطة دمشق فأغارا عَلَى قرى من قراها، وصار خَالِد إِلَى الثنية الَّتِي تعرف بثنية العقاب بدمشق فوقف عليها ساعة ناشرا رايته وهي راية كانت لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سوداء فسميت ثنية العقاب يومئذ والعرب تسمي الراية عقابا، وقوم يقولون: إنها سميت بعقاب منَ الطير كانت ساقطة عليها، والخبر الأول أصح، وسمعت من يقول: كان هناك مثال عقاب من حجارة وليس ذلك بشيء، قَالُوا: ونزل خَالِد بالباب الشرقي من دمشق، ويقال: بل نزل بباب الجابية فأخرج إليه أسقف دمشق نزلا وخدمة فقال. احفظ لي هَذَا العهد فوعده بذلك، ثُمَّ سار خَالِد حَتَّى انتهى إِلَى المسلمين وهم بقناة بصرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 ويقال: أنه أتى الجابية وبها أَبُو عُبَيْدة في جماعة منَ المسلمين فالتقيا ومضيا جميعا إِلَى بصرى. فتح بصرى قَالُوا: لما قدم خَالِد بْن الوليد عَلَى المسلمين بصرى اجتمعوا عليها وأمروا خالدا في حربها، ثُمَّ الصقوا بها وحاربوا بطريقها حتى ألجئوه وكماة أصحابه إليها ويقال: بل كان يزيد بْن أَبِي سُفْيَان المتقلد لأمر الحرب لأن ولايتها وإمرتها كانت إليه لأنها من دمشق ثُمَّ أن أهلها صالحوا عَلَى أن يؤمنوا على دمائهم وأموالهم وأولادهم عَلَى أن يؤدوا الجزية. وذكر بعض الرواة أن أهل بصرى صالحوا عَلَى أن يؤدوا عن كل حالم دينارا وجريب حنطة، وافتتح المسلمون جميع أرض كورة حوران وغلبوا عليها قَالَ: وتوجه أَبُو عُبَيْدة بْن الجراح في جماعة منَ المسلمين كثيفة من أصحاب الأمراء ضموا إليه فأتى مآب من أرض البلقاء، وبها جمع العدو فافتتحها صلحا عَلَى مثل صلح بصرى، وقال بعضهم: إن فتح مآب قبل فتح بصرى، وقال بعضهم: إن أَبَا عُبَيْدة فتح مآب وهو أمير عَلَى جميع الشام أيام عمر. يوم أجنادين ثُمَّ كانت وقعة أجنادين وشهدها منَ الروم زهاء مائة ألف سرب هرقل أكثرهم وتجمع باقوهم منَ النواحي، وهرقل يومئذ مقيم بحمص فقاتلهم المسلمون قتالا شديدا، وأيلى خَالِد بْن الوليد يومئذ بلاء حسنا، ثُمَّ أن الله هزم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 أعداءه ومزقهم ممزق وقتل منهم خلق كثير، واستشهد يومئذ عبد الله ابن الزبير بن عبد المطلب بن هاشم، وعمرو بن سعيد بن العاصي بْن أمية، وأخوه أبان بْن سَعِيد وذلك الثبت، ويقال: بل تُوُفِّيَ أبان في سنة تسع وعشرين وطليب بْن عمير بْن وهب بْن عَبْد بْن قصي بارزه علج فضربه ضربة أبانت يده اليمنى فسقط سيفه مع كفه، ثُمَّ غشيه الروم فقتلوه، وأمه أروى بنت عَبْد المطلب عمة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يكنى أَبَا عدي، وسلمة بْن هِشَام بْن المغيرة ويقال: أنه قتل بمرج الصفر، وعكرمة ابْن أَبِي جهل بْن هِشَام المخزومي، وهبار بْن سُفْيَان بْن عَبْد الأسد المخزومي ويقال: بل قتل يوم مؤتة، ونعيم بْن عَبْد اللَّهِ النحام العدوى، ويقال. قتل يوم اليرموك، وهِشَام بْن العاصي بْن وائل السهمي، ويقال: قتل يوم اليرموك، وعمرو بْن الطفيل بْن عَمْرو الدوسي، ويقال: قتل يوم اليرموك وجندب بْن عَمْرو الدوسي. وسعيد بْن الحارث، والحارث بْن الحارث، والحجاج بْن الحارث بْن قيس بْن عدي السهمي، وقال هِشَام بْن مُحَمَّد الكلبي: قتل النحل يوم مؤتة، وقتل سَعِيد بْن الحارث بْن قيس يوم اليرموك، وقتل تميم بْن الحارث يوم أجنادين، وقتل عبيد الله بن عبد الأسد أخوه يوم اليرموك قَالَ: وقتل الحارث بْن هِشَام بْن المغيرة يوم أجنادين. قَالُوا: ولما انتهى خبر هَذِهِ الوقعة إِلَى هرقل نخب قلبه وسقط في يده وملئ رعبا فهرب من حمص إِلَى أنطاكية، وقد ذكر بعضهم أن هربه من حمص إِلَى انطاكية كان عند قدوم المسلمين الشام، وكانت وقعة أجناين يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة، ويقال: لليلتين خلتا من جمادى الآخرة، ويقال: لليلتين بقيتا منه. قَالُوا: ثُمَّ جمعت الروم جمعا بالياقوصة- والياقوصة واد فمه الفوارة- فلقيهم المسلمون هناك فكشفوهم وهزموهم وقتلوا كثيرا منهم ولحق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 فلهم بمدن الشام وتُوُفِّيَ أَبُو بكر رضي اللَّه عنه في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة فأتى المسلمين نعيه وهم بالياقوصة. يوم فحل منَ الأردن قَالُوا: وكانت وقعة «فحل» منَ «الأردن» لليلتين بقيتا من ذي القعدة، بعد خلافة عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه بخمسة أشهر، وأمير الناس أَبُو عُبَيْدة بْن الجراح، وكان عُمَر قَدْ كتب إليه بولايته الشام وأمره الأمراء مع عَامِر بْن أبى وقاص أخى سعد بْن أَبِي وقاص، وقوم يقولون، أن ولاية أَبِي عُبَيْدة الشام أتته والناس محاصرون دمشق فكتمها خالدا أياما لأن خالدا كان أمير الناس في الحرب فقال له خَالِد، ما دعاك- رحمك اللَّه- إِلَى ما فعلت قَالَ: كرهت أن أكسرك وأوهن أمرك وأنت بإزاء عدو. وكان سبب هَذِهِ الوقعة أن هرقل لما صار إِلَى انطاكية استنفر الروم وأهل الجزيرة وبعث عليهم رجلا من خاصته وثقاته في نفسه فلقوا المسلمين بفحل منَ الأردن فقاتلوهم أشد قتال وأبرحه حَتَّى أظهرهم اللَّه عليهم وقتل بطريقهم وزهاء عشرة آلاف معه، وتفرق الباقون في مدن الشام ولحق بعضهم بهرقل وتحصن أهل «فحل» فحصرهم المسلمون حَتَّى سألوا الأمان على أداء الجزية عن رؤسهم والخراج عن أرضهم، فأمنوهم عَلَى أنفسهم وأموالهم وأن لا تهدم حيطانهم، وتولى عقد ذلك أَبُو عُبَيْدة بْن الجراح، ويقال: تولاه شرحبيل بْن حسنة. أمر الأردن حدثني حفص بْن عُمَر العمري، عَنِ الهيثم بْن عدي، قَالَ: افتتح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 شرحبيل بْن حسنة «الأردن» عنوة ما خلا طبرية فإن أهلها صالحوه عَلَى أنصاف منازلهم وكنائسهم. وحدثني أَبُو حفص الدمشقي، عن سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيزِ التنوخي عن عدة منهم أَبُو بشر مؤذن مَسْجِد دمشق أن المسلمين لما قدموا الشام كان كل أمير منهم يقصد لناحية ليغزوها ويبث غاراته فيها فكان عمرو بن العاصي يقصد لفلسطين، وكان شرحبيل يقصد الأردن، وكان يزيد بْن أَبِي سُفْيَان يقصد لأرض دمشق، وكانوا إذا اجتمع لهم العدو اجتمعوا عَلَيْهِ وإذا احتاج أحدهم إِلَى معاضدة صاحبه وإنجاده سارع إِلَى ذلك، وكان أميرهم عند الاجتماع في حربهم أول أيام أَبِي بكر رضي الله عنه عمرو بن العاصي حَتَّى قدم خَالِد بْن الوليد الشام فكان أمير المسلمين في كل حرب، ثُمَّ ولى أَبُو عُبَيْدة بْن الجراح أمر الشام كله، وأمره الأمراء في الحرب والسلم من قبل عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه، وذلك أنه لما استخلف كتب إِلَى خَالِد بعزله وولى أَبَا عُبَيْدة. ففتح شرحبيل بْن حسنة طبرية صلحا بعد حصار أيام عَلَى أن أمن أهلها عَلَى أنفسهم وأموالهم وأولادهم وكنائسهم ومنازلهم إلا ما جلوا عنه وخلوه واستثنى لمسجد المسلمين موضعا ثم أنهم نقضوا في خلافة عُمَر واجتمع اليهم قوم من الروم وغيرهم، فأمر أبو عبيدة عمر بن العاصي بغزوهم فسار اليهم في أربعة آلاف ففتحها عَلَى مثل صلح شرحبيل، ويقال: بل فتحها شرحبيل ثانية، وفتح شرحبيل جميع مدن الأردن وحصونها عَلَى هَذَا الصلح فتحا يسيرا بغير قتال ففتح بليسان، وفتح سوسية، وفتح أفيق، وجرش، وبيت رأس. وقدس والجولان، وغلب عَلَى سواد الأردن وجميع أرضها. قَالَ أَبُو حفص، قَالَ أَبُو مُحَمَّد سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وبلغني أن الوضين ابن عطاء، قَالَ، فتح شرحبيل عكا وصور، وصفورية، وقال أَبُو بشر المؤذن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 أن أبا عبيدة وجه عمرو بن العاصي إِلَى سواحل الأردن فكثر به الروم وجاءهم المدد من ناحية هرقل وهو بالقسطنطينية، فكتب إِلَى أَبِي عُبَيْدة يستمده فوجه أَبُو عُبَيْدة يزيد بْن أَبِي سُفْيَان فسار يزيد وعلى مقدمته معاوية أخوه ففتح يزيد وعمرو سواحل الأردن، فكتب أَبُو عُبَيْدة بفتحهما لها وكان لمعاوية في ذلك بلاء حسن وأثر جميل. وحدثني أَبُو اليسع الأنطاكي، عَنِ أبيه عن مشايخ أهل أنطاكية والأردن، قَالُوا: نقل معاوية قوما من فرس بلعبك، وحمص، وأنطاكية إِلَى سواحل الأردن، وصور، وعكا، وغيرها سنة اثنتين وأربعين ونقل من أساورة البصرة والكوفة وفرس بعلبك وحمص إِلَى أنطاكية في هَذِهِ السنة أو قبلها أو بعدها بسنة جماعة، فكان من قواد الفرس مُسْلِم بْن عَبْد اللَّهِ جد عَبْد اللَّهِ بْن حبيب بْن النعمان بْن مُسْلِم الأنطاكي. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي، وأخبرني هِشَام بْن الليث الصوري، عن مشايخ من أهل الشام، قَالُوا: رم معاوية عكا عند ركوبه منها إِلَى قبرص: ورم صور ثُمَّ أن عَبْد الملك بْن مروان جددهما وقد كانتا خربتا. وحدثني هِشَام بْن الليث قَالَ: حدثني أشياخنا، قَالُوا: نزلنا صور والسواحل وبها جند منَ العرب وحلق منَ الروم ثُمَّ نزع إلينا أهل بلدان شتى فنزلوها معنا وكذلك جميع سواحل الشام. وحدثني مُحَمَّد بْن سهم الأنطاكي عن مشايخ أدركهم قَالُوا: لما كانت سنة تسع وأربعين خرجت الروم إِلَى السواحل وكانت الصناعة بمصر فقط فأمر معاوية بْن أَبِي سُفْيَان بجمع الصناع والنجارين فجمعوا ورتبهم في السواحل وكانت الصناعة في الأردن بعكا قَالَ: فذكر أَبُو الخطاب الأزدي أنه كانت لرجل من ولد أَبِي معيط بعكا أرحاء ومستغلات فأراده هِشَام بْن عَبْد الملك عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 أن يبيعه إياها فأبى المعطى ذلك عَلَيْهِ فنقل هِشَام الصناعة إِلَى صور واتخذ بصور فندقا ومستغلا. وقال الواقدي: لم تزل المراكب بعكا حَتَّى ولي بنو مروان فنقلوها إِلَى صور فهي بصور إِلَى اليوم وأمر أمير الْمُؤْمِنِين المتوكل عَلَى اللَّه في سنة سبع وأربعين ومائتين بترتيب المراكب بعكا وجميع السواحل وشحنها بالمقاتلة. يوم مرج الصفر قَالُوا: ثُمَّ اجتمعت الروم جمعا عظيما وأمدهم هرقل بمدد فلقيهم المسلمون بمرج الصفر وهم متوجهون إِلَى دمشق وذلك لهلال المحرم سنة أربع عشرة فاقتتلوا. قتالا شديدا حَتَّى جرت الدماء في الماء وطحنت بها الطاحونة وجرح منَ المسلمين زهاء أربعة آلاف ثُمَّ ولى الكفرة منهزمين مفلولين لا يلوون عَلَى شيء حَتَّى أتوا دمشق وبيت المقدس واستشهد يومئذ خَالِد بْن سَعِيد بْن العاصي بْن أمية، ويكنى أَبَا سَعِيد، وكان قَدْ أعرس في الليلة الَّتِي كانت الواقعة في صبيحتها بأم حكيم بنت الحارث بْن هِشَام المخزومي امرأة عكرمة ابن أَبِي جهل، فلما بلغها مصابه: انتزعت عمود الفسطاط فقاتلت به، فيقال: إنها قتلت يومئذ سبعة نفر وأن بها لردع الخلوق. وفي رواية أَبِي مخنف أن وقعة المرج بعد أجنادين بعشرين ليلة وأن فتح مدينة دمشق بعدها ثُمَّ بعد فتح مدينة دمشق وقعة فحل، ورواية الواقدي أثبت، وفي يوم المرج يقول خالد بن سعيد بن العاصي: من فارس كره الطعان يعيرني ... رمحا إذا نزلوا بمرج الصفر وقال عَبْد اللَّهِ بْن كامل بْن حبيب بْن عميرة بْن خفاف بْن امرئ القيس بْن بهثة بْن سليم: شهدت قبائل مَالِك وتغيبت ... عني عميرة يوم مرج الصفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 يعنى مَالِك بْن خفاف، وقال هِشَام بْن مُحَمَّد الكلبي: استشهد خَالِد بْن سَعِيد يوم المرج وفي عنقه الصمصامة سيفه، وكان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجهه إِلَى اليمن عاملا فمر برهط عَمْرو بْن معدي كرب الزبيدي من مذحج فأغار عليهم فسبى امرأة عَمْرو وعدة من قومه فعرض عَلَيْهِ عَمْرو أن يمن عليهم ويسلموا ففعل وفعلوا فوهب له عَمْرو سيفه الصمصامة وقال: خليل لم أهبه من قلاه ... ولكن المواهب للكرام خليل لم أخنه ولم يخني ... كذلك ما خلالي أو ندامى حبوت به كريما من قريش ... فسر به وصين عَنِ اللئام قَالَ: فأخذ معاوية السيف من عنق خَالِد يوم المرج حين استشهد فكان عنده، ثُمَّ نازعه فيه سعيد بن العاصي بن سعيد بن العاصي بْن أمية فقضى له به عُثْمَان فلم يزل عنده، فلما كان يوم الدار وضرب مروان عَلَى قفاه وضرب سَعِيد فسقط صريعا أخذ الصمصامة منه رجل من جهينة فكان عنده، ثم أنه دفعه إلى صيقل ليجلوه فأنكر الصيقل أن يكون للجهني مثله فأتى به مروان ابن الحكم وهو والي المدينة فسأل الجهني عنه فحدثه حديثه، فقال: أما والله لقد سلبت سيفي يوم الدار وسلب سعيد بن العاصي سيفه، فجاء سَعِيد فعرف السيف فأخذه وختم عَلَيْهِ وبعث به إِلَى عَمْرو بْن سَعِيد الأشدق وهو عَلَى مكة فهلك سَعِيد فبقي السيف عند عَمْرو بْن سَعِيد، ثُمَّ أصيب عَمْرو بْن سَعِيد بدمشق وانتهت متاعه فأخذ السيف مُحَمَّد بْن سَعِيد أخو عَمْرو لأبيه، ثم صار إلى يحيى ابن سَعِيد، ثُمَّ مات فصار إِلَى عنبسة بْن سعيد بن العاصي، ثُمَّ إِلَى سَعِيد بْن عَمْرو بْن سَعِيد، ثُمَّ هلك فصار إِلَى مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن سَعِيد وولده ينزلون ببارق ثُمَّ صار إِلَى أبان بْن يَحْيَى بْن سَعِيد فحلاه بحلية ذهب فكان عند أم ولد له، ثُمَّ أن أيوب بْن أَبِي أيوب بْن سَعِيد بْن عَمْرو بْن سَعِيد باعه منَ المهدي أمير الْمُؤْمِنِين بنيف وثمانين ألفا فرد المهدي حيلته عَلَيْهِ، ولما صار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 الصمصامة إِلَى موسى الهادي أمير الْمُؤْمِنِين أعجب به وأمر الشاعر- وهو أَبُو الهول- أن ينعته فقال: حاز صمصامة الزبيدي عَمْرو ... خير هَذَا الأنام موسى الأمين سيف عَمْرو وكان فيما علمنا ... خير ما أطبقت عَلَيْهِ الجفون أخضر اللون بَيْنَ حديه برد ... من زعاف تميس فيه المنون فإذا ما سللته بهر الشم ... س ضياء فلم تكد تستبين ما يبالى إذا الضريبة حانت ... أشمال سطت به أم يمين نعم مخراق ذي الحفيظة في الهيجا يعصا به ونعم القرين ثُمَّ أن أمير الْمُؤْمِنِين الواثق بالله دعا له بصيقل وأمره أن يسقنه فلما فعل ذلك تغير. فتح مدينة دمشق وأرضها قَالُوا: لما فرغ المسلمون من قتال منَ اجتمع لهم بالمرج أقاموا خمس عشرة ليلة ثُمَّ رجعوا إِلَى مدينة دمشق لأربع عشرة ليلة بقيت منَ المحرم سنة أربع عشرة فأخذوا الغوطة وكنائسها عنوة وتحصن أهل المدينة وأغلقوا بابها فنزل خَالِد بْن الوليد عَلَى الباب الشرقي في زهاء خمسة آلاف ضمهم إليه أَبُو عُبَيْدة وقوم يقولون: أن خالدا كان أميرا وإنما أتاه عزله وهم محاصرون دمشق، سمي الدير الَّذِي نزل عنده خَالِد دير خَالِد. ونزل عمرو بن العاصي عَلَى باب توما ونزل شرحبيل عَلَى باب الفراديس، ونزل أَبُو عُبَيْدة عَلَى باب الجابية، ونزل يزيد بْن أَبِي سُفْيَان عَلَى الباب الصغير إِلَى الباب الَّذِي يعرف بكيسان، وجعل أَبُو الدرداء عويمر بْن عَامِر الخزرجي عَلَى مسلحة ببرزة، وكان الأسقف الَّذِي أقام لخالد النزل في بدأته ربما وقف عَلَى السور فدعا له خالد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 فإذا أتى سلم عَلَيْهِ وحادثه، فقال له ذات يوم: يا أَبَا سُلَيْمَان إن أمركم مقبل ولى عليك عده فصالحني عن هَذِهِ المدينة فدعا خَالِد بدواة وقرطاس فكتب. بسم اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم: هَذَا ما أعطى خَالِد بْن الوليد أهل دمشق إذا دخلها أعطاهم أمانا عَلَى أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وسور مدينتهم لا يهدم ولا يسكن شيء من دورهم، لهم بذلك عهد اللَّه وذمة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخلفاء والْمُؤْمِنِين لا يعرض لهم إلا بخير إذا أعطوا الجزية. ثُمَّ أن بعض أصحاب الأسقف أتى خالدا في ليلة منَ الليالي فأعلمه أنها ليلة عيد لأهل المدينة وأنهم في شغل وأن الباب الشرقي قَدْ ردم بالحجارة وترك وأشار عَلَيْهِ أن يلتمس سلما، فأتاه قوم من أهل الدير الَّذِي عند عسكره بسلمين فرقى جماعة منَ المسلمين عليهما إِلَى أعلى السور ونزلوا إِلَى الباب وليس عَلَيْهِ إلا رجل أو رجلان فتعاونوا عَلَيْهِ وفتحوه وذلك عند طلوع الشمس، وقد كان أَبُو عُبَيْدة بْن الجراح عاني فتح باب الجابية وأصعد جماعة منَ المسلمين عَلَى حائطه فأنصب مقاتلة الروم إِلَى ناحيته فقاتلوا المسلمين قتالا شديدا، ثُمَّ أنهم ولوا مدبرين، وفتح أَبُو عُبَيْدة والمسلمون معه باب الجابية عنوة ودخلوا منه، فالتقى أَبُو عُبَيْدة وخالد بْن الوليد بالمقسلاط، وهو موضع النحاسين بدمشق، وهو البريص الَّذِي ذكره حسان بْن ثابت في شعره حين يقول: يسقون من ورد البريص عليهم ... بردى يصفق بالرحيق السلسل وقد روى أن الروم أخرجوا ميتا لهم من باب الجابية ليلا وقد أحاط بجنازته خلق من شجعانهم وكماتهم وأنصب سائرهم إِلَى الباب فوقفوا عَلَيْهِ ليمنعوا المسلمين من فتحه ودخوله إِلَى رجوع أصحابهم من دفن الميت وطمعوا في غفلة المسلمين عنهم وأن المسلمين نذروا بهم فقاتلوهم عَلَى الباب أشد قتال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وأبرحه حَتَّى فتحوه في وقت طلوع الشمس. فلما رأى الأسقف أن أَبَا عُبَيْدة قَدْ قارب دخول المدينة بدر إِلَى خَالِد فصالحه وفتح له الباب الشرقي فدخل والأسقف معه ناشرا كتابه الَّذِي كتبه له، فقال بعض المسلمين: والله ما خَالِد بأمير فكيف يجوز صلحه، فقال أَبُو عُبَيْدة: أنه يجيز عَلَى المسلمين أدناهم، وأجاز صلحه وأمضاه ولم يلتفت إِلَى ما فتح عنوة فصارت دمشق صلحا كلها، وكتب أبو عبيدة بذلك إلى عمرو أنفذه، وفتحت أبواب المدينة فالتقى القوم جميعا وفي رواية أَبِي مخنف وغيره أن خالدا دخل دمشق بقتال، وأن أَبَا عُبَيْدة دخلها بصلح فالتقيا بالزياتين والخبر الأول أثبت. وزعم الهيثم بْن عدى أن أهل دمشق صولحوا عَلَى أنصاف منازلهم وكنائسهم، وقال مُحَمَّد بْن سَعْد قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ الواقدي: قرأت كتاب خالد ابن الوليد لأهل دمشق فلم أر فيه أنصاف المنازل والكنائس، وقد روى ذلك ولا أدري من أين جاء به من رواه، ولكن دمشق لما فتحت لحق بشر كثير من أهلها بهرقل وهو بأنطاكية فكثرت فضول منازلها فنزلها المسلمون، وقد روى قوم أن أَبَا عُبَيْدة كان بالباب الشرقي وأن خالدا كان بباب الجابية وهذا غلط [1] .   [1] يقول محمد بن عساكر قد اعتمد المؤلف على الرواية فى فتح دمشق من باب الجاببة عنوة بيد أبى عيدة رضى الله عنه وأكد ذلك بقوله هنا «والخبر الأول أثبت» وهو على الحقيقة أضعف الروايات فى فتح دمشق، والصحيح الثابت بالأخبار والآثار أن خالدا رضى الله عنه دخلها من الباب الشرقي قسرا، ودخلها أبو عبيدة سلما من باب الجابية هذا من حيث صحة الأخبار، وأما من حيث دلالة الآثار فان جامع دمشق لم يكن بيد المسلمين منه قبل عمارته إلا الجانب الشرقي بحكم السيف ودليلنا أن المقصور التي تنسب إلى الصحابة والسبع القراء به أيضا ولم تزل الكنيسة من غربه إلى أن هدمها الوليد بن عبد الملك لما عزم على بنائه فى خلافته، وفى رواية المؤلف أولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 قَالَ الواقدي: وكان فتح مدينة دمشق في رجب سنة أربع عشرة وتاريخ كتاب خَالِد بصلحها في شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة وذلك أن خالدا كتب الكتاب بغير تاريخ فلما اجتمع المسلمون للنهوض إِلَى من تجمع لهم باليرموك أتى الأسقف خالدا فسأله أن يجدد له كتابا ويشهد عَلَيْهِ أَبَا عُبَيْدة والمسلمين ففعل وأثبت في الكتاب شهادة أَبِي عُبَيْدة ويزيد بْن أَبِي سُفْيَان وشرحبيل بْن حسنة وغيرهم فأرخه بالوقت الَّذِي جدده. وحدثني الْقَاسِم بْن سلام، قَالَ. حَدَّثَنَا أَبُو مسهر، عن سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيزِ التنوخي قَالَ. دخل يزيد دمشق منَ الباب الشرقي صلحا فالتقيا بالمقسلاط فأمضيت كلها عَلَى الصلح. وحدثني الْقَاسِم، قَالَ. حَدَّثَنَا أَبُو مسهر عن يَحْيَى بْن حَمْزَة عن أَبِي الملهب الصنعاني، عن أَبِي الأشعث الصنعاني أو أَبِي عُثْمَان الصنعاني أن أَبَا عُبَيْدة أقام بباب الجابية محاصرا لهم أربعة أشهر. حدثني أَبُو عُبَيْد، قَالَ، حَدَّثَنَا نعيم بْن حَمَّاد عن ضمرة بن ربيعة عن رجاء ابن أَبِي سلمة، قَالَ. خاصم حسان بْن مَالِك عجم أهل دمشق إِلَى عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ في كنيسة كان رجل منَ الأمراء أقطعه إياها، فقال عِمْرَان كانت منَ الخمس عشرة كنيسة الَّتِي في عهدهم فلا سبيل لك عليها، قَالَ ضمرة عن عَلي بْن أَبِي حملة خاصمنا عجم أهل دمشق إِلَى عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ في كنيسة كان فلان قطعها لبني نَصْر بدمشق. فأخرجنا عُمَر عنها وردها إِلَى النصارى، فلما ولي يزيد بْن عَبْد الملك ردها إِلَى بني نَصْر. حدثني أَبُو عُبَيْد، قَالَ حَدَّثَنَا هِشَام بْن عمار عن الوليد بن مسلم عن   [ () ] من أن خالدا أتى بسلمين من الدير المجاور لعسكره فرقى أصحابه فيهما إلى سور الباب الشرقي دليل يقوى ما ذكرناه ههنا والله أعلم بالصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 الأوزاعي، أنه قَالَ كانت الجزية بالشام في بدء الأمر جريبا ودينارا عَلَى كل جمجمة، ثُمَّ وضعها عُمَر بْن الخطاب عَلَى أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الورق أربعين درهما، وجعلهم طبقات لغنى الغني، وإقلال المقل، وتوسط المتوسط قَالَ هِشَام: وسمعت مشايخنا يذكرون أن اليهود كانوا كالذمة للنصارى يؤدون إليهم الخراج فدخلوا معهم في الصلح. وقد ذكر بعض الرواة: أن خَالِد بْن الوليد صالح أهل دمشق فيما صالحهم عَلَيْهِ عَلَى أن ألزم كل رجل منَ الجزية دينارا وجريب حنطة وخلا وزيتا لقوت المسلمين. حَدَّثَنَا عَمْرو الناقد قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن وهب المصري، عن عُمَر بْن مُحَمَّد عن نافع عن أسلم مولى عُمَر بْن الخطاب أن عُمَر كتب إِلَى أمراء الأجناد يأمرهم أن يضربوا الجزية عَلَى كل من جرت عَلَيْهِ الموسى، وأن يجعلوها عَلَى أهل الورق عَلَى كل رجل أربعين درهما، وعلى أهل الذهب أربعة دنانير، وعليهم من أرزاق المسلمين منَ الحنطة والزيت مدان حنطة، وثلاثة أقساط زيتا كل شهر لكل إنسان بالشام والجزيرة وجعل عليهم ودكا عسلا لا وأدرى كم هُوَ، وجعل لكل إنسان بمصر في كل شهر أردبا وكسوة وضيافة ثلاثة أيام. وَحَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد بْن أَبِي حنيفة قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِك بْن أَنَس عن نافع عن أسلم أن عُمَر ضرب الجزية عَلَى أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الورق أربعين درهما مع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام. وحدثني مصعب عن أبيه عن مَالِك عن نافع عن أسلم بمثله، قَالُوا: ولما ولى معاوية بْن أَبِي سُفْيَان أراد أن يزيد كنيسة يوحنا في المسجد بدمشق فأبى النصارى ذلك فأمسك، ثُمَّ طلبها عَبْد الملك بْن مروان في أيامه للزيادة في المسجد وبذل لهم مالا فأبوا أن يسلموها إليه، ثُمَّ إن الوليد بْن عَبْد الملك جمعهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 في أيامه وبذل لهم مالا عظيما عَلَى أن يعطوه إياها فأبوا، فقال: لئن لم تفعلوا لأهدمنها، فقال بعضهم: يا أمير الْمُؤْمِنِين إن من هدم كنيسة جن وأصابته عاهة فاحفظه قوله ودعا بمعول وجعل يهدم بعض حيطانها بيده وعليه قباء خز أصفر ثُمَّ جمع الفعلة والنقاضين فهدموها وأدخلها في المسجد. فلما استخلف عمر ابن عبد العزيز شكا النصارى إليه ما فعل الوليد بهم في كنيستهم، فكتب إِلَى عامله يأمره برد ما زاده في المسجد عليهم فكره أهل دمشق ذلك وقالوا: نهدم مسجدنا بعد أن أذنا فيه وصلينا ويرد بيعة، وفيهم يومئذ سُلَيْمَان بْن حبيب المحاربي وغيره منَ الفقهاء وأقبلوا عَلَى النصارى فسألوهم أن يعطوا جميع كنائس الغوطة الَّتِي أخذت عنوة وصارت في أيدي المسلمين عَلَى أن يصفحوا عن كنيسة يوحنا ويمسكوا عَنِ المطالبة بها فرضوا بذلك وأعجبهم، فكتب به إِلَى عُمَر فسره وامضاه، وبمسجد دمشق في الرواق القبلي مما يلي المئذنة كتاب في رخامة بقرب السقف مما أمر ببنيانه أمير الْمُؤْمِنِين الوليد سنة ست وثمانين، وسمعت هِشَام بْن عمار يقول: لم يزل سور مدينة دمشق قائما حَتَّى هدمه عَبْد اللَّهِ بْن علي بْن عَبْد اللَّهِ بْن العَبَّاس بعد انقضاء أمر مروان وبني أمية. وحدثني أَبُو حفص الدمشقي، عن سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيزِ عن مؤذن مَسْجِد دمشق وغيره قَالُوا: اجتمع المسلمون عند قدوم خَالِد عَلَى بصرى ففتحوها صلحا وانبثوا في أرض حوران جميعا فغلبوا عليها، وأتاهم صاحب اذرعات فطلب الصلح عَلَى مثل ما صولح عَلَيْهِ أهل بصرى عَلَى أن جميع أرض البثنية أرض خراج فأجابوهم إِلَى ذلك ومضي يزيد بْن أَبِي سُفْيَان حَتَّى دخلها وعقد لأهلها وكان المسلمون يتصرفون بكورتي حوران والبثنية، ثُمَّ مضوا إِلَى فلسطين والأردن وغزوا ما لم يكن فتح، وسار يزيد إِلَى عمان ففتحها فتحا يسيرا بصلح عَلَى مثل صلح بصرى وغلب عَلَى أرض البلقاء وولى أَبُو عُبَيْدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وقد فتح هَذَا كله فكان أمير الناس حين فتحت دمشق إلا أن الصلح كان لخالد وأجاز صلحه، وتوجه يزيد بْن أَبِي سُفْيَان في ولاية أَبِي عُبَيْدة ففتح عرندل صلحا وغلب عَلَى أرض الشراة وجبالها، قال: وقال سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيزِ: أَخْبَرَنِي الوضين أن يزيد أتى بعد فتح مدينة دمشق صيدا وعرقة وجبيل وبيروت وهي سواحل، وعلى مقدمته أخوه معاوية ففتحها فتحا يسير وجلا كثيرا من أهلها وتولى فتح عرقة معاوية نفسه في ولاية يزيد، ثُمّ أن الروم غلبوا عَلَى بعض هَذِهِ السواحل في آخر خلافة عُمَر بْن الخطاب أو أول خلافة عُثْمَان بْن عَفَّان فقصد لهم معاوية حَتَّى فتحها ثُمَّ رمها وشحنها بالمقاتلة وأعطاهم القطائع، قَالُوا: فلما استخلف عُثْمَان وولى معاوية الشام وجه معاوية سُفْيَان بْن مجيب الأزدي إِلَى طرابلس، وهي ثلاثة مدن مجتمعة فبنى في مرج عَلَى أميال منها حصنا سمي حصن سُفْيَان وقطع المادة عن أهلها منَ البحر وغيره وحاصرهم فلما اشتد عليهم الحصار اجتمعوا في أحد الحصون الثلاثة وكتبوا إِلَى ملك الروم يسألونه أن يمدهم أو يبعث إليهم بمراكب يهربون فيها إِلَى ما قبله فوجه إليهم بمراكب كثيرة فركبوها ليلا وهربوا، فلما أصبح سُفْيَان، وكان يبيت كل ليلة في حصنه ويحصن المسلمين فيه ثُمَّ يغدو عَلَى العدو وجد الحصن الَّذِي كانوا فيه خاليا فدخله وكتب بالفتح إِلَى معاوية فأسكنه معاوية جماعة كبيرة منَ اليهود، وهو الَّذِي فيه الميناء اليوم، ثُمّ أن عَبْد الملك بناه بعد وحصنه، قَالُوا: وكان معاوية يوجه في كل عام إِلَى طرابلس جماعة كثيفة منَ الجند يشحنها بهم ويوليها عاملا فإذا انغلق البحر قفل وبقي العامل في جمعية منهم يسيرة فلم يزل الأمر فيها جاريا عَلَى ذلك حَتَّى ولى عَبْد الملك فقدم في أيامه بطريق من بطارقة الروم ومعه بشر منهم كثير فسأل أن يعطى الأمان عَلَى أن يقيم بها ويؤدي الخراج فأجيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 إلى مسألته، فلم يلبث إلا سنتين أو أكثر منهما بأشهر حتى تحين قفول الجند عَنِ المدينة ثُمَّ أغلق بابها وقتل عاملها وأسر من معه منَ الجند وعدة منَ اليهود ولحق وأصحابه بأرض الروم، فقدر المسلمون بعد ذلك عَلَيْهِ في البحر وهو متوجه إِلَى ساحل للمسلمين في مراكب كثيرة فقتلوه، ويقال: بل أسروه وبعثوا به إِلَى عَبْد الملك فقتله وصلبه، وسمعت من يذكر أن عَبْد الملك بعث إليه من حصره بطرابلس ثُمَّ أخذه سلمان وحمله إليه فقتله وصلبه وهرب من أصحابه جماعة فلحقوا ببلاد الروم، وقال عَلي بْن مُحَمَّد المدائني قَالَ عتاب بْن إِبْرَاهِيم: فتح طرابلس سُفْيَان بْن مجيب ثُمَّ نقض أهلها أيام عَبْد الملك ففتحها الوليد بْن عَبْد الملك في زمانه. وحدثني أَبُو حفص الشامي عن سَعِيد عَنِ الوضين، قَالَ: كان يزيد بْن أَبِي سُفْيَان وجه معاية إِلَى سواحل دمشق سوى طرابلس فإنه لم يكن يطمع فيها فكان يقيم عَلَى الحصن اليومين والأيام اليسيرة فربما قوتل قتالا غير شديد وربما رمى ففتحها، قَالَ: وكان المسلمون كلما فتحوا مدينة ظاهرة أو عند ساحل رتبوا فيها قدر من يحتاج لها إليه منَ المسلمين فإن حدث في شيء منها حدث من قبل العدو سربوا إليها الأمداد، فلما استخلف عُثْمَان بْن عَفَّان رضى عنه كتب إلى معاية يأمره بتحصين السواحل وشحنتها وإقطاع من ينزله إياها القطائع ففعل. وحدثني أَبُو حفص عن سعيد بن عبد العزيز، قال: أدركت الناس وهم يتحدثون أن معاوية كتب إِلَى عُمَر بْن الخطاب بعد موت أخبه يزيد يصف له حال السواحل، فكتب إليه في مرمة حصونها وترتيب المقاتلة فيها وإقامة الحرس عَلَى مناظرها واتخاذ المواقيد لها، ولم يأذن له في غزو البحر وأن معاوية لم يزل بعُثْمَان حَتَّى أذن له في الغزو بحرا وأمره أن يعد في السواحل إذا غزا أو أغزى جيوشا سوى من فيها منَ الرتب وأن يقطع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 الرتب أرضين ويعطيهم ما جلا عنه أهله منَ المنازل ويبني المساجد ويكبر ما كان ابتنى منها قبل خلافته، قَالَ الوضين: ثُمّ أن الناس بعد انتقلوا إِلَى السواحل من كل ناحية. حدثني العَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن جَعْفَر بْن كلاب الكلابي أن عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه ولى علقمة بْن علاثة بْن عوف بْن الأحوص ابن جَعْفَر بْن كلاب حوران وجعل ولايته من قبل معاوية فمات بها وله يقول الحطيئة العبسي وخرج إليه فكان موته قبل وصوله وبلغه أنه في الطريق يريده فأوصى له بمثل سهم من سهام ولده: فما كان بيني لو لقيتك سالما ... وبين الغنى إلا ليال قلائل وحدثني عدة من أهل العلم منهم جار لهِشَام بْن عمار، أنه كانت لأبي سُفْيَان بْن حرب أيام تجارته إِلَى الشام في الجاهلية ضيعة بالبقاء تدعى بقبش فصارت لمعاوية وولده ثُمَّ قبضت في أول الدولة وصارت لبعض ولد أمير الْمُؤْمِنِين المهدي رضي اللَّه عنه ثُمَّ صارت لقوم منَ الزياتين يعرفون ببني نعيم من أهل الكوفة. وَحَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: وَفَدَ تَمِيمُ بْنُ أَوْسٍ أَحَدُ بَنِي الدَّارِ بْنِ هَانِئِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ لَحْمٍ وَيُكَنَّى أَبَا رُقَيَّةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أَخُوهُ نُعَيْمُ بْنُ أَوْسٍ فَأَقْطَعَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبْرَى وَبَيْتَ عَيْنُونَ وَمَسْجِدَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَكَتَبَ بِذَلِكَ كِتَابًا، فَلَمَّا افْتُتِحَ الشَّامُ دُفِعَ ذَلِكَ إِلَيْهِمَا فَكَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ إِذَا مَرَّ بِهَذِهِ الْقِطْعَةِ لَمْ يَعْرُجْ، وَقَالَ: أَخَافَ أَنْ يُصِيبَنِي دَعْوَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحدثني هِشَام بْن عمار. أنه سمع المشايخ يذكرون أن عُمَر بْن الخطاب عند مقدمه الجابية من أرض دمشق مر بقوم مجذمين منَ النصارى فأمر أن يعطوا منَ الصدقات وأن يجرى عليهم القوت، وقال هشام: سمت الوليد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 ابن مُسْلِم يذكر أن خَالِد بْن الوليد شرط لأهل الدير الَّذِي يعرف بدير خَالِد شرطا في خراجهم بالتخفيف عنهم حين أعطوه سلما صعد عَلَيْهِ فأنفذه لهم أَبُو عُبَيْدة، ولما فرغ أَبُو عُبَيْدة من أمر مدينة دمشق سار إِلَى حمص فمر ببعلبك، فطلب أهلها الأمان والصلح فصالحهم عَلَى أن أمنهم عَلَى أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وكتب لهم. بسم اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم: هَذَا كتاب أمان لفلان بْن فلان، وأهل بعلبك رومها وفرسها وعربها، عَلَى أنفسهم وأموالهم وكنائسهم ودورهم، داخل المدينة وخارجها وعلى أرحائهم، وللروم أن يرعوا سرحهم ما بينهم وبين خمسة عشر ميلا، ولا ينزلوا قرية عامرة، فإذا مضى شهر ربيع وجمادى الأولى ساروا إِلَى حيث شاءوا، ومن أسلم منهم فله ما لنا وعليه ما علينا، ولتجارهم أن يسافروا إِلَى حيث أرادوا منَ البلاد التي صالحنا عليها، وعلى من أقام منهم الجزية والخراج شهد اللَّه وكفى بالله شهيدا. أمر حمص حدثني عَبَّاس بْن هِشَام عن أبيه عن أَبِي مخنف: أن أَبَا عُبَيْدة بْن الجراح لما فرغ من دمشق، قدم أمامه خَالِد بْن الوليد، وملحان بْن زياد الطائي، ثُمَّ اتبعهما فلما توافوا بحمص قاتلهم أهلها ثم لجأوا إِلَى المدينة وطلبوا الأمان والصلح فصالحوه عَلَى مائة ألف وسبعين دينار، قال الواقدي وغيره: بينا المسلمون عَلَى أبواب مدينة دمشق إذ أقبلت خيل للعدو كثيفة فخرجت إليهم جماعة منَ المسلمين فلقوهم بَيْنَ بيت لهيا والثنية فولوا منهزمين نحو حمص عَلَى طريق قارا واتبعوهم حَتَّى وافوا حمص فألقوهم قَدْ عدلوا عنها ورآهم الحمصيون وكانوا منخوبين لهرب هرقل عنهم وما كان يبلغهم من قوة كيد المسلمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وبأسهم وظفرهم فأعطوا بأيديهم وهتفوا بطلب الأمان فأمنهم المسلمون وكفوا أيديهم عنهم فأخرجوا إليهم العلف والطعام وأقاموا عَلَى الأرند «يريد الأرند» - وهو النهر الَّذِي يأتي انطاكية ثُمَّ يصب في البحر بساحلها- وكان عَلَى المسلمين السمط بْن الأسود الكندي، فلما فرغ أَبُو عُبَيْدة من أمر دمشق: استخلف عليها يزيد بْن أَبِي سُفْيَان ثُمَّ قدم حمص عَلَى طريق بلعبك فنزل بباب الرستن فصالحه أهل حمص عَلَى أن أمنهم عَلَى أنفسهم وأموالهم وسور مدينتهم وكنائسهم وأرحائهم واستثنى عليهم ربع كنيسة يوحنا للمسجد واشترط الخراج عَلَى من أقام منهم. وذكر بعض الرواة أن السمط بْن الأسود الكندي كان صالح أهل حمص، فلما قدم أَبُو عُبَيْدة أمضى صلحه وأن السمط قسم حمص خططا بَيْنَ المسلمين حَتَّى نزلوها وأسكنهم في كل مرفوض جلا أهله أو ساحة متروكة. وحدثني أَبُو حفص الدمشقي عن سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيزِ، قَالَ: لما افتتح أَبُو عُبَيْدة بْن الجراح دمشق استخلف يزيد بْن أبى سفيان على دمشق، وعمرو بن العاصي عَلَى فلسطين، وشرحبيل عَلَى الأردن، وأتى حمص فصالح أهلها على نحو صلح بلعبك، ثُمَّ خلف بحمص عبادة بْن الصامت الأنصاري، ومضى نحو حماة فتلقاه أهلها مذعنين فصالحهم على الجزية فى رؤسهم والخراج في أرضهم، فمضى نحو شيزر فخرجوا يكفرون ومعهم المقطسون ورضوا بمثل ما رضي به أهل حماة وبلغت خيله الزراعة والقسطل. ومر أَبُو عُبَيْدة بمعرة حمص- وهي الَّتِي تنسب إِلَى النعمان بْن بشير فخرجوا يقلسون بَيْنَ يديه ثُمَّ أتى فامية ففعل أهلها مثل ذلك وأذعنوا بالجزية والخراج واستتم أمر حمص فكانت حمص وقنسرين شيئا واحدا. وقد اختلفوا في تسمية الأجناد، فقال بعضهم: سمى المسلمون فلسطين جندا لأنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 جمع كورا، وكذلك دمشق، وكذلك الأردن، وكذلك حمص مع قنسرين. وقال بعضهم: سميت كل ناحية لها جند يقبضون أطماعهم بها جندا وذكروا أن الجزيرة كانت إِلَى قنسرين فجندها عَبْد الملك بْن مروان أي أفردها فصار جندها يأخذون أطماعهم بها من خراجها، وأن مُحَمَّد بْن مروان كان سأل عَبْد الملك تجنيدها ففعل، ولم تزل قنسرين وكورها مضمومة إِلَى حمص حَتَّى كان يزيد بْن معاوية فجعل قنسرين وأنطاكية ومنبج وزواتها جندا. فلما استخلف أمير الْمُؤْمِنِين الرشيد هارون بْن المهدي أفرد قنسرين بكورها فصير ذلك جندًا واحدًا، وأفرد منبج، ودلوك، ورعبان وقورس وأنطاكية وتيزين، وسماها العواصم لأن المسلمين يعتمون بها فتعصمهم وتمنعهم إذا انصرفوا من غزوهم وخرجوا منَ الثغر وجعل مدينة العواصم منبج فسكنها عَبْد الملك بْن صالح بْن علي في سنة ثلاث وسبعين ومائة وبنى بها أبنية. وحدثني أَبُو حفص الدمشقي، عن سَعِيد بن عبد العزيز: وحدثني موسى ابن إِبْرَاهِيم التنوخي عن أبيه عن مشايخ من أهل حمص، قَالَ: استخلف أَبُو عُبَيْدة عبادة بْن الصامت الأنصاري عَلَى حمص، فأتى اللاذقية. فقاتله أهلها فكان بها باب عظيم لا يفتحه إلا جماعة منَ الناس، فلما رأى صعوبة مرامها عسكر عَلَى بعد منَ المدينة ثُمَّ أمر أن تحفر حفائر كالأسراب يستتر الرجل وفرسه في الواحدة منها، فاجتهد المسلمون في حفرها حَتَّى فرغوا منها، ثُمَّ أنهم أظهروا القفول إِلَى حمص، فلما جن عليهم الليل عادوا إِلَى معسكرهم وحفائرهم وأهل اللاذقية غارون يرون أنهم قَدِ انصرفوا عنهم، فلما أصبحوا فتحوا بابهم وأخرجوا سرحهم فلم يرعهم إلا تصبيح المسلمين إياهم ودخولهم من باب المدينة ففتحت عنوة، ودخل عبادة الحصن ثُمَّ علا حائطه فكبر عَلَيْهِ، وهرب قوم من نصارى اللاذقية إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 اليسيد، ثُمَّ طلبوا الأمان عَلَى أن يتراجعوا إِلَى أرضهم فقوطعوا عَلَى خراج يؤدونه قلوا أو كثروا وتركت لهم كنيستهم، وبنى المسلمون باللاذقية مسجدا جامعا بأمر عبادة ثُمَّ أنه وسع بعد. وكانت الروم أغارت في البحر عَلَى ساحل اللاذقية فهدموا مدينتها وسبوا أهلها وذلك في خلافة عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ سنة مائة فأمر عُمَر ببنائها وتحصينها ووجه إِلَى الطاغية في فداء من أسر منَ المسلمين فلم يتم ذلك حَتَّى تُوُفِّيَ عُمَر في سنة أحد ومائة فأتم المدينة وشحنها يزيد بْن عَبْد الملك. وحدثني رجل من أهل اللاذقية قَالَ: لم يمت عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ حَتَّى حرز مدينة اللاذقية وفرغ منها، والذي أحدث يزيد بْن عَبْد الملك فيها مرمة وزيادة في الشحنة، وحدثني أَبُو حفص الدمشقي، قَالَ: حدثني سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وسعيد بْن سُلَيْمَان الحمصي، قالا: ورد عبادة والمسلمون السواحل ففتحوا مدينة تعرف ببلدة عَلَى فرسخين من جبلة عنوة، ثُمَّ إنها خربت وجلا عنها أهلها فأنشأ معاوية بْن أبى سفيان جبلة وكانت حصنا للروم جلوا عنه عند فتح المسلمين حمص وشحنها. وحدثني سُفْيَان بْن مُحَمَّد البهراني عن أشياخه قَالُوا: بنى معاوية لجبلة حصنا خارجا منَ الحصن الرومي القديم وكان سكان الحصن الرومي رهبانا وقوما يتعبدون فى دينهم. وحدثني سفيان ابن مُحَمَّد، قَالَ حدثني أَبِي وأشياخنا، قَالُوا: فتح عبادة المسلمون معه أنطرطوس: وكان حصنا ثُمَّ جلا عنه أهله فبنى معاوية أنطرطوس ومصرها وأقطع بها القطائع، وكذلك فعل بمرقية وبلنياس. وحدثني أَبُو حفص الدمشقي، عن أشياخه قَالُوا: افتتح أَبُو عُبَيْدة اللاذقية وجبلة وأنطرطوس عَلَى يدي عبادة بْن الصامت، وكان يوكل بها حفظة إِلَى انغلاق البحر، فلما كانت شحنة معاوية السواحل وتحصينه إياها شحنها وحصنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 وأمضى أمرها عَلَى ما أمضى عَلَيْهِ أمر السواحل. وحدثني شيخ من أهل حمص قَالَ: بقرب سلمية مدينة تدعى المؤتفكة وانقلبت بأهلها فلم يسلم منهم إلا مائة نفس فبنوا مائة منزل وسكنوها فسميت حوزتهم الَّتِي بنوا فيها سلم مائة، ثُمَّ حرف الناس اسمها فقالوا سليمة، ثُمَّ أن صالح بْن علي بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس اتخذها وبنى وولده فيها ومصروها ونزلها قوم من ولده. وقال ابْن سهم الأنطاكي: سلمية اسم رومي قديم. وحدثني مُحَمَّد بْن مصفى الحمصي، قَالَ: هدم مروان بْن مُحَمَّد سور حمص، وذلك أنهم كانوا خالفوا عَلَيْهِ فلما مر بأهلها هاربا من أهل خراسان اقتطعوا بعض ثقله وماله وخزائن سلاحه. وكانت مدينة حمص مفروشة بالصخر، فلما كانت أيام أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي إِسْحَاق المعتصم بالله شغبوا عَلَى عاملهم الْفَضْل بن قارن الطبري أخى مايزديار بْن قارن فأمر بقلع ذلك الفرش فقلع ثُمَّ أنهم أظهروا المعصية وأعادوا ذلك الفرش وحاربوا الْفَضْل بْن قارن حَتَّى قدروا عَلَيْهِ ونهبوا ماله ونساءه وأخذوه فقتلوه وصلبوه فوجه أَحْمَد بْن مُحَمَّد إليهم موسى بْن بغا الكبير مولى أمير الْمُؤْمِنِين المعتصم بالله فحاربوه وفيهم خلق من نصارى المدينة ويهودها فقتل منهم مقتلة عظيمة وهزم باقيهم حَتَّى ألحقهم بالمدينة ودخلها عنوة وذلك في سنة خمسين ومائتين وبحمص هرى يرده قمح وزيت منَ السواحل وغيرها مما قوطع أهله عَلَيْهِ، وأسجلت لهم السجلات بمقاطعتهم. يوم اليرموك قَالُوا: جمع هرقل جموعا كثيرة منَ الروم وأهل الشام وأهل الجزيرة وأرمينية تكون زهاء مائتي ألف وولى عليهم رجلا من خاصته، وبعث عَلَى مقدمته جبلة بْن الأيهم الغساني في مستعربة الشام من لخم وجذام وغيرهم، وعزم عَلَى محاربة المسلمين فإن ظهروا وإلا دخل بلاد الروم، فأقام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 بالقسطنطينية واجتمع المسلمون فرجعوا إليهم فاقتتلوا عَلَى اليرموك أشد قتالا وأبرحه واليرموك نهر- وكان المسلمون يومئذ أربعة وعشرين ألفا وتسلسلت الروم وأتباعهم يومئذ لئلا يطعموا أنفسهم في الهرب، فقتل اللَّه منهم زهاء سبعين ألفا وهرب فلهم فلحقوا بفلسطين وأنطاكية وحلب والجزيرة وأرمينية. وقاتل يوم اليرموك نساء من نساء المسلمين قتالا شديدا، وجعلت هند بنت عتبة أم معاوية بْن أَبِي سُفْيَان تقول: عضدوا الغلفان بسيوفكم. وكان زوجها أَبُو سُفْيَان خرج إِلَى الشام تطوعا وأحب مع ذلك أن يرى ولده وحملها معه، ثُمَّ أنه قدم المدينة فمات بها سنة إحدى وثلاثين وهو ابْن ثمان وثمانين سنة، ويقال: إنه مات بالشام فلما أتى أم حبيبة بنته نعيه دعت في اليوم الثالث بصفرة فمسحت بها ذراعيها وعارضتها، وقالت: لقد كنت عن هَذَا غنية لولا أني سمعت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول «لاتحد امْرَأَةٌ عَلَى مَيْتٍ سِوَى زَوْجِهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثٍ» ويقال: إنها فعلت هَذَا الفعل حين أتاها نعي أخيها يزيد والله أعلم. وكان أَبُو سُفْيَان بْن حرب أحد العوران ذهبت عينه يوم الطائف، قَالُوا: وذهبت يوم اليرموك عين الأشعث بْن قيس، وعين هاشم بْن عتبة ابن أبى وقاص الزهري، وهو المرقال: وعين قيس بْن مكشوح. واستشهد عَامِر بْن أَبِي وقاص الزهري، وهو الذي كان قدم الشام بكتاب عُمَر بْن الخطاب إِلَى أَبِي عُبَيْدة بولايته الشام، ويقال: بل مات في الطاعون، وقال بعض الرواة استشهد يوم أجنادين وليس ذلك بثبت. قَالَ: وعقد أَبُو عُبَيْدة لحبيب بْن مسلمة الفهري عَلَى خيل الطلب فجعل يقتل من أدرك، وانحاز جبلة بْن الأيهم إِلَى الأنصار فقال: أنتم أخوتنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وبنو أبينا وأظهر الإِسْلام، فلما قدم عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه الشام سنة سبع عشرة لاحى جلة رجلا من مزينة فلطم عينه فأمره عُمَر بالاقتصاص منه، فقال: أو عينه مثل عيني والله لا أقيم ببلد عَلَى به سلطان، فدخل بلاد الروم مرتدا، وكان جبلة ملك غسان بعد الحارث بْن أَبِي شمر، وروى أيضا أن جبلة أتى عُمَر بْن الخطاب وهو عَلَى نصرانيته فعرض عُمَر عَلَيْهِ الإِسْلام وأداء الصدقة فأبى ذلك وقال: أقيم عَلَى ديني وأؤدي الصدقة. فقال عُمَر: إن أقمت عَلَى دينك فأد الجزية فانف منها، فقال عُمَر: ما عندنا لك إلا واحدة من ثلاث، أما الإِسْلام، وأما أداء الجزية، وأما الذهاب إِلَى حيث شئت: فدخل بلاد الروم في ثلاثين ألفا، فلما بلغ ذلك عُمَر ندم وعاتبه عبادة بْن الصامت فقال لو قبلت منه الصدقة ثُمَّ تألفته لأسلم، وأن عُمَر رضي اللَّه عنه وجه في سنة إحدى وعشرين عمير بْن سَعْد الأنصاري إِلَى بلاد الروم في جيش عظيم وولاه الصائفة- وهي أول صائفة كانت- وأمره أن يتلطف لجبلة بْن الأيهم ويستعطفه بالقرابة بينهما ويدعوه إِلَى الرجوع إِلَى بلاد الإِسْلام عَلَى أن يؤدي ما كان بذل منَ الصدقة ويقيم عَلَى دينه، فسار عمير حَتَّى دخل بلاد الروم وعرض عَلَى جبلة ما أمره عُمَر بعرضه عَلَيْهِ فأبى إلا المقام في بلاد الروم، وانتهى عمير إِلَى موضع يعرف بالحمار، وهو واد فأوقع بأهله، وأخربه فقيل أخرب من جوف حمار. قَالُوا: ولما بلغ هرقل خبر أهل اليرموك وإيقاع المسلمين بجنده هرب منَ انطاكية إِلَى قسطنطينية، فلما جاوز الدرب قَالَ: عليك يا سورية السلام ونعم البلد هَذَا للعدو يعني أرض الشام لكثرة مراعيها. وكانت وقعة اليرموك في رجب سنة خمس عشرة. قَالَ هِشَام بْن الكلبي: شهد اليرموك حباس بْن قيس القشيري فقتل منَ العلوج خلقا وقطعت رجله وهو لا يشعر، ثُمَّ جعل ينشدها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 فقال سوار بْن أوفى: ومنا ابْن عتاب وناشد رجله ... ومنا الَّذِي أدى إِلَى الحي حاجبا يعني ذا الرقيبة. وحدثني أَبُو حفص الدمشقي قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيزِ، قَالَ: بلغني أنه لما جمع هرقل للمسلمين الجموع وبلغ المسلمين إقبالهم إليهم لوقعة اليرموك ردوا عَلَى أهل حمص ما كانوا أخذوا منهم منَ الخراج وقالوا: قَدْ شغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم فأنتم عَلَى أمركم، فقال أهل حمص: لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه منَ الظلم والغشم ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عملكم ونهض اليهود فقالوا. والتوراة لا يدخل عامل هرقل مدينة حمص إلا أن نغلب ونجهد، فأغلقوا الأبواب وحرسوها وكذلك فعل أهل المدن الَّتِي صولحت منَ النصارى واليهود، وقالوا: إن ظهر الروم وأتباعهم عَلَى المسلمين صرنا إِلَى ما كنا عَلَيْهِ وإلا فإنا عَلَى أمرنا ما بقي للمسلمين عدد، فلما هزم اللَّه الكفرة وأظهر المسلمين فتحوا مدنهم وأخرجوا المقلسين فلعبوا وأدوا الخراج، وسار أَبُو عُبَيْدة إِلَى جند قنسرين وأنطاكية ففتحها. وحدثني العَبَّاس بْن هشام الكلبي عن أبيه عن جده، قال. أبلى السمط ابن الأسود الكندي بالشام وبحمص خاصة وفي يوم اليرموك وهو الَّذِي قسم منازل حمص بَيْنَ أهلها، وكان ابنه شرحبيل بْن السمط بالكوفة مقاوما للأشعث بْن قيس الكندي في الرياسة فوفد السمط إِلَى عُمَر، فقال له: يا أمير الْمُؤْمِنِين إنك لا تفرق بَيْنَ السبي، وقد فرقت بيني وبين ولدي فحوله إِلَى الشام أو حولني إِلَى الكوفة فقال: بل أحوله إِلَى الشام فنزل حمص مع أبيه . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 أمر فلسطين حدثني أَبُو حفص الدمشقي، عن سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيزِ عن أشياخه، وعن بقية بْن الوليد عن مشايخ من أهل العلم، قَالُوا: كانت أول وقعة واقعها المسلمون الروم في خلافة أَبِي بكر الصديق رضي اللَّه عنه أرض فلسطين، وعلى الناس عَمْرو بن العاصي، ثم أن عمروا بن العاصي فتح غزة في خلافة أَبِي بكر رضي اللَّه عنه، ثُمَّ فتح بعد ذلك سبسطية ونابلس عَلَى أن أعطاهم الأمان عَلَى أنفسهم وأموالهم ومنازلهم وعلى أن الجزية عَلَى رقابهم والخراج عَلَى أرضهم، ثُمَّ فتح مدينة لد وارضها ثم فتح يبنى وعمواس ويبت جبرين واتخذ بها ضيعة تدعى عجلان باسم مولى له، وفتح يافا ويقال. فتحها معاوية، وفتح عَمْرو رفح عَلَى مثل ذلك. وقدم عَلَيْهِ أَبُو عُبَيْدة بعد أن فتح قنسرين ونواحيها وذلك في سنة ست عشرة وهو محاصر إيلياء، وإيلياء مدينة بيت المقدس، فيقال: إنه وجهه إِلَى انطاكية من إيلياء وقد غدر أهلها ففتحها، ثُمَّ عاد فأقام يومين أو ثلاثة ثُمَّ طلب أهل إيلياء من أَبِي عُبَيْدة الأمان والصلح عَلَى مثل ما صولح عَلَيْهِ أهل مدن الشام من أداء الجزية والخراج والدخول فيما دخل فيه نظراؤهم عَلَى أن يكون المتولى للعقد لهم عُمَر بْن الخطاب نفسه، فكتب أَبُو عُبَيْدة إِلَى عُمَر بذلك فقدم عُمَر فنزل الجابية من دمشق ثُمَّ صار إِلَى إيلياء فأنفذ صلح أهلها وكتب لهم به، وكان فتح إيلياء في سنة سبع عشرة. وقد روى في فتح إيليا وجه آخر. حدثني الْقَاسِم بْن سلام، قَالَ: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب أن عُمَر بْن الخطاب بعث خَالِد بْن ثابت الفهمي إِلَى بيت المقدس في جيش وهو يومئذ بالجابية فقاتلهم فأعطوه عَلَى ما أحاط به حصنهم شيئا يؤدونه ويكون للمسلمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 ما كان خارجا فقدم عُمَر فأجاز ذلك ثُمَّ رجع إِلَى المدينة. وحدثني هِشَام بْن عمار، عَنِ الوليد عَنِ الأوزاعي: أن أَبَا عُبَيْدة فتح قنسرين وكورها سنة ست عشرة ثم أتى فلسطين فنزل إيليا فسألوه أن يصالحهم فصالحهم في سنة سبع عشرة عَلَى أن يقدم عُمَر رحمه اللَّه فينفذ ذلك ويكتب لهم به. حدثني هِشَام بْن عمار، قَالَ: حدثني الوليد بْن مُسْلِم عن تميم بْن عطية عن عَبْد اللَّهِ بْن قيس، قَالَ: كنت فيمن يلقى عُمَر مع أَبِي عُبَيْدة مقدمة الشام فبينما عُمَر يسير إذ لقيه المقلسون من أهل أذرعات بالسيوف والريحان، فقال عُمَر: مه امنعوهم فقال أَبُو عُبَيْد: يا أمير الْمُؤْمِنِين هَذِهِ سنتهم- أو كلمة نحوها- وإنك إن منعتهم منها يروا أن في نفسك نقضا لعهدهم فقال دعوهم. قال: فكان طاعون عمواس سنة ثمان عشرة فتوفي فيه خلق منَ المسلمين منهم أَبُو عُبَيْدة بْن الجراح مات وله ثمان وخمسين سنة، وهو أمير ومعاذ ابن جبل أحد بني سلمة منَ الخزرج، ويكنى أَبَا عَبْد الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ بناحية الأقحوانة منَ الأردن وله ثمان وثلاثين سنة، وكان أَبُو عُبَيْدة لما احتضر استخلفه، ويقال استخلف عياض بْن غنم الفهري، ويقال: بل استخلف عَمْرو بن العاصي فاستخلف عَمْرو ابنه ومضى إِلَى مصر والْفَضْل بن العباس ابن عَبْد المطلب ويكنى أَبَا مُحَمَّد، وقوم يقولون أنه أستشهد بأجنادين والثبت أنه تُوُفِّيَ في طاعون عمواس، وشرحبيل بْن حسنة ويكنى أَبَا عَبْد اللَّهِ مات وهو ابْن تسع وستين سنة، وسهيل بْن عَمْرو أحد بني عَامِر بْن لؤي ويكنى أَبَا يزيد، والحارث بْن هِشَام بْن المغيرة المخزومي، وقيل: أنه استشهد يوم أجنادين. قَالُوا: ولما أتت عُمَر بْن الخطاب وفاة أَبِي عُبَيْدة كتب إِلَى يزيد بْن أَبِي سُفْيَان بولاية الشام مكانه وأمره أن يغزو قيسارية. وقال قوم: إن عُمَر إنما ولى يزيد الأردن وفلسطين، وأنه ولى دمشق أبا الدرداء، وولى حمص عبادة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 ابن الصامت وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد، قَالَ: حدثني الواقدي، قَالَ: اختلف علينا في أمر قيسارية [1] فقال قائلون: فتحها معاوية، وقال آخرون: بل فتحها عياض بْن غنم بعد وفاة أَبِي عُبَيْدة وهو خليفته، وقال قائلون: بل فتحها عَمْرو بن العاصي. وقال قائلون: خرج عمرو بن العاصي إِلَى مصر وخلف ابنه عَبْد اللَّهِ فكان الثبت من ذلك، والذي اجتمع عَلَيْهِ العلماء: أن أول الناس الَّذِي حاصرها عَمْرو بْن العاصي نزل عليها في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة فكان يقيم عليها ما أقام، فإذا كان للمسلمين اجتماع في أمر عدوهم سار إليهم فشهد أجنادين وفحل والمرج ودمشق واليرموك ثُمَّ رجع إِلَى فلسطين فحاصرها بعد إيلياء ثم خرج إلى مصر من قيسارية، وولى يزيد ابن أَبِي سُفْيَان بعد أَبِي عُبَيْدة فوكل أخاه معاوية بمحاصرتها وتوجه إِلَى دمشق مطعونا فمات بها. وقال غير الواقدي: ولى عُمَر يزيد بْن أَبِي سُفْيَان فلسطين مع ما ولاه من أجناد الشام وكتب إليه يأمره بغزو قيسارية، وقد كانت حوصرت قبل ذلك فنهض إليها في سبعة عشر ألفا فقاتله أهلها ثُمَّ حصرهم ومرض في آخر سنة ثماني عشرة فمضى إِلَى دمشق واستخلف عَلَى قيسارية أخاه معاوية ابن سُفْيَان ففتحها وكتب إليه بفتحها فكتب به يزيد إِلَى عُمَر. ولما توفي يزيد بْن أَبِي سُفْيَان كتب عُمَر إِلَى معاوية بتوليته ما كان يتولاه فشكر أَبُو سُفْيَان ذلك له وقال: وصلتك يا أمير الْمُؤْمِنِين رحم. وحدثني هِشَام بْن عمار، قَالَ: حدثني الوليد بْن مُسْلِم عن تميم بْن عطية قَالَ: ولى عُمَر معاوية بْن أَبِي سُفْيَان الشام بعد يزيد، وولى معه رجلين من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة والقضاء: فولى أَبَا الدرداء قضاء دمشق والأردن وصلاتهما. وولى عبادة قضاء حمص وقنسرين وصلاتهما   [1] تقع مدينة قيسارية بين عكا ويافا على ساحل البحر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي في إسناده قَالَ: لما ولى عُمَر بْن الخطاب معاوية الشام حاصر قيسارية حَتَّى فتحها، وقد كانت حوصرت نحوا من سبع سنين وكان فتحها في شوال سنة تسع عشرة. وحدثني محمد بن سعد عن محمد ابن عُمَر عن عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر في إسناده قَالَ: حاصر معاوية قيسارية حَتَّى يئس من فتحها، وكان عمرو بن العاصي وابنه حاصراها ففتحها معاوية قسرا فوجد بها من المرتزفة سبعمائة ألف، ومن السامرة ثلاثين ألفا، ومن اليهود مائتي ألف، ووجد بها ثلاثمائة سوق قائمة كلها، وكان يحرسها في كل ليلة عَلَى سورها مائة ألف. وكان سبب فتحها إن يهوديًا يقال له يوسف أتى المسلمين ليلا فدلهم عَلَى طريق في سرب فيه الماء إِلَى حقو الرجل عَلَى أن أمنوه وأهله وأنفذ معاوية ذلك ودخلها المسلمون في الليل وكبروا فيها فأراد الروم أن يهربوا منَ السرب فوجدوا المسلمين عَلَيْهِ، وفتح المسلمون الباب فدخل معاوية ومن معه وكان بها خلق منَ العرب، وكانت فيهم شقراء الَّتِي يقول فيها حسان بْن ثابت: تقول شقراء لو صحوت عَنِ الخمر لأصبحت مثرى العدد ويقال: أن اسمها شعثاء. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي في إسناده أن سبي قيسارية بلغوا أربعة آلاف رأس، فلما بعث به معاوية إِلَى عُمَر بْن الخطاب أمر بهم فأنزلوا الجرف ثُمَّ قسمهم عَلَى يتامى الأنصار وجعل بعضهم في الكتاب والأعمال للمسلمين، وكان أَبُو بكر الصديق رضي اللَّه عنه أخدم بنات أَبِي أمامة أسعد بْن زرارة خادمين من سبي عين التمر فماتا فأعطاهن عُمَر مكانهما من سبي قيسارية. قَالُوا: ووجه معاوية بالفتح مع رجلين من جذام ثُمَّ خاف ضعفهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 عن المسير فوجه رجلا من خثعم، فكان الخثعمي يجهد نفسه في السير والسرى وهو يقول: أرق عيني أخو جذام ... أخي جشم وأخو حرام كيف أنام وهما أمامي ... إذ يرحلان والهجير طام فسبقهما ودخل عَلَى عُمَر فكبر عُمَر. وحدثني هِشَام بْن عمار في إسناد له لم أحفظه أن قيسارية فتحت قسرا في سنة تسع عشرة فلما بلغ عُمَر فتحها نادى أن قيسارية فتحت قسرا وكبر وكبر المسلمون، وكانت حوصرت سبع سنين وفتحها معاوية. قالوا: وكان موت يزيد بْن أَبِي سُفْيَان في آخر سنة ثمان عشرة بدمشق فمن قَالَ: أن معاوية فتح قيسارية في حياة أخيه قَالَ: إنما فتحت في آخر سنة ثمان عشرة ومن قَالَ: أنه فتحها في ولايته الشام قَالَ. فتحت في سنة تسع عشرة وذلك الثبت. وقال بعض الرواة أنها فتحت في أول سنة عشرين. قَالُوا. وكتب عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه إِلَى معاوية يأمره بتتبع ما بقي من فلسطين ففتح عسقلان صلحا بعد كيد. ويقال. إن عمر بن العاصي كان فتحها ثُمَّ نقض أهلها وأمدهم الروم ففتحها معاوية وأسكنها الروابط وكل بها الحفظة. وحدثني بكر بْن الهيثم قَالَ: سمعت مُحَمَّد بْن يوسف الفريابي يحدث عن مشايخ من أهل عسقلان أن الروم أخربت عسقلان وأجلت أهلها عنها فى أيام من الزبير، فلما ولى عَبْد الملك بْن مروان بناها وحصنها ورم أيضا قيسارية. وحدثني مُحَمَّد بْن مصفى، قَالَ حدثني أَبُو سُلَيْمَان الرملي عن أبيه أن الروم خرجت في أيام ابْن الزبير إِلَى قيسارية فشعثتها وهدمت مسجدها، فلما استقام لعبد الملك بْن مروان الأمر رم قيسارية وأعاد مسجدها وأشحنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 بالرجال وبنى صور وعكا الخارجة، وكانت سبيلهما مثل سبيل قيسارية. وحدثني جماعة من أهل العلم بأمر الشام، قَالُوا: ولى الوليد بْن عَبْد الملك سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك جند فلسطين فنزل لد، ثُمَّ أحدث مدينة الرملة ومصرها وكان أول ما بنى منها قصره والدار الَّتِي تعرف بدار الصباغين، وجعل في الدار صهريجا متوسطا لهائم اختط للمسجد خطة وبناه، فولى الخلافة قبل استتمامه ثُمَّ بنى فيه بعد في خلافته، ثُمَّ أتمه عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ ونقص منَ الخطة، وقال: أهل الرملة يكتفون بهذا المقدار الَّذِي اقتصرت بهم عَلَيْهِ. ولما بنى سُلَيْمَان لنفسه أذن للناس في البناء فبنوا، واحتفر لأهل الرملة قناتهم الَّتِي تدعى بردة واحتفر آبارا وولى النفقة عَلَى بنائها بالرملة ومسجد الجماعة كاتبا له نصرانيا من أهل لد يقال له البطريق بْن النكا، ولم تكن مدينة الرملة قبل سُلَيْمَان، وكان موضعها رملة. قَالُوا: وقد صارت دار الصباغين لورثة صالح بن علي بن عبد الله بن العَبَّاس لأنها قبضت مع أموال بني أمية قَالُوا: وكان بنو أمية ينفقون عَلَى آبار الرملة وقناتها بعد سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك فلما استخلف بنو العَبَّاس أنفقوا عليها، وكان الأمر في تلك النفقة يخرج في كل سنة من خليفة بعد خليفة، فلما استخلف أمير الْمُؤْمِنِين أَبُو إِسْحَاق المعتصم بالله أسجل بتلك النفقة سجلا فانقطع الاستثمار وصارت جارية يحتسب بها العمال فيحسب لهم قَالُوا: وبفلسطين فروز بسجلات منَ الخلفاء مفردة من خراج العامة، وبها التخفيف والردود، وذاك إن ضباعا رفضت في خلافة الرشيد وتركها أهلها فوجه أمير الْمُؤْمِنِين الرشيد هرثمة بْن أعين لعمارتها، فدعا قوما من مزارعيها وأكرتها إِلَى الرجوع إليها عَلَى أن يخفف عنهم من خراجهم ولين معاملتهم فرجعوا، فأولئك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 أصحاب التخافيف، وجاء قوم منهم بعد فردت عليهم أرضهم عَلَى مثل ما كانوا عَلَيْهِ فهم أصحاب الردود. وحدثني بكر بْن الهيثم، قَالَ: لقيت رجلا منَ العرب بعسقلان فأخبرني أن جده ممن أسكنه إياها عَبْد الملك وأقطعه بها قطيعة مع من أقطع منَ المرابطة قَالَ، وأراني أرضًا فقال: هَذِهِ من قطائع عُثْمَان بْن عَفَّان. قَالَ بكر: وسمعت مُحَمَّد بْن يوسف الفريابي يقول بعسقلان ههنا قطائع أقطعت بأمر عُمَر وعُثْمَان لو دخل فيها رجل لم أجد بذلك بأسا. أمر جند قنسرين والمدن الَّتِي تدعى العواصم قَالُوا: سار أَبُو عُبَيْدة بْن الجراح بعد فراغه من أرض اليرموك إِلَى حمص فاستقراها، ثُمَّ أتى قنسرين وعلى مقدمته خَالِد بْن الوليد فقاتله أهل مدينة قنسرين، ثُمَّ لجأوا إِلَى حصنهم وطلبوا الصلح فصالحهم أَبُو عُبَيْدة عَلَى مثل صلح حمص وغلب المسلمون عَلَى أرضها وقراها، وكان حاضر قنسرين لتنوخ مذ أول ما تنخوا بالشام نزلوه وهم في خيم الشعر، ثُمَّ ابتنوا به المنازل: فدعاهم أَبُو عُبَيْدة إِلَى الإِسْلام فأسلم بعضهم وأقام عَلَى النصرانية بنو سليح بْن حلوان ابن عِمْرَان ابن الحاف بْن قضاعة، فحدثني بعض ولد يزيد بْن حنين الطائي الأنطاكي عن أشياخهم: أن جماعة من أهل ذلك الحاضر أسلموا في خلافة أمير الْمُؤْمِنِين المهدي فكتب عَلَى أيديهم بالحضرة قنسرين، ثُمَّ سار أَبُو عُبَيْدة يريد حلب فبلغه أن أهل قنسرين قَدْ نقضوا وغدروا فوجه إليهم السمط بْن الأسود الكندي فحصرهم ثُمَّ فتحها. حدثني هِشَام بْن عمار الدمشقي، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن حَمْزَة عن أَبِي عَبْد الْعَزِيزِ عن عبادة بْن نسى عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن غنم، قَالَ: رابطنا مدينة قنسرين مع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 السمط- أو قَالَ شرحبيل بْن السمط- فلما فتحها أصاب فيها بقرا وغنما، فقسم فينا طائفة وجعل بقيتها في المغنم، وكان حاضر طيء قديما نزلوه بعد حرب الفساد الَّتِي كانت بينهم حين نزلوا الجبلين من نزل منهم وتفرق باقوهم في البلاد، فلما ورد أَبُو عُبَيْدة عليهم أسلم بعضهم وصالح كثير منهم عَلَى الجزية ثُمَّ أسلموا بعد ذلك بيسير إلا من شذ عن جماعتهم، وكان بقرب مدينة حلب حاضر تدعى حاضر حلب يجمع أصنافا منَ العرب من تنوخ وغيرهم فصالحهم أَبُو عُبَيْدة عَلَى الجزية، ثُمَّ أنهم أسلموا بعد ذلك فكانوا مقيمين وأعقابهم به إِلَى بعيد وفاة أمير الْمُؤْمِنِين الرشيد، ثُمَّ إن أهل ذلك الحاضر حاربوا أهل مدينة حلب وأرادوا إخراجهم عنها، فكتب الهاشميون من أهلها إِلَى جميع من حولهم من قبائل العرب يستنجدونهم فكان أسبقهم إِلَى إنجادهم وإغاثتهم العَبَّاس ابن زفر بن عاصم الهلالي بالخؤولة، لأن أم عبد الله ابن العَبَّاس لبابة بنت الحارث بْن حزن بْن بحير بْن الهزم هلالية، فلم يكن لأهل ذلك الحاضر به وبمعن معه طافة فأجلوهم عن حاضرهم وأخربوه، وذلك في أيام فتنة مُحَمَّد بْن الرشيد، فانتقلوا إِلَى قنسرين فتلقاهم أهلها بالأطعمة والكسى فلما دخلوها أرادوا التغلب عليها فأخرجوهم عنها فتفرقوا في البلاد، فمنهم قوم بتكريت قَدْ رأيتهم ومنهم قوم بأرمينية وفي بلدان كثيرة متباينة. وأخبرني أمير الْمُؤْمِنِين المتوكل رحمه اللَّه قَالَ: سمعت شيخا من مشايخ بني صالح بْن علي بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس يحدث أمير الْمُؤْمِنِين المعتصم بالله رحمه اللَّه سنة غزا عمورية، قَالَ لما ورد العَبَّاس بن زفر الهلالي حلب لاغاثة الهاشمين ناداه نسوة منهم: يا خال نحن بالله ثم بك، فقال: لا خوف عليكم إن شاء اللَّه خذلني اللَّه إن خذلتكم، قَالَ: وكان حيار بني القعقاع بلدا معروفا قبل الإِسْلام، وبه كان مقيل المنذر بْن ماء السماء اللخمي ملك الحيرة فنزله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 بنو القعقاع بْن خليد بْن جزء بْن الحارث بْن زهير بْن جذيمة بْن رواحة بْن ربيعة بْن مازن بْن الحارث بْن قطيعة بن عبس بن بغيض أوطنوه لنسب إليهم. وكان عَبْد الملك بْن مروان أقطع القعقاع به قطيعة وأقطع عمه العباس ابن جزء بْن الحارث قطائع أوغرها له إِلَى اليمن فأوغرت بعده، وكانت أو أكثرها موانا، وكانت ولادة بنت العَبَّاس بْن جزء عند عَبْد الملك فولدت له الوليد وسُلَيْمَان. قَالُوا ورحل أَبُو عُبَيْدة إِلَى حلب وعلى مقدمته عياض ابن غنم الفهري، وكان أبوه يسمى عَبْد غنم، فلما أسلم عياض كره أن يقال عَبْد غنم فقال: أنا عياض بْن غنم فوجد أهلها قَدْ تحصنوا فنزل عليها فلم يلبثوا أن طلبوا الصلح والأمان عَلَى أنفسهم وأموالهم وسور مدينتهم وكنائسهم ومنازلهم والحصن الَّذِي بها فأعطوا ذلك فاستثنى عليهم موضع المسجد، وكان الَّذِي صالحهم عَلَيْهِ عياض فأنفذ أَبُو عُبَيْدة صلحه، وزعم بعض الرواة أنهم صالحوا على حقن دمائهم وأن يقاسموا أنصاف منازلهم وكنائسهم، وقال بعضهم: أن أَبَا عُبَيْدة لم يصادف بحلب أحدا وذلك أن أهلها انتقلوا إِلَى انطاكية وأنهم إنما صالحوه عن مدينتهم وهم بانطاكية راسلوه في ذلك فلما تم صلحهم رجعوا إِلَى حلب، قَالُوا: وسار أَبُو عُبَيْدة من حلب إِلَى انطاكية وقد تحصن بها خلق من أهل جند قنسرين فلما صار بمهروية وهي عَلَى قريب فرسخين من مدينة انطاكية لقيه جمع للعدو ففضهم وألجأهم إِلَى المدينة وحاصر أهلها من جميع أبوابها، وكان معظم الجيش عَلَى باب فارس والباب الَّذِي يدعى باب البحر، ثُمَّ أنهم صالحوه عَلَى الجزية والجلاء فجلا بعضهم وأقام بعضهم فأمنهم ووضع عَلَى كل حالم منهم دينارا وجريبا ثُمَّ نقضوا العهد فوجه إليهم أَبُو عُبَيْدة عياض بْن غنم وحبيب بْن مسلمة ففتحاها عَلَى الصلح الأول، ويقال: بل نقضوا بعد رجوعه إِلَى فلسطين فوجه عمرو بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 العاصي من إيليا ففتحها ثُمَّ رجع فمكث يسيرا حَتَّى طلب أهل إيليا الأمان والصلح والله أعلم. وحدثني مُحَمَّد بْن سهم الأنطاكي، عن أَبِي صالح الفراء قَالَ، قَالَ مخلد بْن الْحُسَيْن سمعت مشايخ الثغر يقولون: كانت انطاكية عظيمة الذكر والأمر عند عُمَر وعُثْمَان فلما فتحت: كتب عُمَر إِلَى أَبِي عُبَيْدة أن رتب بانطاكية جماعة منَ المسلمين أهل نيات وحسبة وأجعلهم بها مرابطة ولا تحبس عنهم العطاء، ثُمَّ لما ولي معاوية كتب إليه بمثل ذلك ثُمَّ أن عُثْمَان كتب إليه يأمره أن يلزمها قوما وأن يقطع قطائع ففعل، قال ابْن سهم: وكنت واقفا عَلَى جسر انطاكية عَلَى الأرنط فسمعت شيخا مسنا من أهل انطاكية وأنا يومئذ غلام يقول: هَذِهِ الأرض قطيعة من عُثْمَان لقوم كانوا في بعث أَبِي عُبَيْدة أقطعهم إياها أيام ولاية عُثْمَان معاوية الشام، قَالُوا: ونقل معاوية ابْن أَبِي سُفْيَان إِلَى انطاكية في سنة اثنتين وأربعين جماعة منَ الفرس وأهل بعلبك وحمص ومن المصرين فكان منهم مُسْلِم بْن عَبْد اللَّهِ جد عَبْد اللَّهِ بْن حبيب بْن النعمان بْن مُسْلِم الأنطاكي وكان مُسْلِم قتل عَلَى باب من أبواب أنطاكية يعرف اليوم بباب مُسْلِم، وذلك أن الروم خرجت منَ الساحل فأناخت عَلَى انطاكية فكان مُسْلِم عَلَى السور فرماه علج بحجر فقتله. وحدثني جماعة من مشايخ أهل انطاكية منهم ابْن برد الفقيه. أن الوليد ابن عَبْد الملك أقطع جندا بانطاكية أرض سلوقية عند الساحل وصير الفلثر وهو الجريب- بدينار ومدى قمح فعمروها، وجرى ذلك لهم وبنى حصن سلوقية، قالوا: وكانت أرض بغرلمس لمسلمة بْن عَبْد الملك فوقفها في سبيل البر، وكانت عين السلور وبحيرتها له أيضا، وكانت الإسكندرية له ثُمَّ صارت لرجاء مولى المهدي إقطاعا يورثه مَنْصُور وإِبْرَاهِيم ابنا المهدي، ثم صارت لإبراهيم ابن سَعِيد الجوهري، ثُمَّ لأحمد بْن أَبِي داود الأيادى ابتياعا، ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 انتقل مليكها إِلَى أمير الْمُؤْمِنِين المتوكل عَلَى اللَّه رحمه اللَّه فحدثني ابْن برد الأنطاكي وغيره قَالُوا: أقطع مسلمة بْن عَبْد الملك قوما من ربيعة قطائع فقبضت وصارت بعد للمأمون وجرى أمرها عَلَى يد صالح الخازن صاحب الدار بأنطاكية، قَالُوا: وبلغ أَبَا عُبَيْدة أن جمعا للروم بَيْنَ معرة مصرين وحلب فلقيهم وقتل عدة بطارقة وفض ذلك الجيش وسبى وغنم وفتح معرة مصرين عَلَى مثل صلح حلب وجالت خيوله فبلغت بوقا وفتحت قرى الجومة وسرمين ومرتحوان وتيزين وصالحوا أهل دير طايا ودير الفسيلة عَلَى أن يضيفوا من مر بهم منَ المسلمين، وأتاه نصارى خناصرة فصالحهم وفتح أَبُو عُبَيْدة جميع أرض قنسرين وأنطاكية. حدثني العَبَّاس بْن هِشَام عن أبيه، قَالَ: خناصرة نسبت إِلَى خناصر بْن عَمْرو بْن الحارث الكلبي: ثُمَّ الكناني، وكان صاحبها وبطنان حبيب نسب إِلَى حبيب بْن مسلمة الفهري، وذلك أن أَبَا عُبَيْدة أو عياض بْن غنم وجهه من حلب ففتح حصنا بها فنسب إليه، قَالُوا: وسار أَبُو عُبَيْدة يريد قورس وقدم أمامه عياضا فتلقاه راهب من رهبانها يسأل الصلح عن أهلها، فبعث به إِلَى أَبِي عُبَيْدة وهو بَيْنَ جبرين وتل أعزاز فصالحه ثُمَّ أتى قورس فعقد لأهلها عهدا وأعطاهم مثل الَّذِي أعطى انطاكية وكتب للراهب كتابا في قرية له تدعى شرقينا وبث خيله فغلب عَلَى جميع أرض قورس إِلَى آخر حد نقابلس، قَالُوا: وكانت قورس كالمسلحة لأنطاكية يأتيها في كل عام طالعة من جند انطاكية ومقاتلتها ثُمَّ حول إليها ربع من أرباع انطاكية وقطعت الطوالع عنها ويقال: أن سُلَيْمَان بْن ربيعة الباهلي كان في جيش أَبِي عُبَيْدة مع أَبِي أمامة الصدى بْن عجلان صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنزل حصنا بقورس فنسب إليه وهو يعرف بحصن سلمان، ثُمَّ قفل منَ الشام فيمن أمد به سَعْد بْن أَبِي وقاص وهو بالعراق، وقيل: سلمان بْن ربيعة كان غزا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 الروم بعد فتح العراق وقبل شخوصه إِلَى أرمينية فعسكر عند هَذَا الحصن وقد خرج من ناحية مرعش فنسب إليه، وسلمان وزياد منَ الصقالبة الَّذِينَ رتبهم مروان بْن مُحَمَّد فى الثغور، وسمعت من يذحر أن سلمان هذا رجل من الصقالبة نسب إليه الحصن والله أعلم. قَالُوا: وأتى أَبُو عُبَيْدة حلب الساجور وقدم عياضا إِلَى منبج ثُمَّ لحقه وقد صالح أهلها عَلَى مثل صلح انطاكية فأنفذ أَبُو عُبَيْدة ذلك وبعث عياض ابن غنم إِلَى ناحية دلوك ورعبان فصالحه أهلها عَلَى مثل صلح منبج واشترط عليهم أن يبحثوا عن أخبار الروم ويكاتبوا بها المسلمين وولى أَبُو عُبَيْدة كل كورة فتحها عاملا وضم إليه جماعة منَ المسلمين وشحن النواحي المخوفة، قَالُوا: ثُمَّ سار أَبُو عُبَيْدة حَتَّى نزل عراجين وقدم مقدمته إِلَى بالس، وبعث جيشا عَلَيْهِ حبيب بْن مسلمة إِلَى قاصرين وكانت بالس وقاصرين لأخوين من أشراف الروم أقطعا القرى الَّتِي بالقرب منهما وجعلا حافظين لما بينهما من مدن الروم بالشام، فلما نزل المسلمون بها صالحهم أهلها عَلَى الجزية والجلاء فجلا أكثرهم إِلَى بلاد الروم وأرض الجزيرة وقرية جسر منبح، ولم يكن الجسر يومئذ إنما اتخذ في خلافة عُثْمَان بْن عَفَّان رضي اللَّه عنه للصوائف، ويقال: بل كان له رسم قديم قَالُوا: ورتب أَبُو عُبَيْدة ببالس جماعة منَ المقاتلة وأسكنها قوما منَ العرب الَّذِينَ كانوا بالشام فأسلموا بعد قدوم المسلمين الشام وقوما لم يكونوا منَ البعوث نزعوا منَ البوادي من قيس وأسكن قاصرين قوما ثُمَّ رفضوها أو أعقابهم وبلع أَبُو عُبَيْدة الفرات ثُمَّ رجع إِلَى فلسطين وكانت بالس والقرى المنسوبة إليها في حدها الأعلى والأوسط والأسفل أعذاء عشرية. فلما كان مسلمة بْن عَبْد الملك بْن مروان: توجه غازيا للووم من نحو الثعور الجزرية عسكر ببالس فأتاه أهلها وأهله بوبلس وقاصرين وعابدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وصفين، وهي قرى منسوبة إليها فأتاه أهل الحد الأعلى فسألوه جميعا أن يحفر لهم نهرا منَ الفرات يسقي أرضهم عَلَى أن يجعلوا له الثلث من غلاتهم بعد عشر السلطان الَّذِي كان يأخذه ففعل فحفر النهر المعروف بنهر مسلمة ووفوا له بالشرط ورم سور المدينة وأحكمه. ويقال: بل كان ابتداء الغرض من مسلمة وأنه دعاهم إِلَى هَذِهِ المعاملة فلما مات مسلمة صارت بالس وقراها لورثته فلم تزل في أيديهم إِلَى أن جاءت الدولة المباركة وقبض عَبْد اللَّهِ بْن عَلي أموال بني أمية فدخلت فيها فأقطعها أمير الْمُؤْمِنِين أَبُو العَبَّاس سُلَيْمَان بْن علي بْن عَبْد اللَّهِ بْن العَبَّاس فصارت لابنه مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان، وكان جَعْفَر بْن سُلَيْمَان أخوه يسعى به إِلَى أمير الْمُؤْمِنِين الرشيد رحمه اللَّه ويكتب إليه فيعلمه أنه لا مال له ولا ضيعة إلا وقد اجتاز أضعاف قيمته وأنفقه فيما يرشح له نفسه وعلى منَ اتخذ منَ الخول وأن أمواله حل طلق لأمير الْمُؤْمِنِين، وكان الرشيد يأمر بالاحتفاظ بكتبه، فلما تُوُفِّيَ مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان أخرجت كتبه إِلَى جَعْفَر واحتج عَلَيْهِ بها ولم يكن لمحمد أخ لأبيه وأمه غيره فأقر بها وصارت أمواله للرشيد فأقطع بالس وقراها المأمون رحمه اللَّه فصارت لولده من بعده. حدثني هِشَام بْن عمار، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن حَمْزَة عن تميم بْن عطية عن عَبْد اللَّهِ بْن قيس الهمداني، قَالَ: قدم عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه الجابية فأراد قسمة الأرض بَيْنَ المسلمين لأنها فتحت عنوة، فقال معاذ بْن جبل: والله لأن قسمتها ليكونن ما نكره ويصير الشيء الكثير في أيدي القوم ثُمَّ يبيدون فيبقى ذلك لواحد ثُمَّ يأتي من بعدهم قوم يسدون الإِسْلام مسدا فلا يجدون شيئا فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم فصار إِلَى قول معاذ. حدثني الْحُسَيْن بْن علي بْن الأسود العجلي، عن يَحْيَى بْن آدم عن مشايخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 منَ الجزريين عن سُلَيْمَان بْن عطاء عن سلمة الجهني عن عمه أن صاحب بصرى ذكر أنه كان صالح المسلمين عَلَى طعام وزيت وخل فسأل عُمَر أن يكتب له بذلك وكذبه أَبُو عُبَيْدة، وقال إنما صالحناه على شيء يتبع به المسلمون لمشتاهم ففرض عليهم الجزية عَلَى الطبقات والخراج عَلَى الأرض. وحدثني الْحُسَيْن قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الأحدب، قال: أخبرنا عبد الله ابن عُمَر عن نافع عن أسلم مولى عُمَر أن عُمَر كتب إِلَى أمراء الجزية أن لا يضربوها إلا عَلَى من جرت عَلَيْهِ الموسى وجعلها عَلَى أهل الذهب أربعة دنانير وجعل عليهم لأرزاق المسلمين منَ الحنطة لكل رجل مدين ومن الزيت ثلاثة أقساط بالشام والجزيرة مع إضافة من نزل بهم ثلاثًا. وحدثني أَبُو حفص الشامي، عن مُحَمَّد بْن راشد عن مكحول، قَالَ: كل عشري بالشام فهو مما جلا عنه أهله فأقطعه المسلمون فأحيوه وكان مواتا لا حق فيه لأحد فأحيوه بإذن الولاة. أمر قبرص قالوا الواقدي وغيره: غزا معاوية بْن أَبِي سُفْيَان في البحر غزوة قبرس الأولى، ولم يركب المسلمون بحر الروم قبلها وكان معاوية استأذن عُمَر في غزو البحر فلم يأذن له، فلما ولى عُثْمَان بْن عَفَّان كتب إليه يستأذنه في غزوة قبرس ويعلمه قربها وسهولة الأمر فيها، فكتب إليه أن قَدْ شهدت مارد عليك عُمَر- رحمه اللَّه- حين استأمرته في غزو البحر. فلما دخلت سنة سبع وعشرين كتب إليه يهون عَلَيْهِ ركوب البحر إِلَى قبرس، فكتب إليه عُثْمَان، فإن ركبت البحر ومعك امرأتك فأركبه مأذونا لك وإلا فلا، فركب البحر من عكا ومعه مراكب كثيرة وحمل امرأته فاختة بنت قرظة بْن عَبْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 عمرو بن نوفل بن عبد مناف ابن قصي وحمل عبادة بْن الصامت امرأته أم حرام بنت ملحان الأنصارية وذلك في سنة ثمان وعشرين بعد انحسار الشتاء ويقال في سنة تسع وعشرين فلما صار المسلمون إِلَى قبرس فأرقوا إِلَى ساحلها- وهي جزيرة في البحر يكون فيما يقال ثمانين فرسخا في مثلها- بعث إليهم أركونها يطلب الصلح وقد أذعن أهلها به فصالحهم عَلَى سبعة آلاف ومائتي دينار يؤدونها في كل عام، وصالحهم الروم عَلَى مثل ذلك فهم يؤدون خراجين واشترطوا أن لا يمنعهم المسلمون أداء الصلح إِلَى الروم واشترط عليهم المسلمون أن لا يقاتلوا عنهم من أرادهم من ورائهم وأن يؤذنوا المسلمين بسير عدوهم منَ الروم، فكان المسلمون إذا ركبوا البحر لم يعرضوا لهم ولم ينصرهم أهل قبرس ولم ينصروا عليهم. فلما كان سنة اثنتين وثلاثين أعانوا الروم عَلَى الغزاة في البحر بمراكب أعطوهم إياها فغزاهم معاوية سنة ثلاث وثلاثين في خمسمائة مركب ففتح قبرس عنوة فقتل وسبى، ثُمَّ أقرهم عَلَى صلحهم وبعث إليها باثني عشر ألفا كلهم أهل ديوان فبنوا بها المساجد، ونقل إليها جماعة من بعلبك وبنى بها مدينة وأقاموا يعطون الأعطية إِلَى أن تُوُفِّيَ معاوية وولى بعده ابنه يزيد فاقفل ذلك البعث وأمر بهدم المدينة وبعض الرواة يزعم أن غزوة معاوية الثانية قبرس في سنة خمس وثلاثين. وحدثني مُحَمَّد بْن مصفى الحمصي عَنِ الوليد، قَالَ: بلغنا أن يزيد بْن معاوية رشا مالا عظيما ذا قدر حَتَّى أقفل جند قبرس، فلما قفلوا هدم أهل قبرس مدينتهم ومساجدهم. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن عَبْد السلام بْن موسى عن أبيه، قَالَ: لما غزيت قبرس الغزوة الأولى ركبت أم حرام بنت ملحان مع زوجها عبادة بْن الصامت فلما انتهوا إِلَى قبرس خرجت منَ المركب وقدمت إليها دابة لتركبها فعثرت بها فقتلتها فقبرها بقبرس يدعى قبر المرأة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 الصالحة، قالوا: وغزا مع معاوية، أَبُو أيوب خَالِد بْن زيد بْن كليب الأنصاري وأبو الدرداء، وأبو ذر الغفاري، وعبادة بْن الصامت، وفضالة بْن عُبَيْد الأنصاري وعمير بْن سَعْد بْن عُبَيْد الأنصاري، وواثلة بْن الأسقع الكناني وعبد اللَّه بْن بشر المازني، وشداد بْن أوس بْن ثابت، وهو ابْن أخي حسان ابن ثابت، والمقداد، وكعب الحبر بْن ماتع، وجبير بْن نفير الحضرمي. وحدثني هِشَام بْن عمار الدمشقي، قَالَ: حَدَّثَنَا الوليد بْن مُسْلِم عن صفوان ابن عمرو: أن معاوية بْن أَبِي سُفْيَان غزا قبرس بنفسه ومعه امرأته ففتحها اللَّه فتحا عظيما وغنم المسلمين غنما حسنا، ثُمَّ لم يزل المسلمون يغزونهم حَتَّى صالحهم معاوية في أيامه صلحا دائما عَلَى سبعة آلاف دينار وعلى النصيحة للمسلمين وإنذارهم عدوهم منَ الروم هَذَا أو نحوه. قالوا: وكان الوليد بْن يزيد بْن عَبْد الملك أجلى منهم خلقا إِلَى الشام لأمر اتهمهم به فأنكر الناس ذلك فزدهم يزيد بْن الوليد بْن عَبْد الملك إِلَى بلدهم وكان حميد معيوف الهمداني غزاهم في خلافة الرشيد لحدث أحدثوه فأسر منهم بشرا، ثُمَّ أنهم استقاموا للمسلمين فأمر الرشيد برد من أسر منهم فردوا. حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي في إسناده، قَالَ: لم يزل أهل قبرس عَلَى صلح معاوية حَتَّى ولى عَبْد الملك بْن مروان فزاد عليهم ألف دينار فجرى ذلك إِلَى خلافة عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ فحطها عنهم، ثُمَّ لما ولى هِشَام بْن عَبْد الملك ردها فجرى ذلك إِلَى خلافة أَبِي جَعْفَر المَنْصُور، فقال: نحن أحق من أنصفهم ولم نتكثر بظلمهم فردهم إِلَى صلح معاوية. وحدثني بعض أهل العلم منَ الشاميين وأبو عُبَيْد الْقَاسِم بْن سلام، قَالُوا: أحدث أهل قبرس حدثا في ولاية عَبْد الملك بْن صالح بْن علي بن عبد الله ابن عَبَّاس الثغور فأراد نقض صلحهم والفقهاء متوافرون: فكتب إلى الليث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 ابن سَعْد، ومالك بْن أَنَس، وسُفْيَان بْن عيينة، وموسى بْن أعين، وإِسْمَاعِيل بْن عياش، ويحيى بْن حَمْزَة، وأبي إِسْحَاق الفزاري، ومخلد بْن الْحُسَيْن في أمرهم فأجابوه، وكان فيما كتب به الليث بْن سَعْد: أن أهل قبرس قوم لم نزل نتهمهم بغش أهل الإِسْلام ومناصحة أعداء اللَّه الروم، وقد قَالَ اللَّه تعالى «وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ» 8: 58 ولم يقل لا تنبذ إليهم حَتَّى تستيقن خيانتهم، وإني أرى أن تنبذ إليهم وينظروا سنة يأتمرون، فمن أحب منهم اللحاق ببلاد المسلمين عَلَى أن يكون ذمة يؤدي الخراج قبلت ذلك منه، ومن أراد أن ينتحى إِلَى بلاد الروم فعل، ومن أراد المقام بقبرس عَلَى الحرب أقام فكانوا عدوا يقاتلون ويغزون، فإن فى إنظار سنة قطعا لحجتهم ووفاء بعهدهم. وكان فيما كتب به مَالِك بْن أَنَس: إن أمان أهل قبرس كان قديما متظاهرا منَ الولاة لهم، وذلك لأنهم رأوا أن إقرارهم عَلَى حالهم ذل وصغار لهم وقوة للمسلمين عليهم بما يأخذون من جزيتهم ويصيبون به منَ الفرصة في عدوهم، ولم أجد أحدا منَ الولاة نقض صلحهم ولا أخرجنهم عن بلدهم، وأنا أرى: أن لا تعجل بنقض عهدهم ومنابذتهم حَتَّى تتجه الحجة عليهم، فإن اللَّه يقول «فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ» 9: 4 فإن هم لم يستقيموا بعد ذلك ويدعوا غشهم ورأيت أن العذر ثابت منهم أوقعت بهم، فكان ذلك بعد الأعذار فرزقت النصر، وكان بهم الذل والخزي إن شاء اللَّه تعالى. وكتب سُفْيَان بْن عيينة: أنا لا نعلم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاهد قوما فنقضوا العهد إلا استحل قتلهم غير أهل مكة فإنه من عليهم وكان نقضهم أنهم نصروا حلفاءهم عَلَى حلفاء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خزاعة، وكان فيما أخذ عَلَى أهل نجران أن لا يأكلوا الربا فحكم فيهم عُمَر- رحمه اللَّه- حين أكلوه بإجلائهم فإجماع القوم أنه من نقض عهدا فلا ذمة له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وكتب موسى بْن أعين: قَدْ كان يكون مثل هَذَا فيما خلا فيعمل الولاة فيه النظر، ولم أر أحدا ممن مضى نقض عهد أهل قبرس ولا غيرها ولعل عامتهم وجماعتهم لم يمالئوا عَلَى ما كان من خاصتهم، وأنا أرى الوفاء لهم والتمام عَلَى شرطهم وإن كان منهم الَّذِي كان، وقد سمعت الأوزاعي يقول في قوم صالحوا المسلمين ثم أخبروا المشركين بعورتهم ودلوهم عليها: إنهم إن كانوا ذمة فقد نقضوا عهدهم وخرجوا من ذمتهم، فإن شاء الوالي قتل وصلب، وإن كانوا صلحا لم يدخلوا في ذمة المسلمين نبذ إليهم الوالي عَلَى سواء (أَنَّ اللَّه لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) 12: 52. وكتب إِسْمَاعِيل بْن عياش: أهل قبرس أذلاء مقهورون يغلبهم الروم عَلَى أنفسهم ونسائهم فقد يحق علينا أن نمنعهم ونحميهم. وقد كتب حبيب بْن مسلمة لأهل تفليس في عهده أنه إن عرض للمسلمين شغل عنكم وقهركم عدوكم فإن ذلك غير ناقض عهدكم بعد أن تفوا للمسلمين وأنا أرى أن يقروا عَلَى عهدهم وذمتهم، فإن الوليد بْن يزيد قَدْ كان أجلاهم إِلَى الشام فاستقطع ذلك المسلمون واستعظمه الفقهاء، فلما ولى يزيد بْن الوليد بْن عَبْد الملك ردهم إِلَى قبرس فاستحسن المسلمون ذلك من فعله ورأوه عدلا. وكتب يَحْيَى بْن حَمْزَة: إن أمر قبرس كأمر عربسوس فإن فيها قدوة حسنة وسنة متبعة وكان من أمرها أن عمير بْن سَعْد قَالَ لعمر بْن الخطاب وقدم عَلَيْهِ: إن بيننا وبين الروم مدينة يقال لها عربسوس، وأنهم يخبرون عدونا بعوراتنا ولا يظهرونا عَلَى عورات عدونا، فقال عُمَر: فإذا قدمت فخيرهم أن تعطيهم مكان كل شاة شاتين، ومكان كل بقرة بقرتين، ومكان كل شيء شيئين فإذا رضوا بذلك فأعطهم إياه وأجلهم وأخربها فإن أبوا فانبذ إليهم وأجلهم سنة ثُمَّ أخربها، فانتهى عمير إِلَى ذلك فأبوا فأجلهم سنة ثُمَّ أخربها، وكان لهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 عهد كعهد أهل قبرس وترك أهل قبرس عَلَى صلحهم والاستعانة بما يؤدون عَلَى أمور المسلمين أفضل، وكل أهل عهد لا يقاتل المسلمون من ورائهم ويجرون عليهم أحكامهم في دارهم فليسوا بذمة ولكنهم أهل فدية يكف عنهم ما كفوا ويوفي لهم بعهدهم ما وفوا ورضوا ويقبل عفوهم ما أدوا. وقد روى عن معاذ بْن جبل: أنه كره أن يصالح أحد منَ العدو عَلَى شيء معلوم إلا أن يكون المسلمون مضطرين إِلَى صلحهم لأنه لا يدري لعل صلحهم نفع وعز للمسلمين. وكتب أَبُو إِسْحَاق الفزاري، ومخلد بْن الْحُسَيْن: إنا لم نر شيئا أشبه بأمر قبرس من أمر عربسوس وما حكم به فيها عُمَر بْن الخطاب فإنه عرض عليهم ضعف ما لهم عَلَى أن يخرجوا منها أو نظرة سنة بعد نبذ عهدهم إليهم فأبوا الأولى فأنظروا ثُمَّ أخربت، وقد كان الأوزاعي يحدث: أن قبرس فتحت فتركوا عَلَى حالهم وصولحوا عَلَى أربعة عشر ألف دينار، سبعة آلاف للمسلمين، وسبعة آلاف للروم عَلَى أن لا يكتموا الروم أمر المسلمين، وكان يقول: ما وفى لنا أهل قبرس قط وإنا لنرى أنهم أهل عهد وأن صلحهم وقع عَلَى شيء فيه شرط لهم وشرط عليهم ولا يستقيم نقضه إلا بأمر يعرف فيه غدرهم ونكثهم. أمر السامرة حدثني هِشَام بْن عمار عَنِ الوليد بن مسلم عن صفوان بن عمرو: أن أَبَا عُبَيْدة بْن الجراح صالح السامرة بالأردن وفلسطين، وكانوا عيونا وأدلاء للمسلمين على جزية رؤوسهم وأطعمهم أرضهم فلما كان يزيد بْن معاوية وضع الخراج عَلَى أرضهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وأخبرني قوم من أهل المعرفة بأمر جندي الأردن وفلسطين: أن يزيد ابن معاوية وضع الخراج عَلَى أراضي السامرة بالأردن وجعل عَلَى رأس كل امرئ منهم دينارين ووضع الخراج أيضا عَلَى أرضهم بفلسطين وجعل عَلَى رأس كل امرئ منهم خمسة دنانير. والسامرة يهود وهم صنفان يقال لهم: الدستان وصنف يقال لهم: الكوشان. قَالُوا: وكان بفلسطين في أول خلافة أمير الْمُؤْمِنِين الرشيد- رحمه اللَّه- طاعون جارف ربما أتى عَلَى جميع أهل البيت فخربت أرضهم وتعطلت فوكل السلطان بها من عمرها وتألف الأكرة والمزارعين إليها فصارت ضياعا للخلافة وبها السامرة فلما كانت سنة ست وأربعين ومائتين رفع أهل قرية من تلك الضياع تدعى بيت ماما من كورة نابلس وهم سامرة يشكون ضعفهم وعجزهم عن أداء الخراج عَلَى خمسة دنانير فأمر المتوكل عَلَى اللَّه بردهم إِلَى ثلاثة دنانير ثلاثة دنانير. حدثني هِشَام بْن عمار، قَالَ: حَدَّثَنَا الوليد بْن مُسْلِم عن صفوان بْن عَمْرو وسعيد بْن عَبْد الْعَزِيزِ: أن الروم صالحت معاوية عَلَى أن يؤدي إليهم مالا وارتهن معاوية منهم رهناء فوضعهم ببعلبك، ثُمَّ أن الروم غدرت فلم يستحل معاوية والمسلمون قتل من في أيديهم من رهنهم وخلوا سبيلهم، وقالوا: وفاء بغدر خير من غدر بغدر، قَالَ هِشَام: وهو قول العلماء الأوزاعي وغيره. أمر الجراجمة حدثني مشايخ من أهل انطاكية: أن الجراجمة من مدينة عَلَى جبل اللكام عند معدن الزاج فيما بَيْنَ بياس وبوقا، يقال لها الجرجومة وأن أمرهم كان في أيام استيلاء الروم عَلَى الشام وأنطاكية إِلَى بطريق انطاكية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وواليها، فلما قدم أَبُو عُبَيْدة انطاكية وفتحها لزموا مدينتهم وهموا باللحاق بالروم إذ خافوا عَلَى أنفسهم، فلم ينتبه المسلمون لهم ولم ينبههم عليهم، ثم أن أهل انطاكية نقصوا وغدروا فوجه إليهم أَبُو عُبَيْدة من فتحها ثانية وولاها بعد فتحها حبيب بْن مسلمة الفهري فغزا الجرجومة فلم يقاتله أهلها ولكنهم بدروا بطلب الأمان والصلح فصالحوه عَلَى أن يكونوا أعوانا للمسلمين، وعيونا ومسالح في جبل اللكام وأن لا يؤخذوا بالجزية وأن ينفلوا أسلاب من يقتلون من عدو المسلمين إذا حضروا معهم حربا في مغازيهم ودخل من كان في مدينتهم من تاجر وأجير وتابع منَ الأنباط وغيرهم وأهل القرى في هَذَا الصلح فسموا الرواديف لأنهم تلوهم وليسوا منهم، ويقال: أنهم جاءوا إِلَى عسكر المسلمين وهم أرداف لهم فسموا رواديف فكان الجراجمة يستقيمون للولاة مرة ويعرجون أخرى فيكاتبون الروم ويمالئونهم، فلما كانت أيام ابْن الزبير وموت مروان بْن الحكم وطلب عَبْد الملك الخلافة بعده لتوليته إياه عهده واستعداده للشخوص إِلَى العراق لمحاربة المصعب ابن الزبير خرجت خيل للروم إِلَى جبل اللكام، وعليها قائد من قوادهم ثُمَّ صارت إِلَى لبنان وقد ضوت إليها جماعة كثيرة منَ الجراجمة وأنباط وعُبَيْد أباق من عُبَيْد المسلمين فاضطر عَبْد الملك إِلَى أن صالحهم عَلَى ألف دينار في كل جمعة، وصالح طاغية الروم عَلَى مال يؤديه إليه لشغله عن محاربته وتخوفه أن يخرج إِلَى الشام فيغلب عَلَيْهِ، واقتدى في صلحه بمعاوية حين شغل بحرب أهل العراق فإنه صالحهم عَلَى أن يؤدى إليهم مالا وارتهن منهم رهناء [1] وضعهم ببعلبك ووافق ذلك أيضا طلب عَمْرو بْن سعيد بن العاصي الخلافة وإغلاقه أبواب دمشق حين خرج عَبْد الملك عنها فازداد شغلا وذلك في سنة سبعين [1] ثُمَّ أن عَبْد الملك وجه إِلَى الرومي سحيم بن المهاجر   [1] من المعروف تاريخيا أن المنتصر فى الحروب قد يأخذ الرهائن ليأمن جانب المنكسر خشية أن ينقلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 فتلطف حَتَّى دخل عَلَيْهِ متنكرا فأظهر الممالأة له وتقرب إليه بذم عَبْد الملك وشتمه وتوهين أمره حَتَّى أمنه واغتر به ثُمَّ أنه انكفى عَلَيْهِ بقوم من موالى عَبْد الملك وجنده كان أعدهم لمواقعته ورتبهم بمكان عرفه فقتله ومن كان معه منَ الروم ونادى في سائر من ضوى إليه بالأمان فتفرق الجراجمة بقرى حمص ودمشق ورجع أكثرهم إِلَى مدينتهم باللكام وأتى الأنباط قراهم فرجع العُبَيْد إِلَى مواليهم، وكان ميمون الجرجماني عبدا روميا لبنى أم الحكم أخت معاوية بْن أَبِي سُفْيَان وهم ثقفيون، وإنما نسب إِلَى الجراجمة لاختلاطه بهم وخروجه بجبل لبنان معهم فبلغ عَبْد الملك عنه بأس وشجاعة فسأل مواليه أن يعتقوه ففعلوا وقوره عَلَى جماعة منَ الجند وصيره بانطاكية فغزا مع مسلمة بْن عَبْد الملك الطوانة وهو عَلَى ألف من أهل انطاكية فاستشهد بعد بلاء حسن وموقف مشهود فغم عَبْد الملك مصابه وأغزى الروم جيشا عظيما طلبا بثأرة. قَالُوا: ولما كانت سنة تسع وثمانين اجتمع الجراجمة إِلَى مدينتهم وأتاهم قوم منَ الروم من قبل الاسكندرونة وروسس، فوجه الوليد بْن عَبْد الملك إليهم مسلمة بْن عَبْد الملك فأناخ عليهم في خلق منَ الخلق فافتتحها عَلَى أن ينزلوا بحيث أحبوا منَ الشام ويجري عَلَى كل امرئ منهم ثمانية دنانير وعلى عيلاتهم القوت منَ القمح والزيت وهو مدان من قمح وقسطان من زيت، وعلى أن لا يكرهوا ولا أحد من أولادهم ونسائهم عَلَى ترك النصرانية، وعلى أن يلبسوا لباس المسلمين ولا يؤخذ منهم ولا من أولادهم ونسائهم جزية وعلى أن يغزوا مع المسلمين فينفلوا أسلاب من يقتلونه مبارزة وعلى أن يؤخذ من تجاراتهم وأموال موسريهم ما يؤخذ من أموال   [ () ] عليه، وينقض تعهداته له. وهكذا فعل عبد الملك مقتديا بمعاوية بن أبي سفيان عند ما صالح أهل العراق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 المسلمين فأخرب مدينتهم وأنزلهم فأسكنهم جبل الحوار وسنح اللولون وعمق تيزين وصار بعضهم إِلَى حمص ونزل بطريق الجرجومة في جماعة معه انطاكية ثُمَّ هرب إلى بلاد الروم، وقد كان بعض العمال ألزم الجراجمة بأنطاكية جزية رؤسهم فرفعوا ذلك إِلَى الواثق بالله رحمه اللَّه وهو خليفة فأمر بإسقاطها عنهم. وحدثني بعض من أثق به منَ الكتاب: أن المتوكل عَلَى اللَّه رحمه اللَّه أمر بأخذ الجزية من هؤلاء الجراجمة وأن يجرى عليهم الأرزاق إذ كانوا ممن يستعان به في المسالح وغير ذلك، وزعم أَبُو الخطاب الأزدي: أن أهل الجرجومة كانوا يغيرون في أيام عَبْد الملك عَلَى قرى انطاكية والعمق وإذا غزت الصوائف قطعوا عَلَى المتخلف واللاحق ومن قدروا عَلَيْهِ ممن في أواخر العسكر وغالوا في المسلمين فأمر عَبْد الملك ففرض لقوم من أهل أنطاكية وأنباطها وجعلوا مسالح وأردفت بهم عساكر الصوائف ليؤذنوا الجراجمة عن أواخرها فسموا الرواديف، وأجرى عَلَى كل امرء منهم ثمانية دنانير: والخبر الأول أثبت. وحدثني أَبُو حفص الشامي عن مُحَمَّد بْن راشد عن مكحول، قَالَ: نقل معاوية في سنة تسع وأربعين أو سنة خمسين إِلَى السواحل قوما من زط البصرة والسباتجة وأنزل بعضهم انطاكية، قال أبو حفص فبانطاكية محلة تعرف بالزط وببوقا من عمل انطاكية قوم من أولادهم يعرفون بالزط. وقد كان الوليد بْن عَبْد الملك نقل إِلَى أنطاكية قوما منَ الزط السند ممن حمله مُحَمَّد بْن الْقَاسِم إِلَى الحجاج فبعث بهم الحجاج إِلَى الشام. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي، قَالَ: خرج بجبل لبنان قوم شكوا عامل خراج بعلبك، فوجه صالح بْن عَلي بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس من قتل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 مقاتلتهم وأقر من بقي منهم عَلَى دينهم وردهم إِلَى قراهم وأجلى قوما من أهل لبنان. فَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ كَثِيرٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ الأَوْزَاعِيَّ: كَتَبَ إِلَى صَالِحٍ رِسَالَةً طَوِيلَةً حَفِظَ مِنْهَا، وَقَدْ كَانَ مِنْ أَجِلاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ جَبَلِ لُبْنَانَ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مُمَالِئًا لِمَنْ خَرَجَ عَلَى خُرُوجِهِ مِمَّنْ قَتَلْتُ بَعِضَهُمْ وَرَدَدْتُ بَاقِيهِمْ إِلَى قُرَاهُمْ مَا قَدْ عَلِمْتُ فَكَيْفَ تُؤْخَذُ عَامَّةٌ بِذُنُوبِ خَاصَّةٍ حَتَّى يُخْرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وحكم الله تعالى (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) 53: 38 وهو أحق ما وقف عنده واقتدى به، وأحق الوصايا أَنْ تُحْفَظَ وَتُرْعَى وَصِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ قَالَ: «مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا وَكَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ فَأَنَا حَجِيجُهُ» ثُمَّ ذَكَرَ كَلامًا. حدثني مُحَمَّد بْن سهم الأنطاكي، قَالَ: حدثني معاوية بْن عَمْرو عن أَبِي إِسْحَاق الفزاري، قَالَ: كانت بنو أمية تغزو الروم بأهل الشام والجزيرة صائفة وشاتية مما يلي ثغور الشام والجزيرة وتنيم للراكب الغزو وترتب الحفظة في السواحل ويكون الإغفال والتفريط خلال الحزر والتيقظ فلما ولى أَبُو جَعْفَر المَنْصُور تتبع حصون السواحل ومدنها فعمرها وحصنها وبنى ما احتاج إِلَى البناء منها وفعل مثل ذلك بمدن الثغور، ثُمَّ لما استخلف المهدي استتم ما كان بقي منَ المدن والحصون وزاد في شحنها، قال معاوية ابن عَمْرو: وقد رأينا منَ اجتهاد أمير الْمُؤْمِنِين هارون فى الغزو نفاذ بصيرته في الجهاد أمرًا عظيما أقام منَ الصناعة ما لم يقم قبله وقسم الأموال في الثغور والسواحل وأشجى الروم وقمعهم وأمر المتوكل عَلَى اللَّه بترتيب المراكب في جميع السواحل وأن تشحن بالمقاتلة وذلك في سنة سبع وأربعين ومائتين . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 فتح الثغور الشامية حدثني مشايخ من أهل انطاكية وغيرهم، قَالُوا: ثغور المسلمين الشامية أيام عُمَر وعُثْمَان رضي اللَّه عنهما وما بعد ذلك أنطاكية وغيرها منَ المدن الَّتِي سماها الرشيد عواصم، فكان المسلمون يغزون ما وراءها كغزوم اليوم ما وراء طرسوس، وكان فيما بَيْنَ الاسكندرونة وطرسوس حصون ومسالح للروم كالحصون والمسالح الَّتِي يمر بها المسلمون اليوم فربما أخلاها أهلها وهربوا إِلَى بلاد الروم خوفا وربما نقل إليها من مقاتلة الروم من تشحن به، وقد قيل: إن هرقل أدخل أهل هَذِهِ المدن معه عند انتقاله منَ انطاكية لئلا يسير المسلمون في عمارة ما بَيْنَ أنطاكية وبلاد الروم والله أعلم: وحدثني ابْن طسون [1] البغراسي عن أشياخهم أنهم قَالُوا: الأمر المتعالم عندنا أن هرقل نقل أهل هَذِهِ الحصون معه وشعثها فكان المسلمون إذا غزوا لم يجدوا بها أحدا وربما كمن عندها القوم منَ الروم فأصابوا غرة المتخلفين عَنِ العسكر والمنقطعين عنها، فكان ولاة الشواتي والصوائف إذا دخلوا بلاد الروم خلفوا بها جندا كثيفا إِلَى خروجهم [1] . وقد اختلفوا في أول من قطع الدرب وهو درب بغراس، فقال بعضهم: قطعة ميسرة بْن مسروق العبسي وجهه أَبُو عُبَيْدة بْن الجراح فلقي جمعا للروم ومعهم مستعربة من غسان وتنوخ وإياد يريدون اللحاق بهرقل فأوقع بهم وقتل منهم مقتلة عظيمة، ثُمَّ لحق به مَالِك الأشتر النخعي مددا من قبل أَبِي عُبَيْدة وهو بانطاكية، وقال بعضهم: أول من قطع الدرب عُمَر بْن سَعْد الأنصاري حين توجه في أمر جبلة بْن الأيهم وقال أَبُو الخطاب الأزدي: بلغني أن أبا   [1] أي ليمثلونهم أثناء غيابهم، ويحافظوا على السلطة، والأمن في البلاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 عُبَيْدة نفسه غزا الصائفة فمر بالمصيصة وطرسوس وقد جلا أهلها وأهل الحصون الَّتِي تليها فأدرب فبلغ في غزاته زندة، وقال غيره: إنما وجه ميسرة بْن مسروق فبلغ زندة. حدثني أَبُو صالح الفراء عن رجل من أهل دمشق يقال له عَبْد اللَّهِ بْن الوليد بن هِشَام بْن الغاز عن عبادة بْن نسى فيما يحسب أَبُو صالح، قَالَ: لما غزا معاوية غزوة عمورية في سنة خمس وعشرين وجد الحصون فيما بَيْنَ أنطاكية وطرسوس خالية فوقف عندها جماعة من أهل الشام والجزيرة وقنسرين حَتَّى انصرف من غزاته، ثُمَّ أغزى بعد ذلك بسنة أو سنتين يزيد ابن الحر العبسي الصائفة وأمره ففعل مثل ذلك، وكانت الولاة تفعله، وقال هَذَا الرجل: ووجدت في كتاب مغازي معاوية أنه غزا سنة إحدى وثلاثين من ناحية المصيصة فبلغ درولية فلما خرج جعل لا يمر بحصن فيما بينه وبين أنطاكية إلا هدمه. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي وغيره، قَالَ، لما كانت سنة أربع وثمانين غزا عَلَى الصائفة عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الملك بْن مروان فدخل من درب انطاكية وأنى المصيصة فبنى حصنها عَلَى أساسه القديم ووضع بها سكانا من الجند فيهم ثلاثمائة رجل انتخبهم من ذوي البأس والنجدة المعروفين ولم يكن المسلمون سكنوها قبل ذلك وبنى فيها مسجدا فوق تل الحصن ثُمَّ سار في جيشه حَتَّى غزا حصن سنان ففتحه ووجه يزيد بْن حنين الطائي الأنطاكي فأغار ثُمَّ انصرف إليه، وقال أَبُو الخطاب الأزدي: كان أول منَ ابتنى حصن المصيصة في الإسلام عَبْد الملك بْن مروان عَلَى يد ابنه عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الملك في سنة أربع وثمانين عَلَى أساسها القديم فتم بناؤها وشحنها في سنة خمس وثمانين وكانت في الحصن كنيسة جعلت هريا وكانت الطوالع منَ انطاكية تطلع عليها في كل عام فتشتو بها ثُمَّ تنصرف وعدة من كان يطلع إليها ألف وخمسمائة إلى الألفين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 قال: وشخص عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ حَتَّى نزل هرى المصيصة وأراد هدمها وهدم الحصون بينها وبين أنطاكية، وقال: أكره أن يحاصر الروم أهلها فاعلمه الناس أنها إنما عمرت ليدفع من بها منَ الروم عَنِ انطاكية وأنه إن أخربها لم يكن للعدو ناحية دون انطاكية فأمسك وبنى لأهلها مسجدا جامعا من ناحية كفربيا واتخذ فيه صهريجا وكان اسمه عَلَيْهِ مكتوبا، ثُمَّ إن المسجد خرب في خلافة المعتصم بالله وهو يدعى مَسْجِد الحصن، قال: ثُمَّ بنى هِشَام بْن عَبْد الملك الربض ثُمَّ بنى مروان بْن مُحَمَّد الخصوص في شرقي جيحان وبنى عليها حائطا وأقام عَلَيْهِ باب خشب وخندق خندقا فلما استخلف أَبُو العَبَّاس فرض بالمصيصة لأربعمائة رجل زيادة في شحنتها وأقطعهم، ثُمَّ لما استخلف المَنْصُور فرض بالمصيصة لأربعمائة رجل ثُمَّ لما دخلت سنة تسع وثلاثين ومائة أمر بعمران مدينة المصيصة، وكان حائطها متشعثا منَ الزلازل وأهلها قليل في داخل المدينة فبنى سور المدينة وأسكنها أهلها سنة أربعين ومائة وسماها المعمورة وبنى فيها مسجدا جامعا في موضع هيكل كان بها وجعله مثل مَسْجِد عُمَر مرات، ثُمَّ زاد فيه المأمون أيام ولاية عَبْد اللَّهِ بْن طَاهِر بْن الْحُسَيْن المغرب وفرض المَنْصُور فيها لألف رجل، ثُمَّ نقل أهل الخصوص وهم فرس وصقالبة وأنباط نصارى، وكان مروان أسكنهم إياها وأعطاهم خططا في المدينة عوضا عن منازلهم عَلَى ذرعها ونقض منازلهم وأعانهم عَلَى البناء وأقطع الفرض قطائع ومساكن، ولما استخلف المهدي فرض بالمصيصة لألفي رجل ولم يقطعهم لأنها قَدْ كانت شحنت منَ الجند والمطوعة، ولم تزل الطوالع تأتيها منَ انطاكية في كل عام حَتَّى وليها سالم البرلسى وفرض موضعه لخمسمائة مقاتل عَلَى خاصة عشرة دنانير عشرة دنانير فكثر من بها وقووا وذلك في خلافة المهدي. وحدثني مُحَمَّد بْن سهم عن مشايخ الثغر، قَالُوا: ألحت الروم على أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 المصيصة في أول أيام الدولة المباركة حَتَّى جلوا عنها فوجه صالح بْن علي جبريل بْن يَحْيَى البجلي إليها فعمرها وأسكنها الناس في سنة أربعين ومائة وبنى الرشيد كفربيا ويقال بل كانت ابتدئت في خلافة المهدي ثُمَّ غير الرشيد بناءها وحصنها بخندق ثُمَّ رفع إِلَى المأمون في أمر غلة كانت عَلَى منازلها فأبطلها وكانت منازلها كالخانات وأمر فجعل لها سور فرفع فلم يستتم حَتَّى تُوُفِّيَ فأمر المعتصم بالله بإتمامه وتشريفه، قَالُوا: وكان الَّذِي حصن المثقب هِشَام بْن عَبْد الملك عَلَى يد حسان بْن ماهويه الأنطاكي، ووجد في خندقه حين حضر ساق مفرط الطول فبعث به إِلَى هِشَام، وبنى هِشَام حصن قطر غاش عَلَى يدي عَبْد الْعَزِيزِ بْن حيان الأنطاكي، وبنى هِشَام حصن مورة عَلَى يدي رجل من أهل انطاكية وكان سبب بنائه إياه أن الروم عرضوا لرسول له في درب اللكام عند العقبة البيضاء ورتب فيه أربعين رجلا وجماعة منَ الجراجمة وأقام ببغراس مسلحة فى خمسين رجلا وابنتى لها حصنا وبنى هشام حصن يوقا من عمل انطاكية ثم جدد وأصلح حديثا، وبنى مُحَمَّد بْن يوسف المروزي المعروف بأبي سَعِيد حصنا بساحل أنطاكية بعد غارة الروم عَلَى ساحلها في خلافة المعتصم بالله رحمه اللَّه. حدثني داود بْن عَبْد الحميد قاضي الرقة عن أبيه عن جده أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أراد هدم المصيصة ونقل أهلها عنها لما كانوا يلقون منَ الروم فتُوُفِّيَ قبل ذلك. وحدثني بعض أهل انطاكية وبغراس: أن مسلمة بْن عَبْد الملك لما غزا عمورية حمل معه نساءه وحمل ناس ممن معه نساءهم وكانت بنو أمية تفعل ذلك ارادة الجد في القتال للغيرة عَلَى الحرم فلما صار في عقبة بغراس عند الطريق المستدقة الَّتِي تشرف عَلَى الوادي سقط محمل فيه امرأة إلى الحضيض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 فأمر مسلمة أن تمشي سائر النساء فمشين فسميت تلك العقبة عقبة النساء، وقد كان المعتصم بالله رحمه اللَّه بنى عَلَى حد تلك الطريق حائطا قصيرا من حجارة وقال أَبُو النعمان الأنطاكي: كان الطريق فيما بَيْنَ انطاكية والمصيصة مسبعة يعترض للناس فيها الأسد، فلما كان الوليد بن عبد الملك شكا ذلك إليه فوجه أربعة آلاف جاموسة وجاموس فنفع اللَّه بها، وكان مُحَمَّد بْن الْقَاسِم الثقفي عامل الحجاج عَلَى السند بعث منها بألوف جواميس فبعث الحجاج إِلَى الوليد منها بما بعث منَ الأربعة آلاف وألقى باقيها في آجام كسكر، ولما خلع يزيد بْن المهلب فقتل وقبض يزيد بْن عَبْد الملك أموال بني المهلب أصاب لهم أربعة آلاف جاموسة كانت بكور دجلة وكسكر فوجه بها يزيد بْن عَبْد الملك إِلَى المصيصة أيضا مع زطها فكان أصل الجواميس بالمصيصة ثمانية آلاف جاموسة وكان أهل انطاكية وقنسرين قَدْ غلبوا عَلَى كثير منها واختاروه لأنفسهم في أيام فتنة مروان بْن مُحَمَّد بْن مروان، فلما استخلف المَنْصُور أمر بردها إِلَى المصيصة وأما جواميس انطاكية فكان أصلها ما قدم به الزط، معهم وكذلك جواميس بوقا، وقال أَبُو الخطاب بني الجسر الَّذِي عَلَى طريق أذنة منَ المصيصة وهو عَلَى تسعة أميال منَ المصيصة سنة خمس وعشرين ومائة ويدعى جسر الوليد وهو الوليد بْن يزيد بْن عَبْد الملك المقتول، وقال أَبُو النعمان الأنطاكي وغيره: بنيت أذنة في سنة إحدى وأربعين ومائة أو اثنتين وأربعين ومائة والجنود من أهل خراسان معسكرون عليها مع مسلمة بْن يحيى البجلي ومن أهل الشام بن مَالِك بْن أدهم الباهلي ووجههما صالح بْن علي. قَالُوا: ولما كانت سنة خمس وستين ومائة أغزى المهدي ابنه هارون الرشيد بلاد الروم فنزل عَلَى الخليج ثُمَّ خرج فرم المصيصة ومسجدها وزاد في شحنتها وقوى أهلها وبنى القصر الَّذِي عند جسر أذنة عَلَى سيحان، وقد كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 المَنْصُور أغزى صالح بْن علي بلاد الروم فوجه هلال بْن ضيغم في جماعة من أهل دمشق والأردن وغيرهم فبنى ذلك القصر ولم يكن بناؤه محكما فهدمه الرشيد وبناه ثُمَّ لما كانت سنة أربع وتسعين ومائة بنى أَبُو سليم فرج الخادم أذنة فأحكم بناءها وحصنها وندب إليها رجالا من أهل خراسان وغيرهم عَلَى زيادة في العطاء وذلك بأمر مُحَمَّد بْن الرشيد فرم قصر سيحان وكان الرشيد تُوُفِّيَ سنة ثلاث وتسعين ومائة وعامله عَلَى أعشار الثغور أَبُو سليم فأقره مُحَمَّد وأبو سليم هَذَا هُوَ صاحب الدار بأنطاكية. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي، قَالَ: غزا الْحَسَن بْن قحطبة الطائي بلاد الروم سنة اثنتين وستين ومائة في أهل خراسان وأهل الموصل والشام وأمداد اليمن ومطوعة العراق والحجاز خرج مما يلي طرسوس فأخبر المهدي بما في بنائها وتحصينها وشحنتها بالمقاتلة من عظيم الغناء عن الإسلام والكبت العدو والوقم له فيما يحاول ويكيد. وكان الْحَسَن قَدْ أبلى في تلك الغزاة بلاء حسنا ودوخ أرض الروم حتى سموه الشيتن، وكان معه في غزاته مندل العنزي المحدث الكوفي ومعتمر بْن سُلَيْمَان البصري. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد، قَالَ: حدثني سَعْد بْن الْحَسَن، قَالَ لما خرج الْحَسَن من بلاد الروم نزل مرج طرسوس فركب إِلَى مدينتها وهي خراب فنظر إليها وأطاف بها من جميع جهاتها وحزر عدة من يسكنها فوجدهم مائة ألف فلما قدم عَلَى المهدي وصف له أمرها وما في بنائها وشحنتها من غيظ العدو وكبته وعز الإِسْلام وأهله وأخبره في الحدث أيضا بخبر رغبه في بناء مدينتها فأمره ببناء طرسوس وأن يبدأ بمدينة الحدث فبنيت وأوصى المهدي ببناء طرسوس. فلما كانت سنة إحدى وسبعين ومائة بلغ الرشيد أن الروم ائتمروا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 بينهم بالخروج إِلَى طرسوس لتحصينها وترتيب المقاتلة فيها فأغزى الصائفة في سنة إحدى وسبعين ومائة هرثمة بْن أعين وأمره بعمارة طرسوس وبنائها وتمصيرها ففعل وأجرى أمرها عَلَى يد فرج بْن سليم الخادم بأمر الرشيد فوكل فرج ببنائها وتوجه أَبُو سليم إِلَى مدينة السلام فاشخص الندبة الأولى من أهل خراسان وهم ثلاثة آلاف رجل فوردوا طرسوس ثُمَّ أشخص الندبة الثانية وهم ألفا رجل ألف من أهل المصيصة وألف من أهل انطاكية عَلَى زيادة عشرة دنانير عشرة دنانير لكل رجل في أصل عطائه فعسكروا مع الندبة الأولى بالمدائن عَلَى باب الجهاد في مستهل المحرم سنة اثنتين وسبعين ومائة إِلَى أن استتم بناء طرسوس وتحصينها وبناء مسجدها ومسح فرج ما بَيْنَ النهر إِلَى النهر فبلغ ذلك أربعة آلاف خطة كل خطة عشرون ذراعا في مثلها وأقطع أهل طرسوس الخطط وسكنتها الندبتان في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وسبعين ومائة. قَالُوا: وكان عَبْد الملك بْن صالح قَدِ استعمل يزيد بْن مخلد الفزاري عَلَى طرسوس فطرده بها من أهل خراسان واستوحشوا منه للهبيرية فاستخلف أبا الفوارس فأقره عَبْد الملك بْن صالح وذلك في سنة ثلاث وسبعين ومائة. قَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد حدثني الواقدي، قَالَ: جلا أهل سيسية ولحقوا بأعلى الروم في سنة أربع وتسعين ومائة أو ثلاث وتسعين ومائة وسيسية مدينة تل عين زربة وقد عمرت في خلافة المتوكل عَلَى اللَّه عَلَى يدي عَلي بْن يَحْيَى الأرمني ثُمَّ أخربتها الروم. قَالُوا: فكان الَّذِي أحرق انطاكية المحترقة ببلاد الروم عَبَّاس بْن الوليد بْن عَبْد الملك. قَالُوا: وتل جبير نسبت إِلَى رجل من فرس انطاكية كانت له عنده وقعة وهو من طرسوس عَلَى أقل من عشرة أميال، قَالُوا: والحصن المعروف بذي الكلاع إنما هُوَ الحصن ذو القلاع لأنه عَلَى ثلاث قلاع فحرف اسمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وتفسير اسمه بالرومية الحصن الَّذِي مع الكواكب، وقالوا: سميت كنيسة الصلح لأن الروم لما حملوا صلحهم إِلَى الرشيد نزلوها، ونسب مرج حسين إِلَى حسين بْن مُسْلِم الأنطاكي، وذلك أنه كانت له به وقعة ونكاية في العدو قَالُوا. وأغزى المهدي ابنه هارون الرشيد في سنة ثلاث وستين ومائة فحاصر أهل ضمالو وهي الَّتِي تدعوها العامة سمالو فسألوا الأمان لعشرة أهل أبيات فيهم القومس فأجابهم إِلَى ذلك، وكان في شرطهم أن لا يفوق بينهم فأنزلوا ببغداد عَلَى باب الشماسية فسموا موضعهم سمالو فهو معروف، ويقال بل نزلوا عَلَى حكم المهدي فاستحياهم وجمعهم بذلك الموضع وأمر أن يسمى سمالو وأمر الرشيد فنودي عَلَى من بقي في الحصن فبيعوا وأخذ حبشي كان يشتم الرشيد والمسلمين فصلب عَلَى برج من أبراجه. وحدثني أَحْمَد بْن الحارث الواسطي عن مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي، قَالَ: لما كانت سنة ثمانين ومائة أمر الرشيد بابتناء مدينة عين زربة وتحصينها وندب إليها ندبة من أهل خراسان وغيرهم فأقطعهم بها المنازل ثُمَّ لما كانت سنة ثلاث وثمانين ومائة أمر ببناء الهارونية فبنيت وشحنت أيضا بالمقاتلة ومن نزح إليها منَ المطوعة ونسبت إليه، ويقال أنه بناها في خلافة المهدى ثم أنمت في خلافته، قَالُوا: وكانت الكنيسة السوداء من حجارة سود بناها الروم عَلَى وجه الدهر، ولها حصن قديم أخرب فيما أخرب فأمر الرشيد ببناء مدينة الكنيسة السوداء وتحصينها وندب إليها المقاتلة في زيادة العطاء. وأخبرني بعض أهل الثغر عزون بْن سَعْد: أن الروم أغارت عليها والْقَاسِم بْن الرشيد مقيم بدابق فاستاقوا مواشي أهلها وأسروا عدة منهم فنفر إليهم أهل المصيصة ومطوعتها فاستنقذوا جميع ما صار إليهم وقتلوا منهم بشرا ورجع الباقون منكوبين مفلولين، فوجه القاسم من حصن المدينة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 وزمها وزاد في شحنتها، وقد كان المعتصم بالله نقل إِلَى عين زربة ونواحيها بشرا منَ الزط الَّذِينَ قَدْ كانوا غلبوا عَلَى البطائح بَيْنَ واسط والبصرة فانتفع أهلها بهم. حدثني أَبُو صالح الأنطاكي، قَالَ: كان أَبُو إِسْحَاق الفزاري يكره شراء أرض بالثغر، ويقول غلب عَلَيْهِ قوم في بدء الأمر وأجلوا الروم عنه فلم يقسموه وصار إِلَى غيرهم وقد دخلت في هَذَا الأمر شبهة العاقل حقيق بتركها. وكانت بالثغارات قَدْ تحيفت ما يرتفع من أعشاره حَتَّى قصرت عن نفقائه فأمر المتوكل في سنة ثلاث وأربعين ومائتين بإبطال تلك الإيغارات فأبطلت. فتوح الجزيرة حدثني داود بْن عَبْد الحميد قاضي الرقة عن أبيه عن جده عن ميمون ابن مهران، قال: الجزيرة كلها فتوح عياص بْن غنم بعد وفاة أَبِي عُبَيْدة ولاه إياها عُمَر بْن الخطاب وكان أَبُو عُبَيْدة استخلفه على الشام فولى عمر ابن الخطاب يزيد بْن أَبِي سُفْيَان ثُمَّ معاوية من بعده الشام وأمر عياضا بغزو الجزيرة وحدثني الحسين بن الأسود، قال: حدثنا يحيى بْن آدم عن عدة منَ الجزريين عن سُلَيْمَان بْن عطاء القرشي، قَالَ: بعث أَبُو عُبَيْدة عياض بْن غنم إِلَى الجزيرة فمات أَبُو عُبَيْدة وهو بها فولاه عُمَر إياها بعد. وحدثني بكر بْن الهيثم، قَالَ: حَدَّثَنَا النفيلي عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عطاء، قَالَ: لما فتح عياض بْن غنم الرها وكان أَبُو عُبَيْدة وجهه وقف عَلَى بابها عَلَى فرس له كميت فصالحوه عَلَى أن لهم هيكلهم وما حوله وعلى أن لا يحدثوا كنيسة إلا ما كان لهم وعلى معونة المسلمين عَلَى عدوهم فإن تركوا شيئا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 مما شرط عليهم فلا ذمة لهم ودخل أهل الجزيرة فيما دخل فيه أهل الرها. وقال مُحَمَّد بْن سَعْد، قَالَ الواقدي: أثبت ما سمعنا في أمر عياض أن أَبَا عُبَيْدة مات في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة، واستخلف عياضا فورد عَلَيْهِ كتاب عُمَر بتوليته حمص وقنسرين والجزيرة: فسار إِلَى الجزيرة يوم الخميس للنصف من شعبان سنة ثماني عشرة في خمسة آلاف وعلى مقدمته ميسرة بْن مسروق العبسي وعلى ميمنته سَعِيد بْن عَامِر بْن حذيم الجمحي وعلى ميسرته صفوان بن المعطل السلمى، وكان خَالِد بْن الوليد عَلَى ميسرته، ويقال: إن خالدا لم يسر تحت لواء احد بعد أَبِي عُبَيْدة ولزم حمص حَتَّى توفي بها سنة إحدى وعشرين وأوصى إِلَى عُمَر: وبعضهم يزعم أنه مات بالمدينة وموته بحمص أثبت. قَالُوا: فانتهت طليعة عياض إِلَى الرقة فأغاروا عَلَى حاضر كان حولها للعرب وعلى قوم منَ الفلاحين فأصابوا مغنما وهرب من نجا من أولئك فدخلوا مدينة الرقة، وأقبل عياض في عسكرة حَتَّى نزل باب الرها وهو أحد أبوابها في تعبئة فرمى المسلمون ساعة حَتَّى جرح بعضهم ثُمَّ إنه تأخر عنهم لئلا تبلغه حجارتهم وسهامهم وركب فطاف حول المدينة ووضع عَلَى أبوابها روابط ثُمَّ رجع إِلَى عسكره وبث السرايا فجعلوا يأتون بالأسرى منَ القرى وبالأطعمة الكثيرة وكانت الزروع مستحصدة، فلما مضت خمسة أيام أو ستة وهم عَلَى ذلك أرسل بطريق المدينة إِلَى عياض يطلب الأمان فصالحه عياض عَلَى أن أمن جميع أهلها عَلَى أنفسهم وذراريهم وأموالهم ومدينتهم، وقال عياض: الأرض لنا قَدْ وطئناها وأحرزناها فأقرها في أيديهم عَلَى الخراج ودفع منها ما لم يرده أهل الذمة فرفضوه إِلَى المسلمين عَلَى العشر ووضع الجزية عَلَى رقابهم فألزم كل رجل منهم دينارا في كل سنة وأخرج النساء والصبيان ووظف عليهم مع الدينار أقفزة من قمح وشيئا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 زيت وخل وعسل، فلما ولى معاوية جعل ذلك جزية عليهم ثُمَّ أنهم فتحوا أبواب المدينة وأقاموا للمسلمين سوقا عَلَى باب الرها فكتب لهم عياض. بسم اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم: هَذَا ما أعطى عياض بْن غنم أهل الرقة يوم دخلها أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم لا تخرب ولا تسكن إذا أعطوا الجزية الَّتِي عليهم ولم يحدثوا مغيلة وعلى أن لا يحدثوا كنيسة ولا بيعة ولا يظهروا ناقوسا ولا باعوثا ولا صليبا شهد الله «وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً» 4: 79 وختم عياض بخاتمه. ويقال: إن عياضا ألزم كل حالم من أهل الرقة أربعة دنانير والثبت أن عُمَر كتب بعد إِلَى عمير بْن سَعْد وهو واليه أن ألزم كل امرئ منهم أربعة دنانير كما ألزم أهل الذهب. قَالُوا: ثُمَّ سار عياض إِلَى حران فنزل بأجدى وبعث مقدمته فأغلق أهل حران أبوابها دونهم ثُمَّ اتبعهم، فلما نزل بها بعث إليه الحرنانية من أهلها يعلمونه أن فى أيديهم طائفة من المدينة ويسئلونه أن يصير إِلَى الرها فما صالحوه عَلَيْهِ من شيء قنعوا به وخلوا بينه وبين النصارى حَتَّى يصيروا إليه وبلغ النصارى ذلك فأرسلوا إليه بالرضى بما عرض الحرنانية وبذلوا فأتى الرها وقد جمع له أهلها فرموا المسلمين ساعة، ثُمَّ خرجت مقاتلتهم فهزمهم المسلمون حتى ألجئوهم إِلَى المدينة فلم ينشبوا إن طلبوا الصلح والأمان، فأجابهم عياض إليه وكتب لهم كتابا نسخته. بسم اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم: هَذَا كتاب من عياض بْن غنم لأسقف الرها إنكم إن فتحتم لي باب المدينة عَلَى أن تؤدوا إلي عن كل رجل دينارا ومدي قمح فأنتم آمنون عن أنفسكم وأموالكم ومن تبعكم وعليكم إرشاد الضال وإصلاح الجسور والطرق ونصيحة المسلمين «شهد اللَّه وكفى بالله شهيدا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وحدثني داود بْن عَبْد الحميد عن أبيه عن جده، إن كتاب عياض لأهل الرها: بسم اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم: هَذَا كتاب من عياض بْن غنم ومن معه منَ المسلمين لأهل الرها أني أمنتهم عَلَى دمائهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم ومدينتهم وطواحينهم إذا أدوا الحق الَّذِي عليهم، ولنا عليهم أن يصلحوا جسورنا ويهدوا ضالنا شهد اللَّه وملائكته والمسلمون. قَالَ: ثُمَّ أتى عياض حران ووجه صفوان بْن المعطل وحبيب بْن مسلمة الفهري إِلَى سميساط فصالح عياض أهل حران عَلَى مثل صلح الرها وفتحوا له أبوابها وولاها رجلا، ثُمَّ سار إِلَى سميساط فوجد صفوان بْن المعطل، وحبيب بْن مسلمة مقيمين عليها وقد غلبا عَلَى قرى وحصون من قراها وحصونها فصالحه أهلها عَلَى مثل صلح أهل الرها، وكان عياض يغزو منَ الرها ثُمَّ يرجع إليها. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن معمر عَنِ الزهري، قَالَ: لم يبق بالجزيرة موضع قدم إلا فتح عَلَى عهد عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه عَلَى يد عياض بْن غنم فتح حران، والرها، والرقة، وقرقيسيا، ونصيبين، وسنجار. وحدثني مُحَمَّد عَنِ الواقدي عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مسلمة عن فرات بْن سلمان عن ثابت بْن الحجاج، قَالَ: فتح عياض الرقة وحران والرها ونصيبين وميافارقين وقرقيسيا وقرى الفرات ومدائنها صلحا وأرضها عنوة وحدثني مُحَمَّد عَنِ الواقدي عن ثور بْن يزيد عن راشد بْن سَعْد أن عياضًا افتتح الجزيرة ومدائنها صلحا وأرضها عنوة. وقد روى: أن عياضا لما أتى حران منَ الرقة وجدها خالية قَدِ انتقل أهلها إِلَى الرها فلما فتحت الرها صالحوه عن مدينتهم وهم بها وكان صلحهم مثل صلح الرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وحدثني أَبُو أيوب الرقي المؤدب، قَالَ: حدثني الحجاج بْن أَبِي منيع الرصافي عن أبيه عن جده، قَالَ: فتح عياض الرقة ثُمَّ الرها ثُمَّ حران ثُمَّ سميساط عَلَى صلح واحد، ثم أتى سروج وراسكيفا والأرض البيضاء فغلب عَلَى أرضها وصالح أهل حصونها عَلَى مثل صلح الرها. ثُمَّ إن سميساط كفروا فلما بلغه ذلك رجع إليهم فحاصرها حَتَّى فتحها وبلغه أن أهل الرها قَدْ نقضوا فلما أناخ عليهم فتحوا له أبواب مدينتهم فدخلها وخلف بها عامله في جماعة ثم أتى قرايات الفرات وهي جسر منبج وذواتها ففتحها عَلَى ذلك وأتى عين الوردة وهي رأس العين فامتنعت عَلَيْهِ فتركها وأتى تل موزن ففتحها عَلَى مثل صلح الرها وذلك في سنة تسع عشرة، ووجه عياض إِلَى قرقيسيا حبيب ابن مسلمة الفهري ففتحها صلحا عَلَى مثل صلح الرقة وفتح عياض آمد بغير قتال عَلَى مثل صلح الرها، وفتح ميافارقين عَلَى مثل ذلك وفتح حصن كفرتوثا، وفتح نصيبين بعد قتال عَلَى مثل صلح الرها، وفتح طور عبدين وحصن ماردين ودارا عَلَى مثل ذلك، وفتح قردى وبازبدى عَلَى مثل صلح نصيبين وأتاه بطريق الزوزان فصالحه عن أرضه عَلَى إتاوة وكل ذلك في سنة تسع عشرة وأيام منَ المحرم سنة عشرين، ثم سار إلى أوزن ففتحها عَلَى مثل صلح نصيبين ودخل الدرب فبلغ بدليس وجازها إلى خلاط وصلح بطريقها وانتهى إِلَى العين الحامضة من أرمينية فلم يعدها ثُمَّ عاد فضمن صاحب بدليس خراج خلاط وجماجمها وما عَلَى بطريقها، ثُمَّ إنه انصرف إِلَى الرقة ومضى إِلَى حمص وقد كان عُمَر ولاه إياها فمات سنة عشرين. وولى عُمَر سَعِيد بْن عَامِر بْن حذيم فلم يلبث إلا قليلا حَتَّى مات فولى عُمَر عمير بْن سَعْد الأنصاري ففتح عين الوردة بعد قتال شديد. وقال الواقدي: حدثني من سمع إِسْحَاق بْن أَبِي فروة يحدث عن أَبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وهب الجيشاني ديلم بْن الموسع أن عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه كتب إِلَى عياض يأمره أن يوجه عمير بْن سَعْد إِلَى عين الوردة فوجهه إليها فقدم الطلائع أمامه فأصابوا قوما منَ الفلاحين وغنموا مواشي من مواشي العدو ثُمَّ إن أهل المدينة غلقوا أبوابها ونصبوا العرادات عليها فقتل منَ المسلمين بالحجارة والسهام بشر واطلع عليهم بطريق من بطارقتها فشتمهم وقال: لسنا كمن لقيتم ثُمَّ أنها فتحت بعد عَلَى صلح. حدثني عَمْرو بْن مُحَمَّد عَنِ الحجاج بْن أبي منيع عن أبيه عن جده، قَالَ: امتنعت رأس العين على عياض بْن غنم ففتحها عمير بْن سَعْد وهو والى عُمَر عَلَى الجزيرة بعد أن قاتل أهلها المسلمين قتالا شديدا فدخلها المسلمون عنوة، ثُمَّ صالحوهم بعد ذلك عَلَى أن دفعت الأرض إليهم ووضعت الجزية على رؤسهم عَلَى كل رأس أربعة دنانير ولم تسب نساؤهم ولا أولادهم، وقال الحجاج: وقد سمعت مشايخ من أهل رأس العين يذكرون أن عميرا لما دخلها قَالَ لهم: لا بأس لا بأس إلى إلي فكان ذلك أمانا لهم، وزعم الهيثم بْن عدي: أن عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه بعث أَبَا موسى الأشعري إِلَى عين الوردة فغزاها بجند الجزيرة بعد وفاة عياض، والثبت أن عميرا فتحها عنوة فلم تسب وجعل عليهم الخراج والجزية ولم يقل هَذَا أحد غير الهيثم، وقال الحجاج بْن أَبِي منيع: جلا خلق من أهل رأس العين واعتمل المسلمون أراضيهم وازدرعوها بإقطاع. وحدثني مُحَمَّد بْن المفضل الموصلي عن مشايخ من أهل سنجار، قَالُوا: كانت سنجار في أيدي الروم ثُمَّ إن كسرى المعروف بأبرويز أراد قتل مائة رجل منَ الفرس كانوا حملوا إليه بسبب خلاف ومعصية، فكلم فيهم فأمر أن يوجهوا إِلَى سنجار وهو يومئذ يعاني فتحها فمات منهم رجلان ووصل إليها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 ثمانية وتسعون رجلا فصاروا مع المقاتلة الَّذِينَ كانوا بإزائها ففتحوها دونهم وأقاموا بها وتناسلوا، فلما انصرف عياض من خلاط وصار إِلَى الجزيرة بعث إِلَى سنجار ففتحها صلحا وأسكنها قوما منَ العرب، وقد قَالَ بعض الرواة أن عياضا فتح حصنا منَ الموصل وليس ذلك بثبت. قَالَ ابْن الكلبي: عمير بْن سَعْد عامل عُمَر هُوَ عمير بْن سَعْد بْن شهيد بْن عَمْرو أحد الأوس، وقال الواقدي: هُوَ عمير بْن سَعْد بْن عُبَيْد وقتل أبوه سَعْد يوم القادسية، وسعد هَذَا هُوَ الَّذِي يروي الكوفيون إنه احد من جمع القرآن عَلَى عهد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الواقدي: وقد روى قوم أن خَالِد بْن الوليد ولى لعمر بعض الجزيرة فاطلى في حمام بآمد أو غيرها بشيء فيه خمر فعزله عُمَر: وليس ذلك بثبت. وحدثني عَمْرو الناقد، قَالَ: حدثني الحجاج بن أبي منيع عن أبيه عن جده عن ميمون بْن مهران، قَالَ: أخذ الزيت والخل والطعام لمرفق المسلمين بالجزيرة مدة ثُمَّ خفف عنهم واقتصر بهم عَلَى ثمانية وأربعين درهما وأربعة وعشرين واثني عشر نظرا من عُمَر للناس وكان عَلَى كل إنسان مع جزيته مدا قمح وقسطان من زيت وقسطان من خل. وحدثني عدة من أهل الرقة، قَالُوا: لما مات عياض وولى الجزيرة سعيد ابن عَامِر بْن حذيم بنى مَسْجِد الرقة ومسجد الرها ثُمَّ توفي فبنى المساجد بديار مضر وديار ربيعة عمير بْن سَعْد، ثُمَّ لما ولي معاوية الشام والجزيرة لعُثْمَان بْن عَفَّان رضي اللَّه عنه أمره أن ينزل العرب بمواضع نائية عَنِ المدن والقرى ويأذن لهم في اعتمال الأرضين الَّتِي لا حق فيها لأحد فأنزل بني تميم الرابية وأنزل المازحين والمديبر أخلاطا من قيس وأسد وغيرهم وفعل ذلك في جميع نواحي ديار مضر ورتب ربيعة في ديارها عَلَى ذلك، وألزم المدن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 والقرى والمسالح من يقوم بحفظها ويذب عنها من أهل العطاء ثُمَّ جعلهم مع عماله. وحدثني أَبُو حفص الشامي عن حَمَّاد بْن عَمْرو النصيبي قَالَ: كتب عامل نصيبين إِلَى معاوية وهو عامل عُثْمَان عَلَى الشام والجزيرة يشكو إليه أن جماعة منَ المسلمين ممن معه أصيبوا بالعقارب فكتب إليه يأمره أن يوظف عَلَى أهل كل حيز منَ المدينة عدة منَ العقارب مسماة في كل ليلة ففعل فكانوا يأتونه بها فيأمر بقتلها. وحدثني أَبُو أيوب المؤدب الرقى عن أَبِي عَبْد اللَّهِ القرقساني عن أشياخه أن عمير بْن سَعْد لما فتح رأس العين سلك الخابور وما يليه حَتَّى أتى قرقيسيا وقد نقض أهلها فصالحهم عَلَى مثل صلحهم الأول، ثُمَّ أتى حصون الفرات حصنا حصنا ففتحها عَلَى ما فتحت عَلَيْهِ قرقيسيا ولم يلق في شيء منها كثير قتال، وكان بعض أهلها ربما رموا بالحجارة، فلما فرغ من تلبس وعانات أتى النأوسة وآلوسة وهيت فوجد عمار بْن ياسر وهو يومئذ عامل عُمَر بْن الخطاب عَلَى الكوفة وقد بعث جيشا يستغزي ما فوق الأنبار عَلَيْهِ سَعْد بْن عَمْرو بْن حرام الأنصاري، وقد أتاه أهل هَذِهِ الحصون فطلبوا الأمان فأمنهم واستثنى عَلَى أهل هيت نصف كنيستهم فانصرف عمير إِلَى الرقة. وحدثني بعض أهل العلم، قَالَ: كان الَّذِي توجه إِلَى هيت والحصون الَّتِي بعدها منَ الكوفة مدرج بْن عَمْرو السلمي حليف بني عَبْد شمس وله صحبة فتولى فتحها وهو بنى الحديثة الَّتِي عَلَى الفرات وولده بهيت وكان منهم رجل يكنى أَبَا هارون باقي الذكر هناك، ويقال: أن مدلاجا كان من قبل سَعْد بْن عَمْرو بْن حرام والله أعلم. قالوا: وكان موضع نهر سَعِيد بْن عَبْد الملك بْن مروان- وهو الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 يقال له سَعِيد الخير وكان يظهر نسكا- غيضة ذات سباع فأقطعه إياها الوليد فحفر النهر وعمر ما هناك، وقال بعضهم: الَّذِي اقطعه ذلك عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ قَالُوا: ولم يكن للرافقة أثر قديم إنما بناها أمير الْمُؤْمِنِين المَنْصُور رحمه اللَّه سنة خمس وخمسين ومائة عَلَى بناء مدينته ببغداد، ورتب فيها جندا من أهل خراسان وجرت عَلَى يدي المهدي وهو ولي عهد، ثُمَّ أن الرشيد بنى قصورها فكان بَيْنَ الرقة والرافقة فضاء مزارع، فلما قدم علي بْن سُلَيْمَان بْن علي واليا عَلَى الجزيرة نقل أسواق الرقة إِلَى تلك الأرض، فكان سوق الرقة الأعظم فيما مضى يعرف بسوق هِشَام العتيق، ثُمَّ لما قدم الرشيد الرقة استزاد في تلك الأسواق فلم تزل تجتبي مع الصوافي، وأمار صافة هِشَام فإن هِشَام بْن عَبْد الملك أحدثها وكان ينزل قبلها الزيتونة وحفر الهنى والمرى، واستخرج الضيعة الَّتِي تعرف بالهنى والمرى، وأحدث فيها واسط الرقة، ثُمَّ إن تلك الضيعة قبضت في أول الدولة ثُمَّ صارت لأم جَعْفَر زبيدة بنت جَعْفَر بْن المَنْصُور فابتنت فيها القطيعة الَّتِي تنسب إليها وزادت في عمارتها، ولم يكن للرحبة الَّتِي في أسفل قرقيسيا أثر قديم إنما بناه وأحدثها مَالِك بْن طوق بْن عتاب التغلبي في خلافة المأمون. وكانت أذرمة من ديار ربيعة قرية قديمة فأخذها الْحَسَن بْن عَمْرو بْن الخطاب التغلبي من صاحبها وبنى بها قصرا وحصنها، وكانت كفرتوثا حصنا قديما فاتخذها ولد أَبِي رمثة منزلا فمدنوها وحصنوها. حدثني معافى بْن طاوس عن أبيه، قَالَ: سألت المشايخ عن أعشار بلد وديار ربيعة والبرية، فقال: هي أعشار ما أسلمت عَلَيْهِ العرب أو عمرته من لموات الَّذِي ليس في يد أحد أو رفضه النصارى فمات وغلب عليها الدغل فأقطعه العرب. حدثني أَبُو عَفَّان الرقى عن مشايخ من كتاب الرقة وغيرهم، قَالُوا: كانت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 عين الرومية وماؤها للوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط فأعطاها أَبَا زبيد الطائي ثُمَّ صارت لأبي العَبَّاس أمير الْمُؤْمِنِين فأقطعها ميمون بْن حَمْزَة مولى عَلي بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس ثُمَّ ابتاعها الرشيد من ورثته وهي من أرض الرقة، قَالُوا: وكان بْن هبيرة أقطع غابة ابن هبيرة فقبضت وأقطعها بشر بْن ميمون صاحب الطاقات ببغداد بناحية باب الشام ثُمَّ ابتاعها الرشيد وهي من أرض سروج، وكان هِشَام أقطع عائشة ابنته قطيعة برأسكيفا تعرف بها فقبضت وكانت لعبد الملك وهِشَام قرية تدعى سلعوس ونصف قرية تدعى كفر جدا منَ الرها وكانت بحران للغمر بْن يزيد تل عفراء وأرض تل مذابا (كذا) وأرض المصلى وصوافي في ربض حران أو مستغلاتها، وكان مرج عَبْد الواحد حمى المسلمون قبل أن تبنى الحدث وزبطرة فلما بنيتا استغنى بهما فعمر، فضمه الْحُسَيْن الخادم إِلَى الأحواز في خلافة الرشيد ثُمَّ توثب الناس عَلَى مزارعه حَتَّى قدم عَبْد اللَّهِ بْن طَاهِر الشام فرده إِلَى الضياع، وقال أَبُو أيوب الرقى: سمعت أن عَبْد الواحد الَّذِي نسب المرج إليه عبد الواحد بن الحارث ابن الحكم بن أبى العاصي وهو ابْن عم عَبْد الملك كان المرج له فجعله حمى للمسلمين وهو الَّذِي مدحه القطامي فقال: أهل المدينة لا يحزنك شأنهم ... إذا تخطأ عَبْد الواحد الأجل أمر نصارى بن تغلب بْن وائل حَدَّثَنَا شيبان بْن فروخ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عوانة عَنِ المغيرة عَنِ السفاح الشيباني، أن عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه أراد أن يأخذ الجزية من نصارى بني تغلب فانطلقوا هاربين ولحقت طائفة منهم ببعد من الأرض، فقال النعمان ابن زرعة أو زرعة بْن النعمان: أنشدك اللَّه في بني تغلب فإنهم قوم منَ العرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 نائفون منَ الجزية وهم قوم شديدة نكايتهم فلا يغن عدوك عليك بهم فأرسل عُمَر في طلبهم فردهم وأضعف عليهم الصدقة. حَدَّثَنَا شيبان، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الْعَزِيزِ بْن مُسْلِم، قَالَ: حَدَّثَنَا ليث عن رجل عن سَعِيد بْن جبير عَنِ ابْن عَبَّاس، قَالَ: لا تؤكل ذبائح نصارى بني تغلب ولا تنكح نساؤهم: ليسوا منا ولا من أهل الكتاب. حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن هِشَام عن أبيه عن عوانة بْن الحكم وأبي مخنف، قالا: كتب عمير بْن سَعْد إِلَى عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه يعلمه أنه أتى شق الفرات الشامي ففتح عانات وسائر حصون الفرات وأنه أراد من هناك من بني تغلب عَلَى الإِسْلام فأبوه وهموا باللحاق بأرض الروم وقبلهم ما أراد من في الشق الشرقي عَلَى ذلك فامتنعوا منه وسألوه أن يأذن لهم في الجلاء واستطلع رأيه فيهم فكتب إليه عُمَر رضي اللَّه عنه يأمره أن يضعف عليهم الصدقة الَّتِي تؤخذ منَ المسلمين في كل سائمة وأرض وإن أبوا ذلك حاربهم حَتَّى يبيدهم أو يسلموا فقبلوا أن يؤخذ منهم ضعف الصدقة، وقالوا: أما إذ لم تكن جزية كجزية الأعلاج فإنا نرضى ونحفظ ديننا. حدثني عَمْرو الناقد، قَالَ: حدثني أَبُو معاوية عَنِ الشيبان عَنِ السفاح عن داود بْن كردوس، قَالَ: صالح عُمَر بْن الخطاب بني تغلب بعد ما قطعوا الفرات وأرادوا اللحاق بأرض الروم عَلَى أن لا يصبغوا صبيا ولا يكرهوه عَلَى دينهم وعلى أن عليهم الصدقة مضعفة، قَالَ: وكان داود بْن كردوس يقول: ليست لهم ذمة لأنهم قَدْ صبغوا في دينهم يعني المعمودية فحدثني الْحُسَيْن بْن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم عن ابن المبارك عن يونس بن يزيد الأيلي عَنِ الزهري، قَالَ: ليس في مواشي أهل الكتاب صدقة إلا نصارى بني تغلب أو قَالَ نصارى العرب الَّذِينَ عامة أموالهم المواشي فإن عليهم ضعف ما عَلَى المسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 حدثنا سعيد بن سليمان سعدويه: حدثنا هشيم عن مغيرة عن السفاح ابن المثنى عن زرعة بْن النعمان أنه كان كلم عُمَر في نصارى بني تغلب وقال قوم عرب نائفون منَ الجزية وإنما هم أصحاب حروث ومواش وكان عُمَر قَدْ هم أن يأخذ الجزية منهم فتفرقوا في البلاد فصالحهم عَلَى أن أضعف عليهم ما يؤخذ منَ المسلمين من صدقاتهم في الأرض والماشية، واشترط عليهم أن لا ينصروا أولادهم، قال مغيرة: فكان علي عَلَيْهِ السلام يقول: لئن تفرغت لبنى تغلب ليكونن لي فيهم رأي لأقتلن مقاتلهم ولأسبين ذريتهم فقد نقضوا العهد وبرئت منهم الذمة حين نصروا أولادهم. وحدثني أَبُو نَصْر التمار، قَالَ: حَدَّثَنَا شريك بْن عَبْد اللَّهِ عَنِ إِبْرَاهِيم بْن مهاجر عن زياد بْن حدير الأسدي، قَالَ: بعثني عُمَر إِلَى نصارى بني تغلب آخذ منهم نصف عشر أموالهم ونهاني أن أعشر مسلما أو ذميا يؤدي الخراج. حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن ابن أَبِي سبرة عن عَبْد الملك بْن نوفل عن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن الحارث: أن عُثْمَان أمر أن لا يقبل من بني تغلب في الجزية إلا الذهب والفضة فجاءه الثبت أن عُمَر أخذ منهم ضعف الصدقة فرجع عن ذلك، قال الواقدي، وقال سُفْيَان الثوري، والأوزاعي، ومالك بْن أَنَس، وابن أَبِي ليلى، وابن أَبِي ذئب، وأبو حنيفة، وأبو يوسف يؤخذ منَ التغلبي ضعف ما يؤخذ منَ المسلم في أرضه وماشيته وماله، فأما الصبي والمعتوه منهم فإن أهل العراق يرون أن يؤخذ ضعف الصدقة من أرضه ولا يأخذون من ماشيته شيئا، وقال أهل الحجاز يؤخذ ذلك من ماشيته وأرضه، وقالوا جميعا: أن سبيل ما يؤخذ من أموال بني تغلب سبيل مال الخراج لأنه بدل منَ الجزية. غزو الثغور الجزرية قَالُوا: لما استخلف عُثْمَان بْن عَفَّان رضي اللَّه عنه كتب إِلَى معاوية بولايته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 الشام وولى عمير بْن سَعْد الأنصاري الجزيرة ثُمَّ عزله وجمع لمعاوية الشام والجزيرة وثغورهما وأمره يغزو شمشاط وهي أرمينية الرابعة أن يغزيها فوجه إليها حبيب بْن مسلمة الفهري وصفوان بْن معطل السلمي: ففتحاها بعد أيام من نزولهما عليها عَلَى مثل صلح الرها وأقام صفوان بها، وبها توفي في آخر خلافة معاوية ويقال بل غزاها معاوية نفسه وهذان معه فولاها صفوان فأوطنها وتوفي بها قالوا: وقد كان قسطنطين الطاغة أناخ عليها بعد نزوله في ملطية في سنة ثلاث وثلاثين ومائة فلم يمكنه فيها شيء فأغار عَلَى ما حولها ثُمَّ انصرف ولم تزل شمشاط خراجية حَتَّى صيرها المتوكل عَلَى اللَّه رحمه اللَّه عشرية أسوة غيرها من الثغور، وقالوا: أغزى حبيب بْن مسلمة حصن كمخ بعد فتح شمشاط فلم يقدر عَلَيْهِ وغزاه صفوان فلم يمكنه فتحه ثُمَّ غزاه في سنة تسع وخمسين وهي السنة الَّتِي مات فيها ومعه عمير بْن الحباب السلمي فعلا عمير سوره ولم يزل يجالد عَلَيْهِ وحده حَتَّى كشف الروم وصعد المسلمون ففتحه لعمير بْن الحباب وبذلك كان يفخر ويفخر له، ثُمَّ أن الروم غلبوا عَلَيْهِ ففتحه مسلمة بْن عَبْد الملك ولم يزل يفتح وتغلب الروم عَلَيْهِ فلما كانت سنة تسع وأربعين ومائة شخص المَنْصُور عن بغداد حَتَّى نزل حديثه الموصل، ثُمَّ أغزى منها الْحَسَن بْن قحطبة وبعده مُحَمَّد بْن الأشعث وجعل عليهما العَبَّاس بْن مُحَمَّد وأمره أن يغزو بهم كمخ فمات مُحَمَّد بْن الأشعث بآمد وسار العَبَّاس والحسن حَتَّى صار إِلَى ملطية فحملا منها الميرة ثُمَّ أناخ عَلَى كمخ، وأمر العَبَّاس بنصب المناجنيق عَلَيْهِ فجعلوا عَلَى حصنهم خشب العرعر لئلا يضربه حجارة المنجنيق، ورموا المسلمين فقتلوا منهم بالحجارة مائتي رجل فاتخذ المسلمون الدبابات وقاتلوا قتالا شديدا حَتَّى فتحوه، وكان مع العباس ابن مُحَمَّد بْن علي في غزاته هَذِهِ مطر الوراق، ثم أن الروم أغلقوا كمخ فلما كانت سنة سبع وسبعين ومائة غزا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بن أبى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 عمرة الأنصاري وهو عامل عَبْد الملك بْن صالح عَلَى شمشاط ففتحه ودخله لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر من هَذِهِ السنة فلم يزل مفتوحا حَتَّى كان هيج مُحَمَّد بْن الرشيد فهرب أهله وغلبت عَلَيْهِ الروم، ويقال أن عَبْد اللَّهِ بْن الأقطع دفعه إليهم وتخلص ابنه وكان أسيرا عندهم، ثُمَّ أن عَبْد اللَّهِ بْن طَاهِر فتحه في خلافة المأمون فكان في أيدي المسلمين حَتَّى لطف قوم من نصارى شمشاط وقاليقلا وبقراط بْن أشوط بطريق خلاط في دفعه إِلَى الروم والتقرب إليهم بذلك بسبب ضياع لهم فى عمل شمشاط. فتح ملطية وقالوا: وجه عياض بْن غنم حبيب بْن مسلمة الفهري من شمشاط إِلَى ملطية ففتحها ثُمَّ أغلقت، فلما ولي معاوية الشام والجزيرة وجه إليها حبيب ابن مسلمة ففتحها عنوة ورتب فيها رابطة منَ المسلمين مع عاملها وقدمها معاوية وهو يريد دخول الروم فشحنها بجماعة من أهل الشام والجزبرة وغيرهما فكانت طريق الصوائف، ثُمَّ أن أهلها انتقلوا عنها فى أيام عبد الله ابن الزبير وخرجت الروم فشعثتها ثُمَّ تركها فنزلها قوم منَ النصارى منَ الأرمن والنبط. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي في إسناده،: قَالَ كان المسلمون نزلوا طرندة بعد أن غزاها عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الملك سنة ثلاث وثمانين وبنوا بها مساكن وهي من ملطية عَلَى ثلاث مراحل واغلة في بلاد الروم وملطية يومئذ خراب ليس بها إلا ناس من أهل الذمة منَ الأرمن وغيرهم فكانت تأتيهم طالعة من جند الجزيرة في الصيف فيقومون بها إلى أن ينزل الشتاء وتسقط الثلوج فإذا كان ذلك قفلوا، فلما ولي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 رحل أهل طرندة عنها وهم كارهون، وذلك لاشفافه عليهم من العدو واحتملوا فلم يدعوا لهم شيئا حتى كسروا خوابي الخل والزيت، ثم أنزلهم مطلية وأخرب طرندة وولى مطلية جعونة بن الحارث أحد بني عامر بن صعصعة. قَالُوا: وخرج عشرون ألفا منَ الروم في سنة ثلاث وعشرين ومائة فنزلوا عَلَى ملطية فأغلق أهلها أبوابها وظهر النساء عَلَى السور عليهن العمائم فقاتلن، وخرج رَسُول لأهل ملطية مستغيثا فركب البريد وسار حَتَّى لحق بهِشَام بْن عَبْد الملك وهو بالرصافة فندب هِشَام الناس إلى ملطية ثُمَّ أتاه الخبر بأن الروم قَدْ رحلت عنها فدعا الرسول فاخبره وبعث معه خيلا ليرابط بها وغزا هِشَام نفسه، ثُمَّ نزل ملطية وعسكر عليها حَتَّى بنيت فكان ممره بالرقة دخلها متقلدا سيفا ولم يتقلده قبل ذلك في أيامه. قَالَ الواقدي: لما كانت سنة ثلاث وثلاثين ومائة أقبل قسطنطين الطاغية عامدا لملطية وكمخ يومئذ في أيدي المسلمين وعليها رجل من بني سليم فبعث أهل كمخ الصريخ إِلَى أهل ملطية فخرج إِلَى الروم منهم ثمانمائة فارس فواقعهم خيل الروم فهزمتهم ومال الرومي فأناخ عَلَى ملطية فحصر من فيها والجزيرة يومئذ مفتونة وعاملها موسى بْن كعب بحران فوجهوا رسولا لهم إليه فلم يمكنه إغاثتهم وبلغ ذلك قسطنطين فقال لهم: يا أهل ملطية إني لم آتيكم إلا عَلَى علم بأمركم وتشاغل سلطانكم عنكم انزلوا عَلَى الأمان واخلوا المدينة وأخربها وأمضى عنكم فأبوا عَلَيْهِ فوضع عليها المجانيق فلما جهدهم البلاء واشتد عليهم الحصار سألوه أن يوثق لهم ففعل، ثُمَّ استعدوا للرحلة وحملوا ما استدق لهم وألقوا كثيرا مما ثقل عليهم فى الآبار والمخابي ثُمَّ خرجوا وأقام لهم الروم صفين من باب المدينة إِلَى منقطع آخرهم مخترطي السيوف ظرف سيف كل واحد منهم مع طرف سيف الَّذِي يقابله حَتَّى كأنها عقد قنطرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 ثُمَّ شيعوهم حَتَّى بلغوا مأمنهم وتوجهوا نحو الجزيرة فتفرقوا فيها، وهدم الروم ملطية فلم يبقوا منها إلا هريا فإنهم شعثوا منه شيئا يسيرا وهدموا حصن قلوذية، فلما كانت سنة تسع وثلاثين ومائة كتب المَنْصُور إِلَى صالح ابن علي يأمره ببناء ملطية وتحصينها، ثُمَّ رأى أن يوجه عَبْد الوهاب بْن إِبْرَاهِيم الإمام واليا عَلَى الجزيرة وثغورها، فتوجه في سنة أربعين ومائة ومعه الْحَسَن بْن قحطبة في جنود أهل خراسان فقطع البعوث عَلَى أهل الشام والجزيرة فتوافى معه سبعون ألفا فعسكر عَلَى ملطية وقد جمع الفعلة من كل بلد فأخذ في بنائها وكان الْحَسَن بْن قحطبة ربما جمل الحجر حتى يناوله البناء وجعل يغدي الناس ويعشيهم من ماله مبرزا مطابخه فغاظ ذلك عَبْد الوهاب فكتب إِلَى أَبِي جَعْفَر يعلمه أنه يطعم الناس وأن الْحَسَن يطعم أضعاف ذلك التماسا لأن يطوله ويفسد ما يصنع ويهجنه بالإسراف والرياء وأن له منادين ينادون الناس إِلَى طعامه، فكتب إليه أَبُو جَعْفَر يا صبي يطعم الْحَسَن من ماله وتطعم من مالي ما أتيت إلا من صغر خطرك وقلة همتك وسفه رأيك، وكتب إِلَى الْحَسَن إن أطعم ولا تتخذ مناديا فكان الْحَسَن يقول من سبق إِلَى شرفة فله كذا فجد الناس في العمل حَتَّى فرغوا من بناء ملطية ومسجدها في ستة أشهر، وبنى للجند الَّذِينَ أسكنوها لكل عرافة بيتان سفليان وعليتان فوقهما واصطبل، والعرافة عشرة نفر إِلَى خمسة عشر رجلا وبنى لها مسلحة عَلَى ثلاثين ميلا منها، ومسلحة عَلَى نهر يدعى قباقب يدفع في الفرات وأسكن المَنْصُور ملطية أربعة آلاف مقاتل من أهل الجزيرة لأنها من ثغورهم عَلَى زيادة عشرة دنانير في عطاء كل رجل ومعونة مائة دينار سوى الجعل الَّذِي يتجاعله القبائل بينها ووضع فيها شحنتها منَ السلاح وأقطع الجند المزارع، وبنى حصن قلوذية وأقبل قسطنطين الطاغية في أكثر من مائة ألف فنزل جيحان فبلغه كثرة العرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 فأحجم عنها، وسمعت من يذكر أنه كان مع عبد الوهاب فى هذه الغزاة نصر ابن مَالِك الخزاعي ونصر بْن سَعْد الكاتب مولى الأنصار فقال الشاعر: تكنفك النصران نَصْر بْن مَالِك ... ونصر بْن سَعْد عز نصرك من نصر وفى سنة إحدى وأربعين ومائة أغزى مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم ملطية في جند من أهل خراسان وعلى شرطته المسيب بْن زهير فرابط بها لئلا يطمع فيها العدو فتراجع إليها من كان باقيا من أهلها، وكانت الروم عرضت لملطية في خلافة الرشيد فلم تقدر عليها وغزاهم الرشيد رحمه اللَّه فأشجاهم وقمعهم. وقالوا: وجه أَبُو عُبَيْدة بْن الجراح وهو بمنبج خَالِد بْن الوليد إِلَى ناحية مرعش ففتح حصنها عَلَى أن جلا أهله ثُمَّ أخربه، وكان سُفْيَان بْن عوف الغامدي لما غزا الروم في سنة ثلاثين رحل من قبل مرعش فساح في بلاد الروم وكان معاوية بنى مدينة مرعش وأسكنها جندا فلما كان موت يزيد بْن معاوية كثرت غارات الروم عليهم فانتقلوا عنها وصالح عَبْد الملك الروم بعد موت أبيه مروان بْن الحكم وطلبه الخلافة عَلَى شيء كان يؤديه إليهم، فلما كانت سنة أربع وسبعين غزا مُحَمَّد بْن مروان الروم وانتقض الصلح، ولما كانت سنة خمس وسبعين غزا الصائفة أيضا مُحَمَّد بْن مروان وخرجت الروم في جمادى الأولى من مرعش إِلَى الأعماق فزحف إليهم المسلمون وعليهم أبان بْن الوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط ومعه دينار بْن دينار مولى عَبْد الملك بْن مروان، وكان عَلَى قنسرين وكورها فالتقوا بعمق مرعش فاقتتلوا قتالا شديدا فهزمت الروم واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون، وكان دينار لقي في هَذَا العام جماعة منَ الروم بجسر يغرا، وهو من شمشاط عَلَى نحو من عشرة أميال فظفر بهم، ثُمَّ أن العَبَّاس بْن الوليد بْن عَبْد الملك صار إِلَى مرعش فعمرها وحصنها ونقل الناس إليها وبنى لها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 مسجدا جامعا كان يقطع في كل عام عَلَى أهل قنسرين بعثا إليها، فلما كانت أيام مروان بْن مُحَمَّد وشغل بمحاربة أهل حمص خرجت الروم وحصرت مدينة مرعش حَتَّى صالحهم أهلها عَلَى الجلاء فخرجوا نحو الجزيرة وجند قنسرين بعيالاتهم ثُمَّ أخربوها وكان عامل مروان عليها يومئذ الكوثر بْن زفر بْن الحارث الكلابي، وكان الطاغية يومئذ قسطنطين بْن اليون، ثُمَّ لما فرغ مروان من أمر حمص وهدم سورها بعث جيشا لبناء مرعش فبنيت ومدنت فخرجت الروم فى قتلته فأخربتها فبناها صالح بْن علي في خلافة أَبِي جَعْفَر المَنْصُور وحصنها وندب الناس إليها عَلَى زيادة العطاء واستخلف المهدي فزاد في شحنتها وقوى أهلها. حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي، قَالَ: خرج ميخائيل من درب الحدث في ثمانين ألفا فأتى عمق مرعش فقتل وأحرق وسبى منَ المسلمين خلقا وصار إِلَى باب مدينة مرعش وبها عِيسَى بْن علي، وكان قَدْ غزا في تلك السنة فخرج إليه موالى عِيسَى وأهل المدينة ومقاتلتهم فرشقوه بالنبل والسهام فاستطرد لهم حَتَّى إذا نحاهم عَنِ المدينة كر عليهم فقتل من موالى عِيسَى ثمانية نفر واعتصم الباقون بالمدينة فأغلقوها فحاصرهم بها ثُمَّ انصرف حَتَّى نزل جيحان، وبلغ الخبر ثمامة بْن الوليد العبسي وهو بدابق، وكان قَدْ ولى الصائفة سنة إحدى وستين ومائة فتوجه إليه خيلا كثيفة فأصيبوا إلا من نجا منهم فاحفظ ذلك المهدي واحتفل لإغزاء الْحَسَن بْن قحطبة في العام المقبل وهو سنة اثنتين وستين ومائة. قالوا: وكان حصن الحدث مما فتح أيام عُمَر فتحه حبيب بْن مسلمة من قبل عياض بْن غنم وكان معاوية يتعهده بعد ذلك، وكان بنو أمية يسمون درب الحدث السلامة للطيرة لأن المسلمين كانوا أصيبوا به فكان ذلك الحدث فيما يقول بعض الناس، وقال قوم: لقي المسلمين غلام حدث عَلَى الدرب فقاتلهم في أصحابه فقيل درب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 الحدث، ولما كان زمن فتنة مروان بْن مُحَمَّد خرجت الروم فهدمت مدينة الحدث وأجلت عنها أهلها كما فعلت بملطية، ثُمَّ لما كانت سنة إحدى وستين ومائة خرج ميخائيل إِلَى عمق مرعش ووجه المهدي الْحَسَن بْن قحطبة ساح فى بلاد الروم فتقلت وطأته عَلَى أهلها حَتَّى صوروه في كنائسهم، وكان دخوله من درب الحدث فنظر إِلَى موضع مدينتها فأخبر أن ميخائيل خرج منه فارتاد الْحَسَن موضع مدينته هناك فلما انصرف كلم المهدي في بنائها وبناء طرسوس فأمر بتقديم بناء مدينة الحدث، وكان في غزاة الْحَسَن هَذِهِ مندل العنزي المحدث الكوفي ومعتمر بْن سُلَيْمَان البصري فأنشأها عَلي بْن سُلَيْمَان ابن علي وهو عَلَى الجزيرة وقنسرين وسميت المحمدية، وتوفي المهدي مع فراغهم من بنائها فهي المهدية والمحمدية، وكان بناؤها باللبن، وكانت وفاته سنة تسع وستين ومائة واستخلف موسى الهادي ابنه فعزل عَلي بْن سُلَيْمَان وولى الجزيرة وقنسرين مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن علي، وقد كان علي بْن سُلَيْمَان فرغ من بناء مدينة الحدث وفرض مُحَمَّد لها فرضا من أهل الشام والجزيرة وخراسان في أربعين دينارا منَ العطاء وأقطعهم المساكن وأعطى كل امرئ ثلاثمائة درهم، وكان الفراغ منها في سنة تسع وستين ومائة، وقال أَبُو الخطاب: فرض علي بْن سُلَيْمَان بمدينة الحدث لأربعة آلاف فأسكنهم إياها ونقل إليها من ملطية وشمشاط وسميساط كيسوم ودلوك ورعبان ألفي رجل. قَالَ الواقدي: ولما بنيت مدينة الحدث هجم الشتاء والثلوج وكثرت الأمطار، ولم يكن بناؤها بمستوثق منه ولا محتاط فيه فتثلمت المدينة وتشعثت ونزل بها الروم فتفرق عنها من كان فيها من جندها وغيرهم، وبلغ الخبر موسى فقطع بعثا مع المسيب بْن زهير وبعثا مع روح بْن حَاتِم وبعثا مع حَمْزَة بْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 مَالِك فمات قبل أن ينفذوا. ثُمَّ ولى الرشيد الخلافة فأمر ببنائها وتحصينها وشحنتها وإقطاع مقاتلتها المساكن والقطائع. وقال غير الواقدي: أناخ بطريق من عظماء بطارقة الروم في جمع كثيف عَلَى مدينة الحدث حين بنيت وكان بناؤها بلبن قَدْ حمل بعضه عَلَى بعض وأضرت به الثلوج وهرب عاملها ومن فيها ودخلها العدو فحرق مسجدها وأخربها واحتمل أمتعة أهلها فبناها الرشيد حين استخلف. وحدثني بعض أهل منبج، قَالَ: إن الرشيد كتب إِلَى مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بإقراره عَلَى عمله فجرى أمر مدينة الحدث وعمارتها من قبل الرشيد عَلَى يده ثُمَّ عزله. قَالُوا: وكان مَالِك بْن عَبْد اللَّهِ الخثعمي الَّذِي يقال له مَالِك الصوائف وهو من أهل فلسطين غزا بلاد الروم سنة ست وأربعين وغنم غنائم كثيرة، ثُمَّ قفل: فلما كان من درب الحديث عَلَى خمسة عشر ميلا بموضع يدعى الرهوة أقام فيها ثلاثا فباع الغنائم وقسم سهام الغنيمة فسميت تلك الرهوة رهوة مَالِك. قالوا: وكان مرج عَبْد الواحد حمى لخيل المسلمين فلما بنى الحدث وزبطرة استغنى عنه فازدرع، قَالُوا: وكانت زبطرة حصنا قديما روميا ففتح مع حصن الحدث القديم فتحه حبيب بْن مسلمة الفهري، وكان قائما إِلَى أن أخربته الروم في أيام الوليد بْن يزيد فبنى بناء غير محكم فأناخت الروم عَلَيْهِ في أيام فتنة مروان بْن مُحَمَّد فهدمته فبناه المَنْصُور، ثُمَّ خرجت إليه فشعثته فبناه الرشيد عَلَى يدي مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم وشحنه، فلما كانت خلافة المأمون: طرقه الروم فشعثوه وأغاروا عَلَى سرح أهله فاستاقوا لهم مواشي فأمر المأمون بمرمته وتحصينه، وقدم وفد طاغية الروم في سنة عشر ومائتين يسأل الصلح فلم يجبه إليه وكتب إِلَى عمال الثغور فساحوا في بلاد الروم فأكثروا فيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 القتل ودوخوها وظفروا ظفرا حسنا إلا أن يقظان بْن عَبْد الأعلى بْن أَحْمَد بْن يزيد بْن أسيد السلمي أصيب، ثُمَّ خرجت الروم إِلَى زبطرة في خلافة المعتصم بالله أَبِي إِسْحَاق بْن الرشيد فقتلوا الرجال وسبوا النساء وأخربوها فأحفظه ذلك وأغضبه، فغزاهم حَتَّى بلغ عمورية وقد أخرب قبلها حصونا فأناخ عليتها حَتَّى فتحها فقتل المقاتلة وسبى النساء والذرية ثُمَّ أخربها وأمر ببناء زبطرة وحصنها وشحنها فرامها الروم بعد ذلك فلم يقدروا عليها. وحدثني أَبُو عَمْرو الباهلي وغيره، قَالُوا: نسب حصن مَنْصُور إِلَى مَنْصُور بْن جعونة بْن الحارث العامري من قيس، وذلك أنه تولى بناءه ومرمته، وكان مقيما به أيام مروان ليرد العدو ومعه جند كثيف من أهل الشام والجزيرة وكان مَنْصُور هَذَا عَلَى أهل الرها حين امتنعوا في أول الدولة فحصرهم المَنْصُور وهو عامل أَبِي العَبَّاس عَلَى الجزيرة وأرمينية، فلما فتحها هرب منصور ثم أو من فظهر، فلما خلع عَبْد اللَّهِ بْن علي أَبَا جَعْفَر المَنْصُور ولاه شرطته فلما هرب عَبْد اللَّهِ إِلَى البصرة استخفى فدل عَلَيْهِ في سنة إحدى وأربعين ومائة فأتى المَنْصُور به فقتله بالرقة منصرفه من بيت المقدس، وقوم يقولون: أنه أو من بعد هرب ابْن علي فظهر، ثُمَّ وجدت له كتب إِلَى الروم بغش الإِسْلام فلما قدم المَنْصُور الرقة من بيت المقدس سنة إحدى وأربعين ومائة وجه من أتاه به فضرب عنقه بالرقة ثُمَّ انصرف إِلَى الهاشمية بالكوفة. وكان الرشيد بنى حصن مَنْصُور وشحنه في خلافة المهدي. نقل ديوان الرومية قَالُوا: ولم يزل ديوان الشام بالرومية حَتَّى ولي عَبْد الملك بْن مروان، فلما كانت سنة إحدى وثمانين أمر بنقله وذلك أن رجلا من كتاب الروم احتج أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 يكتب شيئا فلم يجد ماء فبال في الدواة، فبلغ ذلك عَبْد الملك فأدبه، وأمر سُلَيْمَان بْن سَعْد بنقل الديوان فسأله أن يعينه بخراج الأردن سنة ففعل ذلك، وولاه الأردن فلم تنقض السنة حَتَّى فرغ من نقله وأتى به عَبْد الملك فدعا بسرجون كاتبه فعرض ذلك عَلَيْهِ فغمه وخرج من عنده كثيبا فلقيه قوم من كتاب الروم، فقال: اطلبوا المعيشة من غير هَذِهِ الصناعة فقد قطعها اللَّه عنكم، قَالَ: وكانت وظيفة الأردن الَّتِي قطعها معونة مائة ألف وثمانين ألف دينار ووظيفة فلسطين ثلاثمائة ألف خمسين ألف دينار ووظيفة دمشق أربعمائة ألف دينار ووظيفة حمص مع قنسرين والكور الَّتِي تدعى اليوم العواصم ثمانمائة ألف دينار، ويقال: سبعمائة ألف دينار. فتوح أرمينية حدثني مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل من ساكني برذعة وغيره عن أَبِي براء عنبسة ابن بحر الأرمني، وحدثني مُحَمَّد بْن بشر القالي عن أشياخه، وبرمك بْن عَبْد اللَّهِ الديلي، وَمُحَمَّد بْن المخيس الخلاطي وغيرهم عن قوم من أهل العلم بأمور أرمينية، سقت حديثهم ورددت من بعضه عَلَى بعض، قَالُوا: كانت شمشاط وقاليقلا وخلاط وأرجيش وباجنيس تدعى أرمينية الرابعة: وكانت كورة البسفرجان ودبيل وسراج طير وبغروند تدعى أرمينية الثالثة وكانت جرزان تدعى أرمينية الثانية، وكانت السيسجان وأران تدعى أرمينية الأولى ويقال كانت شمشاط وحدها أرمينية الرابعة، وكانت قاليقلا وخلاط وأرجيش وباجنيس تدعى أرمينية الثالثة، وسراج طير وبغروند ودبيل والبسفرجان تدعى أرمينية الثانية، وسيسجان وأراد وتفليس تدعى أرمينية الأولى وكانت جرزان وأران فى أيدى الخزر وسابر أرمينية في أيدي الروم يتولاها صاحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 أرمنياقس، وكانت الخزر تخرج فتغير وربما بلغت الدينور فوجه قباذ بْن فيروز الملك قائد من عظماء قواده في اثني عشر ألفا فوطئ بلاد أران وفتح ما بَيْنَ النهر الَّذِي يعرف بالرس إِلَى شروان، ثُمَّ أن قباذ لحق به فبنى بأران مدينة البيلقان، ومدينة برذنة، وهي مدينة الثغر كله، ومدينة قبله، وهي الخزر ثُمَّ بنى سد اللبن فيما بَيْنَ أرض شروان وباب اللان، وبنى عَلَى سد اللبن ثلاثمائة وستين مدينة خربت بعد بناء الباب والأبواب، ثُمَّ أن ملك بعد قباذ ابنه أنوشروان كسرى بْن قباذ فبنى مدينة الشابران ومدينة مسقط، ثُمَّ بنى مدينة الباب والأبواب، وإنما سميت أبوابا لأنها بنيت عَلَى طريق في الجبل وأسكن ما بنى من هَذِهِ المواضع قوما سماهم السياسيجين، وبنى بأرض أران أبواب شكن والقميبران وأبواب الدودانية، وهم أمة يزعمون أنهم من بنى دودان بْن أسد بْن خزيمة وبنى الدرذوقية وهي اثنا عشر بابا كل باب منها قصر من حجارة وبنى بأرض جرزان مدينة، يقال لها. سغدبيل وأنزلها قوما منَ السغد وأبناء فارس وجعلها مسلحة، وبنى مما يلي الروم في بلاد جرزان قصرا يقال له باب فيروز قباذ، وقصرا يقال له. باب لاذقة، وقصرا يقال له، باب بارقة وهو عَلَى بحر طرابزندة، وبنى باب اللان، وباب سمسخى، وبنى قلعة الجردمان وقلعة سمشلدى، وفتح أنوشروان جميع ما كان في أيدي الروم من أرمينية وعمر مدينة دبيل وحصنها، وبنى مدينة النشوى وهي مدينة كورة البسفرجان، وبنى حصن ويص، وقلاعا بأرض السيسجان، منها قلعة الكلاب، وساهيونس وأسكن هَذِهِ الحصون والقلاع ذوي البأس والنجدة من سياسجية، ثُمَّ أن أنوشروان كتب إلى ملك الترك يسأله الموادعة والصلح وأن يكون أمرهما واحدا وخطب إليه ابنته ليؤنسه بذلك وأظهر له الرغبة في صهره وبعث إليه بأمة كانت تبنتها امرأة من نسائه وذكر أنها ابنته، فهدى التركي ابنته إليه، ثُمَّ قدم عَلَيْهِ فالتقيا بالبرشلية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وتنادما أياما وأنس كل واحد منهما بصاحبه وأظهر بره، وأمر أنوشروان جماعة من خاصته وثقاته أن يبيتوا طرفا من عسكر التركي ويحرقوا فيه ففعلوا فلما أصبح شكا ذلك إِلَى أنوشروان فأنكر أن يكون أمر به أو علم أن أحدا من أصحابه فعله، ولما مضت لذلك ليالي أمر أولئك القوم بمعاودة مثل الَّذِي كان منهم ففعلوا فضج التركي من فعلهم حَتَّى رفق به أنوشروان واعتذر إليه فسكن ثُمَّ أن أنوشروان أمر فألقيت النار في ناحية من عسكره لم يكن بها إلا أكواخ قَدِ اتخذت من حشيش وعيدان فلما أصبح ضج أنوشروان إِلَى التركي، وقال: كاد أصحابك يذهبون بعسكري وقد كافأتني بالظنة فحلف أنه لم يعلم بشيء مما كان سببا فقال أنوشروان: يا أخي جندنا وجندك قَدْ كرهوا صلحنا لانقطاع ما انقطع عنهم منَ النيل في الغارات والحروب الَّتِي كانت تكون بيننا ولا أمن أن يحدثوا أحداثا يفسد قلوبنا بعد تصافينا وتخالصنا حَتَّى نعود إِلَى العداوة بعد الصهر والمودة، والرأي أن تأذن لي في بناء حائط يكون بيني وبينك ونجعل عَلَيْهِ بابا فلا يدخل إليك من عندنا وإلينا من عندك إلا من أردت وأردنا، فأجابه إِلَى ذلك فانصرف إِلَى بلاده وأقام أنوشروان لبناء الحائط فبناه وجعله من قبل البحر بالصخر والرصاص وجعل عرضه ثلاثمائة ذراع وألحقه برؤوس الجبال وأمر أن تحمل الحجارة في السفن وتغريقها في البحر حَتَّى إذا ظهرت عَلَى وجه الماء بنى عليها فقاد الحائط في البحر ثلاثة أميال، فلما فرغ من بنائه علق عَلَى المدخل منه أبواب حديد ووكل به مائة فارس يحرسونه بعد أن كان موضعه يحتاج إِلَى خمسين ألفا منَ الجند، وجعل عَلَيْهِ دبابة فقيل لخاقان بعد ذلك إنه خدعك وزوجك غير ابنته وتحصن منك فلم يقدر عَلَى حيلة. وملك أنوشروان ملوكا رتبهم وجعل لكل امرئ منهم شاهية ناحية فمنهم خاقان الجبل، وهو صاحب السرير ويدعى وهرارزانشاه، ومنهم ملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 فيلان وهو فيلان شاة، ومنهم طبرسرانشاة وملك اللكز ويدعى جرششانشاه وملك مسقط وقد بطلت مملكته، وملك ليران ويدعى ليرانشاه، وملك شروان ويدعى شروانشاه، وملك صاحب بخ عَلَى بخ وصاحب زريكران عليها وأقر ملوك جبل القبق عَلَى ممالكهم وصالحهم عَلَى الإوتاوة فلم تزل أرمينية في أيدي الفرس حَتَّى ظهر الإِسْلام فرفض كثير منَ السياسيجين حصونهم ومدائنهم حَتَّى خربت وغلب الخزر والروم عَلَى ما كان في أيديهم بديا. قَالُوا: وقد كانت أمور الروم تستب في بعض الأزمنة وصاروا كملوك الطوائف فملك أرمنياقس رجل منهم، ثُمَّ مات فملكتها بعده امرأته وكانت تسمى قالى فبنت مدينة قاليقلا وسمتها قاليقاله، ومعنى ذلك إحسان قالى، قَالَ: وصورت عَلَى باب من أبوابها فأعربت العرب قاليقاله فقالوا قاليقلا. قَالُوا: ولما استخلف عُثْمَان بْن عَفَّان كتب إِلَى معاوية وهو عامله عَلَى الشام والجزيرة وثغورها يأمره أن يوجه حبيب بْن مسلمة الفهري إِلَى أرمينية وكان حبيب ذا أثر جميل في فتوح الشام وغزو الروم. قَدْ علم ذلك منه عُمَر ثُمَّ عُثْمَان رضي اللَّه عنهما ثُمَّ من بعده. ويقال: بل كتب عُثْمَان إِلَى حبيب يأمره بغزو أرمينية وذلك أثبت، فنهض إليها في ستة آلاف ويقال في ثمانية آلاف من أهل الشام والجزيرة فأت ى قاليقلا فأناخ عليها وخرج إليه أهلها فقاتلهم ثُمَّ ألجأهم إِلَى المدينة فطلبوا الأمان عَلَى الجلاء والجزية فجلا كثير منهم فلحقوا ببلاد الروم، وأقام حبيب بها فيمن معه أشهرا، ثُمَّ بلغه أن بطريق أرمنياقس قد جمع للمسلين جمعا عظيما وانضمت إليه أمداد أهل اللان وأفخاز وسمندر منَ الخزر فكتب إِلَى عُثْمَان يسأله المدد فكتب إِلَى معاوية يسأله أن يشخص إليه من أهل الشام والجزيرة قوما ممن يرغب في الجهاد والغنيمة فبعث إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 معاوية ألفي رجل أسكنهم قاليقلا وأقطعهم بها القطائع وجعلهم مرابطة بها ولما ورد عَلَى عُثْمَان كتاب حبيب كتب إِلَى سَعِيد بْن العاصي بن سعيد بن العاصي بْن أمية وهو عامله عَلَى الكوفة يأمره بإمداده بجيش عَلَيْهِ سلمان بْن ربيعة الباهلي وهو سلمان الخيل، وكان خيرا فاضلا غزاء فسار سلمان الخيل إليه في ستة آلاف رجل من أهل الكوفة، وقد أقبلت الروم ومن معها فنزلوا عَلَى الفرات، وقد أبطأ عَلَى حبيب المدد فبيتهم المسلمون فاجتاحوهم وقتلوا عظيمهم وقالت أم عَبْد اللَّهِ بنت يزيد الكلبية امرأة حبيب ليلتئذ له أين موعدك، قَالَ: سرادق الطاغية أو الجنة، فلما انتهى إِلَى السرادق وجدها عنده قَالُوا: ثُمَّ أن سلمان ورد وقد فرغ المسلمون من عدوهم فطلب أهل الكوفة إليهم أن يشركوهم في الغنيمة فلم يفعلوا حَتَّى تغالظ حبيب وسلمان في القول وتوعد بعض المسلمين سلمان بالقتل قَالَ الشاعر: إن تقتلوا سلمان نقتل حبيبكم ... وإن ترحلوا نحو ابن عفان ترحل وكتب إِلَى عُثْمَان بذلك فكتب: أن الغنيمة باردة لأهل الشام، وكتب إِلَى سلمان يأمره بغزو أران، وقد روى بعضهم: أن سلمان بْن ربيعة توجه إِلَى أرمينية في خلافة عُثْمَان فسبى وغنم وانصرف إِلَى الوليد بْن عقبة وهو بحديثة الموصل سنة خمس وعشرين فأتاه كتاب عُثْمَان يعلمه أن معاوية كتب يذكر أن الروم قَدْ أجلبوا عَلَى المسلمين بجموع عظيمة يسأل المدد ويأمره أن يبعث إليه ثمانية آلاف رجل فوجه بهم وعليهم سلمان بْن ربيعة الباهلي ووجه معاوية حبيب بْن مسلمة الفهري معه في مثل تلك العدة فافتتحا حصونا وأصابا سبيا وتنازعا الإمارة وهم أهل الشام بسلمان فقال الشاعر: إن تقتلوا «البيت» . والخبر الأول أثبت. حدثني به عدة من مشايخ أهل قاليقلا وكتب إِلَى به العطاف بْن سُفْيَان أَبُو الأصبغ قاضيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن عَبْد الحميد بْن جَعْفَر عن أبيه قَالَ: حاصر حبيب بْن مسلمة أهل دبيل فأقام عليها فلقيه الموريان الرومي فبيته وقتله وغنم ما كان في عسكره، ثُمَّ قدم سلمان عَلَيْهِ، والثبت عندهم أنه لقيه بقاليقلا. وحدثني مُحَمَّد بْن بشر وابن ورز القالياني عن مشايخ أهل قاليقلا قَالُوا: لم تزل مدينة قاليقلا مذ فتحت ممتنعة بمن فيها من أهلها حَتَّى خرج الطاغية في سنة ثلاث وثلاثين ومائة فحصر أهل ملطية وهدم حائطها وأجلى من بها منَ المسلمين إِلَى الجزيرة ثُمَّ نزل مرج الحصى فوجه كوسان الأرمني حَتَّى أناخ عَلَى قاليقلا فحصرها وأهلها يومئذ قليل وعاملها أَبُو كريمة فنقب إخوان منَ الأرمن من أهل مدينة قاليقلا ردما كان في سورها وخرجا إِلَى كوسان فأدخلاه المدينة فغلب عليها فقتل وسبى وهدمها وساق ما حوى إِلَى الطاغية وفرق السبي عَلَى أصحابه. وقال الواقدي: لما كانت سنة تسع وثلاثين ومائة فادى المَنْصُور بمن كان حيا من أساري أهل قاليقلا وبنى قاليقلا وعمرها ورد من فادى به إليها وندب إليها جندا من أهل الجزيرة وغيرهم، وقد كان طاغية الروم خرج إِلَى قاليقلا في خلافة المعتصم بالله فرمى سورها حَتَّى كاد يسقط فأنفق المعتصم عليها خمسمائة ألف درهم حَتَّى حصنت. قَالُوا: ولما فتح حبيب مدينة قاليقلا سار حَتَّى نزل مربالا فأناه بطريق خلاط بكتاب عياض بْن غنم، وكان عياض قَدْ أمنه عَلَى نفسه وماله وبلاده وقاطعه عَلَى إتاوة فأنفذه حبيب له ثُمَّ نزل منزلا بَيْنَ الهرك ودشت الورك فأتاه بطريق خلاط بما عَلَيْهِ منَ المال وأهدى له هدية لم يقبلها منه ونزل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 خلاط ثم سار منها إلى الصسابه فلقيه بها صاحب مكس، وهى ناحية من نواحي البسرجان فقاطعه عَلَى بلاده ووجه معه رجلا وكتب له كتاب صلح وأمان ووجه إِلَى قرى أرجيش وباجنيس من غلب عليها وجبى جزية رؤس أهلها وأتاه وجوههم فقاطعهم على خراجها، فأما بحيرة الطريخ فلم يعرض لها ولم تزل مباحة حَتَّى ولى مُحَمَّد بْن مروان بْن الحكم الجزيرة وأرمينية فحوى صيدها وباعه فكان يستغلها، ثُمَّ صارت لمروان بْن مُحَمَّد فقبضت عنه، قَالَ: ثُمَّ سار حبيب وأتى ازدساط وهي قرية القرمز وأجاز نهر الأكراد ونزل مرج دبيل فسرب الخيول إليها، ثُمَّ زحف حتى نزل على بابها فتصحن أهلها ورموه فوضع عليها منجنيقا ورماهم حَتَّى [1] طلبوا الأمان والصلح فأعطاهم إياه وجالت خيوله فنزلت جرنى وبلغت أشوش وذات اللجم والجبل كونتة (؟) ووادي الأحرار وغلبت عَلَى جميع قرى دبيل ووجه إِلَى سراج طير وبغروند فأتاه بطريقه فصالحه عنها عَلَى إتاوة يؤديها وعلى مناصحة المسلمين وقراهم ومعاونتهم عَلَى أعدائهم وكان كتاب صلح دبيل. بسم اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم: هَذَا كتاب من حبيب بْن مسلمة لنصارى أهل دبيل ومجوسها ويهودها شاهدهم وغائبهم: إني أمنتكم عَلَى أنفسكم وأموالكم وكنائسكم وبيعكم وسور مدينتكم فأنتم آمنون وعلينا الوفاء لكم بالعهد ما وفيتم وأديتم الجزية والخراج شهد اللَّه «وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً» 4: 79 وختم حبيب بْن مسلمة. ثُمَّ أتى حبيب النشوى ففتحها عَلَى مثل صلح دبيل وقدم عَلَيْهِ بطريق البسفرجان فصالحه عن جميع بلاده وأرضى هصابنه (كذا) وأفارستة (كذا) عَلَى خرج يؤديه في كل سنة، ثُمَّ أتى السيسجان فحاربهم أهلها فهزمهم وغلب على   [1] المنجنيق مخصص لقذف الحجارة والمواد المحرقة أثناء الحروب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 ويص وصالح أهل القلاع بالسيسجان عَلَى خرج يؤدونه ثُمَّ سار إِلَى جرزان. حدثني مشايخ من أهل دبيل منهم برمك بْن عَبْد الله، قالوا، سار حبيب ابن مسلمة بمن معه يريد جرزان فلما انتهوا إِلَى ذات اللجم سرحوا بعض دوابهم وجمعوا لجمها فخرج عليهم قوم منَ العلوج فأعجلوهم عَنِ الألجام فقاتلوهم فكشفوهم العلوج وأخذا تلك اللجم وما قدروا عَلَيْهِ منَ الدواب ثُمَّ إنهم كروا عليهم فقتلوهم وارتجعوا ما أخذوا منهم فسمي الموضع ذات اللجم، قالوا: وأتى حبيبا رَسُول بطريق جرزان وأهلها وهو يريدها فأدى إليه رسالتهم وسأله كتاب صلح وأمان لهم فكتب حبيب إليهم. «أما بعد» فإن نقلي رسولكهم قدم علي وعلى الَّذِينَ معي منَ الْمُؤْمِنِين فذكر عنكم أنا أمة أكرمنا اللَّه وفضلنا، وكذلك فعل الله وله الحمد كثيرا، صلى اللَّه عَلَى مُحَمَّد نبيه وخيرته من خلقه وعليه السلام، وذكرتم أنكم أحببتم سلمنا وقد قومت هديتكم وحسبتها من جزيتكم وكتب لكم أمانا واشترطت فيه شرطا فإن قبلتموه ووفيتم به وإلا فأذنوا بحرب منَ اللَّه ورسوله والسلام عَلَى منَ اتبع الهدى. ثُمَّ ورد تفليس وكتب لأهلها صلحا. بسم اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم: هَذَا كتاب من حبيب بْن مسلمة لأهل طفليس من منجليس من جرزان القرمز بالأمان عَلَى أنفسهم وبيعهم وصوامعهم وصلواتهم ودينهم عَلَى إقرار بالصغار والجزية عَلَى كل أهل بيت دينار وليس لكم أن تجمعوا بَيْنَ أهل البيوتات تخفيفا للجزية ولا لنا أن نفرق بينهم استكثارا منها ولنا نصيحتكم وضلعكم عَلَى أعداء اللَّه ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما استطعتم وقرى المسلم المحتاج ليلة بالمعروف من حلال طعام أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 الكتاب لنا وان انقطع برجل منَ المسلمين عندكم فعليكم أداؤه إِلَى أدنى فئة منَ الْمُؤْمِنِين إلا أن يحال دونهم وإن أنبتم وأقمتم الصلاة فإخواننا في الدين وإلا فالجزية عليكم، وإن عرض للمسلمين شغل عنكم فقهركم عدوكم فغير مأخوذين بذلك ولا هُوَ ناقض عهدكم، هَذَا لكم وهذا عليكم شهد اللَّه وملائكته وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً 4: 79. وكتب الجراح بْن عَبْد اللَّهِ الحكمي لأهل تفليس كتابا نسخته بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من الجراح بْن عَبْد اللَّهِ لأهل تفليس من رستاق منجليس من كورة جرزان أنه أتوني بكتاب أمان لهم من حبيب بْن مسلمة عَلَى الإقرار بصغار الجزية وأنه صالحهم عَلَى أرضين لهم وكروم وأرحاء يقال لها وارى، وسابينا من رستاق منجليس وعن طعام وديدونا من رستاق قحويط من جرزان عَلَى أن يؤدوا عن هَذِهِ الأرحاء والكروم في كل سنة مائة درهم بلا ثانية فأنفذت لهم أمانهم وصلحهم وأمرت الأيراد عليهم فمن قرئ عَلَيْهِ كتابي فلا يتعد ذلك فيهم إن شاء اللَّه وكتب، قَالُوا: وفتح حبيب حوارح وكسفربيس وكسال وخنان وسمسخى والجردمان وكستسجى وشوشت وبازليت صلحا عَلَى حقن دماء أهلها وإقرار مصلياتهم وحيطانهم وعلى أن يؤدوا إتاوة عن أرضهم ورؤسهم وصالح أهل قلرجيت وأهل ثرياليت وخاخيط وخوخيط وأرطهال وباب اللال وصالح الصنارية والدودانية عَلَى إتاوة، قَالُوا وسار سلمان بْن ربيعة الباهلي حين أمره عُثْمَان بالمسير إِلَى أران ففتح مدينة البيلقان صلحا عَلَى أن أمنهم عَلَى دمائهم وأموالهم وحيطان مدينتهم واشترط عليهم أداء الجزية والخراج ثُمَّ أتى سلمان برذعة فعسكر عَلَى الثرثور وهو نهر منها عَلَى أقل من فرسخ فأغلق أهلها دونه أبوابهم فعاناها أياماوشن الغارات في قراها، وكانت زروعها مستحصدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 فصالحوه عَلَى مثل صلح البيلقان وفتحوا له أبوابها فدخلها وأقام بها ووجه خيله ففتحت شفشين والمسفوان وأود والمصريان والهرحليان وتبار وهي رساتيق وفتح غيرها من أران، ودعا أكراد البلاسجان إِلَى الإسلام فقاتلوه فظفر بهم فأقر بعضهم بالجزية وأدى بعض الصدقة وهم قليل. وحدثني جماعة من أهل برذعة، قَالُوا: كانت شمكور مدينة قديمة فوجه سلمان بْن ربيعة الباهلي من فتحها فلم تزل مسكونة معمورة حَتَّى أخربها الساوردية وهم قوم تجمعوا في أيام انصرف يزيد بْن أسيد عن أرمينية فغلظ أمرهم وكثرت نوائبهم ثُمَّ أن بغا مولى المعتصم بالله رحمه اللَّه عمرها في سنة أربعين ومائتين وهو والى أرمينية وأذربيجان وشمشاط وأسكنها قوما خرجوا إليه منَ الخزر مستأمنين لرغبتهم في الإِسْلام ونقل إليها التجار من برذعة وسماها المتوكلية، قالوا: وسار سلمان إِلَى مجمع الرس والكر خلف برديج فعبر الكر ففتح قبلة وصالحه صاحب شكن والقميبران عَلَى إتاوة وصالحه أهل خيزان وملك شروان وسائر ملوك الجبال وأهل مسقط والشابران ومدينة الباب ثُمَّ أغلقت بعده ولقيه خاقان في خيوله خلف نهر البلنجر فقتل رحمه اللَّه في اربعة آلاف منَ المسلمين فكان يسمع في مأزقهم التكبير، وكان سلمان بْن ربيعة أول منَ استقضى بالكوفة أقام أربعين يوما لا يأتيه خصم، وقد روى عن عُمَر بْن الخطاب، وفي سلمان وقتيبة بْن مُسْلِم يقول ابْن جمانة الباهلي: وإن لنا قبرين قبر بلنجر ... وقبر بصين استان يا لك من قبر فذاك الَّذِي بالصين عمت فتوحه ... وهذا الَّذِي يسقى به سبل القطر وكان مع سلمان ببلنجر قرظة بْن كعب الأنصاري وهو جاء بنعيه إِلَى عُثْمَان، قَالُوا: ولما فتح حبيب ما فتح من أرض أرمينية كتب به إِلَى عُثْمَان بْن عَفَّان فوفاه كتابه وقد نعي إليه سلمان فهم أن يوليه جميع أمينية، ثُمَّ رأى أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 يجعله غازيا بثغور الشام والجزيرة لغنائه فيما كان ينهض له من ذلك فولى ثغر أرمينية حذيفة بْن اليمان العبسي فشخص إِلَى برذعة ووجه عماله عَلَى ما بينها وبين قاليقلا وإلى خيزان فورد عَلَيْهِ كتاب عُثْمَان يأمره بالانصراف وتخليف صلة بْن زفر العبسي، وكان معه فخلفه وسار حبيب راجعا إِلَى الشام وكان يغزو الروم ونزل حمص فنقله معاوية إِلَى دمشق فتُوُفِّيَ بها سنة اثنتين وأربعين وهو ابْن خمس وثلاثين سنة، وكان معاوية وجه حبيبا في جيش لنصرة عُثْمَان حين حوصر، فلما انتهى إِلَى وادى القرى بلغه مقتل عُثْمَان فرجع، قَالُوا: وولى عُثْمَان المغيرة بْن شعبة أذربيجان وأرمينية، ثُمَّ عزله وولى القاسم بن ربيعة ابن أمية بْن أَبِي الصلت الثقفي أرمينية ويقال: ولاها عَمْرو بْن معاوية بْن المنتفق العقيلي، وبعضهم يقول وليها رجل من بنى كلاب بعد المغيرة خمس عشرة سنة ثُمَّ وليها العقبلى وولى الأشعث بْن قيس لعلي بْن أَبِي طالب رضي اللَّه عنه أرمينية وأذربيجان ثُمَّ وليها عَبْد اللَّهِ بْن حَاتِم بْن النعمان بْن عَمْرو الباهلي من قبل معاوية فمات بها فوليها عَبْد الْعَزِيزِ بْن حَاتِم بْن النعمان أخوه فبنى مدينة دبيل وحصنها وكبر مسجدها وبنى مدينة النشوى ورم مدينة برذعة ويقال: أنه جدد بناءها وأحكم حفر الفارقين حولها وجدد بناء مدينة البيلقان، وكانت هَذِهِ المدن متشعثة مستهدمة، ويقال أن الَّذِي جدد بناء برذعة مُحَمَّد بْن مروان في أيام عَبْد الملك بْن مروان، وقال الواقدي: بني عَبْد الملك مدينة برذعة عَلَى يد حَاتِم بْن النعمان الباهلي أو ابنه، وقد كان عَبْد الملك ولى عُثْمَان بْن الوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط، أرمينية، قَالُوا: ولما كانت فتنة ابْن الزبير انتقضت أرمينية وخالف أحرارها وأتباعهم فلما ولى مُحَمَّد بْن مروان من قبل أخيه عَبْد الملك أرمينية حاربهم فظفر بهم فقتل وسبى وغلب عَلَى البلاد، ثُمَّ وعد من بقى منهم أن يعرض لهم في الشرف فاجتمعوا لذلك في كنائس من عمل خلاط فأغلقها عليهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 ووكل بأبوابها ثم خوفهم، وفي تلك الغزاة سبيت أم يزيد بْن أسيد منَ السيسجان وكانت بنت بطريقها، قَالُوا: وولى سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك أرمينية عدي بْن عدي بْن عميرة الكندي، وكان عدي بْن عميرة ممن نزل الرقة مفارقا لعلي بْن أَبِي طالب ثُمَّ ولاه إياها عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ وهو صاحب نهر عدي بالبيلقان، وروى بعضهم أن عامل عُمَر كان حَاتِم بْن النعمان، وليس ذلك بثبت، ثُمَّ ولى يزيد بْن عَبْد الملك معلق بْن صفار البهراني ثُمَّ عزله وولى الحارث بْن عَمْرو الطائي فغزا أهل اللكز ففتح رستاق حسمدان، وولى الجراح بْن عَبْد اللَّهِ الحكمي من مذحج أرمينية فنزل برذعة فرفع إليه اختلاف مكاييلها وموازينها فأقامها عَلَى العدل والوفاء واتخذ مكيالا يدعى الجراحي فأهلها يتعاملون به إِلَى اليوم، ثُمَّ أنه عبر الكر وسار حَتَّى قطع النهر المعروف بالسمور وصار إِلَى الخزر فقتل منهم مقتلة عظيمة وقاتل أهل بلاد حمزين، ثُمَّ صالحهم عَلَى أن نقلهم إِلَى رستاق خيزان وجعل لهم قريتين منه وأوقع بأهل غوميك وسبى منهم، ثُمَّ قفل فنزل شكى وشتا جنده ببرذعة والبيلقان وجاشت الخزر وعبرت الرس فحاربهم في صحراء ورثان، ثُمَّ انحازوا إِلَى ناحية أردبيل فواقعهم عَلَى أربعة فراسخ مما يلي أرمينية فاقتلوا ثلاثة أيام فاستشهد ومن معه فسمى ذلك النهر نهر الجراح ونسب جسر عَلَيْهِ إِلَى الجراح أيضا، ثُمَّ أن هِشَام بْن عَبْد الملك ولى مسلمة بْن عَبْد الملك أرمينية ووجه عَلَى مقدمته سَعِيد بن عمروا بْن أسود الحرشي ومعه إِسْحَاق بْن مُسْلِم العقيلي وأخوته وجعونة بْن الحارث بْن خَالِد أحد بني عَامِر بْن ربيعة بْن صعصعة وذفافة وخالد أبنا عمير بْن الحباب السلمي والفرات بْن سلمان الباهلي والوليد بْن القعقاع العبسي فواقع الخزر وقد حاصروا ورثان فكشفهم عنها وهزمهم فأتوا ميمذ من عمل أذربيجان، فلما تهيأ لقتالهم أتاه كتاب مسلمة بْن عَبْد الملك يلومه عَلَى قتاله الخزر قبل قدومه ويعلمه أن قَدْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 ولى أمر عسكره عَبْد الملك بْن مُسْلِم العقيلي، فلما سلم العسكر أخذه رَسُول مسلمة فقيده وحمله إِلَى برذعة فحبس في سجنها وانصرف الخزر فاتبعهم مسلمة وكتب بذلك إِلَى هِشَام فكتب إليه: أتتركهم بميمذ قَدْ تراهم ... وتطلبهم بمنقطع التراب وأمر بإخراج الحرشي منَ السجن، قَالُوا: وصالح مسلمة أهل خيزان وأمر بحصنها فهدم واتخذ لنفسه به ضياعا وهي اليوم تعرف بحوز خيزان وسالمه ملوك الجبال فصار إليه شروانشاه وليرانشاه وطبرسرانشاه وفيلانشاه وخرشا خرشانشاه وصار إليه صاحب مسقط وصمد لمدينة الباب ففتحها وكان في قلعتها ألف أهل بيت منَ الخزر فحاصرهم ورماهم بالحجارة ثُمَّ بحديد اتخذه عَلَى هيئة الحجارة فلم ينتفع بذلك، فعمد إليه العين الَّتِي كان أنوشروان أخرى منها الماء إِلَى صهريجهم فذبح البقر والغنم وألقى فيه الفرث والحلتيت فلم يمكث ماؤهم إلا ليلة حَتَّى دود وأنتن وفسد، فلما جن عليهم الليل هربوا وأخلوا القلعة وأسكن مسلمة بْن عَبْد الملك مدينة الباب والأبواب أربعة وعشرين ألفا من أهل الشام عَلَى العطاء فأهل الباب اليوم لا يدعون عاملا يدخل مدينتهم إلا ومعه مال يفرقه بينهم، وبنى هريا للطعام وهريا للشعير وخزانة للسلاح وأمر بكبس الصهريج ورم المدينة وشرفها، وكان مروان بْن مُحَمَّد مع مسلمة وواقع معه الخزر فأبلى وقاتل قتالا شديدا، ثُمَّ ولى هِشَام بعد مسلمة سَعِيد الحرشي فأقام بالثغر سنتين ثُمَّ ولى الثغر مروان بْن مُحَمَّد فنزل كسال وهو بنى مدينتها وهي من برذعة عَلَى أربعين فرسخا ومن تفليس عَلَى عشرين فرسخا ثُمَّ دخل أرض الخزر مما يلي باب اللان وأدخلهما أسيد بْن زافر السلمي أَبَا يزيد ومعه ملوك الجبال من ناحية الباب والأبواب فأغار مروان عَلَى صقالبة كانوا بأرض الخزر فسبى منهم عشرين ألف أهل بيت فأسكنهم خاخيط ثُمَّ أنهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 قتلوا أميرهم وهربوا فلحقهم وقتلهم، قَالُوا: ولما بلغ عظيم الخزر كثرة من وطئ به مروان بلاده منَ الرجال وما هم عَلَيْهِ في عدتهم وقوتهم نخب ذلك قلبه وملأه رعبا، فلما دنا منه أرسل إليه رسولا يدعوه إِلَى الإِسْلام أو الحرب فقال: قَدْ قبلت الإِسْلام فأرسل إِلَى من يعرضه علي ففعل فأظهر الإِسْلام ووادع مروان عَلَى أن أقره في مملكته وسار مروان معه بخلق منَ الخزر فأنزلهم ما بَيْنَ السمور والشابران في سَهْل أرض اللكز، ثُمَّ أن مروان دخل أرض السرير فأوقع بأهلها وفتح قلاعا فيها ودان له ملك السرير وأطاعه فصالحه عَلَى ألف رأس خمسمائة غلام وخمسمائة جارية سود الشعور والحواجب وهدب الأشفار في كل سنة وعلى مائة ألف مدى تصب في أهراء الباب وأخذ منه الرهن وصالح مروان أهل تومان عَلَى مائة رأس خمسين جارية وخمسين غلاما خماسيين سود الشعور والحواجب وهدب الأشفار وعشرين ألف مدى للأهراء في كل سنة، ثُمَّ دخل أرض زريكران فصالحه ملكها عَلَى خمسين رأسا وعشرة آلاف مدى للأهراء في كل سنة ثُمَّ أتى أرض حمزين فأبى حمزين أن يصالحه فافتتح حصنهم بعد أن حاصرهم فيه شهرا فأحرق وأخرب وكان صلحه إياه عَلَى خمسمائة رأس يؤدونها دفعة واحدة ثُمَّ لا يكون عَلَيْهِ سبيل وعلى أن يحمل ثلاثين ألف مدى إِلَى إهراء الباب فى كل سنة، ثم أتى سدان فافتتحها صلحا على مائة رأس يعطيه إياها صاحبها دفعة ثم لا يكون عليه سبيل فيما يستقبل وعلى أن يحمل فى كل سنة إِلَى إهراء الباب خمسة آلاف مدى، ووظف عَلَى أهل طبرسرانشاه عشرة آلاف مدى في كل سنة تحمل إِلَى إهراء الباب، ولم يوظف عَلَى فيلانشاه شيئا، وذلك لحسن غنائه وجميل بلائه وإحماده أمره، ثُمَّ نزل مروان عَلَى قلعة اللكز وقد امتنع من أداء شيء من الوظيفة وخرج يريد صاحب الخرز فقتله راع بسهم رماه به وهو لا يعرفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 فصالح أهل اللكز عَلَى عشرين ألف مدى تحمل إِلَى الإهراء، وولى عليهم خشرما السلمي وسار مروان إِلَى قلعة صاحب شروان وهي تدعى خرش وهي عَلَى البحر فأذعن بالطاعة والانحدار إِلَى السهل وألزمهم عشرة آلاف مدى في كل سنة وجعل عَلَى صاحب شروان أن يكون في المقدمة إذا بدأ المسلمون بغزو الخزر وفي الساقة إذا رجعوا وعلى فيلانشاه أن يغزو معهم فقط وعلى طبرسرانشاه أن يكون فى الساقة إذا بدءوا وفي المقدمة إذا انصرفوا، وسار مروان إِلَى الدودنية فأوقع بهم، ثُمَّ جاءه قتل الوليد بْن يزيد وخالف عَلَيْهِ ثابت بْن نعيم الجذامي وأتى مسافر القصاب وهو ممن مكنه بالباب الضحاك الخارجي فوافقه عَلَى رأيه وولاه أرمينية وأذربيجان، وأتى أردبيل مستخفيا فخرج معه قوم منَ الشراة منها وأتوا باجروان فوجدوا بها قوما يرون رأيهم فانضموا إليهم فأتوا ورثان فصحبهم من أهلها بشر كثير كانوا عَلَى مثل رأيهم وعبروا إِلَى البيلقان فصحبتهم منهم جماعة كثيرة كانوا عَلَى مثل رأيهم ثُمَّ نزل يونان، وولى مروان بْن مُحَمَّد إِسْحَاق بْن مُسْلِم أرمينية فلم يزل يقاتل مسافرا وكان فى قلعة الكلاب بالسيسجان. ثُمَّ لما جاءت الدولة المباركة وولى أَبُو جَعْفَر المَنْصُور الجزيرة وأرمينية في خلافة السفاح أَبِي العَبَّاس رحمه اللَّه وجه إِلَى مسافر وأصحابه قائدا من أهل خراسان فقاتلهم حَتَّى ظفر بهم وقتل مسافرا، وكان أهل البيلقان متحصنين في قلعة الكلاب ورئيسهم قدد بْن أصفر البيلقاني فاستنزلوا بأمان. ولما استخلف المَنْصُور رحمه اللَّه ولى يزيد بْن أسيد السلمي أرمينية ففتح باب اللان ورتب فيه رابطة من أهل الديوان ودوخ الصنارية حَتَّى أدوا الخراج فكتب إليه المَنْصُور يأمره بمصاهرة ملك الخزر ففعل، وولدت له ابنته منه ابنا فمات ومانت في نفاسها وبعث يزيد إِلَى نفاطة أرض شروان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وملاحاتها فجباها ووكل به وبنى يزيد مدينة أرجيل الصغرى ومدينة أرجيل الكبرى وأنزلهما أهل فلسطين. حدثني مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل عن جماعة من مشايخ أهل برذعة، قَالُوا الشماخية الَّتِي في عمل شروان نسبت إِلَى الشماخ بْن شجاع فكان ملك شروان في ولاية سَعِيد بْن سالم الباهلي أرمينية. وحدثني مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل عَنِ المشيخة أن أهل أرمينية انتقضوا في ولاية الْحَسَن بْن قحطبة الطائي بعد عزل بْن أسيد وبكار بْن مُسْلِم العقيلي وكان رئيسهم موشائيل الأرمني فبعث إليه المَنْصُور رحمه اللَّه الأمداد وعليهم عَامِر بْن إِسْمَاعِيل فواقع الْحَسَن موشائيل فقتل وفضت جموعه واستقامت له الأمور، وهو الَّذِي نسب إليه نهر الْحَسَن بالبيلقان والباغ الَّذِي يعرف بباغ الْحَسَن ببرذعة والضياع المعروفة بالحسنية، وولى بعد الْحَسَن بْن قحطبة عُثْمَان بْن عمارة بْن خريم، ثُمَّ روح بْن حَاتِم المهلبي، ثُمَّ خزيمة بْن خازم، ثُمَّ يزيد بْن مزيد الشيباني، ثُمَّ عُبَيْد اللَّه بْن المهدي، ثُمَّ الْفَضْل بْن يَحْيَى، ثُمَّ سَعِيد بْن سالم، ثُمَّ مُحَمَّد بْن يزيد بْن مزيد، وكان خزيمة أشدهم ولاية وهو الَّذِي سن المساحة بدبيل والنشوى ولم يكن قبل ذلك، ولم يزل بطارقة أرمينية مقيمين في بلادهم يحمي كل واحد منهم ناحيته فإذا قدم الثغر عامل من عماله داروه فإن رأوا منه عفة وصرامة وكان في قوة وعدة أدوا إليه الخراج وأذعنو له بالطاعة وإلا اغتمزوا فيه واستخفوا بأمره، ووليهم خالد ابن يزيد بْن مزيد في خلافة المأمون فقبل هداياهم وخلطهم بنفسه فأفسدهم ذلك من فعله وجرأهم عَلَى من بعده من عمال المأمون. ثُمَّ ولى المعتصم بالله الْحَسَن بْن علي الباذغيسي المعروف بالمأموني الثغر فأهمل بطارقته وأحراره ولان لهم حَتَّى ازدادوا فسادا عَلَى السلطان وكلبا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 من يليهم منَ الرعية، وغلب إِسْحَاق بْن إِسْمَاعِيل بْن شعيب مولى بني أمية عَلَى جرزان، ووثب سَهْل بْن سنباط البطريق عَلَى عامل حيدر بْن كاوس الأفشين عَلَى أرمينية فقتل كاتبه وأفلت بحشاشة نفسه ثُمَّ ولى أرمينية عمال كانوا يقبلون من أهلها العفو ويرضون من خراجها بالميسور. ثُمَّ أن أمير الْمُؤْمِنِين المتوكل عَلَى اللَّه ولى يوسف بْن مُحَمَّد بْن يوسف المروزي أرمينية لسنتين من خلافته، فلما صار بخلاط أخذ بطريقها بقراط ابن أشوط فحمله إِلَى سر من رأى فأوحش البطارقة والأحرار والمتغلبة ذلك منه ثُمَّ أنه عمد عامل له يقال له العلاء بْن أحمد إلى دير بالسيسجان يعرف بدير الأقداح لم تزل نصارى أرمينية تعظمه وتهدي إليه فأخذ منه جميع ما كان فيه وعسف أهله فأكبرت البطارقة ذلك وأعظمته وتكاتبت فيه وحض بعضها عَلَى بعض عَلَى الخلاف والنقض ودسوا إِلَى الخويثية وهم علوج يعرفون بالأرطان في الوثوب بيوسف وحرضوهم عَلَيْهِ لما كان من حمله بقراط بطريقهم ووجه كل امرئ منهم ومن المتغلبة خيلا ورجالا ليؤيدوهم عَلَى ذلك فوثبوا به بطرون، وقد فرق أصحابه فى القرى فقتلوه واحتووا عَلَى ما كان في عسكره فولى أمير الْمُؤْمِنِين المتوكل عَلَى اللَّه بغا الكبير أرمينية فلما صار إِلَى بدليس أخذ موسى بْن زرارة، وكان ممن هوى قتل يوسف وأعان عَلَيْهِ غضبا لبقراط وحارب الخويثية فقتل منهم مقتلة عظيمة وسبى سبيا كثيرا، ثُمَّ حاصر أشوط بْن حَمْزَة بْن جاجق بطريق البسفرجال وهو بالبلق فاستنزله من قلعته وحمله إِلَى سر من رأى وسار إِلَى جرزان فظفر بإِسْحَاق بْن إِسْمَاعِيل فقتله صبرا وفتح جرزان وحمل من بأران وظاهر أرمينية من بالسيسجان من أهل الخلاف والمعصية منَ النصارى وغيرهم حَتَّى صلح ذلك الثغر صلاحا لم يكن عَلَى مثله ثُمَّ قدم سر من رأى في سنة إحدى وأربعين ومائتين . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 فتوح مصر والمغرب قَالُوا: وكان عَمْرو بْن العاصي حاصر قيسارية بعد انصراف الناس من حرب اليرموك ثُمَّ استخلف عليها ابنه حين ولى يزيد بْن أَبِي سُفْيَان ومضى إِلَى مصر من تلقاء نفسه في ثلاثة آلاف وخمسمائة، فغضب عُمَر لذلك وكتب إليه يوبخه ويعنفه عَلَى افتتانه عَلَيْهِ برأيه وأمره بالرجوع إِلَى موضعه إن وافاه كتابه دون مصر، فورد الكتاب عَلَيْهِ وهو بالعريش، وقيل أيضا: إن عمر كتب إلى عمرو بن العاصي يأمره بالشخوص إِلَى مصر فوافاه كتابه وهو محاصر قيسارية وكان الَّذِي أتاه شريك بْن عبدة فأعطاه ألف دينار فأبى شريك قبولها فسأله أن يستر ذلك ولا يخبر به عُمَر. قَالُوا: وكان مسير عَمْرو إِلَى مصر في سنة تسع عشرة فنزل العريش ثُمَّ أتى الفرماء وبها قوم مستعدون للقتال فحاربهم فهزمهم وحوى عسكرهم ومضى قدما إِلَى الفسطاط فنزل جنان الريحان وقد خندق أهل الفسطاط، وكان اسم المدينة اليونة فسماها المسلمون فسطاطا لأنهم قَالُوا: هَذَا فسطاط القوم ومجمعهم، وقوم يقولون: إن عمرا ضرب بها فسطاطا فسميت بذلك. قالوا: ولم يلبث عمرو بن العاصي وهو محاصر أهل الفسطاط أن ورد عَلَيْهِ الزبير بْن العوام بْن خويلد في عشرة آلاف، ويقال: في اثني عشر ألفا فيهم خارجة بْن حذافة العدوي وعمير بْن وهب الجمحي، وكان الزبير قَدْ هم بالغزو وأراد إتيان انطاكية فقال له عُمَر: يا أَبَا عَبْد اللَّهِ هل لك في ولاية مصر، فقال: لا حاجة لي فيها ولكني أخرج مجاهدا وللمسلمين معاونا فإن وجدت عمرا قَدْ فتحها لم أعرض لعمله وقصدت إِلَى بعض السواحل فرابطت به وإن وجدته في جهاد كنت معه فسار عَلَى ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 قَالُوا: وكان الزبير يقاتل من وجه وعمرو بن العاصي من وجه، ثُمَّ أن الزبير أتى بسلم فصعد عَلَيْهِ حَتَّى أوفى عَلَى الحصن وهو مجرد سيفه فكبر وكبر المسلمون واتبعوه ففتح الحصن عنوة واستباح المسلمون ما فيه وأفر عَمْرو أهله عَلَى أنهم ذمة موضع عليهم الجزية في رقابهم والخراج في أرضهم وكتب بذلك إِلَى عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه فأجازه واختط الزبير بمصر وابنتى دارا معروفة، وإياها نزل عَبْد اللَّهِ بْن الزبير حين غزا أفريقية مع ابْن أَبِي سرح وسلم الزبير باق في مصر. وَحَدَّثَنَا عَفَّان بْن مُسْلِم، قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سلمة عن هِشَام بْن عُرْوَة أن الزبير بْن العوام بعث إِلَى مصر فقيل له أن بها الطعن والطاعون، فقال: إنما جئنا للطعن والطاعون، قَالَ: فوضعوا السلاليم فصعدوا عليها. وحدثني عَمْرو الناقد، قَالَ: حدثني عَبْد اللَّهِ بْن وهب المصري عَنِ ابْن لهيعة عن يزيد بْن أَبِي حبيب: أن عَمْرو بْن العاصي دخل مصر ومعه ثلاثة آلاف وخمسمائة، وكان عُمَر بْن الخطاب قَدْ أشفق لما أَخْبَرَ به من أمرها فأرسل الزبير بْن العوام في اثني عشر ألفا فشهد الزبير فتح مصر واختط بها. وحدثني عَمْرو الناقد، عن عَبْد اللَّهِ بْن وهب المصري عَنِ ابْن لهيعة عن يزيد بْن أَبِي حبيب عن عَبْد اللَّهِ بْن المغيرة بْن أَبِي بردة عن سُفْيَان بْن وهب الخولاني، قَالَ: لما فتحنا مصر بغير عهد قام الزبير فقال: أقسمها يا عَمْرو فأبى فقال الزبير: والله لتقسمنها كما قسم رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر: فكتب عَمْرو إِلَى عُمَر في ذلك فكتب إليه عُمَر أقرها حَتَّى يغزو منها حبل الحبلة، قال: وقال عَبْد اللَّهِ بْن وهب: وحدثني ابْن لهيعة عن خَالِد بْن ميمون عن عَبْد الله ابن المغيرة عن سُفْيَان بْن وهب بنحوه. وحدثني الْقَاسِم بْن سلام، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأسود عن ابن لهيعة عن يزيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 ابن أَبِي حبيب أن عَمْرو بْن العاصي دخل مصر في ثلاثة آلاف وخمسمائة، وكان عُمَر قَدْ أشفق من ذلك فأرسل الزبير بْن العوام في اثني عشر ألفا فشهد معه فح مصر، قَالَ: فاختط الزبير بمصر والإسكندرية خطتين. وحدثني إِبْرَاهِيم بْن مُسْلِم الخوارزمي، عن عَبْد اللَّهِ بْن المبارك عَنِ ابْن لهيعة عن يزيد بْن أبي حبيب عن أَبِي فراس عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن العاص، قَالَ: اشتبه عَلَى الناس أمر مصر، فقال قوم: فتحت عنوة، وقال آخرون: فتحت صلحا، والثلج في أمرها أن أَبِي قدمها فقاتله أهل اليونة ففتحها قهرا وأدخلها المسلمين وكان الزبير أول من على حصنها، فقال صاحبها لأبي: أنه قَدْ بلغنا فعلكم بالشام ووضعكم الجزية عَلَى النصارى واليهود وإقراركم الأرض في أيدي أهلها يعمرونها ويؤدون خراجها فإن فعلتم بنا مثل ذلك كان أرد عليكم من قتلنا وسبينا وإجلائنا، قَالَ: فاستشار أَبِي المسلمين فأشاروا عَلَيْهِ بأن يفعل ذلك إلا نفر منهم سألوا أن يقسم الأرض بينهم فوضع عَلَى كل حالم دينارين جزية إلا أن يكون فقيرا وألزم كل ذي أرض مع الدينارين ثلاثة أرادب حنطة وقسطي زيت وقسطي عسل وقسطي خل رزقا للمسلمين تجمع في دار الرزق وتقسم فيهم، وأحصى المسلمون، فألزم جميع أهل مصر لكل رجل منهم جبة صوف وبرنسا أو عمامة وسراويل وخفين في كل عام أو عدل الجبة الصوف ثوبا قبطيا وكتب عليهم بذلك كتابا وشرط لهم إذا وفوا بذلك أن لا تباع نساؤهم وأبناؤهم ولا يسبوا وأن تقر أموالهم وكنوزهم في أيديهم، فكتب بذلك إِلَى أمير الْمُؤْمِنِين عُمَر فأجازه وصارت الأرض أرض خراج إلا أنه لما وقع هَذَا الشرط والكتاب ظن بعض الناس أنها فتحت صلحا، قال: ولما فرغ ملك اليونة من أمر نفسه ومن معه في مدينته صالح عن جميع أهل مصر عَلَى مثل صلح اليونة فرضوا به، وقالوا هؤلاء الممتنعون قَدْ رضوا وقنعوا بهذا فنحن به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 أقنع لأننا فرش لا منعة لنا، ووضع الخراج عَلَى أرض مصر فجعل عَلَى كل جريب دينارا وثلاثة أرادب طعاما وعلى رأس كل حالم دينارين وكتب بذلك إِلَى عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه. وحدثني عَمْرو الناقد عن عَبْد اللَّهِ بْن وهب المصري عَنِ الليث عن يزيد ابن أَبِي حبيب: أن المقوقس صالح عَمْرو بْن العاصي عَلَى أن يسير منَ الروم من أراد ويقر من أراد الإقامة منَ الروم عَلَى أمر سماه، وأن يفرض عَلَى القبط دينارين فبلغ ذلك ملك الروم فتسخطه وبعث الجيوش، فأغلقوا باب الإسكندرية وآذنوا عمرا بالحرب فخرج إليه المقوقس، فقال: أسألك ثلاثا أن لا تبذل للروم مثل الَّذِي بذلت لي فإنهم قَدِ استغشوني وأن لا تنقض بالقبط فإن النقض لم يأت من قبلهم وإن مت فمر بدفني في كنيسة بالإسكندرية ذكرها، فقال عمرو: هذه أهونهن علي وكانت قرى من مصر قاتلت فسبى منهم والقرى بلهيت والخيس وسلطيس فوقع سباؤهم بالمدينة فردهم عُمَر بْن الخطاب وصيرهم وجماعة القبط أهل ذمة وكان لهم عهد لم ينقضوه وكتب عَمْرو بفتح الإسكندرية إِلَى عُمَر. «أما بعد» فإن اللَّه فتح علينا الإسكندرية عنوة قسرا بغير عهد ولا عقد وهي كلها صلح في قول يزيد بْن أَبِي حبيب. حدثني أَبُو أيوب الرقي عن عَبْد الغفار عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قَالَ: جبى عَمْرو خراج مصر وجزيتها ألفي ألف وجباها عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح أربعة آلاف ألف، فقال عُثْمَان لعمرو: إن اللقاح بمصر بعدك قَدْ درث ألبانها، قَالَ: ذاك لأنكم أعجفتم أولادها. قال: وكتب عُمَر بْن الخطاب في سنة إحدى وعشرين إلى عمرو بن العاصي يعلمه ما فيه أهل المدينة منَ الجهد ويأمره أن يحمل ما يقبض منَ الطعام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 في الخراج إِلَى المدينة في البحر فكان ذلك يحمل ويحمل معه الزيت فإذا ورد الجار تولى قبضه سَعْد الجار، ثُمَّ جعل في دار بالمدينة وقسم بَيْنَ الناس بمكيال فانقطع ذلك في الفتنة الأولى، ثُمَّ حمل في أيام معاوية ويزيد ثُمَّ انقطع إِلَى زمن عَبْد الملك بْن مروان ثُمَّ لم يزل يحمل إِلَى خلافة أَبِي جَعْفَر وقبيلها. وحدثني بكر بْن الهيثم، قَالَ: حدثني أَبُو صالح عَبْد اللَّهِ بْن صالح عَنِ الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب: أن أهل الجزية بمصر صولحوا في خلافة عُمَر بعد الصلح الأول مكان الحنطة والزيت والعسل والخل عَلَى دينارين دينارين، فألزم كل رجل أربعة دنانير فرضوا بذلك وأحبوه. وحدثني أَبُو أيوب الرقى، قَالَ: حدثني عَبْد الغفار الحراني عَنِ ابْن لهيعة عن يزيد بْن أَبِي حبيب عَنِ الجيشاني، قَالَ سمعت جماعة ممن شهد فتح مصر يخبرون أن عَمْرو بن العاصي لما فتح الفسطاط وجه عَبْد اللَّهِ بْن حذافة السهمي إِلَى عين شمس فغلب عَلَى أرضها وصالح أهل قراها عَلَى مثل حكم الفسطاط، ووجه خارجة بْن حذافة العدوي إِلَى الفيوم والأشمونين وأخميم والبشر ودات وقرى الصعيد ففعل مثل ذلك، ووجه عمير بْن وهب الجمحي إِلَى تنيس ودمياط وتونة [1] ودميرة وشطا ودقهلة وبنا وبوصير ففعل مثل ذلك ووجه عقبة بْن عَامِر الجهني، ويقال: وردان مولاه صاحب سوق وردان بمصر إِلَى سائر قرى أسفل الأرض ففعل مثل ذلك، فاستجمع عَمْرو بن العاصي فتح مصر فصارت أرضها أرض خراج. وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن سلام، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الغفار الحراني عَنِ ابْن لهيعة عَنِ إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد عن أيوب بْن أَبِي العالية عن أبيه، قال: سمعت عمرو   [1] قرية كانت قرب دمياط وبها ولد الحافظ المحدث عبد المؤمن بن خلف الدمياطي رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 ابن العاصي يقول عَلَى المنبر: لقد قعدت مقعدي هَذَا وما لأحد من قبط مصر علي عهد ولا عقد إن شئت قتلت وإن شئت خمست وإن شئت بعت إلا أهل انطابلس فإن لهم عهدا يوفى لهم به. وحدثني الْقَاسِم بْن سلام قَالَ: حدثني به عَبْد اللَّهِ بْن صالح عن موسى بْن علي بْن رباح اللخمي عن أبيه، قَالَ: المغرب كله عنوة. حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد عن سَعِيد بن أبي مريم عن ابن لهيعة عن الصلت بْن أَبِي عاصم كاتب حيان بْن شريح أنه قرأ كتاب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى حيان وكان عامله عَلَى مصر: أن مصر فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد. وحدثني أَبُو عُبَيْد، قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيد بْن أبي مريم عن يَحْيَى بْن أيوب عن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر، قَالَ: كتب معاوية إلى وردان مولى عمرو أن زد عَلَى كل امرئ منَ القبط قيراطا، فكتب إليه كيف أزيد عليهم وفي عهدهم أن لا يزاد عليهم. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن عَبْد الحميد بْن جَعْفَر عن أبيه، قَالَ: سمعت عُرْوَة بْن الزبير يقول: أقمت بمصر سبع سنين وتزوجت بها فرأيت أهلها مجاهيد قَدْ حمل عليهم فوق طاقتهم وإنما فتحها عَمْرو بصلح وعهد وشيء مفروض عليهم. وحدثني بكر بْن الهيثم عن عَبْد اللَّهِ بْن صالح عَنِ الليث بْن سَعْد عن يزيد بْن أَبِي علاقة عن عقبة بْن عَامِر الجهني، قَالَ: كان لأهل مصر عهد وعقد كتب لهم عَمْرو: أنهم آمنون عَلَى أموالهم ودمائهم ونسائهم وأولادهم لا يباع منهم أحد وفرض عليهم خراجا لا يزاد عليهم، وأن يدفع عنهم خوف عدوهم، قَالَ عقبة: وأنا شاهد عَلَى ذلك. وحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثني يحيى بْن آدم عن عَبْد اللَّهِ بْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أَبِي حبيب عمن سمع عَبْد اللَّهِ بْن المغيرة ابن أَبِي بردة، قَالَ سمعت سُفْيَان بْن وهب الخولاني يقول: لما افتتحنا مصر بلا عهد قام الزبير بْن العوام فقال: يا عَمْرو اقسمها بيننا، فقال عَمْرو: لا والله لا أقسمها حَتَّى أكتب إِلَى عُمَر، فكتب إِلَى عُمَر فكتب إليه في جواب كتابه أن أقرها حَتَّى يغزو منها حبل الحبلة، أو قَالَ يغدو. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي مُحَمَّد بْن عُمَر عن أسامة بْن زيد بْن أسلم عن أبيه عن جده، قال: فتح عمرو بن العاصي مصر سنة عشرين ومعه الزبير فلما فتحها صالحه أهل البلد عَلَى وظيفة وظفها عليهم وهي ديناران عَلَى كل رجل وأخرج النساء والصبيان من ذلك، فبلغ خراج مصر في ولايته ألفي ألف دينار فكان بعد ذلك يبلغ أربعة آلاف ألف دينار. حدثني أَبُو عُبَيْدة، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن صالح عن الليث عن يزيد ابن أَبِي حبيب: أن المقوقس صاحب مصر صالح عمرو بن العاصي عَلَى أن فرض عَلَى القبط دينارين دينارين، فبلغ ذلك هرقل صاحب الروم فسخط أشد السخط وبعث الجيوش إِلَى الإسكندرية وأغلقها ففتحها عمرو بن العاصي عنوة. حَدَّثَنِي ابْنُ الْقَتَّاتِ وَهُوَ أَبُو مَسْعُودٍ عَنِ الْهَيْثَمِ عَنِ الْمُجَالِدِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ أَوِ الْحُسَيْنَ نَفْسَهُ كَلَّمَ مُعَاوِيَةَ فِي جِزْيَةِ أَهْلِ قَرْيَةِ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِصْرَ فَوَضَعَهَا عَنْهُمْ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوصِي بِالْقِبْطِ خَيْرًا. حَدَّثَنِي عَمْرٌو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنٍ لِكْعَبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذَا افْتَتَحْتُمْ مِصْرَ فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، وَقَالَ اللَّيْثُ: كَانَتْ أم إسماعيل منهم. أَبُو الْحَسَن المدائني عن عَبْد اللَّهِ بْن المبارك، قَالَ: كان عُمَر بْن الخطاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 يكتب أموال عماله إذا ولاهم ثُمَّ يقاسمهم ما زاد عَلَى ذلك وربما أخذه منهم، فكتب إلى عمرو بن العاصي أنه قَدْ فشت لك فاشية من متاع ورقيق وآنية وحيوان لم يكن حين وليت مصر، فكتب إليه عَمْرو: أن أرضنا أرض مزدرع ومتجر فنحن نصيب فضلا عما نحتاج إليه لنقتنا، فكتب إليه: إني قَدْ خبرت من عمال السوء ما كفى وكتابك إِلَى كتاب من قَدْ أقلقه الأخذ بالحق وقد سؤت بك ظنا وقد وجهت إليك مُحَمَّد بْن مسلمة ليقاسمك مَالِك فأطلعه طلعة وأخرج إليه ما يطالبك بها واعفه منَ الغلظة عليك فإنه برح الخفاء، فقاسمه ماله، المدائني عن عِيسَى بْن يزيد، قَالَ: لما قاسم محمد بن مسلمة عمرو بن العاصي. قَالَ عَمْرو إن زمانا عاملنا فيه حنتمة هذه المعاملة لزمان سوء، لقد كان العاصي يلبس الخز بكفاف الديباج، فقال مُحَمَّد: مه لولا زمان ابن حنتمة هَذَا الَّذِي تكرهه ألفيت معتقلا عنزا بفناء بيتك يسرك غزرها ويسوءك بكاؤها، قَالَ: أنشدك اللَّه أن لا تخبر عُمَر بقولي فإن المجالس بالأمانة، فقال: لا أذكر شيئا مما جرى بيننا وعمر حي. وحدثني عَمْرو الناقد عن عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة عن عبد الله ابن هبيرة أن مصر فتحت عنوة. وحدثني عَمْرو عَنِ ابْن وهب عَنِ ابْن لهيعة عن ابْن أنعم عن أبيه عن جده وكان ممن شهد فتح مصر، قَالَ: فتحت مصر عنوة بغير عهد ولا عقد. فتح الإسكندرية قالوا: لما افتتح عمرو بن العاصي مصر أقام بها ثُمَّ كتب إِلَى عُمَر بْن الخطاب يستأمره في الزحف إِلَى الإسكندرية، فكتب إليه يأمره بذلك فسار إليها في سنة إحدى وعشرين واستخلف عَلَى مصر خارجة بْن حذافة بْن غانم بْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 عَامِر بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُبَيْد بْن عويج بْن عدي بْن كعب بْن لؤي بْن غالب، وكان من دون الإسكندرية منَ الروم والقبط قَدْ تجمعوا له، وقالوا: نغزوه بالفسطاط قبل أن يبلغنا ويروم الإسكندرية فلقيهم بالكريون فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة، وكان فيهم من أهل سخا وبلهبت والخيس وسلطيس وغيرهم قوم رفدوهم وأعانوهم، ثُمَّ سار عَمْرو حَتَّى انتهى إِلَى الإسكندرية فوجد أهلها معدين لقتاله إلا أن القبط في ذلك يحبون الموادعة، فأرسل إليه المقوقس يسأله الصلح والمهادنة إِلَى مدة فأبى عَمْرو ذلك، فأمر المقوقس النساء أن يقمن عَلَى سور المدينة مقبلات بوجوههن إِلَى داخله، وأقام الرجال في السلاح مقبلين بوجوههم إِلَى المسلمين ليرهبهم بذلك، فأرسل إليه عَمْرو إنا قَدْ رأينا ما صنعت وما بالكثرة غلبنا من غلبنا فقد لقينا هرقل ملككم فكان من أمره ما كان، فقال المقوقس لأصحابه: قَدْ صدق هؤلاء القوم أخرجوا ملكنا من دار مملكته حَتَّى أدخلوه القسطنطينية فنحن أولى بالإذعان، فأغلظوا له القول وأبوا إلا المحاربة، فقاتلهم المسلمون قتالا شديدا وحصروهم ثلاثة أشهر، ثم أن عمرا فتحها بالسيف وغنم ما فيها واستبقى أهلها ولم يقتل ولم يسب وجعلهم ذمة كأهل اليونة، فكتب إِلَى عُمَر بالفتح مع معاوية بْن خديج الكندي ثُمَّ السكوني وبعث إليه معه بالخمس. ويقال: أن المقوقس صالح عمرا عَلَى ثلاثة عشر ألف دينار عَلَى أن يخرج منَ الإسكندرية من أراد الخروج ويقيم بها من أحب المقام وعلى أن يفرض عَلَى كل حالم منَ القبط دينارين فكتب لهم بذلك كتابا، ثُمَّ أن عَمْرو بْن العاصي استخلف عَلَى الإسكندرية عَبْد اللَّهِ بْن حذافة بْن قيس بْن عدي بْن سَعْد بْن سهم بْن عَمْرو بْن هصيص بْن كعب بْن لؤي في رابطة منَ المسلمين وانصرف إِلَى الفسطاط، وكتب الروم إِلَى قسطنطين بْن هرقل، وهو كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 الملك يومئذ يخبرونه بقلة من عندهم منَ المسلمين وبما هم فيه منَ الذلة وأداء الجزية فبعث رجلا من أصحابه يقال له منويل فى ثلاثمائة مركب مشحونة بالمقاتلة فدخل الإسكندرية وقتل من بها من روابط المسلمين إلا من لطف للهرب فنجا وذلك في سنة خمس وعشرين وبلغ عمرا الخبر فسار إليهم في خمسة عشر ألفا فوجد مقاتلتهم قَدْ خرجوا يعيثون فيما يلي الإسكندرية من قرى مصر فلقيهم المسلمون فرشقوهم بالنشاب ساعة والمسلمون متترسون ثُمَّ صدقوهم الحملة فالتحمت بينهم الحرب فاقتتلوا قتالا شديدا، ثُمَّ إن أولئك الكفرة ولوا منهزمين فلم يكن لهم ناهية ولا عرجة دون الإسكندرية فتحصنوا بها ونصبوا العرادات فقاتلهم عَمْرو عليها أشد قتال ونصب المجانيق فأخذت جدرها وألح بالحرب حَتَّى دخلها بالسيف عنوة فقتل المقاتلة وسبى الذرية وهرب بعض رومها إِلَى الروم وقتل عدو الله منويل وهدم عمروا والمسلمون جدار الإسكندرية وكان عَمْرو نذر لئن فتحها ليفعلن ذلك. وقال بعض الرواة أن هَذِهِ الغزاة كانت في سنة ثلاث وعشرين، وروى بعضهم أنهم نقضوا في سنة ثلاث وعشرين وسنة خمس وعشرين والله أعلم قَالُوا: ووضع عَمْرو عَلَى أرض الإسكندرية الخراج وعلى أهلها الجزية، وروى أن المقوقس اعتزل أهل الإسكندرية حين نقضوا فأقره عَمْرو ومن معه عَلَى أمرهم الأول، وروى أيضا أنه قَدْ كان مات قبل هَذِهِ الغزاة. حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عَنِ إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي فروة عن حيان بْن شريح عن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ رضي اللَّه عنه أنه قَالَ: لم نفتح قرية منَ المغرب عَلَى صلح إلا ثلاثا الإسكندرية وكفرطيس، وسلطيس، فكان عُمَر يقول من أسلم من أهل هَذِهِ المواضع خلى سبيله وسبيل ماله. حدثني عَمْرو الناقد، قَالَ حَدَّثَنَا ابْن وهب المصري عَنِ ابْن لهيعة عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 يزيد بْن أَبِي حبيب أنه قَالَ افتتح عمرو بن العاصي الإسكندرية فسكنها المسلمون في رباطهم ثُمَّ قفلوا ثُمَّ غزوا وابتدروا إِلَى المنازل فكان الرجل يأتي المنزل الَّذِي كان ينزله فيجد صاحبه قَدْ نزله وبدر إليه، فقال عَمْرو: إني أخاف أن تخرب المنازل إذا كنتم تتعاودونها. فلما غزا فصاروا عند الكريون قَالَ لهم سيروا عَلَى بركة اللَّه فمن ركز منكم رمحا في دار فهي له ولبني أبيه، فكان الرجل يدخل الدار فيركز رمحه في بعض بيوتها ويأتي الآخر فيركز رمحه كذلك أيضا فكانت الدار بَيْنَ النفسين والثلاثة فكانوا يسكنونها فإذا قفلوا سكنها الروم، فكان يزيد بْن أَبِي حبيب يقول: لا يحل لأحد شيء من كرائها ولا تباع ولا تورث إنما كانت لهم سكنى أيام رباطهم، فلما كان قتالها الآخر وقدمها منويل الرومي الخصى أغلقها أهلها ففتحها عَمْرو وأخرب سورها، قَالُوا ولما ولي عَمْرو وردان مولاه الإسكندرية ورجع الفسطاط فلم يلبث إلا قليلا حَتَّى أتاه عزله فولى عُثْمَان بعده عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح بْن الحارث أحد بنى عامر ابن لؤي، مكان أخا عُثْمَان منَ الرضاعة وكانت ولايته في سنة خمس وعشرين ويقال: أن عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد كان عَلَى خراج مصر من قبل عُثْمَان فجرى بينه وبين عَمْرو كلام فكتب عَبْد اللَّهِ يشكو عمرا فعزله عثمان وجمع العملين لعبد اللَّه بْن سَعْد وكتب إليه يعلمه أن الإسكندرية فتحت مرة عنوة وانتقضت مرتين ويأمره أن يلزمها رابطة لا تفارقها وأن يدر عليهم الأرزاق ويعقب بينهم في كل ستة أشهر. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي أن ابْن هرمز الأعرج القارئ كان يقول: خير سواحلكم رباطا الإسكندرية فخرج إليها منَ المدينة مرابطا فمات بها سنة سبع عشرة ومائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 وحدثني بكر بْن الهيثم عن عَبْد اللَّهِ بْن صالح عن موسى بْن علي عن أبيه، قَالَ: كانت جزية الإسكندرية ثمانية عشر ألف دينار، فلما كانت ولاية هِشَام بْن عَبْد الملك بلغت ستة وثلاثين ألف دينار. حدثني عَمْرو عَنِ ابْن وهب عَنِ ابْن لهيعة عن يزيد بْن أَبِي حبيب، قَالَ: كان عثمان عزل عمرو بن العاصي عن مصر وجعل عليها عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد، فلما نزلت الروم الإسكندرية سأل أهل مصر عُثْمَان أن يقر عمرا حَتَّى يفرغ من قتال الروم لأن له معرفة بالحرب وهيبة في أنفس العدو ففعل حَتَّى هزمهم فأراد عُثْمَان أن يجعل عمرا عَلَى الحرب وعبد اللَّه عَلَى الخراج فأبى ذلك عَمْرو وقال: أنا كماسك قرني البقرة والأمير يحلبها فولى عُثْمَان بْن سَعْد مصر، ثُمَّ أقامت الحبش منَ البيما بعد فتح مصر يقاتلون سبع سنين ما يقدر عليهم لما يفجرون منَ المياه في الغياض، قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن وهب: وأخبرني الليث بْن سَعْد عن موسى بْن علي عن أبيه أن عمرا فتح الإسكندرية الفتح الآخر عنوة في خلافة عُثْمَان بعد وفاة عُمَر رحمه اللَّه. فتح برقة وزويلة حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن شرحبيل بْن أَبِي عون عن عبد الله ابن هبيرة، قال: لما فتح عمرو بن العاصي الإسكندرية سار في جنده يريد المغرب حَتَّى قدم برقة وهي مدينة انطابلس فصالح أهلها عَلَى الجزية وهي ثلاثة عشر ألف دينار يبيعون فيها من أبنائهم من أحبوا بيعه. حدثني بكر بن الهيثم، قال: حدثنا عبد اللَّهِ بْن صالح عن سهيل بْن عقيل عن عَبْد اللَّهِ بْن هبيرة، قَالَ صالح عمرو بن العاصي: أهل انطابلس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 ومدينتها برقة وهي بَيْنَ مصر وأفريقية بعد أن حاصرهم وقاتلهم عَلَى الجزية عَلَى أن يبيعوا من أبنائهم من أرادوا في جزيتهم وكتب لهم بذلك كتابًا. حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن مسلمة بْن سَعِيد عَنِ إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي فروة، قَالَ: كان أهل برقة يبعثون بخراجهم إِلَى والي مصر من غير أن يأتيهم حاث أو مستحث فكانوا أخصب قوم بالمغرب ولم يدخلها فتنة، قَالَ الواقدي: وكان عَبْد الله بن عمرو بن العاصي يقول: لولا مالي بالحجاز لنزلت برقة فما أعلم منزلا أسلم ولا أعزل منها. وحدثني بكر بن الهيثم، قال: حدثنا عبد الله بْن صالح عن معاوية بْن صالح، قَالَ: كتب عمرو بن العاصي إِلَى عُمَر بْن الخطاب يعلمه أنه قَدْ ولى عقبة بْن نافع الفهري المغرب فبلغ زويلة وأن من بَيْنَ زويلة وبرقة سلم كلهم حسنة طاعتهم قَدْ أدى مسلمهم الصدقة، وأفر معاهدهم بالجزية، وأنه قَدْ وضع عَلَى أهل زويلة ومن بينه وبينها ما رأى أنهم يطيقونه، وأمر عماله جميعا أن يأخذوا الصدقة منَ الأغنياء فيردوها في الفقراء، ويأخذوا الجزية منَ الذمة فتحمل إليه بمصر، وأن يؤخذ من أرض المسلمين العشر ونصف العشر ومن أهل الصلح صلحهم. وحدثني بكر بْن الهيثم، قَالَ: سألت عَبْد اللَّهِ بْن صالح عَنِ البربر، فقال: هم يزعمون أنهم ولد بر بْن قيس وما جعل اللَّه لقيس ولدا يقال له بر، وإنما هم منَ الْجَبَّارِين الَّذِينَ قاتلهم داود عَلَيْهِ السلام وكانت منازلهم عَلَى أيادي الدهر فلسطين وهم أهل عمود فأتوا المغرب فتناسلوا به. حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد القاسم بن سلام قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرو بن العاصي، كتب فى شرطه على أهل لواتة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 منَ البربر من أهل برقة أن عليكم أن تبيعوا أبناءكم ونساءكم فيما عليكم منَ الجزية قَالَ الليث: فلو كانوا عُبَيْدا ما حل ذلك منهم. وحدثني بكر بْن الهيثم، قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ كتب في اللواتيات: أن من كانت عنده لواتية فليخطبها إِلَى أبيها أو فليرددها إِلَى أهلها، قَالَ: ولواتة قربة منَ البربر كان لهم عهد. فتح أطرابلس حدثني بكر بْن الهيثم عن عَبْد اللَّهِ بْن صالح عن معاوية بْن صالح عن على ابن طلحة، قال: سار عمرو بن العاصي حَتَّى نزل أطرابلس في سنة اثنتين وعشرين فقُوتِل، ثُمَّ افتتحها عنوة وأصاب بها أحمال بزيون كثيرة مع تجار من تجارها فباعه وقسم ثمنه بَيْنَ المسلمين وكتب إِلَى عُمَر بن الخطاب «أنا قَدْ بلغنا أطرابلس وبينها وبين أفريقية تسعة أيام، فإن رأى أمير الْمُؤْمِنِين أن يأذن لنا في غزوها فعل، فكتب إليه ينهاه عنها ويقول: ما هي بأفريقية ولكنها مفرقة غادرة مغدور بها، وذلك أن أهلها كانوا يؤدون إِلَى ملك الروم شيئا فكانوا يغدرون به كثيرا وكان ملك الأندلس صالحهم ثُمَّ غدر بهم وكان خبرهم قَدْ بلغ عُمَر. حدثني عَمْرو الناقد، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن وهب عَنِ الليث بْن سَعْد، قَالَ: حدثني مشيختنا أن أطرابلس فتحت بعهد من عمرو بن العاصي. فتح إفريقية قَالُوا: لما ولي عَبْد اللَّهِ بن سعد بن أبى سرح مصر والمغرب بعث المسلمين في جرائد خيل فأصابوا من أطراف أفريقية وغنموا، وكان عُثْمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 ابن عَفَّان رضي اللَّه عنه متوقفا عن غزوها ثُمَّ إنه عزم عَلَى ذلك بعد أن استشار فيه، وكتب إِلَى عَبْد اللَّهِ في سنة سبع وعشرين ويقال: في سنة ثمان وعشرين ويقال في سنة تسع وعشرين يأمره بغزوها وأمده بجيش عظيم فيه معبد بْن العَبَّاس بْن عَبْد المطلب، ومروان بْن الحكم بن أبى العاصي بْن أمية، والحارث بْن الحكم أخوه، وعبد الله بن الزبير بن العوام، والمسور ابن مخرمة بْن نوفل بْن أهيب بْن عَبْد مناف بْن زهرة بْن كلاب، وعبد الرَّحْمَنِ بْن زيد بْن الخطاب، وعبد اللَّه بْن عمر بن الخطاب، وعاصم ابن عُمَر، وعُبَيْد اللَّه بْن عُمَر وعبد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكر، وعبد اللَّه بْن عَمْرو بن العاصي، وبسر بْن أَبِي أرطاة بْن عويمر العامري، وأبو ذؤيب خويلد بْن خَالِد الهذلي الشاعر وبها تُوُفِّيَ فقام بأمره ابْن الزبير حَتَّى واراه في لحده، وخرج في هَذِهِ الغزاة ممن حول المدينة منَ العرب خلق كثير. حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن أسامة بْن زيد بْن أسلم عن نافع مولى آل الزبير عن عَبْد اللَّهِ بْن الزبير، قَالَ: أغزانا عُثْمَان بْن عَفَّان أفريقية وكان بها بطريق سلطانه من أطرابلس إِلَى طنجة، فسار عبد الله بن سعد ابن أَبِي سرح حَتَّى حل بعقوبة فقاتله أياما فقتله اللَّه، وكنت أنا الَّذِي قتلته، وهرب جيشه فتمزقوا، وبث ابْن أَبِي سرح السرايا ففرقها في البلاد فأصابوا غنائم كثيرة واستاقوا منَ المواشي ما قدروا عَلَيْهِ، فلما رأى ذلك عظماء أفريقية اجتمعوا فطلبوا إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد أن يأخذ منهم ثلاثمائة قنطار من ذهب عَلَى أن يكف عنهم ويخرج من بلادهم فقبل ذلك. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن أسامة بْن زيد الليثي عَنِ ابْن كعب أن عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح صالح بطريق أفريقية عَلَى ألفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 ألف دينار وخمسمائة ألف. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن موسى بْن ضمرة المازني عن أبيه، قَالَ: لما صالح عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بطريق أفريقية رجع إِلَى مصر ولم يول عَلَى أفريقية أحدا، ولم يكن لها يومئذ قيروان ولا مصر جامع. قال: فلما قتل عُثْمَان وولي أمر مصر مُحَمَّد بْن أَبِي حذيفة بْن عتبة بْن ربيعة لم يوجه إليها أحدا فلما ولي معاوية بْن أَبِي سُفْيَان ولى معاوية بْن حديج السكوني مصر فبعث في سنة خمسين عقبة بْن نافع بْن عَبْد قيس بْن لقيط الفهري فغزاها واختطها، قَالُوا: ووجه عقبة بسر بْن أَبِي أرطاة إِلَى قلعة منَ القيروان فافتتحها وقتل وسبى، وهي اليوم تعرف بقلعة بسر، وهي بالقرب من مدينة تدعى مجانة عند معدن الفضة [1] . وقد سمعت من يذكر أن موسى بْن نصير وجه بسرا، وبسر ابن اثنتين وثمانين سنة إِلَى هَذِهِ القلعة فافتتحها، وكان مولد بسر قبل وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين، وغير الواقدي يزعم أنه قَدْ روى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والله أعلم. وقال الواقدي. ولم يزل عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد واليا حَتَّى غلب مُحَمَّد بْن أَبِي حذيفة عَلَى مصر، وهو كان أنغلها عَلَى عُثْمَان ثُمَّ أن عليا رضي اللَّه عنه ولى قيس بْن سَعْد بْن عبادة الأنصاري مصر، ثُمَّ عزله واستعمل عليها مُحَمَّد بْن أَبِي بكر الصديق ثُمَّ عزله وولى مالكا الأشتر فاعتل بالقلزم ثُمَّ ولى مُحَمَّد بْن أبي بكر ثانية ورده عليها فقتله معاوية بْن حديج وأحرقه في جوف حمار، وكان الوالي عمرو بن العاصي من قبل معاوية بْن أَبِي سُفْيَان فمات   [1] يقال بأن عقبة بسر بن أبي أرطأة عند ما احتل مجانة قد خرب معالمها وقتل معظم سكانها ونهب أموالهم، وأخذ أطفالهم وبناتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 عَمْرو بمصر يوم الفطر سنة اثنتين وأربعين ويقال سنة ثلاث وأربعين وولى عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو ابنه بعده ثُمَّ عزله معاوية بْن حديج فأقام بها أربع سنين ثُمَّ غزا فغنم ثُمَّ قدم مصر فوجه عقبة بْن نافع بْن عَبْد قيس الفهري، ويقال: بل ولاه معاوية المغرب فغزا أفريقية في عشرة آلاف منَ المسلمين فافتتح أفريقية واختط قيروانها، وكان موضع غيضة ذات طرفاء وشجر لا يرام منَ السباع والحيات والعقارب القتالة وكان ابْن نافع رجلا صالحا مستجاب الدعوة فدعا ربه فأذهب ذلك كله حَتَّى إن كانت السباع لتحمل أولادها هاربة بها. وقال الواقدي: قلت لموسى بْن علي رأيت بناء أفريقية المتصل المجتمع الَّذِي نراه اليوم من بناه فقال: أول من بناها عقبة بْن نافع الفهري اختطها ثُمَّ بنى وبنى الناس معه الدور والمساكن وبنى المسجد الجامع بها. قَالَ: وبأفريقية استشهد معبد بْن العَبَّاس رحمه الله فى غزاة ابن أَبِي سرح في خلافة عُثْمَان، ويقال: بل مات في أيام القتال، واستشهاده أثبت. وقال الواقدي وغيره: عزل معاوية بْن أَبِي سُفْيَان معاوية بن حذيج وولى مصر والمغرب مسلمة بْن مخلد الأنصاري، فولى المغرب أَبَا المهاجر مولاه فلما ولي يزيد بْن معاوية رد عقبة بْن نافع عَلَى عمله فغزا السوس الأدنى وهو خلف طنجة وجول فيما هناك لا يعرض له أحد ولا يقاتله فانصرف ومات يزيد بْن معاوية وبويع لابنه معاوية بْن يزيد وهو أَبُو ليلى فنادى: الصلاة جامعة، ثُمَّ تبرأ منَ الخلافة وجلس في بيته ومات بعد شهرين، ثم كانت ولاية مروان بْن الحكم وفتنة بْن الزبير [1] ثُمَّ ولى عَبْد الملك بْن مروان فاستقام له   [1] ولي عبد الله بن الزبير مصر وهو عبد الرحمن بن عقبة الفهري فأخرج عن مصر، ويقال: قتل بها فولى مروان عقبة بن نافع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 الناس فاستعمل أخاه عَبْد الْعَزِيزِ عَلَى مصر فولى أفريقية زهير بْن قيس البلوى ففتح تونس، ثُمَّ انصرف إِلَى برقة فبلغه أن جماعة منَ الروم خرجوا من مراكب لهم فعاثوا فتوجهوا إليهم في جريدة خيل فلقيهم فاستشهد ومن معه فقبره هناك وقبورهم تدعى قبور الشهداء. ثُمَّ ولى حسان بْن النعمان الغساني فغزا ملكة البربر الكاهنة فهزمته فأتى قصورا في حيز برقة فنزلها وهي قصور يضمها قصر سقوفه أزاج فسميت قصور حسان، ثُمَّ أن حسان غزاها ثانية فقتلها وسبى سبيا منَ البربر، وبعث به إِلَى عَبْد الْعَزِيزِ فكان أَبُو محجن نصيب الشاعر يقول: لقد حضرت عند عَبْد الْعَزِيزِ سبيا منَ البربر ما رأيت قط وجوها أحسن من وجوههم. قَالَ ابْن الكلبي: ولى هِشَام كلثوم بْن عياض بْن وحوح القشيري أفريقية فانتقض أهلها عَلَيْهِ فقتل بها، وقال ابْن الكلبي: كان أفريقيس بْن قيس بْن صيفي الحميري غلب عَلَى أفريقية في الجاهلية فسميت به وهو الَّذِي قتل جرجير ملكها فقال للبرابرة: ما أكثر بربرة هؤلاء فسموا البرابرة. وحدثني جماعة من أهل أفريقية عن أشياخهم أن عقبة بْن نافع الفهري لما أراد تمصير القيروان فكر في موضع المسجد منه فأرى في منامه كأن رجلا أذن في الموضع الَّذِي جعل فيه مئذنته، فلما أصبح بنى المنابر في موقف الرجل ثُمَّ بنى المسجد. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي، قَالَ: ولى مُحَمَّد بْن الأشعث الخزاعي أفريقية من قبل أَبِي العَبَّاس أمير الْمُؤْمِنِين فرم مدينة القيروان ومسجدها ثُمَّ عزله المَنْصُور وولى عُمَر بْن حفص هزار مردد مكانه . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 فتح طنجة قال الواقدي: وجه عَبْد الْعَزِيزِ بْن مروان موسى بْن نصير مولى بني أمية وأصله من عين التمر، ويقال: بل هُوَ من أراشة من بلى ويقال هُوَ من لخم واليا عَلَى أفريقية، ويقال: بل وليها في زمن الوليد بْن عَبْد الملك سنة تسع وثمانين ففتح طنجة ونزلها، وهو أول من نزلها واختط فيها للمسلمين وانتهت خيله إِلَى السوس الأدنى وبينه وبين السوس الأقصى نيف وعشرون يوما فوطئهم وسبى منهم وأدوا إليه الطاعة وقبض عامله منهم الصدقة ثُمَّ ولاها طارق بْن زياد مولاه وانصرف إِلَى قيروان أفريقية. فتح الأندلس قال الواقدي: غزا طارق بْن زياد عامل موسى بْن نصير الأندلس وهو أول من غزاها وذلك في سنة اثنتين وتسعين فلقيه أليان وهو وال عَلَى مجاز الأندلس فآمنه طارق عَلَى أن حمله وأصحابه إِلَى الأندلس في السفن، فلما صار إليها حاربه أهلها ففتحها وذلك في سنة اثنتين وتسعين، وكان ملكها فيما يزعمون منَ الأشبان وأصلهم من أصبهان، ثُمَّ أن موسى بْن نصير كتب إِلَى طارق كتابا غليظا لتغريره بالمسلمين وافتتانه عَلَيْهِ بالرأي في غزوه وأمر أن لا يجاوز قرطبة وسار موسى إِلَى قرطبة منَ الأندلس فترضاه طارق فرضي عنه فافتتح طارق مدينة طليطلة وهي مدينة مملكة الأندلس وهي مما يلي فرنجة وأصاب بها مائدة عظيمة أهداها موسى بْن نصير إِلَى الوليد بْن عَبْد الملك بدمشق حين قفل سنة ست وتسعين والوليد مريض، فلما ولي سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك أخذ موسى بْن نصير بمائة ألف دينار فكلمه فيه يزيد بْن المهلب فأمسك عنه، ثُمَّ لما كانت خلافة عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ رضي اللَّه عنه ولى المغرب إِسْمَاعِيل بْن عَبْد اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 بْن أَبِي المهاجر مولى بني مخزوم، فسار أحسن سيره ودعى البربر إِلَى الإِسْلام وكتب إليهم عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ كتبا يدعوهم بعد إِلَى ذلك فقرأها إِسْمَاعِيل عليهم في النواحي فغلب الإِسْلام عَلَى المغرب. قَالُوا: ولما ولي يزيد بْن عَبْد الملك ولي يزيد بن أبى مسلم مولى الحجاج ابن يوسف أفريقية والمغرب، فقدم أفريقية في سنة اثنتين ومائة وكان حرسه البربر فوسم كل امرئ منهم عَلَى يده حرسي، فأنكروا ذلك وملوا سيرته فدب بعضهم إِلَى بعض وتضافروا على قتله فخرج ذات عشية لصلاة المعرب فقتلوه في مصلاه فولى يزيد بشر بْن صفوان الكلبي فضرب عنق عَبْد اللَّهِ بْن موسى بْن نصير بيزيد، وذلك أنه اتهم بقتله وتأليب الناس عَلَيْهِ، ثُمَّ ولى هِشَام بْن عَبْد الملك بشر بْن صفوان أيضا فتُوُفِّيَ بالقيروان سنة تسع ومائة فولى مكانه عُبَيْدة بْن عَبْد الرَّحْمَنِ القيسي، ثُمَّ استعمل بعده عَبْد اللَّهِ بْن الحبحاب مولى بني سلول فأغزى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن حبيب بْن أبي عُبَيْدة بْن عقبة بْن نافع الفهري السوس وأرض السودان فظفر ظفرا لم ير أحد مثله قط، وأصاب جاريتين من نساء ما هناك ليس للمرأة منهن إلا ثدي واحد وهم يسمون تراجان ثُمَّ ولى بعد ابْن الحبحاب كلثوم بْن عياض القشيري فقدم أفريقية في سنة ثلاث وعشرين فقتل، ثُمَّ ولى بعده حنظلة بْن صفوان الكلبي أخا بشر بْن صفوان فقاتل الخوارج وتُوُفِّيَ هناك وهو وال، وقام الوليد بْن يزيد بْن عَبْد الملك فخالف عَلَيْهِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن حبيب الفهري وكان محببا في ذلك الثغر لما كان من آثار جده عقبة بْن نافع فيه فغلب عَلَيْهِ وانصرف عنه حنظلة فبقي عَبْد الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ، وولى يزيد بْن الوليد الخلافة فلم يبعث إِلَى المغرب عاملا وقام مروان بْن مُحَمَّد فكاتبه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن حبيب وأظهر له الطاعة وبعث إليه بالهدايا، وكان كاتبه خَالِد بْن ربيعة الأفريقي. وكان بينه وبين عَبْد الحميد بْن يَحْيَى مودة ومكاتبة فأقر مروان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 عَبْد الرَّحْمَنِ عَلَى الثغر ثُمَّ ولى بعده الياس بْن حبيب ثُمَّ حبيب بْن عَبْد الرَّحْمَنِ ثُمَّ غلب البربر والأباضية منَ الخوارج، ثُمَّ دخل مُحَمَّد بْن الأشعث الخزاعي أفريقية واليا عليها في آخر خلافة أَبِي العَبَّاس في سبعين ألفا ويقال في أربعين ألفا فوليها أربع سنين فرم مدينة القيروان، ثُمَّ وثب عَلَيْهِ جند البلد وغيرهم، وسمعت من تحدث أن أهل البلد والجند المقيمين فيه وثبوا به فمكث يقاتلهم أربعين يوما وهو في قصره حَتَّى اجتمع إليه أهل الطاعة ممن كان شخص معه من أهل خراسان وغيرهم وظفر بمن حاربه وعرضهم عَلَى الأسماء، فمن كان اسمه معاوية أو سُفْيَان أو مروان أو اسما موافقا لأسماء بني أمية قتله، ومن كان اسمه خلاف ذلك استبقاه فعزله المَنْصُور. وولى عُمَر بْن حفص بْن عُثْمَان بْن قبيصة بْن أَبِي صفرة العتكي، وهو الَّذِي سمى هزار مرد، وكان المَنْصُور به معجبا فدخل أفريقية وغزا منها حَتَّى بلغ أقصى بلاد البربر وابتنى هناك مدينة سماها العَبَّاسية، ثُمَّ أن أَبَا حَاتِم السدراتي الأباضي من أهل سدراتة وهو مولى لكندة قاتله فاستشهد وجماعة من أهل بيته وانتقض الثغر وهدمت تلك المدينة الَّتِي ابتناها، وولى بعد هزار مرد يزيد بْن حَاتِم بْن قبيصة بْن المهلب، فخرج في خمسين ألفا، وشيعه أَبُو جَعْفَر المَنْصُور إِلَى بيت المقدس وأنفق عَلَيْهِ مالا عظيما فسار يزيد حَتَّى لقي أَبَا حَاتِم بأطرابلس فقتله ودخل أفريقية فاستقامت له، ثُمَّ ولى بعد يزيد بْن حَاتِم روح بْن حَاتِم ثُمَّ الْفَضْل بْن روح فوثب الجند عَلَيْهِ فذبحوه. وحدثني أَحْمَد بْن ناقد مولى بني الأغلب، قَالَ: كان الأغلب بْن سالم التميمي من أهل مرو الروز فيمن قدم مع المسودة من خراسان فولاه موسى الهادي المغرب فجمع له حريش، وهو رجل كان من جند الثغر من تونس جمعا، وسار إليه وهو بقيروان أفريقية فحصره، ثُمَّ أن الأغلب خرج إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 فقاتله فأصابه في المعركة سهم فسقط ميتا وأصحابه لا يعلمون بمصابه ولم يعلم به أصحاب حريش، ثُمَّ أن حريشا انهزم وجيشه فاتبعهم أصحاب الأغلب ثلاثة أيام فقتلوهم وقتلوا حريشا بموضع يعرف بسوق الأجد فسمى الأغلب الشهيد، قَالَ: وكان إِبْرَاهِيم بْن الأغلب من وجوه جند مصر فوثب واثنا عشر رجلا معه فأخذوا من بيت المال مقدار أرزاقهم لم يزدادوا على ذلك شيا وهربوا فلحقوا بموضع يقال له الزاب، وهو منَ القيروان عَلَى مسيرة أكثر من عشرة أيام، وعامل الثغر يومئذ من قبل الرشيد هارون هرثمة ابن أعين واعتقد إِبْرَاهِيم بْن الأغلب عَلَى من كان من تلك الناحية منَ الجند وغيرهم الرياسة واقبل يهدي إِلَى هرثمة ويلاطفه ويكتب إليه يعلمه أنه لم يخرج يدا من طاعة ولا اشتمل عَلَى معصية وأنه إنما دعاه إِلَى ما كان منه الأحواج والضرورة فولاه هرثمة ناحيته واستكفاه أمرها، فلما صرف هرثمة منَ الثغر وليه بعده ابن العكي فساء أثره فيه حَتَّى انتقض عَلَيْهِ فاستشار الرشيد هرثمة في رجل يوليه إياه ويقلده أمره فأشار عَلَيْهِ باستصلاح إِبْرَاهِيم واصطناعه وتوليته الثغر فكتب إليه الرشيد يعلمه أنه قَدْ صفح له عن جرمه وإقالة هفوته ورأى توليته بلاد المغرب اصطناعا له ليستقبل به الإحسان ويستقبل به النصيحة، فولى إِبْرَاهِيم ذلك الثغر وقام به وضبطه، ثُمَّ أن رجلا من جند البلد يقال له عِمْرَان بْن مجالد خالف ونقض فانضم إليه جند الثغر وطلبوا أرزاقهم وحاصروا إِبْرَاهِيم بالقيروان فلم يلبثوا إن أتاهم العراض والمعطون ومعهم مال من خراج مصر فلما أعطوا تفرقوا فابتنى إِبْرَاهِيم القصر الأبيض الَّذِي في قبلة القيروان عَلَى ميلين منها وخط للناس حوله فابتنوا ومصر ما هناك وبنى مسجدا جامعا بالجص والآجر وعمد الرخام وسقفه بالأردن وجعله مائتي ذراع في نحو مائتي ذراع وابتاع عُبَيْدا اعتقهم فبلغوا خمسة آلاف وأسكنهم حوله وسمى تلك المدينة العَبَّاسية وهي اليوم آهلة عامرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 وكان مُحَمَّد بْن الأغلب بْن إِبْرَاهِيم بْن الأغلب أحدث في سنة تسع وثلاثين ومائتان مدينة بقرب تاهرت سماها العَبَّاسية أيضا فأخربها أفلح بْن عَبْد الوهاب الأباضي، وكتب إِلَى الأموي صاحب الأندلس يعلمه ذلك تقربا إليه به فبعت إليه الأموي مائة ألف درهم. وبالمغرب أرض تعرف بالأرض الكبيرة وبينها وبين برقة مسيرة خمسة عشر يوما أو أقل من ذلك قليلا أو أكثر قليلا وبها مدينة عَلَى شاطئ البحر تدعى بارة، وكان أهلها نصارى وليسوا بروم غزاها حبلة مولى الأغلب فلم يقدر عليها، ثُمَّ غزاها خلفون البربري، ويقال: أنه مولى لربيعة ففتحها في أول خلافة المتوكل عَلَى اللَّه، وقام بعده رجل يقال له المرج بْن سلام ففتح أربعة وعشرين حصنا واستولى عليها وكتب إِلَى صاحب البريد بمصر يعلمه خبره وأنه لا يرى لنفسه ومن معه منَ المسلمين صلاة إلا بأن يعقد له الإمام عَلَى ناحيته ويوليه إياها ليخرج من حد المتغلبين، وبنى مسجدا جامعا، ثُمَّ أن أصحابه شغبوا عَلَيْهِ فقتلوه، وقام بعده سوران فوجه رسوله إِلَى أمير الْمُؤْمِنِين المتوكل عَلَى اللَّه يسأله عقدا وكتاب ولاية، فتُوُفِّيَ قبل أن ينصرف رسوله إليه وتُوُفِّيَ المنتصر بالله. وكانت خلافته ستة أشهر، وقام المستعين بالله أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن المعتصم بالله فأمر عامله عَلَى المغرب وهو أو تامش مولى أمير الْمُؤْمِنِين بأن يعقد له عَلَى ناحيته فلم يشخص رسوله من سر من رأى حتى قتل أو تامش وولى الناحية وصيف مولى أمير الْمُؤْمِنِين فعقد له وأنفذه . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 فتح جزائر في البحر قالوا: غزا معاوية بْن حديج الكندي أيام معاوية بْن أَبِي سُفْيَان سقلية وكان أول من غزاها ولم تزل تغزى بعد ذلك، وقد فتح آل الأغلب بْن سالم الأفريقي منها نيفا وعشرين مدينة وهي في أيدي المسلمين، وفتح أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الأغلب منها في خلافة أمير الْمُؤْمِنِين المتوكل على الله قصريانه وحصن غليانة، وقال الواقدي: سبى عَبْد اللَّهِ بْن قيس بن مخلد الدزقى سقلية فأصاب أصنام ذهب وفضة مكالمة بالجوهر فبعث بها إِلَى معاوية فوجه بها معاوية إِلَى البصرة لتحمل إِلَى الهند فتباع هناك ليثمن بها، قَالُوا: وكان معاوية بْن أَبِي سُفْيَان يغزي برا وبحرا فبعث جنادة بْن أَبِي أمية الأزدي إِلَى رودس وجنادة أحد من روى عنه الحديث ولقى أَبَا بكر وعمرو معاذ بْن جبل ومات في سنة ثمانين ففتحها عنوة، وكانت غيضة في البحر وأمره معاوية فأنزلها قوما منَ المسلمين وكان ذلك في سنة اثنتين وخمسين، قَالُوا: ورودس من أخصب الجزائر وهي نحو ستين ميلا فيها الزيتون والكروم والثمار والمياه العذبة. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي وغيره، قَالُوا: أقام المسلمون برودس سبع سنين في حصن اتخذ لهم، فلما مات معاوية كتب يزيد إِلَى جنادة يأمره بهدم الحصن والقفل، وكان معاوية يعاقب بَيْنَ الناس فيها وكان مجاهد بْن جبر مقيما بها يقرئ الناس القرآن، وفتح جنادة بْن أَبِي أمية في سنة أربع وخمسين أرواد وأسكنها معاوية المسلمين، وكان ممن فتحها مجاهد وتبيع بْن امرأة كعب الأحبار وبها أقرا مجاهد تبيعا القرآن، ويقال: أنه أقراه القرآن برودس وأرواد جزيرة بالقرب منَ القسطنطينية، وغزا جنادة أقريطش، فلما كان زمن الوليد فتح بعضها ثُمَّ أغلق وغزاها حميد بْن معيوق الهمداني في خلافة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 الرشيد ففتح بعضها، ثُمَّ غزاها في خلافة المأمون أَبُو حفص عُمَر بْن عِيسَى الأندلسي المعروف بالأقريطشي وافتتح منها حصنا واحدا ونزله، ثُمَّ لم يزل يفتح شيئا بعد شيء حَتَّى لم يبق فيها منَ الروم أحد وأخرب حصونهم. صلح التوبة حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد، قَالَ: حدثني مُحَمَّد بْن عُمَر الواقدي عَنِ الوليد بْن كثير عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير، قَالَ: لما فتح المسلمون مصر بعث عمرو بن العاصي إِلَى القرى الَّتِي حولها الخيل ليطأهم فبعث عقبة بْن نافع الفهري، وكان نافع أخا العاصي لأمه فدخلت خيولهم أرض النوبة كما تدخل صوائف الروم فلقي المسلمون بالنوبة قتالا شديدا لقد لاقوهم فرشقوهم بالنبل حَتَّى جرح عامتهم فانصرفوا بجراحات كثيرة وحدق مفقوءة فسموا رماة الحدق فلم يزالوا عَلَى ذلك حَتَّى ولى مصر عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح فسألوه الصلح والموادعة فأجابهم إِلَى ذلك على غير جزية لكن على هدية ثلاثمائة رأس في كل سنة وعلى أن يهدي المسلمون إليهم طعامًا بقدر ذلك. حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد، قَالَ: حدثني الواقدي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن جَعْفَر عن عَمْرو بْن الحارث عن أَبِي قبيل حيي بْن هاني المعافري عن شيخ من حمير، قَالَ: شهدت النوبة مرتين في ولاية عُمَر بْن الخطاب فلم أر قوما أحد في حرب منهم لقد رأيت أحدهم يقول: للمسلم: أين تحب أن أضع سهمي منك فربما عبث الفتى منا فقال في مكان كذا فلا يخطئه كانوا يكثرون الرمي بالنبل فما يكاد يرى من نبلهم في الأرض شيء فخرجوا إلينا ذات يوم فصافونا ونحن نريد أن نجعلها حملة واحدة بالسيوف فما قدرنا عَلَى معالجتهم رمونا حَتَّى ذهبت الأعين فعدت مائة وخمسين عينا مفقودة، فقلنا: مالها ولاء خير من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 الصلح إن سلبهم لقليل وإن نكايتهم لشديدة، فلم يصالحهم عَمْرو ولم يزل يكالبهم حَتَّى نزع وولى عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح فصالحهم، قَالَ الواقدي: وبالنوبة ذهبت عين معاوية بْن حديج الكندي وكان أعور. حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام، قال. حدثنا عبد الله بن صالح عن ابن لهيعة عن يزيد بْن أَبِي حبيب، قَالَ: ليس بيننا وبين الأساود عهد ولا ميثاق إنما هي هدنة بينا وبينهم على أن نعطيهم شيئا من قمح وعدس ويعطونا رقيقا فلا بأس بشراء رقيقهم منهم أو من غيرهم. حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد عن عَبْد اللَّهِ بْن صالح عَنِ الليث بْن سَعْد، قَالَ: إنما الصلح بيننا وبين النوبة عَلَى أن لا نقاتلهم ولا يقاتلونا وأن يعطونا رقيقا ونعطيهم بقدر ذلك طعاما فإن باعوا نساءهم وأبناءهم لم أر بذلك بأسا أن يشترى، ومن رواية أَبِي البحتري وغيره أن عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح صالح أهل النوبة عَلَى أن يهدوا في السنة أربعمائة رأس يخرجوا بها يأخذون بها طعاما. وكان المهدي أمير الْمُؤْمِنِين أمر بإلزام النوبة فى كل سنة ثلاثمائة رأس وستين رأسا وزرافة عَلَى أن يعطوا قمحا وخل خمر وثيابا وفرشا أو قيمته، وقد ادعوا حديثا أنه ليس يجب عليهم البقط لكل سنة وأنهم كانوا طولبوا بذلك في خلافة المهدي فرفعوا إليه أن هَذَا البقط مما يأخذون من رقيق أعدائهم فإذا لم يجدوا منه شيئا عادوا عَلَى أولادهم فأعطوا منهم فيه بهذه العدة فأمر بأن يحملوا في ذلك عَلَى أن يؤخذ منهم لكل ثلاث سنين بقط سنة ولم يوجد لهذه الدعوى ثبت في دواوين الحضرة ووجد في الديوان بمصر، وكان المتوكل عَلَى اللَّه أمر بتوجيه رجل يقال له مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ ويعرف بالقمي إِلَى المعدن بمصر واليا عَلَيْهِ وولاه القلزم، وطريق الحجاز، وبذرقة حاج مصر، فلما وافى المعدن حمل الميرة منَ القلزم إِلَى بلاد البجة. ووافى ساحلا يعرف بعيذاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 فوافته المراكب هناك فاستعان بتلك الميرة وتقوتها ومن معه حَتَّى وصل إِلَى قلعة ملك البجة فناهضه وكان في عدة يسيرة، فخرج إليه البجوي في الدهم عَلَى إبل محزمة فعمد القمي إِلَى الأجراس فقلدها الخيل، فلما سمعت الإبل أصواتها تقطعت بالبجويين في الأودية والجبال وقتل صاحب البجة، ثُمَّ قام من بعده ابن أخته وكان أبوه أحد ملوك البجويين وطلب الهدنة فأبى المتوكل عَلَى اللَّه ذلك إلا أن يطأ بساطه فقدم سر من رأى فصولح في سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة عَلَى أداء الإتاوة والبقط ورد مع القمي فأهل البجة عَلَى الهدنة يؤدون ولا يمنعون المسلمين منَ العمل في معدن الذهب وكان ذلك في الشرط عَلَى صاحبهم [1]   [1] في صفحات التاريخ رواية تفيد بأن البجاة غاروا على أرض مصر بعد أن رفضوا تقديم الجزية المفروضة عليهم من الذهب الخالص، وأبدوا عن عدم استعدادهم لنقل هذا الذهب إلى مصر. وعند ما هاجموا العمال الذين يستخدمهم والي مصر في تعدين الذهب، هرب هؤلاء خوفا من القتل، فكتب والي مصر يعرض الأمر على الخليفة العباسي، الذي علم أن أهل تلك المنطقة ليسوا سوى أهل بادية وأصحاب إبل وماشية، وإن الوصول إلى بلادهم صعب لصعوبة مسالكها، ولكثرة مفاوزها، ووعورة أرضها، وبينها وبين بلاد الإسلام مسيرة شهر في أرض قفراء خالية من الماء، وعلى الجيوش التي ترغب في دخولها التزود بالغذاء الذي يكفيها مدة شهر متى تخرج منها، فإن جاوز تلك المدة هلكت وفتك بمجموعها البجاة باليد، فأمسك المتوكل عنهم فطمعوا وزاد شرهم حتى ارتعدت فرائص أهل مصر منهم، فبعث والي مصر جيشا لمحاربتهم، فلما وصل الجيش إلى عنبسة زود بما يلزمه من الغذاء، فواصل السير إلى أرض البجة وتبعه عمال المعادن وبعض المتطوعة، بين فارس وراجل قيل أنهم بلغوا العشرين ألفا، ووجه إلى القلزم فحمل له في البحر سبع مراكب عامرة بالمواد التموينية، وأمر أصحابه أن يوافوه بها إلى ساحل البحر مما يلي بلاد البجة. ولما وصل الجيش إلى منطقة مناجم الذهب وحاول مهاجمة الحصون والقلاع خرج إليه ملك تلك البلاد علي بابا في جيش كبير يفوق عدد الجيش المصري بكثير، وهم على إبل سريعة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 أمر القراطيس قالوا: كانت القراطيس تدخل بلاد الروم من أرض مصر ويأتي العرب من قبل الروم الدنانير. فكان عَبْد الملك بْن مروان أول من أحدث الكتاب الَّذِي يكتب فى رؤس الطوامير من قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 112: 1 وغيرها من ذكر اللَّه فكتب إليه ملك الروم أنكم أحدثتم في قراطيسكم كتابا نكرهه فإن تركتموه وإلا أتاكم في الدنانير من ذكر نبيكم ما تكرهونه. قَالَ: فكبر ذلك في صدر عَبْد الملك فكره أن يدع سنة حسنة سنها، فأرسل إِلَى خَالِد بْن يزيد بْن معاوية، فقال له: يا أَبَا هاشم إحدى بنات طبق وأخبره الخبر، فقال: افرخ روعك يا أمير الْمُؤْمِنِين حرم دنانيرهم فلا يتعامل بها وأضرب للناس سككا، ولا   [ () ] فوقعت بينهم معارك طاحنة استمرت عدة أيام، حتى وصلت المراكب التي فيها الأقوات في البحر فوزعها القمي قائد الجيش المصري على الجميع، ولما شعر علي بابا بأن المصريين قد اشتد ساعدهم بالأقوات شنّ هجوما قويا عليهم، ولكن القمي جمع صفوفه وخاض معركة طاحنة أفضت عن انكسار البجة وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون حتى أدركهم الليل فرجعوا إلى معسكرهم، ولما شعر علي بابا بضراوة المعارك طلب الأمان، فآمنه القمي على أن يدفع الجزية والخراج. فحمل علي بابا ما عليه من ضرائب للمدة التي منعها وهي أربع سنين. ثم غادر القمي البلاد ومعه علي بابا وقد استخلف ابنه فلما دخل على المتوكل خلع عليه وعلى أصحابه الديباج وولى المتوكل سعد الخادم البجة وطريق ما بين مصر ومكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 تعف هؤلاء الكفرة مما كرهوا في الطوامير، فقال عَبْد الملك: فرجتها عني فرج اللَّه عنك وضرب الدنانير. قَالَ عوانة بْن الحكم وكانت الأقباط تذكر المسيح فى رؤس الطوامير وتنسبه إِلَى الربوبية تعالى اللَّه علوا كبيرا، وتجعل الصليب مكان بسم اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم فلذلك كره ملك الروم ما كره واشتد عَلَيْهِ تغير عَبْد الملك ما غيره، وقال المدائني، قَالَ مسلمة بْن محارب: أشار خَالِد بْن يزيد عَلَى عَبْد الملك بتحريم دنانيرهم ومنع منَ التعامل بها وأن يدخل بلاد الروم شيء منَ القراطيس فمكث حينا لا يحمل إليهم. فتوح سواد العراق (خلافة أَبِي بكر الصديق رضي اللَّه عنه) قَالُوا: وكان المثنى بْن حارثة بْن سلمة بْن ضمضم الشيباني يغير عَلَى السواد في رجال من قومه فبلغ أَبَا بكر الصديق رضي اللَّه عنه خبره فسأل عنه، فقال له قيس بْن عاصم بْن سنان المنقري: هَذَا رجل غير خامل الذكر، ولا مجهول النسب، ولا ذليل العماد: هَذَا المثنى بْن حارثة الشيباني، ثُمَّ أن المثنى قدم عَلَى أَبِي بكر، فقال له يا خليفة رَسُول اللَّهِ استعملني عَلَى من أسلم من قومي أقاتل هَذِهِ الأعاجم من أهل فارس، فكتب له أَبُو بكر في ذلك عهدا، فسار حَتَّى نزل خفان ودعا قومه إِلَى الإِسْلام فأسلموا، ثُمَّ أن أَبَا بكر رضي اللَّه عنه كتب إِلَى خَالِد بْن الوليد المخزومي يأمره بالمسير إِلَى العراق، ويقال: بل وجهه منَ المدينة، وكتب أَبُو بكر إِلَى المثنى بْن حارثة يأمره بالسمع والطاعة له وتلقيه، وكان مذعور بْن عدي العجلي قَدْ كتب إِلَى أَبِي بكر يعلمه حاله وحال قومه ويسأله توليته قتال الفرس، فكتب إليه يأمره بأن ينضم إِلَى خَالِد فيقيم معه إذا أقام ويشخص إذا شخص، فلما نزل خَالِد النباج لقيه المثنى بْن حارثة بها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وأقبل خَالِد حَتَّى أتى البصرة وبها سويد بْن قطبة الذهلي، وقال غير أَبِي مخنف كان بها قطبة بْن قتادة الذهلي، من بكر بْن وائل ومعه جماعة من قومه وهو يريد أن يفعل بالبصرة مثل فعل المثنى بالكوفة، ولم تكن الكوفة يومئذ إنما كانت الحيرة، فقال سويد لخالد: إن أهل الأبلة قَدْ جمعوا لي ولا أحسبهم امتنوا مني إلا لمكانك، قَالَ له خَالِد فالرأي إن أخرج منَ البصرة نهارا ثُمَّ أعود ليلا فأدخل عسكرك بأصحابي فإن صبحوك حاربناهم ففعل خَالِد ذلك وتوجه نحو الحيرة، فلما جن عَلَيْهِ الليل انكفأ راجعا حَتَّى صار إِلَى عسكر سويد فدخله بأصحابه وأصبح الأبليون وقد بلغهم انصراف خَالِد عَنِ البصرة فأقبلوا نحو سويد، فلما رأوا كثرة من في عسكره سقط في أيديهم وانكسروا، فقال خَالِد: احملوا عليهم فإني أرى هيئة قوم قَد ألقى اللَّه في قلوبهم الرعب، فحملوا عليهم فهزموهم وقتل اللَّه منهم بشرا، وغرق طائفة في دجلة البصرة، ثُمَّ مر خَالِد بالخريبة ففتحها وسبى من فيها، واستخلف بها فيما ذكر الكلبي شريح بْن عَامِر بْن قين من بني سَعْد بْن بكر بْن هوازن، وكانت مسلحة للعجم، ويقال أيضا: أنه أتى النهر الَّذِي يعرف بنهر المرأة فصالح أهله، وأنه قاتل جمعا بالمذار، ثُمَّ سار يريد الحيرة وخلف سويد بْن قطبة عَلَى ناحيته، وقال له: قَدْ عركنا هَذِهِ الأعاجم بناحيتك عركة أذاتهم لك. وقد روي أن خالدا لما كان بناحية اليمامة كتب إِلَى أَبِي بكر يستمده فأمده بجرير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي فلقيه جرير منصرفا منَ اليمامة فكان معه وواقع صاحب المذار بأمره والله أعلم. وقال الواقدي: والذي عَلَيْهِ أصحابنا من أهل الحجاز أن خالدا قدم المدينة منَ اليمامة ثُمَّ خرج منها إِلَى العراق عَلَى فيد والثعلبية ثُمَّ أتى الحيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 قَالُوا: ومر خَالِد بْن الوليد بزندورد من كسكر فافتتحها وافتتح درتا وذواتها بأمان بعد أن كانت من أهل زندورد مراماة للمسلمين ساعة، وأتى هرمزجرد فآمن أهلها أيضا وفتحها، وأتى أليس فخرج إليه جابان عظيم العجم فقدم إليه المثنى بْن حارثة الشيباني فلقيه بنهر الدم، وصالح خَالِد أهل أليس عَلَى أن يكونوا عيونا للمسلمين عَلَى الفرس وأدلاء وأعوانا. وأقبل خَالِد إِلَى مجتمع الأنهار فلقيه أراذبة صاحب مسالح كسرى فيما بينه وبين العرب فقاتله المسلمون وهزموه، ثُمَّ نزل خَالِد خفان، ويقال: بل سار قاصدا إِلَى الحيرة فخرج إليه عَبْد المسيح بْن عُمَر بْن قيس بْن حيان ابن بقيلة، واسم بقيلة الحارث وهو منَ الأزد، وهانئ بْن قبيصة بْن مَسْعُود الشيباني وإياس بْن قبيصة الطائي، ويقال فروة بْن إياس، وكان إياس عامل كسرى أبرويز عَلَى الحيرة بعد النعمان بْن المنذر فصالحوه عَلَى مائة ألف درهم، ويقال عَلَى ثمانين ألف درهم في كل عام، وعلى أن يكونوا عيونا للمسلمين عَلَى أهل فارس، وأن لا يهدم لهم بيعة ولا قصرا، وروى أَبُو مخنف عن أَبِي المثنى الوليد بْن القطامي وهو الشرقي بْن القطامي الكلبي: أن عَبْد المسيح استقبل خالدا وكان كبير السن، فقال له خَالِد: من أين أقصى أثرك يا شيخ، فقال: من ظهر أَبِي، قَالَ: فمن أين خرجت، قَالَ: من بطن أمي، قَالَ: ويحك في أي شيء أنت، قَالَ: في ثيابي، قَالَ: ويحك عَلَى أي شيء أنت، قَالَ: عَلَى الأرض، قَالَ: أتعقل قَالَ: نعم وأقيد، قَالَ: ويحك إنما أكلمك بكلام الناس، قَالَ: وأنا إنما أجيبك جواب الناس، قَالَ أسلم أنت أم حرب؟ قَالَ: بل سلم، قَالَ: فما هَذِهِ الحصون، قَالَ: بنيناها للسفيه حَتَّى يجيء الحليم، ثُمَّ تذاكرا الصلح فاصطلحا عَلَى مائة ألف يؤدونها في كل سنة فكان الَّذِي أخذ منهم أول مال حمل إِلَى المدينة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 العراق، واشترط عليهم أن لا يبغوا المسلمين غائلة، وأن يكونوا عيونا عَلَى أهل فارس وذلك في سنة اثنتي عشرة. وحدثني الْحُسَيْن بْن الأسود عن يَحْيَى بْن آدم، قَالَ: سمعت أن أهل الحيرة كانوا ستة آلاف رجل فألزم كل رجل منهم أربعة عشر در هما وزن خمسة فبلغ ذلك أربعة وثمانين ألفا وزن خمسة تكون ستين وزن سبعة، وكتب لهم بذلك كتابا قَدْ قرأته، وروى عن يزيد بْن نبيشة العامري أنه قَالَ: قدمنا العراق مع خَالِد بْن الوليد فانتهينا إِلَى مسلحة العذيب، ثُمَّ أتينا الحيرة وقد تحصن أهلها في القصر الأبيض وقصر ابن بقيلة قصر العدسيين فأجلنا الخيل في عرصاتهم ثُمَّ صالحونا، قَالَ ابن الكلبي: العدسيون من كلب نسبوا إِلَى أمهم وهي كلبية أيضا. وحدثني أَبُو مَسْعُود الكوفي عَنِ ابن مجالد عن أبيه عن الشعبي أن خريم ابن أوس بْن حارثة بْن لام الطائي قَالَ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن فتح اللَّه عليك الحيرة فأعطني ابنة بقيلة، فلما أراد خَالِد صلح أهل الحيرة، قَالَ له خريم. إن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل لي بنتي بقيلة فلا تدخلها في صلحك وشهد له بشير بْن سَعْد، وَمُحَمَّد بْن مسلمة الأنصاريان فاستثناها في الصلح ودفعها إِلَى خريم فاشتريت منه بألف درهم، وكانت عجوزا قَدْ حالت عن عهده فقيل له ويحك لقد أرخصتها كان أهلها يدفعون إليك أضعاف ما سألت بها فقال. ما كنت أظن عددا يكون أكثر من عشر مائة، وقد جاء في الحديث أن الَّذِي سأل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنت بقيلة رجل من ربيعة، والأول أثبت، قَالُوا: وبعث خَالِد بْن الوليد بشير بْن سَعْد أَبَا النعمان بْن بشير الأنصاري إِلَى بانقيا فلقيته خيل الأعاجم عليها فرخبنداذ فرشقوا من معه بالسهام وحمل عليهم فهزمهم وقتل فرخبنداذ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 ثُمَّ انصرف وبه جراحة انتقضت به وهو بعين التمر فمات منها، ويقال: إن خالدا لقي فرخبنداذ بنفسه وبشير معه ثُمَّ بعث خَالِد جرير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي إِلَى أهل بانقيا فخرج إليه بصهرى بْن صلوبا فاعتذر إليه منَ القتال وعرض الصلح فصالحه جرير عَلَى ألف درهم وطيلسان، ويقال: إن ابن صلوبا أتى خالدا فاعتذر إليه وصالحه هَذَا الصلح، فلما قتل مهران ومضى يوم النخيلة أتاهم جرير فقبض منهم ومن أهل الحيرة صلحهم وكتب لهم كتابا بقبض ذلك، وقوم ينكرون أن يكون جرير بْن عَبْد اللَّهِ قدم العراق إلا في خلافة عُمَر بْن الخطاب، وكان أَبُو مخنف والواقدي يقولان: قدمها مرتين. قَالُوا: وكتب خَالِد لبصبهرى بن صلوبا كتابا ووجه إِلَى أَبِي بكر بالطيلسان مع مال الحيرة وبالألف درهم فوهب الطيلسان للحسين بْن علي رضي اللَّه عنهما. وحدثني أَبُو نَصْر التمار، قَالَ: حَدَّثَنَا شريك بْن عَبْد اللَّهِ النخعي عَنِ الحجاج بْن أرطاة عَنِ الحكم عن عَبْد اللَّهِ بْن مغفل المزني، قَالَ: ليس لأهل السواد عهد إلا الحيرة وأليس وبانقيا. وحدثني الْحُسَيْن بْن الأسود، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن آدم عَنِ المفضل بْن المهلهل عن مَنْصُور عن عُبَيْد اللَّه بْن الْحَسَن أو أَبِي الحسن عَنِ ابن مغفل، قَالَ: لا يصلح بيع أرض دون الجبل إلا أرض بني صلوبا وأرض الحيرة. وحدثني الْحُسَيْن بن الأسود، قال: حدثنا يحيى بن آدم عَنِ الْحَسَن بْن صالح عَنِ الأسود بْن قيس عن أبيه، قَالَ انتهينا إلى الحيرة فصالحناهم عَلَى كذا وكذا ورحل، قَالَ. فقلت وما صنعتم بالرحل، قَالَ لم يكن لصاحب منا رحل فأعطيناه إياه. وحدثنا أَبُو عُبَيْد، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن أَبِي مريم عَنِ السرى بْن يَحْيَى عن حميد بْن هلال أن خالدا لما نزل الحيرة صالح أهلها ولم يقاتلوا، وقال ضرار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 ابن الأزور الأسدي: أرقت ببانقيا ومن يلق مثل ما ... لقيت ببانقيا منَ الجرح يأرق وقال الواقدي. المجتمع عَلَيْهِ عند أصحابنا أن ضرارا قتل باليمامة، قَالُوا. وأبى خَالِد الفلاليج منصرفة من بانقيا وبها جمع للعجم فتفرقوا ولم يلق كيدا فرجع إِلَى الحيرة فبلغه أن جابان في جمع عظيم بتستر فوجه إليه المثنى بْن حارثة الشيباني وحنظلة بْن الربيع بْن رباح الأسيدي من بني تميم، وهو الَّذِي يقال له حنظلة الكاتب، فلما انتهيا إليه هرب وسار خَالِد إِلَى الأنبار فتحصن أهلها، ثُمَّ أتاه من دله عَلَى سوق بغداد وهو السوق العتيق الَّذِي كان عند قرن الصراة فبعث خَالِد المثنى بْن حارثة فأغار عَلَيْهِ فملأ المسلمون أيديهم منَ الصفراء والبيضاء وما خف محمله منَ المتاع ثُمَّ باتوا بالسيلحين وأتوا الأنبار وخالد بها فحصروا أهلها وحرقوا في نواحيها، وإنما سميت الأنبار لأن إهراء العجم كانت بها، وكان أصحاب النعمان وصنائعه يعطون أرزاقهم منها، فلما رأى أهل الأنبار ما نزل بهم صالحوا خَالِد عَلَى شيء رضي به فأقرهم، ويقال أن خالدا قدم المثنى إِلَى بغداد ثُمَّ سار بعده فتولى الغارة عليها ثُمَّ رجع إِلَى الأنبار، وليس ذلك بثبت. وحدثني الْحُسَيْن بن الأسود، قال: حدثني يحيى بن آدم قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن صالح عن جابر عَنِ الشعبي أنه قَالَ: لأهل الأنبار عهد وعقد. وحدثني مشايخ من أهل الأنبار أنهم صالحوا في خلافة عُمَر رحمه اللَّه عَلَى طسوجهم عَلَى أربعمائة ألف درهم وألف عباءة قطوانية في كل سنة وتولى الصلح جرير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي، ويقال: صالحهم عَلَى ثمانين ألفا والله أعلم. قَالُوا: وفتح جرير بوازيج الأنبار وبها قوم من مواليه، قَالُوا: وأتى خَالِد بْن الوليد رجل دله عَلَى سوق يجتمع فيها كلب وبكر بْن وائل وطوائف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 من قضاعة فوق الأنبار، فوجه إليها المثنى بْن حارثة فأغار عليها فأصاب ما فيها وقتل وسبى، ثُمَّ أتى خَالِد عين التمر فألصق بحصنها وكانت فيه مسلحة للأعاجم عظيمة فخرج أهل الحصن فقاتلوا، ثُمَّ لزموا حصنهم فحاصرهم خَالِد والمسلمون حَتَّى سألوا الأمان فأبى أن يؤمنهم وافتتح الحصن عنوة وقتل وسبى، ووجد في كنيسة هناك جماعة سباهم فكان من ذلك السبي حمران بْن أبان ابن خَالِد التمري، وقوم يقولون: كان اسم أبيه أبان وحمران مولى عُثْمَان، وكان للمسيب بْن نجبة الفزاري فاشتراه منه فأعتقه، ثُمَّ وجهه إِلَى الكوفة للمسألة عن عامله فكذبه فأخرجه من جواره فنزل البصرة، وسيرين أَبُو مُحَمَّد بْن سيرين وأخوته، وهم يَحْيَى بْن سيرين، وأنس بْن سيرين، ومعبد بْن سيرين وهو أكبر أخوته، وهم موالي أنس بْن مَالِك الأنصاري، وكان من ذلك السبي أيضا أَبُو عمرة جد عَبْد الأعلى الشاعر، ويسار جد مُحَمَّد بْن إِسْحَاق صاحب السيرة، وهو مولى قيس بْن مخرمة بْن المطلب بْن عَبْد مناف، وكان منهم مرة أَبُو عُبَيْد جد مُحَمَّد بْن زيد بْن عُبَيْد ابن مرة، ونفيس بْن مُحَمَّد بْن زيد بْن عُبَيْد بْن مرة صاحب القصر عند الحرة ابن محمد هذا وبنوه ويقولون عبيد بن مرة بن المعلى الأنصاري ثُمَّ الزرقي، ونصير أَبُو موسى بْن نصير صاحب المغرب، وهو مولى لبني أمية وله بالثغور موال من أولاد من أعتق يقولون ذلك. وقال ابن الكلبي: كان أَبُو فروة عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الأسود، ونصير أَبُو موسى ابن نصير عربيين من أراشة من يلي: سبيا أيام أَبِي بكر رحمه اللَّه من جبل الجليل بالشام، وكان اسم نصير نصرا فصغر وأعتقه بعض بنى أمية فرجع إِلَى الشام وولد له موسى بقرية يقال لها كفر مرى وكان أعرج، وقال الكلبي: وقد قيل أنهما أخوان من سبي عين التمر وأن ولاءهما لبني ضبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 وقال علي بْن مُحَمَّد المدائني يقال: أن أَبَا فروة ونصيرا كانا من سبي عين التمر فابتاع ناعم الأسدي أَبَا فروة ثُمَّ ابتاعه منه عُثْمَان وجعله يحفر القبور فلما وثب الناس به كان معهم عَلَيْهِ، فقال له: رد المدالم فقال له: أنت أولها ابتعتك من مال الصدقة لتحفر القبور فتركت ذلك، وكان ابنه عَبْد اللَّهِ ابن أَبِي فروة من سراة الموالي، والربيع صاحب المَنْصُور الربيع بْن يونس ابن مُحَمَّد بْن أَبِي فروة، وإنما لقب أَبَا فروة لفروة كانت عَلَيْهِ حين سبى. وقد قيل: أن خالدا صالح أهل حصن عين التمر وأن هَذَا السبي وجد في كنيسة ببعض الطسوج، وقيل: أن سيرين من أهل جرجرايا، وأنه كان زائرا لقرابة له فأخذ في الكنيسة معهم. حدثني الْحُسَيْن بْن الأسود، قَالَ: حدثني يَحْيَى بن آدم عن الحسن بن صالح عن أشعب عَنِ الشعبي قَالَ: صالح خَالِد بْن الوليد أهل الحيرة وأهل عين التمر، وكتب بذلك إِلَى أَبِي بكر فأجازه، قَالَ يَحْيَى: فقلت للحسن ابن صالح. أفأهل عين التمر مثل أهل الحيرة إنما هُوَ شيء عليهم وليس عَلَى أراضيهم شيء فقال نعم. قالوا: وكان هلال بْن عقه بْن قيس بْن البشر النمري عَلَى النمر بْن قاسط بعين التمر فجمع لخالد وقاتله فظفر به فقتله وصلبه، وقال ابن الكلبي كان على التمر يومئذ عقه بْن قيس بْن البشر بنفسه. قَالُوا. وانتقض ببشير بْن سَعْد الأنصاري جرحه فمات فدفن بعين التمر ودفن إِلَى جنبة عمير بْن رئاب بْن مهشم بْن سَعِيد بْن سهم بْن عَمْرو. وكان أصابه سهم بعين التمر فاستشهد. ووجه خَالِد بْن الوليد وهو بعين التمر النسير بْن ديسم بْن ثور إِلَى ماء لبني تغلب فطرقهم ليلا فقتل وأسر، فسأله رجل منَ الأسرى أن يطلقه على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 أن يدله عَلَى حي من ربيعة ففعل فأتى النسير ذلك الحي فبيتهم فغنم وسبى ومضى إِلَى ناحية تكريت في البر فغنم المسلمون. وحدثني أبو مَسْعُود الكوفي عن مُحَمَّد بْن مروان أن النسير أتى عكبراء فأمن أهلها وأخرجوا لمن معه طعاما وعلفا ثُمَّ مر بالبردان فاقبل أهلها يعدون من بَيْنَ أيدي المسلمين، فقال لهم: لا بأس فكان ذلك أمانا، قَالَ: ثُمَّ أتى المخرم، قَالَ أَبُو مَسْعُود: ولم يكن يدعى يومئذ مخرما إنما نزله بعض ولد مخرم بْن حزن زياد بْن أنس بْن الديان الحارثي فسمي به فيما ذكر هِشَام بْن مُحَمَّد الكلبي، ثم عبر المسلمون جسرا كان معقودا عند قصر سابور الَّذِي يعرف اليوم بقصر عِيسَى بْن علي فخرج إليه خرزاد بْن ماهبنداذ وكان موكلا به، فقابلوه وهزموه ثُمَّ لجوا فأتوا عين التمر، وقال الواقدي. وجه المثنى بْن حارثة النسير وحذيفة بْن محصن بعد يوم الجسر وبعد انحيازه بالمسلمين إِلَى خفان وذلك في خلافة عُمَر بْن الخطاب في خيل، فأوقعا بقوم من بني تغلب وعبر إِلَى تكريت فأصاب نعما وشاء، وقال عتاب بْن إِبْرَاهِيم فيما ذكر لي عنه أَبُو مَسْعُود أن النسير وحذيفة آمنا أهل تكريت وكتبا لهم كتابا أنفذه له عتبة بْن فرقد السلمي حين فتح الطيرهان، والموصل، وذكر أيضا أن النسير توجه من قبل خَالِد بْن الوليد فأغار عَلَى قرى بمسكن وقطربل فغنم منها غنيمة حسنة، قَالُوا: ثُمَّ سار خَالِد من عين التمر إِلَى الشام، وقال للمثنى بْن حارثة ارجع رحمك اللَّه إِلَى سلطانك فغير مقصر ولا وان وقال الشاعر: صبحنا بالكتائب حي بكر ... وحيا من قضاعة غير ميل أبحنا دارهم والخيل تردى ... بكل سميدع سامي التليل يعني من كان في السوق الَّذِي فوق الأنبار، وقال آخر: وللمثنى بالعال معركة ... شاهدها من قبيلة بشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 يعني بالعال الأنبار وقطربل ومسكن وبادوريا، فأراد سوق بغداد: كتيبة أفزعت بوقعتها ... كسرى وكاد الإيوان ينفطر وشجع المسلمون إذ حذروا ... وفي صروف التجارب العبر سَهْل نهج السبيل فاقتفروا ... آثاره والأمور تقتفر وقال بعضهم حين لقوا خرزاد: وآل منا الفارسي الحذره ... حين لقيناه دوينا المنظرة بكل قباء لحوق مضمره ... بمثلها يهزم جمع الكفرة يعني بالمنظرة تل عقرقوف، وكان شخوص خَالِد إِلَى الشام في شهر ربيع الآخر، ويقال: في شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة، وقال قوم أن خالدا أتى دومة من عين التمر ففتحها ثُمَّ أقبل إِلَى الحيرة فمنها مضى إِلَى الشام وأصح ذلك مضيه من عين التمر. خلافة عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه قَالُوا: لما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجه أَبَا عُبَيْد بْن عَمْرو ابن عمير بْن عوف بْن عقدة بْن غيرة بْن عوف بْن ثقيف، وهو أَبُو المختار بْن أَبِي عُبَيْد، إِلَى العراق في ألف، وكتب إِلَى المثنى بْن حارثة يأمره بتلقيه والسمع والطاعة له، وبعث مع أَبِي عُبَيْد سليط بن عمرو الأنصارى وقال له: لولا عجلة فيك لوليتك ولكن الحرب زبون لا يصلح لها إلا الرجل المكيث، فأقبل أَبُو عُبَيْد لا يمر بقوم منَ العرب إلا رغبهم في الجهاد والغنيمة فصحبه خلق، فلما صار بالعذيب بلغه أن جابان الأعجمى يتستر في جمع كثير فلقيه فهزم جمعه وأسر منهم، ثُمَّ أتى درنى وبها جمع للعجم فهزمهم إِلَى كسكر وسار إِلَى الجالينوس وهو ببار وسما فصالحه بن الأنذر زعز عن كل رأس عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 أربعة دراهم عَلَى أن ينصرف، ووجه أَبُو عُبَيْد المثنى إِلَى زندورد فوجدهم قَدْ نقضوا فحاربهم فظفر وسبى، ووجه عُرْوَة بْن زيد بن الخيل الطائي إِلَى الزوابي فصالح دهقانها عَلَى مثل صلح باروسما. يوم قس الناطف وهو يوم الجسر قالوا: بعث الفرس إِلَى العرب حين بلغها اجتماعها ذا الحاجب مردانشاه وكان أنوشروان لقبه بهمن لتبركه به وسمى ذا الحاجب لأنه كان يصعب حاجبيه ليرفعهما عن عينه كبرا، ويقال: أن اسمه رستم، فأمر أَبُو عُبَيْد بالجسر فعقد وأعانه عَلَى عقده عهده أهل بانقيا، ويقال: أن ذلك الجسر كان قديما لأهل الحيرة يعبرون عَلَيْهِ إِلَى ضياعهم فأصلحه أَبُو عُبَيْد، وذلك أنه كان معتلا مقطوعا ثُمَّ عبر أَبُو عُبَيْد والمسلمون منَ المروحة عَلَى الجسر فلقوا ذا الحاجب وهو في أربعة آلاف مدجج ومعه فيل، ويقال: عدة فيلة واقتتلوا قتالا شديدا وكثرت الجراحات وفشت في المسلمين، فقال سليط بْن قيس: يا أَبَا عُبَيْد قَدْ كنت نهيتك عن قطع هَذَا الجسر إليهم، وأشرت عليك بالانحياز إِلَى بعض النواحي والكتاب إِلَى أمير الْمُؤْمِنِين بالاستمداد فأبيت، وقاتل سليط حَتَّى قتل، وسأل أَبُو عُبَيْد: أين مقتل هَذِهِ الدابة فقيل خرطومه فحمل فضرب خرطوم الفيل، وحمل عَلَيْهِ أَبُو محجن بْن حبيب الثقفي فضرب رجله فعلقها، وحمل المشركون فقتل أَبُو عُبَيْد رحمه اللَّه، ويقال: أن الفيل برك عَلَيْهِ فمات تحته فأخذ اللواء أخوه الحكم فقتل فأخذ ابنه حبر فقتل ثُمَّ أن المثنى بْن حارثة أخذه ساعة وانصرف بالناس وبعضهم عَلَى حامية بعض، وقاتل عُرْوَة بْن زيد الخيل يومئذ قتالا شديدا عدل بقتال جماعة، وقاتل أَبُو زبيد الطائي الشاعر حمية للمسلمين بالغربية، وكان أتى الحيرة في بعض أموره وكان نصرانيا، وأتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 المثنى أليس، فنزلها وكتب إِلَى عُمَر بْن الخطاب بالخبر مع عُرْوَة بْن زيد وكان ممن قتل يوم الجسر فيما ذكر أَبُو مخنف أَبُو زيد الأنصاري أحد من جمع القرآن عَلَى عهد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: وكانت وقعة الجسر يوم السبت في آخر شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وقال أَبُو محجن بْن حبيب: أنى تسدت نحونا أم يوسف ... ومن دون مسراها فياف مجاهل إِلَى فتية بالطف نيل سراتهم ... وغودر أفراس لهم ورواحل مرت عَلَى الأنصار وسط رحالهم ... فقلت لهم هل منكم اليوم قافل حدثني أبو عبيد القاسم بن سلام، قال: حدثنا مُحَمَّد بْن كثير عن زائد عَنِ إسماعيل بْن أَبِي خالد عن قيس بْن أَبِي حازم، قال: عبر أبو عبيد بانقيافى ناس من أصحابه فقطع المشركون الجسر فأصيب ناس من أصحابه، قال إسماعيل، وقال أَبُو عَمْرو الشيباني: كان يوم مهران في أول السنة والقادسية في آخرها. يوم مهران وهو يوم النخيلة قال: أَبُو مخنف وغيره، مكث عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه سنة لا يذكر العراق لمصاب أَبِي عُبَيْد وسليط، وكان المثنى بْن حارثة مقيما بناحية أليس يدعو العرب إِلَى الجهاد، ثُمّ أن عُمَر رضي اللَّه عنه ندب الناس إِلَى العراق فجعلوا يتحامونه ويتثاقلون عنه حَتَّى هم أن يغزو بنفسه، وقدم عَلَيْهِ خلق منَ الأزد يريدون غزو الشام فدعاهم إِلَى العراق ورغبهم في غنائم آل كسرى فردوا الاختيار إليه فأمرهم بالشخوص، وقدم جرير بْن عَبْد اللَّهِ منَ السراة في بجيلة فسأل أن يأتي العراق عَلَى أن يعطى وقومه ربع ما غلبوا عَلَيْهِ فأجابه عُمَر إِلَى ذلك فسار نحو العراق. وقوم يزعمون أنه مر عَلَى طريق البصرة وواقع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 مرزبان المذار فهزمه، وآخرون يزعمون أنه واقع المرزبان وهو مع خَالِد بْن الوليد، وقوم يقولون أنه سلك الطريق عَلَى فيد والثعلبة إِلَى العذيب. حدثني عَفَّان بْن مُسْلِم قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سلمة، قَالَ: حَدَّثَنَا داود بْن أَبِي هند، قَالَ أَخْبَرَنِي الشعبي أن عُمَر وجه جرير بْن عَبْد اللَّهِ إِلَى الكوفة بعد قتل أَبِي عُبَيْد أول من وجه قَالَ هل لك في العراق وأنفلك الثلث بعد الخمس؟ قَالَ نعم، قالوا واجتمع المسلمون بدير هند في سنة أربع عشرة وقد هلك شيرويه وملكت بوران بنت كسرى إِلَى أن يبلغ يزدجرد بْن شهريار فبعث إليهم مهران بْن مهر بنداذ الهمذاني في اثني عشر ألفا فأمهل المسلمون له حَتَّى عبر الجسر وصار مما يلي دير الأعور، وروى سيف أن مهران صار عند عبور الجسر إِلَى موضع يقال له البويب وهذا الموضع الَّذِي قتل به، ويقال أن جنبتي البويب أفعمت عظاما حَتَّى استوى وعفا عليها التراب زمان الفتنة وأنه بإيثار هناك وذلك ما بَيْنَ السكون وبني سليم فكان مغيضا للفرات زمن الأكاسرة يصب في الجوف، وعسكر المسلمين بالنخيلة. وكان عَلَى الناس فيما تزعم بجيلة جرير بْن عَبْد اللَّهِ، وفيما تقول ربيعة المثنى بْن حارثة، وقد قيل: أنهم كانوا متسايدين عَلَى كل قوم رئيسهم فالتقى المسلمون وعدوهم فأبلى شرحبيل بْن السمط الكندي يومئذ بلاء حسنا، وقتل مَسْعُود بْن حارثة أخو المثنى بْن حارثة، فقال المثنى: يا معشر المسلمين لا يرعكم مصرع أخي فإن مصارع خياركم هكذا، فحملوا حملة رجل واحد محققين صابرين حَتَّى قتل اللَّه مهران وهزم الكفرة فاتبعهم المسلمون يقتلونهم فقتل من نجا منهم، وضارب قرط بْن جماح العبدي يومئذ حَتَّى انثنى سيفه وجاء الليل فتناموا إِلَى عسكرهم وذلك في سنة أربع عشرة فتولى قتل مهران جرير بْن عَبْد اللَّهِ، والمنذر بْن حسان بْن ضرار الضبي، فقال: هَذَا أنا قتلته، وقال هَذَا أنا قتلته وتنازعا نزاعا شديدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 فأخذ المنذر منطقته وأخذ جرير سائر سلبه، ويقال: أن الحصن بْن معبد ابن زرارة بْن عدس التميمي كان ممن قتله. ثُمَّ لم يزل المسلمون يشنون الغارات ويتابعونها فيما بَيْنَ الحيرة وكسكر وفيما بَيْنَ كسكر وسورا وبربيسما وصراة جاماسب وما بَيْنَ الفلوجتين والنهرين وعين التمر، وأتوا حصن مليقيا وكان منظرة ففتحوه وأجلوا العجم عن مناظر كانت بالطف وكانوا منخوبين قَدْ وهن سلطانهم وضعف أمرهم وعبر بعض المسلمين نهر سورا فأتوا كوثى، ونهر الملك، وبادوريا، وبلغ بعضهم كلواذى، وكانوا يعيشون بما ينالون منَ الغارات، ويقال: أن ما بَيْنَ مهران والقادسية ثمانية عشر شهرا. يوم القادسية قَالُوا: كتب المسلمون إِلَى عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه يعلمونه كثرة من تجمع لهم من أهل فارس ويسألونه المدد، فأراد أن يغزو بنفسه وعسكر لذلك، فأشار عَلَيْهِ العَبَّاس بْن عَبْد المطلب، وجماعة من مشايخ أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمقام وتوجيه الجيوش والبعوث ففعل ذلك، وأشار عَلَيْهِ علي بْن أَبِي طالب بالمسير، فقال له: إني قَدْ عزمت عَلَى المقام وعرض عَلَى علي رضي اللَّه عنه الشخوص فأباه فأراد عُمَر توجيه سَعِيد بْن زيد بْن عَمْرو ابن نفيل العدوي، ثُمَّ بدا له فوجه سَعْد بْن أَبِي وقاص، واسم أَبِي وقاص مَالِك ابن أهيب بْن عَبْد مناف بْن زهرة بْن كلاب، وقال: أنه رجل شجاع رام ويقال: إن سَعِيد بْن زيد بْن عَمْرو كان يومئذ بالشام غازيا، قَالُوا: وسار إِلَى العراق فأقام بالثعلبية ثلاثة أشهر حَتَّى تلاحق به الناس، ثُمَّ قدم العزيب في سنة خمس عشرة، وكان المثنى بْن حارثة مريضا فأشار عَلَيْهِ بأن يحارب العدو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 بَيْنَ القادسية والعذيب ثُمَّ اشتد وجعه فحمل إِلَى قومه فمات فيهم، وتزوج سَعْد امرأته. قَالَ الواقدي: تُوُفِّيَ المثنى قبل نزول رستم القادسية، قَالُوا: وأقبل رستم وهو من أهل الري، ويقال بل هُوَ من أهل همذان فنزل برس، ثُمَّ سار فأقام بَيْنَ الحيرة والسيلحين أربعة أشهر لا يقدم عَلَى المسلمين ولا يقاتلهم والمسلمون معسكرون بَيْنَ العذيب والقادسية، وقدم رستم ذا الحاجب فكان معسكرا بطيزناباذ، وكان المشركون زهاء مائة ألف وعشرين ألفا ومعهم ثلاثون فيلا وروايتهم العظمى التي تدعى درفش كابيان، وكان جمع المسلمون ما بَيْنَ تسعة آلاف إِلَى عشرة آلاف فإذا احتاجوا إِلَى العلف والطعام أخرجوا خيولا في البر فأغارت عَلَى أسفل الفرات، وكان عُمَر يبعث إليهم منَ المدينة الغنم والجزر، قَالُوا: وكانت البصرة قَدْ مصرت فيما بَيْنَ يوم النخيلة ويوم القادسية مصرها عتبة بْن غزوان، ثُمَّ استأذن للحج وخلف المغيرة بْن شعبة فكتب عُمَر بعهده فلم يلبث أن قرف بما قرف به فولى أَبَا موسى البصرة وأشخص المغيرة إِلَى المدينة، ثُمَّ أن عُمَر رده ومن شهد عَلَيْهِ إلي البصرة، فلما حضر يوم القادسية كتب عُمَر إِلَى أَبِي موسى يأمره بإمداد سَعْد فأمده بالغيرة في ثمانمائة ويقال في أربعمائة فشهدها ثُمَّ شخص إِلَى المدينة فكتب عُمَر إِلَى أَبِي عُبَيْدة بْن الجراح فأمد سعدا بقيس ابن هبيرة بْن المكشوح المرادي، فيقال: أنه شهد القادسية، ويقال: بل قدم عَلَى المسلمين وقد فرغ من حربها وكان قيس في سبعمائة. وكان يوم القادسية في آخر سنة ست عشرة، وقد قبل أن الَّذِي أمدي سعدا بالمغيرة عتبة بْن غزوان وأن المغيرة إنما ولى البصرة بعد قدومه منَ القادسية وأن عُمَر لم يخرجه منَ المدينة حين أشخصه إليها لما قرف به إلا واليا عَلَى الكوفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 وحدثني العَبَّاس بْن الوليد النرسي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الواحد بْن زياد عن مجلد عَنِ الشعبي، قَالَ: كتب عُمَر إِلَى أَبِي عُبَيْدة ابعث قيس بْن مكشوح إِلَى القادسية فيمن انتدب معه فانتدب معه خلق فقدم متعجلا في سبعمائة، وقد فتح عَلَى سَعْد فسألوه الغنيمة فكتب إِلَى عُمَر في ذلك فكتب إليه عُمَر إن كان قيس قدم قبل دفن القتلى فاقسم له نصيبه، قالوا: وأرسل رستم إِلَى سَعْد يسأله توجيه بعض أصحابه إليه فوجه المغيرة بْن شعبة فقصد قصد سريره ليجلس معه وعليه فمنعته الأساورة من ذلك، وكلمه رستم بكلام كثير، ثُمَّ قَالَ له: قَدْ علمت أنه لم يحملكم عَلَى ما أنتم فيه إلا ضيق المعاش وشدة الجهد ونحن نعطيكم ما تتشبعون به ونصرفكم ببعض ما تحبون، فقال المغيرة. إن اللَّه بعث إلينا نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسعدنا بإجابته واتباعه، وأمرنا بجهاد من خالف ديننا (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) 9: 29، ونحن ندعوك إِلَى عبادة اللَّه وحده، والإيمان بنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن فعلت وإلا فالسيف بيننا وبينكم، فنحر رستم غضبا، ثُمَّ قَالَ. والشمس والقمر لا يرتفع الضحى غدا حَتَّى نقتلكم أجمعين، فقال المغيرة: لا حول ولا قوة إلا بالله وانصرف عنه، وكان عَلَى فرس له مهزول وعليه سيف معلوب ملفوف عَلَيْهِ الخرق. وكتب عُمَر إِلَى سَعْد يأمره بأن يبعث إِلَى عظيم الفرس قوما يدعونه إِلَى الإِسْلام، فوجه عَمْرو بْن معدي كرب الزبيدي، والأشعث بْن قيس الكندي في جماعة فمروا برستم فأتى بهم، فقال. أين تريدون، قَالُوا صاحبكم فجرى بينهم كلام كثير حَتَّى قَالُوا إن نبينا قَدْ وعدنا أن نغلب عَلَى أرضكم فدعا بزبيل من تراب، فقال: هَذَا لكم من أرضنا، فقام عَمْرو ابن معدي كرب مبادرا فبسط رداءه وأخذ من ذلك التراب فيه وانصرف، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 فقيل له ما دعاك إِلَى ما صنعت قَالَ تفاءلت بأن أرضهم تصير إلينا ونغلب عليها، ثُمَّ أتوا الملك ودعوه إِلَى الإِسْلام فغضب وأمرهم بالانصراف، وقال: لولا أنكم رسل لقتلتكم، وكتب إِلَى رستم يعنفه عَلَى إنفاذهم إليه. ثُمَّ أن علافة المسلمين وعليها زهرة بْن حوية بْن عَبْد اللَّهِ بْن قتادة التميمي ثُمَّ السعدي، ويقال: كان عليها قتادة بْن حويه لقيت خيلا للأعاجم فكان ذلك سبب الوقعة أغاثت الأعاجم خيلها وأغاث المسلمون علافتهم فالتحمت الحرب بينهم وذلك بعد الظهر، وحمل عَمْرو بْن معدي كرب الزبيدي فاعتنق عظيما منَ الفرس فوضعه بَيْنَ يديه في السرج، وقال: أنا أَبُو ثور افعلوا كذا ثُمَّ حطم فيلا منَ الفيلة، وقال الزموا سيوفكم خراطيمها فإن مقتل الفيل خرطومه، وكان سَعْد قَد استخلف عَلَى العسكر والناس خَالِد بْن عرفطة العذري حليف بني زهرة لعلة وجدها، وكان مقيما في قصر العذيب فجعلت امرأته وهي سلمى بنت حفصة من بني تيم الله بن ثعلبة امرة المثنى بن حارثة تقول: وا مثنياه ولا مثنى للخيل فلطمها، فقالت يا سَعْد: أغيرة وجبنا، وكان أَبُو محجن الثقفي بباضع غربه إليها عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه لشربه الخمر فتخلص حَتَّى لحق بسعد ولم يكن فيمن شخص معه فيما ذكر الواقدي وشرب الخمر في عسكر سَعْد فضربه وحبسه في قصر العذيب فسأل زبراء أم ولد سَعْد أن تطلقه ليقاتل ثُمَّ يعود إِلَى حديده فأحلفته بالله ليفعلن إن أطلقته، فركب فرس سَعْد وحمل عَلَى الأعاجم فخرق صفهم وحطم الفيل الأبيض بسيفه وسعد يراه، فقال: أما الفرس ففرسي: وأما الحملة فحملة أَبِي محجن، ثُمَّ أنه رجع إِلَى حديده، ويقال: إن سلمى بنت حفصة أعطته الفرس. والأول أصح وأثبت. فلما انقضى أمر رستم، قَالَ له سعد: والله لأضربتك في الخمر بعد ما رأيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 منك أبدا، قَالَ: وأنا والله فلا شربتها أبد، وأبلى طليحة بْن خويلد الأسدي يومئذ وضرب الجالينوس ضربة قدت مغفره ولم تعمل في رأسه، وقال قيس بْن مكشوح: يا قوم إن منايا الكرام القتل فلا يكونن هؤلاء القلف أولى بالصبر وأسخى نفسا بالموت منكم، ثُمَّ قاتل قتالا شديدا وقتل اللَّه رستم فوجد بدنه مملوءا ضربا وطعنا فلم يعلم من قاتله، وقد كان مشى إليه عَمْرو بْن معدى كرب، وطليحة بْن خويلد الأسدي، وقرط بْن جماح العبدي وضرار بْن الأزور الأسدي، وكان الواقدي يقول: قتل ضرار يوم اليمامة وقد قيل أن زهير بْن عَبْد شمس البجلي قتله وقيل أيضا أن قاتله عوام بْن عَبْد شمس وقيل أن قاتله هلال بْن علفة التيمي، فكان قتال القادسية يوم الخميس والجمعة وليلة السبت وهي ليلة الهرير، وإنما سميت ليلة صفين بها ويقال: أن قيس بْن مكشوح لم يحضر القتال بالقادسية ولكنه قدمها وقد فرغ المسلمون منَ القتال. وحدثني أَحْمَد بْن سلمان الباهلي عَنِ السهمي عن أشياخه أن سلمان بْن ربيعة غزا الشام مع أَبِي أمامة الصدى بْن عجلان الباهلي فشهد مشاهد المسلمين هناك ثُمَّ خرج إِلَى العراق فيمن خرج منَ المدد إِلَى القادسية متعجلا فشهد الوقعة وأقام بالكوفة وقتل ببلنجر. وقال الواقدي في إسناده. خد قوم منَ الأعاجم لرايتهم وقالوا لا نبرح موضعنا حَتَّى نموت فحمل عليهم سلمان بْن ربيعة الباهلي فقتلهم وأخذ الراية، قَالُوا: وبعث سَعْد خَالِد بْن عرفطة عَلَى خيل الطلب فجعلوا يقتلون من لحقوا حَتَّى انتهوا إِلَى برس ونزل خَالِد عَلَى رجل له بسطام فأكرمه وبره وسمى نهر هناك نهر بسطام واجتاز خَالِد بالصراة فلحق جالينوس فحمل عَلَيْهِ كثير بْن شهاب الحارثي فطعنه ويقال قتله، وقال ابن الكلبي. قتله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 زهرة بْن حويه السعدي وذلك أثبت، وهرب الفرس إِلَى المدائن ولحقوا بيزدجرد وكتب سَعْد إِلَى عُمَر بالفتح وبمصاب من أصيب. وحدثني أَبُو رجاء الفارسي عن أبيه عن جده، قَالَ: حضرت وقعة القادسية وأنا مجوسي، فلما رمتنا العرب بالنبل جعلنا نقول دوك دوك نعني مغازل فما زالت بنا تلك المغازل حَتَّى أزالت أمرنا، لقد كان الرجل منا يرمي عَنِ القوس الناوكية فما يزيد سهما عَلَى أن يتعلق بثوب أحدهم، ولقد كانت النبلة من نبالهم تهتك الدرع الحصينة والجوسن المضاعف مما علينا. وقال هِشَام بْن الكلبي: كان أول من قتل أعجميًا يوم القادسية ربيعة بْن عُثْمَان بْن ربيعة أحد بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن بْن مَنْصُور وقال طليحة في يوم القادسية: أنا ضربت الجالينوس ضربة ... حين جياد الخيل وسط الكبة وقال أَبُو محجن الثقفي حين رأى الحرب: كفى حزنا أن تدعس الخيل بالفنا ... وأترك قَدْ شدوا علي وثاقيا إذا قمت عناني الحديد وغلقت ... مصاريع من دوني تصم المناديا وقال زهير بْن عَبْد شمس بْن عوف البجلي: أنا زهير وابن عَبْد شمس ... أرديت بالسيف عظيم الفرس رستم ذا النخوة والدمقس ... أطعت ربي وشفيت نفسي وقال الأشعث بْن عَبْد الحجر بْن سراقة الكلابي وشهد الحيرة والقادسية: وما عقرت بالسيلحين مطيتي ... وبالقصر إلا خيفة أن أعيرا فبئس امرؤ يبأى على برهطه ... وقد ساد أشياخي معدا وحميرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وقال بعض المسلمين يومئذ: وقاتلت حَتَّى أنزل اللَّه نصره ... وسعد بباب القادسية معصم فرحنا وقد آمت نساء كثيرة ... ونسوة سَعْد ليس منهن أيم وقال قيس بْن المكشوح ويقال أنها لغيره: جلبت الخيل من صنعا تردى ... بكل مدجج كالليث سام إِلَى وادي القرى فديار كلب ... إِلَى اليرموك فالبلد الشآمي وجئنا القادسية بعد شهر ... مسومة دوابرها دوامي فناهضنا هنالك جمع كسرى ... وأبناء المرازنة الكرام فلما أن رأيت الخيل جالت ... قصدت لموقف الملك الهمام فأضرب رأسه فهوى صريعا ... بسيف لا أقل ولا كهام وقد أبلى الإله هناك خيرا ... وفعل الخير عند اللَّه نام وقال عصام بْن المقشعري: فلو شهدتني بالقوادس أبصرت ... جلاد امرئ ماض إذا القوم أحجموا أضارب بالمخشوب حَتَّى أفله ... وأطعن بالرمح المتل وأقدم وقال طليحة بْن خويلد: طرقت سليمي أرحل الركب ... إني اهتديت بسبسب سهب إني كلفت سلام بعدكم ... بالغارة الشعواء والحرب لو كنت يوم القادسية إذ ... نازلتهم بمهند عضب أبصرت شداتي ومنصرفي ... وإقامتي للطعن والضرب وقال بشر بْن ربيعة بْن عَمْرو الخثعمي: ألم خيال من أميمة موهنا ... وقد جعلت أولى النجوم تغور ونحن بصحراء العذيب ودارها ... حجازية أن المحلى شطير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 ولا غرو إلا جوبها البيد في الدجى ... ومن دوننا وعن أشم وقور تحن بباب القادسية ناقتي ... وسعد بْن وقاص عَلَى أمير وسعد أمير شره دون خيره ... طويل الشذمى كأبي الزناد قصير تذكر هداك اللَّه وقع سيوفنا ... بباب قديس والمكر عسير عشية ود القوم لو أن بعضهم ... يعار جناحي طائر فيطير قَالَ: واستشهد يومئذ سَعْد بْن عُبَيْد الأنصاري فاغتم عُمَر لمصابه وقال: لقد كان قتله ينغص عَلَى هَذَا الفتح. فتح المدائن قَالُوا: مضى المسلمون بعد القادسية فلما جاوزوا دير كعب لقيهم النخيرخان إليها وبدأ في جمع عظيم من أهل المدائن فاقتتلوا وعانق زهير بْن سليم الأزدي النخيرخان فسقط إِلَى الأرض وأخذ زهير خنجرا كان في وسط النخيرخان فشق بطنه فقتله، وسار سَعْد والمسلمون فنزلوا ساباط واجتمعوا بمدينة بهر سير وهي المدينة الَّتِي في شق الكوفة فأقاموا تسعة أشهر ويقال ثمانية عشر شهرا حَتَّى أكلوا الرطب مرتين، وكان أهل تلك المدينة يقاتلونهم فإذا تحاجزوا دخلوها، فلما فتحها المسلمون أجمع يزدجرد بْن شهريار ملك فارس عَلَى الهرب فدلى من أبيض المدائن في زبيل فسماه النبط برزبيلا ومضى إِلَى حلوان معه وجوه أساورته وحمل معه بيت ماله وخف متاعه وخزانته والنساء والذراري وكانت السنة الَّتِي هرب فيها سنة مجاعة وطاعون عم أهل فارس ثُمَّ عبر المسلمون خوضا ففتحوا المدينة الشرقية. حدثني عَفَّان بْن مُسْلِم، قَالَ: أَخْبَرَنَا هشيم، قَالَ: أَخْبَرَنَا حصين، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو وائل، قَالَ: لما انهزم الأعاجم منَ القادسية اتبعناهم فاجتمعوا بكوثى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 فاتبعناهم ثُمَّ انتهينا إِلَى دجلة، فقال المسلمون: ما تنتظرون بهذه النطفة أن نخوضها فخضناها فهزمناهم. حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عَنِ ابن أَبِي سبرة عَنِ ابن عجلان عن أبان بْن صالح، قَالَ: لما انهزمت الفرس منَ القادسية قدم فلهم المدائن فانتهى المسلمون إِلَى دجلة وهي تطفح بماء لم ير مثله قط وإذا الفرس قَدْ رفعوا السفن والمعابر إِلَى الجيزة الشرقية وحرقوا الجسر فاغتم سَعْد والمسلمون إذ لم يجدوا إِلَى العبور سبيلا. فانتدب رجل منَ المسلمين فسبح فرسه وعبر فسبح المسلمون، ثُمَّ أمروا أصحاب السفن فعبروا الأثقال. فقالت الفرس: والله ما تقاتلون إلا جنا فانهزموا. حدثني عَبَّاس بْن هِشَام عن أبيه عن عوانة بْن الحكم وقال أَبُو عُبَيْدة معمر بْن المثنى: حدثني أَبُو عَمْرو بْن العلاء، قالا: وجه سَعْد بْن أَبِي وقاص خَالِد بْن عرفطة عَلَى مقدمته فلم يرد سَعْد حَتَّى فتح خَالِد ساباط، ثُمَّ قدم فأقام عَلَى الرومية حَتَّى صالح أهلها عَلَى أن يجلو من أحب منهم ويقيم من أقام عَلَى الطاعة والمناصحة وأداء الخراج ودلاله المسلمين ولا ينطووا لهم عَلَى غش ولم يجد معابر فدل عَلَى مخاضة عند قرية الصيادين فأخاضوها الحيل فجعل الفرس يرمونهم فسلموا غير رجل من طيء يقال له سليل بْن يزيد بْن مَالِك السنبسي لم يصب يومئذ غيره. حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن صالح، قَالَ: حدثني من أثق به عَنِ المجالد بْن سَعِيد عَنِ الشعبي إنه قَالَ: أخذ المسلمون يوم المدائن جواري من جواري كسرى جيء بهن منَ الآفاق فكن تصنعن له فكانت أمي إحداهن، قَالَ: وجعل المسلمون يأخذون الكافور يومئذ فيلقونه في قدورهم ويظنونه ملحا، قَالَ الواقدي: كان فراغ سَعْد منَ المدائن وجلولاء في سنة ست عشرة . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 يوم جلولاء الوقيعة قَالُوا: مكث المسلمون بالمدائن أياما، ثُمَّ بلغهم أن يزدجرد قَدْ جمع جمعا عظيما ووجهه إليهم وأن الجمع بجلولاء، فسرح سَعْد بْن أَبِي وقاص هاشم بْن عتبة بْن أَبِي وقاص إليهم في اثني عشر ألفا، فوجدوا الأعاجم قَدْ تحصنوا وخندقوا وجعلوا عيالهم وثقلهم بخانقين وتعاهدوا أن لا يفروا وجعلت الأمداد تقدم عليهم من حلوان والجبال، فقال المسلمون: ينبغي أن نعالجهم قبل أن تكثر أمدادهم فلقوهم وحجر بْن عدى الكندي عَلَى الميمنة، وعمر بْن معدى كرب عَلَى الخيل، وطليحة بْن خويلد عَلَى الرجال، وعلى الأعاجم يومئذ خرزاذ أخو رستم فاقتتلوا قتالا شديدا لم يقتلوا مثله رميا بالنبل وطعنا بالرماح حَتَّى تقصفت وتجالدوا بالسيوف حَتَّى انثنت، ثُمَّ أن المسلمين حملوا حملة واحدة قلعوا بها الأعاجم عن موقفهم وهزموهم فولوا هاربين وركب المسلمون أكتافهم يقتلونهم قتلا ذريعا حَتَّى حال الظلام بينهم ثُمَّ انصرفوا إِلَى معسكرهم، وجعل هاشم بْن عتبة جرير بْن عَبْد اللَّهِ بجلولاء في خيل كثيفة ليكون بَيْنَ المسلمين وبين عدوهم، فارتحل يزدجرد من حلوان، وأقبل المسلمون يغيرون في نواحي السواد من جانب دجلة الشرقي فأتوا مهروذ فصالح دهقانها هاشما عَلَى جريب من دراهم عَلَى أن لا يقتل أحدا منهم وقتل دهقان الدسكرة وذلك أنه اتهمه بغش المسلمين وأتى البندبحين فطلب أهله الأمان عَلَى أداء الجزية والخراج فأمنهم، وأتى جرير بْن عَبْد اللَّهِ خانقين وبها بقية منَ الأعاجم فقتلهم ولم يبق من سواد دجلة ناحية إلا غلب عليها المسلمون وصارت في أيديهم، وقال هِشَام بْن الكلبي: كان عَلَى الناس يوم جلولاء من قبل سَعْد عَمْرو بْن عتبة ابن نوفل بْن أهيب بْن عَبْد مناف بْن زهرة وأمه عاتكة بنت أَبِي وقاص، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 قالوا: وانصرف سَعْد بعد جلولاء إِلَى المدائن فصير بها جمعا، ثُمَّ مضى إِلَى ناحية الحيرة وكانت وقعة جلولاء في آخر سنة ست عشرة، قالوا: فأسلم جميل بن بصيهرى دهقان الفلاليج والنهرين وبسطام بْن نرسى دهقان بابل وخطرنية والرفيل دهقان العال وفيروز دهقان نهر الملك وكوثى وغيرهم منَ الدهاقين، فلم يعرض لهم عُمَر بْن الخطاب ولم يخرج الأرض من أيديهم. وأزال الجزية عن رقابهم. وحدثني أَبُو مَسْعُود الكوفي عن عوانة عن أبيه، قَالَ: وجه سَعْد بْن أَبِي وقاص هاشم بْن عتبة بْن أَبِي وقاص ومعه الأشعث بْن قيس الكندي فمر بالراذانات وأتى دقوقا وخانيجار فغلب عَلَى ما هناك وفتح جميع كورة بأجرمى ونفذ إِلَى نحو سن بارما وبوازيج الملك إلى حد شهر زور. حدثني الْحُسَيْن بْن الأسود، قَالَ: حدثني يَحْيَى بْن آدم، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن المبارك عَنِ ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب، قَالَ: كتب عُمَر بْن الخطاب إِلَى سَعْد بْن أبي وقاص حين فتح السواد: أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر أن الناس سألوك أن تقسم بينهم ما أفاء اللَّه عليهم، فإذا أتاك كتابي فانظر ما أجلب عَلَيْهِ أهل العسكر بخيلهم وركابهم من مال أو كراع فاقسمه بينهم بعد الخمس واترك الأرض والأنهار لعمالها ليكون ذلك في أعطيات المسلمين فإنك إن قسمتها بَيْنَ من حضر لم يكن لمن يبقى بعدهم شيء. وحدثني الْحُسَيْن، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيع عن فضيل بْن غزوان عن عَبْد اللَّهِ ابن حازم، قَالَ: سألت مجاهدا عن أرض السواد، فقال: لا نشتري ولا تباع، قَالَ: نقول لأنها فتحت عنوة ولم تقسم فهي لجميع المسلمين. وحدثني الوليد بن صالح عن الواقدي عن ابن أبي سيرة عن صالح بْن كيسان عن سُلَيْمَان بْن يسار، قَالَ: أقر عُمَر بْن الخطاب السواد لمن في أصلاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 الرجال وأرحام النساء وجعلهم ذمة تؤخذ منهم الجزية ومن أرضهم الخراج وهم ذمة لأرق عليهم، قَالَ سُلَيْمَان: وكان الوليد بْن عَبْد الملك أراد أن يجعل أهل السواد فيئا فأخبرته بما كان من عُمَر في ذلك فورعه اللَّه عنهم. حدثني الْحُسَيْن بْن الأسود، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن آدم عَنِ إسرائيل عن أَبِي إِسْحَاق عن حارثة بْن مضرب: أن عُمَر بْن الخطاب أراد قسمة السواد بَيْنَ المسلمين فأمر يحصلوا فوجد الرجل منهم نصيبه ثلاثة منَ الفلاحين فشاور أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك، فقال على: دعهم يكونوا مادة للسلمين، فبعث عُثْمَان بْن حنيف الأنصاري فوضع عَلَيْهِ ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثني عشر. حَدَّثَنَا أَبُو نَصْر التمار، قَالَ: حَدَّثَنَا شريك عَنِ الأجلح عن حبيب بْن أَبِي ثابت عن ثعلبة بن يزيد عن على، قال: لولا أن يضرب بعضكم وجوه بعض لقسمت السواد بينكم. حدثني الحسين بن الأسود، قال: حدثنا يحيى بْن آدم، قَالَ: حَدَّثَنَا إسرائيل عن جابر عن عَامِر قَالَ: ليس لأهل السواد عهد وإنما نزلوا عَلَى الحكم. حَدَّثَنَا الْحُسَيْن، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن آدم، قَالَ: حدثني صلب الزبيدي عن مُحَمَّد بْن قيس الأسدي عَنِ الشعبي أنه سئل عن أهل السواد ألهم عهد، فقال: لم يكن لهم عهد فلما رضي منهم بالخراج صار لهم عهد. حَدَّثَنَا الْحُسَيْن عن يَحْيَى بْن آدم عن شريك عن جابر عن عَامِر أنه قَالَ: ليس لأهل السواد عهد. حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عن جعفر بن محمد عن أبيه، قال: كَانَ لِلْمُهَاجِرِينَ مَجْلِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فَكَانَ عُمَرُ يَجْلِسُ مَعَهُمْ فِيهِ وَيُحَدِّثُهُمْ عَمَّا يَنْتَهِي إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْآفَاقِ فَقَالَ يَوْمًا: مَا أَدْرِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْمَجُوسِ فَوَثَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قَالَ: سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الصباح البزاز، قَالَ: حَدَّثَنَا هشيم، قَالَ: حَدَّثَنَا إسماعيل ابن أَبِي خالد عن قيس بْن أَبِي حازم، قَالَ: كانت بجيلة ربع الناس يوم القادسية وكان عُمَر جعل لهم ربع السواد، فلما وفد عَلَيْهِ جرير، قَالَ: لولا أني قاسم مسئول لكنت عَلَى ما جعلت لكم وأني أرى الناس قَدْ كثروا فردوا ذلك عليهم ففعل وفعلوا، فأجازه عُمَر بثمانين دينارا قَالَ: فقالت امرأة من بجيلة يقال لها أم كرز: أن أَبِي هلك وسهمه ثابت في السواد وإني لن أسلم، فقال: لها يا أم كرز أن قومك قَدْ أجابوا فقالت له ما أنا بمسلمة أو تحملني عَلَى ناقة ذلول عليها قطيفة حمراء وتملأ يدي ذهبا ففعل عُمَر ذلك. وحدثني الْحُسَيْن، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أسامة عَنِ إسماعيل عن قيس عن جرير، قَالَ: كان عُمَر أعطى بجيلة ربع السواد فأخذوه ثلاث سنين، قال قيس: ووفد جرير بْن عَبْد اللَّهِ عَلَى عُمَر مع عمار بْن ياسر، فقال عُمَر: لولا أني قاسم مسئول لتركتكم عَلَى ما كنتم عَلَيْهِ، ولكني أرى أن تردوه ففعلوا فأجازه بثمانين دينارا الْحَسَن بْن عُثْمَان الزيادي، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْن يونس عَنِ إسماعيل عن قيس قَالَ: أعطى عُمَر جرير بْن عَبْد اللَّهِ أربعمائة دينار. حدثني حميد بْن الربيع عن يَحْيَى بْن آدم عَنِ الْحَسَن بْن صالح، قَالَ صالح عُمَر بجيلة من ربع السواد عَلَى أن فرض لهم في ألفين منَ العطاء. وحدثني الوليد بن صالح عن الواقدي عن عبد الحميد بن جعفر عن جرير ابن يزيد بْن جرير بْن عَبْد اللَّهِ عن أبيه عن جده أن عُمَر جعل له ولقومه ربع ما غلبوا عَلَيْهِ منَ السواد فلما جمعت غنائم جلولاء طلب ربعه فكتب سَعْد إِلَى عُمَر يعلمه ذلك، فكتب عُمَر إن شاء جرير أن يكون إنما قاتل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وقومه عَلَى جعل كجعل المؤلفة قلوبهم فأعطوهم جعلهم وإن كانوا إنما قاتلوا لله واحتسبوا ما عنده فهم منَ المسلمين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، فقال جرير صدق أمير الْمُؤْمِنِين وبر لا حاجة لنا بالربع. حدثني الْحُسَيْن، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن آدم عن عَبْد السلام بْن حرب عن معمر عن علي بْن الحكم عَنِ إِبْرَاهِيم النخعي، قَالَ: جاء رجل إِلَى عُمَر بْن الخطاب، فقال: إني قَدْ أسلمت فارفع عن أرضي الخراج، قَالَ: أن أرضك أخذت عنوة. حَدَّثَنَا خلف بْن هِشَام البزار، قَالَ: حَدَّثَنَا هشيم عَنِ العوام بْن حوشب عَنِ إِبْرَاهِيم التيمي، قَالَ: لما افتتح عُمَر السواد قَالُوا له أقسمه بيننا فإنا فتحناه عنوة بسيوفنا فأبى، وقال: فما لمن جاء بعدكم منَ المسلمين وأخاف إن قسمته أن تتفاسدوا بينكم في المياه، قَالَ: فأقر أهل السواد في أرضهم وضرب على رؤسهم الجزية وعلى أرضهم الطسق ولم تقسم بينهم. وحدثني الْقَاسِم بْن سلام، قَالَ: حَدَّثَنَا إسماعيل بْن مجالد عن أبيه عَنِ الشعبي أن عُمَر بْن الخطاب بعث عُثْمَان بْن حنيف الأنصاري يمسح السواد فوجده ستة وثلاثين ألف ألف جريب فوضع عَلَى كل جريب درهما وقفيزا قَالَ الْقَاسِم: وبلغني أن ذلك القفيز كان مكوكا لهم يدعى الشابر فان قَالَ يَحْيَى ابن آدم: هُوَ المختوم الحجاجي. حدثني عَمْرو الناقد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو معاوية عَنِ الشيباني عن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الثقفي، قَالَ: وضع عُمَر عَلَى السواد عَلَى كل جريب عَامِر أو غامر يبلغه الماء درهما وقفيزا وعلى جريب الرطبة خمسة دراهم وخمسة أقفزة، وعلى جريب الشجر عشرة دراهم وعشرة أقفزة، ولم يذكر النخل، وعلى رؤس الرجال ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثني عشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 وحدثنا الْقَاسِم بْن سلام، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الأنصاري عن سَعِيد بْن أبي عروبة عن قتادة عن أبي مجلز لاحق بْن حميد أن عُمَر بْن الخطاب بعث عمار بْن ياسر عَلَى صلاة أهل الكوفة وجيوشهم، وعبد اللَّه ابن مَسْعُود عَلَى قضائهم وبيت مالهم، وعُثْمَان بْن حنيف عَلَى مساحة الأرض وفرض لهم كل يوم شاة بينهم شطرها وسواقطها لعمار والشطر الآخر بَيْنَ هذين فمسح عُثْمَان بْن حنيف الأرض فجعل عَلَى جريب النخل عشرة دراهم وعلى جريب الكرم عشرة دراهم وعلى جريب القصب ستة دراهم وعلى جريب البر أربعة دراهم وعلى جريب الشعير درهمين، وكتب بذلك إِلَى عُمَر رحمه اللَّه فأجازه. حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الأسود، قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن آدم عن مندل العنزي عَنِ الأعمش عَنِ إِبْرَاهِيم عن عَمْرو بْن ميمون، قَالَ: بعث عُمَر بْن الخطاب حذيفة ابن اليمان عَلَى ما وراء دجلة وبعث عثمان بن حنيف على مادون دجلة فوضعا عَلَى كل جريب قفيزا ودرهما. حدثنا الحسين، قال: حدثنا يحيى بن آدم عن مندل عن أَبِي إِسْحَاق الشيباني عن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الثقفي، قَالَ كتب المغيرة بْن شعبة وهو عَلَى السواد أن قبلنا أصنافا منَ الغلة لها مزيد عَلَى الحنطة والشعير فذكر الماش والكروم والرطبة والسماسم، قَالَ: فوضع عليها ثمانية ثمانية وألغى النخل. وحدثنا خلف البزار، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر بْن عياش وحدثني الْحُسَيْن ابن الأسود عن يَحْيَى بْن آدم عن أَبِي بكر، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَعِيد البقال عَنِ العيزار ابن حريث، قَالَ: وضع عُمَر بْن الخطاب عَلَى جريب الحبطة درهمين وجريبين وعلى جريب الشعير درهما وجريبا وعلى كل غامر يطق زرعه عَلَى الجريبين درهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 وحدثنا خلف البزار عن أَبِي بكر بْن عياش عن أبى سعيد عَنِ العيزار ابن حريث، قَالَ: وضع عُمَر عَلَى جريب الكرم عشرة دراهم وعلى جريب الرطبة عشرة دراهم وعلى جريب القطن خمسة دراهم وعلى النخلة منَ الفارسي درهما وعلى الدفلتين درهما. حدثني عَمْرو الناقد، قَالَ: حَدَّثَنَا حفص بْن غياث عَنِ ابن أَبِي عروبة عن قتادة عن أَبِي مجلز أن عُمَر وضع عَلَى جريب النخل ثمانية دراهم. وحدثنا الحسين بن الأسود، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سُلَيْمَان عَنِ السرى بْن إسماعيل عَنِ الشعبي، قَالَ: بعث عمر ابن الخطاب عُثْمَان بْن حنيف فوضع عَلَى أهل السواد لجريب الرطبة خمسة دراهم ولجريب الكرم عشرة دراهم، ولم يجعل عَلَى ما عمل تحته شيئا. وحدثني الوليد بن صالح عن الواقدي عن ابن أَبِي سبرة عَنِ ابن رفاعة قَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ. كان خراج السواد عَلَى عهد عُمَر بْن الخطاب مائة ألف ألف درهم، فلما كان الحجاج صار إِلَى أربعين ألف ألف درهم. وحدثنا الوليد عَنِ الواقدي عن عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الْعَزِيزِ عن أيوب بْن أَبِي أمامة بْن سَهْل بْن حنيف عن أبيه، قَالَ: ختم عُثْمَان بْن حنيف في رقاب خمسمائة ألف وخمسين ألف علج وبلغ الخراج في ولايته مائة ألف ألف درهم. وحدثني الوليد بْن صالح، قَالَ: حَدَّثَنَا يونس بْن أرقم المالكي، قَالَ حدثني يَحْيَى بْن أَبِي الأشعث الكندي عن مصعب بْن يزيد أَبِي زيد الأنصاري عن أبيه، قَالَ: بعثني عَلِيُّ بْن أَبِي طالب على ما سقى الفرات، فذكر رساتيق وقرى فسمى نهر الملك، وكوثى، وبهرسير، والرومقان، ونهرجوبر، ونهر درقيط والبهقباذات، وأمرني أن أضع عَلَى كل جريب زرع غليظ البر درهما ونصفًا وصاعًا من طعام، وعلى كل جريب وسط درهما، وعلى كل جريب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 منَ البر رقيق الزرع ثلثي درهم وعلى الشعير نصف ذلك، وأمرني أن أضع عَلَى البساتين الَّتِي تجمع النخل والشجر عَلَى كل جريب عشرة دراهم، وعلى جريب الكرم إذا أتت عَلَيْهِ ثلاث سنين ودخل في الرابعة وأطعم عشرة دراهم، وأن ألغي كل نخل شاذ عن القرى يأكله من مربه، وأن لا أضع عَلَى الخضراوات شيئا المقاثي، والحبوب، والسماسم، والقطن، وأمرني أن أضع عَلَى الدهاقين الَّذِينَ يركبون البراذين ويتختمون بالذهب عَلَى الرجل ثمانية وأربعين درهما وعلى أوسطهم منَ التجار عَلَى رأس كل رجل أربعة وعشرين درهما في السنة وأن أضع عَلَى الأكرة وسائر من بقي منهم عَلَى الرجل اثني عشر درهما. حدثني حميد بْن الربيع عن يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح، قَالَ: قلت للحسن ما هَذِهِ الطسوق المختلفة، فقال: كل قَدْ وضع حالا بعد حال عَلَى قدر قرب الأرضين والفرض منَ الأسواق وبعدها قَالَ، وقال يَحْيَى بْن آدم: وأما مقاسمة السواء فإن الناس سألوها السلطان في آخر خلافة المَنْصُور فقبض قبل أن تقاسموا ثُمَّ أمر المهدي بها فقوسموا فيها دون عقبة حلوان. وحدثني عَبْد اللَّهِ بْن صالح العجلي عن عبثر أَبِي زيد عَنِ الثقات، قَالَ: مسح حذيفة سقى دجلة ومات بالمدائن، وقناطر حذيفة نسبت إليه وذلك أنه نزل عندها، ويقال: جددها، وكان ذراعه وذراع ابن حنيف ذراع اليد وقبضة وإبهاما ممدودة، ولما قوسم أهل السواد عَلَى النصف بعد المساحة الَّتِي كانت تمسح عليهم، قَالَ بعض الكتاب: العشر الَّذِي يؤخذ منَ القطائع هُوَ عشر ما يكال خمس النصف الَّذِي يؤخذ منَ الاستان فينبغي أن يوضع عَلَى الجريب مما تجري عَلَيْهِ المساحة في القطائع أيضا خمس ما يؤخذ من جريب الاستان فمضى الأمر عَلَى ذلك. حدثني أَبُو عُبَيْدة قَالَ: حَدَّثَنَا كثير بْن هِشَام عن جَعْفَر بْن برقان عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 ميمون بْن مهران أن عُمَر رحمه اللَّه بعث حذيفة وابن حنيف إِلَى خانقين، وكانت من أول ما افتتحوا فختما أعناق الذمة ثُمَّ قبضا الخراج. حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الأسود، قَالَ. حَدَّثَنَا وَكِيع، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ ابن الوليد قَالَ: حَدَّثَنَا رجل كان أبوه أَخْبَرَ الناس بهذا السواد يقال له عَبْد الملك ابن أَبِي حرة عن أبيه. أن عُمَر بْن الخطاب أصفى عشر أرضين منَ السواد فحفظت سبعا وذهب عني ثلاث، أصفى الأجام ومغايض الماء وأرض كسرى وكل دير يزيد، وأرض من قتل في المعركة، وأرض من هرب، قَالَ: ولم يزل ذلك ثابتا حَتَّى أحرق الديوان أيام الحجاج بْن يوسف فأخذ كل قوم ما يليهم. وحدثني أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ الجعفي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن المبارك عن عَبْد اللَّهِ ابن الوليد عن عَبْد الملك بْن أَبِي حرة عن أبيه قَالَ. أصفى عُمَر بْن الخطاب منَ السواد أرض من قتل في الحرب وأرض من هرب، وكل أرض كسرى وكل أرض لأهل بيته، وكل مغيض ماء، وكل دير يزيد، وكل صافية اصطفاها كسرى. فبلغت صوافيه سبعة آلاف ألف درهم، فلما كانت وقعة الجماجم أحرق الناس الديوان فأخذ كل قوم ما يليهم. حدثني الْحُسَيْن وعمرو الناقد، قالا حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن فضيل عَنِ الأعمش عَنِ إِبْرَاهِيم بْن مهاجر عن موسى بْن طلحة قَالَ أقطع عُثْمَان عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود أرضا بالنهرين وأقطع عمار بْن ياسر أسبينا وأقطع خباب بْن الأرت صعنبا وأقطع سعدا قرية هرمز. وحدثنا عَبْد اللَّهِ بْن صالح العجلي عَنِ إسماعيل عَنِ إسماعيل بْن مجالد عن أبيه عَنِ الشعبي قَالَ أقطع عُثْمَان بْن عَفَّان طلحة بْن عَبْد اللَّهِ النشاستج وأقطع أسامة بْن زيد أرضا باعها. حَدَّثَنَا شيبان بْن فروخ، قَالَ. حَدَّثَنَا أَبُو عوانة عَنِ إِبْرَاهِيم بن المهاجر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 عن موسى بْن طلحة أن عُثْمَان بْن عَفَّان أقطع خمسة نفر من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود، وسعد بْن مَالِك الزهري، والزبير ابن العوام، وخباب بْن الأرت، وأسامة بْن زيد، قَالَ: فرأيت ابن مَسْعُود وسعدا فكان جاري يعطيان أرضهما بالثلث والربع. وحدثني الوليد بْن صالح عن مُحَمَّد بْن عَمْرو الأسلمي عن إسحاق بْن يَحْيَى عن موسى بْن طلحة، قَالَ: أول من أقطع العراق عُثْمَان بْن عَفَّان، أقطع قطائع من صوافى كسرى وما كان من أرض الجالية فأقطع طلحة النشاستج وأقطع وائل بْن حجر الحضرمي ما والى زرارة، وأقطع خباب بْن الأرت أسبينا وأقطع عدي بْن حَاتِم الطائي الروحاء، وأقطع خَالِد بْن عرفطة أرضا عند حمام أعين وأقطع الأشعث بْن قيس الكندي طيزناباذ، وأقطع جرير ابن عَبْد اللَّهِ البجلي أرضه عَلَى شاطئ الفرات. حدثني الْحُسَيْن بْن الأسود عن يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح، قَالَ: بلغني أن عليا رحمه اللَّه ألزم أهل أجمة برس أربعة آلاف درهم وكتب لهم بذلك كتابا في قطعة أديم. وحدثني أَحْمَد بْن حَمَّاد الكوفي، قَالَ: أجمة برس بحضرة صرح نمرود ببابل وفي الأجمة هوة بعيدة القعر يقال أنها بئر كان آجر الصرح اتخذ من طينها ويقال: إنها موضع خسف. وحدثني أَبُو مَسْعُود وغيره أن دهاقين الأنبار سألوا سَعْد بْن أَبِي وقاص أن يحفر لهم نهرا كانوا سألوا عظيم الفرس حفره لهم، فكتب إِلَى سَعْد بْن عَمْرو ابن حرام يأمره بحفره لهم، فجمع الرجال لذلك فحفروه حَتَّى انتهوا إِلَى جبل لم يمكنه شقه فتركوه، فلما ولي الحجاج العراق جمع الفعلة من كل ناحية وقال لقوامه: انظروا إِلَى قيمة ما يأكل رجل منَ الحفارين في اليوم فإن كان وزنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 مثل وزن ما يقلع فلا تمتنعوا منَ الحفر فانفقوا عَلَيْهِ حَتَّى استتموه، فنسب ذلك الجيل إِلَى الحجاج، ونسب النهر إِلَى سَعْد بْن عَمْرو بْن حرام، قَالَ: وأمرت الخيزران أم الخلفاء أن يحفر النهر المعروف بمحدود وسمته الريان وكان وكيلها جعله أقساما وحد كل قسم ووكل بحفره قومًا فسمى محدودًا. فأما النهر المعروف بشيلى فإن بنى شيلى بْن فرخزادان المروزي يدعون أن سابور حفره لجدهم حين رتبه بنغيا من طسوج الأنبار، والذي يقول غيرهم أنه نسب إِلَى رجل يقال له شيلى كان متقبلا لحفره وكانت له عَلَيْهِ مبقلة في أيام المَنْصُور أمير الْمُؤْمِنِين، وأن هَذَا النهر كان قديما مندفنا فأمر المنصور بحضره فلم يستتم حَتَّى تُوُفِّيَ فاستتم في خلافة المهدي، ويقال: أن المَنْصُور كان أمر بإحداث فوهة له فوق فوهته القديمة فلم يتم ذلك حَتَّى أتمها المهدي رحمه اللَّه. ذكر تمصير الكوفة حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُمَر الواقدي عن عَبْد الحميد ابن جَعْفَر وغيره أن عُمَر بْن الخطاب كتب إِلَى سَعْد بْن أَبِي وقاص يأمره أن يتخذ للمسلمين دار هجرة وقيروانا وأن لا يجعل بينه وبينهم بخرافاتى الأنبار وأراد أن يتخذها منزلا، فكثر عَلَى الناس الذباب، فتحول إِلَى موضع آخر فلم يصلح فتحول إِلَى الكوفة فاختطها وأقطع الناس المنازل، وأنزل القبائل منازلهم وبنى مسجدها وذلك في سنة سبع عشرة. وحدثني عَلِيُّ بْن المغيرة الأثرم «قَالَ حدثني أَبُو عُبَيْدة معمر بْن المثنى عن أشياخه، قَالَ: وأخبرني هِشَام بْن الكلبي عن أبيه ومشايخ الكوفيين قَالُوا، لما فرغ سَعْد بْن أَبِي وقاص من وقعة القادسية وجه إِلَى المدائن، فصالح أهل الرومية وبهرسير» ثُمَّ افتتح المدائن وأخذ أسبانبر وكرد بنداذ عنوة فأنزلها جندد فاحتووها، فكتب إِلَى سَعْد أن حولهم فحولهم إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 سوق حكمة، وبعضهم يقول: حولهم إِلَى كويفة دون الكوفة، وقال الأثرم وقد قيل: التكوف الاجتماع، وقيل أيضا أن المواضع المستديرة منَ الرمل تسمى كوفاني، وبعضهم يسمي الأرض الَّتِي فيها الحصباء مع الطين والرمل كوفة، قَالُوا فأصابهم البعوض، فكتب سَعْد إِلَى عُمَر يعلمه أن الناس قَدْ بعضوا وتأذوا بذلك فكتب إليه عُمَر: أن العرب بمنزلة الإبل لا يصلحها إلا ما يصلح الإبل فارتد لهم موضعا عدنا ولا تجعل بيني وبينهم بحرا، وولى الاختطاط للناس أَبَا الهياج الأسدي عَمْرو بْن مَالِك بْن جنادة ثُمَّ أن عَبْد المسيح بْن بقيلة أتى سعدا وقال له أدلك عَلَى أرض انحدرت عن الفلاة وارتفعت عن المباق فدله عَلَى موضع الكوفة اليوم، وكان يقال لها سورستان. فلما انتهى إِلَى موضع مسجدها أمر رجلا فعلا بسهم قبل مهب القبلة فاعلم عَلَى موقعه ثُمَّ علا بسهم آخر قبل مهب الشمال وأعلم عَلَى موقعه ثُمَّ علا بسهم قبل مهب الجنوب وأعلم عَلَى موقعه ثُمَّ علا بسهم قبل مهب الصبا فاعلم عَلَى موقعه، ثُمَّ وضع مسجدها ودار أمارتها في مقام العالي وما حوله، وأسهم لنزار وأهل اليمن بسهمين عَلَى أنه من خرج بسهمه أولا فله الجانب الأيسر وهو خيرهما، فخرج سهم أهل اليمن فصارت خططهم في الجانب الشرقي وصارت خطط نزار في الجانب الغربي من وراء تلك العلامات، وترك ما دونها فناء للمسجد ودار الأمارة، ثُمَّ أن المغيرة بْن شعبة وسعه وبناه زياد فاحكمه وبنى دار الأمارة. وكان زياد يقول. أنفقت عَلَى كل أسطوانة من أساطين مَسْجِد الكوفة ثماني عشرة ومائة، وبنى فيها عمرو بن حريث المخزومي بناء، وكان زياد يستخلفه عَلَى الكوفة إذا شخص إِلَى البصرة، ثُمَّ بنى العمال فيها فضيقوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 رحابها واقنيتها، قَالَ: وصاحب زقاق عَمْرو بالكوفة بنو عَمْرو بْن حريث ابن عَمْرو بْن عُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم بْن يقظة. وحدثني وهب بْن بقية الواسطي، قَالَ: حَدَّثَنَا يزيد بْن هارون عن داود بْن أَبِي هند عَنِ الشعبي، قَالَ: كنا- يعني أهل اليمن- اثنى عشر ألفا، وكانت نزار ثمانية آلاف، ألا ترى أنا أكثر أهل الكوفة وخرج سهمنا بالناحية الشرقية فلذلك صارت خططنا بحيث هي. وحدثني علي بْن مُحَمَّد المدائني عن مسلمة بْن محارب وغيره، قَالُوا: زاد المغيرة في مَسْجِد الكوفة وبناه ثُمَّ زاد فيه زياد، وكان سبب إلقاء الحصى فيه وفي مَسْجِد البصرة أن الناس كانوا يصلون فإذا رفعوا أيديهم وقد تربت نفضوها، فقال زياد. ما أخوفني أن يظن الناس عَلَى غابر الأيام أن نفض الأيدي سنة في الصلاة فزاد في المسجد ووسعه، وأمر بالحصى فجمع وألقي في صحن المسجد وكان الموكلون بجمعه يتعنتون الناس، ويقولون لمن وظفوه عليه ايتونا به عَلَى ما نريكم وانتقوا منه ضروبا اختاروها فكانوا يطلبون ما أشبهها فأصابوا مالا، فقيل: حبذا الأمارة ولو عَلَى الحجارة. وقال الأثرم. قَالَ أَبُو عُبَيْدة: إنما قيل ذلك لأن الحجاج بْن عتيك الثقفي أو ابنه تولى قطع حجارة أساطين مَسْجِد البصرة من جبل الأهواز فظهر له مال فقال الناس. حبذا الأمارة ولو على الحجارة. وقال أبو عُبَيْدة. وكان تكويف الكوفة في سنة ثمان عشرة قَالَ: وكان زياد اتخذ في مَسْجِد الكوفة مقصورة ثُمَّ جددها خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ القصري. وحدثني حفص بْن عُمَر العمري، قَالَ. حدثني الهيثم بْن عدي الطائي، قَالَ: أقام المسلمون بالمدائن واختطوها وبنوا المساجد فيها، ثم أن المسلمين استوخموها واستوبؤها، فكتب بذلك سعد بن أبي وقاص إلى عمر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 فكتب إليه عمر أن تنزلهم منزلا غريبا فارتاد كويفة ابن عُمَر فنظروا فإذا الماء محيط بها فخرجوا حَتَّى أتوا موضع الكوفة اليوم فانتهوا إِلَى الظهر، وكان يدعى خد العذراء ينبت الخزامى والأقحوان والشيح والقيصوم والشقائق فاختطوها. وحدثني شيخ منَ الكوفيين. أن ما بَيْنَ الكوفة والحيرة كان يسمى الملطاط قَالَ: وكانت دار عَبْد الملك بْن عمير للضيفان أمر عُمَر أن يتخذ لمن يرد منَ الآفاق دارا فكانوا ينزلونها. وحدثني العَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن أَبِي مخنف عن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق، قَالَ اتخذ سَعْد بْن أَبِي وقاص بابا مبوبا من خشب وخص عَلَى قصره خصا من قصب، فبعث عُمَر بْن الخطاب مُحَمَّد بْن مسلمة الأنصاري حَتَّى أحرق الباب والخص وأقام سعدا في مساجد الكوفة فلم يقل فيه إلا خيرا. وحدثني العَبَّاس بْن الوليد النرسي وإِبْرَاهِيم العلاف البصري، قالا: حَدَّثَنَا أَبُو عوانة عن عَبْد الملك بْن عمير عن جابر بْن سمرة أن أهل الكوفة سعوا بسعد بْن أَبِي وقاص إِلَى عُمَر، وقالوا: إنه لا يحسن الصلاة فقال سَعْد: أما أنا فكنت أصلي بهم صلاة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا أخرم عنها، أركد في الأوليين وأحذف في الأخريين، فقال عُمَر: ذاك الظن بك يا أبا اسحق، فأرسل عُمَر رجالا يسألون عنه بالكوفة، فجعلوا لا يأتون مسجدا من مساجدها إلا قَالُوا خيرا وأثنوا معروفا حَتَّى أتوا مسجدا من مساجد بني عبس، فقال رجل منهم يقال أَبُو سعدة: أما إذا سألتمونا عنه فإنه كان لا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية قَالَ، فقال سَعْد. اللهم إن كان كاذبا فأطل عمره، وأدم فقره وأعم بصره، وعرضه الفتن، قَالَ عَبْد الملك فأنا رأيته بعد يتعرض للإماء في السكك، فإذا قيل له: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 كيف أنت يا أَبَا سعدة، قَالَ كبير مفتون أصابتني دعوة سَعْد قال العَبَّاس النرسي في غير هَذَا الحديث: إن سعدا قَالَ لأهل الكوفة اللهم لا ترض عنهم أميرا ولا ترضهم بأمير. وحدثني العَبَّاس النرسي، قَالَ: بلغني أن المختار بْن أَبِي عُبَيْد أو غيره، قَالَ: حب أهل الكوفة شرف وبغضهم تلف. وحدثني الْحَسَن بْن عُثْمَان الزيادي، قَالَ: حَدَّثَنَا إسماعيل بْن مجالد عن أبيه عَنِ الشعبي. أن عَمْرو بْن معدى كرب الزبيدي وفد عَلَى عُمَر بْن الخطاب بعد فتح القادسية فسأله عن سَعْد وعن رضاء الناس عنه فقال: تركته يجمع لهم جمع الذرة، ويشفق عليهم شفقة الأم البرة، أعرابي في تمرته، نبطي في جبايته، يقسم بالسوية ويعدل في القضية وينفذ بالسوية، فقال عُمَر: كأنكما تقارضتما إلينا، وقد كان سَعْد كتب يثني عَلَى عمرو، قَالَ: كلا يا أمير الْمُؤْمِنِين ولكني أنبأت بما أعلم، قَالَ يا عَمْرو: أَخْبَرَنِي عَنِ الحرب، قَالَ: مرة المذاق، إذا قامت عَلَى ساق. من صبر فيها عرف. ومن ضعف عنها تلف، قَالَ: فأخبرني عَنِ السلاح، قَالَ: سل يا أمير الْمُؤْمِنِين عما شئت منه، قَالَ: الرمح، قَالَ: أخوك وربما خانك قَالَ: فالسهام، قَالَ: رسل المنايا تخطئ وتصيب، قَالَ: فالترس قَالَ. ذاك المجن عَلَيْهِ تدور الدوائر قَالَ: فالدرع قَالَ: مشغلة للفارس متعبة للراجل، وأنها لحصن حصين. قَالَ والسيف قَالَ: هناك ثكلتك أمك. فقال عُمَر: بل ثكلتك أمك. فقال عَمْرو الحمى أضرعتني إليك قَالَ وعزل عُمَر سعدا وولى عمار بْن ياسر فشكوه وقالوا ضعيف لا علم له بالسياسة فعزله. وكانت ولايته الكوفة سنة وتسعة أشهر، فقال عُمَر. من عذيرى من أهل الكوفة إن استعملت عليهم القوي فجروه. وإن وليت عليهم الضعيف حقروه. ثُمَّ دعى المغيرة ابن شعبة فقال. إن وليتك الكوفة أتعود إِلَى شيء مما قرفت به. فقال: لا، وكان المغيرة حين فتحت القادسية صار إِلَى المدينة فولاه عُمَر الكوفة فلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 يزل عليها حَتَّى توفي عُمَر، ثُمّ أن عُثْمَان بْن عَفَّان ولاها سعدا ثُمَّ عزله وولى الوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط بْن أَبِي عمرو بْن أمية فلما قدم عَلَيْهِ قَالَ له سَعْد: أما أن تكون كست بعدي أو أكون حمقت بعدك، ثُمَّ عزل الوليد وولى سعد بن العاصي بن سعيد بن العاصي بْن أمية. وحدثني أَبُو مَسْعُود الكوفي عن بعض الكوفيين قال سمعت مسعر ابن كدام يحدث، قَالَ: كان مع رستم يوم القادسية أربعة آلاف يسمون جند شهانشاه فاستأمنوا عَلَى أن ينزلوا حيث أحبوا ويحالفوا من أحبوا ويفرض لهم في العطاء فأعطوا الَّذِي سألوه، وحالفوا زهرة بْن حوية السعدي من بني تميم وأنزلهم سَعْد بحيث اختاروا، وفرض لهم في ألف ألف، وكان لهم نقيب منهم يقال له ديلم فقيل حمراء ديلم، ثُمَّ أن زياد سير بعضهم إِلَى بلاد الشام بأمر معاوية فهم بها يدعون الفرس، وسير منهم قوما إِلَى البصرة فدخلوا في الأساورة الَّذِينَ بها، قَالَ أَبُو مَسْعُود: والعرب تسمى العجم الحمراء، ويقولون جئت من حمراء ديلم كقولهم جئت من جهينة وأشباه ذلك، قَالَ أَبُو مَسْعُود وسمعت من يذكر أن هؤلاء الأساورة كانوا مقيمين بإزاء الديلم فلما غشيهم المسلمون بقزوين أسلموا عَلَى مثل ما أسلم عَلَيْهِ أساورة البصرة وأتوا الكوفة فأقاموا بها. وحدثني المدائني، قَالَ: كان أبرويز وجه إِلَى الديلم فأتى بأربعة آلاف وكانوا خدمه وخاصته، ثُمَّ كانوا عَلَى تلك المنزلة بعده وشهدوا القادسية مع رستم فلما قتل وانهزم المجوس اعتزلوا، وقالوا: ما نحن كهؤلاء ولا لنا ملجأ وأثرنا عندهم غير جميل، والرأي لنا أن ندخل معهم في دينهم فنعز بهم فاعتزلوا، فقال سَعْد: ما لهؤلاء، فأتاهم المغيرة بْن شعبة فسألهم عن أمرهم فاخبروه بخبرهم وقالوا: ندخل في دينكم فرجع إِلَى سَعْد فأخبره فأمنهم فأسلموا وشهدوا فتح المدائن مع سَعْد وشهدوا فتح جلولاء، ثُمَّ تحولوا فنزلوا الكوفة مع المسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وقال هشام بن محمد بن السائب الكلبي: جبانة السبيع نسبت إِلَى ولد السبيع بْن سبع بْن صعب الهمداني، وصحراء أثير نسبت إِلَى رجل من بني أسد يقال له أثير، وكان عَبْد الحميد نسب إِلَى عَبْد الحميد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن زيد بْن الخطاب عامل عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ عَلَى الكوفة، وصحراء بني قرار نسبت إِلَى بني قرار بْن ثعلبة بْن مَالِك بْن حرب بْن طريف بْن النمر بْن يقدم ابن عنزة بْن أسد بْن ربيعة بْن نزار، قَالَ: وكانت دار الروميين مزبلة لأهل الكوفة تطرح فيها القمامات والكساحات حَتَّى استقطعها عنبسة بن سعيد بن العاصي من يزيد بْن عَبْد الملك فأقطعه إياها فنقل ترابها بمائة ألف وخمسين ألف درهم، وقال أَبُو مَسْعُود. سوق يوسف بالحيرة نسب إِلَى يوسف بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن الحكم بن أبى عقيل الثقفي بن عم الحجاج بْن يوسف بْن الحكم بْن أَبِي عقيل، وهو عامل هِشَام عَلَى العراق. وأخبرني أَبُو الْحَسَن علي بْن مُحَمَّد وأبو مَسْعُود قالا: حمام أعين نسب إِلَى أعين مولى سَعْد بْن أَبِي وقاص، وأعين هَذَا هُوَ الَّذِي أرسله الحجاج ابن يوسف إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الجارود العبدي من رستقاباذ حين خالف وتابعه الناس عَلَى إخراج الحجاج منَ العراق ومسئلة عَبْد الملك تولية غيره، فقال له حين أدى الرسالة. لولا أنك رَسُول لقتلتك. قَالَ أَبُو مَسْعُود وسمعت أن الحمام قبله كان لرجل منَ العباد يقال له جابر أخو حيان الَّذِي ذكره الأعشى. وهو صاحب مسناة جابر بالحيرة فابتاعه من ورثته. وقال ابن الكلبي وبيعة بنى مازن بالحيرة لقوم منَ الأزد من بني عَمْرو ابن مازن منَ الأزد وهم من غسان، قَالَ: وحمام عُمَر نسب إِلَى عُمَر بْن سَعْد بْن أَبِي وقاص. قَالُوا وشهارسوج بحيلة بالكوفة إنما نسب إلى بنى بحلة وهم ولد مَالِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 ابن ثعلبة بْن بهثة بْن سليم بْن مَنْصُور وبجلة أمهم وهي غالبة عَلَى نسبهم فغلط الناس فقالوا بحلة، وجبانة عرزم نسبت إِلَى رجل يقال له عرزم كان يضرب فيها اللبن ولبنها رديء فيه قصب وخزف فربما وقع الحريق بها فاحترقت الحيطان. وحدثني ابن عرفة، قَالَ: حدثني إسماعيل بْن علية عَنِ ابن عون أن إِبْرَاهِيم النخعي أوصى أن لا يجعل في قبره لبن عرزمي، وقد قَالَ بعض أهل الكوفة أن عرزما هَذَا رجل من بني نهد، وجبانة بشر نسبت إِلَى بشر بْن ربيعة بْن عَمْرو بْن منارة بْن قمير الخثعمي الذي يقول: تحن بباب القادسية ناقتي ... وسعد بْن وقاص عَلَى أمير قَالَ أَبُو مَسْعُود: وكان بالكوفة موضع يعرف بعنترة الحجام وكان أسود فلما دخل أهل خراسان الكوفة كانوا يقولون حجام عنترة فبقي الناس عَلَى ذلك وكذلك حجام فرج وضحاك رواس وبطارحيان ويقال رستم ويقال صليب وهو بالحيرة. وقال هِشَام بْن الكلبي: نسبت زرارة بْن يزيد بْن عَمْرو بْن عدس من بنى البكا ابن ربيعة بْن عَامِر بْن صعصعة وكانت منزله وأخذها منه معاوية بْن أَبِي سُفْيَان، ثُمَّ أصفيت بعد حَتَّى أقطعها مُحَمَّد بْن الأشعث بْن عقبة الخزاعي قَالَ: ودار حكيم بالكوفة في أصحاب الأنماط نسبت إِلَى حكيم بن سعد بن ثور البكاى، وقصر مقاتل نسب إِلَى مقاتل بْن حسان بْن ثعلبة بْن أوس بْن إِبْرَاهِيم ابن أيوب بْن محروق أحد بني امرئ القيس بْن زيد مناة بْن تميم، قَالَ: والسوادية بالكوفة نسبت إِلَى سواد بْن زيد عدى بْن زيد الشاعر العبادي وجده حَمَّاد بْن زيد بْن أيوب بْن محروق، وقرية أَبِي صلابة الَّتِي عَلَى الفرات نسبت إِلَى صلابة ابن مَالِك بْن طارق بْن جبر بْن همام العبدي، وأقساس مَالِك نسبت إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 مَالِك بْن قيس بْن عَبْد هند بْن لجم أحد بني حذافة بْن زهر بْن إياد بْن نزار ودير الأعور لرجل منَ إياد من بني أمية بْن حذافة كان يسمى الأعور وفيه يقول أَبُو داود الأيادي: ودير يقول له الرائد و ... ن ويل أم دار الحذاقي دارا ودير قرة أحد بني أمية بْن حذافة وإليهم ينسب دير السوا والسوا العدل كانوا يأتونه فيتناصفون فيه ويحلف بعضهم لبعض عَلَى الحقوق، وبعض الرواة يقول السوا امرأة منهم، قَالَ: ودير الجماجم لأياد وكانت بينهم وبين بني بهراء ابن عَمْرو بْن الحاف بْن قضاعة وبين وبنى القين بْن جسر ابن شيع اللَّه بْن وبرة ابن تغلب بْن حلوان بْن عِمْرَان بْن الحاف حرب فقتل فيها منَ إياد خلق فلما انقضت الوقعة دفنوا قتلاهم عند الدير، وكان الناس بعد ذلك يحفرون فخرج جماجم فسمي دير الجماجم: هَذِهِ رواية الشرقي بْن القطامي، وقال مُحَمَّد بْن السائب الكلبي: كان مَالِك الرماح بْن محرز الإيادي قتل قومًا منَ الفرس ونصب جماجمهم عند الدير فسمي دير الجماجم، ويقال: أن دير كعب لإياد ويقال لغيرهم، ودير هند لأم عَمْرو بْن هند وهو عَمْرو ابن المنذر بْن ماء السماء وأمه كندية، ودار قمام بنت الحارث بْن هاني الكندي وهي عند دار الأشعث ابن قيس قَالَ: وبيعة بنى عدي نسبت إِلَى بنى عدي ابن الذميل من لخم قَالُوا، وكانت طيزناباذ تدعى ضيزناباذ فغيروا اسمها وإنما نسبت إِلَى الضيزن بْن معاوية بْن العُبَيْد السليحي، واسم سليح عُمَر بْن طريف ابن عِمْرَان بْن الحاف بْن قضاعة وربة الخضراء النضير بنت الضيزن وأم الضيزن جيهلة بنت تزيد بْن حيدان بْن عُمَر بْن الحاف بْن قضاعة، قَالَ: والذي نسب إليه مَسْجِد سماك بالكوفة سماك بْن مخرمة بْن حمين الأسدي من بني الهالك بْن عَمْرو بْن أسد وهو الَّذِي يقول له الأخطل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 أن سماكا بنى مجدا لأسرته ... حَتَّى الممات وفعل الخير يبتدر قَدْ كنت أحسبه قينا وأخبره ... فاليوم طير عن أثوابه الشرر وكان الهالك أول من عمل الحديد، وكان ولد يعيرون بذلك، فقال سماك للأخطل: ويحك ما أعياك أردت أن تمدحني فهجوتني، وكان هرب من علي ابن أَبِي طالب منَ الكوفة ونزل الرقة، قَالَ ابن الكلبي بالكوفة محلة بني شيطان وهو شيطان بْن زهير بْن شهاب بْن ربيعة بْن أَبِي سود بْن مَالِك بْن حنظلة بْن مَالِك بْن زيد مناة من تميم، وقال ابن الكلبي: موضع دار عِيسَى ابن موسى الَّتِي يعرف بها اليوم، كان للعلاء بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محرز بْن حارثة ابن ربيعة بْن عَبْد العزى بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف، وكان العلاء عَلَى ربع الكوفة أيام ابن الزبير وسكة بْن محرز تنسب إليه وبالكوفة سكة تنسب إِلَى عميرة بْن شهاب بْن محرز بْن أَبِي شمر الكندي الَّذِي كانت أخته عند عُمَر ابن سَعْد بْن أَبِي وقاص فولدت له حفص بْن عُمَر، وصحراء شبث نسبت إِلَى شبث بْن ربعي الرياحي من بني تميم، قَالُوا: ودار حجير بالكوفة نسبت إِلَى حجير بْن الجعد الجمحي، وقال: بئر المبارك في مقبرة جعفى نسبت إِلَى المبارك ابن عكرمة بْن حميري الجعفي وكان يوسف بْن عُمَر ولاه بعض السواد، ورحى عمارة نسبت إِلَى عمارة بْن عقبة بْن أَبِي معيط بْن أَبِي عمرو بْن أمية، وقال جبانة سالم نسبت إِلَى سالم بْن عمار بْن عَبْد الحارث أحد بني دارم بْن نهار بْن مرة ابن صعصعة بْن معاوية بْن بكر بْن هوازن وبنو مرة بْن صعصعة ينسبون إِلَى أمهم سلول بنت ذهل بْن شيبان، قَالُوا: وصحراء البردخت نسبت إِلَى البردخت الشاعر الضبي واسمه عَلي بْن خَالِد، قَالُوا: ومسجد بني عنز نسب إِلَى بني عنز بْن وائل بْن قاسط، ومسجد بني جذيمة نسب إِلَى بني جذيمة بْن مَالِك ابن نَصْر بْن قعين بْن الحارث بْن ثعلبة بْن دودان بْن أسد ويقال إِلَى بني جذيمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 ابن رواحة العبسي وفيه حوانيت الصيارفة، قَالَ: وبالكوفة مَسْجِد نسب إِلَى بني المقاصف بْن ذكوان بْن زبينة بْن الحارث بْن قطيعة بْن عبس بْن بغيض بْن ريث بْن غطفان بْن سَعْد بْن قيس بْن عيلان ولم يبق منهم أحد، قَالَ: ومسجد بني بهدلة نسب إِلَى بني بهدلة بْن المثل بْن معاوية من كندة، قَالَ: وبئر الجعد بالكوفة نسب إِلَى الجعد مولى همدان، قَالَ: ودار أَبِي أرطاة نسبت إِلَى أرطاة بْن مَالِك البجلي، قَالَ: ودار المقطع نسبت إِلَى المقطع بْن سنين الكلبي بْن خَالِد بْن مَالِك، وله يقول ابن الرقاع: عَلَى ذي منار تعرف العين شخصه ... كما يعرف الأضياف دار المقطع قَالَ: وقصر العدسيين في طرف الحيرة لبنى عمار بْن عَبْد المسيح بْن قيس ابن حرملة بْن علقمة بْن عدس الكلبي نسبوا إِلَى جدتهم عدسة بنت مَالِك ابن عوف الكلبي وهي أم الرماح والمشظ ابني عَامِر المذمم. وحدثني شيخ من أهل الحيرة، قَالَ: وجد في قراطيس هدم قصور الحيرة الَّتِي كانت لآل المنذر أن المسجد الجامع بالكوفة بني ببعض نقض تلك القصور وحسبت لأهل الحيرة قيمة ذلك من جزيتهم. وحدثني أَبُو مَسْعُود وغيره، قَالَ كان خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن أسد بْن كرز القسري من بجيلة بنى لأمه بيعة هي اليوم سكة البريد بالكوفة وكانت أمه نصرانية، وقال وبنى خَالِد حوانيت أنشأها وجعل سقوفها أزاجا معقودة بالآجر والجص وحفر خَالِد النهر الَّذِي يعرف بالجامع، واتخذ بالقرية قصرا يعرف بقصر خَالِد واتخذ أخوه أسد بْن عَبْد اللَّهِ القرية الَّتِي تعرف بسوق أسد وسوقها ونقل الناس إليها فقيل سوق أسد، وكان العبر الآخر ضيعة عتاب بْن ورقاء الرياحي، وكان معسكره حين شخص إِلَى خراسان واليا عليها عند سوقه هَذَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 قال أَبُو مَسْعُود: وكان عُمَر بْن هبيرة بْن معية الفزاري أيام ولايته العراق أحدث قنطرة الكوفة ثُمَّ أصلحها خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ القسري واستوثق منها، وقد أصلحت بعد ذلك مرات قَالَ، وقال بعض أشياخنا: كان أول من بناها رجل منَ العباد من جعفى في الجاهلية، ثُمَّ سقطت فاتخذ في موضعها جسرا، ثُمَّ بناها في الإسلام زياد بْن أَبِي سُفْيَان، ثُمَّ ابن هبيرة، ثُمَّ خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ، ثُمَّ يزيد بْن عُمَر بْن هبيرة، ثُمَّ أصلحت بعد بني أمية مرات. حدثني أَبُو مَسْعُود وغيره، قَالُوا كان يزيد بْن عُمَر بْن هبيرة بنى مدينة بالكوفة عَلَى الفرات ونزلها ومنها شيء يسير لم يستتم فأتاه كتاب مروان يأمره باجتناب مجاورة أهل الكوفة فتركها وبنى القصر الذي يعرف بقصر ابن هبيرة بالقرب مى جسر سورا، فلما ظهر أمير الْمُؤْمِنِين أَبُو العَبَّاس نزل تلك المدينة واستتم مقاصير فيها وأحدث فيها بناء وسماها الهاشمية فكان الناس ينسبونها إِلَى ابن هبيرة عَلَى العادة، فقال: ما أرى ذكر ابن يسقط عنها، فرفضها وبنى بحيالها الهاشمية ونزلها، ثم اختار نزول الأنبار فبنى بها مدينته المعروفة فلما تُوُفِّيَ دفن بها، واستخلف أَبُو جَعْفَر المَنْصُور فنزل المدينة الهاشمية بالكوفة واستتم شيئا كان بقى منها وزاد فيها بناء وهيأها عَلَى ما أراد، ثُمَّ تحول منها إِلَى بغداد فبنى مدينته ومصر بغداد وسماها مدينة السلام وأصلح سورها القديم الَّذِي يبتدئ من دجلة وينتهي إِلَى الصراط، وبالهاشمية حبس المَنْصُور عَبْد اللَّهِ بْن حسن بْن حسن بْن علي بْن أَبِي طالب بسبب ابنيه مُحَمَّد وإِبْرَاهِيم وبها قبره، وبنى المَنْصُور بالكوفة الرصافة وأمر أَبَا الخصيب مرزوقا مولاه فبنى له القصر المعروف بأبي الخصيب عَلَى أساس قديم، ويقال: أن أَبَا الخصيب بناه لنفسه فكان المَنْصُور يزوره فيه، وأما الخورنق فكان قديما فارسيا بناه النعمان بْن امرئ القيس وهو ابن الشقيقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 بنت أَبِي ربيعة بْن ذهل بْن شيبان لبهرام جور بْن يزدجرد بْن بهرام بْن سابور ذي الأكتاف، وكان بهرام جور في حجره والنعمان هَذَا الَّذِي ترك ملكه وساح فذكره عدي بْن زيد العبادي في شعره، فلما ظهرت الدولة المباركة أقطع الخورنق إِبْرَاهِيم بْن سلمة أحد الدعاة بخراسان وهو جد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن إِسْحَاق القاضي كان بمدينة السلام في خلافة المأمون والمعتصم بالله رحمهما اللَّه، وكان مولى للرباب وإِبْرَاهِيم أحدث فيه الخورنق في خلافة أَبِي العَبَّاس ولم تكن قبل ذلك. وحدثني أَبُو مَسْعُود الكوفي، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سلمة بْن كهيل الحضرمي عن مشايخ من أهل الكوفة أن المسلمين لما فتحوا المدائن أصابوا بها فيلا وقد كانوا قتلوا ما لقيهم قبل ذلك منَ الفيلة فكتبوا فيه إِلَى عُمَر فكتب إليهم أن بيعوه إن وجدتم له مباعا فاشتراه رجل من أهل الحيرة فكان عنده يريه الناس ويجلله ويطوف به في القرى فمكث عنده حينا، ثُمَّ أن أم أيوب بنت عمارة بْن عقبة بْن أَبِي معيط امرأة المغيرة بْن شعبة وهي الَّتِي خلف عليها زياد بعده أحبت النظر إليه وهي تنزل دار أبيها فأتى به ووقف عَلَى باب المسجد الَّذِي يدعى اليوم باب الفيل فجعلت تنظر إليه ووهبت لصاحبه شيئا وصرفته فلم يخط إلا خطى يسيرة حَتَّى سقط ميتا فسمي الباب باب الفيل، وقد قيل أن الناظرة إليه امرأة الوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط، وقيل أن ساحرا أرى الناس أنه أخرج من هَذَا الباب فيلا عَلَى حمار وذلك باطل، وقيل: أن الأجانة الَّتِي في المسجد حملت عَلَى فيل وأدخلت من هَذَا الباب فسمي باب الفيل، وقال بعضهم: أن فيلا لبعض الولاة اقتحم هَذَا الباب فنسب إليه: والخبر الأول أثبت هَذِهِ الأخبار. وحدثني أَبُو مَسْعُود، قَالَ: جبانة ميميون بالكوفة نسبت إِلَى ميمون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 مولى مُحَمَّد بْن علي بْن عَبْد اللَّهِ وهو أَبُو بشر بْن ميمون صاحب الطاقات ببغداد بالقرب من باب الشام، وصحراء أم سلمة نسبت إِلَى أم سلمة بنت يعقوب بْن سلمة بْن عَبْد اللَّهِ بْن الوليد بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم امرأة أَبِي العَبَّاس. وحدثني أَبُو مَسْعُود، قَالَ: أخذ المَنْصُور أهل الكوفة بحفر خندقها وألزم كل امرئ منهم للنفقة عَلَيْهِ أربعين درهما وكان ذاما لهم لميلهم إِلَى الطالبين وإرجافهم بالسلطان. وحدثنا الْحُسَيْن بْن الأسود، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيع عَنِ إسرائيل عن جابر عن عَامِر، قَالَ: كتب عُمَر إِلَى أهل الكوفة رأس العرب. وحدثنا الْحُسَيْن قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيع عن سُفْيَان عن حبيب بْن أَبِي ثابت عن نافع بْن جبير بْن مطعم، قَالَ: قَالَ عُمَر بالكوفة وجوه الناس. وحدثنا الْحُسَيْن وإِبْرَاهِيم بْن مُسْلِم الخوارزمي، قالا: حَدَّثَنَا وَكِيع عن يونس بْن أَبِي إِسْحَاق عَنِ الشعبي، قَالَ: كتب عُمَر إِلَى أهل الكوفة إِلَى رأس الإسلام. وحدثنا الْحُسَيْن بْن الأسود، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيع عن قيس بْن الربيع عن شمر بْن عطية قَالَ: قَالَ عُمَر وذكر الكوفة، فقال: هم رمح اللَّه وكنز الإيمان وجمجمة العرب يحرزون ثغورهم ويمدون أهل الأمصار. وحدثنا أَبُو نَصْر التمار، قَالَ: حَدَّثَنَا شريك بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي شريك العامري عن جندب عن سلمان قَالَ: الكوفة قبة الإِسْلام، يأتي عَلَى الناس زمان لا يبقى مؤمن ألا وهويها أو يهوى قلبه إليها . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 أمر واسط العراق حدثني عَبْد الحميد بْن واسع الختلي الحاسب، قَالَ: حدثني يَحْيَى بْن آدم عَنِ الْحَسَن بْن صالح، قَالَ: أول مَسْجِد جامع بني بالسواد مَسْجِد المدائن بناه سَعْد وأصحابه ثُمَّ وسع بعد وأحكم بناؤه وجرى ذلك عَلَى يدي حذيفة ابن اليمان وبالمدائن مات حذيفة سنة ست وثلاثين، ثُمَّ بني مَسْجِد الكوفة ثُمَّ مَسْجِد الأنبار قَالَ: وأحدث الحجاج مدينة واسط في سنة ثلاث وثمانين أو سنة أربع وثمانين وبنى مسجدها وقصرها وقبة الخضراء بها، وكانت واسط أرض قصب فسميت واسط القصب، وبينها وبين الأهواز والبصرة والكوفة مقدار واحد، وقال ابن القرية: بناه في غير بلده ويتركها لغير ولده. وحدثني شيخ من أهل واسط عن أشياخ منهم. أن الحجاج لما فرغ من واسط كتب إِلَى عَبْد الملك بْن مروان أني اتخذت مدينة في كرش منَ الأرض بَيْنَ الجبل والمصرين وسميتها واسطا فلذلك سمي أهل واسط الكرشيين، وكان الحجاج قبل اتخاذه واسطا أراد نزول الصين من كسكر فحفر نهر الصين وجمع له الفعلة وأمر بأن يسلسوا لئلا يشذوا ويتبلطوا» ثُمَّ بدا له فأحدث واسطا فنزلها واحتفر النيل والزابي وسماه زابيا لأخذه منَ الزابي القديم، وأحيا ما عَلَى هذين النهرين منَ الأرضين، وأحدث المدينة الَّتِي تعرف بالنيل ومصرها، وعمد إِلَى ضياع كان عَبْد اللَّهِ بْن دراج مولى معاوية بْن أَبِي سُفْيَان استخرجها له أيام ولايته خراج الكوفة مع المغيرة ابن شعبة من موات مرفوض ونقوض مياه ومغايض وآجام ضرب عليها المسنيات، ثُمَّ قلع قصبها فحازها لعبد الملك بْن مروان وعمرها ونقل الحجاج إِلَى قصره والمسجد الجامع بواسط أبوابا من زندورد والدوقرة ودار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وساط ودير ماسرجسان وشرايط فضج أهل هَذِهِ المدن، وقالوا: قَدْ أومنا عَلَى مدننا وأموالنا فلم يلتفت إِلَى قولهم، قَالَ: وحفر خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ القسري المبارك فقال الفرزدق: كأنك بالمبارك بعد شهر ... تخوض غموره بقع الكلاب ثُمَّ قَالَ في شعر له طويل: أعطى خليفته بقوة خَالِد ... نهرا يفيض له عَلَى الأنهار أن المبارك كاسمه يسقى به ... حرث السواد وناعم الْجَبَّارِ وكأن دجلة حين أقبل مدها ... ناب يمد له بحبل قطار وحدثني مُحَمَّد بْن خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ الطحان، قَالَ: حدثني مشايخنا أن خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ القسري كتب إِلَى هِشَام بْن عَبْد الملك يستأذنه في عمل قنطرة عَلَى دجلة فكتب إليه هِشَام، لو كان هَذَا ممكنا لسبق إليه الفرس فراجعه فكتب إليه: أن كنت متيقنا أنها تتم فاعملها فعملها وأعظم النفقة عليها فلم يلبث أن قطعها الماء فأغرمه هِشَام ما كان أنفق عليها. قالوا: وكان النهر المعروف بالبزاق قديمًا وكان يدعى بالنبطية البساق أي الَّذِي يقطع الماء عما يليه ويجره إليه وهو نهر يجتمع إليه فضول مياه آجام السيب وماء من ماء الفرات فقال الناس البزاق، فأما الميمون فأول من حفره وكيل لأم جَعْفَر زبيدة بنت جَعْفَر بْن المَنْصُور يقال له سَعِيد بْن زيد، وكانت فوهته عند قرية تدعى قرية ميمون فحولت في أيام الواثق بالله عَلَى يدي عُمَر بْن فرج الرخجي وسمى الميمون لئلا يسقط عنه ذكر اليمن. وحدثني مُحَمَّد بْن خَالِد، قَالَ: أمر المهدي أمير الْمُؤْمِنِين بحفر نهر الصلة فحفر وأحيى ما عَلَيْهِ منَ الأرضين وجعلت غلته لصلات أهل الحرمين والنفقة هناك، وكان شرط لمن تألف إليه منَ المزارعين الشرط الَّذِي هم عَلَيْهِ اليوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 خمسين سنة عَلَى أن يقاسموا بعد انقضاء الخمسين مقاسمة النصف، وأما نهر الأمير فنسب إِلَى عِيسَى بْن علي وهو في قطيعته. وحدثنا مُحَمَّد بْن خَالِد، قَالَ: كان مُحَمَّد بْن الْقَاسِم أهدى إِلَى الحجاج منَ السند فيلا فأجيز البطائح في سفينة وأخرج في المشرعة الَّتِي تدعى مشرعة الفيل فسميت تلك المشرعة مشرعه الفيل وفرضة الفيل. أمر البطائح حدثني جماعة من أهل العلم: أن الفرس كانت تتحدث بزوال ملكها وتروي في آية ذلك زلازل وطوفان تحدث، وكانت دجلة تصب إِلَى دجلة البصرة الَّتِي تدعى العوراء في أنهار متشعبة ومن عمود مجراها الَّذِي كان باقي مائها يجري فيه وهو كبعض تلك الأنهار، فلما كان زمان قباذ بْن فيروز انبثق في أسافل كسكر بثق عظيم فأغفل حَتَّى غلب ماؤه وغرق كثيرا من أرضين عامرة، وكان قباذ واهنا قليل التفقد لأمره، فلما ولى أنوشروان ابنه أمر بذلك الماء فردم بالمسنيات حَتَّى عاد بعض تلك الأرضين إِلَى عمارة، ثُمَّ لما كانت السنة الَّتِي بعث فيها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد اللَّهِ بْن حذافة السهمي إِلَى كسرى أبرويز وهي سنة سبع منَ الهجرة، ويقال سنة ست زاد الفرات ودجلة زيادة عظيمة لم ير مثلها قبلها لا بعدها، وانبثقت بثوق عظام فجهد أبرويز أن يسكرها فغلبه الماء ومال إِلَى موضع البطائح فطفا عَلَى العمارات والزروع فغرق عدة طساسيج كانت هناك، وركب كسرى بنفسه لسد تلك البثوق ونثر الأموال عَلَى الأنطاع وقتل الفعلة بالكفاية، وصلب عَلَى بعض البثوق فيما يقال أربعين جسارا في يوم فلم يقدر للماء عَلَى حيلة، ثُمَّ دخلت العرب أرض العراق وشغلت الأعاجم بالحروب فكانت البثوق تنفجر فلا يلتفت إليها ويعجز الداهقين عن سد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 عظمها فاتسعت البطيحة وعرضت، فلما ولي معاوية بْن أَبِي سُفْيَان ولى عَبْد اللَّهِ بْن دراج مولاه خراج العراق واستخرج له منَ الأرضين بالبطائح ما بلغت غلته خمسة آلاف ألف وذلك أنه قطع القصب وغلب الماء بالمسنيات، ثُمَّ كان حسان النبطي مولى بني ضبة وصاحب حوض حسان بالبصرة والذي تنسب إليه منارة حسان بالبطائح فاستخرج للحجاج أيام الوليد ولهِشَام بْن عَبْد الملك أرضين من أراضي البطيحة، قَالُوا: وكان بكسكر قبل حدوث البطائح نهر يقال له الجنب، وكان طريق البريد إِلَى ميسان ودستميسان وإلى الأهواز في شقه القبلي فلما تبطحت البطائح سمى ما استأجم من شق طريق البريد آجام البريد وسمي الشق الآخر أجام أغمر بثى، وفي ذلك الآجام الكبرى والنهر اليوم يظهر في الأرضين الجامدة الَّتِي استخرجت حديثا. وحدثني أَبُو مَسْعُود الكوفي عن أشياخه، قَالُوا: حدثت البطائح بعد مهاجرة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وملك الفرس أبرويز، وذلك أنه انبثقت بثوق عظام عجز كسرى عن سدها وفاضت الأنهار حَتَّى حدثت البطائح، ثُمَّ كان مد في أيام محاربة المسلمين الأعاجم بثوق لم يعن أحد بسدها فاتسعت البطيحة لذلك وعظمت، وقد كان بنو أمية استخرجوا بعض أرضيها، فلما كان زمن الحجاج غرق ذلك لأن بثوقا انفجرت فلم يعان الحجاج سدها مضارة للدهاقين لأنه كان اتهمهم بممالأة ابن الأشعث حين خرج عَلَيْهِ واستخرج حسان النبطي لهِشَام أرضين من أرضى البطيحة أيضًا. وكان أَبُو الأسد الَّذِي نسب إليه نهر أَبِي الأسد قائدا من قواد المَنْصُور أمير الْمُؤْمِنِين ممن كان وجه إِلَى البصرة أيام مقام عَبْد اللَّهِ بْن علي بها وهو الَّذِي أدخل عَبْد اللَّهِ بْن على الكوفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 وحدثني عُمَر بْن بكير: أن المَنْصُور رحمه اللَّه وجه أَبَا الأسد مولى أمير الْمُؤْمِنِين فعسكر بينه وبين عسكر عِيسَى بْن موسى حين كان يحارب إِبْرَاهِيم ابن عَبْد اللَّهِ بْن الْحَسَن بْن الْحَسَن بْن علي بْن أَبِي طالب وهو حفر النهر المعروف بأبي أسد عند البطيحة، وقال غيره: أقام عَلَى فم النهر لأن السفن لم تدخله لضيقه عنها فوسعه ونسب إليه. قَالَ أَبُو مَسْعُود: وقد انبثقت في أيام الدولة المباركة بثوق زادت في البطائح سعة، وحدثت أيضا منَ الفرات آجام استخرج بعضها. وحدثني أَبُو مَسْعُود عن عوانة، قَالَ: انبثقت البثوق أيام الحجاج فكتب الحجاج إِلَى الوليد بْن عَبْد الملك يعلمه: أنه قدر لسدها ثلاثة آلاف ألف درهم فاستكثرها الوليد، فقال له مسلمة بْن عَبْد الملك: أنا أنفق عليها عَلَى أن تقطعني الأرضين المنخفضة الَّتِي يبقى فيها الماء بعد انفاق ثلاثة آلاف ألف درهم يتولى إنفاقها ثقتك ونصيحك الحجاج فأجابه إِلَى ذلك فحصلت له أرضون من طساسيج متصلة فخفر السيبين وتألف الاكره والمزارعين وعمر تلك الأرضين وألجأ الناس إليها ضياعا كثيرة للتغزز به، فلما جاءت الدولة المباركة وقبضت أموال بني أمية أقطع جميع السيبين داود بْن علي ابن عَبْد اللَّهِ بْن العَبَّاس، ثُمَّ ابتيع ذلك من ورثته بحقوقه وحدوده فصار من ضياع الخلافة . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 أمر مدينة السلام قَالُوا: وكانت بغداد قديمة فمصرها أمير الْمُؤْمِنِين المَنْصُور رحمه اللَّه وابتنى بها مدينة وابتدأها في سنة خمس وأربعين ومائة فلما بلغه خروج مُحَمَّد وإِبْرَاهِيم بني عَبْد اللَّهِ بْن حسن بْن حسن عاد إِلَى الكوفة، ثُمَّ حول بيوت الأموال والخزائن والدواوين منَ الكوفة إِلَى بغداد سنة ست وأربعين ومائة وسماها مدينة السلام واستتم بناء حائط مدينته وجميع أمره وبناء سور بغداد القديم سنة سبع وأربعين ومائة وتوفي سنة ثمان وخمسين ومائة بمكة ودفن عند بئر ميمون الحضرمي حليف بن أمية، وبن المَنْصُور للمهدي الرصافة في الجانب الشرقي ببغداد، وكان هَذَا الجانب يدعى عسكر المهدي لأنه عسكر فيه حين خرج إِلَى الري، فلما قدم منَ الري وقد بدا للمَنْصُور في إنفاذه إِلَى خراسان للإقامة بها نزل الرصافة وذلك في سنة إحدى وخمسين ومائة وقد كان المَنْصُور أمر فبنى للمهدي قبل إنزاله الجانب الشرقي قصره الَّذِي يعرف بقصر الوضاح وبقصر المهدى وبالشرقية، وهو مما يلي باب الكرخ، والوضاح رجل من أهل الأنبار كان تولى النفقة عَلَيْهِ فنسب إليه، وبنى المَنْصُور مسجدي مدينة السلام، وبنى القنطرة الجديدة عَلَى الصراة، وابتاع أرض مدينة السلام من قوم من أرباب القرى بادوريا وقطربل وبهزبوق ونهربين وأقطعها أهل بيته وقواده وجنده وصحابته وكتابه، وجعل مجمع الأسواق بالكرخ وأمر التجار فابتنوا الحوانيت وألزمهم الغلة. وحدثني العَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه، قَالَ: سمى المخرم ببغداد مخرما لأن مخرم بْن شريح بْن حزن الحارثي نزله، قَالَ: وكان ناحية قنطرة البردان للسرى بْن الحطيم صاحب الحطيمة الَّتِي تعرف ببغداد. وحدثني مشايخ من أهل بغداد: إن الصالحية ببغداد نسبت إِلَى صالح بْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 المَنْصُور، قَالُوا: والحربية نسبت إِلَى حرب بْن عَبْد اللَّهِ البلخي، وكان عَلَى شرط جَعْفَر بْن أبي جَعْفَر بالموصل، والزهيرية تعرف بباب التبن نسبت إِلَى زهير بْن مُحَمَّد من أهل أبيورد، وعيساباذ نسبت إِلَى عِيسَى بْن المهدي وكان في حجر منازل التركي وهو ابن الخيزران، وقصر عبوديه مما يلي براثا نسبت إِلَى رجل منَ الأزد يقال له عبدويه وكان من وجوه أهل الدولة، قَالُوا: وأقطع المَنْصُور ببغداد سُلَيْمَان بْن مجالد ومجالد سروي مولى لعلي بْن عَبْد اللَّهِ موضع داره وأقطع مهلهل بْن صفوان قطيعة بالمدينة وإليه ينسب درب مهلهل، وكان صفوان مولى علي بْن عَبْد اللَّهِ، وكان اسم مهلهل يَحْيَى فاستنشده مُحَمَّد بْن علي شعرا فانشده: أليلتنا بذي حشم أنيري وهي لمهلهل فسماه مهلهلا، وَمُحَمَّد أعتقه وأقطع المَنْصُور عمارة بْن حَمْزَة الناحية المعروفة به خلف مربعة شبيب بن واج، وأقطع ميمون أبا بشر ابن ميمون قطيعة عند بستان القس ناحية باب الشام، وطاقات بشر تنسب إِلَى بشر بْن ميمون: هَذَا، وكان ميمون مولى عَلي بْن عَبْد اللَّهِ وأقطع شبيلا مولاه قطيعة عند دار يقطين وهناك مَسْجِد يعرف بشبيل، وأقطع أم عُبَيْدة وهي حاضنة لهم ومولاة لمحمد بْن علي قطيعة وإليها تنسب طاقات أم عُبَيْدة بقرب الجسر، وأقطع منيرة مولاة مُحَمَّد بْن علي وإليها ينسب درب منيرة وخان منيرة في الجانب الشرقي وأقطع ريشانة موضعا يعرف بمسجد بني رغبان، مولى حبيب بْن مسلمة الفهري يدخل في قصر عِيسَى بْن جَعْفَر أو جَعْفَر بْن جَعْفَر بْن المَنْصُور ودرب مهرويه في الجانب الشرقي نسب إِلَى مهرويه الرازي، وكان من سبى سنفاذ فأعتقه المهدي ولم يزل المَنْصُور رحمه اللَّه بمدينة السلام إِلَى آخر سني خلافته، ثُمَّ حج منها وتوفي بمكة، ونزلها بعده المهدي أمير الْمُؤْمِنِين، ثُمَّ شخص منها إِلَى ماسبذان فتوفي بها، وكان أكثر نزوله من مدينة السلام بعيساباذ فى أبنية بناها هناك، ثُمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 نزلها الهادي موسى بْن المهدي فتوفي بها، ونزلها الرشيد هارون بْن المهدي ثُمَّ شخص عنها إِلَى الرافقة فأقام بها وسار منها إِلَى خراسان فتُوُفِّيَ بطوس، ونزلها مُحَمَّد بْن الرشيد فقتل بها وقدمها المأمون عَبْد اللَّهِ بْن الرشيد من خراسان فأقام بها ثُمَّ شخص عنها غازيا فمات بالفذندون ودفن بطرسوس، ونزلها أمير الْمُؤْمِنِين المعتصم بالله ثُمَّ شخص عنها إِلَى القاطول فنزل قصر الرشيد كان ابتناه حين حفر قاطوله الَّذِي دعاه أَبَا الجند لقيام ما يسقى منَ الأرضين بأرزاق جنده، ثُمَّ بنى بالقاطول بناء نزله ودفع ذلك القصر إِلَى أشناس التركي مولاه وهم بتمصير ما هناك وابتدأ بناء مدينة تركها ثُمَّ رأى تمصير سر من رأى فمصرها ونقل الناس إليها وأقام بها، وبنى مسجدا جامعا في طرف الأسواق وسماها سر من رأى، ونزل أشناس مولاه فيمن ضم إليه منَ القواد كرخ فيروز، وأنزل بعض قواده الدور المعروفة بالعربايى وتُوُفِّيَ رحمه اللَّه بسر من رأى في سنة سبع وعشرين ومائتين، وأقام هارون الواثق بالله بسر من رأى في بناء بناه وسماه الهاروني حَتَّى تُوُفِّيَ به، ثُمَّ استخلف أمير الْمُؤْمِنِين جَعْفَر المتوكل عَلَى اللَّه رحمه اللَّه في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين فأقام بالهاروني وبنى بناء كثيرا وأقطع الناس في ظهر سر من رأى بالحائر الذي كان المعتصم بالله احتجره بها قطائع فاتسعوا بها وبنى مسجدا جامعا كبيرا وأعظم النفقة عَلَيْهِ وأمر برفع منارته لتعلو أصوات المؤذنين فيها حَتَّى نظر إليها من فراسخ، فجمع الناس فيه وتركوا المسجد الأول، ثُمَّ أنه أحدث مدينة سماها المتوكلية وعمرها وأقام بها وأقطع الناس فيها القطائع وجعلها فيها بَيْنَ الكوخ المعروف بفيروز وبين القاطول المعروف بكسرى فدخلت الدور والقرية المعروفة بالماحوز فيها، وبنى بها مسجدا جامعا وكان منَ ابتدائه إياها إِلَى أن نزلها أشهر ونزلها في أول سنة ست وأربعين ومائتين ثُمَّ تُوُفِّيَ بها رحمه اللَّه في شوال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 سنة سبع وأربعين واستخلف في هَذِهِ الليلة المنتصر بالله فانتقل عنها إِلَى سر من رأى يوم الثلاثاء لعشر خلون من شوال ومات بها. قَالُوا: كانت عيون الطف مثل عين الصيد، والقطقطانة، والرهيمة، وعين جمل وذواتها للموكلين بالمسالح الَّتِي وراء السواد: وهي عيون خندق سابور الَّذِي حفره بينه وبين العرب الموكلين بمسالح الخندق وغيرهم، وذلك أن سابور أقطعهم أرضها فاعتموها من غير أن يلزمهم لها خراجا، فلما كان يوم ذي قار ونصر اللَّه العرب بنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلبت العرب عَلَى طائفة من تلك العيون وبقى في أيدي الأعاجم بعضها، ثُمَّ لما قدم المسلمون الحيرة وهربت الأعاجم بعد أن طمت عامة ما في أيديهم منها وبقي الَّذِي في أيدي العرب فاسلموا عَلَيْهِ وصار ما عمروه منَ الأرضين عشريا، ولما مضى أمر القادسية والمدائن دفع ما جلا عنه أهله من أراضي تلك العيون إِلَى المسلمين فأقطعوه فصارت عشرية أيضا وكذلك مجرى عيون الطف وأرضيها مجرى أعراض المدينة وقرى نجد وكل صدقتها إِلَى عمال المدينة، فلما ولى إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن مصعب السواد للمتوكل عَلَى اللَّه ضمها إِلَى ما في يده فتولى عمالة عشرها وصيرها سوادية وهي عَلَى ذلك إِلَى اليوم، وقد استخرج عيون إسلامية مجرى ما سقت عيونها منَ الأرضين هَذَا المجرى. وحدثني بعض المشايخ: أن جملا مات عند عين الجمل فنسبت إليه، وقال بعض أهل واسط أن المستخرج لها كان يسمى جملا، قَالُوا: وسميت العين عين الصيد لأن السمك يجتمع فيها. وأخبرني بعض الكريزين: أن عين الصيد كانت مما طم فبينا رجل منَ المسلمين تحول فيما هناك إذ ساخت قوائم فرسه فيها فنزل عنه فخفر فظهر له الماء فجمع قوما عاونوه عَلَى كشف التراب والطين عنها وتنقيتها حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 عادت إِلَى ما كانت عَلَيْهِ، ثُمَّ إنها صارت بعد إِلَى عِيسَى بْن علي، وكان عِيسَى ابتاعها من ولد حسن بْن حسن بْن علي بْن أَبِي طالب، وكانت عنده منهم أم كلثوم بنت حسن بْن حسن، وكان معاوية أقطع الْحَسَن بْن علي عين صيد هَذِهِ عوضا منَ الخلافة مع غيرها، وكانت عين الرحبة مما طم قديما فرآها رجل من حجاج أهل كرمان وهي تبض فلما انصرف من حجه أتى عِيسَى بْن موسى متنصحا فدله عليها فاستقطعها وأرضها واستخرجها له الكرماني فاعتمل ما عليها منَ الأرضين وغرس النخل الَّذِي في طريق العذيب وعلى فراسخ من هيت عيون تدعى العرق تجري هَذَا المجرى أعشارها إِلَى صاحب هيت. حدثني الأثرم عن أَبِي عُبَيْدة عن أَبِي عمرو بْن العلاء، قَالَ: لما رأت العرب كثرة القرى والنخل والشجر، قَالُوا: ما رأينا سوادا أكثر والسواد الشخص فتر لك سمي السواد سوادا. وحدثني الْقَاسِم بْن سلام، قَالَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد عن مُحَمَّد بْن أَبِي موسى قَالَ: خرج علي إِلَى السوق فرأى أهله قَدْ حازوا أمكنتهم، فقال: ليس ذلك لهم إن سوق المسلمين كمصلاهم من سبق إِلَى موضع فهو له يومه حَتَّى يدعه. حدثني أَبُو عُبَيْد، قَالَ: حدثني مروان بْن معاوية عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عُبَيْد عن أبيه، قَالَ: كنا نغدو إِلَى السوق في زمن المغيرة بْن شعبة فمن قعد في موضع كان أحق به إِلَى الليل، فلما كان زياد قَالَ: من قعد في موضع كان أحق به ما دام فيه، قَالَ مروان: وولى المغيرة الكوفة مرتين لعمر مرة ومرة لمعاوية . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 نقل ديوان الفارسية وحدثني المدائني علي بْن مُحَمَّد بْن أَبِي سيف عن أشياخه. قَالُوا: لم يزل ديوان خراج السواد وسائر العراق بالفارسية، فلما ولى الحجاج العراق استكتب زادان فروخ بْن بيرى وكان معه صالح بْن عَبْد الرَّحْمَنِ مولى بنى تميم يخط بَيْنَ يديه بالعربية والفارسية وكان أَبُو صالح من سبى سجستان فوصل زادان فروخ صالحا بالحجاج وخف عَلَى قلبه، فقال له ذات يوم: إنك شبيبي إِلَى الأمير وأراه قَد استخفني ولا آمن أن يقدمني عليك وأن تسقط، فقال: لا تظن ذلك هُوَ أحوج إِلَى منه إليك لأنه لا يجد من يكفيه حسابه غيري، فقال: والله لو شئت أن أحول الحساب إِلَى العربية لحولته، قَالَ: فحول منه شطرا حَتَّى أرى ففعل فقال له نمارض فتمارض فبعث إليه الحجاج طبيبه فلم ير به علة وبلغ زادان فروخ ذلك فأمره أن يظهر، ثُمّ أن زادان فروخ قتل أيام عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث الكندي وهو خارج من منزل كان فيه إِلَى منزله أو منزل غيره فاستكتب الحجاج صالحا مكانه فأعلمه الَّذِي كان جرى بينه وبين زادان فروخ في نقل الديوان فعزم الحجاج عَلَى أن يجعل الديوان بالعربية وقلد ذلك صالحا فقال له مردانشاه بْن زادان فروخ كيف تصنع بدهوية وششوية، قَالَ: اكتب عشر ونصف عشر، قَالَ: فكيف تصنع بويد، قال: اكتبه أيضا والويد النيف والزيادة تزاد، فقال: قطع اللَّه أصلك منَ الدنيا كما قطعت أصل الفارسية، وبذلت له مائة ألف درهم على أن يظهر العجز عن نقل الديوان ويمسك عن ذلك فأبى ونقله، فكان عَبْد الحميد بن يحيى كاتب مروان بْن مُحَمَّد يقول: لله در صالح ما أعظم منته عَلَى الكتاب. وحدثني عُمَر بْن شبة قَالَ حدثني أَبُو عاصم النبيل، قَالَ: أنبأنا سَهْل بْن أَبِي الصلت، قَالَ، أجل الحجاج صالح بْن عَبْد الرَّحْمَنِ أجلا حتى قلب الديوان . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 فتح الجبال (حلوان) قَالُوا: لما فرغ المسلمون من أمر جلولاء الوقيعة ضم هاشم بْن عتبة بْن أَبِي وقاص إِلَى جرير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي خيلا كثيفة ورتبه بجلولاء ليكون بَيْنَ المسلمين وبين عدوهم ثُمّ أن سعدا وجه إليهم زهاء ثلاثة آلاف منَ المسلمين وأمره أن ينهض بهم وبمن معه إِلَى حلوان، فلما كان بالقرب منها هرب يزدجرد إِلَى ناحية أصبهان ففتح جرير حلوان صلحا عَلَى أن كف عنهم وأمنهم عَلَى دمائهم وأموالهم وجعل لمن أحب منهم الهرب أن لا يعرض لهم، ثُمَّ خلف بحلوان جريرا مع عزرة بْن قيس بْن غزية البجلي ومضى نحو الدينور فلم يفتحها وفتح قرماسين عَلَى مثل ما فتح عَلَيْهِ حلوان وقدم حلوان فأقام بها واليا عليها إِلَى أن قدم عمار بْن ياسر الكوفة فكتب إليه يعلمه أن عُمَر بْن الخطاب أمره أن يمد به أَبَا موسى الأشعري فخلف جرير عزرة ابن قيس عَلَى حلوان وسار حَتَّى أتى أَبَا موسى الأشعري في سنة تسع عشرة. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن مُحَمَّد بْن نجاد عن عائشة بنت سَعْد بْن أَبِي وقاص قالت: لما قتل معاوية حجر بْن عدي الكندي، قَالَ أَبِي: لو رأى معاوية ما كان من حجوم عين قنطرة حلوان لعرف أن له غناء عظيما عَنِ الإِسْلام، قَالَ الواقدي: وقد نزل حلوان قوم من ولد جرير بْن عَبْد الله فاعقابهم بها . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 فتح نهاوند قَالُوا: لما هرب يزدجرد من حلوان في سنة تسع عشرة تكانبت الفرس وأهل الري وقومس وأصبهان وهمذان والماهين وتجمعوا إِلَى يزدجرد وذلك في سنة عشرين فأمر عليهم مردانشاه ذا الحاجب وأخرجوا رايتهم الدرفشكابيان، وكانت عدة المشركين يومئذ ستين ألفا ويقال مائة ألف، وقد كان عمار بْن ياسر كتب إِلَى عُمَر بْن الخطاب بخبرهم فهم أن يغزوهم بنفسه ثُمَّ خاف أن ينتشر أمر العرب بنجد وغيرها، وأشير عَلَيْهِ بأن يغزي أهل الشام من شامهم وأهل اليمن من يمنهم فخاف إن فعل ذلك أن تعود الروم إِلَى أوطانها وتغلب الحبشة عَلَى ما يليها، فكتب إِلَى أهل الكوفة يأمرهم أن يسير ثلثاهم ويبقى ثلثهم لحفظ بلدهم وديارهم وبعث من أهل البصرة بعثا، وقال: لاستعملن رجلا يكون لأول ما يلقاه منَ الأسنة، فكتب إِلَى النعمان بْن عَمْرو بْن مقرن المزني وكان مع السائب بن الأقرع الثقفي بتوليته الجيش، وقال: إن أصبت فالأمير حذيفة بْن اليمان فإن أصيب فجرير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي فإن أصيب فالمغيرة بْن شعبة فإن أصيب فالأشعث ابن قيس، وكان النعمان عاملا عَلَى كسكر وناحيتها ويقال بل كان بالمدينة فولاه عُمَر أمر هَذَا الجيش مشافهة فشخص منها. وحدثني شيبان، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سلمة عن أَبِي عمران الجواني عن علقمة بْن عَبْد اللَّهِ عن معقل بْن يسار أن عُمَر بْن الخطاب شاور الهرمزان فسأل ما ترى أنبدأ بأصبهان أو بأذربيجان فقال الهرمزان: أصبهان الرأس وأذربيجان الجناحان، فإن قطعت الرأس سقط الجناحان والرأس. قال: فدخل عُمَر المسجد فبصر النعمان بْن مقرن فقعد إِلَى جنبه، فلما قضى صلاته قَالَ: أما إني سأستعملك، فقال النعمان: أما جابيا فلا ولكن غازيا قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 فأنت غاز فأرسله، وكتب إِلَى أهل الكوفة أن يمدوه فأمدوه وفيهم المغيرة بْن شعبة فبعث النعمان المغيرة إِلَى ذي الحاجبين عظيم العجم بنهاوند فجعل يشق بسطه برمحه حَتَّى قام بَيْنَ يديه ثُمَّ قعد عَلَى سريره فأمر به فسحب، فقال إني رَسُول، ثُمَّ التقى المسلمون والمشركون فسلسلوا كل عشرة في سلسلة وكل خمسة في سلسلة لئلا يفروا، قَالَ: فرمونا حَتَّى جرحوا منا جماعة وذلك قبل القتال. وقال النعمان: شهدت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر زوال الشمس وهبوب الرياح ونزول النصر، ثُمَّ قَالَ: إني هاز لوائي ثلاث هزات، فأما أول هزة فليتوضأ الرجل بعدها وليقض حاجته، وأما الهزة الثانية فلينظر الرجل بعدها إِلَى سيفه أو قَالَ شعه وليتهيأ وليصلح من شأنه، وأما الثالثة فإذا كانت إن شاء اللَّه فاحملوا ولا يلوين أحد عَلَى أحد، فهز لواءه ففعلوا ما أمرهم وثقل درعه عَلَيْهِ فقاتل وقاتل الناس، فكان رحمه اللَّه أول قتيل قَالَ: وسقط الفارسي عن بغلته فانشق بطنه، قَالَ فأتيت النعمان وبه رمق فغسلت وجهه من أدواة ماء كانت معي فقال: من أنت قلت معقل قَالَ: ما صنع المسلمون قلت: أبشر بفتح اللَّه ونصره قَالَ: الحمد لله اكتبوا إِلَى عُمَر. حدثني شيبان، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سلمة، قَالَ: حدثني علي بْن زيد بْن جدعان عن أَبِي عُثْمَان النهدي، قَالَ: أنا ذهبت بالبشارة إِلَى عُمَر فقال: ما فعل النعمان قلت قتل قَالَ: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) 2: 156 ثُمَّ بكى فقلت: قتل والله فى آخرين لا أعلمهم قَالَ ولكن اللَّه يعلمهم. وحدثني أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أسامة وأبو عَامِر العقدي وسلم بْن قتيبة جميعا عن شعبة عن علي بْن زيد عن أَبِي عُثْمَان النهدي، قَالَ: رأيت عُمَر بْن الخطاب لما جاءه نعي النعمان بْن مقرن وضع يده عَلَى رأسه وجعل يبكي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 وحدثنا الْقَاسِم بْن سلام، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الأنصاري عَنِ النهاس بْن قهم عَنِ الْقَاسِم بْن عوف عن أبيه عَنِ السائب بْن الأقرع- أو عن عُمَر بْن السائب عن أبيه شك الأنصاري- قَالَ: زحف إِلَى المسلمين زحف لم ير مثله، فذكر حديث عُمَر فيما هم به منَ الغزو بنفسه وتوليته النعمان بْن مقرن وأنه بعث إليه بكتابه مع السائب وولى السائب الغنائم، وقال: لا ترفعن باطلا ولا تحبسن حقا ثُمَّ ذكر الواقعة، قَالَ: فكان النعمان أول مقتول يوم نهاوند، ثُمَّ أخذ حذيفة الراية ففتح اللَّه عليهم. قال السائب: فجمعت تلك الغنائم ثُمَّ قسمتها، ثُمَّ أتاني ذو العوينتين فقال: إن كنز النخيرخان في القلعة قَالَ: فصعدتها فإذا أنا بسفطين فيهما جوهر لم أر مثله قط قَالَ: فأقبلت إِلَى عُمَر وقد راث عنه الخبر وهو يتطوف المدينة، ويسأل، فلما رآني قَالَ: ويلك ما وراءك فحدثته بحديث الوقعة ومقتل النعمان وذكرت له شأن السفطين فقال: اذهب بهما فبعهما ثم اقسم ثمنهما بين المسلمين، فأقبلت بهما إلى الكوفة فأتاني شاب من قريش يقال له عمرو بن حريث فاشتراهما باعطية الذرية والمقاتلة، ثم انطلق بإحداهما إلى الحيرة فباعه بما اشتراهما به مني وفضل الآخر فكان ذلك أول لهوة مال اتخذه. وقال بعض أهل الصيرة: اقتتلوا بنهاوند يوم الأربعاء ويوم الخميس ثُمَّ تحاجزوا ثُمَّ اقتتلوا يوم الجمعة، وذكر من حديث الوقعة نحو حديث حَمَّاد ابن سلمة، وقال ابن الكلبي عن أَبِي مخنف: أن النعمان بْن مقرن نزل الأسبيذهار وجعل عَلَى ميمنته الأشعث بْن قيس، وعلى الميسرة المغيرة بْن شعبة فاقتتلوا فقتل النعمان ثُمَّ ظفر المسلمون فسمى ذلك الفتح فتح الفتوح، قَالَ: وكان فتح نهاوند في سنة تسع عشرة يوم الأربعاء ويقال في سنة عشرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 وحدثنا الرفاعي قَالَ حَدَّثَنَا العبقري عن أَبِي بكر الهذلي عَنِ الْحَسَن وَمُحَمَّد قالا: كانت وقعة نهاوند سنة إحدى وعشرين. وحدثني الرفاعي، قَالَ حَدَّثَنَا العبقري عَنِ أبي معشر عن مُحَمَّد بْن كعب مثله، قَالُوا: ولما هزم الجيش الأعاجم وظهر المسلمون وحذيفة يومئذ عَلَى الناس حاصر نهاوند فكان أهلها يخرجون فيقاتلون وهزمهم المسلمون، ثُمَّ أن سماك بْن عُبَيْد العبسي اتبع رجلا منهم ذات يوم ومعه ثمانية فوارس فجعل لا يبرز إليه رجل منهم إلا قتله حَتَّى لم يبق غير الرجل وحده فاستسلم وألقى سلاحه فأخذه أسيرا. فتكلم بالفارسية فدعى له سماك برجل يفهم كلامه فترجمه فإذا هُوَ يقول: اذهب إِلَى أميركم حَتَّى أصالحه عن هَذِهِ الأرض وأؤدي إليه الجزية وأعطيك عَلَى أسرك إياي ما شئت فإنك قَدْ مننت علي إذ لم تقتلني فقال له وما اسمك قَالَ دينار فانطلق به إِلَى حذيفة فصالحه عَلَى الخراج والجزية وآمن أهل مدينته نهاوند عَلَى أموالهم وحيطانهم ومنازلهم فسميت نهاوند ماه دينار وكان دينار يأتي بعد ذلك سماكا ويهدي إليه ويبره. وحدثني أَبُو مَسْعُود الكوفي عَنِ المبارك بْن سَعِيد عن أبيه قَالَ وكانت نهاوند من فتوح أهل الكوفة والدينور من فتوح أهل البصرة فلما كثر المسلمون بالكوفة احتاجوا إِلَى أن يزادوا في النواحي الَّتِي كان خراجها مقسوما فيهم فصيرت لهم الدينور وعوض أهل البصرة نهاوند لأنها من أصبهان فصار فضل ما بَيْنَ خراج الدينور ونهاوند لأهل الكوفة فسميت نهاوند ماه البصرة والدينور ماه الكوفة وذلك في خلافة معاوية. وَحَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ وَهُوَ حُذَيْفَةُ بْنُ حُسْيَلِ بْنِ جَابِرٍ الْعَبْسِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَأُمُّهُ الرَّبَابُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ عَدِيٍّ مِنْ عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ قتله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ خَطَأً وَهُوَ يَحْسَبُهُ كَافِرًا فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإْخَراجِ دِيتَهُ فَوَهَبَهُ حُذَيْفَةُ لِلْمُسْلِمِينَ وَكَانَ الْوَاقِدِيُّ يَقُولُ سُمِّيَ حُسَيْلٌ الْيَمَان لِأَنَّهُ كَانَ يَتْجَرُ إِلَى الْيَمَنِ فَإِذَا أَتَى الْمَدِينَةَ قَالُوا قَدْ جَاءَ الْيَمَانِيُّ. وقال الكلبي: هُوَ حذيفة بْن حسيل بْن جابر بْن ربيعة بْن عَمْرو بْن جروة وجروة هُوَ اليمان نسب إليه حذيفة وبنيهما آباء وكان قَدْ أصاب في الجاهلية دما وهرب إِلَى المدينة وحالف بني عَبْد الأشهل فقال قومه هُوَ يمان لأنه حالف اليمانية. صلح الدينور وماسبذان ومهرجا نقذف قالوا: انصرف أَبُو موسى الأشعري من نهاوند وقد كان سار بنفسه إليها عَلَى بعث أهل البصرة ممدا للنعمان بْن مقرن فمر بالدينور فأقام عليها خمسة أيام قوتل منها يوما واحدا، ثُمَّ أن أهلها أقروا بالجزية والخراج وسألوا الأمان عَلَى أنفسهم وأموالهم وأولادهم فأجابهم إِلَى ذلك وخلف بها عامله في خيل ثُمَّ مضى إِلَى ماسبذان فلم يقاتله أهلها وصالحه أهل السيروان عَلَى مثل صلح الدينور وعلى أن يؤدوا الجزية والخراج، وبث السرايا وفيهم فغلب عَلَى أرضها وقوم يقولون: أن أَبَا موسى فتح ماسبذان قبل وقعة نهاوند وبعث أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري السائب بْن الأقرع الثقفي وهو صهره عَلَى ابنته وهي أم مُحَمَّد بْن السائب إِلَى الصيمرة مدينة مهرجا نقذف ففتحها صلحا عَلَى حقن الدماء وترك السباء والصفح عَنِ الصفراء والبيضاء وعلى أداء الجزية وخراج الأرض وفتح جميع كور مهرجا نقذف، وأثبت الخبر أنه وجه السائب منَ الأهواز ففتحها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 حدثني محمد بن عقبة بن مصرم الضبي عن أبيه عن سيف بْن عُمَر التميمي عن أشياخ من أهل الكوفة أن المسلمين لما غزوا الجبال فمروا بالقلة الشرقية الَّتِي تدعى سن سميرة، وسميرة امرأة من ضبة من بني معاوية بْن كعب بْن ثعلبة بْن سَعْد بْن ضبة منَ المهاجرات وكانت لها سن فسمى ذلك سن سميرة قال ابن هِشَام الكلبي وقناطر النعمان نسبت إِلَى النعمان بْن عَمْرو بْن مقرن المزني عسكر عندها وهي قديمة. وحدثني العَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن عوانة قَالَ: كان كثير بْن شهاب بْن الحصين بْن ذي الغصة الحارثي عُثْمَانيا يقع في علي بْن أَبِي طالب ويثبط الناس عَنِ الْحُسَيْن ومات قبيل خروج المختار بْن أَبِي عُبَيْد أو في أول أيامه، وله يقول المختار بْن أَبِي عُبَيْد في سجعه: أما ورب السحاب، شديد العقاب، سريع الحساب، منزل الكتاب، لأنبشن قبر كثير بْن شهاب، المفتري الكذاب، وكان معاوية ولاه الري ودستبى حينا من قبله ومن قبل زياد والمغيرة بْن شعبة عامليه، ثُمَّ غلب عَلَيْهِ فحبسه بدمشق وضربه حَتَّى شخص شريح بْن هانئ المرادي إليه في أمره فتخلصه، وكان يزيد بْن معاوية قَدْ حمد مشايعته وأتباعه لهواه فكتب إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن زياد في توليته ماسبذان ومهرجا نقذف وحلوان والماهين وأقطعه ضياعا بالجبل فبنى قصره المعروف بقصر كثير، وهو من عمل الدينور، وكان زهرة بن الحارث بن مَنْصُور بْن قيس بْن كثير بْن شهاب اتخذ بماسبذان ضياعا. حدثني بعض ولد خشرم بْن مَالِك بْن هبيرة الأسدي أن أول نزول الخشارمة ماسبذان كان في آخر أيام بني أمية نزع إليها جدهم منَ الكوفة. وحدثني العمري عَنِ الهيثم بْن عدي، قَالَ: كان زياد في سفر فانقطع سفشق قبائه فأخرج كثير بْن شهاب إبرة كانت مغروزة في قلنسوته وخيطا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 كان معه فأصلح السفشق، فقال له زياد: أنت حازم وما مثلك يعطل فولاه بعض الجبل. فتح همذان قَالُوا: وجه المغيرة بْن شعبة وهو عامل عُمَر بْن الخطاب عَلَى الكوفة بعد عزل عمار بْن ياسر جرير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي إِلَى همذان، وذلك في سنة ثلاث وعشرين فقاتله أهلها ودفع دونها فأصيبت عينه بسهم فقال: احتسبتها عند اللَّه الَّذِي زين بها وجهي ونور لي ما شاء ثُمَّ سلبنيها في سبيله، ثُمَّ أنه فتح همذان عَلَى مثل صلح نهاوند وكان ذلك في آخر سنة ثلاث وعشرين فقاتله أهلها ودفع عنها وغلب عَلَى أرضها فأخذها قسرا، وقال الواقدي: فتح جرير نهاوند في سنة أربع وعشرين بعد ستة أشهر من وفاة عُمَر بْن الخطاب رحمه اللَّه وقد روى بعضهم أن المغيرة بْن شعبة سار إِلَى همذان وعلى مقدمته جرير فافتتحها وإن المغيرة ضم همذان إِلَى كثير بْن شهاب الحارثي. وحدثني عَبَّاس بْن هِشَام عن أبيه عن جده وعوانة بْن الحكم، أن سَعْد ابن أَبِي وقاص لما ولى الكوفة لعُثْمَان بْن عَفَّان ولى العلاء بْن وهب بْن عَبْد ابن وهبان أحد بني عَامِر بْن لؤي ماه وهمذان فغدر أهل همذان ونقضوا فقاتلهم ثُمَّ أنهم نزلوا عَلَى حكمه فصالحهم عَلَى أن يؤدوا خراج أرضهم وجزية الرؤوس ويعطوه مائة ألف درهم للمسلمين، ثُمَّ لا يعرض لهم في مال ولا حرمة ولا ولد وقال ابن الكلبي: ونسبت القلعة الَّتِي تعرف بماذران إِلَى السرى بْن نسير بْن ثور العجلي وهو كان أناخ عليها حَتَّى فتحها. وحدثني زياد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ البلخي عن أشياخ من أهل سيسر، قَالَ سميت سيسر لأنها في الخفاض منَ الأرض بَيْنَ رؤس آكام ثلاثين فقيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 ثلاثون رأسا، وكانت سيسر تدعى سيسر صدخانية أي ثلاثون رأسا ومائة عين وبها عيون كثيرة تكون مائة عين، قَالُوا: ولم تزل سيسر وما والاها مراعي لمواشي الأكراد وغيرهم، وكانت مروج لدواب المهدي أمير الْمُؤْمِنِين وأغنامه، وعليها مولى له يقال له سُلَيْمَان بْن قيراط صاحب صحراء قيراط بمدينة السلام، وشريك معه يقال له سلام الطيفوري، وكان طيفور مولى أَبِي جَعْفَر المَنْصُور وهبه للمهدي، فلما كثر الصعاليك والذعار وانتشروا بالجبل في خلافة المهدي أمير الْمُؤْمِنِين جعلوا هَذِهِ الناحية ملجأ لهم وحوزا فكانوا يقطعون ويأوون إليها ولا يطلبون لأنها حد همذان والدينور وأذربيجان، فكتب سُلَيْمَان بْن قيراط وشريكه إِلَى المهدي بخبرهم وشكيا عرضهم لما في أيديهم منَ الدواب والأغنام، فوجه إليهم جيشا عظيما وكتب إِلَى سُلَيْمَان وسلام يأمرهما ببناء مدينة يأويان إليها وأعوانهما ورعاتهما ويحصنان فيها الدواب والأغنام ممن خافاه عليها، فبنيا مدينة سيسر وحصناها وأسكناها الناس، وضم إليها رستاق ما ينهرج منَ الدينور ورستاق الجوذمة من أذربيجان من كورة برزة ورسطف وخابنجر فكورت بهذه الرساتيق، ووليها عامل مفرد وكان خراجها يؤدي إليه، ثُمَّ أن الصعاليك كثروا في خلافة أمير الْمُؤْمِنِين الرشيد وشعثوا سيسر فأمر بمرمتها وتحصينها ورتب فيها ألف رجل من أصحاب خاقان الخادم السغدي ففيها قوم من أولادهم. ثُمَّ لما كان في آخر أيام الرشيد وجه مرة بْن أَبِي مرة الرديني العجلي عَلَى سيسر، فحاول عُثْمَان الأودي مغالبته عليها فلم يقدر عَلَى ذلك وغلبه عَلَى ما كان في يده من أذربيجان أو أكثر، ولم يزل مرة بْن الرديني يؤدي الخراج عن سيسر في أيام مُحَمَّد الرشيد عَلَى مقاطعة قاطعه عليها إِلَى أن وقعت الفتنة ثُمَّ إنها أخذت من عاصم بْن مرة فأخرجت من يده في خلافة المأمون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 فرجعت إِلَى ضياع الخلافة. وحدثني مشايخ من أهل المفازة وهي متاخمة لسيسر أن الجرشي لما ولى الجبل جلا أهل المفازة عنها فرفضوها، وكان للجرشي قائد يقال له همام بْن هانئ العبدي فألجأ إليه أكثر أهل المفازة ضياعهم وغلب عَلَى ما فيها فكان يؤدي حق بيت المال فيها حَتَّى تُوُفِّيَ وضعف ولده عَنِ القيام بها فلما أقبل المأمون أمير الْمُؤْمِنِين من خراسان بعد قتل مُحَمَّد بْن زبيدة يريد مدينة السلام اعترضه بعض ولد همام ورجل من أهلها يقال له مُحَمَّد بْن العَبَّاس وأخبرا بقصتها ورضاء جميع أهلها أن يعطوه رقبتها ويكونوا مزارعين له فيها عَلَى أن يعزوا ويمتنعوا منَ الصعاليك وغيرهم فقبلها وأمر بتقويتهم ومعونتهم عَلَى عمارتها ومصلحتها فصارت من ضياع الخلافة. وحدثني المدائني أن ليلى الأخيلية أتت الحجاج فوصلها، وسألته أن يكتب لها إِلَى عامله بالري فلما صارت بساوة ماتت فدفنت هناك. فتح قم وقاشان وأصبهان قالوا: لما انصرف أَبُو موسى عَبْد اللَّهِ بْن قيس الأشعري من نهاوند سار إِلَى الأهواز فاستقرأها، ثُمَّ أتى «قم» وأقام عليها أياما ثُمَّ افتتحها، ووجه الأحنف بْن قيس واسمه الضحاك بْن قيس التميمي إِلَى «قاشان» ففتحها عنوة ثُمَّ لحق به، ووجه عُمَر بْن الخطاب عَبْد اللَّهِ بْن بديل بْن ورقاء الخزاعي إِلَى «أصبهان» سنة ثلاث وعشرين، ويقال: بل كتب عُمَر إِلَى أَبِي موسى الأشعري يأمره بتوجيهه في جيش إِلَى أصبهان فوجهه ففتح عَبْد اللَّهِ بن بديل جى صلحا بعد قتال عَلَى أن يؤدي أهلها الخراج والجزية وعلى أن يؤمنوا عَلَى أنفسهم وأموالهم خلا ما في أيديهم منَ السلاح، ووجه عَبْد اللَّهِ بْن بديل: الأحنف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 ابن قيس وكان في جيشه إِلَى اليهودية فصالحه أهلها عَلَى مثل ذلك الصلح وغلب ابن بديل عَلَى أرض أصبهان وطساسيجها وكان العامل عليها إِلَى أن مضت من خلافة عُثْمَان سنة، ثُمَّ ولاها عُثْمَان السائب بْن الأقرع. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد مولى بني هاشم، قَالَ: حَدَّثَنَا موسى بْن إسماعيل عن سُلَيْمَان بْن مُسْلِم عن خاله بشير بْن أَبِي أمية أن الأشعري نزل بأصبهان فعرض عليهم الإِسْلام فأبوا، فعرض عليهم الجزية فصالحوه عليها فباتوا عَلَى صلح ثُمَّ أصبحوا عَلَى غدر فقاتلهم وأظهره اللَّه عليهم، قَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد: أحسبه عن أهل قم. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد، قَالَ: حدثني الهيثم بْن جميل عن حَمَّاد بْن سلمة عن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق، قَالَ وجه عُمَر بْن بديل الخزاعي إِلَى أصبهان وكان مرزبانها مسنا يسمى الفادوسفان فحاصره وكاتب أهل المدينة فخذلهم عنه، فلما رأى الشيخ التياث الناس عَلَيْهِ اختار ثلاثين رجلا منَ الرماة يثق ببأسهم وطاعتهم، ثُمَّ خرج منَ المدينة هاربا يريد كرمان ليتبع يزدجرد ويلحق به فانتهى خبره إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن بديل فاتبعه في خيل كثيفة فالتفت الأعجمي إليه وقد علا شرفا فقال: اتق عَلَى نفسك فليس يسقط لمن ترى سهم فإن حملت رميناك وإن شئت أن تبارزنا بارزناك فبارز الأعجمي فضربه ضربة وقعت عَلَى قربوص سرجه فكسرته وقطعت اللبب، ثُمَّ قَالَ له يا هَذَا ما أحب قتلك فإني أراك عاقلا شجاعًا فهل لك في أن أرجع معك فأصالحك عَلَى أداء الجزية عن أهل بلدي فمن أقام كان ذمة ومن هرب لم تعرض له وأدفع المدينة إليك، فرجع ابن بديل معه ففتح جى ووفى بما أعطاه وقال: يا أهل أصبهان رأيتكم لئاما متخاذلين فكنتم أهلا لما فعلت بكم، قَالُوا: وسار ابن بديل في نواحي أصبهان سهلها وجبلها فغلب عليها، وعاملهم في الخراج نحو ما عاملهم عَلَيْهِ أهل الأهواز. قَالُوا: وكان فتح أصبهان وأرضها في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 بعض سنة ثلاث وعشرين أو أربع وعشرين. وقد روى أن عُمَر بْن الخطاب وجه عَبْد اللَّهِ بْن بديل في جيش فوافى أبا موسى وقد فتح «قم» و «قاشان» فغزوا جميعا «أصبهان» وعلى مقدمة أَبِي موسى الأشعري الأحنف بْن قيس ففتحا اليهودية جميعا عَلَى ما وصفنا، ثُمَّ فتح ابن بديل «جى» وسارا جميعا في أرض «أصبهان» فغلبا عليها، وأصح الأخبار أن أَبَا موسى فتح «قم» و «قاشان» وأن عَبْد اللَّهِ بْن بديل فتح «جى» و «اليهودية» . وحدثني أَبُو حسان الزيادي عن رجل من ثقيف قال: كان لعثمان بن أبى العاصي الثقفي مشهد بأصبهان. وحدثنا مُحَمَّد بْن يَحْيَى التميمي عن أشياخه، قَالَ: كانت للأشراف من أهل أصبهان معاقل بجفرباد من رستاق الثيمرة الكبرى ببهجاورسان وبقلعة تعرف بماربين فلما فتحت جى دخلوا في الطاعة عَلَى أن يؤدوا الخراج وأنفوا منَ الجزية فأسلموا. وقال الكلبي وأبو اليقظان: ولى الهذيل بْن قيس العنبري أصبهان في أيام مروان فمذ ذاك صار العنبريون إليها، قَالُوا: وكان جد أَبِي دلف، وأبو دلف الْقَاسِم بْن عِيسَى بْن إدريس بْن معقل العجلي يعالج العطر ويحلب الغنم، فقدم الجبل في عدة من أهله فنزلوا قرية من قرى همذان تدعى مس، ثُمَّ أنهم أثروا واتخذوا الضياع، ووثب إدريس بْن معقل عَلَى رجل منَ التجار كان له عَلَيْهِ مال فخنقه، ويقال بل خنقه وأخذ ماله، فحمل إِلَى الكوفة وحبس بها في ولاية يوسف بْن عُمَر الثقفي العراقي زمن هِشَام بْن عَبْد الملك، ثُمَّ أن عِيسَى بْن إدريس نزل الكرج وغلب عليها وبنى حصنها وكان حصنا رثا، وقويت حال أَبِي دلف الْقَاسِم بْن عِيسَى وعظم شأنه عند السلطان فكبر ذلك الحصن ومدن الكرج فقيل كرج أَبِي دلف والكرج اليوم مصر منَ الأمصار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 وكان المأمون وجه علي بْن هِشَام المروزي إِلَى قم وقد عصى أهلها وخالفوا ومنعوا الخراج وأمره بمحاربتهم وأمده بالجيوش ففعل وقتل رئيسهم وهو يَحْيَى بْن عِمْرَان، وهدم سور مدينتهم وألصقه بالأرض وجباها سبعة آلاف ألف درهم وكسرا، وكان أهلها قبل ذلك يتظلمون من ألفي ألف درهم، وقد نقضوا في خلافة أَبِي عَبْد اللَّهِ المعتز بالله بْن المتوكل عَلَى اللَّه فوجه إليهم موسى بْن بغا عامله عَلَى الجبل لمحاربة الطالبين الَّذِينَ ظهروا بطبرستان ففتحت عنوة وقتل من أهلها خلق كثير، وكتب المعتز بالله في حمل جماعة من وجوها. مقتل يزدجرد بْن شهريار بْن كسرى أبرويز بْن هرمز بْن أنوشروان قالوا: هرب يزدجرد منَ المدائن إِلَى حلوان ثُمَّ إِلَى أصبهان، فلما فرغ المسلمون من أمر نهاوند هرب من أصبهان إِلَى اصطخر فتوجه عَبْد اللَّهِ بْن بديل بْن ورقاء بعد فتح أصبهان لاتباعه فلم يقدر عَلَيْهِ، ووافى أَبُو موسى الأشعري اصطخر فرام فتحها فلم يمكنه ذلك وعاناها عُثْمَان بْن أَبِي العاصي الثقفي فلم يقدر عليها، وقدم عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر بْن كريز البصرة سنة تسع وعشرين وقد افتتحت فارس كلها إلا اصطخر وجور فهم يزدجرد بأن يأتي طبرستان وذلك أن مرزبانها عرض عَلَيْهِ وهو بأصبهان أن يأتيها وأخبره بحصانتها ثُمَّ بدا له فهرب إِلَى كرمان، واتبعه بْن عَامِر مجاشع بْن مَسْعُود السلمي وهرم بْن حيان العبدي فمضى مجاشع فنزل بيمنذ من كرمان، فأصاب الناس الدمق وهلك جيشه فلم ينج إلا القليل فسمي القصر قصر مجاشع، وانصرف مجاشع إِلَى ابن عَامِر، وكان يزدجرد جلس ذات يوم بكرمان فدخل عَلَيْهِ مرزبانها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 فلم يكلمه تيها فأمر بجر رجله وقال: ما أنت بأهل لولاية قرية فضلا عَنِ الملك ولو علم اللَّه فيك خيرا ما صيرك إِلَى هَذِهِ الحال، فمضى إِلَى سجستان فأكرمه ملكها وعظمه فلما مضت عَلَيْهِ أيام سأله عَنِ الخراج فتنكر له. فلما رأى يزدجرد ذلك سار إِلَى خراسان، فلما صار إِلَى حد مرو تلقاه ماهويه مرزبانها معظما مبجلا وقدم عَلَيْهِ نيزك طرخان فحمله وخلع عَلَيْهِ وأكرمه فأقام نيزك عنده شهرا ثُمَّ شخص وكتب إليه يخطب ابنته فاحفظ ذلك يزدجرد وقال: اكتبوا إليه إنما أنت عَبْد من عُبَيْدي فما جرأك عَلَى أن تخطب إلي، وأمر بمحاسبة ماهويه مرزبان مرو وسأله عَنِ الأموال، فكتب ماهويه إِلَى نيزك يحرضه عَلَيْهِ ويقول: هَذَا الَّذِي قدم مفلولا طريدا فمننت عَلَيْهِ ليرد عَلَيْهِ ملكه، فكتب إليك بما كتب ثُمَّ تضافر عَلَى قتله وأقبل نيزك في الأتراك حَتَّى نزل الجنابذ فحاربوه فتكافأ الترك، ثُمَّ عادت الديرة عَلَيْهِ فقتل أصحابه ونهب عسكره فأتى مدينة مرو فلم يفتح له فنزل عن دابته ومشى حتى دخل بيت طحان على المرغاب، ويقال أن ماهويه بعث إليه رسله حين بلغه خبره فقتلوه في بيت الطحان، ويقال أنه دس إِلَى الطحان فأمره بقتله فقتله، ثُمَّ قَالَ: ما ينبغي لقاتل ملك أن يعيش فأمر بالطحان فقتل، ويقال أن الطحان قدم له طعاما فأكل وأتاه بشراب فشرب فسكر فلما كان المساء أخرج تاجه فوضعه عَلَى رأسه فبصر به الطحان فطمع فيه فعمد إِلَى رحا فألقاها عَلَيْهِ فلما قتله أخذ تاجه وثيابه وألقاه في الماء ثُمَّ عرف ماهويه خبره فقتل الطحان وأهل بيته وأخذ التاج والثياب. ويقال: أن يزدجرد نذر برسل ماهويه فهرب ونزل الماء فطلب منَ الطحان فقال: قد خرج من بيتي فوجدوه في الماء، فقال خلوا عني أعطكم منطقتي وخاتمي وتاجي، فتغيبوا عنه وسألهم شيئا يأكل به خبزا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 فأعطاهم بعضهم أربعة دراهم فضحك وقال: لقد قيل لي أنك ستحتاج إِلَى أربعة دراهم. ثُمَّ أنه هجم عَلَيْهِ بعد ذلك قوم وجههم ماهويه لطلبه فقال: لا تقتلوني واحملوني إِلَى ملك العرب لأصالحه عني وعنكم فتأمنوا فأبوا ذلك وخنقوه بوتر ثُمَّ أخذوا ثيابه فجعلت في جراب وألقوا جثته في الماء، ووقع فيروز ابن يزدجرد فيما يزعمون إِلَى الترك فزوجوه وأقام عندهم. فتح الري وقومس حدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن أَبِي مخنف، أن عُمَر بْن الخطاب كتب إلى عمار بن ياسر وهو عامله عَلَى الكوفة بعد شهرين من وقعة نهاوند يأمره أن يبعث عُرْوَة بْن زيد الخيل الطائي إِلَى الري ودستبى في ثمانية آلاف ففعل، وسار عُرْوَة إِلَى ما هناك فجمعت له الديلم وأمدهم أهل الري فقاتلوه فأظهره اللَّه عليهم فقتلهم واجتاحهم ثُمَّ خلف حنظلة بْن زيد أخاه وقدم عَلَى عمار فسأله أن يوجهه إِلَى عُمَر وذلك أنه كان القادم عَلَيْهِ بخبر الجسر فأحب أن يأتيه بما يسره فلما رآه عُمَر قَالَ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) 2: 156 فقال عُرْوَة: بل أَحْمَد اللَّه فقد نصرنا وأظهرنا وحدثه بحديثه، فقال: هلا أقمت وأرسلت قَالَ: قَد استخلفت أخي وأحببت أن آتيك بنفسي فسماه البشير، وقال عُرْوَة: برزت لأهل القادسية معلما ... وما كل من يغشى الكريهة يعلم ويوما بأكناف النخيلة قبلها ... شهدت: فلم أبرح أدمى وأكلم وأيقنت يوم الديلميين أنني ... متى ينصرف وجهي إِلَى القوم يهزموا محافظة أني امرؤ ذو حفيظة ... إذا لم جد مستأخرا أتقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 المنذر بْن حسان بْن ضرار أحد بني مَالِك بْن زيد شرك في دم مهران يوم النخيلة، قَالُوا فلما انصرف عُرْوَة بعث حذيفة عَلَى جيشه سلمة بْن عَمْرو بْن ضرار الضبي ويقال البراء بْن عازب وقد كانت وقعة عُرْوَة كسرت الديلم وأهل الري فأناخ عَلَى حصن الفرخان بْن الزينبدي والعرب تسميه الزينبي وكان يدعى عارين فصالحه ابن الزينبي بعد قتال عَلَى أن يكونوا ذمة يؤدون الجزية والخراج وأعطاه عن أهل الري وقومس خمسمائة ألف عَلَى أن لا يقتل منهم أحدا ولا يسبيه ولا يهدم لهم بيت ناري، وأن يكونوا أسوة أهل نهاوند في خراجهم، وصالحه أيضًا عن أهل دستى الرازي وكانت دستبى قسمين قسما رازيا وقسما همذانيا. ووجه سُلَيْمَان بْن عَمْرو الضبي ويقال البراء بْن عازب إِلَى قومس خيلا فلم يمتنعوا وفتحوا أبواب الدامغان، ثُمَّ لما عزل عُمَر بْن الخطاب عمارا وولى المغيرة بْن شعبة الكوفة ولى المغيرة بْن شعبة كثير بْن شهاب الحارثي الري ودستبى، وكان لكثير أثر جميل يوم القادسية، فلما صاروا إِلَى الري وجد أهلها قَدْ نقضوا فقاتلهم حَتَّى رجعوا إِلَى الطاعة وأذعنوا بالخراج واجزية وغزا الديلم فأوقع بهم وغزا الببر والطيلسان. فحدثني حفص بْن عُمَر العمري عَنِ الهيثم بْن عدي عَنِ ابن عياش الهمذاني وغيره أن كثير بْن شهاب كان عَلَى الري ودستبى وقزوين، وكان جميلا حازمًا مقعدًا فكان يقول ما من مقعد إلا وهو عيال عَلَى أهله سواي، وكان إذا ركب ثابت سويقتيه كالمحراثين، وكان إذا غزا أخذ كل امرئ ممن معه بترس ودرع وبيضة ومسلة وخمس أبر وخيوط كتان وبمخفف ومقراض ومخلاة وتليسة، وكان بخيلا، وكانت له جفنة توضع بَيْنَ يديه فإذا جاءه إنسان قَالَ: لا أبا لك أكانت لك علينا عين، وقال يوما يا غلام أطعمنا فقال: ما عندي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 إلا خبر وبقل، فقال: وهل اقتتلت فارس والروم إلا عَلَى الخبز والبقل، وولى الري ودستبى أيضا أيام معاوية حينا، قَالَ: ولما ولى سَعْد بْن أَبِي وقاص الكوفة في مرته الثانية أتى الري وكانت ملتاثة فأصلحها وغزا الديلم وذلك في أول سنة خمس وعشرين ثُمَّ انصرف. وحدثني بكر بْن الهيثم عن يَحْيَى بْن ضريس قاضي الري، قَالَ: لم تزل الري بعد أن فتحت أيام حذيفة تنتقض وتفتح حَتَّى كان آخر من فتحها قرظة ابن كعب الأنصاري في ولاية أَبِي موسى الكوفة لعُثْمَان فاستقامت، وكان عمالها ينزلون حصن الزنبدي ويجمعون في مَسْجِد اتخذ بحضرته وقد دخل ذلك في فصيل المحدثة، وكانوا يغزون الديلم من دستبى، قَالَ: وقد كان قرظة بعد ولى الكوفة لعلي ومات بها فصلى عَلَيْهِ علي رضي اللَّه عنه. وحدثني عَبَّاس بْن هِشَام عن أبيه عن جده، قَالَ: ولى علي يزيد بْن حجبة ابن عَامِر بْن تيم اللَّه بْن ثعلبة بْن عكابة الري ودستبى فكسر الخراج فحبسه فخرج فلحق بمعاوية، وقد كان أَبُو موسى غزا الري بنفسه وقد نقض أهلها ففتحها عَلَى أمرها الأول. وحدثني جَعْفَر بْن مُحَمَّد الرازي، قَالَ قدم أمير الْمُؤْمِنِين المهدي في خلافة المَنْصُور فبنى مدينة الري الَّتِي الناس بها اليوم وجعل حولها خندقا وبنى فيها مسجدا جامعا جرى عَلَى يدي عمار بْن أَبِي الخصيب، وكتب اسمه عَلَى حائطه فأرخ بناءها سنة ثمان وخمسين ومائة وجعل لها فصيلا يطيف به فارقين أجر وسماها المحمدية فأهل الري يدعون المدينة الداخلة ويسمون الفصيل المدينة الخارجة وحصن الزنبدي في داخل المحمدية وكان المهدي قَدْ أمر بمرمته ونزله وهو مطل عَلَى المسجد الجامع ودار الأمارة وقد كان جعل بعد سجنا. قَالَ: وبالري أهل بيت يقال لهم بنو الحريش نزلوا بعد بناء المدينة، قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 وكانت مدينة الري تدعى فى الجاهلية أرازى فيقال أنه خسف بها وهي عَلَى ست فراسخ منَ المحمدية وبها سميت الري، وقال وكان المهدي في أول مقدمه الري نزل قرية يقال لها السير وأن، قَالَ وفي قلعة الفرخان يقول الشاعر الغطمش بْن الأعور بْن عَمْرو الضبي: عَلَى الجوسق الملعون بالري لا يني ... عَلَى رأسه داعي المنية يلمع قَالَ بكر بْن الهيثم: حدثني يَحْيَى بْن ضريس القاضي، قَالَ: كان الشعبي دخل الري مع قتيبة بْن مُسْلِم، فقال له: ما أحب الشراب إليك فقال أهونه وجودا وأعزه فقدا قَالَ: ودخل سَعِيد بْن جبير الري أيضًا فلقيه الضحاك فكتب عنه التفسير. قَالَ: وكان عَمْرو بْن معدي كرب الزبيدي غزا الري أول ما غزيت فلما انصرف تُوُفِّيَ فدفن فوق روذة وبوسنة بموضع يسمى كرمانشاهان وبالري دفن الكسائي النحوي، واسمه عَلي بْن حَمْزَة، وكان شخص إليها مع الرشيد رحمه الله وهو يريد خراسان وبهامات الحجاج بْن أرطاة، وكان شخص إليها مع المهدي ويكنى أَبَا أرطأة، وقال الكلبي: نسب قصر جابر بدستبى إِلَى جابر أحد بني زيبان بْن تيم اللَّه بْن ثعلبة. قَالُوا: ولم تزل وظيفة الري اثني عشر ألف ألف درهم حتى مربها المأمون منصرفا من خراسان يريد مدينة السلام فأسقط من وظيفتها ألفي ألف درهم وأسجل بذلك لأهلها . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 فتح قزوين ونجبار حدثني عدة من أهل قزوين، وبكر بْن الهيثم عن شيخ من أهل الري قَالُوا: وكان حصن قزوين بالفارسية كشوين ومعناه الحد المنظور إليه أي المحفوظ وبينه وبين الديلم جبل، ولم يزل فيه لأهل فارس مقاتلة منَ الأساورة يرابطون فيه فيدفعون الديلم إذا لم يكن بينهم هدنة ويحفظون بلدهم من متلصصيهم وغيرهم إذا جرى بينهم صلح، وكانت دستبى مقسومة بَيْنَ الري وهمذان فقسم يدعى الرازي وقسم يدعى الهمذاني، فلما ولى المغيرة ابن شعبة الكوفة ولى جرير بْن عَبْد اللَّهِ همذان وولى البراء بْن عازب قزوين وأمره أن يسير إليها فإن فتحها اللَّه عَلَى يده غزا الديلم منها، وإنما كان مغزاهم قبل ذلك من دستبى، فسار البراء ومعه حنظلة بْن زيد الخيل حَتَّى أتى أبهر، فقام عَلَى حصنها وهو حصن بناه بعض الأعاجم عَلَى عيون سدها بجلود البقر والصوف واتخذ عليها دكة ثُمَّ أنشأ الحصن عليها فقاتلوه، ثُمَّ طلبوا الأمان فآمنهم عَلَى مثل ما آمن عَلَيْهِ حذيفة أهل نهاوند وصالحهم عَلَى ذلك وغلب عَلَى أراضي أبهر، ثُمَّ غزا أهل حصن قزوين، فلما بلغهم قصد المسلمين لهم وجهوا إلى الديالمة يسئلونهم نصرتهم، فوعدوهم أن يفعلوا وحل البراء والمسلمون بعقوتهم فخرجوا لقتالهم والديلميون وقوف عَلَى الجبل لا يمدون إِلَى المسلمين يدا، فلما رأوا ذلك طلبوا الصلح فعرض عليهم ما أعطى أهل أبهر فأنفقوا منَ الجزية وأظهروا الإسلام فقيل أنهم نزلوا عَلَى مثل ما نزل عَلَيْهِ أساورة البصرة منَ الإسلام عَلَى أن يكونوا مع من شاءوا، فنزلوا الكوفة، وحالفوا زهرة بْن حوية فسموا حمراء الديلم، وقيل: إنهم أسلموا وأقاموا بمكانهم وصارت أرضوهم عشرية، فرتب البراء معهم خمس مائة رجل منَ المسلمين معهم طليحة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 ابن خويلد الأسدي وأقطعهم أرضين لا حق فيها لأحد، قَالَ بكر وأنشدني رجل من أهل قزوين لجد أبيه وكان مع البراء: قَدْ علم الديلم إذ تحارب ... حين أتى في جيشه بْن عازب بأن ظن المشركين كاذب ... فكم قطعنا في دجى الغياهب من جبل وعر ومن سباسب وغزا الديلم حَتَّى أدوا إليه الإتاوة وغزا جيلان والببر والطيلسان وفتح زنجان عنوة، ولما ولى الوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط بْن أَبِي عمرو بْن أمية الكوفة لعُثْمَان بْن عَفَّان غزا الديلم مما يلي قزوين، وغزا أذربيجان، وغزا جيلان وموقان والببر والطيلسان، ثُمَّ انصرف، وولى سعيد بن العاصي بن سعيد بن العاصي بْن أمية بعد الوليد فغزا الديلم ومصر قزوين فكانت ثغر أهل الكوفة وفيها بنيانهم. وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، قال: حدثنا خلف بْن تميم، قَالَ، حَدَّثَنَا زائدة بْن قدامة عَنِ إسماعيل عن مرة الهمذاني، قَالَ: قَالَ علي بْن أَبِي طالب رضي اللَّه عنه من كره منكم أن يقاتل معنا معاوية فليأخذ عطاءه وليخرج إِلَى الديلم فليقاتلهم، قال: كنت فى النخت فأخذنا أعطياتنا وخرجنا إِلَى الديلم ونحن أربعة آلاف أو خمسة آلاف، وحدثنا عَبْد اللَّهِ بن صالح العجلى عن ابن يملو عن سُفْيَان، قَالَ: أغزى علي رضي اللَّه عنه الربيع بن خثيم الثوري الديلم وعقد له عَلَى أربعة آلاف منَ المسلمين. وحدثني بعض أهل قزوين، قَالَ بقزوين مَسْجِد الربيع بْن خيثم معروف وكانت فيه شجرة يتمسح بها العامة ويقال أنه غرس سواكه في الأرض فأورق حَتَّى كانت الشجرة منه فقطعها عامل طَاهِر بْن عَبْد لله بْن طَاهِر في خلافة أمير الْمُؤْمِنِين المتوكل عَلَى اللَّه خوفا من أن يفتتن بها الناس، قَالُوا: وكان موسى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 الهادي لما صار إِلَى الري أتى قزوين فأمر ببناء مدينة بإزائها، وهي تعرف بمدينة موسى، وابتاع أرضا تدعى رستماباذ فوقفها عَلَى مصالح المدينة، وكان عَمْرو الرومي مولاه يتولاها ثُمَّ تولاها بعده مُحَمَّد بْن عَمْرو، وكان المبارك التركي بنى حصنا يسمى مدينة المبارك وبها قوم من مواليه. وحدثني مُحَمَّد بْن هارون الأصبهاني، قَالَ: مر الرشيد بهمذان وهو يريد خراسان واعترضه أهل قزوين فأخبروه بمكانهم من بلاد العدو وغنائهم في مجاهدته وسألوه النظر لهم وتخفيف ما يلزمهم من عشر غلاتهم في القصبة فصير عليهم في كل سنة عشرة آلاف درهم مقاطعة، وكان الْقَاسِم بْن أمير الْمُؤْمِنِين الرشيد ولى جرجان وطبرستان وقزوين فألجأ إليه أهل زنجان ضياعهم تعززا به ودفعا لمكروه الصعاليك وظلم العمال عنهم، وكتبوا له عليها الأشرية وصاروا مزارعين له، وهي اليوم منَ الضياع وكان القاقزان عشريا لأن أهله أسلموا عَلَيْهِ وأحيوه بعد الإِسْلام فألجأوه إِلَى الْقَاسِم أيضا عَلَى أن جعلوا له عشرا ثانيا سوى عشر بيت المال فصار أيضا في الضياع ولم تزل دستبى عَلَى قسميها بعضها منَ الري وبعضها من همذان إِلَى أن سعى رجل ممن بقزوين من بنى تميم يقال له حنظلة بْن خَالِد يكنى أَبَا مَالِك في أمرها حَتَّى صيرت كلها إِلَى قزوين، فسمعه رجل من أهل بلده يقول كورتها وأنا أَبُو مَالِك فقال بل أفسدتها وأنت أَبُو هالك. وحدثني المدائني وغيره: أن الأكراد عاثوا وأفسدوا في أيام خروج عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث، فبعث الحجاج عَمْرو بْن هانئ العبسي في أهل دمشق إليهم فأوقع بهم وقتل منهم خلقا ثُمَّ أمره بغزو الديلم فغزاهم في اثني عشر ألفا فيهم من بني عجل ومواليهم من أهل الكوفة ثمانون منهم مُحَمَّد ابن سنان العجلي فحدثني عوف بْن أَحْمَد العبدي قَالَ: حدثني أَبُو حنش العجلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 عن أبيه، قَالَ: أدركت رجلا منَ التميميين العجليين الَّذِينَ وجههم الحجاج لمرابطة الديلم فحدثني قَالَ رأيت من موالي بني عجل رجلا يزعم أنه صليبة فقلت: إن أباك كان لا يحب بنسبه في العجم ولاية في العرب بدلا فمن أين زعمت أنك صليبه، فقال: أَخْبَرَتني أمي بذلك فقلت هي مصدقة هي أعلم بأبيك. قالوا: وكان مُحَمَّد بْن سنان العجلي نزل قرية من قرى دستبى، ثُمَّ صار إِلَى قزوين فبنى دارا في ربضها فعزله أهل الثغر، وقالوا: عرضت نفسك للتلف وعرضتنا للوهن إن نالك العدو بسوء، فلم يلتفت إِلَى قولهم فأمر ولده وأهل بيته فبنوا معه خارج المدينة، ثُمَّ انتقل الناس بعد فبنوا حَتَّى تم ربض المدينة قَالُوا: وكان أَبُو دلف الْقَاسِم بْن عِيسَى غزا الديلم في خلافة المأمون وهو وال في خلافة المعتصم بالله أيام ولاية الأفشين الجبال ففتح حصونا منها اقليسم صالح أهله عَلَى إتاوة، ومنها بومج فتحه عنوة، ثُمَّ صالح أهله عَلَى إتاوة، ومنها الأبلام، ومنها انداق في حصون أخر وأغزى الأفشين غير أبى دلف ففتح أيضا من ايلم حصونا، ولما كانت سنة ثلاث وخمسين ومائتين وجه أمير الْمُؤْمِنِين المعتز بالله موسى بْن بغا الكبير مولاه إِلَى الطالبيين الَّذِينَ ظهروا بالديلم وناحية طبرستان، وكانت الديالمة قَد اشتملت عَلَى رجل منهم يعرف بالكوكبي فغزا الديلم وأو غل في بلادهم وحاربوه فأوقع بهم وثقلت وطأته عليهم واشتدت نكايته. وأخبرني رجل من أهل قزوين أن قبور هؤلاء الندماء براوند من عمل أصبهان وأن الشاعر إنما قَالَ: ألم تعلما أني براوند مفردا وحدثني عَبْد اللَّهِ بْن صالح العجلي، قَالَ: بلغني أن ثلاثة نفر من أهل الكوفة كانوا في جيش الحجاج الَّذِي [1] وجهه إِلَى الديلم فكانوا يتنادمون ثلاثتهم ولا   [1] كان جيش الحجاج الذي أرسل إلى الديلم مجهزا تجهيزا كبيرا بالسلاح والعتاد بعد أن أنفقت عليه الأموال الطائلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 يخالطون غيرهم فإنهم عَلَى ذلك إذ مات أحدهم فدفنه صاحباه، وكانا يشربان عند قبره فإذا بلغته الكاس هرقاها عَلَى قبره وبكيا، ثُمَّ أن الثاني مات فدفنه الباقي إِلَى جانبه، وكان يجلس عند قبريهما فيشرب، ثُمَّ يصب عَلَى القبر الَّذِي يليه ثُمَّ عَلَى الآخر ويبكي، فأنشد ذات يوم يقول: خليلي هبا طال ما قَدْ رقدتما ... أجدكما ما تقضيان كراكما ألم تعلما أني بقزوين مفرد ... وما لي فيها من خليل سواكما مقيما عَلَى قبريكما لست بارحا ... طوال الليالي أو يجيب صداكما سأبكيكما طول الحياة وما الَّذِي ... يرد عَلَى ذي لوعة أن بكاكما ثُمَّ لم يلبث أن مات فدفن عند صاحبيه فقبورهم تعرف بقبور الندماء فتح أذربيجان حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن عَمْرو الأردبيلي عن واقد الأردبيلي عن مشايخ أدركتهم أن المغيرة بْن شعبة قدم الكوفة واليا من قبل عُمَر بْن الخطاب ومعه كتاب إِلَى حذيفة بْن اليمان بولاية أذربيجان فأنفذه إليه وهو بنهاوند وبقربها فسار حَتَّى أتى أردبيل وهي مدينة أذربيجان وبها مرزبانها واليه جباية خراجها، وكان المرزبان قَدْ جمع إليه المقاتلة من أهل باجروان وميمذ والنرير وسراة والشيز والميانج وغيرهم فقاتلوا المسلمين قتالا شديدا أياما، ثُمَّ أن المرزبان صالح حذيفة عن جميع أهل أذربيجان عَلَى ثمانمائة ألف درهم وزن ثمانية عَلَى أن لا يقتل منهم أحدا ولا يسبيه ولا يهدم بيت نار ولا يعرض لأكراد البلاسجان وسبلان وساترودان، ولا يمنع أهل الشيز خاصة منَ الزفن في أعيادهم وإظهار ما كانوا يظهرونه، ثُمَّ إنه غزا موقان وجيلان فأوقع بهم وصالحهم على أتاوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 قَالُوا ثُمَّ عزل عُمَر حذيفة وولى أذربيجان عتبة بْن فرقد السلمي فأتاها منَ الموصل ويقال: بل أتاها من شهر زور عَلَى السلق الَّذِي يعرف اليوم بمعاوية الأودي، فلما دخل أردبيل وجد أهلها عَلَى العهد وانتقضت عَلَيْهِ نواح فغزاها فظفر وغنم، وكان معه عَمْرو بْن عتبة الزاهد. وروى الواقدي في إسناده: أن المغيرة بْن شعبة غزا أذربيجان منَ الكوفة في سنة اثنتين وعشرين حَتَّى انتهى إليها ففتحها عنوة ووضع عليها الخراج، وروى ابن الكلبي عن أَبِي مخنف: أن المغيرة غزا أذربيجان سنة عشرين ففتحها ثُمَّ أنهم كفروا فغزاها الأشعث بْن قيس الكندي ففتح حصن باجروان وصالحهم عَلَى صلح المغيرة ومضى صلح الأشعث إِلَى اليوم. وكان أَبُو مخنف لوط بْن يَحْيَى يقول: أن عُمَر ولى سعدا ثُمَّ عمارا ثُمَّ المغيرة ثُمَّ رد سعدا وكتب إليه وإلى أمراء الأمصار في قدوم المدينة في السنة الَّتِي تُوُفِّيَ فيها فلذلك حضر سَعْد الشورى وأوصى القائم بالخلافة أن يرده إِلَى عمله، وقال غيره تُوُفِّيَ عُمَر والمغيرة واليه عَلَى الكوفة وأوصى بتولية سَعْد الكوفة وتولية أبي موسى البصرة فولاهما عُثْمَان ثُمَّ عزلهما. وحدثني المدائني عن عَلي بْن مجاهد عن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنِ الزهري قَالَ: لما هزم اللَّه المشركين بنهاوند رجع الناس إِلَى أمصارهم وبقي أهل الكوفة مع حذيفة فغزا أذربيجان فصالحوه عَلَى مائة ألف. وحدثني المدائني عن علي بْن مجاهد عن عاصم الأحول عن أَبِي عُثْمَان النهدي، قَالَ: عزل عُمَر حذيفة عن أذربيجان، واستعمل عليها عتبة بْن فرقد السلمي فبعث إليه بأخبصة قَدْ أدرجها في كرابيس، فلما وردت عليه قال أورق قَالُوا: لا قَالَ: فما هي قَالَ لطف بعث به، فلما نظر إليه قَالَ: ردوها عليه، وكتب إليه يا ابن أم عتبة إنك لتأكل الخبيص من غير كدك ولا كد أبيك، وقال عتبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 قدمت من أذربيجان وافدا عَلَى عُمَر فإذا بَيْنَ يديه عضلة جزور. وحدثني المدائني عن عَبْد اللَّهِ بْن الْقَاسِم عن فروة بْن لقيط قَالَ: لما قام عُثْمَان بْن عَفَّان رضي اللَّه عنه استعمل الوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط فعزل عتبة عن أذربيجان فنقضوا فغزاهم الوليد سنة خمس وعشرين وعلى مقدمته عَبْد اللَّهِ شبل الأحمسي فأغار عَلَى أهل موقان والببر والطيلسان فغنم وسبى وطلب أهل كور أذربيجان الصلح فصالحهم صلح حذيفة، قال ابن الكلبي، ولى على ابن أَبِي طالب رضي اللَّه عنه أذربيجان سَعِيد بْن سارية الخزاعي ثُمَّ الأشعث بْن قيس الكندي. وحدثني عَبْد اللَّهِ بْن معاذ العبقري عن أبيه عن سَعْد بْن الحكم بْن عتبة عن زيد بْن وهب، قَالَ: لما هزم اللَّه المشركين بنهاوند رجع أهل الحجاز إِلَى حجازهم وأهل البصرة إِلَى بصرتهم، وأقام حذيفة بنهاوند في أهل الكوفة فغزا أذربيجان فصالحوه عَلَى ثمانمائة ألف درهم، فكتب عُمَر بن الخطاب إنكم بأرض طعام ولباسهم الميتة فلا تأكلوا الأذكياء ولا تلبسوا الأزكيا يريد الفراء. وحدثني العَبَّاس بْن الوليد النرسي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الواحد بْن زياد قَالَ: حَدَّثَنَا عاصم الأحول عن أَبِي عُثْمَان النهدي، قَالَ: كنت مع عتبة بْن فرقد حين افتتح أذربيجان فصنع سفطين من خبيص وألبسهما الجلود واللبود، ثُمَّ بعث بهما إِلَى عُمَر مع سحيم مولى عتبة، فلما قدم عَلَيْهِ، قَالَ: ما الَّذِي جئت به أذهب أم ورق وأمر به فكشف عنه فذاق الخبيص، فقال: إن هَذَا لطيب أثر أكل المهاجرين أكل منه شبعه، قَالَ: لا إنما هُوَ شيء خصك به فكتب إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 من عَبْد اللَّهِ عُمَر أمير الْمُؤْمِنِين إِلَى عتبة بْن فرقد أما بعد فليس كدك ولا كد أمك ولا كد أبيك لا نأكل إلا ما يشبع منه المسلمون في رحالهم. وحدثني الْحُسَيْن بْن عَمْرو وأحمد بْن مصلح الأزدي عن مشايخ من أهل أذربيجان، قَالُوا: قدم الوليد بْن عقبة أذربيجان ومعه الأشعث بْن قيس، فلما انصرف الوليد ولاه أذربيجان فانتقضت فكتب إليه يستمده، فأمده بجيش عظيم من أهل الكوفة، فتتبع الأشعث بْن قيس حانا حانا- والحان الحائر في كلام أهل أذربيجان، ففتحها عَلَى مثل صلح حذيفة وعتبة بْن فرقد واسكنها ناسا منَ العرب من أهل العطاء والديوان وأمرهم بدعاء الناس إِلَى الإِسْلام، ثم تولى سعيد بن العاصي فغزا أهل أذربيجان فأوقع بأهل موقان وجيلان. وتجمع له بناحية أرم وبلوا نكرح خلق منَ الأرمن وأهل أذربيجان فوجه إليهم جرير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي فهزمهم وأخذ رئيسهم فصلبه عَلَى قلعة باجروان، ويقال: أن الشماخ بْن ضرار الثعلبي كان مع سَعِيد بْن العاصي في هَذِهِ الغزاة، وكان بكير بْن شداد بْن عَامِر فارس أطلال معهم في هَذِهِ الغزاة وفيه يقول الشماخ: وغنيت عن خيل بموقان أسلمت ... بكير بني الشداخ فارس أطلال وهو من بنى كنانة، وهو الَّذِي سمع يهوديا في خلافة عُمَر ينشد: وأشعث غره الإِسْلام مني ... خلوت بعرسه ليلى النمام فقتله ثُمَّ ولى علي بْن أَبِي طالب الأشعث أذربيجان، فلما قدمها وجد أكثرها قد أسلموا وقرأوا القرآن، فأنزل أردبيل جماعة من أهل العطاء والديوان منَ العرب ومصرها وبنى مسجدها إلا أنه وسع بعد ذلك، قَالَ الْحُسَيْن بْن عَمْرو: وأخبرني واقد أن العرب لما نزلت أذربيجان نزعت إليها عشائرها منَ المصرين والشام وغلب كل قوم عَلَى ما أمكنهم وابتاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 بعضهم منَ العجم الأرضين وألجئت إليهم القرى للخفارة فصار أهلها مزارعين لهم، وقال الْحُسَيْن كانت ورثان قنطرة كقنطرتى وحش وأرشق التين اتخذتا حديثا أيام بابك فبناها مروان بْن محمد بن مروان بن الحكم وأحيى أرضها وحصنها فصارت ضيعة له ثُمَّ قبضت مع ما قبض من ضياع بني أمية لأم جَعْفَر زبيدة بنت جَعْفَر بْن المَنْصُور أمير الْمُؤْمِنِين، وهدم وكلاؤها سورها ثُمَّ رم وجدد قريبا، وكان الورثاني من مواليها، قَالَ: وكانت برزند قرية فعسكر فيها الأفشين حيدر بْن كاوس عامل أمير الْمُؤْمِنِين المعتصم بالله عَلَى أذربيجان وأرمينية والجبل أيام محاربته الكافر بابك الخرمي وحصنها. قَالُوا: وكانت المراغة تدعى اقراهروذ فعسكر مروان بْن مُحَمَّد وهو والى أرمينية وأذربيجان منصرفة من غزوة موقان وجيلان بالقرب منها، وكان فيها سرجين كثير فكانت دوابه ودواب أصحابه تمرغ فيها فجعلوا يقولون: ايتوا قرية المراغة، ثُمَّ حذف الناس قرية وقالوا: المراغة، وكان أهلها ألجئوها إِلَى مروان فابتناها وتألف وكلاؤه الناس فكثروا فيها للتعزز وعمروها، ثُمَّ إنها قبضت مع ما قبض من ضياع بني أمية وصارت لبعض بنات الرشيد أمير الْمُؤْمِنِين، فلما عاث الوجناء الأزدي وصدقة بْن علي مولى الأزد فأفسدا وولى خزيمة بْن خازم بْن خزيمة أرمينية وأذربيجان في خلافة الرشيد بنى سورها وحصنها ومصرها وأنزلها جندا كثيفا، ثُمَّ لما ظهر بابك الخرمي بالبذ لجأ الناس إليها فنزلوها وتحصنوا فيها ورم سورها في أيام المأمون عدة من عماله منهم أَحْمَد بْن الجنيد بْن فرزندى، وعلي بْن هِشَام، ثُمَّ نزل الناس ربضها وحصنها، وأما مرند فكانت قرية صغيرة فنزلها حلبس أَبُو البعيث ثُمَّ ابنه مُحَمَّد بْن البعيث وبنى بها مُحَمَّد قصورا، وكان قَدْ خالف في خلافة أمير الْمُؤْمِنِين المتوكل عَلَى اللَّه فحاربه بغا الصغير مولى أمير الْمُؤْمِنِين حَتَّى ظفر به وحمله إِلَى سر من رأى وهدم حائط مرند وذلك القصر والبعيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 من ولد عتيب بْن عُمَر بْن وهب بْن أفصى بْن دعمى بْن جديلة بْن أسد بْن ربيعة، ويقال إنه عتيب بْن عوف بن سنان والعتبيون يقول ذلك والله أعلم. وأما أرمية فمدينة قديمة يزعم المجوس أن زردشت صاحبهم كان منها وكان صدقة بْن علي بْن صدقة بْن دينار مولى الأزد حارب أهلها حَتَّى دخلها وغلب عليها وبنى وأخوته بها قصورا، وأما تبريز فنزلها الرواد الأزدي ثُمَّ الوجناء بْن الرواد وبنى بها وأخوته بناء وحصنها بسور فنزلها الناس معه، وأما الميانج وخلباثا فمنازل الهمدانيين، وقد مدن عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر الهمداني محلته بالميانج وصبر السلطان بها منبرا، وأما كورة برزة فللأود وقصبتها لرجل منهم جمع الناس إليها وبنى بها حصنا وقد اتخذ بها في سنة تسع وثلاثين ومائتين منبر عَلَى كره منَ الأودي، وأما نريز فكانت قرية لها قصر قديم متشعث فنزلها مر بْن عَمْرو الموصلي الطائي فبنى بها وأسكنها ولده، ثُمَّ أنهم بنوا بها قصورا ومدنوها وبنوا سوق جابروان وكبروه وأفرده السلطان لهم فصاروا يتولونه دون عامل أذربيجان فأما سراة فإن فيها من كندة جماعة أَخْبَرَنِي بعضهم أنه من ولد من كان مع الأشعث بْن قيس الكندي . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 فتح الموصل قَالُوا: ولى عُمَر بْن الخطاب عتبة بن فرقد السلمى الموصل سنة عشرين فقاتله أهل نينوى فأخذ حصنها وهو الشرقي عنوة وعبر دجلة فصالحه أهل الحصن الآخر عَلَى الجزية والإذن لمن أراد الجلاء في الجلاء، ووجد بالموصل ديارات فصالحه أهلها عَلَى الجزية ثُمَّ فتح المرج وقراه وأرض باهذرى وباعذرى وحبتون والحيانة والمعلة وداسير وجميع معاقل الأكراد وأتى بانعاثا من حزة ففتحها وأتى تل الشهارجة والسلق الَّذِي يعرف ببني الحرين صالح بْن عبادة الهمداني صاحب رابطة الموصل ففتح ذلك كله وغلب عليه. وأخبرني معافى بْن طاوس عن مشايخ من أهل الموصل قَالَ كانت أرمية من فتوح الموصل فتحها عتبة بْن فرقد وكان خراجها حينا إِلَى الموصل وكذلك الحور وخوى وسلماس، قَالَ معافى: وسمعت أيضا أن عتبة فتحها حين ولى أذربيجان والله أعلم. وحدثني العَبَّاس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده قَالَ: أول منَ اختط الموصل وأسكنها العرب ومصرها هرثمة بْن عرفجة البارقي. حدثني أَبُو موسى الهروي عن أَبِي الْفَضْل الأنصاري عن أَبِي المحارب الضبي أن عُمَر بْن الخطاب عزل عتبة عَنِ الموصل وولاها هرثمة بْن عرفجة البارقي وكان بها الحصن وبيع النصارى ومنازل لهم قليلة عند تلك البيع ومحلة اليهود فمصرها هرثمة فأنزل العرب منازلهم واختط لهم ثُمَّ بنى المسجد الجامع. وحدثني المعافى بْن طاوس، قَالَ: الَّذِي فرش الموصل بالحجارة ابن تليد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 صاحب شرطة مُحَمَّد بْن مروان بْن الحكم، وكان مُحَمَّد والى الموصل والجزيرة وأرمينية وأذربيجان. قَالَ الواقدي: ولى عَبْد الملك بْن مروان ابنه سَعِيد ابن عَبْد الملك بْن مروان صاحب نهر سَعِيد الموصل وولى محمدا أخاه الجزيرة أرمينية فبنى سَعِيد سور الموصل وهو الَّذِي هدمه الرشيد حين مر بها، وقد كانوا خالفوا قبل ذلك وفرشها سَعِيد بالحجارة وحدثت عن بعض أهل بابغيش أن المسلمين كانوا طلبوا غرة أهل ناحية منها مما يلي دامير يقال لها زران فأتوهم في يوم عيد لهم وليس معهم سلاح فحالوا بينهم وبين قلعتهم وفتحوها، قَالُوا ولما اختط هرثمة الموصل وأسكنها العرب أتى الحديثة وكانت قرية قديمة فيها بيعتان وأبيات النصارى فمصرها وأسكنها قوما منَ العرب فسميت الحديثة لأنها بعد الموصل، وبنى نحوه حصنا ويقال أن هرثمة نزل الحديثة أولا فمصرها واختطها قبل الموصل وأنها إنما سميت الحديثة حين تحول إليها من تحول من أهل الأنبار لما وليهم ابن الرفيل أيام الحجاج ابن يوسف فعسفها، وكان فيهم قوم من أهل حديثة الأنبار فبنوا بها مسجدا وسموا المدينة الحديثة. قَالُوا: وافتتح عتبة بْن فرقد الطيرهان وتكريت، وآمن أهل حصن تكريت عَلَى أنفسهم وأموالهم، وسار في كورة باجرمى، ثُمَّ صار إِلَى شهرزور وحدثني شيخ من أهل تكريت أنه كان معهم كتاب أمان وشرط لهم فخرقه الجرشي حين أخرب قرى الموصل نرساباذ وهاعلة وذواتها، وزعم الهيثم بْن عدي أن عياض بْن غنم لما فتح بلدا أتى الموصل ففتح أحد الحصنين والله تعالى أعلم . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 فتح شهرزور والصامغان ودراباذ حدثني إِسْحَاق بْن سُلَيْمَان الشهرزوري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عن مُحَمَّد بْن مروان عَنِ الكلبي عن بعض آل عزرة البجلي أن عزرة بْن قيس حاول فتح شهرزور وهو وال عَلَى حلوان في خلافة عمر فلم يقدر عليها فغزاها عتبة بْن فرقد ففتحها بعد قتال عَلَى مثل صلح حلوان، وكانت العقارب تصيب الرجل منَ المسلمين فيموت. وحدثني إِسْحَاق عن أبيه عن مشايخهم، قَالَ: صالح أهل الصامغان ودراباذ عتبة عَلَى الجزية والخراج عَلَى أن لا يقتلوا ولا يسبوا ولا يمنعوا طريقا يسلكونه. حدثني أبو رجاء الحلواني عن أبيه عن مشايخ شهرزور، قَالُوا: شهرزور والصامغان ودراباذ من فتوح عتبة بْن فرقد السلمي فتحها وقاتل الأكراد فقتل منهم خلقا، وكتب إِلَى عُمَر: أني قَدْ بلغت بفتوحي أذربيجان فولاه إياه وولى هرثمة بْن عرفجة الموصل. قَالُوا: ولم تزل شهرزور. وأعمالها مضمومة إِلَى الموصل حَتَّى فرقت في آخر خلافة الرشيد فولى شهرزور والصامغان ودراباذ رجل مفرد وكان رزق عامل كل كورة من كور الموصل مائتي درهم فخط لهذه الكور ستمائة درهم . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 فتح جرجان وطبرستان ونواحيها قَالُوا: ولى عُثْمَان بْن عفان رحمه الله سعيد بن العاصي بن سعيد بن العاصي ابن أمية الكوفة في سنة تسع وعشرين فكتب مرزبان طوس إليه وإلى عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر بْن كريز بْن ربيعة بْن حبيب بْن عَبْد شمس وهو عَلَى البصرة يدعوهما إِلَى خراسان عَلَى أن يملكه عليها أيهما غلب وظفر فخرج ابن عَامِر يريدها وخرج سَعِيد فسبقه ابن عَامِر فغزا سَعِيد طبرستان، ومعه في غزاته فيما يقال الْحَسَن والْحُسَيْن ابنا علي بْن أَبِي طالب عليهم السلام، وقيل أيضا أن سعيدا غزا طبرستان بغير كتان أتاه من أحد وقصد إليها منَ الكوفة والله أعلم. ففتح سَعِيد طميسة ونامنة، وهي قرية وصالح ملك جرجان عَلَى مائتي ألف درهم، ويقال على ثلاثمائة ألف بغلية وافته، فكان يؤديها إِلَى غزاة المسلمين وافتتح سَعِيد سَهْل طبرستان والرويان ودنباوند وأعطاه أهل الجبال مالا، وكان المسلمون يغزون طبرستان ونواحيها فربما أعطوا الإتاوة عفوا وربما أعطوها بعد قتال. وولى معاوية بْن أَبِي سُفْيَان مصقلة بْن هبيرة بْن شبل أحد بني ثعلبة ابن شيبان بْن ثعلبة بْن عكابة طبرستان وجميع أهلها حرب وضم إليه عشرة آلاف، ويقال عشرين ألفا فكاده العدو وأروه الهيبة له حَتَّى توغل بمن معه في البلاد، فلما جاوروا المضايق أخذها العدو عليهم وهددوا الصخور من الجبال على رؤوسهم فهلك ذلك الجيش أجمع وهلك مصقلة فضرب الناس به المثل فقالوا حَتَّى يرجع مصقلة من طبرستان، ثُمَّ أن عُبَيْد اللَّه بْن زياد بْن أَبِي سُفْيَان ولى مُحَمَّد بْن الأشعث بْن قيس الكندي طبرستان فصالحهم وعقد لهم عقدا ثُمَّ أمهلوا له حَتَّى دخل فأخذوا عَلَيْهِ المضايق وقتلوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 ابنه أَبَا بكر وفضحوه، ثُمَّ نجا فكان المسلمون يغزون ذلك الثغر وهم حذرون منَ التوغل في أرض العدو. وحدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن أَبِي مخنف وغيره، قَالُوا: لما ولى سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك بْن مروان الأمر ولى يزيد بْن المهلب بْن أَبِي صفرة العراق فخرج إِلَى خراسان لسبب ما كان منَ التواء قتيبة بْن مُسْلِم وخلافه عَلَى سُلَيْمَان وقتل وَكِيع بْن أَبِي سود التميمي إياه، فعرض له صول التركي في طريقه وهو يريد خراسان، فكتب إِلَى سُلَيْمَان يستأذنه في غزوه فأذن له فغزا جيلان وسارية، ثُمَّ أتى دهستان وبها صول فحصرها وهو في جند كثيف من أهل المصرين واهل الشام وأهل خراسان، فكان أهل دهستان يخرجون فيقاتلونهم فألح عليهم يزيد وقطع المواد عنهم ثُمَّ أن صول أرسل إِلَى يزيد يسأله الصلح عَلَى أن يؤمنه عَلَى نفسه وماله وأهل بيته ويدفع إليه المدينة وأهلها وما فيها فقبل يزيد ذلك وصالحه عَلَيْهِ ووفى له وقتل يزيد أربعة عشر ألفا منَ الترك واستخلف عليها وقال أَبُو عُبَيْدة معمر بْن المثنى: أن صول قتل، والخبر الأول أثبت. وقال هِشَام بْن الكلبي: أتى يزيد جرجان فتلقاه أهلها بالأتاوة التي كان سعيد بن العاصي صالحهم عليها فقبلها، ثُمَّ أن أهل جرجان نقضوا وغدروا فوجه إليهم جهم بْن زحر الجعفي ففتحها، قَالَ ويقال، أنه سار إِلَى مرو فأقام بها شتوته ثُمَّ غزا جرجان في مائة ألف وعشرين ألفا من أهل الشام والجزيرة والمصرين وخراسان. وحدثني علي بْن مُحَمَّد المدائني قَالَ، أقام يزيد بْن المهلب بخراسان شتوة ثُمَّ غزا جرجان وكان عليها حائط من آجر قَدْ تحصنوا به منَ الترك وأحد طرفيه في البحر، ثُمَّ غلبت الترك عَلَيْهِ وسموا ملكهم صول فقال يزيد قبح الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 قتيبة ترك هؤلاء وهم في بيضة العرب وأراد غزو الصين أو قَالَ وغزا الصين وخلف يزيد عَلَى خراسان مخلد بْن يزيد. قَالَ: فلما صار إِلَى جرجان وجد صول قَدْ نزل في البحيرة فحصره ستة أشهر وقاتله مرارا فطلب الصلح عَلَى أن يؤمنه عَلَى نفسه وماله وثلاثمائة من أهل بيته ويدفع إليه البحيرة بما فيها فصالحه، ثُمَّ سار إِلَى طبرستان واستعمل دهستان والبياسان عَبْد اللَّهِ بْن معمر اليشكري وهو في أربعة آلاف، ووجه ابنه خَالِد بْن يزيد وأخاه أَبَا عيينة بْن المهلب إِلَى الأصبهبذ وهزمهما حَتَّى ألحقهما بعسكر يزيد وكتب الأصبهبذ إِلَى المرزبان- ويقال المروزبان- إنا قَدْ قتلنا أصحاب يزيد فاقتل من قبلك منَ العرب فقتل عَبْد اللَّهِ بْن معمر اليشكري ومن معه وهم غارون في منازلهم، وبلغ الخبر يزيد فوجه حيان مولى مصقلة وهو من سبي الديلم فقال للأصبهبذ: إني رجل منك وإليك وأن فرق الدين بيننا ولست بآمن أن يأتيك من قبل أمير الْمُؤْمِنِين ومن جيوش خراسان مالا قبل لك به ولا قوام لك معه، وقد رزت لك يزيد فوجدته سريعا إِلَى الصلح فصالحه، ولم يزل يخدعه حَتَّى صالح يزيد عَلَى سبعمائة ألف درهم وأربعمائة وقر زعفرانا، فقال له الأصبهبذ: العشرة وزن ستة فقال: لا، ولكن وزن سبعة فأبى، فقال حيان: أنا أتحمل فضل ما بَيْنَ الوزنين فتحمله وكان حيان من أنبل الموالي وسرواتهم وكان يكنى أَبَا معمر. قَالَ المدائني: بلغ يزيد نكث أهل جرجان وغدرهم فسار يريدها ثانية، فلما بلغ المرزبان مسيره أتى وجاه فتحصن بها وحولها غياض واشب فنزل عليها سبعة أشهر لا يقدر منها عَلَى شيء وقاتلوه مرارا ونصب المنجنيق عليها، ثُمَّ أن رجلا دلهم عَلَى طريق إِلَى قلعتهم وقال: لا بد من سلم جلود فعقد يزيد لجهم بْن زحر الجعفي، وقال: إن غلبت عَلَى الحياة فلا تغلبن عَلَى الموت، وأمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 يزيد أن تشعل النار في الحطب فهالهم ذلك وخرج قوم منهم ثُمَّ رجعوا وانتهى جهم إِلَى القلعة فقاتله قوم ممن كان عَلَى بابها فكشفهم عنه ولم يشعر العدو بعيد العصر إلا بالتكبير من ورائهم، ففتحت القلعة وأنزلوا عَلَى حكم يزيد فقادهم جهم إِلَى وادي جرجان وجعل يقتلهم حَتَّى سالت الدماء في الوادي وجرت وهو بنى مدينة جرجان، وسار يزيد إِلَى خراسان فبلغته الهدايا، ثُمَّ ولى ابنه مخلدا خراسان وانصرف إِلَى سُلَيْمَان فكتب إليه أن معه خمسة وعشرين ألف ألف درهم فوقع الكتاب في يدي عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ فاخذ يزيد به وحبسه. وحدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن أَبِي مخنف أو عوانة بْن الحكم قَالَ: سار يزيد إِلَى طبرستان فاستجاش الأصبهبذ الديلم فأنجدوه فقاتله يزيد، ثُمَّ أنه صالحه عَلَى نقد أربعة آلاف درهم وعلى سبعمائة ألف درهم مثاقيل في كل سنة ووقر أربعمائة جماز زعفرانا وأن يخرجوا أربعمائة رجل عَلَى رأس كل رجل منهم ترس وطيلسان وخام فضة ونمرقة حرير، وبعض الراوة يقول: برنس، وفتح يزيد الرويان ودنباوند عَلَى مال وثياب وآنية، ثُمَّ مضى إِلَى جرجان وقد غدر أهلها وقتلوا خليفته وقدم أمامه جهم بْن زحر بْن قيس الجعفي فدخل المدينة وأهلها غارون وغافلون، ووافاه ابن المهلب فقتل خلقا من أهلها وسبى ذراريهم وصلب من قتل عن يمين الطريق ويساره واستخلف عليها جهما فوضع الجزية والخراج عَلَى أهلها وثقلت وطأته عليهم. قَالُوا: ولم يزل أهل طبرستان يؤدون الصلح مرة ويمتنعون من أدائه أخرى فيحاربون ويسالمون، فلما كانت أيام مروان بْن مُحَمَّد بْن مروان بْن الحكم غدروا ونقضوا حَتَّى إذا استخلف أَبُو العَبَّاس أمير الْمُؤْمِنِين وجه إليهم عامله فصالحوه ثُمَّ أنهم نقضوا وغدروا وقتلوا المسلمين في خلافة أمير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 الْمُؤْمِنِين المَنْصُور فوجه إليهم خازم بْن خزيمة التميمي وروح بْن حَاتِم المهلبي ومعهما مرزوق أَبُو الخصيب مولاه الَّذِي نسب إليه قصر أَبِي الخصيب بالكوفة فسألهما مرزوق حين طال عليها الأمر وصعب أن يضرباه ويحلقا رأسه ولحيته ففعلا، فخلص إِلَى الأصبهبذ فقال له: إن هذين الرجلين استغشاني وفعلا بي ما ترى وقد هربت إليك فإن قبلت انقطاعي وأنزلتني المنزلة الَّتِي أستحقها منك دللتك عَلَى عورات العرب وكنت يدا معك عليهم، فكساه وأعطاه وأظهر الثقة به والمشاورة له فكان يريه أنه له ناصح وعليه مشفق، فلما اطلع عَلَى أموره وعوراته كتب إِلَى خازم وروح بما احتاجا إِلَى معرفته من ذلك واحتال للباب حَتَّى فتحه فدخل المسلمون المدينة وفتحوها وساروا في البلاد فدوخوها. وكان عُمَر بْن العلاء جزارا من أهل الري فجمع جمعا وقاتل سنفاذ حين خرج بها فأبلى ونكى فأوفده جهور بْن مرار العجلي عَلَى المَنْصُور فقوده وحضنه وجعل له مرتبة، ثُمَّ أنه ولى طبرستان فاستشهد بها في خلافة المهدي أمير الْمُؤْمِنِين. وافتتح مُحَمَّد بْن موسى بْن حفص بْن عُمَر بْن العلاء ومايزديار بْن قارن جبال شروين من طبرستان، وهي أمنع جبال وأصعبها وأكثرها أشبا وغياضا في خلافة المأمون رحمه اللَّه، ثُمَّ أن المأمون ولى مايزديار أعمال طبرستان والرويان ودنباوند وسماه محمدا وجعل له مرتبة الأصبهبذ فلم يزل واليا حَتَّى تُوُفِّيَ المأمون، ثُمَّ استخلف أَبُو إِسْحَاق المعتصم بالله أمير الْمُؤْمِنِين فاقره عَلَى عمله ثُمَّ أنه كفر وغدر بعد ست سنين وأشهر من خلافته، فكتب إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن طَاهِر بْن الْحُسَيْن بْن مصعب عامله عَلَى خراسان والري وقومس وجرجان يأمره بمحاربته فوجه عَبْد اللَّهِ إليه الْحَسَن بْن الْحُسَيْن عمه في رجال خراسان، ووجه المعتصم بالله مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 مصعب فيمن ضم إليه من جند الحضرة فلما توافت الجنود في بلاده كاتب أخ له يقال له فوهيار بْن قارن الْحَسَن وَمُحَمَّدا وأعلمهما أنه معهما عَلَيْهِ وقد كان يحقد أشياء يناله بها منَ استخفاف وكان أهل عمله قَدْ ملوا سيرته لتجبره وعسفه، فكتب الْحَسَن يشير عَلَيْهِ بأن يكمن في موضع سماه له، وقال لمايزديار: أن الْحَسَن قَدْ أتاك وهو بموضع كذا وذكر غير ذلك الموضع وهو يدعوك إلى الأمان ويريد مشافهتك فيما بلغني، فسار مايزديار يريد الْحَسَن، فلما صار بقرب الموضع الَّذِي الْحَسَن كامن فيه آذنه فوهيار بمجيئه فخرج عَلَيْهِ في أصحابه وكانوا متقطعين في العياض فجعلوا ينتامون إليه وأراد مايزديار الهرب فأخذ فوهيار بمنطقته وانطوى عَلَيْهِ أصحاب الْحَسَن فأخذوه سلما بغير عهد ولا عقد فحمل إِلَى سر من رأى في سنة خمس وعشرين ومائتين فضرب بالسياط بَيْنَ يدي المعتصم بالله ضربا مبرحا، فلما رفعت السياط عنه مات فصلب بسر من رأى مع بابك الخرمي عَلَى العقبة الَّتِي بحضرة مجلس الشرطة، ووثب بفوهيار بعض خاصة أخيه فقتل بطبرستان وافتتحت طبرستان سهلها وجبلها، فتولاها عَبْد اللَّهِ بْن طَاهِر وطاهر بْن عَبْد اللَّهِ من بعده. فتوح كور دجلة قالوا: كان سويد بن قطبة الذهلي، وبعضهم يقول قطبة بْن قتادة يغير في ناحية الخريبة منَ البصرة عَلَى العجم كما كان المثنى بْن حارثة الشيباني يغير بناحية الحيرة، فلما قدم خَالِد بْن الوليد البصرة يريد الكوفة سنة اثنتي عشرة أعانه عَلَى حرب أهل الأبلة وخلف سويدا، ويقال أن خالدا لم يسر منَ البصرة حَتَّى فتح الخريبة وكانت مسلحة للأعاجم فقتل وسبى وخلف بها رجلا من بني سَعْد بْن بكر بْن هوازن يقال له شريح بْن عَامِر، ويقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 أنه أتى نهر المرأة ففتح القصر صلحا صالحه عنه النوشجان بن جسنسما والمرأة صاحبة القصر كامن دار بنت نرسى وهي ابنة عم النوشجان، وإنما سميت المرأة لأن أَبَا موسى الأشعري كان نزل بها فزودته خبيصا فجعل يقول: أطعمونا من دقيق المرأة، وكان مُحَمَّد بْن عُمَر الواقدي ينكر أن يكون خَالِد بْن الوليد أتى البصرة حين فرغ منَ أمر أهل اليمامة والبحرين ويقول: قدم المدينة ثُمَّ سار منها إِلَى العراق عَلَى طريق فيد والثعلبية والله أعلم. قَالُوا: فلما بلغ عُمَر بْن الخطاب خبر سويد بْن قطبة وما يصنع بالبصرة رأى أن يوليها رجلا من قبله، فولاها عتبة بْن غزوان بْن جابر ابن وهب بْن نسيب أحد بني مازن بْن مَنْصُور بْن عكرمة بْن خصفة وهو حليف بني نوفل بْن عَبْد مناف، وكان منَ المهاجرين الأولين، وقال له: أن الحيرة قَدْ فتحت وقتل عظيم منَ العجم يعني مهران ووطئت خيل المسلمين أرض بابل فصر إِلَى ناحية البصرة وأشغل من هناك من أهل الأهواز وفارس وميسان عن إمداد إخوانهم عَلَى إخوانك، فأتاها عتبة وانضم إليه سويد بْن قطبة ومن معه من بكر بْن وائل وبني تميم، وكانت بالبصرة سبع دساكر اثنتان بالخريبة واثنتان بالزابوقة، وثلاث في موضع دار الأزد اليوم، ففرق عتبة أصحابه فيها ونزل هُوَ بالخريبة وكانت مسلحة للأعاجم ففتحها خَالِد بْن الوليد فخلت منهم وكتب عتبة إِلَى عُمَر يعلمه نزوله وأصحابه بحيث نزلوا، فكتب إليه يأمره بأن ينزلهم موضعا قريبا منَ الماء والمرعى فأقبل إِلَى موضع البصرة، قَالَ أَبُو مخنف وكانت ذات حصى وحجارة سود فقيل أنها بصرة، وقيل أنهم إنما سموها بصرة لرخاوة أرضها. قَالُوا: وضربوا بها الخيام والقباب والفساطيط ولم يكن لهم بناء وأمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 عُمَر عتبة بهرثمة بْن عرفجة البارقي وكان بالبحرين، ثُمَّ أنه صار بعد إِلَى الموصل قَالُوا: فغزا عتبة بْن غزوان الأبلة ففتحها عنوة، وكتب إِلَى عُمَر يعلمه ذلك ويخبره أن الأبلة فرضة البحرين وعمان والهند والصين وأنفذ الكتاب مع نافع بْن الحارث الثقفي. وحدثني الوليد بْن صالح، قَالَ: حَدَّثَنَا مرحوم العطار عن أبيه عن شويس العدوي، قَالَ: خرجنا مع أمير الابلة فطفرنا بها ثُمَّ عبرنا الفرات فخرج إلينا أهل الفرات بمساحيهم فظفرنا بهم وفتحنا الفرات. وحدثني عبد الواحد بن غياث، قال: حدثنا حماد بْن سلمة عن أبيه عن حميري بْن كراثة الربعي، قَالَ: لما دخلوا الأبلة وجدوا خبيز الحواري فقالوا هَذَا الَّذِي كان يقال أنه يسمن، فلما أكلوا منه جعلوا ينظرون إِلَى سواعدهم ويقولون والله ما نرى سمنا، قَالَ: وأصبت قميصا مجيبا من قبل صدره أخضر فكنت أحضر فيه الجمعة. وحدثني المدائني عن جهم بْن حسان، قَالَ: فتح عتبة الأبلة ووجه مجاشع ابن مَسْعُود عَلَى الفرات وأمر المغيرة بالصلاة وشخص إِلَى عُمَر وحدثني المدائني عن أشياخه: أن ما بَيْنَ الفهرج إِلَى الفرات صلح وسائر الأبلة عنوة. وحدثني عَبْد اللَّهِ بْن صالح المقري، قَالَ: حدثني عبدة بْن سُلَيْمَان عن مُحَمَّد ابن إِسْحَاق بْن يسار قَالَ: وجه عُمَر بْن الخطاب عتبة بْن غزوان حليف بني نوفل في ثمانمائة إِلَى البصرة وأمده بالرجال فنزل بالناس في خيم، فلما كثروا بنى رهط منهم سبع دساكر من لبن منها بالخريبة اثنتان: وبالزابوقة واحدة، وفي الأزد اثنتان، وفي تميم اثنتان، ثُمَّ أنه خرج إِلَى الأبلة فقاتل أهلها ففتحها عنوة، وأتى الفرات وعلى مقدمته مجاشع بْن مَسْعُود السلمي ففتحه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 عنوة، وأتى المذار فخرج إليه مرزبانها فقاتله فهزمه اللَّه وغرق عامة من معه وأخذ سلما فضرب عتبة عنقه، وسار عتبة إِلَى دستميسان وقد جمع أهلها للمسلمين وأرادوا المسير إليهم فرأى أن يعالجهم بالغزو ليكون ذلك أفت في أعضادهم وأملأ لقلوبهم فلقيهم فهزمهم اللَّه وقتل دهاقينهم وانصرف عتبة من فوره إِلَى أبرقباذ ففتحها اللَّه عَلَيْهِ. قَالُوا ثُمَّ استأذن عتبة عُمَر بْن الخطاب في الوفادة عَلَيْهِ والحج فأذن له فاستخلف مجامع بْن مَسْعُود السلمي، وكان غائبا عَنِ البصرة وأمر المغيرة بْن شعبة أن يقوم مقامه إِلَى قدومه، فقال: أتولي رجلا من أهل الوبر عَلَى رجل من أهل المدر واستعفى عتبة من ولاية البصرة فلم يعفه وشخص فمات في الطريق فولى عُمَر البصرة المغيرة بْن شعبة، وقد كان الناس سألوا عتبة عَنِ البصرة فأخبرهم بخصبها فسار إليها خلق منَ الناس. وحدثني عَبَّاس بْن هِشَام عن أبيه عن عوانة، قَالَ: كانت عند عتبة بْن غزوان أزدة بنت الحارث بْن كلدة، فلما استعمل عُمَر عتبة بْن غزوان قدم معه نافع وأبو بكرة وزياد، ثُمَّ إن عتبة قاتل أهل مدينة الفرات فجعلت امرأته أزدة تحرض الناس عَلَى القتال وهي تقول: إن يهزموكم تولجوا فينا الغلف ففتح اللَّه عَلَى المسلمين تلك المدينة، وأصابوا غنائم كثيرة، ولم يكن فيهم أحد يكتب ويحسب إلا زياد، فولى قسم ذلك المغنم، وجعل له كل يوم درهمان وهو غلام في رأسه ذؤابة، ثُمَّ أن عتبة شخص إِلَى عُمَر، وكتب إِلَى مجاشع بْن مَسْعُود يعلمه أنه قَدْ خلفه وكان غائبا، وأمر المغيرة بْن شعبة أن يصلي بالناس إِلَى قدوم مجاشع، ثُمَّ أن دهقان ميسان كفر ورجع عَنِ الإِسْلام، فلقيه المغيرة بالمنعرج، فقتله وكتب المغيرة إِلَى عُمَر بالفتح منه فدعا عُمَر عتبة فقال ألم تعلمني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 انك استخلفت مجاشعا، قَالَ نعم، قَالَ فإن المغيرة كتب إلي بكذا فقال أن مجاشعا كان غائبا فأمرت المغيرة أن يخلفه ويصلي بالناس إِلَى قدومه، فقال عُمَر: لعمري لأهل المدر كانوا أولى بأن يستعملوا من أهل الوبر، ثُمَّ كتب إِلَى المغيرة بعهده عَلَى البصرة وبعث به إليه، فأقام المغيرة ما شاء اللَّه، ثُمَّ أنه هوى المرأة. وحدثني عَبْد اللَّهِ بْن صالح عن عبدة عن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق قَالَ: غزا المغيرة ميسان ففتحها عنوة بعد قتال شديد وغلب عَلَى أرضها، ثُمَّ أن أهل أبرقباذ غدروا ففتحها المغيرة عنوة. وحدثني روح بْن عَبْد المؤمن، قَالَ: حدثني وهب بْن جرير بْن حازم عن أبيه، قَالَ: فتح عتبة بْن غزوان الأبلة والفرات وأبرقباذ ودستميسان وفتح المغيرة ميسان وغدو أهل أبر قباذ ففتحها المغيرة، وقال علي بْن مُحَمَّد المدائني: كان الناس يسمون ميسان ودستميسان والفرات وأبرقباذ ميسان قَالُوا: وكان من سبى ميسان أَبُو الْحَسَن البصري وسعيد بْن يسار أخوه وكان اسمه يسار فيروز، فصار أَبُو الْحَسَن لامرأة منَ الأنصار يقال لها الربيع بنت النضر عمة أنس بْن مَالِك، ويقال كان لامرأة من بني سلمة يقال لها جميلة امرأة أنس بْن مَالِك. وروى الْحَسَن، قَالَ: كان أَبِي وأمي لرجل من بني النجار فتزوج امرأة من بن سلمة فساقهما إليها في صداقها فأعتقتهما تلك المرأة فولاؤنا لها، وكان مولد الْحَسَن بالمدينة لسنتين بقيتا من خلافة عُمَر وخرج منها بعد صفين بسنة ومات بالبصرة سنة عشر ومائة وهو ابن تسع وثمانين. قَالُوا: أن المغيرة جعل يختلف إِلَى امرأة من بني هلال يقال لها أم جميل بنت محجن بْن الأفقم بْن شعيثة بْن الهزن، وقد كان لها زوج من ثقيف يقال له الحجاج بْن عتيك فبلغ ذلك أَبَا بكرة بْن مسروح مولى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مولدي ثقيف، وشبل بْن معبد بْن عُبَيْد البجلي، ونافع بْن الحارث بْن كلدة الثقفي، وزياد بْن عُبَيْد، فرصدوه حَتَّى إذا دخل عليها هجموا عَلَيْهِ فإذا هما عريانان وهو متبطنها، فخرجوا حَتَّى أتوا عُمَر بْن الخطاب فشهدوا عنده بما رأوا فقال عُمَر لأبي موسى الأشعري: إني أريد أن أبعثك إِلَى بلد قَدْ عشش فيه الشيطان، قَالَ: فأعني بعدة منَ الأنصار فبعث معه البراء ابن مَالِك، وعمران بْن الحصين أَبَا نجيد الخزاعي، وعوف بْن وهب الخزاعي فولاه البصرة وأمره بإشخاص المغيرة فأشخصه بعد قدومه بثلاث. فلما صار إِلَى عُمَر جمع بينه وبين الشهود، فقال نافع بْن الحارث: رأيته عَلَى بطن المرأة يحتفر عليها ورأيته يدخل ما معه ويخرجه كالميل في المكحلة، ثُمَّ شهد شبل بْن معبد عَلَى شهادته، ثُمَّ أَبُو بكرة، ثُمَّ أقبل زياد رابعا فلما نظر إليه عُمَر قَالَ: أما إني أرى وجه رجل أرجو أن لا يرجم رجل من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يده ولا يخزى بشهادته. وكان المغيرة قدم من مصر فأسلم وشهد الحديبية مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال زياد رأيت منظرا قبيحا وسمعت نفسا عاليا وما أدري أخالطها أم لا، ويقال لم يشهد بشيء فأمر عُمَر بالثلاثة فجلدوا، فقال شبل أتجلد شهود الحق وتبطل الحد، فلما جلد أَبُو بكرة، قَالَ: أشهد أن المغيرة زان. فقال عُمَر، حدوه، فقال عَلَى أن جعلتها شهادة فارجم صاحبك، فحلف أَبُو بكرة أن لا يكلم زيادا أبدا، وكان أخاه لأمه سمية ثُمَّ أن عُمَر ردهم إِلَى مصرهم، وقد روى قوم أن أبا موسى كان بالبصرة فكتب إليه عُمَر بولايتها وإشخاص المغيرة، والأول أثبت، وروى أن عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه كان أمر سَعْد بْن أَبِي وقاص رضي اللَّه عنه أن يبعث عتبة ابن غزوان إِلَى البصرة ففعل، وكان نائف من مكاتبته إياه فلذلك استعفى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 وأن عُمَر رضي اللَّه عنه رده واليا فمات في الطريق، وكانت ولاية أَبِي موسى البصرة في سنة ست عشرة ويقال سنة سبع عشرة فاستقرى كور دجلة فوجد أهلها مذعنين بالطاعة فأمر بمساحتها ووضع الخراج عليها عَلَى قدر احتمالها، والثبت أن أَبَا موسى ولى البصرة في سنة ست عشرة. حدثني شيبان بْن فروخ الأبلي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هلال الراسبي، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي كثير أن كاتبا لأبي موسى كتب إِلَى عُمَر بْن الخطاب من أَبُو موسى فكتب إليه عُمَر إذا أتاك كتابي هَذَا فاضرب كاتبك سوطا وأعزله عن عملك. تمصير البصرة حدثني علي بْن المغيرة الأثرم عن أَبِي عُبَيْدة، قَالَ: لما نزل عتبة بْن غزوان الخريبة كتب إِلَى عُمَر بْن الخطاب يعلمه نزوله إياها وأنه لا بد للمسلمين من منزل يشتون به إذا شتوا، ويكنسون فيه إذا انصرفوا من غزوهم، فكتب إليه اجمع أصحابك في موضع واحد وليكن قريبا منَ الماء والرعي واكتب إِلَى بصفته، فكتب إليه إني وجدت أرضا كثيرة القصبة في طرف البر إِلَى الريف ودونها مناقع ماء فيها قصباء، فلما قرأ الكتاب، قَالَ: هَذِهِ أرض نضرة قريبة منَ المشارب والمراعي والمختطب وكتب إليه أن أنزلها الناس، فأنزلهم إياها، فبنوا مساكن بالقصب وبنى عتبة مسجدا من قصب، وذلك في سنة أربع عشرة فيقال أنه تولى اختطاط المسجد بيده ويقال اختطه محجر بْن الأدرع البهزي من سليم، ويقال اختطه نافع بْن الحارث بْن كلدة حين خط داره، ويقال بل اختطه الأسود بْن سريع التميمي، وهو أول من قضى فيه، فقال له مجاشع ومجالد ابنا مَسْعُود رحمك اللَّه شهرت نفسك فقال: لا أعود، وبنى عتبة دار الأمارة دون المسجد في الرحبة الَّتِي يقال لها اليوم رحبة بني هاشم، وكانت تسمى الدهناء وفيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 السجن والديوان فكانوا إذا غزوا نزعوا ذلك القصب وحزموه ووضعوه حتى يرجعوا من العزو، فإذا رجعوا أعادوا بناءه فلم تزل الحال كذلك، ثُمَّ أن الناس اختطوا وبنوا المنازل، وبنى أَبُو موسى الأشعري المسجد ودار الأمارة بلين وطين وسقفها بالعشب وزاد في المسجد، وكان الإمام إذا جاء للصلاة بالناس تخطاهم إِلَى القبلة على حاجر، فخرج عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر ذات يوم من دار الأمارة يريد القبلة وعلية جبة خز دكناء فجعل الأعراب يقولون عَلَى الأمير جلد دب. وحدثني أَبُو مُحَمَّد الثوري عَنِ الأصمعي، قَالَ: لما نزل عتبة بْن غزوان الخريبة، ولد بها عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكرة، وهو أول مولود بالبصرة فنحر أبوه جزورا أشبع منها أهل البصرة، ثُمَّ لما استعمل معاوية بْن أَبِي سُفْيَان زيادا عَلَى البصرة زاد فى المسجد زيادة كثيرة وبناء بالآجر والجص وسقفه بالساج، وقال: لا ينبغي للإمام أن يتخطى الناس فحول دار الإمارة منَ الدهناء إِلَى قبلة المسجد فكان الإمام يخرج منَ الدار في الباب الَّذِي في حائط القبلة، وجعل زياد حين بنى المسجد ودار الإمارة يطوف فيها وينظر إِلَى البناء ثُمَّ يقول لمن معه من وجوه أهل البصرة أترون خللا فيقولون ما نعلم بناء أحكم منه فقال بلى هَذِهِ الأساطين الَّتِي عَلَى كل واحدة منها أربعة عقود لو كانت أغلظ من سائر الأساطين، وروى عن يونس بْن حبيب النحوي، قَالَ: لم يؤت من تلك الأساطين فقط تصديع ولا عيب، وقال حارثة بْن بدر الغداني، ويقال بل قَالَ ذلك البعيث المجاشعي: بنى زياد لذكر اللَّه مصنعة ... منَ الحجارة لم تعمل منَ الطين لولا تعاون أيدي الانس ترفعها ... إذا لقلنا من أعمال الشياطين وقال الوليد بْن هِشَام بْن قحذم لما بنى زياد المسجد جعل صفته المقدمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 خمس سواري وبنى منارته بالحجارة، وهو أول من عمل المقصورة ونقل دار الإمارة إِلَى قبلة المسجد، وكان بناؤه إياها لبن وطين حَتَّى بناها صالح بْن عَبْد الرَّحْمَنِ السجستاني مولى بني تميم في ولايته خراج العراق لسُلَيْمَان بْن عَبْد الملك بالآجر والجص وزاد فيه عُبَيْد بْن زياد وفي مَسْجِد الكوفة، وقال: دعوت اللَّه أن يرزقني الجهاد ففعل، ودعوته أن يرزقني بناء مسجدي الجماعة بالمصرين ففعل، ودعوته أن يجعلني خلفا من زياد ففعل. وقال أَبُو عُبَيْدة معمر بْن المثنى: لما بنى زياد المسجد أتى بسوارية من جبل الأهواز، وكان الَّذِي تولى أمرها وقطعها الحجاج بْن عتيك الثقفي وابنه فظهر له مال فقيل حبذا الإمارة ولو عَلَى الحجارة فذهبت مثلا، قَالَ وبعض الناس يقول: أن زيادا رأى الناس ينفضون أيديهم إذا تربت وهم في الصلاة فقال: لا آمن أن يظن الناس عَلَى طول الأيام أن نفض الأيدي في الصلاة سنة، فأمر بجمع الحصى وإلقائه في المسجد فاشتد الموكلون بذلك عَلَى الناس وتعنتوهم وأروهم حصى أنتقوه، فقالوا: ايتونا بمثله عَلَى مقاديره وألوانه وارتشوا عَلَى ذلك فقال القائل: حبذا الإمارة ولو عَلَى الحجارة، وقال أَبُو عُبَيْدة: وكان جانب المسجد الشمالي منزويا لأنه كانت هناك دار لنافع بْن الحارث بْن كلدة فأبى ولده بيعها، فلما ولى معاوية عُبَيْد اللَّه بْن زياد البصرة قَالَ عُبَيْد اللَّه لأصحابه: إذا شخص عَبْد اللَّهِ بْن نافع إِلَى أقصى ضيعته فاعلموني ذلك، فشخص إِلَى قصره الأبيض الَّذِي عَلَى البطيحة، فأخبر عُبَيْد اللَّه بذلك فبعث الفعلة فهدموا من تلك الدار ما سوى به تربيع المسجد، وقدم ابن نافع فضج إليه من ذلك فأرضاه بأن أعطاه بكل ذراع خمسة أذرع وفتح له في الحائط خوخة إِلَى المسجد فلم تزل الخوخة في حائطه حَتَّى زاد المهدي أمير الْمُؤْمِنِين في المسجد فأدخلت الدار كلها فيه، وأدخلت فيه أيضا دار الإمارة في خلافة الرشيد رحمه اللَّه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 وقال أبو عُبَيْدة لما قدم الحجاج بْن يوسف العراق أَخْبَرَ أن زيادا ابتنى دار الإمارة بالبصرة فأراد أن يزيل اسمه عنها فهم ببنائها يجص وآجر فقيل له إنما تزيد اسمه فيها ثباتا وتوكدا فهدمها وتركها، فبنيت عامة الدور حولها من طينها ولبنها وأبوابها فلم تكن بالبصرة دار إمارة حَتَّى ولى سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك، فاستعمل صالح ابن عَبْد الرَّحْمَنِ عَلَى خراج العراق فحدثه صالح حديث الحجاج وما فعل في دار الإمارة فأمره بإعادتها فأعادها بالآجر والجص عَلَى أساسها ورفع سمكها، فلما ولي عمر بن عبد العزيز رضي اللَّه عنه، وولى عدي بْن أرطاة الفزاري البصرة أراد عدي أن يبني فوقها غرفا، فكتب إليه عمر: هبلتك أمك يا ابن أم عدي أيعجز عنك منزل وسع زيادا وآل زياد، فأمسك عدي عَنِ إتمام تلك الغرف وتركها فلما ولى سُلَيْمَان بْن علي ابن عَبْد اللَّهِ بْن العَبَّاس البصرة لأبي العَبَّاس أمير الْمُؤْمِنِين بنى عَلَى ما كان عدي رفعه من حيطان الغرف بناء بطين ثُمَّ تركه وتحول إِلَى المربد فنزله، فلما استخلف الرشيد أدخلت الدار في قبلة المسجد فليس اليوم للأمراء بالبصرة دار إمارة. وقال الوليد بْن هِشَام بْن قحذم لم يزد أحد في المسجد بعد ابن زياد حَتَّى كان المهدي فاشترى دار نافع بْن الحارث بْن كلدة الثقفي، ودار عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة، ودار ربيعة بْن كلدة الثقفي، ودار عَمْرو بْن وهب الثقفي. ودار أم جميل الهلالية التي كان من أمرها وأمر المغيرة بْن شعبة ما كان، ودورا غيرها فزادها في المسجد أيام ولى مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن علي البصرة، ثُمَّ أمر هارون أمير الْمُؤْمِنِين الرشيد عِيسَى بْن جَعْفَر بْن المَنْصُور أيام ولايته البصرة أن يدخل دار الإمارة في المسجد ففعل. وقال الوليد بْن هِشَام أَخْبَرَنِي أَبِي عن أبيه، وكان يوسف بْن عُمَر ولاه ديوان جند العرب، قَالَ: نظرت في جماعة مقاتلة البصرة أيام زياد فوجدتهم ثمانين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 ألفا ووجدت عيالهم مائة ألف وعشرين ألف عيل، ووجدت العرب مقاتلة الكوفة ستين ألفا وعيالهم ثمانين ألفا. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي في إسناده، قَالَ: كان عتبة بْن غزوان مع سَعْد بْن أَبِي وقاص، فكتب إليه عُمَر أن اضرب قيروانك بالكوفة ووجه عتبة بْن غزوان إِلَى البصرة فخرج في ثمانمائة فضرب خيمة من أكسية وضرب الناس معه وأمده عُمَر بالرجال، فلما كثروا بنى رهط منهم سبع دساكر من لبن منها بالخريبة اثنتان، وبالزابوقة واحدة، وفي بني تميم اثنتان وفي الأزد اثنتان، ثُمَّ أن عتبة خرج إِلَى الفرات بالبصرة فافتتحه ثُمَّ رجع إِلَى البصرة، وكان سَعْد يكاتب عتبة فغمه ذلك، فاستأذن عُمَر في الشخوص إليه فلحق به واستخلف المغيرة بْن شعبة، فلما قدم المدينة شكا إِلَى عُمَر تسلط سَعْد عليه يقال له: وما عليك أن تقر بالإمارة لرجل من قريش له صحبة وشرف فأبى الرجوع وأبى عمر الاردة، فسقط عن راحلته في الطريق فمات في سنة ست عشرة وكان محجر بْن الأدرع اختط مَسْجِد البصرة ولم يبنه فكان يصلي فيه غير مبني فبناه عتبة بقصب ثُمَّ بناه أَبُو موسى الأشعري وبنى بعده. حدثني الحسين بن علي بن الأسود العجلي، قال: حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا أبو معاوية عَنِ الشيباني عن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الثقفي، قَالَ: كان بالبصرة رجل يكنى أَبَا عَبْد اللَّهِ، ويقال له نافع، وكان أول منَ افتلا الفلا بالبصرة فأتى عُمَر فقال له: إن بالبصرة أرضا ليست من أرض الخراج ولا تضر بأحد منَ المسلمين. فكتب له أَبُو موسى إِلَى عُمَر بذلك. فكتب له عُمَر إليه أن يقطعه إياها. وحدثنا سَعِيد بْن سُلَيْمَان. قَالَ: حَدَّثَنَا عباد بْن العوام عن عوف الأعرابي قَالَ: قرأت كتاب عُمَر إِلَى أَبِي موسى أن أبا عَبْد اللَّهِ سألني أرضا عَلَى شاطئ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 دجلة يفتلى فيها خيله فإن كانت في غير أرض الجزية ولا يجزأ إليها ماء الجزية فأعطه إياها، وقال عباد: بلغني أنه نافع بْن الحارث بْن كلدة طبيب العرب، وقال الوليد بْن هِشَام بْن قحذم: وجدت كتابا عندنا فيه: بسم اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم من عَبْد اللَّهِ عُمَر أمير الْمُؤْمِنِين إِلَى المغيرة بْن شعبة، سلام عليك فإني أَحْمَد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإن أَبَا عَبْد اللَّهِ ذكر أنه زرع بالبصرة في إمارة ابن غزوان وافتلى أولاد الخيل حين لم يفتلها أحد من أهل البصرة، وأنه نعم ما أرى فأعنه عَلَى زرعه وعلى خيله، فإني قَدْ أذنت له أن يزرع، وآته أرضه الَّتِي زرع إلا أن تكون أرضا عليها الجزية من أرض الأعاجم أو يصرف إليها ماء أرض عليها الجزية، ولا تعرض له الا بخير، والسلام عليك ورحمة اللَّه، وكتب معيقيب بْن أَبِي فاطمة في صفر سنة سبع عشرة، وقال الوليد بْن هِشَام: أَخْبَرَنِي عمي عَنِ ابن شبرمة أنه قَالَ: لو وليت البصرة لقبضت أموالهم لأن عُمَر بْن الخطاب لم يقطع بها أحدا إلا أَبَا بكرة ونافع بْن الحارث ولم يقطع عُثْمَان بالبصرة إلا عِمْرَان بْن حصين، وابن عَامِر أقطعه داره، وحمران مولاه قَالَ: وقد أقطع زياد عِمْرَان قطيعة أيضا فيما يقال. وقال هِشَام بْن الكلبي: أول دار بنيت بالبصرة دار نافع بْن الحارث ثُمَّ دار معقل بْن يسار المزني وكان عُثْمَان بْن عَفَّان أخذ دار عثمان بن أبى العاصي الثقفي، وكتب أن يعطى أرضا بالبصرة فأعطى أرضه المعروفة بشط عُثْمَان بحيال الأبلة وكانت سبخة فاستخرجها وعمرها، وإلى عُثْمَان بْن أَبِي العاصي ينسب باب عُثْمَان بالبصرة، قَالُوا: كان حمران بن أبار للمسيب بْن نجبة الفزاري أصابه بعين التمر فابتاعه منه عُثْمَان بْن عَفَّان وعلمه الكتاب واتخذه كاتبا فوجد عليه لأنه كان وجهه للمسلمة عن ما رفع على الوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط فارتشى منه وكذب ما قيل فيه، فتيقن عُثْمَان صحة ذلك بعد فوجد عَلَيْهِ، وقال: لا يساكنني أبدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 وخيره بلدا يسكنه غير المدينة فاختار البصرة، وسأله أن يقطعه بها دارًا وذكر ذرعا كثيرا فاستكثره عُثْمَان وقال لابن عَامِر: اعطه دارا مثل بعض دورك فأقطعه داره الَّتِي بالبصرة، قَالُوا: ودار خَالِد بْن طليق الخزاعي القاضي كانت لأبي الجراح القاضي صاحب سجن ابن الزبير اشتراها له سلم بْن زياد، لأنه هرب من سجن ابن الزبير، قَالَ ابن الكلبي: سكة بني سمرة بالبصرة كان صاحبها عتبة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سمرة بْن حبيب بْن عَبْد شمس ابن عَبْد مناف، ومسجد عاصم نسب إِلَى عاصم أحد بني ربيعة بْن كلاب بْن ربيعة بْن عَامِر بْن صعصعة، ودار أَبِي نافع بالبصرة نسبت إِلَى أَبِي نافع مولى عَبْد الرَّحْمَنِ أَبِي بكرة. وقال القحذمي: كانت دار أَبِي يعقوب الخطابي لسحامة بْن عَبْد الرَّحْمَنِ ابن الأصم الغنوي مؤذن الحجاج. وهو ممن قاتل مع يزيد بْن المهلب فقتله مسلمة بْن عَبْد الملك يوم العقر. وهي إِلَى جانب دار المغيرة بْن شعبة، قَالُوا: ودار طارق نسبت إِلَى طارق بْن أبى بكرة وقبالتها خطة بن أبى العاصي الثقفي ودار زياد بْن عُثْمَان كان عُبَيْد اللَّه بْن زياد اشتراها لابن أخيه زياد بْن عُثْمَان وتليها الخطة الَّتِي منها دار بابة بنت أبى العاصي، وكانت دار سُلَيْمَان بْن علي لسلم ابن زياد فغلب عليها بلال بْن أَبِي بردة أيام ولايته البصرة لخالد بْن عَبْد اللَّهِ، ثُمَّ جاء سُلَيْمَان بْن علي فنزلها قَالُوا وكانت دار موسى بْن أَبِي المختار مولى ثقيف لرجل من بني دارم فأراد فيروز حصين ابتياعها منه بعشرة آلاف، فقال: ما كنت لا بيع جوارك بمائة ألف فأعطاه عشرة آلاف وأقر الدار في يده. وقال أَبُو الْحَسَن: أراد الدارمي بيع داره فقال أبيعها بعشرة آلاف درهم خمسة آلاف ثمنها وخمسة آلاف لجوار فيروز. فبلغ فيروز ذلك فقال: أمسك عليك دارك وأعطاه عشرة آلاف درهم. ودار ابن تبع نسبت إِلَى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن تبع الحميري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وكان عَلَى قطائع زياد، وكان دمون من أهل الطائف، فتزوج أبو موسى ابنته فولدت له أبا بردة، ولدمون خطة بالبصرة وله يقول أهل البصرة: الرفاء والبنون، وخبز وكمون، في بيت الدمون. وقال القحذمي وغيره: كان أول حمام اتخذ بالبصرة حمام عَبْد الله بن عثمان ابن أبى العاصي الثقفي، وهو موضع بستان سُفْيَان بْن معاوية الَّذِي بالخريبة وعند قصر عِيسَى بْن جَعْفَر، ثُمَّ الثاني حمام فيل مولى زياد، ثُمَّ الثالث حمام مُسْلِم ابن أَبِي بكرة في بلالاباذ، وهو الَّذِي صار لعمرو بْن مُسْلِم الباهلي، فمكثت البصرة دهرا وليس بها إلا هَذِهِ الحمامات. وحدثني المدائني قَالَ، قَالَ أَبُو بكرة لابنه مُسْلِم: يا بني والله ما تلي عملا وما أراك تقصر عن أخوتك فى المنفعة، فقال: إن كتمت على أخبرتك، قَالَ فإني أفعل، قَالَ: فإني أغتل من حمامي هَذَا في كل يوم ألف درهم وطعاما كثيرا، ثُمَّ أن مسلما مرض فأوصى إِلَى أخيه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكرة وأخبره بغلة حمامه، فأفشى ذلك واستأذن السلطان فى بناء حمام، وكانت الحمامات لا نبنى بالبصرة إلا بإذن الولاة فأذن له، فاستأذن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة فأذن له، واستأذن الحكم ابن أبى العاصي فأذن له، وأستأذن سياه الأسواري فأذن له، واستأذن الحصين ابن أَبِي الحر العنبري فأذن له واستأذنت ربطة بنت زياد فأذن لها، واستأذنت لبابة بنت أوفى الجرشي فأذن لها في حمامين أحدهما في أصحاب البقاء، والآخر في بني سَعْد، واستأذن المنجاب بْن راشد الضبي فأذن له. وأفاق مُسْلِم بْن أَبِي بكرة من مرضه وقد فسدت عَلَيْهِ غلة حمامه فجعل يلعن عَبْد الرَّحْمَنِ ويقول ما قطع اللَّه رحمه. قالوا: وكان فيل حاجب زياد ومولاه ركب معه أَبُو الأسود الدؤلي وأنس بْن زنيم. وكان عَلَى برذون هملاج وهما عَلَى فرسي سوء قطوفين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 فأدركهما الحسد، فقال أنس: أجزيا أَبَا الأسود قَالَ: هات، فقال: لعمر أبيك ما حمام كسرى ... عَلَى الثلثين من حمام فيل فقال أَبُو الأسود: وما أرقاصنا حول الموالي ... بسنتنا عَلَى عهد الرسول وقال أَبُو مفرغ لطلحة الطلحات وهو طلحة بْن عَبْد اللَّهِ بْن خلف: تمنيني طليحة ألف ألف ... لقد منيتني أملا بعيدا فلست لماجد حر ولكن ... لسمراء الَّتِي تلد العُبَيْدا ولو أدخلت في حمام فيل ... والبست المطارف والبرودا وقال بعضهم وقد حصرته الوفاة: يا رب قائلة يوما وقد لغبت ... كيف الطريق إِلَى حمام منجاب يعني حمام المنجاب بْن راشد الضبي وقال عَبَّاس مولى بني أسامة: ذكرت البند في حمام عَمْرو ... فلم أبرح إِلَى بعد العشاء وحمام بلج نسب إِلَى بلج بْن نشبة السعدي الَّذِي يقول له زياد: ومحترس من مثله وهو حارس وقال هِشَام بْن الكلبي قصر أوس بالبصرة نسب إِلَى أوس بْن ثعلبة بْن رقى أحد بني تيم اللَّه بْن ثعلبة بْن عكابة وهو من وجوه من كان بخراسان وقد تقلد بها أمورا جسيمة وهو الَّذِي مر بتدمر فقال في صنميها: فتأتى أهل تدمر حين آنى ... ألما تسأما طول القيام فكائن مر من دهر ودهر ... لأهلكما وعام بعد عام وقصر أنس نسب إِلَى أنس بْن مَالِك الأنصاري خادم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: والذي بنى منارة بني أسيد حسان بْن سَعْد منهم، والقصر الأحمر لعمرو بْن عتبة بْن أَبِي سُفْيَان وهو اليوم لآل عُمَر بْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 حفص بْن قبيصة بْن أَبِي صفرة، وقصر المسيرين كان لعبد الرَّحْمَنِ بْن زياد، وكان الحجاج سير عيال من خرج مع عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث الكندي إليه فحبسهم فيه، وهو قصر في جوف قصر ويتلوه قصر عُبَيْد اللَّه بْن زياد وإلى جانبه جوسق. قَالَ القحذمي: وقصر النواهق هُوَ قصر زياد سماه الشطار بذلك، وقصر النعمان كان للنعمان بْن صهبان الراسبي الَّذِي حكم بَيْنَ مضر وربيعة أيام مات يزيد بْن معاوية، قَالَ: وزاد عُبَيْد اللَّه بْن زياد للنعمان بْن صهبان في قصره هَذَا فقال: بئس المال هَذَا يا أَبَا حَاتِم إن كثر الماء غرقت، وإن قل عطشت فكان كما قَالَ: قل الماء فمات كل من ثُمَّ، وقصر زربى نسب إِلَى زربى مولى عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر، وكان قيما عَلَى خيله فكانت الدار لدوابه. وقصر عطية نسب إِلَى عطية الأنصاري، ومسجد بني عباد نسب إِلَى بني عباد بْن رضاء بْن شقرة بْن الحارث بْن تميم بْن مر، وكانت دار عَبْد اللَّهِ بْن خازم السلمي لعمته دجاجة أم عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر فأقطعته إياها وهو عَبْد اللَّهِ بْن خازم بْن أسماء بْن الصلت وهي دجاجة بنت أسماء. وحدثني المدائني عن أَبِي بكر الهذلي والعَبَّاس بْن هِشَام عن أبيه عن عوانة، قالا: قدم الأحنف بْن قيس عَلَى عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه في أهل البصرة فجعل يسألهم رجلا رجلا والأحنف في ناحية البيت في بت لا يتكلم فقال له عمر: أمالك حاجة؟ قَالَ: بلى يا أمير الْمُؤْمِنِين، أن مفاتح الخير بيد اللَّه وإن إخواننا من أهل الأمصار نزلوا منازل الأمم الخالية بَيْنَ المياه العذبة والجنان الملتفة، وإنا نزلنا سبخة بشاشة لا يجف نداها ولا ينبت مرعاها، ناحيتها قبل المشرق البحر الأجاج، ومن قبل المغرب الفلاة، فليس لنا زرع ولا ضرع تأتينا منافعنا وميرتنا فى مثل مريء النعامة، يخرج الرجل الضعيف فيستعذب الماء من فرسخين، وتخرج المرأة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 لذلك فتربق ولدها كما يربق العنز يخاف بادرة العدو وأكل السبع، فإلا ترفع خسيستنا، وتجبر فاقتنا نكن كقوم هلكوا، فألحق عُمَر ذراري أهل البصرة في العطاء، وكتب إِلَى أبى موسى يأمره أن يحفر لهم نهوا. فحدثني جماعة من أهل العلم، قَالُوا: كان لدجلة العوراء وهي دجلة البصرة خور، والخور طريق للماء لم يحفره أحد يجري فيه ماء الأمطار إليها ويتراجع ماؤها فيه عند المد وينضب في الجزر، وكان طوله قدر فرسخ، وكان لحده مما يلي البصرة غورة واسعة تسمى في الجاهلية الأجانة وسمته العرب في الإِسْلام الجزارة وهو عَلَى مقدار ثلاثة فراسخ منَ البصرة بالذرع الَّذِي يكون به نهر الأبلة كله أربعة فراسخ ومنه يبتدئ النهر الَّذِي يعرف اليوم بنهر الأجانة فلما أمر عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه أَبَا موسى الأشعري أن يحتفر لأهل البصرة نهرا ابتدأ الحفر منَ الأجانة وقادة ثلاثة فراسخ حَتَّى بلغ به البصرة فصار طول نهر الأبلة أربعة فراسخ. ثُمَّ إنه انطم منه ما بَيْنَ البصرة وبثق الحيرى وذلك عَلَى قدر فرسخ منَ البصرة. وكان زياد بْن أَبِي سُفْيَان واليا عَلَى الديوان وبيت المال من قبل عبد الله ابن عامر بن كريز، وعبد اللَّه يومئذ عَلَى البصرة من قبل عُثْمَان بْن عَفَّان، فأشار علي بْن عَامِر أن ينفذ حفر نهر الأبلة من حيث انطم حَتَّى يبلغ به البصرة، وكان يربث ذلك ويدافع به. فلما شخص بْن عَامِر إِلَى خراسان واستخلف زيادا أقر حفر أَبِي موسى الأشعري عَلَى حاله وحفر النهر من حيث انطم حَتَّى بلغ به البصرة، وولى ذلك عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكرة، فلما فتح عَبْد الرَّحْمَنِ الماء جعل يركض فرسه والماء يكاد يسقيه، وقدم ابن عَامِر من خراسان فغضب عَلَى زياد، وقال: إنما أردت أن تذهب بذكر النهر دوني فتباعد ما بينهما حتى ماتا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وتباعد بسببه ما بَيْنَ أولادهما، فقال يونس بْن حبيب النحوي: أنا أدركت ما بَيْنَ آل زياد وآل ابن عَامِر متباعدا. وحدثني الأثرم عن أَبِي عُبَيْدة، قَالَ: قاد أَبُو موسى الأشعري نهر الأبلة من موضع الأجانة إِلَى البصرة، وكان شرب الناس قبل ذلك من مكان يقال له دير قاووس فوهته في دجلة فوق الأبلة بأربعة فراسخ يجري في سباخ لا عمارة عَلَى حافاته، وكانت الأرواح تدفنه، قَالَ: ولما حفر زياد فيض البصرة بعد فراغه منَ إصلاح نهر الأبلة قدم ابن عامر من خراسان فلامه، وقال: أردت أن تذهب بشهرة هَذَا النهر وذكره، فتباعد ما بينهما وبين أهلهما بذلك السبب، وقال أَبُو عُبَيْدة: كان احتفاره الفيض من لدن دار فيل مولى زياد وحاجبه إِلَى موضع الجسر. وروى مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي وغيره أن عُمَر بْن الخطاب أمر أَبَا موسى بحفر النهر الآخر وأن يجريه عَلَى يد معقل بْن يسار المزني فنسب إليه، وقال الواقدي تُوُفِّيَ معقل بالبصرة في ولاية عُبَيْد اللَّه بْن زياد البصرة لمعاوية، وقال الوليد بْن هِشَام القحذمي، وعلي بْن مُحَمَّد بْن أَبِي سيف المدائني. كلم المنذر بْن الجارود العبدي معاوية بْن أَبِي سُفْيَان في حفر نهر ثار، فكتب إِلَى زياد فحفر نهر معقل، فقال قوم: جرى عَلَى يد معقل بْن يسار فنسب إليه، وقال آخرون: بل أجراه زياد عَلَى يد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكرة أو غيره، فلما فرغ منه وأرادوا فتحه بعث زياد معقل بْن يسار ففتحه تبركا به لأنه من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال الناس: نهر معقل، فذكر القحذمي أن زيادا أعطى رجلا ألف درهم، وقال له: أبلغ دجلة وسل عن صاحب هَذَا النهر من هُوَ، فإن قَالَ لك رجل: إنه نهر زياد فاعطه الألف، فبلغ دجلة ثُمَّ رجع فقال: ما لقيت أحدا إلا يقول: هُوَ نهر معقل، فقال زياد: «ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ من يَشاءُ» 5: 54 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 قالوا: ونهر دبيس نسب إِلَى رجل فصار يقال له دبيس كان يقصر الثياب عَلَيْهِ، وبثق الحيرى نسب إِلَى نبطي من أهل الحيرة، ويقال كان مولى لزياد، قَالُوا: وكان زياد لما بلغ بنهر معقل قبته الَّتِي يعرض فيها الجند رده إِلَى مستقبل الجنوب حَتَّى أخرجه إِلَى أصحاب الصدقة بالجبل فسمى ذلك العطف نهر دبيس، وحفر عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر نهره الَّذِي عند دار فيل، وهو الَّذِي يعرف بنهر الأساورة، وقال بعضهم: الأساورة حفروه، ونهر عَمْرو: نسب إِلَى عَمْرو بْن عتبة بْن أَبِي سُفْيَان، ونهر أم حبيب نسب إِلَى أم حبيب بنت زياد. وكان عَلَيْهِ قصر كثير الأبواب فسمى الهزاردر، وقال علي بْن مُحَمَّد المدائني: تزوج شيرويه الأسواري مرجانة أم عُبَيْد اللَّه بْن زياد فبنى لها قصرا فيه أبواب كثيرة فسمى هزاردر. وقال أَبُو الْحَسَن قَالَ قوم: سمى هزاردر لأن شيرويه اتخذ في قصره ألف باب، وقال بعضهم: نزل ذلك الموضع ألف أسوار في ألف بيت أنزلهم كسرى فقيل هزاردر، ونسب نهر حرب إِلَى حرب بْن سلم بْن زياد وكان عَبْد الأعلى بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر أدعى أن الأرض التي كانت عليه كانت لابن عَامِر وخاصم فيها حربا، فلما توجه القضاء لعبد الأعلى أتاه حرب فقال له: خاصمتك في هَذَا النهر وقد ندمت عَلَى ذلك وأنت شيخ العشيرة وسيدها فهو لك، فقال عَبْد الأعلى بْن عَبْد اللَّهِ: بل هُوَ لك فانصرف حرب فلما كان العشى جاء موالي عَبْد الأعلى ونصحاؤه فقالوا: والله ما أتاك حرب حَتَّى توجه لك القضاء عَلَيْهِ، فقال: والله لا رجعت فيما جعلت له أبدا، والنهر المعروف بيزيدان: نسب إِلَى يزيد بْن عُمَر الأسيدي صاحب شرطة عدي بْن أرطاة، وكان رجل أهل البصرة في زمانه. وقالوا: أقطع عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر بْن كريز عَبْد اللَّهِ بْن عمير بْن عَمْرو بْن مَالِك الليثي وهو أخوه لأمه دجاجة بنت أسماء بْن الصلت السلمية ثمانية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 آلاف جريب فحفر لها النهر الَّذِي يعرف بنهر ابن عميرة، قَالُوا: وكان عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر حفر نهر أم عَبْد اللَّهِ دجاجة ويتولاه غيلان بْن خرشة الضبي وهو النهر الَّذِي قَالَ حارثة بْن بدر الغداني لعبد اللَّه بْن عَامِر وقد سايره لم أر أعظم بركة من هَذَا النهر يستقى منه الضعفاء من أبواب دورهم ويأتيهم منافعهم فيه إِلَى منازلهم، وهو مغيض لمياههم، ثُمَّ أنه ساير زيادا بعد ذلك في ولايته فقال ما رأيت نهرا شرا منه ينز منه دورهم وببغضون له في منازلهم ويغرق فيه صبيانهم. وروى قوم أن غيلان بْن خرشة القائل هَذَا: والأول أثبت، ونهر سلم نسب إِلَى سلم بن زياد أَبِي سُفْيَان، وكان عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر حفر نهرا تولاه نافذ مولاه فغلب عَلَيْهِ فقيل نهر نافذ، وهو لآل الْفَضْل بْن عَبْد الرَّحْمَنِ ابن عَبَّاس بْن ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب، قَالَ أَبُو اليقظان: أقطع عُثْمَان بْن عَفَّان العَبَّاس بْن ربيعة بْن الحارث دارا بالبصرة وأعطاه مائة ألف درهم، وكان عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبَّاس يلقب رائض البغال لجودة ركوبه لها وتابعه الناس بعد هرب ابن الأشعث إِلَى سجستان فهرب منَ الحجاج، وطلحتان نهر طلحة ابن أَبِي نافع مولى طلحة بْن عُبَيْد اللَّه، ونهر حميدة نسب إِلَى امرأة من آل عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سمرة بْن حبيب بْن عَبْد شمس يقال حميد وهي امرأة عَبْد الْعَزِيزِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر، وخيرتان لخيرة بنت ضمرة القشيرية امرأة المهلب ولها مهلبان كان المهلب وهبه لها، ويقال: بل كان لها فنسب إِلَى المهلب وهي أم أَبِي عيينة ابنه، وجبيران لجبير بْن حية، وخلفان قطيعة عَبْد اللَّهِ بْن خلف الخزاعي أَبِي طلحة الطلحات، طليقان لآل عِمْرَان بْن حصين الخزاعي من ولد خَالِد بْن طليق بْن مُحَمَّد بْن عِمْرَان وكان خَالِد ولى قضاء البصرة. وقال القحذمى نهرمرة لابن عَامِر ولى حفره له مرة مولى أَبِي بكر الصديق فغلب عَلَى ذكره، وقال أَبُو اليقظان وغيره: نسب نهر مرة إِلَى مرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 ابن أَبِي عُثْمَان مولى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكر الصديق، وكان سريا سأل عائشة أم الْمُؤْمِنِين أن تكتب له إِلَى زياد وتبدأ به في عنوان كتابها فكتبت له إليه بالوصاية به وعنونته: إِلَى زياد بْن أَبِي سُفْيَان من عائشة أم الْمُؤْمِنِين، فلما رأى زياد أنها قَدْ كاتبته ونسبته إِلَى أَبِي سُفْيَان سر بذلك وأكرم مرة وألطفه، وقال للناس: هَذَا كتاب أم الْمُؤْمِنِين إلي فيه وعرضه عليهم ليقرءوا عنوانه، ثُمَّ أقطعه مائة جريب عَلَى نهر الأبلة وأمره فحفر لها نهرا فنسب إليه، وكان عُثْمَان بْن مرة من سراة أهل البصرة وقد خرجت القطيعة من أيدي ولده وصارت لآل الصفاق بْن حجر بْن بجير العقوي منَ الأزد. قَالُوا: ودرجاه جنك من أموال ثقيف، وإنما قيل له ذلك لمنازعات كانت فيه، وجنك بالفارسية صخب إنسان: نسب إِلَى أنس بْن مَالِك في قطيعة من زياد. نهر بشار نسب إِلَى بشار بْن مُسْلِم بْن عَمْرو الباهلي أخي قتيبة، وكان أهدى إِلَى الحجاج فرسا فسبق عَلَيْهِ فأقطعه سبعمائة جريب ويقال أربعمائة جريب فحفر لها النهر، ونهر فيروز نسب إِلَى فيروز حصين، ويقال إِلَى باشكار كان يقال له فيروز، وقال القحذمي: نسب إِلَى فيروز مولى ربيعة بْن كلدة الثقفي، ونهر العلاء نسب إِلَى العلاء بْن شريك الهذلي أهدى إِلَى عَبْد الملك شيئا أعجبه فأقطعه مائة جريب، ونهر ذراع نسب إِلَى ذراع النمري من ربيعة وهو أَبُو هارون بْن ذراع، ونهر حبيب نسب إِلَى حبيب ابن شهاب الشامي التاجر في قطيعة من زياد ويقال من عُثْمَان، ونهر أبى بكرة نسب إلى أبى بكرة بْن زياد. وحدثني العقوي الدلال قَالَ: كانت الجزيرة بَيْنَ النهرين سبخة فأقطعها معاوية بعض بني أخوته، فلما قدم الفتى لينظر إليها أمر زياد بالماء فأرسل فيها فقال الفتى: إنما أقطعني أمير الْمُؤْمِنِين بطيحة لا حاجة لي فيها فابتاعها زياد منه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 بمائتي ألف درهم وحفر أنهارها وأقطع منها روادان لرواد بْن أَبِي بكرة، ونهر الراء صيدت فيه سمكة تسمى الراء فسمى بها وعليه أرض حمران الَّذِي أقطعه إياها معاوية، نهر مكحول نسب إِلَى مكحول بْن عُبَيْد اللَّه الأحمسي وهو ابن عم شيبان صاحب مقبرة شيبان بْن عَبْد اللَّهِ الَّذِي كان عَلَى شرطة ابن زياد، وكان مكحول يقول الشعر في الخيل فكانت قطيعة من عَبْد الملك بْن مروان، وقال القحذمي نهر مكحول نسب إِلَى مكحول بْن عَبْد اللَّهِ السعدي. وقال القحذمي شط عُثْمَان اشتراه عُثْمَان بْن أبى العاصي الثقفي من عُثْمَان ابن عَفَّان بمال له بالطائف، ويقال أنه اشتراه بدار له بالمدينة فزادها عُثْمَان ابن عَفَّان في المسجد وأقطع عثمان بن أبى العاصي أخاه حفص بن أبى العاصي حفصان، وأقطع أبا أمية بن أبى العاصي أخاه أميتان، وأقطع الحكم بن أبى العاصي حكما، وأقطع أخاه المغيرة مغيرتان، قَالَ: فكان نهر الأرحاء لأبى عمرو بن أبى العاصي الثقفي. وقال المدائني: أقطع زياد في الشط الجموم وهي زيادان، وقال لعبد اللَّه ابن عُثْمَان إني لا أنفذ إلا ما عمرتم، وكان يقطع الرجل القطيعة ويدعه سنتين فإن عمرها وإلا أخذها منه، فكانت الجموم لأبي بكرة ثم صارت لعبد الرَّحْمَنِ ابن أَبِي بكرة، أزرقان نسب إِلَى الأزرق بْن مُسْلِم مولى بني حنيفة، ونسب محمدان إِلَى مُحَمَّد بْن علي بْن عُثْمَان الحنفي، زيادان نسب إِلَى زياد مولى بني الهيثم، وهو جد مؤنس بْن عِمْرَان بْن جميع بْن يسار وجد عِيسَى بْن عُمَر النحوي وحاجب بْن عُمَر لأمهما، ونهر أَبِي الخصيب نسب إِلَى أَبِي الخصيب مرزوق مولى المَنْصُور أمير الْمُؤْمِنِين، ونهر الأمير بالبصرة حفره المَنْصُور ثُمَّ وهبه لابنه جَعْفَر فكان يقال نهر أمير الْمُؤْمِنِين، ثُمَّ قيل نهر الأمير ثُمَّ ابتاعه الرشيد، وأقطع منه وباع ونهر ربا للرشيد نسب إِلَى سورجي والقرشي كان عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الأعلى الكريزي وعُبَيْد اللَّه بْن عُمَر بْن الحكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 الثقفي اختصما فيه ثُمَّ اصطلحا عَلَى أن أخذ كل واحد منهما نصفه فقيل القرشي والعربي، والقندل خور من أخوار دجلة سده سُلَيْمَان بْن علي وعليه قطيعة المنذر بْن الزبير بْن العوام وفيه نهر النعمان بْن المنذر صاحب أقطعه أيام كسرى وكان هناك قصر للنعمان، ونهر مقاتل نسب إِلَى مقاتل ابن جارية بْن قدامة السعدي، وعميران نسب إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عمير الليثي، وسيحان كان للبرامكة وهم سموه سيحان، والجوبرة صيد فيها الجوبرة فسميت بذلك، حصينان لحصين بْن أبى الحر العنبري، عبيد لان لعُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة، عُبَيْدان لعُبَيْد بن كعب النميري، منقذان لمنقذ بْن علاج السلمي، عَبْد الرحمانان كان لأبي بكرة بْن زياد فاشتراه أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ مولى هِشَام، ونافعان لنافع بْن الحارث الثقفي، وأسلمان لأسلم بْن زرعة الكلابي، وحمرانان لحمران بْن أبان مولى عُثْمَان، وقتيبتان لقتيبة بْن مُسْلِم، وخشخشان لآل الخشخاش العنبري. وقال القحذمي: نهر البنات بنات زياد أقطع كل بنت ستين جريبا وكذلك كان يقطع العامة، وقال: أمر زياد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن تبع الحميري، وكان عَلَى قطائعه أن يقطع نافع بْن الحارث الثقفي ما مشى فمشى فانقطع شسعه فجلس، فقال حسبك، فقال: لو علمت لمشيت إِلَى الأبلة فقال: دعني حَتَّى أرمي بنعلي فرمى بها حَتَّى بلغت الأجانة، سعيدان لآل سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عباد بْن أسيد وكانت سُلَيْمَانان قطيعة لعُبَيْد بْن قسيط صاحب الطوف أيام الحجاج فرابط بها رجل منَ الزهاد يقال له سُلَيْمَان بْن جابر فنسبت إليه، وعمران لعمر بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر التيمي، وفيلان لفيل مولى زياد، وخالدان نسب إِلَى خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد بْن أَبِي العيص بْن أمية، نهر يزيد الأباضي وهو يزيد بْن عَبْد اللَّهِ الحميري، المسمارية قطيعة مسمار مولى زياد وله بالكوفة ضيعة، قَالَ القحذمي وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 بلال بْن أَبِي بردة الَّذِي فتق نهر معقل في فيض البصرة، وكان قبل ذلك مكسورا يفيض إِلَى القبة الَّتِي كان زياد يعرض فيها الجند واحتفر بلال نهر بلال وجعل على جنبتيه حوانت ونقل إليها السوق وجعل ذلك ليزيد بْن خَالِد القسري، قَالُوا: وحفر بشير بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة المرغاب وسماه باسم مرغاب مرو، وكانت القطيعة الَّتِي فيها المرغاب لهلال بْن أحوز المازني أقطعه إياها يزيد بْن عَبْد الملك وهي ثمانية آلاف جريب فحفر بشير المرغاب والسواقي والمعترضات بالتغلب وقال هَذِهِ قطيعة لي وخاصمه حميري بْن هلال فكتب خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ القسري إِلَى مَالِك بْن المنذر بْن الجارود وهو عَلَى أحداث البصرة أن خل بَيْنَ الحميري وبين المرغاب وأرضه، وذلك أن بشيرا أشخص إِلَى خَالِد فتظلم فقبل قوله، وكان عَمْرو بْن يزيد الأسيدي يعنى بحميري ويعينه فقال لمالك بْن المنذر أصلحك اللَّه ليس هَذَا خل إنما هو حل بَيْنَ حميري وبين المرغاب، قَالَ: وكانت لصعصعة بْن معاوية عم الأحنف قطيعة بحيال المرغاب وإلى جنبها فجاء معاوية بْن معاوية معينا لحميري، فقال بشير هَذَا مسرح إبلنا وبقرنا وحميرنا ودوابنا وغنمنا فقال معاوية: أمن أجل تلط بقرة عقفاء وأتان وديق تريد أن تغلبنا عَلَى حقنا، وجاء عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي عُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد فقال: أرضنا وقطيعتنا فقال له معاوية أسمعت بالذي تخطى النار فدخل اللهب في أسته فأنت هُوَ، قَالُوا: وكانت سويدان لعُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة قطيعة مبلغها أربعمائة جريب فوهبها لسويد بْن منجوف السدوسي، وذلك أن سويدا مرض وعاده ابن أَبِي بكرة فقال له كيف تجدك، قَالَ صالحا إن شئت قَالَ: قَدْ شئت فما ذاك، قَالَ: إن أعطيتني مثل الَّذِي أعطيت ابن معمر فليس علي بأس فأعطاه سويدان فنسبت إليه. قَالَ المدائني: حفر يزيد بْن المهلب نهر يزيد في قطيعة لعُبَيْد اللَّه بْن أبى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 بكرة، فقال لبشير بْن عُبَيْد اللَّه اكتب لي كتابا بأن هَذَا النهر في حقي، قَالَ: لا ولئن عزلت لأخاصمنك، جبران لآل كلثوم بْن جبر نهر ابن أَبِي برذعة نسب إِلَى أَبِي برذعة بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة، والمسرقانان قطيعة لآل أَبِي بكرة وأصلها مائة جريب فمسحها مساح المَنْصُور ألف جريب فأقروا في أيدي آل أَبِي بكرة منها مائة وقبضوا الباقي، قطيعة هميان لهميان بْن عدي السدوسي، كثيران لكثير بْن سيار، بلالان لبلال بْن أَبِي بردة كانت القطيعة لعباد بْن زياد فاشتراها، شبلان لشبل بْن عميرة بْن يثربي الضبي، نهر سلم نسب إِلَى سلم بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة، النهر الرباحي نسب إِلَى رباح مولى آل جدعان، سبخة عائشة إِلَى عائشة بنت عَبْد اللَّهِ بْن خلف الخزاعي، قَالُوا: واحتفر كثير بْن عَبْد اللَّهِ السلمي وهو أَبُو العاج عامل يوسف بْن عُمَر الثقفي عَلَى البصرة نهرا من نهر ابن عتبة إِلَى الخستل فنسب إليه، نهر أَبِي شداد نسب إِلَى أَبِي شداد مولى زياد، بثق سيار لفيل مولى زياد ولكن القيم عَلَيْهِ كان سيار مولى بني عقيل فغلب عَلَيْهِ أرض الأصبهانيين شرا من بعض العرب، وكان هؤلاء الأصبهانيون قوما أسلموا وهاجروا إِلَى البصرة، ويقال أنهم كانوا مع الأساورة الَّذِينَ صاروا بالبصرة، ودار ابن الأصبهاني بالبصرة نسبت إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الأصبهاني وكان له أربعمائة مملوك لقى المختار مع مصعب وهو عَلَى ميمنته. حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن بعض آل الأهتم، قَالَ: كتب يزيد ابن عَبْد الملك إِلَى عُمَر بْن هبيرة أنه ليست لأمير الْمُؤْمِنِين بأرض العرب خرصة فسر عَلَى القطائع فخذ فضولها لأمير الْمُؤْمِنِين فجعل عُمَر يأتي القطيعة فيسأل عنها ثُمَّ يمسحها حَتَّى وقف عَلَى أرض، فقال: لمن هَذِهِ فقال صاحبها لي فقال ومن أين هي لك فقال: ورثناهن عن أباء صدق ... ويورثها إذا متنا بنينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 قَالَ: ثُمَّ أن الناس ضجوا من ذلك فأمسك، قَالُوا: صلتان نسب إِلَى الصلت بْن حريث الحنفي، وقاسمان قطيعة الْقَاسِم بْن عَبَّاس بْن ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب ورثه إياها أخوه عون، ونهر خالدان الأجمة لآل خَالِد بْن أسيد وآل أَبِي بكرة ونهر ماسوران كان فيه رجل شرير يسعى بالناس ويبحث عليهم فنسب النهر إليه، والماسور بالفارسية الجرير الشرير، جبيران أيضا، قطيعة جبير بْن أَبِي زيد من بني عَبْد الدار، معقلان قطيعة معقل بْن يسار من زياد، وولده يقولون: من عمرو لم يقطع عُمَر أحدا عَلَى النهرين، جندلان لعُبَيْد اللَّه بْن جندل الهلالي، نهر التوت قطيعة عبد الله ابن نافع بْن الحارث الثقفي وقال القحذمي: كان نهر سُلَيْمَان بْن علي لحسان ابن أَبِي حسان النبطي، والنهر الغوثي كان عَلَيْهِ صاحب مسلحة يقال له غوث فنسب إليه، وقال بعضهم جعل مغيثا للمرغاب فسمى الغوث ذات الحفافين عَلَى نهر معقل، ودجلة كانت لعبد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكرة فاشتراها عربي التمار مولى أمة اللَّه بنت أَبِي بكرة، نهر أبى سبرة الهذلي، قطيعة حريانان قطيعة حرب بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الحكم بن أبى العاصي، قطيعة الحباب للحباب بْن يزيد المجاشعي، نهر جَعْفَر كان لجَعْفَر مولى سلم ابن زياد، وكان خراجيا، بثق شيرين نسب إِلَى شيرين امرأة كسرى ابن هرمز. وقال القحذمي والمدائني: كانت مهلبان الَّتِي تعرف في الديوان بقطيعة عُمَر بْن هبيرة لعمر بْن هبيرة أقطعه إياها يزيد بْن عَبْد الملك حين قبض مال يزيد بْن المهلب وأخوته وولده وكانت للمغيرة بْن المهلب وفيها نهر كان زادان فروخ حفره فعرف به وهي اليوم لآل سُفْيَان بْن معاوية بْن يزيد بْن المهلب رفع إِلَى أَبِي العَبَّاس أمير الْمُؤْمِنِين فيها فأقطعه إياها فخاصمه آل المهلب فى أمرها فقال: كانت المغيرة فقالوا: نحن نجيز ذلك مات المغيرة بْن المهلب قبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 أبيه فورثت ابنته النصف فلك ميراثك من أمك ورجع الباقي إِلَى أبيه فهو بَيْنَ الورثة. قَالَ: وللمغيرة ابن. قَالُوا: ومالك ولابن المغيرة؟ أنت لا ترثه! إنما هُوَ خالك فلم يعطهم شيئا وهي ألف وخمسمائة جريب. كوسجان نسب إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو الثقفي الكوسج. وقال المدائني: كانت كوسجان لأبي بكرة فخاصمه أخوه نافع فخرجا إليها وكل واحد منهما يدعيها وخرج إليها عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو الكوسج فقال لهما: أراكما تختصمان فحكماني فحكماه. فقال: قَدْ حكمت بها لنفسي فسلماها له. قَالَ: ويقال أنه لم يكن للوسج شرب فقال لأبي بكرة ونافع: اجعلا لي شربا بقدر وثبة فأجاباه إِلَى ذلك فيقال أنه وثب ثلاثين ذراعا. قَالُوا: وبالفرات أرضون أسلم أهلها عليها حين دخلها المسلمون وأرضون خرجت من أيدي أهلها إِلَى قوم مسلمين بهبات وغير ذلك من أسباب الملك فصيرت عشرية وكانت خراجية فردها الحجاج إِلَى الخراج. ثُمَّ ردها عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى الصدقة. ثُمَّ ردها عُمَر بْن هبيرة إِلَى الخراج. فلما ولى هِشَام بْن عَبْد الملك رد بعضها إِلَى الصدقة. ثُمَّ أن المهدي أمير الْمُؤْمِنِين جعلها كلها من أراضي الصدقة. وقال جَعْفَر: إن كان لأم جَعْفَر بنت مجزأة بْن ثور السدوسي امرأة أسلم صاحب أسلمان. قَالَ القحذمي: حدثني أرقم بْن إِبْرَاهِيم أنه نظر إِلَى حسان النبطي يشير منَ الجسر، ومعه عَبْد الأعلى بْن عَبْد اللَّهِ بحوز كل شيء من حد نهر الفيض لولد هِشَام بْن عَبْد الملك، فلما بلغ دار عَبْد الأعلى رفع الذرع. فلما كانت الدولة المباركة قبض ذلك أجمع فوقف أَبُو جَعْفَر الجبان فيما وقف عَلَى أهل المدينة وأقطع المهدى العباسة ابنته امرأة مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان الشرقي عبادان قطيعة لحمران بْن أبان مولى عُثْمَان من عَبْد الملك بْن مروان وبعضها فيما يقال من زياد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 وكان حمران من سبى عين التمر يدعى أنه منَ التمر بْن قاسط فقال الحجاج ذات يوم وعنده عباد بْن حصين الحبطي: ما يقول حمران لئن أنتمي إِلَى العرب ولم يقل أن أباه أبى وأنه مولى لعثمان لأضربن عنقه، فخوج عباد من عند الحجاج مبادرا فأخبر حمران بقوله، فوهب له غربي النهر وحبس الشرقي فنسب إِلَى عباد بْن الحصين، وقال: هِشَام بْن الكلبي: كان أول من رابط بعبادان عباد بْن الحصين، قَالَ: وكان الربيع بْن صبح الفقيه وهو مولى بني سَعْد جمع مالا من أهل البصرة فحصن به عبادان ورابط فيها، والربيع يروي عَنِ الْحَسَن البصري، وكان خرج غازيا إِلَى الهند في البحر فمات فدفن في جزيرة منَ الجزائر في سنة ستين ومائة. قَالَ القحذمي: خالدان القصر، وخالدان هبساء كانا لخالد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد، وخالدان ليزيد بْن طلحة الحنفي ويكنى أَبَا خَالِد، قَالَ: ونهر عدي كان خورا من نهر البصرة حَتَّى فتقه عدي بْن أرطاة الفزاري عامل عُمَر ابن عَبْد الْعَزِيزِ من بثق شيرين، قَالَ: وكان سُلَيْمَان أقطع يزيد بْن المهلب ما اعتمل منَ البطيحة فاعتمل الشرقي والجبان والخست والريحية ومغيرتان وغيرها فصارت حوزا فقبضها يزيد بْن عَبْد الملك ثُمَّ أقطعها هِشَام ولده ثُمَّ حيزت بعده. قَالَ القحذمي: وكان الحجاج أقطع خيرة بنت ضمرة القشيرية امرأة المهلب عَبَّاسان فقبضها يزيد بْن عَبْد الملك فأقطعها العَبَّاس بْن الوليد بْن عَبْد الملك، ثُمَّ قبضت فأقطعها أَبُو العَبَّاس أمير الْمُؤْمِنِين سُلَيْمَان بْن علي، قَالَ: وكانت الْقَاسِمية مما نضب عنه الماء فأفتعل الْقَاسِم بْن سُلَيْمَان مولى زياد كتابا ادعى أنه من يزيد بْن معاوية بإقطاعه إياها، الخالية لخالد بْن صفوان بن الأهتم كانت للقاسم بن سليمان المالكية لمالك بن المنذر بن الجارود، الحَاتِمية لحَاتِم بْن قبيصة بْن المهلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 حدثني جماعة من أهل البصرة. قَالُوا: كتب عدي بْن أرطاة إِلَى عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ وأمر أهل البصرة أن يكتبوا في حفر نهر لهم فكتب إليه وَكِيع ابن أَبِي سود التميمي. أنك إن لم تحفر لنا نهرا فما البصرة لنا بدار، ويقال: أن عديا التمس في ذلك الأضرار ببهز بْن يزيد بْن المهلب فنفعه. قَالُوا فكتب عُمَر يأذن له في حفر نهر فحفر نهر عدي وخرج الناس ينظرون إليه فحمل عدي الْحَسَن البصري عَلَى حمار كان عَلَيْهِ وجعل يمشي. قَالُوا: ولما قدم عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ عاملا عَلَى العراق من قبل يزيد بْن الوليد أتاه أهل البصرة فشكوا إليه ملوحة مائهم. وحملوا إليه قارورتين في أحدهما ماء البصرة وفي الأخرى ماء من ماء البطيحة فرأى بينهما فصلا فقالوا: إنك إن حفرت لنا نهرا شربنا من هَذَا العذب. فكتب بذلك إِلَى يزيد فكتب إليه يزيد أن بلغت نفقة هَذَا النهر خراج العراق ما كان في أيدينا فانفقه عَلَيْهِ. فحفر النهر الَّذِي يعرف بنهر عَمْرو. قَالَ رجل ذات يوم في مجلس بن عمرو الله أنى أحسب نفقة هذا النهر تبلغ ثلاثمائة ألف أو أكثر فقال ابن عُمَر. لو بلغت خراج العراق لأنفقته عَلَيْهِ. قَالُوا. وكانت الولاة والأشراف بالبصرة يستعذبون الماء من دجلة ويحتفرون الصهاريج. وكان للحجاج بها صهريج معروف يجتمع فيه ماء المطر وكان لابن عَامِر وزياد وابن زياد صهاريج يبيحونها الناس. قَالُوا: وبنى المَنْصُور رحمه اللَّه بالبصرة في دخلته الأولى قصره الَّذِي عند الحبس الأكبر وذلك في سنة اثنتين وأربعين ومائة وبنى في رحلته الثانية المصلى بالبصرة وقال القحذمى: الحبس الأكبر إسلامي، قَالُوا: ووقف مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن علي ضيعة له عَلَى أحواض اتخذها بالبصرة فغلتها تنفق عَلَى دواليبها وإبلها ومصلحتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 وحدثني روح بْن عَبْد المؤمن عن عمه أَبِي هِشَام عن أبيه، قَالَ: وفد أهل البصرة عَلَى ابن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ بواسط فسألوه حفر نهر لهم فحفر لهم نهر ابن عُمَر، وكان الماء الَّذِي يأتي نزرا قليلا، وكان عظم ماء البطيحة يذهب في نهر الدير، فكان الناس يستعذبون منَ الأبلة حَتَّى قدم سُلَيْمَان بْن علي البصرة واتخذ المغيثة وعمل مسنياتها عَلَى البطيحة فحجز الماء عن نهر الدبر وصرفه إلى نهر ابن عمرو أنفق عَلَى المغيثة ألف ألف درهم، فقال: شكا أهل البصرة إِلَى سُلَيْمَان ملوحة الماء وكثرة ما يأتيهم من ماء البحر فسكر القندل فعذب ماؤهم قَالَ: واشترى سُلَيْمَان بْن علي موضع السجن من ماله في دار ابن زياد فجعله سجنا وحفر الحوض الَّذِي في الدهناء وهي رحبة بني هاشم. وحدثني بعض أهل العلم بضياع البصرة، قَالَ: كان أهل الشعيبية منَ الفرات جعلوها لعلي بْن أمير الْمُؤْمِنِين الرشيد في خلافة الرشيد عَلَى أن يكونوا مزارعين له فيها ويخفف مقاسمتهم فتكلم فيها فجعلت عشرية منَ الصدقة وقاسم أهلها عَلَى ما رضوا به وقام له بأمرها شعيب بْن زياد الواسطي الَّذِي لبعض ولده دار بواسط عَلَى دجلة فنسبت إليه. وحدثني عدة منَ البصريين منهم روح بْن عَبْد المؤمن، قَالُوا لما اتخذ سُلَيْمَان بْن علي المغيثة أحب المَنْصُور أن يستخرج ضيعة منَ البطيحة فأمر باتخاذ السبيطة فكره سُلَيْمَان بْن علي وأهل البصرة ذلك، واجتمع أهل البصرة إِلَى باب عَبْد اللَّهِ بْن علي وهو يومئذ عند أخيه سُلَيْمَان هاربا منَ المَنْصُور فصاحوا يا أمير الْمُؤْمِنِين انزل إلينا نبايعك، فكفهم سُلَيْمَان وفرقهم وأوفد إِلَى المَنْصُور سوار بْن عَبْد اللَّهِ التميمي ثُمَّ العنزي وداود بْن أَبِي هند مولى بني بشير وسعيد بْن أَبِي عروبة واسم أَبِي عروبة بهران فقدموا عَلَيْهِ ومعهم صورة البطيحة فأخبروه أنهم يتخوفون أن يملح ماءهم، فقال: ما أراه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 كما ظننتم وأمر بالامساك، ثُمَّ أنه قدم البصرة فأمر باستخراج السبيطية فاستخرجت له فكانت منها أجمة لرجل منَ الدهاقين يقال له سبيط، فحبس عنه الوكيل الَّذِي قلد القيام بأمر الضية واستخراجها بعض ثمنها وضربه فلم يزل عَلَى باب المَنْصُور يطالب بما بقي له من ثمن أجمعته ويختلف في ذلك إِلَى ديوانه حَتَّى مات فنسبت الضيعة إليه بسبب أجمته فقيل السبيطية. وقالوا قنطرة قرة بالبصرة نسبت إِلَى قرة بْن حيان الباهلي، وكان عندها نهر قديم ثُمَّ اشترته أم عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر فتصدقت به مغيضا لأهل البصرة وابتاع عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر السوق فتصدق به، قَالُوا ومر عُبَيْد اللَّه بْن زياد يوم نعي يزيد بْن معاوية عَلَى نهر أم عَبْد اللَّهِ فإذا هُوَ بنخل فأمر به فعقر، وهدم حمام حمران بْن أبان وموضعه اليوم يعمل فيه الرباب. قَالُوا: ومسجد الحامرة نسب إِلَى قوم قدموا اليمامة عجم من عمان ثُمَّ صاروا منها إِلَى البصرة عَلَى حمير فأقاموا بحضرة هَذَا المسجد، وقال بعضهم بنوه ثُمَّ جدد بعد. وحدثني علي الأثرم عن أَبِي عُبَيْدة عن أَبِي عمرو بْن العلاء، قَالَ: كان قيس بْن مَسْعُود الشيباني عَلَى الطف من قبل كسرى فهو اتخذ المنجشانية عَلَى ستة أميال منَ البصرة وجرت عَلَى يد عضروط يقال له منجشان فنسبت إليه، قَالَ: وفوق ذلك روضة الخيل كانت مهارته ترعى فيها. وقال ابن الكلبي: نسب الماء الذي يعرف بالحوءب إِلَى الحوءب بنت كلب بْن وبرة، وكانت عند مر بْن أد بْن طابخة، ونسب حمى ضرية إِلَى ضرية بنت ربيعة بْن نزار وهي أم حلوان بْن عِمْرَان بْن الحاف بْن قضاعة، قَالُوا نسب حلوان إِلَى حلوان هذا . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 أمر الأساوة والزط حدثني جماعة من أهل العلم، قَالُوا: كان سياه الأسواري عَلَى مقدمة يزدجرد، ثُمَّ أنه بعث به إِلَى الأهواز فنزل الكلبانية وأبو موسى الأشعري محاصر السوس، فلما رأى ظهور الإِسْلام وعز أهله وأن السوس قَدْ فتحت والأمداد متتابعة إِلَى أَبِي موسى أرسل إليه: إنا قَدْ أحببنا الدخول معكم في دينكم عَلَى أن نقاتل عدوكم منَ العجم معكم وعلى أنه إن وقع بينكم اختلاف لم نقاتل بعضكم مع بعض، وعلى أنه أن قاتلنا العرب منعتمونا منهم وأعنتمونا عليهم، وعلى أن ننزل بحيث شئنا منَ البلدان ونكون فيمن شئنا منكم، وعلى أن نلحق بشرف العطاء ويعقد لنا بذلك الأمير الَّذِي بعثكم، فقال أَبُو موسى بل لكم ما لنا وعليكم ما علينا، قَالُوا لا نرضى، فكتب أَبُو موسى بذلك إِلَى عُمَر فكتب إليه عُمَر، أن أعطهم جميع ما سألوا، فخرجوا حَتَّى لحقوا بالمسلمين وشهدوا مع أَبِي موسى حصار تستر فلم يظهر منهم نكاية، فقال لسياه يا عون ما أنت وأصحابك كما كنا نظن، فقال له أَخْبَرَك أنه ليست بصائرنا كبصائركم ولا لنا فيكم حرم نخاف عليها ونقاتل، وإنما دخلنا في هَذَا الدين في بدء أمرنا تعوذا وإن كان اللَّه قَدْ رزق خيرا كثيرا، ثُمَّ فرض لهم في شرف العطاء، فلما صاروا إِلَى البصرة سألوا أي الأحياء أقرب نسبا إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقيل: بنو تميم وكانوا عَلَى أن يحالفوا الأزد فتركوهم وحالفوا بنى تميم، ثم خطت لهم خططهم فنزلوا وحفروا نهرهم وهو يعرف بنهر الأساورة، ويقال أن عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر حفره. وقال أَبُو الْحَسَن المدائني: أراد شيرويه الأسواري أن ينزل في بكر بْن وائل مع خَالِد بْن معمر وبنى سدوس فأبى سياه ذلك فنزلوا في بني تميم ولم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 يكن يومئذ الأزد بالبصرة ولا عَبْد شمس، قَالَ فانضم إِلَى الأساورة السيابجة وكانوا قبل الإِسْلام بالسواحل وكذلك الزط وكانوا بالطفوف يتتبعون الكلأ فلما اجتمعت الأساورة والزط والسيابجة تنازعتهم بنو تميم فرغبوا فيهم فصارت الأساورة في بني سَعْد والزط والسيابجة في بني حنظلة فأقاموا معهم يقاتلون المشركين وخرجوا مع ابن عَامِر إِلَى خراسان ولم يشهدوا معهم الجمل وصفين ولا شيئا من حروبهم حَتَّى كان يوم مَسْعُود، ثُمَّ شهدوا بعد يوم مَسْعُود الربذة، وشهدوا أمر ابن الأشعث معه فأضربهم الحجاج فهدم دورهم وحط أعطياتهم وأجلى بعضهم، وقال: كان في شرطكم أن لا تعينوا بعضنا عَلَى بعض. وقد روي: أن الأساورة لما انحازوا إِلَى الكلبانية وجه أَبُو موسى إليهم الزبير بْن زياد الحارثي فقاتلهم، ثُمَّ أنهم استأمنوا عَلَى أن يسلموا ويحاربوا العدو ويحالفوا من شاءوا وينزلوا بحيث أحبوا، قَالُوا: وانحاز إِلَى هؤلاء الأساورة قوم من مقاتلة الفرس ممن لا أرض له فلحقوا بهم بعد أن وضعت الحرب أوزارها في النواحي فصاروا معهم ودخلوا في الإِسْلام. وقال المدائني: لما توجه يزدجرد إلى أصبهان دعا سياه فوجه إِلَى اصطخر في ثلاثمائة فيهم سبعون رجلا من عظمائهم وأمره أن ينتخب من أحب من أهل كل بلد ومقاتلته، ثُمَّ اتبعه يزدجرد، فلما صار باصطخر وجهه إِلَى السوس وأبو موسى محاصر لها، ووجهه الهرمزان إِلَى تستر فنزل سياه الكلبانية، وبلغ أهل السوس أمر يزدجرد وهربه فسألوا أَبَا موسى الصلح فصالحهم فلم يزل سياه مقيما بالكلبانية حَتَّى سار أَبُو موسى إِلَى تستر فتحول سياه فنزل بَيْنَ رامهرمز وتستر حَتَّى قدم عمار فجمع سياه الرؤساء الَّذِينَ خرجوا معه من أصبهان، فقال: قَدْ علمتم بما كنا نتحدث به من أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 هؤلاء القوم سيغلبون عَلَى هَذِهِ المملكة ويروا دوابهم في إيوان اصطخر وأمرهم في الظهور عَلَى ما ترون فانظروا لأنفسكم وادخلوا في دينهم فأجابوه إِلَى ذلك فوجه شيرويه في عشرة إِلَى أَبِي موسى فأخذوا ميثاقا عَلَى ما وصفنا منَ الشرط وأسلموا. وحدثني غير المدائني عن عوانة، قَالَ: حالفت الأساورة الأزد ثُمَّ سألوا عن أقرب الحيين منَ الأزد وبني تميم نسبا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخلفاء وأقربهم مددا فقيل بنو تميم فحالفوهم وسيد بني تميم يومئذ الأحنف بْن قيس وقد شهد وقعة الربذة أيام ابن الزبير جماعة منَ الأساورة فقتلوا خلقا بعدتهم منَ النشاب ولم يخطئ لأحد منهم رمية، وأما السيابجة والزط والاندغار فإنهم كانوا في جند الفرس ممن سبوه وفرضوا له من أهل السند ومن كان سبيا من أولى الغزاة، فلما سمعوا بما كان من أمر الأساورة أسلموا وأتوا أَبَا موسى فأنزلهم البصرة كما أنزل الأساورة. وحدثني روح بْن عَبْد المؤمن، قَالَ حدثني يعقوب بْن الحضرمي عن سلام، قَالَ: أتى الحجاج بخلق من زط السند وأصناف ممن بها منَ الأمم معهم أهلوهم وأولادهم وجواميسهم فأسكنهم بأسافل كسكر، قال روح: فغلبوا عَلَى البطيحة وتناسلوا بها، ثُمَّ أنه ضوى إليهم قوم من أباق العُبَيْد وموالي باهلة وخولة مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن علي وغيرهم، فشجعوهم عَلَى قطع الطريق ومبارزة السلطان بالمعصية، وإنما كانت غايتهم قبل ذلك أن يسألوا الشيء الطفيف ويصيبوا غرة من أهل السفينة فيتناولوا منها ما أمكنهم اختلاسه، وكان الناس في بعض أيام المأمون قَدْ تحاموا الاجتياز بهم وانقطع عن بغداد جميع ما كان يحمل إليها منَ البصرة في السفن فلما استخلف المعتصم بالله تجرد لهم، وولى محاربتهم رجلا من أهل خراسان يقال له عجيف بْن عنبثة، وضم إليه من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 القواد والجند خلقا ولم يمنعه شيئا طلبه منَ الأموال، فرتب بَيْنَ البطائح ومدينة السلام خيلا مضمرة ملهوبة الأذناب، وكانت أخبار الزط تأتيه بمدينة السلام فى ساعات من النهار أو أول الليل وأمر عجيفا فسكر عنهم الماء بالمؤن العظام حَتَّى أخذوا فلم يشذ منهم أحد وقدم بهم إِلَى مدينة السلام في الزواريق فجعل بعضهم بخانقين وفرق سائرهم في عين زربة والثغور. قَالُوا: وكانت جماعة السيابجة موكلين ببيت مال البصرة، يقال أنهم أربعون، ويقال أربعمائة، فلما قدم طلحة بْن عُبَيْد اللَّه والزبير بْن العوام البصرة وعليها من قبل علي بْن أَبِي طالب عُثْمَان بْن حنيف الأنصاري أبوا أن يسلموا بيت المال إِلَى قدوم علي رضي اللَّه عنه فأتوهم في السحر فقتلوهم وكان عَبْد اللَّهِ بْن الزبير المتولي لأمرهم في جماعة تسرعوا إليهم معه، وكان عَلَى السيابجة يومئذ أَبُو سالمة الزطي، وكان رجلا صالحا، وقد كان معاوية نقل منَ الزط والسيابجة القدماء إِلَى سواحل الشام وأنطاكية بشرا، وقد كان الوليد بْن عَبْد الملك نقل قوما منَ الزط إِلَى انطاكية وناحيتها. قَالُوا: وكان عُبَيْد اللَّه بْن زياد سبى خلقا من أهل بخارى ويقال بل نزلوا عَلَى حكمه، ويقال بل دعاهم إِلَى الأمان والفريضة فنزلوا عَلَى ذلك ورغبوا فيه فأسكنهم البصرة، فلما بنى الحجاج مدينة واسط نقل كثيرا منهم إليها فمن نسلهم اليوم بها قوم منهم خَالِد الشاطر المعروف بابن مارقلى، قَالَ ولإندغار من ناحية كرمان مما يلي سجستان . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 فتح كور الأهواز قَالُوا: غزا المغيرة بْن شعبة سوق الأهواز في ولايته حين شخص عتبة بْن غزوان منَ البصرة في آخر سنة خمس عشرة وأول سنة ست عشرة فقاتله البيرواز دهقانها ثُمَّ صالحه عَلَى مال ثُمَّ أنه نكث، فغزاها أَبُو موسى الأشعري حين ولاه عُمَر بْن الخطاب البصرة بعد المغيرة، فافتتح سوق الأهواز عنوة وفتح نهرتيرى عنوة، وولى ذلك بنفسه في سنة سبع عشرة. وقال أَبُو مخنف والواقدي في روايتهما: قدم أَبُو موسى البصرة فاستكتب زيادا، واتبعه عُمَر بْن الخطاب بعمران بْن الحصين الخزاعي وصيره عَلَى تعليم الناس الفقه والقرآن، وخلافة أَبِي موسى إذا شخص عَنِ البصرة، فسار أَبُو موسى إِلَى الأهواز، فلم يزل يفتح رستاقا رستاقا ونهرا نهرا، والأعاجم تهرب من بين يديه فغلب على جمع أرضها إلا السوس، وتستر ومناذر، ورامهرمز. وحدثني الوليد بْن صالح، قَالَ: حدثني مرحوم العطار عن أبيه عن شويس العدوي، قَالَ: أتينا الأهواز وبها ناس منَ الزط والأساورة فقاتلناهم قتالا شديدا فظفرنا بهم فأصبنا سبيا كثيرا اقتسمناهم، فكتب إلينا عُمَر أنه لا طاقة لكم بعمارة الأرض فخلوا ما في أيديكم منَ السبي واجعلوا عليهم الخراج فرددنا السبي ولم نملكهم. قَالُوا: وسار أَبُو موسى إِلَى مناذر، فحاصر أهلها فاشتد قتالهم فكان المهاجر بْن زياد الحارثي أخو الربيع بْن زياد بْن الديان في الجيش فأراد أن يشري نفسه وكان صائما، فقال الربيع لأبي موسى: أن المهاجر عزم عَلَى أن يشري نفسه وهو صائم، فقال أَبُو موسى: عزمت عَلَى كل صائم أن يفطر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 أولا يخرج إِلَى القتال، فشرب المهاجر شربة ماء، وقال: قَدْ أبررت عزمة أميري والله ما شربتها من عطش، ثُمَّ راح في السلاح فقاتل حَتَّى استشهد أخذ أهل مناذر رأسه ونصبوه عَلَى قصرهم بَيْنَ شرفتين، وله يقول القائل: وفي مناذر لما جاش جمعهم ... راح المهاجر في حل بأجمال والبيت بيت بني الديان نعرفه ... في آل مذحج مثل الجوهر الغالي واستخلف أَبُو موسى الأشعري الربيع بْن زياد عَلَى مناذر وسار إِلَى السوس، ففتح الربيع مناذر عنوة، فقتل المقاتلة، وسبى الذرية وصارت مناذر الكبرى والصغرى في أيدي المسلمين، فولاهما أَبُو موسى عاصم بْن قيس بْن الصلت السلمي، وولى سوق الأهواز سمرة بْن جندب الفزاري حليف الأنصار وقال قوم: أن عُمَر كتب إِلَى أَبِي موسى وهو محاصر مناذر يأمره أن يخلف عليها ويسير إِلَى السوس فخلف الربيع بْن زياد. حدثني سعدوية، قَالَ: حَدَّثَنَا شريك عن أَبِي إِسْحَاق عَنِ المهلب بْن أَبِي صفرة، قَالَ حاصرنا مناذر فأصبنا سبيا، فكتب عُمَر: أن مناذر كقرية منَ القرى السواد فردوا عليهم ما أصبتم. قَالُوا. وسار أَبُو موسى إِلَى السوس فقاتل أهلها ثُمَّ حاصرهم حَتَّى نفد ما عندهم منَ الطعام فضرعوا إِلَى الأمان، وسأل مرزبانهم أن يؤمن ثمانون منهم عَلَى أن يفتح باب المدينة ويسلمها فسمى الثمانين وأخرج نفسه منهم فأمر به أَبُو موسى فضربت عنقه ولم يعرض للثمانين، وقتل من سواهم منَ المقاتلة وأخذ الأموال وسبى الذرية، ورأى أَبُو موسى في قلعتهم بيتا وعليه ستر فسأل عنه فقيل أن فيه جثة دانيال النَّبِيّ عَلَيْهِ السلام وعلى أنبياء اللَّه ورسله، فأنهم كانوا أقحطوا فسألوا أهل بابل دفعه إليهم ليستسقوا به ففعلوا، وكان بختنصر سبى دانيال وأتى به بابل فقبض بها، فكتب أَبُو موسى بذلك إِلَى عُمَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 فكتب إليه عُمَر أن كفنه وأدفنه فسكر أبو موسى نهرا حق إذا انقطع دفنه ثُمَّ أجرى الماء عَلَيْهِ. حدثني أَبُو عُبَيْد الْقَاسِم بْن سلام، قَالَ: حَدَّثَنَا مروان بْن معاوية عن حميد الطويل عن حبيب عن خَالِد بْن زيد المزني، وكانت عينه أصيبت بالسوس قَالَ: حاصرنا مدينتها، وأميرنا أَبُو موسى فلقينا جهدا ثُمَّ صالحه دهقانها عَلَى أن يفتح له المدينة ويؤمن له مائة من أهله ففعل، وأخذ عهد أَبِي موسى، فقال له: أعزلهم فجعل يعزلهم وأبو موسى يقول لأصحابه: إني لأرجو أن يغلبه اللَّه عَلَى نفسه فعزل المائة وبقى عدو اللَّه، فأمر به أَبُو موسى أن يقتل فنادى: رويدك أعطيك مالا كثيرا فأبى وضرب عنقه. قَالُوا: وهادن أَبُو موسى أهل رامهرمز، ثُمَّ انقضت هدنتهم فوجه إليهم أَبَا مريم الحنفي فصالحهم عَلَى ثمانمائة ألف درهم. حدثني روج بْن عَبْد المؤمن، قَالَ: حدثني يعقوب عن أَبِي عاصم الرامهرمزي، وكان قَدْ بلغ المائة أو قاربها، قَالَ: صالح أَبُو موسى أهل رامهرمز عَلَى ثمانمائة ألف أو تسعمائة ألف، ثُمَّ أنهم غدروا ففتحت بعد عنوة ففتحها أَبُو موسى في آخر أيامه. قالوا: وفتح أَبُو موسى سرق عَلَى مثل صلح رامهرمز، ثُمَّ أنهم غدروا فوجه إليها حارثة بْن بدر الغداني في جيش كثيف فلم يفتحها، فلما قدم عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر فتحها عنوة، وقد كان حارثة ولى سرق بعد ذلك، وفيه يقول أَبُو الأسود الدؤلي: أحار بْن بدر قَدْ وليت أمارة ... فكن جرزا فيها تخون وتسرق فإن جميع الناس: إما مكذب ... يقول بما تهوى: وإما مصدق يقولون أقوالا بظن وشبهة ... فإن قيل هاتوا حققوا لم يحققوا ولا تعجزن فالعجز أسوء عادة ... فحظك من مال العراقين سرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 فلما بلغ الشعر حارثة قَالَ: جزاك إله الناس خير جزائه ... فقد قلت معروفا وأوصيت كافيا أمرت بحزم لو أمرت بغيره ... لألفيتني فيه لأمرك عاصيا قَالُوا: وسار أَبُو موسى إِلَى تستر وبها شوكة العدو وحدهم، فكتب إِلَى عُمَر يستمده، فكتب عُمَر إِلَى عمار بْن ياسر يأمره بالمسير إليه في أهل الكوفة فقدم عمار جرير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي، وسار حَتَّى تستر، وعلى ميمنته يعني ميمنة أَبِي موسى البراء بْن مَالِك أخو أنس بْن مَالِك، وعلى ميسرته مجزأة بْن ثور السدوسي، وعلى الخيل أنس بْن مَالِك، وعلى ميمنة عمار البراء بْن عازب الأنصاري، وعلى ميسرته حذيفة بْن اليمان العبسي، وعلى خيلة قرظة بْن كعب الأنصاري، وعلى رجالته النعمان بْن مقرن المزني، فقاتلهم أهل تستر قتالا شديدا، وحمل أهل البصرة وأهل الكوفة حتى بلغوا ناب تستر فضاربهم البراء بْن مَالِك عَلَى الباب حَتَّى استشهد رحمه اللَّه ودخل الهرمزان وأصحابه المدينة بشر حال، وقد قتل منهم في المعركة تسعمائة وأسر ستمائة ضربت أعناقهم بعد وكان الهرمزان من أهل مهرجا نقذف، وقد حضر وقعة جلولاء مع الأعاجم، ثُمَّ أن رجلا منَ الأعاجم استأمن إِلَى المسلمين على أن يدلهم عَلَى أن يدلهم عَلَى عورة المشركين فأسلم واشترط أن يفرض لولده ويفرض له، فعاقده أَبُو موسى عَلَى ذلك، ووجه رجلا من شيبان يقال له أشرس بْن عوف فخاض به دجيل عَلَى عرق من حجارة ثُمَّ علا به المدينة وأراه الهرمزان، ثُمَّ رده إِلَى العسكر، فندب أَبُو موسى أربعين رجلا مع مجزأة بْن ثور وأتبعهم مائتي رجل وذلك في الليل والمستأمن يقدمهم فأدخلهم المدينة، فقتلوا الحرس وكبروا على سور المدينة فلما سمع ذلك الهرمزان هرب إِلَى قلعته وكانت موضع خزانته وأمواله، وعبر أَبُو موسى حين أصبح حَتَّى دخل المدينة فاحتوى عليها، وقال الهرمزان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 ما دل العرب عَلَى عورتنا إلا بعض من معنا ممن رأى إقبال أمرهم وإدبار أمرنا، وجعل الرجل منَ الأعاجم يقتل أهله وولده ويلقيهم في دجيل خوفا من أن يظفر بهم العرب، وطلب الهرمزان الأمان وأبى أَبُو موسى أن يعطيه ذلك إلا عَلَى حكم عُمَر فنزل عَلَى ذلك، وقتل أَبُو موسى من كان في القلعة ممن لا أمان له وحمل الهرمزان إِلَى عُمَر فاستحياه وفرض له، ثُمَّ أنه اتهم بممالأة أَبِي لؤلؤة عَبْد المغيرة بْن شعبة عَلَى قتل عُمَر رضي اللَّه عنه فقال عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر أمض بنا ننظر إِلَى فرس لي فمضى وعُبَيْد اللَّه خلفه فضربه بالسيف وهو غافل فقتله. حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد، قَالَ: حَدَّثَنَا مروان بْن معاوية عن حميد عن أنس، قَالَ حاصرنا تستر فنزل الهرمزان فكنت الَّذِي أتيت به إِلَى عُمَر بعث بي أَبُو موسى فقال له عُمَر: تكلم فقال: أكلام حي أم كلام ميت، فقال: تكلم لا بأس فقال الهرمزان: كنا معشر العجم ما خلى الله بيننا وبينكم نقضيكم ونقلتكم فلما كان اللَّه معكم لم يكن لنا بكم يدان، فقال عُمَر: ما تقول يا أنس، قلت تركت خلفي شوكة شديدة وعدوا كلبا، فإن قتلته بئس القوم منَ الحياة فكان أشد لشوكتهم وان استحييته طمع القوم في الحياة، فقال عُمَر: يا أنس سبحان اللَّه، قاتل البراء بْن مَالِك، ومجزأة بْن ثور السدوسي، قلت: فليس لك إِلَى قتله سبيل، قَالَ: ولم أعطاك أصبت منه، قلت: ولكنك قلت له لا بأس فقال: متى لتجيئن معك بمن شهد وإلا بدأت بعقوبتك، قَالَ: فخرجت من عنده فإذا الزبير بْن العوام قَدْ حفظ الَّذِي حفظت فشهد لي فخلى سبيل الهرمزان فأسلم وفرض له عُمَر. وحدثني اسحق بْن أَبِي إسرائيل، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن المبارك عَنِ ابن جريج عن عطاء الخراساني، قَالَ: كفيتك أن تستر كانت صلحا فكفرت فسار إليها المهاجرون فقتلوا المقاتلة وسبوا الذراري فلم يزالوا في أيدي سادتهم حَتَّى كتب عُمَر خلوا ما في أيديكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 قال: وسار أبو موسى إلى جنديسابور وأهلها منخوبون فطلبوا الأمان فصالحهم عَلَى أن لا يقتل منهم أحدا ولا يسبيه ولا يعرض لأموالهم سوى السلاح ثُمَّ أن طائفة من أهلها توجهوا إِلَى الكلبانية، فوجه إليهم أَبُو موسى الربيع بْن زياد فقتلهم وفتح الكلبانية، واستأمنت الأساورة فأمنهم أَبُو موسى فأسلموا، ويقال، إنهم استأمنوا قبل ذلك فلحقوا بأبي موسى وشهدوا تستر والله أعلم. وحدثني عُمَر بْن حفص العمري عن أَبِي حذيفة عن أَبِي الأشهب عن أَبِي رجاء، قَالَ: فتح الربيع بْن زياد الثيبان من قبل أَبِي موسى عنوة ثُمَّ غدروا ففتحها منجوف بْن ثور السدوسي، قَالَ: وكان مما فتح عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر سنبيل والزط، وكان أهلهما قَدْ كفروا، فاجتمع إليهم أكراد من هَذِهِ الأكراد، وفتح أيذج بعد قتال شديد، وفتح أَبُو موسى السوس وتستر ودورق عنوة، وقال المدائني: فتح ثات ابن ذي الحرة الحميري قلعة ذي الرناق. حدثني المدائني عن أشياخه وعمر بْن شبة عن مجالد بْن يَحْيَى أن مصعب بْن الزبير: ولى مطرف بْن سيدان الباهلي أحد بني جاوة شرطته في بعض أيام ولايته العراق لأخيه عَبْد اللَّهِ بْن الزبير فأتى مطرف بالنابي بْن زياد بْن ظبيان أحد بني عائش بْن مَالِك بْن تيم اللَّه بْن ثعلبة بْن عكابة وبرجل من بني نمير قطعا الطريق فقتل النابي وضرب النميري بالسياط وتركه، فلما عزل مطرف عَنِ الشرطة وولى الأهواز جمع عبيد الله بن زياد بن ظبيان له جمعا وخرج يريده فالتقيا فتواقفا وبينهما نهر فعبر مطرف بن سيدان فعاجله ابن ظبيان فطعنه فقتله فبعث مصعب مكرم بن مطرف في طلبه، فسار حتى صار إلى الموضع الذي يعرف اليوم بعسكر مكرم فلم يلق بن ظبيان ولحق بن ظبيان بعبد الملك بن مروان وقاتل معه مصعبا فقتله واحتز رأسه، ونسب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 عسكر مكرم إلى مكرم بن مطرف هذا، قال البعيث السكري. سقينا ابن سيدان بكأس روية ... كفتنا وخير الأمر ما كان كافيا ويقال أيضا أن عسكر مكرم إنما نسب إِلَى مكرم بْن الفزر أحد بني جعونة بْن الحارث بْن نمير وكان الحجاج وجهه لمحاربة خرزاد بْن بأس حين عصى ولحق بأيذج وتحصن في قلعة تعرف به، فلما طال عَلَيْهِ الحصار نزل مستخفيا متنكرا ليلحق بعبد الملك، فظفر به مكرم ومعه درتان في قلنسوته فأخذه وبعث به إِلَى الحجاج فضرب عنقه. وذكروا: أنه كانت عند عسكر مكرم قرية قديمة وصل بها البناء بعد، ثُمَّ لم يزل يزاد فيه حَتَّى كثر فسمى ذلك أجمع عسكر مكرم وهو اليوم مصر جامع. وحدثني أَبُو مَسْعُود عن عوانة، قَالَ ولى عَبْد اللَّهِ بْن الزبير البصرة حَمْزَة ابن عَبْد اللَّهِ بْن الزبير فخرج إِلَى الأهواز، فلما رأى جبلها قَالَ: كأنه قيقعان، وقال الثوري الأهواز سمى بالفارسية هو زمسير، وإنما سميت الأخواز فغيرها الناس، فقالوا: الأهواز، وأنشد الأعرابي: لا ترجعني إلى الأخواز ثانية ... وقعقعان الَّذِي في جانب السوق ونهر بط الَّذِي أمسى يؤرقني ... فيه البعوض بلسب غير تشفيق فما الَّذِي وعدته نفسه طمعا ... منَ الحصيني أو عَمْرو بمصدوق وقال نهر البط نهر كانت عنده مراع للبط فقالت العامة: نهر بط كما قَالُوا: دار بطيخ، وسمعت من يقول: أن النهر كان لامرأة تسمى البطئة فنسب إليها ثُمَّ حذف. حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن مُحَمَّد بن اللَّهِ عَنِ الزهري، قَالَ: افتتح عُمَر السواد والأهواز عنوة فسئل عُمَر قسمة ذلك، فقال: فما لمن جاء منَ المسلمين بعدنا فأقرهم عَلَى منزلة أهل الذمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 وحدثني المدائني عن علي بْن حَمَّاد وسحيم بْن حفص وغيرهما، قَالُوا قَالَ أَبُو المختار يزيد بْن قيس بْن يزيد بْن الصعق كلمة رفع فيها عَلَى عمال الأهواز وغيرهم إِلَى عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه. أبلغ أمير الْمُؤْمِنِين رسالة ... فأنت أمين اللَّه في النهي والأمر وأنت أمين اللَّه فينا، ومن يكن ... أمينا لرب العرش يسلم له صدري فلا تدعن أهل الرساتيق والقرى ... يسيغون مال اللَّه في الآدم الوفر فأرسل إِلَى الحجاج فاعرف حسابه ... وأرسل إِلَى جزء وأرسل إِلَى بشر ولا تنسين النافعين كليهما ... ولا ابن غلاب من سراة بني نَصْر وما عاصم منها بصفر عيابه ... وذاك الَّذِي في السوق مولى بني بدر وأرسل إِلَى النعمان واعرف حسابه ... وصهر بني غزوان أني لذو خبر وشبلا فسله المال وابن محرش ... فقد كان في أهل الرساتيق ذا ذكر فقاسمهم أهلي فداؤك أنهم ... سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر ولا تدعوني للشهادة: أنني ... أغيب ولكني أرى عجب الدهر نؤوب إذا آبوا ونغزوا إذا غزوا ... فإني لهم وفر: ولسنا أولي وفر إذا التاجر الداري جاء بفارة ... منَ المسك راحت في مفارقهم تجري فقاسم عُمَر هؤلاء الَّذِينَ ذكرهم أَبُو المختار شطر أموالهم حَتَّى أخذ نعلا وترك نعلا، وكان فيهم أَبُو بكرة، فقال: إني لم آل لك شيئا، فقال له: أخوك عَلَى بيت المال وعشور الأبلة وهو يعطيك المال تتجر به فأخذ منه عشرة آلاف، ويقال: قاسمه شطر ماله، وقال الحجاج الَّذِي ذكره الحجاج بْن عتيك الثقفي وكان عَلَى الفرات وجزء بْن معاوية عم الأحنف كان عَلَى سرق، وبشر ابن المحتفز كان على جنديسابور، والنافعان نفيع أبو بكرة ونافع بن الحرث ابن كلدة أخوه، وابن غلاب خَالِد بْن الحرث من بني دهمان كان عَلَى بيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 المال بأصبهان وعاصم بْن قيس بْن الصلت السلمي كان عَلَى مناذر والذي في السوق سمرة بْن جندب عَلَى سوق الأهواز، والنعمان بْن عدي بْن نضلة بْن عَبْد العزى بْن حرثان أحد بني عدي بْن كعب بْن لؤي كان عَلَى كور دجلة، وهو الَّذِي يقول: من مبلغ الحسناء أن خليلها ... بميسان يسقى في زجاج وحنتم إذا شئت غنتني دهاقين قرية ... وصناجة تجذو عَلَى كل منسم لعل أمير الْمُؤْمِنِين يسوءه ... تنادمنا بالجوسق المنهدم فلم بلغ عُمَر شعره، قَالَ: إي والله إنه ليسوءني ذلك وعزله، وصهر بني غزوان مجاشع بْن مَسْعُود السلمي كانت عنده بنت عتبة بْن غزوان وكان عَلَى أرض البصرة وصدقاتها، وشبل بْن معبد البجلي ثُمَّ الأحمسي كان عَلَى قبض المغانم، وابن محرش أَبُو مريم الحنفي كان عَلَى رام هرمز، قَالَ عوسجة ابن زياد الكاتب أقطع الرشيد أمير الْمُؤْمِنِين عُبَيْد اللَّه بْن المهدي مزارعة الأهواز فدخل فيها شبهة فرفع في ذلك قوم إِلَى المأمون فأمر بالنظر فيها والوقوف عليها، فما لم تكن فيه شبهة أنفذ وما شك فيه سمى المشكوك فيه وذلك معروف بالأهواز. فتح كور فارس وكرمان قَالُوا: كان العلاء بْن الحضرمي وهو عامل عمر بن الخطاب عَلَى البحرين وجه هرثمة بْن عرفجة البارقي منَ الأزد، ففتح جزيرة في البحر مما يلي فارس، ثُمَّ كتب عُمَر إِلَى العلاء أن يمد به عتبة بْن فرقد السلمي ففعل، ثُمَّ لما ولى عُمَر عُثْمَان بن أبى العاصي الثقفي البحرين وعمان فدوخهما واتسقت له طاعة أهلهما وجه أخاه الحكم بن أبى العاصي في البحر إِلَى فارس في جيش عظيم من عَبْد القيس والأزد وتميم وبني ناجية وغيرهم، ففتح جزيرة أبر كاوان، ثُمَّ صار إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 توج وهي من أرض أردشير خره، ومعنى أردشير خره بهاء أردشير، وفي رواية أَبِي مخنف: أن عثمان بن أبى العاصي نفسه قطع البحر إِلَى فارس فنزل توج ففتحها وبنى بها المساجد وجعلها دارا للمسلمين وأسكنها عَبْد القيس وغيرهم فكان يغير منها عَلَى أرجان وهي متاخمة لها، ثُمَّ أنه شخص عن فارس إِلَى عمان والبحرين لكتاب عُمَر إليه في ذلك واستخلف أخاه الحكم، وقال غير أَبِي مخنف: أن الحكم فتح توج وأنزلها المسلمين من عَبْد القيس وغيرهم سنة تسع عشرة، وقالوا: أن شهرك مرزبان فارس وواليها أعظم ما كان من قدوم العرب فارس واشتد عَلَيْهِ وبلغته نكايتهم وبأسهم وظهورهم عَلَى كل من لقوه من عدوهم فجمع جمعا عظيما وسار بنفسه حَتَّى أتى راشهر من أرض سابور وهي بقرب توج، فخرج إليه الحكم بن أبى العاصي وعلى مقدمته سوار بْن همام العبدي فاقتتلوا قتالا شديدا وكان هناك واد قَدْ وكل به شهرك رجلا من نقابه في جماعة وأمره أن لا يجتازه هارب من أصحابه إلا قتله فأقبل رجل من شجعاء الأساورة موليا منَ المعركة، فأراد الرجل قتله، فقال له: لا تقتلني فإنما نقاتل قوما مَنْصُورين: اللَّه معهم، ووضع حجرا فرماه ففلقه، ثُمَّ قَالَ: أترى هَذَا السهم الَّذِي فلق الحجر والله ما كان ليخدش بعضهم لو رمي به، قَالَ: لا بد من قتلك: فبينا هُوَ في ذلك إذ أتاه الخبر بقتل شهرك وكان الَّذِي قتله سوار ابن همام العبدي حمل عَلَيْهِ فطعنه فأرداه عن فرسه وضربه بسيفه حَتَّى فاضت نفسه وحمل ابن شهرك عَلَى سوار فقتله، وهزم اللَّه المشركين وفتحت راشهر عنوة، وكان يومها في صعوبته وعظيم النعمة عَلَى المسلمين فيه كيوم القادسية وتوجه بالفتح إِلَى عُمَر بْن الخطاب عَمْرو بْن الأهتم التميمي، فقال: جئت الإمام بإسراع لأخبره ... بالحق من خبر العبدي سوار أخبار أروع ميمون نقيبته ... مستعمل في سبيل اللَّه مغوار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 وقال بعض أهل توج: أن توج مصرت بعد مقتل شهرك والله أعلم، قَالُوا: ثُمَّ أن عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه كتب إلى عثمان بن أبى العاصي في إتيان فارس فخلف عَلَى عمله أخاه المغيرة، ويقال: هو حفص بن أبى العاصي وكان جزلا وقدم توج فنزلها فكان يغزو منها ثُمَّ يعود إليها، وكتب عُمَر إِلَى أَبِي موسى وهو بالبصرة يأمره أن يكانف عثمان بن أبى العاصي ويعاونه فكان يغزو فارس منَ البصرة ثُمَّ يعود إليها، وبعث عثمان بن أبى العاصي هرم بْن حيان العبدي إِلَى قلعة يقال لها شبير ففتحها عنوة بعد حصار وقتال. وقال بعضهم: فتح هرم قلعة الستوج عنوة وأتى عُثْمَان جره من سابور ففتحها وأرضها بعد أن قاتله أهلها صلحا عَلَى أداء الجزية والخراج ونصح المسلمين، وفتح عُثْمَان بْن أبى العاصي كازرون من سابور وغلب عَلَى أرضها، وفتح عُثْمَان النوبندجان من سابور أيضا وغلب عليها واجتمع أبو موسى وعثمان بن أبى العاصي في آخر خلافة عُمَر رضي اللَّه عنه ففتحا أرجان صلحا عَلَى الجزية والخراج وفتحا شيراز وهي من أرض أردشير خره عَلَى أن يكونوا ذمة يؤدون الخراج إلا من أحب منهم الجلاء ولا يقتلوا ولا يستعبدوا، وفتحا سينيز من أرض أردشير خره وترك أهلها عمارا للأرض، وفتح عُثْمَان حصن جنابا بأمان، وأتى عثمان بن أبى العاصي درابجرد، وكانت شادر وأن علمهم ودينهم وعليها الهربذ فصالحه الهربذ عَلَى مال أعطاه إياه وعلى أن أهل درابجرد كلهم أسوة من فتحت بلاده من أهل فارس، واجتمع له جمع بناحية جهرم ففضهم، وفتح أرض جهرم، وأتى عُثْمَان فصالحه عظيمها عَلَى مثل صلح درابجرد، ويقال أن الهربذ صالح عليها أيضا، وأتى عثمان بن أبى العاصي مدينة سابور في سنة ثلاث وعشرين ويقال فى سنة أربع وعشرين قبل أن تأنى أَبَا موسى ولايته البصرة من قبل عُثْمَان بْن عَفَّان فوجد أهلها هائبين للمسلمين ورأى أخو شهرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 في منامه كأن رجلا منَ العرب دخل عَلَيْهِ فسلبه قميصه فنخب ذلك قلبه فامتنع قليلا ثُمَّ طلب الأمان والصلح، فصالحه عُثْمَان عَلَى أن لا يقتل أحدا ولا يسبيه، وعلى أن تكون له ذمة ويعجل مالا. ثُمَّ أن أهل سابور نقضوا وغدروا ففتحت في سنة ست وعشرين فتحها عنوة أَبُو موسى وعلى مقدمته عثمان ابن أبى العاصي. وقال معمر بْن المثنى وغيره: كان عُمَر بْن الخطاب أمر أن يوجه الجارود العبدي سنة اثنتين وعشرين إِلَى قلاع فارس فلما كان بَيْنَ جره وشيراز تخلف عن أصحابه فى عقبة هناك سحرا لحاجته ومعه أدوات فأحاطت به جماعة منَ الأكراد فقتلوه فسميت تلك العقبة عقبة الجارود. قَالُوا: ولما ولي عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر بْن كريز البصرة من قبل عُثْمَان بْن عَفَّان بعد أَبِي موسى الأشعري سار إِلَى اصطخر في سنة ثمان وعشرين فصالحه ماهك عن أهلها، ثُمَّ خرج يريد جور، فلما فارقها نكثوا وقتلوا عامله عليهم، ثُمَّ لما فتح جور كر عليهم ففتحها، قَالُوا: وكان هرم بْن حيان مقيما على جور وهي مدينة أردشير خره، وكان المسلمون يعانونها ثُمَّ ينصرفون عنها فيعاونون إصطخر ويفزون نواحي كانت تنتقض عليهم، فلما نزل ابن عَامِر بها قاتلوه ثُمَّ تحصنوا ففتحها بالسيف عنوة، وذلك في سنة تسع وعشرين وفتح ابن عَامِر أيضا السكاريان وفشجاتن، وهي الفيشجان من درابجرد ولم تكونا دخلتا في صلح الهربذ وانتقضتا. وحدثني جماعة من أهل العلم: أن جور غزيت عدة سنين فلم يقدر عليها حَتَّى فتحها ابن عَامِر، وكان سبب فتحها أن بعض المسلمين قام يصلي ذات ليلة وإلى جانبه جراب له فيه خبز ولحم، فجاء كلب فجره وعدا به حَتَّى دخل المدينة من مدخل لها خفى فظاهر المسلمون بذلك المدخل حَتَّى دخلوا منه وفتحوها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 قالوا: ولما فرغ عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر من فتح جور كر عَلَى أهل اصطخر وفتحها عنوة بعد قتال شديد ورمى بالمناجيق وقتل بها منَ الأعاجم أربعين ألفا وأفنى أكثر أهل البيوتات ووجوه الأساورة، وكانوا قَدْ لجأوا إليها، وبعض الرواة يقول أن ابن عَامِر رجع إِلَى اصطخر حين بلغه نكثهم ففتحها ثُمَّ صار إِلَى جور وعلى مقدمته هرم بْن حيان ففتحها، وروى الْحَسَن بْن عُثْمَان الزيادي أن أهل اصطخر غدروا في ولاية عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس رضي اللَّه عنهما العراق لعلي رضي اللَّه عنه ففتحها. وحدثني العَبَّاس بْن هِشَام عن أبيه عن أَبِي مخنف، قَالَ: توجه ابن عَامِر إِلَى اصطخر، ووجه عَلَى مقدمته عُبَيْد اللَّه بْن معمر التيمي فاستقبله أهل اصطخر برامجرد فقاتلهم فقتلوه فدفن فى بستان برامجرد، وبلغ ابن عَامِر الخبر فأقبل مسرعا حَتَّى واقعهم وعلى ميمنته أَبُو برزة نضلة بْن عَبْد اللَّهِ الأسلمي، وعلى ميسرته معقل بْن يسار المزني، وعلى الخيل عِمْرَان بْن الحصين الخزاعي وعلى الرجال خَالِد بْن المعمر الذهبي فقاتلهم فهزمهم حَتَّى أدخلهم اصطخر وفتحها اللَّه عنوة، فقتل فيها نحوا من مائة ألف وأتى درابجرد ففتحها وكانت منتقضة ثُمَّ وجه إلى كرمان. حدثني عمر الناقد، قَالَ: حَدَّثَنَا مروان بْن معاوية الفزاري عن عاصم الأحول عن فضيل بْن زيد الرقاشي، قَالَ: حاصرنا شهرياج شهرا جرارا وكنا ظننا إنا سنفتحها في يومنا فقاتلنا أهلها ذات يوم ورجعنا إِلَى معسكرنا وتخلف عَبْد مملوك منافرا ظنوه فكتب لهم أمانا ورمى به إليهم في سهم، قَالَ: فرحنا للقتال وقد خرجوا من حصنهم، فقالوا: هَذَا أمانكم، فكتبنا بذلك إِلَى عُمَر فكتب إلينا أن العبد المسلم منَ المسلمين ذمته كذمتهم فلينفذ أمانه فأنفذناه. وحدثني الْقَاسِم بْن سلام، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النضر عن شعبة عن عاصم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 عن الفضيل، قال: كنا مصافي العدو بسيراف ثُمَّ ذكر نحو ذلك. وحدثنا سعدويه، قَالَ: حَدَّثَنَا عباد بْن العوام عن عاصم الأحول عَنِ الفضيل بْن زيد الرقاشي، قَالَ: حاصر المسلمون حصنا فكتب عَبْد أمانا ورمى به إليهم في مشقص فقال المسلمون: ليس أمانه بشيء، فقال القوم: لسنا نعرف الحر منَ العبد، فكتاب بذلك إِلَى عُمَر، فكتب أن عَبْد المسلمين منة ذمته ذمتهم. وأخبرني بعض أهل فارس: أن حصن سيراف يدعى سوريانج فسمته العرب شهرياج، وبفسا قلعة تعرف بخرشة بْن مَسْعُود من بني تميم، ثُمَّ من بني شقرة كان مع ابن الأشعث فتحصن في هَذِهِ القلعة، ثُمَّ أو من فمات بواسط وله عقب بفسا. وأما كرمان فام عثمان بن أبى العاصي الثقفي لقي مرزبانها في جزيرة ابركاوان وهو في خف فقتله فوهن أمر أهل كرمان ونخبت قلوبهم فلما صارا ابن عَامِر إِلَى فارس وجه مجاشع بْن مَسْعُود السلمي إِلَى كرمان في طلب يزدجرد، فأتى بيمنذ فهلك جيشه بها، ثُمَّ لما توجه ابن عَامِر يريد خراسان ولى مجاشعا كرمان ففتج بيمنذ عنوة واستبقى أهلها وأعطاهم أمانا وبها قصر يعرف بقصر مجاشع، وفتح مجاشع بروخروة وأتى الشيرجان وهي مدينة كرمان وأقام عليها أياما يسيرة وأهلها متحصنون وقد خرجت لهم خيل فقاتلهم ففتحها عنوة وخلف بها رجلا، ثُمَّ أن كثيرا من أهلها جلوا عنها، وقد كان أَبُو موسى الأشعري وجه الربيع بْن زياد ففتح ما حول الشيرجان وصالح أهل بم والاندغار، فكفر أهلها ونكثوا، فافتتحها مجاشع بْن مَسْعُود وفتح جيرفت عنوة وسار في كرمان فدوخها، وأتى القفص وتجمع له بهرموز خلق ممن جلا منَ الأعاجم فقاتلهم فظفر بهم وظهر عليهم، وهرب كثير من أهل كرمان فركبوا البحر ولحق بعضهم بمكران وأتى بعضهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 سجستان، فأقطعت العرب منازلهم وارضيهم فعمروها وأدوا العشر فيها واحتفروا القنى في مواضع منها، وولى الحجاج قطعن بْن قبيصة بْن مخارق الهلالي فارس وكرمان وهو الَّذِي انتهى إِلَى نهر فلم يقدر أصحابه عَلَى إجازته، فقال: من جاز فله ألف درهم فجازوه فوفى لهم فكان ذلك أول يوم سميت الجائزة فيه، قَالَ الشاعر وهو الجحاف بن حكيم: فدى للأكرمين بني هلال ... على علاتهم أهلي ومالي هم سنوا الجوائز في معد ... فصارت سنة أخرى الليالي رماحهم تزيد على ثمان ... وعشر حين تختلف العوالي وكان قبيصة بن مخارق من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي قطن يقول الشاعر: كم من أمير قَدْ أصبت حباءه ... وآخر حظي منَ إمارته الحزن فهل قطن إلا كمن كان قبله ... فصبرا عَلَى ما جاء يوما به قطن قَالُوا: وكان ابن زياد ولى شريك بْن الأعور الحارثي- وهو شريك بْن الحارث- كرمان، وكتب ليزيد بْن زياد بْن ربيعة بْن مفرغ الحميري إليه فأقطعه أرضا بكرمان فباعها بعد هرب بْن زياد منَ البصرة، وولى الحجاج الحكم بْن نهيك الهجيمي كرمان بعد أن كان ولاه فارس فبنى مَسْجِد أرجان ودار أمارتها . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 فتح سجستان وكابل حدثني علي بْن مُحَمَّد وغيره أن عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر بْن كريز بْن ربيعة بْن حبيب بْن عَبْد شمس توجه يريد خراسان سنة ثلاثين فنزل بعسكره شق الشيرجان من كرمان ووجه الربيع بْن زياد بْن أنس بْن الديان الحارثي إِلَى سجستان فسار حَتَّى نزل الفهرج، ثُمَّ قطع المفازة، وهي خمسة وسبعون فرسخا، فأتى رستاق زالق وبين زالق وبين سجستان خمسة فراسخ وزالق حصن، فأغار عَلَى أهله في يوم مهرجان فأخذ دهقانه فافتدى نفسه بأن ركز عنزة ثُمَّ غمرها ذهبا وفضة وصالح الدهقان عَلَى حقن دمه. وقال أَبُو عُبَيْدة معمر بْن المثنى صالحه عَلَى أن يكون بلده كبعض ما افتتح من بلاد فارس وكرمان، ثُمَّ أتى قرية يقال لها: كركويه عَلَى خمسة أميال من زالق فصالحوه ولم يقاتلوه، ثُمَّ نزل رستاقا يقال له هيسون فأقام له أهله النزل وصالحوه عَلَى غير قتال، ثُمَّ أتى زالق وأخذ الأدلاء منها إِلَى زرنج وسار حَتَّى نزل الهندمند، وعبر واديا يترع منه يقال له نوق وأتى ذوشت وهي من زرنج عَلَى ثلثي ميل فخرج إليه أهلها فقاتلوه قتالا شديدا وأصيب رجال منَ المسلمين، ثُمَّ كر المسلمون وهزموهم حَتَّى اضطروهم إِلَى المدينة بعد أن قتلوا منهم مقتلة عظيمة، ثُمَّ أتى الربيع ناشروز وهي قرية فقاتل أهلها وظفر بهم وأصاب بها عَبْد الرَّحْمَنِ أَبَا صالح بْن عَبْد الرَّحْمَنِ الذي كتب للحجاج مكان زادانفروخ ابن نيري، وولى خراج العراق لسُلَيْمَان بْن عَبْد الملك وأمه فاشترته امرأة من بني تميم ثُمَّ من بني مرة بْن عُبَيْد بْن مقاعس بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد ابن زيد مناة بْن تميم يقال لها عبلة، ثُمَّ مضى من ناشروذ إِلَى شرواذ وهي قرية فغلب عليها وأصاب بها جد إِبْرَاهِيم بْن بسام فصار لابن عمير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 الليثي، ثُمَّ حاصر مدينة زرنج بعد أن قاتله أهلها فبعث إليه أبرويز مرزبانها يستأمنه ليصالحه فأمر بجسد من أجساد القتلى فوضع له فجلس عَلَيْهِ واتكأ عَلَى آخر وأجلس أصحابه عَلَى أجساد القتلى، وكان الربيع آدم أفوه طويلا فلما رآه المرزبان هاله فصالحه عَلَى ألف وصيف مع كل وصيف جام من ذهب ودخل الربيع المدينة ثُمَّ أتى سناروذ وهو واد فعبره وأتى القريتين، وهناك مربط فرس رستم فقاتلوه فظفر، ثُمَّ قدم زرنج فأقام بها سنتين، ثُمَّ أتى ابن عَامِر واستخلف بها رجلا من بني الحارث بْن كعب فاخرجوه وأغلقوها، وكانت ولاية الربيع سنتين ونصفا، وسبى في ولايته هَذِهِ أربعين ألف رأس، وكان كاتبه الْحَسَن البصري، ثُمَّ ولى ابن عَامِر عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سمرة بْن حبيب بْن عَبْد شمس سجستان، فأتى زرنج فحصر مرزبانها في قصره في يوم عيد لهم فصالحه عَلَى ألفي ألف درهم وألفي وصيف وغلب ابن سمرة عَلَى ما بَيْنَ زرنج وكش من ناحية الهند وغلب من ناحية طريق الرخج عَلَى ما بينه وبين بلاد الدوار، فلما انتهى إِلَى بلاد الدوار حصرهم في حبل الزور ثُمَّ صالحهم فكانت عدة من معه منَ المسلمين ثمانية آلاف فأصاب كل رجل منهم أربعة آلاف، ودخل عَلَى الزور وهو صنم من ذهب عيناه ياقوتتان فقطع يده وأخذ الياقوتتين، ثُمَّ قَالَ للمرزبان: دونك الذهب والجوهر، وإنما أردت أن أعلمك أنه لا يضر ولا ينفع وفتح بست وزابل بعهد. حدثني الْحُسَيْن بْن الأسود قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيع عن حَمَّاد بْن زيد عن يَحْيَى ابن عتيق عن مُحَمَّد بْن سيرين أنه كره سبي زابل وقال: أن عُثْمَان ولث لهم ولثا، قَالَ وَكِيع: عقد لهم عقدا وهو دون العهد، قَالُوا: وأتى عَبْد الرَّحْمَنِ زرنج فأقام بها حَتَّى اضطرب أمر عُثْمَان، ثُمَّ استخلف أمير بْن أحمر اليشكري وانصرف من سجستان، لأمير يقول، زياد الأعجم: لولا أمير هلكت يشكر ... ويشكر هلكى عَلَى كل حال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 ثم أن أهل زرنج أخرجوا أميرا وأغلقوها، ولما فرغ علي بْن أَبِي طالب عَلَيْهِ السلام من أمر الجمل خرج حسكة بْن عتاب الحبطي وعمران بْن الفصيل البرجمي في صعاليك منَ العرب حَتَّى نزلوا زالق وقد نكث أهلها، فأصابوا منها مالا، وأخذوا جد البختري الأصم بْن مجاهد مولى شيبان، ثُمَّ أتوا زرنج وقد خافهم مرزبانها فصالحهم ودخلوها وقال الراجز: بشر سجستان بجوع وحرب ... بابن الفصيل وصعاليك العرب لا فضة يغنيهم ولا ذهب وبعث علي بْن أَبِي طالب عَبْد الرَّحْمَنِ بْن جزء الطائي إِلَى سجستان فقتله حسكة، فقال علي: لأقتلن منَ الحبطات أربعة آلاف، فقيل له: أن الحبطات لا يكونون خمسمائة. وقال أَبُو مخنف: وبعث علي رضي اللَّه عنه عون بْن جعدة بْن هبيرة المخزومي إِلَى سجستان فقتله بهدالي اللص الطائي في طريق العراق، فكتب علي إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن العَبَّاس يأمره أن يولى سجستان رجلا في أربعة آلاف فوجه ربعي بْن الكاس العنبري في أربعة آلاف وخرج معه الحصين بْن أَبِي الحر واسم أَبِي الحر مَالِك بْن الخشخاش العنبري، وثات بْن ذي الحرة الحميري، وكان عَلَى مقدمته، فلما وردوا سجستان قاتلهم حسكة فقتلوه وضبط ربعي البلاد فقال راجزهم. نحن الَّذِينَ اقتحموا سجستان ... عَلي بْن عتاب وجند الشيطان يقدمنا الماجد عَبْد الرَّحْمَنِ ... إنا وجدنا في منير الفرقان أن لا نوالي شيعة ابن عَفَّان وكان ثابت يسمى عَبْد الرَّحْمَنِ، وكان فيروز حصين ينسب إِلَى حصين ابن أَبِي الحر وهذا هُوَ من سبى سجستان، ثُمَّ لما ولى معاوية بْن أَبِي سُفْيَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 استعمل ابن عَامِر عَلَى البصرة، فولى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سمرة سجستان فأتاها وعلى شرطته عباد بْن الحصين الحبطي ومعه منَ الأشراف عُمَر بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر التيمي، وعبد اللَّه بْن خازم السلمي وقطري بْن الفجاءة، والمهلب بْن أَبِي صفرة فكان يغزو البلد قَدْ كفر أهلها فيفتحه عنوة أو يصالح أهله حَتَّى بلغ كابل، فلما صار إليها نزل بها فحاصر أهلها أشهرا وكان يقاتلهم ويرميهم بالمنجنيق حتى ثلث ثلثة عظيمة، فبات عليها عباد بْن الحصين ليلة يطاعن المشركين حَتَّى أصبح فلم يقدروا عَلَى سدها، وقاتل بْن خازم معه عليها فلما أصبح الكفرة خرجوا يقاتلون المسلمين فضرب بْن خازم فيلا كان معهم فسقط عَلَى الباب الَّذِي خرجوا منه فلم يقدروا غلقه فدخلها المسلمون عنوة، وقال أَبُو مخنف: الَّذِي عقر الفيل المهلب وكان الْحَسَن البصري يقول: ما ظنت أن رجلا يقوم مقام ألف حَتَّى رأيت عباد بْن الحصين. قَالُوا: ووجه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سمرة ببشارة الفتح عُمَر بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر والمهلب بْن أَبِي صفرة، ثُمَّ خرج عَبْد الرَّحْمَنِ فقطع وادي نسل، ثُمَّ أتى خواش وقوزان بست ففتحها عنوة، وسار إلى رزان فهرب أهلها غلب عليها، ثُمَّ سار إِلَى خشك فصالحه أهلها، ثُمَّ أتى الرخج فقاتلوه فظفر بهم وفتحها، ثُمَّ سار إِلَى ذابلستان فقاتلوه وقد كانوا نكثوا ففتحها وأصاب سبيا، وأتى كابل وقد نكث أهلها ففتحها، ثُمَّ ولى معاوية عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سمرة سجستان من قبله وبعث إليه بعهده فلم يزل عليها حَتَّى قدم زياد البصرة فأقره أشهرا ثُمَّ ولاها الربيع بْن زياد ومات ابن سمرة بالبصرة سنة خمسين وصلى عليها زياد وهو الَّذِي قَالَ له النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لا تسأل الأمارة فإنك أوتيتها عن غير مسئلة أعنت عليها وإن أعطيتها عن مسئلة وكلت إليها وإذا حلفت عَلَى يمين فرأيت خيرا منها فأت الَّذِي هُوَ خير وكفر عن يمينك» وكان عبد الرحمن قدم بغلمان من سبي كابل فعملوا له مسجدا في قصره بالبصرة عَلَى بناء كابل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 قَالُوا: ثُمَّ جمع كابل شاه للمسلمين وأخرج من كان منهم بكابل وجاء رتبيل فغلب عَلَى ذابلستان والرخج حَتَّى انتهى إِلَى بست، فخرج الربيع بْن زياد في الناس فقاتل رتبيل ببست، وهزمه واتبعه حَتَّى أتى الرخج فقاتله بالرخج ومضى ففتح بلاد الداور، ثُمَّ عزل زياد بْن أَبِي سُفْيَان الربيع بْن زياد الحارثي وولى عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة سجستان فغزا، فلما كان برزان بعث إليه رتبيل يسأله الصلح عن بلاده وبلاد كابل عَلَى ألف ألف ومائتي ألف، فأجابه إِلَى ذلك وسأله أن يهب له مائتي ألف تفعل فتم الصلح عَلَى ألف ألف درهم، ووفد عُبَيْد اللَّه عَلَى زياد فأعلمه ذلك فأمضى الصلح، ثُمَّ رجع عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة إِلَى سجستان فأقام بها إِلَى أن مات زياد، وولى سجستان بعد موت زياد عباد بْن زياد من قبل معاوية، ثُمَّ لما ولى يزيد بْن معاوية ولى سلم بْن زياد خراسان وسجستان فولى سلم أخاه يزيد بن زياد سجسان، فلما كان موت يزيد أو قبل ذلك بقليل غدر أهل كابل ونكثوا وأسروا أَبَا عُبَيْدة بْن زياد فسار إليهم يزيد بْن زياد فقاتلهم وهم بجنزة فقتل يزيد بْن زياد وكثير ممن كان معه وانهزم سائر الناس، وكان فيمن استشهد زيد بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي مليكة بْن عَبْد اللَّهِ بْن جدعان القرشي، وصلة بْن أشيم أَبُو الصهباء العدوي زوج معاذة العدوية، فبعث سلم بْن زياد طلحة بْن عَبْد اللَّهِ بْن خلف الخزاعي الَّذِي يعرف بطلحة الطلحات ففدى أَبَا عُبَيْدة بخمسمائة ألف درهم، وسار طلحة من كابل إِلَى سجستان واليا عليها من قبل سلم بْن زياد فجبى وأعطى زواره ومات بسجستان واستخلف رجلا من بني يشكر فأخرجته المضرية ووقعت العصبية وغلب كل قوم عَلَى مدينتهم فطمع فيهم رتبيل، ثُمَّ قدم عَبْد الْعَزِيزِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر واليا عَلَى سجستان من قبل القباع، وهو الحارث بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة المخزومي في أيام ابن الزبير فأدخلوه مدينة زرنج وحاربوا رتبيل فقتله أبو عفراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 عمير المازني وانهزم المشركون، وأرسل عَبْد الْعَزِيزِ بْن ناشرة التميمي إِلَى عَبْد الْعَزِيزِ أن خذ جميع ما في بيت المال وانصرف ففعل، وأقبل ابن ناشرة حَتَّى دخل زرنج ومضى وَكِيع بْن أَبِي سود التميمي فرد عَبْد الْعَزِيزِ وأدخله المدينة حين فتحت للحطابين وأخرج بْن ناشرة فجمع جمعا فقاتله عَبْد الْعَزِيزِ ابن عَبْد اللَّهِ ومعه وَكِيع فعثر بابن ناشرة فرسه فقتل، فقال أَبُو حزابة، ويقال حنظلة بْن عرادة. ألا لا فتى بعد ابن ناشرة الفتى ... ولا شيء إلا قَدْ تولى وأدبرا أكان حصادا للمنايا ازدرعنه ... فهلا تركن النبت ما كان أخضرا فتى حنظلي ما تزال يمينه ... تجود بمعروف وتنكر منكرا لعمري: لقد هدت قريش عروشنا ... بأروع نفاح العشيات أزهرا واستعمل عَبْد الملك بْن مروان أمية بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد بْن أَبِي العيص عَلَى خراسان فوجه ابنه عَبْد اللَّهِ بْن أمية عَلَى سجستان وعقد له عليها وهو بكرمان، فلما قدمها غزا رتبيل الملك بعد رتبيل الأول المقتول، وقد كان هاب المسلمين فصالح عَبْد اللَّهِ حين نزل بست عَلَى ألف ألف ففعل وبعث إليه بهدايا ورقيق فأبى قبول ذلك، وقال: إن ملأ لي هَذَا الرواق ذهبا وإلا فلا صلح بيني وبينه، وكان غزاء فخلى له رتبيل البلاد حتى إذا أو غل فيها أخذ عَلَيْهِ الشعاب والمضايق وطلب إليهم أن يخلوا عنه ولا يأخذ منهم شيئا فأبى ذلك وقال: بل تأخذ ثلاثمائة ألف درهم صلحا وتكتب لنا بها كتابا ولا تغزو بلاد ناما كنت آليا ولا تحرق ولا تخرب ففعل، وبلغ عَبْد الملك بْن مروان ذلك فعزله، ثُمَّ ولما ولى الحجاج بْن يوسف العراق وجه عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة إِلَى سجستان فحار ووهن، وأتى الرخج وكانت البلاد مجدبة فسار حَتَّى نزل بالقرب من كابل وانتهى إِلَى شعب فاخذه عَلَيْهِ العدو ولحقهم رتبيل فصالحهم عُبَيْد اللَّه عَلَى أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 يعطوه خمسمائة ألف درهم ويبعث إليه بثلاثة من ولده نهار والحجاج وأبى بكرة رهناء ويكتب لهم كتابا أن لا يغزوهم ما كان واليا، فقال له شريح بْن هانئ الحارثي: اتق اللَّه وقاتل هؤلاء القوم فإنك إن فعلت ما تريد أن تفعله أوهنت الإسلام بهذا الثغر، وكنت قَدْ فررت منَ الموت الَّذِي إليه مصيرك فاقتتلوا وحمل شريح فقتل وقاتل الناس فأفلتوا وهم مجهودون وسلكوا مفازة بست فهلك كثير منَ الناس عطشا وجوعا ومات عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة كمدا لما نال الناس وأصابهم، ويقال أنه اشتكى أذنه فمات واستخلف عَلَى الناس ابنه أَبَا برذعة، ثُمَّ أن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث خلع وخرج إِلَى سجستان مخالفا لعبد الملك بْن مروان والحجاج فهادن رتبيل وصار إليه، ثُمَّ أن رتبيل أسلمه خوفا منَ الحجاج، وذلك أنه كتب إليه يتوعده فألقى نفسه فوق جبل ويقال من فوق سطح وسقط معه الَّذِي كان يحفظه وكان قَدْ سلسل نفسه معه فمات، فأتى الحجاج برأسه فصالح الحجاج رتبيل عَلَى أن لا يغزوه سبع سنين، ويقال تسع سنين عَلَى أن يؤدي بعد ذلك في كل سنة بتسعمائة ألف درهم عروضا، فلما انقضت السنون ولى الحجاج الأشهب بْن بشر الكلبي سجستان فعاسر رتبيل في العرض الَّتِي أداها فكتب إِلَى الحجاج يشكوه إليه فعزله الحجاج. قَالُوا: ثُمَّ لما ولي قتيبة بْن مُسْلِم الباهلي خراسان وسجستان في أيام الوليد ابن عَبْد الملك ولى أخاه عَمْرو بْن مُسْلِم سجستان فطلب الصلح من رتبيل دراهم مدرهمة فذكر أنه لا يمكنه إلا ما كان فارق عَلَيْهِ الحجاج منَ العروض، فكتب عَمْرو بذلك إِلَى قتيبة فسار قتيبة إِلَى سجستان، فلما بلغ رتبيل قدومه أرسل إليه أنا لم نخلع يدا منَ الطاعة وإنما فارقتمونا عَلَى عروض فلا تظلمونا، فقال قتيبة للجند: اقبلوا منه العروض فإنه ثغر مشئوم فرضوا بها، ثُمَّ انصرف قتيبة إِلَى خراسان بعد أن ذرع زرعا في أرض زرنج لييأس العدو من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 انصرافه فيذعن له فلما حصد ذلك الزرع منعت منه الأفاعي فأمر به فاحرق واستخلف قتيبة عَلَى سجستان ابن عَبْد اللَّهِ بْن عمير الليثي أخي عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر لأمه، ثُمَّ ولى سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك وولى يزيد بْن المهلب العراق فولى يزيد مدرك بْن المهلب أخاه سجستان فلم يعطه رتبيل شيئا، ثم ولى معاوية بن يزيد فرضخ له ثُمَّ ولى يزيد بْن عَبْد الملك فلم يعط رتبيل عماله شيئا، قَالَ ما فعل قوم كانوا يأتونا خماص البطون سود الوجوه منَ الصلاة نعالهم خوص، قَالُوا: انقرضوا، قال: أولئك أو فى منكم عهدا وأشد بأسا، وإن كنتم أحسن منهم وجوها، وقيل له ما بالك كنت تعطي الحجاج الإتاوة ولا تعطيناها، فقال: كان الحجاج رجلا لا يظفر فيما أنفق إذا ظفر ببغيته ولو لم يرجع إليه درهم وأنتم لا تنفقون درهما إلا إذا طمعتم في أن يرجع إليكم مكانه عشرة، ثُمَّ لم يعط أحدا من عمال بني أمية ولا عمال أَبِي مسلم عَلَى سجستان من تلك الإتاوة شيئا. قَالُوا: ولما استخلف المَنْصُور أمير الْمُؤْمِنِين ولى معن بْن زائدة الشيباني سجستان فقدمها وبعث عماله عليها وكتب إِلَى رتبيل يأمره بحمل الإتاوة الَّتِي كان الحجاج صالح عليها، فبعث بابل وقباب تركية ورقيق وزاد في قيمة ذلك للواحد ضعفه، فغضب معن وقصد الرخج وعلى مقدمته يزيد بْن مزيد فوجد رتبيل قَدْ خرج عنها ومضى إِلَى ذابلستان ليصيف بها، ففتحها وأصاب سبايا كثيرة، وكان فيهم فرج الرخجي وهو صبي وأبوه زياد فكان فرج يحدث أن معنا رأي غبارا ساطعا أثارته حوافر حمير وحشية فظن أن جيشا قَدْ أقبل نحوه ليحاربه ويتخلص السبي والأسرى من يده فوضع السيف فيهم فقتل منهم عدة كثيرة ثُمَّ أنه تبين أمر الغبار ورأى الحمير فأمسك، وقال فرج: لقد رأيت أَبِي حين أمر معن بوضع السيف فينا وقد حنى علي وهو يقول اقتلوني ولا تقتلوا ابني. قالوا: وكانت عدة من سبي وأسر زهاء ثلاثين ألفا فطلب ماوند خليفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 رتبيل الأمان عَلَى أن يحمله إِلَى أمير الْمُؤْمِنِين، فآمنه وبعث به إِلَى بغداد مع خمسة آلاف من مقاتلهم فأكرمه المَنْصُور وفرض له وقوده، قَالُوا: وخاف معن الشتاء وهجومه فانصرف إِلَى بست، وأنكر قوم منَ الخوارج سيرته فاندسوا مع فعلة كانوا يبنون في منزله بناء، فلما بلغوا التسقيف احتالوا لسيوفهم فجعلوها في حزم القصب ثُمَّ دخلوها عَلَيْهِ قبته وهو يحتجم ففتكوا به وشق بعضهم بطنه بخنجر كان معه، وقال أحدهم وضربه عَلَى رأسه أَبُو الغلام الطاقي والطاق رستاق بقرب زرنج فقتلهم يزيد بْن مزيد فلم ينج منهم أحد، ثُمَّ أن يزيد قام بأمر سجستان، واشتدت عَلَى العرب والعجم من أهلها وطأته فاحتال بعض العرب فكتب عَلَى لسانه إِلَى المَنْصُور كتابا يخبره فيه إن كتب المهدي إليه قَدْ حيرته وأدهشته ويسأله أن يعفيه من معاملته، فأغضب ذلك المَنْصُور وشتمه وأقر المهدي كتابه فعزله وأمر بحبسه وبيع كل شيء له، ثُمَّ أنه كلم فيه فأشخص إِلَى مدينة السلام فلم يزل بها مخبوءا حَتَّى لقيه الخوارج عَلَى الجسر فقاتلهم فتحرك أمره قليلا، ثُمَّ توجه إِلَى يوسف البرم بخراسان فلم يزل في ارتفاع ولم يزل عمال المهدي والرشيد رحمهما اللَّه يقبضون الإتاوة من رتبيل سجستان عَلَى قدر قوتهم وضعفهم ويولون عمالهم النواحي الَّتِي قَدْ غلب عليها الإِسْلام ولما كان المأمون بخراسان أديت إليه الإتاوة مضعفة وفتح كابل وأظهر ملكها الإسلام والطاعة وأدخلها عامله واتصل إليها البريد فبعث إليه منها بأهليلج غض ثُمَّ استقامت بعد ذلك حينا. وحدثني العمري عَنِ الهيثم بْن عدي، قَالَ: كان في صلحات سجستان القديمة أن لا يقتل لهم ابن عرس لكثرة الأفاعي عندهم قَالَ، وقال: أول من دعا أهل سجستان إِلَى رأي الخوارج رجل من بني تميم يقال له عاصم أو ابن عاصم . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 فتوح خراسان قَالُوا: وجه أَبُو موسى الأشعري عَبْد اللَّهِ بْن بديل بْن ورقاء الخزاعي غازيا فأتى كرمان ومضى حَتَّى بلغ الطبسين وهما حصنان يقال لأحدهما طبس وللآخر كرين، وهما جرم فيهما نخل وهما بابا خراسان، فأصاب مغنما وأتى قوم من أهل الطبسين عُمَر بْن الخطاب فصالحوه عَلَى ستين ألفا، ويقال خمسة وسبعين ألفا وكتب لهم كتابا. ويقال: بل توجه عَبْد اللَّهِ بْن بديل من أصبهان من تلقاء نفسه، فلما استخلف عُثْمَان بْن عَفَّان ولى عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر بْن كريز البصرة في سنة ثمان وعشرين ويقال في سنة تسع وعشرين وهو ابن خمس وعشرين سنة فافتتح من أرض فارس ما افتتح ثم غزا خراسان في سنة ثلاثين واستخلف عَلَى البصرة زياد بْن أَبِي سُفْيَان وبعث عَلَى مقدمته الأحنف بْن قيس، ويقال عَبْد اللَّهِ ابن حازم بْن أسماء بْن الصلت بْن حبيب السلمي، فأقر صلح الطبسين، وقدم ابن عَامِر الأحنف بْن قيس إِلَى قوهستان، وذلك أنه سأل عن أقرب مدينة إِلَى الطبسين فدل عليها فلقيته الهياطلة وهم أتراك، ويقال بل هم قوم من أهل فارس كانوا يلوطون فنفاهم فيروز إِلَى هراة فصاروا مع الأتراك فكانوا معاونين لأهل قوهستان فهزمهم وفتح قوهستان عنوة، ويقال بل ألجأهم إِلَى حصنهم ثُمَّ قدم عَلَيْهِ ابن عَامِر فطلبوا الصلح فصالحهم عَلَى ستمائة ألف درهم. وقال معمر بْن المثنى: كان المتوجه إِلَى قوهستان أمير بْن أحمر اليشكري وهي بلاد بكر بْن وائل إِلَى اليوم، وبعث ابن عَامِر يزيد الجرشي أَبَا سالم بْن يزيد إِلَى رستاق زام من نيسابور ففتحه عنوة، وفتح باخرز وهو رستاو من نيسابور، وفتح أيضا جوبن وسبى سبيا ووجه ابن عَامِر الأسود بْن كلثوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 العدوي عدي الرباب وكان ناسكا إِلَى بيهق وهو رستاق من نيسابور فدخل بعض حيطان أهله من ثلمة كانت فيه ودخلت معه طائفة منَ المسلمين وأخذ العدو عليهم تلك الثلمة فقاتل الأسود حَتَّى قتل ومن معه، وقام بأمر الناس بعده أدهم بْن كلثوم فظفر وفتح بيهق، وكان الأسود يدعو ربه أن يحشره من بطون السباع والطير فلم يواره أخوه ودفن منَ استشهد من أصحابه، وفتح ابن عَامِر بشت من نيسابور وأشبندورخ وزاوة وخواف وإسبرائن وأرغيان من نيسابور، ثُمَّ أتى أبر شهر وهي مدينة نيسابور فحصر أهلها أشهرا وكان عَلَى كل ربع منها رجل موكل به. وطلب صاحب ربع من تلك الأرباع الأمان عَلَى أن يدخل المسلمين المدينة فأعطيه وأدخلهم إياها ليلا ففتحوا الباب وتحصن مرزبانها في القهندز ومعه جماعة فطلب الأمان عَلَى أن يصالحه من جميع نيسابور عَلَى وظيفة يؤديها فصالحه عَلَى ألف ألف درهم ويقال سبعمائة ألف درهم. وولى نيسابور حين فتحها قيس بْن الهيثم السلمي ووجه ابن عَامِر عَبْد اللَّهِ بْن خازم السلمي إِلَى حمراتدز من نسا وهو رستاق ففتحه، وأتاه صاحب نسا فصالحه عَلَى ثلاثمائة ألف درهم، ويقال عَلَى احتمال الأرض منَ الخراج عَلَى أن لا يقتل أحدا ولا يسبيه. وقدم بهمنة عظيم أبيورد عَلَى ابن عَامِر فصالحه عَلَى أربعمائة ألف ويقال وجه إليها ابن عَامِر عَبْد اللَّهِ بْن خازم فصالح أهلها عَلَى أربعمائة ألف درهم، ووجه عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر عَبْد اللَّهِ بْن خازم إِلَى سرخس فقاتلهم، ثُمَّ طلب زاذويه مرزبانها الصلح عَلَى إيمان مائة رجل، وأن يدفع إليه النساء فصارت ابنته في سهم ابن خازم واتخذها وسماها ميثاء، وغلب ابن خازم عَلَى أرض سرخس، ويقال أنه صالحه عَلَى أن يؤمن مائة نفس فسمى له المائة ولم يسم نفسه فقتله ودخل سرخس عنوة، ووجه ابن خازم من سرخس يزيد بْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 سالم مولى شريك بْن الأعور إِلَى كيف وبينة ففتحها، وأنى كنازتك مرزبان طوس ابن عَامِر فصالحه عن طوس عَلَى ستمائة ألف درهم، ووجه ابن عَامِر جيشا إِلَى هراة عَلَيْهِ أوس بْن ثعلبة بْن رقى، ويقال خليد بْن عَبْد اللَّهِ الحنفي فبلغ عظيم هراة ذلك فشخص إِلَى ابن عَامِر وصالحه عن هراة وبادغيس وبوشنج غير طاغون وباغون فإنهما فتحا عنوة، وكتب له ابن عَامِر: بسم اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم: هَذَا ما أمر به عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر عظيم هراة وبوشنج وبادغيس، أمره بتقوى اللَّه، ومناصحة المسلمين، وإصلاح ما تحت يديه منَ الأرضين، وصالحه عن هراة سهلها وجبلها على أن يؤدى من الجزية ما صالحه عَلَيْهِ، وأن يقسم ذلك عَلَى الأرضين عدلا بينهم، فمن منع ما عَلَيْهِ فلا عهد له ولا ذمة، وكتب ربيع بْن نهشل وختم ابن عَامِر. ويقال أيضا: أن ابن عَامِر سار بنفسه في الدهم إِلَى هراة فقاتل أهلها ثُمَّ صالحه مرزبانها عن هراة وبوشنج وبادغيس عَلَى ألف ألف درهم، وأرسل مرزبان مرو الشاهجان يسأل الصلح فوجه ابن عَامِر إِلَى مرو حَاتِم بْن النعمان الباهلي فصالحه عَلَى ألفي ألف ومائتي ألف درهم، وقال بعضهم ألف ألف درهم ومائتي ألف جريب من بر وشعير، وقال بعضهم ألف ألف ومائة ألف أوقية وكان فى صلحم أن يوسعوا للمسلمين في منازلهم وأن عليهم قسمة المال وليس عَلَى المسلمين إلا قبض ذلك وكانت مرو صلحا كلها إلا قرية منها يقال لها السنج فإنها أخذت عنوة. وقال أَبُو عُبَيْدة صالحه عَلَى وصائف ووصفاء ودواب ومتاع، ولم يكن عند القوم يومئذ عين وكان الخراج كله عَلَى ذلك حَتَّى ولى يزيد بْن معاوية فصيره مالا، ووجه عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر الأحنف بْن قيس نحو طخارستان، فأتى الموضع الَّذِي يقال له قصر الأحنف وهو حصن من مرو الروذ، وله رستاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 عظيم يعرف برستاق الأحنف ويدعى بشق الجرذ فحصر أهله فصالحوه عَلَى ثلاثمائة ألف، فقال الأحنف أصالحكم عَلَى أن يدخل رجل منا القصر فيؤذن فيه ويقيم فيكم حَتَّى انصرف فرضوا، وكان الصلح عن جميع الرستاق ومضى الأحنف إِلَى مرو الروذ فحصر أهلها وقاتلوهم قتالا شديدا فهزمهم المسلمون فاضطروهم إِلَى حصنهم، وكان المرزبان من ولد باذام صاحب اليمن أو ذا قرابة له، فكتب إِلَى الأحنف: أنه دعاني إِلَى الصلح إسلام باذام فصالحه عَلَى ستين ألفا، وقال المدائني: قَالَ قوم ستمائة ألف، وقد كانت للأحنف خيل سارت وأخذت رستاقا يقال له بغ واستاقت منه مواشي فكان الصلح بعد ذلك. وقال أَبُو عُبَيْدة: قاتل الأحنف أهل مرو الروذ مرات، ثُمَّ أنه مر برجل يطبخ قدرا لأصحابه أو يعجن عجينا فسمعه يقول: إنما نبتغي للأمير أن يقاتلهم من وجه واحد من داخل الشعب، فقال في نفسه: الرأي ما قاله الرجل فقاتلهم وجعل المرغاب عن يمينه والجبل عن يساره، والمرغاب نهر يسيح بمرو الروذ ثُمَّ يغيض في رمل ثُمَّ يخرج بمرو الشاهجان فهزمهم ومن معهم منَ الترك ثُمَّ طلبوا الأمان فصالحه. وقال غير أَبِي عُبَيْدة: جمع أهل طخارستان للمسلمين فاجتمع أهل الجوزجان والطالقان والفارياب ومن حولهم فبلغوا ثلاثين ألفا وجاءهم أهل الصغانيان وهم في الجانب الشرقي منَ النهر فرجع الأحنف إِلَى قصره فوفى له أهله وخرج ليلا فسمع أهل خباء يتحدثون ورجلا يقول. الرأي للأمير أن يسير إليهم فيناجزهم حيث لقيهم فقال رجل يوقد تحت خزيرة أو يعجن. ليس هَذَا برأي ولكن الرأي أن ينزل بَيْنَ المرغاب والجبل فيكون المرغاب عن يمينه والجبل عن يساره فلا يلقى من عدوه وان كثروا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 إلا مثل عدة أصحابه، فرأى ذلك صوابا ففعله وهو في خمسة آلاف منَ المسلمين أربعة آلاف منَ العرب وألف من مسلمي العجم فالتقوا وهز رايته وحمل وحملوا فقصد ملك الصغانيان للأحنف، فأهوى له بالرمح فانتزع الأحنف الرمح من يده، وقاتل قتالا شديدا، فقتل ثلاثة ممن معهم الطبول منهم كان يقصد قصد صاحب الطبل فيقتله، ثُمَّ أن اللَّه ضرب وجوه الكفار فقتلهم المسلمون قتلا ذريعا ووضعوا السلاح أنى شاءوا منهم ورجع الأحنف إِلَى مرو الروذ، ولحق بعض العدو بالجوزجان فوجه إليهم الأحنف الأقرع بْن حابس التميمي في خيل: وقال: يا بني تميم تحابوا وتبادلوا تعتدل أموركم وابدؤا بجهاد بطونكم وفروجكم يصلح لكم دينكم، ولا تغلوا يسلم لكم جهادكم، فسار الأقرع فلقي العدو بالجوزجان فكانت في المسلمين جولة، ثُمَّ كروا فهزموا الكفرة، وفتحوا الجوزجان عنوة، وقال ابن الغريزة النهشلي: سقى صوب الصحاب إذا استهلت ... مصارع فتية بالجوزجان إِلَى القصرين من رستاق حوف ... أفادهم هناك الأقرعان وفتح الأحنف مطالقان صلحا وفتح الفارياب، ويقال بل فتحها أمير ابن أحمر، ثم سار الأحنف إلى بلخ وهي مدينة طخارى فصالحهم أهلها عَلَى أربعمائة ألف ويقال سبعمائة ألف، وذلك أثبت، فاستعمل عَلَى بلخ أسيد ابن المتشمس، ثُمَّ سار إِلَى خارزم وهي من سقى النهر جميعا ومدينتها شرقية فلم يقدر عليها فانصرف إِلَى بلخ وقد جبى أسيد صلحها. وقال أَبُو عُبَيْدة: فتح ابن عَامِر ما دون النهر، فلما بلغ أهل ما وراء النهر أمره طلبوا إليه أن يصالحهم ففعل، فيقال أنه عبر النهر حَتَّى أتى موضعا موضعا وقيل بل أتوه فصالحوه وبعث من قبض ذلك، فأتته الدواب والوصفاء والوصائف والحرير والثياب، ثم أنه أحرم شكر الله ولم يذكر غيره عبوره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 النهر ومصالحته أهل الجانب الشرقي، وقالوا: أنه أهل بعمرة وقدم عَلَى عُثْمَان واستخلف قيس بْن الهيثم فسار قيس بعد شخوصه في أرض طخارستان فلم يأت بلدا منها إلا صالحه أهله فأذعنوا له حَتَّى أتى سمنجان فامتنعوا فحصرهم حَتَّى فتحها عنوة، وقد قيل أن ابن عَامِر جعل خراسان بَيْنَ ثلاثة الأحنف ابن قيس وحَاتِم بْن النعمان الباهلي وقيس بْن الهيثم، والأول أثبت، ثُمَّ أن ابن خازم افتعل عهدا عَلَى لسان بْن عَامِر وتولى خراسان فاجتمعت بها جموع الترك ففضهم ثُمَّ قدم البصرة قبل قتل عُثْمَان. وحدثني الْحُسَيْن بن الأسود، قال: حدثنا وكيع بن الجراح عَنِ ابن عون عن مُحَمَّد بْن سيرين أن عُثْمَان بْن عَفَّان عقد لمن وراء النهر، قَالُوا وقدم ماهويه مرزبان مرو علي بْن أَبِي طالب في خلافته وهو بالكوفة فكتب له إِلَى الدهاقين والأساورة والدهشلارين أن يؤدوا إليه الجزية فانتقضت عليهم خراسان فبعث جعدة بْن هبيرة المخزومي وأمه أم هانئ بنت أَبِي طالب فلم يفتحها ولم تزل خراسان ملتاثة حَتَّى قتل علي عَلَيْهِ السلام، قال أَبُو عُبَيْدة أول عمال على خرسان عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أبزى مولى خزاعة ثُمَّ جعدة بْن هبيرة بْن أَبِي وهب ابن عَمْرو بْن عائد بْن عِمْرَان بْن مخزوم. قَالُوا: واستعمل معاوية بْن أَبِي سُفْيَان قيس بْن الهيثم بْن قيس بْن الصلت السلمي عَلَى خراسان فلم يعرض لأهل النكث، وجبى أهل الصلح فكان عليها سنة أو قريبا منها، ثُمَّ عزله وولى خَالِد بْن المعمر فمات بقصر مقاتل أو بعين التمر، ويقال أن معاوية ندم عَلَى توليته فبعث إليه بثوب مسموم ويقال بل دخلت في رجله زجاجة فنزف منها حَتَّى مات، ثُمَّ ضم معاوية إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر مع البصرة خراسان، فولى بْن عَامِر قيس بْن الهيثم السلمي خراسان وكان أهل بادغيس وهراة وبوشنج وبلخ على نكثهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 فسار إلى بلح فأخرب نوبهارها، وكان الَّذِي تولى ذلك عطاء بْن السائب مولى بني الليث وهو الخشل، وإنما سمي عطاء الخشل واتخذ قناطر عَلَى ثلاثة أنهار من بلخ عَلَى فرسخ فقيل قناطر عطاء، ثُمّ أن أهل بلخ سألوا الصلح ومراجعة الطاعة فصالحهم قيس ثُمَّ قدم عَلَى ابن عَامِر فضربه مائة وحبسه. واستعمل عَبْد اللَّهِ بْن خازم فأرسل إليه أهل هراة وبوشنج وبادغيس، فطلبوا الأمان والصلح فصالحهم، وحمل إِلَى بْن عَامِر مالا وولى زياد بْن أَبِي سُفْيَان البصرة في سنة خمس وأربعين، فولى أمير بْن أحمر مرو، وخليد بن عبد الله الحنفي أبر شهر، وقيس بْن الهيثم مرو الروذ، والطالقان، والفارياب ونافع بن خالد الطاحي من الأزدهراة، وبادغيس، وبوشنج وقادس من أنواران فكان أمير أول من أسكن العرب مرو، ثُمَّ ولى زياد الحكم ابن عَمْرو الغفاري، وكان عفيفا وله صحبة وإنما قال لحاجبه فيل ايتني بالحكم وهو يريد الحكم بن أبى العاصي الثقفي، وكانت أم عَبْد اللَّهِ بنت عُثْمَان بْن أَبِي العاصي عنده فأتاه بالحكم بن عمرو، فلما رآه تبرك به، وقال رجل صالح من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فولاه خراسان فمات بها فى سنة خمسين وكان الحكم أول من صلى من وراء النهر. وحدثني أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ الجعفي، قَالَ: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن المبارك يقول لرجل من أهل الصغانيان كان يطلب معنا الحديث أتدري من فتح بلادك قَالَ لا. قَالَ: فتحها الحكم بْن عَمْرو الغفاري، ثُمَّ ولى زياد بْن أَبِي سُفْيَان الربيع ابن زياد الحارثي سنة إحدى وخمسين خراسان، وحول معه من أهل المصريين زهاء وخمسين ألفا بعيالاتهم، وكان فيهم بريدة بْن الحصيب الأسلمي أَبُو عَبْد اللَّهِ وبمرو توفى أيام يزيد بْن معاوية، وكان أيضا أَبُو برزة الأسلمى عبد الله ابن نضلة وبهامات وأسكنهم دون النهر، والربيع أول من أمر الجند بالتناهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 ولما بلغه مقتل حجر بْن عدي الكندي غمه ذلك، فدعا بالموت فسقط من يومه فمات، وذلك سنة ثلاث وخمسين واستخلف عَبْد اللَّهِ ابنه فقاتل أهل آمل وهي آمويه وزم، ثُمَّ صالحهم ورجع إِلَى مرو فمكث بها شهرين ثُمَّ مات، ومات زياد فاستعمل معاوية عُبَيْد اللَّه بْن زياد عَلَى خراسان وهو ابن خمس وعشرين سنة فقطع النهر في أربعة وعشرين ألفا فأتى بيكند، وكانت خاتون بمدينة بخارى، فأرسلت إِلَى الترك تستمدهم فجاءها منهم دهم فلقيهم المسلمون فهزموهم وحووا عسكرهم وأقبل المسلمون يخربون ويحرقون، فبعث إليهم خاتون تطلب الصلح والأمان فصالحها عَلَى ألف ألف ودخل المدينة، وفتح رامدين وبيكند وبينهما فرسخان، ورامدين تنسب إِلَى بيكند، ويقال إنه فتح الصغانيان وقدم معه البصرة بخلق من أهل بخارى ففرض لهم ثُمَّ ولى معاوية سَعِيد بْن عُثْمَان بْن عَفَّان خراسان فقطع النهر، وكان أول من قطعه بجنده فكان معه رفيع أَبُو العالية الرياحي وهو مولى لامرأة من بني رياح فقال رفيع أبو العالبة رفعة وعلو. فلما بلغ خاتون عبوره النهر حملت إليه الصلح وأقبل أهل السغد والترك وأهل كش ونسف وهي نخشب إِلَى سَعِيد في مائة ألف وعشرين ألفا فالتقوا ببخارى وقد ندمت خاتون عَلَى أدائها الإتاوة ونكثت العهد، فحضر عَبْد لبعض أهل تلك الجموع فانصرف بمن معه فانكسر الباقون، فلما رأت خاتون ذلك أعطته الرهن وأعادت الصلح ودخل سَعِيد مدينة بخارى، ثُمَّ غزا سَعِيد ابن عُثْمَان سمرقند فأعانته خاتون بأهل بخارى، فنزل عَلَى باب سمرقند وحلف أن لا يبرح أو يفتحها ويرمي قهندزها، فقاتل أهلها ثلاثة أيام وكان أشد قتالهم في اليوم الثالث ففقئت عينه وعين المهلب بْن أَبِي صفرة، ويقال أن عين المهلب فقئت بالطالقان، ثُمَّ لزم العدو المدينة وقد فشت فيهم الجراح، وأتاه رجل فدله عَلَى قصر فيه أبناء ملوكهم وعظمائهم فسار إليهم وحصرهم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 فلما خاف أهل المدينة أن يفتح القصر عنوة ويقتل من فيه طلبوا الصلح فصالحهم عَلَى سبعمائة ألف درهم وعلى أن يعطوه رهنا من أبناء عظمائهم، وعلى أن يدخل المدينة ومن شاء ويخرج منَ الباب الآخر فأعطوه خمسة عشر من أبناء ملوكهم، ويقال أربعين، ويقال ثمانين ورمى القهندز فثبت الحجر في كوته ثُمَّ انصرف، فلما كان بالترمذ حملت إليه خاتون الصلح وأقام عَلَى الترمذ حَتَّى فتحها صلحا، ثُمَّ لما قتل عَبْد اللَّهِ بْن خازم السلمي أتى موسى ابنه ملك الترمذ فأجاره وألجأه وقوما كانوا معه فأخرجه عنها وغلب عليها وهو مخالف، فلما قتل صارت في أيدي الولاة ثُمَّ انتقض أهلها ففتحها قتيبة بْن مُسْلِم، وفي سَعِيد يقول مالك ابن الريب: هبت شمال خريق أسقطت ورقا ... واصفر بالقاع بعد الخضرة الشيح فارحل هديت ولا نجعل غنيمتنا ... ثلجا يصفقه بالترمذ الريح إن الشتاء عدو ما نقاتله ... فاقفل هديت وثوب الدق مطروح ويقال أن هَذِهِ الأبيات لنهار بْن توسعة في قتيبة وأولها: كانت خراسان أرضا إذ يزيد بها ... فكل باب منَ الخيرات مفتوح فاستبدلت قتبا جعدا أنامله ... كأنما وجهه بالجل منضوح وكان قثم بْن العَبَّاس بْن عَبْد المطلب مع سَعِيد بْن عُثْمَان فتُوُفِّيَ بسمرقند، ويقال استشهد بها، فقال عَبْد اللَّهِ بْن العَبَّاس حين بلغته وفاته شتان ما بَيْنَ مولده ومقبره فأقبل يصلي فقيل له ما هَذَا، فقال: أما سمعتم اللَّه يقول: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) 2: 45 وحدثني عَبْد اللَّهِ بْن صالح، قَالَ: حَدَّثَنَا شريك عن جابر عَنِ الشعبي، قَالَ: قدم قثم عَلَى سَعِيد بْن عُثْمَان بخراسان، فقال له سَعِيد: أعطيك منَ المغنم ألف سهم، فقال: لا ولكن أعطني سهما لي وسهما لفرسي، قَالَ: ومضى سَعِيد بالرهن الَّذِينَ أخذهم منَ السند حَتَّى ورد بهم المدينة، فدفع ثيابهم ومناطقهم إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 مواليه وألبسهم جباب الصوف وألزمهم السقى والسواني والعمل فدخلوا عَلَيْهِ مجلسه ففتكوا به ثُمَّ قتلوا أنفسهم، وفي سَعِيد يقول مَالِك بْن الريب: وما زلت يوم السغد ترعد واقفا ... منَ الجبن حَتَّى خفت أن تتنصرا وقال خَالِد بْن عقبة بْن أَبِي معيط: ألا إن خير الناس نفسا ووالدا ... سَعِيد بْن عُثْمَان قتيل الأعاجم فإن تكن الأيام أردت صروفها ... سعيدا فمن هَذَا منَ الدهر سالم وكان سَعِيد احتال لشريكه في خراج خراسان فأخذ منه مالا فوجه معاوية من لقيه بحلوان فأخذ المال منه، وكان شريكه أسلم بْن زرعة، ويقال إِسْحَاق بْن طلحة بْن عُبَيْد اللَّه، وكان معاوية قَدْ خاف سعيدا عَلَى خلعه ولذلك عاجله بالعزل، ثُمَّ ولى معاوية عَبْد الرَّحْمَنِ بْن زياد خراسان، وكان شريفا ومات معاوية وهو عليها، ثُمَّ ولى يزيد بْن معاوية سلم بْن زياد فصالحه أهل خارزم عَلَى أربعمائة ألف وحملوها إليه وقطع النهر ومعه امرأته أم مُحَمَّد بنت عبد الله بن عثمان بن أبى العاصي الثقفي، وكانت أول عربية عبر بها النهر وأتى سمرقند فأعطاه أهلها ألف دية، وولد له ابن سماه السغدي، واستعارت امرأة منَ امرأة صاحب السغد حليها فكسرته عليها وذهبت به، ووجه سلم بْن زياد وهو بالسغد جيشا إِلَى خجندة وفيهم أعشى همدان فهزموا فقال الأعشى: ليت خيلي يوم الخجندة لم يهزم وغودرت في المكر سليبا تحضر الطير مصرعي وتروحت إِلَى اللَّه في الدماء خضيبا ثُمَّ رجع سلم إِلَى مرو ثُمَّ غزا منها فقطع النهر وقتل بندون السغدي، وقد كان السغد جمعت له فقاتلها، ولما مات يزيد بْن معاوية التاث الناس عَلَى سلم وقالوا: بئس ما ظن ابن سمية أن ظن أنه يتأمر علينا في الجماعة والفتنة كما قيل لأخيه عُبَيْد اللَّه بالبصرة فشخص عن خراسان وأتى عَبْد اللَّهِ بْن الزبير فأغرمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 أربعة آلاف ألف درهم وحبسه، وكان سلم يقول: ليتني أتيت الشام ولم آنف من حدمة أخي عُبَيْد اللَّه بْن زياد، فكنت أغسل رجله ولم آت ابن الزبير فلم يزل بمكة حَتَّى حصر ابن الزبير الحجاج بْن يوسف فنقب السجن وصار إِلَى الحجاج ثُمَّ إِلَى عَبْد الملك، فقال له عَبْد الملك: أما والله لو أقمت بمكة ما كان لها وال غيرك، ولا كان بها عليك أمير وولاه خراسان، فلما قدم البصرة مات بها. قَالُوا: وقد كان عَبْد اللَّهِ بْن خازم السلمي تلقى سلم بْن زياد منصرفه من خراسان بنيسابور، فكتب له سلم عهدا عَلَى خراسان وأعانه بمائة ألف درهم، فاجتمع جمع كثير من بكر بْن وائل وغيرهم، فقالوا: عَلَى ما يأكل هؤلاء خراسان دوننا فأغاروا عَلَى ثقل ابن خازم فقاتلوهم عنه فكفوا. وأرسل سُلَيْمَان بْن مرثد أحد بني سَعْد بْن مَالِك بْن ضبيعة بْن قيس بن ثعلبة ابن عكابة منَ المراثد بْن ربيعة إِلَى ابن خازم أن العهد الَّذِي معك لو استطاع صاحبه أن يقيم بخراسان لم يخرج عنها ويوجهك، وأقبل سُلَيْمَان فنزل بمشرعة سُلَيْمَان ونزل ابن خازم بمرو، واتفقا عَلَى أن يكتبا إِلَى ابن الزبير فأيهما أمره فهو الأمير ففعلا، فولى ابن الزبير عَبْد اللَّهِ بْن خازم خراسان فقدم إليه بعهده عُرْوَة بْن قطبة بعد ستة أشهر فأبى سُلَيْمَان أن يقبل ذلك، وقال: ما ابن الزبير بخليفة وإنما هُوَ رجل عائذ بالبيت فحاربه ابن خازم وهو في ستة آلاف وسُلَيْمَان في خمسة عشر ألفا فقتل سُلَيْمَان قتله قيس بْن عاصم السلمي واحتز رأسه وأصيب من أصحاب ابن خازم رجال، وكان شعار ابن خازم حمر لا ينصرون، وشعار سُلَيْمَان يا نَصْر اللَّه اقترب، واجتمع فل سُلَيْمَان إِلَى عُمَر بْن مرثد بالطالقان، فسار إليه ابن خازم فقاتله فقتله، واجتمعت ربيعة إِلَى أوس بْن ثعلبة بهراة فاستخلف ابن خازم موسى ابنه وسار إليه، وكانت بَيْنَ أصحابهما وقائع، واغتنمت الترك ذلك فكانت تغير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 حَتَّى بلغت قرب نيسابور ودس ابن خازم إِلَى أوس من سمه فمرض، واجتمعوا للقتال فحض ابن خازم أصحابه فقال: اجعلوه يومكم واطعنوا الخيل من مناخرها فإنه لم يطعن فرس قط في منخره إلا أدبر فاقتتلوا قتالا شديدا، وأصابت أوسا جراحة وهو عليل فمات منها بعد أيام، وولى ابن خازم ابنه محمدا هراة، وجعل عَلَى شرطته بكير ابن وشاح وصفت له خراسان. ثُمَّ أن بني تميم هاجوا بهراة وقتلوا محمدا فظفر أبوه بعثمان بن بشر بن المختفز فقتله صبرا، وقتل رجلا من بني تميم فاجتمع بنو تميم فتناظروا، وقالوا ما نرى هَذَا يقلع عنا فيصير جماعة منا إِلَى طوس فإذا خرج إليهم خلعه من بمرو منا، فمضى بجير بْن وقاء الصريمي من بني تميم إِلَى طوس في جماعة فدخلوا الحصن ثُمَّ تحولوا إِلَى أبرشهر وخلعوا ابن خازم فوجه ابن خازم ثقله مع ابنه موسى إِلَى الترمذ، ولم يأمن عَلَيْهِ من بمرو من بني تميم، وورد كتاب عَبْد الملك بْن مروان عَلَى ابن خازم بولاية خراسان فأطعم رسوله الكتاب، وقال: ما كنت لألقى اللَّه وقد نكثت بيعة ابن حواري رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبايعت ابن طريدة، فكتب عَبْد الملك إِلَى بكير بْن وشاح بولايته خراسان فخاف ابن خازم أن يأتيه في أهل مرو، وقد كان بكير خلع ابن خازم، وأخذ السلاح وبيت المال ودعى أهل مرو إِلَى بيعة عَبْد الملك فبايعوه، فمضى ابن خازم يريد ابنه موسى وهو بالترمذ في عياله وثقله فاتبعه بحير فقاتله بقرب مرو، ودعيا وكيف بْن الدورقية القريعي، واسم أبيه عميرة وأمه من سبي دورق نسب إليه بدرعه وسلاحه فلبسه وخرج فحمل عَلَى ابن خازم ومعه بجير بْن وقاء فطعناه وقعد وَكِيع عَلَى صدره، وقال: يا لثارات دويلة ودويلة أخو وَكِيع لأمه، وكان مولى لبني قريع قتله ابن خازم فتنخم ابن خازم في وجهه، وقال لعنك اللَّه أتقتل كبش مضر بأخيك علج لا يساوي كفا من نوى، وقال وَكِيع: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 ذق يا ابن عجلى مثل ما قَدْ أذقتني ... ولا تحسبني كنت عن ذاك غافلا عجلى أم ابن خازم وكان يكنى أَبَا صالح، وكنية وَكِيع بْن الدورقية أَبُو ربيعة وقتل مع عَبْد اللَّهِ بْن خازم ابناه عنبسة ويحيى وطعن طهمان مولى ابن خازم، وهو جد يعقوب بْن داود كاتب أمير الْمُؤْمِنِين المهدي بعد أَبِي عُبَيْد اللَّه، وأتى بكير بْن وشاح برأس ابن خازم فبعث به إِلَى عَبْد الملك بْن مروان فنصبه بدمشق، وقطعوا يده اليمنى وبعثوا بها إِلَى ولد عُثْمَان بْن بشر ابن المحتفز المزني. وكان وَكِيع جافيا عظيم الخلقة صلى يوما وبين يديه نبت فجعل يأكل منه فقيل له: أتأكل وأنت تصلي، فقال: ما كان اللَّه أحرم نبتا أنبته بماء السماء عَلَى طين الثرى، وكان يشرب الخمر فعوتب عليها، فقال: في الخمر تعاتبوني وهي تجلو بولي حَتَّى تصيره كالفضة. قَالُوا: وغضب قوم لابن خازم ووقع الاختلاف، وصارت طائفة مع بكير بْن وشاح، وطائفة مع بجير، فكتب وجوه أهل خراسان وخيارهم إِلَى عَبْد الملك يعلمونه أنه لا تصلح خراسان بعد الفتنة إلا برجل من قريش، فولى أمية بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية خراسان، فولى بكير ابن وشاح طخارستان، ثُمَّ ولاه غزو ما وراء النهر: ثُمَّ عزم أمية عَلَى غزو بخارى ثُمَّ إتيان موسى بْن عَبْد اللَّهِ بْن خازم بالترمذ فانصرف بكير إِلَى مرو وأخذ ابن أمية فحبسه ودعى الناس إِلَى خلع أمية فأجابوه، وبلغ ذلك أمية فصالح أهل بخارى عَلَى فدية قليلة واتخذ السفن. وقد كان بكير أحرقها ورجع وترك موسى بْن عَبْد اللَّهِ فقدم فقاتله بكير. ثُمَّ صالحه عَلَى أن يوليه أي ناحية شاء، ثُمَّ بلغ أمية أنه يسعى في خلعه بعد ذلك، فأمر إذا دخل داره أن يأخذ فدخلها فأخذ وأمر بحبسه فوثب به بجير بْن وقاء فقتله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 وغزا أمية الختل وقد نقضوا بعد أن صالحهم سَعِيد بْن عُثْمَان فافتتحها، أن الحجاج بن يوسف ولى خراسان مع العراقين، قولي خراسان المهلب بْن أَبِي صفرة، واسمه ظالم بْن سراق بْن صبح بْن العتيك منَ الأزد، ويكنى أَبَا سَعِيد سنة تسع وتسعين فغزى كثيرة، وفتح الختل وقد انتقضت، وفتح خجندة فأدت إليه السغد الأتاوة، وغزاكش ونسف ورجع فمات بزاغول من مرو الروذ بالشوصة، وكان بدء علته الحزن عَلَى ابنه المغيرة بْن المهلب واستخلف المهلب ابنه يزيد بْن المهلب فغازا مغازي كثيرة وفتح البتم عَلَى يد مخلد بْن يزيد بْن المهلب. وولى الحجاج يزيد بْن المهلب وصار عَبْد الرَّحْمَنِ بْن العَبَّاس بْن ربيعة ابن الحارث بْن عَبْد المطلب إِلَى هراة في فل ابن الأشعث وغيرهم، وكان خرج مع ابن الأشعث فقتل الرقاد العتكي وجبى الخراج فسار إليه يزيد فاقتتلوا فهزمهم يزيد وأمر بالكف عَنِ اتباعهم ولحق الهاشمي بالسند، وغزا يزيد خارزم وأصاب سبيا فلبس الجند ثياب السبي فماتوا منَ البرد، ثُمَّ ولى الحجاج المفضل بْن المهلب بْن أَبِي صفرة ففتح بادغيس وقد انتقضت وشومان وآخرون وأصاب غنائم قسمها بَيْنَ الناس. قَالُوا: وكان موسى بْن عَبْد اللَّهِ بْن خازم السلمي بالترمذ، فأتى سمرقند فأكرمه ملكها طرخون، فوثب رجل من أصحابه عَلَى رجل منَ السغد فقتله فأخرجه ومن معه وأتى صاحب كش. ثُمَّ أتى الترمذ وهو حصن فنزل عَلَى دهقان الترمذ وهيأ له طعاما فلما أكل اضطجع. فقال له الدهقان: أخرج فقال: لست أعرف منزلا مثل هَذَا. وقاتل أهل الترمذ حَتَّى غلب عليها. فخرج دهقانها وأهلها إِلَى الترك يستنصرونهم فلم ينصروهم. وقالوا: لعنكم اللَّه فما ترجون بجبر أتاكم رجل في مائة وأخرجكم عن مدينتكم وغلبكم عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 ثم تتام أصحاب موسى إليه ممن كان مع أبيه وغيرهم، ولم يزل صاحب الترمذ وأهلها بالترك حَتَّى أعانوا وأطافوا جميعا بموسى ومن معه فبيتهم موسى وحوى عسكرهم وأصيب منَ المسلمين ستة عشر رجلا، وكان ثابت وحريث ابنا قطبة الخزاعيان مع موسى فاستجاشا طرخون وأصحابه لموسى فأنجده وأنهض إليه بشرا كثيرا فعظمت دالتهما عَلَيْهِ وكانا الآمرين والناهيين في عسكره فقيل له إنما لك الاسم وهذان صاحبا العسكر والأمر، وخرج إليه من أهل الترمذ خلق من الهياطلة والترك واقتلوا قتالا شديدا فغلبهم المسلمون ومن معهم فبلغ ذلك الحجاج، فقال: احمد لله الَّذِي نَصْر المنافقين عَلَى المشركين، وجعل موسى من رؤس من قاتله جوسقين عظيمين، وقتل حريث بْن قطبة بنشابة أصابته فقال أصحاب موسى لموسى: قَدْ أراحنا اللَّه من حريث فأرحنا من ثابت فإنه لا يصفو عيش معه، وبلغ ثابتا ما يخوضون فيه فلما استثبته لحق بحشورا واستنجد طرخون فأنجده، فنهض إليه موسى فغلب عَلَى ربض المدينة، ثُمَّ كبرت أمداد السغد فرجع إِلَى الترمذ فتحصن بها وأعانه أهل كش ونسف وبخارى فحصر ثابت موسى وهو في ثمانين ألفا فوجه موسى يزيد بْن هزيل كالمعزي لزياد القصير الخزاعي وقد أصيب بمصيبة فالتمس الغرة من ثابت فضربه بالسيف عَلَى رأسه ضربة عاش بعدها سبعة أيام ثُمَّ مات وألقى يزيد نفسه في نهر الصغانيان فنجا وقام طرخون بأمر أصحابه فبيتهم موسى فرجعت الأعاجم إِلَى بلادها، وكان أهل خراسان يقولون: ما رأينا مثل موسى قاتل مع أبيه سنتين لم يفل، ثُمَّ أتى الترمذ فغلب عليها وهو في عدة يسيرة وأخرج ملكها عنها ثُمَّ قاتل الترك والعجم فهزمهم وأوقع بهم فلما عزل يزيد ابن المهلب وتولى المفضل بْن المهلب خراسان وجه عُثْمَان بْن مَسْعُود، فسار حَتَّى نزل جزيرة بالترمذ تدعى اليوم جزيرة عُثْمَان، وهو في خمسة عشر ألفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 فضيق عَلَى موسى وكتب إِلَى طرخون فقدم عَلَيْهِ، فلما رأى موسى الَّذِي ورد عَلَيْهِ خرج منَ المدينة وقال لأصحابه الَّذِينَ خلفهم فيها: إن قتلت فادفعوا المدينة إِلَى مدرك بْن المهلب ولا تدفعوها إِلَى ابن مَسْعُود، وحال الترك والسغد بَيْنَ موسى والحصن وعثر به فرسه فسقط فارتدف خلف مولى له، وجعل يقول: الموت كريه فنظر إليه عُثْمَان فقال وثبة موسى ورب الكعبة وقصد له حتى سقط ومولاه فانطووا عَلَيْهِ فقتلوه وقتل أصحابه فلم ينج منهم إلا رقية بْن الحرفانة دفعه إِلَى خَالِد بْن أَبِي برزة الأسلمي، وكان الَّذِي أجهز عَلَى موسى بْن عَبْد اللَّهِ واصل بْن طيسلة العنبري، ودفعت المدينة إِلَى مدرك ابن المهلب وكان قتله في آخر سنة خمس وثمانين وضرب رجل ساق موسى وهو قتيل فلما ولى قتيبة قتله. قَالُوا: ثُمَّ ولى الحجاج قتيبة بْن مُسْلِم الباهلي خراسان، فخرج يريد آخرون فلما كان بالطالقاه تلقاه دهاقين بلخ فعبروا معه النهر فأتاه حين عبر النهر ملك الصغانيان بهدايا ومفتاح من ذهب وأعطاه الطاعة ودعاه إِلَى نزول بلاده وكان ملك آخرون وشومان قَدْ ضيق عَلَى ملك الصغانيان وغزاه فلذلك أعطي قتيبة ما أعطاه ودعاه إِلَى ما دعاه إليه، وأتى قتيبة ملك كفيان بنحو ما أتاه به ملك الصغانيان وسلما إليه، بلديهما، فانصرف قتيبة إِلَى مرو وخلف أخاه صالحا عَلَى ما وراء النهر ففتح صالح كاسان وأورشت، وهي من فرغانة وكان نَصْر بْن سيار معه في جيشه وفتح بيعنخر وفتح خشكت من فرغانة وهي مدينتها القديمة، وكان آخر من فتح كاسان وأورشت، وقد انتقض أهلها نوح بْن أسد في خلافة أمير الْمُؤْمِنِين المنتصر بالله رحمه اللَّه. قَالُوا: وأرسل ملك الجوزجان إِلَى قتيبة فصالحه عَلَى أن يأتيه فصار إليه، ثُمَّ رجع فمات بالطالقان. ثُمَّ غزا قتيبة بيكند سنة سبع وثمانين ومعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 نيزك فقطع النهر من زم إِلَى بيكند، وهي أدنى مدائن بخارى إِلَى النهر فغدروا واستنصروا السغد فقاتلهم وأغار عليهم وحصرهم فطلبوا الصلح ففتحها عنوة وغزا قتيبة تومشكت وكرمينية سنة ثمان وثمانين واستخلف عَلَى مرو بشار بْن مُسْلِم أخاه فصالحهم وافتتح حصونا صغارا وغزا قتيبة بخارى ففتحها عَلَى صلح، وقال أَبُو عُبَيْدة معمر بْن المثنى أتى قتيبة بخارى فاحترسوا منه، فقال دعوني أدخلها فأصلي ركعتين فأذنوا له في ذلك فأكمن لهم قوما، فلما دخلوا كاثروا أهل الباب ودخلوا فأصاب فيها مالا عظيما وغدر بأهلها، قَالَ: وأوقع قتيبة بالسغد وقتل نيزك بطخارستان وصلبه وافتتح كش ونسف وهي نخشب صلحا. قَالُوا: وكان ملك خارزم ضعيفا، وكان أخوه خر زاد قَدْ ضاده وقوي عَلَيْهِ، فبعث ملك خارزم إِلَى قتيبة أني أعطيك كذا وكذا وأدفع إليك المفاتيح عَلَى أن تملكني عَلَى بلادي دون أخي، وخارزم ثلاث مدائن يحاط بها فارقين ومدينة الفيل أحصنها. وقال علي بْن مجاهد إنما مدينة الفيل سمرقند، فنزل الملك أحصن المدائن وبعث إِلَى قتيبة بالمال الَّذِي صالحه عَلَيْهِ وبالمفاتيح فوجه قتيبة أخاه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُسْلِم إِلَى خرزاد فقاتله وظفر بأربعة آلاف أسير فقتلهم، وملك ملك خارزم الأول عَلَى ما شرط له، فقال له أهل مملكته: أنه ضعيف ووثبوا عَلَيْهِ فقتلوه، فولى قتيبة أخاه عُبَيْد اللَّه بْن مُسْلِم خوارزم، وغزا قتيبة سمرقند، وكانت ملوك السغد تنزلها قديما، ثُمَّ نزلت أشتيخن، فحصر قتيبة أهل سمرقند والتقوا مرارا فاقتتلوا، وكتب ملك السغد إِلَى ملك الشاش وهو مقيم بالطاربند، فأتاه في خلق من مقاتلته فلقيهم المسلمون فاقتتلوا أشد قتال، ثُمَّ أن قتيبة أوقع بهم وكسرهم فصالحه غوزك عَلَى ألفي ألف ومائتي ألف درهم في كل عام وعلى أن يصلي في المدينة فدخلها وقد اتخذ له غوزك طعاما فأكل وصلى واتخذ مسجدا وخلف بها جماعة منَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 المسلمين فيهم الضحاك بْن مزاحم صاحب التفسير، ويقال: أنه صالح قتيبة عَلَى سبعمائة ألف درهم وضيافة المسلمين ثلاثة أيام، وكان في صلحه بيوت الأصنام والنيران فأخرجت الأصنام فسلبت حليتها وأحرقت، وكانت الأعاجم تقول أن فيها أصناما منَ استخف بها هلك فلما حرقها قتيبة بيده أسلم منهم خلق، فقال المختار بْن كعب الجعفي في قتيبة: دوخ السغد بالقبائل حَتَّى ... ترك السغد بالعراء قعودا وقال أَبُو عُبَيْدة وغيره لما استخلف عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ وفد عَلَيْهِ قوم من أهل سمرقند فرفعوا إليه أن قتيبة دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين عَلَى غدر فكتب عُمَر إِلَى عامله يأمره أن ينصب لهم قاضيا ينظر فيما ذكروا فإن قضى بإخراج المسلمين أخرجوا فنصب لهم جميع بْن حاضر الباجي فحكم بإخراج المسلمين عَلَى أن ينابذوهم عَلَى سواء فكره أهل مدينة سمرقند الحرب وأقروا المسلمين فأقاموا بَيْنَ أظهرهم. وقال الهيثم بْن عدي: حدثني ابن عياش الهمذاني، قَالَ: فتح قتيبة عامة الشاش وبلغ أسبيجاب، وقيل كان فتح حصن أسبيجاب قديما ثُمَّ غلب عَلَيْهِ الترك ومعهم قوم من أهل الشاش، ثُمَّ فتحه نوح بْن أسد في خلافة أمير الْمُؤْمِنِين المعتصم بالله وبنى حوله سورا يحيط بكروم أهله ومزارعهم. وقال أَبُو عُبَيْدة معمر بْن المثنى فتح قتيبة خارزم وفتح سمرقند عنوة، وقد كان سَعِيد بْن عُثْمَان صالح أهلها ففتحها قتيبة بعده ولم يكونوا نقضوا ولكنه استقل صلحهم، قَالَ: وفتح بيكند وكش ونسف والشاش، وغزا فرغانة ففتح بعضها وغزا السغد وأشر وسنة، قَالُوا: وكان قتيبة مستوحشا من سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك وذلك أنه سعى في بيعة عَبْد الْعَزِيزِ بْن الوليد فأراد دفعها عن سُلَيْمَان، فلما مات الوليد. وقام سُلَيْمَان خطب الناس فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 أنه قَدْ وليكم هبنقة العائشي، وذلك أن سُلَيْمَان كان يعطي ويصطنع أهل النعم واليسار ويدع من سواهم، وكان هبنقة وهو يزيد بْن ثروان يؤثر سمان ابله بالعلف والمرعى، ويقول: أنا لا أصلح ما أفسد اللَّه ودعا الناس إِلَى خلعه فلم يجبه أحد إِلَى ذلك فشتم بني تميم ونسبهم إِلَى الغدر، وقال لستم بني تميم ولكنكم بني ذميم، وذم بني بكر بْن وائل، وقال: يا أخوة مسلمة، وذم الأزد فقال بدلتم الرماح بالمراد وبالسفن أعنة الحصن، وقال: يا أهل السافلة ولا أقول أهل العالية لأضعنكم بحيث وضعكم اللَّه، قَالَ: فكتب سُلَيْمَان إِلَى قتيبة بالولاية وأمره بإطلاق كل من في حبسه وأن يعطي الناس أعطياتهم ويأذن لمن أراد القفول في القفول وكانوا متطلعين إِلَى ذلك وأمر رسوله بإعلام الناس ما كتب به، فقال قتيبة: هَذَا من تدبيره علي وقام فقال: أيها الناس إن سُلَيْمَان قَدْ مناكم مخ أعضاد البعوض وأنكم ستدعون إِلَى بيعة أنور صبي لا تحل ذبيحته وكانوا حنقين عَلَيْهِ لشتمه إياهم فاعتذر من ذلك، وقال: إني غضبت فلم أدر ما قلت وما أردت لكم إلا الخير فتكلموا، وقالوا: إن أذن لنا في القفول كان خيرا له. وإن لم يفعل فلا يلومن إلا نفسه، وبلغه ذلك فخطب الناس فعدد إحسانه إليهم وذم قلة وفائهم له وخلافهم عَلَيْهِ وخوفهم بالأعاجم الَّذِينَ استظهر بهم عليهم، فأجمعوا عَلَى حربه ولم يجيبوه بشيء وطلبوا إِلَى الحصين بْن المنذر أن يولوه أمرهم فأبى وأشار عليهم بوَكِيع بْن حسان بْن قيس بْن أَبِي سود بْن كلب بْن عوف بْن مَالِك بْن غدانة بْن يربوع بْن حنظلة التميمي، وقال: لا يقوى عَلَى هَذَا الأمر غيره لأنه أعرابي جاف تطيعه عشيرته وهو من بني تميم وقد قتل قتيبة بني الأهتم فهم يطلبونه بدمائهم فسعوا إِلَى وَكِيع فأعطاهم يده فبايعوه، وكان السفير بينه وبينهم قبل ذلك حيان مولى مصقلة وبخراسان يومئذ من مقاتلة أهل البصرة أربعون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 ألفا ومن أهل الكوفة سبعة آلاف ومن الموالي سبعة آلاف، وإن وَكِيعا تمارض ولزم منزله فكان قتيبة يبعث إليه وقد طلى رجليه وساقه بمغرة فيقول أنا عليل لا تمكنني الحركة، وكان إذا أرسل إليه قوما يأتونه به تسللوا وأتوا وَكِيعا فأخبروه فدعا وَكِيع بسلاحه وبرمح وأخذ خمار أم ولده فعقده عَلَيْهِ، ولقيه رجل يقال له إدريس فقال له يا أَبَا مطرف إنك تريد أمرا وتخاف ما قَدْ أمنك الرجل منه فالله اللَّه، فقال وَكِيع: هَذَا إدريس رَسُول إبليس أقتيبة يؤمنني والله لا آتيه حَتَّى أوتى برأسه، ودلف نحو فسطاط قتيبة وتلاحق به وقتيبة في أهل بيته وقوم وفوا له فقال صالح أخوه لغلامه: هات قوسي، فقال له بعضهم وهو يهزأ به: ليس هَذَا يوم قوس ورماه رجل من بني ضبة فأصاب رهابته فصرع وأدخل الفسطاط فقضى وقتيبة عند رأسه وكان قتيبة يقول لحيان وهو عَلَى الأعاجم أحمل فيقول لم يأن ذلك بعد وحملت العجم عَلَى العرب، فقال حيان: يا معشر العجم لم تقتلون أنفسكم لقتيبة ألحسن بلائه عندكم فانحاز بهم إِلَى بني تميم وتهايج الناس وصبر مع قتيبة أخوته وأهل بيته وقوم من أبناء ملوك السغد أنفوا من خذلانه وقطعت أطناب الفسطاط وأطناب الفازة فسقطت عَلَى قتيبة وسقط عمود الفازة عَلَى هامته فقتله فاحتز رأسه عَبْد اللَّهِ بْن علوان، وقال قوم منهم هِشَام بْن الكلبي: بل دخلوا عَلَيْهِ فسطاطه فقتله جهم بْن زحر الجعفي وضربه سَعْد بْن مجد واحتز رأسه بْن علوان، قَالُوا: وقتل معه جماعة من أخوته وأهل بيته وأم ولده الصماء ونجا ضرار بْن مُسْلِم أمنه بنو تميم، وأخذت الأزد رأس قتيبة وخاتمه وأتى وَكِيع برأس قتيبة فبعث به إِلَى سُلَيْمَان مع سليط بْن عطية الحنفي. وأقبل الناس يسلبون باهلة فمنع من ذلك، وكتب وكيع إلى أبى مجاز لاحق بْن حميدة بعهده عَلَى مرو فقبله ورضي الناس به، وكان قتيبة يوم قتل ابن خمس وخمسين سنة، ولما قبل وَكِيع بْن أَبِي سود بصارم بخراسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 وضبطها فأراد سُلَيْمَان توليته إياها فقيل له أن وَكِيعا ترفعه الفتنة وتضعه الجماعة وفيه جفاء وأعرابية، وكان وَكِيع يدعو بطست فيبول والناس ينظرن إليه فمكث تسعة أشهر حَتَّى قدم عَلَيْهِ يزيد بْن المهلب، وكان بالعراق، فكتب إليه سُلَيْمَان أن يأتي خراسان وبعث إليه بعهده فقدم يزيد مخلدا ابنه فحاسب وَكِيعا وحبسه، وقال له: أد مال اللَّه فقال: أو خازنا لله كنت، وغزا مخلد البتم ففتحها ثُمَّ نقضوا بعده فتركهم ومال عنهم فطمعوا في انصرافه، ثُمَّ كر عليهم حَتَّى دخلها ودخلها جهم بْن زحر وأصاب بها مالا وأصناما من ذهب فأهل البتم ينسبون إِلَى ولائه، قَالَ أَبُو عُبَيْدة معمر بْن المثنى: كانوا يرون أن عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن الأهتم أَبَا خاقان قَدْ كتب إِلَى الحجاج يسعى بقتيبة ويخبر بما صار إليه منَ المال وهو يومئذ خليفة قتيبة عَلَى مرو، وكان قتيبة إذا غزا استخلفه عَلَى مرو، فلما كانت غزوة بخارى وما يليها واستخلفه أتاه بشير أحد بني الأهتم، فقال له: أنك قَد انبسطت إِلَى عَبْد اللَّهِ وهو ذو غوائل حسود فلا نأمنه أن يعزلك فيستفسدنا قَالَ إنما قلت هَذَا حسدا لابن عمك، قَالَ فليكن عذري عندك فإن كان ذلك عذرتني وغزا، فكتب بما كتب به إِلَى الحجاج فطوى الحجاج كتابه في كتابه إِلَى قتيبة، فجاء الرسول حَتَّى نزل السكة بمرو وجاوزها، ولم يأت عَبْد اللَّهِ فأحس بالشر فهرب فلحق بالشام فمكث زمنا يبيع الخمر والكتانيات في رزمة عَلَى عنقه يطوف بها، ثُمَّ أنه وضع خرقة وقطنة عَلَى إحدى عينيه ثُمَّ عصبها واكتنى بأبي طينة، وكان يبيع الزيت فلم يزل عَلَى هَذِهِ الحال حَتَّى هلك الوليد بْن عَبْد الملك، وقام سُلَيْمَان فألقى عنه ذاك الدنس والخرقة وقام بخطبة تهنئة لسُلَيْمَان ووقوعا في الحجاج وقتيبة، وكان قَدْ بايع لعبد الْعَزِيزِ بْن الوليد وخلع سُلَيْمَان فتفرق الناس وهم يقولون: أَبُو طينة الزيات أبلغ الناس، فلما انتهى إِلَى قتيبة كتاب ابن الأهتم إِلَى الحجاج وقد فاته عكر عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 بني عمه وبنيه، وكان أحدهم شيبة أَبُو شبيب فقتل تسعة أناسي منهم أحدهم بشير: فقال له بشير: اذكر عذري عندك فقال قدمت رجلا وأخرت رجلا يا عدو اللَّه فقتلهم جميعا، وكان وَكِيع بْن أَبِي سود قبل ذلك عَلَى بني تميم بخراسان فعزله عنهم قتيبة واستعمل رجلا من بني ضرار الضبي، فقال حين قتلهم: قتلني اللَّه أنا أقتله ويفقدوه فلم يصل الظهر ولا العصر، فقالوا له: إنك لم تصل، فقال: وكيف أصلي لرب قتل منا عامتهم صبيان ولم يغضب لهم. وقال أَبُو عُبَيْدة: غزا قتيبة مدينة فيل ففتحها، وقد كان أمية بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد فتحها ثُمَّ نكثوا ورامهم يزيد بْن المهلب فلم يقدر عليها، فقال كعب الأشقري: أعطتك فيل بأيديها وحق لها ... ورامها قبلك الفجاجة الصلف يعني يزيد بْن المهلب، قَالُوا: ولما استخلف عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ كتب إِلَى ملوك ما وراء النهر يدعوهم إِلَى الإسلام فأسلم بعضهم، وكان عامل عُمَر عَلَى خراسان الجراح بْن عَبْد اللَّهِ الحكمي فأخذ مخلد بْن يزيد وعمال يزيد فحبسهم ووجه الجراح عَبْد اللَّهِ بْن معمر اليشكري إِلَى ما وراء النهر فأوغل في بلاد العدو وهم بدخول الصين فأحاطت به الترك حَتَّى افتدى منهم وتخلص وصار إِلَى الشاش، ورفع عُمَر الخراج عَلَى من أسلم بخراسان وفرض لمن أسلم وابتنى الخانات، ثُمَّ بلغ عُمَر عَنِ الجراح عصبية وكتب إليه أنه لا يصلح أهل خراسان إلا السيف فأنكر ذلك وعزله وكان عَلَيْهِ دين فقضاه، وولى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن نعيم الغامدي حرب خراسان وعبد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ القشيري خراجها. قَالَ وكان الجراح بْن عَبْد اللَّهِ يتخذ نقرا من فضة وذهب ويصيرها تحت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 بساط في مجلسه عَلَى أوزان مختلفة، فإذا دخل عَلَيْهِ الداخل من أخوته والمعتزين به رمى إِلَى كل امرئ منهم مقدار ما يؤهل له، ثُمَّ ولى يزيد بْن عَبْد الملك فولى مسلمة بْن عَبْد الملك العراق وخراسان، فولى مسلمة سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيزِ بْن الحارث بْن الحكم بْن أَبِي العاص بْن أمية خراسان وسعيد هَذَا يلقب حذيفة، وذلك أن بعض دهاقين ما وراء النهر دخل عَلَيْهِ وعليه معصفر وقد رجل شعره، فقال: هَذَا حذيفة يعني دهقانه، وكان سَعِيد صهر مسلمة على ابنته فقدم سَعِيد سورة بْن الحر الحنظلي، ثُمَّ ابنه فتوجه إِلَى ما وراء النهر فنزل اشتيخن وقد صارت الترك إليها فحاربهم وهزمهم ومنع الناس من طلبهم حينا، ثُمَّ لقي الترك ثانية فهزموهم وأكثروا القتل في أصحابه وولى سَعِيد نَصْر بْن سيار وفي سَعِيد يقول الشاعر: فسرت إِلَى الأعداء تلهو بلعبة ... فأيرك مشهور وسيفك مغمد وشخص قوم من وجوه أهل خراسان إِلَى مسلمة يشكون سعيدا فعزله وولى سَعِيد بْن عُمَر الجرشي خراسان، فلما قدمها أمر كاتبه بقراءة عهده وكان لحانا، فقال سَعِيد: أيها الناس إن الأمير بريء مما تسمعون من هَذَا اللحن ووجه إِلَى السغد يدعوهم إِلَى الفئة والمراجعة وكف عن مهايجتهم حتى أنته رسله بإقامتهم عَلَى خلافة فزحف إليهم فانقطع عن عظيمهم زهاء عشرة آلاف رجل، وفارقوهم مائلين إِلَى الطاعة، وافتتح الجرشي عامة حصون السغد ونال منَ العدو نيلا شافيا. وكان يزيد بْن عَبْد الملك ولى عهده هِشَام بْن عَبْد الملك والوليد بْن يزيد بعده، فلما مات يزيد بْن عَبْد الملك قام هِشَام فولى عُمَر بْن هبيرة الفزاري العراق فعزل الجرشي واستعمل عَلَى خراسان مُسْلِم بْن سَعِيد فغزا أفشين فصالحه عَلَى ستة آلاف رأس ودفع إليه قلعته ثُمَّ انصرف إِلَى مرو، وولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 طخارستان نَصْر بْن سيار فخالفه خلق منَ العرب فأوقع بهم ثُمَّ سفرت بينهم السفراء فاصطلحوا. واستعمل هِشَام خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ القسري عَلَى العراق فولى أسد بْن عَبْد اللَّهِ أخاه خراسان وبلغ ذلك مُسْلِم بْن سَعِيد، فسار حَتَّى أتى فرغانة فأناخ عَلَى مدينتها فقطع الشجر وأخرب العمارة وانحدر عَلَيْهِ خاقان الترك في عسكره فارتحل عن فرغانة وسار في يوم واحد ثلاث مراحل حَتَّى قامت دوابه وتطرفت الترك عسكره فقاب بعض الشعراء: غزوت بنا من خشية العزل عاصيا ... فلم تنج من دنيا معن غرورها وقدم أسد سمرقند فاستعمل عليها الْحَسَن بْن أَبِي العمرطة، فكانت الترك تطرف سمرقند وتغير، وكان الْحَسَن ينفر كلما أغاروا فلا يلحقهم، فخطب ذات يوم فدعا عَلَى الترك في خطبته، فقال: اللهم أقطع آثارهم وعجل أقدارهم وأنزل عليهم الصبر فشتمه أهل سمرقند، وقالوا: لا بل أنزل اللَّه علينا الصبر وزلزل أقدامهم. وغزا أسد جبال نمرود فصالحه نمرود وأسلم وغزا الختل، فلما قدم بلخ أمر ببناء مدينتها ونقل الدواوين إليها وصار إِلَى الختل فلم يقدر منها عَلَى شيء وأصاب الناس ضر وجوع وبلغه عن نَصْر بْن سيار كلام فضربه وبعث به إِلَى خَالِد مع ثلاثة نفر اتهموا بالشغب، ثُمَّ شخص أسد عن خراسان وخلف عليها الحكم بْن عوانة الكلبي، واستعمل هِشَام أشرس بْن عَبْد اللَّهِ السلمي عَلَى خراسان، وكان معه كاتب نبطي يسمى عميرة ويكنى أَبَا أمية فزين له الشر فزاد أشرس وظائف خراسان واستخف بالدهاقين، ودعا أهل ما وراء النهر إِلَى الإسلام وأمر بطرح الجزية عمن أسلم فسارعوا إِلَى الإِسْلام وانكسر الخراج، فلما رأى أشرس ذلك أخذ المسألة فأنكروا ذلك وألاحوا منه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 وغضب لهم ثابت قطنة الأزدي، وإنما قيل له قطنة لأن عينه فقئت فكان يضع عليها قطنة فبعث إليهم أشرس من فرق جمعهم وأخذ ثابتا فحبسه ثُمَّ خلاه بكفالة ووجهه فى وجه فخرجت عَلَيْهِ الترك فقتلته. واستعمل هِشَام في سنة اثنتي عشرة ومائة الجنيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ المرى عَلَى خراسان فلقي الترك فحاربهم ووجه طلائع له فظفروا بابن خاقان وهو سكران يتصيد، فأخذوه فأتوا به الجنيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ فبعث به إِلَى هِشَام، ولم يزل يقاتل الترك حَتَّى دفعهم، فكتب إِلَى هِشَام يستمده فأمده بعمرو بْن مُسْلِم في عشرة آلاف رجل من أهل البصرة وبعبد الرَّحْمَنِ بْن نعيم في عشرة آلاف من أهل الكوفة وحمل إليه ثلاثين ألف قناة وثلاثين ألف ترس وأطلق يده في الفريضة ففرض لخمسة عشر ألف رجل، وكانت للجنيد مغاز وانتشرت دعاة بني هِشَام في ولايته وقوي أمرهم وكانت وفاة الجنيد بمرو، وولى هِشَام خراسان عاصم بْن عَبْد اللَّهِ بْن يزيد الهلالي، وقال أَبُو عُبَيْدة معمر بْن المثنى التاثت نواح من طخارستان ففتحها الجنيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ وردها إِلَى صلحها ومقاطعتها. قَالَ: وكان نَصْر بْن سيار غزا اشر وسنة أيام مروان بْن مُحَمَّد فلم يقدر عَلَى شيء منها، فلما استخلف أمير الْمُؤْمِنِين العَبَّاس رحمه اللَّه ومن بعده منَ الخلفاء كانوا يولون عمالهم فينقصون حدود أرض العدو وأطرافها ويحاربون من نكث البيعة ونقض العهد من أهل القبالة ويعيدون مصالحة منَ امتنع منَ الوفاء بصلحه بنصب الحرب له. قَالُوا: ولما استخلف المأمون أمير الْمُؤْمِنِين أغزى السغد وأشروسنة ومن انتقض عَلَيْهِ من أهل فرغانة الجند وألح عليهم بالحروب وبالغارات أيام مقامه بخراسان وبعد ذلك، وكان مع تسريته الخيول إليهم يكاتبهم بالدعاء إِلَى الإسلام والطاعة والترغيب فيهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 ووجه إِلَى كابل شاه جيشا فأدى الإتاوة وأذعن بالطاعة واتصل إليها البريد حَتَّى حمل إليها منها إهليلج وصل رطبا، وكان كاوس ملك أشروسنة كتب إِلَى الْفَضْل بْن سَهْل المعروف بذي الرياستين، وهو وزير المأمون وكاتبه يسأله الصلح عَلَى مال يؤديه عَلَى أن لا يغزي المسلمين بلده فأجيب إِلَى ذلك، فلما قدم المأمون رحمه اللَّه إِلَى مدينة السلام امتنع كاوس منَ الوفاء بالصلح، وكان له قهرمان أثير عنده قد زوج ابنته منَ الْفَضْل بْن كاوس فكان يفرط الْفَضْل عنده ويقربه من قبله ويذم حيدر بْن كاوس المعروف بالأفشين ويشنعه، فوثب حيدر عَلَى القرمان فقتله عَلَى باب كنب مدينتهم وهرب إلى هاشم بن محوز الختلي، وكان هاشم ببلده مملكا عَلَيْهِ، فسأله أن يكتب إلى أبيه فى الرضى عَلَيْهِ، وكان كاوس قَدْ زوج أم جنيد حين قتل قهرمانة طراديس وهرب ببعض دهاقينه. فلما بلغ حيدر ذلك أظهر الإسلام وشخص إِلَى مدينة السلام، فوصف للمأمون سهولة الأمر فى أشر وسنة وهون عليه ما يهوله الناس من خبروها ووصف له طريقا مختصرة إليها، فوجه المأمون أَحْمَد بْن أَبِي خالد الأحول الكاتب لغزوها في جيش عظيم، فلما بلغ كاوس إقباله نحوه بعث الْفَضْل ابن كاوس إِلَى الترك يستنجدهم فأنجده منهم الدهم، وقدم أَحْمَد بْن أبى خالد بلد أشر وسنة فأناخ عَلَى مدينتها قبل موافاة الْفَضْل بالأتراك فكان تقدير كاوس فيه أن يسلك الطريق البعيدة وأنه لا يعرف هَذِهِ الطريق المختصرة فسقط في يده ونخب قلبه فاستسلم وخرج في الطاعة وبلغ الْفَضْل خبره فانحاز بالأتراك إلى مفازة هناك ثم فارقهم وسار جلدا حَتَّى أتى أباه فدخل في أمانه وهلك الأتراك عطشا، وورد كاوس مدينة السلام فأظهر الإِسْلام وملكه المأمون عَلَى بلاده، ثُمَّ ملك حيدر ابنه وهو الأفشين بعده، وكان المأمون رحمه اللَّه يكتب إِلَى عماله عَلَى خراسان في غزو من لم يكن عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 الطاعة والإِسْلام من أهل ما وراء النهر، ويوجه رسله فيفرضون لمن رغب في الديوان وأراد الفريضة من أهل تلك النواحي وأبناء ملوكهم ويستميلهم بالرغبة فإذا وردوا بابه شرفهم وأسنى صلاتهم وأرزاقهم، ثُمَّ استخلف المعتصم بالله فكان عَلَى مثل ذلك حَتَّى صار حل شهود عسكره من جند أهل ما وراء النهر منَ السغد والفراعنة والأشروسنة وأهل الشاش وغيرهم، وحضر ملوكهم بابه وغلب الإِسْلام عَلَى ما هناك، وصار أهل تلك البلاد يغزون من وراءهم من الترك، وأعزى عَبْد اللَّهِ بْن طَاهِر ابنه طَاهِر بْن عَبْد اللَّهِ بلاد الغوزية، ففتح مواضع لم يصل إليها أحد قبله. وحدثني العمري عَنِ الهيثم بْن عدي عَنِ ابن عياش أن قتيبة أسكن العرب ما وراء النهر حَتَّى أسكنهم أرض فرغانة والشاش. فتوح السند أَخْبَرَنَا علي بن محمد بن عبد الله بن أَبِي سيف، قَالَ: ولى عُمَر بْن الخطاب رضى الله عنه عُثْمَان بْن أَبِي العاصي الثقفي البحرين وعمان سنة خمس عشرة فوجه أخاه الحكم إِلَى البحرين ومضى إِلَى عمان فأقطع جيشا إِلَى تانه، فلما رجع الجيش كتب إِلَى عُمَر يعلمه ذلك، فكتب إليه عُمَر: يا أخا ثقيف حملت دودا عَلَى عود وإني أحلف بالله لو أصيبوا لأخذت من قومك مثلهم، ووجه الحكم أيضا إِلَى بروص، ووجه أخاه المغيرة بْن أبى العاصي إِلَى خور الديبل، فلقي العدو فظفر، فلما ولى عُثْمَان بْن عَفَّان رضي اللَّه عنه، وولى عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر بْن كريز العراق كتب إليه يأمره أن يوجه إِلَى ثغر الهند من يعلم علمه وينصرف إليه بخبره فوجه حكيم بْن جبلة العبدي، فلما رجع أوفده إِلَى عُثْمَان فسأله عن حال البلاد فقال: يا أمير الْمُؤْمِنِين قَدْ عرفتها وتنحرتها، قَالَ فصفها لي، قَالَ: ماؤها وشل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 وثمرها دفل ولصها بطل، إن قل الجيش فيها ضاعوا، وإن كثروا جاعوا، فقال له عُثْمَان: أخابر أم ساجع، قَالَ: بل خابر فلم يغزها أحدا، فلما كان آخر سنة ثمان وثلاثين وأول سنة تسع وثلاثين في خلافة علي بْن أَبِي طالب رضي اللَّه عنه توجه إِلَى ذلك الثغر الحارث بْن مرة العبدي متطوعا بإذن علي فظفر وأصاب مغنما وسبيا وقسم في يوم واحد ألف رأس، ثُمَّ إنه قتل ومن معه بأرض القيقان إلا قليلا، وكان مقتله في سنة اثنتين وأربعين والقيقان من بلاد السند مما يلي خراسان، ثُمَّ غزا ذلك الثغر المهلب بْن أَبِي صفرة في أيام معاوية سنة أربع وأربعين فأتى بنة والأهواز وهما بَيْنَ الملتان وكابل فلقيه العدو فقاتله ومن معه، ولقي المهلب ببلاد القيقان ثمانية عشر فارسا منَ الترك عَلَى خيل محذوفة فقاتلوه فقتلوا جميعا، فقال المهلب: ما جعل هؤلاء الأعاجم أولى بالتمشير منا فحذف الخيل فكان أول من حذفها منَ المسلمين وفي بنة يقول الأزدي: ألم تر أن الأزد ليلة بيتوا ... ببنة كانوا خير جيش المهلب ثُمَّ ولى عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر في زمن معاوية بْن أَبِي سُفْيَان عَبْد اللَّهِ بْن سوار العبدي، ويقال ولاه معاوية من قبله ثغر الهند، فغزا القيقان فأصاب مغنما، ثُمَّ وفد إِلَى معاوية وأهدى إليه خيلا قيقانية وأقام عنده، ثُمَّ رجع إِلَى القيقان فاستجاشوا الترك فقتلوه وفيه يقول الشاعر: وابن سوار عَلَى عدته ... موقد النار وقتال السغب وكان سخيا لم يوقد أحد نارا غير ناره في عسكره، فرأى ذات ليلة نارا فقال: ما هَذِهِ، فقالوا: امرأة نفساء يعمل لها خبيص فأمر أن يطعم الناس الخبيص ثلاثا وولى زياد بْن أَبِي سُفْيَان في أيام معاوية سنان بْن سلمة بْن المحبق الهذلي، وكان فاضلا متألها، وهو أول من أحلف الجند بالطلاق فأتى الثغر ففتح مكران عنوة ومصرها وأقام بها وضبط البلاد، وفيه يقول الشاعر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 رأيت هذيلا أحدثت في يمينها ... طلاق نساء ما يسوق لها مهرا لهان عَلَى حلفة ابن محبق ... إذا رفعت أعناقها حلقا صفرا وقال ابن الكلبي: كان الَّذِي فتح مكران حكيم بْن جبلة العبدي، ثُمَّ استعمل زياد عَلَى الثغر راشد بْن عَمْرو الجديدي منَ الأزد فأتى مكران، ثُمَّ غزا القيقان فظفر، ثُمَّ غزا الميد فقتل، وقام بأمر الناس سنان بْن سلمة فولاه زياد الثغر فأقام به سنتين، وقال أعشى همدان في مكران: وأنت تسير إِلَى مكران ... فقد شحط الورد والمصدر ولم تك حاجتي مكران ... ولا الغزو فيها ولا المتجر وحدثت عنها ولم آتها ... فما زالت من ذكر آخر بأن الكثير بها جائع ... وأن القليل بها معور [1] وغزا عباد بْن زياد ثغر الهند من سجستان فأتى سناروذ ثُمَّ أخذ عَلَى حوى كهز إِلَى الروذبار من أرض سجستان إِلَى الهندمند فنزل كش وقطع المفازة حَتَّى أتى القندهار فقاتل أهلها فهزمهم وفلهم وفتحها بعد أن أصيب رجال منَ المسلمين، ورأى قلانس أهلها طوالا فعمل عليها فسميت العبادية وقال ابن مفرغ: [1] كم بالجروم وأرض الهند من قدم ... ومن سرائنك قتلى لا هم قبروا بقندهار ومن تكتب منيته ... بقندهار يرجم دونه الخبر ثُمَّ ولى زياد المنذر بْن الجارود العبدي ويكنى أَبَا الأشعث ثغر الهند، فغزا البوقان والقيقان فظفر المسلمون وغنموا وبث السرايا في بلادهم، وفتح قصدار وسبابها، وكان سنان قَدْ فتحها إلا أن أهلها انتقضوا، وبها مات فقال الشاعر: حل بقصدار فأضحى بها ... في القبر لم يغفل مع الغافلين   [1] وردت في الأصل مقارع فصححناها اعتمادا على بعض المصادر الأدبية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 لله قصدار وأعنابها ... أي فتى دنيا أجنت ودين ثُمَّ ولى عُبَيْد بْن زياد بْن حرى الباهلي، ففتح اللَّه تلك البلاد عَلَى يده وقاتل بها قتالا شديدا فظفر وغنم، وقال قوم: أن عُبَيْد اللَّه بْن زياد ولى سنان ابن سلمة، وكان حرى عَلَى سراياه وفي حرى بْن حرى يقول الشاعر: لولا طعاني بالبوقان ما رجعت ... منه سرايا ابن حرى بأسلاب وأهل البوقان اليوم مسلمون وقد بنى عِمْرَان بْن موسى بْن يَحْيَى بْن خَالِد البرمكي بها مدينة سماها البيضاء وذلك في خلافة المعتصم بالله، ولما ولى الحجاج ابن يوسف بْن الحكم بْن أَبِي عقيل الثقفي العراق ولى سَعِيد بْن أسلم بْن زرعة الكلابي مكران وذلك الثغر فخرج عليه معاوية ومحمد ابنا الحارث العلافيان فقتل وغلب العلافيان عَلَى الثغر واسم علاف هُوَ ربان بْن حلوان بْن عِمْرَان ابن الحاف بْن قضاعة، وهو أَبُو جرم، فولى الحجاج مجاعة بْن سعر التميمي ذلك الثغر فغزا مجاعة فغنم وفتح طوائف من قندابيل، ثُمَّ أتم فتحها مُحَمَّد ابن الْقَاسِم ومات مجاعة بعد سنة بمكران قَالَ الشاعر: ما من مشاهدك الَّتِي شاهدتها ... إلا يزينك ذكرها مجاعا ثُمَّ استعمل الحجاج بعد مجاعة مُحَمَّد بْن هارون بْن ذراع النمري فأهدى إِلَى الحجاج في ولايته ملك جزيرة الياقوت نسوة ولدن في بلاده مسلمات ومات آباؤهن وكانوا تجارا فأراد التقرب بهن، فعرض للسفينة الَّتِي كنا فيها قوم من ميد الديبل في بوارج فأخذوا السفينة بما فيها فنادت امرأة منهن وكانت من بني يربوع يا حجاج، وبلغ الحجاج ذلك فقال: يا لبيك فأرسل إِلَى داهر يسأله تخلية النسوة. فقال: إنما أخذهن لصوص لا أقدر عليهم، فأغزى الحجاج عُبَيْد اللَّه بْن نبهان الديبل فقتل، فكتب إِلَى بديل بْن طهفة البجلي وهو بعمان يأمره أن يسير إِلَى الديبل، فلما لقيهم نفر به فرسه فأطاف به العدو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 فقتلوه وقال بعضهم قتله زط البدهة، قَالَ: وإنما سميت هَذِهِ الجزيرة جزيرة الياقوت لحسن وجوه نسائها، ثُمَّ ولى الحجاج مُحَمَّد بْن الْقَاسِم بْن مُحَمَّد بْن الحكم بْن أَبِي عقيل في أيام الوليد بْن عَبْد الملك فغزا السند، وكان مُحَمَّد بفارس وقد أمره أن يسير إِلَى الري وعلى مقدمته أَبُو الأسود جهم بْن زحر الجعفي فرده إليه وعقد له عَلَى ثغر السند وضم إليه ستة آلاف من جند أهل الشام وخلقا من غيرهم وجهزه بكل ما احتاج إليه حَتَّى الخيوط والمال، وأمره أن يقيم بشيراز حَتَّى يتتام إليه أصحابه ويوافيه ما عدله، فعمد الحجاج إِلَى القطن المحلوج فنقع في الخل الخمر الحاذق، ثُمَّ جفف في الظل فقال: إذا صرتم إِلَى السند فإن الخل بها ضيق فانقعوا هَذَا القطن في الماء ثُمَّ اطبخوا به واصطبغوا، ويقال أن محمدا لما صار إِلَى الثغر كتب يشكو ضيق الخل عليهم فبعث إليه بالقطن المنقوع في الخل، فسار مُحَمَّد بْن الْقَاسِم إِلَى مكران فأقام بها أياما ثُمَّ أتى قنزبور ففتحها ثُمَّ أتي أرمائيل ففتحها وكان مُحَمَّد بْن هارون بْن ذراع قَدْ لقيه فانضم إليه وسار معه فتوفي بالقرب منها فدفن بقنيل، ثُمَّ سار مُحَمَّد بْن الْقَاسِم منَ أرمائيل ومعه جهم بْن زحر الجعفي فقدم الديبل يوم جمعة ووافته سفن كان حمل فيها الرجال والسلاح والأداة فخندق حين نزل الديبل، وركزت الرماح عَلَى الخندق، ونشرت الأعلام، وأنزل الناس عَلَى راياتهم، ونصب منجنيقا تعرف بالعرس كان يمد فيها خمسمائة رجل، وكان بالديبل بد عظيم عَلَيْهِ دقل طويل وعلى الدقل راية حمراء إذا هبت الريح أطافت بالمدينة وكانت تدور والبد فيما ذكروا منارة عظيمة يتخذ في بناء لهم فيه صنم لهم أو أصنام يشهر بها وقد يكون الصنم في داخل المنارة أيضا وكل شيء أعظموه من طريق العبادة فهو عندهم بد، والصنم بد أيضا، وكانت كتب الحجاج ترد عَلَى مُحَمَّد وكتب مُحَمَّد ترد عَلَيْهِ بصفة ما قبله واستطلاع رأيه فيما يعمل به في كل ثلاثة أيام، فورد عَلَى مُحَمَّد منَ الحجاج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 كتاب أن أنصب العرس واقصر منها قائمة ولتكن مما يلي المشرق ثُمَّ ادع صاحبها فمره أن يقصد برميته للدقل الَّذِي وصفت لي فرمى الدقل فكسر فاشتد طرة الكفر من ذلك، ثُمَّ أن محمدا ناهضهم وقد خرجوا إليه فهزمهم حَتَّى ردهم، وأمر بالسلاليم فوضعت وصعد عليها الرجال، وكان أولهم صعودا رجل من مراد من أهل الكوفة ففتحت عنوة، ومكث مُحَمَّد يقتل من فيها ثلاثة أيام وهرب عامل داهر عنها وقتل سادني بيت آلهتهم، واختط مُحَمَّد للمسلمين بها وبنى مسجدا وأنزلها أربعة آلاف. قَالَ مُحَمَّد بْن يَحْيَى: فحدثني مَنْصُور بْن حَاتِم النحوي مولى آل خَالِد بْن أسيد أنه رأى الدقل الذي كان على منارة البد مكسورا، وأن عنبسة بْن إِسْحَاق الضبي العامل كان عَلَى السند في خلافة المعتصم بالله رحمه اللَّه هدم أعلى تلك المنارة وجعل فيها سجنا وابتدأ في مرمة المدينة بما نقض من حجارة تلك المناورة فعزل قبل استتمام ذلك، وولى بعده هارون بْن أبى خالد المرور وذى فقتل بها. قَالُوا: وأتى مُحَمَّد بْن الْقَاسِم البيرون وكان أهلها بعثوا سمنيين منهم إِلَى الحجاج فصالحوه فأقاموا لمحمد العلوفة وأدخلوه مدينتهم ووفوا بالصلح وجعل مُحَمَّد لا يمر بمدينة إلا فتحها حَتَّى عبر نهرا دون مهران فأتاه سمنية سريبدس فصالحوه عمن خلفهم ووظف عليهم الخراج وسار إِلَى سهيان ففتحها، ثُمَّ سار إِلَى مهران فنزل في وسطه فبلغ ذلك داهر واستعد لمحاربته وبعث مُحَمَّد بْن الْقَاسِم مُحَمَّد بْن مصعب بْن عَبْد الرَّحْمَنِ الثقفي إِلَى سدوسا في خيل وحمارات، فطلب أهلها الأمان والصلح وسفر بينه وبينهم السمنية فأمنهم ووظف عليهم خرجا وأخذ منهم رهنا وانصرف إِلَى مُحَمَّد ومعه منَ الزط أربعة آلاف فصاروا مع مُحَمَّد، وولى سدوسان رجلا، ثُمَّ أن محمدا احتال لعبور مهران حَتَّى عبره مما يلي بلاد راسل ملك قصة منَ الهند عَلَى جسر عقده وداهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 مستخف به لاه عنه ولقيه مُحَمَّد والمسلمون وهو عَلَى فيل وحوله الفيلة ومعه التكاكرة فاقتتلوا قتالا شديدا لم يسمع بمثله وترجل داهر وقاتل فقتل عند المساء وانهزم المشركون فقتلهم المسلمون كيف شاءوا وكان الَّذِي قتله في رواية المدائني رجلا من بني كلاب وقال: الخيل تشهد يوم داهر والقنا ... وَمُحَمَّد بْن الْقَاسِم بْن مُحَمَّد أني فرجت الجمع غير معرد ... حَتَّى علوت عظيمهم بمهند فتركته تحت العجاج مجدلا ... متعفر الخدين غير مؤسد فحدثني مَنْصُور بْن حَاتِم، قَالَ: داهر والذي قتله مصوران ببروص وبديل بْن طهفة مصور بقند وقبره بالديبل. وحدثني علي بْن مُحَمَّد المدائني عن أَبِي مُحَمَّد الهندي عن أَبِي الفرج قَالَ: لما قتل داهر غلب مُحَمَّد بْن الْقَاسِم عَلَى بلاد السند، وقال ابن الكلبي: كان الَّذِي قتل داهر الْقَاسِم بْن ثعلبة بْن عَبْد اللَّهِ بْن حصن الطائي. قالوا وفتح محمد بن القاسم راور عنوة وكانت بها امرأة لداهر فخافت أن تؤخذ فأحرقت نفسها وجواريها وجميع مالها، ثُمَّ أتى محمد بن القاسم بزهمناباذ العتيقة وهي عَلَى رأس فرسخين منَ المَنْصُورة، ولم تكن المَنْصُورة يومئذ إنما كان موضعا غيضة، وكان فل داهر ببرهمناباذ هَذِهِ فقاتلوه ففتحها مُحَمَّد عنوة وقتل بها ثمانية آلاف وقيل ستة وعشرين ألفا وخلف فيها عامله وهي اليوم خراب، وسار مُحَمَّد يريد الرور وبغرور فتلقاه أهل ساوندرى فسألوه الأمان فأعطاهم إياه واشترط عليهم ضيافة المسلمين ودلالتهم وأهل ساوندرى اليوم مسلمون، ثُمَّ تقدم إِلَى بسمد فصالح أهلها عَلَى مثل صلح ساوندرى وانتهى مُحَمَّد إِلَى الرور وهي من مدائن السند وهي عَلَى جبل فحصرهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 أشهرا ففتحها صلحا عَلَى أن لا يقتلهم ولا يعرض لبدهم وقال: ما البد إلا ككنائس النصارى واليهود وبيوت نيران المجوس ووضع عليهم الخراج بالرورويني مسجدا، وسار مُحَمَّد إِلَى السكة وهي مدينة دون يباس ففتحها والسكة اليوم خراب، ثُمَّ قطع نهر يباس إِلَى الملتان فقاتله أهل الملتان فأبلى زائدة بْن عمير الطائي، وانهزم المشركون فدخلوا المدينة وحصرهم مُحَمَّد ونفدت أزواد المسلمين فأكلوا الحمر، ثُمَّ أتاهم رجل مستأمن فدلهم عَلَى مدخل الماء الَّذِي منه شربهم وهو ماء يجري من نهر بسمد فيصير في مجتمع له مثل البركة في المدينة وهم يسمونه البلاح فغوره، فلما عطشوا نزلوا عَلَى الحكم فقتل مُحَمَّد المقاتلة وسبى الذرية وسبى سدنة البد وهم ستة آلاف، وأصابوا ذهبا كثيرا فجمعت تلك الأموال في بيت يكون عشرة أذرع في ثماني أذرع يلقى ما أودعه في كوة مفتوحة في سطحه فسميت الملتان، فرج بيت الذهب والفرج الثغر وكان بد الملتان بدا تهدى إليه الأموال وينذر له النذور ويحج إليه السند فيطوفون به ويحلقون رؤسهم ولحاهم عنده، ويزعمون أن صنما فيه هُوَ أيوب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالُوا: ونظر الحجاج فإذا هُوَ قَدْ أنفق عَلَى مُحَمَّد بْن الْقَاسِم ستين ألف ألف ووجد ما حمل إليه عشرين ومائة ألف ألف، فقال: شفينا غيظنا وأدركنا ثأرنا وازددنا ستين ألف ألف درهم ورأس داهر، ومات الحجاج فأتت محمدا وفاته فرجع عن الملتان إلى الرورو بغرور، وكان قَدْ فتحها فأعطى الناس ووجه إِلَى البيلمان جيشا فلم يقاتلوا وأعطوا الطاعة وسالمه أهل سرست وهي مغزى أهل البصرة اليوم وأهلها الميد الَّذِي يقطعون في البحر، ثُمَّ أتى مُحَمَّد الكيرج فخرج إليه دوهر فقاتله فانهزم العدو وهرب دوهر، ويقال قتل ونزل أهل المدينة عَلَى حكم مُحَمَّد فقتل وسبى قَالَ الشاعر: نحن قتلنا داهرا ودوهرا والخيل تردي منسرا فمنسرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 ومات الوليد بْن عَبْد الملك، وولى سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك فاستعمل صالح ابن عَبْد الرَّحْمَنِ عَلَى خراج العراق، وولى يزيد بْن أَبِي كبشة السكسكي السند فحمل مُحَمَّد بْن الْقَاسِم مقيدا مع معاوية بْن المهلب، فقال مُحَمَّد متمثلا: أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر فبكى أهل الهند عَلَى محمد وصوروه بالكيرج فحبسه صالح بواسط فقال: فلئن ثويت بواسط وبأرضها ... رهن الحديد مكبلا مغلولا فلرب فتية فارس قَدْ رعتها ... ولرب قرن قَدْ تركت قتيلا وقال: لو كنت جمعت القرار لوطئت ... أناث أعدت للوغى وذكور وما دخلت خيل السكاسك أرضنا ... ولا كان من عك عَلَى أمير ولا كنت للعبد المزونى تابعا ... فيا لك دهر بالكرام عثور فعذبه صالح في رجال من آل أَبِي عقيل حَتَّى قتلهم، وكان الحجاج قتل آدم أخا صالح، وكان يرى رأي الخوارج، وقال حَمْزَة بْن بيض الحنفي: إن المروءة والسماحة والندى ... لمحمد بْن الْقَاسِم بْن مُحَمَّد ساس الجيوش لسبع عشرة حجة ... يا قرب ذلك سوددا من مولد وقال آخر: ساس الرجال لسبع عشرة حجة ... ولداته عن ذاك في أشغال ومات يزيد بْن أَبِي كبشة بعد قدومه أرض السند بثمانية عشر يوما واستعمل سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك حبيب بْن المهلب عَلَى حرب السند فقدمها وقد رجع ملوك الهند إِلَى ممالكهم فرجع حليشة بْن داهر إِلَى برهمناباذ ونزل حبيب عَلَى شاطئ مهران فأعطاه أهل الرور الطاعة وحارب قوما فظفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 بهم، ثُمَّ مات سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك وكانت خلافة عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ بعده فكتب إِلَى الملوك يدعوهم إِلَى الإِسْلام والطاعة عَلَى أن يملكهم ولهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وقد كانت بلغتهم سيرته ومذهبه فأسلم حليشة والملوك وتسموا بأسماء العرب، وكان عَمْرو بْن مُسْلِم الباهلي عامل عُمَر عَلَى ذلك الثغر فغزا بعض الهند فظفر وهرب بنو المهلب إِلَى السند في أيام يزيد ابن عَبْد الملك فوجه إليهم هلال بْن أحوز التميمي فلقيهم فقتل مدرك بْن المهلب بقندابيل وقتل المفضل وعبد الملك وزياد ومروان ومعاوية بني المهلب وقتل معاوية بْن يزيد في آخرين. وولى الجنيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ المرى من قبل عُمَر بْن هبيرة الفزاري ثغر السند، ثُمَّ ولاه إياه هِشَام بْن عَبْد الملك فلما قدم خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ القسري العراق كتب هِشَام إِلَى الجنيد يأمره بمكاتبته فأتى الجنيد الديبل، ثُمَّ نزل شط مهران فمنعه حليشة العبور وأرسل إليه أني قَدْ أسلمت وولاني الرجل الصالح بلادي ولست آمنك فأعطاه رهنا وأخذ منه رهنا بما عَلَى بلاده منَ الخراج، ثُمَّ أنهما ترادا الرهن وكفر حليشة وحارب وقيل أنه لم يحارب ولكن الجنيد يجني عَلَيْهِ، فأتى الهند فجمع جموعا وأخذ السفن واستعد للحرب فسار إليه الجنيد في السفن فالتقوا في بطيحة الشرقي فأخذ حليشة أسيرا وقد جنحت سفينته فقتله وهرب صصة بْن داهر وهو يريد أن يمضي إِلَى العراق فيشكو غدر الجنيد، فلم يزل الجنيد يؤنسه حَتَّى وضع يده فى يده فقتله وغزا الجنيد الكيرج، وكانوا قَدْ نقضوا فاتخذ كباشا نطاحة فصك بها حائط المدينة حَتَّى ثلمه ودخلها عنوة فقتل وسبى وغنم ووجه العمال إِلَى مرمد والمندل ودهنج وبروص، وكان الجنيد يقول القتل في الجزع أكبر منه في الصبر، ووجه الجنيد جيشا إِلَى أزين ووجه حبيب بْن مرة في جيش إِلَى أرض المالية فأغاروا عَلَى أزين وغزوا بهريمد فحرقوا ربضها، وفتح الجنيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 البيلمان والجرز، وحصل في منزله سوى ما أعطى زواره أربعين ألف ألف وحمل مثلها قَالَ جرير: أصبح زوار الجنيد وصحبه ... يحيون صلت الوجه حما مواهبه وقال أَبُو الجويرية: لو كان يقعد فوق الشمس من كرم ... قوم بإحسانهم أو مجدهم قعدوا محسدون عَلَى ما كان من كرم ... لا ينزع الله منهم ماله حسدوا ثُمَّ ولى بعد الجنيد تميم بْن زيد العتبي فضعف ووهن ومات قريبا منَ الديبل بماء يقال له ماء الجواميس، وإنما سمي ماء الجواميس لأنه يهرب بها إليه من دباب زرق تكون بشاطئ مهران، وكان تميم من أسخياء العرب وجد في بيت المال بالسند ثمانية عشر ألف ألف درهم طاطرية فأسرع فيها، وكان قَدْ شخص معه في الجند فتى من بني يربوع يقال له خنيس وأمه من طيء إِلَى الهند فأتت الفرزدق فسألته أن يكتب إِلَى تميم في إقفاله وعاذت بقبر غالب أبيه، فكتب الفرزدق إِلَى تميم: أتتني فعاذت يا تميم بغالب ... وبالحفرة السافي عليها ترابها فهب لي خنيسا واتخذ فيه منة ... لحوبة أم ما يسوغ شرابها تميم بْن زيد لا تكونن حاجتي ... بظهر ولا يجفى عليك جوابها فلا تكثر الترداد فيها فإنني ... ملول لحاجات بطيء طلابها فلم يدر ما اسم الفتى أهو خنيش أم خنيس فأمر أن يقفل كل من كان اسمه عَلَى مثل هَذِهِ الحروف، وفي أيام تميم خرج المسلمون عن بلاد الهند ورفضوا مراكزهم فلم يعودوا إليها إِلَى هَذِهِ الغاية، ثُمَّ ولى الحكم بْن عوانة الكلبي وقد كفر أهل الهند إلا أهل قصة فلم ير للمسلمين ملجأ يلجؤن إليه فبنى من وراء البحيرة مما يلي الهند مدينة سماها المحفوظة وجعلها مأوى لهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 ومعاذا ومصرها، وقال لمشايخ كلب من أهل الشام ما ترون أن نسميها، فقال بعضهم دمشق، وقال بعضهم حمص، وقال رجل منهم سمها تدمر، فقال: دمر اللَّه عليك يا أحمق ولكنى أسميها المحفوظة ونزلها، وكان عَمْرو ابن مُحَمَّد بْن الْقَاسِم مع الحكم، وكان يفوض إليه ويقلده جسيم أموره وأعماله، فأغزاها منَ المحفوظة، فلما قدم عَلَيْهِ وقد ظفر أمره فبنى دون البحيرة مدينة وسماها المَنْصُورة فهي الَّتِي ينزلها العمال اليوم، وتخلص الحكم ما كان في أيدي العدو مما غلبوا عَلَيْهِ ورضي الناس بولايته، وكان خالد يقول وا عجبا وليت فتى العرب فرفض يعنى تميما ووليت أبخل الناس فرضي به، ثُمَّ قتل الحكم بها، ثُمَّ كان العمال بعد يقاتلون العدو فيأخذون ما استطف لهم ويفتحون الناحية قَدْ نكث أهلها، فلما كان أول الدولة المباركة ولى أَبُو مُسْلِم عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُسْلِم مغلسا البعدي ثغر السند وأخذ عَلَى طخارستان وسار حَتَّى صار إِلَى مَنْصُور ابن جمهور الكلبي وهو بالسند فلقيه مَنْصُور فقتله وهزم جنده، فلما بلغ أَبَا مُسْلِم ذلك عقد لموسى بْن كعب التميمي ثُمَّ وجهه إِلَى السند، فلما قدمها كان بينه وبين مَنْصُور بْن جمهور مهران، ثُمَّ التقيا فهزم مَنْصُورا وجيشه وقتل منظورا أخاه وخرج مَنْصُور مفلولا هاربا حَتَّى ورد الرمل فمات عطشا، وولى موسى السند فرم المَنْصُورة وزاد في مسجدها وغزا وافتتح، وولى أمير الْمُؤْمِنِين المَنْصُور رحمه اللَّه هِشَام بْن عَمْرو التغلبي السند ففتح ما استغلق، ووجه عَمْرو بْن جمل في بوارج إلى نارند ووجه إِلَى ناحية الهند فافتتح قشميرا وأصاب سبابا ورقيقا كثيرا، وفتح الملتان وكان بقندابيل متغلبة منَ العرب فأجلاهم عنها، وأتى القندهار في السفن ففتحها وهدم البد وبنى موضعه مسجدا، فأخصبت البلاد في ولايته فتبركوا به ودوخ الثغر وحكم أموره، ثُمَّ ولى ثغر السند عمر بن حفص بن عثمان هزار مرد ثُمَّ داود بْن يزيد بْن حَاتِم، وكان معه أَبُو الصمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 المتغلب اليوم وهو مولى لكندة، ولم يزل أمر ذلك الثغر مستقيما حَتَّى وليه بشر بْن داود في خلافة المأمون فعصى وخالف فوجه إليه غسان بْن عباد وهو رجل من أهل سواد الكوفة فخرج بشر إليه في الآمان وورد به مدينة السلام، وخلف غسان على الثغر موسى بر يَحْيَى بْن خَالِد بْن برمك، فقتل باله ملك الشرقي وقد بذل له خمسمائة ألف درهم على أن يستبقه، وكان باله هَذَا التوى عَلَى غسان وكتب إليه في حضور عسكره فيمن حضره منَ الملوك فأبى ذلك، وأثر موسى أثرا حسنا ومات سنة إحدى وعشرين واستخلف ابنه عِمْرَان بْن موسى فكتب إليه أمير الْمُؤْمِنِين المعتصم بالله بولاية الثغر فخرج إِلَى القيقان وهم زط فقاتلهم فغلبهم، وبنى مدينة سماها البيضاء وأسكنها الجند، ثُمَّ أتى المَنْصُورة وصار منها إِلَى قندابيل وهي مدينة عَلَى جبل وفيها متغلب يقال له مُحَمَّد بْن الخليل فقاتله وفتحها وحمل رؤساءها إِلَى قصدار، ثُمَّ غزا الميد وقتل منهم ثلاثة آلاف وسكر سكرا يعرف بسكر الميد وعسكر عِمْرَان عَلَى نهر الرور ثُمَّ نادي بالزط الَّذِينَ بحضرته فأتوه فختم أيديهم وأخذ الجزية منهم وأمرهم بأن يكون مع كل رجل منهم إذا اعترض عَلَيْهِ كلب، فبلغ الكلب خمسين درهما، ثُمَّ غزا الميد ومعه وجوه الزط، فحفر منَ البحر نهرا أجراه في بطيحتهم حَتَّى ملح ماءهم وشن الغارات عليهم، ثُمَّ وقعت العصبية بَيْنَ النزارية واليمانية فمال عِمْرَان إِلَى اليمانية فسار إليه عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ الهباري فقتله وهو غار، وكان جد عُمَر هَذَا ممن قدم السند مع الحكم بْن عوانة الكلبي. وحدثني مَنْصُور بْن حَاتِم، قَالَ: كان الْفَضْل بْن ماهان مولى بني سامة فتح سندان وغلب عليها وبعث إِلَى المأمون رحمه اللَّه بفيل وكاتبه ودعا له في مَسْجِد جامع اتخذه بها، فلما مات قام مُحَمَّد بْن الْفَضْل بْن ماهان مقامه فسار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 في سبعين بارجة إِلَى ميد الهند فقتل منهم خلقا وافتتح فالى ورجع إِلَى سندان وقد غلب عليها أخ له يقال له ماهان بْن الْفَضْل، وكاتب أمير الْمُؤْمِنِين المعتصم بالله وأهدى إليه ساجا لم ير مثله عظما وطولا، وكانت الهند في أمر أخيه فمالوا عَلَيْهِ فقتلوه وصلبوه، ثُمَّ أن الهند بعد غلبوا عَلَى سندان فتركوا مسجدها للمسلمين يجمعون فيه ويدعون للخليفة. وحدثني أَبُو بكر مولى الكريزبين: أن بلدا يدعى العسيفان بَيْنَ قشمير والملتان، وكابل، كان له ملك عاقل، وكان أهل ذلك البلد يعبدون صنما قَدْ بنى عَلَيْهِ بيت وأبدوه، فمرض ابن الملك فدعى سدنة ذلك البيت، فقال لهم: أدعوا الصنم أن يبرئ ابني فغابوا عنه ساعة، ثُمَّ أتوه فقالوا قَدْ دعوناه وقد أجابنا إِلَى ما سألناه فلم يلبث الغلام أن مات، فوثب الملك عَلَى البيت فهدمه وعلى الصنم فكسره وعلى السدنة فقتلهم، ثُمَّ دعا قوما من تجار المسلمين فعرضوا عَلَيْهِ التوحيد فوحد وأسلم، وكان ذلك في خلافة أمير الْمُؤْمِنِين المعتصم بالله رحمه اللَّه. في أحكام أرض الخراج قَالَ بشر بْن غياث، قَالَ أَبُو يوسف: إنما أرض أخذت عنوة مثل السواد، والشام. وغيرهما فإن قسمها الإمام بَيْنَ من غلب عليها فهي أرض عشر وأهلها رقيق، وإن لم يقسمها الإمام وردها للمسلمين عامة، كما فعل عُمَر بالسواد فعلى رقاب أهلها الجزية، وعلى الأرض، وليسوا برقيق، وهو قول أَبِي حنيفة، وحكى الواقدي عن سُفْيَان الثوري مثل ذلك، وقال الواقدي قَالَ مَالِك بْن أنس، وابن أَبِي ذئب: إذا أسلم كافر من أهل العنوة أقرت أرضه في يده يعمرها ويؤدي الخراج عنها ولا اختلاف في ذلك وقال مالك وابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 أبى ذنب، وسُفْيَان الثوري، وابن أَبِي ليلى عَنِ الرجل يسلم من أهل العنوة الخراج في الأرض والزكاة منَ الزرع بعد الخراج، وهو قول الأوزاعي، وقال أَبُو حنيفة وأصحابه لا يجتمع الخراج والزكاة عَلَى رجل، وقال مَالِك، وابن أَبِي ذئب، وسُفْيَان، وأبو حنيفة: إذا زرع الرجل أرضه الخراجية مرات في السنة لم يؤخذ منه إلا خراج واحد، وقال ابن أبى ليلى: يؤخذ منه الخراج كلما أدركت له غلة، وهو قول ابن أَبِي سبرة، وأبي شمر، وقال أَبُو الزناد، ومالك، وأبو حنيفة، وسُفْيَان، ويعقوب، وابن أَبِي ليلى، وابن أَبِي سبر، وزفر، وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن، وبشر بْن غياث: إذا عطل رجل أرضه قيل له ازرعها وأد خراجها وإلا فادفعها إِلَى غيرك يزرعها. فأما أرض العشر فإنه لا يقال له فيها شيء إن زرع أخذت منه الصدقة، وإن أبى فهو أعلم، وقالوا: إذا عطل رجل أرضه سنتين ثُمَّ عمرها أدى خراجا واحدا وقال أَبُو شمر: يؤدي الخراج للسنتين. وقال أَبُو حنيفة، وسُفْيَان، ومالك، وابن أَبِي ذئب، وأبو عَمْرو الأوزاعي: إذا أصابت الغلات آفة أو غرق سقط الخراج عن صاحبها وإذا كانت أرض من أراضي الخراج لعبد أو مكاتب أو امرأة فإن أَبَا حنيفة قال عليها الخراج فقط، وقال سفيان، وبن أَبِي ذئب. ومالك: عليها الخراج وفيما بقي منَ الغلة العشر. وقال أَبُو حنيفة، والثوري في أرض الخراج بنى مُسْلِم أو ذمي فيها بناء من حوانيت أو غيرها أنه لا شيء عَلَيْهِ فإن جعلها بستانا الزم الخراج وقال مَالِك وابن أَبِي ذئب: نرى إلزامه الخراج لأن انتفاعه بالبناء كانتفاعه بالزرع فأما أرض العشر فهو أعلم ما اتخذ فيها. وقال أَبُو يوسف في أرض موات من أرض العنوة يحييها المسلم إنها له وهي أرض خراج إن كانت تشرب من ماء الخراج فإن استنبط لها عينا أو سقاها من ماء السماء فهي أرض عشر، وقال بشر: هي أرض عشر شربت من ماء الخراج أو غيره. وقال أَبُو حنيفة. والثوري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 وأصحابهما ومالك، وبن أَبِي ذئب، والليث بْن سَعْد في أرض الخراج الَّتِي لا تنسب إِلَى أحد تقعد المسلمون فيها فيتبايعون ويجعلونها سوقا أنه لا خراج عليهم فيها، وقال أَبُو يوسف: إذا كانت في البلاد سنة أعجمية قديمة لم يغيره الإِسْلام ولم يبطلها فشكاها قوم إِلَى الإمام لما ينالهم من مضرتها فليس له أن يغيرها، وقال مَالِك، والشافعي: يغيرها وإن قدمت لأن عَلَيْهِ نفي كل سنة جائرة سنها أحد منَ المسلمين فضلا عن ما سن أهل الكفر. العطاء في خلافة عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه حَدَّثَنَا عَبد اللَّه بْن صالح بْن مُسْلِم العجلي، قَالَ: حَدَّثَنَا إسماعيل بْن المجالد عن أبيه مجالد بْن سَعِيد عَنِ الشعبي قَالَ: لما افتتح عُمَر العراق والشام وجبى الخراج جمع أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال إني قَدْ رأيت أن أفرض العطاء لأهله، فقالوا نعم رأيت الرأي يا أمير الْمُؤْمِنِين، قَالَ: فبمن أبدأ قَالُوا: بنفسك، قَالَ لا ولكني أضع نفسي حيث وضعها اللَّه. وأبدأ بآل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ففعل فكتب عائشة أم الْمُؤْمِنِين يرحمها اللَّه في اثني عشر ألفا، وكتب سائر أزواج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عشرة آلاف، وفرض لعلي بْن أَبِي طالب في خمسة آلاف، وفرض مثل ذلك لمن شهد بدرا من بني هاشم. وحدثني عَبْد الأعلى بْن حَمَّاد النرسي، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سلمة عَنِ الحجاج ابن أرطاة عن حبيب بْن أَبِي ثابت أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يتتابعن إِلَى العطاء، مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن عائذ بْن يَحْيَى عن أَبِي الحويرث عن جبير بْن الحويرث بْن نقيذ أن عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه استشار المسلمين في تدوين الديوان، فقال له علي بْن أَبِي طالب: تقسم كل سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 ما اجتمع إليك من مال ولا تمسك منه شيئا، وقال عُثْمَان: أرى مالا كثيرا يسع الناس وأن لم يحصوا حَتَّى يعرف من أخذ ممن لم يأخذ حسبت أن ينتشر الأمر فقال له الوليد بْن هِشَام بْن المغيرة: قَدْ جئت الشام فرأيت ملوكها قَدْ دونوا ديوانا وجندوا جندا فدون ديوانا وجند جندا، فأخذ بقوله فدعا عقيل ابن أَبِي طالب ومخرمة بْن نوفل وجبير بْن مطعم، وكانوا من لسان قريش فقال: اكتبوا الناس عَلَى منازلهم فبدءوا ببني هاشم، اتبعوهم أَبَا بكر وقومه ثُمَّ عُمَر وقومه عَلَى الخلافة، فلما نظر إليه عُمَر، قَالَ: وددت والله أنه هكذا ولكن ابدؤا بقرابة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأقرب فالأقرب حَتَّى تضعوا عُمَر حيث وضعه اللَّه تعالى، مُحَمَّد عَنِ الواقدي عن أسامة بْن زيد بْن أسلم عن أبيه عن جده، قَالَ: جاءت بنو عدي إِلَى عُمَر فقالوا: أنت خليفة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخليفة أَبِي بكر، وأبو بكر خليفة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلو جعلت نفسك حيث جعلك هؤلاء القوم الَّذِينَ كتبوا. قَالَ: بخ بخ بني عدي أردتم الأكل عَلَى ظهري وأن أهب حسناتي لكم: لا والله حَتَّى تأتيكم الدعوة، وأن يطبق عليكم الدفتر- يعني ولو أن تكتبوا آخر الناس إن لي صاحبين سلكا طريقا فإن خالفتهما خولف أبى، والله ما أدركنا الْفَضْل في الدنيا وما نرجو الثواب عَلَى عملنا إلا بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو شرفنا وقومه أشرف العرب ثُمَّ الأقرب فالأقرب، والله لئن جاءت الأعاجم بعمل وجئنا بغير عمل لهم أولى بمحمد منا يوم القيامة، فإن من قصر به عمله لم يسرع به نسبه، مُحَمَّد بْن سعد عن الواقدي عن محمد ابن عَبْد اللَّهِ عَنِ الزهري عن سَعِيد عن قوم آخرين سماهم الواقدي، دخل حديث بعضهم في حديث بعض، قَالُوا: لما أجمع عُمَر عَلَى تدوين الديوان وذلك في المحرم سنة عشرين بدأ ببني هاشم في الدعوة، ثُمَّ الأقرب فالأقرب برسول اللَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان القوم إذا استووا فى القرابة قدم أهل السابقة، ثُمَّ انتهى إِلَى الأنصار فقالوا بمن نبدأ فقال ابدؤا برهط سَعْد بْن معاذ الأشهلي منَ الأوس ثُمَّ الأقرب فالأقرب لسعد، وفرض عُمَر لأهل الديوان ففضل أهل السوابق والمشاهد في الفرائض، وكان أَبُو بكر قَدْ سوى بَيْنَ الناس في القسم فقيل لعمر في ذلك، فقال: لا أجعل من قاتل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كمن قاتل معه، فبدأ بمن شهد بدرا منَ المهاجرين والأنصار وفرض لكل رجل منهم خمسة آلاف درهم في كل سنة حليفهم ومولاهم معهم بالسواء، وفرض لمن كان له إسلام كإسلام أهل بدر ومن مهاجرة الحبشة ممن شهد أحدا أربعة آلاف درهم لكل رجل، وفرض لأبناء البدريين ألفين ألفين إلا حسنا وحسينا فإنه ألحقهما بفريضة أبهما لقرابتهما برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففرض لكل واحد منهما خمسة آلاف، وفرض للعَبَّاس بْن عَبْد المطلب خمسة آلاف لقرابته برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال بعضهم: فرض له سبعة آلاف درهم، وقال سائرهم لم يفضل أحدا عَلَى أهل بدر إلا أزواج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه فرض لهن اثني عشر ألفا اثني عشر ألفا وألحق بهن جويرية بنت الحارث وصفية بنت حيي بْن أخطب، وفرض لمن هاجر قبل الفتح لكل رجل منهم ثلاثة آلاف درهم وفرض لمسلمة الفتح لكل رجل منهم ألفين وفرض لغلمان أحداث من أبناء المهاجرين كفرائض مسلمة الفتح، وفرض لعمر بْن أَبِي سلمة أربعة آلاف. فقال مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن جحش: لم تفضل عُمَر علينا فقد هاجر آباؤنا وشهدوا بدرا. فقال عُمَر: أفضله لمكانه منَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليأت الَّذِي يستغيث بأم مثل أم سلمة أغيثه. وفرض لأسامة ابن زيد أربعة آلاف. فقال عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر: فرضت لي في ثلاثة آلاف وفرضت لأسامة في أربعة آلاف وقد شهدت ما لم يشهد أسامة. فقال عُمَر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 زدته لأنه كان أحب إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منك، وكان أبوه أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ من أبيك، ثُمَّ فرض للناس عَلَى منازلهم وقراءتهم القرآن وجهادهم، ثُمَّ جعل من بقى منَ الناس بابا واحدا، فألحق من جاءه منَ المسلمين بالمدينة في خمسة وعشرين دينارا لكل رجل، وفرض لآخرين معهم، وفرض لأهل اليمن وقيس بالشام والعراق لكل رجل ما بَيْنَ ألفين إِلَى ألف إِلَى تسعمائة إِلَى خمسمائة إِلَى ثلاثمائة ولم ينقص أحدا من ثلاثمائة وقال: لئن كثر المال لا فرض لكل رجل أربعة آلاف درهم ألفا لسفره وألفا لسلاحه وألفا يخلفه لأهله وألفا لفرسه ونعله، وفرض لنساء مهاجرات فرض لصفية بنت عَبْد المطلب ستة آلاف درهم ولأسماء بنت عميس ألف درهم ولأم كلثوم بنت عقبة ألف درهم، ولأم عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود ألف درهم. وقال الواقدي: فقد روى أنه فرض للنساء المهاجرات ثلاثة آلاف درهم لكل واحدة، قَالَ الواقدي في إسناده: وأمر عُمَر فكتب له عمال أهل العوالي، فكان يجري عليهم القوت، ثُمَّ كان عُثْمَان فوسع عليهم في القوت والكسوة، وكان عُمَر يفرض للمنفوس مائة درهم، فإذا ترعرع بلغ به مائتي درهم، فإذا بلغ زاده، وكان إذا أتى باللقيط فرض له مائة، وفرض له رزقا يأخذه وليه كل شهر بقدر ما يصلحه ثُمَّ ينقله من سنة إِلَى سنة، وكان يوصي بهم خيرا ويجعل رضاعهم ونفقتهم من بيت المال. وحدثنا مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي، قَالَ حدثني: حزام بْن هِشَام الكعبي عن أبيه، قَالَ: رأيت عُمَر بْن الخطاب يحمل ديوان خزاعة حَتَّى ينزل قديد فتأتيه بقديد فلا يغيب عنه امرأة بكر ولا ثيب فيعطيهن في أيديهن، ثُمَّ يروح فينزل عسفان فيفعل ذلك أيضا حَتَّى تُوُفِّيَ، مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن أَبِي بكر بْن أَبِي سبرة عن مُحَمَّد بْن زيد، قَالَ: كان ديوان حمير عَلَى عهد عُمَر على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 حده، مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ عَنْ جَهْمِ بْنِ أَبِي جَهْمٍ، قَالَ قَدِمَ خَالِدُ بْنُ عُرْفُطَةَ الْعُذْرِيُّ عَلَى عُمَرَ، فَسَأَلَهُ عَمَّا وَرَاءَهُ، فَقَالَ: تَرَكْتُهُمْ يَسْأَلُونَ اللَّهَ لَكَ أَنْ يَزِيدَ فِي عُمْرِكَ مِنْ أَعْمَارِهِمْ مَا وَطِئَ أَحَدٌ الْقَادِسِيَةَ إِلا وَعَطَاؤُهُ أَلْفَانِ أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَمَا مِنْ مَوْلُودٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إِلا أُلْحِقَ فِي مِائَةٍ وَجَرِيبَيْنِ فِي كُلِّ شَهْرٍ، قَالَ عُمَرُ: إِنَّمَا هُوَ حَقُّهُمْ وَأَنَا أَسْعَدُ بِأَدَائِهِ إِلَيْهِمْ لَوْ كَانَ مِنْ مَالِ الْخَطَّابِ مَا أَعَطَيْتُهُمُوهُ، وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ فِيهِ فَضْلا، فَلَوْ أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ عَطَاءُ أَحَدِ هَؤُلاءِ ابْتَاعَ مِنْهُ غَنَمًا فَجَعَلَهَا بِسَوَادِهِمْ فَإِذَا خَرَجَ عَطَاؤُهُ ثَانِيَةً ابْتَاعَ الرَّأْسَ وَالرَّأْسَيْنِ فَجَعَلَهُ فِيهَا فَإِنْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِهِ كَانَ لَهُمْ شَيْءٌ قَدِ اعْتَقَدُوهُ، فَإِنِّي لا أَدْرِي مَا يَكُونُ بَعْدِي، وَإِنِّي لأُعِمُّ بِنَصِيحَتِي مَنْ طَوَّقَنِي اللَّهُ أَمْرَهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ مَاتَ غَاشًّا لِرَعِيَّتِهِ لَمْ يَرِحْ رِيحَ الْجَنَّةِ. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن مُحَمَّد بْن عَمْرو عَنِ الْحَسَن، قَالَ: كتب عُمَر إِلَى حذيفة أن أعط الناس أعطيتهم وأرزاقهم، فكتب إليه إنا قَدْ فعلنا وبقي شيء كثير، فكتب إليه: أنه فيئهم الَّذِي أفاءه اللَّه عليهم ليس هُوَ لعمر ولا لآل عُمَر فاقسمه بينهم قال: وحدثنا وهب بن بقية وَمُحَمَّد بْن سَعْد، قالا: حَدَّثَنَا يزيد بْن هارون، قَالَ: أنبأنا مُحَمَّد بْن عُمَر عن أَبِي سليمة عن أَبِي هُرَيْرَةَ أنه قدم عَلَى عُمَر منَ البحرين، قَالَ: فلقيته في صلاة العشاء الآخرة فسلمت عَلَيْهِ، فسألني عَنِ الناس، ثُمَّ قَالَ لي: ما جئت به، قلت: جئت بخمسمائة ألف، قَالَ: هل تدري ما تقول قلت: جئت بخمسمائة ألف، قَالَ: ماذا تقول؟ قلت مائة ألف ومائة ألف، ومائة ألف، فعددت خمسا، فقال: إنك ناعس، فارجع إِلَى أهلك فنم، فإذا أصبحت فأتني، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فغدوت إليه فقال ما جئت به قلت خمسمائة ألف، قَالَ: أطيب؟ قلت: نعم لا أعلم إلا ذاك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 فقال للناس: إنه علينا مال كثير، فإن شئتم أن نعده لكم عددا، وإن شئتم أن نكيله لكم كيلا فقال له رجل. يا أمير الْمُؤْمِنِين إني قَدْ رأيت هؤلاء الأعاجم يدونون ديوانا يعطون الناس عَلَيْهِ، قَالَ: فدون الديوان وفرض للمهاجرين الأولين في خمسة آلاف، وللأنصار في أربعة آلاف، ولأزواج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في اثني عشر ألفا. قَالَ يزيد، قَالَ مُحَمَّد: فحدثني ابن خصيفة عن عَبْد اللَّهِ بْن رافع عن برزة بنت رافع، قالت: لما خرج العطاء أرسل عُمَر إِلَى زينب بنت جحش بالذي لها، فلما أدخل إليها، قالت: غفر اللَّه لعمر، غيري منَ أخواتي كانت أقوى عَلَى قسم هَذَا مني، قَالُوا: هَذَا كله لك، قالت: سبحان اللَّه واستترت منه بثوب، ثُمَّ قالت صبوه واطرحوا عَلَيْهِ ثوبا. ثُمَّ قالت لى: ادخلى يديك واقبضي منه قبضة فاذهبي بها إِلَى بني فلان وبني فلان من ذوي رحمها وأيتام لها. فقسمته حَتَّى بقيت منه بقية تحت الثوب. قالت برزة بنت رافع: فقلت غفر اللَّه لك يا أم الْمُؤْمِنِين، والله لقد كان لنا في هَذَا المال حق، قالت فلكم ما تحت الثوب فوجدنا تحته خمسمائة وثمانين درهما، ثُمَّ رفعت يدها إِلَى السماء فقالت اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هَذَا، قَالَ فماتت. حَدَّثَنَا أَبُو عبيد، قال: حدثنا عبد الله بن صالح عَنِ الليث عن مُحَمَّد بْن عجلان، قَالَ: لما دون عُمَر الدواوين. قَالَ: بمن نبدأ قَالُوا: بنفسك قَالَ: لا إن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أما منا فبرهطه نبدأ ثُمَّ بالأقرب فالأقرب. حَدَّثَنَا عَمْرو الناقد. قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الوهاب الثقفي عن جَعْفَر بْن مُحَمَّد عن أبيه أن عُمَر بْن الخطاب ألحق الْحَسَن والْحُسَيْن بأبيهما ففرض لهما خمسة ألاف درهم وحدثنا الْحُسَيْن بْن علي بْن الأسود. قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيع عن سُفْيَان الثوري عن جَعْفَر بْن مُحَمَّد عن أبيه. قَالَ: لما وضع عُمَر الديوان استشار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 الناس بمن يبدأ، فقالوا: ابدأ بنفسك. قَالَ لا ولكني أبدأ بالأقرب فالأقرب من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فبدأ بهم. حدثنا الحسين بن الأسود. قال: حدثنا وكيع عن سُفْيَان عن أَبِي إِسْحَاق عن مصعب بْن أسعد: أن عُمَر فرض لأهل بدر في ستة آلاف ستة آلاف. وفرض لأمهات الْمُؤْمِنِين في عشرة آلاف عشرة آلاف. وفضل عائشة بألفين لحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها. وفرض لصفية وجويرية في ستة آلاف ستة آلاف. وفرض لنساء منَ المهاجرات في ألف ألف. منهن أم عَبْد وهي أم عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود. حَدَّثَنَا الْحُسَيْن. قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيع عَنِ إسماعيل بْن أَبِي خالد عن قيس بْن أَبِي حازم. قال: فرض لأهل عمر بدر عربهم ومواليهم في خمسة آلاف خمسة آلاف. وقال لأفضلنهم عَلَى من سواهم. حَدَّثَنَا الْحُسَيْن. حَدَّثَنَا وَكِيع عَنِ إسرائيل عن جابر عن عَامِر. قَالَ كان فيهم خمسة منَ العجم. منهم تميم الداري. وبلال. قَالَ وَكِيع. الدار من لحم ولكنى الشعبي قَالَ هَذَا. حَدَّثَنَا الْحُسَيْن. قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيع عن سُفْيَان عَنِ الأسود بْن قيس عن شيخ لهم. قَالَ: سمعت عُمَر يقول لئن بقيت إِلَى قابل لألحقن سفلة المهاجرين في ألفين ألفين. وحدثنا أَبُو عُبَيْد. قَالَ: حدثنا عبد الله بن صالح المصري عن الليث بْن سَعْد عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خَالِد الفهمي عَنِ ابن شهاب: أن عُمَر حين دون الدواوين فرض لأزواج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللاتي نكح نكاحا اثني عشر ألف درهم اثني عشر ألف درهم. وفرض لجويرية وصفية بنت حيي بْن أخطب ستة آلاف درهم ستة آلاف درهم. لأنهما كانتا مما أفاء اللَّه عَلَى رسوله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 وفرض للمهاجرين الَّذِينَ شهدوا بدرا خمسة آلاف خمسة آلاف، وفرض للأنصار الَّذِينَ شهدوا بدرا أربعة آلاف أربعة آلاف، وعم بفريضته كل صريح وحليف ومولى شهد بدرا فلم يفضل أحدا عَلَى أحد. حَدَّثَنَا عَمْرو الناقد وأبو عبيد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يونس عن أَبِي خيثمة قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاق عن مصعب بْن سَعْد: أن عُمَر فرض لأهل بدر منَ المهاجرين والأنصار ستة آلاف ستة آلاف، وفرض لنساء النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشرة آلاف عشرة آلاف، وفضل عليهن عائشة ففرض لها اثني عشر ألف درهم، وفرض لجويرية وصفية ستة آلاف ستة آلاف، وفرض للمهاجرات الأول أسماء بنت عميس، وأسماء بنت أَبِي بكر، وأم عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود ألفا ألفا. حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الأسود، قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيع عن مُحَمَّد بْن قيس الأسدي قال: حدثني والدتي أم الحكم أن عليا ألحقها مائة منَ العطاء. وحدثنا الْحُسَيْن قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيع عن سُفْيَان عَنِ الشيباني عن يسير بْن عَمْرو: أن سعدا فرض لمن قرأ القرآن في ألفين ألفين، قَالَ: فكتب إليه عُمَر لا تعط عَلَى القرآن أحدا. حَدَّثَنَا أَبُو عبيد، قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم عن ابن لهيعة عن يزيد ابن أَبِي حبيب: أن عُمَر جعل عَمْرو بْن العاصي في مائتين لأنه أمير، وعمير بْن وهب الجمحي في مائتين، لصبره عَلَى الضيق، وبسر بْن أَبِي أرطاة في مائتين، لأنه صاحب فتح. وقال رب فتح قَدْ فتحه اللَّه عَلَى يده، فقال أَبُو عُبَيْد: يعني بهذا العدد الدنانير. وقال أَبُو عُبَيْد: حَدَّثَنَا عَبْد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر كتب إلى عمرو بن العاصي أن افرض لمن بايع تحت الشجرة في مائتين منَ العطاء، قَالَ: يعني مائتي دينار، وأبلغ ذلك لنفسك بإمارتك، وافرض لخارجة بْن حذافة في شرف العطاء لشجاعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 وحدثنا أبو عبيد، قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن محمد ابن عَجْلانَ: أَنَّ عُمَرَ فَضَّلَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ لِعَبْدِ اللَّهِ حَتَّى كَلَّمَ عُمَرَ، فَقَالَ: أَتُفَضِّلُ عَلَيَّ مَنْ لَيْسَ بِأَفْضَلِ مِنِّي؟ فَرَضْتَ لَهُ فِي أَلْفَيْنِ وَلِي فِي أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ! فَقَالَ عُمَرُ: فَعَلْتُ ذَلِكَ لأَنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُمَرَ، وَأَنَّ أُسَامَةَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَوْ غَيْرِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَلَّمَ أَبَاهُ فِي تَفْضِيلِ أُسَامَةَ عَلَيْهِ فِي الْعَطَاءِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا سَبَقَنِي إِلَى شَيْءٍ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ أَبَاهُ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وَأَنَّهُ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الصباح البزار: حَدَّثَنَا هشيم عن مَنْصُور عَنِ الْحَسَن، قَالَ: أن قوما قدموا عَلَى عامل لعمر بْن الخطاب فأعطى العرب منهم وترك الموالي فكتب إليه عُمَر: أما بعد فبحسب المرء منَ الشر أن يحقر أخاه المسلم والسلام. حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد حَدَّثَنَا خَالِد بْن عَمْرو عَنِ إسرائيل عن عمار الدهني عن سالم بْن أَبِي الجعد أن عُمَر جعل عطاء عمار بْن ياسر ستة آلاف درهم. حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِد عَنْ إسرائيل عَنِ إسماعيل بْن سميع عن مُسْلِم البطين: أن عُمَر جعل عطاء سلمان أربعة آلاف درهم. وحدثنا روح بْن عَبْد المؤمن، قَالَ: حدثني يعقوب عن حَمَّاد عن حميد عن أنس، قَالَ: فرض عُمَر للهرمزان في ألفي منَ العطاء. حدثني العمري، قَالَ حدثني أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ الطائي عَنِ المجالد عَنِ الشعبي، قَالَ: لما هم عُمَر بْن الخطاب فى سنة عشرين بتدين الدواوين، دعا بمخرمة بْن نوفل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 وجبير بْن مطعم، فأمرهما أن يكتبا الناس عَلَى منازلهم فكتبوا بني هاشم، ثُمَّ اتبعوهم، أَبَا بكر وقومه، وعمر وقومه. فلما نظر عمر فى الكتاب، قال: وددت أتى في القرابة برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كذا ابدؤا بالأقرب فالأقرب، ثُمَّ ضعوا عُمَر بحيث وضعه اللَّه، فشكر العَبَّاس بْن عَبْد المطلب رحمه اللَّه عَلَى ذلك وقال: وصلتك رحم، قَالَ فلما وضع عُمَر الديوان، قَالَ أَبُو سُفْيَان بْن حرب: أديوان مثل ديوان بني الأصفر، أنك إن فرضت للناس اتكلوا عَلَى الديوان وتركوا التجارة، فقال عُمَر: لا بد من هذا فقد كثر فى المسلمين، قال: وفرض عُمَر لدهقان نهر الملك ولابن النخيرخان، ولخالد وجميل ابني بصبهرى دهقان الفلاليج، ولبسطام بْن نرسي دهقان بابل وخطرنية، وللرفيل دهقان العال، والهرمزان، ولجفينة العبادي في ألف ألف، ويقال أنه فضل الهرمزان ففرض له ألفين. وحدثنا أَبُو عُبَيْد عَنِ إسماعيل بْن عياش عن أرطاة بْن المنذر عن حكيم ابن عمير أن عُمَر بْن الخطاب كتب إِلَى أمراء الأجناد ومن أعتقتم منَ الحمراء فأسلموا فألحقوهم بمواليهم لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وأن أحبوا أن يكونوا قبيلة وحدهم فأجعلهم أسوتهم في العطاء. حَدَّثَنَا هِشَام بْن عمار عن بقية عن أَبِي بكر بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي مريم عن أبيه عن أَبِي عُبَيْدة أن رجالا من أهل البادية سألوه أن يرزقهم، فقال والله لا أرزقكم حَتَّى أرزق أهل الحاضرة. وحدثنا أَبُو عُبَيْدة قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو اليمان، قَالَ: حَدَّثَنَا صفوان بْن عَمْرو، قَالَ. كتب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى يزيد بْن حصين: أن مر للجند بالفريضة، وعليك بأهل الحاضرة. حَدَّثَنَا أبو عبيد، قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم عن عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر العمري عن نافع عَنِ ابن عُمَر أن عُمَر كان لا يعطي أهل مكة عطاء ولا يضرب عليهم بعثا، ويقول: كذا وكذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «مَنْ تَرَكَ كَلأً فَإِلَيْنَا وَمَنْ تَرَكَ مَالا فَلِوَرَثَتِهِ» حدثني هِشَام بْن عمار الدمشقي، قَالَ، حَدَّثَنَا الوليد بْن مُسْلِم عن سليمان بن أبى العاتكة وكلثوم بْن زياد، قَالَ. حدثني سُلَيْمَان بْن حبيب أن عُمَر أرض لعيال المقاتلة وذريتهم العشرات، قَالَ. فأمضى عُثْمَان ومن بعده منَ الولاة ذلك وجعلوها موروثة يرثها ورثة الميت ممن ليس في العطاء، حَتَّى كان عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، قَالَ سُلَيْمَان، فسألني عن ذلك، فأخبرته بهذا فأنكر الوراثة، وقال اقطعها وأعم بالفريضة. فقلت. فإنى أتخوف أن يستن بك من بعدك في قطع الوراثة ولا يستن بك في عموم الفريضة، قَالَ: صدقت وتركهم. حدثني بكر بْن الهيثم: حدثنا عبد الله بن صالح عن ابن لهيعة عن أَبِي قبيل، قَالَ: كان عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه يفرض للمولود إذا ولد في عشرة فإذا بلغ أن يفرض له ألحق بالفريضة، فلما كان معاوية فرض ذلك للفطيم، فلما كان عَبْد الملك بْن مروان قطع ذلك كله إلا عمن شاء. حَدَّثَنَا عَفَّان، قَالَ: حَدَّثَنَا يزيد، قَالَ أنبأنا يَحْيَى بْن المتوكل عن عَبْد اللَّهِ ابن نافع عَنِ ابن عُمَر أن عُمَر كان لا يفرض للمولود حَتَّى يفطم، ثُمَّ نادى مناديه لا تعجلوا أولادكم عَنِ الفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام. وحدثنا عَمْرو الناقد، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يونس عن زهير بْن معاوية عن أَبِي إِسْحَاق أن جده مر عَلَى عُثْمَان. فقال له: كم معك من عيالك يا شيخ؟ قَالَ، معي كذا، قَالَ قَدْ فرضنا لك وفرضنا لعيالك مائة مائة. حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد. قَالَ، حَدَّثَنَا مروان بْن شجاع الجزري، قَالَ، اثبتني عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ وأنا فطيم في عشرة دنانير. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد الشامي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سُفْيَان الثوري عن أَبِي الجحاف عن رجل من خثعم، قَالَ ولد لي فأتيت به عليا فأثبته في مائة. حدثني عَمْرو الناقد، قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سُفْيَان عن عَبْد اللَّهِ بْن شريك عن بشر بْن غالب، قَالَ سئل الْحُسَيْن بْن علي أو قَالَ الْحَسَن بْن علي شك عَمْرو متى يجب سهم المولود؟ قَالَ إذا استهل. حدثني عَمْرو الناقد، قَالَ. حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عيينة عن عَمْرو بْن دينار عَنِ الْحَسَن بْن مُحَمَّد أن ثلاثة مملوكين لبني عَفَّان شهدوا بدرا، فكان عُمَر يعطي كل إنسان منهم كل سنة ثلاثة آلاف درهم. حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد قَالَ حَدَّثَنَا ابن أَبِي عدي عن سُفْيَان عن زهير بْن ثابت أو ابن أَبِي ذئب عن ذهل بْن أوس: أن عليا أتي بمنبوذ فأثبته في مائة. وحدثني عَمْرو والْقَاسِم بْن سلام قالا حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يونس عن زهير وحدثني عَبْد اللَّهِ صالح المقري عن زهير بْن معاوية قال حدثنا أبى إِسْحَاق عن حارثة بْن المضرب أن عُمَر بْن الخطاب أمر بجريب من طعام فعجن ثُمَّ خبز ثُمَّ برد بزيت، ثُمَّ دعا بثلاثين رجلا فأكلوا منه غداءهم حَتَّى أصدرهم، ثُمَّ فعل بالعشى مثل ذلك، فقال يكفي الرجل جريبان كل شهر، فكان يرزق الناس الرجل والمرأة والمملوك جريبين كل شهر، قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن صالح أن الرجل كان يدعو عَلَى صاحبه فيقول رفع اللَّه جريبيك أي قطعهما عنك بالموت، فبقي ذلك في ألسن الناس إِلَى اليوم. حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد، قَالَ: حدثني أَبُو اليمان عن صفوان بْن عُمَر عن أَبِي الزاهرية أن أَبَا الدرداء، قَالَ رب سنة راشدة مهدية قَدْ سنها عُمَر في أمة مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها المديان والقسطان. حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدة، قال حدثنا سعيد بن أبي مريم عن ابن لهيعة عن قيس بْن رافع أنه سمع سُفْيَان بْن وهب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 يقول قَالَ عَمْرو أخذ المدى بيد والقسط بيد: إني قَدْ فرضت لكل نفس مسلمة فى كل شهر مديى حنطة وقسطي زيت وقسطي خل، فقال رجل: والعبد، قَالَ: نعم والعبد. حدثني هِشَام بْن عمار، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن حَمْزَة، قَالَ: حدثني تميم ابن عطية، قَالَ: حدثني عَبْد اللَّهِ بْن قيس: أن عُمَر بْن الخطاب صعد المنبر، فحمد اللَّه وأثنى عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: إنا أجرينا عليكم أعطياتكم وأرزاقكم في كل شهر وفي يديه المدى والقسط، قَالَ: فحركهما، وقال: فمن انتقصهم فعل اللَّه به كذا وكذا ودعا عَلَيْهِ حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن أَبِي زائدة عن معقل بْن عُبَيْد اللَّه عن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ أنه كان إذا استوجب الرجل عطاءه ثُمَّ مات أعطاه ورثته. حَدَّثَنَا عَفَّان وخلف البزار ووهب بْن بقية، قَالُوا: أنبأنا يزيد بْن هارون، قَالَ: أنبأنا إسماعيل بْن أَبِي خالد عن قيس بْن أَبِي حازم، قَالَ: قَالَ الزبير بْن العوام لعُثْمَان بْن عَفَّان رضي اللَّه عنهما بعد موت عبد الله بن معسود: أعطني عطاء عَبْد اللَّهِ فعياله أحق به من بيت المال فأعطاه خمسة عشر ألفا قَالَ يزيد قَالَ إسماعيل: وكان الزبير وصي بن مسعود. وحدثني بن أَبِي شيبة، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن موسى عن علي بْن صالح بْن حي عن سماك بْن حرب. أن رجلا مات في الحي بعد ثمانية أشهر مضت منَ السنة فأعطاه عُمَر ثلثي عطائه. أمر الخاتم حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مالك يقول: لما أراد رسول اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى مَلِكِ الروم قيل له أنهم لا يقرأون الْكِتَابَ إِلا أَنْ يَكُونَ مَخْتُومًا، قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ وَنُقِشَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ أَنْبَأَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَجَعَلَ فَصَّهُ مِنْ باطن كفه. حدثني محمد بن حبان الْحَيَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ خَاتَمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ كُلُّهُ وَفَصُّهُ مِنْهُ. حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنِ الحسن، قَالَ: كَانَ خَاتَمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم مِنْ وَرِقٍ وَكَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًّا. حَدَّثَنَا هُدْبَةُ خَالِدٌ، قَالَ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ، قَدْ صَنَعْتُ خَاتَمًا فَلا يَنْقُشَنَّ أَحَدٌ على نقشه، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ، قَالا، اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَنُقِشَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَخْتِمُ بِهِ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ، وَكَانَ فِي يَدِهِ فَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ فِي الْبِئْرِ فَنُزِفَتْ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ فِي النِّصْفِ مِنْ خِلافَتِهِ، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا وَنَقَشَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فِي ثَلاثَةِ أَسْطُرٍ، قَالَ قَتَادَةُ وَخَرْبَةُ. حَدَّثَنَا هناد، قَالَ: حَدَّثَنَا الأسود بْن شيبان، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِد بْن سمير قَالَ: انقش رجل يقال له معن بْن زائدة عَلَى خاتم الخلافة فأصاب مالا من خراج الكوفة عَلَى عهد عُمَر، فبلغ ذلك عُمَر، فكتب إِلَى المغيرة بْن شعبة أنه بلغني أن رجلا يقال له معن بْن زائدة انتقش عَلَى خاتم الخلافة فأصاب به مالا من خراج الكوفة، فإذا أتاك كتابي هَذَا فنفذ فيه أمري وأطع رسولي فلما صلى المغيرة العصر وأخذ الناس مجالسهم خرج ومعه رَسُول عُمَر فاشرأب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 الناس ينظرون إليه حَتَّى وقف عَلَى معن ثُمَّ قَالَ للرسول: إن أمير الْمُؤْمِنِين أمرني أن أطيع أمرك فيه فمرني بما شئت، فقال الرسول أدع لي بجامعة أعلقها في عنقه فأتي بجامعة فجعلها في عنقه وجبذها جبذا شديدا، ثُمَّ قَالَ للمغيرة احبسه حَتَّى يأتيك فيه أمر أمير الْمُؤْمِنِين ففعل، وكان السجن يومئذ من قصب فتمحل معن للخروج وبعث إِلَى أهله أن ابعثوا لي بناقتي وجاريتي وعباءتي القطوانية ففعلوا فخرج منَ الليل وأردف جاريته، فسار حَتَّى إذا رهب أن يفضحه الصبح أناخ ناقته وعلقها، ثُمَّ كمن حَتَّى كف عنه الطلب. فلما أمسى أعاد عَلَى ناقته العباءة وشد عليها وأردف جاريته، ثُمَّ سار حَتَّى قدم عَلَى عُمَر وهو موقظ المتهجدين لصلاة الصبح ومعه درته، فجعل ناقته وجاريته ناحية ثُمَّ دنا من عُمَر فقال. السلام عليك يا أمير الْمُؤْمِنِين ورحمة اللَّه وبركاته، فقال: وعليك. من أنت؟ قَالَ: معن بْن زائدة جئتك تائبا، قَالَ: أبت فلا يحيك اللَّه، فلما صلى صلاة الصبح، قَالَ للناس: مكانكم، فلما طلعت الشمس، قَالَ: هَذَا معن بْن زائدة انتقش عَلَى خاتم الخلافة فأصاب فيه مالا من خراج الكوفة فما تقولون فيه، فقال قائل: اقطع يده، وقال قائل: أصلبه وعلي ساكت فقال له عُمَر: ما تقول أَبَا الْحَسَن قَالَ: يا أمير الْمُؤْمِنِين رجل كذب كذبة عقوبته في بشره فضربه عُمَر ضربا شديدا- أو قَالَ مبرحا- وحبسه فكان في الحبس ما شاء اللَّه ثُمَّ أنه أرسل إِلَى صديق له من قريش أن كلم أمير الْمُؤْمِنِين في تخلية سبيلي، فكلمه القرشي، فقال يا أمير الْمُؤْمِنِين معن بْن زائدة قَدْ أصبته منَ العقوبة بما كان له أهلا، فإن رأيت أن تخلي سبيله، فقال عُمَر: ذكرتني الطعن وكنت ناسيا، علي بمعن فضربه ثُمَّ أمر به إِلَى السجن فبعث معن إِلَى كل صديق له: لا تذكروني لأمير الْمُؤْمِنِين، فلبث محبوسا ما شاء اللَّه ثُمَّ أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 عُمَر انتبه له، فقال: معن فأتي به فقاسمه وخلى سبيله. حدثني المفضل اليشكري وأبو الْحَسَن المدائني عن بْن جابان عن بْن المقفع قَالَ: كان ملك الفرس إذا أمر بأمر وقعه صاحب التوقيع بَيْنَ يديه وله خادم يثبت ذكره عنده في تذكرة تجمع لكل شهر فيختم عليها الملك خاتمه وتخزن ثُمَّ ينفذ التوقيع إِلَى صاحب الزمام وإليه الختم فينفذه إِلَى صاحب العمل فيكتب به كتابا منَ الملك وينسخ في الأصل ثُمَّ ينفذ إِلَى صاحب الزمام فيعرضه عَلَى الملك فيقابل به ما في التذكرة ثُمَّ يختم بحضرة الملك أو أوثق الناس عنده. وحدثني المدائني عن مسلمة بْن محارب، قَالَ كان زياد بْن أَبِي سُفْيَان أول منَ اتخذ من العرب ديوان زمام وحاتم امتثالا لما كانت الفرس تفعله. حدثني مفضل اليشكري، قَالَ: حدثني بْن جابان عن بْن المقفع، قَالَ كان لملك من ملوك فارس خاتم للسر، وخاتم للرسل، وخاتم للتخليد يختم به السجلات والاقطاعات وما أشبه ذلك من كتب الشريف، وخاتم للخراج فكان صاحب الزمام يليها، وربما أفرد بخاتم السر والرسائل رجل من خاصة الملك. وحدثني أَبُو الْحَسَن المدائني عَنِ ابن جابان عن بْن المقفع، قَالَ: كانت الرسائل بحمل المال تقرأ عَلَى الملك وهي يومئذ تكتب في صحف بيض وكان صاحب الخراج يأتي الملك كل سنة بصحف موصلة قَدْ أثبت فيها مبلغ ما اجتبى منَ الخراج وما أنفق في وجوه النفقات، وما حصل في بيت المال فيختمها ويجريها، فلما كان كسرى بن هرمزابر ويزتأذى بروائح تلك الصحف وأمر أن لا يرفع إليه صاحب ديوان خراجه ما يرفع إلا في صحف مصفرة بالزعفران وماء الورد وأن لا تكتب الصحف الَّتِي تعرض عَلَيْهِ بحمل المال وغير ذلك إلا مصفرة ففعل ذلك، فلما ولى صالح بْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 عَبْد الرَّحْمَنِ خراج العراق تقبل منه ابن المقفع بكور دجلة، ويقال بالبهقباذ فحمل مالا فكتب رسالته في جلد وصفرها فضحك صالح، وقال أنكرت أن يأتي بها غيره يقول لعلمه بأمور العجم. قال أَبُو الْحَسَن، وأخبرني مشايخ منَ الكتاب أن دواوين الشام إنما كانت في قراطيس، وكذلك الكتب إِلَى ملوك بني أمية في حمل المال وغير ذلك، فلما ولى أمير الْمُؤْمِنِين المَنْصُور أمر وزيره أَبَا أيوب المورياني أن يكتب الرسائل بحمل الأموال في صحف، وأن تصفر الصحف، فجرى الأمر عَلَى ذلك. أمر النقود حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بن الأسود، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قَالَ: حدثني الْحَسَن بْن صالح، قَالَ: كانت الدراهم من ضرب الأعاجم مختلفة كبارا وصغارا فكانوا يضربون منها مثقالا وهو وزن عشرين قيراطا ويضربون منها وزن اثني عشر قيراطا ويضربون عشرة قراريط وهي أنصاف المثاقيل فلما جاء اللَّه بالإسلام واحتيج في أداء الزكاة إِلَى الأمر الواسط فأخذوا عشرين قيراطا واثني عشر قيراطا وعشرة قراريط فوجدوا ذلك اثنين وأربعين قيراطا، فضربوا عَلَى وزن الثلث من ذلك وهو أربعة عشر قيراطا فوزن الدرهم العربي أربعة عشر قيراطا من قراريط الدينار الْعَزِيزِ، فصار وزن كل عشرة دراهم سبع مثاقيل وذلك مائة وأربعون قيراطا وزن سبعة. وقال غير الْحَسَن بْن صالح: كانت دراهم الأعاجم ما العشرة منها وزن عشرة مثاقيل، وما العشرة منها وزن ستة مثاقيل، وما العشرة منها وزن خمسة مثاقيل فجمع ذلك فوجد إحدى وعشرين مثقالا فأخذ ثلثه وهو سبعة مثاقيل فضربوا دارهم وزن العشرة منها سبعة مثاقيل القولان ترجع إلى شيء واحد، وحدثني محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 ابن سَعْد، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُمَر الأسلمي، قال: حدثنا عثمان بن عبد الله ابن موهب عن أبيه عن عَبْد اللَّهِ بْن ثعلبة بْن صعير، قَالَ: كانت دنانير هرقل ترد عَلَى أهل مكة في الجاهلية وترد عليهم دراهم الفرس البغلية، فكانوا لا يتبايعون إلا على أنها تبر وكان المثقال عندهم، معروف الوزن وزنه اثنان وعشرون قيراطا إلا كسرا، ووزن العشرة الدراهم سبعة مثاقيل فكان الرطل اثني عشر أوقية وكل أوقية أربعين درهما، فأقر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك وأقره أَبُو بكر وعمر وعُثْمَان وعلي فكان معاوية فأقر ذلك عَلَى حاله ثُمَّ ضرب مصعب بْن الزبير في أيام عَبْد اللَّهِ بْن الزبير دراهم قليلة كسرت بعد فلما ولى عَبْد الملك بْن مروان سأل وفحص عن أمر الدراهم والدنانير فكتب إِلَى الحجاج بْن يوسف أن يضرب الدراهم عَلَى خمسة عشر قيراطا من قراريط الدنانير، وضرب هُوَ الدنانير الدمشقية، قَالَ عُثْمَان قَالَ أَبِي: فقدمت المدينة وبها نفر من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم منَ التابعين فلم ينكروا ذلك قَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد: وزن الدرهم من دراهمنا هذه أربعة عشر قريطا من قراريط مثقالنا الَّذِي جعل عشرين قيراطا وهو وزن خمسة عشر قيراطا من إحدى وعشرين قيراطا وثلاثة أسباع. حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عمر، قال حدثني اسحق بْن حازم عَنِ المطلب بْن السائب عن أَبِي وداعة السهمي أنه أراه وزن المثقال، قَالَ فوزنته فوجدته وزن مثقال عَبْد الملك بْن مروان، قَالَ هَذَا كان عند أَبِي وداعة بْن ضبيرة السهمي في الجاهلية. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ بَابِكَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ الْجُمَحِيِّ، قَالَ: كَانَتْ لِقُرْيَشٍ أَوْزَانٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَدَخَلَ الإِسَلامُ فَأَقَرَّتْ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، كَانَتْ قُرَيشٌ تَزِنُ الْفِضَّةَ بوزن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 تُسَمِّيهِ دِرْهَمًا وَتَزِنُ الذَّهَبَ بِوَزْنٍ تُسَمِيهِ دِينَارًا فَكُلُّ عَشَرَةٍ مِنْ أَوْزَانِ الدَّرَاهِمِ سْبَعَةُ أَوْزَانِ الدَّنَانِيرِ، وَكَانَ لَهُمْ وَزْنُ الشَّعِيرَةِ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنَ السِّتِّينَ مِنْ وَزْنِ الدِّرْهَمِ، وَكَانَتْ لَهُمُ الأُوقِيَّةُ وَزْنَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَالنَّشُّ وَزْنُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَكَانَتْ لَهُمُ النَّوَاةُ وَهِيَ وَزْنُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَكَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِالتِّبْرِ عَلَى هَذِهِ الأَوْزَانِ، فَلَمَّا قَدِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ أَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي، قَالَ حدثني ربيعة عن عُثْمَان عن وهب ابن كيسان، قال رأيت الدنانير والدراهم قبل أن ينقشها عَبْد الملك ممسوحة وهي وزن الدنانير الَّتِي ضربها عَبْد الملك. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن عُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ بْن موهب عن أبيه، قَالَ: قلت لسعيد بْن المسيب: من أول من ضرب الدنانير المنقوشة، فقال عَبْد الملك بْن مروان، وكانت الدنانير ترد رومية والدراهم كسروية في الجاهلية. وحدثني محمد بن سعد، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عيينة عن أبيه أن أول من ضرب وزن سبعة الحارث بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة المخزومي أيام ابن الزبير. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد، قَالَ: حدثني مُحَمَّد بْن عُمَر، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن أَبِي الزناد عن أبيه: أن عَبْد الملك أول من ضرب الذهب عام الجماعة سنة أربع وسبعين قَالَ أَبُو الْحَسَن المدائني: ضرب الحجاج الدراهم آخر سنة خمس وسبعين ثُمَّ أمر بضربها في جميع النواحي سنة ست وسبعين. وحدثني داود الناقد، قَالَ: سمعت مشايخنا يحدثون أن العباد من أهل الحيرة كانوا يتروجون عَلَى مائة وزن ستة يريدون وزن ستين مثقالا دراهم وعلى مائة وزن ثمانية يريدون ثمانين مثقالا دراهم وعلى مائة وزن خمسة يريدون وزن خمسين مثقالا دراهم وعلى مائة وزن مائة مثقال، قال داود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 الناقد: رأيت درهما عَلَيْهِ ضرب هَذِهِ الدراهم بالكوفة سنة ثلاث وسبعين فأجمع النقاد أنه معمول، وقال رأيت درهما شاذا لم ير مثله عَلَيْهِ عُبَيْد اللَّه ابن زياد فأنكر أيضا. حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد، قَالَ: حدثني الواقدي عن يَحْيَى بْن النعمان الغفاري عن أبيه، قَالَ: ضرب مصعب الدراهم بأمر عَبْد اللَّهِ بْن الزبير سنة سبعين عَلَى ضرب الأكاسرة وعليها بركة وعليها اللَّه، فلما كان الحجاج غيرها. وروى عن هِشَام بْن الكلبي أنه، قَالَ: ضرب مصعب مع الدراهم دنانير أيضًا. حدثني داود الناقد، قَالَ: حدثني أَبُو الزبير الناقد، قَالَ: ضرب عَبْد الملك شيئا منَ الدنانير في سنة أربع وسبعين ثُمَّ ضربها سنة خمس وسبعين وأن الحجاج ضرب دراهم بغلية كتب عليها بسم اللَّه الحجاج، ثُمَّ كتب عليها بعد سنة اللَّه أحد الله الصمد، فكره ذلك الفقهاء فسميت مكروهة، قَالَ: ويقال: أن الأعاجم كرهوا نقصانها فسميت مكروهة، قَالَ: وسميت السميرية بأول من ضربها واسمه سمير. حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه، قَالَ: حدثني عوانة بْن الحكم أن الحجاج سأل عما كانت الفرس تعمل به في ضرب الدراهم فاتخذ دار ضرب وجمع فيها الطباعين، فكان يضرب المال للسلطان مما يجتمع له منَ التبر وخلاصة الزيوف والستوقة والبهرجة، ثُمَّ أذن للتجار وغيرهم في أن تضرب لهم الأوراق واستغلها من فضول ما كان يؤخذ من فضول الأجرة للصناع والطباعين وختم أيدي الطباعين، فلما ولى عُمَر بْن هبيرة العراق ليزيد بْن عَبْد الملك خلص الفضة أبلغ من تخليص من قبله وجود الدراهم فاشتد فى الغيار، ثُمَّ ولى خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ البجلي، ثُمَّ القسري العراق لهِشَام بْن عَبْد الملك فاشتد في النقود أكثر من شدة ابن هبيرة حَتَّى أحكم أمرها أبلغ من أحكامه، ثُمَّ ولى يوسف ابن عُمَر بعده فأفرط فى الشدة على الطباعين وأصحاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 الغيار وقطع الأيدي وضرب الأبشار، فكانت الهبيرية، والخالدية، واليوسفية: أجود نقود بني أمية، ولم يكن المَنْصُور يقبل في الخراج من نقود بني أمية غيرها فسميت الدراهم الأولى المكروهة. حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن بْن أَبِي الزناد عن أبيه: أن عَبْد الملك بْن مروان أول من ضرب الذهب والورق بعد عام الجماعة، قَالَ فقلت لأبي: أرأيت قول الناس أن ابن مَسْعُود كان يأمر بكسر الزيوف، قَالَ تلك زيوف ضربها الأعاجم فغشوا فيها. حدثني عَبْد الأعلى بْن حَمَّاد النرسي، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: حَدَّثَنَا داود بْن أَبِي هند عَنِ الشعبي عن علقمة بْن قيس أن ابن مَسْعُود كانت له بقاية في بيت المال فباعها بنقصان، فنهاه عُمَر بْن الخطاب عن ذلك، فكان يدينها بعد ذلك. حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن قدامة بْن موسى أن عُمَر وعُثْمَان كانا إذا وجدا الزيوف في بيت المال جعلاها فضة. حدثني الوليد بن صالح عن الواقدي عن ابن أبي الزناد عن أبيه أن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ أتى برجل يضرب عَلَى غير سكة السلطان فعاقبه وسجنه وأخذ حديده فطرحه في النار. حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن كثير بْن زيد عَنِ المطلب بْن عَبْد اللَّهِ بْن حنطب أن عَبْد الملك بْن مروان أخذ رجلا يضرب على غير سكة المسلمين فأراد قطع يده ثُمَّ ترك ذلك وعاقبه. قَالَ المطلب: فرأيت من بالمدينة من شيوخنا حسنوا ذلك من فعله وحمدوه. قَالَ الواقدي وأصحابنا يرون فيمن نقش عَلَى خاتم الخلافة المبالغة في الأدب والشهرة، وأن لا يرون عَلَيْهِ قطعا وذلك رأي أَبِي حنيفة والثوري، وقال مَالِك، وابن أَبِي ذئب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 وأصحابهما: نكره قطع الدرهم إذا كانت عَلَى الوفاء وننهى عنه لأنه منَ الفساد، وقال الثوري، وأبو حنيفة وأصحابه لا بأس بقطعها إذا لم يضر ذلك بالإِسْلام وأهله. حدثني عَمْرو الناقد، قَالَ: حَدَّثَنَا إسماعيل بْن إِبْرَاهِيم عَنِ ابن عون عَنِ ابن سيرين أن مروان بْن الحكم أخذ رجلا بقطع الدراهم فقطع يده فبلغ ذلك زيد بْن ثابت، فقال لقد عاقبه، قَالَ إسماعيل يعني دراهم فارس. قال مُحَمَّد بْن سَعْد، وقال الواقدي: عاقب أبان بْن عُثْمَان وهو عَلَى المدينة من يقطع الدراهم ضربة ثلاثين وطاف به وهذا عندنا فيمن قطعها ودس فيها المفرغة والزيوف. وحدثني مُحَمَّد عَنِ الواقدي عن صالح بْن جَعْفَر عَنِ ابن كعب في قوله (أَوْ أَنْ نَفْعَلَ في أَمْوالِنا ما نَشؤُا) 11: 87 قَالَ: قطع الدراهم. حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يزيد بْن هارون، قَالَ: أنبأنا يَحْيَى بْن سَعِيد، قَالَ: ذكر لابن المسيب رجل يقطع الدراهم، فقال سَعِيد: هَذَا منَ الفساد في الأرض. حَدَّثَنَا عَمْرو الناقد، قَالَ: حَدَّثَنَا إسماعيل بْن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدَّثَنَا يونس بْن عُبَيْد عَنِ الْحَسَن، قَالَ كان الناس وهم أهل كفر قَدْ عرفوا موضع هَذَا الدرهم منَ الناس فجودوه وأخلصوه، فلما صار إليكم غششتموه وأفسدتموه. ولقد كان عُمَر بْن الخطاب قَالَ: هممت أن أجعل الدراهم من جلود الإبل فقيل له إذا لا بعير فأمسك. أمر الخط حدثني عَبَّاس بْن هِشَام بْن مُحَمَّد السائب الكلبي عن أبيه عن جده وعن الشرقي بن القطامي، قَالَ: اجتمع ثلاثة نفر من طيء ببقة، وهم مرامر بْن مرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 وأسلم بْن سدرة، وعامر بْن جدرة فوضعوا الحظ وقاسوا هجاء العربية عَلَى هجاء السريانية، فتعلمه منهم قوم من أهل الأنبار، ثُمَّ تعلمه أهل الحيرة من أهل الأنبار، وكان بشر بْن عَبْد الملك أخو أكيدر بْن عَبْد الملك بْن عَبْد الجن الكندي ثُمَّ السكوني صاحب دومة الجندل يأتي الحيرة فيقيم بها الحين، وكان نصرانيا فتعلم بشر الخط العربي من أهل الحيرة، ثُمَّ أتى مكة في بعض شأنه فرآه سُفْيَان بْن أمية بْن عَبْد شمس، وأبو قيس بْن عَبْد مناف بْن زهرة بْن كلاب يكتب فسألاه أن يعلمهما الخط فعلمهما الهجاء، ثُمَّ أراهما الخط، فكتبا، ثم ان بشرا وسُفْيَان وأبا قيس أتوا الطائف في تجارة فصحبهم غيلان بْن سلمة الثقفي فتعلم الخط منهم وفارقهم بشر ومضى إِلَى ديار مضر، فتعلم الخط منه عَمْرو بْن زرارة ابن عدس فسمى عَمْرو الكاتب، ثُمَّ أتى بشر الشام فتعلم الخط منه ناس هناك وتعلم الخط منَ الثلاثة الطائيين أيضا رجل من طابخة كلب فعلمه رجلا من أهل وادي القرى فأتى الوادي يتردد فأقام بها وعلم الخط قوما من أهلها. وحدثني الوليد بْن صالح وَمُحَمَّد بْن سَعْد، قالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُمَر الواقدي عن خَالِد بْن الياس عن أَبِي بكر بْن عَبْد اللَّهِ بْن أبى جهم العدوى قال: دخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلا كلهم يكتب عُمَر بْن الخطاب وعلي بْن أَبِي طالب، وعُثْمَان بْن عَفَّان، وأبو عُبَيْدة بْن الجراح، وطلحة ويزيد ابن أَبِي سُفْيَان، وأبو حذيفة بْن عتبة بْن ربيعة، وحاطب بْن عَمْرو أخو سهيل بن عمرو العامري عن قريش، وأبو سلمة بْن عَبْد الأسد المخزومي، وأبان بن سعيد بن العاصي بن أمية، وخالد بن سعيد أخوه، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري، وحويطب بن عبد العزى العامري وأبو سفيان ابن حرب بن أمية، ومعاوية بن أبي سفيان، وجهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف، ومن حلفاء قريش العلاء بن الحضرمي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 وحدثني بكر بن الهيثم، قال: حدثنا عبد الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُقْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِلشِّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيَّةِ مِنْ رَهْطِ عُمَرَ بن الخطاب: ألا تعلمين حفصة رقنة النَّمْلَةِ كَمَا عَلَّمْتِهَا الْكِتَابَةَ، وَكَانَتِ الشِّفَاءُ كَاتِبَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرحمن ابن سَعْدٍ، قَالَ كَانَتْ حَفْصَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْتُبُ. وحدثني الوليد عَنِ الواقدي عن بْن أَبِي سبرة عن علقمة بْن أَبِي علقمة عن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن ثوبان أن أم كلثوم بنت عقبة كانت تكتب. وحدثني الوليد عَنِ الواقدي عن فروة عن عائشة بنت سَعْد أنها قالت علمني أَبِي الكتاب. وحدثني الوليد عَنِ الواقدي عن موسى بْن يعقوب عن عمته عن أمها كريمة بنت المقداد أنها كانت تكتب. حدثني الوليد عَنِ الواقدي عَنِ ابن أَبِي سبرة عَنِ ابن عون عَنِ ابن مياح عن عائشة أنها كانت تقرأ المصحف ولا تكتب. وحدثني الوليد عَنِ الواقدي عن عَبْد اللَّهِ بْن يزيد الهذلي عن سالم سبلان عن أم سلمة أنها كانت تقرأ ولا تكتب. وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أَشْيَاخِهِ. قَالُوا: أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْدِمَهُ الْمَدِينَةِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَارِيُّ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ وَكَتَبَ فلان، فكان إِذَا لَمْ يَحْضُرْ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ فَكَتَبَ لَهُ فَكَانَ أُبَيٌّ وَزَيْدٌ يَكْتُبَانِ الْوَحْيَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَكَتَبَهُ إِلَى مَنْ يُكَاتِبُ مِنَ النَّاسِ وَمَا يَقْطَعُ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قال الواقدي: وأول من كتب له من قريش عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 سرح، ثُمَّ ارتد ورجع إِلَى مكة وقال لقريش أنا آتي بمثل ما يأتي به مُحَمَّد، وكان يمل عَلَيْهِ «الظالمين» فيكتب «الكافرين» يمل عَلَيْهِ «سميع عليم» فيكتب «غفور رحيم» وأشباه ذلك، فأنزل اللَّه (وَمن أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمن قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ الله) 6: 93 فلما كان يوم فتح مكة أمر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتله فكلمه فيه عُثْمَان بْن عَفَّان وقال أخي منَ الرضاع وقد أسلم فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتركه، وولاه عُثْمَان مصر فكتب لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَان بْن عَفَّان وشرحبيل بْن حسنة الطابخي من خندف حليف قريش ويقال بل هُوَ كندي، وكتب له جهيم بْن الصلت بْن مخزمة، وخالد بْن سعيد وأبان ابن سعيد بن العاصي والعلاء بْن الحضرمي، فلما كان عام الفتح: أسلم معاوية كتب له أيضا ودعاه يوما وهو يأكل فأبطأ فقال: لا أشبع اللَّه بطنه فكان يقول لحقتني دعوة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان يأكل في اليوم سبع كلات وأكثر وأقل. وقال الواقدي وغيره. كتب حنظلة بْن الربيع بْن رباح الأسيدي من بني تيم بَيْنَ يدي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرة فسمى حنظلة الكاتب وقال الواقدي: كان الكتاب بالعربية في الأوس والخزرج قليلا، وكان بعض اليهود قَدْ علم كتاب العربية، وكان تعلمه الصبيان بالمدينة في الزمن الأول فجاء الإسلام وفي الأوس والخزرج عدة يكتبون وهم سَعْد بْن عبادة بْن دليم والمنذر بْن عَمْرو وأبي بْن كعب وزيد بْن ثابت، فكان يكتب العربية والعبرانية ورافع بْن مَالِك وأسيد بْن حضير ومعن بْن عدي البلوى حليف الأنصار وبشير بْن سَعْد وسعد بْن الربيع وأوس بْن خولى وعبد اللَّه بن أبى المنافق. قال: فكان الكلمة منهم والكامل من يجمع إِلَى الكتاب الرمي والعوم، رافع ابن مَالِك وسعد بْن عبادة وأسيد بْن حضير وعبد اللَّه بْن أَبِي وأوس بْن خولي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 وكان من جمع هَذِهِ الأشياء في الجاهلية من أهل يثرب سويد بْن الصامت وحضير الكتائب. قَالَ الواقدي، وكان جفينة العبادي من أهل الحيرة نصرانيا ظئرا لسعد ابن أبي وقاص فاتهمه عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر بمشايعة أَبِي لؤلؤة عَلَى قتل أبيه فقتله وقتل ابنيه. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ أَبَاهُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَعَلَّمَ لَهُ كِتَابَ يهود وقال لى أنى لا آمن يهودا على كتابي فلم يمر بى نصف حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ فَكُنْتُ أَكْتُبُ لَهُ إِلَى يَهُودَ، وإذا كتبوا إليه قرأت كتابهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456